You are on page 1of 320

‫بحار النوار‬

‫العلمة المجلسي ج ‪66‬‬

‫]‪[1‬‬

‫بحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار تأليف العلم العلمة الحجة فخر‬
‫المة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي " قدس ال سره " الجزء‬
‫السادس والستون دار إحياء التراث العربي بيروت ‪ -‬لبنان الطبعة الثالثة‬
‫المصححة ‪‍ 1403‬ه ‪ 1983 -‬م دار احياء التراث العربي بيروت ‪ -‬لبنان ‪-‬‬
‫بناية كليوباترا ‪ -‬مثارع دكاش ‪ -‬ص‪ .‬ب ‪ 11 / 7957‬تلفون المستودع‪:‬‬
‫‪ - 278766 - 273032 - 274696‬المنزل ‪ 830717 - 830711‬برقيا‪:‬‬
‫التراث ‪ -‬تلكس ‪ 23644 /‬تراث‬

‫]‪[1‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪) * - 28‬باب( * * " )الدين الذى ل يقبل ال أعمال العباد‬
‫ال به( " * اليات‪ :‬البقرة‪ :‬وقولوا آمنا بال وما انزل إلينا وما انزل إلى‬
‫إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما اوتي موسى وعيسى‬
‫وما اوتي به النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون *‬
‫فان آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فانما هم في شقاق )‪.(1‬‬
‫أقول‪ :‬قد مر تفسيرها في الباب الول )‪ - 1 .(2‬ك‪ ،‬لى‪ :‬ابن موسى‬
‫والوراق معا‪ ،‬عن الصوفي‪ ،‬عن الروياني‪ ،‬عن عبد العظيم الحسني قال‪:‬‬
‫دخلت على سيدي علي بن محمد عليهما السلم فلما بصربي قال لي‪:‬‬
‫مرحبا بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقا‪ ،‬قال‪ :‬فقلت له‪ :‬يا ابن رسول ال إني‬
‫اريد أن أعرض عليك ديني‪ ،‬فان كان مرضيا ثبت عليه حتى ألقى ال‬
‫عزوجل‪ ،‬فقال‪ :‬هات يا أبا القاسم‪ ،‬فقلت‪ :‬إني أقول‪ :‬إن ال تبارك وتعالى‬
‫واحد ليس كمثله شئ خارج من الحدين حد البطال وحد التشبيه‪ ،‬وأنه‬
‫ليس بجسم ول صورة ول عرض ول جوهر بل هو مجسم الجسام‬
‫ومصور الصور وخالق العراض والجواهر‪ ،‬ورب كل شئ ومالكه وجاعله‬
‫ومحدثه‪ ،‬وإن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين‪ ،‬فل نبي بعده إلى‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .137 - 136 :‬راجع ج ‪ 67‬ص ‪.21 - 20‬‬

‫]‪[2‬‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وإن شريعته خاتمة الشرائع‪ ،‬فل شريعة بعدها إلى يوم القيامة‪،‬‬
‫وأقول‪ :‬إن المام والخليفة وولي المر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي‬
‫طالب عليه السلم ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن‬
‫علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن‬
‫علي ثم أنت يا مولي‪ .‬فقال عليه السلم‪ :‬ومن بعد الحسن ابني فكيف‬
‫للناس بالخلف من بعده‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬وكيف ذاك يا مولي ؟ قال‪ :‬لنه ل‬
‫يرى شخصه ول يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيمل الرض قسطا وعدل‬
‫كما ملئت جورا وظلما‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬أقررت وأقول‪ :‬إن وليهم ولي ال‪،‬‬
‫وعدوهم عدو ال‪ ،‬وطاعتهم طاعة ال‪ ،‬ومعصيتهم معصية ال‪ ،‬وأقول‪:‬‬
‫إن المعراج حق والمسألة في القبر حق‪ ،‬وإن الجنة حق‪ ،‬و النار حق‬
‫والصراط حق والميزان حق وأن الساعة آتية ل ريب فيها وأن ال يبعث‬
‫من في القبور‪ :‬وأقول‪ :‬إن الفرائض الواجبة بعد الولية الصلة والزكاة و‬
‫الصوم والحج والجهاد والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬فقال علي بن‬
‫محمد عليهما السلم‪ :‬يا با القاسم‪ ،‬هذا وال دين ال الذي ارتضاه لعباده‪،‬‬
‫فاثبت عليه‪ ،‬ثبتك ال بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الخرة )‪.(1‬‬
‫بيان‪ :‬حد البطال هو أن ل تثبت له صفة‪ ،‬وحد التشبيه أن تثبت له على‬
‫وجه يتضمن التشبيه بالمخلوقين‪ ،‬كما مر تحقيقه في كتاب التوحيد‪- 2 .‬‬
‫ما‪ :‬عن المفيد‪ ،‬عن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن‬
‫عيسى‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن أبان بن عثمان‪ ،‬عن إسماعيل الجعفي قال‪:‬‬
‫دخل رجل على أبي جعفر محمد بن علي عليه السلم ومعه صحيفة مسائل‬
‫شبه الخصومة‪ ،‬فقال له أبو جعفر عليه السلم‪ :‬هذه صحيفة مخاصم على‬
‫الدين الذي يقبل ال فيه العمل‪ ،‬فقال‪ :‬رحمك ال هذا الذي اريد فقال أبو‬
‫جعفر عليه السلم‪ :‬اشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬وأن محمدا‬
‫عبده ورسوله‪ ،‬وتقر بما جاء من عند ال‪ ،‬والولية لنا أهل البيت‪،‬‬
‫والبراءة من عدونا‪ ،‬والتسليم والتواضع والطمأنينة‪ ،‬وانتظار أمرنا فان‬

‫)‪ (1‬كمال الدين ط اسلمية ج ‪ 2‬ص ‪ 51‬أمالى الصدوق‪.204 :‬‬

‫]‪[3‬‬

‫لنا دولة إن شاء ال جاء بها )‪ .(1‬كا‪ :‬عن الحسين بن محمد‪ ،‬عن المعلى‪ ،‬عن‬
‫الوشاء‪ ،‬عن أبان مثله )‪ .(2‬بيان‪ :‬في الكافي " مخاصم سائل " أي مناظر‬
‫مجادل وما قيل‪ :‬إنه اسم‪ ،‬بعيد " اشهد " بصيغة المر وفي الكافي شهادة‬
‫" وتقر " أي وأن تقر وعلى ما في المالى يحتمل الحالية‪ ،‬وفي الكافي "‬
‫والتسليم لنا والورع والتواضع " وليس فيه و الطمأنينة‪ ،‬ولعل المراد بها‬
‫اطمينان القلب وعدم الضطراب عند الفتن وبالتواضع التواضع ل‬
‫ولوليائه أو العم " وانتظار أمرنا " وفي الكافي " قائمنا " وهذا‬
‫يتضمن القرار بوجوده وحياته وظهوره وعدم الشك فيه‪ ،‬والتسليم لغيبته‪،‬‬
‫وعدم العتراض فيها‪ ،‬والصبر على ما يلقى من الذى فيها‪ ،‬والتمسك بما‬
‫في يده من آثارهم والرجوع إلى رواة أخبارهم عليهم السلم وفي الكافي‬
‫إذا شاء وهو أظهر‪ - 3 .‬ما‪ :‬عن المفيد‪ ،‬عن الحسين بن أحمد بن أبي‬
‫المغيرة‪ ،‬عن حيدر بن محمد عن محمد بن عمر الكشي‪ ،‬عن جعفر بن‬
‫أحمد‪ ،‬عن أيوب بن نوح‪ ،‬عن نوح بن دراج‪ ،‬عن إبراهيم المخارقي قال‪:‬‬
‫وصفت لبي عبد ال جعفر بن محمد عليهما السلم ديني فقلت‪ :‬أشهد أن‬
‫ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬وأن محمدا صلى ال عليه وآله رسول‬
‫ال‪ ،‬وأن عليا إمام عدل بعده ثم الحسن والحسين ثم علي بن الحسين ثم‬
‫محمد بن على ثم أنت‪ ،‬فقال‪ :‬رحمك ال‪ .‬ثم قال‪ :‬اتقوا ال ! اتقوا ال !‬
‫اتقوا ال ! عليكم بالورع‪ ،‬وصدق الحديث‪ ،‬وأداء المانة‪ ،‬وعفة البطن‬
‫والفرج‪ :‬تكونوا معنا في الرفيق العلى )‪ - 4 .(3‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪،‬‬
‫عن ابن أبي الخطاب‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن حمزة ومحمد ابني حمران‬
‫قال‪ :‬اجتمعنا عند أبي عبد ال عليه السلم في جماعة من أجلة مواليه‪،‬‬
‫وفينا حمران بن أعين فخضنا في المناظرة‪ ،‬وحمران ساكت‪ ،‬فقال له‬

‫)‪ (1‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .182‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ ،23‬وفيه‪ :‬صحيفة‬


‫مخاصم يسأل عن الدين‪ (3) .‬أمالى الطوسى ج ‪.226 :2‬‬

‫]‪[4‬‬

‫أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬مالك ل تتكلم يا حمران ؟ فقال‪ :‬يا سيدى آليت على نفسي‬
‫)‪ (1‬أن ل أتكلم في مجلس تكون فيه فقال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إني قد‬
‫أذنت لك في الكلم فتكلم‪ ،‬فقال حمران‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال وحده ل‬
‫شريك له‪ ،‬لم يتخذ صاحبة ول ولدا خارج من الحدين حد التعطيل وحد‬
‫التشبيه وأن الحق القول بين القولين‪ ،‬ل جبر ول تفويض‪ ،‬وأن محمدا‬
‫عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره‬
‫المشركون‪ ،‬وأشهد أن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث بعد الموت حق‬
‫وأشهد أن عليا حجة ال على خلقه ل يسع الناس جهله‪ ،‬وأن حسنا بعده‪،‬‬
‫وأن الحسين من بعده‪ ،‬ثم على بن الحسين ثم محمد بن علي ثم أنت يا‬
‫سيدي من بعدهم‪ ،‬فقال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬الترتر حمران ]ثم قال‪ :‬يا‬
‫حمران[ مد المطمر بينك وبين العالم‪ ،‬قلت‪ :‬يا سيدي وما المطمر ؟ فقال‪:‬‬
‫أنتم تسمونه خيط البناء‪ ،‬فمن خالفك على هذا المر فهو زنديق فقال‬
‫حمران‪ :‬وإن كان علويا فاطميا ؟ فقال أبو عبد ال عليه السلم وإن كان‬
‫محمديا علويا فاطميا )‪ .(2‬بيان‪ " :‬فخضنا " أي شرعنا ودخلنا‪ ،‬وفي‬
‫القاموس‪ :‬التر بالضم الخيط يقدر به البناء وقال " المطمار " خيط للبناء‬
‫يقدر به كالمطمر انتهى‪ ،‬وهذا الخبر ينفي الواسطة بين اليمان والكفر‪،‬‬
‫فمن لم يكن إماميا صحيح العقيدة فهو كافر‪ - 5 .‬سن‪ :‬عن علي بن الحكم‪،‬‬
‫عن حسين بن سيف‪ ،‬عن معاذ بن مسلم قال‪ :‬أدخلت عمر أخي على أبي‬
‫عبد ال عليه السلم فقلت له‪ :‬هذا عمر أخي وهو يريد أن يسمع منك شيئا‬
‫فقال له‪ :‬سل ما شئت‪ ،‬فقال‪ :‬أسألك عن الذي ل يقبل ال من العباد غيره‬
‫ول يعذرهم على جهله‪ ،‬فقال‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬وأن محمدا رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله والصلوات الخمس‪ ،‬وصيام شهر رمضان‪ ،‬والغسل‬
‫من الجنابة‪ ،‬وحج البيت‪ ،‬والقرار بما جاء من عند ال جملة‪ ،‬واليتمام‬
‫بأئمة الحق من آل محمد‪ ،‬فقال عمر‪ :‬سمهم لي أصلحك ال‪ ،‬فقال‪ :‬علي‬
‫أمير المؤمنين والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد‬

‫)‪ (1‬أي حكمت عليها وألزمتها‪ (2) .‬معاني الخبار ص ‪.212‬‬

‫]‪[5‬‬

‫ابن علي والخير يعطيه ال من يشاء‪ .‬فقال له‪ :‬فأنت جعلت فداك ؟ قال‪ :‬يجري‬
‫لخرنا ما يجري لولنا‪ ،‬ولمحمد وعلي فضلهما‪ ،‬قال له‪ :‬فأنت ؟ قال‪ :‬هذا‬
‫المر يجري كما يجري الليل والنهار قال‪ :‬فأنت ؟ قال‪ :‬هذا المر يجري كما‬
‫يجري حد الزاني والسارق‪ ،‬قال‪ :‬فأنت جعلت فداك ؟ قال‪ :‬القرآن‪ ،‬نزل في‬
‫أقوام وهي تجري في الناس إلى يوم القيامة قال‪ :‬قلت‪ :‬جعلت فداك أنت‪،‬‬
‫لتزيدني على أمر )‪ - 6 .(1‬شى‪ :‬عن هشام بن عجلن قال‪ :‬قلت لبي عبد‬
‫ال عليه السلم‪ :‬أسألك عن شئ ل أسأل عنه أحدا بعدك أسألك عن اليمان‬
‫الذي ل يسع الناس جهله‪ ،‬فقال‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬وأن محمدا‬
‫رسول ال‪ ،‬والقرار بما جاء من عند ال‪ ،‬وإقام الصلة وإيتاء الزكاة وحج‬
‫البيت وصوم رمضان والولية لنا والبراءة من عدونا وتكون مع الصديقين‬
‫)‪ .(2‬بيان‪ " :‬وتكون مع الصديقين " أي إذا فعلت جميع ذلك تكون الخرة‬
‫مع الصديقين كما قال تعالى‪ " :‬اولئك مع الذين أنعم ال عليهم من النبيين‬
‫والصديقين " )‪ (3‬أو المعنى‪ :‬ومن اليمان الكون معهم ومتابعتهم كما قال‬
‫تعالى‪ " :‬وكونوا مع الصادقين " )‪ - 7 .(4‬كش‪ :‬عن جعفر بن أحمد بن‬
‫أيوب‪ ،‬عن صفوان‪ ،‬عن عمرو بن حريث‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬دخلت عليه وهو في منزل أخيه عبد ال بن محمد فقلت له‪ :‬جعلت‬
‫فداك ما حق لك جعلت فداك ما حق لك إلى هذا المنزل‪ ،‬قال‪ :‬طلب النزهة‪،‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬جعلت فداك أل أقص عليك ديني الذي أدين ]ال[ به قال‪ :‬بلى يا‬
‫عمرو قلت‪ :‬إني أدين ال بشهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬وأن محمدا عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬وأن الساعة آتية ل ريب فيها وأن ال يبعث من في القبور‪،‬‬
‫وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم شهر رمضان‪ ،‬وحج البيت من‬
‫استطاع إليه سبيل والولية لعلي بن أبي طالب‬

‫)‪ (1‬المحاسن ص ‪ .288‬وفيه‪ :‬هذا المر يجرى لخرنا كما يجرى لولنا‪(2) .‬‬
‫تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .117‬النساء‪ (4) .69 :‬براءة‪.120 :‬‬

‫]‪[6‬‬

‫أمير المؤمنين بعد رسول ال‪ ،‬والولية للحسن والحسين والولية لعلي بن الحسين‬
‫والولية لمحمد بن علي من بعده وأنتم أئمتي‪ ،‬عليه أحيى وعليه أموت‪،‬‬
‫وأدين ال به‪ ،‬قال‪ :‬يا عمرو ! هذا وال ديني ودين آبائي الذي ندين ال‬
‫به‪ ،‬في السر و العلنية‪ ،‬فاتق ال وكف لسانك إل من خير‪ ،‬ول تقل‪ :‬إني‬
‫هديت نفسي‪ ،‬بل هداك ال‪ ،‬فاشكر ما أنعم ال عليك‪ ،‬ول تكن ممن إذا أقبل‬
‫طعن في عينيه وإذا أدبر طعن في قفاه‪ ،‬ول تحمل الناس على كاهلك‪ ،‬فانه‬
‫يوشك إن حملت الناس على كاهلك أن يصدعوا شعب كاهلك )‪ .(1‬كا‪ :‬عن‬
‫علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬وأبي علي الشعري‪ ،‬عن محمد بن عبد الجبار جميعا عن‬
‫صفوان مثله )‪ .(2‬بيان‪ :‬في القاموس‪ :‬التنزه التباعد والسم النزهة‬
‫بالضم‪ ،‬ومكان نزه ككتف ونزيه وأرض نزهة بكسر الزاي ونزيهة بعيدة‬
‫عن الريف‪ ،‬وغمق المياه‪ ،‬وذبان القرى وومد البحار وفساد الهواء‪ ،‬نزه‬
‫ككرم وضرب نزاهة ونزاهية‪ ،‬والرحل تباعد عن كل مكروه فهو نزيه‪،‬‬
‫واستعمال التنزه في الخروج إلى البساتين والخضر والرياض غلط قبيح‪،‬‬
‫وهو بنزهة من الماء بالضم ببعد )‪ .(3‬وأقول‪ :‬كفى باستعماله عليه السلم‬
‫في هذا المعنى شاهدا على صحته وفصاحته وإن أمكن حمله على بعض‬
‫المعاني التي ذكرها مع أنهم عليهم السلم قد كانوا يتكلمون بعرف‬
‫المخاطبين ومصطلحاتهم تقريبا إلى أفهامهم وقال في المصباح‪ :‬قال ابن‬
‫السكيت في فصل ما تضعه العامة في غير موضعه خرجنا نتنزه إذا خرجوا‬
‫إلى البساتين‪ ،‬وإنما‬

‫)‪ (1‬رجال الكشى ص ‪ (2) .356‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ .23‬مع اختلف يسير‪(3) .‬‬
‫القاموس ج ‪ .294 :4‬والريف‪ :‬أرض فيها زرع وخصب‪ ،‬وقيل‪ :‬حيث‬
‫تكون الخضر والمياه‪ ،‬وغمق البحار‪ :‬نداه يعنى رطوبة الهواء‪ ،‬وذبان‬
‫جمع ذباب وهى في القرى لقذارة أرضها وهوائها أكثر منها في المدن‪،‬‬
‫وومد البحار‪ :‬نداها في صميم الحر تقع على الناس ليل‪.‬‬

‫]‪[7‬‬
‫التنزه التباعد من المياه والرياف وقال ابن قتيبة‪ :‬ذهب أهل العلم في قول الناس‬
‫خرجوا يتنزهون إلى البساتين أنه غلط‪ ،‬وهو عندي ليس بغلط لن‬
‫البساتين في كل بلد إنما تكون خارج البلد‪ ،‬فإذا أراد أحد أن يأتيها فقد أراد‬
‫البعد عن المنازل والبيوت‪ ،‬ثم كثر هذا حتى استعملت النزهة في الخضر‬
‫والجنان‪ .‬قوله " أدين به " في الكافي‪ " :‬أدين ال به " أي أ عبد ال‬
‫واطيعه بتلك العقائد والعمال‪ ،‬وفي الكافي " لمحمد بن علي ولك من بعده‬
‫وأنك أئمتي " قوله عليه السلم‪ " :‬في السر والعلنية " أي بالقلب‬
‫واللسان والجوارح‪ ،‬أو في الخلوة والمجامع مع عدم التقية " وكف لسانك‬
‫" تخصيص كف اللسان بالذكر بعد المر بالتقوى مطلقا لكون أكثر الشرور‬
‫منه‪ ،‬وفيه إشعار بالتقية أيضا " ول تقل إني هديت نفسي " أي ل تفسد‬
‫دينك بالعجب‪ ،‬واعلم أن الهداية من ال كما قال تعالى " قل ل تمنوا علي‬
‫إسلمكم بل ال يمن عليكم أن هداكم لليمان " )‪ (1‬وفي الكافي " بل ال‬
‫هداك فأد شكر ما أنعم ال عزوجل به عليك " " ول تكن ممن إذا أقبل "‬
‫أي كن من الخيار ليمدحك الناس في وجهك وقفاك ول تكن من الشرار‬
‫الذين يذمهم الناس في حضورهم وغيبتهم‪ ،‬أو أمر بالتقية من المخالفين‪،‬‬
‫أو بحسن المعاشرة مطلقا " ول تحمل الناس على كاهلك " أي ل تسلط‬
‫الناس على نفسك بترك التقية‪ ،‬أو ل تحملهم على نفسك بكثرة المداهنة‬
‫والمداراة معهم‪ ،‬بحيث تتضرر بذلك‪ ،‬كأن يضمن لهم أو يتحمل عنهم ما ل‬
‫يطيق أو يطمعهم في أن يحكم بخلف الحق أو يوافقهم فيما ل يحل‪ ،‬و هذا‬
‫أفيد وإن كان الول أظهر‪ ،‬في القاموس‪ :‬الكاهل كصاحب الحارك أو مقدم‬
‫أعلى الظهر مما يلي العنق‪ ،‬وهو الثلث العلى وفيه ست فقر‪ ،‬أو ما بين‬
‫الكتفين أو موصل العنق في الصلب‪ ،‬وقال‪ :‬الصدع الشق في شئ صلب‪،‬‬
‫وقال‪ :‬الشعب بالتحريك بعدما بين المنكبين‪ - 8 .‬كش‪ :‬عن جعفر بن أحمد‪،‬‬
‫عن جعفر بن بشير‪ ،‬عن أبي سلمة الجمال قال‪ :‬دخل خالد البجلي على أبي‬
‫عبد ال عليه السلم وأنا عنده فقال له‪ :‬جعلت فداك إني‬

‫)‪ (1‬الحجرات‪.18 :‬‬

‫]‪[8‬‬

‫اريد أن أصف لك ديني الذي أدين ال به‪ ،‬وقد قال له قبل ذلك‪ :‬إني اريد أن أسألك‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬سلني‪ ،‬فو ال ل تسألني عن شئ إل حدثتك به على حده ل أكتمه‪،‬‬
‫قال‪ :‬إن أول ما ابدي أني أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬ليس إله‬
‫غيره‪ ،‬قال‪ :‬فقال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬كذلك ربنا ليس معه إله غيره‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬قال‪ :‬فقال أبو عبد ال عليه‬
‫السلم‪ :‬كذلك محمد عبد ال مقر له بالعبودية ورسوله إلى خلقه‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫وأشهد أن عليا كان له من الطاعة المفروضة على العباد مثل ما كان‬
‫لمحمد صلى ال عليه وآله على الناس‪ ،‬فقال‪ :‬كذلك كان على عليه السلم‪،‬‬
‫قال‪ :‬وأشهد أنه كان للحسن بن علي عليه السلم من الطاعة الواجبة على‬
‫الخلق مثل ما كان لمحمد وعلى صلوات ال عليهما‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪ :‬كذلك كان‬
‫الحسن قال‪ :‬وأشهد أنه كان للحسين من الطاعة الواجبة على الخلق بعد‬
‫الحسن ما كان لمحمد وعلي والحسن‪ ،‬قال‪ :‬فكذلك كان الحسين‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وأشهد أن علي بن الحسين كان له من الطاعة الواجبة على جميع الخلق‬
‫كما كان للحسين عليه السلم قال‪ :‬فكذلك كان علي بن الحسين‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وأشهد أن محمد بن علي عليه السلم كان له من الطاعة الواجبة على‬
‫الخلق مثل ما كان لعلي بن الحسين‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪ :‬كذلك كان محمد بن علي‬
‫قال‪ :‬وأشهد أنك أورثك ال ذلك كله‪ ،‬قال‪ :‬فقال أبو عبد ال‪ :‬حسبك اسكت‬
‫الن‪ ،‬فقد قلت حقا‪ ،‬فسكت‪ .‬فحمد ال وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما بعث ال نبيا‬
‫له عقب وذرية إل أجرى لخرهم مثل ما أجرى لولهم‪ ،‬وإنا نحن ذرية‬
‫محمد صلى ال عليه وآله وقد أجرى لخرنا مثل ما أجرى لولنا‪ ،‬ونحن‬
‫على منهاج نبينا صلى ال عليه وآله لنا مثل ماله من الطاعة الواجبة )‪.(1‬‬
‫‪ - 9‬كش‪ :‬عن جعفر بن أحمد بن الحسين‪ ،‬عن داود‪ ،‬عن يوسف قال‪ :‬قلت‬
‫لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬أصف لك ديني الذي أدين ال به ؟ فان أكن على‬
‫حق فثبتني وإن أكن على غير الحق فردني إلى الحق قال‪ :‬هات‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬وأن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬وأن‬
‫عليا كان إمامي‬

‫)‪ (1‬رجال الكشى ص ‪.359‬‬

‫]‪[9‬‬

‫وأن الحسن كان إمامي‪ ،‬وأن الحسين كان إمامي‪ ،‬وأن علي بن الحسين كان إمامي‪،‬‬
‫وأن محمد بن علي كان إمامي‪ ،‬وأنت جعلت فداك على منهاج آبائك قال‪:‬‬
‫فقال عند ذلك مرارا‪ :‬رحمك ال ثم قال‪ :‬هذا وال دين ال ودين ملئكته‬
‫وديني ودين آبائي الذي ل يقبل ال غيره )‪ - 10 .(1‬كش‪ :‬عن جعفر‬
‫وفضالة‪ ،‬عن أبان‪ ،‬عن الحسن بن زياد العطار‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬قلت‪ :‬إني اريد أن أعرض عليك ديني وإن كنت في حسناتي‬
‫ممن قد فرغ من هذا‪ ،‬قال‪ :‬فاته‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬إني أشهد أن ل إله إل ال‬
‫وحده ل شريك له‪ ،‬وأن محمدا عبده ورسوله صلى ال عليه وآله واقر بما‬
‫جاء به من عند ال فقال لي مثل ما قلت‪ ،‬وأن عليا إمامي فرض ال‬
‫طاعته‪ ،‬من عرفه كان مؤمنا ومن جهله كان ضال‪ ،‬ومن رد عليه كان‬
‫كافرا‪ .‬ثم وصفت الئمة عليهم السلم حتى انتهيت إليه فقال‪ :‬ما الذي‬
‫تريد ؟ أتريد أن أتولك على هذا ؟ فاني أتولك على هذا )‪ (2‬بيان‪ " :‬وإن‬
‫كنت في حسناتي " أي بسبب أفعالي الحسنة ومتابعتي إياكم فيها‬
‫واطميناني بها محسوبا ممن فرغ من تصحيح اصول عقائده‪ ،‬وفرغ منها‪،‬‬
‫و الظاهر أنه كان " حسباني " أي ظني‪ - 11 .‬كتاب صفات الشيعة‪:‬‬
‫للصدوق رحمه ال باسناده‪ ،‬عن محمد بن عمارة عن أبيه قال قال الصادق‬
‫عليه السلم‪ :‬ليس من شيعتنا من أنكر أربعة أشياء‪ :‬المعراج‪ ،‬و المسألة‬
‫في القبر‪ ،‬وخلق الجنة والنار‪ ،‬والشفاعة‪ .‬وعن ابن عبدوس‪ ،‬عن ابن‬
‫قتيبة‪ ،‬عن الفضل‪ ،‬عن الرضا عليه السلم قال من أقر بتوحيد ال ونفي‬
‫التشبيه عنه‪ ،‬ونزهه عما ل يليق به‪ ،‬وأقر أن له الحول والقوة والرادة‬
‫والمشية‪ ،‬والخلق والمر‪ ،‬والقضاء والقدر‪ ،‬وأن أفعال العباد مخلوقة خلق‬
‫تقدير ل خلق تكوين‪ ،‬وشهد أن محمدا رسول ال صلى ال عليه وآله وأن‬
‫عليا والئمة بعده حجج ال‪ ،‬ووالى أولياءهم وعادى أعداءهم واجتنب‬
‫الكبائر‪ ،‬وأقر بالرجعة‬

‫)‪ (1‬رجال الكشى ص ‪ (2) .360‬رجال الكشى ص ‪ 361‬وفيه في حسباني‪.:‬‬

‫]‪[10‬‬

‫والمتعتين‪ ،‬وآمن بالمعراج‪ ،‬والمسألة في القبر‪ ،‬والحوض والشفاعة‪ ،‬وخلق الجنة‬


‫والنار‪ ،‬والصراط والميزان‪ ،‬والبعث والنشور‪ ،‬والجزاء والحساب‪ ،‬فهو‬
‫مؤمن حقا‪ ،‬وهو من شيعتنا أهل البيت )‪ - 12 .(1‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن أحمد‬
‫بن محمد بن خالد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عمن ذكره‪ ،‬عن محمد بن عبد الرحمان بن‬
‫أبي ليلى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إنكم ل تكونون‬
‫صالحين حتى تعرفوا‪ ،‬ول تعرفون حتى تصدقوا‪ ،‬ول تصدقون حتى‬
‫تسلموا أبوابا أربعة ل يصلح أولها إل بآخرها‪ ،‬ضل أصحاب الثلثة‪،‬‬
‫وتاهوا تيها بعيدا إن ال تبارك وتعالى ل يقبل إل العمل الصالح ول يتقبل‬
‫إل بالوفاء بالشروط والعهود ومن وفى ل بشروطه‪ ،‬واستكمل ما وصف‬
‫في عهده‪ ،‬نال مما عنده‪ ،‬واستكمل وعده‪ ،‬إن ال عزوجل أخبر العباد‬
‫بطرق الهدى‪ ،‬وشرع لهم فيها المنار‪ ،‬و أخبرهم كيف يسلكون‪ ،‬فقال‪" :‬‬
‫وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " وقال‪ " :‬إنما يتقبل‬
‫ال من المتقين " )‪ (2‬فمن اتقى عزوجل فيما أمره لقي ال عزوجل مؤمنا‬
‫بما جاء به محمد صلى ال عليه وآله‪ .‬هيهات هيهات فات قوم وماتوا قبل‬
‫أن يهتدوا فظنوا أنهم آمنوا وأشركوا من حيث ل يعلمون‪ ،‬إنه من أتى‬
‫البيوت من أبوابها اهتدى‪ ،‬ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردى‪ ،‬وصل‬
‫ال طاعة ولي أمره بطاعة رسوله‪ ،‬وطاعة رسوله بطاعته‪ ،‬فمن ترك‬
‫طاعة ولة المر لم يطع ال ول رسوله‪ ،‬وهو القرار بما نزل من عند ال‬
‫" خذوا زينتكم عند كل مسجد " )‪ (3‬والتمسوا البيوت التي " أذن ال أن‬
‫ترفع ويذكر فيها اسمه " فانه قد خبركم أنهم " رجال ل تلهيهم تجارة ول‬
‫بيع عن ذكر ال ‪ -‬عز وجل ‪ -‬وإقام الصلة وإيتاء الزكاة يخافون يوما‬
‫تتقلب فيه القلوب والبصار " )‪ .(4‬إن ال قد استخلص الرسل لمره‪ ،‬ثم‬
‫استخلصهم مصدقين لذلك في نذره‬

‫)‪ (1‬صفات الشيعة ص ‪ (2) .189‬طه‪ ،82 :‬والمائدة‪ 37 :‬على الترتيب‪(3) .‬‬
‫العراف‪ (4) .31 :‬النور‪ 36 :‬و ‪37‬‬

‫]‪[11‬‬

‫فقال " وإن من امة إل خلفيها نذير " )‪ (1‬تاه من جهل واهتدى من أبصر وعقل‬
‫إن ال عزوجل يقول‪ " :‬فانها ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في‬
‫الصدور " )‪ (2‬وكيف يهتدي من لم يبصر‪ ،‬وكيف يبصر من لم ينذر‪.‬‬
‫اتبعوا رسول ال صلى ال عليه وآله وأقروا بما أنزل ال عزوجل‪ ،‬واتبعوا‬
‫آثار الهدى فانها علمات المانة والتقى‪ ،‬واعلموا أنه لو أنكر رجل عيسى‬
‫بن مريم وأقر بمن سواه من الرسل لم يؤمن‪ ،‬اقتصوا الطريق بالتماس‬
‫المنار‪ ،‬والتمسوا من وراء الحجب الثار تستكملوا أمر دينكم‪ ،‬وتؤمنوا‬
‫بال ربكم )‪ .(3‬بيان‪ :‬قد مضى الخبر في كتاب المامة )‪ (4‬وشرحناه هناك‬
‫ونوضح هنا بعض التوضيح " حتى تعرفوا " قيل أي إمام الزمان " حتى‬
‫تصدقوا " أي المام وتعده صادقا فيما يقول‪ " :‬حتى تسلموا أبوابا أربعة‬
‫" قد مضى الكلم في البواب مفصل وقال المحدث السترابادي رحمه ال‪:‬‬
‫إشارة إلى القرار بال‪ ،‬والقرار برسوله والقرار بما جاء به الرسول‬
‫صلى ال عليه وآله والقرار بتراجمة ما جاء به الرسول صلى ال عليه‬
‫وآله‪ .‬والتيه التحير والذهاب عن الطريق القصد‪ ،‬يقال‪ :‬تاه في الرض إذا‬
‫ذهب متحيرا كما في القاموس‪ " :‬إن ال أخبر العباد " تفصيل لما أجمل‬
‫عليه السلم سابقا وبيان للبواب و الشروط والعهود المذكورة " وا ؟ ار‬
‫" جمع منارة على غير قياس يعني موضع النور ومحله‪ .‬وقيل‪ :‬كنى‬
‫بالمنار عن الئمة فانها صيغة جمع على ما صرح به ابن الثير في نهايته‪،‬‬
‫وبتقوى ال فيما أمره عن الهتداء إلى المام والقتداء به‪ ،‬وباتيان أبوابها‬
‫عن الدخول في المعرفة من جهة المام عليه السلم انتهى‪ " .‬واستكمل‬
‫وعده " أي استحق وعده كامل كما قال تعالى " أوفوا بعهدي اوف‬
‫بعهدكم " )‪ " (5‬مات قوم " فيما مضى " فات قوم " وهو أظهر أي فاتوا‬
‫عنا‪ ،‬ولم ‪-‬‬
‫)‪ (1‬فاطر ‪ (2) 28‬الحج‪ (3) .46 :‬الكافي ج ‪ (4) .47 :2‬مضى شطر منه في ج‬
‫‪ 23‬ص ‪ 96‬من هذه الطبعة‪ (5) .‬البقرة‪.40 :‬‬

‫]‪[12‬‬

‫يبايعونا أو ماتوا فالثاني تأكيد " من أتى البيوت " أي بيوت اليمان والعلم‬
‫والحكمة " من أبوابها " وهم الئمة إشارة إلى تأويل قوله تعالى " وأتوا‬
‫البيوت من أبوابها " )‪ " .(1‬وصل ال " إشارة إلى قوله تعالى "‬
‫وأطيعوا ال وأطيعوا الرسول واولي المر منكم " )‪ (2‬وقوله‪ " :‬أطيعوا‬
‫ال ورسوله " )‪ (3‬وقوله " ومن يطع الرسول فقد أطاع ال " )‪" (4‬‬
‫خذوا زينتكم " إما بيان لما نزل‪ ،‬أو استيناف‪ ،‬وأول عليه السلم الزينة‬
‫بمعرفة المام والمسجد بمطلق العبادة‪ ،‬والبيوت ببيوت أهل العصمة سلم‬
‫ال عليهم‪ ،‬والرجال بهم عليهم السلم والمراد بعدم إلهائهم التجارة والبيع‬
‫عن ذكر ال أنهم يجمعون بين ذين وذاك ل أنهم يتركونهما رأسا كما ورد‬
‫النص عليه في خبر آخر‪ .‬قوله عليه السلم‪ " :‬ثم استخلصهم " الضمير‬
‫راجع إلى ولة المر‪ ،‬و " ذلك " إشارة إلى المر‪ ،‬أي استخلص واصطفى‬
‫الوصياء حال كونهم مصدقين لمر الرسالة في النذر‪ ،‬وهم الرسل فقوله‬
‫" في نذره " متعلق بقوله‪ " :‬مصدقين " ويحتمل أن يكون " في نذره "‬
‫أيضا حال أي حال كونهم مندرجين في النذر‪ ،‬ويمكن أن يكون ضمير‬
‫استخلصهم راجعا إلى الرسل أي ثم بعد إرسال الرسل‪ ،‬استخلصهم وأمرهم‬
‫بأن يصدقوا أمر الخلفة في النذر بعدهم‪ ،‬وهم الوصياء عليهم السلم‬
‫وقيل‪ " :‬ثم " للتراخي في الرتبة‪ ،‬دون الزمان‪ ،‬يعني وقع ذلك‬
‫الستخلص لهم حال كونهم مصدقين لذلك الستخلص في سائر نذره‬
‫أيضا بمعنى تصديق كل منهم لذلك في الباقين واستشهد على استمرارهم‬
‫في النذار بقوله تعالى " وإن من امة إل خلفيها نذير " ثم بين وجوب‬
‫النذير ووجوب معرفته بتوقف الهتداء على البصار‪ ،‬وتوقف البصار‬
‫على النذار‪ ،‬وتوقف النذار على وجوب النذير ومعرفته‪ ،‬وأشار بآثار‬
‫الهدى إلى الئمة عليهم السلم‪ .‬وفي بعض النسخ " ابتغوا آثار الهدى "‬
‫بتقديم الموحدة على المثناة والغين المعجمة ونبه بقوله " لو أنكر رجل‬
‫عيسى عليه السلم " على وجوب اليمان بهم جميعا من غير تخلف‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .182 :‬النساء‪ (3) .59 :‬النفال‪ (4) .20 :‬النساء‪.80 .‬‬

‫]‪[13‬‬
‫عن أحد منهم‪ ،‬ثم كرر الوصية بالقتداء بهم معلل بأنهم منار طريق ال‪ ،‬وأمر‬
‫بالتماس آثارهم إن لم يتيسر الوصول إليهم‪ - 13 .‬محص‪ :‬عن المفضل‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال ال عزوجل افترضت على عبادي‬
‫عشرة فرائض إذا عرفوها أسكنتهم ملكوتي‪ ،‬وأبحتهم جناني أولها‬
‫معرفتي‪ ،‬والثانية معرفة رسولي إلى خلقي والقرار به والتصديق له‪،‬‬
‫والثالثة معرفة أوليائي وأنهم الحجج على خلقي‪ ،‬من والهم فقد والني‬
‫ومن عاداهم فقد عاداني‪ ،‬وهم العلم فيما بيني وبين خلقي‪ ،‬ومن أنكرهم‬
‫أصليته ناري‪ ،‬وضاعفت عليه عذابي‪ ،‬والرابعة معرفة الشخاص الذين‬
‫اقيموا من ضياء قدسي‪ ،‬وهم قوام قسطي‪ ،‬والخامسة معرفة القوام‬
‫بفضلهم والتصديق لهم‪ ،‬والسادسة معرفة عدوي إبليس وما كان من ذاته‬
‫وأعوانه‪ ،‬والسابعة قبول أمري والتصديق لرسلي‪ ،‬والثامنة كتمان سري‬
‫وسر أوليائي‪ ،‬والتاسعة تعظيم أهل صفوتي والقبول عنهم‪ ،‬والرد إليهم‬
‫فيما اختلفتم فيه‪ ،‬حتى يخرج الشرح منهم‪ ،‬والعاشرة أن يكون هو وأخوه‬
‫في الدين والدنيا شرعا سواء‪ ،‬فإذا كانوا كذلك أدخلتهم ملكوتي‪ ،‬وآمنتهم‬
‫من الفزع الكبر وكانوا عندي في عليين‪ .‬بيان‪ :‬كأن الفرق بين الثالثة‬
‫والرابعة أن الولى في الحجج الموجودين وقت الخطاب كعلي والسبطين‬
‫عليهم السلم والثانية في الئمة بعدهم‪ ،‬أو الولى في سائر النبياء‬
‫والوصياء‪ ،‬والثانية في أئمتنا عليهم السلم‪ - 14 .‬دعوات الراوندي‪ :‬عن‬
‫أبي الجارود قال‪ :‬قلت لبي جعفر عليه السلم‪ :‬إني امرؤ ضرير البصر‪،‬‬
‫كبير السن‪ ،‬والشقة فيما بيني وبينكم بعيدة‪ ،‬وأنا اريد أمرا أدين ال به‬
‫وأحتج به وأتمسك به‪ ،‬وابلغه من خلفت‪ ،‬قال‪ :‬فأعجب بقولي واستوى‬
‫جالسا فقال‪ :‬كيف قلت يا أبا الجارود ؟ رد علي‪ ،‬قال‪ :‬فرددت عليه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫نعم يا أبا الجارود‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬وأن محمدا‬
‫عبده ورسوله‪ ،‬وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم شهر رمضان‪ ،‬وحج‬
‫البيت‬

‫]‪[14‬‬

‫وولية ولينا وعداوة عدونا‪ ،‬والتسليم لمرنا‪ ،‬وانتظار قائمنا‪ ،‬والورع والجتهاد‪.‬‬
‫‪ - 15‬كا‪ :‬بإسناده عن أبي الجارود قال‪ :‬قلت لبي جعفر عليه السلم‪ :‬يا‬
‫ابن رسول ال هل تعرف مودتي لكم وانقطاعي إليكم وموالتي إياكم ؟ قال‪:‬‬
‫فقال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬فاني أسألك مسألة تجيبني فيها فاني مكفوف‬
‫البصر‪ ،‬قليل المشي ل أستطيع زيارتكم كل حين‪ ،‬قال‪ :‬هات حاجتك ! قلت‪:‬‬
‫أخبرني بدينك الذي تدين ال عزوجل به أنت وأهل بيتك‪ ،‬ل دين ال‬
‫عزوجل به‪ ،‬قال‪ :‬إن كنت أقصرت الخطبة‪ ،‬فقد أعظمت المسألة‪ ،‬وال‬
‫لعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين ال عزوجل به‪ :‬شهادة أن ل إله إل‬
‫ال‪ ،‬وأن محمدا رسول ال صلى ال عليه وآله والقرار بما جاء من عند‬
‫ال‪ ،‬والولية لوينا‪ ،‬والبراءة من عدونا والتسليم لمرنا وانتظار قائمنا‪،‬‬
‫والجتهاد والورع )‪ .(1‬بيان‪ " :‬أقصرت الخطبة " الظاهر أن الخطبة بضم‬
‫الخاء أي ما يتقدم من الكلم المناسب قبل إظهار المطلوب‪ ،‬وكأنه عليه‬
‫السلم عد خطبته قصيرة مع طولها إعظاما للمسألة وإيذانا بأن هذا‬
‫المقصود الجليل يستدعي أطول من ذلك من الخطبة وقيل‪ :‬إقصاره إياها‬
‫اكتفاؤه بالستفهام من غير بيان وإعلم‪ ،‬ومنهم من قرأ الخطبة بالكسر‬
‫مستعارة من خطبة النساء وهو تكلف قال في النهاية في الحديث إن‬
‫أعرابيا جاءه فقال‪ :‬علمني عمل يدخلني الجنة‪ ،‬فقال‪ :‬لئن كنت أقصرت‬
‫الخطبة لقد أعرضت المسألة أي جئت بالخطبة قصيرة وبالمسألة عريضة‪،‬‬
‫يعني قللت الخطبة وأعظمت المسألة‪ " .‬والتسليم لمرنا " أي الرضا قلبا‬
‫بما يصدر عنهم قول وفعل من اختيارهم المهادنة أو القتال أو الظهور أو‬
‫الغيبة وسائر ما يصدر عنهم مما تعجز العقول عن إدراكه‪ ،‬والفهام عن‬
‫استنباط علته كما قال تعالى‪ " :‬فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما‬
‫شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " )‬
‫‪(2‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .21‬النساء‪.65 :‬‬

‫]‪[15‬‬

‫والجتهاد بذل الجهد في الطاعات‪ ،‬والورع الجتناب عن المعاصي‪ ،‬بل الشبهات‬


‫والمكروهات‪ - 16 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن صالح بن السندي‪ ،‬عن‬
‫جعفر بن بشير عن علي بن أبي حمزة‪ ،‬عن أبي بصير قال‪ :‬سمعته يسأل‬
‫أبا عبد ال عليه السلم فقال له‪ :‬جعلت فداك أخبرني عن الدين الذي‬
‫افترض ال عزوجل على العباد مال يسعهم جهله‪ ،‬ول يقبل منهم غيره ما‬
‫هو ؟ فقال‪ :‬أعد علي فأعاد عليه‪ ،‬فقال‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬وأن‬
‫محمدا رسول ال‪ ،‬وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وحج البيت من استطاع‬
‫إليه سبيل‪ ،‬وصوم شهر رمضان‪ ،‬ثم سكت قليل ثم قال‪ :‬والولية مرتين ثم‬
‫قال‪ :‬هذا الذي فرض ال عزوجل على العباد ل يسأل الرب العباد يوم‬
‫القيامة فيقول‪ :‬أل زدتني على ما افترضت عليكم‪ ،‬ولكن من زاد زاده ال‪،‬‬
‫إن رسول ال سن سننا حسنة جميلة ينبغي للناس الخذ بها )‪ .(1‬توضيح‪:‬‬
‫قوله " مال يسعهم " عطف بيان للدين أو مبتدأ و " ما هو " خبره قوله‬
‫" أعد علي " كأن المر بالعادة لسماع الحاضرين وإقبالهم إليه‪ ،‬أو‬
‫لظهار حسن الكلم والتلذذ بسماعه‪ ،‬وكأنه يدخل في شهادة التوحيد ما‬
‫يتعلق بمعرفة ال من صفات ذاته وصفات فعله‪ ،‬وفي شهادة الرسالة ما‬
‫يتعلق بمعرفة النبياء وصفاتهم‪ ،‬و كذا القرار بالمعاد داخل في الولى أو‬
‫في الثانية‪ ،‬لخبار النبي بذلك‪ ،‬و " إقام الصلة " حذفت التاء للختصار‪،‬‬
‫وقيل المراد باقامتها إدامتها‪ ،‬وقيل‪ :‬فعلها على ما ينبغي‪ ،‬وقيل‪ :‬فعلها في‬
‫أفضل أوقاتها‪ ،‬وقيل‪ :‬جاء على عرف القرآن في التعبير من فعل الصلة‬
‫بلفظ القامة دون أخواتها‪ ،‬وذلك لما اختصت به من كثرة ما يتوقف عليه‬
‫من الشرايط والفرائض والسنن والفضائل‪ ،‬وإقامتها إدامة فعلها مستوفاة‬
‫جميع ذلك‪ .‬أقول‪ :‬ويمكن أن تكون ذكر القامة لتشبيه الصلة من اليمان‬
‫بمنزلة العمود من الفسطاط‪ ،‬كما ورد في الخبر‪ ،‬وإنما لم يذكر الجهاد لنه‬
‫ل يجب‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪.22 :2‬‬

‫]‪[16‬‬

‫إل مع المام‪ ،‬فهو تابع للولية مندرج تحتها‪ ،‬أو لعدم تحقق شرط وجوبه في ذلك‬
‫الزمان‪ ،‬قوله‪ " :‬مرتين " أي كرر الولية تأكيدا‪ .‬قوله عليه السلم‪" :‬‬
‫هذا الذي فرض ال على العباد " أي علم فرضها ضرورة من الدين "‬
‫فيقول أل زدتني " أل بالتشديد حرف تحضيض وإذا دخل على الماضي‬
‫يكون للتعيير والتنديم‪ ،‬وكأن المعنى أنه ل يسأل عن شئ سوى هذه من‬
‫جنسها‪ ،‬كما أنه من أتى بالصلوات الخمس ل يسأل ال عن النوافل‪ ،‬ومن‬
‫أتى بالزكاة الواجبة ل يسأل عن الصدقات المستحبة وهكذا‪) * 29 .‬باب( *‬
‫* " أدنى ما يكون به العبد مؤمنا " * * " وأدنى ما يخرجه عنه " * ‪- 1‬‬
‫مع‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن الحسين بن سعيد‬
‫عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن حماد بن عثمان‪ ،‬عن جعفر الكناسي قال‪ :‬قلت لبي‬
‫‪ -‬عبد ال عليه السلم‪ :‬ما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا ؟ قال‪ :‬يشهد أن ل‬
‫إله إل ال‪ ،‬و أن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬ويقر بالطاعة‪ ،‬ويعرف إمام زمانه‪،‬‬
‫فإذا فعل ذلك فهو مؤمن )‪ - 2 .(1‬مع‪ :‬بالسناد المتقدم‪ ،‬عن ابن عيسى‪،‬‬
‫عن ابن معروف‪ ،‬عن حماد بن عيسى‪ ،‬عن حريز‪ ،‬عن ابن مسكان‪ ،‬عن‬
‫أبي الربيع قال‪ :‬قلت‪ :‬ما أدنى ما يخرج به الرجل من اليمان ؟ قال الرأي‬
‫يراه مخالفا للحق فيقيم عليه )‪ .(2‬بيان‪ " :‬الرأي يراه " أي في اصول‬
‫الدين أو العم عمدا أو العم مع تقصير وعلى كل تقدير يحمل اليمان‬
‫على معنى من المعاني المتقدمة‪ - 3 .‬كتاب سليم بن قيس‪ :‬قال أتى أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم رجل فقال له‪ :‬يا أمير المؤمنين ما أدنى ما يكون به‬
‫الرجل مؤمنا ؟ وأدنى ما يكون به كافرا ؟ و‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬معاني الخبار‪.393 :‬‬


‫]‪[17‬‬

‫وأدنى ما يكون به ضال قال‪ :‬سألت فاسمع الجواب‪ ،‬أدنى ما يكون به مؤمنا أن‬
‫يعرفه ال نفسه فيقر له بالربوبية والوحدانية‪ ،‬وأن يعرفه نبيه فيقر له‬
‫بالنبوة وبالبلغة‪ ،‬وأن يعرفه حجته في أرضه وشاهده على خلقه فيقر له‬
‫بالطاعة‪ ،‬قال‪ :‬يا أمير المؤمنين وإن جهل جميع الشياء غير ما وصفت ؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬إذا أمر أطاع وإذا نهى انتهى‪ ،‬وأدنى ما يكون به كافرا أن يتدين‬
‫بشئ فيزعم أن ال أمره به ما نهى ال عنه‪ ،‬ثم ينصبه فيتبرأ ويتولى‪،‬‬
‫ويزعم أنه يعبد ال الذي أمره به )‪ (1‬وأدنى ما يكون به ضال أن ل يعرف‬
‫حجة ال في أرضه وشاهده على خلقه‪ ،‬الذي أمر ال بطاعته وفرض‬
‫وليته‪ ،‬قال‪ :‬يا أمير المؤمنين سمهم لي‪ ،‬قال‪ :‬الذين قرنهم ال بنفسه‬
‫ونبيه‪ .‬فقال‪ " :‬أطيعوا ال وأطيعوا الرسول واولي المر منكم " )‪ (2‬قال‪:‬‬
‫أوضحهم لي‪ ،‬قال‪ :‬الذين قال رسول ال في آخر خطبة خطبها ثم قبض من‬
‫يومه " إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما‪ ،‬كتاب ال‬
‫وأهل بيتي فان اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي‬
‫الحوض كهاتين إصبعي‪ ،‬فتمسكوا بهما ل تضلوا‪ ،‬ول تقدموهم فتهلكوا‪،‬‬
‫ول تخلفوا عنهم فتفرقوا ول تعلموهم فهم أعلم منكم )‪ .(3‬كا‪ :‬عن علي‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن حماد بن عيسى‪ ،‬عن إبراهيم بن عمر اليماني عن ابن اذينة‪،‬‬
‫عن أبان بن أبي عياش‪ ،‬عن سليم مثله )‪ (4‬بأدنى تغيير‪.‬‬

‫)‪ (1‬زاد في الكافي بعده‪ :‬وانما يعبد الشيطان‪ (2) .‬النساء‪ (3) .59 :‬كتاب سليم‪:‬‬
‫‪ (4) .86‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.414‬‬

‫]‪[18‬‬

‫‪) * - 30‬باب( * * " )ان العمل جزء اليمان‪ ،‬وأن اليمان( " * * " )مبثوث على‬
‫الجوارح( " * اليات‪ :‬البقرة‪ :‬وما كان ال ليضيع إيمانكم وقال تعالى‪:‬‬
‫ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بال‬
‫واليوم الخر و الملئكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي‬
‫القربى إلى قوله‪ :‬اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون )‪ .(1‬آل عمران‪:‬‬
‫ول على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيل ومن كفر فان ال غني‬
‫عن العالمين )‪ .(2‬فاطر‪ :‬إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه )‬
‫‪ .(3‬تفسير‪ " :‬وما كان ال ليضيع إيمانكم " أي صلتكم كما سيأتي‬
‫واستدل به على أن العمل جزء اليمان‪ ،‬وقال البيضاوي‪ :‬أي ثباتكم على‬
‫اليمان وقيل‪ :‬إيمانكم بالقبلة المنسوخة أو صلتكم إليها‪ ،‬لما روي أنه‬
‫عليه السلم لما وجه إلى الكعبة قالوا‪ :‬كيف بمن مات يا رسول ال قبل‬
‫التحويل من إخواننا ؟ فنزلت )‪ " (4‬ولكن البر من آمن " أي بر من آمن‪،‬‬
‫أو المراد بالبر البار‪ ،‬ومقابلة اليمان بالعمال تدل على المغايرة‪ ،‬وآخرها‬
‫حيث قال‪ " :‬اولئك الذين صدقوا " أي في دعوى اليمان أو فيما التزموه‬
‫وتمسكوا به‪ ،‬يومئ إلى الجزئية أو الشتراط‪ ،‬واليات الدالة على الطرفين‬
‫كثيرة مفرقة على البواب وسنتكلم عليها إنشاء ال‪ .‬وقوله‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ 143 :‬و ‪ (2) .176‬آل عمران‪ (3) .97 :‬فاطر‪ (4) .10 :‬تفسير‬
‫البيضاوى ص ‪.44‬‬

‫]‪[19‬‬

‫سبحانه " ومن كفر " يدل على دخول العمال في اليمان‪ ،‬حيث عد ترك الحج‬
‫كفرا‪ ،‬وإن أوله بعضهم بحمله على جحد فرض الحج أو حمل الكفر على‬
‫كفران النعمة‪ ،‬فان ترك المأمور به كفران لنعمة المر‪ " .‬إليه يصعد الكلم‬
‫الطيب " قيل‪ :‬المراد به العقائد الحقة‪ ،‬وقيل‪ :‬كلمة التوحيد وقيل‪ :‬كل قول‬
‫حسن‪ ،‬والصعود كناية عن القبول من صاحبه والثابة عليه " والعمل‬
‫الصالح يرفعه " يحتمل وجهين أحدهما إرجاع المرفوع إلى العمل‪،‬‬
‫والمنصوب إلى الكلم أي العمل الصالح يوجب رفع العقائد وصحتها أو‬
‫كمالها وقبولها‪ ،‬و ثانيهما العكس أي العقائد الحقه شرائط لصحة العمال‪،‬‬
‫وعلى الوجه الول يناسب الباب‪ ،‬وقد يقال‪ :‬المرفوع راجع إلى ال‬
‫والمنصوب إلى العمل ‪ - 1‬كنز الكراجكى‪ :‬عن أحمد بن محمد بن شاذان‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن الحسن ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن محمد بن‬
‫زياد‪ ،‬عن المفضل بن عمر‪ ،‬عن يونس بن يعقوب‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬ملعون ملعون من قال‪ :‬اليمان قول بل عمل‪ - 2 .‬كا‪ :‬عن‬
‫محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل‪ ،‬عن محمد‬
‫ابن الفضيل‪ ،‬عن أبي الصباح الكناني‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قيل‬
‫لمير المؤمنين‪ :‬من شهد أن ل إله إل ال‪ ،‬وأن محمدا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله كان مؤمنا ؟ قال‪ :‬فأين فرائض ال قال‪ :‬وسمعته يقول‪ :‬كان‬
‫على عليه السلم يقول‪ :‬لو كان اليمان كلما لم ينزل فيه صوم ول صلة‬
‫ول حلل ول حرام‪ ،‬قال‪ :‬وقلت لبي جعفر عليه السلم‪ :‬إن عندنا قوما‬
‫يقولون‪ :‬إذا شهد أن ل إله إل ال‪ ،‬وأن محمدا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله فهو مؤمن‪ ،‬قال‪ :‬فلم يضربون الحدود ؟ ولم يقطع أيديهم ؟ وما خلق‬
‫ال عزوجل خلقا أكرم على ال عزوجل من مؤمن لن الملئكة خدام‬
‫المؤمنين‪ ،‬وإن جوار ال للمؤمنين‪ ،‬وإن الجنة للمؤمنين وإن الحوار العين‬
‫للمؤمنين‪ ،‬ثم قال‪ :‬فما بال من جحد الفرائض كان كافرا )‪ (1‬بيان‪ :‬قوله‬
‫عليه السلم " فأين فرائض ال " أقول حاصله أن اليمان الذي هو سبب‬
‫لرفع الدرجات‪ ،‬والتخلص من العقوبات في الدنيا والخرة‪ ،‬ليس محض‬
‫العقائد‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.33‬‬

‫]‪[20‬‬

‫وإل لم يفرض ال الفرائض‪ ،‬ولم يتوعد على المعاصي‪ ،‬وأيضا ما ورد في اليات و‬
‫الخبار من كرامة المؤمنين‪ ،‬ودرجاتهم ومنازلهم‪ ،‬ينافي إجراء الحدود‬
‫عليهم‪ ،‬و إذللهم وإهانتهم‪ ،‬فلبد من خروجهم عن اليمان حين‬
‫استحقاقهم تلك العقوبات قوله " فما بال من جحد " لعل المعنى أنه لو كان‬
‫اليمان محض التكلم بالشهادتين أو العتقاد بهما كما تزعمون‪ ،‬لم يكن‬
‫جحد الفرائض موجبا للكفر‪ ،‬مع أنكم توافقوننا في ذلك‪ ،‬لورود الخبار‬
‫فيه‪ ،‬فلم ل تقولون بعدم إيمان تاركي الفرائض و مرتكبي الكبائر أيضا مع‬
‫ورود الخبار الكثيرة فيها أيضا‪ ،‬وقيل‪ :‬المراد بجحد الفرائض تركها عمدا‬
‫من غير عذر‪ ،‬فانه يؤذن بالستخفاف والجحد‪ .‬قال الشهيد الثاني رفع ال‬
‫درجته في بيان حقيقة الكفر‪ :‬عرفه جماعة بأنه عدم اليمان عما من شأنه‬
‫أن يكون مؤمنا‪ ،‬سواء كان ذلك العدم بضد أول بضد فبالضد كأن يعتقد‬
‫عدم الصول التي بمعرفتها يتحقق اليمان‪ ،‬أو عدم شئ منها وبغير الضد‬
‫كالخالي من العتقادين أي اعتقاد ما به يتحقق اليمان‪ ،‬واعتقاد عدمه‪،‬‬
‫وذلك كالشاك أو الخالي بالكلية كالذي لم يقرع سمعه شئ من المور التي‬
‫يتحقق اليمان بها‪ ،‬ويمكن إدخال الشاك في القسم الول إذ الضد يخطر‬
‫بباله‪ ،‬وإل لما صار شاكا‪ .‬واعترض عليه بأن الكفر قد يتحقق مع التصديق‬
‫بالصول المعتبرة في اليمان كما إذا ألقى إنسان المصحف في القاذورات‬
‫عامدا أو وطئه كذلك‪ ،‬أو ترك القرار باللسان جحدا وحينئذ فينتقض حد‬
‫اليمان منعا وحد الكفر جمعا‪ .‬واجيب تارة بأنا ل نسلم بقاء التصديق‬
‫لفاعل ذلك‪ .‬ولو سلمنا يجوز أن يكون الشارع جعل وقوع شئ من ذلك‬
‫علمة وأمارة على تكذيب فاعل ذلك‪ ،‬و عدم تصديقه‪ ،‬فيحكم بكفره عند‬
‫صدور ذلك منه‪ ،‬وهذا كما جعل القرار باللسان علمة على الحكم‬
‫باليمان‪ ،‬مع أنه قد يكون كافرا في نفس المر‪ ،‬وتارة بأنه يجوز أن يكون‬
‫الشارع حكم بكفره ظاهرا عند صدور شئ من ذلك حسما لمادة جرأة‬
‫المكلفين على انتهاك حرماته‪ ،‬وتعدي حدوده‪ ،‬وإن كان التصديق في نفس‬

‫]‪[21‬‬
‫المر حاصل‪ ،‬وغاية ما يلزم من ذلك جواز الحكم بكون شخص واحد مؤمنا و‬
‫كافرا‪ ،‬وهذا ل محذور فيه‪ ،‬لنا نحكم بكفره ظاهرا وإمكان إيمانه باطنا‬
‫فالموضوع مختلف فلم يتحقق اجتماع المتقابلين‪ ،‬ليكون محال‪ ،‬ونظير ذلك‬
‫ما ذكرناه من دللة القرار على اليمان‪ ،‬فيحكم به مع جواز كونه كافرا في‬
‫نفس المر‪ .‬وأقول أيضا‪ :‬إن النقض المذكور ل يرد على جامعية تعريف‬
‫الكفر وذلك لنه قد تبين أن العدم المأخوذ فيه أعم من أن يكون بالضد أو‬
‫غيره‪ ،‬وما ذكر من موارد النقض داخل في غير الضد كما ل يخفى وحينئذ‬
‫فجامعيته سالمة لصدقه على الموارد المذكورة‪ ،‬والناقض والمجيب غفل‬
‫عن ذلك‪ .‬ويمكن الجواب عن مانعية تعريف اليمان أيضا بأن نقول‪ :‬من‬
‫عرف اليمان بالتصديق المذكور‪ ،‬جعل عدم التيان بشئ من موارد النقض‬
‫شرطا في اعتبار ذلك التصديق شرعا‪ ،‬وتحقق حقيقة اليمان‪ ،‬والحاصل أنا‬
‫لما وجدنا الشارع حكم بايمان المصدق‪ ،‬وحكم بكفر من ارتكب شيئا من‬
‫المور المذكورة مطلقا‪ ،‬علمنا أن ذلك التصديق إنما يعتبر في نظر الشارع‬
‫إذا كان مجردا عن إرتكاب شئ من موارد النقض وأمثالها‪ .‬الموجبة للكفر‪،‬‬
‫فكان عدم المور المذكورة شرطا في حصول اليمان‪ ،‬ول ريب أن‬
‫المشروط عدم عند عدم شرطه‪ ،‬وشروط المعرف التي يتوقف عليها وجود‬
‫ماهيته ملحوظة في التعريف‪ ،‬وإن لم يصرح بها فيه‪ ،‬للعلم باعتبارها عقل‬
‫لما تقرر في بداهة العقول أنه بدون العلة ل يوجب المعلول‪ ،‬والشرط من‬
‫أجزاء العلة كما صرحوا به في بحثها‪ ،‬والكل ل يوجد بدون جزئه وهذا‬
‫الجواب واللذان قبله‪ ،‬لم نجدها لغيرنا بل هي من هبات الواهب تعالى‬
‫وتقدس‪ ،‬ولم نعدم لذلك مثل وإن لم نكن له أهل انتهى كلمه قدس سره‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬هذه التكلفات إنما يحتاج إليها إذا جعل اليمان نفس العقائد ولم‬
‫يدخل فيها العمال‪ ،‬ومع القول بدخول العمال ل حاجة إليها مع أن هذا‬
‫التحقيق يهدم ما أسسه سابقا إذ يجري هذه الوجوه في سائر العمال‬
‫والتروك التي نفي كونها داخلة في اليمان‪ ،‬وما ذكره عليه السلم في آخر‬
‫الحديث من اللتزام على‬

‫]‪[22‬‬

‫المخالفين يومي إلى هذا التحقيق فتأمل‪ - 3 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن أحمد البرقي‪،‬‬
‫ومحمد بن يحيى‪ ،‬عن ابن عيسى جميعا عن محمد البرقي‪ ،‬عن النضر بن‬
‫سويد‪ ،‬عن يحيى الحلبي‪ ،‬عن عبد ال بن الحسن عن الحسن بن هارون‬
‫قال‪ :‬قال لي أبو عبد ال عليه السلم " إن السمع والبصر والفؤاد كل‬
‫اولئك كان عنه مسئول " قال يسأل السمع عما سمع‪ ،‬والبصر عما نظر‬
‫إليه والفؤاد عما عقد عليه )‪ - 4 .(1‬كا‪ :‬عن أبي علي الشعري‪ ،‬عن‬
‫محمد بن عبد الجبار‪ ،‬عن صفوان أو غيره‪ ،‬عن العل‪ ،‬عن محمد بن‬
‫مسلم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬سألته عن اليمان فقال‪ :‬شهادة‬
‫أن ل إله إل ال‪ ،‬والقرار بما جاء من عند ال‪ ،‬وما استقر في القلوب من‬
‫التصديق بذلك‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬الشهادة أليست عمل ؟ قال بلى‪ ،‬قلت‪ :‬العمل من‬
‫اليمان ؟ قال‪ :‬نعم اليمان ل يكون إل بعمل‪ ،‬والعمل منه‪ ،‬ول يثبت اليمان‬
‫إل بعمل )‪ .(2‬بيان‪ " :‬شهادة أن ل إله إل ال " أي التكلم بكلمة التوحيد‪،‬‬
‫والقرار به ظاهرا وإنما اكتفي بها عن القرار بالرسالة‪ ،‬لتلزمهما‪ ،‬أو هو‬
‫داخل في قوله " والقرار بما جاء من عند ال " والضمير في " جاء "‬
‫راجع إلى الموصول أي القرار بكل ما أرسله ال من نبي أو كتاب أو حكم‪،‬‬
‫ما علم تفصيل‪ ،‬وما لم يعلم إجمال‪ ،‬وكل ذلك القرار الظاهري‪ ،‬وقوله "‬
‫ما استقر في القلوب " القرار القلبي بجميع ذلك وهذا أحد معاني اليمان‬
‫كما ستعرف‪ .‬ول يدخل فيه أعمال الجوارح‪ ،‬سوى القرار الظاهري بما‬
‫صدق به قلبا‪ .‬ولما كان عند السائل أن اليمان محض العلوم والعقائد‪ ،‬ول‬
‫يدخل فيه العمال‪ ،‬استبعد كون الشهادة التي هي من عمل الجوارح من‬
‫اليمان‪ ،‬فأجاب عليه السلم بأن العمل جزء اليمان " ول يثبت اليمان "‬
‫أي ل يتحقق واقعا أو ل يثبت‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ ،37‬والية في أسرى‪ (2) .36 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪(*) .38‬‬

‫]‪[23‬‬

‫اليمان عند الناس‪ ،‬إل بالقرار والشهادة التي هي عمل الجوارح‪ ،‬أو ل يستقر‬
‫اليمان إل بأعمال الجوارح‪ ،‬فان التصديق الذي لم يكن معه عمل يزول ول‬
‫يبقى‪ - 5 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن أبي‬
‫عمير‪ ،‬عن جميل بن دراج قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عليه السلم عن اليمان‪،‬‬
‫فقال‪ ،‬شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال قال‪ :‬قلت‪ :‬أليس هذا‬
‫عمل ؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قلت‪ :‬فالعمل من اليمان قال‪ :‬ل يثبت له اليمان إل‬
‫بالعمل‪ ،‬والعمل منه )‪ .(1‬بيان‪ " :‬أليس هذا عمل " كذا في النسخ بالرفع‪،‬‬
‫ولعله من النساخ ويمكن أن يقدر فيه ضمير الشأن أو يكون مبنيا على لغة‬
‫بني تميم‪ ،‬حيث ذهبوا إلى أن " ليس " إذا انتقض نفيه يحمل على ما في‬
‫الهمال‪ ،‬والنفي هنا منتقض بالستفهام النكاري قوله عليه السلم " ل‬
‫يثبت له اليمان " الضمير راجع إلى المؤمن المدلول عليه باليمان‪- 6 .‬‬
‫كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن بكر بن صالح‪ ،‬عن القاسم بن بريد‪ ،‬عن أبي‬
‫عمرو الزبيري‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قلت له‪ :‬أيها العالم‬
‫أخبرني أي العمال أفضل عند ال ؟ قال‪ :‬مال يقبل ال شيئا إل به‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫وما هو ؟ قال‪ :‬اليمان بال الذي ل إله إل هو أعلى العمال درجة‪،‬‬
‫وأشرفها منزلة‪ ،‬وأسناها حظا‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬أل تخبرني عن اليمان ؟ أقول‬
‫هو وعمل أم قول بل عمل ؟ فقال‪ :‬اليمان عمل كله‪ ،‬والقول بعض ذلك‬
‫العمل بفرض من ال بين في كتابه‪ ،‬واضح نوره ثابتة حجته‪ ،‬يشهد له به‬
‫الكتاب‪ ،‬ويدعوه إليه‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬صفه لي جعلت فداك حتى أفهمه قال‪:‬‬
‫اليمان حالت‪ ،‬ودرجات‪ ،‬وطبقات‪ ،‬ومنازل‪ :‬فمنه التام المنتهى تمامه‪،‬‬
‫ومنه الناقص البين نقصانه‪ ،‬ومنه الراجح الزائد رجحانه‪ .‬قلت‪ :‬إن اليمان‬
‫ليتم وينقص ويزيد ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬كيف ذلك ؟ قال‪ :‬لن ال تبارك‬
‫وتعالى فرض اليمان على جوارح ابن آدم‪ ،‬وقسمه عليها‪ ،‬وفرقه‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.38‬‬

‫]‪[24‬‬

‫فيها‪ ،‬فليس من جوارحه جارحة إل وقد وكلت من اليمان بغير ما وكلت به اختها‬
‫فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم‪ ،‬وهو أمير بدنه الذي ل ترد‬
‫الجوارح ول تصدر إل عن رأيه وأمره‪ ،‬ومنها عيناه اللتان يبصر بهما‪،‬‬
‫واذناه اللتان يسمع بهما‪ ،‬ويداه اللتان يبطش بهما‪ ،‬ورجله اللتان يمشي‬
‫بهما‪ ،‬وفرجه الذي الباه من قبله‪ ،‬و لسانه الذي ينطق به‪ ،‬ورأسه الذي فيه‬
‫وجهه‪ ،‬فليس من هذه جارحة إل وقد وكلت من اليمان بغير ما وكلت به‬
‫اختها بفرض من ال تبارك وتعالى اسمه‪ ،‬ينطق به الكتاب لها‪ ،‬ويشهد به‬
‫عليها‪ .‬ففرض على القلب غير ما فرض على السمع‪ ،‬وفرض على السمع‬
‫غير ما فرض على العينين‪ ،‬وفرض على العينين غير ما فرض على‬
‫اللسان‪ ،‬وفرض على اللسان غير ما فرض على اليدين وفرض على اليدين‬
‫غير ما فرض على الرجلين‪ ،‬وفرض على الرجلين غير ما فرض على‬
‫الفرج‪ ،‬وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه‪ .‬فأما ما فرض على‬
‫القلب من اليمان فالقرار والمعرفة والعقد والرضا و التسليم بأن ل إله إل‬
‫ال وحده ل شريك له إلها واحدا لم يتخذ صاحبة ول ولدا‪ ،‬و أن محمدا‬
‫عبده ورسوله صلوات ال عليه وآله‪ ،‬والقرار بما جاء من عند ال من‬
‫نبي أو كتاب‪ ،‬فذلك ما فرض ال على القلب من القرار والمعرفة وهو‬
‫عمله وهو قول ال عزوجل " إل من اكره وقلبه مطمئن باليمان ولكن من‬
‫شرح بالكفر صدرا " )‪ (1‬وقال " أل بذكر ال تطمئن القلوب " )‪ (2‬وقال‬
‫" الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " )‪ (3‬وقال " إن تبدوا ما في‬
‫أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به ال فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " )‪(4‬‬
‫فذلك ما فرض ال عزوجل على القلب من القرار والمعرفة وهو عمله‬
‫وهو رأس اليمان‪.‬‬
‫)‪ (1‬النحل‪ (2) 106 :‬الرعد‪ (3) .28 :‬المائدة‪ ،41 :‬ونصه يا ايها الرسول ل‬
‫يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن‬
‫قلوبهم‪ ،‬الية )‪ (4‬البقرة‪264 :‬‬

‫]‪[25‬‬

‫وفرض ال تعالى على اللسان القول والتعبير عن القلب بما عقد عليه وأقر به قال‬
‫ال تبارك وتعالى اسمه " وقولوا للناس حسنا " )‪ (1‬وقال " قولوا آمنا‬
‫بال وما انزل إلينا وما انزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون "‬
‫)‪ (2‬فهذا ما فرض ال تعالى على اللسان وهو عمله‪ .‬وفرض على السمع‬
‫أن يتنزه عن الستماع إلى ما حرم ال‪ ،‬وأن يعرض عما ل يحل له مما‬
‫نهى ال عزوجل عنه‪ ،‬والصغاء إلى ما أسخط ال عزوجل فقال في ذلك "‬
‫وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات ال يكفر بها ويستهزئ بها‬
‫فل تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره " )‪ (3‬ثم استثنى ال‬
‫عزوجل موضع النسيان فقال‪ " :‬وإما ينسينك الشيطان فل تقعد بعد‬
‫الذكرى مع القوم الظالمين " )‪ (4‬وقال " فبشر عبادي الذين يستمعون‬
‫القول فيتبعون أحسنه اولئك الذين هداهم ال واولئك هم اولوا اللباب " )‬
‫‪ (5‬وقال عزوجل " قد أفلح المؤمنون * الذينهم في صلتهم خاشعون *‬
‫والذينهم عن اللغو معرضون * والذينهم للزكاة فاعلون " )‪ (6‬وقال "‬
‫وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم " )‪ (7‬و‬
‫قال " وإذا مروا باللغو مروا كراما " )‪ (8‬فهذا ما فرض ال على السمع‬
‫من اليمان أن ل يصغي إلى مال يحل له وهو عمله‪ ،‬وهو من اليمان‪.‬‬
‫وفرض على البصر أن ل ينظر إلى ما حرم ال عليه‪ ،‬وأن يعرض عما نهى‬
‫ال عنه مما ل يحل له وهو عمله‪ ،‬وهو من اليمان‪ ،‬فقال ال تبارك‬
‫وتعالى " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم " )‪(9‬‬
‫فنهاهم من أن ينظروا إلى‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .83 :‬صدر الية في البقرة‪ 135 :‬وذيلها في العنكبوت‪ ،46 :‬فالية‬
‫مختلطة‪ (3) .‬النساء‪ (4) 134 :‬النعام‪ (5) .68 :‬الزمر‪(6) 18 :‬‬
‫المؤمنون‪ (7) .4 - 1 :‬القصص‪ (8) 55 :‬الفرقان‪ (9) .72 :‬النور‪30 :‬‬
‫و ‪.31‬‬

‫]‪[26‬‬

‫عوراتهم‪ ،‬وأن ينظر المرء إلى فرج أخيه‪ ،‬ويحفظ فرجه من أن ينظر إليه‪ ،‬وقال "‬
‫وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن " من أن ينظر‬
‫إحداهن إلى فرج اختها‪ ،‬وتحفظ فرجها من أن ينظر إليها‪ ،‬وقال‪ :‬كل شئ‬
‫في القرآن من حفظ الفرج‪ ،‬فهو من الزنا إل هذه الية فانها من النظر )‪.(1‬‬
‫ثم نظم ما فرض على القلب واللسان والسمع والبصر في آية اخرى فقال‪:‬‬
‫" وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ول أبصاركم ول جلودكم )‪(2‬‬
‫يعني بالجلود الفروج والفخاذ‪ ،‬وقال " ول تقف ما ليس لك به علم إن‬
‫السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئول " )‪ (3‬فهذا ما فرض‬
‫ال على العينين من غض البصر عما حرم ال وهو عملهما‪ ،‬وهو من‬
‫اليمان‪ .‬وفرض ال على اليدين أن ل يبطش بهما إلى ما حرم ال وأن‬
‫يبطش بهما إلى ما أمر ال عزوجل‪ ،‬وفرض عليهما من الصدقة وصلة‬
‫الرحم والجهاد في سبيل ال والطهور للصلوات فقال‪ " :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا إذا قمتم إلى الصلة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا‬
‫برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين " )‪ (4‬وقال " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب‬
‫الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فاما منا بعد وإما فداء حتى تضع‬
‫الحرب أوزارها " )‪ (5‬فهذا ما فرض ال على اليدين‬

‫)‪ (1‬وذلك لن حفظ الفرج ههنا قد قرن بغض البصر‪ ،‬فصار كل واحد منهما قرينة‬
‫متممة للمراد من الخر نافية لطلقه‪ ،‬على حد صنعة الحتباك كما في‬
‫قوله تعالى‪ :‬ال الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا )غافر‪:‬‬
‫‪ (61‬ومثله قوله تعالى‪ " :‬هو الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار‬
‫مبصرا " )يونس‪ (67 :‬فان تقدير اليتين‪ :‬جعل لكم الليل مظلما لتسكنوا‬
‫فيه والنهار مبصرا لتبتغوا فيه من فضله‪ .‬وهكذا هنا تقدير الية‪ :‬قل‬
‫للمؤمنين يغضوا أبصارهم من فروج المؤمنين ويحفظوا فروجهم من‬
‫أبصار المؤمنين‪ (2) .‬فصلت‪ (3) 22 :‬أسرى‪ (4) .36 :‬المائدة‪(5) 6 :‬‬
‫القتال‪.4 :‬‬

‫]‪[27‬‬

‫لن الضرب من علجهما‪ .‬وفرض على الرجلين أن ل يمشي بهما إلى شئ من‬
‫معاصي ال‪ ،‬وفرض عليهما المشي إلى ما يرضي ال عزوجل فقال‪ " :‬ول‬
‫تمش في الرض مرحا إنك لن تخرق الرض ولن تبلغ الجبال طول " وقال‬
‫" واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الصوات لصوت الحمير‬
‫" )‪ (1‬وقال فيما شهدت اليدي والرجل على أنفسهما وعلى أربابهما من‬
‫تضييعهما لما أمر ال عزوجل به وفرضه عليهما " اليوم نختم على‬
‫أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون " )‪ (2‬فهذا أيضا‬
‫مما فرض ال على اليدين وعلى الرجلين‪ ،‬وهو عملهما‪ ،‬وهو من اليمان‪.‬‬
‫وفرض على الوجه السجود له بالليل والنهار في مواقيت الصلة فقال " يا‬
‫أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم‬
‫تفلحون " )‪ (3‬فهذه فريضة جامعة على الوجه واليدين والرجلين‪ ،‬وقال‬
‫في موضع آخر " وأن المساجد ل فل تدعوا مع ال أحدا " )‪ .(4‬وقال‬
‫فيما فرض على الجوارح من الطهور والصلة بها‪ ،‬وذلك أن ال عز وجل‬
‫لما صرف نبيه صلى ال عليه وآله إلى الكعبة عن البيت المقدس فأنزل ال‬
‫عزوجل " وما كان ال ليضيع إيمانكم إن ال بالناس لرؤف رحيم " )‪(5‬‬
‫فسمى الصلة إيمانا‪ ،‬فمن لقي ال عزوجل حافظا لجوارحه‪ ،‬موفيا كل‬
‫جارحة من جوارحه ما فرض ال عزوجل عليها لقي ال تعالى مستكمل‬
‫ليمانه‪ ،‬وهو من أهل الجنة‪ .‬ومن خان في شئ منها‪ ،‬أو تعدى ما أمر ال‬
‫عزوجل فيها‪ ،‬لقي ال عزوجل ناقص اليمان‪ .‬قلت‪ :‬قد فهمت نقصان‬
‫اليمان وتمامه فمن أين جاءت زيادته‪ ،‬فقال‪ :‬قول ال عزوجل " وإذا ما‬
‫انزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا‬
‫فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم‬

‫)‪ (1‬لقمان‪ 18 :‬و ‪ (2) 19‬يس‪ (3) .65 :‬الحج‪ (4) 77 :‬الجن‪ (5) .18 :‬البقرة‪:‬‬
‫‪.143‬‬

‫]‪[28‬‬

‫رجسا إلى رجسهم )‪ (1‬وقال " نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم‬
‫وزدناهم هدى " )‪ (2‬ولو كان كله واحدا ل زيادة فيه ول نقصان‪ ،‬لم يكن‬
‫لحد منهم فضل على الخر‪ .‬ولستوت النعم فيه‪ ،‬ولستوى الناس‪ .‬وبطل‬
‫التفضيل ولكن بتمام اليمان دخل المؤمنون الجنة‪ ،‬وبالزيادة في اليمان‬
‫تفاضل المؤمنون بالدرجات عند ال وبالنقصان دخل المفرطون النار )‪.(3‬‬
‫قال‪ :‬قلت له‪ :‬إن لليمان درجات ومنازل‪ ،‬ويتفاضل المؤمنون فيها عند ال‬
‫؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬صفه لي رحمك ال حتى أفهمه‪ ،‬قال‪ :‬إن ال سبق بين‬
‫المؤمنين كما يسبق بين الخيل يوم الرهان‪ ،‬ثم فضلهم على درجاتهم في‬
‫السبق إليه‪ ،‬فجعل كل امرء منهم على درجة سبقه‪ ،‬ل ينقصه فيها من‬
‫حقه‪ ،‬ول يتقدم مسبوق سابقا ول مفضول فاضل‪ ،‬تفاضل بذلك أوائل هذه‬
‫المة وأواخرها‪ ،‬ولو لم يكن للسابق إلى اليمان فضل على المسبوق‪ ،‬إذن‬
‫للحق آخر هذه المة أولها‪ ،‬نعم ولتقدموهم إذا لم يكن لمن سبق إلى‬
‫اليمان الفضل على من أبطأ عنه‪ ،‬ولكن بدرجات اليمان قدم ال السابقين‪،‬‬
‫وبالبطاء عن اليمان أخر ال المقصرين لنا نجد من المؤمنين من‬
‫الخرين من هو أكثر عمل من الولين‪ ،‬وأكثرهم صلة وصوما وحجا‬
‫وزكاة وجهادا وإنفاقا‪ ،‬ولو لم يكن سوابق يفضل بها المؤمنون بعضهم‬
‫بعضا عند ال‪ ،‬لكان الخرون بكثرة العمل مقدمين على الولين ولكن أبى‬
‫ال عزوجل أن يدرك آخر درجات اليمان أولها ويقدم فيها من أخر ال‪ ،‬أو‬
‫يؤخر فيها من قدم ال‪ .‬قلت‪ :‬أخبرني عما ندب ال عزوجل المؤمنين إليه‬
‫إلى الستباق فقال‪ :‬قول ال عزوجل " سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة‬
‫عرضها كعرض السماء والرض اعدت للذين آمنوا بال ورسله " )‪(4‬‬
‫وقال‪ " :‬السابقون السابقون اولئك المقربون " )‪ (5‬وقال " والسابقون‬
‫الولون من المهاجرين والنصار والذين اتبعوهم باحسان رضي‬

‫)‪ (1‬براءة‪ 124 :‬و ‪ - 2 .125‬الكهف‪ (3) .13 :‬الكافي ج ‪- 4 .37 - 33 :2‬‬
‫الحديد‪ (5) .21 :‬الواقعة‪.11 - 10 :‬‬

‫]‪[29‬‬

‫ال عنهم ورضوا عنه " )‪ (1‬فبدأ بالمهاجرين الولين على درجة سبقهم‪ ،‬ثم ثنى‬
‫بالنصار‪ ،‬ثم ثلث بالتابعين لهم باحسان‪ ،‬فوضع كل قوم على قدر درجاتهم‬
‫ومنازلهم عنده‪ .‬ثم ذكر ما فضل ال عزوجل به أولياءه بعضهم على‬
‫بعض‪ ،‬فقال عزوجل‪ " :‬تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم‬
‫ال ورفع بعضهم فوق بعض درجات " )‪ (2‬إلى آخر الية‪ ،‬وقال‪ " :‬ولقد‬
‫فضلنا بعض النبيين على بعض " )‪ (3‬وقال " انظر كيف فضلنا بعضهم‬
‫على بعض وللخرة أكبر درجات وأكبر تفضيل " )‪ (4‬وقال " هم درجات‬
‫عند ال " )‪ (5‬وقال " ويؤت كل ذي فضل فضله " )‪ (6‬وقال " الذين‬
‫آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل ال بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند‬
‫ال " )‪ (7‬وقال " وفضل ال المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما‬
‫درجات منه ومغفرة ورحمة " )‪ (8‬وقال " ل يستوي منكم من أنفق من‬
‫قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا " )‪(9‬‬
‫وقال " يرفع ال الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات " )‪ (10‬وقال‬
‫" ذلك بأنهم ل يصيبهم ظمأ ول نصب ول مخمصة في سبيل ال ول يطؤن‬
‫موطئا يغيظ الكفار ول ينالون من عدو نيل إل كتب لهم به عمل صالح " )‬
‫‪ (11‬وقال " وما تقدموا لنفسكم من خير تجدوه عند ال " )‪ (12‬وقال "‬
‫فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " )‪ (13‬فهذا‬
‫ذكر درجات اليمان ومنازله عند ال عزوجل )‪ (14‬تبيين‪ :‬اعلم أن‬
‫العياشي ذكر في التفسير أكثر أجزاء هذا الخبر متفرقا‬

‫)‪ (1‬براءة‪ (2) .100 :‬البقرة‪ (3) .253 :‬أسرى‪ (4) .55 :‬أسرى‪ (5) .21 :‬آل‬
‫عمران‪ (6) .163 :‬هود‪ (7) .3 :‬براءة‪ (8) .20 :‬النساء ‪ 95‬و ‪(9) .96‬‬
‫الحديد‪ (10) .10 :‬المجادلة‪ (11) .11 :‬براءة‪ (12) .120 :‬البقرة‪:‬‬
‫‪ ،110‬المزمل‪ (13) .20 :‬الزلزال‪ 7 :‬و ‪ (14) .8‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪- 40‬‬
‫‪(*) .42‬‬

‫]‪[30‬‬

‫ولما كان ما في الكافي أجمع وأصح اكتفينا به‪ ،‬وفي الكافي أيضا كان فرقة على‬
‫بابين )‪ (1‬فجمعتهما لتصالهما معنى‪ ،‬واتصال سندهما‪ ،‬ورواه الشيخ‬
‫الجليل جعفر ابن محمد بن قولويه‪ ،‬عن سعد بن عبد ال باسناده‪ ،‬عن‬
‫الصادق عليه السلم‪ ،‬عن أمير المؤمنين صلوات ال عليه فيما ذكر من‬
‫أنواع آيات القرآن بأدنى تفاوت‪ ،‬وسيأتي مثله برواية النعماني أيضا عن‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم فهذا المضمون مستفيض مؤيد بأخبار اخر‬
‫أيضا‪ .‬قوله عليه السلم " اليمان بال " هو مبتدأ و " أعلى " خبره‪،‬‬
‫ويحتمل أن يكون المراد به جميع العقائد اليمانية اكتفى بذكر أشرفها‬
‫وأعظمها للزومها لسائرها مع أن كون التوحيد أشرف ل ينافي وجوب‬
‫البقية‪ ،‬واشتراطه بها والسنا الضوء وبالمد الرفعة‪ ،‬والحظ النصيب‬
‫والمراد بالقول التصديق القلبي أو هو مع القرار اللساني بالعقائد اليمانية‬
‫وقيل‪ :‬هو الذي يعبر عنه بالكلم النفسي‪ ،‬وقد يستدل بقوله‪ " :‬عمل كله "‬
‫على أن التصديق المكلف به ليس محض العلم إذ هو من قبيل النفعال بل‬
‫هو فعل قلبي‪ .‬قال شارح المقاصد‪ :‬والمذهب أنه غير العلم والمعرفة‪ ،‬لن‬
‫من الكفار من كان يعرف الحق ول يصدق به عنادا واستكبارا قال ال‬
‫تعالى‪ " :‬الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا‬
‫منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون " )‪ (2‬وقال‪ " :‬وإن الذين اوتوا الكتاب‬
‫ليعلمون أنه الحق من ربهم وما ال بغافل عما يعملون " )‪ (3‬وقال تعالى‬
‫حكاية عن موسى عليه السلم لفرعون‪ " :‬ولقد علمت ما أنزل هؤلء إل‬
‫رب السموات والرض " )‪ (4‬فاحتيج إلى الفرق بين العلم بما جاء به‬
‫النبي صلى ال عليه وآله وهو معرفته‪ ،‬وبين التصديق‪ ،‬ليصح كون الول‬
‫حاصل للمعاندين دون الثاني‪ ،‬وكون الثاني إيمانا دون الول‪ ،‬فاقتصر‬
‫بعضهم على أن ضد التصديق هو النكار والتكذيب‪ ،‬وضد المعرفة النكارة‬
‫والجهالة‪ ،‬وإليه أشار الغزالي حيث فسر التصديق بالتسليم‪ ،‬فانه ل يكون‬
‫مع النكار والستكبار‪ ،‬بخلف‬

‫)‪ (1‬باب أن اليمان مبثوث لجوارح البدن كلها‪ ،‬وباب السبق الى اليمان‪(2) .‬‬
‫البقرة‪ (3) .146 :‬البقرة‪ (4) .144 :‬أسرى ‪.102‬‬

‫]‪[31‬‬
‫العلم والمعرفة‪ .‬وفصل بعضهم زيادة التفصيل‪ ،‬وقال‪ :‬التصديق عبارة عن ربط‬
‫القلب بما علم من إخبار المخبر‪ ،‬وهو أمر كسبي يثبت باختيار المصدق‪،‬‬
‫ولهذا يؤجر ويثاب عليه بل يجعل رأس العبادات‪ ،‬بخلف المعرفة‪ ،‬فانها‬
‫ربما تحصل بل كسب كمن وقع بصره على جسم فحصل له معرفة أنه‬
‫جدار أو حجر‪ ،‬وحققه بعض المتأخرين زيادة تحقيق فقال‪ :‬المعتبر في‬
‫اليمان هو التصديق الختياري‪ ،‬ومعناه نسبة التصديق إلى المتكلم اختيارا‬
‫وبهذا القيد يمتاز عن التصديق المنطقي المقابل للتصور فانه قد يخلو عن‬
‫الختيار‪ ،‬كما إذا ادعى النبي النبوة وأظهر المعجزة فوقع في القلب صدقه‬
‫ضرورة‪ ،‬من غير أن ينسب إليه اختيارا‪ ،‬فانه ل يقال في اللغة أنه صدقه‬
‫فل يكون إيمانا شرعيا‪ ،‬كيف ؟ والتصديق مأمور به‪ ،‬فيكون فعل اختياريا‬
‫زائدا على العلم‪ ،‬لكونه كيفية نفسانية أو انفعال وهو حصول المعنى في‬
‫القلب‪ ،‬والفعل القلبي ليس كذلك‪ ،‬بل هو إيقاع النسبة اختيارا الذي هو كلم‬
‫النفس ويسمى عقد القلب‪ ،‬فالسو فسطائي عالم بوجود النهار‪ ،‬وكذا بعض‬
‫الكفار بنبوة النبي صلى ال عليه وآله لكنهم ليسوا بمصدقين لنهم ل‬
‫يحكمون اختيارا بل ينكرون‪ .‬وكلم هذا القائل‪ ،‬متردد يميل تارة إلى أن‬
‫التصديق المعتبر في اليمان نوع من التصديق المنطقي‪ ،‬لكونه مقيدا‬
‫بالختيار‪ ،‬وكون التصديق العلمي أعم ل فرق بينهما إل بلزوم الختيار‬
‫وعدمه‪ ،‬وتارة إلى أنه ليس من جنس العلم أصل لكونه فعل اختياريا‬
‫وكون العلم كيفية أو انفعال وعلى هذا الخير أصر بعض المعتنبن بتحقيق‬
‫اليمان‪ ،‬وجزم بأن التسليم الذي فسر به الغزالي التصديق ليس من جنس‬
‫العلم‪ ،‬بل أمر وراءه معناه " كردن دادن‪ ،‬وكرويدن‪ ،‬وحق دانستن مر آنرا‬
‫كه حق دانسته باشى "‪ .‬ويؤيده ما ذكره إمام الحرمين أن التصديق على‬
‫التحقيق كلم النفس لكن ل يثبت كلم النفس إل مع العلم‪ ،‬ونحن نقول‪ :‬ل‬
‫شك أن التصديق المعتبر في اليمان هو ما يعبر عنه في الفارسية "‬
‫بگرويدن‪ ،‬وباور كردن‪ ،‬وراست گوى دانستن " إذا‬

‫]‪[32‬‬

‫اضيف إلى الحاكم " وراست دانستن‪ ،‬وحق دانستن " إذا اضيف إلى الحكم‪ ،‬ول‬
‫يكفي مجرد العلم والمعرفة الخالي عن هذا المعنى‪ ،‬ثم أطال الكلم في ذلك‬
‫وآل تحقيقه إلى أنه ليس شئ وراء العلم والمعرفة‪ .‬وقال المحقق الدواني‬
‫في شرح العقائد‪ :‬اعلم أنه لو فسر التصديق المعتبر في اليمان بما هو أحد‬
‫قسمي العلم‪ ،‬فلبد من اعتبار قيد أخن ليخرج الكفر العنادي وقد عبر عنه‬
‫بعض المتأخرين بالتسليم والنقياد‪ ،‬وجعله ركنا من اليمان و القرب أن‬
‫يفسر التصديق بالتسليم الباطني والنقياد القلبي‪ ،‬ويقرب منه ما قيل‪ :‬إن‬
‫التصديق أن تنسب باختيارك الصدق إلى أحد وهو يحوم حول ذلك وإن لم‬
‫يصب المنحر انتهى‪ .‬وأقول‪ :‬الحق أن إثبات معنى آخر غير العلم والمعرفة‬
‫مشكل‪ ،‬وكون بعض أفراده حاصل بغير اختيار ل ينافي التكليف به لمن لم‬
‫يحصل له ذلك‪ ،‬وترتب الثواب على ما حصل بغير الختيار إما تفضل أو هو‬
‫على الثبات عليه وإظهاره و العمل بمقتضاه‪ ،‬والكلم النفسي الذي ذكروه‬
‫ليس وراء التصور والتصديق شيئا نعم المعنى الذي نفهمه ههنا زائدا‬
‫على العلم هو العزم على إظهار ما اعتقده‪ ،‬أو على عدم إنكاره ظاهرا بغير‬
‫ضرورة تدعو إليه ويمكن عده من لوازم اليمان أو شرائطه كما يومئ‬
‫إليه بعض اليات والخبار‪ ،‬والعلم لو سلم أنه من قبيل النفعال فعده عمل‬
‫على سبيل التوسع باعتبار أسبابه ومباديه‪ .‬قوله عليه السلم " بفرض "‬
‫الباء للسببية‪ ،‬وضميرا " نوره وحجته " راجعان إلى الفرض‪ ،‬وكذا‬
‫ضميرا " به وإليه " راجعان إليه‪ ،‬وضمير " له " إلى العامل وقيل‪ :‬إلى‬
‫كونه عمل‪ ،‬وقيل إلى ال والول أظهر‪ ،‬ومن أرجع ضمير به إلى الفرض‬
‫وضمير له إلى كونه عمل لو عكس كان أنسب‪ ،‬وضمير يدعوه المستتر‬
‫راجع إلى الكتاب‪ ،‬والبارز إلى العامل‪ ،‬وقيل‪ :‬الظاهر أن " يشهد ويدعوه‬
‫" حال عن فرض‪ ،‬و أن ضمير " له وإليه " راجع إلى ال‪ ،‬وضمير به‬
‫والبارز في يدعوه للفرض والمراد بدعاء الكتاب ذلك الفرض إليه سبحانه‬
‫نسبته إليه وبيانه أنه منه‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬

‫]‪[33‬‬

‫حال عن اليمان‪ ،‬وأن يكون ضمير له ويدعوه راجعا إليه وضمير به وإليه للعمل‬
‫أي يشهد الكتاب لليمان بأنه عمل‪ ،‬ويدعو الكتاب اليمان إلى أنه عمل‬
‫انتهى ول يخفى بعدهما وفي تفسير العياشي‪ :‬يشهد له بها الكتاب ويدعو‬
‫إليه‪ ،‬فضمير بها راجع إلى الحجة )‪ (1‬وقوله " واضح " و " ثابتة "‬
‫نعتان للفرض‪ " .‬لليمان حالت " كأنه إشارة إلى الحالت الثلث التية‬
‫أي التام والناقص والراجح‪ ،‬والدرجات مراتب الرجحان فانها كثيرة بحسب‬
‫الكمية والكيفية والطبقات مراتب النقصان‪ ،‬والمنازل ما يلزم تلك الدرجات‬
‫والطبقات من القرب إليه سبحانه والبعد عنه‪ ،‬والمثوبات والعقوبات‬
‫المترتبة عليها‪ .‬وقيل‪ :‬إشارة إلى أن لليمان مراتب متكثرة‪ ،‬وهي حالت‬
‫النسان باعتبار قيامها به‪ ،‬ودرجات باعتبار ترقيه من بعضها إلى بعض‪،‬‬
‫وطبقات باعتبار تفاوت مراتبها في نفسها وكون بعضها فوق بعض‪،‬‬
‫ومنازل باعتبار أن النسان ينزل فيها ويأوي إليها‪ " .‬فمنه التام " وهو‬
‫إيمان النبياء والوصياء عليهم السلم لشتماله على جميع أجزاء اليمان‬
‫من فعل الفرائض وترك الكبائر وإن تفاوتت بانضمام سائر المكملت من‬
‫المستحبات وترك المكروهات زيادة ونقصانا أو المراد بالتام المنتهى‬
‫تمامه درجة النبي صلى ال عليه وآله وأوصيائه عليهم السلم " ومنه‬
‫الناقص البين نقصانة " وهو أقل مراتب اليمان الذي بعده الكفر‪ ،‬ومنه‬
‫الراجح‪ ،‬وفيه أفراد غير متناهية باعتبار التفاوت في الكمية والكيفية‪ .‬ثم‬
‫إنه يحتمل الكلم وجهين‪ :‬أحدهما أن يكون اليمان المشتمل على فعل‬
‫الفرائض وترك الكبائر حاصل في الجميع لعدم صدق اليمان بدون ذلك‪،‬‬
‫ويكون الدرجات والمنازل باعتبار تلك العمال ونقصها‪ ،‬وانضمام فعل‬
‫سائر الواجبات وترك سائر المحرمات‪ ،‬وفعل المندوبات وترك المكروهات‬
‫بل المباحات‪ ،‬والتصاف بالخلق السنية والملكات العلية‪ ،‬وثانيهما أن‬
‫يكون القدر المشترك حصول‬

‫)‪ (1‬في طبعة الكمبانى تقديم وتأخير بين الجملتين‪.‬‬

‫]‪[34‬‬

‫اليمان في الجملة‪ ،‬والكامل ما يكون مشتمل على جميع الجزاء وهو اليمان‬
‫حقيقة والناقص التام ما لم يكن فيه سوى العقائد الحقة‪ ،‬والدرجات‬
‫المتوسطة تختلف باعتبار كثرة أجزاء اليمان وقلتها‪ ،‬فالمؤمن حقيقة هو‬
‫الفرد الول و إطلقه على البواقي على التوسع لنتفاء الكل بانتفاء أحد‬
‫الجزاء‪ ،‬ولكل منهما شواهد لفظا ومعنى‪ ،‬فتأمل‪ ،‬فلما عسر فهمه على‬
‫السائل للفته بمصطلحات المتكلمين أعاد السؤال لمزيد التوضيح‪ .‬قوله‬
‫عليه السلم " به يعقل ويفقه ويفهم " قيل‪ :‬العقل العلم بالقضايا‬
‫الضرورية‪ ،‬و الفقه ترتيبها لنتاج القضايا النظرية‪ ،‬والفهم العلم بالنتيجة‬
‫أقول‪ :‬ويحتمل أن يكون العقل معرفة الصول العقلية‪ ،‬والفقه العلم بالحكام‬
‫الشرعية‪ ،‬والفهم معرفة سائر المور المتعلقة بالمعاش وغيره‪ ،‬والمراد‬
‫بالقلب النفس الناطقة سميت به لتعلقها أول بالروح الحيواني المنبعث‬
‫منه‪ ،‬أو القلب الصنوبري من حيث تعلق النفس به‪ ،‬وقيل‪ :‬محل الدراك‬
‫هذا الشكل الصنوبري عمل بظواهر اليات والخبار‪ ،‬وسيأتي تحقيقه في‬
‫محله إنشاء ال‪ .‬قال الراغب في المفردات‪ :‬قال بعض الحكماء حيث ما ذكر‬
‫ال القلب فاشارة إلى العقل والعلم‪ ،‬نحو " إن في ذلك لذكرى لمن كان له‬
‫قلب " )‪ (1‬وحيث ما ذكر الصدر فاشارة إلى ذلك وإلى سائر القوى من‬
‫الشهوة والهوى والغضب و نحوها‪ ،‬وقوله " رب اشرح لي صدري " )‪(2‬‬
‫فسؤال لصلح قواه‪ ،‬وكذا قوله " ويشف صدور قوم مؤمنين " )‪(3‬‬
‫إشارة إلى إشفائهم‪ ،‬وقوله " ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " )‪(4‬‬
‫أي العقول التي هي مندرجة بين سائر القوى وليست بمهتدية وال أعلم‬
‫بذلك )‪ (5‬وقال قلب النسان قيل سمي به لكثرة تقلبه‪ ،‬ويعبر بالقلب عن‬
‫المعاني التي تختص به من الروح والعلم والشجاعة وسائر ذلك فقوله‬

‫)‪ (1‬ق‪ (2) .37 :‬طه‪ (3) .25 :‬براءة‪ (4) .14 :‬الحج‪ (5) .46 :‬مفردات غريب‬
‫القرآن ص ‪.276‬‬
‫]‪[35‬‬

‫" وبلغت القلوب الحناجر " )‪ (1‬أي الرواح " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب‬
‫" أي علم وفهم‪ ،‬وكذلك " وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه " )‪(2‬‬
‫وقوله " وطبع على قلوبهم فهم ل يفقهون " )‪ (3‬وقوله " ولتطمئن به‬
‫قلوبكم " )‪ (4‬أي تثبت به شجاعتكم ويزول خوفكم‪ ،‬وعلى عكسه " وقذف‬
‫في قلوبهم الرعب " )‪ (5‬وقوله " هو الذي أنزل السكينة في قلوب‬
‫المؤمنين " )‪ (6‬وقوله " وقلوبهم شتى " )‪ (7‬أي متفرقة‪ ،‬وقوله " ولكن‬
‫تعمى القلوب التي في الصدور " قيل‪ :‬العقل‪ ،‬وقيل الروح فأما العقل فل‬
‫يصح عليه ذلك ومجازه مجاز قوله " تجري من تحتها النهار " والنهار‬
‫ل تجري وإنما يجري الماء الذي فيه انتهى )‪ .(8‬والورود‪ :‬حضور الماء‬
‫للشرب والصدر والصدور‪ :‬النصراف عنه‪ ،‬وهذا مثل في أنها ل تفعل شيئا‬
‫إل بأمره كما يقال في الفارسية ل يشرب الماء إل بأمره وإذنه‪ ،‬والبطش‪:‬‬
‫تناول الشئ بصولة وقوة‪ ،‬والباه في بعض النسخ بدون الهمزة وفي‬
‫بعضها بها‪ ،‬قال الجوهري‪ :‬الباه مثل الجاه لغة في الباءة‪ ،‬وهو الجماع )‬
‫‪ " (9‬ينطق به " الجملة نعت للفرض‪ ،‬وضمير " به " في الموضعين‬
‫للفرض‪ ،‬وضميرا " لها وعليها " للجارحة‪ ،‬واللم للنتفاع‪ ،‬وعلى‬
‫للضرار وإرجاع ضمير " به " إلى اليمان كما قيل يقتضي خلو الجملة‬
‫عن العائد وإرجاع ضمير لها هنا إلى الجارحة يؤيد إرجاع ضمير له سابقا‬
‫إلى العامل‪ .‬قوله " فالقرار " أي القرار القلبي لن الكلم في فعل القلب‪،‬‬
‫وإن احتمل أن يكون المراد القرار اللساني لنه إخبار عن القلب‪ ،‬لكن‬
‫ذكره بعد ذلك في عمل اللسان ربما يأبى عن ذلك‪ ،‬وإن احتمل توجيهه‪،‬‬
‫والمعطوفات عليه على‬

‫)‪ (1‬الحزاب ص ‪ (2) .33‬النعام‪ (3) .25 :‬المنافقون‪ (4) .3 :‬النفال‪(5) .10 :‬‬
‫الحزاب‪ (6) .26 :‬الفتح‪ (7) .4 :‬الحشر‪ (8) .14 :‬مفردات غريب‬
‫القرآن‪ (9) .411 :‬الصحاح‪.2228 :‬‬

‫]‪[36‬‬

‫الول عطف تفسير له وكأنها إشارة إلى مراتب اليقين واليمان القلبي‪ ،‬فان أقل‬
‫مراتبه الذعان القلبي‪ ،‬ولو عن تقليد أو دليل خطابي‪ ،‬والمعرفة ما كان‬
‫عن برهان قطعي‪ ،‬والعقد هو العزم على القرار اللساني‪ ،‬وما يتبعه‬
‫ويلزمه عن العمل بالركان والرضا هو عدم إنكار قضاء ال وأوامره‬
‫ونواهيه‪ ،‬وأن ل يثقل عليه شئ من ذلك لمخالفته لهوى نفسه‪ ،‬والتسليم‬
‫هو النقياد التام للرسول فيما يأتي به لسيما ما ذكر في أمر أوصيائه وما‬
‫يحكم به بينهم كما قال تعالى‪ " :‬فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما‬
‫شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " )‬
‫‪ .(1‬فظهر أن القرار بالولية أيضا داخل في ذلك بل جميع ما جاء به النبي‬
‫وقوله " بأن ل إله " متعلق بالقرار‪ ،‬لن ما ذكر بعده تفسير ومكمل له‪،‬‬
‫والصاحبة الزوجة‪ ،‬والقرار عطف على القرار‪ ،‬والمراد القرار بسائر‬
‫أنبياء ال وكتبه‪ .‬والمستتر في جاء راجع إلى الموصول‪ ،‬وما قيل‪ :‬إن‬
‫قوله " بأن ل إله إل ال " الخ متعلق بالقرار والمعرفة والعقد‪ ،‬وقوله "‬
‫والقرار بما جاء من عند ال " معطوف على أن ل إله‪ ،‬فيكون الولن‬
‫بيانا للخيرين‪ ،‬والخير بيانا للول فل يخفى ما فيه من أنواع الفساد‪ .‬وقال‬
‫المحدث السترابادي ‪ -‬ره ‪ :-‬المعرفة جاء في كلمهم لمعان أحدها التصور‬
‫مطلقا‪ ،‬وهو المراد من قولهم على ال التعريف والبيان أي ذكر المدعى‬
‫والتنبيه عليها إذ ل يجب خلق الذعان كما يفهم من باب الشك وغير ذلك‬
‫من البواب وثانيها الذعان القلبي وهو المراد من قولهم أقروا بالشهادتين‬
‫ولم يدخل معرفة أن محمدا رسول ال صلى ال عليه وآله في قلوبهم‪،‬‬
‫وثالثها عقد القضية الجمالية مثل‪ ،‬نعم وبلى وهذا العقد ليس من باب‬
‫التصور ول من باب التصديق‪ ،‬ورابعها العلم الشامل للتصور والتصديق‪،‬‬
‫وهو المراد من قولهم العلم والجهل من صنع ال في القلوب انتهى وفيه ما‬
‫فيه‪.‬‬

‫)‪ (1‬النساء‪(*) .65 :‬‬

‫]‪[37‬‬

‫والية الولى من سورة النحل " من كفر بال من بعد إيمانه " )‪ (1‬قيل بدل من‬
‫الذين ل يؤمنون‪ ،‬وما بينهما اعتراض‪ ،‬أو من اولئك أو من الكاذبون‪ ،‬أو‬
‫مبتدأ خبره محذوف دل عليه قوله " فعليهم غضب " ويجوز أن ينتصب‬
‫بالذم وأن تكون من شرطية محذوفة الجواب " إل من اكره " على‬
‫الفتراء أو كلمة الكفر‪ ،‬استثناء متصل لن الكفر لغة يعم القول والعقد‬
‫كاليمان كذا ذكره البيضاوي )‪ (2‬والظاهر أنه منقطع " وقلبه مطمئن‬
‫باليمان " لم يتغير عقيدته " ولكن من شرح بالكفر صدرا " أي اعتقده‬
‫وطاب به نفسا " فعليهم غضب من ال ولهم عذاب عظيم " وقد ورد في‬
‫أخبار كثيرة من طرق الخاصة والعامة أنها نزلت في عمار بن ياسر حيث‬
‫أكرهه وأبويه ياسرا وسمية كفار مكة على الرتداد‪ ،‬فأبى أبواه فقتلوهما‪،‬‬
‫وهما أول قتيلين في السلم وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرها‪،‬‬
‫فقيل‪ :‬يا رسول ال إن عمارا كفر‪ ،‬فقال‪ :‬كل إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه‬
‫إلى قدمه‪ ،‬واختلط اليمان بلجمه ودمه‪ ،‬فأتى عمار رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وهو يبكي فجعل النبي صلى ال عليه وآله يمسح عينيه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫مالك إن عادوا لك فعدلهم بما قلت‪ ،‬وعن الصادق عليه السلم‪ :‬فأنزل ال‬
‫فيه " إل من اكره " الية فقال له النبي صلى ال عليه وآله عندها‪ :‬يا‬
‫عمار إن عادوا فعد‪ ،‬فقد أنزل ال عذرك‪ ،‬وأمرك أن تعود إن عادوا‪،‬‬
‫وبالجملة الية تدل على أن بعض أجزاء اليمان متعلق بالقلب‪ ،‬وإن استدل‬
‫القوم بها على أن اليمان ليس إل التصديق القلبي والية الثانية " الذين‬
‫آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر ال " )‪ (3‬قيل أي انسابه واعتمادا عليه‪،‬‬
‫ورجاء منه‪ ،‬أو بذكر رحمته بعد القلق من خشيته‪ ،‬أو بذكر دلئله الدالة‬
‫على وجوده ووحدانيته أو بكلمه يعني القرآن الذي هو أقوى المعجزات "‬
‫أل بذكر ال تطمئن القلوب " أي تسكن إليه‪ ،‬وقال في المجمع‪ :‬معناه الذين‬
‫اعترفوا بتوحيد ال على جميع صفاته وبنبوة نبيه وقبول ما جاء به من‬
‫عند ال‪ ،‬وتسكن قلوبهم بذكر ال‪ ،‬وتأنس إليه‪ ،‬والذكر حضور المعنى‬
‫للنفس‪ ،‬وقد يسمى العلم ذكرا‪ ،‬والقول الذي فيه المعنى الحاضر للنفس‬
‫أيضا‬

‫)‪ (1‬النحل‪ (2) .106 :‬أنوار التنزيل‪ (3) .233 :‬الرعد‪.28 :‬‬

‫]‪[38‬‬

‫يسمى ذكرا " أل بذكر ال " الخ هذا حث للعباد على تسكين القلب إلى ما وعد ال‬
‫به من النعيم والثواب انتهى )‪ (1‬وكأن استدلله عليه السلم بالية مبني‬
‫على أن المراد بذكر ال العقائد اليمانية‪ ،‬والدلئل المفضية إليها إذ بها‬
‫تطمئن القلب من الشك والضطراب ويؤيده قوله في الية السابقة " وقلبه‬
‫مطمئن باليمان "‪ .‬قوله " الذين آمنوا بأفواههم " كأنه نقل لمضمون‬
‫الية إن لم يكن من النساخ أو الرواة‪ ،‬وفي المائدة هكذا‪ " :‬يا أيها الرسول‬
‫ل يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم‬
‫تؤمن قلوبهم " وفي رواية النعماني " الذين قالوا آمنا بأفواههم " )‪(2‬‬
‫وهو أظهر‪ .‬قوله سبحانه " إن تبدوا ما في أنفسكم " )‪ (3‬قال الطبرسي‬
‫رحمه ال‪ :‬أي تظهروها وتعلنوها من الطاعة والمعصية‪ ،‬أو العقائد " أو‬
‫تخفوه " أي تكتموه " يحاسبكم به ال " أي يعلم ال ذلك فيجازيكم عليه‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬معناه إن تظهروا الشهادة أو تكتموها وأن ال يعلم ذلك ويجازيكم به‬
‫عن ابن عباس وجماعة‪ ،‬وقيل‪ :‬إنها عامة في الحكام التي تقدم ذكرها في‬
‫السورة‪ ،‬خوفهم ال تعالى من العمل بخلفها‪ .‬وقال قوم‪ :‬إن هذه الية‬
‫منسوخة بقوله " ل يكلف ال نفسا إل وسعها " )‪ (4‬ورووا في ذلك خبرا‬
‫ضعيفا‪ ،‬وهذا ل يصح لن تكليف ما ليس في الوسع غير جائز‪ ،‬فكيف‬
‫ينسخ وإنما المراد بالية ما يتناوله المر والنهي من العتقادات والرادات‬
‫وغير ذلك مما هو مستورعنا‪ ،‬وأما مال يدخل في التكليف من الوساوس‬
‫والهواجس مما ل يمكن التحفظ عنه من الخواطر فخارج عنه لدللة العقل‪،‬‬
‫و لقوله عليه السلم " يعفى لهذه المة عن نسيانها وما حدثت به أنفسها‬
‫" وعلى هذا يجوز أن تكون الية الثانية بينت الولى وأزالت توهم من‬
‫صرف ذلك إلى غير وجه المراد‪ ،‬وظن أن ما يخطر بالبال أو تتحدث به‬
‫النفس مما ل يتعلق بالتكليف‪ ،‬فان ال يؤاخذ به‪ ،‬والمر بخلف ذلك "‬
‫فيغفر لمن يشاء " منهم رحمة وتفضل " ويعذب من‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 6‬ص ‪ (2) .291‬كما سيجئ تحت الرقم ‪ (3) .29‬البقرة‪.284 :‬‬
‫)‪ (4‬البقرة‪.286 :‬‬

‫]‪[39‬‬

‫يشاء " منهم ممن استحق العقاب عدل " وال على كل شئ قدير " من المغفرة‬
‫والعذاب عن ابن عباس‪ .‬ولفظ الية عام في جميع الشياء والقول فيما‬
‫يخطر بالبال من المعاصي أن ال سبحانه ل يؤاخذ به وإنما يؤاخذ بما يعزم‬
‫النسان ويعقد قلبه عليه‪ ،‬مع إمكان التحفظ عنه‪ ،‬فيصير من أفعال القلب‬
‫فيجازيه به كما يجازيه على أفعال الجوارح و إنما يجازيه جزاء العزم ل‬
‫جزاء عين تلك المعصية‪ ،‬لنه لم يباشرها وهذا بخلف العزم على الطاعة‪،‬‬
‫فان العازم على فعل الطاعة يجازى على عزمه ذلك جزاء تلك الطاعة كما‬
‫جاء في الخبار أن المنتظر للصلة في الصلة مادام ينتظرها‪ ،‬وهذا من‬
‫لطائف نعم ال على عباده انتهى )‪ .(1‬والظاهر من الخبار الكثيرة التي‬
‫يأتي بعضها في هذا الكتاب عدم مؤاخذة هذه المة على الخواطر والعزم‬
‫على المعاصي‪ ،‬فيمكن تخصيص هذه الية بالعقائد كما هو ظاهر هذه‬
‫الرواية‪ ،‬وإن أمكن أن تكون نية المعصية والعزم عليها معصية يغفرها ال‬
‫للمؤمنين‪ ،‬فالمراد بقوله " لمن يشاء " المؤمنون ويؤيده ما ذكره المحقق‬
‫الطوسي وغيره أن إرادة القبيح قبيحة فتأمل ويظهر من بعض الخبار أن‬
‫هذه الية منسوخة وقد خففها ال عن هذه المة كما روى الديلمي في‬
‫إرشاد القلوب باسناده عن موسى بن جعفر‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم في‬
‫خبر طويل في معراج النبي صلى ال عليه وآله قال‪ :‬ثم عرج به حتى‬
‫انتهى إلى ساق العرش وناجاه بما ذكره ال عزوجل في كتابه قال تعالى "‬
‫ل ما في السماوات وما في الرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه‬
‫يحاسبكم به ال فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " وكانت هذه الية قد‬
‫عرضت على سائر المم من لدن آدم إلى بعث محمد صلى ال عليه وآله‬
‫فأبوا جميعا أن يقبلوها من ثقلها وقبلها محمد صلى ال عليه وآله فلما‬
‫رأى ال عزوجل منه ومن امته القبول‪ ،‬خفف عنه ثقلها فقال ال عزوجل‬
‫" آمن الرسول بما انزل إليه من ربه " ثم إن ال عزوجل تكرم على محمد‬
‫وأشفق على امته من تشديد الية التي قبلها هو وامته فأجاب عن نفسه‬
‫وامته‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 2‬ص ‪.401‬‬

‫]‪[40‬‬

‫فقال " والمؤمنون كل آمن بال وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد من رسله‬
‫" فقال ال عزوجل‪ :‬لهم المغفرة والجنة إذا فعلوا ذلك‪ ،‬فقال النبي "‬
‫سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " يعني المرجع في الخرة‪،‬‬
‫فأجابه قد فعلت ذلك بتائبي امتك قد أوجبت لهم المغفرة ثم قال ال تعالى‪:‬‬
‫أما إذا قبلتها أنت وامتك وقد كانت عرضت من قبل على النبياء والمم فلم‬
‫يقبلوها فحق علي أن أرفعها عن امتك فقال ال تعالى " ل يكلف ال نفسا‬
‫إل وسعها لها ما كسبت " من خير " و عليها ما اكتسبت " من شر‪ ،‬ألهم‬
‫ال عزوجل نبيه أن قال " ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " فقال ال‬
‫سبحانه‪ :‬أعطيتك لكرامتك إلى آخر الخبر )‪ .(1‬وأما المخالفون فهم اختلفوا‬
‫في ذلك قال الرازي في تفسير هذه الية‪ :‬يروى عن ابن عباس أنه قال‪:‬‬
‫لما نزلت هذه الية جاء أبو بكر وعمر و عبد الرحمان بن عوف ومعاذ‬
‫وناس إلى النبي صلى ال عليه وآله فقالوا‪ :‬يا رسول ال كلفنا من العمل‬
‫مال نطيق إن أحدنا ليحدث نفسه بما ل يحب أن يثبت في قلبه وإنه لذنب‬
‫فقال النبي صلى ال عليه وآله فلعلكم تقولون كما قال بنو إسرائيل سمعنا‬
‫وعصينا‪ ،‬فقولوا سمعنا و أطعنا‪ ،‬فقالوا سمعنا وأطعنا واشتد ذلك عليهم‬
‫فمكثوا في ذلك حول فأنزل ال تعالى " ل يكلف ال نفسا إل وسعها "‬
‫فنسخت هذه الية‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬إن ال تجاوز عن امتي‬
‫ما حدثوا به أنفسهم ما لم يعملوا أو تكلموا به‪ .‬واعلم أن محل البحث في‬
‫هذه الية أن قوله " إن تبدوا " الخ يتناول حديث النفس والخواطر‬
‫الفاسدة التي ترد على القلب‪ ،‬ول يتمكن من دفعها‪ ،‬فالمؤاخذة بها تجري‬
‫مجرى تكليف مال يطاق‪ ،‬والعلماء أجابوا عنه من وجوه‪ :‬الول أن‬
‫الخواطر الحاصلة في القلب على قسمين فمنها ما يوطن النسان نفسه‬
‫عليه والعزم على إدخاله في الوجود‪ ،‬ومنها ما ل يكون كذلك‪ ،‬بل يكون‬
‫امورا خاطرة بالبال مع أن النسان يكرهها ولكنه ل يمكنه دفعها عن‬
‫نفسه‪ ،‬فالقسم الول يكون مؤاخذا به‪ ،‬والثاني ل يكون مؤاخذا به‪ ،‬أل ترى‬
‫إلى قوله تعالى‪:‬‬

‫)‪ (1‬ارشاد القلوب المجلد الثاني‪.‬‬


‫]‪[41‬‬

‫" ل يؤاخذكم ال باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم " )‪ (1‬وقال‬
‫في آخر هذه السورة‪ " :‬لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " )‪ (2‬وقال‪" :‬‬
‫إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة " )‪ (3‬هذا هو الجواب المعتمد‪ .‬الوجه‬
‫الثاني أن كل ما كان في القلب مما ل يدخل في العمل فانه في محل العفو‬
‫وقوله " وإن تبدوا " إلى آخرها فالمراد منه أن يدخل ذلك العمل في‬
‫الوجود إما ظاهرا أو على سبيل الخفية‪ ،‬وأما ما يوجد في القلب من‬
‫العزائم والرادات ولم يتصل بالعمل‪ ،‬فكل ذلك في محل العفو‪ ،‬وهذا الجواب‬
‫ضعيف لن أكثر المؤاخذات إنما يكون بأفعال القلوب‪ ،‬أل ترى أن اعتقاد‬
‫الكفر والبدع ليس إل من أعمال القلوب‪ ،‬وأعظم أنواع العقاب مرتب عليه‬
‫أيضا‪ ،‬وأفعال الجوارح إذا خلت من أعمال القلوب‪ ،‬ل يترتب عليها عقاب‪،‬‬
‫كأفعال النائم والساهي فثبت ضعف هذا الجواب‪ .‬والوجه الثالث أنه تعالى‬
‫يؤاخذ بها ومؤاخذتها من الغموم في الدنيا وروى في ذلك خبرا عن‬
‫عائشة‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وآله‪ .‬الوجه الرابع أنه تعالى قال‪" :‬‬
‫يحاسبكم به ال " ولم يقل يؤاخذكم به ال وقد ذكرنا في معنى كونه حسيبا‬
‫ومحاسبا وجوها منها كونه عالما بها‪ ،‬فرجع المعنى إلى كونه تعالى عالما‬
‫بالضمائر والسرائر‪ ،‬وروي عن ابن عباس أنه تعالى إذا جمع الخلئق‬
‫يخبرهم بما كان في نفوسهم‪ ،‬فالمؤمن يخبره ويعفو عنه‪ ،‬وأهل الذنوب‬
‫يخبرهم بما أخفوا من التكذيب والذنب‪ .‬الوجه الخامس أنه تعالى ذكر بعد‬
‫هذه الية " فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " فيكون الغفران نصيبا لمن‬
‫كان كارها لورود تلك الخواطر‪ ،‬والعذاب لمن كان مصرا عليها مستحسنا‬
‫لها‪ .‬الوجه السادس قال بعضهم‪ :‬المراد بهذه الية كتمان الشهادة‪ ،‬وهو‬
‫ضعيف وإن كان واردا عقيبه‪.‬‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬البقرة‪ 225 :‬و ‪ (3) .286‬النور‪.19 :‬‬

‫]‪[42‬‬

‫الوجه السابع ما مر أنها منسوخة بقوله " ل يكلف ال نفسا إل وسعها " وهذا‬
‫أيضا ضعيف لوجوه أحدها أن هذا النسخ إنما يصح لو قلنا إنهم كانوا قبل‬
‫هذا النسخ مأمورين بالحتزار عن تلك الخواطر التي كانوا عاجزين عن‬
‫دفعها وذلك باطل‪ ،‬لن التكليف قط ما ورد إل بما في القدرة‪ ،‬ولذلك قال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬بعثت بالحنيفية السمحة السهلة‪ ،‬والثاني أن النسخ‬
‫إنما يحتاج إليه لو دلت الية على حصول العقاب على تلك الخواطر‪ ،‬وقد‬
‫بينا أنها ل تدل على ذلك‪ ،‬الثالث أن نسخ الخبر ل يجوز وإنما يجوز نسخ‬
‫الوامر والنواهي‪ ،‬واختلفوا في أن الخبر هل ينسخ أم ل انتهى‪ .‬وقال أبو‬
‫المعين النسفي‪ :‬قال أهل السنة والجماعة‪ :‬العبد مؤاخذ بما عقد بقلبه نحو‬
‫الزنا واللواطة وغير ذلك أما إذا خطر بباله ولم يقصد فل يؤاخذ به‪ ،‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬ل يؤاخذ في الصورتين جميعا‪ ،‬وحجتهم قوله صلى ال عليه وآله‬
‫" عفي عن امتي ما خطر ببالهم ما لم يتكلموا ويفعلوا " وحجتنا قوله‬
‫تعالى " وإن تبدوا ما في أنفسكم " الية فثبت أنه مؤاخذ بقصده‪ ،‬وما‬
‫ذكرتم من الحديث فمحمول على ما خطر بباله ولم يقصد أما إذا قصد فل‬
‫انتهى‪ " .‬وهو رأس اليمان " كأن التشبيه بالرأس باعتبار أن بانتفائه‬
‫ينتفي اليمان رأسا كما أن بانتفاء الرأس ل تبقى الحياة ويفسد جميع‬
‫البدن‪ ،‬قوله عليه السلم " القول " أي ما يجب التكلم به من القوال‬
‫كاظهار الحق‪ ،‬والمر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر والقراءة والذكار في‬
‫الصلة وأمثالها‪ ،‬فيكون قوله " والتعبير " تخصيصا بعد التعميم‪ ،‬لمزيد‬
‫الهتمام‪ " .‬وقولوا للناس حسنا " )‪ (1‬قال البيضاوي‪ :‬أي قول حسنا‬
‫وسماه حسنا للمبالغة‪ ،‬وقرأ حمزة ويعقوب والكسائي حسنا بفتحتين انتهى‬
‫أقول‪ :‬في بعض الخبار عن الصادق عليه السلم أنه قال‪ :‬يعني قولوا‬
‫محمد رسول ال وفي رواية اخرى عنه عليه السلم‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ ،83 :‬راجع تفسير البيضاوى‪ .35 :‬ط ايران‪.‬‬

‫]‪[43‬‬

‫نزلت في اليهود‪ ،‬ثم نسخت بقوله " قاتلوا الذين ل يؤمنون بال " )‪ (1‬الية وفي‬
‫بعض الروايات أنه حسن المعاشرة والقول الجميل‪ ،‬وفي بعضها أنه المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وكأن التعميم أولى فيناسب التعميم في‬
‫القول أول‪ ،‬ويؤيده ما سيأتي نقل من تفسير النعماني‪ .‬ثم إن الية الثانية‬
‫ليست في المصاحف هكذا ففي سورة البقرة " قولوا آمنا بال وما انزل‬
‫إلينا وما انزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط " وفي‬
‫سورة العنكبوت " وقولوا آمنا بالذي انزل إلينا وانزل إليكم وإلهنا وإلهكم‬
‫واحد ونحن له مسلمون " فالظاهر أن التغيير من النساخ أو نقل اليتين‬
‫بالمعنى وفي النعماني موافق للولى‪ ،‬ولعله كان في الخبر اليتان فأسقطوا‬
‫عجز الولى و صدر الثانية‪ ،‬والتنزه الجتناب " وأن يعرض " عطف "‬
‫على أن يتنزه " والصغاء عطف على الموصول في قوله " عما ل يحل‬
‫"‪ " .‬وقد نزل عليكم في الكتاب " )‪ (2‬هذه الية في سورة النساء وفي‬
‫تفسير علي ابن إبراهيم )‪ (3‬أن آيات ال هم الئمة عليهم السلم‪ ،‬وروى‬
‫العياشي )‪ (4‬في تفسيرها إذا سمعت الرجل يجحد الحق ويكذب به ويقع في‬
‫أهله فقم من عنده ول تقاعده قال الراغب والخوض الشروع الماء‬
‫والمرور فيه‪ ،‬ويستعار في المور وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذ‬
‫الشروع فيه‪ ،‬وتتمة الية " إنكم إذا مثلهم إن ال جامع المنافقين‬
‫والكافرين في جهنم جميعا " والستثناء في سورة النعام حيث قال‪" :‬‬
‫وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في‬
‫حديث غيره وإما ينسينك الشيطان " )‪ (5‬الية ويحتمل أن يكون قوله‬
‫تعالى " وقد نزل عليكم في‬

‫)‪ (1‬براءة‪ (2) .290 :‬النساء‪ (3) .136 :‬تفسير القمى ص ‪(4) .467 - 469‬‬
‫تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .281‬النعام‪.68 :‬‬

‫]‪[44‬‬

‫الكتاب " إشارة إلى ما نزل في سورة النعام‪ ،‬فهذه الية كالتفسير لتلك الية‪،‬‬
‫فذكره عليه السلم آية النساء‪ ،‬لبيان أن الخوض في اليات المذكور في‬
‫النعام هو الكفر والستهزاء بها‪ ،‬وإل كان المناسب ذكر الية المتصلة‬
‫بالستثناء فتفطن‪ ،‬وروى العياشي عن الباقر عليه السلم في هذه الية )‬
‫‪ (1‬قال‪ :‬الكلم في ال والجدال في القرآن وقال منه القصاص " وإما‬
‫ينسينك الشيطان " أي النهي " فل تقعد بعد الذكرى " أي بعد أن تذكره "‬
‫مع القوم الظالمين " أي معهم‪ ،‬فوضع الظاهر موضعه تنبيها على أنهم‬
‫ظلموا بوضع التكذيب والستهزاء موضع التصديق والستعظام‪ ،‬وفي‬
‫الحديث عن النبي صلى ال عليه وآله من كان يؤمن بال واليوم الخر فل‬
‫يجلس في مجلس يسب فيه إمام أو يغتاب فيه مسلم‪ ،‬إن ال تعالى يقول في‬
‫كتابه " وإذا رأيت " الية )‪ .(2‬ثم إن الخطاب في الية إما خطاب عام أو‬
‫الخطاب ظاهرا للرسول والمراد به المة لن النسيان ل يجوز عليه صلى‬
‫ال عليه وآله لسيما إذا كان من الشيطان‪ ،‬فان من جوز السهو والنسيان‬
‫عليه صلى ال عليه وآله كالصدوق إنما جوز السهاء من ال تعالى‬
‫للمصلحة ل من الشيطان " فبشر عبادي " الضافة للتشريف‪ ،‬وأحسن‬
‫القول‪ :‬ما فيه رضا ال أو أشد رضاه‪ ،‬وما هو أشق على النفس‪ ،‬وهذه‬
‫كلمة جامعة يندرج فيها القول في اصول الدين وفروعه‪ ،‬والصلح بين‬
‫الناس‪ ،‬والتمييز بين الحق والباطل وإيثار الفضل فالفضل‪ ،‬وفي رواية‪:‬‬
‫هو الرجل يسمع الحديث فيحدث به كما سمع ل يزيد فيه ول ينقص منه‪" .‬‬
‫اولئك الذين هديهم ال " لدينه " واولئك هم اولوا اللباب " )‪ (3‬أي‬
‫العقول السليمة عن منازعة الهوى والوهم والعادات " وعبادي " في‬
‫النسخ باثبات الياء موافقا لرواية أبي عمرو برواية موسى حيث قرأ في‬
‫الوصل بفتح الياء وفي‬
‫)‪ (1‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .362‬راجع تفسير القمى ص ‪ (3) .192‬الزمر‪:‬‬
‫‪(*) .18‬‬

‫]‪[45‬‬

‫الوقف باسكانها‪ ،‬وقرأ الباقون باسقاط الياء والكتفاء بالكسرة‪ " .‬الذينهم في‬
‫صلتهم خاشعون " قيل‪ :‬أي خائفون من ال متذللون له يلزمون أبصارهم‬
‫مساجدهم‪ ،‬وفي تفسير علي بن إبراهيم )‪ (1‬غضك بصرك في صلتك‪ ،‬و‬
‫إقبالك علينا‪ .‬وسيأتي تفسيره في كتاب الصلة إنشاء ال " والذينهم عن‬
‫اللغو معرضون " قيل " اللغو " مال يعنيهم من قول أو فعل وفي تفسير‬
‫علي بن إبراهيم يعني عن الغناء والملهي وفي إرشاد المفيد عن أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم كل قول ليس فيه ذكر فهو لغو‪ ،‬وفي المجمع عن‬
‫الصادق عليه السلم قال أن يتقول الرجل عليك بالباطل أو يأتيك بما ليس‬
‫فيك فتعرض عنه ل‪ ،‬قال وفي رواية اخرى أنه الغناء والملهي‪ ،‬وفي‬
‫العتقادات عنه عليه السلم أنه سئل عن القصاص أيحل الستماع لهم‬
‫فقال‪ :‬ل‪ .‬والحاصل أن اللغو كل مال خير فيه من الكلم والصوات‪ ،‬ويكفي‬
‫في الستشهاد كون بعض أفراده حراما مثل الغناء والدف والصنج‬
‫والطنبور و الكاذيب وغيرها‪ ،‬وقال في سورة القصص " وإذا سمعوا‬
‫اللغو أعرضوا عنه " قال علي بن إبراهيم )‪ :(2‬اللغو الكذب واللهو‬
‫والغناء وقال في الفرقان " وإذا مروا باللغو مروا كراما " )‪ (3‬أي‬
‫معرضين عنه مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه‪ ،‬و الخوض فيه‪ ،‬وفي‬
‫أخبار كثيرة تفسير اللغو في هذه الية بالغناء والملهي قوله‪ " :‬من‬
‫اليمان " من تبعيضية " وأن ل يصغي " عطف بيان لهذا‪ ،‬وقيل " من‬
‫اليمان " مبتدأ و " أن ل يصغي " خبره )‪ (4‬وفيه ما فيه‪ " .‬قل للمؤمنين‬
‫يغضوا " )‪ ،(5‬الخطاب للرسول صلى ال عليه وآله " ويغضوا " مجزوم‬
‫بتقدير اللم أي ليغضوا‪ ،‬فالمقصود تبليغهم أمر ربهم أو حكاية لمضمون‬
‫أمره عليه السلم أو منصوب بتقدير أن أي مرهم أن يغضوا‪ ،‬فان " قل‬
‫لهم " في معنى " مرهم " وقيل إنه جواب المر أي قل لهم غضوا يغضوا‬
‫واعترض بأنه حينئذ ينبغي الفاء أي فيغضوا‬

‫)‪ (1‬تفسير القمى ص ‪ ،444‬وهكذا ما بعده‪ ،‬والية صدر سورة المؤمنون‪(2) .‬‬
‫تفسير القمى ص ‪ 490‬والية في القصص‪ (3) .55 :‬الفرقان‪(4) .72 :‬‬
‫بل بالعكس‪ (5) .‬النور‪.30 :‬‬

‫]‪[46‬‬
‫وفيه أنه سهل ليكن محذوفا‪ ،‬وأبعد منه ما يقال إن التقدير قل لهم غضوا فانك إن‬
‫تقل لهم يغضوا‪ ،‬وأصل الغض النقصان والخفض كما في قوله "‬
‫واغضض من صوتك " )‪ (1‬وأجاز الخفش أن تكون من زائدة وأباه‬
‫سيبويه‪ ،‬وقال إنه للتبعيض ولعله الوجه‪ ،‬وليس المراد نقص المبصرات‬
‫وتبعيضها ول البصار‪ ،‬بل النظر بها‪ ،‬وهو المراد مما قيل‪ :‬المراد غض‬
‫البصر وخفضه عما يحرم النظر إليه و القتصار به على ما يحل‪ ،‬وكذا‬
‫قوله " ويحفظوا فروجهم " أي إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم‪،‬‬
‫فلما كان المستثنى هنا كالشاذ النادر مع كونه معروفا معلوما بخلفه في‬
‫غض البصار أطلق الحفظ هنا وقيد الغض بحرف التبعيض‪ ،‬وفي الكشاف‪:‬‬
‫ويجوز أن يراد مع حفظها عن الفضاء إلى مال يحل حفظها عن البداء‬
‫وهذه الرواية وغيرها تدل على أن المراد بحفظ الفرج هنا ستره عن أن‬
‫ينظر إليه أحد وكذا ظاهر الرواية تخصيص غض البصر بترك النظر إلى‬
‫العورة‪ .‬قوله عليه السلم " ثم نظم " أقول في تفسير النعماني‪ :‬ثم نظم‬
‫تعالى ما فرض على السمع والبصر والفرج في آية واحدة فقال " وما كنتم‬
‫" وهو أظهر‪ ،‬وما هنا يحتاج إلى تكلف في إدخال اللسان والقلب‪ ،‬فقيل‬
‫المراد بالستتار ترك ذكر العمال القبيحة في المجالس " وأن يشهد "‬
‫بتقدير من أن يشهد متعلقا بالستتار بتضمين معنى الخوف‪ ،‬فقوله "‬
‫تستترون " إشارة إلى فرض القلب واللسان معا‪ ،‬ويحتمل أن يكون المراد‬
‫بالية الخرى الجنس أي اليتين والفؤاد داخل في الية الثانية وكذا‬
‫اللسان‪ ،‬لن قوله‪ " ،‬ل تقف " عبارة عن عدم متابعة غير المعلوم بعدم‬
‫التصديق به بالقلب‪ ،‬وعدم إظهار العلم به باللسان " وما كنتم تستترون "‬
‫قبل هذه الية في حم تنزيل " ويوم يحشر أعداء ال إلى النار فهم‬
‫يوزعون حتى إذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما‬
‫كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ؟ قالوا أنطقنا ال الذي أنطق‬
‫كل شئ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون " )‪ (2‬قال الطبرسي قدس‬
‫سره‪ :‬أي شهد عليهم سمعهم بما قرعه من الدعاء‬

‫)‪ (1‬لقمان‪ (2) .19 :‬فصلت‪.20 :‬‬

‫]‪[47‬‬

‫إلى الحق فأعرضوا عنه ولم يقبلوه‪ ،‬وأبصارهم بما رأوا من اليات الدالة على‬
‫وحدانية ال فلم يؤمنوا‪ ،‬وسائر جلودهم بما باشروه من المعاصي‬
‫والعمال القبيحة وقيل‪ :‬في شهادة الجوارح قولن أحدهما أن ال تعالى‬
‫يبنيها بنية الحي )‪ (1‬و يلجئها إلى العتراف والشهادة بما فعله أصحابها‪،‬‬
‫والخر أن ال تعالى تفعل الشهادة فيها وإنما أضاف الشهادة إليها مجازا‬
‫وقيل في ذلك أيضا وجه ثالث‪ :‬وهو أنه يظهر فيه أماراته الدالة على كون‬
‫أصحابها مستحقين للنار فسمي ذلك شهادة مجازا كما يقال عيناك تشهدان‬
‫بسهرك‪ ،‬وقيل‪ :‬إن المراد بالجلود هنا الفروج على طريق الكناية عن ابن‬
‫عباس والمفسرين )‪ (2‬ثم قال " وما كنتم تستترون أن يشهد " أي من أن‬
‫يشهد عليكم سمعكم معناه وما كنتم تستخفون أي لم يكن مهيئا لكم أن‬
‫تستتروا أعمالكم عن هذه العضاء لنكم كنتم بها تعملون‪ ،‬فجعلها ال‬
‫شاهدة عليكم في القيامة‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه وما كنتم تتركون المعاصي حذرا أن‬
‫تشهد عليكم جوارحكم بها‪ ،‬لنكم ما كنتم تظنون ذلك " ولكن ظننتم أن ال‬
‫ل يعلم كثيرا مما " كنتم " تعملون " لجهلكم بال تعالى‪ ،‬فهان عليكم‬
‫ارتكاب المعاصي لذلك‪ ،‬وروي عن ابن مسعود أنها نزلت في ثلثة نفر‬
‫تساروا فقالوا أترى أن ال تعالى يسمع تسارنا ؟ ويجوز أن يكون المعنى‬
‫أنكم عملتم عمل من ظن أن عمله يخفى على ال كما يقال أهلكت نفسي أي‬
‫عملت عمل من أهلك النفس‪ ،‬وقيل‪ :‬إن الكفار كانوا يقولون إن ال ل يعلم‬
‫ما في أنفسنا‪ ،‬لكنه يعلم ما نظر‪ ،‬عن ابن عباس " و ذلكم ظنكم الذي ظننتم‬
‫بربكم أرديكم " " ذلكم " مبتدأ و " ظنكم " خبره و " أرديكم " خبر ثان‪،‬‬
‫ويجوز أن يكون ظنكم بدل من ذلك‪ ،‬ويكون المعنى وظنكم الذي ظننتم‬
‫بربكم أنه ل يعلم كثيرا مما تعملون أهلككم‪ ،‬إذ هون عليكم أمر المعاصي‬
‫وأدى بكم إلى الكفر " فأصبحتم من الخاسرين " أي فظللتم من جملة من‬

‫)‪ (1‬وفى نسخة من المصدر‪ :‬ينبهها تنبيه الحى‪ (2) .‬مجمع البيان ج ‪ 9‬ص ‪.9‬‬

‫]‪[48‬‬

‫خسرت تجارته‪ ،‬لنكم خسرتم الجنة‪ ،‬وخضتم في النار انتهى )‪ (1‬فان قيل‪ :‬هذه‬
‫اليات في السور المكية‪ ،‬وكذا قوله " ول تقف " الخ كما يدل عليه خبر‬
‫محمد بن سالم أيضا فكيف صارت أعمال الجوارح فيها أجزاء من اليمان‪،‬‬
‫وكيف توعد عليها ؟ قلت‪ :‬لعل الوعيد فيها باعتبار كفرهم وشركهم ل أنها‬
‫تدل على أنهم إنما فعلوا ذلك كفرا بال واستهانة بأمره‪ ،‬وظنهم أنه‬
‫سبحانه ل يعلم كثيرا مما يعملون فالوعيد على شركهم وإتيانهم بتلك‬
‫العمال من جهة الستخفاف والستحلل وقفو ما ليس لهم به علم كان في‬
‫اصول الدين مع أنه قد مر أنه ليس فيها وعيد بالنار وكون جميع آيات حم‬
‫مكية لم يثبت لعدم العتماد على قول المفسرين من العامة ويحتمل أن‬
‫يكون الغرض هنا محض كون العمال متعلقة بالجوارح‪ ،‬وأن لها مدخل‬
‫في اليمان‪ ،‬وإن كان مدخليتها في كماله‪ ،‬والمقصود في هذا الخبر أمر‬
‫آخر وكذا الكلم في قوله " ول تمش في الرض مرحا " فانها أيضا مكية‪.‬‬
‫قوله " إلى ما حرم ال " مثل القتل والضرب والنهب والسرقة وكتابة‬
‫الجور والكذب والظلم ومس الجانب ونحوها " وفرض عليهما من‬
‫الصدقة وصلة الرحم " إذ إيصال الصدقة إلى الفقراء‪ ،‬والخير إلى‬
‫القرباء‪ ،‬والضرب والبطش والقتل في الجهاد‪ ،‬والطهور للصلة من‬
‫فروض اليد‪ ،‬وقيل يفهم منه وجوب استعمال اليد في غسل الوجه‪ ،‬وهو إما‬
‫لنه الفرد الغالب‪ ،‬أو لنه فرد الواجب التخييري‪ .‬وأقول‪ :‬يمكن أن يكون‬
‫غسل الوجه داخل فيما سيأتي من قوله " وقال فيما فرض ال "‪" .‬‬
‫فضرب الرقاب " )‪ (2‬ضرب الرقاب عبارة عن القتل بضرب العنق‪،‬‬
‫وأصله فاضربوا الرقاب ضربا حذف الفعل واقيم المصدر مقامه واضيف‬
‫إلى المفعول‪ ،‬والثخان إكثار القتل أو الجراح بحيث ل يقدر على النهوض‪،‬‬
‫والوثاق بالفتح والكسر ما يوثق به‪ ،‬وشده كناية عن السر و " منا " و‬
‫" فداء " مفعول مطلق لفعل محذوف‪ ،‬أي فإما‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 9‬ص ‪ 10‬وفيه‪ :‬حصلتم في النار‪ (2) .‬القتال‪.4 :‬‬

‫]‪[49‬‬

‫تمنون منا وإما تفدون فداء‪ ،‬وأوزار الحرب أثقالها وآلتها كالسيف والسنان‬
‫وغيرهما وهو كناية عن انقضاء أمرها والمروي ومذهب الصحاب أن‬
‫السير إن اخذ والحرب قائمة تعين قتله إما بضرب عنقه أو بقطع يده‬
‫ورجله من خلف وتركه حتى ينزف ويموت‪ ،‬وإن اخذ بعد انقضاء الحرب‬
‫تخير المام بين المن والفداء والسترقاق‪ ،‬ول يجوز القتل‪ ،‬والسترقاق‬
‫علم من السنة‪ ،‬والعلج المزاولة‪ " .‬أن ل يمشى " بصيغة المجهول‬
‫والباء في " بهما " لللة‪ ،‬والظرف نائب الفاعل‪ ،‬و قوله عليه السلم "‬
‫فقال " لعله ليس لتفسير ما تقدم‪ ،‬والستدلل عليه‪ ،‬بل لبيان نوع آخر من‬
‫تكليف الرجلين‪ ،‬وهو نوع المشي وما ذكر سابقا كان غاية المشي‪،‬‬
‫وسيأتي ما هو أوفق بالمراد في رواية النعماني‪ ،‬وقال البيضاوي‪" :‬‬
‫واقصد في مشيك " )‪ (1‬توسط فيه بين الدبيب والسراع‪ ،‬وعنه صلى ال‬
‫عليه وآله سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن " واغضض من صوتك "‬
‫وانقص منه وأقصر " إن أنكر الصوات " أوحشها " لصوت الحمير "‬
‫والحمار مثل في الذم سيما نهاقه‪ ،‬ولذلك يكنى عنه فيقال طويل الذنين‬
‫وفي تمثيل الصوت المرتفع بصوته ثم إخراجه مخرج الستعارة‪ ،‬مبالغة‬
‫شديدة وتوحيد الصوت لن المراد تفضيل الجنس في النكير دون الحاد أو‬
‫لنه مصدر‪ .‬وقال في قوله سبحانه‪ " :‬اليوم نختم على أفواههم " )‪ (2‬بأن‬
‫نمنعها عن كلمهم " وتكلمنا أيديهم " الخ بظهور آثار المعاصي عليها‬
‫ودللتها على أفعالها أو بانطاق ال إياها‪ ،‬وفي الحديث أنهم يجحدون‬
‫ويخاصمون فيختم على أفواههم وتكلمهم أيديهم وأرجلهم انتهى‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫هذا ل ينافي ما روي أن الناس في هذا اليوم يحتجون لنفسهم ويسعى كل‬
‫منهم في فكاك رقبته كما قال سبحانه‪ " :‬يوم تأتي كل نفس تجادل عن‬
‫نفسها " )‪ (3‬وال يلقن من يشاء حجته كما في دعاء الوضوء اللهم لقني‬
‫حجتي يوم ألقاك‪ ،‬لن الختم مخصوص بالكفار كما قاله بعض المفسرين أو‬
‫أن الختم‬

‫)‪ (1‬لقمان‪ ،18 :‬راجع البيضاوي‪ (2) .335 :‬يس‪ (3) .65 :‬النحل‪.111 :‬‬

‫]‪[50‬‬

‫يكون بعد الحتجاج والمجادلة كما في الرواية السابقة‪ ،‬وبالجملة الختم يقع في مقام‬
‫والمجادلة في مقام آخر قوله " فهذا أيضا " كأنه إشارة إلى ما تشهد به‬
‫الجوارح فمن في قوله " مما " تبعيضية‪ ،‬أو إلى التكليم والشهادة فمن‬
‫تعليلية‪ ،‬ويحتمل أن يكون إشارة إلى جميع ما تقدم‪ .‬وقال البيضاوي في‬
‫قوله تعالى‪ " :‬اركعوا واسجدوا " )‪ (1‬أي في صلتكم أمرهم بهما لنهم‬
‫ما كانوا يفعلونهما أول السلم‪ ،‬أو صلوا وعبر عن الصلة بهما لنهما‬
‫أعظم أركانهما‪ ،‬أو اخضعوا ل وخروا له سجدا " واعبدوا ربكم " بسائر‬
‫ما تعبدكم به " وافعلوا الخير " وتحروا ما هو خير وأصلح فيما تأتون‬
‫وتذرون كنوافل الطاعات‪ ،‬وصلة الرحام‪ ،‬ومكارم الخلق " لعلكم‬
‫تفلحون " أي افعلوا هذه كلها وأنتم راجون الفلح غير متيقنين له واثقين‬
‫على أعمالكم‪ ،‬وأقول " لعل " من ال موجبة " وهذه فريضة جامعة " أي‬
‫ما ذكر في هذه الية من الركوع والسجود والعبادة وفعل الخير ومدخلية‬
‫العضاء المذكورة في تلك العمال في الجملة ظاهرة " وأن المساجد ل‬
‫" )‪ (2‬ظاهره أنه عليه السلم فسر المساجد بالعضاء السبعة التي يسجد‬
‫عليها‪ ،‬أي خلقت لن يعبد ال بها فل تشركوا معه غيره في سجودكم‬
‫عليها‪ ،‬وهذا التفسير هو المشهور بين المفسرين‪ ،‬والمذكور في صحيحة‬
‫حماد )‪ (3‬والمروي عن أبي جعفر الثاني عليه السلم حين سأله المعتصم‬
‫عنها وبه قال ابن جبير والزجاج والفراء )‪ ،(4‬فل عبرة بقول من قال‪ :‬إن‬
‫المراد بها المساجد المعروفة‪ ،‬ول بقول من قال‪ :‬هي بقاع الرض كلها‪،‬‬
‫ول بقول من قال‪ :‬هي المسجد الحرام‪ ،‬والجمع باعتبار أنه قبلة لجميع‬
‫المساجد‪ ،‬ول بقول من قال‪ :‬هي السجدات جمع مسجد بالفتح مصدرا أي‬
‫السجودات ل فعل تفعل لغيره وقال في الفقيه )‪ (5‬قال أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم‬
‫)‪ (1‬الحج‪ ،77 :‬راجع البيضاوى‪ (2) .274 :‬الجن‪ (3) .18 :‬راجع الكافي ج ‪ 3‬ص‬
‫‪ (4) .312‬راجع مجمع البيان ج ‪ 10‬ص ‪ (5) .372‬فقيه من ل يحضره‬
‫الفقيه ج ‪ 2‬ص ‪.381‬‬

‫]‪[51‬‬

‫في وصيته لبنه محمد ابن الحنفية‪ :‬يا بني ل تقل مال تعلم‪ ،‬بل ل تقل كل ما تعلم‪،‬‬
‫فان ال تبارك وتعالى قد فرض على جوارحك كلها فرائض يحتج بها عليك‬
‫يوم القيامة ويسألك عنها وساق الحديث إلى أن قال‪ :‬ثم استعبدها بطاعته‬
‫فقال عزوجل " يا أيها الذين آمنوا اركعوا ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬لعلكم تفلحون "‬
‫فهذه فريضة جامعة واجبة على الجوارح‪ ،‬وقال عزوجل‪ " :‬وأن المساجد‬
‫" الخ يعني بالمساجد الوجه واليدين والركتبين والبهامين الحديث بطوله‪.‬‬
‫قوله " وقال فيما فرض على الجوارح من الطهور والصلة بها " أي‬
‫بالجوارح وكأن مفعول القول محذوف‪ ،‬أي ما قال‪ ،‬أو من الطهور مفعوله‬
‫بزيادة من‪ ،‬أو بتقدير شيئا أو كثيرا‪ ،‬أو المراد قال ذلك أي آية المساجد‬
‫فيما فرض ال على هذه الجوارح من الطهور والصلة‪ ،‬لن الطهور أيضا‬
‫يتعلق بالمساجد‪ ،‬وعلى التقادير قوله " وذلك " إشارة إلى كون اليات‬
‫السابقة دليل على كون اليمان مبثوثا على الجوارح‪ ،‬لنها إنما دلت على‬
‫أن ال تعالى فرض أعمال متعلقة بتلك الجوارح ولم تدل على أنها إيمان‪،‬‬
‫فاستدل على ذلك بأن ال تعالى سمى الصلة المتعلقة بجميع الجوارح‬
‫إيمانا فتم به الستدلل باليات المذكورة على المطلوب‪ ،‬والظاهر أن في‬
‫العبارة سقطا أو تحريفا أو اختصارا مخل من الرواة‪ ،‬أو من المصنف كما‬
‫يدل عليه ما سيأتي نقل من النعماني‪ ،‬وفي رواية ابن قولويه‪ :‬وقال في‬
‫موضع آخر " وأن المساجد " الية فروى أصحابنا في غير هذا الحديث‬
‫أنه عنى عزوجل بذلك هذه الجوارح الخمس‪ ،‬وقال في موضع آخر فيما‬
‫فرض على هذه الجوارح من الطهور والصلة وذلك أن ال تبارك وتعالى‬
‫لما صرف نبيه صلوات ال عليه وآله إلى الكعبة عن بيت المقدس قال‬
‫المسلمون للنبي صلى ال عليه وآله‪ :‬يا رسول ال أرأيت صلتنا التي كنا‬
‫نصلي إلى بيت المقدس ما حالها وحالنا فيها ؟ وحال من مضى من أمواتنا‬
‫وهم يصلون إلى بيت المقدس ؟ فأنزل ال عزوجل " وما كان ال " الية‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون مفعول القول " وما كان ال ليضيع إيمانكم " أو مبهما‬
‫يفسره ذلك‪ ،‬حذف لدللة التعليل عليه‪ ،‬وقوله " وذلك " تعليل للقول أي‬
‫النزول‪ ،‬وقوله‪ " :‬فأنزل ال "‬

