Professional Documents
Culture Documents
][1
بحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار تأليف العلم العلمة الحجة فخر
المة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي " قدس ال سره " الجزء السابع
والستون دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان الطبعة الثالثة المصححة
1403ه 1983 -م
][1
بسم ال الرحمن الرحيم )) * (39باب( * * " )العدالة والخصال التى من كانت
فيه( " * * " )ظهرت عدالته ،ووجبت اخوته ،وحرمت غيبته( " * - 1
ل :أحمد بن إبراهيم بن بكر عن زيد بن محمد البغدادي ،عن عبد ال ابن
أحمد بن عامر ،عن أبيه ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :من عامل الناس فلم يظلمهم ،وحدثهم فلم
يكذبهم ،ووعدهم فلم يخلفهم ،فهو ممن كملت مروته ،وظهرت عدالته،
ووجبت اخوته ،و حرمت غيبته ) .(1ن :بالسانيد الثلثة مثله ) .(2صح:
عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم مثله ) - 2 .(3ل :أبي ،عن الكمنداني،
عن ابن عيسى ،عن ابن أبي عمير ،عن عبد ال ابن سنان ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :ثلث من كن فيه أو جبن له أربعا على الناس :من إذا
حدثهم لم يكذبهم ،وإذا خالطهم لم يظلمهم ،وإذا وعدهم لم يخلفهم
) (1الخصال ج 1ص (2) .97عيون أخبار الرضا ج 2ص (3) .30صحيفة
الرضا عليه السلم ص .7
][2
وجب أن يظهر في الناس عدالته ،ويظهر فيهم مروته ،وأن تحرم عليهم غيبته،
وأن تجب عليهم اخوته ) - 3 .(1لى :ابن مسرور ،عن ابن عامر ،عن
عمه ،عن الزدي ،عن إبراهيم ابن زياد الكرخي ،عن الصادق عليه السلم
قال :من صلى خمس صلوات في اليوم والليلة في جماعة فظنوا به خيرا،
وأجيزوا شهادته ) - 4 .(2لى :أبي ،عن ابن قتيبة ،عن حمدان بن
سليمان ،عن نوح بن شعيب ،عن محمد بن إسماعيل ،عن صالح ،عن
علقمة قال :قال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلم :وقد قلت له :يابن
رسول ال أخبرني عمن تقبل شهادته ،ومن ل تقبل فقال :يا علقمة كل من
كان على فطرة السلم جازت شهادته ،قال :فقلت له :تقبل شهادة مقترف
بالذنوب ؟ فقال :يا علقمة لو لم يقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إل
شهادات النبياء والوصياء صلوات ال عليهم ،لنهم هم المعصومون
دون سائر الخلق ،فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه بذلك
شاهدان ،فهو من أهل العدالة والستر ،وشهادته مقبولة ،وإن كان في
نفسه مذنبا ومن اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولية ال عزوجل داخل في
ولية الشيطان ،ولقد حدثني أبي ،عن أبيه ،عن آبائه عليهم السلم أن
رسول ال صلى ال عليه وآله قال :من اغتاب مؤمنا بما فيه ،لم يجمع ال
بينهما في الجنة أبدا ،ومن اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة
بينهما وكان المغتاب في النار خالدا فيها وبئس المصير .قال علقمة :فقلت
للصادق عليه السلم :يا ابن رسول ال إن الناس ينسبوننا إلى عظائم
المور ،وقد ضاقت بذلك صدورنا ،فقال عليه السلم :يا علقمة إن رضا
الناس ل يملك ،وألسنتهم ل تضبط ،وكيف تسلمون مما لم يسلم منه أنبياء
ال ورسله وحجج ال عليهم السلم ألم ينسبوا يوسف عليه السلم إلى أنه
هم بالزنا ؟ ألم ينسبوا أيوب عليه السلم إلى أنه ابتلى بذنوبه ؟ ألم ينسبوا
داود عليه السلم إلى أنه تبع الطير حتى
][3
نظر إلى امرأة اوريا فهويها ،وأنه قدم زوجها أمام التابوت حتى قتل ثم تزوج بها ؟
ألم ينسبوا موسى عليه السلم إلى أنه عنين وآذوه حتى برأه ال مما
قالوا ؟ وكان عند ال وجيها ،ألم ينسبوا جميع أنبياء ال إلى أنهم سحرة
طلبة الدنيا ؟ ألم ينسبوا مريم بنت عمران عليهما السلم إلى أنها حملت
بعيسى من رجل نجار اسمه يوسف ؟ ألم ينسبوا نبينا محمدا صلى ال
عليه وآله إلى أنه شاعر مجنون ؟ ألم ينسبوه إلى أنه هوي امرأة زيد بن
حارثة فلم يزل بها حتى استخلصها لنفسه ؟ ألم ينسبوه يوم بدر ،إلى أنه
أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء حتى أظهره ال عزوجل على القطيفة
وبرء نبيه عليه السلم من الخيانة وأنزل بذلك في كتابه " وما كان لنبي
أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيمة " ) (1ألم ينسبوه إلى أنه عليه
السلم ينطق عن الهوى في ابن عمه علي عليه السلم حتى كذبهم ال
عزوجل فقال سبحانه " :وما ينطق عن الهوى إن هو إل وحي يوحى " )
(2ألم ينسبوه إلى الكذب في قوله أنه رسول من ال إليهم حتى أنزل ال
عزوجل عليه " ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا واوذوا
حتى أتيهم نصرنا " ) (3ولقد قال يوما :عرج بي البارحة إلى السماء،
فقيل :وال ما فارق فراشه طول ليلته .وما قالوا في الوصياء أكثر من
ذلك ،ألم ينسبوا سيد الوصياء عليه السلم إلى أنه كان يطلب الدنيا
والملك ؟ وأنه كان يوثر الفتنة على السكون ؟ وأنه يسفك دماء المسلمين
بغير حلها ؟ وأنه لو كان فيه خير ما امر خالد بن الوليد بضرب عنقه ؟ ألم
ينسبوه إلى أنه عليه السلم أراد أن يتزوج ابنة أبي جهل على فاطمة
عليها السلم وأن رسول ال صلى ال عليه وآله شكاه على المنبر إلى
المسلمين فقال :إن عليا يريد أن يتزوج ابنة عدو ال على ابنة نبي ال !
أل إن فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ومن سرها فقد سرني ،ومن
غاظها فقد غاظني.
][4
ثم قال الصادق عليه السلم :يا علقمة ما أعجب أقاويل الناس في علي عليه السلم
؟ كم بين من يقول :إنه رب معبود ،وبين من يقول :إنه عبد عاص
للمعبود ،ولقد كان قول من ينسبه إلى العصيان أهون عليه من قول من
ينسبه إلى الربوبية يا علقمة ألم يقولوا ]في[ ال عزوجل :إنه ثالث ثلثة ؟
ألم يشبهوه بخلقه ؟ ألم يقولوا :إنه الدهر ؟ ألم يقولوا :إنه الفلك ؟ ألم
يقولوا :إنه جسم ؟ ألم يقولوا :إنه صورة ؟ تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا.
يا علقمة إن اللسنة التي يتناول ذات ال تعالى ذكره بما ل يليق بذاته،
كيف تحبس عن تناولكم بما تكرهونه " فاستعينوا بال واصبروا إن
الرض ل يورثها من يشآء من عباده والعاقبة للمتقين " فان بني
إسرائيل قالوا لموسى " :اوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا " فقال
ال عزوجل :قل لهم يا موسى :عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في
الرض فينظر كيف تعملون )) * 40 .(1باب( * * " )ما به كمال
النسان ،ومعنى المروة والفتوة( " * - 1مع ،ل :أحمد بن إبراهيم بن
الوليد ،عن محمد بن أحمد الكاتب رفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلم أنه
قال :كمال الرجل بست خصال :بأصغريه ،وأكبريه وهيئتيه ،فأما أصغراه
فقلبه ولسانه ،إن قاتل قاتل بجنان ،وإن تكلم تكلم بلسان وأما أكبراه فعقله
وهمته ،وأما هيئتاه فماله وجماله ) - 2 .(2نهج :قال أمير المؤمنين عليه
السلم :قدر الرجل على قدر همته ،وصدقه على قدر مروته ،وشجاعته
على قدر أنفته ،وعفته على قدر غيرته ).(3
) (1أمالى الصدوق 63 :و ،64واليات في العراف 128 :و (2) .129معاني
الخبار ص ،150الخصال ج 1ص ،164وفيه " هيبتيه " بدل "
هيئتيه " (3) .نهج البلغة تحت الرقم 47من الحكم.
][5
- 3مع :عن أبيه ،عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن محمد بن خالد البرقي عن
أبي قتادة القمي رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم قال :تذاكرنا أمر الفتوة
عنده فقال :أتظنون أن الفتوة بالفسق والفجور ؟ إنما الفتوة طعام
موضوع ،ونائل مبذول ،وبشر معروف ،وأذى مكفوف ،فأما تلك فشطارة
وفسق ،ثم قال :ما المروة ؟ قلنا :ل نعلم ،قال :المروة وال أن يضع الرجل
خوانه في فناء داره )) * 41 .(1باب( * * " )المنجيات والمهلكات( " *
- 1ل :ابن الوليد ،عن الصفار ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن هارون بن
الجهم ،عن ثوير بن أبي فاختة ،عن المفضل بن صالح ،عن سعد بن
طريف ،عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلم قال :ثلث
درجات ،وثلث كفارات ،وثلث موبقات ،وثلث منجيات ،فأما الدرجات
فإفشاء السلم ،وإطعام الطعام ،والصلة بالليل والناس نيام ،والكفارات
إسباغ الوضوء في السبرات ،والمشي بالليل والنهار إلى الصلوات،
والمحافظة على الجماعات ،وأما الثلث الموبقات فشح مطاع وهوى متبع،
وإعجاب المرء بنفسه ،وأما المنجيات فخوف ال في السر والعلنية
والقصد في الغنى والفقر ،وكلمة العدل في الرضا والسخط ) .(2سن :أبي،
عن هارون مثله ) .(3مع :ابن الوليد ،عن الصفار ،عن ابن عيسى ،عن
محمد البرقي ،عن هارون ابن الجهم مثله إل أن فيه :والمشي بالليل
والنهار إلى الجماعات ،والمحافظة
) (1معاني الخبار ص 119وفيه " بر معروف " (2) .الخصال ج 1ص (3) .41
المحاسن ص ،4وتراه في أمالي الصدوق .329
][6
على الصلوات ) - 2 .(1ل :الخليل بن أحمد ،عن ابن صاعد ،عن يوسف بن موسى
القطان وأحمد بن منصور بن سيار معا ،عن أحمد بن يونس ،عن أيوب بن
عتبة ،عن المفضل بن بكير ،عن قتادة ،عن أنس ،عن رسول ال صلى ال
عليه وآله قال :ثلث مهلكات وثلث منجيات ،فالمنجيات خشية ال
عزوجل في السر والعلنية ،والقصد في الفقر والغنى ،والعدل في الرضا
والغضب ،والثلث المهلكات شح مطاع ،وهوى متبع وإعجاب المرء
بنفسه ،وقد روي في حديث آخر عن الصادق عليه السلم أنه قال :الشح
المطاع سوء الظن بال عزوجل ) .(2مع :السبرات جمع سبرة وهو شدة
البرد وبها سمي الرجل سبرة ) - 3 .(3ل :محمد بن علي بن الشاه ،عن
أحمد بن محمد بن الحسين ،عن أحمد بن خالد الخالدي ،عن محمد بن
أحمد بن صالح ،عن أبيه ،عن أنس بن محمد ،عن أبيه عن جعفر بن
محمد ،عن أبيه ،عن جده ،عن علي بن أبي طالب صلوات ال عليهم ،عن
النبي صلى ال عليه وآله أنه قال في وصيته له :يا علي ثلث درجات،
وثلث كفارات ،وثلث مهلكات ،وثلث منجيات ،فأما الدرجات فاسباغ
الوضوء في السبرات ،وانتظار الصلة بعد الصلة ،والمشي بالليل والنهار
إلى الجماعات ،وأما الكفارات فإفشاء السلم وإطعام الطعام ،والتهجد
بالليل والناس نيام ،وأما المهلكات فشح مطاع ،وهوى متبع ،وإعجاب
المرء بنفسه ،وأما المنجيات فخوف ال في السر والعلنية ،والقصد في
الغنى والفقر ،وكلمة العدل في الرضا والسخط ) .(4وفي حديث آخر عن
النبي صلى ال عليه وآله أنه لما سئل في المعراج :فيما اختصم المل
العلى ؟ قال :في الدرجات والكفارات قال :فنوديت وما الدرجات ،فقلت:
][7
إسباغ الوضوء في السبرات ،والمشي إلى الجماعات ،وانتظار الصلة بعد الصلة
ووليتي وولية أهل بيتي حتى الممات - 4 .ل :ماجيلويه ،عن عمه ،عن
هارون ،عن ابن زياد ،عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلم أن
النبي صلى ال عليه وآله قال :ثلث موبقات :نكث الصفقة ،وترك السنة
وفراق الجماعة ،وثلث منجيات :تكف لسانك ،وتبكي على خطيئتك ،وتلزم
بيتك ) - 5 .(1سن :أبي ،عن ابن أبي عمير ،عن بزرج ،عن الثمالي ،عن
أبي عبد ال أو علي بن الحسين عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى
ال عليه وآله :ثلث منجيات وثلث مهلكات قالوا :يارسول ال ما
المنجيات ؟ قال :خوف ال في السر كأنك تراه ،فان لم تكن تراه فانه يراك،
والعدل في الرضا والغضب ،والقصد في الغنا والفقر ،قالوا :يا رسول ال
فما المهلكات ؟ قال :هوى متبع ،وشح مطاع ،وإعجاب المرء بنفسه ).(2
ين :ابن أبي عمير ،بهذا السناد ،عن علي بن الحسين عليه السلم مثله.
- 6سن :أبي ،عن النوفلي ،عن السكوني ،عن الصادق ،عن آبائه ،عن
علي عليهم السلم قال :ثلث منجيات :تكف لسانك ،وتبكي على خطيئتك،
ويسعك بيتك ،وقال عليه السلم :طوبى لمن لزم بيته ،وأكل قوته ،واشتغل
بطاعة ربه ،وبكى على خطيئته ) - 7 .(3سن :محمد بن علي ،عن الحسن
بن علي بن يوسف ،عن سيف بن عميرة عن فيض بن المختار ،عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :المنجيات :إطعام الطعام ،وإفشاء السلم،
والصلة بالليل والناس نيام ).(4
][8
)) * (42باب( * * " )اصناف الناس ،ومدح حسان الوجوه( " * * " )ومدح
البله( " * - 1يد ،لى :ابن موسى والقطان والسناني جميعا ،عن ابن
زكريا القطان عن محمد بن العباس ،عن محمد بن أبي السري ،عن أحمد
بن عبد ال بن يونس ،عن ابن طريف ،عن ابن نباته قال :لما جلس علي
عليه السلم بالخلفة ،وبايعه الناس صعد المنبر وقال :سلوني قبل أن
تفقدوني ! فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكئا على عكازة فلم يزل
يتخطا الناس حتى دنا منه ،فقال :يا أمير المؤمنين دلني على عمل إذا أنا
عملته نجاني ال من النار ،فقال له :اسمع يا هذا ثم افهم ثم استيقن قامت
الدنيا بثلثة :بعالم ناطق مستعمل لعلمه ،وبغني ل يبخل بماله على أهل
دين ال عزوجل ،وبفقير صابر ،فإذا كتم العالم علمه ،وبخل الغني ،ولم
يصبر الفقير ،فعندها الويل والثبور ،وعندها يعرف العارفون ل أن الدار
قد رجعت إلى بدئها أي إلى الكفر بعد اليمان ،أيها السائل فل تغترن بكثرة
المساجد وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة ،وقلوبهم شتى .أيها الناس إنما
الناس ثلثة :زاهد وراغب وصابر فأما الزاهد فل يفرح بشئ من الدنيا
أتاه ،ول يحزن على شئ منها فاته ،وأما الصابر فيتمناها بقلبه فان أدرك
منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها ،وأما الراغب فل
يبالي من حل أصابها أم من حرام ،قال :يا أمير المؤمنين فما علمة
المؤمن في ذلك الزمان ؟ قال :ينظر إلى ما أوجب ال عليه من حق
فيتوله ،وينظر إلى ما خالفه فيتبرأ منه ،وإن كان حبيبا قريبا ،قال :صدقت
وال يا أمير المؤمنين ! ثم غاب الرجل فلم نره ،فطلبه الناس فلم يجدوه،
فتبسم علي عليه السلم على المنبر ثم قال :ما لكم هذا
][9
أخي الخضر عليه السلم ) - 2 .(1مع :أبي ،عن الحميري ،عن هارون ،عن ابن
صدقة ،عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلم قال :قال النبي صلى
ال عليه وآله :دخلت الجنة فرأيت أكثر أهلها البله ،قال :قلت :ما البله ؟
فقال :العاقل في الخير ،والغافل عن الشر ،الذي يصوم في كل شهر ثلثة
أيام ) - 3 .(2ب :هارون ،عن ابن صدقة ،عن جعفر ،عن آبائه عليهم
السلم أن النبي صلى ال عليه آله قال :دخلت الجنة فرأيت أكثر أهلها
البله ،يعني بالبله المتغافل عن الشر ،العاقل في الخير ،والذين يصومون
ثلثة أيام في كل شهر ) - 4 .(3ما :ابن المخلد ،عن جعفر بن محمد بن
نصير الخالدي ،عن القاسم بن محمد ابن حماد ،عن جندل بن والق ،عن
أبي مالك النصاري ،عن أبي عبد الرحمن السدي ،عن داود بن أبي هند،
عن أبي نضرة ،عن أبي سعيد قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
اطلبوا الخير عند حسان الوجوه ) - 5 .(4ل :أبي ،عن سعد ،عن البرقي،
عن الحسن بن علي بن فضال ،عن ثعلبة ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :الرجال ثلثة :رجل بماله ،ورجل بجاهه ورجل بلسانه ،وهو أفضل
الثلثة ) - 6 .(5ل :وبهذا السناد قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم:
الرجال ثلثة :عاقل وأحمق وفاجر ،فالعاقل :الدين شريعته ،والحلم
طبيعته ،والرأي سجيته ،إن سئل أجاب ،وإن تكلم أصاب ،وإن سمع وعى،
وإن حدث صدق ،وإن أطمأن إليه أحد وفى ،والحمق إن استنبه بجميل
غفل ،وإن استنزل عن حسن ترك
) (1أمالى الصدوق ص 206في حديث (2) .معاني الخبار ص (3) .203قرب
السناد ص 50و (4) .51أمالى الطوسى ج 2ص (5) .8الخصال ج 1
ص (*) .57
][10
وإن حمل على جهل جهل ،وإن حدث كذب ،ل يفقه ،وإن فقه لم يفقه ،والفاجر إن
ائتمنته خانك ،وإن صاحبته شأنك ،وإن وثقت به لم ينصحك ) - 7 .(1ل:
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المقرئ ،عن محمد بن جعفر الجرجاني
عن محمد بن الحسن الموصلي ،عن محمد بن عاصم الطريفي ،عن عياش
بن زيد بن الحسن ،عن يزيد بن الحسن ،عن موسى بن جعفر ،عن أبيه
عليهما السلم قال :الناس على أربعة أصناف :جاهل متردي معانق لهواه،
وعابد متغوى كلما ازداد عبادة ازداد كبرا ،وعالم يريد أن يوطأ عقباه،
ويحب محمدة الناس ،وعارف على طريق الحق يحب القيام به فهو عاجز
أو مغلوب ،فهذا أمثل أهل زمانك وأرجحهم عقل ) - 8 .(2ل :أبي وابن
الوليد معا ،عن سعد ،عن النهدي رفعه إلى الحسن بن علي عليه السلم
قال :الناس أربعة فمنهم من له خلق ول خلق ]له ،ومنهم من له خلق ول
خلق له ،قد ذهب الرابع وهو الذي ل خلق ول خلق له ،وذلك شر الناس
ومنهم من له خلق وخلق[ فذلك خير الناس ) - 9 .(3ل :ابن مسرور ،عن
ابن بطة ،عن البرقي ،عن أبيعه رفعه إلى زرارة ابن أوفى قال :دخلت على
علي بن الحسين عليهما السلم فقال :يا زرارة الناس في زماننا على ست
طبقات :أسد ،وذئب ،وثعلب ،وكلب ،وخنزير ،وشاة :فأما السد فملوك
الدنيا يحب كل واحد منهم أن يغلب ول يغلب ،وأما الذئب فتجاركم يذموا إذا
اشتروا ،ويمدحوا إذا باعوا ،وأما الثعلب فهؤلء الذين يأكلون بأديانهم ول
يكون في قلوبهم ما يصفون بألسنتهم ،وأما الكلب يهر على الناس بلسانه
ويكرهه الناس من شره لسانه ،وأما الخنزير فهؤلء المخنثون وأشباههم
ل يدعون إلى فاحشة إل أجابوا ،وأما الشاة فالذين تجز شعورهم ،ويؤكل
لحومهم
][11
ويكسر عظيم ،فكيف تصنع الشاة بين أسد وذئب وثعلب وكلب وخنزير ؟ )- 10 .(1
ل :أبي وابن الوليد معا عن محمد العطار وأحمد بن إدريس معا عن
الشعري ،عن جعفر بن محمد بن عبد ال ،عن ابن أبي يحيى الواسطي،
عمن ذكره أنه قال لبي عبد ال عليه السلم :أترى هذا الخلق كله من
الناس ؟ فقال :الق منهم التارك للسواك ،والمتربع في موضع الضيق،
والداخل فيما ل يعنيه ،والمماري فيما ل علم له به ،والمتمرض من غير
علة ،والمتشعث من غير مصيبة ،والمخالف على أصحابه في الحق وقد
اتفقوا عليه ،والمفتخر يفتخر بآبائه وهو خلو من صالح أعمالهم فهو
بمنزلة الخلنج ) (2يقشر لحا عن لحا حتى يوصل إلى جوهريته ،وهو كما
قال ال عزوجل " إن هم إل كالنعام بل هم أضل سبيل ) - 11 .(3ين:
بعض أصحابنا عن حنان بن سدير عن محمد بن طلحة عن زرارة عن أبي
جعفر عليه السلم قال :سمعته يقول :أيما عبد كان له صورة حسنة مع
موضع ل يشينه ثم تواضع ل كان من خالصة ال قال :قلت :ما موضع ل
يشينه ؟ قال :ل يكون ضرب فيه سفاح - 12 .ما :جماعة ،عن أبي
المفضل ،عن عبد ال بن محمد بن عبيد ،عن أبي الحسن الثالث عليه
السلم قال :سمعته بسر من رأى يقول :الغوغاء قتلة النبياء والعامة اسم
مشتق من العمى ما رضي ال أن شبههم بالنعام حتى قال " بل هم أضل
" ) - 13 .(4نهج :قال أمير المؤمنين عليه السلم في صفة الغوغاء :هم
الذين إذا اجتمعوا غلبوا ،وإذا تفرقوا لم يعرفوا ،وقيل :بل قال :إذا اجتمعوا
ضروا ،وإذا تفرقوا نفعوا ،فقيل :قد علمنا مضرة اجتماعهم فما منفعة
افتراقهم ؟ فقال :يرجع المهن
) (1الخصال ج 1ص (2) .165الخلنج -كسمند -شجر كالطرفاء ،زهره أحمر
وأصفر وأبيض ،وحبه كالخردل وخشبه تصنع منها القصاع أصله
فارسي معرب (3) .الخصال ج 2ص ،39والية في الفرقان(4) .44 :
أمالي الطوسى ج 2ص .226
][12
إلى مهنهم ،فينتفع الناس بهم كرجوع البناء إلى بنائه والنساج إلى منسجه ،و
الخباز إلى مخبزه ) .(1وقال عليه السلم :وقد اتي بجان ومعه غوغاء
فقال :ل مرحبا بوجوه ل ترى إل عند كل سوءة ) - 14 .(2نهج :من كلم
له عليه السلم :شغل من الجنة والنار أمامه ،ساع سريع نجا ،وطالب
بطيئ رجا ،ومقصر في النار هوى ،اليمين والشمال مضلة ،والطريق
الوسطى هي الجادة ،عليها باقي الكتاب وآثار النبوة ،ومنها منقذ السنة،
وإليها مصير العاقبة ،هلك من ادعى ،وخاب من افترى ،من أبدى صفحته
للحق هلك عند جهلة الناس ،وكفى بالمرء جهل أن ليعرف قدره ،ل يهلك
على التقوى سنخ أصل ،ول يظمأ عليها زرع قوم ،فاستتروا ببيوتكم،
وأصلحوا ذات بينكم ،والتوبة من ورائكم ،فل يحمد حامد إل ربه ،ول يلم
لئم إل نفسه ) - 15 .(3كتاب المامة والتبصرة :عن القاسم بن علي
العلوي ،عن محمد بن أبي عبد ال ،عن سهل بن زياد ،عن النوفلي ،عن
السكوني ،عن جعفر بن محمد ،عن أبيه ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :طوبى لمن رآني ،وطوبى لمن رآى من
رأني وطوبى لمن رآى من رآى من رأني ،إلى السابع ثم سكت ).(4
) (1نهج البلغة الرقم 199من الحكم (2) .المصدر الرقم 200من الحكم(3) .
نهج البلغة الرقم 16من الخطب (4) .رواه الصدوق في المالى .241
][13
)) (43باب( حب ال تعالى اليات :البقرة :ومن الناس من يتخذ من دون ال أندادا
يحبونهم كحب ال والذين آمنوا أشد حبا ل ) .(1آل عمران :قل إن كنتم
تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم وال غفور رحيم ).(2
المائدة :وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء ال وأحباؤه قل فلم يعذبكم
بذنوبكم الية ) .(3وقال تعالى :فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه ).(4
التوبة :قل إن كان أباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال
اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من ال
ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي ال بأمره وال ل يهدي
القوم الفاسقين ) .(5الشعراء :فانهم عدو لي إل رب العالمين * الذي
خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو
يشفين * والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم
الدين ) .(6الجمعة :قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء ال من
دون
) (1البقرة (2) .165 :آل عمران (3) .31 :المائدة (4) .20 :المائدة(5) .57 :
براءة (6) .25 :الشعراء.81 - 77 :
][14
الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) - 1 .(1لى :الصائغ ،عن محمد بن أيوب،
عن إبراهيم بن موسى ،عن هشام ابن يوسف عن عبد ال بن سليمان،
عن محمد بن علي بن عبد ال بن عباس ،عن أبيه عن ابن عباس قال:
قال رسول ال صلى ال عليه وآله :أحبوا ال لما يغذوكم به من نعمة ،و
أحبوني لحب ال عزوجل ،وأحبوا أهل بيتي لحبي ) .(2ع :محمد بن
الفضل ،عن محمد بن إسحاق المذكر ،عن أحمد بن العباس ،عن أحمد بن
يحيى الكوفي ،عن يحيى بن معين ،عن هشام بن يوسف مثله ) .(3ما:
الفحام ،عن المنصوري ،عن عمر بن أبي موسى ،عن عيسى بن أحمد عن
أبي الحسن الثالث ،عن آبائه ،عن النبي صلى ال عليه وآله مثله ).(4
بشا :أبو البركات عمر بن إبراهيم ،عن أحمد بن محمد بن أحمد ،عن على
ابن عمر السكري ،عن أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ،عن يحيى بن
معين مثله ) - 2 .(5لى :أبي ،عن سعد ،عن ابن أبي الخطاب ،عن محمد
بن سنان ،عن المفضل ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :كان فيما ناجى
ال عزوجل به موسى بن عمران عليه السلم ]أن قال له :يا ابن عمران !
كذب من زعم أنه يحبني فإذا جنه الليل نام عني أليس كل محب يحب خلوة
حبيبه ؟ ها أنا ذا يا ابن عمران[ ) (6مطلع على أحبائي إذا جنهم الليل
حولت أبصارهم من قلوبهم ،ومثلت عقوبتي
) (1الجمعة ،6 :وفي النسخة المخطوطة بعد ذلك بياض نحو صفحة ،وذلك لجل
كتابة التفسير ولم يكتب (2) .أمالى الصدوق ص (3) .219علل الشرائع
ج 1ص (4) .113أمالى الطوسى ج 1ص (5) .285بشارة المصطفى
ص (6) .161ما بين العلمتين ساقط عن النسخة المخطوطة ونسخة
الكمبانى ج 67التصحيح بالعرض على المصدر.
][15
][16
الكثير ول مال له ،والمحب حبيبا يتوقع فراقه ) - 6 .(1ما :المفيد ،عن التمار ،عن
محمد بن القاسم النباري ،عن أبيه ،عن الحسين بن سليمان ،عن أبي
جعفر الطائي ،عن وهب بن منبه قال :قرأت في الزبور :يا داود اسمع مني
ما أقول -والحق أقول :-من أتاني وهو يحبني أدخلته الجنة ،الخبر ).(2
- 7ع :ابن المتوكل ،عن السعد آبادي ،عن البرقي ،عن عبد العظيم
الحسنى ،عن ابن أبي عمير ،عن عبد ال بن الفضل ،عن شيخ من أهل
الكوفة ،عن جده من قبل امه واسمه سليمان بن عبد ال الهاشمي قال:
سمعت محمد بن علي عليه السلم يقول :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله للناس وهم مجتمعون عنده :أحبوا ال لما يغذوكم به من نعمة،
وأحبوني ل عزوجل ]وأحبوا[ قرابتي لي ) - 8 .(3ع :طاهر بن محمد بن
إدريس ،عن محمد بن عثمان الهروي ،عن الحسن بن مهاجر ،عن هشام
بن خالد ،عن الحسن بن يحيى ،عن صدقة بن عبد ال ،عن هشام عن
أنس ،عن النبي صلى ال عليه وآله ،عن جبرئيل قال :قال ال تبارك
وتعالى :من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ،وما ترددت في شئ أنا
فاعله ما ترددت في قبض نفس المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ول بد
له منه ،وما يتقرب إلى عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ،ول يزال عبدي
يبتهل إلي حتى احبه ومن أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا وموئل ،إن
دعاني أجبته وإن سألني أعطيته ،وإن من عبادي المؤمن لمن يريد الباب
من العبادة فأكفه عنه لئل يدخله عجب ويفسده ،وإن من عبادي المؤمنين
لمن ل يصلح إيمانه إل بالفقر ولو أغنيته لفسده ذلك ،وإن من عبادي
المؤمنين لمن ل يصلح إيمانه إل بالغنى ولو أفقرته لفسده ذلك ،وإن من
عبادي المؤمنين لمن ل يصلح إيمانه إل بالسقم ،ولو صححت
) (1الخصال ج 1ص (2) .142أمالى الطوسى ج 1ص (3) .105علل الشرائع
ج 2ص 287وفي نسخة الصل رمز أمالى الصدوق وهو سهو.
][17
جسمه لفسده ذلك ،وإن من عبادي المؤمنين لمن ل يصلح إيمانه إل بالصحة ولو
أسقمته لفسده ذلك أني إدبر عبادي بعلمي بقلوبهم فاني عليم خيبر ).(1
بيان :قال الشهيد طاب ثراه في قواعده في حديث القدسي " :ما ترددت في
شئ أنا فاعله " ..فان التردد على ال محال غير أنه لما جرت العادة أن
يتردد من يعظم الشخص ويكرمه في مساءته نحو الوالدين والصديق وأن
ل يتردد في مساءة من ل يكرمه ول يعظمه كالعدو والحية والعقرب بل إذا
خطر بالبال مساءته أوقعها من غير تردد ،فصار التردد ل يقع إل في
موضع التعظيم والهتمام وعدمه ل يقع إل في موضع الحتقار وعدم
المبالة فحينئذ دل الحديث على تعظيم ال للمؤمن وشرف منزلته عنده
فعبر باللفظ المركب عما يلزمه ،وليس مذكورا في اللفظ وإنما هو بالرادة
والقصد فكان معنى الحديث حينئذ " منزلة عبدي المؤمن عظيمة ومرتبته
" رفيعة فدل على تصرف النية في ذلك كله .وقد أجاب بعض من عاصرناه
عن هذا الحديث بأن التردد إنما هو في السباب بمعنى أن ال يظهر
للمؤمن أسبابا يغلب على ظنه دنو الوفاة بها ليصير على الستعداد التام
للخرة ثم يظهر له أسبابا تبسط في أمله فيرجع إلى عمارة دنياه بما لبد
منه ،ولما كانت هذه بصورة التردد ]أطلق عليها ذلك استعارة ،وإذ كان
العبد المتعلق بتلك السباب بصورة المتردد[ أسند التردد إليه تعالى من
حيث أنه فاعل للتردد في العبد ،وقيل :إنه تعالى ل يزال يورد على المؤمن
سبب الموت حال بعد حال ليؤثر المؤمن الموت فيقبضه مريدا له ،وإيراد
تلك الحوال المراد بها غاياتها من غير تعجيل بالغايات ،من القادر على
التعجيل يكون ترددا بالنسبة إلى القادر من المخلوقين فهو بصورة المتردد
وإن لم يكن ثم ترددا ويؤيده الخبر المروي عن إبراهيم عليه السلم لما
أتاه ملك الموت ليقبض روحه وكره ذلك أخره ال إلى أن رأى شيخا هما
يأكل ولعابه يسيل على لحيته فاستفظع ذلك وأحب الموت وكذلك موسى
عليه السلم ) - 9 .(2ع :السناني ،عن محمد بن هارون ،عن عبيد ال بن
موسى الحبال ،عن محمد
) (1علل الشرائع ج 1ص (2) .12قد كانت النسخة مصحفة جدا صححناها
بالعرض على المصدر ص .272
][18
ابن الحسين الخشاب ،عن محمد بن الحسن ،عن يونس بن ظبيان قال :قال الصادق
عليه السلم :إن الناس يعبدون ال عزوجل على ثلثة أوجه :فطبقة
يعبدونه رغبة إلى ثوابه فتلك عبادة الحرصاء ،وهو الطمع ،وآخرون
يعبدونه خوفا من النار فتلك عبادة العبيد ،وهي الرهبة ،ولكني أعبده حبا
له فتلك عبادة الكرام ،وهو المن لقوله تعالى " :وهم من فزع يومئذ
آمنون " ) " (1قل إن كنتم تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال ويغفر لكم
ذنوبكم " ) (2فمن أحب ال عزوجل أحبه ال ومن أحبه ال عزوجل كان
من المنين ) - 10 .(3مع :ماجيلويه ،عن عمه ،عن البرقي ،عن محمد
بن سنان ،عن المفضل عن ابن ظبيان ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال:
من أحب أن يعلم ماله عند ال فليعلم ما ل عنده الخبر ) - 11 .(4ل:
الربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلم :من أراد منكم أن يعلم كيف
منزلته عند ال فلينظر كيف منزلة ال منه عند الذنوب كذلك منزلته عند
ال تبارك وتعالى ) - 12 .(5ما :جماعة ،عن أبي المفضل ،عن محمد بن
جعفر الرزاز ،عن أيوب ابن نوح بن دراج ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :أوحى ال عزوجل إلى
نجيه موسى :احببني وحببني إلى خلقي ! قال :يا رب هذا احبك فكيف
احببك إلى خلقك ؟ قال :اذكر لهم نعماي عليهم ،وبلي عندهم ،فانهم ل
يذكرون أو ل يعرفون مني إل كل الخير ).(1
) (1النمل (2) .89 :آل عمران (3) .31 :علل الشرائع ج 1ص (4) .12معاني
الخبار ص (5) .236الخصال ج 2ص (6) .159أمالى الطوسى ج 2
ص .98
][19
- 13ل :ابن الوليد ،عن الصفار ،عن اليقطيني ،عن زكريا المؤمن ،عن علي بن
أبي نعيم ،عن أبي حمزة ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :إن ال تبارك
وتعالى يقول :ابن آدم تطولت عليك بثلثة :سترت عليك ما لو يعلم به أهلك
ما واروك وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدم خيرا ،وجعلت لك نظرة
عند موتك في ثلثك فلم تقدم خيرا ) - 14 .(1ما :ابن مخلد ،عن محمد بن
عمرو بن البختري ،عن محمد بن يونس ،عن عون بن عمارة ،عن
سليمان بن عمران ،عن أبي حازم المدني ،عن ابن عباس في قوله تعالى:
" وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة " قال :الظاهر السلم والباطنة ستر
الذنوب ) - 15 .(2ما :جماعة ،عن أبي المفضل ،عن الحسن بن آدم ،عن
الفضل بن يونس ،عن محمد بن عكاشة ،عن عمرو بن هاشم ،عن جويبر
بن سعيد ،عن الضحاك ابن مزاحم ،عن علي عليه السلم والضحاك ،عن
ابن عباس رضي ال عنه قال في قول ال تعالى " :وأسبغ عليكم نعمه
ظاهرة وباطنة " قال :أما الظاهرة فالسلم وما أفضل عليكم في الرزق،
وأما الباطنة فما ستره عليك من مساوي عملك ) - 16 .(3ما :جماعة ،عن
أبي المفضل ،عن علي بن إسماعيل بن يونس ،عن إبراهيم بن جابر ،عن
عبد الرحيم الكرخي ،عن هشام بن حسان ،عن همام بن عروة ،عن أبيه،
عن عايشة قالت :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من لم يعلم فضل نعم
ال عليه إل في مطعمه ومشربه فقد قصر علمه ودنا عذابه ).(4
) (1الخصال ج 1ص (2) .67أمالى الطوسى ج 2ص 6والية في لقمان) .20 :
(3امالي الطوسى ج 2ص (4) .104أمالى الطوسى ج 2ص .105
][20
- 17ما :جماعة ،عن أبي المفضل ،عن عبد ال بن الحسين العلوي ،عن جده
إبراهيم بن علي ،عن أبيه علي بن عبيد ال قال :حدثني شيخان بران من
أهلنا سيدان ،عن موسى بن جعفر ،عن أبيه ،عن جده أبي جعفر ،عن أبيه
عليهم السلم وحدثنيه الحسين بن زيد بن علي ذو الدمعة ،عن عمه عمر
بن علي ،عن أخيه عن أبيه ،عن جده الحسين صلى ال عليهم .وقال أبو
جعفر عليه السلم :حدثني عبد ال بن العباس وجابر بن عبد ال
النصاري وكان بدريا احديا شجريا ) (1وممن يحظ من أصحاب رسول ال
صلى ال عليه وآله في مودة أمير المؤمنين عليه السلم قالوا :بينا رسول
ال صلى ال عليه وآله في مسجده في رهط من أصحابه فيهم أبو بكر
وأبو عبيدة وعمر وعثمان وعبد الرحمن ورجلن من قراء الصحابة من
المهاجرين عبد ال بن ام عبد ومن النصار ابي بن كعب وكانا بدريين فقرأ
عبد ال من السورة التي يذكر فيها لقمان حتى أتى على هذه الية "
وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة " ) (2الية وقرأ ابي من السورة التي
يذكر فيها إبراهيم عليه السلم " وذكرهم بأيام ال أن في ذلك ليات لكل
صبار شكور " ) (3قالوا :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :آيام ال
نعماؤه وبلؤه ومثلته سبحانه ثم أقبل صلى ال عليه وآله على من شهده
من أصحابه فقال :إني لتخولكم بالموعظة تخول مخافة السأمة عليكم،
وقد أوحى إلي ربي جل وتعالى أن اذكركم بأنعمه ،وانذركم بما أفيض )(4
عليكم من كتابه ،وتل " وأسبغ عليكم نعمه " الية ثم قال لهم :قولوا الن
قولكم ما أول نعمة رغبكم ال فيها وبلكم بها ؟
) (1نسبة إلى الشجرة ،شجرة السمرة التى بايعهم رسول ال صلى ال عليه وآله
على أن ل يفروا في غزوة الحديبية ،فسميت بيعة الرضوان لقوله تعالى
فيه " :لقد رضى ال عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في
قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا " (2) .لقمان(3) .20 :
ابراهيم (4) .5 :في المصدر :أقتص.
][21
فخاض القوم جميعا فذكروا نعم ال التي أنعم عليهم وأحسن إليهم بها من المعاش
والرياش والذرية والزواج إلى ساير ما بلهم ال عزوجل به من أنعمه
الظاهرة ،فلما أمسك القوم أقبل رسول ال صلى ال عليه وآله على علي
عليه السلم فقال :يا أبا الحسن قل ! فقد قال أصحابك ،فقال :وكيف لي
بالقول فداك أبي وامي ؟ وإنما هدانا ال بك ؟ قال :ومع ذلك فهات قل ! ما
أول نعمة بلك ال عزوجل وأنعم عليك بها ؟ قال :أن خلقني جل ثناؤه ولم
أك شيئا مذكورا قال :صدقت فما الثانية ؟ قال :أن أحسن بي إذ خلقني
فجعلني حيا ل مواتا ،قال :صدقت فما الثالثة ؟ قال :أن أنشأني فله الحمد
في أحسن صورة وأعدل تركيب قال :صدقت فما الرابعة ؟ قال :أن جعلني
متفكرا واعيا ل بلها ساهيا قال :صدقت فما الخامسة ؟ قال :أن جعل لي
شواعر أدرك ما ابتغيت بها وجعل لي سراجا منيرا ،قال :صدقت فما
السادسة ؟ قال :أن هداني لدينه ولم يضلني عن سبيله ،قال :صدقت فما
السابعة ؟ قال :أن جعل لي مردا في حياة ل انقطاع لها ،قال :صدقت فما
الثامنة ؟ قال :أن جعلني ملكا مالكا ل مملوكا قال :صدقت فما التاسعة ؟
قال :أن سخر لي سماءه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه ،قال:
صدقت فما العاشرة ؟ قال :أن جعلنا سبحانه ذكرانا قواما على حلئلنا ل
إناثا ،قال :صدقت فما بعد هذا ؟ قال :كثرت نعم ال يا نبى ال فطابت ،وإن
تعدوا نعمة ال ل تحصوها .فتبسم رسول ال صلى ال عليه وآله وقال:
لتهنك الحكمة ليهنك العلم يابا الحسن فأنت وارث علمي والمبين لمتي ما
اختلفت فيه من بعدي ،من أحبك لدينك وأخذ بسبيلك فهو ممن هدي إلى
صراط مستقيم ومن رغب عن هداك وأبغضك وتخلك لقي ال يوم القيامة
ل خلق له ) - 18 .(1ص :الصدوق ،عن أبيه ،عن سعد ،عن أحمد بن
محمد ،عن عمرو بن
][22
عثمان ،عن أبي جميلة ،عن جابر ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :أوحى ال تعالى
إلى موسى عليه السلم :احببني وحببني إلى خلقي قال موسى :يا رب إنك
لتعلم أنه ليس أحد أحب إلي منك فكيف لي بقلوب العباد ؟ فأوحى ال إليه
فذكرهم نعمتي وآلئي فانهم ل يذكرون مني إل خيرا - 19 .ص :الصدوق،
عن أبيه ،عن سعد ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن أحمد ابن النضر ،عن
إسرائيل رفعه إلى النبي صلى ال عليه وآله قال :قال ال عزوجل لداود
عليه السلم :أحببني وحببني إلى خلقي ! قال :يا رب نعم أنا احبك فكيف
احببك إلى خلقك ؟ قال :اذكر أيادي عندهم ،فانك إذا ذكرت ذلك لهم
أحبوني - 20 .سن :أبي رفعه قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :من أراد
أن يعلم ما له عند ال فلينظر ما ل عنده ) .(1سن :النوفلي ،عن
السكوني ،عن الصادق ،عن آبائه ،عن النبي صلوات ال عليهم مثله ).(2
- 21سن :عبد الرحمان بن حماد ،عن حنان بن سدير ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :قال ال :ما تحبب
إلي عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه ،وإنه ليتحبب إلي بالنافلة
حتى احبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ،وبصره الذي يبصر به،
ولسانه الذي ينطق به ،ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ،إذا
دعاني أجبته ،وإذا سألني أعطيته ،وما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي
في موت المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ) - 22 .(3مص :قال
الصادق عليه السلم :نجوى العارفين تدور على ثلثة اصول :الخوف
والرجاء والحب ،فالخوف فرع العلم ،والرجاء فرع اليقين ،والحب فرع
المعرفة ،فدليل الخوف الهرب ،ودليل الرجاء الطلب ،ودليل الحب إيثار
المحبوب على ما سواه ،فإذا تحقق العلم في الصدر خاف ]فإذا كثر المرء
في المعرفة خاف[
][23
وإذا صح الخوف هرب ،وإذا هرب نجا ،وإذا أشرق نور اليقين في القلب شاهد
الفضل ،وإذا تمكن من رؤية الفضل رجا ،وإذا وجد حلوة الرجاء طلب،
وإذا وفق للطلب وجد ،وإذا تجلى ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح
المحبة ،وإذا هاج ريح المحبة استأنس ظلل المحبوب ،وآثر المحبوب
على ما سواه ،وباشر أوامره ]وأجتنب نواهيه واختارهما على كل شئ
غيرهما ،وإذا استقام على بساط النس بالمحبوب مع أداء أوامره واجتناب
نواهيه[ ) (1وصل إلى روح المناجاة والقرب ومثال هذه الصول الثلثة
كالحرم والمسجد والكعبة ،فمن دخل الحرم أمن من الخلق ،ومن دخل
المسجد أمنت جوارحه أن يستعملها في المعصية ،ومن دخل الكعبة أمن
قلبه من أن يشغله بغير ذكر ال .فانظر أيها المؤمن فان كانت حالتك حالة
ترضاها لحلول الموت ،فاشكر ال على توفيقه وعصمته ،وإن تكن الخرى
فانتقل عنها بصحة العزيمة ،واندم على ما سلف من عمرك في الغفلة،
واستعن بال على تطهير الظاهر من الذنوب ،وتنظيف الباطن من العيوب،
واقطع زيادة الغفلة عن نفسك ،واطف نار الشهوة من نفسك )- 23 .(2
مص :قال الصادق عليه السلم :حب ال إذا أضاء على سر عبد أخله عن
كل شاغل وكل ذكر سوى ال عند ظلمة ،والمحب أخلص الناس سر ال،
وأصدقهم قول ،وأوفاهم عهدا ،وأزكاهم عمل ،وأصفاهم ذكرا ،وأعبدهم
نفسا تتباهى الملئكة عند مناجاته وتفتخر برؤيته ،وبه يعمر ال تعالى
بلده ،وبكرامته يكرم عباده ،يعطيهم إذا سألوه بحقه ،ويدفع عنهم البليا
برحمته ،فلو علم الخلق ما محله عند ال ومنزلته لديه ما تقربوا إلى ال
إل بتراب قدميه .قال أمير المؤمنين عليه السلم :حب ال نار ل يمر على
شئ إل احترق ونور ال ل يطلع على شئ إل أضاء ،وسحاب ) (3ال ما
يظهر من تحته شئ إل غطاه وريح ال ما تهب في شئ إل حركته ،وماء
ال يحيى به كل شئ ،وأرض ال
) (1ما بين العلمتين ساقط من نسخة الكمبانى (2) .مصباح الشريعة ص 2و ) .3
(3سماء ال خ.
][24
ينبت منها كل شئ ،فمن أحب ال أعطاه كل شئ من المال والملك .قال النبي صلى
ال عليه وآله :إذا أحب ال عبدا من امتي قذف في قلوب أصفيائه وأرواح
ملئكته وسكان عرشه محبته ليحبوه فذلك المحب حقا ،طوبى له ثم طوبى
له ،وله عند ال شفاعة يوم القيامة ) - 24 .(1مص :قال الصادق عليه
السلم :المشتاق ل يشتهي طعاما ،ول يلتذ بشراب ول يستطيب رقادا ،ول
يأنس حميما ،ول يأوي دارا ،ول يسكن عمرانا ،ول يلبس لينا ،ول يقر
قرارا ،ويعبد ال ليل ونهارا ،راجيا أن يصير إلى ما اشتاق إليه ،ويناجيه
بلسان شوقه معبرا عما في سريرته ،كما أخبر ال عزوجل عن موسى
عليه السلم في ميعاد ربه بقوله " :وعجلت إليك رب لترضى " )(2
وفسر النبي صلى ال عليه وآله عن حاله أنه ل أكل ول شرب ول نام ول
اشتهى شيئا من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين يوما ،شوقا إلى ال
عزوجل ،فإذا دخلت ميدان الشوق فكبر على نفسك ومرادك من الدنيا،
وودع جميع المألوفات ،وأحرم ) (3عن سوى معشوقك ،قد ولت بين
حياتك وموتك ) (4لبيك اللهم لبيك ،أعظم ال أجرك ،ومثل المشتاق مثل
الغريق ليس له همة إل خلصه وقد نسي كل شئ دونه ) - 25 .(5تم:
روى الحسين بن سيف صاحب الصادق عليه السلم في كتاب أصله الذي
) (1مصباح الشريعة ص (2) .64طه (3) .84 :في المصدر :واصرفه عن سوى
مشوقك ،وهو تصحيف (4) .كذا في نسخة الكمبانى والنسخة المخطوطة،
وفي المصدر " ولب بين حياتك وموتك " من التلبية ،ول وجه له ،ولعل
الصحيح " فدولب " من الدولب ،أي طوفوا بين الحياة والموت كما
تطوف بين الصفا والمروة ،أو الصحيح " هرولت " من الهرولة وهى
السعي بين الصفا والمروة (5) .المصدر ص .65
][25
أسنده إليه قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :ل يمحض رجل اليمان بال
حتى يكون ال أحب إليه من نفسه وأبيه وامه وولده وأهله وماله ومن
الناس كلهم - 26 .نص :علي بن الحسين ،عن هارون بن موسى ،عن
محمد بن همام ،عن الحميري ،عن عمر بن علي العبدي ،عن داود الرقي،
عن ابن ظبيان ،عن الصادق عليه السلم قال :إن اولي اللباب الذين
عملوا بالفكرة ،حتى ورثوا منه حب ال ،فان حب ال إذا ورثه القلب
واستضاء به أسرع إليه اللطف ،فإذا نزل اللطف صار من أهل الفوائد ،فإذا
صار من أهل الفوائد تكلم بالحكمة ]وإذا تكلم بالحكمة[ صار صاحب فطنة،
فإذا نزل منزلة الفطنة عمل في القدرة ،فإذا عمل في القدرة عرف الطباق
السبعة ،فإذا بلغ هذه المنزلة صار يتقلب في فكر بلطف وحكمة وبيان ،فإذا
بلغ هذه المنزلة جعل شهوته ومحبته في خالقه ،فإذا فعل ذلك نزل المنزلة
الكبرى فعاين ربه في قلبه ،وورث الحكمة بغير ما ورثه الحكماء وورث
العلم بغير ما ورثه العلماء ،وورث الصدق بغير ما ورثه الصديقون .إن
الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت ،وإن العلماء ورثوا العلم بالطلب وإن
الصديقين ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة ،فمن أخذه بهذه المسيرة
إما أن يسفل وإما أن يرفع وأكثرهم الذي يسفل ول يرفع ،إذا لم يرع حق
ال ولم يعمل بما أمر به ،فهذه صفة من لم يعرف ال حق معرفته ولم
يحبه حق محبته ،فل يغرنك صلتهم وصيامهم ورواياتهم وعلومهم فانهم
حمر مسنفرة .أقول :تمامه في أبواب النصوص على الئمة عليهم السلم.
- 27جع :قال علي عليه السلم :من أحب أن يعلم كيف منزلته عند ال ؟
فلينظر كيف منزلة ال عنده فان كل من خير له أمران :أمر الدنيا وأمر
الخرة فاختار أمر الخرة على الدنيا ،فذلك الذي يحب ال ،ومن اختار أمر
الدنيا فذلك الذي ل منزلة ل عنده .وقال الصادق عليه السلم :القلب حرم
ال فل تسكن حرم ال غير ال ).(1
][26
- 28مسكن الفؤاد :للشهيد الثاني رفع ال مقامه :في أخبار داود عليه السلم يا
داود أبلغ أهل أرضي أني حبيب من أحبني ،وجليس من جالسني ،ومونس
لمن أنس بذكري ،وصاحب لمن صاحبني ،ومختار لمن اختارني ،ومطيع
لمن أطاعني ،ما أحبني أحد أعلم ذلك يقينا من قلبه إل قبلته لنفسي،
وأحببته حبا ل يتقدمه أحد من خلقي ،من طلبني بالحق وجدني ومن طلب
غيري لم يجدني فارفضوا يا أهل الرض ما أنتم عليه من غرورها،
وهلموا إلى كرامتي ومصاحبتي ومجالستي ومؤانستي ،وآنسوني اؤنسكم،
واسارع إلى محبتكم .وأوحى ال إلى بعض الصديقين أن لي عبادا من
عبيدي يحبوني واحبهم ويشتاقون إلي وأشتاق إليهم ،ويذكروني وأذكرهم،
فان أخذت طريقهم أحببتك وإن عدلت عنهم مقتك .قال :يا رب وما
علمتهم ؟ قال :يراعون الظلل بالنهار كما يراعي الشفيق غنمه ،ويحنون
إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها عند الغروب ،فإذا جنهم
الليل ،واختلط الظلم ،وفرشت الفرش ،ونصبت السرة ،وخل كل حبيب
بحبيبه ،نصبوا إلى أقدامهم ،وافترشوا إلي وجوههم ،وناجوني بكلمي
وتملقوني بأنعامي ،مابين صارخ وباك ،وبين متأوه وشاك ،وبين قائم
وقاعد وبين راكع وساجد ،بعيني ما يتحملوني من أجلي ،وبسمعي ما
يشكون من حبي .أول ما اعطيهم ثلثا :الول أقذف من نوري في قلوبهم،
فيخبرون عني كما اخبر عنهم ،والثاني لو كانت السماوات والرضون وما
فيهما من مواريثهم لستقللتها لهم ،والثالث أقبل بوجهي عليهم ،أفترى
من أقبلت عليه بوجهي يعلم أحد ما اريد أن اعطيه ؟ - 29اعلم الدين
للديلمي :روي أن موسى عليه السلم قال :يا رب أخبرني عن آية رضاك
عن عبدك ،فأوحى ال تعالى إليه :إذا رأيتني اهيئ عبدي لطاعتي وأصرفه
عن معصيتي ،فذلك آية رضاي.
][27
وفي رواية اخرى :إذا رأيت نفسك تحب المساكين ،وتبغض الجبارين فذلك آية
رضاي) 44 .باب( * " )القلب وصلحه وفساده ،ومعنى السمع والبصر(
" * * " )والنطق والحياة الحقيقيات( " * اليات ،البقرة :ختم ال على
قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ) (1وقال تعالى :في قلوبهم
مرض فزادهم ال مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ) (2وقال تعال:
صم بكم عمى فهم ل يرجعون ) (3وقال تعالى :صم بكم عمي فهم ل
يعقلون ) (4ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة وإن
من الحجارة لما يتفجر منه النهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء
وإن منها لما يهبط من خشية ال وما ال بغافل عما تعملون ) (5وقال
تعالى :واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ) (6وقال :تشابهت قلوبهم ).(7
آل عمران :فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ) (8وقال
تعالى :ربنا ل تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ) .(9المائدة :وحسبوا أن ل تكون
فتنة فعموا وصموا ثم تاب ال عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم وال
بصير بما يعملون ) (10وقال تعالى :وجعلنا قلوبهم قاسية ) (11وقال
تعالى :اولئك الذين لم يرد ال أن يطهر قلوبهم ).(12
][28
النعام :إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم ال ثم إليه يرجعون ) (1وقال
تعالى :والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات ) (2وقال تعالى :وجعلنا
على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ) (3وقال :ولكن قست
قلوبهم ) (4وقال :قل أرأيتم إن أخذ ال سمعكم وأبصاركم وختم على
قلوبكم من إله غير ال يأتيكم به ) (5وقال تعالى :فمن يرد ال أن يهديه
يشرح صدره للسلم ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما
يصعد في السماء كذلك يجعل ال الرجس على الذين ل يؤمنون ).(6
العراف :ونطبع على قلوبهم فهم ل يسمعون ) (7وقال :كذلك يطبع ال
على قلوب الكافرين ) (8وقال تعالى :لهم قلوب ل يفقهون بها ولهم أعين
ل يبصرون بها ولم آذان ل يسمعون بها اولئك كالنعام بل هم أضل اولئك
هم الغافلون ) .(9النفال :واعلموا أن ال يحول بين المرء وقلبه )(10
وقال :إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلء دينهم ).(11
التوبة :وطبع على قلوبهم فهم ل يفقهون ) (12وقال تعالى :وطبع ال
على قلوبهم فهم ل يعلمون ) (13وقال سبحانه :وأما الذين في قلوبهم
مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ) (14وقال تعالى:
ثم انصرفوا صرف ال قلوبهم بأنهم قوم ل يفقهون ) .(15يونس :ومنهم
من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا ل يعقلون * ومنه من
يظنر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا ل يبصرون ) (16وقال :إن في
ذلك ليات لقوم يسمعون ) (17وقال تعالى :كذلك نطبع على قلوب
المعتدين ).(18
) (6 - 1النعام (9 - 7) .125 ،46 ،43 ،25 ،38 ،36 :العراف،100 ،99 :
(11 - 10) .178النفال (15 - 12) .50 ،24 :براءة،125 ،94 ،88 :
(18 - 16) .128يونس.74 ،67 ،42 :
][29
هود :ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ) (1وقال تعالى :مثل الفريقين
كالعمى والصم والبصير والسميع هل يستويان مثل أفل تذكرون ).(2
الرعد :قل هل يستوي العمى والبصير أم هل يستوي الظلمات والنور إلى
قوله تعالى :أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا
رابيا ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك
يضرب ال الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس
فيمكث في الرض كذلك يضرب ال المثال إلى قوله سبحانه :أفمن يعلم
أنما انزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر اولوا اللباب )(3
وقال تعالى :الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر ال أل بذكر ال تطمئن
القلوب ) .(4النحل :أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ) (5وقال
تعالى :إن في ذلك ليات لقوم يسمعون ) (6وقال تعالى :من عمل صالحا
من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حيوة طيبة ) .(7أسرى :ومن كان في
هذه أعمى فهو في الخرة أعمى وأضل سبيل ) .(8الكهف :وربطنا على
قلوبهم ) (9وقال تعالى :ول تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه
وكان أمره فرطا ) .(10النبياء :لهية قلوبهم ) (11وقال تعالى :قل إنما
انذركم بالوحي ول يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون ) .(12الحج :وبشر
المخبتين * الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم ) (13وقال
][30
تعالى :أفلم يسيروا في الرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها
فانها ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) (1وقال
تعالى :ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية
قلوبهم ) .(2الفرقان :أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون * إن هم إل
كالنعام بلهم أضل سبيل ) (3وقال تعالى :والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم
يخروا عليها صما وعميانا ) .(4الشعراء :يوم ل ينفع مال ول بنون إل من
أتى ال بقلب سليم ) (5وقال تعالى :قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن
من الواعظين ) (6وقال تعالى :نزل به الروح المين على قلبك ) (7وقال
تعالى :كذلك سلكناه في قلوب المجرمين ل يؤمنون به حتى يروا العذاب
الليم ) .(8النمل :إنك ل تسمع الموتى ول تسمع الصم الدعاء إذا ولوا
مدبرين * وما أنت بهادي العمي عن ضللتهم إن تسمع إل من يؤمن
بآياتنا فهم مسلمون )] .(9الروم :فانك ل تسمع الموتى ول تسمع الصم
الدعاء إذا ولود مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضللتهم إن تسمع إل
من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون[ ) (10إلى قوله تعالى :كذلك يطبع ال على
قلوب الذين ل يعلمون .لقمان :وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم
يسمعها كأن في اذنيه
) (2 - 1الحج (4 - 3) .53 ،46 :الفرقان (8 - 5) .73 ،44 :الشعراء،136 ،89 :
(9) .200 ،193النمل 80 :و (10) .81ما بين العلمتين موجود في
نسخة الصل مضروبا عليه بالخط الحمر ،وفيها بدل " الروم " " :إلى
قوله تعالى " فاستظهرنا أن مصحح النسخة قد اشتبه عليه التيان في
سورة الروم 52و 53والنمل ،فضرب على آيتى الروم زعما منه بأنهما
مكررتان ،وقوله تعالى " :كذلك يطبع ال على قلوب الذين ل يعلمون "
في سورة الروم ،58ل في النمل.
][31
وقرا ) .(1التنزيل :إن في ذلك لية لقوم يسمعون ) .(2الحزاب :ما جعل ال لرجل
من قلبين في جوفه ) (3وقال تعالى :وبلغت القلوب الحناجر ) (4وقال
تعالى :وإذ تقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا ال ورسوله
إل غرورا ) (5وقال تعالى :وقذف في قلوبهم الرعب ) (6وقال تعالى :وال
يعلم ما في قلوبكم ) (7وقال تعالى :ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) (8وقال:
لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض ) .(9فاطر :وما يستوي
العمى والبصير ول الظلمات ول النور ول الظل ول الحرور وما يستوي
الحياء ول الموات إن ال يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور
) .(10يس :وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم ل
يبصرون ) (11وقال تعالى :لينذر من كان حيا ) .(12الصافات :وإن من
شيعته لبراهيم * إذ جاء ربه بقلب سليم ) .(13الزمر :أفمن شرح ال
صدره للسلم فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر ال
اولئك في ضلل مبين * ال نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر
منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر ال ).(14
) (1لقمان (2) .7 :التنزيل (9 - 3) .26 :الحزاب،53 ،51 ،26 ،12 ،10 ،4 :
(10) .60فاطر 11) .22 - 19 :و (12يس 9 :و (13) .70الصافات:
83و (14) .84الزمر.22 - 21 :
][32
المؤمن :كذلك يطبع ال على كل قلب متكبر جبار ) (1وقال تعالى :وما يستوي
العمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ول المسئ قليل ما
تتذكرون ) .(2السجدة :فأعرض أكثرهم فهم ل يسمعون * وقالوا قلوبنا
في أكنة مما تدعوننا وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا
عاملون ) (3وقال :والذين ل يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى
اولئك ينادون من مكان بعيد ) .(4الزخرف :أفأنت تسمع الصم أو تهدي
العمي ومن كان في ضلل مبين ) .(5الجاثية :أفرأيت من اتخذ إلهه هواه
وأضله ال على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة
فمن يهديه من بعد ال أفل تذكرون ) .(6محمد :ومنهم من يستمع إليك
حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين اوتوا العلم ماذا قال آنفا اولئك الذين
طبع ال على قلوبهم واتبعوا أهوائهم ) (7وقال تعالى :اولئك الذين لعنهم
ال فأصمهم وأعمى أبصارهم * أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها
) .(8الفتح :هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع
إيمانهم ) .(9الحجرات :اولئك الذين امتحن ال قلوبهم للتقوى ).(10
) 1و (2المؤمن 3) .58 ،35 :و (4السجدة 4 :و (5) .44 ،5الزخرف(6) .40 :
الجاثية 7) .23 :و (8القتال (9) .23 ،16 :الفتح (10) .4 :الحجرات:
.3
][33
ق :وجاء بقلب منيب ) (1وقال تعالى :إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى
السمع وهو شهيد ) .(2الحديد :ألم يأن للذين آمنوا آن تخشع قلوبهم لذكر
ال وما نزل من الحق ول يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم
المد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ) .(3المجادلة :اولئك كتب في
قلوبهم اليمان وأيدهم بروح منه ) .(4الصف :فلما زاغوا أزاغ ال قلوبهم
) .(5المنافقين :فطبع على قلوبهم فهم ل يفقهون إلى قوله تعالى :كأنهم
خشب مسندة ) .(6التغابن :ومن يؤمن بال يهد قلبه ) .(7الملك :وقالوا لو
كنا نسمع أو نعقل ماكنا في أصحاب السعير ) (8و قال تعالى :أفمن يمشي
مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ) .(9الم
نشرح :ألم نشرح لك صدرك - 1 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن ابن أبي
عمير ،عن حماد ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :مامن قلب إل وله
اذنان على إحداهما ملك مرشد ،وعلى الخرى شيطان مفتن ،هذا يأمره
وهذا يزجره :الشيطان يأمره بالمعاصي والملك يزجره عنها
) 1و (2ق (3) .37 ،33 :الحديد (4) .16 :المجادلة (5) .21 :الصف(6) .5 :
المنافقون (7) .4 - 3 :التغابن 8) .11 :و (9الملك.22 ،11 :
][34
وهو قول ال عزوجل " عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إل لديه
رقيب عتيد " ) .(1تبيين :اعلم أن معرفة القلب وحقيقته وصفاته مما خفي
على أكثر الخلق ولم يبين أئمتنا عليهم السلم ذلك إل بكنايات وإشارات،
والحوط لنا أن نكتفي من ذلك بما بينوه لنا من صلحه وفساده ،وآفاته
ودرجاته ،ونسعى في تكميل هذه -الخلقة العجيبة واللطيفة الربانية،
وتهذيبها عن الصفات الذميمة الشيطانية ،وتحليتها بالخلق الملكية
الروحانية ،لنستعد بذلك للعروج إلى أعلى مدارج الكمال وإفاضة المعارف
من حضرة ذي الجلل ،ول يتوقف ذلك على معرفة حقيقة القلب ابتداء فانه
لو كان متوقفا على ذلك لوضح موالينا وأئمتنا عليهم السلم لنا ذلك
بأوضح البيان ،وحيث لم يبينوا ذلك لنا فالحوط بنا أن نسكت عما سكت
عنه الكريم المنان ،لكن نذكر هنا بعض ما قيل في هذا المقام ،ونكتفي بذلك
وال المستعان .فاعلم أن المشهور بين الحكماء ومن يسلك مسلكهم أن
المراد بالقلب النفس الناطقة ،وهي جوهر روحاني متسوط بين العالم
الروحاني الصرف ،والعالم -الجسماني ،يفعل فيما دونه ،وينفعل عما
فوقه ،وإثبات الذن له على الستعارة والتشبيه .قال بعض المحققين:
القلب شرف النسان وفضيلته التي بها فاق جملة من أصناف الخلق
باستعداده لمعرفة ال سبحانه ،التي في الدنيا جماله وكماله وفخره وفي
الخرة عدته وذخره ،وإنما استعد للمعرفة بقلبه ل بجارحة من جوارحه
فالقلب هو العالم بال ،وهو العامل ل ،وهو الساعي إلى ال ،وهو
المتقرب إليه وإنما الجوارح أتباع له وخدم ،وآلت يستخدمها القلب،
ويستعملها استعمال الملك للعبيد ،واستخدام الراعي للرعية ،والصانع
لللة .والقلب هو المقبول عند ال إذا سلم من غير ال ،وهو المحجوب
عن ال إذا صار مستغرقا بغير ال ،وهو المطالب والمخاطب ،وهو المثاب
والمعاقب ،وهو الذي
][35
يستسعد بالقرب من ال تعالى فيفلح إذا زكاه ،وهو الذي يخيب ويشقى إذا دنسه
ودساه .وهو المطيع ل بالحقيقة به ،وإنما الذي ينتشر على الجوارح من
العبادات أنواره ،وهو العاصي المتمرد على ال ،وإنما الساري على
العضاء من الفواحش آثاره ،وباظلمه واستنارته تظهر محاسن الظاهر
ومساويه إذ كل إناء يترشح بما فيه .وهو الذي إذا عرفه النسان فقد
عرف نفسه ،وإذا عرف نفسه فقد عرف ربه وهو الذي إذا جهله النسان
فقد جهل نفسه ،وإذا جهل نفسه فقد جهل ربه ومن جهل بقلبه فهو بغيره
أجهل ،وأكثر الخلق جاهلون بقلوبهم وأنفسهم ،وقد حيل بينهم وبين
أنفسهم ،فان ال يحول بين المرء وقلبه ،وحيلولته بأن ل يوفقه لمشاهدته
ومراقبته ومعرفة صفاته وكيفية تقلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن
وأنه كيف يهوى مرة إلى أسفل السافلين ،ويتخفض إلى افق الشياطين،
وكيف يرتفع اخرى إلى أعلى عليين ،ويرتقي إلى عالم الملئكة المقربين.
ومن لم يعرف قلبه ليراقبه ويراعيه ،ويترصد ما يلوح من خزائن الملكوت
عليه وفيه ،فهو ممن قال ال تعالى فيه " :ول تكونوا كالذين نسوا ال
فأنساهم أنفسهم اولئك هم الفاسقون " ) (1فمعرفة القلب وحقيقة أوصافه
أصل الدين وأساس طريق السالكين .فإذا عرفت ذلك فاعلم أن النفس
والروح والقلب والعقل ألفاظ متقاربة المعاني فالقلب يطلق لمعنيين أحدهما
اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب اليسر من الصدر ،وهو لحم
مخصوص ،وفي باطنه تجويف ،وفي ذلك التجويف دم أسود وهو منبع
الروح ومعدنه ،وهذا القلب موجود للبهائم ،بل هو موجود للميت .والمعنى
الثاني هو لطيفة ربانية روحانية ،لها بهذا القلب الجسماني تعلق وقد
تحيرت عقول أكثر الخلق في إدراك وجه علقته ،فان تعلقها به يضاهي
تعلق
][36
العراض بالجسام ،والوصاف بالموصوفات ،أو تعلق المستعمل لللة باللة أو
تعلق المتمكن بالمكان ،وتحقيقه يقتضي إفشاء سر الروح ،ولم يتكلم فيه
رسول ال صلى ال عليه وآله فليس لغيره أن يتكلم فيه .والروح أيضا
يطلق على معنيين أحدهما جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني،
وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى ساير أجزاء البدن ،وجريانها في
البدن ،وفيضان أنوار الحياة والحس والسمع والبصر والشم منها على
أعضائها يضاهي فيضان النور من السراج الذي يدار في زوايا الدار ،فانه
ل ينتهي إلى جزء من البيت إل ويستنير به .فالحياة مثالها النور الحاصل
في الحيطان ،والروح مثالها السراج ،وسريان الروح وحركتها في الباطن
مثاله مثال حركة السراج في جوانب البيت بتحريك محركه ،والطباء إذا
أطلقوا اسم الروح أرادوا به هذا المعنى ،وهو بخار لطيف أنضجته حرارة
القلب .والمعنى الثاني هو اللطيفة الربانية العالمة المدركة من النسان
وهو الذي شرحناه في أحد معنيي القلب ،وهو الذي أراده ال تعالى بقوله:
" يسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " ) (1وهو أمر عجيب
رباني يعجز أكثر العقول والفهام عن درك كنه حقيقته .والنفس أيضا
مشترك بين معاني ويتعلق بغرضنا منه معنيان أحدهما أن يراد به المعنى
الجامع لقوة الغضب والشهوة في النسان ،وهذا الستعمال هو الغالب على
الصوفية ،لنهم يريدون بالنفس الصل الجامع للصفات المذمومة من
النسان فيقولون لبد من مجاهدة النفس وكسرها ،وإليه الشارة بقوله
صلى ال عليه وآله :أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك .المعنى الثاني
هو اللطيفة التي ذكرناها ،التي هو النسان في الحقيقة ،وهي نفس
النسان وذاته ،ولكنها توصف بأوصاف مختلفة بحسب أحوالها ،فإذا
سكنت
][37
تحت المر وزايلها الضطراب بسبب معارضة الشهوات ،سميت النفس المطمئنة
قال تعالى " :يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية " )
(1فالنفس بالمعنى الول ل يتصور رجوعها إلى ال ،فانها مبعدة عن ال
تعالى ،وهو من حزب الشيطان ،وإذا لم يتم سكونها ولكنها صارت مدافعة
للنفس الشهوانية ومعترضة عليها ،سميت النفس اللوامة ،لنها تلوم
صاحبها عند تقصيره في عبادة مولها ،قال ال تعالى " :فل اقسم بالنفس
اللوامة " ) (2وإن تركت العتراض وأذعنت وأطاعت لمقتضى الشهوات
ودواعي الشيطان ،سميت النفس المارة بالسوء قال ال تعالى إخبارا عن
يوسف عليه السلم " :وما ابرئ نفسي إن النفس لمارة بالسوء " )(3
وقد يجوز أن يقال :المارة بالسوء هي النفس بالمعنى الول فاذن النفس
بالمعنى الول مذمومة غاية الذم ،وبالمعنى الثاني محمودة لنها نفس
النسان أي ذاته وحقيقته العالمة بال تعالى وبسائر المعلومات .والعقل
أيضا مشتركة لمعان مختلفة والمناسب هنا معنيان أحدهما العلم بحقائق
المور أي صفته العلم الذي محله القلب ،والثاني أنه قد يطلق ويراد به
المدرك المعلوم ،فيكون هو القلب أعني تلك اللطيفة .فاذن قد انكشف لك أن
معاني هذه السامي موجودة وهو القلب الجسماني والروح الجسماني
والنفس الشهوانية والعقل العلمي وهذه أربعة معان يطلق عليها اللفاظ
الربعة ،ومعنى خامس وهي اللطيفة العالمة المدركة من النسان واللفاظ
الربعة بجملتها يتوارد عليها ،فالمعاني خمسة واللفاظ أربعة وكل لفظ
اطلق لمعنيين .وأكثر العلماء قد التبس عليهم اختلف هذه اللفاظ
وتواردها ،فتراهم يتكلمون في الخواطر ،ويقولون هذا خاطر العقل ،وهذا
خاطر الروح ،وهذا
][38
خاطر النفس ،وهذا خاطر القلب ،وليس يدري الناظر اختلف معاني هذه السماء.
وحيث ورد في الكتاب والسنة لفظ القلب ،فالمراد به المعنى الذي يفقه من
النسان ويعرف حقيقة الشياء وقد يكنى عنه بالقلب الذي في الصدر لن
بين تلك اللطيفة وبين جسم القلب علقة خاصة ،فانها وإن كانت متعلقة
بسائر البدن ومستعملة له ولكنها تتعلق به بواسطة القلب ،فتعلقها الول
بالقلب فكأنه محلها ومملكتها وعالمها ومطيتها ،ولذا شبه القلب بالعرش،
والصدر بالكرسي .ثم قال في بيان تسلط الشيطان على القلب :اعلم أن
القلب مثال قبة لها أبواب تنصب إليها الحوال من كل باب ومثاله أيضا
مثال هدف تنصب إليه السهام من الجوانب أو هو مثال مرآة منصوبة
يجتاز عليها أنواع الصور المختلفة ،فيتراءى فيها صورة بعد صورة ،ول
يخلو عنها ،أو مثال حوض ينصب إليه مياه مختلفة من أنهار مفتوحة
إليه ،وإنما مداخل هذه الثار المتجددة في القلب في كل حال اما من
الظاهر ،فالحواس الخمس ،وإما من الباطن فالخيال والشهوة والغضب
والخلق المركبة في مزاج النسان ،فانه إذا أدرك بالحواس شيئا حصل
منه أثر في القلب ،وإن كف عن الحساس والخيالت الحاصلة في النفس،
تبقى وينتقل الخيال من شئ إلى شئ ،وبحسب انتقال الخيال ينتقل القلب
من حال إلى حال .والمقصود أن القلب في التقلب والتأثر دائما من هذه
الثار وأخص الثار الحاصلة في القلب هي الخواطر ،وأعني بالخواطر ما
يعرض فيه من الفكار والذكار وأعني به إدراكاته علوما إما على سبيل
التجدد ،وإما على سبيل التذكر ،فانها تسمى خواطر من حيث إنها تخطر
بعد أن كان القلب غافل عنها ،والخواطر هي المحركات للرادات ،فان
النية والعزم والرادة إنما تكون بعد خطور المنوي بالبال ،ل محالة ،فمبدأ
الفعال الخواطر ثم الخاطر يحرك الرغبة ،والرغبة تحرك العزم ،ويحرك
العزم النية والنية تحرك العضاء .والخواطر المحركة للرغبة تنقسم إلى
ما يدعو إلى الشر أعني ما يضر في العاقبة ،وإلى ما يدعو إلى الخير أعني
ما ينفع في الخرة ،فهما خاطران مختلفان
][39
فافتقرا إلى اسمين مختلفين فالخاطر المحمود يسمى إلهاما ،والخاطر المذموم أعني
الداعي إلى الشر يسمى وسواسا .ثم إنك تعلم أن هذه الخواطر حادثة ،وكل
حادث لبد له من سبب ومهما اختلفت الحوادث دل على اختلف السباب،
هذا ما عرف من سنة ال عز وجل في ترتيب المسببات على السباب
فمهما استنار حيطان البيت بنور النار ،وأظلم سقفه واسود بالدخان علمت
أن سبب السواد غير سبب الستنارة ،كذلك لنوار القلب وظلماته سببان
مختلفان فسبب الخاطر الداعي إلى الخير يسمى ملكا وسبب الخاطر الداعي
إلى الشر يسمى شيطانا ،واللطف الذي به يتهيأ القلب لقبول إلهام الملك
يسمى توفيقا والذي به يتهيأ لقبول وسواس الشيطان يسمى إغواء
وخذلنا فان المعاني المختلفة تفتقر إلى أسامي مختلفة .والملك عبارة عن
خلق خلقه ال ،شأنه إفاضة الخير ،وإفادة العلم ،وكشف الحق ،والوعد
بالمعروف ،وقد خلقه ال وسخره لذلك ،والشيطان عبارة عن خلق شأنه
ضد ذلك ،وهو الوعد بالشر ،والمر بالفحشاء ،والتخويف عند الهم بالخير
بالفقر .والوسوسة في مقابلة اللهام ،والشيطان في مقابلة الملك،
والتوفيق في مقابلة الخذلن ،وإليه الشارة بقوله تعالى " :ومن كل شئ
خلقنا زوجين لعلكم تذكرون " ) (1فان الموجودات كلها متقابلة مزدوجة
إل ال تعالى ،فانه ل مقابل له ،بل هو الواحد الحق الخالق للزواج كلها.
والقلب متجاذب بين الشيطان والملك ،فقد قال صلى ال عليه وآله :للقلب
لمتان لمة من الملك إيعاد بالخير ،وتصديق بالحق ،فمن وجد ذلك فليعلم
أنه من ال فليحمد ال ،ولمة من العدو إيعاد بالشر وتكذيب بالحق ،ونهي
عن الخير فمن وجد ذلك فليتعوذ من الشيطان ثم تل " الشيطان يعدكم
الفقر " ) (2الية .ولتجاذب القلب بين هاتين اللمتين قال رسول ال صلى
ال عليه وآله :قلب المؤمن بين
][40
أصبعين من أصابع الرحمان ،وال سبحانه منزه عن يكون له أصبع مركبة من دم
ولحم وعظم ينقسم بالنامل ،ولكن روح الصبع سرعة التقليب والقدرة
على التحريك والتغيير ،فانك ل تريد أصبعك لشخصها بل لفعلها في التقليب
والترديد ،وكما أنك تتعاطى الفعال بأصابعك ،فال تعالى إنما يفعل ما يفعله
باستسخار الملك والشيطان وهما مسخران بقدرته في تقليب القلوب ،كما
أن أصابعك مسخرة لك في تقليب الجسام مثل .والقلب بأصل الفطرة
صالح لقبول آثار ]الملئكة و[ الشياطين صلحا متساويا ليس يترجح
أحدهما على الخر ،وإنما يترجح أحد الجانبين باتباع الهوى ،والكباب
على الشهوات أو العراض عنها ومخالفتها ،فان اتبع النسان مقتضى
الشهوة والغضب ظهر تسلط الشيطان بواسطة الهوى ،وصار القلب عش
الشيطان ومعدنه ،لن الهوى هو مرعى الشيطان ومرتعه ،وإن جاهد
الشهوات ولم يسلطها على نفسه ،وتشبه بأخلق الملئكة ،صار قلبه
مستقر الملئكة ومهبطهم .ولما كان ل يخلو قلب عن شهوة وغضب
وحرص وطمع وطول أمل إلى غير ذلك من صفات البشرية المتشعبة عن
الهوى ،لجرم لم يخل قلب عن أن يكون للشيطان فيه جولن بالوسوسة،
ولذلك قال رسول ال صلى ال عليه وآله :مامنكم من أحد إل وله شيطان
قالوا :ول أنت يارسول ال ؟ قال :ول أنا ،إل أن ال عزوجل أعانني عليه
فأسلم ،فلم يأمرني إل بخير .وإنما كان هذا لن الشيطان ل يتصرف إل
بواسطة الشهوة فمن أعانه ال على شهوته حتى صار ل ينبسط إل حيث
ينبغي ،وإلى الحد الذي ينبغي ،فشهوته ل تدعوه إلى الشر ،فالشيطان
المتدرع بها ل يأمر إل بالخير ،ومهما غلب على القلب ذكر الدنيا
ومقتضيات الهوى ،وجد الشيطان مجال فوسوس ،ومهما انصرف القلب
إلى ذكر ال تعالى ارتحل الشيطان ،وضاق مجاله ،وأقبل الملك وألهم.
فالتطارد بين جندي الملئكة والشياطين في معركة القلب دائم إلى أن ينفتح
القلب لحدهما فيسكن ويستوطن ،ويكون اجتياز الثاني اختلسا وأكثر
القلوب
][41
قد فتحها جنود الشيطان وملكوها ،فامتلت بالوساوس الداعية إلى إيثار العاجلة
وإطراح الخرة ،ومبدأ استيلئها اتباع الهوى ،ول يمكن فتحها بعد ذلك إل
بتخلية القلب عن قوت الشيطان وهو الهوى والشهوات ،وعمارته بذكر
ال ،إذ هو مطرح أثر الملئكة ،ولذلك قال ال تعالى " :إن عبادي ليس لك
عليهم سلطان " ) (1وكل من اتبع الهوى فهو عبد الهوى ل عبد ال فلذلك
تسلط عليه الشيطان ،وقال تعالى " :أفرأيت من اتخذ إلهه هواه " )(2
إشارة إلى أن الهوى إلهه ومعبوده ،فهو عبد الهوى ل عبد ال .ول يمحو
وسوسة الشيطان عن القلب إل ذكر شئ سوى ما يوسوس به لنه إذا
حضر في القلب ذكر شئ انعدم عنه ما كان فيه من قبل ،ولكن كل شئ
سوى ذكر ال ،وسوى ما يتعلق به ،فيجوز أن يكون أيضا مجال للشيطان
فذكر ال سبحانه هو الذي يؤمن جانبه ،ويعلم أنه ليس للشيطان فيه
مجال .ول يعالج الشيطان إل بضده ،وضد جميع وساوس الشيطان ذكر ال
تعالى والستعاذة به ،والتبري عن الحول والقوة ،وهو معنى قولك :أعوذ
بال من الشيطان الرجيم ،ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم ،وذلك ل
يقدر عليه إل المتقون الذين الغالب عليهم ذكر ال ،وإنما الشيطان يطوف
بقلوبهم في أوقات الفلتات على سبيل الخلسة قال ال تعالى " :إن الذين
اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون " ) .(3وقال
مجاهد في قوله " :من شر الوسواس الخناس " قال :هو منبسط على
قلب النسان ،فإذا ذكر ال سبحانه خنس وانقبض ،وإذا غفل انبسط على
قلبه .فالتطارد بين ذكر ال ووسوسة الشيطان ،كالتطارد بين النور
والظلم ،وبين الليل والنهار ،ولتطاردهما قال ال تعالى " :استحوذ عليهم
الشيطان فأنساهم
) (1الحجر (2) .42 :الجاثية (3) .23 :العراف.201 :
][42
ذكر ال " ) (1وفي الحديث إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم ،فإذا ذكر
ال خنس ،وإن نسي ال التقم قلبه .وكما أن الشهوات ممتزجة بلحم
الدمي ودمه ،فسلطنة الشيطان أيضا سارية في لحمه ودمه ،ومحيطة
بالقلب من جوانبه ،ولذا قال صلى ال عليه وآله :إن الشيطان ليجري من
ابن آدم مجرى الدم ،فضيقوا مجاريه بالجوع ،وذلك لن الجوع يكسر
الشهوة ،ومجرى الشيطان الشهوات ،ولجل اكتناف الشهوات للقلب من
جوانبه قال ال تعالى إخبارا عن إبليس " :لقعدن لهم صراطك المستقيم *
ثم لتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم " ).(2
وقال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن الشيطان قعد لبن آدم في طرقه،
فقعد له بطريق السلم ،فقال له :أتسلم وتترك دينك ودين آبائك ؟ فعصاه
فأسلم ،ثم قعد له بطريق الهجرة فقال :أتهاجر وتدع أرضك ونساءك ؟
فعصاه فهاجر ،ثم قعد له بطريق الجهاد ،فقال :أتجاهد وهو تلف النفس
والمال ؟ فتقاتل فتقتل فتنكح نساؤك وتقسم مالك ؟ فعصاه فجاهد ،قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :فمن فعل ذلك فمات كان حقا على ال أن
يدخله الجنة ،فقد ذكر صلى ال عليه وآله معنى الوسوسة ،فاذن
الوسواس معلوم بالمشاهدة .وكل خاطر فله سبب ،ويفتقر إلى اسم تعرفه،
فاسم سببه الشيطان ،ول يتصور أن ينفك عنه آدمي ،وإنما يختلفون
بعصيانه ومتابعته ،ولذا قال صلى ال عليه وآله :مامن أحد إل وله
شيطان .وقد اتضح بهذا النوع من الستبصار معنى الوسوسة واللهام،
والملك والشيطان ،والتوفيق والخذلن ،فبعد هذا نظر من ينظر في ذات
الشيطان وأنه جسم لطيف أو ليس بجسم ،وإن كان جسما فكيف يدخل في
بدن النسان ما هو جسم ؟ فهذا الن غير محتاج إليه في علم المعاملة ،بل
مثال الباحث عن هذا كمثال
][43
من دخل في ثوبه حية وهو محتاج إلى دفع ضراوتها ) (1فاشتغل بالبحث عن لونها
وطولها وعرضها ،وذلك عين الجهل لمصادفة الخواطر الباعثة على
الشرور ،وقد علمت ،ودل ذلك على أنه عن سبب ل محالة ،وعلم أن
الداعي إلى الشر المحذور المستقبل عدو فقد عرف العدو فينبغي أن يشتغل
بمجاهدته .وقد عرف ال سبحانه عداوته في مواضع كثيرة من كتابه
ليؤمن به ويحترز عنه فقال تعالى " :إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا
إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير " ) (2وقال تعالى " :ألم
أعهد إليكم يا بني آدم أن ل تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين " )(3
فينبغي للعبد أن يشتغل بدفع العدو عن نفسه ل بالسؤال عن أصله ونسبه
ومسكنه .نعم ينبغي أن يسأل عن سلحه ليدفعه عن نفسه ،وسلح
الشيطان الهوى والشهوات ،وذلك كاف للعالمين فأما معرفة صفة ذاته
وحقيقة الملئكة ،فذلك ميدان العارفين المتغلغلين في علوم المكاشفات،
وليحتاج في المعاملة إلى معرفته إلى آخر ما حققه في هذا المقام .وأقول:
ما ذكره أن دفع الشيطان ل يتوقف على معرفته حق لكن تأويل الملك
والشيطان بما أومأ عليه في هذا المقام ،وصرح به في غيره مع تصريح
الكتاب بخلفه جرأة على ال تعالى وعلى رسوله ،كما حققناه في المجلد
الرابع عشر والتوكل على ال العليم الخبير ،وإنما بسطنا الكلم في هذا
المقام ،ليسهل عليك فهم الخبار الماضية والتية " .وشيطان مفتن "
بكسر التاء المشددة أو المخففة أي مضل في القاموس الفتنة بالكسر
الخبرة ،وإعجابك بالشئ ،فتنه يفتنه فتنا وفتونا وأفتنه ،والضلل والثم،
والكفر ،والفضيحة ،والعذاب ،وإذابة الذهب والفضة ،والضلل ،والجنون
) (1يعنى لهجها وولعها بالنهش (2) .فاطر (3) .6 :يس.60 :
][44
والمحنة واختلف الناس في الراء وفتنه يفتنه أوقعه في الفتنة كفتنه وأفتنه )(1
قال سبحانه " :إذ يتلقى المتلقيان " ) (2قال البيضاوي :؟ باذكر ،أو
متعلق بأقرب يعني في قوله " :ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " أي هو
أعلم بحاله من كل قريب " حين يتلقى " أي يتلقى الحفيظان ما يتلفظ به "
عن اليمين وعن الشمال قعيد " أي عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد ،أي
مقاعد كالجليس ،فحذف الول لدللة الثاني عليه ،كقوله " :فاني وقيار بها
لغريب " وقيل يطلق الفعيل للواحد والمتعدد كقوله " :والملئكة بعد ذلك
ظهير " ) " .(3ما يلفظ من قول " ما يرمى به من فيه " إل لديه رقيب "
ملك يرقب عمله " عتيد " معد حاضر ،ولعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو
عقاب انتهى .وأقول :ظاهر أكثر الخبار الواردة من طريق الخاص والعام
أن المتلقيين والرقيب العتيد هما الملكان الكاتبان للعمال ،فصاحب اليمين
يكتب الحسنات ،وصاحب الشمال يكتب السيئات ،وظاهر هذا الخبر أن
الرقيب والعتيد الملك والشيطان ،بل المتلقيين أيضا ،ويحتمل أن يكون هذا
بطن الية ،أو يكون الرقيب العتيد صاحب اليمين ،ويكون الزاجر والكاتب
متحدا - 2 .كا :عن الحسين بن محمد ،عن أحمد بن إسحاق ،عن سعدان،
عن أبي بصير عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن للقلب اذنين فإذا هم
العبد بذنب قال له روح اليمان :ل تفعل ! وقال له الشيطان :افعل ! وإذا
كان على بطنها نزع منه روح اليمان ) .(4بيان " :فإذا هم العبد " للنفس
طريق إلى الخير وطريق إلى الشر ،وللخير مشقة حاضرة زائلة ،ولذة
غائبة دائمة ،وللشر لذة حاضرة فانية ،ومشقة غائبة باقية ،والنفس يطلب
اللذة ،ويهرب عن المشقة ،فهو دائما متردد بين الخير
) (1القاموس ج 4ص (2) .254ق (3) .17 :التحريم (4) .4 :الكافي ج 2ص
.267
][45
والشر ،فروح اليمان يأمره بالخير ،وينهاه عن الشر ،والشيطان بالعكس ،وهنا
يحتمل وجوها :الول أن يكون المراد به الملك كما صرح به في بعض
الخبار وسمي بروح اليمان لنه مؤيد له ،وسبب لبقائه ،فكأنه روحه وبه
حياته .الثاني أن يراد به العقل ،فانه أيضا كذلك ،ومتى لم يغلب الهوى
والشهوات النفسانية العقل ،لم يرتكب الخطيئة ،فكأن العقل يفارقه في تلك
الحالة .الثالث أن يراد به الروح النساني من حيث اتصافه باليمان ،فانها
من هذه الجهة روح اليمان ،فإذا غلبها الهوى ولم يعمل بمقتضاها فكأنها
فارقته .الرابع أن يراد به قوة اليمان وكماله ونوره ،فان كمال اليمان
باليقين واليقين بال واليوم الخر ل يجتمع مع ارتكاب الكبائر والذنوب
الموبقة ،فمفارقته كناية عن ضعفه ،فإذا ندم بعد انكسار الشهوة مما فعل،
وتفكر في الخرة وبقائها وشدة عقوباتها ،وخلوص لذاتها ،يقوى يقينه
فكأنه يعود إليه .الخامس أن يراد به نفس اليمان ،وتكون الضافة للبيان
فان اليمان الحقيقي ينافي ارتكاب موبقات المعاصي ،كما اشير إليه
بقولهم عليهم السلم " :ل يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " فان من
آمن وأيقن بوجود النار وإيعاد ال تعالى على الزنا أشد العذاب فيها ،كيف
يجترئ على الزنا وأمثالها ،إذ لو أوعده بعض الملوك على فعل من الفعال
ضربا شديدا أو قتل بل ضربا خفيفا أو إهانة وعلم أن الملك سيطلع عليه ل
يرتكب هذا الفعل ،وكذا لو كان صبي من غلمانه أو ضعيف من بعض خدمه
-فكيف الجانب -حاضرا ل يفعل المور القبيحة ،فكيف يجتمع اليمان بأن
الملك القادر القاهر الناهي المر مطلع على السراير ،ول يخفى عليه
الضماير ،مع ارتكاب الكبائر بحضرته ،وهل هذا إل من ضعف اليمان،
ولذا قيل :الفاسق إما كافر أو مجنون .السادس أن يقال :في الكافر ثلثة
أرواح هي موجودة في الحيوانات ،وهي الروح الحيوانية ،والقوة البدنية،
والقوة الشهوانية ،فانهم ضيعوا الروح
][46
التي بها يمتاز النسان عن سائر الحيوان وجعلوها تابعة للشهوات النفسانية،
والقوى البهيمية ،فإما أن تفارقهم بالكلية كما قيل أو لما صارت باطلة
معطلة فكأنها فارقتهم ولذا قال تعالى " :إن هم إل كالنعام بلهم أضل سبيل
" ) .(1وفي المؤمنين أربعة أرواح ،فانه يتعلق بهم روح يصيرون به
أحياء بالحياة المعنوية البدية ،فهي مع الرواح البدنية تصير أربعا ،وفي
النبياء والوصياء عليهم السلم روح خامس :هو روح القدس ،وهذا
على بعض الوجوه قريب من الوجه الثالث .والحاصل أن النسان في بدو
المر عند كونه نطفة جماد ،ولها صورة جمادية ثم يترقى إلى درجة
النباتات ،فتتعلق به نفس نباتية ،ثم يترقى إلى أن تتعلق به نفس حيوانية
هي مبدء للحس والحركة ،ثم يترقى إلى أن تتعلق به روح آخر هو مبدأ
اليمان ،ومنشأ سائر الكمالت ،ثم يترقى إلى أن يتعلق به روح القدس
فيحيط بجميع العوالم ،ويصير محل لللهامات الربانية ،والفاضات
السبحانية .وقال بعضهم بناء على القول بالحركة في الجوهر :أن الصورة
النوعية الجمادية المنوية تترقى وتتحرك إلى أن تصير نفسا نباتية ثم
تترقى إلى أن تصير نفسا حيوانية ،وروحا حيوانيا ثم تترقى إلى أن تصير
نفسا مجردا على زعمه مدركة للكليات ،ثم تترقى إلى أن تصير نفسا
قدسيا ،وروح القدس وعلى زعمه يتحد بالعقل .هذا ما حضرني مما يمكن
أن يقال في حل هذه الخبار ،باختلف مسالك العلماء ،ومذاهبهم في تلك
المور ،والول أظهر على قواعد متكلمي المامية وظواهر الخبار ،وال
المطلع على غوامض السرار ،وحججه صلوات ال عليهم ما تعاقب الليل
والنهار .وأقول :البارز في قوله عليه السلم " :على بطنها " راجع إلى
المرأة المزني بها في الزنا ،ذكره على سبيل المثال.
][47
- 3كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن علي بن الحكم عن
سيف بن عميرة ،عن أبان بن تغلب ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ما
من مؤمن إل ولقلبه اذنان في جوفه :اذن ينفث فيها الوسواس الخناس،
واذن ينفث فيها الملك ،فيؤيد ال المؤمن بالملك ،وذلك قوله " :وأيدهم
بروح منه " ) .(1بيان " :في جوفه " تأكيد لئل يتوهم أن المراد بهما
الذنان اللتان في الرأس ،لن لهما أيضا طريقا إلى القلب ،وقال
البيضاوي " :من شر الوسواس " أي الوسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة،
وأما المصدر فبالكسر كالزلزال ،والمراد به الموسوس سمي به مبالغة "
الخناس " الذي عادته أن يخنس أي يتأخر إذا ذكر النسان ربه " الذي
يوسوس في صدور الناس " إذا غفلوا عن ذكر ربهم ،وذلك كالقوة
الوهمية ،فانها تساعد العقل في المقدمات ،فإذا آل المر إلى النتيجة
خنست وأخذت توسوسه وتشككه " من الجنة والناس " بيان للوسواس
أو للذي أو متعلق بيوسوس أي يوسوس في صدروهم من جهة الجنة
والناس ،وقيل :بيان للناس ،على أن المراد به ما يعم القبيلين ،وفيه
تعسف ،إل أن يراد به الناسي كقوله " :يوم يدع الداع " ) (2فان نسيان
حق ال يعم الثقلين ) .(3وقال الطبرسي قدس سره :فيه أقوال :أحدها أن
معناه من شر الوسوسة الواقعة من الجنة ،والوسواس حديث النفس بما
هو كالصوت الخفي ،وأصله الصوت الخفي ،والوسوسة كالهمهمة ،ومنه
قولهم :فلن موسوس إذا غلب عليه ما يعتريه من المرة ،يقال :وسوس
يوسوس وسواسا ووسوسة وتوسوس ،والخنوس الختفاء بعد الظهور
خنس يخنس .وثانيها أن معناه من شر ذي الوسواس ،وهو الشيطان كما
جاء في الثر أنه يوسوس فإذا ذكر ربه خنس ،ثم وصفه ال تعالى بقوله:
" الذي يوسوس في
) (1الكافي ج 2ص ،267والية في المجادلة (2) .22القمر (3) .6 :انتهى كلم
البيضاوي.
][48
صدور الناس " أي بالكلم الخفي الذي يصل مفهومه إلى قلوبهم من غير سماع،
ثم ذكر أنه " من الجنة " وهو الشياطين " والناس " عطف على
الوسواس .وثالثها أن معناه من شر ذي الوسواس الخناس ثم فسره
بقوله " :من الجنة والناس " فوسواس الجنة هو وسواس الشيطان ،وفي
وسواس النس وجهان :أحدهما أنه وسوسة النسان من نفسه ،والثاني
إغواء من يغويه من الناس ،ويدل عليه " شياطين النس والجن " )(1
فشيطان الجن يوسوس ،وشيطان النس يأتي علنية ويري أنه ينصح
وقصده الشر .قال مجاهد :الخناس الشيطان إذا ذكر ال سبحانه خنس
وانقبض ،وإذا لم يذكر ال انبسط على القلب ،ويؤيده ما روي عن النبي
صلى ال عليه وآله أن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم ،فإذا ذكر
ال سبحانه خنس وإن نسي التقم قلبه ،فذلك الوسواس الخناس ،وقيل:
الخناس معناه الكثير الختفاء بعد الظهور ،وهو المستتر المختفي عن
أعين الناس ،لنه يوسوس من حيث ل يرى بالعين ،وقيل :إن المعنى يلقي
الشغل في قلوبهم بوسواسه ،والمراد أن له رفقا ،به يوصل الوسواس إلى
الصدر وهو أغرب من خلوصه بنفسه إلى الصدر .وروى العياشي عن
الصادق عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ما من
مؤمن إل ولقلبه في صدره اذنان :اذن ينفث فيها الملك ،واذن ينفث فيها
الوسواس الخناس ،فيؤيد ال المؤمن بالملك ،وهو قوله سبحانه" :
وأيدهم بروح منه " ) .(2وقال رحمه ال في قوله تعالى " :اولئك كتب
في قلوبهم اليمان " أي ثبت في قلوبهم اليمان بما فعل بهم من اللطاف،
فصار كالمكتوب ،وقيل :كتب في قلوبهم علمة اليمان ،ومعنى ذلك أنها
سمة لمن شاهدهم من الملئكة على أنهم مؤمنون " وأيديهم بروح منه "
أي قواهم بنور اليمان ،ويدل عليه قوله " :وكذلك أوحينا إليك روحا من
أمرنا ماكنت تدري ما الكتاب ول اليمان " ).(3
) (1النعام (2) .112 :انتهى كلم الطبرسي (3) .الشورى.52 :
][49
وقيل :معناه قواهم بنور الحجج والبرهان حتى اهتدوا للحق وعملوا به ،وقيل:
قواهم بالقرآن الذي هو حياة القلوب من الجهل ،وقيل :أيدهم بجبرئيل في
كثير من المواطن ينصرهم ويدفع عنهم ) .(1وقال البيضاوي " :بروح
منه " أي من عند ال ،وهو نور القلب أو القرآن أو النصر على العدو،
وقيل :الضمير لليمان فانه سبب لحياة القلب انتهى ) (2وروي عن طريق
العامة أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ) .(3قال الزهري:
معناه أنه ل يفارق ابن آدم ما دام حيا كما ل يفارقه دمه وقال :هذا على
طريق ضرب المثل ،وجمهورهم حملوه على ظاهره ،وقالوا :إن الشيطان
جعل له هذا القدر من التطرق إلى باطن الدمي بلطافة هيئته فيجري في
العروق التي هي مجاري الدم إلى أن يصل إلى قلبه ،فيوسوسه على حسب
ضعف إيمان العبد وقلة ذكره وكثرة غفلته ،ويبعد عنه ويقل تسلطه
وسلوكه إلى باطنه بمقدار قوته ويقظته ودوام ذكره وإخلص توحيده.
ونقل عن ابن عباس أنه تعالى جعله بحيث يجري من بني آدم مجرى الدم
وصدور بني آدم مسكن له كما قال " :من شر الوسواس " الخ والجنة
الشياطين وكما قال النبي صلى ال عليه وآله :إن الشيطان ليجثم على قلب
بني آدم له خرطوم كخرطوم الكلب إذا ذكر العبد ]ا[ ال عزوجل خنس أي
رجع على عقبيه ،وإذا غفل عن ذكر ال وسوس ) (4فاشتق له اسمان من
فعليه :الوسواس من وسوسته عند غفلة العبد والخناس من خنوسه عند
ذكر العبد .قيل :والناس عطف على الجنة ،والنس ل يصل في وسوسته
بذاته إلى باطن
) (1مجمع البيان ج 10ص (2) .255انوار التنزيل ص (3) .426مجمع البيان
ج 4ص 409في قوله تعالى " انه يراكم هو وقبيله " العراف) .27 :
(4أخرجه السيوطي في الدر المنثور عن مجاميع حديثية(*) .
