Professional Documents
Culture Documents
][1
بحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار تأليف العلم العلمة الحجة فخر
المة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي " قدس ال سره " الجزء
السادس والستون دار إحياء التراث العربي بيروت -لبنان الطبعة الثالثة
المصححة 1403ه 1983 -م دار احياء التراث العربي بيروت -لبنان -
بناية كليوباترا -مثارع دكاش -ص .ب 11 / 7957تلفون المستودع:
- 278766 - 273032 - 274696المنزل 830717 - 830711برقيا:
التراث -تلكس 23644 /تراث
][1
بسم ال الرحمن الرحيم ) * - 28باب( * * " )الدين الذى ل يقبل ال أعمال العباد
ال به( " * اليات :البقرة :وقولوا آمنا بال وما انزل إلينا وما انزل إلى
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما اوتي موسى وعيسى
وما اوتي به النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون *
فان آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فانما هم في شقاق ).(1
أقول :قد مر تفسيرها في الباب الول ) - 1 .(2ك ،لى :ابن موسى
والوراق معا ،عن الصوفي ،عن الروياني ،عن عبد العظيم الحسني قال:
دخلت على سيدي علي بن محمد عليهما السلم فلما بصربي قال لي:
مرحبا بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقا ،قال :فقلت له :يا ابن رسول ال إني
اريد أن أعرض عليك ديني ،فان كان مرضيا ثبت عليه حتى ألقى ال
عزوجل ،فقال :هات يا أبا القاسم ،فقلت :إني أقول :إن ال تبارك وتعالى
واحد ليس كمثله شئ خارج من الحدين حد البطال وحد التشبيه ،وأنه
ليس بجسم ول صورة ول عرض ول جوهر بل هو مجسم الجسام
ومصور الصور وخالق العراض والجواهر ،ورب كل شئ ومالكه وجاعله
ومحدثه ،وإن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين ،فل نبي بعده إلى
][2
يوم القيامة ،وإن شريعته خاتمة الشرائع ،فل شريعة بعدها إلى يوم القيامة،
وأقول :إن المام والخليفة وولي المر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلم ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن
علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن
علي ثم أنت يا مولي .فقال عليه السلم :ومن بعد الحسن ابني فكيف
للناس بالخلف من بعده ،قال :فقلت :وكيف ذاك يا مولي ؟ قال :لنه ل
يرى شخصه ول يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيمل الرض قسطا وعدل
كما ملئت جورا وظلما ،قال :فقلت :أقررت وأقول :إن وليهم ولي ال،
وعدوهم عدو ال ،وطاعتهم طاعة ال ،ومعصيتهم معصية ال ،وأقول:
إن المعراج حق والمسألة في القبر حق ،وإن الجنة حق ،و النار حق
والصراط حق والميزان حق وأن الساعة آتية ل ريب فيها وأن ال يبعث
من في القبور :وأقول :إن الفرائض الواجبة بعد الولية الصلة والزكاة و
الصوم والحج والجهاد والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فقال علي بن
محمد عليهما السلم :يا با القاسم ،هذا وال دين ال الذي ارتضاه لعباده،
فاثبت عليه ،ثبتك ال بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الخرة ).(1
بيان :حد البطال هو أن ل تثبت له صفة ،وحد التشبيه أن تثبت له على
وجه يتضمن التشبيه بالمخلوقين ،كما مر تحقيقه في كتاب التوحيد- 2 .
ما :عن المفيد ،عن أحمد بن الوليد ،عن أبيه ،عن الصفار ،عن ابن
عيسى ،عن ابن محبوب ،عن أبان بن عثمان ،عن إسماعيل الجعفي قال:
دخل رجل على أبي جعفر محمد بن علي عليه السلم ومعه صحيفة مسائل
شبه الخصومة ،فقال له أبو جعفر عليه السلم :هذه صحيفة مخاصم على
الدين الذي يقبل ال فيه العمل ،فقال :رحمك ال هذا الذي اريد فقال أبو
جعفر عليه السلم :اشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،وأن محمدا
عبده ورسوله ،وتقر بما جاء من عند ال ،والولية لنا أهل البيت،
والبراءة من عدونا ،والتسليم والتواضع والطمأنينة ،وانتظار أمرنا فان
][3
لنا دولة إن شاء ال جاء بها ) .(1كا :عن الحسين بن محمد ،عن المعلى ،عن
الوشاء ،عن أبان مثله ) .(2بيان :في الكافي " مخاصم سائل " أي مناظر
مجادل وما قيل :إنه اسم ،بعيد " اشهد " بصيغة المر وفي الكافي شهادة
" وتقر " أي وأن تقر وعلى ما في المالى يحتمل الحالية ،وفي الكافي "
والتسليم لنا والورع والتواضع " وليس فيه و الطمأنينة ،ولعل المراد بها
اطمينان القلب وعدم الضطراب عند الفتن وبالتواضع التواضع ل
ولوليائه أو العم " وانتظار أمرنا " وفي الكافي " قائمنا " وهذا
يتضمن القرار بوجوده وحياته وظهوره وعدم الشك فيه ،والتسليم لغيبته،
وعدم العتراض فيها ،والصبر على ما يلقى من الذى فيها ،والتمسك بما
في يده من آثارهم والرجوع إلى رواة أخبارهم عليهم السلم وفي الكافي
إذا شاء وهو أظهر - 3 .ما :عن المفيد ،عن الحسين بن أحمد بن أبي
المغيرة ،عن حيدر بن محمد عن محمد بن عمر الكشي ،عن جعفر بن
أحمد ،عن أيوب بن نوح ،عن نوح بن دراج ،عن إبراهيم المخارقي قال:
وصفت لبي عبد ال جعفر بن محمد عليهما السلم ديني فقلت :أشهد أن
ل إله إل ال وحده ل شريك له ،وأن محمدا صلى ال عليه وآله رسول
ال ،وأن عليا إمام عدل بعده ثم الحسن والحسين ثم علي بن الحسين ثم
محمد بن على ثم أنت ،فقال :رحمك ال .ثم قال :اتقوا ال ! اتقوا ال !
اتقوا ال ! عليكم بالورع ،وصدق الحديث ،وأداء المانة ،وعفة البطن
والفرج :تكونوا معنا في الرفيق العلى ) - 4 .(3مع :عن أبيه ،عن سعد،
عن ابن أبي الخطاب ،عن محمد بن سنان ،عن حمزة ومحمد ابني حمران
قال :اجتمعنا عند أبي عبد ال عليه السلم في جماعة من أجلة مواليه،
وفينا حمران بن أعين فخضنا في المناظرة ،وحمران ساكت ،فقال له
][4
أبو عبد ال عليه السلم :مالك ل تتكلم يا حمران ؟ فقال :يا سيدى آليت على نفسي
) (1أن ل أتكلم في مجلس تكون فيه فقال أبو عبد ال عليه السلم :إني قد
أذنت لك في الكلم فتكلم ،فقال حمران :أشهد أن ل إله إل ال وحده ل
شريك له ،لم يتخذ صاحبة ول ولدا خارج من الحدين حد التعطيل وحد
التشبيه وأن الحق القول بين القولين ،ل جبر ول تفويض ،وأن محمدا
عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون ،وأشهد أن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث بعد الموت حق
وأشهد أن عليا حجة ال على خلقه ل يسع الناس جهله ،وأن حسنا بعده،
وأن الحسين من بعده ،ثم على بن الحسين ثم محمد بن علي ثم أنت يا
سيدي من بعدهم ،فقال أبو عبد ال عليه السلم :الترتر حمران ]ثم قال :يا
حمران[ مد المطمر بينك وبين العالم ،قلت :يا سيدي وما المطمر ؟ فقال:
أنتم تسمونه خيط البناء ،فمن خالفك على هذا المر فهو زنديق فقال
حمران :وإن كان علويا فاطميا ؟ فقال أبو عبد ال عليه السلم وإن كان
محمديا علويا فاطميا ) .(2بيان " :فخضنا " أي شرعنا ودخلنا ،وفي
القاموس :التر بالضم الخيط يقدر به البناء وقال " المطمار " خيط للبناء
يقدر به كالمطمر انتهى ،وهذا الخبر ينفي الواسطة بين اليمان والكفر،
فمن لم يكن إماميا صحيح العقيدة فهو كافر - 5 .سن :عن علي بن الحكم،
عن حسين بن سيف ،عن معاذ بن مسلم قال :أدخلت عمر أخي على أبي
عبد ال عليه السلم فقلت له :هذا عمر أخي وهو يريد أن يسمع منك شيئا
فقال له :سل ما شئت ،فقال :أسألك عن الذي ل يقبل ال من العباد غيره
ول يعذرهم على جهله ،فقال :شهادة أن ل إله إل ال ،وأن محمدا رسول
ال صلى ال عليه وآله والصلوات الخمس ،وصيام شهر رمضان ،والغسل
من الجنابة ،وحج البيت ،والقرار بما جاء من عند ال جملة ،واليتمام
بأئمة الحق من آل محمد ،فقال عمر :سمهم لي أصلحك ال ،فقال :علي
أمير المؤمنين والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد
][5
ابن علي والخير يعطيه ال من يشاء .فقال له :فأنت جعلت فداك ؟ قال :يجري
لخرنا ما يجري لولنا ،ولمحمد وعلي فضلهما ،قال له :فأنت ؟ قال :هذا
المر يجري كما يجري الليل والنهار قال :فأنت ؟ قال :هذا المر يجري كما
يجري حد الزاني والسارق ،قال :فأنت جعلت فداك ؟ قال :القرآن ،نزل في
أقوام وهي تجري في الناس إلى يوم القيامة قال :قلت :جعلت فداك أنت،
لتزيدني على أمر ) - 6 .(1شى :عن هشام بن عجلن قال :قلت لبي عبد
ال عليه السلم :أسألك عن شئ ل أسأل عنه أحدا بعدك أسألك عن اليمان
الذي ل يسع الناس جهله ،فقال :شهادة أن ل إله إل ال ،وأن محمدا
رسول ال ،والقرار بما جاء من عند ال ،وإقام الصلة وإيتاء الزكاة وحج
البيت وصوم رمضان والولية لنا والبراءة من عدونا وتكون مع الصديقين
) .(2بيان " :وتكون مع الصديقين " أي إذا فعلت جميع ذلك تكون الخرة
مع الصديقين كما قال تعالى " :اولئك مع الذين أنعم ال عليهم من النبيين
والصديقين " ) (3أو المعنى :ومن اليمان الكون معهم ومتابعتهم كما قال
تعالى " :وكونوا مع الصادقين " ) - 7 .(4كش :عن جعفر بن أحمد بن
أيوب ،عن صفوان ،عن عمرو بن حريث ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :دخلت عليه وهو في منزل أخيه عبد ال بن محمد فقلت له :جعلت
فداك ما حق لك جعلت فداك ما حق لك إلى هذا المنزل ،قال :طلب النزهة،
قال :قلت :جعلت فداك أل أقص عليك ديني الذي أدين ]ال[ به قال :بلى يا
عمرو قلت :إني أدين ال بشهادة أن ل إله إل ال ،وأن محمدا عبده
ورسوله ،وأن الساعة آتية ل ريب فيها وأن ال يبعث من في القبور،
وإقام الصلة ،وإيتاء الزكاة ،وصوم شهر رمضان ،وحج البيت من
استطاع إليه سبيل والولية لعلي بن أبي طالب
) (1المحاسن ص .288وفيه :هذا المر يجرى لخرنا كما يجرى لولنا(2) .
تفسير العياشي ج 2ص (3) .117النساء (4) .69 :براءة.120 :
][6
أمير المؤمنين بعد رسول ال ،والولية للحسن والحسين والولية لعلي بن الحسين
والولية لمحمد بن علي من بعده وأنتم أئمتي ،عليه أحيى وعليه أموت،
وأدين ال به ،قال :يا عمرو ! هذا وال ديني ودين آبائي الذي ندين ال
به ،في السر و العلنية ،فاتق ال وكف لسانك إل من خير ،ول تقل :إني
هديت نفسي ،بل هداك ال ،فاشكر ما أنعم ال عليك ،ول تكن ممن إذا أقبل
طعن في عينيه وإذا أدبر طعن في قفاه ،ول تحمل الناس على كاهلك ،فانه
يوشك إن حملت الناس على كاهلك أن يصدعوا شعب كاهلك ) .(1كا :عن
علي ،عن أبيه ،وأبي علي الشعري ،عن محمد بن عبد الجبار جميعا عن
صفوان مثله ) .(2بيان :في القاموس :التنزه التباعد والسم النزهة
بالضم ،ومكان نزه ككتف ونزيه وأرض نزهة بكسر الزاي ونزيهة بعيدة
عن الريف ،وغمق المياه ،وذبان القرى وومد البحار وفساد الهواء ،نزه
ككرم وضرب نزاهة ونزاهية ،والرحل تباعد عن كل مكروه فهو نزيه،
واستعمال التنزه في الخروج إلى البساتين والخضر والرياض غلط قبيح،
وهو بنزهة من الماء بالضم ببعد ) .(3وأقول :كفى باستعماله عليه السلم
في هذا المعنى شاهدا على صحته وفصاحته وإن أمكن حمله على بعض
المعاني التي ذكرها مع أنهم عليهم السلم قد كانوا يتكلمون بعرف
المخاطبين ومصطلحاتهم تقريبا إلى أفهامهم وقال في المصباح :قال ابن
السكيت في فصل ما تضعه العامة في غير موضعه خرجنا نتنزه إذا خرجوا
إلى البساتين ،وإنما
) (1رجال الكشى ص (2) .356الكافي ج 2ص .23مع اختلف يسير(3) .
القاموس ج .294 :4والريف :أرض فيها زرع وخصب ،وقيل :حيث
تكون الخضر والمياه ،وغمق البحار :نداه يعنى رطوبة الهواء ،وذبان
جمع ذباب وهى في القرى لقذارة أرضها وهوائها أكثر منها في المدن،
وومد البحار :نداها في صميم الحر تقع على الناس ليل.
][7
التنزه التباعد من المياه والرياف وقال ابن قتيبة :ذهب أهل العلم في قول الناس
خرجوا يتنزهون إلى البساتين أنه غلط ،وهو عندي ليس بغلط لن
البساتين في كل بلد إنما تكون خارج البلد ،فإذا أراد أحد أن يأتيها فقد أراد
البعد عن المنازل والبيوت ،ثم كثر هذا حتى استعملت النزهة في الخضر
والجنان .قوله " أدين به " في الكافي " :أدين ال به " أي أ عبد ال
واطيعه بتلك العقائد والعمال ،وفي الكافي " لمحمد بن علي ولك من بعده
وأنك أئمتي " قوله عليه السلم " :في السر والعلنية " أي بالقلب
واللسان والجوارح ،أو في الخلوة والمجامع مع عدم التقية " وكف لسانك
" تخصيص كف اللسان بالذكر بعد المر بالتقوى مطلقا لكون أكثر الشرور
منه ،وفيه إشعار بالتقية أيضا " ول تقل إني هديت نفسي " أي ل تفسد
دينك بالعجب ،واعلم أن الهداية من ال كما قال تعالى " قل ل تمنوا علي
إسلمكم بل ال يمن عليكم أن هداكم لليمان " ) (1وفي الكافي " بل ال
هداك فأد شكر ما أنعم ال عزوجل به عليك " " ول تكن ممن إذا أقبل "
أي كن من الخيار ليمدحك الناس في وجهك وقفاك ول تكن من الشرار
الذين يذمهم الناس في حضورهم وغيبتهم ،أو أمر بالتقية من المخالفين،
أو بحسن المعاشرة مطلقا " ول تحمل الناس على كاهلك " أي ل تسلط
الناس على نفسك بترك التقية ،أو ل تحملهم على نفسك بكثرة المداهنة
والمداراة معهم ،بحيث تتضرر بذلك ،كأن يضمن لهم أو يتحمل عنهم ما ل
يطيق أو يطمعهم في أن يحكم بخلف الحق أو يوافقهم فيما ل يحل ،و هذا
أفيد وإن كان الول أظهر ،في القاموس :الكاهل كصاحب الحارك أو مقدم
أعلى الظهر مما يلي العنق ،وهو الثلث العلى وفيه ست فقر ،أو ما بين
الكتفين أو موصل العنق في الصلب ،وقال :الصدع الشق في شئ صلب،
وقال :الشعب بالتحريك بعدما بين المنكبين - 8 .كش :عن جعفر بن أحمد،
عن جعفر بن بشير ،عن أبي سلمة الجمال قال :دخل خالد البجلي على أبي
عبد ال عليه السلم وأنا عنده فقال له :جعلت فداك إني
][8
اريد أن أصف لك ديني الذي أدين ال به ،وقد قال له قبل ذلك :إني اريد أن أسألك،
فقال له :سلني ،فو ال ل تسألني عن شئ إل حدثتك به على حده ل أكتمه،
قال :إن أول ما ابدي أني أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،ليس إله
غيره ،قال :فقال أبو عبد ال عليه السلم :كذلك ربنا ليس معه إله غيره،
ثم قال :وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،قال :فقال أبو عبد ال عليه
السلم :كذلك محمد عبد ال مقر له بالعبودية ورسوله إلى خلقه ،ثم قال:
وأشهد أن عليا كان له من الطاعة المفروضة على العباد مثل ما كان
لمحمد صلى ال عليه وآله على الناس ،فقال :كذلك كان على عليه السلم،
قال :وأشهد أنه كان للحسن بن علي عليه السلم من الطاعة الواجبة على
الخلق مثل ما كان لمحمد وعلى صلوات ال عليهما ،قال :فقال :كذلك كان
الحسن قال :وأشهد أنه كان للحسين من الطاعة الواجبة على الخلق بعد
الحسن ما كان لمحمد وعلي والحسن ،قال :فكذلك كان الحسين ،قال:
وأشهد أن علي بن الحسين كان له من الطاعة الواجبة على جميع الخلق
كما كان للحسين عليه السلم قال :فكذلك كان علي بن الحسين ،قال:
وأشهد أن محمد بن علي عليه السلم كان له من الطاعة الواجبة على
الخلق مثل ما كان لعلي بن الحسين ،قال :فقال :كذلك كان محمد بن علي
قال :وأشهد أنك أورثك ال ذلك كله ،قال :فقال أبو عبد ال :حسبك اسكت
الن ،فقد قلت حقا ،فسكت .فحمد ال وأثنى عليه ،ثم قال :ما بعث ال نبيا
له عقب وذرية إل أجرى لخرهم مثل ما أجرى لولهم ،وإنا نحن ذرية
محمد صلى ال عليه وآله وقد أجرى لخرنا مثل ما أجرى لولنا ،ونحن
على منهاج نبينا صلى ال عليه وآله لنا مثل ماله من الطاعة الواجبة ).(1
- 9كش :عن جعفر بن أحمد بن الحسين ،عن داود ،عن يوسف قال :قلت
لبي عبد ال عليه السلم :أصف لك ديني الذي أدين ال به ؟ فان أكن على
حق فثبتني وإن أكن على غير الحق فردني إلى الحق قال :هات ،قال :قلت:
أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،وأن محمدا عبده ورسوله ،وأن
عليا كان إمامي
][9
وأن الحسن كان إمامي ،وأن الحسين كان إمامي ،وأن علي بن الحسين كان إمامي،
وأن محمد بن علي كان إمامي ،وأنت جعلت فداك على منهاج آبائك قال:
فقال عند ذلك مرارا :رحمك ال ثم قال :هذا وال دين ال ودين ملئكته
وديني ودين آبائي الذي ل يقبل ال غيره ) - 10 .(1كش :عن جعفر
وفضالة ،عن أبان ،عن الحسن بن زياد العطار ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :قلت :إني اريد أن أعرض عليك ديني وإن كنت في حسناتي
ممن قد فرغ من هذا ،قال :فاته ،قال :قلت :إني أشهد أن ل إله إل ال
وحده ل شريك له ،وأن محمدا عبده ورسوله صلى ال عليه وآله واقر بما
جاء به من عند ال فقال لي مثل ما قلت ،وأن عليا إمامي فرض ال
طاعته ،من عرفه كان مؤمنا ومن جهله كان ضال ،ومن رد عليه كان
كافرا .ثم وصفت الئمة عليهم السلم حتى انتهيت إليه فقال :ما الذي
تريد ؟ أتريد أن أتولك على هذا ؟ فاني أتولك على هذا ) (2بيان " :وإن
كنت في حسناتي " أي بسبب أفعالي الحسنة ومتابعتي إياكم فيها
واطميناني بها محسوبا ممن فرغ من تصحيح اصول عقائده ،وفرغ منها،
و الظاهر أنه كان " حسباني " أي ظني - 11 .كتاب صفات الشيعة:
للصدوق رحمه ال باسناده ،عن محمد بن عمارة عن أبيه قال قال الصادق
عليه السلم :ليس من شيعتنا من أنكر أربعة أشياء :المعراج ،و المسألة
في القبر ،وخلق الجنة والنار ،والشفاعة .وعن ابن عبدوس ،عن ابن
قتيبة ،عن الفضل ،عن الرضا عليه السلم قال من أقر بتوحيد ال ونفي
التشبيه عنه ،ونزهه عما ل يليق به ،وأقر أن له الحول والقوة والرادة
والمشية ،والخلق والمر ،والقضاء والقدر ،وأن أفعال العباد مخلوقة خلق
تقدير ل خلق تكوين ،وشهد أن محمدا رسول ال صلى ال عليه وآله وأن
عليا والئمة بعده حجج ال ،ووالى أولياءهم وعادى أعداءهم واجتنب
الكبائر ،وأقر بالرجعة
][10
) (1صفات الشيعة ص (2) .189طه ،82 :والمائدة 37 :على الترتيب(3) .
العراف (4) .31 :النور 36 :و 37
][11
فقال " وإن من امة إل خلفيها نذير " ) (1تاه من جهل واهتدى من أبصر وعقل
إن ال عزوجل يقول " :فانها ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في
الصدور " ) (2وكيف يهتدي من لم يبصر ،وكيف يبصر من لم ينذر.
اتبعوا رسول ال صلى ال عليه وآله وأقروا بما أنزل ال عزوجل ،واتبعوا
آثار الهدى فانها علمات المانة والتقى ،واعلموا أنه لو أنكر رجل عيسى
بن مريم وأقر بمن سواه من الرسل لم يؤمن ،اقتصوا الطريق بالتماس
المنار ،والتمسوا من وراء الحجب الثار تستكملوا أمر دينكم ،وتؤمنوا
بال ربكم ) .(3بيان :قد مضى الخبر في كتاب المامة ) (4وشرحناه هناك
ونوضح هنا بعض التوضيح " حتى تعرفوا " قيل أي إمام الزمان " حتى
تصدقوا " أي المام وتعده صادقا فيما يقول " :حتى تسلموا أبوابا أربعة
" قد مضى الكلم في البواب مفصل وقال المحدث السترابادي رحمه ال:
إشارة إلى القرار بال ،والقرار برسوله والقرار بما جاء به الرسول
صلى ال عليه وآله والقرار بتراجمة ما جاء به الرسول صلى ال عليه
وآله .والتيه التحير والذهاب عن الطريق القصد ،يقال :تاه في الرض إذا
ذهب متحيرا كما في القاموس " :إن ال أخبر العباد " تفصيل لما أجمل
عليه السلم سابقا وبيان للبواب و الشروط والعهود المذكورة " وا ؟ ار
" جمع منارة على غير قياس يعني موضع النور ومحله .وقيل :كنى
بالمنار عن الئمة فانها صيغة جمع على ما صرح به ابن الثير في نهايته،
وبتقوى ال فيما أمره عن الهتداء إلى المام والقتداء به ،وباتيان أبوابها
عن الدخول في المعرفة من جهة المام عليه السلم انتهى " .واستكمل
وعده " أي استحق وعده كامل كما قال تعالى " أوفوا بعهدي اوف
بعهدكم " ) " (5مات قوم " فيما مضى " فات قوم " وهو أظهر أي فاتوا
عنا ،ولم -
) (1فاطر (2) 28الحج (3) .46 :الكافي ج (4) .47 :2مضى شطر منه في ج
23ص 96من هذه الطبعة (5) .البقرة.40 :
][12
يبايعونا أو ماتوا فالثاني تأكيد " من أتى البيوت " أي بيوت اليمان والعلم
والحكمة " من أبوابها " وهم الئمة إشارة إلى تأويل قوله تعالى " وأتوا
البيوت من أبوابها " ) " .(1وصل ال " إشارة إلى قوله تعالى "
وأطيعوا ال وأطيعوا الرسول واولي المر منكم " ) (2وقوله " :أطيعوا
ال ورسوله " ) (3وقوله " ومن يطع الرسول فقد أطاع ال " )" (4
خذوا زينتكم " إما بيان لما نزل ،أو استيناف ،وأول عليه السلم الزينة
بمعرفة المام والمسجد بمطلق العبادة ،والبيوت ببيوت أهل العصمة سلم
ال عليهم ،والرجال بهم عليهم السلم والمراد بعدم إلهائهم التجارة والبيع
عن ذكر ال أنهم يجمعون بين ذين وذاك ل أنهم يتركونهما رأسا كما ورد
النص عليه في خبر آخر .قوله عليه السلم " :ثم استخلصهم " الضمير
راجع إلى ولة المر ،و " ذلك " إشارة إلى المر ،أي استخلص واصطفى
الوصياء حال كونهم مصدقين لمر الرسالة في النذر ،وهم الرسل فقوله
" في نذره " متعلق بقوله " :مصدقين " ويحتمل أن يكون " في نذره "
أيضا حال أي حال كونهم مندرجين في النذر ،ويمكن أن يكون ضمير
استخلصهم راجعا إلى الرسل أي ثم بعد إرسال الرسل ،استخلصهم وأمرهم
بأن يصدقوا أمر الخلفة في النذر بعدهم ،وهم الوصياء عليهم السلم
وقيل " :ثم " للتراخي في الرتبة ،دون الزمان ،يعني وقع ذلك
الستخلص لهم حال كونهم مصدقين لذلك الستخلص في سائر نذره
أيضا بمعنى تصديق كل منهم لذلك في الباقين واستشهد على استمرارهم
في النذار بقوله تعالى " وإن من امة إل خلفيها نذير " ثم بين وجوب
النذير ووجوب معرفته بتوقف الهتداء على البصار ،وتوقف البصار
على النذار ،وتوقف النذار على وجوب النذير ومعرفته ،وأشار بآثار
الهدى إلى الئمة عليهم السلم .وفي بعض النسخ " ابتغوا آثار الهدى "
بتقديم الموحدة على المثناة والغين المعجمة ونبه بقوله " لو أنكر رجل
عيسى عليه السلم " على وجوب اليمان بهم جميعا من غير تخلف
) (1البقرة (2) .182 :النساء (3) .59 :النفال (4) .20 :النساء.80 .
][13
عن أحد منهم ،ثم كرر الوصية بالقتداء بهم معلل بأنهم منار طريق ال ،وأمر
بالتماس آثارهم إن لم يتيسر الوصول إليهم - 13 .محص :عن المفضل،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال ال عزوجل افترضت على عبادي
عشرة فرائض إذا عرفوها أسكنتهم ملكوتي ،وأبحتهم جناني أولها
معرفتي ،والثانية معرفة رسولي إلى خلقي والقرار به والتصديق له،
والثالثة معرفة أوليائي وأنهم الحجج على خلقي ،من والهم فقد والني
ومن عاداهم فقد عاداني ،وهم العلم فيما بيني وبين خلقي ،ومن أنكرهم
أصليته ناري ،وضاعفت عليه عذابي ،والرابعة معرفة الشخاص الذين
اقيموا من ضياء قدسي ،وهم قوام قسطي ،والخامسة معرفة القوام
بفضلهم والتصديق لهم ،والسادسة معرفة عدوي إبليس وما كان من ذاته
وأعوانه ،والسابعة قبول أمري والتصديق لرسلي ،والثامنة كتمان سري
وسر أوليائي ،والتاسعة تعظيم أهل صفوتي والقبول عنهم ،والرد إليهم
فيما اختلفتم فيه ،حتى يخرج الشرح منهم ،والعاشرة أن يكون هو وأخوه
في الدين والدنيا شرعا سواء ،فإذا كانوا كذلك أدخلتهم ملكوتي ،وآمنتهم
من الفزع الكبر وكانوا عندي في عليين .بيان :كأن الفرق بين الثالثة
والرابعة أن الولى في الحجج الموجودين وقت الخطاب كعلي والسبطين
عليهم السلم والثانية في الئمة بعدهم ،أو الولى في سائر النبياء
والوصياء ،والثانية في أئمتنا عليهم السلم - 14 .دعوات الراوندي :عن
أبي الجارود قال :قلت لبي جعفر عليه السلم :إني امرؤ ضرير البصر،
كبير السن ،والشقة فيما بيني وبينكم بعيدة ،وأنا اريد أمرا أدين ال به
وأحتج به وأتمسك به ،وابلغه من خلفت ،قال :فأعجب بقولي واستوى
جالسا فقال :كيف قلت يا أبا الجارود ؟ رد علي ،قال :فرددت عليه ،فقال:
نعم يا أبا الجارود :شهادة أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،وأن محمدا
عبده ورسوله ،وإقام الصلة ،وإيتاء الزكاة ،وصوم شهر رمضان ،وحج
البيت
][14
وولية ولينا وعداوة عدونا ،والتسليم لمرنا ،وانتظار قائمنا ،والورع والجتهاد.
- 15كا :بإسناده عن أبي الجارود قال :قلت لبي جعفر عليه السلم :يا
ابن رسول ال هل تعرف مودتي لكم وانقطاعي إليكم وموالتي إياكم ؟ قال:
فقال :نعم ،قال :فقلت :فاني أسألك مسألة تجيبني فيها فاني مكفوف
البصر ،قليل المشي ل أستطيع زيارتكم كل حين ،قال :هات حاجتك ! قلت:
أخبرني بدينك الذي تدين ال عزوجل به أنت وأهل بيتك ،ل دين ال
عزوجل به ،قال :إن كنت أقصرت الخطبة ،فقد أعظمت المسألة ،وال
لعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين ال عزوجل به :شهادة أن ل إله إل
ال ،وأن محمدا رسول ال صلى ال عليه وآله والقرار بما جاء من عند
ال ،والولية لوينا ،والبراءة من عدونا والتسليم لمرنا وانتظار قائمنا،
والجتهاد والورع ) .(1بيان " :أقصرت الخطبة " الظاهر أن الخطبة بضم
الخاء أي ما يتقدم من الكلم المناسب قبل إظهار المطلوب ،وكأنه عليه
السلم عد خطبته قصيرة مع طولها إعظاما للمسألة وإيذانا بأن هذا
المقصود الجليل يستدعي أطول من ذلك من الخطبة وقيل :إقصاره إياها
اكتفاؤه بالستفهام من غير بيان وإعلم ،ومنهم من قرأ الخطبة بالكسر
مستعارة من خطبة النساء وهو تكلف قال في النهاية في الحديث إن
أعرابيا جاءه فقال :علمني عمل يدخلني الجنة ،فقال :لئن كنت أقصرت
الخطبة لقد أعرضت المسألة أي جئت بالخطبة قصيرة وبالمسألة عريضة،
يعني قللت الخطبة وأعظمت المسألة " .والتسليم لمرنا " أي الرضا قلبا
بما يصدر عنهم قول وفعل من اختيارهم المهادنة أو القتال أو الظهور أو
الغيبة وسائر ما يصدر عنهم مما تعجز العقول عن إدراكه ،والفهام عن
استنباط علته كما قال تعالى " :فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما
شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " )
(2
][15
][16
إل مع المام ،فهو تابع للولية مندرج تحتها ،أو لعدم تحقق شرط وجوبه في ذلك
الزمان ،قوله " :مرتين " أي كرر الولية تأكيدا .قوله عليه السلم" :
هذا الذي فرض ال على العباد " أي علم فرضها ضرورة من الدين "
فيقول أل زدتني " أل بالتشديد حرف تحضيض وإذا دخل على الماضي
يكون للتعيير والتنديم ،وكأن المعنى أنه ل يسأل عن شئ سوى هذه من
جنسها ،كما أنه من أتى بالصلوات الخمس ل يسأل ال عن النوافل ،ومن
أتى بالزكاة الواجبة ل يسأل عن الصدقات المستحبة وهكذا) * 29 .باب( *
* " أدنى ما يكون به العبد مؤمنا " * * " وأدنى ما يخرجه عنه " * - 1
مع :عن ابن الوليد ،عن الصفار ،عن ابن عيسى ،عن الحسين بن سعيد
عن ابن أبي عمير ،عن حماد بن عثمان ،عن جعفر الكناسي قال :قلت لبي
-عبد ال عليه السلم :ما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا ؟ قال :يشهد أن ل
إله إل ال ،و أن محمدا عبده ورسوله ،ويقر بالطاعة ،ويعرف إمام زمانه،
فإذا فعل ذلك فهو مؤمن ) - 2 .(1مع :بالسناد المتقدم ،عن ابن عيسى،
عن ابن معروف ،عن حماد بن عيسى ،عن حريز ،عن ابن مسكان ،عن
أبي الربيع قال :قلت :ما أدنى ما يخرج به الرجل من اليمان ؟ قال الرأي
يراه مخالفا للحق فيقيم عليه ) .(2بيان " :الرأي يراه " أي في اصول
الدين أو العم عمدا أو العم مع تقصير وعلى كل تقدير يحمل اليمان
على معنى من المعاني المتقدمة - 3 .كتاب سليم بن قيس :قال أتى أمير
المؤمنين عليه السلم رجل فقال له :يا أمير المؤمنين ما أدنى ما يكون به
الرجل مؤمنا ؟ وأدنى ما يكون به كافرا ؟ و
وأدنى ما يكون به ضال قال :سألت فاسمع الجواب ،أدنى ما يكون به مؤمنا أن
يعرفه ال نفسه فيقر له بالربوبية والوحدانية ،وأن يعرفه نبيه فيقر له
بالنبوة وبالبلغة ،وأن يعرفه حجته في أرضه وشاهده على خلقه فيقر له
بالطاعة ،قال :يا أمير المؤمنين وإن جهل جميع الشياء غير ما وصفت ؟
قال :نعم ،إذا أمر أطاع وإذا نهى انتهى ،وأدنى ما يكون به كافرا أن يتدين
بشئ فيزعم أن ال أمره به ما نهى ال عنه ،ثم ينصبه فيتبرأ ويتولى،
ويزعم أنه يعبد ال الذي أمره به ) (1وأدنى ما يكون به ضال أن ل يعرف
حجة ال في أرضه وشاهده على خلقه ،الذي أمر ال بطاعته وفرض
وليته ،قال :يا أمير المؤمنين سمهم لي ،قال :الذين قرنهم ال بنفسه
ونبيه .فقال " :أطيعوا ال وأطيعوا الرسول واولي المر منكم " ) (2قال:
أوضحهم لي ،قال :الذين قال رسول ال في آخر خطبة خطبها ثم قبض من
يومه " إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما ،كتاب ال
وأهل بيتي فان اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي
الحوض كهاتين إصبعي ،فتمسكوا بهما ل تضلوا ،ول تقدموهم فتهلكوا،
ول تخلفوا عنهم فتفرقوا ول تعلموهم فهم أعلم منكم ) .(3كا :عن علي،
عن أبيه ،عن حماد بن عيسى ،عن إبراهيم بن عمر اليماني عن ابن اذينة،
عن أبان بن أبي عياش ،عن سليم مثله ) (4بأدنى تغيير.
) (1زاد في الكافي بعده :وانما يعبد الشيطان (2) .النساء (3) .59 :كتاب سليم:
(4) .86الكافي ج 2ص .414
][18
) * - 30باب( * * " )ان العمل جزء اليمان ،وأن اليمان( " * * " )مبثوث على
الجوارح( " * اليات :البقرة :وما كان ال ليضيع إيمانكم وقال تعالى:
ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بال
واليوم الخر و الملئكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي
القربى إلى قوله :اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون ) .(1آل عمران:
ول على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيل ومن كفر فان ال غني
عن العالمين ) .(2فاطر :إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه )
.(3تفسير " :وما كان ال ليضيع إيمانكم " أي صلتكم كما سيأتي
واستدل به على أن العمل جزء اليمان ،وقال البيضاوي :أي ثباتكم على
اليمان وقيل :إيمانكم بالقبلة المنسوخة أو صلتكم إليها ،لما روي أنه
عليه السلم لما وجه إلى الكعبة قالوا :كيف بمن مات يا رسول ال قبل
التحويل من إخواننا ؟ فنزلت ) " (4ولكن البر من آمن " أي بر من آمن،
أو المراد بالبر البار ،ومقابلة اليمان بالعمال تدل على المغايرة ،وآخرها
حيث قال " :اولئك الذين صدقوا " أي في دعوى اليمان أو فيما التزموه
وتمسكوا به ،يومئ إلى الجزئية أو الشتراط ،واليات الدالة على الطرفين
كثيرة مفرقة على البواب وسنتكلم عليها إنشاء ال .وقوله
) (1البقرة 143 :و (2) .176آل عمران (3) .97 :فاطر (4) .10 :تفسير
البيضاوى ص .44
][19
سبحانه " ومن كفر " يدل على دخول العمال في اليمان ،حيث عد ترك الحج
كفرا ،وإن أوله بعضهم بحمله على جحد فرض الحج أو حمل الكفر على
كفران النعمة ،فان ترك المأمور به كفران لنعمة المر " .إليه يصعد الكلم
الطيب " قيل :المراد به العقائد الحقة ،وقيل :كلمة التوحيد وقيل :كل قول
حسن ،والصعود كناية عن القبول من صاحبه والثابة عليه " والعمل
الصالح يرفعه " يحتمل وجهين أحدهما إرجاع المرفوع إلى العمل،
والمنصوب إلى الكلم أي العمل الصالح يوجب رفع العقائد وصحتها أو
كمالها وقبولها ،و ثانيهما العكس أي العقائد الحقه شرائط لصحة العمال،
وعلى الوجه الول يناسب الباب ،وقد يقال :المرفوع راجع إلى ال
والمنصوب إلى العمل - 1كنز الكراجكى :عن أحمد بن محمد بن شاذان،
عن أبيه ،عن محمد بن الحسن ابن الوليد ،عن الصفار ،عن محمد بن
زياد ،عن المفضل بن عمر ،عن يونس بن يعقوب ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :ملعون ملعون من قال :اليمان قول بل عمل - 2 .كا :عن
محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن محمد بن إسماعيل ،عن محمد
ابن الفضيل ،عن أبي الصباح الكناني ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :قيل
لمير المؤمنين :من شهد أن ل إله إل ال ،وأن محمدا رسول ال صلى ال
عليه وآله كان مؤمنا ؟ قال :فأين فرائض ال قال :وسمعته يقول :كان
على عليه السلم يقول :لو كان اليمان كلما لم ينزل فيه صوم ول صلة
ول حلل ول حرام ،قال :وقلت لبي جعفر عليه السلم :إن عندنا قوما
يقولون :إذا شهد أن ل إله إل ال ،وأن محمدا رسول ال صلى ال عليه
وآله فهو مؤمن ،قال :فلم يضربون الحدود ؟ ولم يقطع أيديهم ؟ وما خلق
ال عزوجل خلقا أكرم على ال عزوجل من مؤمن لن الملئكة خدام
المؤمنين ،وإن جوار ال للمؤمنين ،وإن الجنة للمؤمنين وإن الحوار العين
للمؤمنين ،ثم قال :فما بال من جحد الفرائض كان كافرا ) (1بيان :قوله
عليه السلم " فأين فرائض ال " أقول حاصله أن اليمان الذي هو سبب
لرفع الدرجات ،والتخلص من العقوبات في الدنيا والخرة ،ليس محض
العقائد
][20
وإل لم يفرض ال الفرائض ،ولم يتوعد على المعاصي ،وأيضا ما ورد في اليات و
الخبار من كرامة المؤمنين ،ودرجاتهم ومنازلهم ،ينافي إجراء الحدود
عليهم ،و إذللهم وإهانتهم ،فلبد من خروجهم عن اليمان حين
استحقاقهم تلك العقوبات قوله " فما بال من جحد " لعل المعنى أنه لو كان
اليمان محض التكلم بالشهادتين أو العتقاد بهما كما تزعمون ،لم يكن
جحد الفرائض موجبا للكفر ،مع أنكم توافقوننا في ذلك ،لورود الخبار
فيه ،فلم ل تقولون بعدم إيمان تاركي الفرائض و مرتكبي الكبائر أيضا مع
ورود الخبار الكثيرة فيها أيضا ،وقيل :المراد بجحد الفرائض تركها عمدا
من غير عذر ،فانه يؤذن بالستخفاف والجحد .قال الشهيد الثاني رفع ال
درجته في بيان حقيقة الكفر :عرفه جماعة بأنه عدم اليمان عما من شأنه
أن يكون مؤمنا ،سواء كان ذلك العدم بضد أول بضد فبالضد كأن يعتقد
عدم الصول التي بمعرفتها يتحقق اليمان ،أو عدم شئ منها وبغير الضد
كالخالي من العتقادين أي اعتقاد ما به يتحقق اليمان ،واعتقاد عدمه،
وذلك كالشاك أو الخالي بالكلية كالذي لم يقرع سمعه شئ من المور التي
يتحقق اليمان بها ،ويمكن إدخال الشاك في القسم الول إذ الضد يخطر
بباله ،وإل لما صار شاكا .واعترض عليه بأن الكفر قد يتحقق مع التصديق
بالصول المعتبرة في اليمان كما إذا ألقى إنسان المصحف في القاذورات
عامدا أو وطئه كذلك ،أو ترك القرار باللسان جحدا وحينئذ فينتقض حد
اليمان منعا وحد الكفر جمعا .واجيب تارة بأنا ل نسلم بقاء التصديق
لفاعل ذلك .ولو سلمنا يجوز أن يكون الشارع جعل وقوع شئ من ذلك
علمة وأمارة على تكذيب فاعل ذلك ،و عدم تصديقه ،فيحكم بكفره عند
صدور ذلك منه ،وهذا كما جعل القرار باللسان علمة على الحكم
باليمان ،مع أنه قد يكون كافرا في نفس المر ،وتارة بأنه يجوز أن يكون
الشارع حكم بكفره ظاهرا عند صدور شئ من ذلك حسما لمادة جرأة
المكلفين على انتهاك حرماته ،وتعدي حدوده ،وإن كان التصديق في نفس
][21
المر حاصل ،وغاية ما يلزم من ذلك جواز الحكم بكون شخص واحد مؤمنا و
كافرا ،وهذا ل محذور فيه ،لنا نحكم بكفره ظاهرا وإمكان إيمانه باطنا
فالموضوع مختلف فلم يتحقق اجتماع المتقابلين ،ليكون محال ،ونظير ذلك
ما ذكرناه من دللة القرار على اليمان ،فيحكم به مع جواز كونه كافرا في
نفس المر .وأقول أيضا :إن النقض المذكور ل يرد على جامعية تعريف
الكفر وذلك لنه قد تبين أن العدم المأخوذ فيه أعم من أن يكون بالضد أو
غيره ،وما ذكر من موارد النقض داخل في غير الضد كما ل يخفى وحينئذ
فجامعيته سالمة لصدقه على الموارد المذكورة ،والناقض والمجيب غفل
عن ذلك .ويمكن الجواب عن مانعية تعريف اليمان أيضا بأن نقول :من
عرف اليمان بالتصديق المذكور ،جعل عدم التيان بشئ من موارد النقض
شرطا في اعتبار ذلك التصديق شرعا ،وتحقق حقيقة اليمان ،والحاصل أنا
لما وجدنا الشارع حكم بايمان المصدق ،وحكم بكفر من ارتكب شيئا من
المور المذكورة مطلقا ،علمنا أن ذلك التصديق إنما يعتبر في نظر الشارع
إذا كان مجردا عن إرتكاب شئ من موارد النقض وأمثالها .الموجبة للكفر،
فكان عدم المور المذكورة شرطا في حصول اليمان ،ول ريب أن
المشروط عدم عند عدم شرطه ،وشروط المعرف التي يتوقف عليها وجود
ماهيته ملحوظة في التعريف ،وإن لم يصرح بها فيه ،للعلم باعتبارها عقل
لما تقرر في بداهة العقول أنه بدون العلة ل يوجب المعلول ،والشرط من
أجزاء العلة كما صرحوا به في بحثها ،والكل ل يوجد بدون جزئه وهذا
الجواب واللذان قبله ،لم نجدها لغيرنا بل هي من هبات الواهب تعالى
وتقدس ،ولم نعدم لذلك مثل وإن لم نكن له أهل انتهى كلمه قدس سره.
وأقول :هذه التكلفات إنما يحتاج إليها إذا جعل اليمان نفس العقائد ولم
يدخل فيها العمال ،ومع القول بدخول العمال ل حاجة إليها مع أن هذا
التحقيق يهدم ما أسسه سابقا إذ يجري هذه الوجوه في سائر العمال
والتروك التي نفي كونها داخلة في اليمان ،وما ذكره عليه السلم في آخر
الحديث من اللتزام على
][22
المخالفين يومي إلى هذا التحقيق فتأمل - 3 .كا :عن العدة ،عن أحمد البرقي،
ومحمد بن يحيى ،عن ابن عيسى جميعا عن محمد البرقي ،عن النضر بن
سويد ،عن يحيى الحلبي ،عن عبد ال بن الحسن عن الحسن بن هارون
قال :قال لي أبو عبد ال عليه السلم " إن السمع والبصر والفؤاد كل
اولئك كان عنه مسئول " قال يسأل السمع عما سمع ،والبصر عما نظر
إليه والفؤاد عما عقد عليه ) - 4 .(1كا :عن أبي علي الشعري ،عن
محمد بن عبد الجبار ،عن صفوان أو غيره ،عن العل ،عن محمد بن
مسلم ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :سألته عن اليمان فقال :شهادة
أن ل إله إل ال ،والقرار بما جاء من عند ال ،وما استقر في القلوب من
التصديق بذلك ،قال :قلت :الشهادة أليست عمل ؟ قال بلى ،قلت :العمل من
اليمان ؟ قال :نعم اليمان ل يكون إل بعمل ،والعمل منه ،ول يثبت اليمان
إل بعمل ) .(2بيان " :شهادة أن ل إله إل ال " أي التكلم بكلمة التوحيد،
والقرار به ظاهرا وإنما اكتفي بها عن القرار بالرسالة ،لتلزمهما ،أو هو
داخل في قوله " والقرار بما جاء من عند ال " والضمير في " جاء "
راجع إلى الموصول أي القرار بكل ما أرسله ال من نبي أو كتاب أو حكم،
ما علم تفصيل ،وما لم يعلم إجمال ،وكل ذلك القرار الظاهري ،وقوله "
ما استقر في القلوب " القرار القلبي بجميع ذلك وهذا أحد معاني اليمان
كما ستعرف .ول يدخل فيه أعمال الجوارح ،سوى القرار الظاهري بما
صدق به قلبا .ولما كان عند السائل أن اليمان محض العلوم والعقائد ،ول
يدخل فيه العمال ،استبعد كون الشهادة التي هي من عمل الجوارح من
اليمان ،فأجاب عليه السلم بأن العمل جزء اليمان " ول يثبت اليمان "
أي ل يتحقق واقعا أو ل يثبت
) (1الكافي ج 2ص ،37والية في أسرى (2) .36 :الكافي ج 2ص (*) .38
][23
اليمان عند الناس ،إل بالقرار والشهادة التي هي عمل الجوارح ،أو ل يستقر
اليمان إل بأعمال الجوارح ،فان التصديق الذي لم يكن معه عمل يزول ول
يبقى - 5 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن أبي
عمير ،عن جميل بن دراج قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم عن اليمان،
فقال ،شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال قال :قلت :أليس هذا
عمل ؟ قال :بلى ،قلت :فالعمل من اليمان قال :ل يثبت له اليمان إل
بالعمل ،والعمل منه ) .(1بيان " :أليس هذا عمل " كذا في النسخ بالرفع،
ولعله من النساخ ويمكن أن يقدر فيه ضمير الشأن أو يكون مبنيا على لغة
بني تميم ،حيث ذهبوا إلى أن " ليس " إذا انتقض نفيه يحمل على ما في
الهمال ،والنفي هنا منتقض بالستفهام النكاري قوله عليه السلم " ل
يثبت له اليمان " الضمير راجع إلى المؤمن المدلول عليه باليمان- 6 .
كا :عن علي ،عن أبيه ،عن بكر بن صالح ،عن القاسم بن بريد ،عن أبي
عمرو الزبيري ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قلت له :أيها العالم
أخبرني أي العمال أفضل عند ال ؟ قال :مال يقبل ال شيئا إل به ،قلت:
وما هو ؟ قال :اليمان بال الذي ل إله إل هو أعلى العمال درجة،
وأشرفها منزلة ،وأسناها حظا ،قال :قلت :أل تخبرني عن اليمان ؟ أقول
هو وعمل أم قول بل عمل ؟ فقال :اليمان عمل كله ،والقول بعض ذلك
العمل بفرض من ال بين في كتابه ،واضح نوره ثابتة حجته ،يشهد له به
الكتاب ،ويدعوه إليه ،قال :قلت :صفه لي جعلت فداك حتى أفهمه قال:
اليمان حالت ،ودرجات ،وطبقات ،ومنازل :فمنه التام المنتهى تمامه،
ومنه الناقص البين نقصانه ،ومنه الراجح الزائد رجحانه .قلت :إن اليمان
ليتم وينقص ويزيد ؟ قال :نعم ،قلت :كيف ذلك ؟ قال :لن ال تبارك
وتعالى فرض اليمان على جوارح ابن آدم ،وقسمه عليها ،وفرقه
][24
فيها ،فليس من جوارحه جارحة إل وقد وكلت من اليمان بغير ما وكلت به اختها
فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم ،وهو أمير بدنه الذي ل ترد
الجوارح ول تصدر إل عن رأيه وأمره ،ومنها عيناه اللتان يبصر بهما،
واذناه اللتان يسمع بهما ،ويداه اللتان يبطش بهما ،ورجله اللتان يمشي
بهما ،وفرجه الذي الباه من قبله ،و لسانه الذي ينطق به ،ورأسه الذي فيه
وجهه ،فليس من هذه جارحة إل وقد وكلت من اليمان بغير ما وكلت به
اختها بفرض من ال تبارك وتعالى اسمه ،ينطق به الكتاب لها ،ويشهد به
عليها .ففرض على القلب غير ما فرض على السمع ،وفرض على السمع
غير ما فرض على العينين ،وفرض على العينين غير ما فرض على
اللسان ،وفرض على اللسان غير ما فرض على اليدين وفرض على اليدين
غير ما فرض على الرجلين ،وفرض على الرجلين غير ما فرض على
الفرج ،وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه .فأما ما فرض على
القلب من اليمان فالقرار والمعرفة والعقد والرضا و التسليم بأن ل إله إل
ال وحده ل شريك له إلها واحدا لم يتخذ صاحبة ول ولدا ،و أن محمدا
عبده ورسوله صلوات ال عليه وآله ،والقرار بما جاء من عند ال من
نبي أو كتاب ،فذلك ما فرض ال على القلب من القرار والمعرفة وهو
عمله وهو قول ال عزوجل " إل من اكره وقلبه مطمئن باليمان ولكن من
شرح بالكفر صدرا " ) (1وقال " أل بذكر ال تطمئن القلوب " ) (2وقال
" الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " ) (3وقال " إن تبدوا ما في
أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به ال فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " )(4
فذلك ما فرض ال عزوجل على القلب من القرار والمعرفة وهو عمله
وهو رأس اليمان.
) (1النحل (2) 106 :الرعد (3) .28 :المائدة ،41 :ونصه يا ايها الرسول ل
يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن
قلوبهم ،الية ) (4البقرة264 :
][25
وفرض ال تعالى على اللسان القول والتعبير عن القلب بما عقد عليه وأقر به قال
ال تبارك وتعالى اسمه " وقولوا للناس حسنا " ) (1وقال " قولوا آمنا
بال وما انزل إلينا وما انزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون "
) (2فهذا ما فرض ال تعالى على اللسان وهو عمله .وفرض على السمع
أن يتنزه عن الستماع إلى ما حرم ال ،وأن يعرض عما ل يحل له مما
نهى ال عزوجل عنه ،والصغاء إلى ما أسخط ال عزوجل فقال في ذلك "
وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات ال يكفر بها ويستهزئ بها
فل تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره " ) (3ثم استثنى ال
عزوجل موضع النسيان فقال " :وإما ينسينك الشيطان فل تقعد بعد
الذكرى مع القوم الظالمين " ) (4وقال " فبشر عبادي الذين يستمعون
القول فيتبعون أحسنه اولئك الذين هداهم ال واولئك هم اولوا اللباب " )
(5وقال عزوجل " قد أفلح المؤمنون * الذينهم في صلتهم خاشعون *
والذينهم عن اللغو معرضون * والذينهم للزكاة فاعلون " ) (6وقال "
وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم " ) (7و
قال " وإذا مروا باللغو مروا كراما " ) (8فهذا ما فرض ال على السمع
من اليمان أن ل يصغي إلى مال يحل له وهو عمله ،وهو من اليمان.
وفرض على البصر أن ل ينظر إلى ما حرم ال عليه ،وأن يعرض عما نهى
ال عنه مما ل يحل له وهو عمله ،وهو من اليمان ،فقال ال تبارك
وتعالى " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم " )(9
فنهاهم من أن ينظروا إلى
) (1البقرة (2) .83 :صدر الية في البقرة 135 :وذيلها في العنكبوت ،46 :فالية
مختلطة (3) .النساء (4) 134 :النعام (5) .68 :الزمر(6) 18 :
المؤمنون (7) .4 - 1 :القصص (8) 55 :الفرقان (9) .72 :النور30 :
و .31
][26
عوراتهم ،وأن ينظر المرء إلى فرج أخيه ،ويحفظ فرجه من أن ينظر إليه ،وقال "
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن " من أن ينظر
إحداهن إلى فرج اختها ،وتحفظ فرجها من أن ينظر إليها ،وقال :كل شئ
في القرآن من حفظ الفرج ،فهو من الزنا إل هذه الية فانها من النظر ).(1
ثم نظم ما فرض على القلب واللسان والسمع والبصر في آية اخرى فقال:
" وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ول أبصاركم ول جلودكم )(2
يعني بالجلود الفروج والفخاذ ،وقال " ول تقف ما ليس لك به علم إن
السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئول " ) (3فهذا ما فرض
ال على العينين من غض البصر عما حرم ال وهو عملهما ،وهو من
اليمان .وفرض ال على اليدين أن ل يبطش بهما إلى ما حرم ال وأن
يبطش بهما إلى ما أمر ال عزوجل ،وفرض عليهما من الصدقة وصلة
الرحم والجهاد في سبيل ال والطهور للصلوات فقال " :يا أيها الذين
آمنوا إذا قمتم إلى الصلة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا
برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين " ) (4وقال " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب
الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فاما منا بعد وإما فداء حتى تضع
الحرب أوزارها " ) (5فهذا ما فرض ال على اليدين
) (1وذلك لن حفظ الفرج ههنا قد قرن بغض البصر ،فصار كل واحد منهما قرينة
متممة للمراد من الخر نافية لطلقه ،على حد صنعة الحتباك كما في
قوله تعالى :ال الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا )غافر:
(61ومثله قوله تعالى " :هو الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار
مبصرا " )يونس (67 :فان تقدير اليتين :جعل لكم الليل مظلما لتسكنوا
فيه والنهار مبصرا لتبتغوا فيه من فضله .وهكذا هنا تقدير الية :قل
للمؤمنين يغضوا أبصارهم من فروج المؤمنين ويحفظوا فروجهم من
أبصار المؤمنين (2) .فصلت (3) 22 :أسرى (4) .36 :المائدة(5) 6 :
القتال.4 :
][27
لن الضرب من علجهما .وفرض على الرجلين أن ل يمشي بهما إلى شئ من
معاصي ال ،وفرض عليهما المشي إلى ما يرضي ال عزوجل فقال " :ول
تمش في الرض مرحا إنك لن تخرق الرض ولن تبلغ الجبال طول " وقال
" واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الصوات لصوت الحمير
" ) (1وقال فيما شهدت اليدي والرجل على أنفسهما وعلى أربابهما من
تضييعهما لما أمر ال عزوجل به وفرضه عليهما " اليوم نختم على
أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون " ) (2فهذا أيضا
مما فرض ال على اليدين وعلى الرجلين ،وهو عملهما ،وهو من اليمان.
وفرض على الوجه السجود له بالليل والنهار في مواقيت الصلة فقال " يا
أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم
تفلحون " ) (3فهذه فريضة جامعة على الوجه واليدين والرجلين ،وقال
في موضع آخر " وأن المساجد ل فل تدعوا مع ال أحدا " ) .(4وقال
فيما فرض على الجوارح من الطهور والصلة بها ،وذلك أن ال عز وجل
لما صرف نبيه صلى ال عليه وآله إلى الكعبة عن البيت المقدس فأنزل ال
عزوجل " وما كان ال ليضيع إيمانكم إن ال بالناس لرؤف رحيم " )(5
فسمى الصلة إيمانا ،فمن لقي ال عزوجل حافظا لجوارحه ،موفيا كل
جارحة من جوارحه ما فرض ال عزوجل عليها لقي ال تعالى مستكمل
ليمانه ،وهو من أهل الجنة .ومن خان في شئ منها ،أو تعدى ما أمر ال
عزوجل فيها ،لقي ال عزوجل ناقص اليمان .قلت :قد فهمت نقصان
اليمان وتمامه فمن أين جاءت زيادته ،فقال :قول ال عزوجل " وإذا ما
انزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا
فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم
) (1لقمان 18 :و (2) 19يس (3) .65 :الحج (4) 77 :الجن (5) .18 :البقرة:
.143
][28
رجسا إلى رجسهم ) (1وقال " نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم
وزدناهم هدى " ) (2ولو كان كله واحدا ل زيادة فيه ول نقصان ،لم يكن
لحد منهم فضل على الخر .ولستوت النعم فيه ،ولستوى الناس .وبطل
التفضيل ولكن بتمام اليمان دخل المؤمنون الجنة ،وبالزيادة في اليمان
تفاضل المؤمنون بالدرجات عند ال وبالنقصان دخل المفرطون النار ).(3
قال :قلت له :إن لليمان درجات ومنازل ،ويتفاضل المؤمنون فيها عند ال
؟ قال :نعم ،قلت :صفه لي رحمك ال حتى أفهمه ،قال :إن ال سبق بين
المؤمنين كما يسبق بين الخيل يوم الرهان ،ثم فضلهم على درجاتهم في
السبق إليه ،فجعل كل امرء منهم على درجة سبقه ،ل ينقصه فيها من
حقه ،ول يتقدم مسبوق سابقا ول مفضول فاضل ،تفاضل بذلك أوائل هذه
المة وأواخرها ،ولو لم يكن للسابق إلى اليمان فضل على المسبوق ،إذن
للحق آخر هذه المة أولها ،نعم ولتقدموهم إذا لم يكن لمن سبق إلى
اليمان الفضل على من أبطأ عنه ،ولكن بدرجات اليمان قدم ال السابقين،
وبالبطاء عن اليمان أخر ال المقصرين لنا نجد من المؤمنين من
الخرين من هو أكثر عمل من الولين ،وأكثرهم صلة وصوما وحجا
وزكاة وجهادا وإنفاقا ،ولو لم يكن سوابق يفضل بها المؤمنون بعضهم
بعضا عند ال ،لكان الخرون بكثرة العمل مقدمين على الولين ولكن أبى
ال عزوجل أن يدرك آخر درجات اليمان أولها ويقدم فيها من أخر ال ،أو
يؤخر فيها من قدم ال .قلت :أخبرني عما ندب ال عزوجل المؤمنين إليه
إلى الستباق فقال :قول ال عزوجل " سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة
عرضها كعرض السماء والرض اعدت للذين آمنوا بال ورسله " )(4
وقال " :السابقون السابقون اولئك المقربون " ) (5وقال " والسابقون
الولون من المهاجرين والنصار والذين اتبعوهم باحسان رضي
) (1براءة 124 :و - 2 .125الكهف (3) .13 :الكافي ج - 4 .37 - 33 :2
الحديد (5) .21 :الواقعة.11 - 10 :
][29
ال عنهم ورضوا عنه " ) (1فبدأ بالمهاجرين الولين على درجة سبقهم ،ثم ثنى
بالنصار ،ثم ثلث بالتابعين لهم باحسان ،فوضع كل قوم على قدر درجاتهم
ومنازلهم عنده .ثم ذكر ما فضل ال عزوجل به أولياءه بعضهم على
بعض ،فقال عزوجل " :تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم
ال ورفع بعضهم فوق بعض درجات " ) (2إلى آخر الية ،وقال " :ولقد
فضلنا بعض النبيين على بعض " ) (3وقال " انظر كيف فضلنا بعضهم
على بعض وللخرة أكبر درجات وأكبر تفضيل " ) (4وقال " هم درجات
عند ال " ) (5وقال " ويؤت كل ذي فضل فضله " ) (6وقال " الذين
آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل ال بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند
ال " ) (7وقال " وفضل ال المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما
درجات منه ومغفرة ورحمة " ) (8وقال " ل يستوي منكم من أنفق من
قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا " )(9
وقال " يرفع ال الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات " ) (10وقال
" ذلك بأنهم ل يصيبهم ظمأ ول نصب ول مخمصة في سبيل ال ول يطؤن
موطئا يغيظ الكفار ول ينالون من عدو نيل إل كتب لهم به عمل صالح " )
(11وقال " وما تقدموا لنفسكم من خير تجدوه عند ال " ) (12وقال "
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " ) (13فهذا
ذكر درجات اليمان ومنازله عند ال عزوجل ) (14تبيين :اعلم أن
العياشي ذكر في التفسير أكثر أجزاء هذا الخبر متفرقا
) (1براءة (2) .100 :البقرة (3) .253 :أسرى (4) .55 :أسرى (5) .21 :آل
عمران (6) .163 :هود (7) .3 :براءة (8) .20 :النساء 95و (9) .96
الحديد (10) .10 :المجادلة (11) .11 :براءة (12) .120 :البقرة:
،110المزمل (13) .20 :الزلزال 7 :و (14) .8الكافي ج 2ص - 40
(*) .42
][30
ولما كان ما في الكافي أجمع وأصح اكتفينا به ،وفي الكافي أيضا كان فرقة على
بابين ) (1فجمعتهما لتصالهما معنى ،واتصال سندهما ،ورواه الشيخ
الجليل جعفر ابن محمد بن قولويه ،عن سعد بن عبد ال باسناده ،عن
الصادق عليه السلم ،عن أمير المؤمنين صلوات ال عليه فيما ذكر من
أنواع آيات القرآن بأدنى تفاوت ،وسيأتي مثله برواية النعماني أيضا عن
أمير المؤمنين عليه السلم فهذا المضمون مستفيض مؤيد بأخبار اخر
أيضا .قوله عليه السلم " اليمان بال " هو مبتدأ و " أعلى " خبره،
ويحتمل أن يكون المراد به جميع العقائد اليمانية اكتفى بذكر أشرفها
وأعظمها للزومها لسائرها مع أن كون التوحيد أشرف ل ينافي وجوب
البقية ،واشتراطه بها والسنا الضوء وبالمد الرفعة ،والحظ النصيب
والمراد بالقول التصديق القلبي أو هو مع القرار اللساني بالعقائد اليمانية
وقيل :هو الذي يعبر عنه بالكلم النفسي ،وقد يستدل بقوله " :عمل كله "
على أن التصديق المكلف به ليس محض العلم إذ هو من قبيل النفعال بل
هو فعل قلبي .قال شارح المقاصد :والمذهب أنه غير العلم والمعرفة ،لن
من الكفار من كان يعرف الحق ول يصدق به عنادا واستكبارا قال ال
تعالى " :الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا
منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون " ) (2وقال " :وإن الذين اوتوا الكتاب
ليعلمون أنه الحق من ربهم وما ال بغافل عما يعملون " ) (3وقال تعالى
حكاية عن موسى عليه السلم لفرعون " :ولقد علمت ما أنزل هؤلء إل
رب السموات والرض " ) (4فاحتيج إلى الفرق بين العلم بما جاء به
النبي صلى ال عليه وآله وهو معرفته ،وبين التصديق ،ليصح كون الول
حاصل للمعاندين دون الثاني ،وكون الثاني إيمانا دون الول ،فاقتصر
بعضهم على أن ضد التصديق هو النكار والتكذيب ،وضد المعرفة النكارة
والجهالة ،وإليه أشار الغزالي حيث فسر التصديق بالتسليم ،فانه ل يكون
مع النكار والستكبار ،بخلف
) (1باب أن اليمان مبثوث لجوارح البدن كلها ،وباب السبق الى اليمان(2) .
البقرة (3) .146 :البقرة (4) .144 :أسرى .102
][31
العلم والمعرفة .وفصل بعضهم زيادة التفصيل ،وقال :التصديق عبارة عن ربط
القلب بما علم من إخبار المخبر ،وهو أمر كسبي يثبت باختيار المصدق،
ولهذا يؤجر ويثاب عليه بل يجعل رأس العبادات ،بخلف المعرفة ،فانها
ربما تحصل بل كسب كمن وقع بصره على جسم فحصل له معرفة أنه
جدار أو حجر ،وحققه بعض المتأخرين زيادة تحقيق فقال :المعتبر في
اليمان هو التصديق الختياري ،ومعناه نسبة التصديق إلى المتكلم اختيارا
وبهذا القيد يمتاز عن التصديق المنطقي المقابل للتصور فانه قد يخلو عن
الختيار ،كما إذا ادعى النبي النبوة وأظهر المعجزة فوقع في القلب صدقه
ضرورة ،من غير أن ينسب إليه اختيارا ،فانه ل يقال في اللغة أنه صدقه
فل يكون إيمانا شرعيا ،كيف ؟ والتصديق مأمور به ،فيكون فعل اختياريا
زائدا على العلم ،لكونه كيفية نفسانية أو انفعال وهو حصول المعنى في
القلب ،والفعل القلبي ليس كذلك ،بل هو إيقاع النسبة اختيارا الذي هو كلم
النفس ويسمى عقد القلب ،فالسو فسطائي عالم بوجود النهار ،وكذا بعض
الكفار بنبوة النبي صلى ال عليه وآله لكنهم ليسوا بمصدقين لنهم ل
يحكمون اختيارا بل ينكرون .وكلم هذا القائل ،متردد يميل تارة إلى أن
التصديق المعتبر في اليمان نوع من التصديق المنطقي ،لكونه مقيدا
بالختيار ،وكون التصديق العلمي أعم ل فرق بينهما إل بلزوم الختيار
وعدمه ،وتارة إلى أنه ليس من جنس العلم أصل لكونه فعل اختياريا
وكون العلم كيفية أو انفعال وعلى هذا الخير أصر بعض المعتنبن بتحقيق
اليمان ،وجزم بأن التسليم الذي فسر به الغزالي التصديق ليس من جنس
العلم ،بل أمر وراءه معناه " كردن دادن ،وكرويدن ،وحق دانستن مر آنرا
كه حق دانسته باشى " .ويؤيده ما ذكره إمام الحرمين أن التصديق على
التحقيق كلم النفس لكن ل يثبت كلم النفس إل مع العلم ،ونحن نقول :ل
شك أن التصديق المعتبر في اليمان هو ما يعبر عنه في الفارسية "
بگرويدن ،وباور كردن ،وراست گوى دانستن " إذا
][32
اضيف إلى الحاكم " وراست دانستن ،وحق دانستن " إذا اضيف إلى الحكم ،ول
يكفي مجرد العلم والمعرفة الخالي عن هذا المعنى ،ثم أطال الكلم في ذلك
وآل تحقيقه إلى أنه ليس شئ وراء العلم والمعرفة .وقال المحقق الدواني
في شرح العقائد :اعلم أنه لو فسر التصديق المعتبر في اليمان بما هو أحد
قسمي العلم ،فلبد من اعتبار قيد أخن ليخرج الكفر العنادي وقد عبر عنه
بعض المتأخرين بالتسليم والنقياد ،وجعله ركنا من اليمان و القرب أن
يفسر التصديق بالتسليم الباطني والنقياد القلبي ،ويقرب منه ما قيل :إن
التصديق أن تنسب باختيارك الصدق إلى أحد وهو يحوم حول ذلك وإن لم
يصب المنحر انتهى .وأقول :الحق أن إثبات معنى آخر غير العلم والمعرفة
مشكل ،وكون بعض أفراده حاصل بغير اختيار ل ينافي التكليف به لمن لم
يحصل له ذلك ،وترتب الثواب على ما حصل بغير الختيار إما تفضل أو هو
على الثبات عليه وإظهاره و العمل بمقتضاه ،والكلم النفسي الذي ذكروه
ليس وراء التصور والتصديق شيئا نعم المعنى الذي نفهمه ههنا زائدا
على العلم هو العزم على إظهار ما اعتقده ،أو على عدم إنكاره ظاهرا بغير
ضرورة تدعو إليه ويمكن عده من لوازم اليمان أو شرائطه كما يومئ
إليه بعض اليات والخبار ،والعلم لو سلم أنه من قبيل النفعال فعده عمل
على سبيل التوسع باعتبار أسبابه ومباديه .قوله عليه السلم " بفرض "
الباء للسببية ،وضميرا " نوره وحجته " راجعان إلى الفرض ،وكذا
ضميرا " به وإليه " راجعان إليه ،وضمير " له " إلى العامل وقيل :إلى
كونه عمل ،وقيل إلى ال والول أظهر ،ومن أرجع ضمير به إلى الفرض
وضمير له إلى كونه عمل لو عكس كان أنسب ،وضمير يدعوه المستتر
راجع إلى الكتاب ،والبارز إلى العامل ،وقيل :الظاهر أن " يشهد ويدعوه
" حال عن فرض ،و أن ضمير " له وإليه " راجع إلى ال ،وضمير به
والبارز في يدعوه للفرض والمراد بدعاء الكتاب ذلك الفرض إليه سبحانه
نسبته إليه وبيانه أنه منه ،ويحتمل أن يكون
][33
حال عن اليمان ،وأن يكون ضمير له ويدعوه راجعا إليه وضمير به وإليه للعمل
أي يشهد الكتاب لليمان بأنه عمل ،ويدعو الكتاب اليمان إلى أنه عمل
انتهى ول يخفى بعدهما وفي تفسير العياشي :يشهد له بها الكتاب ويدعو
إليه ،فضمير بها راجع إلى الحجة ) (1وقوله " واضح " و " ثابتة "
نعتان للفرض " .لليمان حالت " كأنه إشارة إلى الحالت الثلث التية
أي التام والناقص والراجح ،والدرجات مراتب الرجحان فانها كثيرة بحسب
الكمية والكيفية والطبقات مراتب النقصان ،والمنازل ما يلزم تلك الدرجات
والطبقات من القرب إليه سبحانه والبعد عنه ،والمثوبات والعقوبات
المترتبة عليها .وقيل :إشارة إلى أن لليمان مراتب متكثرة ،وهي حالت
النسان باعتبار قيامها به ،ودرجات باعتبار ترقيه من بعضها إلى بعض،
وطبقات باعتبار تفاوت مراتبها في نفسها وكون بعضها فوق بعض،
ومنازل باعتبار أن النسان ينزل فيها ويأوي إليها " .فمنه التام " وهو
إيمان النبياء والوصياء عليهم السلم لشتماله على جميع أجزاء اليمان
من فعل الفرائض وترك الكبائر وإن تفاوتت بانضمام سائر المكملت من
المستحبات وترك المكروهات زيادة ونقصانا أو المراد بالتام المنتهى
تمامه درجة النبي صلى ال عليه وآله وأوصيائه عليهم السلم " ومنه
الناقص البين نقصانة " وهو أقل مراتب اليمان الذي بعده الكفر ،ومنه
الراجح ،وفيه أفراد غير متناهية باعتبار التفاوت في الكمية والكيفية .ثم
إنه يحتمل الكلم وجهين :أحدهما أن يكون اليمان المشتمل على فعل
الفرائض وترك الكبائر حاصل في الجميع لعدم صدق اليمان بدون ذلك،
ويكون الدرجات والمنازل باعتبار تلك العمال ونقصها ،وانضمام فعل
سائر الواجبات وترك سائر المحرمات ،وفعل المندوبات وترك المكروهات
بل المباحات ،والتصاف بالخلق السنية والملكات العلية ،وثانيهما أن
يكون القدر المشترك حصول
][34
اليمان في الجملة ،والكامل ما يكون مشتمل على جميع الجزاء وهو اليمان
حقيقة والناقص التام ما لم يكن فيه سوى العقائد الحقة ،والدرجات
المتوسطة تختلف باعتبار كثرة أجزاء اليمان وقلتها ،فالمؤمن حقيقة هو
الفرد الول و إطلقه على البواقي على التوسع لنتفاء الكل بانتفاء أحد
الجزاء ،ولكل منهما شواهد لفظا ومعنى ،فتأمل ،فلما عسر فهمه على
السائل للفته بمصطلحات المتكلمين أعاد السؤال لمزيد التوضيح .قوله
عليه السلم " به يعقل ويفقه ويفهم " قيل :العقل العلم بالقضايا
الضرورية ،و الفقه ترتيبها لنتاج القضايا النظرية ،والفهم العلم بالنتيجة
أقول :ويحتمل أن يكون العقل معرفة الصول العقلية ،والفقه العلم بالحكام
الشرعية ،والفهم معرفة سائر المور المتعلقة بالمعاش وغيره ،والمراد
بالقلب النفس الناطقة سميت به لتعلقها أول بالروح الحيواني المنبعث
منه ،أو القلب الصنوبري من حيث تعلق النفس به ،وقيل :محل الدراك
هذا الشكل الصنوبري عمل بظواهر اليات والخبار ،وسيأتي تحقيقه في
محله إنشاء ال .قال الراغب في المفردات :قال بعض الحكماء حيث ما ذكر
ال القلب فاشارة إلى العقل والعلم ،نحو " إن في ذلك لذكرى لمن كان له
قلب " ) (1وحيث ما ذكر الصدر فاشارة إلى ذلك وإلى سائر القوى من
الشهوة والهوى والغضب و نحوها ،وقوله " رب اشرح لي صدري " )(2
فسؤال لصلح قواه ،وكذا قوله " ويشف صدور قوم مؤمنين " )(3
إشارة إلى إشفائهم ،وقوله " ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " )(4
أي العقول التي هي مندرجة بين سائر القوى وليست بمهتدية وال أعلم
بذلك ) (5وقال قلب النسان قيل سمي به لكثرة تقلبه ،ويعبر بالقلب عن
المعاني التي تختص به من الروح والعلم والشجاعة وسائر ذلك فقوله
) (1ق (2) .37 :طه (3) .25 :براءة (4) .14 :الحج (5) .46 :مفردات غريب
القرآن ص .276
][35
" وبلغت القلوب الحناجر " ) (1أي الرواح " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب
" أي علم وفهم ،وكذلك " وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه " )(2
وقوله " وطبع على قلوبهم فهم ل يفقهون " ) (3وقوله " ولتطمئن به
قلوبكم " ) (4أي تثبت به شجاعتكم ويزول خوفكم ،وعلى عكسه " وقذف
في قلوبهم الرعب " ) (5وقوله " هو الذي أنزل السكينة في قلوب
المؤمنين " ) (6وقوله " وقلوبهم شتى " ) (7أي متفرقة ،وقوله " ولكن
تعمى القلوب التي في الصدور " قيل :العقل ،وقيل الروح فأما العقل فل
يصح عليه ذلك ومجازه مجاز قوله " تجري من تحتها النهار " والنهار
ل تجري وإنما يجري الماء الذي فيه انتهى ) .(8والورود :حضور الماء
للشرب والصدر والصدور :النصراف عنه ،وهذا مثل في أنها ل تفعل شيئا
إل بأمره كما يقال في الفارسية ل يشرب الماء إل بأمره وإذنه ،والبطش:
تناول الشئ بصولة وقوة ،والباه في بعض النسخ بدون الهمزة وفي
بعضها بها ،قال الجوهري :الباه مثل الجاه لغة في الباءة ،وهو الجماع )
" (9ينطق به " الجملة نعت للفرض ،وضمير " به " في الموضعين
للفرض ،وضميرا " لها وعليها " للجارحة ،واللم للنتفاع ،وعلى
للضرار وإرجاع ضمير " به " إلى اليمان كما قيل يقتضي خلو الجملة
عن العائد وإرجاع ضمير لها هنا إلى الجارحة يؤيد إرجاع ضمير له سابقا
إلى العامل .قوله " فالقرار " أي القرار القلبي لن الكلم في فعل القلب،
وإن احتمل أن يكون المراد القرار اللساني لنه إخبار عن القلب ،لكن
ذكره بعد ذلك في عمل اللسان ربما يأبى عن ذلك ،وإن احتمل توجيهه،
والمعطوفات عليه على
) (1الحزاب ص (2) .33النعام (3) .25 :المنافقون (4) .3 :النفال(5) .10 :
الحزاب (6) .26 :الفتح (7) .4 :الحشر (8) .14 :مفردات غريب
القرآن (9) .411 :الصحاح.2228 :
][36
الول عطف تفسير له وكأنها إشارة إلى مراتب اليقين واليمان القلبي ،فان أقل
مراتبه الذعان القلبي ،ولو عن تقليد أو دليل خطابي ،والمعرفة ما كان
عن برهان قطعي ،والعقد هو العزم على القرار اللساني ،وما يتبعه
ويلزمه عن العمل بالركان والرضا هو عدم إنكار قضاء ال وأوامره
ونواهيه ،وأن ل يثقل عليه شئ من ذلك لمخالفته لهوى نفسه ،والتسليم
هو النقياد التام للرسول فيما يأتي به لسيما ما ذكر في أمر أوصيائه وما
يحكم به بينهم كما قال تعالى " :فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما
شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " )
.(1فظهر أن القرار بالولية أيضا داخل في ذلك بل جميع ما جاء به النبي
وقوله " بأن ل إله " متعلق بالقرار ،لن ما ذكر بعده تفسير ومكمل له،
والصاحبة الزوجة ،والقرار عطف على القرار ،والمراد القرار بسائر
أنبياء ال وكتبه .والمستتر في جاء راجع إلى الموصول ،وما قيل :إن
قوله " بأن ل إله إل ال " الخ متعلق بالقرار والمعرفة والعقد ،وقوله "
والقرار بما جاء من عند ال " معطوف على أن ل إله ،فيكون الولن
بيانا للخيرين ،والخير بيانا للول فل يخفى ما فيه من أنواع الفساد .وقال
المحدث السترابادي -ره :-المعرفة جاء في كلمهم لمعان أحدها التصور
مطلقا ،وهو المراد من قولهم على ال التعريف والبيان أي ذكر المدعى
والتنبيه عليها إذ ل يجب خلق الذعان كما يفهم من باب الشك وغير ذلك
من البواب وثانيها الذعان القلبي وهو المراد من قولهم أقروا بالشهادتين
ولم يدخل معرفة أن محمدا رسول ال صلى ال عليه وآله في قلوبهم،
وثالثها عقد القضية الجمالية مثل ،نعم وبلى وهذا العقد ليس من باب
التصور ول من باب التصديق ،ورابعها العلم الشامل للتصور والتصديق،
وهو المراد من قولهم العلم والجهل من صنع ال في القلوب انتهى وفيه ما
فيه.
][37
والية الولى من سورة النحل " من كفر بال من بعد إيمانه " ) (1قيل بدل من
الذين ل يؤمنون ،وما بينهما اعتراض ،أو من اولئك أو من الكاذبون ،أو
مبتدأ خبره محذوف دل عليه قوله " فعليهم غضب " ويجوز أن ينتصب
بالذم وأن تكون من شرطية محذوفة الجواب " إل من اكره " على
الفتراء أو كلمة الكفر ،استثناء متصل لن الكفر لغة يعم القول والعقد
كاليمان كذا ذكره البيضاوي ) (2والظاهر أنه منقطع " وقلبه مطمئن
باليمان " لم يتغير عقيدته " ولكن من شرح بالكفر صدرا " أي اعتقده
وطاب به نفسا " فعليهم غضب من ال ولهم عذاب عظيم " وقد ورد في
أخبار كثيرة من طرق الخاصة والعامة أنها نزلت في عمار بن ياسر حيث
أكرهه وأبويه ياسرا وسمية كفار مكة على الرتداد ،فأبى أبواه فقتلوهما،
وهما أول قتيلين في السلم وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرها،
فقيل :يا رسول ال إن عمارا كفر ،فقال :كل إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه
إلى قدمه ،واختلط اليمان بلجمه ودمه ،فأتى عمار رسول ال صلى ال
عليه وآله وهو يبكي فجعل النبي صلى ال عليه وآله يمسح عينيه ،وقال:
مالك إن عادوا لك فعدلهم بما قلت ،وعن الصادق عليه السلم :فأنزل ال
فيه " إل من اكره " الية فقال له النبي صلى ال عليه وآله عندها :يا
عمار إن عادوا فعد ،فقد أنزل ال عذرك ،وأمرك أن تعود إن عادوا،
وبالجملة الية تدل على أن بعض أجزاء اليمان متعلق بالقلب ،وإن استدل
القوم بها على أن اليمان ليس إل التصديق القلبي والية الثانية " الذين
آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر ال " ) (3قيل أي انسابه واعتمادا عليه،
ورجاء منه ،أو بذكر رحمته بعد القلق من خشيته ،أو بذكر دلئله الدالة
على وجوده ووحدانيته أو بكلمه يعني القرآن الذي هو أقوى المعجزات "
أل بذكر ال تطمئن القلوب " أي تسكن إليه ،وقال في المجمع :معناه الذين
اعترفوا بتوحيد ال على جميع صفاته وبنبوة نبيه وقبول ما جاء به من
عند ال ،وتسكن قلوبهم بذكر ال ،وتأنس إليه ،والذكر حضور المعنى
للنفس ،وقد يسمى العلم ذكرا ،والقول الذي فيه المعنى الحاضر للنفس
أيضا
) (1النحل (2) .106 :أنوار التنزيل (3) .233 :الرعد.28 :
][38
يسمى ذكرا " أل بذكر ال " الخ هذا حث للعباد على تسكين القلب إلى ما وعد ال
به من النعيم والثواب انتهى ) (1وكأن استدلله عليه السلم بالية مبني
على أن المراد بذكر ال العقائد اليمانية ،والدلئل المفضية إليها إذ بها
تطمئن القلب من الشك والضطراب ويؤيده قوله في الية السابقة " وقلبه
مطمئن باليمان " .قوله " الذين آمنوا بأفواههم " كأنه نقل لمضمون
الية إن لم يكن من النساخ أو الرواة ،وفي المائدة هكذا " :يا أيها الرسول
ل يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم
تؤمن قلوبهم " وفي رواية النعماني " الذين قالوا آمنا بأفواههم " )(2
وهو أظهر .قوله سبحانه " إن تبدوا ما في أنفسكم " ) (3قال الطبرسي
رحمه ال :أي تظهروها وتعلنوها من الطاعة والمعصية ،أو العقائد " أو
تخفوه " أي تكتموه " يحاسبكم به ال " أي يعلم ال ذلك فيجازيكم عليه،
وقيل :معناه إن تظهروا الشهادة أو تكتموها وأن ال يعلم ذلك ويجازيكم به
عن ابن عباس وجماعة ،وقيل :إنها عامة في الحكام التي تقدم ذكرها في
السورة ،خوفهم ال تعالى من العمل بخلفها .وقال قوم :إن هذه الية
منسوخة بقوله " ل يكلف ال نفسا إل وسعها " ) (4ورووا في ذلك خبرا
ضعيفا ،وهذا ل يصح لن تكليف ما ليس في الوسع غير جائز ،فكيف
ينسخ وإنما المراد بالية ما يتناوله المر والنهي من العتقادات والرادات
وغير ذلك مما هو مستورعنا ،وأما مال يدخل في التكليف من الوساوس
والهواجس مما ل يمكن التحفظ عنه من الخواطر فخارج عنه لدللة العقل،
و لقوله عليه السلم " يعفى لهذه المة عن نسيانها وما حدثت به أنفسها
" وعلى هذا يجوز أن تكون الية الثانية بينت الولى وأزالت توهم من
صرف ذلك إلى غير وجه المراد ،وظن أن ما يخطر بالبال أو تتحدث به
النفس مما ل يتعلق بالتكليف ،فان ال يؤاخذ به ،والمر بخلف ذلك "
فيغفر لمن يشاء " منهم رحمة وتفضل " ويعذب من
) (1مجمع البيان ج 6ص (2) .291كما سيجئ تحت الرقم (3) .29البقرة.284 :
) (4البقرة.286 :
][39
يشاء " منهم ممن استحق العقاب عدل " وال على كل شئ قدير " من المغفرة
والعذاب عن ابن عباس .ولفظ الية عام في جميع الشياء والقول فيما
يخطر بالبال من المعاصي أن ال سبحانه ل يؤاخذ به وإنما يؤاخذ بما يعزم
النسان ويعقد قلبه عليه ،مع إمكان التحفظ عنه ،فيصير من أفعال القلب
فيجازيه به كما يجازيه على أفعال الجوارح و إنما يجازيه جزاء العزم ل
جزاء عين تلك المعصية ،لنه لم يباشرها وهذا بخلف العزم على الطاعة،
فان العازم على فعل الطاعة يجازى على عزمه ذلك جزاء تلك الطاعة كما
جاء في الخبار أن المنتظر للصلة في الصلة مادام ينتظرها ،وهذا من
لطائف نعم ال على عباده انتهى ) .(1والظاهر من الخبار الكثيرة التي
يأتي بعضها في هذا الكتاب عدم مؤاخذة هذه المة على الخواطر والعزم
على المعاصي ،فيمكن تخصيص هذه الية بالعقائد كما هو ظاهر هذه
الرواية ،وإن أمكن أن تكون نية المعصية والعزم عليها معصية يغفرها ال
للمؤمنين ،فالمراد بقوله " لمن يشاء " المؤمنون ويؤيده ما ذكره المحقق
الطوسي وغيره أن إرادة القبيح قبيحة فتأمل ويظهر من بعض الخبار أن
هذه الية منسوخة وقد خففها ال عن هذه المة كما روى الديلمي في
إرشاد القلوب باسناده عن موسى بن جعفر ،عن آبائه عليهم السلم في
خبر طويل في معراج النبي صلى ال عليه وآله قال :ثم عرج به حتى
انتهى إلى ساق العرش وناجاه بما ذكره ال عزوجل في كتابه قال تعالى "
ل ما في السماوات وما في الرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه
يحاسبكم به ال فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " وكانت هذه الية قد
عرضت على سائر المم من لدن آدم إلى بعث محمد صلى ال عليه وآله
فأبوا جميعا أن يقبلوها من ثقلها وقبلها محمد صلى ال عليه وآله فلما
رأى ال عزوجل منه ومن امته القبول ،خفف عنه ثقلها فقال ال عزوجل
" آمن الرسول بما انزل إليه من ربه " ثم إن ال عزوجل تكرم على محمد
وأشفق على امته من تشديد الية التي قبلها هو وامته فأجاب عن نفسه
وامته
][40
فقال " والمؤمنون كل آمن بال وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد من رسله
" فقال ال عزوجل :لهم المغفرة والجنة إذا فعلوا ذلك ،فقال النبي "
سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " يعني المرجع في الخرة،
فأجابه قد فعلت ذلك بتائبي امتك قد أوجبت لهم المغفرة ثم قال ال تعالى:
أما إذا قبلتها أنت وامتك وقد كانت عرضت من قبل على النبياء والمم فلم
يقبلوها فحق علي أن أرفعها عن امتك فقال ال تعالى " ل يكلف ال نفسا
إل وسعها لها ما كسبت " من خير " و عليها ما اكتسبت " من شر ،ألهم
ال عزوجل نبيه أن قال " ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " فقال ال
سبحانه :أعطيتك لكرامتك إلى آخر الخبر ) .(1وأما المخالفون فهم اختلفوا
في ذلك قال الرازي في تفسير هذه الية :يروى عن ابن عباس أنه قال:
لما نزلت هذه الية جاء أبو بكر وعمر و عبد الرحمان بن عوف ومعاذ
وناس إلى النبي صلى ال عليه وآله فقالوا :يا رسول ال كلفنا من العمل
مال نطيق إن أحدنا ليحدث نفسه بما ل يحب أن يثبت في قلبه وإنه لذنب
فقال النبي صلى ال عليه وآله فلعلكم تقولون كما قال بنو إسرائيل سمعنا
وعصينا ،فقولوا سمعنا و أطعنا ،فقالوا سمعنا وأطعنا واشتد ذلك عليهم
فمكثوا في ذلك حول فأنزل ال تعالى " ل يكلف ال نفسا إل وسعها "
فنسخت هذه الية ،فقال النبي صلى ال عليه وآله :إن ال تجاوز عن امتي
ما حدثوا به أنفسهم ما لم يعملوا أو تكلموا به .واعلم أن محل البحث في
هذه الية أن قوله " إن تبدوا " الخ يتناول حديث النفس والخواطر
الفاسدة التي ترد على القلب ،ول يتمكن من دفعها ،فالمؤاخذة بها تجري
مجرى تكليف مال يطاق ،والعلماء أجابوا عنه من وجوه :الول أن
الخواطر الحاصلة في القلب على قسمين فمنها ما يوطن النسان نفسه
عليه والعزم على إدخاله في الوجود ،ومنها ما ل يكون كذلك ،بل يكون
امورا خاطرة بالبال مع أن النسان يكرهها ولكنه ل يمكنه دفعها عن
نفسه ،فالقسم الول يكون مؤاخذا به ،والثاني ل يكون مؤاخذا به ،أل ترى
إلى قوله تعالى:
" ل يؤاخذكم ال باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم " ) (1وقال
في آخر هذه السورة " :لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " ) (2وقال" :
إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة " ) (3هذا هو الجواب المعتمد .الوجه
الثاني أن كل ما كان في القلب مما ل يدخل في العمل فانه في محل العفو
وقوله " وإن تبدوا " إلى آخرها فالمراد منه أن يدخل ذلك العمل في
الوجود إما ظاهرا أو على سبيل الخفية ،وأما ما يوجد في القلب من
العزائم والرادات ولم يتصل بالعمل ،فكل ذلك في محل العفو ،وهذا الجواب
ضعيف لن أكثر المؤاخذات إنما يكون بأفعال القلوب ،أل ترى أن اعتقاد
الكفر والبدع ليس إل من أعمال القلوب ،وأعظم أنواع العقاب مرتب عليه
أيضا ،وأفعال الجوارح إذا خلت من أعمال القلوب ،ل يترتب عليها عقاب،
كأفعال النائم والساهي فثبت ضعف هذا الجواب .والوجه الثالث أنه تعالى
يؤاخذ بها ومؤاخذتها من الغموم في الدنيا وروى في ذلك خبرا عن
عائشة ،عن النبي صلى ال عليه وآله .الوجه الرابع أنه تعالى قال" :
يحاسبكم به ال " ولم يقل يؤاخذكم به ال وقد ذكرنا في معنى كونه حسيبا
ومحاسبا وجوها منها كونه عالما بها ،فرجع المعنى إلى كونه تعالى عالما
بالضمائر والسرائر ،وروي عن ابن عباس أنه تعالى إذا جمع الخلئق
يخبرهم بما كان في نفوسهم ،فالمؤمن يخبره ويعفو عنه ،وأهل الذنوب
يخبرهم بما أخفوا من التكذيب والذنب .الوجه الخامس أنه تعالى ذكر بعد
هذه الية " فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " فيكون الغفران نصيبا لمن
كان كارها لورود تلك الخواطر ،والعذاب لمن كان مصرا عليها مستحسنا
لها .الوجه السادس قال بعضهم :المراد بهذه الية كتمان الشهادة ،وهو
ضعيف وإن كان واردا عقيبه.
][42
الوجه السابع ما مر أنها منسوخة بقوله " ل يكلف ال نفسا إل وسعها " وهذا
أيضا ضعيف لوجوه أحدها أن هذا النسخ إنما يصح لو قلنا إنهم كانوا قبل
هذا النسخ مأمورين بالحتزار عن تلك الخواطر التي كانوا عاجزين عن
دفعها وذلك باطل ،لن التكليف قط ما ورد إل بما في القدرة ،ولذلك قال
صلى ال عليه وآله :بعثت بالحنيفية السمحة السهلة ،والثاني أن النسخ
إنما يحتاج إليه لو دلت الية على حصول العقاب على تلك الخواطر ،وقد
بينا أنها ل تدل على ذلك ،الثالث أن نسخ الخبر ل يجوز وإنما يجوز نسخ
الوامر والنواهي ،واختلفوا في أن الخبر هل ينسخ أم ل انتهى .وقال أبو
المعين النسفي :قال أهل السنة والجماعة :العبد مؤاخذ بما عقد بقلبه نحو
الزنا واللواطة وغير ذلك أما إذا خطر بباله ولم يقصد فل يؤاخذ به ،وقال
بعضهم :ل يؤاخذ في الصورتين جميعا ،وحجتهم قوله صلى ال عليه وآله
" عفي عن امتي ما خطر ببالهم ما لم يتكلموا ويفعلوا " وحجتنا قوله
تعالى " وإن تبدوا ما في أنفسكم " الية فثبت أنه مؤاخذ بقصده ،وما
ذكرتم من الحديث فمحمول على ما خطر بباله ولم يقصد أما إذا قصد فل
انتهى " .وهو رأس اليمان " كأن التشبيه بالرأس باعتبار أن بانتفائه
ينتفي اليمان رأسا كما أن بانتفاء الرأس ل تبقى الحياة ويفسد جميع
البدن ،قوله عليه السلم " القول " أي ما يجب التكلم به من القوال
كاظهار الحق ،والمر بالمعروف ،والنهي عن المنكر والقراءة والذكار في
الصلة وأمثالها ،فيكون قوله " والتعبير " تخصيصا بعد التعميم ،لمزيد
الهتمام " .وقولوا للناس حسنا " ) (1قال البيضاوي :أي قول حسنا
وسماه حسنا للمبالغة ،وقرأ حمزة ويعقوب والكسائي حسنا بفتحتين انتهى
أقول :في بعض الخبار عن الصادق عليه السلم أنه قال :يعني قولوا
محمد رسول ال وفي رواية اخرى عنه عليه السلم
][43
نزلت في اليهود ،ثم نسخت بقوله " قاتلوا الذين ل يؤمنون بال " ) (1الية وفي
بعض الروايات أنه حسن المعاشرة والقول الجميل ،وفي بعضها أنه المر
بالمعروف والنهي عن المنكر ،وكأن التعميم أولى فيناسب التعميم في
القول أول ،ويؤيده ما سيأتي نقل من تفسير النعماني .ثم إن الية الثانية
ليست في المصاحف هكذا ففي سورة البقرة " قولوا آمنا بال وما انزل
إلينا وما انزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط " وفي
سورة العنكبوت " وقولوا آمنا بالذي انزل إلينا وانزل إليكم وإلهنا وإلهكم
واحد ونحن له مسلمون " فالظاهر أن التغيير من النساخ أو نقل اليتين
بالمعنى وفي النعماني موافق للولى ،ولعله كان في الخبر اليتان فأسقطوا
عجز الولى و صدر الثانية ،والتنزه الجتناب " وأن يعرض " عطف "
على أن يتنزه " والصغاء عطف على الموصول في قوله " عما ل يحل
" " .وقد نزل عليكم في الكتاب " ) (2هذه الية في سورة النساء وفي
تفسير علي ابن إبراهيم ) (3أن آيات ال هم الئمة عليهم السلم ،وروى
العياشي ) (4في تفسيرها إذا سمعت الرجل يجحد الحق ويكذب به ويقع في
أهله فقم من عنده ول تقاعده قال الراغب والخوض الشروع الماء
والمرور فيه ،ويستعار في المور وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذ
الشروع فيه ،وتتمة الية " إنكم إذا مثلهم إن ال جامع المنافقين
والكافرين في جهنم جميعا " والستثناء في سورة النعام حيث قال" :
وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في
حديث غيره وإما ينسينك الشيطان " ) (5الية ويحتمل أن يكون قوله
تعالى " وقد نزل عليكم في
) (1براءة (2) .290 :النساء (3) .136 :تفسير القمى ص (4) .467 - 469
تفسير العياشي ج 1ص (5) .281النعام.68 :
][44
الكتاب " إشارة إلى ما نزل في سورة النعام ،فهذه الية كالتفسير لتلك الية،
فذكره عليه السلم آية النساء ،لبيان أن الخوض في اليات المذكور في
النعام هو الكفر والستهزاء بها ،وإل كان المناسب ذكر الية المتصلة
بالستثناء فتفطن ،وروى العياشي عن الباقر عليه السلم في هذه الية )
(1قال :الكلم في ال والجدال في القرآن وقال منه القصاص " وإما
ينسينك الشيطان " أي النهي " فل تقعد بعد الذكرى " أي بعد أن تذكره "
مع القوم الظالمين " أي معهم ،فوضع الظاهر موضعه تنبيها على أنهم
ظلموا بوضع التكذيب والستهزاء موضع التصديق والستعظام ،وفي
الحديث عن النبي صلى ال عليه وآله من كان يؤمن بال واليوم الخر فل
يجلس في مجلس يسب فيه إمام أو يغتاب فيه مسلم ،إن ال تعالى يقول في
كتابه " وإذا رأيت " الية ) .(2ثم إن الخطاب في الية إما خطاب عام أو
الخطاب ظاهرا للرسول والمراد به المة لن النسيان ل يجوز عليه صلى
ال عليه وآله لسيما إذا كان من الشيطان ،فان من جوز السهو والنسيان
عليه صلى ال عليه وآله كالصدوق إنما جوز السهاء من ال تعالى
للمصلحة ل من الشيطان " فبشر عبادي " الضافة للتشريف ،وأحسن
القول :ما فيه رضا ال أو أشد رضاه ،وما هو أشق على النفس ،وهذه
كلمة جامعة يندرج فيها القول في اصول الدين وفروعه ،والصلح بين
الناس ،والتمييز بين الحق والباطل وإيثار الفضل فالفضل ،وفي رواية:
هو الرجل يسمع الحديث فيحدث به كما سمع ل يزيد فيه ول ينقص منه" .
اولئك الذين هديهم ال " لدينه " واولئك هم اولوا اللباب " ) (3أي
العقول السليمة عن منازعة الهوى والوهم والعادات " وعبادي " في
النسخ باثبات الياء موافقا لرواية أبي عمرو برواية موسى حيث قرأ في
الوصل بفتح الياء وفي
) (1تفسير العياشي ج 1ص (2) .362راجع تفسير القمى ص (3) .192الزمر:
(*) .18
][45
الوقف باسكانها ،وقرأ الباقون باسقاط الياء والكتفاء بالكسرة " .الذينهم في
صلتهم خاشعون " قيل :أي خائفون من ال متذللون له يلزمون أبصارهم
مساجدهم ،وفي تفسير علي بن إبراهيم ) (1غضك بصرك في صلتك ،و
إقبالك علينا .وسيأتي تفسيره في كتاب الصلة إنشاء ال " والذينهم عن
اللغو معرضون " قيل " اللغو " مال يعنيهم من قول أو فعل وفي تفسير
علي بن إبراهيم يعني عن الغناء والملهي وفي إرشاد المفيد عن أمير
المؤمنين عليه السلم كل قول ليس فيه ذكر فهو لغو ،وفي المجمع عن
الصادق عليه السلم قال أن يتقول الرجل عليك بالباطل أو يأتيك بما ليس
فيك فتعرض عنه ل ،قال وفي رواية اخرى أنه الغناء والملهي ،وفي
العتقادات عنه عليه السلم أنه سئل عن القصاص أيحل الستماع لهم
فقال :ل .والحاصل أن اللغو كل مال خير فيه من الكلم والصوات ،ويكفي
في الستشهاد كون بعض أفراده حراما مثل الغناء والدف والصنج
والطنبور و الكاذيب وغيرها ،وقال في سورة القصص " وإذا سمعوا
اللغو أعرضوا عنه " قال علي بن إبراهيم ) :(2اللغو الكذب واللهو
والغناء وقال في الفرقان " وإذا مروا باللغو مروا كراما " ) (3أي
معرضين عنه مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه ،و الخوض فيه ،وفي
أخبار كثيرة تفسير اللغو في هذه الية بالغناء والملهي قوله " :من
اليمان " من تبعيضية " وأن ل يصغي " عطف بيان لهذا ،وقيل " من
اليمان " مبتدأ و " أن ل يصغي " خبره ) (4وفيه ما فيه " .قل للمؤمنين
يغضوا " ) ،(5الخطاب للرسول صلى ال عليه وآله " ويغضوا " مجزوم
بتقدير اللم أي ليغضوا ،فالمقصود تبليغهم أمر ربهم أو حكاية لمضمون
أمره عليه السلم أو منصوب بتقدير أن أي مرهم أن يغضوا ،فان " قل
لهم " في معنى " مرهم " وقيل إنه جواب المر أي قل لهم غضوا يغضوا
واعترض بأنه حينئذ ينبغي الفاء أي فيغضوا
) (1تفسير القمى ص ،444وهكذا ما بعده ،والية صدر سورة المؤمنون(2) .
تفسير القمى ص 490والية في القصص (3) .55 :الفرقان(4) .72 :
بل بالعكس (5) .النور.30 :
][46
وفيه أنه سهل ليكن محذوفا ،وأبعد منه ما يقال إن التقدير قل لهم غضوا فانك إن
تقل لهم يغضوا ،وأصل الغض النقصان والخفض كما في قوله "
واغضض من صوتك " ) (1وأجاز الخفش أن تكون من زائدة وأباه
سيبويه ،وقال إنه للتبعيض ولعله الوجه ،وليس المراد نقص المبصرات
وتبعيضها ول البصار ،بل النظر بها ،وهو المراد مما قيل :المراد غض
البصر وخفضه عما يحرم النظر إليه و القتصار به على ما يحل ،وكذا
قوله " ويحفظوا فروجهم " أي إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم،
فلما كان المستثنى هنا كالشاذ النادر مع كونه معروفا معلوما بخلفه في
غض البصار أطلق الحفظ هنا وقيد الغض بحرف التبعيض ،وفي الكشاف:
ويجوز أن يراد مع حفظها عن الفضاء إلى مال يحل حفظها عن البداء
وهذه الرواية وغيرها تدل على أن المراد بحفظ الفرج هنا ستره عن أن
ينظر إليه أحد وكذا ظاهر الرواية تخصيص غض البصر بترك النظر إلى
العورة .قوله عليه السلم " ثم نظم " أقول في تفسير النعماني :ثم نظم
تعالى ما فرض على السمع والبصر والفرج في آية واحدة فقال " وما كنتم
" وهو أظهر ،وما هنا يحتاج إلى تكلف في إدخال اللسان والقلب ،فقيل
المراد بالستتار ترك ذكر العمال القبيحة في المجالس " وأن يشهد "
بتقدير من أن يشهد متعلقا بالستتار بتضمين معنى الخوف ،فقوله "
تستترون " إشارة إلى فرض القلب واللسان معا ،ويحتمل أن يكون المراد
بالية الخرى الجنس أي اليتين والفؤاد داخل في الية الثانية وكذا
اللسان ،لن قوله " ،ل تقف " عبارة عن عدم متابعة غير المعلوم بعدم
التصديق به بالقلب ،وعدم إظهار العلم به باللسان " وما كنتم تستترون "
قبل هذه الية في حم تنزيل " ويوم يحشر أعداء ال إلى النار فهم
يوزعون حتى إذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما
كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ؟ قالوا أنطقنا ال الذي أنطق
كل شئ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون " ) (2قال الطبرسي قدس
سره :أي شهد عليهم سمعهم بما قرعه من الدعاء
][47
إلى الحق فأعرضوا عنه ولم يقبلوه ،وأبصارهم بما رأوا من اليات الدالة على
وحدانية ال فلم يؤمنوا ،وسائر جلودهم بما باشروه من المعاصي
والعمال القبيحة وقيل :في شهادة الجوارح قولن أحدهما أن ال تعالى
يبنيها بنية الحي ) (1و يلجئها إلى العتراف والشهادة بما فعله أصحابها،
والخر أن ال تعالى تفعل الشهادة فيها وإنما أضاف الشهادة إليها مجازا
وقيل في ذلك أيضا وجه ثالث :وهو أنه يظهر فيه أماراته الدالة على كون
أصحابها مستحقين للنار فسمي ذلك شهادة مجازا كما يقال عيناك تشهدان
بسهرك ،وقيل :إن المراد بالجلود هنا الفروج على طريق الكناية عن ابن
عباس والمفسرين ) (2ثم قال " وما كنتم تستترون أن يشهد " أي من أن
يشهد عليكم سمعكم معناه وما كنتم تستخفون أي لم يكن مهيئا لكم أن
تستتروا أعمالكم عن هذه العضاء لنكم كنتم بها تعملون ،فجعلها ال
شاهدة عليكم في القيامة ،وقيل :معناه وما كنتم تتركون المعاصي حذرا أن
تشهد عليكم جوارحكم بها ،لنكم ما كنتم تظنون ذلك " ولكن ظننتم أن ال
ل يعلم كثيرا مما " كنتم " تعملون " لجهلكم بال تعالى ،فهان عليكم
ارتكاب المعاصي لذلك ،وروي عن ابن مسعود أنها نزلت في ثلثة نفر
تساروا فقالوا أترى أن ال تعالى يسمع تسارنا ؟ ويجوز أن يكون المعنى
أنكم عملتم عمل من ظن أن عمله يخفى على ال كما يقال أهلكت نفسي أي
عملت عمل من أهلك النفس ،وقيل :إن الكفار كانوا يقولون إن ال ل يعلم
ما في أنفسنا ،لكنه يعلم ما نظر ،عن ابن عباس " و ذلكم ظنكم الذي ظننتم
بربكم أرديكم " " ذلكم " مبتدأ و " ظنكم " خبره و " أرديكم " خبر ثان،
ويجوز أن يكون ظنكم بدل من ذلك ،ويكون المعنى وظنكم الذي ظننتم
بربكم أنه ل يعلم كثيرا مما تعملون أهلككم ،إذ هون عليكم أمر المعاصي
وأدى بكم إلى الكفر " فأصبحتم من الخاسرين " أي فظللتم من جملة من
) (1وفى نسخة من المصدر :ينبهها تنبيه الحى (2) .مجمع البيان ج 9ص .9
][48
خسرت تجارته ،لنكم خسرتم الجنة ،وخضتم في النار انتهى ) (1فان قيل :هذه
اليات في السور المكية ،وكذا قوله " ول تقف " الخ كما يدل عليه خبر
محمد بن سالم أيضا فكيف صارت أعمال الجوارح فيها أجزاء من اليمان،
وكيف توعد عليها ؟ قلت :لعل الوعيد فيها باعتبار كفرهم وشركهم ل أنها
تدل على أنهم إنما فعلوا ذلك كفرا بال واستهانة بأمره ،وظنهم أنه
سبحانه ل يعلم كثيرا مما يعملون فالوعيد على شركهم وإتيانهم بتلك
العمال من جهة الستخفاف والستحلل وقفو ما ليس لهم به علم كان في
اصول الدين مع أنه قد مر أنه ليس فيها وعيد بالنار وكون جميع آيات حم
مكية لم يثبت لعدم العتماد على قول المفسرين من العامة ويحتمل أن
يكون الغرض هنا محض كون العمال متعلقة بالجوارح ،وأن لها مدخل
في اليمان ،وإن كان مدخليتها في كماله ،والمقصود في هذا الخبر أمر
آخر وكذا الكلم في قوله " ول تمش في الرض مرحا " فانها أيضا مكية.
قوله " إلى ما حرم ال " مثل القتل والضرب والنهب والسرقة وكتابة
الجور والكذب والظلم ومس الجانب ونحوها " وفرض عليهما من
الصدقة وصلة الرحم " إذ إيصال الصدقة إلى الفقراء ،والخير إلى
القرباء ،والضرب والبطش والقتل في الجهاد ،والطهور للصلة من
فروض اليد ،وقيل يفهم منه وجوب استعمال اليد في غسل الوجه ،وهو إما
لنه الفرد الغالب ،أو لنه فرد الواجب التخييري .وأقول :يمكن أن يكون
غسل الوجه داخل فيما سيأتي من قوله " وقال فيما فرض ال "" .
فضرب الرقاب " ) (2ضرب الرقاب عبارة عن القتل بضرب العنق،
وأصله فاضربوا الرقاب ضربا حذف الفعل واقيم المصدر مقامه واضيف
إلى المفعول ،والثخان إكثار القتل أو الجراح بحيث ل يقدر على النهوض،
والوثاق بالفتح والكسر ما يوثق به ،وشده كناية عن السر و " منا " و
" فداء " مفعول مطلق لفعل محذوف ،أي فإما
) (1مجمع البيان ج 9ص 10وفيه :حصلتم في النار (2) .القتال.4 :
][49
تمنون منا وإما تفدون فداء ،وأوزار الحرب أثقالها وآلتها كالسيف والسنان
وغيرهما وهو كناية عن انقضاء أمرها والمروي ومذهب الصحاب أن
السير إن اخذ والحرب قائمة تعين قتله إما بضرب عنقه أو بقطع يده
ورجله من خلف وتركه حتى ينزف ويموت ،وإن اخذ بعد انقضاء الحرب
تخير المام بين المن والفداء والسترقاق ،ول يجوز القتل ،والسترقاق
علم من السنة ،والعلج المزاولة " .أن ل يمشى " بصيغة المجهول
والباء في " بهما " لللة ،والظرف نائب الفاعل ،و قوله عليه السلم "
فقال " لعله ليس لتفسير ما تقدم ،والستدلل عليه ،بل لبيان نوع آخر من
تكليف الرجلين ،وهو نوع المشي وما ذكر سابقا كان غاية المشي،
وسيأتي ما هو أوفق بالمراد في رواية النعماني ،وقال البيضاوي" :
واقصد في مشيك " ) (1توسط فيه بين الدبيب والسراع ،وعنه صلى ال
عليه وآله سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن " واغضض من صوتك "
وانقص منه وأقصر " إن أنكر الصوات " أوحشها " لصوت الحمير "
والحمار مثل في الذم سيما نهاقه ،ولذلك يكنى عنه فيقال طويل الذنين
وفي تمثيل الصوت المرتفع بصوته ثم إخراجه مخرج الستعارة ،مبالغة
شديدة وتوحيد الصوت لن المراد تفضيل الجنس في النكير دون الحاد أو
لنه مصدر .وقال في قوله سبحانه " :اليوم نختم على أفواههم " ) (2بأن
نمنعها عن كلمهم " وتكلمنا أيديهم " الخ بظهور آثار المعاصي عليها
ودللتها على أفعالها أو بانطاق ال إياها ،وفي الحديث أنهم يجحدون
ويخاصمون فيختم على أفواههم وتكلمهم أيديهم وأرجلهم انتهى ،وقيل:
هذا ل ينافي ما روي أن الناس في هذا اليوم يحتجون لنفسهم ويسعى كل
منهم في فكاك رقبته كما قال سبحانه " :يوم تأتي كل نفس تجادل عن
نفسها " ) (3وال يلقن من يشاء حجته كما في دعاء الوضوء اللهم لقني
حجتي يوم ألقاك ،لن الختم مخصوص بالكفار كما قاله بعض المفسرين أو
أن الختم
) (1لقمان ،18 :راجع البيضاوي (2) .335 :يس (3) .65 :النحل.111 :
][50
يكون بعد الحتجاج والمجادلة كما في الرواية السابقة ،وبالجملة الختم يقع في مقام
والمجادلة في مقام آخر قوله " فهذا أيضا " كأنه إشارة إلى ما تشهد به
الجوارح فمن في قوله " مما " تبعيضية ،أو إلى التكليم والشهادة فمن
تعليلية ،ويحتمل أن يكون إشارة إلى جميع ما تقدم .وقال البيضاوي في
قوله تعالى " :اركعوا واسجدوا " ) (1أي في صلتكم أمرهم بهما لنهم
ما كانوا يفعلونهما أول السلم ،أو صلوا وعبر عن الصلة بهما لنهما
أعظم أركانهما ،أو اخضعوا ل وخروا له سجدا " واعبدوا ربكم " بسائر
ما تعبدكم به " وافعلوا الخير " وتحروا ما هو خير وأصلح فيما تأتون
وتذرون كنوافل الطاعات ،وصلة الرحام ،ومكارم الخلق " لعلكم
تفلحون " أي افعلوا هذه كلها وأنتم راجون الفلح غير متيقنين له واثقين
على أعمالكم ،وأقول " لعل " من ال موجبة " وهذه فريضة جامعة " أي
ما ذكر في هذه الية من الركوع والسجود والعبادة وفعل الخير ومدخلية
العضاء المذكورة في تلك العمال في الجملة ظاهرة " وأن المساجد ل
" ) (2ظاهره أنه عليه السلم فسر المساجد بالعضاء السبعة التي يسجد
عليها ،أي خلقت لن يعبد ال بها فل تشركوا معه غيره في سجودكم
عليها ،وهذا التفسير هو المشهور بين المفسرين ،والمذكور في صحيحة
حماد ) (3والمروي عن أبي جعفر الثاني عليه السلم حين سأله المعتصم
عنها وبه قال ابن جبير والزجاج والفراء ) ،(4فل عبرة بقول من قال :إن
المراد بها المساجد المعروفة ،ول بقول من قال :هي بقاع الرض كلها،
ول بقول من قال :هي المسجد الحرام ،والجمع باعتبار أنه قبلة لجميع
المساجد ،ول بقول من قال :هي السجدات جمع مسجد بالفتح مصدرا أي
السجودات ل فعل تفعل لغيره وقال في الفقيه ) (5قال أمير المؤمنين عليه
السلم
) (1الحج ،77 :راجع البيضاوى (2) .274 :الجن (3) .18 :راجع الكافي ج 3ص
(4) .312راجع مجمع البيان ج 10ص (5) .372فقيه من ل يحضره
الفقيه ج 2ص .381
][51
في وصيته لبنه محمد ابن الحنفية :يا بني ل تقل مال تعلم ،بل ل تقل كل ما تعلم،
فان ال تبارك وتعالى قد فرض على جوارحك كلها فرائض يحتج بها عليك
يوم القيامة ويسألك عنها وساق الحديث إلى أن قال :ثم استعبدها بطاعته
فقال عزوجل " يا أيها الذين آمنوا اركعوا -إلى قوله -لعلكم تفلحون "
فهذه فريضة جامعة واجبة على الجوارح ،وقال عزوجل " :وأن المساجد
" الخ يعني بالمساجد الوجه واليدين والركتبين والبهامين الحديث بطوله.
قوله " وقال فيما فرض على الجوارح من الطهور والصلة بها " أي
بالجوارح وكأن مفعول القول محذوف ،أي ما قال ،أو من الطهور مفعوله
بزيادة من ،أو بتقدير شيئا أو كثيرا ،أو المراد قال ذلك أي آية المساجد
فيما فرض ال على هذه الجوارح من الطهور والصلة ،لن الطهور أيضا
يتعلق بالمساجد ،وعلى التقادير قوله " وذلك " إشارة إلى كون اليات
السابقة دليل على كون اليمان مبثوثا على الجوارح ،لنها إنما دلت على
أن ال تعالى فرض أعمال متعلقة بتلك الجوارح ولم تدل على أنها إيمان،
فاستدل على ذلك بأن ال تعالى سمى الصلة المتعلقة بجميع الجوارح
إيمانا فتم به الستدلل باليات المذكورة على المطلوب ،والظاهر أن في
العبارة سقطا أو تحريفا أو اختصارا مخل من الرواة ،أو من المصنف كما
يدل عليه ما سيأتي نقل من النعماني ،وفي رواية ابن قولويه :وقال في
موضع آخر " وأن المساجد " الية فروى أصحابنا في غير هذا الحديث
أنه عنى عزوجل بذلك هذه الجوارح الخمس ،وقال في موضع آخر فيما
فرض على هذه الجوارح من الطهور والصلة وذلك أن ال تبارك وتعالى
لما صرف نبيه صلوات ال عليه وآله إلى الكعبة عن بيت المقدس قال
المسلمون للنبي صلى ال عليه وآله :يا رسول ال أرأيت صلتنا التي كنا
نصلي إلى بيت المقدس ما حالها وحالنا فيها ؟ وحال من مضى من أمواتنا
وهم يصلون إلى بيت المقدس ؟ فأنزل ال عزوجل " وما كان ال " الية.