‫]‪[52‬‬
‫ليس جواب لما‪ ،‬لعدم جواز دخول الفاء عليه‪ ،‬بل الجواب محذوف بتقدير أنزل وجه‬
‫الحكمة في الصرف فأنزل‪ .‬قوله " فمن لقي ال " عند الموت أو في‬
‫القيامة أو العم " حافظا لجوارحه " عن المحرمات " موفيا كل جارحة‬
‫" التوفية إعطاء الحق وافيا تاما ويمكن أن يقرأ كل بالرفع وبالنصب "‬
‫مستكمل ليمانه " أي مكمل له في القاموس أكمله واستكمله وكمله أتمه‬
‫وجمله )‪ " (1‬ومن خان في شئ منها " أي من الجوارح بفعل المنهيات "‬
‫أو تعدي ما أمر ال عزوجل " في الجوارح‪ ،‬ويحتمل أن تكون الخيانة أعم‬
‫من ترك المأمورات وفعل المنهيات‪ ،‬والتعدي بايقاع الفرائض على وجه‬
‫البدعة‪ ،‬و مخالفا لما أمر ال‪ .‬وأقول‪ :‬حكم عليه السلم في الول بدخول‬
‫الجنة أي من غير عقاب وفي الثاني لم يحكم بدخول النار ول بعدم دخول‬
‫الجنة‪ ،‬لنه يدخل الجنة ولو بعد حين‪ ،‬وليس دخوله النار مجزوما به‪،‬‬
‫لحتمال عفو ال تعالى وغفرانه‪ .‬قوله " فمن أين جاءت زيادته " يفهم‬
‫منه أن السائل فهم من الزيادة كون ما يشترط في اليمان متحققا وزائدا‬
‫عليه ل أنه يكون الزائد بالنسبة إلى الناقص‪ ،‬و إل فلم يحتج إلى السؤال‬
‫لن كل نقص إذا سلب كان زائدا بالنسبة إليه فالفراد ثلثة‪ " :‬تام اليمان‬
‫" وهو الذي اعتقد العقائد الحقة كلها‪ ،‬وعمل بالفرائض واجتنب الكبائر‪،‬‬
‫وإن أتى بشئ منها تاب بعده‪ ،‬ولم يصر على الصغائر " وناقص اليمان "‬
‫وهو الذي أتى مع العقائد الحقة بشئ من الكبائر‪ ،‬ولم يتب منها‪ ،‬أو ترك‬
‫شيئا من الفرائض ولم يتداركها‪ ،‬أو أصر على الصغائر " وزائد اليمان "‬
‫وهو الذي زاد في العقائد على ما يجب كما وكيفا كما سيأتي وفي العمال‬
‫باتيانه بسائر الواجبات والمستحبات‪ ،‬وترك الصغائر والمكروهات وكلما‬
‫زادت العقائد والعمال كما وكيفا زاد اليمان‪ .‬فإذا عرفت هذا فلم تحتج إلى‬
‫ما تكلفه بعضهم أنه لما ذكر عليه السلم أن اليمان مفروض على‬
‫الجوارح‪ ،‬وأنه يزيد وينقص‪ ،‬وعلم السائل الول صريحا من‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 4‬ص ‪.46‬‬

‫]‪[53‬‬

‫اليات المذكورة‪ ،‬والثاني ضمنا أو التزاما منها‪ ،‬للعلم الضروري بأن العلم يزيد‬
‫وينقص‪ ،‬سأل عن اليات الدالة على الثاني صريحا أو قصده من السؤال‪:‬‬
‫أني قد فهمت مما ذكر من نقصان اليمان العملي وتمامه باعتبار أن العمل‬
‫يزيد وينقص فمن أين جاءت زيادة اليمان التصديقي وأية آية تدل عليها ؟‬
‫وفيه حينئذ استخدام إذ أراد بلفظ اليمان اليمان العملي‪ ،‬وبضميره اليمان‬
‫التصديقي‪ ،‬وعلى التقديرين ل يرد أنه إذا علم نقصان اليمان وتمامه فقد‬
‫علم زيادته‪ ،‬لن في التام زيادة ليست في الناقص انتهى‪ " .‬فمنهم " )‪(1‬‬
‫قال البيضاوي فمن المنافقين من يقول إنكارا واستهزاء " أيكم زادته هذه‬
‫" السورة " إيمانا " ؟ وقرئ أيكم بالنصب على إضمار فعل يفسره زادته‬
‫" فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا " بزيادة العلم الحاصل من تدبر السورة‬
‫وانضمام اليمان بها وبما فيها إلى إيمانهم " وهم يستبشرون " بنزولها‬
‫لنها سبب لزيادة كمالهم‪ ،‬وارتفاع درجاتهم " وأما الذين في قلوبهم‬
‫مرض " كفر " فزادتهم رجسا إلى رجسهم " كفرا بها مضموما إلى الكفر‬
‫بغيرها " وماتوا وهم كافرون " واستحكم ذلك فيهم حتى ماتوا عليه‪" .‬‬
‫وزدناهم هدى " )‪ (2‬أي هداية إلى اليمان أوزدناهم بسبب اليمان ثباتا و‬
‫شدة يقين وصبر على المكاره في الدين‪ ،‬كما قال " وربطنا على قلوبهم "‬
‫فهذه الهداية الخاصة الربانية زيادة على اليمان الذي كانوا به متصفين‬
‫حيث قال تعالى أول " إنهم فتية آمنوا بربهم "‪ " .‬ولو كان كله واحدا "‬
‫أي كل اليمان واحدا " ل زيادة فيه ول نقصان لم يكن لحد " من‬
‫المؤمنين " فضل على الخر " لن الفضل إنما هو باليمان‪ ،‬فل فضل مع‬
‫مساواتهم فيه " ول استوت النعم " أي نعم ال بالهدايات الخاصة في‬
‫اليمان " ولستوى الناس " في دخول الجنة أو في الخير والشر‪ ،‬وبطل‬
‫تفضيل بعضهم على بعض بالدرجات والكمالت‪ ،‬واللوازم كلها باطلة‬
‫بالكتاب و‬

‫)‪ (1‬براءة‪ ،126 :‬راجع البيضاوى‪ (2) .181 :‬الكهف‪ 13 :‬وما ذكر بعدها ذيلها‪.‬‬

‫]‪[54‬‬

‫السنة " ولكن بتمام اليمان " باعتبار أصل التصديق والعمل بالفرائض‪ ،‬أو‬
‫بالواجبات وترك الكبائر أو المنهيات " دخل المؤمنون " المتصفون به "‬
‫الجنة‪ .‬وبالزيادة في اليمان " بضم سائر الواجبات مع المندوبات‪ ،‬أو‬
‫المندوبات وترك الصغائر مع المكروهات‪ ،‬أو المكروهات وتحصيل الداب‬
‫المرغوبة والخلق المطلوبة " تفاضل المؤمنون " المتصفون بها‬
‫بدرجات الجنة العالية‪ ،‬والمنازل الرفيعة في قربه تعالى " وبالنقصان "‬
‫في التصديق أو التقصير في العمال الواجبة وارتكاب المحرمات " دخل‬
‫المفرطون " في " النار " إن لم ينجوا بفضله وعفوه سبحانه‪ .‬قوله "‬
‫درجات " أي ذو درجات أو نفسه باعتبار إضافة درجات )‪ (1‬وقيل‪:‬‬
‫الدرجات مراتب الترقيات‪ ،‬والمنازل مراتب التنزلت‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬
‫المقصود منهما واحدا اطلق عليهما اللفظان باعتبارين " إن ال سبق "‬
‫على بناء التفعيل المعلوم‪ ،‬و " يسبق " على بناء التفعيل المجهول أي‬
‫قرر السبق وقدره بينهم في اليمان‪ ،‬وندبهم إليه كما يسابق بين الخيل يوم‬
‫الرهان‪ ،‬والخيل جماعة الفراس ل واحد له‪ ،‬و قيل واحدة خائل لنه يختال‬
‫وجمعه أخيال وخيول‪ ،‬ويطلق الخيل على الفرسان أيضا والمراهنة‬
‫والرهان بالكسر المسابقة على الخيل‪ ،‬وكأنه عليه السلم شبه مدة الحياة‬
‫بالمضمار‪ ،‬والرواح بالفرسان‪ ،‬والبدان بالخيول‪ ،‬والعلم الذي يسبق إليه‬
‫منتهى مراتب اليمان‪ ،‬والسبق الذي يراهن عليه الجنة فمنهم من سبق‬
‫الكل وبلغ الغاية وهو رسول ال صلى ال عليه وآله ومنهم من تأخر عن‬
‫الكل‪ ،‬ومنهم من بقى في وسط الميدان‪ ،‬ومنازلهم بحسب العقائد والعمال‬
‫كما وكيفا ل يتناهى‪ .‬قوله عليه السلم " فجعل كل امرئ منهم " أي‬
‫أعطاه ما يستحقه من الكرامة و الجر والذكر الجميل‪ ،‬قيل‪ :‬في القتصار‬
‫بنفي النقص دون الزيادة إيماء إلى جوازها من باب التفضل وإن لم‬
‫يستحق " ول يتقدم " أي في الفضل والثواب " مسبوق " في اليمان "‬
‫سابقا " فيه " ول مفضول " في الكمالت والعمال الصالحة " فاضل "‬
‫فيها‪ " .‬تفاضل " استيناف بياني " بذلك " أي بالسبق " أوائل هذه المة‬
‫" أي من تقدم‬

‫)‪ (1‬ل يحتاج الى هذا التوجيه‪ ،‬فان لفظ الحديث هكذا‪ " :‬ان لليمان درجات "‪.‬‬

‫]‪[55‬‬

‫إيمانه من الصحابة " أواخرها " منهم أو العم من الصحابة وغيرهم‪ ،‬أو الصحابة‬
‫على التابعين والتابعين على غيرهم‪ ،‬وظاهره السبق الزمانى إشعارا بأن‬
‫الغاصبين للخلفة وإن فرض منهم تحقق إسلم وعمل صالح‪ ،‬فل يجوز‬
‫تقديمهم على أمير المؤمنين عليه السلم وقد كان أولهم إيمانا وأسبقهم مع‬
‫قطع النظر من سائر الكمالت والفضائل التي استحق بها التقديم‪ ،‬ويحتمل‬
‫أن يكون المراد أعم من السبق الزماني والسبق بحسب الرتبة‪ ،‬وكمال‬
‫اليقين‪ ،‬فالكثرية بحسب العمال المذكورة بعد ذلك الكثرية بحسب الكمية‬
‫ل الكيفية‪ ،‬فانها تابعة للكمالت النفسانية‪ ،‬والحقائق اليمانية التي هي من‬
‫العمال القلبية‪ ،‬لكنه بعيد عن السياق‪ .‬وقوله " نعم " تأكيد لقوله " للحق‬
‫" وقوله " ولتقدموهم " عطف على قوله " نعم " أو على قوله " للحق‬
‫" وقوله " إذا لم يكن " إعادة للشرط السابق تأكيدا أو المعنى أنه لو لم‬
‫يكن للسبق الزماني مدخل في الفضل للزم أن يجوز لحوق المتأخرين‬
‫السابقين‪ ،‬أو تقدمهم عليهم مع عدم تحقق فضل في أصل اليمان‬
‫وشرائطه ومكملته للسابقين على اللحقين‪ ،‬فاللحوق في صورة‬
‫المساوات والتقدم في صورة زيادة إيمان اللحقين على إيمان السابقين‪،‬‬
‫والحال أنه ليس كذلك‪ ،‬فان لهم بالتقدم الزماني فضل عليهم‪ ،‬فالمراد‬
‫بالفضل ما هو غير السبق الزماني وقوله " ولكن " إضراب عن قوله "‬
‫نعم ولتقدموهم " إلخ‪ ،‬والمراد بالدرجات ما هو باعتبار السبق الزماني "‬
‫من الولين " أي من بعضهم " مقدمين على الولين " أي مطلقا‪ ،‬ولكن‬
‫ليس كذلك بل ربما كان بعض الولين باعتبار السبق أفضل من كثير من‬
‫الخرين وإن كانوا أقل منهم عمل باعتبار تقدمهم وسبقهم وصعوبة‬
‫اليمان في ذلك الزمان وبسبب أن لهم مدخل عظيما في إيمان الخرين‪.‬‬
‫والحاصل أن المسابقة تكون بحسب الرتبة والزمان‪ ،‬فمن اجتمعا فيه كأمير‬
‫المؤمنين صلوات ال عليه فهو الكامل حق الكمال‪ ،‬والسابق على كل حال‬
‫ومن انتفى عنه المران فهو الناقص المستحق للخذلن والوبال‪ ،‬وأما إذا‬
‫تعارض المران فظاهر الخبر أن السابق زمانا أفضل وأعلى درجة من‬
‫الخر‪.‬‬

‫]‪[56‬‬

‫وقال بعض المحققين‪ :‬الغرض من هذا الحديث أن يبين أن تفاضل درجات اليمان‬
‫بقدر السبق والمبادرة إلى إجابة الدعوة إلى اليمان‪ ،‬وهذا يحتمل عدة‬
‫معان‪ :‬أحدها أن يكون المراد بالسبق السبق في الذر‪ ،‬وعند الميثاق‪ ،‬كما‬
‫روي أنه سئل رسول ال صلى ال عليه وآله بأي شئ سبقت ولد آدم ؟‬
‫قال‪ :‬إنني أول من أقر بربي إن ال أخذ ميثاق النبيين وأشهدهم على‬
‫أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى فكنت أول من أجاب )‪ (1‬وعلى هذا يكون‬
‫المراد بأوائل هذه المة وأواخرها أوائلها وأواخرها في القرار والجابة‬
‫هناك‪ ،‬فالفضل للمتقدم في قوله " بلى " والمبادر إلى ذلك ثم المتقدم‬
‫والمبادر‪ .‬والمعنى الثاني أن يكون المراد بالسبق السبق في الشرف‬
‫والرتبة‪ ،‬والعلم والحكمة‪ ،‬وزيادة العقل‪ ،‬والبصيرة في الدين ووفور سهام‬
‫اليمان التي ذكرها )‪ (2‬ولسيما اليقين كما يستفاد من الخبار التية‪،‬‬
‫وعلى هذا يكون المراد بأوائل هذه المة وأواخرها أوائلها وأواخرها في‬
‫مراتب الشرف والعقل والعلم‪ ،‬فالفضل للعقل والعلم والجمع للكمالت‪،‬‬
‫وهذا المعنى يرجع إلى المعنى الول لتلزمهما ووحدة مالهما واتحاد‬
‫محصلهما والوجه في أن الفضل للسابق على هذين المعنيين ظاهر لمرية‬
‫فيه ومما يدل على إرادة هذين المعنيين اللذين مرجعهما إلى واحد قوله‬
‫عليه السلم‪ " :‬ولو لم يكن سوابق يفضل بها المؤمنون " إلى قوله " من‬
‫قدم ال " ولسيما قوله " أبى ال أن يدرك آخر درجات اليمان أولها "‬
‫ومن تأمل في تتمة الحديث أيضا حق التأمل يظهر له أنه المراد إنشاء ال‬
‫تعالى‪ .‬والمعنى الثالث أن يكون المراد بالسبق السبق الزماني في الدنيا‬
‫عند دعوة‬

‫)‪ (1‬راجع الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ ،10‬باب أن رسول ال " ص " أول من أجاب‪ ،‬والية‬
‫في العراف‪ (2) .171 :‬يعنى في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 42‬باب درجات‬
‫اليمان‪ ،‬وانما قال هذا ‪ -‬وهو صدر الدين الشيرازي ‪ -‬فانه من شراح‬
‫الكافي‪.‬‬

‫]‪[57‬‬

‫النبي صلى ال عليه وآله إياهم إلى اليمان‪ ،‬وعلى هذا يكون المراد بأوائل هذه‬
‫المة و أواخرها أوائلها وأواخرها في الجابة للنبي صلى ال عليه وآله‬
‫وقبول السلم‪ ،‬والتسليم بالقلب والنقياد للتكاليف الشرعية طوعا‪،‬‬
‫ويعرف الحكم في سائر الزمنة بالمقايسة‪ ،‬وسبب فضل السابق على هذا‬
‫المعنى أن السبق في الجابة للحق دليل على زيادة البصيرة والعقل‬
‫والشرف التي هي الفضيلة والكمال‪ .‬والمعنى الرابع أن يراد بالسبق السبق‬
‫الزماني عند بلوغ الدعوة‪ ،‬فيعم الزمنة المتأخرة عن زمن النبي صلى ال‬
‫عليه وآله وهذا المعنى يحتمل وجهين أحدهما أن يكون المراد بالوائل‬
‫والواخر ما ذكرناه أخيرا وكذا السبب في الفضل‪ ،‬والخر أن يكون المراد‬
‫بالوائل من كان زمن النبي صلى ال عليه وآله وبالواخر من كان بعد ذلك‬
‫ويكون سبب فضل الوائل صعوبة قبول السلم‪ ،‬وترك ما نشأوا عليه في‬
‫تلك الزمن وسهولته فيما بعد استقرار المر‪ ،‬وظهور السلم‪ ،‬وانتشاره‬
‫في البلد‪ ،‬مع أن الوائل سبب لهتداء الواخر‪ ،‬إذ بهم وبنصرتهم استقر‬
‫ما استقر‪ ،‬وقوي ما قوي وبان من استبان‪ ،‬وال المستعان انتهى‪ .‬قوله "‬
‫أخبرني عما ندب ال " لما دل كلمه عليه السلم سابقا على أنه تعالى‬
‫طلب منهم الستباق إلى اليمان سأله الراوي عن اليات الدالة عليه "‬
‫سابقوا إلى مغفرة " كذا في سورة الحديد وفي سورة آل عمران "‬
‫وسارعوا إلى مغفرة من ربكم " )‪ (1‬وكان مقتضى الجمع بين اليتين أن‬
‫المراد بالمسارعة المسابقة أي سارعوا مسابقين إلى سببب مغفرة من‬
‫ربكم من اليمان والعمال الصالحة " وجنة " أي إلى جنة " عرضها‬
‫كعرض السماء والرض " وفي آل عمران " عرضها السموات والرض‬
‫اعدت للمتقين " قال المحقق الردبيلي قدس سره‪ :‬كنى بالعرض عن‬
‫مطلق المقدار‪ ،‬وهو متعارف‪ ،‬ونقل على ذلك الشعار في مجمع البيان أو‬
‫أنه لما علم عرضه الذي هو أقل من الطول عرفا في غير المساوي‪ ،‬علم‬
‫أن طوله أيضا يكون إما أكثر أو مثله )‪ (2‬وقال القاضي‪ :‬ذكر العرض‬
‫للمبالغة في وصفها بالسعة على طريق التمثيل‪ ،‬لنه دون الطول‪ ،‬وعن‬
‫ابن عباس كسبع سماوات وسبع أرضين‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪ (2) .133 :‬زبدة البيان في أحكام القرآن‪ 181 :‬ط حجر‪.‬‬

‫]‪[58‬‬
‫لو وصل بعضها ببعض )‪ (1‬وظاهر الية وجوب المسارعة أو رجحانها إلى الطاعة‬
‫الموجبة للدخول إلى الجنة ‪ -‬وأعظمها اليمان بال وكتبه ورسله واليوم‬
‫الخر ‪ -‬والترقي إلى مقاماتها العالية " اعدت للذين آمنوا بال ورسله "‬
‫ظاهر هذه الية وغيرها من اليات والروايات أن الجنة مخلوقة الن‪ ،‬وكذا‬
‫النار‪ ،‬وقال به الصحاب و صرح به الشيخ المفيد في بعض رسائله‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫إن الجنة مخلوقة الن مسكونة سكنتها الملئكة‪ ،‬وظاهر الية أنها في‬
‫السماء‪ ،‬والظاهر أن المراد أنه يكون بعضها في السماء ويكون البعض‬
‫الخر فوقها‪ ،‬أو يكون أبوابها فيها أو فوق الكل‪ ،‬وما ذكره الحكماء غير‬
‫مسموع شرعا‪ ،‬وهو ظاهر‪ ،‬كما قيل‪ :‬إن النار تحت الرض فتكون الية‬
‫دليل على بطلن ما قالوه‪ .‬وقال البيضاوي‪ :‬فيه دللة على أن الجنة‬
‫مخلوقة‪ ،‬وأنها خارجة عن هذا العالم )‪ (2‬وذهب جماعة من المعتزلة إلى‬
‫أنهما غير مخلوقتين وأنهما تخلقان يوم القيامة‪ .‬وقال البيضاوي في‬
‫الواقعة‪ " :‬والسابقون السابقون " )‪ (3‬قال‪ :‬أي الذين سبقوا إلى اليمان‬
‫والطاعة بعد ظهور الحق من غير تلعثم وتوان‪ ،‬أو سبقوا إلى حيازة‬
‫الفضائل والكمالت‪ ،‬أو النبياء فانهم مقدموا أهل الديان‪ ،‬هم الذين عرفت‬
‫حالهم و عرفت مآلهم كقول أبي النجم " ]أنا أبو النجم[ وشعري شعري "‬
‫أو الذين سبقوا إلى الجنة " اولئك المقربون في جنات النعيم " أي الذين‬
‫قربت درجاتهم في الجنة و اعليت مراتبهم‪ .‬و " قال " أي في التوبة "‬
‫والسابقون الولون " )‪ (4‬وقد مر الكلم في ذلك مستوفى في كتاب المعاد‪،‬‬
‫في المجمع أي السابقون إلى اليمان أو إلى الطاعات‪ ،‬وإنما مدحهم‬
‫بالسبق لن السابق إلى الشئ يتبعه غيره‪ ،‬فيكون متبوعا وغيره تابع له‪،‬‬
‫فهو إمام فيه وداع له إلى الخير بسبقه إليه‪ ،‬وكذلك من سبق إلى الشر‬
‫يكون أسوء حال‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬أنوار التنزيل‪ (3) .81 :‬الواقعة‪ 10 :‬و ‪ ،11‬راجع البيضاوى ص ‪،420‬‬
‫والتلعثم‪ :‬البطاء‪ (4) .‬براءة‪.100 :‬‬

‫]‪[59‬‬

‫لهذه العلة " من المهاجرين " الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وإلى الحبشة "‬
‫والنصار " أي ومن النصار الذين سبقوا نظراءهم من أهل المدينة إلى‬
‫السلم وقرأ يعقوب " والنصار " بالرفع فلم يجعلهم من السابقين‪ ،‬وجعل‬
‫السبق للمهاجرين خاصة " والذين اتبعوهم باحسان " أي بأفعال الخير‬
‫والدخول في السلم بعدهم‪ ،‬و سلوك منهاجهم‪ ،‬ويدخل في ذلك من بعدهم‬
‫إلى يوم القيامة " رضي ال عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من‬
‫تحتها النهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم " قال‪ :‬وفي هذه الية‬
‫دللة على فضل السابقين ومزيتهم على غيرهم‪ ،‬لما لحقهم من أنواع‬
‫المشقة في نصرة الدين‪ ،‬فمنها مفارقة العشائر والقربين‪ ،‬ومنها مباينة‬
‫المألوف من الدين‪ ،‬ومنها نصرة السلم مع قلة العدد وكثرة العدو‪ ،‬ومنها‬
‫السبق إلى اليمان والدعاء إليه انتهى )‪ .(1‬وقال بعضهم‪ " :‬السابقون‬
‫الولون من المهاجرين " هم الذين صلوا إلى القبلتين‪ ،‬وشهدوا بدرا‪،‬‬
‫وأسلموا قبل الهجرة‪ ،‬ومن النصار أهل بيعة العقبة الولى‪ ،‬وكانوا سبعة‬
‫نفر‪ ،‬وأهل بيعة العقبة الثانية وكانوا سبعون وقال بعض المخالفين كلمة "‬
‫من " للتبيين فيتناول المدح جميع الصحابة قوله عليه السلم " ثم ذكر "‬
‫كلمة " ثم " للتراخي بحسب المرتبة‪ ،‬إذ سورة البقرة نزلت قبل سورتي‬
‫التوبة والحديد " فقال ال عزوجل " أي في سورة البقرة " تلك الرسل "‬
‫قيل‪ :‬إشارة إلى الجماعة المذكورة قصصها في السورة‪ ،‬أو المعلومة‬
‫للرسول أو جماعة الرسل واللم للستغراق‪ " ،‬فضلنا بعضهم على بعض‬
‫" بأن خصصناه بمنقبة ليست لغيره " منهم من كلم ال " تفصيل له وهو‬
‫موسى‪ ،‬وقيل موسى ومحمد صلى ال عليهما كلم موسى ليلة الحيرة وفي‬
‫الطور‪ ،‬ومحمدا ليلة المعراج حين كان قاب قوسين أو أدنى‪ ،‬وبينهما بون‬
‫بعيد‪ ،‬وفي المصاحف " ورفع بعضهم درجات " وليس فيها " فوق بعض‬
‫" )‪ (2‬فالزيادة إما من الرواة أو النساخ ويؤيده عدمها في رواية النعماني‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 5‬ص‪ (2) .64 :‬راجع سورة البقرة‪.253 :‬‬

‫]‪[60‬‬

‫أو منه عليه السلم زاده للبيان والتفسير‪ ،‬وهذه الزيادة مذكورة في سورة الزخرف‬
‫حيث قال‪ " :‬نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم‬
‫فوق بعض درجات " )‪ (1‬فيحتمل أن تكون الزيادة للشارة إلى اليتين‪.‬‬
‫قيل‪ :‬ورفع بعضهم درجات بأن فضله على غيره من وجوه متعددة‪،‬‬
‫وبمراتب متباعدة‪ ،‬وهو محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬فانه خص بالدعوة‬
‫العامة‪ ،‬والحجج المتكاثرة والمعجزات المستمرة‪ ،‬واليات المترتبة‬
‫المتعاقبة بتعاقب الدهر‪ ،‬و الفضائل العلمية والعملية الفائتة للحصر‬
‫والبهام‪ ،‬لتفخيم شأنه كأنه العلم المتعين لهذا الوصف المستغني عن‬
‫التعيين‪ ،‬وقيل‪ :‬إبراهيم خصصه بالخلة التي هي أعلى المراتب‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫إدريس لقوله تعالى " ورفعناه مكانا عليا " )‪ (2‬وقيل‪ :‬اولوا العزم من‬
‫الرسل وبعد ذلك " وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو‬
‫شاء ال ما اقتتل الذين من بعدهم من بعدما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا‬
‫فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء ال ما اقتتلوا ولكن ال يفعل ما‬
‫يريد "‪ " .‬وقال " أي في سورة أسرى " ولقد فضلنا " الخ )‪ (3‬قال‬
‫البيضاوي‪ :‬أي بالفضائل النفسانية والتبرى عن العلئق الجسمانية ل‬
‫بكثرة الموال والتباع حتى داود‪ ،‬فان شرفه بما اوحي إليه من الكتاب ل‬
‫بما اوتي من الملك‪ ،‬وقيل‪ :‬هو إشارة إلى تفضيل رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله وقوله " وآتينا داود زبورا " تنبيه على وجه تفضيله‪ ،‬وهو أنه خاتم‬
‫النبياء‪ ،‬وامته خير المم‪ ،‬المدلول عليه بما كتب في الزبور‪ ،‬من " أن‬
‫الرض يرثها عبادي الصالحون " )‪ " .(4‬وقال " أي في سورة أسرى‬
‫أيضا قيل‪ :‬هو عطف على " ثم ذكر " ل على قوله " فقال " لعدم‬
‫اختصاص ما يذكر بعده بالولياء‪ ،‬بل هو في مطلق المؤمنين " كيف‬
‫فضلنا " قيل أي في الرزق‪ ،‬وفي المجمع بأن جعلنا بعضهم أغنياء‪،‬‬
‫وبعضهم فقراء وبعضهم موالي‪ ،‬وبعضهم عبيدا‪ ،‬وبعضهم أصحاء‪،‬‬
‫وبعضهم مرضى‪ ،‬على حسب‬

‫)‪ (1‬الزخرف‪ (2) .32 :‬مريم‪ (3) .57 :‬أسرى‪ ،55 :‬راجع البيضاوى‪(4) .239 :‬‬
‫النبياء‪.105 :‬‬

‫]‪[61‬‬

‫ما علمناه من المصالح " وللخرة أكبر درجات " أي درجاتها ومراتبها أعلى‬
‫وأفضل فينبغي أن تكون رغبتهم فيها وسعيهم لها أكثر )‪ " .(1‬وقال " أي‬
‫في آل عمران " هم درجات عند ال " قيل‪ :‬شبهوا بالدرجات لما بينهم من‬
‫التفاوت في الثواب والعقاب‪ ،‬أو هم ذو درجات‪ ،‬فقال " وال بصير بما‬
‫يعملون " )‪ " .(2‬وقال " أي في هود " ويؤت كل ذي فضل " أي في‬
‫دينه " فضله " )‪ (3‬أي جزاء فضله في الدنيا والخرة‪ ،‬ويدل على عدم‬
‫تفضيل المفضول " وقال " أي في التوبة " وهاجروا " أي إلى الرسول‬
‫صلى ال عليه وآله وفارقوا الوطان وتركوا القارب والجيران‪ ،‬وطلبوا‬
‫مرضاة الرحمان " وجاهدوا في سبيل ال بأموالهم " بصرفها و أنفسهم‬
‫ببذلها " أعظم درجة عند ال " أي أعل رتبة وأكثر كرامة ممن لم‬
‫يستجمع هذه الصفات‪ ،‬أو من أهل السقاية والعمارة عندكم إذ قبلها "‬
‫أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بال واليوم الخر‬
‫وجاهد في سبيل ال ل يستوون عند ال وال ل يهدي القوم الظالمين "‪) .‬‬
‫‪ " (4‬وقال " أي في سورة النساء وقبل الية " ل يستوي القاعدون من‬
‫المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل ال بأموالهم وأنفسهم‬
‫فضل ال المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكل وعد ال‬
‫الحسنى وفضل ال المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما " )‪ (5‬قال‬
‫البيضاوي‪ :‬نصب على المصدر لن فضل بمعنى آجر‪ ،‬أو المفعول الثاني له‬
‫لتضمنه معنى العطاء‪ ،‬كأنه قال‪ :‬وأعطاهم زيادة على القاعدين أجرا‬
‫عظيما " درجات منه ومغفرة ورحمة " كل واحد منها بدل من أجرا‪،‬‬
‫ويجوز أن ينتصب درجات على المصدر كقولك ضربته أسواطا‪ ،‬وأجرا‬
‫على الحال عنها تقدمت عليها‪ ،‬لنها نكرة‪ ،‬ومغفرة ورحمة على المصدر‬
‫باضمار‬

‫)‪ (1‬راجع مجمع البيان ج ‪ 6‬ص ‪ ،407‬والية في أسرى‪ (4 - 2) .21 :‬اليات في‬
‫آل عمران‪ ،163 :‬هود‪ .3 :‬براءة‪ 19 :‬و ‪ ،20‬كما مر سابقا‪ (5) .‬النساء‪:‬‬
‫‪.95‬‬

‫]‪[62‬‬

‫فعلهما )‪ (1‬وتتمة الية " وكان ال غفورا رحيما "‪ " .‬وقال " أي في سورة‬
‫الحديد " ل يستوي منكم " قال البيضاوي‪ :‬بيان لتفاوت المنفقين باختلف‬
‫أحوالهم من السبق وقوة اليقين وتحري الحاجات حثا على تحرى الفضل‬
‫منها‪ ،‬بعد الحث على النفاق‪ ،‬وذكر القتال للستطراد وقسيم من أنفق‬
‫محذوف لوضوحه ودللة ما بعده عليه‪ ،‬والفتح فتح مكة إذ عز السلم به‬
‫وكثر أهله وقلت الحاجة إلى المقاتلة والنفاق " من الذين أنفقوا من بعد‬
‫وقاتلوا " أي من بعد الفتح )‪ (2‬والتتمة " وكل وعد ال الحسنى وال بما‬
‫تعملون خبير "‪ " .‬وقال " أي في سورة المجادلة والية هكذا " يا أيها‬
‫الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح ال لكم وإذا‬
‫قيل انشزوا فانشزوا يرفع ال " والتفسح التوسع " وإذا قيل انشزوا "‬
‫أي انهضوا للتوسعة أو لما امرتم به كصلة أو جهاد‪ ،‬أو ارتفعوا في‬
‫المجلس " يرفع ال الذين آمنوا منكم " بالنصر وحسن الذكر في الدنيا‪،‬‬
‫وإيوائهم غرف الجنان في الخرة " والذين اوتوا العلم " ويرفع العلماء‬
‫منهم خاصة " درجات " بما جمعوا من العلم والعمل‪ ،‬وقد مر تفسيرهم‬
‫بالئمة عليهم السلم‪ " .‬وقال " أي في سورة التوبة حيث قال‪ " :‬ما كان‬
‫لهل المدينة ومن حولهم من العراب أن يتخلفوا عن رسول ال ول‬
‫يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك " قيل‪ :‬إشارة إلى ما دل عليه قوله " ما‬
‫كان " من النهي عن التخلف أو وجوب المتابعة " بأنهم " بسبب أنهم "‬
‫ل يصيبهم ظمأ " أي شئ من العطش " ول نصب " أي تعب " ول‬
‫مخمصة " أي مجاعة " في سبيل ال ول يطأون " أي ل يدوسون "‬
‫موطئا " أي مكانا " يغيظ الكفار " أي يغضبهم وطؤه " ول ينالون من‬
‫عدو نيل " كالقتل والسر والنهب " إل كتب لهم به عمل صالح " أي إل‬
‫استوجبوا الثواب‪ ،‬وذلك مما يوجب المسابقة " إن ال ل يضيع أجر‬
‫المحسنين " )‪.(3‬‬
‫)‪ (1‬تفسير البيضاوى‪ (2) .204 :‬تفسير البيضاوى‪ ،424 :‬والية في الحديد‪.10 :‬‬
‫)‪ (3‬براءة‪.120 :‬‬

‫]‪[63‬‬

‫" وقال " أي في المزمل " وما تقدموا لنفسكم من خير تجدوه عند ال " يمكن أن‬
‫يكون عدم ذكر تتمة الكلم للختصار‪ ،‬فان التتمة " هو خيرا وأعظم أجرا‬
‫" أي من الذي تؤخرونه إلى الوصية عند الموت‪ ،‬وخيرا ثاني مفعولي‬
‫تجدوه‪ ،‬وهو تأكيد أو فصل أو هو مبني على قراءة " هو خير " بالرفع‬
‫كما قرئ في الشواذ فالكلم إلى قوله " عند ال " تمام وقوله " هو "‬
‫مبتدأ و " خير " خبره وهي جملة اخرى مؤكدة للولى " ومن يعمل‬
‫مثقال ذرة " الذرة هي النملة الصغيرة أو الهباء المنبث في الجو‪.‬‬
‫وبالجملة هذه اليات كلها تدل على اختلف مراتب المؤمنين في الثواب‬
‫والدرجات عند ال تعالى‪ ،‬والمنازل في الجنة‪ .‬كما ل يخفى‪ - 7 .‬كا‪ :‬عن‬
‫علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن محمد بن حكيم قال‪ :‬قلت لبي‬
‫الحسن عليه السلم‪ :‬الكبائر تخرج من اليمان ؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬وما دون‬
‫الكبائر قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ل يزني الزاني وهو مؤمن‪ ،‬ول‬
‫يسرق السارق وهو مؤمن )‪ - 8 .(1‬كا‪ :‬بالسناد‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن‬
‫علي الزيات‪ ،‬عن عبيد بن زرارة قال‪ :‬دخل ابن قيس الماصر وعمر بن ذر‬
‫وأظن معهما أبو حنيفة على أبي جعفر عليه السلم فتكلم ابن قيس الماصر‬
‫فقال‪ :‬إنا ل نخرج أهل دعوتنا وأهل ملتنا من اليمان في المعاصي‬
‫والذنوب‪ ،‬قال‪ :‬فقال له أبو جعفر‪ :‬يا ابن قيس أما رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله فقد قال‪ :‬ل يزني الزاني وهو مؤمن‪ ،‬ول يسرق السارق وهو‬
‫مؤمن‪ ،‬فاذهب أنت وأصحابك حيث شئت )‪ - 9 .(2‬ل‪ ،‬ن‪ ،‬لى‪ :‬عن حمزة‬
‫العلوي‪ ،‬عن علي بن محمد البزاز‪ ،‬عن داود ابن سليمان الفراء قال‪:‬‬
‫حدثني علي بن موسى الرضا عليه السلم‪ ،‬عن أبيه موسى بن جعفر‪ ،‬عن‬
‫أبيه جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه محمد بن علي‪ ،‬عن أبيه علي بن الحسين‪،‬‬
‫عن‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .284‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.285‬‬

‫]‪[64‬‬

‫أبيه الحسين بن علي‪ ،‬عن أبيه أمير المؤمنين عليهم السلم‪ :‬قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬اليمان إقرار باللسان‪ ،‬ومعرفة بالقلب‪ ،‬وعمل‬
‫بالركان‪ .‬قال حمزة بن محمد‪ :‬وسمعت عبد الرحمان بن أبي حاتم يقول‪:‬‬
‫سمعت أبي يقول‪ :‬وقد روى هذا الحديث‪ ،‬عن أبي الصلت الهروي عبد‬
‫السلم بن صالح‪ ،‬عن علي بن موسى الرضا عليه السلم بإسناده مثله‪،‬‬
‫قال أبو حاتم‪ :‬لو قرئ هذا السناد على مجنون لبرأ )‪ - 10 .(1‬فس‪" :‬‬
‫إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " قال‪ :‬كلمة الخلص‪،‬‬
‫والقرار بما جاء به من عند ال من الفرائض‪ ،‬والولية يرفع العمل‬
‫الصالح إلى ال‪ ،‬وعن الصادق عليه السلم أنه قال‪ :‬الكلم الطيب قول‬
‫المؤمن ل إله إل ال محمد رسول ال علي ولي ال وخليفة رسول ال‪،‬‬
‫وقال‪ " :‬والعمل الصالح " العتقاد بالقلب أن هذا هو الحق من عند ال ل‬
‫شك فيه من رب العالمين‪ .‬وفي رواية أبي الجارود‪ ،‬عن أبي جعفر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن لكل قول مصداقا من‬
‫عمل يصدقه أو يكذبه‪ ،‬فإذا قال ابن آدم وصدق قوله بعمله رفع قوله بعمله‬
‫إلى ال‪ ،‬وإذا قال وخالف عمله قوله‪ ،‬رد قوله على عمله الخبيث وهوي به‬
‫إلى النار )‪ - 11 .(2‬ن‪ :‬عن أحمد بن محمد بن عبد الرحمان القرشي‪ ،‬عن‬
‫محمد بن خالد ابن الحسن‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي داود‪ ،‬عن علي بن حرب‪،‬‬
‫عن أبي الصلت الهروي عن الرضا‪ ،‬عن آبائه صلوات ال عليهم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬اليمان معرفة بالقلب‪ ،‬وإقرار باللسان‪،‬‬
‫وعمل بالركان )‪ .(3‬ل‪ ،‬ن‪ :‬عن سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي‪ ،‬عن‬
‫علي بن عبد العزيز ومعاذ بن المثنى‪ ،‬عن الهروي بالسناد مثله )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ ،84 :1‬عيون الخبار ج ‪ ،227 :1‬المالى‪ (2) .160 :‬تفسير‬
‫القمى‪ ...:‬والية في فاطر‪ (3) .10 :‬عيون الخبار ج ‪ 1‬ص ‪(4) .226‬‬
‫الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ ،84‬عيون الخبار ج ‪ 1‬ص ‪.227‬‬

‫]‪[65‬‬

‫نهج‪ :‬عن أمير المؤمنين عليه السلم مثله )‪ .(1‬ل‪ ،‬ن‪ :‬عن ابن بندار‪ ،‬عن محمد‬
‫بن محمد بن جمهور‪ ،‬عن محمد بن عمر بن منصور عن أحمد بن محمد‬
‫بن يزيد الجمحي‪ ،‬عن الهروي مثله )‪ - 12 .(2‬ل‪ ،‬ن‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد‬
‫بن معقل القرميسيني‪ ،‬عن محمد بن عبد ال بن طاهر قال‪ :‬كنت واقفا على‬
‫أبي وعنده أبو الصلت الهروي وإسحاق بن راهويه‪ ،‬و أحمد بن محمد بن‬
‫حنبل فقال أبي‪ :‬ليحدثني كل رجل منكم بحديث‪ ،‬فقال أبو الصلت الهروي‪:‬‬
‫حدثني علي بن موسى الرضا عليه السلم وكان وال رضا كما سمي‪ ،‬عن‬
‫أبيه موسى بن جعفر‪ ،‬عن أبيه جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه محمد بن علي‪،‬‬
‫عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين‪ ،‬عن أبيه علي عليهم السلم‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬اليمان قول وعمل‪ .‬فلما خرجنا‬
‫قال أحمد بن حنبل‪ :‬ما هذا السناد ؟ فقال له أبي‪ :‬هذا سعوط المحانين إذا‬
‫سعط به المجنون أفاق )‪ .(3‬بيان‪ " :‬كان وال رضا " أي مرضيا عند ال‬
‫وعند الخلق " سعوط المجانين " أي هذا السند لشتماله على السماء‬
‫الشريفة المكرمة كأنه دعاء ينبغي أن يستشفى به للمجنون حتى يفيق أو‬
‫كناية عن قوته ووثاقته بحيث إذا سمع مجنون يذعن بحقيته فكيف العاقل‪،‬‬
‫والول أظهر‪ - 13 .‬ل‪ ،‬ن‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن عيسى‪،‬‬
‫عن بكر بن صالح الرازي‪ ،‬عن أبي الصلت الهروي قال‪ :‬سألت الرضا‬
‫عليه السلم عن اليمان فقال‪ :‬اليمان عقد بالقلب‪ ،‬ولفظ باللسان‪ ،‬وعمل‬
‫بالجوارح‪ ،‬ل يكون اليمان إل هكذا )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة عبده ج ‪ 2‬ص ‪ ،194‬تحت الرقم ‪ 227‬من الحكم‪ (2) .‬الخصال ج‬
‫‪ 1‬ص ‪ 84‬عيون الخبار ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .228‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪،84‬‬
‫عيون الخبار ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .228‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ ،84‬عيون الخبار‬
‫ج ‪ 1‬ص ‪.227‬‬

‫]‪[66‬‬

‫مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى مثله )‪ - 14 .(1‬ب‪ :‬عن محمد بن عيسى‪،‬‬
‫عن القداح‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬عن أبيه عليه السلم قال‪ :‬قال النبي صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬اليمان قول وعمل أخوان شريكان )‪ .(2‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن علي‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن القداح مثله )‪ - 15 .(3‬ب‪ :‬عن هارون‪ ،‬عن ابن صدقة قال‪:‬‬
‫سمعت أبا عبد ال عليه السلم وسئل ما بال الزاني ل تسميه كافرا وتارك‬
‫الصلة قد تسميه كافرا ؟ وما الحجة في ذلك ؟ قال‪ :‬لن الزاني وما أشبهه‬
‫إنما يفعل ذلك لمكان الشهوة وإنها تغلبه‪ ،‬وتارك الصلة ل يتركها إل‬
‫استخفافا بها‪ ،‬وذلك أنك ل تجد الزاني يأتي المرأة إل وهو مستلذ لتيانه‬
‫إياها قاصدا إليها وكل من ترك الصلة قاصدا إليها فليس يكون قصده‬
‫لتركها اللذة‪ ،‬فإذا انتفت اللذة وقع الستخفاف‪ ،‬وإذا وقع الستخفاف وقع‬
‫الكفر )‪ - 16 .(4‬ب‪ :‬عن هارون‪ ،‬عن ابن صدقة قال‪ :‬وقيل لبي عبد ال‬
‫عليه السلم‪ :‬ما فرق بين من نظر إلى امرأة فزنى بها أو خمرا فشربها‪،‬‬
‫وبين من ترك الصلة حيث ل يكون الزاني وشارب الخمر مستخفا كما‬
‫استخف تارك الصلة ؟ وما الحجة في ذلك ؟ وما العلة التي تفرق بينهما ؟‬
‫قال عليه السلم‪ :‬الحجة أن كل ما أدخلت نفسك فيه لم يدعك إليه داع‪ ،‬ولم‬
‫يغلبك عليه غالب شهوة‪ ،‬مثل الزنا وشرب الخمر فأنت دعوت نفسك إلى‬
‫ترك الصلة‪ ،‬وليس ثم شهوة فهو الستخفاف بعينه وهذا فرق ما بينهما )‬
‫‪ .(5‬بيان‪ :‬قوله عليه السلم‪ " :‬أن كل ما أدخلت " كأن خبر أن محذوف‬
‫أي هو‬
‫)‪ (1‬معاني الخبار‪ (2) .186 :‬قرب السناد‪ (3) .13 :‬معاني الخبار‪(4) .187 :‬‬
‫قرب السناد‪ (5) .22 :‬قرب السناد‪.23 :‬‬

‫]‪[67‬‬

‫الستخفاف بقرينة قوله " فأنت دعوت " ويحتمل أن يكون الخبر لم يدعك‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫المراد بالحجة المعيار ل الدليل‪ ،‬والمراد بالداعي الباعث القوي وإل فل‬
‫يكون فعل اختياري بغير داع وقوله " مثل الزنا " تشبيه للمنفي‪ - 17 .‬ب‪:‬‬
‫عن علي‪ ،‬عن أخيه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ل يزني‬
‫الزاني وهو مؤمن‪ ،‬ول يسرق السارق وهو مؤمن )‪ - 18 .(1‬ل‪ :‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن سعد‪ ،‬عن النهدي‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن ابن رئاب عن الحلبي قال‪:‬‬
‫سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬إن المؤمن ل يكون سجيته الكذب‬
‫ول البخل ول الفجور‪ ،‬ولكن ربما ألم بشئ من هذا ل يدوم عليه‪ ،‬فقيل له‪:‬‬
‫أفيزني ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬هو مفتن تواب‪ ،‬ولكن ل يولد له من تلك النطفة‪(2) .‬‬
‫بيان‪ " :‬ربما ألم " أي نزل أو قارب في النهاية وإن كنت ألممت بذنب‬
‫فاستغفري ال أي قاربت‪ ،‬وقيل‪ :‬اللمم مقاربة المعصية من غير إيقاع فعل‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬هو من اللمم صغار الذنوب‪ ،‬وقال‪ :‬الفتنة المتحان والختبار‪ ،‬ومنه‬
‫الحديث المؤمن خلق مفتنا أي ممتحنا يمتحنه ال بالذنب ثم يتوب‪ ،‬ثم‬
‫يعود‪ ،‬ثم يتوب‪ ،‬يقال فتنته أفتنه فتنا وفتونا إذا امتحنته‪ ،‬ويقال فيها افتتنه‬
‫أيضا‪ - 19 .‬ن‪ :‬بالسانيد الثلثة عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬اليمان إقرار باللسان‪ ،‬ومعرفة‬
‫بالقلب‪ ،‬وعمل بالركان )‪ (3‬صح‪ :‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم مثله‬
‫)‪ - 20 .(4‬جا‪ ،‬ما‪ :‬عن المفيد‪ ،‬عن الجعابي‪ ،‬عن الحسين بن علي المالكي‬
‫عن أبي الصلت الهروي‪ ،‬عن الرضا علي بن موسى‪ ،‬عن أبيه موسى بن‬
‫جعفر‪ ،‬عن أبيه جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬محمد بن علي‪ ،‬عن أبيه علي‬
‫بن الحسين‪ ،‬عن أبيه الحسين بن علي‪ ،‬عن أبيه أمير المؤمنين صلوات‬
‫ال عليهم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬

‫)‪ (1‬قرب السناد ط النجف ص ‪ 149‬و ‪ (2) .165‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪(3) .64‬‬
‫عيون الخبار ج ‪ 1‬ص ‪ ،227‬وتراه في ج ‪ (4) .28 :2‬صيحفة الرضا‬
‫عليه السلم‪.2 :‬‬

‫]‪[68‬‬

‫اليمان قول مقول‪ ،‬وعمل معمول‪ ،‬وعرفان العقول‪ .‬قال أبو الصلت‪ :‬فحدثت بهذا‬
‫الحديث في مجلس أحمد بن حنبل فقال لي أحمد‪ :‬يا أبا الصلت لو قرئ بهذا‬
‫السناد على المجانين لفاقوا )‪ - 21 .(1‬ما‪ :‬عن الفحام‪ ،‬عن المنصوري‪،‬‬
‫عن عم أبيه‪ ،‬عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ :‬سألت النبي صلى ال عليه وآله عن اليمان فقال‪:‬‬
‫تصديق بالقلب‪ ،‬وإقرار باللسان‪ ،‬وعمل بالركان )‪ - 22 (2‬ما‪ :‬باسناد أخي‬
‫دعبل‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم‪ :‬اليمان إقرار باللسان‪ ،‬ومعرفة بالقلب‪ ،‬وعمل بالجوارح )‪23 .(3‬‬
‫‪ -‬ما‪ :‬عن جماعة‪ ،‬عن أبي المفضل‪ ،‬عن علي بن محمد بن مهرويه‬
‫وجعفر ابن إدريس القزوينيين‪ ،‬عن داود بن سليمان الغازي‪ ،‬عن الرضا‪،‬‬
‫وحدثنا عبد ال بن أحمد بن عامر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبي وجدي أحمد بن علي بن‬
‫مهدي بن صدقة بن هشام ابن غالب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قالوا‪ :‬حدثنا علي بن‬
‫موسى الرضا‪ ،‬عن آبائه صلوات ال عليهم عن أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم‪ ،‬قال‪ :‬سمعت النبي صلى ال عليه وآله يقول‪ :‬اليمان إقرار باللسان‬
‫ومعرفة بالقلب‪ ،‬وعمل بالركان‪ .‬ولفظ الحديث لداود‪ .‬قال أبو المفضل‪:‬‬
‫وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الطبري‪ ،‬عن عمار بن رجاء السترابادي‬
‫ومحمد بن عطية الرازي وأبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي وغيرهم‬
‫جميعا عن أبي الصلت الهروي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا علي بن موسى الرضا‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن جعفر ابن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن علي بن الحسين‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫علي بن أبيطالب عليهم السلم قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫يقول‪ :‬اليمان قول باللسان‪ ،‬ومعرفة بالقلب و عمل بالركان‪.‬‬

‫)‪ (1‬مجالس المفيد‪ ،169 :‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .35‬أمالى الطوسى‪ :‬ج ‪1‬‬
‫ص ‪ (3) .290‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪.379‬‬

‫]‪[69‬‬

‫قال أبو حاتم‪ :‬قال أبو الصلت‪ :‬لو قرئ هذا السناد على مجنون لبرئ باذن ال‬
‫تعالى‪ ،‬قال أبو المفضل‪ :‬وهذا حديث لم يحدثه عن النبي صلى ال عليه‬
‫وآله إل أمير ‪ -‬المؤمنين علي بن أبيطالب عليه السلم من رواية الرضا‬
‫عن آبائه عليهم السلم أجمع على هذا القول أئمة أصحاب الحديث‬
‫واحتجوا بهذا الحديث على المرجئة‪ ،‬ولم يحدث به فيما أعلم إل موسى بن‬
‫جعفر‪ ،‬عن أبيه صلوات ال عليهما وكنت ل أعلم أن أحدا رواه عن موسى‬
‫بن جعفر إل ابنه الرضا حتى حدثناه محمد بن علي بن معمر الكوفي وما‬
‫كتبته إل عنه‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن سعيد البصري العابد بسورا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن صدقة ومحمد بن تميم‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا موسى بن جعفر‪ ،‬عن‬
‫أبيه باسناده مثله سواء )‪ - 24 .(1‬ما‪ :‬أخبرنا جماعة قالوا‪ :‬أخبرنا أبو‬
‫المفضل‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو علي محمد بن همام قال‪ :‬حدثنا عبد ال بن عبد‬
‫ال بن طاهر بن أحمد المصعبي‪ ،‬قال‪ :‬كنت في مجلس أخي طاهر ابن عبد‬
‫ال بن طاهر بخراسان‪ ،‬وفي المجلس يومئذ إسحاق بن راهويه الحنظلي‬
‫وأبو الصلت عبد السلم بن صالح الهروي وجماعة من الفقهاء وأصحاب‬
‫الحديث فتذاكروا اليمان فابتدأ إسحاق بن راهويه فتحدث فيه بعدة أحاديث‬
‫وخاض الفقهاء وأصحاب الحديث في ذلك وأبو الصلت ساكت فقيل له‪ :‬يا‬
‫با الصلت أل تحدثنا ؟ فقال‪ :‬حدثني الرضا علي بن موسى بن جعفر بن‬
‫محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات ال عليهم وكان‬
‫وال رضى كما وسم بالرضا‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الكاظم موسى بن جعفر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثني أبي الصادق جعفر بن محمد‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي الباقر محمد بن علي‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثني أبي السجاد علي بن الحسين‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي الحسين سبط‬
‫رسول ال صلى ال عليهم أجمعين وسيد الشهداء‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي‬
‫الوصي علي بن أبيطالب صلوات ال عليه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ :‬اليمان عقد بالقلب‪ ،‬ونطق باللسان‪ ،‬وعمل بالركان‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فخرس أهل المجلس كلهم ونهض أبو الصلت فنهض معه إسحاق بن‬
‫راهويه والفقهاء فأقبل إسحاق بن راهويه على أبي الصلت‪ ،‬فقال له ونحن‬
‫نسمع‪ :‬يا با الصلت أي إسناد هذا ؟ فقال‪ :‬يا ابن راهويه‬

‫)‪ (1‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪.63‬‬

‫]‪[70‬‬

‫هذا سعوط المجانين‪ ،‬هذا عطر الرجال ذوي اللباب )‪ - 25 .(1‬ما‪ :‬أخبرنا جماعة‬
‫قالوا‪ :‬أخبرنا أبو المفضل‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عبد ال محمد بن عبد ال بن‬
‫راشد الطاهري الكاتب في دار عبد الرحمن بن عيسى بن داود بن الجراح‬
‫وبحضرته إملء يوم الثلثا لتسع خلون من جمادى الولى سنة أربع‬
‫وعشرين وثلث مائة‪ ،‬قال‪ :‬حملني علي بن محمد بن الفرات في وقت من‬
‫الوقات برا واسعا إلى أبي أحمد عبيدال بن عبد ال بن طاهر فأوصلته‬
‫ووجدته على إضاقة شديدة فقبله وكتب في الوقت بديهة‪ :‬أياديك عندي‬
‫معظمات جلئل * طوال المدى شكري لهن قصير فان كنت عن شكري غنيا‬
‫فانني * إلى شكر ما أوليتني لفقير قال‪ :‬فقلت أعز ال المير هذا حسن قال‬
‫أحسن منه ما سرقته منه‪ ،‬فقلت وما هو ؟ قال‪ :‬حديثان حدثني بهما أبو‬
‫الصلت عبد السلم بن صالح الهروي‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو الحسن علي بن‬
‫موسى الرضا‪ ،‬قال‪ :‬حدثي أبي عن جدي جعفر بن محمد عن أبيه‪ ،‬عن جده‬
‫علي بن الحسين‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده أمير المؤمنين صلوات ال عليهم‬
‫أجمعين‪ ،‬قال‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وآله أسرع الذنوب عقوبة كفران‬
‫النعمة‪ .‬وحدثني أبو الصلت بهذا السناد قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬يؤتى بعبد يوم القيامة فيوقف بين يدي ال عزوجل‪ ،‬فيأمر به إلى‬
‫النار‪ ،‬فيقول‪ :‬أي رب أمرت بي إلى النار وقد قرأت القرآن ؟ فيقول ال أي‬
‫عبدي إني أنعمت عليك ولم تشكر نعمتي فيقول‪ :‬أي رب أنعمت علي بكذا‬
‫فشكرتك بكذا وأنعمت علي بكذا فشكرتك بكذا‪ ،‬فل يزال يحصي النعم ويعدد‬
‫الشكر فيقول ال تعالى‪ :‬صدقت عبدي إل أنك لم تشكر من أجريت لك‬
‫نعمتي على يديه‪ ،‬وإني قد آليت على نفسي أن ل أقبل شكر عبد لنعمة‬
‫أنعمتها عليه حتى يشكر من ساقها من خلقي إليه قال‪ :‬فانصرفت بالخبر‬
‫إلى علي بن الفرات وهو في مجلس أبي العباس أحمد بن محمد بن الفرات‬
‫و ذكرت ما جرى فاستحسن الخبر وانتسخه وردني في الوقت إلى أبي‬
‫أحمد عبيدال ابن عبد ال ببر واسع من بر أخيه فأوصلته إليه فقبله وسر‬
‫به فكتب إليه‪:‬‬

‫)‪ (1‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪.64‬‬

‫]‪[71‬‬

‫شكراك معقود بايماني * حكم في سري وإعلني عقد ضمير وفم ناطق * وفعل‬
‫أعظاء وأركان فقلت‪ :‬هذا أعز ال المير أحسن من الول‪ ،‬فقال‪ :‬أحسن‬
‫منه ما سرقته منه‪ ،‬قلت وما هو ؟ قال‪ :‬حدثنا أبو الصلت عبد السلم بن‬
‫صالح بنيسابور‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه‬
‫السلم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي موسى الكاظم قال‪ :‬حدثني أبي جعفر الصادق‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثني أبي محمد بن علي الباقر‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي علي السجاد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثني أبي الحسين السبط‪ ،‬قال‪ :‬حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي‬
‫طالب عليه السلم‪ ،‬قال‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬اليمان عقد بالقلب‬
‫ونطق باللسان‪ ،‬وعمل بالركان‪ ،‬قال‪ :‬فعدت إلى أبي العباس بن الفرات‬
‫فحدثته الحديث فانتسخه‪ .‬قال أبو أحمد‪ :‬فكان أبو الصلت في مجلس أخي‬
‫بنيشابور‪ ،‬وحضر مجلسه متفقهة نيشابور وأصحاب الحديث منهم‪ ،‬وفيهم‬
‫إسحاق بن راهويه فأقبل إسحاق على أبي الصلت فقال‪ :‬يا أبا الصلت أي‬
‫إسناد هذا ما أغربه وأعجبه ؟ قال‪ :‬هذا سعوط المجانين الذي إذا سعط به‬
‫المجنون برأ باذن ال تعالى‪ .‬قال أبو المفضل‪ :‬حدثت على أبي علي ابن‬
‫همام عما تقدمه من حديثه عن أبي أحمد وسألني في الحديث الثاني أن‬
‫امليه عليه من أجل الزيادة فيه والشعر فأمليته عليه )‪ .(1‬بيان‪ :‬قوله "‬
‫برا " يمكن أن يقرأ بضم الباء وكسرها " على إضافة " أي ضيافة‬
‫والمعنى كان عنده أضياف كثيرون )‪ (2‬قوله " ما سرقته منه " كأن‬
‫المعنى ما أخفيته منه ولم أذكره له‪ ،‬والن أذكره‪ ،‬وكأنه سماه سرقة إشارة‬
‫إلى أنه لما كان قابل لسماع هذا الحديث ولم أذكره له فكأني سرقته منه‪،‬‬
‫ويمكن أن‬

‫)‪ (1‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪ 65‬و ‪ (2) .66‬في المصدر " على اضاقة " وهو‬
‫المناسب لما بعده‪ ،‬يقال‪ :‬أضاق الرجل اضاقة‪ :‬ذهب ماله وافتقر‪.‬‬

‫]‪[72‬‬

‫يقرأ " ما سر " على بناء المفعول من السرور " قنه " بكسر القاف وتشديد النون‬
‫أي عبده‪ ،‬والضمير لبن الفرات " منه " أي من استماعه ويمكن أن يقرأ‬
‫سر على بناء الفاعل أيضا أي يسر القن المرسل إليه بسببه‪ ،‬والصوب أنه‬
‫من السرقة )‪ (1‬والمعنى ما سرقت هذا الشعر منه‪ ،‬لن الشعر تضمن‬
‫افتقاره إلى الشكر والحديث دل عليه‪ .‬قوله " شكراك " كأن التثنية باعتبار‬
‫النعمتين‪ ،‬وإفراد الخبر باعتبار كل واحد أو الشكرى مصدر كذكري وإن لم‬
‫يرد في كتب اللغة‪ ،‬وعلى الول يحتمل أن يكون المراد مطلق التكرير‬
‫كلبيك‪ ،‬وفي بعض النسخ " شكريك " بالياء أي شكري لك " معقود‬
‫بأيماني " أي ألزمته على نفسي باليمان كقوله تعالى " بما عقدتم اليمان‬
‫" هذا على فتح همزة اليمان‪ ،‬وكان كسرها أنسب بالحديث الذي سرقه‬
‫منه " حكم " بالتحريك أي حاكم أو محكم‪ ،‬ويحتمل الضم‪ ،‬والفم هنا‬
‫بالتشديد في القاموس الفم مثلثة أصله فوه وقد تشدد الميم مثلثة‪ ،‬وقوله "‬
‫حدثت الخ " إشارة إلى الحديث المروي عنه قبل هذا الخبر‪ ،‬وكان الظهر‬
‫" ما تقدمه "‪ - 26 .‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن يزيد‪ ،‬عن ابن أبي‬
‫عمير‪ ،‬عن ابن البختري‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬ليس اليمان بالتحلي ول بالتمني‪ ،‬ولكن اليمان ما‬
‫خلص في القلب وصدقه العمال )‪ .(2‬بيان‪ " :‬بالتحلي " أي بأن يتزين به‬
‫ظاهرا من غير يقين بالقلب " ول بالتمني " بأن يتمنى النجاة بمحض‬
‫العقائد من غير عمل‪ - 27 .‬مع‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن سهل‪،‬‬
‫عن ابن محبوب‪ ،‬عن ابن رئاب‪ ،‬عن الحسن بن زياد العطار‪ ،‬قال‪ :‬قلت‬
‫لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬إنهم يقولون لنا‪ :‬أمؤمنون أنتم ؟ فنقول‪ :‬نعم )‬
‫‪ (3‬فيقولون‪ :‬أليس المؤمنون في الجنة ؟ فنقول‪ :‬بلى فيقولون‪ :‬أفأنتم في‬
‫الجنة ؟ فإذا نظرنا إلى أنفسنا ضعفنا وانكسرنا عن الجواب‪ ،‬قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬ولعلها كانت في مجموعة بعثت إليه مع الرجل فسرقها من تلك المجموعة‪(2) .‬‬
‫معاني الخبار ص ‪ (3) .187‬في النسخ هنا زيادة ]ان شاء ال تعالى[‬
‫وهو سهو ظاهر‪.‬‬
‫]‪[73‬‬

‫فقال عليه السلم‪ :‬إذا قالوا لكم‪ :‬أمؤمنون أنتم ؟ فقولوا‪ :‬نعم إنشاء ال‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫فانهم يقولون إنما استثنيتم لنكم شكاك‪ ،‬قال‪ :‬فقولوا لهم‪ :‬وال ما نحن‬
‫بشكاك‪ ،‬و لكن استثنينا كما قال ال عزوجل " لتدخلن المسجد الحرام إن‬
‫شاء ال آمنين " )‪ (1‬وهو يعلم أنهم يدخلونه أول‪ ،‬وقد سمى ال عزوجل‬
‫المؤمنين بالعمل الصالح مؤمنين ولم يسم من ركب الكبائر وما وعد ال‬
‫عزوجل عليه النار في قرآن ول أثر‪ ،‬ول نسميهم باليمان بعد ذلك الفعل )‬
‫‪ .(2‬بيان‪ :‬قوله " باليمان " متعلق بقوله " لم يسم " و " ل نسميهم "‬
‫معا على التنازع‪ - 28 .‬يد‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن معروف‪،‬‬
‫عن ابن أبي نجران‪ ،‬عن حماد بن عثمان‪ ،‬عن عبد الرحيم القصير‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد ال عليه السلم أسأله عن‬
‫اليمان ما هو ؟ فكتب‪ :‬اليمان هو إقرار باللسان‪ ،‬وعقد بالقلب‪ ،‬وعمل‬
‫بالركان‪ .‬فاليمان بعضه من بعض‪ ،‬وقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون‬
‫مؤمنا ول يكون مؤمنا حتى يكون مسلما فالسلم قبل اليمان‪ ،‬وهو‬
‫يشارك اليمان‪ ،‬فإذا أتى العبد بكبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من‬
‫صغائر المعاصي التي نهى ال عزوجل عنها كان خارجا من اليمان‪ ،‬و‬
‫ساقطا عنه اسم اليمان‪ ،‬وثابتا عليه اسم السلم‪ ،‬فان تاب واستغفر عاد‬
‫إلى اليمان ولم يخرجه إلى الكفر إل الجحود والستحلل‪ :‬إذا قال للحلل‬
‫هذا حرام‪ ،‬و للحرام هذا حلل‪ ،‬ودان بذلك‪ ،‬فعندها يكون خارجا من اليمان‬
‫والسلم إلى الكفر‪ ،‬وكان بمنزلة رجل دخل الحرم ثم دخل الكعبة‪ ،‬فأحدث‬
‫في الكعبة حدثا فاخرج عن الكعبة وعن الحرم‪ ،‬فضربت عنقه‪ ،‬وصار إلى‬
‫النار‪ .‬الخبر )‪ - 29 .(3‬تفسير النعماني‪ :‬بالسناد التي في كتاب القرآن‬
‫عن أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬قال‪ :‬وأما اليمان والكفر والشرك وزيادته‬
‫ونقصانه‪ ،‬فاليمان بال‬

‫)‪ (1‬الفتح‪ (2) .27 :‬معاني الخبار ص ‪ 413‬آخر أحاديث الكتاب‪ (3) .‬توحيد‬
‫الصدوق ص ‪.230‬‬

‫]‪[74‬‬

‫تعالى هو أعلى العمال درجة وأشرفها منزلة‪ ،‬وأسناها حظا‪ .‬فقيل له‪ :‬اليمان قول‬
‫وعمل أم قول بل عمل ؟ فقال‪ :‬اليمان تصديق بالجنان‪ ،‬وإقرار باللسان‬
‫وعمل بالركان‪ ،‬وهو عمل كله‪ ،‬ومنه التام‪ ،‬ومنه الكامل تمامه‪ ،‬ومنه‬
‫الناقص البين نقصانه‪ ،‬ومنه الزائد البين زيادته‪ ،‬إن ال تعالى ما فرض‬
‫اليمان على جارحة من جوارح النسان إل وقد وكلت بغير ما وكلت به‬
‫الخرى‪ ،‬فمنها قلبه الذي يعقل به‪ ،‬ويفقه ويفهم‪ ،‬ويحل ويعقد ويريد‪ ،‬وهو‬
‫أمير البدن وإمام الجسد الذي ل تورد الجوارح ول تصدر إل عن رأيه‬
‫وأمره ونهيه‪ ،‬ومنها لسانه الذي ينطق به‪ ،‬ومنها اذناه اللتان يسمع بهما‪،‬‬
‫ومنها عيناه اللتان يبصر بهما ومنها يداه اللتان يبطش بهما‪ ،‬ومنها رجله‬
‫اللتان يسعى بهما‪ ،‬ومنها فرجه الذي الباه من قبله‪ ،‬ومنها رأسه الذي فيه‬
‫وجهه‪ ،‬وليس جارحة من جوارحه إل وهي مخصوصة بفرضه‪ .‬وفرض‬
‫على القلب غير ما فرض على السمع‪ ،‬وفرض على السمع غير ما فرض‬
‫على البصر‪ ،‬وفرض على البصر غير ما فرض على اليدين‪ ،‬وفرض على‬
‫اليدين غير ما فرض على الرجلين‪ ،‬وفرض على الرجلين غير ما فرض‬
‫على الفرج‪ ،‬وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه‪ ،‬وفرض على‬
‫الوجه غير ما فرض على اللسان‪ .‬فأما ما فرض على القلب من اليمان‪،‬‬
‫فالقرار والمعرفة والعقد عليه والرضا بما فرضه عليه‪ ،‬والتسليم لمره‪،‬‬
‫والذكر والتفكر‪ ،‬والنقياد إلى كل ما جاء عن ال عزوجل في كتابه مع‬
‫حصول المعجز‪ ،‬فيجب عليه اعتقاده وأن يظهر مثل ما أبطن إل للضرورة‬
‫كقوله سبحانه " إل من اكره وقلبه مطمئن باليمان " )‪ (1‬وقوله تعالى "‬
‫ل يؤاخذكم ال باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم " )‪(2‬‬
‫وقال سبحانه " الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " )‪ (3‬وقوله‬
‫تعالى " أل‬

‫)‪ (1‬النحل‪ (2) .106 :‬البقرة‪ (3) .225 :‬المائدة‪.41 :‬‬

‫]‪[75‬‬

‫بذكر ال تطمئن القلوب " )‪ (1‬وقوله سبحانه " ويتفكرون في خلق السموات‬
‫والرض ربنا ما خلقت هذا باطل " )‪ (2‬وقوله تعالى " أفل يتدبرون‬
‫القرآن أم على قلوب أقفالها " )‪ (3‬وقال عزوجل‪ " :‬فانها ل تعمى البصار‬
‫ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " )‪ (4‬ومثل هذا كثير في كتاب ال‬
‫تعالى وهو رأس اليمان‪ .‬وأما ما فرضه على اللسان في معنى التعبير لما‬
‫عقد به القلب وأقر به فقوله تعالى‪ " :‬قولوا آمنا بال وما انزل إلينا وما‬
‫انزل إلى إبراهيم وإسماعيل و إسحاق ويعقوب " الية )‪ (5‬وقوله سبحانه‬
‫" قولوا للناس حسنا وأقيموا الصلة وآتو الزكوة " )‪ (6‬وقوله سبحانه "‬
‫ول تقولوا ثلثة انتهوا خيرا لكم إنما ال إله واحد " )‪ (7‬فأمر سبحانه بقول‬
‫الحق‪ ،‬ونهى عن قول الباطل‪ .‬وأما ما فرضه على الذنين فالستماع لذكر‬
‫ال والنصات إلى ما يتلى من كتابه وترك الصغاء إلى ما يسخطه فقال‬
‫سبحانه " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " )‪(8‬‬
‫وقال تعالى " وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات ال يكفر بها‬
‫ويستهزء بها فل تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره " )‪ (9‬الية‬
‫ثم استثنى برحمته لموضع النسيان فقال‪ " :‬وإما ينسينك الشيطان فل تقعد‬
‫بعد الذكرى مع القوم الظالمين " )‪ (10‬وقال عزوجل‪ " :‬فبشر عبادي‬
‫الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اولئك الذين هديهم ال واولئك هم‬
‫اولوا اللباب " )‪ (11‬وقال تعالى " وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا‬
‫لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلم عليكم ل نبتغي الجاهلين " )‪ (12‬وفي كتاب‬
‫ال تعالى ما معناه‬

‫)‪ (1‬الرعد‪ (2) .30 :‬آل عمران‪ (3) .191 :‬القتال‪ (4) .24 :‬الحج‪(5) .46 :‬‬
‫البقرة‪ (6) .136 :‬البقرة‪ (7) .83 :‬النساء‪ (8) .179 :‬العراف‪) .204 :‬‬
‫‪ (9‬النساء‪ (10) .134 :‬النعام‪ (11) .68 :‬الزمر‪ (12) .18 :‬القصص‪:‬‬
‫‪.55‬‬

‫]‪[76‬‬

‫معنى ما فرض ال سبحانه على السمع وهو اليمان‪ .‬وأما ما فرضه على العينين‬
‫فمنه النظر إلى آيات ال تعالى وغض البصر عن محارم ال قال ال تعالى‪:‬‬
‫" أفل ينظرون إلى البل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى‬
‫الجبال كيف نصبت * وإلى الرض كيف سطحت " )‪ (1‬وقال تعالى‪" :‬‬
‫أولم ينظروا في ملكوت السموات والرض وما خلق ال من شئ " )‪(2‬‬
‫وقال سبحانه‪ " :‬انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه " )‪ (3‬وقال‪ " :‬فمن‬
‫أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها " )‪ (4‬وهذه الية جامعة لبصار العيون‬
‫وأبصار القلوب قال ال تعالى‪ " :‬فانها ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب‬
‫التي في الصدور " )‪ (5‬ومنه قوله تعالى‪ " :‬قل للمؤمنين يغضوا من‬
‫أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم " )‪ (6‬معناه ل ينظر أحدكم إلى‬
‫فرج أخيه المؤمن أو يمكنه من النظر إلى فرجه‪ ،‬ثم قال سبحانه " وقل‬
‫للمؤمنات يغضض من أبصارهن ويحفظن فروجهن " أي ممن يلحقهن‬
‫النظر كما جاء في حفظ الفرج‪ ،‬والنظر سبب إيقاع الفعل من الزنا وغيره‪.‬‬
‫ثم نظم تعالى ما فرض على السمع والبصر والفرج في آية واحدة فقال‪" :‬‬
‫وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ول أبصاركم ول جلودكم ولكن‬
‫ظننتم أن ال ل يعلم كثيرا مما تعملون " )‪ (7‬يعني بالجلود هنا الفروج‬
‫]والفخاذ[ وقال تعالى‪ " :‬ول تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر‬
‫والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئول " )‪ (8‬فهذا ما فرض ال تعالى على‬
‫العينين من تأمل اليات والغض عن تأمل المنكرات وهو من اليمان‪ .‬وأما‬
‫ما فرضه سبحانه على اليدين فالطهور وهو قوله " يا أيها الذين آمنوا إذا‬
‫قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا‬
‫)‪ (1‬الغاشية‪ (2) .19 - 16 :‬العراف‪ (3) .185 :‬النعام‪ (4) .99 :‬النعام‪.104 :‬‬
‫)‪ (5‬الحج‪ (6) .46 :‬النور‪ 31 :‬و ‪ (7) .30‬فصلت‪ (8) .22 :‬أسرى‪.36 :‬‬

‫]‪[77‬‬

‫برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين " )‪ (1‬وفرض على اليدين النفاق في سبيل ال فقال‪:‬‬
‫" أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الرض " )‪ (2‬وفرض‬
‫تعالى على اليدين الجهاد لنه من عملهما وعلجهما فقال‪ " :‬فإذا لقيتم‬
‫الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق " )‪ (3‬وذلك‬
‫كله من اليمان‪ .‬وأما ما فرضه ال على الرجلين فالسعي بهما فيما‬
‫يرضيه‪ ،‬واجتناب السعي فيما يسخطه‪ ،‬وذلك قوله سبحانه " فاسعوا إلى‬
‫ذكر ال وذروا البيع " )‪ (4‬وقوله سبحانه " ول تمش في الرض مرحا "‬
‫)‪ (5‬وقوله " واقصد في مشيك واغضض من صوتك " )‪ (6‬وفرض ال‬
‫عليهما القيام في الصلة فقال‪ " :‬وقوموا ل قانتين " )‪ (7‬ثم أخبر أن‬
‫الرجلين من الجوارح التي تشهد يوم القيامة حين تستنطق بقوله سبحانه‬
‫" اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا‬
‫يكسبون " )‪ (8‬وهذا مما فرضه ال تعالى على الرجلين في كتابه وهو من‬
‫اليمان‪ .‬وأما ما افترضه على الرأس فهو أن يمسح من مقدمه بالماء في‬
‫وقت الطهور للصلة بقوله " وامسحوا برؤسكم " )‪ (9‬وهو من اليمان‪،‬‬
‫وفرض على الوجه الغسل بالماء عند الطهور وقال‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫إذ اقمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم " )‪ (10‬وفرض عليه السجود‬
‫وعلى اليدين والركبتين والرجلين الركوع وهو من اليمان وقال فيما‬
‫فرض على هذه الجوارح من الطهور والصلة وسماه في كتابه إيمانا حين‬
‫تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة‪ ،‬فقال المسلمون‪ :‬يا رسول ال‬
‫ذهبت صلتنا إلى بيت المقدس وطهورنا ضياعا ؟ فأنزل ال تعالى " وما‬
‫جعلنا القبلة التي كنت عليها إل لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على‬
‫عقبيه وإن كانت لكبيرة إل على الذين هدى ال وما كان ال ليضيع إيمانكم‬
‫إن ال بالناس لرؤف‬

‫)‪ (1‬المائدة‪ (2) .6 :‬البقرة‪ (3) .267 :‬القتال‪ (4) .4 :‬الجمعة‪ 5) .9 :‬و ‪ (6‬لقمان‪:‬‬
‫‪ 18‬و ‪ (7) .19‬البقرة‪ (8) .238 :‬يس‪ 9) .65 :‬و ‪ (10‬المائدة‪.6 :‬‬

‫]‪[78‬‬

‫رحيم " )‪ (1‬فسمى الصلة والطهور إيمانا‪ .‬وقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫من لقي ال كامل اليمان فهو من أهل الجنة ومن كان مضيعا لشئ مما‬
‫فرضه ال تعالى في هذه الجوارح وتعدى ما أمر ال به وارتكب ما نهاه‬
‫عنه لقى ال تعالى ناقص اليمان قال ال عزوجل‪ " :‬وإذا ما انزلت سورة‬
‫فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم‬
‫يستبشرون " )‪ (2‬وقال‪ " :‬إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم‬
‫وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون " )‪ (3‬وقال‬
‫سبحانه‪ " :‬إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى " )‪ (4‬وقال‪ " :‬والذين‬
‫اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقويهم " )‪ (5‬وقال‪ " :‬هو الذي أنزل السكينة‬
‫في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم " الية )‪ .(6‬فلو كان اليمان‬
‫كله واحدا ل زيادة فيه ول نقصان‪ ،‬لم يكن لحد فضل على أحد ولتساوى‬
‫الناس‪ ،‬فبتمام اليمان وكماله دخل المؤمنون الجنة‪ ،‬ونالوا الدرجات فيها‪،‬‬
‫وبذهابه ونقصانه دخل الخرون النار‪ ،‬وكذلك السبق إلى اليمان قال ال‬
‫تعالى‪ " :‬والسابقون السابقون اولئك المقربون " )‪ (7‬وقال سبحانه‪" :‬‬
‫والسابقون الولون من المهاجرين والنصار " )‪ (8‬وثلث بالتابعين‪ ،‬وقال‬
‫عزوجل‪ " :‬تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم ال ورفع‬
‫بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس " )‪(9‬‬
‫وقال‪ " :‬ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا " )‪(10‬‬
‫وقال‪ " :‬انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللخرة‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .143 :‬براءة‪ 124 :‬و ‪ (3) .125‬النفال ‪ (4) .2‬الكهف‪(5) .13 :‬‬
‫القتال‪ (6) .17 :‬الفتح‪ (7) .4 :‬الواقعة‪ 10 :‬و ‪ (8) .11‬براءة‪) .100 :‬‬
‫‪ (9‬البقرة‪ (10) .253 :‬أسرى ‪.55‬‬

‫]‪[79‬‬

‫أكبر درجات وأكبر تفضيل " )‪ (1‬وقال‪ " :‬هم درجات عند ال وال بصير بما‬
‫يعملون " )‪ (2‬وقال سبحانه‪ " :‬ويؤت كل ذي فضل فضله " )‪ (3‬وقال‪" :‬‬
‫الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل ال بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة‬
‫عند ال " )‪ (4‬وقال تعالى‪ " :‬ل يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح‬
‫وقاتل اولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكل وعد ال‬
‫الحسنى " )‪ (5‬وقال تعالى‪ " :‬وفضل ال المجاهدين على القاعدين أجرا‬
‫عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة " )‪ (6‬وقال‪ " :‬ذلك بأنهم ل يصيبهم‬
‫ظمأ ول نصب ول مخمصة في سبيل ال ول يطؤن موطئا يغيظ الكفار ول‬
‫ينالون من عدو نيل إل كتب لهم به عمل صالح " )‪ (7‬فهذه درجات‬
‫اليمان ومنازلها عند ال سبحانه‪ ،‬ولن يؤمن بال إل من آمن برسوله‬
‫وحججه في أرضه‪ ،‬قال ال تعالى‪ " :‬من يطع الرسول فقد أطاع ال " )‪(8‬‬
‫وما كان ال عزوجل ليجعل لجوارح النسان إماما في جسده ينفي عنها‬
‫الشكوك‪ ،‬ويثبت لها اليقين‪ ،‬وهو القلب ويهمل ذلك في الحجج وهو قوله‬
‫تعالى " فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين " )‪ (9‬وقال‪ " :‬لئل‬
‫يكون للناس على ال حجة بعد الرسل " )‪ (10‬وقال تعالى‪ " :‬أن تقولوا ما‬
‫جائنا من بشير ول نذير " )‪ (11‬وقال سبحانه‪ " :‬وجعلنا منهم أئمة‬
‫يهدون بأمرنا لما صبروا " )‪ (12‬الية‪ .‬ثم فرض على المة طاعة ولة‬
‫أمره القوام بدينه‪ ،‬كما فرض عليهم طاعة رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫فقال‪ " :‬أطيعوا ال وأطيعوا الرسول واولي المر منكم " )‪(13‬‬

‫)‪ (1‬أسرى‪ (2) .21 :‬آل عمران‪ (3) .163 :‬هود‪ (4) .3 :‬براءة‪ (5) .20 :‬الحديد‪:‬‬
‫‪ (6) .10‬النساء ‪ (7) .96‬براءة‪ (8) .120 :‬النساء‪ (9) 80 :‬النعام‪:‬‬
‫‪ (10) .149‬النساء‪ (11) .165 :‬المائدة‪ (12) .19 :‬السجدة‪(13) .24 :‬‬
‫النساء‪.59 :‬‬

‫]‪[80‬‬

‫ثم بين محل ولة أمره من أهل العلم بتأويل كتابه فقال عزوجل‪ " :‬ولو ردوه إلى‬
‫الرسول وإلى اولي المر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم " )‪ (1‬وعجز‬
‫كل أحد من الناس عن معرفة تأويل كتابه غيرهم‪ ،‬لنهم هم الراسخون في‬
‫العلم المأمونون على تأويل التنزيل قال ال تعالى‪ " :‬وما يعلم تأويله إل‬
‫ال والراسخون في العلم " )‪ (2‬إلى آخر الية وقال سبحانه‪ " :‬بل هو‬
‫آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم " )‪ .(3‬وطلب العلم أفضل من‬
‫العبادة‪ ،‬قال ال عزوجل‪ " :‬إنما يخشى ال من عباده العلماء " )‪(4‬‬
‫وبالعلم استحقوا عند ال اسم الصدق‪ ،‬وسماهم به صادقين‪ ،‬و فرض‬
‫طاعتهم على جميع العباد بقوله " يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وكونوا مع‬
‫الصادقين " )‪ (5‬فجعلهم أولياءه‪ ،‬وجعل وليتهم وليته‪ .‬وحزبهم حزبه‬
‫فقال‪ " :‬ومن يتول ال ورسوله والذين آمنوا فان حزب ال هم الغالبون "‬
‫)‪ (6‬وقال‪ " :‬إنما وليكم ال ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة‬
‫ويؤتون الزكوة وهم راكعون " )‪ .(7‬واعلموا رحمكم ال أنما هلكت هذه‬
‫المة وارتدت على أعقابها بعد نبيها صلى ال عليه وآله بركوبها طريق‬
‫من خل من المم الماضية‪ ،‬والقرون السالفة الذين آثروا عبادة الوثان‬
‫على طاعة أولياء ال عزوجل‪ ،‬وتقديمهم من يجهل على من يعلم فعقبها‬
‫ال تعالى بقوله " هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون إنما يتذكر‬
‫اولوا اللباب " )‪ (8‬وقال في الذين استولوا على تراث رسول ال بغير حق‬
‫من بعد وفاته‪ " :‬أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن ل يهدي إل أن‬
‫)‪ (1‬النساء‪ (2) .83 :‬آل عمران‪ (3) .13 :‬العنكبوت‪ (4) .49 :‬فاطر‪(5) .28 :‬‬
‫براءة‪ 6) .119 :‬و ‪ (7‬المائدة ‪ 56‬و ‪ (8) 55‬الزمر‪(*) .9 :‬‬

‫]‪[81‬‬

‫يهدى فمالكم كيف تحكمون " )‪ (1‬فلو جاز للمة اليتام بمن ل يعلم‪ ،‬أو بمن يجهل‬
‫لم يقل إبراهيم عليه السلم لبيه " لم تعبد مال يسمع ول يبصر ول يغني‬
‫عنك شيئا " )‪ .(2‬فالناس أتباع من اتبعوه من أئمة الحق وأئمة الباطل قال‬
‫ال عزوجل‪ " :‬يوم ندعوا كل اناس بامامهم فمن اوتي كتابه بيمينه فاولئك‬
‫يقرؤن كتابهم ول يظلمون فتيل " )‪ (3‬فمن ائتم بالصادقين حشر معهم‪،‬‬
‫ومن ائتم بالمنافقين حشر معهم‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫يحشر المرء مع من أحب‪ ،‬قال إبراهيم عليه السلم‪ " :‬فمن تبعني فانه‬
‫مني " )‪ .(4‬وأصل اليمان العلم‪ ،‬وقد جعل ال تعالى له أهل ندب إلى‬
‫طاعتهم ومسألتهم فقال‪ " :‬فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون " )‪(5‬‬
‫وقال جلت عظمته‪ " :‬وأتوا البيوت من أبوابها " )‪ (6‬والبيوت في هذا‬
‫الموضع اللتي عظم ال بناءها بقوله " في بيوت أذن ال أن ترفع ويذكر‬
‫فيها اسمه " )‪ (7‬ثم بين معناها لكيل يظن أهل الجاهلية أنها بيوت مبنية‬
‫فقال تعالى‪ " :‬رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر ال " فمن طلب‬
‫العلم في هذه الجهة أدركه‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أنا مدينة‬
‫العلم ‪ -‬وفي موضع آخر أنا مدينة الحكمة ‪ -‬وعلي بابها فمن أراد الحكمة‬
‫فليأتها من بابها‪ .‬وكل هذا منصوص في كتابه تعالى إل ان له أهل يعلمون‬
‫تأويله فمن عدل منهم إلى الذين ينتحلون ما ليس لهم‪ ،‬ويتبعون ما تشابه‬
‫منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ]وهو تأويله[ بل برهان ول دليل ول هدى‬
‫هلك وأهلك‪ ،‬وخسرت صفقته وضل سعيه يوم " تبرء الذين اتبعوا من‬
‫الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم السباب " )‪ (8‬وإنما هو حق‬
‫وباطل‪ ،‬وإيمان‪ ،‬وكفر‪ ،‬وعلم وجهل‪ ،‬وسعادة‬

‫)‪ (1‬يونس‪ (2) .35 :‬مريم‪ (3) .42 :‬أسرى‪ (4) .71 :‬ابراهيم‪ (5) .36 :‬النحل‪:‬‬
‫‪ (6) .43‬البقرة‪ (7) .189 :‬النور‪ 36 :‬و ‪ (8) .37‬البقرة ‪.166‬‬

‫]‪[82‬‬

‫وشقوة‪ ،‬وجنة ونار‪ ،‬لن يجتمع الحق والباطل في قلب امرء قال ال تعالى‪ " :‬ما‬
‫جعل ال لرجل من قلبين في جوفه " )‪ .(1‬وإنما هلك الناس حين ساووا‬
‫بين أئمة الهدى وبين أئمة الكفر‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن الطاعة مفروضة لكل من قام‬
‫مقام النبي صلى ال عليه وآله برا كان أو فاجرا‪ ،‬فاتوا من قبل ذلك )‪(2‬‬
‫قال ال سبحانه‪ " :‬أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون " )‬
‫‪ (3‬وقال ال تعالى‪ " :‬هل يستوي العمى والبصير أم هل تستوي الظلمات‬
‫والنور " )‪ (4‬فقال‪ :‬فيمن سموهم من أئمة الكفر بأسماء أئمة الهدى ممن‬
‫غصب أهل الحق ما جعله ال لهم‪ ،‬وفيمن أعان أئمة الضلل على ظلمهم‬
‫" إن هي إل أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل ال بها من سلطان "‬
‫)‪ (5‬فأخبرهم ال سبحانه بعظيم افترائهم على جملة أهل اليمان بقوله‬
‫تعالى " إنما يفتري الكذب الذين ل يؤمنون بآيات ال " )‪ (6‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫" ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من ال " )‪ (7‬وبقوله سبحانه‪" :‬‬
‫أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ل يستوون " )‪ (8‬وبقوله تعالى‪ " :‬أفمن‬
‫كان على بينة من ربه كمن هو أعمى " )‪ (9‬فبين ال عزوجل بين الحق‬
‫والباطل في كثير من آيات القرآن‪ ،‬ولم يجعل للعباد عذرا في مخالفة أمره‬
‫بعد البيان والبرهان‪ ،‬ولم يتركهم في لبس من أمرهم‪ ،‬ولقد ركب القوم‬
‫الظلم والكفر‬

‫)‪ (1‬الحزاب‪ (2) .4 :‬أي أتى هلكهم من قبل ذلك‪ ،‬يقال‪ :‬اتى ‪ -‬كعنى ‪ -‬فلن من‬
‫مأمنه‪ :‬أي جاءه الهلك من جهة أمنه‪ (3) .‬القلم‪ :(4) .35 :‬الرعد ‪) .16‬‬
‫‪ (5‬العراف‪ (6) .71 :‬النحل‪ (7) .105 :‬القصص‪ (8) .50 :‬السجدة‪:‬‬
‫‪ (9) .18‬صدر الية في سورة القتال‪ 14 :‬ونصها‪ " :‬أفمن كان على بينة‬
‫من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهوائهم " وذيله في سورة‬
‫الرعد‪ 19 :‬ونصها‪ :‬أفمن يعلم أنما انزل اليك من ربك الحق كمن هو‬
‫أعمى انما يتذكر اولوا اللباب " والظاهر أن ما بينهما سقط من النسخ‪.‬‬

‫]‪[83‬‬

‫في اختلفهم بعد نبيهم وتفريقهم المة‪ ،‬وتشتيت أمر المسلمين‪ ،‬واعتدائهم على‬
‫أوصياء رسول ال صلى ال عليه وآله بعد أن بين لهم من الثواب على‬
‫الطاعة‪ ،‬والعقاب على المعصية بالمخالفة‪ ،‬فاتبعوا أهواءهم وتركوا ما‬
‫أمرهم ال به ورسوله قال تعالى‪ " :‬وما تفرق الذين اوتوا الكتاب إل من‬
‫بعد ما جاءتهم البينة " )‪ (1‬ثم أبان فضل المؤمنين فقال سبحانه‪ " :‬إن‬
‫الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية " )‪ .(2‬ثم وصف ما‬
‫أعده من كرامته تعالى لهم وما أعده لمن أشرك به‪ ،‬وخالف أمره وعصى‬
‫وليه‪ ،‬من النقمة والعذاب‪ ،‬ففرق بين صفات المهتدين‪ ،‬وصفات المعتدين‪،‬‬
‫فجعل ذلك مسطورا في كثير من آيات كتابه ولهذه العلة قال ال تعالى‪" :‬‬
‫أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " )‪ (3‬فترى من هو المام الذي‬
‫يستحق هذه الصفة من ال عزوجل المفروض على المة طاعته ؟ من لم‬
‫يشرك بال تعالى طرفة عين‪ ،‬ولم يعصه في دقيقة ول جليلة قط ؟ أم من‬
‫أنفد عمره وأكثر أيامه في عبادة الوثان‪ ،‬ثم أظهر اليمان وأبطن النفاق ؟‬
‫وهل من صفة الحكيم أن يطهر الخبيث بالخبيث‪ ،‬ويقيم الحدود على المة‬
‫من في جنبه الحدود الكثيرة‪ ،‬وهو سبحانه يقول‪ " :‬أتأمرون الناس بالبر‬
‫وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفل تعقلون " )‪ (4‬أولم يأمر ال‬
‫عزوجل نبيه صلى ال عليه وآله بتبليغ ما عهده إليه في وصيه‪ ،‬وإظهار‬
‫إمامته و وليته‪ ،‬بقوله " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم‬
‫تفعل فما بلغت رسالته وال يعصمك من الناس " )‪ (5‬فبلغ رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله ما قد سمع‪ ،‬وعلم أن الشياطين اجتمعوا إلى إبليس‬
‫فقالوا له‪ :‬ألم تكن أخبرتنا أن محمدا إذا مضى نكثت امته عهده ونقضت‬
‫سنته‪ ،‬وإن الكتاب الذي جاء به يشهد بذلك‪ ،‬وهو قوله " وما محمد إل‬
‫رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " )‪(6‬‬
‫فكيف‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬البينة‪ 4 :‬و ‪ (3) .7‬القتال‪ (4) .24 :‬البقرة‪ (5) .44 :‬المائدة‪ (6) .67 :‬آل‬
‫عمران‪.144 :‬‬

‫]‪[84‬‬

‫يتم هذا وقد نصب لمته علما‪ ،‬وأقام لهم إماما ؟ فقال لهم إبليس‪ :‬ل تجزعوا من‬
‫هذا فان امته ينقضون عهده ويغدرون بوصيه من بعده‪ ،‬ويظلمون أهل‬
‫بيته‪ ،‬و يهملون ذلك لغلبة حب الدنيا على قلوبهم‪ ،‬وتمكن الحمية‬
‫والضغائن في نفوسهم واستكبارهم وعزهم فأنزل ال تعالى " ولقد صدق‬
‫عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إل فريقا من المؤمنين " )‪ .(1‬بيان‪ " :‬باللغو‬
‫في أيمانكم " قال في المجمع‪ :‬هو ما يجري على عادة الناس من قول " ل‬
‫وال‪ ،‬وبلى وال " من غير عقد على يمين يقتطع بها مال أو يظلم بها‬
‫أحد‪ ،‬وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد ال عليهما السلم وقيل‪ :‬هو‬
‫أن يحلف وهو يرى أنه صادق‪ ،‬ثم تبين أنه كاذب فل إثم عليه ول كفارة‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬هو يمين الغضب ل يؤاخذ بالحنث فيها‪ ،‬وقال مسروق‪ :‬كل يمين‬
‫ليس له الوفاء بها فهي لغو ول تجب فيها كفارة " بما كسبت قلوبكم " أي‬
‫بما عزمتم وقصدتم‪ ،‬لن كسب القلب العقد والنية‪ ،‬وفيه حذف أي من‬
‫أيمانكم وقيل‪ :‬بأن تحلفوا كاذبين أو على باطل انتهى )‪ .(2‬والستدلل بآية‬
‫التفكر لنه من فعل القلب وكذا التدبر فان قوله تعالى " أفل يتدبرون‬
‫القرآن " أي أفل يتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر‪ ،‬حتى ل‬
‫يجسروا على المعاصي‪ ،‬وما فيه من الدلئل والبراهين على جميع اصول‬
‫الدين فيرتدعوا عن الكفر بها " أم على قلوب أقفالها " ل يصل إليها ذكر‪،‬‬
‫ول ينكشف لها أمر‪ ،‬وقيل‪ " :‬أم " منقطعة‪ ،‬ومعنى الهمزة فيه التقرير‪،‬‬
‫وتنكير القلوب لن المراد قلوب بعض منهم أو للشعار بأنها لبهام أمرها‬
‫في القساوة‪ ،‬أو لفرط جهالتها ونكرها‪ ،‬كأنها مبهمة منكورة‪ ،‬وإضافة‬
‫القفال إليها للدللة على أقفال مناسبة لها مختصة بها ل تجانس القفال‬
‫المعهودة‪ " .‬ولكن تعمى القلوب " أي عن العتبار‪ ،‬والمعنى ليس الخلل‬
‫في مشاعرهم‬

‫)‪ (1‬سبأ‪ (2) .20 :‬مجمع البيان ج ‪ 2‬ص ‪.323‬‬

‫]‪[85‬‬

‫وإنما إيفت عقولهم )‪ (1‬باتباع الهوى والنهماك في التقليد‪ ،‬وذكر الصدور للتأكيد‬
‫" سلم عليكم " قيل متاركة لهم وتوديع ودعاء لهم بالسلمة عما هم فيه‬
‫" ل نبتغي الجاهلين " أي ل نطلب صحبتهم ول نريدها قوله " وينعه "‬
‫أي نضجه يقال‪ :‬ينع الثمر كمنع و ضرب ينعا وينعا وينوعا‪ :‬حان قطافه‬
‫قوله عليه السلم‪ :‬قال ال تعالى " فانها ل تعمى " ذكر الية هنا بعد‬
‫ذكرها سابقا للستشهاد بأن البصار والعمى يطلقان في ابصار الرؤوس‬
‫وابصار القلوب‪ .‬قوله‪ " :‬من تأمل اليات " أي آيات القرآن أو آياته في‬
‫الفاق والنفس " فزادهم هدى " قيل‪ :‬أي زادهم ال بالتوفيق واللهام‪ ،‬أو‬
‫قول الرسول‪ " .‬وآتيهم تقويهم " أي بين لهم ما يتقون‪ ،‬أو أعانهم على‬
‫تقواهم‪ ،‬أو أعطاهم جزاءهما‪ - 30 .‬كا‪ :‬عن علي بن محمد‪ ،‬عن بعض‬
‫أصحابه‪ ،‬عن آدم بن إسحاق‪ ،‬عن عبد الرزاق بن مهران‪ ،‬عن الحسين بن‬
‫ميمون‪ ،‬عن محمد بن سالم‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬إن اناسا‬
‫تكلموا في هذا القرآن بغير علم‪ ،‬وذلك أن ال تبارك وتعالى يقول‪ " :‬هو‬
‫الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات‬
‫فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء‬
‫تأويله وما يعلم تأويله إل ال " الية )‪ (2‬فالمنسوخات من المتشابهات‪،‬‬
‫والمحكمات من الناسخات‪ .‬إن ال عزوجل بعث نوحا إلى قومه " أن‬
‫اعبدوا ال واتقوه و أطيعون " )‪ (3‬ثم دعاهم إلى ال عزوجل وحده‪ ،‬وأن‬
‫يعبدوه ول يشركوا به شيئا ثم بعث النبياء صلوات ال عليهم ‪ -‬على ذلك‬
‫إلى أن بلغوا محمدا صلى ال عليه وآله فدعاهم إلى أن يعبدوا ال ول‬
‫يشركوا به شيئا‪ ،‬وقال‪ " :‬شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي‬
‫أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول‬
‫تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ال يجتبى إليه من يشاء‬
‫ويهدي‬
‫)‪ (1‬يقال‪ :‬آف القوم وأوفوا وايفوا‪ :‬دخلت عليهم آفة وهو مؤوف‪ (2) .‬آل عمران‪:‬‬
‫‪ (3) .7‬نوح‪.3 :‬‬

‫]‪[86‬‬

‫إليه من ينيب " )‪ (1‬فبعث النبياء إلى قومهم بشهادة أن ل إله إل ال‪ ،‬القرار بما‬
‫جاء به من عند ال‪ ،‬فمن آمن مخلصا ومات على ذلك أدخله ال الجنة‬
‫بذلك وذلك أن ال ليس بظلم للعبيد‪ ،‬وذلك أن ال لم يكن يعذب عبدا حتى‬
‫يغلظ عليه في القتل والمعاصي التي أوجب ال عليه بها النار لمن عمل بها‬
‫فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين‪ ،‬جعل لكل‬
‫نبي منهم شرعة و منهاجا‪ ،‬والشرعة والمنهاج سبيل وسنة‪ ،‬وقال ال‬
‫لمحمد صلى ال عليه وآله " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين‬
‫من بعده " )‪ .(2‬وأمر كل نبي بالخذ بالسبيل والسنة‪ ،‬وكان من السبيل‬
‫والسنة التي أمر ال عزوجل بها موسى عليه السلم أن جعل عليهم السبت‬
‫وكان من أعظم السبت ولم يستحل أن يفعل ذلك من خشية ال أدخله ال‬
‫الجنة‪ ،‬ومن استخف بحقه واستحل ما حرم ال عليه من العمل الذي نهاه‬
‫ال عنه فيه‪ ،‬أدخله ال عزوجل النار‪ ،‬وذلك حيث استحلوا الحيتان‪،‬‬
‫واحتبسوها وأكلوها يوم السبت‪ ،‬غضب ال عليهم من غير أن يكونوا‬
‫أشركوا بالرحمن‪ ،‬ول شكوا‪ ،‬في شئ مما جاء به موسى عليه السلم قال‬
‫ال عزوجل‪ " :‬ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا‬
‫قردة خاسئين " )‪ .(3‬ثم بعث ال عيسى عليه السلم بشهادة أن ل إله إل‬
‫ال‪ ،‬والقرار بما جاء به من عند ال‪ ،‬وجعل لهم شرعة ومنهاجا فهدمت‬
‫السبت الذي امروا به أن يعظموه قبل ذلك‪ ،‬وعامة ما كانوا عليه من‬
‫السبيل والسنة التي جاء بها موسى‪ ،‬فمن لم يتبع سبيل عيسى أدخله ال‬
‫النار‪ ،‬وإن كان الذي جاء به النبيون جميعا أن ل يشركوا بال شيئا‪ .‬ثم‬
‫بعث ال عزوجل محمدا صلى ال عليه وآله وهو بمكة عشر سنين‪ ،‬فلم‬
‫يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا‬
‫رسول ال إل أدخله ال الجنة باقراره‪ ،‬وهو إيمان التصديق‪ ،‬ولم يعذب ال‬
‫أحدا ممن مات وهو‬

‫)‪ (1‬الشورى‪ (2) .13 :‬النساء‪ (3) .163 :‬البقرة‪.62 :‬‬

‫]‪[87‬‬

‫متبع لمحمد صلى ال عليه وآله على ذلك إل من أشرك بالرحمن‪ .‬وتصديق ذلك أن‬
‫ال عزوجل أنزل عليه في سورة بني إسرائيل بمكة " وقضى ربك أن ل‬
‫تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا " إلى قوله تعالى " إنه كان بعباده خبيرا‬
‫بصيرا " )‪ (1‬أدب وعظة وتعليم ونهي خفيف‪ ،‬ولم يعد عليه ولم يتواعد‬
‫على اجتراح شئ مما نهي عنه‪ ،‬وأنزل نهيا عن أشياء حذر عليها ولم‬
‫يغلظ فيها ولم يتواعد عليها‪ ،‬وقال‪ " :‬ول تقتلوا أولدكم خشية إملق نحن‬
‫نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا * ول تقربوا الزنا إنه كان فاحشة‬
‫وساء سبيل * ول تقتلوا النفس التي حرم ال إل بالحق ومن قتل مظلوما‬
‫فقد جعلنا لوليه سلطانا فل يسرف في القتل إنه كان منصورا * ول تقربوا‬
‫مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده و أوفوا بالعهد إن العهد كان‬
‫مسؤل * وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير‬
‫وأحسن تأويل * ول تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل‬
‫اولئك كان عنه مسؤل * ول تمش في الرض مرحا إنك لن تخرق الرض‬
‫ولن تبلغ الجبال طول * كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها * ذلك مما‬
‫أوحى إليك ربك من الحكمة ول تجعل مع ال إلها آخر فتلقى في جهنم‬
‫ملوما مدحورا " )‪ .(2‬وأنزل في والليل إذا يغشى‪ " :‬فأنذرتكم نارا تلظى *‬
‫ل يصليها إل الشقى الذي كذب وتولى " )‪ (3‬فهذا مشرك‪ ،‬وأنزل في إذا‬
‫السماء انشقت‪ " :‬وأما من اوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعوا ثبورا‬
‫ويصلى سعيرا * إنه كان في أهله مسرورا * إنه ظن أن لن يحور بلى " )‬
‫‪ (4‬فهذا مشرك‪ ،‬وأنزل في تبارك " كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم‬
‫يأتكم نذير * قالوا بلى قد جائنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل ال من شئ " )‪(5‬‬
‫فهؤلء مشركون‪ ،‬وأنزل في الواقعة " وأما إن كان من المكذبين‬

‫)‪ (1‬أسرى‪ (2) .30 - 23 :‬أسرى‪ (3) .39 - 31 :‬الليل‪ (4) .16 - 14 :‬النشقاق‪:‬‬
‫‪ (5) .14 - 10‬الملك‪.9 - 8 :‬‬

‫]‪[88‬‬

‫الضالين * فنزل من حميم * وتصلية جحيم " )‪ (1‬فهؤلء مشركون‪ ،‬وأنزل في‬
‫الحاقة " وأما من اوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم اوت كتابيه * ولم‬
‫أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية * ما أغنى عني ماليه " إلى قوله‪:‬‬
‫" إنه كان ل يؤمن بال العظيم " )‪ (2‬فهذا مشرك‪ .‬وأنزل في طسم "‬
‫وبرزت الجحيم للغاوين * وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون ال هل‬
‫ينصرونكم أو ينتصرون * فكبكبوا فيها هم والغاوون * وجنود إبليس‬
‫أجمعون " )‪ (3‬جنود إبليس ذريته من الشياطين وقوله‪ " :‬وما أضلنا إل‬
‫المجرمون " )‪ (4‬يعني المشركين الذين اقتدوا بهم هؤلء فاتبعوهم على‬
‫شركهم‪ ،‬وهم قوم محمد صلى ال عليه وآله ليس فيهم من اليهود‬
‫والنصارى أحد‪ ،‬وتصديق ذلك قول ال عزوجل‪ " :‬كذبت قبلهم قوم نوح "‬
‫)‪ " (5‬كذب أصحاب اليكة " )‪ " (6‬كذبت قوم لوط " )‪ (7‬ليس هم اليهود‬
‫الذين قالوا عزير ابن ال ول النصارى الذين قالوا المسيح ابن ال سيدخل‬
‫ال اليهود والنصارى النار‪ ،‬ويدخل كل قوم بأعمالهم‪ .‬وقولهم‪ " :‬وما‬
‫أضلنا إل المجرمون " إذ دعونا إلى سبيلهم‪ ،‬ذلك قول ال عزوجل فيهم‬
‫حين جمعهم إلى النار " وقالت اوليهم لخريهم ربنا هؤلء أضلونا فآتهم‬
‫عذابا ضعفا من النار " وقوله‪ " :‬كلما دخلت امة لعنت اختها حتى إذا‬
‫اداركوا فيها جميعا " )‪ (8‬برئ بعضهم من بعض‪ ،‬ولعن بعضهم بعضا‪.‬‬
‫يريد بعضهم أن يحجج بعضا رجاء الفلج فيفلتوا من عظيم ما نزل بهم‪،‬‬
‫وليس بأوان بلوى ول اختبار‪ ،‬ول قبول معذرة ول حين نجاة‪ ،‬واليات‬
‫وأشباههن مما نزل به بمكة‪ ،‬ول يدخل ال النار إل مشركا‪.‬‬

‫)‪ (1‬الواقعة‪ (2) .94 - 92 :‬الحاقة‪ (3) .33 - 25 :‬الشعراء‪(4) 95 - 91 :‬‬


‫الشعراء‪ (5) .99 :‬ص‪ (6) .12 :‬الشعراء‪ (7) .176 :‬الشعراء‪) .160 :‬‬
‫‪ (8‬العراف‪ ،38 :‬مع تقديم وتأخير‪.‬‬

‫]‪[89‬‬

‫فلما أذن ال لمحمد صلى ال عليه وآله في الخروج من مكة إلى المدينة بنى‬
‫السلم على خمس‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدا عبده ورسوله‪،‬‬
‫وإقام الصلة‪ ،‬و إيتاء الزكاة‪ ،‬وحج البيت‪ ،‬وصيام شهر رمضان‪ ،‬وأنزل‬
‫عليه الحدود‪ ،‬وقسمة الفرائض‪ ،‬وأخبره بالمعاصي التي أوجب ال عليها‬
‫وبها النار‪ ،‬لمن عمل بها‪ ،‬و أنزل في بيان القاتل " ومن يقتل مؤمنا‬
‫متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب ال عليه ولعنه وأعد له عذابا‬
‫عظيما " )‪ (1‬ول يلعن ال مؤمنا قال ال عزوجل‪ " :‬إن ال لعن الكافرين‬
‫وأعد لهم سعيرا * خالدين فيها أبدا ل يجدون وليا ول نصيرا " )‪ (2‬وكيف‬
‫يكون في المشية وقد ألحق به ‪ -‬حين جزاه جهنم ‪ -‬الغضب واللعنة وقد‬
‫بين ذلك من الملعونون في كتابه ؟ وأنزل في مال اليتيم من أكله ظلما " إن‬
‫الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون‬
‫سعيرا " )‪ (3‬وذلك أن آكل مال اليتيم يجئ يوم القيامة والنار تلتهب في‬
‫بطنه‪ ،‬حتى يخرج لهب النار من فيه‪ ،‬يعرف أهل الجمع أنه آكل مال اليتيم‬
‫وأنزل في الكيل " ويل للمطففين " ولم يجعل الويل لحد حتى يسميه كافرا‬
‫قال ال تعالى‪ " :‬فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم )‪ " (4‬وأنزل في‬
‫العهد إن الذين يشترون بعهد ال وأيمانهم ثمنا قليل اولئك ل خلق لهم في‬
‫الخرة ول يكلمهم ال ول ينظر إليهم يوم القيامة ول يزكيهم ولهم عذاب‬
‫أليم " )‪ (5‬والخلق النصيب‪ ،‬فمن لم يكن له نصيب في الخرة فبأي شئ‬
‫يدخل الجنة وأنزل بالمدينة " الزاني ل ينكح إل زانية أو مشركة والزانية‬
‫ل ينكحها إل زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين )‪ " (6‬فلم يسم ال‬
‫الزاني مؤمنا ول الزانية مؤمنة‪ ،‬وقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫ليس يمتري فيه أهل العلم أنه قال‪ :‬ل يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن‬
‫ول يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن‪ ،‬فانه إذا فعل ذلك خلع عنه‬
‫اليمان‬

‫)‪ (1‬النساء‪ (2) .93 :‬الحزاب‪ 64 :‬و ‪ (3) .65‬النساء‪ (4) .169 :‬مريم‪(5) .37 :‬‬
‫آل عمران‪ (6) .77 :‬النور‪.3 :‬‬

‫]‪[90‬‬

‫كخلع القميص‪ .‬وأنزل بالمدينة " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة‬
‫شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ول تقبلوا لهم شهادة أبدا واولئك هم‬
‫الفاسقون * إل الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فان ال غفور رحيم )‪(1‬‬
‫" فبرأ ال ما كان مقيما على الفرية من أن يسمى باليمان‪ ،‬قال ال‬
‫عزوجل‪ " :‬أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ل يستوون )‪ " (2‬وجعله ال‬
‫منافقا قال ال عزوجل‪ " :‬إن المنافقين هم الفاسقون " )‪ (3‬وجعله ال‬
‫عزوجل من أولياء إبليس قال‪ " :‬إل إبليس كان من الجن ففسق عن أمر‬
‫ربه )‪ (4‬وجعله ال ملعونا فقال‪ " :‬إن الذين يرمون المحصنات الغافلت‬
‫المؤمنات لعنوا في الدنيا والخرة ولهم عذاب عظيم * يوم تشهد عليهم‬
‫ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون " )‪ (5‬وليست تشهد الجوارح‬
‫على مؤمن‪ ،‬إنما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب‪ ،‬فأما المؤمن‬
‫فيعطى كتابه بيمينه‪ ،‬قال ال عزوجل‪ " :‬فأما من اوتي كتابه بيمينه فاولئك‬
‫يقرؤن كتابهم ول يظلمون فتيل " )‪ .(6‬وسورة النور انزلت بعد سورة‬
‫النساء‪ ،‬وتصديق ذلك أن ال عزوجل أنزل عليه في سورة النساء‪" :‬‬
‫واللتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فان‬
‫شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل ال لهن سبيل‬
‫" )‪ (7‬والسبيل الذي قال ال عزوجل )‪ " :(8‬سورة أنزلناها وفرضناها‬
‫وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون * الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد‬
‫منهما مائة جلدة ول تأخذكم بهما رأفة في دين ال إن كنتم تؤمنون بال‬
‫واليوم الخر‬

‫)‪ (1‬النور‪ (2) .4 :‬السجدة‪ (3) .18 :‬براءة‪ (4) .67 :‬الكهف‪ (5) .50 :‬النور‪23 :‬‬
‫و ‪ (6) .24‬أسرى‪ 71 :‬وصدره‪ :‬فمن أوتى كتابه الخ‪ (7) .‬النساء‪) .14 :‬‬
‫‪ (8‬النور‪ 1 :‬و ‪.2‬‬
‫]‪[91‬‬

‫وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " )‪ .(1‬تبيين وتحقيق‪ :‬قوله " وذلك أن "‬
‫تعليل لتكلمهم فيه بغير علم‪ ،‬لنهم تكلموا في متشابهه أيضا مع أنه ل يعلم‬
‫تأويله إل ال والراسخون في العلم‪ ،‬والمحكم في اللغة المتقن‪ ،‬وفي العرف‬
‫يطلق على ماله معنى ل يحتمل غيره‪ ،‬وعلى ما اتضحت دللته‪ ،‬وعلى ما‬
‫كان محفوظا من النسخ‪ ،‬أو التخصيص‪ ،‬أو منهما جميعا‪ ،‬وعلى ما ل‬
‫يحتمل من التأويل إل وجها واحدا‪ ،‬والمتشابه يقابله بكل من هذه المعاني‪.‬‬
‫وقال الراغب‪ :‬المحكم ما ل يعرض فيه شبهة من حيث اللفظ ول من حيث‬
‫المعنى والمتشابه من القرآن ما أشكل تفسيره لمشابهة غيره إما من حيث‬
‫اللفظ أو من حيث المعنى وقال الفقهاء‪ :‬المتشابه مال ينبئ ظاهره عن‬
‫مراده‪ .‬وحقيقة ذلك أن اليات عند اعتبار بعضها ببعض ثلثة أضرب‪:‬‬
‫محكم على الطلق‪ ،‬ومتشابه على الطلق‪ ،‬ومحكم من وجه متشابه من‬
‫وجه‪ ،‬فالمتشابه في الجملة ثلثة أضرب‪ :‬متشابه من جهة اللفظ فقط‪،‬‬
‫ومتشابه من جهة المعنى فقط‪ ،‬و متشابه من جهتهما‪ ،‬فالمتشابه من جهة‬
‫اللفظ ضربان‪ :‬أحدهما يرجع إلى اللفاظ المفردة‪ ،‬وذلك إما من جهة‬
‫غرابته نحو الب ويزفون‪ ،‬وإما من جهة مشاركة في اللفظ كاليد والعين‪.‬‬
‫والثاني يرجع إلى جملة الكلم المركب‪ ،‬وذلك ثلثة أضرب‪ :‬ضرب‬
‫لختصار الكلم نحو " فان خفتم أن ل تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب‬
‫لكم )‪ " (2‬وضرب لبسط الكلم نحو " ليس كمثله شئ )‪ " (3‬لنه لو قيل‬
‫ليس مثله شئ كان أظهر للسامع‪ ،‬وضرب لنظم الكلم نحو‪ " :‬أنزل على‬
‫عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما " )‪ (4‬تقديره " الكتاب قيما ولم‬
‫يجعل له عوجا " والمتشابه من جهة المعنى أوصاف ال تعالى وأوصاف‬
‫القيامة‪ ،‬فان تلك الصفات ل تتصور لنا إذ كان ل تحصل في نفوسنا صورة‬
‫ما لم نحسه أو لم يكن من جنس ما نحسه‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .33 - 28‬النساء‪ (3) .3 :‬الشورى‪ (4) .11 :‬الكهف‪.1 :‬‬

‫]‪[92‬‬

‫والمتشابه من جهة المعنى واللفظ جميعا خمسة أضرب‪ :‬الول من جهة الكمية‬
‫كالعموم والخصوص‪ ،‬نحو " اقتلوا المشركين )‪ " (1‬والثاني من جهة‬
‫الكيفية كالوجوب والندب نحو " فانكحوا ما طاب لكم من النساء "‪.‬‬
‫والثالث من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ نحو " اتقوا ال حق تقاته "‬
‫)‪ (2‬والرابع من جهة المكان والمور التي نزلت فيها‪ ،‬نحو " ليس البر‬
‫بأن تأتوا البيوت من ظهورها " )‪ (3‬وقوله عزوجل‪ " :‬إنما النسيئ زيادة‬
‫في الكفر " )‪ (4‬فان من ل يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه معرفة‬
‫تفسير هذه الية‪ ،‬والخامس من جهة الشروط التي بها يصح الفعل أو يفسد‬
‫كشروط الصلة والنكاح‪ ،‬وهذه الجملة إذا تصورت علم أن كل ما ذكره‬
‫المفسرون في تفسير المتشابه ل يخرج عن هذه التقاسيم نحو قول من قال‬
‫المتشابه " الم " وقول قتادة‪ :‬المحكم الناسخ والمتشابه المنسوخ وقول‬
‫الصم‪ :‬المحكم ما اجمع على تأويله والمتشابه ما اختلف فيه‪ .‬ثم جميع‬
‫المتشابه على ثلثة أضرب‪ :‬ضرب ل سبيل للوقوف عليه‪ ،‬كوقت الساعة‪،‬‬
‫وخروج دابة الرض وكيفية الدابة ونحو ذلك‪ ،‬وضرب للنسان سبيل إلى‬
‫معرفته كاللفاظ الغريبة‪ ،‬والحكام المغلقة‪ ،‬وضرب متردد بين المرين‬
‫يجوز أن يختص بمعرفة حقيقته بعض الراسخين في العلم‪ ،‬ويخفى على‬
‫من دونهم‪ ،‬وهو الضرب المشار إليه بقوله صلى ال عليه وآله في علي‬
‫عليه السلم‪ :‬اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل‪ ،‬وإذا عرفت هذه الجملة‬
‫علم أن الوقوف على قوله‪ " :‬إل ال " ووصله بقوله " والراسخون في‬
‫العلم " جائزان‪ ،‬وأن لكل واحد منهما وجها حسب ما يدل عليه التفصيل‬
‫المتقدم انتهى )‪ .(5‬قوله تعالى " منه آيات محكمات " قيل أي احكمت‬
‫عباراتها بأن حفظت عن الجمال " هن ام الكتاب " أي أصله يرد إليها‬
‫غيرها‪ " .‬واخر متشابهات "‬

‫)‪ (1‬براءة‪ (2) .6 :‬آل عمران‪ (3) .102 :‬البقرة‪ (4) .189 :‬براءة‪(5) .38 :‬‬
‫مفردات غريب القرآن ‪ 128‬و ‪.224‬‬

‫]‪[93‬‬

‫قيل أي محتملت ل يتضح مقصودها إل بالفحص والنظر‪ ،‬ليظهر فيها فضل العلماء‬
‫الربانيين في استنباط معانيها‪ ،‬وردها إلى المحكمات‪ ،‬وليتوصلوا بها إلى‬
‫معرفة ال وتوحيده وأقول‪ :‬بل ليعلموا عدم استقللهم في علم القرآن‪،‬‬
‫واحتياجهم في تفسيره إلى المام المنصوب من قبل ال‪ ،‬وهم الراسخون‬
‫في العلم‪ ،‬وروى العياشي عن الصادق عليه السلم أنه سئل عن المحكم‬
‫والمتشابه فقال‪ :‬المحكم ما يعمل به والمتشابه ما اشتبه على جاهله‪ ،‬وفي‬
‫رواية اخرى والمتشابه الذي يشبه بعضه بعضا‪ ،‬وفي رواية اخرى فأما‬
‫المحكم فتؤمن به وتعمل به وتدين به‪ ،‬وأما المتشابه فتؤمن به ول تعمل‬
‫به )‪ " .(1‬فأما الذين في قلوبهم زيغ " أي ميل عن الحق كالمبتدعة "‬
‫فيتبعون ما تشابه منه " فيتعلقون بظاهره أو بتأويل باطل " ابتغاء الفتنة‬
‫" أي طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس‪ ،‬ومناقضة‬
‫المحكم بالمتشابه‪ ،‬وفي مجمع البيان عن الصادق عليه السلم أن الفتنة‬
‫هنا الكفر " وابتغاء تأويله " أي وطلب أن يأولوه على ما يشتهونه " وما‬
‫يعلم تأويله " الذي يجب أن يحمل عليه " إل ال والراسخون في العلم "‬
‫الذين تثبتوا وتمكثوا فيه‪ .‬وأقول‪ :‬قد مر الكلم منا في تأويل هذه الية في‬
‫كتاب المامة في باب أن الراسخين في العلم هم الئمة عليهم السلم )‪.(2‬‬
‫قوله عليه السلم‪ " :‬فالمنسوخات من المتشابهات " كأن هذا الكلم تمهيد‬
‫لما سيأتي من اختلف اليمان المأمور به في مكة قبل الهجرة وفي المدينة‬
‫بعدها و اختلف التكاليف فيهما كما وكيفا‪ ،‬ردا على من استدل ببعض‬
‫اليات على أن اليمان نفس العتقاد بالتوحيد والنبوة فقط‪ ،‬بل مدخلية‬
‫للعمال أو الولية فيه بأن تلك اليات أكثرها نزلت في مكة‪ ،‬وكان اليمان‬
‫فيها نفس العتقاد بالشهادتين أو التكلم بهما ثم نسخ ذلك في المدينة بعد‬
‫وجوب الواجبات‪ ،‬وتحريم المحرمات‬

‫)‪ (1‬العياشي ج ‪ (2) .162 :1‬راجع ج ‪ 23‬ص ‪ 205 - 188‬من هذه الطبعة‪.‬‬

‫]‪[94‬‬

‫ونصب الوالي والمر بوليته‪ ،‬ويحتمل أن ل يكون ذلك من قبيل النسخ‪ ،‬و يكون‬
‫ذكر النسخ لبيان عجزهم عن فهم معاني اليات وخطائهم في الستدلل بها‬
‫كما أنهم ل يعرفون الناسخ من المنسوخ‪ ،‬ويستدلون باليات المنسوخة‬
‫على الحكام مع عدم علمهم بنسخها‪ ،‬وعد المنسوخات التي ل يعلم نسخها‬
‫من المتشابهات فالمنسوخة أخص مطلقا من المتشابهة‪ .‬ولما كان المحكم‬
‫غير المتشابه‪ ،‬والناسخ غير المنسوخ ونقيض الخص أعم من نقيض‬
‫العم‪ ،‬غير السلوب في الفقرة الثانية فقال‪ " :‬والمحكمات من الناسخات‬
‫" للشارة إلى ذلك‪ ،‬وتسمية غير المنسوخ مطلقا ناسخا إما على التوسع‬
‫وإطلق لفظ الجزء على الكل‪ ،‬أو لكونها ناسخة للشرائع السالفة‪ ،‬أو‬
‫للباحة الصلية التي كانوا متمسكين بها قبلها‪ ،‬ويمكن حمل الناسخ على‬
‫معناه وحمل الكلم على القلب‪ ،‬بأن يكون الناسخ أيضا أخص من المحكم‪،‬‬
‫ول فساد فيه لعدم انحصار اليات حينئذ في الناسخة والمنسوخة‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫لما كان بعض المحكمات مقصور الحكم على الزمنة السابقة‪ ،‬منسوخا‬
‫بآيات اخر‪ ،‬ونسخها خافيا على أكثر الناس‪ ،‬فيزعمون بقاء حكمها صارت‬
‫متشابهة من هذه الجهة‪ ،‬ولهذا قال عليه السلم‪ " :‬فالمنسوخات من‬
‫المتشابهات " وفي بعض النسخ من المشتبهات‪ ،‬وإنما غير السلوب في‬
‫اختها لن المحكم أخص من الناسخ من وجه بخلف المتشابه‪ ،‬فانه أعم‬
‫من المنسوخ مطلقا انتهى‪ ،‬وفيه أن كون المتشابه أعم من مطلق المنسوخ‬
‫مطلقا لوجه له إل أن يخص بمنسوخ لم يعلم نسخه كما أومأنا إليه‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫الظاهر أن الفاء للتفسير لزيادة تفظيع حالهم بأنهم يتبعون المنسوخات‬
‫والمتشابهات‪ ،‬دون المحكمات والناسخات‪ ،‬لن المنسوخات من باب‬
‫المتشابهات في التشابه إذ يشتبه عليهم ثباتها وبقاؤها‪ ،‬والمحكمات من‬
‫قبيل الناسخات في الثبات والبقاء‪ ،‬فإذا اتبعوا المتشابهات اتبعوا‬
‫المنسوخات‪ ،‬لنهما من باب واحد‪ ،‬وإذا اتبعوا المنسوخات لم يتبعوا‬
‫الناسخات‪ ،‬وإذا لم يتبعوا الناسخات لم يتبعوا المحكمات‪ ،‬لنهما أيضا من‬
‫باب واحد‪.‬‬

‫]‪[95‬‬

‫قوله عليه السلم‪ " :‬إن ال عزوجل بعث نوحا " هذا شروع في المقصود‪،‬‬
‫وحاصله أن اليمان في بداية بعثة كل رسول كان مجرد التصديق بالتوحيد‬
‫والرسالة‪ ،‬ومن مات عليه حينئذ كان مؤمنا‪ ،‬ووجبت له الجنة‪ ،‬فلما‬
‫استجابوا لهم ذلك وكثرت أتباعهم وضعوا أعمال وشرائع‪ ،‬وأوجبوها‬
‫عليهم‪ ،‬وأوعدوا على تركها النار فصارت تلك العمال أجزاء لليمان‪.‬‬
‫فأول اولي العزم من النبياء كان نوحا عليه السلم فحين بعثه أمرهم أول‬
‫بالتوحيد والقرار بنبوته فقط‪ ،‬وكان ذلك اليمان‪ ،‬حيث قال في سورة‬
‫نوح‪ " :‬إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب‬
‫أليم * قال يا قوم إني لكم نذير مبين * أن اعبدوا ال " )‪ (1‬أي مخلصا من‬
‫غير شرك " واتقوه " أي اتقوا عذابه الذي قرره على الشرك " وأطيعون‬
‫" فيما آمركم به‪ ،‬وأذعنوا لنبوتي‪ ،‬فلم يذكر فيما أنذرهم به إل هذين‬
‫المرين " ثم دعاهم " أي ثم بعد ذلك استمر على هذه الدعوة زمانا طويل‬
‫فكانت دعوته منحصرة في التوحيد ونفي الشريك‪ ،‬وكان قبولهم ذلك منه‬
‫مستلزما للذعان بنبوته‪ " .‬ثم بعث النبياء " أي ثم بعث سائر اولي العزم‬
‫في أول بعثتهم على هذا المر فقط‪ ،‬إلى أن انتهت سلسلة اولي العزم‬
‫وسائر النبياء إلى محمد صلى ال عليه وآله فكان صلى ال عليه وآله في‬
‫أول بعثته بمكة يدعوهم إلى التوحيد وما يتبعه من القرار بالنبوة بل‬
‫المعاد أيضا فانه أيضا من المور التي نزلت اليات المشتملة على‬
‫التهديدات العظيمة فيها‪ ،‬قبل الهجرة‪ ،‬فالمراد جميع اصول الدين سوى‬
‫المامة‪ ،‬وذكر التوحيد على المثال أو على أن القرار به مستلزم للقرار‬
‫بسائر الصول ويؤيده قوله عليه السلم بعد ذلك " القرار بما جاء به من‬
‫عند ال "‪ .‬قوله عليه السلم‪ " :‬وقال " أي في سورة الشورى‪ ،‬وهي‬
‫مكية على ما ذكره المفسرون إل قوله " والذين استجابوا " " والذين إذا‬
‫أصابهم " إلى قوله " ل يحب الظالمين " )‪ (2‬عن الحسن‪ ،‬وعلى قول ابن‬
‫عباس وقتادة إل‪ .‬أربع آيات منها نزلت‬

‫)‪ (1‬نوح‪ (2) .3 - 10 :‬اليات ‪.40 - 38‬‬

‫]‪[96‬‬
‫بالمدينة " قل ل أسألكم عليه أجرا " إلى قوله " لهم عذاب شديد " )‪ (1‬وعلى‬
‫التقادير اليات المذكورة )‪ (2‬مكية‪ ،‬والستشهاد بالية لن الدين المشترك‬
‫بين جميع النبياء هي الصول الدينية التي ل تختلف باختلف الشرائع‪،‬‬
‫مع أن قوله سبحانه " كبر على المشركين ما تدعوهم إليه " يشعر بأن‬
‫الدين في ذلك الوقت كانت التوحيد ونفي الشرك مع القرار بالنبوة لقوله‬
‫تعالى " ال يجتبي "‪ .‬قال الطبرسي رحمه ال‪ " :‬شرع لكم من الدين ما‬
‫وصى به نوحا " أي بين لكم ونهج وأوضح من الدين والتوحيد والبراءة‬
‫من الشرك ما وصى به نوحا " والذي أوحينا إليك " أي وهو الذي أوحينا‬
‫إليك يا محمد " و " هو " ما وصينا به إبراهيم و موسى وعيسى " ثم‬
‫بين ذلك بقوله‪ " :‬أن أقيموا الدين " وإقامة الدين التمسك به والعمل‬
‫بموجبه‪ ،‬والدوام عليه‪ ،‬والدعاء إليه " ول تتفرقوا " أي ل تختلفوا " فيه‬
‫" وائتلفوا فيه واتفقوا وكونوا عباد ال إخوانا " كبر على المشركين ما‬
‫تدعوهم إليه " من توحيد ال والخلص له‪ ،‬ورفض الوثان‪ ،‬وترك دين‬
‫الباء لنهم قالوا‪ " :‬أجعل اللهة إلها واحدا " وقيل‪ :‬معناه ثقل عليهم‬
‫وعظم اختيارنا لك بما تدعوهم إليه‪ ،‬و تخصيصك بالوحي والنبوة دونهم "‬
‫ال يجتبي إليه من يشاء " أي ليس لهم الختيار لن ال يصطفي لرسالته‬
‫من يشاء على حسب ما يعلم من قيامه بأعباء الرسالة‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه‪ :‬ال‬
‫يصطفي من عباده لدينه من يشاء " ويهدي إليه من ينيب " أي ويرشد‬
‫إلى دينه من يقبل إلى طاعته‪ ،‬أو يهدي إلى جنته وثوابه من يرجع إليه‬
‫بالنية والخلص )‪ .(3‬قوله عليه السلم‪ " :‬فمن آمن مخلصا " أي بقلبه‬
‫ولسانه‪ ،‬دون لسانه فقط‪ ،‬ولم يخلطه بشرك " وذلك أن ال " كأنه إشارة‬
‫إلى إدخاله الجنة بمجرد الشهادة و القرار‪ ،‬وإن لم يعمل من الطاعات شيئا‬
‫ولم يترك سائر المحرمات‪ ،‬لنه كان‬

‫)‪ (1‬اليات‪ (2) .26 - 23 :‬يعنى اليات‪ (3) .14 - 13 :‬مجمع البيان ج ‪ 9‬ص ‪.24‬‬

‫]‪[97‬‬

‫بذلك مؤمنا في ذلك الزمان‪ ،‬وإدخال المؤمن النار ظلم " وذلك أن ال " المشار‬
‫إليه بذلك‪ ،‬إما عدم تعذيب من ترك العمل بالنار‪ ،‬أو أنه إن لم يدخله الجنة‬
‫وأدخله النار كان ظالما‪ .‬وهذا الكلم يحتمل وجهين أحدهما أن تكون‬
‫المعاصي التي نهي عنها في مكة من المكروهات‪ ،‬ويكون النهي عنها نهي‬
‫تنزيه‪ ،‬والطاعات التي امر بها فيها من المستحبات فالتعليل حينئذ ظاهر‬
‫لن التعذيب على ترك المستحبات‪ ،‬وفعل المكروهات في الخرة ظلم‪،‬‬
‫وثانيهما أن يكون النهي عن المعاصي نهي تحريم‪ ،‬و المر بالطاعات أمر‬
‫وجوب لكن لم يوعد على فعل المعاصي وترك الطاعات النار ولم يغلظ‬
‫فيهما وإنما أوعد النار على الشرك‪ ،‬والخلل بالعقائد‪ ،‬وإنكار النبوة‬
‫والمعاد‪ ،‬فهي كانت بمنزلة الفرائض والكبائر وغيرها بمنزلة الصغائر‬
‫وسائر الواجبات وقد أوجب ال تعالى على نفسه لسعة كرمه ورحمته أن ل‬
‫يؤاخذ مجتنب الكبائر بفعل الصغائر‪ ،‬فلو عذبهم بها كان ظلما من حيث‬
‫الخلل بما أوجب على نفسه من العفو عنهم‪ .‬أو يقال‪ :‬التعذيب بالنار مع‬
‫ترك اليعاد بها ظلم‪ ،‬أو يقال‪ :‬التعذيب بالنار العظيم الليم أبدا أو مدة‬
‫طويلة بمحض النهي من غير تهديد ووعيد وتغليظ‪ ،‬لسيما ممن كملت‬
‫قدرته‪ ،‬ووسعت رحمته ظلم‪ ،‬أو يقال‪ :‬اللطف على ال تعالى واجب وأعظم‬
‫اللطاف التهديد والوعيد بالنار‪ ،‬فتركه ظلم‪ ،‬أو يقال‪ :‬اطلق الظلم على‬
‫خلف الولى مجازا‪ ،‬والكل مبني على أن العمال والتروك التي هي أجزاء‬
‫اليمان إنما هي ما يستحق بتركه الدخول في النار‪ ،‬وفي مكة سوى العقائد‬
‫لم تكن كذلك ولما شرع في المدينة شرائع‪ ،‬وجعل فيها فرائض وكبائر‬
‫يستحق بترك الولى و فعل الثانية دخول النار‪ ،‬جعلتا من أجزاء اليمان‪" .‬‬
‫جعل لكل نبي " إشارة إلى قوله تعالى في المائدة وهي مدنية " لكل جعلنا‬
‫منكم شرعة ومنهاجا " قال البيضاوي‪ (1) :‬شرعة شريعة‪ ،‬وهي الطريقة‬
‫إلى الماء‬

‫)‪ (1‬تفسير البيضاوى ص ‪ 119‬والية في المائدة‪.51 :‬‬

‫]‪[98‬‬

‫شبه بها الدين لنه طريق إلى ما هو سبب الحياة البدية‪ ،‬وقرئ بفتح الشين "‬
‫ومنهاجا " وطريقا واضحا في الدين من نهج المر إذا وضح‪ ،‬واستدل به‬
‫على أنا غير متعبدين بالشرائع المتقدمة انتهى‪ .‬وقال الراغب‪ :‬الشرع نهج‬
‫الطريق الواضح يقال شرعت له طريقا‪ ،‬والشرع مصدر‪ ،‬ثم جعل اسما‬
‫للطريق النهج فقيل له شرع وشرعة وشريعة‪ ،‬واستعير ذلك للطريقة‬
‫اللهية من الدين قال تعالى‪ " :‬لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " )‪ (1‬فذلك‬
‫إشارة إلى أمرين أحدهما ما سخر ال تعالى عليه كل إنسان من طريق‬
‫يتحراه مما يعود إلى مصالح عباده وعمارة بلده‪ ،‬وذلك المشار إليه‬
‫بقوله‪ " :‬ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا "‬
‫)‪ (2‬الثاني ما قيض له من الدين وأمره به ليتحراه اختيارا مما يختلف فيه‬
‫الشرائع‪ ،‬ويعترضه النسخ‪ ،‬ودل عليه قوله " ثم جعلناك على شريعة من‬
‫المر فاتبعها " )‪ (3‬قال ابن عباس‪ :‬الشرعة ما ورد به القرآن‪ ،‬والمنهاج‬
‫ما ورد به السنة وقوله " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا " الية‬
‫فاشارة إلى الصول التي تتساوى فيها الملل ول يصح عليها النسخ‬
‫كمعرفة ال ونحو ذلك من نحو مادل عليه قوله " ومن يكفر بال وملئكته‬
‫وكتبه ورسله واليوم الخر " )‪ (4‬قال بعضهم‪ :‬سميت الشريعة شريعة‬
‫تشبيها بشريعة الماء‪ ،‬من حيث أن من شرع فيها على الحقيقة‬
‫]المصدوقة[ روي وتطهر قال‪ :‬وأعني بالري ما قال بعض الحكماء‪ :‬كنت‬
‫أشرب فل أروى‪ ،‬فلما عرفت ال رويت بل شرب‪ ،‬وبالتطهر ما قال تعالى‪:‬‬
‫" إنما يريد ال ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " )‪(5‬‬
‫انتهى‪ .‬والشرعة والمنهاج متقاربان في المعنى كما أن اللفظين اللذين‬
‫فسرهما عليه السلم بهما أيضا متقاربان‪ ،‬فيحتمل أن يكونا تفسرين لكل‬
‫منهما أو يكون‬

‫)‪ (1‬المائدة‪ (2) .51 :‬الزخرف‪ (3) .32 :‬الجاثية‪ (4) .18 :‬النساء‪(5) .136 :‬‬
‫مفردات غريب القرآن ص ‪.258‬‬

‫]‪[99‬‬

‫على اللف والنشر‪ ،‬فعلى الول اطلق على أعمال الدين وأحكامه الشرعة‪ ،‬ليصالها‬
‫العامل بها إلى الحياة البدية والتطهر من الدناس الردية‪ ،‬والمنهاج لنها‬
‫كالطريق الواضح الموصل إلى المقصود من الجنة الباقية‪ ،‬والدرجات‬
‫العالية‪ ،‬وعلى الثاني المراد بالول الواجبات‪ ،‬وبالثاني المستحبات ولذا‬
‫عبر عليه السلم عن الثاني بالسنة أو بالول العبادات‪ ،‬وبالثاني سائر‬
‫الحكام‪ ،‬والوجه الول أوفق بقوله " وكان من السبيل والسنة " وإن‬
‫أمكن أن يكون المراد من مجموعهما وإن كان من أحدهما‪ .‬قال الطبرسي‬
‫رحمه ال‪ :‬الشرعة والشريعة واحدة‪ ،‬وهي الطريقة الظاهرة والشريعة‬
‫هي الطريقة التي يوصل منه إلى الماء الذي فيه الحياة‪ ،‬فقيل الشريعة في‬
‫الدين للطريق الذي يوصل منه إلى الحياة في النعيم‪ ،‬وهي المور التي يعبد‬
‫ال بها من جهة السمع‪ ،‬والصل فيه الظهور‪ ،‬والمنهاج الطريق المستمر‪،‬‬
‫يقال‪ :‬طريق نهج ومنهج أي بين‪ ،‬وقال المبرد‪ :‬الشرعة ابتداء الطريق‪،‬‬
‫والمنهاج الطريق المستقيم‪ ،‬قال‪ :‬وهذه اللفاظ إذا تكررت فلزيادة فائدة‬
‫فيه‪ ،‬وقد جاء أيضا لمعنى واحد كقول الشاعر أقوى وأقفر )‪ (1‬وهما‬
‫بمعنى انتهى )‪ .(2‬قوله " أن جعل عليهم السبت " قال الراغب‪ :‬أصل‬
‫السبت قطع العمل‪ ،‬ومنه سبت السير أي قطعه‪ ،‬وسبت شعره حلقه‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫سمي يوم السبت لن ال تعالى ابتدأ بخلق السماوات والرض يوم الحد‬
‫فخلقها في ستة أيام كما ذكره‪ ،‬فقطع عملة يوم السبت‪ ،‬فسمي بذلك‪،‬‬
‫وسبت فلن صار في السبت‪ ،‬وقوله عزوجل‪ " :‬يوم سبتهم " قيل‪ :‬يوم‬
‫قطعهم للعمل " ويوم ل يسبتون " قيل‪ :‬معناه ل يقطعون العمل وقيل‪ :‬يوم‬
‫ل يكونون في السبت‪ ،‬وكلهما إشارة إلى حالة واحدة‪ ،‬وقوله‪ " :‬إنما جعل‬
‫السبت " أي ترك العمل فيه انتهى )‪.(3‬‬
‫)‪ (1‬نصه‪ :‬حييت من طلل تقادم عهده * أقوى وأقفر بعد أم الهيثم )‪ (2‬راجع مجمع‬
‫البيان ج ‪ 3‬ص ‪ (3) .202‬مفردات غريب القرآن ص ‪ ،220‬واليات في‬
‫العراف‪ ،163 :‬النحل‪.124 :‬‬

‫]‪[100‬‬

‫قوله عليه السلم‪ " :‬ولم يستحل " الظاهر أن المراد بالستحلل هنا الجرأة على‬
‫ال‪ ،‬وانتهاك ما حرم ال فكأنه عده حلل‪ ،‬لقوله بعد ذلك " ول شكوا في‬
‫شئ مما جاء به موسى " وما قيل‪ :‬دل على أن مخالفة الحكام كفر يوجب‬
‫دخول النار مع الستحلل‪ ،‬والظاهر أنه ل خلف فيه بين المة‪ ،‬وما ذلك‬
‫إل لن القرار بها والعمل بها داخلن في اليمان‪ ،‬وإذا كان كذلك كان‬
‫تاركها وإن لم يستحل كافرا يعذب بالنار أيضا فل يخفى وهنه‪ " .‬حيث‬
‫استحلوا الحيتان " أي استحلوا صيدها أو أكلها أو حبسها أيضا‪ ،‬وقوله "‬
‫يوم السبت " ظرف لكل من " احتبسوها " و " أكلوها " أو لستحلوا‪،‬‬
‫أيضا أي استحلوا أول حبسها يوم السبت‪ ،‬ثم استحلوا صيدها وأكلها فيه‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬يوم السبت ظرف لحتبسوها ل لكلوها أي احتبسوها يوم السبت في‬
‫مضيق بسد الطريق عليها ثم اصطادوها يوم الحذ وأكلوها‪ ،‬فعلوا ذلك‬
‫حيلة ولم تنفعهم‪ ،‬لن احتباسها فيه هتك لحرمته‪ ،‬فخرجوا بذلك من‬
‫اليمان إلى الكفر‪ ،‬ولذلك غضب ال عليهم من غير أن يشركوا بالرحمان‪،‬‬
‫وأن يشكوا في رسالة موسى وما جاء به‪ ،‬ولذلك لم يصطادوا يوم السبت‪،‬‬
‫فعلم أن اليمان ليس مجرد التصديق‪ ،‬بل هو مع العمل لن المؤمن ل‬
‫يغضب ول يدخل النار‪ ،‬وفيه شئ لن استحللهم الحيتان ينافي ظاهرا عدم‬
‫شكهم بما جاء به موسى‪ ،‬ويمكن دفعه بأن ما جاء به موسى تحريم‬
‫الحيتان يوم السبت وهم استحلوها يوم الحد‪ ،‬ولحق بهم ما لحق بسبب‬
‫احتباسهم يوم السبت انتهى‪ .‬وأقول‪ :‬قد عرفت معنى الستحلل‪ ،‬وهو‬
‫معنى شائع في المحاورات فل يرد ما أورده‪ ،‬وأما الجواب الذي ذكره فهو‬
‫أيضا ل يسمن ول يغنى من جوع‪ ،‬لن الحتباس إذا لم يكن منهيا عنه‪،‬‬
‫فكيف عذبوا عليه‪ ،‬وإن كان داخل فيما نهوا عنه عاد الشكال‪ ،‬مع أن‬
‫ظاهر أكثر الروايات المعتبرة أنهم بعد تلك الحيلة تعدى أكثرهم إلى الصيد‬
‫والكل يوم السبت فاعتزلت طائفة منهم فلم يمسخوا وبقيت طائفة منهم‬
‫فمسخوا أيضا‪ ،‬لتركهم النهي عن المنكر‪ ،‬وإن اختلف المفسرون‬

‫]‪[101‬‬

‫في ذلك‪ .‬قال في مجمع البيان‪ :‬اختلف في أنهم كيف اصطادوا ؟ فقيل‪ :‬إنهم ألقوا‬
‫الشبكة في الماء يوم السبت حتى كان يقع فيها السمك‪ ،‬ثم كانوا ل‬
‫يخرجون الشبكة من الماء إلى يوم الحد‪ ،‬وهذا السبب محظور‪ ،‬وفي‬
‫رواية ابن عباس اتخذوا الحياض فكانوا يسوقون الحيتان إليها‪ ،‬ول‬
‫يمكنها الخروج منها‪ ،‬فيأخذونها يوم الحد‪ ،‬وقيل‪ :‬إنهم اصطادوها‬
‫وتناولوها باليد يوم السبت عن الحسن )‪ " .(1‬ولقد علمتم الذين اعتدوا‬
‫منكم في السبت " )‪ (2‬قال البيضاوي‪ :‬السبت مصدر سبتت اليهود إذا‬
‫عظمت يوم السبت‪ ،‬وأصله القطع‪ ،‬امروا أن يجردوه للعبادة‪ ،‬فاعتدى فيه‬
‫ناس منهم في زمن داود عليه السلم واشتغلوا بالصيد وذلك أنهم كانوا‬
‫يسكنون قرية على الساحل يقال لها‪ :‬أيلة‪ ،‬وإذا كان يوم السبت لم يبق‬
‫حوت في البحر إل حضر هناك وأخرج خرطومه‪ ،‬وإذا مضى تفرقت‪،‬‬
‫فحفروا حياضا و شرعوا إليها الجداول‪ ،‬وكانت الحيتان تدخلها يوم السبت‬
‫فيصطادونها يوم الحد " فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين " جامعين بين‬
‫صورة القردة والخسوء‪ ،‬وهو الصغار والطرد‪ ،‬قال مجاهد‪ :‬ما مسخت‬
‫صورهم ولكن قلوبهم فمثلوا بالقردة كما مثلوا بالحمار في قوله " كمثل‬
‫الحمار يحمل أسفارا " )‪ (3‬وقوله‪ " :‬كونوا " ليس بأمر‪ ،‬إذ ل قدرة لهم‬
‫عليه‪ ،‬وإنما المراد به سرعة التكوين وأنهم صاروا كذلك كما أراد بهم‬
‫انتهى‪ .‬قوله عليه السلم‪ " :‬فهدمت " أي الشرعة والمنهاج أيضا لكونه‬
‫بمعنى الطريق يجوز فيه التأنيث‪ ،‬ويمكن أن يقرأ على بناء المجهول‬
‫باضمار السنة في السبت‪ ،‬و قوله " أن يعظموه " بدل اشتمال للضمير‪ ،‬و‬
‫" عامة " عطف على السبت " سبيل عيسى " أي شرائعه المختصة به‪،‬‬
‫قوله عليه السلم " وإن كان الذي جاء به النبيون " أي هدمت‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 4‬ص ‪ (2) .491‬البقرة‪ ،62 :‬راجع البيضاوي ‪(3) .32‬‬
‫الجمعة‪.5 :‬‬

‫]‪[102‬‬

‫شريعة عيسى عامة ما كانوا عليه‪ ،‬وإن كان الذي جاء به النبيون من التوحيد‬
‫وسائر الصول باقيا لم يتغير‪ ،‬أو المعنى أدخله ال النار وإن كان منه‬
‫القرار بما جاء به النبيون وهو التوحيد ونفي الشرك‪ ،‬وقوله " أن ل‬
‫يشركوا " عطف بيان أو بدل للموصول‪ ،‬وعلى الوجهين يحتمل كون كان‬
‫تامة وناقصة‪ ،‬وقيل‪ :‬الموصول اسم كان وأن ل يشركوا خبره‪ ،‬وله أيضا‬
‫وجه وإن كان بعيدا‪ .‬قوله عليه السلم‪ " :‬عشر سنين " أقول‪ :‬هذا مخالف‬
‫لما مر في تاريخ النبي صلى ال عليه وآله ولما هو المشهور من أنه صلى‬
‫ال عليه وآله أقام بعد البعثة بمكة ثلث عشرة سنة فقيل‪ :‬هو مبني على‬
‫إسقاط الكسور بين العددين وهو بعيد في مثل هذا الكسر والذي سنح لي‬
‫أنه مبني على ما يظهر من الخبار أنه لما نزل " وأنذر عشيرتك القربين‬
‫" )‪ (1‬وكان أول بعثته دعا بني عبد المطلب وأظهر لهم رسالته‪ ،‬ودعاهم‬
‫إلى بيعته‪ ،‬واليمان به‪ ،‬فلم يؤمن به إل علي عليه السلم ثم خديجة رضي‬
‫ال عنها‪ ،‬ثم جعفر رضي ال عنه‪ ،‬وكان على ذلك ثلث سنين حتى نزل "‬
‫فاصدع بما تؤمر و أعرض عن المشركين " )‪ (2‬فدعا الناس إلى السلم‬
‫فلذا لم يعد عليه السلم تلك الثلث سنين من أيام البعثة لنها لم تكن بعثة‬
‫عامة مؤكدة‪ ،‬وقد مرت الخبار في المجلد الثالث )‪ (3‬في ذلك ويحتمل أن‬
‫يكون مبنيا على إسقاط سني الهجرة إلى شعب أبي طالب أو إسقاط الثلث‬
‫سنين بعد وفاة أبي طالب رضي ال عنه لعدم تمكنه في هاتين المدتين من‬
‫التبليغ كما ينبغي‪ ،‬لكنهما بعيدان‪ ،‬والظهر ما ذكرنا أول‪ .‬قوله عليه‬
‫السلم‪ " :‬يشهد أن ل إله إل ال " الظاهر أن المراد به الشهادة القلبية‬
‫بالتوحيد والرسالة وما يلزمهما فقط‪ ،‬أو مع القرار باللسان أو عدم النكار‬
‫الظاهري ل مجرد القرار باللسان‪ ،‬بقرينة قوله " وهو إيمان التصديق "‬
‫وقد عرفت أن اليمان الظاهري فقط ل ينفع في الخرة وإن احتمل التعميم‬
‫ويكون قوله " إل من أشرك بالرحمن " أي قلبا استثناء منه فيرجع إلى ما‬
‫ذكرنا أول‪ ،‬وعلى الول‬