][50
الدمي فكذا الجنة في وسوسته ،واجيب بأن النس ليس له ما للجن من اللطافة
فعدم وصول النس إلى الجوف ل يستلزم عدم وصول الجن إليه .ثم إن ال
تعالى بلطفه جعل للنسان حفظة من الملئكة ،وأعطاهم قوى اللهام
واللمام بهم في بواطن النسان ،في مقابلة لمة الشيطان كما روي أن
للملك لمة بابن آدم ،وللشيطان لمة :لمة الملك إيعاد بالخير ،وتصديق
بالحق فمن وجد ذلك فليحمد ال ،ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب
بالحق ،فمن وجد من ذلك شيئا فليستعذ بال من الشيطان .وفي النهاية في
حديث ابن مسعود :لبن آدم لمتان لمة من الملك ولمة من الشيطان :اللمة
الهمة والخطرة تقع في القلب أراد إلمام الملك أو الشيطان به ،والقرب منه
فما كان من خطرات الخير فهو من الملك ،وما كان من خطرات الشر فهو
من الشيطان - 4 .ل :الخليل بن أحمد ،عن محمد بن إبراهيم الدبيلي ،عن
أبي عبد ال عليه السلم عن سفيان ،عن مجاهد ،عن الشعبي ،عن
النعمان بن بشير قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله في النسان
مضغة إذا هي سلمت وصحت سلم بها سائر الجسد ،فإذا سقمت سقم لها
سائر الجسد وفسد وهي القلب ) - 5 .(1شى :في حديث إسحاق بن عمار
في قول ال " خذوا ما آتيناكم بقوة " ) (2أقوه في البدان أم قوة في
القلوب ؟ قال :فيهما جميعا ) - 6 .(3ل :الخليل ،عن أبي العباس السراج،
عن قتيبة ،عن رشيد بن سعد البصري ،عن شراحيل بن يزيد ،عن عبد ال
بن عمر وأبي هريرة ،عن النبي صلى ال عليه وآله قال :إذا طاب قلب
المرء طاب جسده ،وإذا خبث القلب
) (1الخصال ج 1ص (2) .18العراف (3) .171 :تفسير العياشي ج 2ص .37
][51
خبث الجسد ) - 7 .(1لى :عن الصادق عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وآله :شر العمى عمى القلب ) - 8 .(2ما :فيما أوصى به أمير
المؤمنين عليه السلم ابنه :يا بنى إن من البلء الفاقة وأشد من ذلك
مرض البدن ،وأشد من ذلك مرض القلب ،وإن من النعم سعة المال،
وأفضل من ذلك صحة البدن ،وأفضل من ذلك تقوى القلوب ) - 9 .(3مع:
أبي ،عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن ابن محبوب ،عن الثمالي عن أبي
جعفر عليه السلم قال :القلوب ثلثة :قلب منكوس ل يعثر ) (4على شئ
من الخير وهو قلب الكافر ،وقلب فيه نكتة سوداء فالخير والشر فيه
يعتلجان ،فما كان منه أقوى غلب عليه ،وقلب مفتوح فيه مصباح يزهر فل
يطفأ نوره إلى يوم القيامة وهو قلب المؤمن ) - 10 .(5مع :العطار عن
أبيه ،عن ابن أبان ،عن ابن اورمة ،عن محمد بن خالد ،عن هارون ،عن
المفضل ،عن سعد الخفاف ،عن أبي جعفر عليه السلم ،قال :القلوب
أربعة :قلب فيه نفاق وإيمان ،وقلب منكوس ،وقلب مطبوع ،وقلب أزهر
أنور ،قلت :ما الزهر ،قال فيه كهيئة السراج ،فأما المطبوع فقلب
المنافق ،وأما الزهر فقلب المؤمن إن أعطاه ال عزوجل شكر ،وإن ابتله
صبر ،وأما المنكوس فقلب المشرك ،ثم قرأ هذه الية " أفمن يمشي مكبا
على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم " ) (6وأما القلب
الذي فيه
) (1الخصال ج 1ص (2) .18أمالي الصدوق ص (3) .292أمالي الطوسي ج 1
ص (4) .146في المصدر :ل يعي ،والعثور :الطلع ،والوعى :الحفظ
والحتواء (5) .معاني الخبار (6) .395الملك.23 :
][52
إيمان ونفاق ،فهم قوم كانوا بالطائف فان أدرك أحدهم أجله على نفاقه هلك ،وإن
أدرك على إيمانه نجا ) - 11 .(1ل :ابن المتوكل ،عن السعد آبادي ،عن
البرقي ،عن النوفلي ،عن السكوني ،عن جعفر بن محمد ،عن آبائه عليهم
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من علمات الشقاء جمود
العين وقسوة القلب ،وشدة الحرص في طلب الرزق ،والصرار على الذنب
) - 12 .(2ل :في وصية النبي صلى ال عليه وآله إلى علي عليه السلم:
يا علي أربع خصال من الشقاء :جمود العين ،وقساوة القلب ،وبعد المل،
وحب البقاء ) - 13 .(3ع :محمد بن موسى البرقي ،عن علي بن محمد
ماجيلويه ،عن البرقي عن أبيه ،عن محمد بن سنان رفعه إلى أمير
المؤمنين عليه السلم أنه قال :أعجب ما في النسان قلبه وله مواد من
الحكمة ،وأضداد من خلفها ،فان سنح له الرجاء أذله الطمع وإن هاج به
الطمع أهلكه الحرص وإن ملكه اليأس قتله السف ،وإن عرض له
الغضب ،اشتد به الغيظ ،وإن سعد بالرضا نسي التحفظ ،وإن ناله الخوف
شغله الحذر ،وإن اتسع له المن استلبته الغرة ) (4وإن جددت له النعمة
أخذته العزة ،وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع ،وإن استفاد مال أطغاه
الغنى وإن عضته فاقة شغله البلء ،وإن جهده الجوع قعد به الضعف ،وإن
أفرط في الشبع كظته البطنة ،فكل تقصير به مضر ،وكل إفراط به مفسد )
.(5شا :مرسل مثله ) - 14 .(6ع :بهذا السناد ،عن محمد بن سنان ،عن
بعض أصحابه ،عن أبي عبد ال عليه السلم
) (1معاني الخبار (2) .395الخصال ج 1ص (3) .115الخصال ج 1ص 115
و (4) .116استلبه :اختلسه ،والغرة :الغفلة (5) .علل الشرايع ج 1ص
.103وسيأتي مثله عن النهج (6) .الرشاد ص 142و .143
][53
قال :سمعته يقول لرجل :اعلم يا فلن إن منزلة القلب من الجسد بمنزلة المام من
الناس ،الواجب الطاعة عليهم ،أل ترى أن جميع جوارح الجسد شرط
للقلب وتراجمة له مؤدية عنه :الذنان والعينان والنف والفم واليدان
والرجلن والفرج فان القلب إذا هم بالنظر فتح الرجل عينيه ،وإذا هم
بالستماع حرك اذنيه وفتح مسامعه فسمع ،وإذا هم القلب بالشم استنشق
بأنفه فأدى تلك الرائحة إلى القلب ،وإذا هم بالنطق تكلم باللسان ،وإذا هم
بالحركة سعت الرجلن ،وإذا هم بالشهوة تحرك الذكر ،فهذه كلها مودية
عن القلب بالتحريك ،وكذلك ينبغي للمام أن يطاع للمر منه ) .(1أقول :قد
مضى ) (2في باب الغضاء عن عيوب الناس ،عن الباقر عليه السلم أنه
قال :إن القلوب بين أصبعين من أصابع ال ،يقلبها كيف يشاء ساعة كذا،
وساعة كذا - 15 .ل :عن الصادق عليه السلم ،عن حكيم أنه قال :قلب
الكافر أقسى من الحجر ) - 16 .(3ل ) :(4أبي ،عن سعد ،عن الصبهاني،
عن المنقري ،عن سفيان ابن عيينة ،عن الزهري ،عن علي بن الحسين
عليهما السلم في حديث طويل يقول فيه :أل إن للعبد أربع أعين :عينان
يبصر بهما أمر دينه ودنياه ،وعينان يبصر بهما أمر آخرته ،فإذا أراد ال
بعبد خيرا فتح له العينين اللتين في قلبه ،فأبصر بهما الغيب وأمر آخرته،
وإذا أراد به غير ذلك ترك القلب بما فيه - 17 .ب :ابن سعد ،عن الزدي،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن للقلب اذنين :روح اليمان يساره
بالخير ،والشيطان يساره بالشر فأيهما ظهر على صاحبه غلبه ).(5
) (1علل الشرائع ج 1ص (2) .103بل سيأتي في ج 75ص 48من أجزاء
المجلد السادس عشر كتاب العشرة تحت الرقم 9من باب الغضاء عن
عيوب الناس (3) .الخصال ج 2ص ،5وتراه في المعاني ،177المالي:
(4) .146الخصال ج 1ص 114وفي النسخة زيادة رمز ين وهو سهو.
) (5قرب السناد .24
][54
- 18فس :سعيد بن محمد ،عن بكر بن سهل ،عن عبد الغني بن سعيد الثقفي عن
موسى بن عبد الرحمن ،عن مقاتل بن سليمان ،عن الضحاك بن مزاحم،
عن ابن عباس في قوله " :من شر الوسواس الخناس " يريد الشيطان
على قلب ابن آدم له خرطوم مثل خرطوم الخنزير يوسوس ابن آدم إذا أقبل
على الدنيا وما ل يحب ال ،فإذا ذكر ال عزوجل خنس يريد رجع )19 .(1
-فس " :إل من أتى ال بقلب سليم " قال :القلب السليم الذي يلقى ال
وليس فيه أحد سواه ) - 20 .(2ن ،لى :ابن إدريس ،عن أبيه ،عن سهل،
عن الحسن بن علي بن النعمان ،عن ابن أسباط ،عن ابن الجهم قال :قلت
للرضا عليه السلم :جعلت فداك أشتهي أن أعلم كيف أنا عندك ؟ فقال:
انظر كيف أنا عندك ) - 21 .(3ب :ابن سعد ،عن الزدي ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم :إن الشك والمعصية في
النار ،ليسا منا ول إلينا ،وإن قلوب المؤمنين لمطوية باليمان طيا ،فإذا
أراد ال إنارة ما فيها فتحها بالوحي فزرع فيها الحكمة زارعها وحاصدها
) - 22 .(4لى :ما جيلويه ،عن عمه ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن ابن
المغيرة ومحمد بن سنان معا ،عن طلحة بن زيد ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :كان أبي عليه السلم يقول :ما شئ أفسد للقلب من الخطيئة،
إن القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتى تغلب عليه فيصير أسفله أعله
وأعله أسفله ) .(5ما :الغضايري ،عن الصدوق مثله ).(6
) (1تفسير القمي ذيل سورة الناس ص (2) .744تفسير القمي ص (3) .473
عيون الخبار ج 1ص ،145أمالي الصدوق (4) .145قرب السناد ص
(5) .25أمالي الصدوق (6) .239أمالي الطوسي ج 2ص .53
][55
- 23ع :أبي ،عن محمد العطار ،عن المقرئ الخراساني ،عن علي بن جعفر ،عن
أخيه ،عن أبيه عليهم السلم قال :أوحى ال عزوجل إلى موسى عليه
السلم يا موسى لتفرح بكثرة المال ،ول تدع ذكري على كل حال ،فان
كثرة المال تنسئ الذنوب وإن ترك ذكري يقسي القلوب ) - 24 .(1ع:
القطان ،عن أحمد الهمداني ،عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه ،عن
مروان بن مسلم ،عن الثمالي ،عن ابن طريف ،عن ابن نباته قال :قال
أمير المؤمنين عليه السلم :ما جفت الدموع إل لقسوة القلوب ،وما قست
القلوب إل لكثرة الذنوب ) - 25 .(2مص :قال الصادق عليه السلم:
إعراب القلوب على أربعة أنواع :رفع وفتح وخفض ووقف ،فرفع القلب
في ذكر ال ،وفتح القلب في الرضا عن ال ،وخفض القلب في الشتغال
بغير ال ،ووقف القلب في الغفلة عن ال ،أل ترى أن العبد إذا ذكر ال
بالتعظيم خالصا ارتفع كل حجاب كان بينه وبين ال من قبل ذلك ،وإذا انقاد
القلب لمورد قضاء ال بشرط الرضا عنه كيف ينفتح القلب بالسرور
والروح والراحة ،وإذا اشتغل قلبه بشئ من أسباب الدنيا كيف تجده إذا
ذكر ال بعد ذلك وآياته منخفضا ]مظلما[ كبيت خراب خاويا ،وليس فيه
العمارة ول مونس ،وإذا غفل عن ذكر ال كيف تراه بعد ذلك موقوفا
محجوبا قد قسي وأظلم منذ فارق نور التعظيم .فعلمة الرفع ثلثة أشياء:
وجود الموافقة ،وفقد المخالفة ،ودوام الشوق وعلمة الفتح ثلثة أشياء:
التوكل والصدق واليقين ،وعلمة الخفض ثلثة أشياء العجب والرياء
والحرص ،وعلمة الوقف ثلثة أشياء زوال حلوة الطاعة ،وعدم مرارة
المعصية ،والتباس العلم الحلل بالحرام ).(3
) 1و (2علل الشرائع ج 1ص .77ط النجف الحروفية ص (3) .81مصباح
الشريعة ص .3
][56
- 26ضا :روي أن ل في عباده آنية وهو القلب ،فأحبها إليه أصفاها وأصلبها
وأرقها :أصلبها في دين ال ،وأصفاها من الذنوب ،وأرقها على الخوان.
- 27شى :عن هارون بن خارجة ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قلت
له :إني أفرح من غير فرح أراه في نفسي ،ول في مالي ول في صديقي،
وأحزن من غير حزن أراه في نفسي ول في مالي ول في صديقي ؟ قال:
نعم إن الشيطان يلم بالقلب فيقول :لو كان لك عند ال خير ما أدال عليك
عدوك ،ول جعل بك إليه حاجة ،هل تنتظر إل مثل الذي انتظر الذين من
قبلك ؟ فهل قالوا شيئا ،فذاك الذي يحزن من غير حزن ،وأما الفرح فان
الملك يلم بالقلب فيقول :إن كان ال أدال عليك عدوك ،وجعل بك إليه
حاجة ،فانما هي أيام قلئل أبشر بمغفرة من ال وفضل وهو قول ال" :
الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء وال يعدكم مغفرة منه وفضل " )
- 28 .(1شى :عن سلم قال :كنت عند أبي جعفر عليه السلم فدخل عليه
حمران بن أعين فسأله عن أشياء ،فلما هم حمران بالقيام قال لبي جعفر
عليه السلم :اخبرك أطال ال بقاك وأمتعنا بك أنا نأتيك فما نخرج من
عندك حتى يرق قلوبنا وتسلو أنفسنا عن الدنيا ،ويهون علينا ما في أيدي
الناس من هذه الموال ثم نخرج من عندك فإذا صرنا مع الناس والتجار
أحببنا الدنيا ؟ قال :فقال أبو جعفر عليه السلم :إنما هي القلوب مرة
يصعب عليها المر ومرة يسهل .ثم قال أبو جعفر عليه السلم :أما إن
أصحاب رسول ال صلى ال عليه وآله قالوا :يارسول ال نخاف علينا
النفاق ،قال :فقال لهم :ولم تخافون ذلك ؟ قالوا :إنا إذا كنا عندك فذكرتنا،
روعنا ووجلنا ونسينا الدنيا وزهدنا فيها حتى كأنا نعاين الخرة والجنة
والنار ،ونحن عندك ،وإذا دخلنا هذه البيوت وشممنا الولد ورأينا العيال
والهل والمال يكاد أن نحول عن الحال التي كنا عليها عندك ،وحتى كأنا لم
نكن على شئ ؟ أفتخاف علينا أن يكون هذا النفاق ؟ فقال لهم رسول ال
صلى ال عليه وآله :كل هذا
][57
من خطوات الشيطان ليرغبكم في الدنيا ،وال لو أنكم تدومون على الحال التي
تكونون عليها وأنتم عندي في الحال التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم
الملئكة ومشيتم على الماء ،ولول أنكم تذنبون فتستغفرون ال لخلق ال
خلقا لكي يذنبوا ثم يستغفروا ،فيغفر لهم إن المؤمن مفتن تواب أما تسمع
لقوله :إن ال يحب التوابين ) (1واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه )- 29 .(2
شى :عن أبي جميلة ،عن عبد ال بن جعفر ،عن أخيه قال :إن للقلب
تلجلجا في الخوف يطلب الحق فإذا أصابه اطمأن به وقرأ " ومن يرد ال
أن يهديه يشرح صدره للسلم ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا
حرجا كأنما يصعد في السماء ) - 30] .(3شى :[:عن سليمان بن خالد
قال :قد سمعت أبا عبد ال عليه السلم أن ال إذا أراد بعبد خيرا نكت في
قلبه نكتة بيضاء ،وفتح مسامع قلبه ،ووكل به ملكا يسدده ،وإذا أراد بعبد
سوء نكت في قلبه نكتة سوداء وشد عليه مسامع قلبه ،ووكل به شيطانا
يضله ثم تل هذه الية " فمن يرد ال أن يهديه يشرح صدره " الية.
ورواه سليمان بن خالد عنه " :نكتة من نور " ولم يقل بيضاء )31] .(4
-شى[ :عن أبي بصير ،عن خيثمة قال :سمعت أبا جعفر عليه السلم
يقول :إن القلب ينقلب من لدن موضعه إلى حنجرته ما لم يصب الحق فإذا
أصاب الحق قر ثم ضم أصابعه ثم قرأ هذه الية " فمن يرد ال أن يهديه
يشرح صدره للسلم ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا " قال:
وقال أبو عبد ال عليه السلم لموسى ابن أشيم :أتدري ما الحرج ؟ قال:
قلت :ل ،فقال بيده وضم أصابعه كالشئ
) (1البقرة (2) .222 :هود 90 :تفسير العياشي ج 1ص .109وترى مثله في
الكافي ج 2ص (3) .423تفسير العياشي ج 1ص ،376والية في
النعام (4) .125 :المصدر ج 1ص 376و .377
][58
][59
- 37غو :روي أنس بن مالك قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ناجى داود
ربه فقال :إلهي لكل ملك خزانة فأين خزانتك ؟ قال جل جلله :لي خزانة
أعظم من العرش ،وأوسع من الكرسي ،وأطيب من الجنة ،وأزين من
الملكوت :أرضها المعرفة ،وسماؤها اليمان ،وشمسها الشوق ،وقمرها
المحبة ،ونجومها الخواطر وسحابها العقل ،ومطرها الرحمة ،وأثمارها
الطاعة ،وثمرها الحكمة ،ولها أربعة أبواب :العلم ،والحلم ،والصبر،
والرضا ،أل وهي القلب - 38 .كا :علي بن إبراهيم ،عن صالح بن
السندي ،عن جعفر بن بشير ،عن صباح الحذاء ،عن أبي اسامة قال:
زاملت أبا عبد ال عليه السلم قال :فقال لي :اقرأ فافتتحت سورة من
القرآن فقرأتها فرق وبكى ،ثم قال :يا أبا اسامة ارعوا قلوبكم بذكر ال
عزوجل واحذروا النكت فانه يأتي على القلب تاراة أو ساعات -الشك من
صباح -ليس فيه إيمان ول كفر ،شبه الخرقة البالية ،أو العظم النخر يا أبا
اسامة أليس ربما تفقدت قلبك فل تذكر به خيرا ول شرا ،ول تدري أين هو
؟ قال :قلت له :بلى إنه ليصيبني وأراه يصيب الناس ،قال :أجل ليس يعرى
منه أحد قال :فإذا كان ذلك فاذكروا ال عزوجل ،واحذروا النكت ،فانه إذا
أراد بعبد خيرا نكت إيمانا ،وإذا أراد به غير ذلك نكت غير ذلك ،قال :قلت:
ما غير ذلك ؟ جعلت فداك ما هو ؟ قال :إذا أرد كفرا نكت كفرا )- 39 .(1
اسرار الصلة :عن النبي صلى ال عليه وآله قال :قلب المؤمن أجرد ،فيه
سراج يزهر ،وقلب الكافر أسود منكوس .وعن سفيان بن عيينة قال:
سألت ]الصادق[ عن قول ال عزوجل " إل من أتى ال بقلب سليم " قال:
السليم الذي يلقى ربه ،وليس فيه أحد سواه ،وقال :وكل قلب فيه شك أو
شرك فهو ساقط ،وإنما أرادوا الزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للخرة .وقال
النبي صلى ال عليه وآله :لول أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم
لنظروا إلى الملكوت.
][60
- 40نوادر الراوندي :باسناده ،عن موسى بن جعفر ،عن آبائه عليهم السلم قال:
قال رسول ال صلى ال عليه وآله :القلوب أربعة :قلب فيه إيمان وليس
فيه قرآن ،وقلب فيه إيمان وقرآن ،وقلب فيه قرآن وليس فيه إيمان ،وقلب
ل إيمان فيه ول قرآن فأما الول كالتمرة طيب طعمها ول طيب لها ،والثاني
كجراب المسك طيب إن فتح وطيب إن وعاه ،والثالث كالس طيب ريحها
وخبيث طعمها ،والرابع كالحنظل خبيث ريحها وطعمها ) .(1وبهذا السناد
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن ل آنية في الرض فأحبها إلى
ال ما صفا منها ورق وصلب ،وهي القلوب فأما ما رق منها فالرقة على
الخوان وأما ما صلب منها فقول ]الرجل في الحق ،ل يخاف في ال لومة
لئم ،وأما ما صفا ما صفت من الذنوب[ ) .(2القصد إلى ال تعالى بالقلوب
أبلغ من إتعاب الجوارح بالعمال .وقال الحسن بن علي العسكري عليهما
السلم :إذا نشطت القلوب فأودعوها وإذا نفرت فودعوها - 41 .نهج :قال
أمير المؤمنين عليه السلم :لقد علق بنياط هذا النسان بضعة وهي أعجب
ما فيه ،وذلك القلب ،وله مواد من الحكمة ،وأضداد من خلفها ،فان سنح
له الرجا أذله الطمع وإن أسعده الرضا نسي التحفظ ،و ؟ له الخوف شغله
الحذر ،وإن اتسع له المن ]استلبته الغرة ،وإن جددت له النعمة أخذته
العزة[ ) (3وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع ،وإن أفاد مال أطغاه الغنى،
وإن
) (1نوادر الراوندي (2) .4مابين العلمتين أضفناه من الصمدر ص ،7وقد مر
مرسل عن كتاب التكليف لبن أبى العزاقر الشلمغانى المعروف بفقه
الرضا عليه السلم تحت الرقم 26وأما قوله " القصد إلى ال " الخ فقد
تفحصنا نوادر الراوندي فلم نجده ،ولم نعرف أنه من أي مصدر نقل كما
ل يدرى مقدار السقط الذي وقع من البين (3) .مابين العلمتين ساقط عن
النسخة ،صححناه بالعرض على المصدر.
][61
عضته الفاقة شغله البلء ،وإن جهده الجوع قعد به الضعف ،وإن أفرط به الشبع
كظته البطنة ،فكل تقصير به مضر ،وكل إفراط له مفسد ) .(1وقال عليه
السلم :أن للقلوب شهوة وإقبال وإدبارا فأتوها من قبل شهوتها وإقبالها،
فان القلب إذا اكره عمي ) .(2وقال عليه السلم :إن القلوب تمل كما تمل
البدان ،فابتغوا لها طرائف الحكمة ) .(3وقال عليه السلم :أل وإن من
البلء الفاقة ،وأشد من الفاقة مرض البدن ،و أشد من مرض البدن مرض
القلب ،أل وإن من النعم سعة المال ،وأفضل من سعة المال صحة البدن،
وأفضل من صحة البدن تقوى القلوب ) - 42 .(4عدة الداعي :روي عن
النبي صلى ال عليه وآله :على كل قلب جاثم من الشيطان فإذا ذكر اسم
ال خنس وذاب ،وإذا ترك ذكر ال التقمه الشيطان فجذبه وأغواه واستزله
وأطغاه.
) (1نهج البلغة تحت الرقم 108من الحكم (2) .نهج البلغة الرقم 193من
الحكم (3) .المصدر الرقم 91من الحكم (4) .المصدر الرقم 388من
الحكم.
][62
)) * (45باب( * * " )مراتب النفس ،وعدم العتماد عليها ،وما زينتها وزين لها(
" * * " )ومعنى الجهاد الكبر ،ومحاسبة النفس ومجاهدتها( " * * "
)والنهى عن ترك الملذ والمطاعم( " * اليات :البقرة :زين للذين كفروا
الحيوة الدنيا ) .(1آل عمران :زين للناس حب الشهوات من النساء
والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والنعام
والحرث ذلك متاع الحيوة الدنيا وال عنده حسن المآب ) .(2النعام :كذلك
زين للكافرين ما كانوا يعملون ) .(3التوبة :زين لهم سوء أعمالهم ).(4
يونس :كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ) .(5يوسف :وما ابرئ
نفسي إن النفس لمارة بالسوء إل ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم ).(6
الرعد :بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل ال فما
له من هاد ).(7
) (1البقرة (2) .212 :آل عمران (3) .14 :النعام (4) .122 :براءة(5) .38 :
يونس (6) .12 :يوسف (7) .53 :الرعد.35 :
][63
ابراهيم :وقال الشيطان لما قضي المر إن ال وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم
وما كان لي عليكم من سلطان إل أن دعوتكم فاستجبتم لي فل تلوموني
ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما
أشركتمون من قبل ) .(1طه :وكذلك سولت لي نفسي ) .(2الحج :وجاهدوا
في ال حق جهاده هو اجتباكم ) .(3العنكبوت :ومن جاهد فانما يجاهد
لنفسه إن ال لغني عن العالمين وقال تعالى :والذين جاهدوا فينا لنهدينهم
سبلنا وإن ال لمع المحسنين ) .(4فاطر :أفمن زين له سوء عمله فرآه
حسنا ) .(5المؤمن :وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما
كيد فرعون إل في تباب ) .(6محمد :أفمن كان على بينة من ربه كمن زين
له سوء عمله واتبعوا أهوائهم ) .(7الحشر :يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال
ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا ال إن ال خبير بما تعملون ) .(8القيمة:
ول اقسم بالنفس اللوامة ).(9
) (1ابراهيم (2) .21 :طه (3) .96 :الحج (4) .78 :العنكبوت 6 :و (5) .69
فاطر (6) .8 :المؤمن (7) .37 :القتال (8) .14 :الحشر(9) .18 :
القيامة.2 :
][64
الفجر :يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في
عبادي وادخلي جنتي ) .(1الشمس :ونفس وما سويها * فألهمها فجورها
وتقويها * قد أفلح من زكيها * وقد خاب من دسيها ) - 1 .(2عدة الداعي:
قال النبي صلى ال عليه وآله أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك- 2 .
مع ،ل :في وصية أبي ذر قال النبي صلى ال عليه وآله :على العاقل أن
يكون له ساعات :ساعة يناجى فيها ربه ،وساعة يحاسب فيها نفسه،
وساعة يتفكر فيما صنع ال عزوجل إليه ) - 3 .(3لى ،مع :قال أمير
المؤمنين عليه السلم :من لم يتعاهد النقص من نفسه ،غلب عليه الهوى،
ومن كان في نقص فالموت خير له ) - 4 .(4جا ،ما :المفيد ،عن أحمد بن
الوليد ،عن أبيه ،عن الصفار ،عن القاشاني عن الصبهاني ،عن المنقري،
عن حفص ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :أل فحاسبوا أنفسكم قبل أن
تحاسبوا فان في القيامة خمسين موقفا كل موقف مقام ألف سنة ،ثم تل
هذه الية " في يوم كان مقداره ألف سنة " الخبر ) - 5 .(5ما :المفيد،
عن أحمد بن الوليد ،عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن عيسى عن ابن محبوب،
عن الثمالي قال :قال :كان علي بن الحسين عليهما السلم :يقول :ابن آدم
ل تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك ،وما كانت المحاسبة من همك،
وما كان الخوف لك شعارا ،والحزن لك دثارا ،ابن آدم إنك ميت ومبعوث،
وموقوف
) (1الفجر (2) .30 - 27 :الشمس (3) .10 - 7 :معاني الخبار ،334ول يوجد
في الخصال وانما تراه في أمالي الطوسي ج 2ص (4) .153أمالي
الصدوق ،237معاني الخبار (5) .198أمالي المفيد ،169أمالي
الطوسي ج 1ص ،34والية في السجدة.5 :
][65
بين يدي ال عزوجل ،ومسؤول فأعد جوابا ) .(1سر :ابن محبوب مثله .جا :أحمد
بن الوليد مثله ) - 6 .(2ما :فيما أوصى به أمير المؤمنين عليه السلم
ابنه الحسن صلوات ال عليهما :يا بني للمؤمن ثلث ساعات :ساعة
يناجى فيها ربه ،وساعة يحاسب فيها نفسه ،وساعة يخلو فيها بين نفسه
ولذتها فيما يحل ويحمد ،وليس للمؤمن بد من أن يكون شاخصا في ثلث:
مرمة لمعاش ،أو خطوة لمعاد ،أو لذة في غير محرم ) - 7 .(3مع ،لى:
ابن إدريس ،عن أبيه ،عن ابن عيسى ،عن محمد بن يحيى الخزاز ،عن
موسى بن إسماعيل ،عن أبيه ،عن موسى بن جعفر ،عن آبائه عليهما
السلم قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم :إن رسول ال صلى ال عليه
وآله بعث سرية فلما رجعوا قال :مرحبا بقوم قضوا الجهاد الصغر وبقي
عليهم الجهاد الكبر ،قيل :يارسول ال وما الجهاد الكبر ؟ قال :جهاد
النفس ثم قال صلى ال عليه وآله :أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين
جنبيه ) .(4ختص :عنه عليه السلم مثله ) - 8 .(5نوادر الراوندي:
باسناده ،عن موسى بن جعفر ،عن آبائه عليهما السلم ،عن النبي صلى
ال عليه وآله مثله إلى قوله :جهاد النفس ) - 9 .(6فس " :ومن جاهد "
قال :نفسه عن الشهوات واللذات والمعاصي " فانما يجاهد لنفسه إن ال
لغني عن العالمين " ).(7
) (1أمالي الطوسي ج 1ص (2) .114مجالس المفيد (3) .207أمالي الطوسى ج
1ص (4) .146معاني الخبار ،160أمالي الصدوق (5) .279
الختصاص (6) .240نوادر الراوندي ص (7) .21تفسير القمي 495
والية في سورة العنكبوت.6 :
][66
- 10فس :في رواية أبي الجارود ،عن أبي جعفر عليه السلم في قوله " :للذين
أحسنوا الحسنى وزيادة " ) (1فأما الحسنى فالجنة ،وأما الزيادة فالدنيا ما
أعطاهم ال في الدنيا لم يحاسبهم به في الخرة ،ويجمع لهم ثواب الدنيا
والخرة ويثيبهم بأحسن أعمالهم في الدنيا والخرة ،يقول ال " :ول
يرهق وجوههم قتر ولذلة اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون " ).(2
- 11ما :فيما كتب أمير المؤمنين عليه السلم إلى أهل مصر مع محمد بن
أبي بكر " :عليكم بتقوى ال فانها تجمع الخير ول خير غيرها ،ويدرك بها
من الخير ما ل يدرك بغيرها من خير الدنيا والخرة ،قال ال عزوجل" :
وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا
حسنة ولدار الخرة خير ولنعم دار المتقين " ) .(3اعلموا يا عباد ال أن
المؤمن من يعمل لثلث من الثواب إما لخير فان ال يثيبه بعمله في دنياه
وقال ال سبحانه لبراهيم " :وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الخرة لمن
الصالحين " ) (4فمن عمل ال تعالى أعطاه أجره في الدنيا والخرة،
وكفاه المهم فيهما ،وقد قال ال تعالى " يا عبادي الذين آمنوا -اتقوا ربكم
-للذين أحسنوا الحسنى وزيادة " والحسنى هي الجنة والزيادة هي الدنيا،
وإن ال تعالى يكفر بكل حسنة سيئة قال ال عزوجل " :إن الحسنات
يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين " ) (5حتى إذا كان يوم القيامة حسبت
لهم حسناتهم ثم أعطاهم بكل واحدة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال
ال عزوجل " :جزاء من ربك عطاء
) (1يونس (2) .26 :تفسير القمي (3) .287النحل (4) .30 :العنكبوت(5) .27 :
هود(*) .114 :
][67
حسابا " ) (1وقال " :اولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون
" ) .(2فارغبوا في هذا رحمكم ال ،واعملوا له ،وتحاضوا عليه ،واعلموا
يا عباد ال أن المتقين حازوا عاجل الخير وآجله ،شاركوا أهل الدنيا في
دنياهم ،ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم ،أباحهم ال في الدنيا ما كفاهم
به ،وقال عز اسمه " :قل من حرم زينة ال التي أخرج لعباده والطيبات
من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحيوة الدنيا خالصة يوم القيمة كذلك
نفصل اليات لقوم يعلمون " ) .(3سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت ،وأكلوها
بأفضل ما اكلت ،شاركوا أهل الدنيا في دنياهم ،فأكلوا معهم من طيبات ما
يأكلون ،وشربوا من طيبات ما يشربون ولبسوا من أفضل ما يلبسون،
وسكنوا من أفضل ما يسكنون ،وتزوجوا من أفضل ما يتزوجون ،وركبوا
من أفضل ما يركبون ،أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا ،وهم غدا جيران ال
يتمنون عليه فيعطيهم ما يتمنون ،ل يرد لهم دعوة ول ينقص لهم نصيب
من اللذة ،فإلى هذا يا عباد ال يشتاق إليه من كان له عقل ويعمل له تقوى
ال ،ول حول ول قوة إل بال ) - 12 .(4ما :جماعة ،عن أبي المفضل،
عن عبد ال بن جعفر بن محمد بن أعين ،عن زكريا بن يحيى بن صبيح،
عن خلف بن خليفة ،عن سعيد بن عبيد ،عن علي ابن ربيعة الوالبي ،عن
علي بن أبي طالب عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
إن ال تبارك وتعالى حد لكم حدودا فل تعتدوها ،وفرض عليكم فرائض فل
تضيعوها وسن لكم سننا فاتبعوها ،وحرم عليكم حرمات فل تنتهكوها،
وعفي لكم عن أشياء رحمة منه من غير نسيان فل تكلفوها ).(5
) (1النبأ (2) .36 :سبأ (3) .37 :العراف (4) .31 :أمالي الطوسي ج 2ص .25
) (5أمالي الطوسي ج 2ص .124
][68
جا :عبد ال بن جعفر مثله ) - 13 .(1ضا :نروي أن سيدنا رسول ال صلى ال
عليه وآله رأى بعض أصحابه منصرفا من بعث كان بعثه ،وقد انصرف
بشعثه وغبار سفره ،وسلحه عليه ،يريد منزله ،فقال صلى ال عليه
وآله :انصرفت من الجهاد الصغر إلى الجهاد الكبر ،فقيل له :أو جهاد
فوق الجهاد بالسيف ؟ قال :نعم ،جهاد المرء نفسه .ونروي في قول ال
تبارك وتعالى :اعبروا يا اولي البصار قبل أن يعتبر بكم وأروي أن الهم
في الدين يذهب بذنوب المؤمن ،ونروي أن الهموم ساعات الكفارات
وسألني رجل عما يجمع خير الدنيا والخرة ،فقلت :خالف نفسك- 14 .
مص :قال الصادق عليه السلم :من رعى قلبه عن الغفلة ،ونفسه عن
الشهوة وعقله عن الجهل ،فقد دخل في ديوان المتنبهين ثم من رعى عمله
عن الهوى ،ودينه عن البدعة ،وماله عن الحرام ،فهو من جملة
الصالحين .قال رسول ال صلى ال عليه وآله :طلب العلم فريضة على كل
مسلم ومسلمة ،وهو علم النفس ،فيجب أن يكون نفس المؤمن على كل
حال في شكر أو عذر ،على معنى إن قبل ففضل ،وإن رد فعدل ،ويطالع
الحركات في الطاعات بالتوفيق ،ويطالع السكون عن المعاصي بالعصمة،
وقوام ذلك كله بالفتقار إلى ال ،والضطرار إليه والخشوع والخضوع،
ومفتاحها النابة إلى ال ،مع قصر المل بدوام ذكر الموت وعيان الموقف
بين يدي الجبار ،لن في ذلك راحة من الحبس ،ونجاة من العدو وسلمة
النفس ،والخلص في الطاعة بالتوفيق وأصل ذلك أن يرد العمر إلى يوم
واحد قال رسول ال صلى ال عليه وآله :الدنيا ساعة فاجعلها طاعة،
وباب ذلك كله ملزمة الخلوة بمداومة الفكرة ،وسبب الخلوة القناعة،
وترك الفضول من المعاش ،وسبب الفكرة الفراغ ،وعماد الفراغ الزهد،
وتمام الزهد التقوى ،وباب التقوى الخشية ودليل الخشية التعظيم ل،
والتمسك بتخليص طاعته وأوامره ،والخوف والحذر والوقوف عن
محارمه ،ودليلها العلم قال ال عزوجل " :إنما يخشى ال من
][69
عباده العلماء " ) - 15 .(1مص :قال الصادق عليه السلم :طوبى لعبد جاهد ل
نفسه وهواه ،ومن هزم جند هواه ظفر برضا ال ،ومن جاور عقله ]نفسه[
المارة بالسوء بالجهد والستكانة والخضوع على بساط خدمة ال تعالى
فقد فاز فوزا عظيما ،ول حجاب أظلم وأوحش بين العبد وبين الرب من
النفس والهوى ،وليس لقتلهما في قطعهما سلح وآلة ،مثل الفتقار إلى
ال والخشوع والجوع ،والظمأ بالنهار ،والسهر بالليل ،فان مات صاحبه
مات شهيدا ،وإن عاش واستقام أداه عاقبته إلى الرضوان الكبر قال ال
عزوجل " :والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن ال لمع المحسنين " )
.(2وإذا رأيت مجتهدا أبلغ منك في الجتهاد ،فوبخ نفسك ولمها وعيرها
وحثها على الزدياد عليه ،واجعل لها زماما من المر ،وعنانا من النهي
وسقها كالرائض للفاره الذي ل يذهب عليها خطوة منها إل وقد صحح
أولها وآخرها وكان رسول ال صلى ال عليه وآله يصلي حتى يتروم
قدماه ،ويقول :أفل أكون عبدا شكورا أراد أن يعتبر به امته ،فل تغفلوا عن
الجتهاد ،والتعبد والرياضة بحال ،أل وإنك لو وجدت حلوة عبادة ال،
ورأيت بركاتها ،واستضأت بنورها ،لم تصبر عنها ساعة واحدة ،ولو
قطعت إربا إربا .فما أعرض من أعرض عنها إل بحرمان فوائد السبق من
العصمة والتوفيق .قيل لربيع بن خثيم :مالك ل تنام بالليل ؟ قال :لني
أخاف البيات ،من خاف البيات ل ينام ) - 16 .(3م :قال رسول ال صلى
ال عليه وآله :أل انبئكم بأكيس الكيسين وأحمق الحمقاء ؟ قالوا :بلى
يارسول ال ،قال :أكيس الكيسين من حاسب نفسه ،وعمل
) (1مصباح الشريعة ص ،4والية في فاطر (2) .28 :العنكبوت (3) .69 :مصباح
الشريعة .55
][70
لما بعد الموت ،وأحمق الحمقا من اتبع نفسه هواه وتمنى عل ال الماني فقال
الرجل :يا أمير المؤمنين وكيف يحاسب الرجل نفسه ؟ قال :إذا أصبح ثم
أمسى رجع إلى نفسه وقال :يانفس إن هذا يوم مضى عليك ل يعود إليك
أبدا وال سائلك عنه فيما أفنيته ،فما الذي عملت فيه ؟ أذكرت ال أم
حمدتيه ؟ أقضيت حق أخ مؤمن ؟ أنفست عنه كربته ؟ أحفظتيه بظهر
الغيب في أهله وولده ؟ أحفظتيه بعد الموت في مخلفيه ؟ أكففت عن غيبة
أخ مؤمن بفضل جاهك ؟ أأعنت مسلما ؟ ما الذي صنعت فيه ؟ فيذكر ماكان
منه ،فان ذكر أنه جرى منه خير حمد ال عزوجل وكبره على توفيقه ،وإن
ذكر معصية أو تقصيرا استغفر ال عزوجل وعزم على ترك معاودته ومحا
ذلك عن نفسه بتجديد الصلة على محمد وآله الطيبين وعرض بيعة أمير
المؤمنين على نفسه وقبولها ،وإعادة لعن شانئيه وأعدائه ،ودافعيه عن
حقوقه ،فإذا فعل ذلك قال ال عزوجل :لست اناقشك في شئ من الذنوب
مع موالتك أوليائي ومعاداتك أعدائي ) - 17 .(1جا :الجعابي ،عن ابن
عقدة ،عن محمد بن سالم الزدي ،عن موسى ابن القاسم ،عن محمد بن
عمران البجلي قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :من لم يجعل له
من نفسه واعظا فان مواعظ الناس لن تغني عنه شيئا ) - 18 .(2جا :علي
بن بلل ،عن عبد ال بن راشد ،عن الثقفي ،عن أحمد بن شمر ،عن عبد
ال بن ميمون المكي ،عن الصادق ،عن أبيه عليهما السلم أن أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلم اتي بخبيص ) (3فأبى أن يأكله
فقالوا له :أتحرم ؟ قال :ل ،ولكني أخشى أن تتوق إليه نفسي فأطلبه ،ثم
تل هذه الية " أذهبتم طيباتكم في حيوتكم الدنيا واستمتعتم بها " ).(4
) (1تفسير المام (2) .13مجالس المفيد ص (3) .25الخبيص :الحلواء،
معروف (4) .أمالي المفيد ص ،87والية في الحقاف.20 :
][71
- 19جا :ابن قولويه ،عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن ابن أسباط عن
عمه يعقوب ،عن أبي الحسن العبدي ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال:
ما كان عبد ليحبس نفسه على ال إل أدخله ال الجنة ) - 20 .(1ضه :قال
العيص بن القاسم :قلت للصادق عليه السلم :حديث يروى عن أبيك عليه
السلم أنه قال :ما شبع رسول ال صلى ال عليه وآله من خبز بر قط أهو
صحيح ؟ فقال :ل ما أكل رسول ال صلى ال عليه وآله خبز بر قط ،ول
شبع من خبز شعير قط ،قالت عائشة :ما شبع رسول ال صلى ال عليه
وآله من خبز الشعير حتى مات وقال النبي صلى ال عليه وآله :اللهم اجعل
رزق محمد قوتا ،وقالت عايشة :مازالت الدنيا علينا عسيرة كدرة حتى
قبض النبي صلى ال عليه وآله فلما قبض النبي صبت علينا صبا وقيل :إن
رسول ال صلى ال عليه وآله لم يأكل على خوان حتى مات ولم يأكل خبزا
مرققا حتى مات .وروي علي بن أبي طالب عليه السلم عن أبي جحيفة
قال :أتيت رسول ال صلى ال عليه وآله وأنا أتجشا فقال :يابا جحيفة
اخفض جشاك ) (2فان أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم
القيامة قال رسول ال صلى ال عليه وآله :نور الحكمة الجوع ،والتباعد
من ال الشبع ،والقربة إلى ال حب المساكين والدنو منهم ،ل تشبعوا
فيطفئ نور المعرفة من قلوبكم ،ومن بات يصلي في خفة من الطعام بات
وحور العين حوله ،وقال صلى ال عليه وآله :لتميتوا القلوب بكثرة
الطعام والشراب ،وإن القلوب تموت كالزروع إذا كثر عليه الماء- 21 .
جع :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :رجعنا من الجهاد الصغر إلى
الجهاد الكبر ،وقال :من غلب علمه هواه ،فهو علم نافع ،ومن جعل
شهوته تحت قدميه فر الشيطان من ظله ،وقال صلى ال عليه وآله :يقول
ال تعالى :أيما عبد أطاعني لم أكله إلى غيري وأيما عبد عصاني وكلته
إلى نفسه ،ثم لم ابال في أي واد هلك ).(3
) (1أمالي المفيد ص (2) .215التجشأ :تكلف الجشأ ،وهو صوت يخرج من الفم
مع ريح عند الشبع (3) .جامع الخبار .118
][72
فلح السائل ومحاسبة النفس للشهيد الثاني ) (1مثله - 22 .تم :روي يحيى بن
الحسين بن هارون الحسني في كتاب أماليه باسناده إلى الحسن بن علي
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ل يكون العبد مؤمنا حتى يحاسب
نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه ،والسيد عبده - 23 .غو :روي في
بعض الخبار أنه دخل على رسول ال صلى ال عليه وآله رجل اسمه
مجاشع فقال :يارسول ال كيف الطريق إلى معرفة الحق ؟ فقال صلى ال
عليه وآله :معرفة النفس ،فقال :يارسول ال فكيف الطريق إلى موافقة
الحق ،قال :مخالفة النفس فقال :يارسول ال فكيف الطريق إلى رضا الحق
؟ قال :سخط النفس ،فقال :يارسول ال فكيف الطريق إلى وصل الحق،
قال :هجر النفس ،فقال :يارسول ال فكيف الطريق إلى طاعة الحق ؟ قال:
عصيان النفس ،فقال :يارسول ال فكيف الطريق إلى ذكر الحق ؟ قال:
نسيان النفس ،فقال :يارسول ال فكيف الطريق إلى قرب الحق ؟ قال:
التباعد من النفس ،فقال :يارسول ال فكيف الطريق إلى انس الحق ؟ قال:
الوحشة من النفس ،فقال :يارسول ال فكيف الطريق إلى ذلك قال:
الستعانة بالحق على النفس - 24 .ختص :عن أبي الحسن موسى عليه
السلم قال :ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم ،فان عمل خيرا
استزاد ال منه ،وحمد ال عليه ،وإن عمل شرا استغفر ال منه وتاب إليه
) .(2ين :حماد بن عيسى ،عن إبراهيم بن عمر عنه عليه السلم مثله .كا:
علي ،عن أبيه ،عن حماد بن عيسى مثله ) - 25 .(3ين :فضالة ،عن
الفضل بن عثمان ،عن عبيد بن زرارة قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم
يقول :إني لبغض ) (4رجل يرضي ربه بشئ ل يكون فيه أفضل
) (1للسيد أبن طاوس خ ل ظ (2) .الختصاص (3) .243 :الكافي ج 2ص ) .453
(4لقتص ظ.
][73
منه ،فان رأيته يطيل الركوع قلت :يانفس وإن رأيته يطيل السجود قلت :يانفس.
- 26محاسبة النفس :عن النبي صلى ال عليه وآله حاسبوا أنفسكم قبل
أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا ،وتجهزوا للعرض الكبر - 27 .نهج:
قال أمير المؤمنين عليه السلم :من حاسب نفسه ربح ،ومن غفل عنها
خسر ،ومن خاف أمن ،ومن اعتبر أبصر ،ومن أبصر فهم ،ومن فهم علم )
.(1وقال عليه السلم :يا أسرى الرغبة اقصروا ،فان المعرج على الدنيا ل
يروعه منها إل صريف أنياب الحدثان ،أيها الناس تولوا من أنفسكم
تأديبها ،واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها ) .(2وقال عليه السلم :كفاك
أدبا لنفسك اجتناب ما تكرهه من غيرك )) * .46 .(3باب( * * " )ترك
الشهوات والهواء( " * اليات :النساء :وال يريد أن يتوب عليكم ويريد
الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميل عظيما ) .(4الكهف :ول تطع من
أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ) .(5مريم :فخلف من
بعدهم خلف أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف
) (1نهج البلغة الرقم 208من الحكم (2) .نهج البلغة الرقم 359من الحكم(3) .
نهج البلغة الرقم 412من الحكم (4) .النساء (5) .77 :الكهف.28 :
][74
يلقون غيا ) .(1طه :فل يصدنك عنها من ل يؤمن بها واتبع هواه فتردى ).(2
الفرقان :أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيل ).(3
القصص :فان لم تستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهوائهم ومن أضل ممن
اتبع هواه بغير هدى من ال إن ال ل يهدي القوم الظالمين ) .(4الروم :بل
اتبع الذين ظلموا أهوائهم بغير علم فمن يهدي من أضل ال وما لهم من
ناصرين ) .(5ص :ول تتبع الهوى فيضلك عن سبيل ال ) .(6الجاثية:
أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) .(7محمد :اولئك الذين طبع ال على قلوبهم
واتبعوا أهوائهم ) .(8القمر :وكذبوا واتبعوا أهوائهم وكل أمر مستقر ).(9
النازعات :وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فان الجنة
هي المأوى ) - 1 .(10ل :أبي ،عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن أبيه ،عن
عبد ال بن المغيرة عن السكوني ،عن الصادق عليه السلم ،عن آبائه
عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :طوبى لمن ترك
شهوة حاضرة لموعود لم يره ).(11
) (1مريم (2) .59 :طه (3) .16 :الفرقان (4) .43 :القصص (5) .5 :الروم.29 :
) (6ص (7) .26 :الجاثية (8) .23 :القتال (9) .16 :القمر(10) .3 :
النازعات (11) .41 - 40 :الخصال ج 1ص .5
][75
كتاب المامة والتبصرة :عن القاسم بن علي العلوي ،عن محمد بن أبي عبد ال،
عن سهل بن زياد ،عن النوفلي ،عن السكوني ،عن جعفر بن محمد ،عن
أبيه ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله مثله.
ثو :ابن المغيرة باسناده ،عن السكوني مثله ) .(1جا :الصدوق ،عن أبيه،
عن محمد العطار ،عن ابن عبد الجبار ،عن ابن أبي عمير ،عن جميل بن
دراج ،عن الصادق عليه السلم مثله - 2 .ل :ابن الوليد ،عن الصفار ،عن
ابن عيسى ،عن الحسن بن علي بن فضال ،عن عاصم بن حميد ،عن أبي
عبيدة الحذاء ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :إن ال عزوجل يقول:
بجللي وجمالي وبهائي وعلئي وارتفاعي ل يؤثر عبد هواي على هواه
إل جعلت غناه في نفسه ،وهمه في آخرته ،وكففت عنه ضيعته ،وضمنت
السماوات والرض رزقه ،وكنت له من وراء تجارة كل تاجر ) .(2سن:
أبي ،عن الوشاء ،عن عبد ال بن سنان ،عن الثمالي ،عن أبي جعفر عليه
السلم مثله ) .(3ين :النضر ،عن ابن سنان ،عن الثمالي ،عنه عليه
السلم قال :قال ال عز وجل :وعزتي وجللي وعظمتي وقدرتي وبهائي
وعلوي ل يؤثر عبد وذكر مثله - 3 .ل :محمد بن أحمد السدي ،عن محمد
بن أبي عمران ،عن أحمد بن أبي بكر ،عن علي بن أبي علي اللهبي ،عن
محمد بن المنكدر ،عن جابر بن عبد ال قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :إن أخوف ما أخاف على امتي الهوى وطول المل أما الهوى فانه
يصد عن الحق ،وأما طول المل فينسي الخرة ).(4
) (1ثواب العمال (2) .161الخصال ج 1ص (3) .5المحاسن (4) .28الخصال
ج 1ص ،27وفي ذيل الحديث مثل ما سيأتي عن أمالي الطوسي
والمفيد.
][76
ل :أبي ،عن محمد العطار ،عن ابن عيسى ،عن أبيه ،عن حماد بن عيسى عن عمر
بن اذينة ،عن أبان بن أبي عياش ،عن سليم بن قيس ،عن أمير المؤمنين
عليه السلم مثله ) .(1ل :ابن بندار ،عن أبي العباس الحمادي ،عن أحمد
بن محمد الشافعي ،عن عمه إبراهيم بن محمد ،عن علي بن أبي علي
اللهبي إلى آخر ما مضى ) .(2أقول :وقد أثبتنا تلك الخبار تماما في كتاب
الروضة في باب مواعظ النبي صلى ال عليه وآله ،وبعض الخبار في باب
المنجيات والمهلكات ،وبعضها في باب العفاف من هذا المجلد الخامس
عشر - 4 .ل :أبي ،عن سعد ،عن الصبهاني ،عن المنقري ،عن حفص،
عن الصادق عليه السلم قال :إني لرجو النجاة لهذه المة لمن عرف حقنا
منهم ،إل لحد ثلثة :صاحب سلطان جائر ،وصاحب هوى ،والفاسق
المعلن ) - 5 .(3مع :ابن الوليد ،عن الصفار ،عن أيوب بن نوح ،عن ابن
أبي عمير عن ابن عميرة ،عن الثمالي ،عن الصادق عليه السلم قال :قال
أمير المؤمنين عليه السلم :أشجع الناس من غلب هواه ) .(4لى:
السناني ،عن السدي ،عن النخعي ،عن النوفلي ،عن محمد بن سنان ،عن
المفضل ،عن ابن ظبيان ،عن الصادق ،عن آبائه ،عن أمير المؤمنين
عليهم السلم مثله ) - 6 .(5لى ،مع :في خبر الشيح الشامي قال زيد بن
صوحان :يا أمير المؤمنين أي سلطان أغلب وأقوى ؟ قال :الهوى ).(6
) 1و (2الخصال ج 1ص (3) .27الخصال ج 1ص (4) .59معاني الخبار ص
(5) .195أمالي الصدوق ص (6) .14أمالي الصدوق ،237معاني
الخبار ص .198
][77
- 7ما :المفيد ،عن الجعابي ،عن محمد بن الوليد ،عن عنبر بن محمد ،عن شعبة،
عن سلمة بن جميل ،عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني رحمه ال قال:
سمعت أمير المؤمنين عليه السلم يقول :إن أخوف ما أخاف عليكم طول
المل واتباع الهوى ،فأما طول المل فينسي الخرة ،وأما اتباع الهوى
فيصد عن الحق أل وإن الدنيا قد تولت مدبرة والخرة قد أقبلت مقبلة ولكل
واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الخرة ول تكونوا من أبناء الدنيا فان
اليوم عمل ول حساب والخرة حساب ول عمل ) .(1جا :الجعابي ،عن
الفضل بن الحباب ،عن مسلم بن عبد ال ،عن أبيه ،عن محمد بن عبد
الرحمان ،عن شعبة ،عن سلمة بن كهيل ،عن حبة العرني عنه عليه
السلم مثله ) - 8 .(2ثو :العطار ،عن أبيه ،عن الحسين بن إسحاق ،عن
ابن مهزيار ،عن ابن أبي عمير ،عن منصور بن يونس ،عن الثمالي ،عن
علي بن الحسين عليهما السلم قال :إن ال عزوجل يقول :وعزتي
وعظمتي وجللي وبهائي وعلوي وارتفاع مكاني ل يؤثر عبد هواي على
هواه إل جعلت همه في آخرته ،وغناه في قلبه ،وكففت عليه ضيعته،
وضمنت السماوات والرض رزقه ،وأتته الدنيا وهي راغمة ) .(3مشكوة
النوار :مثله ) - 9 .(4سن :محمد بن عبد الحميد العطار ،عن عاصم بن
حميد ،عن الثمالي ،عن يحيى بن عقيل قال :قال أمير المؤمنين علي عليه
السلم :إني أخاف عليكم اثنين اتباع الهوى وطول المل ،فأما اتباع الهوى
فانه يرد عن الحق ،وأما طول المل
) (1أمالي الطوسي ج 1ص (2) .117أمالي المفيد ،63 :وفيه أل وان الدنيا قد
ترحلت مدبرة ،والخرة قد جاءت مقبلة (3) .ثواب العمال ص ) .152
(4مشكوة النوار ص .16
][78
فينسي الخرة ) - 10 .(1محص :عن يونس ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال:
قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من أكل ما يشتهي لم ينظر ال إليه
حتى ينزع أو يترك - 11 .الدرة الباهرة :قال الجواد عليه السلم :من أطاع
هواه أعطى عدوه مناه وقال عليه السلم :راكب الشهوات لتستقال له
عثرة - 12 .نهج :قال عليه السلم :من كرمت عليه نفسه هانت عليه
شهوته ) .(2وقال عليه السلم :إن رسول ال صلى ال عليه وآله كان
يقول :حفت الجنة بالمكاره ،وحفت النار بالشهوات ،واعلموا أنه مامن
طاعة ال شئ إل يأتي في شهوة فرحم ال رجل نزع عن شهوته ،وقمع
هوى نفسه ،فان هذه النفس أبعد شئ منزعا ،وإنها ل تزال تنزع إلى
معصية في هوى ،واعلموا عباد ال أن المؤمن ل يمسي ول يصبح إل
ونفسه ظنون عنده ،فل يزال زاريا عليها ،ومستزيدا لها ،فكونوا
كالسابقين قبلكم ،والماضين أمامكم ،قوضوا من الدنيا تقويض الراحل،
وطووها طي المنازل إلى آخر الخطبة ) - 13 .(3كنز الكراجكى :قال لقمان
لبنه :يا بني من يرد رضوان ال يسخط نفسه كثيرا ،ومن ل يسخط نفسه
ل يرضى به ،ومن ل يكظم غيظه يشمت عدوه - 14 .عدة الداعي :عن
الباقر عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :يقول ال
عزوجل :وعزتي وجللي وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوي وارتفاع
مكاني ل يؤثر عبد هواه على هواي إل شتت أمره ،ولبست عليه دنياه
وشغلت قلبه بها ولم اوته منها إل ما قدرت له ،وعزتي وجللي وعظمتي
وكبريائي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني ل يؤثر عبد هواي على هواه إل
استحفظته ملئكتي وكفلت السماوات والرض رزقه ،وكنت له من وراء
تجارة كل تاجر ،وأتته الدنيا
) (1المحاسن ص (2) .211نهج البلغة تحت الرقم 449من الحكم (3) .نهج
البلغة تحت الرقم 174من الخطب.
][79
وهي راغمة .مشكوة النوار :نقل من المحاسن مثله ) - 15 .(1كا :عن الحسين
بن محمد الشعري ،عن المعلى ،عن الحسن بن علي الوشاء ،عن عاصم
بن حميد ،عن أبي عبيدة ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :إن ال عزوجل
يقول :وعزتي وجللي وعظمتي وعلوي وارتفاع مكاني ل يؤثر عبد هواي
على هوى نفسه إل كففت عليه ضيعته ،وضمنت السماوات والرض رزقه
وكنت له من وراء تجارة كل تاجر ) .(2بيان :قوله تعالى " :وعزتي "
العزة القوة والشدة والغلبة وقيل :عزته عبارة عن كونه منزها عن سمات
المكان ،وذل النقصان ،ورجوع كل شئ إليه وخضوعه بين يديه "
والعظمة " في صفة الجسام كبر الطول والعرض والعمق ،وفي وصفه
تعالى عبارة عن تجاوز قدره عن حدود العقول والوهام حتى ل تتصور
الحاطة بكنه حقيقته عند ذوي الفهام ،وعلوه علو عقلي على الطلق
بمعنى أنه ل رتبة أعلى من رتبته ،وذلك لن أعلى مراتب الكمال العقلي
هو مرتبة العلية ،ولما كانت ذاته المقدسة مبدأ كل موجود حسي وعقلي
لجرم كانت مرتبته أعلى المراتب العقلية مطلقا ،وله العلو المطلق في
الوجود العاري عن الضافة إلى شئ وعن إمكان أن يكون فوقه ما هو
أعلى منه ،وهذا معنى قول أمير المؤمنين عليه السلم :سبق في العلو فل
أعلى منه .وارتفاع مكانه كناية عن عدم إمكان الشارة إليه بالقول
والحواس " .ل يؤثر عبد هواي على هوس نفسه " المراد بهوى النفس
ميلها إلى ما هو مقتضى طباعها من اللذات الحاضرة الدنيوية ،والخروج
عن الحدود الشرعية وبايثار هواه سبحانه إعراضها عن هذا الميل
ورجوعها إلى ما يوجب قرب الحق تعالى ورضاه ،وقد قال تعالى مخاطبا
لداود عليه السلم " :يا داود إنا جعلناك خليفة
][80
في الرض فاحكم بين الناس بالحق ول تتبع الهوى فيضلك عن سبيل ال إن الذين
يضلون عن سبيل ال لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب " ) (1فبين
سبحانه أن متابعة الهوى -أي ما تهوى النفس مخالفة -لتباع سبيل ال
وسلوك طريق الحق ،ثم بين أن متابعة الهوى متفرع على نسيان يوم
الحساب فان من تذكر الخرة ونعيمها وعذابها ،ل يتبع الهواء النفسانية،
والدواعي الشهوانية .وقال سبحانه " :فأما من طغى وآثر الحيوة الدنيا
فان الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى
فان الجنة هي المأوى " ) .(2فأشار إلى أن إيثار الحياة الدنيا مقابل لنهي
النفس عن الهوى ،واتباع الهوى إيثار الحياة الدنيا ولذاتها على الخرة،
وقال سبحانه " :أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيل " )(3
وقال عز من قائل " :فان لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن
أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من ال " ) (4ومثله في الكتاب العزيز غير
عزيز .قوله عليه السلم " :إل كففت عليه ضيعته " قال في النهاية فيه:
امرت أن ل أكف شعرا ول ثوبا ،يعني في الصلة يحتمل أن يكون بمعنى
المنع ،أي ل أمنعهما من السترسال حال السجود ليقعا على الرض،
ويحتمل أن يكون بمعنى الجمع أي ل يجمعهما ويضمهما ومنه الحديث:
المؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ،أي يجمع عليه معيشته ويضمها
إليه ،وقال في حديث سعد :إني أخاف على العقاب الضيعة أي أنها تضيع
وتتلف ،والضيعة في الصل المرة من الضياع ،وضيعة الرجل في غير هذا
ما يكون منه معاشه كالصنعة والتجارة والزراعة وغير ذلك ،ومنه
الحديث :أفشى ال
) (1سورة ص (2) .26 :النازعات (3) .41 - 38 :الجاثية (4) .23 :القصص:
.50
][81
عليه ضيعته أي أكثر عليه معاشه ) (1انتهى .وأقول :هذه الفقرة تحتمل وجوها:
الول ما ذكره في النهاية أي جمعت عليه ضيعته ومعيشته ،والتعدية بعلى
لتضمين معنى البركة أو الشفقة ونحوهما ،أو على بمعنى إلى كما أومأ
إليه في النهاية فيحتاج أيضا إلى تضمين .الثاني أن يكون الكف بمعنى
المنع ،وعلى بمعنى عن ،والضيعة بمعنى الضياع أي أمنع عنه ضياع
نفسه وماله وولده وسائر ما يتعلق به ،ويؤيده ما سيأتي في رواية
الصدوق رحمه ال :وكففت عنه ضيعته .الثالث ما ذكره بعض المحققين
وتبعه غيره أنه من الكفاف وهو ما يفي بمعيشته مباركا عليه كفافا له ،ول
يخفى بعده لفظا إذ ل تساعده اللغة .قوله تعالى " :وضمنت " على صيغة
المتكلم من باب التفعيل أي جعلت السماوات والرض ضامنتين لرزقه
كناية عن تسبيب السباب السماوية والرضية له وربما يقرأ بصيغة
الغايب على بناء المجرد ،ورفع السماوات والرض ،وهو بعيد " وكنت له
من وراء تجارة كل تاجر " الوراء فعال ،ولمه همزة عند سيبويه وأبي
علي الفارسي وياء عند العامة وهو من ظروف المكان بمعنى قدام،
وخلف ،والتجارة مصدر بمعنى البيع والشراء ،للنفع ،وقد يراد بها ما
يتجر فيه من المتعة ونحوها على تسمية المفعول باسم لمصدر ،وهذه
الفقرة أيضا تحتمل وجوها :الول أن يكون المعنى كنت له عقب تجارة كل
تاجر أسوقها إليه أي القي محبته في قلوب التجار ليتجروا له ويكفوا
مهماته .الثاني أن يكون المعنى كنت له عوضا من تجارة كل تاجر فان كل
تاجر يتجر لمنفعة دنيوية أو اخروية ولما أعرض عن جميع ذلك كفلت أنا
ربح تجارته ،وهذا معنى دقيق خطر بالبال لكن ل يناسب إل من
) (1قال في اللسان :أفشى ال ضيعته :أي كثر عليه معاشه ليشغله عن الخرة،
وروى أفسد بالسين والمعروف المروى أفشى ،أقول والظاهر من
الستعمال أنه دعاء عليه ،قال في الساس :فشت عليه ضيعته :إذا
انتشرت عليه أموره ل يدرى بأيها يبدأ(*) .
][82
بلغ في درجات المحبة أقصى مراتب الكمال .الثالث الجمع بين المعنيين أي كنت له
بعد حصول تجارة كل تاجر له .الرابع ما قيل :إن كل تاجر في الدنيا للخرة
يجد نفع تجارته فيها من الحسنة ونعيمها وال سبحانه بذاته المقدسة
والتجليات اللئقة وراء هذا لهذا العبد ،ففيه دللة على أن للزاهدين في
الجنة نعمة روحانية أيضا وهو قريب من الثالث .الخامس أن يكون الوراء
بمعنى القدام أي كنت له أنيسا ومعينا ومحبا ومحبوبا قبل وصوله إلى نعيم
الخرة الذي هو غاية مقصود التاجرين لها .السادس ما قيل :أي أنا أتجر
له فأربح له مثل ربح جميع التجار ،لو اتجروا له ول يخفى بعده - 16 .كا:
عن محمد ،عن أحمد ،عن ابن محبوب ،عن العل ،عن ابن سنان عن أبي
حمزة ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :قال ال عزوجل :وعزتي وجللي
وعظمتي وبهائي وعلو ارتفاعي ل يؤثر عبد مؤمن هواي على هواه في
شئ من أمر الدنيا إل جعلت غناه في نفسه ،وهمته في آخرته ،وضمنت
السماوات والرض رزقه ،وكنت له من وراء تجارة كل تاجر ) .(1بيان:
البهاء الحسن ،والمراد الحسن المعنوي وهو التصاف بجميع الصفات
الكمالية " إل جعلت غناه في نفسه " أي أجعل نفسه غنية قانعة بما رزقته
ل بالمال فان الغني بالمال الحريص في الدنيا أحوج الناس وإنما الغنى
غنى النفس فكلمة " في " للتعليل ،ويحتمل الظريفة أيضا بتكلف " وهمته
" أي عزمه وقصده في آخرته ففي للتعليل أيضا ،أو المعنى أنها مقصورة
في آخرته ول يوجه همته إلى تحصيل الدنيا أصل - 17 .كا :عن محمد بن
يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن ابن محبوب عن أبي محمد
الوابشي قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :احذروا أهواءكم كما
تحذرون أعداءكم فليس شئ أعدى للرجال من اتباع أهوائهم ،وحصائد
][83
ألسنتهم ) .(1بيان " :احذروا أهواءكم " الهواء جمع الهوى وهو مصدر هويه
كرضيه إذا أحبه واشتهاه ،ثم سمي به المهوي المشتهى ،محمودا كان أو
مذموما ،ثم غلب على المذموم ،قال الجوهري :كل خال هواء وقوله تعالى:
" وأفئدتهم هواء " يقال :إنه ل عقول فيها ،والهوى مقصورا هوى
النفس والجمع الهواء وهوي بالكسر يهوى هوى أي أحب .الصمعي
هوى بالفتح يهوي هويا أي سقط إلى أسفل ) (2وقال الراغب :الهوى ميل
النفس إلى الشهوة ويقال ذلك للنفس المائلة إلى الشهوة وقيل :سمي بذلك
لنه يهوى بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية وفي الخرة إلى الهاوية ،وقد
عظم ال ذم اتباع الهوى ،فقال " :أفرأيت من اتخذ إلهه هواه " وقال" :
ول تتبع الهوى فيضلك عن سبيل ال " ) " (3واتبع هواه وكان أمره
فرطا " ) (4وقوله " :ولئن اتبعت أهوائهم بعد الذي جائك من العلم " )(5
فانما قاله بلفظ الجمع تنبيها على أن لكل هوى غير هوى الخر ثم هوى
كل واحد ل يتناهى فاذن اتباع أهوائهم نهاية الضلل والحيرة قال " :ول
تتبع أهواء الذين ل يعلمون " ) (6وقال " :كالذي استهوته الشياطين في
الرض " ) " (7ول تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل " ) (8وقال" :
قل ل أتبع أهوائكم قد ضللت إذا " ) " (9ول تتبع أهوائهم وقل آمنت بما
أنزل ال
) (1الكافي ج 2ص (2) .335الصحاح ج 6ص (3) .2537سورة ص(4) .26 :
الكهف (5) .28 :البقرة (6) .120 :الجاثية (7) .18 :النعام(8) .71 :
المائدة (9) .77 :النعام.56 :
][84
من كتاب " ) " (1ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من ال " ) (2انتهى.
وأقول :ينبغي أن يعلم أن ما تهواه النفس ليس كله مذموما وما ل تهواه
النفس ليس كله ممدوحا ،بل المعيار ما مر في باب ذم الدنيا ) (3وهو أن
كل ما يرتكبه النسان لمحض الشهوة النفسانية واللذة الجسمانية
والمقاصد الفانية الدنيوية ،ولم يكن ال مقصودا له في ذلك ،فهو من
الهوى المذموم ،ويتبع فيه النفس المارة بالسوء ،وإن كان مشتمل على
زجر النفس عن بعض المشتهيات أيضا كمن يترك لذيد المأكل والمطعم
والملبس ،ويقاسي الجوع والصوم والسهر للشتهار بالعبادة ،وجلب قلوب
الجهال ،وما يرتكبه النسان لطاعة أمره سبحانه وتحصيل رضاه وإن كان
مما تشتهيه نفسه وتهواه ،فليس هو من الهوى المذموم كمن يأكل
ويشرب لمره تعالى بهما أو لتحصيل القوة على العبادة وكمن يجامع
الحلل لكونه مأمورا به ،أو لتحصيل الولد الصالحين ،أو لعدم ابتلئه
بالحرام .فهؤلء وإن حصل لهم اللتذاذ بهذه المور لكن ليس مقصودهم
محض اللذة بل لهم في ذلك أغراض صحيحة إن صدقتهم أنفسهم ولم تكن
تلك من التسويلت النفسانية ،والتخييلت الشيطانية ،ولو لم يكن غرضهم
من ارتكاب تلك اللذات هذه المور ،فليسوا بمعاقبين في ذلك إذا كان حلل
لكن إطاعة النفس في أكثر ما تشتهيه قد ينجر إلى ارتكاب الشبهات
والمكروهات ،ثم إلى المحرمات ،ومن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه.
فظهر أن كل ما تهواه النفس ليس مما يلزم اجتنابه ،فان كثيرا من العلماء
قد يلتذون بعلمهم أكثر مما يلتذ الفساق بفسقهم ،وكثيرا من العباد يأنسون
بالعبادات بحيث يحصل لهم الهم العظيم بتركها ،وليس كل ما ل تشتهيه
النفس
) (1الشورى (2) .15 :القصص ،50 :راجع مفردات غريب القرآن (3) .548
يعنى باب ذم الدنيا والزهد فيها من الكافي.
][85
يحسن ارتكابه ،كأكل القاذورات والزنا بالجارية القبيحة ،ويطلق أيضا الهوى على
اختيار ملة أو طريقة أو رأي لم يستند إلى برهان قطعي أو دليل من الكتاب
والسنة كمذاهب المخالفين ،وآرائهم وبدعهم ،فانها من شهوات أنفسهم
ومن أوهامهم المعارضة للحق الصريح ،كما دلت عليه أكثر اليات
المتقدمة .فذم الهوى مطلقا إما مبني على أن الغالب فيما تشتهيه النفس
أنها مخالفة لما ترتضيه العقل أو على أن المراد بالنفس النفس المعتادة
بالشر ،الداعية إلى السوء والفساد ،ويعبر عنها بالنفس المارة كما قال
تعالى " :إن النفس لمارة بالسوء إل ما رحم ربي " ) (1أو صار الهوى
حقيقة شرعية في المعاصي والمور القبيحة التي تدعو النفس إليها،
والراء والملل والمذاهب الباطلة التي تدعو إليها الشهوات الباطلة،
والوهام الفاسدة ،ل البراهين الحقة " .فليس شئ أعدى للرجال " لن
ضرر العدو على فرض وقوعه راجع إلى الدنيا الزائلة ،ومنافعها الفانية،
وضرر الهوى راجع إلى الخرة الباقية " .وحصائد ألسنتهم " قال في
النهاية :فيه وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إل حصائد ألسنتهم
أي ما يقطعونه من الكلم الذي لخير فيه ،واحدتها حصيدة ،تشبيها بما
يحصد من الزرع ،وتشبيها للسان وما يقتطعه من القول بحد المنجل الذي
يحصد به ،وقال الطيبي :أي كلمهم القبيح كالكفر والقذف والغيبة وقال
الجوهري :حصدت الزرع وغيره أحصده وأحصده حصدا والزرع محصود
وحصيد وحصيدة ،وحصائد ألسنتهم الذي في الحديث هو ما قيل في الناس
باللسان وقطع به عليهم - 18 .كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن
عبد ال بن القاسم ،عن أبي حمزة ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :يقول ال عزوجل :وعزتي وجللي
وكبريائي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني ل يؤثر عبد هواه على هواي إل
شتت عليه أمره ولبست عليه دنياه ،وشغلت قلبه بها ،ولم اوته
][87
دنياه " أي خلطتها أو أشكلتها وضيقت عليه المخرج منهما ،قال :في المصباح
لبست المر لبسا من باب ضرب خلطته ،وفي التنزيل " وللبسنا عليهم ما
يلبسون " ) (1والتشديد مبالغة وفي المر لبس بالضم ولبسة أيضا إشكال
والتبس المر أشكل ولبسته بمعنى خالطته .وقال الراغب :أصل اللبس
ستر الشئ ،ويقال :ذلك في المعاني يقال لبست عليه أمره قال تعالى" :
وللبسنا عليهم ما يلبسون -ول تلبسوا الحق بالباطل " ) " (2لم تلبسون
الحق بالباطل " ) " (3الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " ) (4و يقال
في المر لبسة أي التباس ولبست فلنا :خالطته ) " .(5وشغلت قلبه بها
" أي هو دائما في ذكرها وفكرها غافل عن الخرة و تحصيلها ول يصل
من الدنيا غاية مناه فيخسر الدنيا والخرة وذلك هو الخسران المبين " إل
استحفظته ملئكتي " أي أمرتهم بحفظه من الضياع والهلك في الدين
والدنيا " وكفلت السماوات والرضين رزقه " وقد مر " وضمنت " أي
جعلتهما ضامنين وكفيلين لرزقه ،كناية عن تسبيب السباب السماوية
والرضية لوصول رزقه المقدر إليه " .وكنت له من وراء تجارة كل تاجر
" أقول :قد مر أنه يحتمل وجوها الول أن يكون المعنى كنت من وراء
تجارة التاجرين أي عقبها أسوقها إليه أي اسخر له قلوبهم له ،والقي فيها
أن يدفعوا قسطا من أرباح تجاراتهم إليه الثاني أني أتجر له عوضا عن
تجارة كل تاجر له ،لو كانوا اتجروا له الثالث أن المعنى أنا أي قربي وحبي
له عوضا عن المنافع الزائلة الفانية التي
) (1النعام (2) .9 :البقرة (3) .42 :آل عمران (4) .71 :النعام(5) .82 :
مفردات غريب القرآن .447
][88
تحصل للتجار في تجارتهم وبعبارة اخرى أنا مقصوده في تجارته المعنوية بدل عما
يقصده التجار من أرباحهم الدنيوية " فما ربحت تجارتهم وما كانوا
مهتدين " الرابع أن المعنى كنت له بعد أن أسوق إليه أرباح التاجرين
فتجتمع له الدنيا و -الخرة ،وهي التجارة الرابحة " .وأتته الدنيا وهي
راغمة " أي ذليلة منقادة كناية عن تيسر حصولها بل مشقة ول ذلة أو
مع هوانها عليه وليست لها عنده منزلة لزهده فيها ،أو مع كرهها كناية
عن بعد حصولها له بحسب السباب الظاهرة ،لعدم توسله بأسباب
حصولها وهذا معنى لطيف وإن كان بعيدا وفي القاموس الرغم الكره
ويثلث كالمرغمة رغمه كعلمه ومنعه كرهه والتراب كالرغام ورغم أنفي
ل مثلثة ذل عن كره وأرغمه ال أسخطه ورغمته فعلت شيئا على رغمه،
وفي النهاية أرغم ال أنفه أي ألصقه بالرغام ،وهو التراب ،هذا هو الصل
ثم استعمل في الذل والعجز عن النتصاف والنقياد على كره - 19 .كا:
عن الحسين بن محمد ،عن المعلى ،عن الوشاء ،عن عاصم بن حميد ،عن
أبي حمزة ،عن يحيى بن عقيل قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم :إنما
أخاف عليكم اثنتين اتباع الهوى وطول المل ،أما اتباع الهوى فانه يصد
عن الحق وأما طول المل فينسي الخرة ) .(1بيان " :أما اتباع الهوى
فانه يصد عن الحق " لن حب الدنيا وشهواتها يعمي القلب عن رؤية
الحق وتمنع النفس عن متابعته ،فان الحق والباطل متقابلن والخرة
والدنيا ضرتان متنافرتان والدنيا مع أهل الباطل ،فاتباع الهوى إما يصير
سببا لشتباه الحق بالباطل في نظره ،أو يصير باعثا على إنكار الحق مع
العلم به والول كعوام أهل الباطل ،والثاني كعلمائهم " .وطول المل " أي
ظن البقاء في الدنيا وتوقع حصول المشتهيات فيها بالماني الكاذبة
الشيطانية ينسي الموت والخرة وأهوالهما ،فل يتوجه إلى تحصيل
][89
الخرة وما ينفعه فيها ويخلصه من شدائدها ،وإنما نسب الخوف منهما إلى نفسه
القدسية ،لنه هو مولى المؤمنين والمتولي لصلحهم والراعي لهم في
معاشهم والداعي لهم إلى صلح معادهم - 20 .كا :عن العدة ،عن سهل بن
زياد ،عن محمد بن الحسن بن شمون ،عن عبد ال بن عبد الرحمان
الصم ،عن عبد الرحمان بن الحجاج قال :قال لي أبو الحسن عليه السلم:
اتق المرقى السهل إذا كان منحدره وعرا ،وقال :كان أبو عبد ال عليه
السلم يقول :ل تدع النفس وهواها ،فان هواها في رداها ،وترك النفس
وما تهوى أذاها وكف النفس عما تهوى دواها ) .(1بيان " :اتق المرقى
السهل " الخ المرقى والمرتقى والمرقاة موضع الرقى والصعود من رقيت
السلم والسطح والجبل علوته ،والمنحدر الموضع الذي ينحدر منه أي ينزل
من النحدار وهو النزول ،الوعر ضد السهل ،قال الجوهري :جبل وعر
بالتسكين ومطلب وعر قال الصمعي :ول تقل وعر ،أقول :ولعل المراد به
النهي عن طلب الجاه والرياسة وسائر شهوات الدنيا ومرتفعاتها فانها وإن
كانت مؤاتية على اليسر والخفض ،إل أن عاقبتها عاقبة سوء ،والتخلص
من غوائلها وتبعاتها في غاية الصعوبة .والحاصل أن متابعة النفس في
أهوائها والترقي من بعضها إلى بعض ،وإن كانت كل واحدة منها في نظره
حقيرة ،وتحصل له بسهولة ،لكن عند الموت يصعب عليه ترك جميعها،
والمحاسبة عليها ،فهو كمن صعد جبل بحيل شتى فإذا انتهى إلى ذروته
تحير في تدبير النزول عنها وأيضا تلك المنازل الدنية تحصل له في الدنيا
بالتدريج وعند الموت لبد من تركها دفعة ولذا تشق عليها سكرات الموت
بقطع تلك العلئق ،فهو كمن صعد سلما درجة درجة ،ثم سقط في آخر
درجة منه دفعة فكلما كانت الدرجات في الصعود أكثر كان السقوط منها
أشد ضررا وأعظم خطرا فلبد للعاقل أن يتفكر عند الصعود على درجات
الدنيا في شدة النزول عنها فل يرقى
) (1الكافي ج 2ص .336
][90
كثيرا ويكتفي بقدر الضرورة والحاجة ،فهذا التشبيه البليغ على كل من الوجهين
من أبلغ الستعارات وأحسن التشبيهات .وفي بعض النسخ " اتقي "
بالياء وكأنه من تصحيف النساخ ولذا قرأ بعض الشارحين أتقى بصيغة
التفضيل ]والمرقى ظ[ على البناء للمفعول وقرأ السهل مرفوعا ليكون
خبرا للمبتدأ وهو أتقى ،أو يكون أتقي بتشديد التاء بصيغة المتكلم من باب
الفتعال فالسهل منصوب صفة للمرقى ،وكل منهما ل يخلو من بعد " .ل
تدع النفس وهواها " أي ل تتركها مع هواها ،وما تهواه وتحبه من
الشهوات المردية " فان هواها في رداها " أي هلكها في الخرة بالهلك
المعنوي في القاموس :ردى في البئر سقط كتردى وأرداه غيره ورداه
وردى كرضي ردى هلك وأرداه ورجل رد هالك قوله عليه السلم " أذاها
" الذى ما يؤذي النسان من مرض أو مكروه والشئ القذر وفي بعض
داؤها أي مرضها وهو أنسب بقوله " دواؤها " لفظا ومعنى وفي
القاموس الدواء مثلثة ما داويت به وبالقصر المرض.
][91
)) * (47باب( * * " )طاعة ال ورسوله وحججه عليهم السلم والتسليم لهم( "
* * " )والنهى عن معصيتهم ،والعراض عن قولهم وايذائهم( " *
اليات :البقرة :قالوا سمعنا وأطعنا ) .(1آل عمران :قل أطيعوا ال
والرسول فان تولوا فان ال ل يحب الكافرين ) .(2وقال تعالى :وأطيعوا
ال والرسول لعلكم ترحمون ) .(3النساء :ومن يطع ال ورسوله يدخله
جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن
يعص ال ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين )
.(4وقال تعالى :ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا
لهم ) .(5وقال تعالى :يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول
واولي المر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه إلى ال والرسول إن كنتم
تؤمنون بال واليوم الخر ذلك خير وأحسن تأويل ) .(6وقال تعالى :ومن
يطع ال والرسول فاولئك مع الذين أنعم ال عليهم من
) (1البقرة (2) .285 :آل عمران (3) .32 :آل عمران (4) .131 :النساء 13 :و
(5) .14النساء (6) .46 :النساء.59 :
][92
النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ) .(1المائدة :إذ قلتم
سمعنا وأطعنا ) .(2وقال تعالى :وأطيعوا ال وأطيعوا الرسول واحذروا
فان توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلغ المبين ) .(3النفال :وأطيعوا
ال ورسوله إن كنتم مؤمنين ) .(4وقال تعالى :يا أيها الذين آمنوا أطيعوا
ال ورسوله ول تولوا عنه وأنتم تسمعون * ول تكونوا كالذين قالوا
سمعنا وهم ل يسمعون ) .(5التوبة :ويطيعون ال ورسوله اولئك
سيرحمهم ال ) .(6النور :ويقولون آمنا بال وبالرسول وأطعنا ثم يتولى
فريق منهم من بعد ذلك وما اولئك بالمؤمنين * وإذا دعوا إلى ال ورسوله
ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه
مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف ال عليهم
ورسوله بل اولئك هم الظالمون * إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى ال
ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا واولئك هم المفلحون * ومن
يطع ال ورسوله ويخش ال ويتقه فاولئك هم الفائزون * وأقسموا بال
جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل ل تقسموا طاعة معروفة إن ال خبير
بما تعملون * قل أطيعوا ال وأطيعوا الرسول فان تولوا فانما عليه ما حمل
وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إل البلغ المبين -
إلى قوله تعالى :-وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ).(7
) (1النساء (2) .69 :المائدة (3) .7 :المائدة (4) .92 :النفال (5) .1 :النفال:
20و (6) .12براءة (7) .72 :النور.56 - 47 :
][93
لقمان :واتبع سبيل من أناب إلى ثم إلى مرجعكم فانبئكم بما كنتم تعملون ).(1
الحزاب :وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون
لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص ال ورسوله فقد ضل ضلل مبينا ).(2
وقال تعالى :وما كان لكم أن تؤذوا رسول ال -إلى قوله تعالى :-إن الذين
يؤذون ال ورسوله لعنهم ال في الدنيا والخرة وأعد لهم عذابا مهينا )
.(3وقال تعالى :إن ال لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا * خالدين فيها أبدا
ل يجدون وليا ول نصيرا * يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا
أطعنا ال وأطعنا الرسول * وقالوا ربنا إننا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا
السبيل * ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا * يا أيها الذين
آمنوا ل تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه ال مما قالوا وكان عند ال وجيها
-إلى قوله سبحانه :-ومن يطع ال ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ).(4
الزخرف :واتبعون هذا صراط مستقيم ) .(5وقال تعالى :فاتقوا ال
وأطيعون ) .(6محمد :فأولى لهم * طاعة وقول معروف فإذا عزم المر
فلو صدقوا ال لكان خيرا لهم * فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في
الرض وتقطعوا أرحامكم * اولئك الذين لعنهم ال فأصمهم وأعمى
أبصارهم -إلى قوله تعالى :-ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط ال وكرهوا
رضوانه فأحبط أعمالهم ).(7
) (1لقمان (2) .15 :الحزاب (3) .36 :الحزاب (4) .57 - 53 :الحزاب- 64 :
(5) .71الزخرف (6) .61 :الزخرف (7) .63 :القتال.28 - 21 :
][94
وقال تعالى :يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول ول تبطلوا أعمالكم )
.(1الفتح :ومن يطع ال ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها النهار
ومن يتول يعذبه عذابا أليما ) .(2الحجرات :يا أيها الذين آمنوا ل تقدموا
بين يدي ال ورسوله واتقوا ال إن ال سميع عليم ) .(3وقال تعالى :وإن
تطيعوا ال ورسوله ليلتكم من أعمالكم شيئا إن ال غفور رحيم ).(4
المجادلة :إن الذين يحادون ال ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم
وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين * يوم يبعثهم ال جميعا
فينبئهم بما عملوا أحصاه ال ونسوه وال على كل شئ شهيد ) .(5وقال
تعالى :وأطيعوا ال ورسوله -إلى قوله تعالى " -أن الذين يحادون ال
ورسوله اولئك في الذلين كتب ال لغلبن أنا ورسلي إن ال قوي عزيز )
.(6الحشر :ذلك بأنهم شاقوا ال ورسوله ومن يشاق ال فان ال شديد
العقاب ) .(7وقال تعالى :وما آتيكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
واتقوا ال إن ال شديد العقاب ).(8
) (1القتال (2) .33 :الفتح (3) .17 :الحجرات (4) .1 :الحجرات(5) .14 :
المجادلة (6) .6 - 5 :المجادلة (7) .21 - 13 :الحشر (8) .4 :الحشر:
.7
][95
الصف :وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول ال إليكم
فلما زاغوا أزاغ ال قلوبهم وال ل يهدي القوم الفاسقين ) .(1التغابن:
وأطيعوا ال وأطيعوا الرسول فان توليتم فانما على رسولنا البلغ المبين )
.(2وقال تعالى :واسمعوا وأطيعوا ) .(3الطلق :وتلك حدود ال ومن يتعد
حدود ال فقد ظلم نفسه ) .(4نوح :قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من
لم يزده ماله وولده إل خسارا ) .(5أقول :أكثر أخبار هذا الباب مذكورة في
مطاوي البواب السابقة واللحقة ول سيما في باب الطاعة والتقوى- 1 .
نهج :عليكم بطاعة من ل تعذرون بجهالته ) - 2 .(6كا :عن علي ،عن
أبيه ،عن البزنطي ،عن محمد أخي غرام ،عن محمد بن مسلم ،عن أبي
جعفر عليه السلم قال :ل يذهب بكم المذاهب ،فوال ماشيعتنا إل من أطاع
ال عزوجل ) .(8بيان " :ل يذهب بكم المذاهب " على بناء المعلوم،
والباء للتعدية ،وإسناد ال ذهاب إلى المذاهب على المجاز ،فان فاعله
النفس أو الشيطان أي ل يذهبكم المذاهب الباطلة إلى الضلل والوبال أو
على بناء المجهول أي ل يذهب بكم الشيطان في المذاهب
) (1الصف (2) .5 :التغابن (3) .13 :التغابن (4) .16 :الطلق (5) .1 :نوح.21 :
) (6نهج البلغة ج 2ص ،183الرقم 156من الحكم (7) .الكافي ج 2
ص .73
][96
الباطلة من الماني الكاذبة ،والعقائد الفاسدة ،بأن تجترؤا على المعاصي اتكال على
دعوى التشيع والمحبة والولية من غير حقية ،فانه ليس شيعتهم إل من
شايعهم في القوال والفعال ،ل من ادعى التشيع بمحض المقال - 3 .كا:
عن العدة ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن فضال ،عن عاصم بن حميد عن
أبي حمزة الثمالي ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :خطب رسول ال صلى
ال عليه وآله في حجة الوداع فقال :يا أيها الناس وال ما من شئ يقربكم
من الجنة ويباعدكم عن النار إل وقد أمرتكم به ،وما من شئ يقربكم من
النار ويباعدكم من الجنة إل وقد نهيتكم عنه ،أل وإن الروح المين نفث
في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا ال وأجملوا في
الطلب ،ول يحمل أحدكم استبطاء شئ من الرزق أن يطلبه بغير حله ،فانه
ل يدرك ما عند ال إل بطاعته ) .(1بيان :الروح المين جبرئيل عليه
السلم لنه سبب لحياة النفوس بالعلم وأمين على وحي ال إلى الرسل،
وفي النهاية فيه أن روح القدس نفث في روعي يعني جبرئيل أي أوحى
وألقى من النفث بالفم وهو شبيه بالنفخ وهو أقل من التفل لن التفل ل
يكون إل ومعه شئ من الريق " في روعي " أي في نفسي وخلدي انتهى
" حتى تستكمل رزقها " أي تأخذ رزقها المقدر على وجه الكمال " فاتقوا
ال " أي في خصوص طلب الرزق أو مطلقا " وأجملوا في الطلب " أي
اطلبوا طلبا جميل ول يكون كدكم كدا فاحشا ،وفي المصباح أجملت في
الطلب رفقت .قال الشيخ البهائي قدس سره :يحتمل معنيين الول أن يكون
المراد ]اتقوا ال في هذا الكد الفاحش أي ل تقيموا عليه كما تقول :اتق ال
في فعل كذا أي ل تفعله ،والثاني أن يكون المراد[ ) (2أنكم إذا اتقيتموه ل
تحتاجون إلى هذا الكد والتعب ويكون إشارة إلى قوله تعالى " :ومن يتق
ال يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث ل يحتسب " ).(3
) (1الكافي ج 2ص (2) .74مابين العلمتين ساقط من الكمبانى (3) .الطلق2 :
و .3
][97
" ول يحصل أحدكم " أي ل يبعثه ويحدوه ،والمصدر المسبوك من " أن "
المصدرية ومعمولها منصوب بنزع الخافض ،أي ل يبعثكم استبطاء الرزق
على طلبه من غير حله ،وسيأتي في خبر آخر ول يحملنكم استبطاء شئ
من الرزق أن تطلبوه بشئ من معصية ال فان ال تعالى قسم الرزاق بين
خلقه حلل ولم يقسمها حراما ومن اتقى ال وصبر أتاه رزقه من حله،
ومن هتك حجاب ستر ال عزوجل وأخذه من غير حله قص به من رزقه
الحلل وحوسب عليه يوم القيامة .وأقول :هذه الجمل كالتفسير لقوله عليه
السلم " :فانه ل يدرك ما عند ال " أي من الثواب الجزيل والرزق
الحلل " إل بطاعته " في الوامر والنواهي ،والحاصل أن قوله " :ما
عند ال " يحتمل الرزق الحلل والدرجات الخروية والعم والول أوفق
بالتعليل ،وكذا الثالث ،وإن كان الثاني أظهر في نفسه .واعلم أن الرزق
عند المعتزلة كل ماصح النتفاع به بالتغدي وغيره ،وليس لحد منعه منه،
وليس الحرام عندهم رزقا ،والحديث يدل عليه .وعند الشاعرة كل ما
ينتفع به ذو حياة بالتغذي وغيره ،وإن كان حراما ،وخص بعضهم بالغذية
والشربة وسيأتي تمام القول في ذلك في كتاب المكاسب إنشاء ال تعالى.
- 4كا :عن أبي علي الشعري ،عن محمد بن سالم ،وأحمد بن أبي عبد
ال عن أبيه جميعا ،عن أحمد بن النضر ،عن عمرو بن شمر ،عن جابر،
عن أبي جعفر عليه السلم قال :قال لي :يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيع
أن يقول بحبنا أهل البيت ؟ فوال ماشيعتنا إل من اتقى ال وأطاعه ،وما
كانوا يعرفون يا جابر إل بالتواضع والتخشع والمانة ،وكثرة ذكر ال،
والصوم ،والصلة ،والبر بالوالدين ،والتعهد للجيران من الفقراء وأهل
المسكنة ،والغارمين ،واليتام وصدق الحديث ،وتلوة القرآن ،وكف
اللسن عن الناس ،إل من خير ،وكانوا امناء عشائرهم في الشياء .قال
جابر :فقلت :يا ابن رسول ال ما نعرف اليوم أحدا بهذه الصفة ،فقال عليه
السلم :يا جابر ل تذهبن بك المذاهب ،حسب الرجل أن يقول :احب
][98
عليا وأتوله ،ثم ل يكون مع ذلك فعال ؟ فلو قال :إني احب رسول ال صلى ال
عليه وآله فرسول ال صلى ال عليه وآله خير من علي عليه السلم ثم
ليتبع سيرته ،ول يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئا ،فاتقوا ال واعملوا
لما عند ال ،ليس بين ال وبين أحد قرابة أحب العباد إلى ال عزوجل
]وأكرمهم عليه[ أتقاهم وأعملهم بطاعته .يا جابر فوال ما يتقرب إلى ال
تبارك وتعالى إل بالطاعة ،وما معنا براءة من النار ،ول على ال لحد من
حجة ،من كان ل مطيعا فهو لنا ولي ،ومن كان ل عاصيا فهو لنا عدو،
ول تنال وليتنا إل بالعمل والورع ) .(1لى :عن ابن الوليد ،عن البرقي،
عن أبيه ،عن أحمد بن النضر مثله ) .(2ما :عن المفيد ،عن ابن أبي
حميد ،عن ابن الوليد ،عن الصفار ،عن ابن عيسى ،عن الحسين بن
سعيد ،عن يونس بن عبد الرحمان ،عن إبراهيم بن عمر اليماني ،عن
جابر الجعفي مثله ) .(3مشكوة النوار :مرسل مثله ) .(4تبيان " :من
ينتحل التشيع " أي يدعيه من غير أن يتصف به ،وفي غير كا " انتحل "
في القاموس انتحله وتنحله ادعاه لنفسه وهو لغيره " وما كانوا يعرفون
" على بناء المجهول والضمير راجع إلى الشيعة أو إلى خيار العباد أي
كان في زمن النبي وأمير المؤمنين وسائر الئمة الماضين صلوات ال
عليهم يعرفون الشيعة بتلك الصفات فمن لم يكن فيه تلك الخلل لم يكونوا
يعدونهم من الشيعة ،أو كانوا موصوفين معروفين باتصافهم بها " ،إل
بالتواضع " أي بالتذلل ل عند أوامره ونواهيه ولئمة الدين بتعظيمهم
وإطاعتهم ،وللمؤمنين بتكريمهم وإظهار حبهم ،وعدم التكبر عليهم،
وحسن العشرة معهم.
) (1الكافي ج 2ص (2) .74أمالي الصدوق ص (3) .371أمالي الطوسي ج 2
ص (4) .365مشكاة النوار.59 :
][99
والتخشع إظهار الخشوع ،وهو التذلل ل مع الخوف منه ،واستعمال الجوارح فيما
أمر ال به ،وينسب إلى القلب وإلى الجوارح معا ،والمانة ضد الخيانة أي
أداء حقوق ال والخلق ،وعهودهم ،وترك الغدر والخيانة فيها ،وفي .ما
والنابة أي التوبة والرجوع إلى ال ،وكثرة ذكر ال ،باللسان والقلب
والصوم عطف على الذكر ،وفي ما " وبر الوالدين " " .والتعهد للجيران
" أي رعاية أحوالهم وترك إيذائهم ،وتحمل الذى عنهم وعيادة مرضاهم
وتشييع جنائزهم وعدم منع الماعون عنهم ،وسيأتي الخلف في كون
الفقير أسوء حال أو المسكين والتخصيص بهما لكون رعايتهما أهم ،وإل
يلزم رعاية الجيران مطلقا ،وفي ما " وتعاهد الجيران " " .والغارمين "
إما عطف على الفقراء أو على الجيران " وكانوا امناء عشائرهم " أي
يأتمنونهم ويعتمدون عليهم في جميع الشياء من الموال والفروج وحفظ
السرار " والعشاير " جمع العشيرة وهي القبيلة ،وفي لى وغيره " فقال
جابر يا ابن رسول ال لست أعرف أحدا بهذه الصفة " .قوله عليه السلم:
" ل تذهبن بك المذاهب " أي إلى الباطل والغترار وترك العمل " حسب
الرجل أن يقول " التركيب مثل حسبك درهم أي كافيك ،وحرف الستفهام
مقدر وهو على النكار أي ل يكفيه ذلك " فعال " أي كثير الفعل لما
يقتضيه اعتقاده في متابعة الئمة عليهم السلم في جميع المور ،وليست
هذه الفقرة في لى ،قوله " :فرسول ال " الظاهر أنها جملة معترضة،
وفي لي وبعض الكتب " ورسول ال " وهو أظهر ،فتكون جملة حالية،
ويحتمل أن يكون على النسختين عطفا على احب ويكون داخل في مقول
القول أي لو قال المخالف :إني احب رسول ال وهو أفضل من علي فكما
أنكم تتكلون على حب علي أنا أتكل على حب رسول ال صلى ال عليه
وآله لم يمكنكم إلزامه بالجواب ،لنكم إذا قلتم ل ينفعكم حب محمد مع
مخالفته في القول بأوصيائه يمكنه أن يقول :فكذا ل ينفعكم حب علي مع
مخالفتكم له في الفعال والقوال ،وفي لى غيره " ل يعمل بعمله ول يتبع
سنته
][100
ما نفعه " .قوله عليه السلم " :ليس بين ال وبين أحد قرابة " أي ليس بين ال
وبين الشيعة قرابة حتى يسامحهم ول يسامح مخالفيهم ،مع كونهم
مشتركين معهم في مخالفته تعالى ،أو ليس بينه وبين علي قرابة حتى
يسامح شيعة علي ول يسامح شيعة الرسول ،والحاصل أن جهة القرب بين
العبد وبين ال إنما هي الطاعة والتقوى ولذا صار أئمتكم أحب الخلق إلى
ال ،فلو لم تكن هذه الجهة فيكم لم ينفعكم شئ وفي لى " إلى ال وأكرمهم
عليه أتقاهم له وأعملهم بطاعته وال ما يتقرب إلى ال جل ثناؤه إل
بالطاعة ما معنا " " .وما معنا براءة من النار " أي ليس معنا صك )(1
وحكم ببرائتنا وبراءة شيعتنا من النار وإن عملوا بعمل الفجار " ول على
ال لحد من حجة " أي ليس لحد على ال حجة إذا لم يغفر له بأن يقول:
كنت من شيعة علي عليه السلم فلم لم تغفر لي ؟ لن ال تعالى لم يحتم
بغفران من ادعى التشيع بل عمل ،أو المعنى ليس لنا على ال حجة في
إنقاذ من ادعى التشيع من العذاب ويؤيده أن في ما " وما لنا على ال
حجة " " .من كان ل مطيعا " كأنه جواب عما يتوهم في هذا المقام أنهم
عليهم السلم حكموا بأن شيعتهم وأولياءهم ل يدخولن النار فأجاب عليه
السلم بأن العاصي ل ليس بولي لنا ول تدرك وليتنا إل بالعمل بالطاعات،
والورع عن المعاصي .قيل :للورع أربع درجات :الولى ورع التائبين،
وهو مايخرج به النسان من الفسق وهو المصحح لقبول الشهادة ،الثانية
ورع الصالحين وهو الجتناب عن الشبهات خوفا منها ،ومن الوقوع في
المحرمات ،الثالثة ورع المتقين وهو ترك الحلل خوفا من أن ينجر إلى
الحرام ،مثل ترك التحدث بأحوال الناس مخافة أن ينجر إلى الغيبة ،الرابعة
ورع السالكين وهو العراض عما سواه تعالى خوفا من صرف ساعة من
العمر فيما ل يفيد زيادة القرب منه تعالى وإن علم أنه ل ينجر
][101
إلى الحرام .قوله عليه السلم " :إل بالعمل " في لى وغيره إل بالورع والعمل5 .
-كا :عن علي ،عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ،عن الفضل جميعا ،عن ابن
أبي عمير ،عن هشام بن الحكم ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إذا كان
يوم القيامة تقوم عنق من الناس فيأتون باب الجنة فيضربونه فيقال لهم:
من أنتم ؟ فيقولون :نحن أهل الصبر ،فيقال لهم :على ما صبرتم ؟
فيقولون :كنا نصبر على طاعة ال ونصبر عن معاصي ال ،فيقول ال
عزوجل :صدقوا أدخلوهم الجنة ،وهو قول ال عزوجل " :إنما يوفى
الصابرون أجرهم بغير حساب " ) .(1ايضاح :في النهاية عنق أي جماعة
من الناس ،وفي القاموس العنق بالضم وبضمتين الجماعة من الناس
والرؤساء " أجرهم بغير حساب " قيل :أي أجرا ل يهتدي إليه حساب
الحساب ويظهر من الخبر أن المعنى أنهم ل يوقفون في موقف الحساب،
بل يذهب بهم إلى الجنة بغير حساب قال الطبرسي رحمه ال :لكثرته ل
يمكن عده وحسابه وروى العياشي بالسناد .عن عبد ال بن سنان ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إذا
نشرت الدواوين ،ونصبت الموازين لم ينصب لهل البلء ميزان ،ولم ينشر
لهم ديوان ،ثم تل هذه الية " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب "
) - 6 .(2كا :عن حميد بن زياد ،عن الحسن بن محمد بن سماعة ،عن
بعض أصحابه عن أبان ،عن عمر بن خالد ،عن أبي جعفر عليه السلم
قال :يا معشر الشيعة شيعة آل محمد كونوا النمرقة الوسطى :يرجع إليكم
الغالي ،ويلحق بكم التالي ،فقال له رجل من النصار ،يقال له سعد :جعلت
فداك ما الغالي ؟ قال :قوم يقولون فينا مال نقوله في أنفسنا ،فليس اولئك
منا ولسنا منهم ،قال :فما التالي ؟ قال :المرتاد يريد الخير يبلغه الخير
يؤجر عليه.
) (1الكافي ج 2ص ،75والية في الزمر (2) .10 :مجمع البيان ج 8ص .492
][102
ثم أقبل علينا فقال :وال ما معنا من ال براءة ،ول بيننا وبين ال قرابة ول لنا على
ال حجة ،ول يتقرب ) (1إلى ال إل بالطاعة ،فمن كان منكم مطيعا ل
تنفعه وليتنا ،ومن كان منكم عاصيا ل لم تنفعه وليتنا ،ويحكم ل تغتروا
ويحكم ل تغتروا ) .(2بيان :قال الجوهري :النمرقة وسادة صغيرة ،وكذلك
النمرقة بالكسر لغة حكاها يعقوب ،وربما سموا الطنفسة التي فوق الرحل
نمرقة عن أبي عبيد ) (3وفي القاموس النمرق والنمرقة مثلثة الوسادة
الصغيرة أو الميثرة أو الطنفسة فوق الرحل ،والنمرقة بالكسر من السحاب
ماكان بينه فتوق انتهى ) (4وكأن التشبيه بالنمرقة باعتبار أنها محل
العتماد ،والتقييد بالوسطى لكونهم واسطة بين الفراد والتفريط ،أو
التشبيه بالنمرقة الوسطى باعتبار أنها في المجالس صدر ومكان لصاحبه
يلحق به ويتوجه إليه من على الجانبين .وقيل :المراد كونوا أهل النمرقة
الوسطى ،وقيل :المراد إنه كما كانت الوسادة التي يتوسد عليها الرحل إذا
كانت رفيعة جدا أو خفيفة جدا ل تصلح للتوسد ،بل لبد لها من حد من
الرتفاع والنخفاض حتى يصلح لذلك ،كذلك أنتم في دينكم وأئمتكم ل
تكونوا غالين تجاوزون بهم عن مرتبتهم التي أقامهم ال عليها أو جعلهم
أهل لها ،وهي المامة والوصاية النازلتان عن اللوهية والنبوة كالنصارى
الغالين في المسيح المعتقدين فيه اللوهية أو البنوة للله ،ول تكونوا أيضا
مقصرين فيهم تنزلونهم عن مرتبتهم ،وتجعلونهم كسائر الناس أو أنزل،
كالمقصرين من اليهود في المسيح المنزلين له عن مرتبته ،بل كونوا
كالنمرقة الوسطى وهي المقتصدة للتوسد يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم
التالي.
) (1نتقرب خ ل (2) .الكافي ج 2ص (3) .75الصحاح ج 4ص (4) .1561
القاموس ج 3ص .286
][103
قوله عليه السلم " :ما ل نقوله في أنفسنا " كاللوهية ،وكونهم خالقين للشياء
والنبوة " المرتاد يريد الخير يبلغه الخير " كأنه من قبيل وضع الظاهر
موضع المضمر أي يريد العمال الصالحة التي تبلغه أن يعملها ،ولكن ل
يعمل بها يوجر عليه بمحض هذه النية ،أو المعنى أنه المرتاد الطالب لدين
الحق وكماله وقوله " :يبلغه الخير " جملة اخرى لبيان أن طالب الخير
سيجده ويوفقه ال لذلك كما قال تعالى " :والذين جاهدوا فينا لنهدينهم
سبلنا " ) (1وقوله " :يؤجر عليه " لبيان أنه بمحض الطلب مأجور.
وقيل :المرتاد الطالب للهتداء الذي ليعرف المام ومراسم الدين بعد يريد
التعلم ونيل الحق " ،يبلغه الخير " بدل من " الخير " يعني يريد أن يبلغه
الخير ليؤجر عليه ،وقيل :المرتاد أي الطالب من ارتاد الرجل الشئ إذا
طلبه والمطلوب أعم من الخير والشر ،فقوله " :يريد الخير " تخصيص
وبيان للمعنى المراد ههنا " يبلغه الخير " من البلغ أو التبليغ وفاعله
معلوم بقرينة المقام ،أي من يوصله إلى الخير المطلوب ،ثم يؤجر عليه
لهدايته وإرشاده .وأقول :على هذا يمكن أن يكون فاعله الضمير الراجع
إلى النمرقة لما فهم سابقا أنه يلحق التالي بنفسه ،وقيل جملة " :يريد
الخير " صفة المرتاد ،إذ اللم للعهد الذهني ،وهو في حكم النكرة وجملة
" يبلغه " إما على المجرد من باب نصر أو على بناء الفعال أو التفعيل
استيناف بياني وعلى الول الخير مرفوع بالفاعلية إشارة إلى أن الدين
الحق لوضوح براهينه كأنه يطلبه ويصل إليه ،وعلى الثاني والثالث
الضمير راجع إلى مصدر " يريد " " والخير " منصوب و " يؤجر عليه
" استيناف للستيناف الول لدفع توهم أن ل يؤجر لشدة وضوح المر
فكأنه اضطر إليه وأكثر الوجوه ل تخلو من تكلف وكأن فيه تصحيفا
وتحريفا " .ول لنا على ال حجة " أي بمحض قرابة الرسول صلى ال
عليه وآله من غير عمل لنفسنا ،ول لتخليص شيعتنا " ،ول نتقرب "
بصيغة المتكلم والغائب
][104
المجهول " ويحكم ل تغتروا " في القاموس ويح لزيد وويحا له كلمة رحمة،
ورفعه على البتداء ،ونصبه باضمار فعل ،وويح زيد وويحه نصبهما به
أيضا أو أصله وي فوصلت بحاء مرة وبلم مرة وبباء مرة وبسين مرة )
(1وفي النهاية ويح كلمة ترحم وتوجع ،يقال :لمن وقع في هلكة ل
يستحقها ،وقد يقال :بمعنى المدح والتعجب وهي منصوبة على المصدر،
وقد ترفع ،وتضاف ول تضاف ،يقال :ويح زيد ،وويحا له ،وويح له- 7 .
كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن ابن عيسى ،عن مفضل بن عمر قال :كنت
عند أبي عبد ال عليه السلم فذكرنا العمال ،فقلت أنا :ما أضعف عملي ؟
فقال :مه استغفر ال ،ثم قال لي :إن قليل العمل مع التقوى خير من كثير
بل تقوى قلت :كيف يكون كثير بل تقوى ؟ قال :نعم مثل الرجل يطعم
طعامه ،ويرفق جيرانه ،ويوطئ رحله ،فإذا ارتفع له الباب من الحرام دخل
فيه ،فهذا العمل بل تقوى ،ويكون الخر ليس عنده فإذا ارتفع له الباب من
الحرام لم يدخل فيه ) .(2بيان " :فذكرنا العمال " أي قلتها وكثرتها ،أو
مدخليتها في اليمان " ما أضعف عملي " صيغة تعجب كما هو الظاهر أو
ما نافية واضعف بصيغة المتكلم أي ما أعد عملي ضعيفا ،وعلى الول
يتوهم في نهيه عليه السلم وأمره بالستغفار منافاة لما مر في الخبار من
ترك العجب والعتراف بالتقصير ،ويمكن الجواب عنه بوجوه :الول ما
قيل :إن النهي للفتوى بغير علم ،ل للعتراف بالتقصير .الثاني أنه كان
ذلك لستشمامه منه رائحة التكال على العمل ،مع أن العمل
][105
هين جدا في جنب التقوى لشتراط قبوله بها ولذا نبهه على ذلك ،والحاصل أنه لما
كان كلمه مبنيا على أن المدار على قلة العمل وكثرته نهاه عن ذلك.
الثالث ما قيل :إن القوال والفعال يختلف حكمها باختلف النيات
والقصود ،وهو لم يقصد بهذا القول أن عمله ضعيف قليل بالنظر إلى
عظمة الحق وما يستحقه من العبادة ،وإنما قصد به ضعفه وقلته لذاته،
وبينهما فرق ظاهر والول هو العتراف بالتقصير دون الثاني .الرابع أنه
عليه السلم لما علم أن المفضل يعتد بعمله ويعده كثيرا ،وإنما يقول ذلك
تواضعا وإخفاء للعمل نهاه عن ذلك .وفي القاموس رفق فلنا نفعه
كأرفقه ،ووطئ الرحل كناية عن كثرة الضيافة قال في القاموس :رجل
موطأ الكناف كمعظم سهل دمث كريم مضياف ،أو يتمكن في ناحيته
صاحبه ،غير مؤذى ول ناب به موضعه ) (1وفي النهاية في قوله صلى
ال عليه وآله :أحاسنكم أخلقا الموطؤن أكنافا هذا مثل وحقيقته من
التوطئة وهو التمهيد والتذليل ،وفراش وطئ ل يؤذي جنب النائم،
والكناف الجوانب ،أراد الذين جوانبهم وطئة يتمكن فيها من يصاحبهم ول
يتأذى ،انتهى وقيل :توطئة الرحل كناية عن التواضع والتذلل " .فإذا
ارتفع له الباب من الحرام " أي ظهر له ما يدخله في الحرام من مال حرام
أو فرج حرام وغير ذلك " ليس عنده " أي العمل الكثير الذي كان عند
صاحبه - 8 .كتاب المامة والتبصرة :عن القاسم بن علي العلوي ،عن
محمد بن أبي عبد ال ،عن سهل بن زياد ،عن النوفلي ،عن السكوني ،عن
جعفر بن محمد ،عن أبيه عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى
ال عليه وآله :الطاعة قرة العين.
) (1القاموس ج 1ص .32
][106
)) (48باب( * " )ايثار الحق على الباطل ،والمر بقول الحق وان كان مرا( " *
اليات :أسرى :قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ).(1
سبا :قل إن ربي يقذف بالحق علم الغيوب * قل جاء الحق وما يبدئ
الباطل وما يعيد ) .(2حمعسق :ويمحوا ال الباطل ويحق الحق بكلماته إنه
عليم بذات الصدور ) .(3الزخرف :لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق
كارهون ) - 1 .(4لى ) (5مع :سئل أمير المؤمنين عليه السلم :أي الناس
أكيس ؟ قال :من أبصر رشده من غيه ،فمال إلى رشده ) - 2 .(6ل :ابن
المتوكل ،عن محمد العطار ،عن الشعري ،عن علي بن حسان رفعه إلى
زرارة ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن من حقيقة اليمان أن تؤثر
الحق وإن ضرك ،على الباطل وإن نفعك ،وأن ل يجوز .منطقك علمك ).(7
- 3ل :الحسن بن علي ]بن محمد[ العطار ،عن محمد بن محمود ،عن
محمد ابن منصور وإسماعيل المكي وحمدان جميعا ،عن المكي بن
إبراهيم ،عن
) (1أسرى (2) .81 :سبأ 48 :و (3) .49الشورى (4) .24 :الزخرف(5) .78 :
أمالي الصدوق ص (6) .237معاني الخبار ص (7) .199الخصال ج 1
ص .28
][107
هشام بن حسان والحسن بن دينار ،عن محمد بن واسع ،عن عبد ال بن الصامت،
عن أبي ذر رحمه ال قال :أوصاني رسول ال صلى ال عليه وآله بأن
أقول الحق وإن كان مرا ) .(1وتمام الخبر في أبواب المواعظ ) (2وفي
خبر آخر عن أبي ذر قال له النبي صلى ال عليه وآله :قل الحق وإن كان
مرا ) - 4 .(3نبه :ابن أبي سمال ،عن أبي عبد ال عليه السلم أنه
استفتاه رجل من أهل الجبل فأفتاه بخلف ما يحب فرأى أبو عبد ال
الكراهة فيه ،فقال :يا هذا اصبر على الحق فانه لم يصبر أحد قط لحق إل
عوضه ال ما هو خير له - 5 .نهج :قال عليه السلم :ل يترك الناس شيئا
من أمر دينهم لستصلح دنياهم إل فتح ال عليهم ما هو أضر منه ).(4
وقال عليه السلم :من أبدى صفحته للحق هلك ) .(5وقال عليه السلم :إن
الحق ثقيل مرئ ،وإن الباطل خفيف وبئ ) .(6وقال عليه السلم :إن أفضل
الناس عند ال من كان العمل بالحق أحب إليه وإن نقصه وكثره .من
الباطل وإن جر فائدة وزاده ) .(7وقال عليه السلم :أيها الناس ل
تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله ،فان الناس اجتمعوا على مائدة
شبعها قصير ،وجوعها طويل ،وساق الكلم إلى قوله
) (1الخصال ج 2ص (2) .3راجع ج 77ص (3) .73راجع معاني الخبار ص
،332الخصال ج 2ص ،104أمالي الطوسي ج 2ص (4) .138نهج
البلغة ج 2ص (5) .166نهج البلغة ج 2ص (6) .187نهج
البلغة ج 2ص (7) .235نهج البلغة ج 1ص .258
][108
عليه السلم :أيها الناس من سلك الطريق الواضح ورد الماء ،ومن خالف وقع في
التيه )) * 49 .(1باب( * * " )العزلة عن شرار الخلق ،والنس بال( "
* اليات :الكهف :وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إل ال فأووا إلى الكهف
ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ) .(2مريم:
وأعتزلكم وما تدعون من دون ال وأدعوا ربي عسى أن ل أكون بدعاء
ربي شقيا * فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون ال وهبنا له إسحق
ويعقوب ) .(3العنكبوت :فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو
العزيز الحكيم ) .(4الصافات :قال إني ذاهب إلى ربي سيهدين )- 1 .(5
لى :الدقاق ،عن الصوفي ،عن عبيد ال بن موسى الحبال ،عن محمد بن
الحسين الخشاب ،عن محمد بن محصن ،عن يونس بن ظبيان قال :قال
الصادق عليه السلم :إن ال وجل وعز أوحى إلى نبي من أنبياء بني
إسرائيل إن أحببت أن تلقاني غدا في حظيرة القدس فكن في الدنيا وحيدا
غريبا مهموما محزونا مستوحشا من الناس ،بمنزلة الطير الواحد ،الذي
يطير في أرض القفار ،ويأكل من رؤوس الشجار
) (1نهج البلغة ج 1ص (2) .199الكهف (3) .16 :مريم 48 :و (4) .49
العنكبوت (5) .26 :الصافات.99 :
][109
ويشرب من ماء العيون ،فإذا كان الليل أوى وحده ،ولم يأو مع الطيور استأنس
بربه ،واستوحش من الطيور ) - 2 .(1لى :العطار ،عن سعد ،عن
الصبهاني ،عن المنقري ،عن حفص ،عن الصادق عليه السلم قال :إن
قدرتم أن ل تعرفوا فافعلوا ،وما عليك إن لم يثن عليك الناس ؟ وما عليك
أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت عند ال محمودا ) - 3 .(2ب :ابن
سعد ،عن الزدي قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إن من أغبط أوليائي
عندي عبدا مؤمنا إذا حظ من صلح أحسن عبادة ربه ،و عبد ال في
السريرة وكان غامضا في الناس ،فلم يشر إليه بالصابع ،وكان رزقه كفافا
فصبر عليه تعجلت به المنية فقل تراثه ،وقلت بواكيه -ثلثا )- 4 .(3
فس :قال أمير المؤمنين عليه السلم :أيها الناس طوبى لمن لزم بيته،
وأكل كسرته ،وبكى على خطيئته ،وكان من نفسه في تعب ،والناس منه
في راحة - 5 .ل :ماجيلويه ،عن عمه ،عن هارون ،عن ابن زياد ،عن
جعفر ،عن أبيه عليهما السلم قال :قال النبي صلى ال عليه وآله ثلث
منجيات :تكف لسانك ،وتبكي على خطيئتك ،وتلزم بيتك ) - 6 .(4ل :ابن
المتوكل ،عن الحميري ،عن ابن هشام ،عن القداح ،عن جعفر بن محمد،
عن آبائه ،عن علي عليهم السلم قال :قال عيسى بن مريم :طوبى لمن
كان صمته فكرا ونظره عبرا ،ووسعه بيته وبكى على خطيئته ،وسلم
الناس من يده ولسانه ) - 7 .(5ل :ابن الوليد ،عن الصفار ،عن ابن
معروف ،عن علي بن مهزيار
][110
رفعه قال :يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة أجزاء تسعة منها في
اعتزال الناس ،وواحدة في الصمت ) - 8 .(1ثو :ابن الوليد ،عن محمد بن
يحيى ،عن الشعري ،عن ابن معروف مثله ) - 9] .(2مص [:قال الصادق
عليه السلم :صاحب العزلة متحصن بحصن ال ومحترس بحراسته ،فيا
طوبى لمن تفرد به سرا وعلنية ،وهو يحتاج إلى عشرة خصال :علم
الحق والباطل ،وتحبب الفقر ،واختيار الشدة والزهد ،واغتنام الخلوة،
والنظر في العواقب ،ورؤية التقصير في العبادة ،مع بذل المجهود ،وترك
العجب ،وكثرة الذكر بل غفلة ،فان الغفلة مصطاد الشيطان ،ورأس كل بلية
وسبب كل حجاب ،وخلوة البيت عما ل يحتاج إليه في الوقت .قال عيسى
بن مريم عليهما السلم :اخزن لسانك لعمارة قلبك ،وليسعك بيتك وفر من
الرياء وفضول معاشك ،وابك على خطيئتك ،وفر من الناس فرارك من
السد والفعى ،فانهم كانوا دواء فصاروا اليوم داء ،ثم الق ال متى شئت.
قال ربيع بن خثيم :إن استطعت أن تكون في موضع ل تعرف ول تعرف
فافعل .وفي العزلة صيانة الجوارح ،وفراغ القلب ،وسلمة العيش ،وكسر
سلح الشيطان ،والمجانبة به من كل سوء ،وراحة الوقت ،وما من نبي
ول وصي إل واختار العزلة في زمانه ،إما في ابتدائه وإما في انتهائه ).(3
- 10ين :الجوهري ،عن صفوان الجمال ،عن المفضل قال :سمعت أبا
عبد ال عليه السلم يقول :طوبى لعبد نوومة عرف الناس قبل معرفتهم
به - 11 .الدرة الباهرة وعدة الداعي :قال أبو محمد عليه السلم :من آنس
بال استوحش من الناس.
) (1الخصال ج 2ص (2) .54ثواب العمال ص (3) .162مصباح الشريعة 18
و .19
][111
- 12دعوات الراوندي :قال الباقر عليه السلم :وجد رجل صحيفة فأتى بها رسول
ال صلى ال عليه وآله فنادى :الصلة جامعة ،فما تخلف أحد ذكر ول
انثى ،فرقى المنبر فقرأها فإذا كتاب من يوشع بن نون وصي موسى ،وإذا
فيها بسم ال الرحمن الرحيم إن ربكم بكم لرؤوف رحيم ،أل إن خير عباد
ال التقي النقي الخفي وإن شر عباد ال المشار إليه بالصابع الخبر.
مهج :باسنادنا إلى سعد بن عبد ال من كتابه رفعه قال :قال أبو الحسن
الرضا عليه السلم :وذكر نحوه ) - 13 .(1نهج :قال أمير المؤمنين عليه
السلم :طوبى لمن لزم بيته وأكل قوته واشتغل بطاعة ربه ،وبكى على
خطيئته ،فكان من نفسه في شغل ،والناس منه في راحة ) - 14 .(2عدة
الداعي :روى عبيد بن زرارة ،عن الصادق عليه السلم قال :ما من مؤمن
إل وقد جعل ال له من إيمانه انسا يسكن إليه حتى لو كان على قلة جبل لم
يستوحش .وروى الحلبي عن أبي عبد ال عليه السلم قال :خالط الناس
تخبرهم ومتى تخبرهم تقلهم ) .(3وعن أبي محمد العسكري عليه السلم
قال :الوحشة من الناس على قدر الفطنة بهم .وعن الباقر عليه السلم
قال :ل يكون العبد عابدا ل حق عبادته حتى ينقطع عن الخلق كلهم إليه،
فحينئذ يقول :هذا خالص لي فيقبله بكرمه .وقال الكاظم عليه السلم لهشام
بن الحكم :يا هشام الصبر على الوحدة علمة على
) (1مهج الدعوات (2) .385 :نهج البلغة ج 1ص (3) .348يشبه هذا كلم
أمير المؤمنين عليه السلم كما في النهج ج 2ص " 247اخبر تقله "
وقد مر في ج 74ص 164والمعنى خالط الناس وعاشرهم في جلواتهم
وخلواتهم فإذا فعلت ذلك تخبرهم وتعرفهم حقيقة المعرفة ومتى تخبرهم
وتعرفهم تقليهم وتبغضهم.
][112
قوة العقل ،فمن عقل عن ال اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها ،ورغب فيما عند
ال ،وكان ال أنيسه في الوحشة ،وصاحبه في الوحدة ،وغناه في العيلة،
ومعزه من غير عشيرة ،يا هشام قليل العمل مع العلم مقبول مضاعف،
وكثير العمل من أهل الجهل مردود .وعن الهادي عليه السلم :لو سلك
الناس واديا وسيعا لسلكت وادي رجل عبد ال وحده خالصا) * 50 .باب(
* * " )أن الغشية التى يظهرها الناس عند قراءة القرآن( " * * "
)والذكر من الشيطان( " * - 1لى :ابن إدريس ،عن أبيه ،عن الشعري،
عن محمد بن عبد الجبار ،عن أبي عمران الرمني ،عن عبد ال بن الحكم،
عن جابر ،عن أبي جعفر الباقر عليه السلم قال :قلت له :إن قوما إذا
ذكروا بشئ من القرآن أو حدثوا به صعق أحدهم حتى يرى أنه لو قطعت
يداه ورجله لم يشعر بذلك ،فقال :سبحان ال ذاك من الشيطان ،ما بهذا
امروا إنما هو اللين والرقة والدمعة والوجل ) .(1أقول :سيجئ بعض
أخبار هذا الباب في باب آداب القراءة وأوقاتها وذم من يظهر الغشية
عندها من كتاب القرآن والذكر والدعاء ).(2
) (1أمالي الصدوق ص (2) .154ومن ذلك ما رواه الكليني رحمه ال في باب من
يظهر الغشية عند قراءة القرآن ج 2ص ،666عن عدة من أصحابنا عن
سهل بن زياد عن يعقوب بن اسحاق الضبى عن أبي عمران الرمني
مثله وفيه بدل " ما بهذا امروا " :ما بهذا نعتوا " .والمعنى أن ال
عزوجل لم يوصف المؤمنين في كتابه العزيز بتلك الوصاف وانما
وصفهم باللين والرقة والوجل حيث قال " :تقشعر منه جلود الذين
يخشون ربهم ثم تلين - - -
][113
)) * (51باب( * * " )النهى عن الرهبانية والسياحة ،وساير ما يأمر به( " * *
" )أهل البدع والهواء( " * اليات :التوبة :العابدون السائحون ).(1
الحقاف :ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حيوتكم
الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في
الرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) .(2الحديد :وجعلنا في قلوب الذين
اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إل ابتغاء رضوان
ال فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم
فاسقون ).(3
- - -جلودهم وقلوبهم لذكر ال " وقال " :ترى أعينهم تفيض من الدمع " وقال:
" لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية ال "
وقال " :وبشر المخبتين الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم " .وقال العلمة
المؤلف رضوان ال عليه :المراد انهم يكذبون في ادعائهم عدم الشعور
وان مباديه بايديهم ،لن الرقة والدمعة تدفعه (1) .براءة(2) .113 :
الحقاف (3) .20 :الحديد ،27 :وقوله تعالى " ورهبانية " منصوب
بفعل مضمر يفسره قوله ابتدعوها ،والتقدير :ابتدعوا رهبانية ابتدعوها،
وقوله ما كتبناها عليهم في محل النصب لنه صفة لرهبانية ،وابتغاء
رضوان ال نصب لنه بدل من " ها " في " كتبناها " والتقدير :كتبنا
عليهم ابتغاء رضوان ال أي اتباع أوامره ولم نكتب عليهم الرهبانية قاله
الطبرسي في المجمع ج 9ص - - - .242
][114
التحريم :يا أيها النبي لم تحرم ما أحل ال لك ) - 1 .(1لى :ابن المتوكل ،عن
السدي ،عن محمد بن إسماعيل ،عن عبد ال بن وهب البصري ،عن
ثوابة بن مسعود ،عن أنس قال :توفي ابن لعثمان بن مظعون رضي ال
عنه فاشتد حزنه عليه ،حتى اتخذ من داره مسجدا يتعبد فيه ،فبلغ
- - -أقول والظاهر أن " رهبانية " عطف على ما قبله " :رأفة ورحمة "
والمعنى أنا جعلنا في قلوب الحواريين الذين اتبعوا عيسى عليه السلم
رأفة ورحمة من لدنا بحيث صارتا كالطبيعة الثانية لهم ليتحنوا على
ارشاد الجهال وهداية الضلل ،وألهمنا الى قلوبهم بعد ما رفعنا عيسى
الينا أن يترهبوا في الصوامع والغيران ويتعبدوا فيها فرارا من جبابرة
بنى اسرائيل كما في قصة أصحاب الكهف .لكنهم ابتدعوا في كيفيتها بما
لم نكتب عليهم ،فانا انما نكتب على المتعبدين ابتغاء رضوان ال ،وهو
متيسر بالعمال اليسيرة الخالصة لوجهه ،ول يستلزم العمال الشاقة من
رفض النساء ،والعزلة ،وخشونة المطعم والملبس ،وهم مع ما فرضوا
تلك الخصلة على أنفسهم ،ونذروها ل لم يرعوها حق رعايتها .قال ابن
مسعود :كنت رديف رسول ال صلى ال عليه وآله على حمار فقال :يا
ابن ام عبد ! هل تدرى من اين أحدثت بنو اسرائيل الرهبانية ؟ فقلت :ال
ورسوله أعلم فقال :ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى عليه السلم
يعملون بمعاصي ال فقاتلهم أهل اليمان ثلث مرات فلم يبق منهم ال
القليل فقالوا ان ظهرنا لهؤلء أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه فتعالوا
نتفرق في الرض الى أن يبعث ال النبي الذي وعدنا به عيسى عليه
السلم فتفرقوا في غيران الجبال وأحدثوا رهبانية الخبر .راجع مجمع
البيان ج 9ص 243الدر المنثور ج 6ص (2) .177التحريم ،1 :روى
علي بن ابراهيم باسناده عن ابن سيار عن أبي عبد ال عليه السلم في
هذه الية قال :اطلعت عائشة وحفصة على النبي صلى ال عليه وآله
وهو مع مارية فقال النبي :وال ل أقربها ،فأمره ال أن يكفر عن يمينه،
راجع تفسير القمي ص .686وقد روى في ذلك روايات اخرى راجع
البحار ج 22ص .246 - 227
][115
ذلك رسول ال صلى ال عليه وآله فقال له :يا عثمان إن ال تبارك وتعالى لم يكتب
علينا الرهبانية ،إنما رهبانية امتي الجهاد في سبيل ال .يا عثمان بن
مظعون للجنة ثمانية أبواب ،وللنار سبعة أبواب ،أفما يسرك أن ل تأتي بابا
منها إل وجدت ابنك إلى جنبك آخذا بحجزتك ،يشفع لك إلى ربك ؟ قال،
بلى ،فقال المسلمون :ولنا يارسول ال في فرطنا ) (1ما لعثمان ؟ قال:
نعم ،لمن صبر منكم واحتسب .ثم قال :يا عثمان من صلى صلة الفجر في
جماعة ،ثم جلس يذكر ال عز وجل حتى تطلع الشمس ،كان له في
الفردوس سبعون درجة بعد ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد
المضمر ) (2سبعين سنة ،ومن صلى الظهر في جماعة كان له في جنات
عدن خمسون درجة ،ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد خمسين
سنة ،ومن صلى العصر في جماعة كان له كأجر ثمانية من ولد إسماعيل
كل منهم رب بيت يعتقهم ،ومن صلى المغرب في جماعة كان له كحجة
مبرورة وعمرة متقبلة ،ومن صلى العشاء في جماعة كان له كقيام ليلة
القدر ) - 2 .(3ل :ابن الوليد ،عن الصفار ،عن أبي الجوزا ،عن ابن
علوان ،عن عمر بن خالد ،عن زيد بن علي ،عن آبائه ،عن علي عليهم
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ليس في امتي رهبانية ول
سياحة ولزم يعني سكوت ).(4
) (1الفرط -بالتحريك -المتقدم القوم الى الماء ليهيئ لهم الدلء والرشاء ويدير
الحياض ويستقى لهم ،وهو فعل بمعنى فاعل ومنه الحديث أنا فرطكم
على الحوض ويطلق على ما لم يدرك من الولد لنه كالفرط يقدم على
باب الجنة يمهد لبويه أسباب الدخول في الجنة (2) .الحضر -كقفل -
ارتفاع الفرس في عدوه ووثوبه ،والمضمر من الفرس ما روض على
العدو والوثوب حتى صار ضامرا قليل اللحم ،فهو أقدر على الوثبة
والرتفاع (3) .أمالي الصدوق ص (4) .40الخصال ج 1ص .68
][116
مع :أبي ،عن سعد ،عن محمد بن الحسين ،عن أبي الجوزاء مثله ) - 3 .(1ما :ابن
مخلد ،عن محمد بن جعفر بن نصير ،عن أحمد بن محمد بن مسروق عن
يحيى الجل قال :سمعت بشرا يقول لجلسائه :سيحوا فان الماء إذا صاح
طاب وإذا وقف تغير واصفر ) - 4 .(2فس " :يا أيها الذين آمنوا ل
تحرموا طيبات ما أحل ال لكم " ) (3فانه حدثني أبي ،عن ابن أبي عمير،
عن بعض رجاله ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :نزلت هذه الية في
أمير المؤمنين عليه السلم وبلل وعثمان بن مظعون فأما أمير المؤمنين
عليه السلم فحلف أن لينام في الليل أبدا ،وأما بلل فانه حلف أن ل يفطر
بالنهار أبدا ،وأما عثمان بن مظعون فانه حلف ل ينكح أبدا ،فدخلت امرأة
عثمان على عائشة وكانت امرأة جميلة فقالت عائشة :مالي أراك متعطلة ؟
فقالت :ولمن أتزين ؟ فوال ما قربني زوجي منذ كذا وكذا ،فانه قد ترهب
ولبس المسوح وزهد في الدنيا ،فلما دخل رسول ال صلى ال عليه وآله
أخبرته عائشة بذلك فخرج فنادى :الصلة جامعة ،فاجتمع الناس فصعد
المنبر فحمد ال وأثنى عليه ثم قال :ما بال أقوام يحرمون على أنفسهم
الطيبات ؟ أل إني أنام الليل وأنكح ،وأفطر بالنهار فمن رغب عن سنتي
فليس مني ،فقام هؤلء فقالوا :يارسول ال فقد حلفنا على ذلك ،فأنزل ال
" ل يؤاخذكم ال باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمان
فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو
تحرير رقبة ،فمن لم يجد فصيام ثلثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم "
) (1معاني الخبار ص 174والزم -بالفتح -الخطم والشد ،يعنى خطم الشفة
وشدها بالسكوت وفي المصدر المطبوع " رم " بالمهملة ،وهكذا في
عنوان الحديث " باب معنى الرم " وأظنه تصحيفا (2) .أمالي الطوسي
ج 2ص (3) .3المائدة.87 :
][117
الية ) - 5 .(1غط :الفزاري ،عن محمد بن جعفر بن عبد ال ،عن محمد بن أحمد
النصاري قال :وجه قوم من المفوضة والمقصرة كامل بن إبراهيم المدني
إلى أبي محمد عليه السلم قال كامل :فقلت في نفسي :أسأله ليدخل الجنة
إل من عرف معرفتي وقال بمقالتي ،قال :فلما دخلت على سيدي أبي محمد
عليه السلم نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه ،فقلت في نفسي :ولي ال
وحجته يلبس الناعم من الثياب ويأمرنا نحن بمواساة الخوان ،وينهانا
عن لبس مثله ،فقال متبسما :يا كامل وحسر ذراعيه فإذا مسح أسود خشن
على جلده ،فقال :هذا ل وهذا لكم تمام الخبر ) - 6 .(2كش (3) :محمد بن
مسعود قال كتب إلى الفضل بن شاذان يذكر عن ابن أبي عمير ،عن
إبراهيم بن عبد الحميد قال :حججت وسكين النخعي فتبعد وترك النساء
والطيب والثياب والطعام الطيب ،وكان ل يرفع رأسه داخل المسجد إلى
السماء ،فلما قدم المدينة دنا عن أبي إسحاق فصلى إلى جانبه فقال :جعلت
فداك إني اريد أن أسألك من مسائل ،قال :اذهب فاكتبها وأرسل بها إلى
فكتب جعلت فداك رجل دخله الخوف من ال عزوجل حتى ترك النساء
والطعام الطيب ول يقدر أن يرفع رأسه إلى السماء ،وأما الثياب فشك فيها،
فكتب أما قولك في ترك النساء فقد علمت ما كان لرسول ال صلى ال
عليه وآله من النساء ،وأما قولك في ترك الطعام الطيب فقد كان رسول ال
صلى ال عليه وآله يأكل اللحم والعسل وأما قولك إنه دخله الخوف حتى
ليستطيع أن يرفع رأسه إلى السماء فأكثر من تلوة هذه اليات "
الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالسحار " ).(4
) (1تفسير القمي ص ،166والية الخيرة في المائدة (2) .89 :غيبة الشيخ
الطوسي ص (3) .159رجال الكشي (4) .316آل عمران.17 :
][118
- 7الدرة الباهرة :قال له الصوفية ) (1إن المأمون قد رد هذا المر إليك وأنت أحق
الناس به إل أنه تحتاج أن يتقدم منك تقدمك إلى لبس الصوف وما يحسن
لبسه ،فقال :ويحكم ،إنما يراد من المام قسطه وعدله ،إذا قال صدق ،وإذا
حكم عدل ،وإذ وعد أنجز " قل من حرم زينة ال التي أخرج لعباده
والطيبات من الرزق " ) (2إن يوسف عليه السلم لبس الديباج المنسوج
بالذهب ،و جلس على متكآت آل فرعون - 8 .نهج :من كلم له عليه
السلم بالبصرة وقد دخل على العلء بن زياد الحارثي ) (3يعوده وهو من
أصحابه فلما رأى سعة داره قال ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا ؟
أما أنت إليها في الخرة كنت أحوج ،وبلى إن شئت بلغت بها الخرة تقري
فيها الضيف ،وتصل فيها الرحم وتطلع منها الحقوق مطالعها ،فإذا أنت قد
بلغت بها الخرة .فقال له العلء :يا أمير المؤمنين أشكو إليك أخي عاصم
بن زياد ،قال :وما له ؟ قال لبس العباء ) (4وتخلى من الدنيا قال :على به،
فلما جاء قال يا عدى نفسه لقد استهام بك الخبيث ،أما رحمت أهلك
وولدك ،أترى ال أحل لك الطيبات وهو يكره أن تأخذها ؟ أنت أهون على
ال من ذلك ،قال :يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة
مأكلك ،قال :ويحك إني لست كأنت إن ال تعالى فرض على أئمة الحق أن
يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيل يتبيغ بالفقير فقره ).(5
) (1يعنى الرضا عليه السلم ،كما سيجئ وقد أخرجه المؤلف في كتاب الحتجاج
راجع ج 10ص 351من هذه الطبعة وفيه سقط ،وأخرج مثله الربلي
في كشف الغمة ج 3ص (2) .147العراف (3) .32 :كذا في جميع
نسخ النهج ،وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 3ص 11وفي ط
ص :17أن الصحيح هو الربيع بن زياد الحارثى فراجع (4) .يعنى
الخشن من أثواب الصوف ل الكساء الذى يلبس اليوم فوق الثياب(5) .
نهج البلغة ج 1ص ،448تحت الرقم 207من الخطب.
][119
) (1أخرجه في كتاب الحتجاج ،راجع ج 10ص 255من هذه الطبعة الحديثة.
][120
فلما سمع صاحبي ذلك نهض مسرعا مبادرا ففعل من القفز ) (1والرقص والبكاء
واللطم ما يزيد على ما فعله من قبله ممن كان يخطئه ويستجهله ،وأخذ
يستعيد من الشعر ما ل يحسن استعادته ،ول جرت عادتهم بالطرب على
مثله ،وهو قوله :فطافت بذاك القاع ولها فصادفت * سباع الفل ينهشنه
أيما نهش ويفعل بنفسه ما حكيت ول يستعيد غير هذا البيت حتى بلغ من
نفسه المجهود ،ووقع كالمغشي عليه من الموت ،فحيرني ما رأيت من
حاله ،وأخذت افكر في أفعاله المضادة ،لما سمعت من أقواله ،فلما أفاق
من غشيته لم أملك الصبر دون سؤاله عن أمره ،وسبب ما صنعه بنفسه
مع تجهيله من قبل لفاعله ،وعن وجه استعادته من الشعر ما لم تجر
عادتهم باستعادة مثله ،فقال لي :لست أجهل ما ذكرت ،ولي عذر واضح
فيما صنعت ،اعلمك أن أبي كان كاتبا ،وكان بي برا وعلي شفيقا ،فسخط
السلطان عليه فقتله ،فخرجت إلى الصحراء لشدة ما لحقني من الحزن
عليه ،فوجدته ملقى والكلب ينهشون لحمه ،فلما سمعت المغني يقول:
فطافت بذاك القاع ولها فصادفت * سباع الفل ينهشنه أيما نهش ذكرت
مالحق أبي ،وتصور شخصه بين عيني ،وتجدد حزنه علي ،ففعلت الذي
رأيت بنفسي .فندمت حينئذ على سوء ظني به ،وتغممت له غما لحقه
واتعظت بقصته - 11 .وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلغة ):(2
روي أن قوما من المتصوفة دخلوا بخراسان على علي بن موسى عليهما
السلم فقالوا له :إن أمير المؤمنين عليه السلم فكر فيما وله ال من
المور ،فرأكم أهل البيت أولى الناس أن تؤموا الناس ،ونظر فيكم أهل
البيت فرآك أولى الناس بالناس ،فرآى أن يرد هذا المر إليك ،والمامة
تحتاج إلى من يأكل الجشب ،ويلبس الخشن ،ويركب الحمار ،ويعود
المريض.
) (1القفز :الوثوب وأصله للظبى (2) .شرح النهج ج 3ص .12وفي ط .17
][121
فقال لهم :إن يوسف كان نبيا يلبس أقبية الديباج المزردة بالذهب ،ويجلس على
متكآت آل فرعون ويحكم ،إنما يراد من المام قسطه وعدله :إذا قال صدق،
وإذا حكم عدل ،وإذا وعد أنجز ،إن ال لم يحرم لبوسا ول مطعما ثم قرأ" :
قل من حرم زينة ال التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق " الية ).(1
- 12ثم قال ابن أبي الحديد :رويت عن الشيوخ ورأيت بخط عبد ال بن
أحمد الخشاب رحمه ال أن الربيع بن زياد الحارثي أصابته نشابة في
جبينه فكانت تنتقض عليه في كل عام ،فأتاه علي عليه السلم عائدا فقال:
كيف تجدك أبا عبد الرحمن ؟ قال :أجدني يا أمير المؤمنين لو كان ل يذهب
ما بي إل بذهاب بصري لتمنيت ذهابه ،قال :وما قيمة بصرك عندك ؟ قال:
لو كانت لي الدنيا لفديته بها ،قال :لجرم ليعطينك ال على قدر ذلك ،إن
ال يعطي على قدر اللم والمصيبة ،وعنده تضعيف كثير .قال الربيع :يا
أمير المؤمنين أل أشكو إليك عاصم بن زياد أخي ؟ قال :ماله ؟ قال :لبس
العباء وترك الملء ،وغم أهله وحزن ولده ،فقال عليه السلم :ادعوا لي
عاصما ،فلما أتاه عبس في وجهه وقال :ويحكم يا عاصم أترى ال أباح لك
اللذات ،وهو يكره ما أخذت منها ؟ لنت أهون على ال من ذلك ،أو ما
سمعته يقول " :مرج البحرين يلتقيان " ثم قال " :يخرج منهما اللؤلؤ
والمرجان " ) (2وقال " :ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية
تلبسونها " ) (3أما وال لبتذال نعم ال بالفعال أحب إليه من ابتذالها
بالمقال ،وقد سمعتم ال يقول " :وأما بنعمة ربك فحدث " ) (4وقوله" :
قل من حرم زينة ال التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ".
) (1العراف (2) .32 :الرحمن (3) .19 - 22فاطر (4) .35 :الضحى.11 :
][122
إن ال خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين فقال " :يا أيها الذين آمنوا كلوا
من طيبات ما رزقناكم " ) (1وقال " :يا أيها الرسل كلوا من الطيبات
واعملوا صالحا " ) (2وقال رسول ال صلى ال عليه وآله لبعض نسائه:
مالي أراك شعثاء مرهاء سلتاء ) (3؟ قال عاصم :فلم اقتصرت يا أمير
المؤمنين على لبس الخشن ،وأكل الجشب ؟ قال :إن ال تعالى افترض
على أئمة العدل أن يقدروا لنفسهم بالقوم كيل يتبيغ بالفقير فقره ،فما قام
علي عليه السلم حتى نزع عاصم العباءة ولبس ملءة ) - 13 .(4ف:
دخل سفيان الثوري على أبي عبد ال عليه السلم فرأى عليه ثياب بياض
كأنها غرقئ البيض ) (5فقال له :إن هذا ]اللباس[ ليس من لباسك ،فقال
له :اسمع مني وع ما أقول لك ،فانه خير لك عاجل وآجل ،إن كنت أنت مت
على السنة والحق ،ولم تمت على بدعة .اخبرك أن رسول ال صلى ال
عليه وآله كان في زمان مقفر جشب ) (6فإذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها بها
أبرارها ل فجارها ،ومؤمنها ل منافقوها ،ومسلموها ل كفارها فما أنكرت
يا ثوري ؟ فوال إني لمع ما ترى ما أتى علي مذ عقلت صباح ول مساء
ول في مالي حق أمرني أن أضعه موضعا إل وضعته.
) (1المائدة (2) .87 :المؤمنون (3) .51 :الشعثاء :التى اغبر رأسها وتلبد شعرها
وانتشر لقلة تعهده بالدهن ،والمرهاء :التى تركت الكتحال حتى تبيض
بواطن أجفانها وفي بعض النسخ " المرتاء " وهى التي أزالت الشعر
من حاجبيها ،أو ل تختضبهما والسلتاء :هي التي ل تختضب (4) .يعنى
أنه ترك الثوب الخشن ولبس ثوبا واسعا ناعما أبيض (5) .الغرقئ -
كزبرج -القشرة الملتزقة ببياض البيض ،شبهه بها للطافتها وشفوفها
ونعومتها وبياضها (6) .في الكافي :مقفر جدب ،يعنى عام الضيق
والقحط.
][123
فقال :ثم أتاه قومه ممن يظهر التزهد ،ويدعون الناس أن يكونوا معهم مثل الذي
هم عليه من التقشف ) (1فقالوا :إن صاحبنا حصر عن كلمك ،ولم
تحضره حجة ،فقال لهم :هاتوا حججكم ،فقالوا :إن حججنا من كتاب ال
قال لهم :فأدلوا بها ) (2فانها أحق ما اتبع وعمل به .فقالوا :يقول ال
تبارك وتعالى يخبر عن قوم من أصحاب النبي صلى ال عليه وآله" :
ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك
هم المفلحون " ) (3فمدح فعلهم ،وقال في موضع آخر " :ويطعمون
الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا " ) (4فنحن نكتفي بهذا ،فقال رجل
من الجلساء :إنا ما رأيناكم ) (5تزهدون في الطعمة الطيبة ومع ذلك
تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتى تتمتعوا أنتم منها ؟ فقال ]له[:
أبو عبد ال عليه السلم دعوا عنكم ما ل ينتفع به ،أخبروني أيها النفر
ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه ومحكمه من متشابهه ،الذي في مثله
ضل من ضل ،وهلك من هلك من هذه المة ؟ فقالوا له :أو بعضه ،فأما كله
فل ،فقال لهم :من ههنا اتيتم ) (6وكذلك أحاديث رسول ال صلى ال عليه
وآله .فأما ما ذكرتم من إخبار ال إيانا في كتابه عن القوم الذين أخبر
عنهم بحسن
) (1المتقشف :المتبلغ بقوت ومرقع ،ومن ل يبالى بما تلطخ جسده .يقال :قشف
قشافة :قذر جلده ولم يتعهد النظافة ،وان كان مع ذلك يطهر نفسه بالماء
والغتسال وقشف فلن :رثت هيئة وساءت حاله وضاق عيشه كما هو
سيرة المتصوفين (2) .يقال أدلى بحجته :إذا أحضرها واحتج بها(3) .
الحشر (4) .9 :الدهر (5) .8 :في الكافي :انا رأيناكم ،وهو الظاهر(6) .
اتى فلن -كعنى ،-وهى وتغير عليه حسه ،فتوهم ما ليس بصحيح
صحيحا نقله الشرتوني عن التاج.
][124
فعالهم ،فقد كان مباحا جائزا ،ولم يكونوا نهوا عنه ،وثوابهم منه على ال ،وذلك
أن ال جل وتقدس أمر بخلف ما عملوا به ،فصار أمره ناسخا لفعلهم،
وكان نهي ال تبارك وتعالى رحمة للمؤمنين ،ونظرا ،لكي ل يضروا
بأنفسهم وعيالتهم منهم الضعفة الصغار ،والولدان ،والشيخ الفان،
والعجوز الكبيرة ،الذين ل يصبرون على الجوع ،فان تصدقت برغيفي ول
رغيف لي غيره ،ضاعوا وهلكوا جوعا .فمن ثم قال رسول ال صلى ال
عليه وآله :خمس تمرات أو خمس قرص أو دنانير أو دراهم يملكها
النسان وهو يريد أن يمضيها فأفضلها ما أنفقه النسان على والديه ،ثم
الثانية على نفسه وعياله ،ثم الثالثة القرابة وإخوانه المؤمنين ،ثم الرابعة
على جيرانه الفقراء ،ثم الخامسة في سبيل ال وهو أخسها أجرا .وقال
النبي صلى ال عليه وآله للنصاري حيث أعتق عند موته خمسة أو ستة
من الرقيق ،ولم يكن يملك غيرهم ،وله أولد صغار :لو أعلمتموني أمره
ما تركتكم تدفنونه مع المسلمين ،ترك صبية صغارا يتكففون الناس ثم
قال :حدثني أبي أن النبي صلى ال عليه وآله قال :ابدأ بمن تعول الدنى
فالدنى .ثم هذا ما نطق به الكتاب ردا لقولكم ونهيا عنه ،مفروض من ال
العزيز الحكيم ،قال " :الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك
قواما " ) (1أفل ترون أن ال تبارك وتعالى قال غير ما أراكم تدعون
]الناس إليه من الثرة على أنفسهم ،وسمى من فعل ما تدعون[ ) (2إليه
مسرفا ؟ وفي غير آية من كتاب ال يقول " :إنه ل يحب المسرفين " )(3
فنهاهم عن السراف ،ونهاهم عن التقتير لكن أمر بين أمرين :ل يعطي
جميع ما عنده ،ثم يدعو ال أن يرزقه فل يستجيب له للحديث الذي جاء
عن النبي صلى ال عليه وآله " .إن أصنافا من امتي ل يستجاب لهم
دعاؤهم :رجل يدعو على والديه
) (1الفرقان (2) .67 :مابين العلمتين ساقط من نسخة التحف والكمبانى ،أضفناه
من نسخة الكافي (3) .النعام ،141 :العراف.31 :
][125
ورجل يدعو على غريم ذهب له بمال ولم يشهد عليه ،ورجل يدعو على امرأته وقد
جعل ال تخلية سبيلها بيده ،ورجل يقعد في البيت يقول :يا رب ارزقني ول
يخرج يطلب الرزق ،فيقول ال جل وعز :عبدي ! أولم أجعل لك السبيل إلى
الطلب والضرب في الرض بجوارح صحيحة ؟ فتكون قد أعذرت فيما بيني
وبينك في الطلب لتباع أمري ،ولكيل تكون كل على أهلك فان شئت
رزقتك ،وإن شئت قترت عليك ،وأنت معذور عندي ،ورجل رزقه ال مال
كثيرا فأنفقه ثم أقبل يدعو يا رب ارزقني ،فيقول ال :ألم أرزقك رزقا
واسعا ؟ أفل اقتصدت فيه كما أمرتك ،ولم تسرف كما نهيتك ،ورجل يدعو
في قطيعة رحم " .ثم علم ال نبيه كيف ينفق ،وذلك أنه كان عنده أوقية
من ذهب ،فكره أن تبيت عنده فصدق وأصبح ليس عنده شئ ،وجاءه من
يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه ،فلمه السايل واغتم هو حيث لم يكن عنده
ما يعطيه ،وكان رحيما رفيقا فأدب ال نبيه بأمره إياه فقال " :ول تجعل
يدك مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا " )(1
يقول :إن الناس قد يسألونك ول يعذرونك فإذا أعطيت جميع ما عندك كنت
قد حسرت من المال .فهذه أحاديث رسول ال صلى ال عليه وآله يصدقها
الكتاب والكتاب يصدقه أهله من المؤمنين ،وقال أبو بكر عند موته :اوصي
بالخمس والخمس كثير فان ال قد رضي بالخمس فأوصى بالخمس ،وقد
جعل ال له الثلث عند موته ،ولو علم أن الثلث خير ]أ[ له أوصى به .ثم
من قد علمتم بعده في فضله وزهده سليمان وأبو ذر ،فأما سلمان فكان إذا
أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته ،حتى يحضره عطاؤه من قابل ،فقيل له:
يا أبا عبد ال أنت في زهدك تصنع هذا ؟ وإنك ل تدري لعلك تموت اليوم
أو غدا ،وكان جوابه أن قال :مالكم ل ترجون لي البقاء كما خفتم علي
الفناء ،أو ما علمتم يا
][126
جهلة أن النفس قد تلتاث ) (1على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما يعتمد عليه
فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت .فأما أبو ذر فكانت له نويقات وشويهات
) (2يحلبها ويذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم أو نزل به ضيف أو رآى
بأهل الماء الذين هم معه خصاصة نحر لهم الجزور أو من الشاء على قدر
ما يذهب عنهم قرم اللحم ،فيقسمه بينهم ،ويأخذ كنصيب أحدهم ل يفضل
عليهم ،ومن أزهد من هؤلء ؟ وقد قال فيهم رسول ال صلى ال عليه
وآله ما قال ،ولم يبلغ من أمرهما أن صارا ل يملكان شيئا البتة ،كما
تأمرون الناس بالقاء أمتعتهم وشيئهم ويؤثرون به على أنفسهم
وعيالتهم .واعلموا أيها النفر أني سمعت أبي يروي عن آبائه أن رسول
ال صلى ال عليه وآله قال يوما :ما عجبت من شئ كعجبي من المؤمن،
إنه إن قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض ،كان خيرا له ،وإن ملك
مابين مشارق الرض ومغاربها كان خيرا له فكل ما يصنع ال به فهو خير
له ،فليت شعري هل يحيق ) (3فيكم اليوم ما قد شرحت لكم أم أزيدكم ؟ أو
ما علمتم أن ال جل اسمه فرض على المؤمنين في أول المر أن يقاتل
الرجل منهم عشرة من المشركين ،ليس له أن يولي وجهه عنهم ،ومن
ولهم يومئذ دبره فقد تبوء مقعده من النار ،ثم حولهم من حالهم رحمة
منه لهم ،فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل الرجلين من المشركين تخفيفا
من ال عن المؤمنين فنسخ الرجلن العشرة.
) (1يعنى تلتف بصاحبها وتوسوسه بسوء الظن بال (2) .نويقات جمع نويقة وهى
مصغر ناقة ،وهكذا شويهات وشويهة وشاة ،وقوله " بقرم اللحم "
محركة ،القرم :الشهوة والميل المفرط بأكل اللحم (3) .يقال حاق القول
في القلب حيقا وحيقانا :أخذ ،وأصله من حاق فيه السيف :إذا أثر وعمل،
وحاق الشفرة :أي قطعت ،فشبه حججه التي ألقاها -في المضي وفصل
الخصومة -بالسيف القاطع.
][127
وأخبروني أيضا عن القضاة أجور منهم ) (1حيث يفرضون على الرجل منكم نفقة
امرأته إذا قال :أنا زاهد وإنه ل شئ لي ،فان قلتم جور ظلمتم أهل السلم
) (2وإن قلتم بل عدل خصمتم أنفسكم ،وحيث يردون صدقة من تصدق
على المساكين عند الموت بأكثر من الثلث .أخبروني لو كان الناس كلهم
كما تريدون زهادا ل حاجة لهم في متاع غيرهم فعلى من كان يتصدق
بكفارات اليمان والنذور ،والصدقات من فرض الزكاة من البل والغنم
والبقر ،وغير ذلك من الذهب والفضة والنخل والزبيب وسائر ما قد وجبت
فيه الزكاة ،إذا كان المر على ما تقولون ل ينبغي لحد أن يحبس شيئا من
عرض الدنيا إل قدمه ،وإن كان به خصاصة ،فبئس ما ذهبتم إليه ،وحملتم
الناس عليه من الجهل بكتاب ال وسنة نبيه وأحاديثه التي يصدقها الكتاب
المنزل ،وردكم إياها بجهالتكم وترككم النظر في غرائب القرآن من التفسير
بالناسخ من المنسوخ ،والمحكم والمتشابه والمر والنهي .وأخبروني أنتم
عن سليمان بن داود عليه السلم حيث سأل ال ملكا ل ينبغي لحد من
بعده ،فأعطاه ال ذلك ،وكان يقول الحق ويعمل به ،ثم لم نجد ال عاب ذلك
عليه ،ول أحدا من المؤمنين ،وداود قبله في ملكه وشدة سلطانه .ثم
يوسف النبي حيث قال لملك مصر " اجعلني على خزائن الرض إني حفيظ
عليم " ) (3فكان من أمره الذي كان ]أن[ اختار مملكة الملك ،وما حولها
إلى اليمن ،فكانوا يمتارون الطعام من عنده لمجاعة أصابتهم ،وكان يقول
الحق
) (1في الكافي " :أجورة هم " وهى جمع جائر نحو جهلة جمع جاهل (2) .في
نسخة الكافي " :فان قلتم جورة ظلمكم أهل السلم وان قلتم بل عدول "
والمعنى ان قلتم أن القضاة جورة في ذلك ظلمكم أي نسبكم أهل السلم
الى الظلم في هذا القول ،وعلى نسخة التحف :نسبتم أهل السلم وهم
القضاة الحكام الى الظلم ،فظلم من باب التفعيل للنسبة ،ويحتمل التخفيف.
) (3يوسف.56 :
][128
ويعمل به ،فلم نجد أحدا عاب ذلك عليه .ثم ذو القرنين عبد أحب ال فأحبه ،طوى
له السباب وملكه مشارق الرض ومغاربها وكان يقول بالحق ،ويعمل به
ثم لم نجد أحدا عاب ذلك عليه .فتأدبوا أيها النفر بآداب ال للمؤمنين،
واقتصروا على أمر ال ونهيه ،و دعوا عنكم ما اشتبه عليكم مما ل علم
لكم به ،وردوا العلم إلى أهله تؤجروا ،و تعذروا عند ال ،وكونوا في طلب
علم الناسخ من القرآن من منسوخه ،ومحكمه من متشابهه ،وما أحل ال
فيه مما حرم ،فانه أقرب لكم من ال وأبعد لكم من الجهل ،ودعوا الجهالة
لهلها ،فان أهل الجهل كثير ،وأهل العلم قليل وقد قال ال " فوق كل ذي
علم عليم " ) - 14 .(1نبه :قيل إن سلمان رضي ال عنه جاء زائرا لبي
الدرداء فوجد ام الدرداء مبتذلة ،فقال :ما شأنك ؟ قالت :إن أخاك ليست له
حاجة في شئ من أمر الدنيا ،قال :فلما جاء أبو الدرداء رحب لسلمان
وقرب إليه طعاما فقال لسلمان اطعم ،فقال :إني صائم ،قال :أقسمت عليك
إل ما طعمت ،فقال :ما أنا بآكل حتى تأكل ،قال :وبات عنده ،فلما جاء الليل
قام أبو الدرداء فحبسه سلمان قال :يا أبا الدرداء إن لربك عليك حقا وإن
لجسدك عليك حقا ولهلك عليك حقا فصم وأفطر ،وصل ونم ،وأعط كل ذي
حق حقه ،فأتى أبو الدرداء النبي صلى ال عليه وآله فأخبره بما قال
سلمان ،فقال له مثل قول سلمان ) - 15 .(2نوادر الراوندي :باسناده ،عن
جعفر بن محمد ،عن آبائه عليهم السلم قال :كان رسول ال صلى ال
عليه وآله يأتي أهل الصفة وكانوا ضيفان رسول ال صلى ال عليه وآله
كانوا هاجروا من أهاليهم وأموالهم إلى المدينة ،فأسكنهم رسول ال صلى
ال عليه وآله صفة المسجد وهم
][129
أربعمائة رجل ،فكان يسلم عليهم بالغداة والعشي فأتاهم ذات يوم فمنهم من يخصف
نعله ،ومنهم من يرقع ثوبه ،ومنهم من يتفلى ) (1وكان رسول ال صلى
ال عليه وآله يرزقهم مدا مدا من تمر في كل يوم .فقام رجل منهم فقال:
يارسول ال التمر الذي ترزقنا قد أحرق بطوننا فقال رسول ال :أما إني لو
استطعت أن اطعمكم الدنيا لطعمتكم ،ولكن من عاش منكم من بعدي يغدى
عليه بالجفان ويراح عليه بالجفان ،ويغدو أحدكم في قميصة و يروح في
اخرى ،وتنجدون بيوتكم كما تنجد الكعبة ) (2فقام رجل فقال :يا رسول ال
أنا إلى ذلك الزمان بالشواق فمتى هو ؟ قال صلى ال عليه وآله :زمانكم
هذا خير من ذلك الزمان ،إنكم إن ملتم بطونكم من الحلل ،توشكون أن
تملؤها من الحرام .فقام سعد بن أشج فقال :يارسول ال ما يفعل بنا بعد
الموت ؟ قال الحساب والقبر ،ثم ضيقه بعد ذلك أو سعته ،فقال :يارسول
ال هل تخاف أنت ذلك ؟ فقال :ل ولكن أستحيي من النعم المتظاهرة التي ل
اجازيها ول جزءا من سبعة ،فقال سعد بن أشج إني اشهد ال واشهد
رسوله ومن حضرني أن نوم الليل علي حرام ]والكل بالنهار علي حرام،
ولباس الليل علي حرام ،ومخالطة الناس علي حرام وإتيان النساء علي
حرام[ ) (3فقال رسول ال :يا سعد لم تصنع شيئا كيف تأمر بالمعروف
وتنهى عن المنكر ،إذا لم تخالط الناس ،وسكون البرية بعد الحضر كفر
للنعمة .نم بالليل ،وكل بالنهار ،والبس ما لم يكن ذهبا أو حريرا أو
معصفرا ،وآت النساء .يا سعد اذهب إلى بني المصطلق فانهم قد ردوا
رسولي فذهب إليهم فجاء بصدقة فقال رسول ال صلى ال عليه وآله:
كيف رأيتهم ؟ قال :خير قوم ما رأيت قوما قط أحسن أخلقا فيما بينهم من
قوم بعثتني إليهم .فقال رسول ال صلى ال عليه وآله :إنه ل ينبغي لولياء
ال تعالى من أهل دار الخلود الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم أن
يكونوا أولياء
) (1تفلى :أي نقى رأسه وثيابه من القمل ونحوه (2) .نجد البيت -من باب التفعيل
-زينه وعبارة اللسان :نجدت البيت :بسطته بثياب موشبة (3) .زيادة
من المصدر.
][130
الشيطان من أهل دار الغرور الذين ]كان[ لها سعيهم ،وفيها رغبتهم .ثم قال :بئس
القوم قوم ل يأمرون بالمعروف ول ينهون عن المنكر ،بئس القوم قوم
يقذفون المرين بالمعروف والناهين عن المنكر ،بئس القوم قوم ل
يقومون ل تعالى بالقسط ،بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون الناس
بالقسط في الناس ،بئس القوم قوم يكون الطلق عندهم أوثق من عهد ال
تعالى ،بئس القوم قوم جعلوا طاعة إمامهم دون طاعة ال ،بئس القوم قوم
يختارون الدنيا على الدين ،بئس القوم قوم يستحلون المحارم والشهوات
والشبهات .قيل :يارسول ال فأي المؤمنين أكيس ؟ قال :أكثرهم للموت
ذكرا ،وأحسنهم له استعدادا اولئك هم الكياس )) * .52 .(1باب( * * "
اليقين والصبر على الشدايد في الدين " * اليات :البقرة :وبالخرة هم
يوقنون ) .(2وقال تعالى :قد بينا اليات لقوم يوقنون ) (3وقال تعالى
مخاطبا لبراهيم عليه السلم :أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ).(4
النعام :وليكون من الموقنين ) .(5الرعد :يفصل اليات لعلكم بلقاء ربكم
توقنون ) .(6طه :فالقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى *
قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلقطعن
أيديكم وأرجلكم
][131
من خلف ولصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى * قالوا لن
نؤثرك على ما جائنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما
تقضي هذه الحيوة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه
من السحر وال خير وأبقى ) .(1الشعراء :قال رب السموات والرض وما
بينهما إن كنتم موقنين :إلى قوله تعالى :قالوا ل ضير إنا إلى ربنا منقلبون
* إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين ) .(2النمل :وهم
بالخرة هم يوقنون ) .(3العنكبوت :ومن الناس من يقول آمنا بال فإذا
اوذي في ال جعل فتنة الناس كعذاب ال ولئن جاء نصر من ربك ليقولن
إنا كنا معكم أو ليس ال بأعلم بما في صدور العالمين ) .(4لقمان :وهم
بالخرة هم يوقنون ) .(5التنزيل :وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما
صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) .(6الجاثية :وفي خلقكم وما يبث من دابة
آيات لقوم يوقنون ) (7وقال تعالى :وهدى ورحمة لقوم يوقنون ).(8
الذاريات :وفي الرض آيات للموقنين * وفي أنفسكم أفل تبصرون ).(9
) (1طه (2) .73 - 70 :الشعراء (3) .51 - 24 :النمل (4) .3 :العنكبوت) .10 :
(5لقمان (6) .4 :السجدة 7) .24 :و (8الجاثية (9) .19 ،3 :الذاريات:
20و .21
][132
الطور :بل ل يوقنون ) .(1الواقعة :إن هذا لهو حق اليقين ) .(2الحاقة :وإنه لحق
اليقين ) .(3التكاثر :كل لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم * ثم
لترونها عين اليقين ) .(4تفسير " :وبالخرة هم يوقنون " أي يوقنون
إيقانا زال معه الشك ،قال البيضاوي :اليقين إتقان العلم بنفي الشك
والشبهة عنه بالستدلل ،ولذلك ل يوصف به علم الباري تعالى ول العلوم
الضرورية ) " .(5ولكن ليطمئن قلبي " قال الطبرسي رحمه ال :أي بلى
أنا مؤمن ،ولكن سألت ذاك لزداد يقينا إلى يقيني ،عن الحسن وقتادة
ومجاهد وابن جبير ،وقيل لعاين ذلك ويسكن قلبي إلى علم العيان بعد علم
الستدلل ،وقيل :ليطمئن قلبي بأنك قد أجبت مسألتي واتخذتني خليل كما
وعدتني ) " .(6وليكون من الموقنين " ) (7قال :أي من المتيقنين بأن
ال سبحانه هو خالق ذلك والمالك له " .يفصل اليات " ) (8أي يأتي بآية
في أثر آية فصل فصل مميزا بعضها عن بعض ،ليكون أمكن للعتبار
والتفكر ،وقيل :معناه يبين الدلئل بما يحدثه في السماوات والرض "
لعلكم بلقاء ربكم توقنون " أي لكي توقنوا بالبعث والنشور
) (1الطور (2) .36 :الواقعة (3) .95 :الحاقة (4) .51 :التكاثر (5) .7 - 5 :أنوار
التنزيل ص 10مع اختلف (6) .مجمع البيان ج 2ص (7) .373
النعام (8) .75 :الرعد(*) .2 :
][133
وتعلموا أن القادر على هذه الشياء قادر على البعث بعد الموت ،وفي هذا دللة
على وجوب النظر المؤدي إلى معرفة ال تعالى ،وعلى بطلن التقليد،
ولول ذلك لم يكن لتفصيل اليات معنى " .إن كنتم موقنين " ) (1أي بأن
الرب بهذه الصفة أو بأن هذه الشياء محدثة ،وليست من فعلكم ،والمحدث
لبد له من محدث " ل ضير " أي لضرر علينا فيما تفعله " إنا إلى ربنا
منقلبون " أي إلى ثواب ربنا راجعون " خطايانا " أي من السحر وغيره،
" أن كنا أول المؤمنين " أي لن كنا أول من صدق بموسى عند تلك الية
أو مطلقا " .ومن الناس من يقول آمنا بال " ) (2بلسانه " فإذا اوذي في
ال " أي في دين ال أو في ذات ال " جعل فتنة الناس كعذاب ال " أي
إذا اوذي بسبب دين ال رجع عن الدين مخافة عذاب الناس كما ينبغي أن
يترك الكافر دينه مخافة عذاب ال فيسوى بين عذاب فان منقطع ،وبين
عذاب دائم غير منقطع أبدا لقلة تمييزه ،وسمى أذية الناس فتنة لما في
احتمالها من المشقة وقال علي بن إبراهيم ) :(3قال :إذا آذاه إنسان أو
أصابه ضر أو فاقة أو خوف من الظالمين ،دخل معهم في دينهم ،فرأى أن
ما يفعلونه هو مثل عذاب ال الذي ل ينقطع " ،ولئن جاء نصر من ربك "
أي فتح وغنيمة ،وقال علي بن إبراهيم ) :(4يعني القائم عليه السلم "
ليقولن إنا كنا معكم " في الدين ،فأشركونا " :بما في صدور العالمين "
من الخلص والنفاق " .وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا "
قال علي بن إبراهيم :كان في علم ال أنهم يصبرون على ما يصيبهم،
فجعلهم أئمة ) " (5وكانوا بآياتنا يوقنون " أي ل يشكون فيها.
) (1الشعراء (2) .24 :العنكبوت (4 - 3) .10 :تفسير القمى ص (5) .495تفسير
القمي ،513والية في سورة السجدة.24 :
][134
" وفي خلقكم وما يبث من دابة " ) (1أي في خلقه إياكم بما فيكم من بدائع
الصنعة ،وما يتعاقب عليكم من غرائب الحوال ،من مبتدأ خلقكم إلى
انقضاء الجال ،وفي خلق ما تفرق على وجه الرض من الحيوانات على
اختلف أجناسها ومنافعها ،دللت واضحات على ما ذكرنا " لقوم يوقنون
" أي يطلبون علم اليقين بالتفكر والتدبر " .لقوم يوقنون " لنهم به )(2
ينتفعون " .وفي الرض آيات للموقنين " ) (3أي دلئل تدل على عظمة
ال وعلمه وقدرته وإرادته ووحدته وفرط رحمته " وفي أنفسكم " أي
وفي أنفسكم آيات إذ ما في العالم شئ إل وفي النسان له نظير يدل دللته
مع ما انفرد به من الهيآت النافعة والمناظر البهية والتركيبات العجيبة،
والتمكن من الفعال الغريبة ،واستنباط الصنائع المختلفة ،واستجماع
الكمالت المتنوعة ،وفي المجمع وتفسير علي بن إبراهيم عن الصادق
عليه السلم :يعني أنه خلقك سميعا بصيرا تغضب وترضى ،وتجوع
وتشبع ،وذلك كله من آيات ال ) " (4أفل تبصرون " أي تنظرون نظر
من يعتبر " .إن هذا لهو حق اليقين " قال في المجمع :أضاف الحق إلى
اليقين ،وهما واحد للتأكيد ،أي هذا الذي أخبرتك به من منازل هؤلء
الصناف الثلثة هو الحق الذي لشك فيه ،اليقين الذي لشبهة فيه ،وقيل:
تقديره حق المر اليقين ) " .(5كل لو تعلمون علم اليقين " قال الطبرسي
قدس سره :أي لو تعلمون المر علما يقينا لشغلكم ما تعلمون من التفاخر
والتباهي بالعز والكثرة ،وعلم اليقين هو
) (1الجاثية (2) .3 :أي بالقرآن ،والية هكذا :هذا بصائر للناس وهدى ورحمة
لقوم يوقنون الجاثية (3) .19 :الذاريات 20 :و (4) .21مجمع البيان ج
9ص ،156تفسير القمي (5) .448مجمع البيان ج 9ص .228
][135
العلم الذي يثلج به الصدر بعد اضطراب الشك فيه ،ولهذا ل يوصف ال تعالى بأنه
متيقن " لترون الجحيم " يعني حين تبرز الجحيم في القيامة قبل دخولهم
إليها " ثم لترونها " يعني بعد الدخول إليها " عين اليقين " كما يقال:
حق اليقين ،ومحض اليقين ،ومعناه ثم لترونها بالمشاهدة إذا دخلتموها
وعذبتم بها انتهى ) .(1أقول :وجعل بعض المحققين لليقين ثلث درجات:
الولى علم اليقين وهو العلم الذي حصل بالدليل كمن علم وجود النار
برؤية الدخان ،والثانية عين اليقين ،وهو إذا وصل إلى حد المشاهدة كمن
رأى النار ،والثالثة حق اليقين وهو كمن دخل النار واتصف بصفاتها،
وسيأتي بعض القول فيها - 1 .كا :عن أبي علي الشعري ،عن محمد بن
سالم ،عن أحمد بن النضر ،عن عمرو بن شمر ،عن جابر قال :قال لي أبو
عبد ال عليه السلم :يا أخا جعف إن اليمان أفضل من السلم ،وإن
اليقين أفضل من اليمان ،وما من شئ أعز من اليقين ) .(2بيان " :يا أخا
جعف " أي يا جعفي وهم قبيلة من اليمن ) (3وفي المصباح :هو أخو
تميم :أي واحد منهم ،وفضل اليمان على السلم إما باعتبار الولية في
الول أو الذغان القلبي فيه مع العمال أو بدونها كما مر جميع ذلك،
وعلى أي معنى أخذت يعتبر في اليمان ما ل يعتبر في السلم ،فهو أخص
وأفضل ،وكذا اليقين يعتبر فيه أعل مراتب الجزم ،بحيث يترتب عليه
الثار ،ويوجب فعل الطاعات وترك المناهي ،ول يعتبر ذلك في اليمان أي
في حقيقته ،حتى يكون جميع أفراده ،فهو أخص وأفضل أفراد اليمان ،أو
يعتبر في اليقين عدم احتمال النقيض ول يعتبر ذلك في اليمان مطلقا كما
مر ،والظهر أن التصديق الذي ل
) (1مجمع البيان ج 10ص (2) .534الكافي ج 2ص (3) .51جعفى بن سعد
العشيرة :بطن من سعد العشيرة )من مذحج ،من القحطانية( ابن مالك بن
أدد بن زيد بن يشجب بن عريب ،والنسبة إليه كذلك جعفى.
][136
يحتمل النقيض تختلف مراتبه حتى يصل إلى مرتبة اليقين كما أومأنا إليه سابقا" .
وما من شئ أعز من اليقين " أي أقل وجودا في الناس منه أو أشرف منه
والول أظهر إذ اليقين ل يجتمع مع المعصية ،لسيما مع الصرار عليها،
وتارك ذلك نادر قليل ،بل يمكن أن يدعى أن إيمان أكثر الخلق ليس إل
تقليدا وظنا يزول بأدنى وسوسة من النفس والشيطان ،أل ترى أن الطبيب
إذا أخبر أحدهم بأن الطعام الفلني يضره أو يوجب زيادة مرضه أو
بطؤبرئه يحتمي من ذلك الطعام بمحض قول هذا الطبيب ،حفظا لنفسه من
الضرر الضعيف المتوهم ول يترك المعصية الكبيرة مع إخبار ال ورسوله
وأئمة الهدى عليهم السلم بأنها مهلكة وموجبة للعذاب الشديد ،وليس ذلك
إل لضعف اليمان وعدم اليقين - 2 .كا :عن العدة ،عن سهل ،والحسين
بن محمد ،عن المعلى جميعا ،عن الوشاء عن أبي الحسن عليه السلم
قال :سمعته يقول :اليمان فوق السلم بدرجة ،والتقوى فوق اليمان
بدرجة ،واليقين فوق التقوى بدرجة ،وما قسم في الناس شئ أقل من
اليقين ) .(1بيان :يدل على أن التقوى أفضل من اليمان ،والتقوى من
الوقاية وهي في اللغة فرط الصيانة ،وفي العرف صيانة النفس عما
يضرها في الخرة ،وقصرها على ما ينفعها فيها ،ولها ثلث مراتب:
الولى وقاية النفس عن العذاب المخلد بتصحيح العقائد اليمانية ،والثانية
التجنب عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك وهو المعروف عند أهل الشرع،
والثالثة التوقي عن كل ما يشغل القلب عن الحق وهذه درجة الخواص بل
خاص الخاص ،والمراد هنا أحد المعنيين الخيرين وكونه فوق اليمان
بالمعنى الثالث ظاهر على أكثر معاني اليمان التي سبق ذكرها وإن اريد
المعنى الثاني فالمراد باليمان إما محض العقائد الحقة أو مع فعل الفرائض
وترك الكبائر ،بأن يعتبر ترك الصغائر أيضا في المعنى الثاني ،وقيل:
باعتبار أن الملكة معتبرة فيها ل فيه ،ول يخفى ما فيه.
][137
وكون اليقين فوق التقوى كأنه يعين حملها على المعنى الثاني ،وإل فيشكل الفرق،
لكن درجات المرتبة الخيرة أيضا كثيرة ،فيمكن حمل اليقين على أعالي
درجاتها ،وما قيل :في الفرق أن التقوى قد يوجد بدون اليقين كما في
بعض المقلدين فهو ظاهر الفساد إذ ل توجد هذه الدرجة الكاملة من
التقوى لمن كان بناء إيمانه على الظن والتخمين ،وقوله عليه السلم" :
وما قسم للناس " يدل على أن للستعدادات الذاتية والعنايات اللهية
مدخل في مراتب اليمان واليقين ،كما مرت الشارة إليه - 3 .كا :عن
العدة ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن هارون بن الجهم أو غيره عن عمر ابن
أبان الكلبي ،عن عبد الحميد الواسطي ،عن أبي بصير قال :قال لي أبو عبد
ال عليه السلم يابا محمد السلم درجة ؟ قلت :نعم ،قال :واليمان على
السلم درجة ؟ قلت :نعم ،قال :والتقوى على اليمان درجة ؟ قال :قلت:
نعم ،قال :واليقين على التقوى درجة ؟ قلت :نعم ،قال :فما اوتي الناس أقل
من اليقين وإنما تمسكتم بأدنى السلم فاياكم أن ينفلت من أيديكم ).(1
بيان " :السلم درجة " أي درجة من الدرجات أو أول درجة ،وهو
استفهام أو خبر ،ونعم يقع في جوابهما " على السلم " أي مشرفا أو
زايدا عليه " ما اوتي الناس أقل من اليقين " أي اليمان أقل من سائر ما
اعطي الناس من الكمالت ،أو عزيز نادر فيهم كما مر ،وقيل :المعنى ما
اعطي الناس شيئا قليل من اليقين ،ول يخفى بعده ،وكأنه حمله على ذلك
ما سيأتي :قوله عليه السلم " :بأدنى السلم " كأن المراد بالسلم هنا
مجموع العقايد الحقة ،بل مع قدر من العمال كما مر من اختلف معاني
السلم ،ويحتمل أن يكون المراد بالخطاب غير المخاطب من ضعفاء
الشيعة وقيل :المراد بأدنى السلم أدنى الدرجات إلى السلم ،وهو
اليمان من قبيل يوسف أحسن إخوته " .أن ينفلت من أيديكم " أي يخرج
من قلوبكم فجاءه فيدل على أن من لم يكن في درجة كاملة من اليمان،
فهو على خطر من زواله ،فل يغتر من
][138
لم يتق المعاصي بحصول العقائد له ،فانه يمكن زواله عنه بحيث لم يعلم ،فان
العمال الصالحة والخلق الحسنة حصون لليمان تحفظه من سراق
شياطين النس والجان ،قال الجوهري :يقال :كان ذلك المر فلتة أي
فجاءة إذا لم يكن عن تدبر ول تردد ،وأفلت الشئ وتفلت وانفلت بمعنى
وأفلته غيره - 4 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن محمد بن عيسى ،عن
يونس قال :سألت أبا الحسن الرضا عليه السلم عن اليمان والسلم
فقال :قال أبو جعفر عليه السلم :إنما هو السلم ،واليمان فوقه بدرجة،
والتقوى فوق اليمان بدرجة ،واليقين فوق التقوى بدرجة ،ولم يقسم بين
الناس شئ أقل من اليقين ،قال :قلت :فأي شئ اليقين ؟ قال :التوكل على
ال ،والتسليم ل ،والرضا بقضاء ال ،والتفويض إلى ال قلت :فما تفسير
ذلك ؟ قال :هكذا قال أبو جعفر عليه السلم ) .(1بيان " :إنما هو السلم
" كأن الضمير راجع إلى الدين ،لقوله تعالى " :إن الدين عند ال السلم
" ) (2أو ليس أول الدخول في الدين إل درجة السلم قوله عليه السلم:
" التوكل على ال " تفسير اليقين بما ذكر من باب تعريف الشئ بلوازمه
وآثاره ،فانه إذا حصل اليقين في النفس بال سبحانه ووحدانيته وعلمه
وقدرته وحكمته ،وتقديره للشياء ،وتدبيره فيها ،ورأفته بالعباد ورحمته
يلزمه التوكل عليه في اموره ،والعتماد عليه والوثوق به ،وإن توسل
بالسباب تعبدا ،والتسليم له في جميع أحكامه ،ولخلفائه فيما يصدر عنهم،
والرضا بكل ما يقضي عليه على حسب المصالح من النعمة والبلء والفقر
والغنا والعز والذل وغيرها وتفويض المر إليه في دفع شر العادي
الظاهرة والباطنة ،أورد المر بالكلية إليه في جميع المور ،بحيث يرى
قدرته مضمحلة في جنب قدرته ،وإرادته معدومة عند إرادته ،كما قال
تعالى " :وما تشاؤن إل أن يشاء ال " ) (3ويعبر عن هذه المرتبة بالفناء
في ال.
) (1الكافي ج 2ص (2) .52آل عمران (3) .19 :النسان ،30 :التكوير.29 :
][139
قوله عليه السلم " :هكذا " الخ لما كان السائل قاصرا عن فهم حقائق هذه
الصفات ،لم يجبه عليه السلم بالتفسير ،بل أكد حقيته بالرواية عن والده
عليه السلم وقيل :استبعد الراوي كون هذه المور تفسيرا لليقين ،فأجاب
عليه السلم بأن الباقر عليه السلم كذا فسره - 5 .كا :عن محمد بن يحيى،
عن ابن عيسى ،عن البزنطي ،عن الرضا عليه السلم قال :اليمان فوق
السلم بدرجة ،والتقوى فوق اليمان بدرجة ،واليقين فوق التقوى
بدرجة ،ولم يقسم بين العباد شئ أقل من اليقين ) .(1بيان :قال بعض
المحققين :اعلم أن العلم والعبادة جوهران لجلهما كان كلما ترى وتسمع،
من تصنيف المصنفين ،وتعليم المعلمين ،ووعظ الواعظين ونظر
الناظرين ،بل لجلهما انزلت الكتب ،وارسلت الرسل ،بل لجلهما خلقت
السماوات والرض ،وما فيهما من الخلق ،وناهيك لشرف العلم قول ال
عزوجل " :ال الذي خلق سبع سموات ومن الرض مثلهن يتنزل المر
بينهن لتعلموا أن ال على كل شئ قدير وأن ال قد أحاط بكل شئ علما " )
(2ولشرف العبادة قوله سبحانه " :وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون
" ) (3فحق للعبد أن ل يشتغل إل بهما ول يتعب إل لهما ،وأشرف
الجوهرين العلم كما ورد " فضل العالم على ال ؟ كفضلي على أدناكم ".
والمراد بالعلم الدين أعني معرفة ال سبحانه وملئكته وكتبه ورسله
واليوم الخر قال ال عزوجل " :آمن الرسول بما انزل إليه من ربه
والمؤمنون كل آمن بال وملئكته وكتبه ورسله " ) (4وقال تعالى " :يا
أيها الذين آمنوا آمنوا بال ورسوله والكتاب الذي أنزل على رسوله
والكتاب الذي أنزل من قبل ،ومن يكفر
) (1الكافي ج 2ص (2) .52الطلق (3) .12 :الذاريات (4) .56 :البقرة.285 :
][140
بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر فقد ضل ضلل بعيدا " ) .(1ومرجع
اليمان إلى العلم ،وذلك لن اليمان هو التصديق بالشئ على ما هو عليه
ول محالة هو مستلزم لتصور ذلك الشئ كذلك بحسب الطاقة ،وهما معنى
العلم ،والكفر ما يقابله ،وهو بمعنى الستر والغطاء ومرجعه إلى الجهل
وقد خص اليمان في الشرع بالتصديق بهذه الخمسة ولو إجمال فالعلم بها
لبد منه وإليه الشارة بقوله صلى ال عليه وآله " :طلب العلم فريضة
على كل مسلم ومسلمة " ولكن لكل إنسان بحسب طاقته ووسعه " ل
يكلف ال نفسا إل وسعها " ) (2فان للعلم واليمان درجات مترتبة في
القوة والضعف ،والزيادة والنقصان ،بعضها فوق بعض ،كما دلت عليه
الخبار الكثيرة .وذلك لن اليمان إنما يكون بقدر العلم الذي به حياة
القلب ،وهو نور يحصل في القلب بسبب ارتفاع الحجاب بينه وبين ال جل
جلله " ال ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور " )" (3
أفمن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في
الظلمات ليس بخارج منها " ) (4وليس العلم بكثرة التعلم إنما هو نور
يقذفه ال في قلب من يريد أن يهديه .وهذا النور قابل للقوة والضعف
والشتداد والنقص كسائر النوار " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا "
) " (5وقل رب زدني علما " ) (6كلما ارتفع حجاب ازداد نور ،فيقوى
اليمان ويتكامل إلى أن ينبسط نور فينشرح صدره ،ويطلع على حقائق
الشياء ،وتجلى له الغيوب ،ويعرف كل شئ في موضعه ،فيظهر له
) (1النساء (2) .136 :البقرة (3) .286 :البقرة (4) .257 :النعام(5) .122 :
النفال (6) .2 :طه.114 :
][141
صدق النبياء عليهم السلم في جميع ما أخبروا عنه إجمال وتفصيل على حسب
نوره ،وبمقدار انشراح صدره ،وينبعث من قلبه داعية العمل بكل مأمور
والجتناب عن كل محظور ،فيضاف إلى نور معرفته أنوار الخلق
الفاضلة والملكات الحميدة " نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم " )" (1
نور على نور " ) .(2وكل عبادة تقع على وجهها تورث في القلب صفاء
يجعله مستعدا لحصول نور فيه ،وانشراح ومعرفة ويقين ،ثم ذلك النور
والمعرفة واليقين تحمله على عبادة اخرى وإخلص آخر فيها ،يوجب نورا
آخر وانشراحا أتم ،ومعرفة اخرى ويقينا أقوى ،وهكذا إلى ما شاء ال جل
جلله ،وعلى كل من ذلك شواهد من الكتاب والسنة .ثم اعلم أن أوائل
درجات اليمان تصديقات مشوبة بالشكوك والشبه ،على اختلف مراتبها،
ويمكن معها الشرك " وما يؤمن أكثرهم بال إل وهم مشركون " )(3
وعنها يعبر بالسلم في الكثر " قالت العراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن
قولوا أسلمنا ولما يدخل اليمان في قلوبكم " ) (4وأواسطها تصديقات ل
يشوبها شك ول شبهة " الذين آمنوا بال ورسوله ثم لم يرتابوا " )(5
وأكثر إطلق اليمان عليها خاصة " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال
وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون "
) (6وأواخرها تصديقات كذلك مع كشف وشهود وذوق وعيان ومحبة
كاملة ل سبحانه ،وشوق تام إلى حضرته المقدسة " يحبهم ويحبونه أذلة
على المؤمنين أعزة على الكافرين
) (1التحريم (2) .8 :النور (3) .35 :يوسف (4) .106 :الحجرات(5) .14 :
الحجرات (6) .15 :النفال.2 :
][142
]يجاهدون في سبيل ال و[ ل يخافون لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء " )
.(1وعنها العبارة تارة بالحسان " الحسان أن تعبد ال كأنك تراه "
واخرى باليقان " وبالخرة هم يوقنون " ) .(2وإلى المراتب الثلث
الشارة بقوله عزوجل " :ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح
فيما طمعوا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا
وأحسنوا وال يحب المحسنين " ) (3وإلى مقابلته التي هي مراتب
الكفر ،الشارة بقوله جل وعز " :إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم
كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن ال ليغفر لهم ول ليهديهم سبيل " )(4
فنسبة الحسان واليقين إلى اليمان ،كنسبة اليمان إلى السلم .ولليقين
ثلث مراتب :علم اليقين ،وعين اليقين ،وحق اليقين " كل لو تعلمون علم
اليقين * لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين " ) " (5إن هذا لهو حق
اليقين " ) (6والفرق بينها إنما ينكشف بمثال ،فعلم اليقين بالنار مثل هو
مشاهدة المرئيات بتوسط نورها ،وعين اليقين بها هو معاينة جرمها،
وحق اليقين بها الحتراق فيها ،وانمحاء الهوية بها ،والصيرورة نارا
صرفا ،وليس وراء هذا غاية ول هو قابل للزيادة ،لو كشف الغطاء ما
ازددت يقينا - 6 .كا :عن الحسين بن محمد ،عن معلى ،عن الوشاء ،عن
المثنى بن الوليد عن أبي بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ليس
شئ إل وله حد ،قال :قلت :جعلت فداك فما حد التوكل ؟ قال :اليقين ،قلت:
فما حد اليقين ؟ قال :أن ل
) (1المائدة (2) .54 :البقرة (3) .4 :المائدة (4) .93 :النساء (5) .137 :التكاثر:
(6) .8 - 5الواقعة.95 :
][143
][144
مالكا لنفعه وضره ،وقاسما لرزقه على ما علم صلح دنياه وآخرته فيه ،وأن ال
مقلب القلوب ،وهي بيده يصرفها كيف يشاء ،وأن الخرة الباقية خير من
الدنيا الفانية صحيحا غير معلول ،ول مشوب بشك وشبهة ،وأنه واقع
ليس محض الدعوى " .أن ل يرضي الناس بسخط ال " بأن يوافقهم في
معاصيه تعالى طلبا لما عندهم من الزخارف الدنيوية أو المناصب الباطلة،
ويفتيهم بما يوافق رضاهم من غير خوف أو تقية ،ول يأمرهم بالمعروف،
ول ينهاهم عن المنكر ،من غير خوف ضرر أو عدم تجويز تأثير ،بل
لمحض رعاية رضاهم وطلب التقرب عندهم ،أو يأتي أبواب الظالمين
ويتذلل عندهم ل لتقية تجوزه ،ول لمصلحة جلب نفع لمؤمن ،أو لدفع
ضرر عنه ،بل لطلب ما في أيديهم لسوء يقينه بال وبرازقيته ،مع أنه
يترتب عليه خلف ما أمله ،كما روي :من أرضى الناس بسخط ال سخط
ال عليه وأسخط عليه الناس .قوله عليه السلم " :ول يلومهم على ما لم
يؤته ال " أي ل يذمهم ول يشكوهم على ترك صلتهم إياه بالمال وغيره،
فانه يعلم صاحب اليقين أن ذلك شئ لم يقدره ال له ول يرزقه إياه ،لعدم
كون صلحه فيه مطلقا أو في كونه بيد هذا الرجل وبتوسطه ،بل يوصله
إليه من حيث ل يحتسب ،فل يلوم أحدا بذلك ،لنه ينظر إلى مسبب السباب
ول ينظر إليها ،ول يعترض على ال فيما فعل به وهذا اللوم يتضمن نوعا
من الشرك ،حيث جعلهم الرازق والمعطي مع ال ،وسخطا لقضاء ال
والموقن برئ منهما ،فضمير " يؤته " راجع إلى المرء المسلم ،وعائد ما
محذوف بتقدير إياه .وقيل :يحتمل أن يكون المراد أنه ل يلومهم على ما لم
يؤته ال إياهم فان ال خلق كل أحد على ما هو عليه وكل ميسر لما خلق
له فيكون كقوله عليه السلم لو علم الناس كيف خلق ال هذا الخلق لم يلم
أحد أحدا ،ول يخفى بعده لسيما بالنظر إلى التعليل بقوله " فان الرزق ل
يسوقه حرص حريص " أي الرزق الذي
][145
قدره ال للنسان ل يحتاج في وصوله إلى حرص ،بل يأتيه بأدنى سعي أمر ال به
ول يرد هذا الرزق كراهة كاره لرزق نفسه لقلته أو للزهد أو كاره لرزق
غيره حسدا ويؤكد الول " ولو أن أحدكم " الخ .وهذا يدل على أن الرزق
مقدر من ال تعالى ويصل إلى العبد البتة وفيه مقامان :الول :أن الرزق
هل يشمل الحرام أم ل ؟ فالمشهور بين المامية والمعتزلة الثاني ،وبين
الشاعرة الول .قال الرازي في تفسير قوله تعالى " :ومما رزقناهم
ينفقون " ) (1الرزق في كلم العرب الحظ ،وقال بعضهم :كل شئ يؤكل أو
يستعمل ،وقال آخرون الرزق هو ما يملك ،وأما في عرف الشرع فقد
اختلفوا فيه ،فقال أبو الحسن البصري الرزق هو تمكين الحيوان من
النتفاع بالشئ ،والحظر على غيره أن يمنعه من النتفاع به ،فإذا قلنا
رزقنا ال الموال فمعنى ذلك أنه مكننا من النتفاع بها والمعتزلة لما
فسسروا الرزق بذلك ل جرم قالوا :الحرام ل يكون رزقا ،وقال أصحابنا:
قد يكون رزقا .حجة الصحاب من وجهين الول :أن الرزق في أصل اللغة
هو الحظ والنصيب على ما بيناه ،فمن انتفع بالحرام فذلك الحرام صار حظا
ونصيبا له فوجب أن يكون رزقا له ،الثاني أنه تعالى قال " :وما من دابة
في الرض إل على ال رزقها " ) (2وقد يعيش الرجل طول عمره ل يأكل
إل من السرقة ،فوجب أن يقال :إنه طول عمره لم يأكل من رزقه شيئا.
وأما المعتزلة فقد احتجوا بالكتاب والسنة والمعنى ،أما الكتاب فوجوه
أحدها قوله تعالى " :ومما رزقناهم ينفقون " مدحهم على النفاق مما
رزقهم ال تعالى فلو كان الحرام رزقا لوجب أن يستحقوا المدح إذا أنفقوا
من الحرام ،وذلك
][146
باطل بالتفاق ،وثانيها لو كان الحرام رزقا لجاز أن ينفق الغاصب منه لقوله تعالى:
" وأنفقوا مما رزقناكم " ) (1وأجمع المسلمون على أنه ل يجوز للغاصب
أن ينفق منه ،بل يجب عليه رده ،فدل على أن الحرام ل يكون رزقا،
وثالثها قوله تعالى " :قل أرأيتم ما أنزل ال لكم من رزق فجعلتم منه
حراما وحلل قل آل أذن لكم " ) (2فبين أن من حرم رزق ال فهو مفتر
على ال ،فثبت أن الحرام ل يكون رزقا .وأما السنة فما رواه أبو الحسين
في كتاب الغرر باسناده عن صفوان بن امية قال :كنا عند رسول ال صلى
ال عليه وآله إذ جاء عمرو بن مرة فقال :يارسول ال إن ال كتب علي
الشقوة فل أراني ارزق إل من دفي بكفي فأذن لي في الغناء من غير
فاحشة ،فقال عليه السلم :ل آذن لك ول كرامة ول نعمة كذبت أي عدو
ال لقد رزقك ال طيبا فاخترت ما حرم ال عليك من رزقه ،مكان ما أحل
ال لك من حلله ،أما إنك لو قلت بعد هذه النوبة شيئا ضربتك ضربا
وجيعا .وأما المعنى فهو أن ال تعالى منع المكلف من النتفاع به ،وأمر
غيره بمنعه من النتفاع به ،ومن منع من أخذ الشئ والنتفاع به ،ل يقال:
إنه رزقه إياه ،أل ترى أنه ل يقال :إن السلطان رزق جنده مال قد منعهم
من أخذه .الثاني :أن الرزق هل يجب على ال إيصاله من غير سعي
وكسب أم لبد من الكسب والسعي فيه ،ظاهر هذا الخبر وغيره الول ،وقد
روى في النهج عن أمير المؤمنين عليه السلم أنه قيل له عليه السلم :لو
سد على رجل باب بيت وترك فيه من أين كان يأتيه رزقه ؟ فقال عليه
السلم :من حيث يأتيه أجله ،وظاهر كثير من الخبار الثاني ،وسيأتي تمام
الكلم فيه ،في كتاب المكاسب إنشاء ال تعالى .قوله عليه السلم" :
وقسطه " العطف للتفسير والتأكيد ،وكذا الراحة أو الروح راحة القلب
وسكونه عن الضطراب ،والراحة فراغ البدن ،وعدم المبالغة
][147
في الكتساب في اليقين برازقيته سبحانه ولطفه وسعة كرمه ،وأنه ل يفعل بعباده
إل ما هو أصلح لهم ،وأنه ل يصل إلى العباد إل ما قدر لهم " والرضا "
بما يصل من ال إليه وهو ثمرة اليقين " والحزن " بالضم والتحريك أيضا
إما عطف تفسير للهم أو الهم اضطراب النفس عند تحصيله ،والحزن
جزعها واغتمامها بعد فواته " في الشك " أي عدم اطمينان النفس بما
ذكر في اليقين " والسخط " وعدم الرضا بقضاء ال المترتب على الشك،
ونعم ما قيل :ما العيش إل في الرضا * والصبر في حكم القضا ما بات من
عدم الرضا * إل على جمر الغضا ) - 8 (1كا :بالسناد ،عن ابن محبوب،
عن هشام بن سالم قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :إن العمل
الدائم القليل على اليقين أفضل عند ال من العمل الكثير على غير يقين )
.(2توضيح :يدل على أن لكمال اليقين وقوة العقائد مدخل عظيما في قبول
العمال وفضلها ،بل ل يحصل الخلص الذي هو روح العبادة وملكها إل
بها وكأن قيد الدوام معتبر في الثاني أيضا ،ليظهر مزيد فضل اليقين،
ويحتمل أن يكون حذف قيد الدوام في الثاني للشعار بأن إحدى ثمرات
اليقين دوام العمل فان اليقين الذي هو سببه ل يزول ،بخلف العمل الكثير
على غير يقين ،فانه غالبا يكون متفرعا على غرض من الغراض تتبدل
سريعا ،أو إيمان ناقص هو بمعرض الضعف والزوال على نهج قول أمير
المؤمنين عليه السلم :قليل مدوم عليه خير من كثير مملول منه - 9 .كا:
عن الحسين بن محمد ،عن المعلى ،عن الوشاء ،عن أبان ،عن زرارة
) (1الغضا :شجر عظيم من الثل ،واحدته غضاة ،وخشبه من أصلب الخشب،
ولهذا يكون في فحمه صلبة ،وهو حسن النار ،وجمره يبقى زمانا طويل
ل ينطفئ (2) .الكافي ج 2ص (*) .57
][148
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم على المنبر :ل
يجد أحدكم طعم اليمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ،وما أخطأه
لم يكن ليصيبه ) .(1تبيين :قوله عليه السلم " :طعم اليمان " قيل :إن
فيه مكنية وتخييلية حيث شبه اليمان بالطعام في أنه غذاء للروح به ينمو
ويبلغ حد الكمال ،كما أن الطعام غداء للبدن ،قوله عليه السلم " :لم يكن
ليخطئه " يحتمل أن يكون من المعتل أي يتجاوزه ،أو من المهموز أي ل
يصيبه كما يخطئ السهم الرمية ،قال الراغب :الخطأ العدول عن الجهة،
وذلك أضرب أحدها :أن يريد غير ما يحسن إرادته فيفعله ،والثاني أن يريد
ما يحسن فعله ولكن يقع منه خلف ما يريد ،وهذا قد أصاب في الرادة،
وأخطأ في الفعل ،والثالث أن يريد ما ل يحسن فعله ،ويتفق منه خلفه،
وهذا مخطئ في الرادة ومصيب في الفعل ،فهو مذموم بقصده ،وغير
محمود على فعله ،وجمله المر أن من أراد شيئا واتفق منه غيره ،يقال:
أخطأ وإن وقع منه كما أراده يقال :أصاب ،وقد يقال لمن فعل فعل ل يحسن
أو أراد إرادة لتجمل :أنه أخطأ ) .(2وقال الجوهري :في المعتل قولهم في
الدعاء إذا دعو للنسان خطى عنه السوء أي دفع عنه السوء تخطيته إذا
تجاوزته وتخطيت رقاب الناس وتخطيت إلى كذا ول تقل تخطأت ) .(3وفي
المصباح الخطأ مهموزا ضد الصواب يقصر ويمد ،وهو اسم من أخطأ فهو
مخطئ قال أبو عبيدة :خطئ خطأ من باب علم وأخطأ بمعنى واحد لمن
يذنب على غير عمد ،وقال غيره :خطأ في الدين وأخطأ في كل شئ عامدا
كان أو غير عامد وأخطأ الحق بعد عنه وأخطأه السهم تجاوزه ولم يصبه،
وتخفيف الرباعي جائز ،وقال الزمخشري :في الساس في المهموز :ومن
المجاز لن يخطئك ما
) (1الكافي ج 2ص (2) .57مفردات غريب القرآن (3) .151 :الصحاح ص
2329ج .6
][149
كتب لك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ،وما أصابك لم يكن ليخطئك وقال في المعتل:
ومن المجاز تخطاه المكروه انتهى .وأقول :فظهر أن الهمز أظهر ،وحاصل
المعنى أن ما أصابه في الدنيا كان يجب أن يصيبه ،ولم يكن بحيث يتجاوزه
إذا لم يبالغ السعي فيه ،وما لم يصبه في الدنيا لم يكن يصيبه إذا بالغ في
السعي ،أو المعنى أن ما أصابه في التقدير الزلي ل يتجاوزه ،وإن قصر
في السعي وكذا العكس ،وهذا الخبر بظاهره مما يوهم الجبر ،ولذا اول
وخص بما لم يكلف العبد به ،فعل وتركا أو بما يصل إليه بغير اختياره من
النعم والبليا والصحة والمرض وأشباهها ،وقد مضى الكلم في أمثاله في
كتاب العدل - 10 .كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن زيد
الشحام ،عن أبي عبد ال عليه السلم أن أمير المؤمنين عليه السلم جلس
إلى حائط مائل يقضي بين الناس فقال بعضهم :ل تقعد تحت هذا الحائط
فانه معور ،فقال أمير المؤمنين عليه السلم حرس امرءا أجله ،فلما قام
أمير المؤمنين سقط الحائط ،قال :وكان أمير المؤمنين مما يفعل هذا
وأشباهه ،وهذا اليقين ) .(1توضيح " :فانه معور " على بناء الفاعل من
باب الفعال أي ذو شق وخلل يخاف منه ،أو على بناء المفعول من التفعيل
أو الفعال أي ذو عيب قال في النهاية :العوار بالفتح العيب ،وقد يضم
والعورة كل ما يستحيى منه إذا ظهر ،وفيه رأيته وقد طلع في طريق
معورة أي ذات عورة يخاف فيها الضلل والنقطاع ،وكل عيب وخلل في
شي فهو عورة ،وفي الساس مكان معور :ذو عورة .قوله عليه السلم:
" حرس امرءا أجله " امرءا مفعول حرس " وأجله " فاعله وهذا مما
استعمل فيه النكرة في سياق الثبات للعموم ،أي حرس كل امرئ أجله
كقوله أنجز حر ما وعد ) (2ويؤيده ما في النهج أنه قال عليه السلم :كفى
) (1الكافي ج 2ص (2) .58من المثال السائرة :يقال :نجز الوعد ينجز ،وقال
الزهرى :نجز الوعد - - -
][150
بالجل حارسا ) .(1ومن العجب ما ذكره بعض الشارحين أن امرأ مرفوع على
الفاعلية وأجله منصوب على المفعولية ،والعكس محتمل ،والمقصود
النكار لن أجل المرء ليس بيده حتى يحرسه انتهى .ويشكل هذا بأنه يدل
على جواز إلقاء النفس إلى التهلكة ،وعدم وجوب الفرار عما يظن عنده
الهلك ،والمشهور عند الصحاب ]خلفه[ ويمكن أن يجاب عنه بوجوه:
الول أنه يمكن أن يكون هذا الجدار مما يظن عدم انهدامه في ذلك الوقت،
ولكن الناس كانوا يحترزون عن ذلك بالحتمال البعيد لشدة تعلقهم بالحياة
فأجاب عليه السلم بأن الجل حارس ،ول يحسن الحذر عند الحتمالت
البعيدة لذلك ،وإنما نحترز عند الظن بالهلك تعبدا ،وهذا ليس من ذلك
]لكن[ قوله عليه السلم " :فلما قام " الخ مما يبعد هذا الوجه ويقعده،
وإن أمكن توجيهه .الثاني :أن يقال :هذا كان من خصائصه عليه السلم
وأضرابه ،حيث كان يعلم وقت أجله باخبار النبي صلى ال عليه وآله
وغيره ،فكان يعلم أن هذا الحائط ل يسقط في ذلك الوقت وإن كان مشرفا
على النهدام ،لعدم الكذب في إخباره ،وأما من لم يعلم ذلك فهو مكلف
بالحتراز ،وكون هذا من اليقين لكونه متفرعا على اليقين بخبر
- - -وانجزته أنا وكذلك نجزت به ،وانما قال حر ولم يقل الحر ،لنه حذر أن يسمى
نفسه حرا ،فكان ذلك تمدحا ،قال المفضل :أول من قال ذلك الحارث بن
عمرو آكل المرار الكندى لصخر بن نهشل بن دارم ،وذلك أن الحارث قال
لصخر :هل أدلك على غنيمة على أن لى خمسها ؟ فقال صخر :نعم ،فدله
على ناس من اليمن فأغار عليهم بقومه ،فظفروا وغنموا ،فلما انصرفوا
قال له الحارث :أنجز حر ما وعد ،فأرسلها مثل راجع مجمع المثال ج 2
ص 332تحت الرقم (1) .4191راجع نهج البلغة الرقم 306من
الحكم.
][151
النبي صلى ال عليه وآله .الثالث أن يقال :إنه من خصائصه عليه السلم على وجه
آخر ،وهو أنه عليه السلم كان يعلم أن هذا الحائط ل ينهدم في هذا الوقت،
فلما علم أنه حان وقت سقوطه قام فسقط ،ويؤيده ما رواه الصدوق في
التوحيد ) (1باسناده عن الصبغ ابن نباتة أن أمير المؤمنين عليه السلم
عدل من عند حائط آخر فقيل له :يا أمير المؤمنين تفر من قضاء ال ؟
قال :أفر من قضاء ال إلى قدر ال ،ولعل المعنى أني لما علمت أنه ينهدم
وأعلم أن ال قدر لي أجل متأخرا عن هذا الوقت ،فأفر من هذا إلى أن
يحصل لي القدر الذي قدره ال لي ،أو المراد بقدر ال أمره وحكمه أي إنما
أفر من هذا القضاء بأمره تعالى ]أو المعنى أن الفرار أيضا من تقديره
تعالى[ فل ينافي كون الشياء بقضاء ال تعالى الفرار من البليا والسعي
لتحصيل ما يجب السعي له ،فان كل ذلك داخل في علمه وقضائه ،ول ينافي
شئ من ذلك اختيار العبد ،كما حققناه في محله .ويؤيد الوجوه كلها ماروي
في الخصال باسناده عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى
ال عليه وآله :خمسة ل يستجاب لهم أحدهم رجل مر بحايط مايل وهو
يقبل إليه ولم يسرع المشي حتى سقط عليه الخبر ) .(2الرابع ما قال
بعضهم :التكليف بالفرار مختص بغير الموقن لن الموقن يتوكل على ال،
ويفوض أمره إليه ،فيقيه عن كل مكروه ،كما قال عزوجل " :أليس ال
بكاف عبده " ) (3وكما قال مؤمن آل فرعون " :وافوض أمري إلى ال
إن ال بصير بالعباد * فوقاه ال سيئات ما مكروا " ) (4وسر ذلك أن
المؤمن الموقن المنتهي إلى حد الكمال ل ينظر إلى السباب والوسايط في
النفع والضر
) (1التوحيد ص (2) .377الخصال ج 1ص (3) .143الزمر (4) .36 :غافر:
.44
][152
وإنما نظره إلى مسببها ،وأما من لم يبلغ ذلك الحد من اليقين ،فانه يخاطب بالفرار
قضاء لحق الوسائط " .وهذا اليقين " أي من ثمرات اليقين بقضاء ال
وقدره وقدرته وحكمته ولطفه ورأفته وصدق أنبيائه ورسله - 11 .كا :عن
العدة ،عن البرقي ،عن البزنطي ،عن صفوان الجمال قال :سألت أبا عبد
ال عليه السلم عن قول ال عزوجل " :وأما الجدار فكان لغلمين يتيمين
في المدينة وكان تحته كنز لهما " ) (1فقال :أما إنه ما كان ذهبا ول فضة،
وإنما كان أربع كلمات :ل إله إل أنا من أيقن بالموت لم يضحك سنه ،ومن
أيقن بالحساب لم يفرح قلبه ،ومن أيقن بالقدر ]ة[ لم يخش إل ال ).(2
بيان :قوله تعالى " :أما الجدار " أقول :هذا في قصة موسى والخضر
عليهما السلم كما مر تفسير اليات ،وشرح القصة في كتاب النبوة )" (3
وكان تحته كنز لهما " قال الطبرسي رحمه ال :الكنز هو كل مال مذخور
من ذهب أو فضة وغير ذلك واختلف في هذا الكنز فقيل :كانت صحف علم
مدفونة تحته عن ابن عباس وابن جبير ومجاهد ،قال ابن عباس :ما كان
ذلك الكنز إل علما وقيل :كان كنزا من الذهب والفضة رواه أبو الدرداء عن
النبي صلى ال عليه وآله وقيل :كان لوحا من الذهب ،وفيه مكتوب :عجبا
لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن ؟ عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب ؟ عجبا
لمن أيقن بالموت كيف يفرح ؟ عجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل ؟
عجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ؟ ل إله إل ال محمد
رسول ال صلى ال عليه وآله عن ابن عباس والحسن وروي ذلك عن
أبي عبد ال عليه السلم .وفي بعض الروايات زيادة ونقصان ،وهذا القول
يجمع القولين الولين لنه يتضمن أن الكنز كان مال كتب فيه علم فهو مال
وعلم " وكان أبوهما صالحا "
) (1الكهف (2) .82 :الكافي ج 2ص (3) .58راجع ج 13ص 285وما بعده من
هذه الطبعة.
][153
بين سبحانه أنه حفظ الغلمين بصلح أبيهما ،ولم يذكر منهما صلحا عن ابن
عباس وروي عن أبي عبد ال عليه السلم أنه كان بينهما وبين ذلك الب
الصالح سبعة آباء وقال عليه السلم :إن ال ليصلح بصلح الرجل المؤمن
ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله ،فل يزالون في حفظ ال
لكرامته على ال ) " .(1فأراد ربك أن يبلغا أشدهما " قال البيضاوي :أي
الحلم وكمال الرأي " ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك " أي مرحومين
من ربك ،ويجوز أن يكون علة أو مصدرا لراد ،فان إرادة الخير رحمة،
وقيل :يتعلق بمحذوف تقديره فعلت ما فعلت رحمة من ربك انتهى.(2) .