ويحتمل أن يكون مفعول القول " وما كان ال ليضيع إيمانكم " أو مبهما
يفسره ذلك ،حذف لدللة التعليل عليه ،وقوله " وذلك " تعليل للقول أي
النزول ،وقوله " :فأنزل ال "
][52
ليس جواب لما ،لعدم جواز دخول الفاء عليه ،بل الجواب محذوف بتقدير أنزل وجه
الحكمة في الصرف فأنزل .قوله " فمن لقي ال " عند الموت أو في
القيامة أو العم " حافظا لجوارحه " عن المحرمات " موفيا كل جارحة
" التوفية إعطاء الحق وافيا تاما ويمكن أن يقرأ كل بالرفع وبالنصب "
مستكمل ليمانه " أي مكمل له في القاموس أكمله واستكمله وكمله أتمه
وجمله ) " (1ومن خان في شئ منها " أي من الجوارح بفعل المنهيات "
أو تعدي ما أمر ال عزوجل " في الجوارح ،ويحتمل أن تكون الخيانة أعم
من ترك المأمورات وفعل المنهيات ،والتعدي بايقاع الفرائض على وجه
البدعة ،و مخالفا لما أمر ال .وأقول :حكم عليه السلم في الول بدخول
الجنة أي من غير عقاب وفي الثاني لم يحكم بدخول النار ول بعدم دخول
الجنة ،لنه يدخل الجنة ولو بعد حين ،وليس دخوله النار مجزوما به،
لحتمال عفو ال تعالى وغفرانه .قوله " فمن أين جاءت زيادته " يفهم
منه أن السائل فهم من الزيادة كون ما يشترط في اليمان متحققا وزائدا
عليه ل أنه يكون الزائد بالنسبة إلى الناقص ،و إل فلم يحتج إلى السؤال
لن كل نقص إذا سلب كان زائدا بالنسبة إليه فالفراد ثلثة " :تام اليمان
" وهو الذي اعتقد العقائد الحقة كلها ،وعمل بالفرائض واجتنب الكبائر،
وإن أتى بشئ منها تاب بعده ،ولم يصر على الصغائر " وناقص اليمان "
وهو الذي أتى مع العقائد الحقة بشئ من الكبائر ،ولم يتب منها ،أو ترك
شيئا من الفرائض ولم يتداركها ،أو أصر على الصغائر " وزائد اليمان "
وهو الذي زاد في العقائد على ما يجب كما وكيفا كما سيأتي وفي العمال
باتيانه بسائر الواجبات والمستحبات ،وترك الصغائر والمكروهات وكلما
زادت العقائد والعمال كما وكيفا زاد اليمان .فإذا عرفت هذا فلم تحتج إلى
ما تكلفه بعضهم أنه لما ذكر عليه السلم أن اليمان مفروض على
الجوارح ،وأنه يزيد وينقص ،وعلم السائل الول صريحا من
][53
اليات المذكورة ،والثاني ضمنا أو التزاما منها ،للعلم الضروري بأن العلم يزيد
وينقص ،سأل عن اليات الدالة على الثاني صريحا أو قصده من السؤال:
أني قد فهمت مما ذكر من نقصان اليمان العملي وتمامه باعتبار أن العمل
يزيد وينقص فمن أين جاءت زيادة اليمان التصديقي وأية آية تدل عليها ؟
وفيه حينئذ استخدام إذ أراد بلفظ اليمان اليمان العملي ،وبضميره اليمان
التصديقي ،وعلى التقديرين ل يرد أنه إذا علم نقصان اليمان وتمامه فقد
علم زيادته ،لن في التام زيادة ليست في الناقص انتهى " .فمنهم " )(1
قال البيضاوي فمن المنافقين من يقول إنكارا واستهزاء " أيكم زادته هذه
" السورة " إيمانا " ؟ وقرئ أيكم بالنصب على إضمار فعل يفسره زادته
" فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا " بزيادة العلم الحاصل من تدبر السورة
وانضمام اليمان بها وبما فيها إلى إيمانهم " وهم يستبشرون " بنزولها
لنها سبب لزيادة كمالهم ،وارتفاع درجاتهم " وأما الذين في قلوبهم
مرض " كفر " فزادتهم رجسا إلى رجسهم " كفرا بها مضموما إلى الكفر
بغيرها " وماتوا وهم كافرون " واستحكم ذلك فيهم حتى ماتوا عليه" .
وزدناهم هدى " ) (2أي هداية إلى اليمان أوزدناهم بسبب اليمان ثباتا و
شدة يقين وصبر على المكاره في الدين ،كما قال " وربطنا على قلوبهم "
فهذه الهداية الخاصة الربانية زيادة على اليمان الذي كانوا به متصفين
حيث قال تعالى أول " إنهم فتية آمنوا بربهم " " .ولو كان كله واحدا "
أي كل اليمان واحدا " ل زيادة فيه ول نقصان لم يكن لحد " من
المؤمنين " فضل على الخر " لن الفضل إنما هو باليمان ،فل فضل مع
مساواتهم فيه " ول استوت النعم " أي نعم ال بالهدايات الخاصة في
اليمان " ولستوى الناس " في دخول الجنة أو في الخير والشر ،وبطل
تفضيل بعضهم على بعض بالدرجات والكمالت ،واللوازم كلها باطلة
بالكتاب و
) (1براءة ،126 :راجع البيضاوى (2) .181 :الكهف 13 :وما ذكر بعدها ذيلها.
][54
السنة " ولكن بتمام اليمان " باعتبار أصل التصديق والعمل بالفرائض ،أو
بالواجبات وترك الكبائر أو المنهيات " دخل المؤمنون " المتصفون به "
الجنة .وبالزيادة في اليمان " بضم سائر الواجبات مع المندوبات ،أو
المندوبات وترك الصغائر مع المكروهات ،أو المكروهات وتحصيل الداب
المرغوبة والخلق المطلوبة " تفاضل المؤمنون " المتصفون بها
بدرجات الجنة العالية ،والمنازل الرفيعة في قربه تعالى " وبالنقصان "
في التصديق أو التقصير في العمال الواجبة وارتكاب المحرمات " دخل
المفرطون " في " النار " إن لم ينجوا بفضله وعفوه سبحانه .قوله "
درجات " أي ذو درجات أو نفسه باعتبار إضافة درجات ) (1وقيل:
الدرجات مراتب الترقيات ،والمنازل مراتب التنزلت ،ويحتمل أن يكون
المقصود منهما واحدا اطلق عليهما اللفظان باعتبارين " إن ال سبق "
على بناء التفعيل المعلوم ،و " يسبق " على بناء التفعيل المجهول أي
قرر السبق وقدره بينهم في اليمان ،وندبهم إليه كما يسابق بين الخيل يوم
الرهان ،والخيل جماعة الفراس ل واحد له ،و قيل واحدة خائل لنه يختال
وجمعه أخيال وخيول ،ويطلق الخيل على الفرسان أيضا والمراهنة
والرهان بالكسر المسابقة على الخيل ،وكأنه عليه السلم شبه مدة الحياة
بالمضمار ،والرواح بالفرسان ،والبدان بالخيول ،والعلم الذي يسبق إليه
منتهى مراتب اليمان ،والسبق الذي يراهن عليه الجنة فمنهم من سبق
الكل وبلغ الغاية وهو رسول ال صلى ال عليه وآله ومنهم من تأخر عن
الكل ،ومنهم من بقى في وسط الميدان ،ومنازلهم بحسب العقائد والعمال
كما وكيفا ل يتناهى .قوله عليه السلم " فجعل كل امرئ منهم " أي
أعطاه ما يستحقه من الكرامة و الجر والذكر الجميل ،قيل :في القتصار
بنفي النقص دون الزيادة إيماء إلى جوازها من باب التفضل وإن لم
يستحق " ول يتقدم " أي في الفضل والثواب " مسبوق " في اليمان "
سابقا " فيه " ول مفضول " في الكمالت والعمال الصالحة " فاضل "
فيها " .تفاضل " استيناف بياني " بذلك " أي بالسبق " أوائل هذه المة
" أي من تقدم
) (1ل يحتاج الى هذا التوجيه ،فان لفظ الحديث هكذا " :ان لليمان درجات ".
][55
إيمانه من الصحابة " أواخرها " منهم أو العم من الصحابة وغيرهم ،أو الصحابة
على التابعين والتابعين على غيرهم ،وظاهره السبق الزمانى إشعارا بأن
الغاصبين للخلفة وإن فرض منهم تحقق إسلم وعمل صالح ،فل يجوز
تقديمهم على أمير المؤمنين عليه السلم وقد كان أولهم إيمانا وأسبقهم مع
قطع النظر من سائر الكمالت والفضائل التي استحق بها التقديم ،ويحتمل
أن يكون المراد أعم من السبق الزماني والسبق بحسب الرتبة ،وكمال
اليقين ،فالكثرية بحسب العمال المذكورة بعد ذلك الكثرية بحسب الكمية
ل الكيفية ،فانها تابعة للكمالت النفسانية ،والحقائق اليمانية التي هي من
العمال القلبية ،لكنه بعيد عن السياق .وقوله " نعم " تأكيد لقوله " للحق
" وقوله " ولتقدموهم " عطف على قوله " نعم " أو على قوله " للحق
" وقوله " إذا لم يكن " إعادة للشرط السابق تأكيدا أو المعنى أنه لو لم
يكن للسبق الزماني مدخل في الفضل للزم أن يجوز لحوق المتأخرين
السابقين ،أو تقدمهم عليهم مع عدم تحقق فضل في أصل اليمان
وشرائطه ومكملته للسابقين على اللحقين ،فاللحوق في صورة
المساوات والتقدم في صورة زيادة إيمان اللحقين على إيمان السابقين،
والحال أنه ليس كذلك ،فان لهم بالتقدم الزماني فضل عليهم ،فالمراد
بالفضل ما هو غير السبق الزماني وقوله " ولكن " إضراب عن قوله "
نعم ولتقدموهم " إلخ ،والمراد بالدرجات ما هو باعتبار السبق الزماني "
من الولين " أي من بعضهم " مقدمين على الولين " أي مطلقا ،ولكن
ليس كذلك بل ربما كان بعض الولين باعتبار السبق أفضل من كثير من
الخرين وإن كانوا أقل منهم عمل باعتبار تقدمهم وسبقهم وصعوبة
اليمان في ذلك الزمان وبسبب أن لهم مدخل عظيما في إيمان الخرين.
والحاصل أن المسابقة تكون بحسب الرتبة والزمان ،فمن اجتمعا فيه كأمير
المؤمنين صلوات ال عليه فهو الكامل حق الكمال ،والسابق على كل حال
ومن انتفى عنه المران فهو الناقص المستحق للخذلن والوبال ،وأما إذا
تعارض المران فظاهر الخبر أن السابق زمانا أفضل وأعلى درجة من
الخر.
][56
وقال بعض المحققين :الغرض من هذا الحديث أن يبين أن تفاضل درجات اليمان
بقدر السبق والمبادرة إلى إجابة الدعوة إلى اليمان ،وهذا يحتمل عدة
معان :أحدها أن يكون المراد بالسبق السبق في الذر ،وعند الميثاق ،كما
روي أنه سئل رسول ال صلى ال عليه وآله بأي شئ سبقت ولد آدم ؟
قال :إنني أول من أقر بربي إن ال أخذ ميثاق النبيين وأشهدهم على
أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى فكنت أول من أجاب ) (1وعلى هذا يكون
المراد بأوائل هذه المة وأواخرها أوائلها وأواخرها في القرار والجابة
هناك ،فالفضل للمتقدم في قوله " بلى " والمبادر إلى ذلك ثم المتقدم
والمبادر .والمعنى الثاني أن يكون المراد بالسبق السبق في الشرف
والرتبة ،والعلم والحكمة ،وزيادة العقل ،والبصيرة في الدين ووفور سهام
اليمان التي ذكرها ) (2ولسيما اليقين كما يستفاد من الخبار التية،
وعلى هذا يكون المراد بأوائل هذه المة وأواخرها أوائلها وأواخرها في
مراتب الشرف والعقل والعلم ،فالفضل للعقل والعلم والجمع للكمالت،
وهذا المعنى يرجع إلى المعنى الول لتلزمهما ووحدة مالهما واتحاد
محصلهما والوجه في أن الفضل للسابق على هذين المعنيين ظاهر لمرية
فيه ومما يدل على إرادة هذين المعنيين اللذين مرجعهما إلى واحد قوله
عليه السلم " :ولو لم يكن سوابق يفضل بها المؤمنون " إلى قوله " من
قدم ال " ولسيما قوله " أبى ال أن يدرك آخر درجات اليمان أولها "
ومن تأمل في تتمة الحديث أيضا حق التأمل يظهر له أنه المراد إنشاء ال
تعالى .والمعنى الثالث أن يكون المراد بالسبق السبق الزماني في الدنيا
عند دعوة
) (1راجع الكافي ج 2ص ،10باب أن رسول ال " ص " أول من أجاب ،والية
في العراف (2) .171 :يعنى في الكافي ج 2ص 42باب درجات
اليمان ،وانما قال هذا -وهو صدر الدين الشيرازي -فانه من شراح
الكافي.
][57
النبي صلى ال عليه وآله إياهم إلى اليمان ،وعلى هذا يكون المراد بأوائل هذه
المة و أواخرها أوائلها وأواخرها في الجابة للنبي صلى ال عليه وآله
وقبول السلم ،والتسليم بالقلب والنقياد للتكاليف الشرعية طوعا،
ويعرف الحكم في سائر الزمنة بالمقايسة ،وسبب فضل السابق على هذا
المعنى أن السبق في الجابة للحق دليل على زيادة البصيرة والعقل
والشرف التي هي الفضيلة والكمال .والمعنى الرابع أن يراد بالسبق السبق
الزماني عند بلوغ الدعوة ،فيعم الزمنة المتأخرة عن زمن النبي صلى ال
عليه وآله وهذا المعنى يحتمل وجهين أحدهما أن يكون المراد بالوائل
والواخر ما ذكرناه أخيرا وكذا السبب في الفضل ،والخر أن يكون المراد
بالوائل من كان زمن النبي صلى ال عليه وآله وبالواخر من كان بعد ذلك
ويكون سبب فضل الوائل صعوبة قبول السلم ،وترك ما نشأوا عليه في
تلك الزمن وسهولته فيما بعد استقرار المر ،وظهور السلم ،وانتشاره
في البلد ،مع أن الوائل سبب لهتداء الواخر ،إذ بهم وبنصرتهم استقر
ما استقر ،وقوي ما قوي وبان من استبان ،وال المستعان انتهى .قوله "
أخبرني عما ندب ال " لما دل كلمه عليه السلم سابقا على أنه تعالى
طلب منهم الستباق إلى اليمان سأله الراوي عن اليات الدالة عليه "
سابقوا إلى مغفرة " كذا في سورة الحديد وفي سورة آل عمران "
وسارعوا إلى مغفرة من ربكم " ) (1وكان مقتضى الجمع بين اليتين أن
المراد بالمسارعة المسابقة أي سارعوا مسابقين إلى سببب مغفرة من
ربكم من اليمان والعمال الصالحة " وجنة " أي إلى جنة " عرضها
كعرض السماء والرض " وفي آل عمران " عرضها السموات والرض
اعدت للمتقين " قال المحقق الردبيلي قدس سره :كنى بالعرض عن
مطلق المقدار ،وهو متعارف ،ونقل على ذلك الشعار في مجمع البيان أو
أنه لما علم عرضه الذي هو أقل من الطول عرفا في غير المساوي ،علم
أن طوله أيضا يكون إما أكثر أو مثله ) (2وقال القاضي :ذكر العرض
للمبالغة في وصفها بالسعة على طريق التمثيل ،لنه دون الطول ،وعن
ابن عباس كسبع سماوات وسبع أرضين
) (1آل عمران (2) .133 :زبدة البيان في أحكام القرآن 181 :ط حجر.
][58
لو وصل بعضها ببعض ) (1وظاهر الية وجوب المسارعة أو رجحانها إلى الطاعة
الموجبة للدخول إلى الجنة -وأعظمها اليمان بال وكتبه ورسله واليوم
الخر -والترقي إلى مقاماتها العالية " اعدت للذين آمنوا بال ورسله "
ظاهر هذه الية وغيرها من اليات والروايات أن الجنة مخلوقة الن ،وكذا
النار ،وقال به الصحاب و صرح به الشيخ المفيد في بعض رسائله ،وقال:
إن الجنة مخلوقة الن مسكونة سكنتها الملئكة ،وظاهر الية أنها في
السماء ،والظاهر أن المراد أنه يكون بعضها في السماء ويكون البعض
الخر فوقها ،أو يكون أبوابها فيها أو فوق الكل ،وما ذكره الحكماء غير
مسموع شرعا ،وهو ظاهر ،كما قيل :إن النار تحت الرض فتكون الية
دليل على بطلن ما قالوه .وقال البيضاوي :فيه دللة على أن الجنة
مخلوقة ،وأنها خارجة عن هذا العالم ) (2وذهب جماعة من المعتزلة إلى
أنهما غير مخلوقتين وأنهما تخلقان يوم القيامة .وقال البيضاوي في
الواقعة " :والسابقون السابقون " ) (3قال :أي الذين سبقوا إلى اليمان
والطاعة بعد ظهور الحق من غير تلعثم وتوان ،أو سبقوا إلى حيازة
الفضائل والكمالت ،أو النبياء فانهم مقدموا أهل الديان ،هم الذين عرفت
حالهم و عرفت مآلهم كقول أبي النجم " ]أنا أبو النجم[ وشعري شعري "
أو الذين سبقوا إلى الجنة " اولئك المقربون في جنات النعيم " أي الذين
قربت درجاتهم في الجنة و اعليت مراتبهم .و " قال " أي في التوبة "
والسابقون الولون " ) (4وقد مر الكلم في ذلك مستوفى في كتاب المعاد،
في المجمع أي السابقون إلى اليمان أو إلى الطاعات ،وإنما مدحهم
بالسبق لن السابق إلى الشئ يتبعه غيره ،فيكون متبوعا وغيره تابع له،
فهو إمام فيه وداع له إلى الخير بسبقه إليه ،وكذلك من سبق إلى الشر
يكون أسوء حال
) 1و (2أنوار التنزيل (3) .81 :الواقعة 10 :و ،11راجع البيضاوى ص ،420
والتلعثم :البطاء (4) .براءة.100 :
][59
لهذه العلة " من المهاجرين " الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وإلى الحبشة "
والنصار " أي ومن النصار الذين سبقوا نظراءهم من أهل المدينة إلى
السلم وقرأ يعقوب " والنصار " بالرفع فلم يجعلهم من السابقين ،وجعل
السبق للمهاجرين خاصة " والذين اتبعوهم باحسان " أي بأفعال الخير
والدخول في السلم بعدهم ،و سلوك منهاجهم ،ويدخل في ذلك من بعدهم
إلى يوم القيامة " رضي ال عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من
تحتها النهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم " قال :وفي هذه الية
دللة على فضل السابقين ومزيتهم على غيرهم ،لما لحقهم من أنواع
المشقة في نصرة الدين ،فمنها مفارقة العشائر والقربين ،ومنها مباينة
المألوف من الدين ،ومنها نصرة السلم مع قلة العدد وكثرة العدو ،ومنها
السبق إلى اليمان والدعاء إليه انتهى ) .(1وقال بعضهم " :السابقون
الولون من المهاجرين " هم الذين صلوا إلى القبلتين ،وشهدوا بدرا،
وأسلموا قبل الهجرة ،ومن النصار أهل بيعة العقبة الولى ،وكانوا سبعة
نفر ،وأهل بيعة العقبة الثانية وكانوا سبعون وقال بعض المخالفين كلمة "
من " للتبيين فيتناول المدح جميع الصحابة قوله عليه السلم " ثم ذكر "
كلمة " ثم " للتراخي بحسب المرتبة ،إذ سورة البقرة نزلت قبل سورتي
التوبة والحديد " فقال ال عزوجل " أي في سورة البقرة " تلك الرسل "
قيل :إشارة إلى الجماعة المذكورة قصصها في السورة ،أو المعلومة
للرسول أو جماعة الرسل واللم للستغراق " ،فضلنا بعضهم على بعض
" بأن خصصناه بمنقبة ليست لغيره " منهم من كلم ال " تفصيل له وهو
موسى ،وقيل موسى ومحمد صلى ال عليهما كلم موسى ليلة الحيرة وفي
الطور ،ومحمدا ليلة المعراج حين كان قاب قوسين أو أدنى ،وبينهما بون
بعيد ،وفي المصاحف " ورفع بعضهم درجات " وليس فيها " فوق بعض
" ) (2فالزيادة إما من الرواة أو النساخ ويؤيده عدمها في رواية النعماني
) (1مجمع البيان ج 5ص (2) .64 :راجع سورة البقرة.253 :
][60
أو منه عليه السلم زاده للبيان والتفسير ،وهذه الزيادة مذكورة في سورة الزخرف
حيث قال " :نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم
فوق بعض درجات " ) (1فيحتمل أن تكون الزيادة للشارة إلى اليتين.
قيل :ورفع بعضهم درجات بأن فضله على غيره من وجوه متعددة،
وبمراتب متباعدة ،وهو محمد صلى ال عليه وآله ،فانه خص بالدعوة
العامة ،والحجج المتكاثرة والمعجزات المستمرة ،واليات المترتبة
المتعاقبة بتعاقب الدهر ،و الفضائل العلمية والعملية الفائتة للحصر
والبهام ،لتفخيم شأنه كأنه العلم المتعين لهذا الوصف المستغني عن
التعيين ،وقيل :إبراهيم خصصه بالخلة التي هي أعلى المراتب ،وقيل:
إدريس لقوله تعالى " ورفعناه مكانا عليا " ) (2وقيل :اولوا العزم من
الرسل وبعد ذلك " وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو
شاء ال ما اقتتل الذين من بعدهم من بعدما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا
فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء ال ما اقتتلوا ولكن ال يفعل ما
يريد " " .وقال " أي في سورة أسرى " ولقد فضلنا " الخ ) (3قال
البيضاوي :أي بالفضائل النفسانية والتبرى عن العلئق الجسمانية ل
بكثرة الموال والتباع حتى داود ،فان شرفه بما اوحي إليه من الكتاب ل
بما اوتي من الملك ،وقيل :هو إشارة إلى تفضيل رسول ال صلى ال عليه
وآله وقوله " وآتينا داود زبورا " تنبيه على وجه تفضيله ،وهو أنه خاتم
النبياء ،وامته خير المم ،المدلول عليه بما كتب في الزبور ،من " أن
الرض يرثها عبادي الصالحون " ) " .(4وقال " أي في سورة أسرى
أيضا قيل :هو عطف على " ثم ذكر " ل على قوله " فقال " لعدم
اختصاص ما يذكر بعده بالولياء ،بل هو في مطلق المؤمنين " كيف
فضلنا " قيل أي في الرزق ،وفي المجمع بأن جعلنا بعضهم أغنياء،
وبعضهم فقراء وبعضهم موالي ،وبعضهم عبيدا ،وبعضهم أصحاء،
وبعضهم مرضى ،على حسب
) (1الزخرف (2) .32 :مريم (3) .57 :أسرى ،55 :راجع البيضاوى(4) .239 :
النبياء.105 :
][61
ما علمناه من المصالح " وللخرة أكبر درجات " أي درجاتها ومراتبها أعلى
وأفضل فينبغي أن تكون رغبتهم فيها وسعيهم لها أكثر ) " .(1وقال " أي
في آل عمران " هم درجات عند ال " قيل :شبهوا بالدرجات لما بينهم من
التفاوت في الثواب والعقاب ،أو هم ذو درجات ،فقال " وال بصير بما
يعملون " ) " .(2وقال " أي في هود " ويؤت كل ذي فضل " أي في
دينه " فضله " ) (3أي جزاء فضله في الدنيا والخرة ،ويدل على عدم
تفضيل المفضول " وقال " أي في التوبة " وهاجروا " أي إلى الرسول
صلى ال عليه وآله وفارقوا الوطان وتركوا القارب والجيران ،وطلبوا
مرضاة الرحمان " وجاهدوا في سبيل ال بأموالهم " بصرفها و أنفسهم
ببذلها " أعظم درجة عند ال " أي أعل رتبة وأكثر كرامة ممن لم
يستجمع هذه الصفات ،أو من أهل السقاية والعمارة عندكم إذ قبلها "
أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بال واليوم الخر
وجاهد في سبيل ال ل يستوون عند ال وال ل يهدي القوم الظالمين ") .
" (4وقال " أي في سورة النساء وقبل الية " ل يستوي القاعدون من
المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل ال بأموالهم وأنفسهم
فضل ال المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكل وعد ال
الحسنى وفضل ال المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما " ) (5قال
البيضاوي :نصب على المصدر لن فضل بمعنى آجر ،أو المفعول الثاني له
لتضمنه معنى العطاء ،كأنه قال :وأعطاهم زيادة على القاعدين أجرا
عظيما " درجات منه ومغفرة ورحمة " كل واحد منها بدل من أجرا،
ويجوز أن ينتصب درجات على المصدر كقولك ضربته أسواطا ،وأجرا
على الحال عنها تقدمت عليها ،لنها نكرة ،ومغفرة ورحمة على المصدر
باضمار
) (1راجع مجمع البيان ج 6ص ،407والية في أسرى (4 - 2) .21 :اليات في
آل عمران ،163 :هود .3 :براءة 19 :و ،20كما مر سابقا (5) .النساء:
.95
][62
فعلهما ) (1وتتمة الية " وكان ال غفورا رحيما " " .وقال " أي في سورة
الحديد " ل يستوي منكم " قال البيضاوي :بيان لتفاوت المنفقين باختلف
أحوالهم من السبق وقوة اليقين وتحري الحاجات حثا على تحرى الفضل
منها ،بعد الحث على النفاق ،وذكر القتال للستطراد وقسيم من أنفق
محذوف لوضوحه ودللة ما بعده عليه ،والفتح فتح مكة إذ عز السلم به
وكثر أهله وقلت الحاجة إلى المقاتلة والنفاق " من الذين أنفقوا من بعد
وقاتلوا " أي من بعد الفتح ) (2والتتمة " وكل وعد ال الحسنى وال بما
تعملون خبير " " .وقال " أي في سورة المجادلة والية هكذا " يا أيها
الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح ال لكم وإذا
قيل انشزوا فانشزوا يرفع ال " والتفسح التوسع " وإذا قيل انشزوا "
أي انهضوا للتوسعة أو لما امرتم به كصلة أو جهاد ،أو ارتفعوا في
المجلس " يرفع ال الذين آمنوا منكم " بالنصر وحسن الذكر في الدنيا،
وإيوائهم غرف الجنان في الخرة " والذين اوتوا العلم " ويرفع العلماء
منهم خاصة " درجات " بما جمعوا من العلم والعمل ،وقد مر تفسيرهم
بالئمة عليهم السلم " .وقال " أي في سورة التوبة حيث قال " :ما كان
لهل المدينة ومن حولهم من العراب أن يتخلفوا عن رسول ال ول
يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك " قيل :إشارة إلى ما دل عليه قوله " ما
كان " من النهي عن التخلف أو وجوب المتابعة " بأنهم " بسبب أنهم "
ل يصيبهم ظمأ " أي شئ من العطش " ول نصب " أي تعب " ول
مخمصة " أي مجاعة " في سبيل ال ول يطأون " أي ل يدوسون "
موطئا " أي مكانا " يغيظ الكفار " أي يغضبهم وطؤه " ول ينالون من
عدو نيل " كالقتل والسر والنهب " إل كتب لهم به عمل صالح " أي إل
استوجبوا الثواب ،وذلك مما يوجب المسابقة " إن ال ل يضيع أجر
المحسنين " ).(3
) (1تفسير البيضاوى (2) .204 :تفسير البيضاوى ،424 :والية في الحديد.10 :
) (3براءة.120 :
][63
" وقال " أي في المزمل " وما تقدموا لنفسكم من خير تجدوه عند ال " يمكن أن
يكون عدم ذكر تتمة الكلم للختصار ،فان التتمة " هو خيرا وأعظم أجرا
" أي من الذي تؤخرونه إلى الوصية عند الموت ،وخيرا ثاني مفعولي
تجدوه ،وهو تأكيد أو فصل أو هو مبني على قراءة " هو خير " بالرفع
كما قرئ في الشواذ فالكلم إلى قوله " عند ال " تمام وقوله " هو "
مبتدأ و " خير " خبره وهي جملة اخرى مؤكدة للولى " ومن يعمل
مثقال ذرة " الذرة هي النملة الصغيرة أو الهباء المنبث في الجو.
وبالجملة هذه اليات كلها تدل على اختلف مراتب المؤمنين في الثواب
والدرجات عند ال تعالى ،والمنازل في الجنة .كما ل يخفى - 7 .كا :عن
علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن محمد بن حكيم قال :قلت لبي
الحسن عليه السلم :الكبائر تخرج من اليمان ؟ فقال :نعم ،وما دون
الكبائر قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ل يزني الزاني وهو مؤمن ،ول
يسرق السارق وهو مؤمن ) - 8 .(1كا :بالسناد ،عن ابن أبي عمير ،عن
علي الزيات ،عن عبيد بن زرارة قال :دخل ابن قيس الماصر وعمر بن ذر
وأظن معهما أبو حنيفة على أبي جعفر عليه السلم فتكلم ابن قيس الماصر
فقال :إنا ل نخرج أهل دعوتنا وأهل ملتنا من اليمان في المعاصي
والذنوب ،قال :فقال له أبو جعفر :يا ابن قيس أما رسول ال صلى ال
عليه وآله فقد قال :ل يزني الزاني وهو مؤمن ،ول يسرق السارق وهو
مؤمن ،فاذهب أنت وأصحابك حيث شئت ) - 9 .(2ل ،ن ،لى :عن حمزة
العلوي ،عن علي بن محمد البزاز ،عن داود ابن سليمان الفراء قال:
حدثني علي بن موسى الرضا عليه السلم ،عن أبيه موسى بن جعفر ،عن
أبيه جعفر بن محمد ،عن أبيه محمد بن علي ،عن أبيه علي بن الحسين،
عن
][64
أبيه الحسين بن علي ،عن أبيه أمير المؤمنين عليهم السلم :قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :اليمان إقرار باللسان ،ومعرفة بالقلب ،وعمل
بالركان .قال حمزة بن محمد :وسمعت عبد الرحمان بن أبي حاتم يقول:
سمعت أبي يقول :وقد روى هذا الحديث ،عن أبي الصلت الهروي عبد
السلم بن صالح ،عن علي بن موسى الرضا عليه السلم بإسناده مثله،
قال أبو حاتم :لو قرئ هذا السناد على مجنون لبرأ ) - 10 .(1فس" :
إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " قال :كلمة الخلص،
والقرار بما جاء به من عند ال من الفرائض ،والولية يرفع العمل
الصالح إلى ال ،وعن الصادق عليه السلم أنه قال :الكلم الطيب قول
المؤمن ل إله إل ال محمد رسول ال علي ولي ال وخليفة رسول ال،
وقال " :والعمل الصالح " العتقاد بالقلب أن هذا هو الحق من عند ال ل
شك فيه من رب العالمين .وفي رواية أبي الجارود ،عن أبي جعفر عليه
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن لكل قول مصداقا من
عمل يصدقه أو يكذبه ،فإذا قال ابن آدم وصدق قوله بعمله رفع قوله بعمله
إلى ال ،وإذا قال وخالف عمله قوله ،رد قوله على عمله الخبيث وهوي به
إلى النار ) - 11 .(2ن :عن أحمد بن محمد بن عبد الرحمان القرشي ،عن
محمد بن خالد ابن الحسن ،عن أبي بكر بن أبي داود ،عن علي بن حرب،
عن أبي الصلت الهروي عن الرضا ،عن آبائه صلوات ال عليهم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :اليمان معرفة بالقلب ،وإقرار باللسان،
وعمل بالركان ) .(3ل ،ن :عن سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي ،عن
علي بن عبد العزيز ومعاذ بن المثنى ،عن الهروي بالسناد مثله ).(4
) (1الخصال ج ،84 :1عيون الخبار ج ،227 :1المالى (2) .160 :تفسير
القمى ...:والية في فاطر (3) .10 :عيون الخبار ج 1ص (4) .226
الخصال ج 1ص ،84عيون الخبار ج 1ص .227
][65
نهج :عن أمير المؤمنين عليه السلم مثله ) .(1ل ،ن :عن ابن بندار ،عن محمد
بن محمد بن جمهور ،عن محمد بن عمر بن منصور عن أحمد بن محمد
بن يزيد الجمحي ،عن الهروي مثله ) - 12 .(2ل ،ن :عن أبيه ،عن محمد
بن معقل القرميسيني ،عن محمد بن عبد ال بن طاهر قال :كنت واقفا على
أبي وعنده أبو الصلت الهروي وإسحاق بن راهويه ،و أحمد بن محمد بن
حنبل فقال أبي :ليحدثني كل رجل منكم بحديث ،فقال أبو الصلت الهروي:
حدثني علي بن موسى الرضا عليه السلم وكان وال رضا كما سمي ،عن
أبيه موسى بن جعفر ،عن أبيه جعفر بن محمد ،عن أبيه محمد بن علي،
عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين ،عن أبيه علي عليهم السلم
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :اليمان قول وعمل .فلما خرجنا
قال أحمد بن حنبل :ما هذا السناد ؟ فقال له أبي :هذا سعوط المحانين إذا
سعط به المجنون أفاق ) .(3بيان " :كان وال رضا " أي مرضيا عند ال
وعند الخلق " سعوط المجانين " أي هذا السند لشتماله على السماء
الشريفة المكرمة كأنه دعاء ينبغي أن يستشفى به للمجنون حتى يفيق أو
كناية عن قوته ووثاقته بحيث إذا سمع مجنون يذعن بحقيته فكيف العاقل،
والول أظهر - 13 .ل ،ن :عن ابن الوليد ،عن الصفار ،عن ابن عيسى،
عن بكر بن صالح الرازي ،عن أبي الصلت الهروي قال :سألت الرضا
عليه السلم عن اليمان فقال :اليمان عقد بالقلب ،ولفظ باللسان ،وعمل
بالجوارح ،ل يكون اليمان إل هكذا ).(4
) (1نهج البلغة عبده ج 2ص ،194تحت الرقم 227من الحكم (2) .الخصال ج
1ص 84عيون الخبار ج 1ص (3) .228الخصال ج 1ص ،84
عيون الخبار ج 1ص (4) .228الخصال ج 1ص ،84عيون الخبار
ج 1ص .227
][66
مع :عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن عيسى مثله ) - 14 .(1ب :عن محمد بن عيسى،
عن القداح ،عن جعفر ،عن أبيه عليه السلم قال :قال النبي صلى ال عليه
وآله :اليمان قول وعمل أخوان شريكان ) .(2مع :عن أبيه ،عن علي،
عن أبيه ،عن القداح مثله ) - 15 .(3ب :عن هارون ،عن ابن صدقة قال:
سمعت أبا عبد ال عليه السلم وسئل ما بال الزاني ل تسميه كافرا وتارك
الصلة قد تسميه كافرا ؟ وما الحجة في ذلك ؟ قال :لن الزاني وما أشبهه
إنما يفعل ذلك لمكان الشهوة وإنها تغلبه ،وتارك الصلة ل يتركها إل
استخفافا بها ،وذلك أنك ل تجد الزاني يأتي المرأة إل وهو مستلذ لتيانه
إياها قاصدا إليها وكل من ترك الصلة قاصدا إليها فليس يكون قصده
لتركها اللذة ،فإذا انتفت اللذة وقع الستخفاف ،وإذا وقع الستخفاف وقع
الكفر ) - 16 .(4ب :عن هارون ،عن ابن صدقة قال :وقيل لبي عبد ال
عليه السلم :ما فرق بين من نظر إلى امرأة فزنى بها أو خمرا فشربها،
وبين من ترك الصلة حيث ل يكون الزاني وشارب الخمر مستخفا كما
استخف تارك الصلة ؟ وما الحجة في ذلك ؟ وما العلة التي تفرق بينهما ؟
قال عليه السلم :الحجة أن كل ما أدخلت نفسك فيه لم يدعك إليه داع ،ولم
يغلبك عليه غالب شهوة ،مثل الزنا وشرب الخمر فأنت دعوت نفسك إلى
ترك الصلة ،وليس ثم شهوة فهو الستخفاف بعينه وهذا فرق ما بينهما )
.(5بيان :قوله عليه السلم " :أن كل ما أدخلت " كأن خبر أن محذوف
أي هو
) (1معاني الخبار (2) .186 :قرب السناد (3) .13 :معاني الخبار(4) .187 :
قرب السناد (5) .22 :قرب السناد.23 :
][67
الستخفاف بقرينة قوله " فأنت دعوت " ويحتمل أن يكون الخبر لم يدعك ،وقيل:
المراد بالحجة المعيار ل الدليل ،والمراد بالداعي الباعث القوي وإل فل
يكون فعل اختياري بغير داع وقوله " مثل الزنا " تشبيه للمنفي - 17 .ب:
عن علي ،عن أخيه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ل يزني
الزاني وهو مؤمن ،ول يسرق السارق وهو مؤمن ) - 18 .(1ل :عن أبيه،
عن سعد ،عن النهدي ،عن ابن محبوب ،عن ابن رئاب عن الحلبي قال:
سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :إن المؤمن ل يكون سجيته الكذب
ول البخل ول الفجور ،ولكن ربما ألم بشئ من هذا ل يدوم عليه ،فقيل له:
أفيزني ؟ قال :نعم ،هو مفتن تواب ،ولكن ل يولد له من تلك النطفة(2) .
بيان " :ربما ألم " أي نزل أو قارب في النهاية وإن كنت ألممت بذنب
فاستغفري ال أي قاربت ،وقيل :اللمم مقاربة المعصية من غير إيقاع فعل،
وقيل :هو من اللمم صغار الذنوب ،وقال :الفتنة المتحان والختبار ،ومنه
الحديث المؤمن خلق مفتنا أي ممتحنا يمتحنه ال بالذنب ثم يتوب ،ثم
يعود ،ثم يتوب ،يقال فتنته أفتنه فتنا وفتونا إذا امتحنته ،ويقال فيها افتتنه
أيضا - 19 .ن :بالسانيد الثلثة عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم قال:
قال رسول ال صلى ال عليه وآله :اليمان إقرار باللسان ،ومعرفة
بالقلب ،وعمل بالركان ) (3صح :عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم مثله
) - 20 .(4جا ،ما :عن المفيد ،عن الجعابي ،عن الحسين بن علي المالكي
عن أبي الصلت الهروي ،عن الرضا علي بن موسى ،عن أبيه موسى بن
جعفر ،عن أبيه جعفر بن محمد ،عن أبيه ،محمد بن علي ،عن أبيه علي
بن الحسين ،عن أبيه الحسين بن علي ،عن أبيه أمير المؤمنين صلوات
ال عليهم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
) (1قرب السناد ط النجف ص 149و (2) .165الخصال ج 1ص (3) .64
عيون الخبار ج 1ص ،227وتراه في ج (4) .28 :2صيحفة الرضا
عليه السلم.2 :
][68
اليمان قول مقول ،وعمل معمول ،وعرفان العقول .قال أبو الصلت :فحدثت بهذا
الحديث في مجلس أحمد بن حنبل فقال لي أحمد :يا أبا الصلت لو قرئ بهذا
السناد على المجانين لفاقوا ) - 21 .(1ما :عن الفحام ،عن المنصوري،
عن عم أبيه ،عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عليهم السلم قال :قال أمير
المؤمنين عليه السلم :سألت النبي صلى ال عليه وآله عن اليمان فقال:
تصديق بالقلب ،وإقرار باللسان ،وعمل بالركان ) - 22 (2ما :باسناد أخي
دعبل ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال أمير المؤمنين عليه
السلم :اليمان إقرار باللسان ،ومعرفة بالقلب ،وعمل بالجوارح )23 .(3
-ما :عن جماعة ،عن أبي المفضل ،عن علي بن محمد بن مهرويه
وجعفر ابن إدريس القزوينيين ،عن داود بن سليمان الغازي ،عن الرضا،
وحدثنا عبد ال بن أحمد بن عامر ،قال :حدثنا أبي وجدي أحمد بن علي بن
مهدي بن صدقة بن هشام ابن غالب ،عن أبيه ،قالوا :حدثنا علي بن
موسى الرضا ،عن آبائه صلوات ال عليهم عن أمير المؤمنين عليه
السلم ،قال :سمعت النبي صلى ال عليه وآله يقول :اليمان إقرار باللسان
ومعرفة بالقلب ،وعمل بالركان .ولفظ الحديث لداود .قال أبو المفضل:
وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الطبري ،عن عمار بن رجاء السترابادي
ومحمد بن عطية الرازي وأبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي وغيرهم
جميعا عن أبي الصلت الهروي ،قال :حدثنا علي بن موسى الرضا ،عن
أبيه ،عن جعفر ابن محمد ،عن أبيه ،عن علي بن الحسين ،عن أبيه ،عن
علي بن أبيطالب عليهم السلم قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله
يقول :اليمان قول باللسان ،ومعرفة بالقلب و عمل بالركان.
) (1مجالس المفيد ،169 :أمالى الطوسى ج 1ص (2) .35أمالى الطوسى :ج 1
ص (3) .290أمالى الطوسى ج 1ص .379
][69
قال أبو حاتم :قال أبو الصلت :لو قرئ هذا السناد على مجنون لبرئ باذن ال
تعالى ،قال أبو المفضل :وهذا حديث لم يحدثه عن النبي صلى ال عليه
وآله إل أمير -المؤمنين علي بن أبيطالب عليه السلم من رواية الرضا
عن آبائه عليهم السلم أجمع على هذا القول أئمة أصحاب الحديث
واحتجوا بهذا الحديث على المرجئة ،ولم يحدث به فيما أعلم إل موسى بن
جعفر ،عن أبيه صلوات ال عليهما وكنت ل أعلم أن أحدا رواه عن موسى
بن جعفر إل ابنه الرضا حتى حدثناه محمد بن علي بن معمر الكوفي وما
كتبته إل عنه ،قال :حدثنا عبد ال بن سعيد البصري العابد بسورا ،قال:
حدثنا محمد بن صدقة ومحمد بن تميم ،قال :حدثنا موسى بن جعفر ،عن
أبيه باسناده مثله سواء ) - 24 .(1ما :أخبرنا جماعة قالوا :أخبرنا أبو
المفضل ،قال :حدثنا أبو علي محمد بن همام قال :حدثنا عبد ال بن عبد
ال بن طاهر بن أحمد المصعبي ،قال :كنت في مجلس أخي طاهر ابن عبد
ال بن طاهر بخراسان ،وفي المجلس يومئذ إسحاق بن راهويه الحنظلي
وأبو الصلت عبد السلم بن صالح الهروي وجماعة من الفقهاء وأصحاب
الحديث فتذاكروا اليمان فابتدأ إسحاق بن راهويه فتحدث فيه بعدة أحاديث
وخاض الفقهاء وأصحاب الحديث في ذلك وأبو الصلت ساكت فقيل له :يا
با الصلت أل تحدثنا ؟ فقال :حدثني الرضا علي بن موسى بن جعفر بن
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات ال عليهم وكان
وال رضى كما وسم بالرضا ،قال :حدثنا الكاظم موسى بن جعفر ،قال:
حدثني أبي الصادق جعفر بن محمد ،قال :حدثني أبي الباقر محمد بن علي،
قال :حدثني أبي السجاد علي بن الحسين ،قال :حدثني أبي الحسين سبط
رسول ال صلى ال عليهم أجمعين وسيد الشهداء ،قال :حدثني أبي
الوصي علي بن أبيطالب صلوات ال عليه ،قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وآله :اليمان عقد بالقلب ،ونطق باللسان ،وعمل بالركان ،قال:
فخرس أهل المجلس كلهم ونهض أبو الصلت فنهض معه إسحاق بن
راهويه والفقهاء فأقبل إسحاق بن راهويه على أبي الصلت ،فقال له ونحن
نسمع :يا با الصلت أي إسناد هذا ؟ فقال :يا ابن راهويه
][70
هذا سعوط المجانين ،هذا عطر الرجال ذوي اللباب ) - 25 .(1ما :أخبرنا جماعة
قالوا :أخبرنا أبو المفضل ،قال :حدثنا أبو عبد ال محمد بن عبد ال بن
راشد الطاهري الكاتب في دار عبد الرحمن بن عيسى بن داود بن الجراح
وبحضرته إملء يوم الثلثا لتسع خلون من جمادى الولى سنة أربع
وعشرين وثلث مائة ،قال :حملني علي بن محمد بن الفرات في وقت من
الوقات برا واسعا إلى أبي أحمد عبيدال بن عبد ال بن طاهر فأوصلته
ووجدته على إضاقة شديدة فقبله وكتب في الوقت بديهة :أياديك عندي
معظمات جلئل * طوال المدى شكري لهن قصير فان كنت عن شكري غنيا
فانني * إلى شكر ما أوليتني لفقير قال :فقلت أعز ال المير هذا حسن قال
أحسن منه ما سرقته منه ،فقلت وما هو ؟ قال :حديثان حدثني بهما أبو
الصلت عبد السلم بن صالح الهروي ،قال :حدثني أبو الحسن علي بن
موسى الرضا ،قال :حدثي أبي عن جدي جعفر بن محمد عن أبيه ،عن جده
علي بن الحسين ،عن أبيه ،عن جده أمير المؤمنين صلوات ال عليهم
أجمعين ،قال :قال النبي صلى ال عليه وآله أسرع الذنوب عقوبة كفران
النعمة .وحدثني أبو الصلت بهذا السناد قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :يؤتى بعبد يوم القيامة فيوقف بين يدي ال عزوجل ،فيأمر به إلى
النار ،فيقول :أي رب أمرت بي إلى النار وقد قرأت القرآن ؟ فيقول ال أي
عبدي إني أنعمت عليك ولم تشكر نعمتي فيقول :أي رب أنعمت علي بكذا
فشكرتك بكذا وأنعمت علي بكذا فشكرتك بكذا ،فل يزال يحصي النعم ويعدد
الشكر فيقول ال تعالى :صدقت عبدي إل أنك لم تشكر من أجريت لك
نعمتي على يديه ،وإني قد آليت على نفسي أن ل أقبل شكر عبد لنعمة
أنعمتها عليه حتى يشكر من ساقها من خلقي إليه قال :فانصرفت بالخبر
إلى علي بن الفرات وهو في مجلس أبي العباس أحمد بن محمد بن الفرات
و ذكرت ما جرى فاستحسن الخبر وانتسخه وردني في الوقت إلى أبي
أحمد عبيدال ابن عبد ال ببر واسع من بر أخيه فأوصلته إليه فقبله وسر
به فكتب إليه:
][71
شكراك معقود بايماني * حكم في سري وإعلني عقد ضمير وفم ناطق * وفعل
أعظاء وأركان فقلت :هذا أعز ال المير أحسن من الول ،فقال :أحسن
منه ما سرقته منه ،قلت وما هو ؟ قال :حدثنا أبو الصلت عبد السلم بن
صالح بنيسابور ،قال :حدثني أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه
السلم ،قال :حدثني أبي موسى الكاظم قال :حدثني أبي جعفر الصادق،
قال :حدثني أبي محمد بن علي الباقر ،قال :حدثني أبي علي السجاد ،قال:
حدثني أبي الحسين السبط ،قال :حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلم ،قال :قال النبي صلى ال عليه وآله :اليمان عقد بالقلب
ونطق باللسان ،وعمل بالركان ،قال :فعدت إلى أبي العباس بن الفرات
فحدثته الحديث فانتسخه .قال أبو أحمد :فكان أبو الصلت في مجلس أخي
بنيشابور ،وحضر مجلسه متفقهة نيشابور وأصحاب الحديث منهم ،وفيهم
إسحاق بن راهويه فأقبل إسحاق على أبي الصلت فقال :يا أبا الصلت أي
إسناد هذا ما أغربه وأعجبه ؟ قال :هذا سعوط المجانين الذي إذا سعط به
المجنون برأ باذن ال تعالى .قال أبو المفضل :حدثت على أبي علي ابن
همام عما تقدمه من حديثه عن أبي أحمد وسألني في الحديث الثاني أن
امليه عليه من أجل الزيادة فيه والشعر فأمليته عليه ) .(1بيان :قوله "
برا " يمكن أن يقرأ بضم الباء وكسرها " على إضافة " أي ضيافة
والمعنى كان عنده أضياف كثيرون ) (2قوله " ما سرقته منه " كأن
المعنى ما أخفيته منه ولم أذكره له ،والن أذكره ،وكأنه سماه سرقة إشارة
إلى أنه لما كان قابل لسماع هذا الحديث ولم أذكره له فكأني سرقته منه،
ويمكن أن
) (1أمالى الطوسى ج 2ص 65و (2) .66في المصدر " على اضاقة " وهو
المناسب لما بعده ،يقال :أضاق الرجل اضاقة :ذهب ماله وافتقر.
][72
يقرأ " ما سر " على بناء المفعول من السرور " قنه " بكسر القاف وتشديد النون
أي عبده ،والضمير لبن الفرات " منه " أي من استماعه ويمكن أن يقرأ
سر على بناء الفاعل أيضا أي يسر القن المرسل إليه بسببه ،والصوب أنه
من السرقة ) (1والمعنى ما سرقت هذا الشعر منه ،لن الشعر تضمن
افتقاره إلى الشكر والحديث دل عليه .قوله " شكراك " كأن التثنية باعتبار
النعمتين ،وإفراد الخبر باعتبار كل واحد أو الشكرى مصدر كذكري وإن لم
يرد في كتب اللغة ،وعلى الول يحتمل أن يكون المراد مطلق التكرير
كلبيك ،وفي بعض النسخ " شكريك " بالياء أي شكري لك " معقود
بأيماني " أي ألزمته على نفسي باليمان كقوله تعالى " بما عقدتم اليمان
" هذا على فتح همزة اليمان ،وكان كسرها أنسب بالحديث الذي سرقه
منه " حكم " بالتحريك أي حاكم أو محكم ،ويحتمل الضم ،والفم هنا
بالتشديد في القاموس الفم مثلثة أصله فوه وقد تشدد الميم مثلثة ،وقوله "
حدثت الخ " إشارة إلى الحديث المروي عنه قبل هذا الخبر ،وكان الظهر
" ما تقدمه " - 26 .مع :عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن يزيد ،عن ابن أبي
عمير ،عن ابن البختري ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :ليس اليمان بالتحلي ول بالتمني ،ولكن اليمان ما
خلص في القلب وصدقه العمال ) .(2بيان " :بالتحلي " أي بأن يتزين به
ظاهرا من غير يقين بالقلب " ول بالتمني " بأن يتمنى النجاة بمحض
العقائد من غير عمل - 27 .مع :عن أبيه ،عن محمد العطار ،عن سهل،
عن ابن محبوب ،عن ابن رئاب ،عن الحسن بن زياد العطار ،قال :قلت
لبي عبد ال عليه السلم :إنهم يقولون لنا :أمؤمنون أنتم ؟ فنقول :نعم )
(3فيقولون :أليس المؤمنون في الجنة ؟ فنقول :بلى فيقولون :أفأنتم في
الجنة ؟ فإذا نظرنا إلى أنفسنا ضعفنا وانكسرنا عن الجواب ،قال:
) (1ولعلها كانت في مجموعة بعثت إليه مع الرجل فسرقها من تلك المجموعة(2) .
معاني الخبار ص (3) .187في النسخ هنا زيادة ]ان شاء ال تعالى[
وهو سهو ظاهر.
][73
فقال عليه السلم :إذا قالوا لكم :أمؤمنون أنتم ؟ فقولوا :نعم إنشاء ال ،قال :قلت:
فانهم يقولون إنما استثنيتم لنكم شكاك ،قال :فقولوا لهم :وال ما نحن
بشكاك ،و لكن استثنينا كما قال ال عزوجل " لتدخلن المسجد الحرام إن
شاء ال آمنين " ) (1وهو يعلم أنهم يدخلونه أول ،وقد سمى ال عزوجل
المؤمنين بالعمل الصالح مؤمنين ولم يسم من ركب الكبائر وما وعد ال
عزوجل عليه النار في قرآن ول أثر ،ول نسميهم باليمان بعد ذلك الفعل )
.(2بيان :قوله " باليمان " متعلق بقوله " لم يسم " و " ل نسميهم "
معا على التنازع - 28 .يد :عن ابن الوليد ،عن الصفار ،عن ابن معروف،
عن ابن أبي نجران ،عن حماد بن عثمان ،عن عبد الرحيم القصير ،قال:
كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد ال عليه السلم أسأله عن
اليمان ما هو ؟ فكتب :اليمان هو إقرار باللسان ،وعقد بالقلب ،وعمل
بالركان .فاليمان بعضه من بعض ،وقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون
مؤمنا ول يكون مؤمنا حتى يكون مسلما فالسلم قبل اليمان ،وهو
يشارك اليمان ،فإذا أتى العبد بكبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من
صغائر المعاصي التي نهى ال عزوجل عنها كان خارجا من اليمان ،و
ساقطا عنه اسم اليمان ،وثابتا عليه اسم السلم ،فان تاب واستغفر عاد
إلى اليمان ولم يخرجه إلى الكفر إل الجحود والستحلل :إذا قال للحلل
هذا حرام ،و للحرام هذا حلل ،ودان بذلك ،فعندها يكون خارجا من اليمان
والسلم إلى الكفر ،وكان بمنزلة رجل دخل الحرم ثم دخل الكعبة ،فأحدث
في الكعبة حدثا فاخرج عن الكعبة وعن الحرم ،فضربت عنقه ،وصار إلى
النار .الخبر ) - 29 .(3تفسير النعماني :بالسناد التي في كتاب القرآن
عن أمير المؤمنين عليه السلم :قال :وأما اليمان والكفر والشرك وزيادته
ونقصانه ،فاليمان بال
) (1الفتح (2) .27 :معاني الخبار ص 413آخر أحاديث الكتاب (3) .توحيد
الصدوق ص .230
][74
تعالى هو أعلى العمال درجة وأشرفها منزلة ،وأسناها حظا .فقيل له :اليمان قول
وعمل أم قول بل عمل ؟ فقال :اليمان تصديق بالجنان ،وإقرار باللسان
وعمل بالركان ،وهو عمل كله ،ومنه التام ،ومنه الكامل تمامه ،ومنه
الناقص البين نقصانه ،ومنه الزائد البين زيادته ،إن ال تعالى ما فرض
اليمان على جارحة من جوارح النسان إل وقد وكلت بغير ما وكلت به
الخرى ،فمنها قلبه الذي يعقل به ،ويفقه ويفهم ،ويحل ويعقد ويريد ،وهو
أمير البدن وإمام الجسد الذي ل تورد الجوارح ول تصدر إل عن رأيه
وأمره ونهيه ،ومنها لسانه الذي ينطق به ،ومنها اذناه اللتان يسمع بهما،
ومنها عيناه اللتان يبصر بهما ومنها يداه اللتان يبطش بهما ،ومنها رجله
اللتان يسعى بهما ،ومنها فرجه الذي الباه من قبله ،ومنها رأسه الذي فيه
وجهه ،وليس جارحة من جوارحه إل وهي مخصوصة بفرضه .وفرض
على القلب غير ما فرض على السمع ،وفرض على السمع غير ما فرض
على البصر ،وفرض على البصر غير ما فرض على اليدين ،وفرض على
اليدين غير ما فرض على الرجلين ،وفرض على الرجلين غير ما فرض
على الفرج ،وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه ،وفرض على
الوجه غير ما فرض على اللسان .فأما ما فرض على القلب من اليمان،
فالقرار والمعرفة والعقد عليه والرضا بما فرضه عليه ،والتسليم لمره،
والذكر والتفكر ،والنقياد إلى كل ما جاء عن ال عزوجل في كتابه مع
حصول المعجز ،فيجب عليه اعتقاده وأن يظهر مثل ما أبطن إل للضرورة
كقوله سبحانه " إل من اكره وقلبه مطمئن باليمان " ) (1وقوله تعالى "
ل يؤاخذكم ال باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم " )(2
وقال سبحانه " الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " ) (3وقوله
تعالى " أل
][75
بذكر ال تطمئن القلوب " ) (1وقوله سبحانه " ويتفكرون في خلق السموات
والرض ربنا ما خلقت هذا باطل " ) (2وقوله تعالى " أفل يتدبرون
القرآن أم على قلوب أقفالها " ) (3وقال عزوجل " :فانها ل تعمى البصار
ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " ) (4ومثل هذا كثير في كتاب ال
تعالى وهو رأس اليمان .وأما ما فرضه على اللسان في معنى التعبير لما
عقد به القلب وأقر به فقوله تعالى " :قولوا آمنا بال وما انزل إلينا وما
انزل إلى إبراهيم وإسماعيل و إسحاق ويعقوب " الية ) (5وقوله سبحانه
" قولوا للناس حسنا وأقيموا الصلة وآتو الزكوة " ) (6وقوله سبحانه "
ول تقولوا ثلثة انتهوا خيرا لكم إنما ال إله واحد " ) (7فأمر سبحانه بقول
الحق ،ونهى عن قول الباطل .وأما ما فرضه على الذنين فالستماع لذكر
ال والنصات إلى ما يتلى من كتابه وترك الصغاء إلى ما يسخطه فقال
سبحانه " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " )(8
وقال تعالى " وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات ال يكفر بها
ويستهزء بها فل تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره " ) (9الية
ثم استثنى برحمته لموضع النسيان فقال " :وإما ينسينك الشيطان فل تقعد
بعد الذكرى مع القوم الظالمين " ) (10وقال عزوجل " :فبشر عبادي
الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اولئك الذين هديهم ال واولئك هم
اولوا اللباب " ) (11وقال تعالى " وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا
لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلم عليكم ل نبتغي الجاهلين " ) (12وفي كتاب
ال تعالى ما معناه
) (1الرعد (2) .30 :آل عمران (3) .191 :القتال (4) .24 :الحج(5) .46 :
البقرة (6) .136 :البقرة (7) .83 :النساء (8) .179 :العراف) .204 :
(9النساء (10) .134 :النعام (11) .68 :الزمر (12) .18 :القصص:
.55
][76
معنى ما فرض ال سبحانه على السمع وهو اليمان .وأما ما فرضه على العينين
فمنه النظر إلى آيات ال تعالى وغض البصر عن محارم ال قال ال تعالى:
" أفل ينظرون إلى البل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى
الجبال كيف نصبت * وإلى الرض كيف سطحت " ) (1وقال تعالى" :
أولم ينظروا في ملكوت السموات والرض وما خلق ال من شئ " )(2
وقال سبحانه " :انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه " ) (3وقال " :فمن
أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها " ) (4وهذه الية جامعة لبصار العيون
وأبصار القلوب قال ال تعالى " :فانها ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب
التي في الصدور " ) (5ومنه قوله تعالى " :قل للمؤمنين يغضوا من
أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم " ) (6معناه ل ينظر أحدكم إلى
فرج أخيه المؤمن أو يمكنه من النظر إلى فرجه ،ثم قال سبحانه " وقل
للمؤمنات يغضض من أبصارهن ويحفظن فروجهن " أي ممن يلحقهن
النظر كما جاء في حفظ الفرج ،والنظر سبب إيقاع الفعل من الزنا وغيره.
ثم نظم تعالى ما فرض على السمع والبصر والفرج في آية واحدة فقال" :
وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ول أبصاركم ول جلودكم ولكن
ظننتم أن ال ل يعلم كثيرا مما تعملون " ) (7يعني بالجلود هنا الفروج
]والفخاذ[ وقال تعالى " :ول تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر
والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئول " ) (8فهذا ما فرض ال تعالى على
العينين من تأمل اليات والغض عن تأمل المنكرات وهو من اليمان .وأما
ما فرضه سبحانه على اليدين فالطهور وهو قوله " يا أيها الذين آمنوا إذا
قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا
) (1الغاشية (2) .19 - 16 :العراف (3) .185 :النعام (4) .99 :النعام.104 :
) (5الحج (6) .46 :النور 31 :و (7) .30فصلت (8) .22 :أسرى.36 :
][77
برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين " ) (1وفرض على اليدين النفاق في سبيل ال فقال:
" أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الرض " ) (2وفرض
تعالى على اليدين الجهاد لنه من عملهما وعلجهما فقال " :فإذا لقيتم
الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق " ) (3وذلك
كله من اليمان .وأما ما فرضه ال على الرجلين فالسعي بهما فيما
يرضيه ،واجتناب السعي فيما يسخطه ،وذلك قوله سبحانه " فاسعوا إلى
ذكر ال وذروا البيع " ) (4وقوله سبحانه " ول تمش في الرض مرحا "
) (5وقوله " واقصد في مشيك واغضض من صوتك " ) (6وفرض ال
عليهما القيام في الصلة فقال " :وقوموا ل قانتين " ) (7ثم أخبر أن
الرجلين من الجوارح التي تشهد يوم القيامة حين تستنطق بقوله سبحانه
" اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا
يكسبون " ) (8وهذا مما فرضه ال تعالى على الرجلين في كتابه وهو من
اليمان .وأما ما افترضه على الرأس فهو أن يمسح من مقدمه بالماء في
وقت الطهور للصلة بقوله " وامسحوا برؤسكم " ) (9وهو من اليمان،
وفرض على الوجه الغسل بالماء عند الطهور وقال " :يا أيها الذين آمنوا
إذ اقمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم " ) (10وفرض عليه السجود
وعلى اليدين والركبتين والرجلين الركوع وهو من اليمان وقال فيما
فرض على هذه الجوارح من الطهور والصلة وسماه في كتابه إيمانا حين
تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ،فقال المسلمون :يا رسول ال
ذهبت صلتنا إلى بيت المقدس وطهورنا ضياعا ؟ فأنزل ال تعالى " وما
جعلنا القبلة التي كنت عليها إل لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على
عقبيه وإن كانت لكبيرة إل على الذين هدى ال وما كان ال ليضيع إيمانكم
إن ال بالناس لرؤف
) (1المائدة (2) .6 :البقرة (3) .267 :القتال (4) .4 :الجمعة 5) .9 :و (6لقمان:
18و (7) .19البقرة (8) .238 :يس 9) .65 :و (10المائدة.6 :
][78
رحيم " ) (1فسمى الصلة والطهور إيمانا .وقال رسول ال صلى ال عليه وآله:
من لقي ال كامل اليمان فهو من أهل الجنة ومن كان مضيعا لشئ مما
فرضه ال تعالى في هذه الجوارح وتعدى ما أمر ال به وارتكب ما نهاه
عنه لقى ال تعالى ناقص اليمان قال ال عزوجل " :وإذا ما انزلت سورة
فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم
يستبشرون " ) (2وقال " :إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم
وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون " ) (3وقال
سبحانه " :إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى " ) (4وقال " :والذين
اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقويهم " ) (5وقال " :هو الذي أنزل السكينة
في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم " الية ) .(6فلو كان اليمان
كله واحدا ل زيادة فيه ول نقصان ،لم يكن لحد فضل على أحد ولتساوى
الناس ،فبتمام اليمان وكماله دخل المؤمنون الجنة ،ونالوا الدرجات فيها،
وبذهابه ونقصانه دخل الخرون النار ،وكذلك السبق إلى اليمان قال ال
تعالى " :والسابقون السابقون اولئك المقربون " ) (7وقال سبحانه" :
والسابقون الولون من المهاجرين والنصار " ) (8وثلث بالتابعين ،وقال
عزوجل " :تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم ال ورفع
بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس " )(9
وقال " :ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا " )(10
وقال " :انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللخرة
) (1البقرة (2) .143 :براءة 124 :و (3) .125النفال (4) .2الكهف(5) .13 :
القتال (6) .17 :الفتح (7) .4 :الواقعة 10 :و (8) .11براءة) .100 :
(9البقرة (10) .253 :أسرى .55
][79
أكبر درجات وأكبر تفضيل " ) (1وقال " :هم درجات عند ال وال بصير بما
يعملون " ) (2وقال سبحانه " :ويؤت كل ذي فضل فضله " ) (3وقال" :
الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل ال بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة
عند ال " ) (4وقال تعالى " :ل يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح
وقاتل اولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكل وعد ال
الحسنى " ) (5وقال تعالى " :وفضل ال المجاهدين على القاعدين أجرا
عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة " ) (6وقال " :ذلك بأنهم ل يصيبهم
ظمأ ول نصب ول مخمصة في سبيل ال ول يطؤن موطئا يغيظ الكفار ول
ينالون من عدو نيل إل كتب لهم به عمل صالح " ) (7فهذه درجات
اليمان ومنازلها عند ال سبحانه ،ولن يؤمن بال إل من آمن برسوله
وحججه في أرضه ،قال ال تعالى " :من يطع الرسول فقد أطاع ال " )(8
وما كان ال عزوجل ليجعل لجوارح النسان إماما في جسده ينفي عنها
الشكوك ،ويثبت لها اليقين ،وهو القلب ويهمل ذلك في الحجج وهو قوله
تعالى " فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين " ) (9وقال " :لئل
يكون للناس على ال حجة بعد الرسل " ) (10وقال تعالى " :أن تقولوا ما
جائنا من بشير ول نذير " ) (11وقال سبحانه " :وجعلنا منهم أئمة
يهدون بأمرنا لما صبروا " ) (12الية .ثم فرض على المة طاعة ولة
أمره القوام بدينه ،كما فرض عليهم طاعة رسول ال صلى ال عليه وآله
فقال " :أطيعوا ال وأطيعوا الرسول واولي المر منكم " )(13
) (1أسرى (2) .21 :آل عمران (3) .163 :هود (4) .3 :براءة (5) .20 :الحديد:
(6) .10النساء (7) .96براءة (8) .120 :النساء (9) 80 :النعام:
(10) .149النساء (11) .165 :المائدة (12) .19 :السجدة(13) .24 :
النساء.59 :
][80
ثم بين محل ولة أمره من أهل العلم بتأويل كتابه فقال عزوجل " :ولو ردوه إلى
الرسول وإلى اولي المر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم " ) (1وعجز
كل أحد من الناس عن معرفة تأويل كتابه غيرهم ،لنهم هم الراسخون في
العلم المأمونون على تأويل التنزيل قال ال تعالى " :وما يعلم تأويله إل
ال والراسخون في العلم " ) (2إلى آخر الية وقال سبحانه " :بل هو
آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم " ) .(3وطلب العلم أفضل من
العبادة ،قال ال عزوجل " :إنما يخشى ال من عباده العلماء " )(4
وبالعلم استحقوا عند ال اسم الصدق ،وسماهم به صادقين ،و فرض
طاعتهم على جميع العباد بقوله " يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وكونوا مع
الصادقين " ) (5فجعلهم أولياءه ،وجعل وليتهم وليته .وحزبهم حزبه
فقال " :ومن يتول ال ورسوله والذين آمنوا فان حزب ال هم الغالبون "
) (6وقال " :إنما وليكم ال ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة
ويؤتون الزكوة وهم راكعون " ) .(7واعلموا رحمكم ال أنما هلكت هذه
المة وارتدت على أعقابها بعد نبيها صلى ال عليه وآله بركوبها طريق
من خل من المم الماضية ،والقرون السالفة الذين آثروا عبادة الوثان
على طاعة أولياء ال عزوجل ،وتقديمهم من يجهل على من يعلم فعقبها
ال تعالى بقوله " هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون إنما يتذكر
اولوا اللباب " ) (8وقال في الذين استولوا على تراث رسول ال بغير حق
من بعد وفاته " :أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن ل يهدي إل أن
) (1النساء (2) .83 :آل عمران (3) .13 :العنكبوت (4) .49 :فاطر(5) .28 :
براءة 6) .119 :و (7المائدة 56و (8) 55الزمر(*) .9 :
][81
يهدى فمالكم كيف تحكمون " ) (1فلو جاز للمة اليتام بمن ل يعلم ،أو بمن يجهل
لم يقل إبراهيم عليه السلم لبيه " لم تعبد مال يسمع ول يبصر ول يغني
عنك شيئا " ) .(2فالناس أتباع من اتبعوه من أئمة الحق وأئمة الباطل قال
ال عزوجل " :يوم ندعوا كل اناس بامامهم فمن اوتي كتابه بيمينه فاولئك
يقرؤن كتابهم ول يظلمون فتيل " ) (3فمن ائتم بالصادقين حشر معهم،
ومن ائتم بالمنافقين حشر معهم ،قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
يحشر المرء مع من أحب ،قال إبراهيم عليه السلم " :فمن تبعني فانه
مني " ) .(4وأصل اليمان العلم ،وقد جعل ال تعالى له أهل ندب إلى
طاعتهم ومسألتهم فقال " :فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون " )(5
وقال جلت عظمته " :وأتوا البيوت من أبوابها " ) (6والبيوت في هذا
الموضع اللتي عظم ال بناءها بقوله " في بيوت أذن ال أن ترفع ويذكر
فيها اسمه " ) (7ثم بين معناها لكيل يظن أهل الجاهلية أنها بيوت مبنية
فقال تعالى " :رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر ال " فمن طلب
العلم في هذه الجهة أدركه ،قال رسول ال صلى ال عليه وآله :أنا مدينة
العلم -وفي موضع آخر أنا مدينة الحكمة -وعلي بابها فمن أراد الحكمة
فليأتها من بابها .وكل هذا منصوص في كتابه تعالى إل ان له أهل يعلمون
تأويله فمن عدل منهم إلى الذين ينتحلون ما ليس لهم ،ويتبعون ما تشابه
منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ]وهو تأويله[ بل برهان ول دليل ول هدى
هلك وأهلك ،وخسرت صفقته وضل سعيه يوم " تبرء الذين اتبعوا من
الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم السباب " ) (8وإنما هو حق
وباطل ،وإيمان ،وكفر ،وعلم وجهل ،وسعادة
) (1يونس (2) .35 :مريم (3) .42 :أسرى (4) .71 :ابراهيم (5) .36 :النحل:
(6) .43البقرة (7) .189 :النور 36 :و (8) .37البقرة .166
][82
وشقوة ،وجنة ونار ،لن يجتمع الحق والباطل في قلب امرء قال ال تعالى " :ما
جعل ال لرجل من قلبين في جوفه " ) .(1وإنما هلك الناس حين ساووا
بين أئمة الهدى وبين أئمة الكفر ،وقالوا :إن الطاعة مفروضة لكل من قام
مقام النبي صلى ال عليه وآله برا كان أو فاجرا ،فاتوا من قبل ذلك )(2
قال ال سبحانه " :أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون " )
(3وقال ال تعالى " :هل يستوي العمى والبصير أم هل تستوي الظلمات
والنور " ) (4فقال :فيمن سموهم من أئمة الكفر بأسماء أئمة الهدى ممن
غصب أهل الحق ما جعله ال لهم ،وفيمن أعان أئمة الضلل على ظلمهم
" إن هي إل أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل ال بها من سلطان "
) (5فأخبرهم ال سبحانه بعظيم افترائهم على جملة أهل اليمان بقوله
تعالى " إنما يفتري الكذب الذين ل يؤمنون بآيات ال " ) (6وقوله تعالى:
" ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من ال " ) (7وبقوله سبحانه" :
أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ل يستوون " ) (8وبقوله تعالى " :أفمن
كان على بينة من ربه كمن هو أعمى " ) (9فبين ال عزوجل بين الحق
والباطل في كثير من آيات القرآن ،ولم يجعل للعباد عذرا في مخالفة أمره
بعد البيان والبرهان ،ولم يتركهم في لبس من أمرهم ،ولقد ركب القوم
الظلم والكفر
) (1الحزاب (2) .4 :أي أتى هلكهم من قبل ذلك ،يقال :اتى -كعنى -فلن من
مأمنه :أي جاءه الهلك من جهة أمنه (3) .القلم :(4) .35 :الرعد ) .16
(5العراف (6) .71 :النحل (7) .105 :القصص (8) .50 :السجدة:
(9) .18صدر الية في سورة القتال 14 :ونصها " :أفمن كان على بينة
من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهوائهم " وذيله في سورة
الرعد 19 :ونصها :أفمن يعلم أنما انزل اليك من ربك الحق كمن هو
أعمى انما يتذكر اولوا اللباب " والظاهر أن ما بينهما سقط من النسخ.
][83
في اختلفهم بعد نبيهم وتفريقهم المة ،وتشتيت أمر المسلمين ،واعتدائهم على
أوصياء رسول ال صلى ال عليه وآله بعد أن بين لهم من الثواب على
الطاعة ،والعقاب على المعصية بالمخالفة ،فاتبعوا أهواءهم وتركوا ما
أمرهم ال به ورسوله قال تعالى " :وما تفرق الذين اوتوا الكتاب إل من
بعد ما جاءتهم البينة " ) (1ثم أبان فضل المؤمنين فقال سبحانه " :إن
الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية " ) .(2ثم وصف ما
أعده من كرامته تعالى لهم وما أعده لمن أشرك به ،وخالف أمره وعصى
وليه ،من النقمة والعذاب ،ففرق بين صفات المهتدين ،وصفات المعتدين،
فجعل ذلك مسطورا في كثير من آيات كتابه ولهذه العلة قال ال تعالى" :
أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " ) (3فترى من هو المام الذي
يستحق هذه الصفة من ال عزوجل المفروض على المة طاعته ؟ من لم
يشرك بال تعالى طرفة عين ،ولم يعصه في دقيقة ول جليلة قط ؟ أم من
أنفد عمره وأكثر أيامه في عبادة الوثان ،ثم أظهر اليمان وأبطن النفاق ؟
وهل من صفة الحكيم أن يطهر الخبيث بالخبيث ،ويقيم الحدود على المة
من في جنبه الحدود الكثيرة ،وهو سبحانه يقول " :أتأمرون الناس بالبر
وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفل تعقلون " ) (4أولم يأمر ال
عزوجل نبيه صلى ال عليه وآله بتبليغ ما عهده إليه في وصيه ،وإظهار
إمامته و وليته ،بقوله " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم
تفعل فما بلغت رسالته وال يعصمك من الناس " ) (5فبلغ رسول ال
صلى ال عليه وآله ما قد سمع ،وعلم أن الشياطين اجتمعوا إلى إبليس
فقالوا له :ألم تكن أخبرتنا أن محمدا إذا مضى نكثت امته عهده ونقضت
سنته ،وإن الكتاب الذي جاء به يشهد بذلك ،وهو قوله " وما محمد إل
رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " )(6
فكيف
) 1و (2البينة 4 :و (3) .7القتال (4) .24 :البقرة (5) .44 :المائدة (6) .67 :آل
عمران.144 :
][84
يتم هذا وقد نصب لمته علما ،وأقام لهم إماما ؟ فقال لهم إبليس :ل تجزعوا من
هذا فان امته ينقضون عهده ويغدرون بوصيه من بعده ،ويظلمون أهل
بيته ،و يهملون ذلك لغلبة حب الدنيا على قلوبهم ،وتمكن الحمية
والضغائن في نفوسهم واستكبارهم وعزهم فأنزل ال تعالى " ولقد صدق
عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إل فريقا من المؤمنين " ) .(1بيان " :باللغو
في أيمانكم " قال في المجمع :هو ما يجري على عادة الناس من قول " ل
وال ،وبلى وال " من غير عقد على يمين يقتطع بها مال أو يظلم بها
أحد ،وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد ال عليهما السلم وقيل :هو
أن يحلف وهو يرى أنه صادق ،ثم تبين أنه كاذب فل إثم عليه ول كفارة،
وقيل :هو يمين الغضب ل يؤاخذ بالحنث فيها ،وقال مسروق :كل يمين
ليس له الوفاء بها فهي لغو ول تجب فيها كفارة " بما كسبت قلوبكم " أي
بما عزمتم وقصدتم ،لن كسب القلب العقد والنية ،وفيه حذف أي من
أيمانكم وقيل :بأن تحلفوا كاذبين أو على باطل انتهى ) .(2والستدلل بآية
التفكر لنه من فعل القلب وكذا التدبر فان قوله تعالى " أفل يتدبرون
القرآن " أي أفل يتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر ،حتى ل
يجسروا على المعاصي ،وما فيه من الدلئل والبراهين على جميع اصول
الدين فيرتدعوا عن الكفر بها " أم على قلوب أقفالها " ل يصل إليها ذكر،
ول ينكشف لها أمر ،وقيل " :أم " منقطعة ،ومعنى الهمزة فيه التقرير،
وتنكير القلوب لن المراد قلوب بعض منهم أو للشعار بأنها لبهام أمرها
في القساوة ،أو لفرط جهالتها ونكرها ،كأنها مبهمة منكورة ،وإضافة
القفال إليها للدللة على أقفال مناسبة لها مختصة بها ل تجانس القفال
المعهودة " .ولكن تعمى القلوب " أي عن العتبار ،والمعنى ليس الخلل
في مشاعرهم
][85
وإنما إيفت عقولهم ) (1باتباع الهوى والنهماك في التقليد ،وذكر الصدور للتأكيد
" سلم عليكم " قيل متاركة لهم وتوديع ودعاء لهم بالسلمة عما هم فيه
" ل نبتغي الجاهلين " أي ل نطلب صحبتهم ول نريدها قوله " وينعه "
أي نضجه يقال :ينع الثمر كمنع و ضرب ينعا وينعا وينوعا :حان قطافه
قوله عليه السلم :قال ال تعالى " فانها ل تعمى " ذكر الية هنا بعد
ذكرها سابقا للستشهاد بأن البصار والعمى يطلقان في ابصار الرؤوس
وابصار القلوب .قوله " :من تأمل اليات " أي آيات القرآن أو آياته في
الفاق والنفس " فزادهم هدى " قيل :أي زادهم ال بالتوفيق واللهام ،أو
قول الرسول " .وآتيهم تقويهم " أي بين لهم ما يتقون ،أو أعانهم على
تقواهم ،أو أعطاهم جزاءهما - 30 .كا :عن علي بن محمد ،عن بعض
أصحابه ،عن آدم بن إسحاق ،عن عبد الرزاق بن مهران ،عن الحسين بن
ميمون ،عن محمد بن سالم ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :إن اناسا
تكلموا في هذا القرآن بغير علم ،وذلك أن ال تبارك وتعالى يقول " :هو
الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات
فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء
تأويله وما يعلم تأويله إل ال " الية ) (2فالمنسوخات من المتشابهات،
والمحكمات من الناسخات .إن ال عزوجل بعث نوحا إلى قومه " أن
اعبدوا ال واتقوه و أطيعون " ) (3ثم دعاهم إلى ال عزوجل وحده ،وأن
يعبدوه ول يشركوا به شيئا ثم بعث النبياء صلوات ال عليهم -على ذلك
إلى أن بلغوا محمدا صلى ال عليه وآله فدعاهم إلى أن يعبدوا ال ول
يشركوا به شيئا ،وقال " :شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي
أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول
تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ال يجتبى إليه من يشاء
ويهدي
) (1يقال :آف القوم وأوفوا وايفوا :دخلت عليهم آفة وهو مؤوف (2) .آل عمران:
(3) .7نوح.3 :
][86
إليه من ينيب " ) (1فبعث النبياء إلى قومهم بشهادة أن ل إله إل ال ،القرار بما
جاء به من عند ال ،فمن آمن مخلصا ومات على ذلك أدخله ال الجنة
بذلك وذلك أن ال ليس بظلم للعبيد ،وذلك أن ال لم يكن يعذب عبدا حتى
يغلظ عليه في القتل والمعاصي التي أوجب ال عليه بها النار لمن عمل بها
فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين ،جعل لكل
نبي منهم شرعة و منهاجا ،والشرعة والمنهاج سبيل وسنة ،وقال ال
لمحمد صلى ال عليه وآله " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين
من بعده " ) .(2وأمر كل نبي بالخذ بالسبيل والسنة ،وكان من السبيل
والسنة التي أمر ال عزوجل بها موسى عليه السلم أن جعل عليهم السبت
وكان من أعظم السبت ولم يستحل أن يفعل ذلك من خشية ال أدخله ال
الجنة ،ومن استخف بحقه واستحل ما حرم ال عليه من العمل الذي نهاه
ال عنه فيه ،أدخله ال عزوجل النار ،وذلك حيث استحلوا الحيتان،
واحتبسوها وأكلوها يوم السبت ،غضب ال عليهم من غير أن يكونوا
أشركوا بالرحمن ،ول شكوا ،في شئ مما جاء به موسى عليه السلم قال
ال عزوجل " :ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا
قردة خاسئين " ) .(3ثم بعث ال عيسى عليه السلم بشهادة أن ل إله إل
ال ،والقرار بما جاء به من عند ال ،وجعل لهم شرعة ومنهاجا فهدمت
السبت الذي امروا به أن يعظموه قبل ذلك ،وعامة ما كانوا عليه من
السبيل والسنة التي جاء بها موسى ،فمن لم يتبع سبيل عيسى أدخله ال
النار ،وإن كان الذي جاء به النبيون جميعا أن ل يشركوا بال شيئا .ثم
بعث ال عزوجل محمدا صلى ال عليه وآله وهو بمكة عشر سنين ،فلم
يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا
رسول ال إل أدخله ال الجنة باقراره ،وهو إيمان التصديق ،ولم يعذب ال
أحدا ممن مات وهو
][87
متبع لمحمد صلى ال عليه وآله على ذلك إل من أشرك بالرحمن .وتصديق ذلك أن
ال عزوجل أنزل عليه في سورة بني إسرائيل بمكة " وقضى ربك أن ل
تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا " إلى قوله تعالى " إنه كان بعباده خبيرا
بصيرا " ) (1أدب وعظة وتعليم ونهي خفيف ،ولم يعد عليه ولم يتواعد
على اجتراح شئ مما نهي عنه ،وأنزل نهيا عن أشياء حذر عليها ولم
يغلظ فيها ولم يتواعد عليها ،وقال " :ول تقتلوا أولدكم خشية إملق نحن
نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا * ول تقربوا الزنا إنه كان فاحشة
وساء سبيل * ول تقتلوا النفس التي حرم ال إل بالحق ومن قتل مظلوما
فقد جعلنا لوليه سلطانا فل يسرف في القتل إنه كان منصورا * ول تقربوا
مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده و أوفوا بالعهد إن العهد كان
مسؤل * وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير
وأحسن تأويل * ول تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل
اولئك كان عنه مسؤل * ول تمش في الرض مرحا إنك لن تخرق الرض
ولن تبلغ الجبال طول * كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها * ذلك مما
أوحى إليك ربك من الحكمة ول تجعل مع ال إلها آخر فتلقى في جهنم
ملوما مدحورا " ) .(2وأنزل في والليل إذا يغشى " :فأنذرتكم نارا تلظى *
ل يصليها إل الشقى الذي كذب وتولى " ) (3فهذا مشرك ،وأنزل في إذا
السماء انشقت " :وأما من اوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعوا ثبورا
ويصلى سعيرا * إنه كان في أهله مسرورا * إنه ظن أن لن يحور بلى " )
(4فهذا مشرك ،وأنزل في تبارك " كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم
يأتكم نذير * قالوا بلى قد جائنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل ال من شئ " )(5
فهؤلء مشركون ،وأنزل في الواقعة " وأما إن كان من المكذبين
) (1أسرى (2) .30 - 23 :أسرى (3) .39 - 31 :الليل (4) .16 - 14 :النشقاق:
(5) .14 - 10الملك.9 - 8 :
][88
الضالين * فنزل من حميم * وتصلية جحيم " ) (1فهؤلء مشركون ،وأنزل في
الحاقة " وأما من اوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم اوت كتابيه * ولم
أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية * ما أغنى عني ماليه " إلى قوله:
" إنه كان ل يؤمن بال العظيم " ) (2فهذا مشرك .وأنزل في طسم "
وبرزت الجحيم للغاوين * وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون ال هل
ينصرونكم أو ينتصرون * فكبكبوا فيها هم والغاوون * وجنود إبليس
أجمعون " ) (3جنود إبليس ذريته من الشياطين وقوله " :وما أضلنا إل
المجرمون " ) (4يعني المشركين الذين اقتدوا بهم هؤلء فاتبعوهم على
شركهم ،وهم قوم محمد صلى ال عليه وآله ليس فيهم من اليهود
والنصارى أحد ،وتصديق ذلك قول ال عزوجل " :كذبت قبلهم قوم نوح "
) " (5كذب أصحاب اليكة " ) " (6كذبت قوم لوط " ) (7ليس هم اليهود
الذين قالوا عزير ابن ال ول النصارى الذين قالوا المسيح ابن ال سيدخل
ال اليهود والنصارى النار ،ويدخل كل قوم بأعمالهم .وقولهم " :وما
أضلنا إل المجرمون " إذ دعونا إلى سبيلهم ،ذلك قول ال عزوجل فيهم
حين جمعهم إلى النار " وقالت اوليهم لخريهم ربنا هؤلء أضلونا فآتهم
عذابا ضعفا من النار " وقوله " :كلما دخلت امة لعنت اختها حتى إذا
اداركوا فيها جميعا " ) (8برئ بعضهم من بعض ،ولعن بعضهم بعضا.
يريد بعضهم أن يحجج بعضا رجاء الفلج فيفلتوا من عظيم ما نزل بهم،
وليس بأوان بلوى ول اختبار ،ول قبول معذرة ول حين نجاة ،واليات
وأشباههن مما نزل به بمكة ،ول يدخل ال النار إل مشركا.
][89
فلما أذن ال لمحمد صلى ال عليه وآله في الخروج من مكة إلى المدينة بنى
السلم على خمس :شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدا عبده ورسوله،
وإقام الصلة ،و إيتاء الزكاة ،وحج البيت ،وصيام شهر رمضان ،وأنزل
عليه الحدود ،وقسمة الفرائض ،وأخبره بالمعاصي التي أوجب ال عليها
وبها النار ،لمن عمل بها ،و أنزل في بيان القاتل " ومن يقتل مؤمنا
متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب ال عليه ولعنه وأعد له عذابا
عظيما " ) (1ول يلعن ال مؤمنا قال ال عزوجل " :إن ال لعن الكافرين
وأعد لهم سعيرا * خالدين فيها أبدا ل يجدون وليا ول نصيرا " ) (2وكيف
يكون في المشية وقد ألحق به -حين جزاه جهنم -الغضب واللعنة وقد
بين ذلك من الملعونون في كتابه ؟ وأنزل في مال اليتيم من أكله ظلما " إن
الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون
سعيرا " ) (3وذلك أن آكل مال اليتيم يجئ يوم القيامة والنار تلتهب في
بطنه ،حتى يخرج لهب النار من فيه ،يعرف أهل الجمع أنه آكل مال اليتيم
وأنزل في الكيل " ويل للمطففين " ولم يجعل الويل لحد حتى يسميه كافرا
قال ال تعالى " :فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ) " (4وأنزل في
العهد إن الذين يشترون بعهد ال وأيمانهم ثمنا قليل اولئك ل خلق لهم في
الخرة ول يكلمهم ال ول ينظر إليهم يوم القيامة ول يزكيهم ولهم عذاب
أليم " ) (5والخلق النصيب ،فمن لم يكن له نصيب في الخرة فبأي شئ
يدخل الجنة وأنزل بالمدينة " الزاني ل ينكح إل زانية أو مشركة والزانية
ل ينكحها إل زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) " (6فلم يسم ال
الزاني مؤمنا ول الزانية مؤمنة ،وقال رسول ال صلى ال عليه وآله:
ليس يمتري فيه أهل العلم أنه قال :ل يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن
ول يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ،فانه إذا فعل ذلك خلع عنه
اليمان
) (1النساء (2) .93 :الحزاب 64 :و (3) .65النساء (4) .169 :مريم(5) .37 :
آل عمران (6) .77 :النور.3 :
][90
كخلع القميص .وأنزل بالمدينة " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة
شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ول تقبلوا لهم شهادة أبدا واولئك هم
الفاسقون * إل الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فان ال غفور رحيم )(1
" فبرأ ال ما كان مقيما على الفرية من أن يسمى باليمان ،قال ال
عزوجل " :أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ل يستوون ) " (2وجعله ال
منافقا قال ال عزوجل " :إن المنافقين هم الفاسقون " ) (3وجعله ال
عزوجل من أولياء إبليس قال " :إل إبليس كان من الجن ففسق عن أمر
ربه ) (4وجعله ال ملعونا فقال " :إن الذين يرمون المحصنات الغافلت
المؤمنات لعنوا في الدنيا والخرة ولهم عذاب عظيم * يوم تشهد عليهم
ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون " ) (5وليست تشهد الجوارح
على مؤمن ،إنما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب ،فأما المؤمن
فيعطى كتابه بيمينه ،قال ال عزوجل " :فأما من اوتي كتابه بيمينه فاولئك
يقرؤن كتابهم ول يظلمون فتيل " ) .(6وسورة النور انزلت بعد سورة
النساء ،وتصديق ذلك أن ال عزوجل أنزل عليه في سورة النساء" :
واللتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فان
شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل ال لهن سبيل
" ) (7والسبيل الذي قال ال عزوجل ) " :(8سورة أنزلناها وفرضناها
وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون * الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد
منهما مائة جلدة ول تأخذكم بهما رأفة في دين ال إن كنتم تؤمنون بال
واليوم الخر
) (1النور (2) .4 :السجدة (3) .18 :براءة (4) .67 :الكهف (5) .50 :النور23 :
و (6) .24أسرى 71 :وصدره :فمن أوتى كتابه الخ (7) .النساء) .14 :
(8النور 1 :و .2
][91
وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " ) .(1تبيين وتحقيق :قوله " وذلك أن "
تعليل لتكلمهم فيه بغير علم ،لنهم تكلموا في متشابهه أيضا مع أنه ل يعلم
تأويله إل ال والراسخون في العلم ،والمحكم في اللغة المتقن ،وفي العرف
يطلق على ماله معنى ل يحتمل غيره ،وعلى ما اتضحت دللته ،وعلى ما
كان محفوظا من النسخ ،أو التخصيص ،أو منهما جميعا ،وعلى ما ل
يحتمل من التأويل إل وجها واحدا ،والمتشابه يقابله بكل من هذه المعاني.
وقال الراغب :المحكم ما ل يعرض فيه شبهة من حيث اللفظ ول من حيث
المعنى والمتشابه من القرآن ما أشكل تفسيره لمشابهة غيره إما من حيث
اللفظ أو من حيث المعنى وقال الفقهاء :المتشابه مال ينبئ ظاهره عن
مراده .وحقيقة ذلك أن اليات عند اعتبار بعضها ببعض ثلثة أضرب:
محكم على الطلق ،ومتشابه على الطلق ،ومحكم من وجه متشابه من
وجه ،فالمتشابه في الجملة ثلثة أضرب :متشابه من جهة اللفظ فقط،
ومتشابه من جهة المعنى فقط ،و متشابه من جهتهما ،فالمتشابه من جهة
اللفظ ضربان :أحدهما يرجع إلى اللفاظ المفردة ،وذلك إما من جهة
غرابته نحو الب ويزفون ،وإما من جهة مشاركة في اللفظ كاليد والعين.
والثاني يرجع إلى جملة الكلم المركب ،وذلك ثلثة أضرب :ضرب
لختصار الكلم نحو " فان خفتم أن ل تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب
لكم ) " (2وضرب لبسط الكلم نحو " ليس كمثله شئ ) " (3لنه لو قيل
ليس مثله شئ كان أظهر للسامع ،وضرب لنظم الكلم نحو " :أنزل على
عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما " ) (4تقديره " الكتاب قيما ولم
يجعل له عوجا " والمتشابه من جهة المعنى أوصاف ال تعالى وأوصاف
القيامة ،فان تلك الصفات ل تتصور لنا إذ كان ل تحصل في نفوسنا صورة
ما لم نحسه أو لم يكن من جنس ما نحسه.
) (1الكافي ج 2ص (2) .33 - 28النساء (3) .3 :الشورى (4) .11 :الكهف.1 :
][92
والمتشابه من جهة المعنى واللفظ جميعا خمسة أضرب :الول من جهة الكمية
كالعموم والخصوص ،نحو " اقتلوا المشركين ) " (1والثاني من جهة
الكيفية كالوجوب والندب نحو " فانكحوا ما طاب لكم من النساء ".
والثالث من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ نحو " اتقوا ال حق تقاته "
) (2والرابع من جهة المكان والمور التي نزلت فيها ،نحو " ليس البر
بأن تأتوا البيوت من ظهورها " ) (3وقوله عزوجل " :إنما النسيئ زيادة
في الكفر " ) (4فان من ل يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه معرفة
تفسير هذه الية ،والخامس من جهة الشروط التي بها يصح الفعل أو يفسد
كشروط الصلة والنكاح ،وهذه الجملة إذا تصورت علم أن كل ما ذكره
المفسرون في تفسير المتشابه ل يخرج عن هذه التقاسيم نحو قول من قال
المتشابه " الم " وقول قتادة :المحكم الناسخ والمتشابه المنسوخ وقول
الصم :المحكم ما اجمع على تأويله والمتشابه ما اختلف فيه .ثم جميع
المتشابه على ثلثة أضرب :ضرب ل سبيل للوقوف عليه ،كوقت الساعة،
وخروج دابة الرض وكيفية الدابة ونحو ذلك ،وضرب للنسان سبيل إلى
معرفته كاللفاظ الغريبة ،والحكام المغلقة ،وضرب متردد بين المرين
يجوز أن يختص بمعرفة حقيقته بعض الراسخين في العلم ،ويخفى على
من دونهم ،وهو الضرب المشار إليه بقوله صلى ال عليه وآله في علي
عليه السلم :اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ،وإذا عرفت هذه الجملة
علم أن الوقوف على قوله " :إل ال " ووصله بقوله " والراسخون في
العلم " جائزان ،وأن لكل واحد منهما وجها حسب ما يدل عليه التفصيل
المتقدم انتهى ) .(5قوله تعالى " منه آيات محكمات " قيل أي احكمت
عباراتها بأن حفظت عن الجمال " هن ام الكتاب " أي أصله يرد إليها
غيرها " .واخر متشابهات "
) (1براءة (2) .6 :آل عمران (3) .102 :البقرة (4) .189 :براءة(5) .38 :
مفردات غريب القرآن 128و .224
][93
قيل أي محتملت ل يتضح مقصودها إل بالفحص والنظر ،ليظهر فيها فضل العلماء
الربانيين في استنباط معانيها ،وردها إلى المحكمات ،وليتوصلوا بها إلى
معرفة ال وتوحيده وأقول :بل ليعلموا عدم استقللهم في علم القرآن،
واحتياجهم في تفسيره إلى المام المنصوب من قبل ال ،وهم الراسخون
في العلم ،وروى العياشي عن الصادق عليه السلم أنه سئل عن المحكم
والمتشابه فقال :المحكم ما يعمل به والمتشابه ما اشتبه على جاهله ،وفي
رواية اخرى والمتشابه الذي يشبه بعضه بعضا ،وفي رواية اخرى فأما
المحكم فتؤمن به وتعمل به وتدين به ،وأما المتشابه فتؤمن به ول تعمل
به ) " .(1فأما الذين في قلوبهم زيغ " أي ميل عن الحق كالمبتدعة "
فيتبعون ما تشابه منه " فيتعلقون بظاهره أو بتأويل باطل " ابتغاء الفتنة
" أي طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ،ومناقضة
المحكم بالمتشابه ،وفي مجمع البيان عن الصادق عليه السلم أن الفتنة
هنا الكفر " وابتغاء تأويله " أي وطلب أن يأولوه على ما يشتهونه " وما
يعلم تأويله " الذي يجب أن يحمل عليه " إل ال والراسخون في العلم "
الذين تثبتوا وتمكثوا فيه .وأقول :قد مر الكلم منا في تأويل هذه الية في
كتاب المامة في باب أن الراسخين في العلم هم الئمة عليهم السلم ).(2
قوله عليه السلم " :فالمنسوخات من المتشابهات " كأن هذا الكلم تمهيد
لما سيأتي من اختلف اليمان المأمور به في مكة قبل الهجرة وفي المدينة
بعدها و اختلف التكاليف فيهما كما وكيفا ،ردا على من استدل ببعض
اليات على أن اليمان نفس العتقاد بالتوحيد والنبوة فقط ،بل مدخلية
للعمال أو الولية فيه بأن تلك اليات أكثرها نزلت في مكة ،وكان اليمان
فيها نفس العتقاد بالشهادتين أو التكلم بهما ثم نسخ ذلك في المدينة بعد
وجوب الواجبات ،وتحريم المحرمات
) (1العياشي ج (2) .162 :1راجع ج 23ص 205 - 188من هذه الطبعة.
][94
ونصب الوالي والمر بوليته ،ويحتمل أن ل يكون ذلك من قبيل النسخ ،و يكون
ذكر النسخ لبيان عجزهم عن فهم معاني اليات وخطائهم في الستدلل بها
كما أنهم ل يعرفون الناسخ من المنسوخ ،ويستدلون باليات المنسوخة
على الحكام مع عدم علمهم بنسخها ،وعد المنسوخات التي ل يعلم نسخها
من المتشابهات فالمنسوخة أخص مطلقا من المتشابهة .ولما كان المحكم
غير المتشابه ،والناسخ غير المنسوخ ونقيض الخص أعم من نقيض
العم ،غير السلوب في الفقرة الثانية فقال " :والمحكمات من الناسخات
" للشارة إلى ذلك ،وتسمية غير المنسوخ مطلقا ناسخا إما على التوسع
وإطلق لفظ الجزء على الكل ،أو لكونها ناسخة للشرائع السالفة ،أو
للباحة الصلية التي كانوا متمسكين بها قبلها ،ويمكن حمل الناسخ على
معناه وحمل الكلم على القلب ،بأن يكون الناسخ أيضا أخص من المحكم،
ول فساد فيه لعدم انحصار اليات حينئذ في الناسخة والمنسوخة .وقيل:
لما كان بعض المحكمات مقصور الحكم على الزمنة السابقة ،منسوخا
بآيات اخر ،ونسخها خافيا على أكثر الناس ،فيزعمون بقاء حكمها صارت
متشابهة من هذه الجهة ،ولهذا قال عليه السلم " :فالمنسوخات من
المتشابهات " وفي بعض النسخ من المشتبهات ،وإنما غير السلوب في
اختها لن المحكم أخص من الناسخ من وجه بخلف المتشابه ،فانه أعم
من المنسوخ مطلقا انتهى ،وفيه أن كون المتشابه أعم من مطلق المنسوخ
مطلقا لوجه له إل أن يخص بمنسوخ لم يعلم نسخه كما أومأنا إليه ،وقيل:
الظاهر أن الفاء للتفسير لزيادة تفظيع حالهم بأنهم يتبعون المنسوخات
والمتشابهات ،دون المحكمات والناسخات ،لن المنسوخات من باب
المتشابهات في التشابه إذ يشتبه عليهم ثباتها وبقاؤها ،والمحكمات من
قبيل الناسخات في الثبات والبقاء ،فإذا اتبعوا المتشابهات اتبعوا
المنسوخات ،لنهما من باب واحد ،وإذا اتبعوا المنسوخات لم يتبعوا
الناسخات ،وإذا لم يتبعوا الناسخات لم يتبعوا المحكمات ،لنهما أيضا من
باب واحد.
][95
قوله عليه السلم " :إن ال عزوجل بعث نوحا " هذا شروع في المقصود،
وحاصله أن اليمان في بداية بعثة كل رسول كان مجرد التصديق بالتوحيد
والرسالة ،ومن مات عليه حينئذ كان مؤمنا ،ووجبت له الجنة ،فلما
استجابوا لهم ذلك وكثرت أتباعهم وضعوا أعمال وشرائع ،وأوجبوها
عليهم ،وأوعدوا على تركها النار فصارت تلك العمال أجزاء لليمان.
فأول اولي العزم من النبياء كان نوحا عليه السلم فحين بعثه أمرهم أول
بالتوحيد والقرار بنبوته فقط ،وكان ذلك اليمان ،حيث قال في سورة
نوح " :إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب
أليم * قال يا قوم إني لكم نذير مبين * أن اعبدوا ال " ) (1أي مخلصا من
غير شرك " واتقوه " أي اتقوا عذابه الذي قرره على الشرك " وأطيعون
" فيما آمركم به ،وأذعنوا لنبوتي ،فلم يذكر فيما أنذرهم به إل هذين
المرين " ثم دعاهم " أي ثم بعد ذلك استمر على هذه الدعوة زمانا طويل
فكانت دعوته منحصرة في التوحيد ونفي الشريك ،وكان قبولهم ذلك منه
مستلزما للذعان بنبوته " .ثم بعث النبياء " أي ثم بعث سائر اولي العزم
في أول بعثتهم على هذا المر فقط ،إلى أن انتهت سلسلة اولي العزم
وسائر النبياء إلى محمد صلى ال عليه وآله فكان صلى ال عليه وآله في
أول بعثته بمكة يدعوهم إلى التوحيد وما يتبعه من القرار بالنبوة بل
المعاد أيضا فانه أيضا من المور التي نزلت اليات المشتملة على
التهديدات العظيمة فيها ،قبل الهجرة ،فالمراد جميع اصول الدين سوى
المامة ،وذكر التوحيد على المثال أو على أن القرار به مستلزم للقرار
بسائر الصول ويؤيده قوله عليه السلم بعد ذلك " القرار بما جاء به من
عند ال " .قوله عليه السلم " :وقال " أي في سورة الشورى ،وهي
مكية على ما ذكره المفسرون إل قوله " والذين استجابوا " " والذين إذا
أصابهم " إلى قوله " ل يحب الظالمين " ) (2عن الحسن ،وعلى قول ابن
عباس وقتادة إل .أربع آيات منها نزلت
][96
بالمدينة " قل ل أسألكم عليه أجرا " إلى قوله " لهم عذاب شديد " ) (1وعلى
التقادير اليات المذكورة ) (2مكية ،والستشهاد بالية لن الدين المشترك
بين جميع النبياء هي الصول الدينية التي ل تختلف باختلف الشرائع،
مع أن قوله سبحانه " كبر على المشركين ما تدعوهم إليه " يشعر بأن
الدين في ذلك الوقت كانت التوحيد ونفي الشرك مع القرار بالنبوة لقوله
تعالى " ال يجتبي " .قال الطبرسي رحمه ال " :شرع لكم من الدين ما
وصى به نوحا " أي بين لكم ونهج وأوضح من الدين والتوحيد والبراءة
من الشرك ما وصى به نوحا " والذي أوحينا إليك " أي وهو الذي أوحينا
إليك يا محمد " و " هو " ما وصينا به إبراهيم و موسى وعيسى " ثم
بين ذلك بقوله " :أن أقيموا الدين " وإقامة الدين التمسك به والعمل
بموجبه ،والدوام عليه ،والدعاء إليه " ول تتفرقوا " أي ل تختلفوا " فيه
" وائتلفوا فيه واتفقوا وكونوا عباد ال إخوانا " كبر على المشركين ما
تدعوهم إليه " من توحيد ال والخلص له ،ورفض الوثان ،وترك دين
الباء لنهم قالوا " :أجعل اللهة إلها واحدا " وقيل :معناه ثقل عليهم
وعظم اختيارنا لك بما تدعوهم إليه ،و تخصيصك بالوحي والنبوة دونهم "
ال يجتبي إليه من يشاء " أي ليس لهم الختيار لن ال يصطفي لرسالته
من يشاء على حسب ما يعلم من قيامه بأعباء الرسالة ،وقيل :معناه :ال
يصطفي من عباده لدينه من يشاء " ويهدي إليه من ينيب " أي ويرشد
إلى دينه من يقبل إلى طاعته ،أو يهدي إلى جنته وثوابه من يرجع إليه
بالنية والخلص ) .(3قوله عليه السلم " :فمن آمن مخلصا " أي بقلبه
ولسانه ،دون لسانه فقط ،ولم يخلطه بشرك " وذلك أن ال " كأنه إشارة
إلى إدخاله الجنة بمجرد الشهادة و القرار ،وإن لم يعمل من الطاعات شيئا
ولم يترك سائر المحرمات ،لنه كان
) (1اليات (2) .26 - 23 :يعنى اليات (3) .14 - 13 :مجمع البيان ج 9ص .24
][97
بذلك مؤمنا في ذلك الزمان ،وإدخال المؤمن النار ظلم " وذلك أن ال " المشار
إليه بذلك ،إما عدم تعذيب من ترك العمل بالنار ،أو أنه إن لم يدخله الجنة
وأدخله النار كان ظالما .وهذا الكلم يحتمل وجهين أحدهما أن تكون
المعاصي التي نهي عنها في مكة من المكروهات ،ويكون النهي عنها نهي
تنزيه ،والطاعات التي امر بها فيها من المستحبات فالتعليل حينئذ ظاهر
لن التعذيب على ترك المستحبات ،وفعل المكروهات في الخرة ظلم،
وثانيهما أن يكون النهي عن المعاصي نهي تحريم ،و المر بالطاعات أمر
وجوب لكن لم يوعد على فعل المعاصي وترك الطاعات النار ولم يغلظ
فيهما وإنما أوعد النار على الشرك ،والخلل بالعقائد ،وإنكار النبوة
والمعاد ،فهي كانت بمنزلة الفرائض والكبائر وغيرها بمنزلة الصغائر
وسائر الواجبات وقد أوجب ال تعالى على نفسه لسعة كرمه ورحمته أن ل
يؤاخذ مجتنب الكبائر بفعل الصغائر ،فلو عذبهم بها كان ظلما من حيث
الخلل بما أوجب على نفسه من العفو عنهم .أو يقال :التعذيب بالنار مع
ترك اليعاد بها ظلم ،أو يقال :التعذيب بالنار العظيم الليم أبدا أو مدة
طويلة بمحض النهي من غير تهديد ووعيد وتغليظ ،لسيما ممن كملت
قدرته ،ووسعت رحمته ظلم ،أو يقال :اللطف على ال تعالى واجب وأعظم
اللطاف التهديد والوعيد بالنار ،فتركه ظلم ،أو يقال :اطلق الظلم على
خلف الولى مجازا ،والكل مبني على أن العمال والتروك التي هي أجزاء
اليمان إنما هي ما يستحق بتركه الدخول في النار ،وفي مكة سوى العقائد
لم تكن كذلك ولما شرع في المدينة شرائع ،وجعل فيها فرائض وكبائر
يستحق بترك الولى و فعل الثانية دخول النار ،جعلتا من أجزاء اليمان" .
جعل لكل نبي " إشارة إلى قوله تعالى في المائدة وهي مدنية " لكل جعلنا
منكم شرعة ومنهاجا " قال البيضاوي (1) :شرعة شريعة ،وهي الطريقة
إلى الماء
][98
شبه بها الدين لنه طريق إلى ما هو سبب الحياة البدية ،وقرئ بفتح الشين "
ومنهاجا " وطريقا واضحا في الدين من نهج المر إذا وضح ،واستدل به
على أنا غير متعبدين بالشرائع المتقدمة انتهى .وقال الراغب :الشرع نهج
الطريق الواضح يقال شرعت له طريقا ،والشرع مصدر ،ثم جعل اسما
للطريق النهج فقيل له شرع وشرعة وشريعة ،واستعير ذلك للطريقة
اللهية من الدين قال تعالى " :لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " ) (1فذلك
إشارة إلى أمرين أحدهما ما سخر ال تعالى عليه كل إنسان من طريق
يتحراه مما يعود إلى مصالح عباده وعمارة بلده ،وذلك المشار إليه
بقوله " :ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا "
) (2الثاني ما قيض له من الدين وأمره به ليتحراه اختيارا مما يختلف فيه
الشرائع ،ويعترضه النسخ ،ودل عليه قوله " ثم جعلناك على شريعة من
المر فاتبعها " ) (3قال ابن عباس :الشرعة ما ورد به القرآن ،والمنهاج
ما ورد به السنة وقوله " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا " الية
فاشارة إلى الصول التي تتساوى فيها الملل ول يصح عليها النسخ
كمعرفة ال ونحو ذلك من نحو مادل عليه قوله " ومن يكفر بال وملئكته
وكتبه ورسله واليوم الخر " ) (4قال بعضهم :سميت الشريعة شريعة
تشبيها بشريعة الماء ،من حيث أن من شرع فيها على الحقيقة
]المصدوقة[ روي وتطهر قال :وأعني بالري ما قال بعض الحكماء :كنت
أشرب فل أروى ،فلما عرفت ال رويت بل شرب ،وبالتطهر ما قال تعالى:
" إنما يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " )(5
انتهى .والشرعة والمنهاج متقاربان في المعنى كما أن اللفظين اللذين
فسرهما عليه السلم بهما أيضا متقاربان ،فيحتمل أن يكونا تفسرين لكل
منهما أو يكون
) (1المائدة (2) .51 :الزخرف (3) .32 :الجاثية (4) .18 :النساء(5) .136 :
مفردات غريب القرآن ص .258
][99
على اللف والنشر ،فعلى الول اطلق على أعمال الدين وأحكامه الشرعة ،ليصالها
العامل بها إلى الحياة البدية والتطهر من الدناس الردية ،والمنهاج لنها
كالطريق الواضح الموصل إلى المقصود من الجنة الباقية ،والدرجات
العالية ،وعلى الثاني المراد بالول الواجبات ،وبالثاني المستحبات ولذا
عبر عليه السلم عن الثاني بالسنة أو بالول العبادات ،وبالثاني سائر
الحكام ،والوجه الول أوفق بقوله " وكان من السبيل والسنة " وإن
أمكن أن يكون المراد من مجموعهما وإن كان من أحدهما .قال الطبرسي
رحمه ال :الشرعة والشريعة واحدة ،وهي الطريقة الظاهرة والشريعة
هي الطريقة التي يوصل منه إلى الماء الذي فيه الحياة ،فقيل الشريعة في
الدين للطريق الذي يوصل منه إلى الحياة في النعيم ،وهي المور التي يعبد
ال بها من جهة السمع ،والصل فيه الظهور ،والمنهاج الطريق المستمر،
يقال :طريق نهج ومنهج أي بين ،وقال المبرد :الشرعة ابتداء الطريق،
والمنهاج الطريق المستقيم ،قال :وهذه اللفاظ إذا تكررت فلزيادة فائدة
فيه ،وقد جاء أيضا لمعنى واحد كقول الشاعر أقوى وأقفر ) (1وهما
بمعنى انتهى ) .(2قوله " أن جعل عليهم السبت " قال الراغب :أصل
السبت قطع العمل ،ومنه سبت السير أي قطعه ،وسبت شعره حلقه ،وقيل:
سمي يوم السبت لن ال تعالى ابتدأ بخلق السماوات والرض يوم الحد
فخلقها في ستة أيام كما ذكره ،فقطع عملة يوم السبت ،فسمي بذلك،
وسبت فلن صار في السبت ،وقوله عزوجل " :يوم سبتهم " قيل :يوم
قطعهم للعمل " ويوم ل يسبتون " قيل :معناه ل يقطعون العمل وقيل :يوم
ل يكونون في السبت ،وكلهما إشارة إلى حالة واحدة ،وقوله " :إنما جعل
السبت " أي ترك العمل فيه انتهى ).(3
) (1نصه :حييت من طلل تقادم عهده * أقوى وأقفر بعد أم الهيثم ) (2راجع مجمع
البيان ج 3ص (3) .202مفردات غريب القرآن ص ،220واليات في
العراف ،163 :النحل.124 :
][100
قوله عليه السلم " :ولم يستحل " الظاهر أن المراد بالستحلل هنا الجرأة على
ال ،وانتهاك ما حرم ال فكأنه عده حلل ،لقوله بعد ذلك " ول شكوا في
شئ مما جاء به موسى " وما قيل :دل على أن مخالفة الحكام كفر يوجب
دخول النار مع الستحلل ،والظاهر أنه ل خلف فيه بين المة ،وما ذلك
إل لن القرار بها والعمل بها داخلن في اليمان ،وإذا كان كذلك كان
تاركها وإن لم يستحل كافرا يعذب بالنار أيضا فل يخفى وهنه " .حيث
استحلوا الحيتان " أي استحلوا صيدها أو أكلها أو حبسها أيضا ،وقوله "
يوم السبت " ظرف لكل من " احتبسوها " و " أكلوها " أو لستحلوا،
أيضا أي استحلوا أول حبسها يوم السبت ،ثم استحلوا صيدها وأكلها فيه،
وقيل :يوم السبت ظرف لحتبسوها ل لكلوها أي احتبسوها يوم السبت في
مضيق بسد الطريق عليها ثم اصطادوها يوم الحذ وأكلوها ،فعلوا ذلك
حيلة ولم تنفعهم ،لن احتباسها فيه هتك لحرمته ،فخرجوا بذلك من
اليمان إلى الكفر ،ولذلك غضب ال عليهم من غير أن يشركوا بالرحمان،
وأن يشكوا في رسالة موسى وما جاء به ،ولذلك لم يصطادوا يوم السبت،
فعلم أن اليمان ليس مجرد التصديق ،بل هو مع العمل لن المؤمن ل
يغضب ول يدخل النار ،وفيه شئ لن استحللهم الحيتان ينافي ظاهرا عدم
شكهم بما جاء به موسى ،ويمكن دفعه بأن ما جاء به موسى تحريم
الحيتان يوم السبت وهم استحلوها يوم الحد ،ولحق بهم ما لحق بسبب
احتباسهم يوم السبت انتهى .وأقول :قد عرفت معنى الستحلل ،وهو
معنى شائع في المحاورات فل يرد ما أورده ،وأما الجواب الذي ذكره فهو
أيضا ل يسمن ول يغنى من جوع ،لن الحتباس إذا لم يكن منهيا عنه،
فكيف عذبوا عليه ،وإن كان داخل فيما نهوا عنه عاد الشكال ،مع أن
ظاهر أكثر الروايات المعتبرة أنهم بعد تلك الحيلة تعدى أكثرهم إلى الصيد
والكل يوم السبت فاعتزلت طائفة منهم فلم يمسخوا وبقيت طائفة منهم
فمسخوا أيضا ،لتركهم النهي عن المنكر ،وإن اختلف المفسرون
][101
في ذلك .قال في مجمع البيان :اختلف في أنهم كيف اصطادوا ؟ فقيل :إنهم ألقوا
الشبكة في الماء يوم السبت حتى كان يقع فيها السمك ،ثم كانوا ل
يخرجون الشبكة من الماء إلى يوم الحد ،وهذا السبب محظور ،وفي
رواية ابن عباس اتخذوا الحياض فكانوا يسوقون الحيتان إليها ،ول
يمكنها الخروج منها ،فيأخذونها يوم الحد ،وقيل :إنهم اصطادوها
وتناولوها باليد يوم السبت عن الحسن ) " .(1ولقد علمتم الذين اعتدوا
منكم في السبت " ) (2قال البيضاوي :السبت مصدر سبتت اليهود إذا
عظمت يوم السبت ،وأصله القطع ،امروا أن يجردوه للعبادة ،فاعتدى فيه
ناس منهم في زمن داود عليه السلم واشتغلوا بالصيد وذلك أنهم كانوا
يسكنون قرية على الساحل يقال لها :أيلة ،وإذا كان يوم السبت لم يبق
حوت في البحر إل حضر هناك وأخرج خرطومه ،وإذا مضى تفرقت،
فحفروا حياضا و شرعوا إليها الجداول ،وكانت الحيتان تدخلها يوم السبت
فيصطادونها يوم الحد " فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين " جامعين بين
صورة القردة والخسوء ،وهو الصغار والطرد ،قال مجاهد :ما مسخت
صورهم ولكن قلوبهم فمثلوا بالقردة كما مثلوا بالحمار في قوله " كمثل
الحمار يحمل أسفارا " ) (3وقوله " :كونوا " ليس بأمر ،إذ ل قدرة لهم
عليه ،وإنما المراد به سرعة التكوين وأنهم صاروا كذلك كما أراد بهم
انتهى .قوله عليه السلم " :فهدمت " أي الشرعة والمنهاج أيضا لكونه
بمعنى الطريق يجوز فيه التأنيث ،ويمكن أن يقرأ على بناء المجهول
باضمار السنة في السبت ،و قوله " أن يعظموه " بدل اشتمال للضمير ،و
" عامة " عطف على السبت " سبيل عيسى " أي شرائعه المختصة به،
قوله عليه السلم " وإن كان الذي جاء به النبيون " أي هدمت
) (1مجمع البيان ج 4ص (2) .491البقرة ،62 :راجع البيضاوي (3) .32
الجمعة.5 :
][102
شريعة عيسى عامة ما كانوا عليه ،وإن كان الذي جاء به النبيون من التوحيد
وسائر الصول باقيا لم يتغير ،أو المعنى أدخله ال النار وإن كان منه
القرار بما جاء به النبيون وهو التوحيد ونفي الشرك ،وقوله " أن ل
يشركوا " عطف بيان أو بدل للموصول ،وعلى الوجهين يحتمل كون كان
تامة وناقصة ،وقيل :الموصول اسم كان وأن ل يشركوا خبره ،وله أيضا
وجه وإن كان بعيدا .قوله عليه السلم " :عشر سنين " أقول :هذا مخالف
لما مر في تاريخ النبي صلى ال عليه وآله ولما هو المشهور من أنه صلى
ال عليه وآله أقام بعد البعثة بمكة ثلث عشرة سنة فقيل :هو مبني على
إسقاط الكسور بين العددين وهو بعيد في مثل هذا الكسر والذي سنح لي
أنه مبني على ما يظهر من الخبار أنه لما نزل " وأنذر عشيرتك القربين
" ) (1وكان أول بعثته دعا بني عبد المطلب وأظهر لهم رسالته ،ودعاهم
إلى بيعته ،واليمان به ،فلم يؤمن به إل علي عليه السلم ثم خديجة رضي
ال عنها ،ثم جعفر رضي ال عنه ،وكان على ذلك ثلث سنين حتى نزل "
فاصدع بما تؤمر و أعرض عن المشركين " ) (2فدعا الناس إلى السلم
فلذا لم يعد عليه السلم تلك الثلث سنين من أيام البعثة لنها لم تكن بعثة
عامة مؤكدة ،وقد مرت الخبار في المجلد الثالث ) (3في ذلك ويحتمل أن
يكون مبنيا على إسقاط سني الهجرة إلى شعب أبي طالب أو إسقاط الثلث
سنين بعد وفاة أبي طالب رضي ال عنه لعدم تمكنه في هاتين المدتين من
التبليغ كما ينبغي ،لكنهما بعيدان ،والظهر ما ذكرنا أول .قوله عليه
السلم " :يشهد أن ل إله إل ال " الظاهر أن المراد به الشهادة القلبية
بالتوحيد والرسالة وما يلزمهما فقط ،أو مع القرار باللسان أو عدم النكار
الظاهري ل مجرد القرار باللسان ،بقرينة قوله " وهو إيمان التصديق "
وقد عرفت أن اليمان الظاهري فقط ل ينفع في الخرة وإن احتمل التعميم
ويكون قوله " إل من أشرك بالرحمن " أي قلبا استثناء منه فيرجع إلى ما
ذكرنا أول ،وعلى الول
) (1الشعراء (2) .214 :الحجر (3) .94 :يعنى كتاب المرآت(*) .