‫)‪ (1‬الشعراء‪ (2) .214 :‬الحجر‪ (3) .94 :‬يعنى كتاب المرآت‪(*) .‬‬

‫]‪[103‬‬

‫يكون الستثناء منقطعا‪ ،‬وعلى التقديرين يكون المراد بقوله " وهو إيمان التصديق‬
‫" أنه اليمان بمعنى التصديق فقط‪ ،‬ول يدخل فيه العمال ل شرطا ول‬
‫شطرا‪ ،‬وإن كانت سببا لكماله‪ ،‬بخلف اليمان بعد الهجرة‪ ،‬فان العمال قد‬
‫دخلت فيه على أحد الوجهين‪ ،‬وذلك لنهم لم يكلفوا بعد إل بالشهادتين‬
‫فحسب‪ ،‬وإنما نهوا عن أشياء نهي أدب وعظة وتخفيف‪ ،‬ثم نسخ ذلك‬
‫بالتغليظ في الكبائر‪ ،‬والتواعد عليها‪ ،‬ولم يكن التغليظ والتواعد يومئذ إل‬
‫في الشرك خاصة‪ ،‬فلما جاء التغليظ واليعاد بالنار في الكبائر ثبت الكفر‬
‫والعذاب بالمخالفة فيها‪ " .‬وتصديق ذلك " أي دليل ما ذكرنا من التفاوت‬
‫في التكاليف‪ ،‬ومعنى اليمان قبل الهجرة وبعدها‪ ،‬وقال الفاضل‬
‫السترابادي‪ :‬بيان لول الواجبات على المكلفين‪ ،‬وأن تكاليف ال تعالى‬
‫ينزل على التدريج‪ ،‬وفي كتاب الطعمة من تهذيب الحكام أحاديث صريحة‬
‫في التدريج في التكاليف انتهى‪ .‬ولنذكر تفسير اليات التي اسقطت‬
‫اختصارا إما من المام عليه السلم أو من الراوي قال تعالى قبل تلك‬
‫اليات‪ " (1) :‬ل تجعل مع ال إلها آخر فتقعد مذموما مخذول " ثم قال‪" :‬‬
‫وقضى ربك " قيل أي أمر أمرا مقطوعا به " أن ل تعبدوا إل إياه " لن‬
‫غاية التعظيم ل تحق إل لمن له غاية العظمة ونهاية النعام‪ " ،‬وبالوالدين‬
‫إحسانا " أي بأن تحسنوا أو أحسنوا بالوالدين إحسانا لنهما السبب‬
‫الظاهر للوجود والتعيش " إما يبلغن " " إما " إن الشرطية‪ ،‬زيدت عليها‬
‫ما للتأكيد " عندك الكبر " في كنفك وكفالتك " أحدهما أو كلهما فل تقل‬
‫لهما اف " إن أضجراك " ول تنهرهما " أي ول تزجرهما إن ضرباك "‬
‫وقل لهما قول كريما " أي حسنا جميل " واخفض لهما جناح الذل " أي‬
‫تذلل لهما وتواضع " من الرحمة " أي من فرط رحمتك عليهما " وقل‬
‫رب ارحمهما كما ربياني صغيرا " جزاء لرحمتهما علي وتربيتهما‬
‫وإرشادهما لي في صغري‪ " .‬ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا‬
‫صالحين فانه كان للوابين غفورا "‬

‫)‪ (1‬أسرى‪.25 - 22 :‬‬

‫]‪[104‬‬

‫عن الصادق عليه السلم الوابون التوابون المتعبدون )‪ " (1‬وآت ذا القربى حقه‬
‫والمسكين وابن السبيل ول تبذر تبذيرا " وهو صرف المال فيمال ينبغي‬
‫وإنفاقه على وجه السراف " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " أي‬
‫أمثالهم " وكان الشيطان لربه كفورا " أي مبالغا في الكفر " وإما تعرضن‬
‫عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قول ميسورا * ول تجعل يدك‬
‫مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل البسط فتقعد ملوما " أي فتصير ملوما‬
‫عند ال وعند الناس بالسراف وسوء التدبير " محسورا " أي نادما أو‬
‫منقطعا بك ل شئ عندك " إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر " أي‬
‫يوسعه ويضيقه بمشيته التابعة للحكمة " إنه كان بعباده خبيرا بصيرا "‬
‫يعلم سرهم وعلنيتهم‪ .‬قوله " أدب وعظة " أي كلما ذكر في تلك اليات‬
‫سوى صدر الولى وهو قوله " وقضى ربك أن ل تعبدوا إل إياه " تأديب‬
‫وموعظة‪ ،‬وهذا مبني على أن قوله " وبالوالدين " بتقدير " وأحسنوا "‬
‫عطفا على جملة " قضى ربك " لن فيها تأكيدا وتهديدا في الجملة‬
‫ويحتمل أن يكون المراد جميعها‪ ،‬لكن وقع التهديد على الشرك فيما مر‬
‫وفيما سيأتي من اليات كقوله " ول تجعل مع ال إلها آخر "‪ .‬فان قيل‪:‬‬
‫قوله " وآت ذى القربى حقه " إلى قوله " كفورا " فيه وعيد و تهديد‪،‬‬
‫قلنا ليس محض كونهم إخوان الشياطين تهديدا ووعيدا صريحا بالنار‪ ،‬بل‬
‫قيل قوله " كانوا " يدل على أن في أواخر شرائع ساير اولي العزم كانت‬
‫كذلك فل يدل صريحا على أن في تلك الشريعة أيضا كذلك‪ ،‬والجتراح‬
‫الكتساب‪ " .‬ول تقتلوا أولدكم خشية إملق " قيل أي مخافة الفاقة‬
‫وقتلهم أولدهم وأدهم بناتهم مخافة الفقر فنهاهم عنه‪ ،‬وضمن لهم‬
‫أرزاقهم فقال " نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا " أي ذنبا‬
‫كبيرا لما فيه من قطع التناسل وانقطاع النوع والخطأ الثم‪ ،‬يقال خطا خطأ‬
‫كأثم إثما‪ ،‬وقرأ ابن عامر خطأ بالتحريك‪ ،‬وهو اسم من أخطأ يضاد الثواب‪،‬‬
‫وقيل لغة فيه كمثل ومثل وحذر وحذر‪ ،‬وقرأ ابن كثير‬

‫)‪ (1‬راجع تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص ‪ ،286‬عن أبى بصير‪.‬‬

‫]‪[105‬‬

‫خطاء بالمد والكسر‪ ،‬وهو إما لغة أو مصدر خاطأ وقرئ خطاء بالفتح والمد وخطا‬
‫بحذف الهمزة مفتوحا ومكسورا‪ ،‬وعلى التقادير ليس فيه تصريح بكونه‬
‫ذنبا ول ترتب العقوبة عليه‪ " .‬ول تقربوا الزنا " بالقصد وإتيان المقدمات‬
‫فضل أن تباشروه " إنه كان فاحشة " فعلة ظاهرة القبح زائدته " وساء‬
‫سبيل " أي وبئس طريقا طريقه‪ ،‬وهو الغصب على البضاع المؤدي إلى‬
‫قطع النساب وهيج الفتن " ول تقتلوا النفس التي حرم ال إل بالحق "‬
‫قيل أي إل باحدى ثلث خصال‪ :‬كفر بعد إيمان‪ ،‬وزنا بعد إحصان وقتل‬
‫مؤمن معصوم عمدا " ومن قتل مظلوما " غير مستوجب للقتل " فقد‬
‫جعلنا لوليه " للذي يلي أمره بعد وفاته‪ ،‬وهو الوارث " سلطانا " أي‬
‫تسلطا بالمؤاخذة بمقتضى القتل " فل يسرف " أي القاتل في القتل بأن‬
‫يقتل من ل يحق قتله‪ ،‬فان العاقل ل يفعل ما يعود عليه بالهلك أو الولي‬
‫بالمثلة أو قتل غير القاتل " إنه كان منصورا " علة النهي على‬
‫الستيناف‪ ،‬والضمير إما للمقتول‪ ،‬فانه منصور في الدنيا بثبوت القصاص‬
‫بقتله‪ ،‬وفي الخرة بالثواب‪ ،‬وإما لوليه فان ال نصره حيث أوجب‬
‫القصاص له‪ ،‬و أمر الولة بمعونته‪ ،‬وإما للذي يقتله الولي إسرافا بايجاب‬
‫القصاص والتعزير‪ ،‬و الوزر على المسرف‪ " .‬ول تقربوا مال اليتيم "‬
‫فضل أن تتصرفوا فيه " إل بالتي هي أحسن " أي إل بالطريقة التي هي‬
‫أحسن " حتى يبلغ أشده " غاية لجواز التصرف الذي يدل عليه الستثناء‬
‫" وأوفوا بالعهد " بما عاهدكم ال من تكاليفه‪ ،‬أوما عاهدتموه و غيره "‬
‫إن العهد كان مسئول " مطلوبا يطلب من المعاهد أن ل يضيعه ويفي به‪،‬‬
‫أو مسؤل عنه يسأل الناكث ويعاتب عليه‪ ،‬أو يسأل العهد لم نكثت تبكيتا‬
‫للناكث كما يقال للموؤدة " بأي ذنب قتلت " ويجوز أن يراد أن صاحب‬
‫العهد كان مسئول " وأوفوا الكيل إذا كلتم " ول تبخسوا فيه " وزنوا‬
‫بالقسطاس المستقيم " بالميزان السوي وهو رومي عرب وقرأ حمزة‬
‫والكسائي وحفص بكسر القاف )‪ " (1‬ذلك خير‬

‫)‪ (1‬يعنى وقرأ الباقون بضمها‪.‬‬


‫]‪[106‬‬

‫وأحسن تأويل " أي وأحسن عاقبة‪ ،‬تفعيل من آل إذا رجع‪ " .‬ول تقف " ول تتبع‬
‫" ما ليس لك به علم " ما لم يتعلق به علمك‪ ،‬تقليدا أو رجما بالغيب‪ ،‬قيل‪:‬‬
‫واحتج به من منع من اتباع الظن‪ ،‬وجوابه أن المراد بالعلم هو العتقاد‬
‫الراجح المستفاد من سند سواء كان قطعا أو ظنا واستعماله بهذا المعنى‬
‫شائع‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه مخصوص بالعقائد‪ ،‬وقيل‪ :‬بالرمي وشهادة الزور " إن‬
‫السمع والبصر والفؤاد كل اولئك " أي كل هذه العضاء فأجراها مجرى‬
‫العقلء لما كانت مسؤلة عن أحوالها شاهدة على صاحبها‪ ،‬هذا وإن اولء‬
‫وإن غلب على العقلء لكنه من حيث إنه اسم جمع لذا‪ ،‬وهو يعم القبيلين‬
‫جاء لغيرهم‪ ،‬كقوله‪ :‬والعيش بعد اولئك اليام )‪ " (1‬كان عنه مسئول "‬
‫في ثلثتها ضمير كل‪ ،‬أي كان كل واحد منها مسئول عن نفسه‪ ،‬يعني عما‬
‫فعل به صاحبه‪ ،‬ويجوز أن يكون الضمير في " عنه " لمصدر " ول تقف‬
‫" أو لصاحب السمع والبصر‪ .‬وقيل " مسئول " مسند إلى " عنه "‬
‫كقوله " غير المغضوب عليهم " والمعنى يسأل صاحبه عنه‪ ،‬وهو خطاء‬
‫لن الفاعل وما يقوم مقامه ل يتقدم‪ ،‬وقيل‪ :‬المراد بسؤال الجوارح إما‬
‫سؤال نفسها‪ ،‬أو سؤال أصحابها‪ ،‬كما يظهر من " اولئك " أو جعلت‬
‫بمنزلة ذوي العقول‪ ،‬أو هم ذوو العقول مع ال تعالى‪ " .‬ول تمش في‬
‫الرض مرحا " أي ذا مرح وهو الختيال‪ ،‬وفي القاموس المرح شدة‬
‫الفرح والنشاط " إنك لن تخرق الرض " لن تجعل فيها خرقا بشدة‬
‫وطأتك " ولن تبلغ الجبال طول " بتطاولك ومد عنقك‪ ،‬وهوتهكم بالمختال‪،‬‬
‫وتعليل للنهي بأن الختيال حماقة مجردة ل تعود بجدوى ليس في التذلل "‬
‫كل ذلك كان سيئه " قيل‪ :‬يعني المنهي عنه‪ ،‬فان المذكور مأمورات‬
‫ومناهي‪ ،‬وقرأ الحجازيان والبصريان )‪ " (2‬سيئة " على أنها خبر كان‪،‬‬
‫والسم ضمير " كل " و " ذلك " إشارة إلى‬

‫)‪ (1‬عجز بيت صدره‪ :‬ذم المنازل بعد منزلة اللوى‪ ،‬راجع الصحاح ج ‪ 6‬ص‬
‫‪ (2) .2544‬الحجازيان‪ :‬عبد ال بن كثير المكى‪ ،‬ونافع بن عبد الرحمان‬
‫المدنى‪ ،‬والبصريان‪ :‬أحدهما أبو عمرو بن العلء‪ ،‬من السبعة‪ ،‬والثانى‬
‫يعقوب من غيرهم‪.‬‬

‫]‪[107‬‬

‫ما نهي عنه خاصة‪ ،‬وعلى هذا قوله " عند ربك مكروها " بدل من سيئة أو صفة‬
‫لها محمولة على المعنى‪ " .‬ذلك " إشارة إلى الحكام المتقدمة " مما‬
‫أوحى إليك ربك من الحكمة " التي هي معرفة الحق لذاته والخير للعمل به‬
‫" ول تجعل مع ال إلها آخر " كرره للتنبيه على أن التوحيد مبدأ المر‬
‫ومنتهاه‪ ،‬ورأس الحكمة وملكها " ملوما " تلوم نفسك " مدحورا "‬
‫مطرودا مبعدا من رحمة ال‪ .‬وأقول‪ :‬هذا شروع في ذكر اليات التي نزلت‬
‫بمكة مشتملة على الوعيد بالنار والتهديد في الشرك ونحوه‪ ،‬بخلف ما‬
‫ورد في غيره مما مضى‪ ،‬فان كونه " خطأ كبيرا " و " فاحشة " و "‬
‫مسئول " و " مسئول عنه " و " مكروها " ليس في شئ منها تصريح‬
‫بالعذاب والنكال الخروي‪ ،‬ول يحتاج إلى ما يتكلف بأن " كان خطأ " و "‬
‫كان فاحشة " و " كان مسئول " و " كان عنه مسئول " و " كان سيئة‬
‫عند ربك مكروها " محمولة على أنها كانت في أواخر المم السابقة كذلك‪،‬‬
‫وستصير في هذه المة أيضا بعد ذلك كذلك فانه في غاية البعد‪ ،‬وزيادة "‬
‫كان " في هذه المقامات كثيرة في الذكر الحميد‪ ،‬كقوله " وكان ربك قديرا‬
‫" و " كان غفورا رحيما " بل الوجه ما ذكرنا فتفطن‪ " .‬نارا تلظى " أي‬
‫تتلهب " ل يصليها " أي ل يلزمها مقاسيا شدتها " إل الشقى " قيل‪ :‬أي‬
‫إل الكافر‪ ،‬فان الفاسق وإن دخلها لم يلزمها‪ ،‬ولكن سماه " أشقى "‬
‫ووصفه بقوله " الذي كذب وتولى " أي كذب بالحق وأعرض عن الطاعة‬
‫كذا ذكره البيضاوي )‪ (1‬وقال في قوله تعالى بعد ذلك " وسيجنبها التقى‬
‫"‪ :‬أي الذي اتقى الشرك والمعاصي فانه ل يدخلها فضل أن يدخلها‬
‫ويصلها‪ ،‬ومفهوم ذلك أن من اتقى الشرك دون المعصية ل يجنبها ول‬
‫يلزم ذلك صليها فل يخالف الحصر السابق انتهى‪ .‬وقال الطبرسي رحمه‬
‫ال " ل يصليها " أي ل يدخل تلك النار ول يلزمها " إل‬

‫)‪ (1‬أنوار التنزيل ص ‪ ،463‬والية في سورة الليل‪.21 - 14 :‬‬

‫]‪[108‬‬

‫الشقى " وهو الكافر بال " الذي كذب " بآيات ال ورسله " وتولى " أي أعرض‬
‫عن اليمان " وسيجنبها " أي سيجنب النار ويجعل منها على جانب "‬
‫التقى " المبالغ في التقوى " الذي يؤتي ماله " أي ينفقه في سبيل ال "‬
‫يتزكى " أي يكون عند ال زكيا ل يطلب بذلك رئاء ول سمعة‪ .‬قال القاضي‬
‫قوله‪ " :‬ل يصليها " الية ل يدل على أنه تعالى ل يدخل النار إل الكافر‬
‫على ما تقوله الخوارج وبعض المرجئة‪ ،‬وذلك لنه نكر النار المذكورة ولم‬
‫يعرفها فالمراد بذلك أن نارا من جملة النيران ل يصليها إل من هذه حاله‪،‬‬
‫والنيران دركات على ما بينه سبحانه في سورة النساء في شأن المنافقين‬
‫)‪ (1‬فمن أين عرف أن غير هذه النار ل يصليها قوم آخرون‪ ،‬وبعد فان‬
‫الظاهر من الية يوجب أن ل يدخل النار إل من كذب وتولى وجمع بين‬
‫المرين‪ ،‬فلبد للقوم من القول بخلفه لنهم يوجبون النار لمن يتولى عن‬
‫كثير من الواجبات وإن لم يكذب‪ ،‬وقيل‪ :‬إن التقى والشقى المراد بهما‬
‫التقي والشقي )‪ (2‬انتهى‪ .‬ثم اعلم أنه عليه السلم استدل باليات الول‬
‫على أن وعيد النار في مكة إنما كان على الكفار‪ ،‬لنه سبحانه حصر‬
‫الصلي بالنار على الشقى الذي كذب الرسول وتولى عن قبول قوله في‬
‫التوحيد أو العم‪ ،‬ومن كذب الرسول وأعرض عما جاء به كافر مشرك‪،‬‬
‫فظهر أنه لم يكن يومئذ يستحق النار غير المشركين والكفار من الفساق‪،‬‬
‫وإليه أشار عليه السلم بقوله " فهذا مشرك " وهذا وجه حسن واستدلل‬
‫متين‪ ،‬لكن كيف يستقيم على هذا اليات التالية وهي قوله " وسيجنبها‬
‫التقى " الخ فانها تدل على أن غير التقى ل يجنب النار‪ .‬ويمكن الجواب‬
‫عنه بوجوه‪ :‬الول أن المضارع في قوله تعالى‪ " :‬ل يصليها " للحال‪،‬‬
‫واستعمل الصلي في‬

‫)‪ (1‬كانه يريد قوله تعالى‪ " :‬ان المنافقين في الدرك السفل من النار ولن تجد لهم‬
‫نصيرا " النساء‪ (2) .144 :‬مجمع البيان ج ‪ 10‬ص ‪.502‬‬

‫]‪[109‬‬

‫سببه مجازا أي الحكم في الحال قبل الهجرة أنه ل يدخلها إل المشرك وفي قوله‪" :‬‬
‫سيجنبها " للستقبال القريب إخبارا عن التكاليف المدنية‪ ،‬بعد دخول‬
‫العمال في اليمان‪ ،‬فل تنافي بينهما‪ ،‬وتكون اليات جمع دالة على‬
‫الحكمين صريحا‪ .‬الثاني أن يقال إن اليات التالية نزلت بالمدينة كما روى‬
‫في تفسير علي بن إبراهيم إنها نزلت في أبي الدحداح بالمدينة لكن ظاهر‬
‫الرواية أن اليات الول أيضا نزلت بالمدينة‪ ،‬الثالث أن يقال إن اليات‬
‫الخيرة وإن كانت دالة على عدم تجنب الفساق النار‪ ،‬لكنها دللة ضعيفة‬
‫بالمفهوم‪ ،‬فما يدل صريحا على دخول النار إنما هو في الكفار‪ ،‬وما يدل‬
‫على حكم الفجار فليس فيه وعيد صريح‪ ،‬و تهديد عظيم‪ ،‬بل يدل دللة‬
‫ضيعفة على عدم الحكم بأنهم ل يدخلونها‪ ،‬لسيما مع الحصر المتقدم‪،‬‬
‫ولعل السر في هذا الجمال عدم اجترائهم على المعاصي‪ " .‬وأما من اوتي‬
‫كتابه وراء ظهره " )‪ (1‬أي يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره قيل‪ :‬يغل‬
‫يمناه إلى عنقه ويجعل يسراه وراء ظهره " فسوف يدعوا ثبورا " أي‬
‫يتمنى الثبور‪ ،‬ويقول‪ :‬واثبوراه‪ ،‬وهو الهلك " ويصلى سعيرا " أي نارا‬
‫مسعرة " إنه كان في أهله " أي في الدنيا " مسرورا " بطرا بالمال‬
‫والجاه فارغا عن ذكر الخرة " إنه ظن أن لن يحور " أي لن يرجع بعد‬
‫أن يموت " بلى " يرجع " إن ربه كان به بصيرا " أي عالما بأعماله‪ ،‬فل‬
‫يهمله بل يرجعه ويجازيه‪ " ،‬فهذا مشرك " لنه أنكر البعث وإنكاره كفر‪،‬‬
‫أو كان ل ينكره حينئذ إل المشركون‪ " .‬كلما القي فيها فوج " )‪ (2‬أي‬
‫جماعة من الكفرة " سألهم خزنتها " أي خزنة جهنم " ألم يأتكم نذير "‬
‫يخوفكم هذا العذاب ؟ وهو توبيخ وتبكيت " قالوا بلى قد جائنا نذير فكذبنا‬
‫" أي الرسل وأفرطنا في التكذيب حتى نفينا النزال رأسا وبالغنا في‬
‫نسبتهم إلى الضلل‪ ،‬حيث قالوا بعد ذلك " إن أنتم إل في ضلل كبير "‬
‫فهؤلء مشركون لتكذبيهم بكتب ال ورسله‪.‬‬

‫)‪ (1‬النشقاق‪ (2) .10 :‬الملك‪.8 :‬‬

‫]‪[110‬‬

‫" وأما إن كان من المكذبين " )‪ (1‬بالبعث والرسل وآيات ال " الضالين " عن‬
‫الهدى الذاهبين عن الصواب والحق " فنزل من حميم " أي فنزلهم الذى‬
‫اعد لهم من الطعام والشراب من حميم جهنم " وتصلية جحيم " أي إدخال‬
‫نار عظيمة‪ ،‬فهولء مشركون‪ ،‬للتصريح بأنهم كانوا من المكذبين الضالين‪.‬‬
‫" وأما من اوتي كتابه بشماله )‪ (2‬فيقول " لما رأى من قبح العمل وسوء‬
‫العاقبة " يا ليتني لم اوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه " الهاء فيهما وفيما‬
‫بعدهما للسكت‪ :‬تثبت في الوقف وتسقط في الوصل‪ ،‬وقالوا استحب الوقف‬
‫لثباتها في المام )‪ (3‬ولذلك قرئ باثباتها في الوصل " يا ليتها " أي يا‬
‫ليت الموتة التي متها " كانت القاضية " أي القاطعة لمري فلم ابعث‬
‫بعدها‪ ،‬أو يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضيت علي‪ ،‬أو ياليت حياة‬
‫الدنيا كانت الموتة ولم اخلق حيا " ما أغنى عني ماليه " أي مالي من‬
‫المال والتبع أو " ما " نفي والمفعول محذوف أو استفهام إنكار مفعول‬
‫لغنى‪ ،‬وبعد ذلك " هلك عني سلطانيه " أي ملكي وتسلطي على الناس أو‬
‫حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا " خذوه " يقوله ال لخزنة جهنم "‬
‫فغلوه ثم الجحيم صلوه " أي ثم ل تصلوه إل الجحيم وهي النار العظمى‬
‫لنه كان يتعظم على الناس " ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه‬
‫" أي فأدخلوه فيها بأن تلقوه على جسده " إنه كان ل يؤمن بال العظيم "‬
‫فدل على أن هذا الوعيد بالنار لمن ل يؤمن بال من الكفار فهذا مشرك‪.‬‬
‫قوله " في طسم " أي في الشعراء " وبر زت الجحيم للغاوين " )‪(4‬‬
‫فيرونها مكشوفة ويتحسرون على أنهم المسوقون إليها " وقيل لهم أين‬
‫ما كنتم تعبدون من دون ال " أي أين آلهتكم الذين تزعمون أنهم شفعاؤكم‬
‫" هل ينصرونكم " بدفع العذاب عنكم " أو ينتصرون " بدفعه عن‬
‫أنفسهم‪ ،‬لنهم وآلهتهم يدخلون النار كما‬

‫)‪ (1‬الواقعة‪ (2) .92 :‬الحاقة‪ (3) .25 :‬يعنى مصحف عثمان‪ ،‬المسمى بامام‬
‫المصاحف‪ (4) .‬الشعراء‪.91 :‬‬
‫]‪[111‬‬

‫قال " فكبكبوا فيها هم والغاوون " أي اللهة وعبدتهم " والكبكبة " تكرير الكب‬
‫لتكرير معناه‪ ،‬كأن من القي في النار ينكب مرة بعد اخرى حتى يستقر في‬
‫قعرها " وجنود إبليس " قيل متبعوه من عتاة الثقلين أو شياطينه "‬
‫أجمعون " تأكيد للجنود إن جعل مبتدءا خبره ما بعده‪ ،‬أو للضمير وما‬
‫عطف عليه وكذا الضمير المنفصل‪ ،‬و ما يعود إليه في قوله " قالوا وهم‬
‫فيها يختصمون * تال إن كنا لفي ضلل مبين " على أن ال ينطق‬
‫الصنام فتخاصم العبدة ويؤيده الخطاب في قوله " إذ نسويكم برب‬
‫العالمين " أي في استحقاق العبادة‪ ،‬ويجوز أن تكون الضمائر للعبدة كما‬
‫في قالوا‪ ،‬والخطاب للمبالغة في التحسر والندامة‪ ،‬والمعنى أنهم مع‬
‫تخاصمهم في مبدأ ضللهم معترفون بانهماكهم في الضللة متحسرون‬
‫عليها‪ .‬كذا ذكره البيضاوي في تفسير تلك اليات )‪ (1‬فقوله عليه السلم "‬
‫يعني المشركين " هو خبر لقوله " قوله " بحذف العائد أي يعني به‪،‬‬
‫والمعنى أن المراد بالمجرمين المشركون الذين اتبعتهم هؤلء القائلون‬
‫على شركهم‪ ،‬وكلهما من امة محمد صلى ال عليه وآله " وتصديق ذلك‬
‫" أي تصديق أن المراد بهم المشركون من هذه المة أن ال تعالى ذكر بعد‬
‫تلك اليات أحوال المشركين وعبدة الوثان‪ ،‬من كل امة‪ ،‬ولم يدخل فيهم‬
‫اليهود والنصارى فالظاهر أن يكون المراد هنا أيضا طائفة مخصوصة‬
‫وليس هم اليهود والنصارى لقوله تعالى سابقا " فكبكبوا فيها هم‬
‫والغاوون " لدللته على أن معبوديهم في النار‪ ،‬فلم يبق إل أن يكونوا من‬
‫هذه المة أو يكتفى بالوجه الول‪ ،‬ويقال لما كان الظاهر من اليات اللحقة‬
‫اختصاص الكلم بعبدة الوثان فالظاهر هنا أيضا أن يكون المراد به من‬
‫هو من جنسهم‪ ،‬ولم يبق من المم المشهورة الذين تعرض ال لذكرهم في‬
‫القرآن إل هذه المة‪ ،‬فهم المرادون به‪ .‬وقوله‪ " :‬كذبت قبلهم قوم نوح "‬
‫)‪ (2‬كأنه نقل بالمعنى‪ ،‬لن تلك اليات‬

‫)‪ (1‬أنوار التنزيل ص ‪ (2) .309‬الشعراء‪.105 :‬‬

‫]‪[112‬‬

‫في سورة الشعراء‪ ،‬وليس فيها " قبلهم "‪ ،‬وإنما هو في ص والمؤمن )‪(1‬‬
‫ويحتمل أن يكون في مصحفهم عليهم السلم هكذا‪ ،‬هذا ما خطر بالبال‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬لعل المراد أن القائلين بهذا القول أعني قولهم " وما أضلنا إل‬
‫المجرمون " هم مشركوا قوم نبينا صلى ال عليه وآله الذين اتبعوا آباءهم‬
‫المكذبين للنبياء‪ ،‬بدليل أن ال سبحانه ذكر عقيب ذلك في مقام التفصيل‬
‫المكذبين للنبياء طائفة بعد طائفة وليس المراد بهم أحدا من اليهود‬
‫والنصارى الذين صدقوا نبيهم‪ ،‬وإنما أشركوا من جهة اخرى وإن كان‬
‫الفريقان يدخلن النار أيضا‪ ،‬فقوله " سيدخل ال " استدراك لدفع توهم‬
‫عدم دخولهما النار‪ ،‬وعدم دخول غيرهما ممن أساء العمل انتهى‪ .‬قوله‬
‫عليه السلم " ليس هم اليهود " تأكيد لقوله " ليس فيهم " أو المراد‬
‫بالول أنه ليس في القائلين والمجرمين‪ ،‬وبالثاني أنه ليس في هؤلء‬
‫المكذبين من المم السابقة‪ ،‬وقيل الول نفي للتشريك والثاني نفي‬
‫للختصاص والوسط أظهر‪ ،‬و " قولهم " مبتدأ " إذ دعونا إلى سبيلهم‬
‫ذلك " من كلمه عليه السلم ذكره تفسيرا للية‪ ،‬و " قول ال " خبر‬
‫للمبتدأ‪ ،‬ويحتمل أن يكون ذلك مبتدءا ثانيا إشارة إلى قولهم و " قول ال‬
‫" خبره‪ ،‬والمجموع خبرا للمبتدأ الول‪ ،‬وحاصله أن القولين حكايتان عن‬
‫قصة واحدة‪ ،‬وقيل‪ :‬حين ظرف لقول ال مجازا من قبيل وضع الدال‬
‫موضع المدلول‪ .‬ثم اعلم أن اليات في سورة العراف هكذا " حتى إذا‬
‫جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أينما كنتم تدعون من دون ال قالوا ضلوا‬
‫عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين * قال ادخلوا في امم قد خلت‬
‫من قبلكم من الجن و النس في النار كلما دخلت امة لعنت اختها حتى إذا‬
‫اداركوا فيها جميعا قالت اخريهم لوليهم ربنا هؤلء أضلونا فاتهم عذابا‬
‫ضعفا من النار * قال لكل ضعف ولكن ل تعلمون * وقالت اوليهم لخريهم‬
‫فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون " )‪ (2‬فظهر‬
‫أن قوله " وقالت اوليهم لخريهم " من سهو النساخ‬

‫)‪ (1‬ص‪ ،12 :‬المؤمن‪ (2) .5 :‬العراف‪.39 - 37 :‬‬

‫]‪[113‬‬

‫أو الرواة‪ ،‬وأن قوله " كلما دخلت " مقدم على السابق في الترتيب‪ ،‬فالواو في‬
‫قوله " وقوله " بمعنى " مع " مع أنه ل يدل على الترتيب‪ " .‬كلما دخلت‬
‫امة " أي في النار " لعنت اختها " التي ضلت بالقتداء بها " حتى إذا‬
‫اداركوا فيها " أصل " اداركوا " " تداركوا " فادغم ومعناه تلحقوا أي‬
‫لحق آخرهم أولهم في النار " قالت اخريهم " دخول ومنزلة وهم التباع‬
‫" لوليهم " أي لجل اوليهم إذ الخطاب مع ال ل معهم " ربنا هؤلء‬
‫أضلونا " أي سنوا لنا الضلل فاقتدينا بهم " فآتهم عذابا ضعفا من النار‬
‫" أي مضاعفا لنهم ضلوا وأضلوا " قال لكل ضعف " أما القادة فبكفرهم‬
‫وتضليلهم‪ ،‬وأما التباع فبكفرهم وتقليدهم " ولكن ل تعلمون " ما لكم أو‬
‫ما لكل فريق " وقالت اوليهم لخريهم‪ :‬فما كان لكم علينا من فضل "‬
‫عطفوا كلمهم على جواب ال لخريهم وبنوه عليه أي فقد ثبت أن ل فضل‬
‫لكم علينا وأنا وإياكم متساوون في الضلل واستحقاق العذاب " فذوقوا‬
‫العذاب " من قول القادة أو من قول الفريقين‪ " .‬أن يحج بعضا " بضم‬
‫الحاء أي يغلبه بالحجة في القاموس‪ :‬الحج الغلبة بالحجة‪ ،‬وفي المصباح‬
‫حاجه محاجة فحجه بحجة من باب قتل إذا غلبه في الحجة وقال‪ :‬فلج‬
‫فلوجا من باب قعد ظفر بما طلب‪ ،‬وفلج بحجته أثبتها‪ ،‬وأفلج ال حجته‬
‫أظهرها وقال‪ :‬أفلت الطائر وغيره إفلتا تخلص وأفلته أنا إذا أطلقته‬
‫وخلصته يستعمل لزما ومتعديا‪ ،‬وفلت فلتا من باب ضرب لغة وفلته‬
‫يستعمل أيضا لزما و متعديا وانفلت خرج بسرعة‪ " .‬وليس بأوان بلوى‬
‫ول اختبار " يعني أنهم يطمعون في غير مطمع‪ ،‬فان الحتجاج وطلب‬
‫الدليل إنما ينفع في دار التكليف والختبار ل في دار الجزاء بعد ظهور‬
‫المر ودخول النار " ول حين نجاة " أي ليس هذا الزمان حين نجاة يمكن‬
‫التخلص من العذاب بالتوبة وغيرها‪ .‬وفي بعض النسخ " ولت حين نجاة‬
‫" مقتبسا من قوله تعالى " ولت حين مناص " )‪(1‬‬

‫)‪ (1‬ص‪.3 :‬‬

‫]‪[114‬‬

‫قال البيضاوي‪ :‬أي ليس الحين حين مناص " ول " هي المشبهة بليس زيدت‬
‫عليها تاء التأنيث للتأكيد كما زيدت على رب وثم وخصت بلزوم الحيان‪،‬‬
‫وحذف أحد المعمولين‪ ،‬وقيل‪ :‬هي النافية للجنس أي ول حين مناص لهم‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬للفعل والنصب باضماره أي ول أرى حين مناص‪ ،‬وقيل إن التاء‬
‫مزيدة على حين لتصالها به في المام )‪ (1‬انتهى‪ " .‬واليات " أي تلك‬
‫اليات المتقدمة " ول يدخل ال " الجملة حالية أي نزلت تلك اليات في‬
‫حال كان الحكم فيها أن ل يدخل ال النار إل مشركا‪ ،‬قوله عليه السلم "‬
‫فلما أذن ال " قال المحدث السترآبادي‪ :‬تصريح بأن مصداق السلم في‬
‫مكة أقل من مصداقه في المدينة انتهى‪ ،‬وعد الشهادتين واحدة لتلزمهما‬
‫وكأن الولية أيضا داخلة فيهما كما عرفت‪ ،‬وعدم التصريح للتقية‪ ،‬أو أنه‬
‫عليه السلم استدل بهذا الخبر المشهور بين العامة إلزاما عليهم‪ ،‬وكان‬
‫ذكر العبادات الربع وتخصيصها لكونها أهم الفرائض‪ ،‬أو لنها صرحت‬
‫بها في القرآن واكدت عليها دون غيرها أو أنه بني عليها أول ثم زيد سائر‬
‫الفرائض‪ " .‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا " )‪ (2‬استدل به من قال بخلود‬
‫أصحاب الكبائر في النار واول بوجوه‪ :‬الول‪ :‬أن المراد بالمتعمد من قتله‬
‫ليمانه كما ورد في أخبار كثيرة فيكون كافرا‪ ،‬الثاني أن المراد بالخلود‬
‫المكث الطويل‪ ،‬الثالث أن المراد أن هذا جزاؤه إن جازاه لكنه سبحانه ل‬
‫يجازيه كما ورد في بعض أخبارنا‪ ،‬الرابع أن المراد بالمتعمد المستحل‪،‬‬
‫الخامس أنه يفعل فعل يستحق به دخول النار‪ ،‬و استدل عليه السلم على‬
‫عدم إيمانه بأن ال لعنه ول يلعن مؤمنا لقوله تعالى " إن ال لعن الكافرين‬
‫" وكأنه عليه السلم استدل بمفهوم الوصف فيدل على حجيته‪ ،‬ويمكن أن‬
‫يكون لخصوص سياق الية أيضا مدخل فيه‪ " .‬وكيف يكون في المشية "‬
‫أي كيف يكون أمر القاتل في مشية ال إن شاء‬

‫)‪ (1‬يعنى مصحف عثمان‪ (2) .‬النساء‪.93 :‬‬

‫]‪[115‬‬

‫عذبه‪ ،‬وإن شاء غفر له " و " الحال أنه " قد ألحق به بعد أن جزاه جهنم الغضب‬
‫واللعنة " المختصين بالكفار‪ .‬أقول‪ :‬كونه في المشية إما مبني على ما‬
‫ذكره أكثر المتكلمين من أن خلف الوعد قبيح وعلى ال محال‪ ،‬وأما خلف‬
‫الوعيد فهو حسن ويجوز على ال تعالى وليس بكذب‪ ،‬قال الطبرسي قدس‬
‫سره‪ :‬وروى عاصم بن أبي النجود عن ابن عباس في قوله " فجزاؤه‬
‫جهنم " قال هي جزاؤه فان شاء عذبه‪ ،‬وإن شاء غفر له وروي عن أبي‬
‫صالح وبكر بن عبد ال وغيره أنه كما يقول النسان لمن يزجره عن أمر‬
‫إن فعلت فجزاؤك القتل والضرب‪ ،‬ثم إن لم يجازه بذلك لم يكن ذلك منه كذبا‬
‫انتهى )‪ .(1‬أو إشارة إلى قوله تعالى " إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر‬
‫ما دون ذلك لمن يشاء " )‪ (2‬فيدل على أن ما دون الشرك مما يغفره ال‬
‫لمن يشاء‪ ،‬والقتل داخل في ذلك‪ ،‬فيكون داخل في المشية كما قال في‬
‫مجمع البيان‪ :‬قال جماعة من التابعين‪ :‬الية اللينة وهي " إن ال ل يغفر‬
‫أن يشرك به " الية نزلت بعد الشديدة وهي " ومن يقتل مؤمنا متعمدا "‬
‫الية )‪ (3‬وعلى الول فكان جوابه مبني على أن آية القتل ليست مشتملة‬
‫على الوعيد فقط‪ ،‬بل على أنه ممن غضب ال عليه ولعنه فإذا دخل الجنة‬
‫من غير توبة‪ ،‬أو غيرها مما يكفره يكون كذبا ولم يكن مغضوبا ول ملعونا‬
‫مبعدا من رحمة ال‪ ،‬وعلى الثاني مبني على وجهين‪ :‬الول‪ :‬أن القتل‬
‫المذكور داخل في الشرك والكفر حيث لعنه ال ول يلعن إل الكافر‪ ،‬والثاني‬
‫أنه ل يكون داخل فيمن يشاء مغفرته حيث أخبر بأنه مغضوب وملعون‪،‬‬
‫وهذا صريح في عدم المغفرة‪ ،‬والوجوه كأنها متقاربة " وقد بين ذلك "‬
‫المشار إليه آية الحزاب أي " إن ال لعن الكافرين "‪ " .‬وأنزل " أي في‬
‫سورة النساء أيضا " من أكله " بدل اشتمال لمال اليتيم‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 3‬ص ‪ (2) .93‬النساء‪ (3) .47 :‬مجمع البيان ج ‪ 3‬ص ‪.93‬‬

‫]‪[116‬‬
‫" إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما " قال في المجمع‪ :‬أي ينتفعون بأموال‬
‫اليتامى ويأخذونها ظلما بغير حق‪ ،‬ولم يرد به قصر الحكم على الكل‪،‬‬
‫وإنما خص لنه معظم منافع المال المقصودة " إنما يأكلون في بطونهم‬
‫نارا " قيل فيه وجهان‪ :‬أحدهما أن النار تلتهب من أفواههم وأسماعهم‬
‫وآنافهم يوم القيامة ليعلم أهل الموقف أنهم آكلة أموال اليتامى‪ ،‬عن السدى‬
‫وروي عن الباقر عليه السلم أنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫يبعث ناس من قبورهم يوم القيامة تأجج أفواههم نارا فقيل له‪ :‬يا رسول‬
‫ال من هؤلء ؟ فقرأ هذه الية‪ ،‬والخر أنه ذكر ذلك على وجه المثل من‬
‫حيث أن من فعل ذلك يصير إلى جهنم فيمتلئ بالنار أجوافهم عقابا على‬
‫أكلهم مال اليتيم " وسيصلون سعيرا " أي يلزمون النار المسعرة‬
‫للحراق‪ ،‬وإنما ذكر البطون تأكيدا كما يقال نظرت بعيني‪ ،‬وقلت بلساني‪،‬‬
‫وأخذت بيدي‪ ،‬و مشيت برجلي انتهى )‪ .(1‬و " أنزل في الكيل " فان قيل‬
‫سورة المطففين من السور المكية والغرض هنا بيان التكاليف المتجددة‬
‫بالمدينة‪ ،‬قلنا‪ :‬ل عبرة بما ذكره المفسرون في ذلك مع أنهم اختلفوا في‬
‫هذه السورة قال في مجمع البيان‪ :‬مكية وقال المعدل مدنية عن الحسن‬
‫والضحاك وعكرمة‪ ،‬قال‪ :‬وقال ابن عباس وقتادة‪ :‬إل ثماني آيات منها "‬
‫هي إن الذين أجرموا " إلى آخر السورة انتهى )‪ (2‬فالخبر يؤيد قول‬
‫هؤلء الجماعة‪ ،‬ويؤيده ما رواه في مجمع البيان في سبب نزول صدر‬
‫السورة عن عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس أنه لما قدم رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله المدينة كانوا من أخبث الناس كيل فأنزل ال عزوجل " ويل‬
‫للمطففين " فأحسنوا الكيل بعد ذلك‪ ،‬وروي عن السدى أنه صلى ال عليه‬
‫وآله قدم المدينة وبها رجل يقال له أبو جهينة‪ ،‬ومعه صاعان يكيل‬
‫بأحدهما ويكتال بالخر‪ ،‬فنزلت اليات )‪ (3‬ويؤنسه أن الطبرسي رحمه ال‬
‫ذكرها‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 3‬ص ‪ 12‬و ‪ (2) .13‬المصدر ج ‪ 10‬ص ‪ (3) 450‬المصدر ج‬
‫‪ 10‬ص ‪.452‬‬

‫]‪[117‬‬

‫في ترتيب نزول السور آخر السور المكية )‪ (1‬فيمكن أن يكون نزولها بعد الهجرة‬
‫وقبل نزول المدينة‪ .‬وفي القاموس الويل حلول الشر و " ويل " كلمة‬
‫عذاب‪ ،‬وواد في جهنم أو بئر أو باب لها انتهى واستدل عليه السلم بأن‬
‫الويل لم يطلق في القرآن إل للكافرين كقوله " فويل لهم مما كتبت أيديهم‬
‫وويل لهم مما يكسبون " )‪ " (2‬وويل للكافرين من عذاب شديد " )‪" (3‬‬
‫فويل للذين ظلموا من عذاب يوم عظيم " )‪ " (4‬ويل لكل همزة لمزة " "‬
‫يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا " )‪ " (5‬يا ويلنا إنا كنا طاغين " )‪ (6‬وفي‬
‫المجمع " ويل للمطففين " هم الذين ينقصون المكيال و الميزان‪،‬‬
‫ويبخسون الناس حقوقهم في الكيل والوزن‪ ،‬قال الزجاج وإنما قيل له‬
‫مطفف لنه ل يكاد يسرق في المكيال والميزان إل الشي اليسير الطفيف‪ .‬و‬
‫" أنزل في العهد " أي في سورة آل عمران وهي مدنية " إن الذين‬
‫يشترون بعهد ال " )‪ (7‬لعل المراد بالعهد هنا على ظاهر سياق الحديث‬
‫ما عاهدوا ال عليه فخالفوه وباليمين اليمان التي يحلفون بها على‬
‫المستقبل ثم يخالفونها‪ ،‬ويحتمل شموله لليمين الغموس الكاذبة ويحتمل‬
‫أن يكون العهد شامل للبيعة‪ ،‬وما عاهدوا رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫ثم نقضوه‪ ،‬وقال الراغب‪ :‬العهد حفظ الشئ ومراعاته حال بعد حال‪،‬‬
‫وسمي الموثق الذي يلزم مراعاته عهدا‪ ،‬قال عزوجل‪ " :‬وأوفوا بالعهد إن‬
‫العهد كان مسئول " )‪ (8‬أي أوفوا بحفظ اليمان‪ ،‬وعهد فلن إلى فلن أي‬
‫ألقى العهد إليه وأوصاه بحفظه‪ ،‬قال عزوجل‪ " :‬ولقد عهدنا إلى آدم " )‬
‫‪ (9‬وعهد ال تارة يكون بما ركزه في عقولنا‪ ،‬وتارة يكون بما أمرنا به‬
‫بكتا به وبسنة‬

‫)‪ (1‬المصدر ج ‪ 10‬ص ‪ ،405‬نقل عن الحاكم الحسكاني‪ (2) .‬البقرة‪(3) .79 :‬‬
‫ابراهيم‪ (4) .2 :‬الزخرف‪ (5) .65 :‬يس‪ (6) .52 :‬القلم‪ (7) .31 :‬آل‬
‫عمران‪ (8) .77 :‬أسرى‪ (9) .34 :‬طه‪.115 :‬‬

‫]‪[118‬‬

‫رسله‪ ،‬وتارة بما نلتزمه وليس بلزم في أصل الشرع كالنذور وما يجري مجراها‬
‫انتهى )‪ .(1‬وأما ما ذكره المفسرون في تلك الية فقال الطبرسي قدس‬
‫سره‪ :‬نزلت في جماعة من أحبار اليهود كتموا ما في التوراة من أمر‬
‫محمد صلى ال عليه وآله وكتبوا بأيديهم غيره وحلفوا أنه من عند ال لئل‬
‫تفوتهم الرئاسة‪ ،‬وما كان لهم على أتباعهم‪ ،‬عن عكرمة وقيل‪ :‬نزلت في‬
‫الشعث بن قيس وخصم له في أرض قام ليحلف عند رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله فلما نزلت الية نكل الشعث واعترف بالحق عن ابن جريج‬
‫وقيل‪ :‬نزلت في رجل حلف يمينا فاجرة في تنفيق سلعته عن مجاهد‬
‫والشعبي ثم قال‪ " :‬إن الذين يشترون بعهد ال " أي يستبدلون بأمر ال‬
‫سبحانه ما يلزمهم الوفاء به‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه إن الذين يحصلون بنكث عهد‬
‫ال ونقضه " وأيمانهم " أي وباليمان الكاذبة " ثمنا قليل " أي عوضا‬
‫نزرا لنه قليل في جنب ما يفوتهم من الثواب‪ ،‬ويحصل لهم من العقاب‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬العهد ما أوجبه ال تعالى على النسان من الطاعة والكف عن‬
‫المعصية وقيل‪ :‬هو ما في عقل النسان من الزجر عن الباطل والنقياد‬
‫للحق " اولئك لخلق لهم " أي ل نصيب وافر لهم في نعيم الخرة " ول‬
‫يكلمهم ال " أي بما يسرهم أول يكلمهم أصل وتكون المحاسبة بكلم‬
‫الملئكة استهانة لهم " ول ينظر إليهم يوم القيامة " أي ل يعطف عليهم‬
‫ول يرحمهم كما يقول القائل للغير‪ :‬انظر إلي ! يريد ارحمني " ول يزكيهم‬
‫" أي ل يطهرهم‪ ،‬وقيل‪ :‬ل ينزلهم منزلة الزكياء‪ ،‬وقيل ل يطهرهم من‬
‫دنس الذنوب والوزار بالمغفرة‪ ،‬بل يعاقبهم وقيل‪ :‬ل يحكم بأنهم أزكياء‬
‫ول يسميهم بذلك‪ .‬بل يحكم بأنهم كفرة فجرة " ولهم عذاب أليم " مولم‬
‫موجع )‪ (2‬انتهى‪ .‬وقال البيضاوي‪ :‬أي يستبدلون بما عاهدوا عليه من‬
‫اليمان بالرسول والوفاء بالمانات " وبأيمانهم " وبما حلفوا به من‬
‫قولهم‪ :‬وال لنؤمنن به ولننصرنه‪ " ،‬ثمنا‬

‫)‪ (1‬مفردات غريب القرآن ص ‪ (2) .350‬مجمع البيان ج ‪ 2‬ص ‪ 462‬و ‪.463‬‬

‫]‪[119‬‬

‫قليل " متاع الدنيا " ول يكلمهم ال " الظاهر أنه كنايه عن غضبه عليهم لقوله "‬
‫ول ينظر إليهم يوم القيامة " فان من سخط على غيره واستهان به‬
‫أعرض عنه وعن التكلم معه‪ ،‬واللتفات نحوه‪ ،‬كما أن من اعتد بغيره‬
‫يقاوله ويكثر النظر إليه " ول يزكيهم " ول يثني عليهم انتهى )‪ (1‬وظاهر‬
‫الخبر أن ناقض العهد واليمين‪ .‬ل يدخل الجنة أصل فيمكن حمله على‬
‫الستحلل أو على أنه ل يدخل الجنة ابتداء وحمله على المشركين‬
‫والكافرين كما هو ظاهر المفسرين ينافي سياق الحديث ويمكن حمله على‬
‫أنهم ل يستحقون دخول الجنة‪ ،‬ول يلزم على ال ذلك‪ ،‬لعدم الوعد إل أن‬
‫يدخلهم الجنة بفضله‪ " .‬وأنزل بالمدينة " أي في سورة النور وهي مدنية‬
‫" الزاني ل ينكح " قال في مجمع البيان‪ :‬اختلف في تفسيره على وجوه‬
‫أحدها أن يكون المراد بالنكاح العقد ونزلت الية على سبب‪ ،‬وهو أن رجل‬
‫من المسلمين استأذن النبي صلى ال عليه وآله في أن يتزوج ام مهزول‪،‬‬
‫وهي امرأة كانت تسافح ولها رأية على بابها تعرف بها‪ ،‬فنزلت الية عن‬
‫ابن عباس وغيره‪ ،‬والمراد بالية النهي وإن كان ظاهره الخبر‪ ،‬وثانيها أن‬
‫النكاح ههنا الجماع‪ ،‬والمعنى أنهما اشتركا في الزنا فهي مثله‪ ،‬فيكون‬
‫نظير قوله " الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات " )‪ (2‬في أنه خرج‬
‫مخرج الغلب العم‪ ،‬وثالثها أن هذا الحكم كان في كل زان وزانية ثم نسخ‬
‫بقوله وأنكحوا اليامى منكم الية )‪ (3‬عن سعيد بن المسيب وجماعة‪،‬‬
‫ورابعها أن المراد به العقد وذلك الحكم ثابت فيمن زنا بامرأة فانه ل يجوز‬
‫له أن يتزوج بها‪ ،‬روي ذلك عن جماعة من الصحابة‪ ،‬وإنما قرن ال‬
‫سبحانه بين الزاني والمشرك تعظيما لمر الزنا وتفخيما لشأنه‪ ،‬ول يجوز‬
‫أن تكون هذه الية خبرا لنا نجد الزاني يتزوج غير زانية ولكن المراد هنا‬
‫الحكم في كل زان‪ ،‬أو النهي‪ ،‬سواء كان المراد بالنكاح الوطي أو العقد‪،‬‬
‫وحقيقة النكاح في اللغة الوطي " وحرم ذلك على المؤمنين " أي حرم‬

‫)‪ (1‬أنوار التنزيل‪ (2) .70 :‬النور‪ (3) .26 :‬النور‪.32 :‬‬

‫]‪[120‬‬

‫نكاح الزانيات أو حرم الزنا على المؤمنين‪ ،‬فل يتزوج بهن ول يطأهن إل زان أو‬
‫مشرك انتهى )‪ .(1‬ثم المشهور بين الصحاب كراهة نكاح المشهورات‬
‫بالزنا وذهب الشيخان وجماعة إلى اشتراط التوبة في الحل سواء زنا بها‬
‫من أراد نكاحها أو غيره للية المتقدمة‪ ،‬وبعض الخبار‪ ،‬واجيب عن الية‬
‫تارة بأن المراد بالنكاح الوطي واخرى بأنها منسوخة بقوله تعالى "‬
‫وأنكحوا اليامى منكم " )‪ (2‬وبقوله " فانكحوا ما طاب لكم " )‪ (3‬أو قوله‬
‫" واحل لكم ما وراء ذلكم " )‪ (4‬وفي الول أنه خلف الظاهر‪ ،‬فانه إن‬
‫اريد الوطي لم يظهر للكلم فائدة ظاهرة‪ ،‬وفي الثاني أنه خلف الصل‪ ،‬مع‬
‫أن الظاهر من " طاب " حل ومن " وراء ذلكم " سائر أصناف النساء ول‬
‫ينافيه عروض الحرمة لعروض زنا ونحوه‪ .‬والظاهر أنه عليه السلم‬
‫استدل بالية على أن ال تعالى أخرج الزناة والزواني في هذه الية من‬
‫عداد المؤمنين‪ ،‬حيث قابل بين المؤمنين وبينهما إذ الظاهر من سياق الية‬
‫أن المراد أنه ل يليق نكاح الزاني إل بزانية أو مشركة‪ ،‬ول نكاح الزانية إل‬
‫بزان أو مشرك وأما المؤمن فانه ل يليق به هذا الفعل وهو محرم عليه إما‬
‫بمعناه أو بمعنى الكراهة الشديدة أو بمعنى المحرومية كما في قوله‬
‫سبحانه " وحرمنا عليه المراضع )‪ (5‬فظهر أنه لم يسمهما باليمان‪ ،‬لما‬
‫عرفت من المقابلة مع أنه جمع بينهما وبين المشرك والمشركة‪ ،‬ففيه‬
‫أيضا إيماء بعدم إيمانهما‪ .‬وهذا وجه حسن خطر بالبال للية والخبر معا‪،‬‬
‫فان حمل الية على وجه آخر ل يستقيم ظاهرا فانه إذا حمل النكاح على‬
‫الوطي‪ ،‬فالكلم إما في قوة النهي أو الخبر‪ ،‬فعلى الول المعنى النهي عن‬
‫أن يطأ الزاني سوى الزانية والمشركة‪ ،‬وجواز وطيه لهما وفيه مال‬
‫يخفى‪ ،‬وكذا العكس‪ ،‬وعلى الثاني يكون كذبا إن أراد‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 7‬ص ‪ (2) .125‬النور‪ (3) .32 :‬النساء‪ (4) .3 :‬النساء‪.23 :‬‬
‫)‪ (5‬القصص‪.12 :‬‬

‫]‪[121‬‬
‫بالوطى غير الزنا أو العم‪ ،‬وإن اريد به الزنا كان الكلم خاليا عن الفائدة‪ ،‬و إذا‬
‫حمل على العقد فلو كان في قوة النهي كان مفادها النهي عن أن ينكح‬
‫الزاني سوى الزانية والمشركة‪ ،‬وتجويز نكاحه إياهما‪ ،‬وتجويز نكاح‬
‫الزانية بالزاني والمشرك ولم يقل به أحد‪ ،‬ولو كان خبرا لزم الكذب‪ ،‬فلبد‬
‫من حمل الية على ما ذكرنا فيتضح استدلله عليه السلم غاية الوضوح‪،‬‬
‫ويظهر منه عدم تمام الستدلل بها على تحريم نكاحهما‪ ،‬نعم قوله سبحانه‬
‫" وحرم ذلك " فيه دللة على التحريم إن لم نحمله على معنى الحرمان‪،‬‬
‫وحمله على الكراهة الشديدة‪ ،‬مع وجود المعارض غير بعيد‪ ،‬مع أنه‬
‫يحتمل أن يكون " ذلك " إشارة إلى الزنا بكون الجملة حالية أو تعليلية‪.‬‬
‫قوله عليه السلم " ليس يمتري " المتراء الشك‪ ،‬والجملة إلى قوله "‬
‫أنه قال " معترضة‪ ،‬وضمير " فيه " راجع إلى الرسول‪ ،‬وقوله " أنه قال‬
‫" بدل اشتمال للضمير‪ ،‬وقوله " ل يزني " مفعول " قال " أول‬
‫والعتراض لبيان أن الخبر معلوم متواتر بين الفريقين‪ ،‬وكأن المراد بقوله‬
‫" حين يزني وحين يسرق " حين يصر عليهما ولم يتب‪ ،‬ول فساد في‬
‫مفارقة اليمان بالمعنى الذي ذكرناه‪ ،‬حيث اشتمل على الفرائض وترك‬
‫الكبائر عنه‪ ،‬وبها يستحق العذاب في الجملة‪ ،‬ل الخلود في النار‪ ،‬ومن لم‬
‫يقل بذلك أوله بتأويلت بعيدة‪ .‬قال في النهاية في الحديث " ل يزني الزاني‬
‫وهو مؤمن " قيل معناه النهي وإن كان في صورة الخبر‪ ،‬والصل حذف‬
‫الياء من يزني أي " ل يزن المؤمن ول يسرق ول يشرب " فان هذه‬
‫الفعال ل يليق بالمؤمن‪ ،‬وقيل‪ :‬هو وعيد يقصد به الردع كقوله " ل إيمان‬
‫لمن ل أمانة له " و " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " وقيل‪:‬‬
‫معناه ل يزني وهو كامل اليمان‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه أن الهوى يغطي اليمان‬
‫فصاحب الهوى ل يرى إل هواه ول ينظر إلى إيمانه الناهي له عن ارتكاب‬
‫الفاحشة فكأن اليمان في تلك الحالة قد انعدم‪ ،‬وقال ابن عباس‪ :‬اليمان‬
‫نزه فإذا أذنب العبد فارقه‪ ،‬ومنه الحديث الخر إذا زنى الرجل خرج منه‬
‫اليمان فوق رأسه كالظلة‬

‫]‪[122‬‬

‫فإذا أقلع رجع إليه اليمان وكل هذا محمول على المجاز ونفي الكمال‪ ،‬دون الحقيقة‬
‫في رفع اليمان وإبطاله انتهى‪ .‬وقيل‪ :‬إنه ليس بمؤمن إذا كان مستحل‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬ليس بمؤمن من العقاب وقيل‪ :‬المقصود نفي المدح أي ل يقال له‬
‫مؤمن بل يقال‪ :‬زان أو سارق‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه لنفي البصيرة أي ليس هو ذا‬
‫بصيرة‪ ،‬وقال ابن عباس‪ :‬أي ليس ذانور‪ ،‬وقيل‪ :‬أي ليس بمستحضر‬
‫اليمان‪ ،‬وقيل‪ :‬أي ليس بعاقل‪ ،‬لن المعصية مع استجضار العقوبة‬
‫مرجوحة‪ ،‬والحكم بالمرجوح بخلف العقول‪ ،‬وقيل‪ :‬المقصود نفي الحياء‬
‫والحياء شعبة من اليمان‪ ،‬أي ليس بمستحي من ال سبحانه‪ ،‬ول يخفى ما‬
‫في أكثر هذه الوجوه من البعد والركاكة‪ " .‬وأنزل بالمدينة " أي في سورة‬
‫النور أيضا " والذين يرمون المحصنات " )‪ (1‬أي يقذفون العفائف من‬
‫النساء بالزنا " ثم لم يأتوا بأربعة شهداء " أي بأربعة عدول يشهدون‬
‫أنهم رأوهن يفعلن ما رموهن به من الزنا " فاجلدوهم ثمانين جلدة " خبر‬
‫الذين بتأويل " ول تقبلوا لهم شهادة " خبر ثان‪ ،‬وتنكير شهادة للعموم أي‬
‫في أي أمر من المور كان " أبدا " تأكيد للعموم أي ما لم يتب " واولئك‬
‫هم الفاسقون " أي هم في أعل مراتب الفسق حتى كأنه ل فاسق غيرهم‪،‬‬
‫فقد عبر عنهم باسم الشارة وعرف الخبر وأتى بضمير الفصل مبالغة في‬
‫ادعاء حصر الفسق فيهم‪ ،‬وقصره عليهم‪ ،‬قيل‪ :‬ويمكن أن يكون حال أو‬
‫اعتراضا يجري مجرى التعليل لعدم قبول الشهادة " إل الذين تابوا " عن‬
‫القذف وندموا ورجعوا بالتدارك " من بعد ذلك " أي من بعد إقامة الحد‬
‫وقيل‪ :‬من بعد الرمي‪ " ،‬وأصلحوا " سرائرهم وأعمالهم فاستقاموا على‬
‫مقتضى التوبة‪ ،‬قالوا‪ :‬ومنه الستسلم للحد‪ ،‬والستحلل من المقذوف‪،‬‬
‫والعزم على عدم العود إلى ذلك‪ ،‬وعلى ترك جميع المناهي على قول‪ ،‬وفي‬
‫المجمع‪ :‬ومن شرط توبة القاذف أن يكذب نفسه فيما قاله‪ ،‬فان لم يفعل‬
‫ذلك لم يجز قبول شهادته )‪(2‬‬

‫)‪ (1‬النور‪ (2) .4 :‬مجمع البيان ج ‪ 7‬ص ‪.126‬‬

‫]‪[123‬‬

‫" فان ال غفور رحيم " علة للستثناء‪ .‬قوله عليه السلم " فبرأه ال " الظاهر‬
‫أنه عليه السلم استدل على عدم وصفهم باليمان بوصفهم بالفسق‪ ،‬لن‬
‫في عرف القرآن الفسق لزم للكفر‪ ،‬ولم يطلق فيه الفاسق إل على الكافر‬
‫كقوله تعالى " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا " )‪ (1‬فقابل بين اليمان‬
‫والفسق فدل على أن الفاسق ليس بمؤمن‪ ،‬وقال " إن المنافقين هم‬
‫الفاسقون " )‪ (2‬فحصر الفاسق في المنافق فجعله ال منافقا‪ " ،‬وجعله‬
‫من أولياء إبليس " حيث أطلق الفسق عليهما‪ ،‬وأيضا إذا نظرت في اليات‬
‫الكريمة وسبرتها لم تر الفاسق اطلق فيها إل على الكافر‪ ،‬قال الراغب‪:‬‬
‫فسق فلن خرج من حد الشرع وذلك من قولهم فسق الرطب إذا خرج عن‬
‫قشره‪ ،‬وهو أعم من الكفر‪ ،‬والفسق يقع بالقليل من الذنوب وبالكثير‪ ،‬لكن‬
‫تعورف فيما كان كثيرا وأكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشرع وأقر‬
‫به‪ ،‬ثم أخل بجميع أحكامه أو ببعضه وإذا قيل للكافر الصلى‪ :‬فاسق‪ ،‬فلنه‬
‫أخل بحكم ما ألزمه العقل‪ ،‬واقتضاه الفطرة قال عزوجل " ففسق عن أمر‬
‫ربه " )‪ " (3‬ففسقوا فيها فحق عليها القول " )‪ " (4‬وأكثرهم الفاسقون‬
‫" )‪ (5‬و " اولئك هم الفاسقون " )‪ " (6‬أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا‬
‫ل يستوون " وقال " ومن يكفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون " )‪ (7‬وقال‬
‫تعالى " وأما الذين فسقوا فماويهم النار " )‪ " (8‬والذين كذبوا بآياتنا‬
‫يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون " )‪ " (9‬وال ل يهدي القوم الفاسقين "‬
‫)‪ " (10‬إن المنافقين هم الفاسقون " )‪ " (11‬وكذلك حقت كلمة ربك على‬
‫الذين فسقوا أنهم ل يؤمنون " انتهى " )‪.(12‬‬

‫)‪ (1‬السجدة‪ (2) .18 :‬براءة‪ (3) .67 :‬الكهف‪ (4) .50 :‬أسرى‪ (5) .16 :‬آل‬
‫عمران‪ (6) .110 :‬المائدة‪ (7) .47 :‬النور‪ (8) .55 :‬السجدة‪(9) .20 :‬‬
‫النعام‪ (10) .49 :‬براءة‪ (11) .25 :‬براءة‪ (12) .68 :‬يونس‪ 33 :‬راجع‬
‫المفردات ص ‪.380‬‬

‫]‪[124‬‬

‫و " جعله " أي الرامي " المحصنات " أي العفائف " الغافلت " مما قذفن به "‬
‫المؤمنات " بال ورسوله وما جاء به " لعنوا في الدنيا والخرة " بما‬
‫طعنوا فيهن " ولهم عذاب عظيم " لعظم ذنوبهم " يوم تشهد عليهم "‬
‫ظرف لما في " لهم " من معنى الستقرار ل للعذاب " ألسنتهم وأيديهم "‬
‫يعترفون بها بانطاق ال إياها بغير اختيارهم أو بظهور آثاره عليها‪ ،‬قوله‬
‫عليه السلم " وليست تشهد " يدل على أن شهادة الجوارح إنما هي‬
‫للكفار كما ذكره جماعة من المفسرين‪ ،‬وذكره الشيخ البهائي رحمه ال في‬
‫الربعين‪ .‬قوله عليه السلم " فيعطى كتابه بيمينه " أي فيقرؤه ومن‬
‫تنطق جوارحه يختم على فيه لقوله تعالى " اليوم نختم على أفواههم‬
‫وتكلمنا أيديهم " )‪ (1‬أو لن سياق آيات شهادة الجوارح تدل على غاية‬
‫الغضب‪ ،‬واليات النازلة في المؤمنين مشتملة على نهاية اللطف كقوله‬
‫سبحانه " يوم ندعو كل اناس بامامهم فمن اوتي " أي من المدعوين "‬
‫كتابه بيمينه " أي كتاب عمله " فاولئك يقرؤن كتابهم " ابتهاجا بما يرون‬
‫فيه " ول يظلمون فتيل " )‪ (2‬أي ول ينقصون من اجورهم أدنى شئ‪،‬‬
‫والفتيل المفتول وسمي ما يكون في شق النواة فتيل لكونه على هيئته‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬هو ما تفتله بين أصابعك من خيط أو وسخ‪ ،‬ويضرب به المثل في‬
‫الشئ الحقير‪ .‬ثم اعلم أن هذا المضمون وقع في مواضع من القرآن‬
‫المجيد‪ :‬أولها في بني إسرائيل " فمن اوتي كتابه بيمينه " إلى آخر ما في‬
‫الحديث‪ ،‬وثانيها في الحاقة " فأما من اوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا‬
‫كتابيه " )‪ (3‬وثالثها في النشقاق " فأما من اوتي كتابه بيمينه فسوف‬
‫يحاسب حسابا يسيرا " )‪ (4‬وما في الحديث ل يوافق شيئا منها وإن كان‬
‫بالول أنسب‪ ،‬فكأنه من تصحيف النساخ أو كان في قرائتهم عليهم السلم‬
‫هكذا‪ ،‬أو نقل بالمعنى جمعا بين اليات‪ " .‬وسورة النور انزلت " كأن هذا‬
‫جواب عن اعتراض مقدر‪ ،‬وهو أنه لما‬

‫)‪ (1‬يس‪ (2) .65 :‬أسرى‪ (3) .71 :‬الحاقة ‪ (4) .19‬النشقاق‪.8 :‬‬

‫]‪[125‬‬

‫أنزل ال في سورة النساء مرتين " أن ال ل يغفر إن يشرك به ويغفر ما دون ذلك‬
‫لمن يشاء " وهي تدل على عدم ترتب العذاب على غير الشرك‪ ،‬فيمكن‬
‫كونها ناسخة لليات الدالة على عقوبات أصحاب الكبائر‪ ،‬وعدم كونهم من‬
‫المؤمنين‪ .‬فأجاب عليه السلم بعد التنزل عن عدم المخالفة بين هذه الية‪،‬‬
‫وتلك اليات لن تجويز المغفرة لمن شاء ال ل ينافي استحقاقهم للعذاب‬
‫والعقاب‪ ،‬وخروجهم عن اليمان بأحد معانيه‪ ،‬بأن أكثر ما أوردنا من‬
‫اليات واستدللنا بها إنما هي في سورة النور‪ ،‬وهي نزلت بعد سورة‬
‫النساء‪ ،‬فكيف تكون آية النساء ناسخة لها فلو احتاج التوفيق إلى القول‬
‫بالنسخ لكان المر بعكس ما قلتم‪ ،‬مع أنه ل قائل بالفصل ثم استدل عليه‬
‫السلم على ذلك بأن ال تعالى قال في سورة النساء‪ " :‬أو يجعل ال لهن‬
‫سبيل " والسبيل هو الذي ذكره من الحد في سورة النور ويحتمل أن يكون‬
‫الغرض إفادة دليل آخر على ما سبق من نزول الحكام مدرجا ونسخ الشد‬
‫للضعف‪ ،‬لكن الول أظهر‪ " .‬واللتي يأتين الفاحشة من نسائكم " )‪(1‬‬
‫ذهب الكثر إلى أن المراد بالفاحشة الزنا‪ ،‬وقيل‪ :‬هي المساحقة "‬
‫فاستشهدوا عليهن أربعة منكم " الخطاب للئمة والحكام‪ ،‬بطلب أربعة‬
‫رجال من المسلمين شهودا عليهن‪ ،‬وقيل‪ :‬الخطاب للزواج " فان شهدوا‬
‫" أي الربعة " فأمسكوهن " أي فاحبسوهن " في البيوت حتى يتوفيهن‬
‫" أي يدركهن الموت‪ ،‬قيل اريد به صيانتهن عن مثل فعلهن‪ ،‬والكثر على‬
‫أنه على وجه الحد على الزنا‪ .‬قالوا‪ :‬كان في بدو السلم إن فجرت المرءة‬
‫وقام عليها أربعة شهود حبست في البيت أبدا حتى تموت‪ ،‬ثم نسخ ذلك‬
‫بالرجم في المحصنين‪ ،‬والجلد في البكرين " أو يجعل ال لهن سبيل " أي‬
‫ببيان الحكم كما مر‪ ،‬وقيل‪ :‬بالتوبة أو بالنكاح المغني عن السفاح‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫لما نزل قوله تعالى " الزانية والزاني فاجلدوا "‬

‫)‪ (1‬النساء‪.15 :‬‬

‫]‪[126‬‬
‫قال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬خذوا عني قد جعل ال لهن سبيل )‪ " (1‬سورة "‬
‫أي هذه سورة أو فيما أوحينا إليك سورة " أنزلناها " صفة " وفرضناها‬
‫" أي فرضنا ما فيها من الحكام " لعلكم تذكرون " فتتقون الحرام "‬
‫الزانية والزاني " قيل‪ :‬أي فيما فرضنا أو أنزلنا حكمهما وهو الجلد‪،‬‬
‫ويجوز أن يرفعا بالبتداء والخبر " فاجلدوا " إلى قوله " رأفة " أي‬
‫رحمة " في دين ال " أي في طاعته وإقامة حده فتعطلوه‪ ،‬أو تسامحوا‬
‫فيه " إن كنتم تؤمنون " فان اليمان يقتضي الجد في طاعة ال‪ .‬ثم اعلم‬
‫أن عدم ذكر الولية في هذا الخبر مع أنه الغرض الصلي منه لنوع من‬
‫التقية لنه عليه السلم ذكره إلزاما عليهم حيث أنكروا كون الولية جزءا‬
‫من اليمان‪ .‬تذييل نفعه جليل اعلم أن الذي ظهر لنا من مجموع اليات‬
‫المتضافرة‪ ،‬والخبار المتكاثرة الواردة في اليمان والسلم وحقائقهما‬
‫وشرائطهما أن لكل منهما إطلقات كثيرة في الكتاب والسنة‪ ،‬ولكل منها‬
‫فوائد وثمرات تترتب عليه‪ .‬فالول من معاني اليمان مجموع العقائد الحقة‬
‫والصول الخمسة والثمرة المترتبة عليه في الدنيا المان من القتل‪ ،‬ونهب‬
‫الموال‪ ،‬والهانة‪ ،‬إل أن يأتي بقتل أو فاحشة يوجب القتل أو الحد أو‬
‫التعزير‪ ،‬وفي الخرة صحة أعماله واستحقاق الثواب عليها في الجملة‪،‬‬
‫وعدم الخلود في النار‪ ،‬واستحقاق العفو والشفاعة‪ ،‬ويدخل في الكفر‬
‫المقابل لهذا اليمان من سوى الفرقة الناجية المامية من فرق السلم‬
‫وغيرهم‪ ،‬فانهم مخلدون في النار‪ ،‬سوى المستضعفين منهم كما سيأتي‪.‬‬
‫الثاني العتقادات المذكورة مع التيان بالفرائض التي ظهر وجوبها من‬

‫)‪ (1‬وبعده‪ :‬البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام‪ ،‬والثيب بالثيب جلد مائة والرجم‬
‫راجع مجمع البيان ج ‪ 3‬ص ‪.21‬‬

‫]‪[127‬‬

‫القرآن‪ ،‬وترك الكبائر التي أوعد ال عليها النار‪ ،‬وعلى هذا المعنى اطلق الكافر‬
‫على تارك الصلة وتارك الزكاة وأشباههم‪ ،‬وورد ل يزني الزاني وهو‬
‫مؤمن ول يسرق السارق وهو مؤمن‪ ،‬وثمرة هذا اليمان عدم استحقاق‬
‫الذلل والهانة والعذاب في الدنيا والخرة‪ .‬الثالث العقائد المذكورة مع‬
‫فعل جميع الواجبات‪ ،‬وترك جميع المحرمات وثمرته اللحوق بالمقربين‬
‫والحشر مع الصديقين‪ ،‬وتضاعف المثوبات‪ ،‬و رفع الدرجات‪ .‬الرابع ما‬
‫ذكر مع ضم فعل المندوبات‪ ،‬وترك المكروهات‪ ،‬بل المباحات كما ورد في‬
‫أخبار صفات المؤمن‪ ،‬وبهذا المعنى يختص بالنبياء والوصياء كما ورد‬
‫في الخبار الكثيرة تفسير المؤمنين في اليات بالئمة الطاهرين عليهم‬
‫السلم‪ .‬وقد ورد في تفسير قوله سبحانه " وما يؤمن أكثرهم بال إل وهم‬
‫مشركون " )‪ (1‬أن جميع معاصي ال بل التوسل بغيره تعالى داخلة في‬
‫الشرك المذكور في هذه الية‪ ،‬وثمرة هذا اليمان أنه يؤمن على ال فيجيز‬
‫أمانه وأنه ل يرد ال دعوته وسائر ما ورد في درجاتهم عليهم السلم‬
‫ومنازلهم عند ال تعالى‪ .‬وأما السلم فيطلق غالبا على التكلم بالشهادتين‪،‬‬
‫والقرار الظاهري‪ ،‬وإن لم يقترن بالذعان القلبي ول بالقرار بالولية‪،‬‬
‫كما عرفت سابقا‪ ،‬وثمرته إنما تظهر في الدنيا من حقن دمه وماله‪ ،‬وجواز‬
‫نكاحه واستحقاقه الميراث‪ ،‬وسائر الحكام الظاهرة للمسلمين‪ ،‬وليس له‬
‫في الخرة من خلق‪ ،‬وقد يطلق على كل‬

‫)‪ (1‬يوسف‪ ،106 :‬وما ورد من الحديث في ذلك‪ ،‬رواه القمى باسناده عن الفضيل‬
‫عن أبى جعفر عليه السلم والعياشي ج ‪ 2‬ص ‪ 200‬عن زرارة عنه عليه‬
‫السلم في هذه الية قال‪ :‬شرك طاعة وليس شرك عبادة والمعاصي التى‬
‫يرتكبون فهى شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان فأشراكوا بال الطاعة‬
‫لغيره‪ ،‬وليس باشراك عبادة أن يعبدوا غير ال وروى العياشي عن مالك‬
‫بن عطية‪ ،‬عن أبى عبد ال عليه السلم قال‪ :‬هو الرجل يقول‪ :‬لول فلن‬
‫لهلكت ولول فلن لصبت كذا وكذا‪ ،‬لول فلن لضاع عيالي‪ ،‬الحديث‪.‬‬

‫]‪[128‬‬

‫من معاني اليمان حتى المعنى الخير‪ ،‬فيكون بمعنى الستسلم والنقياد التام ثم إن‬
‫اليات والخبار الدالة على دخول العمال في اليمان يحتمل وجوها الول‬
‫أن يحمل على ظواهرها‪ ،‬ويقال إن العمل داخل في حقيقة اليمان على‬
‫بعض المعاني‪ ،‬الثاني أن يكون اليمان أصل العقايد‪ ،‬لكن يكون تسميتها‬
‫إيمانا مشروطة بالعمال‪ ،‬الثالث أن يقال بزيادة اليمان وتفاوته شدة‬
‫وضعفا و تكون العمال كثرة وقلة كاشفة عن حصول كل مرتبة من تلك‬
‫المراتب‪ ،‬فانه ل شك أن لشدة اليقين مدخل في كثرة العمال الصالحة‬
‫وترك المناهي‪ ،‬وقا بسطنا الكلم في ذلك قليل في كتاب عين الحيوة‪،‬‬
‫وسيتضح لك بعض ما ذكرنا في تضاعيف الخبار التية‪ ،‬ولنذكر هنا بعض‬
‫ما ذكره أصحابنا في حقيقة اليمان والسلم‪ ،‬ومعانيهما وشرائطهما‪ .‬قال‬
‫المحقق الطوسي قدس سره القدوسي في قواعد العقائد‪ :‬المسألة الخامسة‬
‫فيما به يحصل استحقاق الثواب والعقاب قالوا‪ :‬السلم أعم في الحكم من‬
‫اليمان‪ ،‬وهما في الحقيقة شئ واحد أما كونه أعم فلن من أقر بالشهادتين‬
‫كان حكمه حكم المسلمين " قالت العراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا‬
‫أسلمنا " )‪ (1‬وأما كون السلم في الحقيقة هو اليمان فلقوله تعالى‪" :‬‬
‫إن الدين عند ال السلم " )‪ (2‬واختلفوا في معناه‪ ،‬فقال بعض السلف‪:‬‬
‫اليمان إقرار باللسان‪ ،‬وتصديق بالقلب وعمل صالح بالجوارح‪ ،‬وقالت‬
‫المعتزلة‪ :‬اصول اليمان خمسة‪ :‬التوحيد‪ ،‬والعدل والقرار بالنبوة‪،‬‬
‫وبالوعد والوعيد‪ ،‬والقيام بالمر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر‪ ،‬وقال‬
‫الشيعة‪ :‬اصول اليمان ثلثة‪ :‬التصديق بوحدانية ال تعالى في ذاته والعدل‬
‫في أفعاله‪ ،‬والتصديق بنبوة النبياء‪ .‬والتصديق بامامة الئمة المعصومين‬
‫والتصديق بالحكام التي يعلم يقينا أنه صلى ال عليه وآله حكم بها‪ ،‬دون‬
‫ما فيه الخلف والستتار‪ .‬والكفر يقابل اليمان‪ ،‬والذنب يقابل العمل‬
‫الصالح‪ ،‬وينقسم إلى كبائر‬

‫)‪ (1‬الحجرات‪ (2) .13 :‬آل عمران‪.19 :‬‬

‫]‪[129‬‬

‫وصغائر‪ ،‬ويستحق المؤمن بالجماع الخلود في الجنة‪ ،‬ويستحق الكافر الخلود في‬
‫العذاب‪ ،‬وصاحب الكبيرة عند الخوارج كافر لنهم جعلوا العمل الصالح‬
‫جزءا من اليمان‪ ،‬وعند غيرهم خارج فاسق‪ ،‬والمؤمن عند المعتزلة‬
‫والوعيدية ل يكون فاسقا وجعلوا الفاسق الذي ل يكون كافرا منزلة بين‬
‫المنزلتين اليمان والكفر‪ ،‬وهو عندهم يكون في النار خالدا‪ ،‬وعند غيرهم‬
‫المؤمن قد يكون فاسقا وقد ل يكون‪ ،‬وتكون عاقبة المر على التقديرين‬
‫الخلود في الجنة‪ .‬وقال ‪ -‬ره ‪ -‬في التجريد‪ :‬اليمان التصديق بالقلب‬
‫واللسان ول يكفي الول لقوله تعالى‪ " :‬واستيقنتها أنفسهم " )‪ (1‬ونحوه‬
‫ول الثاني لقوله تعالى‪ " :‬قل لم تؤمنوا " والكفر عدم اليمان إما مع الضد‬
‫أو بدونه‪ ،‬والفسق الخروج عن طاعة ال تعالى مع اليمان به‪ ،‬والنفاق‬
‫إظهار اليمان به وإخفاء الكفر‪ ،‬والفاسق مؤمن لوجود حده فيه‪ .‬وقال‬
‫العلمة نور ال ضريحه في الشرح‪ :‬اختلف الناس في اليمان على وجوه‬
‫كثيرة وليس هنا موضع ذكرها‪ ،‬والذي اختاره المصنف رضوان ال أنه‬
‫عبارة عن التصديق بالقلب واللسان معا ول يكفي أحدهما فيه‪ ،‬أما‬
‫التصديق القلبي فانه غير كاف لقوله تعالى " وجحدوا بها واستيقنتها‬
‫أنفسهم " و قوله تعالى‪ " :‬فلما جائهم ما عرفوا كفروا به " )‪ (2‬فأثبت‬
‫لهم المعرفة والكفر وأما التصديق اللساني فانه غير كاف أيضا لقوله تعالى‬
‫" قالت العراب آمنا " الية ول شك في أن اولئك العراب صدقوا‬
‫بألسنتهم‪ .‬وقال ‪ -‬ره ‪ :-‬الكفر في اللغة هو التغطية وفي العرف الشرعي‬
‫هو عدم اليمان إما مع الضد بأن يعتقد فساد ما هو شرط في اليمان‪ ،‬أو‬
‫بدون الضد كالشاك الخالي من العتقاد الصحيح والباطل‪ ،‬والفسق لغة‬
‫الخروج مطلقا وفي الشرع عبارة عن الخروج عن طاعة ال تعالى فيما‬
‫دون الكفر‪ ،‬والنفاق في اللغة هو إظهار خلف الباطن‪ ،‬وفي الشرع إظهار‬
‫اليمان وإبطان الكفر‪.‬‬
‫)‪ (1‬النمل‪ (2) .14 :‬البقرة‪.89 :‬‬

‫]‪[130‬‬

‫واختلف الناس في الفاسق فقالت المعتزلة‪ :‬إن الفاسق ل مؤمن ول كافر وأثبتوا له‬
‫منزلة بين المنزلتين‪ ،‬وقال الحسن البصري‪ :‬إنه منافق‪ ،‬وقالت الزيدية‪:‬‬
‫إنه كافر نعمة‪ ،‬وقالت الخوارج إنه كافر‪ ،‬والحق ما ذهب إليه المصنف‬
‫وهو مذهب المامية والمرجئة وأصحاب الحديث وجماعة الشعرية‪ ،‬أنه‬
‫مؤمن والدليل عليه أن حد المؤمن وهو المصدق بقلبه ولسانه في جميع‬
‫ما جاء به النبي صلى ال عليه وآله موجود فيه فيكون مؤمنا انتهى‪ .‬وقال‬
‫الشيخ المفيد قدس ال روحه في كتاب المسائل‪ :‬اتفقت المامية على أن‬
‫مرتكب الكبائر من أهل المعرفة والقرار ل يخرج بذلك عن السلم‪ ،‬وأنه‬
‫مسلم وإن كان فاسقا بما معه من الكبائر والثام‪ ،‬ووافقهم على هذا القول‬
‫المرجئة كافة وأصحاب الحديث قاطبة‪ ،‬ونفر من الزيدية‪ ،‬وأجمعت‬
‫المعتزلة على خلف ذلك‪ ،‬وزعموا أن مرتكب الكبائر ممن ذكرناه فاسق‬
‫ليس بمؤمن ول مسلم‪ .‬وقال قدس سره‪ :‬اتفقت المامية على أن السلم‬
‫غير اليمان وأن كل مؤمن فهو مسلم‪ ،‬وليس كل مسلم مؤمنا‪ ،‬وأن الفرق‬
‫بين هذين المعنيين في الدين كما كان في اللسان‪ ،‬ووافقهم على هذا القول‬
‫المرجئة وأصحاب الحديث‪ ،‬وأجمعت المعتزلة على عدم الفرق بينهما‪.‬‬
‫وقال الشهيد الثاني قدس سره في رسالة حقائق اليمان‪ :‬اعلم أن اليمان‬
‫لغة التصديق كما نص عليه أهلها‪ ،‬وهو إفعال من المن بمعنى سكون‬
‫النفس واطمئنانها لعدم ما يوجب الخوف لها وحينئذ فكان حقيقة " آمن به‬
‫" سكنت نفسه واطمأنت‪ ،‬بسبب قبول قوله‪ ،‬وامتثال أمره‪ .‬فتكون الباء‬
‫للسببية‪ ،‬ويحتمل أن يكون بمعنى أمنه التكذيب والمخالفة كما ذكره‬
‫بعضهم‪ ،‬فتكون الباء فيه زائدة والول أولى كما ل يخفى وأوفق لمعنى‬
‫التصديق‪ ،‬وهو يتعدى باللم كقوله تعالى " وما أنت بمؤمن لنا " )‪ (1‬و "‬
‫فآمن له لوط " )‪ (2‬وبالباء كقوله تعالى " آمنا بما أنزلت " )‪(3‬‬

‫)‪ (1‬يوسف‪ (2) .17 :‬العنكبوت‪ (3) .26 :‬آل عمران‪.53 :‬‬

‫]‪[131‬‬

‫وأما التصديق فقد قيل إنه القبول والذعان بالقلب‪ ،‬كما ذكره أهل الميزان ويمكن‬
‫أن يقال معناه قبول الخبر أعم من أن يكون بالجنان أو باللسان ويدل عليه‬
‫قوله تعالى " قالت العراب آمنا قل لم تؤمنوا " فأخبروا عن أنفسهم‬
‫باليمان ‪ -‬وهم من أهل اللسان ‪ -‬مع أن الواقع منهم هو العتراف باللسان‬
‫دون الجنان‪ ،‬لنفيه عنهم بقوله تعالى " قل لم تؤمنوا " وإثبات العتراف‬
‫بقوله تعالى " ولكن قولوا أسلمنا " )‪ (1‬الدال على كونه إقرارا‬
‫بالشهادتين وقد سموه إيمانا بحسب عرفهم‪ ،‬والذي نفاه ال عنهم إنما هو‬
‫اليمان في عرف الشرع‪ .‬وأما اليمان الشرعي فقد اختلف في بيان حقيقته‬
‫العبارات بسبب اختلف العتبارات‪ ،‬وبيان ذلك أن اليمان شرعا إما أن‬
‫يكون من أفعال القلوب فقط‪ ،‬أو من أفعال الجوارح فقد‪ ،‬أو منهما معا‪ .‬فان‬
‫كان الول فهو التصديق بالقلب فقط‪ ،‬وهو مذهب الشاعرة‪ ،‬وجمع من‬
‫متقدمي المامية ومتأخريهم‪ ،‬ومنهم المحقق الطوسى رحمه ال في‬
‫فصوله‪ ،‬لكن اختلفوا في معنى التصديق‪ ،‬فقال أصحابنا‪ :‬هو العلم‪ ،‬وقال‬
‫الشعرية هو التصديق النفساني وعنوا به أنه عبارة عن ربط القلب على‬
‫ما علم من إخبار المخبر‪ ،‬فهو أمر كسبي يثبت باختيار المصدق‪ ،‬ولذا يثاب‬
‫عليه بخلف العلم والمعرفة‪ ،‬فانها ربما تحصل بل كسب كما في‬
‫الضروريات وقد ذكر حاصل ذلك بعض المحققين فقال‪ :‬التصديق هو أن‬
‫تنسب باختيارك الصدق إلى المخبر حتى لو وقع ذلك في القلب من غير‬
‫اختيار لم يكن تصديقا‪ ،‬وإن كان معرفة‪ ،‬وسنبين إنشاء ال تعالى قصور‬
‫ذلك‪ .‬وإن كان الثاني فإما أن يكون عبارة عن التلفظ بالشهادتين فقط‪ ،‬وهو‬
‫مذهب الكرامية‪ ،‬أو عن جميع أفعال الجوارح من الطاعات بأسرها‪ ،‬فرضا‬
‫ونفل وهو مذهب الخوارج‪ ،‬وقدماء المعتزلة والعلف والقاضي عبد‬
‫الجبار‪ ،‬أو عن جميعها من الواجبات وترك المحظورات دون النوافل‪ ،‬وهو‬
‫مذهب أبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم وأكثر معتزلة البصرة‪.‬‬

‫)‪ (1‬الحجرات‪.13 :‬‬

‫]‪[132‬‬

‫وإن كان الثالث فهو إما أن يكون عبارة عن أفعال القلوب مع جميع أفعال الجوارح‬
‫من الطاعات‪ ،‬وهو قول المحدثين وجمع من السلف كابن مجاهد وغيره‬
‫فانهم قالوا إن اليمان تصديق بالجنان‪ ،‬وإقرار باللسان‪ ،‬وعمل بالركان‪،‬‬
‫أو يكون عبارة عن التصديق مع كلمتي الشهادة‪ ،‬ونسب إلى طائفة منهم‬
‫أبو حنيفة‪ ،‬أو يكون عبارة عن التصديق بالقلب مع القرار باللسان وهو‬
‫مذهب المحقق نصير الدين الطوسى رحمه ال في تجريده فهذه سبعة‬
‫مذاهب ذكرت في الشرح الجديد للتجريد وغيره‪ .‬واعلم أن مفهوم اليمان‬
‫على المذهب الول يكون تخصيصا للمعنى اللغوي وأما على المذاهب‬
‫الباقية فهو منقول‪ ،‬والتخصيص خير من النقل‪ ،‬وهنا بحث وهو أن‬
‫القائلين بأن اليمان عبارة عن فعل الطاعات كقدماء المعتزلة والعلف‬
‫والخوارج ل ريب أنهم يوجبون اعتقاد مسائل الصول وحينئذ فما الفرق‬
‫بينهم وبين القائلين بأنه عبارة عن أفعال القلوب والجوارح ويمكن الجواب‬
‫بأن اعتقاد المعارف شرط عند الولين وشطر عند الخرين‪ .‬ثم قال‪ :‬اعلم‬
‫أن المحقق الطوسي رحمه ال ذكر في قواعد العقائد أن اصول اليمان عند‬
‫الشيعة ثلثة ثم ذكر ما نقلنا عنه سابقا‪ ،‬ثم قال ذكر في الشرح الجديد‬
‫للتجريد أن اليمان في الشرع عند الشاعرة هو التصديق للرسول فيما‬
‫علم مجيئه به ضرورة فتفصيل فيما علم تفصيل‪ ،‬وإجمال فيما علم إجمال‪،‬‬
‫فهو في الشرع تصديق خاص انتهى فهؤلء اتفقوا على أن حقيقة اليمان‬
‫هي التصديق فقط‪ ،‬وإن اختلفوا في مقدار المصدق به‪ ،‬والكلم هيهنا في‬
‫مقامين‪ :‬الول في أن التصديق الذي هو اليمان المراد به اليقيني الجازم‬
‫الثابت‪ ،‬كما يظهر من كلم من حكينا عنه‪ ،‬والثاني في أن العمال ليست‬
‫جزءا من حقيقة اليمان الحقيقي‪ ،‬بل هي جزؤ من اليمان الكمالي‪ .‬أما‬
‫الدليل على الول فآيات بينات منها قوله تعالى " إن الظن ل يغني من‬
‫الحق شيئا " )‪ (1‬واليمان حق بالنص والجماع‪ ،‬فل يكفي في حصوله‬
‫وتحققه‬

‫)‪ (1‬النجم‪.28 :‬‬

‫]‪[133‬‬

‫الظن‪ ،‬ومنها " إن يتبعون إل الظن " )‪ " (1‬إن هم إل يظنون " )‪ " (2‬إن بعض‬
‫الظن إثم )‪ " (3‬فهذه قد اشتركت في التوبيخ على اتباع الظن‪ ،‬واليمان ل‬
‫يوبخ من حصل له بالجماع‪ ،‬فل يكون ظنا‪ ،‬ومنها قوله تعالى " إنما‬
‫المؤمنون الذين آمنوا بال ورسوله ثم لم يرتابوا )‪ " (4‬فنفى عنهم‬
‫الريب‪ ،‬فيكون الثابت هو اليقين‪ ،‬وفي العرف يطلق عدم الريب على‬
‫اليقين‪ ،‬ومن السنة المطهرة قوله صلى ال عليه وآله " يا مقلب القلوب‬
‫والبصار ثبت قلبي على دينك " والثبات هو الجزم والمطابقة‪ ،‬وفيه منع‬
‫لم ل يجوز أن يكون طلبه عليه السلم لنه الفرد الكمل‪ .‬ومن الدلئل أيضا‬
‫الجماع حيث ادعى بعضهم أنه يجب معرفة ال تعالى التي ل يتحقق‬
‫اليمان إل بها بالدليل إجماعا من العلماء كافة‪ ،‬والدليل ما أفاد العلم‪،‬‬
‫والظن ل يفيده‪ ،‬وفي صحة دعوى الجماع بحث لوقوع الخلف في جواز‬
‫التقليد في المعارف الصولية كما سنذكره إن شاء ال تعالى‪ .‬واعلم أن‬
‫جميع ما ذكرنا من الدلة ل يفيد شئ منه العلم بأن الجزم والثبات معتبر‬
‫في التصديق الذي هو اليمان‪ ،‬إنما يفيد الظن باعتبارهما‪ ،‬لن اليات قابلة‬
‫للتأويل‪ ،‬وغيرها كذلك‪ ،‬مع كونها من الحاد‪ .‬ثم قال رفع ال درجته‪ :‬اعلم‬
‫أن العلماء أطبقوا على وجوب معرفة ال بالنظر‪ ،‬وأنها ل تحصل بالتقليد‬
‫إل من شذ منهم كعبد ال بن الحسن العنبري والحشوية‪ ،‬والتعليمية‪ ،‬حيث‬
‫ذهبوا إلى جواز التقليد في العقائد الصولية كوجود الصانع‪ ،‬وما يجب له‬
‫ويمتنع‪ ،‬والنبوة والعدل وغيرها‪ ،‬بل ذهب بعضهم إلى وجوبه‪ ،‬لكن اختلف‬
‫القائلون بوجوب المعرفة أنه عقلي أو سمعي فالمامية والمعتزلة على‬
‫الول‪ ،‬والشعرية على الثاني‪ ،‬ول غرض لنا هنا ببيان ذلك‪ ،‬بل ببيان أصل‬
‫الوجوب المتفق عليه‪ .‬ثم استدل بوجوب شكر المنعم عقل‪ ،‬وشكره على‬
‫وجه يليق بكمال ذاته‬

‫)‪ (1‬النجم‪ (2) .28 :‬البقرة‪ (3) .78 :‬الحجرات‪ (14) .12 :‬الحجرات‪.15 :‬‬

‫]‪[134‬‬

‫يتوقف على معرفته‪ ،‬وهي ل تحصل بالظنيات كالتقليد وغيره لحتمال كذب المخبر‪،‬‬
‫وخطأ المارة‪ ،‬فلبد من النظر المفيد للعلم‪ ،‬ثم قال‪ :‬وهذا الدليل إنما يستقيم‬
‫على قاعدة الحسن والقبح‪ ،‬والشاعرة ينكرون ذلك‪ ،‬لكن كما يدل على‬
‫وجوب المعرفة بالدليل‪ ،‬يدل أيضا على كون الوجوب عقليا‪ ،‬واعترض‬
‫أيضا بأنه مبني على وجوب مال يتم الواجب المطلق إل به‪ ،‬وفيه أيضا‬
‫منوع للشاعرة‪ .‬ومن ذلك أن المة أجمعت على وجوب المعرفة‪ ،‬والتقليد‬
‫وما في حكمه ل يوجب العلم إن أوجبه لزم اجتماع الضدين في مثل تقليد‬
‫من يعتقد حدوث العالم ويعتقد قدمه‪ ،‬وقد اعترض على هذا بمنع الجماع‬
‫كيف والمخالف معروف بل عورض بوقوع الجماع على خلفه‪ ،‬وذلك‬
‫لتقرير النبي صلى ال عليه وآله وأصحابه العوام على إيمانهم‪ ،‬وهم‬
‫الكثرون في كل عصر‪ ،‬مع عدم الستفسار عن الدلئل الدالة على الصانع‬
‫وصفاته‪ ،‬مع أنهم كانوا ل يعلمونها‪ ،‬وإنما كانوا مقرين باللسان ومقلدين‬
‫في المعارف‪ ،‬ولو كانت المعرفة واجبة لما جاز تقريرهم على ذلك مع‬
‫الحكم بايمانهم‪ ،‬واجيب عن هذا بأنهم كانوا يعلمون الدلة إجمال كدليل‬
‫العرابي حيث قال " البعرة تدل على البعير‪ ،‬وأثر القدام على المسير‪،‬‬
‫أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج‪ ،‬ل تدلن على اللطيف الخبير " ؟‬
‫فلذا أقروا ولم يسألوا عن اعتقاداتهم أو أنهم كان يقبل منهم ذلك للتمرين‪،‬‬
‫ثم يبين لهم ما يجب عليهم من المعارف بعد حين‪ .‬ومن ذلك الجماع على‬
‫أنه ل يجوز تقليد غير المحق وإنما يعلم المحق من غيره بالنظر في أن ما‬
‫يقوله حق أم ل ؟ وحينئذ فل يجوز له التقليد إل بعد النظر والستدلل وإذا‬
‫صار مستدل امتنع كونه مقلدا‪ ،‬فامتنع التقليد في المعارف اللهية‪ ،‬ونقض‬
‫ذلك بلزوم مثله في الشرعيات‪ ،‬فانه ل يجوز تقليد المفتي إل إذا كانت فتياه‬
‫عن دليل شرعى‪ ،‬فان اكتفي في الطلع على ذلك بالظن وإن كان مخطئا‬
‫في نفس المر لحط ذلك عنه فليجز مثله في مسائل الصول‪ ،‬واجيب‬
‫بالفرق بأن الخطا‬
‫]‪[135‬‬

‫في مسائل الصول يقتضي الكفر‪ ،‬بخلفه في الفروع‪ ،‬فساغ في الثانية ما لم يسغ‬
‫في الولى‪ .‬احتج من أوجب التقليد في مسائل الصول بأن العلم بال تعالى‬
‫غير ممكن لن المكلف به إن لم يكن عالما به تعالى استحال أن يكون‬
‫عالما بأمره‪ ،‬وحال امتناع كونه عالما بأمره‪ ،‬يمتنع كونه مأمورا من قبله‪،‬‬
‫وإل لزم تكليف ما ل يطاق‪ ،‬وإن كان عالما به‪ ،‬استحال أيضا أمره بالعلم‬
‫به لستحالة تحصيل الحاصل‪ ،‬والجواب عن ذلك على قواعد المامية‬
‫والمعتزلة ظاهر‪ ،‬فان وجوب النظر والمعرفة عندهم عقلي ل سمعي نعم‬
‫يلزم ذلك على قواعد الشاعرة إذ الوجوب عندهم سمعي‪ .‬أقول‪ :‬ويجاب‬
‫أيضا معارضة بأن هذا الدليل كما يدل على امتناع العلم بالمعارف‬
‫الصولية‪ ،‬يدل على امتناع التقليد فيها أيضا‪ ،‬فينسد باب المعرفة بال‬
‫تعالى‪ ،‬فكل من يرجع إليه في التقليد لبد وأن يكون عالما بالمسائل‬
‫الصولية‪ ،‬ليصح تقليده‪ ،‬ثم يجري الدليل فيه‪ ،‬فيقال‪ :‬علم هذا الشخص‬
‫بال تعالى غير ممكن‪ ،‬لنه حين كلف به إن لم يكن عالما به تعالى استحال‬
‫أن يكون عالما بأمره بالمقدمات وكل ما أجابوا به فهو جوابنا‪ ،‬ول مخلص‬
‫لهم إل أن يعترفوا بأن وجوب المعرفة عقلي فيبطل ما ادعوه من أن العلم‬
‫بال تعالى غير ممكن أو سمعي فكذلك‪ .‬فان قيل‪ :‬ربما يحصل العلم لبعض‬
‫الناس بتصفية النفس أو إلهامه إلى غير ذلك‪ ،‬فيقلده الباقون‪ ،‬قلنا هذا‬
‫أيضا يبطل قولكم إن العلم بال تعالى غير ممكن‪ ،‬نعم ما ذكروه يصلح أن‬
‫يكون دليل على امتناع المعرفة بما يسمع‪ ،‬فيكون حجة على الشاعرة‪ ،‬ل‬
‫دليل على وجوب التقليد‪ .‬واحتجوا أيضا بأن النهي عن النظر قد ورد في‬
‫قوله تعالى " ما يجادل في آيات ال إل الذين كفروا " )‪ (1‬والنظر يفتح‬
‫باب الجدال فيحرم‪ ،‬ولنه عليه السلم رأى الصحابة يتكلمون في مسألة‬
‫القدر فنهاهم عن الكلم فيها‪ ،‬وقال‪ :‬إنما هلك من كان قبلكم بخوضهم في‬
‫هذا‪ ،‬ولقوله عليه السلم‪ :‬عليكم بدين العجائز‪ ،‬والمراد ترك النظر فلو كان‬

‫)‪ (1‬غافر‪.4 :‬‬

‫]‪[136‬‬

‫واجبا لم يكن منهيا عنه‪ ،‬واجيب عن الول بأن المراد الجدال بالباطل كما في قوله‬
‫تعالى " وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق " )‪ (1‬ل الجدال بالحق لقوله‬
‫تعالى " وجادلهم بالتي هي أحسن " )‪ (2‬فالمر بذلك يدل على أن الجدال‬
‫مطلقا ليس منهيا عنه‪ ،‬وعن الثاني بأن نهيهم عن الكلم في مسألة القدر‬
‫على تقدير تسليمه ل يدل على النهي عن مطلق النظر‪ ،‬بل عنه في مسألة‬
‫القدر‪ ،‬كيف وقد ورد النكار على تارك النظر في قوله تعالى " أو لم‬
‫يتفكروا في أنفسهم ما خلق ال " )‪ (3‬وقد أثنى على فاعله في قوله "‬
‫ويتفكرون في خلق السموات والرض " )‪ (4‬على أن نهيهم عن الخوض‬
‫في القدر لعله لكونه أمرا غيبيا وبحرا عميقا كما أشار إليه علي عليه‬
‫السلم بقوله " بحر عميق فل تلجه " بل كان مراد النبي صلى ال عليه‬
‫وآله التفويض في مثل ذلك إلى ال تعالى لن ذلك ليس من الصول التي‬
‫يجب اعتقادها‪ ،‬والبحث عنها مفصلة‪ .‬وهيهنا جواب آخر عنهما معا‪ ،‬وهو‬
‫أن النهي في الية والحديث مع قطع النظر عما ذكرناه إنما يدل على النهي‬
‫عن الجدال الذي ل يكون إل عن متعدد بخلف النظر فانه يكون من واحد‪،‬‬
‫فهو نصب الدليل على غير المدعى‪ ،‬وعن الثالث بالمنع من صحة نسبته‬
‫إلى النبي صلى ال عليه وآله فان بعضهم ذكر أنه من مصنوعات سفيان‬
‫الثوري فانه روي أن عمر بن عبد ال المعتزلي قال‪ :‬إن بين الكفر‬
‫واليمان منزلة بين المنزلتين‪ ،‬فقالت عجوز‪ :‬قال ال تعالى " هو الذي‬
‫خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " )‪ (5‬فلم يجعل من عباده إل الكافر‬
‫والمؤمن‪ ،‬فسمع سفيان كلمها فقال‪ :‬عليكم بدين العجائز‪ ،‬على أنه لو سلم‬
‫فالمراد به التفويض إلى ال تعالى في قضائه وحكمه والنقياد له في أمره‬
‫ونهيه‪.‬‬

‫)‪ (1‬غافر‪ (2) .5 :‬النحل‪ (3) .125 :‬الروم‪ 8 :‬وتمامه‪ :‬ما خلق ال السموات‬
‫والرض وما بينهما ال بالحق‪ (4) .‬آل عمران‪ (5) .191 :‬التغابن‪.2 :‬‬

‫]‪[137‬‬

‫واحتج من جوز التقليد بأنه لو وجب النظر في المعارف اللهية لوجد من الصحابة‪،‬‬
‫إذ هم أولى به من غيرهم‪ ،‬لكنه لم يوجد وإل لنقل كما نقل عنهم النظر‬
‫والمناظرة في المسائل الفقهية‪ ،‬فحيث لم ينقل لم يقع‪ ،‬فلم يجب‪ .‬واجيب‬
‫بالتزام كونهم أولى به‪ ،‬لكنهم نظروا وإللزم نسبتهم إلى الجهل بمعرفة ال‬
‫تعالى‪ ،‬وكون الواحد منا أفضل منهم‪ ،‬وهو باطل إجماعا‪ ،‬إذا كانوا عالمين‪،‬‬
‫وليس بالضرورة‪ ،‬فهو بالنظر والستدلل‪ ،‬وأما أنه لم ينقل النظر‬
‫والمناظرة‪ ،‬فل تفاقهم على العقائد الحقة لوضوح المر عندهم‪ ،‬حيث كانوا‬
‫ينقلون عقائدهم عمن ل ينطق عن الهوى فلم يحتاجوا إلى كثرة البحث‬
‫والنظر‪ ،‬بخلف الخلف بعدهم‪ ،‬فانهم لما كثرت شبه الضالين‪ ،‬واختلفت‬
‫أنظار طالبي اليقين‪ ،‬لتفاوت أذهانهم في إصابة الحق احتاجوا إلى النظر‬
‫والمناظرة‪ ،‬ليدفعوا بذلك شبه المضلين‪ ،‬ويقفوا على اليقين‪ ،‬أما مسائل‬
‫الفروع لما كانت امورا ظنية اجتهادية خفية لكثرة تعارض المارات فيها‬
‫وقع بينهم الخلف فيها‪ ،‬والمناظرة والتخطئة لبعضهم من بعض فلذا نقل‪.‬‬
‫واحتجوا أيضا بأن النظر مظنة الوقوع في الشبهات‪ ،‬والتورط في‬
‫الضللت‪ ،‬بخلف التقليد فانه أبعد عن ذلك‪ ،‬وأقرب إلى السلمة‪ ،‬فيكون‬
‫أولى‪ ،‬ولن الصول أغمض أدلة من الفروع وأخفى‪ ،‬فإذا جاز التقليد في‬
‫السهل‪ ،‬جاز في الصعب‪ ،‬بطريق أولى‪ ،‬ولنهما سواء في التكليف بهما‬
‫فإذا جاز في الفروع فليجز في الصول‪ .‬واجيب عن الول بأن اعتقاد‬
‫المعتقد إن كان عن تقليد لزم إما التسلسل أو النتهاء إلى من يعتقد عن‬
‫نظر‪ ،‬لنتفاء الضرورة‪ ،‬فيلزم ما ذكرتم من المحذور مع زيادة‪ ،‬وهي‬
‫احتمال كذب المخبر‪ ،‬بخلف الناظر مع نفسه‪ ،‬فانه ل يكابر نفسه فيما أدى‬
‫إليه نظره‪ ،‬على أنه لو اتفق النتهاء إلى من اتفق له العلم بغير النظر‬
‫كتصفية الباطن كما ذهب إليه بعضهم‪ ،‬أو باللهام‪ ،‬أو بخلق العلم فيه‬
‫ضرورة‪ ،‬فهو إنما يكون لفراد نادرة‪ ،‬لنه على خلف العادة فل يتيسر لكل‬
‫أحد الوصول إليه مشافهة‪ ،‬بل بالوسائط فيكثر احتمال الكذب‪ ،‬بخلف‬
‫الناظر فانه ل يكابر نفسه‬

‫]‪[138‬‬

‫ولنه أقرب إلى الوقوع على الصواب‪ ،‬وأما الجواب عن العلوة فلنه لما كان‬
‫الطريق إلى العمل بالفروع إنما هو النقل‪ ،‬ساغ لنا التقليد فيها‪ ،‬ولم يقدح‬
‫احتمال كذب المخبر‪ ،‬وإل لنسد باب العلم والعمل بها‪ ،‬بخلف العتقاديات‬
‫فان الطريق إليها بالنظر ميسر‪ .‬ثم قال رحمه ال بعد إطالة الكلم في‬
‫الجواب عن حجة الخصام‪ :‬وأما المقام الثاني وهو أن العمال ليست جزءا‬
‫من اليمان ول نفسه‪ ،‬فالدليل عليه من الكتاب العزيز والسنة المطهرة‬
‫والجماع‪ ،‬أما الكتاب فمن قوله تعالى " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات‬
‫" )‪ (1‬فان العطف يقتضي المغايرة‪ ،‬وعدم دخول المعطوف في المعطوف‬
‫عليه‪ ،‬فلو كان عمل الصالحات جزءا من اليمان أو نفسه‪ ،‬لزم خلو العطف‬
‫عن الفائدة‪ ،‬لكونه تكرارا‪ ،‬ورد بأن الصالحات جمع معرف يشمل الفرض‬
‫والنفل‪ ،‬والقائل بكون الطاعات جزءا من اليمان يريد بها فعل الواجبات‬
‫واجتناب المحرمات وحينئذ فيصح العطف لحصول المغايرة المفيد لعموم‬
‫المعطوف‪ ،‬فلم يدخل كله في المعطوف عليه نعم يصلح دليل على إبطال‬
‫مذهب القائلين بكون المندوب داخل في حقيقة اليمان كالخوارج‪ .‬ومنه‬
‫قوله تعالى " ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن " )‪ (2‬أي حالة إيمانه‬
‫وهذا يقتضي المغايرة‪ ،‬ومنه قوله تعالى " وإن طائفتان من المؤمنين‬
‫اقتتلوا " )‪ (3‬فانه أثبت اليمان لمن ارتكب بعض المعاصي‪ ،‬فل يكون ترك‬
‫المنهيات جزءا من اليمان‪ ،‬ومنه قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا اتقوا‬
‫ال وكونوا مع الصادقين " )‪ (4‬فان أمرهم بالتقوى الذي ل تحصل إل‬
‫بفعل الطاعات‪ ،‬والنزجار عن المنهيات مع وصفهم باليمان يدل على عدم‬
‫حصول التقوى لهم‪ ،‬وإل لكان أمرا بتحصيل‬
‫)‪ (1‬ترى نصه في آيات كثيرة منها‪ :‬البقرة‪ (2) .277 :‬طه‪ (3) .112 :‬الحجرات‪:‬‬
‫‪ (4) .9‬براءة‪.119 :‬‬

‫]‪[139‬‬

‫الحاصل‪ ،‬ومنه اليات الدالة على كون القلب محل لليمان‪ ،‬من دون ضميمة شئ‬
‫آخر كقوله تعالى " اولئك كتب في قلوبهم اليمان " )‪ (1‬ولو كان القرار‬
‫أو غيره من العمال نفس اليمان أو جزءه لما كان القلب محل جميعه‪،‬‬
‫وقوله تعالى " ولما يدخل اليمان في قلوبكم " )‪ (2‬وقوله تعالى " وقلبه‬
‫مطمئن باليمان " )‪ .(3‬وكذا آيات الطبع والختم تشعر بأن محل اليمان‬
‫القلب كقوله تعالى‪ " :‬اولئك الذين طبع ال على قلوبهم " )‪] (4‬وطبع ال‬
‫على قلوبهم[ " فهم ل يؤمنون " )‪ " (5‬وختم على سمعه وقلبه وجعل‬
‫على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد ال " )‪ .(6‬وأما السنة فكقوله صلى‬
‫ال عليه وآله‪ :‬يا مقلب القلوب والبصار ثبت قلبي على دينك‪ ،‬وروي أن‬
‫النبي صلى ال عليه وآله سأل جبرئيل عن اليمان فقال‪ :‬أن تؤمن بال‬
‫ورسله‪ ،‬واليوم الخر‪ .‬وأما الجماع فهو أن المة أجمعت على أن اليمان‬
‫شرط لسائر العبادات والشئ ل يكون شرطا لنفسه‪ ،‬فل يكون اليمان هو‬
‫العبادات‪ .‬وأما أهل الثاني وهم الكرامية )‪ (7‬فقد استدلوا على مذهبهم بأن‬
‫النبي صلى ال عليه وآله والصحابة كانوا يكتفون في الخروج عن الكفر‬
‫بكلمتي الشهادتين‪ ،‬فتكون هي اليمان‪ ،‬إذ ل واسطة بين الكفر واليمان‪.‬‬
‫لن الكفر عدم اليمان‪ ،‬ولقوله تعالى " فمنكم كافر ومنكم مؤمن " )‪(8‬‬
‫وبقوله صلى ال عليه وآله امرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل‬
‫ال‪ ،‬وبعثه صلى ال عليه وآله لسامة‪ ،‬حين قتل من تكلم بالشهادتين‪:‬‬

‫)‪ (1‬المجادلة‪ (2) .22 :‬الحجرات‪ (3) ،13 :‬النحل‪ (4) .106 :‬النحل‪(5) .108 :‬‬
‫براءة‪ (6) .93 :‬الجاثية‪ ،23 :‬وصححنا اليات بعرضها على المصحف‬
‫الشريف‪ (7) .‬أتباع محمد بن كرام ‪ -‬كشداد ‪ -‬ومن اعتقاده أن معبوده‬
‫مستقر على العرش وأنه جوهر تعالى ال عن ذلك‪ (8) .‬التغابن‪.2 :‬‬

‫]‪[140‬‬

‫هل شققت قلبه أو هل شققت قلبه‪ ،‬على بعض النسخ‪ ،‬يريد بذلك النكار عليه حيث‬
‫لم يكتف بالشهادتين منه والجواب عن الول أن الخروج عن الكفر بكلمة‬
‫الشهادة إن أرادوا به الخروج في نفس المر بحيث يصير مؤمنا عند ال‬
‫سبحانه بمجرد ذلك‪ ،‬من دون تصديق فهو ممنوع‪ ،‬لم ل يجوز أن يكون‬
‫اكتفاؤهم بذلك للترغيب في السلم ل للحكم باليمان ؟ وإن أرادوا به‬
‫الخروج بحسب الظاهر‪ ،‬فهو مسلم لكن ل ينفعهم‪ ،‬إذ الكلم فيما يتحقق به‬
‫اليمان عند ال تعالى بحيث يصير المتصف به مؤمنا في نفس المر‪ ،‬ل‬
‫فيما يتحقق به السلم في ظاهر الشرع‪ ،‬حيث ل يمكن الطلع على‬
‫الباطن‪ ،‬أل ترى أنهم كانوا يحكمون بكفر من ظهر منه النفاق‪ ،‬بعد الحكم‬
‫باسلمه‪ ،‬ولو كان مؤمنا في نفس المر لما جاز ذلك‪ ،‬وأما نفي الواسطة )‬
‫‪ (1‬فهو مستقيم على أخذ الحكم في نفس المر‪ ،‬فان حال المكلف في نفس‬
‫المر ل يخلو عن أحدهما‪ ،‬وأما جعل ل إله إل ال غاية للقتال فل يدل على‬
‫أكثر من كونه للترغيب في السلم أيضا بسبب حقن الدماء‪ ،‬على أن النبي‬
‫صلى ال عليه وآله ربما ل يطلع على بواطن الناس‪ ،‬فكيف يؤمر بالقتال‬
‫على مال يطلع عليه‪ .‬وأما أهل الثالث‪ ،‬وهم قدماء المعتزلة‪ ،‬القائلون بأنه‬
‫جميع الطاعات فرضا ونفل‪ ،‬فمن أمتن دلئلهم على ذلك قوله تعالى‪" :‬‬
‫وما امروا إل ليعبدوا ال مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلة ويؤتوا‬
‫الزكوة وذلك دين القيمة " )‪ (2‬والمشار إليه بذلك هو جميع ما حصر بإل‬
‫وما عطف عليه‪ ،‬والدين هو السلم لقوله تعالى " إن الدين عند ال‬
‫السلم " )‪ (3‬والسلم هو اليمان لقوله تعالى " ومن يبتغ غير السلم‬
‫دينا فلن يقبل منه " )‪ (4‬ول ريب أن اليمان مقبول من مبتغيه للنص‬
‫والجماع‪ ،‬فيكون إسلما‪ ،‬فيكون دينا‪ ،‬فيعتبر فيه الطاعات كما دلت عليه‬
‫اليات‪.‬‬

‫)‪ (1‬يعنى في قوله تعالى‪ :‬فمنكم كافر ومنكم مؤمن‪ (2) .‬البينة‪ (3) .5 :‬آل عمران‪:‬‬
‫‪ (4) .1‬آل عمران‪.85 :‬‬

‫]‪[141‬‬

‫والجواب المنع من اتحاد الدينين في اليتين‪ ،‬فل يتكرر الوسط‪ ،‬ولو سلم اتحادهما‬
‫فل نسلم أن اليمان هو السلم‪ ،‬ليكون هو الدين فيعتبر فيه الطاعات لم ل‬
‫يجوز أن يكون اليمان شرطا للسلم أو جزءا منه أو بالعكس‪ ،‬وشرط‬
‫الشئ وجزؤه يقبل مع كونه غيره‪ ،‬ول يلزم من ذلك أن يكون اليمان هو‬
‫الدين بل شرطه أو جزؤه‪ ،‬على أنا لو قطعنا النظر عن جميع ذلك فالية‬
‫الكريمة إنما تدل على أن من ابتغى وطلب غير دين السلم دينا له‪ ،‬فلن‬
‫يقبل منه ذلك المطلوب‪ ،‬ولم تدل على أن من صدق بما أوجبه الشارع‬
‫عليه‪ ،‬لكنه ترك فعل بعض الطاعات غير مستحل أنه طالب لغير دين‬
‫السلم‪ ،‬إذ ترك الفعل يجتمع مع طلبه‪ ،‬لعدم المنافاة بينهما‪ ،‬فإن الشخص‬
‫قد يكون طالبا للطاعة مريدا لها لكنه تركها إهمال وتقصيرا ول يخرج‬
‫بذلك عن ابتغائهما‪ .‬واستدلوا أيضا بقوله تعالى‪ " :‬وما كان ال ليضيع‬
‫إيمانكم " )‪ (1‬أي صلتكم إلى بيت المقدس‪ ،‬واعترض عليه بأنه لم ل‬
‫يجوز أن يكون المراد به تصديقكم بتلك الصلة‪ ،‬سلمنا ذلك لكن ل دللة‬
‫لهم في الية‪ ،‬وذلك لنهم زعموا أن اليمان جميع الطاعات‪ ،‬والصلة إنما‬
‫هي جزؤ من الطاعات‪ ،‬وجزؤ الشئ ل يكون ذلك الشئ‪ .‬وأما أهل الرابع‪،‬‬
‫وهم القائلون بكونه عبارة عن جميع الواجبات وترك المحظورات‪ ،‬دون‬
‫النوافل‪ ،‬فقد يستدل لهم بقوله تعالى‪ " :‬إنما يتقبل ال من المتقين " )‪(2‬‬
‫والتقوى ل يتحقق إل بفعل المأمور به‪ ،‬وترك المنهي عنه‪ ،‬فل يكون‬
‫التصديق مقبول ما لم يحصل التقوى‪ ،‬وبما روي أن الزاني ل يزني وهو‬
‫مؤمن‪ ،‬وبقوله عليه السلم‪ :‬ل إيمان لمن ل أمانة له‪ ،‬وبقوله تعالى‪" :‬‬
‫ومن لم يحكم بما أنزل ال فاولئك هم الكافرون " )‪ (3‬وقد ل يحكم بما أنزل‬
‫ال أو يحكم بما لم‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .143 :‬المائدة‪ (3) .27 :‬المائدة‪.47 :‬‬

‫]‪[142‬‬

‫ينزل ال مصدقا‪ ،‬فلو تحقق اليمان بالتصديق لزم اجتماع الكفر واليمان في محل‬
‫واحد‪ ،‬وهو محال لتقابلهما بالعدم والملكة‪ .‬والجواب عن الول أنه يجوز‬
‫أن يكون المراد ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬العمال الندبية‪ ،‬على أنا نقول‪ :‬إن ظاهر‬
‫الية الكريمة متروك‪ ،‬فإنها تدل ظاهرا على أن من أخلص في جميع أفعاله‬
‫وكان قد سبق منه معصية واحدة لم يثب عليها ويكون جميع أعمال‬
‫الطاعات اللحقة غير مقبولة‪ ،‬والقول بذلك مع بعده عن حكمة ال تعالى‬
‫من أفظع الفظايع‪ ،‬فل يكون مرادا بل المراد ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أن من عمل‬
‫عمل إنما يكون مقبول إذا كان متقيا فيه‪ ،‬بأن يكون مخلصا فيه ل تعالى‬
‫وحينئذ فل دللة لهم في الية الكريمة مع أنا لو تنزلنا عن ذلك وقلنا‬
‫بدللتها على عدم قبول التصديق من دون التقوى‪ ،‬فل يحصل بذلك مدعاهم‬
‫الذي هو كون اليمان عبارة عن جميع الواجبات ‪ -‬الخ ‪ ،-‬ولقائل أن يقول‪:‬‬
‫لم ل يجوز أن يكون اليمان عبارة عما ذكرتم مع التصديق بالمعارف‬
‫الصولية‪ ،‬وعدم قبول الجزء إنما هو لعدم قبول الكل‪ .‬وأما الحديث الول‬
‫على تقدير تسليمه‪ ،‬فيمكن حمله على المبالغة في الزجر أو تخصيصه بمن‬
‫استحل‪ ،‬ودليل التخصيص في أحاديث اخر أو على نفي الكمال في اليمان‪،‬‬
‫وكذا الحديث الثاني وأما الستدلل بالية فقد تعارض بقوله تعالى‪ " :‬ومن‬
‫لم يحكم بما أنزل ال فاولئك هم الفاسقون )‪ " (1‬والفاسق مؤمن على‬
‫المذهب الحق‪ ،‬وبين المنزلتين على غيره‪ ،‬ويمكن أن يقال الفسق ل ينافي‬
‫الكفر إذ الكافر فاسق لغة‪ ،‬وإن كان في العرف يباينه‪ ،‬لكنه لم يتحقق كونه‬
‫عرف الشارع‪ ،‬بل المعلوم كونه لهل الشرع والصول‪ ،‬فل تعارض حينئذ‪.‬‬
‫أقول‪ :‬والحق في الجواب أن المراد ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬ومن لم يحكم بما أنزل‬
‫أي بما علم قطعا أن ال سبحانه أنزله فان العدول عنه إلى غيره مستحل‬
‫أو الوقوف عنه كذلك ل ريب في كونه كفرا لنه إنكار لما علم ثبوته‬
‫ضرورة‪ ،‬فل يكون‬

‫)‪ (1‬المائدة‪.48 :‬‬

‫]‪[143‬‬

‫التصديق حاصل‪ ،‬وحينئذ فل دللة فيها على أن من ارتكب معصية غير مستحل أو‬
‫مستحل مع كون تحريمها لم يعلم من الدين ضرورة‪ ،‬يكون كافرا‪ ،‬وإنما‬
‫ارتكبنا هذا الضمار في الية لما دل عليه النص والجماع من أن الحاكم‬
‫لو أخطأ في حكمه لم يكفر‪ ،‬مع أنه يصدق عليه أنه لم يحكم بما أنزل ال‪.‬‬
‫واعلم أنه قد ظهر من هذا الجواب وجه آخر للجمع بين اليتين‪ ،‬ورفع‬
‫التعارض بين ظاهرهما‪ ،‬بأن يراد من إحداهما ما ذكرناه في الجواب‪ ،‬ومن‬
‫الخرى ومن لم يحكم غير مستحل مع علمه بالتحريم فهو فاسق‪،‬‬
‫والحاصل أنه يقال لهم‪ :‬إن أردتم بالطاعات والتروك ما علم ثبوته من‬
‫الدين ضرورة‪ ،‬فنحن نقول بموجب ذلك‪ ،‬لكن ل يلزم منه مدعاكم‪ ،‬لجواز‬
‫كون الحكم بكفره إما لجحده ما علم من الدين ضرورة‪ ،‬فيكون قد أخل بما‬
‫هو شرط اليمان‪ ،‬وهو عدم الجحد على ما قدمناه‪ ،‬أو لكون المذكورات‬
‫جزء اليمان على ما ذهب إليه بعضهم‪ ،‬وإن أردتم العم فل دللة لكم فيها‬
‫أيضا وهو ظاهر‪ .‬وأما أهل الخامس القائلون بأنه تصديق بالجنان وإقرار‬
‫باللسان‪ ،‬وعمل بالركان‪ ،‬فيستدل لهم بما استدل به أهل التصديق مع ما‬
‫استدل به أهل العمال ومن أضاف القرار باللسان إلى الجنان‪ ،‬وقد علمت‬
‫تزييف ما سوى الول وسيجئ إنشاء ال تعالى تزييف أدلة من أضاف‬
‫القرار‪ ،‬فلم يبق لمذهبهم قرار‪ .‬نعم في أحاديث أهل البيت عليهم السلم ما‬
‫يشهد لهم‪ ،‬وقد ذكر في الكافي وغيره منها جملة فمنها ما رواه عن عبد‬
‫الرحيم القصير قال‪ :‬كتبت مع عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد ال عليه‬
‫السلم أسأله عن اليمان ما هو ؟ إلى آخر الخبر )‪ (1‬ومنها ما رواه عن‬
‫عجلن أبي صالح قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬أوقفني على حدود‬
‫اليمان الخبر )‪ (2‬ومنها عن محمد بن مسلم عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال سألته عن اليمان الخبر )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ .27‬وقد مر في ج ‪ 68‬ص ‪ 256‬تحت الرقم ‪ 15‬من الباب ‪.24‬‬
‫)‪ (2‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 18‬وقد مر في باب دعائم السلم‪ ،‬راجع ج ‪ 68‬ص‬
‫‪ (3) .330‬راجع الرقم ‪ 4‬من هذا الباب ص ‪.22‬‬
‫]‪[144‬‬

‫ثم قال قدس سره‪ :‬واعلم أن هذه الحاديث منها ما سنده غير نقي كالول فان في‬
‫سنده عبد الرحيم وهو مجهول مع كونه مكاتبة‪ ،‬وأما الثاني فان سنده وإن‬
‫كان جيدا إل أن دللته غير صريحة فان كون المذكورات حدود اليمان ل‬
‫يقتضي كونها نفس حقيقته إذ حد الشئ نهايته وما ل يجوز تجاوزه فان‬
‫تجاوزه خرج عنه‪ ،‬ونحن نقول بموجب ذلك‪ ،‬فان من تجاوز هذه‬
‫المذكورات بأن تركها جاحدا ل ريب في خروجه عن اليمان‪ ،‬لكن لعل ذلك‬
‫لكونها شروطا لليمان ل لكونها نفسه‪ ،‬وأما الثالث فان دللته وإن كانت‬
‫جيدة إل أن في سنده إرسال مع كون العل مشتركا بين المقبول والمجهول‪،‬‬
‫وبالجملة فهذه الرواية معارضة بما هو أمتن منها دللة وقد تقدم ذلك‪،‬‬
‫فليراجع‪ ،‬نعم ل ريب في كونها مؤيدة لما قالوه‪ .‬وأما أهل السادس‬
‫القائلون بأنه التصديق مع كلمتي الشهادة‪ ،‬ففيما مر من الحاديث ما يصلح‬
‫شاهدا لهم‪ ،‬وكذا ما ذكره الكرامية مع ما ذكره أهل التصديق يصلح شاهدا‬
‫لهم‪ ،‬وقد عرفت ما في الولين‪ ،‬فل نعيده‪ .‬وأما السابع فانه مذهب جماعة‬
‫من المتأخرين منهم المحقق الطوسي ‪ -‬ره ‪ -‬في تجريده فانه اعتبر في‬
‫حقيقة اليمان مع التصديق القرار باللسان‪ ،‬قال‪ :‬ول يكفي الول لقوله‬
‫تعالى " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم " )‪ (1‬أثبت للكفار الستيقان‬
‫النفسي‪ ،‬وهو التصديق القلبي فلو كان اليمان هو التصديق القلبي فقط لزم‬
‫اجتماع الكفر واليمان‪ ،‬وهو باطل لتقابلهما تقابل العدم والملكة‪ ،‬ول الثاني‬
‫يعني القرار باللسان لقوله تعالى " قالت العراب آمنا " الية ولقوله‬
‫تعالى‪ " :‬ومن الناس من يقول آمنا بال وباليوم الخر وما هم بمؤمنين "‬
‫)‪ (2‬فأثبت لهم تعالى في اليتين التصديق باللسان‪ ،‬ونفى عنهم اليمان‪.‬‬
‫أقول‪ :‬الستدلل على عدم الكتفاء بالثاني مسلم موجه‪ ،‬وكذا على عدم‬
‫الكتفاء بالول أما على اعتبار القرار ففيه بحث‪ ،‬فان الدليل أخص من‬
‫المدعى‬

‫)‪ (1‬النمل‪ (2) .14 :‬الحجرات‪ ،13 :‬البقرة‪.8 :‬‬

‫]‪[145‬‬

‫إذ المدعى أن اليمان ل يتحقق إل بالتصديق مع القرار‪ ،‬وبدون ذلك يتحقق الكفر‪،‬‬
‫والية الكريمة إنما دلت على ثبوت الكفر لمن جحد أي أنكر اليات مع‬
‫علمه بحقيتها‪ ،‬وبينهما واسطة‪ ،‬فان من حصل له التصديق اليقيني في أول‬
‫المر‪ ،‬ولم يكن تلفظ بكلمات اليمان‪ ،‬ل يقال إنه منكر ول جاحد وحينئذ فل‬
‫يلزم اجتماع الكفر واليمان في مثل هذه الصورة مع أنه غير مقر ول تارك‬
‫للقرار جحدا كما هو المفروض‪ ،‬هذا إن قصد بالية الدللة على اعتبار‬
‫القرار أيضا‪ ،‬و إل لكان اعتبار القرار دعوى مجردة‪ ،‬وقد علمت ما عليه‪.‬‬
‫وأما دللة الية الكريمة على كفره في صورة جحده واستيقانه‪ ،‬فنقول‬
‫بموجبه لكن ليس لعدم إقراره فقط بل لنه ضم إنكارا إلى استيقان‪،‬‬
‫وبالجملة فهو من جملة العلمات على الحكم بالكفر‪ ،‬كما جعل الستخفاف‬
‫بالشارع أو الشرع ووطئ المصحف علمة على الحكم بالكفر‪ ،‬مع أنه قد‬
‫يكون مصدقا كما سبقت الشارة إليه‪ ،‬نعم غاية ما يلزم أن يكون إقرار‬
‫المصدق شرطا لحكمنا بايمانه ظاهرا‪ ،‬و أما قبل ذلك وبعد التصديق فهو‬
‫مؤمن عند ال تعالى إذا لم يكن تركه للقرار عن جحد‪ ،‬على أنه يلزمه‬
‫قدس سره أن من حصل له التصديق بالمعارف اللهيه ثم عرض له الموت‬
‫فجأة قبل القرار يموت كافرا ويستحق العذاب الدائم مع اعتقاده وحدة‬
‫الصانع وحقية ما جاء به النبي صلى ال عليه وآله ول أظن أن مثل هذا‬
‫المحقق يلتزم ذلك‪ .‬والحاصل أنه إن أراد رحمه ال أن كون النسان مؤمنا‬
‫عند ال سبحانه‪ ،‬كما هو ظاهر كلمه‪ ،‬ل يتحقق إل بمجموع المرين‪،‬‬
‫فالواسطة واللتزام ل زمان عليه وإن أراد أن كونه مؤمنا في ظاهر‬
‫الشرع ل يتحقق إل بالمرين معا‪ ،‬فالنزاع لفظي فان من اكتفى فيه‬
‫بالتصديق يريد به كونه مؤمنا عند ال تعالى فقط‪ ،‬وأما عند الناس فلبد‬
‫في العلم بذلك من القرار ونحوه‪ .‬واعلم أنه استدل بعضهم على هذا‬
‫المذهب أيضا بأنا نعلم بالضرورة أن اليمان في اللغة هو التصديق‪،‬‬
‫والدلئل عليه كثيرة‪ ،‬فإما أن يكون في الشرع‬

‫]‪[146‬‬

‫كذلك أو يكون منقول عن معناه في اللغة‪ ،‬والثاني باطل لن أكثر اللفاظ تكرارا في‬
‫القرآن وكلم الرسول صلى ال عليه وآله لفظ اليمان‪ ،‬فلو كان منقول عن‬
‫معناه اللغوي لوجب أن يكون حاله كحال سائر العبادات الظاهرة في وجوب‬
‫العلم به‪ ،‬فلما لم يكن كذلك علمنا أنه باق على وضع اللغة‪ .‬إذا ثبت هذه‬
‫فنقول‪ :‬ذلك التصديق إما أن يكون هو التصديق القلبي أو اللساني‪ ،‬أو‬
‫مجموعهما‪ ،‬والول باطل لقوله تعالى " فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به "‬
‫)‪ (1‬فأثبت لهم المعرفة مع أنه حكم بكفرهم‪ ،‬ولو كان مجرد المعرفة إيمانا‬
‫لما صح ذلك‪ ،‬وأيضا قوله تعالى " فلما جائتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا‬
‫سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا " )‪ (2‬ول يصح‬
‫أن يكون جحدهم لها بقلوبهم حيث أثبت لهم الستيقان بها‪ ،‬فلبد أن يكون‬
‫بألسنتهم حيث لم يقروا بها وإذا كان الجحد باللسان موجبا للكفر كان‬
‫القرار به مع التصديق القلبي موجبا لليمان‪ ،‬فيكون القرار من محققات‬
‫اليمان‪ ،‬وأيضا قوله تعالى حكاية عن موسى على نبينا وآله وعليه السلم‬
‫إذ يقول لفرعون " لقد علمت ما أنزل هؤلء إل رب السموات والرض "‬
‫)‪ (3‬فأثبت كونه عالما بأن ال تعالى هو الذي أنزل اليات التي جاء بها‬
‫موسى عليه السلم فلو كان مجرد العلم هو اليمان لكان فرعون مؤمنا‬
‫وهو باطل بنص القرآن العزيز‪ ،‬وإجماع النبياء عليهم السلم من لدن‬
‫موسى عليه السلم إلى محمد صلى ال عليه وآله وأيضا قوله تعالى "‬
‫فانهم ل يكذبونك ولكن الظالمين بآيات ال يجحدون " )‪ (4‬ومعنى ذلك‬
‫وال أعلم أنهم يجحدون ذلك بألسنتهم ول يكذبونك بقلوبهم أي يعلمون‬
‫نبوتك‪ ،‬ول يستقيم أن يكون المعنى ل يكذبونك بألسنتهم لمنافاة يجحدون‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .89 :‬النمل‪ ،14 :‬وفى نسخة الكمبانى بين صدر الية وذيلها تقديم‬
‫وتأخير‪ ،‬والظاهر أن النساخ نقلوا السقط من الهامش الى المتن في غير‬
‫موضعه‪ (3) .‬اسرى‪ (4) .102 :‬النعام‪.33 :‬‬

‫]‪[147‬‬

‫بألسنتهم له‪ ،‬فيلزم أن يكونوا كذبوا بألسنتهم ولم يكذبوا بها‪ ،‬وبطلنه ظاهر فيجب‬
‫تنزيه القرآن العزيز عنه‪ .‬ولك أن تقول‪ :‬لم ل يجوز أن يكون المعنى ل‬
‫يكذبونك بألسنتهم ولكن يجحدون نبوتك بقلوبهم كما أخبر ال تعالى عن‬
‫المنافقين في سورتهم حيث قالوا‪ " :‬نشهد إنك لرسول ال " )‪ (1‬وكذبهم‬
‫ال تعالى حيث شهد سبحانه وتعالى بكذبهم فقال " وال يشهد إن‬
‫المنافقين لكاذبون " والمراد في شهادتهم أي فيما تضمنته من أنها عن‬
‫صميم القلب وخلوص العتقاد كما ذكره جماعة من المفسرين حيث لم‬
‫توافق عقيدتهم فقد علم من ذلك أنهم لم يكذبوه بألسنتهم‪ ،‬بل شهدوا له بها‬
‫ولكنهم جحدوا ذلك بقلوبهم حيث كذبهم ال تعالى في شهادتهم‪ .‬والجواب‪،‬‬
‫التكذيب لهم ورد على نفس شهادتهم التي هي باللسان‪ ،‬ل على نفس‬
‫عقيدتهم‪ ،‬وبالجملة فهذا ل يصلح نظيرا لما نحن فيه‪ ،‬على أن معنى الجحد‬
‫كما قر روه هو النكار باللسان‪ ،‬مع تصديق القلب‪ ،‬وما ذكر من الحتمال‬
‫عكس هذا المعنى‪ .‬ثم قال‪ :‬والثاني باطل أما أول فبالتفاق من المامية‬
‫وأما ثانيا فلقوله تعالى‪ " :‬قالت العراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا‬
‫أسلمنا " )‪ (2‬ول شك أنهم كانوا صدقوا بألسنتهم‪ ،‬وحيث لم يكن كافيا نفى‬
‫ال تعالى عنهم اليمان مع تحصله وقوله تعالى " ومن الناس من يقول‬
‫آمنا بال وباليوم الخر وما هم بمؤمنين " )‪ (3‬فأثبت لهم القرار‬
‫والتصديق باللسان ونفى إيمانهم فثبت بذلك أن اليمان هو التصديق مع‬
‫القرار‪ .‬ثم قال‪ :‬ل يقال‪ :‬لو كان القرار باللسان جزء اليمان للزم كفر‬
‫الساكت لنا نقول لو كان اليمان هو العلم أي التصديق لكان النائم غير‬
‫مؤمن‪ ،‬لكن لما كان النوم ل يخرجه عن كونه مؤمنا بالجماع مع كونه‬
‫أولى بأن يخرج النائم عن‬
‫)‪ (1‬المنافقون‪ 1 :‬وهكذا ما بعده‪ (2) .‬الحجرات‪ (3) .13 :‬البقرة‪.8 :‬‬

‫]‪[148‬‬

‫اليمان‪ ،‬لنه ل يبقى معه معنى من اليمان بخلف الساكت فانه قد بقي معه معنى‬
‫منه‪ ،‬وهو العلم‪ ،‬لم يكن السكوت مخرجا بطريق أولى‪ ،‬نعم لو كان الخروج‬
‫عن التصديق والقرار أو عن أحدهما على جهة النكار والجحد لخرج بذلك‬
‫عن اليمان ولذلك قلنا إن اليمان هو التصديق بالقلب‪ ،‬والقرار باللسان أو‬
‫ما في حكمهما انتهى محصل ما ذكره‪ .‬أقول‪ :‬قوله‪ :‬إن النائم ينتفي عنه‬
‫العلم أي التصديق غير مسلم‪ ،‬وإنما المنفي شعوره بذلك العلم‪ ،‬وهو غير‬
‫العلم‪ ،‬فالتصديق حينئذ باق لكونه من الكيفيات النفسية فل يزيله النوم‬
‫وحينئذ فل يلزم من عدم الحكم بانتفاء اليمان عن النائم عدم الحكم‬
‫بانتفائه عن الساكت بطريق أولى‪ ،‬نعم الحكم بعدم انتفائه عن الساكت على‬
‫مذهب من جعل القرار جزءا إما للزوم الحرج العظيم بدوام القرار في كل‬
‫وقت‪ ،‬أو أن يكون المراد من كون القرار جزءا لليمان القرار في الجملة‪،‬‬
‫أو في وقت ما مع البقاء عليه‪ ،‬فل ينافيه السكوت المجرد‪ ،‬وإنما ينافيه مع‬
‫الجحد لعدم بقاء القرار حينئذ‪ .‬وأقول‪ :‬الذي ذكره من الدليل على عدم‬
‫النقل ل يدل وحده على كون القرار جزءا‪ ،‬وهو ظاهر‪ ،‬بل قصد به الدللة‬
‫على بطلن ما عدا مذهب أهل التصديق‪ .‬ثم استدل على بطلن مذهب‬
‫التصديق بما ذكره من اليات الدالة على اعتبار القرار في اليمان‪ ،‬فيكون‬
‫اليمان الشرعي تخصيصا للغوي كما هو عند أهل التصديق‪ ،‬وهذا جيد‬
‫لكن دللة اليات على اعتبار القرار ممنوعة‪ ،‬وقد بينا ذلك سابقا أن‬
‫تكفيرهم إنما كان لجحدهم القرار‪ ،‬وهو أخص من عدم القرار‪ ،‬فتكفيرهم‬
‫بالجحد ل يستلزم تكفيرهم بمطلق عدم القرار‪ ،‬ليكون القرار معتبرا‪ ،‬نعم‬
‫اللزم من اليات اعتبار عدم الجحد مع التصديق‪ ،‬وهو أعم من القرار‪،‬‬
‫واعتبار العم ل يستلزم اعتبار الخص وهو ظاهر‪ .‬وهذا جواب عن‬
‫استدلله بجميع اليات‪ ،‬ونزيد في الجواب عن الستدلل بقوله تعالى في‬
‫الحكاية عن موسى عليه وعلى نبينا وآله الصلة والسلم‪:‬‬

‫]‪[149‬‬

‫" لقد علمت ما أنزل هؤلء " )‪ (1‬الية أنه يجوز أن يكون نسب إلى فرعون العلم‬
‫على طريق الملطفة والملءمة‪ ،‬حيث كان مأمورا عليه السلم بذلك بقوله‬
‫" فقول له قول لينا لعله يتذكر أو يخشى " )‪ (2‬وهذا شائع في الستعمال‬
‫كما يقال في المحاورات كثيرا " وأنت خبير بأنه كذا وكذا " مع أن‬
‫المخاطب بذلك قد ل يكون عارفا بذلك المعنى أصل‪ ،‬بل قد ل يكون هناك‬
‫مخاطب أصل كما يقع في المؤلفات كثيرا‪ ،‬وعلى هذا فل تدل الية على‬
‫ثبوت العلم لفرعون‪ ،‬ولو سلم ثبوته كان الحكم بكفره للجحد‪ ،‬ل لعدم‬
‫القرار مطلقا كما سبق بيانه‪ .‬واعلم أن المحقق الطوسي قدس سره اختار‬
‫في فصوله الكتفاء بالتصديق القلبي في تحقق اليمان‪ ،‬فكأنه رحمه ال‬
‫لحظ ما ذكرناه‪ ،‬وقد استدل له بعض الشارحين بقوله تعالى " اولئك كتب‬
‫في قلوبهم اليمان " )‪ (3‬وبقوله تعالى " ولما يدخل اليمان في قلوبكم "‬
‫)‪ (4‬فيكون حقيقة فيه‪ ،‬فلو اطلق على غيره لزم الشتراك أو المجاز‪ ،‬وهما‬
‫خلف الصل‪ ،‬والقرار باللسان كاشف عنه‪ ،‬والعمال الصالحة ثمراته‪.‬‬
‫أقول‪ :‬الذي ظهر مما قررناه أن اليمان هو التصديق بال وحده وصفاته‬
‫وعدله وحكمته‪ ،‬وبالنبوة وبكل ما علم بالضرورة مجئ النبي صلى ال‬
‫عليه وآله به مع القرار بذلك‪ ،‬وعلى هذا أكثر المسلمين بل ادعى بعضهم‬
‫إجماعهم على ذلك‪ ،‬والتصديق بامامة الئمة الثنى عشر عليهم السلم‬
‫وبامام الزمان وهذا عند المامية‪.‬‬

‫)‪ (1‬أسرى‪ (2) .102 :‬طه‪ (3) .44 :‬المجادلة‪ (4) .22 :‬الحجرات‪.13 :‬‬

‫]‪[150‬‬

‫‪) * - 31‬باب( * " )في عدم لبس اليمان بالظلم( " الية النعام‪ " :‬الذين آمنوا‬
‫ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اولئك لهم المن وهم مهتدون " )‪ .(1‬تفسير‪" :‬‬
‫الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " قال الطبرسي رحمه ال‪ :‬معناه‬
‫الذين عرفوا ال تعالى وصدقوا به‪ ،‬وبما أوجبه عليهم‪ ،‬ولم يخلطوا ذلك‬
‫بظلم‪ ،‬والشرك هو الظلم‪ ،‬عن ابن عباس وابن المسيب وأكثر المفسرين‪،‬‬
‫وروي عن ابي بن كعب أنه قال ألم تسمع قوله سبحانه " إن الشرك لظلم‬
‫عظيم " )‪ (2‬وهو المروي عن سلمان وحذيفة‪ ،‬وروي عن ابن مسعود‬
‫قال‪ :‬لما نزلت هذه الية شق على الناس وقالوا يا رسول ال وأينا لم يظلم‬
‫نفسه فقال عليه السلم إنه ليس الذي تعنون‪ ،‬ألم تسمعوا إلى ما قال العبد‬
‫الصالح " يا بني ل تشرك بال إن الشرك لظلم عظيم " وقال الجبائي‬
‫والبلخي يدخل في الظلم كل كبيرة تحبط ثواب الطاعة‪ ،‬قال البلخي ولو‬
‫اختص الشرك على ما قالوه لوجب أن يكون مرتكب الكبيرة إذا كان مؤمنا‬
‫كان آمنا‪ ،‬وذلك خلف القول بالرجاء‪ ،‬وهذا ل يلزم لنه قول بدليل‬
‫الخطاب‪ ،‬ومرتكب الكبيرة غير آمن‪ ،‬وإن كان ذلك معلوما بدليل آخر "‬
‫اولئك لهم المن " من ال بحصول الثواب والمان من العقاب " وهم‬
‫مهتدون " أي محكوم لهم بالهتداء إلى الحق والدين‪ ،‬وقيل‪ :‬إلى الجنة‪ ،‬ثم‬
‫إنه قيل‪ :‬إن هذه الية من تمام قول إبراهيم عليه السلم وروي ذلك عن‬
‫علي عليه السلم وقيل‪ :‬إنها من ال على جهة فصل القضاء بين إبراهيم‬
‫وقومه انتهى )‪.(3‬‬
‫)‪ (1‬النعام‪ (2) .82 :‬لقمان‪ (3) .13 :‬مجمع البيان ج ‪.327 :4‬‬

‫]‪[151‬‬

‫وفي الكافي عن الصادق عليه السلم إن الظلم هنا الشك )‪ (1‬وعنه عليه السلم‬
‫قال‪ :‬آمنوا بما جاء به محمد صلى ال عليه وآله من الولية ولم يخلطوها‬
‫بولية فلن وفلن )‪ (2‬ويمكن أن يقال‪ :‬المن المطلق والهتداء الكامل‬
‫لمن لم يلبس إيمانه بشئ من الظلم والمعاصي والمن من الخلود من النار‬
‫والهتداء في الجملة لمن صحت عقائده‪ ،‬ثم بينهما مراتب كثيرة يختلف‬
‫بحسبها المن والهتداء‪ - 1 .‬ج‪ :‬باسناده عن أبي جعفر عليه السلم عن‬
‫النبي صلى ال عليه وآله في خطبة الغدير قال بعد أن ذكر عليا عليه‬
‫السلم وأوصياءه‪ :‬أل إن أولياءهم الذين وصفهم ال عزوجل فقال‪" :‬‬
‫الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اولئك لهم المن وهم مهتدون " )‪.(3‬‬
‫‪ - 2‬ج‪ :‬عن أمير المؤمنين عليه السلم في جواب الزنديق المدعي‬
‫للتناقض في القرآن )‪ (4‬قال عليه السلم‪ :‬وأما قوله‪ " :‬فمن يعمل من‬
‫الصالحات وهو مؤمن فل‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .399‬الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .413‬الحتجاج ص ‪،39‬‬


‫والية في النعام‪ (4) .82 :‬يعنى‪] :‬حيث قال‪ :‬وأجده يقول‪ " :‬ومن يعمل‬
‫من الصالحات وهو مؤمن فل كفران لسعيه " ويقول‪ " :‬وانى لغفار لمن‬
‫تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " أعلم في الية الولى أن العمال‬
‫الصالحة ل تكفر‪ ،‬وأعلم في الثانية أن اليمان والعمال الصالحات ل‬
‫تنفع ال بعد الهتداء[ راجع الحتجاج ص ‪ 128‬والظاهر أن هذه العبارة‬
‫التي جعلناه بين المعقوفتين كان في أصل المصنف قدس سره ملحقا‬
‫بالمتن لكنه كان مكتوبا في الهامش‪ ،‬فنقلها الكتاب في غير موضعه مع‬
‫اسقاط‪ ،‬كما ترى شطرا من هذه العبارة في نسخة الكمبانى بعد حديث‬
‫العياشي ج ‪ 15‬ص ‪ .257‬وقد مر الحديث في ج ‪ 68‬ص ‪ 264‬و ‪،265‬‬
‫باب الفرق بين اليمان والسلم تحت الرقم ‪ 23‬ولفظه هكذا‪ :‬في خبر‬
‫الزنديق الذى سأل أمير المؤمنين صلوات ال عليه عما زعم من التناقض‬
‫في القرآن حيث قال‪ :‬أجد ال يقول‪ :‬ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن‬
‫فل كفران لسعيه ويقول‪ :‬وانى لغفار لمن تاب‪ ،‬فقال عليه السلم وأما‬
‫قوله ومن يعمل من الصالحات الحديث‪.‬‬

‫]‪[152‬‬
‫كفران لسعيه " )‪ (1‬وقوله " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى "‬
‫)‪ (2‬فان ذلك كله ل يغني إل مع الهتداء‪ ،‬وليس كل من وقع عليه اسم‬
‫اليمان كان حقيقا بالنجاة‪ ،‬مما هلك به الغواة‪ ،‬ولو كان ذلك كذلك لنجت‬
‫اليهود مع اعترافها بالتوحيد وإقرارها بال‪ ،‬ونجا سائر المقرين‬
‫بالوحدانية من إبليس فمن دونه في الكفر وقد بين ذلك بقوله " الذين‬
‫آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اولئك لهم المن وهم مهتدون " وبقوله "‬
‫الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " )‪ - 3 .(3‬شى‪ :‬عن محمد بن‬
‫مسلم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم في قول ال " الذين آمنوا ولم يلبسوا‬
‫إيمانهم بظلم " منه ما أحدث زرارة وأصحابه )‪ .(4‬بيان‪ " :‬منه ما أحدث‬
‫" أي من الظلم المذكور في الية القول الباطل الذي أحدثه وابتدعه زرارة‪،‬‬
‫وكأنه قال بمذهب باطل ثم رجع عنه‪ - 4 .‬شى‪ :‬عن أبي بصير قال‪ :‬قلت‬
‫له‪ :‬إنه قد ألح علي الشيطان عند كبر سني يقنطني‪ ،‬قال‪ :‬قل‪ :‬كذبت يا كافر‬
‫يا مشرك إني اومن بربي واصلي له وأصوم واثني عليه‪ ،‬ول ألبس إيماني‬
‫بظلم )‪ - 5 .(5‬شى‪ :‬عن جابر الجعفي‪ ،‬عمن حدثه قال‪ :‬بينا رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله في مسير له إذ رأى سوادا من بعيد فقال‪ :‬هذا سواد ل‬
‫عهد له بأنيس فلما دنا سلم فقال له رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أين‬
‫أراد الرجل ؟ قال‪ :‬أراد يثرب‪ ،‬قال‪ :‬وما أردت بها ؟ قال‪ :‬أردت محمدا‪،‬‬
‫قال‪ :‬فأنا محمد‪ ،‬قال‪ :‬والذي بعثك بالحق ما رأيت إنسانا مذ سبعة أيام‪ ،‬ول‬

‫)‪ (1‬النبياء‪ (2) .94 :‬طه‪ (3) .82 :‬الحتجاج ص ‪ 130‬والية الخيرة في المائدة‪:‬‬
‫‪ (4) .41‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .365‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ ،365‬وفى طبعة الكمبانى بعد تمام الخبر هكذا من دون فصل‪] :‬وآمن‬
‫وعمل صالحا ثم اهتدى أعلم في الية الولى‪ [......‬الى آخر ما نقلناه عن‬
‫الحتجاج في الحاشية السابقة والظاهر أنه سهو وتخليط‪.‬‬