قوله عليه السلم " :ماكان ذهبا ول فضة " أقول :يدل على أن الخبار
الواردة بأنه كان من ذهب محمولة على التقية ،ويمكن أن يحمل هذا الخبر
على أنه لم يكن كونه كنزا وادخاره وحفظ الخضر عليه السلم له لكونه
ذهبا بل للعلم الذي كان فيه ،وإنما اقتصر على هذه الربع لن الولى
مشتملة على توحيد ال وتنزيهه عن كل ما ل يليق به سبحانه ،والثانية
على تذكر الموت والستعداد لما بعده ،والثالثة على تذكر أحوال القيامة
وأهوالها الموجب لعدم الفرح بلذات الدنيا والرغبة في زخارفها ،والرابعة
على اليقين بالقضاء والقدر المتضمن لعدم الخشية من غير ال ،وهي من
أعظم أركان اليمان ومن امهات الصفات الكمالية " .لم يضحك سنه "
إنما نسب الضحك إلى السن لخراج التبسم فانه ممدوح وكان ضحك
رسول ال صلى ال عليه وآله تبسما وقراءته بالنصب بأن يكون المراد
بالسن العمر بعيد ،وظاهر أن تذكر الموت والهوال التي بعده يصير
النسان مغموما مهموما متهيئا لرفع تلك الهوال ،فل يدع في قلبه فرحا
من اللذات يصير سببا لضحكه ،وكذا اليقين بالحساب ل يدع فرحا في قلب
اولي اللباب ،وكذا من أيقن بأن جميع المور بقضاء ال وقدره علم أنه
الضار النافع في الدنيا والخرة
][154
فل يخشى ول يرجو غيره سبحانه - 12 .كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن علي بن
الحكم ،عن صفوان الجمال عن أبي عبد ال عليه السلم قال :كان أمير
المؤمنين عليه السلم يقول :ل يجد عبد طعم اليمان حتى يعلم أن ما
أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ،وأن الضار النافع هو
ال عزوجل ) .(1بيان " :وال هو الضار النافع " لن كل نفع وضرر
بتقديره تعالى وإن كان بتوسط الغير ،وأن النفع والضرر الحقيقيان منه
تعالى وأما الضرر اليسير من الغير مع الجزاء الكثير في الخرة ،فليس
بضرر حقيقة وكذا المنافع الفانية الدنيوية إذا كانت مع العقوبات الخروية
فهو عين الضرر ،وبالجملة كل نفع وضرر يعتد بهما فهو من عنده تعالى
وأيضا كل نفع أو ضرر من غيره فهو بتوفيقه أو خذلنه سبحانه - 13 .كا:
عن محمد بن يحيى ،عن ابن عيسى ،عن الوشاء ،عن عبد ال بن سنان،
عن أبي حمزة ،عن سعيد بن قيس الهمداني قال :نظرت يوما في الحرب
إلى رجل عليه ثوبان فحركت فرسي فإذا هو أمير المؤمنين عليه السلم
فقلت :يا أمير المؤمنين في مثل هذا الموضع ؟ فقال :نعم يا سعيد بن
قيس ،إنه ليس من عبد إل وله من ال عزوجل حافظ وواقية ،معه ملكان
يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر فإذا نزل القضاء خليا
بينه وبين كل شئ ) .(2بيان " :في مثل هذا الموضع " فيه تقدير أي
تكتفي بلبس القميص والزار من غير درع وجنة في مثل هذا الموضع ؟ "
حافظ " أي ملك حافظ لعماله " و " ملئكة " واقية " له من البليا
دافعة لها عنه ،كما قال تعالى " :له معقبات من بين يديه ومن خلقه
يحفظونه من أمر ال " ) (3وروى علي بن إبراهيم في تفسيرها عن أبي
الجارود عن أبي جعفر عليه السلم " من أمر ال " يقول :بأمر ال من
أن يقع في ركي
) 1و (2الكافي ج 2ص (3) .58الرعد.11 :
][155
أو يقع عليه حائط أو يصيبه شئ حتى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينه ،يدفعونه إلى
المقادير ،وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان يحفظانه بالنهار يتعاقبانه
وروي عن أبي عبد ال عليه السلم أنه قال :إنما نزلت " له معقبات من
خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر ال " ) .(1وقال الطبرسي رحمه
ال في سياق الوجوه المذكورة في تفسيرها :والثاني أنهم ملئكة يحفظونه
من المهالك حتى ينتهوا به إلى المقادير فيحولون بينه وبين المقادير ،عن
علي عليه السلم ،وقيل :هم عشرة أملك على كل آدمي يحفظونه من بين
يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر ال أي يطوفون به كما يطوف الموكل
بالحفظ وقيل :يحفظون ما تقدم من عمله وما تأخر إلى أن يموت فيكتبونه،
وقيل :يحفظونه من وجوه المهالك والمعاطب ،ومن الجن والنس والهوام،
وقال ابن عباس :يحفظونه مما لم يقدر نزوله فإذا جاء المقدر بطل الحفظ،
وقيل :من أمر ال أي بأمر ال ،وقيل :يحفظونه عن خلق ال فمن بمعنى
عن ،قال كعب :لول أن ال وكل بكم ملئكة يذبون عنكم في مطعمكم
ومشربكم وعوراتكم لتخطفتكم الجن انتهى ) .(2وروى الصدوق -ره -في
التوحيد باسناده عن أبي حيان التيمي ،عن أبيه و كان مع علي عليه
السلم يوم صفين ]وفيما بعد ذلك قال :بينما علي بن أبي طالب يعبئ
الكتائب يوم صفين[ ) (3ومعاوية مستقبله على فرس له يتأكل تحته تأكل
) (4وعلي عليه السلم على فرس رسول ال صلى ال عليه وآله
المرتجز ،وبيده حربة رسول ال ،وهو متقلد سيفه ذا الفقار ،فقال رجل من
أصحابه :احترس يا أمير المؤمنين فانا نخشى
) (1تفسير القمي (2) .337 :مجمع البيان ج 6ص (3) .281مابين العلمتين
ساقط من نسخة الكمبانى وهكذا نسخة المرآت المطبوعة ج 2ص ،84
أضفناه من المصدر ،وقد أخرجه المؤلف في ج 41ص 1من هذه الطبعة
تماما (4) .أي يتوهج ويحترق غضبا على راكبه كيف يمنعه عن العدو
في هذا الميدان.
][156
أن يغتالك هذا الملعون ،فقال عليه السلم :لئن قلت ذاك إنه غير مأمون على دينه،
و إنه لشقى القاسطين وألعن الخارجين على الئمة المهتدين ،ولكن كفى
بالجل حارسا ليس أحد من الناس إل ومعه ملئكة حفظة يحفظونه من أن
يتردى في بئر أو يقع على حائط أو يصيبه سوء ،فإذا حان أجله خلوا بينه
وبين ما يصيبه وكذلك أنا إذا حان أجلي انبعث أشقاها فخضب هذه من هذا
-وأشار إلى لحيته ورأسه -عهدا معهودا ووعدا غير مكذوب ) .(1وقيل:
التاء في قوله " واقية " للنقل إلى السمية ،إذا المراد الواقية من
خصوص الموت ،وقيل :واقية أي جنة واقية كأنها من الصفات الغالبة ،أو
التاء فيها للمبالغة عطف تفسيري للحافظ انتهى - 14 .كا :عن الحسين بن
محمد ،عن المعلى ،عن علي بن أسباط قال :سمعت أبا الحسن الرضا عليه
السلم يقول :كان في الكنز الذي قال ال عزوجل " وكان تحته كنز لهما "
) (2كان فيه بسم ال الرحمن الرحيم عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ؟
وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن ؟ وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها
بأهلها كيف يركن إليها ؟ وينبغي لمن عقل عن ال أن ليتهم ال في
قضائه ،ول يستبطئه في رزقه ،فقلت له :جعلت فداك اريد أكتبه ،قال:
فضرب وال يده إلى الدواة ليضعها بين يدي ،فتناولت يده فقبلتها وأخذت
الدواة فكتبته ) .(3بيان :قوله " :كان فيه " تأكيد لقوله " :كان في الكنز
" واختلف الخبار في المكتوب في اللوح لضير فيه لن الجميع كان فيه،
واختلف العبارات للنقل بالمعنى مع أن الظاهر أنها لم تكن عربية ،وفي
النقل من لغة إلى لغة كثيرا ما تقع تلك الختلفات .فان قلت :الحصر في
بعض الخبار ) (4بإنما ينافي تجويز الزيادة على الربع
) (1التوحيد (2) .367 :الكهف (3) .82 :الكافي ج 2ص (4) .59في المرآت:
في الحديث ،6والمراد الحديث المرقم .11
][157
قلت :الظاهر أن الحصر بالضافة إلى الذهب والفضة مع أن المضامين قريبة وإنما
التفاوت بالجمال والتفصيل ،ونسبة التعجب إلى ال تعالى مجاز والغرض
الخبار عن ندرة الوقوع أو عدمه .وقال بعض المحققين :إنما اختلفت
ألفاظ الروايتين مع أنهما إخبار عن أمر واحد لنهما إنها تخبران عن
المعنى دون اللفظ ،فلعل اللفظ كان غير عربي وأما ما يتراآى فيهما من
الختلف في المعنى ،فيمكن إرجاع إحداهما إلى الخرى وذلك لن التوحيد
والتسمية مشتركان في الثناء ،ولعلهما كانا مجتمعين فاكتفى في كل من
الروايتين بذكر أحدهما .ومن أيقن بالقدر ،علم أن ما أصابه لم يكن
ليخطئه ،وما أخطأه لم يكن ليصيبه ،فلم يحزن على ما فاته ،ولم يخش إل
ال ومن أيقن بالحساب نظر إلى الدنيا بعين العبرة ،ورأى تقلبها بأهلها،
فلم يركن إليها ،فلم يفرح بما آتاه فهذه خصال متلزمة اكتفى في إحدى
الروايتين ببعضها وفي الخرى بآخر .وأما قوله " ينبغي " إلى آخره
فلعله من كلم الرضا عليه السلم دون أن يكون من جملة ما في الكنز،
وعلى تقدير أن يكون من جملة ذلك ،فذكره في إحدى الروايتين ل ينافي
السكوت عنه في الخرى انتهى " .لمن عقل عن ال " أي حصل له
معرفة ذاته وصفاته المقدسة من علمه وحكمته ولطفه ورحمته ،أو أعطاه
ال عقل كامل ،أو علم المور بعلم ينتهي إلى ال بأن أخذه عن أنبيائه
وحججه عليهم السلم إما بل واسطة أو بواسطة ،أو بلغ عقله إلى درجة
يفيض ال علومه عليه بغير تعليم بشر أو تفكر فيما أجرى ال على لسان
النبياء والوصياء ،وفيما أراه من آياته في الفاق والنفس ،وتقلب أحوال
الدنيا وأمثالها ،والثاني أظهر لقول الكاظم عليه السلم لهشام :يا هشام ما
بعث ال أنبياءه ورسله إلى عباده إل ليعقلوا عن ال ،وقال أيضا :إنه لم
يخف ال من لم يعقل عن ال ومن لم يعقل عن ال لم يعقد قلبه على معرفة
ثابتة يبصرها ،ويجد حقيقتها في قلبه ).(1
][158
" أن ل يتهم ال في قضائه " بأن يظن أن ما لم يقدره ال له خير مما قدر له أو
يفعل من السعي والجزع ما يوهم ذلك " ول يستبطئه " أي ل يعده بطيئا
في رزقه إن تأخر بأن يعترض عليه في البطاء بلسان الحال أو القال،
ويدل على رجحان كتابة الحديث ،وعدم التكال على الحفظ - 15 .كا :عن
محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن علي بن الحكم ،عن عبد الرحمن
العرزمي ،عن أبيه ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :كان قنبر غلم علي
يحب عليا عليه السلم حبا شديدا ،فإذا خرج علي خرج على أثره بالسيف،
فرآه ذات ليلة فقال :يا قنبر مالك ؟ فقال :جئت لمشي خلفك يا أمير
المؤمنين ،قال :ويحك أمن أهل السماء تحرسني أو من أهل الرض ؟
فقال :ل ،بل من أهل الرض ،فقال :إن أهل الرض ل يستطيعون لي شيئا
إل باذن ال من السماء فارجع فرجع ) .(1بيان :قنبر كان من موالي أمير
المؤمنين عليه السلم ومن خواصه وقتله الحجاج لعنه ال على حبه عليه
السلم ،قوله عليه السلم " :فإذا خرج " روي أنه عليه السلم كان يخرج
في أكثر الليالي إلى ظهر الكوفة فيعبد ال هناك " .إل باذن ال من السماء
" إنما نسب إلى السماء لن التقديرات فيها ،والذن التخلية كما مر- 16 .
كا :علي بن إبراهيم ،عن محمد بن عيسى ،عن يونس ،عمن ذكره قال:
قيل للرضا عليه السلم :إنك تتكلم بهذا الكلم والسيف يقطر دما ؟ فقال:
إن ل واديا من ذهب حماه بأضعف خلقه النمل ،فلو رامت البخاتي لم تصل
إليه ) .(2بيان " :بهذا الكلم " أي بدعوى المامة " والسيف " أي
سيف هارون " يقطر " على بناء المعلوم من باب نصر ،و " دما " تمييز
وكونه من باب الفعال ودما مفعول بعيد ،وفي القاموس البخت بالضم البل
الخراسانية كالبختية والجمع بخاتي وبخاتي وبخات انتهى ،وذكر بعض
المؤرخين أن عسكر بعض الخلفاء وصلوا إلى موضع فنظروا عن جانب
الطريق إلى واد يلوح منها ذهب كثير ،فلما توجهوا
][159
إليها خرج إليهم نمل كثير كالبغال فقتلت أكثرهم - 17 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن
أحمد بن محمد ،وعلي ،عن أبيه جميعا ،عن ابن محبوب ،عن أبي محمد
الوابشي وإبراهيم بن مهزم ،عن إسحاق بن عمار قال :سمعت أبا عبد ال
عليه السلم يقول :إن رسول ال صلى ال عليه وآله صلى بالناس الصبح
فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه مصفرا لونه ،قد
نحف جسمه ،وغارت عيناه في رأسه ،فقال له رسول ال صلى ال عليه
وآله :كيف أصبحت يا فلن ؟ قال :أصبحت يارسول ال موقنا ،فعجب
رسول ال من قوله وقال له :إن لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك ؟ فقال:
إن يقيني يارسول ال هو الذي أحزنني ،وأسهر ليلي وأظمأ هواجرى،
فغزفت نفسي عن الدنيا وما فيها حتى كأني أنظر إلى عرش ربي وقد
نصب للحساب ،وحشر الخليق لذلك ،وأنا فيهم ،وكأني أنظر إلى أهل
الجنة يتنعمون في الجنة ويتعارفون على الرائك متكئون ،وكأني أنظر إلى
أهل النار وهم فيها معذبون مصطرخون ،وكأني الن أسمع زفير النار
يدور في مسامعي .فقال رسول ال صلى ال عليه وآله :هذا عبد نور ال
قلبه باليمان ،ثم قال له :الزم ما أنت عليه ،فقال الشاب :ادع ال لي
يارسول ال أن ارزق الشهادة معك ،فدعا له رسول ال صلى ال عليه
وآله فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبي صلى ال عليه وآله
فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر ) .(1بيان " :وهو يخفق ويهوي
برأسه " أي ينعس ،فينحط رأسه للنعاس بكثرة العبادة في الليل ،في
القاموس خفقت الراية تخفق وتخفق خفقا وخفقانا محركة اضطربت
وتحركت وفلن حرك رأسه إذا نعس كأخفق ،وقال :هوى هويا سقط من
علو إلى سفل انتهى ،فقوله ويهوي برأسه كالتفسير لقوله " :يخفق " أو
مبالغة في الخفق إذ يكفي فيه الحركة القليلة ،ونحف كتعب وقرب نحافة
هزل " كيف أصبحت " أي على أي حال دخلت في الصباح ؟ أو كيف
صرت ؟.
) (1الكافي ج 2ص .53
][160
" فعجب رسول ال " كتعب أي تعجب منه لندرة مثل ذلك أو أعجبه وسر به قال
الراغب :العجب والتعجب حالة تعرض للنسان عند الجهل بسبب الشئ
ولهذا قال بعض الحكماء :العجب ما ل يعرف سببه ،ولهذا قيل :ل يصح
على ال التعجب إذ هو علم الغيوب ،ويقال لما ل يعهد مثله :عجب قال
تعالى " :أكان للناس عجبا أن أوحينا " ) " (1كانوا من آياتنا عجبا " )
" (2إنا سمعنا قرآنا عجبا " ) (3أي لم نعهد مثله ولم نعرف سببه
ويستعار تارة للمونق فيقال :أعجبني كذا أي راقني ،وقال تعالى " :ومن
الناس من يعجبك " ) .(4قوله " :إن لكل يقين " أي فرد من أفراده أو
صنف من أصنافه " حقيقة فما حقيقة يقينك " من أي نوع أو صنف ؟ أو
لكل يقين علمة تدل عليه فما علمة يقينك كما مر " هو الذي أحزنني "
أي في أمر الخرة " وأسهر ليلي " لحزن الخرة أو للستعداد لها أو
لحب عبادة ال ومناجاته " عجبا للمحب كيف ينام " والسناد مجازي أي
أسهرني في ليلي ،وكذا في قوله " :وأظمأ هواجري " مجاز عقلي أي
أظمأني عند الهاجرة وشدة الحر للصوم في الصيف ،وإنما خصه لنه أشق
وأفضل ،في القاموس الهاجرة نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر،
أو من عند زوالها إلى العصر ،لن الناس يستكنون في بيوتهم كأنهم قد
تهاجروا شدة الحر ،وقال :عزفت نفسي عنه تعزف عزوفا زهدت فيه
وانصرفت عنه أو ملته " .حتى كأني أنظر " أي شدة اليقين بأحوال
الخرة صيرني إلى حالة المشاهدة ،والصطراخ الستغاثة ،وزفير النار
صوت توقدها ،في القاموس زفر يزفر زفرا وزفيرا أخرج نفسه بعد مده
إياه ،والنار سمع لتوقدها صوت ،وقال :المسمع كمنبر الذن كالسامعة،
والجمع مسامع انتهى وقيل :المسامع جمع جمع
) (1يونس (2) .2 :الكهف (3) .9 :الجن (4) .1 :البقرة ،204 :راجع مفردات
غريب القرآن .322
][161
على غير قياس كمشابه وملمح جمع شبه ولمحة .وقال بعض المحققين :هذا
التنوير الذي اشير به في الحديث إنما يحصل بزيادة اليمان وشدة اليقين
فانهما ينتهيان بصاحبهما إلى أن يطلع على حقائق الشياء محسوساتها
ومعقولتها ،فتنكشف له حجيها وأستارها ،فيعرفها بعين اليقين على ماهي
عليه ،من غير وصمة ريب أو شائبة شك ،فيطمئن لها قلبه ،ويستريح بها
روحه ،وهذه هي الحكمة الحقيقية التي من اوتيها فقد اوتي خيرا كثيرا
وإليه أشار أمير المؤمنين عليه السلم بقوله " :هجم بهم العلم على
حقائق المور ،وباشروا روح اليقين ،واستلنوا ما استوعره المترفون،
وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة
بالملء العلى " ) .(1أراد عليه السلم بما استوعره المترفون يعني
المتنعمون رفض الشهوات البدنية وقطع التعلقات الدنيوية وملزمة
الصمت والسهر والجوع والمراقبة والحتراز عما ل يعني ونحو ذلك،
وإنما يتيسر ذلك بالتجافي عن دار الغرور ،والترقي إلى عالم النور،
والنس بال ،والوحشة عما سواه ،وصيرورة الهموم جميعا هما واحدا،
وذلك لن القلب مستعد لن يتجلى فيه حقيقة الحق في الشياء كلها من
اللوح المحفوظ الذي هو منقوش بجميع ما قضى ال تعالى به إلى يوم
القيامة وإنما حيل بينه وبينها حجب كنقصان في جوهره أو كدورة تراكمت
عليه من كثرة الشهوات ،أو عدول به عن جهة الحقيقة المطلوبة ،أو
اعتقاد سبق إليه ورسخ فيه على سبيل التقليد ،والقبول بحسن الظن ،أو
جهل بالجهة التي منها يقع العثور على المطلوب وإلى بعض هذه الحجب
اشير في الحديث النبوي لو ل أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم
لنظروا إلى ملكوت السماء - 18] .م :قوله عزوجل " :ثم قست قلوبكم من
بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد
) (1راجع نهج البلغة تحت الرقم 147من الحكم ،تحف العقول ص ،164ول
يذهب عليك أن كلمه عليه السلم هذا في صفات حجج ال عزوجل
وصدره :اللهم بلى ل يخلو الرض من قائم ل بحجة اما ظاهرا مشهورا
أو خائفا مغمورا الخ.
][162
قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه النهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء
وإن منها لما يهبط من خشية ال وما ال بغافل عما تعملون " ) (1قال
المام عليه السلم :قال ال عزوجل " :ثم قست "[ ) (2قلوبكم عست )(3
وجفت ويبست من الخير والرحمة " قلوبكم " معاشر اليهود " من بعد
ذلك " من بعد ما بينت من اليات الباهرات في زمان موسى عليه السلم
ومن اليات المعجزات التي شاهدتموها من محمد " فهي كالحجارة "
اليابسة لترشح برطوبة ،ول ينتفض منها ما ينتفع به أي إنكم ل حق ال
تؤدون ول من أموالكم ول من حواشيها تتصدقون ،ول بالمعروف
تتكرمون وتجودون
) (1البقرة (2) .74 :ما جعلناه بين المعقوفتين ،أضفناه من المصدر )تفسير
المام( بقرينة المقام ،وأما نسخة الكمبانى ونسخة الصل فكما عرفت في
المقدمة متحدة ال أن نسخة الصل تنتهى صحيفتها )اليمنى( عند قوله "
ملكوت السماء " وبعده بياض نصف صفحة ،ثم يبتدئ صدر صحيفتها
)اليسرى( بقوله " :قلوبكم عست " الخ وقد خط بالحمرة على لفظ "
قلوبكم " دللة على أنه لفظ القرآن الكريم ،كما خط على سائر ألفاظ
الية ،وأما في نسخة الكمبانى ص 64من الجزء الثاني للمجلد الخامس
عشر فقد كتب الجملتان متصل من دون فصل ،قائل في هامشها " :كذا
وجد في نسخة الصل وفي النسخة الصل بعد ملكوت السماء بياض ".
أقول :أما الجملة الولى " ملكوت السماء " فهى آخر بيان الحديث كما
في شرح الكافي ج 2ص 77من مرآت العقول ،وأما الجملة الثانية "
قلوبكم عست " مع ما سقط من صدرها وترى بعدها من الذيل فانما
يناسب باب القلب وصلحه وفساده ،ل هذا الباب وهذا الشتباه من سوء
تلفيق الجزوات بعد فوت المؤلف رحمه ال ،وسيمر عليكم في اواسط
باب الخوف والرجاء وحسن الظن بال شطر من الحاديث وهى من باب
جوامع المكارم (3) .قال الفيروزآبادي :عسى النبات عساء وعسوا غلظ
ويبس ،والليل اشتدت ظلمته ،وقال الطبرسي في المجمع عند قوله
تعالى :وقد بلغت من الكبر عتيا :العتى والعسى بمعنى يقال عتا يعتو
عتوا وعتيا وعسى يعسو عسوا وعسيا فهو عات وعاس إذا غيره طول
الزمان الى حال اليبس والجفاف ،وفي حرف ابى " :وقد بلغت من الكبر
عسيا ".
][163
ول الضيف تقرون ،ول مكروبا تغيثون ،ول بشئ من النسانية تعاشرون
وتعاملون " .أو أشد قسوة " إنما هي في قساوة الحجار أو أشد قسوة،
أبهم على السامعين ولم يبين لهم كما يقول القائل :أكلت خبزا أو لحما وهو
ل يريد به أني لأدري ما أكلت ،بل يريد أن يبهم على السامع حتى ل يعلم
ماذا أكل ،وإن كان يعلم أنه قد أكل ،وليس معناه بل أشد قسوة لن هذا
استدراك غلط ،وهو عزوجل يرتفع أن يغلط في خبر ثم يستدرك على نفسه
الغلط ،لنه العالم بما كان وبما يكون ،وما ل يكون أن لو كان كيف كان
يكون ،وإنما يستدرك الغلط على نفسه المخلوق المنقوص ،ول يريد به
أيضا فهي كالحجارة أو أشد أي وأشد قسوة ،لن هذا تكذيب الول بالثاني،
لنه قال " :فهي كالحجارة " في الشدة ل أشد منها ول ألين ،فإذا قال بعد
ذلك " :أو أشد " فقد رجع عن قوله الول :أنها ليس بأشد ،وهذا مثل لمن
يقول :ل يجئ من قلوبكم خير ل قليل ول كثير .فأبهم عزوجل في الول
حيث قال :أو أشد وبين في الثاني أن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة ،ل
بقوله :أو أشد قسوة ،ولكن بقوله " :وإن من الحجارة لما يتفجر منه
النهار " أي فهي في القساوة بحيث ل يجئ منها الخير وفي الحجارة ما
يتفجر منه النهار ،فيجئ بالخير والغياث لبني آدم " وإن منها " من
الحجارة " لما يشقق فيخرج منه الماء " وهو ما يقطر منها الماء فهو
خير منها دون النهار التي يتفجر من بعضها ،وقلوبهم ل يتفجر منها
الخيرات ول يشقق فيخرج منها قليل من الخيرات ،وإن لم يكن كثيرا .ثم
قال عزوجل " :وإن منها " يعني من الحجارة " لما يهبط من خشية ال
" إذا اقسم عليها باسم ال وبأسماء أوليائه محمد وعلي وفاطمة والحسن
والحسين والطيبين من آلهم صلى ال عليهم وليس في قلوبكم شئ من هذه
الخيرات " وما ال بغافل عما تعملون " بل عالم به يجازيكم عنه بما هو
عادل عليكم وليس بظالم لكم ،يشدد حسابكم ويؤلم عقابكم.
][164
وهذا الذي وصف ال تعالى به قلوبهم ههنا نحو ما قال في سورة النساء " :أم لهم
نصيب من الملك فإذا ل يؤتون الناس نقيرا " ) (1وما وصف به الحجار
ههنا نحو ما وصف في قوله تعالى " :لو أنزلنا هذا القرآن على جبل
لرأيته خاشعا متصدعا من خشية ال " ) .(2وهذا التقريع من ال تعالى
لليهود والناصب واليهود جمعوا المرين واقترفوا الخطيئتين ،فغلظ على
اليهود ما وبخهم به رسول ال صلى ال عليه وآله فقال جماعة من
رؤسائهم وذوي اللسن والبيان منهم :يا محمد إنك تهجونا وتدعي على
قلوبنا ما ال يعلم منها خلفه إن فيها خيرا كثيرا نصوم ونتصدق ونواسي
الفقراء ،فقال رسول ال صلى ال عليه وآله :إنما الخير ما اريد به وجه
ال تعالى وعمل على ما أمر ال تعالى به ،فأما ما اريد به الرياء والسمعة
ومعاندة رسول ال صلى ال عليه وآله وأظهار العناد له والتمالك والشرف
عليه فليس بخير ،بل هو الشر الخالص ،وبال على صاحبه يعذبه ال به
أشد العذاب .فقالوا له :يا محمد أنت تقول هذا ونحن نقول :بل ما تنفقه إل
لبطال أمرك ،ودفع رياستك ،ولتفريق أصحابك عنك ،وهو الجهاد العظم
نأمل به من ال الثواب الجل الجسم وأقل أحوالنا أنا تساوينا في الدعوى
معك فأي فضل لك علينا ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وآله :يا إخوة
اليهود إن الدعاوي يتساوى فيها المحقون والمبطلون ،ولكن حجج ال
ودلئله تفرق بينهم ،فتكشف عن تمويه المبطلين ،وتبين عن حقائق
المحقين ،ورسول ال محمد ل يغتنم جهلكم ،ول يكلفكم التسليم له بغير
حجة ،ولكن يقيم عليكم حجة ال التي ل يمكنكم دفاعها ،ول تطيقون
المتناع من موجبها ،ولو ذهب محمد يريكم آية من عنده لشككتم وقلتم إنه
متكلف مصنوع محتال فيه ،معمول أو متواطأ عليه ،وإذا اقترحتم أنتم
فاريكم ما تقترحون ،لم يكن لكم أن تقولوا معمول أو متواطأ عليه ،أو
متأتى بحيلة
][165
ومقدمات ،فما الذي تقترحون ؟ فهذا رب العالمين قد وعدني أن يظهر لكم ما
تقترحون ليقطع معاذير الكافرين منكم ويزيد في بصائر المؤمنين منكم.
قالوا :قد أنصفتنا يا محمد فان وفيت بما وعدت من نفسك من النصاف
وإل فأنت أول راجع من دعواك النبوة ،وداخل في غمار المة ومسلم لحكم
التوراة ليعجزك عما نقترحه عليك ،وظهور باطل دعواك فيما ترومه من
جهتك ،فقال رسول ال صلى ال عليه وآله :الصدق ينبئ عنكم ل الوعيد )
(1اقترحوا ما أنتم تقترحون ليقطع معاذيركم فيما تسألون .فقالوا له :يا
محمد زعمت أنه ما في قلوبنا شئ من مواساة الفقراء ،ومعاونة الضعفاء،
والنفقة في إبطال الباطل وإحقاق الحق ،وأن الحجار ألين من قلوبنا
وأطوع ل منا ،وهذه الجبال بحضرتنا فهلم بنا إلى بعضها فاستشهده على
تصديقك وتكذيبنا ،فان نطق بتصديقك فأنت المحق ،يلزمنا اتباعك ،وإن
نطق بتكذيبك أو صمت فلم يرد جوابك ،فاعلم أنك المبطل في دعواك،
المعاند لهواك فقال رسول ال صلى ال عليه وآله :نعم هلموا بنا إلى أيها
شئتم فأستشهده ليشهد لي عليكم فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه ،فقالوا :يا
محمد هذا الجبل فاستشهده ،فقال رسول ال صلى ال عليه وآله للجبل:
إني أسألك بجاه محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم خفف ال العرش
على كواهل ثمانية من الملئكة ،بعد أن لم يقدروا على تحريكه وهم خلق
كثير ليعرف عددهم إل ال عزوجل ،وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر
أسمائهم تاب ال على آدم ،وغفر خطيئته ،وأعاده إلى مرتبته ،وبحق
محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم وسؤال ال بهم رفع إدريس في
الجنة مكانا عليا لما شهدت لمحمد بما أودعك ال بتصديقه على هؤلء
اليهود ،في ذكر قساوة
) (1مثل سائر ،يعنى أن الصدق يدفع عنك الغائلة في الحرب دون التهديد .قال أبو
عبيدة :هو ينبى غير مهموز ،ويقال :أصله الهمز من النباء ،أي ان
الفعل يخبر عنك ل القول ،راجع الصحاح ج 6ص ،2500وفي مجمع
المثال ج 1ص 398يقول :انما ينبئ عدوك عنك أن تصدقه في
المحاربة وغيرها ،ل أن توعده ول تنفد لما توعد به.
][166
قلوبهم ،وتكذيبهم في جحدهم ،لقول محمد رسول ال صلى ال عليه وآله .فتحرك
الجبل وتزلزل وفاض عنه الماء ،ونادى :يا محمد أشهد أنك رسول رب
العالمين ،وسيد الخليق أجمعين ،وأشهد أن قلوب هؤلء اليهود كما
وصفت أقسى من الحجارة ،ل يخرج منها خير كما قد يخرج من الحجارة
الماء سيل وتفجرا وأشهد أن هؤلء كاذبون عليك فيما به يقذفونك من
الفرية على رب العالمين ) .(1أقول :تمامه في أبواب معجزات النبي صلى
ال عليه وآله ) .(2قوله تعالى " :أفتطمعون أن يؤمنوا لكم " الية )(3
قال المام عليه السلم :فلما بهر رسول ال صلى ال عليه وآله هؤلء
اليهود بمعجزاته ،وقطع معاذيرهم بواضح دللته ،لم يمكنهم مراجعته في
حجته ،ول إدخال التلبيس عليه في معجزاته ،قالوا :يا محمد قد آمنا بأنك
الرسول الهادي المهدي وأن عليا أخوك هو الوصي والولي ،وكانوا إذا
خلوا باليهود الخرين يقولون لهم :إن إظهارنا له اليمان به أمكن لنا من
مكروهه ،وأعون لنا على اصطلمه واصطلم أصحابه ،لنهم عند
اعتقادهم أننا معهم يقفوننا على أسرارهم ول يكتموننا شيئا ،فنطلع عليهم
أعداءهم ،فيقصدون أذاهم بمعاونتنا ومظاهرتنا في أوقات اشتغالهم
واضطرابهم ،وفي أحوال تعذر المدافعة والمتناع من العداء عليهم.
وكانوا مع ذلك ينكرون على سائر اليهود الخبار للناس عما كانوا
يشاهدونه من آياته ،ويعاينون من معجزاته ،فأظهر ال محمدا رسوله
على قبح اعتقادهم وسوء دخيلتهم ،وعلى إنكارهم على من اعترف بما
شاهده من آيات محمد وواضح بيناته وباهرات معجزاته ،فقال عزوجل" :
أفتطمعون " أنت وأصحابك من علي وآله الطيبين " أن يؤمنوا لكم "
هؤلء اليهود الذين هم بحجج ال قد بهرتموهم ،وبآيات
) (1تفسير المام ص ،132 - 131وفي طبعة اخرى ص 115و (2) .116راجع
ج 17ص 336من هذه الطبعة الحديثة (3) .البقرة 75 :و .76
][167
ال ودلئله الواضحة قد قهرتموهم " أن يؤمنوا لكم " ويصدقوكم بقلوبهم ويبدوا
في الخلوات لشياطينهم شريف أحوالكم " وقد كان فريق منهم " يعني من
هؤلء اليهود من بني إسرائيل " يسمعون كلم ال " في أصل جبل طور
سيناء وأوامره ونواهيه " ثم يحرفونه " عما سمعوه إذا أدوه إلى من
وراءهم من ساير بني إسرائيل " من بعد ما عقلوه " وعلموا أنهم فيما
يقولونه كاذبون " وهم يعلمون " أنهم في قيلهم كاذبون ) .(1ثم أظهر ال
على نفاقهم الخر فقال " :وإذا لقوا الذين آمنوا " كانوا إذا لقوا سلمان
والمقداد وأبا ذر وعمارا " قالوا آمنا " كايمانكم إيمانا بنبوة محمد مقرونا
باليمان بامامة أخيه علي بن أبي طالب عليه السلم وبأنه أخوه الهادي،
ووزيره المؤاتي وخليفته على امته ،ومنجز عدته ،والوافي بذمته،
والناهض بأعباء سياسته ،وقيم الخلق الذائد لهم عن سخط الرحمن
الموجب لهم إن أطاعوه رضى الرحمن ،وأن خلفاءه من بعده هم النجوم
الزاهرة ،والقمار النيرة ،والشمس المضيئة الباهرة وأن أولياءهم أولياء
ال ،وأن أعداءهم أعداء ال ،ويقول بعضهم :نشهد أن محمدا صاحب
المعجزات ،ومقيم الدللت الواضحات ) .(2وساق الحديث كما سيأتي في
أبواب معجزات الرسول صلى ال عليه وآله ) (3وباب غزوة بدر إلى
قوله :فلما أفضى بعض هؤلء اليهود إلى بعض قالوا :أي شئ صنعتم ؟
أخبرتموهم " بما فتح ال عليكم " من الدللت على صدق نبوة محمد
صلى ال عليه وآله وإمامة أخيه علي بن أبي طالب عليه السلم "
ليحاجوكم به عند ربكم " بأنكم كنتم قد علمتم هذا وشاهدتموه ،فلم تؤمنوا
به ولم تطيعوه ،وقد روا بجهلهم أنهم إن لم يخبروهم بتلك اليات لم تكن
له عليهم حجة في غيرها ،ثم قال عزوجل " :أفل تعقلون "
) (1تفسير المام ص (2) .135تفسير المام ص (3) .136راجع ج 17ص 341
.345 -
][168
أن هذا الذي يخبرونهم به مما فتح ال عليكم من دلئل نبوة محمد حجة عليكم عند
ربكم قال ال عزوجل " :أو ل يعلمون " يعني أو ل يعلم هؤلء القائلون
لخوانهم " أتحدثونهم بما فتح ال عليكم " " :أن ال يعلم ما يسرون "
من عداوة محمد صلى ال عليه وآله ويضمرون من أن إظهارهم اليمان
به أمكن لهم من اصطلمه وإبادة أصحابه " وما يعلنون " من اليمان
ظاهرا ليونسوهم ويقفوا به على أسرارهم فيذيعونها بحضرة من يضرهم،
وأن ال لما علم ذلك دبر لمحمد صلى ال عليه وآله تمام أمره ببلوغ غاية
ما أراده ال ببعثه ،وأنه قيم أمره ،وأن نفاقهم وكيدهم ل يضره ) .(1قوله
تعالى " :ومنهم اميون " ) (2الية قال المام عليه السلم :ثم قال ال :يا
محمد ! ومن هؤلء اليهود اميون ل يقرؤن ول يكتبون كالمي منسوب
إلى الم أي هو كما خرج من بطن امه ليقرأ ول يكتب " ل يعلمون الكتاب
" المنزل من السماء ،ول المتكذب به ،ول يميزون بينهما " إل أماني " )
(3أي إل أن يقرأ عليهم ،ويقال لهم :إن هذا كتاب ال وكلمه ،ل يعرفون
إن قرئ من الكتاب خلف ما فيه " وإن هم إل يظنون " أي ما يقول لهم:
رؤساؤهم من تكذيب محمد في نبوته ،وإمامة علي سيد عترته عليهم
السلم يقلدونهم مع أنهم محرم عليهم تقليدهم ) .(4ثم قال عزوجل" :
فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم " ) (5الية قال
) (1تفسير المام ص 138و ،139وفي ط اخرى ص (2) .120البقرة(3) .76 :
الماني جمع المنية ولها معنيان أحدهما أن معناها التلوة ،يقال تمنى
كتاب ال أي قرأ وتل ،أي هم يتلون التوراة ول يدرونها عن الكسائي
والفراء ،والثاني أن معناها البغية وما يتمنى ويقدر ،أي هم يتمنون على
ال ما ليس لهم مثل قولهم لن تمسنا النار ال أياما معدودة وقولهم نحن
أبناء ال وأحباؤه (4) .تفسير المام ص (5) .139البقرة.78 :
][169
المام :قال ال عزوجل - :لقوم من هؤلء اليهود كتبوا صفة زعموا أنها صفة
النبي صلى ال عليه وآله وهو خلف صفته ،وقالوا للمستضعفين :هذه
صفة النبي المبعوث في آخر الزمان ،إنه طويل ،عظيم البدن والبطن،
أصهب الشعر ،ومحمد بخلفه وهو يجئ بعد هذا الزمان بخمسمائة سنة،
وإنما أرادوا بذلك لتبقى لهم على ضعفائهم رياستهم ،وتدوم لهم منهم
إصاباتهم ويكفوا أنفسهم مؤنة خدمة رسول ال صلى ال عليه وآله
وخدمة علي عليه السلم وأهل خاصته -فقال ال عزوجل " :فويل لهم
مما كتبت أيديهم " من هذه الصفات المحرفات المخالفات لصفة محمد
وعلي عليهما السلم الشدة لهم من العذاب في أسوء بقاع جهنم " وويل
لهم " الشدة لهم من العذاب ثابتة مضافة إلى الولى مما يكسبونه من
الموال التي يأخذونها إذا أثبتوا عوامهم على الكفر بمحمد رسول ال
صلى ال عليه وآله والجحد لوصية أخيه علي ولي ال " .وقالوا لن تمسنا
النار إل أياما معدودة " الية ) (1قال المام عليه السلم :قال ال عزوجل:
" وقالوا " :يعني اليهود المصرين المظهرين لليمان المسرين للنفاق
المدبرين على رسول ال وذويه بما يظنون أن فيه عطبهم " لن تمسنا
النار إل أياما معدودة " وذلك أنه كان لهم أصهار وإخوة رضاع من
المسلمين يسرون كفرهم عن محمد وصحبه وإن كانوا به عارفين صيانة
لهم لرحامهم وأصهارهم ،قال لهم هؤلء :لم تفعلون هذا النفاق الذي
تعلمون أنكم به عند ال مسخوط عليكم معذبون ،أجابهم ذلك اليهود بأن
مدة ذلك العذاب الذي نعذب به لهذه الذنوب أيام معدودة تنقضي ثم نصير
بعد في النعمة في الجنان ،فل نتعجل المكروه في الدنيا للعذاب الذي هو
بقدر أيام ذنوبنا ،فانها تفنى وتنقضي ونكون قد حصلنا لذات الحرية من
الخدمة ولذات نعمة الدنيا ثم ل نبالي بما يصيبنا بعد ،فانه إذا لم يكن دائما
فكأنه قد فنى فقال ال عزوجل " :قل " يا محمد " اتخذتم عند ال عهدا "
أن عذابكم على كفركم بمحمد ودفعكم لياته في نفسه وفي علي وساير
خلفائه وأوليائه منقطع غير دائم بل ما هو إل عذاب دائم لنفاد له ،فل
تجترؤا على الثام والقبايح ،من الكفر بال وبرسوله وبوليه المنصوب
بعده على امته ،ليسوسهم ويرعاهم سياسة الوالد
][170
الشفيق الرحيم الكريم لولده ،ورعاية الحدب المشفق على خاصته " فلن يخلف ال
عهده " فلذلك أنتم بما تدعون من فناء عذاب ذنوبكم هذه في حرز " أم
تقولون على ال مال تعلمون " اتخذتم عهدا أم تقولون ،بل أنتم في أيهما
ادعيتم كاذبون ) .(1توضيح :عسا الشئ يبس وصلب ،قوله " :الصدق
بيني وبينكم " أي يجب أن نصدق فيما نقول ونأتي به ول نكتفي بالوعد
والوعيد وفي بعض النسخ ينبئ عنكم وهو أظهر - 19 .م " :ولقد آتينا
موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل " ) (2الية قال المام عليه السلم:
قال ال عزوجل وهو يخاطب هؤلء اليهود الذين أظهر محمد صلى ال
عليه وآله الطيبين المعجزات لهم عند تلك الجبال ويوبخهم " ولقد آتينا
موسى الكتاب " التوراة المشتمل على أحكامنا وعلى ذكر فضل محمد وآله
الطيبين وإمامة علي بن أبي طالب عليه السلم وخلفائه بعده ،وشرف
أحوال المسلمين له ،وسوء أحوال المخالفين عليه " وقفينا من بعده
بالرسل " وجعلنا رسول في أثر رسول " وآتينا " أعطينا " عيسى بن
مريم البينات " اليات الواضحات إحياء الموتى وإبراء الكمه والبرص
والنباء بما يأكلون وبما يدخرون في بيوتهم " وأيدناه بروح القدس "
وهو جبرئيل وذلك حين رفعه من روزنة بيته إلى السماء وألقى شبهه على
من رام قتله ،فقتل بدل منه وقيل هو المسيح ) - 20 .(3م :قوله عزوجل
" وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم ال بكفرهم فقليل ما يؤمنون " ) (4قال
المام عليه السلم :قال ال تعالى " :وقالوا " يعني اليهود الذين أراهم
رسول ال صلى ال عليه وآله المعجزات المذكورات عند قوله " فهي
كالحجارة " الية " قلوبنا غلف " أوعية للخير والعلوم ،قد أحاطت بها
واشتملت عليها ،ثم هي مع
) (1تفسير المام ص (2) .142 - 141البقرة (3) .87 :تفسير المام (4) .169
البقرة.88 :
][171
ذلك ل تعرف لك يا محمد فضل مذكورا في شئ من كتب ال ،ول على لسان أحد
من أنبياء ال ،فقال ال ردا عليهم " ،بل " ليس كما يقولون أوعية
للعلوم ،ولكن قد " لعنهم ال " أبعدهم ال من الخير " فقليل ما يؤمنون
" قليل إيمانهم ،يؤمنون ببعض ما أنزل ال ويكفرون ببعض فإذا كذبوا
محمدا في سائر ما يقول فقد صار ما كذبوا به أكثر ،وما صدقوا به أقل،
وإذا قرئ غلف فانهم قالوا " قلوبنا غلف " في غطاء فل نفهم كلمك
وحديثك ،كما قال ال تعالى " :وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي
آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب " ) (1وكل القراءتين حق وقد قالوا
بهذه وبهذا جميعا .ثم قال رسول ال صلى ال عليه وآله :معاشر اليهود
أتعاندون رسول رب العالمين ،و تأبون العتراف بأنكم كنتم بذنوبكم من
الجاهلين ،أن ال ل يعذب بها أحدا ول يزيل عن فاعل هذا عذابه أبدا إن
آدم عليه السلم لم يقترح على ربه المغفرة لذنبه إل بالتوبة ،فكيف
تقترحونها أنتم مع عنادكم ) .(2توضيح :قال الطبرسي رحمه ال القراءة
المشهورة غلف بسكون اللم وروي في الشواذ غلف بضم اللم عن أبي
عمرو فمن قرأ بتسكين اللم فهو جمع الغلف يقال للسيف إذا كان في
غلف أغلف ،ومن قرأ بضم اللم فهو جمع غلف ،فمعناه أن قلوبنا أوعية
العلم فما بالها )ل( تفهم ) - 21 .(3ب :ابن عيسى عن البزنطي عن الرضا
عليه السلم قال :اليمان أفضل من السلم بدرجة ،والتقوى أفضل من
اليمان بدرجة ،واليقين أفضل من التقوى بدرجة ،ولم يقسم بين بني آدم
شيئا أقل من اليقين ) - 22 .(4جا ) (5ما :محمد بن الحسين المقري ،عن
علي بن محمد ،عن أبي العباس
) (1فصلت (2) .5 :تفسير المام ص (3) .177مجمع البيان ج 1ص (4) .156
أفضل من اليقين خ ل ،راجع قرب السناد ص (5) .208مجالس المفيد
ص .174
][172
الحوص ،عن محمد بن الحسين بن عيسى ،عن سماعة ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :إن من اليقين أن ل ترضوا الناس بسخط ال ،ول تلوموهم
على ما لم يؤتكم ال من فضله ،فان الرزق ل يسوقه حرص حريص ،ول
يرده كره كاره ،ولو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من الموت لدركه كما
يدركه الموت ) - 23 .(1يد :القطان ،عن ابن زكريا ،عن ابن حبيب ،عن
علي بن زياد عن مروان بن معاوية ،عن العمش ،عن أبي حيان التيمي،
عن أبيه وكان مع علي بن أبي طالب عليه السلم يوم صفين وفيما بعد
ذلك قال :بينما علي بن أبي طالب عليه السلم يعبئ الكتائب يوم صفين
ومعاوية مستقبله على فرس له يتأكل تحته تأكل و علي عليه السلم على
فرس رسول ال صلى ال عليه وآله المرتجز ،وبيده حربة رسول ال
صلى ال عليه وآله ،و هو متقلد سيفه ذا الفقار ،فقال رجل من أصحابه:
احترس يا أمير المؤمنين فانا نخشى أن يغتالك هذا الملعون ،فقال عليه
السلم :لئن قلت ذاك إنه غير مأمون على دينه ) (2وإنه لشقى القاسطين،
وألعن الخارجين على الئمة المهتدين ،ولكن كفى بالجل حارسا ،ليس أحد
من الناس إل ومعه لملئكة حفظة يحفظونه من أن يتردى في بئر أو يقع
عليه حائط أو يصيبه سوء ،فإذا حان أجله خلوا بينه ]وبين ما يصيبه
فكذلك إنا إذا حان أجلي انبعث أشقاها فخضب هذه من هذا -وأشار إلى
لحيته و رأسه -عهدا معهودا[ ) (3ووعدا غير مكذوب ).(4
) (1أمالي الطوسى ج 1ص (2) .60انما يقول عليه السلم ذلك ،فان الحرب في
دين السلم انما هو تحاكم إلى ال بانزال النصر على المحقين واهلك
المبطلين ،خصوصا إذا كان بين فئتين مؤمنتين وأما الغتيال فهو خارج
عن حقيقة هذا التحاكم ،منهى عنه بقوله صلى ال عليه وآله :اليمان قيد
الفتك .لكنه -يعنى معاوية -ل يراعى الدين ول يحارب تحاكما إلى ال
لنه يعلم أنه مبطل ولما كان غير مأمون على دينه ل يستبعد منه أن
يغتال عدوه (3) .مابين العلمتين ساقط من الصل وهكذا نسخة الكمبانى.
) (4توحيد الصدوق ،376وقد مر اليعاز إليه في شرح الحديث المرقم
.13
][173
- 24لى :محمد بن أحمد السدي ،عن أحمد بن محمد بن الحسن العامري عن
إبراهيم بن عيسى السدوسي ،عن سليمان بن عمرو ،عن عبد ال بن
الحسن عن امه فاطمة بنت الحسين ،عن أبيها عليهما السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :إن صلح أول هذه المة بالزهد واليقين،
وهلك آخرها بالشح والمل ) - 25 .(1لى :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :خير ما القي في قلب اليقين ) - 26 .(2ل :ابن الوليد ،عن الصفار،
عن محمد بن عيسى ،عن عثمان بن عيسى عن ابن مسكان ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :لم يقسم بين العباد أقل من خمس اليقين ،والقنوع،
والصبر ،والشكر ،والذي يكمل به هذا كله العقل ) - 27 .(3مع :أبي ،عن
سعد ،عن البرقي عن أبيه رفعه إلى النبي صلى ال عليه وآله قال :قلت
لجبرئيل :ما تفسير اليقين ؟ قال :المؤمن يعمل ل كأنه يراه فان لم يكن
يرى ال فان ال يراه ،وأن يعلم يقينا أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ،وأن ما
أخطأه لم يكن ليصيبه الخبر ) - 28 .(4ع :ابن المتوكل ،عن الحميري،
عن محمد بن علي ،عن ابن محبوب عن هشام بن سالم قال :سمعت أبا
عبد ال عليه السلم يقول لحمران بن أعين :يا حمران انظر إلى من هو
دونك ،ول تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة ،فان ذلك أقنع لك بما قسم
لك ،وأحرى أن تستوجب الزيادة من ربك ،واعلم أن العمل الدائم القليل
على اليقين أفضل عند ال من العمل الكثير على غير يقين ،واعلم أنه ل
ورع أنفع من تجنب محارم ال ،والكف عن أذى المؤمنين واغتيابهم ،ول
عيش أهنا من حسن الخلق ،ول مال أنفع من القنوع باليسير المجزئ ،ول
جهل أضر من
][174
العجب ) - 29 .(1سن :أبي ،عن ابن سنان ،عن ابن مسكان ،عن أبي بصير ،عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :استقبل رسول ال صلى ال عليه وآله
حارثة بن مالك بن النعمان فقال له :كيف أنت يا حارثة ؟ فقال :يارسول
ال صلى ال عليه وآله أصبحت مؤمنا حقا فقال له رسول ال صلى ال
عليه وآله :يا حارثة لكل شئ حقيقة فما حقيقة يقينك ؟ قال :يارسول ال
عزفت نفسي عن الدنيا ،وأسهرت ليلي ،وأظمأت هواجري ،وكأني أنظر
إلى عرش ربي وقد وضع للحساب ،وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون
وكأني أسمع عواء أهل النار في النار ) .(2فقال رسول ال صلى ال عليه
وآله :عبد نور ال قلبه لليمان ،فاثبت ،فقال :يارسول ال ادع ال لي أن
يرزقني الشهادة ،فقال :اللهم ارزق حارثة الشهادة ،فلم يلبث إل أياما حتى
بعث رسول ال صلى ال عليه وآله سرية فبعثه فيها ،فقاتل فقتل سبعة أو
ثمانية ثم قتل ) - 30 .(3سن :ابن محبوب ،عن أبي محمد الوابشي
وإبراهيم بن مهزم ،عن إسحاق بن عمار قال :سمعت أبا عبد ال عليه
السلم يقول :إن رسول ال صلى ال عليه وآله صلى بالناس الصبح،
فنظر إلى شاب من النصار وهو في المسجد يخفق ويهوي رأسه ،مصفر
لونه نحيف جسمه ،وغارت عيناه في رأسه ،فقال له رسول ال صلى ال
عليه وآله :كيف أصبحت يا فلن ؟ فقال :أصبحت يارسول ال صلى ال
عليه وآله موقنا ،فقال :فعجب رسول ال صلى ال عليه وآله من قوله:
وقال له :إن لكل شئ حقيقة فما حقيقة يقينك ؟
) (1علل الشرائع ج 2ص (2) .246يقال :تزاوروا :أي زار بعضهم بعضا ،وقال
في النهاية :في حديث حارثة كأنى أسمع عواء أهل النار أي صياحهم
والعواء صوت السباع وكأنه بالذئب والكلب أخص ،وفي القاموس عوى
يعوى عيا وعواء بالضم :لوى خطمه ثم صوت ومد صوته ولم يفصح
منه رحمه ال (3) .المحاسن ص .246
][175
قال :إن يقيني يارسول ال هو أحزنني وأسهر ليلي وأظمأ هواجري ،فعزفت نفسي
عن الدنيا وما فيها ،حتى كأني أنظر إلى عرش ربي وقد نصب للحساب
وحشر الخلئق لذلك وأنا فيهم ،وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتنعمون فيها
ويتعارفون على الرائك متكئين ،وكأني أنظر إلى أهل النار فيها معذبون
يصطرخون ،وكأني أسمع الن زفير النار يعزفون في مسامعي ،قال :فقال
رسول ال صلى ال عليه وآله لصحابه :هذا عبد نور ال قلبه لليمان ،ثم
قال :الزم ما أنت عليه ،قال :فقال له الشاب :يارسول ال ادع لي أن ارزق
الشهادة معك فدعا له رسول ال صلى ال عليه وآله بذلك ،فلم يلبث أن
خرج في بعض غزوات النبي صلى ال عليه وآله فاستشهد بعد تسعة نفر
وكان هو العاشر ).(1
) (1المحاسن ص ،250قال العلمة المؤلف قدس سره في المرآت ج 2ص :77
اعلم ان هاتين الروايتين تدلن على أن حارثة استشهد في زمن الرسول
صلى ال عليه وآله ،وقال بعضهم :وينافيه ما ذكره الشيخ في رجاله
حيث قال :حارثة بن نعمان النصاري كنيته أبو عبد ال شهد بدرا واحدا
وما بعدهما من المشاهد وشهد مع أمير المؤمنين عليه السلم القتال:
وتوفي في زمن معاوية .قال :وهو خطأ لن المذكور في الخبر حارثة بن
مالك وجده النعمان وما ذكره الشيخ حارثة بن النعمان وهو غيره،
والعجب أن هذا الحديث مذكور في كتب العامة أيضا كما يظهر من
النهاية ،وهذا الرجل غير مذكور في رجالهم ،وكانه لعدم الرواية عنه،
كما أن أصحابنا لم يذكروه لذلك .أقول :عنون ابن حجر في الصابة تحت
الرقم 1532حارثة بن مالك بن نفيع وذكر نسبه الى مالك بن النجار
النصاري وهو الذى عنونه الشيخ في رجاله ،وذكر ما ذكره على
التفصيل ،وعنون تحت الرقم 1478الحارث بن مالك النصاري وأخرج
حديثه هذا عن عدة من الجوامع الحديثية بألفاظ مختلفة ،وذكر أنه معضل
وأنهم ل يعولون على حديثه هذا لنه ضعيف أو ل يثبت موصول .وأقول:
الظاهر أن هذا الحديث من سفاسف المتصوفة المتزهدة خصوصا
بملحظة - - -
][176
- 31سن :أبي ،عن ابن أبي عمير ،عن هشام بن سالم ،عن أبي عبد ال عليه
السلم في قول ال " :لو تعلمون علم اليقين " قال :المعاينة )- 32 .(1
سن :أبي ،عمن ذكره ،عن عبد ال بن سنان ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :كفى باليقين غنى وبالعبادة شغل
) .(2محص :عن ابن سنان مثله - 33 .سن :أبي رفعه قال :قال أمير
المؤمنين عليه السلم في خطبة له :أيها الناس سلوا ال اليقين ،وارغبوا
إليه في العافية ،فان أجل النعمة العافية ،وخير مادام في القلب اليقين،
والمغبون من غبن دينه ،والمغبوط من غبط يقينه ،قال :وكان علي بن
الحسين يطيل القعود بعد المغرب يسأل ال اليقين ) .(3محص :عن أمير
المؤمنين عليه السلم مثله إلى قوله :والمغبوط من حسن يقينه- 34 .
سن :محمد بن عبد الحميد ،عن صفوان قال :سألت أبا الحسن الرضا عليه
السلم عن قول ال لبراهيم " :أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " )
- - - - .(4
ما في بعضها انه كان في المسجد يخفق ويهوى برأسه ،فانه من شعار المتصوفة.
وهكذا ما روى في الكافي انه بينا رسول ال في بعض اسفاره إذ لقيه
ركب فقالوا :السلم عليك يارسول ال :فقال :ما أنتم ؟ فقالوا :نحن
مؤمنون يارسول ال .قال :فما حقيقة ايمانكم ؟ قالوا :الرضا بقضاء ال،
والتفويض الى ال ،والتسليم لمر ال ،فقال رسول ال :علماء حكماء
كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء الحديث .فل ندرى أن هذه العصابة
التى كادوا أن يكونوا انبياء ،من كانوا وعند من تعلموا الحكمة والعلم
النافع حتى ارتقوا هذه الدرجة العليا ؟ فان كانوا أصحابه فلم لم يعرفهم
رسول ال وسأل من أنتم ؟ أو ما أنتم ؟ ولم لم يعرفوا في الصحابة ولم
يشهروا ،وان لم يكونوا من أصحابه ،فعمن أخذوا الحكمة ؟ ومنبعها
وعاصمتها مدينة الرسول " صلى ال عليه واله " (1) .المحاسن:
،247والية في سورة التكاثر 2) .4 :و (3المحاسن (4) .247 :البقرة:
.260
][177
أكان في قلبه شك ؟ قال :ل ،كان على يقين ولكنه أراد من ال الزيادة في يقينه )
- 35 .(1سن :ابن فضال ،عن أبي جميلة ،عن محمد الحلبي ،عن أبي
عبد ال عليه السلم في قول ال " :الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة
أنهم إلى ربهم راجعون " ) (2قال :يعملون ما عملوا من عمل وهم
يعلمون أنهم يثابون عليه .وروى عثمان بن عيسى ،عن سماعة ،عن أبي
بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :يعملون ويعلمون أنهم سيثابون
عليه ) - 36 .(3سن :أبي ،عن فضالة ،عن داود بن فرقد ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :أتى أعرابي رسول ال صلى ال عليه وآله فقال:
يارسول ال بايعني على السلم ،فقال :على أن تقتل أباك ،فكف العرابي
يده وأقبل رسول ال صلى ال عليه وآله على القوم يحدثهم فقال
العرابي :يارسول ال بايعني على السلم ،فقال :على أن تقتل أباك ،قال:
نعم ،فبايعه رسول ال ثم قال رسول ال :الن لم تتخذ من دون ال ول
رسوله ول المؤمنين وليجة ،إني ل آمرك بعقوق الوالدين ،ولكن صاحبهما
في الدنيا معروفا ) - 37 .(4سن :ابن محبوب ،عن جميل بن صالح ،عن
أبي عبيدة الحذاء ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :إن اناسا أتوا رسول
ال صلى ال عليه وآله بعد ما أسلموا فقالوا :يا رسول ال أيؤخذ الرجل
منا بما عمل في الجاهلية بعد إسلمه ؟ فقال :من حسن إسلمه وصح يقين
إيمانه لم يأخذه ال بما عمل في الجاهلية ،ومن سخف إسلمه ولم يصح
يقين إيمانه أخذه ال بالول والخر ).(5
) (1المحاسن (2) .247 :المؤمنون (3) .60 :المحاسن (4) .247 :المحاسن:
،248وفي هذا الباب من المحاسن احاديث اخر لم يخرجه المؤلف رحمه
ال (5) .المحاسن.250 :
][178
- 38سن :ابن يزيد وعبد الرحمن بن حماد معا ،عن العبدي ،عن عبد ال ابن
سنان قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :اليمان في القلب واليقين
خطرات ) - 39 .(1سن :أبي ،عن ابن سنان ،عن محمد بن حكيم ،عمن
حدثه ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال علي عليه السلم :اعلموا أنه
ل يصغر ماضر يوم القيامة ،ول يصغر ما ينفع يوم القيامة ،فكونوا فيما
أخبركم ال كمن عاين ) - 40 .(2سن :الوشاء ،عن علي بن أبي حمزة،
عن أبي بصير قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :سلوا ربكم العفو
والعافية فانكم لستم من رجال البلء فانه من كان قبلكم من بني إسرائيل
شقوا بالمناشير على أن يعطوا الكفر فلم يعطوه ) - 41 .(3سن :ابن
فضال ،عن يونس بن يعقوب ،عن عبد العلى قال :قال لي رجل من
قريش :عندي تمرة من نخلة رسول ال صلى ال عليه وآله قال :فذكرت
ذلك لبي عبد ال عليه السلم فقال :إنها ليست إل لمن عرفها )- 42 .(4
سن :ابن بزيع ،عن أبي إسماعيل السراج ،عن خضرو بن عمرو قال :قال
أبو عبد ال عليه السلم :إن المؤمن أشد من زبر الحديد ،إن الحديد إذا
دخل النار لن وإن المؤمن لو قتل ونشر ثم قتل لم يتغير قلبه )- 43 .(5
سن :أبي ،عن ابن أبي عمير ،عن أبي المغرا ،عن إسحاق بن عمار
ويونس قال :سألنا أبا عبد ال عليه السلم عن قول ال " :خذوا ما
آتيناكم بقوة " أقوة البدان أو قوة في القلب ؟ قال :فيهما جميعا )44 .(6
-ضا :روي :كفى باليقين غنى وبالعبادة شغل ،وإن اليمان بالقلب
][179
واليقين خطرات .وأروي ما قسم بين الناس أقل من اليقين ،وروي أن ال يبغض
من عباده المائلين ،فل تزلوا عن الحق فمن استبدل بالحق هلك وفاتته
الدنيا وخرج منها ساخطا - 45 .مص :قال الصادق عليه السلم :اليقين
يوصل العبد إلى كل حال سني ومقام عجيب ،كذلك أخبر رسول ال صلى
ال عليه وآله عن عظم شأن اليقين حين ذكر عنده أن عيسى ابن مريم
كان يمشي على الماء ،فقال :لو زاد يقينه لمشى في الهواء ،يدل بهذا أن
النبياء مع جللة محلهم من ال كانت تتفاضل على حقيقة اليقين ل غير،
ول نهاية بزيادة اليقين على البد ،والمؤمنون أيضا متفاوتون في قوة
اليقين وضعفه ،فمن قوي منهم يقينه فعلمته التبري من الحول والقوة إل
بال ،والستقامة على أمر ال وعبادته ظاهرا وباطنا ،قد استوت عنده
حالة العدم والوجود ]والزيادة والنقصان والمدح والذم والعز والذل لنه
يرى كلها من عين واحدة ،ومن ضعف يقينه تعلق[ ) (1بالسباب ورخص
لنفسه بذلك واتبع العادات ،وأقاويل الناس بغير حقيقة ،وسعى في امور
الدنيا وجمعها وإمساكها :مقر باللسان أنه ل مانع ول معطي إل ال وأن
العبد ل يصيب إل ما رزق وقسم له ،والجهد ل يزيد الرزق ،وينكر ذلك
بفعله وقلبه ،قال ال عزوجل " :يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم وال
أعلم بما يكتمون " ) .(2وإنما عطف ال تعالى بعباده حيث أذن لهم في
الكسب والحركات في باب العيش ما لم يتعدوا حدوده ،ول يتركوا فرائضه
وسنن نبيه عليه السلم في جميع حركاتهم ول يعدلوا عن محجة التوكل،
ول يقفوا في ميدان الحرص ،فأما إذا نسوا ذلك وارتبطوا بخلف ماحد
لهم ،كانوا من الهالكين الذين ليس لهم في الحاصل إل الدعاوي الكاذبة،
وكل مكتسب ل يكون متوكل فل يستجلب من كسبه إلى نفسه إل حراما
وشبهة ،وعلمته أن يؤثر ما يحصل من كسبه ويجوع ،ول ينفق في
سبيل الدين ويمسك ،والمأذون بالكسب من كان بنفسه مكتسبا ،وبقلبه متوكل وإن
كثر المال عنده قام فيه كالمين عالما بأن كون ذلك المال وفوته سواء،
وإن أمسك أمسك ل ،وإن أنفق أنفق فيما أمره ال عزوجل ،ويكون منعه
وعطاؤه في ال ) - 46 .(1محص :عن أبي بصير ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :ما من شئ إل وله حد قلت :فما حد اليقين ؟ قال :أن ل تخاف
]مع ال[ شيئا - 47 .محص :عن جابر الجعفي ،عن أبي عبد ال عليه
السلم أنه قال :ل يجد رجل طعم اليمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن
ليخطئه ،وما أخطأه لم يكن ليصيبه .مشكوة النوار :عن علي عليه السلم
مثله ) - 48 .(2محص :عن يونس قال :سألت أبا الحسن الرضا عليه
السلم عن اليمان والسلم فقال :قال أبو جعفر عليه السلم :إنما هو
السلم واليمان فوقه بدرجة ،والتقوى فوق اليمان بدرجة ،واليقين فوق
التقوى بدرجة ،ولم يقسم بين الناس شئ أقل من اليقين ،قال :قلت :فأي
شئ اليقين ؟ قال :التوكل على ال ،والتسليم ل والرضا بقضاء ال،
والتوفيض إلى ال قلت :ما تفسير ذلك ؟ قال :هكذا قال أبو جعفر عليه
السلم - 49 .محص :عن عبد ال بن سنان ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :اليمان في القلب واليقين خطرات - 50 .كتاب الصفين :لنصر بن
مزاحم ،عن عمر بن سعد ،عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب قال :إن
أهل الشام دنوا من علي عليه السلم يوم صفين فوال ما يزيده قربهم منه
إل سرعة في مشيه فقال له الحسن :ما ضرك لو سعيت حتى تنتهي إلى
هؤلء الذين صبروا بعدك من أصحابك ؟ قال :يا بنى إن لبيك يوما لن
يعدوه ول يبطئ به عند السعي ،ول يعجل به ،إلى المشي إن أباك وال ل
يبالي وقع
][181
على الموت أو وقع الموت عليه .وعن عمرو بن شمر ،عن جابر ،عن أبي إسحاق
قال :خرج علي عليه السلم يوم صفين وبيده عنيزة فمر على سعيد بن
قيس الهمداني فقال له سعيد :أما تخشى يا أمير المؤمنين أن يغتالك أحد
وأنت قرب عدوك ؟ فقال له علي عليه السلم :إنه ليس من أحد إل عليه
من ال حفظة يحفظونه من أن يتردى في قليب أو يخر عليه حائط أو
تصيبه آفة ،فإذا جاء القدر خلوا بينه وبينه - 51 .نهج :سمع أمير
المؤمنين عليه السلم رجل من الحرورية يتهجد ويقرأ فقال :نوم على
يقين خير من صلة في شك ) .(1ومن خطبة له عليه السلم :إنما سميت
الشبهة شبهة لنها تشبه الحق وأما أولياء ال فضياؤهم فيها اليقين،
ودليلهم سمت الهدى ،وأما أعداء ال فدعاؤهم فيها الضلل ،ودليلهم
العمى ،فما ينجو من الموت من خافه ول يعطى البقاء من أحبه ) .(2ومن
كلم له عليه السلم لما خوف من الغيلة :وإن علي من ال جنة حصينة،
فإذا جاء يومي انفرجت عني وأسلمتني فحينئذ يطيش السهم ول يبرأ الكلم
) .(3وقال في وصيته لبنه الحسن عليهما السلم :اطرح عنك واردات
المور بعزائم الصبر وحسن اليقين ) - 52 .(4مشكوة النوار :عن أبي
جعفر عليه السلم قال :قال علي عليه السلم في خطبة له طويلة :اليمان
على أربع دعائم :على الصبر ،واليقين ،والعدل ،والتوحيد .ومنه نقل من
المحاسن عن أبي عبد ال عليه السلم إن اليمان أفضل من السلم
) (1نهج البلغة ج 2ص ،163الرقم 97من الحكم (2) .نهج البلغة ج 1ص
،98الرقم 38من الخطب (3) .نهج البلغة ج 1ص ،117الرقم 60
من الخطب (4) .نهج البلغة ج 2ص 38الرقم 31من الحكم.
][182
][183
ومنه عن الصادق عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :يأتي على
الناس زمان ل ينال فيه الملك إل بالقتل والتجبر ،ول الغنى إل بالغصب
والبخل ،ول المحبة إل باستخراج الدين واتباع الهوى ،فمن أدرك ذلك
الزمان فصبر على البغضة وهو يقدر على المحبة ،وصبر على الفقر وهو
يقدر على الغنى ،وصبر على الذل وهو يقدر على العز ،آتاه ال ثواب
خمسين صديقا ممن صدق به ) .(1ومنه عن عبد ال بن العباس قال:
اهدي إلى الرسول صلى ال عليه وآله بغلة أهداها كسرى له أو قيصر،
فركبها النبي صلى ال عليه وآله فأخذ من شعرها وأردفني خلفه ،ثم قال:
يا غلم احفظ ال يحفظك ،احفظ ال تجده أمامك ،تعرف إلى ال عزوجل
في الرخاء يعرفك في الشدة ،إذا سألت فاسأل ال ،وإذا استعنت فاستعن
بال ،قد مضى القلم بما هو كائن ،فلو جهد الناس أن ينفعوك بأمر لم يكتبه
ال عليك لم يقدروا عليه فان استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل،
وإن لم تستطع فان في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا ،واعلم أن الصبر
مع النصر ،وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا ) .(2ومنه :عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :الصبر رأس اليمان ،وعنه عليه السلم قال:
الصبر من اليمان بمنزلة الرأس من الجسد ،فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد
كذلك إذا ذهب الصبر ذهب اليمان .ومنه :عن حفض بن غياث قال :قال
لي أبو عبد ال عليه السلم :يا حفض إن من صبر صبرا قليل ،وإن من
جزع جزعا قليل ثم قال :عليك بالصبر في جميع امورك ،فان ال تبارك
وتعالى بعث محمدا صلى ال عليه وآله فأمره بالصبر والرفق فقال" :
اصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميل * وذرني والمكذبين " )(3
وقال ال تبارك وتعالى " :ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه
عداوة
) (1مشكاة النوار ص (2) .19مشكاة النوار ص (3) .20المزمل(*) .10 :
][184
كأنه ولي حميم * وما يلقيها إل الذين صبروا وما يلقيها إل ذو حظ عظيم " )(1
فصبر حتى نالوه بالعظائم ورموه بها تمام الحديث .ومنه :قال أمير
المؤمنين عليه السلم :وكل الرزق بالحمق ،ووكل الحرمان بالعقل ،ووكل
البلء باليقين والصبر .ومنه :عن مهران قال :كتبت إلى أبي الحسن عليه
السلم أشكو إليه الدين وتغير الحال ،فكتب لي :اصبر تؤجر فانك إن لم
تصبر لم تؤجر ،ولم ترد قضاء ال عزوجل ) .(2ومنه :قال أمير المؤمنين
عليه السلم :الصبر صبران :صبر عند المصيبة حسن جميل ،وأحسن من
ذلك الصبر عند ما حرم ال عليك الخبر .وقال الباقر عليه السلم :لما
حضرت أبي علي بن الحسين عليه السلم الوفاة ضمني إلى صدره ثم قال:
أي بني اوصيك بما أوصاني أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه
عليه السلم أوصاه به ]أي بني ! اصبر على الحق وإن كان مرا .عن أبي
جعفر عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :عجبا للمؤمن
إن ال عزوجل ل يقضي له قضاء[ ) (3إل كان له خيرا إن ابتلي صبر،
وإن اعطي شكر .وقيل لبي عبد ال عليه السلم :من أكرم الخلق على ال
؟ قال :من إذا اعطي شكر ،وإذا ابتلي صبر ).(4
) (1فصلت (2) .34 :مشكاة النوار ص (3) .21مابين العلمتين ساقط من نسخة
الكمبانى (4) .مشكاة النوار ص .22
][185
)) * (53باب( * * " )النية وشرائطها ومراتبها وكمالها وثوابها( " * * " )وأن
قبول العمل نادر( " * - 1كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن محبوب ،عن
مالك بن عطية ،عن الثمالي ،عن علي بن الحسين عليهما السلم قال :ل
عمل إل بنية ) .(1تبيين " :ل عمل إل بنية " أي ل عمل صحيحة كما
فهمه الكثر إل بنية وخص بالعبادات لنه لو كان المراد مطلق تصور
الفعل وتصور فائدته والتصديق بترتب الغاية عليه وانبعاث العزم من
النفس إليه فهذا لزم لكل فعل اختياري ومعلوم أنه ليس غرض الشارع
بيان هذا المعنى ،بل لبد أن يكون المراد بها نية خاصة خالصة بها يضير
العمل كامل أو صحيحا ،والصحة أقرب إلى نفي الحقيقة الذي هو الحقيقة
في هذا التركيب ،فلبد من تخصيصها بالعبادات ،لعدم القول باشتراط نية
القربة وأمثالها في غيرها ،ولذا استدلوا به وبأمثاله على وجوب النية
وتفصيله في كتب الفروع .وقال المحقق الطوسي قدس سره في بعض
رسائله :النية هي القصد إلى الفعل ،وهي واسطة بين العلم والعمل ،إذ ما
لم يعلم الشئ لم يمكن قصده ،وما لم يقصده لم يصدر عنه ،ثم لما كان
غرض السالك العامل الوصول إلى مقصد معين كامل على الطلق وهو ال
تعالى لبد من اشتماله على قصد التقرب به .وقال بعض المحققين :يعني ل
عمل يحسب من عبادة ال تعالى ويعد من طاعته بحيث يصح أن يترتب
عليه الجر في الخرة ،إل ما يراد به التقرب إلى ال تعالى ،والدار الخرة،
أعني يقصد به وجه ال سبحانه أو التوصل إلى ثوابه أو الخلص من
عقابه ،وبالجملة امتثال أمر ال تعالى فيما ندب عباده إليه ووعدهم
][186
الجر عليه وإنما يأجرهم على حسب أقدارهم ومنازلهم ونياتهم ،فمن عرف ال
بجماله وجلله ولطف فعاله فأحبه واشتاق إليه وأخلص عبادته له لكونه
أهل للعبادة ولمحبته له ،أحبه ال ،وأخلصه واجتباه ،وقربه إلى نفسه
وأدناه قربا معنويا ودنوا رواحانيا كما قال في حق بعض من هذه صفته" :
وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " ) .(1وقال أمير المؤمنين وسيد
الموحدين صلوات ال عليه :ما عبدتك خوفا من نارك ،ول طمعا في جنتك،
لكن وجدتك أهل للعبادة فعبدتك ،ومن لم يعرف من ال سوى كونه إلها
صانعا للعالم ،قادرا قاهرا عالما وأن له جنة ينعم بها المطيعين ،ونارا
يعذب بها العاصين ،فعبده ليفوز بجنته أو يكون له النجاة من ناره أدخله
ال تعالى بعبادته وطاعته الجنة ،وأنجاه من النار ل محالة ،كما أخبر عنه
في غير موضع في كتابه .فانما لكل امرئ ما نوى .فل تصغ إلى قول من
ذهب إلى بطلن العبادة ،إذا قصد بفعلها تحصيل الثواب أو الخلص من
العقاب ،زعما منه أن هذا القصد مناف للخلص الذي هو إرادة وجه ال
سبحانه وحده ،وأن من قصد ذلك فانما قصد جلب النفع إلى نفسه ودفع
الضرر عنها ل وجه ال سبحانه ،فان هذا قول من ل معرفة له بحقائق
التكاليف ومراتب الناس فيها ،فان أكثر الناس يتعذر منهم العبادة ابتغاء
وجه ال بهذا المعنى لنهم ل يعرفون من ال إل المرجو والمخوف،
فغايتهم أن يتذكروا النار ويحذروا أنفسهم عقابها ،ويتذكروا الجنة
ويرغبوا أنفسهم ثوابها ،وخصوصا من كان الغالب على قلبه الميل إلى
الدنيا ،فانه قلما ينبعث له داعية إلى فعل الخيرات لينال بها ثواب الخرة،
فضل عن عبادته على نية إجلل ال عزوجل لستحقاقه الطاعة
والعبودية ،فانه قل من يفهمها فضل عمن يتعاطاها .والناس في نياتهم في
العبادات على أقسام أدناهم من يكون عمله إجابة لباعث الخوف ،فانه يتقي
النار ،ومنهم من يعمل إجابة لباعث الرجاء ،فانه يرغب
) (1سورة ص.4 :
][187
في الجنة وكل من القصدين وإن كان نازل بالضافة إلى قصد طاعة ال ،وتعظيمه
لذاته ولجلله ،ل لمر سواه ،إل أنه من جملة النيات الصحيحة لنه ميل
إلى الموعود في الخرة وإن كان من جنس المألوف في الدنيا .وأما قول
القائل إنه ينافي الخلص ،فجوابه أنك ما تريد بالخلص ؟ إن أردت به أن
يكون خالصا للخرة ل يكون مشوبا بشوائب الدنيا والحظوظ العاجلة
للنفس ،كمدح الناس ،والخلص من النفقة بعتق العبد ،ونحو ذلك ،فظاهر
أن إرادة الجنة والخلص من النار ل ينافيان الخلص بهذا المعنى ،وإن
أردت بالخلص أن ل يراد بالعمل سوى جمال ال وجلله من غير شوب
من حظوظ النفس وإن كان حظا اخرويا فاشتراطه في صحة العبادة متوقف
على دليل شرعي وأنى لك به ،بل الدلئل على خلفه أكثر من أن تذكر ،مع
أنه تكليف بما ل يطاق بالنسبة إلى أكثر الخليق ،لنهم ل يعرفون ال
بجماله وجلله ،ول تتأتى منهم العبادة إل من خوف النار ،أو للطمع في
الجنة .وأيضا فان ال سبحانه قد قال " ادعوه خوفا وطمعا " )" (1
ويدعوننا رغبا و رهبا " ) (2فرغب ورهب ،ووعد وأوعد ،فلو كان مثل
هذه النيات مفسدا للعبادات لكان الترغيب والترهيب ،والوعد والوعيد عبثا
بل مخل بالمقصود .وأيضا فان أولياء ال قد يعملون بعض العمال للجنة،
وصرف النار لن حبيبهم يحب ذلك أو لتعليم الناس إخلص العمل للخرة،
إذا كانوا أئمة يقتدى بهم ،هذا أمير المؤمنين سيد الولياء قد كتب كتابا
لبعض ما وقفه من أمواله فصدر كتابه بعد التسمية بهذا " :هذا ما أوصى
به وقضى به في ماله عبد ال علي ابتغاء وجه ال ليولجني به الجنة،
ويصرفني به عن النار ،ويصرف النار عني يوم تبيض وجوه وتسود
وجوه ".
][188
فان لم تكن العبادة بهذه النية صحيح لم يصح له أن يفعل ذلك ،ويلقن به غيره،
ويظهره في كلمه .إن قيل :إن جنة الولياء لقاء ال وقربه ،ونارهم فراقه
وبعده ،فيجوز أن يكون أمير المؤمنين عليه السلم أراد ذلك ،قلنا إرادة
ذلك ترجع إلى طلب القرب المعنوي والدنو الروحاني ،ومثل هذه النية
مختص بأولياء ال كما اعترف به فغيرهم لماذا يعبدون وليس في الخرة
إل ال ،والجنة والنار ،فمن لم يكن من أهل ال وأوليائه ل يمكن له أن
يطلب إل الجنة أو يهرب إل من النار المعهودتين ،إذ ليعرف غير ذلك وكل
يعمل على شاكلته ،ولما يحبه ويهواه غير هذا ل يكون أبدا .ولعل هذا
القائل لم يعرف معنى النية وحقيقتها ،وأن النية ليست مجرد قولك عند
الصلة أو الصوم أو التدريس اصلي أو أصوم أو ادرس قربة إلى ال تعالى
ملحظا معاني هذه اللفاظ بخاطرك ،ومتصورا لها بقلبك ،هيهات إنما هذا
تحريك لسان وحديث نفس ،وإنما النية المعتبرة انبعاث النفس وميلها و
توجهها إلى ما فيه غرضها ومطلبها ،إما عاجل وإما آجل .وهذا النبعات
والميل إذا لم يكن حاصل لها ل يمكنها اختراعه واكتسابه بمجرد النطق
بتلك اللفاظ ،وتصور تلك المعاني ،وما ذلك إل كقول الشبعان أشتهي
الطعام وأميل إليه ،قاصدا حصول الميل والشتهاء ،وكقول الفارغ أعشق
فلنا واحبه وأنقاد إليه واطيعه ،بل ل طريق إلى اكتساب صرف القلب إلى
الشئ وميله إليه وإقباله عليه ،إل بتحصيل السباب الموجبة لذلك الميل
والنبعاث واجتناب المور المنافية لذلك المضادة له ،فان النفس إنما
تنبعث إلى الفعل وتقصده ،وتميل إليه تحصيل للغرض المليم لها ،بحسب
ما يغلب عليها من الصفات .فإذا غلب على قلب المدرس مثل حب الشهرة،
وإظهار الفضيلة ،وإقبال الطلبة إليه ،فل يتمكن من التدريس بنية التقرب
إلى ال سبحانه بنشر العلم
][189
وإرشاد الجاهلين ،بل ل يكون تدريسه إل لتحصيل تلك المقاصد الواهية ،و
الغراض الفاسدة ،وإن قال بلسانه ادرس قربة إلى ال ،وتصور ذلك بقلبه
و أثبته في ضميره ،وما دام لم يقلع تلك الصفات الذميمة من قلبه ل عبرة
بنيته أصل .وكذلك إذا كان قلبك عند نية الصلة منهمكا في امور الدنيا،
والتهالك عليها ،والنبعاث في طلبها ،فل يتيسر لك توجيهه بكليته،
وتحصيل الميل الصادق إليها ،والقبال الحقيقي عليها ،بل يكون دخولك
فيها دخول متكلف لها متبرم بها ويكون قولك اصلي قربة إلى ال كقول
الشبعان أشتهي الطعام ،وقول الفارغ أعشق فلنا مثل .والحاصل أنه ل
يحصل لك النية الكاملة المعتد بها في العبادات ،من دون ذلك الميل
والقبال ،وقمع ما يضاده من الصوارف والشغال ،وهو ل يتيسر ال إذا
صرفت قلبك عن المور الدنيوية ،وطهرت نفسك عن الصفات الذميمة
الدنية ،وقطعت نظرك عن حظوظك العاجلة بالكلية .وأقول :أمر النية قد
اشتبه على كثير من علمائنا رضوان ال عليهم لشتباهه على المخالفين،
ولم يحققوا ذلك على الحق واليقين ،وقد حقق شيخنا البهائي قدس ال
روحه شيئا من ذلك في شرح الربعين ،وحققنا كثيرا من غوامض
أسرارها في كتاب عين الحيوة ،ورسالة العقائد ،فمن أراد تحقيق ذلك
فليرجع إليهما - 2 .كا :عن على ،عن أبيه ،عن النوفلي ،عن السكوني،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :نية
المؤمن خير من عمله ،ونية الكافر شر من عمله ،وكل عامل يعمل على
نيته ) .(1بيان :هذا الحديث من الخبار المشهورة بين الخاصة والعامة،
وقد قيل فيه وجوه :الول أن المراد بنية المؤمن اعتقاده الحق ول ريب أنه
خير من أعماله
][190
إذ ثمرته الخلود في الجنة ،وعدمه يوجب الخلود في النار ،بخلف العمل .الثاني أن
المراد أن النية بدون العمل خير من العمل بدون النية ،ورد بأن العمل
بدون نية ل خير فيه أصل ،وحقيقة التفضيل تقتضي المشاركة ،ولو في
الجملة .الثالث ما نقل عن ابن دريد وهو أن المؤمن ينوي خيرات كثيرة ل
يساعده الزمان على عملها ،فكان الثواب المترتب على نياته أكثر من
الثواب المترتب على أعماله .الرابع ما ذكره بعض المحققين وهو أن
المؤمن ينوي أن يوقع عباداته على أحسن الوجوه لن إيمانه يقتضي ذلك،
ثم إذا كان يشتغل بها ل يتيسر له ذلك ،ول يتأتى كما يريد ،فل يأتي بها كما
ينبغي ،فالذي ينوي دائما خير من الذى يعمل في كل عبادة ،وهذا قريب من
المعنى الول ويمكن الجمع بينهما ويؤيدهما الخبر الثالث والخامس )(1
وما رواه الصدوق -ره -في علل الشرائع بإسناده عن أبي جعفر عليه
السلم أنه كان يقول نية المؤمن خير من عمله ،وذلك لنه ينوي من الخير
مال يدركه ،ونية الكافر شر من عمله ،وذلك لن الكافر ينوي الشر ويأمل
من الشر ما ل يدركه ،وباسناده عن أبي عبد ال عليه السلم أنه قال له
زيد الشحام :إني سمعتك تقول :نية المؤمن خير من عمله ،فكيف تكون
النية خيرا من العمل ؟ قال :لن العمل إنما كان رئاء المخلوقين ،والنية
خالصة لرب العالمين ،فيعطي عزوجل على النية ما ل يعطي على العمل،
قال أبو عبد ال عليه السلم :إن العبد لينوي من نهاره أن يصلي بالليل،
فتغلبه عينه فينام ،فيثبت ال له صلته ويكتب نفسه تسبيحا ويجعل نومه
صدقة ) .(2الخامس أن طبيعة النية خير من طبيعة العمل ،لنه ل يترتب
عليها عقاب أصل بل إن كانت خيرا اثيب عليها ،وإن كان شرا كان
وجودها كعدمها
) (1يعنى الحديث الثالث والخامس في باب نية الكافي ،وهو كذلك في ما نحن فيه.
) (2علل الشرايع ج 2ص ،211وسيجئ تحت الرقم 18و .19
][191
بخلف العمل فان من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
فصح أن النية بهذا العتبار خير من العمل .وأقول :يمكن أن يقال هذا في
الشر أيضا بناء على أن الكافر يعاقب على نيات الشر ،وإنما العفو عن
المؤمنين .السادس أن النية من أعمال القلب ،وهو أفضل من الجوارح،
فعمله أفضل من عملها ،أل ترى إلى قوله تعالى " أقم الصلوة لذكري " )
(1جعل سبحانه الصلة وسيلة إلى الذكر ،والمقصود أشرف من الوسيلة،
وأيضا فأعمال القلب مستورة عن الخلق ،ل يتطرق إليها الرئاء وغيره،
بخلف أعمال الجوارح .السابع أن المراد أن نية بعض العمال الشاقة
كالحج والجهاد خير من بعض العمال الخفية ) (2كتلوة آية من القرآن
والصدقة بدرهم مثل .الثامن ما ذكره السيد المرتضى رضي ال عنه في
الغرر أن لفظة خير ليست اسم تفضيل ،بل المراد أن نية المؤمن عمل خير
من جملة أعماله ومن تبعيضية وبه دفع التنافي بين هذا الحديث ،وبين ما
يروى عنه صلى ال عليه وآله أفضل العمال أحمزها ،ويجري هذا الوجه
في قوله :ونية الكافر شر من عمله ،فان المعنى فيه أيضا ليس معنى
التفضيل ،بل المعنى شر من جملة عمله .فان قيل :كيف يصح هذا مع ما
ورد في الحديث من أن ابن آدم إذا هم بالحسنة كتبت له حسنة ،وإذا هم
بالسيئة لم يكتب عليه شئ ،حتى يعمل ؟ قلنا قد ذكرنا سابقا أن ظاهر بعض
الخبار أن ذلك مخصوص بالمؤمنين .التاسع أن المراد بالنية تأثر القلب
عند العمل ،وانقياده إلى الطاعة ،وإقباله على الخرة ،وانصرافه عن
الدنيا ،وذلك يشتد بشغل الجوارح في الطاعات وكفها عن المعاصي ،فان
بين الجوارح والقلب علقة شديدة يتأثر كل منهما بالخر ،كما إذا حصل
للعضاء آفة سرى أثرها إلى القلب فاضطرب وإذا تألم القلب بخوف مثل
سرى أثره إلى الجوارح فارتعدت ،والقلب هو المير المتبوع
][192
والجوارح كالرعايا والتباع ،والمقصود من أعمالها حصول ثمرة القلب .فل تظن
أن في وضع الجبهة على الرض غرضا من حيث إنه جمع بين الجبهة
والرض ،بل من حيث إنه بحكم العادة يؤكد صفة التواضع في القلب ،فان
من يجد في نفسه تواضعا فإذا استعان بأعضائه وصورها بصورة
التواضع ،تأكد بذلك تواضعه ،وأما من يسجد غافل عن التواضع ،وهو
مشغول القلب بأغراض الدنيا فل يصل من وضع جبهته على الرض أثر
على قلبه ،بل سجوده كعدمه نظرا إلى الغرض المطلوب منه ،فكانت النية
روح العمل وثمرته ،والمقصد الصلي من التكليف به ،فكانت أفضل .وهذا
الوجه قريب مما ذكره الغزالي في إحيائه ،وهو أن كل طاعة تنتظم بنية
وعمل ،وكل منهما من جملة الخيرات إل أن النية من الطاعتين خير من
العمل ،لن أثر النية في المقصود أكثر من أثر العمل ،لن صلح القلب هو
المقصود من التكليف ،والعضاء آلت موصلة إلى المقصود ،والغرض من
حركات الجوارح أن يعتاد القلب إرادة الخير ،ويؤكد الميل إليه ،ليتفرغ عن
شهوات الدنيا ،ويقبل على الذكر والفكر ،فبالضرورة يكون خيرا بالضافة
إلى الغرض قال ال تعالى " :لن ينال ال لحومها ول دماؤها ولكن يناله
التقوى منكم " ) (1والتقوى صفة القلب وفي الحديث إن في الجسد
لمضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد .العاشر أن نية المؤمن هي
الباعثة له على عمل الخير ،فهي أصل العمل وعلته والعمل فرعها ،لنه ل
يحصل العمل ول يوجد إل بتصور المقصود الحقيقي والتصديق بحصوله،
وانبعاث النفس إليه ،حتى يشتد العزم ،ويوجد الفعل فبهذه الجهة هي
أشرف ،وكذا نية الكافر سبب لعمله الخبيث فهي شر منه .الحادي عشر أن
النية روح العمل ،والعمل بمثابة البدن لها ،فخيريته وشريته تابعتان
لخيرية النية وشريتها ،كما أن شرافة البدن وخباثته تابعتان
][193
لشرافة الروح وخباثته ،فبهذا العتبار نية المؤمن خير من عمله ،ونية الكافر شر
من عمله .الثاني عشر أن نية المؤمن وقصده أول هو ال ،وثانيا العمل،
لنه يوصل إليه ،ونية الكافر وقصده غيره تعالى ،وعمله يوصله إليه،
وبهذا العتبار صح ما ذكر .وهذا الوجه وما تقدمه مستفادان من كلم
المحقق الطوسي قدس سره والوجوه المذكورة ربما يرجع بعضها إلى
بعض ،وبعد ما أحطت خبرا بما ذكرناه نذكر ما هو أقوى عندنا بعد
العراض عن الفضول ،وهو الحق الحقيق بالقبول .فاعلم أن الشكالت
الناشئة من هذا الخبر إنما هو لعدم تحقيق معنى النية وتوهم أنها تصور
الغرض والغاية ،وإخطارها بالبال ،وإذا حققتها كما أومأنا إليه سابقا،
عرفت أن تصحيح النية من أشق العمال وأحمزها ،وأنها تابعة للحالة
التي النفس متصفة بها ،وكمال العمال وقبولها و فضلها منطو بها ،ول
يتيسر تصحيحها إل باخراج حب الدنيا ،وفخرها وعزها من القلب،
برياضات شاقة ،وتفكرات صحيحة ،ومجاهدات كثيرة ،فان القلب سلطان
البدن ،وكلما استولى عليه يتبعه سائر الجوارح ،بل هو الحصن الذي كل
حب استولى عليه وتصرف فيه ،يستخدم سائر الجوارح والقوى ،ويحكم
عليها ،ول تستقر فيه محبتان غالبتان ،كما قال ال عزوجل :يا عيسى ل
يصلح لسانان في فم واحد ول قلبان في صدر واحد ،وكذلك الذهان )(1
وقال سبحانه " :ما جعل ال لرجل من قلبين في جوفه " ) .(2فالدنيا
والخرة ضرتان ل يجتمع حبهما في قلب ،فمن استولى على قلبه حب
المال ل يذهب فكره وخياله وقواه وجوارحه إل إليه ،ول يعمل عمل إل
ومقصوده الحقيقي فيه تحصيله ،وإن ادعى غيره ،كان كاذبا ،ولذا يطلب
][194
العمال التي وعد فيها كثرة المال ول يتوجه إلى الطاعات التي وعد فيها قرب ذي
الجلل ،وكذا من استولى عليه حب الجاه ليس مقصوده في أعماله إل ما
يوجب حصوله ،وكذا سائر الغراض الباطلة الدنيوية ،فل يخلص العمل ل
سبحانه وللخرة إل باخراج حب هذه المور من القلب ،وتصفيته عما
يوجب البعد عن الحق .فللناس في نياتهم مراتب شتى بل غير متناهية
بحسب حالتهم ،فمنها ما يوجب فساد العمل وبطلنه ،ومنها ما يوجب
صحته ،ومنها ما يوجب كماله ،ومراتب كماله أيضا كثيرة فأما ما يوجب
بطلنه فل ريب في أنه إذا قصد الرئاء المحض أو الغالب ،بحيث لو لم يكن
رؤية الغير له ل يعمل هذا العمل ،إنه باطل ل يستحق الثواب عليه ،بل
يستحق العقاب ،كما دلت عليه اليات والخبار الكثيرة ،وأما إذا ضم إلى
القربة غيرها بحيث كان الغالب القربة ،ولو لم تكن الضميمة يأتي بها ففيه
إشكال ،ول تبعد الصحة ،ولو تعلق الرئاء ببعض صفاته المندوبة كاسباغ
الوضوء ،وتطويل الصلة ،فأشد إشكال .ولو ضم إليها غير الرئاء كالتبريد
ففيه أقوال ثالثها التفصيل بالصحة ،مع كون القربة مقصودة بالذات
والبطلن مع العكس ،قال في الذكرى :لو ضم إلى النية منافيا فالقرب
البطلن ،كالرئاء ،والندب في الواجب لن تنافي المرادات يستلزم تنافي
الرادات ،وظاهر المرتضى الصحة بمعنى عدم العادة ،ل بمعنى حصول
الثواب ،ذكر ذلك في الصلة المنوي بها الرئاء ،وهو يستلزم الصحة فيها
وفي غيرها مع ضم الرئاء إلى التقرب ،ولو ضم اللزم كالتبرد قطع الشيخ
وصاحب المعتبر بالصحة ،لنه فعل الواجب وزيادة غير منافية ،ويمكن
البطلن لعدم الخلص الذي هو شرط الصحة ،وكذا التسخن والنظافة
انتهى .وأقول :لو ضم إلى القربة بعض المطالب المباحة الدنيوية فهل
تبطل عبادته ؟ ظاهر جماعة من الصحاب البطلن ،ويشكل بأن صلوات
الحاجة والستخارة وتلوة القرآن والذكار والدعوات المأثورة للمقاصد
الدنيوية عبادات بل ريب ،مع أن
][195
تكليف خلو القصد عنها تكليف بالمحال والجمع بين الضدين ،كأن يقول أحد :ائت
الموضع الفلني لرؤية السد من غير أن يكون غرضك رؤيته ،أو اذهب
إلى السوق واشتر المتاع من غير أن تقصد شراء المتاع ،وقد ورد في
الخبار الكثيرة منافع دنيوية للطاعات ككون صلة الليل سببا لوسعة
الرزق ،وكون الحج موجبا للغنا وأمثال ذلك كثيرة ،فلو كانت هذه مخلة
بالقربة لكان ذكرها إغراء بالقبيح ،إذ بعد السماع ربما يمتنع تخلية القصد
عنها .نعم يمكن أن تؤل هذه القصود بالخرة إلى القربة ،كأن يكون غرض
طالب الرزق صرفه في وجوه البر والتقوي به على الطاعة ،ومن يكون
مقصوده من طول العمر تحصيل رضا الرب تعالى لكن هذا القصد ل يتحقق
واقعا وحقيقة إل لحاد المقربين ،ول يتيسر لكثر الناس هذه النية وهذا
الغرض ،إل بالنتحال والدعاوي الكاذبة ،وتوهم أن الخطار بالبال نية
واقعية ،وبينهما بعد المشرقين .فالظاهر أنه يكفي لكونه طاعة وقربة كونه
بأمره سبحانه وموافقا لرضاه ومتضمنا لذكره والتوسل إليه وإن كان
المقصود تحصيل بعض المور المباحة لنيل اللذات المحللة وأما النيات
الكاملة والغراض العرية عن المطالب الدنية الدنيوية فهي تختلف بحسب
الشخاص والحوال ،ولكل منهم نية تابعة لشاكلته وطريقته وحالته بل لكل
شخص في كل حالة نية تتبع تلك الحالة ولنذكر بعض منازلها ودرجاتها.
فالولى نية من تنبه وتفكر في شديد عذاب ال وأليم عقابه ،فصار ذلك
موجبا لحط الدنيا ولذاتها عن نظره ،فهو يعمل كل ما أراد من العمال
الحسنة ويترك ما ينتهي عنه من العمال السيئة ،خوفا من عذابه .الثانية
نية من غلب عليه الشوق إلى ما أعد ال للمحسنين في الجنة ،من نعيمها
وحورها وقصورها ،فهو يعبد ال لتحصيل تلك المور ،وهاتان نيتان
صحيحتان على الظهر ،وإن توهم الكثر بطلن العبادة بهما لغفلتم عن
معنى النية كما عرفت ،والعجب أن العلمة رحمه ال ادعى اتفاق العدلية
على أن من
][196
فعل فعل لطلب الثواب أو خوف العقاب ،فانه ل يستحق بذلك ثوابا .وأقول :لهاتين
النيتين أيضا مراتب شتى بحسب اختلف أحوال الناس فان من الناس من
يطلب الجنة لحصول مشتهياته الجسمانية فيه ،ومنهم من يطلبها لكونها
دار كرامة ال ومحل قرب ال ،وكذا منهم من يهرب من النار للمها ومنهم
من يهرب منها لكونها دار البعد والهجران والحرمان ومحل سخط ال كما
قال أمير المؤمنين عليه السلم في الدعاء الذي علمه كميل بن زياد
النخعي " :فلئن صيرتني في العقوبات مع أعدائك ،وجمعت بيني وبين أهل
بلئك ،وفرقت بيني وبين أحبائك وأوليائك ،فهبني ياإلهي وسيدي صبرت
على عذابك ،فكيف أصبر على فراقك ؟ وهبني صبرت على حر نارك،
فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك " ؟ إلى آخر ما ذكر في هذا الدعاء
المشتمل على جميع منازل المحبين ،ودرجات العارفين ،فظهر أن هاتين
الغايتين وطلبهما ل تنافيان درجات المقربين .الثالثة نية من يعبد ال تعالى
شكرا له ،فانه يتفكر في نعم ال التي ل تحصى عليه فيحكم عقله بأن شكر
المنعم واجب ،فيعبده لذلك كما هو طريقة المتكلمين وقد قال أمير المؤمنين
صلوات ال عليه :إن قوما عبدوا ال رغبة فتلك عبادة التجار وإن قوما
عبدوا ال رهبة فتلك عبادة العبيد ،وإن قوما عبدوا ال شكرا فتلك عبادة
الحرار ) .(1الرابعة نية من يعبده حياء فانه يحكم عقله بحسن الحسنات
وقبح السيئات ويتذكر أن الرب الجليل مطلع عليه في جميع أحواله ،فيعبده
ويترك معاصيه لذلك ،وإليه يشير قول النبي صلى ال عليه وآله الحسان
أن تعبد ال كأنك تراه ،فان لم تكن تراه فانه يراك ).(2
) (1راجع نهج البلغة ج 2ص 197تحت الرقم 237من الحكم (2) .راجع الدر
المنثور ج 1ص 93في حديث ابن عباس قال جلس رسول ال صلى ال
عليه وآله مجلسا فأتاه جبرئيل فجلس بين يدى رسول ال واضعا كفيه
على ركبتي رسول ال فقال :حدثنى عن السلم -إلى أن قال :قال
يارسول ال حدثنى ما الحسان ؟ قال :الحسان أن تعمل ل ]أن تعبد ال[
كانك تراه الحديث.
][197
الخامسة نية من يعبده تقربا إليه تعالى تشبيها للقرب المعنوي بالقرب المكاني،
وهذا هو الذي ذكره أكثر الفقهاء ،ولم أر في كلمهم تحقيق القرب
المعنوي ،فالمراد إما القرب بحسب الدرجة والكمال ،إذ العبد لمكانه في
غاية النقص ،عار عن جميع الكمالت ،والرب سبحانه متصف بجميع
الصفات الكمالية فبينهما غاية البعد ،فكلما رفع عن نفسه شيئا من
النقائص ،واتصف بشئ من الكمالت ،حصل له قرب ما بذلك الجناب ،أو
القرب بحسب التذكر والمصاحبة المعنوية ،فان من كان دائما في ذكر أحد
ومشغول بخدماته فكأنه معه ،وإن كان بينهما غاية البعد بحسب المكان،
وفي قوة هذه النية إيقاع الفعل امتثال لمره تعالى أو موافقة لرادته أو
انقيادا وإجابة لدعوته أو ابتغاء لمرضاته .فهذه النيات التي ذكرها أكثر
الصحاب وقالوا :لو قصد ل مجردا عن جميع ذلك كان مجزيا ،فانه تعالى
غاية كل مقصد ،وإن كان يرجع إلى بعض المور السالفة .السادسة نية
من عبد ال لكونه أهل للعبادة ،وهذه النية الصديقين ،كما قال أمير
المؤمنين صلوات ال عليه :ما عبدتك خوفا من نارك ،ول طمعا في جنتك
ولكن وجدتك أهل للعبادة فعبدتك ،ول تسمع هذه الدعوى من غيرهم،
وإنما يقبل ممن يعلم منه أنه لو لم يكن ل جنة ول نار ،بل لو كان على
الفرض المحال يدخل العاصي الجنة والمطيع النار ،لختار العبادة لكونه
أهل لها ،كما أنهم في الدنيا اختاروا النار لذلك ،فجعلها ال عليهم بردا
وسلما ،وعقوبة الشرار فجعلها ال عندهم لذة وراحة ونعيما .السابعة
نية من عبد ال حبا له ودرجة المحبة أعلى درجات المقربين ،والمحب
يختار رضا محبوبه ،ول ينظر إلى ثواب ول يحذر من عقاب ،وحبه تعالى
إذا استولى على القلب يطهره عن حب ما سواه ،ول يختار في شئ من
المور إل رضا موله .كما روى الصدوق -رحمه ال -باسناده عن
الصادق عليه السلم أنه قال :إن الناس
][198
يعبدون ال على ثلثة أوجه :فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء
وهو الطمع ،وآخرون يعبدونه فرقا من النار فتلك عبادة العبيد ،وهي
رهبة ،ولكني أعبده حبا له عزوجل ،فتلك عبادة الكرام وهو المن ،لقوله
عزوجل " وهم من فزغ يومئذ آمنون " ) (1ولقوله عزوجل " قل إن كنتم
تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم " ) (2فمن أحب ال
أحبه ال ،ومن أحبه ال عزوجل كان من المنين ) .(3وفي تفسير المام
عليه السلم قال علي بن الحسين عليه السلم :إني أكره أن أ عبد ال
لغراض لي ولثوابه فأكون كالعبد الطمع المطيع ،إن طمع عمل ،وإل لم
يعمل وأكره أن أعبده لخوف عباده ،فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم
يعمل ،قيل :فلم تعبده ؟ قال :لما هو أهله بأياديه علي وإنعامه ،وقال محمد
بن علي الباقر عليه السلم :ل يكون العبد عابدا ل حق عبادته حتى ينقطع
عن الخلق كله إليه فحينئذ يقول :هذا خالص لي فيتقبله بكرمه ،وقال جعفر
بن محمد عليهما السلم :ما أنعم ال عزوجل على عبد أجل من أن ل يكون
في قلبه مع ال غيره ،وقال موسى بن جعفر عليه السلم أشرف العمال
التقرب بعبادة ال عزوجل ،وقال علي الرضا عليه السلم " :إليه يصعد
الكلم الطيب " قول ل إله إل ال محمد رسول ال علي ولي ال وخليفة
محمد رسول ال حقا وخلفاؤه خلفاء ال " والعمل الصالح يرفعه " علمه
في قلبه بأن هذا صحيح كما قلته بلساني ) .(4وأقول :لكل من النيات
الفاسدة والصحيحة أفراد اخرى يعلم بالمقايسة مما ذكرنا ،وهي تابعة
لحواله وصفاته ،وملكاته الراسخة منبعثة عنها ،ومن هذا يظهر سر أن
أهل الجنة يخلدون فيها بنياتهم ،لن النية الحسنة تستلزم طينة
) (1النمل (2) .89 :آل عمران (3) .31 :راجع علل الشرائع ج 1ص (4) .12
تفسير المام ص .152وسيجئ مستقل تحت الرقم.33 :
][199
طيبة ،وصفات حسنة وملكات جميلة ،تستحق الخلود بذلك ،إذ لم يكن مانع العمل
من قبله فهو بتلك الحالة مهيئ للعمال الحسنة ،والفعال الجميلة ،والكافر
مهيئ لضد ذلك وبتلك الصفات الخبيئة المستلزمة لتلك النية الردية استحق
الخلود في النار .وبما ذكرنا ظهر معنى قوله عليه السلم " وكل عامل
يعمل على نيته " أي عمل كل عامل يقع على وفق نيته في النقص
والكمال ،والرد والقبول ،والمدار عليها كما عرفت ،وعلى بعض
الحتمالت المعنى أن النية سبب للفعل ،وباعث عليه ،ول يتأتى العمل إل
بها كما مر - 3 .كا :عن العدة ،عن أحمد بن محمد بن خالد ،عن علي بن
أسباط ،عن محمد بن إسحاق بن الحسين بن عمرو ،عن حسن بن أبان،
عن أبي بصير قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم عن حد العبادة التي إذا
فعلها فاعلها كان مؤديا ؟ فقال :حسن النية بالطاعة ) .(1بيان :قد مضى
الكلم فيه والحاصل أنه حد العبادة الصحيحة المقبولة بالنية الحسنة غير
المشوبة مع طاعة المام ،لنهما العمدة في الصحة والقبول فالحمل على
المبالغة ،أو المراد بالطاعة التيان بالوجوه التي يطاع ال منها مطلقا- 4 .