][103
يكون الستثناء منقطعا ،وعلى التقديرين يكون المراد بقوله " وهو إيمان التصديق
" أنه اليمان بمعنى التصديق فقط ،ول يدخل فيه العمال ل شرطا ول
شطرا ،وإن كانت سببا لكماله ،بخلف اليمان بعد الهجرة ،فان العمال قد
دخلت فيه على أحد الوجهين ،وذلك لنهم لم يكلفوا بعد إل بالشهادتين
فحسب ،وإنما نهوا عن أشياء نهي أدب وعظة وتخفيف ،ثم نسخ ذلك
بالتغليظ في الكبائر ،والتواعد عليها ،ولم يكن التغليظ والتواعد يومئذ إل
في الشرك خاصة ،فلما جاء التغليظ واليعاد بالنار في الكبائر ثبت الكفر
والعذاب بالمخالفة فيها " .وتصديق ذلك " أي دليل ما ذكرنا من التفاوت
في التكاليف ،ومعنى اليمان قبل الهجرة وبعدها ،وقال الفاضل
السترابادي :بيان لول الواجبات على المكلفين ،وأن تكاليف ال تعالى
ينزل على التدريج ،وفي كتاب الطعمة من تهذيب الحكام أحاديث صريحة
في التدريج في التكاليف انتهى .ولنذكر تفسير اليات التي اسقطت
اختصارا إما من المام عليه السلم أو من الراوي قال تعالى قبل تلك
اليات " (1) :ل تجعل مع ال إلها آخر فتقعد مذموما مخذول " ثم قال" :
وقضى ربك " قيل أي أمر أمرا مقطوعا به " أن ل تعبدوا إل إياه " لن
غاية التعظيم ل تحق إل لمن له غاية العظمة ونهاية النعام " ،وبالوالدين
إحسانا " أي بأن تحسنوا أو أحسنوا بالوالدين إحسانا لنهما السبب
الظاهر للوجود والتعيش " إما يبلغن " " إما " إن الشرطية ،زيدت عليها
ما للتأكيد " عندك الكبر " في كنفك وكفالتك " أحدهما أو كلهما فل تقل
لهما اف " إن أضجراك " ول تنهرهما " أي ول تزجرهما إن ضرباك "
وقل لهما قول كريما " أي حسنا جميل " واخفض لهما جناح الذل " أي
تذلل لهما وتواضع " من الرحمة " أي من فرط رحمتك عليهما " وقل
رب ارحمهما كما ربياني صغيرا " جزاء لرحمتهما علي وتربيتهما
وإرشادهما لي في صغري " .ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا
صالحين فانه كان للوابين غفورا "
][104
عن الصادق عليه السلم الوابون التوابون المتعبدون ) " (1وآت ذا القربى حقه
والمسكين وابن السبيل ول تبذر تبذيرا " وهو صرف المال فيمال ينبغي
وإنفاقه على وجه السراف " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " أي
أمثالهم " وكان الشيطان لربه كفورا " أي مبالغا في الكفر " وإما تعرضن
عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قول ميسورا * ول تجعل يدك
مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل البسط فتقعد ملوما " أي فتصير ملوما
عند ال وعند الناس بالسراف وسوء التدبير " محسورا " أي نادما أو
منقطعا بك ل شئ عندك " إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر " أي
يوسعه ويضيقه بمشيته التابعة للحكمة " إنه كان بعباده خبيرا بصيرا "
يعلم سرهم وعلنيتهم .قوله " أدب وعظة " أي كلما ذكر في تلك اليات
سوى صدر الولى وهو قوله " وقضى ربك أن ل تعبدوا إل إياه " تأديب
وموعظة ،وهذا مبني على أن قوله " وبالوالدين " بتقدير " وأحسنوا "
عطفا على جملة " قضى ربك " لن فيها تأكيدا وتهديدا في الجملة
ويحتمل أن يكون المراد جميعها ،لكن وقع التهديد على الشرك فيما مر
وفيما سيأتي من اليات كقوله " ول تجعل مع ال إلها آخر " .فان قيل:
قوله " وآت ذى القربى حقه " إلى قوله " كفورا " فيه وعيد و تهديد،
قلنا ليس محض كونهم إخوان الشياطين تهديدا ووعيدا صريحا بالنار ،بل
قيل قوله " كانوا " يدل على أن في أواخر شرائع ساير اولي العزم كانت
كذلك فل يدل صريحا على أن في تلك الشريعة أيضا كذلك ،والجتراح
الكتساب " .ول تقتلوا أولدكم خشية إملق " قيل أي مخافة الفاقة
وقتلهم أولدهم وأدهم بناتهم مخافة الفقر فنهاهم عنه ،وضمن لهم
أرزاقهم فقال " نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا " أي ذنبا
كبيرا لما فيه من قطع التناسل وانقطاع النوع والخطأ الثم ،يقال خطا خطأ
كأثم إثما ،وقرأ ابن عامر خطأ بالتحريك ،وهو اسم من أخطأ يضاد الثواب،
وقيل لغة فيه كمثل ومثل وحذر وحذر ،وقرأ ابن كثير
][105
خطاء بالمد والكسر ،وهو إما لغة أو مصدر خاطأ وقرئ خطاء بالفتح والمد وخطا
بحذف الهمزة مفتوحا ومكسورا ،وعلى التقادير ليس فيه تصريح بكونه
ذنبا ول ترتب العقوبة عليه " .ول تقربوا الزنا " بالقصد وإتيان المقدمات
فضل أن تباشروه " إنه كان فاحشة " فعلة ظاهرة القبح زائدته " وساء
سبيل " أي وبئس طريقا طريقه ،وهو الغصب على البضاع المؤدي إلى
قطع النساب وهيج الفتن " ول تقتلوا النفس التي حرم ال إل بالحق "
قيل أي إل باحدى ثلث خصال :كفر بعد إيمان ،وزنا بعد إحصان وقتل
مؤمن معصوم عمدا " ومن قتل مظلوما " غير مستوجب للقتل " فقد
جعلنا لوليه " للذي يلي أمره بعد وفاته ،وهو الوارث " سلطانا " أي
تسلطا بالمؤاخذة بمقتضى القتل " فل يسرف " أي القاتل في القتل بأن
يقتل من ل يحق قتله ،فان العاقل ل يفعل ما يعود عليه بالهلك أو الولي
بالمثلة أو قتل غير القاتل " إنه كان منصورا " علة النهي على
الستيناف ،والضمير إما للمقتول ،فانه منصور في الدنيا بثبوت القصاص
بقتله ،وفي الخرة بالثواب ،وإما لوليه فان ال نصره حيث أوجب
القصاص له ،و أمر الولة بمعونته ،وإما للذي يقتله الولي إسرافا بايجاب
القصاص والتعزير ،و الوزر على المسرف " .ول تقربوا مال اليتيم "
فضل أن تتصرفوا فيه " إل بالتي هي أحسن " أي إل بالطريقة التي هي
أحسن " حتى يبلغ أشده " غاية لجواز التصرف الذي يدل عليه الستثناء
" وأوفوا بالعهد " بما عاهدكم ال من تكاليفه ،أوما عاهدتموه و غيره "
إن العهد كان مسئول " مطلوبا يطلب من المعاهد أن ل يضيعه ويفي به،
أو مسؤل عنه يسأل الناكث ويعاتب عليه ،أو يسأل العهد لم نكثت تبكيتا
للناكث كما يقال للموؤدة " بأي ذنب قتلت " ويجوز أن يراد أن صاحب
العهد كان مسئول " وأوفوا الكيل إذا كلتم " ول تبخسوا فيه " وزنوا
بالقسطاس المستقيم " بالميزان السوي وهو رومي عرب وقرأ حمزة
والكسائي وحفص بكسر القاف ) " (1ذلك خير
وأحسن تأويل " أي وأحسن عاقبة ،تفعيل من آل إذا رجع " .ول تقف " ول تتبع
" ما ليس لك به علم " ما لم يتعلق به علمك ،تقليدا أو رجما بالغيب ،قيل:
واحتج به من منع من اتباع الظن ،وجوابه أن المراد بالعلم هو العتقاد
الراجح المستفاد من سند سواء كان قطعا أو ظنا واستعماله بهذا المعنى
شائع ،وقيل :إنه مخصوص بالعقائد ،وقيل :بالرمي وشهادة الزور " إن
السمع والبصر والفؤاد كل اولئك " أي كل هذه العضاء فأجراها مجرى
العقلء لما كانت مسؤلة عن أحوالها شاهدة على صاحبها ،هذا وإن اولء
وإن غلب على العقلء لكنه من حيث إنه اسم جمع لذا ،وهو يعم القبيلين
جاء لغيرهم ،كقوله :والعيش بعد اولئك اليام ) " (1كان عنه مسئول "
في ثلثتها ضمير كل ،أي كان كل واحد منها مسئول عن نفسه ،يعني عما
فعل به صاحبه ،ويجوز أن يكون الضمير في " عنه " لمصدر " ول تقف
" أو لصاحب السمع والبصر .وقيل " مسئول " مسند إلى " عنه "
كقوله " غير المغضوب عليهم " والمعنى يسأل صاحبه عنه ،وهو خطاء
لن الفاعل وما يقوم مقامه ل يتقدم ،وقيل :المراد بسؤال الجوارح إما
سؤال نفسها ،أو سؤال أصحابها ،كما يظهر من " اولئك " أو جعلت
بمنزلة ذوي العقول ،أو هم ذوو العقول مع ال تعالى " .ول تمش في
الرض مرحا " أي ذا مرح وهو الختيال ،وفي القاموس المرح شدة
الفرح والنشاط " إنك لن تخرق الرض " لن تجعل فيها خرقا بشدة
وطأتك " ولن تبلغ الجبال طول " بتطاولك ومد عنقك ،وهوتهكم بالمختال،
وتعليل للنهي بأن الختيال حماقة مجردة ل تعود بجدوى ليس في التذلل "
كل ذلك كان سيئه " قيل :يعني المنهي عنه ،فان المذكور مأمورات
ومناهي ،وقرأ الحجازيان والبصريان ) " (2سيئة " على أنها خبر كان،
والسم ضمير " كل " و " ذلك " إشارة إلى
) (1عجز بيت صدره :ذم المنازل بعد منزلة اللوى ،راجع الصحاح ج 6ص
(2) .2544الحجازيان :عبد ال بن كثير المكى ،ونافع بن عبد الرحمان
المدنى ،والبصريان :أحدهما أبو عمرو بن العلء ،من السبعة ،والثانى
يعقوب من غيرهم.
][107
ما نهي عنه خاصة ،وعلى هذا قوله " عند ربك مكروها " بدل من سيئة أو صفة
لها محمولة على المعنى " .ذلك " إشارة إلى الحكام المتقدمة " مما
أوحى إليك ربك من الحكمة " التي هي معرفة الحق لذاته والخير للعمل به
" ول تجعل مع ال إلها آخر " كرره للتنبيه على أن التوحيد مبدأ المر
ومنتهاه ،ورأس الحكمة وملكها " ملوما " تلوم نفسك " مدحورا "
مطرودا مبعدا من رحمة ال .وأقول :هذا شروع في ذكر اليات التي نزلت
بمكة مشتملة على الوعيد بالنار والتهديد في الشرك ونحوه ،بخلف ما
ورد في غيره مما مضى ،فان كونه " خطأ كبيرا " و " فاحشة " و "
مسئول " و " مسئول عنه " و " مكروها " ليس في شئ منها تصريح
بالعذاب والنكال الخروي ،ول يحتاج إلى ما يتكلف بأن " كان خطأ " و "
كان فاحشة " و " كان مسئول " و " كان عنه مسئول " و " كان سيئة
عند ربك مكروها " محمولة على أنها كانت في أواخر المم السابقة كذلك،
وستصير في هذه المة أيضا بعد ذلك كذلك فانه في غاية البعد ،وزيادة "
كان " في هذه المقامات كثيرة في الذكر الحميد ،كقوله " وكان ربك قديرا
" و " كان غفورا رحيما " بل الوجه ما ذكرنا فتفطن " .نارا تلظى " أي
تتلهب " ل يصليها " أي ل يلزمها مقاسيا شدتها " إل الشقى " قيل :أي
إل الكافر ،فان الفاسق وإن دخلها لم يلزمها ،ولكن سماه " أشقى "
ووصفه بقوله " الذي كذب وتولى " أي كذب بالحق وأعرض عن الطاعة
كذا ذكره البيضاوي ) (1وقال في قوله تعالى بعد ذلك " وسيجنبها التقى
" :أي الذي اتقى الشرك والمعاصي فانه ل يدخلها فضل أن يدخلها
ويصلها ،ومفهوم ذلك أن من اتقى الشرك دون المعصية ل يجنبها ول
يلزم ذلك صليها فل يخالف الحصر السابق انتهى .وقال الطبرسي رحمه
ال " ل يصليها " أي ل يدخل تلك النار ول يلزمها " إل
][108
الشقى " وهو الكافر بال " الذي كذب " بآيات ال ورسله " وتولى " أي أعرض
عن اليمان " وسيجنبها " أي سيجنب النار ويجعل منها على جانب "
التقى " المبالغ في التقوى " الذي يؤتي ماله " أي ينفقه في سبيل ال "
يتزكى " أي يكون عند ال زكيا ل يطلب بذلك رئاء ول سمعة .قال القاضي
قوله " :ل يصليها " الية ل يدل على أنه تعالى ل يدخل النار إل الكافر
على ما تقوله الخوارج وبعض المرجئة ،وذلك لنه نكر النار المذكورة ولم
يعرفها فالمراد بذلك أن نارا من جملة النيران ل يصليها إل من هذه حاله،
والنيران دركات على ما بينه سبحانه في سورة النساء في شأن المنافقين
) (1فمن أين عرف أن غير هذه النار ل يصليها قوم آخرون ،وبعد فان
الظاهر من الية يوجب أن ل يدخل النار إل من كذب وتولى وجمع بين
المرين ،فلبد للقوم من القول بخلفه لنهم يوجبون النار لمن يتولى عن
كثير من الواجبات وإن لم يكذب ،وقيل :إن التقى والشقى المراد بهما
التقي والشقي ) (2انتهى .ثم اعلم أنه عليه السلم استدل باليات الول
على أن وعيد النار في مكة إنما كان على الكفار ،لنه سبحانه حصر
الصلي بالنار على الشقى الذي كذب الرسول وتولى عن قبول قوله في
التوحيد أو العم ،ومن كذب الرسول وأعرض عما جاء به كافر مشرك،
فظهر أنه لم يكن يومئذ يستحق النار غير المشركين والكفار من الفساق،
وإليه أشار عليه السلم بقوله " فهذا مشرك " وهذا وجه حسن واستدلل
متين ،لكن كيف يستقيم على هذا اليات التالية وهي قوله " وسيجنبها
التقى " الخ فانها تدل على أن غير التقى ل يجنب النار .ويمكن الجواب
عنه بوجوه :الول أن المضارع في قوله تعالى " :ل يصليها " للحال،
واستعمل الصلي في
) (1كانه يريد قوله تعالى " :ان المنافقين في الدرك السفل من النار ولن تجد لهم
نصيرا " النساء (2) .144 :مجمع البيان ج 10ص .502
][109
سببه مجازا أي الحكم في الحال قبل الهجرة أنه ل يدخلها إل المشرك وفي قوله" :
سيجنبها " للستقبال القريب إخبارا عن التكاليف المدنية ،بعد دخول
العمال في اليمان ،فل تنافي بينهما ،وتكون اليات جمع دالة على
الحكمين صريحا .الثاني أن يقال إن اليات التالية نزلت بالمدينة كما روى
في تفسير علي بن إبراهيم إنها نزلت في أبي الدحداح بالمدينة لكن ظاهر
الرواية أن اليات الول أيضا نزلت بالمدينة ،الثالث أن يقال إن اليات
الخيرة وإن كانت دالة على عدم تجنب الفساق النار ،لكنها دللة ضعيفة
بالمفهوم ،فما يدل صريحا على دخول النار إنما هو في الكفار ،وما يدل
على حكم الفجار فليس فيه وعيد صريح ،و تهديد عظيم ،بل يدل دللة
ضيعفة على عدم الحكم بأنهم ل يدخلونها ،لسيما مع الحصر المتقدم،
ولعل السر في هذا الجمال عدم اجترائهم على المعاصي " .وأما من اوتي
كتابه وراء ظهره " ) (1أي يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره قيل :يغل
يمناه إلى عنقه ويجعل يسراه وراء ظهره " فسوف يدعوا ثبورا " أي
يتمنى الثبور ،ويقول :واثبوراه ،وهو الهلك " ويصلى سعيرا " أي نارا
مسعرة " إنه كان في أهله " أي في الدنيا " مسرورا " بطرا بالمال
والجاه فارغا عن ذكر الخرة " إنه ظن أن لن يحور " أي لن يرجع بعد
أن يموت " بلى " يرجع " إن ربه كان به بصيرا " أي عالما بأعماله ،فل
يهمله بل يرجعه ويجازيه " ،فهذا مشرك " لنه أنكر البعث وإنكاره كفر،
أو كان ل ينكره حينئذ إل المشركون " .كلما القي فيها فوج " ) (2أي
جماعة من الكفرة " سألهم خزنتها " أي خزنة جهنم " ألم يأتكم نذير "
يخوفكم هذا العذاب ؟ وهو توبيخ وتبكيت " قالوا بلى قد جائنا نذير فكذبنا
" أي الرسل وأفرطنا في التكذيب حتى نفينا النزال رأسا وبالغنا في
نسبتهم إلى الضلل ،حيث قالوا بعد ذلك " إن أنتم إل في ضلل كبير "
فهؤلء مشركون لتكذبيهم بكتب ال ورسله.
][110
" وأما إن كان من المكذبين " ) (1بالبعث والرسل وآيات ال " الضالين " عن
الهدى الذاهبين عن الصواب والحق " فنزل من حميم " أي فنزلهم الذى
اعد لهم من الطعام والشراب من حميم جهنم " وتصلية جحيم " أي إدخال
نار عظيمة ،فهولء مشركون ،للتصريح بأنهم كانوا من المكذبين الضالين.
" وأما من اوتي كتابه بشماله ) (2فيقول " لما رأى من قبح العمل وسوء
العاقبة " يا ليتني لم اوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه " الهاء فيهما وفيما
بعدهما للسكت :تثبت في الوقف وتسقط في الوصل ،وقالوا استحب الوقف
لثباتها في المام ) (3ولذلك قرئ باثباتها في الوصل " يا ليتها " أي يا
ليت الموتة التي متها " كانت القاضية " أي القاطعة لمري فلم ابعث
بعدها ،أو يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضيت علي ،أو ياليت حياة
الدنيا كانت الموتة ولم اخلق حيا " ما أغنى عني ماليه " أي مالي من
المال والتبع أو " ما " نفي والمفعول محذوف أو استفهام إنكار مفعول
لغنى ،وبعد ذلك " هلك عني سلطانيه " أي ملكي وتسلطي على الناس أو
حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا " خذوه " يقوله ال لخزنة جهنم "
فغلوه ثم الجحيم صلوه " أي ثم ل تصلوه إل الجحيم وهي النار العظمى
لنه كان يتعظم على الناس " ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه
" أي فأدخلوه فيها بأن تلقوه على جسده " إنه كان ل يؤمن بال العظيم "
فدل على أن هذا الوعيد بالنار لمن ل يؤمن بال من الكفار فهذا مشرك.
قوله " في طسم " أي في الشعراء " وبر زت الجحيم للغاوين " )(4
فيرونها مكشوفة ويتحسرون على أنهم المسوقون إليها " وقيل لهم أين
ما كنتم تعبدون من دون ال " أي أين آلهتكم الذين تزعمون أنهم شفعاؤكم
" هل ينصرونكم " بدفع العذاب عنكم " أو ينتصرون " بدفعه عن
أنفسهم ،لنهم وآلهتهم يدخلون النار كما
) (1الواقعة (2) .92 :الحاقة (3) .25 :يعنى مصحف عثمان ،المسمى بامام
المصاحف (4) .الشعراء.91 :
][111
قال " فكبكبوا فيها هم والغاوون " أي اللهة وعبدتهم " والكبكبة " تكرير الكب
لتكرير معناه ،كأن من القي في النار ينكب مرة بعد اخرى حتى يستقر في
قعرها " وجنود إبليس " قيل متبعوه من عتاة الثقلين أو شياطينه "
أجمعون " تأكيد للجنود إن جعل مبتدءا خبره ما بعده ،أو للضمير وما
عطف عليه وكذا الضمير المنفصل ،و ما يعود إليه في قوله " قالوا وهم
فيها يختصمون * تال إن كنا لفي ضلل مبين " على أن ال ينطق
الصنام فتخاصم العبدة ويؤيده الخطاب في قوله " إذ نسويكم برب
العالمين " أي في استحقاق العبادة ،ويجوز أن تكون الضمائر للعبدة كما
في قالوا ،والخطاب للمبالغة في التحسر والندامة ،والمعنى أنهم مع
تخاصمهم في مبدأ ضللهم معترفون بانهماكهم في الضللة متحسرون
عليها .كذا ذكره البيضاوي في تفسير تلك اليات ) (1فقوله عليه السلم "
يعني المشركين " هو خبر لقوله " قوله " بحذف العائد أي يعني به،
والمعنى أن المراد بالمجرمين المشركون الذين اتبعتهم هؤلء القائلون
على شركهم ،وكلهما من امة محمد صلى ال عليه وآله " وتصديق ذلك
" أي تصديق أن المراد بهم المشركون من هذه المة أن ال تعالى ذكر بعد
تلك اليات أحوال المشركين وعبدة الوثان ،من كل امة ،ولم يدخل فيهم
اليهود والنصارى فالظاهر أن يكون المراد هنا أيضا طائفة مخصوصة
وليس هم اليهود والنصارى لقوله تعالى سابقا " فكبكبوا فيها هم
والغاوون " لدللته على أن معبوديهم في النار ،فلم يبق إل أن يكونوا من
هذه المة أو يكتفى بالوجه الول ،ويقال لما كان الظاهر من اليات اللحقة
اختصاص الكلم بعبدة الوثان فالظاهر هنا أيضا أن يكون المراد به من
هو من جنسهم ،ولم يبق من المم المشهورة الذين تعرض ال لذكرهم في
القرآن إل هذه المة ،فهم المرادون به .وقوله " :كذبت قبلهم قوم نوح "
) (2كأنه نقل بالمعنى ،لن تلك اليات
][112
في سورة الشعراء ،وليس فيها " قبلهم " ،وإنما هو في ص والمؤمن )(1
ويحتمل أن يكون في مصحفهم عليهم السلم هكذا ،هذا ما خطر بالبال،
وقيل :لعل المراد أن القائلين بهذا القول أعني قولهم " وما أضلنا إل
المجرمون " هم مشركوا قوم نبينا صلى ال عليه وآله الذين اتبعوا آباءهم
المكذبين للنبياء ،بدليل أن ال سبحانه ذكر عقيب ذلك في مقام التفصيل
المكذبين للنبياء طائفة بعد طائفة وليس المراد بهم أحدا من اليهود
والنصارى الذين صدقوا نبيهم ،وإنما أشركوا من جهة اخرى وإن كان
الفريقان يدخلن النار أيضا ،فقوله " سيدخل ال " استدراك لدفع توهم
عدم دخولهما النار ،وعدم دخول غيرهما ممن أساء العمل انتهى .قوله
عليه السلم " ليس هم اليهود " تأكيد لقوله " ليس فيهم " أو المراد
بالول أنه ليس في القائلين والمجرمين ،وبالثاني أنه ليس في هؤلء
المكذبين من المم السابقة ،وقيل الول نفي للتشريك والثاني نفي
للختصاص والوسط أظهر ،و " قولهم " مبتدأ " إذ دعونا إلى سبيلهم
ذلك " من كلمه عليه السلم ذكره تفسيرا للية ،و " قول ال " خبر
للمبتدأ ،ويحتمل أن يكون ذلك مبتدءا ثانيا إشارة إلى قولهم و " قول ال
" خبره ،والمجموع خبرا للمبتدأ الول ،وحاصله أن القولين حكايتان عن
قصة واحدة ،وقيل :حين ظرف لقول ال مجازا من قبيل وضع الدال
موضع المدلول .ثم اعلم أن اليات في سورة العراف هكذا " حتى إذا
جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أينما كنتم تدعون من دون ال قالوا ضلوا
عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين * قال ادخلوا في امم قد خلت
من قبلكم من الجن و النس في النار كلما دخلت امة لعنت اختها حتى إذا
اداركوا فيها جميعا قالت اخريهم لوليهم ربنا هؤلء أضلونا فاتهم عذابا
ضعفا من النار * قال لكل ضعف ولكن ل تعلمون * وقالت اوليهم لخريهم
فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون " ) (2فظهر
أن قوله " وقالت اوليهم لخريهم " من سهو النساخ
][113
أو الرواة ،وأن قوله " كلما دخلت " مقدم على السابق في الترتيب ،فالواو في
قوله " وقوله " بمعنى " مع " مع أنه ل يدل على الترتيب " .كلما دخلت
امة " أي في النار " لعنت اختها " التي ضلت بالقتداء بها " حتى إذا
اداركوا فيها " أصل " اداركوا " " تداركوا " فادغم ومعناه تلحقوا أي
لحق آخرهم أولهم في النار " قالت اخريهم " دخول ومنزلة وهم التباع
" لوليهم " أي لجل اوليهم إذ الخطاب مع ال ل معهم " ربنا هؤلء
أضلونا " أي سنوا لنا الضلل فاقتدينا بهم " فآتهم عذابا ضعفا من النار
" أي مضاعفا لنهم ضلوا وأضلوا " قال لكل ضعف " أما القادة فبكفرهم
وتضليلهم ،وأما التباع فبكفرهم وتقليدهم " ولكن ل تعلمون " ما لكم أو
ما لكل فريق " وقالت اوليهم لخريهم :فما كان لكم علينا من فضل "
عطفوا كلمهم على جواب ال لخريهم وبنوه عليه أي فقد ثبت أن ل فضل
لكم علينا وأنا وإياكم متساوون في الضلل واستحقاق العذاب " فذوقوا
العذاب " من قول القادة أو من قول الفريقين " .أن يحج بعضا " بضم
الحاء أي يغلبه بالحجة في القاموس :الحج الغلبة بالحجة ،وفي المصباح
حاجه محاجة فحجه بحجة من باب قتل إذا غلبه في الحجة وقال :فلج
فلوجا من باب قعد ظفر بما طلب ،وفلج بحجته أثبتها ،وأفلج ال حجته
أظهرها وقال :أفلت الطائر وغيره إفلتا تخلص وأفلته أنا إذا أطلقته
وخلصته يستعمل لزما ومتعديا ،وفلت فلتا من باب ضرب لغة وفلته
يستعمل أيضا لزما و متعديا وانفلت خرج بسرعة " .وليس بأوان بلوى
ول اختبار " يعني أنهم يطمعون في غير مطمع ،فان الحتجاج وطلب
الدليل إنما ينفع في دار التكليف والختبار ل في دار الجزاء بعد ظهور
المر ودخول النار " ول حين نجاة " أي ليس هذا الزمان حين نجاة يمكن
التخلص من العذاب بالتوبة وغيرها .وفي بعض النسخ " ولت حين نجاة
" مقتبسا من قوله تعالى " ولت حين مناص " )(1
][114
قال البيضاوي :أي ليس الحين حين مناص " ول " هي المشبهة بليس زيدت
عليها تاء التأنيث للتأكيد كما زيدت على رب وثم وخصت بلزوم الحيان،
وحذف أحد المعمولين ،وقيل :هي النافية للجنس أي ول حين مناص لهم،
وقيل :للفعل والنصب باضماره أي ول أرى حين مناص ،وقيل إن التاء
مزيدة على حين لتصالها به في المام ) (1انتهى " .واليات " أي تلك
اليات المتقدمة " ول يدخل ال " الجملة حالية أي نزلت تلك اليات في
حال كان الحكم فيها أن ل يدخل ال النار إل مشركا ،قوله عليه السلم "
فلما أذن ال " قال المحدث السترآبادي :تصريح بأن مصداق السلم في
مكة أقل من مصداقه في المدينة انتهى ،وعد الشهادتين واحدة لتلزمهما
وكأن الولية أيضا داخلة فيهما كما عرفت ،وعدم التصريح للتقية ،أو أنه
عليه السلم استدل بهذا الخبر المشهور بين العامة إلزاما عليهم ،وكان
ذكر العبادات الربع وتخصيصها لكونها أهم الفرائض ،أو لنها صرحت
بها في القرآن واكدت عليها دون غيرها أو أنه بني عليها أول ثم زيد سائر
الفرائض " .ومن يقتل مؤمنا متعمدا " ) (2استدل به من قال بخلود
أصحاب الكبائر في النار واول بوجوه :الول :أن المراد بالمتعمد من قتله
ليمانه كما ورد في أخبار كثيرة فيكون كافرا ،الثاني أن المراد بالخلود
المكث الطويل ،الثالث أن المراد أن هذا جزاؤه إن جازاه لكنه سبحانه ل
يجازيه كما ورد في بعض أخبارنا ،الرابع أن المراد بالمتعمد المستحل،
الخامس أنه يفعل فعل يستحق به دخول النار ،و استدل عليه السلم على
عدم إيمانه بأن ال لعنه ول يلعن مؤمنا لقوله تعالى " إن ال لعن الكافرين
" وكأنه عليه السلم استدل بمفهوم الوصف فيدل على حجيته ،ويمكن أن
يكون لخصوص سياق الية أيضا مدخل فيه " .وكيف يكون في المشية "
أي كيف يكون أمر القاتل في مشية ال إن شاء
][115
عذبه ،وإن شاء غفر له " و " الحال أنه " قد ألحق به بعد أن جزاه جهنم الغضب
واللعنة " المختصين بالكفار .أقول :كونه في المشية إما مبني على ما
ذكره أكثر المتكلمين من أن خلف الوعد قبيح وعلى ال محال ،وأما خلف
الوعيد فهو حسن ويجوز على ال تعالى وليس بكذب ،قال الطبرسي قدس
سره :وروى عاصم بن أبي النجود عن ابن عباس في قوله " فجزاؤه
جهنم " قال هي جزاؤه فان شاء عذبه ،وإن شاء غفر له وروي عن أبي
صالح وبكر بن عبد ال وغيره أنه كما يقول النسان لمن يزجره عن أمر
إن فعلت فجزاؤك القتل والضرب ،ثم إن لم يجازه بذلك لم يكن ذلك منه كذبا
انتهى ) .(1أو إشارة إلى قوله تعالى " إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر
ما دون ذلك لمن يشاء " ) (2فيدل على أن ما دون الشرك مما يغفره ال
لمن يشاء ،والقتل داخل في ذلك ،فيكون داخل في المشية كما قال في
مجمع البيان :قال جماعة من التابعين :الية اللينة وهي " إن ال ل يغفر
أن يشرك به " الية نزلت بعد الشديدة وهي " ومن يقتل مؤمنا متعمدا "
الية ) (3وعلى الول فكان جوابه مبني على أن آية القتل ليست مشتملة
على الوعيد فقط ،بل على أنه ممن غضب ال عليه ولعنه فإذا دخل الجنة
من غير توبة ،أو غيرها مما يكفره يكون كذبا ولم يكن مغضوبا ول ملعونا
مبعدا من رحمة ال ،وعلى الثاني مبني على وجهين :الول :أن القتل
المذكور داخل في الشرك والكفر حيث لعنه ال ول يلعن إل الكافر ،والثاني
أنه ل يكون داخل فيمن يشاء مغفرته حيث أخبر بأنه مغضوب وملعون،
وهذا صريح في عدم المغفرة ،والوجوه كأنها متقاربة " وقد بين ذلك "
المشار إليه آية الحزاب أي " إن ال لعن الكافرين " " .وأنزل " أي في
سورة النساء أيضا " من أكله " بدل اشتمال لمال اليتيم
) (1مجمع البيان ج 3ص (2) .93النساء (3) .47 :مجمع البيان ج 3ص .93
][116
" إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما " قال في المجمع :أي ينتفعون بأموال
اليتامى ويأخذونها ظلما بغير حق ،ولم يرد به قصر الحكم على الكل،
وإنما خص لنه معظم منافع المال المقصودة " إنما يأكلون في بطونهم
نارا " قيل فيه وجهان :أحدهما أن النار تلتهب من أفواههم وأسماعهم
وآنافهم يوم القيامة ليعلم أهل الموقف أنهم آكلة أموال اليتامى ،عن السدى
وروي عن الباقر عليه السلم أنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
يبعث ناس من قبورهم يوم القيامة تأجج أفواههم نارا فقيل له :يا رسول
ال من هؤلء ؟ فقرأ هذه الية ،والخر أنه ذكر ذلك على وجه المثل من
حيث أن من فعل ذلك يصير إلى جهنم فيمتلئ بالنار أجوافهم عقابا على
أكلهم مال اليتيم " وسيصلون سعيرا " أي يلزمون النار المسعرة
للحراق ،وإنما ذكر البطون تأكيدا كما يقال نظرت بعيني ،وقلت بلساني،
وأخذت بيدي ،و مشيت برجلي انتهى ) .(1و " أنزل في الكيل " فان قيل
سورة المطففين من السور المكية والغرض هنا بيان التكاليف المتجددة
بالمدينة ،قلنا :ل عبرة بما ذكره المفسرون في ذلك مع أنهم اختلفوا في
هذه السورة قال في مجمع البيان :مكية وقال المعدل مدنية عن الحسن
والضحاك وعكرمة ،قال :وقال ابن عباس وقتادة :إل ثماني آيات منها "
هي إن الذين أجرموا " إلى آخر السورة انتهى ) (2فالخبر يؤيد قول
هؤلء الجماعة ،ويؤيده ما رواه في مجمع البيان في سبب نزول صدر
السورة عن عكرمة ،عن ابن عباس أنه لما قدم رسول ال صلى ال عليه
وآله المدينة كانوا من أخبث الناس كيل فأنزل ال عزوجل " ويل
للمطففين " فأحسنوا الكيل بعد ذلك ،وروي عن السدى أنه صلى ال عليه
وآله قدم المدينة وبها رجل يقال له أبو جهينة ،ومعه صاعان يكيل
بأحدهما ويكتال بالخر ،فنزلت اليات ) (3ويؤنسه أن الطبرسي رحمه ال
ذكرها
) (1مجمع البيان ج 3ص 12و (2) .13المصدر ج 10ص (3) 450المصدر ج
10ص .452
][117
في ترتيب نزول السور آخر السور المكية ) (1فيمكن أن يكون نزولها بعد الهجرة
وقبل نزول المدينة .وفي القاموس الويل حلول الشر و " ويل " كلمة
عذاب ،وواد في جهنم أو بئر أو باب لها انتهى واستدل عليه السلم بأن
الويل لم يطلق في القرآن إل للكافرين كقوله " فويل لهم مما كتبت أيديهم
وويل لهم مما يكسبون " ) " (2وويل للكافرين من عذاب شديد " )" (3
فويل للذين ظلموا من عذاب يوم عظيم " ) " (4ويل لكل همزة لمزة " "
يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا " ) " (5يا ويلنا إنا كنا طاغين " ) (6وفي
المجمع " ويل للمطففين " هم الذين ينقصون المكيال و الميزان،
ويبخسون الناس حقوقهم في الكيل والوزن ،قال الزجاج وإنما قيل له
مطفف لنه ل يكاد يسرق في المكيال والميزان إل الشي اليسير الطفيف .و
" أنزل في العهد " أي في سورة آل عمران وهي مدنية " إن الذين
يشترون بعهد ال " ) (7لعل المراد بالعهد هنا على ظاهر سياق الحديث
ما عاهدوا ال عليه فخالفوه وباليمين اليمان التي يحلفون بها على
المستقبل ثم يخالفونها ،ويحتمل شموله لليمين الغموس الكاذبة ويحتمل
أن يكون العهد شامل للبيعة ،وما عاهدوا رسول ال صلى ال عليه وآله
ثم نقضوه ،وقال الراغب :العهد حفظ الشئ ومراعاته حال بعد حال،
وسمي الموثق الذي يلزم مراعاته عهدا ،قال عزوجل " :وأوفوا بالعهد إن
العهد كان مسئول " ) (8أي أوفوا بحفظ اليمان ،وعهد فلن إلى فلن أي
ألقى العهد إليه وأوصاه بحفظه ،قال عزوجل " :ولقد عهدنا إلى آدم " )
(9وعهد ال تارة يكون بما ركزه في عقولنا ،وتارة يكون بما أمرنا به
بكتا به وبسنة
) (1المصدر ج 10ص ،405نقل عن الحاكم الحسكاني (2) .البقرة(3) .79 :
ابراهيم (4) .2 :الزخرف (5) .65 :يس (6) .52 :القلم (7) .31 :آل
عمران (8) .77 :أسرى (9) .34 :طه.115 :
][118
رسله ،وتارة بما نلتزمه وليس بلزم في أصل الشرع كالنذور وما يجري مجراها
انتهى ) .(1وأما ما ذكره المفسرون في تلك الية فقال الطبرسي قدس
سره :نزلت في جماعة من أحبار اليهود كتموا ما في التوراة من أمر
محمد صلى ال عليه وآله وكتبوا بأيديهم غيره وحلفوا أنه من عند ال لئل
تفوتهم الرئاسة ،وما كان لهم على أتباعهم ،عن عكرمة وقيل :نزلت في
الشعث بن قيس وخصم له في أرض قام ليحلف عند رسول ال صلى ال
عليه وآله فلما نزلت الية نكل الشعث واعترف بالحق عن ابن جريج
وقيل :نزلت في رجل حلف يمينا فاجرة في تنفيق سلعته عن مجاهد
والشعبي ثم قال " :إن الذين يشترون بعهد ال " أي يستبدلون بأمر ال
سبحانه ما يلزمهم الوفاء به ،وقيل :معناه إن الذين يحصلون بنكث عهد
ال ونقضه " وأيمانهم " أي وباليمان الكاذبة " ثمنا قليل " أي عوضا
نزرا لنه قليل في جنب ما يفوتهم من الثواب ،ويحصل لهم من العقاب،
وقيل :العهد ما أوجبه ال تعالى على النسان من الطاعة والكف عن
المعصية وقيل :هو ما في عقل النسان من الزجر عن الباطل والنقياد
للحق " اولئك لخلق لهم " أي ل نصيب وافر لهم في نعيم الخرة " ول
يكلمهم ال " أي بما يسرهم أول يكلمهم أصل وتكون المحاسبة بكلم
الملئكة استهانة لهم " ول ينظر إليهم يوم القيامة " أي ل يعطف عليهم
ول يرحمهم كما يقول القائل للغير :انظر إلي ! يريد ارحمني " ول يزكيهم
" أي ل يطهرهم ،وقيل :ل ينزلهم منزلة الزكياء ،وقيل ل يطهرهم من
دنس الذنوب والوزار بالمغفرة ،بل يعاقبهم وقيل :ل يحكم بأنهم أزكياء
ول يسميهم بذلك .بل يحكم بأنهم كفرة فجرة " ولهم عذاب أليم " مولم
موجع ) (2انتهى .وقال البيضاوي :أي يستبدلون بما عاهدوا عليه من
اليمان بالرسول والوفاء بالمانات " وبأيمانهم " وبما حلفوا به من
قولهم :وال لنؤمنن به ولننصرنه " ،ثمنا
) (1مفردات غريب القرآن ص (2) .350مجمع البيان ج 2ص 462و .463
][119
قليل " متاع الدنيا " ول يكلمهم ال " الظاهر أنه كنايه عن غضبه عليهم لقوله "
ول ينظر إليهم يوم القيامة " فان من سخط على غيره واستهان به
أعرض عنه وعن التكلم معه ،واللتفات نحوه ،كما أن من اعتد بغيره
يقاوله ويكثر النظر إليه " ول يزكيهم " ول يثني عليهم انتهى ) (1وظاهر
الخبر أن ناقض العهد واليمين .ل يدخل الجنة أصل فيمكن حمله على
الستحلل أو على أنه ل يدخل الجنة ابتداء وحمله على المشركين
والكافرين كما هو ظاهر المفسرين ينافي سياق الحديث ويمكن حمله على
أنهم ل يستحقون دخول الجنة ،ول يلزم على ال ذلك ،لعدم الوعد إل أن
يدخلهم الجنة بفضله " .وأنزل بالمدينة " أي في سورة النور وهي مدنية
" الزاني ل ينكح " قال في مجمع البيان :اختلف في تفسيره على وجوه
أحدها أن يكون المراد بالنكاح العقد ونزلت الية على سبب ،وهو أن رجل
من المسلمين استأذن النبي صلى ال عليه وآله في أن يتزوج ام مهزول،
وهي امرأة كانت تسافح ولها رأية على بابها تعرف بها ،فنزلت الية عن
ابن عباس وغيره ،والمراد بالية النهي وإن كان ظاهره الخبر ،وثانيها أن
النكاح ههنا الجماع ،والمعنى أنهما اشتركا في الزنا فهي مثله ،فيكون
نظير قوله " الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات " ) (2في أنه خرج
مخرج الغلب العم ،وثالثها أن هذا الحكم كان في كل زان وزانية ثم نسخ
بقوله وأنكحوا اليامى منكم الية ) (3عن سعيد بن المسيب وجماعة،
ورابعها أن المراد به العقد وذلك الحكم ثابت فيمن زنا بامرأة فانه ل يجوز
له أن يتزوج بها ،روي ذلك عن جماعة من الصحابة ،وإنما قرن ال
سبحانه بين الزاني والمشرك تعظيما لمر الزنا وتفخيما لشأنه ،ول يجوز
أن تكون هذه الية خبرا لنا نجد الزاني يتزوج غير زانية ولكن المراد هنا
الحكم في كل زان ،أو النهي ،سواء كان المراد بالنكاح الوطي أو العقد،
وحقيقة النكاح في اللغة الوطي " وحرم ذلك على المؤمنين " أي حرم
) (1أنوار التنزيل (2) .70 :النور (3) .26 :النور.32 :
][120
نكاح الزانيات أو حرم الزنا على المؤمنين ،فل يتزوج بهن ول يطأهن إل زان أو
مشرك انتهى ) .(1ثم المشهور بين الصحاب كراهة نكاح المشهورات
بالزنا وذهب الشيخان وجماعة إلى اشتراط التوبة في الحل سواء زنا بها
من أراد نكاحها أو غيره للية المتقدمة ،وبعض الخبار ،واجيب عن الية
تارة بأن المراد بالنكاح الوطي واخرى بأنها منسوخة بقوله تعالى "
وأنكحوا اليامى منكم " ) (2وبقوله " فانكحوا ما طاب لكم " ) (3أو قوله
" واحل لكم ما وراء ذلكم " ) (4وفي الول أنه خلف الظاهر ،فانه إن
اريد الوطي لم يظهر للكلم فائدة ظاهرة ،وفي الثاني أنه خلف الصل ،مع
أن الظاهر من " طاب " حل ومن " وراء ذلكم " سائر أصناف النساء ول
ينافيه عروض الحرمة لعروض زنا ونحوه .والظاهر أنه عليه السلم
استدل بالية على أن ال تعالى أخرج الزناة والزواني في هذه الية من
عداد المؤمنين ،حيث قابل بين المؤمنين وبينهما إذ الظاهر من سياق الية
أن المراد أنه ل يليق نكاح الزاني إل بزانية أو مشركة ،ول نكاح الزانية إل
بزان أو مشرك وأما المؤمن فانه ل يليق به هذا الفعل وهو محرم عليه إما
بمعناه أو بمعنى الكراهة الشديدة أو بمعنى المحرومية كما في قوله
سبحانه " وحرمنا عليه المراضع ) (5فظهر أنه لم يسمهما باليمان ،لما
عرفت من المقابلة مع أنه جمع بينهما وبين المشرك والمشركة ،ففيه
أيضا إيماء بعدم إيمانهما .وهذا وجه حسن خطر بالبال للية والخبر معا،
فان حمل الية على وجه آخر ل يستقيم ظاهرا فانه إذا حمل النكاح على
الوطي ،فالكلم إما في قوة النهي أو الخبر ،فعلى الول المعنى النهي عن
أن يطأ الزاني سوى الزانية والمشركة ،وجواز وطيه لهما وفيه مال
يخفى ،وكذا العكس ،وعلى الثاني يكون كذبا إن أراد
) (1مجمع البيان ج 7ص (2) .125النور (3) .32 :النساء (4) .3 :النساء.23 :
) (5القصص.12 :
][121
بالوطى غير الزنا أو العم ،وإن اريد به الزنا كان الكلم خاليا عن الفائدة ،و إذا
حمل على العقد فلو كان في قوة النهي كان مفادها النهي عن أن ينكح
الزاني سوى الزانية والمشركة ،وتجويز نكاحه إياهما ،وتجويز نكاح
الزانية بالزاني والمشرك ولم يقل به أحد ،ولو كان خبرا لزم الكذب ،فلبد
من حمل الية على ما ذكرنا فيتضح استدلله عليه السلم غاية الوضوح،
ويظهر منه عدم تمام الستدلل بها على تحريم نكاحهما ،نعم قوله سبحانه
" وحرم ذلك " فيه دللة على التحريم إن لم نحمله على معنى الحرمان،
وحمله على الكراهة الشديدة ،مع وجود المعارض غير بعيد ،مع أنه
يحتمل أن يكون " ذلك " إشارة إلى الزنا بكون الجملة حالية أو تعليلية.
قوله عليه السلم " ليس يمتري " المتراء الشك ،والجملة إلى قوله "
أنه قال " معترضة ،وضمير " فيه " راجع إلى الرسول ،وقوله " أنه قال
" بدل اشتمال للضمير ،وقوله " ل يزني " مفعول " قال " أول
والعتراض لبيان أن الخبر معلوم متواتر بين الفريقين ،وكأن المراد بقوله
" حين يزني وحين يسرق " حين يصر عليهما ولم يتب ،ول فساد في
مفارقة اليمان بالمعنى الذي ذكرناه ،حيث اشتمل على الفرائض وترك
الكبائر عنه ،وبها يستحق العذاب في الجملة ،ل الخلود في النار ،ومن لم
يقل بذلك أوله بتأويلت بعيدة .قال في النهاية في الحديث " ل يزني الزاني
وهو مؤمن " قيل معناه النهي وإن كان في صورة الخبر ،والصل حذف
الياء من يزني أي " ل يزن المؤمن ول يسرق ول يشرب " فان هذه
الفعال ل يليق بالمؤمن ،وقيل :هو وعيد يقصد به الردع كقوله " ل إيمان
لمن ل أمانة له " و " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " وقيل:
معناه ل يزني وهو كامل اليمان ،وقيل :معناه أن الهوى يغطي اليمان
فصاحب الهوى ل يرى إل هواه ول ينظر إلى إيمانه الناهي له عن ارتكاب
الفاحشة فكأن اليمان في تلك الحالة قد انعدم ،وقال ابن عباس :اليمان
نزه فإذا أذنب العبد فارقه ،ومنه الحديث الخر إذا زنى الرجل خرج منه
اليمان فوق رأسه كالظلة
][122
فإذا أقلع رجع إليه اليمان وكل هذا محمول على المجاز ونفي الكمال ،دون الحقيقة
في رفع اليمان وإبطاله انتهى .وقيل :إنه ليس بمؤمن إذا كان مستحل،
وقيل :ليس بمؤمن من العقاب وقيل :المقصود نفي المدح أي ل يقال له
مؤمن بل يقال :زان أو سارق ،وقيل :إنه لنفي البصيرة أي ليس هو ذا
بصيرة ،وقال ابن عباس :أي ليس ذانور ،وقيل :أي ليس بمستحضر
اليمان ،وقيل :أي ليس بعاقل ،لن المعصية مع استجضار العقوبة
مرجوحة ،والحكم بالمرجوح بخلف العقول ،وقيل :المقصود نفي الحياء
والحياء شعبة من اليمان ،أي ليس بمستحي من ال سبحانه ،ول يخفى ما
في أكثر هذه الوجوه من البعد والركاكة " .وأنزل بالمدينة " أي في سورة
النور أيضا " والذين يرمون المحصنات " ) (1أي يقذفون العفائف من
النساء بالزنا " ثم لم يأتوا بأربعة شهداء " أي بأربعة عدول يشهدون
أنهم رأوهن يفعلن ما رموهن به من الزنا " فاجلدوهم ثمانين جلدة " خبر
الذين بتأويل " ول تقبلوا لهم شهادة " خبر ثان ،وتنكير شهادة للعموم أي
في أي أمر من المور كان " أبدا " تأكيد للعموم أي ما لم يتب " واولئك
هم الفاسقون " أي هم في أعل مراتب الفسق حتى كأنه ل فاسق غيرهم،
فقد عبر عنهم باسم الشارة وعرف الخبر وأتى بضمير الفصل مبالغة في
ادعاء حصر الفسق فيهم ،وقصره عليهم ،قيل :ويمكن أن يكون حال أو
اعتراضا يجري مجرى التعليل لعدم قبول الشهادة " إل الذين تابوا " عن
القذف وندموا ورجعوا بالتدارك " من بعد ذلك " أي من بعد إقامة الحد
وقيل :من بعد الرمي " ،وأصلحوا " سرائرهم وأعمالهم فاستقاموا على
مقتضى التوبة ،قالوا :ومنه الستسلم للحد ،والستحلل من المقذوف،
والعزم على عدم العود إلى ذلك ،وعلى ترك جميع المناهي على قول ،وفي
المجمع :ومن شرط توبة القاذف أن يكذب نفسه فيما قاله ،فان لم يفعل
ذلك لم يجز قبول شهادته )(2
][123
" فان ال غفور رحيم " علة للستثناء .قوله عليه السلم " فبرأه ال " الظاهر
أنه عليه السلم استدل على عدم وصفهم باليمان بوصفهم بالفسق ،لن
في عرف القرآن الفسق لزم للكفر ،ولم يطلق فيه الفاسق إل على الكافر
كقوله تعالى " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا " ) (1فقابل بين اليمان
والفسق فدل على أن الفاسق ليس بمؤمن ،وقال " إن المنافقين هم
الفاسقون " ) (2فحصر الفاسق في المنافق فجعله ال منافقا " ،وجعله
من أولياء إبليس " حيث أطلق الفسق عليهما ،وأيضا إذا نظرت في اليات
الكريمة وسبرتها لم تر الفاسق اطلق فيها إل على الكافر ،قال الراغب:
فسق فلن خرج من حد الشرع وذلك من قولهم فسق الرطب إذا خرج عن
قشره ،وهو أعم من الكفر ،والفسق يقع بالقليل من الذنوب وبالكثير ،لكن
تعورف فيما كان كثيرا وأكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشرع وأقر
به ،ثم أخل بجميع أحكامه أو ببعضه وإذا قيل للكافر الصلى :فاسق ،فلنه
أخل بحكم ما ألزمه العقل ،واقتضاه الفطرة قال عزوجل " ففسق عن أمر
ربه " ) " (3ففسقوا فيها فحق عليها القول " ) " (4وأكثرهم الفاسقون
" ) (5و " اولئك هم الفاسقون " ) " (6أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا
ل يستوون " وقال " ومن يكفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون " ) (7وقال
تعالى " وأما الذين فسقوا فماويهم النار " ) " (8والذين كذبوا بآياتنا
يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون " ) " (9وال ل يهدي القوم الفاسقين "
) " (10إن المنافقين هم الفاسقون " ) " (11وكذلك حقت كلمة ربك على
الذين فسقوا أنهم ل يؤمنون " انتهى " ).(12
) (1السجدة (2) .18 :براءة (3) .67 :الكهف (4) .50 :أسرى (5) .16 :آل
عمران (6) .110 :المائدة (7) .47 :النور (8) .55 :السجدة(9) .20 :
النعام (10) .49 :براءة (11) .25 :براءة (12) .68 :يونس 33 :راجع
المفردات ص .380
][124
و " جعله " أي الرامي " المحصنات " أي العفائف " الغافلت " مما قذفن به "
المؤمنات " بال ورسوله وما جاء به " لعنوا في الدنيا والخرة " بما
طعنوا فيهن " ولهم عذاب عظيم " لعظم ذنوبهم " يوم تشهد عليهم "
ظرف لما في " لهم " من معنى الستقرار ل للعذاب " ألسنتهم وأيديهم "
يعترفون بها بانطاق ال إياها بغير اختيارهم أو بظهور آثاره عليها ،قوله
عليه السلم " وليست تشهد " يدل على أن شهادة الجوارح إنما هي
للكفار كما ذكره جماعة من المفسرين ،وذكره الشيخ البهائي رحمه ال في
الربعين .قوله عليه السلم " فيعطى كتابه بيمينه " أي فيقرؤه ومن
تنطق جوارحه يختم على فيه لقوله تعالى " اليوم نختم على أفواههم
وتكلمنا أيديهم " ) (1أو لن سياق آيات شهادة الجوارح تدل على غاية
الغضب ،واليات النازلة في المؤمنين مشتملة على نهاية اللطف كقوله
سبحانه " يوم ندعو كل اناس بامامهم فمن اوتي " أي من المدعوين "
كتابه بيمينه " أي كتاب عمله " فاولئك يقرؤن كتابهم " ابتهاجا بما يرون
فيه " ول يظلمون فتيل " ) (2أي ول ينقصون من اجورهم أدنى شئ،
والفتيل المفتول وسمي ما يكون في شق النواة فتيل لكونه على هيئته،
وقيل :هو ما تفتله بين أصابعك من خيط أو وسخ ،ويضرب به المثل في
الشئ الحقير .ثم اعلم أن هذا المضمون وقع في مواضع من القرآن
المجيد :أولها في بني إسرائيل " فمن اوتي كتابه بيمينه " إلى آخر ما في
الحديث ،وثانيها في الحاقة " فأما من اوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا
كتابيه " ) (3وثالثها في النشقاق " فأما من اوتي كتابه بيمينه فسوف
يحاسب حسابا يسيرا " ) (4وما في الحديث ل يوافق شيئا منها وإن كان
بالول أنسب ،فكأنه من تصحيف النساخ أو كان في قرائتهم عليهم السلم
هكذا ،أو نقل بالمعنى جمعا بين اليات " .وسورة النور انزلت " كأن هذا
جواب عن اعتراض مقدر ،وهو أنه لما
) (1يس (2) .65 :أسرى (3) .71 :الحاقة (4) .19النشقاق.8 :
][125
أنزل ال في سورة النساء مرتين " أن ال ل يغفر إن يشرك به ويغفر ما دون ذلك
لمن يشاء " وهي تدل على عدم ترتب العذاب على غير الشرك ،فيمكن
كونها ناسخة لليات الدالة على عقوبات أصحاب الكبائر ،وعدم كونهم من
المؤمنين .فأجاب عليه السلم بعد التنزل عن عدم المخالفة بين هذه الية،
وتلك اليات لن تجويز المغفرة لمن شاء ال ل ينافي استحقاقهم للعذاب
والعقاب ،وخروجهم عن اليمان بأحد معانيه ،بأن أكثر ما أوردنا من
اليات واستدللنا بها إنما هي في سورة النور ،وهي نزلت بعد سورة
النساء ،فكيف تكون آية النساء ناسخة لها فلو احتاج التوفيق إلى القول
بالنسخ لكان المر بعكس ما قلتم ،مع أنه ل قائل بالفصل ثم استدل عليه
السلم على ذلك بأن ال تعالى قال في سورة النساء " :أو يجعل ال لهن
سبيل " والسبيل هو الذي ذكره من الحد في سورة النور ويحتمل أن يكون
الغرض إفادة دليل آخر على ما سبق من نزول الحكام مدرجا ونسخ الشد
للضعف ،لكن الول أظهر " .واللتي يأتين الفاحشة من نسائكم " )(1
ذهب الكثر إلى أن المراد بالفاحشة الزنا ،وقيل :هي المساحقة "
فاستشهدوا عليهن أربعة منكم " الخطاب للئمة والحكام ،بطلب أربعة
رجال من المسلمين شهودا عليهن ،وقيل :الخطاب للزواج " فان شهدوا
" أي الربعة " فأمسكوهن " أي فاحبسوهن " في البيوت حتى يتوفيهن
" أي يدركهن الموت ،قيل اريد به صيانتهن عن مثل فعلهن ،والكثر على
أنه على وجه الحد على الزنا .قالوا :كان في بدو السلم إن فجرت المرءة
وقام عليها أربعة شهود حبست في البيت أبدا حتى تموت ،ثم نسخ ذلك
بالرجم في المحصنين ،والجلد في البكرين " أو يجعل ال لهن سبيل " أي
ببيان الحكم كما مر ،وقيل :بالتوبة أو بالنكاح المغني عن السفاح ،وقالوا:
لما نزل قوله تعالى " الزانية والزاني فاجلدوا "
][126
قال النبي صلى ال عليه وآله :خذوا عني قد جعل ال لهن سبيل ) " (1سورة "
أي هذه سورة أو فيما أوحينا إليك سورة " أنزلناها " صفة " وفرضناها
" أي فرضنا ما فيها من الحكام " لعلكم تذكرون " فتتقون الحرام "
الزانية والزاني " قيل :أي فيما فرضنا أو أنزلنا حكمهما وهو الجلد،
ويجوز أن يرفعا بالبتداء والخبر " فاجلدوا " إلى قوله " رأفة " أي
رحمة " في دين ال " أي في طاعته وإقامة حده فتعطلوه ،أو تسامحوا
فيه " إن كنتم تؤمنون " فان اليمان يقتضي الجد في طاعة ال .ثم اعلم
أن عدم ذكر الولية في هذا الخبر مع أنه الغرض الصلي منه لنوع من
التقية لنه عليه السلم ذكره إلزاما عليهم حيث أنكروا كون الولية جزءا
من اليمان .تذييل نفعه جليل اعلم أن الذي ظهر لنا من مجموع اليات
المتضافرة ،والخبار المتكاثرة الواردة في اليمان والسلم وحقائقهما
وشرائطهما أن لكل منهما إطلقات كثيرة في الكتاب والسنة ،ولكل منها
فوائد وثمرات تترتب عليه .فالول من معاني اليمان مجموع العقائد الحقة
والصول الخمسة والثمرة المترتبة عليه في الدنيا المان من القتل ،ونهب
الموال ،والهانة ،إل أن يأتي بقتل أو فاحشة يوجب القتل أو الحد أو
التعزير ،وفي الخرة صحة أعماله واستحقاق الثواب عليها في الجملة،
وعدم الخلود في النار ،واستحقاق العفو والشفاعة ،ويدخل في الكفر
المقابل لهذا اليمان من سوى الفرقة الناجية المامية من فرق السلم
وغيرهم ،فانهم مخلدون في النار ،سوى المستضعفين منهم كما سيأتي.
الثاني العتقادات المذكورة مع التيان بالفرائض التي ظهر وجوبها من
) (1وبعده :البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ،والثيب بالثيب جلد مائة والرجم
راجع مجمع البيان ج 3ص .21
][127
القرآن ،وترك الكبائر التي أوعد ال عليها النار ،وعلى هذا المعنى اطلق الكافر
على تارك الصلة وتارك الزكاة وأشباههم ،وورد ل يزني الزاني وهو
مؤمن ول يسرق السارق وهو مؤمن ،وثمرة هذا اليمان عدم استحقاق
الذلل والهانة والعذاب في الدنيا والخرة .الثالث العقائد المذكورة مع
فعل جميع الواجبات ،وترك جميع المحرمات وثمرته اللحوق بالمقربين
والحشر مع الصديقين ،وتضاعف المثوبات ،و رفع الدرجات .الرابع ما
ذكر مع ضم فعل المندوبات ،وترك المكروهات ،بل المباحات كما ورد في
أخبار صفات المؤمن ،وبهذا المعنى يختص بالنبياء والوصياء كما ورد
في الخبار الكثيرة تفسير المؤمنين في اليات بالئمة الطاهرين عليهم
السلم .وقد ورد في تفسير قوله سبحانه " وما يؤمن أكثرهم بال إل وهم
مشركون " ) (1أن جميع معاصي ال بل التوسل بغيره تعالى داخلة في
الشرك المذكور في هذه الية ،وثمرة هذا اليمان أنه يؤمن على ال فيجيز
أمانه وأنه ل يرد ال دعوته وسائر ما ورد في درجاتهم عليهم السلم
ومنازلهم عند ال تعالى .وأما السلم فيطلق غالبا على التكلم بالشهادتين،
والقرار الظاهري ،وإن لم يقترن بالذعان القلبي ول بالقرار بالولية،
كما عرفت سابقا ،وثمرته إنما تظهر في الدنيا من حقن دمه وماله ،وجواز
نكاحه واستحقاقه الميراث ،وسائر الحكام الظاهرة للمسلمين ،وليس له
في الخرة من خلق ،وقد يطلق على كل
) (1يوسف ،106 :وما ورد من الحديث في ذلك ،رواه القمى باسناده عن الفضيل
عن أبى جعفر عليه السلم والعياشي ج 2ص 200عن زرارة عنه عليه
السلم في هذه الية قال :شرك طاعة وليس شرك عبادة والمعاصي التى
يرتكبون فهى شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان فأشراكوا بال الطاعة
لغيره ،وليس باشراك عبادة أن يعبدوا غير ال وروى العياشي عن مالك
بن عطية ،عن أبى عبد ال عليه السلم قال :هو الرجل يقول :لول فلن
لهلكت ولول فلن لصبت كذا وكذا ،لول فلن لضاع عيالي ،الحديث.
][128
من معاني اليمان حتى المعنى الخير ،فيكون بمعنى الستسلم والنقياد التام ثم إن
اليات والخبار الدالة على دخول العمال في اليمان يحتمل وجوها الول
أن يحمل على ظواهرها ،ويقال إن العمل داخل في حقيقة اليمان على
بعض المعاني ،الثاني أن يكون اليمان أصل العقايد ،لكن يكون تسميتها
إيمانا مشروطة بالعمال ،الثالث أن يقال بزيادة اليمان وتفاوته شدة
وضعفا و تكون العمال كثرة وقلة كاشفة عن حصول كل مرتبة من تلك
المراتب ،فانه ل شك أن لشدة اليقين مدخل في كثرة العمال الصالحة
وترك المناهي ،وقا بسطنا الكلم في ذلك قليل في كتاب عين الحيوة،
وسيتضح لك بعض ما ذكرنا في تضاعيف الخبار التية ،ولنذكر هنا بعض
ما ذكره أصحابنا في حقيقة اليمان والسلم ،ومعانيهما وشرائطهما .قال
المحقق الطوسي قدس سره القدوسي في قواعد العقائد :المسألة الخامسة
فيما به يحصل استحقاق الثواب والعقاب قالوا :السلم أعم في الحكم من
اليمان ،وهما في الحقيقة شئ واحد أما كونه أعم فلن من أقر بالشهادتين
كان حكمه حكم المسلمين " قالت العراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا
أسلمنا " ) (1وأما كون السلم في الحقيقة هو اليمان فلقوله تعالى" :
إن الدين عند ال السلم " ) (2واختلفوا في معناه ،فقال بعض السلف:
اليمان إقرار باللسان ،وتصديق بالقلب وعمل صالح بالجوارح ،وقالت
المعتزلة :اصول اليمان خمسة :التوحيد ،والعدل والقرار بالنبوة،
وبالوعد والوعيد ،والقيام بالمر بالمعروف ،والنهي عن المنكر ،وقال
الشيعة :اصول اليمان ثلثة :التصديق بوحدانية ال تعالى في ذاته والعدل
في أفعاله ،والتصديق بنبوة النبياء .والتصديق بامامة الئمة المعصومين
والتصديق بالحكام التي يعلم يقينا أنه صلى ال عليه وآله حكم بها ،دون
ما فيه الخلف والستتار .والكفر يقابل اليمان ،والذنب يقابل العمل
الصالح ،وينقسم إلى كبائر
][129
وصغائر ،ويستحق المؤمن بالجماع الخلود في الجنة ،ويستحق الكافر الخلود في
العذاب ،وصاحب الكبيرة عند الخوارج كافر لنهم جعلوا العمل الصالح
جزءا من اليمان ،وعند غيرهم خارج فاسق ،والمؤمن عند المعتزلة
والوعيدية ل يكون فاسقا وجعلوا الفاسق الذي ل يكون كافرا منزلة بين
المنزلتين اليمان والكفر ،وهو عندهم يكون في النار خالدا ،وعند غيرهم
المؤمن قد يكون فاسقا وقد ل يكون ،وتكون عاقبة المر على التقديرين
الخلود في الجنة .وقال -ره -في التجريد :اليمان التصديق بالقلب
واللسان ول يكفي الول لقوله تعالى " :واستيقنتها أنفسهم " ) (1ونحوه
ول الثاني لقوله تعالى " :قل لم تؤمنوا " والكفر عدم اليمان إما مع الضد
أو بدونه ،والفسق الخروج عن طاعة ال تعالى مع اليمان به ،والنفاق
إظهار اليمان به وإخفاء الكفر ،والفاسق مؤمن لوجود حده فيه .وقال
العلمة نور ال ضريحه في الشرح :اختلف الناس في اليمان على وجوه
كثيرة وليس هنا موضع ذكرها ،والذي اختاره المصنف رضوان ال أنه
عبارة عن التصديق بالقلب واللسان معا ول يكفي أحدهما فيه ،أما
التصديق القلبي فانه غير كاف لقوله تعالى " وجحدوا بها واستيقنتها
أنفسهم " و قوله تعالى " :فلما جائهم ما عرفوا كفروا به " ) (2فأثبت
لهم المعرفة والكفر وأما التصديق اللساني فانه غير كاف أيضا لقوله تعالى
" قالت العراب آمنا " الية ول شك في أن اولئك العراب صدقوا
بألسنتهم .وقال -ره :-الكفر في اللغة هو التغطية وفي العرف الشرعي
هو عدم اليمان إما مع الضد بأن يعتقد فساد ما هو شرط في اليمان ،أو
بدون الضد كالشاك الخالي من العتقاد الصحيح والباطل ،والفسق لغة
الخروج مطلقا وفي الشرع عبارة عن الخروج عن طاعة ال تعالى فيما
دون الكفر ،والنفاق في اللغة هو إظهار خلف الباطن ،وفي الشرع إظهار
اليمان وإبطان الكفر.
) (1النمل (2) .14 :البقرة.89 :
][130
واختلف الناس في الفاسق فقالت المعتزلة :إن الفاسق ل مؤمن ول كافر وأثبتوا له
منزلة بين المنزلتين ،وقال الحسن البصري :إنه منافق ،وقالت الزيدية:
إنه كافر نعمة ،وقالت الخوارج إنه كافر ،والحق ما ذهب إليه المصنف
وهو مذهب المامية والمرجئة وأصحاب الحديث وجماعة الشعرية ،أنه
مؤمن والدليل عليه أن حد المؤمن وهو المصدق بقلبه ولسانه في جميع
ما جاء به النبي صلى ال عليه وآله موجود فيه فيكون مؤمنا انتهى .وقال
الشيخ المفيد قدس ال روحه في كتاب المسائل :اتفقت المامية على أن
مرتكب الكبائر من أهل المعرفة والقرار ل يخرج بذلك عن السلم ،وأنه
مسلم وإن كان فاسقا بما معه من الكبائر والثام ،ووافقهم على هذا القول
المرجئة كافة وأصحاب الحديث قاطبة ،ونفر من الزيدية ،وأجمعت
المعتزلة على خلف ذلك ،وزعموا أن مرتكب الكبائر ممن ذكرناه فاسق
ليس بمؤمن ول مسلم .وقال قدس سره :اتفقت المامية على أن السلم
غير اليمان وأن كل مؤمن فهو مسلم ،وليس كل مسلم مؤمنا ،وأن الفرق
بين هذين المعنيين في الدين كما كان في اللسان ،ووافقهم على هذا القول
المرجئة وأصحاب الحديث ،وأجمعت المعتزلة على عدم الفرق بينهما.
وقال الشهيد الثاني قدس سره في رسالة حقائق اليمان :اعلم أن اليمان
لغة التصديق كما نص عليه أهلها ،وهو إفعال من المن بمعنى سكون
النفس واطمئنانها لعدم ما يوجب الخوف لها وحينئذ فكان حقيقة " آمن به
" سكنت نفسه واطمأنت ،بسبب قبول قوله ،وامتثال أمره .فتكون الباء
للسببية ،ويحتمل أن يكون بمعنى أمنه التكذيب والمخالفة كما ذكره
بعضهم ،فتكون الباء فيه زائدة والول أولى كما ل يخفى وأوفق لمعنى
التصديق ،وهو يتعدى باللم كقوله تعالى " وما أنت بمؤمن لنا " ) (1و "
فآمن له لوط " ) (2وبالباء كقوله تعالى " آمنا بما أنزلت " )(3
) (1يوسف (2) .17 :العنكبوت (3) .26 :آل عمران.53 :
][131
وأما التصديق فقد قيل إنه القبول والذعان بالقلب ،كما ذكره أهل الميزان ويمكن
أن يقال معناه قبول الخبر أعم من أن يكون بالجنان أو باللسان ويدل عليه
قوله تعالى " قالت العراب آمنا قل لم تؤمنوا " فأخبروا عن أنفسهم
باليمان -وهم من أهل اللسان -مع أن الواقع منهم هو العتراف باللسان
دون الجنان ،لنفيه عنهم بقوله تعالى " قل لم تؤمنوا " وإثبات العتراف
بقوله تعالى " ولكن قولوا أسلمنا " ) (1الدال على كونه إقرارا
بالشهادتين وقد سموه إيمانا بحسب عرفهم ،والذي نفاه ال عنهم إنما هو
اليمان في عرف الشرع .وأما اليمان الشرعي فقد اختلف في بيان حقيقته
العبارات بسبب اختلف العتبارات ،وبيان ذلك أن اليمان شرعا إما أن
يكون من أفعال القلوب فقط ،أو من أفعال الجوارح فقد ،أو منهما معا .فان
كان الول فهو التصديق بالقلب فقط ،وهو مذهب الشاعرة ،وجمع من
متقدمي المامية ومتأخريهم ،ومنهم المحقق الطوسى رحمه ال في
فصوله ،لكن اختلفوا في معنى التصديق ،فقال أصحابنا :هو العلم ،وقال
الشعرية هو التصديق النفساني وعنوا به أنه عبارة عن ربط القلب على
ما علم من إخبار المخبر ،فهو أمر كسبي يثبت باختيار المصدق ،ولذا يثاب
عليه بخلف العلم والمعرفة ،فانها ربما تحصل بل كسب كما في
الضروريات وقد ذكر حاصل ذلك بعض المحققين فقال :التصديق هو أن
تنسب باختيارك الصدق إلى المخبر حتى لو وقع ذلك في القلب من غير
اختيار لم يكن تصديقا ،وإن كان معرفة ،وسنبين إنشاء ال تعالى قصور
ذلك .وإن كان الثاني فإما أن يكون عبارة عن التلفظ بالشهادتين فقط ،وهو
مذهب الكرامية ،أو عن جميع أفعال الجوارح من الطاعات بأسرها ،فرضا
ونفل وهو مذهب الخوارج ،وقدماء المعتزلة والعلف والقاضي عبد
الجبار ،أو عن جميعها من الواجبات وترك المحظورات دون النوافل ،وهو
مذهب أبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم وأكثر معتزلة البصرة.
][132
وإن كان الثالث فهو إما أن يكون عبارة عن أفعال القلوب مع جميع أفعال الجوارح
من الطاعات ،وهو قول المحدثين وجمع من السلف كابن مجاهد وغيره
فانهم قالوا إن اليمان تصديق بالجنان ،وإقرار باللسان ،وعمل بالركان،
أو يكون عبارة عن التصديق مع كلمتي الشهادة ،ونسب إلى طائفة منهم
أبو حنيفة ،أو يكون عبارة عن التصديق بالقلب مع القرار باللسان وهو
مذهب المحقق نصير الدين الطوسى رحمه ال في تجريده فهذه سبعة
مذاهب ذكرت في الشرح الجديد للتجريد وغيره .واعلم أن مفهوم اليمان
على المذهب الول يكون تخصيصا للمعنى اللغوي وأما على المذاهب
الباقية فهو منقول ،والتخصيص خير من النقل ،وهنا بحث وهو أن
القائلين بأن اليمان عبارة عن فعل الطاعات كقدماء المعتزلة والعلف
والخوارج ل ريب أنهم يوجبون اعتقاد مسائل الصول وحينئذ فما الفرق
بينهم وبين القائلين بأنه عبارة عن أفعال القلوب والجوارح ويمكن الجواب
بأن اعتقاد المعارف شرط عند الولين وشطر عند الخرين .ثم قال :اعلم
أن المحقق الطوسي رحمه ال ذكر في قواعد العقائد أن اصول اليمان عند
الشيعة ثلثة ثم ذكر ما نقلنا عنه سابقا ،ثم قال ذكر في الشرح الجديد
للتجريد أن اليمان في الشرع عند الشاعرة هو التصديق للرسول فيما
علم مجيئه به ضرورة فتفصيل فيما علم تفصيل ،وإجمال فيما علم إجمال،
فهو في الشرع تصديق خاص انتهى فهؤلء اتفقوا على أن حقيقة اليمان
هي التصديق فقط ،وإن اختلفوا في مقدار المصدق به ،والكلم هيهنا في
مقامين :الول في أن التصديق الذي هو اليمان المراد به اليقيني الجازم
الثابت ،كما يظهر من كلم من حكينا عنه ،والثاني في أن العمال ليست
جزءا من حقيقة اليمان الحقيقي ،بل هي جزؤ من اليمان الكمالي .أما
الدليل على الول فآيات بينات منها قوله تعالى " إن الظن ل يغني من
الحق شيئا " ) (1واليمان حق بالنص والجماع ،فل يكفي في حصوله
وتحققه
][133
الظن ،ومنها " إن يتبعون إل الظن " ) " (1إن هم إل يظنون " ) " (2إن بعض
الظن إثم ) " (3فهذه قد اشتركت في التوبيخ على اتباع الظن ،واليمان ل
يوبخ من حصل له بالجماع ،فل يكون ظنا ،ومنها قوله تعالى " إنما
المؤمنون الذين آمنوا بال ورسوله ثم لم يرتابوا ) " (4فنفى عنهم
الريب ،فيكون الثابت هو اليقين ،وفي العرف يطلق عدم الريب على
اليقين ،ومن السنة المطهرة قوله صلى ال عليه وآله " يا مقلب القلوب
والبصار ثبت قلبي على دينك " والثبات هو الجزم والمطابقة ،وفيه منع
لم ل يجوز أن يكون طلبه عليه السلم لنه الفرد الكمل .ومن الدلئل أيضا
الجماع حيث ادعى بعضهم أنه يجب معرفة ال تعالى التي ل يتحقق
اليمان إل بها بالدليل إجماعا من العلماء كافة ،والدليل ما أفاد العلم،
والظن ل يفيده ،وفي صحة دعوى الجماع بحث لوقوع الخلف في جواز
التقليد في المعارف الصولية كما سنذكره إن شاء ال تعالى .واعلم أن
جميع ما ذكرنا من الدلة ل يفيد شئ منه العلم بأن الجزم والثبات معتبر
في التصديق الذي هو اليمان ،إنما يفيد الظن باعتبارهما ،لن اليات قابلة
للتأويل ،وغيرها كذلك ،مع كونها من الحاد .ثم قال رفع ال درجته :اعلم
أن العلماء أطبقوا على وجوب معرفة ال بالنظر ،وأنها ل تحصل بالتقليد
إل من شذ منهم كعبد ال بن الحسن العنبري والحشوية ،والتعليمية ،حيث
ذهبوا إلى جواز التقليد في العقائد الصولية كوجود الصانع ،وما يجب له
ويمتنع ،والنبوة والعدل وغيرها ،بل ذهب بعضهم إلى وجوبه ،لكن اختلف
القائلون بوجوب المعرفة أنه عقلي أو سمعي فالمامية والمعتزلة على
الول ،والشعرية على الثاني ،ول غرض لنا هنا ببيان ذلك ،بل ببيان أصل
الوجوب المتفق عليه .ثم استدل بوجوب شكر المنعم عقل ،وشكره على
وجه يليق بكمال ذاته
) (1النجم (2) .28 :البقرة (3) .78 :الحجرات (14) .12 :الحجرات.15 :
][134
يتوقف على معرفته ،وهي ل تحصل بالظنيات كالتقليد وغيره لحتمال كذب المخبر،
وخطأ المارة ،فلبد من النظر المفيد للعلم ،ثم قال :وهذا الدليل إنما يستقيم
على قاعدة الحسن والقبح ،والشاعرة ينكرون ذلك ،لكن كما يدل على
وجوب المعرفة بالدليل ،يدل أيضا على كون الوجوب عقليا ،واعترض
أيضا بأنه مبني على وجوب مال يتم الواجب المطلق إل به ،وفيه أيضا
منوع للشاعرة .ومن ذلك أن المة أجمعت على وجوب المعرفة ،والتقليد
وما في حكمه ل يوجب العلم إن أوجبه لزم اجتماع الضدين في مثل تقليد
من يعتقد حدوث العالم ويعتقد قدمه ،وقد اعترض على هذا بمنع الجماع
كيف والمخالف معروف بل عورض بوقوع الجماع على خلفه ،وذلك
لتقرير النبي صلى ال عليه وآله وأصحابه العوام على إيمانهم ،وهم
الكثرون في كل عصر ،مع عدم الستفسار عن الدلئل الدالة على الصانع
وصفاته ،مع أنهم كانوا ل يعلمونها ،وإنما كانوا مقرين باللسان ومقلدين
في المعارف ،ولو كانت المعرفة واجبة لما جاز تقريرهم على ذلك مع
الحكم بايمانهم ،واجيب عن هذا بأنهم كانوا يعلمون الدلة إجمال كدليل
العرابي حيث قال " البعرة تدل على البعير ،وأثر القدام على المسير،
أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ،ل تدلن على اللطيف الخبير " ؟
فلذا أقروا ولم يسألوا عن اعتقاداتهم أو أنهم كان يقبل منهم ذلك للتمرين،
ثم يبين لهم ما يجب عليهم من المعارف بعد حين .ومن ذلك الجماع على
أنه ل يجوز تقليد غير المحق وإنما يعلم المحق من غيره بالنظر في أن ما
يقوله حق أم ل ؟ وحينئذ فل يجوز له التقليد إل بعد النظر والستدلل وإذا
صار مستدل امتنع كونه مقلدا ،فامتنع التقليد في المعارف اللهية ،ونقض
ذلك بلزوم مثله في الشرعيات ،فانه ل يجوز تقليد المفتي إل إذا كانت فتياه
عن دليل شرعى ،فان اكتفي في الطلع على ذلك بالظن وإن كان مخطئا
في نفس المر لحط ذلك عنه فليجز مثله في مسائل الصول ،واجيب
بالفرق بأن الخطا
][135
في مسائل الصول يقتضي الكفر ،بخلفه في الفروع ،فساغ في الثانية ما لم يسغ
في الولى .احتج من أوجب التقليد في مسائل الصول بأن العلم بال تعالى
غير ممكن لن المكلف به إن لم يكن عالما به تعالى استحال أن يكون
عالما بأمره ،وحال امتناع كونه عالما بأمره ،يمتنع كونه مأمورا من قبله،
وإل لزم تكليف ما ل يطاق ،وإن كان عالما به ،استحال أيضا أمره بالعلم
به لستحالة تحصيل الحاصل ،والجواب عن ذلك على قواعد المامية
والمعتزلة ظاهر ،فان وجوب النظر والمعرفة عندهم عقلي ل سمعي نعم
يلزم ذلك على قواعد الشاعرة إذ الوجوب عندهم سمعي .أقول :ويجاب
أيضا معارضة بأن هذا الدليل كما يدل على امتناع العلم بالمعارف
الصولية ،يدل على امتناع التقليد فيها أيضا ،فينسد باب المعرفة بال
تعالى ،فكل من يرجع إليه في التقليد لبد وأن يكون عالما بالمسائل
الصولية ،ليصح تقليده ،ثم يجري الدليل فيه ،فيقال :علم هذا الشخص
بال تعالى غير ممكن ،لنه حين كلف به إن لم يكن عالما به تعالى استحال
أن يكون عالما بأمره بالمقدمات وكل ما أجابوا به فهو جوابنا ،ول مخلص
لهم إل أن يعترفوا بأن وجوب المعرفة عقلي فيبطل ما ادعوه من أن العلم
بال تعالى غير ممكن أو سمعي فكذلك .فان قيل :ربما يحصل العلم لبعض
الناس بتصفية النفس أو إلهامه إلى غير ذلك ،فيقلده الباقون ،قلنا هذا
أيضا يبطل قولكم إن العلم بال تعالى غير ممكن ،نعم ما ذكروه يصلح أن
يكون دليل على امتناع المعرفة بما يسمع ،فيكون حجة على الشاعرة ،ل
دليل على وجوب التقليد .واحتجوا أيضا بأن النهي عن النظر قد ورد في
قوله تعالى " ما يجادل في آيات ال إل الذين كفروا " ) (1والنظر يفتح
باب الجدال فيحرم ،ولنه عليه السلم رأى الصحابة يتكلمون في مسألة
القدر فنهاهم عن الكلم فيها ،وقال :إنما هلك من كان قبلكم بخوضهم في
هذا ،ولقوله عليه السلم :عليكم بدين العجائز ،والمراد ترك النظر فلو كان
][136
واجبا لم يكن منهيا عنه ،واجيب عن الول بأن المراد الجدال بالباطل كما في قوله
تعالى " وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق " ) (1ل الجدال بالحق لقوله
تعالى " وجادلهم بالتي هي أحسن " ) (2فالمر بذلك يدل على أن الجدال
مطلقا ليس منهيا عنه ،وعن الثاني بأن نهيهم عن الكلم في مسألة القدر
على تقدير تسليمه ل يدل على النهي عن مطلق النظر ،بل عنه في مسألة
القدر ،كيف وقد ورد النكار على تارك النظر في قوله تعالى " أو لم
يتفكروا في أنفسهم ما خلق ال " ) (3وقد أثنى على فاعله في قوله "
ويتفكرون في خلق السموات والرض " ) (4على أن نهيهم عن الخوض
في القدر لعله لكونه أمرا غيبيا وبحرا عميقا كما أشار إليه علي عليه
السلم بقوله " بحر عميق فل تلجه " بل كان مراد النبي صلى ال عليه
وآله التفويض في مثل ذلك إلى ال تعالى لن ذلك ليس من الصول التي
يجب اعتقادها ،والبحث عنها مفصلة .وهيهنا جواب آخر عنهما معا ،وهو
أن النهي في الية والحديث مع قطع النظر عما ذكرناه إنما يدل على النهي
عن الجدال الذي ل يكون إل عن متعدد بخلف النظر فانه يكون من واحد،
فهو نصب الدليل على غير المدعى ،وعن الثالث بالمنع من صحة نسبته
إلى النبي صلى ال عليه وآله فان بعضهم ذكر أنه من مصنوعات سفيان
الثوري فانه روي أن عمر بن عبد ال المعتزلي قال :إن بين الكفر
واليمان منزلة بين المنزلتين ،فقالت عجوز :قال ال تعالى " هو الذي
خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " ) (5فلم يجعل من عباده إل الكافر
والمؤمن ،فسمع سفيان كلمها فقال :عليكم بدين العجائز ،على أنه لو سلم
فالمراد به التفويض إلى ال تعالى في قضائه وحكمه والنقياد له في أمره
ونهيه.
) (1غافر (2) .5 :النحل (3) .125 :الروم 8 :وتمامه :ما خلق ال السموات
والرض وما بينهما ال بالحق (4) .آل عمران (5) .191 :التغابن.2 :
][137
واحتج من جوز التقليد بأنه لو وجب النظر في المعارف اللهية لوجد من الصحابة،
إذ هم أولى به من غيرهم ،لكنه لم يوجد وإل لنقل كما نقل عنهم النظر
والمناظرة في المسائل الفقهية ،فحيث لم ينقل لم يقع ،فلم يجب .واجيب
بالتزام كونهم أولى به ،لكنهم نظروا وإللزم نسبتهم إلى الجهل بمعرفة ال
تعالى ،وكون الواحد منا أفضل منهم ،وهو باطل إجماعا ،إذا كانوا عالمين،
وليس بالضرورة ،فهو بالنظر والستدلل ،وأما أنه لم ينقل النظر
والمناظرة ،فل تفاقهم على العقائد الحقة لوضوح المر عندهم ،حيث كانوا
ينقلون عقائدهم عمن ل ينطق عن الهوى فلم يحتاجوا إلى كثرة البحث
والنظر ،بخلف الخلف بعدهم ،فانهم لما كثرت شبه الضالين ،واختلفت
أنظار طالبي اليقين ،لتفاوت أذهانهم في إصابة الحق احتاجوا إلى النظر
والمناظرة ،ليدفعوا بذلك شبه المضلين ،ويقفوا على اليقين ،أما مسائل
الفروع لما كانت امورا ظنية اجتهادية خفية لكثرة تعارض المارات فيها
وقع بينهم الخلف فيها ،والمناظرة والتخطئة لبعضهم من بعض فلذا نقل.
واحتجوا أيضا بأن النظر مظنة الوقوع في الشبهات ،والتورط في
الضللت ،بخلف التقليد فانه أبعد عن ذلك ،وأقرب إلى السلمة ،فيكون
أولى ،ولن الصول أغمض أدلة من الفروع وأخفى ،فإذا جاز التقليد في
السهل ،جاز في الصعب ،بطريق أولى ،ولنهما سواء في التكليف بهما
فإذا جاز في الفروع فليجز في الصول .واجيب عن الول بأن اعتقاد
المعتقد إن كان عن تقليد لزم إما التسلسل أو النتهاء إلى من يعتقد عن
نظر ،لنتفاء الضرورة ،فيلزم ما ذكرتم من المحذور مع زيادة ،وهي
احتمال كذب المخبر ،بخلف الناظر مع نفسه ،فانه ل يكابر نفسه فيما أدى
إليه نظره ،على أنه لو اتفق النتهاء إلى من اتفق له العلم بغير النظر
كتصفية الباطن كما ذهب إليه بعضهم ،أو باللهام ،أو بخلق العلم فيه
ضرورة ،فهو إنما يكون لفراد نادرة ،لنه على خلف العادة فل يتيسر لكل
أحد الوصول إليه مشافهة ،بل بالوسائط فيكثر احتمال الكذب ،بخلف
الناظر فانه ل يكابر نفسه
][138
ولنه أقرب إلى الوقوع على الصواب ،وأما الجواب عن العلوة فلنه لما كان
الطريق إلى العمل بالفروع إنما هو النقل ،ساغ لنا التقليد فيها ،ولم يقدح
احتمال كذب المخبر ،وإل لنسد باب العلم والعمل بها ،بخلف العتقاديات
فان الطريق إليها بالنظر ميسر .ثم قال رحمه ال بعد إطالة الكلم في
الجواب عن حجة الخصام :وأما المقام الثاني وهو أن العمال ليست جزءا
من اليمان ول نفسه ،فالدليل عليه من الكتاب العزيز والسنة المطهرة
والجماع ،أما الكتاب فمن قوله تعالى " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات
" ) (1فان العطف يقتضي المغايرة ،وعدم دخول المعطوف في المعطوف
عليه ،فلو كان عمل الصالحات جزءا من اليمان أو نفسه ،لزم خلو العطف
عن الفائدة ،لكونه تكرارا ،ورد بأن الصالحات جمع معرف يشمل الفرض
والنفل ،والقائل بكون الطاعات جزءا من اليمان يريد بها فعل الواجبات
واجتناب المحرمات وحينئذ فيصح العطف لحصول المغايرة المفيد لعموم
المعطوف ،فلم يدخل كله في المعطوف عليه نعم يصلح دليل على إبطال
مذهب القائلين بكون المندوب داخل في حقيقة اليمان كالخوارج .ومنه
قوله تعالى " ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن " ) (2أي حالة إيمانه
وهذا يقتضي المغايرة ،ومنه قوله تعالى " وإن طائفتان من المؤمنين
اقتتلوا " ) (3فانه أثبت اليمان لمن ارتكب بعض المعاصي ،فل يكون ترك
المنهيات جزءا من اليمان ،ومنه قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا اتقوا
ال وكونوا مع الصادقين " ) (4فان أمرهم بالتقوى الذي ل تحصل إل
بفعل الطاعات ،والنزجار عن المنهيات مع وصفهم باليمان يدل على عدم
حصول التقوى لهم ،وإل لكان أمرا بتحصيل
) (1ترى نصه في آيات كثيرة منها :البقرة (2) .277 :طه (3) .112 :الحجرات:
(4) .9براءة.119 :
][139
الحاصل ،ومنه اليات الدالة على كون القلب محل لليمان ،من دون ضميمة شئ
آخر كقوله تعالى " اولئك كتب في قلوبهم اليمان " ) (1ولو كان القرار
أو غيره من العمال نفس اليمان أو جزءه لما كان القلب محل جميعه،
وقوله تعالى " ولما يدخل اليمان في قلوبكم " ) (2وقوله تعالى " وقلبه
مطمئن باليمان " ) .(3وكذا آيات الطبع والختم تشعر بأن محل اليمان
القلب كقوله تعالى " :اولئك الذين طبع ال على قلوبهم " )] (4وطبع ال
على قلوبهم[ " فهم ل يؤمنون " ) " (5وختم على سمعه وقلبه وجعل
على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد ال " ) .(6وأما السنة فكقوله صلى
ال عليه وآله :يا مقلب القلوب والبصار ثبت قلبي على دينك ،وروي أن
النبي صلى ال عليه وآله سأل جبرئيل عن اليمان فقال :أن تؤمن بال
ورسله ،واليوم الخر .وأما الجماع فهو أن المة أجمعت على أن اليمان
شرط لسائر العبادات والشئ ل يكون شرطا لنفسه ،فل يكون اليمان هو
العبادات .وأما أهل الثاني وهم الكرامية ) (7فقد استدلوا على مذهبهم بأن
النبي صلى ال عليه وآله والصحابة كانوا يكتفون في الخروج عن الكفر
بكلمتي الشهادتين ،فتكون هي اليمان ،إذ ل واسطة بين الكفر واليمان.
لن الكفر عدم اليمان ،ولقوله تعالى " فمنكم كافر ومنكم مؤمن " )(8
وبقوله صلى ال عليه وآله امرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل
ال ،وبعثه صلى ال عليه وآله لسامة ،حين قتل من تكلم بالشهادتين:
) (1المجادلة (2) .22 :الحجرات (3) ،13 :النحل (4) .106 :النحل(5) .108 :
براءة (6) .93 :الجاثية ،23 :وصححنا اليات بعرضها على المصحف
الشريف (7) .أتباع محمد بن كرام -كشداد -ومن اعتقاده أن معبوده
مستقر على العرش وأنه جوهر تعالى ال عن ذلك (8) .التغابن.2 :
][140
هل شققت قلبه أو هل شققت قلبه ،على بعض النسخ ،يريد بذلك النكار عليه حيث
لم يكتف بالشهادتين منه والجواب عن الول أن الخروج عن الكفر بكلمة
الشهادة إن أرادوا به الخروج في نفس المر بحيث يصير مؤمنا عند ال
سبحانه بمجرد ذلك ،من دون تصديق فهو ممنوع ،لم ل يجوز أن يكون
اكتفاؤهم بذلك للترغيب في السلم ل للحكم باليمان ؟ وإن أرادوا به
الخروج بحسب الظاهر ،فهو مسلم لكن ل ينفعهم ،إذ الكلم فيما يتحقق به
اليمان عند ال تعالى بحيث يصير المتصف به مؤمنا في نفس المر ،ل
فيما يتحقق به السلم في ظاهر الشرع ،حيث ل يمكن الطلع على
الباطن ،أل ترى أنهم كانوا يحكمون بكفر من ظهر منه النفاق ،بعد الحكم
باسلمه ،ولو كان مؤمنا في نفس المر لما جاز ذلك ،وأما نفي الواسطة )
(1فهو مستقيم على أخذ الحكم في نفس المر ،فان حال المكلف في نفس
المر ل يخلو عن أحدهما ،وأما جعل ل إله إل ال غاية للقتال فل يدل على
أكثر من كونه للترغيب في السلم أيضا بسبب حقن الدماء ،على أن النبي
صلى ال عليه وآله ربما ل يطلع على بواطن الناس ،فكيف يؤمر بالقتال
على مال يطلع عليه .وأما أهل الثالث ،وهم قدماء المعتزلة ،القائلون بأنه
جميع الطاعات فرضا ونفل ،فمن أمتن دلئلهم على ذلك قوله تعالى" :
وما امروا إل ليعبدوا ال مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلة ويؤتوا
الزكوة وذلك دين القيمة " ) (2والمشار إليه بذلك هو جميع ما حصر بإل
وما عطف عليه ،والدين هو السلم لقوله تعالى " إن الدين عند ال
السلم " ) (3والسلم هو اليمان لقوله تعالى " ومن يبتغ غير السلم
دينا فلن يقبل منه " ) (4ول ريب أن اليمان مقبول من مبتغيه للنص
والجماع ،فيكون إسلما ،فيكون دينا ،فيعتبر فيه الطاعات كما دلت عليه
اليات.
) (1يعنى في قوله تعالى :فمنكم كافر ومنكم مؤمن (2) .البينة (3) .5 :آل عمران:
(4) .1آل عمران.85 :
][141
والجواب المنع من اتحاد الدينين في اليتين ،فل يتكرر الوسط ،ولو سلم اتحادهما
فل نسلم أن اليمان هو السلم ،ليكون هو الدين فيعتبر فيه الطاعات لم ل
يجوز أن يكون اليمان شرطا للسلم أو جزءا منه أو بالعكس ،وشرط
الشئ وجزؤه يقبل مع كونه غيره ،ول يلزم من ذلك أن يكون اليمان هو
الدين بل شرطه أو جزؤه ،على أنا لو قطعنا النظر عن جميع ذلك فالية
الكريمة إنما تدل على أن من ابتغى وطلب غير دين السلم دينا له ،فلن
يقبل منه ذلك المطلوب ،ولم تدل على أن من صدق بما أوجبه الشارع
عليه ،لكنه ترك فعل بعض الطاعات غير مستحل أنه طالب لغير دين
السلم ،إذ ترك الفعل يجتمع مع طلبه ،لعدم المنافاة بينهما ،فإن الشخص
قد يكون طالبا للطاعة مريدا لها لكنه تركها إهمال وتقصيرا ول يخرج
بذلك عن ابتغائهما .واستدلوا أيضا بقوله تعالى " :وما كان ال ليضيع
إيمانكم " ) (1أي صلتكم إلى بيت المقدس ،واعترض عليه بأنه لم ل
يجوز أن يكون المراد به تصديقكم بتلك الصلة ،سلمنا ذلك لكن ل دللة
لهم في الية ،وذلك لنهم زعموا أن اليمان جميع الطاعات ،والصلة إنما
هي جزؤ من الطاعات ،وجزؤ الشئ ل يكون ذلك الشئ .وأما أهل الرابع،
وهم القائلون بكونه عبارة عن جميع الواجبات وترك المحظورات ،دون
النوافل ،فقد يستدل لهم بقوله تعالى " :إنما يتقبل ال من المتقين " )(2
والتقوى ل يتحقق إل بفعل المأمور به ،وترك المنهي عنه ،فل يكون
التصديق مقبول ما لم يحصل التقوى ،وبما روي أن الزاني ل يزني وهو
مؤمن ،وبقوله عليه السلم :ل إيمان لمن ل أمانة له ،وبقوله تعالى" :
ومن لم يحكم بما أنزل ال فاولئك هم الكافرون " ) (3وقد ل يحكم بما أنزل
ال أو يحكم بما لم
][142
ينزل ال مصدقا ،فلو تحقق اليمان بالتصديق لزم اجتماع الكفر واليمان في محل
واحد ،وهو محال لتقابلهما بالعدم والملكة .والجواب عن الول أنه يجوز
أن يكون المراد -وال أعلم -العمال الندبية ،على أنا نقول :إن ظاهر
الية الكريمة متروك ،فإنها تدل ظاهرا على أن من أخلص في جميع أفعاله
وكان قد سبق منه معصية واحدة لم يثب عليها ويكون جميع أعمال
الطاعات اللحقة غير مقبولة ،والقول بذلك مع بعده عن حكمة ال تعالى
من أفظع الفظايع ،فل يكون مرادا بل المراد -وال أعلم -أن من عمل
عمل إنما يكون مقبول إذا كان متقيا فيه ،بأن يكون مخلصا فيه ل تعالى
وحينئذ فل دللة لهم في الية الكريمة مع أنا لو تنزلنا عن ذلك وقلنا
بدللتها على عدم قبول التصديق من دون التقوى ،فل يحصل بذلك مدعاهم
الذي هو كون اليمان عبارة عن جميع الواجبات -الخ ،-ولقائل أن يقول:
لم ل يجوز أن يكون اليمان عبارة عما ذكرتم مع التصديق بالمعارف
الصولية ،وعدم قبول الجزء إنما هو لعدم قبول الكل .وأما الحديث الول
على تقدير تسليمه ،فيمكن حمله على المبالغة في الزجر أو تخصيصه بمن
استحل ،ودليل التخصيص في أحاديث اخر أو على نفي الكمال في اليمان،
وكذا الحديث الثاني وأما الستدلل بالية فقد تعارض بقوله تعالى " :ومن
لم يحكم بما أنزل ال فاولئك هم الفاسقون ) " (1والفاسق مؤمن على
المذهب الحق ،وبين المنزلتين على غيره ،ويمكن أن يقال الفسق ل ينافي
الكفر إذ الكافر فاسق لغة ،وإن كان في العرف يباينه ،لكنه لم يتحقق كونه
عرف الشارع ،بل المعلوم كونه لهل الشرع والصول ،فل تعارض حينئذ.
أقول :والحق في الجواب أن المراد -وال أعلم -ومن لم يحكم بما أنزل
أي بما علم قطعا أن ال سبحانه أنزله فان العدول عنه إلى غيره مستحل
أو الوقوف عنه كذلك ل ريب في كونه كفرا لنه إنكار لما علم ثبوته
ضرورة ،فل يكون
][143
التصديق حاصل ،وحينئذ فل دللة فيها على أن من ارتكب معصية غير مستحل أو
مستحل مع كون تحريمها لم يعلم من الدين ضرورة ،يكون كافرا ،وإنما
ارتكبنا هذا الضمار في الية لما دل عليه النص والجماع من أن الحاكم
لو أخطأ في حكمه لم يكفر ،مع أنه يصدق عليه أنه لم يحكم بما أنزل ال.
واعلم أنه قد ظهر من هذا الجواب وجه آخر للجمع بين اليتين ،ورفع
التعارض بين ظاهرهما ،بأن يراد من إحداهما ما ذكرناه في الجواب ،ومن
الخرى ومن لم يحكم غير مستحل مع علمه بالتحريم فهو فاسق،
والحاصل أنه يقال لهم :إن أردتم بالطاعات والتروك ما علم ثبوته من
الدين ضرورة ،فنحن نقول بموجب ذلك ،لكن ل يلزم منه مدعاكم ،لجواز
كون الحكم بكفره إما لجحده ما علم من الدين ضرورة ،فيكون قد أخل بما
هو شرط اليمان ،وهو عدم الجحد على ما قدمناه ،أو لكون المذكورات
جزء اليمان على ما ذهب إليه بعضهم ،وإن أردتم العم فل دللة لكم فيها
أيضا وهو ظاهر .وأما أهل الخامس القائلون بأنه تصديق بالجنان وإقرار
باللسان ،وعمل بالركان ،فيستدل لهم بما استدل به أهل التصديق مع ما
استدل به أهل العمال ومن أضاف القرار باللسان إلى الجنان ،وقد علمت
تزييف ما سوى الول وسيجئ إنشاء ال تعالى تزييف أدلة من أضاف
القرار ،فلم يبق لمذهبهم قرار .نعم في أحاديث أهل البيت عليهم السلم ما
يشهد لهم ،وقد ذكر في الكافي وغيره منها جملة فمنها ما رواه عن عبد
الرحيم القصير قال :كتبت مع عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد ال عليه
السلم أسأله عن اليمان ما هو ؟ إلى آخر الخبر ) (1ومنها ما رواه عن
عجلن أبي صالح قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم :أوقفني على حدود
اليمان الخبر ) (2ومنها عن محمد بن مسلم عن أبي عبد ال عليه السلم
قال سألته عن اليمان الخبر ).(3
) (1الكافي ج 2ص .27وقد مر في ج 68ص 256تحت الرقم 15من الباب .24
) (2الكافي ج 2ص 18وقد مر في باب دعائم السلم ،راجع ج 68ص
(3) .330راجع الرقم 4من هذا الباب ص .22
][144
ثم قال قدس سره :واعلم أن هذه الحاديث منها ما سنده غير نقي كالول فان في
سنده عبد الرحيم وهو مجهول مع كونه مكاتبة ،وأما الثاني فان سنده وإن
كان جيدا إل أن دللته غير صريحة فان كون المذكورات حدود اليمان ل
يقتضي كونها نفس حقيقته إذ حد الشئ نهايته وما ل يجوز تجاوزه فان
تجاوزه خرج عنه ،ونحن نقول بموجب ذلك ،فان من تجاوز هذه
المذكورات بأن تركها جاحدا ل ريب في خروجه عن اليمان ،لكن لعل ذلك
لكونها شروطا لليمان ل لكونها نفسه ،وأما الثالث فان دللته وإن كانت
جيدة إل أن في سنده إرسال مع كون العل مشتركا بين المقبول والمجهول،
وبالجملة فهذه الرواية معارضة بما هو أمتن منها دللة وقد تقدم ذلك،
فليراجع ،نعم ل ريب في كونها مؤيدة لما قالوه .وأما أهل السادس
القائلون بأنه التصديق مع كلمتي الشهادة ،ففيما مر من الحاديث ما يصلح
شاهدا لهم ،وكذا ما ذكره الكرامية مع ما ذكره أهل التصديق يصلح شاهدا
لهم ،وقد عرفت ما في الولين ،فل نعيده .وأما السابع فانه مذهب جماعة
من المتأخرين منهم المحقق الطوسي -ره -في تجريده فانه اعتبر في
حقيقة اليمان مع التصديق القرار باللسان ،قال :ول يكفي الول لقوله
تعالى " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم " ) (1أثبت للكفار الستيقان
النفسي ،وهو التصديق القلبي فلو كان اليمان هو التصديق القلبي فقط لزم
اجتماع الكفر واليمان ،وهو باطل لتقابلهما تقابل العدم والملكة ،ول الثاني
يعني القرار باللسان لقوله تعالى " قالت العراب آمنا " الية ولقوله
تعالى " :ومن الناس من يقول آمنا بال وباليوم الخر وما هم بمؤمنين "
) (2فأثبت لهم تعالى في اليتين التصديق باللسان ،ونفى عنهم اليمان.
أقول :الستدلل على عدم الكتفاء بالثاني مسلم موجه ،وكذا على عدم
الكتفاء بالول أما على اعتبار القرار ففيه بحث ،فان الدليل أخص من
المدعى
][145
إذ المدعى أن اليمان ل يتحقق إل بالتصديق مع القرار ،وبدون ذلك يتحقق الكفر،
والية الكريمة إنما دلت على ثبوت الكفر لمن جحد أي أنكر اليات مع
علمه بحقيتها ،وبينهما واسطة ،فان من حصل له التصديق اليقيني في أول
المر ،ولم يكن تلفظ بكلمات اليمان ،ل يقال إنه منكر ول جاحد وحينئذ فل
يلزم اجتماع الكفر واليمان في مثل هذه الصورة مع أنه غير مقر ول تارك
للقرار جحدا كما هو المفروض ،هذا إن قصد بالية الدللة على اعتبار
القرار أيضا ،و إل لكان اعتبار القرار دعوى مجردة ،وقد علمت ما عليه.
وأما دللة الية الكريمة على كفره في صورة جحده واستيقانه ،فنقول
بموجبه لكن ليس لعدم إقراره فقط بل لنه ضم إنكارا إلى استيقان،
وبالجملة فهو من جملة العلمات على الحكم بالكفر ،كما جعل الستخفاف
بالشارع أو الشرع ووطئ المصحف علمة على الحكم بالكفر ،مع أنه قد
يكون مصدقا كما سبقت الشارة إليه ،نعم غاية ما يلزم أن يكون إقرار
المصدق شرطا لحكمنا بايمانه ظاهرا ،و أما قبل ذلك وبعد التصديق فهو
مؤمن عند ال تعالى إذا لم يكن تركه للقرار عن جحد ،على أنه يلزمه
قدس سره أن من حصل له التصديق بالمعارف اللهيه ثم عرض له الموت
فجأة قبل القرار يموت كافرا ويستحق العذاب الدائم مع اعتقاده وحدة
الصانع وحقية ما جاء به النبي صلى ال عليه وآله ول أظن أن مثل هذا
المحقق يلتزم ذلك .والحاصل أنه إن أراد رحمه ال أن كون النسان مؤمنا
عند ال سبحانه ،كما هو ظاهر كلمه ،ل يتحقق إل بمجموع المرين،
فالواسطة واللتزام ل زمان عليه وإن أراد أن كونه مؤمنا في ظاهر
الشرع ل يتحقق إل بالمرين معا ،فالنزاع لفظي فان من اكتفى فيه
بالتصديق يريد به كونه مؤمنا عند ال تعالى فقط ،وأما عند الناس فلبد
في العلم بذلك من القرار ونحوه .واعلم أنه استدل بعضهم على هذا
المذهب أيضا بأنا نعلم بالضرورة أن اليمان في اللغة هو التصديق،
والدلئل عليه كثيرة ،فإما أن يكون في الشرع
][146
كذلك أو يكون منقول عن معناه في اللغة ،والثاني باطل لن أكثر اللفاظ تكرارا في
القرآن وكلم الرسول صلى ال عليه وآله لفظ اليمان ،فلو كان منقول عن
معناه اللغوي لوجب أن يكون حاله كحال سائر العبادات الظاهرة في وجوب
العلم به ،فلما لم يكن كذلك علمنا أنه باق على وضع اللغة .إذا ثبت هذه
فنقول :ذلك التصديق إما أن يكون هو التصديق القلبي أو اللساني ،أو
مجموعهما ،والول باطل لقوله تعالى " فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به "
) (1فأثبت لهم المعرفة مع أنه حكم بكفرهم ،ولو كان مجرد المعرفة إيمانا
لما صح ذلك ،وأيضا قوله تعالى " فلما جائتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا
سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا " ) (2ول يصح
أن يكون جحدهم لها بقلوبهم حيث أثبت لهم الستيقان بها ،فلبد أن يكون
بألسنتهم حيث لم يقروا بها وإذا كان الجحد باللسان موجبا للكفر كان
القرار به مع التصديق القلبي موجبا لليمان ،فيكون القرار من محققات
اليمان ،وأيضا قوله تعالى حكاية عن موسى على نبينا وآله وعليه السلم
إذ يقول لفرعون " لقد علمت ما أنزل هؤلء إل رب السموات والرض "
) (3فأثبت كونه عالما بأن ال تعالى هو الذي أنزل اليات التي جاء بها
موسى عليه السلم فلو كان مجرد العلم هو اليمان لكان فرعون مؤمنا
وهو باطل بنص القرآن العزيز ،وإجماع النبياء عليهم السلم من لدن
موسى عليه السلم إلى محمد صلى ال عليه وآله وأيضا قوله تعالى "
فانهم ل يكذبونك ولكن الظالمين بآيات ال يجحدون " ) (4ومعنى ذلك
وال أعلم أنهم يجحدون ذلك بألسنتهم ول يكذبونك بقلوبهم أي يعلمون
نبوتك ،ول يستقيم أن يكون المعنى ل يكذبونك بألسنتهم لمنافاة يجحدون
) (1البقرة (2) .89 :النمل ،14 :وفى نسخة الكمبانى بين صدر الية وذيلها تقديم
وتأخير ،والظاهر أن النساخ نقلوا السقط من الهامش الى المتن في غير
موضعه (3) .اسرى (4) .102 :النعام.33 :
][147
بألسنتهم له ،فيلزم أن يكونوا كذبوا بألسنتهم ولم يكذبوا بها ،وبطلنه ظاهر فيجب
تنزيه القرآن العزيز عنه .ولك أن تقول :لم ل يجوز أن يكون المعنى ل
يكذبونك بألسنتهم ولكن يجحدون نبوتك بقلوبهم كما أخبر ال تعالى عن
المنافقين في سورتهم حيث قالوا " :نشهد إنك لرسول ال " ) (1وكذبهم
ال تعالى حيث شهد سبحانه وتعالى بكذبهم فقال " وال يشهد إن
المنافقين لكاذبون " والمراد في شهادتهم أي فيما تضمنته من أنها عن
صميم القلب وخلوص العتقاد كما ذكره جماعة من المفسرين حيث لم
توافق عقيدتهم فقد علم من ذلك أنهم لم يكذبوه بألسنتهم ،بل شهدوا له بها
ولكنهم جحدوا ذلك بقلوبهم حيث كذبهم ال تعالى في شهادتهم .والجواب،
التكذيب لهم ورد على نفس شهادتهم التي هي باللسان ،ل على نفس
عقيدتهم ،وبالجملة فهذا ل يصلح نظيرا لما نحن فيه ،على أن معنى الجحد
كما قر روه هو النكار باللسان ،مع تصديق القلب ،وما ذكر من الحتمال
عكس هذا المعنى .ثم قال :والثاني باطل أما أول فبالتفاق من المامية
وأما ثانيا فلقوله تعالى " :قالت العراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا
أسلمنا " ) (2ول شك أنهم كانوا صدقوا بألسنتهم ،وحيث لم يكن كافيا نفى
ال تعالى عنهم اليمان مع تحصله وقوله تعالى " ومن الناس من يقول
آمنا بال وباليوم الخر وما هم بمؤمنين " ) (3فأثبت لهم القرار
والتصديق باللسان ونفى إيمانهم فثبت بذلك أن اليمان هو التصديق مع
القرار .ثم قال :ل يقال :لو كان القرار باللسان جزء اليمان للزم كفر
الساكت لنا نقول لو كان اليمان هو العلم أي التصديق لكان النائم غير
مؤمن ،لكن لما كان النوم ل يخرجه عن كونه مؤمنا بالجماع مع كونه
أولى بأن يخرج النائم عن
) (1المنافقون 1 :وهكذا ما بعده (2) .الحجرات (3) .13 :البقرة.8 :
][148
اليمان ،لنه ل يبقى معه معنى من اليمان بخلف الساكت فانه قد بقي معه معنى
منه ،وهو العلم ،لم يكن السكوت مخرجا بطريق أولى ،نعم لو كان الخروج
عن التصديق والقرار أو عن أحدهما على جهة النكار والجحد لخرج بذلك
عن اليمان ولذلك قلنا إن اليمان هو التصديق بالقلب ،والقرار باللسان أو
ما في حكمهما انتهى محصل ما ذكره .أقول :قوله :إن النائم ينتفي عنه
العلم أي التصديق غير مسلم ،وإنما المنفي شعوره بذلك العلم ،وهو غير
العلم ،فالتصديق حينئذ باق لكونه من الكيفيات النفسية فل يزيله النوم
وحينئذ فل يلزم من عدم الحكم بانتفاء اليمان عن النائم عدم الحكم
بانتفائه عن الساكت بطريق أولى ،نعم الحكم بعدم انتفائه عن الساكت على
مذهب من جعل القرار جزءا إما للزوم الحرج العظيم بدوام القرار في كل
وقت ،أو أن يكون المراد من كون القرار جزءا لليمان القرار في الجملة،
أو في وقت ما مع البقاء عليه ،فل ينافيه السكوت المجرد ،وإنما ينافيه مع
الجحد لعدم بقاء القرار حينئذ .وأقول :الذي ذكره من الدليل على عدم
النقل ل يدل وحده على كون القرار جزءا ،وهو ظاهر ،بل قصد به الدللة
على بطلن ما عدا مذهب أهل التصديق .ثم استدل على بطلن مذهب
التصديق بما ذكره من اليات الدالة على اعتبار القرار في اليمان ،فيكون
اليمان الشرعي تخصيصا للغوي كما هو عند أهل التصديق ،وهذا جيد
لكن دللة اليات على اعتبار القرار ممنوعة ،وقد بينا ذلك سابقا أن
تكفيرهم إنما كان لجحدهم القرار ،وهو أخص من عدم القرار ،فتكفيرهم
بالجحد ل يستلزم تكفيرهم بمطلق عدم القرار ،ليكون القرار معتبرا ،نعم
اللزم من اليات اعتبار عدم الجحد مع التصديق ،وهو أعم من القرار،
واعتبار العم ل يستلزم اعتبار الخص وهو ظاهر .وهذا جواب عن
استدلله بجميع اليات ،ونزيد في الجواب عن الستدلل بقوله تعالى في
الحكاية عن موسى عليه وعلى نبينا وآله الصلة والسلم:
][149
" لقد علمت ما أنزل هؤلء " ) (1الية أنه يجوز أن يكون نسب إلى فرعون العلم
على طريق الملطفة والملءمة ،حيث كان مأمورا عليه السلم بذلك بقوله
" فقول له قول لينا لعله يتذكر أو يخشى " ) (2وهذا شائع في الستعمال
كما يقال في المحاورات كثيرا " وأنت خبير بأنه كذا وكذا " مع أن
المخاطب بذلك قد ل يكون عارفا بذلك المعنى أصل ،بل قد ل يكون هناك
مخاطب أصل كما يقع في المؤلفات كثيرا ،وعلى هذا فل تدل الية على
ثبوت العلم لفرعون ،ولو سلم ثبوته كان الحكم بكفره للجحد ،ل لعدم
القرار مطلقا كما سبق بيانه .واعلم أن المحقق الطوسي قدس سره اختار
في فصوله الكتفاء بالتصديق القلبي في تحقق اليمان ،فكأنه رحمه ال
لحظ ما ذكرناه ،وقد استدل له بعض الشارحين بقوله تعالى " اولئك كتب
في قلوبهم اليمان " ) (3وبقوله تعالى " ولما يدخل اليمان في قلوبكم "
) (4فيكون حقيقة فيه ،فلو اطلق على غيره لزم الشتراك أو المجاز ،وهما
خلف الصل ،والقرار باللسان كاشف عنه ،والعمال الصالحة ثمراته.
أقول :الذي ظهر مما قررناه أن اليمان هو التصديق بال وحده وصفاته
وعدله وحكمته ،وبالنبوة وبكل ما علم بالضرورة مجئ النبي صلى ال
عليه وآله به مع القرار بذلك ،وعلى هذا أكثر المسلمين بل ادعى بعضهم
إجماعهم على ذلك ،والتصديق بامامة الئمة الثنى عشر عليهم السلم
وبامام الزمان وهذا عند المامية.