‫]‪[153‬‬

‫طعمت طعاما إل ما تناول منه دابتي‪ ،‬قال‪ :‬فعرض عليه السلم فأسلم‪ ،‬قال‪ :‬فعضته‬
‫راحلته )‪ (1‬فمات‪ ،‬وأمر به فغسل وكفن‪ ،‬ثم صلى عليه النبي عليه وآله‬
‫السلم قال‪ :‬فلما وضع في اللحد قال‪ :‬هذا من الذين آمنوا ولم يلبسوا‬
‫إيمانهم بظلم )‪ - 6 .(2‬شى‪ :‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬قلت له " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " الزنا منه ؟ قال‪:‬‬
‫أعوذ بال من اولئك ل‪ ،‬ولكنه ذنب إذا تاب تاب ال عليه‪ ،‬وقال‪ :‬مدمن‬
‫الزنا والسرقة وشارب الخمر كعابد الوثن )‪ - 7 (3‬شى‪ :‬عن يعقوب بن‬
‫شعيب عنه في قوله " ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " قال الضلل فما فوقه )‬
‫‪ - 8 .(4‬شى‪ :‬عن أبي بصير عنه عليه السلم بظلم قال‪ :‬بشك )‪- 9 .(5‬‬
‫شى‪ :‬عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم في‬
‫قوله " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " قال آمنوا بما جاء به محمد‬
‫صلى ال عليه وآله من الولية ولم يخلطوها بولية فلن وفلن‪ ،‬فهو‬
‫اللبس بظلم‪ ،‬وقال‪ :‬أما اليمان فليس ينتقض كله ولكن ينتقض قليل قليل‪،‬‬
‫قلت‪ :‬بين الضلل والكفر منزلة ؟ قال‪ :‬ما أكثر عرى اليمان )‪ .(6‬بيان‪" :‬‬
‫أما اليمان " لعله عليه السلم ذكر أول بعض أفراد الظلم ثم بين أن كل‬
‫ظلم ينقض اليمان وينقصه‪ ،‬لكن ل يذهبه بالكلية كل ظلم‪ ،‬فان بين الكفر‬
‫واليمان الكامل منازل كثيرة‪ - 10 .‬شى‪ :‬عن أبي بصير قال‪ :‬سألته عن‬
‫قول ال عزوجل " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " قال‪ :‬نعوذ بال‬
‫يا با بصير أن تكون ممن لبس إيمانه بظلم‬

‫)‪ (1‬العض معروف‪ ،‬ومنه عضاض الدابة يقال‪ :‬برئت اليك من العضاض‬
‫والعضيض‪ ،‬إذا باع دابة وبرئ الى مشتريها من عضها الناس‪(2) .‬‬
‫تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (6 - 3) .366‬المصدر ج ‪ 1‬ص ‪.366‬‬

‫]‪[154‬‬

‫ثم قال‪ :‬اولئك الخوارج وأصحابهم )‪ - 11 .(1‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن النضر‪ ،‬عن يحيى الحلبي عن هارون بن خارجة‪ ،‬عن أبي بصير قال‪:‬‬
‫سألت أبا عبد ال عليه السلم عن قول ال عز وجل " الذين آمنوا ولم‬
‫يلبسوا إيمانهم بظلم " قال‪ :‬بشك )‪) * 32 .(2‬باب( * * " درجات اليمان‬
‫وحقائقه " * اليات آل عمران‪ :‬هم درجات عند ال وال بصير بما‬
‫يعملون )‪ .(3‬النعام‪ :‬نرفع درجات من نشاء وقال تعالى‪ :‬ولكل درجات مما‬
‫عملوا وما ربك بغافل عما يعملون )‪ .(4‬يوسف‪ :‬نرفع درجات من نشاء‬
‫وفوق كل ذي علم عليم )‪ .(5‬أسرى‪ :‬انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض‬
‫وللخرة أكبر درجات وأكبر تفضيل )‪ .(6‬الحقاف‪ :‬ولكل درجات مما‬
‫عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم ل يظلمون )‪ (7‬الواقعة‪ :‬وكنتم أزواجا ثلثة *‬
‫فأصحاب الميمنة * ما أصحاب الميمنة * و أصحاب المشئمة * ما أصحاب‬
‫المشئمة * والسابقون السابقون * اولئك المقربون * في جنات النعيم *‬
‫ثلة من الولين * وقليل من الخرين ‪ -‬إلى قوله لصحاب اليمين‪ :‬ثلة من‬
‫الولين * وثلة من الخرين )‪.(8‬‬

‫)‪ (1‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .367‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ ،399‬وقد مر الشارة‬


‫إليه‪ (3) .‬آل عمران‪ (4) .162 :‬النعام‪ 83 :‬و ‪ (5) .132‬يوسف‪) .76 :‬‬
‫‪ (6‬أسرى‪ (7) .21 :‬الحقاف‪ (8) .19 :‬الواقعة‪.39 - 7 :‬‬
‫]‪[155‬‬

‫وقال تعالى " فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم * وأما إن كان‬
‫من أصحاب اليمين * فسلم لك من أصحاب اليمين * وأما إن كان من‬
‫المكذبين الضالين * فنزل من حميم * وتصلية جحيم " )‪ .(1‬الحديد‪ :‬ل‬
‫يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل الية )‪ .(2‬المجادلة‪ :‬يرفع ال‬
‫الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات )‪ .(3‬الحشر‪ :‬للفقراء‬
‫المهاجرين ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬إنك رؤف رحيم )‪ .(4‬تفسير‪ " :‬هم درجات عند‬
‫ال " شبهوا بالدرجات لما بينهم من التفاوت في الثواب والعقاب أو هم ذو‬
‫درجات " وال بصير بما يعملون " عالم بأعمالهم ودرجاتها فيجازيهم‬
‫على حسبها " نرفع درجات من نشاء " أي في العلم والعمل " ولكل " أي‬
‫من المكلفين " درجات " أي مراتب مما عملوا " وما ربك بغافل عما‬
‫يعملون " فيخفى عليه عمل أو قدر ما يستحق به من ثواب أو عقاب‪،‬‬
‫وقرئ بالخطاب‪ " .‬نرفع درجات من نشاء " بالعلم والحكمة كما رفعنا‬
‫درجة يوسف " وفوق كل ذي علم عليم " أرفع درجة منه في علمه‪،‬‬
‫واستدل به على أنه علمه سبحانه عين ذاته " كيف فضلنا " أي في الدنيا‬
‫" وللخرة أكبر درجات " أي التفاوت في الخرة أكثر‪ ،‬وفي المجمع روي‬
‫أن ما بين أعلى درجات الجنة وأسفلها مثل ما بين السماء والرض )‪(5‬‬
‫وروى العياشي عن الصادق عليه السلم ل تقولن الجنة واحدة‪ ،‬إن ال‬
‫يقول " ومن دونهما جنتان " )‪ (6‬ول تقولن درجة واحدة‪ ،‬إن ال يقول "‬
‫درجات بعضها فوق بعض " إنما تفاضل القوم بالعمال )‪ (7‬وعن النبي‬
‫صلى ال عليه وآله إنما يرتفع‬

‫)‪ (1‬الواقعة‪ (2) .94 - 88 :‬الحديد‪ (3) .10 :‬المجادلة‪ (4) .11 :‬الحشر‪.10 - 8 :‬‬
‫)‪ (5‬مجمع البيان ج ‪ 6‬ص ‪ 407‬والية في أسرى‪ (6) .21 :‬الرحمن‪:‬‬
‫‪ (7) .63‬ترى ذيله في تفسير العياشي ج ‪ ،1 388‬وأخرجه الطبرسي في‬
‫مجمع البيان ج ‪ 9‬ص ‪ ،210‬مع زيادة‪ ،‬وقوله " درجات بعضها فوق‬
‫بعض " اقتباس من القرآن وليس بنص‪.‬‬

‫]‪[156‬‬

‫العباد غدا في الدرجات‪ ،‬وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم‪ ،‬وفي الكافي‬
‫عن الصادق عليه السلم أن الثواب على قدر العقل " ولكل " أي من الجن‬
‫والنس " درجات مما عملوا " أي مراتب مما عملوا من الخير والشر أو‬
‫من أجل ما عملوا‪ ،‬قيل‪ :‬والدرجات غالبة في المثوبة‪ ،‬وهنا جاءت على‬
‫التغليب " وليوفيهم أعمالهم " أي جزاءها " وهم ل يظلمون " بنقص‬
‫ثواب وزيادة عقاب‪ " .‬وكنتم أزواجا " أي أصنافا " فأصحاب الميمنة "‬
‫قيل‪ :‬أي اليمين‪ ،‬وهم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم‪ ،‬أو يؤخذ بهم ذات‬
‫اليمين إلى الجنة‪ ،‬أو أصحاب اليمن والبركة على أنفسهم " ما أصحاب‬
‫الميمنة " أي أي شئ هم ؟ على التعجيب من حالهم " وأصحاب المشئمة‬
‫" وهم الذين يعطون كتبهم بشمالهم أو يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار‪ ،‬أو‬
‫المشائيم على أنفسهم بما عملوا من المعصية ثم عجب سبحانه من حالهم‬
‫تفخيما لشأنهم في العذاب فقال " ما أصحاب المشئمة "‪ .‬ثم بين الصنف‬
‫الثالث فقال‪ " :‬والسابقون السابقون " أي السابقون إلى اتباع النبياء‬
‫الذين صاروا أئمة الهدى فهم السابقون إلى جزيل الثواب عند ال أو‬
‫السابقون إلى طاعة ال‪ ،‬هم السابقون إلى رحمته أو الثاني تأكيد للول‪،‬‬
‫والخبر " اولئك المقربون " أي السابقون إلى الطاعات يقربون إلى رحمة‬
‫ال في أعلى المراتب وقيل في السابقين‪ :‬أنهم السابقون إلى اليمان‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬إلى الهجرة‪ ،‬وقيل‪ :‬إلى الصلوات الخمس‪ ،‬وقيل‪ :‬إلى الجهاد‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫إلى التوبة وأعمال البر‪ ،‬وقيل‪ :‬إلى كل ما دعا ال إليه‪ ،‬وهذا أولى‪ .‬وعن‬
‫أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬السابقون أربعة‪ :‬ابن آدم المقتول‪ ،‬والسابق‬
‫في امة موسى وهو مؤمن آل فرعون‪ ،‬والسابق في امة عيسى وهو حبيب‬
‫النجار‪ ،‬والسابق في امة محمد صلى ال عليه وآله وهو علي بن أبيطالب‬
‫عليه السلم )‪ " .(1‬ثلة من الولين " أي هم ثلة أي جماعة كثيرة العدد‬
‫من المم الماضية " و‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 9‬ص ‪.215‬‬

‫]‪[157‬‬

‫قليل من الخرين " من امة محمد صلى ال عليه وآله لن من سبق إلى إجابة نبينا‬
‫صلى ال عليه وآله قليل بالضافة إلى من سبق إلى إجابة النبيين قبله‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬معناه جماعة من أوائل هذه المة‪ ،‬وقليل من أواخرهم ممن قرب‬
‫حالهم من حال اولئك‪ ،‬وقيل‪ :‬على الوجه الول ل يخالف ذلك قوله عليه‬
‫السلم إن امتي يكثرون سائر المم لجواز أن يكون سابقوا سائر المم أكثر‬
‫من سابقي هذه المة وتابعوا هذه أكثر من تابعيهم‪ ،‬ول يرده قوله تعالى‬
‫في أصحاب اليمين " ثلة من الولين وثلة من الخرين " لن كثرة‬
‫الفريقين ل ينافي أكثرية أحدهما انتهى )‪ " .(1‬لصحاب اليمين " أي ما‬
‫ذكر جزاء لصحاب اليمين " ثلة من الولين و ثلة من الخرين " أي‬
‫جماعة من المم الماضية وجماعة من مؤمني هذه المة‪ ،‬وقيل هنا أيضا‪:‬‬
‫إن الثلتين من هذه المة‪ " .‬فأما إن كان " أي المتوفى " من المقربين "‬
‫أي السابقين " فروح " أي فله استراحة‪ ،‬وقيل‪ :‬هواء تستلذه النفس‬
‫ويزيل عنها الهم " وريحان " قيل‪ :‬أي رزق طيب وقيل‪ :‬الريحان‬
‫المشموم من ريحان الجنة يؤتى به عند الموت فيشمه‪ ،‬وقيل‪ :‬الروح‬
‫الرحمة والريحان كل نباهة وشرف‪ ،‬وقيل‪ :‬روح في القبر وريحان في‬
‫الجنة " و جنة نعيم " أي ذات تنعم " فسلم لك من أصحاب اليمين " قيل‬
‫أي فترى فيهم ما تحب لهم من السلمة من المكاره والخوف‪ ،‬وقيل‪ :‬أي‬
‫فسلم لك أيها النسان الذي هو من أصحاب اليمين من عذاب ال‪ ،‬وسلمت‬
‫عليك ملئكة ال وقيل‪ :‬معناه فسلم لك منهم في الجنة لنهم يكونون معك‬
‫فقوله " لك " بمعنى عليك‪ " .‬فنزل من حميم " أي نزلهم الذي أعد لهم‬
‫من الطعام والشراب حميم جهنم " وتصلية جحيم " أي إدخال نار عظيمة‪.‬‬
‫" ل يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة من‬
‫الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا " )‪ (2‬بين سبحانه أن النفاق قبل فتح مكة إذا‬
‫انضم إليه الجهاد‬

‫)‪ (1‬أنوار التنزيل‪ (2) .420 :‬الحديد‪.10 :‬‬

‫]‪[158‬‬

‫أكثر ثوابا عند ال من النفقة والجهاد بعد ذلك‪ ،‬وذلك أن القتال قبل الفتح كان أشد‪،‬‬
‫والحاجة إلى النفقة وإلى الجهاد كان أكثر وأمس‪ ،‬وقسيم من أنفق محذوف‬
‫لوضوحه ودللة ما بعده عليه‪ ،‬والفتح فتح مكة إذ عز السلم به وكثر‬
‫أهله وقلت الحاجة إلى المقاتلة والنفاق " من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا‬
‫" أي من بعد الفتح " وكل وعد ال الحسنى " أي كل من المنفقين وعد‬
‫ال المثوبة الحسنى وهي الجنة " وال بما تعملون خبير " عالم بظاهره‬
‫وباطنه فمجازيكم على حسبه‪ " .‬يرفع ال الذين آمنوا منكم " )‪ (1‬قال ابن‬
‫عباس يرفع ال الذين اوتوا العلم من المؤمنين درجات على الذين لم يؤتوا‬
‫العلم درجات‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه لكي يرفع ال الذين آمنوا منكم بطاعتهم‬
‫للرسول صلى ال عليه وآله درجة والذين اوتوا العلم بفضل علمهم‬
‫وسابقتهم درجات في الجنة وقيل‪ :‬في مجلس الرسول صلى ال عليه وآله‪.‬‬
‫" للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم " )‪ (2‬فان كفار‬
‫مكة أخرجوهم وأخذوا أموالهم " يبتغون فضل من ال ورضوانا " حال‬
‫مقيدة لخراجهم بما يوجب تفخيم شأنهم " وينصرون ال ورسوله "‬
‫بأنفسهم وأموالهم " اولئك هم الصادقون " الذين ظهر صدقهم في إيمانهم‬
‫" والذين تبوؤا الدار واليمان " عطف على المهاجرين‪ ،‬والمراد بهم‬
‫النصار‪ ،‬فانهم لزموا المدينة وتمكنوا فيهما وقيل‪ :‬المعنى تبوؤا دار‬
‫الهجرة ودار اليمان‪ ،‬فحذف المضاف من الثاني والمضاف إليه من الول‬
‫وعوض عنه اللم‪ ،‬أو تبوؤا الدار وأخلصوا اليمان " من قبلهم " أي من‬
‫قبل هجرة المهاجرين‪ ،‬وقيل‪ :‬تقدير الكلم والذين تبوؤا الدار من قبلهم‬
‫واليمان )‪ " (3‬يحبون من هاجر إليهم " ول يثقل عليهم " ول يجدون في‬
‫صدورهم " أي في أنفسهم " حاجة " أي ما يحمل عليه الحاجة كالطلب‬
‫والحزازة والحسد والغيظ " مما اوتوا " أي مما اعطي المهاجرون‬
‫وغيرهم " ويؤثرون على أنفسهم " أي‬

‫)‪ (1‬المجادلة‪ (2) .11 :‬الحشر‪ (3) .8 :‬أنوار التنزيل‪.427 :‬‬

‫]‪[159‬‬

‫يقدمون المهاجرين على أنفسهم " ولو كان بهم خصاصة " أي حاجة " ومن يوق‬
‫شح نفسه " حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض النفاق "‬
‫فاولئك هم المفلحون " الفائزون بالثناء العاجل والثواب الجل‪ " .‬والذين‬
‫جاؤا من بعدهم " قيل‪ :‬هم الذين هاجروا من بعد حين قوي السلم أو‬
‫التابعون باحسان‪ ،‬وهم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة ولذلك قيل‬
‫إن الية قد استوعبت جميع المؤمنين " يقولون ربنا اغفر لنا ولخواننا‬
‫الذين سبقونا باليمان " أي يدعون ويستغفرون لنفسهم ولمن سبقهم‬
‫باليمان " ول تجعل في قلوبنا غل للذين آمنوا " حقدا وغشا وعداوة "‬
‫ربنا إنك رؤف رحيم " أي متعطف على العباد منعم عليهم‪ .‬وأقول‪ :‬إنما‬
‫أوردناها لدللتها من جهة الترتيب الذكري على فضل المهاجرين من‬
‫الصحابة على النصار‪ ،‬وفضلهما على التابعين لهم باحسان‪ - 1 .‬كا‪ :‬عن‬
‫العدة عن البرقي‪ ،‬عن الحسن بن محبوب‪ ،‬عن عمار بن أبي الحوص عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال عزوجل وضع اليمان على سبعة‬
‫أسهم‪ :‬على البر والصدق‪ ،‬واليقين‪ ،‬والرضا‪ ،‬والوفاء‪ ،‬والعلم‪ ،‬والحلم‪ ،‬ثم‬
‫قسم ذلك بين الناس‪ ،‬فمن جعل فيه هذه السبعة السهم فهو كامل محتمل‪،‬‬
‫وقسم لبعض الناس السهم ولبعض السهمين ولبعض الثلثة حتى انتهوا‬
‫إلى السبعة‪ ،‬ثم قال‪ :‬ل تحملوا على صاحب السهم سهمين‪ ،‬ول على‬
‫صاحب السهمين ثلثة فتبهظوهم ثم قال كذلك حتى انتهى إلى السبعة )‪.(1‬‬
‫توضيح‪ :‬البر الحسان إلى نفسه وإلى غيره‪ ،‬ويطلق غالبا على الحسان‬
‫بالوالدين والقربين والخوان من المؤمنين كما ورد " من خالص اليمان‬
‫البر بالخوان " والصدق‪ :‬هو القول المطابق للواقع‪ ،‬ويطلق أيضا على‬
‫مطابقة العمل للقول والعتقاد‪ ،‬وعلى فعل القلب والجوارح المطابقين‬
‫للقوانين الشرعية والموارين العقلية‪ ،‬ومنه الصديق وهو من حصل له‬
‫ملكة الصدق في جميع هذه المور‪ ،‬ول‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.42‬‬


‫]‪[160‬‬

‫يصدر منه خلف المطلوب عقل ونقل‪ ،‬كما صرح به المحقق الطوسي ‪ -‬ره ‪ -‬في‬
‫أوصاف الشراف‪ .‬واليقين‪ :‬العتقاد الجازم المطابق للواقع‪ ،‬وفي عرف‬
‫الخبار هو مرتبة من اليقين يصير سببا لظهور آثاره على الجوارح‪،‬‬
‫ويطلق غالبا على ما يتعلق بامور الخرة‪ ،‬وبالقضاء والقدر كما ستعرف‪،‬‬
‫وله مراتب اشير إليها في القرآن العزيز وهي علم اليقين‪ ،‬وعين اليقين‪،‬‬
‫وحق اليقين‪ ،‬كما قال تعالى‪ " :‬لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم *‬
‫ثم لترونها عين اليقين " )‪ (1‬وقال سبحانه‪ " :‬وتصلية جحيم إن هذا لهو‬
‫حق اليقين " )‪ .(2‬وقالوا‪ :‬الول مرتبة أرباب الستدلل‪ ،‬كمن لم ير النار‪،‬‬
‫واستدل بالدخان عليه‪ ،‬والثاني مرتبة أصحاب المشاهدة والعيان كمن رأى‬
‫النار بعينها بعينه‪ ،‬والثالث مرتبة أرباب اليقين كمن كان في وسط النار‬
‫واتصف بصفاتها‪ ،‬وإن لم يصر عينها كالحديدة المحماة في النار فانك‬
‫تظنها نارا وليست بنار‪ ،‬وهذا هي التي زلت فيها القدام‪ ،‬وضلت العقول‬
‫والحلم‪ ،‬وليس محل تحقيقها هذا المقام‪ .‬والرضا‪ :‬هو اطمئنان النفس‬
‫بقضاء ال تعالى عند البلء والرخاء‪ ،‬وعدم العتراض عليه سبحانه قوله‬
‫وفعل في شئ من الشياء‪ ،‬والوفاء‪ :‬هو العمل بعهود ال تعالى من‬
‫التكاليف الشرعية وما عاهد ال تعالى عليه‪ ،‬وألزم على نفسه من‬
‫الطاعات‪ ،‬والوفاء ببيعة النبي والئمة صلوات ال عليهم‪ ،‬والوفاء بعهود‬
‫الخلق ما لم تكن في معصية والعلم‪ :‬هو معرفة ال ورسوله وحججه وما‬
‫امر به ونهي عنه‪ ،‬وعلم الشرائع والحكام والحلل والحرام‪ ،‬والخلق‬
‫ومقدماتها‪ ،‬والحلم‪ :‬هو ملكة حاصلة للنفس مانعة لها عن المبادرة إلى‬
‫النتقام‪ ،‬وطلب التسلط والترفع والغلبة‪ " .‬فهو كامل " أي في اليمان "‬
‫محتمل " لشرائطه وأركانه قابل لها كما ينبغي " ل تحملوا على صاحب‬
‫السهم سهمين " أي لما كانت القابليات والستعدادات متفاوتة‬

‫)‪ (1‬التكاثر ‪ (2) .7 - 5‬الواقعة‪.94 :‬‬

‫]‪[161‬‬

‫ولم يكلف ال كل امرئ إل على قدر قابليته‪ ،‬فل تحملوا في العلوم والعمال‬
‫والخلق على كل امرئ إل بحسب طاقته ووسعه‪ ،‬كما مر إنما يداق ال‬
‫العباد في الحساب على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا )‪ (1‬نعم للعلى‬
‫أن ينقل الدنى إلى درجته بالتعليم والتدريج والرفق حتى يصل إلى درجته‬
‫إن كان قابل لذلك كما سيأتي إنشاء ال‪ ،‬وعلى الدنى أن يسعى ويتضرع‬
‫إلى ال تعالى لن يوفقه للصعود إلى الدرجة العليا " فتبهضوهم " في‬
‫بعض النسخ بالضاد وفي بعضها بالظاء‪ ،‬وهما معجمتان متقاربان معنى‪،‬‬
‫قال‪ :‬في القاموس بهضني المر كمنع وأبهضني‪ :‬أي فدحني وبالظاء أكثر‪،‬‬
‫وقال‪ :‬بهضه المر كمنع غلبه وثقل عليه وبلغ به مشقة والراحلة أوقرها‬
‫فأتعبها‪ - 2 .‬كا‪ :‬عن أبي علي الشعري عن محمد بن عبد الجبار ومحمد‬
‫بن يحيى عن أحمد ابن محمد بن عيسى جميعا‪ ،‬عن ابن فضال عن الحسن‬
‫بن الجهم عن أبي اليقظان عن يعقوب بن الضحاك عن رجل من أصحابنا‬
‫سراج وكان خادما لبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬بعثني أبو عبد ال عليه‬
‫السلم في حاجة وهو بالحيرة أنا وجماعة من مواليه قال‪ :‬فانطلقنا فيها ثم‬
‫رجعنا مغتمين )‪ (2‬قال‪ :‬وكان فراشي في الحائر الذي كنا فيه نزول فجئت‬
‫وأنا بحال فرميت بنفسي‪ ،‬فبينا أنا كذلك إذا أنا بأبي عبد ال قد أقبل قال‪:‬‬
‫فقال قد أتيناك أو قال جئناك‪ ،‬فاستويت جالسا وجلس على صدر فراشي‬
‫فسألني عما بعثني له‪ ،‬فأخبرته فحمد ال ثم جرى ذكر قوم فقلت‪ :‬جعلت‬
‫فداك‪ ،‬إنا نبرأ منهم إنهم ل يقولون ما نقول‪ ،‬فقال‪ :‬يتولونا ول يقولون ما‬
‫تقولون تبرؤون منهم ؟‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ ،11‬كتاب العقل والجهل تحت الرقم ‪ (2) .7‬معتمين خ ل‪،‬‬
‫وقوله " مغتمين " اسم مفعول من باب الفعال‪ ،‬وأصله من الغتم وهو‬
‫شدة الحر الذى يكاد يأخذ بالنفس‪ ،‬والمغتوم‪ :‬الذى يجد الحر وهو جائع‪،‬‬
‫وعبارة التاج‪ :‬المغتوم الذى لفحه الحر‪ .‬وهذا المعنى هو المناسب لما‬
‫بعده‪ :‬فجئت وأنا بحال فرميت بنفسى‪ .‬وأما إذا رجع وهو معتم من‬
‫الدخول في العتمة‪ ،‬فان وقت العتمة وقت البرد وهبوب الرياح فل يناسب‬
‫ما بعده‪.‬‬

‫]‪[162‬‬

‫قال‪ :‬قلت نعم‪ ،‬قال‪ :‬فهو ذا عندنا ما ليس عندكم فينبغي لنا أن نبرأ منكم ؟ قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬ل جعلت فداك‪ ،‬قال‪ :‬وهو ذا عند ال ما ليس عندنا ؟ أفتراه أطرحنا ؟‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬ل وال جعلت فداك‪ ،‬ما نفعل‪ ،‬قال‪ :‬فتولوهم ول تبرؤا منهم‪ .‬إن‬
‫من المسلمين من له سهم‪ ،‬ومنهم من له سهمان‪ ،‬ومنهم من له ثلثة‬
‫أسهم‪ ،‬ومنهم من له أربعة أسهم‪ ،‬ومنهم من له خمسة أسهم‪ ،‬ومنهم من‬
‫له ستة أسهم ومنهم من له سبعة أسهم‪ ،‬فل ينبغي أن يحمل صاحب السهم‬
‫على ما عليه صاحب السهمين ول صاحب السهمين على ما عليه صاحب‬
‫الثلثة‪ ،‬ول صاحب الثلثة على ما عليه صاحب الربعة‪ ،‬ول صاحب‬
‫الربعة على ما عليه صاحب الخمسة‪ ،‬ول صاحب الخمسة على ما عليه‬
‫صاحب الستة ول صاحب الستة على ما عليه صاحب السبعة‪ .‬وسأضرب‬
‫لك مثل إن رجل كان له جار وكان نصرانيا فدعاء إلى السلم وزينه له‬
‫فأجابه فأتاه سحيرا فقرع عليه الباب فقال له‪ :‬من هذا ؟ قال‪ :‬أنا فلن‪،‬‬
‫قال‪ :‬وما حاجتك ؟ قال‪ :‬توضأ والبس ثوبيك ومر بنا إلى الصلة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فتوضأ ولبس ثوبيه وخرج معه‪ ،‬قال‪ :‬فصليا ما شاء ال‪ ،‬ثم صليا الفجر‪،‬‬
‫ثم مكثا حتى أصبحا فقام الذي كان نصرانيا يريد منزله‪ ،‬قال‪ :‬فقال له‬
‫الرجل‪ :‬أين تذهب ؟ النهار قصير‪ ،‬والذي بينك وبين الظهر قليل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فجلس معه إلى صلة الظهر )‪ (1‬ثم قال‪ :‬وما بين الظهر والعصر قليل‪،‬‬
‫فاحتبسه حتى صلى العصر‪ ،‬قال‪ :‬ثم قام وأراد أن ينصرف إلى منزله‪ ،‬فقال‬
‫له‪ :‬إن هذا آخر النهار‪ ،‬وأقل من أوله فاحتبسه حتى صلى المغرب ثم أراد‬
‫أن ينصرف إلى منزله‪ ،‬فقال له‪ :‬إنما بقيت صلة واحدة قال‪ :‬فمكث حتى‬
‫صلى العشاء الخرة‪ ،‬ثم تفرقا‪ .‬فلما كان سحيرا غدا عليه‪ ،‬فضرب عليه‬
‫الباب‪ ،‬فقال‪ :‬من هذا ؟ فقال‪ :‬أنا فلن‪ ،‬قال‪ :‬وما حاجتك ؟ قال‪ :‬توضأ‬
‫والبس ثوبيك واخرج بنا فصل‪ ،‬قال‪ :‬اطلب لهذا الدين من هو أفرغ مني‬
‫وأنا إنسان مسكين وعلي عيال‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫)‪ (1‬الى أن صلى الظهر خ ل‪ ،‬كما في المصدر‪.‬‬

‫]‪[163‬‬

‫أبو عبد ال عليه السلم أدخله في شئ أخرجه منه أو قال‪ :‬أدخله في مثل ذه‬
‫وأخرجه من مثل هذا )‪ .(1‬بيان‪ " :‬الحيرة " بالكسر بلد كان قرب الكوفة‪،‬‬
‫و " أنا " تأكيد للضمير المنصوب في بعثني‪ ،‬وتأكيد المنصوب والمجرور‪،‬‬
‫بالمرفوع جائز " وجماعة " عطف على الضمير أو الواو بمعنى مع "‬
‫معتمين " الظاهر أنه بالعين المهملة على بناء الفعال والتفعيل‪ ،‬في‬
‫القاموس العتمة محركة ثلث الليل الول بعد غيبوبة الشفق‪ ،‬أو وقت صلة‬
‫العشاء الخرة وأعتم وعتم‪ :‬سار فيها‪ ،‬أو أورد وأصدر فيها‪ ،‬وظلمة الليل‬
‫ورجوع البل من المرعى بعد ما تمسي انتهى )‪ (2‬أي رجعنا داخلين في‬
‫وقت العتمة وفي أكثر النسخ بالغين المعجمة من الغم )‪ (3‬وكأنه تصحيف‬
‫وربما يقرأ مغتنمين من الغنيمة وهو تحريف‪ .‬والحائر المكان المطمئن‬
‫والبستان‪ " ،‬وأنا بحال " أي بحال سوء من الضعف والكلل " إنهم ل‬
‫يقولون ما نقول " أي من مراتب فضائل الئمة عليهم السلم وكمالتهم‬
‫ومراتب معرفة ال تعالى‪ ،‬ودقائق مسائل القضاء والقدر‪ ،‬وأمثال ذلك مما‬
‫يختلف تكاليف العباد فيها‪ ،‬بحسب أفهامهم واستعداداتهم‪ ،‬ل في أصل‬
‫المسائل الصولية‪ ،‬أو المراد اختلفهم في المسائل الفروعية‪ ،‬والول‬
‫أظهر‪ ،‬وأما حمله على أدعية الصلة وغيرها من المستحبات كما قيل‪ ،‬فهو‬
‫في غاية البعد‪ ،‬وإن كان يوافقه التمثيل المذكور في آخر الخبر‪ " .‬يتولونا‬
‫ول يقولون " إلى آخره استفهام على النكار " فهو ذا عندنا " أي من‬
‫المعارف والعلوم والخلق والعمال " ما ليس عندكم‪ ،‬فينبغي لنا " على‬
‫الستفهام " أطرحنا " أي عن اليمان والثواب‪ ،‬أو عن درجة العتبار‪.‬‬
‫قوله " ما نفعل " لما فهم من كلمه عليه السلم نفي التبري‪ ،‬تردد في أنه‬
‫هل‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 43‬و ‪ (2) .44‬القاموس ج ‪ (3) .147 :4‬بل من الغتم كما‬
‫عرفت‪.‬‬

‫]‪[164‬‬

‫يلزمه التولي أو عدم ارتكاب شئ من المرين‪ ،‬فان نفي أحدهما ل يستلزم ثبوت‬
‫الخر‪ " .‬أن يحمل صاحب السهم على ما عليه صاحب السهمين " أي‬
‫يقاس حاله بحاله ويتوقع منه ما يتوقع من الثاني من الفهم والمعرفة‬
‫والعمل " وزينه له " أي حسن السلم في نظره " فأتاه سحيرا " وهو‬
‫تصغير وهو سدس آخر الليل أو ساعة آخر الليل‪ ،‬وقيل قبيل الصبح‪،‬‬
‫والتصغير لبيان أنه كان قريبا من الصبح أو بعيدا منه " ومر بنا " أي‬
‫معنا " وخرج معه " أي إلى المسجد " ما شاء ال " أي كثيرا " حتى‬
‫أصبحا " أي دخل في الصباح‪ ،‬والمراد السفار وانتشار ضوء النهار‪،‬‬
‫وظهور الحمرة في الفق قال‪ :‬في المفردات الصبح والصباح أول النهار‪،‬‬
‫وهو وقت ما احمر الفق بحاجب الشمس‪ ،‬قوله " وأقل من أوله " أي مما‬
‫انتظرت بعد الفجر لصلة الظهر " أدخله في شئ " أي من السلم صار‬
‫سببا لخروجه من السلم رأسا أو المراد بالشئ الكفر أي أدخله بجهله في‬
‫الكفر الذي أخرجه منه " أو قال‪ :‬أدخله في مثل هذا " أي العمل الشديد "‬
‫وأخرجه من مثل هذا " أي هذا الدين القويم‪ - 3 .‬كا‪ :‬عن أحمد بن محمد‪،‬‬
‫عن الحسن بن موسى‪ ،‬عن أحمد بن عمر‪ ،‬عن يحيى بن أبان‪ ،‬عن شهاب‬
‫قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬لو علم الناس كيف خلق ال‬
‫تبارك وتعالى هذا الخلق لم يلم أحد أحدا‪ ،‬فقلت‪ :‬أصلحك ال‪ ،‬وكيف ذلك ؟‬
‫قال‪ :‬إن ال تبارك وتعالى خلق أجزاء بلغ بها تسعة وأربعين جزءا ثم جعل‬
‫الجزاء أعشارا فجعل الجزء عشرة أعشار‪ ،‬ثم قسمه بين الخلق‪ ،‬فجعل‬
‫في رجل عشر جزء وفي آخر عشري جزء حتى بلغ به جزءا تاما وفي‬
‫آخر جزءا وعشر جزء‪ ،‬وفي آخر جزءا وعشري جزء‪ ،‬وفي آخر جزءا‬
‫وثلثة أعشار جزء‪ ،‬حتى بلغ به جزئين تامين‪ ،‬ثم بحساب ذلك حتى بلغ‬
‫بأرفعهم تسعة وأربعين جزءا فمن لم يجعل فيه إل عشر جزء لم يقدر على‬
‫أن يكون مثل صاحب العشرين‪ ،‬وكذلك صاحب العشرين ل يكون مثل‬
‫صاحب الثلثة العشار‪ ،‬وكذلك من تم له جزء ل يقدر على أن يكون مثل‬
‫صاحب الجزءين‪ ،‬ولو علم الناس أن ال عزوجل خلق هذا الخلق على هذا‬
‫]‪[165‬‬

‫لم يلم أحد أحدا )‪ .(1‬بيان‪ " :‬لم يلم أحد أحدا " أي في عدم فهم الدقائق‪ ،‬والقصور‬
‫عن بعض المعارف أو في عدم اكتساب الفضائل والخلق الحسنة‪ ،‬وترك‬
‫التيان بالنوافل والمستحبات وإل فكيف يستقيم عدم الملمة على ترك‬
‫الفرائض والواجبات‪ ،‬وفعل الكبائر والمحرمات‪ ،‬وقد مر أن ال تعالى ل‬
‫يكلف الناس إل بقدر وسعهم‪ ،‬وليسوا بمجبورين في فعل المعاصي‪ ،‬ول في‬
‫ترك الواجبات‪ ،‬لكن يمكن أن ل يكون في وسع بعضهم معرفة دقائق‬
‫المور‪ ،‬وغوامض السرار‪ ،‬فلم يكلفوا بها وكذا عن تحصيل بعض مراتب‬
‫الخلص واليقين وغيرها من المكارم‪ ،‬فليسوا بملومين بتركها فالتكاليف‬
‫بالنسبة إلى العباد مختلفة بحسب اختلف قابلياتهم واستعداداتهم‪ .‬ول‬
‫يستحق من لم يكن قابل لمرتبة من المراتب المذكورة أن يلم لم ل تفهم‬
‫هذا المعنى‪ ،‬ولم ل تفعل الصلة كما كان أمير المؤمنين عليه السلم يفعله‬
‫مثل وهكذا‪ .‬قوله عليه السلم " بلغ بها " كأنه جعل كل جزء من السهام‬
‫السبعة المتقدمة سبعة‪ .‬قوله عليه السلم " فجعل الجزء عشرة أعشار "‬
‫كأن هذا للتأكيد والتوضيح ودفع توهم أن المراد جعل كل جزء عشرا من‬
‫مرتبة فوقه‪ ،‬فيصير المجموع أربعمائة وتسعين عشرا " حتى بلغ به "‬
‫الباء للتعدية‪ ،‬والضمير راجع إلى اليمان أو إلى الرجل المطلق المفهوم‬
‫من " رجل " ل إلى الرجل المذكور‪ ،‬ول إلى آخر لختلل المعنى‪ ،‬وهذا‬
‫أظهر‪ ،‬لقوله حتى بلغ بأرفعهم " إل عشر جزء " أي من القابلية أو قابلية‬
‫عشر جزء من اليمان‪ ،‬وهكذا في البواقي‪ - 4 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪،‬‬
‫عن محمد بن أحمد‪ ،‬عن بعض أصحابه‪ ،‬عن الحسن بن علي بن أبي‬
‫عثمان‪ ،‬عن محمد بن حماد الخزاز‪ ،‬عن عبد العزيز القراطيسي قال‪ :‬قال‬
‫لي أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬يا عبد العزيز إن اليمان عشر درجات بمنزلة‬
‫السلم‪ ،‬يصعد منه مرقاة بعد مرقاة‪ ،‬فل يقولن صاحب الثنين لصاحب‬
‫الواحد‪ :‬لست على شئ حتى ينتهي إلى العاشرة‪ ،‬فل تسقط من هو دونك‪،‬‬
‫فيسقطك من هو فوقك‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪.44 :2‬‬

‫]‪[166‬‬

‫وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق‪ ،‬ول تحملن عليه مال يطيق‬
‫فتكسره‪ ،‬فان من كسر مؤمنا فعليه جبره )‪ - 5 .(1‬ل‪ :‬عن ابن الوليد عن‬
‫أحمد بن إدريس‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن أبي عبد ال الرازي‪ ،‬عن أبي عثمان‬
‫)‪ (2‬مثله إل أن فيه‪ :‬فل يقولن صاحب الواحد لصاحب الثنين‪ ،‬وزاد في‬
‫آخره‪ :‬وكان المقداد في الثامنة‪ ،‬وأبو ذر في التاسعة‪ ،‬وسلمان في العاشرة‬
‫)‪ .(3‬بيان‪ " :‬القراطيسي " بائع القراطيس " عشر درجات " كأنه عليه‬
‫السلم عد كل تسعة وأربعين جزءا من السابق درجة أو هذه الدرجات‬
‫لبعض مراتب اليمان ل لكلها‪ ،‬وقيل‪ :‬يجوز أن يراد باليمان هنا التصديق‪،‬‬
‫أو الكامل المركب منه ومن العمل " يصعد " على بناء المجهول و " منه‬
‫" نائب مناب الفاعل وقيل‪ :‬من بمعنى في والضمير راجع إلى السلم‪،‬‬
‫والمرقاة بالفتح والكسر اسم مكان أو آلة‪ ،‬وهي الدرجة وفي المصباح‬
‫المرقى والمرتقى موضع الرقي والمرقاة مثله‪ ،‬ويجوز فيها فتح الميم على‬
‫أنه موضع الرتقاء‪ ،‬ويجوز الكسر تشبيها باسم اللة كالمطهرة‪ ،‬وأنكر أبو‬
‫عبيد الكسر انتهى وهي منصوبة على الظرفية للمكان‪ " .‬لست على شئ "‬
‫أي من اليمان أو الكمال‪ ،‬والظاهر ما في الكافي وعلى ما في الخصال‬
‫المعنى أنه إذا سمع ممن هو فوقه في المعرفة شيئا ل يصل إليه عقله ل‬
‫يقدح فيه ول يكفره " فل تسقط " أي من اليمان أو من درجة العتبار "‬
‫من هو دونك " أي أسفل منك بدرجة أو أكثر‪ " .‬فارفعه إليك " فإن قلت‪:‬‬
‫كيف يرفعه إليه مع أنه ل يطيقه كما مر في الخبر السابق ؟ قلت‪ :‬يمكن أن‬
‫تكون الدرجات المذكورة في الخبر السابق درجات القابليات والستعدادات‪،‬‬
‫ولذا نسبها إلى أصل الخلق‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 44 :2‬و ‪ (2) .45‬هو حسن بن على بن أبى عثمان المعروف‬
‫بسجادة غال‪ ،‬يروى عنه أبو عبد ال الرازي وهو الحسين بن عبيدال‬
‫بن سهل في حال استقامته‪ (3) .‬الخصال ج ‪.59 :2‬‬

‫]‪[167‬‬

‫والدرجات المذكورة في هذا الخبر درجات الفعلية والتحقق‪ ،‬فيمكن أن يكون رجلن‬
‫في درجة واحدة من القابلية فسعى أحدهما وحصل ما كان قابل له‪ ،‬والخر‬
‫لم يسع وبقي في درجة أسفل منه‪ ،‬فلو كلفه أن يفهم دفعة ما فهمه في‬
‫أزمنة متطاولة يعسر المر عليه بل يصير سببا لضللته وحيرته‪ ،‬فينبغي‬
‫أن يرفق به‪ ،‬ويكمله تدريجا حتى يبلغ إلى تلك الدرجة كما أن الكاتب الجيد‬
‫الخط إذا كلف اميا لم يكتب قط أن يكتب مثله في يوم أو شهر أو سنة لكان‬
‫تكليفا لما ل يطاق‪ ،‬بل يجب أن يرقيه تدريجا حتى يصل إلى مرتبته‪ ،‬وكذا‬
‫في المراتب العقلية من لم يحصل شيئا منها ل يمكن إفهامه دفعة جميع‬
‫المسائل الغامضة‪ ،‬ولو ألقيت إليه لتحير‪ ،‬بل لم يطق فهمها وضل عن‬
‫السبيل‪ ،‬والمعلم الديب الكامل يرقيه أول من البديهيات إلى أوائل‬
‫النظريات‪ ،‬ومنها إلى أوساطها‪ ،‬ومنها إلى غوامضها‪ ،‬فل ينكسر ول‬
‫يتحير‪ .‬ويمكن أن تحمل القدرة المذكورة في الخبر السابق على الوسع‪ ،‬أي‬
‫المكان بسهولة فل ينافي المذكور في هذا الخبر ولكن الول أظهر‪ ،‬وربما‬
‫يجاب بأنه لما لم يكن معلوما لصاحب الدرجة العليا عدم قابلية صاحب‬
‫الدرجة السفلى‪ ،‬بل ربما يظن أنه قابل للترقي فهو مأمور بهذا رجاء‬
‫لتحقق مظنونه ول يخفى ما فيه‪ " .‬فتكسره " أي تكسر إيمانه وتضله‪،‬‬
‫لنه يرفع يده عما هو فيه‪ ،‬ول يصل إلى الدرجة الخرى فيتحير في دينه‪،‬‬
‫أو يكلفه من الطاعات مال يطيقها فيسوء ظنه بما كان يعمله‪ ،‬فيتركهما‬
‫جميعا كما مر في الباب السابق " فعليه جبره " أي يجب عليه جبره‪،‬‬
‫وربما ل ينجبر‪ ،‬ويلزمه إصلح ما أفسد من إيمانه وربما لم يصلح‪- 6 .‬‬
‫كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن محمد بن‬
‫سنان عن ابن مسكان‪ ،‬عن سدير قال‪ :‬قال لي أبو جعفر عليه السلم‪ :‬إن‬
‫المؤمنين على منازل منهم على واحدة‪ ،‬ومنهم على اثنتين‪ ،‬ومنهم على‬
‫ثلث‪ ،‬ومنهم على أربع‪ ،‬ومنهم على خمس‪ ،‬ومنهم على ست ومنهم على‬
‫سبع‪ ،‬فلو ذهبت تحمل على صاحب الواحدة ثنتين لم يقو‪ ،‬وعلى صاحب‬
‫الثنتين ثلثا لم يقو‪ ،‬وعلى صاحب الثلث أربعا لم يقو‬

‫]‪[168‬‬

‫وعلى صاحب الربع خمسا لم يقو‪ ،‬وعلى صاحب الخمس ستا لم يقو‪ ،‬وعلى‬
‫صاحب الست سبعا لم يقو‪ ،‬وعلى هذه الدرجات )‪ .(1‬توضيح‪ :‬المراد‬
‫بالمنازل الدرجات قوله عليه السلم‪ " :‬على هذه الدرجات " كأن المعنى‬
‫وعلى هذا القياس الدرجات التي تنقسم هذه المنازل إليها‪ ،‬فان كل منها‬
‫ينقسم إلى سبعين درجة كما مر في الخبر الول‪ ،‬وقيل‪ :‬أي بقية الدرجات‬
‫إلى العشر المذكور في الخبر الثاني‪ ،‬أو المراد بالدرجات المنازل أي على‬
‫هذا الوجه الذي ذكرنا تنقسم الدرجات فيكون تأكيدا والول أظهر‪ - 7 .‬كا‪:‬‬
‫عن محمد‪ ،‬عن أحمد‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن‬
‫الصباح ابن سيابة‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ما أنتم والبراءة‬
‫يبرأ بعضكم من بعض ؟ إن المؤمنين بعضهم أفضل من بعض‪ ،‬وبعضهم‬
‫أكثر صلة من بعض‪ ،‬وبعضهم أنفذ بصيرة من بعض وهي الدرجات )‪.(2‬‬
‫‪ - 8‬لى‪ :‬عن الهمداني‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن نضر بن علي الجهضمي‪،‬‬
‫عن علي بن جعفر‪ ،‬عن أخيه‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬من أسبغ وضوءه‪ ،‬وأحسن صلته‪ ،‬وأدى زكاة ماله‪،‬‬
‫وخزن لسانه‪ ،‬وكف غضبه واستغفر لذنبه‪ ،‬وأدى النصيحة لهل بيت‬
‫رسوله‪ ،‬فقد استكمل حقائق اليمان وأبواب الجنة مفتحة له )‪ - 9 .(3‬ل‪:‬‬
‫ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن محمد بن حماد‪ ،‬عن عبد العزيز قال‪ :‬دخلت‬
‫على أبي عبد ال عليه السلم‪ :‬فذكرت له شيئا من أمر الشيعة ومن‬
‫أقاويلهم فقال‪ :‬يا عبد العزيز اليمان عشر درجات بمنزلة السلم‪ ،‬له عشر‬
‫مراقي‪ ،‬وترتقى منه مرقاة بعد مرقاة‪ ،‬فل يقولن صاحب الواحدة لصاحب‬
‫الثانية‪ :‬لست على شئ‪ ،‬ول يقولن صاحب الثانية لصاحب الثالثة‪ :‬لست‬
‫على شئ ‪ -‬حتى انتهى إلى العاشرة ‪ -‬ثم قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ (2) .45 :2‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .45‬أمالى الصدوق‪200 :‬‬

‫]‪[169‬‬

‫وكان سلمان في العاشرة وأبو ذر في التاسعة والمقداد في الثامنة‪ ،‬يا عبد العزيز ل‬
‫تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك‪ ،‬وإذا رأيت الذي هو دونك‬
‫فقدرت أن ترفعه إلى درجتك رفعا رفيقا فافعل‪ ،‬ول تحملن عليه مال يطيقه‬
‫فتكسره‪ ،‬فانه من كسر مؤمنا فعليه جبره‪ ،‬لنك إذا ذهبت تحمل الفصيل‬
‫حمل البازل فسخته )‪ .(1‬بيان‪ :‬الفصيل ولد الناقة إذا فصل عن امه‪،‬‬
‫والبازل اسم البعير إذا طلع نابه وذلك في تاسع سنيه‪ ،‬والفسخ النقض‪10 .‬‬
‫‪ -‬ل‪ :‬ابن إدريس‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه يرفعه إلى‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬المؤمنون على سبع درجات‪ :‬صاحب درجة‬
‫منهم في مزيد من ال عزوجل ل يخرجه ذلك المزيد من درجته إلى درجة‬
‫غيره‪ ،‬ومنهم شهداء ال على خلقه‪ ،‬ومنهم النجباء‪ ،‬ومنهم الممتحنة‪،‬‬
‫ومنهم النجداء‪ ،‬ومنهم أهل الصبر ومنهم أهل التقوى‪ ،‬ومنهم أهل المغفرة‬
‫)‪ - 11 .(2‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن‬
‫عمار بن أبي الحوص قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬إن عندنا‬
‫أقواما يقولون بأمير المؤمنين عليه السلم ويفضلونه على الناس كلهم‪،‬‬
‫وليس يصفون ما نصف من فضلكم أنتولهم ؟ فقال لي‪ :‬نعم‪ ،‬في الجملة‪،‬‬
‫أليس عند ال ما لم يكن عند رسول ال‪ ،‬ولرسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وسلم‪] :‬من[ عند ال ما ليس لنا‪ ،‬وعندنا ما ليس عندكم‪ ،‬وعندكم ما ليس‬
‫عند غيركم ؟ إن ال تبارك وتعالى وضع السلم على سبعة أسهم‪ :‬على‬
‫الصبر والصدق‪ ،‬واليقين‪ ،‬والرضا‪ ،‬والوفاء‪ ،‬والعلم‪ ،‬والحلم‪ ،‬ثم قسم ذلك‬
‫بين الناس فمن جعل فيه هذه السبعة السهم‪ ،‬فهو كامل اليمان محتمل‪ ،‬ثم‬
‫قسم لبعض الناس السهم‪ ،‬ولبعض السهمين‪ ،‬ولبعض الثلثة السهم‪،‬‬
‫ولبعض الربعة السهم‪ ،‬ولبعض الخمسة السهم‪ ،‬ولبعض الستة السهم‪،‬‬
‫ولبعض السبعة السهم‪.‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ (2) .60 :2‬الخصال ج ‪.7 :2‬‬

‫]‪[170‬‬
‫فل تحملوا على صاحب السهم سهمين‪ ،‬ول على صاحب السهمين ثلثة أسهم ول‬
‫على صاحب الثلثة أربعة أسهم‪ ،‬ول على صاحب الربعة خمسة أسهم‪،‬‬
‫ول على صاحب الخمسة ستة أسهم‪ ،‬ول على صاحب الستة سبعة أسهم‪،‬‬
‫فتثقلوهم وتنفروهم‪ ،‬ولكن ترفقوا بهم وسهلوا لهم المدخل‪ .‬وسأضرب لك‬
‫مثل تعتبر به‪ ،‬إنه كان رجل مسلم وكان له جار كافر‪ ،‬وكان الكافر يرفق‬
‫المؤمن فأحب المؤمن للكافر السلم‪ ،‬ولم يزل يزين له السلم ويحببه إلى‬
‫الكافر حتى أسلم‪ ،‬فغدا عليه المؤمن فاستخرجه من منزله فذهب به إلى‬
‫المسجد ليصلي معه الفجر في جماعة‪ ،‬فلما صلى قال له‪ :‬لو قعدنا نذكر ال‬
‫عزوجل حتى تطلع الشمس‪ ،‬فقعد معه‪ ،‬فقال‪ :‬لو تعلمت القرآن إلى أن‬
‫تزول الشمس وصمت اليوم كان أفضل‪ ،‬فقعد معه وصام حتى صلى الظهر‬
‫والعصر‪ ،‬فقال‪ :‬لو صبرت حتى تصلي المغرب والعشاء الخرة كان أفضل‪،‬‬
‫فقعد معه حتى صلى المغرب والعشاء الخرة ثم نهضا وقد بلغ مجهوده‪،‬‬
‫وحمل عليه مال يطيق‪ ،‬فلما كان من الغد غدا عليه وهو يريد به مثل ما‬
‫صنع بالمس‪ ،‬فدق عليه بابه‪ ،‬ثم قال له‪ :‬اخرج حتى نذهب إلى المسجد‪،‬‬
‫فأجاب أن انصرف عني فان هذا دين شديد ل اطيقه‪ .‬فل تخرقوا بهم‪ ،‬أما‬
‫علمت أن إمارة بني امية كانت بالسيف‪ ،‬والعسف والجور‪ ،‬وأن إمامتنا‬
‫بالرفق‪ ،‬والتألف‪ ،‬والوقار‪ ،‬والتقية‪ ،‬وحسن الخلطة والورع‪ ،‬والجتهاد‪،‬‬
‫فرغبوا الناس في دينكم وفيما أنتم فيه )‪ .(1‬بيان‪ :‬الخرق بالضم‬
‫وبالتحريك ضد الرفق وأن ل يحسن الرجل العمل والتصرف في المور‬
‫ذكره الفيروز آبادي‪ - 12 .‬ل‪ :‬في وصية النبي صلى ال عليه وآله لعلي‬
‫عليه السلم‪ :‬يا علي سبعة من كن فيه فقد استكمل حقيقة اليمان‪ ،‬وأبواب‬
‫الجنة مفتحة له‪ ،‬من أسبغ وضوءه‪ ،‬وأحسن صلته‪ ،‬وأدى زكاة ماله‪،‬‬
‫وكف غضبه‪ ،‬وسجن لسانه‪ ،‬واستغفر لذنبه‪ ،‬وأدى النصيحة لهل بيت‬
‫نبيه )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ (2) .8 :2‬الخصال ج ‪ 4 :2‬راجع الرقم ‪ 8‬في ص ‪.168‬‬

‫]‪[171‬‬

‫‪ - 13‬شى‪ :‬عن عمار بن مروان قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عليه السلم‪ :‬عن قول ال‬
‫" أفمن اتبع رضوان ال كمن باء بسخط من ال ومأواه جهنم بئس‬
‫المصير " )‪ (1‬فقال‪ " :‬هم " الئمة وال يا عمار " درجات " للمؤمنين‬
‫" عند ال " وبموالتهم وبمعرفتهم إيانا يضاعف ال للمؤمنين حسناتهم‪،‬‬
‫ويرفع لهم الدرجات العلى‪ ،‬وأما قوله يا عمار " كمن باء بسخط من ال "‬
‫‪ -‬إلى قوله ‪ " :-‬المصير " فهم وال الذين جحدوا حق علي بن أبي طالب‬
‫عليه السلم وحق الئمة منا أهل البيت‪ ،‬فباؤا لذلك بسخط من ال‪ .‬وعن‬
‫أبي الحسن الرضا عليه السلم‪ :‬أنه ذكر قول ال " هم درجات عند ال "‬
‫قال‪ :‬الدرجة ما بين السماء إلى الرض )‪ - 14 .(2‬شى‪ :‬عن أبي عمرو‬
‫الزبيري‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬بالزيادة في اليمان تفاضل‬
‫المؤمنون بالدرجات عند ال‪ ،‬قلت‪ :‬وإن لليمان درجات ومنازل يتفاضل‬
‫بها المؤمنون عند ال ؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬صف لي ذلك رحمك ال حتى‬
‫أفهمه‪ ،‬قال‪ :‬ما فضل ال به أولياءه بعضهم على بعض‪ ،‬فقال‪ " :‬تلك‬
‫الرسل فضلنا بعضهم على بعض‪ ،‬منهم من كلم ال ورفع بعضهم فوق‬
‫بعض درجات " )‪ (3‬الية وقال‪ " :‬ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض "‬
‫)‪ (4‬وقال‪ " :‬انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللخرة أكبر ؟ جات "‬
‫)‪ (5‬وقال‪ " :‬هم درجات عند ال " )‪ (6‬فهذا ذكر درجات اليمان ومنازله‬
‫عند ال )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪ 162 :‬وما بعدها ذيلها‪ (2) .‬تفسير العياشي ج ‪(3) .205 :1‬‬
‫البقرة‪ (4) .253 :‬أسرى‪ (5) .55 :‬أسرى‪ (6) .21 :‬آل عمران‪) .163 :‬‬
‫‪ (7‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ ،135‬وهى قطعة من الحديث الذى مر تحت‬
‫الرقم ‪ 6‬من الباب ‪ 30‬ص ‪.28‬‬

‫]‪[172‬‬

‫‪ - 15‬شى‪ :‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ل نقول درجة واحدة‬
‫إن ال يقول " درجات بعضها فوق بعض " إنما تفاضل القوم بالعمال )‬
‫‪ - 16 .(1‬شى‪ :‬عن عبد الرحمن بن كثير قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه‬
‫السلم‪ :‬يا عبد الرحمن شيعتنا وال ل يتيحهم الذنوب والخطايا‪ ،‬هم صفوة‬
‫ال الذين اختارهم لدينه‪ ،‬وهو قول ال " ما على المحسنين من سبيل " )‬
‫‪ - 17 .(2‬شى‪ :‬عن داود بن الحصين‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪:‬‬
‫سألته‪ ،‬عن قول ال‪ " :‬ومن العراب من يؤمن بال واليوم الخر ويتخذ‬
‫ما ينفق قربات عند ال " )‪ (3‬أيثيبهم عليه ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬وفي رواية اخرى‬
‫عنه يثابون عليه ؟ قال‪ :‬نعم )‪ - 18 .(4‬شى‪ :‬عن أبي عمرو الزبيري‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال عزوجل سبق بين المؤمنين كما سبق‬
‫بين الخيل يوم الرهان‪ ،‬قلت‪ :‬أخبرني عما ندب ال المؤمن من الستباق‬
‫إلى اليمان‪ ،‬قال‪ :‬قول ال " سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها‬
‫كعرض السماء والرض اعدت للذين آمنوا بال ورسله " )‪ (5‬وقال‪" :‬‬
‫السابقون السابقون اولئك المقربون " وقال‪ " :‬السابقون الولون من‬
‫المهاجرين والنصار والذين اتبعوهم باحسان رضي ال عنهم ورضوا عنه‬
‫" فبدأ بالمهاجرين على درجة سبقهم‪ ،‬ثم ثنى بالنصار‪ ،‬ثم ثلث بالتابعين‬
‫لهم باحسان‪ ،‬فوضع كل قوم على درجاتهم ومنازلهم عنده )‪ - 16 .(6‬شى‪:‬‬
‫عن محمد بن خالد بن الحجاج الكرخي‪ ،‬عن بعض أصحابه رفعه‬

‫)‪ (1‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ ،388‬وقد مر في أول الباب ص ‪ (2) .155‬تفسير‬


‫العياشي ج ‪ ،105 :2‬والية في براءة‪ (3) .91 :‬براءة‪ (4) .99 :‬تفسير‬
‫العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .105‬قد مرت الشارة الى مواضيع اليات‪ ،‬راجع‬
‫ص ‪ 28‬و ‪ 29‬فيما سبق‪ (6) .‬تفسير العياشي ج ‪.105 :2‬‬

‫]‪[173‬‬

‫إلى خيثمة قال‪ :‬قال أبو جعفر عليه السلم في قول ال " خلطوا عمل صالحا وآخر‬
‫سيئا عسى ال أن يتوب عليهم " وعسى من ال واجب‪ ،‬وإنما نزلت في‬
‫شيعتنا المؤمنين )‪ - 20 .(1‬شى‪ :‬عن أحمد بن محمد بن أبي نصر رفعه‬
‫إلى الشيخ في قوله‪ " :‬خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا " قال‪ :‬قوم‬
‫اجترحوا ذنوبا مثل قتل حمزة وجعفر الطيار ثم تابوا ثم قال‪ :‬ومن قتل‬
‫مؤمنا لم يوفق للتوبة إل أن ال ل يقطع طمع العباد فيه‪ ،‬ورجاءهم منه‪،‬‬
‫وقال‪ :‬هو أو غيره‪ :‬إن عسى من ال واجب )‪ - 21 .(2‬شى‪ :‬عن الحلبي‪،‬‬
‫عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم‪ ،‬عن أحدهما قال‪ :‬المعترف بذنبه قوم‬
‫اعترفوا بذنوبهم خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا )‪ - 22 .(3‬شى‪ :‬عن أبي‬
‫بكر الحضرمي قال‪ :‬قال محمد بن سعيد سل أبا عبد ال عليه السلم‬
‫فاعرض عليه كلمي وقل له‪ :‬إني أتولكم‪ ،‬وأبرأ من عدوكم‪ ،‬وأقول بالقدر‬
‫أقولي فيه قولك ؟ )‪ (4‬قال‪ :‬فعرضت كلمه على أبي عبد ال عليه السلم‬
‫فحرك يده ثم قال‪ " :‬خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا عسى ال أن يتوب‬
‫عليهم " قال‪ :‬ثم قال‪ :‬ما أعرفه من موالي أمير المؤمنين‪ ،‬قلت‪ :‬يزعم )‪(5‬‬
‫أن سلطان هشام ليس من ال‪ ،‬فقال‪ :‬ويله ماله ويله أما علم أن ال جعل‬
‫لدم دولة ولبليس دولة )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص ‪ 105‬نفسه وفيه‪ :‬في شيعتنا المذنبين‪ ،‬والية في‬
‫براءة‪ (2) .102 :‬تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .106‬المصدر ج ‪:2‬‬
‫‪ (4) .106‬في نسخة الكمبانى وهكذا المصدر‪ " :‬وقولى فيه قولك " وهو‬
‫تصحيف ظاهر فانه سائل يعرض كلمه وعقيدته مستفهما عن صحته‬
‫وبطلنه‪ ،‬ل متحكما يحكم بأن ما يقوله هو قوله عليه السلم‪ ،‬وقول‬
‫الراوى‪ " :‬فحرك يده " معناه أن‪ :‬ليس هذا قولى‪ ،‬فكأنه حرك يده يمينا‬
‫وشمال كما يحرك النافي يده منكرا‪ (5) .‬في المصدر‪ :‬يزعم ابن عمر‪ ،‬خ‪.‬‬
‫)‪ (6‬تفسير العياشي ج ‪.106 :2‬‬
‫]‪[174‬‬

‫بيان‪ :‬كأن ابن سعيد كان يقول بالتفويض‪ ،‬وكان ل يقول بمدخلية هداية ال تعالى‬
‫وتوفيقه وخذلنه في أعمال العباد‪ ،‬وهذا هو مراده بالقول بالقدر‪ ،‬فلذا عده‬
‫عليه السلم من الذين خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا‪ ،‬وحرك يده مترددا‬
‫في قبوله ورده وقال‪ " :‬ما أعرفه من موالي أمير المؤمنين " لهذا القول‪،‬‬
‫ويحتمل أن يكون " من موالي أمير المؤمنين " استفهاما من السائل‪ ،‬فقال‬
‫أبو بكر‪ :‬إنه يزعم أنه ليس ل مدخل أصل في سلطنة هشام بن عبد الملك‪،‬‬
‫وكان من خلفاء بني امية فأنكر عليه السلم هذا القول‪ ،‬وقال‪ :‬إن ال جعل‬
‫لبليس دولة‪ ،‬ولخذلنه تعالى وترك ألطافه بالنسبة إلى العباد‪ ،‬لعدم‬
‫استحقاقهم بسوء أعمالهم مدخل في ذلك كذا خطر بالبال‪ ،‬وال أعلم‬
‫بحقيقة المقال‪ - 23 .‬شى‪ :‬عن زرارة‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم في قول‬
‫ال " وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا " قال‪:‬‬
‫اولئك قوم مذنبون‪ ،‬يحدثون في إيمانهم من الذنوب التي يعيبها المؤمنون‬
‫ويكرهها‪ ،‬فاولئك " عسى ال أن يتوب عليهم " )‪ - 24 .(1‬شى‪ :‬عن‬
‫زرارة‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قلنا له‪ :‬من وافقنا من علوي أو‬
‫غيره توليناه‪ ،‬ومن خالفنا برئنا منه من علوي أو غيره‪ ،‬قال‪ :‬يا زرارة‬
‫قول ال أصدق من قولك‪ ،‬أين الذين خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا )‪.(2‬‬
‫‪ - 25‬شى‪ :‬عن جابر‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم " ولقد علمنا‬
‫المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين " قال‪ :‬هم المؤمنون من هذه‬
‫المة )‪ - 26 .(3‬كش‪ :‬عن محمد بن مسعود‪ ،‬عن محمد بن نصير قال‪:‬‬
‫حدثني محمد بن عيسى وحمدويه‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن القاسم‬
‫الصيقل رفع الحديث إلى أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كنا جلوسا عنده‪،‬‬
‫فتذاكرنا رجل من أصحابنا‪ ،‬فقال بعضنا‪ :‬ذلك ضعيف‪ ،‬فقال أبو عبد ال‬
‫عليه السلم‪ :‬إن كان ل يقبل ممن دونكم حتى يكون مثلكم لم يقبل منكم‬
‫حتى تكونوا مثلنا )‪.(4‬‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬تفسير العياشي ج ‪ (3) .106 :2‬المصدر نفسه والية في الحجر‪) .24 :‬‬
‫‪ (4‬رجال الكشى ص‪ ،‬ولم تجده‪.‬‬

‫]‪[175‬‬

‫‪ - 27‬ما‪ :‬عن الحسين بن عبيدال‪ ،‬عن التلعكبري‪ ،‬عن ابن عقدة‪ ،‬عن يعقوب ابن‬
‫يوسف‪ ،‬عن الحصين بن مخارق‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه أن عليا‬
‫عليه السلم وفد إليه رجل من أشراف العرب فقال له علي عليه السلم‪:‬‬
‫هل في بلدك قوم قد شهروا أنفسهم بالخير ل يعرفون إل به ؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫قال‪ :‬فهل في بلدك قوم قد شهروا أنفسهم بالشر ل يعرفون إل به ؟ قال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬قال‪ :‬فهل في بلدك قوم يجترحون السيئات ويكتسبون الحسنات ؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬تلك خيار امة محمد صلى ال عليه وآله النمرقة الوسطى‬
‫يرجع إليهم الغالي‪ ،‬وينتهي إليهم المقصر )‪ .(1‬بيان‪ :‬لعل المراد بالفرقة‬
‫الولى قوم من أرباب البدع والمرائين شهروا أنفسهم بالخير‪ ،‬فلذا فضل‬
‫عليهم الفرقة الخيرة‪ ،‬أو المراد أن تلك أيضا من الخيار‪ - 28 .‬كنز‬
‫الكراجكى‪ :‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬اليمان في عشرة‪:‬‬
‫المعرفة‪ ،‬والطاعة‪ ،‬والعلم‪ ،‬والعمل‪ ،‬والورع‪ ،‬والجتهاد‪ ،‬والصبر‪ ،‬واليقين‬
‫والرضا‪ ،‬والتسليم‪ ،‬فأيها فقد صاحبه بطل نظامه‪) * 33 .‬باب( * * "‬
‫)السكينة وروح اليمان وزيادته ونقصانه( " * اليات‪ :‬البقرة‪ :‬قال أولم‬
‫تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي )‪ .(2‬النفال‪ :‬وإذا تليت عليهم آياته‬
‫زادتهم إيمانا )‪ .(3‬التوبة‪ :‬وإذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته‬
‫هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في‬
‫قلوبهم مرض‬

‫)‪ (1‬أمالى الطوسى ج ‪ (2) .262 :2‬البقرة‪ (3) .260 :‬النفال‪.2 :‬‬

‫]‪[176‬‬

‫فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون )‪ .(1‬الكهف‪ :‬إنهم فتية آمنوا بربهم‬
‫وزدناهم هدى * وربطنا على قلوبهم )‪ .(2‬الحزاب‪ :‬ولما رأى المؤمنون‬
‫الحزاب قالوا هذا ما وعدنا ال ورسوله وصدق ال ورسوله وما زادهم‬
‫إل إيمانا وتسليما )‪ .(3‬الفتح‪ :‬هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين‬
‫ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم )‪ .(4‬المجادلة‪ :‬ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم‬
‫الخر يوادون من حاد ال ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم‬
‫أو عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم اليمان وأيدهم بروح منه )‪ .(5‬تفسير‪:‬‬
‫قوله تعالى‪ " :‬قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " أقول‪ :‬يدل على أن اليمان‬
‫واليقين قابلن للشدة والضعف‪ ،‬قال الطبرسي ‪ -‬ره ‪ -‬أي بلى أنا مؤمن‬
‫ولكن سألت ذاك لزداد يقينا إلى يقيني‪ ،‬وقيل‪ :‬لعاين ذلك ويسكن قلبي‬
‫إلى علم العيان بعد علم الستدلل‪ ،‬وقيل‪ :‬ليطمئن قلبي بأنك قد أجبت‬
‫مسألتي واتخذتني خليل كما وعدتني )‪ .(6‬وقال في قوله تعالى‪ " :‬وإذا‬
‫تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا " معناه وإذا قرئ عليهم القرآن زادتهم‬
‫آياته تبصرة ويقينا على يقين‪ ،‬وقيل‪ :‬زادتهم تصديقا مع تصديقهم بما انزل‬
‫إليهم قبل ذلك‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬والمعنى أنهم يصدقون بالولى والثانية‬
‫والثالثة وكلما يأتي من عند ال فيزداد تصديقهم )‪ .(7‬وقال القاضي‪:‬‬
‫زادتهم إيمانا لزيادة المؤمن به أو لطمينان النفس ورسوخ اليقين بتظاهر‬
‫الدلة أو بالعمل بموجبها‪ ،‬وهو قول من قال اليمان يزيد بالطاعة‬
‫)‪ (1‬براءة‪ 124 :‬و ‪ (2) .125‬الكهف‪ (3) .14 - 13 :‬الحزاب‪ (4) .22 :‬الفتح‪.4 :‬‬
‫)‪ (5‬المجادلة‪ (6) .22 :‬مجمع البيان ج ‪ (7) .373 :2‬المصدر ج ‪:4‬‬
‫‪.519‬‬

‫]‪[177‬‬

‫وينقص بالمعصية‪ ،‬بناء على أن العمل داخل فيه )‪ .(1‬قوله تعالى " فمنهم " قال‬
‫الطبرسي رحمه ال )‪ :(2‬أي من المنافقين " من يقول " على وجه النكار‬
‫أي يقول بعضهم لبعض " أيكم زادته هذه " السورة " إيمانا " وقيل‪:‬‬
‫معناه يقول المنافقون للمؤمنين الذين في إيمانهم ضعف‪ :‬أيكم زادته هذه‬
‫السورة إيمانا أي يقينا وبصيرة " فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا " قال‬
‫القاضي‪ :‬بزيادة العلم الحاصل من تدبر السورة‪ ،‬وانضمام اليمان بها وبما‬
‫فيها‪ ،‬إلى إيمانهم " وهم يستبشرون " بنزولها لنه سبب لزيادة كمالهم‬
‫وارتفاع درجاتهم " فزادتهم رجسا إلى رجسهم " أي كفرا بها مضموما‬
‫إلى كفرهم بغيرها " وماتوا وهم كافرون " أي استحكم ذلك فيهم حتى‬
‫ماتوا عليه )‪ " .(3‬وزدناهم هدى " في المجمع أي بصيرة في الدين‪،‬‬
‫ورغبة في الثبات عليه باللطاف المقوية لدواعيهم إلى اليمان " وربطنا‬
‫على قلوبهم " أي شددنا عليها باللطاف والخواطر المقوية لليمان حتى‬
‫وطنوا أنفسهم على إظهار الحق‪ ،‬والثبات على الدين والصبر على المشاق‬
‫ومفارقة الوطن )‪ " .(4‬ولما رأى المؤمنون الحزاب " أي ولما عاين‬
‫المصدقون بال ورسوله الجماعة الذين تحزبت على قتال النبي صلى ال‬
‫عليه وآله مع كثرتهم " قالوا " الخ فيه قولن‪ :‬أحدهما أن النبي صلى ال‬
‫عليه وآله كان قد أخبرهم أنه يتظاهر عليهم الحزاب ويقاتلونهم ووعدهم‬
‫الظفر بهم‪ ،‬فلما رأوهم تبين لهم مصداق قوله‪ ،‬وكان ذلك معجزا له " وما‬
‫زادهم " مشاهدة عدوهم " إل إيمانا " أي تصديقا بال ورسوله‪ ،‬وتسليما‬
‫لمره‪ ،‬والخر أن ال وعدهم بقوله " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما‬
‫يأتكم مثل الذين خلوا ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬إن نصر ال قريب " ما سيكون من‬
‫الشدة التي تلحقهم من‬

‫)‪ (1‬أنوار التنزيل‪ (2) .161 :‬مجمع البيان ج ‪ 84 :5‬والية في براءة‪(3) .124 :‬‬
‫أنوار التنزيل‪ (4) .182 :‬مجمع البيان ج ‪ 454 :6‬والية في الكهف‪:‬‬
‫‪.13‬‬

‫]‪[178‬‬
‫عدوهم‪ ،‬فلما رأوا الحزاب قالوا هذه المقالة )‪ " .(1‬هو الذي أنزل السكينة " هي‬
‫أن يفعل ال بهم اللطف الذي يحصل لهم عنده من البصيرة بالحق ما تسكن‬
‫إليه نفوسهم‪ ،‬وذلك بكثرة ما ينصب لهم من الدلة الدالة عليه‪ ،‬فهذه‬
‫النعمة التامة للمؤمنين خاصة‪ ،‬وأما غيرهم فتضطرب نفوسهم لول‬
‫عارض من شبهة ترد عليهم‪ ،‬إذ ل يجدون برد اليقين‪ ،‬وروح الطمأنينة في‬
‫قلوبهم‪ ،‬وقيل هي النصرة للمؤمنين لتسكن بذلك قلوبهم‪ ،‬ويثبتوا في‬
‫القتال‪ ،‬وقيل هي ما أسكن قلوبهم من التعظيم ل ولرسوله " ليزدادوا‬
‫إيمانا مع إيمانهم " أي يقينا إلى يقينهم بما يرون من الفتوح وعلو كلمة‬
‫السلم على وفق ما وعدوا‪ ،‬وقيل‪ :‬ليزدادوا تصديقا بشرايع السلم‪ ،‬وهو‬
‫أنهم كلما امروا بشئ من الشرائع صدقوا به‪ ،‬وذلك بالسكينة التي أنزلها‬
‫ال في قلوبهم عن ابن عباس والمعنى ليزدادوا معارف على المعرفة‬
‫الحاصلة عندهم )‪ " .(2‬اولئك كتب في قلوبهم اليمان " أي ثبته في‬
‫قلوبهم بما فعل بهم من اللطاف فصار كالمكتوب‪ ،‬وقيل‪ :‬كتب في قلوبهم‬
‫علمة اليمان‪ ،‬ومعنى ذلك أنها سمة لمن شاهدهم من الملئكة على أنهم‬
‫مؤمنون " وأيدهم بروح منه " أي قواهم بنور اليمان‪ ،‬وقيل‪ :‬قواهم بنور‬
‫الحجج والبرهان‪ ،‬حتى اهتدوا للحق وعملوا به وقيل‪ :‬قواهم بالقرآن الذي‬
‫هو حياة للقلوب من الجهل‪ ،‬وقيل‪ :‬أيدهم بجبرئيل في كثير من المواطن‬
‫ينصرهم ويدفع عنهم )‪ .(3‬أقول‪ :‬سيأتي في الخبار أن السكينة هي‬
‫اليمان‪ ،‬ومعنى روح اليمان‪ - 1 .‬ب‪ :‬ابن سعد‪ ،‬عن الزدي‪ ،‬عن أبي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬إن للقلب اذنين‪ :‬روح اليمان يساره بالخير‪،‬‬
‫والشيطان يساره بالشر فأيهما ظهر على صاحبه غلبه‪ ،‬قال‪ :‬وقال أبو عبد‬
‫ال عليه السلم‪ :‬إذا زنى الرجل أخرج ال منه روح اليمان‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 349 :8‬والية في الحزاب‪ (2) .22 :‬مجمع البيان ج ‪:9‬‬
‫‪ ،111‬والية في الفتح‪ (3) .4 :‬مجمع البيان ج ‪ :254 :9‬والية في‬
‫المجادلة‪.22 :‬‬

‫]‪[179‬‬

‫فقلنا الروح التي قال ال تبارك وتعالى " وأيدهم بروح منه " ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬وقال أبو‬
‫عبد ال عليه السلم‪ :‬ل يزني الزاني وهو مؤمن‪ ،‬ول يسرق السارق وهو‬
‫مؤمن‪ ،‬وإنما أعني مادام على بطنها‪ ،‬فإذا توضأ وتاب كان في حال غير‬
‫ذلك )‪ .(1‬بيان‪ " :‬فإذا توضأ " أي تطهر واغتسل‪ - 2 .‬فس‪ " :‬ويزيد ال‬
‫الذين اهتدوا هدى " رد على من زعم أن اليمان ل يزيد ول ينقص )‪3 .(2‬‬
‫‪ -‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه رفعه‪ ،‬عن محمد بن داود الغنوي‪،‬‬
‫عن الصبغ بن نباتة قال‪ :‬جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلم فقال‪:‬‬
‫يا أمير المؤمنين إن ناسا زعموا أن العبد ل يزني وهو مؤمن‪ ،‬ول يسرق‬
‫وهو مؤمن‪ ،‬ول يشرب الخمر وهو مؤمن ول ياكل الربوا وهو مؤمن‪ ،‬ول‬
‫يسفك الدم الحرام وهو مؤمن‪ ،‬فقد ثقل علي هذا وحرج منه صدري حين‬
‫أزعم أن هذا العبد يصلي صلتي‪ ،‬ويدعو دعائي ويناكحني واناكحه‬
‫ويوارثني واوارثه‪ ،‬وقد خرج من اليمان من أجل ذنب يسير أصابه ! فقال‬
‫أمير المؤمنين صلوات ال عليه‪ :‬صدقت سمعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله يقول والدليل عليه كتاب ال‪ :‬خلق ال الناس على ثلث طبقات‬
‫وأنزلهم ثلث منازل وذلك قول ال عزوجل في الكتاب‪ " :‬أصحاب الميمنة‪،‬‬
‫وأصحاب المشأمة والسابقون " )‪ (3‬فأما ما ذكره من أمر السابقين فانهم‬
‫أنبياء مرسلون وغير مرسلين جعل ال فيهم خمسة أرواح‪ :‬روح القدس‪،‬‬
‫وروح اليمان‪ ،‬وروح القوة‪ ،‬وروح الشهوة‪ ،‬وروح البدن‪ ،‬فبروح القدس‬
‫بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين‪ ،‬وبها علموا الشياء‪ ،‬وبروح اليمان‬
‫عبدوا ال ولم يشركوا به شيئا‪ ،‬وبروح القوة جاهدوا عدوهم وعالجوا‬
‫معاشهم‪ ،‬وبروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام ونكحوا الحلل من شباب‬
‫النساء‪ ،‬وبروح البدن دبوا ودرجوا‪.‬‬

‫)‪ (1‬قرب السناد‪ 17 :‬ط حجر‪ ،‬ص ‪ 25‬ط النجف‪ (2) .‬تفسير القمى‪ ،413 :‬والية‬
‫في مريم‪ (3) .76 :‬راجع الواقعة‪.10 - 8 :‬‬

‫]‪[180‬‬

‫فهؤلء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم‪ ،‬ثم قال‪ :‬قال ال تعالى " تلك الرسل فضلنا‬
‫بعضهم على بعض منهم من كلم ال ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى‬
‫ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس " )‪ (1‬ثم قال في جماعتهم‪" :‬‬
‫وأيدهم بروح منه " يقول أكرمهم بها ففضلهم على من سواهم‪ ،‬فهؤلء‬
‫مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم‪ .‬ثم ذكر أصحاب الميمنة وهم المؤمنون‬
‫حقا بأعيانهم‪ ،‬جعل ال فيهم أربعة أرواح‪ :‬روح اليمان‪ ،‬وروح القوة‪،‬‬
‫وروح الشهوة‪ ،‬وروح البدن‪ ،‬فل يزال العبد يستكمل هذه الرواح الربعة‬
‫حتى يأتي عليه حالت‪ .‬فقال الرجل‪ :‬يا أمير المؤمنين ما هذه الحالت ؟‬
‫فقال‪ :‬أما أولهن فهو كما قال ال عزوجل " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر‬
‫لكيل يعلم بعد علم شيئا " )‪ (2‬فهذا ينتقص منه جميع الرواح‪ ،‬وليس‬
‫بالذي يخرج من دين ال‪ ،‬لن الفاعل به رده إلى أرذل العمر‪ ،‬فهو ل يعرف‬
‫للصلة وقتا‪ ،‬ول يستطيع التهجد بالليل ول بالنهار‪ ،‬ول القيام في الصف‬
‫مع الناس‪ ،‬فهذا نقصان من روح اليمان‪ ،‬وليس يضره شيئا‪ ،‬ومنهم من‬
‫ينتقص منه روح القوة ول يستطيع جهاد عدوه‪ ،‬ول يستطيع طلب‬
‫المعيشة‪ ،‬ومنهم من ينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أصبح بنات آدم‬
‫لم يحن إليها‪ ،‬ولم يقم‪ ،‬وتبقى روح البدن فيه‪ ،‬فهو يدب ويدرج‪ ،‬حتى يأتيه‬
‫ملك الموت فهذا بحال خير لن ال عزوجل هو الفاعل به‪ ،‬وقد يأتي عليه‬
‫حالت في قوته وشبابه فيهم بالخطيئة فيشجعه روح القوة‪ ،‬ويزين له‬
‫روح الشهوة‪ ،‬وتقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة فإذا لمسها‬
‫نقص من اليمان وتفصى منه‪ ،‬فليس يعود فيه حتى يتوب‪ ،‬فإذا تاب تاب‬
‫ال عليه‪ ،‬وإن عاد أدخله ال نار جهنم‪ .‬فأما أصحاب المشأمة فهم اليهود‬
‫والنصارى يقول ال عزوجل " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون‬
‫أبنائهم " )‪ (3‬يعرفون محمدا والولية في التوراة والنجيل‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .253 :‬النحل‪ (3) .70 :‬البقرة‪.146 :‬‬

‫]‪[181‬‬

‫كما يعرفون أبناءهم في منازلهم " وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون *‬
‫الحق من ربك " أنك الرسول إليهم " فل تكونن من الممترين " )‪ (1‬فلما‬
‫جحدوا ما عرفوا ابتلهم بذلك فسلبهم روح اليمان‪ ،‬وأسكن أبدانهم ثلثة‬
‫أرواح‪ :‬روح القوة‪ ،‬وروح الشهوة‪ ،‬وروح البدن‪ ،‬ثم أضافهم إلى النعام‬
‫فقال‪ " :‬إن هم إل كالنعام " )‪ (2‬لن الدابة إنما تحمل بروح القوة‪،‬‬
‫وتعتلف بروح الشهوة‪ ،‬وتسير بروح البدن‪ ،‬فقال السائل‪ :‬أحييت قلبي‬
‫بإذن ال يا أمير المؤمنين )‪ .(3‬ف )‪ :(4‬أتى أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫رجل فقال له‪ :‬إن اناسا يزعمون وذكر نحوه )‪ .(5‬ير‪ :‬عن أحمد بن محمد‪،‬‬
‫عن الحسين بن سعيد‪ ،‬عن محمد بن داود‪ ،‬عن أبي هارون العبدي‪ ،‬عن‬
‫محمد‪ ،‬عن ابن نباتة مثله )‪ .(6‬بيان‪ " :‬وحرج منه " أي ضاق " حين‬
‫أزعم " أي أعتقد وأدعي موافقا لدعواهم " يصلي صلتي " كأن صلتي‬
‫مفعول مطلق للنوع‪ ،‬وكذا دعائي والمراد الدعوة إلى الدين أو دعاء الرب‬
‫وطلب الحاجة منه في الصلة وغيرها‪ ،‬والول أنسب " ويناكحني " أي‬
‫يعطيني زوجة كبنته واخته‪ ،‬وقيل‪ :‬المفاعلة في تلك الفعال بمعنى الفعال‬
‫" ويوارثني " كأن في السناد مجازا أي جعل ال له في ميراثي ولي في‬
‫ميراثه نصيبا )‪ (7‬وعد الذنب يسيرا بالنسبة إلى الخلل في العقائد‪ ،‬أو‬
‫اليسير في مقابل الكثير‪ ،‬وفي البصائر‪ " :‬يصلي إلى قبلتي ويدعو دعوتي‬
‫‪ -‬إلى قوله ‪ -‬اخرجه من اليمان " وفيه‪ " :‬فقال صدقك أخوك إني سمعت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله يقول‪ :‬خلق ال الخلق " ثم ذكر الية‬
‫بتمامها ‪ -‬إلى قوله ‪ " -‬اولئك المقربون " وعلى ما‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .147 :‬الفرقان‪ (3) .44 :‬الكافي ج ‪ .281 :2‬و ‪ (4) .282‬في‬
‫نسخة الكمبانى ب رمز قرب السناد‪ ،‬وهو سهو‪ (5) .‬تحف العقول‪:‬‬
‫‪ (6) .185‬بصائر الدرجات‪ 449 :‬و ‪ (7) 450‬وفى تحف العقول ط‬
‫اسلمية‪ :‬يواريني واواريه‪.‬‬

‫]‪[182‬‬

‫في الكافي يمكن أن يقرأ " صدقت " على بناء المعلوم المخاطب‪ ،‬أي القول الذي‬
‫ذكرت عنهم صدق وحق‪ ،‬أو صدقت في أنهم ل يخرجون من اليمان رأسا‬
‫بحيث تنتفي المناكحة والموارثة وأمثالهما أو في أنهم ل يخرجون بمحض‬
‫ارتكاب الذنب بل بالصرار عليه‪ ،‬أو المعلوم الغائب والضمير للناس‬
‫بتأويل‪ ،‬أو المجهول المخاطب أي صدقوك فيما أخبروك‪ .‬والستدلل‬
‫بالكتاب إما باليات المذكورة أو غيرها من اليات الدالة على حصر المؤمن‬
‫في جماعة موصوفين بصفات مخصوصة‪ ،‬وعلى الول كما هو الظاهر‬
‫الستدلل بأن الظاهر من التقسيم وما يأتي بعده أن يكون التقسيم إلى‬
‫النبياء والوصياء وإلى المؤمنين وإلى الكافرين‪ ،‬ووصف أصحاب اليمين‬
‫وجزاءهم بأوصاف ل تليق إل بمن لم يستحق عقوبة ولم يرتكب كبيرة‬
‫موجبة للنار‪ ،‬فلبد من دخول المصرين على الكبائر في أصحاب الشمال أو‬
‫بأنه تعالى ذكر في وصف أصحاب الشمال الذين يصرون على الحنث‬
‫العظيم )‪ (1‬فالصرار على الذنب العظيم يخرج من اليمان‪ .‬قوله عليه‬
‫السلم‪ " :‬جعل ال فيهم خمسة أرواح " أقول‪ :‬الروح يطلق على النفس‬
‫الناطقة‪ ،‬وعلى الروح الحيوانية السارية في البدن‪ ،‬وعلى خلق عظيم إما‬
‫من جنس الملئكة أو أعظم منهم كما قال تعالى‪ " :‬يوم يقوم الروح‬
‫والملئكة صفا " )‪ (2‬والرواح المذكورة هنا يمكن أن تكون أرواحا‬
‫مختلفة متبائنة‪ ،‬بعضها في البدن‪ ،‬وبعضها خارجة عنه‪ ،‬أو يكون المراد‬
‫بالجميع النفس الناطقة النسانية باعتبار أعمالها ودرجاتها ومراتبها‪ ،‬أو‬
‫اطلقت على تلك الحوال والدرجات كما أنه يطلق عليها النفس المارة‬
‫واللوامة والمطمئنة والملهمة بحسب درجاتها ومراتبها في الطاعة‪،‬‬
‫والعقل الهيولئي وبالملكة‪ ،‬وبالفعل‪ ،‬والمستفاد بحسب مراتبها في العلم‬
‫والمعرفة‪ ،‬ويحتمل أن تكون روح القوة والشهوة والمدرج كلها الروح‬
‫الحيوانية‪ ،‬وروح اليمان وروح القدس النفس الناطقة‬

‫)‪ (1‬الواقعة‪ (2) .46 :‬النبأ‪.38 :‬‬

‫]‪[183‬‬

‫بحسب كمالتها‪ ،‬أو تكون الربعة سوى روح القدس مراتب النفس وروح القدس‬
‫الخلق العظم فان ظاهر أكثر الخبار مباينة روح القدس للنفس‪ .‬ويحتمل‬
‫أن يكون ارتباط روح القدس متفرعا على حصول تلك الحالة القدسية‬
‫للنفس‪ ،‬فتطلق روح القدس على النفس في تلك الحالة‪ ،‬وعلى تلك الحالة‬
‫وعلى الجوهر القدسي الذي يحصل له الرتباط بالنفس في تلك الحالة كما‬
‫أن الحكماء يقولون‪ :‬إن النفس بعد تخليها عن الملكات الردية وتحليها‬
‫بالصفات العلية‪ ،‬وكشف الغواشي الهيولنية‪ ،‬ونقض العلئق الجسمانية‪،‬‬
‫يحصل لها ارتباط خاص بالعقل الفعال كارتباط البدن بالروح‪ ،‬فتطالع‬
‫الشياء فيها‪ ،‬وتفيض المعارف منه عليها آنا فآنا‪ ،‬وساعة فساعة‪ ،‬وبه‬
‫يؤولون علم ما يحدث بالليل والنهار‪ ،‬وهذا وإن كان مبتنيا على اصول‬
‫فاسدة ل نقول بها‪ ،‬لكن إنما ذكرناه للتشبيه والتنظير‪ ،‬وعلم جميع ذلك عند‬
‫العليم الخبير‪ .‬قوله عليه السلم " خلق ال الناس على ثلث طبقات "‬
‫قيل‪ :‬الخلق بمعنى اليجاد أو التقدير‪ ،‬ووجه الحصر أن الناس إما كافر‪ ،‬أو‬
‫مؤمن‪ ،‬والمؤمن إما أن تكون له قوة قدسية مقتضية للعصمة‪ ،‬أو لم تكن‪،‬‬
‫والول أصحاب المشئمة والخير أصحاب الميمنة‪ ،‬والثاني السابقون "‬
‫وذلك قول ال " إشارة إلى قوله سبحانه في سورة الواقعة " وكنتم‬
‫أزواجا ثلثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما‬
‫أصحاب المشئمة والسابقون السابقون اولئك المقربون في جنات النعيم ثلة‬
‫من الولين وقليل من الخرين " إلى آخر اليات وقد مر تفسير اليات في‬
‫باب درجات اليمان " فإنهم " بكسر الهمزة‪ ،‬وقد يقرأ بفتحها أي فلنهم‬
‫أنبياء‪ ،‬كأنه عليه السلم غلب النبياء على الوصياء لن الوصياء في‬
‫المم السابقة كان أكثرهم أو كلهم أنبياء فهذا يشمل الئمة عليهم السلم‪.‬‬
‫وفي حديث جابر‪ ،‬عن الصادق عليه السلم‪ :‬فالسابقون هم رسل ال‬
‫وخاصة ال من خلقه )‪ (1‬وفي رواية اخرى النبياء والوصياء‪ ،‬ويمكن‬
‫عطف " غير مرسلين "‬

‫)‪ (1‬راجع بصائر الدرجات‪ ،447 :‬وهو يشبه حديث ابن نباتة‪.‬‬

‫]‪[184‬‬

‫على النبياء لكنه أبعد‪ ،‬وكأن فيه نوع تقية وفي البصائر " مرسلين وغير مرسلين‬
‫" وفي القاموس عالجه علجا ومعالجة زاوله وداواه‪ ،‬وقال‪ :‬الشباب‬
‫الفتاء كالشبيبة وجمع شاب كالشبان وقال‪ :‬دب يدب دبا ودبيبا مشى على‬
‫هينته وقال‪ :‬درج دروجا مشى‪ ،‬وفي الصحاح دب الشيخ مشى مشيا رويدا‬
‫" فهؤلء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم " وهاتان الفقرتان ليستا في‬
‫البصائر في شئ من الروايتين في الموضعين )‪ (1‬وعلى ما في الكافي كأن‬
‫الذنب مأول بترك الولى كما مر مرارا‪ ،‬أو كنايتان عن عدم صدورها‬
‫عنهم‪ " .‬تلك الرسل " قال البيضاوي إشارة إلى الجماعة المذكورة‬
‫قصصها في السورة أو المعلومة للرسول‪ ،‬أو جماعة الرسل واللم‬
‫للستغراق " فضلنا بعضهم على بعض " بأن خصصناه بمنقبة ليست‬
‫لغيره " منهم من كلم ال " وهو موسى‪ ،‬وقيل موسى ومحمد عليهما‬
‫السلم كلم موسى ليلة الحيرة وفي الطور ومحمدا ليلة المعراج‪ ،‬حين كان‬
‫قاب قوسين أو أدنى‪ ،‬وبينهما بون بعيد " ورفع بعضهم درجات " بأن‬
‫فضله على غيره من وجوه متعددة وبمراتب متباعدة وهو محمد صلى ال‬
‫عليه وآله فانه خص بالدعوة العامة‪ ،‬والحجج المتكاثرة‪ ،‬والمعجزات‬
‫المستمرة‪ ،‬واليات المتراقية‪ ،‬المتعاقبة بتعاقب الدهر والفضائل العلمية‬
‫والعملية الفائتة للحصر والبهام لتفخيم شأنه‪ ،‬كأنه العلم المتعين لهذا‬
‫الوصف المستغني عن التعيين وقيل‪ :‬إبراهيم خصصه بالخلة التي هي‬
‫أعلى المراتب وقيل‪ :‬إدريس لقوله تعالى‪ " :‬ورفعناه مكانا عليا " وقيل‪:‬‬
‫اولوا العزم من الرسل )‪ " .(2‬وآتينا عيسى بن مريم البينات " المعجزات‬
‫الواضحات كاحياء الموتى وإبراء الكمه والبرص‪ ،‬والخبار بالمغيبات أو‬
‫النجيل " وأيدناه " وقويناه " بروح القدس " بالروح المقدسة كقولك‬
‫حاتم الجود‪ ،‬ورجل صدق‪ ،‬أراد به جبرئيل أو روح عيسى ووصفها به‬
‫لطهارته عن مس الشيطان‪ ،‬أو لكرامته على ال‪ .‬ولذلك‬

‫)‪ (1‬يعنى رواية جابر عن الصادق عليه السلم‪ ،‬ورواية الصبغ عن أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم‪ (2) .‬أنوار التنزيل‪.61 :‬‬

‫]‪[185‬‬

‫أضافها إلى نفسه أو لنه لم تضمها الصلب والرحام الطوامث‪ ،‬أو النجيل‪ ،‬أو‬
‫اسم ال العظم الذي كان يحيي به الموتى‪ ،‬وخص عيسى عليه السلم‬
‫بالتعيين لفراط اليهود والنصارى في تحقيره وتعظيمه‪ ،‬وجعل معجزاته‬
‫سبب تفضيله لنها آيات واضحة‪ ،‬ومعجزات عظيمة لم يستجمعها غيره‪" .‬‬
‫ثم قال في جماعتهم " ظاهره أن المراد أنه قال ذلك في عموم النبياء‬
‫والرسل‪ ،‬وهو مخالف لظاهر سياق اليات‪ ،‬والمشهور بين المفسرين‪،‬‬
‫واليات هكذا " كتب ال لغلبن أنا ورسلي إن ال قوي عزيز * ل تجد‬
‫قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد ال ورسوله ولو كانوا‬
‫آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم اليمان‬
‫وأيدهم بروح منه " وقال البيضاوي " اولئك " أي الذين لم يوادوهم )‪(1‬‬
‫وأقول‪ :‬يمكن توجيهه بوجوه‪ :‬الول أن يكون اولئك إشارة إلى الرسل في‬
‫قوله ورسلي وهو وإن كان بعيدا لفظا‪ ،‬فليس ببعيد معنى‪ ،‬ول ينافي ما مر‬
‫في بعض الخبار أنه الروح الذي في المؤمنين جميعا ويفارقهم في وقت‬
‫المعصية‪ ،‬لنهم أكمل المؤمنين‪ ،‬وفيهم هذا الروح أيضا على وجه الكمال‪،‬‬
‫وإن كان في سائر المؤمنين صنف منه‪ ،‬وهذا غير روح القدس كما مر في‬
‫الخمسة‪ .‬الثاني أن يكون إشارة إلى المؤمنين وذكره عليه السلم هذه الية‬
‫لبيان أنهم أيضا مؤيدون بهذا الروح لنهم أكمل المؤمنين كما عرفت‪.‬‬
‫الثالث أن يكون المراد بجماعتهم الجماعة المخصوصين بالرسل من‬
‫خواص اممهم وأتباعهم‪ ،‬وكونه في خواص أتباعهم يستلزم كونه فيهم‬
‫أيضا‪ .‬وفي البصائر في حديث جابر بعد قوله وروح البدن‪ " :‬وبين ذلك في‬
‫كتابه حيث قال‪ :‬تلك الرسل فضلنا " الية وبعدها " ثم قال‪ :‬في جميعهم‬
‫وأيدهم بروح منه " وهذا يأبى عن هذا الحمل‪ ،‬بل عن الثاني أيضا إل‬
‫بتكلف‪.‬‬

‫)‪ (1‬أنوار التنزيل‪.426 :‬‬

‫]‪[186‬‬

‫" وهم المؤمنون حقا " أي يكون إيمانهم واقعيا ول يكون باطنهم مخالفا لظاهرهم‪،‬‬
‫فيكونون منافقين على بعض الحتمالت السابقة‪ ،‬أو المراد بهم المؤمنون‬
‫الذين ل يتركون الفرائض‪ ،‬ول يرتكبون الكبائر إل اللمم فالذين يفعلون ذلك‬
‫ول يتوبون داخلون في أصحاب الشمال‪ ،‬لكنه يأبى عنه ما سيأتي من‬
‫التخصيص بأهل الكتاب‪ ،‬وسيأتي القول فيه‪ ،‬وقوله‪ " :‬بأعيانهم " ليس‬
‫في رواية جابر وكأن المعنى بخصوصهم أو بأنفسهم من غير أن يلحق بهم‬
‫أتباعهم " يستكمل هذه الرواح " أي يطلب كمالها وتمامها‪ ،‬أو يتصف‬
‫بها كاملة‪ ،‬وفي البصائر " بهذه الرواح " وفي رواية جابر " مستكمل‬
‫بهذه الرواح " وهما أظهر‪ ،‬وهما على بناء المفعول‪ ،‬في القاموس‬
‫استكمله وكمله أتمه وجمله‪ " .‬إلى أرذل العمر " في مجمع البيان أي‬
‫أدون العمر وأوضعه أي يبقيه حتى يصير إلى حال الهرم والخرف‪ ،‬فيظهر‬
‫النقصان في جوارحه وحواسه وعقله‪ ،‬وروى عن علي عليه السلم أن‬
‫أرذل العمر خمس وسبعون سنة‪ ،‬وروي مثل ذلك عن النبي صلى ال عليه‬
‫وآله وسلم وعن قتادة تسعون سنة " لكيل يعلم بعد علم شيئا " أي ليرجع‬
‫إلى حال الطفولية لنسيان ما كان علمه لجل الكبر‪ ،‬فكأنه ل يعلم شيئا مما‬
‫كان عليه‪ ،‬وقيل‪ :‬ليقل علمه بخلف ما كان عليه في حال شبابه انتهى )‪(1‬‬
‫وقال البيضاوي‪ :‬وقيل‪ :‬هو خمس وتسعون سنة )‪ (2‬وأقول‪ :‬في روضة‬
‫الكافي أنه مائة سنة وقيل الكاف في قوله " كما قال ال " لبيان أن القريب‬
‫من أرذل العمر أيضا داخل في المراد‪ ،‬وليس بالذي يخرج من دين ال‪ .‬قال‬
‫بعض المحققين‪ :‬إن قيل‪ :‬قد ثبت أن النسان إنما يبعث على ما مات عليه‪،‬‬
‫فإذا مات الكبير على غير معرفة فكيف يبعث عارفا ؟ قلنا‪ :‬لما كان مانعه‬
‫عن اللتفات إلى معارفه أمرا عارضا وهو اشتغاله بتدبير البدن فلما زال‬
‫ذلك بالموت برزت له معارفه التي كانت كامنة في ذاته بخلف من لم‬
‫يحصل المعرفة أصل‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ (2) .372 :6‬أنوار التنزيل‪.230 :‬‬

‫]‪[187‬‬

‫فإنه ليس في ذاته شئ ليبرز له‪ " .‬لن الفاعل به رده " أي أن ال الفاعل به‬
‫المدبر لمره رده أو الرب الفاعل به القوى الربع وخالقها فيه رده‪ ،‬أو‬
‫فاعل آخر غير نفسه رده‪ ،‬ول تقصير له فيه والول أظهر وفي البصائر "‬
‫لن ال الفاعل ذلك به " وهو أصوب " ول يستطيع التهجد بالليل ول‬
‫بالنهار " كأنه استعمل التهجد هنا في مطلق العبادة أو يقدر فعل آخر‬
‫كقولهم " علفتها تبنا وماء باردا " وقيل‪ :‬المراد بالتهجد هنا التيقظ من‬
‫نوم الغفلة وأصل التهجد مجانبة الهجود في الليل للصلة وفي القاموس‬
‫الهجود النوم كالتهجد‪ ،‬وبالفتح المصلى بالليل‪ ،‬والجمع بالضم وهجد‬
‫وتهجد‪ :‬استيقظ كهجد ضد‪ ،‬وفي البصائر " ول الصيام بالنهار " وهو‬
‫أصوب‪ " .‬ول القيام في الصف " أي لصلة الجماعة ويحتمل الجهاد "‬
‫وليس يضره شيئا " لن ترك الفعال مع القدرة عليها يوجب نقص اليمان‬
‫ل مع العذر‪ ،‬ول يوجب نقص ثوابه أيضا لما ورد في الخبار أنه يكتب له‬
‫مثل ما كان يعمله في حال شبابه وقوته وصحته " وفيهم " أي في‬
‫أصحاب الميمنة أو في أصحاب تلك الحالت " من ينتقص منه روح القوة‬
‫" أي هي فقط أو بسبب غير الكبر في السن " ومنهم " يحتمل الوجهين‬
‫المتقدمين وثالثا وهو إرجاع الضمير إلى الذين ينتقص منهم روح القوة‪،‬‬
‫وعلى الوجهين الخرين كان المراد مع نقص الروح السابقة لقوله "‬
‫ويبقى روح البدن "‪ " .‬لم يحن إليها " أي ل يشتاق إليها " ولم يقم " أي‬
‫إليها لطلبها ومراودتها وقيل‪ :‬أي لم تقم آلته لها ول يخفى بعده وفي رواية‬
‫جابر " وقد يأتي على العبد تارات ينقص منه بعض هذه الربعة وذلك قول‬
‫ال تعالى‪ " :‬ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيل يعلم بعد علم شيئا " )‪(1‬‬
‫فينتقص روح القوة‪ ،‬ول يستطيع مجاهدة العدو‪ ،‬ول معالجة المعيشة‪،‬‬
‫وينتقص منه روح الشهوة‪ ،‬فلو مرت به أحسن بنات‬

‫)‪ (1‬النحل‪.70 :‬‬

‫]‪[188‬‬
‫بني آدم لم يحن إليها وتبقى فيه روح اليمان وروح البدن‪ ،‬فبروح اليمان يعبد ال‪،‬‬
‫وبروح البدن يدب ويدرج حتى يأتيه ملك الموت إلى آخر الخبر وكأنه‬
‫أظهر‪ " .‬فهذا بحال خير " أي ل يضره هذا النقص في الرواح‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫المعنى أنه يسقط عنه بعض التكاليف الشرعية كالجماع في كل أربعة‬
‫أشهر‪ ،‬والقسمة بين النساء‪ ،‬ول يخفى ما فيه " في قوته " كلمة " في "‬
‫للسببية أو للظرفية أي وقت قوته " نقص " النقص يكون لزما ومتعديا‪،‬‬
‫وهنا يحتملهما فعلى الول المعنى نقص بعض اليمان فمن بمعنى البعض‪،‬‬
‫أو نقص شئ منه فيكون فاعل‪ ،‬وعلى الثاني يكون مفعول " وتفصى منه‬
‫" بالفاء أي خرج من اليمان أو خرج اليمان منه‪ ،‬في القاموس أفصى‪:‬‬
‫تخلص من خير أو شر كتفصى‪ ،‬وفي النهاية يقال‪ :‬تفصيت من المر‬
‫تفصيا إذا خرجت منه وتخلصت‪ .‬وربما يقرأ بالقاف أي بعد منه وهو‬
‫تصحيف‪ " .‬وإن عاد " أي من غير توبة على وجه الصرار‪ ،‬وقيل‪ :‬هو‬
‫من العادة " أدخله ال نار جهنم " أي يستحق ذلك ويدخله أن لم يعف‬
‫عنه‪ ،‬لكن يخرجه بعد ذلك إل أن يصير مستحل أو تاركا لولية أهل البيت‬
‫عليهم السلم‪ ،‬ويؤيده أن في البصائر هكذا " فإذا مسها انتقص من‬
‫اليمان ونقصانه من اليمان ليس بعائد فيه أبدا أو يتوب فان تاب وعرف‬
‫الولية تاب ال عليه‪ ،‬وإن عاد وهو تارك الولية أدخله ال نار جهنم "‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬كأنه لم يذكر العود مع الولية وأبهم ذلك إما لعدم اجتراء الشيعة‬
‫على المعصية‪ ،‬أو لن الصرار يصير سببا لترك الولية غالبا أو أحيانا‪" .‬‬
‫فهم اليهود والنصارى " كأن ذكرهما على المثال‪ ،‬والمراد جميع الكفار‬
‫والمنكرين للعقائد اليمانية الذين تمت عليهم الحجة‪ ،‬ويؤيده ما في رواية‬
‫جابر حيث قال‪ :‬وأما ما ذكرت من أصحاب المشئمة فمنهم أهل الكتاب‪" .‬‬
‫الذين آتيناهم الكتاب " قال البيضاوي‪ :‬يعني علماءهم " يعرفونه "‬
‫الضمير لرسول ال صلى ال عليه وآله‬

‫]‪[189‬‬

‫وإن لم يسبق ذكره لدللة الكلم عليه‪ ،‬وقيل‪ :‬للعلم أو القرآن أو التحويل يعني‬
‫تحويل القبلة " كما يعرفون أبنائهم " يشهد للول أي يعرفونه بأوصافه‬
‫كمعرفتهم أبناءهم‪ :‬ول يلتبسون عليهم بغيرهم " وإن فريقا منهم ليكتمون‬
‫الحق وهم يعلمون " تخصيص لمن عاند واستثناء لمن آمن " الحق من‬
‫ربك " كلم مستأنف‪ " ،‬والحق " إما مبتدأ خبره " من ربك " واللم‬
‫للعهد والشارة إلى ما عليه الرسول أو الحق الذي يكتمونه‪ ،‬أو للجنس‪،‬‬
‫والمعنى أن الحق ما ثبت أنه من ال كالذي أنت عليه‪ ،‬ل ما لم يثبت كالذي‬
‫عليه أهل الكتاب‪ ،‬وإما خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق و " من ربك "‬
‫حال أو خبر بعد خبر‪ ،‬وقرئ بالنصب على أنه بدل من الول أو مفعول‬
‫يعلمون " فل تكونن من الممترين " الشاكين في أنه من ربك‪ ،‬أو في‬
‫كتمانهم الحق عالمين به‪ ،‬وليس المراد به نهي رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله عن الشك فيه‪ ،‬لنه غير متوقع منه‪ ،‬وليس بقصد واختيار‪ ،‬بل إما‬
‫تحقيق المر وأنه بحيث ل يشك فيه ناظر‪ ،‬أو أمر المة باكتساب المعارف‬
‫المزيحة للشك على الوجه البلغ )‪ .(1‬قوله " والولية " أي يعرفون‬
‫محمدا بالنبوة وأوصياءهم بالمامة والولية وإنما اكتفى بذكر محمد صلى‬
‫ال عليه وآله لن معرفته على وجه الكمال يستلزم معرفة أوصيائه أو لنه‬
‫الصل والعمدة " أنك الرسول إليهم " بيان للحق وفي البصائر " الحق‬
‫من ربك‪ :‬الرسول من ال إليهم بالحق " والظاهر أن قراءتهم عليهم‬
‫السلم كان على النصب " ابتلهم ال بذلك " أي بسبب ذلك الجحود‬
‫وقوله " فسلبهم " بيان للبتلء‪ .‬وأقول‪ :‬يحتمل أن يكون الغرض من ذكر‬
‫اليه بيان سلب روح اليمان من هؤلء بقوله تعالى " فل تكونن من‬
‫الممترين " فان الظاهر أن هذا تعريض لهم بأنهم من الشاكين على أحد‬
‫وجهين‪ :‬أحدهما أنه لما جحدوا ما عرفوا سلب ال منهم التوفيق واللطف‪،‬‬
‫فصاروا شاكين ومع الشك ل يبقى اليمان‪ ،‬فسلب منهم روحه‪ ،‬لنه ل‬
‫يكون مع عدم اليمان‪ ،‬أو سلب منهم أول الروح المقوي لليمان‬

‫)‪ (1‬أنوار التنزيل‪ 44 :‬والية في البقرة‪.136 :‬‬

‫]‪[190‬‬

‫فصاروا شاكين‪ ،‬وثانيهما أنهم لما أنكروا ظاهرا ما عرفوا يقينا نسبهم إلى المتراء‬
‫وألحقهم بالشاكين‪ ،‬لن اليقين إنما يكون إيمانا إذا لم يقارن النكار‬
‫الظاهري فلذا سلبهم الروح الذي هو لزم اليمان‪ ،‬ويؤيده أن في البصائر‬
‫" ابتلهم ال بذلك الذم " وهذان الوجهان مما خطر‪ ،‬بالبال في غاية‬
‫المتانة‪ " .‬وأسكن أبدانهم " تخصيص تلك الرواح بالبدان لن الروحين‬
‫الخرين ليسا مما يسكن البدن‪ ،‬وإن كانا متعلقين به‪ .‬واعلم أن الروح يذكر‬
‫ويؤنث وإنما بسطنا الكلم في شرح هذا الخبر لنه لم يتعرض أحد ليضاح‬
‫الدقائق المستنبطة منه‪ - 4 .‬ثو‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن‬
‫أبي عمير‪ ،‬عن معاوية بن عمار عن صباح بن سيابة قال‪ :‬كنت عند أبي‬
‫عبد ال عليه السلم فقيل له‪ :‬ترى الزاني حين يزني وهو مؤمن ؟ قال‪ :‬ل‪،‬‬
‫إذا كان على بطنها سلب اليمان منه‪ ،‬فإذا قام رد عليه قال‪ :‬فانه إن أراد‬
‫أن يعود ؟ قال‪ :‬ما أكثر من يهم أن يعود ثم ل يعود )‪ - 5 .(1‬ثو‪ :‬عن ابن‬
‫البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده أحمد‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن ابن بكير قال‪ :‬قلت‬
‫لبي جعفر عليه السلم في قول رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إذا زنى‬
‫الرجل فارقه روح اليمان‪ ،‬قال‪ :‬هو قوله عزوجل " وأيدهم بروح منه "‬
‫ذلك الذي يفارقه )‪ .(2‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن‬
‫ابن فضال مثله )‪ .(3‬بيان‪ :‬حاصله أن يفارقه كمال اليمان ونوره وما به‬
‫يترتب عليه آثاره إذ اليمان والتصديق بدون تأثيره في فعل الطاعات‬
‫وترك المناهي كبدن بل روح وقد عرفت أنه قد يطلق على ملك موكل بقلب‬
‫المؤمن يهديه‪ ،‬في مقابلة شيطان يغويه‪ ،‬وعلى نصرة ذلك الملك‪ ،‬ول ريب‬
‫في أن المؤمن إذا زنى فارقه روح اليمان‬

‫)‪ (1‬ثواب العمال‪ ،234 :‬وسيأتى مثله عن الكافي ج ‪ (2) .281 :2‬ثواب العمال‪:‬‬
‫‪ .235‬والية في المجادلة‪ (3) .22 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.280‬‬

‫]‪[191‬‬

‫بتلك المعاني‪ ،‬فإذا فرغ من العمل فان تاب يعود إليه الروح كامل وإل يعود إليه في‬
‫الجملة‪ ،‬والضمير المجرور في قوله " بروح منه " راجع إلى ال أو إلى‬
‫اليمان والول أظهر‪ - 6 .‬ير‪ :‬عن عمران بن موسى بن جعفر‪ ،‬عن علي‬
‫بن معبد‪ ،‬عن عبيدال بن عبد ال الواسطي‪ ،‬عن درست بن أبي منصور‬
‫عمن ذكره‪ ،‬عن جابر قال‪ :‬سألت أبا جعفر عن الروح‪ ،‬قال‪ :‬يا جابر إن ال‬
‫خلق الخلق على ثلث طبقات وأنزلهم ثلث منازل‪ ،‬وبين ذلك في كتابه‬
‫حيث قال‪ " :‬فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة * وأصحاب المشأمة ما‬
‫أصحاب المشئمة * والسابقون السابقون * اولئك المقربون " )‪ (1‬فأما ما‬
‫ذكر من السابقين فهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين‪ ،‬جعل ال فيهم خمسة‬
‫أرواح‪ :‬روح القدس‪ ،‬وروح اليمان‪ ،‬وروح القوة‪ ،‬وروح الشهوة‪ ،‬وروح‬
‫البدن وبين ذلك في كتابه حيث قال‪ " :‬تلك الرسل فضلنا بعضهم على‬
‫بعض منهم من كلم ال ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات‬
‫وأيدناه بروح القدس " )‪ (2‬ثم قال‪ :‬في جميعهم " وأيدهم بروح منه " )‬
‫‪ (3‬فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين‪ ،‬وبروح القدس‬
‫علموا جميع الشياء‪ ،‬وبروح اليمان عبدوا ال ولم يشركوا به شيئا‪،‬‬
‫وبروح القوة جاهدوا عدوهم وعالجوا معايشهم‪ ،‬وبروح الشهوة أصابوا‬
‫لذة الطعام ونكحوا الحلل من النساء‪ ،‬وبروح البدن يدب ويدرج‪ .‬وأما ما‬
‫ذكرت من أصحاب الميمنة‪ ،‬فهم المؤمنون حقا‪ ،‬جعل فيهم أربعة أرواح‪:‬‬
‫روح اليمان‪ ،‬وروح القوة‪ ،‬وروح الشهوة‪ ،‬وروح البدن‪ ،‬ول يزال العبد‬
‫مستكمل بهذه الرواح الربعة حتى يهم بالخطيئة‪ ،‬فإذا هم بالخطيئة تزين‬
‫له روح الشهوة‪ ،‬وشجعه روح القوة‪ ،‬وقاده روح البدن حتى يوقعه في‬

‫)‪ (1‬الواقعة‪ (2) .11 - 8 :‬البقرة‪ (3) .253 :‬المجادلة‪.22 :‬‬


‫]‪[192‬‬

‫تلك الخطيئة‪ ،‬فإذا لمس الخطيئة انتقص من اليمان وانتقص اليمان منه‪ ،‬فان تاب‬
‫تاب ال عليه‪ .‬وقد تأتي على العبد تارات ينقص منه بعض هذه الربعة‬
‫وذلك قول ال تعالى " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيل يعلم بعد علم‬
‫شيئا " )‪ (1‬فتنتقص روح القوة ول يستطيع مجاهدة العدو‪ ،‬ول معالجة‬
‫المعيشة‪ ،‬وتنتقص منه روح الشهوة‪ ،‬فلو مرت به أحسن بنات آدم لم يحن‬
‫إليها‪ ،‬وتبقى فيه روح اليمان وروح البدن فبروح اليمان يعبد ال‪،‬‬
‫وبروح البدن يدب ويدرج‪ ،‬حتى يأتيه ملك الموت‪ .‬وأما ما ذكرت من‬
‫أصحاب المشئمة فمنهم أهل الكتاب قال ال تبارك وتعالى " الذين آتيناهم‬
‫الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم‬
‫يعلمون * الحق من ربك فل تكونن من الممترين " )‪ (2‬عرفوا رسول ال‬
‫والوصي من بعده وكتموا ما عرفوا من الحق بغيا وحسدا فسلبهم روح‬
‫اليمان وجعل لهم ثلثة أرواح‪ :‬روح القوة‪ ،‬وروح الشهوة‪ ،‬وروح البدن‪،‬‬
‫ثم أضافهم إلى النعام فقال‪ " :‬إن هم إل كالنعام بل هم أضل سبيل " )‪(3‬‬
‫لن الدابة إنما تحمل بروح القوة وتعتلف بروح الشهوة‪ ،‬وتسير بروح‬
‫البدن )‪ - 7 .(4‬سر‪ :‬من كتاب موسى بن بكر‪ ،‬عن زرارة قال‪ :‬قلت لبي‬
‫عبد ال عليه السلم‪ :‬أرأيت قول النبي صلى ال عليه وآله‪ " :‬ل يزني‬
‫الزاني وهو مؤمن " قال‪ :‬ينزع منه روح اليمان ؟ قال‪ :‬ينزع منه روح‬
‫اليمان‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فحدثني بروح اليمان‪ ،‬قال‪ :‬هو شئ ! ثم قال‪ :‬هذا‬
‫أجدر أن تفهمه أما رأيت النسان يهم بالشئ فيعرض بنفسه الشئ يزجره‬
‫عن ذلك وينهاه ؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬هو ذاك‪ - 8 .‬جا‪ :‬عن الجعابي‪ ،‬عن ابن‬
‫عقدة‪ ،‬عن أحمد بن يحيى ومحمد بن عبد ال في آخرين‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫سالم‪ ،‬عن هشام بن مهران‪ ،‬عن خاله محمد بن زيد‬

‫)‪ (1‬النحل‪ (2) .70 :‬البقرة‪ 146 :‬و ‪ (3) .147‬الفرقان‪ (4) .44 :‬بصائر الدرجات‪:‬‬
‫‪449 - 447‬‬

‫]‪[193‬‬

‫العطار وكان من كبار أصحاب العمش‪ ،‬عن محمد بن أحمد بن الحسن‪ ،‬عن منذر‬
‫ابن جيفر‪ ،‬عن محمد بن بريد الباني قال‪ :‬كنت عند جعفر بن محمد عليهما‬
‫السلم فدخل عليه عمر بن قيس الماصر وأبو حنيفة وعمر بن زر في‬
‫جماعة من أصحابهم فسألوه عن اليمان فقال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ " :‬ل يزني الزاني وهو مؤمن ول يسرق وهو مؤمن ول يشرب‬
‫الخمر وهو مؤمن " فجعل بعضهم ينظر إلى بعض فقال له عمر بن زر‪ :‬بم‬
‫نسميهم ؟ فقال‪ :‬بما سماهم ال وبأعمالهم قال ال عزوجل‪ " :‬والسارق‬
‫والسارقة فاقطعوا أيديهما " )‪ (1‬وقال‪ " :‬الزانية والزاني فاجلدوا كل‬
‫واحد منهما مائة جلدة " )‪ (2‬فجعل بعضهم ينظر إلى بعض‪ ،‬فقال محمد‬
‫بن يزيد‪ :‬وأخبرني بشر بن عمر بن زر وكان معهم قال‪ :‬لما خرجنا‪ ،‬قال‬
‫عمر بن زر لبي حنيفة‪ :‬أل قلت من عن رسول ال ؟ قال‪ :‬ما أقول لرجل‬
‫يقول‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله )‪ .(3‬بيان‪ " :‬بم نسميهم " بناء‬
‫سؤاله على أنه ل واسطة بين اليمان والكفر فإذا لم يكونوا مؤمنين فهم‬
‫كفار‪ ،‬وبناء الجواب على الواسطة كما عرفت " من عن رسول ال " أي‬
‫لم لم تسأله من أخبرك بهذا الحديث عن رسول ال ؟ فأجاب بأنه إذا ادعى‬
‫العلم ونسب القول إليه كيف أستطيع أن أسأله من أخبرك‪ - 9 .‬ختص‪ :‬عن‬
‫أبان بن تغلب قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إن روح اليمان واحدة‬
‫خرجت من عند واحد ويتفرق في أبدان شتى فعليه ائتلفت وبه تحابت‬
‫وسيخرج من شتى ويعود واحدا ويرجع إلى عند واحد )‪ .(4‬بيان‪ :‬فيه‬
‫إيماء إلى أن روح اليمان هي قوة اليمان والملكة الداعية إلى الخير‪ ،‬فهي‬
‫معنى واحد‪ ،‬وحقيقة واحدة اتصفت بأفرادها النفوس‪ ،‬وبعد ذهاب النفوس‬
‫ترد إلى ال وإلى علمه‪ ،‬فيجازيهم بحسبها‪ ،‬ويحتمل أن تكون خلقا واحدا‬

‫)‪ (1‬المائدة‪ (2) .38 :‬النور‪ (3) .2 :‬مجالس المفيد‪ (4) .20 :‬الختصاص‪.249 :‬‬

‫]‪[194‬‬

‫تعين جميع النفوس على الطاعة بحسب إيمانهم وقابليتهم واستعدادهم كما تقول‬
‫الحكماء في العقل الفعال وأومأنا إليه‪ - 10 .‬كا‪ :‬عن الحسين بن محمد‬
‫ومحمد بن يحيى جميعا‪ ،‬عن علي بن محمد بن سعد‪ ،‬عن محمد بن مسلم‪،‬‬
‫عن أبي سلمة‪ ،‬عن محمد بن سعيد‪ ،‬عن ابن أبي نجران‪ ،‬عن ابن سنان‬
‫عن أبي خديجة قال‪ :‬دخلت على أبي الحسن عليه السلم فقال لي‪ :‬إن ال‬
‫تبارك وتعالى أيد المؤمن بروح منه تحضره في كل وقت يحسن فيه‬
‫ويتقي‪ .‬وتغيب عنه في كل وقت يذنب فيه ويعتدي‪ ،‬فهي معه تهتز سرورا‬
‫عند إحسانه وتسيخ في الثرى عند إساءته‪ ،‬فتعاهدوا عباد ال نعمه‬
‫باصلحكم أنفسكم تزدادوا يقينا وتربحوا نفيسا ثمينا‪ ،‬رحم ال امرءا هم‬
‫بخير فعمله‪ ،‬أو هم بشر فارتدع عنه‪ ،‬ثم قال‪ :‬نحن نؤيد الروح بالطاعة ل‬
‫والعمل له )‪ .(1‬بيان‪ :‬قد مر تفسير الروح والظهر أن المراد هنا أيضا‬
‫الملك‪ ،‬والمراد بالحسان التيان بالطاعات‪ ،‬وبالتقاء الجتناب عن‬
‫المنهيات‪ ،‬والعتداء التجاوز عن حدود الشريعة‪ ،‬أو الظلم على غيره بل‬
‫على نفسه أيضا " تهتز " أي تتحرك سرورا وفي القاموس‪ :‬هزه وبه‬
‫حركه‪ ،‬والحادي البل هزيزا نشطها بحدائه والهزة بالكسر النشاط‬
‫والرتياح‪ ،‬وتهزهز إليه قلبي ارتاح للسرور‪ ،‬واهتز عرش الرحمن لموت‬
‫سعد أي ارتاح بروحه واستبشر لكرامته على ربه )‪ .(2‬وقال‪ :‬ساخت‬
‫قوائمه أي خاضت‪ ،‬والشئ رسب‪ ،‬والرض بهم انخسفت والثرى قيل‪ :‬هو‬
‫التراب الندى‪ ،‬وهو الذي تحت الظاهر من وجه الرض‪ ،‬فان لم يكن نديا‬
‫فهو تراب ول يقال ثري‪ ،‬وأقول‪ :‬يظهر من الخبار أنه منتهى المخلوقات‬
‫السفلية وعند ذلك ضل علم العلماء‪ ،‬وقال الفيروزآبادي‪ :‬الثرى الندى‬
‫والتراب الندي أو الذي إذا بل لم يصر طينا‪ ،‬والرض‪ ،‬وقال‪ :‬تعهده‬
‫وتعاهده تفقده وأحدث العهد به‪ ،‬وفي المصباح عهدت الشئ ترددت إليه‬
‫وأصلحته وحقيقته‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .268‬القاموس ج ‪.196 :2‬‬

‫]‪[195‬‬

‫تجديد العهد به وتعهدته حفظته‪ ،‬وقال ابن فارس‪ :‬ول يقال تعاهدته لن التفاعل ل‬
‫يكون إل من اثنين‪ ،‬وقال الفارابي تعهدته أصلح من تعاهدته انتهى‪.‬‬
‫والظاهر أن المراد هنا حفظ نعم ال واستبقاؤها واستعمال ما يوجب‬
‫دوامها وبقاءها‪ ،‬والمراد بالنعم هنا النعم الروحانية من اليمان واليقين‬
‫والتأييد بالروح والتوفيقات الربانية وتعاهدها إنما يكون بترك الذنوب‬
‫والمعاصي والخلق الدنية التي توجب نقصها أو زوالها كما قال عليه‬
‫السلم‪ " :‬باصلحكم أنفسكم " و " يقينا " تميز وزيادة اليقين لقوله‬
‫تعالى‪ " :‬لئن شكرتم لزيدنكم " )‪ (1‬وأيضا إصلح النفس يوجب الترقي‬
‫في اليمان واليقين وما يوجب الفلح في الخرة كما قال سبحانه‪ " :‬قد‬
‫أفلح من زكيها * وقد خاب من دسيها " )‪ (2‬والنفيس الكريم الشريف‬
‫الذي يتنافس فيه‪ ،‬وفي المصباح نفس الشئ نفاسا كرم فهو نفيس‪،‬‬
‫ونفست به مثل ضننت لنفاسته وزنا ومعنى‪ ،‬والثمين العظيم الثمن‪،‬‬
‫والمراد بهما هنا الجنة ودرجاتها العالية‪ ،‬ونعمها الباقية " هم بخير " أي‬
‫أراده وقصده " فارتدع عنه " أي انزجر عنه وتركه " ونحن نؤيد الروح‬
‫" أي ونحن نؤيد الروح أي نقويه وفي بعض النسخ " نزيد " فيرجع إلى‬
‫التأييد أيضا فانه يتقوى بالطاعة كأنه يزيد‪ - 1 .‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪،‬‬
‫عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن داود قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عليه‬
‫السلم عن قول رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إذا زنى الرجل فارقه روح‬
‫اليمان‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪ :‬هو مثل قول ال عزوجل ]" ول تيمموا الخبيث منه‬
‫تنفقون " )‪ (3‬ثم قال‪ :‬غير هذا أبين منه‪ ،‬وذلك قول ال عزوجل[ "‬
‫وأيدهم بروح منه " هو الذي فارقه )‪.(4‬‬
‫)‪ (1‬ابراهيم‪ (2) .7 :‬الشمس‪ 9 :‬و ‪ (3) .10‬البقرة‪ (4) .268 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ ،284‬والية في المجادلة‪.22 :‬‬

‫]‪[196‬‬

‫بيان‪ :‬لم يكن في بعض النسخ من قول ال إلى قول ال‪ ،‬فهو على قياس سائر‬
‫الخبار‪ ،‬وعلى تقديره فصدر الية " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات‬
‫ما كسبتم " أي من حلله أو من جياده " ومما أخرجنا لكم من الرض "‬
‫أي ومن طيبات ما أخرجنا من الحبوب والثمر والمعادن‪ ،‬فحذف المضاف‬
‫لتقدم ذكره " ول تيمموا الخبيث " أي ول تقصدوا الردي " منه " أي من‬
‫المال أو مما أخرجنا‪ ،‬وتخصيصه بذلك لن التفاوت فيه أكثر " تنفقون "‬
‫حال مقدرة من فاعل " تيمموا " ويجوز أن يتعلق به " منه " ويكون‬
‫الضمير للخبيث والجملة حال منه‪ ،‬وروي عن ابن عباس أنهم كانوا‬
‫يتصدقون بحشف التمر وشراره فنهوا عنه‪ ،‬وكأن وجه التشبيه أن‬
‫العمال الصالحة إنفاق من النفس‪ ،‬وإذا فارقها روح اليمان بسبب‬
‫العمال السيئة تصير خبيثا فل يصلح النفاق منها إل بعد تطهيرها بالتوبة‬
‫والعمال الصالحة‪ ،‬أو يقال النفاق من اليمان واليمان المشوب بالكبائر‬
‫خبيث كالمال الردي الذي كانوا يخرجونها في الزكوات ول يقبل ال إل‬
‫الطيب كما قال تعالى " إنما يتقبل ال من المتقين " وقيل‪ :‬وجه المماثلة‬
‫أن إيمان الزاني ناقص‪ ،‬ل أنه معدوم بكله‪ ،‬كما أن النفاق من مال الخبيث‬
‫ناقص ل أنه ليس بانفاق أصل‪ - 12 .‬نهج‪ :‬في حديثه عليه السلم‪ :‬إن‬
‫اليمان يبدو لمظة في القلب كلما ازداد اليمان ازدادت اللمظة )‪ .(1‬بيان‪:‬‬
‫قال السيد ‪ -‬ره ‪ -‬بعد هذا الكلم‪ :‬اللمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض‪،‬‬
‫ومنه قيل فرس ألمظ إذا كان بجحفلته شئ من البياض انتهى‪ .‬وقال ابن‬
‫أبي الحديد‪ :‬قال أبو عبيد‪ :‬هي لمظة بضم اللم‪ ،‬والمحدثون يقولون لمظة‬
‫بالفتح‪ ،‬والمعروف من كلم العرب الضم‪ ،‬وقال‪ :‬وفي الحديث حجة على‬
‫من أنكر أن يكون اليمان يزيد وينقص‪ ،‬والجحفلة للبهائم بمنزلة الشفة‬
‫للنسان‪.‬‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.204‬‬

‫]‪[197‬‬

‫‪ - 13‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن حماد عن‬
‫نعمان الرازي قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬من زنى خرج‬
‫من اليمان ومن شرب الخمر خرج من اليمان‪ ،‬ومن أفطر يوما من شهر‬
‫رمضان متعمدا خرج من اليمان )‪ - 14 .(1‬كا‪ :‬بالسناد‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن‬
‫محمد بن عبدة قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم أيزني الزاني وهو‬
‫مؤمن ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬إذا كان على بطنها سلب اليمان‪ ،‬فإذا قام رد إليه‪ ،‬فان‬
‫عاد سلب‪ ،‬قلت‪ :‬فانه يريد أن يعود ؟ فقال‪ :‬ما أكثر من يريد أن يعود فل‬
‫يعود إليه أبدا )‪ .(2‬بيان‪ " :‬سلب اليمان " اليمان إما مرفوع بنيابة‬
‫الفاعل‪ ،‬أو منصوب بكونه ثاني مفعول سلب‪ ،‬والمفعول الول النائب‬
‫للفاعل الضمير الراجع إلى الزاني " فقال ما أكثر من يريد " الحاصل أنه‬
‫ليس لرادة العود حكم العود‪ ،‬كما أن إرادة أصل المعصية ليست كنفس‬
‫المعصية‪ ،‬فانها صغيرة مكفرة‪ ،‬ولو لم تكن مكفرة بعد الفعل باعتبار ترك‬
‫التوبة والصرار على الذنب‪ ،‬فل ريب أن أصل الفعل أشد‪ - 15 .‬كا‪ :‬عن‬
‫علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن حماد‪ ،‬عن ربعي‪ ،‬عن الفضيل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬يسلب منه روح اليمان مادام على بطنها‪ ،‬فإذا نزل عاد‬
‫اليمان قال‪ :‬قلت‪ :‬أرأيت إن هم ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬أرأيت إن هم أن يسرق أتقطع‬
‫يده )‪ .(3‬بيان‪ " :‬عاد اليمان " أي إليه فالمراد به اليمان الكامل أو‬
‫اليمان الذي معه الروح‪ ،‬فاللم للعهد وفيه إشارة إلى أن اليمان الذي‬
‫فارقه الروح ليس بايمان كما أن الجسد الذي فارقه الروح ليس بانسان مع‬
‫أنه يحتمل أن تكون إضافة الروح إلى اليمان بيانية‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬
‫المراد عاد اليمان إلى كماله أو إلى حاله التي كان عليها قبل الزنا أي كما‬
‫أنه قبل الزنا كان إيمانه قابل للشدة والضعف‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬الكافي ج ‪ (3) .278 :2‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.281‬‬

‫]‪[198‬‬

‫فكذا بعد الزناء قابل لهما بالتوبة وعدمها‪ ،‬فل ينافي ما روي من عدم العود إليه إل‬
‫بعد التوبة‪ .‬وقيل‪ :‬لعل المراد أنه يسلب منه شعبة من شعب اليمان وهي‬
‫إيمان أيضا فان المؤمن يعلم أن الزناء مهلك ويزهر نور هذا العلم في‬
‫قلبه‪ ،‬ويبعثه على كف اللة عن الفعل المخصوص‪ ،‬وكل واحد منهما أعني‬
‫العلم والكف إيمان وشعبة من اليمان أيضا‪ ،‬فإذا غلبت الشهوة على العقل‪،‬‬
‫وأحاطت ظلمتها بالقلب‪ ،‬زال عنه نور ذلك العلم‪ ،‬واشتغلت اللة بذلك‬
‫الفعل‪ ،‬فانتقصت عن اليمان شعبتان‪ ،‬فإذا انقضت الشهوة‪ ،‬وعاد العقل إلى‬
‫ممالكه‪ ،‬وعلم وقوع الفساد فيها‪ ،‬وشرع في إصلحها بالندامة عن الغفلة‪،‬‬
‫صار ذلك الفعل كالعدم‪ ،‬وزالت تلك الظلمة عن القلب ويعود نور ذلك العلم‪،‬‬
‫فيعود إيمانه‪ ،‬ويصير كامل بعد ما صار ناقصا انتهى‪ .‬قوله " أرأيت إن هم‬
‫" أي قصد الزنا هل يفارقه روح اليمان أو إن كان بعد الزنا قاصدا للعود‬
‫هل يمنع ذلك عود اليمان " قال‪ :‬ل " والول أظهر " أرأيت إن هم "‬
‫أقول المعنى أنه كما أن قصد السرقة ليس كنفسها في المفاسد والعقوبات‪،‬‬
‫فكذا قصد الزنا ليس كنفسها في المفاسد‪ ،‬أو يقال لما كان ذكر الزنا على‬
‫سبيل المثال والحكم شامل للسرقة وغيرها فالغرض التنبيه بالحكام‬
‫الظاهرة على الحكام الباطنة‪ .‬فان قيل‪ :‬على الوجهين هذا قياس فقهي‬
‫وهو ليس بحجة عند المامية‪ ،‬قلت‪ :‬ليس الغرض الستدلل بالقياس فانه‬
‫عليه السلم ل يحتاج إلى ذلك‪ ،‬وقوله في نفسه حجة‪ ،‬بل هو تنبيه بذكر‬
‫نظير للتوضيح‪ ،‬ورفع استبعاد السائل أو إلزام على المخالفين على أن‬
‫القياس الفقهي إنما ل يكون حجة لستنباط العلة‪ ،‬وعدم العلم بها‪ ،‬أما مع‬
‫العلم بها فيرجع إلى القياس المنطقي لكن يرد عليه أنه لما كان العلم بالعلة‬
‫من جهة قوله عليه السلم فقوله يكفي لثبوت أصل الحكم فيرجع إلى‬
‫الوجه الول‪ - 16 .‬كا‪ :‬عن الحسن بن محمد‪ ،‬عن أحمد بن إسحاق‪ ،‬عن‬
‫سعدان‪ ،‬عن أبي بصير عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن للقلب اذنين‪،‬‬
‫فإذا هم العبد بذنب قال له روح اليمان‬

‫]‪[199‬‬

‫ل تفعل‪ ،‬وقال له الشيطان‪ :‬افعل‪ ،‬وإذا كان على بطنها نزع منه روح اليمان )‪.(1‬‬
‫بيان‪ " :‬على بطنها " أي المرأة المزني بها‪ ،‬كما في سائر الخبار‪- 17 .‬‬
‫كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن علي بن‬
‫الحكم‪ ،‬عن سيف بن عميرة‪ ،‬عن أبان بن تغلب‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬ما من مؤمن إل ولقلبه اذنان في جوفه‪ :‬اذن ينفث فيها‬
‫الوسواس الخناس‪ ،‬واذن ينفث فيها الملك‪ ،‬فيؤيد ال المؤمن بالملك‪ ،‬وذلك‬
‫قوله " وأيدهم بروح منه " )‪ - 18 .(2‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن ابن‬
‫عيسى‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن علي ابن أبي حمزة‪ ،‬عن أبي جعفر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬سألته عن قول ال عزوجل‪ :‬أنزل السكينة ]في قلوب‬
‫المؤمنين[ )‪ (3‬قال‪ :‬هو اليمان قال‪ :‬وسألته عن قول ال عزوجل "‬
‫وأيدهم بروح منه " قال‪ :‬هو اليمان )‪ .(4‬بيان‪ :‬كأن المراد بالسكينة‬
‫الثبات وطمأنينة النفس وشدة اليقين‪ ،‬بحيث ل يتزلزل عند الفتن وعروض‬
‫الشبهات‪ ،‬بل هذا إيمان موهبي يتفرع على العمال الصالحة‪ ،‬والمجاهدات‬
‫الدينية سوى اليمان الحاصل بالدليل والبرهان‪ ،‬ولذا قال‪ " :‬ليزدادوا‬
‫إيمانا مع إيمانهم " والحاصل أن تفسيره عليه السلم السكينة باليمان إما‬
‫لكون هذا اليقين كمال اليمان‪ ،‬أو إيمانا موهبيا ينضم إلى اليمان‬
‫الستدللي وهذا مما يدل على أن اليقين يقبل الشدة والضعف كما سيأتي‬
‫تحقيقه إنشاء ال وكأن المراد بالروح أيضا اليمان الموهبي لنه قال ذلك‬
‫بعد قوله‪ " :‬وكتب في قلوبهم اليمان " أو المراد به قوة اليمان وكماله‪،‬‬
‫ويحتمل أن يكون المراد به‬
‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ (2) .267 :2‬الكافي ج ‪ 267 :2‬والية في المجادلة‪ ،22 :‬وفى‬
‫نسخة الكمبانى بعد هذا الحديث حديث آخر من الكافي مر تحت الرقم ‪،10‬‬
‫مع شرحها نقل عن المرآت‪ ،‬ولذلك حذفناه‪ (3) .‬الزيادة من المصدر‪،‬‬
‫والية في سورة الفتح‪ (4) 4 :‬الكافي ج ‪ ،15 :2‬والية الخيرة في‬
‫المجادلة‪.22 :‬‬

‫]‪[200‬‬

‫أنه سبب اليمان وقوته وكماله لما مر في الخبار‪ - 19 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن أحمد‬
‫البرقي‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن العل‪ ،‬عن محمد‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم‬
‫قال‪ :‬السكينة هي اليمان )‪ - 20 .(1‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي‬
‫عمير‪ ،‬عن ابن البختري وهشام بن سالم وغيرهما‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم في قول ال عزوجل‪ " :‬هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين‬
‫" قال‪ :‬هو اليمان )‪ - 21 .(2‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن‬
‫عيسى‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن جميل قال‪ :‬سألت أبا عبد ال عليه السلم عن قول‬
‫ال عزوجل‪ " :‬هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين " قال‪ :‬هو‬
‫اليمان‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ " :‬وأيدهم بروح منه " قال‪ :‬هو اليمان‪ ،‬وعن قوله‬
‫تعالى‪ " :‬وألزمهم كلمة التقوى " قال‪ :‬هو اليمان )‪ .(3‬بيان‪ :‬فسر أكثر‬
‫المفسرين كلمة التقوى بكلمة التوحيد فانه يتقى بها من عذاب ال وما‬
‫فسرها عليه السلم به أظهر‪ ،‬إذ بجميع العقائد اليمانية واجتماعها يتقى‬
‫من عذاب ال‪ ،‬وفسرت في كثير من الخبار بالولية لستلزامها لسائر‬
‫العقائد‪ ،‬وفي بعضها بأمير المؤمنين‪ ،‬وفي بعضها بجميع الئمة عليهم‬
‫السلم أي وليتهم والقرار بامامتهم كلمة التقوى‪ ،‬أو أنهم يعبرون عن ال‬
‫تعالى وما يتقى به من عذابه‪ - 22 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن ابن‬
‫عيسى‪ ،‬عن صفوان‪ ،‬عن أبان عن الفضيل قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه‬
‫السلم " اولئك كتب في قلوبهم اليمان " هل لهم فيما كتب في قلوبهم‬
‫صنع ؟ قال‪ :‬ل )‪ .(4‬بيان‪ :‬يدل على أن اليمان من ال‪ ،‬وليس للعباد فيها‬
‫صنع وعمل واختيار وإنما كلف العباد بعدم الجحد ظاهرا أو باخراج‬
‫التعصب والغراض الباطلة عن النفس‪ ،‬أو مع السعي في الجملة أيضا‪،‬‬
‫ويمكن تخصيصه بمعرفة الصانع تعالى‬

‫)‪ (4 - 1‬الكافي ج ‪.15 :2‬‬

‫]‪[201‬‬
‫كما مر )‪ (1‬أو بكمال المعرفة وقد مر تمام القول فيه في كتاب العدل وفي بعض‬
‫النسخ " صبغ " بالباء الموحدة والغين المعجمة أي هل لهذه الكتابة صبغ‬
‫ولون وكأنه تصحيف‪ .‬تذييل اعلم أن المتكلمين من الخاصة والعامة‬
‫اختلفوا في أن اليمان هل يقبل الزيادة والنقصان أم ل ؟ ومنهم من جعل‬
‫هذا الخلف فرع الخلف في أن العمال داخلة فيه أم ل‪ ،‬قال إمامهم‬
‫الرازي في المحصل‪ :‬اليمان عندنا ل يزيد ول ينقص لنه لما كان اسما‬
‫لتصديق الرسول في كل ما علم بالضرورة مجيئه به‪ ،‬وهذا ل يقبل التفاوت‬
‫فسمي اليمان ل يقبل الزيادة والنقصان‪ ،‬وعند المعتزلة لما كان اسما‬
‫لداء العبادات كان قابل لهما‪ ،‬وعند السلف لما كان اسما للقرار والعتقاد‬
‫والعمل فكذلك والبحث لغوي ولكل واحد من الفرق نصوص والتوفيق أن‬
‫يقال العمال من ثمرات التصديق‪ ،‬فما دل على أن اليمان ل يقبل الزيادة‬
‫والنقصان كان مصروفا إلى أصل اليمان‪ .‬وما دل على كونه قابل لهما‬
‫فهو مصروف إلى اليمان الكامل انتهى‪ .‬وقال الشهيد الثاني قدس سره في‬
‫رسالة العقائد‪ :‬حقيقة اليمان بعد التصاف بها بحيث يكون المتصف بها‬
‫مؤمنا عند ال تعالى هل تقبل الزيادة أم ل ؟ فقيل بالثاني لما تقدم من أنه‬
‫التصديق القلبي الذي بلغ الجزم والثبات فل تتصور فيه الزيادة عن ذلك‬
‫سواء أتى بالطاعات وترك المعاصي أم ل‪ ،‬وكذا ل تعرض له النقيصة وإل‬
‫لما كان ثابتا‪ ،‬وقد فرضناه كذلك‪ ،‬هذا خلف‪ ،‬وأيضا حقيقة الشئ لو قبلت‬
‫الزيادة والنقصان لكانت حقائق متعددة‪ ،‬وقد فرضناها واحدة‪ ،‬وهذا خلف‪.‬‬

‫)‪ (1‬مر في شرحه للكافى راجع كتاب التوحيد باب البيان ولزوم الجحة وباب‬
‫الهداية أنها من ال عزوجل‪.‬‬

‫]‪[202‬‬

‫إن قلت‪ :‬حقيقة اليمان من المور العتبارية للشارع وحينئذ فيجوز أن يعتبر‬
‫الشارع لليمان حقائق متعددة متفاوتة زيادة ونقصانا بحسب مراتب‬
‫المكلفين في قوة الدراك وضعفه‪ ،‬فانا نقطع بتفاوت المكلفين في العلم‬
‫والدراك‪ ،‬قلت‪ :‬لو جاز ذلك وكان واقعا لوجب على الشارع بيان حقيقة‬
‫إيمان كل فرقة يتفاوتون في قوة الدراك‪ ،‬مع أنه لم يبين‪ ،‬وما ورد من‬
‫جهة الشارع فيما به يتحقق اليمان من حديث جبرئيل للنبي صلى ال عليه‬
‫وآله وغيره من الحاديث قد مر ذكره‪ ،‬وليس فيه شئ يدل على تعدد‬
‫الحقائق بحسب تفاوت قوى المكلفين وأما ما ورد في الكتاب العزيز‬
‫والسنة المطهرة مما يشعر بقبوله الزيادة والنقصان‪ ،‬كقوله تعالى " وإذا‬
‫تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا " )‪ (1‬وقوله تعالى " وليزدادوا إيمانا مع‬
‫إيمانهم " )‪ (2‬وقوله تعالى " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات‬
‫جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم‬
‫اتقوا وأحسنوا وال يحب المحسنين " )‪ (3‬وكذا ما ورد من أمثال ذلك في‬
‫القرآن العزيز فمحمول على زيادة الكمال‪ ،‬وهو أمر خارج عن أصل‬
‫الحقيقة الذي هو محل النزاع والية الثانية صريحة في ذلك‪ ،‬فان قوله‬
‫تعالى " مع إيمانهم " يدل على أن أصل اليمان ثابت أو على من كان في‬
‫عصر النبي صلى ال عليه وآله‪ ،‬حيث كانوا يسمعون فرضا بعد فرض منه‬
‫عليه السلم فيزداد إيمانهم به لنهم لم يكونوا مصدقين به قبل أن يسمعوه‬
‫وحاصله أن الحقيقة الشرعية لليمان لم تكن حصلت بتمامها في ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬فكان كلما حصل منها شئ صدقوا به‪ .‬واعترض بأن من كان بعد‬
‫عصر النبي صلى ال عليه وآله يمكن في حقه تجدد الطلع على تفاصيل‬
‫الفرائض المتوقف عليها اليمان‪ ،‬فانه يجب العتقاد إجمال فيما علم‬
‫إجمال وتفصيل فيما علم تفصيل‪ ،‬ول ريب أن اعتقاد المور المتعددة‬
‫تفصيل‬

‫)‪ (1‬النفال‪ (2) .2 :‬الفتح‪ (3) .4 :‬المائدة‪.93 :‬‬

‫]‪[203‬‬

‫أزيد وأظهر عند النفس من اعتقادها إجمال فعلم من ذلك قبول حقيقة اليمان‬
‫الزيادة‪ .‬أقول‪ :‬فيه بحث فان الجازم بحقيقة الجملة جازم بحقيقة كل جزء‬
‫منها وإن لم يعلمه بعينه‪ ،‬أل ترى أنا بعد علمنا بصدق النبي صلى ال عليه‬
‫وآله جازمون بصدق كل ما يخبر به‪ ،‬وإن لم نعلم تفصيل ذلك جزءا جزءا‬
‫حتى لو فصل ذلك علينا واحدا واحدا لما ازداد ذلك الجزم‪ ،‬نعم الزائد في‬
‫التفصيل‪ ،‬إنما هو إدراك الصور المتعددة من حيث التعدد والتشخص‪ ،‬وهو‬
‫ل يوجب زيادة في التصديق الجمالي الجازم‪ ،‬فان هذه الصور قد كانت‬
‫مجزوما بها على تقدير دخولها في الهيئة الجمالية وإنما الشاذ عن النفس‬
‫إدراك خصوصياتها‪ ،‬وهو أمر خارج عن تحقق الحقيقة المجزوم بها‪ ،‬نعم‬
‫ل ريب في حصول الكملية به‪ ،‬وليس الكلم فيها‪ .‬وقد أجاب بعض‬
‫المفسرين عن الية الثالثة بأن تكرار اليمان فيها ليس فيه دللة على‬
‫الزيادة بل إما أن يكون باعتبار الزمنة الثلثة‪ ،‬أو باعتبار الحوال الثلث‬
‫حال المؤمن مع نفسه‪ ،‬وحاله مع الناس‪ ،‬وحاله مع ال تعالى‪ ،‬ولذا بدل‬
‫اليمان بالحسان كما يرشد إليه قوله صلى ال عليه وآله في تفسيره‪:‬‬
‫الحسان أن تعبد ال كأنك تراه‪ ،‬فان لم تكن تراه فانه يراك‪ ،‬أو باعتبار‬
‫المراتب الثلث‪ :‬المبدأ والوسط والمنتهى أو باعتبار ما ينبغي فانه ينبغي‬
‫تر ؟ المحرمات حذرا عن العقاب‪ ،‬وترك الشبهات تباعدا عن الوقوع في‬
‫المحرمات وهو مرتبة الورع‪ ،‬وترك بعض المباحات المؤذنة بالنقص‬
‫حفظا للنفس عن الخسة‪ ،‬وتهذيبا لها عن دنس الطبيعة‪ ،‬أو يكون هذا‬
‫التكرار كناية عن أنه ينبغي للمؤمن أن يجدد اليمان في كل وقت بقلبه‬
‫ولسانه وأعماله الصالحة وعبر ]به حرصا[ منه على بقائه والثبات عليه‬
‫عند الذهول‪ ،‬ليصير اليمان ملكة للنفس‪ ،‬فل يزلزله عروض شبهة انتهى‪.‬‬
‫قيل في بيان قبول اليمان الزيادة‪ :‬إن الثبات والدوام على اليمان أمر زائد‬
‫عليه في كل زمان‪ ،‬وحاصل ذلك يرجع إلى أن اليمان عرض لنه من‬
‫الكيفيات النفسانية‪ ،‬والعرض ل يبقى زمانين‪ ،‬بل بقاؤه إنما يكون بتجدد‬
‫المثال‪ .‬أقول‪ :‬وهذا مع بنائه على ما لم يثبت حقيته بل نفيه فليس من‬
‫الزيادة في شئ إذ ل يقال‬

‫]‪[204‬‬

‫للمماثل الحاصل بعد انعدام مثله أنه زائد وهذا ظاهر‪ .‬وقيل في توجيه قبوله الزيادة‬
‫أنه بمعنى زيادة ثمرته من الطاعات وإشراق نوره وضيائه في القلب‪ ،‬فانه‬
‫يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي‪ .‬أقول‪ :‬هذا التوجيه وجيه لو كان النزاع‬
‫في مطلق الزيادة لكنه ليس كذلك بل النزاع إنما هو في أصل حقيقته ل في‬
‫كمالها‪ .‬واستدل بعض المحققين على أن حقيقة التصديق الجازم الثابت‬
‫يقبل الزيادة والنقصان بأنا نقطع أن تصديقنا ليس كتصديق النبي صلى ال‬
‫عليه وآله‪ .‬أقول‪ :‬ل ريب في أنا قاطعون بأن تصديق النبي صلى ال عليه‬
‫وآله أقوى من تصديقنا وأكمل‪ ،‬لكن هذا ل يدل على اختلف أصل حقيقة‬
‫اليمان التي قدرها الشارع باعتقاد امور مخصوصة على وجه الجزم‬
‫والثبات‪ ،‬فان تلك الحقيقة إنما هي من اعتبارات الشارع‪ ،‬ولم يعهد من‬
‫الشارع اختلف حقيقة اليمان باختلف المكلفين في قوة الدراك بحيث‬
‫يحكم بكفر قوي الدراك لو كان جزمه بالمعارف اللهية كجزم من هو‬
‫أضعف إدراكا منه‪ ،‬نعم الذي تفاوت فيه المكلفون إنما هو مراتب كماله بعد‬
‫تحقق أصل حقيقته التي يخاطب بتحصيلها كل مكلف ويعتبر بها مؤمنا عند‬
‫ال تعالى ويستحق الثواب الدائم وبدونها العقاب الدائم‪ .‬وأما تلك الكمالت‬
‫الزائدة فانما تكون باعتبار قرب المكلف إلى ال تعالى بسبب استشعاره‬
‫لعظمة ال وكبريائه‪ ،‬وشمول قدرته وعلمه‪ ،‬وذلك لشراق نفسه واطلعها‬
‫على ما في مصنوعات ال تعالى من الحكام والتقان والحكم والمصالح‬
‫فان النفس إذا لحظت هذه البدائع الغريبة العظيمة التي تحار في تعلقها مع‬
‫علمها بأنها تشرك في المكان والفتقار إلى صانع يبدعها ويبديها‪ ،‬متوحد‬
‫في ذاته بذاته انكشف عليها كبرياء ذلك الصانع وعظمته وجلله وإحاطته‬
‫بكل شئ فيكثر خوفها وخشيتها واحترامها لذلك الصانع‪ ،‬حتى كأنها ل‬
‫تشاهد سواه‪ ،‬ول تخشى غيره‪ ،‬فتنقطع عن غيره إليه وتسلم أزمة امورها‬
‫إليه‪ ،‬حيث علمت أن ل رب غيره وأن المبدأ منه والمعاد إليه‪ ،‬فل تزال‬
‫شاخصة منتظرة لمره حتى تأتيها فتفر‬
‫]‪[205‬‬