كا :عن العدة ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن محبوب ،عن هشام بن سالم،
عن أبي بصير عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن العبد المؤمن الفقير
ليقول :يا رب أرزقني حتى أفعل كذا وكذا من البر ووجوه الخير ،فإذا علم
ال عزوجل ذلك منه بصدق نية كتب ال له من الجر مثل ما يكتب له لو
عمله ،إن ال واسع كريم ) .(2تبيان " :ليقول " أي بلسانه أو بقلبه أو
العم منهما " فإذا علم ال عزوجل ذلك " أي علم أنه إن رزقه يفي بما
يعده من الخير ،فان كثيرا من المتمنيات و المواعيد كاذبة ل يفي النسان
به " إن ال واسع " أي واسع القدرة أو واسع العطاء
][200
" كريم " بالذات فالثابة على نية الخير من سعة جوده وكرمه ،ل من استحقاقهم
ذلك .قال الشيخ البهائي قدس سره :هذا الحديث يمكن أن يجعل تفسيرا
لقوله عليه السلم " :نية المؤمن خير من عمله " فان المؤمن ينوي
كثيرا من هذه النيات فيثاب عليها ،ول يتيسر العمل إل قليل انتهى .وأقول:
النية تطلق على النية المقارنة للفعل ،وعلى العزم المتقدم عليه سواء
تيسر العمل أم ل ،وعلى التمني للفعل ،وإن علم عدم تمكنه منه ،والمراد
هنا أحد المعنيين الخيرين ،ويمكن أن يقال :إن النية لما كانت من الفعال
الختيارية القلبية ،فل محالة يترتب عليها ثواب ،وإذا فعل الفعل المنوي
يترتب عليه ثواب آخر ،ول ينافي اشتراط العمل بها تعدد الثواب كما أن
الصلة صحتها مشروطة بالوضوء ،ويترتب على كل منهما ثواب إذا
اقترنا .فإذا لم يتيسر الفعل لعدم دخوله تحت قدرته ،أو لمانع عرض له،
يثاب على العزم ،وترتب الثواب عليه غير مشروط بحصول الفعل ،بل بعدم
تقصيره فيه فالثواب الوارد في الخبر يحتمل أن يكون هذا الثواب فله مع
الفعل ثوابان ،وبدونه ثواب واحد ،فل يلزم كون العمل لغوا ،ول كون ثواب
النية والعمل معا ،كثوابها فقط ،ويحتمل أن يكون ثواب النية كثوابها مع
العمل بل مضاعفة ،ومع العمل يضاعف عشر أمثالها أو أكثر .ويؤيده ما
سيأتي أن ال جعل لدم أن من هم من ذريته بسيئة لم تكتب عليه ،وإن
عملها كتبت عليه سيئة ،ومن هم منهم بحسنة فان لم يعملها كتبت له
حسنة ،فان هو عملها كتبت له عشرا ،وإن أمكن حمله على ما إذا لم
يعملها مع القدرة عليها .وعلى ما حققنا أن النية تابعة للشاكلة والحالة
وأن كمالها ل يحصل إل بكمال النفس واتصافها بالخلق الرضية الواقعية
فل استبعاد في تساوي ثواب من عزم على فعل على وجه خاص من
الكمال ،ولم يتيسر له ،ومن فعله على هذا
][201
الوجه .وقيل :إثابة المؤمن بنية أمر خير متفق عليه بين المة ورواه الخاصة
والعامة روى مسلم باسناده عن رسول ال صلى ال عليه وآله قال :من
طلب الشهادة صادقا اعطيها ولو لم تصبه ،وباسناد آخر عنه صلى ال
عليه وآله قال :من سأل ال الشهادة بصدق بلغه ال منازل الشهداء ،وإن
مات على فراشه ،قال الماذري :وفيهما دللة على أن من نوى شيئا من
أعمال البر ولم يفعله لعذر كان بمنزلة من عمله ،وعلى استحباب طلب
الشهادة ،ونية الخير .وقد صرح بذلك جماعة من علمائهم حتى قال البي:
لو لم ينوه كان حاله حال المنافق ل يفعل الخير ول ينويه - 5 .كا :عن
علي ،عن أبيه ،عن القاسم بن محمد ،عن المنقري ،عن أحمد بن يونس،
عن أبي هاشم قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إنما خلد أهل النار في
النار لن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا ال أبدا ،وإنما
خلد أهل الجنة في الجنة لن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن
يطيعوا ال أبدا ،فبالنيات خلد هؤلء وهؤلء ،ثم تل قوله تعالى " :قل كل
يعمل على شاكلته " ) (1قال :على نيته ) .(2بيان :كأن الستشهاد بالية
مبني على ما حققنا سابقا أن المدار في العمال على النية التابعة للحالة
التي اتصفت النفس بها من العقائد والخلق الحسنة والسيئة فإذا كانت
النفس على العقائد الثابتة والخلق الحسنة الراسخة التي ل يتخلف عنها
العمال الصالحة الكاملة لو بقي في الدنيا أبدا فبتلك الشاكلة والحالة
استحق الخلود في الجنة ،وإذا كانت على العقائد الباطلة والخلق الردية
التي علم ال تعالى أنه لو بقي في الدنيا أبدا لعصى ال تعالى دائما ،فبتلك
الشاكلة استحق الخلود في النار ،ل بالعمال التي لم يعملها ،فل يرد أنه
ينافي الخبار الواردة في أنه إذا أراد السيئة ولم يعملها لم تكتب عليه ،مع
أنه يمكن حمله على ما إذا لم تصر
][202
شاكلة له ،ولم تكن بحيث علم ال أنه لو بقي لتى بها ،أو يحمل عدم كتابة السيئة
على المؤمنين ،وهذا إنما هو في الكفار ،وقد يستدل بهذا الخبر على أن كل
كافر يمكن في حقه التوبة واليمان ل يموت على الكفر .أقول :ويمكن أن
يستدل به على أن بالعزم على المعصية ،يستحق العقاب وإن عفى ال عن
المؤمنين تفضل ،وما ذكره المحقق الطوسي قدس سره في التجريد في
مسألة خلق العمال حيث قال :وإرادة القبيح قبيحة ،يدل على أنه يعد إرادة
العباد للحرام فعل قبيحا محرما ،وهو الظاهر من كلم أكثر الصحاب سواء
كان تاما مستتبعا للقبيح أو عزما ناقصا غير مستتبع ،لكن قد تقرر عندهم
أن إرادة القبيح إذا كانت غير مقارنة لفعل قبيح يتعلق بها العفو كما دلت
عليه الروايات وسيأتي بعضها ،وأما إذا كانت مقارنة فلعله أيضا كذلك،
وادعى بعضهم الجماع على أن فعل المعصية ل يتعلق به إل إثم واحد،
ومن البعيد أن يتعلق به إثمان أحدهما بارادته والخر بايقاعه .فيندفع
حينئذ التدافع بين ما ذكره المحقق رحمه ال من قبح إرادة القبيح وبين ما
هو المشهور من أن ال تعالى ل يعاقب بارادة الحرام ،وإنما يعاقب بفعله
وما أوله به بعضهم من أن المراد أنه ل يعاقب العقوبة الخاصة بفعل
المعصية بمجرد إرادتها ،ويثيب الثواب الخاص بفعل الطاعة بمجرد
إرادتها ،ففيه أن شيئا من ذلك غير صحيح ،فان الظاهر من النصوص أنه
تعالى ل يعاقب ول يؤاخذ على إرادة المعصية أصل ،وأن الجماع قائم على
أن ثواب الطاعة ل يترتب على إرادتها ،بل المترتب عليها نوع آخر من
الثواب يختلف باختلف الحوال المقارنة لها من خلوص النية وشدة الجد
فيها والستمرار عليها ،إلى غير ذلك ،ولمانع من أن تصير في بعض
الحوال أعظم من ثواب نفس الفعل الذي لم يكن لصاحبه تلك الرادة
البالغة الجامعة لهذه الخصوصيات ،وكأن تتبع الثار المأثورة يغني عن
الطالة في هذا الباب .وأقول :قد عرفت بعض ما حققنا في ذلك وسيأتي
إنشاء ال تمام الكلم
][203
عند شرح بعض الخبار في أواخر هذا المجلد - 6 .كا :عن علي بن إبراهيم ،عن
محمد بن عيسى ،عن أبي الحسن علي بن يحيى ،عن أيوب بن أعين ،عن
أبي حمزة ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :يؤتى يوم القيامة برجل فيقال له :احتج ،فيقول :يا رب خلقتني
وهديتني فأوسعت علي فلم أزل اوسع على خلقك وايسر عليهم لكي تنشر
هذا اليوم رحمتك وتيسره ،فيقول الرب جل ثناؤه وتعالى ذكره :صدق
عبدي أدخلوه الجنة ) - 7 .(1كا :عن علي ،عن أبيه ،عن عمرو بن
عثمان ،عن علي بن عيسى قال :إن موسى ناجاه ال تبارك وتعالى فقال
في مناجاته وذكر حديثا قدسيا طويل إلى أن قال :فاعمل كأنك ترى ثواب
عملك ،لكي يكون أطمع لك في الخرة ل محالة ) - 8 .(2نهج :هذا ما أمر
به عبد ال علي بن أبي طالب أمير المؤمنين في ماله ابتغاء وجه ال،
ليولجني به الجنة ،ويعطيني المنة ) .(3وفيه :وليس رجل -فاعلم -
أحرص على جماعة امة محمد والفتها مني أبتغي بذلك حسن الثواب
وكريم المآ ) - 9 .(4لى :باسناده إلى النبي صلى ال عليه وآله قال :من
صام يوما تطوعا ابتغاء ثواب ال وجبت له المغفرة ) .(5بيان :في هذه
الخبار كلها دللة على أن طلب الثواب والحذر من العقاب ل ينافي صحة
العمل وكماله والقربة فيه.
) (1الكافي ج 4ص (2) .40الكافي ج 8ص (3) .46نهج البلغة ج 2ص ،22
تحت الرقم 24من باب الكتب والرسائل (4) .المصدر ج 2ص ،141
الرقم 78من باب الكتب (5) .أمالي الصدوق ص .329
][204
- 10فس " :من كان يريد الحيوة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها
ل يبخسون " ) (1قال :من عمل الخير على أن يعطيه ال ثوابه في الدنيا
أعطاه ثوابه في الدنيا وكان له في الخرة النار ) - 11 .(2ل :ابن
المتوكل ،عن الحميري ،عن ابن عيسى ،عن ابن محبوب عن مالك ابن
عطية ،عن الثمالي ،عن علي بن الحسين عليه السلم قال :ل حسب
لقرشي ول عربي إل بتواضع ،ول كرم إل بتقوى ،ول عمل إل بنية ،ول
عبادة إل بتفقه ،أل وإن أبغض الناس إلى ال عزوجل من يقتدي بسنة إمام
ول يقتدي بأعماله ) - 12 .(3فس " :قل كل يعمل على شاكلته " أي على
نيته " فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيل " ) (4فانه حدثني أبي ،عن جعفر
بن إبراهيم ،عن أبي الحسن الرضا عليه السلم قال :إذا كان يوم القيامة
اوقف المؤمن بين يديه ،فيكون هو الذي يلي حسابه ،فيعرض عليه عمله،
فينظر في صحيفته فأول ما يرى سيأته فيتغير لذلك لونه ،وترتعش
فرائصه ،وتفزع نفسه ،ثم يرى حسناته فتقر عينه ،وتسر نفسه ،وتفرح
روحه ،ثم ينظر إلى ما أعطاه ال من الثواب فيشتد فرحه ،ثم يقول ال
للملئكة :هلموا الصحف التي فيها العمال التي لم يعملوها ،قال :فيقرؤنها
فيقولون :وعزتك إنك لتعلم أنا لم نعمل منها شيئا فيقول :صدقتم نويتموها
فكتبناها لكم ثم يثابون عليها ) - 13 .(5ع ،ل ) (6لى :السناني ،عن محمد
بن هارون ،عن عبيد ال بن موسى الطبري ،عن محمد بن الحسين
الخشاب ،عن محمد بن محصن ،عن يونس بن ظبيان
) (1هود (2) .15 :تفسير القمى ص (3) .300الخصال ج 1ص (4) .12أسرى:
(5) .84تفسير القمى ص (6) .387علل الشرائع ج 1ص 12الخصال
ج 1ص .88
][205
قال :قال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلم :إن الناس يعبدون ال عزوجل
على ثلثة أوجه فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه ،فتلك عبادة الحرصاء وهو
الطمع ،وآخرون يعبدونه فرقا من النار فتلك عبادة العبيد ،وهي رهبة،
ولكني أعبده حبا له عزوجل فتلك عبادة الكرام ،وهو المن لقوله عزوجل
" وهم من فزع يومئذ آمنون " ) (1ولقوله عزوجل " قل إن كنتم تحبون
ال فاتبعوني يحببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم " ) (2فمن أحب ال أحبه ال،
ومن أحبه ال عز وجل كان من المنين ) - 14 .(3لى :ابن إدريس ،عن
أبيه ،عن ابن عيسى ،عن الحسن بن علي بن فضال ،عن الحسن بن
الجهم ،عن الفضيل قال :قال الصادق عليه السلم :ما ضعف بدن عما
قويت عليه النية ) - 15 .(4ما :المفيد ،عن ابن قولويه ،عن الكليني ،عن
علي بن إبراهيم ،عن اليقطيني عن يونس ،عن أبي الوليد ،عن الحسن بن
زياد قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :من صدق لسانه زكى عمله ،ومن
حسنت نيته زيد في رزقه ،ومن حسن بره بأهل بيته زيد في عمره ).(5
- 16ل :أبي ،عن أحمد بن إدريس ،عن الشعري ،عن عبد ال بن محمد
الرازي ،عن بكر بن صالح ،عن أبي أيوب ،عن محمد بن مسلم ،عن أبي
عبد ال عليه السلم مثله وفيه " زاد ال " مكان " زيد " في الموضعين
) - 17 .(6مع :أبي ،عن سعد ،عن ابن يزيد ،عن ابن أبي عمير ،عن عبد
ال بن
) (1النمل (2) .89 :آل عمران (3) .31 :أمالى الصدوق ص (4) .24أمالي
الصدوق ص (5) .198أمالي الطوسى ج 1ص (6) .250الخصال ج 1
ص .44
][206
سنان قال :كنا جلوسا عند أبي عبد ال عليه السلم إذ قال له رجل من الجلساء:
جعلت فداك يا ابن رسول ال أتخاف علي أن أكون منافقا ؟ قال فقال له إذا
خلوت في بيتك نهارا أو ليل أليس تصلي ؟ فقال :بلى ،قال :فلمن تصلي ؟
فقال :ل عزوجل قال :فكيف تكون منافقا وأنت تصلي ل عزوجل ل لغيره
) - 18 .(1ع :أبي ،عن حبيب بن الحسين الكوفي ،عن ابن أبي الخطاب،
عن أحمد بن صبيح ،عن زيد الشحام قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم:
إني سمعتك تقول :نية المؤمن خير من عمله ،فكيف تكون النية خيرا من
العمل ؟ قال :لن العمل ربما كان رياء المخلوقين ،والنية خالصة لرب
العالمين ،فيعطي عزوجل على النية مال يعطي على العمل .قال أبو عبد ال
عليه السلم :إن العبد لينوي من نهاره أن يصلي بالليل فتغلبه عينه فينام،
فيثبت ال له صلته ،ويكتب نفسه تسبيحا ويجعل نومه عليه صدقة ).(2
- 19ع :أبي ،عن محمد العطار ،عن الشعري ،عن عمران بن موسى عن
الحسن بن علي بن النعمان ،عن الحسن بن الحسين النصاري ،عن بعض
رجاله ،عن أبي جعفر عليه السلم أنه كان يقول :نية المؤمن أفضل من
عمله ،وذلك لنه ينوي من الخير مال يدركه ،ونية الكافر شر من عمله،
وذلك لن الكافر ينوي الشر ويأمل من الشر ما ل يدركه ) - 20 .(3ب:
هارون ،عن ابن صدقة قال :سئل جعفر بن محمد عليهما السلم عما قد
يجوز وعما ل يجوز من النية على الضمار في اليمين ،فقال :إن النيات قد
تجوز في موضع ول تجوز في آخر ،فأما ما تجوز فيه فإذا كان مظلوما فما
حلف به ونوى اليمين فعلى نيته ،وأما إذا كان ظالما فاليمين على نية
المظلوم ،ثم قال :ولو كانت النيات من أهل الفسق يؤخذ بها أهلها ،إذا لخذ
كل من نوى الزنا بالزنا ،وكل من نوى السرقة بالسرقة ،وكل من نوى
القتل بالقتل ،ولكن ال عدل كريم ]حكيم[
) (1معاني الخبار ص 2) .142و (3علل الشرائع ج 2ص (*) .211
][207
ليس الجور من شأنه ،ولكنه يثيب على نيات الخير أهلها وإضمارهم عليها ،ول
يؤاخذ أهل الفسوق حتى يفعلوا ) .(1أقول :روى هذا الخبر في موضع آخر
من هذا الكتاب بهذا السند وزاد في آخره زيادة هي هذه :وذلك أنك قد ترى
من المحرم من العجم ليراد منه ما يراد من العالم الفصيح ،وكذلك
الخرس في القراءة في الصلة والتشهد وما أشبه ذلك ،فهذا بمنزلة العجم
المحرم ليراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح ولو ذهب العالم
المتكلم الفصيح حتى يدع ما قد علم أنه يلزمه ،وينبغي له أن يقوم به حتى
يكون ذلك منه بالنبطية والفارسية ،فحيل بينه وبين ذلك بالدب ،حتى يعود
إلى ما قد علمه وعقله ،قال :ولو ذهب من لم يكن في مثل حال العجمي
المحرم ففعل فعال العجمي والخرس على ما قد وصفنا إذا لم يكن أحد
فاعل لشئ من الخير ،ول يعرف الجاهل من العالم ) - 21 .(2ما :ابن
الصلت ،عن ابن عقدة ،عن المنذر بن محمد ،عن أحمد بن يحيى الضبي،
عن موسى بن القاسم ،عن أبي الصلت ،عن الرضا عليه السلم عن آبائه
عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :لقول إل بعمل ول
قول ول عمل إل بنية ،ول قول ول عمل ول نية إل باصابة السنة )22 .(3
-ما :ابن مخلد ،عن أبي عمرو ،عن محمد بن هشام المروزي ،عن يحيى
ابن عثمان ،عن بقية ،عن إسماعيل البصري يعني ابن علية ،عن أبان،
عن أنس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ل يقبل قول إل بعمل،
ول يقبل قول وعمل إل بنية ،ول يقبل قول وعمل ونية إل باصابة السنة )
- 23 .(4ما :جماعة ،عن أبي المفضل ،عن علي بن أحمد بن سيابة ،عن
) (1قرب السناد ص .8ط النجف (2) .قرب السناد ص 33و (3) .34أمالي
الطوسى ج 1ص (4) .347أمالي الطوسي ج 1ص .396
][208
عبد الرحمن بن كثير الهاشمي ،عن حماد بن عيسى ،عن ابن اذينة ،عن الفضيل
قال :سمعت الصادق والباقر عليهما السلم يحدثان عن آبائهما ،عن أمير
المؤمنين صلوات ال عليهم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :نية
المؤمن أبلغ من عمله ،وكذلك الفاجر ) - 24 .(1ير :أحمد بن محمد ،عن
محمد البرقي ،عن إبراهيم بن إسحاق ،عن أبي عثمان العبدي ،عن جعفر،
عن أبيه ،عن علي عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
ل قول إل بعمل ،ول عمل إل بنية ،ول عمل ول نية إل باصابة السنة ).(2
- 25سن :عن ابن فضال ،عن محمد ،عن الثمالي ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :لو نظر الناس إلى مردود العمال من السماء ،لقالوا :ما يقبل
ال من أحد عمل ) - 26 .(3سن :النوفلي ،عن السكوني ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :نية المؤمن خير من
عمله ،ونية الفاجر شر من عمله وكل عامل يعمل بنيته ) - 27 .(4سن:
الوشاء ،عن ابن فضال ،عن المثنى الحناط ،عن محمد بن مسلم قال :قال
أبو عبد ال عليه السلم :من حسنت نيته زاد ال في رزقه )- 28 .(5
سن :بعض أصحابنا بلغ به خيثمة بن عبد الرحمن الجعفي قال :سأل
عيسى بن عبد ال القمي أبا عبد ال عليه السلم وأنا حاضر فقال :ما
العبادة ؟ فقال :حسن النية بالطاعة من الوجه الذي يطاع ال منه .وفي
حديث آخر قال :حسن النية بالطاعة عن الوجه الذي امر به ).(6
) (1أمالي الطوسي ج 2ص (2) .69بصائر الدرجات (3) .11 :لم نجده في
مظانه (4) .المحاسن ص (6 - 5) .260المحاسن ص .261
][209
- 29سن :علي بن الحكم ،عن أبي عروة السلمي ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :إن ال يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة ) - 30 .(1سن:
القاساني ،عن الصبهاني ،عن المنقري ،عن أحمد بن يونس عن أبي
هاشم قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم عن الخلود في الجنة والنار
فقال :إنما خلد أهل النار في النار ،لن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا
فيها أن يعصوا ال أبدا ،وإنما خلد أهل الجنة في الجنة لن نياتهم كانت في
الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا ال أبدا ،فبالنيات خلد هؤلء وهؤلء ،ثم
تل قوله " :قل كل يعمل على شاكلته " ) (2أي على نيته ) .(3شى :عن
أبي هاشم مثله ) - 31 .(4ضا :أروي عن العالم عليه السلم أنه قال :نية
المؤمن خير من عمله لنه ينوي خيرا من عمله ،ونية الفاجر شر من
عمله وكل عامل يعمل على نيته ،ونروى نية المؤمن خير من عمله ،لنه
ينوي من الخير ما ل يطيقه ول يقدر عليه ،وروي من حسنت نيته زاد ال
في رزقه .وسألت العالم عليه السلم عن قول ال " :خذوا ما آتيناكم بقوة
" ) (5قوة البدان أم قوة القلوب ؟ فقال :جميعا ،وقال :ل قول إل بعمل،
ول عمل إل بنية ،ول نية إل باصابة السنة ،ونروي حسن الخلق سجية
ونية ،وصاحب النية أفضل ،ونروي ما ضعفت نية عن نية .وأروي عنه:
نية المؤمن خير من عمله فسألته عن معنى ذلك ،فقال :العمل يدخله الرياء
والنية ل يدخلها الرياء.
) (1المحاسن ص (2) .262أسرى (3) .84 :المحاسن ص (4) .262تفسير
العياشي ج 2ص (5) .316البقرة 63 :و .93
][210
وسألت العالم عليه السلم عن تفسير نية المؤمن خير ،قال :إنه ربما انتهت
بالنسان حالة من مرض أو خوف فتفارقه العمال ،ومعه نيته ،فلذلك
الوقت نية المؤمن خير من عمله .وفي وجه آخر أنها ل يفارقه عقله أو
نفسه والعمال قد يفارقه قبل مفارقة العقل والنفس - 32 .مص :قال
الصادق عليه السلم :صاحب النية الصادقة صاحب القلب السليم لن
سلمة القلب من هواجس المحذورات بتخليص النية ل في المور كلها
قال ال عزوجل " يوم ل ينفع مال ول بنون * إل من أتى ال بقلب سليم "
) (1وقال النبي صلى ال عليه وآله نية المؤمن خير من عمله ،وقال عليه
السلم :إنما العمال بالنيات ،ولكل امرئ ما نوى ولبد للعبد من خالص
النية في كل حركة وسكون ،لنه إذا لم يكن هذا المعنى يكون غافل،
والغافلون قد وصفهم ال تعالى فقال " اولئك كالنعام بل هم أضل سبيل "
) (2وقال " :اولئك هم الغافلون " ) .(3ثم النية تبدو من القلب علفي قدر
صفاء المعرفة ،ويختلف على حسب اختلف الوقات في معنى قوته
وضعفه ،وصاحب النية الخالصة نفسه وهواه مقهورتان تحت سلطان
تعظيم ال والحياء منه ،وهو من طبعه وشهوته ومنيته ،نفسه منه في
تعب والناس منه في راحة )] - 33 .(4م [:قال علي بن الحسين عليهما
السلم :إني أكره أن أ عبد ال ول غرض لي إل ثوابه ،فأكون كالعبد الطمع
المطمع :إن طمع عمل ،وإل لم يعمل ،وأكره أن ]ل[ أعبده إل لخوف عقابه
فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل ،قيل فلم تعبده ؟ قال :لما هو أهله
بأياديه علي وإنعامه.
][211
وقال محمد بن علي الباقر عليه السلم :ل يكون العبد عابدا ل حق عبادته حتى
ينقطع عن الخلق كله إليه ،فحينئذ يقول :هذا خالص لي فيتقبله بكرمه.
وقال جعفر بن محمد عليه السلم :ما أنعم ال عزوجل على عبد أجل من
أن ل يكون في قلبه مع ال غيره .وقال موسى بن جعفر الكاظم عليه
السلم :أشرف العمال التقرب بعبادة ال عزوجل .وقال علي الرضا عليه
السلم " إليه يصعد الكلم الطيب " قول ل إله إل ال محمد رسول ال علي
ولي ال وخليفة محمد رسول ال حقا وخلفاؤه خلفاء ال " والعمل الصالح
يرفعه " علمه في قلبه بأن هذا صحيح كما قلته بلساني ) - 34 .(1جا :أبو
غالب أحمد بن محمد ،عن جده محمد بن سليمان ،عن محمد بن الحسين،
عن محمد بن سنان ،عن حمزة بن الطيار ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :إنما قدر ال عون العباد على قدر نياتهم فمن صحت نيته تم عون ال
له ،ومن قصرت نيته قصر عنه العون بقدر الذي قصر ) - 35 .(2غو:
عن النبي صلى ال عليه وآله إنما العمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما
نوى ،فمن كانت هجرته إلى ال ورسوله فهجرته إلى ال ورسوله ،ومن
كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه
) - 36 .(3كتاب قضاء الحقوق للصوري :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :نية المؤمن خير من عمله - 37 .ما :جماعة ،عن أبي المفضل ،عن
حنظلة بن زكريا ،عن محمد بن علي بن حمزة ،عن أبيه ،عن الرضا ،عن
آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :لحسب إل
بالتواضع ،ول كرم إل بالتقوى ،ول عمل إل بالنية ).(4
][212
- 38ما :جماعة ،عن أبي المفضل ،عن أحمد بن إسحاق الموسوي ،عن أبيه
إسحاق بن العباس ،عن إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر ،عن علي
بن جعفر وعلي بن موسى ،عن موسى بن جعفر ،عن آبائه عليهم السلم
أن رسول ال صلى ال عليه وآله أغزى عليا في سرية وأمر المسلمين أن
ينتدبوا معه في سريته فقال رجل من النصار لخ له :اغز بنا في سرية
علي لعلنا نصيب خادما أو دابة أو شيئا نتبلغ به ،فبلغ النبي صلى ال عليه
وآله قوله :فقال :إنما العمال بالنيات ،ولكل امرئ ما نوى ،فمن غزا
ابتغاء ما عند ال عزوجل فقد وقع أجره على ال عزوجل ،ومن غزا يريد
عرض الدنيا أو نوى عقال لم يكن له إل ما نوى ) - 39 .(1نهج :قال عليه
السلم :إن قوما عبدوا ال رغبة فتلك عبادة التجار وإن قوما عبدوا ال
رهبة فتلك عبادة العبيد ،وإن قوما عبدوا ال شكرا فتلك عبادة الحرار )
- 40 .(2الهداية :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إنما العمال
بالنيات ،وروي أن نية المؤمن خير من عمله ونية الكافر شر من عمله،
وروي أن بالنيات خلد أهل الجنة في الجنة ،وأهل النار في النار .وقال
عزوجل " :قل كل يعمل على شاكلته " ) (3يعني على نيته ،ول يجب على
النسان أن يجدد لكل عمل نية ،وكل عمل من الطاعات إذا عمله العبد لم
يرد به إل ال عزوجل فهو عمل بنية ،وكل عمل عمله العبد من الطاعات
يريد به غير ال فهو عمل بغير نية وهو غير مقبول.
) (1أمالي الطوسي ج 2ص (2) .231نهج البلغة ج 2ص 197تحت الرقم
237من الحكم (3) .أسرى.84 :
][213
)) * (54باب( * * " )الخلص ومعنى قربه تعالى( " * اليات :الفاتحة :إياك
نعبد وإياك نستعين .البقرة :بلى من أسلم وجهه ل وهو محسن فله أجره
عند ربه ول خوف عليهم ول هم يحزنون ) .(1وقال تعالى :ونحن له
مخلصون ) (2وقال :وأتموا الحج والعمرة ل ) (3وقال :ومن الناس من
يشري نفسه ابتغاء مرضاة ال وال رؤف بالعباد ) (4وقال تعالى :وقوموا
ل قانتين ) (5وقال تعالى :ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات ال
الية ) .(6آل عمران :فان حاجوك فقل أسلمت وجهي ل ومن اتبعن ).(7
وقال تعالى :ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الخرة نؤته
منها وسنجزي الشاكرين ) .(8النساء :واعبدوا ال ول تشركوا به شيئا )
(9وقال :ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات ال فسوف نؤتيه أجرا عظيما )
(10وقال :ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه ل وهو محسن واتبع ملة
إبراهيم حنيفا ) (11وقال :إل الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بال
وأخلصوا دينهم ل فاولئك مع المؤمنين ).(12
) (1البقرة (2) .112 :البقرة (3) .139 :البقرة (4) .196 :البقرة(5) .207 :
البقرة (6) .238 :البقرة (7) .265 :آل عمران (8) .20 :آل عمران:
(9) .145النساء (10) .35 :النساء (11) .113 :النساء(12) .124 :
النساء.145 :
][214
النعام :إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والرض حنيفا مسلما وما أنا من
المشركين ) (1وقال تعالى :قل إن صلوتي ونسكي ومحياى ومماتي ل رب
العالمين * ل شريك له وبذلك امرت وأنا أول المسلمين ) (2وقال تعالى:
ول تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ).(3
العراف :وادعوه مخلصين له الدين ) .(4يوسف :إنه من عبادنا
المخلصين ) .(5اسرى :وقضى ربك أن ل تعبدوا إل إياه ) .(6الكهف:
واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه )(7
وقال تعالى :فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمل صالحا ول يشرك بعبادة
ربه أحدا ) .(8مريم :واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا إلى قوله
تعالى :وقربناه نجيا ) .(9الحج :حنفاء ل غير مشركين به ) .(10الروم:
فلت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه
ال واولئك هم المفلحون ) .(11لقمان :ومن يسلم وجهه إلى ال وهو
محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى ال عاقبة المور ).(12
الصافات :إل عباد ال المخلصين * اولئك لهم رزق معلوم * فواكه وهم
) (1النعام (2) .79 :النعام (3) .163 :النعام (4) .52 :العراف(5) .28 :
يوسف (6) .24 :أسرى (7) .23 :الكهف (8) .28 :الكهف(9) .111 :
مريم (10) .51 :الحج (11) .31 :الروم (12) .38 :لقمان.22 :
][215
مكرمون * في جنات النعيم إلى قوله تعالى :لمثل هذا فليعمل العاملون ) .(1ص:
وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ) .(2الزمر :فاعبد ال مخلصا له الدين أل
ل الدين الخالص ) .(3وقال تعالى :قل إني امرت أن أ عبد ال مخلصا له
الدين وامرت لن أكون أول المسلمين إلى قوله تعالى :قل ال أعبد مخلصا
له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه ) .(4وقال :ضرب ال مثل رجل فيه
شركاء متشاكسون ورجل سلما لرجل هل يستويان مثل الحمد ل بل
أكثرهم ل يعلمون ) .(5المؤمن :فادعوا ال مخلصين له الدين ولو كره
الكافرون ) .(6حمعسق :من كان يريد حرث الخرة نزد له في حرثه ومن
كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الخرة من نصيب ) .(7الجن:
وأن المساجد ل فل تدعوا مع ال أحدا إلى قوله تعالى :قل إنما أدعوا ربي
ول اشرك به أحدا ) .(8الدهر :إنما نطعمكم لوجه ال ل نريد منكم جزاء
ول شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ) .(9الليل:
وسيجنبها التقى الذي يؤتي ماله يتزكى * وما لحد عنده من نعمة تجزى
إل ابتغاء وجه ربه العلى ) .(10البينة :وما امروا إل ليعبدوا ال
مخلصين له الدين حنفاء ).(11
) (1الصافات (2) .61 - 40 :ص (3) .40 :الزمر (4) .3 - 2 :الزمر.14 - 12 :
) (5الزمر (6) .29 :المؤمن (7) .14 :الشورى (8) .20 :الجن- 18 :
(9) .20الدهر (10) .9 :الليل (11) .17 :البينة.5 :
][216
تفسير " :إياك نعبد وإياك نستعين " أي نخصك بالعبادة والستعانة والمراد طلب
المعونة في المهمات كلها أو في أداء العبادات والضمير المستكن في
الفعلين للقاري ومن معه من الحفظة وحاضري صلة الجماعة أوله
ولسائر الموحدين أدرج عبادته في تضاعيف عبادتهم وخلط حاجته
بحاجتهم لعلها تقبل ببركتها ويجاب إليها ولهذا شرعت الجماعة ،وقدم
المفعول للتعظيم والهتمام به ،والدللة على الحصر وقيل :لما نسب العبادة
إلى نفسه أوهم ذلك تبجحا واعتدادا منه بما يصدر عنه فعقبه بقوله "
وإياك نستعين " ليدل على أن العبادة أيضا مما ل تتم ول تستتب له إل
بمعونة منه وتوفيق ،وقيل :الواو للحال والمعنى نعبدك مستعينين بك .وفي
تفسير المام عليه السلم في تفسيرها قال ال تعالى :قولوا أيها الخلق
المنعم عليهم " إياك نعبد " إيها المنعم علينا نطيعك مخلصين مع التذلل
والخضوع بل رئاء ول سمعة " وإياك نستعين " منك نسأل المعونة على
طاعتك لنؤديها كما أمرت ،و نتقي من دنيانا ما عنه نهيت ،ونعتصم من
الشيطان ومن سائر مردة النس من المضلين ومن المؤذين الظالمين
بعصمتك ) " (1بلى من أسلم وجهه ل " قيل أي نفسه أو قصده فيدل
على الخلص ،وقال الطبرسي (2) :قيل :معناه من أخلص نفسه ل بأن
سلك طريق مرضاته عن ابن عباس ،وقيل :وجه وجهه لطاعة ال وقيل:
فوض أمره إلى ال وقيل :استسلم لمر ال وخضع وتواضع ل " وهو
محسن " في عمله وقيل :وهو مؤمن ،وقيل مخلص " :فله أجره عند ربه
" أي فله جزاء عمله عند ال تعالى .وفي تفسير المام عليه السلم " بلى
من أسلم وجهه ل " كما فعل الذين آمنوا برسول ال صلى ال عليه وآله
لما سمعوا براهينه وحججه " وهو محسن " في عمله ل " فله أجره "
أي ثوابه عند ربه يوم فصل القضاء " ول خوف عليهم " حين يخاف
الكافرون ما يشاهدونه من العذاب " ول هم يحزنون " عند الموت لن
البشاره بالجنان تأتيهم انتهى ).(3
) (1تفسير المام ص (2) .18مجمع البيان ج 1ص ،187في آية البقرة) .112 :
(3تفسير المام ص .249
][217
" ونحن له مخلصون " ) (1أي في اليمان والطاعة لنشرك به شركا جليا ول
خفيا " .ل " ) (2أي لوجه ال خالصا ويدل على وجوب نية القربة فيهما
" من يشري " ) (3أي يبيع " نفسه " ببذلها " ابتغاء مرضاة ال " أي
طلبا لرضاه سبحانه ،ويدل على أن طلب الرضا أيضا أحد وجوه القربة
وروت العامة والخاصة ) (4بأسانيد جمة أنها نزلت في أمير المؤمنين
عليه السلم حين بات على فراش رسول ال صلى ال عليه وآله وفي
تفسير المام عليه السلم " ومن الناس من يشري نفسه " يبعيها "
ابتغاء مرضات ال " فيعمل بطاعته ويأمر الناس بها ،ويصبر على ما
يلحقه من الذى فيها يكون كمن باع نفسه وسلمها وتسلم مرضاة ال
عوضا منها فل يبالي ماحل بها بعد أن يحصل لها رضا ربها " وال رؤف
بالعباد " كلهم أما الطالبون لرضا ربهم فيبلغهم أقصى أمانيهم ،ويزيدهم
عليها ما لم تبلغه آمالهم ،وأما الفاجرون في دينه فيتأناهم ويرفق بهم
يدعوهم إلى طاعته ول يقطع ممن علم أنه سيتوب عن ذنبه التوبة
الموجبة له عظيم كرامته ) " .(5وقوموا ل " ) (6يدل على وجوب نية
القربة في القيام للصلة بل فيها " .مثل الذين ينفقون " ) (7أي يخرجون
" أموالهم " في وجوه البر " ابتغاء مرضاة ال " أي لطلب رضاه فيدل
]على[ ظ اشتراط ترتب الثواب على الصدقات وسائر الخيرات بالقربة" .
فقل أسلمت وجهى ل " ) (8أي أخلصت نفسي وجملتي له ل اشرك فيها
غيره ،قيل :عبر عن النفس بالوجه لنه أشرف العضاء الظاهرة ،ومظهر
القوى
) (1البقرة (2) .139 :يعنى الحج والعمرة في قوله تعالى " :وأتموا الحج والعمرة
ل " (3) .البقرة (4) .207 :راجع ج 19ص 55باب الهجرة ومباديها،
وهكذا ج 36ص (5) .51 - 40تفسير المام ص (6) .284البقرة:
(7) .238البقرة (8) .265 :آل عمران.20 :
][218
والحواس " ومن اتبعن " أي وأسلم من اتبعنى " .ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها
" ) (1قال في المجمع :قيل في معناه أقوال :أحدها أن المراد من عمل
للدنيا لم نحرمه ما قسمنا له فيها من غير حظ في الخرة عن أبي إسحاق
أي فل تغتر بحاله في الدنيا ،وثانيها من أراد بجهاده ثواب الدنيا وهو
النصيب من الغنيمة نؤته منها ،فبين أن حصول الدنيا للنسان ليس
بموضع غبطة لنها مبذولة للبر والفاجر عن أبي علي الجبائي ،وثالثها
من تعرض لثواب الدنيا بعمل النوافل مع مواقعة الكبائر جوزي بها في
الدنيا دون الخرة لحباط عمله بفسقه ،وهذا على مذهب من يقول
بالحباط " .ومن يرد ثواب الخرة نؤته منها " أي من يرد بالجهاد
وأعماله ثواب الخرة نؤته منها ،فل ينبغي لحد أن يطلب بطاعاته غير
ثواب ال تعالى ومثله قوله تعالى " :من كان يريد حرث الخرة نزد له في
حرثه " ) (2الية ،وقريب منه قول النبي صلى ال عليه وآله :من طلب
الدنيا بعمل الخرة فماله في الخرة من نصيب " وسنجزي الشاكرين "
أي نعطيهم جزاء الشكر ،وقيل :معناه سنجزي الشاكرين من الرزق في
الدنيا لئل يتوهم أن الشاكر يحرم ما يعطى الكافر من نعيم الدنيا انتهى ).(3
وأقول :الية على أظهر الوجوه تدل على اشتراط ثواب الخرة بقصد
القربة ،وأما على بطلن العمل ففيه إشكال إل أن يظهر التلزم بين الصحة
واستحقاق الثواب الخروي ،ويدل على أن قصد الثواب ل ينافي القربة كما
زعمه جماعة وعلى أن الثواب الدنيوي قد يترتب على العبادات الفاسدة
كعبادة إبليس وبعض الكفار " .ول تشركوا به شيئا " ) (4أي ل تشركوا
في عبادته غيره ،وهو يشمل الشرك
) (1آل عمران (2) .145 :الشورى (3) .20 :مجمع البيان ج 2ص (4) .515
النساء.35 :
][219
الجلي والخفي " .ومن يفعل ذلك " ) (1أي الصدقة أو المعروف أو الصلح بين
الناس أو المر بها ،ويدل على اشتراط القربة في ترتب الثواب عليه" .
ومن أحسن دينا " ) (2قال الطبرسي رحمه ال :هو في صورة الستفهام
والمراد به التقرير ،ومعناه من أصوب طريقة وأهدى سبيل أي ل أحد
أصدق اعتقادا ممن أسلم وجهه ل أي استسلم ،والمراد بوجهه هنا ذاته
ونفسه كما قال سبحانه " :كل شئ هالك إل وجهه " ) (3والمعنى انقاد ل
بالطاعة ولنبيه صلى ال عليه وآله بالتصديق وقيل :معنى أسلم وجهه ل
قصده سبحانه بالعبادة وحده ،كما أخبر عن إبراهيم عليه السلم أنه قال:
" وجهت وجهي للذي فطر السموات والرض " ) (4وقيل :معناه أخلص
أعماله ل أي أتى بها مخلصا ل " وهو محسن " أي فاعل للفعل الحسن
الذي أمره ال سبحانه ،وقيل :وهو محسن في جميع أقواله وأفعاله وقيل:
إن المحسن هو الموحد وروي عن النبي صلى ال عليه وآله أنه سئل عن
الحسان فقال :أن تعبد ال كأنك تراه ،فان لم تكن تراه فانه يراك " واتبع
ملة إبراهيم " أي اقتدى بدينه وسيرته وطريقته ،يعني ما كان عليه
إبراهيم عليه السلم وأمر به بنيه من بعده ،وأوصاهم به من القرار
بتوحيده وعدله وتنزيهه عما ل يليق به ومن ذلك الصلة إلى الكعبة،
والطواف حولها ،وسائر المناسك " حنيفا " أي مستقيما على منهاجه
وطريقه ) .(5قوله تعالى " :إل الذين تابوا " ) (6أي من النفاق "
وأصلحوا " ما أفسدوا
) (1النساء (2) .113 :النساء (3) .124 :القصص (4) .88 :النعام(5) .79 :
مجمع البيان ج 3ص (6) .116النساء.145 :
][220
من أسرارهم وأحوالهم في حال النفاق " واعتصموا بال " وثقوا به وتمسكوا
بدينه " وأخلصوا دينهم ل " ل يريدون بطاعته إل وجهه " فاولئك مع
المؤمنين " ومن عدادهم في الدارين " .وجهت وجهي " ) (1أي نفسي
أو وجه قلبي أو قصدي " حنيفا " أي مخلصا مائل عن الشرك إلى
الخلص " وما أنا من المشركين " ل بالشرك الجلي ول بالشرك الخفي.
" قل إن صلوتي " ) (2الخطاب للرسول صلى ال عليه وآله " ونسكي "
قال في المجمع :قيل :أي ديني وقيل :عبادتي وقيل :ذبيحتي للحج والعمرة
" ومحياى ومماتي " أي حياتي وموتي " ل رب العالمين " وإنما جمع
بين صلته وحياته وأحدهما من فعله والخر من فعل ال ،فانهما جميعا
بتدبير ال تعالى ،وقيل :معناه صلتي ونسكي له عبادة وحياتي ومماتي له
ملكا وقدرة ،وقيل :إن عبادتي له لنها بهدايته ولطفه ،ومحياي ومماتي
له ،لنهما بتدبيره وخلقه ،وقيل :معنى قوله " :محياي ومماتي ل " أن
العمال الصالحة التي تتعلق بالحياة في فنون الطاعات وما يتعلق بالممات
من الوصية والختم بالخيرات ل ،وفيه تنبيه على أنه ل ينبغي أن يكون
النسان حياته لشهوته ومماته لورثته " ل شريك له " أي ل ثاني له في
اللهية ،وقيل :ل شريك له في العبادة ،وفي الحياء والماتة " وبذلك
امرت " أي وبهذا أمرني ربي " وأنا أول المسلمين " من هذه المة
انتهى ) .(3وأقول :يمكن أن يكون المراد بقوله " :محياي ومماتي ل "
أني جعلت إرادتي ومحبتي موافقتين لرادة ال ومحبته في جميع المور،
حتى في الحياة والممات ،فان أراد ال حياتي لأطلب الموت ،وإذا أراد
موتي لأكرهها ول أشتهي الحياة " .يريدون وجهه " ) (4قال الطبرسي
رحمه ال :يعني يطلبون ثواب ال
) (1النعام (2) .79 :النعام (3) .163 :مجمع البيان ج 4ص (4) .391النعام:
.52
][221
ويعملون ابتغاء مرضاته ،ل يعدلون بال شيئا عن عطا ،قال الزجاج :شهد ال لهم
بصدق النيات وأنهم مخلصون في ذلك له ،أي يقصدون الطريق الذي
أمرهم بقصده ،فكأنه ذهب في معنى الوجه إلى الجهة والطريق ) .(1وقال
في قوله تعالى " :وادعوه مخلصين له الدين " :هذا أمر بالدعاء
والتضرع إليه سبحانه على وجه الخلص أي ارغبوا إليه في الدعاء بعد
إخلصكم له الدين ،وقيل :معناه واعبدوه مخلصين له اليمان ) " .(2من
عبادنا المخلصين " ) (3قرئ بفتح اللم أي المصطفين المختارين للنبوة
وبكسرها أي المخلصين في العبادة والتوحيد ،أي من عبادنا الذين أخلصوا
الطاعة ل وأخلصوا أنفسهم ل " .أن ل تعبدوا إل إياه " ) (4كأنه شامل
للشرك الخفي أيضا " .يريدون وجهه " في المجمع :أي رضوانه وقيل:
تعظيمه والقربة إليه دون الرئاء والسمعة ) " .(5فمن كان يرجو لقاء ربه
" ) (6قال رحمه ال :أي فمن كان يطمع في لقاء ثواب ربه ويأمله ويقر
بالبعث إليه والوقوف بين يديه ،وقيل :معناه فمن كان يخشى لقاء عقاب
ربه ،وقيل :إن الرجاء يشتمل على كلم المعنيين الخوف والمل " فليعمل
عمل صالحا " أي خالصا ل تعالى يتقرب به إليه " ول يشرك بعبادة ربه
أحدا " غيره من ملك أو بشر أو حجر أو شجر عن الحسن ،وقيل :معناه ل
يرائي عبادته أحدا وقال مجاهد :جاء رجل إلى النبي صلى ال عليه وآله
فقال :إني أتصدق وأصل
) (1مجمع البيان ج 4ص (2) .306مجمع البيان ج 4ص 411في آية العراف:
(3) .28يوسف (4) .24 :أسرى (5) .23 :مجمع البيان ج 6ص 465
في آية الكهف (6) .28 :الكهف(*) .111 :
][222
الرحم ول أصنع ذلك إل ل فيذكر ذلك مني واحمد عليه فيسرني ذلك وأعجب به،
فسكت رسول ال صلى ال عليه وآله ولم يقل شيئا فنزلت الية ،قال عطا:
عن ابن عباس إن ال تعالى قال :ول يشرك ]بعبادة ربه أحدا ولم يقل ول
يشرك[ به لنه أراد العمل الذي يعمل ل ،ويحب أن يحمد عليه ،قال:
ولذلك يستحب للرجل أن يدفع صدقته إلى غيره ليقسمها كيل يعظمه من
يصله بها .وروي عن النبي صلى ال عليه وآله أنه قال :قال ال عزوجل:
أنا أغنى الشركاء عن الشرك ،فمن عمل عمل أشرك فيه غيري فأنا منه
برئ ،فهو للذي أشرك ،أورده مسلم في الصحيح وروي عن عبادة بن
الصامت وشداد بن أوس قال :سمعنا رسول ال صلى ال عليه وآله يقول:
من صلى صلة يرائي بها فقد أشرك ،ومن صام صوما يرائي به ،فقد
أشرك ،ثم قرأ هذه الية ،وروي أن أبا الحسن الرضا عليه السلم دخل
يوما على المأمون فرآه يتوضأ للصلة والغلم يصب على يده الماء ،فقال:
ل تشرك بعبادة ربك أحدا ،فصرف المأمون الغلم ،وتولى إتمام وضوئه
بنفسه وقيل :إن هذه الية آخر آية نزلت من القرآن انتهى ) .(1وأقول:
الرواية الخيرة تدل على أن المراد بالشرك هنا الستعانة في العبادة ،وهو
مخالف لسائر الخبار ،ويمكن الجمع بحملها على العم منها فان الخلص
التام هو أن ل يشرك في القصد ول في العمل غيره سبحانه " .إنه كان
مخلصا " ) (2في المجمع أخلص العبادة ل أو أخلص نفسه لداء الرسالة
" وقربناه نجيا " أي مناجيا كليما قال ابن عباس :قربه ال وكلمه ،ومعنى
هذا التقريب أنه أسمعه كلمه وقيل :قربه حتى سمع صرير القلم الذي
كتبت به التوراة ،وقيل :وقربناه أي ورفعنا منزلته وأعلينا محله حتى صار
محله منا في الكرامة والمنزلة محل من قربه موله في مجلس كرامته،
فهو تقريب كرامة واصطفاء ل تقريب مسافة وإدناء ،إذ هو سبحانه ل
يوصف بالحلول في مكان فيقرب
) (1مجمع البيان ج 6ص 499وما بين العلمتين أضفناه من المصدر (2) .مريم:
.51
][223
عن بعد أو يبعد عن قرب ،أو يكون أحد أقرب إليه من غيره ) " .(1حنفاء ل " أي
مستقيمي الطريقة على ما أمر ال ،مائلين عن سائر الديان " غير
مشركين به " أي حجاجا مخلصين ،وهم مسلمون موحدون كذا في
المجمع ) (2وفي التفسير عن الصادق عليه السلم غير مشركين به في
التوحيد ،عن الباقر عليه السلم أنه سئل عنه وعن الحنيفية فقال :هي
الفطرة التي فطر الناس عليها " ل تبديل لخلق ال " قال :فطرهم ال على
المعرفة ) " .(3للذين يريدون وجه ال " ) (4أي الذين يقصدون
بمعروفهم إياه خالصا من دون رئاء وسمعة " واولئك هم المفلحون " أي
الفائزون بثواب ال " .ومن يسلم وجهه إلى ال " في المجمع :أي ومن
يخلص دينه ل ويقصد في أفعاله التقرب إلى ال " وهو محسن " فيها
فيفعلها على موجب العلم ومقتضى الشرع ،وقيل :إسلم الوجه إلى ال
تعالى هو النقياد إليه في أوامره ونواهيه وذلك يتضمن العلم والعمل "
فقد استمسك " أي فقد تعلق بالعروة الوثيقة التي ل يخشى انفصامها "
وإلى ال عاقبة المور " أي وعند ال ثواب ما صنع والمعنى وإلى ال
يرجع أواخر المور ،على وجه ل يكون لحد التصرف فيها بالمر والنهي
انتهى ) " .(5إل عباد ال المخلصين " ) (6بالكسر أي الذين تنبهوا
بانذارهم فأخلصوا دينهم ل ،وبالفتح أي الذين أخلصهم ال لدينه ،وعلى
التقديرين الستثناء منقطع وعن الباقر عليه السلم عن النبي صلى ال
عليه وآله " لهم رزق معلوم " قال يعلمه الخدام فيأتون به
) (1مجمع البيان ج 6ص (2) .518مجمع البيان ج 7ص 82والية في سورة
الحج (3) .31 :راجع الكافي ج 2ص 12و (4) .13الروم(5) .38 :
مجمع البيان ج 8ص ،321في آية لقمان (6) .22 :الصافات.40 :
][224
أولياء ال قبل أن يسألوهم إياه وأما قوله " فواكه وهم مكرمون " قال :فانهم ل
يشتهون شيئا في الجنة إل اكرموا به " .مخلصين له الدين " ) (1من
الشرك الجلي بل الخفي أيضا " .فا عبد ال مخلصا له الدين " ) (2في
المجمع من شرك الوثان والصنام والخلص أن يقصد العبد بنيته وعمله
إلى خالقه ل يجعل ذلك لغرض الدنيا " أل ل الدين الخالص " والخالص
هو ما ل يشوبه الرئاء والسمعة ،ول وجه من وجوه الدنيا ،وقيل معناه أل
ل الطاعة بالعبادة التي يستحق بها الجزاء ،فهذا ل وحده ،ل يجوز أن
يكون لغيره ،وقيل :هو العتقاد الواجب في التوحيد والعدل والنبوة
والقرار بها والعمل بموجبها والبراءة ،من كل دين سواها ) .(3وقال في
قوله تعالى " :مخلصا له الدين " أي موحدا له ل أعبد معه سواه والعبادة
الخالصة هي التي ل يشوبها شئ من المعاصي " وامرت " أيضا " لن
أكون أول المسلمين " فيكون لي فضل السبق " .مخلصا له ديني "
وطاعتي انتهى ) " (4فاعبدوا ما شئتم من دونه " تهديد وخذلن" .
ضرب ال مثل " ) (5أي للمشرك والموحد " متشاكسون " أي
متنازعون مختلفون " ورجل سلما لرجل " أي خالصا لواحد ليس لغيره
عليه سبيل ،قيل :مثل المشرك على ما يقتضيه مذهبه من أن يدعي كل
واحد من معبوديه عبوديته ويتنازعون فيه ،بعبد يتشارك فيه جمع
يتجاذبونه ويتعاورونه في مهامهم المختلفة ،في تحيره وتوزع قلبه:
والموحد بمن خلص لواحد ليس لغيره عليه سبيل .وأقول :قد مرت الخبار
الكثيرة في أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلم وغاصبي
) (1المؤمن ،14 :لكنه مؤخر عن سورة الزمر (2) .الزمر 2 :و (3) .3مجمع
البيان ج 8ص (4) .488مجمع البيان ج 8ص ،493في آية الزمر:
(5) .14 - 12الزمر.29 :
][225
حقه ) (1وعلى التقادير يشعر بذم الشرك الخفي فان من أشركه في عبادته له
نصيب فيها ولذا يقول ال له يوم القيامة أنا أغنى الشركاء خذ ثواب
عبادتك ممن أشركته معي " .من كان يريد حرث الخرة " ) (2أي ثوابها،
شبهه بالزرع من حيث إنه فائدة تحصل بعمل الدنيا ،ولذلك قيل " :الدنيا
مزرعة الخرة " " نزد له في حرثه " فنعطه بالواحد عشرا إلى سبعمائة
فما فوقها " ومن كان يريد حرث الدنيا " أي بعمله نفع الدنيا " نؤته منها
" أي شيئا منها على ما قسمنا له ،ويحتمل أن يصير سببا لزيادة المنافع
الدنيوية " وما له في الخرة من نصيب " لبطلنه وإنما العمال بالنيات،
وإنما لكل امرئ ما نوى وفي التفسير عن الصادق عليه السلم المال
والبنون حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الخرة ،وقد يجمعهما ال لقوام.
وفي الكافي عنه عليه السلم من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في
الخرة نصيب ،ومن أراد به خير الخرة أعطاه ال خير الدنيا والخرة )
.(3وفي المجمع عن النبي صلى ال عليه وآله :من كانت نيته الدنيا فرق
ال عليه أمره وجعل الفقر بين عينيه ،ولم يأته من الدنيا إل ماكتب له،
ومن كانت نيته الخرة جمع ال شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا
وهي راغمة ) .(4وفي الكافي عن الصادق عليه السلم في قوله تعالى" :
من كان يريد حرث الخرة " .قال :معرفة أمير المؤمنين عليه السلم
والئمة عليهم السلم ،قيل " :نزد له في حرثه " قال :نزيده منها يستوفي
نصيبه من دولتهم " ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في
الخرة من نصيب " قال :ليس له في دولة الحق مع المام نصيب ).(5
) (1راجع ج 24ص 160و (2) .161الشورى (3) .20 :الكافي ج 1ص ،46
باب المستأكل بعلمه (4) .مجمع البيان ج 9ص (5) .27الكافي ج 1ص
.436
][226
" وأن المساجد ل " ) (1في الخبار الكثيرة أنها المساجد التي يسجد عليها،
وقيل :المساجد المعروفة ،وقيل :كل الرض " فل تدعوا مع ال أحدا "
أي ل تشركوا في دعائه وعبادته غيره " .إنما نطعمكم لوجه ال " )(2
أي لطلب رضاه خالصا له مخلصا من الرئاء وطلب الجزاء " ل نريد منكم
جزاء ول شكورا " روى الصدوق رحمه ال في مجالسه باسناده عن
الصادق عليه السلم في حديث طويل يذكر فيه سبب نزول سورة هل أتى
في أصحاب الكساء عليهم السلم " ويطعمون الطعام على حبه " يقول:
على شهوتهم للطعام وإيثارهم له " مسكينا " من مساكين المسلمين "
ويتيما " من يتامى المسلمين " واسيرا " من اسارى المشركين،
ويقولون إذا أطعموهم " انما نطعمكم لوجه ال ل نريد منكم جزاء ول
شكورا " قال :وال ما قالوا هذا لهم ،ولكنهم أضمروه في أنفسهم فأخبر
ال بأضمارهم ،يقولون :ل نريد جزاء تكافؤننا به ول شكورا تثنون علينا
به ،ولكنا إنما أطعمناكم لوجه ال وطلب ثوابه انتهى ) " .(3إنا نخاف من
ربنا يوما عبوسا " أي تعبس فيه الوجوه " قمطريرا " أي شديد العبوس.
" يؤتي ماله " ) (4في المجمع أي ينفقه في سبيل ال " يتزكى " يطلب
أن يكون عند ال زكيا ل يطلب بذلك رئاء ول سمعة " وما لحد عنده من
نعمة تجزى " أي ولم يفعل التقى ما فعله من إيتاء المال وإنفاقه في سبيل
ال ليد اسديت إليه يكافئ عليها ول ليد يتخذها عند أحد من الخلق " إل
ابتغاء وجه ربه العلى " أي ولكنه فعل ما فعل يبتغي به وجه ال ورضاه
وثوابه " ولسوف يرضى " أي ولسوف يعطيه ال من الجزاء والثواب ما
يرضى به فانه يعطيه كل ما تمنى ،وما
) (1الجن (2) .20 - 18الدهر (3) .9 :أمالى الصدوق ص (4) .157 - 155
الليل.17 :
][227
لم يخطر بباله فيرضى به ل محالة انتهى ) " .(1مخلصين له الدين " ) (2أي ل
يشركون به شيئا " حنفاء " مائلين عن العقائد الزائغة - 1 .سن :عن
أبيه ،عن يونس بن عبد الرحمن ،عن عبد ال بن مسكان ،عن أبي عبد
ال عليه السلم في قول ال " :حنيفا مسلما " قال :خالصا مخلصا ل
يشوبه شئ ) - 2 .(3كا :علي بن إبراهيم ،عن محمد بن عيسى ،عن
يونس مثله إل أن فيه ليس فيه شئ من عبادة الوثان ) .(4بيان :الحنيف
المائل إلى الدين الحق وهو الدين الخالص ،والمسلم المنقاد ل في جميع
أوامره ونواهيه ،ولما قال سبحانه " :ماكان إبراهيم يهوديا ول نصرانيا
ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين " ) (5وجعل الحنيف
المسلم في مقابلة المشرك ،فلذا فسر عليه السلم الحنيف أو الحنيف
المسلم بمن كان خالصا ل ،مخلصا عمله من الشرك الجلي والخفي،
فالوثان أعم من الوثان الحقيقية والمجازية ،فتشمل عبادة الشياطين في
إغوائها ،وعبادة النفس في أهوائها كما قال تعالى " :ألم أعهد إليكم يا بني
آدم أن ل تعبدوا الشيطان " ) (6وقال سبحانه " :أرأيت من اتخذ إلهه
هواه " ) (7وقال عزوجل " :اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون
ال " ) (8وقال رسول ال صلى ال عليه وآله :معلون من عبد الدينار
والدرهم.
) (1مجمع البيان ج 10ص (2) .502البينة (3) .5 :المحاسن ص (4) .251
الكافي ج 2ص (5) .15آل عمران (6) .67 :يس (7) .60 :الفرقان:
(8) .43براءة.31 :
][228
- 3سن :عن أبيه عمن رفعه إلى أبي جعفر عليه السلم قال :قال رسول ال صلى
ال عليه وآله :يا أيها الناس إنما هو ال والشيطان ،والحق والباطل،
والهدى والضلل ،والرشد والغي ،والعاجلة والعاقبة ،والحسنات
والسيئات ،فما كان من حسنات فلله ،وما كان من سيئات فللشيطان )4 .(1
-كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن أبيه مثله إل أن فيه والضللة والعاجلة
والجلة والعاقبة ) .(2بيان " :إنما هو ال " الضمير راجع إلى المقصود
في العبادة أو العم منه ومن الباعث عليها ،أو الموجود في الدنيا
والمقصود فيها ،والغرض أن الحق والهدى والرشد والرعاية الجلة
والحسنات منسوب إلى ال ،وأضدادها منسوبة إلى الشيطان ،فما كان
خالصا ل فهو من الحسنات ،وما كان للشيطان فيه مدخل فهو من
السيئات ،ففي الكلم شبه قلب ،أو المعنى أن الرب تعالى والحق والهدى
والرشد والجلة والحسنات في جانب وأضدادها في جانب آخر فالحسنات
ما يكون موافقا للحق ومعلوما بهداية ال ،ويكون سببا للرشد والمنظور
فيه الدرجات الخروية دون اللذات الدنيوية وقربه تعالى ،فهو منسوب إلى
ال ،وإل فهو من خطوات الشيطان ووساوسه .والرشد ما يوصل إلى
السعادة البدية والغي ما يؤدي إلى الشقاوة السرمدية والعاقبة عطف
تفسير للجلة على رواية الكافي ،وكان المناسب لترتيب سائر الفقرات
تقديم الجلة على العاجلة ،ولعله عليه السلم إنما غير السلوب لن الجلة
بعد العاجلة .قال بعض المحققين :اريد بالحسنات والسيئات العمال
الصالحة والسيئة المترتبتان على المور الثمانية الناشئتان منها ،فما كان
من حسنات يعني مانشأ من الحق والهدى والرشد ورعاية العاقبة من
العمال الصالحة ،وما كان من سيئات
][229
يعني مانشأ من الباطل والضللة والغي ورعاية العاجلة من العمال السيئة ،فكل
من عمل عمل من الخير طاعة ل آتيا فيه بالحق على هدى من ربه،
ورشدة من أمره ،ولعاقبة أمره ،فهو حسنة يتقبله ال بقبول حسن ،ومن
عمل عمل من الخير والشر طاعة للشيطان ،آتيا فيه بالباطل ،على ضللة
من نفسه ،وغي من أمره ولعاجلة أمره ،فهو سيئة مردود إلى من عمل
له ،ومن عمل عمل مركبا من أجزاء بعضها ل ،وبعضها للشيطان ،فما
كان ل فهو ل ،وما كان للشيطان فهو للشيطان ،فمن يعمل مثقال ذرة
خيرا يره ،ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ،فان أشرك بال الشيطان في
عمله أو في جزء من عمله ،فهو مردود إليه لن ال ل يقبل الشريك كما
يأتي بيانه في باب الرئاء إنشاء ال .وربما يقال :إن كان الباعث اللهي
مساويا للباعث الشيطاني تقاوما وتساقطا وصار العمل ل له ول عليه،
وإن كان أحدهما غالبا على الخر بأن يكون أصل وسببا مستقل ،ويكون
الخر تبعا غير مستقل ،فالحكم للغالب إل أن ذلك مما يشتبه على النسان
في غالب المر ،فربما يظن أن الباعث القوى قصد التقرب ويكون الغلب
على سره الحظ النفساني ،فل يحصل المن إل بالخلص وقلما يستيقن
الخلص من النفس ،فينبغي أن يكون العبد دائما مترددا بين الرد والقبول،
خائفا من الشوائب ،وال الموفق للخير والسداد - 5 .كا :عن العدة عن
سهل ،عن علي بن أسباط ،عن أبي الحسن الرضا عليه السلم أن أمير
المؤمنين صلوات ال عليه كان يقول :طوبى لمن أخلص ل العبادة
والدعاء ،ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه ،ولم ينس ذكر ال بما تسمع اذناه،
ولم يحزن صدره بما اعطي غيره ) .(1بيان " :طوبى " أي الجنة ،أو
طيبها ،أو شجرة فيها كما ورد في الخبر أو العيش الطيب ،أو الخير " لمن
أخلص ل العبادة والدعاء " ،أي لم يعبد ولم يدع غيره تعالى ،أو كان
غرضه من العبادة والدعاء رضي ال سبحانه من غير رئاء.
][230
" بما ترى عيناه " أي من زخارف الدنيا ومشتهياتها والرفعة والملك فيها " ولم
ينس ذكر ال " بالقلب واللسان " وبما تسمع اذناه " من الغنا وأصوات
الملهي وذكر لذات الدنيا والشهوات والشبهات المضلة والراء المبتدعة،
والغيبة والبهتان ،وكل ما يلهي عن ال " ولم يحزن صدره بما اعطي
غيره " من أسباب العيش وحرمها والتصاف بهذه الصفات العلية إنما
يتيسر لمن قطع عن نفسه العلئق الدنية ،وفي الخبر إشعار بأن الخلص
في العبادة ل يحصل إل لمن قطع عروق حب الدنيا من قلبه ،كما سيأتي
تحقيقه إنشاء ال - 6 .كا :علي ،عن أبيه ،عن القاسم بن محمد ،عن
المنقري ،عن سفيان بن عيينة ،عن أبي عبد ال عليه السلم في قول ال
عزوجل " :ليبلوكم أيكم أحسن عمل " ) (1قال :ليس يعني أكثركم عمل،
ولكن أصوبكم عمل ،وإنما الصابة خشية ال والنية الصادقة والخشية )
(2ثم قال :البقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل .والعمل
الخالص :الذي ل تريد أن يحمدك عليه أحد إل ال عزوجل ،والنية أفضل
من العمل أل وإن النية هي العمل ثم تل قوله عزوجل " :قل كل يعمل على
شاكلته " ) (3يعني على نيته ) .(4تبيين :قوله " :ليبلوكم " إشارة إلى
قوله تعالى " :تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير * الذي خلق
الموت والحيوة ليبلوكم أيكم أحسن عمل " " تبارك " أي تكاثر خيره من
البركة وهي كثرة الخير أو تزايد عن كل شئ وتعالى عنه في صفاته
وأفعاله ،فان البركة تتضمن معنى الزيادة " الذي بيده الملك " أي بقبضة
قدرته التصرف في المور كلها " الذي خلق الموت والحيوة " أي قدرهما
أو أوجدهما وفيه دللة على أن الموت أمر وجودي ،والمراد بالموت
) (1الملك (2) .2 :والحسنة خ ل (3) .أسرى (4) .84 :الكافي ج 2ص .16
][231
الموت الطارئ على الحياة ،أو العدم الصلي فانه قد يسمى موتا أيضا كما قال
تعالى " :كنتم أمواتا فأحياكم " ) (1وتقديمه على الول لنه أدعى إلى
حسن العمل وأقوى في ترك الدنيا ولذاتها ،وعلى الثاني ظاهر لتقدمه "
ليبلوكم " أي ليعاملكم معاملة المختبر " أيكم " مفعول ثان لفعل البلوى
باعتبار تضمينه معنى العلم .ووجه التعليل أن الموت داع إلى حسن العمل،
لكمال الحتياج إليه بعده وموجب لعدم الوثوق بالدنيا ولذاتها الفانية،
والحياة نعمة تقتضي الشكر ويقتدر بها على العمال الصالحة .وإن اريد
به العدم الصلي فالمعنى أنه نقلكم منه وألبسكم لباس الحياة لذلك الختبار،
ولما كان اتصافنا بحسن العمل يتحقق بكثرة العمل تارة وباصابته وشدة
رعاية شرائطه اخرى نفى الول بقوله " ليس يعني أكثركم عمل " لن
مجرد العمل من غير خلوصه وجودته ليس أمرا يعتد به بل هو تضييع
للعمر ،وأثبت الثاني بقوله " ولكن أصوبكم عمل " لن صواب العمل
وجودته وخلوصه من الشوائب ،ويوجب القرب منه تعالى ،وله درجات
متفاوتة يتفاوت القرب بحسبها .واسم ليس في قوله " ليس يعني "
ضمير عائد إلى ال عزوجل أو ضمير شأن وجملة " يعني " خبرها .ثم
بين الصابة وحصرها في أمرين بقوله " إنما الصابة خشية ال والنية
الصادقة " وذكر الخشية ثانيا لعله من الرواة أو النساخ ،فليست في بعض
النسخ ولو صحت يكون معناه خشية أن ل يقبل كما سيأتي في الخبر وهو
غير خشية ال ،أو يقال :النية الصادقة مبتدأ والخشية معطوف عليه
والخبر محذوف أي مقرونتان أو الخشية منصوب ليكون مفعول معه
فيكون الحاصل أن مدار الصابة على الخشية وتلزمها النية الصادقة وفي
بعض النسخ " والحسنة " أي كونه موافقا لمره تعالى ول يكون فيه
بدعة وفي أسرار الصلة للشهيد الثاني رحمه ال والنية الصادقة الحسنة
وهو أصوب.
) (1البقرة.28 :
][232
والحاصل أن العمدة في قبول العمل بعد رعاية أجزاء العبادة وشرائطها المختصة،
النية الخالصة والجتناب عن المعاصي كما قال تعالى " :فمن كان يرجو
لقاء ربه فليعمل عمل صالحا ول يشرك بعبادة ربه أحدا " ) (1وقال
سبحانه " :إنما يتقبل ال من المتقين " ) .(2قال الشيخ البهائي قدس
سره :المراد بالنية الصادقة انبعاث القلب نحو الطاعة ،غير ملحوظ فيه
شئ سوى وجه ال سبحانه ،ل كمن يعتق عبده مثل ملحظا مع القربة
الخلص من مؤنته أو سوء خلقه أو يتصدق بحضور الناس لغرض الثواب
والثناء معا ،بحيث لو كان منفردا لم يبعثه مجرد الثواب على الصدقة ،وإن
كان يعلم من نفسه أنه لول الرغبة في الثواب لم يبعثه مجرد الرئاء على
العطاء .ول كمن له ورد في الصلة وعادة في الصدقات ،واتفق أن حضر
في وقتها جماعة فصار الفعل أخف عليه وحصل له نشاط ما بسبب
مشاهدتهم ،وإن كان يعلم من نفسه أنهم لو لم يحضروا أيضا لم يكن يترك
العمل أو يفتر عنه البتة .فأمثال هذه المور مما يخل بصدق النية،
وبالجملة فكل عمل قصدت به القربة وانضاف إليه حظ من حظوظ الدنيا
بحيث تركب الباعث عليه من ديني ونفسي فنيتك فيه غير صادقة ،سواء
كان الباعث الديني أقوى من الباعث النفسي أو أضعف أو مساويا .قال في
مجمع البيان " :ليبلوكم أيكم أحسن عمل " أي ليعاملكم معاملة المختبر
بالمر والنهي فيجازي كل عامل بقدر عمله ،وقيل :ليبلوكم أيكم أكثر
للموت ذكرا وأحسن له استعدادا وأحسن صبرا على موته وموت غيره
وأيكم أكثر امتثال للوامر واجتنابا من النواهي في حال حياته ،قال أبو
قتادة:
][233
سألت رسول ال صلى ال عليه وآله عن قوله تعالى " :أيكم أحسن عمل " ما
عنى به ؟ فقال :يقول :أيكم أحسن عقل ،ثم قال صلى ال عليه وآله :أتمكم
عقل وأشدكم ل خوفا وأحسنكم فيما أمر ال به ونهى عنه نظرا ،وإن كان
أقلكم تطوعا .وعن ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وآله أنه تل قوله" :
تبارك الذي بيده الملك " إلى قوله " :أيكم أحسن عمل " ثم قال :أيكم
أحسن عقل وأورع عن محارم ال وأسرع في طاعة ال ،وعن الحسن
أيكم أزهد في الدنيا وأترك لها انتهى ) .(1وفي القاموس الصواب ضد
الخطا كالصابة ،وقال :الصابة التيان بالصواب وإرادته .والبقاء على
العمل محافظته والشفاق عليه وحفظ عن الفساد ،قال :الجوهري أبقيت
على فلن إذا أرعيت عليه ]ورحمته[ ،يقال :ل أبقى ال عليك إن أبقيت
على ،والسم منه البقيا انتهى .والحاصل أن رعاية العمل وحفظه عند
الشروع وبعده إلى الفراغ منه ،وبعد الفراغ إلى الخروج من الدنيا حتى
يخلص عن الشوائب الموجبة لنقصه أو فساده أشد من العمل نفسه ،كما
سيأتي في باب الرئاء عن أبي جعفر عليه السلم أنه قال :البقاء على
العمل أشد من العمل ،قال :وما البقاء على العمل ؟ قال :يصل الرجل بصلة
وينفق نفقة ل وحده ل شريك له فتكتب له سرا ثم يذكرها فتمحى وتكتب
له علنية ثم يذكرها فتمحى فتكتب له رئاء ،ومن عرف معنى النية
وخلوصها علم أن إخلص النية أشد من جميع العمال كما سيأتي تحقيقه
إنشاء ال .ثم بين عليه السلم معنى العمل الخالص بأنه هو العمل الذي ل
تريد أن يحمدك عليه أحد إل ال عزوجل ،ل عند الفعل ،ول بعده ،أي يكون
خالصا عن أنواع الرئاء والسمعة وقد يقال :لو كان سروره باعتبار أن ال
تعالى قبل عمله حيث أظهر جميله كما روي في الحديث القدسي عملك
الصالح عليك ستره وعلي أظهاره أو باعتبار أنه استدل باظهار جميله في
الدنيا على إظهار جميله في الخرة أو باعتبار رغبتهم إلى طاعة ال وميل
قلوبهم إليها ،لم يقدح ذلك في الخلوص
][234
وإنما يقدح فيه إن كان لرفع منزلته عند الناس ،وتعظيمهم واستجلب الفوائد منهم
فانه بذلك يصير مرائيا مشركا بالشرك الخفي وبه يحبط عمله ،وهذا الكلم
له جهة صدق لكن قلما تصدق النفس في ذلك ،فان لها حيل وتسويلت
لينجو منها إل المقربون .وقال الشيخ البهائي روح ال روحه :الخالص
في اللغة كلما صفا وتخلص ولم يمتزج بغيره ،سواء كان ذلك الغير أدون
منه أول ،فمن تصدق لمحض الرياء فصدقته خالصة لغة كمن تصدق
لمحض الثواب ،وقد خص العمل الخالص في العرف بما تجرد قصد التقرب
فيه عن جميع الشوائب وهذا التجريد يسمى إخلصا وقد عرفه أصحاب
القلوب بتعريفات اخر ،فقيل هو تنزيه العمل عن أن يكون لغير ال فيه
نصيب ،وقيل :إخراج الخلق عن معاملة الحق وقيل :هو ستر العمل عن
الخليق وتصفيته عن العليق ،وقيل :أن ل يريد عامله عليه عوضا في
الدارين ،وهذه درجة علية عزيزة المنال قد أشار إليها أمير المؤمنين عليه
السلم بقوله :ما عبدتك خوفا من نارك ،ول طمعا في جنتك ،ولكن وجدتك
أهل للعبادة فعبدتك .وقال رحمه ال :ذهب كثير من علماء الخاصة والعامة
إلى بطلن العبادة إذا قصد بفعلها تحصيل الثواب ،أو الخلص من العقاب،
وقالوا :إن هذا القصد مناف للخلص ،الذي هو إرادة وجه ال وحده ،وأن
من قصد ذلك فانه قصد جلب النفع إلى نفسه ،ودفع الضرر عنها ل وجه
ال سبحانه ،كما أن من عظم شخصا أو أثنى عليه طمعا في ماله أو خوفا
من إهانته ل يعد مخلصا في ذلك التعظيم والثناء .وممن بالغ في ذلك السيد
الجليل صاحب المقامات والكرامات رضي الدين علي بن طاوس قدس ال
روحه ،ويستفاد من كلم شيخنا الشهيد في قواعده أنه مذهب أكثر
أصحابنا رضوان ال عليهم .ونقل الفخر الرازي في التفسير الكبير اتفاق
المتكلمين على أن من عبد ال لجل الخوف من العقاب أو الطمع في
الثواب لم تصح عبادته ،أورده عند تفسير قوله تعالى " ادعوا ربكم
تضرعا وخفية " ) (1وجزم في أوائل تفسير الفاتحة
][235
بأنه لو قال اصلي لثواب ال أو الهرب من عقابه فسدت صلته ،ومن قال بأن ذلك
القصد غير مفسد للعبادة ،منع خروجها به عن درجة الخلص ،وقال إن
إرادة الفوز بثواب ال والسلمة من سخطه ليس أمرا مخالفا لرادة وجه
ال سبحانه ،وقد قال تعالى في مقام مدح أصفيائه " كانوا يسارعون في
الخيرات ويدعوننا رغبا و رهبا " ) (1أي للرغبة في الثواب والرهبة من
العقاب ،وقال سبحانه " وادعوه خوفا وطمعا " ) (2وقال تعالى " يا أيها
الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون "
) (3أي حال كونهم راجين للفلح أو لكي تفلحوا والفلح هو الفوز
بالثواب ،نص عليه الشيخ أبو علي الطبرسي رحمه ال .هذا ما وصل إلينا
من كلم هؤلء وللمناقشة فيه مجال أما قولهم إن تلك الرادة ليست
مخالفة لرادة وجه ال تعالى فكلم ظاهري قشري إذا لبون البعيد بين
إطاعة المحبوب والنقياد إليه لمحض حبه وتحصيل رضاه ،وبين إطاعته
لغراض اخر أظهر من الشمس في رابعة النهار ،والثانية ساقطة بالكلية
عن درجة العتبار عند اولي البصار .وأما العتضاد باليتين الوليين
ففيه أن كثيرا من المفسرين ذكروا أن المعنى راغبين في الجابة راهبين
من الرد والخيبة وأما الية الثالثة فقد ذكر الطبرسي رحمه ال في مجمع
البيان أن معنى لعلكم تفلحون :لكي تسعدوا ،ول ريب أن تحصيل رضاه
سبحانه هو السعادة العظمى ،وفسر ،رحمه ال الفلح في قوله تعالى "
اولئك هم المفلحون " بالنجاح والفوز ،وقال شيخ الطائفة في التبيان:
المفلحون هم المنجحون الذين أدركوا ما طلبوا من عند ال بأعمالهم
وإيمانهم ،وفي تفسير البيضاوي المفلح الفائز بالمطلوب ،ومثله في
الكشاف نعم فسر الطبرسي رحمه ال الفلح في قوله " :قد أفلح
المؤمنون " بالفوز بالثواب ،لكن مجيئه في هذه الية بهذا المعنى ل
يوجب
][236
حمله في غيرها أيضا عليه ،وعلى تقدير حمله على هذا المعنى إنما يتم التقريب لو
جعلت جملة الترجي حالية ولو جعلت تعليلية كما جعله الطبرسي فل دللة
فيها على ذلك المدعى أصل كما ل يخفى .هذا والولى أن يستدل بما رواه
الكليني بطريق حسن عن أبي عبد ال عليه السلم قال :العباد ثلثة :قوم
عبدوا ال عزوجل خوفا فتلك عبادة العبيد ،وقوم عبدوا ال تبارك وتعالى
طلبا للثواب فتلك عبادة الجراء ،وقوم عبدوا ال حبا له فتلك عبادة
الحرار ،وهي أفضل العبادة ) (1فان قوله عليه السلم " :وهي أفضل
العبادة " يعطي أن العبادة على الوجهين السابقين ل يخلو من فضل أيضا
فتكون صحيحة وهو المطلوب .ثم قال رحمه ال :المانعون في نية العبادة
من قصد تحصيل الثواب أو دفع العقاب جعلوا هذا القصد مفسدا لها وإن
انضم إليه قصد وجه ال تعالى على ما يفهم من كلمهم أما بقية الضمائم
اللزمة الحصول مع العبادة نويت أو لم تنو كالخلص من النفقة بعتق
العبد في الكفارة والحمية في الصوم والتبرد في الوضوء وإعلم المأموم
الدخول في الصلة بالتكبير ،ومماطلة الغريم بالتشاغل في الصلة،
وملزمته بالطواف والسعي ،وحفظه المتاع بالقيام لصلة الليل وأمثال ذلك
فالظاهر أن قصدها عندهم مفسد أيضا بالطريق الولى .وأما الذين ل
يجعلون قصد الثواب مفسدا فقد اختلفوا في الفساد بأمثال هذه الضمائم
فأكثرهم على عدمه ،وبه قطع الشيخ في المبسوط ،والمحقق في المعتبر،
والعلمة في التحرير والمنتهى ،لنها تحصل ل محالة فل يضر قصدها
وفيه أن لزوم حصولها ل يستلزم صحة قصد حصولها والمتأخرون من
أصحابنا حكموا بفساد العباد بقصدها ،وهو مذهب العلمة في النهاية
والقواعد وولده فخر المحققين في الشرح وشيخنا الشهيد في البيان لفوت
الخلص وهو الصح .واحتمل شيخنا الشهيد في قواعده التفصيل بأن
القربة إن كانت هي المقصود
) (1الكافي ج 2ص .84
][237
بالذات ،والضميمة مقصودة تبعا صحت العبادة ،وإن انعكس المر أو تساويا بطلت،
هذا .واعلم أن الضميمة إن كانت راجحة ،ولحظ القاصد رجحانها وجوبا
أو ندبا كالحمية في الصوم لوجوب حفظ البدن والعلم بالدخول في
الصلة للتعاون على البر فينبغي أن ل تكون مضرة إذ هي حينئذ مؤكدة،
وإنما الكلم في الضمائم غير الملحوظة الرجحان ،فصوم من ضم قصد
الحمية مطلقا صحيح مستحبا كان الصوم أو واجبا ،معينا كان الواجب أو
غير معين ،ولكن في النفس من صحة غير المعين شئ ،وعدمها محتمل،
وال أعلم .قوله عليه السلم " :والنية أفضل من العمل " أي النية
الخالصة أو إخلص النية أفضل من العمل ،والنية تطلق على إرادة إيقاع
الفعل ،وعلى الغرض الباعث على الفعل ،وعلى العزم على الفعل،
والولتان مقارنتان للفعل دون الثالثة ،والولى ل تنفك فعل الفاعل المختار
عنها ،والثانية الخلص فيها من أشق المور وأصعبها وبه تتفاضل
عبادات المكلفين ،وهي روح العبادة ،وبدونها ل تصح ،وكلما كانت أخلص
عن الشوائب والغراض الفاسدة ،كان العمل أكمل ،ولذا ورد أن نية
المؤمن خير من عمله .ول ينافي قوله صلى ال عليه وآله :أفضل العمال
أحمزها إذ تصحيح النية أصعب من تصحيح العمل بمراتب شتى إذ ليس
المراد بالنية ما يتكلم به النسان عند الفعل ،أو يتصوره ويخطره بباله ،بل
هو الباعث الصلي والغرض الواقعي الداعي للنسان على الفعل ،وهو
تابع للحالة التي عليها النسان ،والطريقة التي يسلكها ،فمن غلب عليه
حب الدنيا وشهواتها ل يمكنه قصد القربة وإخلص النية عن دواعيها،
فان نفسه متوجهة إلى الدنيا ،وهمته مقصورة عليها ،فما لم يقلع عن قلبه
عروق حب الدنيا ولم يستقر فيه طلب النشأة الخرى ،وحب الرب العلى،
لم يمكنه إخلص النية واقعا عن تلك الغراض الدنية ،وذلك متوقف على
مجاهدات عظيمة ،ورياضات طويلة ،وتفكرات صحيحة ،واعتزال
][238
عن شرار الخلق ،فلذا ورد أن نية المؤمن خير من عمله ،ومن عرف ذلك لم يحتج
إلى تأويل الخبر بما ستسمع من الوجوه ) (1مع ركاكة أكثرها وبعدها عن
نظم الكلم فلذا قال " :النية أفضل من العمل " والسعي في تصحيحها أهم.
فان قيل :العمل بل نية باطل ،ومعها النية داخلة فيه فكيف يفضل النية على
العمل ،فانه يوجب تفضيل الجزء على الكل قلنا المراد به أن العمل
المقرون بالنية نيته خير من سائر أجزائه ،سواء جعلنا النية جزءا من
العمل أو شرطا فيه وقوله عليه السلم :أل وإن النية هي العمل مبالغة في
اشتراط العمل بها وأنه ل اعتداد بالعمل بدونها ،فكأنها عينه ،ولذا أكد
بحرف التأكيد وحرف التنبيه واسمية الجملة ،وتعريف الخبر باللم المفيد
للحصر ،وضمير الفصل المؤكد له .وقيل :إشارة إلى دفع ما يتوهم من أن
المفضل عليه لبد أن يكون من جنس المفضل ،والنية ليست من جنس
العمل ،فأجاب عليه السلم بأن النية أيضا عمل من أعمال القلب ،ول يخفى
ضعفه .والستشهاد بالية الكريمة لبيان أن مدار العمل على النية صحة
وفسادا ونقصا وكمال ،حيث قال " :قل كل يعمل على شاكلته " يعني على
نيته .وكأنه عليه السلم فسر الشاكلة التي تطلق غالبا على الحالة
والطريقة بالنية إيذانا بأن النية تابعة لحالة النسان وطريقته ،كما أومأنا
إليه ،وإن ورد بمعنى النية أيضا قال الفيروزآبادي :الشاكلة الشكل،
والناحية والنية والطريقة ،وقال في مجمع البيان :أي كل واحد من المؤمن
والكافر يعمل على طبيعته وخليقته التي تخلق بها عن ابن عباس ،وقيل:
على طريقته وسنته التي اعتادها ،وقيل :ما هو أشكل بالصواب وأولى
بالحق عنده عن الجبائي ،قال :ولهذا قال " :فربكم أعلم بمن هو أهدى
سبيل " ) (2أي أنه يعلم أي الفريقين على الهدى ؟ وأيهما على الضلل ؟
وقيل :معناه أنه أعلم بمن هو أصوب دينا وأحسن طريقة ،وقال بعض
أرباب اللسان :إن هذه الية أرجا آية في كتاب ال ،لن الليق بكرمه
][239
سبحانه وجوده العفو عن عباده ،فهو يعمل به انتهى .ويمكن حمل النية هنا على
المعنى الثالث كما سيأتي في الخبر لكنه بعيد عن سياق هذا الخبر ،وسيأتي
مزيد الكلم في ذلك في باب النية وباب الرئاء ) - 7 .(1كا :بالسناد
المتقدم ،عن ابن عيينة ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :سألته عن قول
ال عزوجل " :إل من أتى ال بقلب سليم " ) (2قال :القلب السليم الذي
يلقى ربه وليس فيه أحد سواه ،وقال :وكل قلب فيه شرك أو شك فهو
ساقط ،وإنما أرادوا الزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للخرة ) .(3بيان :قوله
تعالى " :إل من أتى ال " قال سبحانه في سورة الشعراء حكاية عن
إبراهيم عليه السلم حيث قال " :ول تخزني يوم يبعثون " قال الطبرسي
قدس سره :أي ل تفضحني ول تعيرني بذنب يوم يحشر الخلئق وهذا
الدعاء كان منه عليه السلم على وجه النقطاع إلى ال تعالى لما بينا أن
القبيح ل يجوز وقوعه من النبياء عليهم السلم ،ثم فسر ذلك اليوم بأن
قال " :يوم ل ينفع مال ول بنون " أي ل ينفع المال والبنون أحدا إذ ل
يتهيأ لذي مال أن يفتدي من شدائد ذلك اليوم به ،ول يتحمل من صاحب
البنين بنوه شيئا من معاصيه " إل من أتى ال بقلب سليم " من الشرك
والشك عن الحسن ومجاهد ،وقيل :سليم من الفساد والمعاصي وإنما خص
القلب بالسلمة لنه إذا سلم القلب سلم سائر الجوارح من الفساد من حيث
إن الفساد بالجارحة ل يكون إل عن قصد بالقلب الفاسد وروي عن
الصادق عليه السلم أنه قال :هو القلب الذي سلم من حب الدنيا ،ويؤيده
قول النبي صلى ال عليه وآله :حب الدنيا رأس كل خطيئة انتهى ).(4
قوله عليه السلم " :وليس فيه أحد سواه " أي أخرج عن قلبه حب ما
سوى
) (1أراد باب النية وباب الرئاء من الكافي ،أما في هذا الكتاب فباب الرئاء سيجئ
في أبواب الكفر ،وباب النية فقد مر ص (2) .185الشعراء(3) .89 :
الكافي ج 2ص (4) .16مجمع البيان ج 7ص .194
][240
ال ،والشتغال بغيره سبحانه ،أو لم يختر في قلبه على رضا ال رضا غيره ،أو
كانت أعماله ونياته كلها خالصة ل ،لم يشرك فيها غيره " .وكل قلب فيه
شرك " أعم من الشرك الجلي والخفي " أو شك " وهو ما يقابل اليقين
الذي يظهر أثره على الجوارح ،فان كل معصية أو توسل بغيره سبحانه
يستلزم ضعفا في اليقين فالشك يشمله " فهو ساقط " أي عن درجة
العتبار أو بعيد عن الرب تعالى " .وإنما أرادوا " أي النبياء والوصياء
" الزهد " وفي بعض النسخ :أراد بالزهد أي أراد ال والباء زائدة يعني
أن الزهد في الدنيا ليس مقصودا لذاته ،وإنما امر الناس به ،لتكون قلوبهم
فارغة عن محبة الدنيا ،صالحة لحب ال تعالى خالصة له عزوجل ،ل
شركة فيها لما سوى ال ،ول شك ناشئا من شدة محبتها لغير ال - 8 .كا:
بالسناد المتقدم أيضا ،عن ابن عيينة ،عن السندي ،عن أبي جعفر عليه
السلم قال :ما أخلص عبد اليمان بال أربعين يوما أو قال :ما أجمل عبد
ذكر ال أربعين يوما إل زهده ال في الدنيا ،وبصره داءها ودواءها،
وأثبت الحكمة في قلبه ،وأنطق بها لسانه ،ثم تل " إن الذين اتخذوا العجل
سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحيوة الدنيا وكذلك نجزي المفترين " )
(1فل ترى صاحب بدعة ]إل ذليل[ أو مفتريا على ال عزوجل وعلى
رسوله وأهل بيته صلى ال عليه وآله إل ذليل ) .(2بيان :إخلص اليمان
مما يشوبه من الشرك والرئاء والمعاصي ،وأن يكون جميع أعماله خالصة
ل تعالى ولعل خصوص الربعين لن ال تعالى جعل انتقال النسان في
أصل الخلقة من حال إلى حال في أربعين يوما كالنتقال من النطفة إلى
العلقة ،ومن العلقة إلى المضغة ،ومن المضغة إلى العظام ،ومنها إلى
اكتساء
][241
اللحم ،ولذا يوقف قبول توبة شارب الخمر إلى أربعين يوما كما ورد في الخبر
والزهد في الشئ تركه وعدم الرغبة فيه .وداء الدنيا المعاصي والصفات
الذميمة ،وما يوجب البعد عن ال تعالى ،و دواؤها ما يوجب تركها
واجتنابها من الرياضات والمجاهدات والتفكرات الصحيحة وأمثالها ،أو
المراد بدائها المراض القلبية الحاصلة من محبة الدنيا ،ودواؤها ملزمة
ما يوجب تركها ،وقيل :أي قدر الضرورة منها والزائد عليه ،أو ميل القلب
إليها وصرفه عنها أو الضار والنافع منها في الخرة أعني الطاعة
والمعصية والحكمة العلوم الحقة الواقعية وأصلها ومنبعها معرفة المام،
ولذا فسرت بها كما مر .وفي مناسبة ذكر الية لما تقدم إشكال ويمكن أن
يقال في توجيهه وجوه .الول ما خطر بالبال ،وهو أنه لما ذكر فوائد
إخلص الربعين وقد أبدع جماعة من الصوفية فيها ما ليس في الدين دفع
عليه السلم توهم شموله لذلك بالستشهاد بالية ،وأنها تدل على أن كل
مبتدع في الحكام ومفتر على ال ورسوله في -حكم من الحكام ذليل في
الدنيا والخرة لقوله تعالى " وكذلك نجزي المفترين " وقوله أو مفتريا
أي ل ترى مفتريا وبعبارة اخرى لما كان صحة العبادة وكمالها مشترطة
بأمرين الول كونها على وفق السنة ،والثاني كونها خالصة لوجه ال
تعالى فأشار أول إلى الثاني وثانيا إلى الول فتأمل .الثاني ما قيل إن الوجه
في تلوته عليه السلم الية التنبيه على أن من كانت عبادته ل عزوجل
واجتهاده فيها على وفق السنة بصره ال عيوب الدنيا فزهده فيها فصار
بسبب زهده فيها عزيزا لن المذلة في الدنيا إنما تكون بسبب الرغبة فيها
ومن كانت عبادته على وفق الهوى أعمى ال قلبه عن عيوب الدنيا ،فصار
بسبب رغبته فيها ذليل فأصحاب البدع ل يزالون أذلء صغارا ،ومن هنا
قال ال في متخذي العجل ما قال .الثالث ما قيل أيضا أن الغرض من
تلوتها هو التنبيه على أن غير المخلص
][242
مندرج فيها والوعيد متوجه إليه أيضا لنك قد عرفت أن قلبه ساقط لكونه ذا شرك
أو شك ،وهما بدعة وافتراء على ال ورسوله والية على تقدير نزولها
في قوم مخصوصين ل يقتضي تخصيص الوعيد بهم .الرابع ما خطر بالبال
أيضا وهو أن الخلص المذكور في صدر الخبر يشمل الخلص عن
الرئاء والبدعة وكل ما ينافي قبول العمل ،فاستشهد لحد أجزائه بالية8 .
-ل :أبي ،عن سعد ،عن البرقي ،عن البزنطي ،عن حماد بن عثمان عن
ابن أبي يعفور ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :خطب رسول ال صلى
ال عليه وآله الناس بمنى في حجة الوداع في مسجد الخيف فحمد ال
وأثنى عليه ثم قال :نضر ال عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها إلى من لم
يسمعها ،فرب حامل فقه غير فقيه ،ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه
ثلث ليغل عليهن قلب امرئ مسلم :إخلص العمل ل والنصيحة لئمة
المسلمين ،واللزوم لجماعتهم ،فان دعوتهم محيطة من ورائهم المسلمون
إخوة تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم )- 9 .(1
لى :الوراق ،عن علي بن مهرويه ،عن داود بن سليمان ،عن الرضا عن
آبائه عليهم السلم قال :قال أمير المؤمنين عليه السلم :الدنيا كلها جهل
إل مواضع العلم والعلم كله حجة إل ما عمل به ) (2والعمل كله رياء إل ما
كان مخلصا ،والخلص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له ) .(3يد:
محمد بن عمرو بن علي ،عن علي بن الحسن المثنى ،عن علي بن
مهرويه مثله - 10 .ن :بالسناد إلى دارم ،عن الرضا عن آبائه عليهم
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ما أخلص عبد ال عزوجل
أربعين صباحا إل جرت ينابيع الحكمة
) (1الخصال ج 1ص (2) .72يعنى أنه حجة عليه (3) .لم نجده في المصدر.
][243
من قلبه على لسانه ) - 11 .(1سن :أبي ،عن محمد بن سنان ،عن خضر ،عمن
سمع أبا عبد ال عليه السلم يقول :قال رسول ال صلى ال عليه وآله
ثلث من كن فيه أو واحدة منهن كان في ظل عرش ال يوم ل ظل إل ظله:
رجل أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لها ،ورجل لم يقدم رجل حتى
يعلم أن ذلك ل رضا أو يحبس ،ورجل لم يعب أخاه المسلم بعيب حتى ينفي
ذلك العيب عن نفسه ،فانه ل ينتفي عنه عيب إل بداله عيب ،وكفى بالمرء
شغل بنفسه عن الناس ) - 12 .(2سن :ابن محبوب ،عن محمد بن القاسم
الهاشمي قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :قال رسول ال صلى
ال عليه وآله :من أصبح من امتي وهمه غير ال فليس من ال )13 .(3
-سن :أبي ،عمن رفعه إلى أبي جعفر عليه السلم قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :يا أيها الناس إنما هو ال والشيطان ،والحق
والباطل ،والهدى والضلل ،والرشد والغي ،والعاجلة والعاقبة ،والحسنات
والسيئات ،فما كان من حسنات فمن ال وما كان من سيئات فللشيطان )
- 14 .(4سن :أبي ،عن يونس بن عبد الرحمن ،عن عبد ال بن مسكان،
عن أبي عبد ال عليه السلم في قول ال " :حنيفا مسلما " قال :خالصا
مخلصا ل يشوبه شئ ) - 15 .(5ين ،سن :عثمان بن عيسى ،عن علي بن
سالم قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :قال ال عزوجل :أنا خير
شريك من أشرك معي غيري في عمله ،لم أقبله إل ما كان خالصا ).(6
) (1عيون الخبار ج 2ص (2) .69المحاسن ص (3) .5المحاسن ص 4) .204
و (5المحاسن ص (6) .251المحاسن ص .252
][244
- 16سن :أبي ،عن ابن أبي عمير ،عن ابن اذينة ،عن إسماعيل بن يسار قال:
سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :إن ربكم لرحيم ،يشكر القليل ،إن
العبد ليصلي الركعتين يريد بها وجه ال فيدخله ال به الجنة )- 17 .(1
سن :ابن أبي نجران ،عن المفضل بن صالح ،عن أبي جميلة ،عن جابر
الجعفي رفعه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :خرج ثلث نفر
يسيحون في الرض فبينا هم يعبدون ال في كهف في قلة جبل حتى بدت
صخرة من أعلى الجبل حتى التقمت باب الكهف .فقال بعضهم لبعض :عباد
ال وال ما ينجيكم مما وقعتم إل إن تصدقوا ال فهلم ما عملتم ل خالصا
فانما ابتليتم بالذنوب ،فقال أحدهم :اللهم إن كنت تعلم أني طلبت امرأة
لحسنها وجمالها ،فأعطيت فيها مال ضخما حتى إذا قدرت عليها وجلست
منها مجلس الرجل من المرأة ،ذكرت النار فقمت عنها فرقا منك ،اللهم
فادفع عنا هذه الصخرة ،فانصدعت حتى نظروا إلى الصدع .ثم قال الخر:
اللهم إن كنت تعلم أني استاجرت قوما يحرثون كل رجل منهم بنصف
درهم ،فلما فرغوا أعطيتهم اجورهم ،فقال أحدهم :قد عملت عمل اثنين
وال ل آخذ إل درهما واحدا ،وترك ماله عندي ،فبذرت بذلك النصف
الدرهم في الرض فأخرج ال من ذلك رزقا وجاء صاحب النصف الدرهم
فأراده فدفعت إليه ثمان عشرة آلف فان كنت تعلم أنما فعلته مخافة منك
فادفع عنا هذه الصخرة قال :فانفجرت عنهم حتى نظر بعضهم إلى بعض.
ثم إن الخر قال :اللهم إن كنت تعلم أن أبي وامي كانا نائمين فأتيتهما
بقعب من لبن فخفت -أن أضعه -أن تمج فيه هامة وكرهت أن اوقظهما
من نومهما فيشق ذلك عليهما ،فلم أزل كذلك حتى استيقظا وشربا اللهم إن
كنت تعلم أني كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فادفع عنا هذه الصخرة،
فانفرجت لهم طريقهم ،ثم قال
) (1المحاسن ص .253
][245
النبي صلى ال عليه وآله :من صدق ال نجا ) - 18 .(1مص :قال الصادق عليه
السلم :الخلص يجمع حواصل العمال ،وهو معنى مفتاحه القبول،
وتوقيعه الرضا ،فمن تقبل ال منهى ورضي عنه فهو المخلص وإن قل
عمله ،ومن ل يتقبل ال منه فليس بمخلص وإن كثر عمله ،اعتبارا بآدم
عليه السلم وإبليس وعلمة القبول وجود الستقامة ببذل كل المحاب مع
إصابة علم كل حركة وسكون .فالمخلص ذائب روحه بازل مهجته ،في
تقويم ما به العلم والعمال ،والعامل والمعمول بالعمل ،لنه إذا أدرك ذلك
فقد ادرك الكل ،وإذا فاته ذلك فاته الكل وهو تصفية معاني التنزيه في
التوحيد كما قال الول :هلك العاملون إل العابدون وهلك العابدون إل
العالمون ،وهلك العالمون إل الصادقون ،وهلك الصادقون إل المخلصون،
وهلك المخلصون إل المتقون ،وهلك المتقون إل الموقنون وإن الموقنين
لعلى خطر عظيم قال ال لنبيه صلى ال عليه وآله " :واعبد ربك حتى
يأتيك اليقين " ) .(2وأدنى حد الخلص بذل العبد طاقته ثم ل يجعل لعمله
عند ال قدرا فيوجب به على ربه مكافاة بعمله ،لعلمه أنه لو طالبه بوفاء
حق العبودية لعجز ،وأدنى مقام المخلص في الدنيا السلمة من جميع
الثام ،وفي الخرة النجاة من النار والفوز بالجنة ) - 19 .(3م :وقال
محمد بن علي الرضا عليه السلم :أفضل العبادة الخلص ،وقال علي بن
محمد عليه السلم لو :سلك الناس واديا شعبا لسلكت وادي رجل عبد ال
وحده خالصا وقال الحسن بن علي الزكي عليه السلم :لو جعلت الدنيا
كلها لقمة واحدة ولقمتها من يعبد ال خالصا لرأيت أني مقصر في حقه،
ولو منعت الكافر منها حتى يموت
) (1المحاسن ص (2) .253الحجر (3) .99 :مصباح الشريعة ص 52و .53
][246
) (1تفسير المام ص 152ط ،1268وفي نسخة الكمبانى كما في الصل رمز
تفسير العياشي وهو سهو ظاهر.
][247
ربي أن ل أدع عمله يتجاوزني إلى غيري .قال :وتصعد الحفظة بعمل العبد يزهر
كالكوكب الدرى في السماء له دوي بالتسبيح والصوم والحج فيمر به إلى
ملك السماء الرابعة فيقول له :قف فاضرب بهذا العمل وجه صاحبه
وبطنه ،أنا ملك العجب فانه كان يعجب بنفسه وإنه عمل وأدخل نفسه
العجب أمرني ربي ل أدع عمله يتجاوزني إلى غيري وأضرب به وجه
صاحبه .قال :وتصعد الحفظة بعمل العبد كالعروس المزفوفة إلى أهلها
فيمر به إلى ملك السماء الخامسة بالجهاد والصلة مابين الصلتين ،ولذلك
رنين كرنين البل عليه ضوء كضوء الشمس ،فيقول الملك :قف أنا ملك
الحسد ،فاضرب بهذا العمل وجه صاحبه وتحمله على عاتقه ]إنه كان
يحسد من يتعلم ويعمل ل بطاعته ،فإذا رأي لحد فضل في العمل والعبادة
حسده ووقع فيه فيحمله على عاتقه[ ويلعنه عمله .قال :وتصعد الحفظة
فيمر بهم إلى ملك السماء السادسة فيقول الملك :قف أنا صاحب الرحمة،
اضرب بهذا العمل وجه صاحبه ،واطمس عينيه لن صاحبه لم يرحم شيئا
إذا أصاب عبدا من عباد ال ذنبا للخرة أو ضرا في الدنيا يشمت به أمرني
ربي أن ل أدع عمله يجاوزني إلى غيري .وقال :وتصعد الحفظة بعمل
العبد أعمال بفقه واجتهاد وورع ،له صوت كالرعد وضوء كضوء البرق،
ومعه ثلثة آلف ملك فيمر بهم إلى ملك السماء السابعة فيقول الملك :قف
واضرب بهذا العمل وجه صاحبه ،أنا ملك الحجاب أحجب كل عمل ليس
ل ،إنه أراد رفعة عند القواد ،وذكرا في المجالس وصوتا في المدائن،
أمرني ربي أن ل أدع عمله يجاوزني إلى غيري ما لم يكن خالصا .قال:
وتصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا به من خلق حسن ،وصمت وذكر كثير،
تشيعه ملئكة السماوات السبعة بجماعتهم ،فيطؤون الحجب كلها حتى
يقوموا بين يديه فيشهدوا له بعمل صالح ودعاء ،فيقول ال :أنتم حفظة،
عمل عبدي وأنا رقيب على ما نفسه عليه ،لم يردني بهذا العمل ،عليه
لعنتي ،فيقول
][248
الملئكة :عليه لعنتك ولعنتنا .قال :ثم بكى معاذ وقال :قلت :يارسول ال ما أعمل ؟
قال :اقتد بنبيك يا معاذ في اليقين ،قال :قلت :إنك أنت رسول ال وأنا معاذ
بن جبل قال :وإن كان في عملك تقصير يا معاذ فاقطع لسانك عن إخوانك،
وعن حملة القرآن ،ولتكن ذنوبك عليك ل تحملها على إخوانك ،ول تزك
نفسك بتذميم إخوانك ،ول ترفع نفسك بوضع إخوانك ،ول تراء بعملك ،ول
تدخل من الدنيا في الخرة ،ول تفحش في مجلسك لكي يحذروك بسوء
خلقك ،ولتناج مع رجل وعندك آخر ،ول تتعظم على الناس فيقطع عنك
خيرات الدنيا ،ول تمزق الناس فتمزقك كلب أهل النار قال ال" :
والناشطات نشطا " ) (1أتدري ما الناشطات ؟ كلب أهل النار ،تنشط
اللحم والعظم ،قلت :من يطيق هذه الخصال ؟ قال :يا معاذ أما إنه يسير
على من يسر ال عليه قال :وما رأيت معاذا يكثر تلوة القرآن كما يكثر
تلوة هذا الحديث .العدة :روى أبو محمد جعفر بن أحمد القمي في كتابه
المنبي عن زهد النبي صلى ال عليه وآله :عن عبد الواحد عمن حدثه،
عن معاذ بن جبل مثله - 21 .جع :عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن
المؤمن ليخشع له كل شئ ويهابه كل شئ ثم قال :إذا كان مخلصا ل أخاف
ال منه كل شئ حتى هوام الرض وسباعها وطير السماء .وقال رسول
ال صلى ال عليه وآله :إن ال ل ينظر إلى صوركم وأعمالكم وإنما ينظر
إلى قلوبكم ) - 22 .(2سن :ابن محبوب ،عن ابن رئاب ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :من أحب ل ،وأبغض ل ،وأعطى ل ،ومنع ل ،فهو
ممكن يكمل إيمانه .وعنه عليه السلم قال :من أوثق عرى اليمان أن تحب
ل ،وتبغض ل ،وتعطى في ال ،وتمنع في ال ).(3
) (1النازعات (2) .2 :جامع الخبار ص (3) .117المحاسن.263 :
][249
- 23نوادر الراوندي :باسناده ،عن موسى بن جعفر ،عن آبائه عليهم السلم قال:
قال علي عليه السلم في قوله تعالى " :وأن المساجد ل " الية ما
سجدت به من جوارحك ل تعالى فل تدعوا مع ال أحدا ) - 24 .(1منية
المريد :عن النبي صلى ال عليه وآله قال :إن أولى الناس أن يقضى يوم
القيامة عليه رجل استشهد فاتي به فعرفه نعمه فعرفها قال :فما عملت
فيها ؟ قال :قاتلت فيك حتى استشهدت قال :كذبت ،ولكنك قاتلت ليقال،
جرئ فقد قيل ذلك ثم امر به فسحب على وجهه حتى القي في النار ،ورجل
تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فاتي به فعرفه نعمه فعرفها قال :فما عملت
فيها ؟ قال :تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن ،قال :كذبت ولكنك
تعلمت ليقال :عالم ،وقرأت القرآن ليقال :قارئ القرآن ،فقد قيل ،ثم امر به
فسحب على وجهه حتى القي في النار .وقال صلى ال عليه وآله :إنما
العمال بالنيات ،وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى ال
ورسوله فهجرته إلى ال ورسوله ،ومن كانت هجرته إلى أمر دنيا يصيبها
أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه .وقال صلى ال عليه وآله :نية
المؤمن خير من عمله ،وفي لفظ آخر أبلغ من عمله ،وقال صلى ال عليه
وآله :إنما يبعث الناس على نياتهم وقال صلى ال عليه وآله مخبرا عن
جبرئيل عن ال عزوجل أنه قال :الخلص سر من أسراري استودعته
قلب من أحببت من عبادي - 25 .عدة الداعي :عن النبي صلى ال عليه
وآله قال :من أخلص ل أربعين يوما فجر ال ينابيع الحكمة من قلبه على
لسانه .وعن أبي جعفر الجواد عليه السلم قال :أفضل العبادة الخلص.