) (1أسرى (2) .102 :طه (3) .44 :المجادلة (4) .22 :الحجرات.13 :
][150
) * - 31باب( * " )في عدم لبس اليمان بالظلم( " الية النعام " :الذين آمنوا
ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اولئك لهم المن وهم مهتدون " ) .(1تفسير" :
الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " قال الطبرسي رحمه ال :معناه
الذين عرفوا ال تعالى وصدقوا به ،وبما أوجبه عليهم ،ولم يخلطوا ذلك
بظلم ،والشرك هو الظلم ،عن ابن عباس وابن المسيب وأكثر المفسرين،
وروي عن ابي بن كعب أنه قال ألم تسمع قوله سبحانه " إن الشرك لظلم
عظيم " ) (2وهو المروي عن سلمان وحذيفة ،وروي عن ابن مسعود
قال :لما نزلت هذه الية شق على الناس وقالوا يا رسول ال وأينا لم يظلم
نفسه فقال عليه السلم إنه ليس الذي تعنون ،ألم تسمعوا إلى ما قال العبد
الصالح " يا بني ل تشرك بال إن الشرك لظلم عظيم " وقال الجبائي
والبلخي يدخل في الظلم كل كبيرة تحبط ثواب الطاعة ،قال البلخي ولو
اختص الشرك على ما قالوه لوجب أن يكون مرتكب الكبيرة إذا كان مؤمنا
كان آمنا ،وذلك خلف القول بالرجاء ،وهذا ل يلزم لنه قول بدليل
الخطاب ،ومرتكب الكبيرة غير آمن ،وإن كان ذلك معلوما بدليل آخر "
اولئك لهم المن " من ال بحصول الثواب والمان من العقاب " وهم
مهتدون " أي محكوم لهم بالهتداء إلى الحق والدين ،وقيل :إلى الجنة ،ثم
إنه قيل :إن هذه الية من تمام قول إبراهيم عليه السلم وروي ذلك عن
علي عليه السلم وقيل :إنها من ال على جهة فصل القضاء بين إبراهيم
وقومه انتهى ).(3
) (1النعام (2) .82 :لقمان (3) .13 :مجمع البيان ج .327 :4
][151
وفي الكافي عن الصادق عليه السلم إن الظلم هنا الشك ) (1وعنه عليه السلم
قال :آمنوا بما جاء به محمد صلى ال عليه وآله من الولية ولم يخلطوها
بولية فلن وفلن ) (2ويمكن أن يقال :المن المطلق والهتداء الكامل
لمن لم يلبس إيمانه بشئ من الظلم والمعاصي والمن من الخلود من النار
والهتداء في الجملة لمن صحت عقائده ،ثم بينهما مراتب كثيرة يختلف
بحسبها المن والهتداء - 1 .ج :باسناده عن أبي جعفر عليه السلم عن
النبي صلى ال عليه وآله في خطبة الغدير قال بعد أن ذكر عليا عليه
السلم وأوصياءه :أل إن أولياءهم الذين وصفهم ال عزوجل فقال" :
الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اولئك لهم المن وهم مهتدون " ).(3
- 2ج :عن أمير المؤمنين عليه السلم في جواب الزنديق المدعي
للتناقض في القرآن ) (4قال عليه السلم :وأما قوله " :فمن يعمل من
الصالحات وهو مؤمن فل
][152
كفران لسعيه " ) (1وقوله " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى "
) (2فان ذلك كله ل يغني إل مع الهتداء ،وليس كل من وقع عليه اسم
اليمان كان حقيقا بالنجاة ،مما هلك به الغواة ،ولو كان ذلك كذلك لنجت
اليهود مع اعترافها بالتوحيد وإقرارها بال ،ونجا سائر المقرين
بالوحدانية من إبليس فمن دونه في الكفر وقد بين ذلك بقوله " الذين
آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اولئك لهم المن وهم مهتدون " وبقوله "
الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " ) - 3 .(3شى :عن محمد بن
مسلم ،عن أبي عبد ال عليه السلم في قول ال " الذين آمنوا ولم يلبسوا
إيمانهم بظلم " منه ما أحدث زرارة وأصحابه ) .(4بيان " :منه ما أحدث
" أي من الظلم المذكور في الية القول الباطل الذي أحدثه وابتدعه زرارة،
وكأنه قال بمذهب باطل ثم رجع عنه - 4 .شى :عن أبي بصير قال :قلت
له :إنه قد ألح علي الشيطان عند كبر سني يقنطني ،قال :قل :كذبت يا كافر
يا مشرك إني اومن بربي واصلي له وأصوم واثني عليه ،ول ألبس إيماني
بظلم ) - 5 .(5شى :عن جابر الجعفي ،عمن حدثه قال :بينا رسول ال
صلى ال عليه وآله في مسير له إذ رأى سوادا من بعيد فقال :هذا سواد ل
عهد له بأنيس فلما دنا سلم فقال له رسول ال صلى ال عليه وآله :أين
أراد الرجل ؟ قال :أراد يثرب ،قال :وما أردت بها ؟ قال :أردت محمدا،
قال :فأنا محمد ،قال :والذي بعثك بالحق ما رأيت إنسانا مذ سبعة أيام ،ول
) (1النبياء (2) .94 :طه (3) .82 :الحتجاج ص 130والية الخيرة في المائدة:
(4) .41تفسير العياشي ج 1ص (5) .365تفسير العياشي ج 1ص
،365وفى طبعة الكمبانى بعد تمام الخبر هكذا من دون فصل] :وآمن
وعمل صالحا ثم اهتدى أعلم في الية الولى [......الى آخر ما نقلناه عن
الحتجاج في الحاشية السابقة والظاهر أنه سهو وتخليط.
][153
طعمت طعاما إل ما تناول منه دابتي ،قال :فعرض عليه السلم فأسلم ،قال :فعضته
راحلته ) (1فمات ،وأمر به فغسل وكفن ،ثم صلى عليه النبي عليه وآله
السلم قال :فلما وضع في اللحد قال :هذا من الذين آمنوا ولم يلبسوا
إيمانهم بظلم ) - 6 .(2شى :عن أبي بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :قلت له " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " الزنا منه ؟ قال:
أعوذ بال من اولئك ل ،ولكنه ذنب إذا تاب تاب ال عليه ،وقال :مدمن
الزنا والسرقة وشارب الخمر كعابد الوثن ) - 7 (3شى :عن يعقوب بن
شعيب عنه في قوله " ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " قال الضلل فما فوقه )
- 8 .(4شى :عن أبي بصير عنه عليه السلم بظلم قال :بشك )- 9 .(5
شى :عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي ،عن أبي عبد ال عليه السلم في
قوله " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " قال آمنوا بما جاء به محمد
صلى ال عليه وآله من الولية ولم يخلطوها بولية فلن وفلن ،فهو
اللبس بظلم ،وقال :أما اليمان فليس ينتقض كله ولكن ينتقض قليل قليل،
قلت :بين الضلل والكفر منزلة ؟ قال :ما أكثر عرى اليمان ) .(6بيان" :
أما اليمان " لعله عليه السلم ذكر أول بعض أفراد الظلم ثم بين أن كل
ظلم ينقض اليمان وينقصه ،لكن ل يذهبه بالكلية كل ظلم ،فان بين الكفر
واليمان الكامل منازل كثيرة - 10 .شى :عن أبي بصير قال :سألته عن
قول ال عزوجل " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " قال :نعوذ بال
يا با بصير أن تكون ممن لبس إيمانه بظلم
) (1العض معروف ،ومنه عضاض الدابة يقال :برئت اليك من العضاض
والعضيض ،إذا باع دابة وبرئ الى مشتريها من عضها الناس(2) .
تفسير العياشي ج 1ص (6 - 3) .366المصدر ج 1ص .366
][154
ثم قال :اولئك الخوارج وأصحابهم ) - 11 .(1كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن أبيه،
عن النضر ،عن يحيى الحلبي عن هارون بن خارجة ،عن أبي بصير قال:
سألت أبا عبد ال عليه السلم عن قول ال عز وجل " الذين آمنوا ولم
يلبسوا إيمانهم بظلم " قال :بشك )) * 32 .(2باب( * * " درجات اليمان
وحقائقه " * اليات آل عمران :هم درجات عند ال وال بصير بما
يعملون ) .(3النعام :نرفع درجات من نشاء وقال تعالى :ولكل درجات مما
عملوا وما ربك بغافل عما يعملون ) .(4يوسف :نرفع درجات من نشاء
وفوق كل ذي علم عليم ) .(5أسرى :انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض
وللخرة أكبر درجات وأكبر تفضيل ) .(6الحقاف :ولكل درجات مما
عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم ل يظلمون ) (7الواقعة :وكنتم أزواجا ثلثة *
فأصحاب الميمنة * ما أصحاب الميمنة * و أصحاب المشئمة * ما أصحاب
المشئمة * والسابقون السابقون * اولئك المقربون * في جنات النعيم *
ثلة من الولين * وقليل من الخرين -إلى قوله لصحاب اليمين :ثلة من
الولين * وثلة من الخرين ).(8
وقال تعالى " فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم * وأما إن كان
من أصحاب اليمين * فسلم لك من أصحاب اليمين * وأما إن كان من
المكذبين الضالين * فنزل من حميم * وتصلية جحيم " ) .(1الحديد :ل
يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل الية ) .(2المجادلة :يرفع ال
الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات ) .(3الحشر :للفقراء
المهاجرين -إلى قوله -إنك رؤف رحيم ) .(4تفسير " :هم درجات عند
ال " شبهوا بالدرجات لما بينهم من التفاوت في الثواب والعقاب أو هم ذو
درجات " وال بصير بما يعملون " عالم بأعمالهم ودرجاتها فيجازيهم
على حسبها " نرفع درجات من نشاء " أي في العلم والعمل " ولكل " أي
من المكلفين " درجات " أي مراتب مما عملوا " وما ربك بغافل عما
يعملون " فيخفى عليه عمل أو قدر ما يستحق به من ثواب أو عقاب،
وقرئ بالخطاب " .نرفع درجات من نشاء " بالعلم والحكمة كما رفعنا
درجة يوسف " وفوق كل ذي علم عليم " أرفع درجة منه في علمه،
واستدل به على أنه علمه سبحانه عين ذاته " كيف فضلنا " أي في الدنيا
" وللخرة أكبر درجات " أي التفاوت في الخرة أكثر ،وفي المجمع روي
أن ما بين أعلى درجات الجنة وأسفلها مثل ما بين السماء والرض )(5
وروى العياشي عن الصادق عليه السلم ل تقولن الجنة واحدة ،إن ال
يقول " ومن دونهما جنتان " ) (6ول تقولن درجة واحدة ،إن ال يقول "
درجات بعضها فوق بعض " إنما تفاضل القوم بالعمال ) (7وعن النبي
صلى ال عليه وآله إنما يرتفع
) (1الواقعة (2) .94 - 88 :الحديد (3) .10 :المجادلة (4) .11 :الحشر.10 - 8 :
) (5مجمع البيان ج 6ص 407والية في أسرى (6) .21 :الرحمن:
(7) .63ترى ذيله في تفسير العياشي ج ،1 388وأخرجه الطبرسي في
مجمع البيان ج 9ص ،210مع زيادة ،وقوله " درجات بعضها فوق
بعض " اقتباس من القرآن وليس بنص.
][156
العباد غدا في الدرجات ،وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم ،وفي الكافي
عن الصادق عليه السلم أن الثواب على قدر العقل " ولكل " أي من الجن
والنس " درجات مما عملوا " أي مراتب مما عملوا من الخير والشر أو
من أجل ما عملوا ،قيل :والدرجات غالبة في المثوبة ،وهنا جاءت على
التغليب " وليوفيهم أعمالهم " أي جزاءها " وهم ل يظلمون " بنقص
ثواب وزيادة عقاب " .وكنتم أزواجا " أي أصنافا " فأصحاب الميمنة "
قيل :أي اليمين ،وهم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم ،أو يؤخذ بهم ذات
اليمين إلى الجنة ،أو أصحاب اليمن والبركة على أنفسهم " ما أصحاب
الميمنة " أي أي شئ هم ؟ على التعجيب من حالهم " وأصحاب المشئمة
" وهم الذين يعطون كتبهم بشمالهم أو يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار ،أو
المشائيم على أنفسهم بما عملوا من المعصية ثم عجب سبحانه من حالهم
تفخيما لشأنهم في العذاب فقال " ما أصحاب المشئمة " .ثم بين الصنف
الثالث فقال " :والسابقون السابقون " أي السابقون إلى اتباع النبياء
الذين صاروا أئمة الهدى فهم السابقون إلى جزيل الثواب عند ال أو
السابقون إلى طاعة ال ،هم السابقون إلى رحمته أو الثاني تأكيد للول،
والخبر " اولئك المقربون " أي السابقون إلى الطاعات يقربون إلى رحمة
ال في أعلى المراتب وقيل في السابقين :أنهم السابقون إلى اليمان،
وقيل :إلى الهجرة ،وقيل :إلى الصلوات الخمس ،وقيل :إلى الجهاد ،وقيل:
إلى التوبة وأعمال البر ،وقيل :إلى كل ما دعا ال إليه ،وهذا أولى .وعن
أبي جعفر عليه السلم قال :السابقون أربعة :ابن آدم المقتول ،والسابق
في امة موسى وهو مؤمن آل فرعون ،والسابق في امة عيسى وهو حبيب
النجار ،والسابق في امة محمد صلى ال عليه وآله وهو علي بن أبيطالب
عليه السلم ) " .(1ثلة من الولين " أي هم ثلة أي جماعة كثيرة العدد
من المم الماضية " و
][157
قليل من الخرين " من امة محمد صلى ال عليه وآله لن من سبق إلى إجابة نبينا
صلى ال عليه وآله قليل بالضافة إلى من سبق إلى إجابة النبيين قبله،
وقيل :معناه جماعة من أوائل هذه المة ،وقليل من أواخرهم ممن قرب
حالهم من حال اولئك ،وقيل :على الوجه الول ل يخالف ذلك قوله عليه
السلم إن امتي يكثرون سائر المم لجواز أن يكون سابقوا سائر المم أكثر
من سابقي هذه المة وتابعوا هذه أكثر من تابعيهم ،ول يرده قوله تعالى
في أصحاب اليمين " ثلة من الولين وثلة من الخرين " لن كثرة
الفريقين ل ينافي أكثرية أحدهما انتهى ) " .(1لصحاب اليمين " أي ما
ذكر جزاء لصحاب اليمين " ثلة من الولين و ثلة من الخرين " أي
جماعة من المم الماضية وجماعة من مؤمني هذه المة ،وقيل هنا أيضا:
إن الثلتين من هذه المة " .فأما إن كان " أي المتوفى " من المقربين "
أي السابقين " فروح " أي فله استراحة ،وقيل :هواء تستلذه النفس
ويزيل عنها الهم " وريحان " قيل :أي رزق طيب وقيل :الريحان
المشموم من ريحان الجنة يؤتى به عند الموت فيشمه ،وقيل :الروح
الرحمة والريحان كل نباهة وشرف ،وقيل :روح في القبر وريحان في
الجنة " و جنة نعيم " أي ذات تنعم " فسلم لك من أصحاب اليمين " قيل
أي فترى فيهم ما تحب لهم من السلمة من المكاره والخوف ،وقيل :أي
فسلم لك أيها النسان الذي هو من أصحاب اليمين من عذاب ال ،وسلمت
عليك ملئكة ال وقيل :معناه فسلم لك منهم في الجنة لنهم يكونون معك
فقوله " لك " بمعنى عليك " .فنزل من حميم " أي نزلهم الذي أعد لهم
من الطعام والشراب حميم جهنم " وتصلية جحيم " أي إدخال نار عظيمة.
" ل يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة من
الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا " ) (2بين سبحانه أن النفاق قبل فتح مكة إذا
انضم إليه الجهاد
][158
أكثر ثوابا عند ال من النفقة والجهاد بعد ذلك ،وذلك أن القتال قبل الفتح كان أشد،
والحاجة إلى النفقة وإلى الجهاد كان أكثر وأمس ،وقسيم من أنفق محذوف
لوضوحه ودللة ما بعده عليه ،والفتح فتح مكة إذ عز السلم به وكثر
أهله وقلت الحاجة إلى المقاتلة والنفاق " من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا
" أي من بعد الفتح " وكل وعد ال الحسنى " أي كل من المنفقين وعد
ال المثوبة الحسنى وهي الجنة " وال بما تعملون خبير " عالم بظاهره
وباطنه فمجازيكم على حسبه " .يرفع ال الذين آمنوا منكم " ) (1قال ابن
عباس يرفع ال الذين اوتوا العلم من المؤمنين درجات على الذين لم يؤتوا
العلم درجات ،وقيل :معناه لكي يرفع ال الذين آمنوا منكم بطاعتهم
للرسول صلى ال عليه وآله درجة والذين اوتوا العلم بفضل علمهم
وسابقتهم درجات في الجنة وقيل :في مجلس الرسول صلى ال عليه وآله.
" للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم " ) (2فان كفار
مكة أخرجوهم وأخذوا أموالهم " يبتغون فضل من ال ورضوانا " حال
مقيدة لخراجهم بما يوجب تفخيم شأنهم " وينصرون ال ورسوله "
بأنفسهم وأموالهم " اولئك هم الصادقون " الذين ظهر صدقهم في إيمانهم
" والذين تبوؤا الدار واليمان " عطف على المهاجرين ،والمراد بهم
النصار ،فانهم لزموا المدينة وتمكنوا فيهما وقيل :المعنى تبوؤا دار
الهجرة ودار اليمان ،فحذف المضاف من الثاني والمضاف إليه من الول
وعوض عنه اللم ،أو تبوؤا الدار وأخلصوا اليمان " من قبلهم " أي من
قبل هجرة المهاجرين ،وقيل :تقدير الكلم والذين تبوؤا الدار من قبلهم
واليمان ) " (3يحبون من هاجر إليهم " ول يثقل عليهم " ول يجدون في
صدورهم " أي في أنفسهم " حاجة " أي ما يحمل عليه الحاجة كالطلب
والحزازة والحسد والغيظ " مما اوتوا " أي مما اعطي المهاجرون
وغيرهم " ويؤثرون على أنفسهم " أي
][159
يقدمون المهاجرين على أنفسهم " ولو كان بهم خصاصة " أي حاجة " ومن يوق
شح نفسه " حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض النفاق "
فاولئك هم المفلحون " الفائزون بالثناء العاجل والثواب الجل " .والذين
جاؤا من بعدهم " قيل :هم الذين هاجروا من بعد حين قوي السلم أو
التابعون باحسان ،وهم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة ولذلك قيل
إن الية قد استوعبت جميع المؤمنين " يقولون ربنا اغفر لنا ولخواننا
الذين سبقونا باليمان " أي يدعون ويستغفرون لنفسهم ولمن سبقهم
باليمان " ول تجعل في قلوبنا غل للذين آمنوا " حقدا وغشا وعداوة "
ربنا إنك رؤف رحيم " أي متعطف على العباد منعم عليهم .وأقول :إنما
أوردناها لدللتها من جهة الترتيب الذكري على فضل المهاجرين من
الصحابة على النصار ،وفضلهما على التابعين لهم باحسان - 1 .كا :عن
العدة عن البرقي ،عن الحسن بن محبوب ،عن عمار بن أبي الحوص عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :إن ال عزوجل وضع اليمان على سبعة
أسهم :على البر والصدق ،واليقين ،والرضا ،والوفاء ،والعلم ،والحلم ،ثم
قسم ذلك بين الناس ،فمن جعل فيه هذه السبعة السهم فهو كامل محتمل،
وقسم لبعض الناس السهم ولبعض السهمين ولبعض الثلثة حتى انتهوا
إلى السبعة ،ثم قال :ل تحملوا على صاحب السهم سهمين ،ول على
صاحب السهمين ثلثة فتبهظوهم ثم قال كذلك حتى انتهى إلى السبعة ).(1
توضيح :البر الحسان إلى نفسه وإلى غيره ،ويطلق غالبا على الحسان
بالوالدين والقربين والخوان من المؤمنين كما ورد " من خالص اليمان
البر بالخوان " والصدق :هو القول المطابق للواقع ،ويطلق أيضا على
مطابقة العمل للقول والعتقاد ،وعلى فعل القلب والجوارح المطابقين
للقوانين الشرعية والموارين العقلية ،ومنه الصديق وهو من حصل له
ملكة الصدق في جميع هذه المور ،ول
يصدر منه خلف المطلوب عقل ونقل ،كما صرح به المحقق الطوسي -ره -في
أوصاف الشراف .واليقين :العتقاد الجازم المطابق للواقع ،وفي عرف
الخبار هو مرتبة من اليقين يصير سببا لظهور آثاره على الجوارح،
ويطلق غالبا على ما يتعلق بامور الخرة ،وبالقضاء والقدر كما ستعرف،
وله مراتب اشير إليها في القرآن العزيز وهي علم اليقين ،وعين اليقين،
وحق اليقين ،كما قال تعالى " :لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم *
ثم لترونها عين اليقين " ) (1وقال سبحانه " :وتصلية جحيم إن هذا لهو
حق اليقين " ) .(2وقالوا :الول مرتبة أرباب الستدلل ،كمن لم ير النار،
واستدل بالدخان عليه ،والثاني مرتبة أصحاب المشاهدة والعيان كمن رأى
النار بعينها بعينه ،والثالث مرتبة أرباب اليقين كمن كان في وسط النار
واتصف بصفاتها ،وإن لم يصر عينها كالحديدة المحماة في النار فانك
تظنها نارا وليست بنار ،وهذا هي التي زلت فيها القدام ،وضلت العقول
والحلم ،وليس محل تحقيقها هذا المقام .والرضا :هو اطمئنان النفس
بقضاء ال تعالى عند البلء والرخاء ،وعدم العتراض عليه سبحانه قوله
وفعل في شئ من الشياء ،والوفاء :هو العمل بعهود ال تعالى من
التكاليف الشرعية وما عاهد ال تعالى عليه ،وألزم على نفسه من
الطاعات ،والوفاء ببيعة النبي والئمة صلوات ال عليهم ،والوفاء بعهود
الخلق ما لم تكن في معصية والعلم :هو معرفة ال ورسوله وحججه وما
امر به ونهي عنه ،وعلم الشرائع والحكام والحلل والحرام ،والخلق
ومقدماتها ،والحلم :هو ملكة حاصلة للنفس مانعة لها عن المبادرة إلى
النتقام ،وطلب التسلط والترفع والغلبة " .فهو كامل " أي في اليمان "
محتمل " لشرائطه وأركانه قابل لها كما ينبغي " ل تحملوا على صاحب
السهم سهمين " أي لما كانت القابليات والستعدادات متفاوتة
][161
ولم يكلف ال كل امرئ إل على قدر قابليته ،فل تحملوا في العلوم والعمال
والخلق على كل امرئ إل بحسب طاقته ووسعه ،كما مر إنما يداق ال
العباد في الحساب على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا ) (1نعم للعلى
أن ينقل الدنى إلى درجته بالتعليم والتدريج والرفق حتى يصل إلى درجته
إن كان قابل لذلك كما سيأتي إنشاء ال ،وعلى الدنى أن يسعى ويتضرع
إلى ال تعالى لن يوفقه للصعود إلى الدرجة العليا " فتبهضوهم " في
بعض النسخ بالضاد وفي بعضها بالظاء ،وهما معجمتان متقاربان معنى،
قال :في القاموس بهضني المر كمنع وأبهضني :أي فدحني وبالظاء أكثر،
وقال :بهضه المر كمنع غلبه وثقل عليه وبلغ به مشقة والراحلة أوقرها
فأتعبها - 2 .كا :عن أبي علي الشعري عن محمد بن عبد الجبار ومحمد
بن يحيى عن أحمد ابن محمد بن عيسى جميعا ،عن ابن فضال عن الحسن
بن الجهم عن أبي اليقظان عن يعقوب بن الضحاك عن رجل من أصحابنا
سراج وكان خادما لبي عبد ال عليه السلم قال :بعثني أبو عبد ال عليه
السلم في حاجة وهو بالحيرة أنا وجماعة من مواليه قال :فانطلقنا فيها ثم
رجعنا مغتمين ) (2قال :وكان فراشي في الحائر الذي كنا فيه نزول فجئت
وأنا بحال فرميت بنفسي ،فبينا أنا كذلك إذا أنا بأبي عبد ال قد أقبل قال:
فقال قد أتيناك أو قال جئناك ،فاستويت جالسا وجلس على صدر فراشي
فسألني عما بعثني له ،فأخبرته فحمد ال ثم جرى ذكر قوم فقلت :جعلت
فداك ،إنا نبرأ منهم إنهم ل يقولون ما نقول ،فقال :يتولونا ول يقولون ما
تقولون تبرؤون منهم ؟
) (1الكافي ج 1ص ،11كتاب العقل والجهل تحت الرقم (2) .7معتمين خ ل،
وقوله " مغتمين " اسم مفعول من باب الفعال ،وأصله من الغتم وهو
شدة الحر الذى يكاد يأخذ بالنفس ،والمغتوم :الذى يجد الحر وهو جائع،
وعبارة التاج :المغتوم الذى لفحه الحر .وهذا المعنى هو المناسب لما
بعده :فجئت وأنا بحال فرميت بنفسى .وأما إذا رجع وهو معتم من
الدخول في العتمة ،فان وقت العتمة وقت البرد وهبوب الرياح فل يناسب
ما بعده.
][162
قال :قلت نعم ،قال :فهو ذا عندنا ما ليس عندكم فينبغي لنا أن نبرأ منكم ؟ قال:
قلت :ل جعلت فداك ،قال :وهو ذا عند ال ما ليس عندنا ؟ أفتراه أطرحنا ؟
قال :قلت :ل وال جعلت فداك ،ما نفعل ،قال :فتولوهم ول تبرؤا منهم .إن
من المسلمين من له سهم ،ومنهم من له سهمان ،ومنهم من له ثلثة
أسهم ،ومنهم من له أربعة أسهم ،ومنهم من له خمسة أسهم ،ومنهم من
له ستة أسهم ومنهم من له سبعة أسهم ،فل ينبغي أن يحمل صاحب السهم
على ما عليه صاحب السهمين ول صاحب السهمين على ما عليه صاحب
الثلثة ،ول صاحب الثلثة على ما عليه صاحب الربعة ،ول صاحب
الربعة على ما عليه صاحب الخمسة ،ول صاحب الخمسة على ما عليه
صاحب الستة ول صاحب الستة على ما عليه صاحب السبعة .وسأضرب
لك مثل إن رجل كان له جار وكان نصرانيا فدعاء إلى السلم وزينه له
فأجابه فأتاه سحيرا فقرع عليه الباب فقال له :من هذا ؟ قال :أنا فلن،
قال :وما حاجتك ؟ قال :توضأ والبس ثوبيك ومر بنا إلى الصلة ،قال:
فتوضأ ولبس ثوبيه وخرج معه ،قال :فصليا ما شاء ال ،ثم صليا الفجر،
ثم مكثا حتى أصبحا فقام الذي كان نصرانيا يريد منزله ،قال :فقال له
الرجل :أين تذهب ؟ النهار قصير ،والذي بينك وبين الظهر قليل ،قال:
فجلس معه إلى صلة الظهر ) (1ثم قال :وما بين الظهر والعصر قليل،
فاحتبسه حتى صلى العصر ،قال :ثم قام وأراد أن ينصرف إلى منزله ،فقال
له :إن هذا آخر النهار ،وأقل من أوله فاحتبسه حتى صلى المغرب ثم أراد
أن ينصرف إلى منزله ،فقال له :إنما بقيت صلة واحدة قال :فمكث حتى
صلى العشاء الخرة ،ثم تفرقا .فلما كان سحيرا غدا عليه ،فضرب عليه
الباب ،فقال :من هذا ؟ فقال :أنا فلن ،قال :وما حاجتك ؟ قال :توضأ
والبس ثوبيك واخرج بنا فصل ،قال :اطلب لهذا الدين من هو أفرغ مني
وأنا إنسان مسكين وعلي عيال ،فقال:
][163
أبو عبد ال عليه السلم أدخله في شئ أخرجه منه أو قال :أدخله في مثل ذه
وأخرجه من مثل هذا ) .(1بيان " :الحيرة " بالكسر بلد كان قرب الكوفة،
و " أنا " تأكيد للضمير المنصوب في بعثني ،وتأكيد المنصوب والمجرور،
بالمرفوع جائز " وجماعة " عطف على الضمير أو الواو بمعنى مع "
معتمين " الظاهر أنه بالعين المهملة على بناء الفعال والتفعيل ،في
القاموس العتمة محركة ثلث الليل الول بعد غيبوبة الشفق ،أو وقت صلة
العشاء الخرة وأعتم وعتم :سار فيها ،أو أورد وأصدر فيها ،وظلمة الليل
ورجوع البل من المرعى بعد ما تمسي انتهى ) (2أي رجعنا داخلين في
وقت العتمة وفي أكثر النسخ بالغين المعجمة من الغم ) (3وكأنه تصحيف
وربما يقرأ مغتنمين من الغنيمة وهو تحريف .والحائر المكان المطمئن
والبستان " ،وأنا بحال " أي بحال سوء من الضعف والكلل " إنهم ل
يقولون ما نقول " أي من مراتب فضائل الئمة عليهم السلم وكمالتهم
ومراتب معرفة ال تعالى ،ودقائق مسائل القضاء والقدر ،وأمثال ذلك مما
يختلف تكاليف العباد فيها ،بحسب أفهامهم واستعداداتهم ،ل في أصل
المسائل الصولية ،أو المراد اختلفهم في المسائل الفروعية ،والول
أظهر ،وأما حمله على أدعية الصلة وغيرها من المستحبات كما قيل ،فهو
في غاية البعد ،وإن كان يوافقه التمثيل المذكور في آخر الخبر " .يتولونا
ول يقولون " إلى آخره استفهام على النكار " فهو ذا عندنا " أي من
المعارف والعلوم والخلق والعمال " ما ليس عندكم ،فينبغي لنا " على
الستفهام " أطرحنا " أي عن اليمان والثواب ،أو عن درجة العتبار.
قوله " ما نفعل " لما فهم من كلمه عليه السلم نفي التبري ،تردد في أنه
هل
) (1الكافي ج 2ص 43و (2) .44القاموس ج (3) .147 :4بل من الغتم كما
عرفت.
][164
يلزمه التولي أو عدم ارتكاب شئ من المرين ،فان نفي أحدهما ل يستلزم ثبوت
الخر " .أن يحمل صاحب السهم على ما عليه صاحب السهمين " أي
يقاس حاله بحاله ويتوقع منه ما يتوقع من الثاني من الفهم والمعرفة
والعمل " وزينه له " أي حسن السلم في نظره " فأتاه سحيرا " وهو
تصغير وهو سدس آخر الليل أو ساعة آخر الليل ،وقيل قبيل الصبح،
والتصغير لبيان أنه كان قريبا من الصبح أو بعيدا منه " ومر بنا " أي
معنا " وخرج معه " أي إلى المسجد " ما شاء ال " أي كثيرا " حتى
أصبحا " أي دخل في الصباح ،والمراد السفار وانتشار ضوء النهار،
وظهور الحمرة في الفق قال :في المفردات الصبح والصباح أول النهار،
وهو وقت ما احمر الفق بحاجب الشمس ،قوله " وأقل من أوله " أي مما
انتظرت بعد الفجر لصلة الظهر " أدخله في شئ " أي من السلم صار
سببا لخروجه من السلم رأسا أو المراد بالشئ الكفر أي أدخله بجهله في
الكفر الذي أخرجه منه " أو قال :أدخله في مثل هذا " أي العمل الشديد "
وأخرجه من مثل هذا " أي هذا الدين القويم - 3 .كا :عن أحمد بن محمد،
عن الحسن بن موسى ،عن أحمد بن عمر ،عن يحيى بن أبان ،عن شهاب
قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :لو علم الناس كيف خلق ال
تبارك وتعالى هذا الخلق لم يلم أحد أحدا ،فقلت :أصلحك ال ،وكيف ذلك ؟
قال :إن ال تبارك وتعالى خلق أجزاء بلغ بها تسعة وأربعين جزءا ثم جعل
الجزاء أعشارا فجعل الجزء عشرة أعشار ،ثم قسمه بين الخلق ،فجعل
في رجل عشر جزء وفي آخر عشري جزء حتى بلغ به جزءا تاما وفي
آخر جزءا وعشر جزء ،وفي آخر جزءا وعشري جزء ،وفي آخر جزءا
وثلثة أعشار جزء ،حتى بلغ به جزئين تامين ،ثم بحساب ذلك حتى بلغ
بأرفعهم تسعة وأربعين جزءا فمن لم يجعل فيه إل عشر جزء لم يقدر على
أن يكون مثل صاحب العشرين ،وكذلك صاحب العشرين ل يكون مثل
صاحب الثلثة العشار ،وكذلك من تم له جزء ل يقدر على أن يكون مثل
صاحب الجزءين ،ولو علم الناس أن ال عزوجل خلق هذا الخلق على هذا
][165
لم يلم أحد أحدا ) .(1بيان " :لم يلم أحد أحدا " أي في عدم فهم الدقائق ،والقصور
عن بعض المعارف أو في عدم اكتساب الفضائل والخلق الحسنة ،وترك
التيان بالنوافل والمستحبات وإل فكيف يستقيم عدم الملمة على ترك
الفرائض والواجبات ،وفعل الكبائر والمحرمات ،وقد مر أن ال تعالى ل
يكلف الناس إل بقدر وسعهم ،وليسوا بمجبورين في فعل المعاصي ،ول في
ترك الواجبات ،لكن يمكن أن ل يكون في وسع بعضهم معرفة دقائق
المور ،وغوامض السرار ،فلم يكلفوا بها وكذا عن تحصيل بعض مراتب
الخلص واليقين وغيرها من المكارم ،فليسوا بملومين بتركها فالتكاليف
بالنسبة إلى العباد مختلفة بحسب اختلف قابلياتهم واستعداداتهم .ول
يستحق من لم يكن قابل لمرتبة من المراتب المذكورة أن يلم لم ل تفهم
هذا المعنى ،ولم ل تفعل الصلة كما كان أمير المؤمنين عليه السلم يفعله
مثل وهكذا .قوله عليه السلم " بلغ بها " كأنه جعل كل جزء من السهام
السبعة المتقدمة سبعة .قوله عليه السلم " فجعل الجزء عشرة أعشار "
كأن هذا للتأكيد والتوضيح ودفع توهم أن المراد جعل كل جزء عشرا من
مرتبة فوقه ،فيصير المجموع أربعمائة وتسعين عشرا " حتى بلغ به "
الباء للتعدية ،والضمير راجع إلى اليمان أو إلى الرجل المطلق المفهوم
من " رجل " ل إلى الرجل المذكور ،ول إلى آخر لختلل المعنى ،وهذا
أظهر ،لقوله حتى بلغ بأرفعهم " إل عشر جزء " أي من القابلية أو قابلية
عشر جزء من اليمان ،وهكذا في البواقي - 4 .كا :عن محمد بن يحيى،
عن محمد بن أحمد ،عن بعض أصحابه ،عن الحسن بن علي بن أبي
عثمان ،عن محمد بن حماد الخزاز ،عن عبد العزيز القراطيسي قال :قال
لي أبو عبد ال عليه السلم :يا عبد العزيز إن اليمان عشر درجات بمنزلة
السلم ،يصعد منه مرقاة بعد مرقاة ،فل يقولن صاحب الثنين لصاحب
الواحد :لست على شئ حتى ينتهي إلى العاشرة ،فل تسقط من هو دونك،
فيسقطك من هو فوقك
][166
وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق ،ول تحملن عليه مال يطيق
فتكسره ،فان من كسر مؤمنا فعليه جبره ) - 5 .(1ل :عن ابن الوليد عن
أحمد بن إدريس ،عن الشعري ،عن أبي عبد ال الرازي ،عن أبي عثمان
) (2مثله إل أن فيه :فل يقولن صاحب الواحد لصاحب الثنين ،وزاد في
آخره :وكان المقداد في الثامنة ،وأبو ذر في التاسعة ،وسلمان في العاشرة
) .(3بيان " :القراطيسي " بائع القراطيس " عشر درجات " كأنه عليه
السلم عد كل تسعة وأربعين جزءا من السابق درجة أو هذه الدرجات
لبعض مراتب اليمان ل لكلها ،وقيل :يجوز أن يراد باليمان هنا التصديق،
أو الكامل المركب منه ومن العمل " يصعد " على بناء المجهول و " منه
" نائب مناب الفاعل وقيل :من بمعنى في والضمير راجع إلى السلم،
والمرقاة بالفتح والكسر اسم مكان أو آلة ،وهي الدرجة وفي المصباح
المرقى والمرتقى موضع الرقي والمرقاة مثله ،ويجوز فيها فتح الميم على
أنه موضع الرتقاء ،ويجوز الكسر تشبيها باسم اللة كالمطهرة ،وأنكر أبو
عبيد الكسر انتهى وهي منصوبة على الظرفية للمكان " .لست على شئ "
أي من اليمان أو الكمال ،والظاهر ما في الكافي وعلى ما في الخصال
المعنى أنه إذا سمع ممن هو فوقه في المعرفة شيئا ل يصل إليه عقله ل
يقدح فيه ول يكفره " فل تسقط " أي من اليمان أو من درجة العتبار "
من هو دونك " أي أسفل منك بدرجة أو أكثر " .فارفعه إليك " فإن قلت:
كيف يرفعه إليه مع أنه ل يطيقه كما مر في الخبر السابق ؟ قلت :يمكن أن
تكون الدرجات المذكورة في الخبر السابق درجات القابليات والستعدادات،
ولذا نسبها إلى أصل الخلق
) (1الكافي ج 44 :2و (2) .45هو حسن بن على بن أبى عثمان المعروف
بسجادة غال ،يروى عنه أبو عبد ال الرازي وهو الحسين بن عبيدال
بن سهل في حال استقامته (3) .الخصال ج .59 :2
][167
والدرجات المذكورة في هذا الخبر درجات الفعلية والتحقق ،فيمكن أن يكون رجلن
في درجة واحدة من القابلية فسعى أحدهما وحصل ما كان قابل له ،والخر
لم يسع وبقي في درجة أسفل منه ،فلو كلفه أن يفهم دفعة ما فهمه في
أزمنة متطاولة يعسر المر عليه بل يصير سببا لضللته وحيرته ،فينبغي
أن يرفق به ،ويكمله تدريجا حتى يبلغ إلى تلك الدرجة كما أن الكاتب الجيد
الخط إذا كلف اميا لم يكتب قط أن يكتب مثله في يوم أو شهر أو سنة لكان
تكليفا لما ل يطاق ،بل يجب أن يرقيه تدريجا حتى يصل إلى مرتبته ،وكذا
في المراتب العقلية من لم يحصل شيئا منها ل يمكن إفهامه دفعة جميع
المسائل الغامضة ،ولو ألقيت إليه لتحير ،بل لم يطق فهمها وضل عن
السبيل ،والمعلم الديب الكامل يرقيه أول من البديهيات إلى أوائل
النظريات ،ومنها إلى أوساطها ،ومنها إلى غوامضها ،فل ينكسر ول
يتحير .ويمكن أن تحمل القدرة المذكورة في الخبر السابق على الوسع ،أي
المكان بسهولة فل ينافي المذكور في هذا الخبر ولكن الول أظهر ،وربما
يجاب بأنه لما لم يكن معلوما لصاحب الدرجة العليا عدم قابلية صاحب
الدرجة السفلى ،بل ربما يظن أنه قابل للترقي فهو مأمور بهذا رجاء
لتحقق مظنونه ول يخفى ما فيه " .فتكسره " أي تكسر إيمانه وتضله،
لنه يرفع يده عما هو فيه ،ول يصل إلى الدرجة الخرى فيتحير في دينه،
أو يكلفه من الطاعات مال يطيقها فيسوء ظنه بما كان يعمله ،فيتركهما
جميعا كما مر في الباب السابق " فعليه جبره " أي يجب عليه جبره،
وربما ل ينجبر ،ويلزمه إصلح ما أفسد من إيمانه وربما لم يصلح- 6 .
كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن محمد بن
سنان عن ابن مسكان ،عن سدير قال :قال لي أبو جعفر عليه السلم :إن
المؤمنين على منازل منهم على واحدة ،ومنهم على اثنتين ،ومنهم على
ثلث ،ومنهم على أربع ،ومنهم على خمس ،ومنهم على ست ومنهم على
سبع ،فلو ذهبت تحمل على صاحب الواحدة ثنتين لم يقو ،وعلى صاحب
الثنتين ثلثا لم يقو ،وعلى صاحب الثلث أربعا لم يقو
][168
وعلى صاحب الربع خمسا لم يقو ،وعلى صاحب الخمس ستا لم يقو ،وعلى
صاحب الست سبعا لم يقو ،وعلى هذه الدرجات ) .(1توضيح :المراد
بالمنازل الدرجات قوله عليه السلم " :على هذه الدرجات " كأن المعنى
وعلى هذا القياس الدرجات التي تنقسم هذه المنازل إليها ،فان كل منها
ينقسم إلى سبعين درجة كما مر في الخبر الول ،وقيل :أي بقية الدرجات
إلى العشر المذكور في الخبر الثاني ،أو المراد بالدرجات المنازل أي على
هذا الوجه الذي ذكرنا تنقسم الدرجات فيكون تأكيدا والول أظهر - 7 .كا:
عن محمد ،عن أحمد ،عن علي بن الحكم ،عن محمد بن سنان ،عن
الصباح ابن سيابة ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ما أنتم والبراءة
يبرأ بعضكم من بعض ؟ إن المؤمنين بعضهم أفضل من بعض ،وبعضهم
أكثر صلة من بعض ،وبعضهم أنفذ بصيرة من بعض وهي الدرجات ).(2
- 8لى :عن الهمداني ،عن علي ،عن أبيه ،عن نضر بن علي الجهضمي،
عن علي بن جعفر ،عن أخيه ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :من أسبغ وضوءه ،وأحسن صلته ،وأدى زكاة ماله،
وخزن لسانه ،وكف غضبه واستغفر لذنبه ،وأدى النصيحة لهل بيت
رسوله ،فقد استكمل حقائق اليمان وأبواب الجنة مفتحة له ) - 9 .(3ل:
ابن الوليد ،عن الصفار ،عن محمد بن حماد ،عن عبد العزيز قال :دخلت
على أبي عبد ال عليه السلم :فذكرت له شيئا من أمر الشيعة ومن
أقاويلهم فقال :يا عبد العزيز اليمان عشر درجات بمنزلة السلم ،له عشر
مراقي ،وترتقى منه مرقاة بعد مرقاة ،فل يقولن صاحب الواحدة لصاحب
الثانية :لست على شئ ،ول يقولن صاحب الثانية لصاحب الثالثة :لست
على شئ -حتى انتهى إلى العاشرة -ثم قال:
) (1الكافي ج (2) .45 :2المصدر ج 2ص (3) .45أمالى الصدوق200 :
][169
وكان سلمان في العاشرة وأبو ذر في التاسعة والمقداد في الثامنة ،يا عبد العزيز ل
تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك ،وإذا رأيت الذي هو دونك
فقدرت أن ترفعه إلى درجتك رفعا رفيقا فافعل ،ول تحملن عليه مال يطيقه
فتكسره ،فانه من كسر مؤمنا فعليه جبره ،لنك إذا ذهبت تحمل الفصيل
حمل البازل فسخته ) .(1بيان :الفصيل ولد الناقة إذا فصل عن امه،
والبازل اسم البعير إذا طلع نابه وذلك في تاسع سنيه ،والفسخ النقض10 .
-ل :ابن إدريس ،عن أبيه ،عن الشعري ،عن البرقي ،عن أبيه يرفعه إلى
أبي عبد ال عليه السلم قال :المؤمنون على سبع درجات :صاحب درجة
منهم في مزيد من ال عزوجل ل يخرجه ذلك المزيد من درجته إلى درجة
غيره ،ومنهم شهداء ال على خلقه ،ومنهم النجباء ،ومنهم الممتحنة،
ومنهم النجداء ،ومنهم أهل الصبر ومنهم أهل التقوى ،ومنهم أهل المغفرة
) - 11 .(2ل :عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن ابن محبوب ،عن
عمار بن أبي الحوص قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم :إن عندنا
أقواما يقولون بأمير المؤمنين عليه السلم ويفضلونه على الناس كلهم،
وليس يصفون ما نصف من فضلكم أنتولهم ؟ فقال لي :نعم ،في الجملة،
أليس عند ال ما لم يكن عند رسول ال ،ولرسول ال صلى ال عليه وآله
وسلم] :من[ عند ال ما ليس لنا ،وعندنا ما ليس عندكم ،وعندكم ما ليس
عند غيركم ؟ إن ال تبارك وتعالى وضع السلم على سبعة أسهم :على
الصبر والصدق ،واليقين ،والرضا ،والوفاء ،والعلم ،والحلم ،ثم قسم ذلك
بين الناس فمن جعل فيه هذه السبعة السهم ،فهو كامل اليمان محتمل ،ثم
قسم لبعض الناس السهم ،ولبعض السهمين ،ولبعض الثلثة السهم،
ولبعض الربعة السهم ،ولبعض الخمسة السهم ،ولبعض الستة السهم،
ولبعض السبعة السهم.
][170
فل تحملوا على صاحب السهم سهمين ،ول على صاحب السهمين ثلثة أسهم ول
على صاحب الثلثة أربعة أسهم ،ول على صاحب الربعة خمسة أسهم،
ول على صاحب الخمسة ستة أسهم ،ول على صاحب الستة سبعة أسهم،
فتثقلوهم وتنفروهم ،ولكن ترفقوا بهم وسهلوا لهم المدخل .وسأضرب لك
مثل تعتبر به ،إنه كان رجل مسلم وكان له جار كافر ،وكان الكافر يرفق
المؤمن فأحب المؤمن للكافر السلم ،ولم يزل يزين له السلم ويحببه إلى
الكافر حتى أسلم ،فغدا عليه المؤمن فاستخرجه من منزله فذهب به إلى
المسجد ليصلي معه الفجر في جماعة ،فلما صلى قال له :لو قعدنا نذكر ال
عزوجل حتى تطلع الشمس ،فقعد معه ،فقال :لو تعلمت القرآن إلى أن
تزول الشمس وصمت اليوم كان أفضل ،فقعد معه وصام حتى صلى الظهر
والعصر ،فقال :لو صبرت حتى تصلي المغرب والعشاء الخرة كان أفضل،
فقعد معه حتى صلى المغرب والعشاء الخرة ثم نهضا وقد بلغ مجهوده،
وحمل عليه مال يطيق ،فلما كان من الغد غدا عليه وهو يريد به مثل ما
صنع بالمس ،فدق عليه بابه ،ثم قال له :اخرج حتى نذهب إلى المسجد،
فأجاب أن انصرف عني فان هذا دين شديد ل اطيقه .فل تخرقوا بهم ،أما
علمت أن إمارة بني امية كانت بالسيف ،والعسف والجور ،وأن إمامتنا
بالرفق ،والتألف ،والوقار ،والتقية ،وحسن الخلطة والورع ،والجتهاد،
فرغبوا الناس في دينكم وفيما أنتم فيه ) .(1بيان :الخرق بالضم
وبالتحريك ضد الرفق وأن ل يحسن الرجل العمل والتصرف في المور
ذكره الفيروز آبادي - 12 .ل :في وصية النبي صلى ال عليه وآله لعلي
عليه السلم :يا علي سبعة من كن فيه فقد استكمل حقيقة اليمان ،وأبواب
الجنة مفتحة له ،من أسبغ وضوءه ،وأحسن صلته ،وأدى زكاة ماله،
وكف غضبه ،وسجن لسانه ،واستغفر لذنبه ،وأدى النصيحة لهل بيت
نبيه ).(2
][171
- 13شى :عن عمار بن مروان قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم :عن قول ال
" أفمن اتبع رضوان ال كمن باء بسخط من ال ومأواه جهنم بئس
المصير " ) (1فقال " :هم " الئمة وال يا عمار " درجات " للمؤمنين
" عند ال " وبموالتهم وبمعرفتهم إيانا يضاعف ال للمؤمنين حسناتهم،
ويرفع لهم الدرجات العلى ،وأما قوله يا عمار " كمن باء بسخط من ال "
-إلى قوله " :-المصير " فهم وال الذين جحدوا حق علي بن أبي طالب
عليه السلم وحق الئمة منا أهل البيت ،فباؤا لذلك بسخط من ال .وعن
أبي الحسن الرضا عليه السلم :أنه ذكر قول ال " هم درجات عند ال "
قال :الدرجة ما بين السماء إلى الرض ) - 14 .(2شى :عن أبي عمرو
الزبيري ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :بالزيادة في اليمان تفاضل
المؤمنون بالدرجات عند ال ،قلت :وإن لليمان درجات ومنازل يتفاضل
بها المؤمنون عند ال ؟ فقال :نعم ،قلت :صف لي ذلك رحمك ال حتى
أفهمه ،قال :ما فضل ال به أولياءه بعضهم على بعض ،فقال " :تلك
الرسل فضلنا بعضهم على بعض ،منهم من كلم ال ورفع بعضهم فوق
بعض درجات " ) (3الية وقال " :ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض "
) (4وقال " :انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللخرة أكبر ؟ جات "
) (5وقال " :هم درجات عند ال " ) (6فهذا ذكر درجات اليمان ومنازله
عند ال ).(7
) (1آل عمران 162 :وما بعدها ذيلها (2) .تفسير العياشي ج (3) .205 :1
البقرة (4) .253 :أسرى (5) .55 :أسرى (6) .21 :آل عمران) .163 :
(7تفسير العياشي ج 1ص ،135وهى قطعة من الحديث الذى مر تحت
الرقم 6من الباب 30ص .28
][172
- 15شى :عن أبي بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ل نقول درجة واحدة
إن ال يقول " درجات بعضها فوق بعض " إنما تفاضل القوم بالعمال )
- 16 .(1شى :عن عبد الرحمن بن كثير قال :قال أبو عبد ال عليه
السلم :يا عبد الرحمن شيعتنا وال ل يتيحهم الذنوب والخطايا ،هم صفوة
ال الذين اختارهم لدينه ،وهو قول ال " ما على المحسنين من سبيل " )
- 17 .(2شى :عن داود بن الحصين ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال:
سألته ،عن قول ال " :ومن العراب من يؤمن بال واليوم الخر ويتخذ
ما ينفق قربات عند ال " ) (3أيثيبهم عليه ؟ قال :نعم ،وفي رواية اخرى
عنه يثابون عليه ؟ قال :نعم ) - 18 .(4شى :عن أبي عمرو الزبيري ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :إن ال عزوجل سبق بين المؤمنين كما سبق
بين الخيل يوم الرهان ،قلت :أخبرني عما ندب ال المؤمن من الستباق
إلى اليمان ،قال :قول ال " سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها
كعرض السماء والرض اعدت للذين آمنوا بال ورسله " ) (5وقال" :
السابقون السابقون اولئك المقربون " وقال " :السابقون الولون من
المهاجرين والنصار والذين اتبعوهم باحسان رضي ال عنهم ورضوا عنه
" فبدأ بالمهاجرين على درجة سبقهم ،ثم ثنى بالنصار ،ثم ثلث بالتابعين
لهم باحسان ،فوضع كل قوم على درجاتهم ومنازلهم عنده ) - 16 .(6شى:
عن محمد بن خالد بن الحجاج الكرخي ،عن بعض أصحابه رفعه
][173
إلى خيثمة قال :قال أبو جعفر عليه السلم في قول ال " خلطوا عمل صالحا وآخر
سيئا عسى ال أن يتوب عليهم " وعسى من ال واجب ،وإنما نزلت في
شيعتنا المؤمنين ) - 20 .(1شى :عن أحمد بن محمد بن أبي نصر رفعه
إلى الشيخ في قوله " :خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا " قال :قوم
اجترحوا ذنوبا مثل قتل حمزة وجعفر الطيار ثم تابوا ثم قال :ومن قتل
مؤمنا لم يوفق للتوبة إل أن ال ل يقطع طمع العباد فيه ،ورجاءهم منه،
وقال :هو أو غيره :إن عسى من ال واجب ) - 21 .(2شى :عن الحلبي،
عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم ،عن أحدهما قال :المعترف بذنبه قوم
اعترفوا بذنوبهم خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا ) - 22 .(3شى :عن أبي
بكر الحضرمي قال :قال محمد بن سعيد سل أبا عبد ال عليه السلم
فاعرض عليه كلمي وقل له :إني أتولكم ،وأبرأ من عدوكم ،وأقول بالقدر
أقولي فيه قولك ؟ ) (4قال :فعرضت كلمه على أبي عبد ال عليه السلم
فحرك يده ثم قال " :خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا عسى ال أن يتوب
عليهم " قال :ثم قال :ما أعرفه من موالي أمير المؤمنين ،قلت :يزعم )(5
أن سلطان هشام ليس من ال ،فقال :ويله ماله ويله أما علم أن ال جعل
لدم دولة ولبليس دولة ).(6
) (1تفسير العياشي ج 2ص 105نفسه وفيه :في شيعتنا المذنبين ،والية في
براءة (2) .102 :تفسير العياشي ج 2ص (3) .106المصدر ج :2
(4) .106في نسخة الكمبانى وهكذا المصدر " :وقولى فيه قولك " وهو
تصحيف ظاهر فانه سائل يعرض كلمه وعقيدته مستفهما عن صحته
وبطلنه ،ل متحكما يحكم بأن ما يقوله هو قوله عليه السلم ،وقول
الراوى " :فحرك يده " معناه أن :ليس هذا قولى ،فكأنه حرك يده يمينا
وشمال كما يحرك النافي يده منكرا (5) .في المصدر :يزعم ابن عمر ،خ.
) (6تفسير العياشي ج .106 :2
][174
بيان :كأن ابن سعيد كان يقول بالتفويض ،وكان ل يقول بمدخلية هداية ال تعالى
وتوفيقه وخذلنه في أعمال العباد ،وهذا هو مراده بالقول بالقدر ،فلذا عده
عليه السلم من الذين خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا ،وحرك يده مترددا
في قبوله ورده وقال " :ما أعرفه من موالي أمير المؤمنين " لهذا القول،
ويحتمل أن يكون " من موالي أمير المؤمنين " استفهاما من السائل ،فقال
أبو بكر :إنه يزعم أنه ليس ل مدخل أصل في سلطنة هشام بن عبد الملك،
وكان من خلفاء بني امية فأنكر عليه السلم هذا القول ،وقال :إن ال جعل
لبليس دولة ،ولخذلنه تعالى وترك ألطافه بالنسبة إلى العباد ،لعدم
استحقاقهم بسوء أعمالهم مدخل في ذلك كذا خطر بالبال ،وال أعلم
بحقيقة المقال - 23 .شى :عن زرارة ،عن أبي جعفر عليه السلم في قول
ال " وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا " قال:
اولئك قوم مذنبون ،يحدثون في إيمانهم من الذنوب التي يعيبها المؤمنون
ويكرهها ،فاولئك " عسى ال أن يتوب عليهم " ) - 24 .(1شى :عن
زرارة ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :قلنا له :من وافقنا من علوي أو
غيره توليناه ،ومن خالفنا برئنا منه من علوي أو غيره ،قال :يا زرارة
قول ال أصدق من قولك ،أين الذين خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا ).(2
- 25شى :عن جابر ،عن أبي جعفر عليه السلم " ولقد علمنا
المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين " قال :هم المؤمنون من هذه
المة ) - 26 .(3كش :عن محمد بن مسعود ،عن محمد بن نصير قال:
حدثني محمد بن عيسى وحمدويه ،عن محمد بن عيسى ،عن القاسم
الصيقل رفع الحديث إلى أبي عبد ال عليه السلم قال :كنا جلوسا عنده،
فتذاكرنا رجل من أصحابنا ،فقال بعضنا :ذلك ضعيف ،فقال أبو عبد ال
عليه السلم :إن كان ل يقبل ممن دونكم حتى يكون مثلكم لم يقبل منكم
حتى تكونوا مثلنا ).(4
) 1و (2تفسير العياشي ج (3) .106 :2المصدر نفسه والية في الحجر) .24 :
(4رجال الكشى ص ،ولم تجده.
][175
- 27ما :عن الحسين بن عبيدال ،عن التلعكبري ،عن ابن عقدة ،عن يعقوب ابن
يوسف ،عن الحصين بن مخارق ،عن جعفر بن محمد ،عن أبيه أن عليا
عليه السلم وفد إليه رجل من أشراف العرب فقال له علي عليه السلم:
هل في بلدك قوم قد شهروا أنفسهم بالخير ل يعرفون إل به ؟ قال :نعم،
قال :فهل في بلدك قوم قد شهروا أنفسهم بالشر ل يعرفون إل به ؟ قال:
نعم ،قال :فهل في بلدك قوم يجترحون السيئات ويكتسبون الحسنات ؟
قال :نعم ،قال :تلك خيار امة محمد صلى ال عليه وآله النمرقة الوسطى
يرجع إليهم الغالي ،وينتهي إليهم المقصر ) .(1بيان :لعل المراد بالفرقة
الولى قوم من أرباب البدع والمرائين شهروا أنفسهم بالخير ،فلذا فضل
عليهم الفرقة الخيرة ،أو المراد أن تلك أيضا من الخيار - 28 .كنز
الكراجكى :قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :اليمان في عشرة:
المعرفة ،والطاعة ،والعلم ،والعمل ،والورع ،والجتهاد ،والصبر ،واليقين
والرضا ،والتسليم ،فأيها فقد صاحبه بطل نظامه) * 33 .باب( * * "
)السكينة وروح اليمان وزيادته ونقصانه( " * اليات :البقرة :قال أولم
تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) .(2النفال :وإذا تليت عليهم آياته
زادتهم إيمانا ) .(3التوبة :وإذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته
هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في
قلوبهم مرض
) (1أمالى الطوسى ج (2) .262 :2البقرة (3) .260 :النفال.2 :
][176
فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ) .(1الكهف :إنهم فتية آمنوا بربهم
وزدناهم هدى * وربطنا على قلوبهم ) .(2الحزاب :ولما رأى المؤمنون
الحزاب قالوا هذا ما وعدنا ال ورسوله وصدق ال ورسوله وما زادهم
إل إيمانا وتسليما ) .(3الفتح :هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين
ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ) .(4المجادلة :ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم
الخر يوادون من حاد ال ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم
أو عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم اليمان وأيدهم بروح منه ) .(5تفسير:
قوله تعالى " :قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " أقول :يدل على أن اليمان
واليقين قابلن للشدة والضعف ،قال الطبرسي -ره -أي بلى أنا مؤمن
ولكن سألت ذاك لزداد يقينا إلى يقيني ،وقيل :لعاين ذلك ويسكن قلبي
إلى علم العيان بعد علم الستدلل ،وقيل :ليطمئن قلبي بأنك قد أجبت
مسألتي واتخذتني خليل كما وعدتني ) .(6وقال في قوله تعالى " :وإذا
تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا " معناه وإذا قرئ عليهم القرآن زادتهم
آياته تبصرة ويقينا على يقين ،وقيل :زادتهم تصديقا مع تصديقهم بما انزل
إليهم قبل ذلك ،عن ابن عباس ،والمعنى أنهم يصدقون بالولى والثانية
والثالثة وكلما يأتي من عند ال فيزداد تصديقهم ) .(7وقال القاضي:
زادتهم إيمانا لزيادة المؤمن به أو لطمينان النفس ورسوخ اليقين بتظاهر
الدلة أو بالعمل بموجبها ،وهو قول من قال اليمان يزيد بالطاعة
) (1براءة 124 :و (2) .125الكهف (3) .14 - 13 :الحزاب (4) .22 :الفتح.4 :
) (5المجادلة (6) .22 :مجمع البيان ج (7) .373 :2المصدر ج :4
.519
][177
وينقص بالمعصية ،بناء على أن العمل داخل فيه ) .(1قوله تعالى " فمنهم " قال
الطبرسي رحمه ال ) :(2أي من المنافقين " من يقول " على وجه النكار
أي يقول بعضهم لبعض " أيكم زادته هذه " السورة " إيمانا " وقيل:
معناه يقول المنافقون للمؤمنين الذين في إيمانهم ضعف :أيكم زادته هذه
السورة إيمانا أي يقينا وبصيرة " فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا " قال
القاضي :بزيادة العلم الحاصل من تدبر السورة ،وانضمام اليمان بها وبما
فيها ،إلى إيمانهم " وهم يستبشرون " بنزولها لنه سبب لزيادة كمالهم
وارتفاع درجاتهم " فزادتهم رجسا إلى رجسهم " أي كفرا بها مضموما
إلى كفرهم بغيرها " وماتوا وهم كافرون " أي استحكم ذلك فيهم حتى
ماتوا عليه ) " .(3وزدناهم هدى " في المجمع أي بصيرة في الدين،
ورغبة في الثبات عليه باللطاف المقوية لدواعيهم إلى اليمان " وربطنا
على قلوبهم " أي شددنا عليها باللطاف والخواطر المقوية لليمان حتى
وطنوا أنفسهم على إظهار الحق ،والثبات على الدين والصبر على المشاق
ومفارقة الوطن ) " .(4ولما رأى المؤمنون الحزاب " أي ولما عاين
المصدقون بال ورسوله الجماعة الذين تحزبت على قتال النبي صلى ال
عليه وآله مع كثرتهم " قالوا " الخ فيه قولن :أحدهما أن النبي صلى ال
عليه وآله كان قد أخبرهم أنه يتظاهر عليهم الحزاب ويقاتلونهم ووعدهم
الظفر بهم ،فلما رأوهم تبين لهم مصداق قوله ،وكان ذلك معجزا له " وما
زادهم " مشاهدة عدوهم " إل إيمانا " أي تصديقا بال ورسوله ،وتسليما
لمره ،والخر أن ال وعدهم بقوله " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما
يأتكم مثل الذين خلوا -إلى قوله -إن نصر ال قريب " ما سيكون من
الشدة التي تلحقهم من
) (1أنوار التنزيل (2) .161 :مجمع البيان ج 84 :5والية في براءة(3) .124 :
أنوار التنزيل (4) .182 :مجمع البيان ج 454 :6والية في الكهف:
.13
][178
عدوهم ،فلما رأوا الحزاب قالوا هذه المقالة ) " .(1هو الذي أنزل السكينة " هي
أن يفعل ال بهم اللطف الذي يحصل لهم عنده من البصيرة بالحق ما تسكن
إليه نفوسهم ،وذلك بكثرة ما ينصب لهم من الدلة الدالة عليه ،فهذه
النعمة التامة للمؤمنين خاصة ،وأما غيرهم فتضطرب نفوسهم لول
عارض من شبهة ترد عليهم ،إذ ل يجدون برد اليقين ،وروح الطمأنينة في
قلوبهم ،وقيل هي النصرة للمؤمنين لتسكن بذلك قلوبهم ،ويثبتوا في
القتال ،وقيل هي ما أسكن قلوبهم من التعظيم ل ولرسوله " ليزدادوا
إيمانا مع إيمانهم " أي يقينا إلى يقينهم بما يرون من الفتوح وعلو كلمة
السلم على وفق ما وعدوا ،وقيل :ليزدادوا تصديقا بشرايع السلم ،وهو
أنهم كلما امروا بشئ من الشرائع صدقوا به ،وذلك بالسكينة التي أنزلها
ال في قلوبهم عن ابن عباس والمعنى ليزدادوا معارف على المعرفة
الحاصلة عندهم ) " .(2اولئك كتب في قلوبهم اليمان " أي ثبته في
قلوبهم بما فعل بهم من اللطاف فصار كالمكتوب ،وقيل :كتب في قلوبهم
علمة اليمان ،ومعنى ذلك أنها سمة لمن شاهدهم من الملئكة على أنهم
مؤمنون " وأيدهم بروح منه " أي قواهم بنور اليمان ،وقيل :قواهم بنور
الحجج والبرهان ،حتى اهتدوا للحق وعملوا به وقيل :قواهم بالقرآن الذي
هو حياة للقلوب من الجهل ،وقيل :أيدهم بجبرئيل في كثير من المواطن
ينصرهم ويدفع عنهم ) .(3أقول :سيأتي في الخبار أن السكينة هي
اليمان ،ومعنى روح اليمان - 1 .ب :ابن سعد ،عن الزدي ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :إن للقلب اذنين :روح اليمان يساره بالخير،
والشيطان يساره بالشر فأيهما ظهر على صاحبه غلبه ،قال :وقال أبو عبد
ال عليه السلم :إذا زنى الرجل أخرج ال منه روح اليمان
) (1مجمع البيان ج 349 :8والية في الحزاب (2) .22 :مجمع البيان ج :9
،111والية في الفتح (3) .4 :مجمع البيان ج :254 :9والية في
المجادلة.22 :
][179
فقلنا الروح التي قال ال تبارك وتعالى " وأيدهم بروح منه " ؟ قال :نعم ،وقال أبو
عبد ال عليه السلم :ل يزني الزاني وهو مؤمن ،ول يسرق السارق وهو
مؤمن ،وإنما أعني مادام على بطنها ،فإذا توضأ وتاب كان في حال غير
ذلك ) .(1بيان " :فإذا توضأ " أي تطهر واغتسل - 2 .فس " :ويزيد ال
الذين اهتدوا هدى " رد على من زعم أن اليمان ل يزيد ول ينقص )3 .(2
-كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن أبيه رفعه ،عن محمد بن داود الغنوي،
عن الصبغ بن نباتة قال :جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلم فقال:
يا أمير المؤمنين إن ناسا زعموا أن العبد ل يزني وهو مؤمن ،ول يسرق
وهو مؤمن ،ول يشرب الخمر وهو مؤمن ول ياكل الربوا وهو مؤمن ،ول
يسفك الدم الحرام وهو مؤمن ،فقد ثقل علي هذا وحرج منه صدري حين
أزعم أن هذا العبد يصلي صلتي ،ويدعو دعائي ويناكحني واناكحه
ويوارثني واوارثه ،وقد خرج من اليمان من أجل ذنب يسير أصابه ! فقال
أمير المؤمنين صلوات ال عليه :صدقت سمعت رسول ال صلى ال عليه
وآله يقول والدليل عليه كتاب ال :خلق ال الناس على ثلث طبقات
وأنزلهم ثلث منازل وذلك قول ال عزوجل في الكتاب " :أصحاب الميمنة،
وأصحاب المشأمة والسابقون " ) (3فأما ما ذكره من أمر السابقين فانهم
أنبياء مرسلون وغير مرسلين جعل ال فيهم خمسة أرواح :روح القدس،
وروح اليمان ،وروح القوة ،وروح الشهوة ،وروح البدن ،فبروح القدس
بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين ،وبها علموا الشياء ،وبروح اليمان
عبدوا ال ولم يشركوا به شيئا ،وبروح القوة جاهدوا عدوهم وعالجوا
معاشهم ،وبروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام ونكحوا الحلل من شباب
النساء ،وبروح البدن دبوا ودرجوا.
) (1قرب السناد 17 :ط حجر ،ص 25ط النجف (2) .تفسير القمى ،413 :والية
في مريم (3) .76 :راجع الواقعة.10 - 8 :
][180
فهؤلء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم ،ثم قال :قال ال تعالى " تلك الرسل فضلنا
بعضهم على بعض منهم من كلم ال ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى
ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس " ) (1ثم قال في جماعتهم" :
وأيدهم بروح منه " يقول أكرمهم بها ففضلهم على من سواهم ،فهؤلء
مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم .ثم ذكر أصحاب الميمنة وهم المؤمنون
حقا بأعيانهم ،جعل ال فيهم أربعة أرواح :روح اليمان ،وروح القوة،
وروح الشهوة ،وروح البدن ،فل يزال العبد يستكمل هذه الرواح الربعة
حتى يأتي عليه حالت .فقال الرجل :يا أمير المؤمنين ما هذه الحالت ؟
فقال :أما أولهن فهو كما قال ال عزوجل " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر
لكيل يعلم بعد علم شيئا " ) (2فهذا ينتقص منه جميع الرواح ،وليس
بالذي يخرج من دين ال ،لن الفاعل به رده إلى أرذل العمر ،فهو ل يعرف
للصلة وقتا ،ول يستطيع التهجد بالليل ول بالنهار ،ول القيام في الصف
مع الناس ،فهذا نقصان من روح اليمان ،وليس يضره شيئا ،ومنهم من
ينتقص منه روح القوة ول يستطيع جهاد عدوه ،ول يستطيع طلب
المعيشة ،ومنهم من ينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أصبح بنات آدم
لم يحن إليها ،ولم يقم ،وتبقى روح البدن فيه ،فهو يدب ويدرج ،حتى يأتيه
ملك الموت فهذا بحال خير لن ال عزوجل هو الفاعل به ،وقد يأتي عليه
حالت في قوته وشبابه فيهم بالخطيئة فيشجعه روح القوة ،ويزين له
روح الشهوة ،وتقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة فإذا لمسها
نقص من اليمان وتفصى منه ،فليس يعود فيه حتى يتوب ،فإذا تاب تاب
ال عليه ،وإن عاد أدخله ال نار جهنم .فأما أصحاب المشأمة فهم اليهود
والنصارى يقول ال عزوجل " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون
أبنائهم " ) (3يعرفون محمدا والولية في التوراة والنجيل
][181
كما يعرفون أبناءهم في منازلهم " وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون *
الحق من ربك " أنك الرسول إليهم " فل تكونن من الممترين " ) (1فلما
جحدوا ما عرفوا ابتلهم بذلك فسلبهم روح اليمان ،وأسكن أبدانهم ثلثة
أرواح :روح القوة ،وروح الشهوة ،وروح البدن ،ثم أضافهم إلى النعام
فقال " :إن هم إل كالنعام " ) (2لن الدابة إنما تحمل بروح القوة،
وتعتلف بروح الشهوة ،وتسير بروح البدن ،فقال السائل :أحييت قلبي
بإذن ال يا أمير المؤمنين ) .(3ف ) :(4أتى أمير المؤمنين عليه السلم
رجل فقال له :إن اناسا يزعمون وذكر نحوه ) .(5ير :عن أحمد بن محمد،
عن الحسين بن سعيد ،عن محمد بن داود ،عن أبي هارون العبدي ،عن
محمد ،عن ابن نباتة مثله ) .(6بيان " :وحرج منه " أي ضاق " حين
أزعم " أي أعتقد وأدعي موافقا لدعواهم " يصلي صلتي " كأن صلتي
مفعول مطلق للنوع ،وكذا دعائي والمراد الدعوة إلى الدين أو دعاء الرب
وطلب الحاجة منه في الصلة وغيرها ،والول أنسب " ويناكحني " أي
يعطيني زوجة كبنته واخته ،وقيل :المفاعلة في تلك الفعال بمعنى الفعال
" ويوارثني " كأن في السناد مجازا أي جعل ال له في ميراثي ولي في
ميراثه نصيبا ) (7وعد الذنب يسيرا بالنسبة إلى الخلل في العقائد ،أو
اليسير في مقابل الكثير ،وفي البصائر " :يصلي إلى قبلتي ويدعو دعوتي
-إلى قوله -اخرجه من اليمان " وفيه " :فقال صدقك أخوك إني سمعت
رسول ال صلى ال عليه وآله يقول :خلق ال الخلق " ثم ذكر الية
بتمامها -إلى قوله " -اولئك المقربون " وعلى ما
) (1البقرة (2) .147 :الفرقان (3) .44 :الكافي ج .281 :2و (4) .282في
نسخة الكمبانى ب رمز قرب السناد ،وهو سهو (5) .تحف العقول:
(6) .185بصائر الدرجات 449 :و (7) 450وفى تحف العقول ط
اسلمية :يواريني واواريه.
][182
في الكافي يمكن أن يقرأ " صدقت " على بناء المعلوم المخاطب ،أي القول الذي
ذكرت عنهم صدق وحق ،أو صدقت في أنهم ل يخرجون من اليمان رأسا
بحيث تنتفي المناكحة والموارثة وأمثالهما أو في أنهم ل يخرجون بمحض
ارتكاب الذنب بل بالصرار عليه ،أو المعلوم الغائب والضمير للناس
بتأويل ،أو المجهول المخاطب أي صدقوك فيما أخبروك .والستدلل
بالكتاب إما باليات المذكورة أو غيرها من اليات الدالة على حصر المؤمن
في جماعة موصوفين بصفات مخصوصة ،وعلى الول كما هو الظاهر
الستدلل بأن الظاهر من التقسيم وما يأتي بعده أن يكون التقسيم إلى
النبياء والوصياء وإلى المؤمنين وإلى الكافرين ،ووصف أصحاب اليمين
وجزاءهم بأوصاف ل تليق إل بمن لم يستحق عقوبة ولم يرتكب كبيرة
موجبة للنار ،فلبد من دخول المصرين على الكبائر في أصحاب الشمال أو
بأنه تعالى ذكر في وصف أصحاب الشمال الذين يصرون على الحنث
العظيم ) (1فالصرار على الذنب العظيم يخرج من اليمان .قوله عليه
السلم " :جعل ال فيهم خمسة أرواح " أقول :الروح يطلق على النفس
الناطقة ،وعلى الروح الحيوانية السارية في البدن ،وعلى خلق عظيم إما
من جنس الملئكة أو أعظم منهم كما قال تعالى " :يوم يقوم الروح
والملئكة صفا " ) (2والرواح المذكورة هنا يمكن أن تكون أرواحا
مختلفة متبائنة ،بعضها في البدن ،وبعضها خارجة عنه ،أو يكون المراد
بالجميع النفس الناطقة النسانية باعتبار أعمالها ودرجاتها ومراتبها ،أو
اطلقت على تلك الحوال والدرجات كما أنه يطلق عليها النفس المارة
واللوامة والمطمئنة والملهمة بحسب درجاتها ومراتبها في الطاعة،
والعقل الهيولئي وبالملكة ،وبالفعل ،والمستفاد بحسب مراتبها في العلم
والمعرفة ،ويحتمل أن تكون روح القوة والشهوة والمدرج كلها الروح
الحيوانية ،وروح اليمان وروح القدس النفس الناطقة
][183
بحسب كمالتها ،أو تكون الربعة سوى روح القدس مراتب النفس وروح القدس
الخلق العظم فان ظاهر أكثر الخبار مباينة روح القدس للنفس .ويحتمل
أن يكون ارتباط روح القدس متفرعا على حصول تلك الحالة القدسية
للنفس ،فتطلق روح القدس على النفس في تلك الحالة ،وعلى تلك الحالة
وعلى الجوهر القدسي الذي يحصل له الرتباط بالنفس في تلك الحالة كما
أن الحكماء يقولون :إن النفس بعد تخليها عن الملكات الردية وتحليها
بالصفات العلية ،وكشف الغواشي الهيولنية ،ونقض العلئق الجسمانية،
يحصل لها ارتباط خاص بالعقل الفعال كارتباط البدن بالروح ،فتطالع
الشياء فيها ،وتفيض المعارف منه عليها آنا فآنا ،وساعة فساعة ،وبه
يؤولون علم ما يحدث بالليل والنهار ،وهذا وإن كان مبتنيا على اصول
فاسدة ل نقول بها ،لكن إنما ذكرناه للتشبيه والتنظير ،وعلم جميع ذلك عند
العليم الخبير .قوله عليه السلم " خلق ال الناس على ثلث طبقات "
قيل :الخلق بمعنى اليجاد أو التقدير ،ووجه الحصر أن الناس إما كافر ،أو
مؤمن ،والمؤمن إما أن تكون له قوة قدسية مقتضية للعصمة ،أو لم تكن،
والول أصحاب المشئمة والخير أصحاب الميمنة ،والثاني السابقون "
وذلك قول ال " إشارة إلى قوله سبحانه في سورة الواقعة " وكنتم
أزواجا ثلثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما
أصحاب المشئمة والسابقون السابقون اولئك المقربون في جنات النعيم ثلة
من الولين وقليل من الخرين " إلى آخر اليات وقد مر تفسير اليات في
باب درجات اليمان " فإنهم " بكسر الهمزة ،وقد يقرأ بفتحها أي فلنهم
أنبياء ،كأنه عليه السلم غلب النبياء على الوصياء لن الوصياء في
المم السابقة كان أكثرهم أو كلهم أنبياء فهذا يشمل الئمة عليهم السلم.
وفي حديث جابر ،عن الصادق عليه السلم :فالسابقون هم رسل ال
وخاصة ال من خلقه ) (1وفي رواية اخرى النبياء والوصياء ،ويمكن
عطف " غير مرسلين "
) (1راجع بصائر الدرجات ،447 :وهو يشبه حديث ابن نباتة.
][184
على النبياء لكنه أبعد ،وكأن فيه نوع تقية وفي البصائر " مرسلين وغير مرسلين
" وفي القاموس عالجه علجا ومعالجة زاوله وداواه ،وقال :الشباب
الفتاء كالشبيبة وجمع شاب كالشبان وقال :دب يدب دبا ودبيبا مشى على
هينته وقال :درج دروجا مشى ،وفي الصحاح دب الشيخ مشى مشيا رويدا
" فهؤلء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم " وهاتان الفقرتان ليستا في
البصائر في شئ من الروايتين في الموضعين ) (1وعلى ما في الكافي كأن
الذنب مأول بترك الولى كما مر مرارا ،أو كنايتان عن عدم صدورها
عنهم " .تلك الرسل " قال البيضاوي إشارة إلى الجماعة المذكورة
قصصها في السورة أو المعلومة للرسول ،أو جماعة الرسل واللم
للستغراق " فضلنا بعضهم على بعض " بأن خصصناه بمنقبة ليست
لغيره " منهم من كلم ال " وهو موسى ،وقيل موسى ومحمد عليهما
السلم كلم موسى ليلة الحيرة وفي الطور ومحمدا ليلة المعراج ،حين كان
قاب قوسين أو أدنى ،وبينهما بون بعيد " ورفع بعضهم درجات " بأن
فضله على غيره من وجوه متعددة وبمراتب متباعدة وهو محمد صلى ال
عليه وآله فانه خص بالدعوة العامة ،والحجج المتكاثرة ،والمعجزات
المستمرة ،واليات المتراقية ،المتعاقبة بتعاقب الدهر والفضائل العلمية
والعملية الفائتة للحصر والبهام لتفخيم شأنه ،كأنه العلم المتعين لهذا
الوصف المستغني عن التعيين وقيل :إبراهيم خصصه بالخلة التي هي
أعلى المراتب وقيل :إدريس لقوله تعالى " :ورفعناه مكانا عليا " وقيل:
اولوا العزم من الرسل ) " .(2وآتينا عيسى بن مريم البينات " المعجزات
الواضحات كاحياء الموتى وإبراء الكمه والبرص ،والخبار بالمغيبات أو
النجيل " وأيدناه " وقويناه " بروح القدس " بالروح المقدسة كقولك
حاتم الجود ،ورجل صدق ،أراد به جبرئيل أو روح عيسى ووصفها به
لطهارته عن مس الشيطان ،أو لكرامته على ال .ولذلك
) (1يعنى رواية جابر عن الصادق عليه السلم ،ورواية الصبغ عن أمير المؤمنين
عليه السلم (2) .أنوار التنزيل.61 :
][185
أضافها إلى نفسه أو لنه لم تضمها الصلب والرحام الطوامث ،أو النجيل ،أو
اسم ال العظم الذي كان يحيي به الموتى ،وخص عيسى عليه السلم
بالتعيين لفراط اليهود والنصارى في تحقيره وتعظيمه ،وجعل معجزاته
سبب تفضيله لنها آيات واضحة ،ومعجزات عظيمة لم يستجمعها غيره" .
ثم قال في جماعتهم " ظاهره أن المراد أنه قال ذلك في عموم النبياء
والرسل ،وهو مخالف لظاهر سياق اليات ،والمشهور بين المفسرين،
واليات هكذا " كتب ال لغلبن أنا ورسلي إن ال قوي عزيز * ل تجد
قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد ال ورسوله ولو كانوا
آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم اليمان
وأيدهم بروح منه " وقال البيضاوي " اولئك " أي الذين لم يوادوهم )(1
وأقول :يمكن توجيهه بوجوه :الول أن يكون اولئك إشارة إلى الرسل في
قوله ورسلي وهو وإن كان بعيدا لفظا ،فليس ببعيد معنى ،ول ينافي ما مر
في بعض الخبار أنه الروح الذي في المؤمنين جميعا ويفارقهم في وقت
المعصية ،لنهم أكمل المؤمنين ،وفيهم هذا الروح أيضا على وجه الكمال،
وإن كان في سائر المؤمنين صنف منه ،وهذا غير روح القدس كما مر في
الخمسة .الثاني أن يكون إشارة إلى المؤمنين وذكره عليه السلم هذه الية
لبيان أنهم أيضا مؤيدون بهذا الروح لنهم أكمل المؤمنين كما عرفت.
الثالث أن يكون المراد بجماعتهم الجماعة المخصوصين بالرسل من
خواص اممهم وأتباعهم ،وكونه في خواص أتباعهم يستلزم كونه فيهم
أيضا .وفي البصائر في حديث جابر بعد قوله وروح البدن " :وبين ذلك في
كتابه حيث قال :تلك الرسل فضلنا " الية وبعدها " ثم قال :في جميعهم
وأيدهم بروح منه " وهذا يأبى عن هذا الحمل ،بل عن الثاني أيضا إل
بتكلف.
][186
" وهم المؤمنون حقا " أي يكون إيمانهم واقعيا ول يكون باطنهم مخالفا لظاهرهم،
فيكونون منافقين على بعض الحتمالت السابقة ،أو المراد بهم المؤمنون
الذين ل يتركون الفرائض ،ول يرتكبون الكبائر إل اللمم فالذين يفعلون ذلك
ول يتوبون داخلون في أصحاب الشمال ،لكنه يأبى عنه ما سيأتي من
التخصيص بأهل الكتاب ،وسيأتي القول فيه ،وقوله " :بأعيانهم " ليس
في رواية جابر وكأن المعنى بخصوصهم أو بأنفسهم من غير أن يلحق بهم
أتباعهم " يستكمل هذه الرواح " أي يطلب كمالها وتمامها ،أو يتصف
بها كاملة ،وفي البصائر " بهذه الرواح " وفي رواية جابر " مستكمل
بهذه الرواح " وهما أظهر ،وهما على بناء المفعول ،في القاموس
استكمله وكمله أتمه وجمله " .إلى أرذل العمر " في مجمع البيان أي
أدون العمر وأوضعه أي يبقيه حتى يصير إلى حال الهرم والخرف ،فيظهر
النقصان في جوارحه وحواسه وعقله ،وروى عن علي عليه السلم أن
أرذل العمر خمس وسبعون سنة ،وروي مثل ذلك عن النبي صلى ال عليه
وآله وسلم وعن قتادة تسعون سنة " لكيل يعلم بعد علم شيئا " أي ليرجع
إلى حال الطفولية لنسيان ما كان علمه لجل الكبر ،فكأنه ل يعلم شيئا مما
كان عليه ،وقيل :ليقل علمه بخلف ما كان عليه في حال شبابه انتهى )(1
وقال البيضاوي :وقيل :هو خمس وتسعون سنة ) (2وأقول :في روضة
الكافي أنه مائة سنة وقيل الكاف في قوله " كما قال ال " لبيان أن القريب
من أرذل العمر أيضا داخل في المراد ،وليس بالذي يخرج من دين ال .قال
بعض المحققين :إن قيل :قد ثبت أن النسان إنما يبعث على ما مات عليه،
فإذا مات الكبير على غير معرفة فكيف يبعث عارفا ؟ قلنا :لما كان مانعه
عن اللتفات إلى معارفه أمرا عارضا وهو اشتغاله بتدبير البدن فلما زال
ذلك بالموت برزت له معارفه التي كانت كامنة في ذاته بخلف من لم
يحصل المعرفة أصل
][187
فإنه ليس في ذاته شئ ليبرز له " .لن الفاعل به رده " أي أن ال الفاعل به
المدبر لمره رده أو الرب الفاعل به القوى الربع وخالقها فيه رده ،أو
فاعل آخر غير نفسه رده ،ول تقصير له فيه والول أظهر وفي البصائر "
لن ال الفاعل ذلك به " وهو أصوب " ول يستطيع التهجد بالليل ول
بالنهار " كأنه استعمل التهجد هنا في مطلق العبادة أو يقدر فعل آخر
كقولهم " علفتها تبنا وماء باردا " وقيل :المراد بالتهجد هنا التيقظ من
نوم الغفلة وأصل التهجد مجانبة الهجود في الليل للصلة وفي القاموس
الهجود النوم كالتهجد ،وبالفتح المصلى بالليل ،والجمع بالضم وهجد
وتهجد :استيقظ كهجد ضد ،وفي البصائر " ول الصيام بالنهار " وهو
أصوب " .ول القيام في الصف " أي لصلة الجماعة ويحتمل الجهاد "
وليس يضره شيئا " لن ترك الفعال مع القدرة عليها يوجب نقص اليمان
ل مع العذر ،ول يوجب نقص ثوابه أيضا لما ورد في الخبار أنه يكتب له
مثل ما كان يعمله في حال شبابه وقوته وصحته " وفيهم " أي في
أصحاب الميمنة أو في أصحاب تلك الحالت " من ينتقص منه روح القوة
" أي هي فقط أو بسبب غير الكبر في السن " ومنهم " يحتمل الوجهين
المتقدمين وثالثا وهو إرجاع الضمير إلى الذين ينتقص منهم روح القوة،
وعلى الوجهين الخرين كان المراد مع نقص الروح السابقة لقوله "
ويبقى روح البدن " " .لم يحن إليها " أي ل يشتاق إليها " ولم يقم " أي
إليها لطلبها ومراودتها وقيل :أي لم تقم آلته لها ول يخفى بعده وفي رواية
جابر " وقد يأتي على العبد تارات ينقص منه بعض هذه الربعة وذلك قول
ال تعالى " :ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيل يعلم بعد علم شيئا " )(1
فينتقص روح القوة ،ول يستطيع مجاهدة العدو ،ول معالجة المعيشة،
وينتقص منه روح الشهوة ،فلو مرت به أحسن بنات
][188
بني آدم لم يحن إليها وتبقى فيه روح اليمان وروح البدن ،فبروح اليمان يعبد ال،
وبروح البدن يدب ويدرج حتى يأتيه ملك الموت إلى آخر الخبر وكأنه
أظهر " .فهذا بحال خير " أي ل يضره هذا النقص في الرواح ،وقيل:
المعنى أنه يسقط عنه بعض التكاليف الشرعية كالجماع في كل أربعة
أشهر ،والقسمة بين النساء ،ول يخفى ما فيه " في قوته " كلمة " في "
للسببية أو للظرفية أي وقت قوته " نقص " النقص يكون لزما ومتعديا،
وهنا يحتملهما فعلى الول المعنى نقص بعض اليمان فمن بمعنى البعض،
أو نقص شئ منه فيكون فاعل ،وعلى الثاني يكون مفعول " وتفصى منه
" بالفاء أي خرج من اليمان أو خرج اليمان منه ،في القاموس أفصى:
تخلص من خير أو شر كتفصى ،وفي النهاية يقال :تفصيت من المر
تفصيا إذا خرجت منه وتخلصت .وربما يقرأ بالقاف أي بعد منه وهو
تصحيف " .وإن عاد " أي من غير توبة على وجه الصرار ،وقيل :هو
من العادة " أدخله ال نار جهنم " أي يستحق ذلك ويدخله أن لم يعف
عنه ،لكن يخرجه بعد ذلك إل أن يصير مستحل أو تاركا لولية أهل البيت
عليهم السلم ،ويؤيده أن في البصائر هكذا " فإذا مسها انتقص من
اليمان ونقصانه من اليمان ليس بعائد فيه أبدا أو يتوب فان تاب وعرف
الولية تاب ال عليه ،وإن عاد وهو تارك الولية أدخله ال نار جهنم ".
وأقول :كأنه لم يذكر العود مع الولية وأبهم ذلك إما لعدم اجتراء الشيعة
على المعصية ،أو لن الصرار يصير سببا لترك الولية غالبا أو أحيانا" .
فهم اليهود والنصارى " كأن ذكرهما على المثال ،والمراد جميع الكفار
والمنكرين للعقائد اليمانية الذين تمت عليهم الحجة ،ويؤيده ما في رواية
جابر حيث قال :وأما ما ذكرت من أصحاب المشئمة فمنهم أهل الكتاب" .
الذين آتيناهم الكتاب " قال البيضاوي :يعني علماءهم " يعرفونه "
الضمير لرسول ال صلى ال عليه وآله
][189
وإن لم يسبق ذكره لدللة الكلم عليه ،وقيل :للعلم أو القرآن أو التحويل يعني
تحويل القبلة " كما يعرفون أبنائهم " يشهد للول أي يعرفونه بأوصافه
كمعرفتهم أبناءهم :ول يلتبسون عليهم بغيرهم " وإن فريقا منهم ليكتمون
الحق وهم يعلمون " تخصيص لمن عاند واستثناء لمن آمن " الحق من
ربك " كلم مستأنف " ،والحق " إما مبتدأ خبره " من ربك " واللم
للعهد والشارة إلى ما عليه الرسول أو الحق الذي يكتمونه ،أو للجنس،
والمعنى أن الحق ما ثبت أنه من ال كالذي أنت عليه ،ل ما لم يثبت كالذي
عليه أهل الكتاب ،وإما خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق و " من ربك "
حال أو خبر بعد خبر ،وقرئ بالنصب على أنه بدل من الول أو مفعول
يعلمون " فل تكونن من الممترين " الشاكين في أنه من ربك ،أو في
كتمانهم الحق عالمين به ،وليس المراد به نهي رسول ال صلى ال عليه
وآله عن الشك فيه ،لنه غير متوقع منه ،وليس بقصد واختيار ،بل إما
تحقيق المر وأنه بحيث ل يشك فيه ناظر ،أو أمر المة باكتساب المعارف
المزيحة للشك على الوجه البلغ ) .(1قوله " والولية " أي يعرفون
محمدا بالنبوة وأوصياءهم بالمامة والولية وإنما اكتفى بذكر محمد صلى
ال عليه وآله لن معرفته على وجه الكمال يستلزم معرفة أوصيائه أو لنه
الصل والعمدة " أنك الرسول إليهم " بيان للحق وفي البصائر " الحق
من ربك :الرسول من ال إليهم بالحق " والظاهر أن قراءتهم عليهم
السلم كان على النصب " ابتلهم ال بذلك " أي بسبب ذلك الجحود
وقوله " فسلبهم " بيان للبتلء .وأقول :يحتمل أن يكون الغرض من ذكر
اليه بيان سلب روح اليمان من هؤلء بقوله تعالى " فل تكونن من
الممترين " فان الظاهر أن هذا تعريض لهم بأنهم من الشاكين على أحد
وجهين :أحدهما أنه لما جحدوا ما عرفوا سلب ال منهم التوفيق واللطف،
فصاروا شاكين ومع الشك ل يبقى اليمان ،فسلب منهم روحه ،لنه ل
يكون مع عدم اليمان ،أو سلب منهم أول الروح المقوي لليمان
][190
فصاروا شاكين ،وثانيهما أنهم لما أنكروا ظاهرا ما عرفوا يقينا نسبهم إلى المتراء
وألحقهم بالشاكين ،لن اليقين إنما يكون إيمانا إذا لم يقارن النكار
الظاهري فلذا سلبهم الروح الذي هو لزم اليمان ،ويؤيده أن في البصائر
" ابتلهم ال بذلك الذم " وهذان الوجهان مما خطر ،بالبال في غاية
المتانة " .وأسكن أبدانهم " تخصيص تلك الرواح بالبدان لن الروحين
الخرين ليسا مما يسكن البدن ،وإن كانا متعلقين به .واعلم أن الروح يذكر
ويؤنث وإنما بسطنا الكلم في شرح هذا الخبر لنه لم يتعرض أحد ليضاح
الدقائق المستنبطة منه - 4 .ثو :عن أبيه ،عن علي ،عن أبيه ،عن ابن
أبي عمير ،عن معاوية بن عمار عن صباح بن سيابة قال :كنت عند أبي
عبد ال عليه السلم فقيل له :ترى الزاني حين يزني وهو مؤمن ؟ قال :ل،
إذا كان على بطنها سلب اليمان منه ،فإذا قام رد عليه قال :فانه إن أراد
أن يعود ؟ قال :ما أكثر من يهم أن يعود ثم ل يعود ) - 5 .(1ثو :عن ابن
البرقي ،عن أبيه ،عن جده أحمد ،عن ابن فضال ،عن ابن بكير قال :قلت
لبي جعفر عليه السلم في قول رسول ال صلى ال عليه وآله :إذا زنى
الرجل فارقه روح اليمان ،قال :هو قوله عزوجل " وأيدهم بروح منه "
ذلك الذي يفارقه ) .(2كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن
ابن فضال مثله ) .(3بيان :حاصله أن يفارقه كمال اليمان ونوره وما به
يترتب عليه آثاره إذ اليمان والتصديق بدون تأثيره في فعل الطاعات
وترك المناهي كبدن بل روح وقد عرفت أنه قد يطلق على ملك موكل بقلب
المؤمن يهديه ،في مقابلة شيطان يغويه ،وعلى نصرة ذلك الملك ،ول ريب
في أن المؤمن إذا زنى فارقه روح اليمان
) (1ثواب العمال ،234 :وسيأتى مثله عن الكافي ج (2) .281 :2ثواب العمال:
.235والية في المجادلة (3) .22 :الكافي ج 2ص .280
][191
بتلك المعاني ،فإذا فرغ من العمل فان تاب يعود إليه الروح كامل وإل يعود إليه في
الجملة ،والضمير المجرور في قوله " بروح منه " راجع إلى ال أو إلى
اليمان والول أظهر - 6 .ير :عن عمران بن موسى بن جعفر ،عن علي
بن معبد ،عن عبيدال بن عبد ال الواسطي ،عن درست بن أبي منصور
عمن ذكره ،عن جابر قال :سألت أبا جعفر عن الروح ،قال :يا جابر إن ال
خلق الخلق على ثلث طبقات وأنزلهم ثلث منازل ،وبين ذلك في كتابه
حيث قال " :فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة * وأصحاب المشأمة ما
أصحاب المشئمة * والسابقون السابقون * اولئك المقربون " ) (1فأما ما
ذكر من السابقين فهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين ،جعل ال فيهم خمسة
أرواح :روح القدس ،وروح اليمان ،وروح القوة ،وروح الشهوة ،وروح
البدن وبين ذلك في كتابه حيث قال " :تلك الرسل فضلنا بعضهم على
بعض منهم من كلم ال ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات
وأيدناه بروح القدس " ) (2ثم قال :في جميعهم " وأيدهم بروح منه " )
(3فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين ،وبروح القدس
علموا جميع الشياء ،وبروح اليمان عبدوا ال ولم يشركوا به شيئا،
وبروح القوة جاهدوا عدوهم وعالجوا معايشهم ،وبروح الشهوة أصابوا
لذة الطعام ونكحوا الحلل من النساء ،وبروح البدن يدب ويدرج .وأما ما
ذكرت من أصحاب الميمنة ،فهم المؤمنون حقا ،جعل فيهم أربعة أرواح:
روح اليمان ،وروح القوة ،وروح الشهوة ،وروح البدن ،ول يزال العبد
مستكمل بهذه الرواح الربعة حتى يهم بالخطيئة ،فإذا هم بالخطيئة تزين
له روح الشهوة ،وشجعه روح القوة ،وقاده روح البدن حتى يوقعه في
تلك الخطيئة ،فإذا لمس الخطيئة انتقص من اليمان وانتقص اليمان منه ،فان تاب
تاب ال عليه .وقد تأتي على العبد تارات ينقص منه بعض هذه الربعة
وذلك قول ال تعالى " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيل يعلم بعد علم
شيئا " ) (1فتنتقص روح القوة ول يستطيع مجاهدة العدو ،ول معالجة
المعيشة ،وتنتقص منه روح الشهوة ،فلو مرت به أحسن بنات آدم لم يحن
إليها ،وتبقى فيه روح اليمان وروح البدن فبروح اليمان يعبد ال،
وبروح البدن يدب ويدرج ،حتى يأتيه ملك الموت .وأما ما ذكرت من
أصحاب المشئمة فمنهم أهل الكتاب قال ال تبارك وتعالى " الذين آتيناهم
الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم
يعلمون * الحق من ربك فل تكونن من الممترين " ) (2عرفوا رسول ال
والوصي من بعده وكتموا ما عرفوا من الحق بغيا وحسدا فسلبهم روح
اليمان وجعل لهم ثلثة أرواح :روح القوة ،وروح الشهوة ،وروح البدن،
ثم أضافهم إلى النعام فقال " :إن هم إل كالنعام بل هم أضل سبيل " )(3
لن الدابة إنما تحمل بروح القوة وتعتلف بروح الشهوة ،وتسير بروح
البدن ) - 7 .(4سر :من كتاب موسى بن بكر ،عن زرارة قال :قلت لبي
عبد ال عليه السلم :أرأيت قول النبي صلى ال عليه وآله " :ل يزني
الزاني وهو مؤمن " قال :ينزع منه روح اليمان ؟ قال :ينزع منه روح
اليمان ،قال :قلت :فحدثني بروح اليمان ،قال :هو شئ ! ثم قال :هذا
أجدر أن تفهمه أما رأيت النسان يهم بالشئ فيعرض بنفسه الشئ يزجره
عن ذلك وينهاه ؟ قلت :نعم ،قال :هو ذاك - 8 .جا :عن الجعابي ،عن ابن
عقدة ،عن أحمد بن يحيى ومحمد بن عبد ال في آخرين ،عن عبد ال بن
سالم ،عن هشام بن مهران ،عن خاله محمد بن زيد
) (1النحل (2) .70 :البقرة 146 :و (3) .147الفرقان (4) .44 :بصائر الدرجات:
449 - 447
][193
العطار وكان من كبار أصحاب العمش ،عن محمد بن أحمد بن الحسن ،عن منذر
ابن جيفر ،عن محمد بن بريد الباني قال :كنت عند جعفر بن محمد عليهما
السلم فدخل عليه عمر بن قيس الماصر وأبو حنيفة وعمر بن زر في
جماعة من أصحابهم فسألوه عن اليمان فقال :قال رسول ال صلى ال
عليه وآله " :ل يزني الزاني وهو مؤمن ول يسرق وهو مؤمن ول يشرب
الخمر وهو مؤمن " فجعل بعضهم ينظر إلى بعض فقال له عمر بن زر :بم
نسميهم ؟ فقال :بما سماهم ال وبأعمالهم قال ال عزوجل " :والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما " ) (1وقال " :الزانية والزاني فاجلدوا كل
واحد منهما مائة جلدة " ) (2فجعل بعضهم ينظر إلى بعض ،فقال محمد
بن يزيد :وأخبرني بشر بن عمر بن زر وكان معهم قال :لما خرجنا ،قال
عمر بن زر لبي حنيفة :أل قلت من عن رسول ال ؟ قال :ما أقول لرجل
يقول :قال رسول ال صلى ال عليه وآله ) .(3بيان " :بم نسميهم " بناء
سؤاله على أنه ل واسطة بين اليمان والكفر فإذا لم يكونوا مؤمنين فهم
كفار ،وبناء الجواب على الواسطة كما عرفت " من عن رسول ال " أي
لم لم تسأله من أخبرك بهذا الحديث عن رسول ال ؟ فأجاب بأنه إذا ادعى
العلم ونسب القول إليه كيف أستطيع أن أسأله من أخبرك - 9 .ختص :عن
أبان بن تغلب قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إن روح اليمان واحدة
خرجت من عند واحد ويتفرق في أبدان شتى فعليه ائتلفت وبه تحابت
وسيخرج من شتى ويعود واحدا ويرجع إلى عند واحد ) .(4بيان :فيه
إيماء إلى أن روح اليمان هي قوة اليمان والملكة الداعية إلى الخير ،فهي
معنى واحد ،وحقيقة واحدة اتصفت بأفرادها النفوس ،وبعد ذهاب النفوس
ترد إلى ال وإلى علمه ،فيجازيهم بحسبها ،ويحتمل أن تكون خلقا واحدا
) (1المائدة (2) .38 :النور (3) .2 :مجالس المفيد (4) .20 :الختصاص.249 :
][194
تعين جميع النفوس على الطاعة بحسب إيمانهم وقابليتهم واستعدادهم كما تقول
الحكماء في العقل الفعال وأومأنا إليه - 10 .كا :عن الحسين بن محمد
ومحمد بن يحيى جميعا ،عن علي بن محمد بن سعد ،عن محمد بن مسلم،
عن أبي سلمة ،عن محمد بن سعيد ،عن ابن أبي نجران ،عن ابن سنان
عن أبي خديجة قال :دخلت على أبي الحسن عليه السلم فقال لي :إن ال
تبارك وتعالى أيد المؤمن بروح منه تحضره في كل وقت يحسن فيه
ويتقي .وتغيب عنه في كل وقت يذنب فيه ويعتدي ،فهي معه تهتز سرورا
عند إحسانه وتسيخ في الثرى عند إساءته ،فتعاهدوا عباد ال نعمه
باصلحكم أنفسكم تزدادوا يقينا وتربحوا نفيسا ثمينا ،رحم ال امرءا هم
بخير فعمله ،أو هم بشر فارتدع عنه ،ثم قال :نحن نؤيد الروح بالطاعة ل
والعمل له ) .(1بيان :قد مر تفسير الروح والظهر أن المراد هنا أيضا
الملك ،والمراد بالحسان التيان بالطاعات ،وبالتقاء الجتناب عن
المنهيات ،والعتداء التجاوز عن حدود الشريعة ،أو الظلم على غيره بل
على نفسه أيضا " تهتز " أي تتحرك سرورا وفي القاموس :هزه وبه
حركه ،والحادي البل هزيزا نشطها بحدائه والهزة بالكسر النشاط
والرتياح ،وتهزهز إليه قلبي ارتاح للسرور ،واهتز عرش الرحمن لموت
سعد أي ارتاح بروحه واستبشر لكرامته على ربه ) .(2وقال :ساخت
قوائمه أي خاضت ،والشئ رسب ،والرض بهم انخسفت والثرى قيل :هو
التراب الندى ،وهو الذي تحت الظاهر من وجه الرض ،فان لم يكن نديا
فهو تراب ول يقال ثري ،وأقول :يظهر من الخبار أنه منتهى المخلوقات
السفلية وعند ذلك ضل علم العلماء ،وقال الفيروزآبادي :الثرى الندى
والتراب الندي أو الذي إذا بل لم يصر طينا ،والرض ،وقال :تعهده
وتعاهده تفقده وأحدث العهد به ،وفي المصباح عهدت الشئ ترددت إليه
وأصلحته وحقيقته
][195
تجديد العهد به وتعهدته حفظته ،وقال ابن فارس :ول يقال تعاهدته لن التفاعل ل
يكون إل من اثنين ،وقال الفارابي تعهدته أصلح من تعاهدته انتهى.
والظاهر أن المراد هنا حفظ نعم ال واستبقاؤها واستعمال ما يوجب
دوامها وبقاءها ،والمراد بالنعم هنا النعم الروحانية من اليمان واليقين
والتأييد بالروح والتوفيقات الربانية وتعاهدها إنما يكون بترك الذنوب
والمعاصي والخلق الدنية التي توجب نقصها أو زوالها كما قال عليه
السلم " :باصلحكم أنفسكم " و " يقينا " تميز وزيادة اليقين لقوله
تعالى " :لئن شكرتم لزيدنكم " ) (1وأيضا إصلح النفس يوجب الترقي
في اليمان واليقين وما يوجب الفلح في الخرة كما قال سبحانه " :قد
أفلح من زكيها * وقد خاب من دسيها " ) (2والنفيس الكريم الشريف
الذي يتنافس فيه ،وفي المصباح نفس الشئ نفاسا كرم فهو نفيس،
ونفست به مثل ضننت لنفاسته وزنا ومعنى ،والثمين العظيم الثمن،
والمراد بهما هنا الجنة ودرجاتها العالية ،ونعمها الباقية " هم بخير " أي
أراده وقصده " فارتدع عنه " أي انزجر عنه وتركه " ونحن نؤيد الروح
" أي ونحن نؤيد الروح أي نقويه وفي بعض النسخ " نزيد " فيرجع إلى
التأييد أيضا فانه يتقوى بالطاعة كأنه يزيد - 1 .كا :عن علي بن إبراهيم،
عن محمد بن عيسى ،عن يونس ،عن داود قال :سألت أبا عبد ال عليه
السلم عن قول رسول ال صلى ال عليه وآله :إذا زنى الرجل فارقه روح
اليمان ،قال :فقال :هو مثل قول ال عزوجل ]" ول تيمموا الخبيث منه
تنفقون " ) (3ثم قال :غير هذا أبين منه ،وذلك قول ال عزوجل[ "
وأيدهم بروح منه " هو الذي فارقه ).(4
) (1ابراهيم (2) .7 :الشمس 9 :و (3) .10البقرة (4) .268 :الكافي ج 2ص
،284والية في المجادلة.22 :
][196
بيان :لم يكن في بعض النسخ من قول ال إلى قول ال ،فهو على قياس سائر
الخبار ،وعلى تقديره فصدر الية " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات
ما كسبتم " أي من حلله أو من جياده " ومما أخرجنا لكم من الرض "
أي ومن طيبات ما أخرجنا من الحبوب والثمر والمعادن ،فحذف المضاف
لتقدم ذكره " ول تيمموا الخبيث " أي ول تقصدوا الردي " منه " أي من
المال أو مما أخرجنا ،وتخصيصه بذلك لن التفاوت فيه أكثر " تنفقون "
حال مقدرة من فاعل " تيمموا " ويجوز أن يتعلق به " منه " ويكون
الضمير للخبيث والجملة حال منه ،وروي عن ابن عباس أنهم كانوا
يتصدقون بحشف التمر وشراره فنهوا عنه ،وكأن وجه التشبيه أن
العمال الصالحة إنفاق من النفس ،وإذا فارقها روح اليمان بسبب
العمال السيئة تصير خبيثا فل يصلح النفاق منها إل بعد تطهيرها بالتوبة
والعمال الصالحة ،أو يقال النفاق من اليمان واليمان المشوب بالكبائر
خبيث كالمال الردي الذي كانوا يخرجونها في الزكوات ول يقبل ال إل
الطيب كما قال تعالى " إنما يتقبل ال من المتقين " وقيل :وجه المماثلة
أن إيمان الزاني ناقص ،ل أنه معدوم بكله ،كما أن النفاق من مال الخبيث
ناقص ل أنه ليس بانفاق أصل - 12 .نهج :في حديثه عليه السلم :إن
اليمان يبدو لمظة في القلب كلما ازداد اليمان ازدادت اللمظة ) .(1بيان:
قال السيد -ره -بعد هذا الكلم :اللمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض،
ومنه قيل فرس ألمظ إذا كان بجحفلته شئ من البياض انتهى .وقال ابن
أبي الحديد :قال أبو عبيد :هي لمظة بضم اللم ،والمحدثون يقولون لمظة
بالفتح ،والمعروف من كلم العرب الضم ،وقال :وفي الحديث حجة على
من أنكر أن يكون اليمان يزيد وينقص ،والجحفلة للبهائم بمنزلة الشفة
للنسان.
][197
- 13كا :عن علي بن إبراهيم ،عن محمد بن عيسى ،عن يونس ،عن حماد عن
نعمان الرازي قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :من زنى خرج
من اليمان ومن شرب الخمر خرج من اليمان ،ومن أفطر يوما من شهر
رمضان متعمدا خرج من اليمان ) - 14 .(1كا :بالسناد ،عن يونس ،عن
محمد بن عبدة قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم أيزني الزاني وهو
مؤمن ؟ قال :ل ،إذا كان على بطنها سلب اليمان ،فإذا قام رد إليه ،فان
عاد سلب ،قلت :فانه يريد أن يعود ؟ فقال :ما أكثر من يريد أن يعود فل
يعود إليه أبدا ) .(2بيان " :سلب اليمان " اليمان إما مرفوع بنيابة
الفاعل ،أو منصوب بكونه ثاني مفعول سلب ،والمفعول الول النائب
للفاعل الضمير الراجع إلى الزاني " فقال ما أكثر من يريد " الحاصل أنه
ليس لرادة العود حكم العود ،كما أن إرادة أصل المعصية ليست كنفس
المعصية ،فانها صغيرة مكفرة ،ولو لم تكن مكفرة بعد الفعل باعتبار ترك
التوبة والصرار على الذنب ،فل ريب أن أصل الفعل أشد - 15 .كا :عن
علي ،عن أبيه ،عن حماد ،عن ربعي ،عن الفضيل ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :يسلب منه روح اليمان مادام على بطنها ،فإذا نزل عاد
اليمان قال :قلت :أرأيت إن هم ؟ قال :ل ،أرأيت إن هم أن يسرق أتقطع
يده ) .(3بيان " :عاد اليمان " أي إليه فالمراد به اليمان الكامل أو
اليمان الذي معه الروح ،فاللم للعهد وفيه إشارة إلى أن اليمان الذي
فارقه الروح ليس بايمان كما أن الجسد الذي فارقه الروح ليس بانسان مع
أنه يحتمل أن تكون إضافة الروح إلى اليمان بيانية ،ويحتمل أن يكون
المراد عاد اليمان إلى كماله أو إلى حاله التي كان عليها قبل الزنا أي كما
أنه قبل الزنا كان إيمانه قابل للشدة والضعف
][198
فكذا بعد الزناء قابل لهما بالتوبة وعدمها ،فل ينافي ما روي من عدم العود إليه إل
بعد التوبة .وقيل :لعل المراد أنه يسلب منه شعبة من شعب اليمان وهي
إيمان أيضا فان المؤمن يعلم أن الزناء مهلك ويزهر نور هذا العلم في
قلبه ،ويبعثه على كف اللة عن الفعل المخصوص ،وكل واحد منهما أعني
العلم والكف إيمان وشعبة من اليمان أيضا ،فإذا غلبت الشهوة على العقل،
وأحاطت ظلمتها بالقلب ،زال عنه نور ذلك العلم ،واشتغلت اللة بذلك
الفعل ،فانتقصت عن اليمان شعبتان ،فإذا انقضت الشهوة ،وعاد العقل إلى
ممالكه ،وعلم وقوع الفساد فيها ،وشرع في إصلحها بالندامة عن الغفلة،
صار ذلك الفعل كالعدم ،وزالت تلك الظلمة عن القلب ويعود نور ذلك العلم،
فيعود إيمانه ،ويصير كامل بعد ما صار ناقصا انتهى .قوله " أرأيت إن هم
" أي قصد الزنا هل يفارقه روح اليمان أو إن كان بعد الزنا قاصدا للعود
هل يمنع ذلك عود اليمان " قال :ل " والول أظهر " أرأيت إن هم "
أقول المعنى أنه كما أن قصد السرقة ليس كنفسها في المفاسد والعقوبات،
فكذا قصد الزنا ليس كنفسها في المفاسد ،أو يقال لما كان ذكر الزنا على
سبيل المثال والحكم شامل للسرقة وغيرها فالغرض التنبيه بالحكام
الظاهرة على الحكام الباطنة .فان قيل :على الوجهين هذا قياس فقهي
وهو ليس بحجة عند المامية ،قلت :ليس الغرض الستدلل بالقياس فانه
عليه السلم ل يحتاج إلى ذلك ،وقوله في نفسه حجة ،بل هو تنبيه بذكر
نظير للتوضيح ،ورفع استبعاد السائل أو إلزام على المخالفين على أن
القياس الفقهي إنما ل يكون حجة لستنباط العلة ،وعدم العلم بها ،أما مع
العلم بها فيرجع إلى القياس المنطقي لكن يرد عليه أنه لما كان العلم بالعلة
من جهة قوله عليه السلم فقوله يكفي لثبوت أصل الحكم فيرجع إلى
الوجه الول - 16 .كا :عن الحسن بن محمد ،عن أحمد بن إسحاق ،عن
سعدان ،عن أبي بصير عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن للقلب اذنين،
فإذا هم العبد بذنب قال له روح اليمان
][199
ل تفعل ،وقال له الشيطان :افعل ،وإذا كان على بطنها نزع منه روح اليمان ).(1
بيان " :على بطنها " أي المرأة المزني بها ،كما في سائر الخبار- 17 .
كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن علي بن
الحكم ،عن سيف بن عميرة ،عن أبان بن تغلب ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :ما من مؤمن إل ولقلبه اذنان في جوفه :اذن ينفث فيها
الوسواس الخناس ،واذن ينفث فيها الملك ،فيؤيد ال المؤمن بالملك ،وذلك
قوله " وأيدهم بروح منه " ) - 18 .(2كا :عن محمد بن يحيى ،عن ابن
عيسى ،عن علي بن الحكم ،عن علي ابن أبي حمزة ،عن أبي جعفر عليه
السلم قال :سألته عن قول ال عزوجل :أنزل السكينة ]في قلوب
المؤمنين[ ) (3قال :هو اليمان قال :وسألته عن قول ال عزوجل "
وأيدهم بروح منه " قال :هو اليمان ) .(4بيان :كأن المراد بالسكينة
الثبات وطمأنينة النفس وشدة اليقين ،بحيث ل يتزلزل عند الفتن وعروض
الشبهات ،بل هذا إيمان موهبي يتفرع على العمال الصالحة ،والمجاهدات
الدينية سوى اليمان الحاصل بالدليل والبرهان ،ولذا قال " :ليزدادوا
إيمانا مع إيمانهم " والحاصل أن تفسيره عليه السلم السكينة باليمان إما
لكون هذا اليقين كمال اليمان ،أو إيمانا موهبيا ينضم إلى اليمان
الستدللي وهذا مما يدل على أن اليقين يقبل الشدة والضعف كما سيأتي
تحقيقه إنشاء ال وكأن المراد بالروح أيضا اليمان الموهبي لنه قال ذلك
بعد قوله " :وكتب في قلوبهم اليمان " أو المراد به قوة اليمان وكماله،
ويحتمل أن يكون المراد به
) (1الكافي ج (2) .267 :2الكافي ج 267 :2والية في المجادلة ،22 :وفى
نسخة الكمبانى بعد هذا الحديث حديث آخر من الكافي مر تحت الرقم ،10
مع شرحها نقل عن المرآت ،ولذلك حذفناه (3) .الزيادة من المصدر،
والية في سورة الفتح (4) 4 :الكافي ج ،15 :2والية الخيرة في
المجادلة.22 :
][200
أنه سبب اليمان وقوته وكماله لما مر في الخبار - 19 .كا :عن العدة ،عن أحمد
البرقي ،عن ابن محبوب ،عن العل ،عن محمد ،عن أبي جعفر عليه السلم
قال :السكينة هي اليمان ) - 20 .(1كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي
عمير ،عن ابن البختري وهشام بن سالم وغيرهما ،عن أبي عبد ال عليه
السلم في قول ال عزوجل " :هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين
" قال :هو اليمان ) - 21 .(2كا :عن علي بن إبراهيم ،عن محمد بن
عيسى ،عن يونس ،عن جميل قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم عن قول
ال عزوجل " :هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين " قال :هو
اليمان ،قال :قلت " :وأيدهم بروح منه " قال :هو اليمان ،وعن قوله
تعالى " :وألزمهم كلمة التقوى " قال :هو اليمان ) .(3بيان :فسر أكثر
المفسرين كلمة التقوى بكلمة التوحيد فانه يتقى بها من عذاب ال وما
فسرها عليه السلم به أظهر ،إذ بجميع العقائد اليمانية واجتماعها يتقى
من عذاب ال ،وفسرت في كثير من الخبار بالولية لستلزامها لسائر
العقائد ،وفي بعضها بأمير المؤمنين ،وفي بعضها بجميع الئمة عليهم
السلم أي وليتهم والقرار بامامتهم كلمة التقوى ،أو أنهم يعبرون عن ال
تعالى وما يتقى به من عذابه - 22 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن ابن
عيسى ،عن صفوان ،عن أبان عن الفضيل قال :قلت لبي عبد ال عليه
السلم " اولئك كتب في قلوبهم اليمان " هل لهم فيما كتب في قلوبهم
صنع ؟ قال :ل ) .(4بيان :يدل على أن اليمان من ال ،وليس للعباد فيها
صنع وعمل واختيار وإنما كلف العباد بعدم الجحد ظاهرا أو باخراج
التعصب والغراض الباطلة عن النفس ،أو مع السعي في الجملة أيضا،
ويمكن تخصيصه بمعرفة الصانع تعالى
][201
كما مر ) (1أو بكمال المعرفة وقد مر تمام القول فيه في كتاب العدل وفي بعض
النسخ " صبغ " بالباء الموحدة والغين المعجمة أي هل لهذه الكتابة صبغ
ولون وكأنه تصحيف .تذييل اعلم أن المتكلمين من الخاصة والعامة
اختلفوا في أن اليمان هل يقبل الزيادة والنقصان أم ل ؟ ومنهم من جعل
هذا الخلف فرع الخلف في أن العمال داخلة فيه أم ل ،قال إمامهم
الرازي في المحصل :اليمان عندنا ل يزيد ول ينقص لنه لما كان اسما
لتصديق الرسول في كل ما علم بالضرورة مجيئه به ،وهذا ل يقبل التفاوت
فسمي اليمان ل يقبل الزيادة والنقصان ،وعند المعتزلة لما كان اسما
لداء العبادات كان قابل لهما ،وعند السلف لما كان اسما للقرار والعتقاد
والعمل فكذلك والبحث لغوي ولكل واحد من الفرق نصوص والتوفيق أن
يقال العمال من ثمرات التصديق ،فما دل على أن اليمان ل يقبل الزيادة
والنقصان كان مصروفا إلى أصل اليمان .وما دل على كونه قابل لهما
فهو مصروف إلى اليمان الكامل انتهى .وقال الشهيد الثاني قدس سره في
رسالة العقائد :حقيقة اليمان بعد التصاف بها بحيث يكون المتصف بها
مؤمنا عند ال تعالى هل تقبل الزيادة أم ل ؟ فقيل بالثاني لما تقدم من أنه
التصديق القلبي الذي بلغ الجزم والثبات فل تتصور فيه الزيادة عن ذلك
سواء أتى بالطاعات وترك المعاصي أم ل ،وكذا ل تعرض له النقيصة وإل
لما كان ثابتا ،وقد فرضناه كذلك ،هذا خلف ،وأيضا حقيقة الشئ لو قبلت
الزيادة والنقصان لكانت حقائق متعددة ،وقد فرضناها واحدة ،وهذا خلف.