‫إليه من ضيق الجهالة إلى سعة معرفته )‪ (1‬ورحمته ولطفه‪ ،‬وفي ذلك فليتنافس‬
‫المتنافسون‪ .‬وكذا ما ورد من السنة المطهرة مما يشعر بقبوله الزيادة‬
‫والنقصان يمكن حمله على ما ذكرناه كحديث الجوارح ذكره في الكافي‬
‫باسناده‪ ،‬عن أبي عمرو الزبيري‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم )‪ (2‬قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬صفه لي يعني اليمان جعلت فداك حتى أفهمه فقال‪ :‬اليمان حالت‬
‫ودرجات ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬وبالنقصان دخل المفرطون النار انتهى‪ .‬ثم قال ‪-‬‬
‫رحمه ال ‪ :-‬اعلم أن سند هذا الحديث ضعيف لن في طريقه بكر بن صالح‬
‫الرازي وهو ضعيف جدا كثير التفرد بالغرائب وأبو عمرو الزبيري وهو‬
‫مجهول فسقط الستدلل به‪ .‬ولو سلم سنده فل دللة فيه على اختلف نفس‬
‫حقيقة اليمان أل ترى أنه قال عليه السلم‪ " :‬ولكن بتمام اليمان دخل‬
‫المؤمنون الجنة " فأشار بذلك إلى نفس حقيقة اليمان التي يترتب عليها‬
‫النجاة‪ ،‬وجعل الناقص عنها مما يترتب عليه دخول النار‪ ،‬فلم يكن إيمانا‬
‫وإل لم يدخل صاحبه النار لقوله تعالى‪ " :‬وعد ال المؤمنين والمؤمنات‬
‫جنات " )‪ (3‬وجعل الزيادة في اليمان مما يوجب التفاضل في الدرجات‪،‬‬
‫ول ريب أن هذه الزيادة لو تركت‪ ،‬واقتصر المكلف على ما يحصل به‬
‫التمام‪ ،‬لم يعاقب على ترك هذه الزيادة‪ ،‬ولنه عليه السلم جعل التمام‬
‫موجبا للجنة‪ ،‬فكيف يوجب العقاب ترك الزيادة‪ ،‬مع أن ما دونه وهو التمام‬
‫يوجب الجنة‪ ،‬وعلى هذا فتكون الزيادة غير مكلف بها‪ ،‬فلم تكن داخلة في‬
‫أصل حقيقة اليمان‪ ،‬لنه مكلف به بالنص والجماع‪ ،‬فيكون من الكمال‪،‬‬
‫فظهر بذلك كون هذا الحديث دليل على عدم قبول حقيقة اليمان للزيادة‬
‫والنقصان ل دليل على قبولهما‪.‬‬

‫)‪ (1‬مغفرته خ ل‪ (2) .‬مر تحت الرقم ‪ 6‬ص ‪ 23‬فراجع‪ (3) .‬براءة‪72 :‬‬

‫]‪[206‬‬

‫وهذا استخراج لم نسبق إليه وبيان لم يعثر غيرنا عليه‪ ،‬على أن هذا الحديث لو‬
‫قطعنا النظر عما ذكرناه‪ ،‬وحملناه على ظاهره‪ ،‬لكان معارضا بما سبق من‬
‫حديث جبرئيل للنبي صلى ال عليه وآله حيث سأله عن اليمان فقال‪ :‬أن‬
‫تؤمن بال ورسله واليوم الخر أي تصدق بذلك‪ ،‬ولو بقي من حقيقته شئ‬
‫سوى ما ذكره له لبينه له‪ ،‬فدل على أن حقيقته تتم بما أجابه بالقياس إلى‬
‫كل مكلف‪ ،‬أما للنبي صلى ال عليه وآله فلنه المجاب به حين سأله‪ ،‬وأما‬
‫لغيره فللتأسي به‪ ،‬وطريق الجمع بينهما حينئذ حمل ما في حديث الجوارح‬
‫من الزيادة عن ذلك على مرتبة الكمال كما بيناه سابقا‪ .‬وههنا بحث وهو‬
‫أن حقيقة اليمان لما كانت من المور العتبارية للشارع كان تحديدها إنما‬
‫هو بجعل الشارع وتقريره لها‪ ،‬فل يعلم حينئذ مقداره وحقيقته إل منه‪،‬‬
‫وحيث رأينا ما وصل إلينا من خطاباته تعالى غير قاطع في الدللة على‬
‫تعيين قدر مخصوص من أنواع العتقاد أو العمال‪ ،‬بحيث تشترك الكل في‬
‫التكليف به‪ ،‬من غير تفاوت بين قوي الدراك وضعيفه‪ ،‬بل رأيناها متفاوتة‬
‫في الدللة على ذلك‪ ،‬يعلم ذلك من تتبع آيات الكتاب العزيز والسنة‬
‫المطهرة‪ ،‬وقد سبق نبذة من ذلك‪ ،‬ول يجوز الختلف في خطاباته ول أن‬
‫يكلف عباده بأمر ل يبين لهم مراده تعالى منه‪ ،‬لستحالة تكليف مال يطاق‪،‬‬
‫وإخلله باللطف‪ ،‬ورأينا الكثر ورودا في كتابه بذلك المر بالعتقاد القلبي‬
‫من غير تعيين مقدار مخصوص منه بقاطع يوقفنا على اعتباره‪ ،‬أمكن‬
‫حينئذ أن يكون مراده منه مطلق العتقاد العلمي سواء كان علم الطمأنينة‪،‬‬
‫أو علم اليقين‪ ،‬أو حق اليقين‪ ،‬أو عين اليقين‪ ،‬فتكون حقيقة واحدة وهو‬
‫الذعان القلبي والعتقاد العلمي والتفاوت بالزيادة والنقصان إنما هو في‬
‫أفراد تلك الحقيقة ومن مشخصاتها‪ ،‬فل يكون داخل في الحقيقة المذكورة‪.‬‬
‫وما ورد مما ظاهره الختلف في الدللة على مراد الشارع منه يمكن‬
‫تنزيله على تفاوت الفراد المذكورة كعلم الطمأنينة‪ ،‬وعلم اليقين‪،‬‬
‫وغيرهما‪ ،‬فيكون كل واحد منها مرادا وكافيا في امتثال أمر الشارع‪ ،‬وهذا‬
‫هو المناسب لسهولة التكليف واختلف طبقات المكلفين في الدراك كما ل‬
‫يخفى‪.‬‬

‫]‪[207‬‬

‫وبذلك يسهل الخطب في الحكم بايمان أكثر العوام الذين ل يتيسر لنفسهم التصاف‬
‫بالعلم الذي ل يقبل تشكيك المشكك‪ ،‬فان علم الطمأنينة متيسر لكل واحد‪،‬‬
‫وعلى هذا فيكون ما تشعر النفس به من الزدياد في التصديق والطمينان‬
‫عند ما تشاهده من برهان أو عيان إنما هو انتقال في أفراد تلك الحقيقة‬
‫وتبدل واحد بآخر‪ ،‬والحقيقة واحدة‪ .‬ل يقال‪ :‬أفراد الحقيقة الواحدة ل تنافي‬
‫الجتماع في القوة العاقلة‪ ،‬فان أفراد الحيوان والنسان يصلح اجتماعها‬
‫في القوة العاقلة‪ ،‬وما نحن فيه ليس كذلك إذ ل يمكن اتصاف النفس‬
‫بحصول علم الطمأنينة وعلم اليقين في حالة واحدة لتضادهما‪ ،‬ولهذا يزول‬
‫الول بحصول الثاني‪ ،‬فل يكون ما ذكرت أفراد حقيقة واحدة بل حقائق‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ل نسلم أن أفراد كل حقيقة يصح اجتماعها في الحصول عند القوة‬
‫العاقلة‪ ،‬بل قد ل يصح ذلك لما بينها من التضاد كما في البياض والسواد‪،‬‬
‫فانهما فردان لحقيقة واحدة هي اللون‪ ،‬مع عدم صحة اجتماعهما في محل‬
‫واحد ل خارجا ول ذهنا‪ .‬بقي ههنا شئ وهو أنه ل ريب في تحقق اليمان‬
‫الشرعي بالتصديق الجازم الثابت‪ ،‬وإن أخل المتصف به ببعض الطاعات‪،‬‬
‫وقارف بعض المنهيات عند من يكتفي في حصول اليمان باذعان الجنان‪،‬‬
‫وإذا كان المر كذلك فل معنى للنزاع عند هؤلء في أن حقيقة اليمان هل‬
‫تقبل الزيادة والنقصان إذ لو قبلت شيئا منهما لم تكن واحدة بل متعددة‪،‬‬
‫لن القابل غير المقبول‪ ،‬والعارض غير المعروض فان دخل الزائد في‬
‫مفهوم الحقيقة بحيث صار ذاتيا لها تعددت وتبدلت‪ ،‬وكذا الناقص إذا خرج‬
‫عنها فل تكون واحدة‪ ،‬وقد فرضناها كذلك هذا خلف‪ ،‬وإن لم يدخل ولم‬
‫يخرج شئ منهما كانت واحدة من غير نقصان وزيادة فيها‪ ،‬بل هما‬
‫راجعان إلى الكمال وعدمه‪ ،‬وحينئذ فيبقى محل النزاع هل يقبل كمالها‬
‫الزيادة‬

‫]‪[208‬‬

‫والنقصان‪ ،‬وأنت خبير بأن هذا مما ل يختلف في صحته اثنان‪ .‬وقد ذكر بعض‬
‫العلماء أن هذا النزاع إنما يتمشى على قول من جعل الطاعات من اليمان‪،‬‬
‫وأقول‪ :‬الذي يقتضيه النظر أنه ل يتمشى على قولهم أيضا وذلك أن ما‬
‫اعتبروه في اليمان من الطاعات إما أن يريدوا به توقف حصول اليمان‬
‫على جميع ما اعتبروه‪ ،‬أو عليه في الجملة‪ ،‬وعلى الول يلزم كون حقيقته‬
‫واحدة‪ ،‬فإذا ترك فرضا من تلك الطاعات يخرج من اليمان‪ ،‬وعلى الثاني‬
‫يلزم كون ما يتحقق به اليمان من تلك الطاعات داخل في حقيقته‪ ،‬وما زاد‬
‫عليه خارجا فتكون واحدة على التقديرين فليس الزيادة والنقصان إل في‬
‫الكمال على جميع القوال انتهى كلمه رفع ال مقامه‪ .‬وقال شارح‬
‫المقاصد‪ :‬ظاهر الكتاب والسنة وهو مذهب الشاعرة والمعتزلة والمحكي‬
‫عن الشافعي وكثير من العلماء أن اليمان يزيد وينقص‪ ،‬وعند أبي حنيفة‬
‫وأصحابه وكثير من العلماء وهو اختيار إمام الحرمين أنه ل يزيد ول‬
‫ينقص‪ ،‬لنه اسم للتصديق البالغ حد الجزم والذعان‪ ،‬ول يتصور فيه‬
‫الزيادة والنقصان‪ ،‬والمصدق إذا ضم الطاعات إليه أو ارتكب المعاصي‪،‬‬
‫فتصديقه بحاله لم يتغير أصل وإنما يتفاوت إذا كان اسما للطاعات‬
‫المتفاوتة قلة وكثرة‪ ،‬ولهذا قال المام الرازي وغيره‪ :‬إن هذا الخلف فرع‬
‫تفسير اليمان‪ ،‬فان قلنا‪ :‬هو التصديق فل تتفاوت‪ ،‬وإن قلنا‪ :‬هو العمال‬
‫فمتفاوت‪ ،‬وقال إمام الحرمين‪ :‬إذا حملنا اليمان على التصديق فل يفضل‬
‫تصديق تصديقا كما ل يفضل علم علما‪ ،‬ومن حمله على الطاعة سرا وعلنا‬
‫وقد مال إليه القلنسي فل يبعد إطلق القول بأنه يزيد بالطاعة وينقص‬
‫بالمعصية‪ ،‬ونحن ل نؤثر هذا‪ .‬ثم قال‪ :‬ولقائل أن يقول‪ :‬ل نسلم أن‬
‫التصديق ل يتفاوت‪ ،‬بل يتفاوت قوة وضعفا كما في التصديق بطلوع‬
‫الشمس‪ ،‬والتصديق بحدوث العالم‪ ،‬لنه إما نفس العتقاد القابل للتفاوت‪،‬‬
‫أو مبني عليه قلة وكثرة كما في التصديق الجمالي والتفصيلي الملحظ‬
‫لبعض التفاصيل وأكثر‪ ،‬فان ذلك من اليمان لكونه تصديقا‬
‫]‪[209‬‬

‫بما جاء به النبي صلى ال عليه وآله إجمال فيما علم إجمال وتفصيل فيما علم‬
‫تفصيل‪ .‬ل يقال‪ :‬الواجب تصديق يبلغ حد اليقين‪ ،‬وهو ل يتفاوت لن‬
‫التفاوت ل يتصور إل باحتمال النقيض‪ ،‬لنا نقول‪ :‬اليقين من باب العلم‬
‫والمعرفة‪ ،‬وقد سبق أنه غير التصديق ولو سلم أنه التصديق وأن المراد‬
‫به ما يبلغ حد الذعان والقبول‪ ،‬ويصدق عليه المعنى المسمى بگرويدن‬
‫ليكون تصديقا قطعا فل نسلم أنه ل يقبل التفاوت‪ ،‬بل لليقين مراتب من‬
‫أجلى البديهيات إلى أخفى النظريات‪ ،‬وكون التفاوت راجعا إلى مجرد‬
‫الجلء والخفاء غير مسلم بل عند الحصول وزوال التردد التفاوت بحاله‬
‫وكفاك قول الخليل " ولكن ليطمئن قلبي " )‪ (1‬وعن علي عليه السلم "‬
‫لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا " على أن القول بأن المعتبر في حق الكل‬
‫هو اليقين‪ ،‬وأن ليس للظن الغالب الذي ل يخطر معه النقيض بالبال حكم‬
‫اليقين محل نظر‪ .‬احتج القائلون بالزيادة والنقصان بالعقل والنقل‪ ،‬أما‬
‫العقل فلنه لو لم يتفاوت لكان إيمان آحاد المة بل المنهمك في الفسق‬
‫مساويا لتصديق النبياء واللزم باطل قطعا‪ ،‬وأما النقل فلكثرة النصوص‬
‫الواردة في هذا المعنى قال ال " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا " )‬
‫‪ " (2‬ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم " )‪ " (3‬ويزداد الذين آمنوا إيمانا " )‪(4‬‬
‫" وما زادهم إل إيمانا وتسليما " )‪ " (5‬فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا "‬
‫)‪ (6‬وعن ابن عمر قلنا‪ :‬يا رسول ال إن اليمان يزيد وينقص ؟ قال‪ :‬نعم‬
‫يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة‪ ،‬وينقص حتى يدخل صاحبه النار‪.‬‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .260 :‬النفال‪ (3) .2 :‬الفتح‪ (4) .4 :‬المدثر‪ (5) .31 :‬الحزاب‪:‬‬
‫‪ (6) .22‬براءة‪.124 :‬‬

‫]‪[210‬‬

‫واجيب بوجوه‪ :‬الول أن المراد الزيادة بحسب الدوام والثبات وكثرة الزمان‬
‫والساعات‪ ،‬وهذا ما قال إمام الحرمين‪ :‬النبي صلى ال عليه وآله يفضل‬
‫من عداه باستمرار تصديقه وعصمة ال إياه من مخامرة الشكوك‪،‬‬
‫والتصديق عرض ل يبقى فيقع للنبي صلى ال عليه وآله متواليا ولغيره‬
‫على الفترات‪ ،‬فثبت للنبي صلى ال عليه وآله أعداد من اليمان ل يثبت‬
‫لغيره إل بعضها‪ ،‬فيكون إيمانه أكثر‪ ،‬والزيادة بهذا المعنى مما ل نزاع‬
‫فيه‪ ،‬وما يقال من أن حصول المثل بعد انعدام الشئ ل يكون زيادة‪ ،‬مدفوع‬
‫بأن المراد زيادة أعداد حصلت‪ ،‬وعدم البقاء ل ينافي ذلك‪ .‬الثاني أن المراد‬
‫الزيادة بحسب زيادة المؤمن به والصحابة كانوا آمنوا في الجملة‪ ،‬وكان‬
‫يأتي فرض بعد فرض وكانوا يؤمنون بكل فرض خاص‪ ،‬وحاصله أن‬
‫اليمان واجب إجمال فيما علم إجمال‪ ،‬وتفصيل فيما علم تفصيل‪ ،‬والناس‬
‫متفاوتون في ملحظة التفاصيل كثرة وقلة‪ ،‬فيتفاوت إيمانهم زيادة‬
‫ونقصانا‪ ،‬ول يختص ذلك بعصر النبي صلى ال عليه وآله على ما يتوهم‪.‬‬
‫الثالث أن المراد زيادة ثمرته وإشراق نوره في القلب‪ ،‬فانه يزيد بالطاعات‬
‫وينقص بالمعاصي‪ ،‬وهذا مما ل خفاء فيه‪ ،‬وهذه الوجوه جيدة في التأويل‬
‫لو ثبت لهم أن التصديق في نفسه ل يقبل التفاوت‪ ،‬والكلم فيه انتهى‪.‬‬
‫والحق أن اليمان يقبل الزيادة والنقصان سواء كانت العمال أجزاءه أو‬
‫شرائطه أو آثاره الدالة عليه‪ ،‬فان التصديق القلبي بأي معنى فسر ل ريب‬
‫أنه يزيد و كلما زاد زادت آثاره على العضاء والجوارح‪ ،‬فهي كثرة وقلة‬
‫تدل على مراتب اليمان زيادة ونقصانا‪ ،‬وكل منهما يتفرع على الخر فان‬
‫كل مرتبة من مراتب اليمان تصير سببا لقدر من العمال يناسبها‪ ،‬فإذا‬
‫أتى بها قوي اليمان القلبي وحصلت مرتبة أعلى تقتضي عمل أكثر‪،‬‬
‫وهكذا‪ .‬وجملة القول في ذلك أن لليمان ولكل من العمال اليمانية أفرادا‬
‫كثيرة وحقيقة ونورا وروحا كالصلة‪ ،‬فان لها روحا هي الخلص مثل‪،‬‬
‫فإذا فارقها كانت جسدا بل روح ل يترتب عليه أثر‪ ،‬ول ينهى عن الفحشاء‬
‫والمنكر‪ ،‬فلليمان‬

‫]‪[211‬‬

‫أيضا مراتب يترتب على كل مرتبة منها آثار‪ ،‬فإذا ارتكب المؤمن الكبائر نقص‬
‫إيمانه وفارقه روح اليمان وحقيقته‪ ،‬وكيف يؤمن بال وبالمعاد وبالجنة‬
‫والنار ويرتكب ما أخبر ال بأنه موجب لدخول النار‪ ،‬فل يكون ذلك إل‬
‫لضعف في اليقين كما ورد في أخبار كثيرة أنهم عليهم السلم سألوا عند‬
‫ادعاء اليمان أو اليقين ما حقيقة إيمانك‪ ،‬وما حقيقة يقينك‪ ،‬فظهر لهما‬
‫حقائق مختلفة تظهر بآثارهما‪ .‬وروح اليمان الواردة في الخبار يمكن‬
‫حملها على ذلك‪ ،‬فان اليمان إذا ضعف حتى غلب عليه الشهوات البدنية‪،‬‬
‫فكأنه ل روح له‪ ،‬ول يترتب عليه أثر‪ ،‬بل ل بقاء له‪ ،‬فان غلب عليه‬
‫الشهوة‪ ،‬وعاد إلى التوبة‪ ،‬قوي اليمان وعاد إليه الروح‪ ،‬وترتب عليه‬
‫الثار‪ ،‬وعاد إليه الملك المؤيد له‪ ،‬ولذا اطلق الروح في بعض الخبار على‬
‫ذلك الملك أيضا‪ ،‬وقد يعود إليه بعد انقضاء الشهوة وقوة العقل واليمان‪،‬‬
‫وتصرف العقل في ممالكه‪ ،‬بعد ما صار مغلوبا مقهورا بالشهوات الدنية‪،‬‬
‫فيتذكر قبح فعله‪ ،‬فيعود إليه الملك المؤيد أو شئ من نور اليمان‪ ،‬وإن لم‬
‫تكمل له التوبة‪ ،‬ولم يقدر على العزم التام على تركها فيما سيأتي ولذا ورد‬
‫في بعض الخبار أنه يعود إليه روح اليمان بدون التوبة أيضا‪ ،‬وقد مر‬
‫بعض القول في ذلك وسيأتي إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫]‪[212‬‬

‫‪) * - 34‬باب( * * " )ان اليمان مستقر ومستودع‪ ،‬وامكان زوال اليمان( " *‬
‫اليات‪ :‬النعام‪ :‬وهو الذي أنشاكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع )‪.(1‬‬
‫تفسير‪ :‬قال الطبرسي رحمه ال‪ " :‬وهو الذي أنشأكم " أي أبدعكم‬
‫وخلقكم " من نفس واحدة " أي من آدم عليه السلم لن ال تعالى خلقنا‬
‫جميعا منه‪ ،‬وخلق امنا حواء من ضلع من أضلعه انتهى )‪ .(2‬أقول‪ :‬وقد‬
‫مر أن خلقهم من أب واحد ل يقتضي عدم مدخلية الم ول يكون الم‬
‫مخلوقة منه‪ ،‬لما مر نفي ذلك في الخبار‪ " .‬فمستقر ومستودع " قال‬
‫المفسرون فيه وجوها‪ :‬الول مستقر في الرحم إلى أن يولد‪ ،‬ومستودع في‬
‫القبر إلى أن يبعث‪ ،‬والثاني مستقر في بطن المهات‪ ،‬ومستودع في‬
‫أصلب الباء‪ ،‬الثالث مستقر على ظهر الرض في الدنيا‪ ،‬ومستودع عند‬
‫ال في الخرة‪ ،‬الرابع مستقر في القبر‪ ،‬ومستودع في الدنيا‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫مستقرها أيام حياتها‪ ،‬ومستودعها حيث يموت‪ .‬وأقول‪ :‬قرأ ابن كثير وأبو‬
‫عمرو ويعقوب بكسر القاف والباقون بالفتح‪ ،‬وعلى ما سيأتي من التأويل‬
‫في الخبار تستقيم القراءتان فبالفتح أي فلكم استقرار في اليمان‪،‬‬
‫واستيداع فيه أو فمنكم من هو محل استقرار اليمان‪ ،‬ومنكم من هو محل‬
‫استيداعه‪ ،‬ففيه حذف وإيصال أي مستقر فيه‪ ،‬وبالكسر أي فمنكم مستقر‬
‫في اليمان‪ ،‬ومنكم مستودع فيه‪ ،‬أو فايمان بعضكم مستقر وإيمان بعضكم‬
‫مستودع على القراءتين‪ - 1 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن‬
‫ابن محبوب‪ ،‬عن حسين بن‬

‫)‪ (1‬النعام‪ (2) .98 :‬مجمع البيان ج ‪.339 :4‬‬

‫]‪[213‬‬

‫نعيم الصحاف قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬لم يكون الرجل عند ال مؤمنا‬
‫قد ثبت له اليمان عنده ثم ينقله ال بعد من اليمان إلى الكفر ؟ قال‪ :‬فقال‪:‬‬
‫إن ال عزوجل هو العدل‪ ،‬إنما دعا العباد إلى اليمان به ل إلى الكفر‪ ،‬ول‬
‫يدعو أحدا إلى الكفر به‪ ،‬فمن آمن بال ثم ثبت له اليمان عند ال لم ينقله‬
‫ال عزوجل بعد ذلك من اليمان إلى الكفر‪ .‬قلت له‪ :‬فيكون الرجل كافرا قد‬
‫ثبت له الكفر عند ال ثم ينقله ال بعد ذلك من الكفر إلى اليمان ؟ قال‪:‬‬
‫فقال‪ :‬إن ال عزوجل خلق الناس كلهم على الفطرة التي فطرهم عليها‪ ،‬ل‬
‫يعرفون إيمانا بشريعة‪ ،‬ول كفرا بجحود‪ ،‬ثم بعث ال الرسل تدعو العباد‬
‫إلى اليمان به‪ ،‬فمنهم من هدى ال ومنهم من لم يهده ال )‪ .(1‬بيان‪:‬‬
‫يمكن أن يكون بناء الجوابين على أمر واحد‪ ،‬وهو أن هدايته تعالى‬
‫وخذلنه المعبر عنه بالضلل ليسا علتين مستقلتين للنقل من الكفر إلى‬
‫اليمان ومن اليمان إلى الكفر‪ ،‬بل كل منهما باختيار العبد‪ ،‬والهدايات‬
‫الخاصة لبعض ل تصيره مجبورا على اليمان‪ ،‬وترك تلك الهدايات لبعض‬
‫لعدم استحقاقه لها ل يصيره مجبورا على الكفر كما مر تحقيقه‪ .‬ويحتمل‬
‫أن يكون بناؤها على الفرق بينهما‪ ،‬فحاصل الجواب الول أن المؤمن‬
‫الواقعي الذي ثبت إيمانه عند ال‪ ،‬ولم يكن منافقا ومستودعا ل يسلب ال‬
‫منه توفيقه وهدايته‪ ،‬ول يرجع عن اليمان أبدا‪ ،‬ومن تراه يرجع فليس‬
‫بمؤمن واقعي بل هو ممن يظهر اليمان‪ ،‬ولم يستقر في قلبه‪ ،‬كما اختاره‬
‫بعض المتكلمين وحاصل الثاني أن الكفر لما كان أمرا عدميا والناس في‬
‫بدو الفطرة لم يتصفوا باليمان‪ ،‬لكنهم على الفطرة القابلة لليمان‪ ،‬وللكفر‬
‫بمعنى الجحود ل الكفر بمعنى عدم اليمان‪ ،‬فانه متصف به قبل التصديق‬
‫والذعان‪ ،‬فبعث ال الرسل لتمام الحجة عليهم‪ ،‬ثم بعد ذلك بعضهم‬
‫يستحق الهدايات واللطاف الخاصة بحسن اختياره‪ ،‬وعدم إبطاله الفطرة‬
‫الصلية‪ ،‬فتشمله تلك اللطاف فيختار اليمان‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.416‬‬

‫]‪[214‬‬

‫وبعضهم لم يستحق ذلك فيخذ له ال فيختار الكفر بمعنى الجحود‪ .‬وكأن هذا أظهر‬
‫من الخبر‪ ،‬لكن فيه أنه لم يظهر منه أنه هل يمكن أن ينقله ال من كفر‬
‫الجحود إلى اليمان ؟ والظاهر أن مراد السائل كان استعلم ذلك ويمكن‬
‫الجواب بوجهين الول أن نحمل كلم السائل ثانيا على الخبار أو التعجب‬
‫ل الستفهام‪ ،‬ولما كان كلمه موهما لكون ذلك على الجبر أفاد عليه السلم‬
‫أن هدايته سبحانه وخذلنه ل يوجبان سلب الختيار‪ ،‬فانهم على الفطرة‬
‫القابلة لهما‪ ،‬والثاني أن يقال إنه أفاد عليه السلم قاعدة كلية يظهر منه‬
‫جواب ذلك‪ ،‬وهو أنه يمكن ذلك لكن بهذا النحو المذكور ل بالجبر‪ .‬فإذا‬
‫عرفت ذلك فاعلم أن المتكلمين اختلفوا في أن المؤمن بعد اتصافه باليمان‬
‫الحقيقي في نفس المر‪ ،‬هل يمكن أن يكفر أم ل ؟ ول خلف في أنه ل‬
‫يمكن مادام الوصف‪ ،‬وإنما النزاع في إمكان زواله بضد أو غيره‪ ،‬فذهب‬
‫أكثرهم إلى جواز ذلك بل إلى وقوعه‪ ،‬وذلك لن زوال الضد بطريان ضده‬
‫أو مثله على القول بعدم اجتماع المثال ممكن‪ ،‬لنه ل يلزم من فرض‬
‫وقوعه محال وظاهر كثير من اليات الكريمة دال عليه كقوله تعالى " إن‬
‫الذين آمنوا ثم كفروا ]ثم آمنوا ثم كفروا[ ثم ازدادوا كفرا " )‪ (1‬وقوله‬
‫تعالى " يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين اوتوا الكتاب يردوكم‬
‫بعد إيمانكم كافرين " )‪ .(2‬وذهب بعضهم إلى عدم جواز زوال اليمان‬
‫الحقيقي بضد أو غيره‪ ،‬وقال الشهيد الثاني قدس ال روحه ونسب ذلك إلى‬
‫السيد المرتضى رضي ال عنه مستدل بأن ثواب اليمان دائم‪ ،‬وعقاب‬
‫الكفر دائم‪ ،‬والحباط والموافاة عنده باطلن أما الحباط فلستلزام أن يكون‬
‫الجامع بين الحسان والساءة بمنزلة من لم يفعلهما مع تساويهما‪ ،‬أو‬
‫بمنزلة من لم يحسن إن زادت الساءة‪ ،‬وبمنزلة من لم يسئ مع العكس‪،‬‬
‫واللزم بقسميه باطل قطعا فالملزوم مثله وأما الموافاة فليست‬

‫)‪ (1‬النساء‪ 137 :‬وتصحيح الية من المصحف الشريف‪ (2) .‬آل عمران‪.100 :‬‬

‫]‪[215‬‬

‫عندنا شرطا في استحقاق الثواب باليمان‪ ،‬لن وجوه الفعال وشروطها التي‬
‫يستحق بها ما يستحق‪ ،‬ل يجوز أن تكون منفصلة عنها ول متأخرة عن‬
‫وقت حدوثها‪ ،‬والموافاة منفصلة عن وقت حدوث اليمان‪ ،‬فل يكون وجها‬
‫ول شرطا في استحقاق الثواب‪ .‬ل يقال‪ :‬الثواب إنما يستحقه العبد على‬
‫الفعل كما هو مذهب العدلية‪ ،‬واليمان ليس فعل للعبد وإل لما صح الشكر‬
‫عليه‪ ،‬لكن التالي باطل إذ المة مجتمعة على وجوب شكر ال تعالى على‬
‫نعمة اليمان‪ ،‬فيكون اليمان من فعل ال تعالى إذل يشكر على فعل غيره‪،‬‬
‫وإذا لم يكن من فعل العبد فل يستحق عليه ثوابا فل يتم دليله‪ ،‬على أنه ل‬
‫يتعقبه كفر‪ ،‬لن مبناه على استحقاق الثواب على اليمان‪ .‬لنا نقول‪ :‬بل‬
‫هو من فعل العبد ونلتزم عدم صحة الشكر عليه‪ ،‬ونمنع بطلنه‪ ،‬قولك في‬
‫إثباته " المة مجتمعة " الخ قلنا الشكر إنما هو على مقدمات اليمان‬
‫وهي تمكين العبد من فعله‪ ،‬وإقداره عليه‪ ،‬وتوفيقه على تحصيل أسبابه‬
‫وتوفيق ذلك له‪ ،‬ل على نفس اليمان الذي هو فعل العبد‪ ،‬فان ادعي‬
‫الجماع على ذلك سلمناه‪ ،‬ول يضرنا‪ ،‬وإن ادعي الجماع على غيره‬
‫منعناه فل ينفعهم‪ .‬والعتراض عليه رحمه ال من وجوه أحدها توجه‬
‫المنع إلى المقدمة القابلة بأن الموافاة ليست شرطا في استحقاق الثواب‪،‬‬
‫وما ذكره في إثباتها من أن وجوه الفعال وشروطها التي يستحق بها ما‬
‫يستحق ل يجوز أن تكون منفصلة عنها‪ ،‬والموافاة منفصلة عن وقت‬
‫الحدوث‪ ،‬فل يكون وجها‪ .‬ل دللة له على ذلك‪ ،‬بل إن دل فانما يدل على أن‬
‫الموافاة ليست من وجوه الفعال‪ ،‬لكن ل يلزم من ذلك أن ل يكون شرطا‬
‫لستحقاق الثواب‪ ،‬فلم ل يجوز أن يكون استحقاق الثواب مشروطا بوجوه‬
‫الفعال مع الموافاة أيضا‪ ،‬لبد لنفي ذلك من دليل‪ .‬ثانيها اليات الكريمة‬
‫التي مر بعضها‪ ،‬فانها تدل على إمكان عروض الكفر بعد اليمان بل بعضها‬
‫على وقوعه‪ ،‬وأجاب السيد عن ذلك بأن المراد وال أعلم من وصفهم‬
‫باليمان اليمان اللساني دون القلبي‪ ،‬وقد وقع مثله كثيرا في القرآن‬
‫]‪[216‬‬

‫العزيز كقوله تعالى " آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " )‪ (1‬وحيث أمكن صحة‬
‫هذا الطلق‪ ،‬ولو مجازا‪ ،‬سقط الستدلل بها‪ .‬ثالثها أن الشارع جعل‬
‫للمرتد أحكاما خاصة به‪ ،‬ل يشاركه فيها الكافر الصلي‪ ،‬كما هو مذكور في‬
‫كتب الفروع‪ ،‬وهذا أمر ل يمكن دفعه‪ ،‬ول مدخل للطعن فيه‪ ،‬فان الكتاب‬
‫العزيز والسنة المطهرة ناطقان بذلك‪ ،‬والجماع واقع عليه كذلك‪ ،‬ول ريب‬
‫أن الرتداد هو الكفر المتعقب لليمان‪ ،‬كما دل عليه قوله تعالى‪ " :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه " )‪ "] (2‬ومن يرتدد منكم عن دينه[‬
‫فيمت وهو كافر " )‪ (3‬الية فقد دل على ما ذكرناه‪ ،‬على أن المؤمن يمكن‬
‫أن يكفر‪ ،‬أقول‪ :‬وللسيد رحمه ال أن يجيب عن ذلك بأن ما ذكر إنما يدل‬
‫على أن من اتصف في ظاهر الشرع بالرتداد‪ ،‬فحكمه كذا وكذا‪ ،‬ول يدل‬
‫على أنه صار مرتدا بذلك في نفس المر فلعله كان كافرا في الصل‪،‬‬
‫وحكمنا بايمانه ظاهرا للقرار بما يوجب اليمان مع بقائه على كفره عند‬
‫ال تعالى‪ ،‬وبفعله ما يوجب الرتداد ظاهرا حكمنا بارتداده أو كان مؤمنا‬
‫في الصل وهو باق على إيمانه عند ال تعالى لكن لقتحامه حرمات‬
‫الشارع‪ ،‬وتعديه هذه الحدود العظيمة جعل الشارع الحكم بالرتداد عليه‬
‫عقوبة له لتنحسم بذلك مادة القتحام والتعدي من المكلفين‪ ،‬فيتم نظام‬
‫النواميس اللهية‪ .‬وأقول‪ :‬الحق أن المعلومات التي يتحقق اليمان بالعلم‬
‫بها امور متحققة ثابتة ل تقبل التغير والتبدل‪ ،‬وإذ ل يخفى أن وحدة‬
‫الصانع تعالى ووجوده وأزليته وأبديته وعلمه وقدرته وحياته إلى غير‬
‫ذلك من الصفات امور تستحيل تغيرها وكذا كونه تعالى عدل ل يفعل قبيحا‬
‫ول يخل بواجب وكذا النبوة والمعاد‪ ،‬فإذا علمها الشخص على وجه اليقين‬
‫والثبات‪ ،‬صار علمه بها كعلمه بوجود نفسه‪ ،‬غير‬

‫)‪ (1‬المائدة‪ (2) .41 :‬المائدة‪ (3) .54 :‬البقرة‪ ،217 :‬وقد اختلطت اليتان عليه‬

‫]‪[217‬‬

‫أن الول نظري والثاني بديهي‪ ،‬لكن لما كان النظري إنما يصير يقينيا بانتهائه إلى‬
‫البديهي ولم يبق فرق بين العلمين‪ ،‬امتنع تغير ذلك العلم وتبدله كما يمتنع‬
‫تغير علمه بوجود نفسه‪ .‬والحاصل أن العلم إذا انطبق على المعلوم‬
‫الحقيقي الذي ل يتغير أصل فمحال تغيره‪ ،‬وإل لما كان منطبقا‪ ،‬فعلم أن ما‬
‫يحصل لبعض الناس من تغيير عقيدة اليمان لم يكن بعد اتصاف أنفسهم‬
‫بما ذكرناه من العلم‪ ،‬بل كان الحاصل لهم ظنا غالبا بتلك المعلومات‪ ،‬ل‬
‫العلم بها‪ ،‬والظن يمكن تبدله وتغيره‪ ،‬وإن كان المظنون ل يمكن تبدله‪ ،‬لن‬
‫النطباق غير حاصل وإل لصار علما‪ .‬إن قلت‪ :‬يتصور زوال اليمان‬
‫بصدور بعض الفعال الموجبة للكفر كما تقدم وإن بقي التصديق اليقيني‬
‫بالمعارف المذكورة فقد صح أن المؤمن قد يكفر بعد اتصافه باليمان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ل نسلم إمكان صدور فعل يوجب الكفر ممن اتصف بالعلم المذكور‪،‬‬
‫بل صار ذلك الفعل ممتنعا بالغير الذي هو العلم اليقيني وإن أمكن بالذات‪،‬‬
‫وحينئذ فصدور بعض الفعال المذكورة إنما كان لعدم حصول العلم‬
‫المذكور‪ ،‬وبالجملة فكلم علم الهدى ومذهبه هنا رضي ال عنه في غاية‬
‫القوة والمتانة‪ ،‬بعد تدقيق النظر وقد ظهر مما حررناه أن القائلين بامكان‬
‫زوال اليمان بعروض الكفر إن أرادوا به إمكان زوال العلم بالمور‬
‫المذكورة‪ ،‬فظاهر أنه ممتنع بالذات‪ ،‬كانقلب الحقائق وإن أرادوا به إمكان‬
‫انتفاء اليمان بعروض شئ من الفعال وإن بقي العلم فقد بينا أنه ممتنع‬
‫بالغير‪ ،‬فان أرادوا بالمكان على هذا التقدير المكان الذاتي فل نزاع لحد‬
‫فيه‪ ،‬وإن أرادوا به عدم المتناع ولو بالغير فقد بينا منعه وامتناعه‪.‬‬
‫وبالجملة فظواهر كثير من اليات الكريمة والسنة المطهرة تدل على إمكان‬
‫طروء الكفر على اليمان‪ ،‬وعلى هذا بناء أحكام المرتدين‪ ،‬وهو مذهب‬
‫أكثر المسلمين‪ ،‬نعم في العتبار ما يدل على عدم جواز طروئه عليه كما‬
‫أشرنا إليه‪ ،‬إن جعلنا اليمان عبارة عن التصديق مع القرار أو حكمه‪ ،‬لكن‬
‫الول هو الرجح‬

‫]‪[218‬‬

‫في النفس انتهى‪ .‬وأقول‪ :‬إذا اكتفي في اليمان بالظن الحاصل من التقليد أو غيره‪،‬‬
‫فل ريب في أنه يجوز تبدل اليمان بالكفر‪ ،‬وإن اشترط فيه العلم القطعي‬
‫ففي جواز زواله إشكال‪ ،‬ولما لم يقم دليل تام على عدم الجواز مع أن‬
‫ظواهر اليات والخبار تدل على الجواز‪ ،‬فالجواز أقوى مع أن كثيرا ما‬
‫يعرض للنسان أنه يقطع بأمر بحيث ل يحتمل عنده خلفه‪ ،‬ثم يتزلزل‬
‫لشبهة قوية تعرض له‪ ،‬والقول بأنه ظن قوي يتوهم قطعا بعيد‪ ،‬نعم إن‬
‫اعتبر في اليمان اليقين‪ ،‬وفسر بأنه اعتقاد جازم ثابت مطابق للواقع‬
‫يمتنع زواله‪ ،‬فبعد زواله انكشف أنه لم يكن مؤمنا لكن اعتبار ذلك أول‬
‫الكلم‪ ،‬وقد شرحنا الخبر في مرآة العقول وحققنا ذلك بوجه آخر فان أردت‬
‫الطلع عليه فارجع إليه‪ - 2 .‬سن‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن‬
‫المفضل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن الحسرة والندامة والويل‬
‫كله لمن لم ينتفع بما أبصر‪ ،‬ومن لم يدر المر الذي هو عليه مقيم أنفع هو‬
‫له أم ضرر‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فبما يعرف الناجي ؟ قال‪ :‬من كان فعله لقوله‬
‫موافقا فاثبت له الشهادة بالنجاة‪ ،‬ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فانما ذلك‬
‫مستودع )‪ .(1‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن سنان‬
‫مثله إلى قوله فبما يعرف الناجي من هؤلء جعلت فداك إلى قوله فاثبتت له‬
‫الشهادة )‪ .(2‬بيان‪ " :‬إن الحسرة والندامة والويل " الحسرة اسم من‬
‫حسرت على الشئ حسرا من باب تعب وهي التلهف والتأسف على فوات‬
‫أمر مرغوب‪ ،‬والندامة الحزن على فعل شئ مكروه‪ ،‬والويل العذاب‪ ،‬وواد‬
‫في جهنم يعني هذا كله لمن لم ينتفع بما أبصره وعلمه من العقائد والحكام‬
‫والعمال والخلق والداب‪ ،‬وعدم النتفاع بها بأن ل يعمل بمقتضى علمه‬
‫بها‪ ،‬ولم يدر ما المر الذي هو عليه مقيم من العقائد‬

‫)‪ (1‬المحاسن ص ‪ (2) .252‬الكافي ج ‪.419 :2‬‬

‫]‪[219‬‬

‫والعمال والخلق‪ " .‬أنفع " بصيغة المصدر أي نافع‪ ،‬ويحتمل الماضي‪ ،‬وكذا "‬
‫أو ضر " يحتملهما‪ ،‬والول أظهر فيهما‪ ،‬وفيه حث على مراقبة النفس في‬
‫جميع الحالت‪ ،‬ومحاسبتها في جميع الحركات والسكنات‪ ،‬ليعلم ما ينفعها‪،‬‬
‫فيجلبها ويزيد منها‪ ،‬وما يضرها فيجتنبها‪ " .‬فبما يعرف الناجي من هؤلء‬
‫" أي من يكون أمره آئل إلى النجاة من المهالك وعقوبات الخرة " فقال‬
‫من كان فعله لقوله موافقا " أي لقوله الحق‪ ،‬وهو ما يأمر الناس به من‬
‫الخيرات والطاعات وترك المنكرات‪ ،‬أو لما يدعيه من اليمان بال واليوم‬
‫الخر والنبياء والوصياء عليهم السلم‪ ،‬فان مقتضى ذلك العمل بما يأمره‬
‫ال تعالى‪ ،‬ويوجب الوصول إلى مثوباته‪ ،‬والنجاة من عقوباته‪ ،‬ومتابعة‬
‫أئمة الدين في أقوالهم وأفعالهم‪ ،‬أو لما يدعي لنفسه من الكمالت‪ ،‬وما‬
‫نصب نفسه له من الحالت والدرجات أو الجميع‪ " .‬فاثبتت له الشهادة "‬
‫على صيغة المجهول أي يشهد ال تعالى وملئكته وحججه عليهم السلم‬
‫وكمل المؤمنين بأنه من الناجين‪ ،‬لتصافه بكمال الحكمة النظرية لقوله‬
‫الحق‪ ،‬وكمال الحكمة العملية لعمله بأقواله الحقة‪ ،‬وفي بعض النسخ "‬
‫فأتت "‪ " .‬ومن لم يكن فعله لقوله موافقا " أي بأن يكون قوله حقا وفعله‬
‫باطل كما هو شأن أكثر الخلق " فانما ذلك مستودع " إيمانه‪ ،‬غير ثابت‬
‫فيه‪ ،‬فيحتمل أن يبقى على الحق ويثبت له اليمان‪ ،‬وتحصل له النجاة‪ ،‬وأن‬
‫يزول عن الحق ويعود إلى الشقاوة‪ ،‬ويستحق الويل والحسرة والندامة‪3 .‬‬
‫‪ -‬كا‪ :‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن حفص بن‬
‫البختري وغيره‪ ،‬عن عيسى شلقان قال‪ :‬كنت قاعدا فمر أبو الحسن موسى‬
‫عليه السلم ومعه بهمة‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬يا غلم ما ترى ما يصنع أبوك ؟‬
‫يأمرنا بالشئ ثم ينهانا عنه‪ :‬أمرنا أن نتولى أبا الخطاب‪ ،‬ثم أمرنا أن نلعنه‬
‫ونتبرأ منه ؟ فقال أبو الحسن عليه السلم وهو غلم‪ :‬إن ال خلق خلقا‬
‫لليمان ل زوال له‪ ،‬وخلق خلقا للكفر ل زوال له‪ ،‬وخلق خلقا بين ذلك‬
‫أعارهم اليمان‪ ،‬يسمون المعارين‪ ،‬إذا‬
‫]‪[220‬‬

‫شاء سلبهم‪ ،‬وكان أبو الخطاب ممن اعير اليمان‪ ،‬قال‪ :‬فدخلت على أبي عبد ال‬
‫عليه السلم فأخبرته بما قلت لبي الحسن عليه السلم وما قال لي‪ ،‬فقال‬
‫أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إنه نبعة نبوة )‪ .(1‬بيان‪ :‬في المصباح البهمة‬
‫ولد الضأن‪ ،‬يطلق على الذكر والنثى‪ ،‬والجمع بهم‪ ،‬مثل‪ ،‬تمرة وتمر‪،‬‬
‫وجمع البهم بهام مثل سهم وسهام‪ ،‬وتطلق البهام على أولد الضأن والمعز‬
‫إذا اجتمعت تغليبا‪ ،‬فإذا انفردت قيل لولد الضأن بهام ولولد المعز‬
‫سخال‪ ،‬وقال ابن فارس‪ :‬البهم صغار الغنم‪ ،‬وقال أبو زيد‪ :‬يقال لولد الغنم‬
‫ساعة تضعها الضأن أو المعز ذكرا كان الولد أو انثى‪ :‬سخلة ثم هي بهمة‬
‫والجمع بهم وقال‪ :‬الغلم البن الصغير‪ ،‬وأبو الخطاب هو محمد بن‬
‫مقلص السدي الكوفي وكان في أول الحال ظاهرا من أجلء أصحاب‬
‫الصادق عليه السلم ثم ارتد وابتدع مذاهب باطلة‪ ،‬ولعنه الصادق عليه‬
‫السلم وتبرأ منه‪ ،‬وروى الكشي روايات كثيرة‪ ،‬تدل على كفره ولعنه )‪(2‬‬
‫واختلف الصحاب فيما رواه في حال استقامته‪ ،‬والكثر على جواز العمل‬
‫بها‪ ،‬وكأنه متفرع على المسألة السابقة‪ ،‬فمن ادعى جواز تحقق اليمان‬
‫وزواله يجوز العمل بروايته لنه حينئذ كان مؤمنا ومن زعم أنه كاشف من‬
‫عدم كونه مؤمنا ل يجوز العمل بها‪ " .‬إنه نبعة نبوة " أي علمه من ينبوع‬
‫النبوة‪ ،‬أو هو غصن من شجرة النبوة والرسالة‪ ،‬في القاموس‪ :‬نبع الماء‬
‫ينبع مثلثة نبعا ونبوعا خرج من العين‪ ،‬والنبع شجر للقسي وللسهام ينبت‬
‫في قلة الجبل )‪ - 4 .(3‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن‬
‫الحسين بن سعيد‪ ،‬عن القاسم ابن حبيب‪ ،‬عن إسحاق بن عمار‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال جبل النبيين على نبوتهم فل يرتدون أبدا‪،‬‬
‫وجبل الوصياء على وصاياهم فل يرتدون أبدا‪ ،‬و‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ (2) .418 :2‬راجع رجال الكشى ص ‪ 260 - 246‬تحت الرقم ‪.135‬‬
‫)‪ (3‬القاموس ج ‪.87 :3‬‬

‫]‪[221‬‬

‫جبل بعض المؤمنين على اليمان فل يرتدون أبدا‪ ،‬ومنهم من يعير اليمان عارية‬
‫فإذا هو دعا وألح في الدعاء مات على اليمان )‪ .(1‬بيان‪ :‬في القاموس‬
‫جبلهم ال يجبل ويجبل خلقهم وعلى الشئ طبعه وجبره كأجبله )‪ " (2‬فإذا‬
‫هو دعا " فيه حث على الدعاء لحسن العاقبة‪ ،‬وعدم الزيغ‪ ،‬كما كان دأب‬
‫الصالحين قبلنا‪ ،‬وفيه دللة أيضا على أن التمام والسلب مسببان عن فعل‬
‫النسان لنه يصير بذلك مستحقا للتوفيق والخذلن‪ .‬وجملة القول في ذلك‬
‫أن كل واحد من اليمان والكفر قد يكون ثابتا‪ ،‬وقد يكون متزلزل يزول‬
‫بحدوث ضده‪ ،‬لن القلب إذا اشتد ضياؤه وكمل صفاؤه استقر اليمان وكل‬
‫ما هو حق فيه‪ ،‬وإذا اشتدت ظلمته وكملت كدورته استقر الكفر وكل ما هو‬
‫باطل فيه‪ ،‬وإذا كان بين ذلك باختلط الضياء والظلمة فيه‪ ،‬كان مترددا بين‬
‫القبال والدبار‪ ،‬ومذبذبا بين اليمان والكفر‪ ،‬فان غلب الول دخل اليمان‬
‫فيه من غير استقرار‪ ،‬وإن غلب الثاني دخل الكفر فيه كذلك‪ ،‬وربما يصير‬
‫الغالب مغلوبا فيعود من اليمان إلى الكفر ومن الكفر إلى اليمان‪ ،‬فلبد‬
‫للعبد من مراعاة قلبه‪ ،‬فان رآه مقبل إلى ال عزوجل شكره‪ ،‬وبذل جهده‪،‬‬
‫وطلب منه الزيادة لئل يستدبر وينقلب و يزيغ عن الحق كما ذكر سبحانه‬
‫عن قوم صالحين " ربنا ل تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك‬
‫رحمة إنك أنت الوهاب " )‪ (3‬وإن رآه مدبرا زائغا عن الحق تاب‬
‫واستدرك ما فرط فيه‪ ،‬وتوكل على ال‪ ،‬وتوسل إليه بالدعاء والتضرع‬
‫لتدركه العناية الربانية‪ ،‬فتخرجه من الظلمات إلى النور‪ ،‬وإن لم يفعل ربما‬
‫سلط عليه عدوه الشيطان‪ ،‬واستحق من ربه الخذلن‪ ،‬فيموت مسلوب‬
‫اليمان كما قال سبحانه " فلما زاغوا أزاغ ال قلوبهم " )‪ (4‬أعاذنا ال‬
‫من ذلك وسائر أهل اليمان‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .419‬القاموس ج ‪ 3‬ص ‪ (3) .345‬آل عمران‪(4) .8 :‬‬
‫الصف‪.5 :‬‬

‫]‪[222‬‬

‫‪ - 5‬كش‪ :‬عن حمدويه‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن ابن مسكان‪ ،‬عن‬
‫عيسى شلقان قال‪ :‬قلت لبي الحسن عليه السلم وهو يومئذ غلم قبل‬
‫أوان بلوغه‪ :‬جعلت فداك ما هذا الذي يسمع من أبيك ؟ إنه أمرنا بولية‬
‫أبي الخطاب ثم أمرنا بالبراءة منه ؟ قال‪ :‬قال أبو الحسن عليه السلم من‬
‫تلقاء نفسه‪ :‬إن ال خلق النبياء على النبوة فل يكونون إل أنبياء‪ ،‬وخلق‬
‫المؤمنين على اليمان فل يكونون إل مؤمنين‪ ،‬و استودع قوما إيمانا فان‬
‫شاء أتمه وإن شاء سلبهم إياه‪ ،‬وإن أبا الخطاب كان ممن أعاره ال‬
‫اليمان فلما كذب على أبي سلبه ال اليمان‪ .‬قال‪ :‬فعرضت هذا الكلم على‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬فقال‪ :‬لو سألتنا عن ذلك ما كان ليكون عندنا‬
‫غير ما قال )‪ - 6 .(1‬ب‪ :‬عن معاوية بن حكيم‪ ،‬عن البزنطي‪ ،‬عن الرضا‬
‫عليه السلم قال‪ :‬إن جعفرا عليه السلم كان يقول‪ " :‬فمستقر ومستودع‬
‫" فالمستقر ما ثبت من اليمان‪ ،‬و المستودع المعار‪ ،‬وقد هداكم ال لمر‬
‫جهله الناس‪ ،‬فاحمدوا ال على ما من عليكم به )‪ - 7 .(2‬ب‪ :‬عن ابن أبي‬
‫الخطاب‪ ،‬عن البزنطي‪ ،‬عن الرضا عليه السلم قال‪ :‬إن ال عزوجل قد‬
‫هداكم ونور لكم‪ ،‬وقد كان أبو عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬إنما هو مستقر‬
‫ومستودع فالمستقر اليمان الثابت‪ ،‬والمستودع المعار أتستطيع أن تهدي‬
‫من أضل ال )‪ - 8 .(3‬شى‪ :‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم‬
‫قال‪ :‬قلت‪ " :‬هو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع " قال‪:‬‬
‫ما يقول أهل بلدك الذي أنت فيه ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬يقولون مستقر في الرحم‪،‬‬
‫ومستودع في الصلب‪ ،‬فقال‪ :‬كذبوا المستقر ما استقر اليمان في قلبه‪ ،‬فل‬
‫ينزع منه أبدا والمستودع الذي يستودع اليمان زمانا‬

‫)‪ (1‬رجال الكشى‪ (2) .251 :‬قرب السناد ط النجف ص ‪ ،203‬والية في النعام‪:‬‬
‫‪ (3) .98‬المصدر‪(*) .225 :‬‬

‫]‪[223‬‬

‫ثم يسلبه‪ ،‬وقد كان الزبير منهم )‪ - 9 .(1‬شى‪ :‬عن جعفر بن مروان قال‪ :‬إن الزبير‬
‫اخترط سيفه يوم قبض النبي صلى ال عليه وآله وقال‪ :‬ل أغمده حتى‬
‫ابايع لعلي‪ ،‬ثم اخترط سيفه فضارب عليا فكان ممن اعير اليمان‪ ،‬فمشى‬
‫في ضوء نوره ثم سلبه ال إياه )‪ - 10 .(2‬شى‪ :‬عن سعيد بن أبي الصبع‬
‫قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم وهو يسأل عن مستقر ومستودع‪،‬‬
‫قال‪ :‬مستقر في الرحم ومستودع في الصلب‪ ،‬وقد يكون مستودع اليمان‬
‫ثم ينزع منه‪ ،‬ولقد مشى الزبير في ضوء اليمان ونوره حين قبض رسول‬
‫ال حتى مشى بالسيف وهو يقول ل نبايع إل عليا )‪ - 11 .(3‬شى‪ :‬عن‬
‫محمد بن الفضيل‪ ،‬عن أبي الحسن عليه السلم " هو الذي أنشأكم من‬
‫نفس واحدة فمستقر ومستودع " قال‪ :‬ما كان من اليمان المستقر فمستقر‬
‫إلى يوم القيامة ‪ -‬أو أبدا )‪ (4‬وما كان مستودعا سلبه ال قبل الممات )‪.(5‬‬
‫‪ - 12‬شى‪ :‬عن صفوان قال‪ :‬سألني أبو الحسن عليه السلم ومحمد بن‬
‫خلف جالس فقال لي‪ :‬مات يحيى بن القاسم الحذاء ؟ فقلت له‪ :‬نعم‪ ،‬ومات‬
‫زرعة‪ ،‬فقال‪ :‬كان جعفر عليه السلم يقول‪ " :‬فمستقر ومستودع "‬
‫فمستقر‪ :‬قوم يعطون اليمان‪ ،‬ويستقر في قلوبهم‪ ،‬والمستودع‪ :‬قوم‬
‫يعطون اليمان ثم يسلبونه )‪ - 13 .(6‬شى‪ :‬عن أبي الحسن الول قال‪:‬‬
‫سألته عن قول ال " فمستقر ومستودع " قال‪ :‬المستقر اليمان الثابت‪،‬‬
‫والمستودع المعار )‪ - 14 .(7‬شى‪ :‬عن أحمد بن محمد قال‪ :‬وقف علي أبو‬
‫الحسن الثاني عليه السلم في بني زريق فقال لي وهو رافع صوته‪ :‬يا‬
‫أحمد ! قلت‪ :‬لبيك‪ ،‬قال‪ :‬إنه لما قبض‬

‫)‪ (1‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (3 - 2) .371‬المصدر ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .371‬الترديد‬


‫من الراوى‪ (6 - 5) .‬العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (7) .371‬تفسير العياشي ج ‪1‬‬
‫ص ‪.372‬‬
‫]‪[224‬‬

‫رسول ال صلى ال عليه وآله جهد الناس على إطفاء نور ال فأبى ال إل أن يتم‬
‫نوره بأمير المؤمنين عليه السلم فلما توفي أبو الحسن عليه السلم جهد‬
‫علي بن أبي حمزة وأصحابه على إطفاء نور ال فأبى ال إل أن يتم نوره‬
‫وإن أهل الحق إذا دخل فيهم داخل سروا به‪ ،‬و إذا خرج منهم خارج لم‬
‫يجزعوا عليه‪ ،‬وذلك أنهم على يقين من أمرهم وإن أهل الباطل إذا دخل‬
‫فيهم داخل سروا به‪ ،‬وإذا خرج عنهم خارج جزعوا عليه‪ ،‬وذلك أنهم على‬
‫شك من أمرهم‪ ،‬إن ال يقول‪ " :‬فمستقر ومستودع " قال‪ :‬ثم قال أبو عبد‬
‫ال عليه السلم‪ :‬المستقر الثابت‪ ،‬والمستودع المعار )‪ .(1‬كش‪ :‬عن‬
‫حمدويه‪ ،‬عن الحسن بن موسى‪ ،‬عن داود بن محمد‪ ،‬عن أحمد مثله )‪.(2‬‬
‫‪ - 15‬شى‪ :‬عن محمد بن مسلم قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬إن ال خلق خلقا‬
‫لليمان ل زوال له‪ ،‬وخلق خلقا للكفر ل زوال له‪ ،‬وخلق خلقا بين ذلك‬
‫فاستودع بعضهم اليمان‪ ،‬فان شاء أن يتمه لهم أتمه‪ ،‬وإن شاء أن يسلبهم‬
‫إياه سلبهم )‪ - 16 .(3‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن علي‬
‫بن الحكم‪ ،‬عن أبي أيوب‪ ،‬عن محمد بن مسلم‪ ،‬عن أحدهما عليه السلم‬
‫مثله وزاد في آخره‪ :‬وكان فلن منهم معارا )‪ .(4‬بيان‪ " :‬خلق خلقا‬
‫لليمان " قيل‪ :‬اللم لم العاقبة أي خلق خلقا عاقبتهم اليمان في العلم‬
‫الزلي ل زوال ليمانهم‪ ،‬وهم النبياء والوصياء والتابعون لهم من‬
‫المؤمنين الثابتين على اليمان‪ ،‬وخلق خلقا عاقبتهم الكفر في علمه‬
‫عزوجل‪ ،‬و خلق خلقا مترددين بين اليمان والكفر مستضعفين في علمه‬
‫فمن آمن منهم كان إيمانه مستودعا‪ ،‬فان يشأ ال أن يتمه لهم لحسن‬
‫استعدادهم وإقبالهم إلى ال عزوجل أتمه‬

‫)‪ (1‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .372‬رجال الكشى ص ‪ (3) .377‬تفسير‬


‫العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .372‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.417‬‬

‫]‪[225‬‬

‫بفضله وتوفيقه‪ ،‬وجعله ثابتا مستقرا فيهم‪ ،‬وإن يشأ أن يسلبهم إياه لزوال‬
‫استعدادهم الفطري وفساد استعدادهم الكسبي‪ ،‬سلبهم ورفع عنهم توفيقهم‪،‬‬
‫ويفهم بالمقايسة حال من كفر منهم‪ .‬وأقول‪ :‬من علم أنهم يموتون على‬
‫اليمان كان ينبغي أن يدخلهم في القسم الول على هذا الوجه‪ ،‬ومن علم‬
‫أنهم يموتون على الكفر في القسم الثاني بل الحسن أن يقال لما علم ال‬
‫سبحانه استعداداتهم وقابلياتهم‪ ،‬وما يؤل إليه أمرهم ومراتب إيمانهم‬
‫وكفرهم‪ ،‬فمن علم أنهم يكونون راسخين في اليمان كاملين فيه وخلقهم‬
‫فكأنه خلقهم لليمان الكامل الراسخ وكذا الكفر‪ ،‬ومن علم أنهم يكونون‬
‫متزلزلين مترددين بين اليمان والكفر فكأنه خلقهم كذلك‪ ،‬فهم مستعدون‬
‫ليمان ضعيف‪ ،‬فمنهم من يختم له باليمان‪ ،‬ومنهم من يختم له بالكفر فهم‬
‫المعارون‪ .‬والظاهر أن المراد بفلن أبو الخطاب وكنى عنه بفلن‬
‫لمصلحة‪ ،‬فان أصحابه كانوا جماعة كثيرة كان يحتمل ترتب مفسدة على‬
‫التصريح باسمه‪ ،‬ويحتمل أن يكون كناية عن ابن عباس فانه قد انحرف‬
‫عن أمير المؤمنين عليه السلم وذهب بأموال البصرة إلى الحجاز‪ ،‬ووقع‬
‫بينه عليه السلم وبينه مكاتبات تدل على شقاوته وارتداده كما مر والتقية‬
‫فيه أظهر لكن سيأتي التصريح بأبي الخطاب في خبر شلقان )‪ (1‬وعلى‬
‫التقديرين " منهم " خبر كان وضمير الجمع للخلق بين ذلك و " معارا "‬
‫خبر بعد خبر وقيل‪ :‬فلن كناية عن عثمان والضمير للخلفاء الثلثة‪،‬‬
‫والظرف حال عن فلن ومعارا خبر كان‪ ،‬ول يخفى بعده لفظا ومعنى‪ ،‬فان‬
‫الثلثة كانوا كفرة لم يؤمنوا قط‪ - 17 .‬كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد‬
‫بن محمد‪ ،‬عن الحسين بن سعيد‪ ،‬عن فضالة بن أيوب والقاسم بن محمد‬
‫الجوهري‪ ،‬عن كليب بن معاوية السدي‪ ،‬عن‬

‫)‪ (1‬يعنى ما مر تحت الرقم ‪ 3‬مع شرحه فان خبر عيسى شلقان في الكافي باب‬
‫علمة المعار تحت الرقم ‪ ،3‬وهذا الخبر تحت الرقم ‪ ،1‬وأما التصريح‬
‫باسم أبى الخطاب فقد عرفت أنه في غير واحد من الحاديث كما مر عن‬
‫الكشى تحت الرقم ‪.5‬‬

‫]‪[226‬‬

‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن العبد يصبح مؤمنا ويمسي كافرا‪ ،‬ويصبح كافرا‬
‫ويمسي مؤمنا‪ ،‬وقوم يعارون اليمان ثم يسلبونه‪ ،‬ويسمون المعارين‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬فلن منهم )‪ .(1‬بيان‪ " :‬ثم يسلبونه " يدل على أن السلب متعد إلى‬
‫مفعولين )‪ (2‬بخلف ما يظهر من كتب اللغة ويومئ إليه أيضا تمثيلهم‬
‫لبدل الشتمال بقولهم سلب زيد ثوبه إذ لو كان متعديا إلى مفعولين لما‬
‫احتاج إلى البدلية لكن ل عبرة بقولهم بعد وروده في كلم أفصح الفصحاء‪.‬‬
‫‪ - 18‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن إسماعيل بن مرار‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن‬
‫بعض أصحابنا‪ ،‬عن أبي الحسن عليه السلم قال‪ :‬إن ال خلق النبيين على‬
‫النبوة فل يكونون إل أنبياء‪ ،‬وخلق المؤمنين على اليمان فل يكونون إل‬
‫مؤمنين وأعار قوما إيمانا فان شاء تممه لهم‪ ،‬وإن شاء سلبهم إياه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫وفيهم جرت " فمستقر ومستودع " وقال لي‪ :‬إن فلنا كان مستودعا‬
‫إيمانه‪ ،‬فلما كذب علينا سلب‬
‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .417‬بل الظاهر من مفهومه وهو النتزاع والختلس‬
‫قهرا احتياجه الى مفعول واحد وهو المسلوب لكنه لما كان المسلوب مما‬
‫يتعلق بالغير‪ ،‬بحيث لو لم يكن عنده وفى يده لم يتحقق مفهوم السلب‬
‫وهو الخذ والنتزاع قهرا بعد المدافعة لزم في الكلم ذكر المسلوب عنه‬
‫بصورة المفعول ثم ذكر المسلوب عنه بعنوان البدل‪ ،‬كما يقال‪ :‬سلب فلنا‬
‫ثوبه إذا أخذه قهرا وسلبا‪ ،‬ومنه قولهم‪ :‬سلبه فؤاده وعقله‪ ،‬وقوله‬
‫تعالى‪ " :‬وان يسلبهم الذباب شيئا ل يستنقذوه منه " فلو قيل‪ :‬سلب ثوب‬
‫فلن ونحوه انتفى معنى القهر من السالب والمدافعة من المسلوب عنه‬
‫وصار مرادفا لقولهم أخذ أو سرق‪ .‬وأما قوله عليه السلم " يسلبونه "‬
‫فضمير الجمع هو المفعول وهو المبدل منه رفع بنيابة الفاعل‪ ،‬والضمير‬
‫المفرد الراجع الى اليمان ليس ال بدل الشتمال من المفعول سد مسده‪،‬‬
‫يترا آى في الظاهر أنه المفعول الثاني ولو صح الستناد في ذلك الى قوله‬
‫عليه السلم " يسلبونه " لكان الولى الستناد الى قوله تعالى " وان‬
‫يسلبهم الذباب شيئا "‪.‬‬

‫]‪[227‬‬

‫إيمانه ذلك )‪ .(1‬بيان‪ :‬قال تعالى‪ " :‬وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر‬
‫ومستودع " قال البيضاوي‪ :‬أي فلكم استقرار في الصلب أو فوق الرض‬
‫واستيداع في الرحام أو تحت الرض أو موضع الستقرار والستيداع‪،‬‬
‫وقرء ابن كثير والبصريان )‪ (2‬بكسر القاف على أنه اسم فاعل‬
‫والمستودع ]اسم[ مفعول أي ومنكم قار ومنكم مستودع لن الستقرار منا‬
‫دون الستيداع انتهى )‪ (3‬ولعل تأويله عليه السلم أنسب بالقراءة الخيرة‬
‫أي فمنكم إيمانه مستقر أي ثابت و بعضكم إيمانه مستودع‪ ،‬أو بعضكم‬
‫مستقر في اليمان‪ ،‬وبعضكم غير مستقر و " مستودع " اسم مفعول أو‬
‫اسم مكان‪ ،‬وعلى القراءة الولى اسم مكان أي بعضكم محل استقرار‬
‫اليمان‪ ،‬والمستودع يحتمل الوجهين‪ ،‬قوله " سلب إيمانه " يحتمل بناء‬
‫المفعول والفاعل‪ ،‬وعلى الثاني " ذلك " إشارة إلى الكذب‪ - 19 .‬نهج‪ :‬من‬
‫خطبة له عليه السلم فمن اليمان ما يكون ثابتا مستقرا في القلوب ومنه‬
‫ما يكون عواري بين القلوب والصدور إلى أجل معلوم‪ ،‬فإذا كانت لكم‬
‫براءة من أحد فقفوه حتى يحضره الموت‪ ،‬فعند ذلك يقع حد البراءة‪،‬‬
‫والهجرة قائمة على حدها الول ما كان ل في أهل الرض حاجة من‬
‫مستسر المة ومعلنها ل يقع اسم الهجرة على أحد إل بمعرفة الحجة في‬
‫الرض‪ ،‬فمن عرفها وأقر بها فهو مهاجر‪ ،‬ول يقع اسم الستضعاف على‬
‫من بلغته الحجة فسمعتها اذنه‪ ،‬ووعاها قلبه إن أمرنا صعب مستصعب ل‬
‫يحتمله إل عبد امتحن ال قلبه لليمان‪ ،‬ول تعي حديثنا إل صدور أمينة‪،‬‬
‫وأحلم رزينة‪ .‬أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فلنا بطرق السماء أعلم‬
‫مني بطرق الرض‪ ،‬قبل أن تشغر فتنة تطأ في خطامها وتذهب بأحلم‬
‫قومها )‪ .(4‬بيان‪ :‬العواري جمع العارية بالتشديد فيهما كأنها منسوبة إلى‬
‫العار‪ ،‬فان‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .418‬هما أبو عمرو بن العلء‪ ،‬ويعقوب كما مر ص‬
‫‪ (3) .106‬انوار التنزيل ص ‪ (4) .137‬نهج البلغة ج ‪ 1‬ص ‪ .386‬تحت‬
‫الرقم ‪.187‬‬

‫]‪[228‬‬

‫طلبها عار وعيب‪ ،‬قال ابن ميثم رحمه ال‪ :‬قوله عليه السلم فمن اليمان إلى آخره‬
‫قسمة لليمان إلى قسمين أحدهما الثابت المستقر في القلوب الذي صار‬
‫ملكة‪ ،‬وثانيهما ما كان في معرض الغير والنتقال‪ ،‬واستعار عليه السلم‬
‫لفظ العواري لكونه في معرض السترجاع والرد‪ ،‬وكنى عليه السلم بكونه‬
‫بين القلوب والصدور عن كونه غير مستقر في القلوب ول متمكن من‬
‫جواهر النفوس )‪ .(1‬وقال ابن أبي الحديد‪ :‬أراد عليه السلم‪ :‬من اليمان‬
‫ما يكون على سبيل الخلص ومنه ما يكون على سبيل النفاق )‪ (2‬وقوله‬
‫عليه السلم " إلى أجل معلوم " ترشيح لستعارة العواري وهذه القسمة‬
‫إلى القسمين هي الموجودة في نسخة الرضي رضي ال عنه بخطه وفي‬
‫نسخ كثير من الشارحين ونسخ كثيرة معتبرة ثلثة أقسام هكذا " فمن‬
‫اليمان ما يكون ثابتا مستقرا في القلوب‪ ،‬ومنه ما يكون عواري ]في‬
‫القلوب‪ ،‬ومنه ما يكون عواري[ )‪ (3‬بين القلوب والصدور إلى أجل معلوم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي الحديد في بيانها‪ :‬إن اليمان إما أن يكون ثابتا مستقرا‬
‫بالبرهان وهو اليمان الحقيقي‪ ،‬أو ليس بثابت بالبرهان بل بالدليل الجدلي‬
‫ككثير ممن لم يحقق العلوم العقلية وهو الذي عبر عليه السلم عنه بقوله‬
‫عواري في القلوب فهو وإن كان في القلب الذي هو محل اليمان الحقيقي‬
‫إل أن حكمه حكم العارية في البيت وإما أن يستند إلى تقليد وحسن ظن‬
‫بالسلف وقد جعله عليه السلم عواري بين القلوب والصدور‪ ،‬لنه دون‬
‫الثاني فلم يجعله حال في القلب‪ ،‬ورد قوله عليه السلم إلى أجل معلوم إلى‬
‫القسمين الخيرين لن من لم يبلغ درجة البرهان ربما ينحط إلى درجة‬
‫المقلد‪ ،‬فيكون إيمان كل منهما إلى أجل معلوم‪ ،‬لكونه في معرض الزوال‪.‬‬
‫" فإذا كانت لكم براءة " الخ قيل‪ :‬أي إذا أردتم التبري من أحد فاجعلوه‬
‫موقوفا إلى حال الموت‪ ،‬ول تسارعوا إلى البراءة منه قبل الموت‪ ،‬لنه‬
‫يجوز أن يتوب ويرجع‪ ،‬فإذا مات ولم يتب جازت البراءة منه‪ ،‬لنه ليس له‬
‫بعد الموت حالة‬
‫)‪ (1‬شرح النهج لبن ميثم‪ (2) .441 :‬شرح النهج لبن أبى الحديد ج ‪ 3‬ص ‪.215‬‬
‫)‪ (3‬ساقط من نسخة الكمبانى‪.‬‬

‫]‪[229‬‬

‫تنتظر‪ ،‬وينبغي أن تحمل هذه البراءة على البراءة المطلقة‪ ،‬لجواز التبري من‬
‫الفاسق وهو حي‪ ،‬ومن الكافر وهو حي‪ ،‬لكن بشرط التصاف بأحد‬
‫الوصفين‪ ،‬بخلف ما بعد الموت‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى انتظروا حتى يأتيه الموت‬
‫فانه ربما يكون معتقدا للحق ويكتم إيمانه لغرض دنيوي‪ ،‬وقيل‪ :‬هذا إشارة‬
‫إلى ما كان يفعله رسول ال صلى ال عليه وآله في الصلة على المنافقين‪،‬‬
‫فإذا كبر أربعا كانوا يعلمون أنه منافق‪ ،‬وإذا كبر خمسا كانوا يعلمون أنه‬
‫مؤمن‪ ،‬فأشار عليه السلم إلى أنه عند الموت تقع البراءة وتصح بعلمة‬
‫تكبيراته الربع‪ ،‬وكل الوجهين كما ترى‪ .‬والظاهر أن المراد بالبراءة قطع‬
‫العلئق اليمانية التي يجوز معها الستغفار كما يومئ إليه قوله سبحانه "‬
‫ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى "‬
‫إلى قوله تعالى " فلما تبين له أنه عدو ل تبرأ منه " )‪ " .(1‬والهجرة‬
‫قائمة " الخ وأصل الهجرة المأمور بها الخروج من دار الحرب إلى دار‬
‫السلم‪ ،‬وقال في النهاية‪ :‬فيه ل هجرة بعد الفتح ولكن جهادونية‪ ،‬وفي‬
‫حديث آخر ل تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة‪ ،‬الهجرة في الصل اسم من‬
‫الهجر ضد الوصل‪ ،‬وقد هجره هجرا وهجرانا‪ ،‬ثم غلب على الخروج من‬
‫أرض إلى أرض وترك الولى للثانية‪ ،‬يقال منه هاجر مهاجرة‪ .‬والهجرة‬
‫هجرتان إحداهما التي وعد ال عليها الجنة في قوله " إن ال اشترى من‬
‫المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " )‪ (2‬فكان الرجل يأتي النبي‬
‫صلى ال عليه وآله ويدع أهله وماله ل يرجع في شئ منه‪ ،‬وينقطع بنفسه‬
‫إلى مهاجره‪ ،‬وكان النبي صلى ال عليه وآله يكره أن يموت الرجل‬
‫بالرض التي هاجر منها‪ ،‬فمن ثم قال " لكن البائس سعد بن خولة " يرثي‬
‫له أن مات بمكة )‪ (3‬وقال حين قدم مكة " اللهم ل‬

‫)‪ (1‬براءة‪ (2) .114 :‬براءة‪ (3) .111 :‬أي يترقق ويشفق عليه رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله أن مات سعد بن خولة بمكة‬

‫]‪[230‬‬

‫تجعل منايانا بها " فلما فتحت مكة صارت دار إسلم كالمدينة‪ ،‬وانقطعت الهجرة‪.‬‬
‫والهجرة الثانية من هاجر من العراب وغزا مع المسلمين‪ ،‬ولم يفعل كما‬
‫فعل أصحاب الهجرة الولى‪ ،‬فهو مهاجر‪ ،‬وليس بداخل في فضل من هاجر‬
‫تلك الهجرة‪ ،‬وهو المراد بقوله " ل تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة "‬
‫فهذا وجه الجمع بين الحديثين‪ ،‬وإذا اطلق في الحديث ذكر الهجرتين فانما‬
‫يراد بهما هجرة الحبشة وهجرة المدينة انتهى‪ .‬وقال ابن أبي الحديد‪ :‬هذا‬
‫كلم من أسرار الوصية يختص به علي عليه السلم لن الناس يروون أن‬
‫النبي صلى ال عليه وآله قال " ل هجرة بعد الفتح " فشفع عمه العباس‬
‫في نعيم بن مسعود الشجعي أن يستثنيه فاستثناه‪ ،‬وهذه الهجرة التي أشار‬
‫إليها أمير المؤمنين عليه السلم ليست تلك بل هي الهجرة إلى المام‪ ،‬وقال‬
‫بعض الصحاب‪ :‬تجب المهاجرة عن بلد الشرك على من يضعف عن‬
‫إظهار شعائر السلم مع المكنة ويستحب للقادر على إظهارها‪ ،‬تحرزا عن‬
‫تكثير سواد المشركين‪ ،‬والمراد بها المور التي تختص بالسلم كالذان‬
‫والقامة‪ ،‬وصوم شهر رمضان‪ ،‬وغير ذلك وألحق بعضهم ببلد الشرك‬
‫بلد الخلف التي ل يتمكن فيها المؤمن من إقامة شعائر اليمان مع‬
‫المكان‪ .‬ولو تعذرت الهجرة لمرض أو عدم نفقة أو غير ذلك فل حرج‬
‫لقوله تعالى " إل المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ل يستطيعون‬
‫حيلة ول يهتدون سبيل فاولئك عسى ال أن يعفو عنهم وكان ال غفورا‬
‫رحيما " )‪ .(1‬والظاهر أن قوله عليه السلم " ما كان ل في أهل الرض‬
‫حاجة " كناية عن بقاء التكليف كما يدل عليه قول النبي صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬ل تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة وللتجوز مجال واسع وفي‬
‫الصحيفة السجادية‪ " :‬ول ترسلني من يدك إرسال من ل خير فيه‪ ،‬ول‬
‫حاجة بك إليه " وقيل كلمة ما هيهنا نافية ووجهوه بتوجيهات‬

‫في حجة الوداع حين قال‪ :‬لكن البائس سعد بن خولة قد مات في الرض التى هاجر‬
‫منها راجع ترجمته في الستيعاب بذيل الصابة ج ‪ 2‬ص ‪ (1) .41‬النساء‬
‫‪.97‬‬

‫]‪[231‬‬

‫ركيكة‪ ،‬والسر ما يكتم واستسر أي استتر واختفى‪ ،‬فالمختفي حينئذ كمن ل يختفي‬
‫بل يعلن نفسه لنه ل يخاف ول يتقي لدينه أو غيره‪ ،‬وقيل أي ممن أسر‬
‫دينه أو أظهره وأعلنه‪ " ،‬ومن " لبيان الجنس‪ ،‬وقيل‪ :‬زائدة‪ ،‬ولو حذفت‬
‫لجر المستسر بدل من أهل الرض‪ " .‬ل تقع اسم الهجرة " الخ أي يشترط‬
‫في صدق الهجرة معرفة المام والقرار به‪ ،‬والمراد بقوله " فمن عرفها‬
‫" الخ أنه مهاجر بشرط الخروج إلى المام‪ ،‬والسفر إليه‪ ،‬أو المراد‬
‫بالمعرفة المعرفة المستندة إلى المشاهدة والعيان ويحتمل أن يكون المراد‬
‫أن مجرد معرفة المام والقرار بوجوب اتباعه كاف في إطلق اسم الهجرة‬
‫كما هو ظاهر الجزء الخير من الكلم‪ ،‬ويدل عليه بعض أخبارنا‪ ،‬فمعرفة‬
‫المام والقرار به في زمانه قائم مقام الهجرة المطلوبة في زمان الرسول‬
‫صلى ال عليه وآله‪ .‬وقال بعض الصحاب‪ :‬الهجرة في زمان الغيبة سكنى‬
‫المصار لنها تقابل البادية مسكن العراب‪ ،‬والمصار أقرب إلى تحصيل‬
‫الكمالت من القرى والبوادي فان الغالب على أهلها الجفاء والغلظة‪،‬‬
‫والبعد عن العلوم والكمالت كما روي عن النبي صلى ال عليه وآله أن‬
‫الجفاء والقسوة في الفدادين )‪ (1‬وقيل هي الخروج إلى طلب العلوم فيعم‬
‫الخروج عن القرى والبوادي‪ ،‬والخروج عن بلد ل يمكن فيه طلب العلم‪" .‬‬
‫ول يقع اسم الستضعاف " الخ الستضعاف عد الشئ ضعيفا أو وجدانه‬
‫ضعيفا واستضعفه أي طلب ضعفه‪ ،‬والحجة الدليل والبرهان‪ ،‬ويعبر به عن‬
‫المام لنه دليل الحق‪ ،‬والمراد به هنا إما دليل الحق من اصول الدين أو‬
‫العم أو المام بتقدير مضاف أي حجة الحجة‪ .‬قال القطب الراوندي رحمه‬
‫ال‪ :‬يمكن أن يشير بهذا الكلم إلى إحدى آيتين إحداهما " إن الذين توفيهم‬
‫الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا‬

‫)‪ (1‬الفدادون‪ :‬الجمالون‪ ،‬والرعيان‪ ،‬والبقارون‪ ،‬والحمارون‪ ،‬والفلحون وأصحاب‬


‫الوبر‪ :‬والذين تعلو اصواتهم في حروثهم ومواشيهم‪ ،‬والمكثرون من‬
‫البل‪.‬‬

‫]‪[232‬‬

‫كنا مستضعفين في الرض قالوا ألم تكن أرض ال واسعة فتهاجروا فيها اولئك‬
‫مأويهم جهنم وساءت مصيرا " )‪ (1‬فيكون مراده عليه السلم على هذا‬
‫أنه ل يصدق اسم الستضعاف على من عرف المام وبلغته أحكامه‪،‬‬
‫ووعاها قلبه‪ ،‬وإن بقي في ولده وأهله لم يتجشم السفر إلى المام‪ ،‬كما‬
‫صدق على هؤلء المذكورين في الية والثانية قوله تعالى بعد ذلك‪ " :‬إل‬
‫المستضعين من الرجال والنساء " الية فيكون مراده على هذا أن من‬
‫عرف المام‪ ،‬وسمع مقالته‪ ،‬ووعاها قلبه‪ ،‬ل يصدق عليه اسم الستضعاف‬
‫كما صدق على هؤلء‪ ،‬إذ كان المفروض على الموجودين في عصر‬
‫الرسول المهاجرة بالبدان دون من بعدهم‪ ،‬بل يقنع منهم بمعرفته والعمل‬
‫بقوله بدون المهاجرة إليه بالبدن‪ .‬وقال ابن ميثم رحمه ال بعد حكاية‬
‫كلمه‪ :‬وأقول‪ :‬يحتمل أن يريد بقوله ذلك أنه ل عذر لمن بلغته دعوة‬
‫الحجة فسمعتها اذنه‪ ،‬في تأخيره عن النهوض والمهاجرة إليه‪ ،‬مع قدرته‬
‫على ذلك ول يصدق عليه اسم الستضعاف كما يصدق على المستضعفين‬
‫من الرجال والنساء والولدان حتى يكون ذلك عذرا له‪ ،‬بل يكون في تأخره‬
‫ملوما مستحقا للعقاب كالذين قالوا كنا مستضعفين في الرض ويكون‬
‫مخصوصا بالقادرين على النهوض دون العاجزين‪ ،‬فان اسم الستضعاف‬
‫صادق عليهم انتهى )‪ .(2‬وأقول‪ :‬سيأتي شرح هذا الكلم في أخبار كثيرة‬
‫وأن المراد به أن المستضعف المعذور في معرفة المام في زمان الهدنة‬
‫في الجملة‪ ،‬إنما هو إذا لم تبلغه الحجة واختلف الناس فيه‪ ،‬أو بلغه ولم‬
‫يكن له عقل يتميز به بين الحق والباطل‪ ،‬كما سنذكر تفصيله إن شاء ال‬
‫تعالى‪ " .‬إن أمرنا صعب مستصعب " الصعب العسر والبي الذي ل ينقاد‬
‫بسهولة ضد الذلول واستصعب المر أي صار صعبا‪ ،‬واستصعبت المر أي‬
‫وجدته صعبا‬

‫)‪ (1‬النساء‪ 97 :‬وما بعدها ذيلها‪ (2) .98 :‬شرح النهج لبن ميثم‪.441 :‬‬

‫]‪[233‬‬

‫وحملته واحتملته‪ ،‬بمعنى‪ ،‬وحملته بالتشديد فاحتمله‪ ،‬والمتحان الختبار وامتحن‬


‫ال قلبه أي شرحه ووسعه‪ .‬قال ابن أبي الحديد قال ال تعالى‪ " :‬اولئك‬
‫الذين امتحن ال قلوبهم للتقوى " )‪ (1‬يقال‪ :‬امتحن فلن لمر كذا‪ ،‬أي‬
‫جرب للنهوض به‪ ،‬فهو قوي على احتمال مشاقه ويجوز أن يكون بمعنى‬
‫المعرفة لن تحقيقك الشئ إنما يكون باختباره فوضع موضعها فيتعلق اللم‬
‫بمحذوف‪ ،‬أي كائنة له‪ ،‬وهي اللم التي في قولك " أنت لهذا المر " أي‬
‫مختص به ويكون مع معمولها منصوبة على الحال‪ ،‬ويجوز أن يكون‬
‫المعنى ضرب ال قلوبهم بأنواع المحن لجل التقوى أي ليثبت ويظهر‬
‫تقواها ويعلم أنهم متقون‪ ،‬لن التقوى ل يعلم إل عند الصبر على المحن‬
‫والشدائد أو أخلص قلوبهم للتقوى أي أذابه وصفاه‪ .‬ووعيت الحديث أي‬
‫حفظته وفهمته والغرض حفظ الحديث عن الذاعة‪ ،‬وضبط السرار عن‬
‫إفضائها إلى غير أهلها أو الذعان الكامل به‪ ،‬وعدم التزلزل عند العجز‬
‫عن المعرفة التفصيلية به‪ ،‬فيكون كالتفسير لما قبله‪ ،‬والحلم بالكسر الناة‬
‫والعقل‪ ،‬والرزانة‪ :‬الوقار‪ .‬وحاصل الكلم أن شأنهم وما هم عليه من‬
‫الكمال‪ ،‬والقدرة على خوارق العادات صعب ل يحصل لغيرهم‪ ،‬مستصعب‬
‫الفهم على الخلق‪ ،‬أو فهم علومهم وإدراك أسرارهم مشكل يستصعبه أكثر‬
‫الخلق‪ ،‬فل يقبله حق القبول بحيث ل يخرج إلى طرف الفراط بالغلو أو‬
‫التفريط بعدم التصديق‪ ،‬أو القول بعدم الحق لسوء الفهم إل قلب عبد‬
‫شرحه ال وصفاه لليمان‪ ،‬فيحمل كلما يأتون به على وجهه‪ ،‬إذا وجد له‬
‫محمل‪ ،‬ويصدق إجمال بكل ما عجز عن معرفته تفصيل ويرد علمه إليهم‬
‫عليهم السلم‪ .‬والمراد بطرق السماء الطرق التي يصعد منها الملئكة‬
‫ويرفع فيها أعمال العباد‪ ،‬أو منازل سكان السماوات ومراتبهم‪ ،‬أو المور‬
‫المستقبلة وما خفي على الناس مما ل يعلم إل بتعليم رباني فان مجاري‬
‫نزولها في السماء‪ ،‬أو أحكام الدين وقواعد الشريعة‬
‫)‪ (1‬الحجرات‪.3 :‬‬

‫]‪[234‬‬

‫وعلى ما يقابل كل واحد منها يحمل طرق الرض‪ .‬وشغر البلد كمنع إذا خل من‬
‫حافظ يمنعه‪ ،‬وبلدة شاغرة برجلها لم تمنع عن غارة أحد‪ ،‬وشغرت المرأة‬
‫رفعت رجلها للنكاح‪ ،‬وشغرتها فعلت بها ذلك يتعدى ول يتعدى‪ ،‬وشغر‬
‫الكلب إذا رفع أحد رجليه ليبول‪ ،‬وقيل‪ :‬الشغر البعد والتساع‪ ،‬وقيل‪ :‬كني‬
‫بشغر رجلها عن خلو تلك الفتنة عن مدبر يردها ويحفظ المور وينظم‬
‫الدين‪ ،‬ويحتمل أن يكون كناية عن شمولها للبلد والعباد من الشغر بمعنى‬
‫التساع‪ ،‬أو من شغر الكلب‪ ،‬أو من شغرة المرأة كناية عن تكشفها وعدم‬
‫مبالتها بظهور عيوبها وإبداء سوأتها‪ ،‬والوطء الدوس بالرجل‪ ،‬والخطم‬
‫بالفتح من الدابة مقدم أنفها‪ ،‬وككتاب ما يوضع في أنف البعير ليقتاد به‪،‬‬
‫والوطء في الخطام كناية عن فقد القائد وإذا خلت الناقة من القائد تعثر‬
‫وتخبط‪ ،‬وتفسد ما تمر عليه بقوائمها‪ " .‬وتذهب بأحلم قومها " أي تفسد‬
‫عقول أهلها فكانت أفعالهم على خلف ما يقتضيه العقل‪ ،‬فالمراد بأهلها‬
‫المفسدون‪ ،‬أو يتحير أهل زمانها فل يهتدون إلى طريق التخلص عنها‪،‬‬
‫فأهلها من أصابته البلية‪ ،‬أو يأتي أهل ذلك الزمان إليها رغبة ورهبة ول‬
‫يتفحصون عن كونها فتنة لغفلتهم عن وجه الحق فيها‪.‬‬

‫]‪[235‬‬

‫‪) * - 35‬باب( * " )العلة التى من أجلها ل يكف ال( " " )المؤمنين عن الذنب(‬
‫" ‪ - 1‬جا‪ :‬عن ابن قولويه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن سعد‪ ،‬عن الهوازي‪ ،‬عن‬
‫محمد بن عمير‪ ،‬عن الحارث بن بهرام‪ ،‬عن عمرو بن جميع قال‪ :‬قال لي‬
‫أبو عبد ال عليه السلم من جاءنا يلتمس الفقه والقرآن والتفسير فدعوه‪،‬‬
‫ومن جاءنا يبدي عورة قد سترها ال فنحوه‪ ،‬فقال له رجل من القوم‪:‬‬
‫جعلت فداك أذكر حالي لك ؟ قال‪ :‬إن شئت‪ ،‬قال‪ :‬وال إني لمقيم على ذنب‬
‫منذ دهر اريد أن أتحول منه إلى غيره فما أقدر عليه‪ ،‬قال له‪ :‬إن تكن‬
‫صادقا فان ال يحبك وما يمنعك من النتقال عنه إل أن تخافه )‪ - 2 .(1‬كا‪:‬‬
‫عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪ ،‬عن على بن أسباط‬
‫عن رجل من أصحابنا من أهل خراسان من ولد إبراهيم بن يسار رفعه عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن ال علم ؟ ؟ الذنب خير للمؤمن من‬
‫العجب )‪ (2‬ولول ذلك ما ابتلى مؤمن بذنب أبدا )‪ .(3‬أقول‪ :‬سيأتي شرحه‬
‫ومثله في باب العجب إن شاء ال‪.‬‬
‫)‪ (1‬أمالى المفيد ص ‪ (2) .14‬العجب أن يستعظم الرجل نفسه بما يكون منه من‬
‫الخيرات والعبادات‪ ،‬فيعد نفسه صالحة مطيعة حق الطاعة فيبتهج‬
‫بأعماله ويدل بها كانه يمن على ال باطاعته‪ .‬وهذا مفسد للعمل‪(3) .‬‬
‫الكافي ج ‪.133 :2‬‬

‫]‪[236‬‬

‫‪) * - 36‬باب( * * " الحب في ال والبغض في ال " * ‪ - 1‬م‪ ،‬ع‪ ،‬ن )‪ (1‬لى‪:‬‬
‫المفسر بإسناده إلى أبي محمد العسكري‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله لبعض أصحابه ذات يوم‪ :‬يا عبد ال أحبب‬
‫في ال‪ ،‬وأبغض في ال‪ ،‬ووال في ال‪ ،‬وعاد في ال‪ ،‬فانه ل تنال ولية ال‬
‫إل بذلك‪ ،‬ول يجد رجل طعم اليمان‪ ،‬وإن كثرت صلته وصيامه حتى يكون‬
‫كذلك‪ ،‬وقد صارت مواخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا عليها‬
‫يتوادون‪ ،‬وعليها يتباغضون وذلك ل يغني عنهم من ال شيئا‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫وكيف لي أن أعلم أني قد واليت وعاديت في ال عزوجل ؟ ومن ولي ال‬
‫عزوجل حتى اواليه‪ ،‬ومن عدوه حتى اعاديه فأشار له رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله إلى علي عليه السلم فقال‪ :‬أترى هذا ؟ فقال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬ولي‬
‫هذا ولي ال‪ ،‬فواله‪ ،‬وعدو هذا عدو ال فعاده‪ ،‬وال ولي هذا ولو أنه قاتل‬
‫أبيك وولدك‪ ،‬وعاد عدو هذا ولو أنه أبوك وولدك )‪ .(2‬أقول‪ :‬قد مر كثير‬
‫من أخبار الباب في باب صفات المؤمن‪ ،‬وباب صفات خيار العباد‪ ،‬وباب‬
‫جوامع المكارم‪ ،‬وفي أبواب كتاب الحجة‪ - 2 .‬ثو )‪ (3‬لى‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن مالك بن عطية‪ ،‬عن سعيد‬
‫العرج‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن من أوثق عرى اليمان أن‬
‫تحب في ال‪ ،‬وتبغض في ال‪ ،‬وتعطي في ال‪ ،‬وتمنع في ال عزوجل )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع ج ‪ 1‬ص ‪ ،134‬عيون أخبار الرضا عليه السلم ج ‪ 1‬ص ‪) .291‬‬
‫‪ (2‬أمالى الصدوق ص ‪ (3) .8‬ثواب العمال ص ‪ 152‬والفعال بصيغة‬
‫الغائب‪ (4) .‬أمالى الصدوق ص ‪ ،345‬واللفظ له‪.‬‬

‫]‪[237‬‬

‫سن‪ :‬عن ابن محبوب مثله )‪ .(1‬جا‪ :‬عن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪،‬‬
‫عن ابن عيسى مثله )‪ - 3 .(2‬لى‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن أحمد بن إدريس‪،‬‬
‫عن جعفر الفزاري‪ ،‬عن محمد بن الحسين بن زيد‪ ،‬عن محمد بن سنان‪،‬‬
‫عن العل بن الفضيل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من أحب كافرا فقد‬
‫أبغض ال ومن أبغض كافرا فقد أحب ال‪ ،‬ثم قال عليه السلم‪ :‬صديق‬
‫عدو ال عدو ال )‪ - 4 .(3‬فس‪ " :‬الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل‬
‫المتقين " )‪ (4‬يعني الصدقاء يعادي بعضهم بعضا‪ ،‬وقال الصادق عليه‬
‫السلم‪ :‬الكل خلة كانت في الدنيا في غير ال فانها تصير عداوة يوم‬
‫القيامة‪ .‬وقال أمير المؤمنين صلوات ال عليه‪ :‬وللظالم غدا بكفه عضة‪،‬‬
‫والرحيل وشيك‪ ،‬وللخلء ندامة إل المتقين )‪ - 5 .(5‬ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن محمد بن حمران عن سعيد بن‬
‫يسار‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬هل الدين إل الحب ؟ إن ال‬
‫عزوجل يقول " قل إن كنتم تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال " )‪- 6 .(6‬‬
‫ل‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن حماد بن عيسى‪ ،‬عن ربعي‪ ،‬عن الفضيل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬من حب الرجل دينه حبه إخوانه )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬المحاسن ص ‪ (2) .263‬مجالس المفيد‪ (3) .97 :‬أمالى الصدوق ص ‪360‬‬
‫أواخر المجلس ‪ (4) .88‬الزخرف‪ (5) .67 :‬تفسير القمى‪ (6) .‬الخصال‬
‫ص ‪ ،5‬الرقم ‪ .69‬والية في آل عمران‪ (7) .31 :‬الخصال ص ‪ 13‬تحت‬
‫الرقم ‪.4‬‬

‫]‪[238‬‬

‫‪ - 7‬ف‪ :‬عن أبي جعفر الثاني قال‪ :‬أوحى ال إلى بعض النبياء‪ :‬أما زهدك في الدنيا‬
‫فتعجلك الراحة‪ ،‬وأما انقطاعك إلي فتعززك بي‪ ،‬ولكن هل عاديت لي عدوا‬
‫أو واليت لي وليا )‪ - 8 .(1‬ف‪ :‬عن أبي محمد العسكري قال‪ :‬حب البرار‬
‫للبرار ثواب للبرار وحب الفجار للبرار فضيلة للبرار‪ ،‬وبغض الفجار‬
‫للبرار زين للبرار وبغض البرار للفجار خزي على الفجار )‪ .(2‬سن‪:‬‬
‫عن علي بن محمد القاساني عمن ذكره‪ ،‬عن عبد ال بن القاسم الجعفري‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم مثله )‪ (3‬مع تحريق وسقط‪ - 9 .‬سن‪ :‬عن‬
‫البزنطي‪ ،‬عن صفوان الجمال‪ ،‬عن أبي عبيدة الحذاء‪ ،‬عن أبي جعفر عليه‬
‫السلم في حديث له قال‪ :‬يا زياد ويحك وهل الدين إل الحب ؟ أل ترى إلى‬
‫قول ال " إن كنتم تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم " )‬
‫‪ (4‬أو ل ترى قول ال لمحمد صلى ال عليه وآله " حبب إليكم اليمان‬
‫وزينه في قلوبكم " وقال‪ " :‬يحبون من هاجر إليكم " فقال‪ :‬الدين هو‬
‫الحب والحب هو الدين )‪ - 10 .(5‬سن‪ :‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن ابن رئاب‪،‬‬
‫عن أبي عبيدة الحذاء‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من أحب ل‪،‬‬
‫وأبغض ل‪ ،‬وأعطى ل‪ ،‬ومنع ل‪ ،‬فهو ممن كمل إيمانه )‪ - 11 .(6‬سن‪:‬‬
‫عن محمد بن خالد الشعري‪ ،‬عن إبراهيم بن محمد‪ ،‬عن حسين بن مصعب‬
‫قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬من أحب ال‪ ،‬وأبغض عدوه‪ ،‬لم‬
‫يبغضه‬

‫)‪ (1‬تحف العقول ص ‪ (2) .479‬تحف العقول ص ‪ (3) .517‬المحاسن ص ‪) .266‬‬


‫‪ (4‬آل عمران‪ ،31 :‬وما بعدها في الحجرات ‪ ،7‬الحشر‪ ،9 :‬على الترتيب‪.‬‬
‫)‪ (6 - 5‬والمحاسن‪.263 :‬‬

‫]‪[239‬‬

‫لوتر وتره في الدنيا ثم جاء يوم القيامة بمثل زبد البحر ذنوبا كفرها ال له )‪.(1‬‬
‫بيان‪ :‬يقال‪ :‬وترته نقصته‪ ،‬والوتر بالكسر الجناية التي يجنيها الرجل على‬
‫غيره من قتل أو نهب أو سبي‪ - 12 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن ابن عيسى‬
‫والبرقي وعلي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه وسهل جميعا‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن‬
‫ابن رئاب‪ ،‬عن أبي عبيدة الحذاء‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من‬
‫أحب ]في ا[ ل‪ ،‬وأبغض ]في ا[ ل‪ ،‬وأعطى ]في ا[ ل فهو ممن كمل‬
‫إيمانه )‪ .(2‬بيان‪ " :‬من أحب ل " أي أحب من أحب لن ال يحبه وأمر‬
‫بحبه من النبياء والوصياء عليهم السلم والصلحاء من المؤمنين‪ ،‬ل‬
‫للغراض الدنيوية والطماع الدنية " وأبغض ل " أي أبغض من أبغض‬
‫لن ال يبغضه وأمر ببغضه من أئمة الضللة والكفار والمشركين‬
‫والمخالفين والظلمة والفجار لمخالفتهم ل تعالى " وأعطى ل " أي‬
‫أعطى من أمر ال باعطائه من أئمة الدين وفقراء المؤمنين وصلحائهم‬
‫خالصا ل من غير رئاء ول سمعة‪ ،‬وفي بعض النسخ " في ال " في‬
‫المواضع فهو أيضا بمعنى " ل " و " في " لتعليل أو المعنى الحب في‬
‫سبيل طاعته فيرجع إليه أيضا " فهو ممن كمل إيمانه " لن ولية أولياء‬
‫ال ومعاداة أعدائه وإخلص العمل له عمدة اليمان وأعظم أركانه‪- 13 .‬‬
‫كا‪ :‬بالسناد المتقدم‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن مالك بن عطية‪ ،‬عن سعيد‬
‫العرج‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من أوثق عرى اليمان أن‬
‫تحب في ال وتبغض في ال‪ ،‬وتعطي في ال‪ ،‬وتمنع في ال )‪ .(3‬ايضاح‪:‬‬
‫العروة ما يكون في الحبل يتمسك به من أراد الصعود‪ ،‬وعروة الكوز‬
‫ونحوه‪ ،‬والول هنا أنسب‪ ،‬كأنه عليه السلم شبه اليمان بحبل يرتقى به‬
‫إلى الجنة‬

‫)‪ (1‬المحاسن‪ (2) .265 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .124‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.125‬‬

‫]‪[240‬‬
‫والدرجات العالية والعمال اليمانية‪ ،‬وأخلقها بالعرى التي تكون فيه يتمسك بها‬
‫من أراد الصعود عليه‪ ،‬وفيه إشارة إلى قوله تعالى " ومن يكفر بالطاغوت‬
‫ويؤمن بال فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لها " )‪ (1‬والمنع في‬
‫ال أن يكون عدم بذله وإعطائه لكونه سبحانه منع منه‪ ،‬كالحد المنتهي إلى‬
‫التبذير أو إعطاء الكفار لغير مصلحة‪ ،‬والفجار لعانتهم على الفجور‪،‬‬
‫وأمثال ذلك‪ - 14 .‬كا‪ :‬بالسناد‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن أبي جعفر الحول‪،‬‬
‫عن سلم بن المستنير‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬ود المؤمن للمؤمن في ال من أعظم شعب اليمان‪،‬‬
‫أل ومن أحب في ال وأبغض في ال وأعطى في ال ومنع في ال فهو من‬
‫أصفياء ال )‪ .(2‬سن‪ :‬عن ابن محبوب مثله )‪ .(3‬توضيح‪ :‬في القاموس‪:‬‬
‫الود والوداد‪ :‬الحب ‪ -‬ويثلثان ‪ -‬كالودادة والمودة )‪ (4‬وفي المصباح‬
‫الشعبة من الشجرة الغصن المتفرع منها‪ ،‬والجمع شعب مثل غرفة‬
‫وغرف‪ ،‬والشعبة من الشئ الطائفة منه‪ ،‬وانشعبت أغصان الشجرة تفرعت‬
‫عن أصلها وتفرقت‪ ،‬ويقال‪ :‬هذه المسألة كثيرة الشعب انتهى " وشعب‬
‫اليمان " العمال والخلق التي يقتضي اليمان التيان بها‪ ،‬والصفى‬
‫الحبيب المصافي وخالص كل شئ‪ - 15 .‬كا‪ :‬عن الحسين بن محمد‪ ،‬عن‬
‫المعلى‪ ،‬عن الوشاء‪ ،‬عن أبي حمزة‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬إن المتحابين في ال يوم القيامة على‬
‫منابر من نور‪ ،‬قد أضاء نور وجوههم ونور أجسادهم ونور منابرهم كل‬
‫شئ‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .256 :‬الكافي‪ :‬ج ‪ (3) .2 125‬المحاسن‪ (4) .263 :‬القاموس ج ‪1‬‬
‫ص ‪.344‬‬

‫]‪[241‬‬

‫حتى يعرفوا به‪ ،‬فيقال‪ :‬هؤلء المتحابون في ال )‪ .(1‬بيان‪ " :‬المتحابين في ال "‬
‫أي الذين يحب كل منهم الخرين لمحض رضا ال‪ ،‬وكونهم من أحباء ال‬
‫ل للغراض الفانية والغراض الباطلة ويكون أضاء لزما ومتعديا يقال‬
‫أضاء الشئ وأضاءه غيره ذكره في المصباح‪ - 16 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن حماد‪ ،‬عن حريز‪ ،‬عن فضيل بن يسار قال‪ :‬سألت أبا عبد ال‬
‫عليه السلم عن الحب والبغض أمن اليمان هو ؟ فقال‪ :‬وهل اليمان إل‬
‫الحب والبغض ؟ ثم تل هذه الية " حبب إليكم اليمان وزينه في قلوبكم‬
‫وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان اولئك هم الراشدون " )‪ .(2‬سن‪:‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن حماد مثله )‪ .(3‬تبيان‪ " :‬عن الحب والبغض " أي حب‬
‫الئمة عليهم السلم وبغض أعدائهم أو العم منهما ومن حب المؤمنين‬
‫والطاعة‪ ،‬وبغض المخالفين والمعصية‪ ،‬والغرض من السؤال إما استعلم‬
‫أن العتقاد بامامة الئمة عليهم السلم ومحبتهم‪ ،‬والتبري عن أعدائهم‬
‫هل هما من أجزاء اليمان واصول الدين كما هو مذهب المامية ؟ أو من‬
‫فروع الدين والواجبات الخارجة عن حقيقة اليمان كما ذهب إليه‬
‫المخالفون‪ ،‬أو استبانة أن حب أولياء ال وبغض أعدائه هل هما من‬
‫المور الختيارية التي يقع التكليف بها ؟ أو هما من فعل ال تعالى وليس‬
‫للعبد فيه اختيار ؟ فل يكونان مما كلف ال به والول أظهر‪ .‬فأجاب عليه‬
‫السلم على الستفهام النكاري بأن مدار اليمان على الحب والبغض لن‬
‫العتقاد بالشئ ل ينفك عن حبه‪ ،‬وإنكاره عن بغضه‪ ،‬أو عمدة اليمان‬
‫ولية الئمة عليهم السلم والبراءة من أعدائهم إذ بهما يتم اليمان‪،‬‬
‫وبدونهما ل ينفع شئ من العقائد والعمال كما مر مفصل‪ ،‬فكأن اليمان‬
‫منحصر فيهما‪ ،‬أو لما كانا‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .125‬الحجرات‪ ،7 :‬راجع الكافي ج ‪ 2‬ص ‪(3) .125‬‬
‫المحاسن ص ‪.262‬‬

‫]‪[242‬‬

‫أصل اليمان وعمدته كيف لم يكونا مكلفا به ؟ وكيف لم تكن مباديهما بالختيار ؟‬
‫والستشهاد بالية على الول ظاهر‪ ،‬وعلى الثاني فلنه لما حصر ال‬
‫تعالى الرشد والصلح فيهما‪ ،‬فلو لم يكونا اختياريين لزم الجبر‪ ،‬والتكليف‬
‫بما ل يطاق وهما منفيان بالدلئل العقلية والنقلية‪ .‬وأما الية فقال‬
‫الطبرسي رحمه ال‪ " :‬ولكن ال حبب إليكم اليمان " أي جعله أحب‬
‫الديان إليكم بأن أقام الدلة على صحته‪ ،‬وبما وعد من الثواب عليه "‬
‫وزينه في قلوبكم " باللطاف الداعية إليه " وكره إليكم الكفر " بما وصف‬
‫من العقاب عليه‪ ،‬وبوجوه اللطاف الصارفة عنه " والفسوق " أي‬
‫الخروج عن الطاعة إلى المعاصي " والعصيان " أي جميع المعاصي‬
‫وقيل‪ :‬الفسوق الكذب‪ ،‬وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلم " اولئك‬
‫هم الراشدون " يعني الذين وصفهم باليمان وزينه في قلوبهم‪ ،‬هم‬
‫المهتدون إلى معالي المور‪ ،‬وقيل‪ :‬هم الذين أصابوا الرشد واهتدوا إلى‬
‫الجنة انتهى )‪ .(1‬ويحتمل أن يكون المراد بالكفر الخلل بالعقائد اليمانية‬
‫وبالفسوق الكبائر وبالعصيان الصغائر أو العم‪ ،‬أو بالكفر ترك اليمان‬
‫ظاهرا وباطنا‪ ،‬وبالفسوق النفاق‪ ،‬وبالعصيان جميع المعاصي‪ .‬وقد ورد في‬
‫أخبار كثيرة قد مر بعضها أن اليمان أمير المؤمنين ووليته والكفر‬
‫والفسوق والعصيان الول والثاني والثالث )‪ (2‬فيؤيد المعنى الول الذي‬
‫ذكرنا في صدر الكلم‪ - 17 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن محمد بن‬
‫عيسى‪ ،‬عن حريز‪ ،‬عن أبي الحسن علي بن يحيى فيما أعلم‪ ،‬عن عمرو‬
‫بن مدرك الطائي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله لصحابه‪ :‬أي عرى اليمان أوثق ؟ فقالوا‪ :‬ال ورسوله‬
‫أعلم وقال بعضهم‪ :‬الصلة‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬الزكاة‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬الصيام‪،‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬الحج‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 9‬ص ‪ (2) .133‬راجع ج ‪ 23‬ص ‪ 380‬من هذه الطبعة‬
‫الحديثة‪.‬‬

‫]‪[243‬‬

‫والعمرة‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬الجهاد‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬لكل ما قلتم‬
‫فضل وليس به ولكن أوثق عرى اليمان الحب في ال‪ ،‬والبغض في ال‪،‬‬
‫وتوالي أولياء ال‪ ،‬والتبري من أعداء ال )‪ .(1‬سن‪ :‬عن اليقطيني‪ ،‬عن‬
‫أبي الحسن علي بن يحيى فيما أعلم مثله )‪ .(2‬مع‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن‬
‫الصفار‪ ،‬عن اليقطيني‪ ،‬عن علي بن يحيى‪ ،‬عن علي بن مروك الطائي‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬وذكر مثله )‪ .(3‬بيان‪ :‬الغرض من السؤال امتحان فهم القوم‪ ،‬وشدة‬
‫اهتمامهم باستعلم ما هو الحق في ذلك‪ ،‬والعمل به‪ ،‬وكان اختيار كل منهم‬
‫فعل وذكره على سبيل الحتمال أو الستفهام‪ ،‬ولم يكن حكما منهم بأنه‬
‫كذلك فانه حينئذ يكون قول بغير علم وفتوى بالباطل‪ ،‬فهذا حرام‪ ،‬فكيف‬
‫يقررهم صلى ال عليه وآله به ويحثهم عليه ؟ " وليس به " ضمير "‬
‫ليس " للفضل المذكور‪ ،‬وضمير " به " للوثق‪ ،‬أو ضمير " ليس " لكل‬
‫من المذكورات‪ ،‬وضمير " به " للذي أراد صلى ال عليه وآله " وتوالي‬
‫أولياء ال " العتقاد بامامة الذين جعلهم ال أولى بالمؤمنين من أنفسهم‬
‫" وأعداء ال " أضدادهم وغاصبوا خلفتهم‪ ،‬أو العم منهم ومن سائر‬
‫المخالفين والكفار‪ - 18 .‬سن‪ :‬عن محمد بن علي‪ ،‬عن محمد بن جبلة‬
‫الحمسي‪ ،‬عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ :‬المتحابون في ال يوم القيامة على أرض زبرجدة‬
‫خضراء‪ ،‬في ظل عرشه عن يمينه‪ ،‬وكلتا يديه يمين‪ ،‬وجوههم أشد بياضا‬
‫من الثلج‪ ،‬وأضوء من الشمس الطالعة‪ ،‬يغبطهم بمنزلتهم كل ملك مقرب‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .125‬المحاسن ص ‪ (3) .264‬معاني الخبار ص ‪398‬‬


‫ولعل ما في سند الحديث " على بن مروك الطائى " تصحيف " عمرو‬
‫بن مدرك الطائى "‪.‬‬
‫]‪[244‬‬

‫وكل نبي مرسل‪ ،‬يقول الناس‪ :‬من هؤلء ؟ فيقال‪ :‬هؤلء المتحابون في ال )‪.(1‬‬
‫كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن محمد بن علي‪ ،‬عن عمر بن جبلة مثله )‬
‫‪ .(2‬بيان‪ " :‬على أرض زبرجدة " الضافة كخاتم حديد " في ظل عرشه‬
‫" قال في النهاية أي في ظل رحمته‪ ،‬وقال النووي )‪ (3‬قيل‪ :‬الظل عبارة‬
‫عن الراحة والنعيم‪ ،‬نحو هو في عيش ظليل‪ ،‬والمراد ظل الكرامة ل ظل‬
‫الشمس لنها وسائر العالم تحت العرش‪ ،‬وقال البي‪ (4) :‬ومن جواب‬
‫شيخنا أنه يحتمل جعل جزء من العرش حائل تحت فلك الشمس وقال‬
‫عياض )‪ (5‬ظاهره أنه سبحانه يظلهم حقيقة من حر الشمس‪ ،‬ووهج‬
‫الموقف‪ ،‬وأنفاس الخلئق‪ ،‬وهو تأويل أكثرهم وقال بعضهم‪ :‬هو كناية عن‬
‫كنهم وجعلهم في كنفه وستره‪ ،‬ومنه قولهم‪ :‬السلطان ظل ال‪ ،‬وقولهم‬
‫فلن في ظل فلن أي في كنفه وعزه انتهى‪ .‬وظاهر الخبار واليات أن‬
‫العرش يوضع يوم القيامة في الموقف‪ ،‬وأن له‬

‫)‪ (1‬المحاسن ص ‪ (2) .264‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .126‬هو أبو زكريا محيى الدين‬
‫يحيى بن شرف الدمشقي الشافعي‪ ،‬والنووي منسوب الى نوى بليدة قرب‬
‫دمشق‪ ،‬قيل وهى منزل أيوب عليه السلم كان محققا مدققا حافظا للحديث‬
‫عارفا بأنواعه له كتاب المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج‪ (4) .‬هو‬
‫عز الدين الحسن بن أبى طالب اليوسفي المعروف بالفاضل البى قال في‬
‫الكنى واللقاب‪ :‬عالم فاضل محقق فقيه قوى الفقاهة شارح نافع وتلميذ‬
‫المحقق‪ ،‬شهرته دون فضله‪ ،‬وعلمه أكثر من ذكره ونقله‪ ،‬وكتابه كشف‬
‫الرموز كتاب حسن مشتمل على فوائد كثيرة وتنبيهات جيدة وله مع‬
‫شيخه مباحثات ومخالفات في كثير من المواضع‪ ،‬فرغ من تأليف كتابه‬
‫سنة ‪ (5) .672‬هو أبو الفضل بن موسى بن عياض المالكى الندلسي‬
‫الصل‪ ،‬كان امام وقته في الحديث وعلومه‪ ،‬وصنف التصانيف منها‬
‫مشارق النوار في تفسير غريب الحديث المختص بالصحاح الثلثة‪:‬‬
‫الموطأ‪ ،‬صحيح البخاري وصحيح مسلم‪ .‬توفى بمراكش ‪.544‬‬

‫]‪[245‬‬

‫يمينا وشمال‪ ،‬فيمكن أن يكون المقربون في يمينه‪ ،‬ومن دونهم في شماله‪ ،‬وكلهما‬
‫يمين مبارك يأمن من استقر فيهما‪ ،‬وقيل يحتمل أن يراد به الرحمة ولها‬
‫أفراد متفاوتة‪ ،‬فأقواهما يمين وأدونهما يسار‪ ،‬وكلهما مبارك ينجي من‬
‫أهوال القيامة‪ .‬وقال في النهاية فيه " وكلتا يديه يمين " أي أن يديه تبارك‬
‫وتعالى بصفة الكمال ل نقص في واحدة منهما‪ ،‬لن الشمال ينقص عن‬
‫اليمين‪ ،‬وكل ما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليد واليدي واليمين‬
‫وغير ذلك من أسماء الجوارح إلى ال تعالى فانما هو على سبيل المجاز‬
‫والستعارة‪ ،‬وال تعالى منزه عن التشبيه والتجسيم انتهى‪ .‬وفي الكافي "‬
‫أشد بياضا وأضوأ " وكأنه سقط قوله " من الثلج " من النساخ " يغبطهم‬
‫" تقول غبطهم كضرب غبطا إذا تمنى مثل ما ناله من غير أن يريد زواله‬
‫لما أعجبه من حسنه‪ ،‬وكأن المعنى أن الملك والنبي مع جللة قدرهما‪،‬‬
‫وعظم نعمتهما يعجبهما هذه المنزلة ويعدانها عظيمة‪ ،‬فل يستلزم كون‬
‫منزلته دون منزلتهما وربما يقرأ " يغبطهم " على بناء التفعيل أي‬
‫يعدانهم ذوي غبطة وحسن حال‪ ،‬أو مغبوطين للناس‪ - 19 .‬كا‪ :‬عن العدة‪،‬‬
‫عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن نضر بن سويد‪ ،‬عن هشام ابن سالم‪ ،‬عن أبي‬
‫حمزة الثمالي‪ ،‬عن علي بن الحسين عليهما السلم قال‪ :‬إذا جمع ال‬
‫عزوجل الولين والخرين‪ ،‬قام مناد فنادى يسمع الناس فيقول‪ :‬أين‬
‫المتحابون في ال ؟ قال‪ :‬فيقوم عنق من الناس فيقال لهم‪ :‬اذهبوا إلى‬
‫الجنة بغير حساب قال فتلقاهم الملئكة فيقولون‪ :‬إلى أين ؟ فيقولون‪ :‬إلى‬
‫الجنة بغير حساب‪ ،‬قال‪ :‬فيقولون‪ :‬فأي ضرب )‪ (1‬أنتم من الناس ؟‬
‫فيقولون‪ :‬نحن المتحابون في ال قال‪ :‬فيقولون‪ :‬وأي شئ كانت أعمالكم ؟‬
‫قالوا‪ :‬كنا نحب في ال‪ ،‬ونبغض في ال قال‪ :‬فيقولون‪ :‬نعم أجر العاملين )‬
‫‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬فأى حزب خ ل‪ (2) .‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.126‬‬

‫]‪[246‬‬

‫سن‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن النضر مثله )‪ .(1‬بيان‪ " :‬يسمع الناس " على بناء الفعال حال‬
‫عن فاعل " فنادى " وفي المحاسن " ينادي بصوت يسمع " " فتلقاهم "‬
‫على بناء المجرد أو على بناء التفعل بحذف إحدى التائين أي تستقبلهم "‬
‫وأي شئ كانت أعمالكم " أي منصوب بخبرية كانت أي أية مرتبة بلغ‬
‫تحابكم ؟ وأي شئ فعلتم حتى سميتم بهذا السم ؟ وقيل هو استبعاد لكون‬
‫محض التحاب سبب هذه المنزلة‪ ،‬وفي المحاسن " قالوا وأي شئ " قوله‬
‫" نعم أجر العاملين " المخصوص بالمدح محذوف أي أجركم وما أعطاكم‬
‫ربكم‪ - 20 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن علي بن حسان‪ ،‬عمن ذكره‪ ،‬عن داود بن‬
‫فرقد عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ثلث من علمات المؤمن‪ :‬علمه‬
‫بال‪ ،‬ومن يحب‪ ،‬ومن يبغض )‪ .(2‬بيان‪ " :‬علمه بال " أي بذاته وصفاته‬
‫بقدر وسعه وطاقته " ومن يحب ومن يبغض " أي من يحبه ال من‬
‫النبياء والوصياء عليهم السلم وأتباعهم‪ ،‬ومن يبغضه ال من الكفار‬
‫وأهل الضلل‪ ،‬أو الضمير في الفعلين راجع إلى المؤمن أي علمه بمن‬
‫يجب أن يحبه ويجب أن يبغضه وكأنه أظهر‪ - 21 .‬كا‪ :‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن هشام بن سالم وحفص ابن البختري‪ ،‬عن أبي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬إن الرجل ليحبكم وما يعرف ما أنتم عليه فيدخله ال‬
‫الجنة بحبكم وإن الرجل ليبغضكم وما يعرف ما أنتم عليه فيدخله ال‬
‫ببغضكم النار )‪ .(3‬بيان‪ :‬قوله عليه السلم " إن الرجل ليحبكم " أقول‬
‫يحتمل وجوها الول أن يكون المراد بهم المستضعفين من المخالفين‪،‬‬
‫فانهم يحبون الشيعة ول يعرفون مذهبهم‪ ،‬ويحتمل دخولهم الجنة بذلك‪،‬‬
‫الثاني أن يكون المراد بهم المستضعفين‬

‫)‪ (1‬المحاسن ص ‪ 2) .264‬و ‪ (3‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.126‬‬

‫]‪[247‬‬

‫من الشيعة فانهم يحبون علماء الشيعة وصلحاءهم‪ ،‬ولكن لم يصلوا إلى ما هم عليه‬
‫من العقائد الحقة والعمال الصالحة‪ ،‬فيدخلون بذلك الجنة ومنهم من‬
‫يبغض العلماء والصلحاء فيدخلون بذلك النار‪ ،‬فان كان بغضهم للعلم‬
‫والصلح فهم كفرة‪ ،‬وإل فهم فسقة‪ ،‬كما ورد‪ :‬كن عالما أو متعلما أو محبا‬
‫للعلماء ول تكن رابعا فتهلك الثالث أن يكون المراد بما أنتم عليه‪ :‬الصلح‬
‫والورع‪ ،‬دون التشيع كما ذكره بعض المحققين‪ ،‬الرابع أن يكون المراد بما‬
‫أنتم عليه‪ :‬المعصية‪ ،‬كما روي أن حفصا كان يلعب بالشطرنج )‪ .(1‬فالمراد‬
‫أن من أحبكم لظاهر إيمانكم وتشيعكم مع عدم علمه بالمعاصي التي أنتم‬
‫عليه فبذلك يدخل الجنة‪ ،‬ومن أبغضكم لكونكم مؤمنين ولم يعلم فسقكم‬
‫ليبغضكم لذلك فهو من أهل النار‪ ،‬لن بغض المؤمن ليمانه كفر‪ - 22 .‬كا‪:‬‬
‫عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن ابن العرزمي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جابر الجعفي‪ ،‬عن‬
‫أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬إذا أردت أن تعلم أن فيك خيرا فانظر إلى قلبك‬
‫فان كان يحب أهل طاعة ال عزوجل ويبغض أهل معصيته ففيك خير وال‬
‫يحبك وإذا كان )‪ (2‬يبغض أهل طاعة ال ويحب أهل معصيته فليس فيك‬
‫خير‪ ،‬وال يبغضك‪ ،‬والمرء مع من أحب )‪ .(3‬سن‪ :‬عن العرزمي‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن جابر مثله )‪ .(4‬ع‪ :‬عن ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن العرزمي‬

‫)‪ (1‬قال النجاشي في رجاله ص ‪ :103‬حفص بن البخترى ‪ -‬ضبطه ابن داود بفتح‬
‫الباء وسكون الخاء المعجمة ‪ -‬مولى بغدادي أصله كوفى ثقة‪ ،‬روى عن‬
‫أبى عبد ال وأبى الحسن عليهما السلم ذكره أبو العباس‪ ،‬وإنما كان بينه‬
‫وبين آل أعين نبوة فغمزوا عليه بلعب الشطرنج‪ (2) .‬في المصدر‬
‫المطبوع وهكذا في نسخة المحاسن والعلل‪ :‬وان كان‪ (3) .‬الكافي ج ‪2‬‬
‫ص ‪ (4) .126‬المحاسن ص ‪.263‬‬
‫]‪[248‬‬

‫مثله )‪ .(1‬بيان‪ " :‬يحب أهل طاعة ال " أي سواء وصل منهم ضرر إلى دنياه أولم‬
‫يصل " ويبغض أهل معصيته " سواء وصل منهم إليه نفع أو لم يصل "‬
‫وإذا كان يبغض أهل طاعة ال " لضرر دنيوي " ويحب أهل معصيته "‬
‫لنفع دنيوي‪ .‬وقيل‪ .‬أصل المحبة الميل‪ ،‬وهو على ال سبحانه محال‪ ،‬فمحبة‬
‫ال للعبد رحمته وهدايته إلى بساط قربه ورضاه عنه‪ ،‬وإرادته إيصال‬
‫الخير إليه وفعله له فعل المحب‪ ،‬وبغضه سلب رحمته عنه وطرده عن‬
‫مقام قربه ووكوله إلى نفسه‪ ،‬وكون " المرء مع من أحب " ل يستلزم أن‬
‫يكون مثله في الدرجات أو في الدركات‪ ،‬فان دخوله مع محبوبه في الجنه‬
‫أو في النار يكفي لصدق ذلك‪ - 23 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبي‬
‫علي الواسطي‪ ،‬عن الحسين ابن أبان‪ ،‬عمن ذكره‪ ،‬عن أبي جعفر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬لو أن رجل أحب رجل ل لثابه ال على حبه إياه‪ ،‬وإن كان‬
‫المحبوب في علم ال من أهل النار‪ ،‬ولو أن رجل أبغض رجل ل‪ ،‬لثابه‬
‫ال على بغضه إياه‪ ،‬وإن كان المبغض في علم ال من أهل الجنة )‪.(2‬‬
‫سن‪ :‬عن أبي علي الواسطي مثله )‪ .(3‬ما‪ :‬عن جماعة‪ ،‬عن أبي المفضل‪،‬‬
‫عن محمد بن صالح بن فيض بن فياض‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى‪،‬‬
‫عن الحسن بن أبان‪ ،‬عن بعض أصحابنا عنه عليه السلم مثله إل أنه في‬
‫الموضعين " وإن كان في علم ال " بدون ذكر المحبوب والمبغض )‪.(4‬‬
‫بيان‪ :‬قوله عليه السلم " لثابه ال " أقول هذا إذا لم يكن مقصرا في‬
‫ذلك‪ ،‬ولم يكن مستندا إلى ضللته وجهالته‪ ،‬كالذين يحبون أئمة الضللة‬
‫ويزعمون أن‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .112‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .127‬المحاسن ص‬


‫‪ (4) .265‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪ ،234‬وفى هذه النسخة من المصدر‬
‫المطبوع سقط‪.‬‬

‫]‪[249‬‬

‫ذلك ل‪ ،‬فان ذلك لمحض تقصيرهم عن تتبع الدلئل واتكالهم على متابعة الباء‬
‫وتقليد الكبراء‪ ،‬واستحسان الهواء‪ ،‬بل هو كمن أحب منافقا يظهر اليمان‬
‫والعمال الصالحة‪ ،‬وفي باطنه منافق فاسق‪ ،‬فهو يحبه ليمانه وصلحه‬
‫ل وهو مثاب بذلك‪ ،‬وكذا الثاني فان أكثر المخالفين يبغضون الشيعة‬
‫ويزعمون أنه ل‪ ،‬وهم مقصرون في ذلك كما عرفت‪ .‬وأما من رأى شيعة‬
‫يتقي من المخالفين ويظهر عقائدهم وأعمالهم ولم ير ول سمع منه ما يدل‬
‫على تشيعه فان أبغضه ولعنه فهو في ذلك مثاب مأجور‪ ،‬وإن كان من‬
‫أبغضه من أهل الجنة ومثابا عند ال بتقيته‪ ،‬أو كأحد من علماء الشيعة‬
‫زعم عقيدة من العقائد كفرا‪ ،‬أو عمل من العمال فسقا وأبغض المتصف‬
‫بأحدهما ل ولم يكن أحدهما مقصرا في بذل الجهد في تحقيق تلك المسألة‪،‬‬
‫فهما مثابان وهما من أهل الجنة إن لم يكن أحدهما ضروريا للدين‪- 24 .‬‬
‫كا‪ :‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن الحسين بن سعيد‪ ،‬عن‬
‫النضر ابن سويد‪ ،‬عن يحيى الحلبي‪ ،‬عن بشير الكناسي‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬قد يكون حب في ال ورسوله‪ ،‬وحب في الدنيا‪ ،‬فما كان‬
‫في ال ورسوله فثوابه على ال وما كان في الدنيا فليس بشئ )‪ .(1‬سن‪:‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن النضر مثله )‪ .(2‬بيان‪ " :‬قد يكون حب في ال ورسوله "‬
‫أي لهما كحب النبياء والئمة صلوات ال عليهم وحب العلماء والسادات‬
‫والصلحاء والخوان من المؤمنين لعلمهم وسيادتهم وصلحهم وإيمانهم‪،‬‬
‫ولمره تعالى ورسوله بحبهم " وحب في الدنيا " كحب الناس لبذل مال‬
‫وتحصيله‪ ،‬أو لنيل جاه وغرض من الغراض الدنيوية " فليس بشئ "‬
‫أي فأقل مراتبه أنه ل ينفع في الخرة‪ ،‬بل ربما أضر إذا كان لتحصيل‬
‫الموال المحرمة‪ ،‬والمناصب الباطلة‪ ،‬أو لفسقهم‪ ،‬أو للعشق الباطل‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .127‬المحاسن ص ‪.265‬‬

‫]‪[250‬‬

‫وأمثال ذلك‪ - 25 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن عثمان بن عيسى‪ ،‬عن‬
‫سماعة ابن مهران‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن المسلمين‬
‫يلتقيان فأفضلهما أشدهما حبا لصاحبه )‪ .(1‬بيان‪ " :‬فأفضلهما " أي عند‬
‫ال وأكثرهما ثوابا " أشدهما حبا لصاحبه " في ال كما مر‪ - 26 .‬كا‪ :‬عن‬
‫العدة‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن البزنطي وابن فضال‪ ،‬عن صفوان الجمال‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ما التقى مؤمنان قط إل كان أفضلهما‬
‫أشدهما حبا لخيه )‪ - 27 .(2‬كا‪ :‬عن الحسين بن محمد‪ ،‬عن محمد بن‬
‫عمران السبيعي‪ ،‬عن عبد ال بن جبلة‪ ،‬عن إسحاق بن عمار‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كل من لم يحب على الدين‪ ،‬ولم يبغض على‬
‫الدين‪ ،‬فل دين له )‪ .(3‬بيان‪ " :‬كل من لم يحب على الدين " إن كان المراد‬
‫أنه لم يكن شئ من حبه وبغضه في الدين فقوله " فل دين له " على‬
‫الحقيقة لنه لم يحب النبي صلى ال عليه وآله والئمة عليهم السلم أيضا‬
‫ل ول أبغض أعداءهم ل‪ ،‬وإن كان المراد غالب حبه وبغضه أو حب أهل‬
‫زمانه‪ ،‬أو لم يكن جميع حبه وبغضه للدين فالمعنى ل دين له كامل‪- 28 .‬‬
‫سن‪ :‬عن بعض أصحابنا‪ ،‬عن صالح بن بشير الدهان قال‪ :‬قال أبو عبد ال‬
‫عليه السلم إن الرجل ليحب ولي ال وما يعلم ما يقول‪ .‬فيدخله ال الجنة‬
‫وإن الرجل ليبغض ولي ال وما يعلم ما يقول فيموت ويدخل النار )‪.(4‬‬
‫كتاب الغايات‪ :‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله ذات يوم لصحابه‪ :‬أخبروني بأوثق عرى السلم ؟ فقالوا‪ :‬يا‬
‫رسول ال الصلة قال‪ :‬إن الصلة‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول ال الزكاة‪ ،‬قال‪ :‬إن‬
‫الزكاة‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول ال الجهاد‬

‫)‪ (3 - 1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (4) .127‬المحاسن ص ‪.265‬‬

‫]‪[251‬‬

‫قال‪ :‬إن الجهاد قال‪ :‬فقالوا‪ :‬يا رسول ال فأخبرنا قال‪ :‬الحب في ال والبغض في‬
‫ال )‪ .(1‬بيان‪ :‬قوله صلى ال عليه وآله " إن الصلة " أي ليس الصلة‬
‫كذلك‪ ،‬أو لها فضل لكن ليست كذلك‪ ،‬ويحتمل كون إن نافية لكنه بعيد‪- 30 .‬‬
‫مص‪ :‬قال الصادق عليه السلم‪ :‬المحب في ال محب ال‪ ،‬والمحبوب في‬
‫ال حبيب ال لنهما ل يتحابان إل في ال قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ :‬المرء مع من أحب فمن أحب عبدا في ال فانما أحب ال‪ ،‬ول يحب‬
‫ال تعالى إل من أحبه ال‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أفضل‬
‫الناس بعد النبيين في الدنيا والخرة المحبون ل المتحابون فيه‪ ،‬وكل حب‬
‫معلول يورث بعدا فيه عداوة إل هذين‪ ،‬وهما من عين واحدة يزيدان أبدا‬
‫ول ينقصان قال ال عزوجل " الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل‬
‫المتقين " )‪ (2‬لن أصل الحب التبري عن سوى المحبوب‪ .‬وقال أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ :‬إن أطيب شئ في الجنة وألذه حب ال‪ ،‬والحب ]في‬
‫ا[ ل والحمد ل قال ال عزوجل " وآخر دعويهم أن الحمد ل رب‬
‫العالمين " وذلك أنهم إذا عاينوا ما في الجنة من النعيم هاجت المحبة في‬
‫قلوبهم‪ ،‬فينادون عند ذلك‪ :‬أن الحمد ل رب العالمين )‪ - 31 .(3‬م‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬معاشر الناس أحبوا موالينا مع حبكم للنا‬
‫هذا زيد بن حارثة وابنه اسامة بن زيد من خواص موالينا فأحبوهما فو‬
‫الذي بعث محمدا بالحق نبيا لينفعكم حبهما‪ ،‬قالوا‪ :‬وكيف ينفعنا حبهما ؟‬
‫قال‪ :‬إنهما يأتيان يوم القيامة عليا عليه السلم بخلق عظيم أكثر من ربيعة‬
‫ومضر بعدد كل واحد منهما فيقولن‪ :‬يا أخا رسول ال هؤلء أحبونا بحب‬
‫محمد رسول ال صلى ال عليه وآله وبحبك‪ ،‬فيكتب لهم علي عليه السلم‬
‫جوازا على الصراط‪ ،‬فيعبرون عليه ويردون الجنة سالمين‪ ،‬وذلك أن أحدا‬
‫ل يدخل الجنة من سائر امة محمد صلى ال عليه وآله إل بجواز من علي‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫)‪ (1‬مخطوط‪ (2) .‬الزخرف‪ (3) .67 :‬مصباح الشريعة‪ ،65 :‬والية في يونس‪:‬‬
‫‪.10‬‬

‫]‪[252‬‬

‫فان أردتم الجواز على الصراط سالمين‪ ،‬ودخول الجنان غانمين‪ ،‬فأحبوا بعد حب‬
‫محمد وآله عليهم السلم مواليه‪ ،‬ثم إن أردتم أن يعظم محمد صلى ال‬
‫عليه وآله عند ال تعالى منازلكم فأحبوا شيعة محمد وعلي وجدوا في‬
‫قضاء حوائج إخوانكم المؤمنين‪ ،‬فان ال تعالى إذا أدخلكم معاشر شيعتنا‬
‫ومحبينا الجنان‪ ،‬نادى مناديه في تلك الجنان قد دخلتم عبادي الجنة‬
‫برحمتي‪ ،‬فتقاسموها على قدر حبكم لشيعة محمد وعلي وقضائكم لحقوق‬
‫إخوانكم المؤمنين‪ ،‬فأيهم كان أشد للشيعة حبا ولحقوق إخوانهم المؤمنين‬
‫أشد قضاء‪ ،‬كانت درجاته في الجنان أعل حتى أن فيهم من يكون أرفع من‬
‫الخر بمسير خمسمائة سنة ترابيع قصور وجنان‪ .‬بيان‪ :‬كأن المراد‬
‫بالتراييع المربعات فانها أحسن الشكال‪ - 32 .‬جع‪ :‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى ال عليه وآله قال‪ :‬إن حول العرش منابر من نور‪ ،‬عليها قوم‬
‫لباسهم ووجوههم نور‪ ،‬ليسوا بأنبياء‪ ،‬يغبطهم النبياء والشهداء قالوا‪ :‬يا‬
‫رسول ال حل لنا قال‪ :‬هم المتحابون في ال‪ ،‬والمتجالسون في ال‬
‫والمتزاورون في ال‪ .‬وقال النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬لو أن عبدين تحابا‬
‫في ال أحدهما بالمشرق‪ ،‬والخر بالمغرب لجمع ال بينهما يوم القيامة‪،‬‬
‫وقال النبي صلى ال عليه وآله أفضل العمال الحب في ال والبغض في‬
‫ال‪ ،‬وقال عليه السلم علمة حب ال حب ذكر ال‪ ،‬عن أنس قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬الحب في ال فريضة‪ ،‬والبغض في ال‬
‫فريضة )‪ .(1‬بيان‪ " :‬حل لنا " أي بين من حل العقدة‪ ،‬استعير لحل‬
‫الشكال‪ ،‬قال في الساس‪ :‬من المجاز فلن حلل للعقد كاف للمهمات‪.‬‬
‫دعوات الراوندي‪ :‬روي أن ال تعالى قال لموسى عليه السلم هل عملت‬
‫لي عمل‪ :‬؟ قال‪ :‬صليت لك‪ ،‬وصمت وتصدقت وذكرت لك‪ ،‬قال ال تبارك‬
‫وتعالى‪ ،‬وأما الصلة فلك برهان )‪ (2‬والصوم جنة‪ ،‬والصدقة ظل‪ ،‬والذكر‬

‫)‪ (1‬جامع الخبار ص ‪ " (2) .149‬لك برهان‪ :‬أي دليل على اسلمك " هذه العبارة‬
‫في نسخة الكمبانى ص ‪ 284‬قبل سطرين‪ ،‬ذيل البيان السابق‪ ،‬وهو سهو‪.‬‬

‫]‪[253‬‬

‫نور‪ ،‬فأي عمل عملت لي ؟ قال موسى عليه السلم‪ :‬دلني على العمل الذي هو لك‪،‬‬
‫قال‪ :‬يا موسى هل واليت لي وليا‪ ،‬وهل عاديت لي عدوا قط ؟ فعلم موسى‬
‫أن أفضل العمال الحب في ال‪ ،‬والبغض في ال‪ .‬وإليه أشار الرضا عليه‬
‫السلم بمكتوبه‪ :‬كن محبا لل محمد وإن كنت فاسقا‪ ،‬ومحبا لمحبيهم وإن‬
‫كانوا فاسقين‪ .‬ومن شجون الحديث أن هذا المكتوب هو الن عند بعض‬
‫أهل كرمند قرية من نواحينا إلى اصفهان ما هي ورفعته )‪ (1‬أن رجل من‬
‫أهلها كان جمال لمولنا أبي الحسن عليه السلم عند توجهه إلى خراسان‪،‬‬
‫فلما أراد النصراف قال له‪ :‬يا ابن رسول ال شر فني بشئ من خطك‬
‫أتبرك به‪ ،‬وكان الرجل من العامة فأعطاه ذلك المكتوب‪ .‬وقال النبي صلى‬
‫ال عليه وآله أوثق عرى اليمان الحب في ال والبغض في ال )‪- 34 .(2‬‬
‫جع‪ :‬أوحى ال إلى موسى عليه السلم هل عملت لي عمل إلى قوله‬
‫والبغض في ال )‪ .(3‬بيان‪ :‬في القاموس‪ :‬الشجن الغصن المشتبك‪،‬‬
‫والحديث ذو شجون‪ :‬فنون وأغراض‪ ،‬قوله ما هي أي ما هي من إصفهان‬
‫لكنها في تلك الناحية‪ ،‬وفي القاموس راوند موضع بنواحي إصفهان‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬قد مر كثير من أخبار الباب في باب صفات المؤمن‪ ،‬وصفات‬
‫الشيعة وكتب المامة وسيأتي في سائر البواب‪.‬‬

‫)‪ (1‬ورايته خ ل‪ (2) .‬دعوات الراوندي مخطوط‪ (3) .‬جامع الخبار ص ‪.149‬‬

‫]‪[254‬‬

‫‪) * - 37‬باب( * * " )صفات خيار العباد واولياء ال‪ ،‬وفيه ذكر بعض الكرامات(‬
‫" * * " )التى رويت عن الصالحين( " * اليات‪ :‬يونس‪ :‬أل إن أولياء‬
‫ال ل خوف عليهم ول هم يحزنون )‪ .(1‬الحج‪ :‬الذين إن مكناهم في‬
‫الرض أقاموا الصلوة وآتوا الزكوة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر‬
‫ول عاقبة المور )‪ .(2‬المؤمنون‪ :‬إن الذينهم من خشية ربهم مشفقون *‬
‫والذينهم بآيات ربهم يؤمنون * والذينهم بربهم ل يشركون * والذين‬
‫يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون * اولئك يسارعون‬
‫في الخيرات وهم لها سابقون )‪ .(3‬النور‪ :‬في بيوت أذن ال أن ترفع‬
‫ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والصال * رجال ل تلهيهم تجارة‬
‫ول بيع عن ذكر ال وإقام الصلوة وإيتاء الزكوة يخافون يوما تتقلب فيه‬
‫القلوب والبصار * ليجزيهم ال أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله وال‬
‫يرزق من يشاء بغير حساب )‪ .(4‬الفرقان‪ :‬وعباد الرحمن الذين يمشون‬
‫على الرض هونا * وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلما * والذين يبيتون‬
‫لربهم سجدا وقياما * والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن‬
‫عذابها كان غراما * إنها ساءت مستقرا ومقاما * والذين إذا أنفقوا لم‬
‫يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما * والذين ل يدعون مع ال إلها‬
‫آخر ول يقتلون النفس التي حرم ال إل بالحق ول يزنون ومن يفعل‬
‫)‪ (1‬يونس‪ (2) .68 :‬الحج‪ (3) .41 :‬المؤمنون‪ (4) .61 - 57 :‬النور‪ 36 :‬و ‪.38‬‬

‫]‪[255‬‬

‫ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيمة ويخلد فيه مهانا * إل من تاب وآمن‬
‫وعمل عمل صالحا فاولئك يبدل ال سيئاتهم حسنات وكان ال غفورا‬
‫رحيما * ومن تاب وعمل صالحا فانه يتوب إلى ال متابا * والذين ل‬
‫يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما * والذين إذا ذكروا بآيات‬
‫ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا * والذين يقولون ربنا هب لنا من‬
‫أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما * اولئك يجزون الغرفة‬
‫بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلما * خالدين فيها حسنت مستقرا‬
‫ومقاما )‪ .(1‬السجدة‪ :‬إن الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا تتنزل عليهم‬
‫الملئكة أل تخافوا ول تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن‬
‫أولياؤكم في الحيوة الدنيا وفي الخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم‬
‫فيها ما تدعون نزل من غفور رحيم * ومن أحسن قول ممن دعا إلى ال‬
‫وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين )‪ .(2‬الحقاف‪ :‬إن الذين قالوا ربنا‬
‫ال ثم استقاموا فل خوف عليهم ول هم يحزنون * اولئك أصحاب الجنة‬
‫خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون * ووصينا النسان بوالديه إحسانا‬
‫حملته امه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلثون شهرا حتى إذا بلغ‬
‫أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي‬
‫وعلى والدى وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك‬
‫وإني من المسلمين * اولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز‬
‫عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون )‪.(3‬‬
‫الذاريات‪ :‬إن المتقين في جنات وعيون * آخذين ما آتيهم ربهم إنهم كانوا‬
‫قبل ذلك محسنين * كانوا قليل من الليل ما يهجعون * وبالسحار هم‬

‫)‪ (1‬الفرقان‪ (2) .76 - 63 :‬فصلت‪ (3) .33 - 29 :‬الحقاف‪.16 - 12 :‬‬

‫]‪[256‬‬

‫يستغفرون * وفي أموالهم حق للسائل والمحروم )‪ .(1‬المجادلة‪ :‬ل تجد قوما‬


‫يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد ال ورسوله ولو كانوا آبائهم‬
‫أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم اليمان وأيدهم‬
‫بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها رضي ال‬
‫عنهم ورضوا عنه اولئك حزب ال أل إن حزب ال هم المفلحون )‪.(2‬‬
‫الحاقة‪ :‬فأما من اوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه * إني ظننت‬
‫أني ملق حسابيه * فهو في عيشة راضية * في جنة عالية * قطوفها‬
‫دانية * كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في اليام الخالية )‪ .(3‬المعارج‪ :‬إل‬
‫المصلين * الذينهم على صلوتهم دائمون * والذين في أموالهم حق معلوم‬
‫* للسائل والمحروم * والذين يصدقون بيوم الدين * والذينهم من عذاب‬
‫ربهم مشفقون * إن عذاب ربهم غير مأمون * والذينهم لفروجهم حافظون‬
‫* إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين * فمن ابتغى‬
‫وراء ذلك فاولئك هم العادون * والذينهم لماناتهم وعهدهم راعون *‬
‫والذينهم بشهاداتهم قائمون * والذينهم على صلوتهم يحافظون * اولئك‬
‫في جنات مكرمون )‪ .(4‬الدهر‪ :‬إن البرار يشربون من كأس كان مزاجها‬
‫كافورا * عينا يشرب بها عباد ال يفجرونها تفجيرا * يوفون بالنذر‬
‫ويخافون يوما كان شره مستطيرا * ويطعمون الطعام على حبه مسكينا‬
‫ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه ال ل نريد منكم جزاء ول شكورا * إنا‬
‫نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا * فوقيهم ال شر ذلك اليوم ولقاهم‬
‫نضرة وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ‪ -‬إلى‬

‫)‪ (1‬الذاريات‪ (2) .19 - 15 :‬المجادلة‪ (3) .22 :‬الحاقة‪ (4) .24 - 19 :‬المعارج‪:‬‬
‫‪.35 - 23‬‬

‫]‪[257‬‬

‫قوله تعالى ‪ -‬إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا )‪ .(1‬العصر‪ :‬والعصر إن‬
‫النسان لفي خسر * إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق‬
‫وتواصوا بالصبر‪ .‬تفسير‪ " :‬أل إن أولياء ال ل خوف عليهم " )‪ (2‬قال‬
‫المفسرون أي في القيامة من العقاب " ول هم يحزنون " أي ل يخافون‪،‬‬
‫وأقول‪ :‬يمكن أن يكون المراد أعم من الدنيا والخرة‪ ،‬فإنهم لرضاهم‬
‫بقضاء ال‪ ،‬وعدم تعلقهم بالدنيا وما فيها ل خوف عليهم للحوق مكروه‪،‬‬
‫ول هم يحزنون لفوات مأمول‪ .‬وقال الطبرسي رحمه ال‪ :‬اختلف في أولياء‬
‫ال‪ ،‬فقيل‪ :‬هم قوم ذكرهم ال بما هم عليه من سيماء الخير والخبات عن‬
‫ابن عباس‪ ،‬وقيل‪ :‬هم المتحابون في ال ذكر ذلك في خبر مرفوع‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫هم " الذين آمنوا وكانوا يتقون " قد بينهم في الية التي بعدها‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫إنهم الذين أدوا فرائض ال‪ ،‬وأخذوا بسنن رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫وتورعوا عن محارم ال‪ ،‬وزهدوا في عاجل هذه الدنيا‪ ،‬ورغبوا فيما عند‬
‫ال واكتسبوا الطيب من رزق ال لمعايشهم‪ ،‬ل يريدون به التفاخر‬
‫والتكاثر‪ ،‬ثم أنفقوه فيما يلزمهم من حقوق واجبة‪ ،‬فاولئك الذين يبارك ال‬
‫لهم فيما اكتسبوا ويثابون على ما قدموا منه لخرتهم‪ ،‬وهو المروي عن‬
‫علي بن الحسين عليهما السلم وقيل‪ :‬هم الذين توالت أفعالهم على موافقة‬
‫الحق )‪ .(3‬وقال رحمه ال في قوله تعالى‪ " :‬الذين إن مكناهم في الرض‬
‫" أي أعطيناهم ما به يصح الفعل منهم وسلطناهم في الرض‪ ،‬أدوا الصلة‬
‫بحقوقها‪ ،‬وأعطوا ما افترض ال عليهم من الزكاة " وأمروا بالمعروف "‬
‫وهو الحق لنه تعرف صحته " ونهوا عن المنكر " وهو الباطل لنه ل‬
‫يمكن معرفة صحته‪ ،‬ويدل على وجوبهما وقال أبو جعفر عليه السلم‪:‬‬
‫نحن هم وال " ول عاقبة المور " أي يبطل كل ملك سوى‬

‫)‪ (1‬الدهر‪ (2) .22 - 5 :‬يونس‪ (3) .68 :‬مجمع البيان ج ‪ 5‬ص ‪.120‬‬

‫]‪[258‬‬

‫ملكه‪ ،‬فتصير المور إليه بل مانع ول منازع )‪ .(1‬وقال في قوله‪ " :‬إن الذين هم‬
‫من خشية ربهم مشفقون " )‪ (2‬أي من عذاب ربهم خائفون‪ ،‬فيفعلون ما‬
‫أمرهم به‪ ،‬وينتهون عما نهاهم عنه " والذين هم بآيات ربهم يؤمنون "‬
‫أي بآيات ال وحججه من القرآن وغيره يصدقون‪ .‬أقول‪ :‬وفي الخبار أن‬
‫اليات هم الئمة عليهم السلم )‪ " .(3‬والذينهم بربهم ل يشركون " من‬
‫الشرك الجلي والخفي " والذين يؤتون ما آتوا " أي يعطون ما أعطوا من‬
‫الزكاة والصدقة‪ ،‬أو أعمال البر كلها كما قال علي بن إبراهيم رحمه ال‪:‬‬
‫من العبادة والطاعة‪ ،‬ويؤيده قراءة " يأتون ما أتوا " في الشواذ )‪" (4‬‬
‫وقلوبهم وجلة " أي خائفة‪ ،‬قال الحسن‪ :‬المؤمن جمع إحسانا وشفقة‪،‬‬
‫والمنافق جمع إساءة وامتنانا‪ ،‬وقال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬خائفة أن ل‬
‫تقبل منهم‪ ،‬وفي رواية اخرى يؤتي ما آتى وهو خائف راج‪ ،‬وقيل‪ :‬إن في‬
‫الكلم حذفا وإضمارا‪ ،‬وتأويله قلوبهم وجلة أن ل يقبل منهم‪ ،‬لعلمهم "‬
‫أنهم إلى ربهم راجعون " أي لنهم يوقنون بأنهم يرجعون إلى ال تعالى‬
‫يخافون أن ل يقبل منهم‪ ،‬وإنما يخافون ذلك لنهم ل يأمنون التفريط أو‬
‫يخافون من أن مرجعهم إليه وهو يعلم ما يخفى عليهم‪ .‬وقال الصادق عليه‬
‫السلم‪ :‬ما الذي أتوا ؟ أتوا وال الطاعة مع المحبة والولية وهم في ذلك‬
‫خائفون ليس خوفهم خوف شك ولكنهم خافوا أن يكونوا مقصرين في‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 7‬ص ‪ ،88‬سورة الحج الية‪ (2) .41 :‬المؤمنون‪ 57 :‬وما‬
‫نقله فيما يلى مأخوذ من تفسير مجمع البيان ج ‪ 7‬ص ‪ .110‬تفسير‬
‫البيضاوى ص ‪ ،288‬وغير ذلك‪ (3) .‬راجع ج ‪ 23‬ص ‪ ،211 - 206‬من‬
‫هذه الطبعة الحديثة باب أنهم عليهم السلم آيات ال وبيناته وكتابه‪(4) .‬‬
‫في الشواذ قراءة النبي صلى ال عليه وآله وعائشة وابن عباس وقتادة‬
‫والعمش " يأتون ما أتوا " مقصورا‪ ،‬كذا في المجمع‪.‬‬
‫]‪[259‬‬