وعن الصادق عليه السلم قال :ما أنعم ال عزوجل على عبد أجل من أن ل
يكون في قلبه مع ال عزوجل غيره .وعن سيدة النساء صلوات ال عليها
قالت :من أصعد إلى ال خالص عبادته
][250
أهبط ال عزوجل إليه أفضل مصلحته .وعن العسكري عليه السلم قال :لو جعلت
الدنيا كلها لقمة واحدة ثم لقمتها من يعبد ال خالصا لرأيت أني مقصر في
حقه ،ولو منعت الكافر منها حتى يموت جوعا وعطشا ثم أذقته شربة من
الماء لرأيت أني قد أسرفت .وكان عيسى عليه السلم يقول للحواريين :إذا
كان صوم أحدكم فليدهن رأسه ولحيته ،ويمسح شفتيه بالزيت لئل يرى
الناس أنه صائم ،وإذا أعطى بيمينه فليخف عن شماله ،وإذا صلى فليرخ
ستر بابه فان ال يقسم الثناء كما يقسم الرزق ) - 26 .(1أسرار الصلة:
عن سفيان بن عيينة ،عن أبي عبد ال عليه السلم في قوله عزوجل" :
ليبلوكم أيكم أحسن عمل " قال :ليس يعني أكثركم عمل ،ولكن أصوبكم
عمل وإنما الصابة خشية ال تعالى ،والنية الصادقة الحسنة ،ثم قال:
البقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل ،والعمل الخالص :الذي ل
تريد أن يحمدك عليه أحد إل ال عزوجل ،والنية أفضل من العمل ،أل وإن
النية هي العمل ،ثم تل قوله عزوجل " :قل كل يعمل على شاكلته " يعني
على نيته - 27 .مشكوة النوار :عن أبي عبد ال عليه السلم في قول ال
عزوجل " :حنيفا مسلما " قال :خالصا مخلصا ل يشوبه شئ ).(2
][251
)) * (55باب( * * " )العبادة والختفاء فيها وذم الشهرة بها( " * - 1ب:
السندي بن محمد ،عن أبي البختري ،عن الصادق عليه السلم عن آبائه
عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :أعظم العبادة أجرا
أخفاها ) .(1أقول :سيأتي في باب نوادر المواعظ ما أوحى ال إلى نبي من
أنبيائه ،و أن العمل الصالح إذا كتمه العبد وأخفاه أبى ال عزوجل إل أن
يظهره ليزينه به مع ما يدخره له من ثواب الخرة ) - 2 .(2ثو :ابن
الوليد ،عن الصفار ،عن محمد بن عيسى ،عن عباس بن هلل قال :سمعت
الرضا عليه السلم يقول :المستتر بالحسنة تعدل سبعين حسنة ،والمذيع
بالسيئة مخذول ،والمستتر بالسيئة مغفور له ) - 3 .(3صح :عن الرضا،
عن آبائه عليهم السلم قال :قال علي بن أبي طالب عليه السلم من كنوز
الجنة إخفاء العمل ،والصبر على الرزايا ،وكتمان المصائب ) .(4محص:
عن جابر ،عن علي عليه السلم مثله - 4 .ختص :عن العالم عليه السلم
قال :المستتر بالحسنة له سبعون ضعفا ،والمذيع له واحد ،والمستتر
بالسيئة مغفور له ،والمذيع له مخذول ) - 5 .(5ما :الحسين بن عبيد ال،
عن علي بن محمد العلوي ،عن محمد بن أحمد المكتب ،عن أحمد بن
محمد الكوفي ،عن علي بن الحسن بن فضال ،عن أبيه
) (1قرب السناد ص (2) .84وقد مر فيما مضى أيضا ،راجع عيون اخبار الرضا
ص 153 - 152ط الحجرية (3) .ثواب العمال ص (4) .162صحيفة
الرضا عليه السلم ،21وتراه في عيون الخبار ص 204ط الحجرية) .
(5الختصاص.142 :
][252
عن الرضا عليه السلم قال :من شهر نفسه بالعبادة فاتهموه على دينه فان ال
عزوجل يبغض شهرة العبادة وشهرة اللباس .ثم قال :إن ال عزوجل إنما
فرض على الناس في اليوم والليلة سبع عشرة ركعة ،من أتى بها لم يسأله
ال عزوجل عما سواها ،وإنما أضاف رسول ال صلى ال عليه وآله إليها
مثليها :ليتم بالنوافل ما يقع فيها من النقصان ،وإن ال عزوجل ل يعذب
على كثرة الصلة والصوم ولكنه يعذب على خلف السنة ) - 6 .(1عدة
الداعي :روي عنهم عليهم السلم أن فضل عمل السر على عمل الجهر
سبعون ضعفا - 7 .ارشاد القلوب :روي عن المفضل بن صالح قال :قال
لي مولي الصادق عليه السلم يا مفضل إن ل تعالى عبادا عاملوه
بخالص من سره ،فقابلهم بخالص من بره ،فهم الذين تمر صحفهم يوم
القيامة فارغا فإذا وقفوا بين يديه ملها لهم من سر ما أسروا إليه ،فقلت:
وكيف ذاك يا مولي ؟ فقال :أجلهم أن تطلع الحفظة على ما بينه وبينهم.
- 8كا :عن العدة ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن محبوب ،عن عمر بن يزيد
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :في التوراة مكتوب يا ابن آدم تفرغ
لعبادتي أمل قلبك غنى ول أكلك إلى طلبك ،وعلي أن أسد فاقتك ،وأمل
قلبك خوفا مني ،وإن ل تفرغ لعبادتي أمل قلبك شغل بالدنيا ثم ل أسد
فاقتك وأكلك إلى طلبك ) .(2بيان :في القاموس تفرغ تخلى من الشغل أي
أجعل نفسك وقلبك فارغا عن أشغال الدنيا ،وشهواتها وعلئقها ،واللم
للتعليل أو للظرفية " أمل قلبك غنى " أي عن الناس " وعلي " بتشديد
الياء ،والجملة حالية وربما يقرأ بالتخفيف عطفا على " أمل " بحسب
المعنى لنه في قوة على أن أمل ،والول أظهر " وإن ل تفرغ " إن
للشرط ول نافية وأكلك بالجزم.
][253
- 9كا :عن علي بن إبراهيم ،عن محمد بن عيسى ،عن أبي جميلة قال :قال أبو
عبد ال عليه السلم :قال ال تبارك وتعالى :يا عبادي الصديقين تنعموا
بعبادتي في الدنيا فانكم تتنعمون بها في الخرة ) .(1ايضاح " :تنعموا
بعبادتي " الظاهر أن الباء صلة ،فان الصديقين والمقربين يلتذون بعبادة
ربهم ،ويتقوون بها ،وهي عندهم أعظم اللذات الروحانية ،وقيل الباء
سببية ،فان العبادة سبب الرزق كما قال تعالى " :ومن يتق ال يجعل له
مخرجا " ) (2وهو بعيد " .فانكم تتنعمون بها " أي بأصل العبادة فانها
أشهى عندهم من اللذات الجسمانية ،فهم يعبدون للذة ل للتكليف كما أن
الملئكة طعامهم التسبيح ،وشرابهم التقديس ،أو بسببها أو بقدرها أو
بعوضها والول أظهر - 10 .كا :عن علي ،عن محمد بن عيسى ،عن
يونس ،عن عمرو بن جميع ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال رسول
ال صلى ال عليه وآله :أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبها
بقلبه ،وباشرها بجسده وتفرغ لها ،فهو ل يبالي على ما أصبح من الدنيا
على عسر أم على يسر ؟ ) .(3بيان :عشق من باب تعب والسم العشق،
وهو الفراط في المحبة أي أحبها حبا مفرطا من حيث كونه وسيلة إلى
القرب الذي هو المطلوب الحقيقي ،وربما يتوهم أن العشق مخصوص
بمحبة المور الباطلة ،فل يستعمل في حبه سبحانه وما يتعلق به ،وهذا
يدل على خلفه وإن كان الحوط عدم إطلق السماء المشتقة منه على ال
تعالى بل الفعل المشتق منه أيضا بناء على التوقيف .قيل :ذكرت الحكماء
في كتبهم الطبية أن العشق ضرب من الماليخوليا والجنون والمراض
السوداوية ،وقرروا في كتبهم اللهية أنه من أعظم الكمالت
][254
والسعادات ،وربما يظن أن بين الكلمين تخالفا ،وهو من واهي الظنون ،فان
المذموم هو العشق الجسماني الحيواني الشهواني ،والممدوح هو
الروحاني النساني النفساني ،والول يزول ويفنى بمجرد الوصال
والتصال ،والثاني يبقى ويستمر أبد الباد وعلى كل حال " .على ما أصبح
" أي على أي حال دخل في الصباح أو صار " أم على يسر " فيه دللة
على أن اليسر والمال ل ينافي حبه تعالى وحب عبادته ،وتفريغ القلب عن
غيرها لجلها ،وإنما المنافي له تعلق القلب به - 11 .كا :عن محمد بن
يحيى ،عن أحمد بن محمد بن عيسى ،عن شاذان بن الخليل قال :وكتبت
من كتابه باسناد له يرفعه إلى عيسى بن عبد ال ]قال :قال عيسى بن عبد
ال[ لبي عبد ال عليه السلم جعلت فداك ما العبادة ؟ قال :حسن النية
بالطاعة من الوجوه التي يطاع ال منها أما إنك يا عيسى ل تكون مؤمنا
حتى تعرف الناسخ من المنسوخ ،قال :قلت :جعلت فداك وما معرفة
الناسخ من المنسوخ ؟ قال :فقال :أليس تكون مع المام موطنا نفسك على
حسن النية في طاعته ،فيمضي ذلك المام ويأتي إمام آخر فتوطن نفسك
على حسن النية في طاعته ؟ قال :قلت :نعم ،قال :هذا معرفة الناسخ من
المنسوخ ) .(1بيان " :حسن النية بالطاعة " كأن المعنى أن العبادة
الصحيحة المقبولة هي ما يكون مع النية الحسنة ،الخالصة من شوائب
الرئاء والسمعة ،وغيرها ،مع طاعة أئمة الحق عليهم السلم ،وتكون تلك
العبادة مأخوذة " من الوجوه التي يطاع ال منها " أي ل تكون مبتدعة،
بل تكون مأخوذة عن الدلئل الحقة والثار الصحيحة ،أو تكون تلك الطاعة
مستندة إلى البراهين الواضحة ،ليخرج منها طاعة أئمة الضللة ،أو
المعنى شدة العزم في طاعة من تجب طاعته ،حال كون تلك الطاعة من
الوجوه التي يطاع ال منها ،أي لم تكن مخلوطة ببدعة ول رئاء ول سمعة
وهذا أنسب بما بعده وقيل :يعني أن يكون له في طاعة من يعبده نية
حسنة ،فان
][255
تيسر له التيان بما وافق نيته ،وإل فقد أدى ما عليه من العبادة بحسن نيته" .
أليس تكون " هذا المعنى للناسخ والمنسوخ موافق ومؤيد لما ورد في
الخبار في تفسير قوله تعالى " :ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها
أو مثلها " ) (1أن المراد به ذهاب إمام ونصب إمام بعده ،فهو خير منه أو
مثله ،وقيل :لعل المراد بهذه الوجوه الئمة عليهم السلم واحد بعد واحد،
لنهم الوجوه التي يطاع ال منها لرشادهم وهدايتهم ،وبالطاعة :الطاعة
المعلومة بتعليمهم وإطاعتهم والنقياد لهم وبحسن النية :تعلق القلب بها
من صميمه بل منازعة ول مخاطرة ويحتمل أن يراد بالوجوه وجوه
العبادات وأنواعها وبحسن النية تخليصها عن شوائب النقص - 12 .كا:
عن علي ،عن أبيه ،عن ابن محبوب ،عن جميل ،عن هارون بن خارجة،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن العباد ]ة[ ثلثة قوم عبدوا ال
عزوجل خوفا فتلك عبادة العبيد ،وقوم عبدوا ال تبارك وتعالى طلب
الثواب فتلك عبادة الجراء ،وقوم عبدوا ال عزوجل حبا له فتلك عبادة
الحرار :وهي أفضل العبادة ) .(2ايضاح " :العباد ثلثة " في بعض
النسخ هكذا فل يحتاج إلى تقدير ،وفي بعضها " العبادة " فيحتاج إلى
تقدير إما في العبادة أي ذوو العبادة أو في القوام أي عبادة قوم ،وحاصل
المعنى أن العبادة الصحيحة المرتبة عليها الثواب والكرامة في الجملة
ثلثة أقسام ،وأما غيرها كعبادة المرائين ونحوها ،فليست بعبادة ول داخلة
في المقسم " .فتلك عبادة العبيد " إذ العابد فيها شبيه بالعبيد في أنه يطيع
السيد خوفا منه وتحرزا من عقوبته " .فتلك عبادة الجراء " فانهم
يعبدون للثواب كما أن الجير يعمل للجر
][256
" حبا له " أي لكونه محبا له والمحب يطلب رضا المحبوب ،أو يعبده ليصل إلى
درجة المحبين ،ويفوز بمحبة رب العالمين ،والول أظهر " .فتلك عبادة
الحرار " أي الذين تحرروا من رق الشهوات ،وخلعوا من رقابهم طوق
طاعة النفس المارة بالسوء ،الطالبة للذات والشهوات ،فهم ل يقصدون
في عبادتهم شيئا سوى رضا عالم السرار ،وتحصيل قرب الكريم الغفار،
ول ينظرون إلى الجنة والنار ،وكونها أفضل العبادة ل يخفى على اولي
البصار ،وفي صيغة التفضيل دللة على أن كل من الوجهين السابقين
أيضا عبادة صحيحة ،ولها فضل في الجملة ،فهو حجة على من قال
ببطلن عبادة من قصد التحرز عن العقاب أو الفوز بالثواب - 13 .كا :عن
علي ،عن أبيه ،عن النوفلي ،عن السكوني ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ما أقبح الفقر بعد الغنى ،وأقبح
الخطيئة بعد المسكنة ،وأقبح من ذلك العابد ل ثم يدع عبادته ) .(1بيان" :
ما أقبح الفقر بعد الغنا " لعل المعنى قبحه عند الناس ،وإن كان ممدوحا
عند ال ،أو يكون محمول على من فعل ذلك باختياره بالسراف والتبذير أو
ترك الكسب وأشباهه ،أو يكون المراد التعيش بعيش الفقراء بعد حصول
الغنا على سياق قوله عليه السلم " :وأقبح الخطيئة بعد المسكنة " فان
الظاهر أن المراد به بيان قبح ارتكاب الخطايا بعد حصول الفقر والمسكنة،
لضعف الدواعي وقلة اللت والدوات ،وإن احتمل أن يكون الغرض بيان
قبح الذنوب بعد كونه مبتلى بالفقر والمسكنة ،فأغناه ال فارتكب بعد ذلك
الخطايا لتضمنه كفران النعمة ،ونسيان الحالة السابقة ويحتمل أن يكون
المراد بالمسكنة التذلل ل بترك المعصية ،فيكون نسب بما قبله وبعده" .
وأقبح " مبتدأ أو خبر فالعابد أيضا يحتملهما و " ثم يدع " عطف على
العابد إذ اللم في اسم الفاعل بمعنى الذي فهو بتقدير الذي يعبد ال ثم يدع.
][257
- 14كا :عن الحسين بن محمد ،عن المعلى ،عن الوشاء ،عن عاصم بن حميد عن
أبي حمزة ،عن علي بن الحسين عليهما السلم قال :من عمل بما افترض
ال فهو من أعبد الناس )) * (56) .(1باب( * * " )الطاعة والتقوى
والورع ومدح المتقين( " * * " )وصفاتهم وعلماتهم( " * * وان الكرم
به ،وقبول العمل مشروط به * أقول :قد مضى ما يناسب الباب في باب
طاعة ال ورسوله وحججه فل تغفل .اليات :البقرة :الم ذلك الكتاب لريب
فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة ومما رزقناهم
ينفقون * والذين يؤمنون بما انزل إليك وما انزل من قبلك وبالخرة هم
يوقنون * اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون ) .(2وقال
تعالى :وإياى فاتقون ) (3وقال تعالى :واذكروا ما فيه لعلكم تتقون )(4
وقال تعالى :وموعظة للمتقين ) .(5وقال تعالى :ولو أنهم آمنوا واتقوا
لمثوبة من عند ال خير لو كانوا يعلمون ) .(6وقال تعالى :واولئك هم
المتقون ) (7وقال تعالى :حقا على المتقين ).(8
) (1الكافي ج 2ص (2) .84البقرة (5 - 3) .5 - 1 :البقرة(6) .66 ،63 ،41 :
البقرة (8 - 7) .103 :البقرة.180 ،177 :
][258
وقال تعالى :ولكن البر من اتقى ) (1وقال سبحانه :واتقوا ال لعلكم تفلحون ).(2
وقال تعالى :واتقوا ال واعلموا أن ال مع المتقين ) .(3وقال تعالى:
واتقوا ال واعلموا أن ال شديد العقاب ) .(4وقال تعالى :تزودوا فان خير
الزاد التقوى واتقون يا اولي اللباب ) .(5وقال سبحانه :واتقوا ال
واعلموا أنكم إليه تحشرون ) .(6وقال تعالى :وإذا قيل له اتق ال أخذته
العزة بالثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) .(7وقال سبحانه :واتقوا ال
واعلموا أن ال بما تعملون بصير ) .(8وقال تعالى :وأن تعفوا أقرب
للتقوى ) .(9وقال تعالى :واتقوا يوما ترجعون فيه إلى ال ثم توفى كل
نفس ما كسبت وهم ل يظلمون ) .(10آل عمران حاكيا عن عيسى عليه
السلم :فاتقوا ال وأطيعون ) .(11وقال تعالى :بلى من أوفى بعهده واتقى
فان ال يحب المتقين ) .(12وقال سبحانه :يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال
حق تقاته ول تموتن إل وأنتم مسلمون ).(13
) (2 - 1البقرة (5 - 3) .189 :البقرة (6) .197 ،196 ،194 :البقرة(7) .203 :
البقرة (9 - 8) .206 :البقرة (10) .237 ،233 :البقرة (11) .281 :آل
عمران (12) .50 :آل عمران (13) .76 :آل عمران.102 :
][259
وقال تعالى :وال عليم بالمتقين ) (1وقال تعالى :وإن تصبروا وتتقوا ل يضركم
كيدهم شيئا ) (2وقال تعالى :فاتقوا ال لعلكم تشكرون ) .(3وقال تعالى:
واتقوا ال لعلكم تفلحون واتقوا النار التي اعدت للكافرين وأطيعوا ال
والرسول لعلكم ترحمون ) .(4وقال تعالى :وسارعوا إلى مغفرة من ربكم
وجنة عرضها السموات والرض اعدت للمتقين ) (5وقال تعالى :وموعظة
للمتقين ) (6وقال :للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ) .(7وقال :لكن
الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها نزل من
عند ال وما عند ال خير للبرار ) .(8وقال :واتقوا ال لعلكم تفلحون ).(9
النساء :يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة -إلى قوله -
واتقوا ال الذي تسائلون به والرحام إن ال كان عليكم رقيبا ) .(10وقال:
ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا ال وإن تكفروا
فان ل ما في السموات وما في الرض وكان ال غنيا حميدا ).(11
المائدة :واتقوا ال إن ال شديد العقاب ) (12وقال جل وعل :واتقوا ال
إن ال سريع الحساب ) (13وقال تعالى :واتقوا ال إن ال عليم بذات
الصدور ) (14وقال تعالى :اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا ال إن ال
خبير
) (3 - 1آل عمران (5 - 4) .123 ،120 ،115 :آل عمران(7 - 6) .133 - 130 :
آل عمران (9 - 8) .172 ،138 :آل عمران (10) .200 ،198 :النساء:
(11) .1النساء (14 - 12) .131 :المائدة.7 ،4 ،2 :
][260
) (2 - 1المائدة (3) .11 ،8 :المائدة (11 - 4) .27 :المائدة،65 ،57 ،46 ،35 :
(12) .112 ،103 ،99 ،91النعام (13) .32 :النعام(16 - 14) .69 :
النعام (18 - 17) .155 ،153 ،72 :العراف(19) .63 ،26 :
العراف.95 :
][261
وقال تعالى :والعاقبة للمتقين ) .(1وقال تعالى :والدار الخرة خير للذين يتقون أفل
تعقلون ) .(2وقال تعالى :خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون
) .(3وقال :إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم
مبصرون ) .(4النفال :فاتقوا ال ) (5وقال تعالى :يا أيها الذين آمنوا إن
تتقوا ال يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم وال ذو الفضل
العظيم ) .(6وقال تعالى :واتقوا ال إن ال غفور رحيم ) .(7التوبة :إن ال
يحب المتقين ) (8وقال :واعلموا أن ال مع المتقين ) .(9وقال تعالى:
لمسجد اسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه إلى قوله
سبحانه :أفمن أسس بنيانه على تقوى من ال ورضوان خير أم من أسس
بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم ) .(10وقال تعالى :يا
أيها الذين آمنوا اتقوا ال وكونوا مع الصادقين ) .(11وقال :واعلموا أن
ال مع المتقين ) .(12يونس :إن في اختلف الليل والنهار وما خلق ال
في السموات والرض ليات لقوم يتقون ) (13وقال تعالى :فقل أفل تتقون
) .(14وقال تعالى :الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحيوة
الدنيا
) (1العراف (2) .127 :العراف (3) .168 :العراف (4) .170 :العراف:
(7 - 5) .200النفال (9 - 8) .69 ،29 ،1 :براءة(10) .37 ،4 :
براءة (12 - 11) .109 - 108 :براءة (14 - 13) .124 ،119 :يونس:
(*) .31 ،6
][262
وفي الخرة ل تبديل لكلمات ال ذلك هو الفوز العظيم ) .(1هود :فاصبر إن العاقبة
للمتقين ) .(2يوسف :ولجر الخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون ).(3
وقال :إنه من يتق ويصبر فان ال ل يضيع أجر المحسنين ) .(4وقال
تعالى :ولدار الخرة خير للذين اتقوا أفل تعقلون ) .(5الرعد :مثل الجنة
التي وعد المتقون * تجري من تحتها النهار اكلها دائم وظلها تلك عقبى
الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار ) .(6الحجر :إن المتقين في جنات
وعيون ) .(7النحل :أن أنذروا أنه ل إله إل أنا فاتقون ) .(8وقال :وقيل
للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة
ولدار الخرة خير ولنعم دار المتقين * جنات عدن يدخلونها تجري من
تحتها النهار لهم فيها ما يشاؤن كذلك يجزي ال المتقين ) .(9وقال
سبحانه :إن ال مع الذين اتقوا والذينهم محسنون ) .(10مريم :وكان تقيا
) (11وقال تعالى :قالت أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) (12وقال
سبحانه :تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ) (13وقال تعالى:
ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ) (14وقال تعالى :يوم
) (1يونس (2) .63 :هود (3) .57 :يوسف (4) .57 :يوسف (5) .90 :يوسف:
(6) .109الرعد (7) .37 :الحجر (8) .45 :النحل (9) .2 :النحل- 30 :
(10) .31النحل (11) .128 :مريم (12) .12 :مريم (13) .17 :مريم:
(14) .63مريم.72 :
][263
نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) .(1طه :وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو
يحدث لهم ذكرا ) .(2وقال تعالى :والعاقبة للتقوى ) .(3الحج :يا أيها
الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم ) .(4وقال تعالى :لن ينال
ال لحومها ول دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ) .(5المؤمنون :أفل
تتقون ) .(6النور :وموعظة للمتقين ) .(7الفرقان :قل أذلك خير أم جنة
الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا * لهم فيها ما يشاؤن
خالدين كان على ربك وعدا مسئول ) .(8وقال تعالى :واجعلنا للمتقين
اماما ) .(9الشعراء :أل يتقون ) (10وقال تعالى :وازلفت الجنة للمتقين )
.(11وقال تعالى :إذ قال لهم أخوهم نوح أل تتقون * إني لكم رسول أمين
* فاتقوا ال وأطيعون ) .(12وقال تعالى :واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون *
أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم
) .(13وقال تعالى :واتقوا ال الذي خلقكم والجبلة الولين ) .(14النمل:
وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون ).(15
) (1مريم (3 - 2) .86 :طه (5 - 4) .132 ،113 :الحج (6) .37 ،1 :المؤمنون:
(7) .23النور (8) .34 :الفرقان 15 :و (9) .16الفرقان- 10) .74 :
(11الشعراء (12) .90 ،11 :الشعراء (13) .108 - 106 :الشعراء:
(14) .135 - 132الشعراء (15) .184 :النمل.13 :
][264
) (1القصص (2) .83 :الروم (3) .31 :الحزاب (4) .55 ،32 :يس- 5) .45 :
(6ص (8 - 7) .50 ،49 ،28 :الزمر (9) .16 ،10 :الزمر(10) .20 :
الزمر (12 - 11) .33 :الزمر (13) .73 ،61 :السجدة(14) .18 :
الزخرف 35 :و (15) .36الدخان.51 :
][265
الجاثية :وال ولي المتقين ) .(1محمد :مثل الجنة التي وعد المتقون * فيها أنهار
من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة
للشاربين * وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من
ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعائهم إلى قوله
تعالى :والذين اهتدوا زادهم هدى وآتيهم تقويهم ) .(2الحجرات :واتقوا
ال إن ال سميع عليم ) (3وقال :واتقوا ال لعلكم ترحمون ) (4وقال
تعالى :إن أكرمكم عند ال أتقاكم ) .(5ق :وازلفت الجنة للمتقين غير بعيد
) .(6الذاريات :إن المتقين في جنات وعيون * آخذين ما آتاهم ربهم إنهم
كانوا قبل ذلك محسنين * كانوا قليل من الليل ما يهجعون * وبالسحار هم
يستغفرون * وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) .(7الطور :إن المتقين
في جنات وعيون * فاكهين بما آتيهم ربهم ووقيهم ربهم عذاب الجحيم )
.(8القمر :إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر )
.(9الحشر :واتقوا ال إن ال شديد العقاب ) .(10الممتحنة :واتقوا ال
الذي أنتم به مؤمنون ) .(11التغابن :فاتقوا ال ما استطعتم ).(12
) (1الجاثية (2) .18 :القتال (5 - 3) .17 ،15 :الحجرات (6) .13 ،10 ،1 :ق:
(7) .31الذاريات (8) .19 - 15 :الطور (9) .18 - 17 :القمر 54 :و
(10) .55الحشر (11) .7 :الممتحنة (12) .11 :التغابن.16 :
][266
الطلق :واتقوا ال ربكم ) (1وقال تعالى :ومن يتق ال يجعل له مخرجا ويرزقه
من حيث ل يحتسب ) .(2وقال تعالى :ومن يتق ال يجعل له من أمره يسرا
) (3وقال تعالى :ومن يتق ال يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ) (4وقال
سبحانه :فاتقوا ال يا اولي اللباب ) .(5القلم :إن للمتقين عند ربهم جنات
النعيم ) .(6النبأ :إن للمتقين مفازا * حدائق وأعنابا * وكواعب أترابا *
وكأسا دهاقا ) .(7الليل :وسيجنبها التقى الذي يؤتي ماله يتزكى ).(8
العلق :أرأيت إن كان على الهدى * أو أمر بالتقوى ) .(9تفسير " :الم "
سيأتي الكلم في الفواتح في كتاب القرآن إنشاء ال " ذلك الكتاب " في
تفسير المام عليه السلم يعني القرآن الذي افتتح بالم ،هو ذلك الكتاب
الذي أخبرت به موسى ومن بعده من النبياء ،وهم أخبروا بني إسرائيل
أني سأنزله عليك يا محمد " لريب فيه " ل شك فيه لظهوره عندهم "
هدى " بيان من الضللة " للمتقين " الذين يتقون الموبقات ،ويتقون
تسليط السفه على أنفسهم ،حتى إذا علموا ما يجب عليهم عملوا بما يوجب
لهم رضا ربهم ) (10وقيل :إنما خص المتقين بالهتداء به لنهم
المنتفعون به ،وذلك لن التقوى شرط في تحصيل المعرفة الحقة " .الذين
يؤمنون بالغيب " أي بما غاب عن حواسهم من توحيد ال ،ونبوة
) (1الطلق 1 :و 2) .2و (3الطلق 4 :و (5) .5الطلق (6) .10 :القلم) .34 :
(7النبأ (8) .33 - 31 :الليل (9) .17 :العلق (10) .12 :تفسير المام:
.29
][267
النبياء ،وقيام القائم ،والرجعة والبعث والحساب والجنة والنار ،وسائر المور التي
يلزمهم اليمان بها ،مما ل يعرف بالمشاهدة ،وإنما يعرف بدلئل نصبها
ال عزوجل عليه " ويقيمون الصلوة " باتمام ركوعها وسجودها ،وحفظ
مواقيتها وحدودها وصيانتها مما يفسدها أو ينقصها " ومما رزقناهم "
من الموال والقوى والبدان والجاه والعلم " ينفقون " أي يتصدقون
يحتملون الكل ،ويؤدون الحقوق لهاليها ،ويقرضون ويسعفون الحاجات
ويأخذون بأيدي الضعفاء :يقودون الضرائر ،وينجونهم من المهالك،
ويحملون عنهم المتاع ،ويحملون الراجلين على دوابهم ،ويؤثرون من هو
أفضل منهم في اليمان على أنفسهم بالمال والنفس ،ويساوون من كان في
درجتهم فيه بهما ،ويعلمون العلم لهله ويروون فضائل أهل البيت عليهم
السلم لمحبيهم ولمن يرجون هدايته ،وعن الصادق عليه السلم ومما
علمناهم يبثون " .والذين يؤمنون بما انزل إليك " من القرآن أو الشريعة
" وما انزل من قبلك " من التوراة والنجيل والزبور وصحف إبراهيم
وسائر كتب ال المنزلة " وبالخرة " أي الدار التي بعد هذه الدنيا فيها
جزاء العمال الصالحة بأفضل ما عملوه ،وعقاب العمال السيئة بمثل ما
كسبوه " هم يوقنون " ل يشكون " .اولئك على هدى من ربهم " على
بيان وصواب وعلم بما أمرهم به " واولئك هم المفلحون " الناجون مما
منه يوجلون ،الفائزون بما يؤملون " .وإياى فاتقون " ل غيري ،وقال
المام :في كتمان أمر محمد وأمر وصيه ) " .(1واذكروا ما فيه " أي ما
في التوراة من جزيل ثوابنا على قيامكم به ،وشديد عقابنا على إبائكم له،
وفي المجمع عن الصادق عليه السلم واذكروا ما في تركه في العقوبة )
" (2لعلكم تتقون " أي لتتقوا المخالفة الموجبة للعقاب :فتستحقوا بذلك
الثواب.
) (1تفسير المام ص ،111والية في سورة البقرة (2) .41 :مجمع البيان ج 1
ص ،128والية في البقرة.63 :
][268
" ولو أنهم " ) (1أي الذين تعلموا السحر " واولئك هم المتقون " ) .(2حكم
بحصر المتقين في الموصوفين بالصفات السابقة في قوله " :ولكن البر
من آمن بال " الخ " .ولكن البر من اتقى " ) (3أي ما حرم ال كما روي
عن الصادق عليه السلم " واتقوا ال " أي في تغيير أحكامه " لعلكم
تفلحون " أي لكي تظفروا بالهدى والبر " .واتقوا ال " ) (4أي في
النتقام فل تعتدوا إلى ما لم يرخص لكم " واعلموا أن ال مع المتقين "
فيحرسهم ويصلح شأنهم " .واتقوا ال " ) (5أي في المحافظة على
أوامره ونواهيه وخصوصا في الحج " واعلموا أن ال شديد العقاب "
لمن لم يتقه ،وخالف أمره ،وتعدى حدوده " .وتزودوا " ) (6أي لمعادكم
التقوى ،وقيل :كانوا يحجون من غير زاد فيكونون كل على الناس فامروا
أن يتزودوا ويتقوا البرام والتثقيل على الناس " واتقون يا اولي اللباب
" فان مقتضى اللب خشية ال عقب الحث على التقوى بأن يكون المقصود
بها هو ال سبحانه والتبري عما سواه " .واتقوا ال " ) (7أي في مجامع
اموركم وفي تفسير المام عليه السلم واتقوا ال أيها الحاج المغفور لهم
سالف ذنوبهم بحجهم ،المقرون بتوبتهم فل تعاودوا الموبقات فتعود إليكم
أثقالها ويثقلكم احتمالها ،فل تغفر لكم إل بتوبة بعدها ) " (8واعلموا أنكم
إليه تحشرون " فيجازيكم بما تعملون " .وإذا قيل له اتق ال " ) (9ودع
سوء صنيعك " أخذته العزة بالثم " أي
) (1البقرة (2) .103 :البقرة (3) .177 :البقرة (4) .189 :البقرة(5) .194 :
البقرة (6) .196 :البقرة (7) .197 :البقرة (8) .203 :تفسير المام ص
(9) .282البقرة.206 :
][269
حملته النفة وحمية الجاهلية على الثم الذي يؤمر باتقائه وألزمته ارتكابه لجاجا
من قولك أخذته بكذا إذا حملته عليه وألزمته إياه ،فيزداد إلى شره شرا
ويضيف إلى ظلمه ظلما " فحسبه جهنم " أي كفته جزاء وعذابا على
سوء فعله " ولبئس المهاد " أي الفراش يمهدها ويكون دائما فيها" .
واتقوا يوما " ) (1أي تأهبوا لمصيركم إليه " ثم توفى كل نفس ما كسبت
" من خير أو شر " وهم ل يظلمون " بنقص ثواب أو تضعيف عقاب" .
فاتقوا ال " ) (2أي في المخالفة " وأطيعون " أي فيما أدعوكم إليه" .
ومن أوفى بعهده " ) (3أي كل من أوفى بما عاهد عليه أي عهد كان "
واتقى " ال في ترك الخيانة والغدر فان ال يحبه ،وفي وضع الظاهر
موضع المضمر إشعار بأن التقوى ملك المر " .يا أيها الذين آمنوا اتقوا
ال حق تقاته " ) (4أي حق تقواه ،وما يجب منها ،وهو استفراغ الوسع
في القيام بالمواجب والجتناب عن المحارم وسيأتي الخبار في تفسيرها،
وروي أنها نسخت بقوله سبحانه " :اتقوا ال ما استطعتم " ) " (5ول
تموتن إل وأنتم مسلمون " أي ول تكونن على حال سوى حال السلم ،إذا
أدرككم الموت ،وفي المجمع عن الصادق عليه السلم وأنتم مسلمون
بالتشديد ومعناه مستسلمون لما أتى النبي صلى ال عليه وآله منقادون له
) .(6وروى العياشي عن الكاظم عليه السلم أنه قال لبعض أصحابه :كيف
تقرأ هذه الية " يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال حق تقاته ]ول تموتن إل
وأنتم " ماذا ؟ قال " :مسلمون "[ فقال :سبحان ال يوقع عليهم اليمان
فيسميهم مؤمنين ثم يسألهم
) (1البقرة (2) .281 :آل عمران (3) .50 :آل عمران (4) .76 :آل عمران.102 :
) (5التغابن (6) .16 :مجمع البيان ج 2ص .482
][270
السلم ،واليمان فوق السلم ؟ قال :هكذا يقرأ في قراءة زيد ،قال عليه السلم:
إنما هي في قراءة علي عليه السلم وهو التنزيل الذي نزل به جبرئيل على
محمد صلى ال عليه وآله " إل وأنتم مسلمون " لرسول ال صلى ال
عليه وآله ثم للمام من بعده ) " .(1وال عليم بالمتقين " ) (2بشارة
لفاعلي الخير وإشعار بأن التقوى مبدأ الخير وحسن العمل " .وإن تصبروا
" ) (3أي على عداوتهم " وتتقوا " موالتهم ومخالطتهم " ل يضركم
كيدهم شيئا " لما وعد ال الصابرين والمتقين من الحفظ " .لعلكم
تشكرون " ) (4ما أنعم به عليكم " .واتقوا ال " ) (5أي فيما نهيتم عنه
" لعلكم تفلحون " أي رجاء فلحكم " واتقوا النار " الخ أي بالتجنب عن
مثل أفعالهم " لعلكم ترحمون " أي بطاعتهما ولعل وعسى في أمثال ذلك
دليل عزة التوصل إليها " وسارعوا " أي وبادروا " إلى مغفرة من ربكم
" أي إلى أسباب المغفرة وعن أمير المؤمنين عليه السلم إلى أداء
الفرائض ) " (6وجنة عرضها السموات والرض " عن الصادق عليه
السلم إذا وضعوهما كذا وبسط يديه إحداهما مع الخرى " اعدت للمتقين
" عن أمير المؤمنين عليه السلم فانكم لن تنالوها إل بالتقوى " .نزل من
عند ال " ) (7النزل ما يعد للنازل من طعام وشراب وصلة " وما عند ال
" لكثرته ودوامه " خير للبرار " مما يتقلب فيه الفجار لقلته وسرعة
) (1تفسير العياشي ج 1ص 193و (2) .194آل عمران (3) .115 :آل عمران:
(4) .120آل عمران (5) .123 :آل عمران (6) .133 - 130 :راجع
مجمع البيان ج 2ص (7) .502آل عمران.172 :
][271
زواله وامتزاجه باللم " .واتقوا ال لعلكم تفلحون " ) (1عن الصادق عليه
السلم يعني فيما أمركم به وافترض عليكم " .من نفس واحدة " ) (2يعني
آدم على نبينا وآله وعليه السلم " كان عليكم رقيبا " أي حفيظا " .فان
ل ما في السموات وما في الرض " ) (3أي مالك الملك كله ل يتضرر
بكفرانكم وعصيانكم ،كما ل ينتفع بشكركم وتقواكم ،وإنما وصاكم لرحمته
ل لحاجته " وكان ال غنيا " عن الخلق وعبادتهم " حميدا " في ذاته
حمد أو لم يحمد " .شديد العقاب " ) (4فانتقامه أشد " واتقوا ال " )(5
أي فيما حرم عليكم " إن ال سريع الحساب " فيؤاخذكم بما جل ودق "
عليم بذات الصدور " ) .(6أي بخفياتها فضل عن جليات أعمالكم" .
وابتغوا إليه الوسيلة " ) (7أي ما تتوسلون به إلى ثوابه والزلفى منه من
فعل الطاعات وترك المعاصي بعد معرفة المام واتباعه من وسل إلى كذا
إذا تقرب إليه وقال علي بن إبراهيم :تقربوا إليه بالمام ) " (8وجاهدوا
في سبيله " بمحاربة أعدائه الظاهرة والباطنة " لعلكم تفلحون "
بالوصول إلى ال والفوز إلى كرامته " .وموعظة للمتقين " ) (9إنما
خصهم بالذكر مع عموم الموعظة ،لنهم اختصوا بالنتفاع به " .آمنوا "
) (10أي بمحمد صلى ال عليه وآله وبما جاء به " سيئاتهم " أي التي
فعلوها -
) (1آل عمران (2) .200 :النساء (3) .1 :النساء (4) .131 :المائدة(6 - 5) .2 :
المائدة 4 :و (7) .7المائدة (8) .35 :تفسير القمي ص (9) .156
المائدة (10) .46 :المائدة.65 :
][272
قبل " ولدخلناهم " فان السلم يجب ما قبله وإن جل " .واتقوا ال الذي أنتم به
مؤمنون " ) (1استدعاء إلى التقوى بألطف الوجوه " .خير للذين يتقون
" ) (2لدوامها وخلوص لذاتها ومنافعها " أفل تعقلون " أي المرين خير
؟ " من حسابهم " ) (3أي من حساب الذين يخوضون في آياتنا " ولكن
ذكرى " أي عليهم أن يذكروهم " لعلهم يتقون " أي يجتنبون ذلك" .
لعلكم تتقون " ) (4أي الضلل والتفرق عن الحق " .لعلكم ترحمون " )
(5أي باتباع الكتاب والعمل بما فيه " .ولباس التقوى " ) (6قيل أي
خشية ال " .ولتتقوا " ) (7بسبب النذار " ولعلكم ترحمون " بالتقوى.
ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا " ) (8الشرك والمعاصي " لفتحنا عليهم
" أي لوسعنا عليهم الخيرات ،ويسرناها لهم من كل جانب ،بانزال المطر،
وإخراج النبات وغير ذلك " .طائف من الشيطان " ) (9أي لمة منه كأنها
طافت بهم ودارت حولهم ولم تقدر أن تؤثر فيهم " تذكروا " ما أمر ال به
ونهي عنه " فإذا هم مبصرون " مواقع الخطاء ،ومكائد الشيطان،
فيتحرزون عنها وفي الكافي ) (10والعياشي ) (11عن
) (1المائدة (2) .91 :النعام (3) .32 :النعام 4) .69 :و (5النعام 153 :و
6) .155و (7العراف (8) .63 ،26 :العراف (9) .95 :العراف:
(10) .200الكافي ج 2ص (11) .434تفسير العياشي ج 2ص 43و
44في أحاديث ،تحت الرقم .130 - 128
][273
الصادق عليه السلم هو العبد يهم بالذنب ثم يتذكر فيمسك ،وفي التفسير إذا ذكرهم
الشيطان المعاصي وحملهم عليها يذكرون اسم ال فإذا هم مبصرون" .
يجعل لكم فرقانا " ) (1أي هداية في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل
وفي التفسير يعني العلم الذي تفرقون به بين الحق والباطل " ويكفر عنكم
سيئاتكم " قيل أي يسترها " ويغفر لكم " بالتجاوز والعفو عنها" .
واعلموا أن ال مع المتقين " ) (2بالهداية والنصرة والمعونة " .لمسجد
اسس على التقوى " ) (3يعني مسجد قبا أسسه رسول ال صلى ال عليه
وآله وصلى فيه أيام مقامه بقبا ،أولى بأن تصلي فيه من مسجد النفاق "
أفمن أسس بنيانه " أي بنيان دينه " على تقوى من ال ورضوان " قيل:
أي على قاعدة محكمة هي الحق الذي هو التقوى من ال ،وطلب مرضاته
بالطاعة " على شفا جرف هار " أي على قاعدة هي أضعف القواعد
وأقلها بقاء وهو الباطل ،والنفاق الذي مثله مثل شفا جرف هار في قلة
الثبات ،والشفا الشفير وجرف الوادي جانبه الذي ينحفر أصله بالماء،
وتجرفته السيول ،والهار الهائر الذي أشفى على السقوط والهدم " فانهار
به في نار جهنم " لما جعل الجرف الهار مجازا عن الباطل ،قيل " :فانهار
به " أي فهوي به الباطل " في نار جهنم " فكان المبطل أسس بنيانا على
شفير جهنم فطاح به إلى قعرها " .وكونوا مع الصادقين ) (4في روايات
كثيرة أنهم الئمة عليهم السلم ) " .(5لقوم يتقون " ) (6العواقب " أفل
تتقون " ) (7عقابه في عبادة غيره.
) (1النفال (2) .29 :براءة (3) .37 :براءة 108 :و (4) .109براءة(5) .119 :
راجع ج 24ص 40 - 30من هذه الطبعة الحديثة (7 - 6) .يونس،6 :
.31
][274
" الذين آمنوا وكانوا يتقون " ) (1بيان لولياء ال أو استيناف خبره ما بعده "
لهم البشرى في الحيوة الدنيا " وهي الرؤيا الحسنة " وفي الخرة "
بشارة المؤمن عند الموت كما ورد في الخبار " ل تبديل لكلمات ال " ل
تغيير لقواله ،ول خلف لمواعيده ،وهو اعتراض " ذلك " إشارة إلى
كونهم مبشرين في الدارين " .فاصبر " ) (2على مشاق الرسالة " إن
العاقبة " في الدنيا بالظفر وفي الخرة بالفوز " للمتقين " عن الشرك
والمعاصي " .وكانوا يتقون " ) (3أي الشرك والفواحش " إنه من يتق "
ال ) " (4ويصبر " على البليات وعن المعاصي " .مثل الجنة " ) (5أي
صفتها التي هي مثل في الغرابة " اكلها دائم " ل مقطوعة ول ممنوعة "
وظلها " كذلك " .أن أنذروا " ) (6أي بأن أعلموا ،من أنذرت بكذا إذا
علمته " قالوا خيرا " ) (7أطبقوا الجواب على السؤال معترفين بالنزال،
بخلف الجاحدين إذ قالوا أساطير الولين ،وليس من النزال في شئ "
حسنة " مكافاة في الدنيا " ولدار الخرة خير " أي ولثوابهم في الخرة
خير منها ،وهو عدة " للذين اتقوا " ويحتمل أن يكون بما بعده من تتمة
كلمهم بدل وتفسيرا لخيرا ،وفي العياشي ) (8عن الباقر عليه السلم
ولنعم دار المتقين الدنيا " لهم فيها ما يشاؤن " من أنواع المشتهيات" .
مع الذين اتقوا " ) (9أي الشرك والمعاصي " والذينهم محسنون " في
أعمالهم.
) (1يونس (2) .63 :هود (4 - 3) .49 :يوسف (5) .90 ،57 :الرعد(6) .37 :
النحل (7) .2 :النحل (8) .30 :تفسير العياشي ج 2ص (9) .258
النحل.128 :
][275
" إن كنت تقيا " ) (1أي تتقي ال وتحتفل بالستعاذة ،وجواب الشرط محذوف دل
عليه ما قبله ،أو متعلق بأعوذ فيكون مبالغة " .من كان تقيا " ) (2في
أدعية نوافل شهر رمضان " سبحان من خلق الجنة لمحمد وآل محمد،
سبحان من يورثها محمدا وآل محمد وشيعتهم " ثم ننجي الذين اتقوا " )
(3فيساقون إلى الجنة " ونذر الظالمين فيها جثيا " على هيئاتهم كما
كانوا " يوم نحشر المتقين " ) (4أي نجمعهم " إلى الرحمن " إلى ربهم
الذي غمرهم برحمته " وفدا " وافدين عليه كما يفد الوفاد على الملوك
منتظرين لكرامتهم وإنعامهم " .لعلهم يتقون " ) (5المعاصي فيصير
التقوى لهم ملكة " أو يحدث لهم ذكرا " أي عظة واعتبارا حين يسمعونها
فيثبطهم عنها ،ولهذه النكتة أسند التقوى إليهم والحداث إلى القرآن "
والعاقبة ) (6أي المحمودة " للتقوى " أي لذي التقوى " .اتقوا ربكم " )
(7في الحتجاج عن النبي صلى ال عليه وآله معاشر الناس التقوى
التقوى احذروا الساعة كما قال ال :إن زلزلة الساعة شئ عظيم ،وفي
التفسير قال :مخاطبة للناس عامة " .لن ينال ال " ) (8أي لن يصيب
رضاه ول يقع منه موقع القبول " لحومها " المتصدق بها " ول دماؤها
" المهراقة بالنحر من حيث إنها لحوم ودماء " ولكن يناله التقوى منكم "
أي ولكنه يصيبه ما يصحبه من تقوى قلوبكم التي تدعوكم إلى أمر ال
وتعظيمه ،والتقرب إليه والخلص له ،وفي الجوامع روي أن الجاهلية
كانوا إذا نحروا لطخوا البيت بالدم ،فلما حج المسلمون أرادوا مثل
) (1مريم (2) .17 :مريم (3) .63 :مريم (4) .72 :مريم (5) .86 :طه) .113 :
(6طه (7) .132 :الحج (8) .1 :الحج.37 :
][276
ذلك فنزلت ) (1وفي العلل عن الصادق عليه السلم أنه سئل ما علة الضحية قال:
إنه يغفر لصاحبها عند أول قطرة تقطر من دمها إلى الرض ،وليعلم ال
من يتقيه بالغيب قال ال تعالى " :لن ينال ال لحومها " الية ثم قال:
انظر كيف قبل ال قربان هابيل ورد قربان قابيل ) " .(2أفل تتقون " )(3
قيل :أي أفل تخافون أن يزيل عنكم نعمه " .وموعظة للمتقين " )(4
خصهم بها لنهم المنتفعون " .واجعلنا للمتقين إماما " ) (5في الجوامع
عن الصادق عليه السلم إيانا عنى وفي رواية هي فينا ،وعنه عليه السلم
إنما أنزل ال " واجعل لنا من المتقين إماما " وقد مرت الخبار الكثيرة
في ذلك ) " .(6أل يتقون " ) (7تعجيب من إفراطهم في الظلم واجترائهم.
" وازلفت الجنة " ) (8أي قربت بحيث يرونها من الموقف فيتبجحون
بأنهم المحشورون إليها " .أل تتقون " ) (9ال فتتركوا عبادة غيره "
والجبلة الولين " ) (10قيل :أي وذوي الجبلة الولين ،يعني من تقدمهم
من الخلئق وفي التفسير الخلق الولين " .وكانوا يتقون " ) (11أي
الكفر والمعاصي.
) (1راجع الدر المنثور ج 4ص (2) .363علل الشرائع ج 2ص ،122الباب
(3) .178المؤمنون (4) .23 :النور (5) .34 :الفرقان (6) .74 :راجع
ج 24ص 136 - 132من هذه الطبعة الحديثة (7) .الشعراء(8) .11 :
الشعراء (10 - 9) .90 :الشعراء (11) .184 ،106 :النمل.53 :
][277
" والعاقبة للمتقين " ) (1أي لمن اتقى مال يرضاه ال " .وإذا قيل لهم اتقوا " )
(2في المجمع عن الصادق عليه السلم معناه اتقوا " ما بين أيديكم " من
الذنوب " وما خلفكم " من العقوبة " لعلكم ترحمون " أي لتكونوا راجين
رحمة ال ،وجواب إذا محذوف دل عليه ما بعده كأنه قيل :أعرضوا )" (3
لحسن مآب " ) (4أي مرجع " اتقوا ربكم " ) (5أي بلزوم طاعته "
فاتقون " ) (6ول تتعرضوا لما يوجب سخطي " ،لهم غرف " ) (7قيل:
أي عللي بعضها فوق بعض " مبنية " بنيت بناء المنازل على الرض "
والذي جاء بالصدق " ) (8في التفسير محمد صلى ال عليه وآله "
وصدق به " أمير المؤمنين عليه السلم " بمفازتهم " ) (9بفلحهم "
وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة " ) (10إسراعا بهم إلى دار الكرامة
ويساقون راكبين " زمرا " أفواجا متفرقة على تفاوت مراتبهم في الشرف
وعلو الطبقة " .الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو " ) (11في التفسير
يعني الصدقاء يعادي بعضهم بعضا ،وقال الصادق عليه السلم :أل كل
خلة كانت في الدنيا في غير ال عزوجل فانها تصير عداوة يوم القيامة "
إل المتقين " فان خلتهم لما كانت في ال تبقى نافعة أبد الباد ،وفي الكافي
عن الصادق عليه السلم أنه قرأ هذه الية فقال :وال ما أراد بهذا غيركم،
" يا عباد " حكاية لما ينادي به المتقون المتحابون في ال يومئذ " .في
مقام " ) (12أي موضع إقامة " أمين " يأمن صاحبه عن الفة والنتقال.
) (1القصص (2) .83 :يس (3) .45 :مجمع البيان ج 8ص (4) .426ص.49 :
) (5الزمر (6) .10 :الزمر (7) .16 :الزمر (8) .20 :الزمر(9) .33 :
الزمر (10) .61 :الزمر (11) .73 :الزخرف (12) .67 :الدخان.5 :
][278
" وال ولي المتقين " ) (1فوال ال بالتقى واتباع الشريعة ،وفي التفسير هذا
تأديب لرسول ال صلى ال عليه وآله والمعنى لمته " .مثل الجنة " )(2
أي أمثل الجنة " غير آسن " أي غير متغير الطعم والريح " لذة للشاربين
" أي لذيذة ل تكون فيها كراهة غائلة ،وريح ،ول غائلة سكر وخمار "
من عسل مصفى " أي لم يخالطه الشمع وفضلت النحل وغيرهما " كمن
هو خالد " أي كمثل من هو خالد " فقطع أمعائهم " من فرط الحرارة وفي
التفسير قال :ليس من هو في هذه الجنة الموصوفة كمن هو في هذه النار
كما أن ليس عدو ال كوليه " .واتقوا ال " ) (3أي في التقديم بين يدي
ال ورسوله " إن ال سميع " لقوالكم " عليم " بأفعالكم " واتقوا ال "
) (4أي في مخالفة حكمه والهمال فيه " لعلكم ترحمون " على تقواكم" .
إن أكرمكم عند ال أتقيكم " ) (5فان بالتقوى تكمل النفوس ،وتتفاضل
الشخاص ،فمن أراد شرفا فليلتمس منها ،وفي التفسير هو رد على من
يفتخر بالحساب والنساب ،وقال رسول ال صلى ال عليه وآله يوم فتح
مكة :يا أيها الناس إن ال قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها،
إن العربية ليست بأب والد وإنما هو لسان ناطق فمن تكلم به فهو عربي
أما إنكم من آدم ،وآدم من التراب ،وإن أكرمكم عند ال أتقيكم ) .(6وفي
المجمع عن النبي صلى ال عليه وآله يقول ال تعالى يوم القيامة :أمرتكم
فضيعتم ما عهدت إليكم فيه ،ورفعتم أنسابكم ،فاليوم أرفع نسبي وأضع
أنسابكم أين
) (1الجاثية (2) .18 :القتال (3) .17 - 15 :الحجرات (4) .1 :الحجرات) .10 :
(5الحجرات (6) .13 :راجع مثله في الكافي ج 8ص .246
][279
المتقون إن أكرمكم عند ال أتقيكم ) (1وعن الصادق عليه السلم أتقيكم أعملكم
بالتقية ) " .(2وازلفت الجنة للمتقين " ) (3أي قربت لهم " غير بعيد "
أي مكانا غير بعيد وفي التفسير أي زينت غير بعيد ،قال :بسرعة" .
آخذين ما آتيهم ربهم " ) (4أي قابلين لما أعطاهم راضين به ومعناه أن
كل ما آتاهم حسن مرضي متلقى بالقبول " إنهم كانوا قبل ذلك محسنين "
قد أحسنوا أعمالهم ،وهو تعليل لستحقاقهم ذلك " كانوا قليل من الليل ما
يهجعون " أي ينامون ،تفسير لحسانهم ،عن الصادق عليه السلم كانوا
أقل الليالي يفوتهم ل يقومون فيها ) (5وعن الباقر عليه السلم كان القوم
ينامون ولكن كلما انقلب أحدهم قال :الحمد ل ول إله إل ال وال أكبر "
وبالسحار هم يستغفرون " في التهذيب والمجمع عن الصادق عليه
السلم كانوا يستغفرون في الوتر في آخر الليل سبعين مرة ) " (6وفي
أموالهم حق " نصيب يستوجبونه على أنفسهم تقربا إلى ال وإشفاقا على
الناس " للسائل والمحروم " في الكافي عن الصادق عليه السلم قال:
المحروم المحارف الذي قد حرم كد يده في الشراء والبيع ) " .(7فاكهين
" ) (8ناعمين متلذذين " .ونهر " ) (9قيل :أي أنهار واكتفى باسم
الجنس أو سعة أو ضياء من النهار
) (1مجمع البيان ج 9ص (2) .138راجع أمالي الطوسي ج 2ص (3) .274ق:
(4) .31الذاريات (5) .19 - 15 :الكافي ج 3ص (6) .446مجمع
البيان ج 9ص (7) .155الكافي ج 3ص (8) .500الطور(9) .18 :
القمر.54 :
][280
" في مقعد صدق " أي في مكان مرضي " عند مليك مقتدر " أي مقربين عند من
تعالى أمره في الملك والقتدار ،بحيث أبهمه ذوو الفهام " .واتقوا ال " )
(1في مخالفة الرسول " إن ال شديد العقاب " لمن خالف وعن أمير
المؤمنين عليه السلم :واتقوا ال في ظلم آل محمد إن ال شديد العقاب
لمن ظلمهم " .واتقوا ال الذي أنتم به مؤمنون " ) (2فان اليمان به مما
يقتضي التقوى منه " .فاتقوا ال ما استطعتم " ) (3أي فابذلوا في تقواه
جهدكم وطاقتكم وفي المجمع التقاء المتناع من الردى باجتناب ما يدعو
إليه الهوى ول تنافي بين هذا وبين قوله " :اتقوا ال حق تقاته " لن كل
واحد منهما إلزام لترك جميع المعاصي ،فمن فعل ذلك فقد اتقى عقاب ال،
لن من لم يفعل قبيحا ول أخل بواجب فل عقاب عليه ،إل أن في أحد
الكلمين تنبيها ]على[ أن التكليف ل يلزم العبد إل فيما يطيق ،وكل أمر أمر
ال به فلبد أن يكون مشروطا بالستطاعة .وقال قتادة :قوله " :فاتقوا ال
ما استطعتم " ناسخ لقوله " :اتقوا ال حق تقاته " وكأنه يذهب إلى أن
فيه رخصة لحال التقية ،وما جرى مجراها مما تعظم فيه المشقة ،وإن
كانت القدرة حاصلة معه ،وقال غيره :ليس هذا بناسخ وإنما هو مبين
لمكان العمل بهما جميعا وهو الصحيح ) " .(4واتقوا ال ربكم " ) (5أي
في تطويل العدة والضرار بهن " ومن يتق ال " فيما أمره به ونهاه عنه
" يجعل له مخرجا " من كل كرب في الدنيا والخرة " ويرزقه من حيث ل
يحتسب " أي من وجه لم يخطر بباله وفي التفسير عن الصادق عليه
السلم في دنياه ).(6
) (1الحشر (2) .7 :الممتحنة (3) .11 :التغابن (4) .16 :مجمع البيان ج 10ص
(5) .301الطلق 1 :و (6) .2تفسير القمي ص .686
][281
وفي المجمع عن النبي صلى ال عليه وآله أنه قرأها فقال :مخرجا من شبهات
الدنيا ومن غمرات الموت ،وشدائد يوم القيامة ) (1وعنه صلى ال عليه
وآله إني لعلم آية لو أخذ بها الناس لكفتهم " ومن يتق ال " الية فما
زال يقولها ويعيدها ) (2وفي النهج مخرجا من الفتن ونورا من الظلم )(3
وفي المجمع عن الصادق عليه السلم " ويرزقه من حيث ل يحتسب "
أي يبارك له فيما آتاه ) .(4وفي الفقيه عنه عن آبائه عن علي عليهم
السلم من أتاه ال برزق لم يخط إليه برجله ولم يمده إليه يده ،ولم يتكلم
فيه بلسانه ،ولم يشد إليه ثيابه ،ولم يتعرض له كان ممن ذكر ال عزوجل
في كتابه " ومن يتق ال " الية ) (5وفي الكافي عن الصادق عليه
السلم إن قوما من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وآله لما نزلت هذه
الية أغلقوا البواب وأقبلوا على العبادة وقالوا :كفينا فبلغ ذلك النبي
فأرسل إليهم فقال :ما حملكم على ما صنعتم ؟ فقالوا :يارسول ال تكفل لنا
بأرزاقنا ،فأقبلنا على العبادة فقال :إنه من فعل ذلك لم يستجب له ،عليكم
بالطلب ) .(6وعنه عليه السلم :هؤلء قوم من شيعتنا ضعفاء ليس
عندهم ما يتحملون به إلينا ،فيسمعون حديثنا ،ويقتبسون من علمنا،
فيرحل قوم فوقهم وينفقون أموالهم ويتعبون أبدانهم حتى يدخلوا علينا،
فيسمعوا حديثنا فينقلوه إليهم ،فيعيه هؤلء ويضيعه هؤلء فاولئك الذين
يجعل ال عز ذكره لهم مخرجا ويرزقهم من حيث ل يحتسبون ).(7
) (1مجمع البيان ج 10ص (2) .306أنوار التنزيل ص (3) .433نهج البلغة
تحت الرقم 181من الخطب (4) .مجمع البيان ج 10ص (5) .306
الفقيه ج 3ص (6) .101الكافي ج 5ص (7) .84الكافي ج 8ص
.178
][282
" ومن يتق ال " ) (1في أحكامه فيراعي حقوقها " يجعل له من أمره يسرا " أي
يسهل عليه أمره ويوفقه للخير " ومن يتق ال " ) (2في أمره " يكفر
عنه سيئاته " فان الحسنات يذهبن السيئات " ويعظم له أجرا "
بالمضاعفة " .جنات النعيم " ) (3أي جنات ليس فيها إل التنعم الخالص.
" مفازا " ) (4في التفسير قال :يفوزون ،وعن الباقر عليه السلم هي
الكرامات " حدائق وأعنابا " أي بساتين فيها أنواع الشجار المثمرة "
وكواعب " نساء فلكت ثديهن " أترابا " لدات عن سن واحد ،وفي
التفسير عن الباقر عليه السلم " وكواعب أترابا " أي الفتيات الناهدات "
وكأسا دهاقا " أي ممتلية - 1 .كا :عن الحسين بن محمد ،عن المعلى ،عن
أبي داود المسترق ،عن محسن الميثمي ،عن يعقوب بن شعيب قال:
سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :ما نقل ال عزوجل عبدا من ذل
المعاصي إلى عز التقوى إل أغناه من غير مال ،وأعزه من غير عشيرة،
وآنسه من غير بشر ) .(5بيان " :من غير بشر " أي من غير أنيس من
البشر ،بل ال مونسه كما قال أمير المؤمنين عليه السلم :اللهم إنك آنس
النسين بأوليائك - 2 .ضه ،شى :عن أبي بصير ،عن أبي جعفر عليه
السلم قال :كان أمير المؤمنين عليه السلم يقول :إن لهل التقوى
علمات يعرفون بها :صدق الحديث ،وأداء المانة ،ووفاء بالعهد ،وقلة
العجز والبخل ،وصلة الرحام ،ورحمة الضعفاء وقلة المؤاتاة للنساء،
وبذل المعروف ،وحسن الخلق ،وسعة الحلم ،واتباع العلم ،فيما يقرب إلى
ال ،طوبى لهم وحسن مآب .وطوبى شجرة في الجنة أصلها في دار رسول
ال ،فليس من مؤمن إل وفي
) (2 - 1الطلق 4 :و (3) .5القلم (4) .34 :النبأ (5) .33 - 31 :الكافي ج 2ص
.76
][283
داره غصن من أغصانها ل ينوي في قلبه شيئا إل آتاه ذلك الغصن ،ولو أن راكبا
مجدا سار في ظلها مائة عام ما خرج منها ،ولو أن غرابا طار من أصلها
ما بلغ أعلها حتى يبياض هرما إل ففي هذا فارغبوا ،إن للمؤمن في نفسه
شغل والناس منه في راحة إذا جن عليه الليل فرش وجهه وسجد ل
بمكارم بدنه ،يناجى الذي خلقه في فكاك رقبته أل فهكذا فكونوا )- 3 .(1
تفسير النعماني :بالسناد المسطور في كتاب القرآن عن أمير المؤمنين
عليه السلم قال :نسخ قوله تعالى " :يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال حق
تقاته " ) (2قوله تعالى " :فاتقوا ال ما استطعتم " ) - 4 .(3كتاب صفات
الشيعة للصدوق :باسناده ،عن علي بن عبد العزيز قال :قال أبو عبد ال
عليه السلم :يا علي بن عبد العزيز ل يغرنك بكاؤهم فان التقوى في القلب
) - 5 .(4دعوات الراوندي :قال النبي صلى ال عليه وآله :من اتقى ال
عاش قويا وسار في بلد عدوه آمنا - 6 .نهج :قال عليه السلم :كم من
صائم ليس له من صيامه إل الظمأ وكم من قائم ليس له من قيامه إل
العناء ،حبذا نوم الكياس وإفطارهم ) .(5وقال عليه السلم :اتقوا ال الذي
إن قلتم سمع ،وإن أضمرتم علم وبادروا الموت الذي إن هربتم أدرككم،
وإن أقمتم أخذكم ،وإن نسيتموه ذكركم ).(6
) (1تفسير العياشي ج 2ص (2) .213آل عمران (3) .102 :التغابن(4) .16 :
صفات الشيعة ص (5) .176نهج البلغة ج 2ص (6) .177نهج
البلغة ج 2ص .190
][284
وقال عليه السلم :اتقوا ال تقية من شمر تجريدا ،وجد تشميرا وانكمش في مهل،
وبادر عن وجل ،ونظر في كرة الموئل ،وعاقبة المصدر ومغبة المرجع )
.(1وقال عليه السلم :اتقوا ال بعض التقى ،وإن قل ،واجعل بينك وبين
ال سترا وإن رق ) .(2وقال عليه السلم :التقى رئيس الخلق ) .(3وقال
عليه السلم :أما بعد فاني اوصيكم بتقوى ال الذي ابتدأ خلقكم وإليه يكون
معادكم ،وبه نجاح طلبتكم ،وإليه منتهى رغبتكم ،ونحوه قصد سبيلكم،
وإليه مرامي مفزعكم ،فان تقوى ال دواء داء قلوبكم ،وبصر عمى
أفئدتكم ،وشفاء مرض أجسادكم ،وصلح فساد صدوركم ،وطهور دنس
أنفسكم وجلء غشاء أبصاركم ،وأمن فزع جأشكم ،وضياء سواد ظلمتكم.
فاجعلوا طاعة ال شعارا دون دثاركم ،ودخيل دون شعاركم ،ولطيفا بين
أضلعكم ،وأميرا فوق اموركم ،ومنهل لحين وردكم ،وشفيعا لدرك طلبتكم
وجنة ليوم فزعكم ،ومصابيح لبطون قبوركم ،وسكنا لطول وحشتكم،
ونفسا لكرب مواطنكم ،فان طاعة ال حرز من متالف مكتنفة ،ومخاوف
متوقعة واوار نيران موقدة ،فمن أخذ بالتقوى عزبت عنه الشدائد بعد
دنوها ،واحلولت له المور بعد مرارتها ،وانفرجت عنه المواج بعد
تراكمها ،وأسهلت له الصعاب بعد انصبابها ،وهطلت عليه الكرامة بعد
قحوطها ،وتحدبت عليه الرحمة بعد نفورها وتفجرت عليه النعم بعد
نضوبها ،ووبلت عليه البركة بعد ارذادها .فاتقوا ال الذي نفعكم بموعظته،
ووعظكم برسالته ،وامتن عليكم بنعمته
) (1نهج البلغة ج 2ص (2) .191نهج البلغة ج 2ص (3) .198نهج البلغة
ج 2ص .241
][285
فعبدوا أنفسكم لعبادته ،واخرجوا إليه من حق طاعته ،إلى آخر الخطبة )- 8 .(1
كنز الكراجكى :روي عن رسول ال صلى ال عليه وآله أنه قال :خصلة
من لزمها أطاعته الدنيا والخرة وربح الفوز بالجنة قيل :وما هي يارسول
ال ؟ قال :التقوى من أراد أن يكون أعز الناس فليتق ال عزوجل ،ثم تل
" ومن يتق ال يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث ل يحتسب " )- 8 .(2
عدة الداعي :روى أحمد بن الحسين الميثمي عن رجل من أصحابه قال:
قرأت جوابا من أبي عبد ال عليه السلم إلى رجل من أصحابه أما بعد
فاني اوصيك بتقوى ال عزوجل ،فان ال قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله
عما يكره إلى ما يحب ،و يرزقه من حيث ل يحتسب ،إن ال عزوجل ل
يخدع عن جنته ،ول ينال ما عنده إل بطاعته إنشاء ال تعالى .وروى عبد
ال بن سنان ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :أيما مؤمن أقبل قبل ما
يحب ال ،أقبل ال عليه قبل كل ما يحب ،ومن اعتصم بال بتقواه عصمه
ال ،ومن أقبل ال عليه وعصمه لم يبال لو سقطت السماء على الرض،
وإن نزلت نازلة على أهل الرض فشملهم بلية كان في حرز ال بالتقوى
من كل بلية ،أليس ال تعالى يقول " :إن المتقين في مقام أمين " ).(3
مشكوة النوار :عنه عليه السلم مثله ) .(4وقال النبي صلى ال عليه
وآله :لو أن السموات والرض كانتا رتقا على عبد ثم اتقى ال لجعل ال له
منهما فرجا ومخرجا .وسئل الصادق عليه السلم عن تفسير التقوى فقال:
أن ل يفقدك ال حيث أمرك ول يراك حيث نهاك.
) (1نهج البلغة ج 1ص ،155تحت الرقم 81من الخطب (2) .الطلق 3 :و ) .4
(3الدخان (4) .51 :مشكاة النوار ص .18
][286
وقال النبي صلى ال عليه وآله :أصل الدين الورع ،كن ورعا تكن أعبد الناس،
وكن بالعمل بالتقوى أشد اهتماما منك بالعمل بغيره ،فانه ل يقل عمل
بالتقوى ،وكيف يقل عمل يتقبل لقول ال عزوجل " إنما يتقبل ال من
المتقين " وفي الوحي القديم :العمل مع أكل الحرام كناقل الماء في
المنخل .وعنهم عليهم السلم :جدوا واجتهدوا ،وإن لم تعملوا فل تعصوا،
فان من يبني ول يهدم يرتفع بناؤه ،وإن كان يسيرا وإن ]من يبني ويهدم
يوشك أن ل يرتفع بناؤه .وروى محمد بن يعقوب يرفعه إلى أبي حمزة
قال :كنت عند علي بن الحسين عليهما السلم فجاءه رجل فقال له[ يا أبا
محمد إني مبتلى بالنساء فأزني يوما وأصوم يوما أفيكون ذا كفارة لذا ؟
فقال له عليه السلم :إنه ليس شئ أحب إلى ال عزوجل من أن يطاع فل
يعصى فل تزن ول تصم ،فاجتذبه أبو جعفر عليه السلم إليه فأخذه بيده و
قال له :تعمل عمل أهل النار ،وترجو أن تدخل الجنة ) .(1وعن النبي صلى
ال عليه وآله قال :ليجيئن أقوام يوم القيامة لهم من الحسنات كجبال
تهامة ،فيؤمر بهم إلى النار ،فقيل :يا نبي ال أمصلون ؟ قال :كانوا
يصلون ويصومون ويأخذون وهنا من الليل لكنهم كانوا إذا لح لهم شئ
من الدنيا وثبوا عليه - 9 .مشكوة النوار :نقل من المحاسن قال أمير
المؤمنين عليه السلم :التقوى سنخ اليمان وقيل لمير المؤمنين عليه
السلم :صف لنا الدنيا فقال :وما أصف لكم منها ؟ لحللها حساب،
ولحرامها عذاب ،لو رأيتم الجل ومسيره للهيتم عن المل وغروره ،ثم
قال :من اتقى ال حق تقاته أعطاه ال انسا بل أنيس ،وغناء بل مال،
وعزا بل سلطان .وقال أبو عبد ال عليه السلم :القيامة ]عرس المتقين.
وقال أبو عبد ال عليه السلم :ل يغرنك[ بكاؤهم إنما التقوى في القلب.
وقال أبو عبد ال عليه السلم :في قوله جل ثناؤه " :هو أهل التقوى وأهل
المغفرة " ) (2قال :أنا أهل أن يتقيني عبدى ،فان لم يفعل فأنا أهل أن
أغفر له ) .(1ومنه :روي أن رسول ال صلى ال عليه وآله دخل البيت عام الفتح
ومعه الفضل بن عباس واسامة بن زيد ثم خرج فأخذ بحلقة الباب ثم قال:
الحمد ل الذي صدق عبده ،وأنجز وعده ،وغلب الحزاب وحده ،إن ال
أذهب نخوة العرب وتكبرها بآبائها وكلكم من آدم ،وآدم من تراب ،وأكرمكم
عند ال أتقيكم ) - 11 .(2ومنه :عن أبي عبد ال عليه السلم قال :العلماء
امناء ،والتقياء حصون والعمال سادة - 12 .شى :عن أبي بصير قال:
سألت أبا عبد ال عليه السلم عن قول ال " :اتقوا ال حق تقاته " )(3
قال :منسوخة ،قلت :وما نسختها ؟ قال :قول ال " :اتقوا ال ما استطعتم
" ) - 13 .(4شى :عن زيد بن أبي اسامة ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :سألته عن قول ال " :إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان
تذكروا فإذا هم مبصرون " ) (5قال :هو الذنب يهم به العبد فيتذكر فيدعه
) - 14 .(6شى :عن علي بن أبي حمزة ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :سألته عن قول ال إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان
تذكروا " ما ذلك الطائف ؟ قال :هو السيئ يهم العبد به ،ثم يذكر ال
فيبصر ويقصر .أبو بصير عنه عليه السلم قال :هو الرجل يهم بالذنب ثم
يتذكر فيدعه ).(7
) (1مشكاة النوار :ص (2) .44مشكاة النوار ص (3) .59آل عمران) .102 :
(4تفسير العياشي ج 1ص ،194والية في التغابن (5) .16 :العراف:
(6) .201تفسير العياشي ج 2ص (7) .43تفسير العياشي ج 2ص
.44
][288
- 15صح ،لى :عن أمير المؤمنين عليه السلم عن النبي صلى ال عليه وآله قال:
أتقى الناس من قال الحق فيما له وعليه ) - 16 .(1لى :عن أمير المؤمنين
عليه السلم لكرم أعز من التقوى ،وسئل عليه السلم أي عمل أفضل ؟
قال :التقوى ) .(2أقول :قد أثبتناها وأمثالها بأسانيدها في أبواب المواعظ
وباب مكارم الخلق - 17 .فس :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :أيها
الناس إن العربية ليست بأب والد ،و إنما هو لسان ناطق ،فمن تكلم به
فهو عربي أل إنكم ولد آدم ،وآدم من تراب وأكرمكم عند ال أتقاكم ).(3
- 18ل :ابن المتوكل ،عن محمد العطار ،عن الشعري ،عن القاشاني
عمن ذكره ،عن عبد ال بن القاسم الجعفري ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :القيامة عرس المتقين ) - 19 .(4ل :عن علي بن الحسين عليه
السلم ل حسب لقرشي ول عربي إل بتواضع ول كرم إل بتقوى )20 .(5
-ل :الخليل بن أحمد ،عن معاذ ،عن الحسين المروزي ،عن محمد بن
عبيد ،عن داود الودي ،عن أبيه ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى ال
عليه وآله قال :أول ما يدخل النار من امتي الجوفان قالوا :وما
الجوفان ؟ قال :الفرج والفم ،وأكثر ما يدخل به الجنة تقوى ال وحسن
الخلق ).(6
) (1أمالي الصدوق ص (2) .14أمالي الصدوق ص (3) .193تفسير القمي .642
) (4الخصال ج 1ص (5) .10الخصال ج 1ص (6) .12الخصال ج 1
ص .39
][289
- 21ما :في وصية النبي صلى ال عليه وآله لبي ذر :عليك بتقوى ال فانه رأس
المر كله ) .(1أقول :سيأتي فيما كتب أمير المؤمنين عليه السلم لمحمد
بن أبي بكر مدح المتقين ) - 22 .(2ما :المفيد ،عن الجعابي ،عن ابن
عقدة ،عن سليمان بن محمد ،عن محمد بن عمران ،عن محمد بن عيسى
الكندي ،عن الصادق عليه السلم قال :من أخرجه ال من ذل المعصية إلى
عز التقوى أغناه ال بل مال ،وأعزه بل عشيرة ،وآنسه بل بشر ،ومن
خاف ال عزوجل أخاف ال منه كل شئ ،ومن لم يخف ال عز وجل أخافه
ال من كل شئ ) .(3ما :عن المفيد ،عن محمد بن محمد بن طاهر ،عن
ابن عقدة مثله ) - 23 .(4ما :المفيد ،عن ابن قولويه ،عن الكليني )(5
عن علي بن إبراهيم عن اليقطيني ،عن حنان بن سدير ،عن أبيه ،عن أبي
جعفر عليه السلم قال :جلس جماعة من أصحاب رسول ال صلى ال
عليه وآله ينتسبون ويفتخرون ،وفيهم سلمان رحمه ال فقال عمر :ما
نسبك أنت يا سلمان ؟ وما أصلك ؟ فقال :أنا سلمان بن عبد ال كنت ضال
فهداني ال بمحمد عليه السلم وكنت عائل فأغناني ال بمحمد عليه
السلم وكنت مملوكا فأعتقني ال بمحمد عليه السلم فهذا حسبي ونسبي
يا عمر ،ثم خرج رسول ال صلى ال عليه وآله فذكر له سلمان ما قال
عمر ،وما أجابه ،فقال رسول ال صلى ال عليه وآله :يا معشر قريش إن
حسب المرء دينه ،ومروته خلقه ،وأصله عقله ،قال ال تعالى :يا أيها
الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا
) (1أمالي الطوسي ج 2ص 154وفي نسخة الصل رمز الخصال (2) .أمالي
الطوسي ج 1ص (3) .24أمالي الطوسي ج 1ص (4) .205أمالي
الطوسي ج 1ص (5) .139تراه في روضة الكافي ص 181مع
اختلف في اللفظ.
][290
إن أكرمكم عند ال أتقيكم ) (1ثم أقبل على سلمان رحمه ال فقال له :يا سلمان إنه
ليس لحد من هؤلء عليك فضل إل بتقوى ال عزوجل ،فمن كنت أتقى
منه فأنت أفضل منه ) - 24 .(2ما :المفيد ،عن إسماعيل بن محمد الكاتب،
عن أحمد بن جعفر المالكي عن عبد ال بن أحمد بن حنبل ،عن أبيه ،عن
يحيى بن سعيد ،عن سفيان ،عن حبيب عن ميمون بن أبي شبيب ،عن أبي
ذر رحمه ال قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :اتق ال حيث كنت،
وخالق الناس بخلق حسن ،وإذا عملت سيئة فاعمل حسنة يمحوها ).(3
- 25ما :المفيد ،عن محمد بن محمد بن طاهر ،عن ابن عقدة ،عن يحيى
بن الحسن العلوي ،عن إسحاق بن موسى ،عن آبائه ،عن أمير المؤمنين
عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :المتقون سادة،
والفقهاء قادة ،والجلوس إليهم عبادة ) - 26 .(4ما :ابن مخلد ،عن جعفر
بن محمد بن نصير ،عن الحارث بن محمد بن أبي اسامة ،عن داود بن
المحبر ،عن عباد ،عن عبد ال بن دينار ،عن ابن عمران ،عن النبي صلى
ال عليه وآله قال :كم من عاقل عقل عن ال عزوجل أمره ،وهو حقير
عند الناس دميم المنظر ،ينجو غدا ،وكم من طريف اللسان ،جميل المنظر
عند الناس ،يهلك غدا في القيامة ) - 27 .(5ما :جماعة ،عن أبي المفضل،
عن الحسن بن محمد بن اشكاب ،عن أبيه عن علي بن حفص المدايني،
عن أيوب بن سيار ،عن محمد بن المنكدر ،عن جابر بن عبد ال
النصاري قال :أقبل العباس ذات يوم إلى رسول ال صلى ال عليه وآله
وكان العباس
) (1الحجرات (2) .11 :أمالي الطوسي ج 1ص (3) .146أمالي الطوسي ج 1
ص (4) .189أمالي الطوسي ج 1ص (5) .229أمالي الطوسي ج 2
ص .7
][291
طوال حسن الجسم ،فلما رآه النبي صلى ال عليه وآله تبسم إليه وقال :إنك يا عم
لجميل فقال العباس :ما الجمال بالرجل يارسول ال ؟ قال :بصواب القول
بالحق قال :فما الكمال ؟ قال :تقوى ال عزوجل وحسن الخلق )- 28 .(1
مع ،ع :ماجيلويه ،عن عمه ،عن الكوفي ،عن محمد بن سنان ،عن
المفضل بن عمر ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :وقع بين سلمان وبين
رجل كلم فقال له :من أنت وما أنت ؟ فقال سلمان :أما اولي واولك
فنطفة قذرة ،وأما اخراي واخراك فجيفة منتنة ،فإذا كان يوم القيامة
ونصبت الموازين ،فمن خف ميزانه فهو اللئيم ،ومن ثقل ميزانه فهو
الكريم ) - 29 .(2ع :ابن إدريس ،عن أبيه ،عن الشعري ،عن إبراهيم بن
هاشم ،عن جعفر بن محمد بن إبراهيم الهمداني ،عن العباس بن عامر،
عن إسماعيل بن دينار يرفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم قال :افتخر
رجلن عند أمير المؤمنين عليه السلم فقال :أتفتخران بأجساد بالية،
وأرواح في النار ؟ إن يكن لك عقل فان لك خلقا وإن يكن لك تقوى فان لك
كرما ،وإل فالحمار خير منك ولست بخير من أحد - 30 .مع :الوراق ،عن
سعد ،عن إبراهيم بن مهزيار ،عن أخيه ،عن الحسن بن سعيد ،عن
الحارث بن محمد بن النعمان ،عن جميل بن صالح ،عن أبي عبد ال عليه
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من أحب أن يكون أكرم
الناس فليتق ال ،ومن أحب أن يكون أتقى الناس فليتوكل على ال الخبر )
.(3أقول :قد مضى بعض الخبار في باب أصناف الناس في اليمان- 31 .
مع :ابن الوليد ،عن الصفار ،عن أحمد بن محمد ،عن أبيه ،عن النضر،
عن أبي الحسين ،عن أبي بصير قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم عن
قول ال
][292
عزوجل " :اتقوا ال حق تقاته " قال :يطاع فل يعصى ،ويذكر فل ينسى ويشكر
فل يكفر ) .(1ين :النضر مثله .سن :عن أبيه :عن النضر مثله ) .(2شى:
عن أبي بصير مثله ) - 32 .(3مع :ابن المتوكل ،عن الحميري ،عن محمد
بن الحسين ،عن ابن محبوب ،عن جميل بن صالح ،عن الوليد بن عباس
قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :الحسب الفعال ،والشرف المال،
والكرم التقوى ) - 33 .(4ما :المفيد ،عن الجعابي ،عن ابن عقدة ،عن
محمد بن هارون بن عبد الرحمن ،عن أبيه ،عن عيسى بن أبي الورد ،عن
أحمد بن عبد العزيز ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قال أمير المؤمنين
عليه السلم :ل يقل مع التقوى عمل ،وكيف يقل ما يتقبل ) .(5جا:
الجعابي مثله ) .(6جا :أحمد بن الوليد ،عن أبيه ،عن الصفار ،عن ابن
معروف ،عن ابن مهزيار ،عن ابن فضال ،عن ابن سنان ،عن الفضيل بن
عثمان ،عن الحذاء ،عن أبي جعفر عليه السلم مثله ).(7
) (1معاني الخبار ص (2) .240المحاسن ص (3) .204تفسير العياشي ج 1
ص (4) .194معاني الخبار ص (5) .405أمالي الطوسي ج 1ص
(6) .60أمالي المفيد ص (7) .26أمالي المفيد ص .122
][293
كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن سنان مثله ) .(1بيان" :
وكيف يقل ما يتقبل " لن ال يقول " :إنما يتقبل ال من المتقين )34 .(2
-فس " :إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر " ) (3قال :من لم ينهه
الصلة عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من ال إل بعدا ) - 35 .(4فس :أبي،
عن النضر ،عن يحيى الحلبي ،عن الثمالي ،عن أبي جعفر عليه السلم
قال :يبعث ال يوم القيامة قوما بين أيديهم نور كالقباطى ثم يقال له :كن
هباء منثورا ثم قال :أما وال يا أبا حمزة إنهم كانوا يصومون ويصلون،
ولكن كانوا إذا عرض لهم شئ من الحرام أخذوه ،وإذا ذكر لهم شئ من
فضل أمير -المؤمنين عليه السلم أنكروه ،وقال :والهباء المنثور هو
الذي تراه يدخل البيت في الكوة من شعاع الشمس ) - 36 .(5ص:
بالسناد إلى الصدوق ،عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن الوشاء،
عن الحسن بن الجهم ،عن رجل ،عن أبي عبد ال عليه الصلة والسلم
قال :كان في بني إسرائيل رجل يكثر أن يقول :الحمد ل رب العالمين،
والعاقبة للمتقين ،فغاظ إبليس ذلك فبعث إليه شيطانا فقال :قل :العاقبة
للغنياء ،فجاءه فقال ذلك ،فتحاكما إلى أول من يطلع عليهما على قطع يد
الذي يحكم عليه فلقيا شخصا فأخبراه بحالهما ،فقال :العاقبة للغنياء
فرجع ،وهو يحمد ال ويقول :العاقبة للمتقين ،فقال له :تعود أيضا فقال:
نعم على يدي الخرى فخرجا فطلع الخر فحكم عليه أيضا فقطعت يده
الخرى ،وعاد أيضا يحمد ال
) (1الكافي ج 2ص (2) .75المائدة (3) .27العنكبوت (4) .45 :تفسير القمى
ص (5) .497تفسير القمي ص .465
][294
ويقول :العاقبة للمتقين ،فقال له :تحاكمني على ضرب العنق ؟ فقال :نعم فخرجا
فرأيا مثال فوقفا عليه فقال :إني كنت حاكمت هذا وقصا عليه قصتهما قال:
فمسح يديه فعادتا ثم ضرب عنق ذلك الخبيث وقال :هكذا العاقبة للمتقين.
- 37سن :أبي ،عن هارون بن الجهم ومحمد بن سنان ،عن الحسين بن
يحيى عن فرات بن أحنف ،عن رجل من أصحاب علي عليه السلم قال :إن
وليا ل وعدوا ل اجتمعا فقال ولي ال :الحمد ل والعاقبة للمتقين ،وقال
الخر :الحمد ل والعاقبة للغنياء -وفي رواية اخرى والعاقبة للملوك -
فقال ولي ال :ارض بيننا بأول طالع يطلع من الوادي ،قال :فاطلع إبليس
في أحسن هيئة فقال ولي ال :الحمد ل والعاقبة للمتقين ،فقال الخر:
الحمد ل والعاقبة للملوك ،فقال إبليس :كذا ) - 38 .(1سن :علي بن
السندي ،عن المعلى بن محمد ،عن ابن أسباط ،عن عبد ال ابن محمد
صاب الحجال قال :قلت لجميل بن دراج :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :إذا أتاكم شريف ]قوم[ فأكرموه ؟ قال :نعم فقلت :فما الحسب ؟ فقال:
الذي يفعل الفعال الحسنة بماله وغير ماله ،فقلت :فما الكرم ؟ فقال :التقى
) - 39 .(2ضا :أروي من أراد أن يكون أعز الناس فليتق ال في سره
وعلنيته .وأروي عن العالم عليه السلم في تفسير هذه الية ) " (3ومن
يتق ال يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث ل يحتسب " قال :يجعل له
مخرجا في دينه ويرزقه من حيث ل يحتسب في دنياه - 40 .مص :قال
الصادق عليه السلم :اتق ال وكن حيث شئت ومن أي قوم شئت ،فانه ل
خلف لحد في التقوى ،والمتقي محبوب عند كل فريق ،وفيه جماع كل
خير ورشد ،وهو ميزان كل علم وحكمة ،وأساس كل طاعة مقبولة
][295
][296
ولطافته وكثافته ،ثم منافع الخلق من ذلك الشجار والثمار على قدرها وقيمتها قال
ال تعالى " :صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ويفضل بعضهما على
بعض في الكل " ) (1الية .فالتقوى للطاعات كالماء للشجار ،ومثل
طبايع الشجار والثمار في لونها وطعمها مثل مقادير اليمان ،فمن كان
أعل درجة في اليمان وأصفا جوهرا بالروح كان أتقى ،ومن كان أتقى
كانت عبادته أخلص وأطهر ،ومن كان كذلك كان من ال أقرب ،وكل عبادة
غير مؤسسة على التقوى فهو هباء منثور قال ال عزوجل " :أفمن أسس
بنيانه على تقوى من ال ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف
هار فانهار به في نار جهنم " ) (2الية وتفسير التقوى ترك ما ليس
بأخذه بأس حذرا عما به بأس ،وهو في الحقيقة طاعة ،وذكر بل نسيان،
وعلم بل جهل مقبول غير مردود )) .57 .(3باب( * " )الورع واجتناب
الشبهات( " * - 1كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن أبي
المغرا ،عن زيد الشحام ،عن عمرو بن سعيد بن هلل الثقفي ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :قلت له :إني ل ألقاك إل في السنين فأخبرني بشئ
آخذ به فقال :اوصيك بتقوى ال والورع والجتهاد ،واعلم أنه ل ينفع
اجتهاد ل ورع فيه ) .(4بيان :لعل المراد بالتقوى ترك المحرمات،
وبالورع ترك الشبهات ،بل
) (1الرعد (2) .5 :براءة (3) .109 :مصباح الشريعة ص 56و (4) .57الكافي
ج 2ص .76
][297
بعض المباحات ،وبالجتهاد بذل الجهد في فعل الطاعات ،يقال :وقاه ال السوء
يقيه وقاية أي حفظه ،واتقيت ال اتقاء أي حفظت نفسي من عذابه أو عن
مخالفته والتقوى اسم منه ،والتاء مبدلة من واو ،والصل وقوى من وقيت
لكل ابدل لزمت التاء في تصاريف الكلمة وفي النهاية :فيه :ملك الدين
الورع ،الورع في الصل الكف عن المحارم ،والتحرج منها ،يقال :ورع
الرجل يرع بالكسر فيهما ،ورعا ورعة فهو ورع وتورع من كذا ثم استعير
للكف عن المباح والحلل " ل ينفع " أي نفعا كامل - 2 .كا :عن محمد بن
يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن الحسن بن محبوب ،عن حديد بن حكيم
قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :اتقوا ال وصونوا دينكم بالورع
) .(1بيان :يدل على أن بترك الورع عن المحرمات يصير اليمان بمعرض
الضياع والزوال ،فان فعل الطاعات وترك المعاصي حصون لليمان من أن
يذهب به الشيطان - 3 .كا :عن أبي علي الشعري ،عن محمد بن عبد
الجبار ،عن صفوان بن يحيى ،عن يزيد بن خليفة قال :وعظنا أبو عبد ال
عليه السلم فأمر وزهد ،ثم قال :عليكم بالورع ،فانه ل ينال ما عند ال إل
بالورع ) .(2بيان :فأمر أي بالطاعات وما يوجب الفوز بأرفع الدرجات،
وزهد على بناء التفعيل أي أمر بالزهد في الدنيا وترك مشتهياتها المانعة
عن قربه سبحانه قال الجوهري :التزهيد في الشئ وعن الشئ خلف
الترغيب فيه - 4 .كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن ابن فضال ،عن أبي
جميلة ،عن ابن أبي يعفور ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :ل ينفع
اجتهاد ل ورع فيه ) - 5 .(3كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن
فضالة بن أيوب ،عن الحسن
][298
ابن زياد الصيقل ،عن فضيل بن يسار قال :قال أبو جعفر عليه السلم :إن أشد
العبادة الورع ) .(1بيان " :أن أشد العبادة الورع " إذ ترك المحرمات
أشق على النفس من فعل الطاعات ،وأفضل العمال أحمزها - 6 .كا :عن
محمد بن يحيى ،عن ابن عيسى ،عن ابن بزيع ،عن حنان بن سدير قال:
قال أبو الصباح الكناني لبي عبد ال عليه السلم :ما نلقى من الناس
فيك ؟ فقال أبو عبد ال عليه السلم :وما الذي تلقى من الناس في ؟ !
فقال :ل يزال يكون بيننا وبين الرجل الكلم فيقول :جعفري خبيث ،فقال:
يعيركم الناس بي ؟ فقال له أبو الصباح :نعم ،قال :فما أقل وال من يتبع
جعفرا منكم ،إنما أصحابي من اشتد ورعه ،وعمل لخالقه ،ورجا ثوابه،
هؤلء أصحابي ) .(2توضيح :قال الشيخ البهائي رحمه ال :يعلم منه أنه
لم يرتض عليه السلم ما قاله أبو الصباح ،لما فيه من الخشونة وسوء
الدب " وعمل لخالقه " أي أخلص العمل ل " ورجا ثوابه " كأنه إشارة
إلى أن رجاء الثواب إنما يحسن مع الورع والطاعة ،وإل فهو غرور كما
مر ،وإلى أنه مع العمل أيضا ل ينبغي اليقين بالثواب لكثرة آفات العمل،
ويمكن أن يكون ما ذكره عليه السلم إيماء إلى أن ما تسمعون من
المخالفين إنما هو لعدم الطاعة إما بترك الطاعات والعمال الرضية أو
لترك ما أمرتكم به من التقية - 7 .ما :بالسناد المتقدم ،عن حنان ،عن أبي
سارة الغزال ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :قال ال عزوجل :ابن آدم
اجتنب ما حرمت عليك تكن من أورع الناس ) .(3بيان :كأن الورع
بالنسبة إلى من يجتنب المكروهات ويأتي بالسنن ،ويجترئ على المحارم
وترك الطاعات كما هو الشايع بين الناس أو هو تعريض بأرباب البدع
][299
الذين يحرمون ما أحل ال على أنفسهم ويسمونه ورعا أو تنبيه على أن الورع إنما
هو بترك المعاصي ل بالمبالغة في الطاعات والكثار منها - 8 .كا :عن
علي ،عن أبيه وعلي بن محمد ،عن القاسم بن محمد ،عن سليمان
المنقري ،عن حفص بن غياث قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم عن
الورع من الناس فقال :الذي يتورع عن محارم ال عزوجل ) - 9 .(1كا:
عن محمد بن يحيى ،عن ابن عيسى ،عن علي بن النعمان ،عن أبي اسامة
قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :عليك بتقوى ال ،والورع
والجتهاد وصدق الحديث ،وأداء المانة ،وحسن الخلق ،وحسن الجوار،
وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم وكونوا زينا ول تكونوا شينا،
وعليكم بطول الركوع والسجود ،فان أحدكم إذا أطال الركوع والسجود
هتف إبليس من خلفه فقال :يا ويله أطاع وعصيت ،وسجد وأبيت ).(2
ايضاح " :حسن الجوار " لكل من جاوره وصاحبه أو لجار بيته " وكونوا
دعاة " أي كونوا داعين للناس إلى طريقتكم المثلى ومذهبكم الحق
بمحاسن أعمالكم ،ومكارم أخلقكم ،فان الناس إذا رأوكم على سيرة حسنة
وهدي جميل نازعتهم أنفسهم إلى الدخول فيما ذهبتم إليه من التشيع
وتصويبكم فيما تقلدتم من طاعة أئمتكم عليهم السلم " وكونوا زينا " أي
زينة لنا " ول تكونوا شينا " أي عيبا وعارا علينا .وفي النهاية في حديث
أبي هريرة إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول :يا
ويله ،الويل الحزن والهلك والمشقة من العذاب وكل من وقع في هلكة
دعا بالويل ،ومعنى النداء فيه يا ويلي ويا حزني وياهلكي ويا عذابي
احضر فهذا وقتك وأوانك ،فكأنه نادى الويل أن يحضره لما عرض له من
المر الفظيع وهو الندم على ترك السجود لدم عليه السلم وأضاف الويل
إلى ضمير الغائب
][300
حمل على المعنى ،وعدل عن حكاية قول إبليس يا ويلي كراهة أن يضيف الويل إلى
نفسه انتهى .وقال النووي :هو من أدب الكلم أنه إذا عرض في الحكاية
عن الغير ما فيه سوء ،صرف الحاكي عن نفسه إلى الغيبة صونا عن
صورة إضافة السوء إلى نفسه انتهى .وقيل :الضمير راجع إلى الساجد
ودعا إبليس له بالعذاب والويل ،أو هو من كلم المام والضمير لبليس
والجملة معترضة ،ول يخفى بعدهما ،ويحتمل على الول أن يكون المنادى
محذوفا نحو أل يا اسجدوا ،أي يا قوم احضروا ويلي - 9 .كا :عن محمد
بن يحيى ،عن ابن عيسى ،عن علي بن أبي زياد ،عن أبيه قال :كنت عند
أبي عبد ال عليه السلم فدخل عيسى بن عبد ال القمي فرحب به وقرب
مجلسه ،ثم قال :يا عيسى بن عبد ال ليس منا ول كرامة من كان في
مصر فيه مائة ألف أو يزيدون ،وكان في ذلك المصر أحد أورع منه ).(1
بيان :قال الجوهري :الرحب بالضم السعة ،وقولهم مرحبا وأهل أي أتيت
سعة وأتيت أهل ،فاستأنس ول تستوحش ،وقد رحب به ترحيبا إذا قال له:
مرحبا ،انتهى ،وفي النهاية وقيل :معناه رحب ال بك مرحبا فجعل المرحب
موضع الترحيب انتهى .وقوله " :ول كرامة " جملة معترضة أي ل كرامة
له عند ال ،أو عندنا أو أعم منهما " فيه مائة ألف " أي من المخالفين أو
العم ويدل على مدح عيسى بن عبد ال ،وروى الشيخ المفيد في مجالسه
حديثا يدل على مدح عظيم له ،وأنه قال عليه السلم فيه :هو منا أهل
البيت ،وزعم الكثر أنه الشعري جد أحمد بن محمد والظهر عندي أنه
غيره لبعد ملقاة الشعري الصادق عليه السلم بل ذكروا أن له مسائل عن
الرضا عليه السلم - 10 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد بن
عيسى ،عن ابن فضال ،عن
][301
علي بن عقبة ،عن أبي كهمش ،عن عمرو بن سعيد بن هلل قال :قلت لبي عبد
ال عليه السلم :أوصني قال :اوصيك بتقوى ال ،والورع والجتهاد،
واعلم أنه ل ينفع اجتهاد ل ورع فيه ) - 11 .(1كا :عن محمد ،عن أحمد،
عن علي بن الحكم ،عن سيف بن عميرة ،عن أبي الصباح الكناني ،عن
أبي جعفر عليه السلم قال :أعينونا بالورع ،فانه من لقي ال عزوجل منكم
بالورع كان له عند ال فرجا ،إن ال عزوجل يقول " :ومن يطع ال
ورسوله فاولئك مع الذين أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسن اولئك رفيقا " ) (2فمنا النبي ،ومنا الصديق،
والشهداء والصالحون ) .(3تبيان " أعينونا بالورع " إشارة إلى أن
الئمة عليهم السلم متكفلون لنجاة شيعتهم من العذاب ،فكلما كان ورعهم
أشد وأكمل ،كانت الشفاعة عليهم أسهل ،فالورع إعانة لهم عليهم السلم
على ذلك ،فان قلت :مع الورع أي حاجة إلى الشفاعة ،فانه يجب عليه
سبحانه بمقتضى وعده إدخالهم الجنة وإبعادهم من العذاب ؟ قلت :يحتمل
أن يكون المراد عدم تجشم الشفاعة أو يكون الورع ترك المعاصي فقط،
فل ينافي الحتياج إلى الشفاعة للتقصير في الواجبات ،أو يكون المراد
بالورع ترك الكبائر أو أعم من ترك كل المعاصي أو بعضها ،مع أنه
لاستبعاد في الحاجة إلى الشفاعة مع فعل الطاعات وترك المعاصي
لسرعة دخول الجنة أو التخلص من أهوال القيامة أو عدم الحساب أو
تخفيفه " .كان له عند ال فرجا " اسم كان الضمير المستتر الراجع إلى
الورع ،وقيل :إلى اللقاء " وفرجا " بالجيم خبره ،وربما يقرأ بالحاء
المهملة ،وعلى التقديرين التنوين للتعظيم " من يطع ال ورسوله " في
سورة النساء " والرسول " وكأنه نقل
) (1الكافي ج 2ص (2) .78النساء (3) .69 :الكافي ج 2ص .78
][302
بالمعنى ،مع الشارة إلى ما في سورة النور " ومن يطع ال ورسوله ويخش ال
ويتقه فاولئك هم الفائزون " ) (1وإطاعة ال والرسول ل تكون إل مع
الورع فالستشهاد لذلك ،وقيل :المراد بطاعة ال ورسوله إطاعتهما في
العتقاد بامامة أئمة الهدى عليهم السلم وإن كان مع المعاصي
فالستشهاد للشفاعة " .فمنا " أي من بني هاشم وكان المراد بالصديق
أمير المؤمنين عليه السلم وبالشهداء الحسنان عليهما السلم أو الحسين
وبالصالحين باقي الئمة عليهم السلم ،أو المراد بالشهداء جميع الئمة
عليهم السلم وبالصالحين شيعتهم ،وقد فسرت الية بالوجهين في
الخبار - 12 .كا :عن علي ،عن أبيه ،عن ابن محبوب ،عن ابن رئاب،
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إنا لنعد الرجل مؤمنا حتى يكون لجميع
أمرنا متبعا ومريدا أل وإن من اتباع أمرنا وإرادته الورع ،فتزينوا به
يرحمكم ال وكيدوا أعداءنا به ينعشكم ال ) .(2بيان " :إنا لنعد الرجل
مؤمنا " هذا أحد معاني اليمان التي مضت " مريدا " أي لجميع أمرنا "
يرحمكم ال " جواب المر أو جملة دعائية وكذا قوله " ينعشكم ال "
يحتمل الوجهين " وكيدوا به " في أكثر النسخ بالياء المثناة أي حاربوهم
بالورع لتغلبوا أو ادفعوا به كيدهم ،سمي كيدا مجازا أي الورع يصير سببا
لكف ألسنتهم عنكم ،وترك ذمهم لكم ،أو احتالوا بالورع ليرغبوا في دينكم
كما مر في قوله عليه السلم " كونوا دعاة " الخ وكأنه أظهر .وفي بعض
النسخ بالياء الموحدة المشددة من الكبد بمعنى الشدة والمشقة أي
أوقعوهم في اللم والمشقة لنه يصعب عليهم ورعكم ،والول أكثر وأظهر
" ينعشكم ال " أي يرفعكم ال في الدنيا والخرة ،في القاموس نعشه ال
كمنعه رفعه كأنعشه ونعشه ،وفلنا جبره بعد فقر ،والميت ذكره ذكرا
حسنا.