) (1مر في شرحه للكافى راجع كتاب التوحيد باب البيان ولزوم الجحة وباب
الهداية أنها من ال عزوجل.
][202
إن قلت :حقيقة اليمان من المور العتبارية للشارع وحينئذ فيجوز أن يعتبر
الشارع لليمان حقائق متعددة متفاوتة زيادة ونقصانا بحسب مراتب
المكلفين في قوة الدراك وضعفه ،فانا نقطع بتفاوت المكلفين في العلم
والدراك ،قلت :لو جاز ذلك وكان واقعا لوجب على الشارع بيان حقيقة
إيمان كل فرقة يتفاوتون في قوة الدراك ،مع أنه لم يبين ،وما ورد من
جهة الشارع فيما به يتحقق اليمان من حديث جبرئيل للنبي صلى ال عليه
وآله وغيره من الحاديث قد مر ذكره ،وليس فيه شئ يدل على تعدد
الحقائق بحسب تفاوت قوى المكلفين وأما ما ورد في الكتاب العزيز
والسنة المطهرة مما يشعر بقبوله الزيادة والنقصان ،كقوله تعالى " وإذا
تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا " ) (1وقوله تعالى " وليزدادوا إيمانا مع
إيمانهم " ) (2وقوله تعالى " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات
جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم
اتقوا وأحسنوا وال يحب المحسنين " ) (3وكذا ما ورد من أمثال ذلك في
القرآن العزيز فمحمول على زيادة الكمال ،وهو أمر خارج عن أصل
الحقيقة الذي هو محل النزاع والية الثانية صريحة في ذلك ،فان قوله
تعالى " مع إيمانهم " يدل على أن أصل اليمان ثابت أو على من كان في
عصر النبي صلى ال عليه وآله ،حيث كانوا يسمعون فرضا بعد فرض منه
عليه السلم فيزداد إيمانهم به لنهم لم يكونوا مصدقين به قبل أن يسمعوه
وحاصله أن الحقيقة الشرعية لليمان لم تكن حصلت بتمامها في ذلك
الوقت ،فكان كلما حصل منها شئ صدقوا به .واعترض بأن من كان بعد
عصر النبي صلى ال عليه وآله يمكن في حقه تجدد الطلع على تفاصيل
الفرائض المتوقف عليها اليمان ،فانه يجب العتقاد إجمال فيما علم
إجمال وتفصيل فيما علم تفصيل ،ول ريب أن اعتقاد المور المتعددة
تفصيل
][203
أزيد وأظهر عند النفس من اعتقادها إجمال فعلم من ذلك قبول حقيقة اليمان
الزيادة .أقول :فيه بحث فان الجازم بحقيقة الجملة جازم بحقيقة كل جزء
منها وإن لم يعلمه بعينه ،أل ترى أنا بعد علمنا بصدق النبي صلى ال عليه
وآله جازمون بصدق كل ما يخبر به ،وإن لم نعلم تفصيل ذلك جزءا جزءا
حتى لو فصل ذلك علينا واحدا واحدا لما ازداد ذلك الجزم ،نعم الزائد في
التفصيل ،إنما هو إدراك الصور المتعددة من حيث التعدد والتشخص ،وهو
ل يوجب زيادة في التصديق الجمالي الجازم ،فان هذه الصور قد كانت
مجزوما بها على تقدير دخولها في الهيئة الجمالية وإنما الشاذ عن النفس
إدراك خصوصياتها ،وهو أمر خارج عن تحقق الحقيقة المجزوم بها ،نعم
ل ريب في حصول الكملية به ،وليس الكلم فيها .وقد أجاب بعض
المفسرين عن الية الثالثة بأن تكرار اليمان فيها ليس فيه دللة على
الزيادة بل إما أن يكون باعتبار الزمنة الثلثة ،أو باعتبار الحوال الثلث
حال المؤمن مع نفسه ،وحاله مع الناس ،وحاله مع ال تعالى ،ولذا بدل
اليمان بالحسان كما يرشد إليه قوله صلى ال عليه وآله في تفسيره:
الحسان أن تعبد ال كأنك تراه ،فان لم تكن تراه فانه يراك ،أو باعتبار
المراتب الثلث :المبدأ والوسط والمنتهى أو باعتبار ما ينبغي فانه ينبغي
تر ؟ المحرمات حذرا عن العقاب ،وترك الشبهات تباعدا عن الوقوع في
المحرمات وهو مرتبة الورع ،وترك بعض المباحات المؤذنة بالنقص
حفظا للنفس عن الخسة ،وتهذيبا لها عن دنس الطبيعة ،أو يكون هذا
التكرار كناية عن أنه ينبغي للمؤمن أن يجدد اليمان في كل وقت بقلبه
ولسانه وأعماله الصالحة وعبر ]به حرصا[ منه على بقائه والثبات عليه
عند الذهول ،ليصير اليمان ملكة للنفس ،فل يزلزله عروض شبهة انتهى.
قيل في بيان قبول اليمان الزيادة :إن الثبات والدوام على اليمان أمر زائد
عليه في كل زمان ،وحاصل ذلك يرجع إلى أن اليمان عرض لنه من
الكيفيات النفسانية ،والعرض ل يبقى زمانين ،بل بقاؤه إنما يكون بتجدد
المثال .أقول :وهذا مع بنائه على ما لم يثبت حقيته بل نفيه فليس من
الزيادة في شئ إذ ل يقال
][204
للمماثل الحاصل بعد انعدام مثله أنه زائد وهذا ظاهر .وقيل في توجيه قبوله الزيادة
أنه بمعنى زيادة ثمرته من الطاعات وإشراق نوره وضيائه في القلب ،فانه
يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي .أقول :هذا التوجيه وجيه لو كان النزاع
في مطلق الزيادة لكنه ليس كذلك بل النزاع إنما هو في أصل حقيقته ل في
كمالها .واستدل بعض المحققين على أن حقيقة التصديق الجازم الثابت
يقبل الزيادة والنقصان بأنا نقطع أن تصديقنا ليس كتصديق النبي صلى ال
عليه وآله .أقول :ل ريب في أنا قاطعون بأن تصديق النبي صلى ال عليه
وآله أقوى من تصديقنا وأكمل ،لكن هذا ل يدل على اختلف أصل حقيقة
اليمان التي قدرها الشارع باعتقاد امور مخصوصة على وجه الجزم
والثبات ،فان تلك الحقيقة إنما هي من اعتبارات الشارع ،ولم يعهد من
الشارع اختلف حقيقة اليمان باختلف المكلفين في قوة الدراك بحيث
يحكم بكفر قوي الدراك لو كان جزمه بالمعارف اللهية كجزم من هو
أضعف إدراكا منه ،نعم الذي تفاوت فيه المكلفون إنما هو مراتب كماله بعد
تحقق أصل حقيقته التي يخاطب بتحصيلها كل مكلف ويعتبر بها مؤمنا عند
ال تعالى ويستحق الثواب الدائم وبدونها العقاب الدائم .وأما تلك الكمالت
الزائدة فانما تكون باعتبار قرب المكلف إلى ال تعالى بسبب استشعاره
لعظمة ال وكبريائه ،وشمول قدرته وعلمه ،وذلك لشراق نفسه واطلعها
على ما في مصنوعات ال تعالى من الحكام والتقان والحكم والمصالح
فان النفس إذا لحظت هذه البدائع الغريبة العظيمة التي تحار في تعلقها مع
علمها بأنها تشرك في المكان والفتقار إلى صانع يبدعها ويبديها ،متوحد
في ذاته بذاته انكشف عليها كبرياء ذلك الصانع وعظمته وجلله وإحاطته
بكل شئ فيكثر خوفها وخشيتها واحترامها لذلك الصانع ،حتى كأنها ل
تشاهد سواه ،ول تخشى غيره ،فتنقطع عن غيره إليه وتسلم أزمة امورها
إليه ،حيث علمت أن ل رب غيره وأن المبدأ منه والمعاد إليه ،فل تزال
شاخصة منتظرة لمره حتى تأتيها فتفر
][205
إليه من ضيق الجهالة إلى سعة معرفته ) (1ورحمته ولطفه ،وفي ذلك فليتنافس
المتنافسون .وكذا ما ورد من السنة المطهرة مما يشعر بقبوله الزيادة
والنقصان يمكن حمله على ما ذكرناه كحديث الجوارح ذكره في الكافي
باسناده ،عن أبي عمرو الزبيري ،عن أبي عبد ال عليه السلم ) (2قال:
قلت :صفه لي يعني اليمان جعلت فداك حتى أفهمه فقال :اليمان حالت
ودرجات -إلى قوله -وبالنقصان دخل المفرطون النار انتهى .ثم قال -
رحمه ال :-اعلم أن سند هذا الحديث ضعيف لن في طريقه بكر بن صالح
الرازي وهو ضعيف جدا كثير التفرد بالغرائب وأبو عمرو الزبيري وهو
مجهول فسقط الستدلل به .ولو سلم سنده فل دللة فيه على اختلف نفس
حقيقة اليمان أل ترى أنه قال عليه السلم " :ولكن بتمام اليمان دخل
المؤمنون الجنة " فأشار بذلك إلى نفس حقيقة اليمان التي يترتب عليها
النجاة ،وجعل الناقص عنها مما يترتب عليه دخول النار ،فلم يكن إيمانا
وإل لم يدخل صاحبه النار لقوله تعالى " :وعد ال المؤمنين والمؤمنات
جنات " ) (3وجعل الزيادة في اليمان مما يوجب التفاضل في الدرجات،
ول ريب أن هذه الزيادة لو تركت ،واقتصر المكلف على ما يحصل به
التمام ،لم يعاقب على ترك هذه الزيادة ،ولنه عليه السلم جعل التمام
موجبا للجنة ،فكيف يوجب العقاب ترك الزيادة ،مع أن ما دونه وهو التمام
يوجب الجنة ،وعلى هذا فتكون الزيادة غير مكلف بها ،فلم تكن داخلة في
أصل حقيقة اليمان ،لنه مكلف به بالنص والجماع ،فيكون من الكمال،
فظهر بذلك كون هذا الحديث دليل على عدم قبول حقيقة اليمان للزيادة
والنقصان ل دليل على قبولهما.
) (1مغفرته خ ل (2) .مر تحت الرقم 6ص 23فراجع (3) .براءة72 :
][206
وهذا استخراج لم نسبق إليه وبيان لم يعثر غيرنا عليه ،على أن هذا الحديث لو
قطعنا النظر عما ذكرناه ،وحملناه على ظاهره ،لكان معارضا بما سبق من
حديث جبرئيل للنبي صلى ال عليه وآله حيث سأله عن اليمان فقال :أن
تؤمن بال ورسله واليوم الخر أي تصدق بذلك ،ولو بقي من حقيقته شئ
سوى ما ذكره له لبينه له ،فدل على أن حقيقته تتم بما أجابه بالقياس إلى
كل مكلف ،أما للنبي صلى ال عليه وآله فلنه المجاب به حين سأله ،وأما
لغيره فللتأسي به ،وطريق الجمع بينهما حينئذ حمل ما في حديث الجوارح
من الزيادة عن ذلك على مرتبة الكمال كما بيناه سابقا .وههنا بحث وهو
أن حقيقة اليمان لما كانت من المور العتبارية للشارع كان تحديدها إنما
هو بجعل الشارع وتقريره لها ،فل يعلم حينئذ مقداره وحقيقته إل منه،
وحيث رأينا ما وصل إلينا من خطاباته تعالى غير قاطع في الدللة على
تعيين قدر مخصوص من أنواع العتقاد أو العمال ،بحيث تشترك الكل في
التكليف به ،من غير تفاوت بين قوي الدراك وضعيفه ،بل رأيناها متفاوتة
في الدللة على ذلك ،يعلم ذلك من تتبع آيات الكتاب العزيز والسنة
المطهرة ،وقد سبق نبذة من ذلك ،ول يجوز الختلف في خطاباته ول أن
يكلف عباده بأمر ل يبين لهم مراده تعالى منه ،لستحالة تكليف مال يطاق،
وإخلله باللطف ،ورأينا الكثر ورودا في كتابه بذلك المر بالعتقاد القلبي
من غير تعيين مقدار مخصوص منه بقاطع يوقفنا على اعتباره ،أمكن
حينئذ أن يكون مراده منه مطلق العتقاد العلمي سواء كان علم الطمأنينة،
أو علم اليقين ،أو حق اليقين ،أو عين اليقين ،فتكون حقيقة واحدة وهو
الذعان القلبي والعتقاد العلمي والتفاوت بالزيادة والنقصان إنما هو في
أفراد تلك الحقيقة ومن مشخصاتها ،فل يكون داخل في الحقيقة المذكورة.
وما ورد مما ظاهره الختلف في الدللة على مراد الشارع منه يمكن
تنزيله على تفاوت الفراد المذكورة كعلم الطمأنينة ،وعلم اليقين،
وغيرهما ،فيكون كل واحد منها مرادا وكافيا في امتثال أمر الشارع ،وهذا
هو المناسب لسهولة التكليف واختلف طبقات المكلفين في الدراك كما ل
يخفى.
][207
وبذلك يسهل الخطب في الحكم بايمان أكثر العوام الذين ل يتيسر لنفسهم التصاف
بالعلم الذي ل يقبل تشكيك المشكك ،فان علم الطمأنينة متيسر لكل واحد،
وعلى هذا فيكون ما تشعر النفس به من الزدياد في التصديق والطمينان
عند ما تشاهده من برهان أو عيان إنما هو انتقال في أفراد تلك الحقيقة
وتبدل واحد بآخر ،والحقيقة واحدة .ل يقال :أفراد الحقيقة الواحدة ل تنافي
الجتماع في القوة العاقلة ،فان أفراد الحيوان والنسان يصلح اجتماعها
في القوة العاقلة ،وما نحن فيه ليس كذلك إذ ل يمكن اتصاف النفس
بحصول علم الطمأنينة وعلم اليقين في حالة واحدة لتضادهما ،ولهذا يزول
الول بحصول الثاني ،فل يكون ما ذكرت أفراد حقيقة واحدة بل حقائق.
قلت :ل نسلم أن أفراد كل حقيقة يصح اجتماعها في الحصول عند القوة
العاقلة ،بل قد ل يصح ذلك لما بينها من التضاد كما في البياض والسواد،
فانهما فردان لحقيقة واحدة هي اللون ،مع عدم صحة اجتماعهما في محل
واحد ل خارجا ول ذهنا .بقي ههنا شئ وهو أنه ل ريب في تحقق اليمان
الشرعي بالتصديق الجازم الثابت ،وإن أخل المتصف به ببعض الطاعات،
وقارف بعض المنهيات عند من يكتفي في حصول اليمان باذعان الجنان،
وإذا كان المر كذلك فل معنى للنزاع عند هؤلء في أن حقيقة اليمان هل
تقبل الزيادة والنقصان إذ لو قبلت شيئا منهما لم تكن واحدة بل متعددة،
لن القابل غير المقبول ،والعارض غير المعروض فان دخل الزائد في
مفهوم الحقيقة بحيث صار ذاتيا لها تعددت وتبدلت ،وكذا الناقص إذا خرج
عنها فل تكون واحدة ،وقد فرضناها كذلك هذا خلف ،وإن لم يدخل ولم
يخرج شئ منهما كانت واحدة من غير نقصان وزيادة فيها ،بل هما
راجعان إلى الكمال وعدمه ،وحينئذ فيبقى محل النزاع هل يقبل كمالها
الزيادة
][208
والنقصان ،وأنت خبير بأن هذا مما ل يختلف في صحته اثنان .وقد ذكر بعض
العلماء أن هذا النزاع إنما يتمشى على قول من جعل الطاعات من اليمان،
وأقول :الذي يقتضيه النظر أنه ل يتمشى على قولهم أيضا وذلك أن ما
اعتبروه في اليمان من الطاعات إما أن يريدوا به توقف حصول اليمان
على جميع ما اعتبروه ،أو عليه في الجملة ،وعلى الول يلزم كون حقيقته
واحدة ،فإذا ترك فرضا من تلك الطاعات يخرج من اليمان ،وعلى الثاني
يلزم كون ما يتحقق به اليمان من تلك الطاعات داخل في حقيقته ،وما زاد
عليه خارجا فتكون واحدة على التقديرين فليس الزيادة والنقصان إل في
الكمال على جميع القوال انتهى كلمه رفع ال مقامه .وقال شارح
المقاصد :ظاهر الكتاب والسنة وهو مذهب الشاعرة والمعتزلة والمحكي
عن الشافعي وكثير من العلماء أن اليمان يزيد وينقص ،وعند أبي حنيفة
وأصحابه وكثير من العلماء وهو اختيار إمام الحرمين أنه ل يزيد ول
ينقص ،لنه اسم للتصديق البالغ حد الجزم والذعان ،ول يتصور فيه
الزيادة والنقصان ،والمصدق إذا ضم الطاعات إليه أو ارتكب المعاصي،
فتصديقه بحاله لم يتغير أصل وإنما يتفاوت إذا كان اسما للطاعات
المتفاوتة قلة وكثرة ،ولهذا قال المام الرازي وغيره :إن هذا الخلف فرع
تفسير اليمان ،فان قلنا :هو التصديق فل تتفاوت ،وإن قلنا :هو العمال
فمتفاوت ،وقال إمام الحرمين :إذا حملنا اليمان على التصديق فل يفضل
تصديق تصديقا كما ل يفضل علم علما ،ومن حمله على الطاعة سرا وعلنا
وقد مال إليه القلنسي فل يبعد إطلق القول بأنه يزيد بالطاعة وينقص
بالمعصية ،ونحن ل نؤثر هذا .ثم قال :ولقائل أن يقول :ل نسلم أن
التصديق ل يتفاوت ،بل يتفاوت قوة وضعفا كما في التصديق بطلوع
الشمس ،والتصديق بحدوث العالم ،لنه إما نفس العتقاد القابل للتفاوت،
أو مبني عليه قلة وكثرة كما في التصديق الجمالي والتفصيلي الملحظ
لبعض التفاصيل وأكثر ،فان ذلك من اليمان لكونه تصديقا
][209
بما جاء به النبي صلى ال عليه وآله إجمال فيما علم إجمال وتفصيل فيما علم
تفصيل .ل يقال :الواجب تصديق يبلغ حد اليقين ،وهو ل يتفاوت لن
التفاوت ل يتصور إل باحتمال النقيض ،لنا نقول :اليقين من باب العلم
والمعرفة ،وقد سبق أنه غير التصديق ولو سلم أنه التصديق وأن المراد
به ما يبلغ حد الذعان والقبول ،ويصدق عليه المعنى المسمى بگرويدن
ليكون تصديقا قطعا فل نسلم أنه ل يقبل التفاوت ،بل لليقين مراتب من
أجلى البديهيات إلى أخفى النظريات ،وكون التفاوت راجعا إلى مجرد
الجلء والخفاء غير مسلم بل عند الحصول وزوال التردد التفاوت بحاله
وكفاك قول الخليل " ولكن ليطمئن قلبي " ) (1وعن علي عليه السلم "
لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا " على أن القول بأن المعتبر في حق الكل
هو اليقين ،وأن ليس للظن الغالب الذي ل يخطر معه النقيض بالبال حكم
اليقين محل نظر .احتج القائلون بالزيادة والنقصان بالعقل والنقل ،أما
العقل فلنه لو لم يتفاوت لكان إيمان آحاد المة بل المنهمك في الفسق
مساويا لتصديق النبياء واللزم باطل قطعا ،وأما النقل فلكثرة النصوص
الواردة في هذا المعنى قال ال " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا " )
" (2ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم " ) " (3ويزداد الذين آمنوا إيمانا " )(4
" وما زادهم إل إيمانا وتسليما " ) " (5فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا "
) (6وعن ابن عمر قلنا :يا رسول ال إن اليمان يزيد وينقص ؟ قال :نعم
يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة ،وينقص حتى يدخل صاحبه النار.
) (1البقرة (2) .260 :النفال (3) .2 :الفتح (4) .4 :المدثر (5) .31 :الحزاب:
(6) .22براءة.124 :
][210
واجيب بوجوه :الول أن المراد الزيادة بحسب الدوام والثبات وكثرة الزمان
والساعات ،وهذا ما قال إمام الحرمين :النبي صلى ال عليه وآله يفضل
من عداه باستمرار تصديقه وعصمة ال إياه من مخامرة الشكوك،
والتصديق عرض ل يبقى فيقع للنبي صلى ال عليه وآله متواليا ولغيره
على الفترات ،فثبت للنبي صلى ال عليه وآله أعداد من اليمان ل يثبت
لغيره إل بعضها ،فيكون إيمانه أكثر ،والزيادة بهذا المعنى مما ل نزاع
فيه ،وما يقال من أن حصول المثل بعد انعدام الشئ ل يكون زيادة ،مدفوع
بأن المراد زيادة أعداد حصلت ،وعدم البقاء ل ينافي ذلك .الثاني أن المراد
الزيادة بحسب زيادة المؤمن به والصحابة كانوا آمنوا في الجملة ،وكان
يأتي فرض بعد فرض وكانوا يؤمنون بكل فرض خاص ،وحاصله أن
اليمان واجب إجمال فيما علم إجمال ،وتفصيل فيما علم تفصيل ،والناس
متفاوتون في ملحظة التفاصيل كثرة وقلة ،فيتفاوت إيمانهم زيادة
ونقصانا ،ول يختص ذلك بعصر النبي صلى ال عليه وآله على ما يتوهم.
الثالث أن المراد زيادة ثمرته وإشراق نوره في القلب ،فانه يزيد بالطاعات
وينقص بالمعاصي ،وهذا مما ل خفاء فيه ،وهذه الوجوه جيدة في التأويل
لو ثبت لهم أن التصديق في نفسه ل يقبل التفاوت ،والكلم فيه انتهى.
والحق أن اليمان يقبل الزيادة والنقصان سواء كانت العمال أجزاءه أو
شرائطه أو آثاره الدالة عليه ،فان التصديق القلبي بأي معنى فسر ل ريب
أنه يزيد و كلما زاد زادت آثاره على العضاء والجوارح ،فهي كثرة وقلة
تدل على مراتب اليمان زيادة ونقصانا ،وكل منهما يتفرع على الخر فان
كل مرتبة من مراتب اليمان تصير سببا لقدر من العمال يناسبها ،فإذا
أتى بها قوي اليمان القلبي وحصلت مرتبة أعلى تقتضي عمل أكثر،
وهكذا .وجملة القول في ذلك أن لليمان ولكل من العمال اليمانية أفرادا
كثيرة وحقيقة ونورا وروحا كالصلة ،فان لها روحا هي الخلص مثل،
فإذا فارقها كانت جسدا بل روح ل يترتب عليه أثر ،ول ينهى عن الفحشاء
والمنكر ،فلليمان
][211
أيضا مراتب يترتب على كل مرتبة منها آثار ،فإذا ارتكب المؤمن الكبائر نقص
إيمانه وفارقه روح اليمان وحقيقته ،وكيف يؤمن بال وبالمعاد وبالجنة
والنار ويرتكب ما أخبر ال بأنه موجب لدخول النار ،فل يكون ذلك إل
لضعف في اليقين كما ورد في أخبار كثيرة أنهم عليهم السلم سألوا عند
ادعاء اليمان أو اليقين ما حقيقة إيمانك ،وما حقيقة يقينك ،فظهر لهما
حقائق مختلفة تظهر بآثارهما .وروح اليمان الواردة في الخبار يمكن
حملها على ذلك ،فان اليمان إذا ضعف حتى غلب عليه الشهوات البدنية،
فكأنه ل روح له ،ول يترتب عليه أثر ،بل ل بقاء له ،فان غلب عليه
الشهوة ،وعاد إلى التوبة ،قوي اليمان وعاد إليه الروح ،وترتب عليه
الثار ،وعاد إليه الملك المؤيد له ،ولذا اطلق الروح في بعض الخبار على
ذلك الملك أيضا ،وقد يعود إليه بعد انقضاء الشهوة وقوة العقل واليمان،
وتصرف العقل في ممالكه ،بعد ما صار مغلوبا مقهورا بالشهوات الدنية،
فيتذكر قبح فعله ،فيعود إليه الملك المؤيد أو شئ من نور اليمان ،وإن لم
تكمل له التوبة ،ولم يقدر على العزم التام على تركها فيما سيأتي ولذا ورد
في بعض الخبار أنه يعود إليه روح اليمان بدون التوبة أيضا ،وقد مر
بعض القول في ذلك وسيأتي إن شاء ال تعالى.
][212
) * - 34باب( * * " )ان اليمان مستقر ومستودع ،وامكان زوال اليمان( " *
اليات :النعام :وهو الذي أنشاكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع ).(1
تفسير :قال الطبرسي رحمه ال " :وهو الذي أنشأكم " أي أبدعكم
وخلقكم " من نفس واحدة " أي من آدم عليه السلم لن ال تعالى خلقنا
جميعا منه ،وخلق امنا حواء من ضلع من أضلعه انتهى ) .(2أقول :وقد
مر أن خلقهم من أب واحد ل يقتضي عدم مدخلية الم ول يكون الم
مخلوقة منه ،لما مر نفي ذلك في الخبار " .فمستقر ومستودع " قال
المفسرون فيه وجوها :الول مستقر في الرحم إلى أن يولد ،ومستودع في
القبر إلى أن يبعث ،والثاني مستقر في بطن المهات ،ومستودع في
أصلب الباء ،الثالث مستقر على ظهر الرض في الدنيا ،ومستودع عند
ال في الخرة ،الرابع مستقر في القبر ،ومستودع في الدنيا ،وقيل:
مستقرها أيام حياتها ،ومستودعها حيث يموت .وأقول :قرأ ابن كثير وأبو
عمرو ويعقوب بكسر القاف والباقون بالفتح ،وعلى ما سيأتي من التأويل
في الخبار تستقيم القراءتان فبالفتح أي فلكم استقرار في اليمان،
واستيداع فيه أو فمنكم من هو محل استقرار اليمان ،ومنكم من هو محل
استيداعه ،ففيه حذف وإيصال أي مستقر فيه ،وبالكسر أي فمنكم مستقر
في اليمان ،ومنكم مستودع فيه ،أو فايمان بعضكم مستقر وإيمان بعضكم
مستودع على القراءتين - 1 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن ابن عيسى ،عن
ابن محبوب ،عن حسين بن
][213
نعيم الصحاف قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم :لم يكون الرجل عند ال مؤمنا
قد ثبت له اليمان عنده ثم ينقله ال بعد من اليمان إلى الكفر ؟ قال :فقال:
إن ال عزوجل هو العدل ،إنما دعا العباد إلى اليمان به ل إلى الكفر ،ول
يدعو أحدا إلى الكفر به ،فمن آمن بال ثم ثبت له اليمان عند ال لم ينقله
ال عزوجل بعد ذلك من اليمان إلى الكفر .قلت له :فيكون الرجل كافرا قد
ثبت له الكفر عند ال ثم ينقله ال بعد ذلك من الكفر إلى اليمان ؟ قال:
فقال :إن ال عزوجل خلق الناس كلهم على الفطرة التي فطرهم عليها ،ل
يعرفون إيمانا بشريعة ،ول كفرا بجحود ،ثم بعث ال الرسل تدعو العباد
إلى اليمان به ،فمنهم من هدى ال ومنهم من لم يهده ال ) .(1بيان:
يمكن أن يكون بناء الجوابين على أمر واحد ،وهو أن هدايته تعالى
وخذلنه المعبر عنه بالضلل ليسا علتين مستقلتين للنقل من الكفر إلى
اليمان ومن اليمان إلى الكفر ،بل كل منهما باختيار العبد ،والهدايات
الخاصة لبعض ل تصيره مجبورا على اليمان ،وترك تلك الهدايات لبعض
لعدم استحقاقه لها ل يصيره مجبورا على الكفر كما مر تحقيقه .ويحتمل
أن يكون بناؤها على الفرق بينهما ،فحاصل الجواب الول أن المؤمن
الواقعي الذي ثبت إيمانه عند ال ،ولم يكن منافقا ومستودعا ل يسلب ال
منه توفيقه وهدايته ،ول يرجع عن اليمان أبدا ،ومن تراه يرجع فليس
بمؤمن واقعي بل هو ممن يظهر اليمان ،ولم يستقر في قلبه ،كما اختاره
بعض المتكلمين وحاصل الثاني أن الكفر لما كان أمرا عدميا والناس في
بدو الفطرة لم يتصفوا باليمان ،لكنهم على الفطرة القابلة لليمان ،وللكفر
بمعنى الجحود ل الكفر بمعنى عدم اليمان ،فانه متصف به قبل التصديق
والذعان ،فبعث ال الرسل لتمام الحجة عليهم ،ثم بعد ذلك بعضهم
يستحق الهدايات واللطاف الخاصة بحسن اختياره ،وعدم إبطاله الفطرة
الصلية ،فتشمله تلك اللطاف فيختار اليمان
][214
وبعضهم لم يستحق ذلك فيخذ له ال فيختار الكفر بمعنى الجحود .وكأن هذا أظهر
من الخبر ،لكن فيه أنه لم يظهر منه أنه هل يمكن أن ينقله ال من كفر
الجحود إلى اليمان ؟ والظاهر أن مراد السائل كان استعلم ذلك ويمكن
الجواب بوجهين الول أن نحمل كلم السائل ثانيا على الخبار أو التعجب
ل الستفهام ،ولما كان كلمه موهما لكون ذلك على الجبر أفاد عليه السلم
أن هدايته سبحانه وخذلنه ل يوجبان سلب الختيار ،فانهم على الفطرة
القابلة لهما ،والثاني أن يقال إنه أفاد عليه السلم قاعدة كلية يظهر منه
جواب ذلك ،وهو أنه يمكن ذلك لكن بهذا النحو المذكور ل بالجبر .فإذا
عرفت ذلك فاعلم أن المتكلمين اختلفوا في أن المؤمن بعد اتصافه باليمان
الحقيقي في نفس المر ،هل يمكن أن يكفر أم ل ؟ ول خلف في أنه ل
يمكن مادام الوصف ،وإنما النزاع في إمكان زواله بضد أو غيره ،فذهب
أكثرهم إلى جواز ذلك بل إلى وقوعه ،وذلك لن زوال الضد بطريان ضده
أو مثله على القول بعدم اجتماع المثال ممكن ،لنه ل يلزم من فرض
وقوعه محال وظاهر كثير من اليات الكريمة دال عليه كقوله تعالى " إن
الذين آمنوا ثم كفروا ]ثم آمنوا ثم كفروا[ ثم ازدادوا كفرا " ) (1وقوله
تعالى " يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين اوتوا الكتاب يردوكم
بعد إيمانكم كافرين " ) .(2وذهب بعضهم إلى عدم جواز زوال اليمان
الحقيقي بضد أو غيره ،وقال الشهيد الثاني قدس ال روحه ونسب ذلك إلى
السيد المرتضى رضي ال عنه مستدل بأن ثواب اليمان دائم ،وعقاب
الكفر دائم ،والحباط والموافاة عنده باطلن أما الحباط فلستلزام أن يكون
الجامع بين الحسان والساءة بمنزلة من لم يفعلهما مع تساويهما ،أو
بمنزلة من لم يحسن إن زادت الساءة ،وبمنزلة من لم يسئ مع العكس،
واللزم بقسميه باطل قطعا فالملزوم مثله وأما الموافاة فليست
) (1النساء 137 :وتصحيح الية من المصحف الشريف (2) .آل عمران.100 :
][215
عندنا شرطا في استحقاق الثواب باليمان ،لن وجوه الفعال وشروطها التي
يستحق بها ما يستحق ،ل يجوز أن تكون منفصلة عنها ول متأخرة عن
وقت حدوثها ،والموافاة منفصلة عن وقت حدوث اليمان ،فل يكون وجها
ول شرطا في استحقاق الثواب .ل يقال :الثواب إنما يستحقه العبد على
الفعل كما هو مذهب العدلية ،واليمان ليس فعل للعبد وإل لما صح الشكر
عليه ،لكن التالي باطل إذ المة مجتمعة على وجوب شكر ال تعالى على
نعمة اليمان ،فيكون اليمان من فعل ال تعالى إذل يشكر على فعل غيره،
وإذا لم يكن من فعل العبد فل يستحق عليه ثوابا فل يتم دليله ،على أنه ل
يتعقبه كفر ،لن مبناه على استحقاق الثواب على اليمان .لنا نقول :بل
هو من فعل العبد ونلتزم عدم صحة الشكر عليه ،ونمنع بطلنه ،قولك في
إثباته " المة مجتمعة " الخ قلنا الشكر إنما هو على مقدمات اليمان
وهي تمكين العبد من فعله ،وإقداره عليه ،وتوفيقه على تحصيل أسبابه
وتوفيق ذلك له ،ل على نفس اليمان الذي هو فعل العبد ،فان ادعي
الجماع على ذلك سلمناه ،ول يضرنا ،وإن ادعي الجماع على غيره
منعناه فل ينفعهم .والعتراض عليه رحمه ال من وجوه أحدها توجه
المنع إلى المقدمة القابلة بأن الموافاة ليست شرطا في استحقاق الثواب،
وما ذكره في إثباتها من أن وجوه الفعال وشروطها التي يستحق بها ما
يستحق ل يجوز أن تكون منفصلة عنها ،والموافاة منفصلة عن وقت
الحدوث ،فل يكون وجها .ل دللة له على ذلك ،بل إن دل فانما يدل على أن
الموافاة ليست من وجوه الفعال ،لكن ل يلزم من ذلك أن ل يكون شرطا
لستحقاق الثواب ،فلم ل يجوز أن يكون استحقاق الثواب مشروطا بوجوه
الفعال مع الموافاة أيضا ،لبد لنفي ذلك من دليل .ثانيها اليات الكريمة
التي مر بعضها ،فانها تدل على إمكان عروض الكفر بعد اليمان بل بعضها
على وقوعه ،وأجاب السيد عن ذلك بأن المراد وال أعلم من وصفهم
باليمان اليمان اللساني دون القلبي ،وقد وقع مثله كثيرا في القرآن
][216
العزيز كقوله تعالى " آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " ) (1وحيث أمكن صحة
هذا الطلق ،ولو مجازا ،سقط الستدلل بها .ثالثها أن الشارع جعل
للمرتد أحكاما خاصة به ،ل يشاركه فيها الكافر الصلي ،كما هو مذكور في
كتب الفروع ،وهذا أمر ل يمكن دفعه ،ول مدخل للطعن فيه ،فان الكتاب
العزيز والسنة المطهرة ناطقان بذلك ،والجماع واقع عليه كذلك ،ول ريب
أن الرتداد هو الكفر المتعقب لليمان ،كما دل عليه قوله تعالى " :يا أيها
الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه " ) "] (2ومن يرتدد منكم عن دينه[
فيمت وهو كافر " ) (3الية فقد دل على ما ذكرناه ،على أن المؤمن يمكن
أن يكفر ،أقول :وللسيد رحمه ال أن يجيب عن ذلك بأن ما ذكر إنما يدل
على أن من اتصف في ظاهر الشرع بالرتداد ،فحكمه كذا وكذا ،ول يدل
على أنه صار مرتدا بذلك في نفس المر فلعله كان كافرا في الصل،
وحكمنا بايمانه ظاهرا للقرار بما يوجب اليمان مع بقائه على كفره عند
ال تعالى ،وبفعله ما يوجب الرتداد ظاهرا حكمنا بارتداده أو كان مؤمنا
في الصل وهو باق على إيمانه عند ال تعالى لكن لقتحامه حرمات
الشارع ،وتعديه هذه الحدود العظيمة جعل الشارع الحكم بالرتداد عليه
عقوبة له لتنحسم بذلك مادة القتحام والتعدي من المكلفين ،فيتم نظام
النواميس اللهية .وأقول :الحق أن المعلومات التي يتحقق اليمان بالعلم
بها امور متحققة ثابتة ل تقبل التغير والتبدل ،وإذ ل يخفى أن وحدة
الصانع تعالى ووجوده وأزليته وأبديته وعلمه وقدرته وحياته إلى غير
ذلك من الصفات امور تستحيل تغيرها وكذا كونه تعالى عدل ل يفعل قبيحا
ول يخل بواجب وكذا النبوة والمعاد ،فإذا علمها الشخص على وجه اليقين
والثبات ،صار علمه بها كعلمه بوجود نفسه ،غير
) (1المائدة (2) .41 :المائدة (3) .54 :البقرة ،217 :وقد اختلطت اليتان عليه
][217
أن الول نظري والثاني بديهي ،لكن لما كان النظري إنما يصير يقينيا بانتهائه إلى
البديهي ولم يبق فرق بين العلمين ،امتنع تغير ذلك العلم وتبدله كما يمتنع
تغير علمه بوجود نفسه .والحاصل أن العلم إذا انطبق على المعلوم
الحقيقي الذي ل يتغير أصل فمحال تغيره ،وإل لما كان منطبقا ،فعلم أن ما
يحصل لبعض الناس من تغيير عقيدة اليمان لم يكن بعد اتصاف أنفسهم
بما ذكرناه من العلم ،بل كان الحاصل لهم ظنا غالبا بتلك المعلومات ،ل
العلم بها ،والظن يمكن تبدله وتغيره ،وإن كان المظنون ل يمكن تبدله ،لن
النطباق غير حاصل وإل لصار علما .إن قلت :يتصور زوال اليمان
بصدور بعض الفعال الموجبة للكفر كما تقدم وإن بقي التصديق اليقيني
بالمعارف المذكورة فقد صح أن المؤمن قد يكفر بعد اتصافه باليمان.
قلت :ل نسلم إمكان صدور فعل يوجب الكفر ممن اتصف بالعلم المذكور،
بل صار ذلك الفعل ممتنعا بالغير الذي هو العلم اليقيني وإن أمكن بالذات،
وحينئذ فصدور بعض الفعال المذكورة إنما كان لعدم حصول العلم
المذكور ،وبالجملة فكلم علم الهدى ومذهبه هنا رضي ال عنه في غاية
القوة والمتانة ،بعد تدقيق النظر وقد ظهر مما حررناه أن القائلين بامكان
زوال اليمان بعروض الكفر إن أرادوا به إمكان زوال العلم بالمور
المذكورة ،فظاهر أنه ممتنع بالذات ،كانقلب الحقائق وإن أرادوا به إمكان
انتفاء اليمان بعروض شئ من الفعال وإن بقي العلم فقد بينا أنه ممتنع
بالغير ،فان أرادوا بالمكان على هذا التقدير المكان الذاتي فل نزاع لحد
فيه ،وإن أرادوا به عدم المتناع ولو بالغير فقد بينا منعه وامتناعه.
وبالجملة فظواهر كثير من اليات الكريمة والسنة المطهرة تدل على إمكان
طروء الكفر على اليمان ،وعلى هذا بناء أحكام المرتدين ،وهو مذهب
أكثر المسلمين ،نعم في العتبار ما يدل على عدم جواز طروئه عليه كما
أشرنا إليه ،إن جعلنا اليمان عبارة عن التصديق مع القرار أو حكمه ،لكن
الول هو الرجح
][218
في النفس انتهى .وأقول :إذا اكتفي في اليمان بالظن الحاصل من التقليد أو غيره،
فل ريب في أنه يجوز تبدل اليمان بالكفر ،وإن اشترط فيه العلم القطعي
ففي جواز زواله إشكال ،ولما لم يقم دليل تام على عدم الجواز مع أن
ظواهر اليات والخبار تدل على الجواز ،فالجواز أقوى مع أن كثيرا ما
يعرض للنسان أنه يقطع بأمر بحيث ل يحتمل عنده خلفه ،ثم يتزلزل
لشبهة قوية تعرض له ،والقول بأنه ظن قوي يتوهم قطعا بعيد ،نعم إن
اعتبر في اليمان اليقين ،وفسر بأنه اعتقاد جازم ثابت مطابق للواقع
يمتنع زواله ،فبعد زواله انكشف أنه لم يكن مؤمنا لكن اعتبار ذلك أول
الكلم ،وقد شرحنا الخبر في مرآة العقول وحققنا ذلك بوجه آخر فان أردت
الطلع عليه فارجع إليه - 2 .سن :عن أبيه ،عن محمد بن سنان ،عن
المفضل ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن الحسرة والندامة والويل
كله لمن لم ينتفع بما أبصر ،ومن لم يدر المر الذي هو عليه مقيم أنفع هو
له أم ضرر ،قال :قلت :فبما يعرف الناجي ؟ قال :من كان فعله لقوله
موافقا فاثبت له الشهادة بالنجاة ،ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فانما ذلك
مستودع ) .(1كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن سنان
مثله إلى قوله فبما يعرف الناجي من هؤلء جعلت فداك إلى قوله فاثبتت له
الشهادة ) .(2بيان " :إن الحسرة والندامة والويل " الحسرة اسم من
حسرت على الشئ حسرا من باب تعب وهي التلهف والتأسف على فوات
أمر مرغوب ،والندامة الحزن على فعل شئ مكروه ،والويل العذاب ،وواد
في جهنم يعني هذا كله لمن لم ينتفع بما أبصره وعلمه من العقائد والحكام
والعمال والخلق والداب ،وعدم النتفاع بها بأن ل يعمل بمقتضى علمه
بها ،ولم يدر ما المر الذي هو عليه مقيم من العقائد
][219
والعمال والخلق " .أنفع " بصيغة المصدر أي نافع ،ويحتمل الماضي ،وكذا "
أو ضر " يحتملهما ،والول أظهر فيهما ،وفيه حث على مراقبة النفس في
جميع الحالت ،ومحاسبتها في جميع الحركات والسكنات ،ليعلم ما ينفعها،
فيجلبها ويزيد منها ،وما يضرها فيجتنبها " .فبما يعرف الناجي من هؤلء
" أي من يكون أمره آئل إلى النجاة من المهالك وعقوبات الخرة " فقال
من كان فعله لقوله موافقا " أي لقوله الحق ،وهو ما يأمر الناس به من
الخيرات والطاعات وترك المنكرات ،أو لما يدعيه من اليمان بال واليوم
الخر والنبياء والوصياء عليهم السلم ،فان مقتضى ذلك العمل بما يأمره
ال تعالى ،ويوجب الوصول إلى مثوباته ،والنجاة من عقوباته ،ومتابعة
أئمة الدين في أقوالهم وأفعالهم ،أو لما يدعي لنفسه من الكمالت ،وما
نصب نفسه له من الحالت والدرجات أو الجميع " .فاثبتت له الشهادة "
على صيغة المجهول أي يشهد ال تعالى وملئكته وحججه عليهم السلم
وكمل المؤمنين بأنه من الناجين ،لتصافه بكمال الحكمة النظرية لقوله
الحق ،وكمال الحكمة العملية لعمله بأقواله الحقة ،وفي بعض النسخ "
فأتت " " .ومن لم يكن فعله لقوله موافقا " أي بأن يكون قوله حقا وفعله
باطل كما هو شأن أكثر الخلق " فانما ذلك مستودع " إيمانه ،غير ثابت
فيه ،فيحتمل أن يبقى على الحق ويثبت له اليمان ،وتحصل له النجاة ،وأن
يزول عن الحق ويعود إلى الشقاوة ،ويستحق الويل والحسرة والندامة3 .
-كا :عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن حفص بن
البختري وغيره ،عن عيسى شلقان قال :كنت قاعدا فمر أبو الحسن موسى
عليه السلم ومعه بهمة ،قال :فقلت :يا غلم ما ترى ما يصنع أبوك ؟
يأمرنا بالشئ ثم ينهانا عنه :أمرنا أن نتولى أبا الخطاب ،ثم أمرنا أن نلعنه
ونتبرأ منه ؟ فقال أبو الحسن عليه السلم وهو غلم :إن ال خلق خلقا
لليمان ل زوال له ،وخلق خلقا للكفر ل زوال له ،وخلق خلقا بين ذلك
أعارهم اليمان ،يسمون المعارين ،إذا
][220
شاء سلبهم ،وكان أبو الخطاب ممن اعير اليمان ،قال :فدخلت على أبي عبد ال
عليه السلم فأخبرته بما قلت لبي الحسن عليه السلم وما قال لي ،فقال
أبو عبد ال عليه السلم :إنه نبعة نبوة ) .(1بيان :في المصباح البهمة
ولد الضأن ،يطلق على الذكر والنثى ،والجمع بهم ،مثل ،تمرة وتمر،
وجمع البهم بهام مثل سهم وسهام ،وتطلق البهام على أولد الضأن والمعز
إذا اجتمعت تغليبا ،فإذا انفردت قيل لولد الضأن بهام ولولد المعز
سخال ،وقال ابن فارس :البهم صغار الغنم ،وقال أبو زيد :يقال لولد الغنم
ساعة تضعها الضأن أو المعز ذكرا كان الولد أو انثى :سخلة ثم هي بهمة
والجمع بهم وقال :الغلم البن الصغير ،وأبو الخطاب هو محمد بن
مقلص السدي الكوفي وكان في أول الحال ظاهرا من أجلء أصحاب
الصادق عليه السلم ثم ارتد وابتدع مذاهب باطلة ،ولعنه الصادق عليه
السلم وتبرأ منه ،وروى الكشي روايات كثيرة ،تدل على كفره ولعنه )(2
واختلف الصحاب فيما رواه في حال استقامته ،والكثر على جواز العمل
بها ،وكأنه متفرع على المسألة السابقة ،فمن ادعى جواز تحقق اليمان
وزواله يجوز العمل بروايته لنه حينئذ كان مؤمنا ومن زعم أنه كاشف من
عدم كونه مؤمنا ل يجوز العمل بها " .إنه نبعة نبوة " أي علمه من ينبوع
النبوة ،أو هو غصن من شجرة النبوة والرسالة ،في القاموس :نبع الماء
ينبع مثلثة نبعا ونبوعا خرج من العين ،والنبع شجر للقسي وللسهام ينبت
في قلة الجبل ) - 4 .(3كا :عن محمد بن يحيى ،عن ابن عيسى ،عن
الحسين بن سعيد ،عن القاسم ابن حبيب ،عن إسحاق بن عمار ،عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :إن ال جبل النبيين على نبوتهم فل يرتدون أبدا،
وجبل الوصياء على وصاياهم فل يرتدون أبدا ،و
) (1الكافي ج (2) .418 :2راجع رجال الكشى ص 260 - 246تحت الرقم .135
) (3القاموس ج .87 :3
][221
جبل بعض المؤمنين على اليمان فل يرتدون أبدا ،ومنهم من يعير اليمان عارية
فإذا هو دعا وألح في الدعاء مات على اليمان ) .(1بيان :في القاموس
جبلهم ال يجبل ويجبل خلقهم وعلى الشئ طبعه وجبره كأجبله ) " (2فإذا
هو دعا " فيه حث على الدعاء لحسن العاقبة ،وعدم الزيغ ،كما كان دأب
الصالحين قبلنا ،وفيه دللة أيضا على أن التمام والسلب مسببان عن فعل
النسان لنه يصير بذلك مستحقا للتوفيق والخذلن .وجملة القول في ذلك
أن كل واحد من اليمان والكفر قد يكون ثابتا ،وقد يكون متزلزل يزول
بحدوث ضده ،لن القلب إذا اشتد ضياؤه وكمل صفاؤه استقر اليمان وكل
ما هو حق فيه ،وإذا اشتدت ظلمته وكملت كدورته استقر الكفر وكل ما هو
باطل فيه ،وإذا كان بين ذلك باختلط الضياء والظلمة فيه ،كان مترددا بين
القبال والدبار ،ومذبذبا بين اليمان والكفر ،فان غلب الول دخل اليمان
فيه من غير استقرار ،وإن غلب الثاني دخل الكفر فيه كذلك ،وربما يصير
الغالب مغلوبا فيعود من اليمان إلى الكفر ومن الكفر إلى اليمان ،فلبد
للعبد من مراعاة قلبه ،فان رآه مقبل إلى ال عزوجل شكره ،وبذل جهده،
وطلب منه الزيادة لئل يستدبر وينقلب و يزيغ عن الحق كما ذكر سبحانه
عن قوم صالحين " ربنا ل تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك
رحمة إنك أنت الوهاب " ) (3وإن رآه مدبرا زائغا عن الحق تاب
واستدرك ما فرط فيه ،وتوكل على ال ،وتوسل إليه بالدعاء والتضرع
لتدركه العناية الربانية ،فتخرجه من الظلمات إلى النور ،وإن لم يفعل ربما
سلط عليه عدوه الشيطان ،واستحق من ربه الخذلن ،فيموت مسلوب
اليمان كما قال سبحانه " فلما زاغوا أزاغ ال قلوبهم " ) (4أعاذنا ال
من ذلك وسائر أهل اليمان.
) (1الكافي ج 2ص (2) .419القاموس ج 3ص (3) .345آل عمران(4) .8 :
الصف.5 :
][222
- 5كش :عن حمدويه ،عن محمد بن عيسى ،عن يونس ،عن ابن مسكان ،عن
عيسى شلقان قال :قلت لبي الحسن عليه السلم وهو يومئذ غلم قبل
أوان بلوغه :جعلت فداك ما هذا الذي يسمع من أبيك ؟ إنه أمرنا بولية
أبي الخطاب ثم أمرنا بالبراءة منه ؟ قال :قال أبو الحسن عليه السلم من
تلقاء نفسه :إن ال خلق النبياء على النبوة فل يكونون إل أنبياء ،وخلق
المؤمنين على اليمان فل يكونون إل مؤمنين ،و استودع قوما إيمانا فان
شاء أتمه وإن شاء سلبهم إياه ،وإن أبا الخطاب كان ممن أعاره ال
اليمان فلما كذب على أبي سلبه ال اليمان .قال :فعرضت هذا الكلم على
أبي عبد ال عليه السلم قال :فقال :لو سألتنا عن ذلك ما كان ليكون عندنا
غير ما قال ) - 6 .(1ب :عن معاوية بن حكيم ،عن البزنطي ،عن الرضا
عليه السلم قال :إن جعفرا عليه السلم كان يقول " :فمستقر ومستودع
" فالمستقر ما ثبت من اليمان ،و المستودع المعار ،وقد هداكم ال لمر
جهله الناس ،فاحمدوا ال على ما من عليكم به ) - 7 .(2ب :عن ابن أبي
الخطاب ،عن البزنطي ،عن الرضا عليه السلم قال :إن ال عزوجل قد
هداكم ونور لكم ،وقد كان أبو عبد ال عليه السلم يقول :إنما هو مستقر
ومستودع فالمستقر اليمان الثابت ،والمستودع المعار أتستطيع أن تهدي
من أضل ال ) - 8 .(3شى :عن أبي بصير ،عن أبي جعفر عليه السلم
قال :قلت " :هو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع " قال:
ما يقول أهل بلدك الذي أنت فيه ؟ قال :قلت :يقولون مستقر في الرحم،
ومستودع في الصلب ،فقال :كذبوا المستقر ما استقر اليمان في قلبه ،فل
ينزع منه أبدا والمستودع الذي يستودع اليمان زمانا
) (1رجال الكشى (2) .251 :قرب السناد ط النجف ص ،203والية في النعام:
(3) .98المصدر(*) .225 :
][223
ثم يسلبه ،وقد كان الزبير منهم ) - 9 .(1شى :عن جعفر بن مروان قال :إن الزبير
اخترط سيفه يوم قبض النبي صلى ال عليه وآله وقال :ل أغمده حتى
ابايع لعلي ،ثم اخترط سيفه فضارب عليا فكان ممن اعير اليمان ،فمشى
في ضوء نوره ثم سلبه ال إياه ) - 10 .(2شى :عن سعيد بن أبي الصبع
قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم وهو يسأل عن مستقر ومستودع،
قال :مستقر في الرحم ومستودع في الصلب ،وقد يكون مستودع اليمان
ثم ينزع منه ،ولقد مشى الزبير في ضوء اليمان ونوره حين قبض رسول
ال حتى مشى بالسيف وهو يقول ل نبايع إل عليا ) - 11 .(3شى :عن
محمد بن الفضيل ،عن أبي الحسن عليه السلم " هو الذي أنشأكم من
نفس واحدة فمستقر ومستودع " قال :ما كان من اليمان المستقر فمستقر
إلى يوم القيامة -أو أبدا ) (4وما كان مستودعا سلبه ال قبل الممات ).(5
- 12شى :عن صفوان قال :سألني أبو الحسن عليه السلم ومحمد بن
خلف جالس فقال لي :مات يحيى بن القاسم الحذاء ؟ فقلت له :نعم ،ومات
زرعة ،فقال :كان جعفر عليه السلم يقول " :فمستقر ومستودع "
فمستقر :قوم يعطون اليمان ،ويستقر في قلوبهم ،والمستودع :قوم
يعطون اليمان ثم يسلبونه ) - 13 .(6شى :عن أبي الحسن الول قال:
سألته عن قول ال " فمستقر ومستودع " قال :المستقر اليمان الثابت،
والمستودع المعار ) - 14 .(7شى :عن أحمد بن محمد قال :وقف علي أبو
الحسن الثاني عليه السلم في بني زريق فقال لي وهو رافع صوته :يا
أحمد ! قلت :لبيك ،قال :إنه لما قبض
رسول ال صلى ال عليه وآله جهد الناس على إطفاء نور ال فأبى ال إل أن يتم
نوره بأمير المؤمنين عليه السلم فلما توفي أبو الحسن عليه السلم جهد
علي بن أبي حمزة وأصحابه على إطفاء نور ال فأبى ال إل أن يتم نوره
وإن أهل الحق إذا دخل فيهم داخل سروا به ،و إذا خرج منهم خارج لم
يجزعوا عليه ،وذلك أنهم على يقين من أمرهم وإن أهل الباطل إذا دخل
فيهم داخل سروا به ،وإذا خرج عنهم خارج جزعوا عليه ،وذلك أنهم على
شك من أمرهم ،إن ال يقول " :فمستقر ومستودع " قال :ثم قال أبو عبد
ال عليه السلم :المستقر الثابت ،والمستودع المعار ) .(1كش :عن
حمدويه ،عن الحسن بن موسى ،عن داود بن محمد ،عن أحمد مثله ).(2
- 15شى :عن محمد بن مسلم قال :سمعته يقول :إن ال خلق خلقا
لليمان ل زوال له ،وخلق خلقا للكفر ل زوال له ،وخلق خلقا بين ذلك
فاستودع بعضهم اليمان ،فان شاء أن يتمه لهم أتمه ،وإن شاء أن يسلبهم
إياه سلبهم ) - 16 .(3كا :عن محمد بن يحيى ،عن ابن عيسى ،عن علي
بن الحكم ،عن أبي أيوب ،عن محمد بن مسلم ،عن أحدهما عليه السلم
مثله وزاد في آخره :وكان فلن منهم معارا ) .(4بيان " :خلق خلقا
لليمان " قيل :اللم لم العاقبة أي خلق خلقا عاقبتهم اليمان في العلم
الزلي ل زوال ليمانهم ،وهم النبياء والوصياء والتابعون لهم من
المؤمنين الثابتين على اليمان ،وخلق خلقا عاقبتهم الكفر في علمه
عزوجل ،و خلق خلقا مترددين بين اليمان والكفر مستضعفين في علمه
فمن آمن منهم كان إيمانه مستودعا ،فان يشأ ال أن يتمه لهم لحسن
استعدادهم وإقبالهم إلى ال عزوجل أتمه
][225
بفضله وتوفيقه ،وجعله ثابتا مستقرا فيهم ،وإن يشأ أن يسلبهم إياه لزوال
استعدادهم الفطري وفساد استعدادهم الكسبي ،سلبهم ورفع عنهم توفيقهم،
ويفهم بالمقايسة حال من كفر منهم .وأقول :من علم أنهم يموتون على
اليمان كان ينبغي أن يدخلهم في القسم الول على هذا الوجه ،ومن علم
أنهم يموتون على الكفر في القسم الثاني بل الحسن أن يقال لما علم ال
سبحانه استعداداتهم وقابلياتهم ،وما يؤل إليه أمرهم ومراتب إيمانهم
وكفرهم ،فمن علم أنهم يكونون راسخين في اليمان كاملين فيه وخلقهم
فكأنه خلقهم لليمان الكامل الراسخ وكذا الكفر ،ومن علم أنهم يكونون
متزلزلين مترددين بين اليمان والكفر فكأنه خلقهم كذلك ،فهم مستعدون
ليمان ضعيف ،فمنهم من يختم له باليمان ،ومنهم من يختم له بالكفر فهم
المعارون .والظاهر أن المراد بفلن أبو الخطاب وكنى عنه بفلن
لمصلحة ،فان أصحابه كانوا جماعة كثيرة كان يحتمل ترتب مفسدة على
التصريح باسمه ،ويحتمل أن يكون كناية عن ابن عباس فانه قد انحرف
عن أمير المؤمنين عليه السلم وذهب بأموال البصرة إلى الحجاز ،ووقع
بينه عليه السلم وبينه مكاتبات تدل على شقاوته وارتداده كما مر والتقية
فيه أظهر لكن سيأتي التصريح بأبي الخطاب في خبر شلقان ) (1وعلى
التقديرين " منهم " خبر كان وضمير الجمع للخلق بين ذلك و " معارا "
خبر بعد خبر وقيل :فلن كناية عن عثمان والضمير للخلفاء الثلثة،
والظرف حال عن فلن ومعارا خبر كان ،ول يخفى بعده لفظا ومعنى ،فان
الثلثة كانوا كفرة لم يؤمنوا قط - 17 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد
بن محمد ،عن الحسين بن سعيد ،عن فضالة بن أيوب والقاسم بن محمد
الجوهري ،عن كليب بن معاوية السدي ،عن
) (1يعنى ما مر تحت الرقم 3مع شرحه فان خبر عيسى شلقان في الكافي باب
علمة المعار تحت الرقم ،3وهذا الخبر تحت الرقم ،1وأما التصريح
باسم أبى الخطاب فقد عرفت أنه في غير واحد من الحاديث كما مر عن
الكشى تحت الرقم .5
][226
أبي عبد ال عليه السلم قال :إن العبد يصبح مؤمنا ويمسي كافرا ،ويصبح كافرا
ويمسي مؤمنا ،وقوم يعارون اليمان ثم يسلبونه ،ويسمون المعارين ،ثم
قال :فلن منهم ) .(1بيان " :ثم يسلبونه " يدل على أن السلب متعد إلى
مفعولين ) (2بخلف ما يظهر من كتب اللغة ويومئ إليه أيضا تمثيلهم
لبدل الشتمال بقولهم سلب زيد ثوبه إذ لو كان متعديا إلى مفعولين لما
احتاج إلى البدلية لكن ل عبرة بقولهم بعد وروده في كلم أفصح الفصحاء.
- 18كا :عن علي ،عن أبيه ،عن إسماعيل بن مرار ،عن يونس ،عن
بعض أصحابنا ،عن أبي الحسن عليه السلم قال :إن ال خلق النبيين على
النبوة فل يكونون إل أنبياء ،وخلق المؤمنين على اليمان فل يكونون إل
مؤمنين وأعار قوما إيمانا فان شاء تممه لهم ،وإن شاء سلبهم إياه ،وقال:
وفيهم جرت " فمستقر ومستودع " وقال لي :إن فلنا كان مستودعا
إيمانه ،فلما كذب علينا سلب
) (1الكافي ج 2ص (2) .417بل الظاهر من مفهومه وهو النتزاع والختلس
قهرا احتياجه الى مفعول واحد وهو المسلوب لكنه لما كان المسلوب مما
يتعلق بالغير ،بحيث لو لم يكن عنده وفى يده لم يتحقق مفهوم السلب
وهو الخذ والنتزاع قهرا بعد المدافعة لزم في الكلم ذكر المسلوب عنه
بصورة المفعول ثم ذكر المسلوب عنه بعنوان البدل ،كما يقال :سلب فلنا
ثوبه إذا أخذه قهرا وسلبا ،ومنه قولهم :سلبه فؤاده وعقله ،وقوله
تعالى " :وان يسلبهم الذباب شيئا ل يستنقذوه منه " فلو قيل :سلب ثوب
فلن ونحوه انتفى معنى القهر من السالب والمدافعة من المسلوب عنه
وصار مرادفا لقولهم أخذ أو سرق .وأما قوله عليه السلم " يسلبونه "
فضمير الجمع هو المفعول وهو المبدل منه رفع بنيابة الفاعل ،والضمير
المفرد الراجع الى اليمان ليس ال بدل الشتمال من المفعول سد مسده،
يترا آى في الظاهر أنه المفعول الثاني ولو صح الستناد في ذلك الى قوله
عليه السلم " يسلبونه " لكان الولى الستناد الى قوله تعالى " وان
يسلبهم الذباب شيئا ".
][227
إيمانه ذلك ) .(1بيان :قال تعالى " :وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر
ومستودع " قال البيضاوي :أي فلكم استقرار في الصلب أو فوق الرض
واستيداع في الرحام أو تحت الرض أو موضع الستقرار والستيداع،
وقرء ابن كثير والبصريان ) (2بكسر القاف على أنه اسم فاعل
والمستودع ]اسم[ مفعول أي ومنكم قار ومنكم مستودع لن الستقرار منا
دون الستيداع انتهى ) (3ولعل تأويله عليه السلم أنسب بالقراءة الخيرة
أي فمنكم إيمانه مستقر أي ثابت و بعضكم إيمانه مستودع ،أو بعضكم
مستقر في اليمان ،وبعضكم غير مستقر و " مستودع " اسم مفعول أو
اسم مكان ،وعلى القراءة الولى اسم مكان أي بعضكم محل استقرار
اليمان ،والمستودع يحتمل الوجهين ،قوله " سلب إيمانه " يحتمل بناء
المفعول والفاعل ،وعلى الثاني " ذلك " إشارة إلى الكذب - 19 .نهج :من
خطبة له عليه السلم فمن اليمان ما يكون ثابتا مستقرا في القلوب ومنه
ما يكون عواري بين القلوب والصدور إلى أجل معلوم ،فإذا كانت لكم
براءة من أحد فقفوه حتى يحضره الموت ،فعند ذلك يقع حد البراءة،
والهجرة قائمة على حدها الول ما كان ل في أهل الرض حاجة من
مستسر المة ومعلنها ل يقع اسم الهجرة على أحد إل بمعرفة الحجة في
الرض ،فمن عرفها وأقر بها فهو مهاجر ،ول يقع اسم الستضعاف على
من بلغته الحجة فسمعتها اذنه ،ووعاها قلبه إن أمرنا صعب مستصعب ل
يحتمله إل عبد امتحن ال قلبه لليمان ،ول تعي حديثنا إل صدور أمينة،
وأحلم رزينة .أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فلنا بطرق السماء أعلم
مني بطرق الرض ،قبل أن تشغر فتنة تطأ في خطامها وتذهب بأحلم
قومها ) .(4بيان :العواري جمع العارية بالتشديد فيهما كأنها منسوبة إلى
العار ،فان
) (1الكافي ج 2ص (2) .418هما أبو عمرو بن العلء ،ويعقوب كما مر ص
(3) .106انوار التنزيل ص (4) .137نهج البلغة ج 1ص .386تحت
الرقم .187
][228
طلبها عار وعيب ،قال ابن ميثم رحمه ال :قوله عليه السلم فمن اليمان إلى آخره
قسمة لليمان إلى قسمين أحدهما الثابت المستقر في القلوب الذي صار
ملكة ،وثانيهما ما كان في معرض الغير والنتقال ،واستعار عليه السلم
لفظ العواري لكونه في معرض السترجاع والرد ،وكنى عليه السلم بكونه
بين القلوب والصدور عن كونه غير مستقر في القلوب ول متمكن من
جواهر النفوس ) .(1وقال ابن أبي الحديد :أراد عليه السلم :من اليمان
ما يكون على سبيل الخلص ومنه ما يكون على سبيل النفاق ) (2وقوله
عليه السلم " إلى أجل معلوم " ترشيح لستعارة العواري وهذه القسمة
إلى القسمين هي الموجودة في نسخة الرضي رضي ال عنه بخطه وفي
نسخ كثير من الشارحين ونسخ كثيرة معتبرة ثلثة أقسام هكذا " فمن
اليمان ما يكون ثابتا مستقرا في القلوب ،ومنه ما يكون عواري ]في
القلوب ،ومنه ما يكون عواري[ ) (3بين القلوب والصدور إلى أجل معلوم.
وقال ابن أبي الحديد في بيانها :إن اليمان إما أن يكون ثابتا مستقرا
بالبرهان وهو اليمان الحقيقي ،أو ليس بثابت بالبرهان بل بالدليل الجدلي
ككثير ممن لم يحقق العلوم العقلية وهو الذي عبر عليه السلم عنه بقوله
عواري في القلوب فهو وإن كان في القلب الذي هو محل اليمان الحقيقي
إل أن حكمه حكم العارية في البيت وإما أن يستند إلى تقليد وحسن ظن
بالسلف وقد جعله عليه السلم عواري بين القلوب والصدور ،لنه دون
الثاني فلم يجعله حال في القلب ،ورد قوله عليه السلم إلى أجل معلوم إلى
القسمين الخيرين لن من لم يبلغ درجة البرهان ربما ينحط إلى درجة
المقلد ،فيكون إيمان كل منهما إلى أجل معلوم ،لكونه في معرض الزوال.
" فإذا كانت لكم براءة " الخ قيل :أي إذا أردتم التبري من أحد فاجعلوه
موقوفا إلى حال الموت ،ول تسارعوا إلى البراءة منه قبل الموت ،لنه
يجوز أن يتوب ويرجع ،فإذا مات ولم يتب جازت البراءة منه ،لنه ليس له
بعد الموت حالة
) (1شرح النهج لبن ميثم (2) .441 :شرح النهج لبن أبى الحديد ج 3ص .215
) (3ساقط من نسخة الكمبانى.
][229
تنتظر ،وينبغي أن تحمل هذه البراءة على البراءة المطلقة ،لجواز التبري من
الفاسق وهو حي ،ومن الكافر وهو حي ،لكن بشرط التصاف بأحد
الوصفين ،بخلف ما بعد الموت .وقيل :المعنى انتظروا حتى يأتيه الموت
فانه ربما يكون معتقدا للحق ويكتم إيمانه لغرض دنيوي ،وقيل :هذا إشارة
إلى ما كان يفعله رسول ال صلى ال عليه وآله في الصلة على المنافقين،
فإذا كبر أربعا كانوا يعلمون أنه منافق ،وإذا كبر خمسا كانوا يعلمون أنه
مؤمن ،فأشار عليه السلم إلى أنه عند الموت تقع البراءة وتصح بعلمة
تكبيراته الربع ،وكل الوجهين كما ترى .والظاهر أن المراد بالبراءة قطع
العلئق اليمانية التي يجوز معها الستغفار كما يومئ إليه قوله سبحانه "
ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى "
إلى قوله تعالى " فلما تبين له أنه عدو ل تبرأ منه " ) " .(1والهجرة
قائمة " الخ وأصل الهجرة المأمور بها الخروج من دار الحرب إلى دار
السلم ،وقال في النهاية :فيه ل هجرة بعد الفتح ولكن جهادونية ،وفي
حديث آخر ل تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ،الهجرة في الصل اسم من
الهجر ضد الوصل ،وقد هجره هجرا وهجرانا ،ثم غلب على الخروج من
أرض إلى أرض وترك الولى للثانية ،يقال منه هاجر مهاجرة .والهجرة
هجرتان إحداهما التي وعد ال عليها الجنة في قوله " إن ال اشترى من
المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " ) (2فكان الرجل يأتي النبي
صلى ال عليه وآله ويدع أهله وماله ل يرجع في شئ منه ،وينقطع بنفسه
إلى مهاجره ،وكان النبي صلى ال عليه وآله يكره أن يموت الرجل
بالرض التي هاجر منها ،فمن ثم قال " لكن البائس سعد بن خولة " يرثي
له أن مات بمكة ) (3وقال حين قدم مكة " اللهم ل
) (1براءة (2) .114 :براءة (3) .111 :أي يترقق ويشفق عليه رسول ال صلى
ال عليه وآله أن مات سعد بن خولة بمكة
][230
تجعل منايانا بها " فلما فتحت مكة صارت دار إسلم كالمدينة ،وانقطعت الهجرة.
والهجرة الثانية من هاجر من العراب وغزا مع المسلمين ،ولم يفعل كما
فعل أصحاب الهجرة الولى ،فهو مهاجر ،وليس بداخل في فضل من هاجر
تلك الهجرة ،وهو المراد بقوله " ل تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة "
فهذا وجه الجمع بين الحديثين ،وإذا اطلق في الحديث ذكر الهجرتين فانما
يراد بهما هجرة الحبشة وهجرة المدينة انتهى .وقال ابن أبي الحديد :هذا
كلم من أسرار الوصية يختص به علي عليه السلم لن الناس يروون أن
النبي صلى ال عليه وآله قال " ل هجرة بعد الفتح " فشفع عمه العباس
في نعيم بن مسعود الشجعي أن يستثنيه فاستثناه ،وهذه الهجرة التي أشار
إليها أمير المؤمنين عليه السلم ليست تلك بل هي الهجرة إلى المام ،وقال
بعض الصحاب :تجب المهاجرة عن بلد الشرك على من يضعف عن
إظهار شعائر السلم مع المكنة ويستحب للقادر على إظهارها ،تحرزا عن
تكثير سواد المشركين ،والمراد بها المور التي تختص بالسلم كالذان
والقامة ،وصوم شهر رمضان ،وغير ذلك وألحق بعضهم ببلد الشرك
بلد الخلف التي ل يتمكن فيها المؤمن من إقامة شعائر اليمان مع
المكان .ولو تعذرت الهجرة لمرض أو عدم نفقة أو غير ذلك فل حرج
لقوله تعالى " إل المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ل يستطيعون
حيلة ول يهتدون سبيل فاولئك عسى ال أن يعفو عنهم وكان ال غفورا
رحيما " ) .(1والظاهر أن قوله عليه السلم " ما كان ل في أهل الرض
حاجة " كناية عن بقاء التكليف كما يدل عليه قول النبي صلى ال عليه
وآله :ل تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة وللتجوز مجال واسع وفي
الصحيفة السجادية " :ول ترسلني من يدك إرسال من ل خير فيه ،ول
حاجة بك إليه " وقيل كلمة ما هيهنا نافية ووجهوه بتوجيهات
في حجة الوداع حين قال :لكن البائس سعد بن خولة قد مات في الرض التى هاجر
منها راجع ترجمته في الستيعاب بذيل الصابة ج 2ص (1) .41النساء
.97
][231
ركيكة ،والسر ما يكتم واستسر أي استتر واختفى ،فالمختفي حينئذ كمن ل يختفي
بل يعلن نفسه لنه ل يخاف ول يتقي لدينه أو غيره ،وقيل أي ممن أسر
دينه أو أظهره وأعلنه " ،ومن " لبيان الجنس ،وقيل :زائدة ،ولو حذفت
لجر المستسر بدل من أهل الرض " .ل تقع اسم الهجرة " الخ أي يشترط
في صدق الهجرة معرفة المام والقرار به ،والمراد بقوله " فمن عرفها
" الخ أنه مهاجر بشرط الخروج إلى المام ،والسفر إليه ،أو المراد
بالمعرفة المعرفة المستندة إلى المشاهدة والعيان ويحتمل أن يكون المراد
أن مجرد معرفة المام والقرار بوجوب اتباعه كاف في إطلق اسم الهجرة
كما هو ظاهر الجزء الخير من الكلم ،ويدل عليه بعض أخبارنا ،فمعرفة
المام والقرار به في زمانه قائم مقام الهجرة المطلوبة في زمان الرسول
صلى ال عليه وآله .وقال بعض الصحاب :الهجرة في زمان الغيبة سكنى
المصار لنها تقابل البادية مسكن العراب ،والمصار أقرب إلى تحصيل
الكمالت من القرى والبوادي فان الغالب على أهلها الجفاء والغلظة،
والبعد عن العلوم والكمالت كما روي عن النبي صلى ال عليه وآله أن
الجفاء والقسوة في الفدادين ) (1وقيل هي الخروج إلى طلب العلوم فيعم
الخروج عن القرى والبوادي ،والخروج عن بلد ل يمكن فيه طلب العلم" .
ول يقع اسم الستضعاف " الخ الستضعاف عد الشئ ضعيفا أو وجدانه
ضعيفا واستضعفه أي طلب ضعفه ،والحجة الدليل والبرهان ،ويعبر به عن
المام لنه دليل الحق ،والمراد به هنا إما دليل الحق من اصول الدين أو
العم أو المام بتقدير مضاف أي حجة الحجة .قال القطب الراوندي رحمه
ال :يمكن أن يشير بهذا الكلم إلى إحدى آيتين إحداهما " إن الذين توفيهم
الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا
][232
كنا مستضعفين في الرض قالوا ألم تكن أرض ال واسعة فتهاجروا فيها اولئك
مأويهم جهنم وساءت مصيرا " ) (1فيكون مراده عليه السلم على هذا
أنه ل يصدق اسم الستضعاف على من عرف المام وبلغته أحكامه،
ووعاها قلبه ،وإن بقي في ولده وأهله لم يتجشم السفر إلى المام ،كما
صدق على هؤلء المذكورين في الية والثانية قوله تعالى بعد ذلك " :إل
المستضعين من الرجال والنساء " الية فيكون مراده على هذا أن من
عرف المام ،وسمع مقالته ،ووعاها قلبه ،ل يصدق عليه اسم الستضعاف
كما صدق على هؤلء ،إذ كان المفروض على الموجودين في عصر
الرسول المهاجرة بالبدان دون من بعدهم ،بل يقنع منهم بمعرفته والعمل
بقوله بدون المهاجرة إليه بالبدن .وقال ابن ميثم رحمه ال بعد حكاية
كلمه :وأقول :يحتمل أن يريد بقوله ذلك أنه ل عذر لمن بلغته دعوة
الحجة فسمعتها اذنه ،في تأخيره عن النهوض والمهاجرة إليه ،مع قدرته
على ذلك ول يصدق عليه اسم الستضعاف كما يصدق على المستضعفين
من الرجال والنساء والولدان حتى يكون ذلك عذرا له ،بل يكون في تأخره
ملوما مستحقا للعقاب كالذين قالوا كنا مستضعفين في الرض ويكون
مخصوصا بالقادرين على النهوض دون العاجزين ،فان اسم الستضعاف
صادق عليهم انتهى ) .(2وأقول :سيأتي شرح هذا الكلم في أخبار كثيرة
وأن المراد به أن المستضعف المعذور في معرفة المام في زمان الهدنة
في الجملة ،إنما هو إذا لم تبلغه الحجة واختلف الناس فيه ،أو بلغه ولم
يكن له عقل يتميز به بين الحق والباطل ،كما سنذكر تفصيله إن شاء ال
تعالى " .إن أمرنا صعب مستصعب " الصعب العسر والبي الذي ل ينقاد
بسهولة ضد الذلول واستصعب المر أي صار صعبا ،واستصعبت المر أي
وجدته صعبا
) (1النساء 97 :وما بعدها ذيلها (2) .98 :شرح النهج لبن ميثم.441 :
][233
][234
وعلى ما يقابل كل واحد منها يحمل طرق الرض .وشغر البلد كمنع إذا خل من
حافظ يمنعه ،وبلدة شاغرة برجلها لم تمنع عن غارة أحد ،وشغرت المرأة
رفعت رجلها للنكاح ،وشغرتها فعلت بها ذلك يتعدى ول يتعدى ،وشغر
الكلب إذا رفع أحد رجليه ليبول ،وقيل :الشغر البعد والتساع ،وقيل :كني
بشغر رجلها عن خلو تلك الفتنة عن مدبر يردها ويحفظ المور وينظم
الدين ،ويحتمل أن يكون كناية عن شمولها للبلد والعباد من الشغر بمعنى
التساع ،أو من شغر الكلب ،أو من شغرة المرأة كناية عن تكشفها وعدم
مبالتها بظهور عيوبها وإبداء سوأتها ،والوطء الدوس بالرجل ،والخطم
بالفتح من الدابة مقدم أنفها ،وككتاب ما يوضع في أنف البعير ليقتاد به،
والوطء في الخطام كناية عن فقد القائد وإذا خلت الناقة من القائد تعثر
وتخبط ،وتفسد ما تمر عليه بقوائمها " .وتذهب بأحلم قومها " أي تفسد
عقول أهلها فكانت أفعالهم على خلف ما يقتضيه العقل ،فالمراد بأهلها
المفسدون ،أو يتحير أهل زمانها فل يهتدون إلى طريق التخلص عنها،
فأهلها من أصابته البلية ،أو يأتي أهل ذلك الزمان إليها رغبة ورهبة ول
يتفحصون عن كونها فتنة لغفلتهم عن وجه الحق فيها.
][235
) * - 35باب( * " )العلة التى من أجلها ل يكف ال( " " )المؤمنين عن الذنب(
" - 1جا :عن ابن قولويه ،عن سعد ،عن ابن سعد ،عن الهوازي ،عن
محمد بن عمير ،عن الحارث بن بهرام ،عن عمرو بن جميع قال :قال لي
أبو عبد ال عليه السلم من جاءنا يلتمس الفقه والقرآن والتفسير فدعوه،
ومن جاءنا يبدي عورة قد سترها ال فنحوه ،فقال له رجل من القوم:
جعلت فداك أذكر حالي لك ؟ قال :إن شئت ،قال :وال إني لمقيم على ذنب
منذ دهر اريد أن أتحول منه إلى غيره فما أقدر عليه ،قال له :إن تكن
صادقا فان ال يحبك وما يمنعك من النتقال عنه إل أن تخافه ) - 2 .(1كا:
عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن على بن أسباط
عن رجل من أصحابنا من أهل خراسان من ولد إبراهيم بن يسار رفعه عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :إن ال علم ؟ ؟ الذنب خير للمؤمن من
العجب ) (2ولول ذلك ما ابتلى مؤمن بذنب أبدا ) .(3أقول :سيأتي شرحه
ومثله في باب العجب إن شاء ال.
) (1أمالى المفيد ص (2) .14العجب أن يستعظم الرجل نفسه بما يكون منه من
الخيرات والعبادات ،فيعد نفسه صالحة مطيعة حق الطاعة فيبتهج
بأعماله ويدل بها كانه يمن على ال باطاعته .وهذا مفسد للعمل(3) .
الكافي ج .133 :2
][236
) * - 36باب( * * " الحب في ال والبغض في ال " * - 1م ،ع ،ن ) (1لى:
المفسر بإسناده إلى أبي محمد العسكري ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله لبعض أصحابه ذات يوم :يا عبد ال أحبب
في ال ،وأبغض في ال ،ووال في ال ،وعاد في ال ،فانه ل تنال ولية ال
إل بذلك ،ول يجد رجل طعم اليمان ،وإن كثرت صلته وصيامه حتى يكون
كذلك ،وقد صارت مواخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا عليها
يتوادون ،وعليها يتباغضون وذلك ل يغني عنهم من ال شيئا ،فقال له:
وكيف لي أن أعلم أني قد واليت وعاديت في ال عزوجل ؟ ومن ولي ال
عزوجل حتى اواليه ،ومن عدوه حتى اعاديه فأشار له رسول ال صلى ال
عليه وآله إلى علي عليه السلم فقال :أترى هذا ؟ فقال :بلى ،قال :ولي
هذا ولي ال ،فواله ،وعدو هذا عدو ال فعاده ،وال ولي هذا ولو أنه قاتل
أبيك وولدك ،وعاد عدو هذا ولو أنه أبوك وولدك ) .(2أقول :قد مر كثير
من أخبار الباب في باب صفات المؤمن ،وباب صفات خيار العباد ،وباب
جوامع المكارم ،وفي أبواب كتاب الحجة - 2 .ثو ) (3لى :عن أبيه ،عن
سعد ،عن ابن عيسى ،عن ابن محبوب ،عن مالك بن عطية ،عن سعيد
العرج ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن من أوثق عرى اليمان أن
تحب في ال ،وتبغض في ال ،وتعطي في ال ،وتمنع في ال عزوجل ).(4
) (1علل الشرائع ج 1ص ،134عيون أخبار الرضا عليه السلم ج 1ص ) .291
(2أمالى الصدوق ص (3) .8ثواب العمال ص 152والفعال بصيغة
الغائب (4) .أمالى الصدوق ص ،345واللفظ له.
][237
سن :عن ابن محبوب مثله ) .(1جا :عن أحمد بن الوليد ،عن أبيه ،عن الصفار،
عن ابن عيسى مثله ) - 3 .(2لى :عن ابن الوليد ،عن أحمد بن إدريس،
عن جعفر الفزاري ،عن محمد بن الحسين بن زيد ،عن محمد بن سنان،
عن العل بن الفضيل ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :من أحب كافرا فقد
أبغض ال ومن أبغض كافرا فقد أحب ال ،ثم قال عليه السلم :صديق
عدو ال عدو ال ) - 4 .(3فس " :الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل
المتقين " ) (4يعني الصدقاء يعادي بعضهم بعضا ،وقال الصادق عليه
السلم :الكل خلة كانت في الدنيا في غير ال فانها تصير عداوة يوم
القيامة .وقال أمير المؤمنين صلوات ال عليه :وللظالم غدا بكفه عضة،
والرحيل وشيك ،وللخلء ندامة إل المتقين ) - 5 .(5ل :عن أبيه ،عن
علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن محمد بن حمران عن سعيد بن
يسار ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :هل الدين إل الحب ؟ إن ال
عزوجل يقول " قل إن كنتم تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال " )- 6 .(6
ل :عن أبيه ،عن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت ،عن البرقي ،عن
أبيه ،عن حماد بن عيسى ،عن ربعي ،عن الفضيل ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :من حب الرجل دينه حبه إخوانه ).(7
) (1المحاسن ص (2) .263مجالس المفيد (3) .97 :أمالى الصدوق ص 360
أواخر المجلس (4) .88الزخرف (5) .67 :تفسير القمى (6) .الخصال
ص ،5الرقم .69والية في آل عمران (7) .31 :الخصال ص 13تحت
الرقم .4
][238
- 7ف :عن أبي جعفر الثاني قال :أوحى ال إلى بعض النبياء :أما زهدك في الدنيا
فتعجلك الراحة ،وأما انقطاعك إلي فتعززك بي ،ولكن هل عاديت لي عدوا
أو واليت لي وليا ) - 8 .(1ف :عن أبي محمد العسكري قال :حب البرار
للبرار ثواب للبرار وحب الفجار للبرار فضيلة للبرار ،وبغض الفجار
للبرار زين للبرار وبغض البرار للفجار خزي على الفجار ) .(2سن:
عن علي بن محمد القاساني عمن ذكره ،عن عبد ال بن القاسم الجعفري
عن أبي عبد ال عليه السلم مثله ) (3مع تحريق وسقط - 9 .سن :عن
البزنطي ،عن صفوان الجمال ،عن أبي عبيدة الحذاء ،عن أبي جعفر عليه
السلم في حديث له قال :يا زياد ويحك وهل الدين إل الحب ؟ أل ترى إلى
قول ال " إن كنتم تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم " )
(4أو ل ترى قول ال لمحمد صلى ال عليه وآله " حبب إليكم اليمان
وزينه في قلوبكم " وقال " :يحبون من هاجر إليكم " فقال :الدين هو
الحب والحب هو الدين ) - 10 .(5سن :عن ابن محبوب ،عن ابن رئاب،
عن أبي عبيدة الحذاء ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :من أحب ل،
وأبغض ل ،وأعطى ل ،ومنع ل ،فهو ممن كمل إيمانه ) - 11 .(6سن:
عن محمد بن خالد الشعري ،عن إبراهيم بن محمد ،عن حسين بن مصعب
قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :من أحب ال ،وأبغض عدوه ،لم
يبغضه
][239
لوتر وتره في الدنيا ثم جاء يوم القيامة بمثل زبد البحر ذنوبا كفرها ال له ).(1
بيان :يقال :وترته نقصته ،والوتر بالكسر الجناية التي يجنيها الرجل على
غيره من قتل أو نهب أو سبي - 12 .كا :عن العدة ،عن ابن عيسى
والبرقي وعلي بن إبراهيم ،عن أبيه وسهل جميعا ،عن ابن محبوب ،عن
ابن رئاب ،عن أبي عبيدة الحذاء ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :من
أحب ]في ا[ ل ،وأبغض ]في ا[ ل ،وأعطى ]في ا[ ل فهو ممن كمل
إيمانه ) .(2بيان " :من أحب ل " أي أحب من أحب لن ال يحبه وأمر
بحبه من النبياء والوصياء عليهم السلم والصلحاء من المؤمنين ،ل
للغراض الدنيوية والطماع الدنية " وأبغض ل " أي أبغض من أبغض
لن ال يبغضه وأمر ببغضه من أئمة الضللة والكفار والمشركين
والمخالفين والظلمة والفجار لمخالفتهم ل تعالى " وأعطى ل " أي
أعطى من أمر ال باعطائه من أئمة الدين وفقراء المؤمنين وصلحائهم
خالصا ل من غير رئاء ول سمعة ،وفي بعض النسخ " في ال " في
المواضع فهو أيضا بمعنى " ل " و " في " لتعليل أو المعنى الحب في
سبيل طاعته فيرجع إليه أيضا " فهو ممن كمل إيمانه " لن ولية أولياء
ال ومعاداة أعدائه وإخلص العمل له عمدة اليمان وأعظم أركانه- 13 .
كا :بالسناد المتقدم ،عن ابن محبوب ،عن مالك بن عطية ،عن سعيد
العرج ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :من أوثق عرى اليمان أن
تحب في ال وتبغض في ال ،وتعطي في ال ،وتمنع في ال ) .(3ايضاح:
العروة ما يكون في الحبل يتمسك به من أراد الصعود ،وعروة الكوز
ونحوه ،والول هنا أنسب ،كأنه عليه السلم شبه اليمان بحبل يرتقى به
إلى الجنة
) (1المحاسن (2) .265 :الكافي ج 2ص (3) .124الكافي ج 2ص .125
][240
والدرجات العالية والعمال اليمانية ،وأخلقها بالعرى التي تكون فيه يتمسك بها
من أراد الصعود عليه ،وفيه إشارة إلى قوله تعالى " ومن يكفر بالطاغوت
ويؤمن بال فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لها " ) (1والمنع في
ال أن يكون عدم بذله وإعطائه لكونه سبحانه منع منه ،كالحد المنتهي إلى
التبذير أو إعطاء الكفار لغير مصلحة ،والفجار لعانتهم على الفجور،
وأمثال ذلك - 14 .كا :بالسناد ،عن ابن محبوب ،عن أبي جعفر الحول،
عن سلم بن المستنير ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :ود المؤمن للمؤمن في ال من أعظم شعب اليمان،
أل ومن أحب في ال وأبغض في ال وأعطى في ال ومنع في ال فهو من
أصفياء ال ) .(2سن :عن ابن محبوب مثله ) .(3توضيح :في القاموس:
الود والوداد :الحب -ويثلثان -كالودادة والمودة ) (4وفي المصباح
الشعبة من الشجرة الغصن المتفرع منها ،والجمع شعب مثل غرفة
وغرف ،والشعبة من الشئ الطائفة منه ،وانشعبت أغصان الشجرة تفرعت
عن أصلها وتفرقت ،ويقال :هذه المسألة كثيرة الشعب انتهى " وشعب
اليمان " العمال والخلق التي يقتضي اليمان التيان بها ،والصفى
الحبيب المصافي وخالص كل شئ - 15 .كا :عن الحسين بن محمد ،عن
المعلى ،عن الوشاء ،عن أبي حمزة ،عن أبي بصير ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :سمعته يقول :إن المتحابين في ال يوم القيامة على
منابر من نور ،قد أضاء نور وجوههم ونور أجسادهم ونور منابرهم كل
شئ
) (1البقرة (2) .256 :الكافي :ج (3) .2 125المحاسن (4) .263 :القاموس ج 1
ص .344
][241
حتى يعرفوا به ،فيقال :هؤلء المتحابون في ال ) .(1بيان " :المتحابين في ال "
أي الذين يحب كل منهم الخرين لمحض رضا ال ،وكونهم من أحباء ال
ل للغراض الفانية والغراض الباطلة ويكون أضاء لزما ومتعديا يقال
أضاء الشئ وأضاءه غيره ذكره في المصباح - 16 .كا :عن علي ،عن
أبيه ،عن حماد ،عن حريز ،عن فضيل بن يسار قال :سألت أبا عبد ال
عليه السلم عن الحب والبغض أمن اليمان هو ؟ فقال :وهل اليمان إل
الحب والبغض ؟ ثم تل هذه الية " حبب إليكم اليمان وزينه في قلوبكم
وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان اولئك هم الراشدون " ) .(2سن:
عن أبيه ،عن حماد مثله ) .(3تبيان " :عن الحب والبغض " أي حب
الئمة عليهم السلم وبغض أعدائهم أو العم منهما ومن حب المؤمنين
والطاعة ،وبغض المخالفين والمعصية ،والغرض من السؤال إما استعلم
أن العتقاد بامامة الئمة عليهم السلم ومحبتهم ،والتبري عن أعدائهم
هل هما من أجزاء اليمان واصول الدين كما هو مذهب المامية ؟ أو من
فروع الدين والواجبات الخارجة عن حقيقة اليمان كما ذهب إليه
المخالفون ،أو استبانة أن حب أولياء ال وبغض أعدائه هل هما من
المور الختيارية التي يقع التكليف بها ؟ أو هما من فعل ال تعالى وليس
للعبد فيه اختيار ؟ فل يكونان مما كلف ال به والول أظهر .فأجاب عليه
السلم على الستفهام النكاري بأن مدار اليمان على الحب والبغض لن
العتقاد بالشئ ل ينفك عن حبه ،وإنكاره عن بغضه ،أو عمدة اليمان
ولية الئمة عليهم السلم والبراءة من أعدائهم إذ بهما يتم اليمان،
وبدونهما ل ينفع شئ من العقائد والعمال كما مر مفصل ،فكأن اليمان
منحصر فيهما ،أو لما كانا
) (1الكافي ج 2ص (2) .125الحجرات ،7 :راجع الكافي ج 2ص (3) .125
المحاسن ص .262
][242
أصل اليمان وعمدته كيف لم يكونا مكلفا به ؟ وكيف لم تكن مباديهما بالختيار ؟
والستشهاد بالية على الول ظاهر ،وعلى الثاني فلنه لما حصر ال
تعالى الرشد والصلح فيهما ،فلو لم يكونا اختياريين لزم الجبر ،والتكليف
بما ل يطاق وهما منفيان بالدلئل العقلية والنقلية .وأما الية فقال
الطبرسي رحمه ال " :ولكن ال حبب إليكم اليمان " أي جعله أحب
الديان إليكم بأن أقام الدلة على صحته ،وبما وعد من الثواب عليه "
وزينه في قلوبكم " باللطاف الداعية إليه " وكره إليكم الكفر " بما وصف
من العقاب عليه ،وبوجوه اللطاف الصارفة عنه " والفسوق " أي
الخروج عن الطاعة إلى المعاصي " والعصيان " أي جميع المعاصي
وقيل :الفسوق الكذب ،وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلم " اولئك
هم الراشدون " يعني الذين وصفهم باليمان وزينه في قلوبهم ،هم
المهتدون إلى معالي المور ،وقيل :هم الذين أصابوا الرشد واهتدوا إلى
الجنة انتهى ) .(1ويحتمل أن يكون المراد بالكفر الخلل بالعقائد اليمانية
وبالفسوق الكبائر وبالعصيان الصغائر أو العم ،أو بالكفر ترك اليمان
ظاهرا وباطنا ،وبالفسوق النفاق ،وبالعصيان جميع المعاصي .وقد ورد في
أخبار كثيرة قد مر بعضها أن اليمان أمير المؤمنين ووليته والكفر
والفسوق والعصيان الول والثاني والثالث ) (2فيؤيد المعنى الول الذي
ذكرنا في صدر الكلم - 17 .كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن محمد بن
عيسى ،عن حريز ،عن أبي الحسن علي بن يحيى فيما أعلم ،عن عمرو
بن مدرك الطائي ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى
ال عليه وآله لصحابه :أي عرى اليمان أوثق ؟ فقالوا :ال ورسوله
أعلم وقال بعضهم :الصلة ،وقال بعضهم :الزكاة ،وقال بعضهم :الصيام،
وقال بعضهم :الحج
) (1مجمع البيان ج 9ص (2) .133راجع ج 23ص 380من هذه الطبعة
الحديثة.
][243
والعمرة ،وقال بعضهم :الجهاد ،فقال رسول ال صلى ال عليه وآله :لكل ما قلتم
فضل وليس به ولكن أوثق عرى اليمان الحب في ال ،والبغض في ال،
وتوالي أولياء ال ،والتبري من أعداء ال ) .(1سن :عن اليقطيني ،عن
أبي الحسن علي بن يحيى فيما أعلم مثله ) .(2مع :عن ابن الوليد ،عن
الصفار ،عن اليقطيني ،عن علي بن يحيى ،عن علي بن مروك الطائي،
عن أبي عبد ال عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :وذكر مثله ) .(3بيان :الغرض من السؤال امتحان فهم القوم ،وشدة
اهتمامهم باستعلم ما هو الحق في ذلك ،والعمل به ،وكان اختيار كل منهم
فعل وذكره على سبيل الحتمال أو الستفهام ،ولم يكن حكما منهم بأنه
كذلك فانه حينئذ يكون قول بغير علم وفتوى بالباطل ،فهذا حرام ،فكيف
يقررهم صلى ال عليه وآله به ويحثهم عليه ؟ " وليس به " ضمير "
ليس " للفضل المذكور ،وضمير " به " للوثق ،أو ضمير " ليس " لكل
من المذكورات ،وضمير " به " للذي أراد صلى ال عليه وآله " وتوالي
أولياء ال " العتقاد بامامة الذين جعلهم ال أولى بالمؤمنين من أنفسهم
" وأعداء ال " أضدادهم وغاصبوا خلفتهم ،أو العم منهم ومن سائر
المخالفين والكفار - 18 .سن :عن محمد بن علي ،عن محمد بن جبلة
الحمسي ،عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلم قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :المتحابون في ال يوم القيامة على أرض زبرجدة
خضراء ،في ظل عرشه عن يمينه ،وكلتا يديه يمين ،وجوههم أشد بياضا
من الثلج ،وأضوء من الشمس الطالعة ،يغبطهم بمنزلتهم كل ملك مقرب
وكل نبي مرسل ،يقول الناس :من هؤلء ؟ فيقال :هؤلء المتحابون في ال ).(1
كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن محمد بن علي ،عن عمر بن جبلة مثله )
.(2بيان " :على أرض زبرجدة " الضافة كخاتم حديد " في ظل عرشه
" قال في النهاية أي في ظل رحمته ،وقال النووي ) (3قيل :الظل عبارة
عن الراحة والنعيم ،نحو هو في عيش ظليل ،والمراد ظل الكرامة ل ظل
الشمس لنها وسائر العالم تحت العرش ،وقال البي (4) :ومن جواب
شيخنا أنه يحتمل جعل جزء من العرش حائل تحت فلك الشمس وقال
عياض ) (5ظاهره أنه سبحانه يظلهم حقيقة من حر الشمس ،ووهج
الموقف ،وأنفاس الخلئق ،وهو تأويل أكثرهم وقال بعضهم :هو كناية عن
كنهم وجعلهم في كنفه وستره ،ومنه قولهم :السلطان ظل ال ،وقولهم
فلن في ظل فلن أي في كنفه وعزه انتهى .وظاهر الخبار واليات أن
العرش يوضع يوم القيامة في الموقف ،وأن له
) (1المحاسن ص (2) .264الكافي ج 2ص (3) .126هو أبو زكريا محيى الدين
يحيى بن شرف الدمشقي الشافعي ،والنووي منسوب الى نوى بليدة قرب
دمشق ،قيل وهى منزل أيوب عليه السلم كان محققا مدققا حافظا للحديث
عارفا بأنواعه له كتاب المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (4) .هو
عز الدين الحسن بن أبى طالب اليوسفي المعروف بالفاضل البى قال في
الكنى واللقاب :عالم فاضل محقق فقيه قوى الفقاهة شارح نافع وتلميذ
المحقق ،شهرته دون فضله ،وعلمه أكثر من ذكره ونقله ،وكتابه كشف
الرموز كتاب حسن مشتمل على فوائد كثيرة وتنبيهات جيدة وله مع
شيخه مباحثات ومخالفات في كثير من المواضع ،فرغ من تأليف كتابه
سنة (5) .672هو أبو الفضل بن موسى بن عياض المالكى الندلسي
الصل ،كان امام وقته في الحديث وعلومه ،وصنف التصانيف منها
مشارق النوار في تفسير غريب الحديث المختص بالصحاح الثلثة:
الموطأ ،صحيح البخاري وصحيح مسلم .توفى بمراكش .544
][245
يمينا وشمال ،فيمكن أن يكون المقربون في يمينه ،ومن دونهم في شماله ،وكلهما
يمين مبارك يأمن من استقر فيهما ،وقيل يحتمل أن يراد به الرحمة ولها
أفراد متفاوتة ،فأقواهما يمين وأدونهما يسار ،وكلهما مبارك ينجي من
أهوال القيامة .وقال في النهاية فيه " وكلتا يديه يمين " أي أن يديه تبارك
وتعالى بصفة الكمال ل نقص في واحدة منهما ،لن الشمال ينقص عن
اليمين ،وكل ما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليد واليدي واليمين
وغير ذلك من أسماء الجوارح إلى ال تعالى فانما هو على سبيل المجاز
والستعارة ،وال تعالى منزه عن التشبيه والتجسيم انتهى .وفي الكافي "
أشد بياضا وأضوأ " وكأنه سقط قوله " من الثلج " من النساخ " يغبطهم
" تقول غبطهم كضرب غبطا إذا تمنى مثل ما ناله من غير أن يريد زواله
لما أعجبه من حسنه ،وكأن المعنى أن الملك والنبي مع جللة قدرهما،
وعظم نعمتهما يعجبهما هذه المنزلة ويعدانها عظيمة ،فل يستلزم كون
منزلته دون منزلتهما وربما يقرأ " يغبطهم " على بناء التفعيل أي
يعدانهم ذوي غبطة وحسن حال ،أو مغبوطين للناس - 19 .كا :عن العدة،
عن البرقي ،عن أبيه ،عن نضر بن سويد ،عن هشام ابن سالم ،عن أبي
حمزة الثمالي ،عن علي بن الحسين عليهما السلم قال :إذا جمع ال
عزوجل الولين والخرين ،قام مناد فنادى يسمع الناس فيقول :أين
المتحابون في ال ؟ قال :فيقوم عنق من الناس فيقال لهم :اذهبوا إلى
الجنة بغير حساب قال فتلقاهم الملئكة فيقولون :إلى أين ؟ فيقولون :إلى
الجنة بغير حساب ،قال :فيقولون :فأي ضرب ) (1أنتم من الناس ؟
فيقولون :نحن المتحابون في ال قال :فيقولون :وأي شئ كانت أعمالكم ؟
قالوا :كنا نحب في ال ،ونبغض في ال قال :فيقولون :نعم أجر العاملين )
.(2
][246
سن :عن أبيه ،عن النضر مثله ) .(1بيان " :يسمع الناس " على بناء الفعال حال
عن فاعل " فنادى " وفي المحاسن " ينادي بصوت يسمع " " فتلقاهم "
على بناء المجرد أو على بناء التفعل بحذف إحدى التائين أي تستقبلهم "
وأي شئ كانت أعمالكم " أي منصوب بخبرية كانت أي أية مرتبة بلغ
تحابكم ؟ وأي شئ فعلتم حتى سميتم بهذا السم ؟ وقيل هو استبعاد لكون
محض التحاب سبب هذه المنزلة ،وفي المحاسن " قالوا وأي شئ " قوله
" نعم أجر العاملين " المخصوص بالمدح محذوف أي أجركم وما أعطاكم
ربكم - 20 .كا :عن العدة ،عن علي بن حسان ،عمن ذكره ،عن داود بن
فرقد عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ثلث من علمات المؤمن :علمه
بال ،ومن يحب ،ومن يبغض ) .(2بيان " :علمه بال " أي بذاته وصفاته
بقدر وسعه وطاقته " ومن يحب ومن يبغض " أي من يحبه ال من
النبياء والوصياء عليهم السلم وأتباعهم ،ومن يبغضه ال من الكفار
وأهل الضلل ،أو الضمير في الفعلين راجع إلى المؤمن أي علمه بمن
يجب أن يحبه ويجب أن يبغضه وكأنه أظهر - 21 .كا :عن علي ،عن أبيه،
عن ابن أبي عمير ،عن هشام بن سالم وحفص ابن البختري ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :إن الرجل ليحبكم وما يعرف ما أنتم عليه فيدخله ال
الجنة بحبكم وإن الرجل ليبغضكم وما يعرف ما أنتم عليه فيدخله ال
ببغضكم النار ) .(3بيان :قوله عليه السلم " إن الرجل ليحبكم " أقول
يحتمل وجوها الول أن يكون المراد بهم المستضعفين من المخالفين،
فانهم يحبون الشيعة ول يعرفون مذهبهم ،ويحتمل دخولهم الجنة بذلك،
الثاني أن يكون المراد بهم المستضعفين
][247
من الشيعة فانهم يحبون علماء الشيعة وصلحاءهم ،ولكن لم يصلوا إلى ما هم عليه
من العقائد الحقة والعمال الصالحة ،فيدخلون بذلك الجنة ومنهم من
يبغض العلماء والصلحاء فيدخلون بذلك النار ،فان كان بغضهم للعلم
والصلح فهم كفرة ،وإل فهم فسقة ،كما ورد :كن عالما أو متعلما أو محبا
للعلماء ول تكن رابعا فتهلك الثالث أن يكون المراد بما أنتم عليه :الصلح
والورع ،دون التشيع كما ذكره بعض المحققين ،الرابع أن يكون المراد بما
أنتم عليه :المعصية ،كما روي أن حفصا كان يلعب بالشطرنج ) .(1فالمراد
أن من أحبكم لظاهر إيمانكم وتشيعكم مع عدم علمه بالمعاصي التي أنتم
عليه فبذلك يدخل الجنة ،ومن أبغضكم لكونكم مؤمنين ولم يعلم فسقكم
ليبغضكم لذلك فهو من أهل النار ،لن بغض المؤمن ليمانه كفر - 22 .كا:
عن العدة ،عن البرقي ،عن ابن العرزمي ،عن أبيه ،عن جابر الجعفي ،عن
أبي جعفر عليه السلم قال :إذا أردت أن تعلم أن فيك خيرا فانظر إلى قلبك
فان كان يحب أهل طاعة ال عزوجل ويبغض أهل معصيته ففيك خير وال
يحبك وإذا كان ) (2يبغض أهل طاعة ال ويحب أهل معصيته فليس فيك
خير ،وال يبغضك ،والمرء مع من أحب ) .(3سن :عن العرزمي ،عن
أبيه ،عن جابر مثله ) .(4ع :عن ابن الوليد ،عن الصفار ،عن أحمد بن
محمد ،عن أبيه ،عن ابن العرزمي
) (1قال النجاشي في رجاله ص :103حفص بن البخترى -ضبطه ابن داود بفتح
الباء وسكون الخاء المعجمة -مولى بغدادي أصله كوفى ثقة ،روى عن
أبى عبد ال وأبى الحسن عليهما السلم ذكره أبو العباس ،وإنما كان بينه
وبين آل أعين نبوة فغمزوا عليه بلعب الشطرنج (2) .في المصدر
المطبوع وهكذا في نسخة المحاسن والعلل :وان كان (3) .الكافي ج 2
ص (4) .126المحاسن ص .263
][248
مثله ) .(1بيان " :يحب أهل طاعة ال " أي سواء وصل منهم ضرر إلى دنياه أولم
يصل " ويبغض أهل معصيته " سواء وصل منهم إليه نفع أو لم يصل "
وإذا كان يبغض أهل طاعة ال " لضرر دنيوي " ويحب أهل معصيته "
لنفع دنيوي .وقيل .أصل المحبة الميل ،وهو على ال سبحانه محال ،فمحبة
ال للعبد رحمته وهدايته إلى بساط قربه ورضاه عنه ،وإرادته إيصال
الخير إليه وفعله له فعل المحب ،وبغضه سلب رحمته عنه وطرده عن
مقام قربه ووكوله إلى نفسه ،وكون " المرء مع من أحب " ل يستلزم أن
يكون مثله في الدرجات أو في الدركات ،فان دخوله مع محبوبه في الجنه
أو في النار يكفي لصدق ذلك - 23 .كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن أبي
علي الواسطي ،عن الحسين ابن أبان ،عمن ذكره ،عن أبي جعفر عليه
السلم قال :لو أن رجل أحب رجل ل لثابه ال على حبه إياه ،وإن كان
المحبوب في علم ال من أهل النار ،ولو أن رجل أبغض رجل ل ،لثابه
ال على بغضه إياه ،وإن كان المبغض في علم ال من أهل الجنة ).(2
سن :عن أبي علي الواسطي مثله ) .(3ما :عن جماعة ،عن أبي المفضل،
عن محمد بن صالح بن فيض بن فياض ،عن أحمد بن محمد بن عيسى،
عن الحسن بن أبان ،عن بعض أصحابنا عنه عليه السلم مثله إل أنه في
الموضعين " وإن كان في علم ال " بدون ذكر المحبوب والمبغض ).(4
بيان :قوله عليه السلم " لثابه ال " أقول هذا إذا لم يكن مقصرا في
ذلك ،ولم يكن مستندا إلى ضللته وجهالته ،كالذين يحبون أئمة الضللة
ويزعمون أن
][249
ذلك ل ،فان ذلك لمحض تقصيرهم عن تتبع الدلئل واتكالهم على متابعة الباء
وتقليد الكبراء ،واستحسان الهواء ،بل هو كمن أحب منافقا يظهر اليمان
والعمال الصالحة ،وفي باطنه منافق فاسق ،فهو يحبه ليمانه وصلحه
ل وهو مثاب بذلك ،وكذا الثاني فان أكثر المخالفين يبغضون الشيعة
ويزعمون أنه ل ،وهم مقصرون في ذلك كما عرفت .وأما من رأى شيعة
يتقي من المخالفين ويظهر عقائدهم وأعمالهم ولم ير ول سمع منه ما يدل
على تشيعه فان أبغضه ولعنه فهو في ذلك مثاب مأجور ،وإن كان من
أبغضه من أهل الجنة ومثابا عند ال بتقيته ،أو كأحد من علماء الشيعة
زعم عقيدة من العقائد كفرا ،أو عمل من العمال فسقا وأبغض المتصف
بأحدهما ل ولم يكن أحدهما مقصرا في بذل الجهد في تحقيق تلك المسألة،
فهما مثابان وهما من أهل الجنة إن لم يكن أحدهما ضروريا للدين- 24 .
كا :عن محمد بن يحيى ،عن ابن عيسى ،عن الحسين بن سعيد ،عن
النضر ابن سويد ،عن يحيى الحلبي ،عن بشير الكناسي ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :قد يكون حب في ال ورسوله ،وحب في الدنيا ،فما كان
في ال ورسوله فثوابه على ال وما كان في الدنيا فليس بشئ ) .(1سن:
عن أبيه ،عن النضر مثله ) .(2بيان " :قد يكون حب في ال ورسوله "
أي لهما كحب النبياء والئمة صلوات ال عليهم وحب العلماء والسادات
والصلحاء والخوان من المؤمنين لعلمهم وسيادتهم وصلحهم وإيمانهم،
ولمره تعالى ورسوله بحبهم " وحب في الدنيا " كحب الناس لبذل مال
وتحصيله ،أو لنيل جاه وغرض من الغراض الدنيوية " فليس بشئ "
أي فأقل مراتبه أنه ل ينفع في الخرة ،بل ربما أضر إذا كان لتحصيل
الموال المحرمة ،والمناصب الباطلة ،أو لفسقهم ،أو للعشق الباطل
][250
وأمثال ذلك - 25 .كا :عن العدة ،عن أحمد بن محمد ،عن عثمان بن عيسى ،عن
سماعة ابن مهران ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن المسلمين
يلتقيان فأفضلهما أشدهما حبا لصاحبه ) .(1بيان " :فأفضلهما " أي عند
ال وأكثرهما ثوابا " أشدهما حبا لصاحبه " في ال كما مر - 26 .كا :عن
العدة ،عن أحمد بن محمد ،عن البزنطي وابن فضال ،عن صفوان الجمال،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ما التقى مؤمنان قط إل كان أفضلهما
أشدهما حبا لخيه ) - 27 .(2كا :عن الحسين بن محمد ،عن محمد بن
عمران السبيعي ،عن عبد ال بن جبلة ،عن إسحاق بن عمار ،عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :كل من لم يحب على الدين ،ولم يبغض على
الدين ،فل دين له ) .(3بيان " :كل من لم يحب على الدين " إن كان المراد
أنه لم يكن شئ من حبه وبغضه في الدين فقوله " فل دين له " على
الحقيقة لنه لم يحب النبي صلى ال عليه وآله والئمة عليهم السلم أيضا
ل ول أبغض أعداءهم ل ،وإن كان المراد غالب حبه وبغضه أو حب أهل
زمانه ،أو لم يكن جميع حبه وبغضه للدين فالمعنى ل دين له كامل- 28 .
سن :عن بعض أصحابنا ،عن صالح بن بشير الدهان قال :قال أبو عبد ال
عليه السلم إن الرجل ليحب ولي ال وما يعلم ما يقول .فيدخله ال الجنة
وإن الرجل ليبغض ولي ال وما يعلم ما يقول فيموت ويدخل النار ).(4
كتاب الغايات :عن أبي جعفر عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وآله ذات يوم لصحابه :أخبروني بأوثق عرى السلم ؟ فقالوا :يا
رسول ال الصلة قال :إن الصلة ،قالوا :يا رسول ال الزكاة ،قال :إن
الزكاة ،قالوا :يا رسول ال الجهاد
][251
قال :إن الجهاد قال :فقالوا :يا رسول ال فأخبرنا قال :الحب في ال والبغض في
ال ) .(1بيان :قوله صلى ال عليه وآله " إن الصلة " أي ليس الصلة
كذلك ،أو لها فضل لكن ليست كذلك ،ويحتمل كون إن نافية لكنه بعيد- 30 .
مص :قال الصادق عليه السلم :المحب في ال محب ال ،والمحبوب في
ال حبيب ال لنهما ل يتحابان إل في ال قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :المرء مع من أحب فمن أحب عبدا في ال فانما أحب ال ،ول يحب
ال تعالى إل من أحبه ال ،قال رسول ال صلى ال عليه وآله :أفضل
الناس بعد النبيين في الدنيا والخرة المحبون ل المتحابون فيه ،وكل حب
معلول يورث بعدا فيه عداوة إل هذين ،وهما من عين واحدة يزيدان أبدا
ول ينقصان قال ال عزوجل " الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل
المتقين " ) (2لن أصل الحب التبري عن سوى المحبوب .وقال أمير
المؤمنين عليه السلم :إن أطيب شئ في الجنة وألذه حب ال ،والحب ]في
ا[ ل والحمد ل قال ال عزوجل " وآخر دعويهم أن الحمد ل رب
العالمين " وذلك أنهم إذا عاينوا ما في الجنة من النعيم هاجت المحبة في
قلوبهم ،فينادون عند ذلك :أن الحمد ل رب العالمين ) - 31 .(3م :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :معاشر الناس أحبوا موالينا مع حبكم للنا
هذا زيد بن حارثة وابنه اسامة بن زيد من خواص موالينا فأحبوهما فو
الذي بعث محمدا بالحق نبيا لينفعكم حبهما ،قالوا :وكيف ينفعنا حبهما ؟
قال :إنهما يأتيان يوم القيامة عليا عليه السلم بخلق عظيم أكثر من ربيعة
ومضر بعدد كل واحد منهما فيقولن :يا أخا رسول ال هؤلء أحبونا بحب
محمد رسول ال صلى ال عليه وآله وبحبك ،فيكتب لهم علي عليه السلم
جوازا على الصراط ،فيعبرون عليه ويردون الجنة سالمين ،وذلك أن أحدا
ل يدخل الجنة من سائر امة محمد صلى ال عليه وآله إل بجواز من علي
عليه السلم.
) (1مخطوط (2) .الزخرف (3) .67 :مصباح الشريعة ،65 :والية في يونس:
.10
][252
فان أردتم الجواز على الصراط سالمين ،ودخول الجنان غانمين ،فأحبوا بعد حب
محمد وآله عليهم السلم مواليه ،ثم إن أردتم أن يعظم محمد صلى ال
عليه وآله عند ال تعالى منازلكم فأحبوا شيعة محمد وعلي وجدوا في
قضاء حوائج إخوانكم المؤمنين ،فان ال تعالى إذا أدخلكم معاشر شيعتنا
ومحبينا الجنان ،نادى مناديه في تلك الجنان قد دخلتم عبادي الجنة
برحمتي ،فتقاسموها على قدر حبكم لشيعة محمد وعلي وقضائكم لحقوق
إخوانكم المؤمنين ،فأيهم كان أشد للشيعة حبا ولحقوق إخوانهم المؤمنين
أشد قضاء ،كانت درجاته في الجنان أعل حتى أن فيهم من يكون أرفع من
الخر بمسير خمسمائة سنة ترابيع قصور وجنان .بيان :كأن المراد
بالتراييع المربعات فانها أحسن الشكال - 32 .جع :عن أبي هريرة ،عن
النبي صلى ال عليه وآله قال :إن حول العرش منابر من نور ،عليها قوم
لباسهم ووجوههم نور ،ليسوا بأنبياء ،يغبطهم النبياء والشهداء قالوا :يا
رسول ال حل لنا قال :هم المتحابون في ال ،والمتجالسون في ال
والمتزاورون في ال .وقال النبي صلى ال عليه وآله :لو أن عبدين تحابا
في ال أحدهما بالمشرق ،والخر بالمغرب لجمع ال بينهما يوم القيامة،
وقال النبي صلى ال عليه وآله أفضل العمال الحب في ال والبغض في
ال ،وقال عليه السلم علمة حب ال حب ذكر ال ،عن أنس قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :الحب في ال فريضة ،والبغض في ال
فريضة ) .(1بيان " :حل لنا " أي بين من حل العقدة ،استعير لحل
الشكال ،قال في الساس :من المجاز فلن حلل للعقد كاف للمهمات.
دعوات الراوندي :روي أن ال تعالى قال لموسى عليه السلم هل عملت
لي عمل :؟ قال :صليت لك ،وصمت وتصدقت وذكرت لك ،قال ال تبارك
وتعالى ،وأما الصلة فلك برهان ) (2والصوم جنة ،والصدقة ظل ،والذكر
) (1جامع الخبار ص " (2) .149لك برهان :أي دليل على اسلمك " هذه العبارة
في نسخة الكمبانى ص 284قبل سطرين ،ذيل البيان السابق ،وهو سهو.
][253
نور ،فأي عمل عملت لي ؟ قال موسى عليه السلم :دلني على العمل الذي هو لك،
قال :يا موسى هل واليت لي وليا ،وهل عاديت لي عدوا قط ؟ فعلم موسى
أن أفضل العمال الحب في ال ،والبغض في ال .وإليه أشار الرضا عليه
السلم بمكتوبه :كن محبا لل محمد وإن كنت فاسقا ،ومحبا لمحبيهم وإن
كانوا فاسقين .ومن شجون الحديث أن هذا المكتوب هو الن عند بعض
أهل كرمند قرية من نواحينا إلى اصفهان ما هي ورفعته ) (1أن رجل من
أهلها كان جمال لمولنا أبي الحسن عليه السلم عند توجهه إلى خراسان،
فلما أراد النصراف قال له :يا ابن رسول ال شر فني بشئ من خطك
أتبرك به ،وكان الرجل من العامة فأعطاه ذلك المكتوب .وقال النبي صلى
ال عليه وآله أوثق عرى اليمان الحب في ال والبغض في ال )- 34 .(2
جع :أوحى ال إلى موسى عليه السلم هل عملت لي عمل إلى قوله
والبغض في ال ) .(3بيان :في القاموس :الشجن الغصن المشتبك،
والحديث ذو شجون :فنون وأغراض ،قوله ما هي أي ما هي من إصفهان
لكنها في تلك الناحية ،وفي القاموس راوند موضع بنواحي إصفهان.