‫محبتنا وطاعتنا )‪ " .(1‬اولئك يسارعون في الخيرات " معناه الذين جمعوا هذه‬
‫الصفات هم الذين يبادرون إلى الطاعات ويسابقون إليها رغبة منهم فيها‪،‬‬
‫وعلما منهم بما ينالون بها من حسن الجزاء " وهم لها سابقون " أي‬
‫وهم لجل تلك الخيرات سابقون إلى الجنة أو هم إليها سابقون‪ ،‬قال ابن‬
‫عباس‪ :‬يسابقون فيها أمثالهم من أهل البر والتقوى وروى علي بن‬
‫إبراهيم‪ ،‬عن الباقر عليه السلم قال‪ :‬هو علي بن أبي طالب عليه السلم لم‬
‫يسبقه أحد )‪ " .(2‬في بيوت " )‪ (3‬أي كمشكوة في بعض بيوت أو توقد‬
‫في بيوت " أذن ال " أي أمر أو قدر " أن ترفع " بالتعظيم " ويذكر فيها‬
‫اسمه " بالتلوة والذكر والدعاء ونزول الوحي وبيان الحكام‪ .‬عن‬
‫الصادق عليه السلم هي بيوت النبي صلى ال عليه وآله )‪ (4‬وعن الباقر‬
‫عليه السلم هي بيوت النبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى‪ ،‬وروى‬
‫علي ابن إبراهيم عنه عليه السلم هي بيوت النبياء وبيت علي عليه‬
‫السلم منها " يسبح له فيها بالغدو والصال " في الفقيه )‪ (5‬عن الصادق‬
‫عليه السلم في هذه الية قال‪ :‬كانوا أصحاب تجارة فإذا حضرت الصلة‬
‫تركوا التجارة وانطلقوا إلى الصلة وهم أعظم أجرا ممن ل يتجر‪ ،‬وفي‬
‫المجمع عنهما عليهما السلم مثله )‪ " (6‬يخافون يوما " مع ما هم عليه‬
‫من الذكر والطاعة " تتقلب فيه القلوب والبصار " تضطرب وتتغير من‬
‫الهول " ليجزيهم ال أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله " أشياء لم‬
‫يعدهم على أعمالهم ول تخطر ببالهم‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 8‬ص ‪ (2) .229‬تفسير القمى ص ‪ (3) .447‬النور‪ (4) .36 :‬الكافي‬
‫ج ‪ 8‬ص ‪ (5) .331‬فقيه من ل يحضره الفقيه ج ‪ 3‬ص ‪ 119‬ط دار‬
‫الكتب بالنجف‪ (6) .‬مجمع البيان ج ‪ 7‬ص ‪.144‬‬

‫]‪[260‬‬

‫" وال يرزق من يشاء بغير حساب " تقرير للزيادة‪ ،‬وتنبيه على كمال القدرة‪،‬‬
‫ونفاذ المشية‪ ،‬وسعة الحسان‪ " .‬وعباد الرحمن " )‪ (1‬أي عبيده الخلص‬
‫الذين عملوا بلوازم العبودية " الذين يمشون على الرض هونا " أي‬
‫بسكينة وتواضع‪ ،‬وفي المجمع عن الصادق عليه السلم هو الرجل يمشي‬
‫بسجيته التي جبل عليها ل يتكلف ول يتبختر )‪ (2‬وروى علي بن إبراهيم‬
‫عن الباقر عليه السلم أنه قال في هذه الية‪ :‬الئمة عليهم السلم يمشون‬
‫على الرض هونا خوفا من عدوهم )‪ (3‬وعن الكاظم عليه السلم أنه سئل‬
‫عن هذه الية فقال‪ :‬هم الئمة يتقون في مشيهم )‪ (4‬وعن الباقر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬هم الوصياء مخافة من عدوهم )‪ " (5‬وإذا خاطبهم الجاهلون‬
‫قالوا سلما " قيل‪ :‬أي تسلما منكم ومتاركة لكم ل خير بيننا ول شر‪ ،‬أو‬
‫سدادا من القول يسلمون فيه من اليذاء والثم " والذين يبيتون لربهم‬
‫سجدا وقياما " أي في الصلة‪ ،‬وتخصيص البيتوتة لن العبادة بالليل أحمز‬
‫وأبعد من الرئاء‪ " .‬والذين يقولون " إلى قوله " غراما " أي لزما‪،‬‬
‫ومنه الغريم لملزمته وهو إيذان بأنهم مع حسن مخالفتهم مع الخلق‪،‬‬
‫واجتهادهم في عبادة الحق وجلون من العذاب مبتهلون إلى ال في صرفه‬
‫عنهم لعدم اعتدادهم بأعمالهم‪ ،‬ول وثوقهم على استمرار أحوالهم " إنها‬
‫ساءت مستقرا ومقاما " الجملتان تحتملن الحكاية والبتداء من ال "‬
‫والذين إذا أنفقوا " الخ‪ .‬قال علي بن إبراهيم‪ :‬السراف النفاق في‬
‫المعصية في غير حق " ولم يقتروا " لم يبخلوا عن حق ال جل وعز‬
‫والقوام العدل والنفاق فيما أمر ال به‪.‬‬

‫)‪ (1‬الفرقان‪ (2) .63 :‬مجمع البيان ج ‪ 7‬ص ‪ 3) .179‬و ‪ (4‬تفسير القمى ص‬
‫‪ (5) .467‬الكافي ج ‪ 1‬ص ‪.427‬‬

‫]‪[261‬‬

‫وفي المجمع عن النبي صلى ال عليه وآله‪ :‬من أعطى في غير حق فقد أسرف‪،‬‬
‫ومن منع من حق فقد قتر‪ ،‬وعن علي عليه السلم‪ :‬ليس في المأكول‬
‫والمشروب سرف وإن كثر )‪ (1‬وعن الصادق عليه السلم‪ :‬إنما السراف‬
‫فيما أفسد المال وأضر بالبدن قيل‪ :‬فما القتار ؟ قال‪ :‬أكل الخبز والملح‬
‫وأنت تقدر على غيره‪ ،‬قيل‪ :‬فما القصد ؟ قال‪ :‬الخبز واللحم واللبن والخل‬
‫والسمن مرة هذا ومرة هذا‪ ،‬وعنه عليه السلم أنه تل هذه الية فأخذ‬
‫قبضة من حصى وقبضها بيده‪ ،‬قال‪ :‬هذا القتار الذي ذكر ال في كتابه‪ ،‬ثم‬
‫قبض قبضة اخرى فأرخى كفه كلها ثم قال‪ :‬هذا السراف‪ ،‬ثم أخذ قبضة‬
‫اخرى فأرخى بعضها وأمسك بعضها وقال‪ :‬هذا القوام‪ " .‬حرم ال " أي‬
‫حرمها بمعنى حرم قتلها " إل بالحق " متعلق بالقتل المحذوف أو بل‬
‫يقتلون " يلق أثاما " أي جزاء " ثم يضاعف " بدل من يلق‪ ،‬وقال علي‬
‫بن إبراهيم‪ :‬أثام واد من أودية جهنم من صفر مذاب‪ ،‬قدامها حرة في جهنم‬
‫يكون فيه من عبد غير ال ومن قتل النفس التي حرم ال‪ ،‬وتكون فيه‬
‫الزناة ويضاعف لهم فيه العذاب " فاولئك يبدل ال سيئاتهم حسنات " في‬
‫العيون عن الرضا عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪:‬‬
‫إذا كان يوم القيامة تجلى ال عزوجل لعبده المؤمن فيقفه على ذنوبه ذنبا‬
‫ذنبا ثم يستغفر له ل يطلع ال على ذلك ملكا مقربا ول نبيا مرسل‪ ،‬ويستر‬
‫عليه ما يكره أن يقف عليه أحد ثم يقول لسيئاته‪ :‬كونوا حسنات‪ .‬وأقول‪:‬‬
‫الخبار في ذلك كثيرة أوردتها في البواب السابقة لسيما في باب الصفح‬
‫عن الشيعة )‪ " .(2‬ومن تاب " بترك المعاصي والندم عليها " وعمل‬
‫صالحا " بتلفي ما فرط‪ ،‬أو خرج عن المعاصي ودخل في الطاعة " فانه‬
‫يتوب إلى ال " أي يرجع إليه بذلك " متابا " مرضيا عند ال ماحيا‬
‫للعقاب محصل للثواب‪ ،‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬ل يعود إلى شئ من ذلك‬
‫باخلص ونية صادقة " والذين ل يشهدون الزور " قال‪ :‬ل‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 7‬ص ‪ (2) .179‬راجع ج ‪ 68‬ص ‪ 149 - 98‬من هذه الطبعة‪.‬‬

‫]‪[262‬‬

‫يقيمون الشهادة الباطلة‪ ،‬وعن الصادق عليه السلم هو الغناء )‪ (1‬وقال علي بن‬
‫إبراهيم الغناء ومجالس اللهو " وإذا مروا باللغو مروا كراما " معرضين‬
‫عنه مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه والخوض فيه‪ ،‬ومن ذلك الغضاء‬
‫عن الفحشاء‪ ،‬والصفح عن الذنوب‪ ،‬والكناية عما يستهجن التصريح به‪،‬‬
‫وفي المجمع عن الباقر عليه السلم الذين إذا أرادوا ذكر الفرج كنوا عنه )‬
‫‪ (2‬وفي الكافي عن الصادق عليه السلم أنه قال لبعض أصحابه‪ :‬أين نزلتم‬
‫؟ قالوا‪ :‬على فلن صاحب القيان‪ ،‬فقال‪ :‬كونوا كراما ثم قال‪ :‬أما سمعتم‬
‫قول ال عزوجل في كتابه " وإذا مروا باللغو مروا كراما " )‪ (3‬وفي‬
‫العيون عن محمد بن أبي عباد كان مشتهرا بالسماع وبشرب النبيذ قال‪:‬‬
‫سألت الرضا عليه السلم عن السماع فقال‪ :‬لهل الحجاز رأي فيه‪ ،‬وهو‬
‫في حيز الباطل واللهو أما سمعت ال يقول " وإذا مروا باللغو مروا كراما‬
‫"‪ " .‬والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا " أي لم‬
‫يقيموا عليها غير واعين لها ول متبصرين بما فيها‪ ،‬كمن ل يسمع ول‬
‫يبصر‪ ،‬بل أكبوا عليها سامعين بآذان واعية‪ ،‬مبصرين بعيون راعية‪ ،‬وفي‬
‫الكافي عن الصادق عليه السلم قال مستبصرين ليسوا بشكاك )‪" (4‬‬
‫والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين " بتوفيقهم‬
‫للطاعة وحيازة الفضائل‪ ،‬فان المؤمن إذا شاركه أهله في طاعة ال سر به‬
‫قلبه‪ ،‬وقر بهم عينه‪ ،‬لما يرى من مساعدتهم له في الدين وتوقع لحوقهم‬
‫به في الجنة‪ " .‬واجعلنا للمتقين إماما " في الجوامع عن الصادق عليه‬
‫السلم إيانا عنى وفي رواية هي فينا وروى علي بن إبراهيم عن الصادق‬
‫عليه السلم قال‪ :‬نحن أهل البيت‪ ،‬قال‪ :‬وروي‬

‫)‪ (1‬راجع الكافي ج ‪ 6‬ص ‪ ،431‬باب الغناء ذيل كتاب الشربة‪ ،‬وقد مر أن الزور‬
‫لغة يطلق على مجلس الغناء‪ (2) .‬مجمع البيان ج ‪ 7‬ص ‪(3) .181‬‬
‫الكافي ج ‪ 6‬ص ‪ ،432‬والقيان‪ .‬جمع القينة‪ :‬الجارية المغنية‪ (4) .‬الكافي‬
‫ج ‪ 8‬ص ‪.178‬‬
‫]‪[263‬‬

‫أن أزواجنا خديجة‪ ،‬وذرياتنا فاطمة‪ ،‬وقرة أعين الحسين والحسين واجعلنا للمتقين‬
‫إماما علي بن أبي طالب والئمة عليهم السلم قال‪ :‬وقرئ عنده عليه‬
‫السلم هذه الية فقال‪ :‬قد سألوا عظيما أن يجعلهم للمتقين أئمة فقيل له‪:‬‬
‫كيف هذا يا ابن رسول ال ؟ قال‪ :‬إنما انزل " واجعل لنا من المتقين " )‬
‫‪ " .(1‬اولئك يجزون الغرفة " أي أعلى مواضع الجنة‪ ،‬وهي اسم جنس‬
‫اريد به الجمع " بما صبروا " أي بصبرهم على المشاق من مضض‬
‫الطاعات‪ ،‬ورفض الشهوات وتحمل المجاهدات " ويلقون فيها تحية‬
‫وسلما " أي دعاء بالتعمير وبالسلمة أي يحييهم الملئكة ويسلمون‬
‫عليهم‪ ،‬أو يحيي بعضهم بعضها ويسلم عليه‪ ،‬أو تبقية دائمة وسلمة من‬
‫كل آفة " خالدين فيها " ل يموتون ول يخرجون‪ " .‬إن الذين قالوا ربنا‬
‫ال " )‪ (2‬اعترافا بربوبيته‪ ،‬وإقرارا بوحدانيته " ثم استقاموا " على‬
‫مقتضاه وفي أخبار كثيرة أن المراد به الستقامة على الولية‪ ،‬وفي نهج‬
‫البلغة وإني متكلم بعدة ال وحجته قال ال تعالى " إن الذين قالوا ربنا‬
‫ال ثم استقاموا " الية‪ ،‬وقد قلتم ربنا ال فاستقيموا على كتابه‪ ،‬وعلى‬
‫منهاج أمره‪ ،‬وعلى الطريقة الصالحة من عبادته‪ ،‬ثم ل تمرقوا منها ول‬
‫تبتدعوا فيها ول تخالفوا عنها‪ ،‬فان أهل المروق منقطع بهم عند ال يوم‬
‫القيامة )‪ (3‬وقد ورد في الخبار الكثيرة أن المراد بالستقامة الستقامة‬
‫على ولية الئمة عليهم السلم واحدا بعد واحد )‪ " .(4‬تتنزل عليهم‬
‫الملئكة " قال الطبرسي رحمه ال‪ :‬يعني عند الموت‪ ،‬وروي ذلك عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم‪ ،‬وقيل‪ :‬تستقبلهم الملئكة إذا خرجوا من قبورهم في‬
‫الموقف بالبشارة من ال تعالى وقيل‪ :‬إن البشرى تكون في ثلثة مواطن‪:‬‬
‫عند الموت وفي القبر‪ ،‬وعند البعث " أن ل تخافوا " عقاب ال " ول‬
‫تحزنوا " فوت الثواب‪ ،‬أو‬

‫)‪ (1‬تفسير القمى ص ‪ 468‬و ‪ (2) .469‬فصلت‪ (3) .29 :‬نهج البلغة تحت الرقم‬
‫‪ 174‬من الخطب‪ (4) .‬راجع ج ‪ 24‬ص ‪ 30 - 25‬من هذه الطبعة الحديثة‪.‬‬

‫]‪[264‬‬

‫ل تخافوا مما أمامكم‪ ،‬ول تحزنوا على ما وراءكم وما خلفكم من أهل وولد‪ ،‬وقيل ل‬
‫تخافوا ول تحزنوا على ذنوبكم فاني أغفرها لكم " نحن أوليائكم " أي‬
‫أنصاركم وأحباؤكم " في الحيوة الدنيا " نتولى إيصال الخيرات إليكم من‬
‫قبل ال تعالى " وفي الخرة " نتولكم بأنواع الكرام والمثوبة‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫نحرسكم في الدنيا وعند الموت وفي الخرة عن أبي جعفر عليه السلم وقد‬
‫روى علي بن إبراهيم وغيره عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬ما يموت موال‬
‫لنا ومبغض لعدائنا إل ويحضره رسول ال صلى ال عليه وآله وأمير‬
‫المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلم فيراهم ويبشرونه‪ ،‬وإن كان‬
‫غير موال يراهم بحيث يسوؤهم وقد مضت الخبار الكثيرة في ذلك " ولكم‬
‫فيها " أي في الخرة " ما تشتهي أنفسكم " من الملذ وتتمنونه من‬
‫المنافع " ولكم فيها ما تدعون " أنه لكم‪ ،‬فان ال سبحانه يحكم لكم بذلك‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬ما تشتهي أنفسكم من اللذائذ‪ ،‬ولكم فيها ما تدعون ما تتمنون من‬
‫الدعاء بمعنى الطلب وهو أعم من الول " نزل من غفور رحيم " حال من‬
‫" تدعون " للشعار بأن ما يتمنون بالنسبة إلى ما يعطون مما ل يخطر‬
‫ببالهم كالنزل للضيف )‪ .(1‬وأقول‪ :‬قد مضت الخبار الكثيرة في أن هذه‬
‫اليات في شأن الئمة عليهم السلم وأن الملئكة يخاطبونهم في الدنيا‬
‫بحيث يسمعون )‪ (2‬وفي البصائر عن الباقر عليه السلم أنه قيل له‪ :‬يبلغنا‬
‫أن الملئكة تتنزل عليكم ! ؟ قال‪ :‬إي وال لتنزل علينا وتطأ فرشنا أما تقرأ‬
‫كتاب ال " إن الذين قالوا ربنا ال " الية )‪ " .(3‬ومن أحسن قول ممن‬
‫دعا إلى ال " أي إلى معرفته وعبادته ودينه الذي ارتضاه لعباده " وعمل‬
‫صالحا " فيما بينه وبين ربه " وقال إنني من المسلمين " قيل تفاخرا به‬
‫واتخاذا للسلم دينا ومذهبا‪.‬‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 9‬ص ‪ 12‬و ‪ (2) .13‬مضى في المجلد السابع كتاب المامة‬
‫من البحار ولم يطبع موضع النص منه في هذه الطبعة‪ ،‬ولك أن تراجع‬
‫في ذلك كتاب الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .393‬بصائر الدرجات ص ‪.90‬‬

‫]‪[265‬‬

‫أقول‪ :‬ويمكن أن يكون المراد به من المنقادين لئمة الدين‪ " .‬إن الذين قالوا ربنا‬
‫ال ثم استقاموا " )‪ (1‬قيل‪ :‬أي جمعوا بين التوحيد الذي هو خلصة العلم‬
‫والستقامة في المور التي هي منتهى العمل‪ ،‬و " ثم " للدللة على تأخير‬
‫رتبة العمل وتوقف اعتباره على التوحيد‪ ،‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬ثم‬
‫استقاموا على ولية أمير المؤمنين )‪ " (2‬فل خوف عليهم " من لحوق‬
‫مكروه " ول هم يحزنون " على فوات محبوب‪ ،‬وهذه مرتبة الولية‪" .‬‬
‫بوالديه حسنا " وقرئ إحسانا )‪ (3‬وفي المجمع عن علي عليه السلم‬
‫حسنا بفتحتين )‪ " (4‬وحمله وفصاله " أي مدتهما " ثلثون شهرا " ذلك‬
‫كله لما تكابده الم في تربية الولد مبالغة في التوصية بها " حتى إذا بلغ‬
‫أشده " أي استحكم قوته وعقله " وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني "‬
‫أي ألهمني وأصله أو لعني من أوزعته بكذا " نعمتك " يعني نعمة الدين‬
‫أو ما يعمها وغيرها " وأصلح لي في ذريتي " أي اجعل لي الصلح ساريا‬
‫في ذريتي راسخا فيهم " إني تبت إليك " عما ل ترضاه أو يشغل عنك "‬
‫وإني من المسلمين " المخلصين لك‪ " .‬أحسن ما عملوا " قيل يعني‬
‫طاعاتهم‪ ،‬فان المباح حسن ول يثاب عليه " في أصحاب الجنة " قيل‪:‬‬
‫كائنين في عدادهم أو مثابين أو معدودين فيهم " وعد الصدق "‬

‫)‪ (1‬الحقاف‪ (2) .12 :‬تفسير القمى‪ (3) .592 :‬حق العبارة هكذا‪ " :‬بوالديه‬
‫احسانا " وقرئ " حسنا " أي بالضم‪ ،‬فان " احسانا " قراءة الكوفيين‬
‫ومنهم عاصم بن أبى النجود الذى دار على قراءته كتابة المصحف‬
‫الشريف‪ ،‬والقراءة الثانية لسائر القراء المكى وهو عبد ال بن كثير‪،‬‬
‫والمدنى وهو نافع بن عبد الرحمان‪ ،‬والبصرى وهو أبو عمرو بن‬
‫العلء‪ ،‬والشامي وهو عبد ال بن عامر اليحصبى‪ (4) .‬مجمع البيان ج ‪9‬‬
‫ص ‪ ،84‬وفيه روى عن على عليه السلم وأبى عبد الرحمان السلمى‪.‬‬

‫]‪[266‬‬

‫مصدر مؤكد لنفسه فان نتقبل ونتجاوز وعد " الذي كانوا يوعدون " أي في الدنيا‪.‬‬
‫وقد مرت أخبار كثيرة في أن اليات نزلت في الحسين صلوات ال عليه‬
‫وعن الصادق عليه السلم قال‪ :‬لما حملت فاطمة بالحسين عليه السلم‬
‫جاء جبرئيل عليه السلم إلى رسول ال صلى ال عليه وآله فقال‪ :‬إن‬
‫فاطمة ستلد غلما تقتله امتك من بعدك فلما حملت فاطمة بالحسين كرهت‬
‫حمله وحين وضعته كرهت وضعه ثم قال عليه السلم لم تر في الدنيا ام‬
‫تلد غلما تكرهه ولكنها كرهته لما علمت أنه سيقتل قال وفيه نزلت هذه‬
‫الية وفي رواية اخرى‪ :‬ثم هبط جبرئيل عليه السلم فقال‪ :‬يا محمد إن‬
‫ربك يقرئك السلم ويبشرك بأنه جاعل في ذريته المامة والولية‬
‫والوصية‪ ،‬فقال‪ :‬إني رضيت ثم بشر فاطمة عليها السلم بذلك فرضيت‪،‬‬
‫قال فلول أنه قال " أصلح لي في ذريتي " لكانت ذريته كلهم أئمة قال‪ :‬ولم‬
‫يولد ولد لستة أشهر إل عيسى بن مريم والحسين عليهما السلم )‪" .(1‬‬
‫آخذين ما آتيهم ربهم " )‪ (2‬قيل‪ :‬أي قابلين لما أعطاهم راضين به‪،‬‬
‫ومعناه أن كل ما آتاهم حسن مرضي متلقى بالقبول " إنهم كانوا قبل ذلك‬
‫محسنين " قد أحسنوا أعمالهم وهو تعليل لستحقاقهم ذلك " كانوا قليل‬
‫من الليل ما يهجعون " تفسير لحسانهم‪ ،‬وعن الصادق عليه السلم كانوا‬
‫أقل الليالي يفوتهم ل يقومون فيها )‪ (3‬وعن الباقر عليه السلم كان القوم‬
‫ينامون ولكن كلما انقلب أحدهم قال‪ :‬الحمد ل ول إله إل ال وال أكبر "‬
‫وبالسحار هم يستغفرون " عن الصادق عليه السلم كانوا يستغفرون في‬
‫الوتر في آخر الليل سبعين مرة " وفي أموالهم حق " أي نصيب‬
‫يستوجبونه على أنفسهم تقربا إلى ال وإشفاقا على الناس " للسائل‬
‫والمحروم " عن الصادق عليه السلم المحروم المحارف الذي قد حرم‬
‫كديده في الشراء والبيع‪ ،‬وفي رواية اخرى ليس بعقله بأس ول يبسط له‬
‫في الرزق وهو محارف وقيل‪ :‬المحروم المتعفف الذي‬

‫)‪ (1‬راجع ج ‪ 43‬ص ‪ 237 - 260‬من هذه الطبعة‪ :‬باب ولدة المامين الهامين‬
‫الحسن والحسين عليهما السلم‪ (2) .‬الذاريات‪ (3) .15 :‬الكافي ج ‪ 3‬ص‬
‫‪.446‬‬

‫]‪[267‬‬

‫يظن غنيا فيحرم الصدقة )‪ .(1‬يوادون من حاد ال ورسوله " )‪ (2‬في المجمع أي‬
‫يوالون من خالف ال ورسوله‪ ،‬والمعنى ل تجتمع موالة الكفار مع اليمان‬
‫والمراد به الموالة في الدين " ولو كانوا آبائهم " أي وإن قربت قرابتهم‬
‫منهم‪ ،‬فانهم ل يوالونهم إذا خالفوهم في الدين " اولئك " أي الذين لم‬
‫يوادوهم " كتب في قلوبهم اليمان " أي ثبت في قلوبهم اليمان بما فعل‬
‫بهم من اللطاف‪ ،‬فصار كالمكتوب‪ ،‬وقيل‪ :‬كتب في قلوبهم علمة اليمان‪،‬‬
‫ومعنى ذلك أنها سمة لمن شاهدهم من الملئكة على أنهم مؤمنون "‬
‫وأيدهم بروح منه " أي قواهم بنور اليمان )‪ (3‬وفي الكافي عنهما عليهما‬
‫السلم هو اليمان‪ ،‬وعن الصادق عليه السلم ما من مؤمن إل ولقلبه‬
‫اذنان في جوفه‪ :‬اذن ينفث فيها الوسواس الخناس واذن ينفث فيها الملك‪،‬‬
‫فيؤيد ال المؤمن بالملك‪ ،‬فذلك قوله وأيدهم بروح منه )‪ (4‬وقد مضت‬
‫الخبار في ذلك " رضي ال عنهم " باخلص الطاعة والعبادة منهم "‬
‫ورضوا عنه " بثواب الجنة‪ ،‬وقيل‪ :‬بقضاء ال عليهم في الدنيا فلم‬
‫يكرهوه " اولئك حزب ال " أي جند ال وأنصار دينه ورعاة خلقه " أل‬
‫إن حزب ال هم المفلحون " أي أن جنود ال وأولياءه هم المنجحون‬
‫الناجون الظافرون بالبغية فيقول تبجحا وإظهارا ا ؟ رح والسرور‪ " .‬هاؤم‬
‫اقرؤا كتابيه " )‪ " (5‬هاؤم " اسم لخذوا‪ ،‬والهاء في كتابيه ونظائره‬
‫التية للسكت‪ :‬تثبت في الوقف وتسقط في الوصل " إني ظننت " أي‬
‫تيقنت كذا في التوحيد والحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلم قال‪:‬‬
‫والظن ظنان‪ :‬ظن شك وظن يقين‪ ،‬فما كان من أمر المعاد من الظن فهو‬
‫ظن يقين‪ ،‬وما كان من أمر الدنيا‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 3‬ص ‪ (2) .500‬المجادلة‪ (3) .22 :‬مجمع البيان ج ‪ 10‬ص ‪) .255‬‬
‫‪ (4‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (5) .267‬الحاقة‪.20 :‬‬
‫]‪[268‬‬

‫فهو ظن شك " أني ملق حسابيه " قال إني ابعث واحاسب وروى علي بن إبراهيم‬
‫عن الصادق عليه السلم كل امة يحاسبها إمام زمانها ويعرف الئمة‬
‫أولياءهم وأعداءهم بسيماهم وهو قوله " وعلى العراف رجال " وهم‬
‫الئمة يعرفون كل بسيماهم فيعطوا أولياءهم كتبهم بأيمانهم‪ ،‬فيمروا إلى‬
‫الجنة بغير حساب‪ ،‬ويعطوا أعداءهم كتبهم بشمالهم فيمروا إلى النار بل‬
‫حساب فإذا نظر أولياؤهم في كتبهم يقولون لخوانهم " هاؤم اقرؤا كتابيه‬
‫إني ظننت أني ملق حسابيه‪ ،‬فهو في عيشة راضية " قال علي بن‬
‫إبراهيم أي مرضية فوضع الفاعل مكان المفعول‪ ،‬وقيل أي ذات رضى أو‬
‫جعل الفعل لها مجازا " في جنة عالية " قيل أي مرتفعة المكان‪ ،‬لنها في‬
‫السماء‪ ،‬أو الدرجات أو البنية والشجار " قطوفها " جمع قطف وهو ما‬
‫يجتنى بسرعة والقطف بالفتح المصدر " دانية " يتناولها القائم والقاعد‬
‫" كلوا واشربوا " باضمار القول وجمع الضمير للمعنى " هنيئا " أي أكل‬
‫وشربا هنيئا أو هنئتم هنيئا " بما أسلفتم " أي بما قدمتم من العمال‬
‫الصالحة " في اليام الخالية " أي الماضية من أيام الدنيا‪ " .‬إل المصلين‬
‫" )‪ (1‬روى علي بن إبراهيم عن الباقر عليه السلم قال‪ :‬ثم استثنى‬
‫فوصفهم بأحسن أعمالهم ]وهو قضاء ما فاتهم من الليل بالنهار وما فاتهم‬
‫من النهار بالليل[ " والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم " في‬
‫الكافي عن السجاد عليه السلم الحق المعلوم الشئ يخرجه من ماله ليس‬
‫من الزكاة ول من الصدقة المفروضتين هو الشئ يخرجه من ماله إن شاء‬
‫أكثر وإن شاء أقل على قدر ما يملك يصل به رحما ويقوى به ضعيفا‬
‫ويحمل به كل ويصل به أخا له في ال أو لنائبة تنوبه )‪ (2‬وفي معناه‬
‫أخبار اخر وعن الصادق عليه السلم المحروم المحارف الذي قد حرم كد‬
‫يده كما مر " والذين يصدقون بيوم الدين " في الكافي عن الباقر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬بخروج القائم عليه السلم )‪ (3‬قوله " مشفقون " أي خائفون‬
‫على أنفسهم‪.‬‬

‫)‪ (1‬المعارج‪ (2) .23 :‬راجع الكافي باب فرض الزكاة الحديث ‪ (3) .11‬الكافي ج ‪8‬‬
‫ص ‪.287‬‬

‫]‪[269‬‬

‫" إن عذاب ربهم غير مأمون " اعتراض يدل على أنه ل ينبغي لحد أن يأمن من‬
‫عذاب ال‪ ،‬وإن بالغ في طاعته " إل على أزواجهم " شاملة للمتعة " أو‬
‫ما ملكت أيمانهم " التحليل داخل في أحدهما على القولين " فاولئك هم‬
‫العادون " الكاملون للعدوان " راعون " أي حافظون " قائمون " ل‬
‫يكتمون ول ينكرون " يحافظون " أي يراعون شرائطها وآدابها وأوقاتها‪،‬‬
‫وفي الكافي والمجمع عن الباقر عليه السلم قال‪ :‬هي الفريضة " والذينهم‬
‫على صلوتهم دائمون " النافلة وعن الكاظم عليه السلم اولئك أصحاب‬
‫الخمسين صلة من شيعتنا )‪ " (1‬اولئك في جنات مكرمون " أي معظمون‬
‫مبجلون بما يفعل بهم من الثواب‪ " .‬من كأس " )‪ (2‬قيل‪ :‬من خمر وهي‬
‫في الصل لقدح تكون فيه " كان مزاجها " أي ما يمزج بها " كافورا "‬
‫لبرده وعذوبته وطيب عرفه " عينا يشرب بها " أي منها " يفجرونها‬
‫تفجيرا " أي يجرونها حيث شاؤا إجراء سهل وفي المجالس عن الباقر‬
‫عليه السلم هي عين في دار النبي صلى ال عليه وآله يفجر إلى دور‬
‫النبياء والمؤمنين " يوفون بالنذر " أي النذر الذي نذره أهل البيت عليهم‬
‫السلم لشفاء الحسنين عليهما السلم " ويخافون يوما كان شره مستطيرا‬
‫" أي شدائده فاشية منتشرة غاية النتشار‪ ،‬وعن الباقر عليه السلم كلوحا‬
‫عابسا‪ " .‬على حبه " أي حب ال‪ ،‬أو حب الطعام‪ ،‬وعن الباقر عليه‬
‫السلم عن شهوتهم للطعام وإيثارهم له " مسكينا " قال‪ :‬من مساكين‬
‫المسلمين " ويتيما " من يتامى المسلمين " وأسيرا " من اسارى‬
‫المشركين " إنما نطعمكم لوجه ال " قال عليه السلم يقولون إذا‬
‫أطعموهم ذلك قال وال ما قالوا هذا لهم‪ ،‬ولكنهم أضمروه في أنفسهم‬
‫فأخبر ال باضمارهم يقولون " ل نريد منكم جزاء " تكافؤننا به " ول‬
‫شكورا " تثنون علينا به‪ ،‬ولكنا إنما أطعمناكم لوجه ال‪ ،‬وطلب ثوابه‪" ،‬‬
‫يوما عبوسا " تعبس فيه الوجوه " قمطريرا " شديد العبوس " نضرة‬
‫وسرورا " قال الباقر عليه السلم نضرة في الوجوه وسرورا في القلوب‬
‫" جنة وحريرا " قال عليه السلم‪ :‬جنة يسكنونها‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 10‬ص ‪ ،357‬الكافي ج ‪ 3‬ص ‪ (2) .270‬الدهر‪.5 :‬‬

‫]‪[270‬‬

‫وحريرا يفترشونه ويلبسونه‪ .‬وقد روى الخاص والعام أن اليات في هذه السورة‬
‫وهي قوله " إن البرار يشربون " إلى قوله " وكان سعيكم مشكورا "‬
‫نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلم وجارية لهم تسمى‬
‫فضة والقصة طويلة مرت بأسانيد جمة مع تفسير سائر اليات في أبواب‬
‫فضائلهم عليهم السلم )‪ " .(1‬والعصر إن النسان لفي خسر " قيل‪ :‬اقسم‬
‫بصلة العصر‪ ،‬أو بعصر النبوة إن النسان لفي خسر في مساعيهم‬
‫وصرف أعمارهم في مطالبهم " إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات " فانهم‬
‫اشتروا الخرة بالدنيا‪ ،‬ففازوا بالحياة البدية والسعادة السرمدية "‬
‫وتواصوا بالحق " أي بالثابت الذي ل يصح إنكاره من اعتقاد أو عمل "‬
‫وتواصوا بالصبر " عن المعاصي والطاعات‪ ،‬وعلى المصائب‪ ،‬وهذا من‬
‫عطف الخاص على العام وعن الصادق عليه السلم إن العصر عصر‬
‫خروج القائم عليه السلم " إن النسان لفي خسر " يعني أعداءنا " إل‬
‫الذين آمنوا " يعني بآياتنا " وعملوا الصالحات " يعني بمواساة الخوان‬
‫" وتواصوا بالحق " يعني المامة " وتواصوا بالصبر " يعني بالفترة )‬
‫‪ (2‬وقد سبقت الخبار في تأويلها بالولية وقراءة أهل البيت عليهم السلم‬
‫فيها )‪ - 1 .(3‬كش‪ :‬عن نصر بن صباح‪ ،‬عن إسحاق بن محمد‪ ،‬عن‬
‫فضيل‪ ،‬عن محمد بن زيد عن موسى بن عبد ال‪ ،‬عن عمرو بن شمر قال‪:‬‬
‫جاء قوم إلى جابر الجعفي فسألوه أن يعينهم في بناء مسجدهم قال‪ :‬ما‬
‫كنت بالذي اعين في بناء شئ ويقع منه رجل مؤمن فيموت‪ ،‬فخرجوا من‬
‫عنده وهم يبخلونه ويكذبونه فلما كان من الغد أتموا الدراهم ووضعوا‬
‫أيديهم في البناء‪ ،‬فلما كان عند العصر نزلت قدم البناء‬

‫)‪ (1‬راجع ج ‪ 35‬ص ‪ 257 - 237‬باب نزول هل أتى‪ (2) .‬راجع اكمال الدين واتمام‬
‫النعمة باب نوادر الكتاب تحت الرقم ‪) ،1‬ص ‪ 370‬ج ‪ 2‬ط المكتبة‬
‫السلمية(‪ (3) .‬راجع ج ‪ 36‬ص ‪ 183‬من هذه الطبعة الحديثة‪ ،‬تفسير‬
‫القمى ‪.738‬‬

‫]‪[271‬‬

‫فوقع فمات )‪ - 2 .(1‬كش‪ :‬عن نصر‪ ،‬عن إسحاق‪ ،‬عن علي بن عبيد ومحمد بن‬
‫منصور الكوفي عن محمد بن إسماعيل‪ ،‬عن صدقة‪ ،‬عن عمرو بن شمر‬
‫قال‪ :‬جاء العل بن شريك برجل من جعفي قال‪ :‬خرجت مع جابر لما طلبه‬
‫هشام حتى انتهى إلى السواد قال‪ :‬فبينا نحن قعود وراعي قريب منا إذ ثغت‬
‫نعجة من شائه )‪ (2‬إلى حمل فضحك جابر فقلت له‪ :‬ما يضحكك يا با محمد‬
‫؟ قال‪ :‬إن هذه النعجة دعت حملها فلم يجئ فقالت له‪ :‬تنح عن ذلك‬
‫الموضع فان الذئب عام أول أخذ أخاك منه‪ ،‬فقلت‪ :‬لعلمن حقية هذا أو‬
‫كذبه‪ ،‬فجئت إلى الراعي فقلت‪ :‬يا راعي تبيعني هذا الحمل ؟ قال‪ :‬فقال‪ :‬ل‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬ولم ؟ قال‪ :‬لن امه أفره شاة في الغنم وأغزرها درة‪ ،‬وكان الذئب‬
‫أخذ حمل لها منذ عام الول من ذلك الموضع فما رجع لبنها حتى وضعت‬
‫هذا فدرت‪ ،‬فقلت‪ :‬صدق‪ ،‬ثم أقبلت فلما صرت على جسر الكوفة نظر إلى‬
‫رجل معه خاتم ياقوت فقال له‪ :‬يا فلن خاتمك هذا البراق أرنيه قال‪ :‬فخلعه‬
‫فأعطاه فلما صار في يده رمى به في الفرات قال الخر‪ :‬ما صنعت ؟ قال‪:‬‬
‫تحب أن تأخذه ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فقال بيده إلى الماء فأقبل الماء يعلو بعضه‬
‫على بعض حتى إذا قرب تناوله وأخذه )‪ .(3‬بيان‪ " :‬إذ ثغت " بالثاء‬
‫المثلثة والغين المعجمة أي صوتت " والثغاء " بالضم صوت الشاة‪ ،‬وهذا‬
‫أصح النسخ وفي بعضها " إذ لعبت " وفي بعضها " إذ نقت " بالنون‬
‫والقاف المشددة أي صاحت‪ ،‬لكن يطلق غالبا على صياح الضفدع‬
‫والدجاجة والهر‪ ،‬وفي بعضها " لفت " باللم والفاء المشددة والكل‬
‫تصحيف إل الول والنعجة النثى من الضأن والشاة الواحدة من الغنم‬
‫للذكر والنثى‪ ،‬والجمع شاء وفي بعض النسخ " من شائه " بالهمز‪،‬‬
‫والحمل بالتحريك الصغير من أولد الضأن‪ ،‬والفراهة‬

‫)‪ (1‬رجال الكشى ص ‪ (2) .171‬الشاء جمع شاة‪ ،‬وفى النسخ " من شاته " وهو‬
‫تصحيف‪ (3) .‬رجال الكشى ص ‪.172‬‬

‫]‪[272‬‬

‫الحذق وأفرهت الناقة إذا كانت تنتج الفره )‪ " (1‬أغزرها درة " أي أكثرها لبنا‪3 .‬‬
‫‪ -‬كش‪ :‬عن علي بن محمد‪ ،‬عن محمد بن أحمد‪ ،‬عن محمد بن علي‬
‫الهمداني عن علي بن إسماعيل‪ ،‬عن ربعي بن عبد ال قال‪ :‬حدثني غاسل‬
‫الفضيل بن يسار قال‪ :‬إني لغسل الفضيل بن يسار وإن يده لتسبقني إلى‬
‫عورته فخبرت بذلك أبا عبد ال عليه السلم فقال لي‪ :‬رحم ال الفضيل بن‬
‫يسار وهو منا أهل البيت )‪ - 4 .(2‬مع )‪ (3‬لى‪ :‬عن الطالقاني‪ ،‬عن أحمد‬
‫الهمداني‪ ،‬عن الحسن بن القاسم عن علي بن إبراهيم بن المعلى‪ ،‬عن‬
‫محمد بن خالد‪ ،‬عن عبد ال بن بكر المرادي عن موسى بن جعفر‪ ،‬عن‬
‫آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين صلوات ال عليه للشيخ الذي‬
‫أتاه من الشام‪ :‬يا شيخ إن ال عزوجل خلق خلقا ضيق الدنيا عليهم نظرا‬
‫لهم فزهدهم فيها وفي حطامها‪ ،‬فرغبوا في دار السلم الذي دعاهم إليه‪،‬‬
‫وصبروا على ضيق المعيشة‪ ،‬وصبروا على المكروه‪ ،‬واشتاقوا إلى ما عند‬
‫ال من الكرامة‪ ،‬وبذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان ال‪ ،‬وكانت خاتمة أعمالهم‬
‫الشهادة‪ ،‬فلقوا ال وهم عنهم راض وعلموا أن الموت سبيل من مضى‬
‫ومن بقي‪ ،‬فتزودوا لخرتهم غير الذهب والفضة ولبسوا الخشن‪ ،‬وصبروا‬
‫على القوت‪ ،‬وقدموا الفضل‪ ،‬وأحبوا في ال‪ ،‬وأبغضوا في ال عزوجل‬
‫اولئك المصابيح وأهل النعيم في الخرة والسلم‪ ،‬الخبر )‪ .(4‬كتاب الغايات‪:‬‬
‫مرسل مثله‪ - 5 .‬مع‪ :‬عن ابن المتوكل‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫محمد‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن عبد ال بن سنان قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه‬
‫السلم‪ :‬طوبى لعبد نؤمة عرف الناس فصاحبهم ببدنه‪ ،‬ولم يصاحبهم في‬
‫أعمالهم بقلبه‪ ،‬فعرفوه في الظاهر‪ ،‬وعرفهم‬
‫)‪ (1‬جمع الفاره بصيغة اسم الفاعل‪ (2) .‬رجال الكشى ص ‪ (3) .186‬معاني الخار‬
‫ص ‪ 197‬باب معنى الغايات تحت الرقم ‪ (4) .4‬أمالى الصدوق ص ‪:236‬‬
‫المجلس الثاني والستون تحت الرقم ‪.4‬‬

‫]‪[273‬‬

‫في الباطن )‪ .(1‬بيان‪ :‬قال في النهاية‪ :‬في حديث علي عليه السلم أنه ذكر آخر‬
‫الزمان والفتن ثم قال‪ :‬خير أهل ذلك الزمان كل مؤمن نؤمة‪ ،‬النؤمة بوزن‬
‫الهمزة الخامل الذكر الذي ل يؤبه له‪ ،‬وقيل‪ :‬الغامض في الناس الذي ل‬
‫يعرف الشر وأهله‪ ،‬وقيل‪ :‬النومة بالتحريك الكثير النوم وأما الخامل الذي‬
‫ل يؤبه له فهو بالتسكين ومن الول حديث ابن عباس أنه قال لعلي‪ :‬ما‬
‫النومة ؟ قال‪ :‬الذي يسكت في الفتنة فل يبدو منه شئ‪ ،‬انتهى‪ .‬وفي نهج‬
‫البلغة " وذلك زمان ل ينجو فيه إل كل مؤمن نؤمة‪ ،‬إن شهد لم يعرف‪،‬‬
‫وإن غاب لم يفتقد‪ ،‬اولئك مصابيح الهدى وأعلم السرى‪ ،‬ليسوا بالمساييح‬
‫ول المذاييع البذر‪ ،‬اولئك يفتح ال لهم أبواب رحمته ويكشف عنهم ضراء‬
‫نقمته "‪ .‬وقال السيد رضي ال عنه‪ :‬قوله عليه السلم‪ :‬كل مؤمن نؤمة‬
‫فانما أراد به الخامل الذكر القليل الشر‪ ،‬والمساييح جمع مسياح وهو الذي‬
‫يسيح بين الناس بالفساد والنمائم‪ ،‬والمذاييع جمع مذياع‪ ،‬وهو الذي إذا‬
‫سمع لغيره بفاحشة أذاعها ونوه بها والبذر جمع بذور وهو الذي يكثر‬
‫سفهه ويلغو منطقه انتهى )‪ .(2‬ولم يذكر الجوهري النؤمة بالهمزة وقال‪:‬‬
‫رجل نومة بالضم ساكنة الواو أي ل يؤبه له‪ ،‬ورجل نومة بفتح الواو أي‬
‫نؤوم وهو الكثير النوم‪ ،‬وفي القاموس وهو نائم ونؤم ونؤمة كهمزة‬
‫وصرد ثم قال‪ :‬ونومة كهمزة وأمير مغفل أو خامل والول بالهمزة والباقي‬
‫بالواو‪ .‬وافتقده أي طلبه عند غيبته‪ ،‬والجملتان كالتفسير للنومة على‬
‫الظاهر‪ ،‬فالمراد‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار ص ‪ 380‬و ‪ (2) .381‬نهج البلغة ج ‪ 1‬ص ‪ ،213‬تحت الرقم‬
‫‪ 101‬من الخطب‪.‬‬

‫]‪[274‬‬

‫به الخامل )‪ (1‬والسرى كالهدى السير عامة الليل وأعلم السرى كلما يهتدى به في‬
‫ذلك السير‪ ،‬وفي النهاية ليسوا بالمساييح البذر أي الذين يسعون بالشر‬
‫والنميمة وقيل‪ :‬هو من التسييح في الثوب‪ ،‬وهو أن يكون فيه خطوط‬
‫مختلفة‪ ،‬وقال‪ :‬المذاييع جمع مذياع من أذاع الشئ إذا أفشاه وقيل أراد‬
‫الذين يذيعون الفواحش وهو بناء مبالغة‪ ،‬وقال‪ :‬البذر جمع بذور يقال‬
‫بذرت الكلم بين الناس كما تبذر الحبوب أي أفشيته وفرقته انتهى‪ " .‬يفتح‬
‫ال لهم " أي ببركاتهم تنزل الخيرات وتندفع الشرور والفات والضراء‬
‫الحالة التي تضر نقيض السراء‪ - 6 .‬ب‪ :‬عن ابن سعد‪ ،‬عن الزدي قال‪:‬‬
‫قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إن من أغبط أوليائي عندي عبد مؤمن ذو‬
‫حظ من صلح‪ ،‬وأحسن عبادة ربه‪ ،‬وعبد ال في السريرة‪ ،‬وكان غامضا‬
‫في الناس‪ ،‬فلم يشر إليه بالصابع‪ ،‬وكان رزقه كفافا فصبر عليه‪ ،‬تعجلت‬
‫به المنية فقل تراثه وقلت بواكيه‪ ،‬ثلثا )‪ .(2‬بيان‪ " :‬ثلثا " أي قال قوله‬
‫فقل إلى آخر الخبر ثلثا ويحتمل الجميع لكنه بعيد‪ - 7 .‬ل‪ :‬عن ما جيلويه‪،‬‬
‫عن عمه‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن القاسم‪ ،‬عن جده عن أبي بصير‪ ،‬عن محمد بن‬
‫مسلم‪ ،‬عن أبي جعفر‪ ،‬عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلم قال‪ :‬إن‬
‫ال تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة‪ :‬أخفى رضاه في طاعته‪ ،‬فل‬
‫تستصغرن شيئا من طاعته فربما وافق رضاه وأنت ل تعلم‪ ،‬وأخفى سخطه‬
‫في معصيته فل تستصغرن شيئا من معصيته‪ ،‬فربما وافق سخطه وأنت ل‬
‫تعلم‪ ،‬وأخفى إجابته في دعوته فل تستصغرن شيئا من دعائه فربما وافق‬
‫إجابته وأنت ل تعلم‪ ،‬وأخفى‬

‫)‪ (1‬وروى الصدوق في معاني الخبار ص ‪ 166‬باب معنى النومة عن أبى الطفيل‬
‫أنه سمع أمير المؤمنين عليه السلم يقول‪ :‬ان بعدى فتنا مظلمة عمياء‬
‫مشككة ل يبقى فيها ال النومة‪ ،‬قيل‪ :‬وما النومة يا أمير المؤمنين ؟ قال‪:‬‬
‫الذى ل يدرى الناس ما في نفسه‪ (2) .‬قرب السناد ص ‪ ،28‬ط النجف‪.‬‬

‫]‪[275‬‬

‫وليه في عباده فل تستصغرن عبدا من عبيد ال فربما يكون وليه وأنت ل تعلم )‪.(1‬‬
‫‪ - 8‬ل‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن أيوب بن نوح‪ ،‬عن ربيع بن محمد المسلى‬
‫عن عبد العلى‪ ،‬عن نوف قال‪ :‬بت ليلة عند أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫فكان يصلي الليل كله‪ ،‬ويخرج ساعة بعد ساعة فينظر إلى السماء ويتلو‬
‫القرآن‪ ،‬قال فمر بي بعد هدوء من الليل‪ ،‬فقال‪ :‬يا نوف أراقد أنت أم‬
‫رامق ؟ قلت‪ :‬بل رامق أرمقك ببصري يا أمير المؤمنين قال‪ :‬يا نوف‬
‫طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الخرة اولئك الذين اتخذوا الرض‬
‫بساطا‪ ،‬وترابها فراشا‪ ،‬وماءها طيبا‪ ،‬والقرآن دثارا‪ ،‬والدعاء شعارا‪،‬‬
‫وقرضوا من الدنيا تقريضا‪ ،‬على منهاج عيسى بن مريم عليه السلم‪ .‬إن‬
‫ال عزوجل أوحى إلى عيسى بن مريم عليه السلم قل للملء من بني‬
‫إسرائيل ل يدخلون بيتا من بيوتي إل بقلوب طاهرة‪ ،‬وأبصار خاشعة‪،‬‬
‫وأكف نقية‪ ،‬وقل لهم اعلموا أني غير مستجيب لحد منكم دعوة‪ ،‬ولحد‬
‫من خلقي قبله مظلمة يا نوف إياك أن تكون عشارا أو شاعرا أو شرطيا أو‬
‫عريفا أو صاحب عرطبة وهي الطنبور أو صاحب كوبة‪ ،‬وهو الطبل فان‬
‫نبي ال عليه السلم خرج ذات ليلة فنظر إلى السماء فقال‪ :‬إنها الساعة‬
‫التي ل يرد فيها دعوة إل دعوة عريف أو دعوة شاعر أو دعوة عاشر أو‬
‫شرطي أو صاحب عرطبة أو صاحب كوبة )‪ .(2‬بيان‪ :‬في القاموس هد‬
‫أكمنع هدءا وهدوءا سكن وأتانا بعد هدء من الليل وهدء وهدأة وهدئ‬
‫ومهدأ وهدوء أي حين هدء الليل والرجل‪ ،‬وفي النهاية فيه إياكم والسمر‬
‫بعد هدأة الرجل‪ ،‬الهدأة والهدء السكون عن الحركات أي بعد ما يسكن‬
‫الناس عن المشي والختلف في الطرق " اتخذوا الرض بساطا " أي‬
‫يجلسون على الرض من غير بساط " وترابها فراشا " أي ينامون على‬
‫التراب من غير فراش " وماءها طيبا " أي يتطيبون بالماء من غير‬
‫استعمال طيب لعدم‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .98‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.164‬‬

‫]‪[276‬‬

‫قدرتهم عليه " والقرآن دثارا " أي يلزمون القرآن والدعاء كلزوم الدثار والشعار‬
‫للنسان‪ ،‬فيدل على أن الدعاء أفضل لن الشعار أهم وأخص وألصق‪ ،‬أو‬
‫يبتدؤن بالتلوة قبل النوم بل دثار كما يبتدئ غيرهم بتحصيل الدثار‬
‫ولبسه‪ ،‬وفي النهج " والقرآن شعارا والدعاء دثارا " فالمر بالعكس في‬
‫الشعار بالفضل " وأكف نقية " أي عن التلوث بالحرام والشبهة أو "‬
‫شاعرا " أي بالباطل وفي المصباح الشرطة وزان غرفة‪ ،‬وفتح الراء‬
‫وزان رطبة لغة قليلة‪ ،‬وهي الجند‪ ،‬وصاحب الشرطة الحاكم‪ ،‬والجمع شرط‬
‫مثل رطب‪ ،‬وهم أعوان السلطان‪ ،‬وإذا نسب إلى هذا قيل‪ :‬شرطي‬
‫بالسكون‪ ،‬والعريف القيم بامور القبيلة‪ ،‬وفي النهاية العرطبة العود‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫الطنبور‪ ،‬وقال‪ :‬الكوبة النرد‪ ،‬وقيل‪ :‬الطبل‪ ،‬وقيل‪ :‬البربط‪ - 9 .‬أقول‪ :‬قد‬
‫روي هذا الخبر في النهج هكذا‪ :‬وعن نوف البكالي قال‪ :‬رأيت أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم ذات ليلة وقد خرج من فراشه فنظر إلى النجوم‬
‫فقال‪ :‬يا نوف أراقد أنت أم رامق ؟ فقلت‪ :‬بل رامق يا أمير المؤمنين‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الخرة‪ ،‬اولئك قوم‬
‫اتخذوا الرض بساطا‪ ،‬وترابها فراشا‪ ،‬وماءها طيبا‪ ،‬والقرآن شعارا‪،‬‬
‫والدعاء دثارا‪ ،‬ثم قرضوا الدنيا قرضا على منهاج المسيح عليه السلم‪ .‬يا‬
‫نوف إن داود عليه السلم قام في مثل هذه الساعة من الليل‪ ،‬فقال‪ :‬إنها‬
‫ساعة ل يدعو فيها عبد ربه إل استجيب له‪ ،‬إل أن يكون عشارا أو عريفا‬
‫أو شرطيا أو صاحب عرطبة وهي الطنبور‪ ،‬أو صاحب كوبة وهي الطبل‪،‬‬
‫وقد قيل أيضا إن العرطبة الطبل والكوبة الطنبور انتهى )‪ .(1‬وقال‬
‫الجوهري‪ :‬نوف البكالي كان حاجب أمير المؤمنين عليه السلم وقال ابن‬
‫ميثم‪ :‬البكالي بكسر الباء منسوب إلى بكالة قرية من اليمن‪ ،‬وأقول‪ :‬في‬
‫بعض النسخ البكالي بفتح الباء‪ ،‬والرقد بالفتح والرقاد والرقود بضمهما‬
‫النوم‪ ،‬والرقاد خاص‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة تحت الرقم ‪ 104‬من الحكم‪ ،‬ط عبده ج ‪ 2‬ص ‪.165‬‬

‫]‪[277‬‬

‫بالليل‪ ،‬ورمقه كنصره أي لحظه لحظا خفيفا‪ ،‬وأقول‪ :‬سيأتي مزيد شرح الخبر في‬
‫أبواب المناهي إنشاء ال‪ - 10 .‬شى‪ :‬عن عبد الرحمن بن سالم الشل‪،‬‬
‫عن بعض الفقهاء قال‪ :‬قال أمير المؤمنين " إن أولياء ال ل خوف عليهم‬
‫ول هم يحزنون " )‪ (1‬ثم قال تدرون من أولياء ال ؟ قالوا‪ :‬من هم يا أمير‬
‫المؤمنين ؟ فقال‪ :‬هم نحن وأتباعنا‪ ،‬فمن تبعنا من بعدنا طوبى لنا وطوبى‬
‫لهم أفضل من طوبى لنا‪ ،‬قال‪ :‬يا أمير المؤمنين ما شأن طوبى لهم أفضل‬
‫من طوبى لنا ؟ ألسنا نحن وهم على أمر ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬لنهم حملوا ما لم‬
‫تحملوا عليه‪ ،‬وأطاقوا ما لم تطيقوا )‪ - 11 .(2‬شى‪ :‬عن بريد العجلي‪ ،‬عن‬
‫أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬وجدنا في كتاب علي بن الحسين عليهما‬
‫السلم " أل إن أولياء ال ل خوف عليهم ول هم يحزنون " إذا أدوا‬
‫فرائض ال‪ ،‬وأخذوا سنن رسول ال‪ ،‬وتورعوا عن محارم ال‪ ،‬وزهدوا‬
‫في عاجل زهرة الدنيا‪ ،‬ورغبوا فيما عند ال‪ ،‬واكتسبوا الطيب من رزق‬
‫ال لوجه ال ل يريدون به التفاخر والتكاثر‪ ،‬ثم أنفقوا فيما يلزمهم من‬
‫حقوق واجبة‪ ،‬فاولئك الذين بارك ال لهم فيما اكتسبوا‪ ،‬ويثابون على ما‬
‫قدموا لخرتهم )‪ - 12 .(3‬جا‪ :‬عن الجعابي‪ ،‬عن ابن عقدة‪ ،‬عن محمد بن‬
‫أحمد بن خاقان‪ ،‬عن سليم الخادم‪ ،‬عن إبراهيم بن عقبة‪ ،‬عن محمد بن‬
‫نصر بن قرواش‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن صاحب الدين فكر‬
‫فعلته السكينة‪ ،‬واستكان فتواضع‪ ،‬وقنع فاستغنى ورضي بما اعطي‪،‬‬
‫وانفرد فكفي الحزان‪ ،‬ورفض الشهوات‪ ،‬فصار حرا‪ ،‬وخلع الدنيا فتحامى‬
‫الشرور‪ ،‬وطرح الحسد فظهرت المحبة‪ ،‬ولم يخف الناس فلم يخفهم ولم‬
‫يذنب إليهم فسلم منهم‪ ،‬وسخط نفسه عن كل شئ ففاز واستكمل الفضل‪،‬‬
‫وأبصر العافية فأمن الندامة )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬يونس‪ (2) .68 :‬تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .124‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪) .124‬‬
‫‪ (4‬أمالى المفيد ص ‪.40‬‬
‫]‪[278‬‬

‫بيان‪ " :‬وانفرد " أي عن الناس واعتزل عنهم " فصار حرا " أي من رق‬
‫الشهوات‪ ،‬وفي القاموس‪ :‬الحر بالضم خيار كل شئ " فتحامى الشرور "‬
‫أي احترز عن الشرور‪ ،‬ومنع نفسه عنها‪ ،‬فان الشرور كلها تابعة لحب‬
‫الدنيا‪ ،‬وفي بعض النسخ بالسين المهملة أي السرور بلذات الدنيا والول‬
‫أظهر‪ ،‬وفي القاموس حمى المريض ما يضره منعه إياه فاحتمى‪ ،‬وتحمى‬
‫امتنع‪ ،‬وتحاماه الناس توقوه واجتنبوه " ولم يخف الناس " على بناء‬
‫الفعال " فلم يخفهم " على بناء المجرد " عن كل شئ " أي بعوض كل‬
‫شئ " وأبصر العافية " أي عرف أن العافية في أي شئ واختارها فلم‬
‫يندم على شئ‪ - 13 .‬جا‪ :‬عن ابن قولويه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن‬
‫عيسى‪ ،‬وابن أبي الخطاب معا‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن ابن سنان‪ ،‬عن‬
‫الثمالي‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال موسى بن عمران على نبينا‬
‫وعليه السلم‪ :‬إلهي من أصفياؤك من خلقك ؟ قال‪ :‬الندى الكفين ]البري‬
‫القدمين[ يقول صادقا ويمشي هونا فاولئك يزول الجبال ول يزولون‪ ،‬قال‪:‬‬
‫إلهي فمن ينزل دار القدس عندك ؟ قال‪ :‬الذين ل ينظر أعينهم إلى الدنيا‪،‬‬
‫ول يذيعون أسرارهم في الدين‪ ،‬ول يأخذون على الحكومة الرشا‪ ،‬الحق في‬
‫قلوبهم‪ ،‬والصدق على ألسنتهم‪ ،‬فاولئك في ستري في الدنيا وفي دار‬
‫القبس عندي في الخرة )‪ .(1‬بيان‪ " :‬الندى الكفين " أي كثير السخاء قال‬
‫الجوهري‪ :‬يقال‪ :‬فلن ندي الكف إذا كان سخيا وقال الفيروزآبادي‪ :‬تندى‬
‫تسخى وأفضل كأندى فهو ندي الكف وأندى كثر عطاياه انتهى وفي بعض‬
‫النسخ الندي القدمين‪ ،‬كناية عن بركتهما وسعيهما في نفع الناس‪ ،‬وفي‬
‫بعضها البري القدمين أي أنهما بريئان من الخطاء ويحتمل الرسي أي‬
‫الثابت القدمين في الخير‪ ،‬في القاموس رسا رسوا ورسوا ثبت وكغني‬
‫العمود الثابت وسط الخباء‪ ،‬والراسخ في الخير والشر‪ - 14 .‬جا‪ :‬أحمد بن‬
‫الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن معروف‪ ،‬عن‬

‫)‪ (1‬أمالى المفيد ص ‪.59‬‬

‫]‪[279‬‬

‫ابن مهزيار‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن أبي معاذ السدي‪ ،‬عن أبي أراكة قال‪ :‬صليت‬
‫خلف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات ال عليه الفجر في‬
‫مسجدكم فانفتل على يمينه‪ ،‬وكان عليه كآبة ومكث حتى طلعت الشمس‬
‫على حائط مسجدكم هذا قيد رمح‪ ،‬وليس هو على ما هو عليه اليوم‪ ،‬ثم‬
‫أقبل على الناس فقال‪ :‬أما وال لقد كان أصحاب رسول ال وهم يكابدون‬
‫هذا الليل‪ ،‬يراوحون بين جباههم وركبهم كأن زفير النار في آذانهم‪ ،‬فإذا‬
‫أصبحوا أصبحوا غبرا صفرا بين أعينهم شبه ركب المعزى‪ ،‬فإذا ذكر ال‬
‫تعالى مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح‪ ،‬وانهملت أعينهم حتى تبتل‬
‫ثيابهم‪ .‬قال‪ :‬ثم نهض وهو يقول‪ :‬وال لكأنما بات القوم غافلين‪ ،‬ثم لم ير‬
‫مفترا حتى كان من أمر ابن ملجم لعنه ال ما كان )‪ .(1‬ين‪ :‬عن محمد بن‬
‫سنان مثله‪ .‬بيان‪ " :‬قيد رمح " بالكسر وقاده قدره‪ " ،‬وليس هو " أي لم‬
‫يكن ارتفاع الحائط في هذا الزمان بهذا المقدار‪ ،‬ومكابدة الشئ تحمل‬
‫المشاق في فعله وافتر ضحك ضحكا حسنا وفي ين‪ :‬حتى كان من الرجل‬
‫الفاسق ما كان‪ - 15 .‬كش‪ :‬عن نصر بن الصباح‪ ،‬عن إسحاق بن محمد‬
‫البصري‪ ،‬عن محمد بن منصور‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫شمر قال‪ :‬قال‪ :‬أتى رجل جابر بن يزيد فقال له جابر‪ :‬تريد أن ترى أبا‬
‫جعفر ؟ قال‪ :‬نعم‪] ،‬قال[ فمسح على عيني فمررت وأنا أسبق الريح حتى‬
‫صرت إلى المدينة قال‪ :‬فبقيت أنا لذلك متعجبا إذ فكرت فقلت‪ :‬ما أحوجنى‬
‫إلى وتد اوتده فإذا حججت عاما قابل نظرت هيهنا هو أم ل ؟ فلم أعلم إل‬
‫وجابر بين يدى يعطيني وتدا‪ ،‬قال‪ :‬ففزعت قال فقال‪ :‬هذا عمل العبد باذن‬
‫ال‪ ،‬فكيف لو رأيت السيد الكبر‪ ،‬قال‪ :‬ثم لم أره قال‪ :‬فمضيت حتى صرت‬
‫إلى باب أبي جعفر عليه السلم فإذا هو يصيح بي‪ :‬ادخل ل باس عليك‪،‬‬
‫فدخلت فإذا‬

‫)‪ (1‬أمالى المفيد ص ‪.123‬‬

‫]‪[280‬‬

‫جابر عنده‪ ،‬قال‪ :‬فقال لجابر‪ :‬يا نوح غرقتهم أول بالماء‪ ،‬وغرقتهم آخرا بالعلم )‪(1‬‬
‫فإذا كسرت فاجبره‪ ،‬قال‪ :‬ثم قال‪ :‬من أطاع ال اطيع‪ ،‬أي البلد أحب إليك ؟‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬الكوفة‪ ،‬قال‪ :‬بالكوفة فكن‪ ،‬قال‪ :‬فسمعت اخا النون بالكوفة )‪(2‬‬
‫قال‪ :‬فبقيت متعجبا من قول جابر‪ ،‬فجئت فإذا به في موضعه الذي كان فيه‬
‫قاعدا‪ ،‬قال‪ :‬فسألت القوم هل قام أو تنحى ؟ قال‪ :‬فقالوا‪ :‬ل‪ ،‬وكان سبب‬
‫توحيدي أن سمعت قوله باللهية في الئمة‪ .‬هذا حديث موضوع ل شك في‬
‫كذبه‪ ،‬ورواته كلهم متهمون بالغلو والتفويض )‪ .(3‬بيان‪ :‬قوله " هذا‬
‫حديث موضوع " كلم الكشي أو الشيخ لنه موجود في اختياره‪ ،‬ول ريب‬
‫في كونه موضوعا‪ ،‬وهو مشتمل على القول بالتناسخ والتشويش في‬
‫ألفاظه ومعانيه )‪ (4‬فلهذا لم نتعرض لشرحه‪ - 16 .‬كش‪ :‬عن محمد بن‬
‫مسعود‪ ،‬عن محمد بن نصير‪ ،‬عن محمد بن عيسى وحمدويه ابن نصير‪،‬‬
‫عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن عروة بن موسى قال‪ :‬كنت‬
‫جالسا مع أبي مريم الحناط وجابر عنده جالس‪ ،‬فقام أبو مريم فجاء بدورق‬
‫)‪(5‬‬
‫)‪ (1‬ظاهر النسخة يتبنى على القول بالتناسخ وأن جابرا كان في العهد الول هو‬
‫نوح النبي صلوات ال عليه وعلى نبينا وآله‪ ،‬ولذلك قيل‪ :‬ان في العبارة‬
‫تصحيفا والصواب " يا جابر ! ان نوحا غرقهم أول بالماء وغرقتهم‬
‫آخرا بالعلم " وليس بشئ‪ (2) .‬فيه تصحيف‪ ،‬والظاهر أنه يقول‪ :‬فلما‬
‫قال‪ " :‬بالكوفة فكن "‪ .‬صرت بالكوفة أسمع أصوات الناس أو النوق أو‬
‫النوف ‪ -‬وهو صوت الضبع ‪ -‬بها‪ (3) .‬رجال الكشى ص ‪ (4) .173‬قد‬
‫عرفت افادة الحديث للتناسخ‪ ،‬وهكذا تشويش ألفاظه في قوله " سمعت‬
‫أخا النون بالكوفة " وأما التشويش في معانيه ففى قوله " وكان سبب‬
‫توحيدي أن سمعت قوله باللهية في الئمة "‪ (5) .‬قال في قاموس‬
‫الرجال‪ :‬وقوله " فجاء بدورق " محرف " فجاء بدردق " ففى ‪-‬‬

‫]‪[281‬‬

‫من ماء بئر مبارك بن عكرمة فقال له جابر‪ :‬ويحك يابا مريم كأني بك قد استغنيت‬
‫عن هذه البئر‪ ،‬واغترفت من ههنا من ماء الفرات‪ ،‬فقال له أبو مريم‪ :‬ما‬
‫ألوم الناس أن يسمونا كذابين ‪ -‬وكان مولى لجعفر ‪ -‬كيف يجئ ماء الفرات‬
‫إلى ههنا ؟ قال‪ :‬ويحك إنه يحفر ههنا نهر‪ ،‬أوله عذاب على الناس‪ ،‬وآخره‬
‫رحمة‪ ،‬يجري فيه ماء الفرات‪ ،‬فتخرج المرأة الضعيفة والصبي فيغترف‬
‫منه‪ ،‬ويجعل له أبواب في بني رواس وفي بني موهبة‪ ،‬وعند بئر بني‬
‫كندة‪ ،‬وفي بني فزارة‪ (1) ،‬حتى تتغامس فيه الصبيان‪ .‬قال علي‪ :‬إنه قد‬
‫كان ذلك‪ ،‬وأن الذي حدث على عهده )‪ (2‬ولعل انه قد سمع بهذا الحديث‬
‫قبل أن يكون )‪.(3‬‬

‫‪ -‬الصحاح‪ :‬الدردق مكيال للشراب وأراه فارسيا معربا‪ .‬أقول‪ :‬نسخ الصحاح في‬
‫ضبط هذه الكلمة مختلفة‪ ،‬ففى بعض النسخ ‪ -‬ومنه ما راجعه مؤلف‬
‫قاموس الرجال ‪ " -‬والدردق مكيال " ويوافقه عبارة القاموس‪" :‬‬
‫والدردق الطفال‪ ،‬وصغار البل وغيرها‪ ،‬ومكيال للشراب والدورق الجرة‬
‫ذات العروة " ولكن في غالب النسخ كما في المطبوعة الخيرة ص‬
‫‪ " 1474‬والدورق‪ :‬مكيال للشراب واراه فارسيا معربا "‪ .‬وقال شارح‬
‫القاموس‪ :‬مقتضى سياق كلم القاموس " ومكيال للشراب " انه دردق‪،‬‬
‫و هو غلط والصواب أنه الدورق كجوهر كما في العباب‪ ،‬وفى الساس‪،‬‬
‫جاءوا بدورق من شراب أو دبس‪ ،‬وهو مكيال فارسي معرب‪ .‬أقول‪:‬‬
‫ولذلك قال في اقرب الموارد‪ :‬الدورق مكيال للشراب ‪ -‬والجرة ذات‬
‫العروة‪ ،‬معرب دوره بالفارسية والجمع دوارق‪ (1) .‬في نسخة الكمبانى‬
‫بنى زرارة‪ ،‬وما في الصلب مطابق للمصدر ومحكيه في قاموس الرجال‬
‫ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .329‬في بعض النسخ كما في متن الكمبانى " وان الذى‬
‫حدث على وعمره " ]عهده خ ل[ وقيل‪ :‬الصواب " ان الذى حدث على‬
‫عروة " كما في المصدر‪ " :‬قال على‪ :‬انه قد كان ذاك وان الذى حدث‬
‫على عروة بعلنية أنه قد سمع بهذا الحديث قبل أن يكون " والصحيح ما‬
‫في الصلب‪ (3) .‬رجال الكشى‪ 173 :‬و ‪.174‬‬

‫]‪[282‬‬

‫بيان‪ :‬في القاموس الدورق الجرة ذات العروة‪ " ،‬وكان " جملة معترضة و " كيف‬
‫" تتمة كلم أبي مريم " قال علي " يعني ابن الحكم‪ ،‬والقول لبن عيسى‬
‫قوله " قد كان ذلك " أي قد كان زمان لم يكن النهر جاريا في هذا الموضع‬
‫ثم أجروا النهر فيه‪ ،‬وقوله " وإن الذي " كلم ابن عيسى ومعناه أنه‬
‫يظهر من كلم علي أنه سمع هذا الحديث وعهد الموضع قبل إجراء النهر‪،‬‬
‫وفي بعض النسخ مكان " وعهده " " وعمر " وهو تصحيف‪- 17 .‬‬
‫كش‪ :‬عن حمدويه بن نصير‪ ،‬عن أيوب بن نوح‪ ،‬عن ابن أبي عمير عن‬
‫هشام بن الحكم‪ ،‬عن أبي حمزة قال كانت بنية لي سقطت فانكسرت يدها‬
‫فأتيت بها التيمي‪ ،‬فأخذها فنظر إلى يدها فقال‪ :‬منكسرة‪ ،‬فدخل يخرج‬
‫الجبائر وأنا على الباب‪ ،‬فدخلتني رقة على الصبية‪ ،‬فبكيت ودعوت فخرج‬
‫بالجبائر فتناول بيد الصبية فلم ير بها شيئا ثم نظر إلى الخرى فقال‪ :‬ما‬
‫بها شئ‪ ،‬قال‪ :‬فذكرت ذلك لبي عبد ال عليه السلم فقال‪ :‬يابا حمزة وافق‬
‫الدعاء الرضا‪ ،‬فاستجيب لك في أسرع من طرفة عين )‪ - 18 .(1‬كش‪:‬‬
‫قال‪ :‬أبو النضر سمعت علي بن الحسن يقول‪ :‬مات يونس بن يعقوب‬
‫بالمدينة فبعث إليه أبو الحسن الرضا عليه السلم بحنوطه وكفنه وجميع‬
‫ما يحتاج إليه‪ ،‬وأمر مواليه وموالي أبيه وجده أن يحضروا جنازته‪ ،‬وقال‬
‫لهم‪ :‬هذا مولى لبي عبد ال عليه السلم كان يسكن العراق‪ ،‬وقال لهم‪:‬‬
‫احفروا له في البقيع فان قال لكم أهل المدينة‪ :‬إنه عراقي لندفنه في‬
‫البقيع‪ ،‬فقولوا لهم‪ :‬هذا مولى أبي عبد ال عليه السلم وكان يسكن‬
‫العراق‪ ،‬فان منعتمونا أن ندفنه في البقيع منعناكم أن تدفنوا مواليكم في‬
‫البقيع‪ ،‬فدفن في البقيع ووجه أبو الحسن علي بن موسى عليه السلم إلى‬
‫زميله محمد بن الحباب وكان رجل من أهل الكوفة‪ :‬صل عليه أنت‪ .‬علي‬
‫بن الحسن قال‪ :‬حدثني محمد بن الوليد قال‪ :‬رآني صاحب المقبرة وأنا عند‬
‫القبر بعد ذلك‪ ،‬فقال لي‪ :‬من هذا الرجل صاحب هذا القبر ؟ فان أبا‬

‫)‪ (1‬رجال الكشى ص ‪(*) .177‬‬

‫]‪[283‬‬
‫الحسن علي بن موسى عليه السلم أوصاني به وأمرني أن أرش قبره أربعين‬
‫شهرا أو أربعين يوما في كل يوم‪ ،‬قال أبو الحسن‪ :‬الشك مني‪ .‬قال‪ :‬وقال‬
‫لي صاحب المقبرة‪ :‬إن السرير عندي يعني سرير النبي صلى ال عليه‬
‫واله فإذا مات رجل من بني هاشم صر السرير فأقول‪ :‬أيهم مات حتى أعلم‬
‫بالغداة فصر السرير في الليلة التي مات فيها هذا الرجل فقلت‪ :‬ل أعرف‬
‫أحدا منهم مريضا فمن ذا الذي مات‪ ،‬فلما كان من الغد جاؤا فأخذا مني‬
‫السرير وقالوا‪ :‬مولى لبي عبد ال كان يسكن العراق )‪ .(1‬توضيح‪:‬‬
‫صاحب المقبرة المتولي لمرها والقائم بأمر الموتى المدفونين فيها وأبو‬
‫الحسن كنية علي بن الحسن وفي القاموس‪ :‬صر يصر صرا وصريرا‪:‬‬
‫صوت وصاح شديدا‪ - 19 .‬كش‪ :‬عن محمد بن مسعود‪ ،‬عن علي بن‬
‫محمد‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن علي ابن مهزيار قال‪ :‬بينا أنا بالقرعاء )‬
‫‪ (2‬في سنة ست وعشرين ومائتين منصرفي عن الكوفة‪ ،‬وقد خرجت في‬
‫آخر الليل أتوضأ وأنا أستاك‪ ،‬وقد انفردت عن رحلي ومن الناس‪ ،‬فإذا أنا‬
‫بنار في أسفل مسواكي تلتهب‪ ،‬لها شعاع مثل شعاع الشمس أو غير ذلك‪،‬‬
‫فلم أفزع منها وبقيت أتعجب ومسستها فلم أجد لها حرارة فقلت " الذي‬
‫جعل لكم من الشجر الخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون " )‪ (3‬فبقيت أتفكر‬
‫في مثل هذا‪ ،‬وأطالت النار المكث طويل حتى رجعت إلى أهلي وقد كانت‬
‫السماء رشت‪ ،‬وكان غلماني يطلبون نارا ومعي رجل بصري في الرحل‬
‫فلما أقبلت قال الغلمان‪ :‬قد جاء أبو الحسن ومعه نار وقال البصري مثل‬
‫ذلك حتى دنوت فلمس البصري النار فلم يجد لها حرارة ول غلماني‪ ،‬ثم‬
‫طفئت بعد‬

‫)‪ (1‬رجال الكشى ص ‪ (2) .330‬القرعاء‪ :‬منزل في طريق مكة من الكوفة بعد‬
‫المغيثة وقبل واقصة‪ ،‬بينها وبين واقصة ثمانية فراسخ‪ (3) .‬يس‪.80 :‬‬

‫]‪[284‬‬

‫طول‪ ،‬ثم التهبت فلبثت قليل‪ ،‬ثم طفئت قليل‪ ،‬ثم التهبت‪ ،‬ثم طفئت الثالثة فلم تعد‬
‫فنظرنا إلى السواك فإذا ليس فيه أثر نار ول حر ول شعث ول سواد‪ ،‬ول‬
‫شئ يدل على أنه حرق‪ .‬فأخذت السواك فخبأته وعدت به إلى الهادي عليه‬
‫السلم وذلك سنة ست وعشرين ومائتين‪ ،‬بعد موت الجواد عليه السلم‬
‫]فتحتم الغلط في التنازع[ )‪ (1‬قابل وكشفت له أسفله وباقيه مغطى وحدثته‬
‫بالحديث‪ ،‬فأخذ السواك من يدي وكشفه كله وتأمله ونظر إليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬هذا‬
‫نور‪ ،‬فقلت له‪ :‬نور جعلت فداك ؟ فقال‪ :‬بميلك إلى أهل البيت ]وبطاعتك لي‬
‫ولبائي ولبي[ وبطاعتك لي ولبائي أراكه ال )‪ .(2‬كش‪ :‬عن علي‪ ،‬عن‬
‫محمد بن أحمد‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن علي بن مهزيار مثله )‪.(3‬‬
‫)‪ (1‬الظاهر أن ما جعلناه بين المعقوفتين ليس من كلم الكشى وروايته‪ ،‬بل كان من‬
‫كلم بعض المحشين مرتبطا معلقا بهذه الجملة‪ ،‬فاشتبه على النساخ‬
‫ونقلوه إلى المتن‪ ،‬وذلك لن ابن مهزيار قال في أول الحديث‪ :‬انه في‬
‫سنة ست وعشرين ومائتين كان بالقرعاء منصرفه من الكوفة فاتقد‬
‫مسواكه نورا‪ ،‬ثم قال في آخره " فخبأته وعدت به الى الهادى عليه‬
‫السلم وذلك سنة ست وعشرين ومائتين بعد موت الجواد عليه السلم‬
‫قابل " يعنى في العام القابل فكيف يكون السنة القابلة أيضا سنة ست‬
‫وعشرين ومائتين فتحتم الغلط في التاريخ‪ ،‬فصحف لفظ التاريخ بالتنازع‪،‬‬
‫وهو غير عزيز في نسخة الكشى‪ .‬وأما اعتراض ذاك المحشى فهو وارد‪،‬‬
‫فان قول ابن مهزيار " قابل " يعنى في العام القابل‪ ،‬وان احتمل أن يكون‬
‫سافر في تلك السنة مرتين‪ ،‬ال ان قوله " بعد موت الجواد عليه السلم‬
‫" وقد توفى عليه السلم سنة عشرين ومائتين‪ ،‬يظهر منه أن سفره هذا‬
‫كان قبل فوته عليه السلم‪ ،‬ولعل الصحيح في صدر الحديث‪ :‬سنة‬
‫عشرين ومائتين‪ ،‬بدون لفظ الست‪ (2) .‬رجال الكشى ص ‪(3) .459‬‬
‫المصدر ص ‪.460‬‬

‫]‪[285‬‬

‫بيان‪ :‬في القاموس " القرعاء " منهل بطريق مكة بين القادسية والعقبة وقال‪:‬‬
‫الرش المطر القليل‪ ،‬وأرشت السماء كرشت‪ ،‬قوله " وعدت به " أقول‪:‬‬
‫في النسخ هنا اختلف كثير ففيما عندنا من نسخة اختيار الكشي " وعدت‬
‫به إلى الرضا عليه السلم قابل فكشفت له " )‪ (1‬وليست فيه الزيادة‪ ،‬وفي‬
‫بعض كتب الرجال " وعدت به إلى الهادي عليه السلم وذلك سنة ست‬
‫وعشرين ومائتين بعد موت الجواد عليه السلم فتخم الغلظ في التنازع‬
‫قابل وكشفت " وفي بعضها سنة ست وعشرين بعد موت الجواد عليه‬
‫السلم " فتحتم الغلظ في التنازع " وفي بعضها " فتجشم " وفي بعضها‬
‫" في سنة عشرين وهي سنة وفاة الجواد عليه السلم " والحاصل أنه‬
‫قرب التنازع أو تحتم والتنازع إما في حقيقة نور السواك أو في شي آخر‬
‫من المامة وغيرها‪ ،‬والنسخة الولى أظهر‪ - 20 .‬طا‪ :‬إن المؤمن إذا كان‬
‫ل مخلصا أخاف ال منه كل شئ‪ ،‬روينا ذلك باسنادنا إلى البرقي من كتابه‬
‫كتاب المحاسن عن صفوان الجمال قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إن‬
‫المؤمن يخشع له كل شئ‪ ،‬ويهابه كل شئ‪ ،‬ثم قال‪ :‬إذا كان مخلصا ل‬
‫أخاف ال منه كل شئ حتى هوام الرض وسباعها‪ ،‬وطير السماء وحيتان‬
‫البحر‪ .‬فمن ذلك ما رويناه من كتاب الرجال للكشي وقد ذكرناه في كتاب‬
‫الكرامات ولم يحضرنا لفظه فنذكر الن معناه أن بعض خواص مولنا علي‬
‫عليه السلم من شيعته كان قد سجد فتطوق أفعى على حلقه‪ ،‬فلم يتغير من‬
‫حال سجوده ومراقبة معبوده حتى انفصل الفعى عن رقبته بغير حيلة منه‪،‬‬
‫بل بفضل ال جل جلله ورحمته‪ .‬ومن ذلك ما رويناه مرويا عن على‬
‫الزاهد بن الحسن بن الحسن بن الحسن السبط عليهم السلم إنه كان قائما‬
‫في الصلة فانحدر أفعى من رأس جبل فصعد على ثيابه ودخل من زيقه‬
‫وخرج من تحت ثيابه‪ ،‬فلم يتغير عن حال صلته‪ ،‬ومراقبته لمالك حياته‪.‬‬
‫ومن ذلك ما رويناه في كتاب السفر وقد نقلناه بلفظه في كتاب الكرامات‬

‫)‪ (1‬وهو يؤيد ما ذكرناه‪.‬‬

‫]‪[286‬‬

‫ونذكر ههنا بعض معناه أن عليا بن عاصم الزاهد كان يزور الحسين عليه السلم‬
‫بكربل قبل عمارة مشهده بالناس‪ ،‬فدخل سبع إليه فلم يهرب منه‪ ،‬ورأى‬
‫كف السبع منتفخة بقصبة قد دخلت فيها‪ ،‬فأخرج القصبة منه‪ ،‬وعصر كف‬
‫السبع وشده ببعض عمامته‪ ،‬ولم يقف من الزوار لذلك بسوء‪ .‬ومن ذلك ما‬
‫عرفناه نحن وهو أن بعض الجوار والعيال جاؤني ليلة وهم منزعجون‪،‬‬
‫وكنت إذ ذاك مجاورا بعيالي لمولنا علي عليه السلم فقالوا‪ :‬قد رأينا‬
‫مسلخ الحمام تطوى الحصر الذي فيه وتنشر‪ ،‬وما ننظر من يفعل ذلك‪،‬‬
‫فحضرت عند باب المسلخ‪ ،‬وقلت‪ :‬سلم عليكم قد بلغني عنكم ما قد فعلتم‬
‫ونحن جيران مولنا على عليه السلم وأولده وضيفانه‪ ،‬وما أسأنا‬
‫مجاورتكم‪ ،‬فل تكدروا علينا مجاورته ومتى فعلتم شيئا من ذلك شكوناكم‬
‫إليه‪ ،‬فلم نعرف منهم تعرضا لمسلخ الحمام بعد ذلك أبدا‪ .‬ومن ذلك أن‬
‫ابنتي الحافظة الكاتبة شرف الشراف كمل ال لها تحف اللطاف عرفتني‬
‫أنها تسمع سلما عليها ممن ل تراه‪ ،‬فوقفت في الموقف فقلت‪ :‬سلم‬
‫عليكم أيها الروحانيون‪ ،‬فقد عرفتني ابنتي أشرف الشراف بالتعرض لها‬
‫بالسلم‪ ،‬وهذا النعام مكدر علينا‪ ،‬نحن نخاف منه أن ينفر بعض العيال‬
‫منه‪ ،‬و نسأل أن ل تتعرضوا لنا بشئ من المكدرات‪ ،‬وتكونوا معنا على‬
‫جميل العادات فلم يتعرض لها أحد بعد ذلك بكلم‪ .‬ومن ذلك أنني كنت‬
‫اصلي المغرب بداري بالحلة‪ ،‬فجاءت حية فدخلت تحت خرقة كانت موضع‬
‫سجودي فتممت الصلة‪ ،‬ولم تتعرض لي بسوء‪ ،‬وقتلتها بعد فراغي من‬
‫الصلة‪ ،‬وهذا أمر معلوم يعرفه من رآه أو رواه‪ .‬توضيح‪ :‬زيق القميص‬
‫بالكسر ما أحاط بالعنق منه‪ - 21 .‬ين‪ :‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن أبي عمار‬
‫صاحب الكسية عن البريدي عن أبي أراكة قال‪ :‬سمعت عليا عليه السلم‬
‫يقول‪ :‬إن ل عبادا كسرت قلوبهم خشية ال فاستكفوا عن المنطق‪ ،‬وإنهم‬
‫لفصحاء عقلء‪ ،‬ألباء نبلء‪ ،‬يسبقون إليه بالعمال‬

‫]‪[287‬‬
‫الزاكية‪ ،‬ل يستكثرون له الكثير‪ ،‬ول يرضون له القليل‪ ،‬يرون أنفسهم أنهم شرار‬
‫وأنهم الكياس البرار‪ - 22 .‬دعوات الراوندي‪ :‬قال أبو عبد ال عليه‬
‫السلم‪ :‬إن إبراهيم خرج مرتادا لغنمه وبقره مكانا للشتاء‪ ،‬فسمع شهادة‬
‫أن ل إله إل ال‪ ،‬فتبع الصوت حتى أتاه فقال‪ :‬يا عبد ال من أنت ؟ أنا في‬
‫هذه البلد مذ ما شاء ال ما رأيت أحدا يوحد ال غيرك‪ ،‬قال‪ :‬أنا رجل كنت‬
‫في سفينة غرقت‪ ،‬فنجوت على لوح فأنا ههنا في جزيرة قال‪ :‬فمن أي شئ‬
‫معاشك ؟ قال‪ :‬أجمع هذه الثمار في الصيف للشتاء‪ ،‬قال‪ :‬انطلق حتى‬
‫تريني مكانك‪ ،‬قال‪ :‬ل تستطيع ذلك‪ ،‬لن بيني وبينها ماء بحر‪ ،‬قال‪ :‬فكيف‬
‫تصنع أنت ؟ قال‪ :‬أمشي عليه حتى أبلغ قال‪ :‬أرجو الذي أعانك أن يعينني‬
‫قال‪ :‬فانطلق‪ .‬فأخذ الرجل يمشي وإبراهيم يتبعه فلما بلغا الماء‪ ،‬أخذ الرجل‬
‫ينظر إلى إبراهيم عليه السلم ساعة بعد ساعة يتعجب منه حتى عبرا‪،‬‬
‫فأتى بها كهفا قال‪ :‬ههنا مكاني‪ ،‬قال‪ :‬فلو دعوت ال وأمنت أنا‪ ،‬قال‪ :‬أما‬
‫إني أستحيي من ربي ولكن ادع أنت واؤمن أنا‪ ،‬قال‪ :‬وما حياؤك ؟ قال‪:‬‬
‫أتيت الموضع الذي رأيتني فيه‪ ،‬فرأيت غلما أجمل الناس‪ ،‬كأن خديه‬
‫صفحتا ذهب ذوابة‪ ،‬مع غنم وبقر كان عليها الدهن‪ ،‬فقلت له‪ :‬من أنت ؟‬
‫قال‪ :‬أنا إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن فسألت ال أن يرينى إبراهيم‬
‫منذ ثلثة أشهر‪ ،‬وقد أبطأ ذلك علي قال‪ :‬فقال عليه السلم‪ :‬فأنا إبراهيم‪،‬‬
‫فاعتنقا‪ .‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬هما أول اثنين اعتنقا على وجه‬
‫الرض‪ .‬وعن النبي صلى ال عليه واله أنه قال‪ :‬خرج ثلثة نفر ممن كان‬
‫قبلكم يرتادون لهلهم فأصابتهم السماء فلجئوا إلى جبل فوقعت عليهم‬
‫صخرة‪ ،‬فقال بعضهم لبعض عفا الثر ووقع الحجر‪ ،‬ول يعلم مكانكم إل‬
‫ال‪ ،‬ادعوا ال بأوثق أعمالكم‪ ،‬فقال أحدهم‪ :‬اللهم إن كنت تعلم أنه كانت‬
‫امرأة تعجبني فطلبتها فأبت علي فجعلت لها جعل‬

‫]‪[288‬‬

‫فطابت نفسها فلما جلست منها اشتد ارتعادها من خشيتك‪ ،‬فتركتها )‪ (1‬فان كنت‬
‫تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك‪ ،‬وخشية عذابك فافرج عنا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فزال ثلث الجبل‪ .‬وقال الخر‪ :‬اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي والدان وكنت‬
‫أحلب لهما فأتيتهما ليلة وهما نائمان )‪ (2‬فقمت قائما حتى طلع الفجر فلما‬
‫استيقظا شربا‪ ،‬فان كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء ثوابك‪ ،‬وخشية‬
‫عذابك‪ ،‬فافرج عنا فزال ثلث الحجر‪ .‬فقال الثالث‪ :‬اللهم إن كنت تعلم أني‬
‫استأجرت يوما أجيرا فعمل إلى نصف النهار فأعطيته اجرته فسخط ولم‬
‫يأخذه‪ ،‬فصرفت ذلك إلى التجارة والمواشي وغيرها‪ ،‬فلما جاء يطلب أجره‪،‬‬
‫قلت‪ :‬خذ هذا كله لك )‪ ،(3‬ولو شئت لم اعطه إل أجره‪ ،‬فان كنت تعلم أني‬
‫إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا فزال ثلث الحجر‪،‬‬
‫وخرجوا يتماشون‪ - 23 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن محمد بن علي‪،‬‬
‫عن محمد بن سنان‪ ،‬عن عيسى النهر يرى‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من عرف ال‬

‫)‪ (1‬روى البرقى في المحاسن ص ‪ 253‬كتاب مصابيح الظلم مثل هذا الحديث‬
‫مسندا الى جابر الجعفي رفعه‪ ،‬وفيه‪ " :‬فلما جلست منها مجلس الرجل‬
‫من المرءة ذكرت النار فقمت عنها فرقا منك " الخ‪ (2) .‬في المحاسن‪:‬‬
‫فأتيتهما بقعب من لبن فخفت ‪ -‬ان أضعه ‪ -‬أن يمج فيه هامة‪ ،‬وكرهت أن‬
‫اوقظهما من نومهما فيشق ذلك عليهما‪ ،‬فلم أزل كذلك حتى استيقظا‬
‫وشربا " الخ‪ (3) .‬في المحاسن‪ :‬انى استأجرت قوما يحرثون كل رجل‬
‫منهم بنصف درهم فلما فرغوا أعطيتهم اجورهم فقال أحدهم‪ :‬قد عملت‬
‫عمل اثنين‪ ،‬وال ل آخذ ال درهما واحدا‪ :‬وترك ماله عندي‪ ،‬فبذرت بذلك‬
‫النصف الدرهم في الرض فأخرج ال من ذلك رزقا‪ ،‬وجاء صاحب‬
‫النصف الدرهم فأراده فدفعت إليه ثمان عشرة ألف " الخ‪ .‬وسيجيئ نصه‬
‫في ج ‪ 70‬الباب ‪ 17‬باب الخلص ومعنى قربه تعالى‪.‬‬

‫]‪[289‬‬

‫وعظمه منع فاه من الكلم‪ ،‬وبطنه من الطعام‪ ،‬وعفى نفسه بالصيام‪ ،‬والقيام‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫بآبائنا وامهاتنا يا رسول ال هؤلء أولياء ال ؟ قال‪ :‬إن أولياء ال سكتوا‬
‫فكان سكوتهم ذكرا‪ ،‬ونظروا فكان نظرهم عبرة‪ ،‬ونطقوا فكان نطقهم‬
‫حكمة‪ ،‬ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة‪ ،‬لو ل الجال التي قد كتب ال‬
‫عليهم لم تقر أرواحهم في أجسادهم خوفا من العذاب‪ ،‬وشوقا إلى الثواب )‬
‫‪ .(1‬لى‪ :‬عن ابن إدريس‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد البرقي‪ ،‬عن محمد بن علي‬
‫الكوفى‪ .‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن عيسى النهر تيري عنه عليه السلم مثله‬
‫)‪ (2‬إل أنه فيه هكذا‪ :‬فكان سكوتهم فكرا وتكلموا فكان كلمهم ذكرا‪ .‬لى‪:‬‬
‫عن ماجيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن الكوفي‪ ،‬عن محمد بن سنان مثله )‪ .(3‬بيان‪:‬‬
‫قال النجاشي‪ :‬عيسى بن أعين الجريري السدي مولى كوفي ثقة وعده من‬
‫أصحاب الصادق عليه السلم )‪ (4‬فما في المجالس أظهر سندا ومتنا لكن‬
‫في أكثر نسخ المجالس النهر تيري )‪ (5‬بالتاء كما في بعض نسخ الكافي‬
‫وفي بعضها النهر بيرى بالباء الموحدة وفي بعضها النهري والخير كأنه‬
‫نسبة إلى النهروان )‪ (6‬ولم أجد الولين في اللغة )‪ (7‬وقال الشيخ البهائي‬
‫قدس سره في حاشية الربعين‪:‬‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ (2) .237 :2‬أمالى الصدوق‪ ،182 :‬وفيه " وعنى نفسه بالصيام‬
‫"‪ (3) .‬أمالى الصدوق‪ (4) .330 :‬رجال النجاشي ص ‪ ،227‬وهكذا‬
‫عنونه ابن داود في القسم الول تحت الرقم ‪ 1144‬وقال‪ :‬عيسى بن أعين‬
‫الجريرى بضم الجيم وفتح الراءين المهملتين‪ ،‬منسوب الى جرير بن‬
‫عباد بالضم والتخفيف ابن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة السدي‪ (5) .‬وفى‬
‫بعضها " النهزيزى " كما في المطبوعة‪ (6) .‬النسبة الى النهروان "‬
‫النهرواني " ل غيره‪ (7) .‬بل قال الفيروزآبادى‪ :‬ونهر تيرى كضيزى‬
‫بالهواز‪ ،‬فيكون النسبة إليه " نهر تيرى " ظاهرا‪.‬‬

‫]‪[290‬‬

‫الجريري بضم الجيم والرائين المهملتين منسوب إلى جرير بن عباد بضم العين‬
‫وتخفيف الباء‪ " .‬من عرف ال " قال الشيخ المتقدم رحمه ال‪ :‬قال بعض‬
‫العلم‪ :‬أكثر ما تطلق المعرفة على الخير من الدراكين للشئ الواحد‪ ،‬إذا‬
‫تخلل بينهما عدم بأن أدركه أول ثم ذهل عنه‪ ،‬ثم أدركه ثانيا فظهر له أنه‬
‫هو الذي كان قد أدركه أول‪ ،‬ومن ههنا سمي أهل الحقيقة بأصحاب‬
‫العرفان‪ ،‬لن خلق الرواح قبل البدان كما ورد في الحديث‪ ،‬وهي كانت‬
‫مطلعة على بعض الشراقات الشهودية مقرة لمبدعها بالربوبية‪ ،‬كما قال‬
‫سبحانه‪ " :‬ألست بربكم قالوا بلى " )‪ (1‬لكنها للفها بالبدان الظلمانية‪،‬‬
‫وانغمارها في الغواشي الهيولنية‪ ،‬ذهلت عن مولها ومبدعها‪ ،‬فإذا‬
‫تخلصت بالرياضة من أسر دار الغرور‪ ،‬وترقت بالمجاهدة عن اللتفات إلى‬
‫عالم الزور‪ ،‬تجدد عهدها القديم الذي كاد أن يندرس بتمادي العصار‬
‫والدهور‪ ،‬وحصل لها الدراك مرة ثانية وهي المعرفة التي هي نور على‬
‫نور‪ " .‬من الكلم " أي من فضوله‪ ،‬وكذا الطعام‪ ،‬فان الكثار منه يورث‬
‫الثقل عن العبادة‪ ،‬ويحتمل أن يكون كناية عن الصوم " وعفى " كذا في‬
‫بعض النسخ بالفاء أي جعلها صافية خالصة أو جعلها مندرسة ذليلة‬
‫خاضعة أو وفر كمالتها قال في النهاية‪ :‬أصل العفو المحو والطمس‪،‬‬
‫وعفت الريح الثر محته وطمسته‪ ،‬ومنه حديث أم سلمة " ل تعف سبيل‬
‫كان رسول ال صلى ال عليه واله لحبها " )‪ (2‬أي ل تطمسها وعفى‬
‫الشئ كثر وزاد‪ ،‬يقال أعفيته وعفيته‪ ،‬وعفا الشئ درس‪ ،‬ولم يبق له أثر‪،‬‬
‫وعفا الشئ صفا وخلص انتهى‪ ،‬وأقول‪ :‬يمكن أن يحملها بعضهم على‬
‫الفناء في ال باصطلحهم والظهر ما في المجالس وغيره وأكثر نسخ‬
‫الكتاب " عنا " بالعين المهملة والنون المشددة أي أتعب‪ ،‬والعناء بالفتح‬
‫والمد النصب‪ " .‬بآبائنا وامهاتنا " قال الشيخ البهائي رحمه ال‪ :‬هذه‬
‫الباء يسميها بعض النحاة باء التفدية‪ ،‬وفعلها محذوف غالبا‪ ،‬والتقدير‬
‫نقديك بآبائنا وامهاتنا‪ ،‬وهي‬

‫)‪ (1‬العراف‪ (2) .171 :‬يقال‪ :‬لحب الطريق‪ :‬سلكه وأوضحه‪.‬‬


‫]‪[291‬‬

‫في الحقيقة باء العوض‪ ،‬نحو خذ هذا بهذا‪ ،‬وعد منه قوله تعالى " ادخلوا الجنة بما‬
‫كنتم تعملون " )‪ " .(1‬هؤلء أولياء ال " فهو استفهام محذوف الداة‪،‬‬
‫ويمكن أن يكون خبرا قصد به لزم الحكم‪ ،‬والتأكيد في قوله " إن أولياء‬
‫ال " الخ لكون الخبر ملقى إلى السائل المتردد على الول‪ ،‬ولكون‬
‫المخاطب حاكما بخلفه على الثاني‪ ،‬إن جعل قوله صلى ال عليه وآله "‬
‫إن أولياء ال " ردا لقولهم " هؤلء أولياء ال " أي أولياء ال اناس‬
‫اخر‪ ،‬صفاتهم فوق هذه الصفات‪ ،‬وإن جعل تصديقا لقولهم‪ ،‬ووصفا‬
‫للولياء بصفات اخرى زيادة على صفاتهم الثلث السابقة‪ ،‬فالتأكيد لكون‬
‫الخبر ملقى إلى الخلص الراسخين في اليمان‪ ،‬فهو رائج عندهم‪ ،‬متقبل‬
‫لديهم‪ ،‬صادر عنه صلى ال عليه واله عن كمال الرغبة‪ ،‬ووفور النشاط‪،‬‬
‫لنه في وصف أولياء ال بأعظم الصفات‪ ،‬فكأنه مظنة التأكيد كما ذكره‬
‫صاحب الكشاف عند قوله تعالى " وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا " )‪.(2‬‬
‫" فكان سكوتهم ذكرا " أي عند سكوتهم قلوبهم مشغولة بذكر ال‪ ،‬وتذكر‬
‫صفاته الكمالية‪ ،‬وآلئه ونعمائه وغرائب صنعه وحكمته‪ ،‬وفي رواية‬
‫المجالس كما أشرنا إليه " فكان سكوتهم فكرا "‪ .‬وقال الشيخ البهائي‬
‫رحمه ال‪ :‬أطلق على سكوتهم الفكر‪ ،‬لكونه لزما له غير منفك عنه‪ ،‬وكذا‬
‫إطلق العبرة على نظرهم‪ ،‬والحكمة على نطقهم‪ ،‬والبركة على مشيهم‪،‬‬
‫وجعل صلى ال عليه واله كلمهم ذكرا ثم جعله حكمة إشعارا بأنه ل يخرج‬
‫عن هذين‪ ،‬فالول في الخلوة‪ ،‬والثاني بين الناس‪ ،‬ولك إبقاء النطق على‬
‫معناه المصدري أي إن نطقهم بما نطقوا به مبني على حكمة ومصلحة‪" .‬‬
‫فكان مشيهم بين الناس بركة " لن قصدهم قضاء حوائج الناس‪،‬‬
‫وهدايتهم وطلب المنافع لهم‪ ،‬ودفع المضار عنهم‪ ،‬مع أن وجودهم سبب‬
‫لنزول الرحمة‬

‫)‪ (1‬النحل‪ (2) .32 :‬البقرة‪.14 :‬‬

‫]‪[292‬‬

‫عليهم‪ ،‬ودفع البليا عنهم " لم تقر أرواحهم " في المجالس " لم تستقر "‪" .‬‬
‫خوفا من العذاب وشوقا إلى الثواب " فيه إشارة إلى تساوي الخوف‬
‫والرجاء فيهم وكونهما معا في الغاية القصوى‪ ،‬والدرجة العليا‪ ،‬كما مضت‬
‫الخبار فيه‪ .‬ثم اعلم أن كون الشوق إلى الثواب سببا لمفارقة أرواحهم‬
‫أوكار أبدانهم وطيرانها إلى عالم القدس‪ ،‬ومحل النس‪ ،‬ودرجات الجنان‬
‫ونعيمها ظاهر وأما الخوف من العقاب إما لشدة الدهشة‪ ،‬واستيلء الخوف‬
‫عليهم كما فعل بهمام لعدهم أنفسهم من المقصرين‪ ،‬أو يريدون اللحوق‬
‫بمنازلهم العالية حذرا من أن تتبدل أحوالهم‪ ،‬وتستولي الشهوات عليهم‪،‬‬
‫فيستحقوا بذلك العذاب‪ ،‬فلذا يستعجلون في الذهاب إلى الخرة‪ .‬ثم قال‬
‫الشيخ المتقدم رفع ال درجته‪ :‬المراد بمعرفة ال تعالى الطلع على‬
‫نعوته وصفاته الجللية والجمالية‪ ،‬بقدر الطاقة البشرية‪ ،‬وأما الطلع‬
‫على حقيقة الذات المقدسة فمما ل مطمع فيه للملئكة المقربين‪ ،‬والنبياء‬
‫المرسلين فضل عن غيرهم‪ ،‬وكفى في ذلك قول سيد البشر " ما عرفناك‬
‫حق معرفتك " وفي الحديث " إن ال احتجب عن العقول كما احتجب عن‬
‫البصار‪ ،‬وإن المل العلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم " فل تلتفت إلى من‬
‫يزعم أنه قد وصل إلى كنه الحقيقة المقدسة‪ ،‬بل احث التراب في فيه‪ ،‬فقد‬
‫ضل وغوى‪ ،‬وكذب وافترى فان المر أرفع وأظهر من أن يتلوث بخواطر‬
‫البشر‪ ،‬وكلما تصوره العالم الراسخ فهو عن حرم الكبرياء بفراسخ‪،‬‬
‫وأقصى ما وصل إليه الفكر العميق‪ ،‬فهو غاية مبلغه من التدقيق‪ ،‬وما‬
‫أحسن ما قال‪ :‬آنچه پيش تو غير از أو ره نيست * غايت فهم تو است ال‬
‫نيست بل الصفات التي نثبتها له سبحانه إنما هي على حسب أوهامنا‪،‬‬
‫وقدر أفهامنا فانا نعتقد اتصافه بأشرف طرفي النقيض بالنظر إلى عقولنا‬
‫القاصرة‪ ،‬وهو تعالى أرفع وأجل من جميع ما نصفه به‪ .‬وفي كلم المام‬
‫أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلم إشارة إلى هذا المعنى‬

‫]‪[293‬‬

‫حيث قال‪ " :‬كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود‬
‫إليكم " ولعل النمل الصغار تتوهم أن ل تعالى زبانيتين فان ذلك كمالها‬
‫ويتوهم أن عدمها نقصان لمن ل يتصف بهما‪ ،‬وهذا حال العقلء فيما‬
‫يصفون ال تعالى به‪ .‬انتهى كلمه صلوات ال عليه وسلمه‪ .‬قال بعض‬
‫المحققين‪ :‬هذا كلم دقيق رشيق أنيق صدر من مصدر التحقيق ومورد‬
‫التدقيق‪ ،‬والسر في ذلك أن التكليف إنما يتوقف على معرفة ال تعالى‬
‫بحسب الوسع والطاقة‪ ،‬وإنما كلفوا أن يعرفوه بالصفات التي ألفوها‪،‬‬
‫وشاهدوها فيهم مع سلب النقائص الناشية عن انتسابها إليهم‪ ،‬ولما كان‬
‫النسان واجبا بغيره عالما قادرا مريدا حيا متكلما سميعا بصيرا كلف بأن‬
‫يعتقد تلك الصفات في حقه تعالى مع سلب النقائص الناشية عن انتسابها‬
‫إلى النسان بأن يعتقد أنه تعالى واجب لذاته ل بغيره عالم بجميع‬
‫المعلومات‪ ،‬قادر على جميع الممكنات‪ ،‬وهكذا في سائر الصفات ولم يكلف‬
‫باعتقاد صفة له تعالى ل يوجد فيه مثالها ومناسبها بوجه‪ ،‬ولو كلف به لما‬
‫أمكنه تعقله بالحقيقة‪ ،‬وهذا أحد معاني قوله عليه السلم " من عرف‬
‫نفسه فقد عرف ربه " انتهى كلمه‪ .‬ثم قال قدس سره‪ :‬قد اشتمل هذا‬
‫الحديث على المهم من سمات العارفين وصفات الولياء الكاملين‪ ،‬فأولها‬
‫الصمت وحفظ اللسان الذي هو باب النجاة‪ ،‬وثانيها الجوع وهو مفتاح‬
‫الخيرات‪ ،‬وثالثها إتعاب النفس في العبادة بصيام النهار‪ ،‬وقيام الليل‪ ،‬وهذه‬
‫الصفة ربما توهم بعض الناس استغناء العارف عنها وعدم حاجته إليها‬
‫بعد الوصول وهو وهم باطل‪ ،‬إذ لو استغنى عنها أحد لستغنى عنها سيد‬
‫المرسلين وأشرف الواصلين وقد كان عليه السلم يقوم في الصلة إلى أن‬
‫ورمت قدماه‪ ،‬وكان أمير المؤمنين علي عليه السلم الذي إليه ينتهي‬
‫سلسلة أهل العرفان يصلي كل ليلة ألف ركعة‪ ،‬وهكذا شأن جميع الولياء‬
‫والعارفين‪ ،‬كما هو في التواريخ مسطور‪ ،‬وعلى اللسنة مشهور‪ .‬ورابعها‬
‫الفكر‪ ،‬وفي الحديث تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة‪ ،‬قال بعض‬

‫]‪[294‬‬

‫الكابر إنما كان الفكر أفضل لنه عمل القلب‪ ،‬وهو أفضل من الجوارح‪ ،‬فعمله‬
‫أشرف من عملها أل ترى إلى قوله تعالى " أقم الصلة لذكري " )‪(1‬‬
‫فجعل الصلة وسيلة إلى ذكر القلب‪ ،‬والمقصود أشرف من الوسيلة‪.‬‬
‫وخامسها الذكر والمراد به الذكر اللساني وقد اختاروا له كلمة التوحيد‬
‫لختصاصها بمزايا ليس هذا محل ذكرها‪ .‬وسادسها نظر العتبار كما قال‬
‫سبحانه " فاعتبروا يا اولي البصار " )‪ .(2‬وسابعها النطق بالحكمة‬
‫والمراد بها ما تضمن صلح النشأتين أو صلح النشأة الخرى من العلوم‬
‫والمعارف‪ ،‬أما ما تضمن صلح الحال في الدنيا فقط‪ ،‬فليس من الحكمة في‬
‫شئ‪ .‬وثامنها وصول بركتهم إلى الناس‪ ،‬وتاسعها وعاشرها الخوف‬
‫والرجاء وهذه الصفات العشر إذا اعتبرتها وجدتها امهات صفات السائرين‬
‫إلى ال تعالى يسر ال لنا التصاف بها بمنه وكرمه‪ - 24 .‬كا‪ :‬عن العدة‪،‬‬
‫عن البرقي‪ ،‬عن بعض أصحابه من العراقيين رفعه قال‪ :‬خطب الناس‬
‫الحسن بن علي عليهما السلم فقال‪ :‬أيها الناس إنما اخبركم عن أخ لي‬
‫كان من أعظم الناس في عيني‪ ،‬وكان رأس ما عظم به في عيني صغر‬
‫الدنيا في عينه‪ ،‬كان خارجا من سلطان بطنه‪ ،‬فل يشتهي ما ل يجد‪ ،‬ول‬
‫يكثر إذا وجد‪ ،‬كان خارجا من سلطان فرجه‪ ،‬فل يستخف له عقله ول رأيه‪،‬‬
‫كان خارجا من سلطان الجهالة‪ ،‬فل يمد يده إل على ثقة لمنفعة‪ .‬كان ل‬
‫يتشهى‪ ،‬ول يتسخط‪ ،‬ول يتبرم‪ ،‬كان أكثر دهره صماتا‪ ،‬فإذا قال بذ‬
‫القائلين‪ ،‬كان ل يدخل في مراء‪ ،‬ول يشارك في دعوى‪ ،‬ول يدلي بحجة‬
‫حتى يرى قاضيا‪ ،‬وكان ل يغفل عن إخوانه ول يخص نفسه بشئ دونهم‪،‬‬
‫كان ضعيفا مستضعفا فإذا جاء الجد كان ليثا عاديا‪.‬‬

‫)‪ (1‬طه‪ (2) .14 :‬الحشر‪.2 :‬‬

‫]‪[295‬‬
‫كان ل يلوم أحدا فيما يقع العذر في مثله حتى يرى اعتذارا‪ ،‬كان يفعل ما يقول‬
‫ويفعل ما ل يقول كان إذا ابتزه أمران ل يدري أيهما أفضل‪ ،‬نظر إلى‬
‫أقربهما إلى الهوى فخالفه‪ ،‬وكان ل يشكو وجعا إل عند من يرجو عنده‬
‫البرء‪ ،‬ول يستشير إل من يرجو عنده النصيحة‪ ،‬كان ل يتبرم‪ ،‬ول يتسخط‪،‬‬
‫ول يتشكى‪ ،‬ول يتشهى‪ ،‬ول ينتقم ول يغفل عن العدو‪ ،‬فعليكم بمثل هذه‬
‫الخلق الكريمة‪ ،‬إن أطقتموها‪ ،‬فان لم تطيقوها كلها فأخذ القليل خير من‬
‫ترك الكثير‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال )‪ .(1‬نهج‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم‪ :‬كان لي فيما مضى أخ في ال‪ ،‬وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا‬
‫في عينه وكان خارجا من سلطان بطنه إلى قوله من ترك الكثير )‪.(2‬‬
‫تبيين‪ :‬قال ابن أبي الحديد‪ :‬قد اختلف الناس في المعنى بهذا الكلم ومن‬
‫هذا الخ المشار إليه ؟ فقال قوم‪ :‬هو رسول ال صلى ال عليه واله‬
‫واستبعده قوم لقوله عليه السلم " وكان ضعيفا مستضعفا " فانه ل يقال‬
‫في صفاته صلى ال عليه واله مثل هذه الكلمة و إن أمكن تأويلها على لين‬
‫كلمه وسجاحة أخلقه‪ ،‬إل أنها غير لئقة به عليه السلم وقال قوم‪ :‬هو‬
‫أبو ذر الغفاري واستبعده قوم لقوله عليه السلم " فان جاء الجد فهو ليث‬
‫غاد وصل واد " فان أبا ذر لم يكن من المعروفين بالشجاعة والبسالة‪،‬‬
‫وقال قوم‪ :‬هو مقداد بن عمرو المعروف بمقداد بن السود وكان من شيعة‬
‫علي عليه السلم و كان شجاعا مجاهدا حسن الطريقة‪ ،‬وقد روي في‬
‫فضله حديث صحيح مرفوع‪ ،‬و قال قوم‪ :‬إنه ليس باشارة إلى أخ معين‬
‫ولكنه كلم خارج مخرج المثل كقولهم فقلت لصاحبي ويا صاحبي وهذا‬
‫عندي أقوى الوجوه انتهى )‪ .(3‬ول يبعد أن يقال‪ :‬إن قوله عليه السلم‬
‫فان جاء الجد فهو ليث غاد إلى آخره ل يقتضي الشجاعة والبسالة في‬
‫الحرب‪ ،‬بل المراد الوصف بالتصلب في ذات ال‪ ،‬و‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .237‬نهج البلغة ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .214‬شرح النهج لبن‬
‫أبى الحديد ج ‪ 4‬ص ‪.378‬‬

‫]‪[296‬‬

‫ترك المداهنة في أمر الدين‪ ،‬وإظهار الحق‪ ،‬بل في العدول عن لفظ الحرب إلى الجد‪،‬‬
‫بعد الوصف بالضعف إشعار بذلك‪ ،‬وقد كان أبو ذر معروفا بذلك‪ ،‬و‬
‫إفصاحه عن فضائح بني امية في أيام عثمان وتصلبه في إظهار الحق‬
‫أشهر من أن يحتاج إلى البيان‪ .‬وقال الشارح ابن ميثم‪ :‬ذكر هذا الفصل ابن‬
‫المقفع في أدبه ونسبه إلى الحسن بن علي عليهما السلم والمشار إليه‬
‫قيل‪ :‬هو أبو ذر الغفاري وقيل‪ :‬هو عثمان ابن مظعون انتهى )‪ .(1‬وأقول‪:‬‬
‫ل يبعد أن يكون المراد به أباه عليه السلم عبر هكذا لمصلحة‪ " .‬وكان‬
‫رأس ما عظم به في عيني " أي وكان أقوى وأعظم الصفات التي صارت‬
‫أسبابا لعظمته في عيني‪ ،‬فان الرأس أشرف ما في البدن‪ ،‬وفي القاموس‬
‫الرأس أعلى كل شئ‪ ،‬والصغر وزان عنب وقفل خلف الكبر‪ ،‬وبمعنى الذل‬
‫والهوان‪ ،‬وهو خبر كان‪ ،‬وفاعل عظم ضمير الخ‪ ،‬وضمير به عائد إلى‬
‫الموصول والباء للسببية‪ " .‬كان خارجا من سلطان بطنه " أي سلطنته‬
‫كناية عن شدة الرغبة في المأكول والمشروب‪ ،‬كما وكيفا‪ ،‬ثم ذكر عليه‬
‫السلم لذلك علمتين‪ ،‬حيث قال‪ " :‬فل يشتهي ما ل يجد " وفي النهج "‬
‫فل يتشهى " ويقال تشهى فلن إذا اقترح شهوة بعد شهوة‪ ،‬وهو أنسب "‬
‫ول يكثر " في الكل " إذا وجد " والكثار من الشئ التيان بالكثير منه‪،‬‬
‫والمراد به إما لقتصار على ما دون الشبع‪ ،‬أو ترك الفراط في الكل أو‬
‫ترك السراف في تجويد المأكول والمشروب‪ " .‬كان خارجا من سلطان‬
‫فرجه " أي لم يكن لشهوة فرجه عليه سلطنة بأن توقعه في المحرمات‪ ،‬أو‬
‫الشبهات والمكروهات‪ ،‬فذكر لذلك أيضا علمتين فقال‪ " :‬فل يستخف له‬
‫عقله ول رأيه " في القاموس استخفه ضد استثقله‪ ،‬وفلنا عن رأيه حمله‬

‫)‪ (1‬شرح النهج لبن ميثم ص ‪.616‬‬

‫]‪[297‬‬

‫على الجهل والخفة‪ ،‬وأزاله عما كان عليه من الصواب )‪ (1‬وقال الراغب‪" :‬‬
‫فاستخف قومه " )‪ (2‬أي حملهم على أن يخفوا معه أو وجدهم خفافا في‬
‫أبدانهم وعزائمهم قيل‪ :‬معناه وجدهم طائشين وقوله عزوجل " ول‬
‫يستخفنك الذين ل يوقنون " )‪ (3‬أي ل يزعجنك ويزيلنك عن اعتقادك بما‬
‫يوقعون من الشبه )‪ (4‬وقال البيضاوي في قوله سبحانه " فاستخف قومه‬
‫" فطلب منهم الخفة في مطاوعته‪ ،‬أو فاستخف أحلمهم وقال في قوله‬
‫تعالى‪ " :‬ول يستخفنك " ول يحملنك على الخفة والقلق " الذين ل‬
‫يوقنون " بتكذيبهم وإيذائهم‪ .‬وأقول‪ :‬هذه الفقرة تحتمل وجوها‪ :‬الول أن‬
‫يكون المستتر في فل يستخف راجعا إلى الفرج والضمير في " له " راجعا‬
‫إلى الخ‪ ،‬ويكون عقله ورأيه منصوبين أي كان ل تجعل شهوة الفرج عقله‬
‫ورأيه خفيفين مطيعين لها‪ ،‬الثاني أن يكون الضمير في يستخف راجعا إلى‬
‫الخ وفي " له " إلى الفرج‪ ،‬أي ل يجعل عقله ورأيه أو ل يجدهما خفيفين‬
‫سريعين في قضاء حوائج الفرج‪ ،‬الثالث أن يقرأ يستخف على بناء‬
‫المجهول‪ ،‬وعقله ورأيه‪ ،‬مرفوعين‪ ،‬وضمير " له " إما راجع إلى الخ أو‬
‫إلى الفرج‪ ،‬وما قيل أن يستخف على بناء المعلوم‪ ،‬وعقله ورأيه‬
‫مرفوعان‪ ،‬وضمير له للخ‪ ،‬فل يساعده ما مر من معاني الستخفاف‪" .‬‬
‫كان خارجا من سلطان الجهالة " بفتح الجيم وهي خلف العلم والعقل "‬
‫فل يمد يده " أي إلى أخذ شئ كناية عن ارتكاب المور " إل على ثقة "‬
‫واعتماد بأنه ينفعه نفعا عظيما في الخرة أو في الدنيا أيضا إذا لم يضر‬
‫بالخرة " كان ل يتشهى " أي ل يكثر شهوة الشياء كما مر " ول‬
‫يتسخط " أي ل يسخط كثيرا لفقد المشتهيات أو ل يغضب ليذاء الخلق له‬
‫أو اقلة عطائهم‪ ،‬في القاموس‪ :‬السخط بالضم وكعنق‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 3‬ص ‪ (2) .136‬الزخرف‪ (3) .54 :‬الروم‪ (4) .60 :‬مفردات‬
‫غريب القرآن‪.152 :‬‬

‫]‪[298‬‬

‫وجبل ضد الرضا‪ ،‬وقد سخط كفرح وتسخط وأسخطه أغضبه‪ ،‬وتسخطه تكرهه‬
‫وعطاءه استقله ولم يقع منه موقعا )‪ " (1‬ول يتبرم " أي ل يمل ول يسأم‬
‫من حوائج الخلق‪ ،‬وكثرة سؤالهم‪ ،‬وسوء معاشرتهم‪ ،‬في القاموس البرم‬
‫السأمة والضجر وأبرمه فبرم كفرح وتبرم امله فمل‪ " .‬كان أكثر دهره "‬
‫أي عمره و " أكثر " منصوب على الظرفية " صماتا " بفتح الصاد‬
‫وتشديد الميم وقرئ بضم الصاد وتخفيف الميم‪ ،‬مصدرا فالحمل على‬
‫المبالغة وفي النهج " صامتا فان قال بذ القائلين‪ ،‬ونقع غليل السائلين "‬
‫قال في النهاية‪ :‬في الحديث بذ القائلين أي سبقهم وغلبهم يبذهم بذ انتهى‪،‬‬
‫ونقع الماء العطش أي سكنه والغليل حرارة العطش‪ ،‬ويمكن أن يكون البذ‬
‫بالفصاحة والنقع بالعلم والجواب الشافي‪ " .‬كان ل يدخل في مراء " أي‬
‫مجادلة في العلوم للغلبة وإظهار الكمال‪ ،‬قال في المصباح‪ :‬ماريته اماريه‬
‫مماراة ومراء جادلته‪ ،‬ويقال‪ :‬ماريته أيضا إذا طعنت في قوله تزييفا‬
‫للقول‪ ،‬وتصغيرا للقائل‪ ،‬ول يكون المراء إل اعتراضا " ول يشارك في‬
‫دعوى " أي في دعوى غيره لعانته أو وكالة عنه‪ " .‬ول يدلي بحجة‬
‫حتى يرى قاضيا " في المصباح أدلى بحجته أثبتها فوصل بها وفي‬
‫القاموس أدلى بحجته أحضرها‪ ،‬وإليه بماله دفعه‪ ،‬ومنه " وتدلوا بها إلى‬
‫الحكام " )‪ .(2‬أقول‪ :‬وفي النهج " حتى يأتي قاضيا " وهذه الفقرة أيضا‬
‫يحتمل وجوها‪ :‬الول ما ذكره بعض شراح النهج أي ل يدلي بحجته حتى‬
‫يجد قاضيا‪ ،‬و هو من فضيلة العدل في وضع الشياء مواضعها انتهى‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬المعنى أنه ليس من عادته إذا ظلمه أحد أن يبث الشكوى عند‬
‫الناس‪ ،‬كما هو دأب أكثر الخلق‪ ،‬بل يصبر إلى أن يجد حاكما يحكم بينه‬
‫وبين‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .361‬البقرة‪.188 :‬‬


‫]‪[299‬‬

‫خصمه‪ ،‬وذلك في الحقيقة يؤل إلى الكف عن فضول الكلم‪ ،‬والتكلم في غير موقعه‪.‬‬
‫الثاني أن يكون المراد أنه يصبر على الظلم‪ ،‬ويؤخر المطالبة إلى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬فالمراد بالقاضي الحاكم المطلق‪ ،‬وهو ال سبحانه‪ ،‬أو ل ينازع‬
‫العداء إل عند زوال التقية‪ ،‬فالمراد بالقاضي المام الحق النافذ الحكم‪.‬‬
‫الثالث أن يكون المراد نفي إتيانه القاضي لكفه عن المنازعة والدعوى‬
‫وصبره على الظلم أي ل ينشئ دعوى ول يأتي بحجة حتى يحتاج إلى‬
‫إتيان القاضي‪ .‬الرابع ما ذكره بعض الفاضل حيث قرأ " يري " على بناء‬
‫الفعال‪ ،‬وفسر القاضي بالبرهان القاطع الفاصل بين الحق والباطل‪ ،‬أي‬
‫كان ل يتعرض للدعوى إل أن يظهر حجة قاطعة‪ ،‬ولعله أخذه من قول‬
‫الفيروزآبادي القضاء الحتم‪ ،‬والبيان وسم قاض قاتل‪ ،‬ول يخفى بعده مع‬
‫عدم موافقته لما في النهج‪ " .‬وكان ل يغفل عن إخوانه " أي كان يتفقد‬
‫أحوالهم في جميع الحوال كتفقد الهل والعيال " ول يخص نفسه بشئ من‬
‫الخيرات دونهم " بل كان يجعلهم شركاء لنفسه فيما خوله ال‪ ،‬ويحب لهم‬
‫ما يحب لنفسه‪ ،‬ويكره لهم ما يكره لنفسه‪ " .‬كان ضعيفا " أي فقيرا ؟ ؟‬
‫ورا إليه بعين الذلة والفقر‪ ،‬كما قيل‪ ،‬أو ضعيفا في القوة البدنية خلقة‪،‬‬
‫ولكثرة الصيام والقيام " مستضعفا "( أي في أعين الناس للفقر‬
‫والضعف‪ ،‬وقلة العوان‪ ،‬يقال‪ :‬استضعفه أي عده ضعيفا‪ ،‬وقال بعض‬
‫شراح النهج‪ :‬استضعفه أي عده ضعيفا ووجده ضعيفا وذلك لتواضعه وإن‬
‫كان قويا‪ " .‬وإذا جاء الجد كان ليثا عاديا " في أكثر النسخ بالعين‬
‫المهملة‪ ،‬وفي بعضها بالمعجمة‪ ،‬وفي النهاية فيه ماذئبان عاديان‪ ،‬العادي‬
‫الظالم‪ ،‬وقد عدا يعدو عليه عدوانا‪ ،‬وأصله من تجاوز الحد في الشئ‪،‬‬
‫والسبع العادي أي الظالم الذي يفترس الناس انتهى‪ ،‬والجد بالكسر ضد‬
‫الهزل‪ ،‬والجتهاد في المر‪ ،‬والمراد به هنا المحاربة والمجاهدة‪ ،‬وفي‬
‫النهج " فان جاء الجد فهو ليث عاد وصل واد " وفي أكثر نسخه " غاد‬
‫" بالمعجمة من غدا عليه أي تكبر‪ ،‬وقال بعض شارحيه‪ :‬الوصف‬

‫]‪[300‬‬

‫بالغادي لنه إذا غدا كان جائعا فصولته أشد‪ ،‬والمناسب حينئذ أن يكون ليث منونا‬
‫وفي النسخ ليث غاد بالضافة‪ ،‬فكأنه من إضافة الموصوف إلى الصفة‪،‬‬
‫وفي بعض نسخه بالمهملة كما مر وفي بعضها " غاب " بالباء الموحدة‬
‫بعد العين المهملة وهو الجمة ويسكنها السد والمناسب حينئذ الضافة‪،‬‬
‫وقال الجوهري‪ :‬الصل بالكسر الحية التي ل تنفع منها الرقية‪ ،‬يقال إنها‬
‫لصل صفا إذا كانت منكرة مثل الفعى‪ ،‬ويقال للرجل إذا كان داهيا منكرا‪:‬‬
‫إنه لصل أصلل أي حية من الحيات وأصله في الحيات‪ ،‬شبه الرجل بها‬
‫انتهى )‪ (1‬وذكر الوادي لن الودية لنخفاضها تشتد فيها الحرارة‪ ،‬فيشتد‬
‫السم في حيتها‪ " .‬كان ل يلوم أحدا فيما يقع العذر في مثله حتى يرى‬
‫اعتذارا " فيما يقع العذر‪ :‬أي فيما يمكن أن يكون له فيه عذر‪ ،‬وفي كلمة‬
‫المثل إشعار بعدم العلم بكون فاعله معذورا‪ ،‬إذ من الجائز أن يكون الفاعل‬
‫غير معذور‪ ،‬فيجب التوقف حتى يسمع العتذار ويظهر الحق‪ ،‬فان لم يكن‬
‫عذره مقبول لمه‪ ،‬ويحتمل أن يكون حتى للتعليل أي كان ل يلومه بل‬
‫يتفحص العذر حتى يجد له عذرا ولو على سبيل الحتمال وفي النهج "‬
‫وكان ل يلوم أحدا على ما يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره " وفي‬
‫بعض النسخ " على ما ل يجد " بزيادة حرف النفي فالمعنى ل يلوم على‬
‫أمر ل يجد فيه عذرا بمجرد عدم الوجدان‪ ،‬إذ يحتمل أن يكون له عذر ل‬
‫يخطر بباله‪ " .‬وكان يفعل ما يقول ويفعل ما ل يقول " أي يفعل ما يأمر‬
‫غيره به من الطاعات إشارة إلى قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لم‬
‫تقولون ما ل تفعلون " )‪ (2‬وقد قيل إن المعنى لم ل تفعلون ما تقولون‪،‬‬
‫فانه إذا قال ولم يفعل‪ ،‬فعدم الفعل قبيح ل القول‪ ،‬ويفعل من الخيرات‬
‫والطاعات ما ل يقوله لمصلحة تقية أو عدم انتهاز فرصة‪ ،‬أو عدم وجدان‬
‫قابل‪ ،‬كما قال تعالى‪ " :‬فذكر إن نفعت الذكرى " )‪(3‬‬

‫)‪ (1‬الصحاح ص ‪ (2) .1745‬الصف‪ (3) .2 :‬العلى‪.9 :‬‬

‫]‪[301‬‬

‫كذا فهمه الكثر‪ ،‬ويخطر بالبال أن المعنى أنه يحسن إلى غيره سواء وعده‬
‫الحسان أو لم يعده كما فسرت الية المتقدمة في كثير من الخبار بخلف‬
‫الوعد وفي النهج " وكان يقول ما يفعل‪ ،‬ول يقول ما ل يفعل " وفي بعض‬
‫نسخه في الول " وكان يفعل ما يقول "‪ " .‬كان إذا ابتزه أمران " كذا في‬
‫أكثر النسخ بالباء الموحدة والزاي على بناء الفتعال‪ ،‬أي استلبه وغلبه‬
‫وأخذه قهرا‪ ،‬كناية عن شدة ميله إليهما وحصول الدواعي في كل منهما‪،‬‬
‫في القاموس البز الغلبة‪ ،‬وأخذ الشئ بجفاء وقهر كالبتزاز‪ ،‬وبزبز الشئ‬
‫سلبه كابتزه‪ ،‬ول يبعد أن يكون في الصل‪ " :‬انبراه " بالنون والباء‬
‫الموحدة على الحذف واليصال أي اعترض له‪ ،‬وفي النهج " وكان إذا‬
‫بدهه أمران نظر أيهما أقرب إلى الهوى فخالفه " يقال بدهه أمر كمنعه أي‬
‫بغته وفاجأه‪ .‬وهذا الكلم يحتمل معنيين الول أن يكون المعنى إذا عرضت‬
‫له طاعتان كان يختار أشقهما على نفسه‪ ،‬لكونها أكثر ثوابا‪ ،‬كالوضوء‬
‫بالماء البارد والحار في الشتاء‪ ،‬كما ورد ذلك في فضائل أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم والثاني أن يكون معيارا لحسن الشياء وقبحها‪ ،‬كما إذا ورد‬
‫عليه فعل ل يدري فعله أفضل أو تركه فينظر إلى نفسه وكلما تهواه‬
‫يخالفها كما ورد ل تترك النفس وهواها‪ ،‬فان رداها في هواها وهذا هو‬
‫الغالب‪ ،‬لكن جعلها قاعدة كلية كما تقوله المتصوفة مشكل‪ ،‬لما نقل عن‬
‫بعضهم أنه مر بعذرة فعرصها على نفسه فأبت فأكلها‪ ،‬والظاهر أن أكلها‬
‫كان عين هواها لتعده الرعاع )‪ (1‬من الناس شيخا كامل‪ ،‬ولكل عذرة آكل‪.‬‬
‫" إل عند من يرجو عنده البرء " أي ربه تعالى فانه الشافي حقيقة‪ ،‬أو‬
‫المراد به الطبيب الحاذق الذي يرجو بمعالجته البرء فانه حينئذ ليس‬
‫بشكاية‪ ،‬بل هو طلب لعلجه‪ ،‬فلستثناء منقطع‪ ،‬وفي النهج " وكان ل‬
‫يشكو وجعا إل عند برئه "‬

‫)‪ (1‬الرعاع بالفتح‪ :‬سقاط الناس وسفلتهم وغوغاؤهم‪ ،‬الواحد رعاعة‪ ،‬وقيل‪ :‬ل‬
‫واحد له من لفظه‪.‬‬

‫]‪[302‬‬

‫أي يحكيه بعد البرء للشكر والتحدث بنعمة ال‪ ،‬فالستثناء منقطع‪ ،‬أو اطلقت‬
‫الشكاية عليها على المشاكلة‪ ،‬وقيل أي كان يكتم مرضه عن إخوانه لئل‬
‫يتجشموا زيارته‪ " .‬ول يستشير " في المصباح شاورته في كذا‬
‫واستشرته راجعته لرى رأيه فيه‪ ،‬فأشار علي بكذا‪ :‬أراني ما عنده فيه من‬
‫المصلحة‪ ،‬فكانت إشارته حسنة والسم المشورة‪ ،‬وفيه لغتان سكون‬
‫الشين وفتح الواو‪ ،‬والثانية ضم الشين وسكون الواو وزان معونة‪ ،‬ويقال‪:‬‬
‫هي من شار الدابة إذا عرضه في المشوار‪ ،‬ويقال‪ :‬من أشرت العسل شبه‬
‫حسن النصيحة بشري العسل " إل من يرجو عنده النصيحة " أي خلوص‬
‫الرأي‪ ،‬وعدم الغش وكمال الفهم‪ " .‬كان ل يتبرم " كأن إعادة تلك الخصال‬
‫مع ذكرها سابقا للتأكيد وشدة الهتمام بترك تلك الخصال‪ ،‬أو المراد بها في‬
‫الول تشهي الدنيا والتسخط من فقدها‪ ،‬والتبرم بمصائب الدنيا‪ ،‬والشكاية‬
‫عن الوجع‪ ،‬والمراد هنا التبرم من كثرة سؤال الناس وسوء أخلقهم‬
‫والتسخط بما يصل إليه منهم‪ ،‬وتشهي ملذ الدنيا والتشكي عن أحوال‬
‫الدهر‪ ،‬أو عن الخوان‪ ،‬والشكاية والتشكي والشتكاء بمعنى ويمكن الفرق‬
‫بامور اخر يظهر بالتأمل فيما ذكرنا‪ " .‬ول ينتقم " أي من العدو حتى ينتقم‬
‫ال له كما مر " ول يغفل عن العدو " أي العداء الظاهرة والباطنة‬
‫كالشيطان والنفس والهوى‪ " .‬فعليكم بمثل هذه الخلق " في النهج "‬
‫فعليكم بهذه الخلئق فالزموها وتنافسوا فيها‪ ،‬فان لم تستطيعوها فاعلموا‬
‫أن أخذ القليل خير من ترك الكثير " أقول‪ :‬لما كان الغرض من ذكر صفات‬
‫الخ أن يقتدي السامعون به في الفضائل المذكورة‪ ،‬أمرهم عليه السلم‬
‫بلزومها والتنافس فيها‪ ،‬أو في بعضها إن لم يمكن الكل‪ .‬قوله عليه السلم‬
‫" من ترك الكثير " أي الكل‪ .‬وأقول‪ :‬في رواية النهج ترك بعض تلك‬
‫الخصال وفيها زيادة أيضا وهي قوله " وكان إن غلب على الكلم لم يغلب‬
‫على السكوت‪ ،‬وكان على ما يسمع أحرص منه‬

‫]‪[303‬‬

‫على أن يتكلم " والمراد بالفقرة الولى أنه إن غلبه أحد بالجدال والخروج عن‬
‫الحق عدل إلى السكوت وترك المراء‪ ،‬فكان هو الغالب حقيقة لعدم خروجه‬
‫عن الحق أو المراد أن سكوته كان أكثر من غيره‪ ،‬فالكلم أعم مما هو في‬
‫معرض الجدال وأما الثانية فالحرص على الستماع لحتمال النتفاع‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬صيغة التفضيل هنا مثلها في قوله تعالى " أذلك خير أم جنة الخلد "‬
‫)‪ - 25 .(1‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫سنان عن معروف بن خربوذ‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬صلى أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم بالناس الصبح بالعراق فلما انصرف وعظهم فبكى‬
‫وأبكاهم من خوف ال‪ ،‬ثم قال‪ :‬أما وال لقد عهدت أقواما على عهد خليلي‬
‫رسول ال صلى ال عليه واله وإنهم ليصبحون ويمسون شعثا غبرا‬
‫خمصا‪ ،‬بين أعينهم كركب المعزى‪ ،‬يبيتون لربهم سجدا وقياما يراوحون‬
‫بين أقدامهم وجباههم‪ ،‬يناجون ربهم ويسألونه فكاك رقابهم من النار وال‬
‫لقد رأيتهم على هذا وهم خائفون مشفقون )‪ .(2‬ما‪ :‬عن المفيد‪ ،‬عن ابن‬
‫قولويه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن محبوب مثله )‪.(3‬‬
‫توضيح‪ :‬العراق هنا الكوفة‪ ،‬والعراقان الكوفة والبصرة " لقد عهدت( أي‬
‫لقيت أو هو في ذكري وفي بالي‪ ،‬وفي المصباح عهدته بمكان كذا لقيته‪،‬‬
‫وعهدي به قريب أي لقائي‪ ،‬وعهدت الشئ ترددت إليه وأصلحته وحقيقته‬
‫تجديد العهد به وفي القاموس‪ :‬العهد‪ :‬اللتقاء والمعرفة‪ ،‬منه عهدي به‬
‫بموضع كذا‪ ،‬والشعث بالضم جمع الشعث‪ ،‬كالغبر بالضم جمع الغبر‪،‬‬
‫والشعث تفرق الشعر وعدم إصلحه ومشطه وتنظيفه‪ ،‬والغبر المتلطخ‬
‫بالغبار‪ ،‬قال في المصباح‪ :‬شعث الشعر شعثا فهو شعث من باب تعب تغير‬
‫وتلبد لقلة تعهده بالدهن‪ ،‬ورجل أشعث وامرأة شعثاء‪ ،‬والشعث‬

‫)‪ (1‬الفرقان‪ (2) .15 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .236‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪.100‬‬

‫]‪[304‬‬

‫أيضا الوسخ‪ ،‬ورجل شعث‪ :‬وسخ الجسد‪ ،‬وشعث الرأس أيضا وهو أشعث أغبر من‬
‫غير استحداد )‪ (1‬ول تنظف‪ ،‬والشعث أيضا التفرق وتلبد الشعر انتهى‪.‬‬
‫فان قيل‪ :‬التمشط والتدهن والتنظف كلها مستحبة مطلوبة للشارع‪ ،‬فكيف‬
‫مدحهم عليه السلم بتركها ؟ قلنا‪ :‬يحتمل أن تكون تلك الحوال لفقرهم‪،‬‬
‫وعدم قدرتهم على إزالتها‪ ،‬فالمدح على صبرهم على الفقر‪ ،‬أو المعنى‬
‫أنهم ل يهتمون بازالتها زائدا على المستحب أو يقال‪ :‬إذا كان تركها لشدة‬
‫الهتمام بالعبادة‪ ،‬وغلبة خوف الخرة يكون ممدوحا‪ " .‬خمصا " جمع‬
‫الخمص‪ ،‬وقيل الخميص أي بطونهم خالية إما للصوم أو للفقر أو ل‬
‫يشبعون لئل يكسلوا في العبادة‪ ،‬وقد مر‪ " .‬كركب المعزى " أي من أثر‬
‫السجود لكثرته وطوله‪ ،‬وفي القاموس الركبة بالضم ما بين أسافل أطراف‬
‫الفخذ وأعالي الساق‪ ،‬أو موضع الوظيف والذراع أو مرفق الذراع من كل‬
‫شئ والجمع ركب كصرد‪ ،‬وقال‪ :‬المعز بالفتح وبالتحريك والمعزى ويمد‬
‫خلف الضأن من الغنم‪ ،‬والماعز واحد المعز للذكر والنثى‪ ،‬وفي المصباح‬
‫المعز اسم جنس ل واحد من لفظه‪ ،‬وهي ذوات الشعر من الغنم الواحدة‬
‫شاة‪ ،‬والمعزى ألفها لللحاق ل للتأنيث‪ ،‬ولهذا تنون في النكرة‪ ،‬والذكر‬
‫ماعز‪ ،‬والنثى ماعزة انتهى‪ " .‬يبيتون لربهم " تضمين لقوله تعالى في‬
‫الفرقان " والذين يبتون لربهم سجدا وقياما " )‪ (2‬قال البيضاوي‪ :‬وتأخير‬
‫القيام للروى‪ ،‬وهو جمع قائم أو مصدر اجري مجراه انتهى )‪ (3‬وقيل‪ :‬في‬
‫تقديم القدام على الجباه مع التأخير في الية إشارة إلى أن تقديم السجود‬
‫فيها لزيادة القرب فيه‪ ،‬ولرعاية موافقة الفواصل وفي النهاية فيه إنه كان‬
‫يراوح بين قدميه من طول القيام‪ ،‬أي يعتمد على إحداهما مرة وعلى‬
‫الخرى مرة‪ ،‬ليوصل الراحة إلى كل منهما‪ ،‬ومنه حديث ابن مسعود‬

‫)‪ (1‬الستحداد‪ :‬الحلق بالحديد‪ (2) .‬الفرقان‪ (3) .64 :‬أنوار التنزيل ص ‪.305‬‬

‫]‪[305‬‬

‫إنه أبصر رجل صافا قدميه‪ ،‬فقال‪ :‬لو راوح كان أفضل‪ ،‬ومنه حديث بكر بن عبد‬
‫ال‪ :‬كان ثابت يراوح ما بين جبهته وقدميه أي قائما وساجدا يعني في‬
‫الصلة‪ .‬وأقول‪ :‬ظاهر أكثر أصحابنا استحباب أن يكون اعتماده على قدميه‬
‫مساويا وأما هذه الخبار مع صحتها يمكن أن تكون مخصوصة بالنوافل أو‬
‫بحالي المشقة والتعب‪ ،‬والمناجاة المسارة " وهم خائفون " من رد‬
‫أعمالهم للخلل ببعض شرائطها " مشفقون " من عذاب ال‪ ،‬والحاصل‬
‫أنهم مع هذا الجد والمبالغة في العمل كانوا يعدون أنفسهم مقصرين‪ ،‬ولم‬
‫يكونوا بأعمالهم معجبين‪ - 26 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن إسماعيل‬
‫بن مهران‪ ،‬عن سيف بن عميرة‪ ،‬عن سليمان بن عمرو النخعي قال‪:‬‬
‫وحدثني الحسين بن سيف‪ ،‬عن أخيه علي‪ ،‬عن سليمان‪ ،‬عمن ذكره‪ ،‬عن‬
‫أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬سئل النبي صلى ال عليه واله عن خيار العباد‬
‫فقال‪ :‬الذين إذا أحسنوا استبشروا‪ ،‬وإذا أساؤا استغفروا‪ ،‬وإذا اعطوا‬
‫شكروا‪ ،‬وإذا ابتلوا صبروا‪ ،‬وإذا أغضبوا غفروا )‪ .(1‬ل‪ ،‬لى‪ :‬عن ابن‬
‫الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن ابن مهران‪ ،‬عن ابن عميرة‪ ،‬عن‬
‫سليمان بن جعفر‪ ،‬عن محمد بن مسلم وغيره‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم‬
‫قال‪ :‬سئل رسول ال صلى ال عليه واله وذكر نحوه )‪ .(2‬بيان‪ :‬الحسان‬
‫فعل الحسنة‪ ،‬ويحتمل الحسان إلى الغير‪ ،‬وكذا الساءة يحتملهما‪،‬‬
‫والستبشار الفرح والسرور‪ - 27 .‬كا‪ :‬بالسناد المتقدم‪ ،‬عن أبي جعفر‬
‫عليه السلم قال‪ :‬قال النبي صلى ال عليه واله‪ :‬إن خياركم اولو النهى‪،‬‬
‫قيل‪ :‬يا رسول ال ومن اولو النهى ؟ قال‪ :‬هم اولو الخلق الحسنة‪،‬‬
‫والحلم الرزينة‪ ،‬وصلة الرحام‪ ،‬والبررة بالمهات والباء والمتعاهدين‬
‫للفقراء‪ ،‬والجيران واليتامى‪ ،‬ويطعمون الطعام‪ ،‬ويفشون السلم‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .240‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ ،153‬أمالى الصدوق ص ‪(*) .8‬‬

‫]‪[306‬‬

‫في العالم‪ ،‬ويصلون والناس نيام غافلون )‪ .(1‬بيان‪ " :‬اولو النهى " في القاموس‬
‫النهية بالضم العقل كالنهي‪ ،‬وهو يكون جمع نهية أيضا وقال الراغب‪:‬‬
‫النهية العقل الناهي عن القبائح جمعها نهى‪ ،‬قال عزوجل " إن في ذلك‬
‫ليات لولي النهى " انتهى )‪ (2‬والحلم جمع حلم بالكسر بمعنى العقل‪،‬‬
‫أو الناة‪ ،‬وعدم التسرع إلى النتقام‪ ،‬وهو هنا أظهر وفي القاموس الرزين‬
‫الثقيل وترزن في الشئ توقر " وصلة الرحام( عطف على الحلم‪،‬‬
‫ويمكن أن يكون الواو جزء الكلمة والصاد مفتوحة جمع واصل "‬
‫والمتعاهدين " في أكثر النسخ بالنصب فيكون نصبا على المدح‪ ،‬كما قالوا‬
‫في قوله تعالى في سورة النساء " والمقيمين الصلوة والمؤتون الزكوة "‬
‫)‪ (3‬ويمكن على الحتمال الثاني في " وصلة الرحام " نصب الوصلة‬
‫على المدح‪ " .‬والناس نيام غافلون " نيام جمع نائم‪ ،‬وغافلون خبر بعد‬
‫خبر‪ ،‬أي بعضهم نيام‪ ،‬وبعضهم غافلون‪ ،‬أو صفة كاشفة أي المراد بالنيام‬
‫الغافلون‪ ،‬كما ورد‪ :‬الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا‪ - 28 .‬كا‪ :‬عن علي بن‬
‫إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن محمد بن عرفة‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال النبي صلى ال عليه واله‪ :‬أل اخبركم‬
‫بأشبهكم بي ؟ قالوا‪ :‬بلى يا رسول ال قال‪ :‬أحسنكم خلقا‪ ،‬وألينكم كنفا‪،‬‬
‫وأبركم بقرابته‪ ،‬وأشدكم حبا لخوانه في دينه‪ ،‬وأصبركم على الحق‪،‬‬
‫وأكظمكم للغيظ‪ ،‬وأحسنكم عفوا‪ ،‬وأشدكم من نفسه إنصافا في الرضا‬
‫والغضب )‪ .(4‬بيان‪ " :‬وألينكم كنفا " أي ل يتأذى من مجاورتهم‬
‫ومجالستهم ومن ناحيتهم أحد‪ ،‬في القاموس‪ :‬أنت في كنف ال محركة‪ :‬في‬
‫حرزه وستره‪ ،‬وهو الجانب والظل‬
‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .240‬مفردات غريب القرآن ص ‪ ،507‬والية في طه‪:‬‬
‫‪ 128‬و ‪ (3) .45‬النساء‪ (4) .162 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.240‬‬

‫]‪[307‬‬

‫والناحية‪ ،‬ومن الطائر جناحه‪ ،‬وفي النهاية فيه أل اخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني‬
‫مجلسا يوم القيامة ؟ أحاسنكم أخلقا الموطؤن أكنافا‪ ،‬هذا مثل وحقيقته من‬
‫التوطئة وهي التمهيد والتذلل‪ ،‬وفراش وطئ ل يؤذي جنب النائم‪،‬‬
‫والكناف الجوانب أراد الذين جوانبهم وطيئة يتمكن فيها من يصاحبهم‪،‬‬
‫ول يتأذى انتهى‪ .‬وأقول‪ :‬في بالي أن في بعض الخبار أكتافا بالتاء أي‬
‫أنهم لشدة تذللهم كأنه يركب الناس أكتافهم ول يتأذون بذلك " لخوانه في‬
‫دينه " أي تكون اخوته بسبب الدين ل بسبب النسب " على الحق " أي‬
‫على المشقة والذية اللتين تلحقانه بسبب اختيار الحق أو قول الحق " في‬
‫الرضا " أي عن أحد " والغضب " أي في الغضب له‪ - 29 .‬نهج‪ :‬قال‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم في بعض خطبه‪ :‬لقد رأيت أصحاب محمد صلى‬
‫ال عليه واله فما أرى أحدا يشبههم‪ ،‬لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا قد‬
‫باتوا سجدا وقياما‪ ،‬يراوحون بين جباههم وخدودهم‪ ،‬ويقفون على مثل‬
‫الجمر من ذكر معادهم‪ ،‬كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم‪،‬‬
‫إذا ذكر ال هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم‪ ،‬ومادوا كما يميد الشجر يوم‬
‫الريح العاصف خوفا من العقاب‪ ،‬ورجاء للثواب )‪ .(1‬بيان‪ " :‬شعثا غبرا‬
‫" إما لفقرهم فالمدح للصبر على الفقر‪ ،‬أو لتركهم زينة الدنيا ولذاتها على‬
‫ما ذكره الكثر فينبغي التقييد بعدم القدرة‪ ،‬أو التخصيص ببعض الفراد‪ ،‬أو‬
‫لتقشف العبادة‪ ،‬وقيام الليل‪ ،‬وصوم النهار‪ ،‬وهجر الملذ فالغبرة كناية عن‬
‫صفرة اللون‪ ،‬والسجد جمع ساجد كالقيام جمع قائم أو القيام مصدر اجري‬
‫مجراه‪ ،‬والتخصيص بالليل لكون العبادة فيه أحمز وأبعد عن الرئاء‬
‫والمراوحة بين الجبهة والخد وضع كل على الرض حتى يستريح الخر‪،‬‬
‫أو كأنه يستريح وليس الغرض الستراحة‪ ،‬وذلك في سجدة الشكر وإن كان‬
‫وضع الجبهة شامل لسجود الصلة‪ ،‬والجمر بالفتح جمع جمرة‪ ،‬وهي النار‬
‫المتقدة‪ ،‬ووقوفهم‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة ج ‪ 1‬ص ‪ 204‬تحت الرقم ‪.95‬‬

‫]‪[308‬‬

‫على مثل الجمر قلقهم واضطرابهم من خوف المعاد وعذاب النار‪ ،‬والمراد ببين‬
‫أعينهم جباههم مجازا‪ ،‬أو الموضع حقيقة للرغام في السجود‪ ،‬والول‬
‫أظهر " وهملت " كضربت ونصرت‪ :‬أي سالت وفاضت‪ ،‬وجيب القميص‬
‫ونحوه بالفتح طوقه ومادوا تحركوا واضطربوا‪ ،‬والريح العاصف‬
‫والعاصفة الشديدة " وخوفا " مفعول له لقوله عليه السلم‪ " :‬مادوا "‬
‫فقط فسيلن العين للحب والشوق أو للفعلين جميعا أو للجميع على بعد‪،‬‬
‫ويدل على أن الخوف من العقاب‪ ،‬والرجاء للثواب ل ينافيان الخلص‪30 .‬‬
‫‪ -‬نهج‪ :‬قال عليه السلم في بعض خطبه‪ :‬أين القوم الذين دعوا إلى السلم‬
‫فقبلوه‪ ،‬وقرؤا القرآن فأحكموه‪ ،‬وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللقاح إلى‬
‫أولدها‪ ،‬وسلبوا السيوف أغمادها‪ ،‬وأخذوا بأطراف الرض زحفا زحفا‬
‫وصفا صفا‪ ،‬بعض هلك‪ ،‬وبعض نجا‪ ،‬ل يبشرون بالحياء‪ ،‬ول يعزون عن‬
‫الموتى )‪ (1‬مره العيون من البكاء‪ ،‬خمص البطون من الصيام‪ ،‬ذبل الشفاه‬
‫من الدعاء‪ ،‬صفر اللوان من السهر‪ ،‬على وجوههم غبرة الخاشعين‪،‬‬
‫اولئك إخواني الذاهبون‪ ،‬فحق لنا أن نظمأ إليهم ونعض اليدي على فراقهم‬
‫)‪ .(2‬بيان‪ :‬كأن المراد بأحكام القرآن حفظ اللفاظ عن التحريف والتدبر في‬
‫معناه والعمل بمقتضاه‪ ،‬وأهاجه أثاره‪ ،‬والمراد به تحريصهم وترغيبهم‬
‫إليه‪ ،‬والوله بالتحريك ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد من حزن أو‬
‫فرح‪ ،‬وقيل‪ :‬هو شدة الحب‪ ،‬يقال‪ :‬وله كفرح وكوعد على قلة‪ ،‬والوله إلى‬
‫الشئ الشتياق إليه واللقاح ككتاب البل أو الناقة ذات اللبن واللقوح‬
‫واحدتها‪ ،‬والحاصل أنهم اشتاقوا إلى الحرب بعد الترغيب اشتياق اللقاح‬
‫إلى أولدها‪ ،‬وفي بعض النسخ " فولهوا اللقاح أولدها " قيل‪ :‬أي جعلوا‬
‫اللقاح والهة إلى أولدها بركوبهم إياها عند خروجهم إلى الجهاد‪ ،‬وقوله‬
‫عليه السلم " )أولدها " نصب باسقاط الجار إذ الفعل أعني " وله "‬
‫غير‬