][303
- 13كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن الحجال ،عن العل ،عن ابن
أبي يعفور قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :كونوا دعاة للناس بغير
ألسنتكم ،ليروا منكم الورع والجتهاد والصلة والخير ،فان ذلك داعية )
.(1ايضاح " :فان ذلك داعية " أي للمخالفين إلى الدخول في دينكم كما
مر والتاء للمبالغة ،وسيأتي هذا الخبر في باب الصدق بأدنى تفاوت في
السند والمتن ) (2وفيه الصدق مكان الصلة - 14 .كا :عن الحسين بن
محمد ،عن علي بن محمد بن سعد ،عن محمد بن مسلم عن محمد بن
حمزة العلوي قال أخبرني عبيد ال بن علي ،عن أبي الحسن الول عليه
السلم قال :كثيرا ماكنت أسمع أبي يقول :ليس من شيعتنا من ل يتحدث
المخدرات بورعه في خدورهن ،وليس من أوليائنا من هو في قرية فيها
عشرة آلف رجل فيهم من خلق ال أورع منه ) .(3بيان :في القاموس
الخدر بالكسر ستر يمد للجارية في ناحية البيت ،وكل ما واراك من بيت
ونحوه والجمع خدور وأخدار ،وبالفتح إلزام البنت الخدر كالخدار
والتخدير ،وهي مخدور ومخدرة ،ومخدرة انتهى ) (4والمعنى اشتهر
ورعه بحيث تتحدث النساء المستورات غير البارزات بورعه في بيوتهن،
وقيل إنه يدل على أن إظهار الصلح ليشتهر أمر مطلوب ،ولكن بشرط أن
ل يكون لقصد الرياء والسمعة بل لغرض صحيح ،مثل القتداء به،
والتحفظ من نسبة الفسق إليه ونحوهما وفيه نظر - 15 .مع :أبي ،عن
سعد ،عن الصبهاني ،عن المنقري ،عن فضيل بن عياض ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال قلت له :من الورع من الناس ؟ فقال :الذي يتورع عن
محارم ال ،ويجتنب هؤلء ،وإذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام ،وهو ل
يعرفه.
) (1الكافي ج 2ص (2) .78الكافي ج 2ص (3) .105الكافي ج 2ص (4) .79
القاموس :ج 2ص .18
][304
وإذا رأى المنكر ولم ينكره وهو يقوى عليه ،فقد أحب أن يعصى ال ،ومن أحب أن
يعصى ال فقد بارز ال بالعداوة ،ومن أحب بقاء الظالمين فقد أحب أن
يعصى ال إن ال تبارك وتعالى حمد نفسه على هلك الظلمة فقال " فقطع
دابر القوم الذين ظلموا والحمد ل رب العالمين " ) .(1فس :أبي ،عن
الصبهاني الحديث ) - 16 .(2مع :في خبر أبي ذر :يابا ذر ل عقل
كالتدبير ول ورع كالكف ول حسب كحسن الخلق ) - 17 .(3لى ) (4مع:
سئل أمير المؤمنين عليه السلم أي العمال أفضل عند ال ؟ قال التسليم
والورع ) - 18 .(5ل :أبي ،عن علي ،عن أبيه ،عن عبد ال بن ميمون،
عن الصادق عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :فضل العلم أحب إلى ال عزوجل من فضل العبادة ،وأفضل دينكم
الورع ) - 19 .(6ل :أبي ،عن محمد العطار ،عن الشعري ،عن أبي عبد
ال الرازي ،عن علي بن سليمان بن رشيد ،عن موسى بن سلم ،عن أبان
بن سويد ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قلت :ما الذي يثبت اليمان
في العبد ؟ قال :الذي يثبته فيه الورع والذي يخرجه منه الطمع )- 20 .(7
ل :الخليل بن أحمد ،عن أبي منيع ،عن هارون بن عبد ال ،عن
) (1معاني الخبار ص ،252والية في النعام (2) .44 :تفسير القمي ص ) .188
(3معاني الخبار ص (4) .335أمالي الصدوق ص (5) .238معاني
الخبار ص (6) .199الخصال ج 1ص (7) .6الخصال ج 1ص .8
][305
سليمان بن عبد الرحمان ،عن خالد بن أبي خالد الزرق ،عن محمد بن عبد
الرحمان وأظنه ابن أبي ليلى ،عن نافع ،عن ابن عمر ،عن رسول ال
صلى ال عليه وآله أنه قال :أفضل العبادة الفقه وأفضل الدين الورع ).(1
- 21ل :فيما أوصى به رسول ال صلى ال عليه وآله عليا عليه السلم:
يا علي ثلث من لم تكن فيه لم يقم له عمل :ورع يحجزه عن معاصي ال
عزوجل ،وخلق يداري به الناس ،وحلم يرد به جهل الجاهل ) .(2سن:
أبي ،عن النوفلي ،عن السكوني ،عن الصادق ،عن آبائه عليهم السلم
عنه صلى ال عليه وآله مثله ) - 22 .(3ل :قال النبي صلى ال عليه
وآله :كف عن محارم ال تكن أورع الناس - 23 .لى :العطار ،عن أبيه،
عن الشعري ،عن البرقي ،عن أبيه ،عن يونس ،عن عبد ال بن سنان،
عن الصادق ،عن آبائه ،عن الحسين بن علي عليهم السلم قال :سئل أمير
المؤمنين صلوات ال عليه ما ثبات اليمان ؟ فقال :الورع ،فقيل له ما
زواله ؟ قال :الطمع ) - 24 .(4لى :في خطبة الوسيلة :ل معقل أحرز من
الورع ) - 25 .(5ل :ماجيلويه ،عن عمه ،عن البرقي ،عن ابن معروف،
عن أبي شعيب رفعه إلى أبي عبد ال عليه السلم قال أورع الناس من
وقف عند الشبهة ،أعبد الناس من أقام الفرائض ،أزهد الناس من ترك
الحرام ،أشد الناس اجتهادا من ترك
) (1الخصال ج 1ص (2) .17الخصال ج 1ص (3) .62المحاسن ص (4) .6
أمالي الصدوق ص (5) .174أمالي الصدوق ص .193
][306
الذنوب ) - 26 .(1ما :ابن الحمامي ،عن أحمد بن محمد بن عبد ال ،عن إسماعيل
بن محمد ابن أبي كثير ،عن علي بن إبراهيم ،عن السرى بن عامر قال:
صعد النعمان بن بشير ،على المنبر بالكوفة ،فحمد ال وأثنى عليه وقال:
سمعت رسول ال صلى ال عليه وآله يقول :إن لكل ملك حمى وإن حمى
ال حلله وحرامه ،والمشتبهات بين ذلك كما لو أن راعيا رعى إلى جانب
الحمى لم تلبث غنمه أن تقع في وسطه فدعوا المشتبهات ) - 27 .(2جا،
ما :المفيد ،عن ابن قولويه ،عن سعد ،عن ابن عيسى ،عن يونس ،عن
كليب بن معاوية ،عن الصادق عليه السلم قال :أم وال إنكم لعلى دين ال
و ملئكته ،فأعينونا على ذلك بورع واجتهاد ،عليكم بالصلة والعبادة،
عليكم بالورع ) - 28 .(3ما :المفيد ،عن الحسين بن أحمد بن أبي
المغيرة ،عن حيدر بن محمد ،عن أبي عمرو الكشي ،عن جعفر بن أحمد،
عن أيوب بن نوح ،عن نوح بن دراج ،عن إبراهيم المحاربي ،عن أبي
عبد ال عليه السلم أنه قال :اتقوا ال اتقوا ال عليكم بالورع و صدق
الحديث وأداء المانة وعفة البطن والفرج تكونوا معنا في الرفيع العلى )
- 29 .(4ما :الفحام ،عن المنصوري ،عن عم أبيه ،عن أبي الحسن
الثالث عن آبائه عليهم السلم قال :قال الصادق عليه السلم :عليكم
بالورع فانه الدين الذي نلزمه و ندين ال به ،ونريده ممن يوالينا ،ل
تتعبونا بالشفاعة ) - 30 .(5ل :الربعمائة ) (6قال أمير المؤمنين عليه
السلم :من أحبنا فليعمل بعملنا
) (1الخصال ج 1ص (2) .11أمالي الطوسي ج 1ص (3) .390أمالي الطوسي
ج 1ص (4) .31أمالي الطوسي ج 1ص (5) .226أمالي الطوسي ج
1ص (6) .287الخصال ج 2ص .155
][307
وليستعن بالورع ،فانه أفضل ما يستعان به في أمر الدنيا والخرة - 31 .ل :أمير
المؤمنين عليه السلم قال :شكر كل نعمة الورع عما حرم ال )- 32 .(1
ثو :ابن الوليد ،عن الصفار ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن محبوب ،عن
إبراهيم الكرخي ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :سمعته يقول :ل يجمع
ال عزوجل لمؤمن الورع والزهد في الدنيا إل رجوت له الجنة )- 33 .(2
ثو :أبي ،عن سعد ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن محبوب ،عن أبي أيوب
عن الوصافي ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :كان فيما ناجى ال به
موسى عليه السلم أن يا موسى أبلغ قومك أنه ما تعبد لي المتعبدون بمثل
الورع عن محارمي ،قال موسى :فماذا أثبتهم على ذلك ؟ قال :إني افتش
الناس عن أعمالهم ول افتشهم حياء منهم ) .(3اقول :تمامه في باب
الزهد - 34 .سن :أبي ،عن ابن سنان ،عن أبي الجارود ،عن أبي عبيدة،
عن أبي جميلة ،عن أمير المؤمنين عليه السلم قال :أيها الناس لخير في
دين لتفقه فيه ،ول خير في دنيا لتدبير فيها ،ول خير في نسك ل ورع فيه
) - 35 .(4مص :قال الصادق عليه السلم :اغلق أبواب جوارحك عما
يرجع ضرره إلى قلبك ،ويذهب بوجاهتك عند ال ،وتعقب الحسرة والندامة
يوم القيامة ،والحياء عما اجترحت من السيآت ،والمتورع يحتاج إلى ثلثة
اصول :الصفح عن عثرات الخلق أجمع ،وترك خوضه ) (5فيهم ،واستواء
المدح والذم .وأصل الورع دوام المحاسبة ،وصدق المقاولة ،وصفاء
المعاملة ،والخروج من كل شبهة ،ورفض كل ]عيبة و[ ريبة ،ومفارقة
جميع ما ل يعنيه ،وترك فتح أبواب ل يدري كيف يغلقها ،ول يجالس من
يشكل عليه الواضح ،ول يصاحب مستخفي
الدين ،ول يعارض من العلم ما ل يحتمل قلبه ،ول يتفهمه من قائل ،ويقطع من
يقطعه عن ال ) - 36 .(1سر :من كتاب حريز ،عن الفضيل عن أبي جعفر
عليه السلم قال :قال لي :يا فضيل أبلغ من لقيت من موالينا عنا السلم،
وقل لهم إني ل اغني عنهم من ال شيئا إل بالورع ،فاحفظوا ألسنتكم
وكفوا أيديكم ،وعليكم بالصبر والصلة إن ال مع الصابرين - 37 .ما :ابن
الصلت ،عن ابن عقدة ،عن محمد بن عيسى الضرير ،عن محمد ابن زكريا
المكي ،عن كثير بن طارق ،عن زيد بن علي ،عن أبيه عليه السلم قال:
الورع نظام العبادة ،فإذا انقطع الورع ذهبت الديانة ،كما أنه إذا انقطع
السلك اتبعه النظام ) - 38 (2مشكوة النوار :نقل من كتاب المحاسن عن
أبي عبد ال عليه السلم قال :اتقوا ال وصونوا دينكم بالورع .وعنه عليه
السلم قال :ل ينفع اجتهاد ل ورع فيه .وعنه عليه السلم قال :لن أجدى
أحد عن أحد شيئا إل بالعمل ولن تنالوا ما عند ال إل بالورع ) .(3وعن
أبي جعفر عليه السلم قال :قال ال عزوجل :يا ابن آدم اجتنب ما حرمت
عليك تكن من أورع الناس .وسئل الصادق عليه السلم من الورع من
الناس ؟ قال :الذي يتورع عن محارم ال .وعن الباقر عليه السلم قال:
عليك بتقوى ال والجتهاد في دينك واعلم أنه ل يغني عنك اجتهاد ليس
معه ورع .وعن أبي عبد ال عليه السلم قال :فيما ناجى ال تبارك وتعالى
به موسى صلوات ال
][309
عليه يا موسى ما تقرب إلى المتقربون بمثل الورع عن محارمي فاني أمنحهم
جنات عدني ل اشرك معهم أحدا ) .(1ومنه نقل من كتاب صفات الشيعة
عن ابن أبي يعفور قال :قال لي أبو عبد ال عليه السلم :كونوا دعاة
الناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الجتهاد والصدق والورع وعن خيثمة،
عن أبي جعفر عليه السلم قال :دخلت عليه لودعه فقال :أبلغ موالينا
السلم عنا ،وأوصهم بتقوى ال العظيم ،وأعلمهم يا خيثمة أنا لنغني
عنهم من ال شيئا إل بعمل ،ولن ينالوا وليتنا إل بورع وإن أشد الناس
حسرة يوم القيامة من وصف عدل ثم خالفه إلى غيره )) * (58) .(2باب(
* الزهد ودرجاته اليات :آل عمران :لكيل تحزنوا على ما فاتكم ول ما
أصابكم ) .(3طه :ول تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة
الحيوة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى ) .(4الحديد :ما أصاب من
مصيبة في الرض ول في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك
على ال يسير * لكيل تأسوا على ما فاتكم ول تفرحوا بما آتاكم وال ل
يحب كل مختال فخور ) - 1 .(5مع ) (6لى :في خبر الشيخ الشامي :سأل
أمير المؤمنين عليه السلم أي الناس
) (1مشكاة النوار ص (2) .45مشكاة النوار ص (3) .46آل عمران(4) .153 :
طه (5) .131 :الحديد 22 :و (6) .23معاني الخبار ص .199
][310
][311
ابن علي بن الناصر ،عن أبيه ،عن أبي جعفر الثاني ،عن أبيه ،عن جده عليهم
السلم قال :سئل الصادق عليه السلم عن الزاهد في الدنيا ،قال :الذي
يترك حللها مخافة حسابه ،ويترك حرامها مخافة عذابه ) - 7 .(1لى :قد
مضى في باب اليقين قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن صلح أول
هذه المة بالزهد واليقين ،وهلك آخرها بالشح والمل ) - 8 .(2فس:
أبي ،عن الصبهاني ،عن المنقري ،عن حفص قال :قلت لبي عبد ال
عليه السلم :جعلت فداك ما حد الزهد في الدنيا ؟ فقال :فقد حده ال في
كتابه فقال عزوجل " :لكيل تأسوا على ما فاتكم ول تفرحوا بما آتاكم " إن
أعلم الناس بال أخوفهم بال ،وأخوفهم له أعلمهم به ،وأعلمهم به
أزهدهم فيها ) .(3ل ،لى :أبي ) ،(4عن سعد ،عن الصبهاني إلى قوله بما
آتيكم ) - 9 .(5ضه :قال النبي صلى ال عليه وآله :إذا رأيتم الرجل قد
اعطي الزهد في الدنيا فاقتربوا منه ،فانه يلقي الحكمة .وقال صلى ال
عليه وآله :المؤمن بيته قصب ،وطعامه كسر ،ورأسه شعث وثيابه خلق،
وقلبه خاشع ،ول يعدل بالسلمة شيئا - 10 .فس :أبي ،عن الصبهاني،
عن المنقري رفعه قال :قال رجل لعلي بن الحسين عليه السلم :ما الزهد ؟
قال :الزهد عشرة أجزاء فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الرضا ،أل وإن
الزهد في آية من كتاب ال " ليكل تأسوا على ما فاتكم ول تفرحوا بما
آتيكم " ).(6
) (1أمالي الصدوق ص ،215عيون أخبار الرضا عليه السلم ج 2ص (2) .52
أمالي الصدوق ص 137راجع ص 173فيما سبق (3) .تفسير القمي
ص 493وتراه في الكافي ج 2ص (4) .128في المالى :محمد بن
موسى المتوكل عن سعد الخ (5) .أمالي الصدوق ص (6) .367تفسير
القمي 587والية في الحديد.23 :
][312
أقول :قد مضى في باب الورع عن أمير المؤمنين عليه السلم أزهد الناس من ترك
الحرام ) - 11 .(1ل :ابن إدريس ،عن أبيه ،عن الشعري ،عن أحمد بن
محمد ،عن بعض النوفليين ومحمد بن سنان رفعه إلى أمير المؤمنين عليه
السلم قال :كونوا على قبول العمل أشد عناية منكم على العمل ،الزهد في
الدنيا قصر المل ،وشكر كل نعمة الورع عما حرم ال عزوجل ،من أسخط
بدنه أرضى ربه ،ومن لم يسخط بدنه عصى ربه ) - 12 .(2ل :ماجيلويه،
عن محمد العطار ،عن الشعري ،عن سهل ،عن إبراهيم بن داود
اليعقوبي ،عن أخيه سليمان رفعه قال :قال رجل للنبي صلى ال عليه وآله
يارسول ال علمني شيئا إذا أنا فعلته أحبني ال من السماء وأحبني الناس
من الرض ،فقال له :ارغب فيما عند ال عزوجل يحبك ال ،وازهد فيما
عند الناس يحبك الناس ) - 13 .(3ل :أبي ،عن سعد ،عن أيوب بن نوح،
عن الربيع بن محمد المسلي عن عبد العلى ،عن نوف ،عن أمير
المؤمنين عليه السلم قال :يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في
الخرة ،اولئك الذين اتخذوا الرض بساطا ،وترابها فراشا ،وماءها طيبا،
والقرآن دثارا والدعاء شعارا وقرضوا من الدنيا تقريضا على منهاج
عيسى بن مريم عليه السلم الخبر ) - 14 .(4مع :أبي ،عن سعد ،عن
البرقي ،عن أبيه رفعه قال :سأل النبي صلى ال عليه وآله جبرئيل عليه
السلم عن تفسير الزهد قال :الزاهد يحب من يحب خالقه ،ويبغض من
يبغض خالقه ،ويتحرج من حلل الدنيا ،ول يلتفت إلى حرامها ،فان حللها
حساب ،وحرامها عقاب ،ويرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه ويتحرج
من
) (1راجع الباب 57تحت الرقم 25ص (2) .305الخصال ج 1ص (3) .11
الخصال ج 1ص (4) .32الخصال ج 1ص .164
][313
الكلم كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها ،ويتحرج عن حطام الدنيا وزينتها،
كما يتجنب النار أن يغشاها ،وأن يقصر أمله ،وكان بين عينيه أجله ).(1
- 15ل ) (2لى :محمد بن أحمد بن علي السدي ،عن عبد ال بن سليمان
وعبد ال بن محمد الواهبي وأحمد بن عمير ومحمد بن أبي أيوب قالوا:
حدثنا عبد ال ابن هاني ،عن أبيه ،عن عمه إبراهيم ،عن ام الدرداء ،عن
أبي الدرداء قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من أصبح معافى في
جسده ،آمنا في سربه ،عنده قوت يومه فكأنما خيرت له الدنيا يا ابن خثعم
يكفيك منها ما سد جوعك ،ووارى عورتك فان يكن بيت يكنك فذاك ،وإن
تكن دابة تركبها فبخ بخ ،وإل فالخبز وماء الجر ،وما بعد ذلك حساب عليك
أو عذاب ) - 16 .(3ثو :ابن الوليد ،عن الصفار ،عن ابن معروف ،عن
ابن مهزيار ،عن جعفر بن بشير ،عن سيف ،عن أبي عبد ال عليه السلم
قال :من لم يستحي من طلب المعاش خفت مؤنته ،ورخي باله ،ونعم
عياله ،ومن زهد في الدنيا أثبت ال الحكمة في قلبه ،وأنطق بها لسانه،
وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها ،وأخرجه منها سالما إلى دار السلم )
- 7 .(4ثو :أبي ،عن سعد ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن محبوب ،عن أبي
أيوب عن الوصافي ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :كان فيما ناجى ال به
موسى عليه السلم على الطور أن يا موسى أبلغ قومك أنه ما يتقرب إلي
المتقربون بمثل البكاء من خشيتي ،وما تعبد لي المتعبدون بمثل الورع
عن محارمي ،ولتزين لي المتزينون بمثل الزهد في الدنيا عما بهم الغنا
عنه .قال :فقال موسى عليه السلم :يا أكرم الكرمين فماذا أثبتهم على
ذلك ؟ فقال:
][314
يا موسى أما المتقربون إلي بالبكاء من خشيتي ،فهم في الرفيق العلى ل يشركهم
فيه أحد وأما المتعبدون لي بالورع عن محارمي فاني افتش الناس عن
أعمالهم ول افتشهم حياء منهم ،وأما المتقربون إلي بالزهد في الدنيا فاني
ابيحهم الجنة بحذافيرها ،يتبوؤن منها حيث يشاؤن ) - 18 .(1سن :أبي
رفعه قال :قال أبو عبد ال عليه السلم لرجل :أحكم أهل الخرة ]أمر
آخرتهم[ كما أحكم أهل الدنيا أمر دنياهم فانما جعلت الدنيا شاهدا يعرف بها
ما غاب عنها من الخرة ،فاعرف الخرة بها ،ول تنظر إلى الدنيا إل
باعتبار ) - 19 .(2ضا :أروي عن العالم عليه السلم أنه قال :إن الدنيا قد
ترحلت مدبرة وإن الخرة قد ترحلت مقبلة ،ولكل واحد منهما بنون،
فكونوا من أبناء الخرة ،ول تكونوا من أبناء الدنيا ،وكونوا من الزاهدين
في الدنيا الراغبين في الخرة ،لن الزاهدين اتخذوا الرض بساطا،
والتراب فراشا ،والماء طيبا وقرضوا الدنيا تقريضا .أل من اشتاق إلى
الجنة سل عن الشهوات ،ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات ومن
زهد في الدنيا هانت عليه المصائب ،أل إن ل عبادا شرورهم مأمونة
]وقلوبهم[ محزونة وأنفسهم عفيفة ،وحوائجهم خفيفة ،صبروا أياما
فصارت لهم العقبى راحة طويلة أما آناء الليل ،فصافوا على أقدامهم،
وآناء النهار فخلصوا مخلصا وهم عابدون يسعون في فكاك رقابهم ،بررة
أتقياء كأنهم القداح ينظر إليهم الناظر فيقول :مرضى .وروي عن المسيح
عليه السلم أنه قال للحواريين :أكلي ما أنبتته الرض للبهايم وشربي ماء
الفرات بكفي ،وسراجي القمر ،وفراشي التراب ،ووسادتي المدر ولبسي
الشعر ،ليس لي ولد يموت ،ول لي امرأة تحزن ،ول بيت يخرب ،ول مال
يتلف ،فأنا أغنى ولد آدم .وأروي عن العالم عليه السلم أنه سئل عن قول
ال تبارك وتعالى " :وكان تحته
) (1ثواب العمال ص (2) .156المحاسن ص 299وفيه أحكم أمر الخرة كما
الخ.
][315
كنز لهما " ) (1فقال وال :ما كان ذهبا ول فضة ،ولكنه كان لوح من ذهب،
مكتوب عليه أربعة أحرف :أنا ال ل إله إل أنا ،من أيقن بالموت لم يضحك
سنه ،ومن أيقن بالحساب لم يفرح قلبه ،ومن أيقن بالقدر علم أنه ل يصيبه
إل ما قدر عليه .وأروي من ملك نفسه إذا رغب وإذا رهب ،وإذا اشتهى
وإذا غضب ،حرم ال جسده على النار .وسألت العالم عليه السلم عن
أزهد الناس قال :الذي ل يطلب المعدوم حتى ينفد الموجود - 20 .مص:
قال الصادق عليه السلم :الزهد مفتاح باب الخرة ،والبراءة من النار،
وهو تركك كل شئ يشغلك عن ال ،عن غير تأسف على فوتها ،ول إعجاب
في تركها ،ول انتظار فرج منها ،ول طلب محمدة عليها ،ول عوض منها،
بل ترى فوتها راحة ،وكونها آفة ،وتكون أبدا هاربا من الفة ،معتصما
بالراحة والزاهد الذي يختار الخرة على الدنيا ،والذل على العز ،والجهد
على الراحة والجوع على الشبع ،وعاقبة الجل على محبة العاجل ،والذكر
على الغفلة ويكون نفسه في الدنيا وقلبه في الخرة .قال رسول ال صلى
ال عليه وآله :حب الدنيا رأس كل خطيئة ،أل ترى كيف أحب ما أبغضه
ال ،وأي خطاء أشد جرما من هذا .وقال بعض أهل البيت عليهم السلم:
لو كانت الدنيا بأجمعها لقمة في فم طفل لرجمناه ،فكيف حال من نبذ حدود
ال وراء ظهره في طلبها ،والحرص عليها والدنيا دار لو أحسنت إلى
ساكنها لرحمتك وأحسنت وداعك .قال رسول ال صلى ال عليه وآله :لما
خلق ال الدنيا أمرها بطاعته ،فأطاعت ربها فقال لها :خالفي من طلبك،
ووافقي من خالفك ،فهي على ما عهد إليها ال ،وطبعها عليه ).(2
][316
- 21شى :عن ابن أبي عمير ،عن بعض أصحابنا ،عن رجل حدثه ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :رفع عيسى بن مريم عليه السلم بمدرعة صوف من
غزل مريم ،ومن نسج مريم ،ومن خياطة مريم ،فلما انتهى إلى السماء
نودي يا عيسى ألق عنك زينة الدنيا ) - 22 .(1جا :المراغي عن الحسين
بن محمد ،عن جعفر بن عبد ال العلوي ،عن يحيى بن هاشم الغساني ،عن
أبي عاصم النبيل ،عن سفيان ،عن أبي إسحاق ،عن علقمة بن قيس ،عن
نوف البكالي قال :بت ]ليلة عند[ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلم فرأيته يكثر الختلف من منزله وينظر إلى السماء قال :فدخل
كبعض ماكان يدخل ،قال :أنائم أنت أم رامق ؟ فقلت :بل رامق يا أمير
المؤمنين مازلت أرمقك منذ الليلة بعيني وأنظر ما تصنع ،فقال :يا نوف
طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الخرة ،قوم يتخذون أرض ال
بساطا ،وترابه وسادا ،وكتابه شعارا ودعاءه دثارا ،وماءه طيبا ،يقرضون
الدنيا قرضا على منهاج المسيح عليه السلم .ان ال تعالى أوحى إلى
عيسى عليه السلم يا عيسى عليك بالمنهاج الول تلحق ملحق
المرسلين ،قل لقومك :يا أخا المنذرين أن ل تدخلوا بيتا من بيوتي إل
بقلوب طاهرة ،وأيد نقية ،وأبصار خاشعة ،فاني لأسمع من داع دعاءه،
ولحد من عبادي عنده مظلمة ،ول أستجيب له دعوة ولي قبله حق لم
يرده إلي .فان استطعت يا نوف أل تكون عريفا ول شاعرا ول صاحب
كوبة ول صاحب عرطبة فافعل ،فان داود عليه السلم رسول رب العالمين
خرج ليلة من الليالي فنظر في نواحي السماء ثم قال :وال رب داود إن
هذه الساعة لساعة ما يوافقها عبد مسلم يسأل ال فيها خيرا إل أعطاه
إياه ،إل أن يكون عريفا أو شاعرا أو صاحب كوبة أو صاحب عرطبة ).(2
- 23ضه :قال أمير المؤمنين عليه السلم :الزهد ثروة ،والورع جنة،
وأفضل
][317
الزهد إخفاء الزهد ،الزهد يخلق البدان ،ويحدد المال ،ويقرب المنية ويباعد
المنية ،من ظفر به نصب ،ومن فاته تعب ،ول كرم كالتقوى ،ول تجارة
كالعمل الصالح ،ول ورع كالوقوف عند الشبهة ،ول زهد كالزهد في
الحرام .الزهد كلمة بين كلمتين قال ال تعالى " :لكيل تأسوا على ما فاتكم
ول تفرحوا بما آتيكم " ) (1فمن لم يأس على الماضي ،ولم يفرح بالتي،
فقد أخذ الزهد بطرفيه ،أيها الناس الزهادة قصر المل ،والشكر عند النعم،
والورع عند المحارم فان عزب ذلك عنكم فل يغلب الحرام صبركم ،ول
تنسوا عند النعم شكركم ،فقد أعذر ال إليكم بحجج مسفرة ظاهرة ،وكتب
بارزة العذر واضحة - 24 .ين :فضالة ،عن عبد ال بن فرقد ،عن أبي
كهمش ،عن عبد المؤمن النصاري ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وآله :استحيوا من ال حق الحياء ،فقيل:
يارسول ال ومن يستحيي من ال حق الحيا ؟ فقال :من استحيى من ال
حق الحياء فليكتب أجله بين عينيه ،وليزهد في الدنيا وزينتها ،ويحفظ
الرأس وما حوى ،والبطن وما وعى ،ول ينسى المقابر والبلى - 25 .ين:
النضر ،عن درست ،عن إسحاق بن عمار ،عن ميسر ،عن أبي جعفر عليه
السلم قال :لما نزلت هذه الية " ول تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا
منهم زهرة الحيوة الدنيا " ) (2استوى رسول ال صلى ال عليه وآله
جالسا ثم قال :من لم يتعز بعزاء ال تقطعت نفسه حسرات على الدنيا،
ومن اتبع بصره ما في أيدي الناس طال همه ولم يشف غيظه ،ومن لم
يعرف ل عليه نعمة إل في مطعم أو مشرب قصر علمه ،ودنا عذابه- 26 .
ين :ابن المغيرة ،عن السكوني يرفع الحديث إلى أمير المؤمنين عليه
السلم قال :قيل له :ما الزهد في الدنيا ؟ قال :حرامها فتنكبه - 27 .ين:
ابن أبي عمير ،عن هشام بن سالم ،عن أبي يعقوب قال :سمعت
][318
أبا عبد ال عليه السلم يقول :إنا لنحب الدنيا وأن لنعطاها خير لنا ،وما اعطي أحد
منها شيئا إل نقص من حظه من الخرة - 28 .ين :النضر ،عن عاصم،
عن أبي بصير ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وآله :جاءني ملك فقال :يا محمد ربك يقرئك السلم ويقول لك :إن
شئت جعلت لك بطحاء مكة رضراض ذهب ،قال :فرفع النبي صلى ال
عليه وآله رأسه إلى السماء فقال :يا رب أشبع يوما فأحمدك ،وأجوع يوما
فأسألك - 29 .ما :جماعة ،عن أبي المفضل ،عن عبد ال بن محمد بن
عبيد بن ياسين عن أبي الحسن الثالث ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال
أمير المؤمنين عليه السلم :من أصبح والخرة همه استغنى بغير مال
واستأنس بغير أهل وعز بغير عشيرة ) - 30 .(1ما :جماعة ،عن أبي
المفضل ،عن جعفر بن محمد الحسني ،عن محمد بن علي بن الحسين بن
زيد ،عن الرضا ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وآله :إنما ابن آدم ليومه ،فمن أصبح آمنا في سربه معافى في
جسده ،عنده قوت يومه فكأنما خيرت له الدنيا ) - 31 .(2ما :الحسين بن
إبراهيم ،عن محمد بن وهبان ،عن أحمد بن إبراهيم عن الحسن بن علي
الزعفراني ،عن البرقي ،عن أبيه محمد ،عن ابن أبي عمير ،عن هشام بن
سالم ،عن أبي اسامة ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قلت :بلغنا أن
رسول ال صلى ال عليه وآله لم يشبع من خبز بر ثلثة أيام قط قال :فقال
أبو عبد ال عليه السلم :ما أكله قط قلت :فأي شئ كان يأكل ؟ قال :كان
طعام رسول ال صلى ال عليه وآله الشعير إذا وجده ،وحلواه التمر،
ووقوده السعف ) - 32 .(3ما :الحسين بن إبراهيم ،عن محمد بن وهبان،
عن محمد بن أحمد بن زكريا ،عن الحسن بن فضال ،عن علي بن عقبة،
عن أبي كهمش ،عن عمرو بن
) (1أمالي الطوسي ج 2ص (2) .192أمالي الطوسي ج 2ص (3) .201أمالي
الطوسي ج 2ص .276
][319
سعيد بن هلل قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم :أوصني فقال :اوصيك بتقوى
ال والورع والجتهاد ،واعلم أنه ل ينفع اجتهاد ل ورع فيه ،وانظر إلى
من هو دونك ول تنظر إلى من هو فوقك فكثيرا ما قال ال عزوجل لرسوله
صلى ال عليه وآله " ول تعجبك أموالهم ول أولدهم " ) (1وقال عز
ذكره " :ول تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا
" ) (2فان نازعتك نفسك إلى شئ من ذلك فاعلم أن رسول ال صلى ال
عليه وآله كان قوته الشعير ،وحلواه التمر ،ووقوده السعف ،وإذا اصبت
بمصيبة فاذكر مصابك برسول ال فان الناس لم يصابوا بمثله أبدا ).(3
- 33الدرة الباهرة :سئل الرضا عليه السلم عن صفة الزاهد فقال :متبلغ
بدون قوته ،مستعد ليوم موته ،متبرم بحياته - 34 .نهج :قال عليه السلم:
أفضل الزهد إخفاء الزهد .وقال عليه السلم :ازهد في الدنيا يبصرك ال
عوراتها ،ول تغفل فلست بمغفول عنك ) - 35 .(4نهج :عن نوف البكالي
قال :رأيت أمير المؤمنين عليه السلم ذات ليلة وقد خرج من فراشه ،فنظر
إلى النجوم فقال :يا نوف أراقد أنت أم رامق ؟ فقلت :بل رامق يا أمير
المؤمنين ،فقال :يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الخرة
اولئك قوم اتخذوا الرض بساطا وترابها فراشا ،وماءها طيبا ،والقرآن
شعارا والدعاء دثارا ،ثم قرضوا الدنيا قرضا على منهاج المسيح عليه
السلم .يا نوف إن داود عليه السلم قام في مثل هذه الساعة من الليل
فقال :إنها ساعة ل يدعو فيها عبد ربه إل استجيب له ،إل أن يكون عشارا
أو عريفا أو شرطيا أو صاحب عرطبة ،وهي الطنبور أو صاحب كوبة
وهي الطبل ،وقد قيل أيضا :إن
) (1براءة (2) .85 :طه (3) .131 :أمالي الطوسي ج 2ص (4) .294نهج
البلغة ج 2ص .148
][320
العرطبة الطبل والكوبة الطنبور ) .(1وقال عليه السلم :الزهد كلمة بين كلمتين من
القرآن قال ال سبحانه " لكيل تأسوا على ما فاتكم ول تفرحوا بما آتاكم "
) (2فلم لم يأس على الماضي ولم يفرح بالتي فقد أخذ الزهد بطرفيه ).(3
وقال عليه السلم :أيها الناس الزهادة قصر المل ،والشكر عند النعم،
والورع عند المحارم ،فان عزب عنكم ذلك فل يغلب الحرام صبركم ،ول
تنسوا عند النعم شكركم ،فقد أعذر ال إليكم بحجج سافرة ظاهرة ،وكتب
بارزة العذر واضحة ) - 36 .(4من خطبة له عليه السلم :في صفة
الزهاد :كانوا قوما من أهل الدنيا وليسوا من أهلها ،فكانوا فيها كمن ليس
منها ،عملوا فيها بما يبصرون ،وبادروا فيها ما يحذرون ،تقلب أبدانهم
بين ظهراني أهل الخرة ،يرون أهل الدنيا يعظمون موت أجسادهم ،وهم
أشد إعظاما لموت قلوب أحبائهم - 37 .ومن كتاب كتبه إلى سهل بن
حنيف :يا ابن حنيف فقد بلغني أن رجل من فتية أهل البصرة دعاك إلى
مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك اللوان و تنقل إليك الجفان ،وما ظننت
أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو ،فانظر إلى ما تقضمه
من هذا المقضم ،فما اشتبه عليك علمه فالفظه وما أيقنت بطيب وجوهه
فنل منه ،أل وإن لكل مأموم إماما يقتدي به ،ويستضيئ بنور علمه أل وإن
إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ،ومن طعمه بقرصيه أل وإنكم ل
تقدرون على ذلك ،ولكن أعينوني بورع واجتهاد ،فوال ما كنزت في
دنياكم تبرا ،ول ادخرت من غنائمها وفرا ،ول أعددت لبالي ثوبي طمرا.
إلى قوله عليه السلم :ولو شئت لهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل،
ولباب
) (1نهج البلغة ج 2ص (2) .165الحديد (3) .23 :نهج البلغة ج 2ص .248
) (4نهج البلغة ج 1ص .141
][321
هذا القمح ،ونسائج هذا القز ،ولكن هيهات أن يغلبني هواي ،ويقودني جشعي إلى
تخير الطعمة ،ولعل بالحجاز أو باليمامة من ل طمع له في القرص ،ول
عهد له بالشبع ،أو أن أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى ،وأكباد حرى،
فأكون كما قال القائل :وحسبك داء أن تبيت ببطنة * وحولك أكباد تحن إلى
القد إلى آخر ما مر مشروحا في كتاب الفتن ) - 38 .(1عدة الداعي :روي
أن نوحا عليه السلم عاش ألفي عام وخمسمائة عام ومضى من الدنيا ولم
يبن فيها بيتا ،وكان إذا أصبح يقول :ل امسي وإذا أمسى يقول :ل اصبح،
وكذلك نبينا صلى ال عليه وآله خرج من الدنيا ولم يضع لبنة على لبنة.
وأما إبراهيم عليه السلم فكان لباسه الصوف وأكله الشعير ،وأما يحيى
عليه السلم فكان لباسه الليف وأكله ورق الشجر ،وأما سليمان عليه
السلم فقد كان مع ما هو فيه من الملك يلبس الشعر ،وإذا جنه الليل شد
يديه إلى عنقه فل يزال قائما حتى يصبح باكيا ،وكان قوته من سفائف
الخوص ،يعملها بيده .وروي أن نبينا صلى ال عليه وآله أصابه يوما
الجوع ،فوضع صخرة على بطنه ،ثم قال :أل رب مكرم لنفسه وهو لها
مهين ،أل رب نفس كاسية ناعمة في الدنيا جائعة عارية يوم القيامة ،أل
رب متخوض متنعم فيما أفاء ال على رسوله ماله في الخرة من خلق،
أل إن عمل أهل الجنة حزنة بربوة أل إن عمل أهل النار كلمة سهلء
بشهوة ،أل رب شهوة ساعة أورثت حزنا طويل يوم القيامة .وقال سويد
بن غفلة :دخلت على أمير المؤمنين عليه السلم بعد ما بويع بالخلفة
وهو جالس على حصير صغير ،وليس في البيت غيره ،فقلت :يا أمير
المؤمنين بيدك بيت المال ولست أرى في بيتك شيئا مما يحتاج إليه البيت ؟
فقال عليه السلم :يا ابن
][322
غفلة إن اللبيب ل يتأثث ) (1في دار النقلة ،ولنا دار أمن قد نقلنا إليها خير متاعنا،
وإنا عن قليل إليها صائرون .وكان عليه السلم إذا أراد أن يكتسي دخل
السوق فيشتري الثوبين فيخير قنبرا أجودهما ،ويلبس الخر ،ثم يأتي
النجار فيمد له إحدى كميه ويقول :خذه بقدومك ،ويقول :هذه تخرج في
مصلحة اخرى ويبقي الكم الخرى بحالها ،ويقول :هذه تأخذ فيها من
السوق للحسن والحسين عليهما السلم ) .(2وقال رسول ال صلى ال
عليه وآله :ما تعبدوا ل بشئ مثل الزهد في الدنيا .وقال عيسى عليه
السلم للحواريين :ارضوا بدني الدنيا مع سلمة دينكم ،كما رضي أهل
الدنيا بدني الدين مع سلمة دنياهم ،وتحببوا إلى ال بالبعد منهم وأرضوا
ال في سخطهم ،فقالوا :فمن نجالس يا روح ال ؟ قال :من يذكركم ال
رؤيته ،ويزيد في علمكم منطقه ،ويرغبكم في الخرة عمله ).(3
) (1يعنى ل يتخذ أثاثا للبيت يقال :تأثث فلن ،أصاب خيرا وفي الصحاح :أصاب
رياشا وفي المفردات :أصاب أثاثا ،والثاث متاع البيت بل واحد وقيل هو
ما يتخذ للستعمال والمتاع ل للتجارة (2) .يعنى أنه عليه السلم كان
يخيط من احدى كميه كيسا ليشترى فيه من السوق (3) .عدة الداعي ص
.87
][323
) * .59باب( * * " )الخوف والرجاء وحسن الظن بال تعالى( " * اليات:
البقرة :وإياي فارهبون ) (1وقال تعالى :وإياي فاتقون ) .(2وقال سبحانه:
إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل ال اولئك يرجون رحمت
ال ) .(3آل عمران :ويحذركم ال نفسه وإلى ال المصير ) .(4وقال:
ويحذركم ال نفسه وال رؤف بالعباد ) .(5وقال سبحانه :يظنون بال غير
الحق ظن الجاهلية ) .(6وقال سبحانه :إنما ذلكم الشيطان يخوف أوليائه
فل تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ) .(7النساء :وترجون من ال ما ل
يرجون ) .(8المائدة :وقال رجلن من الذين يخافون أنعم ال عليهما
ادخلوا عليهم الباب ) .(9وقال تعالى حاكيا عن ابن آدم عليه السلم :إني
أخاف ال رب العالمين ).(10
) (2 - 1البقرة (3) .41 - 40 :البقرة (5 - 4) .218 :آل عمران 28 :و (6) .29
آل عمران (7) .154 :آل عمران (8) .175 :النساء (9) .104 :المائدة:
(10) .23المائدة.28 :
][324
وقال تعالى :ألم تعلم أن ال له ملك السموات والرض يعذب من يشاء ويغفر لمن
يشاء وال على كل شئ قدير ) .(1وقال تعالى :فل تخشوا الناس واخشون
) .(2وقال :ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ) .(3وقال سبحانه:
اعلموا أن ال شديد العقاب وأن ال غفور رحيم * ما على الرسول إل
البلغ وال يعلم ما تبدون وما تكتمون ) .(4النعام :قل إني أخاف إن
عصيت ربي عذاب يوم عظيم * من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك
الفوز المبين ) .(5وقال :وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم
ليس لهم من دونه ولي ول شفيع لعلهم يتقون ) .(6وقال حاكيا عن
إبراهيم عليه السلم :وكيف أخاف ما أشركتم ول تخافون أنكم أشركتم بال
ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالمن إن كنتم تعلمون )
.(7العراف :أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون *
أفأمنوا مكر ال فل يأمن مكر ال إل القوم الخاسرون * أو لم يهد للذين
يرثون الرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على
قلوبهم فهم ل يسمعون ) .(8وقال :وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم
لربهم يرهبون ).(9
) (1المائدة (2) .40 :المائدة (3) .44 :المائدة (4) .84 :المائدة (5) .99 :النعام:
15و (6) .16النعام (7) .51 :النعام (8) .81 :العراف) .99 - 97 :
(9العراف.154 :
][325
وقال تعالى :قال عذابي اصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين
يتقون ويؤتون الزكوة والذينهم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول
النبي المي إلى قوله :اولئك هم المفلحون ) .(1النفال :واتقوا فتنة ل
تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن ال شديد العقاب ) .(2التوبة:
أتخشونهم فال أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ) .(3وقال تعالى :إنما
يعمر مساجد ال من آمن بال واليوم الخر وأقام الصلوة وآتى الزكوة ولم
يخش إل ال فعسى اولئك أن يكونوا من المهتدين ) .(4هود :وكذلك أخذ
ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد * إن في ذلك لية لمن
خاف عذاب الخرة ) .(5يوسف :أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب ال أو
تأتيهم الساعة بغتة وهم ل يشعرون ) .(6الرعد :وإن ربك لذو مغفرة
للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب ) .(7وقال تعالى :ويخشون
ربهم ويخافون سوء الحساب ) .(8وقال تعالى :أولم يروا أنا نأتي الرض
ننقصها من أطرافها وال يحكم ل معقب لحكمه وهو سريع الحساب ).(9
ابراهيم :ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ).(10
) (1العراف 156 :و (2) .157النفال (3) .25 :براءة (4) .13 :براءة) .18 :
(5هود 102 :و (6) .103يوسف (7) .107 :الرعد (8) .6 :الرعد:
(9) .21الرعد (10) .41 :ابراهيم.14 :
][326
الحجر :نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي لهو العذاب الليم ).(1
وقال سبحانه :وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين * فأخذتهم الصيحة
مصبحين * فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ) .(2النحل :أفأمن الذين
مكروا السيئات أن يخسف ال بهم الرض أو يأتيهم العذاب من حيث ل
يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على
تخوف فان ربكم لرؤف رحيم ) .(3وقال تعالى :ول يسجد ما في السموات
وما في الرض من دابة والملئكة وهم ل يستكبرون * يخافون ربهم من
فوقهم ويفعلون ما يؤمرون * وقال ال ل تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله
واحد فاياي فارهبون * وله ما في السموات والرض وله الدين واصبا
أفغير ال تتقون ) .(4اسرى :عسى ربكم أن يرحكم وان عدتم عدنا وجعلنا
جهنم للكافرين حصيرا * إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر
المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا * وأن الذين ل
يؤمنون بالخرة أعتدنا لهم عذابا أليما ) .(5وقال تعالى :ربكم أعلم بكم إن
يشأ يرحمكم وإن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيل -إلى قوله تعالى:
ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا ) .(6طه :إل
تذكرة لمن يخشى ).(7
) (1الحجر 49 :و (2) .50الحجر 82 :و (3) .84النحل (4) .47 - 45 :النحل:
(5) .52 - 49أسرى (6) .10 - 8 :أسرى (7) .57 - 54 :طه.3 :
][327
وقال تعالى :أولم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في
ذلك ليات لولي النهى ) .(1النبياء :وهم من خشيته مشفقون ) .(2وقال
تعالى :قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم
معرضون -إلى قوله تعالى :أفل يرون أنا نأتي الرض ننقصها من
أطرافها أفهم الغالبون ) .(3وقال سبحانه :ولقد آتينا موسى وهرون
الفرقان وضياء وذكرا للمتقين * الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من
الساعة مشفقون ) .(4وقال تعالى :وكانوا لنا خاشعين ) .(5الحج :وبشر
المخبتين * الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم ) .(6المؤمنون :إن الذينهم من
خشية ربهم مشفقون إلى قوله تعالى :والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة
أنهم إلى ربهم راجعون ) .(7النور :يخافون يوما تتقلب فيه القلوب
والبصار ) .(8وقال تعالى :ومن يطع ال ورسوله ويخش ال ويتقه
فاولئك هم الفائزون ) .(9الشعراء :إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن
كنا أول المؤمنين ) .(10وقال تعالى :والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم
الدين ).(11
) (1طه (2) .128 :النبياء (3) .28 :النبياء (4) .44 - 42 :النبياء.48 - 47 :
) (5النبياء ،90 :وفي نسخة الصل وهكذا نسخة الكمبانى ههنا تكرار.
) (6الحج (7) .34 :المؤمنون (8) .60 - 57 :النور (9) .37 :النور:
(10) .52الشعراء (11) .51 :الشعراء.82 :
][328
النمل :يا موسى ل تخف إني ل يخاف لدى المرسلون * إل من ظلم ثم بدل حسنا
بعد سوء فاني غفور رحيم ) (1القصص :يا موسى أقبل ول تخف إنك من
المنين ) .(2العنكبوت :من كان يرجو لقاء ال فان أجل ال لت وهو
السميع العليم ) .(3وقال تعالى :يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه
تقلبون * وما أنتم بمعجزين في الرض ول في السماء ومالكم من دون ال
من ولي ول نصير * والذين كفروا بآيات ال ولقائه اولئك يئسوا من
رحمتي واولئك لهم عذاب أليم ) .(4لقمان :يا أيها الناس اتقوا ربكم
واخشوا يوما ل يجزي والد عن ولده ول مولود هو جاز عن والده شيئا إن
وعد ال حق ) .(5الحزاب :لقد كان لكم في رسول ال اسوة حسنة لمن
كان يرجو ال واليوم الخر وذكر ال كثيرا ) .(6وقال تعالى :وتخشى
الناس وال أحق أن تخشاه ) .(7وقال سبحانه :الذين يبلغون رسالت ال
ويخشونه ول يخشون أحدا إل ال وكفى بال حسيبا ) .(8فاطر :إنما تنذر
الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلوة ) .(9وقال تعالى :إنما يخشى
ال من عباده العلماء ) .(10يس :إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن
بالغيب فبشره بمغفرة
) (1النمل (2) .10 - 11 :القصص (3) .31 :العنكبوت (4) .5 :العنكبوت) .23 :
(5لقمان (6) .33 :الحزاب (7) .21 :الحزاب (8) .37 :الحزاب.39 :
) (9فاطر (10) .18 :فاطر.28 :
][329
وأجر كريم ) .(1ص :إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ) .(2الزمر :أمن هو قانت
آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الخرة ويرجو رحمة ربه ) .(3وقال تعالى:
قل إنى أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم إلى قوله تعالى :ذلك يخوف
ال به عباده يا عباد فاتقون إلى قوله تعالى :مثاني تقشعر منه جلود الذين
يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر ال ) .(4السجدة :إن ربك
لذو مغفرة وذو عقاب أليم ) .(5حمعسق :تكاد السموات يتفطرن من
فوقهن والملئكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الرض أل إن
ال هو الغفور الرحيم ) .(6وقال تعالى :وما يدريك لعل الساعة قريب *
يستعجل بها الذين ل يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها
الحق ) .(7الفتح :الظانين بال ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب ال
عليهم ولعنهم وأعد لهم جنهم وساءت مصيرا ) .(8ق :من خشي الرحمن
بالغيب وقال تعالى :فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) .(9الذاريات :وتركنا
فيها آية للذين يخافون العذاب الليم ) .(10الطور :قالوا إنا كنا من قبل في
أهلنا مشفقين * فمن ال علينا ووقانا
) (1يس (2) .11 :ص (3) .46 :الزمر (4) .9 :الزمر(5) .23 ،16 ،13 :
السجدة (6) .43 :الشورى (7) .5 :الشورى (8) .18 - 17 :الفتح) .6 :
(9ق (10) .45 ،33 :الذاريات.37 :
][330
عذاب السموم ) .(1الرحمن :سنفرغ لكم أيها الثقلن * فبأي آلء ربكما تكذبان *
يا معشر الجن والنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والرض
فانفذوا ل تنفذون إل بسلطان إلى قوله تعالى :ولمن خاف مقام ربه جنتان
) .(2الحشر :لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من
خشية ال ) .(3الملك :إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر
كبير إلى قوله تعالى :أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الرض فإذا هي
تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف
نذير * ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير * أو لم يروا إلى الطير
فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إل الرحمن إنه بكل شئ بصير * أمن
هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إل في غرور
* أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور ).(4
المعارج :والذينهم من عذاب ربهم مشفقون * إن عذاب ربهم غير مامون
) .(5نوح :مالكم ل ترجون ل وقارا * وقد خلقكم أطوار ) .(6المدثر :كل
بل ل يخافون الخرة -إلى قوله تعالى :هو أهل التقوى وأهل المغفرة ).(7
) (1الطور 26 :و (2) .27الرحمن (3) .34 - 31 :الحشر (4) .21 :الملك- 12 :
(5) .21المعارج 27 :و (6) .28نوح - 13 :و (7) .14المدثر- 53 :
.56
][331
الدهر :ويخافون يوما كان شره مستطيرا إلى قوله تعالى :إنا نخاف من ربنا يوما
عبوسا قمطريرا * فوقيهم ال شر ذلك اليوم ولقيهم نضرة وسرورا إلى
قوله تعالى :نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديل إلى
قوله تعالى :يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما ).(1
النازعات :وأهديك إلى ربك فتخشى إلى قوله تعالى :إن في ذلك لعبرة لمن
يخشى ) .(2وقال تعالى :وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى
* فان الجنة هي المأوى ) .(3النفطار :علمت نفس ما قدمت وأخرت * يا
أيها النسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك * فسويك فعدلك * في أي
صورة ما شاء ركبك ) .(4البروج :إن بطش ربك لشديد إلى قوله تعالى:
وهو الغفور الودود ) .(5العلى :سيذكر من يخشى * ويتجنبها الشقى *
الذي يصلى النار الكبرى * ثم ل يموت فيها ول يحيى ) .(6البينة :رضي
ال عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ) .(7تفسير " :وإياي فارهبون
" ) (8قيل :الرهبة خوف معه تحرز ويدل على أن المؤمن ينبغي أن ل
يخاف أحدا إل ال " وإياي فاتقون " ) (9أي باليمان واتباع
) (1الدهر (2) .31 - 28 - 11 - 10 - 7 :النازعات (3) .26 - 19 :النازعات:
(4) .41 - 40النفطار (5) .8 - 5 :البروج (6) .14 - 12 :العلى10 :
(7) .13 -البينة 8) .8 :و (9البقرة 40 :و .41
][332
الحق والعراض عن الدنيا وقيل :الرهبة مقدمة التقوى " .اولئك يرجون رحمة
ال " ) (1أقول كأن فيه دللة على أن الرجاء ل يكون إل مع العمل،
وبدونه غرة ،وقيل :أثبت لهم الرجاء إشعارا بأن العمل غير موجب و ل
قاطع في الدللة سيما والعبرة بالخواتيم " .ويحذركم ال نفسه " ) (2قيل:
هو تهديد عظيم مشعر بتناهي المنهي في القبح وذكر النفس ليعلم أن
المحذر منه عقاب يصدر منه فل يؤبه دونه بما يحذر من الكفرة وكرره
ثانيا للتوكيد والتذكير " وال رؤف بالعباد " ) (3إشارة إلى أنه تعالى إنما
نهاهم وحذرهم رأفة بهم ،ومراعاة لصلحهم ،أو أنه لذو مغفرة وذو عقاب
فترجى رحمته ويخشى عذابه " .يظنون بال غير الحق ظن الجاهلية " )
(4هذا وصف لحال المنافقين في غزوة احد ،قيل أي يظنون بال غير
الظن الحق الذي يحق أن يظن به ،وظن الجاهلية بدله ،وهو الظن
المختص بالملة الجاهلية وأهلها ،أقول :ويدل على حرمة سوء الظن بال
واليأس من رحمته " .إنما ذلكم الشيطان " ) (5يعني من يعوقهم عن
العود إلى قتال الكفار بعد غزوة احد ،وهو نعيم بن مسعود " وخافون "
أي في مخالفة أمري " إن كنتم مؤمنين " فان اليمان يقتضي إيثار خوف
ال على خوف الناس " .وترجون " ) (6أي أيها المؤمنون " من ال "
الرحمة والنصرة " مال يرجون " أي الكفار فيدل على فضل الرجاء وأنه
من صفات المؤمنين.
) (1البقرة 2) .218 :و (3آل عمران 28 :و (4) .29آل عمران (5) .154 ،آل
عمران (6) .175 :النساء.104 :
][333
" من الذين يخافون " ) (1أي يخافون ال ويتقونه ،ويدل على مدح الخوف " ألم
تعلم " ) (2الخطاب للنبي أو لكل أحد ،وفيها تخويف وتبشير " فل تخشو
الناس واخشون " ) (3قيل :نهي للحكام أن يخشوا غير ال في حكوماتهم.
" وأنذر " ) (4أي عظ وخوف " به " أي بالقرآن أو بال " الذين
يخافون أن يحشروا إلى ربهم " في المجمع يريد المؤمنين يخافون يوم
القيامة وما فيها من شدة الهوال ،وقيل :معناه يعلمون ،وقال الصادق
عليه السلم :أنذر بالقرآن من يرجون الوصول إلى ربهم برغبتهم فيما
عنده فان القرآن شافع مشفع " ليس لهم من دونه " أي غير ال " لعلهم
يتقون " أي كي يخافوا في الدنيا وينتهوا عما نهيتهم عنه ) " .(5وكيف
أخاف ما أشركتم " ) (6ول يتعلق به ضرر " ول تخافون أنكم أشركتم
بال " وهو حقيق بأن يخاف منه كل الخوف لنه إشراك للمصنوع
بالصانع وتسوية بين المقدور العاجز والقادر الضار النافع " ،سلطانا "
أي حجة والحاصل أن الكفر والخطايا مظنة الخوف فل ينبغي معه المن.
" أفامن أهل القرى " ) (7أي المكذبون لنبينا " أن يأتيهم بأسنا ضحى "
أي ضحوة النهار ،وهو في الصل اسم لضوء الشمس إذا أشرقت وارتفعت
" وهم يلعبون " أي يشتغلون بما ل ينفعهم " أفأمنوا مكر ال " مكر ال
استعارة لستدراجه العبد والخذ من حيث ل يحتسب وقال علي بن
إبراهيم :المكر من ال العذاب ).(8
) (1المائدة (2) .23 :المائدة (3) .40 :المائدة (4) .44 :النعام (5) .51 :مجمع
البيان ج 3ص 304و (6) .305النعام (7) .81 :العراف.99 - 97 :
) (8تفسير القمي ص .219
][334
وقال الطبرسي رحمه ال :أي أفبعد هذا كله أمنوا عذاب ال أن يأتيهم من حيث ل
يشعرون ،وسمى العذاب مكرا لنزوله بهم من حيث ل يعلمون كما أن المكر
ينزل بالممكور به من جهة الماكر من حيث ل يعلمه ،وقيل إن مكر ال
استدراجه إياهم بالصحة والسلمة ،وطول العمر وتظاهر النعمة " ،فل
يأمن مكر ال إل القوم الخاسرون " .يسئل عن هذا فيقال إن النبياء
والمعصومين أمنوا مكر ال وليسوا بخاسرين وجوابه من وجوه أحدها أن
معناه ل يأمن مكر ال من المذنبين إل القوم الخاسرون بدللة قوله سبحانه
" إن المتقين في مقام أمين " ) (1وثانيها أن معناه ل يأمن عذاب ال
للعصاة إل الخاسرون ،والمعصومون ل يؤمنون عذاب ال للعصاة ،ولهذا
سلموا من مواقعة الذنوب ،وثالثها ل يأمن عقاب ال جهل بحكمته إل
الخاسرون ومعنى الية البانة عما يجب أن يكون عليه المكلف من الخوف
لعقاب ال ليسارع إلى طاعته واجتناب معاصيه ،ول يستشعر المن من
ذلك فيكون قد خسر في دنياه وآخرته بالتهالك في القبائح ) " .(2أو لم يهد
للذين يرثون الرض " أي يخلفون من خل قبلهم في ديارهم وإنما عدى
يهد باللم لنه بمعنى يبين " أن لو نشاء " أي أنه لو نشاء " أصبناهم
بذنوبهم " أي بجزاء ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم " ونطبع على قلوبهم "
مستأنف يعني ونحن نطبع على قلوبهم " فهم ل يسمعون " سماع تفهم
واعتبار " .للذين هم لربهم يرهبون " ) (3أي يخشون ربهم فل يعصونه
ويعملون بما فيها ) " .(4عذابي اصيب به من أشاء " قال في المجمع:
أي ممن عصاني واستحقه بعصيانه ،وإنما علقه بالمشية لجواز الغفران "
ورحمتي وسعت كل شئ " قال
) (1الدخان (2) .51 :مجمع البيان ج 4ص (3) .453العراف (4) .154 :يعني
التوراة(*) .
][335
الحسن وقتادة إن رحمته في الدنيا وسعت البر والفاجر وهي يوم القيامة للمتقين
خاصة ،وقال العوفي وسعت كل شئ ولكن ل تجب إل للذين يتقون ،وذلك
أن الكافر يرزق ويدفع عنه بالمؤمن لسعة رحمة ال للمؤمن ،فيعيش
فيها ،فإذا صار في الخرة وجب للمؤمنين خاصة كالمستضئ بنار غيره،
إذا ذهب صاحب السراج بسراجه ،وقيل :معناه أنها تسع كل شئ إن
دخلوها ،فلو دخل الجميع فيها لوسعتهم إل أن فيهم من ليدخل فيها
لضلله " فسأكتبها للذين يتقون " أي فساوجب رحمتي للذين يتقون
الشرك أي يجتنبونه ،وقيل :يجتنبون الكبائر والمعاصي ) " .(1ل تصيبن
الذين ظلموا منكم خاصة " ) (2قيل :بل يعمهم وغيرهم كالمداهنة في
المر بالمعروف والنهي عن المنكر وافتراق الكلمة وظهور البدع ،وروى
العياشي في هذه الية قال :أصابت الناس فتنة بعد ما قبض ال نبيه حتى
تركوا عليا وبايعوا غيره وهي الفتنة التي فتنوا بها ،وقد أمرهم رسول ال
باتباع علي والوصياء من آل محمد عليهم السلم ) (3وفي المجمع عن
علي والباقر عليهما السلم أنهما قرءا " لتصيبن " ) " .(4فال أحق أن
تخشوه إن كنتم مؤمنين " ) (5بعقاب ال وثوابه ويدل على أن خشية ال
تعالى من لوازم اليمان " ولم يخش إل ال " ) (6قيل يعني في أبواب
الدين ،وأن ل يختار على رضا ال رضا غيره ،فان الخشية عن المحاذير
جبلية ل يكاد العاقل يتمالك عنها ،وفي المجمع :أي لم يخف سوى ال أحدا
من المخلوقين وهذا راجع إلى قوله " أتخشونهم " أي إن خشيتموهم فقد
ساويتموهم في الشراك
) (1مجمع البيان ج 4ص (2) .486النفال (3) .25 :تفسير العياشي ج 2ص
(4) .53مجمع البيان ج 4ص (5) .532براءة (6) .13 :براءة.18 :
][336
كما قال " فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية ال " الية
) " .(1وكذلك " ) (2أي ومثل ذلك الخذ " أخذ ربك إذا أخذ القرى " أي
أهلها " وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد " أي وجيع صعب ،وفي المجمع
عن النبي صلى ال عليه وآله أن ال يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم
تل هذه الية ) " (3إن في ذلك " أي فيما نزل بالمم الهالكة " لية " أي
لعبرة " لمن خاف عذاب الخرة " لعلمه بأنه انموذج منه " .غاشية من
عذاب ال " ) (4أي عقوبة تغشاهم وتشملهم " بغتة " أي فجاءة من غير
سابقة علمة " وهم ل يشعرون " باتيانها غير مستعدين لها " .ويخافون
سوء الحساب " ) (5خصوصا فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا وروي
علي بن إبراهيم ) (6والكليني ) (7والصدوق ) (8والعياشي ) (9عن
الصادق عليه السلم :أنه تل هذه الية حين وافى رجل استقصى حقه من
أخيه وقال أتراهم يخافون أن يظلمهم أو يجور عليهم ،ولكنهم خافوا
الستقصاء والمداقة فسماه ال سوء الحساب ،فمن استقصى فقد أساء،
وفي المجمع ) (10والعياشي ) (11عنه عليه السلم أن تحسب عليهم
السيئات ،وتحسب لهم الحسنات ،وهو الستقصاء " .ننقصها من أطرافها
" ) (12قيل :أي بذهاب أهلها ،وفي الحتجاج عن
) (1مجمع البيان ج 5ص (2) .14هود 102 :و (3) .103مجمع البيان ج 10
ص (4) .191يوسف (5) .107 :الرعد (6) .21 :تفسير القمي ص
(7) .340الكافي ج 5ص (8) .100معاني الخبار ص (9) .246
تفسير العياشي ج 2ص (10) .210مجمع البيان ج 6ص (11) .289
تفسير العياشي ج 2ص (12) .210الرعد.41 :
][337
أمير المؤمنين عليه السلم :يعني بذلك ما يهلك من القرون فسماه إتيانا ،وفي
الفقيه عن الصادق عليه السلم أنه سئل عن هذه الية فقال :فقد العلماء،
وقال علي بن إبراهيم هو موت علمائها ) (1وفي الكافي ) (2عن الباقر
عليه السلم قال :كان علي بن الحسين عليهما السلم يقول :إنه يسخي
نفسي في سرعة الموت والقتل فينا قول ال تعالى " أو لم يروا أنا نأتي
الرض ننقصها من أطرافها " وهو ذهاب العلماء " ل معقب لحكمه " أي
ل راد له ،والمعقب الذي يعقب الشئ فيبطله " وهو سريع الحساب "
فيحاسبهم عما قليل " .ذلك " ) (3أي إهلك الظالمين وإسكان المؤمنين "
لمن خاف مقامي " أي موقفي للحساب " وخاف وعيد " أي وعيدي
بالعذاب " .نبئ عبادي " الية ) (4فيها حث على الرجاء والخوف معا
لكن في توصيف ذاته بالغفران والرحمة دون التعذيب ترجيح الرجاء" .
آمنين " ) (5من النهدام ،ونقب اللصوص ،وتخريب العداء لوثاقتها أو
من العذاب لفرط غفلتهم " ما كانوا يكسبون " أي من بناء البيوت
الوثيقة ،واستكثار الموال والعدد " .مكروا السيئات " ) (6أي المكرات
السيئات قيل :هم الذين احتالوا لهلك النبياء والذين مكروا رسول ال
صلى ال عليه وآله وراموا صد أصحابه عن اليمان " أن يخسف ال بهم
الرض " كما خسف بقارون " أو يأتيهم العذاب من حيث ل يشعرون "
بغتة من جانب السماء ،كما فعل بقوم لوط " أو يأخذهم في تقلبهم " إذا
جاؤوا وذهبوا في
) (1تفسير القمي ص (2) .343الكافي ج 1ص (3) .38ابراهيم(4) .14 :
الحجر (5) .49 :الحجر (6) .82 :النحل.84 :
][338
متاجرهم وأعمالهم " فما هم بمعجزين " أي فليسوا بفائتين وما يريده ال بهم من
الهلك ل يمتنع عليه " أو يأخذهم على تخوف " قيل أي على مخافة بأن
يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا فيأتيهم العذاب وهم متخوفون ،أو على تنقص
بأن ينقصهم شيئا بعد شئ في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا ،من تخوفته
إذا تنقصته ،وقال علي بن إبراهيم :أي على تيقظ ) (1وبالجملة هو خلف
قوله " من حيث ل يشعرون " .وروى العياشي عن الصادق عليه السلم
أنه قال :هم أعداء ال وهم يمسخون ويقذفون ويسيخون في الرض )(2
وفي الكافي عن السجاد عليه السلم في كلم له في الوعظ والزهد في
الدنيا ول تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الدنيا الذين مكروا
السيئات ،فان ال يقول :في محكم كتابه " أفأمن الذين مكروا السيئات أن
يخسف ال بهم الرض " الية فاحذروا ما حذركم ال بما فعل بالظلمة في
كتابه لئل تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما توعد به القوم الظالمين في الكتاب،
وال لقد وعظكم ال في كتابه بغيركم ،فان السعيد من وعظ بغيره )" .(3
وهم ل يستكبرون " ) (4أي عن عبادته " يخافون ربهم من فوقهم " أي
يخافونه وهو فوقهم بالقهر " وهو القاهر فوق عباده " ) " (5ويفعلون
ما يؤمرون " في المجمع قد صح عن النبي صلى ال عليه وآله أن ل
ملئكة في السماء السابعة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة ،ترعد
فرائصهم من مخافة ال ،ل تقطر من دموعهم قطرة إل صار ملكا فإذا كان
يوم القيامة ،رفعوا رؤوسهم وقالوا :ما عبدناك حق عبادتك ).(6
) (1تفسير القمى ص (2) .361تفسير العياشي ج 2ص (3) .261الكافي ج 8
ص (4) .74النحل (5) .49 :النعام 18 :و (6) .61مجمع البيان ج 6
ص .365
][339
قال بعض أهل المعرفة :إن أمثال هذه اليات تدل على أن العالم كله في مقام
الشهود والعبادة إل كل مخلوق له قوة التفكر ،وليس إل النفوس الناطقة
النسانية والحيوانية خاصة من حيث أعيان أنفسهم ل من حيث هياكلهم
فان هياكلهم كسائر العالم في التسبيح له والسجود ،فأعضاء البدن كلها
مسبحة ناطقة أل تراها تشهد على النفوس المسخرة لها يوم القيامة من
الجلود واليدي والرجل ،واللسنة ،والسمع والبصر ،وجميع القوى
فالحكم ل العلي الكبير " .إنما هو إله واحد " ) (1أكد العدد في الموضعين
دللة على العناية به فانك لو قلت إنما هو إله لخيل أنك أثبت اللهية ل
الوحدانية " فاياي فارهبون " كأنه قيل وأنا هو فاياي فارهبون ل غير "
وله ما في السموات والرض " خلقا وملكا " وله الدين " أي الطاعة "
واصبا " قيل أي لزما وروى العياشي عن الصادق عليه السلم قال:
واجبا ) " (2أفغير ال تتقون " ول ضار سواه كما ل نافع غيره كما قال:
" وما بكم من نعمة فمن ال " ) " .(3حصيرا " ) (4أي محبسا ل
يقدرون على الخروج منها أبدا " للتي هي أقوم " أي للطريقة التي هي
أقوم الطرق ،وأشد استقامة ،وفي الكافي عن الصادق عليه السلم أي
يدعو وعنه عليه السلم يهدي إلى المام ) (5وروى العياشي عن الباقر
عليه السلم يهدي إلى الولية ) " (6وأن الذين " أي يبشر المؤمنين
ببشارتين ثوابهم وعقاب أعدائهم " .وما أرسلناك عليهم وكيل " ) (7أي
موكول إليك أمرهم ،تجبرهم على
) (1النحل (2) .51 :تفسير العياشي ج 2ص (3) .262النحل (4) .53 :أسرى:
(5) .10 - 8الكافي ج 1ص (6) .216تفسير العياشي ج 2ص .283
) (7أسرى.57 - 54 :
][340
اليمان ،وإنما أرسلناك مبشرا ونذيرا فدارهم ومر أصحابك بالحتمال منهم " كان
محذورا " أي حقيقا بأن يحذره كل أحد حتى الملئكة والرسل " .لمن
يخشى " ) (1أي لمن في قلبه خشية ورقة يتأثر بالنذار " .أفلم يهد لهم
" ) (2قال علي بن إبراهيم :أي يبين لهم " يمشون في مساكنهم " أي
يشاهدون آثار هلكهم " لولي النهى " أي لذوي العقول الناهية عن
التغافل والتعامي " .وهم من خشيته " ) (3أي من عظمته ومهابته "
مشفقون " أي مرتعدون وأصل الخشية خوف مع تعظيم ،ولذلك خص بها
العلماء والشفاق خوف مع اعتناء فان عدي بمن فمعنى الخوف فيه
أظهر ،وإن عدي بعلى فبالعكس " .قل من يكلؤكم " ) (4أي يحفظكم "
من الرحمن " أي من بأسه " إن أراد بكم " وفي لفظ الرحمن تنبيه على
أن ل كالئ غير رحمته العامة وأن اندفاعه بها مهلة " بل هم عن ذكر
ربهم معرضون " ل يخطرونه ببالهم فضل أن يخافوا بأسه " .أنا نأتي
الرض " قيل :أرض الكفرة " ننقصها من أطرافها " قيل :أي بتسلط
المسلمين عليها ،وهو تصوير لما يجريه ال على أيدي المسلمين " أفهم
الغالبون " رسول ال والمؤمنين ،وفي الكافي والمجمع عن الصادق عليه
السلم ننقصها يعني بموت العلماء ،قال :نقصانها ذهاب عالمها ،وقد مر
الكلم فيه " .الفرقان " ) (5أي الكتاب الجامع لكونه فارقا بين الحق
والباطل ،وضياء يستضاء به في ظلمات الحيرة والجهالة ،وذكرا يتعظ به
المتقون " بالغيب " حال من الفاعل أو المفعول " مشقون " أي خائفون.
" وكانوا لنا خاشعين " ) (6أي مخبتين أو دائمي الوجل.
) (1طه (2) .3 :طه (3) .128 :النبياء (4) .28 :النبياء 42 :و (5) .44
النبياء 47 :و (6) .48النبياء.90 :
][341
" وبشر المخبتين " ) (1قيل :أي المتواضعين أو المخلصين فان الخبات صفتهم،
قال علي بن إبراهيم :أي العابد ) " (2وجلت قلوبهم " هيبة منه ،لشراق
أشعة جلله عليها " .من خشية ربهم مشفقون " ) (3قيل :أي من خوف
عذابه حذرون " والذين يؤتون ما آتوا " قيل :يعطون ما اعطوه من
الصدقات وقال علي بن إبراهيم :من العبادة والطاعة ،ويؤيده قراءة يأتون
ما أتوا في الشواذ ) (4وما يأتي من الروايات " وقلوبهم وجلة " أي
خائفة أن ل يقبل منهم ،وأن ل يقع على الوجه اللئق فيؤاخذ به " أنهم
إلى ربهم راجعون " أي لن مرجعهم إليه أو من أن مرجعهم إليه ،وهو
يعلم ما يخفى عليهم ،وقد روى الكليني في الروضة باسناده عن أبي بصير
عن أبي عبد ال عليه السلم قال :سألته عن قول ال عزوجل " :والذين
يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة " قال :هي أشفاقهم ورجاؤهم ،يخافون أن
ترد عليهم أعمالهم إن لم يطيعوا ال عز ذكره ،ويرجون أن تقبل منهم )
.(5وفي الصول باسناده عن حفص بن غياث ،عن أبي عبد ال عليه
السلم أنه قال في حديث :أل ومن عرف حقنا ،ورجا الثواب فينا ،ورضي
بقوته نصف مد في كل يوم ،وما ستر عورته ،وما أكن رأسه ،وهم وال
في ذلك خائفون وجلون ودوا أنه حظهم من الدنيا وكذلك وصفهم ال تعالى
فقال " :والذين يؤتون " الية فقال :ما الذي أتوا أتوا وال الطاعة مع
المحبة والولية ،وهم في ذلك خائفون ليس خوفهم خوف شك ولكنهم
خافوا أن يكونوا مقصرين في محبتنا وطاعتنا ).(6
) (1الحج (2) .34 :تفسير القمي (3) .440 :المؤمنون (4) .57 :في الشواذ
قراءة النبي صلى ال عليه وآله وعائشة وابن عباس وقتادة والعمش
يأتون ما أتوا مقصورا (5) .الكافي ج 8ص (6) .229الكافي ج 2ص
.457
][342
وفي المجمع قال أبو عبد ال عليه السلم :معناه خائفة أن ل يقبل منهم وفي رواية
اخرى يؤتي ما آتى وهو خائف راج ) " .(1يخافون يوما " ) (2أي مع ما
هم عليه من الذكر والطاعة " تتقلب فيه القلوب والبصار " قيل أي
تضطرب وتتغير من الهول أو تتقلب أحوالها فتفقه القلوب ما لم تكن تفقه،
وتبصر البصار ما لم تكن تبصر ،أو تتقلب القلوب من توقع النجاة وخوف
الهلك ،والبصار من أي ناحية يؤخذ بهم ويؤتى كتابهم " .ومن يطع ال
ورسوله " ) (3فيما يأمرانه " ويخشى ال " على ما صدر عنه من
الذنوب " ويتقه " فيما بقي من عمره " فاولئك هم الفائزون " بالنعيم
المقيم " .أن كنا " ) (4أي لن كنا " أول المؤمنين " من أتباع فرعون أو
من أهل المشهد " .أن يغفر لي خطيئتي " ) (5قيل ذكر ذلك هضما لنفسه
وتعليما للمة أن يجتنبوا المعاصي ويكونوا على حذر ،وطلب لن يغفر لهم
ما يفرط منهم ،و استغفارا لما عسى يندر منه من ترك الولى " .ل تخف
" ) (6قيل أي من غيري ثقة بي أو مطلقا لقوله " إني ل يخاف لدي
المرسلون " حين يوحى إليهم من فرط الستغراق ،فانهم أخوف الناس أي
من ال أول يكون لهم عندي سوء عاقبة ،فيخافون منه " إل من ظلم "
المشهور أن الستثناء منقطع وقال علي بن إبراهيم (7) :معنى " إل من
ظلم " ل من ظلم فوضع حرف مكان حرف ،وقيل عاطفة قال في
القاموس :وتكون عاطة بمنزلة
) (1مجمع البيان ج 7ص (2) .110النور (3) .37 :النور (4) .52 :الشعراء:
(5) .51الشعراء (6) .82 :النمل (7) .11 ،10 :تفسير القمي ص
.476
][343
الواو " ل يخاف لدى المرسلون إل من ظلم " وقرئ في الشواذ " أل " بالفتح
والتخفيف " .إنك من المنين " ) (1أي من المخاوف كما مر " من كان
يرجو لقاء ال " ) (2قيل المراد بلقاء ال الوصول إلى ثوابه أو إلى
العاقبة من الموت والبعث والحساب والجزاء على تمثيل حاله بحال عبد
قدم على سيده بعد زمان مديد وقد اطلع السيد على أحواله فاما أن يلقاه
ببشر لما رضي من أفعاله أو بسخط لما سخطه منها ،وقال علي بن
إبراهيم :قال :من أحب لقاء ال جاءه الجل ) (3وفي التوحيد عن أمير
المؤمنين عليه السلم يعني من كان يؤمن بأنه مبعوث فان وعد ال لت
من الثواب والعقاب ،قال :فاللقاء ههنا ليس بالرؤية ،واللقاء هو البعث "
وهو السميع " لقوال العباد " العليم " بعقائدهم وأعمالهم " .وإليه
تقلبون " ) (4أي تردون " وما أنتم بمعجزين " ربكم عن إدراككم " في
الرض ول في السماء " إن فررتم من قضائه بالتواري في إحداهما " من
ولي ول نصير " يحرسكم عن بلئه ولقائه بالبعث " اولئك يئسوا من
رحمتي " لنكارهم البعث والجزاء " واولئك لهم عذاب أليم " بكفرهم" .
ل يجزي والد عن ولده " ) (5أي ل يقضي عنه ،وقرئ ل يجزئ من أجزأ
أي ل يغني " إن وعد ال حق " بالثواب والعقاب " .اسوة حسنة " )(6
قيل :أي خصلة حسنة من حقها أن يؤتسى بها كالثبات في الحرب ومقاساة
الشدائد " لمن كان يرجوا ال واليوم الخر " أي ثواب ال أو لقاءه ونعيم
الخرة أو أيام ال واليوم الخر خصوصا والرجاء يحتمل الصل
) (1القصص (2) .31 :العنكبوت (3) .5 :تفسير القمي ص (4) .494العنكبوت:
(5) .23لقمان (6) .33 :الحزاب.21 :
][344
والخوف وقرن بالرجاء كثرة الذكر المؤدية إلى ملزمة الطاعة فان المؤتسي
بالرسول من كان كذلك " .وتخشى الناس " ) (1أي تعييرهم إياك " وال
أحق أن تخشاه " إن كان فيه ما يخشى " وكفى بال حسيبا " ) (2فينبغي
أن ل يخشى إل منه " .الذين يخشون ربهم بالغيب " ) (3قيل :أي غائبين
عن عذابه أو عن الناس في خلواتهم ،أو غائبا عنهم عذابه " إنما يخشى
ال من عباده العلماء " ) (4إذ شرط الخشية معرفة المخشي ،والعلم
بصفاته وأفعاله ،فمن كان أعلم به كان أخشى منه ولذلك قال النبي صلى
ال عليه وآله :إني أخشاكم ل وأتقاكم له " ،إن ال عزيز غفور " تعليل
لوجوب الخشية لدللته على أنه معاقب للمصر على طغيانه ،غفور للتائب
عن عصيانه ،وفي المجمع عن الصادق عليه السلم يعني بالعلماء من
صدق قوله فعله ،ومن لم يصدق قوله فعله فليس بعالم ،وفي الحديث
أعلمكم بال أخوفكم ل ) (5وفي الكافي عن السجاد عليه السلم :وما العلم
بال والعمل إل إلفان مؤتلفان ،فمن عرف ال خافه ،وحثه الخوف على
العمل بطاعة ال ،وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا ال فعملوا له
ورغبوا إليه ،وقد قال ال " :إنما يخشى ال من عباده العلماء " )(6
وعن الصادق عليه السلم إن من العباد شدة الخوف من ال ،ثم تل هذه
الية ،وفي مصباح الشريعة عنه عليه السلم :دليل الخشية التعظيم ل
والتمسك بخالص الطاعة ،وأوامره ،والخوف والحذر ،ودليلهما العلم ثم
تل هذه الية ).(7
) (1الحزاب (2) .37 :الحزاب (3) .39 :فاطر (4) .18 :فاطر (5) .28 :مجمع
البيان ج 8ص ،407وتراه في الكافي ج 1ص (6) .36الكافي ج 8
ص (7) .16مصباح الشريعة ص .4
][345
" إنما تنذر " ) (1أي إنذارا يترتب عليه الثر " من اتبع الذكر " قيل :هو القرآن
وفي الحديث أنه علي عليه السلم " وخشي الرحمن بالغيب " قيل :أي
خاف عقابه قبل حلوله ومعاينة أهواله ،أو في سريرية ول يغتر برحمته،
فانه كما هو رحمن منتقم قهار " .إنا أخلصناهم بخالصة " ) (2أي
جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة لشوب فيها هي " ذكرى الدار "
تذكرهم للخرة دائما ،فان خلوصهم في الطاعة بسببها وذلك لنه كان
مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون ،جوار ال والفوز بلقائه ،وإطلق الدار
للشعار بأنها الدار الحقيقية والدنيا معبر " .أم من هو قانت " ) (3أي
قائم بوظائف الطاعات " ،آناء الليل " أي ساعاته " يحذر الخرة ويرجو
رحمة ربه " يدل على مدح الجمع بين الخوف والرجاء " .ذلك يخوف ال
به عباده " ) (4أي ذلك العذاب هو الذي يخوفهم به ليجتنبوا ما يوقعهم
فيه " يا عباد فاتقون " ول تتعرضوا لما يوجب سخطي " .مثاني " )(5
في المجمع سمي بذلك لنه يثنى فيه القصص والخبار والحكام
والمواعظ ،بتصريفها في ضروب البيان ،ويثنى أيضا في التلوة فل يمل
لحسن مسموعه " تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم " أي يأخذهم
قشعريرة خوفا مما في القرآن من الوعيد " ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى
ذكر ال " إذا سمعوا ما فيه من الوعد بالثواب والرحمة ،والمعنى أن
قلوبهم تطمئن وتسكن إلى ذكر ال الجنة والثواب فحذف مفعول الذكر للعلم
به .وروي عن العباس بن
) (1يس (2) .11 :ص (3) .46 :الزمر (4) .9 :الزمر (5) .16 :الزمر.23 :
][346
عبد المطلب أن النبي صلى ال عليه وآله قال :إذا اقشعر جلد العبد من خشية ال
تحاتت عنه ذنوبه كما تتحات عن الشجرة اليابسة ورقها ،وقال قتادة :هذا
نعت لولياء ال نعتهم ال بأن تقشعر جلودهم وتطمئن قلوبهم إلى ذكر ال
ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم ،إنما ذلك في أهل البدع وهو
من الشيطان ) " .(1تكاد السموات يتفطرن " ) (2أي يتشققن من عظمة
ال وروى علي بن إبراهيم عن الباقر عليه السلم أي يتصد عن " من
فوقهن " أي من جهتن الفوقانية أو من فوق الرضين " لمن في الرض
" قال :للمؤمنين من الشيعة التوابين خاصة ولفظ الية عام والمعنى
خاص ) (3وفي الجوامع عن الصادق عليه السلم :ويستغفرون لمن في
الرض من المؤمنين " .قريب " ) (4أي إتيانها " يستعجل بها " أي
استهزاء " مشفقون " منها أي خائفون منها مع اعتناء بها لتوقع الثواب
" ويعلمون أنها الحق " الكائن ل محالة " .الظانين بال ظن السوء " )
(5وهو أن ل ينصر رسوله والمؤمنين " عليهم دائرة السوء " أي دائرة
ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين ل يتخطاهم " .من يخاف وعيد " )(6
فانه ل ينتفع به غيره " .آية " ) (7أي علمة " للذين يخافون " فانهم
المعتبرون بها " .مشفقين " ) (8قال علي بن إبراهيم :أي خائفين من
العذاب " فمن ال علينا " بالرحمة " عذاب السموم " أي عذاب النار
النافذة في المسام نفوذ السموم ،وقال علي بن إبراهيم:
) (1مجمع البيان ج 8ص (2) .495الشورى (3) .5 :تفسير القمى ص ) .595
(4الشورى (5) .17 :الفتح (6) .6 :ق (7) .45 :الذاريات(8) .37 :
الطور.26 :
][347
السموم الحر الشديد ) " .(1سنفرغ لكم " ) (2قيل أي سنتجرد لحسابكم وجزائكم
وذلك يوم القيامة فانه ينتهي يومئذ شؤون الخلق كلها فل يبقى إل شأن
واحد وهو الجزاء ،فجعل ذلك فراغا على سبيل التمثيل ،وقيل تهديد
مستعار من قولك لمن تهدده سأفرغ لك فان المتجرد للشئ كان أقوى عليه
وأجد فيه ،والثقلن الجن والنس " إن استطعتم أن تنفذوا " أي إن قدرتم
أن تخرجوا من جوانب السماوات والرض هاربين من ال فارين من
قضائه " فانفذوا " فاخرجوا " ل تنفذون " أي ل تقدرون على النفوذ "
إل بسلطان " قيل أي إل بقوة وقهر ،وأنى لكم ذلك أو إن قدرتم أن تنفذوا
لتعلموا ما في السماوات والرض فانفذوا لتعلموا ،لكن ل تنفذون ول
تعلمون إل ببينة نصبها ال فتعرجون عليها بأفكاركم .وأقول :قد مرت
الخبار في ذلك في كتاب المعاد " .ولمن خاف مقام ربه " قال البيضاوي
) (3أي موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب أو قيامه على أحواله من قام
عليه إذا راقبه أو مقام الخائف عند ربه للحساب بأحد المعنيين ،فأضاف
إلى الرب تفخيما وتهويل أو ربه ومقام مقحم للمبالغة " جنتان " جنة
للخائف النسي والخرى للخائف الجني فان الخطاب للفريقين والمعنى لكل
خائفين منكما ،أو لكل واحد جنة لعقيدته واخرى لعمله ،أو جنة لفعل
الطاعات ،واخرى لترك المعاصي ،أو جنة يثاب بها ،واخرى يتفضل بها
عليه ،أو روحانية وجسمانية " .لو أنزلنا هذا القرآن على جبل " )(4
الية في المجمع :تقديره لو كان
) (1تفسير القمي ص (2) .650الرحمن (3) .36 - 31 :أنوار التنزيل ص ) .419
(4الحشر.21 :
][348
الجبل مما ينزل عليه القرآن ويشعر به مع غلظه وجفاء طبعه وكبر جسمه لخشع
لمنزله وانصدع من خشيته ،تعظيما لشأنه ،فالنسان أحق بهذا لو عقل
الحكام التي فيه ،وقيل :معناه لو كان الكلم ببلغته يصدع الجبل لكان هذا
القرآن يصدعه وقيل إن المراد ما يقتضيه الظاهر بدللة قوله " وإن منها
لما يهبط من خشية ال " وهذا وصف للكافر بالقسوة ،حيث لم يلن قلبه
بمواعظ القرآن الذي لو نزل على جبل لتخشع ويدل على أن هذا تمثيل
قوله " وتلك المثال " الخ ) " .(1بالغيب " ) (2أي يخافون عذابه غائبا
عنهم لم يعاينوه بعد ،أو غائبين عنه أو عن أعين الناس ،أو بالمخفي
فيهم ،وهو قلوبهم " لهم مغفرة " لذنوبهم " وأجر كبير " يصغر دونه
لذائذ الدنيا " أأمنتم من في السماء " يعني الملئكة الموكلين على تدبير
هذا العالم " أن يخسف بكم الرض " فيغيبكم فيها كما فعل بقارون " فإذا
هي تمور " أي تضطرب " أن يرسل عليكم حاصبا " أي يمطر عليكم
حصباء " فستعلمون كيف نذير " أي كيف إنذاري إذا شاهدتم المنذر به،
ولكن ل ينفعكم العلم حينئذ " فكيف كان نكير " أي إنكاري عليهم بانزال
العذاب ،وهو تسلية للرسول صلى ال عليه وآله وتهديد لقومه " صافات
" أي باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها فانهن إذا بسطتها صففن
قوادمها " ويقبضن " أي وإذا ضربن بها جنوبهن وقتا بعد وقت
للستعانة به على التحريك " ما يمسكهن " في الجو على خلف الطبع "
إل الرحمن " الواسع رحمته كل شئ " إنه بكل شئ بصير " يعلم كيف
ينبغي أن يخلقه " .أم من هذا الذي هو جند لكم " ) (3يعني أو لم تنظروا
في أمثال هذه الصنايع ،فتعلموا قدرتنا على تعذيبكم بنحو خسف وإرسال
حاصب ،أم هذا الذي تعبدونه من دون ال لكم جند ينصركم من دون ال أن
يرسل عليكم عذابه ،فهو
) (1مجمع البيان ج 9ص (2) .266الملك (3) .12 :الملك.21 :
][349
كقوله " أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا " ) (1وفيه إشعار بأنهم اعتقدوا القسم
الثاني حيث أخرج مخرج الستفهام عن تعيين من ينصرهم " إل في غرور
" أي ل معتمد لهم " إن أمسك رزقه " أي بامساك المطر وسائر السباب
المحصلة و الموصلة له إليكم " بل لجوا " أي تمادوا " في عتو " أي
عناد " ونفور " أي شراد عن الحق لتنفر طباعهم عنه " .مشفقون " )
(2أي خائفون على أنفسهم " إن عذاب ربهم " اعتراض يدل على أنه ل
ينبغي لحد أن يأمن من عذاب ال ،وإن بالغ في طاعته " .ل ترجون ل
وقارا " ) (3قال البيضاوي :أي ل تأملون له توقيرا أي تعظيما لمن عبده
وأطاعه ،فتكونون على حال تأملون فيها تعظيمه إياكم أول تعتقدون له
عظمة فتخافوا عصيانه ،وإنما عبر عن العتقاد التابع لدنى الظن مبالغة
" وقد خلقكم أطوارا " حال مقدرة للنكار من حيث إنها موجبة للرجاء
فان خلقهم أطوارا أي تارات إذ خلقهم أول عناصر ،ثم مركبات تغذي
النسان ثم أخلطا ثم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ولحوما ثم أنشأهم
خلقا آخر يدل على أنه يمكن أن يعيدهم تارة اخرى فيعظمهم بالثواب وعلى
أنه تعالى عظيم القدرة تام الحكمة ) .(4وقال علي بن إبراهيم :في رواية
أبي الجارود ،عن أبي جعفر عليه السلم في قوله " ل ترجون ل وقارا "
يقول ل تخافون ل عظمة ،وقال علي بن إبراهيم في قوله " وقد خلقكم
أطوارا " قال على اختلف الهواء والرادات والمشيات ) " (5كل " )(6
قيل ردع عن اقتراحهم اليات " بل ل يخافون الخرة " فلذلك
) (1النبياء (2) .43 :المعارج 27 :و (3) .28نوح 13 :و (4) .14أنوار
التنزيل (5) .443 :تفسير القمي ص (6) .697المدثر(*) .56 - 53 :
][350
أعرضوا عن التذكرة " هو أهل التقوى " أي حقيق بأن يتقى عقابه " وأهل
المغفرة " أي حقيق بأن يغفر عباده ،وفي التوحيد عن الصادق عليه
السلم في هذه الية قال :قال ال تعالى :أنا أهل أن اتقى ول يشرك بي
عبدي شيئا ،وأنا أهل إن لم يشرك بى أن ادخله الجنة " .كان شره " )(1
قيل :أي شدائده " مستطيرا " أي فاشيا منتشرا غاية النتشار وفيه إشعار
بحسن عقيدتهم ،واجتنابهم عن المعاصي ،وفي المجالس للصدوق )(2
عن الباقر عليه السلم يقول :كلوحا عابسا وقال علي بن إبراهيم:
المستطير العظيم ) " (3يوما " أي عذاب يوم " عبوسا " أي يعبس فيه
الوجوه أو يشبه السد العبوس في ضراوته " قمطريرا " شديد العبوس
كالذي يجمع ما بين عينيه ،وقال علي بن إبراهيم :القمطرير الشديد "
ولقيهم نضرة وسرورا " عن الباقر عليه السلم نضرة في الوجوه
وسرورا في القلوب " وشددنا أسرهم " أي وأحكمنا ربط مفاصلهم
بالعصاب وقال علي بن إبراهيم :أي خلقهم " بدلنا أمثالهم تبديل " أي
أهلكناهم وبدلنا أمثالهم في الخلقة وشدة السر يعني النشأة الخرة أو
المراد تبديلهم بغيرهم ممن يطيع في الدنيا " في رحمته " بالهداية
والتوفيق للطاعة وفي الكافي عن الكاظم عليه السلم في وليتنا" .
وأهديك إلى ربك " ) (4قيل :أي وأرشدك إلى معرفته " فتخشى " بأداء
الواجبات وترك المحرمات إذ الخشية إنما تكون بعد المعرفة " لمن يخشى
" لمن كان شأنه الخشية " مقام ربه " أي مقامه بين يديه لعلمه بالمبدء
والمعاد " ونهى النفس عن الهوى " لعلمه بأن الهوى يرديه قال علي بن
إبراهيم :هو العبد إذا وقف
) (1النسان 7 :إلى آخر السورة (2) .أمالي الصدوق ص (3) .157 - 155تفسير
القمي ص (4) .707النازعات.26 - 19 :
][351
على معصية ال وقدر عليها ثم تركها مخافة ال ونهى النفس عنها فمكافاته الجنة
) " .(1علمت نفس ما قدمت وأخرت " ) (2أي من خير وشر وقيل :وما
أخرت من سنة حسنة استن بها بعده ،أو سنة سيئة استن بها بعده " ما
غرك بربك الكريم " أي أي شئ خدعك وجرأك على عصيانه قيل :ذكر
الكريم للمبالغة في المنع عن الغترار ،والشعار بما به يغره الشيطان،
فانه يقول :افعل ما شئت فان ربك كريم ل يعذب أحدا وقيل :إنما قال
سبحانه " :الكريم " دون سائر أسمائه وصفاته ،لنه كأنه لقنه الجواب
حتى يقول :غرني كرم الكريم ،وفي المجمع روي أن النبي صلى ال عليه
وآله لما تل هذه الية قال :غره جهله ) " (3فسويك " جعل أعضاءك
سليمة مسواة معدة لمنافعها " فعدلك " جعل بنيتك معتدلة متناسبة
العضاء " في أي صورة ما شاء ركبك " أي ركبك في أي صورة شاء،
وما مزيدة وفي المجمع عن الصادق عليه السلم قال :لو شاء ركبك على
غير هذه الصورة ) " .(4إن بطش ربك لشديد " ) (5مضاعف عنفه فان
البطش أخذ بعنف " وهو الغفور الودود " لمن تاب وأطاع " .سيذكر من
يخشى " ) (6أي سيتعظ وينتفع بها من يخشى ال " ويتجنبها " أي
يتجنب الذكرى " النار الكبرى " قال :نار يوم القيامة " ثم ل يموت فيها
" فيستريح " ول يحيى " حياة تنفعه ،فيكون كما قال ال " :ويأتيه
الموت من كل مكان وما هو بميت " ) " .(7ورضوا عنه " ) (8لنه
بلغهم أقصى أمانيهم " ذلك لمن خشي ربه " فان
][352
الخشية ملك المر والباعث على كل خير - 1 .كا :عن العدة ،عن أحمد بن محمد،
عن علي بن حديد ،عن منصور بن يونس ،عن الحارث بن المغيرة أو
أبيه ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :قلت له :ما كان في وصيه لقمان،
قال :كان فيها العاجيب ،وكان أعجب ما ]كان[ فيها أن قال لبنه :خف ال
عزوجل خيفة لو حبئته ببر الثقلين لعذبك ،وارج ال رجاء لو جئته بذنوب
الثقلين لرحمك .ثم قال أبو عبد ال عليه السلم :كان أبي عليه السلم
يقول :إنه ليس من عبد مؤمن إل في قلبه نوران :نور خيفة ،ونور رجاء،
لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا ) .(1بيان:
العاجيب جمع العجوبة ،وهي ما يعجبك حسنه أو قبحه ،والمراد هنا
الول ،ويدل على أنه ينبغي أن يكون الخوف والرجاء كلهما كاملين في
النفس ول تنافي بينهما فان ملحظة سعة رحمة ال وغنائه وجوده ولطفه
على عباده سبب الرجاء ،والنظر إلى شدة بأس ال وبطشه وما أوعد
العاصين من عباده موجب للخوف ،مع أن أسباب الخوف ترجع إلى نقص
العبد وتقصيره وسوء أعماله وقصوره عن الوصول إلى مراتب القرب
والوصال وانهماكه فيما يوجب الخسران والوبال ،وأسباب الرجاء تؤول
إلى لطف ال ورحمته وعفوه وغفرانه ووفور إحسانه وكل منهما في أعل
مدارج الكمال .قال بعضهم :كلما يلقيك من مكروه ومحبوب ينقسم إلى
موجود في الحال وإلى موجود فيما مضى ،وإلى منتظر في الستقبال :فإذا
خطر ببالك موجود فيما مضى سمي فكرا وتذكرا وإن كان ما خطر بقلبك
موجودا في الحال سمي إدراكا وإن كان خطر ببالك وجود شئ في
الستقبال وغلب ذلك على قلبك سمي انتظارا وتوقعا ،فان كان المنتظر
مكروها حصل منه ألم في القلب سمي خوفا وإشفاقا وإن كان محبوبا
حصل من انتظاره وتعلق القلب به وإخطار وجوده بالبال لذة
][353
في القلب وارتياح يسمى ذلك الرتياح رجاء .فالرجاء هو ارتياح القلب لنتظار ما
هو محبوب ،ولكن ذلك المحبوب المتوقع لبد وأن يكون له سبب فان كان
انتظاره لجل حصول أكثر أسبابه ،فاسم الرجاء عليه صادق ،وإن كان ذلك
انتظارا مع عدم تهيئ أسبابه واضطرابها ،فاسم الغرور والحمق عليه
أصدق من اسم الرجاء ،وإن لم تكن السباب معلومة الوجود ول معلومة
النتفاء ،فاسم التمني أصدق على انتظاره لنه انتظار من غير سبب.
وعلى كل حال ،فل يطلق اسم الرجاء والخوف إل على ما يتردد فيه ،أما ما
يقطع به فل ،إذ ل يقال :أرجو طلوع الشمس وقت الطلوع ،وأخاف
غروبها وقت الغروب ،لن ذلك مقطوع به ،نعم يقال :أرجو نزول المطر
وأخاف انقطاعه .وقد علم أرباب القلوب أن الدنيا مزرعة الخرة ،والقلب
كالرض ،واليمان كالبذر فيه ،والطاعات جارية مجرى تقليب الرض
وتطهيرها ،ومجرى حفر النهار وسياقة الماء إليها ،والقلب المستغرق
بالدنيا كالرض السبخة التي ل ينمو فيها البذر ،ويوم القيامة الحصاد ،ول
يحصد أحد إل ما زرع ،ول ينمو زرع إل من بذر اليمان ،وقلما ينفع إيمان
مع خبث القلب وسوء أخلقه ،كما لينبو بذر في أرض سبخة .فينبغي أن
يقاس رجاء العبد للمغفرة برجاء صاحب الزرع ،فكل من طلب أرضا طيبة
وألقى فيها بذرا جيدا غير عفن ول مسوس ،ثم أمده بما يحتاج إليه وهو
سياق الماء إليه في أوقاته ثم نقى الرض عن الشوك والحشيش ،وكل ما
يمنع نبات البذر أو يفسده ،ثم جلس منتظرا من فضل ال رفع الصواعق
واليات المفسدة إلى أن يثمر الزرع ويبلغ غايته ،سمي انتظاره رجاء،
وإن بث البذر في أرض صلبة سبخة مرتفعة ل ينصب الماء إليها ،ولم
يشغل بتعهد البذر أصل ثم انتظر حصاد الزرع يسمى انتظاره حمقا
وغرورا ،ل رجاء ،وإن بث البذر في أرض طيبة ولكن ل ماء لها ،وينتظر
مياه المطار حيث لتغلب المطار ول يمتنع ،سمي انتظاره تمنيا ل رجاء.
][354
فإذا اسم الرجاء إنما يصدق على انتظار محبوب تمهدت جميع أسبابه الداخلة تحت
اختيار العبد ،ولم يبق إل ما ليس يدخل تحت اختياره ،وهو فضل ال
بصرف القواطع والمفسدات .فالعبد إذا بث بذر اليمان ،وسقاه بماء
الطاعة ،وطهر القلب عن شوك الخلق الردية ،وانتظر من فضل ال
تثبيته على ذلك إلى الموت ،وحسن الخاتمة المفضية إلى المغفرة ،كان
انتظاره رجاء حقيقيا محمودا في نفسه ،باعثا له على المواظبة والقيام
بمقتضى اليمان في إتمام أسباب المغفرة إلى الموت ،وإن انقطع عن بذر
اليمان تعهده بماء الطاعات ،أو ترك القلب مشحونا برذائل الخلق
وانهمك في طلب لذات الدنيا ،ثم انتظر المغفرة فانتظاره حمق وغرور كما
قال تعالى " :فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا
الدنى ويقولون سيغفر لنا " ) (1وإنما الرجاء بعد تأكد السباب ،ولذا قال
تعالى " :إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل ال اولئك
يرجون رحمة ال " ) .(2وأما من ينهمك فيما يكرهه ال ،ول يذم نفسه
عليه ،ول يعزم على التوبة والرجوع ،فرجاؤه المغفرة حمق كرجاء من
بث البذر في أرض سبخة وعزم أن ل يتعهدها بسقي ول تنقية .فإذا عرفت
حقيقة الرجاء ومظنته ،فقد عرفت أنها حالة أثمرها العلم بجريان أكثر
السباب ،وهذه الحالة تثمر الجهد للقيام ببقية السباب على حسب المكان
فان من حسن بذره ،وطابت أرضه ،وغزر ماؤه ،صدق رجاؤه فل يزال
يحمله صدق الرجاء على تفقد الرض وتعهده ،وتنقية كل حشيش ينبت
فيه ،ول يفتر عن تعهده أصل إلى وقت الحصاد ،وهذا لن الرجاء يضاده
اليأس ،واليأس يمنع من التعهد ،والخوف ليس بضد للرجاء ،بل هو رفيق
له وباعث آخر بطريق الرهبة ،كما أن الرجاء باعث بطريق الرغبة انتهى.
][355
ثم ظاهر الخبر أنه لبد أن يكون العبد دائما بين الخوف والرجاء ،ل يغلب أحدهما
على الخر ،إذ لو رجح الرجاء لزم المن ل في موضعه وقال تعالى" :
أفأمنوا مكر ال فل يأمن مكر ال إل القوم الخاسرون " ) (1ولو رجح
الخوف لزم اليأس الموجب للهلك ،كما قال سبحانه " :ول ييأس من روح
ال إل القوم الكافرون " ) .(2وقيل :يستحب أن يغلب في حال الصحة
الخوف ،فإذا انقضى الجل يستحب أن يغلب الرجاء ليلقى ال على حالة
هي أحب إليه ،إذ هو سبحانه الرحمن الرحيم ويحب الرجاء .وقيل :ثمرة
الخوف الكف عن المعاصي ،فعند دنو الجل زالت تلك الثمرة ،فينبغي غلبة
الرجاء ،وقال بعضهم :الخوف ليس من الفضائل والكمالت العقلية في
النشأة الخرة ،وإنما هو من المور النافعة للنفس في الهرب عن
المعاصي وفعل الطاعات مادامت في دار العمل ،وأما عند انقضاء الجل
والخروج من الدنيا فل فائدة فيه ،وأما الرجاء فانه باق أبدا إلى يوم
القيامة ،ل ينقطع ،لنه كلما نال العبد من رحمة ال أكثر ،كان ازدياد طمعه
فيما عند ال أعظم وأشد ،لن خزائن جوده وخيره ورحمته غير متناهية
لتبيد ول تنقص ،فثبت أن الخوف منقطع ،والرجاء أبدا ل ينقطع انتهى.
والحق أن العبد مادام في دار التكليف لبد له من الخوف والرجاء وبعد
مشاهدة امور الخرة يغلب عليه أحدهما ل محالة بحسب ما يشاهده من
أحوالها - 2 .كا :محمد بن الحسن ،عن سهل بن زياد ،عن يحيى بن
المبارك ،عن عبد ال ابن جبلة ،عن إسحاق بن عمار قال :قال أبو عبد ال
عليه السلم :يا إسحاق ! خف ال كأنك تراه وإن كنت ل تراه فانه يراك،
وإن كنت ترى أنه ل يراك فقد كفرت وإن كنت تعلم أنه يراك ثم برزت له
بالمعصية ،فقد جعلته من أهون الناظرين
][356
عليك ) .(1توضيح :اعلم أن الرؤية تطلق على الرؤية بالبصر وعلى الرؤية القلبية
وهي كناية عن غاية النكشاف والظهور ،والمعنى الول هنا أنسب ،أي
خف ال خوف من يشاهده بعينه وإن كان محال ،ويحتمل الثاني أيضا فان
المخاطب لما لم يكن من أهل الرؤية القلبية ولم يرتق إلى تلك الدرجة
العلية ،فانها مخصوصة بالنبياء والوصياء عليهم السلم قال :كأنك تراه،
وهذه مرتبة عين اليقين وأعلى مراتب السالكين .وقوله " :فان لم تكن
تراه " أي إن لم تحصل لك هذه المرتبة من النكشاف والعيان فكن بحيث
تتذكر دائما أنه يراك ،وهذه مقام المراقبة كما قال تعالى " :أفمن هو قائم
على كل نفس بما كسبت إن ال كان عليكم رقيبا " ) (2والمراقبة مراعاة
القلب للرقيب واشتغاله به ،والمثمر لها هو تذكر أن ال تعالى مطلع على
كل نفس بما كسبت ،وأنه سبحانه عالم بسرائر القلوب وخطراتها ،فإذا
استقر هذا العلم في القلب جذبه إلى مراقبة ال سبحانه دائما ،وترك
معاصيه خوفا وحياء والمواظبة على طاعته وخدمته دائما .وقوله " وإن
كنت ترى " تعليم لطريق جعل المراقبة ملكة للنفس فتصير سببا لترك
المعاصي والحق أن هذه شبهة عظيمة للحكم بكفر أرباب المعاصي ول
يمكن التقصي عنها إل بالتكال على عفوه وكرمه سبحانه ،ومن هنا يظهر
أنه ل يجتمع اليمان الحقيقي مع الصرار على المعاصي ،كما مرت
الشارة إليه " .ثم برزت له بالمعصية " أي أظهرت له المعصية أو من
البراز للمقاتلة كأنك عاديته وحاربته " و " عليك " متعلق بأهون- 3 .