وأقول :قد مر كثير من أخبار الباب في باب صفات المؤمن ،وصفات
الشيعة وكتب المامة وسيأتي في سائر البواب.
) (1ورايته خ ل (2) .دعوات الراوندي مخطوط (3) .جامع الخبار ص .149
][254
) * - 37باب( * * " )صفات خيار العباد واولياء ال ،وفيه ذكر بعض الكرامات(
" * * " )التى رويت عن الصالحين( " * اليات :يونس :أل إن أولياء
ال ل خوف عليهم ول هم يحزنون ) .(1الحج :الذين إن مكناهم في
الرض أقاموا الصلوة وآتوا الزكوة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر
ول عاقبة المور ) .(2المؤمنون :إن الذينهم من خشية ربهم مشفقون *
والذينهم بآيات ربهم يؤمنون * والذينهم بربهم ل يشركون * والذين
يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون * اولئك يسارعون
في الخيرات وهم لها سابقون ) .(3النور :في بيوت أذن ال أن ترفع
ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والصال * رجال ل تلهيهم تجارة
ول بيع عن ذكر ال وإقام الصلوة وإيتاء الزكوة يخافون يوما تتقلب فيه
القلوب والبصار * ليجزيهم ال أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله وال
يرزق من يشاء بغير حساب ) .(4الفرقان :وعباد الرحمن الذين يمشون
على الرض هونا * وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلما * والذين يبيتون
لربهم سجدا وقياما * والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن
عذابها كان غراما * إنها ساءت مستقرا ومقاما * والذين إذا أنفقوا لم
يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما * والذين ل يدعون مع ال إلها
آخر ول يقتلون النفس التي حرم ال إل بالحق ول يزنون ومن يفعل
) (1يونس (2) .68 :الحج (3) .41 :المؤمنون (4) .61 - 57 :النور 36 :و .38
][255
ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيمة ويخلد فيه مهانا * إل من تاب وآمن
وعمل عمل صالحا فاولئك يبدل ال سيئاتهم حسنات وكان ال غفورا
رحيما * ومن تاب وعمل صالحا فانه يتوب إلى ال متابا * والذين ل
يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما * والذين إذا ذكروا بآيات
ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا * والذين يقولون ربنا هب لنا من
أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما * اولئك يجزون الغرفة
بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلما * خالدين فيها حسنت مستقرا
ومقاما ) .(1السجدة :إن الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا تتنزل عليهم
الملئكة أل تخافوا ول تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن
أولياؤكم في الحيوة الدنيا وفي الخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم
فيها ما تدعون نزل من غفور رحيم * ومن أحسن قول ممن دعا إلى ال
وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) .(2الحقاف :إن الذين قالوا ربنا
ال ثم استقاموا فل خوف عليهم ول هم يحزنون * اولئك أصحاب الجنة
خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون * ووصينا النسان بوالديه إحسانا
حملته امه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلثون شهرا حتى إذا بلغ
أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي
وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك
وإني من المسلمين * اولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز
عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ).(3
الذاريات :إن المتقين في جنات وعيون * آخذين ما آتيهم ربهم إنهم كانوا
قبل ذلك محسنين * كانوا قليل من الليل ما يهجعون * وبالسحار هم
][256
) (1الذاريات (2) .19 - 15 :المجادلة (3) .22 :الحاقة (4) .24 - 19 :المعارج:
.35 - 23
][257
قوله تعالى -إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ) .(1العصر :والعصر إن
النسان لفي خسر * إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق
وتواصوا بالصبر .تفسير " :أل إن أولياء ال ل خوف عليهم " ) (2قال
المفسرون أي في القيامة من العقاب " ول هم يحزنون " أي ل يخافون،
وأقول :يمكن أن يكون المراد أعم من الدنيا والخرة ،فإنهم لرضاهم
بقضاء ال ،وعدم تعلقهم بالدنيا وما فيها ل خوف عليهم للحوق مكروه،
ول هم يحزنون لفوات مأمول .وقال الطبرسي رحمه ال :اختلف في أولياء
ال ،فقيل :هم قوم ذكرهم ال بما هم عليه من سيماء الخير والخبات عن
ابن عباس ،وقيل :هم المتحابون في ال ذكر ذلك في خبر مرفوع ،وقيل:
هم " الذين آمنوا وكانوا يتقون " قد بينهم في الية التي بعدها ،وقيل:
إنهم الذين أدوا فرائض ال ،وأخذوا بسنن رسول ال صلى ال عليه وآله
وتورعوا عن محارم ال ،وزهدوا في عاجل هذه الدنيا ،ورغبوا فيما عند
ال واكتسبوا الطيب من رزق ال لمعايشهم ،ل يريدون به التفاخر
والتكاثر ،ثم أنفقوه فيما يلزمهم من حقوق واجبة ،فاولئك الذين يبارك ال
لهم فيما اكتسبوا ويثابون على ما قدموا منه لخرتهم ،وهو المروي عن
علي بن الحسين عليهما السلم وقيل :هم الذين توالت أفعالهم على موافقة
الحق ) .(3وقال رحمه ال في قوله تعالى " :الذين إن مكناهم في الرض
" أي أعطيناهم ما به يصح الفعل منهم وسلطناهم في الرض ،أدوا الصلة
بحقوقها ،وأعطوا ما افترض ال عليهم من الزكاة " وأمروا بالمعروف "
وهو الحق لنه تعرف صحته " ونهوا عن المنكر " وهو الباطل لنه ل
يمكن معرفة صحته ،ويدل على وجوبهما وقال أبو جعفر عليه السلم:
نحن هم وال " ول عاقبة المور " أي يبطل كل ملك سوى
) (1الدهر (2) .22 - 5 :يونس (3) .68 :مجمع البيان ج 5ص .120
][258
ملكه ،فتصير المور إليه بل مانع ول منازع ) .(1وقال في قوله " :إن الذين هم
من خشية ربهم مشفقون " ) (2أي من عذاب ربهم خائفون ،فيفعلون ما
أمرهم به ،وينتهون عما نهاهم عنه " والذين هم بآيات ربهم يؤمنون "
أي بآيات ال وحججه من القرآن وغيره يصدقون .أقول :وفي الخبار أن
اليات هم الئمة عليهم السلم ) " .(3والذينهم بربهم ل يشركون " من
الشرك الجلي والخفي " والذين يؤتون ما آتوا " أي يعطون ما أعطوا من
الزكاة والصدقة ،أو أعمال البر كلها كما قال علي بن إبراهيم رحمه ال:
من العبادة والطاعة ،ويؤيده قراءة " يأتون ما أتوا " في الشواذ )" (4
وقلوبهم وجلة " أي خائفة ،قال الحسن :المؤمن جمع إحسانا وشفقة،
والمنافق جمع إساءة وامتنانا ،وقال أبو عبد ال عليه السلم :خائفة أن ل
تقبل منهم ،وفي رواية اخرى يؤتي ما آتى وهو خائف راج ،وقيل :إن في
الكلم حذفا وإضمارا ،وتأويله قلوبهم وجلة أن ل يقبل منهم ،لعلمهم "
أنهم إلى ربهم راجعون " أي لنهم يوقنون بأنهم يرجعون إلى ال تعالى
يخافون أن ل يقبل منهم ،وإنما يخافون ذلك لنهم ل يأمنون التفريط أو
يخافون من أن مرجعهم إليه وهو يعلم ما يخفى عليهم .وقال الصادق عليه
السلم :ما الذي أتوا ؟ أتوا وال الطاعة مع المحبة والولية وهم في ذلك
خائفون ليس خوفهم خوف شك ولكنهم خافوا أن يكونوا مقصرين في
) (1مجمع البيان ج 7ص ،88سورة الحج الية (2) .41 :المؤمنون 57 :وما
نقله فيما يلى مأخوذ من تفسير مجمع البيان ج 7ص .110تفسير
البيضاوى ص ،288وغير ذلك (3) .راجع ج 23ص ،211 - 206من
هذه الطبعة الحديثة باب أنهم عليهم السلم آيات ال وبيناته وكتابه(4) .
في الشواذ قراءة النبي صلى ال عليه وآله وعائشة وابن عباس وقتادة
والعمش " يأتون ما أتوا " مقصورا ،كذا في المجمع.
][259
محبتنا وطاعتنا ) " .(1اولئك يسارعون في الخيرات " معناه الذين جمعوا هذه
الصفات هم الذين يبادرون إلى الطاعات ويسابقون إليها رغبة منهم فيها،
وعلما منهم بما ينالون بها من حسن الجزاء " وهم لها سابقون " أي
وهم لجل تلك الخيرات سابقون إلى الجنة أو هم إليها سابقون ،قال ابن
عباس :يسابقون فيها أمثالهم من أهل البر والتقوى وروى علي بن
إبراهيم ،عن الباقر عليه السلم قال :هو علي بن أبي طالب عليه السلم لم
يسبقه أحد ) " .(2في بيوت " ) (3أي كمشكوة في بعض بيوت أو توقد
في بيوت " أذن ال " أي أمر أو قدر " أن ترفع " بالتعظيم " ويذكر فيها
اسمه " بالتلوة والذكر والدعاء ونزول الوحي وبيان الحكام .عن
الصادق عليه السلم هي بيوت النبي صلى ال عليه وآله ) (4وعن الباقر
عليه السلم هي بيوت النبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى ،وروى
علي ابن إبراهيم عنه عليه السلم هي بيوت النبياء وبيت علي عليه
السلم منها " يسبح له فيها بالغدو والصال " في الفقيه ) (5عن الصادق
عليه السلم في هذه الية قال :كانوا أصحاب تجارة فإذا حضرت الصلة
تركوا التجارة وانطلقوا إلى الصلة وهم أعظم أجرا ممن ل يتجر ،وفي
المجمع عنهما عليهما السلم مثله ) " (6يخافون يوما " مع ما هم عليه
من الذكر والطاعة " تتقلب فيه القلوب والبصار " تضطرب وتتغير من
الهول " ليجزيهم ال أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله " أشياء لم
يعدهم على أعمالهم ول تخطر ببالهم
) (1الكافي ج 8ص (2) .229تفسير القمى ص (3) .447النور (4) .36 :الكافي
ج 8ص (5) .331فقيه من ل يحضره الفقيه ج 3ص 119ط دار
الكتب بالنجف (6) .مجمع البيان ج 7ص .144
][260
" وال يرزق من يشاء بغير حساب " تقرير للزيادة ،وتنبيه على كمال القدرة،
ونفاذ المشية ،وسعة الحسان " .وعباد الرحمن " ) (1أي عبيده الخلص
الذين عملوا بلوازم العبودية " الذين يمشون على الرض هونا " أي
بسكينة وتواضع ،وفي المجمع عن الصادق عليه السلم هو الرجل يمشي
بسجيته التي جبل عليها ل يتكلف ول يتبختر ) (2وروى علي بن إبراهيم
عن الباقر عليه السلم أنه قال في هذه الية :الئمة عليهم السلم يمشون
على الرض هونا خوفا من عدوهم ) (3وعن الكاظم عليه السلم أنه سئل
عن هذه الية فقال :هم الئمة يتقون في مشيهم ) (4وعن الباقر عليه
السلم قال :هم الوصياء مخافة من عدوهم ) " (5وإذا خاطبهم الجاهلون
قالوا سلما " قيل :أي تسلما منكم ومتاركة لكم ل خير بيننا ول شر ،أو
سدادا من القول يسلمون فيه من اليذاء والثم " والذين يبيتون لربهم
سجدا وقياما " أي في الصلة ،وتخصيص البيتوتة لن العبادة بالليل أحمز
وأبعد من الرئاء " .والذين يقولون " إلى قوله " غراما " أي لزما،
ومنه الغريم لملزمته وهو إيذان بأنهم مع حسن مخالفتهم مع الخلق،
واجتهادهم في عبادة الحق وجلون من العذاب مبتهلون إلى ال في صرفه
عنهم لعدم اعتدادهم بأعمالهم ،ول وثوقهم على استمرار أحوالهم " إنها
ساءت مستقرا ومقاما " الجملتان تحتملن الحكاية والبتداء من ال "
والذين إذا أنفقوا " الخ .قال علي بن إبراهيم :السراف النفاق في
المعصية في غير حق " ولم يقتروا " لم يبخلوا عن حق ال جل وعز
والقوام العدل والنفاق فيما أمر ال به.
) (1الفرقان (2) .63 :مجمع البيان ج 7ص 3) .179و (4تفسير القمى ص
(5) .467الكافي ج 1ص .427
][261
وفي المجمع عن النبي صلى ال عليه وآله :من أعطى في غير حق فقد أسرف،
ومن منع من حق فقد قتر ،وعن علي عليه السلم :ليس في المأكول
والمشروب سرف وإن كثر ) (1وعن الصادق عليه السلم :إنما السراف
فيما أفسد المال وأضر بالبدن قيل :فما القتار ؟ قال :أكل الخبز والملح
وأنت تقدر على غيره ،قيل :فما القصد ؟ قال :الخبز واللحم واللبن والخل
والسمن مرة هذا ومرة هذا ،وعنه عليه السلم أنه تل هذه الية فأخذ
قبضة من حصى وقبضها بيده ،قال :هذا القتار الذي ذكر ال في كتابه ،ثم
قبض قبضة اخرى فأرخى كفه كلها ثم قال :هذا السراف ،ثم أخذ قبضة
اخرى فأرخى بعضها وأمسك بعضها وقال :هذا القوام " .حرم ال " أي
حرمها بمعنى حرم قتلها " إل بالحق " متعلق بالقتل المحذوف أو بل
يقتلون " يلق أثاما " أي جزاء " ثم يضاعف " بدل من يلق ،وقال علي
بن إبراهيم :أثام واد من أودية جهنم من صفر مذاب ،قدامها حرة في جهنم
يكون فيه من عبد غير ال ومن قتل النفس التي حرم ال ،وتكون فيه
الزناة ويضاعف لهم فيه العذاب " فاولئك يبدل ال سيئاتهم حسنات " في
العيون عن الرضا عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
إذا كان يوم القيامة تجلى ال عزوجل لعبده المؤمن فيقفه على ذنوبه ذنبا
ذنبا ثم يستغفر له ل يطلع ال على ذلك ملكا مقربا ول نبيا مرسل ،ويستر
عليه ما يكره أن يقف عليه أحد ثم يقول لسيئاته :كونوا حسنات .وأقول:
الخبار في ذلك كثيرة أوردتها في البواب السابقة لسيما في باب الصفح
عن الشيعة ) " .(2ومن تاب " بترك المعاصي والندم عليها " وعمل
صالحا " بتلفي ما فرط ،أو خرج عن المعاصي ودخل في الطاعة " فانه
يتوب إلى ال " أي يرجع إليه بذلك " متابا " مرضيا عند ال ماحيا
للعقاب محصل للثواب ،وقال علي بن إبراهيم :ل يعود إلى شئ من ذلك
باخلص ونية صادقة " والذين ل يشهدون الزور " قال :ل
) (1مجمع البيان ج 7ص (2) .179راجع ج 68ص 149 - 98من هذه الطبعة.
][262
يقيمون الشهادة الباطلة ،وعن الصادق عليه السلم هو الغناء ) (1وقال علي بن
إبراهيم الغناء ومجالس اللهو " وإذا مروا باللغو مروا كراما " معرضين
عنه مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه والخوض فيه ،ومن ذلك الغضاء
عن الفحشاء ،والصفح عن الذنوب ،والكناية عما يستهجن التصريح به،
وفي المجمع عن الباقر عليه السلم الذين إذا أرادوا ذكر الفرج كنوا عنه )
(2وفي الكافي عن الصادق عليه السلم أنه قال لبعض أصحابه :أين نزلتم
؟ قالوا :على فلن صاحب القيان ،فقال :كونوا كراما ثم قال :أما سمعتم
قول ال عزوجل في كتابه " وإذا مروا باللغو مروا كراما " ) (3وفي
العيون عن محمد بن أبي عباد كان مشتهرا بالسماع وبشرب النبيذ قال:
سألت الرضا عليه السلم عن السماع فقال :لهل الحجاز رأي فيه ،وهو
في حيز الباطل واللهو أما سمعت ال يقول " وإذا مروا باللغو مروا كراما
" " .والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا " أي لم
يقيموا عليها غير واعين لها ول متبصرين بما فيها ،كمن ل يسمع ول
يبصر ،بل أكبوا عليها سامعين بآذان واعية ،مبصرين بعيون راعية ،وفي
الكافي عن الصادق عليه السلم قال مستبصرين ليسوا بشكاك )" (4
والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين " بتوفيقهم
للطاعة وحيازة الفضائل ،فان المؤمن إذا شاركه أهله في طاعة ال سر به
قلبه ،وقر بهم عينه ،لما يرى من مساعدتهم له في الدين وتوقع لحوقهم
به في الجنة " .واجعلنا للمتقين إماما " في الجوامع عن الصادق عليه
السلم إيانا عنى وفي رواية هي فينا وروى علي بن إبراهيم عن الصادق
عليه السلم قال :نحن أهل البيت ،قال :وروي
) (1راجع الكافي ج 6ص ،431باب الغناء ذيل كتاب الشربة ،وقد مر أن الزور
لغة يطلق على مجلس الغناء (2) .مجمع البيان ج 7ص (3) .181
الكافي ج 6ص ،432والقيان .جمع القينة :الجارية المغنية (4) .الكافي
ج 8ص .178
][263
أن أزواجنا خديجة ،وذرياتنا فاطمة ،وقرة أعين الحسين والحسين واجعلنا للمتقين
إماما علي بن أبي طالب والئمة عليهم السلم قال :وقرئ عنده عليه
السلم هذه الية فقال :قد سألوا عظيما أن يجعلهم للمتقين أئمة فقيل له:
كيف هذا يا ابن رسول ال ؟ قال :إنما انزل " واجعل لنا من المتقين " )
" .(1اولئك يجزون الغرفة " أي أعلى مواضع الجنة ،وهي اسم جنس
اريد به الجمع " بما صبروا " أي بصبرهم على المشاق من مضض
الطاعات ،ورفض الشهوات وتحمل المجاهدات " ويلقون فيها تحية
وسلما " أي دعاء بالتعمير وبالسلمة أي يحييهم الملئكة ويسلمون
عليهم ،أو يحيي بعضهم بعضها ويسلم عليه ،أو تبقية دائمة وسلمة من
كل آفة " خالدين فيها " ل يموتون ول يخرجون " .إن الذين قالوا ربنا
ال " ) (2اعترافا بربوبيته ،وإقرارا بوحدانيته " ثم استقاموا " على
مقتضاه وفي أخبار كثيرة أن المراد به الستقامة على الولية ،وفي نهج
البلغة وإني متكلم بعدة ال وحجته قال ال تعالى " إن الذين قالوا ربنا
ال ثم استقاموا " الية ،وقد قلتم ربنا ال فاستقيموا على كتابه ،وعلى
منهاج أمره ،وعلى الطريقة الصالحة من عبادته ،ثم ل تمرقوا منها ول
تبتدعوا فيها ول تخالفوا عنها ،فان أهل المروق منقطع بهم عند ال يوم
القيامة ) (3وقد ورد في الخبار الكثيرة أن المراد بالستقامة الستقامة
على ولية الئمة عليهم السلم واحدا بعد واحد ) " .(4تتنزل عليهم
الملئكة " قال الطبرسي رحمه ال :يعني عند الموت ،وروي ذلك عن أبي
عبد ال عليه السلم ،وقيل :تستقبلهم الملئكة إذا خرجوا من قبورهم في
الموقف بالبشارة من ال تعالى وقيل :إن البشرى تكون في ثلثة مواطن:
عند الموت وفي القبر ،وعند البعث " أن ل تخافوا " عقاب ال " ول
تحزنوا " فوت الثواب ،أو
) (1تفسير القمى ص 468و (2) .469فصلت (3) .29 :نهج البلغة تحت الرقم
174من الخطب (4) .راجع ج 24ص 30 - 25من هذه الطبعة الحديثة.
][264
ل تخافوا مما أمامكم ،ول تحزنوا على ما وراءكم وما خلفكم من أهل وولد ،وقيل ل
تخافوا ول تحزنوا على ذنوبكم فاني أغفرها لكم " نحن أوليائكم " أي
أنصاركم وأحباؤكم " في الحيوة الدنيا " نتولى إيصال الخيرات إليكم من
قبل ال تعالى " وفي الخرة " نتولكم بأنواع الكرام والمثوبة ،وقيل:
نحرسكم في الدنيا وعند الموت وفي الخرة عن أبي جعفر عليه السلم وقد
روى علي بن إبراهيم وغيره عن الصادق عليه السلم قال :ما يموت موال
لنا ومبغض لعدائنا إل ويحضره رسول ال صلى ال عليه وآله وأمير
المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلم فيراهم ويبشرونه ،وإن كان
غير موال يراهم بحيث يسوؤهم وقد مضت الخبار الكثيرة في ذلك " ولكم
فيها " أي في الخرة " ما تشتهي أنفسكم " من الملذ وتتمنونه من
المنافع " ولكم فيها ما تدعون " أنه لكم ،فان ال سبحانه يحكم لكم بذلك،
وقيل :ما تشتهي أنفسكم من اللذائذ ،ولكم فيها ما تدعون ما تتمنون من
الدعاء بمعنى الطلب وهو أعم من الول " نزل من غفور رحيم " حال من
" تدعون " للشعار بأن ما يتمنون بالنسبة إلى ما يعطون مما ل يخطر
ببالهم كالنزل للضيف ) .(1وأقول :قد مضت الخبار الكثيرة في أن هذه
اليات في شأن الئمة عليهم السلم وأن الملئكة يخاطبونهم في الدنيا
بحيث يسمعون ) (2وفي البصائر عن الباقر عليه السلم أنه قيل له :يبلغنا
أن الملئكة تتنزل عليكم ! ؟ قال :إي وال لتنزل علينا وتطأ فرشنا أما تقرأ
كتاب ال " إن الذين قالوا ربنا ال " الية ) " .(3ومن أحسن قول ممن
دعا إلى ال " أي إلى معرفته وعبادته ودينه الذي ارتضاه لعباده " وعمل
صالحا " فيما بينه وبين ربه " وقال إنني من المسلمين " قيل تفاخرا به
واتخاذا للسلم دينا ومذهبا.
) (1مجمع البيان ج 9ص 12و (2) .13مضى في المجلد السابع كتاب المامة
من البحار ولم يطبع موضع النص منه في هذه الطبعة ،ولك أن تراجع
في ذلك كتاب الكافي ج 1ص (3) .393بصائر الدرجات ص .90
][265
أقول :ويمكن أن يكون المراد به من المنقادين لئمة الدين " .إن الذين قالوا ربنا
ال ثم استقاموا " ) (1قيل :أي جمعوا بين التوحيد الذي هو خلصة العلم
والستقامة في المور التي هي منتهى العمل ،و " ثم " للدللة على تأخير
رتبة العمل وتوقف اعتباره على التوحيد ،وقال علي بن إبراهيم :ثم
استقاموا على ولية أمير المؤمنين ) " (2فل خوف عليهم " من لحوق
مكروه " ول هم يحزنون " على فوات محبوب ،وهذه مرتبة الولية" .
بوالديه حسنا " وقرئ إحسانا ) (3وفي المجمع عن علي عليه السلم
حسنا بفتحتين ) " (4وحمله وفصاله " أي مدتهما " ثلثون شهرا " ذلك
كله لما تكابده الم في تربية الولد مبالغة في التوصية بها " حتى إذا بلغ
أشده " أي استحكم قوته وعقله " وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني "
أي ألهمني وأصله أو لعني من أوزعته بكذا " نعمتك " يعني نعمة الدين
أو ما يعمها وغيرها " وأصلح لي في ذريتي " أي اجعل لي الصلح ساريا
في ذريتي راسخا فيهم " إني تبت إليك " عما ل ترضاه أو يشغل عنك "
وإني من المسلمين " المخلصين لك " .أحسن ما عملوا " قيل يعني
طاعاتهم ،فان المباح حسن ول يثاب عليه " في أصحاب الجنة " قيل:
كائنين في عدادهم أو مثابين أو معدودين فيهم " وعد الصدق "
) (1الحقاف (2) .12 :تفسير القمى (3) .592 :حق العبارة هكذا " :بوالديه
احسانا " وقرئ " حسنا " أي بالضم ،فان " احسانا " قراءة الكوفيين
ومنهم عاصم بن أبى النجود الذى دار على قراءته كتابة المصحف
الشريف ،والقراءة الثانية لسائر القراء المكى وهو عبد ال بن كثير،
والمدنى وهو نافع بن عبد الرحمان ،والبصرى وهو أبو عمرو بن
العلء ،والشامي وهو عبد ال بن عامر اليحصبى (4) .مجمع البيان ج 9
ص ،84وفيه روى عن على عليه السلم وأبى عبد الرحمان السلمى.
][266
مصدر مؤكد لنفسه فان نتقبل ونتجاوز وعد " الذي كانوا يوعدون " أي في الدنيا.
وقد مرت أخبار كثيرة في أن اليات نزلت في الحسين صلوات ال عليه
وعن الصادق عليه السلم قال :لما حملت فاطمة بالحسين عليه السلم
جاء جبرئيل عليه السلم إلى رسول ال صلى ال عليه وآله فقال :إن
فاطمة ستلد غلما تقتله امتك من بعدك فلما حملت فاطمة بالحسين كرهت
حمله وحين وضعته كرهت وضعه ثم قال عليه السلم لم تر في الدنيا ام
تلد غلما تكرهه ولكنها كرهته لما علمت أنه سيقتل قال وفيه نزلت هذه
الية وفي رواية اخرى :ثم هبط جبرئيل عليه السلم فقال :يا محمد إن
ربك يقرئك السلم ويبشرك بأنه جاعل في ذريته المامة والولية
والوصية ،فقال :إني رضيت ثم بشر فاطمة عليها السلم بذلك فرضيت،
قال فلول أنه قال " أصلح لي في ذريتي " لكانت ذريته كلهم أئمة قال :ولم
يولد ولد لستة أشهر إل عيسى بن مريم والحسين عليهما السلم )" .(1
آخذين ما آتيهم ربهم " ) (2قيل :أي قابلين لما أعطاهم راضين به،
ومعناه أن كل ما آتاهم حسن مرضي متلقى بالقبول " إنهم كانوا قبل ذلك
محسنين " قد أحسنوا أعمالهم وهو تعليل لستحقاقهم ذلك " كانوا قليل
من الليل ما يهجعون " تفسير لحسانهم ،وعن الصادق عليه السلم كانوا
أقل الليالي يفوتهم ل يقومون فيها ) (3وعن الباقر عليه السلم كان القوم
ينامون ولكن كلما انقلب أحدهم قال :الحمد ل ول إله إل ال وال أكبر "
وبالسحار هم يستغفرون " عن الصادق عليه السلم كانوا يستغفرون في
الوتر في آخر الليل سبعين مرة " وفي أموالهم حق " أي نصيب
يستوجبونه على أنفسهم تقربا إلى ال وإشفاقا على الناس " للسائل
والمحروم " عن الصادق عليه السلم المحروم المحارف الذي قد حرم
كديده في الشراء والبيع ،وفي رواية اخرى ليس بعقله بأس ول يبسط له
في الرزق وهو محارف وقيل :المحروم المتعفف الذي
) (1راجع ج 43ص 237 - 260من هذه الطبعة :باب ولدة المامين الهامين
الحسن والحسين عليهما السلم (2) .الذاريات (3) .15 :الكافي ج 3ص
.446
][267
يظن غنيا فيحرم الصدقة ) .(1يوادون من حاد ال ورسوله " ) (2في المجمع أي
يوالون من خالف ال ورسوله ،والمعنى ل تجتمع موالة الكفار مع اليمان
والمراد به الموالة في الدين " ولو كانوا آبائهم " أي وإن قربت قرابتهم
منهم ،فانهم ل يوالونهم إذا خالفوهم في الدين " اولئك " أي الذين لم
يوادوهم " كتب في قلوبهم اليمان " أي ثبت في قلوبهم اليمان بما فعل
بهم من اللطاف ،فصار كالمكتوب ،وقيل :كتب في قلوبهم علمة اليمان،
ومعنى ذلك أنها سمة لمن شاهدهم من الملئكة على أنهم مؤمنون "
وأيدهم بروح منه " أي قواهم بنور اليمان ) (3وفي الكافي عنهما عليهما
السلم هو اليمان ،وعن الصادق عليه السلم ما من مؤمن إل ولقلبه
اذنان في جوفه :اذن ينفث فيها الوسواس الخناس واذن ينفث فيها الملك،
فيؤيد ال المؤمن بالملك ،فذلك قوله وأيدهم بروح منه ) (4وقد مضت
الخبار في ذلك " رضي ال عنهم " باخلص الطاعة والعبادة منهم "
ورضوا عنه " بثواب الجنة ،وقيل :بقضاء ال عليهم في الدنيا فلم
يكرهوه " اولئك حزب ال " أي جند ال وأنصار دينه ورعاة خلقه " أل
إن حزب ال هم المفلحون " أي أن جنود ال وأولياءه هم المنجحون
الناجون الظافرون بالبغية فيقول تبجحا وإظهارا ا ؟ رح والسرور " .هاؤم
اقرؤا كتابيه " ) " (5هاؤم " اسم لخذوا ،والهاء في كتابيه ونظائره
التية للسكت :تثبت في الوقف وتسقط في الوصل " إني ظننت " أي
تيقنت كذا في التوحيد والحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلم قال:
والظن ظنان :ظن شك وظن يقين ،فما كان من أمر المعاد من الظن فهو
ظن يقين ،وما كان من أمر الدنيا
) (1الكافي ج 3ص (2) .500المجادلة (3) .22 :مجمع البيان ج 10ص ) .255
(4الكافي ج 2ص (5) .267الحاقة.20 :
][268
فهو ظن شك " أني ملق حسابيه " قال إني ابعث واحاسب وروى علي بن إبراهيم
عن الصادق عليه السلم كل امة يحاسبها إمام زمانها ويعرف الئمة
أولياءهم وأعداءهم بسيماهم وهو قوله " وعلى العراف رجال " وهم
الئمة يعرفون كل بسيماهم فيعطوا أولياءهم كتبهم بأيمانهم ،فيمروا إلى
الجنة بغير حساب ،ويعطوا أعداءهم كتبهم بشمالهم فيمروا إلى النار بل
حساب فإذا نظر أولياؤهم في كتبهم يقولون لخوانهم " هاؤم اقرؤا كتابيه
إني ظننت أني ملق حسابيه ،فهو في عيشة راضية " قال علي بن
إبراهيم أي مرضية فوضع الفاعل مكان المفعول ،وقيل أي ذات رضى أو
جعل الفعل لها مجازا " في جنة عالية " قيل أي مرتفعة المكان ،لنها في
السماء ،أو الدرجات أو البنية والشجار " قطوفها " جمع قطف وهو ما
يجتنى بسرعة والقطف بالفتح المصدر " دانية " يتناولها القائم والقاعد
" كلوا واشربوا " باضمار القول وجمع الضمير للمعنى " هنيئا " أي أكل
وشربا هنيئا أو هنئتم هنيئا " بما أسلفتم " أي بما قدمتم من العمال
الصالحة " في اليام الخالية " أي الماضية من أيام الدنيا " .إل المصلين
" ) (1روى علي بن إبراهيم عن الباقر عليه السلم قال :ثم استثنى
فوصفهم بأحسن أعمالهم ]وهو قضاء ما فاتهم من الليل بالنهار وما فاتهم
من النهار بالليل[ " والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم " في
الكافي عن السجاد عليه السلم الحق المعلوم الشئ يخرجه من ماله ليس
من الزكاة ول من الصدقة المفروضتين هو الشئ يخرجه من ماله إن شاء
أكثر وإن شاء أقل على قدر ما يملك يصل به رحما ويقوى به ضعيفا
ويحمل به كل ويصل به أخا له في ال أو لنائبة تنوبه ) (2وفي معناه
أخبار اخر وعن الصادق عليه السلم المحروم المحارف الذي قد حرم كد
يده كما مر " والذين يصدقون بيوم الدين " في الكافي عن الباقر عليه
السلم قال :بخروج القائم عليه السلم ) (3قوله " مشفقون " أي خائفون
على أنفسهم.
) (1المعارج (2) .23 :راجع الكافي باب فرض الزكاة الحديث (3) .11الكافي ج 8
ص .287
][269
" إن عذاب ربهم غير مأمون " اعتراض يدل على أنه ل ينبغي لحد أن يأمن من
عذاب ال ،وإن بالغ في طاعته " إل على أزواجهم " شاملة للمتعة " أو
ما ملكت أيمانهم " التحليل داخل في أحدهما على القولين " فاولئك هم
العادون " الكاملون للعدوان " راعون " أي حافظون " قائمون " ل
يكتمون ول ينكرون " يحافظون " أي يراعون شرائطها وآدابها وأوقاتها،
وفي الكافي والمجمع عن الباقر عليه السلم قال :هي الفريضة " والذينهم
على صلوتهم دائمون " النافلة وعن الكاظم عليه السلم اولئك أصحاب
الخمسين صلة من شيعتنا ) " (1اولئك في جنات مكرمون " أي معظمون
مبجلون بما يفعل بهم من الثواب " .من كأس " ) (2قيل :من خمر وهي
في الصل لقدح تكون فيه " كان مزاجها " أي ما يمزج بها " كافورا "
لبرده وعذوبته وطيب عرفه " عينا يشرب بها " أي منها " يفجرونها
تفجيرا " أي يجرونها حيث شاؤا إجراء سهل وفي المجالس عن الباقر
عليه السلم هي عين في دار النبي صلى ال عليه وآله يفجر إلى دور
النبياء والمؤمنين " يوفون بالنذر " أي النذر الذي نذره أهل البيت عليهم
السلم لشفاء الحسنين عليهما السلم " ويخافون يوما كان شره مستطيرا
" أي شدائده فاشية منتشرة غاية النتشار ،وعن الباقر عليه السلم كلوحا
عابسا " .على حبه " أي حب ال ،أو حب الطعام ،وعن الباقر عليه
السلم عن شهوتهم للطعام وإيثارهم له " مسكينا " قال :من مساكين
المسلمين " ويتيما " من يتامى المسلمين " وأسيرا " من اسارى
المشركين " إنما نطعمكم لوجه ال " قال عليه السلم يقولون إذا
أطعموهم ذلك قال وال ما قالوا هذا لهم ،ولكنهم أضمروه في أنفسهم
فأخبر ال باضمارهم يقولون " ل نريد منكم جزاء " تكافؤننا به " ول
شكورا " تثنون علينا به ،ولكنا إنما أطعمناكم لوجه ال ،وطلب ثوابه" ،
يوما عبوسا " تعبس فيه الوجوه " قمطريرا " شديد العبوس " نضرة
وسرورا " قال الباقر عليه السلم نضرة في الوجوه وسرورا في القلوب
" جنة وحريرا " قال عليه السلم :جنة يسكنونها
][270
وحريرا يفترشونه ويلبسونه .وقد روى الخاص والعام أن اليات في هذه السورة
وهي قوله " إن البرار يشربون " إلى قوله " وكان سعيكم مشكورا "
نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلم وجارية لهم تسمى
فضة والقصة طويلة مرت بأسانيد جمة مع تفسير سائر اليات في أبواب
فضائلهم عليهم السلم ) " .(1والعصر إن النسان لفي خسر " قيل :اقسم
بصلة العصر ،أو بعصر النبوة إن النسان لفي خسر في مساعيهم
وصرف أعمارهم في مطالبهم " إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات " فانهم
اشتروا الخرة بالدنيا ،ففازوا بالحياة البدية والسعادة السرمدية "
وتواصوا بالحق " أي بالثابت الذي ل يصح إنكاره من اعتقاد أو عمل "
وتواصوا بالصبر " عن المعاصي والطاعات ،وعلى المصائب ،وهذا من
عطف الخاص على العام وعن الصادق عليه السلم إن العصر عصر
خروج القائم عليه السلم " إن النسان لفي خسر " يعني أعداءنا " إل
الذين آمنوا " يعني بآياتنا " وعملوا الصالحات " يعني بمواساة الخوان
" وتواصوا بالحق " يعني المامة " وتواصوا بالصبر " يعني بالفترة )
(2وقد سبقت الخبار في تأويلها بالولية وقراءة أهل البيت عليهم السلم
فيها ) - 1 .(3كش :عن نصر بن صباح ،عن إسحاق بن محمد ،عن
فضيل ،عن محمد بن زيد عن موسى بن عبد ال ،عن عمرو بن شمر قال:
جاء قوم إلى جابر الجعفي فسألوه أن يعينهم في بناء مسجدهم قال :ما
كنت بالذي اعين في بناء شئ ويقع منه رجل مؤمن فيموت ،فخرجوا من
عنده وهم يبخلونه ويكذبونه فلما كان من الغد أتموا الدراهم ووضعوا
أيديهم في البناء ،فلما كان عند العصر نزلت قدم البناء
) (1راجع ج 35ص 257 - 237باب نزول هل أتى (2) .راجع اكمال الدين واتمام
النعمة باب نوادر الكتاب تحت الرقم ) ،1ص 370ج 2ط المكتبة
السلمية( (3) .راجع ج 36ص 183من هذه الطبعة الحديثة ،تفسير
القمى .738
][271
فوقع فمات ) - 2 .(1كش :عن نصر ،عن إسحاق ،عن علي بن عبيد ومحمد بن
منصور الكوفي عن محمد بن إسماعيل ،عن صدقة ،عن عمرو بن شمر
قال :جاء العل بن شريك برجل من جعفي قال :خرجت مع جابر لما طلبه
هشام حتى انتهى إلى السواد قال :فبينا نحن قعود وراعي قريب منا إذ ثغت
نعجة من شائه ) (2إلى حمل فضحك جابر فقلت له :ما يضحكك يا با محمد
؟ قال :إن هذه النعجة دعت حملها فلم يجئ فقالت له :تنح عن ذلك
الموضع فان الذئب عام أول أخذ أخاك منه ،فقلت :لعلمن حقية هذا أو
كذبه ،فجئت إلى الراعي فقلت :يا راعي تبيعني هذا الحمل ؟ قال :فقال :ل،
فقلت :ولم ؟ قال :لن امه أفره شاة في الغنم وأغزرها درة ،وكان الذئب
أخذ حمل لها منذ عام الول من ذلك الموضع فما رجع لبنها حتى وضعت
هذا فدرت ،فقلت :صدق ،ثم أقبلت فلما صرت على جسر الكوفة نظر إلى
رجل معه خاتم ياقوت فقال له :يا فلن خاتمك هذا البراق أرنيه قال :فخلعه
فأعطاه فلما صار في يده رمى به في الفرات قال الخر :ما صنعت ؟ قال:
تحب أن تأخذه ؟ قال :نعم ،قال :فقال بيده إلى الماء فأقبل الماء يعلو بعضه
على بعض حتى إذا قرب تناوله وأخذه ) .(3بيان " :إذ ثغت " بالثاء
المثلثة والغين المعجمة أي صوتت " والثغاء " بالضم صوت الشاة ،وهذا
أصح النسخ وفي بعضها " إذ لعبت " وفي بعضها " إذ نقت " بالنون
والقاف المشددة أي صاحت ،لكن يطلق غالبا على صياح الضفدع
والدجاجة والهر ،وفي بعضها " لفت " باللم والفاء المشددة والكل
تصحيف إل الول والنعجة النثى من الضأن والشاة الواحدة من الغنم
للذكر والنثى ،والجمع شاء وفي بعض النسخ " من شائه " بالهمز،
والحمل بالتحريك الصغير من أولد الضأن ،والفراهة
) (1رجال الكشى ص (2) .171الشاء جمع شاة ،وفى النسخ " من شاته " وهو
تصحيف (3) .رجال الكشى ص .172
][272
الحذق وأفرهت الناقة إذا كانت تنتج الفره ) " (1أغزرها درة " أي أكثرها لبنا3 .
-كش :عن علي بن محمد ،عن محمد بن أحمد ،عن محمد بن علي
الهمداني عن علي بن إسماعيل ،عن ربعي بن عبد ال قال :حدثني غاسل
الفضيل بن يسار قال :إني لغسل الفضيل بن يسار وإن يده لتسبقني إلى
عورته فخبرت بذلك أبا عبد ال عليه السلم فقال لي :رحم ال الفضيل بن
يسار وهو منا أهل البيت ) - 4 .(2مع ) (3لى :عن الطالقاني ،عن أحمد
الهمداني ،عن الحسن بن القاسم عن علي بن إبراهيم بن المعلى ،عن
محمد بن خالد ،عن عبد ال بن بكر المرادي عن موسى بن جعفر ،عن
آبائه عليهم السلم قال :قال أمير المؤمنين صلوات ال عليه للشيخ الذي
أتاه من الشام :يا شيخ إن ال عزوجل خلق خلقا ضيق الدنيا عليهم نظرا
لهم فزهدهم فيها وفي حطامها ،فرغبوا في دار السلم الذي دعاهم إليه،
وصبروا على ضيق المعيشة ،وصبروا على المكروه ،واشتاقوا إلى ما عند
ال من الكرامة ،وبذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان ال ،وكانت خاتمة أعمالهم
الشهادة ،فلقوا ال وهم عنهم راض وعلموا أن الموت سبيل من مضى
ومن بقي ،فتزودوا لخرتهم غير الذهب والفضة ولبسوا الخشن ،وصبروا
على القوت ،وقدموا الفضل ،وأحبوا في ال ،وأبغضوا في ال عزوجل
اولئك المصابيح وأهل النعيم في الخرة والسلم ،الخبر ) .(4كتاب الغايات:
مرسل مثله - 5 .مع :عن ابن المتوكل ،عن الحميري ،عن أحمد بن
محمد ،عن ابن محبوب ،عن عبد ال بن سنان قال :قال أبو عبد ال عليه
السلم :طوبى لعبد نؤمة عرف الناس فصاحبهم ببدنه ،ولم يصاحبهم في
أعمالهم بقلبه ،فعرفوه في الظاهر ،وعرفهم
) (1جمع الفاره بصيغة اسم الفاعل (2) .رجال الكشى ص (3) .186معاني الخار
ص 197باب معنى الغايات تحت الرقم (4) .4أمالى الصدوق ص :236
المجلس الثاني والستون تحت الرقم .4
][273
في الباطن ) .(1بيان :قال في النهاية :في حديث علي عليه السلم أنه ذكر آخر
الزمان والفتن ثم قال :خير أهل ذلك الزمان كل مؤمن نؤمة ،النؤمة بوزن
الهمزة الخامل الذكر الذي ل يؤبه له ،وقيل :الغامض في الناس الذي ل
يعرف الشر وأهله ،وقيل :النومة بالتحريك الكثير النوم وأما الخامل الذي
ل يؤبه له فهو بالتسكين ومن الول حديث ابن عباس أنه قال لعلي :ما
النومة ؟ قال :الذي يسكت في الفتنة فل يبدو منه شئ ،انتهى .وفي نهج
البلغة " وذلك زمان ل ينجو فيه إل كل مؤمن نؤمة ،إن شهد لم يعرف،
وإن غاب لم يفتقد ،اولئك مصابيح الهدى وأعلم السرى ،ليسوا بالمساييح
ول المذاييع البذر ،اولئك يفتح ال لهم أبواب رحمته ويكشف عنهم ضراء
نقمته " .وقال السيد رضي ال عنه :قوله عليه السلم :كل مؤمن نؤمة
فانما أراد به الخامل الذكر القليل الشر ،والمساييح جمع مسياح وهو الذي
يسيح بين الناس بالفساد والنمائم ،والمذاييع جمع مذياع ،وهو الذي إذا
سمع لغيره بفاحشة أذاعها ونوه بها والبذر جمع بذور وهو الذي يكثر
سفهه ويلغو منطقه انتهى ) .(2ولم يذكر الجوهري النؤمة بالهمزة وقال:
رجل نومة بالضم ساكنة الواو أي ل يؤبه له ،ورجل نومة بفتح الواو أي
نؤوم وهو الكثير النوم ،وفي القاموس وهو نائم ونؤم ونؤمة كهمزة
وصرد ثم قال :ونومة كهمزة وأمير مغفل أو خامل والول بالهمزة والباقي
بالواو .وافتقده أي طلبه عند غيبته ،والجملتان كالتفسير للنومة على
الظاهر ،فالمراد
) (1معاني الخبار ص 380و (2) .381نهج البلغة ج 1ص ،213تحت الرقم
101من الخطب.
][274
به الخامل ) (1والسرى كالهدى السير عامة الليل وأعلم السرى كلما يهتدى به في
ذلك السير ،وفي النهاية ليسوا بالمساييح البذر أي الذين يسعون بالشر
والنميمة وقيل :هو من التسييح في الثوب ،وهو أن يكون فيه خطوط
مختلفة ،وقال :المذاييع جمع مذياع من أذاع الشئ إذا أفشاه وقيل أراد
الذين يذيعون الفواحش وهو بناء مبالغة ،وقال :البذر جمع بذور يقال
بذرت الكلم بين الناس كما تبذر الحبوب أي أفشيته وفرقته انتهى " .يفتح
ال لهم " أي ببركاتهم تنزل الخيرات وتندفع الشرور والفات والضراء
الحالة التي تضر نقيض السراء - 6 .ب :عن ابن سعد ،عن الزدي قال:
قال أبو عبد ال عليه السلم :إن من أغبط أوليائي عندي عبد مؤمن ذو
حظ من صلح ،وأحسن عبادة ربه ،وعبد ال في السريرة ،وكان غامضا
في الناس ،فلم يشر إليه بالصابع ،وكان رزقه كفافا فصبر عليه ،تعجلت
به المنية فقل تراثه وقلت بواكيه ،ثلثا ) .(2بيان " :ثلثا " أي قال قوله
فقل إلى آخر الخبر ثلثا ويحتمل الجميع لكنه بعيد - 7 .ل :عن ما جيلويه،
عن عمه ،عن البرقي ،عن القاسم ،عن جده عن أبي بصير ،عن محمد بن
مسلم ،عن أبي جعفر ،عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلم قال :إن
ال تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة :أخفى رضاه في طاعته ،فل
تستصغرن شيئا من طاعته فربما وافق رضاه وأنت ل تعلم ،وأخفى سخطه
في معصيته فل تستصغرن شيئا من معصيته ،فربما وافق سخطه وأنت ل
تعلم ،وأخفى إجابته في دعوته فل تستصغرن شيئا من دعائه فربما وافق
إجابته وأنت ل تعلم ،وأخفى
) (1وروى الصدوق في معاني الخبار ص 166باب معنى النومة عن أبى الطفيل
أنه سمع أمير المؤمنين عليه السلم يقول :ان بعدى فتنا مظلمة عمياء
مشككة ل يبقى فيها ال النومة ،قيل :وما النومة يا أمير المؤمنين ؟ قال:
الذى ل يدرى الناس ما في نفسه (2) .قرب السناد ص ،28ط النجف.
][275
وليه في عباده فل تستصغرن عبدا من عبيد ال فربما يكون وليه وأنت ل تعلم ).(1
- 8ل ،عن أبيه ،عن سعد ،عن أيوب بن نوح ،عن ربيع بن محمد المسلى
عن عبد العلى ،عن نوف قال :بت ليلة عند أمير المؤمنين عليه السلم
فكان يصلي الليل كله ،ويخرج ساعة بعد ساعة فينظر إلى السماء ويتلو
القرآن ،قال فمر بي بعد هدوء من الليل ،فقال :يا نوف أراقد أنت أم
رامق ؟ قلت :بل رامق أرمقك ببصري يا أمير المؤمنين قال :يا نوف
طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الخرة اولئك الذين اتخذوا الرض
بساطا ،وترابها فراشا ،وماءها طيبا ،والقرآن دثارا ،والدعاء شعارا،
وقرضوا من الدنيا تقريضا ،على منهاج عيسى بن مريم عليه السلم .إن
ال عزوجل أوحى إلى عيسى بن مريم عليه السلم قل للملء من بني
إسرائيل ل يدخلون بيتا من بيوتي إل بقلوب طاهرة ،وأبصار خاشعة،
وأكف نقية ،وقل لهم اعلموا أني غير مستجيب لحد منكم دعوة ،ولحد
من خلقي قبله مظلمة يا نوف إياك أن تكون عشارا أو شاعرا أو شرطيا أو
عريفا أو صاحب عرطبة وهي الطنبور أو صاحب كوبة ،وهو الطبل فان
نبي ال عليه السلم خرج ذات ليلة فنظر إلى السماء فقال :إنها الساعة
التي ل يرد فيها دعوة إل دعوة عريف أو دعوة شاعر أو دعوة عاشر أو
شرطي أو صاحب عرطبة أو صاحب كوبة ) .(2بيان :في القاموس هد
أكمنع هدءا وهدوءا سكن وأتانا بعد هدء من الليل وهدء وهدأة وهدئ
ومهدأ وهدوء أي حين هدء الليل والرجل ،وفي النهاية فيه إياكم والسمر
بعد هدأة الرجل ،الهدأة والهدء السكون عن الحركات أي بعد ما يسكن
الناس عن المشي والختلف في الطرق " اتخذوا الرض بساطا " أي
يجلسون على الرض من غير بساط " وترابها فراشا " أي ينامون على
التراب من غير فراش " وماءها طيبا " أي يتطيبون بالماء من غير
استعمال طيب لعدم
][276
قدرتهم عليه " والقرآن دثارا " أي يلزمون القرآن والدعاء كلزوم الدثار والشعار
للنسان ،فيدل على أن الدعاء أفضل لن الشعار أهم وأخص وألصق ،أو
يبتدؤن بالتلوة قبل النوم بل دثار كما يبتدئ غيرهم بتحصيل الدثار
ولبسه ،وفي النهج " والقرآن شعارا والدعاء دثارا " فالمر بالعكس في
الشعار بالفضل " وأكف نقية " أي عن التلوث بالحرام والشبهة أو "
شاعرا " أي بالباطل وفي المصباح الشرطة وزان غرفة ،وفتح الراء
وزان رطبة لغة قليلة ،وهي الجند ،وصاحب الشرطة الحاكم ،والجمع شرط
مثل رطب ،وهم أعوان السلطان ،وإذا نسب إلى هذا قيل :شرطي
بالسكون ،والعريف القيم بامور القبيلة ،وفي النهاية العرطبة العود ،وقيل:
الطنبور ،وقال :الكوبة النرد ،وقيل :الطبل ،وقيل :البربط - 9 .أقول :قد
روي هذا الخبر في النهج هكذا :وعن نوف البكالي قال :رأيت أمير
المؤمنين عليه السلم ذات ليلة وقد خرج من فراشه فنظر إلى النجوم
فقال :يا نوف أراقد أنت أم رامق ؟ فقلت :بل رامق يا أمير المؤمنين،
فقال :يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الخرة ،اولئك قوم
اتخذوا الرض بساطا ،وترابها فراشا ،وماءها طيبا ،والقرآن شعارا،
والدعاء دثارا ،ثم قرضوا الدنيا قرضا على منهاج المسيح عليه السلم .يا
نوف إن داود عليه السلم قام في مثل هذه الساعة من الليل ،فقال :إنها
ساعة ل يدعو فيها عبد ربه إل استجيب له ،إل أن يكون عشارا أو عريفا
أو شرطيا أو صاحب عرطبة وهي الطنبور ،أو صاحب كوبة وهي الطبل،
وقد قيل أيضا إن العرطبة الطبل والكوبة الطنبور انتهى ) .(1وقال
الجوهري :نوف البكالي كان حاجب أمير المؤمنين عليه السلم وقال ابن
ميثم :البكالي بكسر الباء منسوب إلى بكالة قرية من اليمن ،وأقول :في
بعض النسخ البكالي بفتح الباء ،والرقد بالفتح والرقاد والرقود بضمهما
النوم ،والرقاد خاص
) (1نهج البلغة تحت الرقم 104من الحكم ،ط عبده ج 2ص .165
][277
بالليل ،ورمقه كنصره أي لحظه لحظا خفيفا ،وأقول :سيأتي مزيد شرح الخبر في
أبواب المناهي إنشاء ال - 10 .شى :عن عبد الرحمن بن سالم الشل،
عن بعض الفقهاء قال :قال أمير المؤمنين " إن أولياء ال ل خوف عليهم
ول هم يحزنون " ) (1ثم قال تدرون من أولياء ال ؟ قالوا :من هم يا أمير
المؤمنين ؟ فقال :هم نحن وأتباعنا ،فمن تبعنا من بعدنا طوبى لنا وطوبى
لهم أفضل من طوبى لنا ،قال :يا أمير المؤمنين ما شأن طوبى لهم أفضل
من طوبى لنا ؟ ألسنا نحن وهم على أمر ؟ قال :ل ،لنهم حملوا ما لم
تحملوا عليه ،وأطاقوا ما لم تطيقوا ) - 11 .(2شى :عن بريد العجلي ،عن
أبي جعفر عليه السلم قال :وجدنا في كتاب علي بن الحسين عليهما
السلم " أل إن أولياء ال ل خوف عليهم ول هم يحزنون " إذا أدوا
فرائض ال ،وأخذوا سنن رسول ال ،وتورعوا عن محارم ال ،وزهدوا
في عاجل زهرة الدنيا ،ورغبوا فيما عند ال ،واكتسبوا الطيب من رزق
ال لوجه ال ل يريدون به التفاخر والتكاثر ،ثم أنفقوا فيما يلزمهم من
حقوق واجبة ،فاولئك الذين بارك ال لهم فيما اكتسبوا ،ويثابون على ما
قدموا لخرتهم ) - 12 .(3جا :عن الجعابي ،عن ابن عقدة ،عن محمد بن
أحمد بن خاقان ،عن سليم الخادم ،عن إبراهيم بن عقبة ،عن محمد بن
نصر بن قرواش ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن صاحب الدين فكر
فعلته السكينة ،واستكان فتواضع ،وقنع فاستغنى ورضي بما اعطي،
وانفرد فكفي الحزان ،ورفض الشهوات ،فصار حرا ،وخلع الدنيا فتحامى
الشرور ،وطرح الحسد فظهرت المحبة ،ولم يخف الناس فلم يخفهم ولم
يذنب إليهم فسلم منهم ،وسخط نفسه عن كل شئ ففاز واستكمل الفضل،
وأبصر العافية فأمن الندامة ).(4
) (1يونس (2) .68 :تفسير العياشي ج 2ص (3) .124المصدر ج 2ص ) .124
(4أمالى المفيد ص .40
][278
بيان " :وانفرد " أي عن الناس واعتزل عنهم " فصار حرا " أي من رق
الشهوات ،وفي القاموس :الحر بالضم خيار كل شئ " فتحامى الشرور "
أي احترز عن الشرور ،ومنع نفسه عنها ،فان الشرور كلها تابعة لحب
الدنيا ،وفي بعض النسخ بالسين المهملة أي السرور بلذات الدنيا والول
أظهر ،وفي القاموس حمى المريض ما يضره منعه إياه فاحتمى ،وتحمى
امتنع ،وتحاماه الناس توقوه واجتنبوه " ولم يخف الناس " على بناء
الفعال " فلم يخفهم " على بناء المجرد " عن كل شئ " أي بعوض كل
شئ " وأبصر العافية " أي عرف أن العافية في أي شئ واختارها فلم
يندم على شئ - 13 .جا :عن ابن قولويه ،عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن
عيسى ،وابن أبي الخطاب معا ،عن ابن محبوب ،عن ابن سنان ،عن
الثمالي ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :قال موسى بن عمران على نبينا
وعليه السلم :إلهي من أصفياؤك من خلقك ؟ قال :الندى الكفين ]البري
القدمين[ يقول صادقا ويمشي هونا فاولئك يزول الجبال ول يزولون ،قال:
إلهي فمن ينزل دار القدس عندك ؟ قال :الذين ل ينظر أعينهم إلى الدنيا،
ول يذيعون أسرارهم في الدين ،ول يأخذون على الحكومة الرشا ،الحق في
قلوبهم ،والصدق على ألسنتهم ،فاولئك في ستري في الدنيا وفي دار
القبس عندي في الخرة ) .(1بيان " :الندى الكفين " أي كثير السخاء قال
الجوهري :يقال :فلن ندي الكف إذا كان سخيا وقال الفيروزآبادي :تندى
تسخى وأفضل كأندى فهو ندي الكف وأندى كثر عطاياه انتهى وفي بعض
النسخ الندي القدمين ،كناية عن بركتهما وسعيهما في نفع الناس ،وفي
بعضها البري القدمين أي أنهما بريئان من الخطاء ويحتمل الرسي أي
الثابت القدمين في الخير ،في القاموس رسا رسوا ورسوا ثبت وكغني
العمود الثابت وسط الخباء ،والراسخ في الخير والشر - 14 .جا :أحمد بن
الوليد ،عن أبيه ،عن الصفار ،عن ابن معروف ،عن
][279
ابن مهزيار ،عن محمد بن سنان ،عن أبي معاذ السدي ،عن أبي أراكة قال :صليت
خلف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات ال عليه الفجر في
مسجدكم فانفتل على يمينه ،وكان عليه كآبة ومكث حتى طلعت الشمس
على حائط مسجدكم هذا قيد رمح ،وليس هو على ما هو عليه اليوم ،ثم
أقبل على الناس فقال :أما وال لقد كان أصحاب رسول ال وهم يكابدون
هذا الليل ،يراوحون بين جباههم وركبهم كأن زفير النار في آذانهم ،فإذا
أصبحوا أصبحوا غبرا صفرا بين أعينهم شبه ركب المعزى ،فإذا ذكر ال
تعالى مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح ،وانهملت أعينهم حتى تبتل
ثيابهم .قال :ثم نهض وهو يقول :وال لكأنما بات القوم غافلين ،ثم لم ير
مفترا حتى كان من أمر ابن ملجم لعنه ال ما كان ) .(1ين :عن محمد بن
سنان مثله .بيان " :قيد رمح " بالكسر وقاده قدره " ،وليس هو " أي لم
يكن ارتفاع الحائط في هذا الزمان بهذا المقدار ،ومكابدة الشئ تحمل
المشاق في فعله وافتر ضحك ضحكا حسنا وفي ين :حتى كان من الرجل
الفاسق ما كان - 15 .كش :عن نصر بن الصباح ،عن إسحاق بن محمد
البصري ،عن محمد بن منصور ،عن محمد بن إسماعيل ،عن عمرو بن
شمر قال :قال :أتى رجل جابر بن يزيد فقال له جابر :تريد أن ترى أبا
جعفر ؟ قال :نعم] ،قال[ فمسح على عيني فمررت وأنا أسبق الريح حتى
صرت إلى المدينة قال :فبقيت أنا لذلك متعجبا إذ فكرت فقلت :ما أحوجنى
إلى وتد اوتده فإذا حججت عاما قابل نظرت هيهنا هو أم ل ؟ فلم أعلم إل
وجابر بين يدى يعطيني وتدا ،قال :ففزعت قال فقال :هذا عمل العبد باذن
ال ،فكيف لو رأيت السيد الكبر ،قال :ثم لم أره قال :فمضيت حتى صرت
إلى باب أبي جعفر عليه السلم فإذا هو يصيح بي :ادخل ل باس عليك،
فدخلت فإذا
][280
جابر عنده ،قال :فقال لجابر :يا نوح غرقتهم أول بالماء ،وغرقتهم آخرا بالعلم )(1
فإذا كسرت فاجبره ،قال :ثم قال :من أطاع ال اطيع ،أي البلد أحب إليك ؟
قال :قلت :الكوفة ،قال :بالكوفة فكن ،قال :فسمعت اخا النون بالكوفة )(2
قال :فبقيت متعجبا من قول جابر ،فجئت فإذا به في موضعه الذي كان فيه
قاعدا ،قال :فسألت القوم هل قام أو تنحى ؟ قال :فقالوا :ل ،وكان سبب
توحيدي أن سمعت قوله باللهية في الئمة .هذا حديث موضوع ل شك في
كذبه ،ورواته كلهم متهمون بالغلو والتفويض ) .(3بيان :قوله " هذا
حديث موضوع " كلم الكشي أو الشيخ لنه موجود في اختياره ،ول ريب
في كونه موضوعا ،وهو مشتمل على القول بالتناسخ والتشويش في
ألفاظه ومعانيه ) (4فلهذا لم نتعرض لشرحه - 16 .كش :عن محمد بن
مسعود ،عن محمد بن نصير ،عن محمد بن عيسى وحمدويه ابن نصير،
عن محمد بن عيسى ،عن علي بن الحكم ،عن عروة بن موسى قال :كنت
جالسا مع أبي مريم الحناط وجابر عنده جالس ،فقام أبو مريم فجاء بدورق
)(5
) (1ظاهر النسخة يتبنى على القول بالتناسخ وأن جابرا كان في العهد الول هو
نوح النبي صلوات ال عليه وعلى نبينا وآله ،ولذلك قيل :ان في العبارة
تصحيفا والصواب " يا جابر ! ان نوحا غرقهم أول بالماء وغرقتهم
آخرا بالعلم " وليس بشئ (2) .فيه تصحيف ،والظاهر أنه يقول :فلما
قال " :بالكوفة فكن " .صرت بالكوفة أسمع أصوات الناس أو النوق أو
النوف -وهو صوت الضبع -بها (3) .رجال الكشى ص (4) .173قد
عرفت افادة الحديث للتناسخ ،وهكذا تشويش ألفاظه في قوله " سمعت
أخا النون بالكوفة " وأما التشويش في معانيه ففى قوله " وكان سبب
توحيدي أن سمعت قوله باللهية في الئمة " (5) .قال في قاموس
الرجال :وقوله " فجاء بدورق " محرف " فجاء بدردق " ففى -
][281
من ماء بئر مبارك بن عكرمة فقال له جابر :ويحك يابا مريم كأني بك قد استغنيت
عن هذه البئر ،واغترفت من ههنا من ماء الفرات ،فقال له أبو مريم :ما
ألوم الناس أن يسمونا كذابين -وكان مولى لجعفر -كيف يجئ ماء الفرات
إلى ههنا ؟ قال :ويحك إنه يحفر ههنا نهر ،أوله عذاب على الناس ،وآخره
رحمة ،يجري فيه ماء الفرات ،فتخرج المرأة الضعيفة والصبي فيغترف
منه ،ويجعل له أبواب في بني رواس وفي بني موهبة ،وعند بئر بني
كندة ،وفي بني فزارة (1) ،حتى تتغامس فيه الصبيان .قال علي :إنه قد
كان ذلك ،وأن الذي حدث على عهده ) (2ولعل انه قد سمع بهذا الحديث
قبل أن يكون ).(3
-الصحاح :الدردق مكيال للشراب وأراه فارسيا معربا .أقول :نسخ الصحاح في
ضبط هذه الكلمة مختلفة ،ففى بعض النسخ -ومنه ما راجعه مؤلف
قاموس الرجال " -والدردق مكيال " ويوافقه عبارة القاموس" :
والدردق الطفال ،وصغار البل وغيرها ،ومكيال للشراب والدورق الجرة
ذات العروة " ولكن في غالب النسخ كما في المطبوعة الخيرة ص
" 1474والدورق :مكيال للشراب واراه فارسيا معربا " .وقال شارح
القاموس :مقتضى سياق كلم القاموس " ومكيال للشراب " انه دردق،
و هو غلط والصواب أنه الدورق كجوهر كما في العباب ،وفى الساس،
جاءوا بدورق من شراب أو دبس ،وهو مكيال فارسي معرب .أقول:
ولذلك قال في اقرب الموارد :الدورق مكيال للشراب -والجرة ذات
العروة ،معرب دوره بالفارسية والجمع دوارق (1) .في نسخة الكمبانى
بنى زرارة ،وما في الصلب مطابق للمصدر ومحكيه في قاموس الرجال
ج 2ص (2) .329في بعض النسخ كما في متن الكمبانى " وان الذى
حدث على وعمره " ]عهده خ ل[ وقيل :الصواب " ان الذى حدث على
عروة " كما في المصدر " :قال على :انه قد كان ذاك وان الذى حدث
على عروة بعلنية أنه قد سمع بهذا الحديث قبل أن يكون " والصحيح ما
في الصلب (3) .رجال الكشى 173 :و .174
][282
بيان :في القاموس الدورق الجرة ذات العروة " ،وكان " جملة معترضة و " كيف
" تتمة كلم أبي مريم " قال علي " يعني ابن الحكم ،والقول لبن عيسى
قوله " قد كان ذلك " أي قد كان زمان لم يكن النهر جاريا في هذا الموضع
ثم أجروا النهر فيه ،وقوله " وإن الذي " كلم ابن عيسى ومعناه أنه
يظهر من كلم علي أنه سمع هذا الحديث وعهد الموضع قبل إجراء النهر،
وفي بعض النسخ مكان " وعهده " " وعمر " وهو تصحيف- 17 .
كش :عن حمدويه بن نصير ،عن أيوب بن نوح ،عن ابن أبي عمير عن
هشام بن الحكم ،عن أبي حمزة قال كانت بنية لي سقطت فانكسرت يدها
فأتيت بها التيمي ،فأخذها فنظر إلى يدها فقال :منكسرة ،فدخل يخرج
الجبائر وأنا على الباب ،فدخلتني رقة على الصبية ،فبكيت ودعوت فخرج
بالجبائر فتناول بيد الصبية فلم ير بها شيئا ثم نظر إلى الخرى فقال :ما
بها شئ ،قال :فذكرت ذلك لبي عبد ال عليه السلم فقال :يابا حمزة وافق
الدعاء الرضا ،فاستجيب لك في أسرع من طرفة عين ) - 18 .(1كش:
قال :أبو النضر سمعت علي بن الحسن يقول :مات يونس بن يعقوب
بالمدينة فبعث إليه أبو الحسن الرضا عليه السلم بحنوطه وكفنه وجميع
ما يحتاج إليه ،وأمر مواليه وموالي أبيه وجده أن يحضروا جنازته ،وقال
لهم :هذا مولى لبي عبد ال عليه السلم كان يسكن العراق ،وقال لهم:
احفروا له في البقيع فان قال لكم أهل المدينة :إنه عراقي لندفنه في
البقيع ،فقولوا لهم :هذا مولى أبي عبد ال عليه السلم وكان يسكن
العراق ،فان منعتمونا أن ندفنه في البقيع منعناكم أن تدفنوا مواليكم في
البقيع ،فدفن في البقيع ووجه أبو الحسن علي بن موسى عليه السلم إلى
زميله محمد بن الحباب وكان رجل من أهل الكوفة :صل عليه أنت .علي
بن الحسن قال :حدثني محمد بن الوليد قال :رآني صاحب المقبرة وأنا عند
القبر بعد ذلك ،فقال لي :من هذا الرجل صاحب هذا القبر ؟ فان أبا
][283
الحسن علي بن موسى عليه السلم أوصاني به وأمرني أن أرش قبره أربعين
شهرا أو أربعين يوما في كل يوم ،قال أبو الحسن :الشك مني .قال :وقال
لي صاحب المقبرة :إن السرير عندي يعني سرير النبي صلى ال عليه
واله فإذا مات رجل من بني هاشم صر السرير فأقول :أيهم مات حتى أعلم
بالغداة فصر السرير في الليلة التي مات فيها هذا الرجل فقلت :ل أعرف
أحدا منهم مريضا فمن ذا الذي مات ،فلما كان من الغد جاؤا فأخذا مني
السرير وقالوا :مولى لبي عبد ال كان يسكن العراق ) .(1توضيح:
صاحب المقبرة المتولي لمرها والقائم بأمر الموتى المدفونين فيها وأبو
الحسن كنية علي بن الحسن وفي القاموس :صر يصر صرا وصريرا:
صوت وصاح شديدا - 19 .كش :عن محمد بن مسعود ،عن علي بن
محمد ،عن أحمد بن محمد ،عن علي ابن مهزيار قال :بينا أنا بالقرعاء )
(2في سنة ست وعشرين ومائتين منصرفي عن الكوفة ،وقد خرجت في
آخر الليل أتوضأ وأنا أستاك ،وقد انفردت عن رحلي ومن الناس ،فإذا أنا
بنار في أسفل مسواكي تلتهب ،لها شعاع مثل شعاع الشمس أو غير ذلك،
فلم أفزع منها وبقيت أتعجب ومسستها فلم أجد لها حرارة فقلت " الذي
جعل لكم من الشجر الخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون " ) (3فبقيت أتفكر
في مثل هذا ،وأطالت النار المكث طويل حتى رجعت إلى أهلي وقد كانت
السماء رشت ،وكان غلماني يطلبون نارا ومعي رجل بصري في الرحل
فلما أقبلت قال الغلمان :قد جاء أبو الحسن ومعه نار وقال البصري مثل
ذلك حتى دنوت فلمس البصري النار فلم يجد لها حرارة ول غلماني ،ثم
طفئت بعد
) (1رجال الكشى ص (2) .330القرعاء :منزل في طريق مكة من الكوفة بعد
المغيثة وقبل واقصة ،بينها وبين واقصة ثمانية فراسخ (3) .يس.80 :
][284
طول ،ثم التهبت فلبثت قليل ،ثم طفئت قليل ،ثم التهبت ،ثم طفئت الثالثة فلم تعد
فنظرنا إلى السواك فإذا ليس فيه أثر نار ول حر ول شعث ول سواد ،ول
شئ يدل على أنه حرق .فأخذت السواك فخبأته وعدت به إلى الهادي عليه
السلم وذلك سنة ست وعشرين ومائتين ،بعد موت الجواد عليه السلم
]فتحتم الغلط في التنازع[ ) (1قابل وكشفت له أسفله وباقيه مغطى وحدثته
بالحديث ،فأخذ السواك من يدي وكشفه كله وتأمله ونظر إليه ،ثم قال :هذا
نور ،فقلت له :نور جعلت فداك ؟ فقال :بميلك إلى أهل البيت ]وبطاعتك لي
ولبائي ولبي[ وبطاعتك لي ولبائي أراكه ال ) .(2كش :عن علي ،عن
محمد بن أحمد ،عن محمد بن عيسى ،عن علي بن مهزيار مثله ).(3
) (1الظاهر أن ما جعلناه بين المعقوفتين ليس من كلم الكشى وروايته ،بل كان من
كلم بعض المحشين مرتبطا معلقا بهذه الجملة ،فاشتبه على النساخ
ونقلوه إلى المتن ،وذلك لن ابن مهزيار قال في أول الحديث :انه في
سنة ست وعشرين ومائتين كان بالقرعاء منصرفه من الكوفة فاتقد
مسواكه نورا ،ثم قال في آخره " فخبأته وعدت به الى الهادى عليه
السلم وذلك سنة ست وعشرين ومائتين بعد موت الجواد عليه السلم
قابل " يعنى في العام القابل فكيف يكون السنة القابلة أيضا سنة ست
وعشرين ومائتين فتحتم الغلط في التاريخ ،فصحف لفظ التاريخ بالتنازع،
وهو غير عزيز في نسخة الكشى .وأما اعتراض ذاك المحشى فهو وارد،
فان قول ابن مهزيار " قابل " يعنى في العام القابل ،وان احتمل أن يكون
سافر في تلك السنة مرتين ،ال ان قوله " بعد موت الجواد عليه السلم
" وقد توفى عليه السلم سنة عشرين ومائتين ،يظهر منه أن سفره هذا
كان قبل فوته عليه السلم ،ولعل الصحيح في صدر الحديث :سنة
عشرين ومائتين ،بدون لفظ الست (2) .رجال الكشى ص (3) .459
المصدر ص .460
][285
بيان :في القاموس " القرعاء " منهل بطريق مكة بين القادسية والعقبة وقال:
الرش المطر القليل ،وأرشت السماء كرشت ،قوله " وعدت به " أقول:
في النسخ هنا اختلف كثير ففيما عندنا من نسخة اختيار الكشي " وعدت
به إلى الرضا عليه السلم قابل فكشفت له " ) (1وليست فيه الزيادة ،وفي
بعض كتب الرجال " وعدت به إلى الهادي عليه السلم وذلك سنة ست
وعشرين ومائتين بعد موت الجواد عليه السلم فتخم الغلظ في التنازع
قابل وكشفت " وفي بعضها سنة ست وعشرين بعد موت الجواد عليه
السلم " فتحتم الغلظ في التنازع " وفي بعضها " فتجشم " وفي بعضها
" في سنة عشرين وهي سنة وفاة الجواد عليه السلم " والحاصل أنه
قرب التنازع أو تحتم والتنازع إما في حقيقة نور السواك أو في شي آخر
من المامة وغيرها ،والنسخة الولى أظهر - 20 .طا :إن المؤمن إذا كان
ل مخلصا أخاف ال منه كل شئ ،روينا ذلك باسنادنا إلى البرقي من كتابه
كتاب المحاسن عن صفوان الجمال قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إن
المؤمن يخشع له كل شئ ،ويهابه كل شئ ،ثم قال :إذا كان مخلصا ل
أخاف ال منه كل شئ حتى هوام الرض وسباعها ،وطير السماء وحيتان
البحر .فمن ذلك ما رويناه من كتاب الرجال للكشي وقد ذكرناه في كتاب
الكرامات ولم يحضرنا لفظه فنذكر الن معناه أن بعض خواص مولنا علي
عليه السلم من شيعته كان قد سجد فتطوق أفعى على حلقه ،فلم يتغير من
حال سجوده ومراقبة معبوده حتى انفصل الفعى عن رقبته بغير حيلة منه،
بل بفضل ال جل جلله ورحمته .ومن ذلك ما رويناه مرويا عن على
الزاهد بن الحسن بن الحسن بن الحسن السبط عليهم السلم إنه كان قائما
في الصلة فانحدر أفعى من رأس جبل فصعد على ثيابه ودخل من زيقه
وخرج من تحت ثيابه ،فلم يتغير عن حال صلته ،ومراقبته لمالك حياته.
ومن ذلك ما رويناه في كتاب السفر وقد نقلناه بلفظه في كتاب الكرامات
][286
ونذكر ههنا بعض معناه أن عليا بن عاصم الزاهد كان يزور الحسين عليه السلم
بكربل قبل عمارة مشهده بالناس ،فدخل سبع إليه فلم يهرب منه ،ورأى
كف السبع منتفخة بقصبة قد دخلت فيها ،فأخرج القصبة منه ،وعصر كف
السبع وشده ببعض عمامته ،ولم يقف من الزوار لذلك بسوء .ومن ذلك ما
عرفناه نحن وهو أن بعض الجوار والعيال جاؤني ليلة وهم منزعجون،
وكنت إذ ذاك مجاورا بعيالي لمولنا علي عليه السلم فقالوا :قد رأينا
مسلخ الحمام تطوى الحصر الذي فيه وتنشر ،وما ننظر من يفعل ذلك،
فحضرت عند باب المسلخ ،وقلت :سلم عليكم قد بلغني عنكم ما قد فعلتم
ونحن جيران مولنا على عليه السلم وأولده وضيفانه ،وما أسأنا
مجاورتكم ،فل تكدروا علينا مجاورته ومتى فعلتم شيئا من ذلك شكوناكم
إليه ،فلم نعرف منهم تعرضا لمسلخ الحمام بعد ذلك أبدا .ومن ذلك أن
ابنتي الحافظة الكاتبة شرف الشراف كمل ال لها تحف اللطاف عرفتني
أنها تسمع سلما عليها ممن ل تراه ،فوقفت في الموقف فقلت :سلم
عليكم أيها الروحانيون ،فقد عرفتني ابنتي أشرف الشراف بالتعرض لها
بالسلم ،وهذا النعام مكدر علينا ،نحن نخاف منه أن ينفر بعض العيال
منه ،و نسأل أن ل تتعرضوا لنا بشئ من المكدرات ،وتكونوا معنا على
جميل العادات فلم يتعرض لها أحد بعد ذلك بكلم .ومن ذلك أنني كنت
اصلي المغرب بداري بالحلة ،فجاءت حية فدخلت تحت خرقة كانت موضع
سجودي فتممت الصلة ،ولم تتعرض لي بسوء ،وقتلتها بعد فراغي من
الصلة ،وهذا أمر معلوم يعرفه من رآه أو رواه .توضيح :زيق القميص
بالكسر ما أحاط بالعنق منه - 21 .ين :عن محمد بن سنان ،عن أبي عمار
صاحب الكسية عن البريدي عن أبي أراكة قال :سمعت عليا عليه السلم
يقول :إن ل عبادا كسرت قلوبهم خشية ال فاستكفوا عن المنطق ،وإنهم
لفصحاء عقلء ،ألباء نبلء ،يسبقون إليه بالعمال
][287
الزاكية ،ل يستكثرون له الكثير ،ول يرضون له القليل ،يرون أنفسهم أنهم شرار
وأنهم الكياس البرار - 22 .دعوات الراوندي :قال أبو عبد ال عليه
السلم :إن إبراهيم خرج مرتادا لغنمه وبقره مكانا للشتاء ،فسمع شهادة
أن ل إله إل ال ،فتبع الصوت حتى أتاه فقال :يا عبد ال من أنت ؟ أنا في
هذه البلد مذ ما شاء ال ما رأيت أحدا يوحد ال غيرك ،قال :أنا رجل كنت
في سفينة غرقت ،فنجوت على لوح فأنا ههنا في جزيرة قال :فمن أي شئ
معاشك ؟ قال :أجمع هذه الثمار في الصيف للشتاء ،قال :انطلق حتى
تريني مكانك ،قال :ل تستطيع ذلك ،لن بيني وبينها ماء بحر ،قال :فكيف
تصنع أنت ؟ قال :أمشي عليه حتى أبلغ قال :أرجو الذي أعانك أن يعينني
قال :فانطلق .فأخذ الرجل يمشي وإبراهيم يتبعه فلما بلغا الماء ،أخذ الرجل
ينظر إلى إبراهيم عليه السلم ساعة بعد ساعة يتعجب منه حتى عبرا،
فأتى بها كهفا قال :ههنا مكاني ،قال :فلو دعوت ال وأمنت أنا ،قال :أما
إني أستحيي من ربي ولكن ادع أنت واؤمن أنا ،قال :وما حياؤك ؟ قال:
أتيت الموضع الذي رأيتني فيه ،فرأيت غلما أجمل الناس ،كأن خديه
صفحتا ذهب ذوابة ،مع غنم وبقر كان عليها الدهن ،فقلت له :من أنت ؟
قال :أنا إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن فسألت ال أن يرينى إبراهيم
منذ ثلثة أشهر ،وقد أبطأ ذلك علي قال :فقال عليه السلم :فأنا إبراهيم،
فاعتنقا .قال أبو عبد ال عليه السلم :هما أول اثنين اعتنقا على وجه
الرض .وعن النبي صلى ال عليه واله أنه قال :خرج ثلثة نفر ممن كان
قبلكم يرتادون لهلهم فأصابتهم السماء فلجئوا إلى جبل فوقعت عليهم
صخرة ،فقال بعضهم لبعض عفا الثر ووقع الحجر ،ول يعلم مكانكم إل
ال ،ادعوا ال بأوثق أعمالكم ،فقال أحدهم :اللهم إن كنت تعلم أنه كانت
امرأة تعجبني فطلبتها فأبت علي فجعلت لها جعل
][288
فطابت نفسها فلما جلست منها اشتد ارتعادها من خشيتك ،فتركتها ) (1فان كنت
تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك ،وخشية عذابك فافرج عنا ،قال:
فزال ثلث الجبل .وقال الخر :اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي والدان وكنت
أحلب لهما فأتيتهما ليلة وهما نائمان ) (2فقمت قائما حتى طلع الفجر فلما
استيقظا شربا ،فان كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء ثوابك ،وخشية
عذابك ،فافرج عنا فزال ثلث الحجر .فقال الثالث :اللهم إن كنت تعلم أني
استأجرت يوما أجيرا فعمل إلى نصف النهار فأعطيته اجرته فسخط ولم
يأخذه ،فصرفت ذلك إلى التجارة والمواشي وغيرها ،فلما جاء يطلب أجره،
قلت :خذ هذا كله لك ) ،(3ولو شئت لم اعطه إل أجره ،فان كنت تعلم أني
إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا فزال ثلث الحجر،
وخرجوا يتماشون - 23 .كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن محمد بن علي،
عن محمد بن سنان ،عن عيسى النهر يرى ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من عرف ال
) (1روى البرقى في المحاسن ص 253كتاب مصابيح الظلم مثل هذا الحديث
مسندا الى جابر الجعفي رفعه ،وفيه " :فلما جلست منها مجلس الرجل
من المرءة ذكرت النار فقمت عنها فرقا منك " الخ (2) .في المحاسن:
فأتيتهما بقعب من لبن فخفت -ان أضعه -أن يمج فيه هامة ،وكرهت أن
اوقظهما من نومهما فيشق ذلك عليهما ،فلم أزل كذلك حتى استيقظا
وشربا " الخ (3) .في المحاسن :انى استأجرت قوما يحرثون كل رجل
منهم بنصف درهم فلما فرغوا أعطيتهم اجورهم فقال أحدهم :قد عملت
عمل اثنين ،وال ل آخذ ال درهما واحدا :وترك ماله عندي ،فبذرت بذلك
النصف الدرهم في الرض فأخرج ال من ذلك رزقا ،وجاء صاحب
النصف الدرهم فأراده فدفعت إليه ثمان عشرة ألف " الخ .وسيجيئ نصه
في ج 70الباب 17باب الخلص ومعنى قربه تعالى.
][289
وعظمه منع فاه من الكلم ،وبطنه من الطعام ،وعفى نفسه بالصيام ،والقيام ،قالوا:
بآبائنا وامهاتنا يا رسول ال هؤلء أولياء ال ؟ قال :إن أولياء ال سكتوا
فكان سكوتهم ذكرا ،ونظروا فكان نظرهم عبرة ،ونطقوا فكان نطقهم
حكمة ،ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة ،لو ل الجال التي قد كتب ال
عليهم لم تقر أرواحهم في أجسادهم خوفا من العذاب ،وشوقا إلى الثواب )
.(1لى :عن ابن إدريس ،عن أبيه ،عن أحمد البرقي ،عن محمد بن علي
الكوفى .عن محمد بن سنان ،عن عيسى النهر تيري عنه عليه السلم مثله
) (2إل أنه فيه هكذا :فكان سكوتهم فكرا وتكلموا فكان كلمهم ذكرا .لى:
عن ماجيلويه ،عن عمه ،عن الكوفي ،عن محمد بن سنان مثله ) .(3بيان:
قال النجاشي :عيسى بن أعين الجريري السدي مولى كوفي ثقة وعده من
أصحاب الصادق عليه السلم ) (4فما في المجالس أظهر سندا ومتنا لكن
في أكثر نسخ المجالس النهر تيري ) (5بالتاء كما في بعض نسخ الكافي
وفي بعضها النهر بيرى بالباء الموحدة وفي بعضها النهري والخير كأنه
نسبة إلى النهروان ) (6ولم أجد الولين في اللغة ) (7وقال الشيخ البهائي
قدس سره في حاشية الربعين:
) (1الكافي ج (2) .237 :2أمالى الصدوق ،182 :وفيه " وعنى نفسه بالصيام
" (3) .أمالى الصدوق (4) .330 :رجال النجاشي ص ،227وهكذا
عنونه ابن داود في القسم الول تحت الرقم 1144وقال :عيسى بن أعين
الجريرى بضم الجيم وفتح الراءين المهملتين ،منسوب الى جرير بن
عباد بالضم والتخفيف ابن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة السدي (5) .وفى
بعضها " النهزيزى " كما في المطبوعة (6) .النسبة الى النهروان "
النهرواني " ل غيره (7) .بل قال الفيروزآبادى :ونهر تيرى كضيزى
بالهواز ،فيكون النسبة إليه " نهر تيرى " ظاهرا.
][290
الجريري بضم الجيم والرائين المهملتين منسوب إلى جرير بن عباد بضم العين
وتخفيف الباء " .من عرف ال " قال الشيخ المتقدم رحمه ال :قال بعض
العلم :أكثر ما تطلق المعرفة على الخير من الدراكين للشئ الواحد ،إذا
تخلل بينهما عدم بأن أدركه أول ثم ذهل عنه ،ثم أدركه ثانيا فظهر له أنه
هو الذي كان قد أدركه أول ،ومن ههنا سمي أهل الحقيقة بأصحاب
العرفان ،لن خلق الرواح قبل البدان كما ورد في الحديث ،وهي كانت
مطلعة على بعض الشراقات الشهودية مقرة لمبدعها بالربوبية ،كما قال
سبحانه " :ألست بربكم قالوا بلى " ) (1لكنها للفها بالبدان الظلمانية،
وانغمارها في الغواشي الهيولنية ،ذهلت عن مولها ومبدعها ،فإذا
تخلصت بالرياضة من أسر دار الغرور ،وترقت بالمجاهدة عن اللتفات إلى
عالم الزور ،تجدد عهدها القديم الذي كاد أن يندرس بتمادي العصار
والدهور ،وحصل لها الدراك مرة ثانية وهي المعرفة التي هي نور على
نور " .من الكلم " أي من فضوله ،وكذا الطعام ،فان الكثار منه يورث
الثقل عن العبادة ،ويحتمل أن يكون كناية عن الصوم " وعفى " كذا في
بعض النسخ بالفاء أي جعلها صافية خالصة أو جعلها مندرسة ذليلة
خاضعة أو وفر كمالتها قال في النهاية :أصل العفو المحو والطمس،
وعفت الريح الثر محته وطمسته ،ومنه حديث أم سلمة " ل تعف سبيل
كان رسول ال صلى ال عليه واله لحبها " ) (2أي ل تطمسها وعفى
الشئ كثر وزاد ،يقال أعفيته وعفيته ،وعفا الشئ درس ،ولم يبق له أثر،
وعفا الشئ صفا وخلص انتهى ،وأقول :يمكن أن يحملها بعضهم على
الفناء في ال باصطلحهم والظهر ما في المجالس وغيره وأكثر نسخ
الكتاب " عنا " بالعين المهملة والنون المشددة أي أتعب ،والعناء بالفتح
والمد النصب " .بآبائنا وامهاتنا " قال الشيخ البهائي رحمه ال :هذه
الباء يسميها بعض النحاة باء التفدية ،وفعلها محذوف غالبا ،والتقدير
نقديك بآبائنا وامهاتنا ،وهي
في الحقيقة باء العوض ،نحو خذ هذا بهذا ،وعد منه قوله تعالى " ادخلوا الجنة بما
كنتم تعملون " ) " .(1هؤلء أولياء ال " فهو استفهام محذوف الداة،
ويمكن أن يكون خبرا قصد به لزم الحكم ،والتأكيد في قوله " إن أولياء
ال " الخ لكون الخبر ملقى إلى السائل المتردد على الول ،ولكون
المخاطب حاكما بخلفه على الثاني ،إن جعل قوله صلى ال عليه وآله "
إن أولياء ال " ردا لقولهم " هؤلء أولياء ال " أي أولياء ال اناس
اخر ،صفاتهم فوق هذه الصفات ،وإن جعل تصديقا لقولهم ،ووصفا
للولياء بصفات اخرى زيادة على صفاتهم الثلث السابقة ،فالتأكيد لكون
الخبر ملقى إلى الخلص الراسخين في اليمان ،فهو رائج عندهم ،متقبل
لديهم ،صادر عنه صلى ال عليه واله عن كمال الرغبة ،ووفور النشاط،
لنه في وصف أولياء ال بأعظم الصفات ،فكأنه مظنة التأكيد كما ذكره
صاحب الكشاف عند قوله تعالى " وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا " ).(2
" فكان سكوتهم ذكرا " أي عند سكوتهم قلوبهم مشغولة بذكر ال ،وتذكر
صفاته الكمالية ،وآلئه ونعمائه وغرائب صنعه وحكمته ،وفي رواية
المجالس كما أشرنا إليه " فكان سكوتهم فكرا " .وقال الشيخ البهائي
رحمه ال :أطلق على سكوتهم الفكر ،لكونه لزما له غير منفك عنه ،وكذا
إطلق العبرة على نظرهم ،والحكمة على نطقهم ،والبركة على مشيهم،
وجعل صلى ال عليه واله كلمهم ذكرا ثم جعله حكمة إشعارا بأنه ل يخرج
عن هذين ،فالول في الخلوة ،والثاني بين الناس ،ولك إبقاء النطق على
معناه المصدري أي إن نطقهم بما نطقوا به مبني على حكمة ومصلحة" .
فكان مشيهم بين الناس بركة " لن قصدهم قضاء حوائج الناس،
وهدايتهم وطلب المنافع لهم ،ودفع المضار عنهم ،مع أن وجودهم سبب
لنزول الرحمة
][292
عليهم ،ودفع البليا عنهم " لم تقر أرواحهم " في المجالس " لم تستقر "" .
خوفا من العذاب وشوقا إلى الثواب " فيه إشارة إلى تساوي الخوف
والرجاء فيهم وكونهما معا في الغاية القصوى ،والدرجة العليا ،كما مضت
الخبار فيه .ثم اعلم أن كون الشوق إلى الثواب سببا لمفارقة أرواحهم
أوكار أبدانهم وطيرانها إلى عالم القدس ،ومحل النس ،ودرجات الجنان
ونعيمها ظاهر وأما الخوف من العقاب إما لشدة الدهشة ،واستيلء الخوف
عليهم كما فعل بهمام لعدهم أنفسهم من المقصرين ،أو يريدون اللحوق
بمنازلهم العالية حذرا من أن تتبدل أحوالهم ،وتستولي الشهوات عليهم،
فيستحقوا بذلك العذاب ،فلذا يستعجلون في الذهاب إلى الخرة .ثم قال
الشيخ المتقدم رفع ال درجته :المراد بمعرفة ال تعالى الطلع على
نعوته وصفاته الجللية والجمالية ،بقدر الطاقة البشرية ،وأما الطلع
على حقيقة الذات المقدسة فمما ل مطمع فيه للملئكة المقربين ،والنبياء
المرسلين فضل عن غيرهم ،وكفى في ذلك قول سيد البشر " ما عرفناك
حق معرفتك " وفي الحديث " إن ال احتجب عن العقول كما احتجب عن
البصار ،وإن المل العلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم " فل تلتفت إلى من
يزعم أنه قد وصل إلى كنه الحقيقة المقدسة ،بل احث التراب في فيه ،فقد
ضل وغوى ،وكذب وافترى فان المر أرفع وأظهر من أن يتلوث بخواطر
البشر ،وكلما تصوره العالم الراسخ فهو عن حرم الكبرياء بفراسخ،
وأقصى ما وصل إليه الفكر العميق ،فهو غاية مبلغه من التدقيق ،وما
أحسن ما قال :آنچه پيش تو غير از أو ره نيست * غايت فهم تو است ال
نيست بل الصفات التي نثبتها له سبحانه إنما هي على حسب أوهامنا،
وقدر أفهامنا فانا نعتقد اتصافه بأشرف طرفي النقيض بالنظر إلى عقولنا
القاصرة ،وهو تعالى أرفع وأجل من جميع ما نصفه به .وفي كلم المام
أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلم إشارة إلى هذا المعنى
][293
حيث قال " :كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود
إليكم " ولعل النمل الصغار تتوهم أن ل تعالى زبانيتين فان ذلك كمالها
ويتوهم أن عدمها نقصان لمن ل يتصف بهما ،وهذا حال العقلء فيما
يصفون ال تعالى به .انتهى كلمه صلوات ال عليه وسلمه .قال بعض
المحققين :هذا كلم دقيق رشيق أنيق صدر من مصدر التحقيق ومورد
التدقيق ،والسر في ذلك أن التكليف إنما يتوقف على معرفة ال تعالى
بحسب الوسع والطاقة ،وإنما كلفوا أن يعرفوه بالصفات التي ألفوها،
وشاهدوها فيهم مع سلب النقائص الناشية عن انتسابها إليهم ،ولما كان
النسان واجبا بغيره عالما قادرا مريدا حيا متكلما سميعا بصيرا كلف بأن
يعتقد تلك الصفات في حقه تعالى مع سلب النقائص الناشية عن انتسابها
إلى النسان بأن يعتقد أنه تعالى واجب لذاته ل بغيره عالم بجميع
المعلومات ،قادر على جميع الممكنات ،وهكذا في سائر الصفات ولم يكلف
باعتقاد صفة له تعالى ل يوجد فيه مثالها ومناسبها بوجه ،ولو كلف به لما
أمكنه تعقله بالحقيقة ،وهذا أحد معاني قوله عليه السلم " من عرف
نفسه فقد عرف ربه " انتهى كلمه .ثم قال قدس سره :قد اشتمل هذا
الحديث على المهم من سمات العارفين وصفات الولياء الكاملين ،فأولها
الصمت وحفظ اللسان الذي هو باب النجاة ،وثانيها الجوع وهو مفتاح
الخيرات ،وثالثها إتعاب النفس في العبادة بصيام النهار ،وقيام الليل ،وهذه
الصفة ربما توهم بعض الناس استغناء العارف عنها وعدم حاجته إليها
بعد الوصول وهو وهم باطل ،إذ لو استغنى عنها أحد لستغنى عنها سيد
المرسلين وأشرف الواصلين وقد كان عليه السلم يقوم في الصلة إلى أن
ورمت قدماه ،وكان أمير المؤمنين علي عليه السلم الذي إليه ينتهي
سلسلة أهل العرفان يصلي كل ليلة ألف ركعة ،وهكذا شأن جميع الولياء
والعارفين ،كما هو في التواريخ مسطور ،وعلى اللسنة مشهور .ورابعها
الفكر ،وفي الحديث تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة ،قال بعض
][294
الكابر إنما كان الفكر أفضل لنه عمل القلب ،وهو أفضل من الجوارح ،فعمله
أشرف من عملها أل ترى إلى قوله تعالى " أقم الصلة لذكري " )(1
فجعل الصلة وسيلة إلى ذكر القلب ،والمقصود أشرف من الوسيلة.
وخامسها الذكر والمراد به الذكر اللساني وقد اختاروا له كلمة التوحيد
لختصاصها بمزايا ليس هذا محل ذكرها .وسادسها نظر العتبار كما قال
سبحانه " فاعتبروا يا اولي البصار " ) .(2وسابعها النطق بالحكمة
والمراد بها ما تضمن صلح النشأتين أو صلح النشأة الخرى من العلوم
والمعارف ،أما ما تضمن صلح الحال في الدنيا فقط ،فليس من الحكمة في
شئ .وثامنها وصول بركتهم إلى الناس ،وتاسعها وعاشرها الخوف
والرجاء وهذه الصفات العشر إذا اعتبرتها وجدتها امهات صفات السائرين
إلى ال تعالى يسر ال لنا التصاف بها بمنه وكرمه - 24 .كا :عن العدة،
عن البرقي ،عن بعض أصحابه من العراقيين رفعه قال :خطب الناس
الحسن بن علي عليهما السلم فقال :أيها الناس إنما اخبركم عن أخ لي
كان من أعظم الناس في عيني ،وكان رأس ما عظم به في عيني صغر
الدنيا في عينه ،كان خارجا من سلطان بطنه ،فل يشتهي ما ل يجد ،ول
يكثر إذا وجد ،كان خارجا من سلطان فرجه ،فل يستخف له عقله ول رأيه،
كان خارجا من سلطان الجهالة ،فل يمد يده إل على ثقة لمنفعة .كان ل
يتشهى ،ول يتسخط ،ول يتبرم ،كان أكثر دهره صماتا ،فإذا قال بذ
القائلين ،كان ل يدخل في مراء ،ول يشارك في دعوى ،ول يدلي بحجة
حتى يرى قاضيا ،وكان ل يغفل عن إخوانه ول يخص نفسه بشئ دونهم،
كان ضعيفا مستضعفا فإذا جاء الجد كان ليثا عاديا.
][295
كان ل يلوم أحدا فيما يقع العذر في مثله حتى يرى اعتذارا ،كان يفعل ما يقول
ويفعل ما ل يقول كان إذا ابتزه أمران ل يدري أيهما أفضل ،نظر إلى
أقربهما إلى الهوى فخالفه ،وكان ل يشكو وجعا إل عند من يرجو عنده
البرء ،ول يستشير إل من يرجو عنده النصيحة ،كان ل يتبرم ،ول يتسخط،
ول يتشكى ،ول يتشهى ،ول ينتقم ول يغفل عن العدو ،فعليكم بمثل هذه
الخلق الكريمة ،إن أطقتموها ،فان لم تطيقوها كلها فأخذ القليل خير من
ترك الكثير ،ول حول ول قوة إل بال ) .(1نهج :قال أمير المؤمنين عليه
السلم :كان لي فيما مضى أخ في ال ،وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا
في عينه وكان خارجا من سلطان بطنه إلى قوله من ترك الكثير ).(2
تبيين :قال ابن أبي الحديد :قد اختلف الناس في المعنى بهذا الكلم ومن
هذا الخ المشار إليه ؟ فقال قوم :هو رسول ال صلى ال عليه واله
واستبعده قوم لقوله عليه السلم " وكان ضعيفا مستضعفا " فانه ل يقال
في صفاته صلى ال عليه واله مثل هذه الكلمة و إن أمكن تأويلها على لين
كلمه وسجاحة أخلقه ،إل أنها غير لئقة به عليه السلم وقال قوم :هو
أبو ذر الغفاري واستبعده قوم لقوله عليه السلم " فان جاء الجد فهو ليث
غاد وصل واد " فان أبا ذر لم يكن من المعروفين بالشجاعة والبسالة،
وقال قوم :هو مقداد بن عمرو المعروف بمقداد بن السود وكان من شيعة
علي عليه السلم و كان شجاعا مجاهدا حسن الطريقة ،وقد روي في
فضله حديث صحيح مرفوع ،و قال قوم :إنه ليس باشارة إلى أخ معين
ولكنه كلم خارج مخرج المثل كقولهم فقلت لصاحبي ويا صاحبي وهذا
عندي أقوى الوجوه انتهى ) .(3ول يبعد أن يقال :إن قوله عليه السلم
فان جاء الجد فهو ليث غاد إلى آخره ل يقتضي الشجاعة والبسالة في
الحرب ،بل المراد الوصف بالتصلب في ذات ال ،و
) (1الكافي ج 2ص (2) .237نهج البلغة ج 2ص (3) .214شرح النهج لبن
أبى الحديد ج 4ص .378
][296
ترك المداهنة في أمر الدين ،وإظهار الحق ،بل في العدول عن لفظ الحرب إلى الجد،
بعد الوصف بالضعف إشعار بذلك ،وقد كان أبو ذر معروفا بذلك ،و
إفصاحه عن فضائح بني امية في أيام عثمان وتصلبه في إظهار الحق
أشهر من أن يحتاج إلى البيان .وقال الشارح ابن ميثم :ذكر هذا الفصل ابن
المقفع في أدبه ونسبه إلى الحسن بن علي عليهما السلم والمشار إليه
قيل :هو أبو ذر الغفاري وقيل :هو عثمان ابن مظعون انتهى ) .(1وأقول:
ل يبعد أن يكون المراد به أباه عليه السلم عبر هكذا لمصلحة " .وكان
رأس ما عظم به في عيني " أي وكان أقوى وأعظم الصفات التي صارت
أسبابا لعظمته في عيني ،فان الرأس أشرف ما في البدن ،وفي القاموس
الرأس أعلى كل شئ ،والصغر وزان عنب وقفل خلف الكبر ،وبمعنى الذل
والهوان ،وهو خبر كان ،وفاعل عظم ضمير الخ ،وضمير به عائد إلى
الموصول والباء للسببية " .كان خارجا من سلطان بطنه " أي سلطنته
كناية عن شدة الرغبة في المأكول والمشروب ،كما وكيفا ،ثم ذكر عليه
السلم لذلك علمتين ،حيث قال " :فل يشتهي ما ل يجد " وفي النهج "
فل يتشهى " ويقال تشهى فلن إذا اقترح شهوة بعد شهوة ،وهو أنسب "
ول يكثر " في الكل " إذا وجد " والكثار من الشئ التيان بالكثير منه،
والمراد به إما لقتصار على ما دون الشبع ،أو ترك الفراط في الكل أو
ترك السراف في تجويد المأكول والمشروب " .كان خارجا من سلطان
فرجه " أي لم يكن لشهوة فرجه عليه سلطنة بأن توقعه في المحرمات ،أو
الشبهات والمكروهات ،فذكر لذلك أيضا علمتين فقال " :فل يستخف له
عقله ول رأيه " في القاموس استخفه ضد استثقله ،وفلنا عن رأيه حمله
][297
على الجهل والخفة ،وأزاله عما كان عليه من الصواب ) (1وقال الراغب" :
فاستخف قومه " ) (2أي حملهم على أن يخفوا معه أو وجدهم خفافا في
أبدانهم وعزائمهم قيل :معناه وجدهم طائشين وقوله عزوجل " ول
يستخفنك الذين ل يوقنون " ) (3أي ل يزعجنك ويزيلنك عن اعتقادك بما
يوقعون من الشبه ) (4وقال البيضاوي في قوله سبحانه " فاستخف قومه
" فطلب منهم الخفة في مطاوعته ،أو فاستخف أحلمهم وقال في قوله
تعالى " :ول يستخفنك " ول يحملنك على الخفة والقلق " الذين ل
يوقنون " بتكذيبهم وإيذائهم .وأقول :هذه الفقرة تحتمل وجوها :الول أن
يكون المستتر في فل يستخف راجعا إلى الفرج والضمير في " له " راجعا
إلى الخ ،ويكون عقله ورأيه منصوبين أي كان ل تجعل شهوة الفرج عقله
ورأيه خفيفين مطيعين لها ،الثاني أن يكون الضمير في يستخف راجعا إلى
الخ وفي " له " إلى الفرج ،أي ل يجعل عقله ورأيه أو ل يجدهما خفيفين
سريعين في قضاء حوائج الفرج ،الثالث أن يقرأ يستخف على بناء
المجهول ،وعقله ورأيه ،مرفوعين ،وضمير " له " إما راجع إلى الخ أو
إلى الفرج ،وما قيل أن يستخف على بناء المعلوم ،وعقله ورأيه
مرفوعان ،وضمير له للخ ،فل يساعده ما مر من معاني الستخفاف" .
كان خارجا من سلطان الجهالة " بفتح الجيم وهي خلف العلم والعقل "
فل يمد يده " أي إلى أخذ شئ كناية عن ارتكاب المور " إل على ثقة "
واعتماد بأنه ينفعه نفعا عظيما في الخرة أو في الدنيا أيضا إذا لم يضر
بالخرة " كان ل يتشهى " أي ل يكثر شهوة الشياء كما مر " ول
يتسخط " أي ل يسخط كثيرا لفقد المشتهيات أو ل يغضب ليذاء الخلق له
أو اقلة عطائهم ،في القاموس :السخط بالضم وكعنق
) (1القاموس ج 3ص (2) .136الزخرف (3) .54 :الروم (4) .60 :مفردات
غريب القرآن.152 :
][298
وجبل ضد الرضا ،وقد سخط كفرح وتسخط وأسخطه أغضبه ،وتسخطه تكرهه
وعطاءه استقله ولم يقع منه موقعا ) " (1ول يتبرم " أي ل يمل ول يسأم
من حوائج الخلق ،وكثرة سؤالهم ،وسوء معاشرتهم ،في القاموس البرم
السأمة والضجر وأبرمه فبرم كفرح وتبرم امله فمل " .كان أكثر دهره "
أي عمره و " أكثر " منصوب على الظرفية " صماتا " بفتح الصاد
وتشديد الميم وقرئ بضم الصاد وتخفيف الميم ،مصدرا فالحمل على
المبالغة وفي النهج " صامتا فان قال بذ القائلين ،ونقع غليل السائلين "
قال في النهاية :في الحديث بذ القائلين أي سبقهم وغلبهم يبذهم بذ انتهى،
ونقع الماء العطش أي سكنه والغليل حرارة العطش ،ويمكن أن يكون البذ
بالفصاحة والنقع بالعلم والجواب الشافي " .كان ل يدخل في مراء " أي
مجادلة في العلوم للغلبة وإظهار الكمال ،قال في المصباح :ماريته اماريه
مماراة ومراء جادلته ،ويقال :ماريته أيضا إذا طعنت في قوله تزييفا
للقول ،وتصغيرا للقائل ،ول يكون المراء إل اعتراضا " ول يشارك في
دعوى " أي في دعوى غيره لعانته أو وكالة عنه " .ول يدلي بحجة
حتى يرى قاضيا " في المصباح أدلى بحجته أثبتها فوصل بها وفي
القاموس أدلى بحجته أحضرها ،وإليه بماله دفعه ،ومنه " وتدلوا بها إلى
الحكام " ) .(2أقول :وفي النهج " حتى يأتي قاضيا " وهذه الفقرة أيضا
يحتمل وجوها :الول ما ذكره بعض شراح النهج أي ل يدلي بحجته حتى
يجد قاضيا ،و هو من فضيلة العدل في وضع الشياء مواضعها انتهى.
وأقول :المعنى أنه ليس من عادته إذا ظلمه أحد أن يبث الشكوى عند
الناس ،كما هو دأب أكثر الخلق ،بل يصبر إلى أن يجد حاكما يحكم بينه
وبين
خصمه ،وذلك في الحقيقة يؤل إلى الكف عن فضول الكلم ،والتكلم في غير موقعه.
الثاني أن يكون المراد أنه يصبر على الظلم ،ويؤخر المطالبة إلى يوم
القيامة ،فالمراد بالقاضي الحاكم المطلق ،وهو ال سبحانه ،أو ل ينازع
العداء إل عند زوال التقية ،فالمراد بالقاضي المام الحق النافذ الحكم.
الثالث أن يكون المراد نفي إتيانه القاضي لكفه عن المنازعة والدعوى
وصبره على الظلم أي ل ينشئ دعوى ول يأتي بحجة حتى يحتاج إلى
إتيان القاضي .الرابع ما ذكره بعض الفاضل حيث قرأ " يري " على بناء
الفعال ،وفسر القاضي بالبرهان القاطع الفاصل بين الحق والباطل ،أي
كان ل يتعرض للدعوى إل أن يظهر حجة قاطعة ،ولعله أخذه من قول
الفيروزآبادي القضاء الحتم ،والبيان وسم قاض قاتل ،ول يخفى بعده مع
عدم موافقته لما في النهج " .وكان ل يغفل عن إخوانه " أي كان يتفقد
أحوالهم في جميع الحوال كتفقد الهل والعيال " ول يخص نفسه بشئ من
الخيرات دونهم " بل كان يجعلهم شركاء لنفسه فيما خوله ال ،ويحب لهم
ما يحب لنفسه ،ويكره لهم ما يكره لنفسه " .كان ضعيفا " أي فقيرا ؟ ؟
ورا إليه بعين الذلة والفقر ،كما قيل ،أو ضعيفا في القوة البدنية خلقة،
ولكثرة الصيام والقيام " مستضعفا "( أي في أعين الناس للفقر
والضعف ،وقلة العوان ،يقال :استضعفه أي عده ضعيفا ،وقال بعض
شراح النهج :استضعفه أي عده ضعيفا ووجده ضعيفا وذلك لتواضعه وإن
كان قويا " .وإذا جاء الجد كان ليثا عاديا " في أكثر النسخ بالعين
المهملة ،وفي بعضها بالمعجمة ،وفي النهاية فيه ماذئبان عاديان ،العادي
الظالم ،وقد عدا يعدو عليه عدوانا ،وأصله من تجاوز الحد في الشئ،
والسبع العادي أي الظالم الذي يفترس الناس انتهى ،والجد بالكسر ضد
الهزل ،والجتهاد في المر ،والمراد به هنا المحاربة والمجاهدة ،وفي
النهج " فان جاء الجد فهو ليث عاد وصل واد " وفي أكثر نسخه " غاد
" بالمعجمة من غدا عليه أي تكبر ،وقال بعض شارحيه :الوصف
][300
بالغادي لنه إذا غدا كان جائعا فصولته أشد ،والمناسب حينئذ أن يكون ليث منونا
وفي النسخ ليث غاد بالضافة ،فكأنه من إضافة الموصوف إلى الصفة،
وفي بعض نسخه بالمهملة كما مر وفي بعضها " غاب " بالباء الموحدة
بعد العين المهملة وهو الجمة ويسكنها السد والمناسب حينئذ الضافة،
وقال الجوهري :الصل بالكسر الحية التي ل تنفع منها الرقية ،يقال إنها
لصل صفا إذا كانت منكرة مثل الفعى ،ويقال للرجل إذا كان داهيا منكرا:
إنه لصل أصلل أي حية من الحيات وأصله في الحيات ،شبه الرجل بها
انتهى ) (1وذكر الوادي لن الودية لنخفاضها تشتد فيها الحرارة ،فيشتد
السم في حيتها " .كان ل يلوم أحدا فيما يقع العذر في مثله حتى يرى
اعتذارا " فيما يقع العذر :أي فيما يمكن أن يكون له فيه عذر ،وفي كلمة
المثل إشعار بعدم العلم بكون فاعله معذورا ،إذ من الجائز أن يكون الفاعل
غير معذور ،فيجب التوقف حتى يسمع العتذار ويظهر الحق ،فان لم يكن
عذره مقبول لمه ،ويحتمل أن يكون حتى للتعليل أي كان ل يلومه بل
يتفحص العذر حتى يجد له عذرا ولو على سبيل الحتمال وفي النهج "
وكان ل يلوم أحدا على ما يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره " وفي
بعض النسخ " على ما ل يجد " بزيادة حرف النفي فالمعنى ل يلوم على
أمر ل يجد فيه عذرا بمجرد عدم الوجدان ،إذ يحتمل أن يكون له عذر ل
يخطر بباله " .وكان يفعل ما يقول ويفعل ما ل يقول " أي يفعل ما يأمر
غيره به من الطاعات إشارة إلى قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لم
تقولون ما ل تفعلون " ) (2وقد قيل إن المعنى لم ل تفعلون ما تقولون،
فانه إذا قال ولم يفعل ،فعدم الفعل قبيح ل القول ،ويفعل من الخيرات
والطاعات ما ل يقوله لمصلحة تقية أو عدم انتهاز فرصة ،أو عدم وجدان
قابل ،كما قال تعالى " :فذكر إن نفعت الذكرى " )(3
][301
كذا فهمه الكثر ،ويخطر بالبال أن المعنى أنه يحسن إلى غيره سواء وعده
الحسان أو لم يعده كما فسرت الية المتقدمة في كثير من الخبار بخلف
الوعد وفي النهج " وكان يقول ما يفعل ،ول يقول ما ل يفعل " وفي بعض
نسخه في الول " وكان يفعل ما يقول " " .كان إذا ابتزه أمران " كذا في
أكثر النسخ بالباء الموحدة والزاي على بناء الفتعال ،أي استلبه وغلبه
وأخذه قهرا ،كناية عن شدة ميله إليهما وحصول الدواعي في كل منهما،
في القاموس البز الغلبة ،وأخذ الشئ بجفاء وقهر كالبتزاز ،وبزبز الشئ
سلبه كابتزه ،ول يبعد أن يكون في الصل " :انبراه " بالنون والباء
الموحدة على الحذف واليصال أي اعترض له ،وفي النهج " وكان إذا
بدهه أمران نظر أيهما أقرب إلى الهوى فخالفه " يقال بدهه أمر كمنعه أي
بغته وفاجأه .وهذا الكلم يحتمل معنيين الول أن يكون المعنى إذا عرضت
له طاعتان كان يختار أشقهما على نفسه ،لكونها أكثر ثوابا ،كالوضوء
بالماء البارد والحار في الشتاء ،كما ورد ذلك في فضائل أمير المؤمنين
عليه السلم والثاني أن يكون معيارا لحسن الشياء وقبحها ،كما إذا ورد
عليه فعل ل يدري فعله أفضل أو تركه فينظر إلى نفسه وكلما تهواه
يخالفها كما ورد ل تترك النفس وهواها ،فان رداها في هواها وهذا هو
الغالب ،لكن جعلها قاعدة كلية كما تقوله المتصوفة مشكل ،لما نقل عن
بعضهم أنه مر بعذرة فعرصها على نفسه فأبت فأكلها ،والظاهر أن أكلها
كان عين هواها لتعده الرعاع ) (1من الناس شيخا كامل ،ولكل عذرة آكل.
" إل عند من يرجو عنده البرء " أي ربه تعالى فانه الشافي حقيقة ،أو
المراد به الطبيب الحاذق الذي يرجو بمعالجته البرء فانه حينئذ ليس
بشكاية ،بل هو طلب لعلجه ،فلستثناء منقطع ،وفي النهج " وكان ل
يشكو وجعا إل عند برئه "
) (1الرعاع بالفتح :سقاط الناس وسفلتهم وغوغاؤهم ،الواحد رعاعة ،وقيل :ل
واحد له من لفظه.
][302
أي يحكيه بعد البرء للشكر والتحدث بنعمة ال ،فالستثناء منقطع ،أو اطلقت
الشكاية عليها على المشاكلة ،وقيل أي كان يكتم مرضه عن إخوانه لئل
يتجشموا زيارته " .ول يستشير " في المصباح شاورته في كذا
واستشرته راجعته لرى رأيه فيه ،فأشار علي بكذا :أراني ما عنده فيه من
المصلحة ،فكانت إشارته حسنة والسم المشورة ،وفيه لغتان سكون
الشين وفتح الواو ،والثانية ضم الشين وسكون الواو وزان معونة ،ويقال:
هي من شار الدابة إذا عرضه في المشوار ،ويقال :من أشرت العسل شبه
حسن النصيحة بشري العسل " إل من يرجو عنده النصيحة " أي خلوص
الرأي ،وعدم الغش وكمال الفهم " .كان ل يتبرم " كأن إعادة تلك الخصال
مع ذكرها سابقا للتأكيد وشدة الهتمام بترك تلك الخصال ،أو المراد بها في
الول تشهي الدنيا والتسخط من فقدها ،والتبرم بمصائب الدنيا ،والشكاية
عن الوجع ،والمراد هنا التبرم من كثرة سؤال الناس وسوء أخلقهم
والتسخط بما يصل إليه منهم ،وتشهي ملذ الدنيا والتشكي عن أحوال
الدهر ،أو عن الخوان ،والشكاية والتشكي والشتكاء بمعنى ويمكن الفرق
بامور اخر يظهر بالتأمل فيما ذكرنا " .ول ينتقم " أي من العدو حتى ينتقم
ال له كما مر " ول يغفل عن العدو " أي العداء الظاهرة والباطنة
كالشيطان والنفس والهوى " .فعليكم بمثل هذه الخلق " في النهج "
فعليكم بهذه الخلئق فالزموها وتنافسوا فيها ،فان لم تستطيعوها فاعلموا
أن أخذ القليل خير من ترك الكثير " أقول :لما كان الغرض من ذكر صفات
الخ أن يقتدي السامعون به في الفضائل المذكورة ،أمرهم عليه السلم
بلزومها والتنافس فيها ،أو في بعضها إن لم يمكن الكل .قوله عليه السلم
" من ترك الكثير " أي الكل .وأقول :في رواية النهج ترك بعض تلك
الخصال وفيها زيادة أيضا وهي قوله " وكان إن غلب على الكلم لم يغلب
على السكوت ،وكان على ما يسمع أحرص منه
][303
على أن يتكلم " والمراد بالفقرة الولى أنه إن غلبه أحد بالجدال والخروج عن
الحق عدل إلى السكوت وترك المراء ،فكان هو الغالب حقيقة لعدم خروجه
عن الحق أو المراد أن سكوته كان أكثر من غيره ،فالكلم أعم مما هو في
معرض الجدال وأما الثانية فالحرص على الستماع لحتمال النتفاع،
وقيل :صيغة التفضيل هنا مثلها في قوله تعالى " أذلك خير أم جنة الخلد "
) - 25 .(1كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن ابن محبوب ،عن عبد ال بن
سنان عن معروف بن خربوذ ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :صلى أمير
المؤمنين عليه السلم بالناس الصبح بالعراق فلما انصرف وعظهم فبكى
وأبكاهم من خوف ال ،ثم قال :أما وال لقد عهدت أقواما على عهد خليلي
رسول ال صلى ال عليه واله وإنهم ليصبحون ويمسون شعثا غبرا
خمصا ،بين أعينهم كركب المعزى ،يبيتون لربهم سجدا وقياما يراوحون
بين أقدامهم وجباههم ،يناجون ربهم ويسألونه فكاك رقابهم من النار وال
لقد رأيتهم على هذا وهم خائفون مشفقون ) .(2ما :عن المفيد ،عن ابن
قولويه ،عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن ابن محبوب مثله ).(3
توضيح :العراق هنا الكوفة ،والعراقان الكوفة والبصرة " لقد عهدت( أي
لقيت أو هو في ذكري وفي بالي ،وفي المصباح عهدته بمكان كذا لقيته،
وعهدي به قريب أي لقائي ،وعهدت الشئ ترددت إليه وأصلحته وحقيقته
تجديد العهد به وفي القاموس :العهد :اللتقاء والمعرفة ،منه عهدي به
بموضع كذا ،والشعث بالضم جمع الشعث ،كالغبر بالضم جمع الغبر،
والشعث تفرق الشعر وعدم إصلحه ومشطه وتنظيفه ،والغبر المتلطخ
بالغبار ،قال في المصباح :شعث الشعر شعثا فهو شعث من باب تعب تغير
وتلبد لقلة تعهده بالدهن ،ورجل أشعث وامرأة شعثاء ،والشعث
) (1الفرقان (2) .15 :الكافي ج 2ص (3) .236أمالى الطوسى ج 1ص .100
][304
أيضا الوسخ ،ورجل شعث :وسخ الجسد ،وشعث الرأس أيضا وهو أشعث أغبر من
غير استحداد ) (1ول تنظف ،والشعث أيضا التفرق وتلبد الشعر انتهى.