‫)‪ (1‬عن القتلى خ ل‪ (2) .‬نهج البلغة ج ‪ 1‬ص ‪ 251‬تحت الرقم ‪.119‬‬

‫]‪[309‬‬

‫متعد إلى مفعولين بنفسه‪ ،‬والغمد بالكسر جفن السيف‪ " .‬وأخذوا بأطراف الرض‬
‫" أي أخذوا الرض بأطرافها‪ ،‬كما قيل‪ ،‬أو أخذوا على الناس بأطراف‬
‫الرض‪ ،‬أي حصروهم‪ ،‬يقال لمن استولى على غيره وضيق عليه‪ :‬قد أخذ‬
‫عليه بأطراف الرض قال الفرزدق‪ :‬أخذنا بأطراف السماء عليكم * لنا‬
‫قمراها والنجوم الطوالع وقيل‪ :‬المعنى أخذوا أطراف الرض‪ ،‬من قبيل‬
‫أخذت بالخطام‪ ،‬ويحتمل أن يكون المراد شرعوا في الجهاد في أطراف‬
‫الرض والمواطن البعيدة‪ ،‬والزحف الجيش يزحفون إلى العدو أي يمشون‬
‫ومصدر يقال‪ :‬زحف إليه كمنع زحفا إذا مشى نحوه‪ ،‬والصف واحد‬
‫الصفوف‪ ،‬ويمكن مصدرا " وزحفا زحفا " أي زحفا بعد زحف متفرقين‬
‫في الطراف وكذلك " صفا صفا " والنصب على الحالية نحو جاؤني رجل‬
‫رجل‪ ،‬وقيل‪ :‬زحفا منصوب على المصدر المحذوف الفعل أي يزحفون‬
‫زحفا‪ ،‬والثانية تأكيد للولى وكذلك قوله صفا صفا‪ .‬وقوله عليه السلم "‬
‫بعض هلك وبعض نجا " إشارة إلى قوله تعالى " فمنهم من قضى نحبه‬
‫ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديل " )‪ (1‬والعزاء الصبر أو حسن الصبر‬
‫وعزيته تعزية أي قلت له‪ :‬أحسن ال عزاك‪ ،‬أي رزقك الصبر الحسن‪،‬‬
‫وهو اسم من ذلك نحو سلم سلما قال ابن ميثم رحمه ال‪ (2) :‬المعنى‬
‫أنهم لما قطعوا العلئق الدنيوية‪ ،‬إذا ولد لحدهم مولود لم يبشر به‪ ،‬وإذا‬
‫مات منهم أحد لم يعزوا عنه وكانت نسخته موافقة لما نقلنا‪ ،‬وفي بعض‬
‫النسخ " ل يعزون عن القتلى " موافقا لما في نسخة ابن أبي الحديد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أي لشدة ولههم إلى الجهاد ل يفرحون ببقاء حيهم حتى يبشروا به‪ ،‬ول‬
‫يحزنون لقتل قتيلهم حتى يعزوا به )‪ " .(3‬مره العيون " يقال‪ :‬مرهت‬
‫عينه كفرح أي فسدت لترك الكحل‪ ،‬والمراد‬

‫)‪ (1‬الحزاب‪ (2) .23 :‬شرح النهج لبن ميثم ص ‪ (3) .284‬شرج النهج لبن أبى‬
‫الحديد ج ‪ 2‬ص ‪.260‬‬

‫]‪[310‬‬

‫هنا مطلق الفساد‪ ،‬وخمص البطن مثلثة الميم أي خل‪ ،‬وخمص الرجل خمصا كقرب‬
‫أي جاع‪ ،‬وذبل الشئ ذبول كقعد‪ :‬ذهبت نداوته وقل ماؤه‪ ،‬والسهر‬
‫بالتحريك عدم النوم في الليل كله أو بعضه‪ ،‬والغبرة بالتحريك الغبار‬
‫والكدورة " فحق لنا أن نفعل " على صيغة المجهول كما في أكثر النسخ‪،‬‬
‫وحققت أن تفعل كذا كعلمت وهو حقيق به أي خليق جدير‪ ،‬وفي بعض‬
‫النسخ على صيغة المعلوم وظمئ كفرح ظما بالتحريك‪ ،‬أي عطش‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫الظمأ أشد العطش‪ ،‬وظمئ إليه أي اشتاق‪ ،‬وعضضت عليه وعضضته‬
‫كسمع وفي لغه كمنع أي مسكته بأسناني‪ - 31 .‬نهج‪ :‬قال عليه السلم‪:‬‬
‫رحم ال امرءا سمع حكما فوعى ودعي إلى رشاد فدنى‪ ،‬وأخذ بحجزة هاد‬
‫فنجا‪ ،‬راقب ربه‪ ،‬وخاف ذنبه‪ ،‬قدم خالصا‪ ،‬وعمل صالحا‪ ،‬اكتسب مذخورا‪،‬‬
‫واجتنب محذورا‪ ،‬رمى غرضا‪ ،‬وأحرز عوضا‪ ،‬كابر هواه‪ ،‬وكذب مناه‪،‬‬
‫جعل الصبر مطية نجاته‪ ،‬والتقوى عدة وفاته‪ ،‬ركب الطريقة الغراء‪ ،‬ولزم‬
‫المحجة البيضاء‪ ،‬اغتنم المهل‪ ،‬وبادر الجل‪ ،‬وتزود من العمل )‪.(1‬‬
‫توضيح‪ " :‬سمع حكما " بالضم أي حكمة وعلما نافعا " فوعى " أي حفظ‬
‫علما وعمل‪ ،‬والرشاد الصلح وهو خلف الغي والضلل‪ ،‬وهو إصابة‬
‫الصواب ورشد كتعب وقتل والسم الرشاد كذا في المصباح " فدنا " أي‬
‫من الداعي أو الحق والحجزة بالضم موضع شد الزار ثم قيل للزار‪:‬‬
‫حجزة‪ ،‬للمجاورة‪ ،‬والخذ بالحجزة مستعار للعتصام واللتجاء والتمسك‬
‫بأحد‪ " .‬فنجا " أي خلص من الضللة وعواقبها‪ ،‬والمراقبة الترصد‬
‫والمحافظة‪ ،‬ومراقبة الرب الترصد لمره‪ ،‬والعمل به‪ ،‬والقبال بالقلب إليه‪.‬‬
‫" قدم خالصا " أي عمل خالصا ل لم يشبه رئاء ول سمعة‪ ،‬وتقديمه فعله‬
‫قبل أن يخرج المر من يده وبعثه إلى دار الجزاء قبل الوصول إليه‪،‬‬
‫والكتساب الكسب‪ ،‬والمذخور الشئ النفيس المعد لوقت الحاجة إليه‪ ،‬وهو‬
‫العمال‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة ج ‪ 1‬ص ‪ 136‬تحت الرقم ‪ 74‬من الخطب‪.‬‬

‫]‪[311‬‬

‫الصالحة‪ ،‬والمحذور ما يحترز منه من سيئات العمال والخلق‪ ،‬والغرض الهدف‬


‫والمراد رمه إصابة الحق كمن رمى الغرض في المراماة ففاز بالسبق‪،‬‬
‫وهو المراد باحراز العوض أي الفوز بالثواب‪ ،‬وقيل‪ :‬المراد به أن يقصد‬
‫بفعله غرضا صحيحا‪] - 32 .‬نهج[‪ :‬ومن خطبة له عليه السلم وأشهد أنه‬
‫عدل عدل‪ ،‬وحكم فصل وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬وسيد عباده‪ ،‬كلما‬
‫نسخ ال الخلق فرقتين جعله في خيرهما‪ ،‬لم يسهم فيه عاهر‪ ،‬ول ضرب‬
‫فيه فاجر‪ ،‬أل وإن ال قد جعل للخير أهل وللحق دعائم‪ ،‬وللطاعة عصما‪،‬‬
‫وإن لكم عند كل طاعة عونا من ال‪ ،‬يقول على اللسنة ويثبت الفئدة‪ ،‬فيه‬
‫كفاء لمكتف‪ ،‬وشفاء لمشتف‪ .‬واعلموا أن عباد ال المستحفظين )‪ (1‬علمه‬
‫يصونون مصونه‪ ،‬ويفجرون عيونه‪ ،‬يتواصلون بالولية‪ ،‬ويتلقون‬
‫بالمحبة‪ ،‬ويتساقون بكأس روية ويصدرون برية‪ ،‬ل تشوبهم الريبة‪ ،‬ول‬
‫تسرع فيهم الغيبة‪ ،‬على ذلك عقد خلقهم وأخلقهم‪ ،‬فعليه يتحابون‪ ،‬وبه‬
‫يتواصلون‪ ،‬فكانوا كتفاضل البذر ينتقى فيؤخذ منه ويلقى‪ ،‬قد ميزه‬
‫التخليص‪ ،‬وهذبه التمحيص‪ ،‬فليقبل امرؤ كرامة بقبولها‪ ،‬وليحذر قارعة‬
‫قبل حلولها‪ ،‬ولينظر امرؤ في قصير أيامه وقليل مقامه في منزل حتى‬
‫يستبدل منزل فليصنع لمتحوله ومعارف منتقله‪ ،‬فطوبى لذي قلب سليم‬
‫أطاع من يهديه‪ ،‬وتجنب من يرديه‪ ،‬وأصاب سبيل السلمة ببصر من‬
‫بصره‪ ،‬وطاعة هاد أمره‪ ،‬وبادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه‪ ،‬وتقطع أسبابه‪،‬‬
‫واستفتح التوبة‪ ،‬وأماط الحوبة‪ ،‬فقد اقيم على الطريق وهدى نهج السبيل )‬
‫‪ .(2‬بيان‪ :‬الظاهر أن الضمير في " أنه " راجع إلى ال‪ ،‬وقيل‪ :‬راجع إلى‬
‫القضاء والقدر المذكور في صدر الخطبة‪ ،‬والحكم بالتحريك منفذ الحكم‪،‬‬
‫والفصل القطع والقضاء بين الحق والباطل‪ ،‬والنسخ الزالة والتغيير‬
‫والبطال‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫)‪ (1‬المستحفظون خ ل‪ (2) .‬نهج البلغة ج ‪ 1‬ص ‪ .456‬تحت الرقم ‪ 212‬من‬
‫الخطب‪.‬‬

‫]‪[312‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ :‬يعني كلما قسم ال الب الواحد إلى ابنين أعد خيرهما وأفضلهما‬
‫لولدة محمد صلى ال عليه واله‪ ،‬وسمى ذلك نسخا لن البطن الول تزول‬
‫ويخلفه البطن الثاني )‪ " .(1‬لم يسهم فيه عاهر " السهم النصيب والحظ‪،‬‬
‫وفي النهاية وأصله واحد السهام التي يضرب بها في الميسر وهي القداح‪،‬‬
‫ثم سمي به ما يفوز به الفاتح سهمه‪ ،‬ثم كثر حتى سمي كل نصيب سهما‬
‫انتهى‪ ،‬والسهمة بالضم القرابة‪ ،‬والمساهمة المقارعة‪ ،‬وأسهم بينهم أي‬
‫أقرع‪ ،‬وكانوا يعملون بالقرعة إذا تنازعوا في ولد والكلمة في بعض النسخ‬
‫على صيغة المجرد كيمنع‪ ،‬وفي بعضها على بناء الفعال والعاهر الزاني‬
‫قيل‪ :‬أي لم يضرب فيه العاهر بسهم‪ ،‬ولم يكن للفجور في أصله شركة‪.‬‬
‫وقال ابن أبي الحديد‪ (2) :‬في الكلم رمز إلى جماعة من الصحابة في‬
‫أنسابهم طعن ثم حكى عن الجاحظ أنه قال‪ :‬قام عمر على المنبر فقال‪:‬‬
‫إياكم وذكر العيوب والطعن في الصول ثم قال‪ :‬وروى المدائني هذا الخبر‬
‫في كتاب امهات الخلفاء‪ ،‬وقال‪ :‬إنه روي عند جعفر بن محمد عليهما‬
‫السلم بالمدينة فقال‪ :‬ل تلمه يا ابن أخي إنه أشفق أن يحدج بقصة نفيل‬
‫بن عبد العزى وصهاك أمة الزبير بن عبد المطلب‪ ،‬ثم قال‪ :‬رحم ال عمر‬
‫إنه لم يعد السنة‪ ،‬وتل " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين‬
‫آمنوا " الية )‪ .(3‬أقول‪ :‬قد أوردنا هذه القصة في نسب عمر‪ ،‬والدعامة‬
‫بالكسر عماد البيت الذي يقوم عليه‪ ،‬والعصم كعنب جمع عصمة وهي‬
‫المنع والحفظ‪ ،‬وكفاء أصله كفاية والتيان بالهمزة للزدواج‪ ،‬كما قالوا‪:‬‬
‫الغدايا والعشايا‪ ،‬كما قال صلى ال عليه واله وسلم‪ :‬مأزوارت غير‬
‫مأجورات‪ ،‬والصل الواو‪ ،‬وقال ابن أبي الحديد‪ :‬أهل الخير هم المتقون‬
‫ودعائم الحق الدلة الموصلة إليه‪ ،‬المثبتة له في القلوب‪ ،‬وعصم الطاعة‬
‫هي الدمان‬

‫)‪ (1‬شرح النهج الحديدي ج ‪ 3‬ص ‪ (2) .22‬شرح النهج الحديدي ج ‪ 3‬ص ‪) .23‬‬
‫‪ (3‬النور‪.19 :‬‬

‫]‪[313‬‬

‫على فعلها‪ ،‬والتمرن عليها‪ ،‬لن المرون على الفعل يكسب الفاعل ملكة تقتضي‬
‫سهولة عليه‪ ،‬والعون ههنا هو اللطف المقرب من الطاعة‪ ،‬المبعد من‬
‫القبيح ولما كان العون من ال سبحانه مستهل للقول أطلق عليه من باب‬
‫التوسع أنه يقول على اللسنة ولما كان ال تعالى هو الذي يثبت كما قال "‬
‫يثبت ال الذين آمنوا بالقول الثابت " )‪ (1‬نسب التثبيت إلى اللطف لنه من‬
‫فعل ال‪ .‬وقال ابن ميثم‪ (2) :‬قوله عليه السلم " أل وإن ال " ترغيب‬
‫للسامعين أن يكونوا من أهل الخير‪ ،‬ودعائم الحق‪ ،‬وعصم الطاعة‪ ،‬وكأنه‬
‫عنى بالعون القرآن‪ ،‬قال تعالى‪ " :‬لنثبت به فؤادك " )‪ .(3‬و " فيه كفاء "‬
‫أي في ذلك العون كفاية لطالبي الكتفاء‪ ،‬أي من الكمالت النفسانية "‬
‫وشفاء " لمن طلب الشفاء من أمراض الرذائل الموبقة‪ ،‬ويمكن أن يكون‬
‫المراد بأهل الخير التقياء‪ ،‬وبدعائم الحق النبي والئمة عليهم السلم‬
‫وبعصم الطاعة العبادات التي توجب التوفيق من ال سبحانه وترك‬
‫المعاصي الموجبة لسلبه أو الملئكة العاصمة للعباد عن اتباع الشياطين‪،‬‬
‫وبالعون الملئكة المرغبة في طاعة ال كما ورد في الخبار‪ .‬و "‬
‫المستحفظين " في أكثر النسخ بالنصب على صيغة اسم المفعول‪ ،‬وهو‬
‫أظهر يقال استحفظته إياه أي سألته أن يحفظه وفي بعض النسخ على‬
‫صيغة اسم الفاعل أي الطالبين للحفظ وفي بعض النسخ بالرفع حمل على‬
‫المحل وكونه خبرا بعيد والمراد بهم الئمة عليهم السلم كما ورد في‬
‫الدعية والخبار‪ ،‬وقال الشراح‪ :‬المراد بهم العارفون أو الصالحون‪" .‬‬
‫يصونون مصونه " أي يكتمون ما ينبغي أن يكتم من أسرار علمه من غير‬
‫أهله " ويفجرون عيونه " أي يفيضون ما ينبغي إفاضته على عامة‬
‫الناس‪ ،‬أو كل علم‬

‫)‪ (1‬ابراهيم‪ (2) .27 :‬شرح النهج لبن ميثم البحراني ص ‪ (3) .397‬الفرقان‪:‬‬
‫‪.32‬‬

‫]‪[314‬‬

‫على من هو قابل له‪ ،‬أو يتقون في مقامه التقية‪ ،‬ويظهرون الحق عند عدمها‬
‫والولية في النسخ بالكسر قال سيبوبه‪ :‬الولية بالفتح المصدر وبالكسر‬
‫السم‪ ،‬وقال ابن أبي الحديد‪ :‬الولية بفتح الواو المحبة والنصرة‪ ،‬أي‬
‫يتواصلون وهم أولياء ومثله " ويتلقون بالمحبة " كما تقول‪ :‬خرجت‬
‫بسلحي‪ ،‬أي وأنا متسلح أو يكون المعنى يتواصلون بالقلوب ل بالجسام‪،‬‬
‫كما تقول أنا أراك بقلبي وأزورك بخاطري واواصلك بضميري انتهى‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬يحتمل أن يكون المراد ولية أهل البيت عليهم السلم أي بسببها‪،‬‬
‫أو متصفين بها أو مظهرين لها وماء روي كغني أي كثير مرو‪ ،‬وروي من‬
‫الماء كرضي ريا بالفتح والكسر أي تنعم‪ ،‬والسم الرى بالكسر " والرية "‬
‫في بعض النسخ بالفتح وفي بعضها بالكسر‪ ،‬ولعل المراد التساقي من‬
‫المعارف والعلوم " والريبة " بالكسر التهمة والشك اسم من الريب بالفتح‬
‫أي ل تخالطهم شك في المعارف والعقائد أو تهمة في حب أحدهم للخر‪،‬‬
‫وعدم إسراع الغيبة فيهم لعدم استحقاقهم للغيبة في أقوالهم وأعمالهم‬
‫واتقائهم مواضع التهم‪ ،‬أو المعنى ل يغتابون الناس ول يتبعون عيوبهم‪ .‬و‬
‫" الخلق " يكون بمعنى التقدير والبداع‪ ،‬وبمعنى الطبيعة كالخليقة و "‬
‫الخلق " جمع خلق بالضم وبضمتين‪ ،‬وهو السجية والطبع‪ ،‬والمروة‬
‫والدين ويحتمل أن يكون المراد بالخلق ما هو بمنزلة الصل والمشخص‬
‫للذات وبالخلق الفروع والشعب‪ ،‬والضمير في " عليه " راجع إلى ما‬
‫اشير إليه بذلك أو إلى العقد‪ " .‬فكانوا كتفاضل البذر " أي كان التفاضل‬
‫بينهم وبين الناس كالتفاضل بين ما ينتقى من البذر أي يختار‪ ،‬وبين ما‬
‫يلقى‪ ،‬فالمعنى كالتفاضل بين الجيد و الردي‪ ،‬ويحتمل أن يكون المراد أنه‬
‫كان التفاضل بينهم كالتفاضل بين أفراد المختار من البذر فكما أنه ل‬
‫تفاضل يعتد به فيما بينها‪ ،‬كذلك فيما بينهم‪ .‬وخلص الشئ كنصر‪ :‬أي صار‬
‫خالصا وخلصه أي جعله كذلك‪ ،‬وخلصه أيضا‬

‫]‪[315‬‬

‫نجاه‪ ،‬والمراد بالتخليص النتقاء المذكور أي ميزه ذلك عن غيره‪ ،‬أو المعنى ميزه‬
‫ال تخليصا إياه عن شرور النفس والشيطان عن غيره‪ ،‬وفي بعض النسخ‬
‫التلخيص بتقديم اللم‪ ،‬وهو التبيين‪ ،‬والتلخيص والتهذيب التنقية‬
‫والصلح‪ ،‬والتمحيص البتلء والختبار‪ .‬والكرامة السم من التكريم‬
‫والكرام‪ ،‬والمراد بها هنا نصحه سبحانه و وعظه وتذكيره‪ ،‬أو ما وعده‬
‫ال على تقدير حسن العمل من المثوبة والزلفى‪ ،‬و قبول الكرامة على‬
‫الثاني بالعمل الصالح الموجب للفوز بها‪ ،‬وعلى الول العمل بمقتضاه‬
‫وبقبولها القبول الحسن اللئق بها‪ ،‬وقرعه كمنعه أي أتاه فجأة وقرع‬
‫الباب دقه‪ ،‬وقال الكثر القارعة الموت‪ ،‬ويحتمل القيامة لنها من أسمائها‬
‫سميت بها‪ ،‬لنها تقرع القلوب بالفزع وأعدها ال للعذاب‪ ،‬أو الداهية التي‬
‫يستحقها العاصي‪ ،‬يقال‪ :‬أصابه ال بقارعة أي بداهية تهلكه‪ ،‬وحلولها‬
‫نزولها واستبدلت الشئ بالشئ أي اتخذت الول بدل من الثاني‪ ،‬والمراد‬
‫بالنظر التدبر والتفكر‪ ،‬والظرف في قوله في " منزل " متعلق بالمقام‪ ،‬و‬
‫" حتى " لنتهاء غاية المقام‪ ،‬أي الثبات أو القامة‪ ،‬أي ليعتبر النسان‬
‫بهذه المدة القصيرة‪ ،‬و إقامته القليلة في الدنيا‪ ،‬المنتهية إلى الستبدال بها‬
‫واتخاذ غيرها‪ .‬وقيل‪ :‬يحتمل أن تكون كلمة " في " لفادة الظرفية‬
‫الزمانية ويكون قوله " في منزل " متعلقا بالنظر‪ ،‬ومدخول " حتى " علة‬
‫غائية للنظر‪ ،‬أي لينظر بنظر العتبار وليتأمل مدة حياته في الدنيا في شأن‬
‫ذلك المنزل الفاني حتى تتخذ بدله منزل لئقا للنزول فالستبدال حينئذ اتخاذ‬
‫البدل المستحق لذلك‪ ،‬أو توطين النفس على الرتحال‪ .‬ورفض المنزل‬
‫الفاني‪ " .‬فليصنع " أي فليعمل و " المتحول " بالفتح مكان التحول‪،‬‬
‫وكذلك المنتقل ومعارف المنتقل قيل هي المواضع التي يعرف النتقال‬
‫إليها‪ ،‬وقال ابن أبي ‪ -‬الحديد‪ :‬معارف الدار ما يعرفه المتوسم بها‪ ،‬واحدها‬
‫معرف‪ ،‬مثل معاهد الدار و معالمها‪ ،‬ومنه معارف المرأة أي ما يظهر منها‬
‫كالوجه واليدين‪ ،‬وقيل‪ :‬يحتمل‬

‫]‪[316‬‬

‫أن يكون المراد بمعارف المنتقل ما عرف من أحواله والمور السانحة فيه‪ ،‬فيمكن‬
‫أن يكون المتحول والمنتقل مصدرين‪ " .‬من يهديه " يعني نفسه والئمة‬
‫من ولده عليهم السلم " من يرديه " أي يهلكه بالقائه في مهاوي الجهل‬
‫والضللة‪ ،‬والبصر يطلق على الحاسة‪ ،‬ويراد به العلم مجازا وقد يطلق‬
‫على العلم يقال بصرت بالشئ أي علمته‪ ،‬ويحتمل أن تكون الضافة لدنى‬
‫ملبسة أي بالبصر الحاصل للمطيع بتبصير الهادي إياه‪ ،‬والسبب في‬
‫الصل الحبل وإغلق البواب بالموت‪ ،‬وجوز بعضهم أن يكون البواب‬
‫والسباب عبارة عن نفسه والئمة من ذريته عليهم السلم‪ ،‬فانهم أبواب‬
‫الفوز والفلح والسباب الممدودة من السماء إلى الرض‪ ،‬بهم يصل العبد‬
‫إلى ال سبحانه‪ ،‬والغلق والقطع كناية عن عدمهم أو غيبتهم عليهم‬
‫السلم‪ " .‬واستفتح التوبة " أي طلب فتحها كأنها باب مغلق يطلب فتحها‬
‫للدخول فيها‪ ،‬ويمكن أن يكون من الستفتاح بمعنى الستنصار أي طلب أن‬
‫تنصره التوبة ومطت كبعت وأمطت أي تنحيت وكذلك مطت غيري وأمطته‬
‫أي نحيته وقال الصمعي‪ :‬مطت أنا وأمطت غيري )‪ (1‬والحوبة بالفتح‬
‫الثم " فقد اقيم على الطريق " أي بهداية ال سبحانه‪ ،‬والنهج بالفتح‬
‫الطريق الواضح‪ - 33 .‬مشكوة النوار‪ :‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬قال ال عزوجل‪ :‬إن من أغبط أوليائي‬
‫عندي رجل خفيف الحال ذا خطر‪ ،‬أحسن عبادة ربه في الغيب‪ ،‬وكان‬
‫غامضا في الناس‪ ،‬جعل رزقه كفافا فصبر عليه‪ ،‬مات فقل تراثه وقل‬
‫بواكيه )‪ - 34 .(2‬نهج‪ :‬من كلم له عليه السلم‪ :‬قد أحيا عقله‪ ،‬وأمات‬
‫نفسه‪ ،‬حتى دق جليله‪ ،‬ولطف غليظه‪ ،‬وبرق له لمع كثير البرق‪ ،‬فأبان له‬
‫الطريق‪ ،‬وسلك به السبيل‪ ،‬وتدافعته البواب إلى باب السلمة‪ ،‬ودار‬
‫القامة‪ ،‬وثبتت رجله بطمأنينة‬

‫)‪ (1‬راجع الصحاح ج ‪ 3‬ص ‪ (2) .1162‬مشكوة النوار ص ‪.22‬‬

‫]‪[317‬‬
‫بدنه في قرار المن والراحة بما استعمل قلبه‪ ،‬وأرضى ربه )‪ .(1‬بيان‪ :‬إحياء العقل‬
‫بتحصيل المعارف الربانية‪ ،‬وتسليطه على الشيطان والنفس المارة‪،‬‬
‫وإماتة النفس بجعلها مقهورة للعقل‪ ،‬بحيث ل يكون لها تصرف إل بحكمه‪،‬‬
‫فكانت في حكم الميت في ارتفاع الشهوات النفسانية كما قيل‪ :‬موتوا قبل‬
‫أن تموتوا‪ ،‬ودق الشئ صار دقيقا‪ ،‬وهو ضد الغليظ‪ ،‬والجليل العظيم‪،‬‬
‫ولطف ككرم لطفا ولطافة بالفتح أي صغر ودق وكأن المراد بالجليل البدن‪،‬‬
‫ودقته بكثرة الصيام والقيام‪ ،‬والصبر على المشاق الواردة في الشريعة‬
‫المقدسة‪ ،‬وبالغليظ النفس المارة والقوى الشهوانية‪ ،‬ويحتمل العكس‬
‫والتأكيد أيضا‪ .‬وبرق كنصر أي لمع أو جاء ببرق‪ ،‬وبرق النجم أي طلع‪،‬‬
‫واللمع هداية ال بالنوار اللهية‪ ،‬والنفحات القدسية‪ ،‬واللطاف الغيبية‪،‬‬
‫وكشف الستار عن أسرار الكتاب والسنة‪ .‬وتدافع البواب يحتمل وجوها‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه لم يزل ينتقل من منزلة من منازل قربه سبحانه إلى ما هو فوقه‬
‫حتى ينتهي إلى مقام إذا دخله كان مستيقنا للسلمة‪ ،‬وهي درجة اليقين‪،‬‬
‫ومنزلة أولياء ال المتقين‪ ،‬الذين ل خوف عليهم ول هم يحزنون‪ .‬الثاني‪:‬‬
‫أنه إذا أدركته التوفيقات الربانية‪ ،‬شرع في طلب الحق وتردد في المذاهب‪،‬‬
‫فكلما تفكر في مذهب من المذاهب الباطلة‪ ،‬دفعته العناية اللهية عن‬
‫الدخول فيه‪ ،‬فإذا أصاب الحق قر فيه وسكن واطمأن‪ ،‬كما روي عن‬
‫الصادق عليه السلم إن القلب ليتجلجل )‪ (2‬في الجوف يطلب الحق فإذا‬
‫أصابه اطمأن وقر ثم تل أبو عبد ال عليه السلم هذه الية " فمن يرد ال‬
‫أن يهديه يشرح صدره للسلم ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا‬
‫حرجا كأنما يصعد في السماء " )‪ (3‬وعنه‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة ج ‪ 1‬ص ‪ 465‬تحت الرقم ‪ 218‬من الخطب‪ (2) .‬التجلجل‪ :‬التحرك‬
‫مع الصوت‪ (3) .‬النعام‪ ،125 :‬والحديث في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.421‬‬

‫]‪[318‬‬

‫عليه السلم قال‪ :‬إن ال خلق قلوب المؤمنين مبهمة على اليمان‪ ،‬فإذا أراد‬
‫استنارة ما فيها‪ ،‬نضحها بالحكمة‪ ،‬وزرعها بالعلم‪ ،‬وزارعها والقيم عليها‬
‫رب العالمين )‪ (1‬وعنه عليه السلم قال‪ :‬إن القلب ليرجج فيما بين الصدر‬
‫والحنجرة‪ ،‬حتى يعقد على اليمان‪ ،‬فإذا عقد على اليمان قر وذلك قول ال‬
‫" ومن يؤمن بال يهد قلبه " )‪ (2‬قال‪ :‬يسكن‪ ،‬وسيأتي أمثالها إنشاء ال‬
‫في باب القلب‪ .‬الثالث‪ :‬أن تكون البواب عبارة عن أسباب القرب من‬
‫الطاعات‪ ،‬وترك اللذات فان كل منها باب من أبواب الجنة‪ ،‬فيتنقل منها‬
‫حتى ينتهي إلى باب الجنة التي هي قرار المن والراحة‪ .‬الرابع‪ :‬أن تكون‬
‫البواب عبارة عن اللذات والمطالب النفسانية التي يريد النسان أن يدخلها‬
‫بمقتضى طبعه فتمنعه العناية اللهية والعقل السليم عن دخولها حتى‬
‫ينتهي إلى باب السلمة‪ ،‬وهو باب جنة الخلد في الخرة‪ ،‬أو الطاعات‬
‫والعقائد الحقة التي توجب دخولها في الدنيا‪ .‬الخامس‪ :‬أن يكون المراد‬
‫بالبواب طرائق أرباب البدع وأبواب علماء السوء‪ ،‬فيمنعه التوفيق‬
‫الرباني عن اعتقاد ضللتهم والدخول في جهالتهم حتى يرد باب‬
‫السلمة‪ ،‬وهو اتباع أئمة الحق صلوات ال عليهم‪ ،‬فانهم أبواب ال إما‬
‫بالوصول إلى خدمتهم‪ ،‬أو إلى السالكين مسلكهم‪ ،‬والحافظين لثارهم‪،‬‬
‫ورواة أخبارهم‪ ،‬فتثبت رجله على الدين والصراط المستقيم‪ ،‬ول يفتتن‬
‫بشبه المغضوب عليهم ول الضالين‪ ،‬وهو قريب من بعض ما مر وهذا‬
‫أظهر الوجوه‪ " .‬وثبات الرجلين " ضد الزلق أو عبارة عن السكون‪،‬‬
‫والطمأنينة بضم الطاء المهملة وفتح الميم وسكون الهمزة السكون‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫اطمأن اطمئنانا وطمأنينة‪ ،‬قال الشيخ الرضي رضي ال عنه‪ :‬مصادر ما‬
‫زيد فيه من الرباعي نحو تدحرج واحرنجام واقشعرار وأما اقشعر‬
‫قشعريرة‪ ،‬واطمأن طمأنينة‪ ،‬فهما اسمان واقعان مقام‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ ،421‬والية في التغابن‪ ،11 :‬والستشهاد بالية انما هو‬
‫على قراءة " يهدء " بالهمز‪ ،‬أو بغير همز بالقلب والحذف‪.‬‬

‫]‪[319‬‬

‫المصدر‪ ،‬كما في أنبت نباتا وأعطى عطاء‪ ،‬والقرار بالفتح ما قر فيه الشئ أي سكن‬
‫ويكون مصدرا‪ ،‬وقرار المن والراحة الجنة أو ما يوجبهما كما عرفت‪35 .‬‬
‫‪ -‬جا‪ :‬عن المرزباني‪ ،‬عن محمد بن أحمد الكاتب‪ ،‬عن أحمد بن أبي خيثمة‬
‫عن عبد الملك بن داهر‪ ،‬عن العمش‪ ،‬عن عباية السدي‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫رحمه ال قال‪ :‬قال سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات ال‬
‫عليه‪ ،‬عن قوله تعالى " أل إن أولياء ال ل خوف عليهم ول هم يحزنون‬
‫" )‪ (1‬فقيل له‪ :‬من هؤلء الولياء ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬هم‬
‫قوم أخلصوا ل تعالى في عبادته‪ ،‬ونظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس‬
‫إلى ظاهرها‪ ،‬فعرفوا آجلها‪ ،‬حين غر الناس سواهم بعاجلها‪ ،‬فتركوا منها‬
‫ما علموا أنه سيتركهم وأماتوا منها ما علموا أنه سيميتهم‪ .‬ثم قال‪ :‬أيها‬
‫المعلل نفسه بالدنيا‪ ،‬الراكض على حبائلها‪ ،‬المجتهد في عمارة ما سيخرب‬
‫منها‪ ،‬ألم تر إلى مصارع آبائك في البلى ومضاجع أبنائك تحت الجنادل‬
‫والثرى‪ ،‬كم مرضت بيديك‪ ،‬وعللت بكفيك‪ ،‬تستوصف لهم الطباء‪،‬‬
‫وتستعتب لهم الحباء‪ ،‬فلم يغن عنهم غناؤك‪ ،‬ول ينجع فيهم دواؤك )‪.(2‬‬
‫‪ - 36‬نهج‪ :‬قال عليه السلم‪ :‬إن أولياء ال هم الذين نظروا إلى باطن‬
‫الدنيا‪ ،‬إذا نظر الناس إلى ظاهرها‪ ،‬واشتغلوا بآجلها إذا اشتغل الناس‬
‫بعاجلها‪ ،‬فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم‪ ،‬وتركوا منها ما علموا أنه‬
‫سيتركهم‪ ،‬ورأوا استكثار غيرهم منها استقلل‪ ،‬ودركهم لها فوتا‪ ،‬أعداء‬
‫ما سالم الناس‪ ،‬وسلم ما عادى الناس بهم علم الكتاب‪ ،‬وبه علموا‪ ،‬وبهم‬
‫قام الكتاب وبه قاموا‪ ،‬ل يرون مرجوا فوق ما يرجون‪ ،‬ول مخوفا فوق ما‬
‫يخافون )‪ .(3‬تبيان‪ :‬مع أن الظاهر اتحاد الراويتين‪ ،‬بينهما اختلف كثير‪،‬‬
‫وبعض فقرات الرواية الولى مذكورة في خطبة اخرى سنشير إليها‪ ،‬وقد‬
‫مر معنى‬

‫)‪ (1‬يونس‪ (2) .62 :‬مجالس المفيد ص ‪ (3) .60‬نهج البلغة ج ‪ 2‬ص ‪ 246‬تحت‬
‫الرقم ‪ 432‬من الحكم‪.‬‬

‫]‪[320‬‬

‫الخلص‪ ،‬وباطن الدنيا ما خفي عن أعين الناس من مضارها ووخامة عاقبتها‬


‫للراغبين إليها‪ ،‬فالمراد بالنظر إليه التفكر فيه‪ ،‬وعدم الغفلة عنه‪ ،‬أو ما ل‬
‫يلتفت الناس إليه من تحصيل المعارف والقربات فيها‪ ،‬فالمراد بالنظر إليه‬
‫الرغبة وطموح البصر إليه‪ ،‬وإنما سماه باطنا لغفلة أكثر الناس عنه‪،‬‬
‫ولكونه سر الدنيا وحقيقتها‪ ،‬وغايتها التي خلقت لجلها‪ ،‬والمراد بظاهرها‬
‫شهواتها التي تغر أكثر الناس عن التوجه إلى باطنها‪ ،‬والمراد بآجل الدنيا‬
‫ما يأتي من نعيم الخرة بعدها اضيف إليها لنوع من الملبسة‪ ،‬أو المراد‬
‫بآجلها ما يظهر ثمرتها في الجل من المعارف والطاعات‪ ،‬واطلق الجل‬
‫عليه مجازا‪ " .‬وما علموا أنه سيتركهم " الموال والولد وملذ الدنيا‪،‬‬
‫والماتة الهلك المعنوي بحرمان الثواب‪ ،‬وحلول العقاب عند الياب‪" .‬‬
‫وما يميتهم " اتباع الشهوات النفسانية والتصاف بالصفات الذميمة الدنية‬
‫وفي الرواية الثانية نسبة الخشية إلى الماتة والعلم بالترك لن الترك‬
‫معلوم ل بد منه‪ ،‬بخلف الماتة إذ يمكن أن تدركهم رحمة من ال تلحقهم‬
‫بالسعداء أو للمبالغة في اجتناب المنهيات من الخلق والعمال‪ ،‬بأنهم‬
‫يتركون ما خشوا أن يميتهم فكيف إذا علموا والستكثار عد الشئ كثيرا أو‬
‫جمع الكثير من الشئ‪ ،‬ويقابله الستقلل بالمعنيين والدرك محركة اللحاق‬
‫والوصول إلى الشئ يقال‪ :‬أدركته إدراكا ودركا والضمير في " دركهم "‬
‫يرجع إلى غيرهم‪ ،‬ويحتمل الرجوع إليهم أيضا‪ .‬والسلم بالفتح والكسر‬
‫الصلح يذكر ويؤنث‪ ،‬وفي نسخ النهج بالكسر‪ ،‬و سالمه أي صالحه " وما‬
‫سالم الناس " ما مالوا إليه من متاع الدنيا وزينتها وملذها " وما عادى‬
‫الناس " ما رفضوه من العلوم والعبادات‪ ،‬والرغبة في الخرة وثوابها و‬
‫" بهم علم الكتاب " لنه لو ل هم لما علم تفسير اليات‪ ،‬وتأويل‬
‫المتشابهات وهذه من أوصاف أئمتنا المقدسين صلوات ال عليهم أجمعين‪،‬‬
‫ويحتمل أن تشمل الحفظة لخبارهم‪ ،‬المقتبسين من أنوارهم‪ " ،‬وبه علموا‬
‫" لدللة آيات الكتاب على فضلهم‪ ،‬وشرف منزلتهم كآيات المودة‪،‬‬
‫والتطهير والولية وغيرها‪ ،‬ولو‬

‫]‪[321‬‬

‫عمم الكلم حتى يدخل فيه العلماء الربانيون‪ ،‬فالمراد به أنه علم فضلهم باليات‬
‫الدالة على فضل العلماء كقوله تعالى‪ " :‬إنما يخشى ال من عباده العلماء‬
‫" )‪ (1‬و قوله عزوجل " هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون " )‬
‫‪ (2‬وقوله سبحانه " ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا " )‪ (3‬إلى‬
‫غير ذلك من اليات‪ ،‬وقيل‪ " :‬به علموا " لشتهارهم به عند الناس "‬
‫وبهم قام الكتاب " أي بهم صارت أحكامه قائمة في الخلق معمول بها "‬
‫وبه قاموا " أي ارتفعت منزلتهم‪ ،،‬وفازوا بالزلفى بالعمل بما فيه‪ ،‬أو‬
‫ببركته انتظم المر في معاشهم‪ ،‬وقال بعض الشارحين‪ :‬أي قاموا بأوامره‬
‫ونواهيه‪ ،‬فل يكون الباء مثلها في " بهم قام الكتاب " وقال بعضهم‪) :‬بهم‬
‫قام الكتاب( لنهم قرروا البراهين على صدقه وصحته " وبه قاموا " أي‬
‫باتباع أوامر الكتاب‪ ،‬لنه لو ل تأدبهم بآداب القرآن‪ ،‬وامتثالهم أوامره لما‬
‫أغنى عنهم علمهم شيئا‪ " .‬ودون ما يخافون " أي غير ما يخافون من‬
‫عذاب الخرة‪ ،‬والبعد من رحمة ال‪ ،‬وفي بعض النسخ " فوق ما يخافون‬
‫"‪ .‬قوله عليه السلم " أيها المعلل نفسه " أقول‪ :‬بعض هذه الفقرات‬
‫مذكورة في كلم له عليه السلم ذكره حين سمع رجل يذم الدنيا كما سيأتي‬
‫وقال الجوهري‪ :‬علله بالشئ أي لهاه به كما يعلل الصبي بشئ من الطعام‬
‫يتجزأ به عن اللبن‪ ،‬يقال‪ :‬فلن يعلل نفسه بتعلة وتعلل به أي تلهى به‬
‫وتجزء‪ ،‬وقال‪ :‬الركض تحريك الرجل‪ ،‬وركضت الفرس برجلي إذا‬
‫استحثثته ليعدو‪ ،‬ثم كثر حتى قيل‪ :‬ركض الفرس إذا عدا‪ ،‬والحبائل جمع‬
‫الحبالة وهي التي يصاد بها‪ ،‬أي تركض لخذ ما وقع في الحبائل التي‬
‫نصبتها في الدنيا‪ ،‬كناية عن شدة الحرص في تحصيل متمنياتها أو المعنى‬
‫نصب لك الشيطان مصائد فيها‪ ،‬ليصطادك بها‪ ،‬وأنت تركض إليها حتى‬

‫)‪ (1‬فاطر‪ (2) .28 :‬الزمر‪ (3) .9 :‬البقرة‪.269 :‬‬

‫]‪[322‬‬

‫تقع فيها جهل وغرورا‪ " .‬المجتهد في عمارة ما سيخرب منها " أي تسعى بغاية‬
‫جهدك في عمارة ما تعلم أنه آئل إلى الخراب ول تنتفع به‪ ،‬ثم بين عليه‬
‫السلم ما يمكن أن يستدل به على خرابها وعدم بقائها بقوله‪ " :‬ألم تر إلى‬
‫مصارع آبائك " يقال‪ :‬صرع فلن من دابته على صيغة المجهول أي‬
‫سقط‪ ،‬وصرعه أي طرحه على الرض‪ ،‬والموضع مصرع‪ ،‬والثرى بالفتح‬
‫الندى أو التراب الندي وفي المصباح‪ :‬بلي الثوب يبلى من باب تعب بلى‬
‫بالكسر والقصر وبلء بالفتح والمد خلق فهو بال‪ ،‬وبلي الميت أفنته‬
‫الرض‪ ،‬وقوله‪ " :‬في البلى " كأنه حال عن آبائك وفي النهج " متى‬
‫استهوتك أم متى غرتك أبمصارع آبائك من البلى أم بمضاجع امهاتك تحت‬
‫الثرى " )‪ .(1‬والجنادل جمع جندل كجعفر‪ ،‬وهي الحجارة‪ ،‬وقال‬
‫الجوهري‪ :‬مرضته تمريضا إذا قمت عليه في مرضه )‪ (2‬والعلة المرض‬
‫وعلله أي قام عليه في علته يطلب دواءه وصحته ويتكفل باموره‪ ،‬وقال‬
‫الجوهري‪ :‬استوصفت الطبيب لدائي إذا سألته أن يصف لك ما تتعالج به )‬
‫‪ (3‬انتهى والستعتاب السترضاء‪ ،‬كناية عن طلب الدعاء أو رضاهم إذا‬
‫كانت لهم موجدة‪ ،‬وفي بعض النسخ تستغيث وهو أظهر‪ ،‬وفي القاموس‬
‫أغنى عنه غناء فلن ومغناه ناب عنه وأجزأ مجزأه )‪ (4‬وقال الراغب‪:‬‬
‫أغنى عنه كذا إذا اكتفاه قال تعالى‪ " :‬ما أغنى عنه ماله وما كسب " " ما‬
‫أغنى عني ماليه " وقال‪ " :‬لن تغني عنهم أموالهم ول أولدهم " " ما‬
‫أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " وقال‪ " :‬ل يغني من اللهب " )‪ (5‬وفي‬
‫القاموس نجع الطعام كمنع نجوعا هنأ‬

‫)‪ (1‬راجع نهج البلغة ج ‪ 2‬ص ‪ ،173‬تحت الرقم ‪ 131‬من الحكم‪ (2) .‬الصحاح‬
‫ص ‪ (3) .1106‬المصدر‪ (4) .1439 :‬القاموس ج ‪ 4‬ص ‪(5) .371‬‬
‫مفردات غريب القرآن ص ‪ ،366‬واليات في المسد‪ ،2 :‬الحاقة‪ ،28 :‬آل‬
‫عمران‪ 10 :‬و ‪ ،116‬الشعراء‪ ،207 :‬المرسلت‪ ،31 :‬على الترتيب‪.‬‬

‫]‪[323‬‬

‫آكله‪ ،‬والعلف في الدابة والوعظ والخطاب فيه دخل فأثر كأنجع ونجع )‪- 37 .(1‬‬
‫نهج‪ :‬طوبى لمن ذل في نفسه‪ ،‬وطاب كسبه‪ ،‬وصلحت سريرته وحسنت‬
‫خليقته‪ ،‬وأنفق الفضل من ماله‪ ،‬وأمسك الفضل من لسانه‪ ،‬وعزل عن‬
‫الناس شره‪ ،‬ووسعته السنة‪ ،‬ولم ينسب إلى بدعة )‪ .(2‬قال السيد رضي‬
‫ال عنه‪ :‬ومن الناس من ينسب هذا الكلم إلى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ .‬بيان‪ :‬الذلة في النفس التواضع ضد العجاب والترفع‪ ،‬وطيب الكسب‬
‫أن ل يكون مكسبه من الطرق المحرمة والمكروهة ومواضع الشبهة‪" ،‬‬
‫وصلحت " كمنعت أو كحسنت باختلف النسخ وسريرة الرجل وسره‬
‫باطنه‪ ،‬وصلحها ترك النفاق وإضمار الشر‪ ،‬والخلو عن الحسد وغيره‬
‫والخليقة الطبيعة‪ ،‬وإنفاق الفضل من المال أن ل يمسك لنفسه إل الكفاف‪،‬‬
‫وإمساك الفضل من الكلم‪ :‬القتصار على ما يعنيه‪ ،‬وعزله كنصره أي‬
‫نحاه وأبعده " ووسعته السنة " أي لم تتضيق عليه حتى يخرج إلى‬
‫البدعة وطلبها‪ ،‬وذلك الخروج إما في العتقاد‪ ،‬لعدم الرضا بالسنة‪ ،‬وهو‬
‫مضاد لليمان كما قال سبحانه‪ " :‬فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك " )‬
‫‪ (3‬الية وإما في العمل لميل النفس المارة إلى الباطل‪ ،‬واتباع الشهوات‪،‬‬
‫وهو معصية منافية لكمال اليمان‪ - 38 .‬عدة الداعي‪ :‬روى شعيب‬
‫النصاري وهارون بن خارجة قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬إن‬
‫موسى صلوات ال عليه انطلق ينظر في أعمال العباد‪ ،‬فأتى رجل من أعبد‬
‫الناس فلما أمسى حرك الرجل شجرة إلى جنبه فإذا فيها رمانتان‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فقال‪ :‬يا عبد ال من أنت إنك عبد صالح‪ ،‬أنا ههنا منذ ما شاء ال ما أجد‬
‫في هذه الشجرة إل رمانة واحدة‪ ،‬ولو ل أنك عبد صالح ما وجدت‬
‫رمانتين‪ ،‬قال عليه السلم‪:‬‬

‫)‪ (1‬القاموس ج ‪ 3‬ص ‪ (2) .87‬نهج البلغة ج ‪ 2‬ص ‪ 170‬تحت الرقم ‪ 123‬من‬
‫الحكم‪ (3) .‬النساء‪.65 :‬‬

‫]‪[324‬‬

‫أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران‪ ،‬قال‪ :‬فلما أصبح قال‪ :‬تعلم أحدا أعبد منك ؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬فلن الفلني‪ .‬قال‪ :‬فانطلق إليه فإذا هو أعبد منه كثيرا فلما‬
‫أمسى اوتي برغيفين وماء فقال‪ :‬يا عبد ال من أنت إنك عبد صالح أنا‬
‫ههنا منذ ما شاء ال وما اوتى إل برغيف واحد‪ ،‬ولو ل أنك عبد صالح ما‬
‫اوتيت برغيفين‪ ،‬فمن أنت ؟ قال‪ :‬أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران‪،‬‬
‫ثم قال موسى‪ :‬هل تعلم أحدا أعبد منك ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فلن الحداد )‪ (1‬في‬
‫مدينة كذا وكذا‪ .‬قال‪ :‬فأتاه فنظر إلى رجل ليس بصاحب عبادة‪ ،‬بل إنما هو‬
‫ذاكر ل تعالى وإذا دخل وقت الصلة قام فصلى‪ ،‬فلما أمسى نظر إلى غلته‬
‫فوجدها قد اضعفت قال‪ :‬يا عبد ال من أنت إنك عبد صالح أنا ههنا منذ ما‬
‫شاء ال غلتي قريب بعضها من بعض والليلة قد اضعفت فمن أنت ؟ قال‪:‬‬
‫أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران قال‪ :‬فأخذ ثلث غلته فتصدق بها‪،‬‬
‫وثلثا أعطى مولى له‪ ،‬وثلثا اشترى به طعاما فأكل هو وموسى‪ .‬قال‪ :‬فتبسم‬
‫موسى عليه السلم فقال‪ :‬من أي شئ تبسمت ؟ قال‪ :‬دلني نبي بني‬
‫إسرائيل على فلن فوجدته من أعبد الخلق فدلني على فلن فوجدته أعبد‬
‫منه فدلني فلن عليك وزعم أنك أعبد منه‪ ،‬ولست أراك شبه القوم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أنا رجل مملوك أليس تراني ذاكرا ل‪ ،‬أو ليس تراني اصلي الصلة لوقتها‪،‬‬
‫وإذا أقبلت على الصلة أضررت بغلة مولي‪ ،‬وأضررت بعمل الناس‪ ،‬أتريد‬
‫أن تأتي بلدك ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فمرت به سحابة فقال الحداد‪ :‬يا سحابة‬
‫تعالي ! قال‪ :‬فجاءت قال‪ :‬أين تريدين ؟ قالت اريد أرض كذا وكذا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫انصرفي‪ ،‬ثم مرت به اخرى فقال‪ :‬يا سحابة تعالي ! فجاءته فقال‪ :‬أين‬
‫تريدين ؟ قالت اريد أرض كذا وكذا‪ ،‬قال‪ :‬انصرفي ثم مرت به اخرى فقال‪:‬‬
‫يا سحابة تعالي ! فجاءته فقال‪ :‬أين تريدين ؟ قالت‪ :‬اريد أرض موسى بن‬
‫عمران‪ ،‬قال‪ :‬فقال احملي هذا حمل رفيق‪ ،‬وضعيه في‬

‫)‪ (1‬الظاهر لما يأتي من قوله " أضررت بغلة مولى " أن يكون فدانا‪ ،‬وهو‬
‫الدهقان‪.‬‬

‫]‪[325‬‬

‫أرض موسى بن عمران وضعا رفيقا‪ .‬قال‪ :‬فلما بلغ موسى بلده قال‪ :‬يا رب بما‬
‫بلغت هذا ما أرى ؟ قال‪ :‬إن عبدي هذا يصبر على بلئي‪ ،‬ويرضى‬
‫بقضائي‪ ،‬ويشكر نعمائي‪ - 39 .‬نهج من كلم له عليه السلم عند تلوته‪:‬‬
‫" رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر ال " )‪ (1‬قال‪ :‬إن ال سبحانه‬
‫جعل الذكر جلء للقلوب‪ ،‬تسمع به بعد الوقرة‪ ،‬وتبصر به بعد العشوة‪،‬‬
‫وتنقاد به بعد المعاندة‪ ،‬وما برح ل عزت آلؤه في البرهة بعد البرهة‪،‬‬
‫وفي أزمان الفترات‪ ،‬عباد ناجاهم في فكرهم‪ ،‬وكلمهم في ذات عقولهم‪،‬‬
‫فاستصبحوا بنور يقظة في السماع والبصار والفئدة‪ ،‬يذكرون بأيام ال‪،‬‬
‫ويخوفون مقامه‪ ،‬بمنزلة الدلة في الفلوات‪ ،‬من أخذ القصد حمدوا إليه‬
‫طريقة‪ ،‬وبشروه بالنجاة ومن أخذ يمينا وشمال ذموا إليه الطريق وحذروه‬
‫من الهلكة‪ .‬وكانوا كذلك مصابيح تلك الظلمات وأدلة تلك الشبهات وإن‬
‫للذكر لهل أخذوه من الدنيا بدل‪ ،‬فلم تشغلهم تجارة ول بيع عنه‪ ،‬يقطعون‬
‫به أيام الحياة ويهتفون بالزواجر عن محارم ال في أسماع الغافلين‪،‬‬
‫ويأمرون بالقسط‪ ،‬ويأتمرون به‪ ،‬وينهون عن المنكر‪ ،‬ويتناهون عنه‪،‬‬
‫فكأنما قطعوا الدنيا إلى الخرة وهم فيها‪ ،‬فشاهدوا ما وراء ذلك‪ ،‬فكأنما‬
‫اطلعوا غيوب أهل البرزخ في طول القامة فيه‪ ،‬وحققت القيامة عليهم‬
‫عداتها‪ ،‬فكشفوا غطاء ذلك لهل الدنيا حتى كأنهم يرون ما ل يرى الناس‪،‬‬
‫ويسمعون ما ل يسمعون‪ .‬فلو مثلتهم لعقلك في مقاومهم المحمودة‪،‬‬
‫ومجالسهم المشهودة‪ ،‬وقد نشروا دواوين أعمالهم‪ ،‬وفرغوا لمحاسبة‬
‫أنفسهم على كل صغيرة وكبيرة‪ ،‬امروا بها فقصروا عنها‪ ،‬ونهوا عنها‬
‫ففرطوا فيها‪ ،‬وحملوا ثقل أوزارهم ظهورهم‪ ،‬فضعفوا عن الستقلل بها‪،‬‬
‫فنشجوا نشيجا وتجاوبوا نحيبا يعجون إلى ربهم من مقام ندم واعتراف‪،‬‬
‫لرأيت أعلم هدى‪ ،‬ومصابيح دجى‪ ،‬قد حفت بهم الملئكة‬

‫)‪ (1‬النور‪.37 :‬‬


‫]‪[326‬‬

‫ونزلت عليهم السكينة‪ ،‬وفتحت لهم أبواب السماء‪ ،‬واعدت لهم مقاعد الكرامات في‬
‫مقام اطلع ال عليهم فيه فرضي سعيهم‪ ،‬وحمد مقامهم‪ ،‬يتنسمون بدعائه‬
‫روح التجاوز‪ ،‬رهائن فاقة إلى فضله‪ ،‬واسارى ذلة لعظمته جرح طول‬
‫السى قلوبهم‪ ،‬وطول البكاء عيونهم‪ ،‬لكل باب رغبة إلى ال منهم يد‬
‫قارعة بها يسألون من ل تضيق لديه المنادح‪ ،‬ول يخيب عليه الراغبون‪،‬‬
‫فحاسب نفسك لنفسك‪ ،‬فان غيرها من النفس لها حسيب غيرك )‪.(1‬‬
‫تبيين‪ :‬اللهو اللعب‪ ،‬وألهاني الشئ أي شغلني‪ ،‬والذكر يطلق على اللساني‬
‫والقلبي ولعل الظاهر من الكلمات التية أن المراد به ما يعم ذكره باللسان‪:‬‬
‫بالنذار عن عقابه سبحانه والبشارة بثوابه والمر بطاعته والنهي عن‬
‫معصيته وبالقلب‪ :‬بمحاسبة النفس في طاعته ومعصيته‪ ،‬والقدام على‬
‫طاعته بذكر رحمته والنتهاء عن معصيته بذكر غضبه‪ ،‬والعتراف بالذنب‬
‫والندم على المخالفة‪ ،‬فان الجميع مما ينبعث عن ذكره سبحانه بالقلب‬
‫بالعظمة والجلل والمهابة والنعام والكرام‪ .‬وجل فلن السيف والمرآة‬
‫جلوا بالفتح وجلء ككساء أي صقلهما‪ ،‬والوقر الثقل في الذن وذهاب‬
‫السمع كله‪ ،‬والعشوة المرة من العشا بالفتح والقصر أي سوء البصر‬
‫بالليل والنهار أو العمى‪ ،‬وقيل‪ :‬أن ل يبصر بالليل ويبصر بالنهار وبرح‬
‫فلن مكانه كفرح أي زال عنه‪ ،‬وما برح أي دائما " وعزت آلؤه " أي‬
‫عظمت وكرمت نعمه وعطاياه‪ ،‬والبرهة بالضم كما في النسخ وبالفتح‬
‫أيضا المدة أو الزمان الطويل‪ ،‬والفتره بالفتح ما بين كل نبيين من الزمان‪،‬‬
‫وقيل انقطاع الوحي والمناجاة‪ :‬المخاطبة سرا " في الكفر " أي اللهام‪" ،‬‬
‫وكلمهم في ذات عقولهم " أي في الباطن خفيا كما قيل في قوله تعالى "‬
‫وال عليم بذات الصدور " )‪ (2‬أي بنفس الصدور‪ ،‬أي ببواطنها وخفياتها‬
‫والمصباح السراج‪ ،‬واستصبح أي استسرج‪ ،‬ونور‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة ج ‪ 1‬ص ‪ 473‬تحت الرقم ‪ 220‬من الخطب‪ (2) .‬آل عمران‪:‬‬
‫‪.154‬‬

‫]‪[327‬‬

‫اليقظة في السماع‪ :‬الستماع للحكم والمواعظ‪ ،‬وكل كلم نافع في الدين والدنيا‬
‫والعبرة بسماع أحوال الماضين‪ ،‬وترك الصغاء إلى الملهي‪ ،‬وكل كلم‬
‫باطل وفي البصار‪ :‬النظر بعين العبرة‪ ،‬والستدلل بآثار الصنع على العلم‬
‫والقدرة‪ ،‬ل بعين اللتذاذ والميل إلى المحرمات‪ ،‬والرغبة في زهرات الدنيا‪،‬‬
‫وفي الفئدة‪ :‬التفكر في آيات القدرة وكلم ال عزوجل وأحكامه‪ ،‬والحكم‬
‫والمسائل الدينية‪ ،‬والتفكر فيما نزل بالماضين‪ ،‬وعاقبة المحسنين‬
‫والمسيئين‪ ،‬وترك الشتغال بالفكار الباطلة وما يلهي عن ذكر ال‬
‫عزوجل‪ " .‬يذكرون بأيام ال " إشارة إلى قوله تعالى " وذكرهم بأيام ال‬
‫" )‪ (1‬وقيل‪ :‬معناه وقايع ال في المم الخالية‪ ،‬وإهلك من هلك منهم‪،‬‬
‫وأيام العرب حروبها‪ ،‬وقيل‪ :‬أي بنعمه وآلئه‪ ،‬وروي عن الصادق عليه‬
‫السلم أنه يريد بأيام ال سننه وأفعاله في عباده من إنعام وانتقام‪ ،‬وهو‬
‫القول الجامع‪ ،‬ومقام ال كناية عن عظمته وجللته المستلزمة للهيبة‬
‫والخوف‪ ،‬وقيل في قوله تعالى " ولمن خاف مقام ربه جنتان " )‪ (2‬أي‬
‫مقامه بين يدي ربه للحساب‪ .‬والفلة المفازة ل ماء فيها أو الصحراء‬
‫الواسعة‪ ،‬والقصد الرشد واستقامة الطريق وضد الفراط والتفريط "‬
‫وحمدوا إليه " أي منهيا أو متوجها ونحو ذلك كقولهم في أوائل الكتب "‬
‫أحمد إليك ال الذي ل إله إل هو " وكذلك " ذموا إليه " والهلكة بالتحريك‬
‫والهلكاء الهلك وهلكة هلكاء توكيد‪ .‬والتجارة ككتابة السم من قولك تجر‬
‫فلن كنصر‪ ،‬واتجر أي باع و اشترى‪ ،‬وقيل‪ :‬التجارة المعاملة الرابحة‪،‬‬
‫وذكر البيع بعد التجارة مبالغة بالتعميم بعد التخصيص‪ ،‬إن اريد به مطلق‬
‫المعاوضة‪ ،‬أو بأفراد ما هو أعم من قسمي التجارة فان الربح يتوقع‬
‫بالشرى ويتحقق بالبيع‪ ،‬وهذا بناء على أن يكون كل من المرين قسما‬
‫منها ل جزءا وقيل المراد‪ :‬بالتجارة الشرى فانه أصلها ومبدؤها‪.‬‬

‫)‪ (1‬ابراهيم‪ (2) .5 :‬الرحمن‪(*) .46 :‬‬

‫]‪[328‬‬

‫وهتفت الحمامة كضربت أي صاتت‪ ،‬وهتف به هتافا بالضم أي صاح به ودعاه‪،‬‬


‫وهتف به هاتف أي سمع صوته ولم ير شخصه وفي بعض النسخ "‬
‫يهتفون " بدون حرف العطف‪ ،‬والقسط بالكسر العدل‪ ،‬يقال‪ :‬قسط كضرب‬
‫ونصر وأقسط ويقال قسط قسطا كضرب ضربا أي جاز وعدل عن الحق‬
‫فهو من الضداد‪ ،‬و تناهى عن المر وانتهى عنه أي امتنع‪ .‬قوله عليه‬
‫السلم " إلى الخرة " أي منتهين أو واصلين إليها‪ ،‬وفي بعض النسخ‪" :‬‬
‫وكأنما " بالواو في الموضعين " وغيوب أهل البرزخ " ما غاب عن‬
‫الناس من أحوالهم والوعد يستعمل في الخير والشر يقال‪ :‬وعدته خيرا‬
‫ووعدته شرا فإذا أسقطوا الخير والشر قالوا في الخير الوعد وفي الشر‬
‫اليعاد‪ ،‬وكشف الغطاء عن العداة بيانها لهم على أوضح وجه‪ ،‬والمقاوم‬
‫جمع مقام‪ ،‬وشهده كسمعه أي حضره‪ ،‬و الديوان بالكسر وقد يفتح مجتمع‬
‫الصحف والكتاب يكتب فيه أهل الجيش وأهل العطية‪ ،‬وقيل‪ :‬جريدة‬
‫الحساب‪ ،‬ويطلق على موضع الحساب وهو معرب‪ " .‬وفرغوا لمحاسبة‬
‫أنفسهم " أي فرغوا عن سائر الشغال‪ ،‬وتركوها لمحاسبة أنفسهم "‬
‫وحملوا ثقل أوزارهم ظهورهم " أي تدبروا في ثقل الثام والمعاصي‪ ،‬و‬
‫طاقة حملهم‪ ،‬فأذعنوا بأن ثقلها يزيد عن قوتهم ول يطيقون حملها‬
‫وعذابها‪ ،‬و الستقلل بالشئ الستبداد والنفراد به‪ ،‬واستقل القوم أي‬
‫مضوا وارتحلوا‪ ،‬و استقله أي حمله ورفعه‪ .‬ونشج الباكي كضرب نشيجا‬
‫أي غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب " وتجاوبوا " أي جاوب‬
‫بعضهم بعضا‪ ،‬والنحيب أشد البكاء‪ ،‬والظاهر من التجاوب أن نشر‬
‫الدواوين ومحاسبتهم أنفسهم في مجمعهم ومحضرهم كما هو الظاهر من‬
‫لفظ المشهودة في أول الكلم‪ ،‬ل أن يحاسب كل واحد نفسه علحدة‪،‬‬
‫ويحتمل التجوز في لفظ التجاوب‪ ،‬وعج كضر كما في النسخ وكعض )‪(1‬‬
‫عجا وعجيجا أي صاح ورفع صوته " لرأيت " الجملة جزاء للشرط‬
‫السابق‪ ،‬والدجى جمع دجية بالضم‬

‫)‪ (1‬يعنى من بابى ضرب وعلم‪.‬‬

‫]‪[329‬‬

‫أي الظلمة‪ " .‬وحفت بهم " أي أحاطت وطافت حولهم‪ .‬والسكينة الطمأنينة‬
‫والمهابة والوقار ولعل المراد به اليقين الذي تسكن به نفوسهم‪ ،‬وتطمئن‬
‫قلوبهم‪ ،‬فل يتزلزل لشبهة أو لما أصابها من فتنة كما قال عزوجل " ومن‬
‫الناس من يعبد ال على حرف فان أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة‬
‫انقلب على وجهه " )‪ " .(1‬وأبواب السماء " البواب التي تنزل منها‬
‫الرحمة أو تصعد العمال الصالحة وأعده إعدادا هيأه وأحضره‪ ،‬والنسم‬
‫محركة نفس الريح‪ ،‬إذا كان ضعيفا كالنسيم وتنسم أي تنفس وتنسم النسيم‬
‫أي تشممه‪ ،‬والروح بالفتح الراحة والرحمة ونسيم الريح‪ ،‬والمعنى يدعون‬
‫ويتوقعون بدعائه تجاوزه عن ذنوبهم‪ ،‬والرهينة والمرتهنة الرهن‪،‬‬
‫والسى الحزن‪ ،‬وأبواب الرغبة كلما يتقرب به إلى ال‪ ،‬واليد القارعة‬
‫تطرق هذه البواب بالتقرب بها إلى ال تعالى‪ ،‬والندح بالفتح والضم‬
‫الرض الواسعة‪ ،‬والمنادح المفاوز‪ ،‬و " عليه " متعلق بيخيب على‬
‫تضمين معنى القدوم والوفود ونحو ذلك‪ ،‬والحسيب المحاسب‪ ،‬والمراد إما‬
‫أسرع الحاسبين أو كل أحد من المكلفين‪ ،‬فانه مكلف بأن يحاسب نفسه قبل‬
‫أن يحاسب في موقف الحساب‪ - 40 .‬نهج‪ :‬ومن دعاء له عليه السلم‪:‬‬
‫اللهم إنك آنس النسين بأوليائك‪ ،‬و أحضرهم بالكفاية للمتوكلين عليك‪،‬‬
‫تشاهدهم في سرائرهم‪ ،‬وتطلع عليهم في ضمائرهم وتعلم مبلغ بصائرهم‪،‬‬
‫فأسرارهم لك مكشوفة‪ ،‬وقلوبهم إليك ملهوفة‪ ،‬إن أوحشتهم القربة آنسهم‬
‫ذكرك‪ ،‬وإن صبت عليهم المصائب لجئوا إلى الستجارة بك‪ ،‬علما بأن أزمة‬
‫المور بيدك‪ ،‬ومصادرها عن قضائك‪ ،‬اللهم إن فههت عن مسئلتي أو‬
‫عمهت عن طلبتي‪ ،‬فدلني على مصالحي‪ ،‬وخذ بقلبي إلى مراشدي‪ ،‬فليس‬
‫ذلك بنكر من هداياتك‪ ،‬ول ببدع من كفاياتك‪ ،‬اللهم احملني على عفوك‪ ،‬ول‬
‫تحملني‬

‫)‪ (1‬الحج‪.11 :‬‬

‫]‪[330‬‬

‫على عدلك )‪ .(1‬بيان‪ :‬إنما أوردت هذا الدعاء لنه من مناجاة أولياء ال‪ ،‬ومشتمل‬
‫على كثير من صفاتهم المختصة بهم‪ ،‬رزقنا ال الوصول إلى درجتهم قوله‬
‫عليه السلم " بأوليائك " في بعض النسخ " لوليائك " وقال بعضهم‬
‫الباء أنسب أي أنت أكثرهم انسا بأوليائك وعطفا وتحننا عليهم "‬
‫وأحضرهم بالكفاية " الحضور ضد الغيبة‪ ،‬والحضر بالضم والحضار‬
‫ارتفاع الفرس في عدوه‪ ،‬قيل‪ :‬أي أبلغهم إحضارا لكفاية المتوكلين‬
‫وأقومهم بذلك‪ ،‬وقيل أي أسرعهم إحضارا لما استعد منهم من الكمال‪،‬‬
‫والظهر أن المعنى أشدهم وأكثرهم حضورا عند الكفاية‪ ،‬فانه ل يغيب عن‬
‫كفايتهم‪ ،‬ول يعزب عن علمه شئ‪ ،‬وقيل‪ :‬الكفاية بيان للحضور‪ .‬والكافي‬
‫من يقوم بالمر‪ ،‬ويحصل به الستغناء عن الغير‪ ،‬وتوكل على ال أي‬
‫اعتمد عليه ووثق به‪ ،‬والبصيرة المعرفة وعقيدة القلب والفطنة وقيل‪:‬‬
‫البصائر العزائم‪ ،‬والملهوف المكروب‪ ،‬والمظلوم المستغيث أي قلوبهم‬
‫مستغيثة راغبة عند الكرب والحاجة إليك‪ ،‬والمستجير الذي يطلب المان‬
‫أو الحفظ‪ ،‬وفهه كفرح أي عيي‪ ،‬وعمه كفرح أيضا أي تردد في الضلل أو‬
‫تحير في منازعة أو طريق أو لم يعرف الحجة‪ ،‬والمراشد مقاصد الطريق‬
‫أي ما فيه الستقامة والفوز بالمقصد " وخذ بقلبي إلى مراشدي " أي‬
‫جره إليها‪ ،‬والنكر العجيب‪ ،‬والبدع بالكسر المر المبتدع‪ ،‬أي لم يعهد مثله‬
‫" واحملني على عفوك " أي عاملني يوم الجزاء بعفوك‪.‬‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة ج ‪ 1‬ص ‪ 484‬تحت الرقم ‪ 225‬من الخطب‪.‬‬

‫]‪[331‬‬

‫* الجزء الثاني * من كتاب اليمان والكفر )أبواب( مكارم الخلق‬

‫]‪[332‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم ابواب مكارم الخلق أقول‪ :‬وسيجئ ما يناسب هذه البواب‬
‫في كتاب العشرة وفى كتاب الداب والسنن ايضا انشاء ال تعالى ‪* 38‬‬
‫)باب( * جوامع المكارم وآفاتها وما يوجب الفلح والهدى اليات البقرة‪:‬‬
‫الم * ذلك الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب‬
‫ويقيمون الصلوة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما انزل إليك‬
‫وما انزل من قبلك وبالخرة هم يوقنون * اولئك على هدى من ربهم و‬
‫اولئك هم المفلحون )‪ .(1‬وقال تعالى‪ :‬يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي‬
‫أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي اوف بعهدكم وإياى فارهبون * وآمنوا بما‬
‫أنزلت مصدقا لما معكم ول تكونوا أول كافر به ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل‬
‫وإياى فاتقون * ول تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون *‬
‫وأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة‬

‫)‪ (1‬البقرة‪.5 - 1 :‬‬

‫]‪[333‬‬

‫واركعوا مع الراكعين * أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب‬
‫أفل تعقلون * واستعينوا بالصبر والصلوة وإنها لكبيرة إل على الخاشعين‬
‫* الذين يظنون أنهم ملقوا ربهم وأنهم إليه راجعون )‪ .(1‬وقال سبحانه‪:‬‬
‫وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ل تعبدون إل ال وبالوالدين إحسانا وذي‬
‫القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلوة وآتوا‬
‫الزكوة ثم توليتم إل قليل منكم وأنتم معرضون )‪ .(2‬وقال سبحانه‪ :‬ليس‬
‫البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بال‬
‫واليوم الخر وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن‬
‫السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلوة وآتى الزكوة والموفون‬
‫بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين الباس اولئك‬
‫الذين صدقوا واولئك هم المتقون )‪ .(3‬وقال تعالى‪ :‬إن الذين آمنوا والذين‬
‫هاجروا وجاهدوا في سبيل ال اولئك يرجون رحمة ال وال غفور رحيم )‬
‫‪ .(4‬وقال تعالى‪ :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلوة وآتوا‬
‫الزكوة لهم أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هم يحزنون )‪ .(5‬آل‬
‫عمران‪ :‬الذين يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار *‬
‫الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالسحار )‪.(6‬‬
‫وقال تعالى‪ ...:‬من أهل الكتاب امة قائمة يتلون آيات ال آناء الليل وهم‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .45 - 40 :‬البقرة‪ (3) .83 :‬البقرة‪ (4) .177 :‬البقرة‪(5) .218 :‬‬
‫البقرة‪ (6) .277 :‬آل عمران‪.17 - 16 :‬‬
‫]‪[334‬‬

‫يسجدون * يؤمنون بال واليوم الخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‬


‫ويسارعون في الخيرات واولئك من الصالحين * وما يفعلوا من خير فلن‬
‫يكفروه وال عليم بالمتقين )‪ .(1‬وقال تعالى‪ :‬وسارعوا إلى مغفرة من‬
‫ربكم وجنة عرضها السموات والرض اعدت للمتقين * الذين ينفقون في‬
‫السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس وال يحب‬
‫المحسنين * والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم فاستغفروا لذنوبهم‬
‫ومن يغفر الذنوب إل ال ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون * اولئك‬
‫جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها ونعم‬
‫أجر العاملين )‪ .(2‬وقال‪ :‬إن في خلق السموات والرض واختلف الليل‬
‫والنهار ليات لولي اللباب * الذين يذكرون ال قياما وقعودا وعلى‬
‫جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والرض ربنا ما خلقت هذا باطل‬
‫سبحانك فقنا عذاب النار * ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما‬
‫للظالمين من أنصار * ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي لليمان أن آمنوا بربكم‬
‫فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع البرار * ربنا وآتنا‬
‫ما وعدتنا على رسلك ول تخزنا يوم القيامة إنك ل تخلف الميعاد *‬
‫فاستجاب لهم ربهم أني ل اضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى بعضكم‬
‫من بعض فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم واوذوا في سبيلي وقاتلوا‬
‫وقتلوا لكفرن عنهم سيئاتهم ولدخلنهم جنات تجري من تحتها النهار‬
‫ثوابا من عند ال وال عنده حسن الثواب )‪ .(3‬النساء‪ :‬إن تبدوا خيرا أو‬
‫تخفوه أو تعفوا عن سوء فان ال كان عفوا قديرا )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪ (2) .115 - 113 :‬آل عمران‪ (3) .136 - 133 :‬آل عمران‪190 :‬‬
‫‪ (4) .195 -‬النساء‪.149 :‬‬

‫]‪[335‬‬

‫وقال تعالى‪ :‬لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما انزل إليك وما‬
‫انزل من قبلك والمقيمين الصلوة والمؤتون الزكوة والمؤمنون بال واليوم‬
‫الخر اولئك سيؤتيهم أجرا عظيما )‪ .(1‬المائدة‪ :‬واذكروا نعمة ال عليكم‬
‫وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا ال إن ال خبير بما‬
‫تعملون إلى قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة ال عليكم إذ هم‬
‫قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا ال وعلى ال‬
‫فليتوكل المؤمنون * ولقد أخذ ال ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني‬
‫عشر نقيبا وقال ال إني معكم لئن أقمتم الصلوة وآتيتم الزكوة وآمنتم‬
‫برسلي وعزرتموهم وأقرضتم ال قرضا حسنا لكفرن عنكم سيئاتكم‬
‫ولدخلنكم جنات تجري من تحتها النهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل‬
‫سواء السبيل )‪ .(2‬وقال تعالى‪ :‬يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه‬
‫فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على‬
‫الكافرين يجاهدون في سبيل ال ول يخافون لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه‬
‫من يشآء وال واسع عليم * إنما وليكم ال ورسوله والذين آمنوا الذين‬
‫يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون )‪ .(3‬وقال تعالى‪ :‬ليس على‬
‫الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا‬
‫وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا وال يحب المحسنين‬
‫)‪ .(4‬العراف‪ :‬قال موسى لقومه استعينوا بال واصبروا إن الرض ل‬
‫يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬النساء‪ (2) .162 :‬المائدة ‪ (3) .12 - 7‬المائدة‪ 54 :‬و ‪ (4) .55‬المائدة‪.93 :‬‬
‫)‪ (5‬العراف‪.128 :‬‬

‫]‪[336‬‬

‫وقال‪ :‬ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة والذينهم‬


‫بآياتنا يؤمنون إلى قوله سبحانه ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه‬
‫يعدلون )‪ .(1‬وقال‪ :‬والدار الخرة خير للذين يتقون أفل تعقلون * والذين‬
‫يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلوة إنا ل نضيع أجر المصلحين )‪ .(2‬النفال‪:‬‬
‫فاتقوا ال وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا ال ورسوله إن كنتم مؤمنين )‪.(3‬‬
‫التوبة‪ :‬إنما يعمر مساجد ال من آمن بال واليوم الخر وأقام الصلوة وآتى‬
‫الزكوة ولم يخش إل ال فعسى اولئك أن يكونوا من المهتدين‪ .‬إلى قوله‬
‫تعالى‪ :‬الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل ال بأموالهم وأنفسهم‬
‫أعظم درجة عند ال واولئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة منه‬
‫ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبدا إن ال عنده أجر‬
‫عظيم )‪ .(4‬وقال تعالى‪ :‬التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون‬
‫الساجدون المرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود ال‬
‫وبشر المؤمنين )‪ .(5‬هود‪ :‬إل الذين صبروا وعملوا الصالحات اولئك لهم‬
‫مغفره وأجر كبير )‪ .(6‬وقال تعالى‪ :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات‬
‫وأخبتوا إلى ربهم اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * مثل الفريقين‬
‫كالعمى والصم والسميع‬

‫)‪ (1‬العراف ‪ (2) .159 - 156‬العراف‪ (3) .169 :‬النفال‪ (4) .1 :‬براءة‪- 18 :‬‬
‫‪ (5) .22‬براءة‪ (6) .112 :‬هود‪.11 :‬‬
‫]‪[337‬‬

‫والبصير هل يستويان مثل أفل تذكرون )‪ .(1‬الرعد‪ :‬الذين يوفون بعهد ال ول‬
‫ينقضون الميثاق * والذين يصلون ما أمر ال به أن يوصل ويخشون ربهم‬
‫ويخافون سوء الحساب * والذين صبروا ابتغاء ربهم وأقاموا الصلوة‬
‫وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلنية ويدرؤن بالحسنة السيئة اولئك لهم‬
‫عقبى الدار * جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم‬
‫وذرياتهم والملئكة يدخلون عليهم من كل باب * سلم عليكم بما صبرتم‬
‫فنعم عقبى الدار )‪ .(2‬وقال تعالى‪ :‬ويهدي إليه من أناب * الذين آمنوا‬
‫وتطمئن قلوبهم بذكر ال أل بذكر ال تطمئن القلوب * الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات طوبى لهم وحسن مآب )‪ .(3‬النحل‪ :‬إن إبراهيم كان امة قانتا ل‬
‫حنيفا ولم يك من المشركين * شاكرا لنعمه اجتبيه وهداه إلى صراط‬
‫مستقيم )‪ .(4‬مريم‪ :‬إل من تاب وآمن وعمل صالحا فاولئك يدخلون الجنة‬
‫ول يظلمون شيئا )‪ .(5‬طه‪ :‬وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم‬
‫اهتدى )‪ .(6‬النبياء‪ :‬وكل جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا‬
‫وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلوة وإيتاء الزكوه وكانوا لنا عابدين‬
‫)‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬هود‪ 23 :‬و ‪ (2) .24‬الرعد‪ (3) .22 - 18 :‬الرعد‪ (4) .29 - 27 :‬النحل‪:‬‬
‫‪ 121‬و ‪ (5) .122‬مريم‪ (6) .60 :‬طه‪ (7) .82 :‬النبياء‪ 72 :‬و ‪.73‬‬

‫]‪[338‬‬

‫وقال تعالى‪ :‬إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا‬
‫خاشعين )‪ .(1‬الحج‪ :‬وبشر المخبتين * الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم‬
‫والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلوة ومما رزقناهم ينفقون )‪.(2‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا‬
‫الخير لعلكم تفلحون * وجاهدوا في ال حق جهاده هو اجتبيكم وما جعل‬
‫عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سميكم المسلمين من قبل‬
‫وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا‬
‫الصلوة وآتوا الزكوة واعتصموا بال هو موليكم فنعم المولى ونعم النصير‬
‫)‪ .(3‬النور‪ :‬ومن يطع ال ورسوله ويخشى ال ويتقه فاولئك هم الفائزون‬
‫)‪ .(4‬الفرقان‪ :‬إل من تاب وآمن وعمل عمل صالحا فاولئك يبدل ال‬
‫سيئاتهم حسنات وكان ال غفورا رحيما * ومن تاب وعمل صالحا فانه‬
‫يتوب إلى ال متابا )‪ .(5‬الشعراء‪ :‬إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات‬
‫وذكروا ال كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا )‪ .(6‬النمل‪ :‬هدى وبشرى‬
‫للمؤمنين * الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم بالخرة هم يوقنون‬
‫)‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬النبياء‪ (2) .90 :‬الحج‪ 34 :‬و ‪ (3) .35‬الحج‪ 77 :‬و ‪ (4) .78‬النور‪) .52 :‬‬
‫‪ (5‬الفرقان‪ 71 :‬و ‪ (6) .72‬الشعراء‪ (7) .227 :‬النمل‪.2 :‬‬

‫]‪[339‬‬

‫وقال تعالى‪ :‬إنما امرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شئ وامرت أن‬
‫أكون من المسلمين * وأن أتلو القرآن )‪ .(1‬العنكبوت‪ :‬والذين آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها النهار‬
‫خالدين فيها نعم أجر العاملين * الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون )‪.(2‬‬
‫لقمان‪ :‬هدى ورحمة للمحسنين * الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة‬
‫وهم بالخرة هم يوقنون * اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون‬
‫)‪ .(3‬وقال‪ :‬يا بني أقم الصلة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر‬
‫على ما أصابك إن ذلك من عزم المور * ول تصعر خدك للناس ول تمش‬
‫في الرض مرحا إن ال ل يحب كل مختال فخور * واقصد في مشيك‬
‫واغضض من صوتك إن أنكر الصوات لصوت الحمير )‪ .(4‬وقال تعالى‪:‬‬
‫ومن يسلم وجهه إلى ال وهو محسن‪ ،‬فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى‬
‫ال عاقبة المور )‪ .(5‬الحزاب‪ :‬إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين‬
‫والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين‬
‫والصابرات والخاشعين والخاشعات و المتصدقين والمتصدقات والصائمين‬
‫والصائمات والحافظين لفروجهم والحافظات و الذاكرين ال كثيرا‬
‫والذاكرات أعد ال لهم مغفرة وأجرا عظيما )‪ .(6‬فاطر‪ :‬إن الذين يتلون‬
‫كتاب ال وأقاموا الصلة وأنفقوا مما رزقناهم‬

‫)‪ (1‬النمل ‪ (2) .91‬العنكبوت‪ (3) .59 - 58 :‬لقمان‪ (4) .5 - 3 :‬لقمان‪.19 - 17 :‬‬
‫)‪ (5‬لقمان‪ (6) .22 :‬الحزاب‪.35 :‬‬

‫]‪[340‬‬

‫سرا وعلنية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم اجورهم ويزيدهم من فضله إنه‬
‫غفور شكور )‪ .(1‬الزمر‪ :‬قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين‬
‫أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض ال واسعة إنما يوفى الصابرون‬
‫أجرهم بغير حساب )‪ .(2‬ق‪ :‬وازلفت الجنة للمتقين غير بعيد * هذا ما‬
‫توعدون لكل أواب حفيظ * من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب )‬
‫‪ .(3‬البلد‪ :‬فل اقتحم العقبة * وما أدريك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعام‬
‫في يوم ذي مسغبة * يتيما ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة * ثم كان من‬
‫الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة * اولئك أصحاب الميمنة‬
‫* والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشئمة * عليهم نار مؤصدة )‪.(4‬‬
‫تفسير‪ " :‬هدى للمتقين " قد مر تفسير اليات في الباب الول من كتاب‬
‫اليمان والكفر هذا )‪ " .(5‬يا بني إسرائيل " )‪ (6‬أي ولد يعقوب " اذكروا‬
‫نعمتي التي أنعمت عليكم " في تفسير المام عليه السلم‪ :‬أن بعثت محمدا‬
‫وأقررته في مدينتكم ولم أجشمكم الحط والترحال إليه وأوضحت علماته‬
‫ودلئل صدقه كيل يشتبه عليكم حاله " وأوفوا بعهدي " الذي أخذه على‬
‫أسلفكم أنبياؤهم وأمروهم أن يؤدوه إلى أخلفهم ليؤمنن بمحمد العربي‬
‫الهاشمي المبان باليات‪ ،‬والمؤيد بالمعجزات‪ ،‬الذي من آياته علي بن أبي‬
‫طالب شقيقه ورفيقه‪ ،‬عقله من عقله‪ ،‬وعلمه من علمه‪ ،‬وحلمه من‬

‫)‪ (1‬فاطر‪ 29 :‬و ‪ (2) .30‬الزمر‪ (3) .10 :‬ق‪ (4) .33 - 31 :‬البلد‪(5) .20 - 11 :‬‬
‫راجع ج ‪ 67‬ص ‪ (6) .17‬البقرة‪.40 :‬‬

‫]‪[341‬‬

‫حلمه‪ ،‬مؤيد دينه بسيفه " اوف بعهدكم " الذي أوجبت به لكم نعيم البد في دار‬
‫الكرامة " وإياي فارهبون " في مخالفة محمد‪ ،‬فاني القادر على صرف‬
‫بلء من يعاديكم على موافقتي‪ ،‬وهم يقدرون على صرف انتقامي عنكم إذا‬
‫آثرتم مخالفتي‪ .‬وروى العياشي عن الصادق عليه السلم أنه سئل عن هذه‬
‫الية فقال‪ :‬أوفوا بولية علي فرضا من ال اوف لكم بالجنة )‪ .(1‬أقول‪:‬‬
‫والية عامة في كل عهد على كل أحد وقال علي بن إبراهيم‪ :‬قال رجل‬
‫للصادق عليه السلم‪ :‬يقول ال‪ " :‬ادعوني أستجب لكم " وإنا ندعو فل‬
‫يستجاب لنا ؟ فقال‪ :‬إنكم ل تفون ل بعهده فانه تعالى يقول‪ " :‬أوفوا‬
‫بعهدي اوف بعهدكم " وال لو وفيتم ل سبحانه لوفى لكم‪ " .‬وآمنوا بما‬
‫أنزلت " على محمد بن ذكر نبوته وإمامة أخيه وعترته " مصدقا لما معكم‬
‫" فان مثل هذا الذكر في كتابكم " ول تكونوا أول كافر به " قيل‪ :‬تعريض‬
‫بأن الواجب أن تكونوا أول من آمن به لنهم كانوا أهل النظر في معجزاته‪،‬‬
‫والعلم بشأنه‪ ،‬والمستفتحين به‪ ،‬والمبشرين بزمانه‪ .‬وفي تفسير المام‬
‫عليه السلم هؤلء يهود المدينة جحدوا نبوة محمد وخانوه وقالوا‪ :‬نحن‬
‫نعلم أن محمدا نبي وأن عليا وصيه‪ ،‬ولكن لست أنت ذلك ول هذا‪ ،‬ولكن‬
‫يأتيان بعد وقتنا هذا بخمسمائة سنة " ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل " في‬
‫المجمع عن الباقر عليه السلم في هذه الية أن حيي بن أخطب وكعب بن‬
‫الشرف وآخرين من اليهود كانت لهم مأكلة على اليهود في كل سنة‬
‫فكرهوا بطلنها بأمر النبي صلى ال عليه واله فحرفوا لذلك آيات من‬
‫التوراة فيها صفته وذكره‪ ،‬فذلك الثمن الذي اريد به في الية )‪ " (2‬وإياى‬
‫فاتقون " في كتمان أمر محمد وأمر وصيه " ول تلبسوا الحق بالباطل "‬
‫ل تخلطوه به بأن تقروا به من وجه‪ ،‬وتجحدوه من وجه " وتكتموا الحق‬
‫" من نبوة هذا وإمامة هذا " وأنتم تعلمون " أنكم تكتمونه تكابرون‬

‫)‪ (1‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .42‬مجمع البيان ج ‪ 1‬ص ‪.95‬‬

‫]‪[342‬‬

‫علومكم وعقولكم " وأقيموا الصلوة " المكتوبة التي جاء بها محمد صلى ال عليه‬
‫واله وأقيموا أيضا الصلة على محمد وآله الطاهرين‪ " .‬وآتوا الزكوة "‬
‫من أموالكم إذا وجبت‪ ،‬ومن أبدانكم إذا لزمت ومن معونتكم إذا التمست‪،‬‬
‫وفي الخبار الكثيرة أنها شاملة للفطرة بل نزلت فيها لنها لما نزلت لم‬
‫يكن للناس أموال وإنما كانت الفطرة " واركعوا مع الراكعين " أي‬
‫تواضعوا مع المتواضعين لعظمة ال في النقياد لولياء ال‪ ،‬وقيل‪ :‬أي في‬
‫جماعتهم للصلة‪ ،‬وقيل‪ :‬هذا فرد من أفراد ذاك " أتأمرون الناس بالبر "‬
‫أي بالصدقات وأداء المانات " وتنسون أنفسكم " تتركونها " وأنتم‬
‫تتلون الكتاب " أي التوراة المرة لكم بالخيرات‪ ،‬الناهية عن المنكرات "‬
‫أفل تعقلون " ما عليكم من العقاب في ذلك‪ " .‬واستعينوا بالصبر " قال‬
‫المام‪ :‬أي عن الحرام على تأدية المانات وعن الرياسات الباطلة على‬
‫العتراف بالحق‪ ،‬واستحقاق الغفران والرضوان ونعيم الجنان وقيل‪ :‬وعن‬
‫سائر المعاصي وعلى أصناف الطاعات وأنواع المصيبات على قرب‬
‫الوصول إلى الجنان‪ ،‬وفي كثير من الخبار أن الصبر الصيام " والصلة "‬
‫قال المام عليه السلم‪ :‬الصلوات الخمس والصلة على النبي وآله‬
‫الطاهرين‪ ،‬وظاهرها يشمل كل صلة فريضة ونافلة )‪ (14‬وفي المجمع‬
‫والعياشي عن الصادق عليه السلم ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غم من‬
‫غموم الدنيا أن يتوضأ ثم يدخل مسجده فيركع ركعتين‪ ،‬فيدعو ال فيها ؟‬
‫أما سمعت ال يقول‪ " :‬واستعينوا بالصبر والصلوة " )‪ " .(1‬وإنها " قال‬
‫علي بن إبراهيم‪ :‬يعني الصلة‪ ،‬وقيل‪ :‬الستعانة بهما وقال المام عليه‬
‫السلم‪ :‬إن هذه الفعلة من الصلوات الخمس والصلة على محمد وآله مع‬
‫النقياد لوامرهم واليمان بسرهم وعلنيتهم‪ ،‬وترك معارضتهم بلم وكيف‬
‫" لكبيرة " عظيمة‪ ،‬وقيل‪ :‬ثقيلة شاقة كقوله عزوجل‪ " :‬كبر على‬
‫المشركين ما تدعوهم إليه " " إل على الخاشعين " قال المام‪ :‬أي‬
‫الخائفين عقاب ال في مخالفته‬
‫)‪ (1‬تفسير المام ص ‪ (2) .91‬مجمع البيان ج ‪ 1‬ص ‪ ،100‬تفسير العياشي ج ‪1‬‬
‫ص ‪.43‬‬

‫]‪[343‬‬

‫في أعظم فرائضه " الذين يظنون أنهم ملقوا ربهم " في التوحيد والحتجاج‬
‫والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلم يوقنون أنهم يبعثون‪ ،‬والظن‬
‫منهم يقين‪ ،‬وقال عليه السلم‪ :‬اللقاء البعث والظن ههنا اليقين )‪ (1‬وفي‬
‫تفسير المام عليه السلم يقدرون ويتوقعون أنهم يلقون ربهم اللقاء الذي‬
‫هو أعظم كرامته لعباده " وأنهم إليه راجعون " إلى كرامته ونعيم جناته‪،‬‬
‫قال‪ :‬وإنما قال‪ :‬يظنون لنهم ل يدرون بماذا يختم لهم لن العاقبة مستورة‬
‫عنهم‪ ،‬ل يعلمون ذلك يقينا لنهم ل يأمنون أي يغيروا أو يبدلوا‪ ،‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬ل يزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة ول‬
‫يتيقن الوصول إلى رضوان ال حتى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك‬
‫الموت له‪ " .‬وإذ أخذنا " )‪ (2‬قال المام‪ :‬أي واذكروا إذ أخذنا " ميثاق‬
‫بني إسرائيل " عهدهم المؤكد عليهم " ل تعبدون إل ال " ل تشبهوه‬
‫بخلقه ول تجوروه في حكمه ول تعملوا ما يراد به وجهه‪ ،‬تريدون به وجه‬
‫غيره‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬من شغلته عبادة ال عن‬
‫مسألته أعطاه أفضل ما يعطي السائلين‪ ،‬وقال الصادق عليه السلم‪ :‬ما‬
‫أنعم ال على عبد أجل من أن يكون في قلبه مع ال غيره‪ " .‬وبالوالدين‬
‫إحسانا " وأن تحسنوا بهما إحسانا مكافاة عن إنعامهما عليهم وإحسانهما‬
‫إليهم واحتمال المكروه الغليظ فيهم لترفيههم وقال المام عليه السلم‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬أفضل والديكم وأحقهما بشكركم محمد‬
‫وعلي وقال علي ابن أبيطالب عليه السلم‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله يقول‪ :‬أنا وعلي أبوا هذه المة ولحقنا عليهم أعظم من حق‬
‫أبوي ولدتهم‪ ،‬فانا ننقذهم إن أطاعونا من النار إلى دار القرار‪ ،‬ونلحقهم‬
‫من العبودية بخيار الحرار‪ .‬أقول‪ :‬وهذا أحد وجوه كون المؤمنين إخوة‪" .‬‬
‫وذي القربى " أي وأن تحسنوا بقراباتهما لكرامتهما‪ ،‬وقال أيضا‪ :‬هم‬

‫)‪ (1‬الحتجاج ص ‪ 128‬و ‪ - ،132‬تفسير العياشي ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .44‬البقرة‪.83 :‬‬

‫]‪[344‬‬

‫قراباتك من أبيك وامك قيل لك‪ :‬اعرف حقهم كما اخذ العهد به على بني إسرائيل‬
‫واخذ عليكم معاشر امة محمد معرفة حق قرابات محمد الذين هم الئمة‬
‫بعده‪ ،‬ومن يليهم بعد من خيار أهل دينهم‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫واله‪ :‬من رعى حق قرابات أبويه اعطي في الجنة ألف ألف درجة‪ ،‬ثم فسر‬
‫الدرجات ثم قال‪ :‬ومن رعى حق قربى محمد وعلي اوتي من فضائل‬
‫الدرجات وزيادة المثوبات على قدر زيادة فضل محمد وعلي على أبوي‬
‫نسبه‪ " .‬واليتامى " الذين فقدوا آباءهم الكافين لهم امورهم السائقين‬
‫إليهم قوتهم وغذاءهم المصلحين لهم معاشهم‪ ،‬قال عليه السلم‪ :‬وأشد من‬
‫يتم هذا اليتيم يتيم عن إمامه ل يقدر على الوصول إليه‪ ،‬ول يدري كيف‬
‫حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه‪ ،‬أل فمن كان من شيعتنا عالما‬
‫بعلومنا‪ ،‬وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره‪ ،‬أل‬
‫فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرفيق العلى‪ ،‬حدثني‬
‫بذلك أبي عن آبائه عن رسول ال صلى ال عليه واله‪ " .‬والمساكين "‬
‫قال المام عليه السلم‪ :‬هو من سكن الضر والفقر حركته‪ ،‬قال أل فمن‬
‫واساهم بحواشي ماله وسع ال عليه جنانه‪ ،‬وأناله غفرانه ورضوانه‪ ،‬ثم‬
‫قال عليه السلم‪ :‬إن من محبي محمد مساكين مواساتهم أفضل من مواساة‬
‫مساكين الفقر وهم الذين سكنت جوارحهم وضعفت قواهم عن مقابلة‬
‫أعداء ال‪ ،‬الذين يعيرونهم بدينهم‪ ،‬ويسفهون أحلمهم‪ ،‬أل فمن قواهم‬
‫بفقهه وعلمه حتى أزال مسكنتهم ثم سلطهم على العداء الظاهرين من‬
‫النواصب‪ ،‬وعلى العداء الباطنين إبليس ومردته‪ ،‬حتى يهزموهم عن دين‬
‫ال‪ ،‬ويذودوهم عن أولياء آل رسول ال‪ ،‬حول ال تلك المسكنة إلى‬
‫شياطينهم‪ ،‬وأعجزهم عن إضللهم‪ ،‬قضى ال بذلك قضاء حقا على لسان‬
‫رسول ال‪ " .‬وقولوا للناس " الذين ل مؤنة لهم عليكم " حسنا "‬
‫عاملوهم بخلق جميل أقول‪ :‬وسيأتي الكلم في تفسيرها إنشاء ال "‬
‫وأقيموا الصلوة " قال المام عليه السلم‪ :‬باتمام ركوعها وسجودها‪،‬‬
‫وحفظ مواقيتها‪ ،‬وأداء حقوقها التي إذا لم تؤد لم‬

‫]‪[345‬‬

‫يتقبلها رب الخلئق‪ ،‬أتدرون ما تلك الحقوق ؟ هو إتباعها بالصلة على محمد‬


‫وعلي وآلهما‪ ،‬منطويا على العتقاد بأنهم أفضل خيرة ال‪ ،‬والقوام بحقوق‬
‫ال‪ ،‬والنصار لدين ال‪ ،‬قال عليه السلم‪ " :‬وأقيموا الصلوة " على محمد‬
‫وآله عند أحوال غضبكم ورضاكم وشدتكم ورخائكم‪ ،‬وهمومكم المعلقة‬
‫بقلوبكم " وآتوا الزكوة " من المال والجاه وقوة البدن " ثم توليتم " أيها‬
‫اليهود عن الوفاء بالعهد الذي أداه إليكم أسلفكم " إل قليل منكم وأنتم‬
‫معرضون " عن ذلك العهد‪ ،‬تاركين له غافلين عنه‪ " .‬ليس البر " )‪(1‬‬
‫قال المام عليه السلم‪ :‬يعني يا محمد قل‪ :‬ليس البر أي الطاعة التي‬
‫تنالون بها الجنان‪ ،‬وتستحقون بها الغفران والرضوان " أن تولوا‬
‫وجوهكم " بصلتكم " قبل المشرق " يا أيها النصارى " و " قبل "‬
‫المغرب " يا أيها اليهود وأنتم لمر ال مخالفون وعلى ولي ال مغتاظون‬
‫" ولكن البر من آمن " قيل‪ :‬يعني البر الذي ينبغي أن يهتم به بر من آمن‬
‫بال إلى قوله‪ " :‬وآتى المال على حبه " أي أعطى في ال تعالى‬
‫المستحقين من المؤمنين على حبه للمال وشدة حاجته إليه يأمل الحياة‪،‬‬
‫ويخشى الفقر لنه صحيح شحيح " ذوي القربى " أعطى قرابة النبي‬
‫صلى ال عليه واله الفقراء هدية وبرا ل صدقة‪ ،‬لن ال أجلهم عن‬
‫الصدقة‪ ،‬وأعطى قرابة نفسه صدقة وبرا " واليتامى " من بني هاشم‬
‫الفقراء برا ل صدقة‪ ،‬ويتامى غيرهم صدقة وصلة " والمساكين "‬
‫مساكين الناس " وابن السبيل " المجتاز المنقطع به ل نفقة معه "‬
‫والسائلين " الذين يتكففون " وفي الرقاب " وفي تخليصها يعني‬
‫المكاتبين يعينهم ليؤدوا حقوقهم فيعتقوا " وأقام الصلوة " بحدودها "‬
‫وآتى الزكوة " الواجبة عليه لخوانه المؤمنين " والموفون بعهدهم إذا‬
‫عاهدوا " قيل‪ :‬عطف على من آمن يشمل عهد ال والناس " والصابرين‬
‫" نصبه على المدح لفضل الصبر على سائر العمال " في البأساء "‬
‫يعني في محاربة العداء ول عدو يحاربه أعدى من إبليس ومردته‪ ،‬يهتف‬
‫به ويدفعه وإياهم بالصلة على محمد وآله الطيبين " والضراء "‬

‫)‪ (1‬البقرة‪.177 :‬‬

‫]‪[346‬‬

‫الفقر والشدة " وحين البأس " عند شدة القتال يذكر ال ويصلي على رسول ال‬
‫وعلى علي ولي ال يوالي بقلبه ولسانه أولياء ال‪ ،‬ويعادي كذلك أعداءه‬
‫" اولئك الذين صدقوا في إيمانهم " وصدقوا أقاويلهم بأفاعيلهم " واولئك‬
‫هم المتقون " لما امروا باتقائه‪ .‬قيل‪ :‬الية كما ترى جامعة للكمالت‬
‫النسانية بأسرها‪ ،‬دالة عليها صريحا أو ضمنا فانها بكثرتها وتشعبها‬
‫منحصرة في ثلثة أشياء‪ :‬صحة العتقاد‪ ،‬وحسن المعاشرة‪ ،‬وتهذيب‬
‫النفس‪ ،‬وقد اشير إلى الول بقوله " من آمن ‪ -‬إلى ‪ -‬والنبيين " وإلى‬
‫الثاني بقوله " وآتى المال ‪ -‬إلى ‪ -‬وفي الرقاب " وإلى الثالث بقوله "‬
‫وأقام الصلة " إلى آخرها‪ ،‬ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق نظرا إلى‬
‫إيمانه واعتقاده وبالتقوى اعتبارا بمعاشرته للخلق ومعاملته مع الحق‬
‫وإليه أشار النبي صلى ال عليه واله بقوله من عمل بهذه الية فقد‬
‫استكمل اليمان‪ .‬وأقول‪ :‬ما لم ننسب إلى تفسير مخصوص ولم نصدر بقيل‬
‫فهو من تفسير المام عليه السلم‪ " .‬إن الذين آمنوا والذين هاجروا " )‬
‫‪ (1‬قيل‪ :‬نزلت في قصة ابن جحش وأصحابه وقتلهم ابن الحضرمي في‬
‫رجب حين ظن قوم أنهم إن سلموا من الثم فليس لهم أجر‪ " .‬وأقاموا‬
‫الصلة وآتوا الزكاة " )‪ (2‬قيل‪ :‬عطفهما على ما يعمهما لنافتهما على‬
‫سائر العمال الصالحة " ول خوف عليهم " من آت " ول هم يحزنون "‬
‫على فائت‪ " .‬الذين يقولون ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬بالسحار " )‪ (3‬قيل‪ :‬حصر‬
‫لمقامات السالك على أحسن ترتيب‪ ،‬فان معاملته مع ال إما توسل وإما‬
‫طلب‪ ،‬والتوسل إما بالنفس وهو منعها عن الرذائل وحبسها على الفضائل‪،‬‬
‫والصبر يشملهما‪ ،‬وإما بالبدن وهو إما قولي‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ (2) .218 :‬البقرة‪ (3) .277 :‬آل عمران‪ 16 :‬و ‪(*) .17‬‬

‫]‪[347‬‬

‫وهو الصدق‪ ،‬وإما فعلي وهو القنوت الذي هو ملزمة الطاعة وإما بالمال وهو‬
‫النفاق في سبيل الخير وأما الطلب فالستغفار لن المغفرة أعظم المطالب‪،‬‬
‫بل الجامع لها وتوسيط الواو بينها للدللة على استقلل كل واحدة وكمالهم‬
‫فيها‪ ،‬أو لتغاير الموصوفين بها وتخصيص السحار لن الدعاء فيها أقرب‬
‫إلى الجابة‪ ،‬لن العبادة حينئذ أشق والنفس أصفى والروع أجمع‪ ،‬سيما‬
‫للمتهجدين قيل إنهم كانوا يصلون إلى السحر ثم يستغفرون ويدعون‪ ،‬وفي‬
‫المجمع عن الصادق عليه السلم هم المصلون وقت السحر‪ ،‬وقال‪ :‬من‬
‫استغفر سبعين مرة في وقت السحر فهو من أهل هذه الية )‪ (1‬وستأتي‬
‫الخبار في ذلك في محله إنشاء ال‪ " .‬امة قائمة " )‪ (2‬أي على الحق‬
‫وهم الذين أسلموا منهم " يتلون " ألخ أي يتلونها في تهجدهم " يؤمنون‬
‫بال " وصفهم بصفات ليست في اليهود فانهم منحرفون عن الحق غير‬
‫متعبدين بالليل مشركون بال ملحدون في صفاته واصفون اليوم الخر‬
‫بخلف صفته‪ ،‬مداهنون في الحتساب‪ ،‬متباطئون عن الخيرات " فلن‬
‫تكفروه " أي فلن يضيع ول ينقص ثوابه‪ ،‬ول ينافي ذلك ما سيأتي في‬
‫الخبر أن المؤمن مكفر‪ ،‬فان المراد به أنه ل يشكره الناس " وال عليم‬
‫بالمتقين " قيل‪ :‬بشارة لهم وإشعار بأن التقوى مبدء الخير وحسن العمل‪.‬‬
‫" وسارعوا " )‪ (3‬أي بادروا " إلى مغفرة " أي إلى أسباب المغفرة وفي‬
‫المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلم إلى أداء الفرائض " وجنة‬
‫عرضها السماوات والرض " عن الصادق عليه السلم إذا وضعوهما كذا‬
‫وبسط يديه إحداهما مع الخرى " اعدت للمتقين " في الخصال عن أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم فانكم لن تنالوها إل بالتقوى " الذين ينفقون في‬
‫السراء والضراء " أي في حالتي الرخاء والشدة‪ ،‬يعني ينفقون في‬
‫أحوالهم كلها ما تيسر لهم من قليل أو كثير " والكاظمين الغيظ "‬
‫الممسكين عليه الكافين عن إمضائه‬
‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .419‬آل عمران‪ (3) .115 - 113 :‬آل عمران‪:‬‬
‫‪.136 - 133‬‬

‫]‪[348‬‬

‫مع القدرة " والعافين عن الناس " التاركين عقوبة من استحق مؤاخذته " وال‬
‫يحب المحسنين " قيل‪ :‬يحتمل الجنس ويدخل تحته هؤلء‪ ،‬والعهد فتكون‬
‫الشارة إليهم‪ ،‬في المجمع روي أن جارية لعلي بن الحسين عليهما السلم‬
‫جعلت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلة فسقط البريق من يدها فشجه‪،‬‬
‫فرفع رأسه إليها فقالت له الجارية‪ :‬إن ال يقول " والكاظمين الغيظ "‬
‫فقال لها كظمت غيظي‪ ،‬قالت " والعافين عن الناس " قال عفى ال عنك‪،‬‬
‫قالت " وال يحب المحسنين " قال اذهبي فأنت حرة لوجه ال )‪" (1‬‬
‫والذين إذا فعلوا فاحشة " أي سيئة بالغة في القبح كالزنا " أو ظلموا‬
‫أنفسهم " قيل‪ :‬بأن أذنبوا أي ذنب كان‪ ،‬وقيل الفاحشة الكبيرة‪ ،‬وظلم‬
‫النفس الصغيرة وقيل الفاحشة ما يتعدى وظلم النفس ما ليس كذلك وقيل‪:‬‬
‫" أو ظلموا " أي أذنبوا ذنبا أعظم من الزنا " فاستغفروا لذنوبهم "‬
‫بالندم والتوبة " ومن يغفر الذنوب إل ال " استفهام بمعنى النفي معترض‬
‫بين المعطوفين‪ ،‬والمراد به وصفه تعالى بسعة الرحمة وعموم المغفرة‪،‬‬
‫والحث على الستغفار والوعد بقبول التوبة " ولم يصروا على ما فعلوا "‬
‫أي ولم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين‪ ،‬وسيأتي معنى الصرار في‬
‫بابه إنشاء ال " وهم يعلمون " أي ولم يصروا على قبيح فعلهم عالمين‬
‫به " ونعم أجر العاملين " أي المغفرة والجنات‪ ،‬وفي المجالس عن‬
‫الصادق عليه السلم قال‪ :‬لما نزلت هذه الية صعد إبليس جبل فصرخ‬
‫بأعل صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا يا سيدنا لما دعوتنا ؟ قال‪:‬‬
‫نزلت هذه الية فمن لها ؟ فقام عفريت من الشياطين فقال‪ :‬أنا لها بكذا‬
‫وكذا‪ ،‬قال‪ :‬لست لها‪ ،‬فقام آخر فقال مثل ذلك فقال‪ :‬لست لها‪ ،‬فقال‬
‫الوسواس الخناس‪ :‬أنالها‪ ،‬قال‪ :‬بماذا ؟ قال‪ :‬أعدهم وامنيهم حتى يواقعوا‬
‫الخطيئة‪ ،‬فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الستغفار فقال‪ :‬أنت لها فوكله بها‬
‫إلى يوم القيامة )‪ (2‬وسيأتي قصة بهلول النباش في ذلك عند ذكر قصص‬
‫الخائفين )‪ " (3‬ليات لولي‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .505‬أمالى الصدوق ص ‪ (3) .278‬أمالى الصدوق‬
‫ص ‪.29 - 27‬‬

‫]‪[349‬‬
‫اللباب " )‪ (1‬أي لدلئل واضحة على التوحيد وكمال علمه سبحانه وحكمته‪ ،‬ونفاذ‬
‫قدرته ومشيته لذوي العقول الخالصة عن شوائب الحس والوهم " الذين‬
‫يذكرون ال " في جميع الحوال‪ ،‬وعلى جميع الهيئات‪ ،‬وعن الصادق‬
‫عليه السلم عن النبي صلى ال عليه واله من أكثر ذكر ال أحبه ال )‪(2‬‬
‫وعن الباقر عليه السلم " قياما " الصحيح يصلي قائما " وقعودا "‬
‫المريض يصلي جالسا و " على جنوبهم " الذي يكون أضعف من‬
‫المريض الذي يصلي جالسا‪ ،‬وعنه عليه السلم ل يزال المؤمن في صلة‬
‫ما كان في ذكر ال قائما أو جالسا أو مضطجعا إن ال يقول‪ " :‬الذين‬
‫يذكرون ال قياما وقعودا وعلى جنوبهم " )‪ " .(3‬ويتفكرون في خلق‬
‫السماوات والرض " ويعتبرون بهما وستأتي الخبار في فضل التفكر "‬
‫ربنا ما خلقت هذا " الخلق " باطل " عبثا ضائعا من غير حكمة يعني‬
‫يقولون ذلك " سبحانك " تنزيها لك من العبث وخلق الباطل وهو اعتراض‬
‫" فقنا عذاب النار " للخلل بالنظر فيه والقيام بما يقتضيه " وما‬
‫للظالمين من أنصار " وضع المظهر موضع المضمر للدللة على أن‬
‫ظلمهم صار سببا لدخالهم النار وانقطاع النصرة عنهم في الخلص‪،‬‬
‫وروى العياشي عن الباقر عليه السلم ما لهم من أئمة يسمونهم بأسمائهم‬
‫)‪ " (1‬ربنا إننا سمعنا مناديا " هو الرسول صلى ال عليه واله وقيل‬
‫القرآن " فاغفر لنا ذنوبنا " قيل‪ :‬أي كبائرنا فانها ذات تبعات وأذناب "‬
‫وكفر عنا سيئاتنا " فانها مستقبحة‪ ،‬ولكنها مكفرة عن مجتنب الكبائر "‬
‫وتوفنا مع البرار " مخصوصين بصحبتهم معدودين في زمرتهم " على‬
‫رسلك " أي على ألسنتهم‪ ،‬وإنما سألوا ما وعدوا مع أنه ل يخلف ال‬
‫وعده تعبدا واستكانة‪ ،‬ومخافة أن يكونوا مقصرين في المتثال " ول‬
‫تخزنا يوم القيامة " بأن تعصمنا عما يقتضي الخزي " إنك ل تخلف‬
‫الميعاد " باثابة المؤمن وإجابة الداعي‪ ،‬وتكرير " ربنا " للمبالغة‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪ (2) .195 - 190 :‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .500‬تفسير العياشي ج ‪1‬‬
‫ص ‪ (4) .211‬المصدر نفسه ج ‪ 1‬ص ‪.211‬‬

‫]‪[350‬‬

‫في البتهال‪ ،‬والدللة على استقلل المطالب وعلو شانها‪ ،‬وفي المجمع‪ :‬عن النبي‬
‫صلى ال عليه وآله لما نزلت هذه الية قال‪ :‬ويل لمن لكها بين فكيه ولم‬
‫يتأمل ما فيها )‪ " .(1‬فاستجاب لهم ربهم " إلى طلبتهم " أني ل اضيع‬
‫عمل عامل ‪ -‬إلى قوله‪ - :‬بعضكم من بعض " لن الذكر من النثى‪ ،‬والنثى‬
‫من الذكر‪ ،‬أو لنهما من أصل واحد‪ ،‬أو لفرط التصال والتحاد‪ ،‬ولتفاقهم‬
‫في الدين والطاعة‪ ،‬وهو اعتراض " فالذين هاجروا " الوطان والعشائر‬
‫في الدين " واخرجوا من ديارهم واوذوا في سبيلي " بسبب إيمانهم بال‬
‫ومن أجله " وقاتلوا " الكفار " وقتلوا " في الجهاد‪ .‬في مجالس الصدوق‬
‫أن أمير المؤمنين عليه السلم لما هاجر من مكة إلى المدينة ليلحق بالنبي‬
‫وقد قارع الفرسان من قريش‪ ،‬ومعه فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت رسول‬
‫ال صلى ال عليه واله وفاطمة بنت الزبير‪ ،‬فسار ظاهرا قاهرا حتى نزل‬
‫ضجنان فلزم بها يوما وليلة‪ ،‬ولحق به نفر من ضعفاء المؤمنين‪ ،‬وفيهم ام‬
‫أيمن مولة رسول ال صلى ال عليه واله وكان يصلي ليلته تلك هو‬
‫والفواطم‪ ،‬ويذكرون ال قياما وقعودا وعلى جنوبهم‪ ،‬فلن يزالوا كذلك حتى‬
‫طلع الفجر فصلى عليه السلم بهم صلة الفجر ثم سار لوجهه‪ ،‬فجعل وهن‬
‫يصنعون ذلك منزل بعد منزل يعبدون ال ويرغبون إليه كذلك حتى قدم‬
‫المدينة وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم‪ " ،‬الذين يذكرون‬
‫ال " اليات " قوله‪ :‬من ذكر أو انثى " الذكر علي والنثى الفواطم "‬
‫بعضكم من بعض " يعني علي من فاطمة أو قال‪ :‬الفواطم وهن من على )‬
‫‪ .(2‬وأقول‪ :‬ظاهر الية يشمل كل من اتصف بهذه الصفات‪ " .‬إن تبدوا‬
‫خيرا " )‪ (3‬أي تظهروه " أو تعفوا " عن سوء مع قدرتكم على‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .554‬أمالى الصدوق ص‪ (3) ...‬النساء‪.149 :‬‬

‫]‪[351‬‬

‫النتقام وهو المقصود ذكره وما قبله تمهيد له‪ ،‬ولذا رتب عليه قوله‪ " :‬فان ال‬
‫كان عفوا قديرا " لم يزل يكثر العفو عن العصاة مع كمال قدرته على‬
‫النتقام‪ " .‬لكن الراسخون في العلم منهم " )‪ (1‬قالوا أي من اليهود كعبد‬
‫ال بن سلم وأصحابه " والمؤمنون "‪ :‬أي منهم أو من المهاجرين‬
‫والنصار " يؤمنون " خبر المبتدأ " والمقيمين الصلوة " قيل‪ :‬نصب‬
‫على المدح‪ ،‬أو عطف على " ما انزل إليك " والمراد بهم النبياء‪ ،‬وقرئ‬
‫بالرفع عطفا على الراسخون‪ ،‬أو الضمير في " يؤمنون " أو على أنه‬
‫مبتدأ والخبر " اولئك سنؤتيهم "‪ " .‬اولئك سنؤتيهم أجرا عظيما "‬
‫لجمعهم بين اليمان الصحيح‪ ،‬والعمل الصالح‪ " .‬واذكروا نعمة ال عليكم‬
‫" )‪ (2‬بالسلم ليذكركم المنعم‪ ،‬ويرغبكم في شكره " وميثاقه الذي واثقكم‬
‫به " قيل‪ :‬يعني عند إسلمكم بأن تطيعوا ال فيما يفرضه عليكم سركم أو‬
‫ساءكم‪ ،‬وفي المجمع عن الباقر عليه السلم أن المراد بالميثاق ما بين لهم‬
‫في حجة الوداع من تحريم المحرمات وكيفية الطهارة وفرض الولية‬
‫وغير ذلك )‪ ،(3‬أقول‪ :‬وهذا داخل في ذاك‪ " .‬إذ قلتم سمعنا وأطعنا " قال‪:‬‬
‫علي ابن إبراهيم‪ :‬لما أخذ رسول ال صلى ال عليه واله الميثاق عليهم‬
‫بالولية‪ ،‬قالوا‪ :‬سمعنا وأطعنا ثم نقضوا ميثاقه " واتقوا ال " في إنساء‬
‫نعمته ونقض ميثاقه " إن ال عليم بذات الصدور " بخفياتها فضل عن‬
‫جليات أعمالكم " قوامين " أي بالحق " ل " خالصا له " شهداء بالقسط‬
‫" أي العدل " ول يجرمنكم " أي ول يحملنكم " شنآن قوم " أي شدة‬
‫عداوتهم وبغضهم " على أن ل تعدلوا " فتعتدوا عليهم بارتكاب ما ل يحل‬
‫كمثلة وقذف وقتل نساء وصبية ونقض عهد تشفيا مما في قلوبكم "‬
‫اعدلوا " في أوليائكم وأعدائكم " إن ال خبير بما تعملون " فمجازيكم‪" .‬‬
‫أن يبسطوا " أي يبطشوا " إليكم أيديهم " بالقتل والهلك " فكف أيديهم‬

‫)‪ (1‬النساء‪ (2) .162 :‬المائدة‪ (3) .12 - 7 :‬مجمع البيان ج ‪ 3‬ص ‪.168‬‬

‫]‪[352‬‬

‫عنكم " منعها أن تمد إليكم ورد مضرتها عنكم قال علي بن إبراهيم‪ :‬يعني أهل مكة‬
‫من قبل فتحها فكف أيديهم بالصلح يوم الحديبية " وعلى ال فليتوكل‬
‫المؤمنون " فانه الكافي ليصال الخير ودفع الشر‪ " .‬اثني عشر نقيبا "‬
‫كفيل أمينا شاهدا من كل سبط ينقب عن أحوال قومه‪ ،‬ويفتش عنها‪،‬‬
‫ويعرف مناقبهم " إني معكم " بالنصرة " وآمنتم برسلي " أي‬
‫صدقتموهم " وعزرتموهم " أي نصرتموهم وقويتموهم " وأقرضتم ال‬
‫" بالنفاق في سبيله " لكفرن عنكم سيئاتكم " لغطينها‪ " .‬من يرتد‬
‫منكم عن دينه " )‪ (1‬جوابه محذوف يعني فلن يضر دين ال شيئا فان ال‬
‫ل يخلي دينه من أنصار يحمونه‪ ،‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬هو مخاطبة‬
‫لصحاب رسول ال صلى ال عليه واله الذين غصبوا آل محمد حقهم‬
‫وارتدوا عن دين ال " يحبهم ويحبونه " يحبهم ال ويحبون ال " أذلة‬
‫على المؤمنين " رحماء عليهم من الذل بالكسر الذي هو اللين‪ ،‬ل من الذل‬
‫بالضم الذي هو الهوان " أعزة على الكافرين " غلظ شداد عليهم من‬
‫عزه إذا غلبه " يجاهدون في سبيل ال " بالقتال لعلء كلمة ال وإعزاز‬
‫دينه " ول يخافون لومة لئم " فيما يأتون من الجهاد والطاعة‪ ،‬في‬
‫المجمع عن الباقر والصادق عليهما السلم‪ :‬هم أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم وأصحابه‪ ،‬حين قاتل من قاتله من الناكثين والقاسطين والمارقين )‬
‫‪ " (2‬ذلك فضل ال " أي محبتهم ل سبحانه‪ ،‬ولين جانبهم للمؤمنين‪،‬‬
‫وشدتهم على الكافرين تفضل من ال وتوفيق ولطف منه ومنة من جهته‬
‫" يؤتيه من يشاء " يعطيه من يعلم أنه محل له " وال واسع " جواد ل‬
‫يخاف نفاد ما عنده " عليم " بموضع جوده وعطائه‪ ،‬ول ريب في نزول‬
‫آية " إنما وليكم ال " في أمير المؤمنين عليه السلم وقد مرت الخبار‬
‫في ذلك في المجلد التاسع )‪ " .(3‬فيما طعموا " )‪ (4‬أي من المستلذات‬
‫أكل كان أو شربا فان الطعم يعمهما‬
‫)‪ (1‬المائدة‪ 54 :‬و ‪ (2) .55‬مجمع البيان ج ‪ 3‬ص ‪ (3) .208‬راجع ج ‪ 35‬ص‬
‫‪ 206 - 183‬من هذه الطبعة الحديثة‪ (4) .‬المائدة‪.93 :‬‬

‫]‪[353‬‬

‫وفي المجمع في تفسير أهل البيت عليهم السلم فيما طعموا من الحلل " إذا ما‬
‫اتقوا ‪ -‬إلى ‪ -‬المحسنين " قال علي بن إبراهيم‪ :‬لما نزل تحريم الخمر‬
‫والميسر والتشديد في أمرهما قال الناس من المهاجرين والنصار‪ :‬يا‬
‫رسول ال قتل أصحابنا وهم يشربون الخمر وقد سماه ال رجسا وجعلها‬
‫من عمل الشيطان ؟ وقد قلت ما قلت أفيضر أصحابنا ذلك شيئا بعد ما ماتوا‬
‫؟ فأنزل ال هذه الية فهذا لمن مات أو قتل قبل تحريم الخمر‪ ،‬والجناح هو‬
‫الثم وهو على من شربها بعد التحريم‪ ،‬وقيل فيما طعموا‪ :‬أي مما لم يحرم‬
‫عليهم " إذا ما اتقوا " أي المحرم " وآمنوا وعملوا الصالحات " أي‬
‫ثبتوا على اليمان والعمال الصالحة " ثم اتقوا " أي ما حرم عليهم بعد‬
‫كالخمر " وآمنوا " بتحريمه " ثم اتقوا " أي استمروا وثبتوا على اتقاء‬
‫المعاصي " وأحسنوا " أي وتحروا العمال الجميلة فاشتغلوا بها‪ .‬قيل‪:‬‬
‫لما كان لكل من اليمان والتقوى درجات ومنازل‪ ،‬كما ورد عنهم عليهم‬
‫السلم لم يبعد أن يكون تكريرهما في الية إشارة إلى تلك الدرجات‬
‫والمنازل فان أوائل درجات اليمان تصديقات مشوبة بالشبه والشكوك على‬
‫اختلف مراتبها‪ ،‬ويمكن معها الشرك كما قال سبحانه‪ " :‬وما يؤمن‬
‫أكثرهم بال إل وهم مشركون " )‪ (1‬ويعبر عنها بالسلم كما قال ال‬
‫عزوجل‪ " :‬قالت العراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل‬
‫اليمان في قلوبكم " )‪ (2‬والتقوى المتقدمة عليها هي تقوى العام‪،‬‬
‫وأواسطها تصديقات ل يشوبها شك ول شبهة كما قال ال عزوجل‪" :‬‬
‫الذين آمنوا بال ورسوله ثم لم يرتابوا " )‪ (3‬وأكثر إطلق اليمان عليها‬
‫خاصة كما قال‪ " :‬إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم وإذا تليت‬
‫عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون " )‪ (4‬والتقوى المتقدمة‬
‫عليها هي تقوى‬

‫)‪ (1‬يوسف‪ (2) .106 :‬الحجرات‪ (3) .13 :‬الحجرات‪ (4) .19 :‬النفال‪(*) .2 :‬‬

‫]‪[354‬‬

‫الخاص وأواخرها تصديقات كذلك مع شهود وعيان ومحبة كاملة ل عزوجل كما‬
‫قال‪ " :‬يحبهم ويحبونه " )‪ (1‬ويعبر عنها تارة بالحسان كما ورد في‬
‫الحديث النبوي صلى ال عليه واله‪ :‬الحسان أن تعبد ال كأنك تراه‬
‫واخرى باليقان كما قال‪ " :‬وبالخرة هم يوقنون " )‪ (2‬والتقوى المتقدمة‬
‫عليها هي تقوى خاص الخاص‪ ،‬وإنما قدمت التقوى على اليمان لن‬
‫اليمان إنما يتحصل ويتقوى بالتقوى‪ ،‬لنها كلما ازدادت ازداد اليمان‬
‫بحسب ازديادها وهذا ل ينافي تقدم أصل اليمان على التقوى بل ازديادها‬
‫بحسب ازدياده أيضا لن الدرجة المتقدمة لكل منها غير الدرجة المتأخرة‪،‬‬
‫ومثل ذلك مثل من يمشي بسراج في ظلمة فكلما أضاء له من الطريق قطعة‬
‫مشى فيها فيصير ذلك المشي سببا لضاءة قطعة اخرى منه‪ ،‬وهكذا‪" .‬‬
‫واصبروا " )‪ (3‬أي على أذية فرعون وتهديده " إن الرض ل " الية‬
‫وعد لهم منه بالنصرة وتذكير لما كان وعدهم من إهلك القبط وتوريثهم‬
‫ديارهم وفي الخبار أن الية في الئمة عليهم السلم يورثهم ال الرض‬
‫في زمن القائم عليه السلم وهم المتقون‪ ،‬والعاقبة لهم )‪ (4‬وتدل الية‬
‫على فضل الستعانة بال والصبر والتقوى " وسعت كل شئ " قيل‪ :‬أي‬
‫في الدنيا المؤمن والكافر بل المكلف وغيره أو في الدنيا والخرة‪ ،‬إل أن‬
‫قوما لم يدخلوها لضللهم‪ " .‬فسأكتبها " )‪ (5‬فساثبتها واوجبها في‬
‫الخرة " للذين يتقون " الشرك والمعاصي " والذينهم بآياتنا يؤمنون "‬
‫فل يكفرون بشئ منها " يهدون بالحق " أي بكلمة الحق " وبه " أي‬
‫وبالحق " يعدلون " بينهم في الحكم‪ " .‬خير للذين يتقون " )‪ (6‬محارم‬
‫ال مما يأخذ هؤلء " أفل يعقلون "‬

‫)‪ (1‬المائدة‪ (2) .54 :‬البقرة‪ (3) .4 :‬العراف‪ (4) .128 :‬تفسير العياشي ج ‪2‬‬
‫ص ‪ (5) .25‬العراف‪ (6) .156 :‬العراف‪.169 :‬‬

‫]‪[355‬‬

‫فيعلمون ذلك " والذين يمسكون بالكتاب " إلى قوله‪ " :‬أجر المصلحين " إما‬
‫عطف على " الذين يتقون " وما بينهما اعتراض‪ ،‬وإما استيناف ووضع‬
‫الظاهر موضع المضمر لنه في معناه‪ ،‬وللتنبيه على أن الصلح مانع من‬
‫الضاعة‪ ،‬وعن الباقر عليه السلم نزلت في آل محمد وأشياعهم )‪" .(1‬‬
‫فاتقوا ال " )‪ (2‬قيل‪ :‬أي في الختلف والمشاجرة " وأصلحوا ذات بينكم‬
‫" أي الحال التي بينكم بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم ال وتسليم أمره‬
‫إلى ال والرسول " وأطيعوا ال ورسوله " فيه " إن كنتم مؤمنين " فان‬
‫اليمان يقتضي ذلك‪ " .‬إنما يعمر مساجد ال " )‪ (3‬قيل‪ :‬أي إنما يستقيم‬
‫عمارتها لهؤلء الجامعين للكمالت العلمية والعملية " ولم يخش إل ال "‬
‫يعني في أبواب الدين بأن ل يختار على رضا ال رضا غيره " فعسى "‬
‫ذكره بصيغة التوقع قطعا للطماع المشركين في الهتداء والنتفاع‬
‫بأعمالهم " أعظم درجة " أي ممن لم يستجمع هذه الصفات " واولئك هم‬
‫الفائزون " المختصون بالفوز ونيل الحسنى عند ال " مقيم " أي دائم‪" .‬‬
‫التائبون " )‪ (4‬رفع على المدح وفي قراءة أهل البيت " التائبين ‪ -‬إلى‬
‫قوله‪ :‬والحافظين " وفي الكافي عن الصادق عليه السلم لما نزلت هذه‬
‫الية " إن ال اشترى من المؤمنين " قام رجل إلى النبي صلى ال عليه‬
‫واله فقال‪ :‬يا نبي ال أرأيتك الرجل يأخذ سيفه فيقاتل حتى يقتل إل أنه‬
‫يقترف من هذه المحارم أشهيد هو ؟ فأنزل ال على رسوله " التائبون‬
‫العابدون " الية فبشر النبي صلى ال عليه واله المجاهدين من المؤمنين‬
‫الذين هذه صفتهم وحليتهم بالشهادة والجنة‪ ،‬وقال‪ " :‬التائبون " من‬
‫الذنوب " العابدون " الذين ل يعبدون إل ال ول يشركون به شيئا "‬
‫الحامدون " الذين‬

‫)‪ (1‬تفسير القمى ص ‪ (2) .229‬النفال‪ (3) .1 :‬براءة‪ (4) .22 - 18 :‬براءة‪:‬‬
‫‪.112‬‬

‫]‪[356‬‬

‫يحمدون ال على كل حال في الشدة والرخاء " السائحون " الصائمون " الراكعون‬
‫الساجدون " الذين يواظبون على الصلوات الخمس‪ ،‬الحافظون لها‬
‫والمحافظون عليها بركوعها وسجودها‪ ،‬والخشوع فيها وفي أوقاتها "‬
‫المرون بالمعروف " بعد ذلك والعاملون به " والناهون عن المنكر "‬
‫والمنتهون عنه‪ ،‬قال‪ :‬فبشر من قتل وهو قائم بهذه الشروط بالشهادة‬
‫والجنة الخبر )‪ .(1‬وأقول‪ :‬انما فسر السياحة بالصيام لقول النبي صلى ال‬
‫عليه واله‪ :‬سياحة امتي الصيام شبه بها لنه يعوق عن الشهوات أو لنه‬
‫رياضة نفسانية يتوصل بها إلى الطلع على خفايا الملك والملكوت‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫السائحون للجهاد أو لطلب العلم‪ ،‬وقيل في قوله‪ " :‬والناهون " العاطف‬
‫فيه للدللة على أنه بما عطف عليه في حكم خصلة واحدة كأنه قال‪:‬‬
‫الجامعون بين الوصفين وفي قوله‪ " :‬والحافظون لحدود ال " أي فيما‬
‫بينه وعينه من الحقائق والشرائع‪ ،‬للتنبيه على أن ما قبله مفصل الفضائل‪،‬‬
‫وهذا مجملها‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه لليذان بأن التعداد قد تم بالسابع من حيث أن‬
‫السبعة هو العدد التام‪ ،‬والثامن ابتداء تعداد آخر معطوف عليه‪ ،‬ولذلك‬
‫سمي واو الثمانية‪ " .‬وبشر المؤمنين " قيل‪ :‬يعني به هؤلء الموصوفين‬
‫بتلك الفضائل ووضع المؤمنين موضع ضميرهم للتنبيه على أن إيمانهم‬
‫دعاهم إلى ذلك وأن المؤمن الكامل من كان كذلك‪ ،‬وحذف المبشر به‬
‫للتعظيم كأنه قيل‪ :‬وبشرهم بما يجل عن إحاطة الفهام وتعبير الكلم‪ " .‬إل‬
‫الذين صبروا " )‪ (2‬أي في الشدة على الضراء إيمانا بال واستسلما‬
‫لقضائه " وعملوا الصالحات " في الرخاء شكرا للئه سابقها ولحقها "‬
‫وأخبتوا إلى ربهم " )‪ (3‬أي اطمئنوا إليه وخشعوا له‪ " .‬مثل الفريقين "‬
‫أي الكافر والمؤمن‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 5‬ص ‪ (2) .15‬هود‪ (3) .11 :‬هود‪.24 - 23 :‬‬

‫]‪[357‬‬

‫" كالعمى والصم والسميع والبصير " قيل‪ :‬يجوز أن يراد به تشبيه الكافر‬
‫بالعمى لتعاميه عن آيات ال‪ ،‬وبالصم لتعاميه عن استماع كلم ال‬
‫وتأبيه عن تدبر معانيه وشبه المؤمن بالسميع والبصير لن المر بالضد‬
‫فيكون كل منهما مشبها باثنين باعتبار وصفين‪ ،‬أو تشبيه الكافر بالجامع‬
‫بين العمى والصمم والمؤمن بالجامع بين ضديهما‪ ،‬والعاطف لعطف الصفة‬
‫على الصفة " مثل " أي تمثيل أو صفة أو حال " أفل تذكرون " بضرب‬
‫المثال والتفكر فيها‪ " .‬بعهد ال " )‪ (1‬أي بما عقدوه على أنفسهم ل "‬
‫ول ينقضون الميثاق " ما وثقوه من المواثيق بينهم وبين ال وبين العباد‪،‬‬
‫وعن الكاظم عليه السلم أنه ميثاق الولية في الذر " ما أمر ال به أن‬
‫يوصل " من الرحم ول سيما رحم آل محمد كما في الخبار " ويخافون‬
‫سوء الحساب " خصوصا فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا‪ ،‬وعن‬
‫الصادق عليه السلم أنه الستقصاء والمداقة وقال عليه السلم‪:‬‬
‫الستقصاء أن تحسب عليهم السيئات ولهم الحسنات )‪ " (2‬والذين صبروا‬
‫" على القيام بأوامر ال ومشاق التكاليف وعن المصائب في النفوس‬
‫والموال وعن معاصي ال " ابتغاء وجه ربهم " أي طلبا لرضاه "‬
‫ويدرؤن بالحسنة السيئة " أي يدفعونها بها فيجازون الساءة بالحسان‬
‫ويتبعون الحسنة السيئة فتمحوها‪ ،‬وروى علي بن إبراهيم عن الصادق‬
‫عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله لعلي‪ :‬يا علي ما من‬
‫دار فيها فرحة إل تبعها مرحة وما من هم إل وله فرج‪ ،‬إل هم أهل النار‪،‬‬
‫إذا عملت سيئة فأتبعها بحسنة تمحها سريعا وعليك بصنائع الخير فانها‬
‫تدفع مصارع السوء )‪ (3‬أقول الخطاب إليه عليه السلم لتعليم غيره "‬
‫عقبى الدار " أي عاقبة الدنيا وما ينبغي أن يكون مآل أهلها وهي الجنة‬
‫والعدن القامة أي جنات يقيمون فيها " ومن صلح " أي يلحق بهم من‬
‫صلح منهم ومن لم يبلغ مبلغ فضلهم تبعا لهم وتعظيما لشأنهم وليكونوا‬
‫مسرورين بهم آنسين‬

‫)‪ (1‬الرعد‪ (2) .22 - 18 :‬تفسير القمى ص ‪ (3) .340‬تفسير القمى‪.341 :‬‬
‫]‪[358‬‬

‫بصحبتهم " من كل باب " من أبواب غرفهم وقصورهم " بما صبرتم " أي هذا‬
‫بسبب صبركم وقال علي بن إبراهيم‪ :‬نزلت في الئمة عليهم السلم‬
‫وشيعتهم الذين صبروا )‪ " .(1‬من أناب " )‪ (2‬أي أقبل إلى الحق ورجع‬
‫عن الفساد " وتطمئن قلوبهم بذكر ال " أي تسكن انسا به واعتمادا عليه‬
‫ورجاء منه وروى العياشي عن الصادق عليه السلم بمحمد تطمئن وهو‬
‫ذكر ال وحجابه )‪ (3‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬الذين آمنوا الشيعة‪ ،‬وذكر ال‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم والئمة عليهم السلم وقيل‪ :‬طوبى كبشرى‬
‫وزلفى مصدر من الطيب وفي الخبار أنه اسم شجرة في الجنة كما مر‬
‫وسيأتي )‪ (4‬والمآب المرجع " قانتا " )‪ (5‬عن الباقر عليه السلم القانت‬
‫المطيع‪ ،‬والحنيف المسلم " شاكرا لنعمه " أي لنعم ال معترفا بها روي‬
‫أنه كان ل يتغدى إل مع ضيفه " ول يظلمون شيئا " )‪ (6‬أي ول ينقصون‬
‫شيئا من جزاء أعمالهم‪ ،‬ويجوز أن ينتصب شيئا على المصدر‪ " .‬لمن تاب‬
‫" )‪ (7‬أي من الشرك " وآمن " بما يجب اليمان به " ثم اهتدى " إلى‬
‫ولية أهل البيت عليهم السلم كما ورد في الخبار الكثيرة‪ " .‬وجعلناهم‬
‫أئمة " )‪ (8‬يقتدى بهم " يهدون الناس " إلى الحق " بأمرنا " " وإقام‬
‫الصلوة " من عطف الخاص على العام " وكانوا لنا عابدين " موحدين‬
‫مخلصين في العبادة‪ ،‬ولذا قدم الصلة " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات‬
‫" )‪ (9‬أي يبادرون إلى أبواب الخير " ويدعوننا رغبا ورهبا " قال علي‬
‫بن إبراهيم‪ :‬راغبين راهبين‪ ،‬وقيل‪:‬‬

‫)‪ (1‬تفسير القمى ص ‪ (2) .341‬الرعد‪ (3) .29 - 27 :‬تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ (4) .211‬تفسير القمى ص ‪ (5) .342‬النحل‪ (6) .120 :‬مريم‪(7) .60 :‬‬
‫طه‪ (8) .82 :‬النبياء‪ (9) .73 :‬النبياء‪90 :‬‬

‫]‪[359‬‬

‫لعل المراد الرغبة في الطاعة ل في الثواب‪ ،‬والرهبة من المعصية ل من العقاب‪،‬‬


‫لرتفاع مقام النبياء عن ذلك‪ ،‬وقد يقال‪ :‬إن أولياء ال قد يعملون بعض‬
‫العمال للجنة وصرف النار‪ ،‬لن حبيبهم يحب ذلك‪ ،‬أو يقال‪ :‬إن جنة‬
‫الولياء لقاء ال وقربه‪ ،‬ونارهم فراقه وبعده‪ ،‬وفي الكافي عن الصادق‬
‫عليه السلم الرغبة أن تستقبل ببطن كفيك إلى السماء والرهبة أن تجعل‬
‫ظهر كفيك إلى السماء )‪ " (1‬وكانوا لنا خاشعين " أي مخبتين أو دائمين‬
‫الوجل‪ " .‬وبشر المخبتين " )‪ (2‬قال علي بن إبراهيم‪ :‬أي العابدين "‬
‫وجلت قلوبهم " هيبة منه لشراق أشعة جلله عليها " على ما أصابهم "‬
‫من المصائب " والمقيمي الصلوة " في أوقاتها " ينفقون " في وجوه‬
‫الخير " واعبدوا ربكم " )‪ (3‬بسائر ما تعبدكم به " وافعلوا الخير " أي‬
‫وتحروا ما هو خير وأصلح فيما تأتون وتذرون‪ ،‬كنوافل الطاعات‪ ،‬وصلة‬
‫الرحام‪ ،‬ومكارم الخلق " وجاهدوا في ال " العداء الظاهرة والباطنة‬
‫" هو اجتباكم " أي اختاركم لدينه ولنصرته‪ ،‬وعن الباقر عليه السلم إيانا‬
‫عنى‪ ،‬ونحن المجتبون )‪ " (4‬من قبل " أي في الكتب التي مضت " وفي‬
‫هذا " أي القرآن " واعتصموا بال " أي وثقوا به في مجامع اموركم "‬
‫هو موليكم " أي ناصركم ومتولي اموركم " فنعم المولى ونعم النصير "‬
‫هو‪ ،‬إذ ل مثل له في الولية والنصرة‪ ،‬بل ل مولى ول نصير سواه في‬
‫الحقيقة‪ " .‬ومن يطع ال ورسوله " )‪ (5‬فيما يأمرانه أو في الفرائض‬
‫والسنن " ويخشى ال " فيما صدر عنه من الذنوب " ويتقه " فيما بقي‬
‫من عمره‪ ،‬وقرأ حفص بسكون القاف فشبه تقه بكتف فخفف " فاولئك هم‬
‫الفائزون " بالنعيم المقيم " فاولئك‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .479‬الحج‪ 34 :‬و ‪ (3) .35‬الحج‪ (4) .77 :‬الكافي ج ‪1‬‬
‫ص ‪ (5) .191‬النور ‪.:52‬‬

‫]‪[360‬‬

‫يبدل ال سيئاتهم حسنات " )‪ (1‬قد ورد في أخبار كثيرة مضى بعضها وسيأتي‬
‫بعضها أن تبديل السيئات حسنات في ديوان أعمالهم يوم القيامة‪ ،‬وقال‬
‫الباقر عليه السلم‪ :‬هي في المذنبين من شيعتنا خاصة " فانه يتوب إلى‬
‫ال " أي يرجع إلى ال " وانتصروا من بعد ما ظلموا " )‪ (2‬قيل‪ :‬هي‬
‫استثناء للشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر ال‪ ،‬ويكون أكثر‬
‫أشعارهم في التوحيد والثناء على ال تعالى والحث على طاعته ولو قالوا‬
‫هجوا أرادوا به النتصار ممن هجاهم من الكفار‪ ،‬ومكافاة هجاة المسلمين‬
‫كحسان وأضرابه‪ ،‬وسيأتي الكلم فيه إن شاء ال تعالى‪ " .‬هذه البلدة " )‬
‫‪ (3‬قال علي بن إبراهيم‪ :‬يعني مكة شرفها ال " وله كل شئ " أي خلقا‬
‫وملكا " من المسلمين " أي المنقادين " وأن أتلوا القرآن " قيل‪ :‬أي وأن‬
‫اواظب على تلوته‪ ،‬لتنكشف لي حقائقه في تلوته شيئا فشيئا " لنبوئنهم‬
‫" )‪ (4‬أي لننزلنهم " الذين صبروا " على المحن والمشاق ول يتوكلون‬
‫إل على ال " الذين يقيمون الصلوة " )‪ (5‬بيان لحسانهم أو تخصيص‬
‫لهذه الثلثة من شعبه لفضل اعتداد بها " واولئك هم المفلحون "‬
‫لستجماعهم العقيدة الحقة والعمل الصالح " أقم الصلوة " )‪ (6‬تكميل‬
‫لنفسك " وامر بالمعروف وانه عن المنكر " تكميل لغيرك " واصبر على‬
‫ما أصابك " من الشدائد وفي المجمع عن علي عليه السلم من المشقة‬
‫والذى في المر بالمعروف والنهي عن المنكر )‪ " (7‬إن ذلك " إشارة إلى‬
‫الصبر أو إلى كل ما أمره " من عزم المور " أي مما عزمه ال من‬
‫المور أي قطعه قطع إيجاب وإلزام‪ ،‬ومنه الحديث إن ال يحب أن يؤخذ‬
‫برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه " ول تصعر‬

‫)‪ (1‬الفرقان‪ 70 :‬و ‪ (2) .71‬الشعراء‪ (3) .227 :‬النمل‪ (4) .91 :‬العنكبوت‪.58 :‬‬
‫)‪ (5‬لقمان‪ 4 :‬و ‪ (6) .5‬لقمان‪ (7) .19 - 17 :‬مجمع البيان ج ‪ 8‬ص‬
‫‪.319‬‬

‫]‪[361‬‬

‫خدك للناس " أي ل تمله عنهم ول تولهم صفحة خدك كما يفعله المتكبرون‪ ،‬و قال‬
‫علي بن إبراهيم‪ :‬أي ل تذل للناس طمعا فيما عندهم " ول تمش في‬
‫الرض مرحا " أي فرحا‪ ،‬مصدر وقع موقع الحال أو تمرح مرحا أو لجل‬
‫المرح‪ ،‬وهو البطر‪ ،‬وروى علي بن إبراهيم عن الباقر عليه السلم يقول‪:‬‬
‫بالعظمة " إن ال ل يحب كل مختال فخور " قال الطبرسي‪ :‬أي كل متكبر‬
‫فخور على الناس وأقول يطلق الختيال غالبا على التكبر في المشي‪،‬‬
‫وروى في الفقيه عن النبي صلى ال عليه واله أنه نهى أن يختال الرجل‬
‫في مشيته‪ ،‬وقال‪ :‬من لبس ثوبا فاختال فيه خسف ال به من شفير جهنم‪،‬‬
‫وكان قرين قارون‪ ،‬لنه أول من اختال فخسف به وبداره الض‪ ،‬ومن‬
‫اختال فقد نازع ال في جبروته )‪ " (1‬واقصد في مشيك " أي توسط فيه‬
‫بين الدبيب و السراع‪ ،‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬أي ل تعجل " واغضض‬
‫من صوتك " أي اقصر منه‪ ،‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬أي ل ترفعه " إن أنكر‬
‫الصوات " أي أوحشها وفي الكافي عن الصادق عليه السلم أنه سئل‬
‫عنه فقال‪ :‬العطسة القبيحة )‪ (2‬وفي المجمع عنه عليه السلم قال‪ :‬هي‬
‫العطسة المرتفعة القبيحة والرجل يرفع صوته بالحديث رفعا قبيحا إل أن‬
‫يكون داعيا أو يقرء القرآن )‪ " .(3‬ومن يسلم وجهه إلى ال )‪ (4‬بأن‬
‫فوض أمره إليه وأقبل بشراشره عليه " وهو محسن " في عمله " فقد‬
‫استمسك " أي تعلق بأوثق ما يتعلق به‪ ،‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬بالولية "‬
‫وإلى ال عاقبة المور " إذ الكل صائر إليه‪ " .‬إن المسلمين " )‪ (5‬أي‬
‫الداخلين في السلم المنقادين لحكم ال " والمؤمنين " أي المصدقين بما‬
‫يجب أن يصدق به " والقانتين " أي المداومين على الطاعة " والصادقين‬
‫" في القول والعمل " والصابرين " على الطاعات والمعاصي والبليا‬

‫)‪ (1‬الفقيه ج ‪ 4‬ص ‪ (2) .7‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .656‬مجمع البيان ج ‪ 8‬ص‬
‫‪ (4) .320‬لقمان‪ (5) .22 :‬الحزاب‪.35 :‬‬
‫]‪[362‬‬

‫" والخاشعين " أي المتواضعين ل بقلوبهم وجوارحهم " والمتصدقين " من‬
‫أموالهم ابتغاء مرضاة ال " والصائمين " ل بنية صادقة " والحافظين‬
‫لفروجهم " عن الحرام " والذاكرين ال كثيرا " بقلوبهم وألسنتهم "‬
‫مغفرة " لذنوبهم " وأجرا عظيما " على طاعتهم‪ " .‬إن الذين يتلون كتاب‬
‫ال " )‪ (1‬قيل‪ :‬أي يداومون قراءته أو متابعة ما فيه حتى صارت سمة‬
‫لهم وعنوانا " سرا وعلنية " كيف اتفق من غير قصد إليهما وقيل‪ :‬السر‬
‫في المسنونة‪ ،‬والعلنية في المفروضة " يرجون تجارة " تحصيل ثواب‬
‫بالطاعة وهو خبر إن " لن تبور " لن تكسد ولن تهلك بالخسران صفة‬
‫للتجارة " ليوفيهم اجورهم " علة لمدلوله أو لمدلول ما عد من امتثالهم‬
‫أو عاقبة ليرجون " ويزيدهم من فضله " على ما يقابل أعمالهم " إنه‬
‫غفور " لفرطاتهم " شكور " لطاعاتهم أي مجازيهم عليها وهو علة‬
‫للتوفية والزيادة أو خبر " إن " و " يرجون " حال من واو " وأنفقوا "‪.‬‬
‫" اتقوا ربكم " )‪ (2‬أي بلزوم طاعته " للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة‬
‫" الظرف إما متعلق بأحسنوا أو بحسنة‪ ،‬وعلى الول تشمل الحسنة حسنة‬
‫الدارين وعلى الثاني ل ينافي نيل حسنة الخرة أيضا‪ ،‬والحسنة في الدنيا‬
‫كالصحة والعافية وفي مجالس الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلم إن‬
‫المؤمن يعمل لثلث من الثواب إما لخير فان ال يثيبه بعمله في دنياه‪ ،‬ثم‬
‫تل هذه الية‪ ،‬ثم قال‪ :‬فمن أعطاهم ال في الدنيا لم يحاسبهم في الخرة "‬
‫وأرض ال واسعة " فمن تعسر عليه التوفر على الحسان في وطنه‬
‫فليهاجر إلى حيث يتمكن منه " إنما يوفى الصابرون " على مشاق الطاعة‬
‫من احتمال البلء ومهاجرة الوطان لها " أجرهم بغير حساب " وفي‬
‫الكافي عن الصادق عليه السلم إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس‬
‫فيأتون باب الجنة فيضربونه فيقال لهم‪ :‬من أنتم ؟ فيقولون‪ :‬نحن أهل‬
‫الصبر‪ ،‬فيقال لهم‪ :‬على ما صبرتم ؟ فيقولون‪ :‬كنا نصبر على طاعة ال‬
‫ونصبر على معاصي ال‪ ،‬فيقول ال‬