فان قيل :التمشط والتدهن والتنظف كلها مستحبة مطلوبة للشارع ،فكيف
مدحهم عليه السلم بتركها ؟ قلنا :يحتمل أن تكون تلك الحوال لفقرهم،
وعدم قدرتهم على إزالتها ،فالمدح على صبرهم على الفقر ،أو المعنى
أنهم ل يهتمون بازالتها زائدا على المستحب أو يقال :إذا كان تركها لشدة
الهتمام بالعبادة ،وغلبة خوف الخرة يكون ممدوحا " .خمصا " جمع
الخمص ،وقيل الخميص أي بطونهم خالية إما للصوم أو للفقر أو ل
يشبعون لئل يكسلوا في العبادة ،وقد مر " .كركب المعزى " أي من أثر
السجود لكثرته وطوله ،وفي القاموس الركبة بالضم ما بين أسافل أطراف
الفخذ وأعالي الساق ،أو موضع الوظيف والذراع أو مرفق الذراع من كل
شئ والجمع ركب كصرد ،وقال :المعز بالفتح وبالتحريك والمعزى ويمد
خلف الضأن من الغنم ،والماعز واحد المعز للذكر والنثى ،وفي المصباح
المعز اسم جنس ل واحد من لفظه ،وهي ذوات الشعر من الغنم الواحدة
شاة ،والمعزى ألفها لللحاق ل للتأنيث ،ولهذا تنون في النكرة ،والذكر
ماعز ،والنثى ماعزة انتهى " .يبيتون لربهم " تضمين لقوله تعالى في
الفرقان " والذين يبتون لربهم سجدا وقياما " ) (2قال البيضاوي :وتأخير
القيام للروى ،وهو جمع قائم أو مصدر اجري مجراه انتهى ) (3وقيل :في
تقديم القدام على الجباه مع التأخير في الية إشارة إلى أن تقديم السجود
فيها لزيادة القرب فيه ،ولرعاية موافقة الفواصل وفي النهاية فيه إنه كان
يراوح بين قدميه من طول القيام ،أي يعتمد على إحداهما مرة وعلى
الخرى مرة ،ليوصل الراحة إلى كل منهما ،ومنه حديث ابن مسعود
) (1الستحداد :الحلق بالحديد (2) .الفرقان (3) .64 :أنوار التنزيل ص .305
][305
إنه أبصر رجل صافا قدميه ،فقال :لو راوح كان أفضل ،ومنه حديث بكر بن عبد
ال :كان ثابت يراوح ما بين جبهته وقدميه أي قائما وساجدا يعني في
الصلة .وأقول :ظاهر أكثر أصحابنا استحباب أن يكون اعتماده على قدميه
مساويا وأما هذه الخبار مع صحتها يمكن أن تكون مخصوصة بالنوافل أو
بحالي المشقة والتعب ،والمناجاة المسارة " وهم خائفون " من رد
أعمالهم للخلل ببعض شرائطها " مشفقون " من عذاب ال ،والحاصل
أنهم مع هذا الجد والمبالغة في العمل كانوا يعدون أنفسهم مقصرين ،ولم
يكونوا بأعمالهم معجبين - 26 .كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن إسماعيل
بن مهران ،عن سيف بن عميرة ،عن سليمان بن عمرو النخعي قال:
وحدثني الحسين بن سيف ،عن أخيه علي ،عن سليمان ،عمن ذكره ،عن
أبي جعفر عليه السلم قال :سئل النبي صلى ال عليه واله عن خيار العباد
فقال :الذين إذا أحسنوا استبشروا ،وإذا أساؤا استغفروا ،وإذا اعطوا
شكروا ،وإذا ابتلوا صبروا ،وإذا أغضبوا غفروا ) .(1ل ،لى :عن ابن
الوليد ،عن الصفار ،عن البرقي ،عن ابن مهران ،عن ابن عميرة ،عن
سليمان بن جعفر ،عن محمد بن مسلم وغيره ،عن أبي جعفر عليه السلم
قال :سئل رسول ال صلى ال عليه واله وذكر نحوه ) .(2بيان :الحسان
فعل الحسنة ،ويحتمل الحسان إلى الغير ،وكذا الساءة يحتملهما،
والستبشار الفرح والسرور - 27 .كا :بالسناد المتقدم ،عن أبي جعفر
عليه السلم قال :قال النبي صلى ال عليه واله :إن خياركم اولو النهى،
قيل :يا رسول ال ومن اولو النهى ؟ قال :هم اولو الخلق الحسنة،
والحلم الرزينة ،وصلة الرحام ،والبررة بالمهات والباء والمتعاهدين
للفقراء ،والجيران واليتامى ،ويطعمون الطعام ،ويفشون السلم
) (1الكافي ج 2ص (2) .240الخصال ج 1ص ،153أمالى الصدوق ص (*) .8
][306
في العالم ،ويصلون والناس نيام غافلون ) .(1بيان " :اولو النهى " في القاموس
النهية بالضم العقل كالنهي ،وهو يكون جمع نهية أيضا وقال الراغب:
النهية العقل الناهي عن القبائح جمعها نهى ،قال عزوجل " إن في ذلك
ليات لولي النهى " انتهى ) (2والحلم جمع حلم بالكسر بمعنى العقل،
أو الناة ،وعدم التسرع إلى النتقام ،وهو هنا أظهر وفي القاموس الرزين
الثقيل وترزن في الشئ توقر " وصلة الرحام( عطف على الحلم،
ويمكن أن يكون الواو جزء الكلمة والصاد مفتوحة جمع واصل "
والمتعاهدين " في أكثر النسخ بالنصب فيكون نصبا على المدح ،كما قالوا
في قوله تعالى في سورة النساء " والمقيمين الصلوة والمؤتون الزكوة "
) (3ويمكن على الحتمال الثاني في " وصلة الرحام " نصب الوصلة
على المدح " .والناس نيام غافلون " نيام جمع نائم ،وغافلون خبر بعد
خبر ،أي بعضهم نيام ،وبعضهم غافلون ،أو صفة كاشفة أي المراد بالنيام
الغافلون ،كما ورد :الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا - 28 .كا :عن علي بن
إبراهيم ،عن محمد بن عيسى ،عن يونس ،عن محمد بن عرفة ،عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :قال النبي صلى ال عليه واله :أل اخبركم
بأشبهكم بي ؟ قالوا :بلى يا رسول ال قال :أحسنكم خلقا ،وألينكم كنفا،
وأبركم بقرابته ،وأشدكم حبا لخوانه في دينه ،وأصبركم على الحق،
وأكظمكم للغيظ ،وأحسنكم عفوا ،وأشدكم من نفسه إنصافا في الرضا
والغضب ) .(4بيان " :وألينكم كنفا " أي ل يتأذى من مجاورتهم
ومجالستهم ومن ناحيتهم أحد ،في القاموس :أنت في كنف ال محركة :في
حرزه وستره ،وهو الجانب والظل
) (1الكافي ج 2ص (2) .240مفردات غريب القرآن ص ،507والية في طه:
128و (3) .45النساء (4) .162 :الكافي ج 2ص .240
][307
والناحية ،ومن الطائر جناحه ،وفي النهاية فيه أل اخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني
مجلسا يوم القيامة ؟ أحاسنكم أخلقا الموطؤن أكنافا ،هذا مثل وحقيقته من
التوطئة وهي التمهيد والتذلل ،وفراش وطئ ل يؤذي جنب النائم،
والكناف الجوانب أراد الذين جوانبهم وطيئة يتمكن فيها من يصاحبهم،
ول يتأذى انتهى .وأقول :في بالي أن في بعض الخبار أكتافا بالتاء أي
أنهم لشدة تذللهم كأنه يركب الناس أكتافهم ول يتأذون بذلك " لخوانه في
دينه " أي تكون اخوته بسبب الدين ل بسبب النسب " على الحق " أي
على المشقة والذية اللتين تلحقانه بسبب اختيار الحق أو قول الحق " في
الرضا " أي عن أحد " والغضب " أي في الغضب له - 29 .نهج :قال
أمير المؤمنين عليه السلم في بعض خطبه :لقد رأيت أصحاب محمد صلى
ال عليه واله فما أرى أحدا يشبههم ،لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا قد
باتوا سجدا وقياما ،يراوحون بين جباههم وخدودهم ،ويقفون على مثل
الجمر من ذكر معادهم ،كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم،
إذا ذكر ال هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم ،ومادوا كما يميد الشجر يوم
الريح العاصف خوفا من العقاب ،ورجاء للثواب ) .(1بيان " :شعثا غبرا
" إما لفقرهم فالمدح للصبر على الفقر ،أو لتركهم زينة الدنيا ولذاتها على
ما ذكره الكثر فينبغي التقييد بعدم القدرة ،أو التخصيص ببعض الفراد ،أو
لتقشف العبادة ،وقيام الليل ،وصوم النهار ،وهجر الملذ فالغبرة كناية عن
صفرة اللون ،والسجد جمع ساجد كالقيام جمع قائم أو القيام مصدر اجري
مجراه ،والتخصيص بالليل لكون العبادة فيه أحمز وأبعد عن الرئاء
والمراوحة بين الجبهة والخد وضع كل على الرض حتى يستريح الخر،
أو كأنه يستريح وليس الغرض الستراحة ،وذلك في سجدة الشكر وإن كان
وضع الجبهة شامل لسجود الصلة ،والجمر بالفتح جمع جمرة ،وهي النار
المتقدة ،ووقوفهم
][308
على مثل الجمر قلقهم واضطرابهم من خوف المعاد وعذاب النار ،والمراد ببين
أعينهم جباههم مجازا ،أو الموضع حقيقة للرغام في السجود ،والول
أظهر " وهملت " كضربت ونصرت :أي سالت وفاضت ،وجيب القميص
ونحوه بالفتح طوقه ومادوا تحركوا واضطربوا ،والريح العاصف
والعاصفة الشديدة " وخوفا " مفعول له لقوله عليه السلم " :مادوا "
فقط فسيلن العين للحب والشوق أو للفعلين جميعا أو للجميع على بعد،
ويدل على أن الخوف من العقاب ،والرجاء للثواب ل ينافيان الخلص30 .
-نهج :قال عليه السلم في بعض خطبه :أين القوم الذين دعوا إلى السلم
فقبلوه ،وقرؤا القرآن فأحكموه ،وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللقاح إلى
أولدها ،وسلبوا السيوف أغمادها ،وأخذوا بأطراف الرض زحفا زحفا
وصفا صفا ،بعض هلك ،وبعض نجا ،ل يبشرون بالحياء ،ول يعزون عن
الموتى ) (1مره العيون من البكاء ،خمص البطون من الصيام ،ذبل الشفاه
من الدعاء ،صفر اللوان من السهر ،على وجوههم غبرة الخاشعين،
اولئك إخواني الذاهبون ،فحق لنا أن نظمأ إليهم ونعض اليدي على فراقهم
) .(2بيان :كأن المراد بأحكام القرآن حفظ اللفاظ عن التحريف والتدبر في
معناه والعمل بمقتضاه ،وأهاجه أثاره ،والمراد به تحريصهم وترغيبهم
إليه ،والوله بالتحريك ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد من حزن أو
فرح ،وقيل :هو شدة الحب ،يقال :وله كفرح وكوعد على قلة ،والوله إلى
الشئ الشتياق إليه واللقاح ككتاب البل أو الناقة ذات اللبن واللقوح
واحدتها ،والحاصل أنهم اشتاقوا إلى الحرب بعد الترغيب اشتياق اللقاح
إلى أولدها ،وفي بعض النسخ " فولهوا اللقاح أولدها " قيل :أي جعلوا
اللقاح والهة إلى أولدها بركوبهم إياها عند خروجهم إلى الجهاد ،وقوله
عليه السلم " )أولدها " نصب باسقاط الجار إذ الفعل أعني " وله "
غير
) (1عن القتلى خ ل (2) .نهج البلغة ج 1ص 251تحت الرقم .119
][309
متعد إلى مفعولين بنفسه ،والغمد بالكسر جفن السيف " .وأخذوا بأطراف الرض
" أي أخذوا الرض بأطرافها ،كما قيل ،أو أخذوا على الناس بأطراف
الرض ،أي حصروهم ،يقال لمن استولى على غيره وضيق عليه :قد أخذ
عليه بأطراف الرض قال الفرزدق :أخذنا بأطراف السماء عليكم * لنا
قمراها والنجوم الطوالع وقيل :المعنى أخذوا أطراف الرض ،من قبيل
أخذت بالخطام ،ويحتمل أن يكون المراد شرعوا في الجهاد في أطراف
الرض والمواطن البعيدة ،والزحف الجيش يزحفون إلى العدو أي يمشون
ومصدر يقال :زحف إليه كمنع زحفا إذا مشى نحوه ،والصف واحد
الصفوف ،ويمكن مصدرا " وزحفا زحفا " أي زحفا بعد زحف متفرقين
في الطراف وكذلك " صفا صفا " والنصب على الحالية نحو جاؤني رجل
رجل ،وقيل :زحفا منصوب على المصدر المحذوف الفعل أي يزحفون
زحفا ،والثانية تأكيد للولى وكذلك قوله صفا صفا .وقوله عليه السلم "
بعض هلك وبعض نجا " إشارة إلى قوله تعالى " فمنهم من قضى نحبه
ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديل " ) (1والعزاء الصبر أو حسن الصبر
وعزيته تعزية أي قلت له :أحسن ال عزاك ،أي رزقك الصبر الحسن،
وهو اسم من ذلك نحو سلم سلما قال ابن ميثم رحمه ال (2) :المعنى
أنهم لما قطعوا العلئق الدنيوية ،إذا ولد لحدهم مولود لم يبشر به ،وإذا
مات منهم أحد لم يعزوا عنه وكانت نسخته موافقة لما نقلنا ،وفي بعض
النسخ " ل يعزون عن القتلى " موافقا لما في نسخة ابن أبي الحديد ،قال:
أي لشدة ولههم إلى الجهاد ل يفرحون ببقاء حيهم حتى يبشروا به ،ول
يحزنون لقتل قتيلهم حتى يعزوا به ) " .(3مره العيون " يقال :مرهت
عينه كفرح أي فسدت لترك الكحل ،والمراد
) (1الحزاب (2) .23 :شرح النهج لبن ميثم ص (3) .284شرج النهج لبن أبى
الحديد ج 2ص .260
][310
هنا مطلق الفساد ،وخمص البطن مثلثة الميم أي خل ،وخمص الرجل خمصا كقرب
أي جاع ،وذبل الشئ ذبول كقعد :ذهبت نداوته وقل ماؤه ،والسهر
بالتحريك عدم النوم في الليل كله أو بعضه ،والغبرة بالتحريك الغبار
والكدورة " فحق لنا أن نفعل " على صيغة المجهول كما في أكثر النسخ،
وحققت أن تفعل كذا كعلمت وهو حقيق به أي خليق جدير ،وفي بعض
النسخ على صيغة المعلوم وظمئ كفرح ظما بالتحريك ،أي عطش ،وقيل:
الظمأ أشد العطش ،وظمئ إليه أي اشتاق ،وعضضت عليه وعضضته
كسمع وفي لغه كمنع أي مسكته بأسناني - 31 .نهج :قال عليه السلم:
رحم ال امرءا سمع حكما فوعى ودعي إلى رشاد فدنى ،وأخذ بحجزة هاد
فنجا ،راقب ربه ،وخاف ذنبه ،قدم خالصا ،وعمل صالحا ،اكتسب مذخورا،
واجتنب محذورا ،رمى غرضا ،وأحرز عوضا ،كابر هواه ،وكذب مناه،
جعل الصبر مطية نجاته ،والتقوى عدة وفاته ،ركب الطريقة الغراء ،ولزم
المحجة البيضاء ،اغتنم المهل ،وبادر الجل ،وتزود من العمل ).(1
توضيح " :سمع حكما " بالضم أي حكمة وعلما نافعا " فوعى " أي حفظ
علما وعمل ،والرشاد الصلح وهو خلف الغي والضلل ،وهو إصابة
الصواب ورشد كتعب وقتل والسم الرشاد كذا في المصباح " فدنا " أي
من الداعي أو الحق والحجزة بالضم موضع شد الزار ثم قيل للزار:
حجزة ،للمجاورة ،والخذ بالحجزة مستعار للعتصام واللتجاء والتمسك
بأحد " .فنجا " أي خلص من الضللة وعواقبها ،والمراقبة الترصد
والمحافظة ،ومراقبة الرب الترصد لمره ،والعمل به ،والقبال بالقلب إليه.
" قدم خالصا " أي عمل خالصا ل لم يشبه رئاء ول سمعة ،وتقديمه فعله
قبل أن يخرج المر من يده وبعثه إلى دار الجزاء قبل الوصول إليه،
والكتساب الكسب ،والمذخور الشئ النفيس المعد لوقت الحاجة إليه ،وهو
العمال
][311
][312
ابن أبي الحديد :يعني كلما قسم ال الب الواحد إلى ابنين أعد خيرهما وأفضلهما
لولدة محمد صلى ال عليه واله ،وسمى ذلك نسخا لن البطن الول تزول
ويخلفه البطن الثاني ) " .(1لم يسهم فيه عاهر " السهم النصيب والحظ،
وفي النهاية وأصله واحد السهام التي يضرب بها في الميسر وهي القداح،
ثم سمي به ما يفوز به الفاتح سهمه ،ثم كثر حتى سمي كل نصيب سهما
انتهى ،والسهمة بالضم القرابة ،والمساهمة المقارعة ،وأسهم بينهم أي
أقرع ،وكانوا يعملون بالقرعة إذا تنازعوا في ولد والكلمة في بعض النسخ
على صيغة المجرد كيمنع ،وفي بعضها على بناء الفعال والعاهر الزاني
قيل :أي لم يضرب فيه العاهر بسهم ،ولم يكن للفجور في أصله شركة.
وقال ابن أبي الحديد (2) :في الكلم رمز إلى جماعة من الصحابة في
أنسابهم طعن ثم حكى عن الجاحظ أنه قال :قام عمر على المنبر فقال:
إياكم وذكر العيوب والطعن في الصول ثم قال :وروى المدائني هذا الخبر
في كتاب امهات الخلفاء ،وقال :إنه روي عند جعفر بن محمد عليهما
السلم بالمدينة فقال :ل تلمه يا ابن أخي إنه أشفق أن يحدج بقصة نفيل
بن عبد العزى وصهاك أمة الزبير بن عبد المطلب ،ثم قال :رحم ال عمر
إنه لم يعد السنة ،وتل " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين
آمنوا " الية ) .(3أقول :قد أوردنا هذه القصة في نسب عمر ،والدعامة
بالكسر عماد البيت الذي يقوم عليه ،والعصم كعنب جمع عصمة وهي
المنع والحفظ ،وكفاء أصله كفاية والتيان بالهمزة للزدواج ،كما قالوا:
الغدايا والعشايا ،كما قال صلى ال عليه واله وسلم :مأزوارت غير
مأجورات ،والصل الواو ،وقال ابن أبي الحديد :أهل الخير هم المتقون
ودعائم الحق الدلة الموصلة إليه ،المثبتة له في القلوب ،وعصم الطاعة
هي الدمان
) (1شرح النهج الحديدي ج 3ص (2) .22شرح النهج الحديدي ج 3ص ) .23
(3النور.19 :
][313
على فعلها ،والتمرن عليها ،لن المرون على الفعل يكسب الفاعل ملكة تقتضي
سهولة عليه ،والعون ههنا هو اللطف المقرب من الطاعة ،المبعد من
القبيح ولما كان العون من ال سبحانه مستهل للقول أطلق عليه من باب
التوسع أنه يقول على اللسنة ولما كان ال تعالى هو الذي يثبت كما قال "
يثبت ال الذين آمنوا بالقول الثابت " ) (1نسب التثبيت إلى اللطف لنه من
فعل ال .وقال ابن ميثم (2) :قوله عليه السلم " أل وإن ال " ترغيب
للسامعين أن يكونوا من أهل الخير ،ودعائم الحق ،وعصم الطاعة ،وكأنه
عنى بالعون القرآن ،قال تعالى " :لنثبت به فؤادك " ) .(3و " فيه كفاء "
أي في ذلك العون كفاية لطالبي الكتفاء ،أي من الكمالت النفسانية "
وشفاء " لمن طلب الشفاء من أمراض الرذائل الموبقة ،ويمكن أن يكون
المراد بأهل الخير التقياء ،وبدعائم الحق النبي والئمة عليهم السلم
وبعصم الطاعة العبادات التي توجب التوفيق من ال سبحانه وترك
المعاصي الموجبة لسلبه أو الملئكة العاصمة للعباد عن اتباع الشياطين،
وبالعون الملئكة المرغبة في طاعة ال كما ورد في الخبار .و "
المستحفظين " في أكثر النسخ بالنصب على صيغة اسم المفعول ،وهو
أظهر يقال استحفظته إياه أي سألته أن يحفظه وفي بعض النسخ على
صيغة اسم الفاعل أي الطالبين للحفظ وفي بعض النسخ بالرفع حمل على
المحل وكونه خبرا بعيد والمراد بهم الئمة عليهم السلم كما ورد في
الدعية والخبار ،وقال الشراح :المراد بهم العارفون أو الصالحون" .
يصونون مصونه " أي يكتمون ما ينبغي أن يكتم من أسرار علمه من غير
أهله " ويفجرون عيونه " أي يفيضون ما ينبغي إفاضته على عامة
الناس ،أو كل علم
) (1ابراهيم (2) .27 :شرح النهج لبن ميثم البحراني ص (3) .397الفرقان:
.32
][314
على من هو قابل له ،أو يتقون في مقامه التقية ،ويظهرون الحق عند عدمها
والولية في النسخ بالكسر قال سيبوبه :الولية بالفتح المصدر وبالكسر
السم ،وقال ابن أبي الحديد :الولية بفتح الواو المحبة والنصرة ،أي
يتواصلون وهم أولياء ومثله " ويتلقون بالمحبة " كما تقول :خرجت
بسلحي ،أي وأنا متسلح أو يكون المعنى يتواصلون بالقلوب ل بالجسام،
كما تقول أنا أراك بقلبي وأزورك بخاطري واواصلك بضميري انتهى.
وأقول :يحتمل أن يكون المراد ولية أهل البيت عليهم السلم أي بسببها،
أو متصفين بها أو مظهرين لها وماء روي كغني أي كثير مرو ،وروي من
الماء كرضي ريا بالفتح والكسر أي تنعم ،والسم الرى بالكسر " والرية "
في بعض النسخ بالفتح وفي بعضها بالكسر ،ولعل المراد التساقي من
المعارف والعلوم " والريبة " بالكسر التهمة والشك اسم من الريب بالفتح
أي ل تخالطهم شك في المعارف والعقائد أو تهمة في حب أحدهم للخر،
وعدم إسراع الغيبة فيهم لعدم استحقاقهم للغيبة في أقوالهم وأعمالهم
واتقائهم مواضع التهم ،أو المعنى ل يغتابون الناس ول يتبعون عيوبهم .و
" الخلق " يكون بمعنى التقدير والبداع ،وبمعنى الطبيعة كالخليقة و "
الخلق " جمع خلق بالضم وبضمتين ،وهو السجية والطبع ،والمروة
والدين ويحتمل أن يكون المراد بالخلق ما هو بمنزلة الصل والمشخص
للذات وبالخلق الفروع والشعب ،والضمير في " عليه " راجع إلى ما
اشير إليه بذلك أو إلى العقد " .فكانوا كتفاضل البذر " أي كان التفاضل
بينهم وبين الناس كالتفاضل بين ما ينتقى من البذر أي يختار ،وبين ما
يلقى ،فالمعنى كالتفاضل بين الجيد و الردي ،ويحتمل أن يكون المراد أنه
كان التفاضل بينهم كالتفاضل بين أفراد المختار من البذر فكما أنه ل
تفاضل يعتد به فيما بينها ،كذلك فيما بينهم .وخلص الشئ كنصر :أي صار
خالصا وخلصه أي جعله كذلك ،وخلصه أيضا
][315
نجاه ،والمراد بالتخليص النتقاء المذكور أي ميزه ذلك عن غيره ،أو المعنى ميزه
ال تخليصا إياه عن شرور النفس والشيطان عن غيره ،وفي بعض النسخ
التلخيص بتقديم اللم ،وهو التبيين ،والتلخيص والتهذيب التنقية
والصلح ،والتمحيص البتلء والختبار .والكرامة السم من التكريم
والكرام ،والمراد بها هنا نصحه سبحانه و وعظه وتذكيره ،أو ما وعده
ال على تقدير حسن العمل من المثوبة والزلفى ،و قبول الكرامة على
الثاني بالعمل الصالح الموجب للفوز بها ،وعلى الول العمل بمقتضاه
وبقبولها القبول الحسن اللئق بها ،وقرعه كمنعه أي أتاه فجأة وقرع
الباب دقه ،وقال الكثر القارعة الموت ،ويحتمل القيامة لنها من أسمائها
سميت بها ،لنها تقرع القلوب بالفزع وأعدها ال للعذاب ،أو الداهية التي
يستحقها العاصي ،يقال :أصابه ال بقارعة أي بداهية تهلكه ،وحلولها
نزولها واستبدلت الشئ بالشئ أي اتخذت الول بدل من الثاني ،والمراد
بالنظر التدبر والتفكر ،والظرف في قوله في " منزل " متعلق بالمقام ،و
" حتى " لنتهاء غاية المقام ،أي الثبات أو القامة ،أي ليعتبر النسان
بهذه المدة القصيرة ،و إقامته القليلة في الدنيا ،المنتهية إلى الستبدال بها
واتخاذ غيرها .وقيل :يحتمل أن تكون كلمة " في " لفادة الظرفية
الزمانية ويكون قوله " في منزل " متعلقا بالنظر ،ومدخول " حتى " علة
غائية للنظر ،أي لينظر بنظر العتبار وليتأمل مدة حياته في الدنيا في شأن
ذلك المنزل الفاني حتى تتخذ بدله منزل لئقا للنزول فالستبدال حينئذ اتخاذ
البدل المستحق لذلك ،أو توطين النفس على الرتحال .ورفض المنزل
الفاني " .فليصنع " أي فليعمل و " المتحول " بالفتح مكان التحول،
وكذلك المنتقل ومعارف المنتقل قيل هي المواضع التي يعرف النتقال
إليها ،وقال ابن أبي -الحديد :معارف الدار ما يعرفه المتوسم بها ،واحدها
معرف ،مثل معاهد الدار و معالمها ،ومنه معارف المرأة أي ما يظهر منها
كالوجه واليدين ،وقيل :يحتمل
][316
أن يكون المراد بمعارف المنتقل ما عرف من أحواله والمور السانحة فيه ،فيمكن
أن يكون المتحول والمنتقل مصدرين " .من يهديه " يعني نفسه والئمة
من ولده عليهم السلم " من يرديه " أي يهلكه بالقائه في مهاوي الجهل
والضللة ،والبصر يطلق على الحاسة ،ويراد به العلم مجازا وقد يطلق
على العلم يقال بصرت بالشئ أي علمته ،ويحتمل أن تكون الضافة لدنى
ملبسة أي بالبصر الحاصل للمطيع بتبصير الهادي إياه ،والسبب في
الصل الحبل وإغلق البواب بالموت ،وجوز بعضهم أن يكون البواب
والسباب عبارة عن نفسه والئمة من ذريته عليهم السلم ،فانهم أبواب
الفوز والفلح والسباب الممدودة من السماء إلى الرض ،بهم يصل العبد
إلى ال سبحانه ،والغلق والقطع كناية عن عدمهم أو غيبتهم عليهم
السلم " .واستفتح التوبة " أي طلب فتحها كأنها باب مغلق يطلب فتحها
للدخول فيها ،ويمكن أن يكون من الستفتاح بمعنى الستنصار أي طلب أن
تنصره التوبة ومطت كبعت وأمطت أي تنحيت وكذلك مطت غيري وأمطته
أي نحيته وقال الصمعي :مطت أنا وأمطت غيري ) (1والحوبة بالفتح
الثم " فقد اقيم على الطريق " أي بهداية ال سبحانه ،والنهج بالفتح
الطريق الواضح - 33 .مشكوة النوار :عن أبي جعفر عليه السلم قال:
قال رسول ال صلى ال عليه واله :قال ال عزوجل :إن من أغبط أوليائي
عندي رجل خفيف الحال ذا خطر ،أحسن عبادة ربه في الغيب ،وكان
غامضا في الناس ،جعل رزقه كفافا فصبر عليه ،مات فقل تراثه وقل
بواكيه ) - 34 .(2نهج :من كلم له عليه السلم :قد أحيا عقله ،وأمات
نفسه ،حتى دق جليله ،ولطف غليظه ،وبرق له لمع كثير البرق ،فأبان له
الطريق ،وسلك به السبيل ،وتدافعته البواب إلى باب السلمة ،ودار
القامة ،وثبتت رجله بطمأنينة
][317
بدنه في قرار المن والراحة بما استعمل قلبه ،وأرضى ربه ) .(1بيان :إحياء العقل
بتحصيل المعارف الربانية ،وتسليطه على الشيطان والنفس المارة،
وإماتة النفس بجعلها مقهورة للعقل ،بحيث ل يكون لها تصرف إل بحكمه،
فكانت في حكم الميت في ارتفاع الشهوات النفسانية كما قيل :موتوا قبل
أن تموتوا ،ودق الشئ صار دقيقا ،وهو ضد الغليظ ،والجليل العظيم،
ولطف ككرم لطفا ولطافة بالفتح أي صغر ودق وكأن المراد بالجليل البدن،
ودقته بكثرة الصيام والقيام ،والصبر على المشاق الواردة في الشريعة
المقدسة ،وبالغليظ النفس المارة والقوى الشهوانية ،ويحتمل العكس
والتأكيد أيضا .وبرق كنصر أي لمع أو جاء ببرق ،وبرق النجم أي طلع،
واللمع هداية ال بالنوار اللهية ،والنفحات القدسية ،واللطاف الغيبية،
وكشف الستار عن أسرار الكتاب والسنة .وتدافع البواب يحتمل وجوها:
الول :أنه لم يزل ينتقل من منزلة من منازل قربه سبحانه إلى ما هو فوقه
حتى ينتهي إلى مقام إذا دخله كان مستيقنا للسلمة ،وهي درجة اليقين،
ومنزلة أولياء ال المتقين ،الذين ل خوف عليهم ول هم يحزنون .الثاني:
أنه إذا أدركته التوفيقات الربانية ،شرع في طلب الحق وتردد في المذاهب،
فكلما تفكر في مذهب من المذاهب الباطلة ،دفعته العناية اللهية عن
الدخول فيه ،فإذا أصاب الحق قر فيه وسكن واطمأن ،كما روي عن
الصادق عليه السلم إن القلب ليتجلجل ) (2في الجوف يطلب الحق فإذا
أصابه اطمأن وقر ثم تل أبو عبد ال عليه السلم هذه الية " فمن يرد ال
أن يهديه يشرح صدره للسلم ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا
حرجا كأنما يصعد في السماء " ) (3وعنه
) (1نهج البلغة ج 1ص 465تحت الرقم 218من الخطب (2) .التجلجل :التحرك
مع الصوت (3) .النعام ،125 :والحديث في الكافي ج 2ص .421
][318
عليه السلم قال :إن ال خلق قلوب المؤمنين مبهمة على اليمان ،فإذا أراد
استنارة ما فيها ،نضحها بالحكمة ،وزرعها بالعلم ،وزارعها والقيم عليها
رب العالمين ) (1وعنه عليه السلم قال :إن القلب ليرجج فيما بين الصدر
والحنجرة ،حتى يعقد على اليمان ،فإذا عقد على اليمان قر وذلك قول ال
" ومن يؤمن بال يهد قلبه " ) (2قال :يسكن ،وسيأتي أمثالها إنشاء ال
في باب القلب .الثالث :أن تكون البواب عبارة عن أسباب القرب من
الطاعات ،وترك اللذات فان كل منها باب من أبواب الجنة ،فيتنقل منها
حتى ينتهي إلى باب الجنة التي هي قرار المن والراحة .الرابع :أن تكون
البواب عبارة عن اللذات والمطالب النفسانية التي يريد النسان أن يدخلها
بمقتضى طبعه فتمنعه العناية اللهية والعقل السليم عن دخولها حتى
ينتهي إلى باب السلمة ،وهو باب جنة الخلد في الخرة ،أو الطاعات
والعقائد الحقة التي توجب دخولها في الدنيا .الخامس :أن يكون المراد
بالبواب طرائق أرباب البدع وأبواب علماء السوء ،فيمنعه التوفيق
الرباني عن اعتقاد ضللتهم والدخول في جهالتهم حتى يرد باب
السلمة ،وهو اتباع أئمة الحق صلوات ال عليهم ،فانهم أبواب ال إما
بالوصول إلى خدمتهم ،أو إلى السالكين مسلكهم ،والحافظين لثارهم،
ورواة أخبارهم ،فتثبت رجله على الدين والصراط المستقيم ،ول يفتتن
بشبه المغضوب عليهم ول الضالين ،وهو قريب من بعض ما مر وهذا
أظهر الوجوه " .وثبات الرجلين " ضد الزلق أو عبارة عن السكون،
والطمأنينة بضم الطاء المهملة وفتح الميم وسكون الهمزة السكون ،يقال:
اطمأن اطمئنانا وطمأنينة ،قال الشيخ الرضي رضي ال عنه :مصادر ما
زيد فيه من الرباعي نحو تدحرج واحرنجام واقشعرار وأما اقشعر
قشعريرة ،واطمأن طمأنينة ،فهما اسمان واقعان مقام
) 1و (2الكافي ج 2ص ،421والية في التغابن ،11 :والستشهاد بالية انما هو
على قراءة " يهدء " بالهمز ،أو بغير همز بالقلب والحذف.
][319
المصدر ،كما في أنبت نباتا وأعطى عطاء ،والقرار بالفتح ما قر فيه الشئ أي سكن
ويكون مصدرا ،وقرار المن والراحة الجنة أو ما يوجبهما كما عرفت35 .
-جا :عن المرزباني ،عن محمد بن أحمد الكاتب ،عن أحمد بن أبي خيثمة
عن عبد الملك بن داهر ،عن العمش ،عن عباية السدي ،عن ابن عباس
رحمه ال قال :قال سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات ال
عليه ،عن قوله تعالى " أل إن أولياء ال ل خوف عليهم ول هم يحزنون
" ) (1فقيل له :من هؤلء الولياء ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلم :هم
قوم أخلصوا ل تعالى في عبادته ،ونظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس
إلى ظاهرها ،فعرفوا آجلها ،حين غر الناس سواهم بعاجلها ،فتركوا منها
ما علموا أنه سيتركهم وأماتوا منها ما علموا أنه سيميتهم .ثم قال :أيها
المعلل نفسه بالدنيا ،الراكض على حبائلها ،المجتهد في عمارة ما سيخرب
منها ،ألم تر إلى مصارع آبائك في البلى ومضاجع أبنائك تحت الجنادل
والثرى ،كم مرضت بيديك ،وعللت بكفيك ،تستوصف لهم الطباء،
وتستعتب لهم الحباء ،فلم يغن عنهم غناؤك ،ول ينجع فيهم دواؤك ).(2
- 36نهج :قال عليه السلم :إن أولياء ال هم الذين نظروا إلى باطن
الدنيا ،إذا نظر الناس إلى ظاهرها ،واشتغلوا بآجلها إذا اشتغل الناس
بعاجلها ،فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم ،وتركوا منها ما علموا أنه
سيتركهم ،ورأوا استكثار غيرهم منها استقلل ،ودركهم لها فوتا ،أعداء
ما سالم الناس ،وسلم ما عادى الناس بهم علم الكتاب ،وبه علموا ،وبهم
قام الكتاب وبه قاموا ،ل يرون مرجوا فوق ما يرجون ،ول مخوفا فوق ما
يخافون ) .(3تبيان :مع أن الظاهر اتحاد الراويتين ،بينهما اختلف كثير،
وبعض فقرات الرواية الولى مذكورة في خطبة اخرى سنشير إليها ،وقد
مر معنى
) (1يونس (2) .62 :مجالس المفيد ص (3) .60نهج البلغة ج 2ص 246تحت
الرقم 432من الحكم.
][320
][321
عمم الكلم حتى يدخل فيه العلماء الربانيون ،فالمراد به أنه علم فضلهم باليات
الدالة على فضل العلماء كقوله تعالى " :إنما يخشى ال من عباده العلماء
" ) (1و قوله عزوجل " هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون " )
(2وقوله سبحانه " ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا " ) (3إلى
غير ذلك من اليات ،وقيل " :به علموا " لشتهارهم به عند الناس "
وبهم قام الكتاب " أي بهم صارت أحكامه قائمة في الخلق معمول بها "
وبه قاموا " أي ارتفعت منزلتهم ،،وفازوا بالزلفى بالعمل بما فيه ،أو
ببركته انتظم المر في معاشهم ،وقال بعض الشارحين :أي قاموا بأوامره
ونواهيه ،فل يكون الباء مثلها في " بهم قام الكتاب " وقال بعضهم) :بهم
قام الكتاب( لنهم قرروا البراهين على صدقه وصحته " وبه قاموا " أي
باتباع أوامر الكتاب ،لنه لو ل تأدبهم بآداب القرآن ،وامتثالهم أوامره لما
أغنى عنهم علمهم شيئا " .ودون ما يخافون " أي غير ما يخافون من
عذاب الخرة ،والبعد من رحمة ال ،وفي بعض النسخ " فوق ما يخافون
" .قوله عليه السلم " أيها المعلل نفسه " أقول :بعض هذه الفقرات
مذكورة في كلم له عليه السلم ذكره حين سمع رجل يذم الدنيا كما سيأتي
وقال الجوهري :علله بالشئ أي لهاه به كما يعلل الصبي بشئ من الطعام
يتجزأ به عن اللبن ،يقال :فلن يعلل نفسه بتعلة وتعلل به أي تلهى به
وتجزء ،وقال :الركض تحريك الرجل ،وركضت الفرس برجلي إذا
استحثثته ليعدو ،ثم كثر حتى قيل :ركض الفرس إذا عدا ،والحبائل جمع
الحبالة وهي التي يصاد بها ،أي تركض لخذ ما وقع في الحبائل التي
نصبتها في الدنيا ،كناية عن شدة الحرص في تحصيل متمنياتها أو المعنى
نصب لك الشيطان مصائد فيها ،ليصطادك بها ،وأنت تركض إليها حتى
][322
تقع فيها جهل وغرورا " .المجتهد في عمارة ما سيخرب منها " أي تسعى بغاية
جهدك في عمارة ما تعلم أنه آئل إلى الخراب ول تنتفع به ،ثم بين عليه
السلم ما يمكن أن يستدل به على خرابها وعدم بقائها بقوله " :ألم تر إلى
مصارع آبائك " يقال :صرع فلن من دابته على صيغة المجهول أي
سقط ،وصرعه أي طرحه على الرض ،والموضع مصرع ،والثرى بالفتح
الندى أو التراب الندي وفي المصباح :بلي الثوب يبلى من باب تعب بلى
بالكسر والقصر وبلء بالفتح والمد خلق فهو بال ،وبلي الميت أفنته
الرض ،وقوله " :في البلى " كأنه حال عن آبائك وفي النهج " متى
استهوتك أم متى غرتك أبمصارع آبائك من البلى أم بمضاجع امهاتك تحت
الثرى " ) .(1والجنادل جمع جندل كجعفر ،وهي الحجارة ،وقال
الجوهري :مرضته تمريضا إذا قمت عليه في مرضه ) (2والعلة المرض
وعلله أي قام عليه في علته يطلب دواءه وصحته ويتكفل باموره ،وقال
الجوهري :استوصفت الطبيب لدائي إذا سألته أن يصف لك ما تتعالج به )
(3انتهى والستعتاب السترضاء ،كناية عن طلب الدعاء أو رضاهم إذا
كانت لهم موجدة ،وفي بعض النسخ تستغيث وهو أظهر ،وفي القاموس
أغنى عنه غناء فلن ومغناه ناب عنه وأجزأ مجزأه ) (4وقال الراغب:
أغنى عنه كذا إذا اكتفاه قال تعالى " :ما أغنى عنه ماله وما كسب " " ما
أغنى عني ماليه " وقال " :لن تغني عنهم أموالهم ول أولدهم " " ما
أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " وقال " :ل يغني من اللهب " ) (5وفي
القاموس نجع الطعام كمنع نجوعا هنأ
) (1راجع نهج البلغة ج 2ص ،173تحت الرقم 131من الحكم (2) .الصحاح
ص (3) .1106المصدر (4) .1439 :القاموس ج 4ص (5) .371
مفردات غريب القرآن ص ،366واليات في المسد ،2 :الحاقة ،28 :آل
عمران 10 :و ،116الشعراء ،207 :المرسلت ،31 :على الترتيب.
][323
آكله ،والعلف في الدابة والوعظ والخطاب فيه دخل فأثر كأنجع ونجع )- 37 .(1
نهج :طوبى لمن ذل في نفسه ،وطاب كسبه ،وصلحت سريرته وحسنت
خليقته ،وأنفق الفضل من ماله ،وأمسك الفضل من لسانه ،وعزل عن
الناس شره ،ووسعته السنة ،ولم ينسب إلى بدعة ) .(2قال السيد رضي
ال عنه :ومن الناس من ينسب هذا الكلم إلى رسول ال صلى ال عليه
وآله .بيان :الذلة في النفس التواضع ضد العجاب والترفع ،وطيب الكسب
أن ل يكون مكسبه من الطرق المحرمة والمكروهة ومواضع الشبهة" ،
وصلحت " كمنعت أو كحسنت باختلف النسخ وسريرة الرجل وسره
باطنه ،وصلحها ترك النفاق وإضمار الشر ،والخلو عن الحسد وغيره
والخليقة الطبيعة ،وإنفاق الفضل من المال أن ل يمسك لنفسه إل الكفاف،
وإمساك الفضل من الكلم :القتصار على ما يعنيه ،وعزله كنصره أي
نحاه وأبعده " ووسعته السنة " أي لم تتضيق عليه حتى يخرج إلى
البدعة وطلبها ،وذلك الخروج إما في العتقاد ،لعدم الرضا بالسنة ،وهو
مضاد لليمان كما قال سبحانه " :فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك " )
(3الية وإما في العمل لميل النفس المارة إلى الباطل ،واتباع الشهوات،
وهو معصية منافية لكمال اليمان - 38 .عدة الداعي :روى شعيب
النصاري وهارون بن خارجة قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إن
موسى صلوات ال عليه انطلق ينظر في أعمال العباد ،فأتى رجل من أعبد
الناس فلما أمسى حرك الرجل شجرة إلى جنبه فإذا فيها رمانتان ،قال:
فقال :يا عبد ال من أنت إنك عبد صالح ،أنا ههنا منذ ما شاء ال ما أجد
في هذه الشجرة إل رمانة واحدة ،ولو ل أنك عبد صالح ما وجدت
رمانتين ،قال عليه السلم:
) (1القاموس ج 3ص (2) .87نهج البلغة ج 2ص 170تحت الرقم 123من
الحكم (3) .النساء.65 :
][324
أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران ،قال :فلما أصبح قال :تعلم أحدا أعبد منك ؟
قال :نعم ،فلن الفلني .قال :فانطلق إليه فإذا هو أعبد منه كثيرا فلما
أمسى اوتي برغيفين وماء فقال :يا عبد ال من أنت إنك عبد صالح أنا
ههنا منذ ما شاء ال وما اوتى إل برغيف واحد ،ولو ل أنك عبد صالح ما
اوتيت برغيفين ،فمن أنت ؟ قال :أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران،
ثم قال موسى :هل تعلم أحدا أعبد منك ؟ قال :نعم ،فلن الحداد ) (1في
مدينة كذا وكذا .قال :فأتاه فنظر إلى رجل ليس بصاحب عبادة ،بل إنما هو
ذاكر ل تعالى وإذا دخل وقت الصلة قام فصلى ،فلما أمسى نظر إلى غلته
فوجدها قد اضعفت قال :يا عبد ال من أنت إنك عبد صالح أنا ههنا منذ ما
شاء ال غلتي قريب بعضها من بعض والليلة قد اضعفت فمن أنت ؟ قال:
أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران قال :فأخذ ثلث غلته فتصدق بها،
وثلثا أعطى مولى له ،وثلثا اشترى به طعاما فأكل هو وموسى .قال :فتبسم
موسى عليه السلم فقال :من أي شئ تبسمت ؟ قال :دلني نبي بني
إسرائيل على فلن فوجدته من أعبد الخلق فدلني على فلن فوجدته أعبد
منه فدلني فلن عليك وزعم أنك أعبد منه ،ولست أراك شبه القوم ،قال:
أنا رجل مملوك أليس تراني ذاكرا ل ،أو ليس تراني اصلي الصلة لوقتها،
وإذا أقبلت على الصلة أضررت بغلة مولي ،وأضررت بعمل الناس ،أتريد
أن تأتي بلدك ؟ قال :نعم ،قال :فمرت به سحابة فقال الحداد :يا سحابة
تعالي ! قال :فجاءت قال :أين تريدين ؟ قالت اريد أرض كذا وكذا ،قال:
انصرفي ،ثم مرت به اخرى فقال :يا سحابة تعالي ! فجاءته فقال :أين
تريدين ؟ قالت اريد أرض كذا وكذا ،قال :انصرفي ثم مرت به اخرى فقال:
يا سحابة تعالي ! فجاءته فقال :أين تريدين ؟ قالت :اريد أرض موسى بن
عمران ،قال :فقال احملي هذا حمل رفيق ،وضعيه في
) (1الظاهر لما يأتي من قوله " أضررت بغلة مولى " أن يكون فدانا ،وهو
الدهقان.
][325
أرض موسى بن عمران وضعا رفيقا .قال :فلما بلغ موسى بلده قال :يا رب بما
بلغت هذا ما أرى ؟ قال :إن عبدي هذا يصبر على بلئي ،ويرضى
بقضائي ،ويشكر نعمائي - 39 .نهج من كلم له عليه السلم عند تلوته:
" رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر ال " ) (1قال :إن ال سبحانه
جعل الذكر جلء للقلوب ،تسمع به بعد الوقرة ،وتبصر به بعد العشوة،
وتنقاد به بعد المعاندة ،وما برح ل عزت آلؤه في البرهة بعد البرهة،
وفي أزمان الفترات ،عباد ناجاهم في فكرهم ،وكلمهم في ذات عقولهم،
فاستصبحوا بنور يقظة في السماع والبصار والفئدة ،يذكرون بأيام ال،
ويخوفون مقامه ،بمنزلة الدلة في الفلوات ،من أخذ القصد حمدوا إليه
طريقة ،وبشروه بالنجاة ومن أخذ يمينا وشمال ذموا إليه الطريق وحذروه
من الهلكة .وكانوا كذلك مصابيح تلك الظلمات وأدلة تلك الشبهات وإن
للذكر لهل أخذوه من الدنيا بدل ،فلم تشغلهم تجارة ول بيع عنه ،يقطعون
به أيام الحياة ويهتفون بالزواجر عن محارم ال في أسماع الغافلين،
ويأمرون بالقسط ،ويأتمرون به ،وينهون عن المنكر ،ويتناهون عنه،
فكأنما قطعوا الدنيا إلى الخرة وهم فيها ،فشاهدوا ما وراء ذلك ،فكأنما
اطلعوا غيوب أهل البرزخ في طول القامة فيه ،وحققت القيامة عليهم
عداتها ،فكشفوا غطاء ذلك لهل الدنيا حتى كأنهم يرون ما ل يرى الناس،
ويسمعون ما ل يسمعون .فلو مثلتهم لعقلك في مقاومهم المحمودة،
ومجالسهم المشهودة ،وقد نشروا دواوين أعمالهم ،وفرغوا لمحاسبة
أنفسهم على كل صغيرة وكبيرة ،امروا بها فقصروا عنها ،ونهوا عنها
ففرطوا فيها ،وحملوا ثقل أوزارهم ظهورهم ،فضعفوا عن الستقلل بها،
فنشجوا نشيجا وتجاوبوا نحيبا يعجون إلى ربهم من مقام ندم واعتراف،
لرأيت أعلم هدى ،ومصابيح دجى ،قد حفت بهم الملئكة
ونزلت عليهم السكينة ،وفتحت لهم أبواب السماء ،واعدت لهم مقاعد الكرامات في
مقام اطلع ال عليهم فيه فرضي سعيهم ،وحمد مقامهم ،يتنسمون بدعائه
روح التجاوز ،رهائن فاقة إلى فضله ،واسارى ذلة لعظمته جرح طول
السى قلوبهم ،وطول البكاء عيونهم ،لكل باب رغبة إلى ال منهم يد
قارعة بها يسألون من ل تضيق لديه المنادح ،ول يخيب عليه الراغبون،
فحاسب نفسك لنفسك ،فان غيرها من النفس لها حسيب غيرك ).(1
تبيين :اللهو اللعب ،وألهاني الشئ أي شغلني ،والذكر يطلق على اللساني
والقلبي ولعل الظاهر من الكلمات التية أن المراد به ما يعم ذكره باللسان:
بالنذار عن عقابه سبحانه والبشارة بثوابه والمر بطاعته والنهي عن
معصيته وبالقلب :بمحاسبة النفس في طاعته ومعصيته ،والقدام على
طاعته بذكر رحمته والنتهاء عن معصيته بذكر غضبه ،والعتراف بالذنب
والندم على المخالفة ،فان الجميع مما ينبعث عن ذكره سبحانه بالقلب
بالعظمة والجلل والمهابة والنعام والكرام .وجل فلن السيف والمرآة
جلوا بالفتح وجلء ككساء أي صقلهما ،والوقر الثقل في الذن وذهاب
السمع كله ،والعشوة المرة من العشا بالفتح والقصر أي سوء البصر
بالليل والنهار أو العمى ،وقيل :أن ل يبصر بالليل ويبصر بالنهار وبرح
فلن مكانه كفرح أي زال عنه ،وما برح أي دائما " وعزت آلؤه " أي
عظمت وكرمت نعمه وعطاياه ،والبرهة بالضم كما في النسخ وبالفتح
أيضا المدة أو الزمان الطويل ،والفتره بالفتح ما بين كل نبيين من الزمان،
وقيل انقطاع الوحي والمناجاة :المخاطبة سرا " في الكفر " أي اللهام" ،
وكلمهم في ذات عقولهم " أي في الباطن خفيا كما قيل في قوله تعالى "
وال عليم بذات الصدور " ) (2أي بنفس الصدور ،أي ببواطنها وخفياتها
والمصباح السراج ،واستصبح أي استسرج ،ونور
) (1نهج البلغة ج 1ص 473تحت الرقم 220من الخطب (2) .آل عمران:
.154
][327
اليقظة في السماع :الستماع للحكم والمواعظ ،وكل كلم نافع في الدين والدنيا
والعبرة بسماع أحوال الماضين ،وترك الصغاء إلى الملهي ،وكل كلم
باطل وفي البصار :النظر بعين العبرة ،والستدلل بآثار الصنع على العلم
والقدرة ،ل بعين اللتذاذ والميل إلى المحرمات ،والرغبة في زهرات الدنيا،
وفي الفئدة :التفكر في آيات القدرة وكلم ال عزوجل وأحكامه ،والحكم
والمسائل الدينية ،والتفكر فيما نزل بالماضين ،وعاقبة المحسنين
والمسيئين ،وترك الشتغال بالفكار الباطلة وما يلهي عن ذكر ال
عزوجل " .يذكرون بأيام ال " إشارة إلى قوله تعالى " وذكرهم بأيام ال
" ) (1وقيل :معناه وقايع ال في المم الخالية ،وإهلك من هلك منهم،
وأيام العرب حروبها ،وقيل :أي بنعمه وآلئه ،وروي عن الصادق عليه
السلم أنه يريد بأيام ال سننه وأفعاله في عباده من إنعام وانتقام ،وهو
القول الجامع ،ومقام ال كناية عن عظمته وجللته المستلزمة للهيبة
والخوف ،وقيل في قوله تعالى " ولمن خاف مقام ربه جنتان " ) (2أي
مقامه بين يدي ربه للحساب .والفلة المفازة ل ماء فيها أو الصحراء
الواسعة ،والقصد الرشد واستقامة الطريق وضد الفراط والتفريط "
وحمدوا إليه " أي منهيا أو متوجها ونحو ذلك كقولهم في أوائل الكتب "
أحمد إليك ال الذي ل إله إل هو " وكذلك " ذموا إليه " والهلكة بالتحريك
والهلكاء الهلك وهلكة هلكاء توكيد .والتجارة ككتابة السم من قولك تجر
فلن كنصر ،واتجر أي باع و اشترى ،وقيل :التجارة المعاملة الرابحة،
وذكر البيع بعد التجارة مبالغة بالتعميم بعد التخصيص ،إن اريد به مطلق
المعاوضة ،أو بأفراد ما هو أعم من قسمي التجارة فان الربح يتوقع
بالشرى ويتحقق بالبيع ،وهذا بناء على أن يكون كل من المرين قسما
منها ل جزءا وقيل المراد :بالتجارة الشرى فانه أصلها ومبدؤها.
][328
][329
أي الظلمة " .وحفت بهم " أي أحاطت وطافت حولهم .والسكينة الطمأنينة
والمهابة والوقار ولعل المراد به اليقين الذي تسكن به نفوسهم ،وتطمئن
قلوبهم ،فل يتزلزل لشبهة أو لما أصابها من فتنة كما قال عزوجل " ومن
الناس من يعبد ال على حرف فان أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة
انقلب على وجهه " ) " .(1وأبواب السماء " البواب التي تنزل منها
الرحمة أو تصعد العمال الصالحة وأعده إعدادا هيأه وأحضره ،والنسم
محركة نفس الريح ،إذا كان ضعيفا كالنسيم وتنسم أي تنفس وتنسم النسيم
أي تشممه ،والروح بالفتح الراحة والرحمة ونسيم الريح ،والمعنى يدعون
ويتوقعون بدعائه تجاوزه عن ذنوبهم ،والرهينة والمرتهنة الرهن،
والسى الحزن ،وأبواب الرغبة كلما يتقرب به إلى ال ،واليد القارعة
تطرق هذه البواب بالتقرب بها إلى ال تعالى ،والندح بالفتح والضم
الرض الواسعة ،والمنادح المفاوز ،و " عليه " متعلق بيخيب على
تضمين معنى القدوم والوفود ونحو ذلك ،والحسيب المحاسب ،والمراد إما
أسرع الحاسبين أو كل أحد من المكلفين ،فانه مكلف بأن يحاسب نفسه قبل
أن يحاسب في موقف الحساب - 40 .نهج :ومن دعاء له عليه السلم:
اللهم إنك آنس النسين بأوليائك ،و أحضرهم بالكفاية للمتوكلين عليك،
تشاهدهم في سرائرهم ،وتطلع عليهم في ضمائرهم وتعلم مبلغ بصائرهم،
فأسرارهم لك مكشوفة ،وقلوبهم إليك ملهوفة ،إن أوحشتهم القربة آنسهم
ذكرك ،وإن صبت عليهم المصائب لجئوا إلى الستجارة بك ،علما بأن أزمة
المور بيدك ،ومصادرها عن قضائك ،اللهم إن فههت عن مسئلتي أو
عمهت عن طلبتي ،فدلني على مصالحي ،وخذ بقلبي إلى مراشدي ،فليس
ذلك بنكر من هداياتك ،ول ببدع من كفاياتك ،اللهم احملني على عفوك ،ول
تحملني
][330
على عدلك ) .(1بيان :إنما أوردت هذا الدعاء لنه من مناجاة أولياء ال ،ومشتمل
على كثير من صفاتهم المختصة بهم ،رزقنا ال الوصول إلى درجتهم قوله
عليه السلم " بأوليائك " في بعض النسخ " لوليائك " وقال بعضهم
الباء أنسب أي أنت أكثرهم انسا بأوليائك وعطفا وتحننا عليهم "
وأحضرهم بالكفاية " الحضور ضد الغيبة ،والحضر بالضم والحضار
ارتفاع الفرس في عدوه ،قيل :أي أبلغهم إحضارا لكفاية المتوكلين
وأقومهم بذلك ،وقيل أي أسرعهم إحضارا لما استعد منهم من الكمال،
والظهر أن المعنى أشدهم وأكثرهم حضورا عند الكفاية ،فانه ل يغيب عن
كفايتهم ،ول يعزب عن علمه شئ ،وقيل :الكفاية بيان للحضور .والكافي
من يقوم بالمر ،ويحصل به الستغناء عن الغير ،وتوكل على ال أي
اعتمد عليه ووثق به ،والبصيرة المعرفة وعقيدة القلب والفطنة وقيل:
البصائر العزائم ،والملهوف المكروب ،والمظلوم المستغيث أي قلوبهم
مستغيثة راغبة عند الكرب والحاجة إليك ،والمستجير الذي يطلب المان
أو الحفظ ،وفهه كفرح أي عيي ،وعمه كفرح أيضا أي تردد في الضلل أو
تحير في منازعة أو طريق أو لم يعرف الحجة ،والمراشد مقاصد الطريق
أي ما فيه الستقامة والفوز بالمقصد " وخذ بقلبي إلى مراشدي " أي
جره إليها ،والنكر العجيب ،والبدع بالكسر المر المبتدع ،أي لم يعهد مثله
" واحملني على عفوك " أي عاملني يوم الجزاء بعفوك.
][331
][332
بسم ال الرحمن الرحيم ابواب مكارم الخلق أقول :وسيجئ ما يناسب هذه البواب
في كتاب العشرة وفى كتاب الداب والسنن ايضا انشاء ال تعالى * 38
)باب( * جوامع المكارم وآفاتها وما يوجب الفلح والهدى اليات البقرة:
الم * ذلك الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب
ويقيمون الصلوة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما انزل إليك
وما انزل من قبلك وبالخرة هم يوقنون * اولئك على هدى من ربهم و
اولئك هم المفلحون ) .(1وقال تعالى :يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي
أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي اوف بعهدكم وإياى فارهبون * وآمنوا بما
أنزلت مصدقا لما معكم ول تكونوا أول كافر به ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل
وإياى فاتقون * ول تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون *
وأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة
][333
واركعوا مع الراكعين * أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب
أفل تعقلون * واستعينوا بالصبر والصلوة وإنها لكبيرة إل على الخاشعين
* الذين يظنون أنهم ملقوا ربهم وأنهم إليه راجعون ) .(1وقال سبحانه:
وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ل تعبدون إل ال وبالوالدين إحسانا وذي
القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلوة وآتوا
الزكوة ثم توليتم إل قليل منكم وأنتم معرضون ) .(2وقال سبحانه :ليس
البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بال
واليوم الخر وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن
السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلوة وآتى الزكوة والموفون
بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين الباس اولئك
الذين صدقوا واولئك هم المتقون ) .(3وقال تعالى :إن الذين آمنوا والذين
هاجروا وجاهدوا في سبيل ال اولئك يرجون رحمة ال وال غفور رحيم )
.(4وقال تعالى :إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلوة وآتوا
الزكوة لهم أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هم يحزنون ) .(5آل
عمران :الذين يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار *
الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالسحار ).(6
وقال تعالى ...:من أهل الكتاب امة قائمة يتلون آيات ال آناء الليل وهم
) (1البقرة (2) .45 - 40 :البقرة (3) .83 :البقرة (4) .177 :البقرة(5) .218 :
البقرة (6) .277 :آل عمران.17 - 16 :
][334
) (1آل عمران (2) .115 - 113 :آل عمران (3) .136 - 133 :آل عمران190 :
(4) .195 -النساء.149 :
][335
وقال تعالى :لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما انزل إليك وما
انزل من قبلك والمقيمين الصلوة والمؤتون الزكوة والمؤمنون بال واليوم
الخر اولئك سيؤتيهم أجرا عظيما ) .(1المائدة :واذكروا نعمة ال عليكم
وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا ال إن ال خبير بما
تعملون إلى قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة ال عليكم إذ هم
قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا ال وعلى ال
فليتوكل المؤمنون * ولقد أخذ ال ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني
عشر نقيبا وقال ال إني معكم لئن أقمتم الصلوة وآتيتم الزكوة وآمنتم
برسلي وعزرتموهم وأقرضتم ال قرضا حسنا لكفرن عنكم سيئاتكم
ولدخلنكم جنات تجري من تحتها النهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل
سواء السبيل ) .(2وقال تعالى :يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه
فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على
الكافرين يجاهدون في سبيل ال ول يخافون لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه
من يشآء وال واسع عليم * إنما وليكم ال ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون ) .(3وقال تعالى :ليس على
الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا
وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا وال يحب المحسنين
) .(4العراف :قال موسى لقومه استعينوا بال واصبروا إن الرض ل
يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ).(5
) (1النساء (2) .162 :المائدة (3) .12 - 7المائدة 54 :و (4) .55المائدة.93 :
) (5العراف.128 :
][336
) (1العراف (2) .159 - 156العراف (3) .169 :النفال (4) .1 :براءة- 18 :
(5) .22براءة (6) .112 :هود.11 :
][337
والبصير هل يستويان مثل أفل تذكرون ) .(1الرعد :الذين يوفون بعهد ال ول
ينقضون الميثاق * والذين يصلون ما أمر ال به أن يوصل ويخشون ربهم
ويخافون سوء الحساب * والذين صبروا ابتغاء ربهم وأقاموا الصلوة
وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلنية ويدرؤن بالحسنة السيئة اولئك لهم
عقبى الدار * جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم
وذرياتهم والملئكة يدخلون عليهم من كل باب * سلم عليكم بما صبرتم
فنعم عقبى الدار ) .(2وقال تعالى :ويهدي إليه من أناب * الذين آمنوا
وتطمئن قلوبهم بذكر ال أل بذكر ال تطمئن القلوب * الذين آمنوا وعملوا
الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ) .(3النحل :إن إبراهيم كان امة قانتا ل
حنيفا ولم يك من المشركين * شاكرا لنعمه اجتبيه وهداه إلى صراط
مستقيم ) .(4مريم :إل من تاب وآمن وعمل صالحا فاولئك يدخلون الجنة
ول يظلمون شيئا ) .(5طه :وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم
اهتدى ) .(6النبياء :وكل جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا
وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلوة وإيتاء الزكوه وكانوا لنا عابدين
).(7
) (1هود 23 :و (2) .24الرعد (3) .22 - 18 :الرعد (4) .29 - 27 :النحل:
121و (5) .122مريم (6) .60 :طه (7) .82 :النبياء 72 :و .73
][338
وقال تعالى :إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا
خاشعين ) .(1الحج :وبشر المخبتين * الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم
والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلوة ومما رزقناهم ينفقون ).(2
وقال تعالى :يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا
الخير لعلكم تفلحون * وجاهدوا في ال حق جهاده هو اجتبيكم وما جعل
عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سميكم المسلمين من قبل
وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا
الصلوة وآتوا الزكوة واعتصموا بال هو موليكم فنعم المولى ونعم النصير
) .(3النور :ومن يطع ال ورسوله ويخشى ال ويتقه فاولئك هم الفائزون
) .(4الفرقان :إل من تاب وآمن وعمل عمل صالحا فاولئك يبدل ال
سيئاتهم حسنات وكان ال غفورا رحيما * ومن تاب وعمل صالحا فانه
يتوب إلى ال متابا ) .(5الشعراء :إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات
وذكروا ال كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا ) .(6النمل :هدى وبشرى
للمؤمنين * الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم بالخرة هم يوقنون
).(7
) (1النبياء (2) .90 :الحج 34 :و (3) .35الحج 77 :و (4) .78النور) .52 :
(5الفرقان 71 :و (6) .72الشعراء (7) .227 :النمل.2 :
][339
وقال تعالى :إنما امرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شئ وامرت أن
أكون من المسلمين * وأن أتلو القرآن ) .(1العنكبوت :والذين آمنوا
وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها النهار
خالدين فيها نعم أجر العاملين * الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ).(2
لقمان :هدى ورحمة للمحسنين * الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة
وهم بالخرة هم يوقنون * اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون
) .(3وقال :يا بني أقم الصلة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر
على ما أصابك إن ذلك من عزم المور * ول تصعر خدك للناس ول تمش
في الرض مرحا إن ال ل يحب كل مختال فخور * واقصد في مشيك
واغضض من صوتك إن أنكر الصوات لصوت الحمير ) .(4وقال تعالى:
ومن يسلم وجهه إلى ال وهو محسن ،فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى
ال عاقبة المور ) .(5الحزاب :إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين
والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين
والصابرات والخاشعين والخاشعات و المتصدقين والمتصدقات والصائمين
والصائمات والحافظين لفروجهم والحافظات و الذاكرين ال كثيرا
والذاكرات أعد ال لهم مغفرة وأجرا عظيما ) .(6فاطر :إن الذين يتلون
كتاب ال وأقاموا الصلة وأنفقوا مما رزقناهم
) (1النمل (2) .91العنكبوت (3) .59 - 58 :لقمان (4) .5 - 3 :لقمان.19 - 17 :
) (5لقمان (6) .22 :الحزاب.35 :
][340
سرا وعلنية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم اجورهم ويزيدهم من فضله إنه
غفور شكور ) .(1الزمر :قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين
أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض ال واسعة إنما يوفى الصابرون
أجرهم بغير حساب ) .(2ق :وازلفت الجنة للمتقين غير بعيد * هذا ما
توعدون لكل أواب حفيظ * من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب )
.(3البلد :فل اقتحم العقبة * وما أدريك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعام
في يوم ذي مسغبة * يتيما ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة * ثم كان من
الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة * اولئك أصحاب الميمنة
* والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشئمة * عليهم نار مؤصدة ).(4
تفسير " :هدى للمتقين " قد مر تفسير اليات في الباب الول من كتاب
اليمان والكفر هذا ) " .(5يا بني إسرائيل " ) (6أي ولد يعقوب " اذكروا
نعمتي التي أنعمت عليكم " في تفسير المام عليه السلم :أن بعثت محمدا
وأقررته في مدينتكم ولم أجشمكم الحط والترحال إليه وأوضحت علماته
ودلئل صدقه كيل يشتبه عليكم حاله " وأوفوا بعهدي " الذي أخذه على
أسلفكم أنبياؤهم وأمروهم أن يؤدوه إلى أخلفهم ليؤمنن بمحمد العربي
الهاشمي المبان باليات ،والمؤيد بالمعجزات ،الذي من آياته علي بن أبي
طالب شقيقه ورفيقه ،عقله من عقله ،وعلمه من علمه ،وحلمه من
) (1فاطر 29 :و (2) .30الزمر (3) .10 :ق (4) .33 - 31 :البلد(5) .20 - 11 :
راجع ج 67ص (6) .17البقرة.40 :
][341
حلمه ،مؤيد دينه بسيفه " اوف بعهدكم " الذي أوجبت به لكم نعيم البد في دار
الكرامة " وإياي فارهبون " في مخالفة محمد ،فاني القادر على صرف
بلء من يعاديكم على موافقتي ،وهم يقدرون على صرف انتقامي عنكم إذا
آثرتم مخالفتي .وروى العياشي عن الصادق عليه السلم أنه سئل عن هذه
الية فقال :أوفوا بولية علي فرضا من ال اوف لكم بالجنة ) .(1أقول:
والية عامة في كل عهد على كل أحد وقال علي بن إبراهيم :قال رجل
للصادق عليه السلم :يقول ال " :ادعوني أستجب لكم " وإنا ندعو فل
يستجاب لنا ؟ فقال :إنكم ل تفون ل بعهده فانه تعالى يقول " :أوفوا
بعهدي اوف بعهدكم " وال لو وفيتم ل سبحانه لوفى لكم " .وآمنوا بما
أنزلت " على محمد بن ذكر نبوته وإمامة أخيه وعترته " مصدقا لما معكم
" فان مثل هذا الذكر في كتابكم " ول تكونوا أول كافر به " قيل :تعريض
بأن الواجب أن تكونوا أول من آمن به لنهم كانوا أهل النظر في معجزاته،
والعلم بشأنه ،والمستفتحين به ،والمبشرين بزمانه .وفي تفسير المام
عليه السلم هؤلء يهود المدينة جحدوا نبوة محمد وخانوه وقالوا :نحن
نعلم أن محمدا نبي وأن عليا وصيه ،ولكن لست أنت ذلك ول هذا ،ولكن
يأتيان بعد وقتنا هذا بخمسمائة سنة " ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل " في
المجمع عن الباقر عليه السلم في هذه الية أن حيي بن أخطب وكعب بن
الشرف وآخرين من اليهود كانت لهم مأكلة على اليهود في كل سنة
فكرهوا بطلنها بأمر النبي صلى ال عليه واله فحرفوا لذلك آيات من
التوراة فيها صفته وذكره ،فذلك الثمن الذي اريد به في الية ) " (2وإياى
فاتقون " في كتمان أمر محمد وأمر وصيه " ول تلبسوا الحق بالباطل "
ل تخلطوه به بأن تقروا به من وجه ،وتجحدوه من وجه " وتكتموا الحق
" من نبوة هذا وإمامة هذا " وأنتم تعلمون " أنكم تكتمونه تكابرون
][342
علومكم وعقولكم " وأقيموا الصلوة " المكتوبة التي جاء بها محمد صلى ال عليه
واله وأقيموا أيضا الصلة على محمد وآله الطاهرين " .وآتوا الزكوة "
من أموالكم إذا وجبت ،ومن أبدانكم إذا لزمت ومن معونتكم إذا التمست،
وفي الخبار الكثيرة أنها شاملة للفطرة بل نزلت فيها لنها لما نزلت لم
يكن للناس أموال وإنما كانت الفطرة " واركعوا مع الراكعين " أي
تواضعوا مع المتواضعين لعظمة ال في النقياد لولياء ال ،وقيل :أي في
جماعتهم للصلة ،وقيل :هذا فرد من أفراد ذاك " أتأمرون الناس بالبر "
أي بالصدقات وأداء المانات " وتنسون أنفسكم " تتركونها " وأنتم
تتلون الكتاب " أي التوراة المرة لكم بالخيرات ،الناهية عن المنكرات "
أفل تعقلون " ما عليكم من العقاب في ذلك " .واستعينوا بالصبر " قال
المام :أي عن الحرام على تأدية المانات وعن الرياسات الباطلة على
العتراف بالحق ،واستحقاق الغفران والرضوان ونعيم الجنان وقيل :وعن
سائر المعاصي وعلى أصناف الطاعات وأنواع المصيبات على قرب
الوصول إلى الجنان ،وفي كثير من الخبار أن الصبر الصيام " والصلة "
قال المام عليه السلم :الصلوات الخمس والصلة على النبي وآله
الطاهرين ،وظاهرها يشمل كل صلة فريضة ونافلة ) (14وفي المجمع
والعياشي عن الصادق عليه السلم ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غم من
غموم الدنيا أن يتوضأ ثم يدخل مسجده فيركع ركعتين ،فيدعو ال فيها ؟
أما سمعت ال يقول " :واستعينوا بالصبر والصلوة " ) " .(1وإنها " قال
علي بن إبراهيم :يعني الصلة ،وقيل :الستعانة بهما وقال المام عليه
السلم :إن هذه الفعلة من الصلوات الخمس والصلة على محمد وآله مع
النقياد لوامرهم واليمان بسرهم وعلنيتهم ،وترك معارضتهم بلم وكيف
" لكبيرة " عظيمة ،وقيل :ثقيلة شاقة كقوله عزوجل " :كبر على
المشركين ما تدعوهم إليه " " إل على الخاشعين " قال المام :أي
الخائفين عقاب ال في مخالفته
) (1تفسير المام ص (2) .91مجمع البيان ج 1ص ،100تفسير العياشي ج 1
ص .43
][343
في أعظم فرائضه " الذين يظنون أنهم ملقوا ربهم " في التوحيد والحتجاج
والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلم يوقنون أنهم يبعثون ،والظن
منهم يقين ،وقال عليه السلم :اللقاء البعث والظن ههنا اليقين ) (1وفي
تفسير المام عليه السلم يقدرون ويتوقعون أنهم يلقون ربهم اللقاء الذي
هو أعظم كرامته لعباده " وأنهم إليه راجعون " إلى كرامته ونعيم جناته،
قال :وإنما قال :يظنون لنهم ل يدرون بماذا يختم لهم لن العاقبة مستورة
عنهم ،ل يعلمون ذلك يقينا لنهم ل يأمنون أي يغيروا أو يبدلوا ،قال
رسول ال صلى ال عليه واله :ل يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة ول
يتيقن الوصول إلى رضوان ال حتى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك
الموت له " .وإذ أخذنا " ) (2قال المام :أي واذكروا إذ أخذنا " ميثاق
بني إسرائيل " عهدهم المؤكد عليهم " ل تعبدون إل ال " ل تشبهوه
بخلقه ول تجوروه في حكمه ول تعملوا ما يراد به وجهه ،تريدون به وجه
غيره ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :من شغلته عبادة ال عن
مسألته أعطاه أفضل ما يعطي السائلين ،وقال الصادق عليه السلم :ما
أنعم ال على عبد أجل من أن يكون في قلبه مع ال غيره " .وبالوالدين
إحسانا " وأن تحسنوا بهما إحسانا مكافاة عن إنعامهما عليهم وإحسانهما
إليهم واحتمال المكروه الغليظ فيهم لترفيههم وقال المام عليه السلم :قال
رسول ال صلى ال عليه واله :أفضل والديكم وأحقهما بشكركم محمد
وعلي وقال علي ابن أبيطالب عليه السلم :سمعت رسول ال صلى ال
عليه واله يقول :أنا وعلي أبوا هذه المة ولحقنا عليهم أعظم من حق
أبوي ولدتهم ،فانا ننقذهم إن أطاعونا من النار إلى دار القرار ،ونلحقهم
من العبودية بخيار الحرار .أقول :وهذا أحد وجوه كون المؤمنين إخوة" .
وذي القربى " أي وأن تحسنوا بقراباتهما لكرامتهما ،وقال أيضا :هم
][344
قراباتك من أبيك وامك قيل لك :اعرف حقهم كما اخذ العهد به على بني إسرائيل
واخذ عليكم معاشر امة محمد معرفة حق قرابات محمد الذين هم الئمة
بعده ،ومن يليهم بعد من خيار أهل دينهم ،قال رسول ال صلى ال عليه
واله :من رعى حق قرابات أبويه اعطي في الجنة ألف ألف درجة ،ثم فسر
الدرجات ثم قال :ومن رعى حق قربى محمد وعلي اوتي من فضائل
الدرجات وزيادة المثوبات على قدر زيادة فضل محمد وعلي على أبوي
نسبه " .واليتامى " الذين فقدوا آباءهم الكافين لهم امورهم السائقين
إليهم قوتهم وغذاءهم المصلحين لهم معاشهم ،قال عليه السلم :وأشد من
يتم هذا اليتيم يتيم عن إمامه ل يقدر على الوصول إليه ،ول يدري كيف
حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه ،أل فمن كان من شيعتنا عالما
بعلومنا ،وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره ،أل
فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرفيق العلى ،حدثني
بذلك أبي عن آبائه عن رسول ال صلى ال عليه واله " .والمساكين "
قال المام عليه السلم :هو من سكن الضر والفقر حركته ،قال أل فمن
واساهم بحواشي ماله وسع ال عليه جنانه ،وأناله غفرانه ورضوانه ،ثم
قال عليه السلم :إن من محبي محمد مساكين مواساتهم أفضل من مواساة
مساكين الفقر وهم الذين سكنت جوارحهم وضعفت قواهم عن مقابلة
أعداء ال ،الذين يعيرونهم بدينهم ،ويسفهون أحلمهم ،أل فمن قواهم
بفقهه وعلمه حتى أزال مسكنتهم ثم سلطهم على العداء الظاهرين من
النواصب ،وعلى العداء الباطنين إبليس ومردته ،حتى يهزموهم عن دين
ال ،ويذودوهم عن أولياء آل رسول ال ،حول ال تلك المسكنة إلى
شياطينهم ،وأعجزهم عن إضللهم ،قضى ال بذلك قضاء حقا على لسان
رسول ال " .وقولوا للناس " الذين ل مؤنة لهم عليكم " حسنا "
عاملوهم بخلق جميل أقول :وسيأتي الكلم في تفسيرها إنشاء ال "
وأقيموا الصلوة " قال المام عليه السلم :باتمام ركوعها وسجودها،
وحفظ مواقيتها ،وأداء حقوقها التي إذا لم تؤد لم
][345
][346
الفقر والشدة " وحين البأس " عند شدة القتال يذكر ال ويصلي على رسول ال
وعلى علي ولي ال يوالي بقلبه ولسانه أولياء ال ،ويعادي كذلك أعداءه
" اولئك الذين صدقوا في إيمانهم " وصدقوا أقاويلهم بأفاعيلهم " واولئك
هم المتقون " لما امروا باتقائه .قيل :الية كما ترى جامعة للكمالت
النسانية بأسرها ،دالة عليها صريحا أو ضمنا فانها بكثرتها وتشعبها
منحصرة في ثلثة أشياء :صحة العتقاد ،وحسن المعاشرة ،وتهذيب
النفس ،وقد اشير إلى الول بقوله " من آمن -إلى -والنبيين " وإلى
الثاني بقوله " وآتى المال -إلى -وفي الرقاب " وإلى الثالث بقوله "
وأقام الصلة " إلى آخرها ،ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق نظرا إلى
إيمانه واعتقاده وبالتقوى اعتبارا بمعاشرته للخلق ومعاملته مع الحق
وإليه أشار النبي صلى ال عليه واله بقوله من عمل بهذه الية فقد
استكمل اليمان .وأقول :ما لم ننسب إلى تفسير مخصوص ولم نصدر بقيل
فهو من تفسير المام عليه السلم " .إن الذين آمنوا والذين هاجروا " )
(1قيل :نزلت في قصة ابن جحش وأصحابه وقتلهم ابن الحضرمي في
رجب حين ظن قوم أنهم إن سلموا من الثم فليس لهم أجر " .وأقاموا
الصلة وآتوا الزكاة " ) (2قيل :عطفهما على ما يعمهما لنافتهما على
سائر العمال الصالحة " ول خوف عليهم " من آت " ول هم يحزنون "
على فائت " .الذين يقولون -إلى قوله -بالسحار " ) (3قيل :حصر
لمقامات السالك على أحسن ترتيب ،فان معاملته مع ال إما توسل وإما
طلب ،والتوسل إما بالنفس وهو منعها عن الرذائل وحبسها على الفضائل،
والصبر يشملهما ،وإما بالبدن وهو إما قولي
) (1البقرة (2) .218 :البقرة (3) .277 :آل عمران 16 :و (*) .17
][347
وهو الصدق ،وإما فعلي وهو القنوت الذي هو ملزمة الطاعة وإما بالمال وهو
النفاق في سبيل الخير وأما الطلب فالستغفار لن المغفرة أعظم المطالب،
بل الجامع لها وتوسيط الواو بينها للدللة على استقلل كل واحدة وكمالهم
فيها ،أو لتغاير الموصوفين بها وتخصيص السحار لن الدعاء فيها أقرب
إلى الجابة ،لن العبادة حينئذ أشق والنفس أصفى والروع أجمع ،سيما
للمتهجدين قيل إنهم كانوا يصلون إلى السحر ثم يستغفرون ويدعون ،وفي
المجمع عن الصادق عليه السلم هم المصلون وقت السحر ،وقال :من
استغفر سبعين مرة في وقت السحر فهو من أهل هذه الية ) (1وستأتي
الخبار في ذلك في محله إنشاء ال " .امة قائمة " ) (2أي على الحق
وهم الذين أسلموا منهم " يتلون " ألخ أي يتلونها في تهجدهم " يؤمنون
بال " وصفهم بصفات ليست في اليهود فانهم منحرفون عن الحق غير
متعبدين بالليل مشركون بال ملحدون في صفاته واصفون اليوم الخر
بخلف صفته ،مداهنون في الحتساب ،متباطئون عن الخيرات " فلن
تكفروه " أي فلن يضيع ول ينقص ثوابه ،ول ينافي ذلك ما سيأتي في
الخبر أن المؤمن مكفر ،فان المراد به أنه ل يشكره الناس " وال عليم
بالمتقين " قيل :بشارة لهم وإشعار بأن التقوى مبدء الخير وحسن العمل.
" وسارعوا " ) (3أي بادروا " إلى مغفرة " أي إلى أسباب المغفرة وفي
المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلم إلى أداء الفرائض " وجنة
عرضها السماوات والرض " عن الصادق عليه السلم إذا وضعوهما كذا
وبسط يديه إحداهما مع الخرى " اعدت للمتقين " في الخصال عن أمير
المؤمنين عليه السلم فانكم لن تنالوها إل بالتقوى " الذين ينفقون في
السراء والضراء " أي في حالتي الرخاء والشدة ،يعني ينفقون في
أحوالهم كلها ما تيسر لهم من قليل أو كثير " والكاظمين الغيظ "
الممسكين عليه الكافين عن إمضائه
) (1مجمع البيان ج 2ص (2) .419آل عمران (3) .115 - 113 :آل عمران:
.136 - 133
][348
مع القدرة " والعافين عن الناس " التاركين عقوبة من استحق مؤاخذته " وال
يحب المحسنين " قيل :يحتمل الجنس ويدخل تحته هؤلء ،والعهد فتكون
الشارة إليهم ،في المجمع روي أن جارية لعلي بن الحسين عليهما السلم
جعلت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلة فسقط البريق من يدها فشجه،
فرفع رأسه إليها فقالت له الجارية :إن ال يقول " والكاظمين الغيظ "
فقال لها كظمت غيظي ،قالت " والعافين عن الناس " قال عفى ال عنك،
قالت " وال يحب المحسنين " قال اذهبي فأنت حرة لوجه ال )" (1
والذين إذا فعلوا فاحشة " أي سيئة بالغة في القبح كالزنا " أو ظلموا
أنفسهم " قيل :بأن أذنبوا أي ذنب كان ،وقيل الفاحشة الكبيرة ،وظلم
النفس الصغيرة وقيل الفاحشة ما يتعدى وظلم النفس ما ليس كذلك وقيل:
" أو ظلموا " أي أذنبوا ذنبا أعظم من الزنا " فاستغفروا لذنوبهم "
بالندم والتوبة " ومن يغفر الذنوب إل ال " استفهام بمعنى النفي معترض
بين المعطوفين ،والمراد به وصفه تعالى بسعة الرحمة وعموم المغفرة،
والحث على الستغفار والوعد بقبول التوبة " ولم يصروا على ما فعلوا "
أي ولم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين ،وسيأتي معنى الصرار في
بابه إنشاء ال " وهم يعلمون " أي ولم يصروا على قبيح فعلهم عالمين
به " ونعم أجر العاملين " أي المغفرة والجنات ،وفي المجالس عن
الصادق عليه السلم قال :لما نزلت هذه الية صعد إبليس جبل فصرخ
بأعل صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا يا سيدنا لما دعوتنا ؟ قال:
نزلت هذه الية فمن لها ؟ فقام عفريت من الشياطين فقال :أنا لها بكذا
وكذا ،قال :لست لها ،فقام آخر فقال مثل ذلك فقال :لست لها ،فقال
الوسواس الخناس :أنالها ،قال :بماذا ؟ قال :أعدهم وامنيهم حتى يواقعوا
الخطيئة ،فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الستغفار فقال :أنت لها فوكله بها
إلى يوم القيامة ) (2وسيأتي قصة بهلول النباش في ذلك عند ذكر قصص
الخائفين ) " (3ليات لولي
) (1مجمع البيان ج 2ص (2) .505أمالى الصدوق ص (3) .278أمالى الصدوق
ص .29 - 27
][349
اللباب " ) (1أي لدلئل واضحة على التوحيد وكمال علمه سبحانه وحكمته ،ونفاذ
قدرته ومشيته لذوي العقول الخالصة عن شوائب الحس والوهم " الذين
يذكرون ال " في جميع الحوال ،وعلى جميع الهيئات ،وعن الصادق
عليه السلم عن النبي صلى ال عليه واله من أكثر ذكر ال أحبه ال )(2
وعن الباقر عليه السلم " قياما " الصحيح يصلي قائما " وقعودا "
المريض يصلي جالسا و " على جنوبهم " الذي يكون أضعف من
المريض الذي يصلي جالسا ،وعنه عليه السلم ل يزال المؤمن في صلة
ما كان في ذكر ال قائما أو جالسا أو مضطجعا إن ال يقول " :الذين
يذكرون ال قياما وقعودا وعلى جنوبهم " ) " .(3ويتفكرون في خلق
السماوات والرض " ويعتبرون بهما وستأتي الخبار في فضل التفكر "
ربنا ما خلقت هذا " الخلق " باطل " عبثا ضائعا من غير حكمة يعني
يقولون ذلك " سبحانك " تنزيها لك من العبث وخلق الباطل وهو اعتراض
" فقنا عذاب النار " للخلل بالنظر فيه والقيام بما يقتضيه " وما
للظالمين من أنصار " وضع المظهر موضع المضمر للدللة على أن
ظلمهم صار سببا لدخالهم النار وانقطاع النصرة عنهم في الخلص،
وروى العياشي عن الباقر عليه السلم ما لهم من أئمة يسمونهم بأسمائهم
) " (1ربنا إننا سمعنا مناديا " هو الرسول صلى ال عليه واله وقيل
القرآن " فاغفر لنا ذنوبنا " قيل :أي كبائرنا فانها ذات تبعات وأذناب "
وكفر عنا سيئاتنا " فانها مستقبحة ،ولكنها مكفرة عن مجتنب الكبائر "
وتوفنا مع البرار " مخصوصين بصحبتهم معدودين في زمرتهم " على
رسلك " أي على ألسنتهم ،وإنما سألوا ما وعدوا مع أنه ل يخلف ال
وعده تعبدا واستكانة ،ومخافة أن يكونوا مقصرين في المتثال " ول
تخزنا يوم القيامة " بأن تعصمنا عما يقتضي الخزي " إنك ل تخلف
الميعاد " باثابة المؤمن وإجابة الداعي ،وتكرير " ربنا " للمبالغة
) (1آل عمران (2) .195 - 190 :الكافي ج 2ص (3) .500تفسير العياشي ج 1
ص (4) .211المصدر نفسه ج 1ص .211
][350
في البتهال ،والدللة على استقلل المطالب وعلو شانها ،وفي المجمع :عن النبي
صلى ال عليه وآله لما نزلت هذه الية قال :ويل لمن لكها بين فكيه ولم
يتأمل ما فيها ) " .(1فاستجاب لهم ربهم " إلى طلبتهم " أني ل اضيع
عمل عامل -إلى قوله - :بعضكم من بعض " لن الذكر من النثى ،والنثى
من الذكر ،أو لنهما من أصل واحد ،أو لفرط التصال والتحاد ،ولتفاقهم
في الدين والطاعة ،وهو اعتراض " فالذين هاجروا " الوطان والعشائر
في الدين " واخرجوا من ديارهم واوذوا في سبيلي " بسبب إيمانهم بال
ومن أجله " وقاتلوا " الكفار " وقتلوا " في الجهاد .في مجالس الصدوق
أن أمير المؤمنين عليه السلم لما هاجر من مكة إلى المدينة ليلحق بالنبي
وقد قارع الفرسان من قريش ،ومعه فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت رسول
ال صلى ال عليه واله وفاطمة بنت الزبير ،فسار ظاهرا قاهرا حتى نزل
ضجنان فلزم بها يوما وليلة ،ولحق به نفر من ضعفاء المؤمنين ،وفيهم ام
أيمن مولة رسول ال صلى ال عليه واله وكان يصلي ليلته تلك هو
والفواطم ،ويذكرون ال قياما وقعودا وعلى جنوبهم ،فلن يزالوا كذلك حتى
طلع الفجر فصلى عليه السلم بهم صلة الفجر ثم سار لوجهه ،فجعل وهن
يصنعون ذلك منزل بعد منزل يعبدون ال ويرغبون إليه كذلك حتى قدم
المدينة وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم " ،الذين يذكرون
ال " اليات " قوله :من ذكر أو انثى " الذكر علي والنثى الفواطم "
بعضكم من بعض " يعني علي من فاطمة أو قال :الفواطم وهن من على )
.(2وأقول :ظاهر الية يشمل كل من اتصف بهذه الصفات " .إن تبدوا
خيرا " ) (3أي تظهروه " أو تعفوا " عن سوء مع قدرتكم على
) (1مجمع البيان ج 2ص (2) .554أمالى الصدوق ص (3) ...النساء.149 :
][351
النتقام وهو المقصود ذكره وما قبله تمهيد له ،ولذا رتب عليه قوله " :فان ال
كان عفوا قديرا " لم يزل يكثر العفو عن العصاة مع كمال قدرته على
النتقام " .لكن الراسخون في العلم منهم " ) (1قالوا أي من اليهود كعبد
ال بن سلم وأصحابه " والمؤمنون " :أي منهم أو من المهاجرين
والنصار " يؤمنون " خبر المبتدأ " والمقيمين الصلوة " قيل :نصب
على المدح ،أو عطف على " ما انزل إليك " والمراد بهم النبياء ،وقرئ
بالرفع عطفا على الراسخون ،أو الضمير في " يؤمنون " أو على أنه
مبتدأ والخبر " اولئك سنؤتيهم " " .اولئك سنؤتيهم أجرا عظيما "
لجمعهم بين اليمان الصحيح ،والعمل الصالح " .واذكروا نعمة ال عليكم
" ) (2بالسلم ليذكركم المنعم ،ويرغبكم في شكره " وميثاقه الذي واثقكم
به " قيل :يعني عند إسلمكم بأن تطيعوا ال فيما يفرضه عليكم سركم أو
ساءكم ،وفي المجمع عن الباقر عليه السلم أن المراد بالميثاق ما بين لهم
في حجة الوداع من تحريم المحرمات وكيفية الطهارة وفرض الولية
وغير ذلك ) ،(3أقول :وهذا داخل في ذاك " .إذ قلتم سمعنا وأطعنا " قال:
علي ابن إبراهيم :لما أخذ رسول ال صلى ال عليه واله الميثاق عليهم
بالولية ،قالوا :سمعنا وأطعنا ثم نقضوا ميثاقه " واتقوا ال " في إنساء
نعمته ونقض ميثاقه " إن ال عليم بذات الصدور " بخفياتها فضل عن
جليات أعمالكم " قوامين " أي بالحق " ل " خالصا له " شهداء بالقسط
" أي العدل " ول يجرمنكم " أي ول يحملنكم " شنآن قوم " أي شدة
عداوتهم وبغضهم " على أن ل تعدلوا " فتعتدوا عليهم بارتكاب ما ل يحل
كمثلة وقذف وقتل نساء وصبية ونقض عهد تشفيا مما في قلوبكم "
اعدلوا " في أوليائكم وأعدائكم " إن ال خبير بما تعملون " فمجازيكم" .
أن يبسطوا " أي يبطشوا " إليكم أيديهم " بالقتل والهلك " فكف أيديهم
) (1النساء (2) .162 :المائدة (3) .12 - 7 :مجمع البيان ج 3ص .168
][352
عنكم " منعها أن تمد إليكم ورد مضرتها عنكم قال علي بن إبراهيم :يعني أهل مكة
من قبل فتحها فكف أيديهم بالصلح يوم الحديبية " وعلى ال فليتوكل
المؤمنون " فانه الكافي ليصال الخير ودفع الشر " .اثني عشر نقيبا "
كفيل أمينا شاهدا من كل سبط ينقب عن أحوال قومه ،ويفتش عنها،
ويعرف مناقبهم " إني معكم " بالنصرة " وآمنتم برسلي " أي
صدقتموهم " وعزرتموهم " أي نصرتموهم وقويتموهم " وأقرضتم ال
" بالنفاق في سبيله " لكفرن عنكم سيئاتكم " لغطينها " .من يرتد
منكم عن دينه " ) (1جوابه محذوف يعني فلن يضر دين ال شيئا فان ال
ل يخلي دينه من أنصار يحمونه ،وقال علي بن إبراهيم :هو مخاطبة
لصحاب رسول ال صلى ال عليه واله الذين غصبوا آل محمد حقهم
وارتدوا عن دين ال " يحبهم ويحبونه " يحبهم ال ويحبون ال " أذلة
على المؤمنين " رحماء عليهم من الذل بالكسر الذي هو اللين ،ل من الذل
بالضم الذي هو الهوان " أعزة على الكافرين " غلظ شداد عليهم من
عزه إذا غلبه " يجاهدون في سبيل ال " بالقتال لعلء كلمة ال وإعزاز
دينه " ول يخافون لومة لئم " فيما يأتون من الجهاد والطاعة ،في
المجمع عن الباقر والصادق عليهما السلم :هم أمير المؤمنين عليه
السلم وأصحابه ،حين قاتل من قاتله من الناكثين والقاسطين والمارقين )
" (2ذلك فضل ال " أي محبتهم ل سبحانه ،ولين جانبهم للمؤمنين،
وشدتهم على الكافرين تفضل من ال وتوفيق ولطف منه ومنة من جهته
" يؤتيه من يشاء " يعطيه من يعلم أنه محل له " وال واسع " جواد ل
يخاف نفاد ما عنده " عليم " بموضع جوده وعطائه ،ول ريب في نزول
آية " إنما وليكم ال " في أمير المؤمنين عليه السلم وقد مرت الخبار
في ذلك في المجلد التاسع ) " .(3فيما طعموا " ) (4أي من المستلذات
أكل كان أو شربا فان الطعم يعمهما
) (1المائدة 54 :و (2) .55مجمع البيان ج 3ص (3) .208راجع ج 35ص
206 - 183من هذه الطبعة الحديثة (4) .المائدة.93 :
][353
وفي المجمع في تفسير أهل البيت عليهم السلم فيما طعموا من الحلل " إذا ما
اتقوا -إلى -المحسنين " قال علي بن إبراهيم :لما نزل تحريم الخمر
والميسر والتشديد في أمرهما قال الناس من المهاجرين والنصار :يا
رسول ال قتل أصحابنا وهم يشربون الخمر وقد سماه ال رجسا وجعلها
من عمل الشيطان ؟ وقد قلت ما قلت أفيضر أصحابنا ذلك شيئا بعد ما ماتوا
؟ فأنزل ال هذه الية فهذا لمن مات أو قتل قبل تحريم الخمر ،والجناح هو
الثم وهو على من شربها بعد التحريم ،وقيل فيما طعموا :أي مما لم يحرم
عليهم " إذا ما اتقوا " أي المحرم " وآمنوا وعملوا الصالحات " أي
ثبتوا على اليمان والعمال الصالحة " ثم اتقوا " أي ما حرم عليهم بعد
كالخمر " وآمنوا " بتحريمه " ثم اتقوا " أي استمروا وثبتوا على اتقاء
المعاصي " وأحسنوا " أي وتحروا العمال الجميلة فاشتغلوا بها .قيل:
لما كان لكل من اليمان والتقوى درجات ومنازل ،كما ورد عنهم عليهم
السلم لم يبعد أن يكون تكريرهما في الية إشارة إلى تلك الدرجات
والمنازل فان أوائل درجات اليمان تصديقات مشوبة بالشبه والشكوك على
اختلف مراتبها ،ويمكن معها الشرك كما قال سبحانه " :وما يؤمن
أكثرهم بال إل وهم مشركون " ) (1ويعبر عنها بالسلم كما قال ال
عزوجل " :قالت العراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل
اليمان في قلوبكم " ) (2والتقوى المتقدمة عليها هي تقوى العام،
وأواسطها تصديقات ل يشوبها شك ول شبهة كما قال ال عزوجل" :
الذين آمنوا بال ورسوله ثم لم يرتابوا " ) (3وأكثر إطلق اليمان عليها
خاصة كما قال " :إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم وإذا تليت
عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون " ) (4والتقوى المتقدمة
عليها هي تقوى
) (1يوسف (2) .106 :الحجرات (3) .13 :الحجرات (4) .19 :النفال(*) .2 :
][354
الخاص وأواخرها تصديقات كذلك مع شهود وعيان ومحبة كاملة ل عزوجل كما
قال " :يحبهم ويحبونه " ) (1ويعبر عنها تارة بالحسان كما ورد في
الحديث النبوي صلى ال عليه واله :الحسان أن تعبد ال كأنك تراه
واخرى باليقان كما قال " :وبالخرة هم يوقنون " ) (2والتقوى المتقدمة
عليها هي تقوى خاص الخاص ،وإنما قدمت التقوى على اليمان لن
اليمان إنما يتحصل ويتقوى بالتقوى ،لنها كلما ازدادت ازداد اليمان
بحسب ازديادها وهذا ل ينافي تقدم أصل اليمان على التقوى بل ازديادها
بحسب ازدياده أيضا لن الدرجة المتقدمة لكل منها غير الدرجة المتأخرة،
ومثل ذلك مثل من يمشي بسراج في ظلمة فكلما أضاء له من الطريق قطعة
مشى فيها فيصير ذلك المشي سببا لضاءة قطعة اخرى منه ،وهكذا" .
واصبروا " ) (3أي على أذية فرعون وتهديده " إن الرض ل " الية
وعد لهم منه بالنصرة وتذكير لما كان وعدهم من إهلك القبط وتوريثهم
ديارهم وفي الخبار أن الية في الئمة عليهم السلم يورثهم ال الرض
في زمن القائم عليه السلم وهم المتقون ،والعاقبة لهم ) (4وتدل الية
على فضل الستعانة بال والصبر والتقوى " وسعت كل شئ " قيل :أي
في الدنيا المؤمن والكافر بل المكلف وغيره أو في الدنيا والخرة ،إل أن
قوما لم يدخلوها لضللهم " .فسأكتبها " ) (5فساثبتها واوجبها في
الخرة " للذين يتقون " الشرك والمعاصي " والذينهم بآياتنا يؤمنون "
فل يكفرون بشئ منها " يهدون بالحق " أي بكلمة الحق " وبه " أي
وبالحق " يعدلون " بينهم في الحكم " .خير للذين يتقون " ) (6محارم
ال مما يأخذ هؤلء " أفل يعقلون "
) (1المائدة (2) .54 :البقرة (3) .4 :العراف (4) .128 :تفسير العياشي ج 2
ص (5) .25العراف (6) .156 :العراف.169 :
][355
فيعلمون ذلك " والذين يمسكون بالكتاب " إلى قوله " :أجر المصلحين " إما
عطف على " الذين يتقون " وما بينهما اعتراض ،وإما استيناف ووضع
الظاهر موضع المضمر لنه في معناه ،وللتنبيه على أن الصلح مانع من
الضاعة ،وعن الباقر عليه السلم نزلت في آل محمد وأشياعهم )" .(1
فاتقوا ال " ) (2قيل :أي في الختلف والمشاجرة " وأصلحوا ذات بينكم
" أي الحال التي بينكم بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم ال وتسليم أمره
إلى ال والرسول " وأطيعوا ال ورسوله " فيه " إن كنتم مؤمنين " فان
اليمان يقتضي ذلك " .إنما يعمر مساجد ال " ) (3قيل :أي إنما يستقيم
عمارتها لهؤلء الجامعين للكمالت العلمية والعملية " ولم يخش إل ال "
يعني في أبواب الدين بأن ل يختار على رضا ال رضا غيره " فعسى "
ذكره بصيغة التوقع قطعا للطماع المشركين في الهتداء والنتفاع
بأعمالهم " أعظم درجة " أي ممن لم يستجمع هذه الصفات " واولئك هم
الفائزون " المختصون بالفوز ونيل الحسنى عند ال " مقيم " أي دائم" .
التائبون " ) (4رفع على المدح وفي قراءة أهل البيت " التائبين -إلى
قوله :والحافظين " وفي الكافي عن الصادق عليه السلم لما نزلت هذه
الية " إن ال اشترى من المؤمنين " قام رجل إلى النبي صلى ال عليه
واله فقال :يا نبي ال أرأيتك الرجل يأخذ سيفه فيقاتل حتى يقتل إل أنه
يقترف من هذه المحارم أشهيد هو ؟ فأنزل ال على رسوله " التائبون
العابدون " الية فبشر النبي صلى ال عليه واله المجاهدين من المؤمنين
الذين هذه صفتهم وحليتهم بالشهادة والجنة ،وقال " :التائبون " من
الذنوب " العابدون " الذين ل يعبدون إل ال ول يشركون به شيئا "
الحامدون " الذين
) (1تفسير القمى ص (2) .229النفال (3) .1 :براءة (4) .22 - 18 :براءة:
.112
][356
يحمدون ال على كل حال في الشدة والرخاء " السائحون " الصائمون " الراكعون
الساجدون " الذين يواظبون على الصلوات الخمس ،الحافظون لها
والمحافظون عليها بركوعها وسجودها ،والخشوع فيها وفي أوقاتها "
المرون بالمعروف " بعد ذلك والعاملون به " والناهون عن المنكر "
والمنتهون عنه ،قال :فبشر من قتل وهو قائم بهذه الشروط بالشهادة
والجنة الخبر ) .(1وأقول :انما فسر السياحة بالصيام لقول النبي صلى ال
عليه واله :سياحة امتي الصيام شبه بها لنه يعوق عن الشهوات أو لنه
رياضة نفسانية يتوصل بها إلى الطلع على خفايا الملك والملكوت ،وقيل:
السائحون للجهاد أو لطلب العلم ،وقيل في قوله " :والناهون " العاطف
فيه للدللة على أنه بما عطف عليه في حكم خصلة واحدة كأنه قال:
الجامعون بين الوصفين وفي قوله " :والحافظون لحدود ال " أي فيما
بينه وعينه من الحقائق والشرائع ،للتنبيه على أن ما قبله مفصل الفضائل،
وهذا مجملها ،وقيل :إنه لليذان بأن التعداد قد تم بالسابع من حيث أن
السبعة هو العدد التام ،والثامن ابتداء تعداد آخر معطوف عليه ،ولذلك
سمي واو الثمانية " .وبشر المؤمنين " قيل :يعني به هؤلء الموصوفين
بتلك الفضائل ووضع المؤمنين موضع ضميرهم للتنبيه على أن إيمانهم
دعاهم إلى ذلك وأن المؤمن الكامل من كان كذلك ،وحذف المبشر به
للتعظيم كأنه قيل :وبشرهم بما يجل عن إحاطة الفهام وتعبير الكلم " .إل
الذين صبروا " ) (2أي في الشدة على الضراء إيمانا بال واستسلما
لقضائه " وعملوا الصالحات " في الرخاء شكرا للئه سابقها ولحقها "
وأخبتوا إلى ربهم " ) (3أي اطمئنوا إليه وخشعوا له " .مثل الفريقين "
أي الكافر والمؤمن
][357
" كالعمى والصم والسميع والبصير " قيل :يجوز أن يراد به تشبيه الكافر
بالعمى لتعاميه عن آيات ال ،وبالصم لتعاميه عن استماع كلم ال
وتأبيه عن تدبر معانيه وشبه المؤمن بالسميع والبصير لن المر بالضد
فيكون كل منهما مشبها باثنين باعتبار وصفين ،أو تشبيه الكافر بالجامع
بين العمى والصمم والمؤمن بالجامع بين ضديهما ،والعاطف لعطف الصفة
على الصفة " مثل " أي تمثيل أو صفة أو حال " أفل تذكرون " بضرب
المثال والتفكر فيها " .بعهد ال " ) (1أي بما عقدوه على أنفسهم ل "
ول ينقضون الميثاق " ما وثقوه من المواثيق بينهم وبين ال وبين العباد،
وعن الكاظم عليه السلم أنه ميثاق الولية في الذر " ما أمر ال به أن
يوصل " من الرحم ول سيما رحم آل محمد كما في الخبار " ويخافون
سوء الحساب " خصوصا فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا ،وعن
الصادق عليه السلم أنه الستقصاء والمداقة وقال عليه السلم:
الستقصاء أن تحسب عليهم السيئات ولهم الحسنات ) " (2والذين صبروا
" على القيام بأوامر ال ومشاق التكاليف وعن المصائب في النفوس
والموال وعن معاصي ال " ابتغاء وجه ربهم " أي طلبا لرضاه "
ويدرؤن بالحسنة السيئة " أي يدفعونها بها فيجازون الساءة بالحسان
ويتبعون الحسنة السيئة فتمحوها ،وروى علي بن إبراهيم عن الصادق
عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله لعلي :يا علي ما من
دار فيها فرحة إل تبعها مرحة وما من هم إل وله فرج ،إل هم أهل النار،
إذا عملت سيئة فأتبعها بحسنة تمحها سريعا وعليك بصنائع الخير فانها
تدفع مصارع السوء ) (3أقول الخطاب إليه عليه السلم لتعليم غيره "
عقبى الدار " أي عاقبة الدنيا وما ينبغي أن يكون مآل أهلها وهي الجنة
والعدن القامة أي جنات يقيمون فيها " ومن صلح " أي يلحق بهم من
صلح منهم ومن لم يبلغ مبلغ فضلهم تبعا لهم وتعظيما لشأنهم وليكونوا
مسرورين بهم آنسين
) (1الرعد (2) .22 - 18 :تفسير القمى ص (3) .340تفسير القمى.341 :
][358
بصحبتهم " من كل باب " من أبواب غرفهم وقصورهم " بما صبرتم " أي هذا
بسبب صبركم وقال علي بن إبراهيم :نزلت في الئمة عليهم السلم
وشيعتهم الذين صبروا ) " .(1من أناب " ) (2أي أقبل إلى الحق ورجع
عن الفساد " وتطمئن قلوبهم بذكر ال " أي تسكن انسا به واعتمادا عليه
ورجاء منه وروى العياشي عن الصادق عليه السلم بمحمد تطمئن وهو
ذكر ال وحجابه ) (3وقال علي بن إبراهيم :الذين آمنوا الشيعة ،وذكر ال
أمير المؤمنين عليه السلم والئمة عليهم السلم وقيل :طوبى كبشرى
وزلفى مصدر من الطيب وفي الخبار أنه اسم شجرة في الجنة كما مر
وسيأتي ) (4والمآب المرجع " قانتا " ) (5عن الباقر عليه السلم القانت
المطيع ،والحنيف المسلم " شاكرا لنعمه " أي لنعم ال معترفا بها روي
أنه كان ل يتغدى إل مع ضيفه " ول يظلمون شيئا " ) (6أي ول ينقصون
شيئا من جزاء أعمالهم ،ويجوز أن ينتصب شيئا على المصدر " .لمن تاب
" ) (7أي من الشرك " وآمن " بما يجب اليمان به " ثم اهتدى " إلى
ولية أهل البيت عليهم السلم كما ورد في الخبار الكثيرة " .وجعلناهم
أئمة " ) (8يقتدى بهم " يهدون الناس " إلى الحق " بأمرنا " " وإقام
الصلوة " من عطف الخاص على العام " وكانوا لنا عابدين " موحدين
مخلصين في العبادة ،ولذا قدم الصلة " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات
" ) (9أي يبادرون إلى أبواب الخير " ويدعوننا رغبا ورهبا " قال علي
بن إبراهيم :راغبين راهبين ،وقيل:
) (1تفسير القمى ص (2) .341الرعد (3) .29 - 27 :تفسير العياشي ج 2ص
(4) .211تفسير القمى ص (5) .342النحل (6) .120 :مريم(7) .60 :
طه (8) .82 :النبياء (9) .73 :النبياء90 :
][359
) (1الكافي ج 2ص (2) .479الحج 34 :و (3) .35الحج (4) .77 :الكافي ج 1
ص (5) .191النور .:52
][360
يبدل ال سيئاتهم حسنات " ) (1قد ورد في أخبار كثيرة مضى بعضها وسيأتي
بعضها أن تبديل السيئات حسنات في ديوان أعمالهم يوم القيامة ،وقال
الباقر عليه السلم :هي في المذنبين من شيعتنا خاصة " فانه يتوب إلى
ال " أي يرجع إلى ال " وانتصروا من بعد ما ظلموا " ) (2قيل :هي
استثناء للشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر ال ،ويكون أكثر
أشعارهم في التوحيد والثناء على ال تعالى والحث على طاعته ولو قالوا
هجوا أرادوا به النتصار ممن هجاهم من الكفار ،ومكافاة هجاة المسلمين
كحسان وأضرابه ،وسيأتي الكلم فيه إن شاء ال تعالى " .هذه البلدة " )
(3قال علي بن إبراهيم :يعني مكة شرفها ال " وله كل شئ " أي خلقا
وملكا " من المسلمين " أي المنقادين " وأن أتلوا القرآن " قيل :أي وأن
اواظب على تلوته ،لتنكشف لي حقائقه في تلوته شيئا فشيئا " لنبوئنهم
" ) (4أي لننزلنهم " الذين صبروا " على المحن والمشاق ول يتوكلون
إل على ال " الذين يقيمون الصلوة " ) (5بيان لحسانهم أو تخصيص
لهذه الثلثة من شعبه لفضل اعتداد بها " واولئك هم المفلحون "
لستجماعهم العقيدة الحقة والعمل الصالح " أقم الصلوة " ) (6تكميل
لنفسك " وامر بالمعروف وانه عن المنكر " تكميل لغيرك " واصبر على
ما أصابك " من الشدائد وفي المجمع عن علي عليه السلم من المشقة
والذى في المر بالمعروف والنهي عن المنكر ) " (7إن ذلك " إشارة إلى
الصبر أو إلى كل ما أمره " من عزم المور " أي مما عزمه ال من
المور أي قطعه قطع إيجاب وإلزام ،ومنه الحديث إن ال يحب أن يؤخذ
برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه " ول تصعر
) (1الفرقان 70 :و (2) .71الشعراء (3) .227 :النمل (4) .91 :العنكبوت.58 :
) (5لقمان 4 :و (6) .5لقمان (7) .19 - 17 :مجمع البيان ج 8ص
.319
][361
خدك للناس " أي ل تمله عنهم ول تولهم صفحة خدك كما يفعله المتكبرون ،و قال
علي بن إبراهيم :أي ل تذل للناس طمعا فيما عندهم " ول تمش في
الرض مرحا " أي فرحا ،مصدر وقع موقع الحال أو تمرح مرحا أو لجل
المرح ،وهو البطر ،وروى علي بن إبراهيم عن الباقر عليه السلم يقول:
بالعظمة " إن ال ل يحب كل مختال فخور " قال الطبرسي :أي كل متكبر
فخور على الناس وأقول يطلق الختيال غالبا على التكبر في المشي،
وروى في الفقيه عن النبي صلى ال عليه واله أنه نهى أن يختال الرجل
في مشيته ،وقال :من لبس ثوبا فاختال فيه خسف ال به من شفير جهنم،
وكان قرين قارون ،لنه أول من اختال فخسف به وبداره الض ،ومن
اختال فقد نازع ال في جبروته ) " (1واقصد في مشيك " أي توسط فيه
بين الدبيب و السراع ،وقال علي بن إبراهيم :أي ل تعجل " واغضض
من صوتك " أي اقصر منه ،وقال علي بن إبراهيم :أي ل ترفعه " إن أنكر
الصوات " أي أوحشها وفي الكافي عن الصادق عليه السلم أنه سئل
عنه فقال :العطسة القبيحة ) (2وفي المجمع عنه عليه السلم قال :هي
العطسة المرتفعة القبيحة والرجل يرفع صوته بالحديث رفعا قبيحا إل أن
يكون داعيا أو يقرء القرآن ) " .(3ومن يسلم وجهه إلى ال ) (4بأن
فوض أمره إليه وأقبل بشراشره عليه " وهو محسن " في عمله " فقد
استمسك " أي تعلق بأوثق ما يتعلق به ،وقال علي بن إبراهيم :بالولية "
وإلى ال عاقبة المور " إذ الكل صائر إليه " .إن المسلمين " ) (5أي
الداخلين في السلم المنقادين لحكم ال " والمؤمنين " أي المصدقين بما
يجب أن يصدق به " والقانتين " أي المداومين على الطاعة " والصادقين
" في القول والعمل " والصابرين " على الطاعات والمعاصي والبليا
) (1الفقيه ج 4ص (2) .7الكافي ج 2ص (3) .656مجمع البيان ج 8ص
(4) .320لقمان (5) .22 :الحزاب.35 :
][362
" والخاشعين " أي المتواضعين ل بقلوبهم وجوارحهم " والمتصدقين " من
أموالهم ابتغاء مرضاة ال " والصائمين " ل بنية صادقة " والحافظين
لفروجهم " عن الحرام " والذاكرين ال كثيرا " بقلوبهم وألسنتهم "
مغفرة " لذنوبهم " وأجرا عظيما " على طاعتهم " .إن الذين يتلون كتاب
ال " ) (1قيل :أي يداومون قراءته أو متابعة ما فيه حتى صارت سمة
لهم وعنوانا " سرا وعلنية " كيف اتفق من غير قصد إليهما وقيل :السر
في المسنونة ،والعلنية في المفروضة " يرجون تجارة " تحصيل ثواب
بالطاعة وهو خبر إن " لن تبور " لن تكسد ولن تهلك بالخسران صفة
للتجارة " ليوفيهم اجورهم " علة لمدلوله أو لمدلول ما عد من امتثالهم
أو عاقبة ليرجون " ويزيدهم من فضله " على ما يقابل أعمالهم " إنه
غفور " لفرطاتهم " شكور " لطاعاتهم أي مجازيهم عليها وهو علة
للتوفية والزيادة أو خبر " إن " و " يرجون " حال من واو " وأنفقوا ".
" اتقوا ربكم " ) (2أي بلزوم طاعته " للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة
" الظرف إما متعلق بأحسنوا أو بحسنة ،وعلى الول تشمل الحسنة حسنة
الدارين وعلى الثاني ل ينافي نيل حسنة الخرة أيضا ،والحسنة في الدنيا
كالصحة والعافية وفي مجالس الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلم إن
المؤمن يعمل لثلث من الثواب إما لخير فان ال يثيبه بعمله في دنياه ،ثم
تل هذه الية ،ثم قال :فمن أعطاهم ال في الدنيا لم يحاسبهم في الخرة "
وأرض ال واسعة " فمن تعسر عليه التوفر على الحسان في وطنه
فليهاجر إلى حيث يتمكن منه " إنما يوفى الصابرون " على مشاق الطاعة
من احتمال البلء ومهاجرة الوطان لها " أجرهم بغير حساب " وفي
الكافي عن الصادق عليه السلم إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس
فيأتون باب الجنة فيضربونه فيقال لهم :من أنتم ؟ فيقولون :نحن أهل
الصبر ،فيقال لهم :على ما صبرتم ؟ فيقولون :كنا نصبر على طاعة ال
ونصبر على معاصي ال ،فيقول ال
][363
عزوجل :صدقوا أدخلوهم الجنة ،وهو قول ال عزوجل " إنما يوفى الصابرون
أجرهم بغير حساب " ) " .(1وازلفت " ) (2أي قربت " غير بعيد " أي
مكانا غير بعيد ،وقال علي بن إبراهيم " :ازلفت " أي زينت " غير بعيد
" قال :بسرعة " هذا ما توعدون " على إضمار القول " لكل أواب " أي
رجاع إلى ال بدل من المتقين باعادة الجار " حفيظ " حافظ لحدوده " من
خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب " قيل بدل بعد بدل ،أو بدل من
موصوف أواب أو مبتدأ خبره " ادخلوها " على تأويل يقال لهم "
ادخلوها " فان " من " بمعنى الجمع و " بالغيب " حال من الفاعل أو
المفعول أو صفة لمصدر أي خشية متلبسة بالغيب ،حيث خشي عقابه وهو
غائب ،أو العقاب بعد غيب أو هو غائب عن العين ل يراه أحد،
وتخصيص الرحمان به للشعار بأنهم رجوا رحمته وخافوا عذابه ،أو
بأنهم يخشون مع علمهم بسعة رحمته ،ووصف القلب بالنابة إذ العتبار
برجوعه إلى ال " فل اقتحم العقبة " ) (3أي فلم يشكر تلك اليادي
باقتحام العقبة ،وهو الدخول في أمر شديد ،قيل :العقبة الطريق في الجبل
استعارها لما فسرها به من الفك والطعام " ذي مسغبة " أي مجاعة " ذا
-مقربة " أي قرابة " ذا متربة " أ ؟ ؟ ذا فقر ،وقال علي بن إبراهيم :ل
يقيه من التراب شئ ،وفي الكافي عن الرضا عليه السلم كان إذا أكل أتى
بصحفة فتوضع قرب مائدته فيعمد إلى أطيب الطعام مما يؤتى به فيأخذ من
كل شئ شيئا فيضع في تلك الصحفة ثم يأمر بها للمساكين ثم يتلو هذه
الية " فل اقتحم " ثم يقول :علم ال أنه ليس كل إنسان يقدر على عتق
رقبة فجعل لهم السبيل إلى الجنة ) (4وستأتي الخبار في ذلك ،وعن
الصادق عليه السلم قال :من أكرمه ال بوليتنا فقد جاز
) (1الكافي ج 2ص (2) .75ق (3) .33 - 31 :البلد (4) .20 - 11 :الكافي ج 4
ص .52
][364
العقبة ،ونحن تلك العقبة التي من اقتحمها نجا ،ثم قال :الناس كلهم عبيد النار
غيرك وأصحابك ،فان ال فك رقابكم من النار بوليتنا أهل البيت وقال عليه
السلم :بنا تفك الرقاب وبمعرفتنا ،ونحن المطعمون في يوم الجوع وهو
المسغبة ) " (1وتواصوا " أي أوصى بعضهم بعضا " بالصبر " على
طاعة ال " بالمرحمة " أي بالرحمة على عباده أو بموجبات رحمة ال "
اولئك أصحاب الميمنة " أي اليمين أو اليمن " والذين كفروا بآياتنا "
قيل :أي بما نصبناه دليل على الحق من كتاب وحجة أو بالقرآن " هم
أصحاب المشئمة " أي الشمال أو الشؤم " عليهم نار مؤصدة " أي
مطبقة من أوصدت الباب إذا أطبقته وأغلقته وقال علي بن إبراهيم" :
أصحاب الميمنة " أصحاب أمير المؤمنين عليه السلم " والذين كفروا
بآياتنا " قال :الذين خالفوا أمير المؤمنين عليه السلم " هم أصحاب
المشئمة " قال :المشئمة أعداء آل محمد عليهم السلم " نار مؤصدة "
قال :أي مطبقة ) - 1 .(2كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن عبد ال
بن القاسم ،عن أبي بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال أمير
المؤمنين علي عليه السلم :إن لهل الدين علمات يعرفون بها :صدق
الحديث ،وأداء المانة ،ووفاء بالعهد ،وصلة الرحام ورحمة الضعفاء،
وقلة المراقبة للنساء ،أو قال :قلة المؤاتاة للنساء ،وبذل المعروف وحسن
الخلق ،وسعة الخلق ،واتباع العلم ،وما يقرب إلى ال عزوجل زلفى طوبى
لهم وحسن مآب ،وطوبى شجرة في الجنة أصلها في دار النبي محمد صلى
ال عليه واله وليس من مؤمن إل وفي داره غصن منها ،ل يخطر على
قلبه شهوة شئ إل أتاه به ذلك ولو أن راكبا مجدا سار في ظلها مائة عام
ما خرج منه ولو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلها حتى يسقط هرما .أل
ففي هذا فارغبوا ! إن المؤمن من نفسه في شغل والناس منه في راحة،
إذا جن عليه الليل افترش وجهه ،وسجد ل عزوجل بمكارم بدنه ،يناجي
الذي
][365
خلقه في فكاك رقبته ،أل فهكذا كونوا ) .(1بيان " :إن لهل الدين " أي الذين
اختاروا دين اليمان وعملوا بشرائطه ولوازمه " وقلة المراقبة للنساء "
أي الميل إليهن والعتماد عليهن أو الهتمام بشأنهن ،والخوف من
مخالفتهن ،وقيل :النظر إليهن وإلى أدبارهن وهو بعيد " أو قال " أي
الصادق عليه السلم ،والترديد من أبي بصير ،والمؤاتاة " :الموافقة
والمطاوعة ،وفي المصباح رقبته أرقبه من باب قتل حفظته فأنا رقيب
ورقبته وترقبته وارتقبته انتظرته فأنا رقيب أيضا ،وراقبت ال خفت
عذابه ،وقال :آتيته على المر بمعنى وافقته ،وفي لغة لهل اليمن تبدل
الهمزة واوا فيقال :واتيته على المر مواتاة ،وهي المشهور على ألسنة
الناس ،وفي النهاية في الحديث خير النساء المؤاتية لزوجها ،المواتاة
حسن المطاوعة والموافقة وأصله الهمز فخفف وكثر حتى صار يقال:
بالواو الخالصة ،وليس بالوجه " .وبذل المعروف " أي الخير وهو
الحسان بالفضل من المال إلى الغير والظاهر أن المراد هنا المال ،وإن
كان المعروف بحسب اللغة أعم " وحسن الخلق وسعة الخلق " الظاهر أن
الخلق بالضم في الموضعين ،والمراد أن حسن خلقه عام وسع كل أحد في
جميع الحوال ،فان بعض الناس مع حسن الخلق قد يقع منهم الطيش
العظيم كما يقال :نعوذ بال من غضب الحليم ،وربما يقرأ الول بالفتح فان
الظاهر عنوان الباطن لكن هذا ليس كليا فان حسن الخلق قد يوجد في غير
أهل الدين ،كما قال عزوجل في وصف المنافقين " :وإذا رأيتهم تعجبك
أجسامهم " ) (2وقيل :المراد حسن العضاء الظاهرة بالعمال الفاضلة،
فانه من علمات أهل الدين " واتباع العلم " أي العمل به ،وقيل :أي عدم
اتباع الظن " .وما يقربهم إلى ال زلفى " أي قربة مفعول مطلق من غير
لفظ الفعل ،قال الجوهري :الزلفة والزلفى القربة والمنزلة ومنه قوله
تعالى " :وما أموالكم ول
][366
أولدكم بالتي تقربكم عندنا زلفى " ) (1وهي اسم المصدر كأنه قال :بالتي تقربكم
عندنا ازدلفا " .طوبى لهم وحسن مآب " إشارة إلى قوله سبحانه" :
الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب " وقال البيضاوي:
طوبى فعلى من الطيب ،قلبت ياؤه واوا لضمة ما قبلها ويجوز فيه الرفع
والنصب ،ولذلك قرئ " وحسن مآب " ) (2بالنصب أي حسن مرجع وهو
الجنة ) (3وقال في النهاية :طوبى اسم الجنة ،وقيل :هي شجرة فيها،
وأصلها فعلى من الطيب فلما ضمت الطاء انقلبت الياء واوا وقد تكررت في
الحديث ،وفيه طوبى للشام لن الملئكة باسطة أجنحتها عليها المراد بها
ههنا فعلى من الطيب ل الجنة ول الشجرة .وقال الراغب في الية قيل :هو
اسم شجرة في الجنة ،وقيل :بل إشارة إلى كل مستطاب في الجنة من بقاء
بل فناء ،وعز بل ذل ،وغنى بل فقر " وطوبى شجرة " هذا من كلم
الصادق عليه السلم أو من كلم أمير المؤمنين عليه السلم " وليس من
مؤمن " كأنه مثال شجرة ولية أمير المؤمنين تشعبت في صدور
المؤمنين " إل أتاه به ذلك " أي يتدلى ويقربه منه ليأخذه ،وقيل :أي ينبت
منه " مجدا " أي مسرعا صاحب جد واهتمام " في ظلها " أي ما يحاذي
أغصانها فانه ل ظل في الجنة .قال في النهاية :وقد يكنى بالظل عن الكنف
والناحية ،ومنه الحديث إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة
عام أي في ذراها وناحيتها انتهى ،وقد روى مسلم في صحيحه ،عن أبي
سعيد الخدري ،عن النبي صلى ال عليه واله قال :إن في الجنة شجرة
يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ل يقطعها وفي اخرى يسير
الراكب في ظلها مائة سنة قال عياض :ظلها كنفها ،وهو ما تستره
أغصانها وقد يكون ظلها نعيمها وراحتها ،من قولهم عيش ظليل ،واحتيج
إلى تأويل الظل بما ذكر ،هربا عن الظل في العرف ،لنه ما يقي حر
الشمس ،ول شمس
) (1سبأ (2) .37 :الرعد (3) .29 :انوار التنزيل ص .213
][367
في الجنة ول برد ،وإنما نور يتلل انتهى .وقال المازري " المضمر " بفتح الضاد
وشد الميم ورواه بعضهم بكثر الميم الثانية صفة للراكب المضمر فرسه" .
حتى يسقط هرما " إنما خص الغراب بالذكر لنه أطول الطيور عمرا "
ففي هذا فارغبوا " الفاء الثانية تأكيد للفاء الولى " من نفسه في شغل "
" من " بكسر الميم ،وقد يقرأ بالفتح اسم موصول أي مشغول باصلح
نفسه ل يلتفت إلى عيوب غيره ،ول إلى التعرض لضررهم ،ولذا الناس
منه في راحة " إذا جن عليه الليل " في مجمع البيان فلما جن عليه الليل
أي أظلم وستر بظلمه كل ضياء ،وقال :جن عليه الليل وجنه الليل وأجنه
الليل إذا أظل حتى يستره بظلمته انتهى ) (1والمكارم :جمع مكرمة أي
أعضاؤه الكريمة الشريفة كالوجه والجبهة والخدين واليدين والركبتين
والبهامين " في فكاك " في للتعليل - 2 .كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن
الهيثم النهدي ،عن عبد العزيز بن عمر ،عن بعض أصحابه ،عن يحيى بن
عمران الحلبي قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم :أي الخصال بالمرء
أجمل ؟ فقال :وقار بل مهابة ،وسماح بل طلب مكافاة ،و تشاغل بغير
متاع الدنيا ) .(2بيان " :وقار بل مهابة " الوقار الرزانة ،والمهابة أن
يخاف الناس من سطوته وظلمه وقيل :اي من غير تكبر ،وفي القاموس:
الهيبة المخافة والتقية كالمهابة ،وقال :سمح ككرم سماحا وسماحة
وسماحا ككتاب جاد بل طلب مكافاة من عوض أو ثناء وشكر ،وأصله
مهموز ،وقد يقلب ألفا " بغير متاع الدنيا " من ذكر ال وما يقرب العبد
إليه تعالى - 3 .الشهاب :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :العلم خليل
المؤمن والحلم وزيره ،والعقل دليله ،والعمل قائده ،والرفق والده ،والبر
أخوه ،والصبر
][368
أمير جنوده ) - 4 .(1لى :أبي ،عن علي ،عن أبيه ،عن عبد ال بن المغيرة ،عن
السكوني عن الصادق عليه السلم ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه واله :اعمل بفرائض ال تكن أتقى الناس وارض
بقسم ال تكن أغنى الناس ،وكف عن محارم ال تكن أورع الناس وأحسن
مجاورة من جاورك تكن مؤمنا ،وأحسن مصاحبة من صاحبك تكن مسلما )
.(2جا ،ما :المفيد ،عن المظفر بن محمد البلخي ،عن محمد بن همام ،عن
حميد بن زياد ،عن إبراهيم بن عبيد بن حنان ،عن الربيع بن سلمان ،عن
السكوني مثله ) - 5 .(3مع ،ل ،لى :العطار ،عن أبيه ،عن ابن عيسى،
عن عثمان بن عيسى عن ابن مسكان ،عن الصادق عليه السلم قال :إن
ال تبارك وتعالى خص رسول ال صلى ال عليه واله بمكارم الخلق
فامتحنوا أنفسكم ،فان كانت فيكم فاحمدوا ال عزوجل وارغبوا إليه في
الزيادة منها فذكرها عشرة :اليقين ،والقناعة ،والصبر ،والشكر ،والحلم
وحسن الخلق ،والسخا ،والغيرة ،والشجاعة والمروءة ) - 6 .(4مع ،لى:
أبي ،عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير عن حماد بن
عثمان قال :جاء رجل إلى الصادق جعفر بن محمد عليهما السلم فقال له:
يابن رسول ال أخبرني بمكارم الخلق ،فقال :العفو عمن ظلمك ،وصلة
من قطعك ،وإعطاء من حرمك ،وقول الحق ولو على نفسك ).(5
) (1في النسخة التى بخط يد المؤلف قدس سره زيادة بعد ذلك وهى] :الضوء:
العلم ادراك الشئ بحقيقته ،وهو على ضربين :أحدهما ادراك الذات
والثانى الحكم على الذات بوجود شئ له أو نفى شئ عنه ،والول يتعدى
الى مفعول واحد كقوله تعالى " ال يعلمهم [...ثم بعده بياض أربع
صفحات (2) .أمالى الصدوق ص (3) .121مجالس المفيد ص ،215
أمالى الطوسى ج 1ص (4) .120معاني الخبار ص ،191الخصال ج
2ص ،51أمالى الصدوق ص (5) .133معاني الخبار ص ،191أمالى
الصدوق ص .165
][369
- 7لى :ابن الوليد ،عن الصفار ،عن النهدي ،عن عبد العزيز بن عمر عن أحمد
بن عمر الحلبي قال :قلت لبي عبد ال الصادق عليه السلم :أي الخصال
بالمرء أجمل ؟ قال :وقار بل مهابة ،وسماح بل طلب مكافأة ،وتشاغل
بغير متاع الدنيا ) .(1ل :العطار ،عن سعد ،عن النهدي مثله ) .(2محص:
عن الحلبي ،عن أبي عبد ال عليه السلم مثله .ضا :أروي عن العالم عليه
السلم وذكر مثله - 8 .لى :ابن إدريس ،عن أبيه ،عن ابن هاشم ،عن ابن
مرار ،عن يونس عن ابن سنان ،عن الصادق عليه السلم قال :خمس من
لم تكن فيه لم يكن فيه كثير مستمتع ،قيل :وما هن يا ابن رسول ال ؟ قال:
الدين ،والعقل ،والحياء ،وحسن الخلق ،وحسن الدب ،وخمس من لم تكن
له فيه لم يتهن بالعيش :الصحة والمن ،والغنى ،والقناعة ،والنيس
الموافق ) - 9 .(3مع ،لى :العطار ،عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن أبيه،
عن ابن أبي عمير ،عن علي بن أبي حمزة ،عن أبي بصير ،عن الصادق
جعفر بن محمد ،عن آبائه ،عن علي عليهم السلم قال :قال رسول ال
صلى ال عليه واله :إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها ،وباطنها
من ظاهرها ،يسكنها من امتي من أطاب الكلم ،وأطعم الطعام ،وأفشى
السلم ،وصلى بالليل والناس نيام ،فقال علي :يا رسول ال ومن يطيق هذا
من امتك ؟ فقال :يا علي أو ما تدري ما إطابة الكلم ؟ من قال إذا أصبح
وأمسى :سبحان ال ،والحمد ل ،ول إله إل ال ،وال أكبر عشر مرات
وإطعام الطعام نفقة الرجل على عياله ،وأما الصلة بالليل والناس نيام فمن
صلى المغرب والعشاء الخرة وصلة الغداة في المسجد في جماعة فكأنما
أحيى الليل كله
][370
إفشاء السلم أن ل يبخل بالسلم على أحد من المسلمين ) - 10 .(1لى :أبي ،عن
السعد آبادي ،عن البرقي ،عن عثمان بن عيسى ،عن ابن مسكان ،عن
محمد بن مسلم ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ثلثة هم أقرب الخلق
إلى ال عزوجل يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب :رجل لم يدعه قدرته
في حال غضبه إلى أن أن يحيف على من تحت يديه ،ورجل مشى بين
اثنين فلم يمل مع أحدهما على الخر بشعيرة ،ورجل قال الحق فيما عليه
وله ) - 11 .(2لى :ماجيلويه ،عن عمه ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن محمد
بن سنان عن المفضل ،عن الصادق عليه السلم أنه قال :عليكم بمكارم
الخلق فان ال عزوجل يحبها ،وإياكم ومذام الفعال فان ال عزوجل
يبغضها ،وعليكم بتلوة القرآن فان درجات الجنة على عدد آيات القرآن
فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن :اقرأ وارق ،فكلما قرأ آية رقى
درجة ،وعليكم بحسن الخلق فانه يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم،
وعليكم بحسن الجوار فان ال عزوجل أمر بذلك ،وعليكم بالسواك فانها
مطهرة ،وسنة حسنة ،وعليكم بفرائض ال فأدوها ،وعليكم بمحارم ال
فاجتنبوها ) - 12 .(3لى :العطار ،عن أبيه ،عن محمد بن عبد الجبار ،عن
ابن البطائني عن علي بن ميمون قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم
يقول :من أراد أن يدخله ال عزوجل في رحمته ،ويسكنه جنته ،فليحسن
خلقه ،وليعطي النصفة من نفسه وليرحم اليتيم ،وليعن الضعيف،
وليتواضع ل الذي خلقه ) .(4ما :الغضايري ،عن الصدوق مثله )13 .(5
-ل :أبي ،عن علي ،عن أبيه ،عن ابن مرار ،عن يونس رفعه إلى
) (1معاني الخبار ص ،250أمالى الصدوق ص (2) .198أمالى الصدوق ص
(3) .215أمالى الصدوق ص (4) .216المصدر ص (5) .234أمالى
الطوسى ج 2ص .46
][371
أبي عبد ال عليه السلم قال :كان فيما أوصى به رسول ال صلى ال عليه واله
عليا عليه السلم يا علي أنهاك عن ثلث خصال عظام :الحسد ،والحرص،
والكذب .يا علي ! سيد العمال ثلث خصال :إنصافك الناس من نفسك،
ومواساة الخ في ال عزوجل ،وذكرك ال تبارك وتعالى على كل حال .يا
علي ثلث فرحات للمؤمن في الدنيا :لقى الخوان ،والفطار من الصيام
والتهجد من آخر الليل .يا علي ثلثة من لم تكن فيه لم يقم له عمل :ورع
يحجزه عن معاصي ال عزوجل ،وخلق يداري به الناس ،وحلم يرد به
جهل الجاهل .يا علي ثلث من حقائق اليمان :النفاق من القتار،
وإنصاف الناس من نفسك ،وبذل العلم للمتعلم .يا علي ثلث خصال من
مكارم الخلق :تعطي من حرمك ،وتصل من قطعك .وتعفو عمن ظلمك )
- 14 .(1ل :العطار ،عن سعد ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن يونس ،عن
عمرو ابن أبي المقدام ،عن أبي عبد ال ،عن أبيه عليهما السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه واله :أربع من كن فيه كان في نور ال العظم:
من كانت عصمة أمره شهادة أن ل إله إل ال وأني رسول ال ،ومن إذا
أصابته مصيبة قال :إنا ل وإنا إليه راجعون ،ومن إذا أصاب خيرا قال:
الحمد ل رب العالمين ،ومن إذا أصاب خطيئة قال :أستغفر ال وأتوب إليه
) .(2سن :أبي ،عن يونس ،عن عمرو بن جميع مثله ) .(3ثو :أبي ،عن
علي بن موسى ،عن أحمد بن محمد ،عن بكر بن صالح ،عن الحسن بن
علي ،عن عبد ال بن علي ،عن علي بن على اللهبي ،عن الصادق
][372
عن آبائه ،عن النبي صلوات ال عليهم مثله ) - 15 .(1ل ابن الوليد ،عن الصفار،
عن محمد بن عيسى ،عن عثمان بن عيسى عن ابن مسكان ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :لم يقسم بين العباد أقل من خمس :اليقين ،والقنوع،
والصبر ،والشكر ،والذي يكمل له به هذا كله العقل ) - 16 .(2لى ،ل:
الطالقاني ،عن أحمد بن إسحاق بن بهلول ،عن أبيه ،عن علي بن يزيد،
عن أبي شيبة ،عن أنس قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :تقبلوا
إلي بست خصال أتقبل لكم بالجنة :إذا حدثتم فل تكذبوا ،وإذا وعدتم فل
تخلفوا وإذا ائتمنتم فل تخونوا ،وغضوا أبصاركم ،واحفظوا فروجكم،
وكفوا أيديكم وألسنتكم ) - 17 .(3ل أبي ،عن الحميري ،عن الحسن بن
موسى ،عن يزيد بن إسحاق عن الحسن بن عطية ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :المكارم عشر ،فان استطعت أن تكون فيك فلتكن فانها تكون
في الرجل ول تكون في ولده وتكون في ولده ول تكون في أبيه ،وتكون
في العبد ول تكون في الحر ،قيل :وما هن يا رسول ال ؟ قال :صدق
البأس ،وصدق اللسان ،وأداء المانة ،وصلة الرحمن ،وإقراء الضيف،
وإطعام السائل ،والمكافأة على الصنايع ،والتذمم للجار ،والتذمم للصاحب،
ورأسهن الحياء ) .(4جا ،ما :المفيد ،عن ابن قولويه ،عن علي بن
بابويه ،عن علي بن إبراهيم عن ابن عيسى ،عن النهدي ،عن يزيد بن
إسحاق مثله ) - 18 .(5مع :أبي ،عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن أبيه ،عن
النضر ،عن القاسم بن سليمان ،عن جراح المدائني قال :قال لي أبو عبد
ال عليه السلم أل احدثك بمكارم
][373
الخلق ؟ الصفح عن الناس ،ومواساة الرجل أخاه في ماله ،وذكر ال كثيرا ).(1
- 19مع :أبي ،عن سعد ،عن البرقي ،عن أبيه رفعه إلى النبي صلى ال
عليه واله قال :جاء جبرئيل إلى النبي صلى ال عليه واله فقال :يا رسول
ال إن ال تبارك وتعالى أرسلني إليك بهدية لم يعطها أحدا قبلك ،قال
رسول ال :قلت ،وما هي ؟ قال :الصبر وأحسن منه ،قلت :وما هو ؟ قال:
الرضا وأحسن منه ،قلت :وما هو ؟ قال :الزهد وأحسن منه ،قلت :وما هو
؟ قال :الخلص وأحسن منه ،قلت :وما هو ؟ قال :اليقين وأحسن منه،
قلت :وما هو يا جبرئيل ! قال :إن مدرجة ذلك التوكل على ال عزوجل،
فقلت :وما التوكل على ال عزوجل ؟ فقال :العلم بأن المخلوق ل يضر ول
ينفع ،ول يعطي ول يمنع ،واستعمال اليأس من الخلق فإذا كان العبد كذلك
لم يعمل لحد سوى ال ،ولم يرج ولم يخف سوى ال ،ولم يطمع في أحد
سوى ال ،فهذا هو التوكل .قال :قلت :يا جبرئيل فما تفسير الصبر ؟ قال:
يصبر في الضراء كما يصبر في السراء ،وفي الفاقة كما يصبر في الغناء
وفي البلء كما يصبر في العافية ،فل يشكو حاله ) (2عند المخلوق بما
يصيبه من البلء .قلت :فما تفسير القناعة ؟ قال :يقنع بما يصيب من
الدنيا :يقنع بالقليل ويشكر اليسير .قلت :فما تفسير الرضا ؟ قال :الراضي
ل يسخط على سيده أصاب من الدنيا أم لم يصب ول يرضى لنفسه باليسير
من العمل .قلت :يا جبرئيل فما تفسير الزهد ؟ قال :الزاهد يحب من يحب
خالقه ويبغض من يبغض خالقه ،ويتحرج من حلل الدنيا ،ول يلتفت إلى
حرامها فان حللها حساب ،وحرامها عقاب ،ويرحم جميع المسلمين كما
يرحم نفسه
][374
ويتحرج من الكلم كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها ،ويتحرج عن حطام
الدنيا وزينتها كما يتجنب النار أن يغشاها ،وأن يقصر أمله ،وكان بين
عينيه أجله .قلت :يا جبرئيل فما تفسير الخلص ؟ قال :المخلص الذي ل
يسأل الناس شيئا حتى يجد ،وإذا وجد رضي ،وإذا بقي عنده شئ أعطاه
في ال ،فان ]من[ لم يسأل المخلوق فقد أقر ل عزوجل بالعبودية ،وإذا
وجد فرضي فهو عن ال راض ،وال تبارك وتعالى عنه راض ،وإذا أعطى
ل عزوجل فهو على حد الثقة بربه عزوجل .قلت :فما تفسير اليقين ؟ قال:
المؤمن يعمل ل كأنه يراه ،فان لم يكن يرى ال فان ال يراه ،وأن يعلم
يقينا أن ما أصابه لم يكن ]ليخطئه ،وما فاته لم يكن[ ليصيبه ،وهذا كله
أغصان التوكل ومدرجة الزهد ) - 20 .(1ما :المفيد ،عن المراغي ،عن
القاسم بن محمد بن حماد ،عن عبيد بن قيس ،عن يونس بن بكير ،عن
يحيى بن أبي حية أبي الحباب ،عن أبي العالية عن أبي أمامة قال :قال
رسول ال صلى ال عليه واله :ست من عمل بواحدة منهن جادلت عنه
يوم القيامة ،حتى يدخله الجنة ،يقول :أي رب قد كان يعمل بي في الدنيا:
الصلة والزكاة ،والحج ،والصيام ،وأداء المانة ،وصلة الرحم ) .(2جا:
المراغي مثله ) - 21 .(3ما :المفيد ،عن الحسين بن أحمد بن أبي
المغيرة ،عن حيدر بن محمد عن الكشي ،عن جعفر بن أحمد ،عن أيوب بن
نوح ،عن نوح بن دراج ،عن إبراهيم المخارقي ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :اتقوا ال ،اتقوا ال ،اتقوا ال عليكم بالورع ،وصدق الحديث،
وأداء المانة ،وعفة البطن والفرج ،تكونوا
) (1معاني الخبار ص (2) .261 - 460أمالى الطوسى ج 1ص (3) .9مجالس
المفيد ص .141
][375
معنا في الرفيق العلى ) - 22 .(1ما :المفيد ،عن ابن قولويه ،عن أبيه ،عن سعد،
عن ابن عيسى ،عن بكر بن صالح ،عن الحسين بن علي ،عن عبد ال بن
إبراهيم ،عن الحسن بن زيد عن جعفر بن محمد ،عن أبيه ،عن جده عليهم
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :أقربكم غدا مني في
الموقف أصدقكم للحديث ،وأداء المانة ،وأوفاكم بالعهد ،وأحسنكم خلقا،
وأقربكم من الناس ) .(2جا :المراغي ،عن الحسن بن علي الكوفي ،عن
جعفر بن محمد بن مروان عن أبيه ،عن محمد بن إسماعيل الهاشمي ،عن
عبد المؤمن ،عن الباقر عليه السلم ،عن جابر بن عبد ال ،عن النبي
صلى ال عليه واله مثله - 23 .ما :بالسناد إلى أبي قتادة قال :قال أبو
عبد ال عليه السلم لداود بن سرحان :يا داود إن خصال المكارم بعضها
مقيد ببعض يقسمها ال حيث شاء يكون في الرجل ول يكون في ابنه،
ويكون في العبد ول يكون في سيده :صدق الحديث ،وصدق البأس،
وإعطاء السائل والمكافات بالصنايع ،وأداء المانة ،وصلة الرحم والتودد
إلى الجار والصاحب ،وقرى الضيف ،ورأسهن الحياء ) - 24 .(3ما:
جماعة ،عن أبي المفضل ،عن جعفر بن محمد العلوي ،عن محمد بن علي
بن الحسين بن زيد ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول
ال صلى ال عليه واله :عليكم بمكارم الخلق فان ال عزوجل بعثني بها،
وإن من مكارم الخلق أن يعفو الرجل عمن ظلمه ،ويعطي من حرمه،
ويصل من قطعه ،وأن يعود من ل يعوده ) - 25 .(4ب :أبوالبختري ،عن
جعفر ،عن أبيه عليهما السلم أن عليا عليه السلم قال:
) (1أمالى الطوسى ج 1ص (2) .226أمالى الطوسى ج 2ص (3) .233أمالى
الطوسى ج 1ص (4) .308أمالى الطوسى ج 2ص .92
][376
لرجل وهو يوصيه :خذ مني خمسا :ل يرجون أحدكم إل ربه ،ول يخافن إل ذنبه،
ول يستحيي أن يتعلم ما ل يعلم ،ول يستحيي إذا سئل عما ل يعلم أن يقول:
ل أعلم ،واعلموا أن الصبر من اليمان بمنزلة الرأس من الجسد )26 .(1
-ل :ابن الوليد ،عن الصفار ،عن القاساني ،عن الصبهاني ،عن
المنقري ،عن سفيان بن نجيح ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :قال
سليمان بن داود عليه السلم :اوتينا ما اوتي الناس وما لم يؤتوا ،وعلمنا
ما علم الناس وما لم يعلموا فلم نجد شيئا أفضل من خشية ال في المغيب
والمشهد ،والقصد في الغنى والفقر وكلمة الحق في الرضا والغضب،
والتضرع إلى ال عزوجل على كل حال ) .(2ضه ،كتاب الغايات :عن أبي
جعفر عليه السلم وذكرا مثله - 27 .ن :بالسانيد الثلثة ،عن الرضا ،عن
آبائه عليهم السلم قال :قال علي عليه السلم :خمسة لو رحلتم فيهن لم
تقدروا على مثلهن :ل يخاف عبد إل ذنبه ول يرجو إل ربه ،ول يستحيي
الجاهل إذا سئل عما ل يعلم أن يتعلم ،ول يستحيي أحدكم إذا سئل عما ل
يعلم أن يقول ل أعلم ،والصبر من اليمان بمنزلة الرأس من الجسد ،ول
إيمان لمن ل صبر له ) .(3ل :أحمد بن إبراهيم ،عن زيد بن محمد
البغدادي ،عن عبد ال بن أحمد عن أبيه ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم
السلم ،عن علي عليه السلم مثله ) - 28 .(4ل :الحسن بن محمد
السكوني ،عن محمد بن عبد ال الحضرمي ،عن سعيد ابن عمرو
الشعثي ،عن سفيان بن عيينة ،عن السرى ،عن الشعبي قال :قال علي
عليه السلم :خذوا عني كلمات لو ركبتم المطايا فأنضيتموها ) (5لم
تصيبوا مثلهن :أل
) (1قرب السناد ص (2) .95الخصال ج 1ص (3) .114عيون أخبار الرضا ج
2ص ،44وفيه :لو رحلتم فيهن المطايا (4) .الخصال ج 1ص ) .152
(5يقال :أنضى بعيره انضاءا :إذا هزله بكثرة السير.
][377
ل يرجون أحد إل ربه ،ول يخافن إل ذنبه ،ول يستحيي إذا لم يعلم أن يتعلم ول
يستحيي إذا سئل عما ل يعلم أن يقول :ال أعلم ،واعلموا أن الصبر من
اليمان بمنزلة الرأس من الجسد ول خير في جسد ل رأس له )- 29 .(1
ل :الخليل بن أحمد .عن ابن منيع ،عن مصعب ،عن مالك ،عن أبي عبد
الرحمان ،عن حفص بن عاصم ،عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة
قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :سبعة يظلهم ال عزوجل في ظله
) (2يوم ل ظل إل ظله :إمام عادل ،وشاب نشأ في عبادة ال عزوجل،
ورجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ،ورجلن كانا في
طاعة ال عزوجل فاجتمعا على ذلك وتفرقا ،ورجل ذكر ال عزوجل خاليا
ففاضت عيناه ،ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال :إني أخاف ال،
ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى ل يعلم شماله ما يتصدق بيمينه ).(3
- 30ل :المظفر العلوي ،عن ابن العياشي ،عن أبيه ،عن الحسين بن
اشكيب ،عن محمد بن على الكوفي ،عن أبي جميلة ،عن الحضرمي ،عن
سلمة بن كهيل رفعه ،عن ابن عباس قال :قال رسول ال صلى ال عليه
واله :سبعة في ظل عرش ال عزوجل يوم ل ظل إل ظله :إمام عادل،
وشاب نشأ في عبادة ال عزوجل ،و رجل تصدق بيمينه فأخفاه عن
شماله .ورجل ذكر ال عزوجل خاليا ففاضت عيناه من خشية ال ،ورجل
لقي أخاه المؤمن فقال :إني لحبك في ال عزوجل ،و رجل خرج من
المسجد وفي نيته أن يرجع إليه ،ورجل دعته امرأة ذات جمال إلى نفسها
فقال :إني أخاف ال رب العالمين ) - 31 .(4سن :أبي ،عن سعد ،عن ابن
عيسى ،عن الحسين بن سعيد ،عن ابن أبي عمير ،عن منصور بن يونس،
عن الثمالي قال :سمعت علي بن الحسين عليه السلم
) (1الخصال ج 1ص (2) .152ظل عرشه خ ل 3) .و (4الخصال ج 2ص .2
][378
يقول :ما من خطوة أحب إلى ال عزوجل من خطوتين :خطوة يسد بها المؤمن
صفا في ال ،وخطوة إلى ذي رحم قاطع ،وما من جرعة أحب إلى ال
عزوجل من جرعتين :جرعة غيظ ردها مؤمن بحلم ،وجرعة مصيبة ردها
مؤمن بصبر وما من قطرة أحب إلى ال عزوجل من قطرتين :قطرة دم في
سبيل ال ،وقطرة دمعة في سواد الليل ،ل يريد بها عبد إل ال عزوجل )
.(1كتاب الغايات :عن أبي حمزة الثمالي وذكر مثله .ين :فضالة ،عن
الحسين بن عثمان ،عن رجل ،عن الثمالي ،عن أبي جعفر عليه السلم
مثله - 32 .ل :الفامي ،عن ابن بطة ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن صفوان
بن يحيى رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم أنه قال :قال إبليس :خمسة
ليس لي فيهن حيلة ،وسائر الناس في قبضتي :من اعتصم بال عن نية
صادقة واتكل عليه في جميع اموره ،ومن كثر تسبيحه في ليله ونهاره،
ومن رضي لخيه المؤمن ما يرضاه لنفسه ومن لم يجزع على المصيبة
حتى تصيبه ،ومن رضي بما قسم ال له ولم يهتم لرزقه ) - 33 .(2ل:
أبي ،عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن ابن محبوب ،عن أبان ،عن الحلبي،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن الصبر والبر والحلم وحسن الخلق
من أخلق النبياء ) - 34 .(3ل :ابن المتوكل ،عن الحميري ،عن ابن
عيسى ،عن ابن محبوب عن أبي ولد ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال:
كان علي بن الحسين يقول :إن المعرفة بكمال دين المسلم تركه الكلم فيما
ل يعينه ،وقلة المراء وحلمه وصبره وحسن
) (1المحاسن ص (2) .292الخصال ج 1ص 137وفيه " حين تصيبه "(3) .
الخصال ج 1ص .121
][379
خلقه ) - 35 .(1ل :أبي ،عن محمد العطار وأحمد بن إدريس معا ،عن سهل ،عن
محمد ابن الحسن بن زيد ،عن عمرو بن عثمان ،عن ثابت بن دينار ،عن
ابن طريف ،عن ابن نباته قال :كان أمير المؤمنين عليه السلم يقول:
الصدق أمانة ،والكذب خيانة والدب رياسة ،والحزم كياسة ،والسرف
مثواة ،والقصد مثراة ،والحرص مفقرة والدناءة محقرة ،والسخاء قربة،
واللوم غربة ،والدقة استكانة ،والعجز مهانة والهوى ميل ،والوفاء كيل،
والعجب هلك ،والصبر ملك ) - 36 .(2ل :ماجيلويه ،عن عمه ،عن
البرقي ،عن أبيه ،عن عبد ال بن المغيرة ،عن أبي الصباح الكناني ،عن
أبي بصير ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :ثلث من أشد ما عمل العباد:
إنصاف المرء من نفسه ،ومواساة المرء أخاه ،وذكر ال على كل حال
وهو أن يذكر ال عزوجل عند المعصية يهم بها فيحول ذكر ال بينه وبين
تلك المعصية ،وهو قول ال عزوجل " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من
الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون " ) - 37 .(3ما :المفيد ،عن ابن
قولويه ،عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن علي بن الحكم ،عن أبي
سعيد القماط ،عن المفضل قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :ل
يكمل إيمان العبد حتى يكون فيه أربع خصال :يحسن خلقه ،ويستخف
نفسه ،ويمسك الفضل من قوله ،ويخرج الفضل من ماله ) .(4أقول :قد
مضى بعض أخبار الباب في باب صفات المؤمن ).(5
) (1الخصال ج 1ص (2) .139الخصال ج 2ص (3) .94الخصال ج 1ص ،65
والية في العراف (4) .201أمالى الطوسى ج 1ص (5) .125راجع
ج 67ص .384 - 261
][380
سن :أبي ،عن أبي سعيد القماط مثله ) - 38 .(1جا ،ما :المفيد ،عن أحمد بن
الوليد ،عن أبيه ،عن الصفار ،عن ابن عيسى عن ابن محبوب ،عن أبي
أيوب ،عن الثمالي ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :أربع من كن فيه كمل
إسلمه ،واعين على إيمانه ،ومحصت ذنوبه ،ولقي ربه وهو عنه راض
ولو كان فيما بين قرنه إلى قدميه ذنوب حطها ال عنه ،وهي :الوفاء بما
يجعل ل على نفسه ،وصدق اللسان مع الناس ،والحياء مما يقبح عند ال
وعند الناس ،وحسن الخلق مع الهل والناس .وأربع من كن فيه من
المؤمنين أسكنه ال في أعلى عليين في غرف فوق غرف في محل الشرف
كل الشرف :من آوى اليتيم ،ونظر له فكان له أبا ،ومن رحم الضعيف
وأعانه وكفاه ،ومن أنفق على والديه ورفق بهما وبرهما ولم يحزنهما ،و
]من[ لم يخرق بمملوكه ،وأعانه على ما يكلفه ،ولم يستسعه فيما لم يطق
) .(2جا :أحمد مثله ) - 39 .(3لى :ابن المغيرة ،عن جده ،عن جده ،عن
السكوني ،عن الصادق عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى
ال عليه واله لصحابه :أل اخبركم بشئ إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان
عنكم كما تباعد المشرق من المغرب ؟ قالوا :بلى ،قال :الصوم يسود
وجهه ،والصدقة تكسر ظهره ،والحب في ال والموازرة على العمل
الصالح يقطعان دابره ،والستغفار يقطع وتينه ،ولكل شئ زكاة وزكاة
البدان الصيام ) - 40 .(4فس :قال أمير المؤمنين صلوات ال عليه :أيها
الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ،وتواضع من غير منقصة،
وجالس أهل التفقة والرحمة ،و جالس أهل الذكر والمسكنة ،وأنفق مال
جمعه في غير معصية ،أيها الناس طوبى لمن
][381
ذل في نفسه ،وطاب كسبه ،وصلحت سريرته ،وحسنت خليقته ،وأنفق الفضل من
ماله ،وأمسك الفضل من كلمه ،وعدل عن الناس شره ،وسعته السنة ،ولم
يتعد إلى البدعة ،يا أيها الناس طوبى لمن لزم بيته ،وأكل كسرته ،وبكى
على خطيئته وكان من نفسه في تعب ،والناس منه في راحة - 41 .لى:
ماجيلويه ،عن محمد العطار ،عن الحسين بن إسحاق ،عن علي ابن
مهزيار ،عن الحسين بن سعيد ،عن الحسين بن علوان ،عن عمرو بن
خالد ،عن زيد بن علي ،عن آبائه ،عن علي عليهم السلم قال :قال رسول
ال صلى ال عليه واله :إن أقربكم مني غدا وأوجبكم علي شفاعة أصدقكم
لسانا وأداكم للمانة وأحسنكم خلقا وأقربكم من الناس ) - 42 .(1ل :أبي،
عن السعد آبادي ،عن البرقي ،عن الحسن بن علي بن فضال ،عن علي بن
عقبة ،الجارود بن المنذر ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :أشد العمال
ثلثة :إنصاف الناس من نفسك حتى ل ترضى لهم منها بشئ ،إل رضيت
لهم منها بمثله ،ومواساتك الخ في المال ،وذكر ال على كل حال ،وليس
سبحان ال والحمد ل ول إله إل ال فقط ،ولكن إذا ورد عليك شئ من أمر
ال أخذت به وإذا ورد عليك شئ نهى ال عزوجل عنه تركته ) .(2ما:
الحسين بن إبراهيم ،عن محمد بن وهبان ،عن محمد بن أحمد بن زكريا
عن الحسن بن فضال مثله ) .(3جا :أحمد بن الوليد ،عن أبيه ،عن
الصفار ،عن ابن معروف ،عن علي ابن مهزيار ،عن علي بن عقبة مثله )
.(4
) (1أمالى الصدوق (2) .304الخصال ج 1ص (3) .65أمالى الطوسى ج 2ص
(4) .293مجالس المفيد .121
][382
- 43ل :أبي ،عن سعد ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن النضر ،عن درست عن ابن أبي
يعفور قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :ثلث ل يطيقهن الناس :الصفح
عن الناس ،ومواساة الخ أخاه في ماله ،وذكر ال كثيرا ) .(1ين :النضر
مثله - 44 .ما :المفيد ،عن محمد بن الحسين الحلل ،عن الحسن بن
الحسين النصاري ،عن زفر بن سليمان ،عن أشرس الخراساني ،عن
أيوب السجستاني عن أبي قلبة قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله
من أسر ما يرضى ال عزوجل أظهر ال له ما يسره ،ومن أسر ما يسخط
ال عزوجل أظهر ال ما يخزيه ،ومن كسب مال من غير حله أفقره ال
عزوجل ،ومن تواضع ل رفعه ال ،ومن سعى في رضوان ال ]أرضاه
ال[ ومن أذل مؤمنا أذله ال ،ومن عاد مريضا فانه يخوض في الرحمة
وأومأ رسول ال إلى حقويه ،فإذا جلس عند المريض غمرته الرحمة،
ومن خرج من بيته يطلب علما شيعه سبعون ألف ملك يستغفرون له ،ومن
كظم غيظا مل ال جوفه إيمانا ،ومن أعرض عن محرم أبدله ال به عبادة
تسره ،ومن عفى عن مظلمة أبدله ال بها عزا في الدنيا والخرة ،ومن
بنى مسجدا ولو مفحص قطاة بنى ال له بيتا في الجنة .ومن أعتق رقبة
فهي فداه من النار كل عضو منها فداء عضو منه ،ومن أعطى درهما في
سبيل ال كتب ال له سبعمائة حسنة ،ومن أماط عن طريق المسلمين ما
يؤذيهم كتب ال له أجر قراءة أربع مائة آية كل حرف منها بعشر حسنات،
ومن لقي عشرة من المسلمين فسلم عليهم كتب ال له عتق رقبة ،ومن
أطعم مؤمنا لقمة أطعمه ال من ثمار الجنة ،ومن سقاه شربة من ماء
سقاه ال من الرحيق المختوم ،ومن كساه ثوبا كساه ال من الستبرق
والحرير ،وصلى عليه الملئكة ما بقي في ذلك الثوب سلك ).(2
][383
- 45لى :جعفر بن الحسين ،عن محمد بن جعفر ،عن البرقي ،عن ابن محبوب،
عن هشام بن سالم ،عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :اتي النبي صلى ال عليه واله باسارى فأمر بقتلهم خل رجل من
بينهم ،فقال الرجل :بأبي أنت وامي يا محمد كيف أطلقت عني من بينهم ؟
فقال :أخبرني جبرئيل عن ال عزوجل أن فيك خمس خصال يحبه ال عز
وجل ورسوله :الغيرة الشديدة على حرمك والسخاء ،وحسن الخلق،
وصدق اللسان ،والشجاعة ،فلما سمعها الرجل أسلم وحسن إسلمه وقاتل
مع رسول ال صلى ال عليه واله قتال شديدا حتى استشهد ) .(1ل :أبي،
عن سعد ،عن البرقي مثله ) .(2ص :الصدوق ،عن أبيه ،عن سعد ،عن
البرقي مثله - 46 .لى :علي بن أحمد ،عن السدي ،عن سهل ،عن عبد
العظيم الحسني عن أبي الحسن الثالث عليه السلم قال :لما كلم ال
عزوجل موسى بن عمران عليه السلم قال موسى :إلهي ما جزاء من
شهد أني رسولك ونبيك ،وأنك كلمتني ؟ قال :يا موسى تأتيه ملئكتي
فتبشره بجنتي .قال موسى :إلهي فما جزاء من قام بين يديك يصلي ؟ قال:
يا موسى اباهي به ملئكتي راكعا وساجدا وقائما وقاعدا ومن باهيت به
ملئكتي لم اعذبه .قال موسى :إلهي فما جزاء من أطعم مسكينا ابتغاء
وجهك ؟ قال :يا موسى آمر مناديا ينادي يوم القيامة على رؤس الخلئق
إن فلن بن فلن من عتقاء ال من النار .قال موسى :إلهي فما جزاء من
وصل رحمه ؟ قال :يا موسى انسئ له أجله واهون عليه سكرات الموت،
ويناديه خزنة الجنة :هلم إلينا فادخل من أي أبوابها شئت .قال موسى:
إلهي فما جزاء من ذكرك بلسانه وقلبه ؟ قال :يا موسى اظله
][384
يوم القيامة بظل عرشي ،وأجعله في كنفي .قال :إلهي فما جزاء من تل حكمتك سرا
وجهرا ؟ قال :يا موسى يمر على الصراط كالبرق .قال :إلهي فما جزاء من
صبر على أذى الناس وشتمهم فيك ؟ قال :اعينه على أهوال يوم القيامة.
قال :إلهي فما جزاء من دمعت عيناه من خشيتك ؟ قال :يا موسى أقي
وجهه من حر النار واؤمنه يوم الفزع الكبر .قال :إلهي فما جزاء من ترك
الخيانة حياء منك ؟ قال :يا موسى له المان يوم القيامة .قال :إلهي فما
جزاء من احب أهل طاعتك ؟ قال :يا موسى احرمه على ناري .قال :إلهي
فما جزاء من قتل مؤمنا متعمدا ؟ قال :ل أنظر إليه يوم القيامة ول أقيل
عثرته .قال :إلهي فما جزاء من دعى نفسا كافرة إلى السلم ؟ قال :يا
موسى آذن له في الشفاعة يوم القيامة لمن يريد .قال :إلهي فما جزاء من
صلى الصلوات لوقتها ؟ قال :اعطيه سؤله وابيحه جنتي .قال :إلهى فما
جزاء من أتم الوضوء من خشيتك ؟ قال :أبعثه يوم القيامة وله نور بين
عينيه يتلل .قال :إلهي فما جزاء من صام شهر رمضان لك محتسبا ؟ قال:
يا موسى اقيمه يوم القيامة مقاما ل يخاف فيه .قال :إلهي فما جزاء من
صام شهر رمضان يريد به الناس ؟ قال :يا موسى ثوابه كثواب من لم
يصمه ) - 46 .(1لى :ابن إدريس ،عن أبيه ،عن الشعري ،عن محمد بن
آدم ،عن
][385
الحسن بن على الخزاز ،عن الحسين بن أبي العل ،عن الصادق جعفر بن محمد
عليه السلم قال :سمعته يقول :أحب العباد إلى ال عزوجل رجل صدوق
في حديثه ،محافظ على صلواته وما افترض ال عليه ،مع أداء المانة ثم
قال عليه السلم :من اؤتمن على أمانة فأداها فقد حل ألف عقدة من عنقه
من عقد النار ،فبادروا بأداء المانة فان من اؤتمن على أمانة وكل به
إبليس مائة شيطان من مردة أعوانه ليضلوه ويوسوسوا إليه حتى يهلكوه،
إل من عصم ال عزوجل ) - 47 .(1ل :أبي ،عن أحمد بن إدريس ،عن
الشعري ،عن عبد ال بن محمد الرازي ،عن بكر بن صالح ،عن أبي
أيوب ،عن محمد بن مسلم ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :من صدق
لسانه زكا عمله ،ومن حسنت نيته زاد ال في رزقه ،ومن حسن بره بأهله
زاد ال في عمره ) - 48 .(2ما :المفيد ،عن ابن قولويه ،عن الكليني ،عن
علي بن إبراهيم ،عن محمد بن عيسى ،عن يونس ،عن أبي الوليد ،عن
الحسن بن زياد الصيقل ،عن أبي عبد ال عليه السلم مثله وفيه بأهل بيته
) - 48 .(3ل :ابن مسرور ،عن ابن عامر ،عن عمه ،عن ابن محبوب،
عن أبي أيوب ،عن الثمالي ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :قال علي بن
الحسين عليهما السلم :أربع من كن فيه كمل إسلمه ،ومحصت ذنوبه،
ولقي ربه عزوجل وهو عنه راض :من وفي ل عزوجل بما يجعل على
نفسه للناس ،وصدق لسانه مع الناس ،واستحيا من كل قبيح عند ال وعند
الناس ،وحسن خلقه مع أهله ) .(4سن :أبي ،عن ابن محبوب مثله ).(5
) (1أمالى الصدوق (2) .177الخصال ج 1ص (3) .44أمالى الطوسى ج 1ص
(4) .250الخصال ج 1ص (5) .106المحاسن.8 :
][386
ما :المفيد ،عن أحمد بن الوليد ،عن أبيه ،عن الصفار ،عن ابن عيسى عن محمد
بن عبد الجبار ،عن ابن محبوب مثله ) - 49 .(1ل :سليمان بن أحمد
اللخمي عن عبد الوهاب بن خواجة ،عن أبي كريب ،عن علي بن جعفر
العبسى ،عن الحسن بن الحسين ،عن أبيه الحسين بن زيد ،عن جعفر بن
محمد ،عن أبيه ،عن آبائه ،عن علي بن ابي طالب عليهم السلم عن النبي
صلى ال عليه واله قال :ثلث من لم تكن فيه فليس مني ول من ال
عزوجل قيل :يا رسول ال وما هن ؟ قال :حلم يرد به جهل الجاهل،
وحسن خلق يعيش به في الناس ،وورع يحجزه عن معاصي ال عزوجل )
- 50 .(2ل :أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم رضي ال عنه ،عن أبيه،
عن جده ،عن عبد ال بن ميمون ،عن جعفر بن محمد ،عن أبيه عليهما
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :أربع من كن فيه نشر ال
عليه كنفه ،وأدخله الجنة في رحمته :حسن خلق يعيش به في الناس،
ورفق بالمكروب ،وشفقة على الوالدين ،وإحسان إلى المملوك )- 51 .(3
ما :المفيد ،عن أحمد بن الوليد ،عن أبيه ،عن الصفار ،عن ابن عيسى عن
ابن محبوب ،عن البطائني ،عن أبي بصير ،عن أبي جعفر عليه السلم
قال :أفضل ما توسل به المتوسلون اليمان بال ورسوله ،والجهاد في
سبيل ال ،وكلمة الخلص فانها الفطرة ،وإقامة الصلة فانها الملة،
وإيتاء الزكاة فانها من فرائض ال وصوم شهر رمضان فانه جنة من
عذاب ال ،وحج البيت فانه ميقاة للدين ،ومدحضة للذنب ،وصلة الرحم
فانه مثراة للمال منساة للجل ،والصدقة في السر فانها تذهب الخطيئة،
وتطفئ غضب الرب ،وصنايع المعروف فانها تدفع ميتة السوء وتقي
مصارع الهوان ،أل فاصدقوا فان ال مع من صدق ،وجانبوا الكذب فان
) (1أمالى الطوسى ج 1ص (2) .71الخصال ج 1ص (3) .71الخصال ج 1ص
.107
][387
الكذب مجانب اليمان ،أل وإن الصادق على شفا منجاة وكرامة ،أل وإن الكاذب
على شفا مخزاة وهلكة ،أل وقولوا خيرا تعرفوا به ،واعملوا به تكونوا من
أهله ،وأدوا المانة إلى من ائتمنكم ،وصلوا من قطعكم ،وعودوا بالفضل
عليهم ) .(1ع :أبي ،عن سعد ،عن إبراهيم بن مهزيار ،عن أخيه علي،
عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر رفعه إلى علي بن أبيطالب عليه
السلم مثله .سن :أبي ،عن حماد ،عن إبراهيم بن عمر مثله ) (2وسيأتي
في أبواب المواعظ - 52 .ل :أبي ،عن محمد العطار ،عن الشعري ،عن
أبي عبد ال الرازي عن سجادة ،عن درست ،عن أبي خالد السجستاني،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :خمس خصال من لم تكن فيه خصلة
منها فليس فيه كثير مستمتع ،أولها الوفاء والثانية التدبير ،والثالثة
الحياء ،والرابعة حسن الخلق ،والخامسة وهي تجمع هذه الخصال الحرية
) - 53 .(3ل :أبي ،عن سعد ،عن ابن يزيد ،عن إسماعيل بن قتيبة
البصري ،عن أبي خالد العجمي ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :خمس
من لم يكن فيه لم يكن فيه كثير مستمتع :الدين ،والعقل ،والدب ،والحرية،
وحسن الخلق ) - 54 .(4ل :في خبر العمش قال الصادق عليه السلم بعد
ذكر الئمة عليهم السلم :ودينهم الورع والعفة والصدق والصلح
والجتهاد وأداء المانة إلى البر والفاجر وطول السجود وقيام الليل
واجتناب المحارم وانتظار الفرج بالصبر وحسن الصحبة وحسن الجوار )
.(5
][388
- 55ل :أبي ،عن سعد ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن عبد ال بن
سنان قال :قال أبو عبد ال عليه السلم ثلث من كن فيه زوجه ال من
الحور العين كيف شاء :كظم الغيظ ،والصبر على السيوف ل عزوجل،
ورجل أشرف على مال حرام فتركه ل عزوجل ) - 56 .(1ل :عن عبد ال
بن الصامت ،عن أبي ذر رحمة ال عليه قال :أوصاني رسول ال صلى ال
عليه واله بسبع :أوصاني أن أنظر إلى من هو دوني ول أنظر إلى من هو
فوقي وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم ،وأوصاني أن أقول الحق وإن
كان مرا وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت ،وأوصاني أن ل أخاف في
ال لومة لئم وأوصاني أن أستكثر من قول " ول حول ول قوة إل بال
العلي العظيم " فانها من كنوز الجنة ) .(2أقول :سيأتي بأسانيده في أبواب
المواعظ - 57 .ل :ابن المتوكل ،عن الحميري ،عن ابن هاشم ،عن
القداح ،عن الصادق ،عن آبائه ،عن أمير المؤمنين عليهم السلم قال :قال
عيسى بن مريم عليه السلم :طوبى لمن كان صمته فكرا ،ونظره عبرا،
ووسعه بيته ،وبكى على خطيئته ،وسلم الناس من يده ولسانه )- 58 .(3
ما :جماعة ،عن أبي المفضل ،عن إسحاق بن محمد بن مروان ،عن أبيه،
عن يحيى بن سالم الفراء ،عن حماد بن عثمان ،عن جعفر بن محمد ،عن
آبائه عليهم السلم ،عن علي عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال
عليه واله :لما اسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا من
ياقوت أحمر ،يرى باطنه من ظاهره لضيائه ونوره ،وفيه قبتان من در
وزبرجد ،فقلت :يا جبرئيل لمن هذا القصر ؟ قال:
) (1الخصال ج 1ص (2) .43الخصال ج 2ص (3) .3الخصال ج 1ص .142
][389
هو لمن أطاب الكلم ،وأدام الصيام ،وأطعم الطعام ،وتهجد بالليل والناس نيام .قال
علي عليه السلم :فقلت :يا رسول ال وفي امتك من يطيق هذا ؟ فقال:
أتدري ما إطابة الكلم ؟ فقلت :ال ورسوله أعلم ،قال :من صام شهر
الصبر شهر رمضان ولم يفطر منه يوما ،أتدري ما إطعام الطعام ؟ قلت:
ال ورسوله أعلم ،قال :من طلب لعياله ما يكف به وجوههم عن الناس،
أتدري ما التهجد بالليل والناس نيام ؟ قلت :ال ورسوله أعلم قال :من لم
ينم حتى يصلي العشاء الخرة ،والناس من اليهود والنصارى وغيرهم من
المشركين نيام بينهما ) - 59 .(1ل :أبي ،عن سعد والحميري جميعا ،عن
هارون بن مسلم ،عن مسعدة بن صدقة ،عن جعفر بن محمد ،عن آبائه
عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :آفة الحديث الكذب،
وآفة العلم النسيان ،وآفة الحلم السفه ،وآفة العبادة الفترة وآفة الظرف
الصلف ) ،(2وآفة الشجاعة البغي ،وآفة السخاء المن ،وآفة الجمال
الخيلء ،وآفة الحسب الفخر ) - 60 .(3سن :أبي ،عن محمد بن سنان،
عن خضر ،عمن سمع أبا عبد ال عليه السلم يقول :قال رسول ال صلى
ال عليه واله :ثلث من كن فيه أو واحدة منهن كان في ظل عرش ال يوم
ل ظل إل ظله :رجل أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لها ،ورجل لم
يقدم رجل حتى يعلم أن ذلك ل رضا أو يحبس ،ورجل لم يعب أخاه المسلم
بعيب حتى ينفي ذلك العيب عن نفسه ،فانه ل ينتفي عنه عيب إل بداله
عيب وكفى بالمرء شغل بنفسه عن الناس ).(4
) (1امالي الطوسى ج 2ص (2) .73الظرف الكياسة ،وقيل :حسن الوجه
والهيئة ،وقيل :البراعة وذكاء القلب ،ول يوصف به ال الفتيان ال زوال
والفتيات الزولت ،ل الشيوخ ول السادة ،ومن كان بهذه الصفة عجب في
نفسه وتبختر وجاوز حده فصار مكروها عند الناس (3) .الخصال ج 2
ص (4) .43المحاسن.5 :
][390
- 61سن :أبي ،عن محمد بن سنان ،عن معاوية بن وهب ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :من يضمن لي أربعة أضمن له بأربعة أبيات في الجنة :أنفق
ول تخف فقرا وأنصف الناس من نفسك ،وأفش السلم في العالم ،واترك
المراء وإن كنت محقا ) - 62 .(1ين :ابن سنان ،عن ابن وهب ،عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :من يضمن
لي أربعا بأربعة أبيات الخبر - 63 .سن :أبي ،عن ابن يزيد ،عن إسماعيل
بن عتيبة البصري ،عن أبي خالد الجهني ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :خمس من لم يكن له لم يتهنأ بالعيش :الصحة والمن والغناء
والقناعة والنيس الموافق ) - 64 .(2سن :أبي ،عن جعفر بن محمد ،عن
القداح ،عن أبي عبد ال ،عن أبيه عليهما السلم قال :قال أمير المؤمنين
عليه السلم لصحابه :أل اخبركم بخمس لو ركبتم فيهن المطي حتى
تنضوها لم تأتوا بمثلهن ؟ ل يخشى أحدا إل ال وعمله ،ول يرجو إل ربه،
ول يستحيي العالم إذا سئل عما ل يعلم أن يقول :ل علم لي ،ول يستحيي
الجاهل إذا لم يعلم أن يتعلم ،والصبر في المور بمنزلة الرأس من الجسد،
فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد ،فإذا فارق الصبر المور فسدت
المور ) - 65 .(3سن :أبي ،عن محمد بن علي ،عن عبد الرحمن بن
محمد السدي ،عن حريب الغزال ،عن صدقة القتاب ،عن الحسن البصري
قال :كنت مع أبي جعفر عليه السلم بمنى وقد مات رجل من قريش فقال:
يابا سعيد قم بنا إلى جنازته فلما دخلنا المقابر قال :أل اخبركم بخمس
خصال هن من البر والبر يدعو إلى الجنة ،قلت :بلى قال :إخفاء المصيبة
وكتمانها ،والصدقة تعطيها بيمينك ل تعلم بها شمالك ،وبر الوالدين فان
برهما ل رضى ،والكثار من قول :ل حول ول قوة إل بال العلي العظيم،
فانه من كنوز الجنة ،والحب لمحمد وآل محمد صلى ال
][391
عليه وآله أجمعين ) - 66 .(1سن :أبي ،عن جعفر بن محمد ،عن القداح ،عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :قال ال تبارك وتعالى :إنما أقبل الصلة لمن
تواضع لعظمتي ،ويكف نفسه عن الشهوات من أجلي ،ويقطع نهاره
بذكري ،ول يتعاظم على خلقي ،ويطعم الجايع ويكسو العاري ،ويرحم
المصاب ،ويؤوي الغريب ،فذلك يشرق نوره مثل الشمس ،أجعل له في
الظلمات نورا ،وفي الجهالة علما ،أكله بعزتي وأستحفظه بملئكتي
يدعوني فالبيه ،ويسألني فاعطيه ،فمثل ذلك عندي كمثل جنات الفردوس ل
ييبس ثمارها ،ول تتغير عن حالها ) - 67 .(2سن :بهذا السناد ،عن أبي
عبد ال ،عن أبيه ،عن جده علي بن الحسين عليهم السلم قال :قال موسى
بن عمران عليه السلم :يا رب من أهلك الذين تظلهم في ظل عرشك يوم ل
ظل إل ظلك ؟ قال :فأوحى ال إليه :الطاهرة قلوبهم والتربة أيديهم )(3
الذين يذكرون جللي إذا ذكروا ربهم ،الذين يكتفون بطاعتي كما يكتفي
الصبي الصغير باللبن ،الذين يأوون إلى مساجدي كما تأوي النسور إلى
أوكارها ،والذين يغضبون لمحارمي إذا استحلت مثل النمر إذا حرد ).(4
- 68سن :أبي ،عن محمد بن إسماعيل رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم
قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :اوصيك يا علي في نفسك بخصال
فاحفظها اللهم أعنه :الولى الصدق فل تخرج من فيك كذب أبدا ،والثانية
الورع فل تجترء على خيانة أبدا
) (1المحاسن (2) .9 :المحاسن 16 :و (3) .294التربة ايديهم :كناية عن الفقر،
قال الجوهري :ترب الشئ بالكسر -أصابه لتراب ،ومنه ترب الرجل :إذا
افتقر كانه لصق بالتراب ،يقال :تربت يداك وهو على -الدعاء أي ل
أصبت خيرا ،وقال :الحرد :الغضب ،تقول منه حرد -بالكسر -فهو حارد
وحردان ومنه قيل :أسد حارد ،منه رحمه ال (4) .المحاسن 16و .293
][392
والثالثة الخوف من ال كأنك تراه ،والرابعة البكاء ل يبنى لك بكل دمعة بيت في
الجنة ،والخامسة بذلك مالك ودمك دون دينك ،والسادسة الخذ بسنتي في
صلتي وصومي وصدقتي :فأما الصلة في الليل والنهار ،وأما الصيام
فثلثة أيام في الشهر :الخميس في أول الشهر والربعا في وسط الشهر،
والخميس في آخر الشهر والصدقة بجهدك حتى تقول :أسرفت ول تسرف،
وعليك بصلة الليل يكررها أربعا ،وعليك بصلة الزوال ،وعليك برفع يديك
إلى ربك وكثرة تقلبها وعليك بتلوة القرآن على كل حال ،وعليك بالسواك
لكل وضوء ،وعليك بمحاسن الخلق فارتكبها ،وعليك بمساوي الخلق
فاجتنبها ،فان لم تفعل فل تلومن إل نفسك ) - 69 .(1سن :العباس بن
الفضل ،عن إبراهيم بن محمد ،عن موسى بن سابق ،عن جعفر ،عن أبيه
قال :إن ال إذا أراد أن يعذب أهل الرض بعذاب قال :لو ل الذين يتحابون
في جللي ،ويعمرون مساجدي ،ويستغفرون بالسحار لنزلت عذابي ).(2
- 70سن :أبي ،عن علي بن النعمان ،عن ابن مسكان ،عن سليمان بن
خالد عن أبي جعفر عليه السلم قال :قال :أل اخبرك بالسلم وفرعه
وذروته وسنامه ؟ قال :قلت :بلى جعلت فداك ،قال :أما أصله فالصلة،
وفرعه فالزكاة وذروته وسنامه الجهاد ،قال :إن شئت أخبرتك بأبواب
الخير ،قلت :نعم جعلت فداك قال :الصوم جنة ،والصدقة تذهب بالخطيئة،
وقيام الرجل في جوف الليل يذكر ال ثم قرأ " تتجافى جنوبهم عن
المضاجع " ) - 71 .(3سن :الوشاء ،عن مثنى ،عن منصور بن حازم
قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم :أي العمال أفضل ؟ قال :الصلة
لوقتها ،وبر الوالدين ،والجهاد
) (1المحاسن (2) .17 :المحاسن (3) .53 :المحاسن ،289والية في السجدة:
.16
][393
في سبيل ال ) - 72 .(1سن :أبي ،عن النضر ،عن يحيى الحلبي ،عن مفرق ،عن
أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلم قال :إن أفضل العبادة عفة بطن
وفرج ،وما من شئ أحب إلى ال من أن يسئل ،وإن أسرع الشر عقوبة
البغي ،وإن أسرع الخير ثوابا البر ،وكفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس
ما يعمى عنه من نفسه ،أو ينهى الناس عما ل يستطيع التحول عنه ،وأن
يوذي جليسه في ما ل يعنيه ) .(2ختص :عن الثمالي ،عن الباقر والسجاد
عليهما السلم مثله ) - 73 .(3سن :أبي ،عن صفوان ،عن إسحاق بن
عمار عمن سمع أبا عبد ال عليه السلم يقول :ما ضاع مال في بر ول
بحر إل بتضييع الزكاة ،فحصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة،
وادفعوا نوايب البليا بالستغفار ،الصاعقة ل تصيب ذاكرا ،وليس يصاد
من الطير إل ما ضيع تسبيحه ) - 74 .(4سن :عثمان بن عيسى ،عن
سماعة ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :جمع رسول ال صلى ال عليه
واله بني عبد المطلب فقال :يا بني عبد المطلب أفشوا السلم ،وصلوا
الرحام ،وتهجدوا والناس نيام ،وأطعموا الطعام ،وأطيبوا الكلم تدخلوا
الجنة بسلم ) - 75 .(5صح ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه واله :أفضل العمال عند ال إيمان ل شك فيه،
وغزو ل غلول فيه ،وحج مبرور ،و أول من يدخل الجنة شهيد وعبد
مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده ،و رجل عفيف متعفف ذو عبادة،
وأول من يدخل النار أمير متسلط لم يعدل ،وذو
][394
ثروة من المال لم يعط المال حقه ،وفقير فخور ) .(1جا :عمر بن محمد ،عن ابن
مهرويه ،عن داود بن سليمان ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم إلى
قوله ذو عبادة ) - 76 .(2صح :عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم قال:
قال رسول ال صلى ال عليه واله :ل تزال امتي بخير ما تحابوا وأدوا
المانة واجتنبوا الحرام وقروا الضيف ،وأقاموا الصلة ،وآتوا الزكاة ،فإذا
لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين ) - 77 .(3ضا :ونروي عن النبي
صلى ال عليه واله أنه قال :بعثت بمكارم الخلق أروي عن العالم عليه
السلم أن ال جل جلله خص رسله بمكارم الخلق ،فامتحنوا أنفسكم فان
كانت فيكم فاحمدوا ال ،وإل فاسألوه وارغبوا إليه فيها ،فقال :وذكرها
عشرة :اليقين ،والقناعة ،والبصيرة ،والشكر ،والحلم ،وحسن الخلق
والسخاء ،والغيرة ،والشجاعة ،والمروءة ،وفي خبر آخر زاد فيها الحياء،
و الصدق ،وأداء المانة .وأروي عن العالم عليه السلم قال :ما نزل من
السماء أجل ول أعز من ثلثة التسليم ،والبر ،واليقين ،وأروي عن العالم
عليه السلم أنه قال :إن ال جل وعل أوحى إلى آدم عليه السلم أن أجمع
الكلم كله في أربع كلمات فقال :يا رب بينهن لي فأوحى ال إليه :واحدة
لي ،واخرى لك ،واخرى بيني وبينك ،واخرى بينك وبين الناس ،فالتي لي
تؤمن بي ول تشرك بي شيئا ،والتي لك فاجازيك عنها أحوج ما تكون إلى
المجازاة ،والتي بينك وبيني فعليك الدعاء وعلي الجابة والتي بينك وبين
الناس فأن ترضى لهم ما ترضى لنفسك ،وتكره لهم ما تكرهه لنفسك.
) (1صحيفة الرضا عليه السلم ص (2) .3مجالس المفيد (3) .67 :صحيفة
الرضا عليه السلم ص .4
][395
وأروي أنه سئل العالم عليه السلم عن خيار العباد فقال :الذين إذا أحسنوا
استبشروا وإذا أساؤا استغفروا ،وإذا اعطوا شكروا ،وإذا ابتلوا صبروا،
وإذا غضبوا عفوا - 78 .ع :ابن الوليد ،عن الصفار ،عن إبراهيم بن
هاشم ،عن إبراهيم بن الهيثم الخفاف ،عن رجل من أصحابنا ،عن عبد
الملك بن هشام ،عن علي الشعري رفعه قال :قال رسول ال صلى ال
عليه واله :ما عبد ال بمثل العقل ،وما تم عقل امرئ حتى يكون فيه عشر
خصال :الخير منه مأمول والشر منه مأمون ،يستقل كثير الخير من عنده،
و يستكثر قليل الخير من غيره ،ول يتبرم بطلب الحوايج ،ول يسأم من
طلب العلم طول عمره ،الفقر أحب إليه من الغنى ،والذل أحب إليه من
العز ،نصيبه من الدنيا القوت ،والعاشرة وما العاشرة ؟ ل يرى أحدا إل قال
هو خير مني وأتقى إنما الناس رجلن فرجل هو خير منه وأتقى ،وآخر هو
شر منه وأدنى ،فإذا رأى من هو خير منه وأتقى تواضع له ليلحق به ،وإذا
لتقى الذي هو شر منه وأدنى قال :عسى أن يكون خير هذا باطنا وشره
ظاهرا ،وعسى أن يختم له بخير ،فإذا فعل ذلك فقد عل مجده ،وساد أهل
زمانه ) - 79 .(1سر :ابن محبوب ،عن سعد بن أبي خلف ،عن أبي
الحسن موسى عليه السلم قال لبعض ولده :يا بني إياك أن يراك ال تعالى
في معصية نهاك عنها وإياك أن يفقدك ال تعالى عن طاعة أمرك بها،
وعليك بالجد ول تخرجن نفسك عن التقصير في عبادة ال تعالى وطاعته،
فان ال تعالى ل يعبد حق عبادته ،وإياك والمزاح فانه يذهب بنور إيمانك،
ويستخف مروتك ،وإياك والضجر والكسل فانهما يمنعانك حظ الدنيا
والخرة - 80 .شى :عن أبي بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :يابا
محمد عليكم بالورع والجتهاد وأداء المانة ،وصدق الحديث ،وحسن
الصحابة لمن صحبكم ،وطول
][396
السجود فان ذلك من سنن الوابين ،قال أبو بصير :الوابون التوابون )- 81 .(1
جا :أحمد بن الوليد ،عن أبيه ،عن ابن أبان ،عن ابن اورمة ،عن إسماعيل
بن أبان ،عن الربيع بن بدر ،عن أبي حاتم ،عن أنس بن مالك قال :قال
رسول ال صلى ال عليه واله :يا أنس أكثر من الطهور يزيد ال في
عمرك ،وإن استطعت أن تكون بالليل والنهار على طهارة فافعل ،فانك
تكون إذا مت على طهارة شهيدا وصل صلة الزوال ،فانها صلة الوابين،
وأكثر من التطوع تحبك الحفظة وسلم على من لقيت يزيد ال في حسناتك،
وسلم في بيتك يزيد ال في بركتك ،ووقر كبير المسلمين وارحم صغيرهم
أجيئ أنا وأنت يوم القيامة كهاتين وجمع بين الوسطى والمسبحة )82 .(2
-جا :الجعابي ،عن عبد ال بن بريد العجلي ،عن محمد بن أيوب عن
محمد بن علي بن جعفر ،عن أبيه ،عن أخيه موسى بن جعفر ،عن آبائه
صلوات ال عليهم قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :أربع من كن
فيه كتبه ال من أهل الجنة :من كان عصمته شهادة أن ل إله إل ال وأني
محمد رسول ال ،ومن إذا أنعم ال عليه بنعمة قال :الحمد ل ،ومن إذا
أصاب ذنبا قال :أستغفر ال ،ومن إذا أصابته مصيبة قال :إنا ل وإنا إليه
راجعون ) - 83 .(3جا :الصدوق ،عن أبيه ،عن علي بن إبراهيم ،عن
اليقطيني ،عن عثمان بن عيسى ،عن سماعة ،عن أبي الحسن موسى
عليه السلم قال :سمعته يقول :ل تستكثروا كثير الخير ،ول تستقلوا قليل
الذنوب ،فان قليل الذنوب تجتمع حتى تكون كثيرا ،وخافوا ال عزوجل في
السر حتى تعطوا من أنفسكم النصف وسارعوا إلى طاعة ال واصدقوا
الحديث ،وأدوا المانة ،فانما ذلك لكم ول تدخلوا فيما ل يحل فانما ذلك
عليكم ).(4
) (1تفسير العياشي ج 2ص (2) .286مجالس المفيد ص (3) .46المصدر.54 :
) (4المصدر.102 :
][397
ين :عثمان بن عيسى مثله - 84 .جا :أحمد بن الوليد ،عن أبيه ،عن الصفار ،عن
ابن معروف ،عن ابن مهزيار ،عن ابن أبي عمير ،عن النضر ،عن ابن
سنان ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه
واله في خطبة :أل اخبركم بخير خلئق الدنيا والخرة ؟ العفو عمن ظلمك،
وأن تصل من قطعك ،والحسان إلى من أساء إليك ،وإعطاء من حرمك،
وفي التباغض الحالقة ل أعني حالقة الشعر ولكن حالقة الدين ) .(1ين:
ابن أبي عمير مثله - 85 .جا :بهذا السناد ،عن ابن مهزيار ،عن فضالة،
عن عجلن أبي صالح قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :أنصف الناس
من نفسك ،وأسهمهم في مالك ،وارض لهم بما ترضى لنفسك ،واذكر ال
كثيرا ،وإياك والكسل والضجر ،فان أبي بذلك كان يوصيني ،وبذلك كان
يوصيه أبوه ،وكذلك في صلة الليل إنك إذا كسلت لم تؤد إلى ال حقه ،وإن
ضجرت لم تؤد إلى أحد حقا ،وعليك بالصدق والورع وأداء المانة وإذا
وعدت فل تخلف ) - 86 .(2جا :بهذا السناد ،عن ابن مهزيار ،عن جعفر
بن محمد ،عن إسماعيل بن عباد ،عن بكير ،عن أبي عبد ال جعفر بن
محمد صلوات ال عليهما أنه قال :لنحب من شيعتنا من كان عاقل فهما
فقيها حليما مداريا صبورا صدوقا وفيا ،ثم قال :إن ال تبارك وتعالى خص
النبياء عليهم السلم بمكارم الخلق ،فمن كانت فيه فليحمد ال على ذلك،
ومن لم تكن فيه فليتضرع إلى ال وليسأله ،قال :قلت :جعلت فداك وما هي
؟ قال :الورع والقنوع والصبر والشكر والحلم والحياء والسخاء
والشجاعة والغيرة والبر وصدق الحديث وأداء المانة ) .(3محص :عن
بكير مثله.
][398
- 87جا :بالسناد ،عن علي بن مهزيار ،عن علي بن عقبة ،عن أبي كهمس عن
عمر بن سعيد بن هلل قال :قلت لبي عبد ال :أوصني قال :أوصيك
بتقوى ال ،والورع والجتهاد واعلم أنه ل ينفع اجتهاد بل ورع ،وانظر
إلى ما هو دونك ول تنظر إلى من فوقك ،فلكثير ما قال ال تعالى لرسوله
صلى ال عليه واله " :فل تعجبك أموالهم ول أولدهم " ) (1وقال " :ل
تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا " ) (2وإن
نازعتك نفسك إلى شئ من ذلك فاعلم أن رسول ال صلى ال عليه واله
كان قوته الشعير ،وحلواؤه التمر إذا وجده ،ووقوده السعف ،وإذا اصبت
بمصيبة فاذكر مصابك برسول ال صلى ال عليه واله فان الناس لن
يصابوا بمثله أبدا ) - 88 .(3جا :بالسناد ،عن ابن مهزيار قال :أخبرني
ابن اسحاق الخراساني صاحب كان لنا قال :كان أمير المؤمنين علي بن
أبيطالب عليه السلم يقول :ل ترتابوا فتشكوا فتكفروا ول ترخصوا
لنفسكم فتذهبوا ،ول تداهنوا في الحق فتخسروا إن الحزم أن تتفقهوا،
ومن الفقه أن ل تغتروا ،وإن أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه ،وإن أغشكم
أعصاكم لربه ،من يطع ال يأمن ويرشد ،ومن يعصه يخب ويندم ،واسألوا
ال اليقين ،وارغبوا إليه في العاقبة ،وخير ما دار في القلب اليقين أيها
الناس إياكم والكذب ،فان كل راج طالب ،وكل خائف هارب ) - 89 .(4جا:
الحسن بن حمزة ،عن أحمد بن عبد ال ،عن جده البرقي ،عن أبيه ،عن
ابن يزيد ،عن ابن أبي عمير ،عن هشام بن سالم ،عن الحذاء ،عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :قال :أل اخبركم بأشد ما افترض ال على خلقه:
إنصاف الناس من نفسهم ،ومواساة الخوان في ال عزوجل ،وذكر ال
على كل حال ،فان عرضت له طاعة ل عمل بها ،وإن عرضت له معصية
تركها ).(5
) (1براءة (2) .55 :طه (3) .131 :مجالس المفيد ص (4) .122مجالس المفيد
ص (5) .128المصدر نفسه ص .195
][399
- 90ضه :قال سلمان الفارسي رحمة ال عليه :أوصاني خليلي رسول ال صلى
ال عليه وآله بسبع خصال ل أدعهن على كل حال :أوصاني أن أنظر إلى
من هو دوني ول أنظر إلى من هو فوقي ،وأن احب الفقراء والدنو منهم،
وأن أقول الحق وإن كان مرا ،وأن أصل إلى رحمي وإن كانت مدبرة ،وأن
ل أسأل الناس شيئا ،وأوصاني أن أقول " :ل حول ول قوة إل بال "
فانها من كنوز الجنة - 91 .جع :قال أمير المؤمنين عليه السلم :طلبت
القدر والمنزلة فما وجدت إل بالعلم ،تعلموا يعظم قدركم في الدارين،
وطلبت الكرامة فما وجدت إل بالتقوى اتقوا لتكرموا ،وطلبت الغنى فما
وجدت إل بالقناعة ،عليكم بالقناعة تستغنوا وطلبت الراحة فما وجدت إل
بترك مخالطة الناس لقوام عيش الدنيا ،اتركوا الدنيا ومخالطة الناس
تستريحوا في الدارين وتأمنوا من العذاب ،وطلبت السلمة فما وجدت إل
بطاعة ال أطيعوا ال تسلموا ،وطلبت الخضوع فما وجدت إل بقبول الحق
اقبلوا الحق فان قبول الحق يبعد من الكبر ،وطلبت العيش فما وجدت إل
بترك الهوى ،فاتركوا الهوى ليطيب عيشكم ،وطلبت المدح فما وجدت إل
بالسخاوة كونوا السخياء تمدحوا ،وطلبت نعيم الدنيا والخرة فما وجدت
إل بهذه الخصال التي ذكرناها ) - 92 .(1بشا :محمد بن عبد الوهاب
الرازي ،عن محمد بن أحمد بن الحسين عن محمد بن محمد المقري ،عن
يحيى بن الحسين بن هارون ،عن أبي أحمد بن محمد بن علي العبدي ،عن
محمد بن جعفر ،عن البرقي ،عن ابن محبوب ،عن صفوان قال :قال جعفر
بن محمد عليهما السلم :من اعتصم بال عزوجل هدي ،ومن توكل على
ال عزوجل كفي ،ومن قنع بما رزقه ال عزوجل أغنى ،ومن اتقى ال
عزوجل نجا فاتقوا ال عباد ال بما استطعتم ،وأطيعوا وسلموا المر لهله
تفلحوا ،واصبروا إن ال مع الصابرين " ول تكونوا كالذين نسوا ال
فأنسيهم أنفسهم " الية " ل
][400
يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون " )- 93 .(1
ختص :عن هشام بن سالم قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول
لحمران ابن أعين :يا حمران انظر إلى من هو دونك في المقدرة ،ول تنظر
إلى من هو فوقك في المقدرة ،فان ذلك أقنع لك بما قسم لك ،وأحرى أن
تستوجب الزيادة من ربك عزوجل ،واعلم أن العمل الدائم القليل على
اليقين أفضل عند ال عزوجل من العمل الكثير على غير يقين ،واعلم أنه ل
ورع أنفع من تجنب محارم ال عزوجل ،والكف عن أذى المؤمنين،
واغتيابهم ،ول عيش أهنأ من حسن الخلق ،ول مال أنفع من القنوغ
باليسير المجزي ،ول جهل أضر من العجب ) - 94 .(2ختص :كان رسول
ال صلى ال عليه واله إذا خطب قال في آخر خطبته :طوبى لمن طاب
خلقه ،وطهرت سجيته ،وصلحت سريرته ،وحسنت علنيته ،وأنفق الفضل
من ماله ،وأمسك الفضل من كلمه ،وأنصف الناس من نفسه )- 95 .(3
كتاب المامة والتبصرة :عن القاسم بن علي العلوي ،عن محمد بن أبي
عبد ال ،عن سهل بن زياد ،عن النوفلي عن السكوني ،عن جعفر بن
محمد ،عن أبيه ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وآله مثله إل أن فيه ،وأمسك الفضل من قوله .ومنه بهذا السناد:
طوبى لمن طال عمره ،وحسن عمله ،فحسن منقلبه ،إذ رضي عنه ربه،
وويل لمن طال عمره ،وساء عمله ،وساء منقلبه ،إذ سخط عليه ربه96 .
-ختص :عن النوفلي ،عن السكوني ،عن جعفر ،عن أبيه ،عن آبائه
عليهم السلم ،عن رسول ال صلى ال عليه واله :من أسبغ وضوءه
وأحسن صلته وأدى زكاة ماله
) (1بشارة المصطفى ص ،116والية في الحشر 19و (2) .20الختصاص
(3) .227الختصاص .228
][401
وكف غضبه وسجن لسانه واستغفر لذنبه وأدى النصيحة لهل بيته فقد استكمل
حقايق اليمان وأبواب الجنة مفتحة له ) - 97 .(1مشكوة النوار :نقل عن
المحاسن مثله ) - 98 .(2ختص :قال أمير المؤمنين عليه السلم :ل خير
في القول إل مع العمل ،ول في المنظر إل مع المخبر ،ول في المال إل مع
الجود ،ول في الصدق إل مع الوفاء ول في الفقه إل مع الورع ،ول في
الصدقة إل مع النية ،ول في الحياة إل مع الصحة ول في الوطن إل مع
المن والمسرة ) - 99 .(3كتاب صفات الشيعة :للصدوق رحمه ال ،عن
أبيه ،عن سعد رفعه ،عن أبي بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم قلت:
جعلت فداك صف لي شيعتك ،قال :شيعتنا من ل يعدو صوته سمعه ،ول
شحناؤه بدنه ،ول يطرح كله على غيره ،ول يسأل غير إخوانه ولو مات
جوعا ،شيعتنا من ل يهر هرير الكلب ،ول يطمع طمع الغراب شيعتنا
الخفية عيشهم ،المنتقلة ديارهم ،شيعتنا الذين في أموالهم حق معلوم
ويتواسون وعند الموت ل يجزعون ،وفي قبورهم يتزاورن ،قال :جعلت
فداك فأين أطلب هؤلء ؟ قال :في أطراف الرض ،وبين السواق كما قال
ال عزوجل في كتابه " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " ).(4
- 100ين :فضالة ،عن عبد ال بن يزيد ،عن علي بن يعقوب قال :قال لي
أبو عبد ال عليه السلم :ل يغرنك الناس من نفسك ،فان الجر يصل إليك
دونهم ،ول تقطع عنك النهار بكذا وكذا ،فان معك من يحفظ عليك ،ول
تستقل قليل الخير فانك تراه غدا بحيث يسرك ،ول تستقل قليل الشر فانك
تراه غدا بحيث يسوؤك ،وأحسن فاني لم أر شيئا أشد طلبا ول أسرع دركا
من حسنة محدثه لذنب قديم ،إن ال
) (1الختصاص (2) .233 :مشكوة النوار (3) .39 :الختصاص 243 :و ) .244
(4صفات الشيعة ،169والية في المائدة .54
][402
تبارك وتعالى يقول " :إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين " ).(1
ختص :عنه عليه السلم مرسل مثله ) - 101 .(2ين :ابن محبوب ،عن
الثمالي قال :سمعت علي بن الحسين عليهما السلم يقول :من عمل بما
افترض ال عليه فهو من خير الناس ،ومن اجتنب ما حرم ال عليه فهو
من أعبد الناس ،ومن قنع بما أقسم ال له فهو من أغنى الناس- 102 .
ين :علي بن النعمان ،عن ابن مسكان ،عن داود بن فرقد ،عن أبي شيبة
الزهري ،عن أحدهما عليهما السلم أنه قال :ويل لمن ل يدين ال بالمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ،قال :ومن قال ل إله إل ال فلن يلج ملكوت
السماء حتى يتم قوله بعمل صالح ،ول دين لمن دان ال بغير إمام عادل،
ول دين لمن دان ال بطاعة ظالم ،قال :وكل قوم ألهاهم التكاثر حتى زاروا
المقابر ،قال :ومن أحسن ولم يسئ خير ممن أحسن وأساء ،ومن أحسن
وأساء خير ممن أساء ولم يحسن ،وقال :والوقوف عند الشبهة خير من
القتحام في الهلكة - 103 .ين :النضر ،عن عبد ال بن سنان ،عن رجل
من بني هاشم قال :سمعته يقول :أربع من كن فيه كمل إسلمه ،ولو كان
ما بين قرنه وقدمه خطايا لم ينتقصه ذلك :الصدق ،والحياء ،وحسن
الخلق ،والشكر - 104 .محص :عن مهزم السدي ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :إن شيعتنا من ل يعدو صوته سمعه ول شحمة اذنه ول يمتدح
بنا معلنا ول يواصل لنا مبغضا ،ول يخاصم لنا وليا ،ول يجالس لنا عائبا
قال :قلت :فكيف أصنع بهؤلء المتشيعة ؟ قال :فيهم التمحيص ،وفيهم
التمييز ،وفيهم التبديل ،تأتي عليهم سنون تفنيهم ،وطاعون يقتلهم
واختلف يبددهم ،شيعتنا من ل يهر هرير الكلب ،ول يطمع طمع الغراب،
ول يسأل وإن مات جوعا قلت :فأين أطلب هؤلء ؟ قال :اطلبهم في أطراف
الرض اولئك الخفيض عيشهم ،المنتقلة ديارهم ،الذين إذا شهدوا لم
يعرفوا ،وإذا غابوا لم
][403
يفتقدوا ،وإن مرضوا لم يعاودوا ،وإن خطبوا لم يزوجوا ،وإن رأوا منكرا ينكروا،
وإن يخاطبهم الجاهل سلموا ،وإن لجأ إليهم ذو حاجة منهم رحموا وعند
الموت هم ل يحزنون ،وفي القبور يتزاورون ،لم تختلف قلوبهم وإن
رأيتهم اختلف بهم البلدان ) - 105 .(1نوادر الراوندي :باسناده ،عن
موسى بن جعفر ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال
عليه واله :سر سنتين بر والديك ،سر سنة صل رحمك ،سر ميل عد
مريضا ،سر ميلين شيع جنازة ،سر ثلثة أميال أغث ملهوفا ،وعليك
بالستغفار فانه المنجاة ) .(2وبهذا السناد قال :قال رسول ال صلى ال
عليه واله :السابقون إلى ظل العرش طوبى لهم قيل :يا رسول ال ومن هم
؟ فقال :الذين يقبلون الحق إذا سمعوه ويبذلونه إذا سئلوه ،ويحكمون
للناس كحكمهم لنفسهم ،هم السابقون إلى ظل العرش ) .(3وبهذا السناد
قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :اعطينا أهل البيت سبعا لم يعطهن
أحد كان قبلنا ول يعطاهن أحد بعدنا .الصباحة والفصاحة والسماحة
والشجاعة والعلم والعمل والمحبة في النساء ) (4وبهذا السناد عن على
عليه السلم قال :قيل لرسول ال صلى ال عليه واله :ما الذي يباعد
الشيطان منا ؟ قال :الصوم ل يسود وجهه ،والصدقة تكسر ظهره ،والحب
في ال تعالى والمواظبة على العمل الصالح يقطع دابره ،والستغفار يقطع
وتينه ) .(5وبهذا السناد قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :اوصي
امتي بخمس :بالسمع ،والطاعة
) (1قد مر هذا الحديث باسانيد مختلفة في باب صفات الشيعة ج 68منها في ص
180عن الكافي وعليه شرح مستوفى .فراجع (2) .نوادر الراوندي ص
3) .5و (4المصدر ص (5) .15المصدر ص .19
][404
والهجرة ،والجهاد ،والجماعة ،ومن دعا بدعاء الجاهلية فله جثوة من جثى جهنم )
- 106 .(1ما :جماعة عن أبي المفضل ،عن عبد ال بن الحسين بن
إبراهيم العلوي عن إبراهيم بن أحمد العلوي ،عن عمه الحسن بن إبراهيم،
عن أبيه إبراهيم ،عن أبيه إسماعيل ،عن أبيه إبراهيم بن الحسن بن
الحسن ،عن امه فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين بن علي ،عن أبيه
علي بن أبيطالب عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله:
من اعطي أربع خصال في الدنيا فقد اعطي خير الدنيا والخرة ،وفاز بحظه
منهما :ورع يعصمه عن محارم ال ،وحسن خلق يعيش به في الناس،
وحلم يدفع به جهل الجاهل ،وزوجة صالحة تعينه على أمر الدنيا والخرة
) - 107 .(2ما :جماعة عن أبي المفضل ،عن جعفر بن محمد الحسني،
عن أحمد بن عبد المنعم ،عن محمد بن جعفر ،عن أبيه الصادق ،عن آبائه
عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :سيد العمال ثلثة
إنصاف الناس من نفسك ،ومواساة الخ في ال وذكر ال على كل حال )
- 108 .(3ما :جماعة عن أبي المفضل ،عن حنظلة بن زكريا ،عن محمد
بن على ابن حمزة العلوي ،عن أبيه ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم
قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :ل حسب إل بالتواضع ،ول كرم
إل بالتقوى ،ول عمل إل بالنية قال :وقال رسول ال صلى ال عليه واله:
حسب المرء ماله ،ومروته عقله ،وحلمه شرفه ،وكرمه تقواه )- 109 .(4
ما :جماعة عن أبي المفضل ،عن أحمد بن عبد الرحيم ،عن اسماعيل بن
محمد العلوي ،عن أبيه ،عن جده إسحاق بن جعفر ،عن أخيه موسى بن
جعفر قال :سمعت أبي جعفر بن محمد عليهما السلم يقول أحسن من
الصدق قائله ،وخير من الخير فاعله
) (1نوادر الراوندي ص 21والجثوة :الكومة (2) .أمالى الطوسى ج 2ص .189
) (3امالي الطوسى ج 2ص (4) .190أمالى الطوسى ج 2ص .203
][405
ثم قال :حدثني أبي محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين ،عن أبيه الحسين بن
علي عن أبيه علي عليهم السلم قال :سمعت النبي صلى ال عليه واله
يقول :بعثت بمكارم الخلق ومحاسنها وسمعته صلى ال عليه واله يقول:
استتمام المعروف أفضل من ابتدائه ) - 110 .(1ما :الحسين بن عبيد ال
الغضائري ،عن التلعكبري ،عن محمد بن علي ابن معمر ،عن محمد بن
صدقة ،عن الكاظم ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال
عليه واله :ل تزال امتي بخير ما تحابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة
وقروا الضيف فان لم يفعلوا ابتلوا بالسنين والجدب ) - 111 .(2ما:
الحسين بن إبراهيم ،عن محمد بن وهبان ،عن أحمد بن إبراهيم عن
الحسن بن علي الزعفراني ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن
هشام عن أبي عبيدة الحذاء ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال لي :أل
اخبرك بأشد ما فرض ال على خلقه ؟ قال :نعم ،قال :إن من أشد ما فرض
ال على خلقه إنصافك الناس من نفسك ،ومواساتك أخاك المسلم في مالك،
وذكر ال كثيرا أما إني ل أعني سبحان ال والحمد ل ،ول إله إل ال ،وإن
كان منه ،لكن ذكر ال عند ما أحل وما حرم فان كان طاعة عمل بها ،وإن
كان معصية تركها ) - 112 .(3ما :الحسين ،عن ابن وهبان ،عن علي بن
حبشي ،عن العباس بن محمد بن الحسين ،عن أبيه ،عن صفوان بن
يحيى ،عن الحسين بن أبي غندر ،عن ابن أبي يعفور ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :كمال المؤمن في ثلث خصال :تفقه في دينه والصبر
على النائبة ،والتقدير في المعيشة ) - 113 .(4ما :بهذا السناد ،عن أبي
وهبان ،عن محمد بن أحمد بن زكريا ،عن الحسن بن علي بن فضال ،عن
علي بن عقبة ،عن أبي كهمس ،عن أبي عبد ال عليه السلم
) (1أمالى الطوسى ج 2ص (2) .209أمالى الطوسى ج 2ص (3) .260أمالى
الطوسى ج 2ص (4) .278أمالى الطوسى ج 2ص .279
][406
قال :قلت له :أي العمال هو أفضل بعد المعرفة ؟ قال :ما من شئ بعد المعرفة
يعدل هذه الصلة ،ول بعد المعرفة والصلة شئ تعدل الزكاة ،ول بعد ذلك
شئ يعدل الصوم ،ول بعد ذلك شئ يعدل الحج ،وفاتحة ذلك كله معرفتنا
وخاتمته معرفتنا ،ول شئ بعد ذلك كبر الخوان ،والمواساة ببذل الدينار
والدرهم ،فانهما حجران ممسوخان بهما امتحن ال خلقه بعد الذي عددت
لك ،وما رأيت شيئا أسرع غنا ول أنفى للفقر من إدمان حج هذا البيت،
وصلة فريضة تعدل عند ال ألف حجة وألف عمره مبرورات متقبلت،
والحجة عنده خير من بيت مملو ذهبا ل بل خير من ملء الدنيا ذهبا وفضة
ينفقه في سبيل ال عزوجل ،والذي بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا
لقضاء حاجة امرئ مسلم وتنفيس كربته أفضل من حجة وطواف وحجة
وطواف حتى عقد عشرة ثم خل يده وقال :اتقوا ال ول تملوا من الخير،
ول تكسلوا ،فان ال عزوجل ورسوله صلى ال عليه واله غنيان عنكم
وعن أعمالكم وأنتم الفقراء إلى ال عزوجل وإنما أراد ال عزوجل بلطفه
سببا يدخلكم به الجنة ) .(1ورواه ،عن جماعة ،عن أبي المفضل ،عن
حميد ،عن القاسم بن إسماعيل عن زريق عنه عليه السلم مثله- 114 .
ما :باسناده ،عن إبراهيم بن مهزيار ،عن جعفر بن بشير ،عن سيف عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :من أخرجه ال من ذل المعاصي إلى عز
التقوى أغناه ال بل مال ،وأعزه بل عشيرة ،وآنسه بل بشر ،ومن خاف
ال أخاف ال منه كل شئ ومن لم يخف ال أخافه ال من كل شئ ،ومن
رضي باليسير من المعاش رضي ال منه باليسير من العمل ،ومن لم
يستحي من طلب الحلل خفت مؤنته ،ونعم أهله ومن زهد في الدنيا أثبت
ال الحكمة في قلبه وأطلق بها لسانه ،وبصره عيوب الدنيا داءها
ودواءها ،وأخرجه ال من الدنيا سالما إلى دار السلم ).(2
][407
- 115الدرة الباهرة :قال أبو محمد العسكري عليه السلم :إن للسخاء مقدارا فان
زاد عليه فهو سرف ،وللحزم مقدارا فان زاد عليه فهو حين ،وللقتصاد
مقدارا فان زاد عليه فهو بخل ،وللشجاعة مقدارا فان زاد عليه فهو تهور،
وقال عليه السلم :كفاك أدبا ،تجنبك ما تكره من غيرك ،وقال عليه السلم:
من كان الورع سجيته والفضال حليته ،انتصر من أعدائه بحسن الثناء
عليه ،وتحصن بالذكر الجميل من وصول نقص إليه - 116 .ونقل من خط
الشهيد -ره :-باسناد المعافا إلى نصر بن كثير قال :دخلت على جعفر بن
محمد عليهما السلم أنا وسفيان الثوري منذ ستين سنة أو سبعين سنة
فقلت له :إني اريد البيت الحرام فعلمني شيئا أدعو به ،قال :إذا بلغت البيت
الحرام فضع يدك على حائط البيت ثم قل :يا سابق الفوت ،ويا سامع
الصوت ،وياكاسي العظام ،كما بعد الموت ،ثم ادع بعده بما شئت ،فقال له
سفيان :شيئا لم أفهمه ،فقال :يا سفيان أو يا أبا عبد ال إذا جاءك ما تحب
فأكثر من " الحمد ل " وإذا جاءك ما تكره فأكثر من " ل حول ول قوة إل
بال " وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الستغفار قال المعافا :حكي لي عن
أبي جعفر الطبري أنه ذكر له هذا الدعاء عن جعفر بن محمد عليهما
السلم فاستدعا محبرة وصحيفة فكتبه وكان قبل موته بساعة فقيل له :في
هذه الحال ؟ فقال :ينبغي النسان أن ل يدع اقتباس العلم حتى يموت117 .
-دعوات الراوندي :عن ربيعة بن كعب قال :قال لي ذات يوم رسول ال
صلى ال عليه واله :يا ربيعة خدمتني سبع سنين أفل تسألني حاجة ؟
فقلت :يا رسول ال أمهلني حتى افكر ،فلما أصبحت ودخلت عليه قال لي:
يا ربيعة هات حاجتك فقلت :تسأل ال أن يدخلني معك الجنة ،فقال لي :من
علمك هذا ؟ فقلت :يا رسول ال ما علمني أحد لكني فكرت في نفسي
وقلت :إن سألته مال كان إلى نفاد وإن سألته عمرا طويل وأولدا كان
عاقبتهم الموت ،قال ربيعة :فنكس صلى ال عليه واله رأسه ساعة ثم
قال :أفعل ذلك ،فأعني بكثرة السجود.
][408
قال ربيعة :وسمعته يقول :ما من عبد يقول كل يوم سبع مرات :أسأل ال الجنة،
وأعوذ به من النار ،إل قالت النار :يا رب أعذه مني ،وسمعته يقول من
اعطي له خمسا لم يكن له عذر في ترك عمل الخرة :زوجة صالحة تعينه
على أمر دنياه وآخرته ،وبنون أبرار ،ومعيشة في بلده ،وحسن خلق
يداري به الناس وحب أهل بيتي .قال :وسمعته يقول :عليك باليأس مما في
أيدي الناس فانه الغنى الحاضر وإياك والطمع في الناس فانه فقر حاضر،
وإذا صليت فصل صلة مودع ،وإياك وما يعتذر منه ،وسمعته يقول:
ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالتزموا علي بن أبيطالب عليه السلم
الخبر بتمامه .وقال الصادق عليه السلم :من صدق لسانه زكى عمله،
ومن حسنت نيته زيد في عمره ،ومن حسن بره أهل بيته زيد في رزقه.
- 118كنز الكراجكى :جاء في الحديث ،عن المام الصادق عليه السلم
أنه قال :تكلم أمير المؤمنين عليه السلم بأربع وعشرين كلمة قيمة كل
كلمة منها وزن السماوات والرض ،قال :رحم ال امرءا سمع ]حكما[،
فوعى ،ودعي إلى رشاد فدنا وأخذ بحجزة هاد فنجا ،راقب ربه ،وخاف
ذنبه ،قدم خالصا ،وعمل صالحا اكتسب مذخورا ،واجتنب محذورا ،رمى
غرضا ،وأخذ عوضا ،كابر هواه ،وكذب مناه حذر أمل ورتب عمل ،جعل
الصبر رغبة حياته ،والتقى عدة وفاته ،يظهر دون ما يكتم ،ويكتفي بأقل
مما يعلم ،لزم الطريقة الغراء ،والمحجة البيضاء اغتنم المهل ،وبادر
الجل ،وتزود من العمل - 119 .مشكوة النوار :نقل من المحاسن ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :لم ينزل من السماء شئ أقل ول أعز من
ثلثة أشياء :التسليم والبر واليقين ) - 120 .(1نهج :قال أمير المؤمنين
عليه السلم :كن في الفتنة كابن اللبون ،ل ظهر فيركب ،ول ضرع فيحلب.
][409
وقال عليه السلم :الصبر شجاعة ،والزهد ثروة ،والورع جنة ،ونعم القرين
الرضا ،والعلم وراثة كريمة ،والداب حلل مجددة ،والفكر مرآة صافية،
وصدر العاقل صندوق سره ،والبشاشة حبالة المودة ،والحتمال قبر
العيوب ،وفي رواية اخرى والمسالمة خبء العيوب ،والصدقة دواء
منجح ،وأعمال العباد في عاجلهم نصب أعينهم في آجلهم )- 121 .(1
نهج :سئل عليه السلم عن الخير ما هو ؟ فقال :ليس الخير أن يكثر مالك
وولدك ،ولكن الخير أن يكثر علمك وعملك ،وأن يعظم حلمك ،وأن تباهي
الناس بعبادة ربك ،فان أحسنت حمدت ال ،وإن أسأت استغفرت ال ،ول
خير في الدنيا إل لرجلين :رجل أذنب ذنبا فهو يتداركها بالتوبة ،ورجل
يسارع في الخيرات ،ول يقل عمل مع التقوى .وكيف يقل ما يتقبل ).(2
- 122وقال عليه السلم :ل مال أعود من العقل ،ول وحدة أوحش من
العجب ول عقل كالتدبير ،ول كرم كالتقوى ،ول قرين كحسن الخلق ،ول
ميراث كالدب ،ول قائد كالتوفيق ،ول تجارة كالعمل الصالح ،ول ربح
كالثواب ،ول ورع كالوقوف عند الشبهة ،ول زهد كالزهد في الحرام ،ول
علم كالتفكر ،ول عبادة كأداء الفرائض ،ول إيمان كالحياء والصبر ،ول
حسب كالتواضع ،ول شرف كالعلم ،ول مظاهرة أوثق من المشاورة ).(3
- 123نهج :قال عليه السلم :طوبى لمن ذل في نفسه ،وطاب كسبه،
وصلحت سريرته ،وحسنت خليقته ،وأنفق الفضل من ماله ،وأمسك الفضل
من لسانه وعزل عن الناس شره ،ووسعته السنة ،ولم ينتسب إلى البدعة
) - 124 .(4نهج قال عليه السلم :من اعطي أربعا لم يحرم أربعا :من
اعطي الدعاء
) (1نهج البلغة تحت الرقم 6 - 1من الحكم (2) .نهج البلغة تحت الرقم 94من
الحكم (3) .المصدر الرقم 113من الحكم (4) .المصدر تحت الرقم 123
من الحكم وفى الصل :ولم يعدها الى بدعة خ ل.
][410
يحرم الجابة ،ومن اعطي التوبة لم يحرم القبول ،ومن اعطي الستغفار لم يحرم
المغفرة ،ومن اعطي الشكر لم يحرم الزيادة ،وتصديق ذلك في كتاب ال
سبحانه قال ال عزوجل في الدعاء " :ادعوني أستجب لكم " ) (1وقال
في الستغفار " :ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر ال يجد ال
غفورا رحيما " ) (2وقال في الشكر " :لئن شكرتم لزيدنكم " ) (3وقال
في التوبة " :إنما التوبة على ال للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون
من قريب فاولئك يتوب ال عليهم وكان ال عليما حكيما " )- 125 .(4
وقال عليه السلم :الجود حارس العراض ،والحلم فدام السفيه )(5
والعفو زكاة الظفر ،والسلو عوضك ممن قدر ،والستشارة عين الهداية،
وقد خاطر من استغنى برأيه ،والصبر يناضل الحدثان ،والجزع من أعوان
الزمان وأشرف الغنى ترك المنى ،وكم عن عقل أسير تحت هوى أمير،
ومن التوفيق حفظ التجربة ،والمودة قرابة مستفادة ،ول تأمنن ملول ).(6
- 126وقال عليه السلم :بكثرة الصمت تكون الهيبة ،وبالنصفة يكثر
الواصلون وبالفضال تعظم القدار ،وبالتواضع تتم النعمة ،وباحتمال
المؤن يجب السؤدد وبالسيرة العادلة يقهر المناوي ،وبالحلم عن السفيه
يكثر النصار عليه ) - 127 .(7وقال عليه السلم :المؤمن بشره في
وجهه ،وحزنه في قلبه ،أوسع شئ صدرا وأذل شئ نفسا ،يكره الرفعة،
ويشنأ السمعة ،طويل غمه ،بعيد همه ،كثير
) (1غافر (2) .60 :النساء (3) .110ابراهيم (4) .7 :النساء ،16 :والكلم في
المصدر تحت الرقم 135من الحكم (5) .الفدام :المصفاة تجعل على فم
البريق ليصفى به ما فيه والسلو :الذهول والتناسى (6) .المصدر تحت
الرقم 211من الحكم (7) .المصدر تحت الرقم 224من الحكم.
][411
صمته ،مشغول وقته ،شكور ،صبور ،مغمور بفكرته ،ضنين بخلته ،سهل الخليقة
لين العريكة ،نفسه أصلب من الصلد ،وهو أذل من العبد ) - 128 .(1وقال
عليه السلم :ل شرف أعلى من السلم ،ول عز أعز من التقوى ول معقل
أحسن من الورع ،ول شفيع أنجح من التوبة ،ول كنز أغنى من القناعة
ول مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت ،ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد
انتظم الراحة وتبوء خفض الدعة ،والرغبة مفتاح النصب ومطية التعب،
والحرص والكبر والحسد دواع إلى التقحم في الذنوب ،والشر جامع
لمساوي العيوب ) - 129 .(2وقال عليه السلم :إذا كان في الرجل خلة
رائعة فانتظر أخواتها ) - 130 .(3في القاصعة (4) :فتعصبوا لخلل
الحمد :من الحفظ للجوار والوفاء بالذمام ،والطاعة للبر ،والمعصية للكبر،
والخذ بالفضل ،والكف عن البغي ،والعظام للقتل ،والنصاف للخلق،
والكظم للغيظ ،واجتناب الفساد في الرض ،واحذروا ما نزل بالمم قبلكم
من المثلت بسوء الفعال ،وذميم العمال ،فتذكروا في الخير والشر
أحوالهم واحذروا أن تكونوا أمثالهم ،فإذا تفكرتم في تفاوت حاليهم فالزموا
كل أمر لزمت العزة به شأنهم ،وزاحت العداء له عنهم ،ومدت العافية
عليهم ،وانقادت النعمة له معهم ،ووصلت الكرامة عليه حبلهم ،من
الجتناب للفرقة ،واللزوم لللفة ،والتحاض عليها ،والتواصي بها واجتنبوا
كل أمر كسر فقرتهم ،وأوهن منتهم ،من تضاغن القلوب ،وتشاحن
الصدور ،وتدابر النفوس ،وتخاذل اليدي ،إلى آخر ما مر في المجلد
الخامس - 131 .كتاب فضايل الشهر الثلثة :عن محمد بن علي
ماجيلويه ،عن عمه محمد بن أبي القاسم ،عن أحمد بن أبي عبد ال
البرقي ،عن محمد بن علي القرشي ،عن
) (1نهج البلغة تحت الرقم 333من الحكم (2) .المصدر تحت الرقم 371من
الحكم (3) .المصدر تحت الرقم 445من الحكم (4) .الخطبة القاصعة
تحت الرقم (*) .190
][412
محمد بن سنان ،عن زياد بن المنذر ،عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه
السلم قال :لما كلم ال عزوجل موسى بن عمران عليه السلم قال موسى:
إلهي ما جزاء من شهد أني رسولك ونبيك ،وأنك كلمتني ؟ قال :يا موسى
تأتيه ملئكتي فتبشره بجنتي .قال موسى :إلهي فما جزاء من قام بين يديك
فصلى ؟ فقال :يا موسى اباهي به ملئكتي راكعا وساجدا وقائما وقاعدا
ومن باهيت به ملئكتي ل اعذبه .قال موسى :إلهي فما جزاء من أطعم
مسكينا ابتغاء وجهك ؟ قال :يا موسى آمر مناديا ينادي يوم القيامة على
رؤس الخلئق :إن فلن بن فلن من عتقاء ال من النار .قال موسى :إلهي
فما جزاء من وصل رحمه ؟ قال :يا موسى انسئ في عمره واهون عليه
سكرات الموت ،ويناديه خزنة الجنة :هلم إلينا فادخل من أي أبوابها شئت.
قال موسى :إلهي فما جزاء من كف أذاه عن الناس وبذل معروفه ؟ قال :يا
موسى يناجيه النار يوم القيامة :ل سبيل لي إليك .قال موسى :إلهي ما
جزاء من ذكرك بلسانه وقلبه ؟ قال :يا موسى اظله يوم القيامة بظل
عرشي ،وأجعله في كنفي .قال :إلهي فما جزاء من تل حكمتك سرا
وجهرا ؟ قال :يا موسى يمر على الصراط كالبرق .قال موسى :فما جزاء
من صبر على أذى الناس وشتمهم ؟ قال :اعينه على أهوال يوم القيامة.
قال :إلهي فما جزاء من دمعت عيناه من خشيتك ؟ قال :يا موسى آمن
وجهه من حر النار واؤمنه يوم الفزع الكبر .قال :إلهي فما جزاء من
صبر عند مصيبته وأنفذ أمرك ؟ قال :يا موسى له بكل نفس يتنفسه درجة
في الجنة والدرجة خير من الدنيا وما فيها.
][413
قال :إلهي فما جزاء من صبر على فرائضك ؟ قال :يا موسى له بكل فريضة يؤديها
درجة من درجات العلى .قال :إلهي فما جزاء من مشى في ظلمة الليل إلى
طاعتك ؟ قال :اوجب له النور الدائم يوم القيامة ويكتب له من الحسنات
بعدد كل شئ مر عليه سواد الليل وضوء القمر ونور الكواكب .قال :إلهي
فما جزاء من لم يكف عن معاصيك ؟ قال :يا موسى اعطيه كتابه بشماله
من وراء ظهره .قال :إلهي فما جزاء من زنا فرجه ؟ قال :يدخن يوم
القيامة بدخان أنتن من ريح الجيف ويرفع فوق الناس .قال :إلهي فما
جزاء من أحب أهل طاعتك لحبك ؟ قال :يا موسى احرمه على ناري .قال:
إلهى فما جزاء من لم يصر لسانه عن ذكرك والتضرع والستكانة لك في
الدنيا ؟ قال :يا موسى اعينه على شدائد الخرة .قال :إلهي فما جزاء من
قتل مؤمنا متعمدا ؟ قال :ل أنظر إليه يوم القيامة ول أقيله عثرته .قال:
إلهي فما جزاء من دعا نفسا كافرة إلى السلم ؟ قال :يا موسى آذن له
يوم القيامة في الشفاعة لمن يريد .قال :إلهي فما جزاء من دعا نفسا
مسلمة إلى طاعتك ونهاها عن معصيتك ؟ قال :يا موسى أحشره يوم
القيامة في زمرة المتقين .قال :إلهي فما جزاء من صلى الصلة لوقتها لم
يشغله عن وقتها دنيا ؟ قال :يا موسى اعطيه سؤله وابيحه جنتي .قال:
إلهي فما جزاء من كفل اليتيم ؟ قال :اظله يوم القيامة في ظل عرشي.
][414
قال :فما جزاء من أتم الوضوء من خشيتك ؟ قال :يا موسى أبعثه يوم القيامة له
نور يتلل بين عينيه .قال :إلهي فما جزاء من صام شهر رمضان يريد به
الناس ؟ قال :يا موسى ثوابه كثواب من لم يصمه .قال :إلهي فما جزاء من
صام في بياض النهار يلتمس بذلك رضاك ؟ قال :يا موسى له جنتي وله
المان من كل خوف والعتق من النار ) - 132 .(1كتاب المامة والتبصرة:
لعلي بن بابويه ،عن سهل بن أحمد عن محمد بن محمد بن الشعث ،عن
موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ،عن أبيه عن آبائه عليهم السلم
قال :قال رسول ال صلى ال عليه واله :الرفق كرم ،والحلم زين ،والصبر
خير مركب.
) (1قد مر الحديث مختصرا تحت الرقم 46من المالى.
][415
كلمة المصحح :بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل ،والصلة والسلم على رسول
ال ،محمد وآله امناء ال .وبعد :فمن سعادتي الخالدة -والشكر لواهبها
ومنعمها -أن وفقني ال العزيز لخدمة الدين القويم ،والخوض في تراثه
الذهبي الخالد القيم ،تحقيقا لثار الوحي والرسالة ،وتصحيحها وتبريزها
بصورة تناسب أدنى شأنها .وفي مقدمها هذه الموسوعة الكبرى بحار
النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار ،الباحث عن المعارف
السلمية ،الدائرة بين المسلمين ،فلله المن والشكر على توفيقه لذلك.
وهذا الجزء الذي نقدمه إلى القراء الكرام هو الجزء الثالث من المجلد
الخامس عشر وقد اعتمدنا في تصحيح الحاديث وتحقيقها على النسخة
المصححة المشهورة بكمباني بعد تخريجها من المصادر ،وتعيين موضع
النص منها ،إل في المصادر المخطوطة أما من الباب ) 38أعني الجزء
الثاني من المجلد الخامس عشر( فقد قابلناها على نسخة الصل أيضا
والنسخة لخزانة كتب الحبر الفاضل حجة السلم الحاج الشيخ حسن
المصطفوى دام إفضاله ،وسيأتي مزيد توضيح مع صورة فتوغرافية منها
في صدر الجزء التالي )الجزء (70من هذه الطبعة النفيسة الرائقة إنشاء
ال تعالى .نرجو من ال العزيز أن يوفقنا لتمام ذلك ويعيننا في إخراج
سائر أجزائه متواليا متواترا ،وأن يعصمنا عن الزلل والخطأ ،إنه ولي
العصمة والتوفيق .جمادى الثانية 1386محمد الباقر البهبودى
][416
بسمه تعالى إلى هنا انتهى الجزء الثالث من المجلد الخامس عشر وهو الجزء
السادس والستون حسب تجزئتنا يحتوي على أحد عشر بابا .ولقد بذلنا
الجهد في تصحيحه ومقابلته فخرج بعون الطهار ،الباحث عن المعارف
السلمية ،الدائرة بين المسلمين ،فلله المن والشكر على توفيقه لذلك.
وهذا الجزء الذي نقدمه إلى القراء الكرام هو الجزء الثالث من المجلد
الخامس عشر وقد اعتمدنا في تصحيح الحاديث وتحقيقها على النسخة
المصححة المشهورة بكمباني بعد تخريجها من المصادر ،وتعيين موضع
النص منها ،إل في المصادر المخطوطة أما من الباب ) 38أعني الجزء
الثاني من المجلد الخامس عشر( فقد قابلناها على نسخة الصل أيضا
والنسخة لخزانة كتب الحبر الفاضل حجة السلم الحاج الشيخ حسن
المصطفوى دام إفضاله ،وسيأتي مزيد توضيح مع صورة فتوغرافية منها
في صدر الجزء التالي )الجزء (70من هذه الطبعة النفيسة الرائقة إنشاء
ال تعالى .نرجو من ال العزيز أن يوفقنا لتمام ذلك ويعيننا في إخراج
سائر أجزائه متواليا متواترا ،وأن يعصمنا عن الزلل والخطأ ،إنه ولي
العصمة والتوفيق .جمادى الثانية 1386محمد الباقر البهبودى
][416
بسمه تعالى إلى هنا انتهى الجزء الثالث من المجلد الخامس عشر وهو الجزء
السادس والستون حسب تجزئتنا يحتوي على أحد عشر بابا .ولقد بذلنا
الجهد في تصحيحه ومقابلته فخرج بعون ال ومشيته نقيا من الغلط إل
نزرا زهيدا زاغ عنه البصر وحسر عنه النظر ،وبال العصمة والعتصام.
السيد ابراهيم الميانجى * محمد الباقر البهبودى