‫)‪ (1‬فاطر‪ (2) .30 - 29 :‬الزمر‪.10 :‬‬

‫]‪[363‬‬

‫عزوجل‪ :‬صدقوا أدخلوهم الجنة‪ ،‬وهو قول ال عزوجل " إنما يوفى الصابرون‬
‫أجرهم بغير حساب " )‪ " .(1‬وازلفت " )‪ (2‬أي قربت " غير بعيد " أي‬
‫مكانا غير بعيد‪ ،‬وقال علي بن إبراهيم‪ " :‬ازلفت " أي زينت " غير بعيد‬
‫" قال‪ :‬بسرعة " هذا ما توعدون " على إضمار القول " لكل أواب " أي‬
‫رجاع إلى ال بدل من المتقين باعادة الجار " حفيظ " حافظ لحدوده " من‬
‫خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب " قيل بدل بعد بدل‪ ،‬أو بدل من‬
‫موصوف أواب أو مبتدأ خبره " ادخلوها " على تأويل يقال لهم "‬
‫ادخلوها " فان " من " بمعنى الجمع و " بالغيب " حال من الفاعل أو‬
‫المفعول أو صفة لمصدر أي خشية متلبسة بالغيب‪ ،‬حيث خشي عقابه وهو‬
‫غائب‪ ،‬أو العقاب بعد غيب أو هو غائب عن العين ل يراه أحد‪،‬‬
‫وتخصيص الرحمان به للشعار بأنهم رجوا رحمته وخافوا عذابه‪ ،‬أو‬
‫بأنهم يخشون مع علمهم بسعة رحمته‪ ،‬ووصف القلب بالنابة إذ العتبار‬
‫برجوعه إلى ال " فل اقتحم العقبة " )‪ (3‬أي فلم يشكر تلك اليادي‬
‫باقتحام العقبة‪ ،‬وهو الدخول في أمر شديد‪ ،‬قيل‪ :‬العقبة الطريق في الجبل‬
‫استعارها لما فسرها به من الفك والطعام " ذي مسغبة " أي مجاعة " ذا‬
‫‪ -‬مقربة " أي قرابة " ذا متربة " أ ؟ ؟ ذا فقر‪ ،‬وقال علي بن إبراهيم‪ :‬ل‬
‫يقيه من التراب شئ‪ ،‬وفي الكافي عن الرضا عليه السلم كان إذا أكل أتى‬
‫بصحفة فتوضع قرب مائدته فيعمد إلى أطيب الطعام مما يؤتى به فيأخذ من‬
‫كل شئ شيئا فيضع في تلك الصحفة ثم يأمر بها للمساكين ثم يتلو هذه‬
‫الية " فل اقتحم " ثم يقول‪ :‬علم ال أنه ليس كل إنسان يقدر على عتق‬
‫رقبة فجعل لهم السبيل إلى الجنة )‪ (4‬وستأتي الخبار في ذلك‪ ،‬وعن‬
‫الصادق عليه السلم قال‪ :‬من أكرمه ال بوليتنا فقد جاز‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .75‬ق‪ (3) .33 - 31 :‬البلد‪ (4) .20 - 11 :‬الكافي ج ‪4‬‬
‫ص ‪.52‬‬

‫]‪[364‬‬

‫العقبة‪ ،‬ونحن تلك العقبة التي من اقتحمها نجا‪ ،‬ثم قال‪ :‬الناس كلهم عبيد النار‬
‫غيرك وأصحابك‪ ،‬فان ال فك رقابكم من النار بوليتنا أهل البيت وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬بنا تفك الرقاب وبمعرفتنا‪ ،‬ونحن المطعمون في يوم الجوع وهو‬
‫المسغبة )‪ " (1‬وتواصوا " أي أوصى بعضهم بعضا " بالصبر " على‬
‫طاعة ال " بالمرحمة " أي بالرحمة على عباده أو بموجبات رحمة ال "‬
‫اولئك أصحاب الميمنة " أي اليمين أو اليمن " والذين كفروا بآياتنا "‬
‫قيل‪ :‬أي بما نصبناه دليل على الحق من كتاب وحجة أو بالقرآن " هم‬
‫أصحاب المشئمة " أي الشمال أو الشؤم " عليهم نار مؤصدة " أي‬
‫مطبقة من أوصدت الباب إذا أطبقته وأغلقته وقال علي بن إبراهيم‪" :‬‬
‫أصحاب الميمنة " أصحاب أمير المؤمنين عليه السلم " والذين كفروا‬
‫بآياتنا " قال‪ :‬الذين خالفوا أمير المؤمنين عليه السلم " هم أصحاب‬
‫المشئمة " قال‪ :‬المشئمة أعداء آل محمد عليهم السلم " نار مؤصدة "‬
‫قال‪ :‬أي مطبقة )‪ - 1 .(2‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد ال‬
‫بن القاسم‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال أمير‬
‫المؤمنين علي عليه السلم‪ :‬إن لهل الدين علمات يعرفون بها‪ :‬صدق‬
‫الحديث‪ ،‬وأداء المانة‪ ،‬ووفاء بالعهد‪ ،‬وصلة الرحام ورحمة الضعفاء‪،‬‬
‫وقلة المراقبة للنساء‪ ،‬أو قال‪ :‬قلة المؤاتاة للنساء‪ ،‬وبذل المعروف وحسن‬
‫الخلق‪ ،‬وسعة الخلق‪ ،‬واتباع العلم‪ ،‬وما يقرب إلى ال عزوجل زلفى طوبى‬
‫لهم وحسن مآب‪ ،‬وطوبى شجرة في الجنة أصلها في دار النبي محمد صلى‬
‫ال عليه واله وليس من مؤمن إل وفي داره غصن منها‪ ،‬ل يخطر على‬
‫قلبه شهوة شئ إل أتاه به ذلك ولو أن راكبا مجدا سار في ظلها مائة عام‬
‫ما خرج منه ولو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلها حتى يسقط هرما‪ .‬أل‬
‫ففي هذا فارغبوا ! إن المؤمن من نفسه في شغل والناس منه في راحة‪،‬‬
‫إذا جن عليه الليل افترش وجهه‪ ،‬وسجد ل عزوجل بمكارم بدنه‪ ،‬يناجي‬
‫الذي‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .430‬تفسير القمى ص ‪.726‬‬

‫]‪[365‬‬

‫خلقه في فكاك رقبته‪ ،‬أل فهكذا كونوا )‪ .(1‬بيان‪ " :‬إن لهل الدين " أي الذين‬
‫اختاروا دين اليمان وعملوا بشرائطه ولوازمه " وقلة المراقبة للنساء "‬
‫أي الميل إليهن والعتماد عليهن أو الهتمام بشأنهن‪ ،‬والخوف من‬
‫مخالفتهن‪ ،‬وقيل‪ :‬النظر إليهن وإلى أدبارهن وهو بعيد " أو قال " أي‬
‫الصادق عليه السلم‪ ،‬والترديد من أبي بصير‪ ،‬والمؤاتاة "‪ :‬الموافقة‬
‫والمطاوعة‪ ،‬وفي المصباح رقبته أرقبه من باب قتل حفظته فأنا رقيب‬
‫ورقبته وترقبته وارتقبته انتظرته فأنا رقيب أيضا‪ ،‬وراقبت ال خفت‬
‫عذابه‪ ،‬وقال‪ :‬آتيته على المر بمعنى وافقته‪ ،‬وفي لغة لهل اليمن تبدل‬
‫الهمزة واوا فيقال‪ :‬واتيته على المر مواتاة‪ ،‬وهي المشهور على ألسنة‬
‫الناس‪ ،‬وفي النهاية في الحديث خير النساء المؤاتية لزوجها‪ ،‬المواتاة‬
‫حسن المطاوعة والموافقة وأصله الهمز فخفف وكثر حتى صار يقال‪:‬‬
‫بالواو الخالصة‪ ،‬وليس بالوجه‪ " .‬وبذل المعروف " أي الخير وهو‬
‫الحسان بالفضل من المال إلى الغير والظاهر أن المراد هنا المال‪ ،‬وإن‬
‫كان المعروف بحسب اللغة أعم " وحسن الخلق وسعة الخلق " الظاهر أن‬
‫الخلق بالضم في الموضعين‪ ،‬والمراد أن حسن خلقه عام وسع كل أحد في‬
‫جميع الحوال‪ ،‬فان بعض الناس مع حسن الخلق قد يقع منهم الطيش‬
‫العظيم كما يقال‪ :‬نعوذ بال من غضب الحليم‪ ،‬وربما يقرأ الول بالفتح فان‬
‫الظاهر عنوان الباطن لكن هذا ليس كليا فان حسن الخلق قد يوجد في غير‬
‫أهل الدين‪ ،‬كما قال عزوجل في وصف المنافقين‪ " :‬وإذا رأيتهم تعجبك‬
‫أجسامهم " )‪ (2‬وقيل‪ :‬المراد حسن العضاء الظاهرة بالعمال الفاضلة‪،‬‬
‫فانه من علمات أهل الدين " واتباع العلم " أي العمل به‪ ،‬وقيل‪ :‬أي عدم‬
‫اتباع الظن‪ " .‬وما يقربهم إلى ال زلفى " أي قربة مفعول مطلق من غير‬
‫لفظ الفعل‪ ،‬قال الجوهري‪ :‬الزلفة والزلفى القربة والمنزلة ومنه قوله‬
‫تعالى‪ " :‬وما أموالكم ول‬

‫)‪ (1‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .239‬المنافقون‪.4 :‬‬

‫]‪[366‬‬

‫أولدكم بالتي تقربكم عندنا زلفى " )‪ (1‬وهي اسم المصدر كأنه قال‪ :‬بالتي تقربكم‬
‫عندنا ازدلفا‪ " .‬طوبى لهم وحسن مآب " إشارة إلى قوله سبحانه‪" :‬‬
‫الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب " وقال البيضاوي‪:‬‬
‫طوبى فعلى من الطيب‪ ،‬قلبت ياؤه واوا لضمة ما قبلها ويجوز فيه الرفع‬
‫والنصب‪ ،‬ولذلك قرئ " وحسن مآب " )‪ (2‬بالنصب أي حسن مرجع وهو‬
‫الجنة )‪ (3‬وقال في النهاية‪ :‬طوبى اسم الجنة‪ ،‬وقيل‪ :‬هي شجرة فيها‪،‬‬
‫وأصلها فعلى من الطيب فلما ضمت الطاء انقلبت الياء واوا وقد تكررت في‬
‫الحديث‪ ،‬وفيه طوبى للشام لن الملئكة باسطة أجنحتها عليها المراد بها‬
‫ههنا فعلى من الطيب ل الجنة ول الشجرة‪ .‬وقال الراغب في الية قيل‪ :‬هو‬
‫اسم شجرة في الجنة‪ ،‬وقيل‪ :‬بل إشارة إلى كل مستطاب في الجنة من بقاء‬
‫بل فناء‪ ،‬وعز بل ذل‪ ،‬وغنى بل فقر " وطوبى شجرة " هذا من كلم‬
‫الصادق عليه السلم أو من كلم أمير المؤمنين عليه السلم " وليس من‬
‫مؤمن " كأنه مثال شجرة ولية أمير المؤمنين تشعبت في صدور‬
‫المؤمنين " إل أتاه به ذلك " أي يتدلى ويقربه منه ليأخذه‪ ،‬وقيل‪ :‬أي ينبت‬
‫منه " مجدا " أي مسرعا صاحب جد واهتمام " في ظلها " أي ما يحاذي‬
‫أغصانها فانه ل ظل في الجنة‪ .‬قال في النهاية‪ :‬وقد يكنى بالظل عن الكنف‬
‫والناحية‪ ،‬ومنه الحديث إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة‬
‫عام أي في ذراها وناحيتها انتهى‪ ،‬وقد روى مسلم في صحيحه‪ ،‬عن أبي‬
‫سعيد الخدري‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه واله قال‪ :‬إن في الجنة شجرة‬
‫يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ل يقطعها وفي اخرى يسير‬
‫الراكب في ظلها مائة سنة قال عياض‪ :‬ظلها كنفها‪ ،‬وهو ما تستره‬
‫أغصانها وقد يكون ظلها نعيمها وراحتها‪ ،‬من قولهم عيش ظليل‪ ،‬واحتيج‬
‫إلى تأويل الظل بما ذكر‪ ،‬هربا عن الظل في العرف‪ ،‬لنه ما يقي حر‬
‫الشمس‪ ،‬ول شمس‬

‫)‪ (1‬سبأ‪ (2) .37 :‬الرعد‪ (3) .29 :‬انوار التنزيل ص ‪.213‬‬
‫]‪[367‬‬

‫في الجنة ول برد‪ ،‬وإنما نور يتلل انتهى‪ .‬وقال المازري " المضمر " بفتح الضاد‬
‫وشد الميم ورواه بعضهم بكثر الميم الثانية صفة للراكب المضمر فرسه‪" .‬‬
‫حتى يسقط هرما " إنما خص الغراب بالذكر لنه أطول الطيور عمرا "‬
‫ففي هذا فارغبوا " الفاء الثانية تأكيد للفاء الولى " من نفسه في شغل "‬
‫" من " بكسر الميم‪ ،‬وقد يقرأ بالفتح اسم موصول أي مشغول باصلح‬
‫نفسه ل يلتفت إلى عيوب غيره‪ ،‬ول إلى التعرض لضررهم‪ ،‬ولذا الناس‬
‫منه في راحة " إذا جن عليه الليل " في مجمع البيان فلما جن عليه الليل‬
‫أي أظلم وستر بظلمه كل ضياء‪ ،‬وقال‪ :‬جن عليه الليل وجنه الليل وأجنه‬
‫الليل إذا أظل حتى يستره بظلمته انتهى )‪ (1‬والمكارم‪ :‬جمع مكرمة أي‬
‫أعضاؤه الكريمة الشريفة كالوجه والجبهة والخدين واليدين والركبتين‬
‫والبهامين " في فكاك " في للتعليل‪ - 2 .‬كا‪ :‬عن العدة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن‬
‫الهيثم النهدي‪ ،‬عن عبد العزيز بن عمر‪ ،‬عن بعض أصحابه‪ ،‬عن يحيى بن‬
‫عمران الحلبي قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬أي الخصال بالمرء‬
‫أجمل ؟ فقال‪ :‬وقار بل مهابة‪ ،‬وسماح بل طلب مكافاة‪ ،‬و تشاغل بغير‬
‫متاع الدنيا )‪ .(2‬بيان‪ " :‬وقار بل مهابة " الوقار الرزانة‪ ،‬والمهابة أن‬
‫يخاف الناس من سطوته وظلمه وقيل‪ :‬اي من غير تكبر‪ ،‬وفي القاموس‪:‬‬
‫الهيبة المخافة والتقية كالمهابة‪ ،‬وقال‪ :‬سمح ككرم سماحا وسماحة‬
‫وسماحا ككتاب جاد بل طلب مكافاة من عوض أو ثناء وشكر‪ ،‬وأصله‬
‫مهموز‪ ،‬وقد يقلب ألفا " بغير متاع الدنيا " من ذكر ال وما يقرب العبد‬
‫إليه تعالى‪ - 3 .‬الشهاب‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬العلم خليل‬
‫المؤمن والحلم وزيره‪ ،‬والعقل دليله‪ ،‬والعمل قائده‪ ،‬والرفق والده‪ ،‬والبر‬
‫أخوه‪ ،‬والصبر‬

‫)‪ (1‬مجمع البيان ج ‪ 4‬ص ‪ (2) .323‬الكافي ج ‪ 2‬ص ‪.240‬‬

‫]‪[368‬‬

‫أمير جنوده )‪ - 4 .(1‬لى‪ :‬أبي‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد ال بن المغيرة‪ ،‬عن‬
‫السكوني عن الصادق عليه السلم‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬اعمل بفرائض ال تكن أتقى الناس وارض‬
‫بقسم ال تكن أغنى الناس‪ ،‬وكف عن محارم ال تكن أورع الناس وأحسن‬
‫مجاورة من جاورك تكن مؤمنا‪ ،‬وأحسن مصاحبة من صاحبك تكن مسلما )‬
‫‪ .(2‬جا‪ ،‬ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن المظفر بن محمد البلخي‪ ،‬عن محمد بن همام‪ ،‬عن‬
‫حميد بن زياد‪ ،‬عن إبراهيم بن عبيد بن حنان‪ ،‬عن الربيع بن سلمان‪ ،‬عن‬
‫السكوني مثله )‪ - 5 .(3‬مع‪ ،‬ل‪ ،‬لى‪ :‬العطار‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن عيسى‪،‬‬
‫عن عثمان بن عيسى عن ابن مسكان‪ ،‬عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬إن‬
‫ال تبارك وتعالى خص رسول ال صلى ال عليه واله بمكارم الخلق‬
‫فامتحنوا أنفسكم‪ ،‬فان كانت فيكم فاحمدوا ال عزوجل وارغبوا إليه في‬
‫الزيادة منها فذكرها عشرة‪ :‬اليقين‪ ،‬والقناعة‪ ،‬والصبر‪ ،‬والشكر‪ ،‬والحلم‬
‫وحسن الخلق‪ ،‬والسخا‪ ،‬والغيرة‪ ،‬والشجاعة والمروءة )‪ - 6 .(4‬مع‪ ،‬لى‪:‬‬
‫أبي‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير عن حماد بن‬
‫عثمان قال‪ :‬جاء رجل إلى الصادق جعفر بن محمد عليهما السلم فقال له‪:‬‬
‫يابن رسول ال أخبرني بمكارم الخلق‪ ،‬فقال‪ :‬العفو عمن ظلمك‪ ،‬وصلة‬
‫من قطعك‪ ،‬وإعطاء من حرمك‪ ،‬وقول الحق ولو على نفسك )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬في النسخة التى بخط يد المؤلف قدس سره زيادة بعد ذلك وهى‪] :‬الضوء‪:‬‬
‫العلم ادراك الشئ بحقيقته‪ ،‬وهو على ضربين‪ :‬أحدهما ادراك الذات‬
‫والثانى الحكم على الذات بوجود شئ له أو نفى شئ عنه‪ ،‬والول يتعدى‬
‫الى مفعول واحد كقوله تعالى " ال يعلمهم‪ [...‬ثم بعده بياض أربع‬
‫صفحات‪ (2) .‬أمالى الصدوق ص ‪ (3) .121‬مجالس المفيد ص ‪،215‬‬
‫أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .120‬معاني الخبار ص ‪ ،191‬الخصال ج‬
‫‪ 2‬ص ‪ ،51‬أمالى الصدوق ص ‪ (5) .133‬معاني الخبار ص ‪ ،191‬أمالى‬
‫الصدوق ص ‪.165‬‬

‫]‪[369‬‬

‫‪ - 7‬لى‪ :‬ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن النهدي‪ ،‬عن عبد العزيز بن عمر عن أحمد‬
‫بن عمر الحلبي قال‪ :‬قلت لبي عبد ال الصادق عليه السلم‪ :‬أي الخصال‬
‫بالمرء أجمل ؟ قال‪ :‬وقار بل مهابة‪ ،‬وسماح بل طلب مكافأة‪ ،‬وتشاغل‬
‫بغير متاع الدنيا )‪ .(1‬ل‪ :‬العطار‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن النهدي مثله )‪ .(2‬محص‪:‬‬
‫عن الحلبي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم مثله‪ .‬ضا‪ :‬أروي عن العالم عليه‬
‫السلم وذكر مثله‪ - 8 .‬لى‪ :‬ابن إدريس‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن هاشم‪ ،‬عن ابن‬
‫مرار‪ ،‬عن يونس عن ابن سنان‪ ،‬عن الصادق عليه السلم قال‪ :‬خمس من‬
‫لم تكن فيه لم يكن فيه كثير مستمتع‪ ،‬قيل‪ :‬وما هن يا ابن رسول ال ؟ قال‪:‬‬
‫الدين‪ ،‬والعقل‪ ،‬والحياء‪ ،‬وحسن الخلق‪ ،‬وحسن الدب‪ ،‬وخمس من لم تكن‬
‫له فيه لم يتهن بالعيش‪ :‬الصحة والمن‪ ،‬والغنى‪ ،‬والقناعة‪ ،‬والنيس‬
‫الموافق )‪ - 9 .(3‬مع‪ ،‬لى‪ :‬العطار‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن علي بن أبي حمزة‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬عن الصادق‬
‫جعفر بن محمد‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه واله‪ :‬إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها‪ ،‬وباطنها‬
‫من ظاهرها‪ ،‬يسكنها من امتي من أطاب الكلم‪ ،‬وأطعم الطعام‪ ،‬وأفشى‬
‫السلم‪ ،‬وصلى بالليل والناس نيام‪ ،‬فقال علي‪ :‬يا رسول ال ومن يطيق هذا‬
‫من امتك ؟ فقال‪ :‬يا علي أو ما تدري ما إطابة الكلم ؟ من قال إذا أصبح‬
‫وأمسى‪ :‬سبحان ال‪ ،‬والحمد ل‪ ،‬ول إله إل ال‪ ،‬وال أكبر عشر مرات‬
‫وإطعام الطعام نفقة الرجل على عياله‪ ،‬وأما الصلة بالليل والناس نيام فمن‬
‫صلى المغرب والعشاء الخرة وصلة الغداة في المسجد في جماعة فكأنما‬
‫أحيى الليل كله‬

‫)‪ (1‬أمالى الصدوق ص ‪ (2) .174‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .46‬أمالى الصدوق ص‬


‫‪ 175‬وقوله لم يتهن أصله لم يتهنأ‪.‬‬

‫]‪[370‬‬

‫إفشاء السلم أن ل يبخل بالسلم على أحد من المسلمين )‪ - 10 .(1‬لى‪ :‬أبي‪ ،‬عن‬
‫السعد آبادي‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن عثمان بن عيسى‪ ،‬عن ابن مسكان‪ ،‬عن‬
‫محمد بن مسلم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬ثلثة هم أقرب الخلق‬
‫إلى ال عزوجل يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب‪ :‬رجل لم يدعه قدرته‬
‫في حال غضبه إلى أن أن يحيف على من تحت يديه‪ ،‬ورجل مشى بين‬
‫اثنين فلم يمل مع أحدهما على الخر بشعيرة‪ ،‬ورجل قال الحق فيما عليه‬
‫وله )‪ - 11 .(2‬لى‪ :‬ماجيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد‬
‫بن سنان عن المفضل‪ ،‬عن الصادق عليه السلم أنه قال‪ :‬عليكم بمكارم‬
‫الخلق فان ال عزوجل يحبها‪ ،‬وإياكم ومذام الفعال فان ال عزوجل‬
‫يبغضها‪ ،‬وعليكم بتلوة القرآن فان درجات الجنة على عدد آيات القرآن‬
‫فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن‪ :‬اقرأ وارق‪ ،‬فكلما قرأ آية رقى‬
‫درجة‪ ،‬وعليكم بحسن الخلق فانه يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم‪،‬‬
‫وعليكم بحسن الجوار فان ال عزوجل أمر بذلك‪ ،‬وعليكم بالسواك فانها‬
‫مطهرة‪ ،‬وسنة حسنة‪ ،‬وعليكم بفرائض ال فأدوها‪ ،‬وعليكم بمحارم ال‬
‫فاجتنبوها )‪ - 12 .(3‬لى‪ :‬العطار‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن عبد الجبار‪ ،‬عن‬
‫ابن البطائني عن علي بن ميمون قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم‬
‫يقول‪ :‬من أراد أن يدخله ال عزوجل في رحمته‪ ،‬ويسكنه جنته‪ ،‬فليحسن‬
‫خلقه‪ ،‬وليعطي النصفة من نفسه وليرحم اليتيم‪ ،‬وليعن الضعيف‪،‬‬
‫وليتواضع ل الذي خلقه )‪ .(4‬ما‪ :‬الغضايري‪ ،‬عن الصدوق مثله )‪13 .(5‬‬
‫‪ -‬ل‪ :‬أبي‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن مرار‪ ،‬عن يونس رفعه إلى‬
‫)‪ (1‬معاني الخبار ص ‪ ،250‬أمالى الصدوق ص ‪ (2) .198‬أمالى الصدوق ص‬
‫‪ (3) .215‬أمالى الصدوق ص ‪ (4) .216‬المصدر ص ‪ (5) .234‬أمالى‬
‫الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪.46‬‬

‫]‪[371‬‬

‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كان فيما أوصى به رسول ال صلى ال عليه واله‬
‫عليا عليه السلم يا علي أنهاك عن ثلث خصال عظام‪ :‬الحسد‪ ،‬والحرص‪،‬‬
‫والكذب‪ .‬يا علي ! سيد العمال ثلث خصال‪ :‬إنصافك الناس من نفسك‪،‬‬
‫ومواساة الخ في ال عزوجل‪ ،‬وذكرك ال تبارك وتعالى على كل حال‪ .‬يا‬
‫علي ثلث فرحات للمؤمن في الدنيا‪ :‬لقى الخوان‪ ،‬والفطار من الصيام‬
‫والتهجد من آخر الليل‪ .‬يا علي ثلثة من لم تكن فيه لم يقم له عمل‪ :‬ورع‬
‫يحجزه عن معاصي ال عزوجل‪ ،‬وخلق يداري به الناس‪ ،‬وحلم يرد به‬
‫جهل الجاهل‪ .‬يا علي ثلث من حقائق اليمان‪ :‬النفاق من القتار‪،‬‬
‫وإنصاف الناس من نفسك‪ ،‬وبذل العلم للمتعلم‪ .‬يا علي ثلث خصال من‬
‫مكارم الخلق‪ :‬تعطي من حرمك‪ ،‬وتصل من قطعك‪ .‬وتعفو عمن ظلمك )‬
‫‪ - 14 .(1‬ل‪ :‬العطار‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن‬
‫عمرو ابن أبي المقدام‪ ،‬عن أبي عبد ال‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬أربع من كن فيه كان في نور ال العظم‪:‬‬
‫من كانت عصمة أمره شهادة أن ل إله إل ال وأني رسول ال‪ ،‬ومن إذا‬
‫أصابته مصيبة قال‪ :‬إنا ل وإنا إليه راجعون‪ ،‬ومن إذا أصاب خيرا قال‪:‬‬
‫الحمد ل رب العالمين‪ ،‬ومن إذا أصاب خطيئة قال‪ :‬أستغفر ال وأتوب إليه‬
‫)‪ .(2‬سن‪ :‬أبي‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن عمرو بن جميع مثله )‪ .(3‬ثو‪ :‬أبي‪ ،‬عن‬
‫علي بن موسى‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن بكر بن صالح‪ ،‬عن الحسن بن‬
‫علي‪ ،‬عن عبد ال بن علي‪ ،‬عن علي بن على اللهبي‪ ،‬عن الصادق‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .62‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .105‬المحاسن ص ‪.8‬‬

‫]‪[372‬‬

‫عن آبائه‪ ،‬عن النبي صلوات ال عليهم مثله )‪ - 15 .(1‬ل ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪،‬‬
‫عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن عثمان بن عيسى عن ابن مسكان‪ ،‬عن أبي عبد‬
‫ال عليه السلم قال‪ :‬لم يقسم بين العباد أقل من خمس‪ :‬اليقين‪ ،‬والقنوع‪،‬‬
‫والصبر‪ ،‬والشكر‪ ،‬والذي يكمل له به هذا كله العقل )‪ - 16 .(2‬لى‪ ،‬ل‪:‬‬
‫الطالقاني‪ ،‬عن أحمد بن إسحاق بن بهلول‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن علي بن يزيد‪،‬‬
‫عن أبي شيبة‪ ،‬عن أنس قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬تقبلوا‬
‫إلي بست خصال أتقبل لكم بالجنة‪ :‬إذا حدثتم فل تكذبوا‪ ،‬وإذا وعدتم فل‬
‫تخلفوا وإذا ائتمنتم فل تخونوا‪ ،‬وغضوا أبصاركم‪ ،‬واحفظوا فروجكم‪،‬‬
‫وكفوا أيديكم وألسنتكم )‪ - 17 .(3‬ل أبي‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن الحسن بن‬
‫موسى‪ ،‬عن يزيد بن إسحاق عن الحسن بن عطية‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬المكارم عشر‪ ،‬فان استطعت أن تكون فيك فلتكن فانها تكون‬
‫في الرجل ول تكون في ولده وتكون في ولده ول تكون في أبيه‪ ،‬وتكون‬
‫في العبد ول تكون في الحر‪ ،‬قيل‪ :‬وما هن يا رسول ال ؟ قال‪ :‬صدق‬
‫البأس‪ ،‬وصدق اللسان‪ ،‬وأداء المانة‪ ،‬وصلة الرحمن‪ ،‬وإقراء الضيف‪،‬‬
‫وإطعام السائل‪ ،‬والمكافأة على الصنايع‪ ،‬والتذمم للجار‪ ،‬والتذمم للصاحب‪،‬‬
‫ورأسهن الحياء )‪ .(4‬جا‪ ،‬ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن ابن قولويه‪ ،‬عن علي بن‬
‫بابويه‪ ،‬عن علي بن إبراهيم عن ابن عيسى‪ ،‬عن النهدي‪ ،‬عن يزيد بن‬
‫إسحاق مثله )‪ - 18 .(5‬مع‪ :‬أبي‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫النضر‪ ،‬عن القاسم بن سليمان‪ ،‬عن جراح المدائني قال‪ :‬قال لي أبو عبد‬
‫ال عليه السلم أل احدثك بمكارم‬

‫)‪ (1‬ثواب العمال ص ‪ (2) .151‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .137‬أمالى الصدوق ص‬


‫‪ ،55‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .156‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (5) .91‬أمالى المفيد‬
‫ص ‪ ،140‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪.9‬‬

‫]‪[373‬‬

‫الخلق ؟ الصفح عن الناس‪ ،‬ومواساة الرجل أخاه في ماله‪ ،‬وذكر ال كثيرا )‪.(1‬‬
‫‪ - 19‬مع‪ :‬أبي‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه رفعه إلى النبي صلى ال‬
‫عليه واله قال‪ :‬جاء جبرئيل إلى النبي صلى ال عليه واله فقال‪ :‬يا رسول‬
‫ال إن ال تبارك وتعالى أرسلني إليك بهدية لم يعطها أحدا قبلك‪ ،‬قال‬
‫رسول ال‪ :‬قلت‪ ،‬وما هي ؟ قال‪ :‬الصبر وأحسن منه‪ ،‬قلت‪ :‬وما هو ؟ قال‪:‬‬
‫الرضا وأحسن منه‪ ،‬قلت‪ :‬وما هو ؟ قال‪ :‬الزهد وأحسن منه‪ ،‬قلت‪ :‬وما هو‬
‫؟ قال‪ :‬الخلص وأحسن منه‪ ،‬قلت‪ :‬وما هو ؟ قال‪ :‬اليقين وأحسن منه‪،‬‬
‫قلت‪ :‬وما هو يا جبرئيل ! قال‪ :‬إن مدرجة ذلك التوكل على ال عزوجل‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬وما التوكل على ال عزوجل ؟ فقال‪ :‬العلم بأن المخلوق ل يضر ول‬
‫ينفع‪ ،‬ول يعطي ول يمنع‪ ،‬واستعمال اليأس من الخلق فإذا كان العبد كذلك‬
‫لم يعمل لحد سوى ال‪ ،‬ولم يرج ولم يخف سوى ال‪ ،‬ولم يطمع في أحد‬
‫سوى ال‪ ،‬فهذا هو التوكل‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا جبرئيل فما تفسير الصبر ؟ قال‪:‬‬
‫يصبر في الضراء كما يصبر في السراء‪ ،‬وفي الفاقة كما يصبر في الغناء‬
‫وفي البلء كما يصبر في العافية‪ ،‬فل يشكو حاله )‪ (2‬عند المخلوق بما‬
‫يصيبه من البلء‪ .‬قلت‪ :‬فما تفسير القناعة ؟ قال‪ :‬يقنع بما يصيب من‬
‫الدنيا‪ :‬يقنع بالقليل ويشكر اليسير‪ .‬قلت‪ :‬فما تفسير الرضا ؟ قال‪ :‬الراضي‬
‫ل يسخط على سيده أصاب من الدنيا أم لم يصب ول يرضى لنفسه باليسير‬
‫من العمل‪ .‬قلت‪ :‬يا جبرئيل فما تفسير الزهد ؟ قال‪ :‬الزاهد يحب من يحب‬
‫خالقه ويبغض من يبغض خالقه‪ ،‬ويتحرج من حلل الدنيا‪ ،‬ول يلتفت إلى‬
‫حرامها فان حللها حساب‪ ،‬وحرامها عقاب‪ ،‬ويرحم جميع المسلمين كما‬
‫يرحم نفسه‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار ص ‪ (2) .191‬خالقه خ ل‪(*) .‬‬

‫]‪[374‬‬

‫ويتحرج من الكلم كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها‪ ،‬ويتحرج عن حطام‬
‫الدنيا وزينتها كما يتجنب النار أن يغشاها‪ ،‬وأن يقصر أمله‪ ،‬وكان بين‬
‫عينيه أجله‪ .‬قلت‪ :‬يا جبرئيل فما تفسير الخلص ؟ قال‪ :‬المخلص الذي ل‬
‫يسأل الناس شيئا حتى يجد‪ ،‬وإذا وجد رضي‪ ،‬وإذا بقي عنده شئ أعطاه‬
‫في ال‪ ،‬فان ]من[ لم يسأل المخلوق فقد أقر ل عزوجل بالعبودية‪ ،‬وإذا‬
‫وجد فرضي فهو عن ال راض‪ ،‬وال تبارك وتعالى عنه راض‪ ،‬وإذا أعطى‬
‫ل عزوجل فهو على حد الثقة بربه عزوجل‪ .‬قلت‪ :‬فما تفسير اليقين ؟ قال‪:‬‬
‫المؤمن يعمل ل كأنه يراه‪ ،‬فان لم يكن يرى ال فان ال يراه‪ ،‬وأن يعلم‬
‫يقينا أن ما أصابه لم يكن ]ليخطئه‪ ،‬وما فاته لم يكن[ ليصيبه‪ ،‬وهذا كله‬
‫أغصان التوكل ومدرجة الزهد )‪ - 20 .(1‬ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن المراغي‪ ،‬عن‬
‫القاسم بن محمد بن حماد‪ ،‬عن عبيد بن قيس‪ ،‬عن يونس بن بكير‪ ،‬عن‬
‫يحيى بن أبي حية أبي الحباب‪ ،‬عن أبي العالية عن أبي أمامة قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬ست من عمل بواحدة منهن جادلت عنه‬
‫يوم القيامة‪ ،‬حتى يدخله الجنة‪ ،‬يقول‪ :‬أي رب قد كان يعمل بي في الدنيا‪:‬‬
‫الصلة والزكاة‪ ،‬والحج‪ ،‬والصيام‪ ،‬وأداء المانة‪ ،‬وصلة الرحم )‪ .(2‬جا‪:‬‬
‫المراغي مثله )‪ - 21 .(3‬ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن الحسين بن أحمد بن أبي‬
‫المغيرة‪ ،‬عن حيدر بن محمد عن الكشي‪ ،‬عن جعفر بن أحمد‪ ،‬عن أيوب بن‬
‫نوح‪ ،‬عن نوح بن دراج‪ ،‬عن إبراهيم المخارقي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬اتقوا ال‪ ،‬اتقوا ال‪ ،‬اتقوا ال عليكم بالورع‪ ،‬وصدق الحديث‪،‬‬
‫وأداء المانة‪ ،‬وعفة البطن والفرج‪ ،‬تكونوا‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار ص ‪ (2) .261 - 460‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .9‬مجالس‬
‫المفيد ص ‪.141‬‬
‫]‪[375‬‬

‫معنا في الرفيق العلى )‪ - 22 .(1‬ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن ابن قولويه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪،‬‬
‫عن ابن عيسى‪ ،‬عن بكر بن صالح‪ ،‬عن الحسين بن علي‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫إبراهيم‪ ،‬عن الحسن بن زيد عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده عليهم‬
‫السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬أقربكم غدا مني في‬
‫الموقف أصدقكم للحديث‪ ،‬وأداء المانة‪ ،‬وأوفاكم بالعهد‪ ،‬وأحسنكم خلقا‪،‬‬
‫وأقربكم من الناس )‪ .(2‬جا‪ :‬المراغي‪ ،‬عن الحسن بن علي الكوفي‪ ،‬عن‬
‫جعفر بن محمد بن مروان عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل الهاشمي‪ ،‬عن‬
‫عبد المؤمن‪ ،‬عن الباقر عليه السلم‪ ،‬عن جابر بن عبد ال‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى ال عليه واله مثله‪ - 23 .‬ما‪ :‬بالسناد إلى أبي قتادة قال‪ :‬قال أبو‬
‫عبد ال عليه السلم لداود بن سرحان‪ :‬يا داود إن خصال المكارم بعضها‬
‫مقيد ببعض يقسمها ال حيث شاء يكون في الرجل ول يكون في ابنه‪،‬‬
‫ويكون في العبد ول يكون في سيده‪ :‬صدق الحديث‪ ،‬وصدق البأس‪،‬‬
‫وإعطاء السائل والمكافات بالصنايع‪ ،‬وأداء المانة‪ ،‬وصلة الرحم والتودد‬
‫إلى الجار والصاحب‪ ،‬وقرى الضيف‪ ،‬ورأسهن الحياء )‪ - 24 .(3‬ما‪:‬‬
‫جماعة‪ ،‬عن أبي المفضل‪ ،‬عن جعفر بن محمد العلوي‪ ،‬عن محمد بن علي‬
‫بن الحسين بن زيد‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه واله‪ :‬عليكم بمكارم الخلق فان ال عزوجل بعثني بها‪،‬‬
‫وإن من مكارم الخلق أن يعفو الرجل عمن ظلمه‪ ،‬ويعطي من حرمه‪،‬‬
‫ويصل من قطعه‪ ،‬وأن يعود من ل يعوده )‪ - 25 .(4‬ب‪ :‬أبوالبختري‪ ،‬عن‬
‫جعفر‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم أن عليا عليه السلم قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .226‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .233‬أمالى‬
‫الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .308‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪.92‬‬

‫]‪[376‬‬

‫لرجل وهو يوصيه‪ :‬خذ مني خمسا‪ :‬ل يرجون أحدكم إل ربه‪ ،‬ول يخافن إل ذنبه‪،‬‬
‫ول يستحيي أن يتعلم ما ل يعلم‪ ،‬ول يستحيي إذا سئل عما ل يعلم أن يقول‪:‬‬
‫ل أعلم‪ ،‬واعلموا أن الصبر من اليمان بمنزلة الرأس من الجسد )‪26 .(1‬‬
‫‪ -‬ل‪ :‬ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن القاساني‪ ،‬عن الصبهاني‪ ،‬عن‬
‫المنقري‪ ،‬عن سفيان بن نجيح‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال‬
‫سليمان بن داود عليه السلم‪ :‬اوتينا ما اوتي الناس وما لم يؤتوا‪ ،‬وعلمنا‬
‫ما علم الناس وما لم يعلموا فلم نجد شيئا أفضل من خشية ال في المغيب‬
‫والمشهد‪ ،‬والقصد في الغنى والفقر وكلمة الحق في الرضا والغضب‪،‬‬
‫والتضرع إلى ال عزوجل على كل حال )‪ .(2‬ضه‪ ،‬كتاب الغايات‪ :‬عن أبي‬
‫جعفر عليه السلم وذكرا مثله‪ - 27 .‬ن‪ :‬بالسانيد الثلثة‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن‬
‫آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال علي عليه السلم‪ :‬خمسة لو رحلتم فيهن لم‬
‫تقدروا على مثلهن‪ :‬ل يخاف عبد إل ذنبه ول يرجو إل ربه‪ ،‬ول يستحيي‬
‫الجاهل إذا سئل عما ل يعلم أن يتعلم‪ ،‬ول يستحيي أحدكم إذا سئل عما ل‬
‫يعلم أن يقول ل أعلم‪ ،‬والصبر من اليمان بمنزلة الرأس من الجسد‪ ،‬ول‬
‫إيمان لمن ل صبر له )‪ .(3‬ل‪ :‬أحمد بن إبراهيم‪ ،‬عن زيد بن محمد‬
‫البغدادي‪ ،‬عن عبد ال بن أحمد عن أبيه‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم‬
‫السلم‪ ،‬عن علي عليه السلم مثله )‪ - 28 .(4‬ل‪ :‬الحسن بن محمد‬
‫السكوني‪ ،‬عن محمد بن عبد ال الحضرمي‪ ،‬عن سعيد ابن عمرو‬
‫الشعثي‪ ،‬عن سفيان بن عيينة‪ ،‬عن السرى‪ ،‬عن الشعبي قال‪ :‬قال علي‬
‫عليه السلم‪ :‬خذوا عني كلمات لو ركبتم المطايا فأنضيتموها )‪ (5‬لم‬
‫تصيبوا مثلهن‪ :‬أل‬

‫)‪ (1‬قرب السناد ص ‪ (2) .95‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .114‬عيون أخبار الرضا ج‬
‫‪ 2‬ص ‪ ،44‬وفيه‪ :‬لو رحلتم فيهن المطايا‪ (4) .‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪) .152‬‬
‫‪ (5‬يقال‪ :‬أنضى بعيره انضاءا‪ :‬إذا هزله بكثرة السير‪.‬‬

‫]‪[377‬‬

‫ل يرجون أحد إل ربه‪ ،‬ول يخافن إل ذنبه‪ ،‬ول يستحيي إذا لم يعلم أن يتعلم ول‬
‫يستحيي إذا سئل عما ل يعلم أن يقول‪ :‬ال أعلم‪ ،‬واعلموا أن الصبر من‬
‫اليمان بمنزلة الرأس من الجسد ول خير في جسد ل رأس له )‪- 29 .(1‬‬
‫ل‪ :‬الخليل بن أحمد‪ .‬عن ابن منيع‪ ،‬عن مصعب‪ ،‬عن مالك‪ ،‬عن أبي عبد‬
‫الرحمان‪ ،‬عن حفص بن عاصم‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬سبعة يظلهم ال عزوجل في ظله‬
‫)‪ (2‬يوم ل ظل إل ظله‪ :‬إمام عادل‪ ،‬وشاب نشأ في عبادة ال عزوجل‪،‬‬
‫ورجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه‪ ،‬ورجلن كانا في‬
‫طاعة ال عزوجل فاجتمعا على ذلك وتفرقا‪ ،‬ورجل ذكر ال عزوجل خاليا‬
‫ففاضت عيناه‪ ،‬ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال‪ :‬إني أخاف ال‪،‬‬
‫ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى ل يعلم شماله ما يتصدق بيمينه )‪.(3‬‬
‫‪ - 30‬ل‪ :‬المظفر العلوي‪ ،‬عن ابن العياشي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الحسين بن‬
‫اشكيب‪ ،‬عن محمد بن على الكوفي‪ ،‬عن أبي جميلة‪ ،‬عن الحضرمي‪ ،‬عن‬
‫سلمة بن كهيل رفعه‪ ،‬عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫واله‪ :‬سبعة في ظل عرش ال عزوجل يوم ل ظل إل ظله‪ :‬إمام عادل‪،‬‬
‫وشاب نشأ في عبادة ال عزوجل‪ ،‬و رجل تصدق بيمينه فأخفاه عن‬
‫شماله‪ .‬ورجل ذكر ال عزوجل خاليا ففاضت عيناه من خشية ال‪ ،‬ورجل‬
‫لقي أخاه المؤمن فقال‪ :‬إني لحبك في ال عزوجل‪ ،‬و رجل خرج من‬
‫المسجد وفي نيته أن يرجع إليه‪ ،‬ورجل دعته امرأة ذات جمال إلى نفسها‬
‫فقال‪ :‬إني أخاف ال رب العالمين )‪ - 31 .(4‬سن‪ :‬أبي‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن‬
‫عيسى‪ ،‬عن الحسين بن سعيد‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن منصور بن يونس‪،‬‬
‫عن الثمالي قال‪ :‬سمعت علي بن الحسين عليه السلم‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .152‬ظل عرشه خ ل‪ 3) .‬و ‪ (4‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪.2‬‬

‫]‪[378‬‬

‫يقول‪ :‬ما من خطوة أحب إلى ال عزوجل من خطوتين‪ :‬خطوة يسد بها المؤمن‬
‫صفا في ال‪ ،‬وخطوة إلى ذي رحم قاطع‪ ،‬وما من جرعة أحب إلى ال‬
‫عزوجل من جرعتين‪ :‬جرعة غيظ ردها مؤمن بحلم‪ ،‬وجرعة مصيبة ردها‬
‫مؤمن بصبر وما من قطرة أحب إلى ال عزوجل من قطرتين‪ :‬قطرة دم في‬
‫سبيل ال‪ ،‬وقطرة دمعة في سواد الليل‪ ،‬ل يريد بها عبد إل ال عزوجل )‬
‫‪ .(1‬كتاب الغايات‪ :‬عن أبي حمزة الثمالي وذكر مثله‪ .‬ين‪ :‬فضالة‪ ،‬عن‬
‫الحسين بن عثمان‪ ،‬عن رجل‪ ،‬عن الثمالي‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم‬
‫مثله‪ - 32 .‬ل‪ :‬الفامي‪ ،‬عن ابن بطة‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن صفوان‬
‫بن يحيى رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم أنه قال‪ :‬قال إبليس‪ :‬خمسة‬
‫ليس لي فيهن حيلة‪ ،‬وسائر الناس في قبضتي‪ :‬من اعتصم بال عن نية‬
‫صادقة واتكل عليه في جميع اموره‪ ،‬ومن كثر تسبيحه في ليله ونهاره‪،‬‬
‫ومن رضي لخيه المؤمن ما يرضاه لنفسه ومن لم يجزع على المصيبة‬
‫حتى تصيبه‪ ،‬ومن رضي بما قسم ال له ولم يهتم لرزقه )‪ - 33 .(2‬ل‪:‬‬
‫أبي‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن أبان‪ ،‬عن الحلبي‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬إن الصبر والبر والحلم وحسن الخلق‬
‫من أخلق النبياء )‪ - 34 .(3‬ل‪ :‬ابن المتوكل‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن ابن‬
‫عيسى‪ ،‬عن ابن محبوب عن أبي ولد‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪:‬‬
‫كان علي بن الحسين يقول‪ :‬إن المعرفة بكمال دين المسلم تركه الكلم فيما‬
‫ل يعينه‪ ،‬وقلة المراء وحلمه وصبره وحسن‬

‫)‪ (1‬المحاسن ص ‪ (2) .292‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ 137‬وفيه " حين تصيبه "‪(3) .‬‬
‫الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.121‬‬

‫]‪[379‬‬
‫خلقه )‪ - 35 .(1‬ل‪ :‬أبي‪ ،‬عن محمد العطار وأحمد بن إدريس معا‪ ،‬عن سهل‪ ،‬عن‬
‫محمد ابن الحسن بن زيد‪ ،‬عن عمرو بن عثمان‪ ،‬عن ثابت بن دينار‪ ،‬عن‬
‫ابن طريف‪ ،‬عن ابن نباته قال‪ :‬كان أمير المؤمنين عليه السلم يقول‪:‬‬
‫الصدق أمانة‪ ،‬والكذب خيانة والدب رياسة‪ ،‬والحزم كياسة‪ ،‬والسرف‬
‫مثواة‪ ،‬والقصد مثراة‪ ،‬والحرص مفقرة والدناءة محقرة‪ ،‬والسخاء قربة‪،‬‬
‫واللوم غربة‪ ،‬والدقة استكانة‪ ،‬والعجز مهانة والهوى ميل‪ ،‬والوفاء كيل‪،‬‬
‫والعجب هلك‪ ،‬والصبر ملك )‪ - 36 .(2‬ل‪ :‬ماجيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن‬
‫البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد ال بن المغيرة‪ ،‬عن أبي الصباح الكناني‪ ،‬عن‬
‫أبي بصير‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬ثلث من أشد ما عمل العباد‪:‬‬
‫إنصاف المرء من نفسه‪ ،‬ومواساة المرء أخاه‪ ،‬وذكر ال على كل حال‬
‫وهو أن يذكر ال عزوجل عند المعصية يهم بها فيحول ذكر ال بينه وبين‬
‫تلك المعصية‪ ،‬وهو قول ال عزوجل " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من‬
‫الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون " )‪ - 37 .(3‬ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن ابن‬
‫قولويه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن علي بن الحكم‪ ،‬عن أبي‬
‫سعيد القماط‪ ،‬عن المفضل قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬ل‬
‫يكمل إيمان العبد حتى يكون فيه أربع خصال‪ :‬يحسن خلقه‪ ،‬ويستخف‬
‫نفسه‪ ،‬ويمسك الفضل من قوله‪ ،‬ويخرج الفضل من ماله )‪ .(4‬أقول‪ :‬قد‬
‫مضى بعض أخبار الباب في باب صفات المؤمن )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .139‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .94‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪،65‬‬
‫والية في العراف ‪ (4) .201‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .125‬راجع‬
‫ج ‪ 67‬ص ‪.384 - 261‬‬

‫]‪[380‬‬

‫سن‪ :‬أبي‪ ،‬عن أبي سعيد القماط مثله )‪ - 38 .(1‬جا‪ ،‬ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن عيسى عن ابن محبوب‪ ،‬عن أبي‬
‫أيوب‪ ،‬عن الثمالي‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬أربع من كن فيه كمل‬
‫إسلمه‪ ،‬واعين على إيمانه‪ ،‬ومحصت ذنوبه‪ ،‬ولقي ربه وهو عنه راض‬
‫ولو كان فيما بين قرنه إلى قدميه ذنوب حطها ال عنه‪ ،‬وهي‪ :‬الوفاء بما‬
‫يجعل ل على نفسه‪ ،‬وصدق اللسان مع الناس‪ ،‬والحياء مما يقبح عند ال‬
‫وعند الناس‪ ،‬وحسن الخلق مع الهل والناس‪ .‬وأربع من كن فيه من‬
‫المؤمنين أسكنه ال في أعلى عليين في غرف فوق غرف في محل الشرف‬
‫كل الشرف‪ :‬من آوى اليتيم‪ ،‬ونظر له فكان له أبا‪ ،‬ومن رحم الضعيف‬
‫وأعانه وكفاه‪ ،‬ومن أنفق على والديه ورفق بهما وبرهما ولم يحزنهما‪ ،‬و‬
‫]من[ لم يخرق بمملوكه‪ ،‬وأعانه على ما يكلفه‪ ،‬ولم يستسعه فيما لم يطق‬
‫)‪ .(2‬جا‪ :‬أحمد مثله )‪ - 39 .(3‬لى‪ :‬ابن المغيرة‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن‬
‫السكوني‪ ،‬عن الصادق عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه واله لصحابه‪ :‬أل اخبركم بشئ إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان‬
‫عنكم كما تباعد المشرق من المغرب ؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬الصوم يسود‬
‫وجهه‪ ،‬والصدقة تكسر ظهره‪ ،‬والحب في ال والموازرة على العمل‬
‫الصالح يقطعان دابره‪ ،‬والستغفار يقطع وتينه‪ ،‬ولكل شئ زكاة وزكاة‬
‫البدان الصيام )‪ - 40 .(4‬فس‪ :‬قال أمير المؤمنين صلوات ال عليه‪ :‬أيها‬
‫الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس‪ ،‬وتواضع من غير منقصة‪،‬‬
‫وجالس أهل التفقة والرحمة‪ ،‬و جالس أهل الذكر والمسكنة‪ ،‬وأنفق مال‬
‫جمعه في غير معصية‪ ،‬أيها الناس طوبى لمن‬

‫)‪ (1‬المحاسن ص ‪ (2) .8‬أمالى المفيد ص ‪ ،107‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪) .192‬‬


‫‪ (3‬مجالس المفيد ص ‪ (4) .184‬أمالى الصدوق ص ‪.37‬‬

‫]‪[381‬‬

‫ذل في نفسه‪ ،‬وطاب كسبه‪ ،‬وصلحت سريرته‪ ،‬وحسنت خليقته‪ ،‬وأنفق الفضل من‬
‫ماله‪ ،‬وأمسك الفضل من كلمه‪ ،‬وعدل عن الناس شره‪ ،‬وسعته السنة‪ ،‬ولم‬
‫يتعد إلى البدعة‪ ،‬يا أيها الناس طوبى لمن لزم بيته‪ ،‬وأكل كسرته‪ ،‬وبكى‬
‫على خطيئته وكان من نفسه في تعب‪ ،‬والناس منه في راحة‪ - 41 .‬لى‪:‬‬
‫ماجيلويه‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن الحسين بن إسحاق‪ ،‬عن علي ابن‬
‫مهزيار‪ ،‬عن الحسين بن سعيد‪ ،‬عن الحسين بن علوان‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫خالد‪ ،‬عن زيد بن علي‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه واله‪ :‬إن أقربكم مني غدا وأوجبكم علي شفاعة أصدقكم‬
‫لسانا وأداكم للمانة وأحسنكم خلقا وأقربكم من الناس )‪ - 42 .(1‬ل‪ :‬أبي‪،‬‬
‫عن السعد آبادي‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن الحسن بن علي بن فضال‪ ،‬عن علي بن‬
‫عقبة‪ ،‬الجارود بن المنذر‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬أشد العمال‬
‫ثلثة‪ :‬إنصاف الناس من نفسك حتى ل ترضى لهم منها بشئ‪ ،‬إل رضيت‬
‫لهم منها بمثله‪ ،‬ومواساتك الخ في المال‪ ،‬وذكر ال على كل حال‪ ،‬وليس‬
‫سبحان ال والحمد ل ول إله إل ال فقط‪ ،‬ولكن إذا ورد عليك شئ من أمر‬
‫ال أخذت به وإذا ورد عليك شئ نهى ال عزوجل عنه تركته )‪ .(2‬ما‪:‬‬
‫الحسين بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن وهبان‪ ،‬عن محمد بن أحمد بن زكريا‬
‫عن الحسن بن فضال مثله )‪ .(3‬جا‪ :‬أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫الصفار‪ ،‬عن ابن معروف‪ ،‬عن علي ابن مهزيار‪ ،‬عن علي بن عقبة مثله )‬
‫‪.(4‬‬
‫)‪ (1‬أمالى الصدوق ‪ (2) .304‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .65‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ (4) .293‬مجالس المفيد ‪.121‬‬

‫]‪[382‬‬

‫‪ - 43‬ل‪ :‬أبي‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن النضر‪ ،‬عن درست عن ابن أبي‬
‫يعفور قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬ثلث ل يطيقهن الناس‪ :‬الصفح‬
‫عن الناس‪ ،‬ومواساة الخ أخاه في ماله‪ ،‬وذكر ال كثيرا )‪ .(1‬ين‪ :‬النضر‬
‫مثله‪ - 44 .‬ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن محمد بن الحسين الحلل‪ ،‬عن الحسن بن‬
‫الحسين النصاري‪ ،‬عن زفر بن سليمان‪ ،‬عن أشرس الخراساني‪ ،‬عن‬
‫أيوب السجستاني عن أبي قلبة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‬
‫من أسر ما يرضى ال عزوجل أظهر ال له ما يسره‪ ،‬ومن أسر ما يسخط‬
‫ال عزوجل أظهر ال ما يخزيه‪ ،‬ومن كسب مال من غير حله أفقره ال‬
‫عزوجل‪ ،‬ومن تواضع ل رفعه ال‪ ،‬ومن سعى في رضوان ال ]أرضاه‬
‫ال[ ومن أذل مؤمنا أذله ال‪ ،‬ومن عاد مريضا فانه يخوض في الرحمة‬
‫وأومأ رسول ال إلى حقويه‪ ،‬فإذا جلس عند المريض غمرته الرحمة‪،‬‬
‫ومن خرج من بيته يطلب علما شيعه سبعون ألف ملك يستغفرون له‪ ،‬ومن‬
‫كظم غيظا مل ال جوفه إيمانا‪ ،‬ومن أعرض عن محرم أبدله ال به عبادة‬
‫تسره‪ ،‬ومن عفى عن مظلمة أبدله ال بها عزا في الدنيا والخرة‪ ،‬ومن‬
‫بنى مسجدا ولو مفحص قطاة بنى ال له بيتا في الجنة‪ .‬ومن أعتق رقبة‬
‫فهي فداه من النار كل عضو منها فداء عضو منه‪ ،‬ومن أعطى درهما في‬
‫سبيل ال كتب ال له سبعمائة حسنة‪ ،‬ومن أماط عن طريق المسلمين ما‬
‫يؤذيهم كتب ال له أجر قراءة أربع مائة آية كل حرف منها بعشر حسنات‪،‬‬
‫ومن لقي عشرة من المسلمين فسلم عليهم كتب ال له عتق رقبة‪ ،‬ومن‬
‫أطعم مؤمنا لقمة أطعمه ال من ثمار الجنة‪ ،‬ومن سقاه شربة من ماء‬
‫سقاه ال من الرحيق المختوم‪ ،‬ومن كساه ثوبا كساه ال من الستبرق‬
‫والحرير‪ ،‬وصلى عليه الملئكة ما بقي في ذلك الثوب سلك )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .66‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪.185‬‬

‫]‪[383‬‬

‫‪ - 45‬لى‪ :‬جعفر بن الحسين‪ ،‬عن محمد بن جعفر‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن ابن محبوب‪،‬‬
‫عن هشام بن سالم‪ ،‬عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬اتي النبي صلى ال عليه واله باسارى فأمر بقتلهم خل رجل من‬
‫بينهم‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬بأبي أنت وامي يا محمد كيف أطلقت عني من بينهم ؟‬
‫فقال‪ :‬أخبرني جبرئيل عن ال عزوجل أن فيك خمس خصال يحبه ال عز‬
‫وجل ورسوله‪ :‬الغيرة الشديدة على حرمك والسخاء‪ ،‬وحسن الخلق‪،‬‬
‫وصدق اللسان‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬فلما سمعها الرجل أسلم وحسن إسلمه وقاتل‬
‫مع رسول ال صلى ال عليه واله قتال شديدا حتى استشهد )‪ .(1‬ل‪ :‬أبي‪،‬‬
‫عن سعد‪ ،‬عن البرقي مثله )‪ .(2‬ص‪ :‬الصدوق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن‬
‫البرقي مثله‪ - 46 .‬لى‪ :‬علي بن أحمد‪ ،‬عن السدي‪ ،‬عن سهل‪ ،‬عن عبد‬
‫العظيم الحسني عن أبي الحسن الثالث عليه السلم قال‪ :‬لما كلم ال‬
‫عزوجل موسى بن عمران عليه السلم قال موسى‪ :‬إلهي ما جزاء من‬
‫شهد أني رسولك ونبيك‪ ،‬وأنك كلمتني ؟ قال‪ :‬يا موسى تأتيه ملئكتي‬
‫فتبشره بجنتي‪ .‬قال موسى‪ :‬إلهي فما جزاء من قام بين يديك يصلي ؟ قال‪:‬‬
‫يا موسى اباهي به ملئكتي راكعا وساجدا وقائما وقاعدا ومن باهيت به‬
‫ملئكتي لم اعذبه‪ .‬قال موسى‪ :‬إلهي فما جزاء من أطعم مسكينا ابتغاء‬
‫وجهك ؟ قال‪ :‬يا موسى آمر مناديا ينادي يوم القيامة على رؤس الخلئق‬
‫إن فلن بن فلن من عتقاء ال من النار‪ .‬قال موسى‪ :‬إلهي فما جزاء من‬
‫وصل رحمه ؟ قال‪ :‬يا موسى انسئ له أجله واهون عليه سكرات الموت‪،‬‬
‫ويناديه خزنة الجنة‪ :‬هلم إلينا فادخل من أي أبوابها شئت‪ .‬قال موسى‪:‬‬
‫إلهي فما جزاء من ذكرك بلسانه وقلبه ؟ قال‪ :‬يا موسى اظله‬

‫)‪ (1‬أمالى الصدوق ‪ (2) .163‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.135‬‬

‫]‪[384‬‬

‫يوم القيامة بظل عرشي‪ ،‬وأجعله في كنفي‪ .‬قال‪ :‬إلهي فما جزاء من تل حكمتك سرا‬
‫وجهرا ؟ قال‪ :‬يا موسى يمر على الصراط كالبرق‪ .‬قال‪ :‬إلهي فما جزاء من‬
‫صبر على أذى الناس وشتمهم فيك ؟ قال‪ :‬اعينه على أهوال يوم القيامة‪.‬‬
‫قال‪ :‬إلهي فما جزاء من دمعت عيناه من خشيتك ؟ قال‪ :‬يا موسى أقي‬
‫وجهه من حر النار واؤمنه يوم الفزع الكبر‪ .‬قال‪ :‬إلهي فما جزاء من ترك‬
‫الخيانة حياء منك ؟ قال‪ :‬يا موسى له المان يوم القيامة‪ .‬قال‪ :‬إلهي فما‬
‫جزاء من احب أهل طاعتك ؟ قال‪ :‬يا موسى احرمه على ناري‪ .‬قال‪ :‬إلهي‬
‫فما جزاء من قتل مؤمنا متعمدا ؟ قال‪ :‬ل أنظر إليه يوم القيامة ول أقيل‬
‫عثرته‪ .‬قال‪ :‬إلهي فما جزاء من دعى نفسا كافرة إلى السلم ؟ قال‪ :‬يا‬
‫موسى آذن له في الشفاعة يوم القيامة لمن يريد‪ .‬قال‪ :‬إلهي فما جزاء من‬
‫صلى الصلوات لوقتها ؟ قال‪ :‬اعطيه سؤله وابيحه جنتي‪ .‬قال‪ :‬إلهى فما‬
‫جزاء من أتم الوضوء من خشيتك ؟ قال‪ :‬أبعثه يوم القيامة وله نور بين‬
‫عينيه يتلل‪ .‬قال‪ :‬إلهي فما جزاء من صام شهر رمضان لك محتسبا ؟ قال‪:‬‬
‫يا موسى اقيمه يوم القيامة مقاما ل يخاف فيه‪ .‬قال‪ :‬إلهي فما جزاء من‬
‫صام شهر رمضان يريد به الناس ؟ قال‪ :‬يا موسى ثوابه كثواب من لم‬
‫يصمه )‪ - 46 .(1‬لى‪ :‬ابن إدريس‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن محمد بن‬
‫آدم‪ ،‬عن‬

‫)‪ (1‬أمالى الصدوق ص ‪.125‬‬

‫]‪[385‬‬

‫الحسن بن على الخزاز‪ ،‬عن الحسين بن أبي العل‪ ،‬عن الصادق جعفر بن محمد‬
‫عليه السلم قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬أحب العباد إلى ال عزوجل رجل صدوق‬
‫في حديثه‪ ،‬محافظ على صلواته وما افترض ال عليه‪ ،‬مع أداء المانة ثم‬
‫قال عليه السلم‪ :‬من اؤتمن على أمانة فأداها فقد حل ألف عقدة من عنقه‬
‫من عقد النار‪ ،‬فبادروا بأداء المانة فان من اؤتمن على أمانة وكل به‬
‫إبليس مائة شيطان من مردة أعوانه ليضلوه ويوسوسوا إليه حتى يهلكوه‪،‬‬
‫إل من عصم ال عزوجل )‪ - 47 .(1‬ل‪ :‬أبي‪ ،‬عن أحمد بن إدريس‪ ،‬عن‬
‫الشعري‪ ،‬عن عبد ال بن محمد الرازي‪ ،‬عن بكر بن صالح‪ ،‬عن أبي‬
‫أيوب‪ ،‬عن محمد بن مسلم‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من صدق‬
‫لسانه زكا عمله‪ ،‬ومن حسنت نيته زاد ال في رزقه‪ ،‬ومن حسن بره بأهله‬
‫زاد ال في عمره )‪ - 48 .(2‬ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن ابن قولويه‪ ،‬عن الكليني‪ ،‬عن‬
‫علي بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن أبي الوليد‪ ،‬عن‬
‫الحسن بن زياد الصيقل‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم مثله وفيه بأهل بيته‬
‫)‪ - 48 .(3‬ل‪ :‬ابن مسرور‪ ،‬عن ابن عامر‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن ابن محبوب‪،‬‬
‫عن أبي أيوب‪ ،‬عن الثمالي‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال علي بن‬
‫الحسين عليهما السلم‪ :‬أربع من كن فيه كمل إسلمه‪ ،‬ومحصت ذنوبه‪،‬‬
‫ولقي ربه عزوجل وهو عنه راض‪ :‬من وفي ل عزوجل بما يجعل على‬
‫نفسه للناس‪ ،‬وصدق لسانه مع الناس‪ ،‬واستحيا من كل قبيح عند ال وعند‬
‫الناس‪ ،‬وحسن خلقه مع أهله )‪ .(4‬سن‪ :‬أبي‪ ،‬عن ابن محبوب مثله )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬أمالى الصدوق ‪ (2) .177‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .44‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ (4) .250‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .106‬المحاسن‪.8 :‬‬

‫]‪[386‬‬

‫ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن عيسى عن محمد‬
‫بن عبد الجبار‪ ،‬عن ابن محبوب مثله )‪ - 49 .(1‬ل‪ :‬سليمان بن أحمد‬
‫اللخمي عن عبد الوهاب بن خواجة‪ ،‬عن أبي كريب‪ ،‬عن علي بن جعفر‬
‫العبسى‪ ،‬عن الحسن بن الحسين‪ ،‬عن أبيه الحسين بن زيد‪ ،‬عن جعفر بن‬
‫محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي بن ابي طالب عليهم السلم عن النبي‬
‫صلى ال عليه واله قال‪ :‬ثلث من لم تكن فيه فليس مني ول من ال‬
‫عزوجل قيل‪ :‬يا رسول ال وما هن ؟ قال‪ :‬حلم يرد به جهل الجاهل‪،‬‬
‫وحسن خلق يعيش به في الناس‪ ،‬وورع يحجزه عن معاصي ال عزوجل )‬
‫‪ - 50 .(2‬ل‪ :‬أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم رضي ال عنه‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن جده‪ ،‬عن عبد ال بن ميمون‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه عليهما‬
‫السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أربع من كن فيه نشر ال‬
‫عليه كنفه‪ ،‬وأدخله الجنة في رحمته‪ :‬حسن خلق يعيش به في الناس‪،‬‬
‫ورفق بالمكروب‪ ،‬وشفقة على الوالدين‪ ،‬وإحسان إلى المملوك )‪- 51 .(3‬‬
‫ما‪ :‬المفيد‪ ،‬عن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن عيسى عن‬
‫ابن محبوب‪ ،‬عن البطائني‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم‬
‫قال‪ :‬أفضل ما توسل به المتوسلون اليمان بال ورسوله‪ ،‬والجهاد في‬
‫سبيل ال‪ ،‬وكلمة الخلص فانها الفطرة‪ ،‬وإقامة الصلة فانها الملة‪،‬‬
‫وإيتاء الزكاة فانها من فرائض ال وصوم شهر رمضان فانه جنة من‬
‫عذاب ال‪ ،‬وحج البيت فانه ميقاة للدين‪ ،‬ومدحضة للذنب‪ ،‬وصلة الرحم‬
‫فانه مثراة للمال منساة للجل‪ ،‬والصدقة في السر فانها تذهب الخطيئة‪،‬‬
‫وتطفئ غضب الرب‪ ،‬وصنايع المعروف فانها تدفع ميتة السوء وتقي‬
‫مصارع الهوان‪ ،‬أل فاصدقوا فان ال مع من صدق‪ ،‬وجانبوا الكذب فان‬

‫)‪ (1‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .71‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .71‬الخصال ج ‪ 1‬ص‬
‫‪.107‬‬

‫]‪[387‬‬

‫الكذب مجانب اليمان‪ ،‬أل وإن الصادق على شفا منجاة وكرامة‪ ،‬أل وإن الكاذب‬
‫على شفا مخزاة وهلكة‪ ،‬أل وقولوا خيرا تعرفوا به‪ ،‬واعملوا به تكونوا من‬
‫أهله‪ ،‬وأدوا المانة إلى من ائتمنكم‪ ،‬وصلوا من قطعكم‪ ،‬وعودوا بالفضل‬
‫عليهم )‪ .(1‬ع‪ :‬أبي‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن إبراهيم بن مهزيار‪ ،‬عن أخيه علي‪،‬‬
‫عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر رفعه إلى علي بن أبيطالب عليه‬
‫السلم مثله‪ .‬سن‪ :‬أبي‪ ،‬عن حماد‪ ،‬عن إبراهيم بن عمر مثله )‪ (2‬وسيأتي‬
‫في أبواب المواعظ‪ - 52 .‬ل‪ :‬أبي‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال الرازي عن سجادة‪ ،‬عن درست‪ ،‬عن أبي خالد السجستاني‪،‬‬
‫عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬خمس خصال من لم تكن فيه خصلة‬
‫منها فليس فيه كثير مستمتع‪ ،‬أولها الوفاء والثانية التدبير‪ ،‬والثالثة‬
‫الحياء‪ ،‬والرابعة حسن الخلق‪ ،‬والخامسة وهي تجمع هذه الخصال الحرية‬
‫)‪ - 53 .(3‬ل‪ :‬أبي‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن يزيد‪ ،‬عن إسماعيل بن قتيبة‬
‫البصري‪ ،‬عن أبي خالد العجمي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬خمس‬
‫من لم يكن فيه لم يكن فيه كثير مستمتع‪ :‬الدين‪ ،‬والعقل‪ ،‬والدب‪ ،‬والحرية‪،‬‬
‫وحسن الخلق )‪ - 54 .(4‬ل‪ :‬في خبر العمش قال الصادق عليه السلم بعد‬
‫ذكر الئمة عليهم السلم‪ :‬ودينهم الورع والعفة والصدق والصلح‬
‫والجتهاد وأداء المانة إلى البر والفاجر وطول السجود وقيام الليل‬
‫واجتناب المحارم وانتظار الفرج بالصبر وحسن الصحبة وحسن الجوار )‬
‫‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .220‬المحاسن ص ‪ (3) .289‬الخصال ج ‪ 1‬ص‬


‫‪ (4) .137‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .143‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪.79‬‬

‫]‪[388‬‬

‫‪ - 55‬ل‪ :‬أبي‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫سنان قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم ثلث من كن فيه زوجه ال من‬
‫الحور العين كيف شاء‪ :‬كظم الغيظ‪ ،‬والصبر على السيوف ل عزوجل‪،‬‬
‫ورجل أشرف على مال حرام فتركه ل عزوجل )‪ - 56 .(1‬ل‪ :‬عن عبد ال‬
‫بن الصامت‪ ،‬عن أبي ذر رحمة ال عليه قال‪ :‬أوصاني رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله بسبع‪ :‬أوصاني أن أنظر إلى من هو دوني ول أنظر إلى من هو‬
‫فوقي وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم‪ ،‬وأوصاني أن أقول الحق وإن‬
‫كان مرا وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت‪ ،‬وأوصاني أن ل أخاف في‬
‫ال لومة لئم وأوصاني أن أستكثر من قول " ول حول ول قوة إل بال‬
‫العلي العظيم " فانها من كنوز الجنة )‪ .(2‬أقول‪ :‬سيأتي بأسانيده في أبواب‬
‫المواعظ‪ - 57 .‬ل‪ :‬ابن المتوكل‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن ابن هاشم‪ ،‬عن‬
‫القداح‪ ،‬عن الصادق‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن أمير المؤمنين عليهم السلم قال‪ :‬قال‬
‫عيسى بن مريم عليه السلم‪ :‬طوبى لمن كان صمته فكرا‪ ،‬ونظره عبرا‪،‬‬
‫ووسعه بيته‪ ،‬وبكى على خطيئته‪ ،‬وسلم الناس من يده ولسانه )‪- 58 .(3‬‬
‫ما‪ :‬جماعة‪ ،‬عن أبي المفضل‪ ،‬عن إسحاق بن محمد بن مروان‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن يحيى بن سالم الفراء‪ ،‬عن حماد بن عثمان‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن‬
‫آبائه عليهم السلم‪ ،‬عن علي عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله‪ :‬لما اسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا من‬
‫ياقوت أحمر‪ ،‬يرى باطنه من ظاهره لضيائه ونوره‪ ،‬وفيه قبتان من در‬
‫وزبرجد‪ ،‬فقلت‪ :‬يا جبرئيل لمن هذا القصر ؟ قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .43‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .3‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.142‬‬
‫]‪[389‬‬

‫هو لمن أطاب الكلم‪ ،‬وأدام الصيام‪ ،‬وأطعم الطعام‪ ،‬وتهجد بالليل والناس نيام‪ .‬قال‬
‫علي عليه السلم‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول ال وفي امتك من يطيق هذا ؟ فقال‪:‬‬
‫أتدري ما إطابة الكلم ؟ فقلت‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬من صام شهر‬
‫الصبر شهر رمضان ولم يفطر منه يوما‪ ،‬أتدري ما إطعام الطعام ؟ قلت‪:‬‬
‫ال ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬من طلب لعياله ما يكف به وجوههم عن الناس‪،‬‬
‫أتدري ما التهجد بالليل والناس نيام ؟ قلت‪ :‬ال ورسوله أعلم قال‪ :‬من لم‬
‫ينم حتى يصلي العشاء الخرة‪ ،‬والناس من اليهود والنصارى وغيرهم من‬
‫المشركين نيام بينهما )‪ - 59 .(1‬ل‪ :‬أبي‪ ،‬عن سعد والحميري جميعا‪ ،‬عن‬
‫هارون بن مسلم‪ ،‬عن مسعدة بن صدقة‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن آبائه‬
‫عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬آفة الحديث الكذب‪،‬‬
‫وآفة العلم النسيان‪ ،‬وآفة الحلم السفه‪ ،‬وآفة العبادة الفترة وآفة الظرف‬
‫الصلف )‪ ،(2‬وآفة الشجاعة البغي‪ ،‬وآفة السخاء المن‪ ،‬وآفة الجمال‬
‫الخيلء‪ ،‬وآفة الحسب الفخر )‪ - 60 .(3‬سن‪ :‬أبي‪ ،‬عن محمد بن سنان‪،‬‬
‫عن خضر‪ ،‬عمن سمع أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه واله‪ :‬ثلث من كن فيه أو واحدة منهن كان في ظل عرش ال يوم‬
‫ل ظل إل ظله‪ :‬رجل أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لها‪ ،‬ورجل لم‬
‫يقدم رجل حتى يعلم أن ذلك ل رضا أو يحبس‪ ،‬ورجل لم يعب أخاه المسلم‬
‫بعيب حتى ينفي ذلك العيب عن نفسه‪ ،‬فانه ل ينتفي عنه عيب إل بداله‬
‫عيب وكفى بالمرء شغل بنفسه عن الناس )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬امالي الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .73‬الظرف الكياسة‪ ،‬وقيل‪ :‬حسن الوجه‬
‫والهيئة‪ ،‬وقيل‪ :‬البراعة وذكاء القلب‪ ،‬ول يوصف به ال الفتيان ال زوال‬
‫والفتيات الزولت‪ ،‬ل الشيوخ ول السادة‪ ،‬ومن كان بهذه الصفة عجب في‬
‫نفسه وتبختر وجاوز حده فصار مكروها عند الناس‪ (3) .‬الخصال ج ‪2‬‬
‫ص ‪ (4) .43‬المحاسن‪.5 :‬‬

‫]‪[390‬‬

‫‪ - 61‬سن‪ :‬أبي‪ ،‬عن محمد بن سنان‪ ،‬عن معاوية بن وهب‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬من يضمن لي أربعة أضمن له بأربعة أبيات في الجنة‪ :‬أنفق‬
‫ول تخف فقرا وأنصف الناس من نفسك‪ ،‬وأفش السلم في العالم‪ ،‬واترك‬
‫المراء وإن كنت محقا )‪ - 62 .(1‬ين‪ :‬ابن سنان‪ ،‬عن ابن وهب‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬من يضمن‬
‫لي أربعا بأربعة أبيات الخبر‪ - 63 .‬سن‪ :‬أبي‪ ،‬عن ابن يزيد‪ ،‬عن إسماعيل‬
‫بن عتيبة البصري‪ ،‬عن أبي خالد الجهني‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬خمس من لم يكن له لم يتهنأ بالعيش‪ :‬الصحة والمن والغناء‬
‫والقناعة والنيس الموافق )‪ - 64 .(2‬سن‪ :‬أبي‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن‬
‫القداح‪ ،‬عن أبي عبد ال‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم لصحابه‪ :‬أل اخبركم بخمس لو ركبتم فيهن المطي حتى‬
‫تنضوها لم تأتوا بمثلهن ؟ ل يخشى أحدا إل ال وعمله‪ ،‬ول يرجو إل ربه‪،‬‬
‫ول يستحيي العالم إذا سئل عما ل يعلم أن يقول‪ :‬ل علم لي‪ ،‬ول يستحيي‬
‫الجاهل إذا لم يعلم أن يتعلم‪ ،‬والصبر في المور بمنزلة الرأس من الجسد‪،‬‬
‫فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد‪ ،‬فإذا فارق الصبر المور فسدت‬
‫المور )‪ - 65 .(3‬سن‪ :‬أبي‪ ،‬عن محمد بن علي‪ ،‬عن عبد الرحمن بن‬
‫محمد السدي‪ ،‬عن حريب الغزال‪ ،‬عن صدقة القتاب‪ ،‬عن الحسن البصري‬
‫قال‪ :‬كنت مع أبي جعفر عليه السلم بمنى وقد مات رجل من قريش فقال‪:‬‬
‫يابا سعيد قم بنا إلى جنازته فلما دخلنا المقابر قال‪ :‬أل اخبركم بخمس‬
‫خصال هن من البر والبر يدعو إلى الجنة‪ ،‬قلت‪ :‬بلى قال‪ :‬إخفاء المصيبة‬
‫وكتمانها‪ ،‬والصدقة تعطيها بيمينك ل تعلم بها شمالك‪ ،‬وبر الوالدين فان‬
‫برهما ل رضى‪ ،‬والكثار من قول‪ :‬ل حول ول قوة إل بال العلي العظيم‪،‬‬
‫فانه من كنوز الجنة‪ ،‬والحب لمحمد وآل محمد صلى ال‬

‫)‪ (1‬المحاسن‪ 2) .8 :‬و ‪ (3‬المحاسن‪.9 :‬‬

‫]‪[391‬‬

‫عليه وآله أجمعين )‪ - 66 .(1‬سن‪ :‬أبي‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن القداح‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال ال تبارك وتعالى‪ :‬إنما أقبل الصلة لمن‬
‫تواضع لعظمتي‪ ،‬ويكف نفسه عن الشهوات من أجلي‪ ،‬ويقطع نهاره‬
‫بذكري‪ ،‬ول يتعاظم على خلقي‪ ،‬ويطعم الجايع ويكسو العاري‪ ،‬ويرحم‬
‫المصاب‪ ،‬ويؤوي الغريب‪ ،‬فذلك يشرق نوره مثل الشمس‪ ،‬أجعل له في‬
‫الظلمات نورا‪ ،‬وفي الجهالة علما‪ ،‬أكله بعزتي وأستحفظه بملئكتي‬
‫يدعوني فالبيه‪ ،‬ويسألني فاعطيه‪ ،‬فمثل ذلك عندي كمثل جنات الفردوس ل‬
‫ييبس ثمارها‪ ،‬ول تتغير عن حالها )‪ - 67 .(2‬سن‪ :‬بهذا السناد‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده علي بن الحسين عليهم السلم قال‪ :‬قال موسى‬
‫بن عمران عليه السلم‪ :‬يا رب من أهلك الذين تظلهم في ظل عرشك يوم ل‬
‫ظل إل ظلك ؟ قال‪ :‬فأوحى ال إليه‪ :‬الطاهرة قلوبهم والتربة أيديهم )‪(3‬‬
‫الذين يذكرون جللي إذا ذكروا ربهم‪ ،‬الذين يكتفون بطاعتي كما يكتفي‬
‫الصبي الصغير باللبن‪ ،‬الذين يأوون إلى مساجدي كما تأوي النسور إلى‬
‫أوكارها‪ ،‬والذين يغضبون لمحارمي إذا استحلت مثل النمر إذا حرد )‪.(4‬‬
‫‪ - 68‬سن‪ :‬أبي‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬اوصيك يا علي في نفسك بخصال‬
‫فاحفظها اللهم أعنه‪ :‬الولى الصدق فل تخرج من فيك كذب أبدا‪ ،‬والثانية‬
‫الورع فل تجترء على خيانة أبدا‬

‫)‪ (1‬المحاسن‪ (2) .9 :‬المحاسن‪ 16 :‬و ‪ (3) .294‬التربة ايديهم‪ :‬كناية عن الفقر‪،‬‬
‫قال الجوهري‪ :‬ترب الشئ بالكسر ‪ -‬أصابه لتراب‪ ،‬ومنه ترب الرجل‪ :‬إذا‬
‫افتقر كانه لصق بالتراب‪ ،‬يقال‪ :‬تربت يداك وهو على ‪ -‬الدعاء أي ل‬
‫أصبت خيرا‪ ،‬وقال‪ :‬الحرد‪ :‬الغضب‪ ،‬تقول منه حرد ‪ -‬بالكسر ‪ -‬فهو حارد‬
‫وحردان ومنه قيل‪ :‬أسد حارد‪ ،‬منه رحمه ال‪ (4) .‬المحاسن ‪ 16‬و ‪.293‬‬

‫]‪[392‬‬

‫والثالثة الخوف من ال كأنك تراه‪ ،‬والرابعة البكاء ل يبنى لك بكل دمعة بيت في‬
‫الجنة‪ ،‬والخامسة بذلك مالك ودمك دون دينك‪ ،‬والسادسة الخذ بسنتي في‬
‫صلتي وصومي وصدقتي‪ :‬فأما الصلة في الليل والنهار‪ ،‬وأما الصيام‬
‫فثلثة أيام في الشهر‪ :‬الخميس في أول الشهر والربعا في وسط الشهر‪،‬‬
‫والخميس في آخر الشهر والصدقة بجهدك حتى تقول‪ :‬أسرفت ول تسرف‪،‬‬
‫وعليك بصلة الليل يكررها أربعا‪ ،‬وعليك بصلة الزوال‪ ،‬وعليك برفع يديك‬
‫إلى ربك وكثرة تقلبها وعليك بتلوة القرآن على كل حال‪ ،‬وعليك بالسواك‬
‫لكل وضوء‪ ،‬وعليك بمحاسن الخلق فارتكبها‪ ،‬وعليك بمساوي الخلق‬
‫فاجتنبها‪ ،‬فان لم تفعل فل تلومن إل نفسك )‪ - 69 .(1‬سن‪ :‬العباس بن‬
‫الفضل‪ ،‬عن إبراهيم بن محمد‪ ،‬عن موسى بن سابق‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬عن أبيه‬
‫قال‪ :‬إن ال إذا أراد أن يعذب أهل الرض بعذاب قال‪ :‬لو ل الذين يتحابون‬
‫في جللي‪ ،‬ويعمرون مساجدي‪ ،‬ويستغفرون بالسحار لنزلت عذابي )‪.(2‬‬
‫‪ - 70‬سن‪ :‬أبي‪ ،‬عن علي بن النعمان‪ ،‬عن ابن مسكان‪ ،‬عن سليمان بن‬
‫خالد عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬قال‪ :‬أل اخبرك بالسلم وفرعه‬
‫وذروته وسنامه ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬بلى جعلت فداك‪ ،‬قال‪ :‬أما أصله فالصلة‪،‬‬
‫وفرعه فالزكاة وذروته وسنامه الجهاد‪ ،‬قال‪ :‬إن شئت أخبرتك بأبواب‬
‫الخير‪ ،‬قلت‪ :‬نعم جعلت فداك قال‪ :‬الصوم جنة‪ ،‬والصدقة تذهب بالخطيئة‪،‬‬
‫وقيام الرجل في جوف الليل يذكر ال ثم قرأ " تتجافى جنوبهم عن‬
‫المضاجع " )‪ - 71 .(3‬سن‪ :‬الوشاء‪ ،‬عن مثنى‪ ،‬عن منصور بن حازم‬
‫قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬أي العمال أفضل ؟ قال‪ :‬الصلة‬
‫لوقتها‪ ،‬وبر الوالدين‪ ،‬والجهاد‬
‫)‪ (1‬المحاسن‪ (2) .17 :‬المحاسن‪ (3) .53 :‬المحاسن ‪ ،289‬والية في السجدة‪:‬‬
‫‪.16‬‬

‫]‪[393‬‬

‫في سبيل ال )‪ - 72 .(1‬سن‪ :‬أبي‪ ،‬عن النضر‪ ،‬عن يحيى الحلبي‪ ،‬عن مفرق‪ ،‬عن‬
‫أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬إن أفضل العبادة عفة بطن‬
‫وفرج‪ ،‬وما من شئ أحب إلى ال من أن يسئل‪ ،‬وإن أسرع الشر عقوبة‬
‫البغي‪ ،‬وإن أسرع الخير ثوابا البر‪ ،‬وكفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس‬
‫ما يعمى عنه من نفسه‪ ،‬أو ينهى الناس عما ل يستطيع التحول عنه‪ ،‬وأن‬
‫يوذي جليسه في ما ل يعنيه )‪ .(2‬ختص‪ :‬عن الثمالي‪ ،‬عن الباقر والسجاد‬
‫عليهما السلم مثله )‪ - 73 .(3‬سن‪ :‬أبي‪ ،‬عن صفوان‪ ،‬عن إسحاق بن‬
‫عمار عمن سمع أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬ما ضاع مال في بر ول‬
‫بحر إل بتضييع الزكاة‪ ،‬فحصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة‪،‬‬
‫وادفعوا نوايب البليا بالستغفار‪ ،‬الصاعقة ل تصيب ذاكرا‪ ،‬وليس يصاد‬
‫من الطير إل ما ضيع تسبيحه )‪ - 74 .(4‬سن‪ :‬عثمان بن عيسى‪ ،‬عن‬
‫سماعة‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬جمع رسول ال صلى ال عليه‬
‫واله بني عبد المطلب فقال‪ :‬يا بني عبد المطلب أفشوا السلم‪ ،‬وصلوا‬
‫الرحام‪ ،‬وتهجدوا والناس نيام‪ ،‬وأطعموا الطعام‪ ،‬وأطيبوا الكلم تدخلوا‬
‫الجنة بسلم )‪ - 75 .(5‬صح‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬أفضل العمال عند ال إيمان ل شك فيه‪،‬‬
‫وغزو ل غلول فيه‪ ،‬وحج مبرور‪ ،‬و أول من يدخل الجنة شهيد وعبد‬
‫مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده‪ ،‬و رجل عفيف متعفف ذو عبادة‪،‬‬
‫وأول من يدخل النار أمير متسلط لم يعدل‪ ،‬وذو‬

‫)‪ 1‬و ‪ (2‬المحاسن ‪ (3) .292‬الختصاص ‪ (4) .228‬المحاسن ‪ (5) .294‬المحاسن‬


‫‪.387‬‬

‫]‪[394‬‬

‫ثروة من المال لم يعط المال حقه‪ ،‬وفقير فخور )‪ .(1‬جا‪ :‬عمر بن محمد‪ ،‬عن ابن‬
‫مهرويه‪ ،‬عن داود بن سليمان‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم إلى‬
‫قوله ذو عبادة )‪ - 76 .(2‬صح‪ :‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬ل تزال امتي بخير ما تحابوا وأدوا‬
‫المانة واجتنبوا الحرام وقروا الضيف‪ ،‬وأقاموا الصلة‪ ،‬وآتوا الزكاة‪ ،‬فإذا‬
‫لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين )‪ - 77 .(3‬ضا‪ :‬ونروي عن النبي‬
‫صلى ال عليه واله أنه قال‪ :‬بعثت بمكارم الخلق أروي عن العالم عليه‬
‫السلم أن ال جل جلله خص رسله بمكارم الخلق‪ ،‬فامتحنوا أنفسكم فان‬
‫كانت فيكم فاحمدوا ال‪ ،‬وإل فاسألوه وارغبوا إليه فيها‪ ،‬فقال‪ :‬وذكرها‬
‫عشرة‪ :‬اليقين‪ ،‬والقناعة‪ ،‬والبصيرة‪ ،‬والشكر‪ ،‬والحلم‪ ،‬وحسن الخلق‬
‫والسخاء‪ ،‬والغيرة‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬والمروءة‪ ،‬وفي خبر آخر زاد فيها الحياء‪،‬‬
‫و الصدق‪ ،‬وأداء المانة‪ .‬وأروي عن العالم عليه السلم قال‪ :‬ما نزل من‬
‫السماء أجل ول أعز من ثلثة التسليم‪ ،‬والبر‪ ،‬واليقين‪ ،‬وأروي عن العالم‬
‫عليه السلم أنه قال‪ :‬إن ال جل وعل أوحى إلى آدم عليه السلم أن أجمع‬
‫الكلم كله في أربع كلمات فقال‪ :‬يا رب بينهن لي فأوحى ال إليه‪ :‬واحدة‬
‫لي‪ ،‬واخرى لك‪ ،‬واخرى بيني وبينك‪ ،‬واخرى بينك وبين الناس‪ ،‬فالتي لي‬
‫تؤمن بي ول تشرك بي شيئا‪ ،‬والتي لك فاجازيك عنها أحوج ما تكون إلى‬
‫المجازاة‪ ،‬والتي بينك وبيني فعليك الدعاء وعلي الجابة والتي بينك وبين‬
‫الناس فأن ترضى لهم ما ترضى لنفسك‪ ،‬وتكره لهم ما تكرهه لنفسك‪.‬‬

‫)‪ (1‬صحيفة الرضا عليه السلم ص ‪ (2) .3‬مجالس المفيد‪ (3) .67 :‬صحيفة‬
‫الرضا عليه السلم ص ‪.4‬‬

‫]‪[395‬‬

‫وأروي أنه سئل العالم عليه السلم عن خيار العباد فقال‪ :‬الذين إذا أحسنوا‬
‫استبشروا وإذا أساؤا استغفروا‪ ،‬وإذا اعطوا شكروا‪ ،‬وإذا ابتلوا صبروا‪،‬‬
‫وإذا غضبوا عفوا‪ - 78 .‬ع‪ :‬ابن الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن إبراهيم بن‬
‫هاشم‪ ،‬عن إبراهيم بن الهيثم الخفاف‪ ،‬عن رجل من أصحابنا‪ ،‬عن عبد‬
‫الملك بن هشام‪ ،‬عن علي الشعري رفعه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله‪ :‬ما عبد ال بمثل العقل‪ ،‬وما تم عقل امرئ حتى يكون فيه عشر‬
‫خصال‪ :‬الخير منه مأمول والشر منه مأمون‪ ،‬يستقل كثير الخير من عنده‪،‬‬
‫و يستكثر قليل الخير من غيره‪ ،‬ول يتبرم بطلب الحوايج‪ ،‬ول يسأم من‬
‫طلب العلم طول عمره‪ ،‬الفقر أحب إليه من الغنى‪ ،‬والذل أحب إليه من‬
‫العز‪ ،‬نصيبه من الدنيا القوت‪ ،‬والعاشرة وما العاشرة ؟ ل يرى أحدا إل قال‬
‫هو خير مني وأتقى إنما الناس رجلن فرجل هو خير منه وأتقى‪ ،‬وآخر هو‬
‫شر منه وأدنى‪ ،‬فإذا رأى من هو خير منه وأتقى تواضع له ليلحق به‪ ،‬وإذا‬
‫لتقى الذي هو شر منه وأدنى قال‪ :‬عسى أن يكون خير هذا باطنا وشره‬
‫ظاهرا‪ ،‬وعسى أن يختم له بخير‪ ،‬فإذا فعل ذلك فقد عل مجده‪ ،‬وساد أهل‬
‫زمانه )‪ - 79 .(1‬سر‪ :‬ابن محبوب‪ ،‬عن سعد بن أبي خلف‪ ،‬عن أبي‬
‫الحسن موسى عليه السلم قال لبعض ولده‪ :‬يا بني إياك أن يراك ال تعالى‬
‫في معصية نهاك عنها وإياك أن يفقدك ال تعالى عن طاعة أمرك بها‪،‬‬
‫وعليك بالجد ول تخرجن نفسك عن التقصير في عبادة ال تعالى وطاعته‪،‬‬
‫فان ال تعالى ل يعبد حق عبادته‪ ،‬وإياك والمزاح فانه يذهب بنور إيمانك‪،‬‬
‫ويستخف مروتك‪ ،‬وإياك والضجر والكسل فانهما يمنعانك حظ الدنيا‬
‫والخرة‪ - 80 .‬شى‪ :‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬يابا‬
‫محمد عليكم بالورع والجتهاد وأداء المانة‪ ،‬وصدق الحديث‪ ،‬وحسن‬
‫الصحابة لمن صحبكم‪ ،‬وطول‬

‫)‪ (1‬علل الشرايع ج ‪ 1‬ص ‪.110‬‬

‫]‪[396‬‬

‫السجود فان ذلك من سنن الوابين‪ ،‬قال أبو بصير‪ :‬الوابون التوابون )‪- 81 .(1‬‬
‫جا‪ :‬أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبان‪ ،‬عن ابن اورمة‪ ،‬عن إسماعيل‬
‫بن أبان‪ ،‬عن الربيع بن بدر‪ ،‬عن أبي حاتم‪ ،‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬يا أنس أكثر من الطهور يزيد ال في‬
‫عمرك‪ ،‬وإن استطعت أن تكون بالليل والنهار على طهارة فافعل‪ ،‬فانك‬
‫تكون إذا مت على طهارة شهيدا وصل صلة الزوال‪ ،‬فانها صلة الوابين‪،‬‬
‫وأكثر من التطوع تحبك الحفظة وسلم على من لقيت يزيد ال في حسناتك‪،‬‬
‫وسلم في بيتك يزيد ال في بركتك‪ ،‬ووقر كبير المسلمين وارحم صغيرهم‬
‫أجيئ أنا وأنت يوم القيامة كهاتين وجمع بين الوسطى والمسبحة )‪82 .(2‬‬
‫‪ -‬جا‪ :‬الجعابي‪ ،‬عن عبد ال بن بريد العجلي‪ ،‬عن محمد بن أيوب عن‬
‫محمد بن علي بن جعفر‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أخيه موسى بن جعفر‪ ،‬عن آبائه‬
‫صلوات ال عليهم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬أربع من كن‬
‫فيه كتبه ال من أهل الجنة‪ :‬من كان عصمته شهادة أن ل إله إل ال وأني‬
‫محمد رسول ال‪ ،‬ومن إذا أنعم ال عليه بنعمة قال‪ :‬الحمد ل‪ ،‬ومن إذا‬
‫أصاب ذنبا قال‪ :‬أستغفر ال‪ ،‬ومن إذا أصابته مصيبة قال‪ :‬إنا ل وإنا إليه‬
‫راجعون )‪ - 83 .(3‬جا‪ :‬الصدوق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن علي بن إبراهيم‪ ،‬عن‬
‫اليقطيني‪ ،‬عن عثمان بن عيسى‪ ،‬عن سماعة‪ ،‬عن أبي الحسن موسى‬
‫عليه السلم قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬ل تستكثروا كثير الخير‪ ،‬ول تستقلوا قليل‬
‫الذنوب‪ ،‬فان قليل الذنوب تجتمع حتى تكون كثيرا‪ ،‬وخافوا ال عزوجل في‬
‫السر حتى تعطوا من أنفسكم النصف وسارعوا إلى طاعة ال واصدقوا‬
‫الحديث‪ ،‬وأدوا المانة‪ ،‬فانما ذلك لكم ول تدخلوا فيما ل يحل فانما ذلك‬
‫عليكم )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬تفسير العياشي ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .286‬مجالس المفيد ص ‪ (3) .46‬المصدر‪.54 :‬‬
‫)‪ (4‬المصدر‪.102 :‬‬
‫]‪[397‬‬

‫ين‪ :‬عثمان بن عيسى مثله‪ - 84 .‬جا‪ :‬أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن‬
‫ابن معروف‪ ،‬عن ابن مهزيار‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن النضر‪ ،‬عن ابن‬
‫سنان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫واله في خطبة‪ :‬أل اخبركم بخير خلئق الدنيا والخرة ؟ العفو عمن ظلمك‪،‬‬
‫وأن تصل من قطعك‪ ،‬والحسان إلى من أساء إليك‪ ،‬وإعطاء من حرمك‪،‬‬
‫وفي التباغض الحالقة ل أعني حالقة الشعر ولكن حالقة الدين )‪ .(1‬ين‪:‬‬
‫ابن أبي عمير مثله‪ - 85 .‬جا‪ :‬بهذا السناد‪ ،‬عن ابن مهزيار‪ ،‬عن فضالة‪،‬‬
‫عن عجلن أبي صالح قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬أنصف الناس‬
‫من نفسك‪ ،‬وأسهمهم في مالك‪ ،‬وارض لهم بما ترضى لنفسك‪ ،‬واذكر ال‬
‫كثيرا‪ ،‬وإياك والكسل والضجر‪ ،‬فان أبي بذلك كان يوصيني‪ ،‬وبذلك كان‬
‫يوصيه أبوه‪ ،‬وكذلك في صلة الليل إنك إذا كسلت لم تؤد إلى ال حقه‪ ،‬وإن‬
‫ضجرت لم تؤد إلى أحد حقا‪ ،‬وعليك بالصدق والورع وأداء المانة وإذا‬
‫وعدت فل تخلف )‪ - 86 .(2‬جا‪ :‬بهذا السناد‪ ،‬عن ابن مهزيار‪ ،‬عن جعفر‬
‫بن محمد‪ ،‬عن إسماعيل بن عباد‪ ،‬عن بكير‪ ،‬عن أبي عبد ال جعفر بن‬
‫محمد صلوات ال عليهما أنه قال‪ :‬لنحب من شيعتنا من كان عاقل فهما‬
‫فقيها حليما مداريا صبورا صدوقا وفيا‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن ال تبارك وتعالى خص‬
‫النبياء عليهم السلم بمكارم الخلق‪ ،‬فمن كانت فيه فليحمد ال على ذلك‪،‬‬
‫ومن لم تكن فيه فليتضرع إلى ال وليسأله‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬جعلت فداك وما هي‬
‫؟ قال‪ :‬الورع والقنوع والصبر والشكر والحلم والحياء والسخاء‬
‫والشجاعة والغيرة والبر وصدق الحديث وأداء المانة )‪ .(3‬محص‪ :‬عن‬
‫بكير مثله‪.‬‬

‫)‪ (1‬مجالس المفيد ص ‪ (2) .115‬مجالس المفيد ص ‪ (3) .116‬المصدر نفسه ص‬


‫‪.121‬‬

‫]‪[398‬‬

‫‪ - 87‬جا‪ :‬بالسناد‪ ،‬عن علي بن مهزيار‪ ،‬عن علي بن عقبة‪ ،‬عن أبي كهمس عن‬
‫عمر بن سعيد بن هلل قال‪ :‬قلت لبي عبد ال‪ :‬أوصني قال‪ :‬أوصيك‬
‫بتقوى ال‪ ،‬والورع والجتهاد واعلم أنه ل ينفع اجتهاد بل ورع‪ ،‬وانظر‬
‫إلى ما هو دونك ول تنظر إلى من فوقك‪ ،‬فلكثير ما قال ال تعالى لرسوله‬
‫صلى ال عليه واله‪ " :‬فل تعجبك أموالهم ول أولدهم " )‪ (1‬وقال‪ " :‬ل‬
‫تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا " )‪ (2‬وإن‬
‫نازعتك نفسك إلى شئ من ذلك فاعلم أن رسول ال صلى ال عليه واله‬
‫كان قوته الشعير‪ ،‬وحلواؤه التمر إذا وجده‪ ،‬ووقوده السعف‪ ،‬وإذا اصبت‬
‫بمصيبة فاذكر مصابك برسول ال صلى ال عليه واله فان الناس لن‬
‫يصابوا بمثله أبدا )‪ - 88 .(3‬جا‪ :‬بالسناد‪ ،‬عن ابن مهزيار قال‪ :‬أخبرني‬
‫ابن اسحاق الخراساني صاحب كان لنا قال‪ :‬كان أمير المؤمنين علي بن‬
‫أبيطالب عليه السلم يقول‪ :‬ل ترتابوا فتشكوا فتكفروا ول ترخصوا‬
‫لنفسكم فتذهبوا‪ ،‬ول تداهنوا في الحق فتخسروا إن الحزم أن تتفقهوا‪،‬‬
‫ومن الفقه أن ل تغتروا‪ ،‬وإن أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه‪ ،‬وإن أغشكم‬
‫أعصاكم لربه‪ ،‬من يطع ال يأمن ويرشد‪ ،‬ومن يعصه يخب ويندم‪ ،‬واسألوا‬
‫ال اليقين‪ ،‬وارغبوا إليه في العاقبة‪ ،‬وخير ما دار في القلب اليقين أيها‬
‫الناس إياكم والكذب‪ ،‬فان كل راج طالب‪ ،‬وكل خائف هارب )‪ - 89 .(4‬جا‪:‬‬
‫الحسن بن حمزة‪ ،‬عن أحمد بن عبد ال‪ ،‬عن جده البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫ابن يزيد‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن هشام بن سالم‪ ،‬عن الحذاء‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال‪ :‬أل اخبركم بأشد ما افترض ال على خلقه‪:‬‬
‫إنصاف الناس من نفسهم‪ ،‬ومواساة الخوان في ال عزوجل‪ ،‬وذكر ال‬
‫على كل حال‪ ،‬فان عرضت له طاعة ل عمل بها‪ ،‬وإن عرضت له معصية‬
‫تركها )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬براءة‪ (2) .55 :‬طه‪ (3) .131 :‬مجالس المفيد ص ‪ (4) .122‬مجالس المفيد‬
‫ص ‪ (5) .128‬المصدر نفسه ص ‪.195‬‬

‫]‪[399‬‬

‫‪ - 90‬ضه‪ :‬قال سلمان الفارسي رحمة ال عليه‪ :‬أوصاني خليلي رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله بسبع خصال ل أدعهن على كل حال‪ :‬أوصاني أن أنظر إلى‬
‫من هو دوني ول أنظر إلى من هو فوقي‪ ،‬وأن احب الفقراء والدنو منهم‪،‬‬
‫وأن أقول الحق وإن كان مرا‪ ،‬وأن أصل إلى رحمي وإن كانت مدبرة‪ ،‬وأن‬
‫ل أسأل الناس شيئا‪ ،‬وأوصاني أن أقول‪ " :‬ل حول ول قوة إل بال "‬
‫فانها من كنوز الجنة‪ - 91 .‬جع‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬طلبت‬
‫القدر والمنزلة فما وجدت إل بالعلم‪ ،‬تعلموا يعظم قدركم في الدارين‪،‬‬
‫وطلبت الكرامة فما وجدت إل بالتقوى اتقوا لتكرموا‪ ،‬وطلبت الغنى فما‬
‫وجدت إل بالقناعة‪ ،‬عليكم بالقناعة تستغنوا وطلبت الراحة فما وجدت إل‬
‫بترك مخالطة الناس لقوام عيش الدنيا‪ ،‬اتركوا الدنيا ومخالطة الناس‬
‫تستريحوا في الدارين وتأمنوا من العذاب‪ ،‬وطلبت السلمة فما وجدت إل‬
‫بطاعة ال أطيعوا ال تسلموا‪ ،‬وطلبت الخضوع فما وجدت إل بقبول الحق‬
‫اقبلوا الحق فان قبول الحق يبعد من الكبر‪ ،‬وطلبت العيش فما وجدت إل‬
‫بترك الهوى‪ ،‬فاتركوا الهوى ليطيب عيشكم‪ ،‬وطلبت المدح فما وجدت إل‬
‫بالسخاوة كونوا السخياء تمدحوا‪ ،‬وطلبت نعيم الدنيا والخرة فما وجدت‬
‫إل بهذه الخصال التي ذكرناها )‪ - 92 .(1‬بشا‪ :‬محمد بن عبد الوهاب‬
‫الرازي‪ ،‬عن محمد بن أحمد بن الحسين عن محمد بن محمد المقري‪ ،‬عن‬
‫يحيى بن الحسين بن هارون‪ ،‬عن أبي أحمد بن محمد بن علي العبدي‪ ،‬عن‬
‫محمد بن جعفر‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن صفوان قال‪ :‬قال جعفر‬
‫بن محمد عليهما السلم‪ :‬من اعتصم بال عزوجل هدي‪ ،‬ومن توكل على‬
‫ال عزوجل كفي‪ ،‬ومن قنع بما رزقه ال عزوجل أغنى‪ ،‬ومن اتقى ال‬
‫عزوجل نجا فاتقوا ال عباد ال بما استطعتم‪ ،‬وأطيعوا وسلموا المر لهله‬
‫تفلحوا‪ ،‬واصبروا إن ال مع الصابرين " ول تكونوا كالذين نسوا ال‬
‫فأنسيهم أنفسهم " الية " ل‬

‫)‪ (1‬جامع الخبار ‪.144‬‬

‫]‪[400‬‬

‫يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون " )‪- 93 .(1‬‬
‫ختص‪ :‬عن هشام بن سالم قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‬
‫لحمران ابن أعين‪ :‬يا حمران انظر إلى من هو دونك في المقدرة‪ ،‬ول تنظر‬
‫إلى من هو فوقك في المقدرة‪ ،‬فان ذلك أقنع لك بما قسم لك‪ ،‬وأحرى أن‬
‫تستوجب الزيادة من ربك عزوجل‪ ،‬واعلم أن العمل الدائم القليل على‬
‫اليقين أفضل عند ال عزوجل من العمل الكثير على غير يقين‪ ،‬واعلم أنه ل‬
‫ورع أنفع من تجنب محارم ال عزوجل‪ ،‬والكف عن أذى المؤمنين‪،‬‬
‫واغتيابهم‪ ،‬ول عيش أهنأ من حسن الخلق‪ ،‬ول مال أنفع من القنوغ‬
‫باليسير المجزي‪ ،‬ول جهل أضر من العجب )‪ - 94 .(2‬ختص‪ :‬كان رسول‬
‫ال صلى ال عليه واله إذا خطب قال في آخر خطبته‪ :‬طوبى لمن طاب‬
‫خلقه‪ ،‬وطهرت سجيته‪ ،‬وصلحت سريرته‪ ،‬وحسنت علنيته‪ ،‬وأنفق الفضل‬
‫من ماله‪ ،‬وأمسك الفضل من كلمه‪ ،‬وأنصف الناس من نفسه )‪- 95 .(3‬‬
‫كتاب المامة والتبصرة‪ :‬عن القاسم بن علي العلوي‪ ،‬عن محمد بن أبي‬
‫عبد ال‪ ،‬عن سهل بن زياد‪ ،‬عن النوفلي عن السكوني‪ ،‬عن جعفر بن‬
‫محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله مثله إل أن فيه‪ ،‬وأمسك الفضل من قوله‪ .‬ومنه بهذا السناد‪:‬‬
‫طوبى لمن طال عمره‪ ،‬وحسن عمله‪ ،‬فحسن منقلبه‪ ،‬إذ رضي عنه ربه‪،‬‬
‫وويل لمن طال عمره‪ ،‬وساء عمله‪ ،‬وساء منقلبه‪ ،‬إذ سخط عليه ربه‪96 .‬‬
‫‪ -‬ختص‪ :‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن آبائه‬
‫عليهم السلم‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬من أسبغ وضوءه‬
‫وأحسن صلته وأدى زكاة ماله‬
‫)‪ (1‬بشارة المصطفى ص ‪ ،116‬والية في الحشر ‪ 19‬و ‪ (2) .20‬الختصاص‬
‫‪ (3) .227‬الختصاص ‪.228‬‬

‫]‪[401‬‬

‫وكف غضبه وسجن لسانه واستغفر لذنبه وأدى النصيحة لهل بيته فقد استكمل‬
‫حقايق اليمان وأبواب الجنة مفتحة له )‪ - 97 .(1‬مشكوة النوار‪ :‬نقل عن‬
‫المحاسن مثله )‪ - 98 .(2‬ختص‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬ل خير‬
‫في القول إل مع العمل‪ ،‬ول في المنظر إل مع المخبر‪ ،‬ول في المال إل مع‬
‫الجود‪ ،‬ول في الصدق إل مع الوفاء ول في الفقه إل مع الورع‪ ،‬ول في‬
‫الصدقة إل مع النية‪ ،‬ول في الحياة إل مع الصحة ول في الوطن إل مع‬
‫المن والمسرة )‪ - 99 .(3‬كتاب صفات الشيعة‪ :‬للصدوق رحمه ال‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن سعد رفعه‪ ،‬عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قلت‪:‬‬
‫جعلت فداك صف لي شيعتك‪ ،‬قال‪ :‬شيعتنا من ل يعدو صوته سمعه‪ ،‬ول‬
‫شحناؤه بدنه‪ ،‬ول يطرح كله على غيره‪ ،‬ول يسأل غير إخوانه ولو مات‬
‫جوعا‪ ،‬شيعتنا من ل يهر هرير الكلب‪ ،‬ول يطمع طمع الغراب شيعتنا‬
‫الخفية عيشهم‪ ،‬المنتقلة ديارهم‪ ،‬شيعتنا الذين في أموالهم حق معلوم‬
‫ويتواسون وعند الموت ل يجزعون‪ ،‬وفي قبورهم يتزاورن‪ ،‬قال‪ :‬جعلت‬
‫فداك فأين أطلب هؤلء ؟ قال‪ :‬في أطراف الرض‪ ،‬وبين السواق كما قال‬
‫ال عزوجل في كتابه " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " )‪.(4‬‬
‫‪ - 100‬ين‪ :‬فضالة‪ ،‬عن عبد ال بن يزيد‪ ،‬عن علي بن يعقوب قال‪ :‬قال لي‬
‫أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬ل يغرنك الناس من نفسك‪ ،‬فان الجر يصل إليك‬
‫دونهم‪ ،‬ول تقطع عنك النهار بكذا وكذا‪ ،‬فان معك من يحفظ عليك‪ ،‬ول‬
‫تستقل قليل الخير فانك تراه غدا بحيث يسرك‪ ،‬ول تستقل قليل الشر فانك‬
‫تراه غدا بحيث يسوؤك‪ ،‬وأحسن فاني لم أر شيئا أشد طلبا ول أسرع دركا‬
‫من حسنة محدثه لذنب قديم‪ ،‬إن ال‬

‫)‪ (1‬الختصاص‪ (2) .233 :‬مشكوة النوار‪ (3) .39 :‬الختصاص‪ 243 :‬و ‪) .244‬‬
‫‪ (4‬صفات الشيعة ‪ ،169‬والية في المائدة ‪.54‬‬

‫]‪[402‬‬

‫تبارك وتعالى يقول‪ " :‬إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين " )‪.(1‬‬
‫ختص‪ :‬عنه عليه السلم مرسل مثله )‪ - 101 .(2‬ين‪ :‬ابن محبوب‪ ،‬عن‬
‫الثمالي قال‪ :‬سمعت علي بن الحسين عليهما السلم يقول‪ :‬من عمل بما‬
‫افترض ال عليه فهو من خير الناس‪ ،‬ومن اجتنب ما حرم ال عليه فهو‬
‫من أعبد الناس‪ ،‬ومن قنع بما أقسم ال له فهو من أغنى الناس‪- 102 .‬‬
‫ين‪ :‬علي بن النعمان‪ ،‬عن ابن مسكان‪ ،‬عن داود بن فرقد‪ ،‬عن أبي شيبة‬
‫الزهري‪ ،‬عن أحدهما عليهما السلم أنه قال‪ :‬ويل لمن ل يدين ال بالمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬قال‪ :‬ومن قال ل إله إل ال فلن يلج ملكوت‬
‫السماء حتى يتم قوله بعمل صالح‪ ،‬ول دين لمن دان ال بغير إمام عادل‪،‬‬
‫ول دين لمن دان ال بطاعة ظالم‪ ،‬قال‪ :‬وكل قوم ألهاهم التكاثر حتى زاروا‬
‫المقابر‪ ،‬قال‪ :‬ومن أحسن ولم يسئ خير ممن أحسن وأساء‪ ،‬ومن أحسن‬
‫وأساء خير ممن أساء ولم يحسن‪ ،‬وقال‪ :‬والوقوف عند الشبهة خير من‬
‫القتحام في الهلكة‪ - 103 .‬ين‪ :‬النضر‪ ،‬عن عبد ال بن سنان‪ ،‬عن رجل‬
‫من بني هاشم قال‪ :‬سمعته يقول‪ :‬أربع من كن فيه كمل إسلمه‪ ،‬ولو كان‬
‫ما بين قرنه وقدمه خطايا لم ينتقصه ذلك‪ :‬الصدق‪ ،‬والحياء‪ ،‬وحسن‬
‫الخلق‪ ،‬والشكر‪ - 104 .‬محص‪ :‬عن مهزم السدي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬إن شيعتنا من ل يعدو صوته سمعه ول شحمة اذنه ول يمتدح‬
‫بنا معلنا ول يواصل لنا مبغضا‪ ،‬ول يخاصم لنا وليا‪ ،‬ول يجالس لنا عائبا‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬فكيف أصنع بهؤلء المتشيعة ؟ قال‪ :‬فيهم التمحيص‪ ،‬وفيهم‬
‫التمييز‪ ،‬وفيهم التبديل‪ ،‬تأتي عليهم سنون تفنيهم‪ ،‬وطاعون يقتلهم‬
‫واختلف يبددهم‪ ،‬شيعتنا من ل يهر هرير الكلب‪ ،‬ول يطمع طمع الغراب‪،‬‬
‫ول يسأل وإن مات جوعا قلت‪ :‬فأين أطلب هؤلء ؟ قال‪ :‬اطلبهم في أطراف‬
‫الرض اولئك الخفيض عيشهم‪ ،‬المنتقلة ديارهم‪ ،‬الذين إذا شهدوا لم‬
‫يعرفوا‪ ،‬وإذا غابوا لم‬

‫)‪ (1‬هود‪ ،114 :‬والمصدر مخطوط‪ (2) .‬الختصاص ص ‪.231‬‬

‫]‪[403‬‬

‫يفتقدوا‪ ،‬وإن مرضوا لم يعاودوا‪ ،‬وإن خطبوا لم يزوجوا‪ ،‬وإن رأوا منكرا ينكروا‪،‬‬
‫وإن يخاطبهم الجاهل سلموا‪ ،‬وإن لجأ إليهم ذو حاجة منهم رحموا وعند‬
‫الموت هم ل يحزنون‪ ،‬وفي القبور يتزاورون‪ ،‬لم تختلف قلوبهم وإن‬
‫رأيتهم اختلف بهم البلدان )‪ - 105 .(1‬نوادر الراوندي‪ :‬باسناده‪ ،‬عن‬
‫موسى بن جعفر‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله‪ :‬سر سنتين بر والديك‪ ،‬سر سنة صل رحمك‪ ،‬سر ميل عد‬
‫مريضا‪ ،‬سر ميلين شيع جنازة‪ ،‬سر ثلثة أميال أغث ملهوفا‪ ،‬وعليك‬
‫بالستغفار فانه المنجاة )‪ .(2‬وبهذا السناد قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله‪ :‬السابقون إلى ظل العرش طوبى لهم قيل‪ :‬يا رسول ال ومن هم‬
‫؟ فقال‪ :‬الذين يقبلون الحق إذا سمعوه ويبذلونه إذا سئلوه‪ ،‬ويحكمون‬
‫للناس كحكمهم لنفسهم‪ ،‬هم السابقون إلى ظل العرش )‪ .(3‬وبهذا السناد‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬اعطينا أهل البيت سبعا لم يعطهن‬
‫أحد كان قبلنا ول يعطاهن أحد بعدنا‪ .‬الصباحة والفصاحة والسماحة‬
‫والشجاعة والعلم والعمل والمحبة في النساء )‪ (4‬وبهذا السناد عن على‬
‫عليه السلم قال‪ :‬قيل لرسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬ما الذي يباعد‬
‫الشيطان منا ؟ قال‪ :‬الصوم ل يسود وجهه‪ ،‬والصدقة تكسر ظهره‪ ،‬والحب‬
‫في ال تعالى والمواظبة على العمل الصالح يقطع دابره‪ ،‬والستغفار يقطع‬
‫وتينه )‪ .(5‬وبهذا السناد قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬اوصي‬
‫امتي بخمس‪ :‬بالسمع‪ ،‬والطاعة‬

‫)‪ (1‬قد مر هذا الحديث باسانيد مختلفة في باب صفات الشيعة ج ‪ 68‬منها في ص‬
‫‪ 180‬عن الكافي وعليه شرح مستوفى‪ .‬فراجع‪ (2) .‬نوادر الراوندي ص‬
‫‪ 3) .5‬و ‪ (4‬المصدر ص ‪ (5) .15‬المصدر ص ‪.19‬‬

‫]‪[404‬‬

‫والهجرة‪ ،‬والجهاد‪ ،‬والجماعة‪ ،‬ومن دعا بدعاء الجاهلية فله جثوة من جثى جهنم )‬
‫‪ - 106 .(1‬ما‪ :‬جماعة عن أبي المفضل‪ ،‬عن عبد ال بن الحسين بن‬
‫إبراهيم العلوي عن إبراهيم بن أحمد العلوي‪ ،‬عن عمه الحسن بن إبراهيم‪،‬‬
‫عن أبيه إبراهيم‪ ،‬عن أبيه إسماعيل‪ ،‬عن أبيه إبراهيم بن الحسن بن‬
‫الحسن‪ ،‬عن امه فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين بن علي‪ ،‬عن أبيه‬
‫علي بن أبيطالب عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪:‬‬
‫من اعطي أربع خصال في الدنيا فقد اعطي خير الدنيا والخرة‪ ،‬وفاز بحظه‬
‫منهما‪ :‬ورع يعصمه عن محارم ال‪ ،‬وحسن خلق يعيش به في الناس‪،‬‬
‫وحلم يدفع به جهل الجاهل‪ ،‬وزوجة صالحة تعينه على أمر الدنيا والخرة‬
‫)‪ - 107 .(2‬ما‪ :‬جماعة عن أبي المفضل‪ ،‬عن جعفر بن محمد الحسني‪،‬‬
‫عن أحمد بن عبد المنعم‪ ،‬عن محمد بن جعفر‪ ،‬عن أبيه الصادق‪ ،‬عن آبائه‬
‫عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬سيد العمال ثلثة‬
‫إنصاف الناس من نفسك‪ ،‬ومواساة الخ في ال وذكر ال على كل حال )‬
‫‪ - 108 .(3‬ما‪ :‬جماعة عن أبي المفضل‪ ،‬عن حنظلة بن زكريا‪ ،‬عن محمد‬
‫بن على ابن حمزة العلوي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬ل حسب إل بالتواضع‪ ،‬ول كرم‬
‫إل بالتقوى‪ ،‬ول عمل إل بالنية قال‪ :‬وقال رسول ال صلى ال عليه واله‪:‬‬
‫حسب المرء ماله‪ ،‬ومروته عقله‪ ،‬وحلمه شرفه‪ ،‬وكرمه تقواه )‪- 109 .(4‬‬
‫ما‪ :‬جماعة عن أبي المفضل‪ ،‬عن أحمد بن عبد الرحيم‪ ،‬عن اسماعيل بن‬
‫محمد العلوي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده إسحاق بن جعفر‪ ،‬عن أخيه موسى بن‬
‫جعفر قال‪ :‬سمعت أبي جعفر بن محمد عليهما السلم يقول أحسن من‬
‫الصدق قائله‪ ،‬وخير من الخير فاعله‬

‫)‪ (1‬نوادر الراوندي ص ‪ 21‬والجثوة‪ :‬الكومة‪ (2) .‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪.189‬‬
‫)‪ (3‬امالي الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪ (4) .190‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪.203‬‬

‫]‪[405‬‬

‫ثم قال‪ :‬حدثني أبي محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين‪ ،‬عن أبيه الحسين بن‬
‫علي عن أبيه علي عليهم السلم قال‪ :‬سمعت النبي صلى ال عليه واله‬
‫يقول‪ :‬بعثت بمكارم الخلق ومحاسنها وسمعته صلى ال عليه واله يقول‪:‬‬
‫استتمام المعروف أفضل من ابتدائه )‪ - 110 .(1‬ما‪ :‬الحسين بن عبيد ال‬
‫الغضائري‪ ،‬عن التلعكبري‪ ،‬عن محمد بن علي ابن معمر‪ ،‬عن محمد بن‬
‫صدقة‪ ،‬عن الكاظم‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه واله‪ :‬ل تزال امتي بخير ما تحابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة‬
‫وقروا الضيف فان لم يفعلوا ابتلوا بالسنين والجدب )‪ - 111 .(2‬ما‪:‬‬
‫الحسين بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن وهبان‪ ،‬عن أحمد بن إبراهيم عن‬
‫الحسن بن علي الزعفراني‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن‬
‫هشام عن أبي عبيدة الحذاء‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال لي‪ :‬أل‬
‫اخبرك بأشد ما فرض ال على خلقه ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬إن من أشد ما فرض‬
‫ال على خلقه إنصافك الناس من نفسك‪ ،‬ومواساتك أخاك المسلم في مالك‪،‬‬
‫وذكر ال كثيرا أما إني ل أعني سبحان ال والحمد ل‪ ،‬ول إله إل ال‪ ،‬وإن‬
‫كان منه‪ ،‬لكن ذكر ال عند ما أحل وما حرم فان كان طاعة عمل بها‪ ،‬وإن‬
‫كان معصية تركها )‪ - 112 .(3‬ما‪ :‬الحسين‪ ،‬عن ابن وهبان‪ ،‬عن علي بن‬
‫حبشي‪ ،‬عن العباس بن محمد بن الحسين‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن صفوان بن‬
‫يحيى‪ ،‬عن الحسين بن أبي غندر‪ ،‬عن ابن أبي يعفور‪ ،‬عن أبي عبد ال‬
‫عليه السلم قال‪ :‬كمال المؤمن في ثلث خصال‪ :‬تفقه في دينه والصبر‬
‫على النائبة‪ ،‬والتقدير في المعيشة )‪ - 113 .(4‬ما‪ :‬بهذا السناد‪ ،‬عن أبي‬
‫وهبان‪ ،‬عن محمد بن أحمد بن زكريا‪ ،‬عن الحسن بن علي بن فضال‪ ،‬عن‬
‫علي بن عقبة‪ ،‬عن أبي كهمس‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‬

‫)‪ (1‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .209‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .260‬أمالى‬
‫الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪ (4) .278‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪.279‬‬

‫]‪[406‬‬
‫قال‪ :‬قلت له‪ :‬أي العمال هو أفضل بعد المعرفة ؟ قال‪ :‬ما من شئ بعد المعرفة‬
‫يعدل هذه الصلة‪ ،‬ول بعد المعرفة والصلة شئ تعدل الزكاة‪ ،‬ول بعد ذلك‬
‫شئ يعدل الصوم‪ ،‬ول بعد ذلك شئ يعدل الحج‪ ،‬وفاتحة ذلك كله معرفتنا‬
‫وخاتمته معرفتنا‪ ،‬ول شئ بعد ذلك كبر الخوان‪ ،‬والمواساة ببذل الدينار‬
‫والدرهم‪ ،‬فانهما حجران ممسوخان بهما امتحن ال خلقه بعد الذي عددت‬
‫لك‪ ،‬وما رأيت شيئا أسرع غنا ول أنفى للفقر من إدمان حج هذا البيت‪،‬‬
‫وصلة فريضة تعدل عند ال ألف حجة وألف عمره مبرورات متقبلت‪،‬‬
‫والحجة عنده خير من بيت مملو ذهبا ل بل خير من ملء الدنيا ذهبا وفضة‬
‫ينفقه في سبيل ال عزوجل‪ ،‬والذي بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا‬
‫لقضاء حاجة امرئ مسلم وتنفيس كربته أفضل من حجة وطواف وحجة‬
‫وطواف حتى عقد عشرة ثم خل يده وقال‪ :‬اتقوا ال ول تملوا من الخير‪،‬‬
‫ول تكسلوا‪ ،‬فان ال عزوجل ورسوله صلى ال عليه واله غنيان عنكم‬
‫وعن أعمالكم وأنتم الفقراء إلى ال عزوجل وإنما أراد ال عزوجل بلطفه‬
‫سببا يدخلكم به الجنة )‪ .(1‬ورواه‪ ،‬عن جماعة‪ ،‬عن أبي المفضل‪ ،‬عن‬
‫حميد‪ ،‬عن القاسم بن إسماعيل عن زريق عنه عليه السلم مثله‪- 114 .‬‬
‫ما‪ :‬باسناده‪ ،‬عن إبراهيم بن مهزيار‪ ،‬عن جعفر بن بشير‪ ،‬عن سيف عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬من أخرجه ال من ذل المعاصي إلى عز‬
‫التقوى أغناه ال بل مال‪ ،‬وأعزه بل عشيرة‪ ،‬وآنسه بل بشر‪ ،‬ومن خاف‬
‫ال أخاف ال منه كل شئ ومن لم يخف ال أخافه ال من كل شئ‪ ،‬ومن‬
‫رضي باليسير من المعاش رضي ال منه باليسير من العمل‪ ،‬ومن لم‬
‫يستحي من طلب الحلل خفت مؤنته‪ ،‬ونعم أهله ومن زهد في الدنيا أثبت‬
‫ال الحكمة في قلبه وأطلق بها لسانه‪ ،‬وبصره عيوب الدنيا داءها‬
‫ودواءها‪ ،‬وأخرجه ال من الدنيا سالما إلى دار السلم )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .305‬أمالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪332‬‬

‫]‪[407‬‬

‫‪ - 115‬الدرة الباهرة‪ :‬قال أبو محمد العسكري عليه السلم‪ :‬إن للسخاء مقدارا فان‬
‫زاد عليه فهو سرف‪ ،‬وللحزم مقدارا فان زاد عليه فهو حين‪ ،‬وللقتصاد‬
‫مقدارا فان زاد عليه فهو بخل‪ ،‬وللشجاعة مقدارا فان زاد عليه فهو تهور‪،‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬كفاك أدبا‪ ،‬تجنبك ما تكره من غيرك‪ ،‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫من كان الورع سجيته والفضال حليته‪ ،‬انتصر من أعدائه بحسن الثناء‬
‫عليه‪ ،‬وتحصن بالذكر الجميل من وصول نقص إليه‪ - 116 .‬ونقل من خط‬
‫الشهيد ‪ -‬ره ‪ :-‬باسناد المعافا إلى نصر بن كثير قال‪ :‬دخلت على جعفر بن‬
‫محمد عليهما السلم أنا وسفيان الثوري منذ ستين سنة أو سبعين سنة‬
‫فقلت له‪ :‬إني اريد البيت الحرام فعلمني شيئا أدعو به‪ ،‬قال‪ :‬إذا بلغت البيت‬
‫الحرام فضع يدك على حائط البيت ثم قل‪ :‬يا سابق الفوت‪ ،‬ويا سامع‬
‫الصوت‪ ،‬وياكاسي العظام‪ ،‬كما بعد الموت‪ ،‬ثم ادع بعده بما شئت‪ ،‬فقال له‬
‫سفيان‪ :‬شيئا لم أفهمه‪ ،‬فقال‪ :‬يا سفيان أو يا أبا عبد ال إذا جاءك ما تحب‬
‫فأكثر من " الحمد ل " وإذا جاءك ما تكره فأكثر من " ل حول ول قوة إل‬
‫بال " وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الستغفار قال المعافا‪ :‬حكي لي عن‬
‫أبي جعفر الطبري أنه ذكر له هذا الدعاء عن جعفر بن محمد عليهما‬
‫السلم فاستدعا محبرة وصحيفة فكتبه وكان قبل موته بساعة فقيل له‪ :‬في‬
‫هذه الحال ؟ فقال‪ :‬ينبغي النسان أن ل يدع اقتباس العلم حتى يموت‪117 .‬‬
‫‪ -‬دعوات الراوندي‪ :‬عن ربيعة بن كعب قال‪ :‬قال لي ذات يوم رسول ال‬
‫صلى ال عليه واله‪ :‬يا ربيعة خدمتني سبع سنين أفل تسألني حاجة ؟‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول ال أمهلني حتى افكر‪ ،‬فلما أصبحت ودخلت عليه قال لي‪:‬‬
‫يا ربيعة هات حاجتك فقلت‪ :‬تسأل ال أن يدخلني معك الجنة‪ ،‬فقال لي‪ :‬من‬
‫علمك هذا ؟ فقلت‪ :‬يا رسول ال ما علمني أحد لكني فكرت في نفسي‬
‫وقلت‪ :‬إن سألته مال كان إلى نفاد وإن سألته عمرا طويل وأولدا كان‬
‫عاقبتهم الموت‪ ،‬قال ربيعة‪ :‬فنكس صلى ال عليه واله رأسه ساعة ثم‬
‫قال‪ :‬أفعل ذلك‪ ،‬فأعني بكثرة السجود‪.‬‬

‫]‪[408‬‬

‫قال ربيعة‪ :‬وسمعته يقول‪ :‬ما من عبد يقول كل يوم سبع مرات‪ :‬أسأل ال الجنة‪،‬‬
‫وأعوذ به من النار‪ ،‬إل قالت النار‪ :‬يا رب أعذه مني‪ ،‬وسمعته يقول من‬
‫اعطي له خمسا لم يكن له عذر في ترك عمل الخرة‪ :‬زوجة صالحة تعينه‬
‫على أمر دنياه وآخرته‪ ،‬وبنون أبرار‪ ،‬ومعيشة في بلده‪ ،‬وحسن خلق‬
‫يداري به الناس وحب أهل بيتي‪ .‬قال‪ :‬وسمعته يقول‪ :‬عليك باليأس مما في‬
‫أيدي الناس فانه الغنى الحاضر وإياك والطمع في الناس فانه فقر حاضر‪،‬‬
‫وإذا صليت فصل صلة مودع‪ ،‬وإياك وما يعتذر منه‪ ،‬وسمعته يقول‪:‬‬
‫ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالتزموا علي بن أبيطالب عليه السلم‬
‫الخبر بتمامه‪ .‬وقال الصادق عليه السلم‪ :‬من صدق لسانه زكى عمله‪،‬‬
‫ومن حسنت نيته زيد في عمره‪ ،‬ومن حسن بره أهل بيته زيد في رزقه‪.‬‬
‫‪ - 118‬كنز الكراجكى‪ :‬جاء في الحديث‪ ،‬عن المام الصادق عليه السلم‬
‫أنه قال‪ :‬تكلم أمير المؤمنين عليه السلم بأربع وعشرين كلمة قيمة كل‬
‫كلمة منها وزن السماوات والرض‪ ،‬قال‪ :‬رحم ال امرءا سمع ]حكما[‪،‬‬
‫فوعى‪ ،‬ودعي إلى رشاد فدنا وأخذ بحجزة هاد فنجا‪ ،‬راقب ربه‪ ،‬وخاف‬
‫ذنبه‪ ،‬قدم خالصا‪ ،‬وعمل صالحا اكتسب مذخورا‪ ،‬واجتنب محذورا‪ ،‬رمى‬
‫غرضا‪ ،‬وأخذ عوضا‪ ،‬كابر هواه‪ ،‬وكذب مناه حذر أمل ورتب عمل‪ ،‬جعل‬
‫الصبر رغبة حياته‪ ،‬والتقى عدة وفاته‪ ،‬يظهر دون ما يكتم‪ ،‬ويكتفي بأقل‬
‫مما يعلم‪ ،‬لزم الطريقة الغراء‪ ،‬والمحجة البيضاء اغتنم المهل‪ ،‬وبادر‬
‫الجل‪ ،‬وتزود من العمل‪ - 119 .‬مشكوة النوار‪ :‬نقل من المحاسن‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬لم ينزل من السماء شئ أقل ول أعز من‬
‫ثلثة أشياء‪ :‬التسليم والبر واليقين )‪ - 120 .(1‬نهج‪ :‬قال أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم‪ :‬كن في الفتنة كابن اللبون‪ ،‬ل ظهر فيركب‪ ،‬ول ضرع فيحلب‪.‬‬

‫)‪ (1‬مشكاة النوار ص ‪.27‬‬

‫]‪[409‬‬

‫وقال عليه السلم‪ :‬الصبر شجاعة‪ ،‬والزهد ثروة‪ ،‬والورع جنة‪ ،‬ونعم القرين‬
‫الرضا‪ ،‬والعلم وراثة كريمة‪ ،‬والداب حلل مجددة‪ ،‬والفكر مرآة صافية‪،‬‬
‫وصدر العاقل صندوق سره‪ ،‬والبشاشة حبالة المودة‪ ،‬والحتمال قبر‬
‫العيوب‪ ،‬وفي رواية اخرى والمسالمة خبء العيوب‪ ،‬والصدقة دواء‬
‫منجح‪ ،‬وأعمال العباد في عاجلهم نصب أعينهم في آجلهم )‪- 121 .(1‬‬
‫نهج‪ :‬سئل عليه السلم عن الخير ما هو ؟ فقال‪ :‬ليس الخير أن يكثر مالك‬
‫وولدك‪ ،‬ولكن الخير أن يكثر علمك وعملك‪ ،‬وأن يعظم حلمك‪ ،‬وأن تباهي‬
‫الناس بعبادة ربك‪ ،‬فان أحسنت حمدت ال‪ ،‬وإن أسأت استغفرت ال‪ ،‬ول‬
‫خير في الدنيا إل لرجلين‪ :‬رجل أذنب ذنبا فهو يتداركها بالتوبة‪ ،‬ورجل‬
‫يسارع في الخيرات‪ ،‬ول يقل عمل مع التقوى‪ .‬وكيف يقل ما يتقبل )‪.(2‬‬
‫‪ - 122‬وقال عليه السلم‪ :‬ل مال أعود من العقل‪ ،‬ول وحدة أوحش من‬
‫العجب ول عقل كالتدبير‪ ،‬ول كرم كالتقوى‪ ،‬ول قرين كحسن الخلق‪ ،‬ول‬
‫ميراث كالدب‪ ،‬ول قائد كالتوفيق‪ ،‬ول تجارة كالعمل الصالح‪ ،‬ول ربح‬
‫كالثواب‪ ،‬ول ورع كالوقوف عند الشبهة‪ ،‬ول زهد كالزهد في الحرام‪ ،‬ول‬
‫علم كالتفكر‪ ،‬ول عبادة كأداء الفرائض‪ ،‬ول إيمان كالحياء والصبر‪ ،‬ول‬
‫حسب كالتواضع‪ ،‬ول شرف كالعلم‪ ،‬ول مظاهرة أوثق من المشاورة )‪.(3‬‬
‫‪ - 123‬نهج‪ :‬قال عليه السلم‪ :‬طوبى لمن ذل في نفسه‪ ،‬وطاب كسبه‪،‬‬
‫وصلحت سريرته‪ ،‬وحسنت خليقته‪ ،‬وأنفق الفضل من ماله‪ ،‬وأمسك الفضل‬
‫من لسانه وعزل عن الناس شره‪ ،‬ووسعته السنة‪ ،‬ولم ينتسب إلى البدعة‬
‫)‪ - 124 .(4‬نهج قال عليه السلم‪ :‬من اعطي أربعا لم يحرم أربعا‪ :‬من‬
‫اعطي الدعاء‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة تحت الرقم ‪ 6 - 1‬من الحكم‪ (2) .‬نهج البلغة تحت الرقم ‪ 94‬من‬
‫الحكم‪ (3) .‬المصدر الرقم ‪ 113‬من الحكم‪ (4) .‬المصدر تحت الرقم ‪123‬‬
‫من الحكم وفى الصل‪ :‬ولم يعدها الى بدعة خ ل‪.‬‬
‫]‪[410‬‬

‫يحرم الجابة‪ ،‬ومن اعطي التوبة لم يحرم القبول‪ ،‬ومن اعطي الستغفار لم يحرم‬
‫المغفرة‪ ،‬ومن اعطي الشكر لم يحرم الزيادة‪ ،‬وتصديق ذلك في كتاب ال‬
‫سبحانه قال ال عزوجل في الدعاء‪ " :‬ادعوني أستجب لكم " )‪ (1‬وقال‬
‫في الستغفار‪ " :‬ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر ال يجد ال‬
‫غفورا رحيما " )‪ (2‬وقال في الشكر‪ " :‬لئن شكرتم لزيدنكم " )‪ (3‬وقال‬
‫في التوبة‪ " :‬إنما التوبة على ال للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون‬
‫من قريب فاولئك يتوب ال عليهم وكان ال عليما حكيما " )‪- 125 .(4‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬الجود حارس العراض‪ ،‬والحلم فدام السفيه )‪(5‬‬
‫والعفو زكاة الظفر‪ ،‬والسلو عوضك ممن قدر‪ ،‬والستشارة عين الهداية‪،‬‬
‫وقد خاطر من استغنى برأيه‪ ،‬والصبر يناضل الحدثان‪ ،‬والجزع من أعوان‬
‫الزمان وأشرف الغنى ترك المنى‪ ،‬وكم عن عقل أسير تحت هوى أمير‪،‬‬
‫ومن التوفيق حفظ التجربة‪ ،‬والمودة قرابة مستفادة‪ ،‬ول تأمنن ملول )‪.(6‬‬
‫‪ - 126‬وقال عليه السلم‪ :‬بكثرة الصمت تكون الهيبة‪ ،‬وبالنصفة يكثر‬
‫الواصلون وبالفضال تعظم القدار‪ ،‬وبالتواضع تتم النعمة‪ ،‬وباحتمال‬
‫المؤن يجب السؤدد وبالسيرة العادلة يقهر المناوي‪ ،‬وبالحلم عن السفيه‬
‫يكثر النصار عليه )‪ - 127 .(7‬وقال عليه السلم‪ :‬المؤمن بشره في‬
‫وجهه‪ ،‬وحزنه في قلبه‪ ،‬أوسع شئ صدرا وأذل شئ نفسا‪ ،‬يكره الرفعة‪،‬‬
‫ويشنأ السمعة‪ ،‬طويل غمه‪ ،‬بعيد همه‪ ،‬كثير‬

‫)‪ (1‬غافر‪ (2) .60 :‬النساء ‪ (3) .110‬ابراهيم‪ (4) .7 :‬النساء‪ ،16 :‬والكلم في‬
‫المصدر تحت الرقم ‪ 135‬من الحكم‪ (5) .‬الفدام‪ :‬المصفاة تجعل على فم‬
‫البريق ليصفى به ما فيه والسلو‪ :‬الذهول والتناسى‪ (6) .‬المصدر تحت‬
‫الرقم ‪ 211‬من الحكم‪ (7) .‬المصدر تحت الرقم ‪ 224‬من الحكم‪.‬‬

‫]‪[411‬‬

‫صمته‪ ،‬مشغول وقته‪ ،‬شكور‪ ،‬صبور‪ ،‬مغمور بفكرته‪ ،‬ضنين بخلته‪ ،‬سهل الخليقة‬
‫لين العريكة‪ ،‬نفسه أصلب من الصلد‪ ،‬وهو أذل من العبد )‪ - 128 .(1‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬ل شرف أعلى من السلم‪ ،‬ول عز أعز من التقوى ول معقل‬
‫أحسن من الورع‪ ،‬ول شفيع أنجح من التوبة‪ ،‬ول كنز أغنى من القناعة‬
‫ول مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت‪ ،‬ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد‬
‫انتظم الراحة وتبوء خفض الدعة‪ ،‬والرغبة مفتاح النصب ومطية التعب‪،‬‬
‫والحرص والكبر والحسد دواع إلى التقحم في الذنوب‪ ،‬والشر جامع‬
‫لمساوي العيوب )‪ - 129 .(2‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا كان في الرجل خلة‬
‫رائعة فانتظر أخواتها )‪ - 130 .(3‬في القاصعة‪ (4) :‬فتعصبوا لخلل‬
‫الحمد‪ :‬من الحفظ للجوار والوفاء بالذمام‪ ،‬والطاعة للبر‪ ،‬والمعصية للكبر‪،‬‬
‫والخذ بالفضل‪ ،‬والكف عن البغي‪ ،‬والعظام للقتل‪ ،‬والنصاف للخلق‪،‬‬
‫والكظم للغيظ‪ ،‬واجتناب الفساد في الرض‪ ،‬واحذروا ما نزل بالمم قبلكم‬
‫من المثلت بسوء الفعال‪ ،‬وذميم العمال‪ ،‬فتذكروا في الخير والشر‬
‫أحوالهم واحذروا أن تكونوا أمثالهم‪ ،‬فإذا تفكرتم في تفاوت حاليهم فالزموا‬
‫كل أمر لزمت العزة به شأنهم‪ ،‬وزاحت العداء له عنهم‪ ،‬ومدت العافية‬
‫عليهم‪ ،‬وانقادت النعمة له معهم‪ ،‬ووصلت الكرامة عليه حبلهم‪ ،‬من‬
‫الجتناب للفرقة‪ ،‬واللزوم لللفة‪ ،‬والتحاض عليها‪ ،‬والتواصي بها واجتنبوا‬
‫كل أمر كسر فقرتهم‪ ،‬وأوهن منتهم‪ ،‬من تضاغن القلوب‪ ،‬وتشاحن‬
‫الصدور‪ ،‬وتدابر النفوس‪ ،‬وتخاذل اليدي‪ ،‬إلى آخر ما مر في المجلد‬
‫الخامس‪ - 131 .‬كتاب فضايل الشهر الثلثة‪ :‬عن محمد بن علي‬
‫ماجيلويه‪ ،‬عن عمه محمد بن أبي القاسم‪ ،‬عن أحمد بن أبي عبد ال‬
‫البرقي‪ ،‬عن محمد بن علي القرشي‪ ،‬عن‬

‫)‪ (1‬نهج البلغة تحت الرقم ‪ 333‬من الحكم‪ (2) .‬المصدر تحت الرقم ‪ 371‬من‬
‫الحكم‪ (3) .‬المصدر تحت الرقم ‪ 445‬من الحكم‪ (4) .‬الخطبة القاصعة‬
‫تحت الرقم ‪(*) .190‬‬

‫]‪[412‬‬

‫محمد بن سنان‪ ،‬عن زياد بن المنذر‪ ،‬عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬لما كلم ال عزوجل موسى بن عمران عليه السلم قال موسى‪:‬‬
‫إلهي ما جزاء من شهد أني رسولك ونبيك‪ ،‬وأنك كلمتني ؟ قال‪ :‬يا موسى‬
‫تأتيه ملئكتي فتبشره بجنتي‪ .‬قال موسى‪ :‬إلهي فما جزاء من قام بين يديك‬
‫فصلى ؟ فقال‪ :‬يا موسى اباهي به ملئكتي راكعا وساجدا وقائما وقاعدا‬
‫ومن باهيت به ملئكتي ل اعذبه‪ .‬قال موسى‪ :‬إلهي فما جزاء من أطعم‬
‫مسكينا ابتغاء وجهك ؟ قال‪ :‬يا موسى آمر مناديا ينادي يوم القيامة على‬
‫رؤس الخلئق‪ :‬إن فلن بن فلن من عتقاء ال من النار‪ .‬قال موسى‪ :‬إلهي‬
‫فما جزاء من وصل رحمه ؟ قال‪ :‬يا موسى انسئ في عمره واهون عليه‬
‫سكرات الموت‪ ،‬ويناديه خزنة الجنة‪ :‬هلم إلينا فادخل من أي أبوابها شئت‪.‬‬
‫قال موسى‪ :‬إلهي فما جزاء من كف أذاه عن الناس وبذل معروفه ؟ قال‪ :‬يا‬
‫موسى يناجيه النار يوم القيامة‪ :‬ل سبيل لي إليك‪ .‬قال موسى‪ :‬إلهي ما‬
‫جزاء من ذكرك بلسانه وقلبه ؟ قال‪ :‬يا موسى اظله يوم القيامة بظل‬
‫عرشي‪ ،‬وأجعله في كنفي‪ .‬قال‪ :‬إلهي فما جزاء من تل حكمتك سرا‬
‫وجهرا ؟ قال‪ :‬يا موسى يمر على الصراط كالبرق‪ .‬قال موسى‪ :‬فما جزاء‬
‫من صبر على أذى الناس وشتمهم ؟ قال‪ :‬اعينه على أهوال يوم القيامة‪.‬‬
‫قال‪ :‬إلهي فما جزاء من دمعت عيناه من خشيتك ؟ قال‪ :‬يا موسى آمن‬
‫وجهه من حر النار واؤمنه يوم الفزع الكبر‪ .‬قال‪ :‬إلهي فما جزاء من‬
‫صبر عند مصيبته وأنفذ أمرك ؟ قال‪ :‬يا موسى له بكل نفس يتنفسه درجة‬
‫في الجنة والدرجة خير من الدنيا وما فيها‪.‬‬

‫]‪[413‬‬

‫قال‪ :‬إلهي فما جزاء من صبر على فرائضك ؟ قال‪ :‬يا موسى له بكل فريضة يؤديها‬
‫درجة من درجات العلى‪ .‬قال‪ :‬إلهي فما جزاء من مشى في ظلمة الليل إلى‬
‫طاعتك ؟ قال‪ :‬اوجب له النور الدائم يوم القيامة ويكتب له من الحسنات‬
‫بعدد كل شئ مر عليه سواد الليل وضوء القمر ونور الكواكب‪ .‬قال‪ :‬إلهي‬
‫فما جزاء من لم يكف عن معاصيك ؟ قال‪ :‬يا موسى اعطيه كتابه بشماله‬
‫من وراء ظهره‪ .‬قال‪ :‬إلهي فما جزاء من زنا فرجه ؟ قال‪ :‬يدخن يوم‬
‫القيامة بدخان أنتن من ريح الجيف ويرفع فوق الناس‪ .‬قال‪ :‬إلهي فما‬
‫جزاء من أحب أهل طاعتك لحبك ؟ قال‪ :‬يا موسى احرمه على ناري‪ .‬قال‪:‬‬
‫إلهى فما جزاء من لم يصر لسانه عن ذكرك والتضرع والستكانة لك في‬
‫الدنيا ؟ قال‪ :‬يا موسى اعينه على شدائد الخرة‪ .‬قال‪ :‬إلهي فما جزاء من‬
‫قتل مؤمنا متعمدا ؟ قال‪ :‬ل أنظر إليه يوم القيامة ول أقيله عثرته‪ .‬قال‪:‬‬
‫إلهي فما جزاء من دعا نفسا كافرة إلى السلم ؟ قال‪ :‬يا موسى آذن له‬
‫يوم القيامة في الشفاعة لمن يريد‪ .‬قال‪ :‬إلهي فما جزاء من دعا نفسا‬
‫مسلمة إلى طاعتك ونهاها عن معصيتك ؟ قال‪ :‬يا موسى أحشره يوم‬
‫القيامة في زمرة المتقين‪ .‬قال‪ :‬إلهي فما جزاء من صلى الصلة لوقتها لم‬
‫يشغله عن وقتها دنيا ؟ قال‪ :‬يا موسى اعطيه سؤله وابيحه جنتي‪ .‬قال‪:‬‬
‫إلهي فما جزاء من كفل اليتيم ؟ قال‪ :‬اظله يوم القيامة في ظل عرشي‪.‬‬

‫]‪[414‬‬

‫قال‪ :‬فما جزاء من أتم الوضوء من خشيتك ؟ قال‪ :‬يا موسى أبعثه يوم القيامة له‬
‫نور يتلل بين عينيه‪ .‬قال‪ :‬إلهي فما جزاء من صام شهر رمضان يريد به‬
‫الناس ؟ قال‪ :‬يا موسى ثوابه كثواب من لم يصمه‪ .‬قال‪ :‬إلهي فما جزاء من‬
‫صام في بياض النهار يلتمس بذلك رضاك ؟ قال‪ :‬يا موسى له جنتي وله‬
‫المان من كل خوف والعتق من النار )‪ - 132 .(1‬كتاب المامة والتبصرة‪:‬‬
‫لعلي بن بابويه‪ ،‬عن سهل بن أحمد عن محمد بن محمد بن الشعث‪ ،‬عن‬
‫موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر‪ ،‬عن أبيه عن آبائه عليهم السلم‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه واله‪ :‬الرفق كرم‪ ،‬والحلم زين‪ ،‬والصبر‬
‫خير مركب‪.‬‬
‫)‪ (1‬قد مر الحديث مختصرا تحت الرقم ‪ 46‬من المالى‪.‬‬

‫]‪[415‬‬

‫كلمة المصحح‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل‪ ،‬والصلة والسلم على رسول‬
‫ال‪ ،‬محمد وآله امناء ال‪ .‬وبعد‪ :‬فمن سعادتي الخالدة ‪ -‬والشكر لواهبها‬
‫ومنعمها ‪ -‬أن وفقني ال العزيز لخدمة الدين القويم‪ ،‬والخوض في تراثه‬
‫الذهبي الخالد القيم‪ ،‬تحقيقا لثار الوحي والرسالة‪ ،‬وتصحيحها وتبريزها‬
‫بصورة تناسب أدنى شأنها‪ .‬وفي مقدمها هذه الموسوعة الكبرى بحار‬
‫النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار‪ ،‬الباحث عن المعارف‬
‫السلمية‪ ،‬الدائرة بين المسلمين‪ ،‬فلله المن والشكر على توفيقه لذلك‪.‬‬
‫وهذا الجزء الذي نقدمه إلى القراء الكرام هو الجزء الثالث من المجلد‬
‫الخامس عشر وقد اعتمدنا في تصحيح الحاديث وتحقيقها على النسخة‬
‫المصححة المشهورة بكمباني بعد تخريجها من المصادر‪ ،‬وتعيين موضع‬
‫النص منها‪ ،‬إل في المصادر المخطوطة أما من الباب ‪) 38‬أعني الجزء‬
‫الثاني من المجلد الخامس عشر( فقد قابلناها على نسخة الصل أيضا‬
‫والنسخة لخزانة كتب الحبر الفاضل حجة السلم الحاج الشيخ حسن‬
‫المصطفوى دام إفضاله‪ ،‬وسيأتي مزيد توضيح مع صورة فتوغرافية منها‬
‫في صدر الجزء التالي )الجزء ‪ (70‬من هذه الطبعة النفيسة الرائقة إنشاء‬
‫ال تعالى‪ .‬نرجو من ال العزيز أن يوفقنا لتمام ذلك ويعيننا في إخراج‬
‫سائر أجزائه متواليا متواترا‪ ،‬وأن يعصمنا عن الزلل والخطأ‪ ،‬إنه ولي‬
‫العصمة والتوفيق‪ .‬جمادى الثانية ‪ 1386‬محمد الباقر البهبودى‬

‫]‪[416‬‬

‫بسمه تعالى إلى هنا انتهى الجزء الثالث من المجلد الخامس عشر وهو الجزء‬
‫السادس والستون حسب تجزئتنا يحتوي على أحد عشر بابا‪ .‬ولقد بذلنا‬
‫الجهد في تصحيحه ومقابلته فخرج بعون الطهار‪ ،‬الباحث عن المعارف‬
‫السلمية‪ ،‬الدائرة بين المسلمين‪ ،‬فلله المن والشكر على توفيقه لذلك‪.‬‬
‫وهذا الجزء الذي نقدمه إلى القراء الكرام هو الجزء الثالث من المجلد‬
‫الخامس عشر وقد اعتمدنا في تصحيح الحاديث وتحقيقها على النسخة‬
‫المصححة المشهورة بكمباني بعد تخريجها من المصادر‪ ،‬وتعيين موضع‬
‫النص منها‪ ،‬إل في المصادر المخطوطة أما من الباب ‪) 38‬أعني الجزء‬
‫الثاني من المجلد الخامس عشر( فقد قابلناها على نسخة الصل أيضا‬
‫والنسخة لخزانة كتب الحبر الفاضل حجة السلم الحاج الشيخ حسن‬
‫المصطفوى دام إفضاله‪ ،‬وسيأتي مزيد توضيح مع صورة فتوغرافية منها‬
‫في صدر الجزء التالي )الجزء ‪ (70‬من هذه الطبعة النفيسة الرائقة إنشاء‬
‫ال تعالى‪ .‬نرجو من ال العزيز أن يوفقنا لتمام ذلك ويعيننا في إخراج‬
‫سائر أجزائه متواليا متواترا‪ ،‬وأن يعصمنا عن الزلل والخطأ‪ ،‬إنه ولي‬
‫العصمة والتوفيق‪ .‬جمادى الثانية ‪ 1386‬محمد الباقر البهبودى‬

‫]‪[416‬‬

‫بسمه تعالى إلى هنا انتهى الجزء الثالث من المجلد الخامس عشر وهو الجزء‬
‫السادس والستون حسب تجزئتنا يحتوي على أحد عشر بابا‪ .‬ولقد بذلنا‬
‫الجهد في تصحيحه ومقابلته فخرج بعون ال ومشيته نقيا من الغلط إل‬
‫نزرا زهيدا زاغ عنه البصر وحسر عنه النظر‪ ،‬وبال العصمة والعتصام‪.‬‬
‫السيد ابراهيم الميانجى * محمد الباقر البهبودى‬

‫مكتبة يعسوب الدين عليه السلم اللكترونية‬

You might also like