كا :عن العدة ،عن أحمد بن أبي عبد ال ،عن أبيه ،عن حمزة بن عبد ال
الجعفري
][357
عن جميل بن دراج ،عن أبي حمزة قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :من عرف
ال خاف ال ،ومن خاف ال سخت نفسه عن الدنيا ) .(1بيان :يقال سخي
عن الشئ يسخى من باب تعب ترك ،ويدل على أن الخوف من ال لزم
لمعرفته كما قال تعالى " :إنما يخشى ال من عباده العلماء " وذلك لن
من عرف عظمته وغلبته على جميع الشياء وقدرته على جميع الممكنات
باليجاد والفناء خاف منه وأيضا من علم احتياجه إليه في وجوده ،وبقائه
وسائر كمالته في جميع أحواله خاف سلب ذلك منه ،ومعلوم أن الخوف
من ال سبب لترك ملذ الدنيا وشهواتها الموجبة لسخط ال - 4 .كا :عن
محمد بن يحيى ،عن ابن عيسى ،عن ابن أبي نجران ،عمن ذكره عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :قلت له :قوم يعملون بالمعاصي ويقولون نرجو
فل يزالون كذلك حتى يأتيهم الموت ؟ فقال :هؤلء قوم يترجحون في
الماني كذبوا ليسوا براجين ،إن من رجا شيئا طلبه ومن خاف من شئ
هرب منه .ورواه علي بن محمد رفعه قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم:
إن قوما من مواليك يلمون بالمعاصي ويقولون نرجو ،فقال :كذبوا ليسوا
لنا بموال اولئك قوم ترجحت بهم الماني من رجا شيئا عمل له ،ومن خاف
من شئ هرب منه ) .(2بيان " :ويقولون نرجو " أي رحمة ال وغفرانه
" حتى يأتيهم الموت " أي بل توبة ول تدارك والترجح تذبذب الشئ
المعلق في الهواء والتميل من جانب إلى جانب ،وترجحت به الرجوحة
مالت ،وهي حبل يعلق ويركبه الصبيان فكأنه عليه السلم شبه أمانيهم
بارجوحة يركبه الصبيان يتحرك بأدنى نسيم وحركة فكذا هؤلء يميلون
بسبب الماني من الخوف إلى الرجاء بأدنى وهم ،و " في " يحتمل
الظرفية والسببية وكونه بمعنى " على " ،ولما كان الخوف والرجاء
متلزمين ذكر الخوف أيضا فان رجاء كل شئ مستلزم للخوف من فواته،
وفي
القاموس :ألم :باشر اللمم ،وبه :نزل كلم ،واللمم :صغار الذنوب " .ليسوا لنا
بموال " لن الموالة ليست مجرد القول بل هي اعتقاد ومحبة في الباطن
ومتابعة وموافقة في الظاهر ل ينفك أحدهما عن الخر وروى في نهج
البلغة عن أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال بعد كلم طويل لمدع كاذب
أنه يرجو ال :يدعي أنه يرجو ال ،كذب وال العظيم ،ما باله ل يتبين
رجاؤه في عمله وكل من رجا عرف رجاؤه في عمله إل رجاء ال ،فانه
مدخول ،وكل خوف محقق إل خوف ال فانه معلول ،يرجو ال في الكبير،
ويرجو العباد في الصغير فيعطي العبد مال يعطي الرب فما بال ال جل
ثناؤه يقصر به عما يصنع لعباده أل تخاف أن تكون في رجائك له كاذبا أو
تكون ل تراه للرجاء موضعا ،وكذلك إن هو خاف عبدا من عبيده أعطاه
من خوفه مال يعطي ربه فجعل خوفه من العباد نقدا وخوفه من خالقه
ضمارا ووعدا ) .(1وقال ابن ميثم في شرح هذا الكلم :المدخول الذي فيه
شبهة وريبة ،و المعلول الغير الخالص ،والضمار الذي ل يرجى من
الموعود .قال :وبيان الدليل أن كل من رجا أمرا من سلطان أو غيره فانه
يخدمه الخدمة التامة ،ويبالغ في طلب رضاه ،ويكون عمله له بقدر قوة
رجائه له وخلوصه ،ويرى هذا المدعي للرجاء غير عامل فيستدل
بتقصيره في العمال الدينية على عدم رجائه الخالص في ال ،وكذلك "
كل خوف محقق إل خوف ال فانه معلول " توبيخ للسامعين في رجائه مع
تقصيرهم في العمال الدينية انتهى ) .(2والحاصل أن الحاديث الواردة
في سعة عفو ال سبحانه وجزيل رحمته و وفور مغفرته كثيرة جدا ،ولكن
لبد لمن يرجوها ويتوقعها من العمل الخالص المعد لحصولها ،وترك
النهماك في المعاصي المفوت لهذا الستعداد ،كما عرفت
) (1نهج البلغة تحت الرقم 158من الخطب (2) .شرح النهج لبن ميثم ص
.329
][359
في التمثيل بالبارزين سابقا .فاحذر أن يغرك الشيطان ،ويثبطك عن العمل ،ويقنعك
بمحض الرجاء والمل ،وانظر إلى حال النبياء والولياء ،واجتهادهم في
الطاعات ،وصرفهم العمر في العبادات ،ليل ونهارا ،أما كانوا يرجون عفو
ال ورحمته ؟ بلى وال إنهم كانوا أعلم بسعة رحمته ،وأرجالها منك ،ومن
كل أحد ،ولكن علموا أن رجاء الرحمة من دون العمل غرور محض،
وسفه بحت ،فصرفوا في العبادات أعمارهم وقصروا على الطاعات ليلهم
ونهارهم - 5 .كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن بعض أصحابه ،عن صالح
بن حمزة رفعه قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إن من العبادة شدة
الخوف من ال عزوجل " إنما يخشى ال من عباده العلماء " ) (1وقال
جل ثناؤه " :فل تخشوا الناس واخشوني " ) (2وقال تبارك وتعالى" :
ومن يتق ال يجعل له مخرجا " ) (3قال :وقال أبو عبد ال عليه السلم:
إن حب الشرف والذكر ل يكونان في قلب الخائف الراهب ) .(4بيان " :إن
من العبادة " أي من أعظم أسبابها ،أو هي بنفسها عبادة أمر ال بها كما
سيأتي ،والخوف مبدؤه تصور عظمة الخالق ووعيده ،وأهوال الخرة
والتصديق بها ،وبحسب قوة ذلك التصور وهذا التصديق يكون قوة الخوف
وشدته ،وهي مطلوبة ما لم تبلغ حد القنوط " .إنما يخشى ال من عباده
العلماء " هم الذين علموا عظمة ال وجلله وعزه وقهره وجوده وفضله
علما يقينيا يورث العمل ،ومعاينة أحوال الخرة وأهوالها كما مر.
) (1فاطر (2) .28 :المائدة (3) .44 :الطلق (4) .2 :الكافي ج 2ص .69
][360
وقال المحقق الطوسي قدس سره في أوصاف الشراف ما حاصله :إن الخوف
والخشية وإن كانا بمعنى واحد في اللغة إل أن بينهما فرقا بين أرباب
القلوب وهو أن الخوف تألم النفس من المكروه المنتظر والعقاب المتوقع،
بسبب احتمال فعل المنهيات وترك الطاعات وهو يحصل لكثر الخلق وإن
كانت مراتبه متفاوتة جدا ،والمرتبة العليا منه ل تحصل إل للقليل،
والخشية حالة نفسانية تنشأ عن الشعور بعظمة الرب وهيبته ،وخوف
الحجب عنه ،وهذه الحالة ل تحصل إل لمن اطلع على جلل الكبرياء وذاق
لذة القرب ولذلك قال سبحانه " :إنما يخشى ال من عباده العلماء "
والخشية خوف خاص وقد يطلقون عليها الخوف أيضا انتهى " .ومن يتق
ال يجعل له مخرجا " التقوى على مراتب أولها التبري عن الشرك وما
يوجب الخلود في النار ،وثانيها التجنب عما يؤثم والتقاء عن العذاب
مطلقا ،وثالثها التنزه عما يشغل القلب عن الحق ،وبناء الكل على الخوف
من العقوبة والبعد عن الحق .ولعل المراد هنا إحدى الخيرتين أي ومن
يتق ال خوفا منه يجعل له مخرجا من شدائد الدنيا والخرة كما روي عن
ابن عباس ،أو من ضيق المعاش كما يشعر به قوله تعالى " :ويرزقه من
حيث ل يحتسب " قيل :وكأن السر في الول أن شدائد الدارين من الحرص
على الدنيا ،واقتراف الذنوب ،والغفلة عن الحق والمتقي منزه عن جميع
ذلك ،وفي الثاني أن فيضه تعالى وجوده عام لبخل فيه وإنما المانع من
قبول فيضه هو بعد العبد عنه ،وعدم استعداده له بالذنوب ،فإذا اتقى منها
قرب منه تعالى ،واستحق قبول فيضه بل تعب ول كلفة ،فيجمع بذلك خير
الدنيا والخرة " .إن حب الشرف والذكر " أي حب الجاه والرياسة والعزة
في الناس وحب الذكر والمدح والثناء منهم ،والشهرة فيهم " ل يكونان
في قلب الخائف الراهب " لن حبهما من آثار الميل إلى الدنيا وأهلها،
والخائف الراهب منزه
][361
][362
توضيح " :ركب البحر " البحر مفعول به أو مفعول فيه أي ركب السفينة في
البحر ،وقيل أراد بالبحر السفينة من قبيل تسمية الحال باسم المحل بقرينة
رجوع الضمير المستتر في قوله " فكسر " إليه والباء في " بأهله "
بمعنى " مع " و انتهاك الحرمة تناولها بما ل يحل والحرمة بالضم مال
يحل انتهاكه " فلم يعلم " أي تلك الواقعة إل في حالة كانت المرأة قائمة
على رأسها " مجلس الرجل " أي وقت الجماع ويقال فرق كتعب أي خاف
والمصدر الفرق بالتحريك ،وصادفه وجده ولقيه ،وحمي الشمس كرضي
اشتد حرها وتجاسر عليه اجترأ ،وتؤمن على بناء التفعيل أي تقول آمين.
" فما كان " أي شئ أسرع من تظليل الغمامة ،وفي النهاية الملي طائفة
من الزمان ل حد لها ،يقال مضى ملي من النهار وملي من الدهر أي طائفة
منه .ويدل على أن ترك كبيرة واحدة مع القدرة عليها ،خوفا من ال
وخالصا لوجهه موجب لغفران الذنوب كلها ولو كان حق الناس لن الرجل
كان يقطع الطريق مع احتمال أن تكون المغفرة للخوف مع التوبة إلى ال،
والمراجعة إلى الناس في حقوقهم ،كما يفهم من قوله وليس له همة إل
التوبة والمراجعة - 7 .كا :عن محمد بن يحيى ،عن البرقي ،عن علي بن
النعمان ،عن حمزة بن حمران قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول:
إن مما حفظ من خطب النبي صلى ال عليه وآله أنه قال :أيها الناس إن
لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم ،وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم أل إن
المؤمن يعمل بين مخافتين بين أجل قد مضى ل يدري ما ال صانع فيه،
وبين أجل قد بقي ل يدري ما ال قاض فيه ،فليأخذ العبد المؤمن من نفسه
لنفسه ومن دنياه لخرته ،وفي الشبيبة قبل الكبر ،وفي الحياة قبل الممات،
فوال الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من مستعتب ،وما بعدها من دار
إل الجنة والنار ) .(1تبيين " :إن لكم معالم " في القاموس معلم الشئ
كمقعد مظنته ،وما يستدل به ،وفي الصحاح المعلم الثر يستدل به على
الطريق والمراد هنا إما اليات
][363
القرآنية لسيما اليات الدالة على إمامة أئمة الدين ،ووجوب متابعتهم ،أو كل ما
يعلم منه حكم من أحكام الدين اصول وفروعا من الكتاب والسنة ،بل
البراهين القاطعة العقلية أيضا ،ويمكن شموله لكل ما يعتبر به من آيات
ال في الفاق و النفس ،أو المراد بها أئمة الدين عليهم السلم فانهم
معالم الحلل والحرام والحكم والحكام كما مر في الخبار ،والنهاية بالكسر
الغاية التي ينتهى إليها والمراد هنا إما المام بقرينة الفراد إذ ليس في كل
عصر إل إمام واحد ،أو المراد نهاية كل شخص في القرب والكمال ،بحسب
استعداده وقابليته :وقيل المستقر في الجنة ،والقرار دار القرار ،وقيل
المراد به الجل الموعود وهو بعيد .قوله " بين أجل قد مضى " المراد
بالجل هنا العمر ،وقيل :دل هذا على أن الخوف يطلق بالنسبة إلى ما
مضى ،ول يخفى وهنه ،لن الخوف ليس من الجل بل من العقوبة
المترتبة على ما عمل في ما مضى من العمر فالخوف من المستقبل بل
المعنى يعمل بين سبب مخافتين .وقوله " ل يدري ما ال قاض فيه "
شامل للمصائب الدينية والدنيوية معا " فليأخذ العبد من نفسه لنفسه يعني
ليجتهد في الطاعة والعبادة ويروض نفسه بالعمال الصالحة في أيام قلئل
لراحة البد والنعيم المخلد " ومن دنياه لخرته " بأن ينفق ما حصله في
دنياه لتحصيل آخرته " .وفي الشبيبه قبل الكبر " كذا في بعض النسخ "
الشبيبة " بالبائين كسفينة قال الجوهري الشباب الحداثة وكذلك الشبيبة
وهو خلف الشيب ،وفي بعض النسخ " وفي الشبيبة " وهي كبر السن
وابيضاض الشعر .وعلى الول وهو الظهر المعنى :وليعمل في سن
الشباب قبل سن الشيخوخة لنه قد ل يصل إلى الكبر وإن وصل فالعمل في
الحالتين أفضل من العمل في حالة واحدة مع أن المرء في الشباب أقوى
على العمل منه في المشيب وإذا صار العمل ملكة في الشباب تصير سببا
لسهولة العمل عليه في المشيب وأيضا إذا أقبل
][364
على الطاعات في شبابه ل يتكدر ول يرين مرآة قلبه بالفسوق والمعاصي ،وإذا
أقبل على المعاصي وران قلبه بها قلما ينفك عنها ولو تركها قلما تصفو
نفسه من كدوراتها .وعلى الثاني المراد بالكبر سن الهرم والزمن ،أي
ينبغي أن يغتنم أوايل الشيخوخة للطاعة ،قبل تعطل القوى وذهاب العقل،
فيكون قريبا من الفقرة التية " وفي الحياة قبل الممات " أي ينبغي أن
يغتنم كل جزء من الحياة ول يسوف العمل ،لحتمال انقطاع الحياة بعده،
والمستعتب إما مصدر أو اسم مكان ،والستعتاب السترضاء ،قال في
النهاية :أعتبني فلن إذا عاد إلى مسرتي واستعتب طلب أن يرضى عنه،
كما يقول استرضيته فأرضاني ،والمعتب المرضى ،ومنه الحديث ليتمنين
أحدكم الموت أما محسنا فلعله يزداد وأما مسيئا فلعله يستعتب أي يرجع
عن الساءة ،ويطلب الرضا ،ومنه الحديث ولبعد الموت من مستعتب أي
ليس بعد الموت من استرضاء لن العمال بطلت وانقضى زمانها وما بعد
الموت دار جزاء ل دار عمل ،والعتبى الرجوع عن الذنب والساءة- 8 .
كا :عن محمد بن يحيى ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن محبوب ،عن داود
الرقي ،عن أبي عبد ال عليه السلم في قول ال عزوجل " ولمن خاف
مقام ربه جنتان " ) (1قال :من علم أن ال يراه ويسمع ما يقول ويفعله
ويعلم ما يعمله من خير أو شر فيحجزه ذلك عن القبيح من العمال فذلك "
الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى " ) .(2بيان :قوله " فذلك
الذي " إشارة إلى تفسير آية اخرى تنبيها على تقارب مضموم اليتين
واتحاد الموصول في الموضعين ،وأن نهي النفس عن الهوى مراد في تلك
الية أيضا ،فان الخوف بدون ترك المعاصي ليس بخوف حقيقة ووحدة
الجنة فيها ل تنافي التثنية في الخرى لن المراد بها الجنس وأشار عليه
السلم إلى أن الخوف
) (1الرحمن (2) .46 :الكافي ج 2ص 70والية في النازعات(*) .40 :
][365
تابع للعلم كما قال سبحانه " إنما يخشى ال من عباده العلماء " ) - 9 .(1كا :عن
محمد ،عن أحمد ،عن ابن سنان ،عن ابن مسكان ،عن الحسن ابن أبي
سارة قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :ل يكون المؤمن مؤمنا
حتى يكون خائفا راجيا وليكون خائفا راجيا حتى يكون عامل لما يخاف
ويرجو ) - 10 .(2كا :عن علي بن إبراهيم ،عن محمد بن عيسى ،عن
يونس ،عن فضيل بن عثمان ،عن أبي عبيدة الحذاء ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :المؤمن بين مخافتين :ذنب قد مضى ل يدري ما صنع ال
فيه ،وعمر قد بقي ل يدري ما يكتسب فيه من المهالك ،فهو ل يصبح إل
خائفا ول يصلحه إل الخوف ) - 11 .(3سن :عن الحسن بن علي بن
فضال ،عن أبي جميلة ،عن محمد الحلبي عن أبي عبد ال عليه السلم في
قول ال " :الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون "
) (4قال :يعملون ما عملوا من عمل ،وهم يعلمون أنهم يثابون عليه ).(5
- 12سن :عن عثمان بن عيسى ،عن سماعة ،عن أبي بصير ،عن أبي
عبد ال عليه السلم قال :يعملون ويعلمون أنهم سيثابون عليه )- 13 .(6
الفقيه :في مناهي النبي صلى ال عليه وآله من عرضت له فاحشة أو
شهوة فاجتنبها من مخافة ال عزوجل ،حرم ال عليه النار ،وآمنه من
الفزع الكبر ،وأنجز له ما وعده في كتابه في قوله عزوجل " :ولمن خاف
مقام ربه جنتان " ) - 14 .(7كا :عن العدة ،عن أحمد بن محمد ،عن ابن
محبوب ،عن جميل بن صالح عن بريد بن معاوية ،عن أبي جعفر عليه
السلم قال :وجدنا في كتاب علي عليه السلم أن رسول ال صلى ال عليه
وآله قال وهو على منبره :والذي ل إله إل هو ما اعطي مؤمن
قط خير الدنيا والخرة إل بحسن ظنه بال ورجائه له وحسن خلقه والكف عن
اغتياب المؤمنين ،والذي ل إله إل هو ل يعذب ال مؤمنا بعد التوبة
والستغفار إل بسوء ظنه بال وتقصير من رجائه وسوء خلقه واغتيابه
للمؤمنين والذي ل إله إل هو ل يحسن ظن عبد مؤمن بال إل كان ال عند
ظن عبده المؤمن لن ال كريم بيده الخيرات يستحيي أن يكون عبده
المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه ورجاه ،فأحسنوا بال الظن
وارغبوا إليه ) .(1بيان :قوله عليه السلم " :إل بحسن ظنه " قيل :معناه
حسن ظنه بالغفران إذا ظنه حين يستغفر ،وبالقبول إذا ظنه حين يتوب،
وبالجابة إذا ظنه حين يدعو ،وبالكفاية إذا ظنها حين يستكفي لن هذه
صفات ل تظهر إل إذا حسن ظنه بال تعالى وكذلك تحسين الظن بقبول
العمل عند فعله إياه فينبغي للمستغفر والتائب والداعي والعامل أن يأتوا
بذلك موقنين بالجابة بوعد ال الصادق فان ال تعالى وعد بقبول التوبة
الصادقة والعمال الصالحة وأما لو فعل هذه الشياء وهو يظن أن ل يقبل
ول ينفعه فذلك قنوط من رحمة ال والقنوط كبيرة مهلكة وأما ظن المغفرة
مع الصرار وظن الثواب مع ترك العمال فذلك جهل وغرور يجر إلى
مذهب المرجئة ،والظن هو ترجيح أحد الجانبين بسبب يقتضي الترجيح،
فإذا خل عن سبب فانما هو غرور وتمن للمحال - 15 .كا :عن محمد بن
يحيى ،عن ابن عيسى ،عن ابن بزيع ،عن الرضا عليه السلم قال :أحسن
الظن بال فان ال عزوجل يقول :أنا عند حسن ظن عبدي المؤمن بي إن
خيرا فخيرا وإن شرا فشرا ) .(2بيان " :أنا عند حسن ظن عبدي " أقول:
هذا الخبر مروي من طريق العامة أيضا وقال الخطابي :معناه أنا عند ظن
عبدي في حسن عمله وسوء عمله ،لن من حسن عمله حسن ظنه ،ومن
ساء عمله ساء ظنه.
][367
- 16كا :عن علي ،عن أبيه ،عن الجوهري ،عن المنقري ،عن سفيان بن عيينة
قال :سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول :حسن الظن بال أن ل ترجو إل
ال ول تخاف إل ذنبك ) .(1بيان :فيه إشارة إلى أن حسن الظن بال ليس
معناه ومقتضاه ترك العمل والجتراء على المعاصي اتكال على رحمة ال،
بل معناه أنه مع العمل ل يتكل على عمله ،وإنما يرجو قبوله من فضله
وكرمه ،ويكون خوفه من ذنبه وقصور عمله ل من ربه ،فحسن الظن ل
ينافي الخوف بل لبد من الخوف وضمه مع الرجاء وحسن الظن كما مر.
- 17كا (2) :عن محمد بن يحيى ،عن ابن عيسى ،عن الهيثم بن أبي
مسروق ،عن يزيد بن إسحاق شعر ،عن الحسين بن عطية ،عن أبي عبد
ال عليه السلم قال :المكارم عشر فان استطعت أن تكون فيك فلتكن فانها
تكون في الرجل ول تكون في ولده وتكون في الولد ول تكون في أبيه،
وتكون في العبد ول تكون في الحر ،قيل :وماهن ؟ قال :صدق البأس،
وصدق اللسان ،وأداء المانة ،وصلة الرحم ،وإقراء الضيف ،وإطعام
السائل ،والمكافاة على الصنايع ،والتذمم للجار ،والتذمم للصاحب ورأسهن
الحياء ).(3
) (1الكافي ج 2ص (2) .72من هذا الحديث الى الحديث المرقم 22خمسة
أحاديث منقولة من الكافي باب المكارم ،وكما ستطلع على مضامينها،
انما يناسب باب جوامع المكارم -وقد كان أراد المؤلف قدس ال سره
ذلك وكتب كتابه على صدر الصفحات -من نسخة الصل وهي عندنا " -
جوامع المكارم " رمزا واشارة الى أنها من أحاديث باب جوامع المكارم
ليلحق بذاك الباب لكنه اختلط نظم الكراس فجعلت هذه الكراسة عند تجليد
الكتاب في هذا الموضع كما أشرنا إليه قبل ذلك ،وقد اختل نظم تبييض
البحار بعد وفات مؤلفه رحمه ال ،وهذا من ذاك .كما سيجئ في هذا
الباب غير ذلك من هذا الختلل (3) .الكافي ج 2ص .55
][368
تبيين :في القاموس :الكرم محركة ضد اللؤم :كرم بضم الراء كرامة فهو كريم
ومكرمة وأكرمه وكرمه عظمه ونزهه ،والكريم الصفوح والمكرم
والمكرمة بضم رائهما فعل الكرم ،وأرض مكرمة كريمة طيبة انتهى،
والمكارم جمع المكرمة أي الخلق والعمال الكريمة الشريفة التي توجب
كرم المرء وشرافته " فان استطعت " يدل على أن تحصيل تلك الصفات
أو كمالها ل يتيسر لكل أحد ،فانها من العنايات الربانية والمواهب
السبحانية التابعة للطينات الحسنة الطيبة ،وبين عليه السلم ذلك بقوله "
فانها تكون في الرجل ول تكون في ولده " مع شدة المناسبة والخلطة
والمعاشرة بينهما وكذا العكس ،ول مدخل للشرافة النسبية في ذلك ،ول
الكرامة الدنيوية ،وبين عليه السلم ذلك بقوله " وتكون في العبد " الخ.
فان قيل :إذا كانت هذه الصفات من المواهب الربانية فل اختيار للعباد فيها
فل يتصور التكليف بها والمذمة على تركها ؟ قلت :يمكن أن يجاب عنه
بوجهين :الول أن يكون المراد بالستطاعة سهولة التحصيل ل القدرة
والختيار ،وتكون العناية اللهية سببا لسهولة المر ل التمكن منه ،الثاني
أن تكون الستطاعة في المستحبات كاقراء الضيف وإطعام السائل والتذمم
والحياء ل في الواجبات كصدق اللسان وأداء المانة .قوله عليه السلم "
صدق البأس " في بعض نسخ الكتاب ومجالس الشيخ وغيره ) (1بالياء
المثناة التحتانية وفي بعضها بالباء الموحدة ،فعلى الول المراد به اليأس
عما في أيدي الناس وقصر النظر على فضله تعالى ولطفه ،والمراد بصدقه
عدم كونه بمحض الدعوى من غير ظهور آثاره ،إذ قد يطلق الصدق في
غير الكلم من أفعال الجوارح فيقال صدق في القتال إذا وفي حقه ،وفعل
على ما يجب وكما يجب وكذب في القتال إذا كان بخلف ذلك ،وقد يطلق
على مطلق الحسن نحو قوله تعالى " مقعد صدق -وقدم صدق " .وعلى
الثاني المراد بالبأس إما الشجاعة والشدة في الحرب وغيره أي الشجاعة
][369
الحسنة الصادقة في الجهاد في سبيل ال وإظهار الحق والنهي عن المنكر .أو من
البؤس والفقر كما قيل :اريد بصدق البأس موافقة خشوع ظاهره و إخباته،
لخشوع باطنه وإخباته ،ل يرى التخشع في الظاهر أكثر مما في باطنه
انتهى ،وهو بعيد عن اللفظ إذ الظاهر حينئذ البؤس بالضم وهو خلف
المضبوط من الرسم ،قال في القاموس :البأس العذاب والشدة في الحرب
بؤس ككرم بأسا فهو بئيس شجاع وبئس كسمع بؤسا اشتدت حاجته،
والتباؤس التفاقر ،و أن يرى تخشع الفقراء إخباتا وتضرعا أنتهى ،وكأنه
أخذه من المعنى الخير ول يخفى ما فيه .وقال بعضهم " :صدق البأس "
أي الخوف أو الخضوع أو الشدة والفقر و منه البائس الفقير أو القوة:
وصدق الخوف من المعصية بأن يتركها ،ومن التقصير في العمل بأن
يسعى في كماله ،ومن عدم الوصول إلى درجة البرار بأن يسعى في
اكتساب الخيرات ،وصدق الخضوع بأن يخضع ل ل لغيره ،وصدق الفقر
بأن يترك عن نفسه هواها ومتمنياتها ،وصدق القوة بأن يصرفها في
الطاعات انتهى وفي أكثرها تكلف مستغنى عنه " .وأداء المانة " المانة
ضد الخيانة وما يؤتمن عليه وكأنها تعم المال والعرض والسر وغيرها من
حقوق ال وحقوق النبي والئمة عليهم السلم وسائر الخلق كما قال
تعالى " :إن ال يأمركم أن تؤدوا المانات إلى أهلها " ) (1وقد فسرت
المانة في هذه الية وغيرها بالودايع والتكاليف والمامة والخلفة في
أخبار كثيرة مر بعضها ،وفي النهاية قد تكرر في الحديث ذكر صلة الرحم
وهي كناية عن الحسان إلى القربين من ذوي النسب والصهار والتعطف
عليهم والرفق بهم ،والرعاية لحوالهم وكذلك إن بعدوا وأساؤا ،وقطع
الرحم ضد ذلك كله ،يقال :وصل رحمه يصلها وصل وصلة ،والهاء فيها
عوض من الواو المحذوفة ،فكأنه بالحسان إليهم وصل ما بينه وبينهم من
علقة القرابة والصهر انتهى وشمولها للصهار ل يخلو
][370
من نظر ،وإن كان حسنا " .وإقراء الضيف " كذا في نسخ الكتاب وغيره إل في
رواية اخرى رواها الشيخ في المجالس موافقة المضامين لهذه الرواية
فان فيها قرى الضيف ،وهو أظهر وأوفق لما في كتب اللغة ،في القاموس
قرى الضيف قرى بالكسر والقصر والفتح والمد أضافه واستقرى واقترى
وأقرى طلب ضيافة انتهى ،لكن قد نرى كثيرا من البنية مستعملة في
الخبار والعرف العام والخاص لم يتعرض لها اللغويون ،وقد يقال الفعال
هنا للتعريض نحو أباع البعير .وقيل :إقراء الضيف طلبه للضيافة ولم أدر
من أين أخذه وكأنه أخذه من آخر كلم الفيروزآبادي ول يخفى ما فيه )(1
والقرى والطعام إما مختصان بالمؤمن أو بالمسلم مطلقا كما يدل عليه
بعض الخبار وإن كان يأباه بعضها أو العم منه ومن الكفار كما اشتهر
على اللسن أكرم الضيف ولو كان كافرا ،أما الحربي فالظاهر العدم ثم هنا
يتفاوتان في الفضل بحسب تفاوت نية القاري أو المطعم ،واحتياجهما
واستحقاق الضيف أو السائل وصلحهما ،والغالب استحبابهما ،وقد يجبان
عند خوف هلك الضيف والسائل " .والمكافاة على الصنايع " أي
المجازاة على الحسان في القاموس كافأه مكافأة وكفاء جازاه ،وفي
النهاية الصطناع افتعال من الضيعة وهي العطية والكرامة والحسان،
ولعلها من المستحبات والداب ،لجواز الخذ من غير عوض ،لما رواه
إسحاق بن عمار قال :قلت له :الرجل ]الفقير[ يهدي إلي الهدية يتعرض
لما عندي فاخذها ول اعطيه شيئا ؟ قال :نعم ،هي لك حلل ،ولكن ل تدع
أن تعطيه ).(2
) (1ذكره مرة في اليائى ،وقال " :وأقرى :طلب ضيافة ومرة اخرى في الواوى
وقال " :وأقرى :طلب القرى " ولو كان القرى بمعنى الضافة كان طلب
القرى طلب الضافة وهو المعنى الذى ذكره صاحب القيل (2) .الكافي ج
5ص .143
][371
وهذا هو الشهر القوى ،وعن الشيخ أن مطلق الهبة يقتضي الثواب ) (1ومقتضاه
لزوم بذله ،وإن لم يطلبه الواهب ،وهو بعيد وعن أبي الصلح أن هبة
الدنى للعلى تقتضي الثواب ،فيعوض عنها بمثلها ،وليجوز التصرف
فيها ما لم يعوض والظهر خلفه ،نعم إن اشترط الواهب على المتهب
العوض وعينه لزم وإن أطلق ولم يتفقا على شئ فالظاهر أنه يلزم المتهب
مثل الموهوب أو قيمته إن أراد اللزوم ،وهل يجب على المتهب الوفاء
بالشرط أو له التخيير فيه وفي رد العين فيه قولن .وفي النهاية التذمم
للصاحب هو أن يحفظ ذمامه ويطرح عن نفسه ذم الناس له ،إن لم
يحفظه ،وفي القاموس تذمم استنكف ،يقال :لو لم أترك الكذب تأثما لتركته
تذمما ،والحاصل أن يدفع الضرر عمن يصاحبه سفرا أو حضرا وعمن
يجاوره في البيت أو في المجلس أيضا أو من أجاره وآمنه خوفا من اللوم
والذم لكنه مقيد بما إذا لم ينته إلى الحمية والعصبية بأن يرتكب المعاصي
لعانته ،في القاموس الجار المجاور والذي أجرته من أن يظلم ،والمجير
والمستجير والحليف " ورأسهن الحياء " لن جميع ما ذكر إنما يحصل
ويتم بالحياء من ال أو من الخلق ،فهي بالنسبة إليها كالرأس من البدن،
والحياء انقباض النفس عن القبائح وتركها لذلك - 18 .كا :عن العدة ،عن
البرقي ،عن عثمان بن عيسى ،عن عبد ال بن مسكان عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :إن ال عزوجل خص رسله بمكارم الخلق فامتحنوا
أنفسكم فان كانت فيكم فاحمدوا ال ،واعلموا أن ذلك من خير ،وإن ل تكن
فيكم فاسألوا ال وارغبوا إليه فيها ،قال :فذكر عشرة :اليقين ،والقناعة،
والصبر والشكر ،والحلم ،وحسن الخلق ،والسخاء ،والغيرة ،والشجاعة،
والمروة قال :وروى بعضهم بعد هذه الخصال العشرة وزاد فيها :الصدق،
وأداء المانة ).(2
) (1يعنى بالثواب المكافاة والجزاء وهو اصطلح أيضا (2) .الكافي ج 2ص .56
)*(
][372
بيان :الخلق بالضم ملكة للنفس يصدر عنها الفعل بسهولة ،ومنها ما تكون خلقية،
ومنها ما تكون كسبية بالتفكر والمجاهدة والممارسة ،وتمرين النفس
عليها ،فل ينافي وقوع التكليف بها ،كما أن البخيل يعطي أول بمشقة
ومجادلة للنفس ،ثم يكرر ذلك حتى يصير خلقا وعادة له ،والمراد
بتخصيص الرسل بها أن الفرد الكامل منها مقصورة عليهم أو هم
مقصورون عليها ،دون أضدادها فان الباء قد تدخل على المقصور ،كما
هو المشهور ،وقد تدخل على المقصور عليه أو المعنى خص الرسل بانزال
المكارم عليهم وأمرهم بتبليغها كما روي عن النبي صلى ال عليه وآله:
بعثت لتمم مكارم الخلق " .واعلموا أن ذلك من خير " أي من خير
عظيم أراد ال بكم أو علم ال فيكم من صفاء طينتكم أو من عمل خير أو
نية خير صدر عنكم فاستحققتم أن يتفضل عليكم بذلك ،أو اعلموا أن ذلك
من توفيق ال سبحانه ول يمكن تحصيل ذلك إل به ،أو عدوه من الخيرات
العظيمة أو خص رسله من بين سائر الخلق بالنبوة والرسالة والكرامة،
بسبب مكارم الخلق التي علمها فيهم .واليقين أعل مراتب اليمان ،بحيث
يبعث على العمل بمقتضاه كما مر ،والقناعة الجتزاء باليسير من
العراض المحتاج إليها ،يقال :قنع يقنع قناعة إذا رضي والظهر عندي
أنها الكتفاء بما أعطاه ال تعالى وعدم طلب الزيادة منه قليل كان أم
كثيرا ،والصبر هو حبس النفس عن الجزع عند المصيبة وعن ترك
الطاعة لمشقتها وعن ارتكاب المعصية لغلبة شهوتها ،والشكر مكافاة نعم
ال في جميع الحوال باللسان والجنان والركان ،والحلم ضبط النفس عن
المبادرة إلى النتقام فيما يحسن ل مطلقا .وحسن الخلق هو المعاشرة
الجميلة مع الناس بالبشاشة والتودد والتلطف والشفاق ،واحتمال الذى
عنهم ،والسخاء بذل المال بسهولة على قدر ليؤدي إلى السراف في
موضعه وأفضله ماكان بغير سؤال والغيرة الحمية في الدين ،وترك
المسامحة فيما يرى في نسائه وحرمه من القبايح ،ل تغير الطبع بالباطل
والحمية
][373
فيه ،والقتل والضرب بالظن من غير ثبوت شئ عليه شرعا وأمثال ذلك ،والشجاعة
الجرأة في الجهاد مع أعادي الدين مع تحقق شرائطه ،والمر بالمعروف،
والنهي عن المنكر ،ومجاهدة النفس والشيطان .والمروءة بالهمز وقد
يشدد الواو بتخفيف الهمزة :هي النسانية ،وهي صفات إذا كانت في
النسان يحق أن يسمى إنسانا أو يحق للنسان من حيث إنه إنسان أن يأتي
بها فهو مشتق من المرء فهي من امهات الصفات الكمالية قال في
المصباح :المروءة آداب نفسانية تحمل مراعاتها النسان على الوقوف
عند محاسن الخلق وجميل العادات انتهى ،وقريب منه معنى الفتوة ويعبر
عنها بالفارسية بمردي وجوانمردي ،ويرجع أكثر ما يندرج فيه إلى البذل
والسخاء ،وحسن المعاشرة ،وكثرة النفع للعباد ،والتيان بما يعظم عند
الناس من ذلك .وروى الصدوق رحمه ال في معاني الخبار بسند مرفوع
إلى أبي عبد ال عليه السلم قال :تذاكرنا أمر الفتوة عنده ،فقال :أتظنون
أن الفتوة بالفسق والفجور ؟ إنما الفتوة طعام موضوع ،ونائل مبذول،
وبشر معروف ،وأذى مكفوف ،وأما تلك فشطارة ) (1وفسق ،ثم قال :ما
المروءة ؟ قلنا :ل نعلم ،قال :المروءة وال أن يضع الرجل خوانه في فناء
داره ) .(2قوله " :قال وروى بعضهم " الظاهر أن فاعل قال :البرقي،
حيث روى من كتابه ويحتمل ابن مسكان أيضا وعلى التقديرين قوله" :
روى وزاد فيها " تنازعا في الصدق ،فقوله :وزاد فيها تأكيد للكلم
السابق لئل يتوهم أنه أتى بهما بدل من خصلتين من العشر تركهما فلبد
من سقوط عشرة من الرواية الخيرة كما في الرواية التية أو إبدالها
باثنتي عشرة ،ويحتمل أن يكون المراد بقوله :وزاد فيها أنه زاد في الصل
العدد أيضا بما ذكرنا من البدال ،وال أعلم بحقيقة الحال.
) (1الشطارة بالفتح اعياء الرجل اهله لؤما وخبثا ،وترك موافقتهم (2) .معاني
الخبار ص .119
][374
- 19كا :عن العدة ،عن البرقي ،عن بكر بن صالح ،عن جعفر بن محمد الهاشمي،
عن إسماعيل بن عباد قال بكر :وأظنني قد سمعته من إسماعيل ،عن عبد
ال بن بكير ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إنا لنحب من كان عاقل
فهما فقيها حليما مداريا صبورا صدوقا وفيا ،إن ال عزوجل خص النبياء
بمكارم الخلق فمن كانت فيه فليحمد ال على ذلك ،ومن لم تكن فيه
فليتضرع إلى ال عزوجل وليسأله إياها ،قال :قلت :جعلت فداك وماهن ؟
قال :هن الورع ،والقناعة والصبر ،والشكر ،والحلم ،والحياء ،والسخاء،
والشجاعة ،والغيرة ،والبر وصدق الحديث ،وأداء المانة ) .(1بيان :قد
مر تفسير العقل في أول الكتاب والظهر هنا أنه ملكة للنفس تدعو إلى
اختيار الخير والنافع ،واجتناب الشرور والمضار ،وبها تقوى النفس على
زجر الدواعي الشهوية والغضبية والوساوس الشيطانية ،والفهم هو جودة
تهيئ الذهن لقبول ما يرد عليه من الحق ،وينتقل من المبادي إلى المطالب
بسرعة والفقه العلم بالحكام من الحلل والحرام وبالخلق وآفات النفوس
وموانع القرب من الحق وقيل :بصيرة قلبية في أمر الدين تابعة للعلم
والعمل ،مستلزمة للخوف والخشية .وقال الراغب :الفقه هو التوصل إلى
علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم قال تعالى " فما لهؤلء القوم ل
يكادون يفقهون حديثا ) (2بأنهم قوم ل يفقهون " ) (3إلى غير ذلك من
اليات والفقه العلم بأحكام الشريعة ،يقال :فقه الرجل إذا صار فقيها،
وتفقه :إذا طلبه فتخصص به قال تعالى " ليتفقهوا في الدين " ).(4
والمداراة الملطفة والملينة مع الناس وترك مجادلتهم ومناقشتهم ،وقد
) (1الكافي ج 2ص (2) .56النساء (3) .78 :النفال ،65 :براءة ،127 :الحشر:
(4) .13براءة.122 :
][375
يهمز قال في القاموس :درأه كجعله دفعه ودارأته داريته ودافعته ولينته ضد وفي
النهاية فيه كان ل يداري ول يماري أي ل يشاغب ،ول يخالف ،وهو
مهموز فأما المداراة في حسن الخلق والصحبة فغير مهموز وقد يهمز
انتهى .والوفي الكثير الوفاء بعهود ال ،وعهود الخلق ،وهو قريب من
الصدق ملزم له كما قال أمير المؤمنين عليه السلم :الوفاء توأم الصدق )
(1ويؤمي الحديث إلى التحريص على محبة الموصوف بالصفات
المذكورة ،واختيار مصاحبته ،والورع قريب من التقوى بل أخص منها
ببعض معانيها ،فانه يعتبر فيه الكف عن الشبهات بل المكروهات ،وبعض
المباحات ،قال في النهاية فيه :ملك الدين الورع ،الورع في الصل الكف
عن المحارم والتحرج منه ثم استعير للكف عن المباح والحلل والبر هو
الحسان بالوالدين والقربين ،بل بالناس أجمعين ،وقد يطلق على جميع
العمال الصالحة والخيرات - 20 .كا :عن العدة ،عن سهل ،وعلي ،عن
أبيه جميعا ،عن ابن محبوب عن ابن رئاب ،عن أبي حمزة ،عن جابر بن
عبد ال قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله أل اخبركم بخير رجالكم ؟
قلنا :بلى يارسول ال ،قال :إن من خير رجالكم التقي النقي السمح الكفين،
النقي الطرفين ،البر بوالديه ول يلجئ عياله إلى غيره ) .(2توضيح :بخير
رجالكم ربما يتوهم التنافي بين هذا وبين قوله " من خير رجالكم "
واجيب بأن المراد بالول الصنف وبالثاني كل فرد من هذا الصنف أو
الحصر في الول إضافي بالنسبة إلى من لم يوجد فيه الصفات المذكورة
دون الخير على الطلق .وأقول :يحتمل أن يكون عليه السلم أراد ذكر
الكل ثم اكتفى بذكر البعض أو المراد أن المتصف بكل من الصفات
المذكورة من جملة الخير أو المراد بقوله " بخير رجالكم " ببعضهم،
بقرينة الخير ،ومرجعه إلى بعض الوجوه المتقدمة
][376
" التقي " أي من الشرك ،وما يوجب الخروج من اليمان ،أو من سائر المعاصي
أيضا فقوله " النقي الطرفين " تخصيص بعد التعميم أو المراد به
الحتراز عن الشبهات ،والنقي النظيف الطاهر من الوساخ الجسمانية
والدناس النفسانية من رزائل العقائد والخلق " .السمح الكفين " قال:
في نهاية سمح وأسمح إذا جاد وأعطى عن كرم وسخاء انتهى ،والسناد
إلى الكفين لظهور العطاء منهما ،والتثنية للمبالغة ،أو إشارة إلى عطاء
الواجبات والمندوبات " ،النقي الطرفين " أي الفرج عن الحرام والشبهة
واللسان عن الكذب والخناء ،والفتراء والفحش ،والغيبة ،وسائر
المعاصي وماليفيد من الكلم أو الفرجين أو الفرج والفم عن أكل الحرام و
الشبهة أو المراد كريم البوين والول أظهر قال في النهاية :طرفا النسان
لسانه وذكره ومنه قولهم :ل يدري أي طرفيه أطول ،وفيه وما أدري أي
طرفيه أسرع أراد حلقه ودبره أي أصابه القئ والسهال ،فلم أدر أيهما
أسرع خروجا من كثرته انتهى والمعنى الثالث أيضا حسن لما روي عن
النبي صلى ال عليه وآله أن أكثر ما يدخل النار الجوفان ،قالوا :يارسول
ال وما الجوفان ؟ قال :الفرج والفم ) (1وأيضا قرنوا في أخبار كثيرة في
بيان المهلكات بين شهوة البطن والفرج وروى في معاني الخبار أنه قال:
من ضمن لي مابين لحييه وما بين رجليه ،ضمنت له الجنة ،وحمله الكثر
على المعنى الول قال الصدوق رحمه ال :يعني من ضمن لي لسانه
وفرجه ،وأسباب البليا تنفتح من هذين العضوين انتهى .البر بوالديه أي
المحسن إليهما والمطيع لهما ،والمتحري لمحابهما " ول يلجئ عياله إلى
غيره " أي لم يضطرهم لعدم النفاق عليهم مع القدرة عليه ،إلى السؤال
عن غيره ،يقال :ألجأته إليه ولجأته بالهمزة والتضعيف أي اضطررته
وكرهته ) - 21 .(2كا :عن الحسين بن محمد ،عن المعلى ،عن الوشاء،
عن عبد ال بن سنان عن رجل من بني هاشم قال :أربع من كن فيه كمل
إسلمه ،ولو كان من قرنه
) (1الخصال ج 1ص (2) .39في نسخة الصل هناك صفحة زائدة راجع بيانها في
مقدمتنا على هذا الجزء.
][377
إلى قدمه خطايا لم تنقصه :الصدق ،والحياء ،وحسن الخلق ،والشكر ) .(1بيان:
كأن المراد برجل من بني هاشم الصادق عليه السلم عبر هكذا لشدة التقية
أو الرجل راو وضمير قال له عليه السلم " :أربع " أي أربع خصال " لم
تنقصه " ضمير المفعول للسلم أو الموصول أي لم ينقصه شيئا من
السلم وقيل :أي يوفقه ال للتوبة بسبب تلك الخصال ،فل ينقصه شيئا
من ثواب الخرة ،مع أن حصول تلك الصفات يوجب ترك أكثر المعاصي
ويستلزمه ) - 22 .(1لى :أبي ،عن سعد والحميري جميعا ،عن ابن يزيد،
عن ابن أبي عمير ،عن البطائني ،عن أبي بصير ،عن الثمالي ،عن علي
بن الحسين عليهما السلم قال :كان في بني إسرائيل رجل ينبش القبور
فاعتل جار له فخاف الموت فبعث إلى النباش فقال :كيف كان جواري لك ؟
قال :أحسن جوار قال :فان لي إليك حاجة ،قال :قضيت حاجتك ،قال:
فأخرج إليه كفنين فقال :احب أن تأخذ أحبهما إليك وإذا دفنت فل تنبشني،
فامتنع النباش من ذلك وأبى أن يأخذه فقال له الرجل :احب أن تأخذه فلم
يزل به حتى أخذ أحبهما ومات الرجل .فلما دفن قال النباش :هذا قد دفن،
فما علمه بأني تركت كفنه أو أخذته لخذنه فأتى قبره فنبشه فسمع صائحا
يقول ويصيح به :ل تفعل ،ففزع النباش من ذلك فتركه وترك ماكان عليه،
وقال لولده :أي أب كنت لكم ؟ قالوا :نعم الب كنت لنا ،قال :فان لي إليكم
حاجة قالوا :قل ما شئت فانا سنصير إليه إنشاء ال ،قال :فاحب إذا أنا مت
أن تأخذوني فتحرقوني بالنار ،فإذا صرت رمادا فدفوني ) (2ثم تعمدوا بي
ريحا عاصفا فذروا نصفي في البر ونصفي في البحر قالوا :نفعل .فلما مات
فعل بعض ولده ما أوصاهم به ،فلما ذروه قال ال عزوجل للبر :اجمع ما
فيك ،وقال للبحر :اجمع ما فيك ،فإذا الرجل قائم بين يدى ال جل جلله قال
ال عزوجل :ما حملك على ما أوصيت ولدك أن يفعلوه بك ؟ قال:
) (1في نسخة الصل وهكذا الكمبانى تكرر هنا الحديث 20مع شرحها (2) .يقال
دف الشئ :استأصله ونسفه.
][378
حملني على ذلك وعزتك خوفك ،فقال ال جل جلله :فاني سارضي خصومك وقد
آمنت خوفك وغفرت لك ) - 23 .(1لى :أبي ،عن الحميري ،عن ابن أبي
الخطاب ،عن الحسن بن علي ابن فضال ،عن مثنى ،عن ليث بن أبي سليم،
قال :سمعت رجل من النصار يقول :بينما رسول ال صلى ال عليه وآله
مستظل بظل شجرة في يوم شديد الحر ،إذ جاء رجل فنزع ثيابه ثم جعل
يتمرغ في الرمضاء يكوي ظهره مرة ،وبطنه مرة ،وجبهته مرة ،ويقول:
يانفس ذوقي فما عند ال عزوجل أعظم مما صنعت بك ،ورسول ال ينظر
إلى مايصنع ،ثم إن الرجل لبس ثيابه ثم أقبل فأومأ إليه النبي صلى ال
عليه وآله :بيده ودعاه فقال له :يا عبد ال لقد رأيتك صنعت شيئا ما رأيت
أحدا من الناس صنعه فما حملك على ما صنعتك ؟ ]فقال الرجل :حملني
على ذلك مخافة ال عزوجل وقلت لنفسي :يانفس ذوقي فما عند ال أعظم
مما صنعت بك[ ) (2فقال النبي صلى ال عليه وآله :لقد خفت ربك حق
مخافته فان ربك ليباهي بك أهل السماء ثم قال لصحابه :يا معاشر ]من
حضر ادنوا من صاحبكم حتى يدعو لكم ،فدنوا منه فدعا لهم وقال لهم:
اللهم اجمع أمرنا على الهدى واجعل[ ) (3التقوى زادنا والجنة مآبنا ).(4
- 24لى :سئل أمير المؤمنين عليه السلم أي الناس خير عند ال عزوجل
؟ قال :أخوفهم ل ،وأعملهم بالتقوى ،وأزهدهم في الدنيا ) - 25 .(5لى:
في خبر مناهي النبي صلى ال عليه وآله قال صلى ال عليه وآله :من
عرضت له فاحشة أو شهوة فاجتنبها من مخافة ال عزوجل حرم ال عليه
النار ،وآمنه من الفزع الكبر ،وأنجز له ما وعده في كتابه في قوله "
ولمن خاف مقام ربه جنتان " ).(6
][379
- 26فس :قال الصادق عليه السلم :كفى بخشية ال علما وكفى بالغترار بال
جهل - 27 .فس " :وأما من خاف مقام ربه فنهى النفس عن الهوى فان
الجنة هي المأوى " ) (1قال :هو العبد إذا وقف على معصية ال وقدر
عليها ،ثم يتركها مخافة ال ونهى النفس عنها ،فمكافأته الجنة )- 28 .(2
ل :الخليل بن أحمد ،عن ابن المعاذ ،عن الحسين المروزي ،عن عبد ال
بن عوف ،عن الحسن قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :قال ال
تبارك وتعالى وعزتي وجللي لأجمع على عبدي خوفين ،ول أجمع له
أمنين فإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة ،وإذا خافني في الدنيا أمنته
يوم القيامة ) .(3أقول :قد مر كثير من الخبار في باب جوامع المكارم
وفي باب صفات الشيعة وسيأتي في أبواب المواعظ - 29 .ل :الخليل بن
أحمد ،عن محمد بن إسحاق السراج ،عن الوليد بن شجاع ،عن علي بن
مسهر ،عن عبيد ال بن عمر ،عن نافع ،عن ابن عمر قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وآله :بينا ثلثة نفر فيمن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر
فأووا إلى غار فانطبق عليهم فقال بعضهم لبعض :يا هؤلء وال ما ينجيكم
إل الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم ال عزوجل أنه قد صدق فيه .فقال
أحدهم :اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل لي على فرق ) (4ارز
فزرعته فصار من أمره إلى ]أن[ اشتريت من ذلك الفرق بقرا ثم أتاني
فطلب أجره فقلت :اعمد إلى تلك البقر فسقها فقال :إنما لي عندك فرق من
ارز ،فقلت اعمد إلى تلك البقر فسقها فانها من ذلك فساقها ،فان كنت تعلم
]أني فعلت ذلك
) (1النازعات (2) .41 :تفسير القمي ص (3) .711الخصال ج 1ص (4) .39
الفرق مكيال يسع ستة عشر رطل.
][380
من خشيتك ففرج عنا ،فانساحت الصخرة عنهم .وقال الخر :اللهم إن كنت تعلم[ )
(1أنه كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي،
فأبطأت عليهما ذات ليلة فأتيتهما وقد رقدا وأهلي وعيالي يتضاغون من
الجوع ) (2وكنت ل أسقيهم حتى يشرب أبواي فكرهت أن اوقظهما من
رقدتهما ،وكرهت أن أرجع فيستيقظا ) (3لشربهما ،فلم أزل أنتظرهما حتى
طلع الفجر ،فان كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا فانساحت
عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء .وقال الخر :اللهم إن كنت تعلم أنه
كانت لي ابنة عم أحب الناس إلي وإني راودتها عن نفسها فأبت على إل
أن آتيها بمائة دينار فطلبتها حتى قدرت عليها ،فجئت بها فدفعتها إليه
فأمكنتني من نفسها فلما قعدت بين رجليها قالت :اتق ال ول تفض الخاتم
إل بحقه ،فقمت عنها وتركت لها المائة ،فان كنت تعلم أني فعلت ذلك من
خشيتك ففرج عنا ففرج ال عزوجل عنهم فخرجوا ) .(4أقول :قد مضى
باسناد آخر في باب قصة أصحاب الكهف ) (5وأوردناه بتغيير ما في باب
الخلص ) - 30 .(6ل :أنواع الخوف خمسة :خوف ،وخشية ،ووجل،
ورهبة ،وهيبة:
) (1مابين العلمتين ساقط من الصل أضفناه من المصدر ،وقد تنبه لذلك مصحح
طبعة الكمبانى ،لكنه استدرك السقط طبقا لرواية المحاسن المتقدمة في
باب الخلص فراجع (2) .يقال :تضاغى من الطوى :تضور من الجوع
وصاح ،ومنه قولهم " بات صبيانه يتضاغون من الجوع " (3) .يعنى
يستيقظان لثر الجوع فل يأخذهما النوم ويبتليان بالسهر (4) .الخصال ج
1ص (5) .87راجع ج 14ص 426و 421نقل عن أمالى الطوسى ج
2ص 10وص 252ط الحجرية وقصص النبياء (6) .نقله عن
المحاسن ص 253راجع ص 244فيما مضى.
][381
) (1الرحمن (2) .46 :فاطر (3) .28 :النفال (4) .2 :آل عمران 28 :و (5) .30
الخصال ج 1ص (6) .135أمالي الطوسي ج 1ص (7) .122أمالي
الطوسي ج 1ص .139
][382
حكمة آل داود ياآبن آدم كيف تتكلم بالهدى وأنت ل تفيق عن الردى يا ابن آدم
أصبح قلبك قاسيا وأنت لعظمة ال ناسيا فلو كنت بال عالما وبعظمته
عارفا لم تزل منه خائفا ،ولمن وعده راجيا ،ويحك كيف لتذكر لحدك،
وانفرادك فيه وحدك ) - 34 .(1ما :المفيد ،عن الجعابي ،عن ابن عقدة،
عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ،عن عم أبيه الحسين بن موسى ،عن
أبيه موسى بن جعفر ،عن آبائه ،عن أمير المؤمنين عليهم السلم قال :إن
المؤمن ل يصبح إل خائفا وإن كان محسنا ،ول يمسي إل خائفا وإن كان
محسنا ،لنه بين أمرين :بين وقت قد مضى ل يدري ما ال صانع به ،وبين
أجل قد اقترب ل يدري ما يصيبه من الهلكات الخبر ) - 35 .(2ما :المفيد،
عن أحمد بن الوليد ،عن أبيه ،عن سعد ،عن ابن عيسى عن ابن محبوب،
عن الثمالي قال :كان علي بن الحسين عليهما السلم يقول :ابن آدم ! ل
تزال بخير ماكان لك واعظ من نفسك ،وما كانت المحاسبة من همك ،وما
كان الخوف لك شعارا والحزن لك دثارا ،ابن آدم ! إنك ميت ومبعوث
وموقوف بين يدي ال عزوجل ،ومسؤول فأعد جوابا ) - 36 .(3ما:
بالسناد إلى أبي قتادة ،عن صفوان قال :قال الصادق عليه السلم للمعلى
بن خنيس :يا معلى اعتزز بال يعززك ال ،قال :بماذا يا ابن رسول ال ؟
قال :يا معلى خف ال يخف منك كل شئ الخبر ) - 37 .(4ما :ابن بسران،
عن الحسن بن صفوان ،عن عبد ال بن محمد ،عن أبي خيثمة ،عن
يعقوب بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن صالح بن كيسان ،عن نافع أن عبد ال
بن عمر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :بينما ثلثة رهط
يتماشون أخذهم المطر
) (1أمالي الطوسي ج 1ص (2) .206أمالي الطوسي ج 1ص (3) .211أمالي
الطوسي ج 1ص (4) .114أمالي الطوسي ج 1ص .310
][383
فأووا إلى غار في جبل فبينما هم فيه انحطت صخرة فأطبقت عليهم فقال بعضهم
لبعض :انظروا أفضل أعمال عملتموها فاسألوه بها لعله يفرج عنكم .قال
أحدهم :اللهم إنه كان لي والدان كبيران وكانت لي امرأة وأولد صغار
فكنت أرعى عليهم ،فإذا أرحت عليهم غنمي بدأت بوالدي فسقيتهما فلم أت
حتى نام أبواي فطيبت الناء ثم حلبت ثم قمت بحلبي عند رأس أبوى
والصبية يتضاغون عند رجلي أكره أن أبدأ بهم قبل أبوى وأكره أن
اوقظهما من نومهما فلم أزل كذلك حتى أضاء الفجر اللهم إن كنت تعلم أني
فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء ففرج له فرجة
فرأى منها السماء .وقال الخر :اللهم إنه كان لي بنت عم فأحببتها حبا
كانت أعز الناس إلي فسألتها نفسها فقالت :ل حتى تأتيني بمائة دينار،
فسعيت حتى جمعت مائة دينار فأتيتها بها فلما كنت بين رجليها قالت :اتق
ال ول تفتح الخاتم إل بحقه ،فقمت عنها اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك
ابتغاء وجهك فافرج عنا فيها فرجة ففرج ال لهم فيها فرجة .وقال الثالث:
اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفرق ذرة ،فلما قضى عمله عرضت عليه
فأبى أن يأخذها ورغب عنه فلم أزل اعتمل به حتى جمعت منه بقرا
ورعاءها فجاءني ،وقال اتق ال وأعطني حقي ول تظلمني فقلت له :اذهب
إلى تلك البقر ورعاتها فخذها ،فذهب واستاقها اللهم إن كنت تعلم أني
فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما بقي منها ففرج ال عنهم فخرجوا
يتماشون ) - 38 .(1ع :أبي ،عن علي ،عن أبيه ،عن ابن أبي عمير ،عن
هشام بن سالم ،عن أبي العباس ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :إن
قوما أصابوا ذنوبا فخافوا منها وأشفقوا فجاءهم قوم آخرون فقالوا لهم:
مالكم ؟ فقالوا :إنا أصبنا ذنوبا فخفنا منها وأشفقنا فقالوا لهم :نحن نحملها
عنكم ،فقال ال تبارك وتعالى :يخافون وتجترؤن علي ؟ فأنزل ال عليهم
العذاب.
) (1أمالي الطوسي ج 2ص ،10وقد مر الشارة إلى الحديث قبل ذلك (2) .علل
الشرايع ج 2ص .209
][384
- 39لى :ابن البرقي ،عن أبيه ،عن جده ،عن حمزة بن عبد ال الجعفري عن
جميل بن دراج ،عن الثمالي قال :قال الصادق عليه السلم :ارج ال رجاء
ل يجرئك على معاصيه وخف ال خوفا ل يؤيسك من رحمته )- 40 .(1
لى :ابن المتوكل ،عن السعد آبادي ،عن البرقي ،عن القاشاني عن
الصبهاني ،عن المنقري ،عن حماد بن عيسى ،عن الصادق عليه السلم
قال :كان فيما أوصى به لقمان ابنه يا بني خف ال خوفا لو وافيته ببر
الثقلين خفت أن يعذبك وارج ال رجاء لو وافيته بذنوب الثقلين رجوت أن
يغفر لك ) .(2أقول :قد مضى باسناد آخر في باب مواعظ لقمان )- 41 .(3
مع :أبي ،عن سعد ،عن البرقي ،عن القاشاني ،عمن ذكره ،عن عبد ال
ابن القاسم ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :سمعته يقول :الخائف من لم
يدع له الرهبة لسانا ينطق به ) - 42 .(4فس :أني ،عن ابن أبي عمير،
عن عبد الرحمن بن الحجاج قال :قلت لبي عبد ال عليه السلم حديث
ترويه الناس فيمن يؤمر به آخر الناس إلى النار فقال :أما إنه ليس كما
يقولون ،قال رسول ال صلى ال عليه وآله :إن آخر عبد يؤمر به إلى
النار فإذا أمر به التفت فيقول الجبار :ردوه فيردونه فيقول له :لم التفت ؟
فيقول :يا رب لم يكن ظني بك هذا فيقول :وما كان ظنك بي ؟ فيقول :يا
رب كان ظني بك أن تغفر لي خطيئتي ،وتسكنني جنتك ،قال :فيقول الجبار:
يا ملئكتي وعزتي وجللي وآلئي وعلوي وارتفاع مكاني ما ظن بي
عبدي هذا ساعة من خير قط ولو ظن بي ساعة من خير ماروعته بالنار،
أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنة .ثم قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
ليس من عبد يظن بال خيرا إل كان عند ظنه به
][385
وذلك قوله " :وذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم أدريكم فأصبحتم من الخاسرين " ).(1
- 43ثو :أبي ،عن سعد ،عن ابن يزيد ،عن ابن أبي عمير مثله ) (2بتغيير
ما قد مضى في باب ما يظهر من رحمة ال في القيامة .اقول :قد مر بعض
الخبار في باب التوكل والتفويض - 44 .ن :جعفر بن نعيم ،عن عمه
محمد بن شاذان] ،عن الفضل بن شاذان[ عن ابن بزيع ،عن الرضا عليه
السلم قال :أحسن بال الظن فان ال عزوجل يقول :أنا عند حسن ظن
عبدي المؤمن بي إن خير فخير ،وإن شر فشر ) - 45 .(3ما :المفيد ،عن
ابن قولويه ،عن الكليني ،عن عدة من أصحابه ،عن أبن عيسى ،عن ابن
محبوب ،عن داود بن كثير ،عن أبي عبيدة الحذاء ،عن أبي جعفر عليه
السلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :قال ال عزوجل :ل يتكل
العاملون على أعمالهم التي يعملون بها لثوابي ،فانهم لو اجتهدوا وأتعبوا
أنفسهم أعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين ،غير بالغين في عبادتهم كنه
عبادتي ،فيما يطلبون من كرامتي والنعيم في جناتي ورفيع الدرجات العلى
في جواري ،ولكن برحمتي فليثقوا وفضلي فليرجوا ،وإلى حسن الظن بي
فليطمئنوا ،فان رحمتي عند ذلك تدركهم وبمني ابلغهم رضواني والبسهم
عفوي ،فانى أنا ال الرحمن الرحيم بذلك تسميت ) - 46 .(4ما :الحفار،
عن محمد بن إبراهيم بن كثير ،عن الحسن بن هانئ عن هانئ بن حماد بن
سلمة ،عن يزيد الرقاشي ،عن أنس قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وآله :ل يموتن أحدكم حتى يحسن ظنه بال عزوجل ،فان حسن الظن بال
عزوجل
) (1تفسير القمى ص ،592والية في فصلت (2) .23 :ثواب العمال ص ،157
وقد مضى في ج 7ص (3) .287عيون أخبار الرضا عليه السلم ج 2
ص 20في حديث (4) .أمالي الطوسي ج 1ص .215
][386
ثمن الجنة ) - 47 .(1ل :ابن المتوكل ،عن محمد العطار ،عن الشعري ،عن محمد
بن آدم رفعه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وآله يا علي ل تشاورن
جبانا فانه يضيق عليك المخرج ول تشاورن البخيل فانه يقصر بك عن
غايتك ،ول تشاورن حريصا فانه يزين لك شرها ،واعلم يا علي أن الجبن
والبخل والحرص غريزة واحدة يجمعها سوء الظن ) - 48 .(2ثو :ابن
الوليد ،عن الصفار ،عن عباد بن سليمان ،عن محمد بن سليمان ،عن
أبيه ،عن إسحاق بن عمار ،عن الصادق عليه السلم قال :يا إسحاق خف
ال كأنك تراه ]فان كنت ل تراه[ فانه يراك ،فان كنت ترى أنه ]ل[ يراك
فقد كفرت ،وإن كنت تعلم أنه يراك ثم استترت عن المخلوقين بالمعاصي
وبرزت له بها ،فقد جعلته في حد أهون الناظرين إليك ) - 49 .(3ثو :أبي،
عن سعد ،عن محمد بن الحسين ،عن ابن أبي عمير ،عن حفص ابن
البختري قال :قال أبو عبد ال عليه السلم :إن قوما أذنبوا ذنوبا كثيرة
فأشفقوا منها وخافوا خوفا شديدا وجاء آخرون فقالوا :ذنوبكم علينا،
فأنزل ال عزوجل عليهم العذاب ،ثم قال تبارك وتعالى :خافوني واجترأتم )
.(4سن :أبي ،عن ابن أبي عميره مثله ) - 50 .(5سن :أبي رفعه إلى
سلمان رضوان ال عليه قال :قال :أضحكتني ثلث وأبكتني ثلث فأما
الثلث التي أبكتي ففراق الحبة رسول ال صلى ال عليه وآله ]وحزبه[
والهول عند غمرات الموت ،والوقوف بين يدي رب العالمين ،يوم تكون
السريرة
) (1أمالي الطوسي ج 1ص (2) .389الخصال ج 1ص (3) .50ثواب العمال
ص (4) .133ثواب العمال ص (5) .216المحاسن ص .116
][387
علنية ،ل أدري إلى الجنة أصير أم إلى النار ،وأما الثلث التي أضحكتني فغافل
ليس بمغفول عنه ،وطالب الدنيا والموت يطلبه ،وضاحك ملء فيه ل يدري
أراض عنه سيده أم ساخط عليه ) - 51 .(1سن :أبي ،عن ابن فضال ،عن
الحسن بن الجهم ،عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر عليه السلم قال:
يوقف عبد بين يدي ال يوم القيامة فيأمر به إلى النار فيقول :ل وعزتك
ماكان هذا ظني بك ]فيقول :ماكان ظنك بي ؟[ فيقول] :كان[ ظني بك أن
تغفر لي ،فيقول :قد غفرت لك ،قال أبو جعفر عليه السلم :أما وال ما ظن
به في الدنيا طرفة عين ،ولو كان ظن به طرفة عين ما أوقفه ذلك الموقف
لما رأى من العفو ) .(2اقول :أوردنا مثله في باب ما يظهر من رحمة ال
تعالى في القيامة ) - 52 .(3ص :بالسناد إلى الصدوق باسناده إلى ابن
محبوب ،عن أبي جمزة عن ابى جعفر عليه السلم قال :خرجت امرأة بغى
]على[ شباب من بني إسرائيل فأفتنتهم فقال بعضهم :لو كان العابد فلنا لو
رآها افتنته وسمعت مقالتهم فقالت :وال لأنصرف إلى منزلي حتى أفتنه
فمضت نحوه في الليل فدقت عليه ،فدلك ) (4فقالت :آوي عندك فأبى عليها
فقالت :إن بعض شباب بني إسرائيل راودوني عن نفسي فان أدخلتني وإل
لحقوني وفضحوني .فلما سمع مقالتها فتح لها ،فلما دخلت عليه رمت
بثيابها فلما رأى جمالها وهيئتها وقعت في نفسه ،فضرب يده عليها ثم
رجعت إليه نفسه ،وقد كان يوقد تحت قدر له فأقبل حتى وضع يده على
النار فقالت :أي شئ تصنع ؟ ]فقال [:احرقها لنها عملت العمل فخرجت
حتى أتت جماعة بني إسرائيل ،فقالت :الحقوا
) (1المحاسن ص (2) .4المحاسن ص (3) .25راجع ج 7ص (4) .290 - 286
أي ماطله ولم يفتح لها الباب وفي بعض النسخ ل توجد هذه الكلمة.
][388
فلنا فقد وضع يده على النار ،فأقبلوا فلحقوه وقد احترقت يده - 53 .ص :عن
هارون بن خارجة ،عن أبي عبد ال عليه السلم أن عابدا كان في بني
إسرائيل فأضاف امرأة من بني إسرائيل فهم بها ،فأقبل كلما هم بها قرب
أصبعا من أصابعه إلى النار فلم يزل ذلك دأبه حتى أصبح ،فقال :اخرجي
لبئس الضيف كنت لي - 54 .ص :الصدوق ،عن أبيه ]عن سعد[ رفعه قال
كان يحيى بن زكريا يصلي ويبكي حتى ذهب لحم خده ،وجعل لبدا وألزقه
بخده حتى يجري الدموع عليه وكان لينام فقال أبوه يا بني إني سألت ال
أن يرزقنيك لفرح بك وتقر عيني قم فصل قال فقال له يحيى :إن جبرئيل
حدثني أن أمام النار مفازة ل يجوزها إل البكاؤن فقال يا بني فابك وحق لك
أن تبكي - 55 .صح :عن الرضا عليه السلم ،عن آبائه عليهم السلم قال:
قال رسول ال صلى ال عليه وآله قال ال تبارك وتعالى يا ابن آدم ل
يغرنك ذنب الناس عن ذنبك ،ول نعمة الناس من نعمة ال عليك ،ول تقنط
الناس من رحمة ال تعالى وأنت ترجوها لنفسك ) .(1ن :عنه عليه السلم
مثله ) - 56 .(2ضا :روي أن ال تبارك وتعالى أوحى إلى داود عليه
السلم :فلنة بنت فلنة معك في الجنة في درجتك ،فسار إليها فسألها عن
عملها فخبرته فوجده مثل أعمال سائر الناس ،فسألها عن نيتها فقالت :ما
كنت في حالة فنقلني منها إلى غيرها إل كنت بالحالة التي نقلني إليها أسر
مني بالحالتي التي كنت فيها ،فقال :حسن ظنك بال عزوجل .وأروي عن
العالم عليه السلم أنه قال :وال ما اعطي مؤمن قط خير الدنيا والخرة إل
بحسن ظنه بال عزوجل ،ورجائه منه ،وحسن خلقه ،والكف عن اغتياب
المؤمنين ،وأيم ال ل يعذب ال مؤمنا بعد التوبة والستغفار إل بسوء
الظن
) (1صحيفة الرضا عليه السلم ص (2) .4عيون أخبار الرضا ج 2ص .29
][389
بال وتقصيره من رجائه ل ،وسوء خلقه ،ومن اغتيابه للمؤمنين ،وال ل يحسن
عبد مؤمن ظنا بال إل كان ال عند ظنه به ،لن ال عزوجل كريم يستحيي
أن يخلف ظن عبده ورجائه ،فأحسنوا الظن بال ،وارغبوا إليه وقد قال ال
عزوجل " :الظانين بال ظن السوء عليهم دائرة السوء " ) .(1وروي أن
داود عليه السلم قال :يا رب ما آمن بك من عرفك ،فلم يحسن الظن بك.
وروي أن آخر عبد يؤمر به إلى النار فيلتفت فيقول :يا رب لم يكن هذا
ظني بك ،فيقول :ما كان ظنك بي ؟ قال :كان ظني بك أن تغفر لي خطيئتي
وتسكني جنتك ،فيقول ال عزوجل :يا ملئكتي وعزتي وجللي وجودي
وكرمي وارتفاعي في علوي ما ظن بي عبدي خيرا ساعة قط ولو ظن بي
ساعة خيرا ماروعته بالنار ،أجيزوا له كذبه ،وأدخلوه الجنة .ثم قال العالم
عليه السلم :قال ال عزوجل :أل ل يتكل العاملون على أعمالهم التي
يعملونها لثوابي ،فانهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي،
كانوا مقصرين غير بالغين في عباداتهم كنه عبادتي فيما يظنونه )(2
عندي من كرامتي ،ولكن برحمتي فليثقوا ،ومن فضلي فليرجوا ،وإلى
حسن الظن ]بي[ فليطمئنوا فان رحمتي عند ذلك تدركهم ،ومنتي تبلغهم،
ورضواني ومغفرتي يلبسهم ،فاني أنا ال الرحمن الرحيم وبذلك سميت.
وأروي عن العالم عليه السلم أنه قال :إن ال أوحى إلى موسى بن عمران
عليه السلم أن ]اجعل[ في الحبس رجلين من بني إسرائيل فحبسهما ثم
أمره باطلقهما قال :فنظر إلى أحدهما فإذا هو مثل الهدبة ،فقال له :ما
الذي بلغ بك ما أرى منك ؟ قال :الخوف من ال ،ونظر إلى الخر لم
يتشعب منه شئ فقال له :أنت وصاحبك كنتما في أمر واحد وقد رأيت بلغ
المر بصاحبك وأنت لم يتغير ؟ فقال له الرجل :إنه كان ظني بال جميل
حسنا فقال :يا رب قد سمعت مقالة عبديك فأيهما أفضل ؟ قال:
][390
صاحب الظن الحسن أفضل .وأروي عن العالم عليه السلم :أن ال أوحى إلى
موسى بن عمران عليه السلم يا موسى قل لبني إسرائيل أنا عند ظن
عبدي بي ،فليظن بي ما شاء يجدني عنده .ونروي :من خاف ال سخت
نفسه عن الدنيا ،ونروي خف ال كأنك تراه فان كنت ل تراه فانه يراك،
وإن كنت ل تدري أنه يراك فقد كفرت ،وإن كنت تعلم أنه يراك ثم استترت
عن المخلوقين بالمعاصي وبرزت له بها ،فقد جعلته أهون الناظرين إليك.
ونروي :من رجا شيئا طلبه ،ومن خاف من شئ هرب منه ،مامن مؤمن
يجتمع في قلبه خوف ورجاء ،إل أعطاه ال ما أمل ،وأمنه مما يخاف.
ونروي :من مات آمنا أن يسلب سلب ،ومن مات خائفا أن يسلب أمن
السلب - 57 .مص :قال الصادق عليه السلم :أوحى ال تعالى إلى داود
عليه السلم ذكر عبادي من آلئي ونعمائي فانهم لم يروا مني إل الحسن
الجميل ،لئل يظنوا في الباقي إل مثل الذي سلف مني إليهم ،وحسن الظن
يدعو إلى حسن العبادة ،والمغرور يتمادى في المعصية ،ويتمنى المغفرة،
ول يكون محسن الظن في خلق ال إل المطيع له ،يرجو ثوابه ،ويخاف
عقابه .قال رسول ال صلى ال عليه وآله يحكى عن ربه تعالى :أنا عند
حسن ظن عبدي بي يا محمد فمن زاغ عن وفاء حقيقة موجبات ظنه بربه،
فقد أعظم الحجة على نفسه وكان من المخدوعين في أسر هواه )- 58 .(1
مص :قال الصادق عليه السلم :الخوف رقيب القلب ،والرجاء شفيع
النفس ومن كان بال عارفا ،كان من ال خائفا وإليه راجيا ،وهما جناحا
اليمان ،يطير العبد المحقق بهما إلى رضوان ال ،وعينا عقله يبصر بهما
إلى وعد ال ووعيده والخوف طالع عدل ال ناهي وعيده ،والرجاء داعي
فضل ال ،وهو يحيي القلب والخوف يميت النفس.
][391
قال النبي صلى ال عليه وآله :المؤمن بين خوفين :خوف ما مضى ،وخوف ما
بقي ،وبموت النفس يكون حياة القلب ،وبحياة القلب البلوغ إلى الستقامة،
ومن عبد ال على ميزان الخوف والرجاء ل يضل ويصل إلى مأموله،
وكيف ل يخاف العبد وهو غير عالم بما تختم صحيفته ،ول له عمل يتوسل
به استحقاقا ،ول قدرة له على شئ ول مفر ،وكيف ل يرجو وهو يعرف
نفسه بالعجز ،وهو غريق في بحر آلء ال ونعمائه ،من حيث ل تحصى
ول تعد ،فالمحب يعبد ربه على الرجاء بمشاهدة أحواله بعين سهر،
والزاهد يعبد على الخوف .قال اويس لهرم بن حيان :قد عمل الناس على
رجاء فقال :بل نعمل على الخوف والخوف خوفان ثابت وعارض ،فالثابت
من الخوف يورث الرجا ،والعارض منه يورث خوفا ثابتا ،والرجاء
رجاءان :عاكف وباد ،فالعاكف منه يقوى نسبة العبد ) (1والبادي منه
يصحح أمل العجز والتقصير والحياء ) - 59 .(2شى :عن صفوان الجمال
قال :صليت خلف أبي عبد ال عليه السلم فأطرق ثم قال :اللهم لتؤمني
مكرك ثم جهم ) (3فقال " :ل يأمن مكر ال إل القوم الخاسرون " ).(4
- 60م :قال ال تعالى " :إن الذين آمنوا بال " ) (5وبما فرض اليمان
به من نبوة نبي ال وولية علي بن أبي طالب والطيبين من آله " والذين
هادوا " يعني اليهود " والنصارى " الذين زعموا أنهم في دين ال
متناصرون " والصابئين " الذين زعموا أنهم صبوا إلى دين ال وهم
بقولهم كاذبون " من آمن بال " من هؤلء
][392
الكفار ونزع عن كفره ومن آمن من هؤلء المؤمنين في مستقبل أعمارهم وأخلص
ووفى بالعهد والميثاق المأخوذين عليه لمحمد وعلي وخلفائهما الطاهرين
" وعمل صالحا " من هؤلء المؤمنين " فلهم أجرهم " ثوابهم " عند
ربهم " في الخرة " ول خوف عليهم " هناك حين يخاف الفاسقون " ول
هم يحزنون " إذا حزن الظالمون لنهم لم يعملوا من مخافة ال ما يخاف
من فعله ول يحزن له .ونظر أمير المؤمنين عليه السلم إلى رجل أثر
الخوف عليه ،فقال :ما بالك قال :إني أخاف ال ،فقال :يا عبد ال خف
ذنوبك ،وخف عدل ال عليك في مظالم عباده ،وأطعه فيما كلفك ،ول تعصه
فيما يصلحك ،ثم ل تخف ال بعد ذلك فانه ل يظلم أحدا ،ول يعذبه فوق
استحقاقه أبدا إل أن تخاف سوء العاقبة بأن تغير أو تبدل ،فان أردت أن
يؤمنك ال سوء العاقبة ،فاعلم أن ما تأتيه من خير فبفضل ال وتوفيقه،
وما تأتيه من سوء فبامهال ال وإنظاره إياك وحلمه وعفوه عنك )61 .(1
-جا :أحمد بن الوليد ،عن أبيه ،عن الصفار ،عن ابن معروف ،عن ابن
مهزيار ،عن محمد بن سنان ،عن الحسن بن أبي سارة قال :سمعت أبا
عبد ال عليه السلم يقول :ل يكون العبد مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا،
وليكون خائفا راجيا حتى يكون عامل لما يخاف ويرجو ) .(2ين :ابن
سنان مثله - 62 .جا :بالسناد ،عن ابن مهزيار ،عن القاسم بن محمد،
عن علي قال :سألت أبا عبد ال عليه السلم :عن قول ال عزوجل "
والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة " قال :من شفقتهم ورجائهم يخافون
أن ترد إليهم أعمالهم إذا لم يطيعوا وهم يرجون أن يتقبل منهم ).(3
) (1تفسير المام ص (2) .125مجالس المفيد ص (3) .122مجالس المفيد 123
والية في المؤمنون (*) .60
][393
ين :القاسم بن محمد مثله - 63 .قيه :ذكر أبو جعفر أحمد القمي في كتاب زهد
النبي صلى ال عليه وآله أن جبرئيل أتاه عند الزوال في ساعة لم يأته
فيها وهو متغير اللون ،وكان النبي صلى ال عليه وآله يسمع حسه
وجرسه فلم يسمعه يومئذ ،فقال له النبي صلى ال عليه وآله :يا جبرئيل !
مالك جئتني في ساعة لم تكن تجيئني فيها ؟ وأرى لونك متغيرا وكنت
أسمع حسك وجرسك فلم أسمعه ؟ فقال :إني جئت حين أمر ال بمنافخ
النار ،فوضعت على النار .فقال النبي صلى ال عليه وآله :أخبرني عن
النار يا جبرئيل حين خلقها ال تعالى فقال :ال سبحانه أوقد عليها ألف
عام فاحمرت ثم أوقد عليها ألف عام فابيضت ثم أوقد عليها ألف عام
فاسودت فهي سوداء مظلمة ل يضئ جمرها ول ينطفي لهبها ،والذي بعثك
بالحق نبيا لو أن مثل خرق أبرة خرج منها على أهل الرض لحترقوا عن
آخرهم ،ولو أن رجل دخل جهنم ثم اخرج منها لهلك أهل الرض جميعا
حين ينظرون إليه لما يرون به ،ولو أن ذراعا من السلسلة التي ذكرها ال
تعالى في كتابه وضع على جميع جبال الدنيا لذابت عن آخرها ،ولو أن
بعض خزان التسعة عشر نظر إليه أهل الرض لماتوا حين ينظرون إليه،
ولو أن ثيابا من ثياب أهل جهنم خرج إلى الرض لمات أهل الرض من
نتن ريحه .فأكب النبي صلى ال عليه وآله ،وأطرق يبكي وكذلك جبرئيل،
فلم يزال يبكيان حتى ناداهما ملك من السماء يا جبرئيل ويا محمد إن ال
قد أمنكما من أن تعصيانه فيعذبكما .قال رسول ال صلى ال عليه وآله:
رأيت في المنام رجل قد هوت صحيفته قبل شماله فجاءه خوفه من ال
فأخذ صحيفته فجعلها في يمينه ،ورأيت رجل من امتي قد هوى في النار
فجاءته دموعه التي بكى من خشية ال فاستخرجه من ذلك - 64 .ضه:
قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من كان بال أعرف كان من ال أخوف
و قال صلى ال عليه وآله :يا ابن مسعود اخش ال بالغيب كانك تراه ،فان
لم تره ،فانه يراك
][394
يقول ال تعالى " من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب * ادخلوها بسلم ذلك
يوم الخلود " ) .(1وروي أن النبي صلى ال عليه وآله كان يصلي وقلبه
كالمرجل يغلي من خشية ال تعالى .وقال أمير المؤمنين عليه السلم :يا
بني خف ال خوفا أنك لو أتيته بحسنات أهل الرض لم يقبلها منك ،وارج
ال رجاء أنك لو أتيته بسيأت أهل الرض غفرها لك .وقال النبي صلى ال
عليه وآله :إذا اقشعر قلب المؤمن من خشية ال تحاتت عنه خطاياه كما
تتحات من الشجر ورقها .وعن أبي جعفر عليه السلم قال :وجدنا في كتاب
علي بن أبي طالب عليه السلم أن رسول ال صلى ال عليه وآله قال وهو
على منبره :وال الذي ل إله إل هو ما اعطي مؤمن خير الدنيا والخرة إل
بحسن ظنه بال ،ورجائه وحسن خلقه ،والكف عن اغتياب المؤمنين ،وال
الذي ل إله إل هو ل يعذب ال مؤمنا بعد التوبة والستغفار إل بسوء ظنه
بال ،وتقصير من رجائه بال ،وسوء خلقه واغتيابه للمؤمنين ،وال الذي
ل إله إل هو ل يحسن ظن عبد مؤمن بال إل كان ال عند ظن عبده
المؤمن به ،لن ال كريم بيده الخيرات ،يستحي أن يكون عبده المؤمن قد
أحسن به الظن والرجاء ثم يخلف ظنه ورجاءه له ،فأحسنوا بال الظن
وارغبوا إليه .وقال عليه السلم :ليس من عبد ظن به خيرا إل كان عند
ظنه به وذلك قوله عزوجل " ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرديكم فأصبحتم
من الخاسرين " ) .(2عنه عليه السلم قال :قال داود النبي صلى ال
عليه :يا رب ما آمن بك من عرفك فلم يحسن الظن بك - 65 .مشكوة
النوار :نقل عن كتاب المحاسن ،عن أبي جعفر عليه السلم قال :وجدنا
في كتاب علي عليه السلم إلى آخر الخبار الثلثة ).(3
) (1ق 33 :و (2) .34فصلت (3) .23 :مشكاة النوار ص 35و .36
][395
روضة الواعضين :قال رسول ال صلى ال عليه وآله :ل يموتن أحدكم إل وهو
يحسن الظن بال فان حسن الظن بال ثمن الجنة ) .(1ومن سائر الكتب:
عن أبي عبد ال عليه السلم قال كان في زمن موسى بن عمران رجلن
في الحبس فأما أحدهما فسمن وغلظ وأما الخر فنحل فصار مثل الهدبة
فقال موسى بن عمران للمسمن :ما الذي أرى بك من حسن الحال في بدنك
؟ قال :حسن الظن بال وقال للخر :ما الذي أرى بك من سوء الحال في
بدنك ؟ قال :الخوف من ال ،فرفع موسى يده إلى ال تعالى فقال يا رب قد
سمعت مقالتهما فأعلمني أيهما أفضل ؟ فأوحى ال تعالى إليه صاحب
حسن الظن بي ) - 66 .(2كا :عدة من أصحابنا ،عن أحمد بن محمد ،عن
ابن فضال ،عن الحكم ابن مسكين ،عن إسحاق بن عمار ،عن أبي عبد ال
عليه السلم قال :كان ملك في بني إسرائيل وكان له قاض وللقاضي أخ،
وكان رجل صدق وله امرأة قد ولدتها النبياء ،فأراد الملك أن يبعث رجل
في حاجة فقال للقاضي :أبغني رجل ثقة ،فقال ما أعلم أحدا أوثق من أخي،
فدعاه ليبعثه فكره ذلك الرجل ،وقال لخيه إني أكره أن اضيع امرأتي فعزم
عليه فلم يجد بدا من الخروج فقال لخيه :يا أخي إني لست أخلف شيئا أهم
علي من امرأتي ،فاخلفني فيها ،وتول قضاء حاجتها قال :نعم .فخرج
الرجل وقد كانت المرأة كارهة لخروجه ،فكان القاضي يأتيها و يسألها عن
حوائجها ويقوم لها فأعجبته فدعاها إلى نفسه فأبت عليه ،فحلف عليها
لئن لم تفعل لنخبرن الملك أنك قد فجرت فقالت :اصنع مابدا لك لست اجيبك
إلى شئ مما طلبت ،فأتى الملك فقال :إن امرأة أخي قد فجرت وقد حق ذلك
عندي ،فقال له الملك :طهرها فجاء إليها فقال :إن الملك قد أمرني برجمك
فما تقولين تجيبني وإل رجمتك ؟ فقالت :لست اجيبك فاصنع مابدا لك.
][396
فأخرجها فحفر لها فرجمها ومعه الناس فلما ظن أنها قد ماتت تركها .وانصرف
وجن بها الليل ،وكان بها رمق ،فتحركت فخرجت من الحفيرة ثم مشت
على وجهها حتى خرجت من المدينة فانتهت إلى دير فيها ديراني فنامت
على باب الدير فلما أصبح الديراني فتح الباب ورآها فسألها عن قصتها
فخبرته فرحمها وأدخلها الدير ،وكان له ابن صغير لم يكن له غيره ،وكان
حسن الحال فداواها حتى برئت من علتها واندملت ثم دفع إليها ابنه فكانت
تربيه .وكان للديراني قهرمان ) (1يقوم بأمره فأعجبته فدعاها إلى نفسه،
فأبت فجهد بها فأبت ،فقال :لئن لم تفعلي لجتهدن في قتلك ،فقالت :اصنع
مابدا لك فعمد إلى الصبي فدق عنقه وأتى الديراني فقال له :عمدت إلى
فاجرة قد فجرت فدفعت إليها ابنك فقتلته ،فجاء الديراني فلما رآها قال لها:
ما هذا فقد تعلمين صنيعي بك فأخبرته بالقصة فقال لها] :ليس تطيب
نفسي أن تكون عندي ،فاخرجي ! فأخرجها ليل ودفع إليها عشرين درهما
وقال لها (2) [:تزودي هذه ال حسبك فخرجت ليل فأصبحت في قرية فإذا
فيها مصلوب على خشبة وهو حى فسألت عن قصته فقالوا :عليه دين
عشرون درهما ومن كان عليه دين عندنا لصاحبه صلب حتى يؤدي إلى
صاحبه فأخرجت عشرين درهما ودفعتها إلى غريمه وقالت :ل تقتلوه
فأنزلوه عن الخشبة فقال لها :ما أحد أعظم علي منة منك ،نجيتني من
الصلب ومن الموت ،فأنا معك حيث ما ذهبت .فمضى معها ومضت حتى
انتهيا إلى ساحل البحر فرأى جماعة وسفنا فقال لها :اجلسي حتى أذهب
أنا أعمل لهم وأستطعم وآتيك به ،فأتاهم فقال لهم :ما في سفينتكم هذه ؟
قالوا :في هذه تجارات وجوهر وعنبر وأشياء من التجارة وأما هذه فنحن
فيها ،قال :وكم يبلغ ما في سفينتكم ،قالوا :كثير لنحصيه قال:
) (1القهرمان :الوكيل ،يكون أمين الدخل والخرج ،فارسي دخيل ومعناه " كارفرما
" على ما في البرهان (2) .مابين العلمتين ساقط من الصل.
][397
فان معي شيئا هو خير مما في سفينتكم ،قالوا :وما معك ؟ قال :جارية لم تروا
مثلها قط فقالوا :بعناها قال :نعم على شرط أن يذهب بعضكم فينظر إليها
ثم يجيئني فيشتريها ول يعلمها ،ويدفع إلي الثمن ول يعلمها حتى أمضي
أنا ،فقالوا :ذلك لك ،فبعثوا من نظر إليها فقال :ما رأيت مثلها قط
فاشتروها منه بعشرة آلف درهم ،ودفعوا إليه الدراهم ،فمضى بها ،فلما
أمعن أتوها فقالوا لها :قومي وادخلي السفينة ،قالت :ولم ؟ قالوا :قد
اشتريناك من مولك ؟ قالت :ما هو بمولي قالوا :لتقومين أو لنحملنك،
فقامت ومضت معهم .فلما انتهوا إلى الساحل لم يؤمن بعضهم بعضا عليها
فجعلوها في السفينة التي فيها الجوهر والتجارة وركبوا هم في السفينة
الخرى فدفعوها ،فبعث ال عزوجل عليهم رياحا فغرقتهم وسفينتهم ونجت
السفينة التي كانت فيها حتى انتهت إلى جزيرة من جزائر البحر وربطت
السفينة ،ثم دارت في الجزيرة فإذا فيه ماء وشجر فيه ثمر ،فقالت :هذا
ماء أشرب منه ،وثمر آكل منه ،أ عبد ال في هذا الموضع فأوحى ال
عزوجل إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن يأتي ذلك الملك ،فيقول :إن في
جزيرة من جزائر البحر خلقا من خلقي فاخرج أنت ومن في مملكتك حتى
أتوا خلقي هذا فتقروا له بذنوبكم ثم تسألوا ذلك الخلق أن يغفر لكم ،فان
غفر لكم غفرت لكم .فخرج الملك بأهل مملكته إلى تلك الجزيرة فرأوا امرأة
فتقدم إليها الملك فقال لها :إن قاضي هذا أتاني فخبرني أن امرأة أخيه
فجرت ،فأمرته برجمها ولم يقم عندي البينة ،فأخاف أن أكون قد تقدمت
علي ما ل يحل لي فاحب أن تستغفري لي ،فقالت :غفر ال لك اجلس ثم
أتى زوجها ول يعرفها فقال :إنه كان لي امرأة وكان من فضلها
وصلحها ..وإني خرجت عنها وهي كارهة لذلك فاستخلفت أخي عليها
فلما رجعت سألت عنها فأخبرني أخي أنها فجرت فرجمها وأنا أخاف أن
أكون قد ضيعتها فاستغفري لي غفر ال لك ،فقالت :غفر ال لك اجلس
فأجلسته إلى جنب الملك ،ثم أتى القاضى فقال :إنه كان لخي امرأة وإنها
][398
أعجبتني فدعوتها إلى الفجور فأبت فأعلمت الملك أنها قد فجرت وأمرني برجمها
فرجمتها ،وأنا كاذب عليها ،فاستغفري لي قالت :غفر ال لك ثم أقبلت على
زوجها فقالت :اسمع ! ثم تقدم الديراني فقص قصته ،وقال :أخرجتها
بالليل وأنا أخاف أن تكون قد لقيها سبع فقتلها ،فقالت :غفر ال لك اجلس،
ثم تقدم القهرمان فقص قصته فقالت للديراني :اسمع غفر ال لك ،ثم تقدم
المصلوب فقص قصته فقالت :ل غفر ال لك .قال :ثم أقبلت على زوجها
فقالت :أنا امرأتك ،وكل ما سمعت فانما هو قصتي وليست لي حاجة في
الرجال ،وأنا احب أن تأخذ هذه السفينة وما فيها ،وتخلي سبيلي فأ عبد ال
عزوجل في هذه الجزيرة ،فقد ترى ما لقيت من الرجال ،ففعل وأخذ
السفينة وما فيها ،وخلى سبيلها ،وانصرف الملك وأهل مملتكه )- 67 .(1
ختص ) (2قال رسول ال صلى ال عليه وآله :من ترك معصية من مخافة
ال عزوجل أرضاه ال يوم القيامة - 68 .ين :فضالة ،عن أبي المغرا ،عن
أبي بصير ،عن أبي عبد ال عليه السلم في قول ال تبارك وتعالى" :
يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة " ) (3قال :يأتي ما أتى وهو خاش راج69 .
-ين :عثمان بن عيسى ،عن سماعة ،عن أبي بصير والنضر ،عن عاصم
عن أبي عبد ال عليه السلم في قول ال " :يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة
" قال :يعملون ويعلمون أنهم سيثابون - 70 .نوادر الراوندي :باسناده
عن موسى بن جعفر ،عن آبائه عليهم السلم قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وآله :من قال :إني خير الناس فهو من شر الناس ،ومن قال* :
)هامش *( ) (1الكافي ج 5ص (2) .559 - 556في نسخة الصل
والكمبانى تكرر هنا الحديث السادس من دون شرحه راجع ص (3) .361
المؤمنون.60 :
][399
إني في الجنة فهو في النار ) - 71 .(1نهج :قال عليه السلم :ل تأمنن على خير
هذه المة عذاب ال يقول ال سبحانه " :فل يأمن مكر ال إل القوم
الخاسرون " ) (2ول تيأسن لشر هذه المة من روح ال لقوله سبحانه" :
ل ييأس من روح ال إل القوم الكافرون " ) - 72 .(3عدة الداعي :روي
عن العالم عليه السلم أنه قال :وال ما اعطي مؤمن قط خير الدنيا
والخرة إل بحسن ظنه بال عزوجل ،ورجائه له ،وحسن خلقه والكف عن
اغتياب المؤمنين ،وال تعالى ل يعذب عبدا بعد التوبة والستغفار ،إل
بسوء ظنه وتقصيره في رجائه ل عزوجل ،وسوء خلقه ،واغتيابه
المؤمنين وليس يحسن ظن عبد مؤمن بال عزوجل إل كان ال عند ظنه،
لن ال كريم يستحيي أن يخلف ظن عبده ورجائه ،فأحسنوا الظن بال
وارغبوا إليه فان ال تعالى يقول " الظانين بال ظن السوء عليهم دائرة
السوء وغضب ال عليهم " الية ) (4وقال أمير المؤمنين عليه السلم إن
استطعتم أن يحسن ظنكم بال ،ويشتد خوفكم منه ،فاجمعوا بينهما ،فانما
يكون حسن ظن العبد بربه على قدر خوفه منه ،و إن أحسن الناس بال
ظنا لشدهم منه خوفا .علي بن محمد رفعه قال قلت لبي عبد ال عليه
السلم إن قوما من مواليك يلمون بالمعاصي ،ويقولون :نرجو ،فقال:
كذبوا اولئك ليسوا لنا بموال ،اولئك قوم رجحت بهم الماني ،ومن رجا
شيئا عمل له ،ومن خاف شيئا هرب منه .وقد روي أن إبراهيم عليه
السلم كان يسمع تأوهه على حد ميل حتى مدحه ال تعالى بقوله " :إن
إبراهيم لحليم أواه منيب " ) (5وكان في صلته يسمع له أزيز
) (1نوادر الراوندي ص (2) .11العراف (3) .99 :نهج البلغة ج 2ص ،236
والية في يوسف (4) .87 :عدة الداعي ص ،106والية في سورة
الفتح (5) .6 :هود.75 :
][400
كأزيز المرجل ) ،(1وكذلك كان يسمع من صدر سيدنا رسول ال صلى ال عليه
وآله مثل ذلك .وكان أمير المؤمنين عليه السلم إذا أخذ في الوضوء يتغير
وجهه من خيفة ال تعالى وكانت فاطمة عليها السلم تنهج ) (2في الصلة
من خيفة ال تعالى ،وكان الحسن إذا فرغ من وضوئه تتغير لونه ،فقيل له
في ذلك ،فقال حق على من أراد أن يدخل على ذي العرش أن تتغير لونه،
ويروى مثل هذا عن زين العابدين عليه السلم .وروى المفضل بن عمر،
عن الصادق عليه السلم قال حدثني أبي ،عن أبيه عليهما السلم أن
الحسن بن علي عليهما السلم كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم
وأفضلهم ،وكان إذا حج حج ماشيا ورمى ماشيا وربما مشى حافيا وكان
إذا ذكر الموت بكى ،وإذا ذكر البعث والنشور بكى ،وإذا ذكر الممر على
الصراط بكى ،وإذا ذكر العرض على ال تعالى ذكره شهق شهقة يغشى
عليه منها ،وكان إذا قام في صلته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عزوجل،
وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم ،وسأل ال الجنة،
وتعوذ بال من النار ) .(3وقالت عايشة :كان رسول ال صلى ال عليه
وآله يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه ).(4
- 73كتاب زيد النرسى :عن أبي عبد ال عليه السلم قال :من عرف ال
خافه ،ومن خاف ال حثه الخوف من ال على العمل بطاعته ،والخذ
بتأديبه ،فبشر المطيعين المتأدبين بأدب ال ،والخذين عن ال ،إنه حق
على ال أن ينجيه من مضلت الفتن ،وما رأيت شيئا هو أضر لدين المسلم
من الشح - 74 .مشكوة النوار :عن أبي عبد ال عليه السلم قال :بعث
عيسى بن مريم رجلين
) (1المرجل :القدر ،والزيز :صوت غليانه قال الجوهري :وفى الحديث :أنه كان
يصلى ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء (2) .أي تتابع نفسه
وتنبهر (3) .عدة الداعي ص (4) .108عدة الداعي ص .109
][401
من أصحابه في حاجة فرجع أحدهما مثل الشن البالي والخر شحما وسمينا ،فقال
للذي مثل الشن :ما بلغ منك ما أرى ؟ قال :الخوف من ال ،وقال للخر
السمين :ما بلغ بك ما أرى ؟ فقال :حسن الظن بال ) - 75 .(1نوادر على
بن اسباط :عن هارون بن خارجة ،عن أبي عبد ال عليه السلم قال :كان
عابد من بني إسرائيل فطرقته امرأة بالليل فقالت له :أضفني فقال :امرأة
مع رجل ل يستقيم قالت :إني أخاف أن يأكلني السبع فتأثم فخرج وأدخلها
قال و القنديل بيده فذهب يصعد به فقالت له أدخلتني من النور إلى )(2
الظلمة قال فرد القنديل فما لبث أن جاءته الشهوة فلما خشي على نفسه
قرب خنصره إلى النار فلم يزل كلما جاءته الشهوة أدخل أصبعه النار حتى
أحرق خمس أصابع فلما أصبح قال :اخرجي فبئست الضيفة كنت لي.
) (1مشكاة النوار ص (2) .36من الظلمة الى النور ظ.
][402
كلمة المصحح :بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل -والصلة والسلم على رسول
ال وعلى آله امناء ال .وبعد :فقد تفضل ال علينا حيث اختارنا وقيضنا
لتصحيح هذه الموسوعة الكبيرة وهي الباحثة عن المعارف السلمية
الدائرة بين المسلمين :أعني بحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة
الطهار عليهم الصلوات والسلم .وهذا الجزء الذي نقدمه إلى القراء
الكرام هو الجزء الرابع من المجلد الخامس عشر ،وقد اعتمدنا في تصحيح
الحاديث وتحقيقها على النسخة المصححة المشهورة بكمباني ،بعد
تخريجها من المصادر ،وتعيين موضع النص من المصدر وقابلناها مع
ذلك على النسخة الوحيدة من نسخة الصل لخزانة كتب الحبر الفاضل
حجة السلم الحاج الشيخ حسين المصطفوي دام إفضاله ،ولبد ههنا من
تعريف لهذه النسخة ومبلغ قيمتها وأرجها في مقام التصحيح فنقول :قد
جاء في ظهر هذه النسخة مرة هكذا " :الجزء الثاني من كتاب اليمان
والكفر ومكارم الخلق وهو المجلد الخامش والعشر )!( من الكتاب )!(
من كتاب بحار النوار ،وهي نسخة الصل ويكون فيه خطوط المصنف
طاب ثراه كثيرا " .ثم صحح قوله " :نسخة الصل " بقوله " :كنسخة
الصل " وعلق عليه " :وهي أبسط من نسخة الصل ) (1ولعله طاب
ثراه ألحق ثانيا ولم يلحق بالصل " .وجاء في ظهرها مرة اخرى بغير هذا
الخط " :الجزء الثاني من كتاب اليمان والكفر ومكارم الخلق وهو
المجلد الخامس عشر نسخة الصل بخط
) (1لم نجد بين هذه النسخة وبين مطبوعة الكمبانى اختلفا يصدق هذا المقال.
][403
المجلسي قدس سره ،واستنسخ منها البحار المطبوع ،وهي من نفايس الدهر
وغنائم الزمان ،اشتريتها من السيد الصفهاني .- " .والذي حققته من
مطالعتي وإشرافي عليها عند المقابلة أنها مسودة من نسخة الكتاب من
دون أن تخرج إلى البياض في حياة المؤلف -رحمه ال -كانت جزوات
وكراسات قد كتب في أعلى ذروتها -تذكرة -من باب كذا وكذا -من باب
كذا وكذا ،ومعذلك عند تأليف الجزوات وتنظيم الكراسات اشتبه المر على
ناظمها ومؤلفها كما ترى في ص 161و ،162ثم في ص 367و .376
وهذه النسخة هي التي كانت عند مصححي طبعة أمين الضرب المشهور
بكمباني وكانت هي الصل استنسخوها للطبع حرفا بحرف بما كان فيها من
تكرار أو غلط أو تصحيف أو سقط وغير ذلك ،وكل ذلك أصلحناها
وصححناها بعد العرض على المصدر وجعلنا السقطات بين هاتين
العلمتين ) (....ترى اليعاز إلى بعضها في ذيل الصفحات .وقد تنبه
مصحح البحار الفاضل الحجة الحاج السيد محمد خليل الموسوي
الصفهاني رحمه ال لبعض هذه السقطات فاستدرك في هامش تلك
النسخة بخط يده وتوشيحه شطرا من حديث المحاسن )تراها ص 244
تحت الرقم 17من باب الخلص( وهذا مما يسلم لنا أن هذه النسخة كانت
عند مصححي طبعة الكمباني كما جاء في خاتمة الجزء الول من المجلد
الخامس عشر من طبعة الكمباني ولفظه " :تم بعون ال وقد بذل جهده في
مقابلة هذا الكتاب مع نسخة الصل من خط مؤلفه قدس سره الجناب العلم
الفهام الشيخ محمد باقر مع أقل السادات والطلب محمد تقي الموسوي ".
ومما هو جدير بالذكر أن كاتب النسخة كان يكتب رمز المصادر في منتهى
الهامش منها ويخلي محله بياضا ليكتب الرموز بعد تمام الستنساخ
بالحمرة ،ثم إنه جاء بعد ليكتب الرموز فاشتبه عليه أحيانا قراءتها فكتب
رمز ين بدل رمز سن لمشابهتهما في الكتابة كما في ص 243عند الرقم
14ورمز شى بدل رمز م كما في ص ،246وكتب رمز ل في كثير من
المواضع بصورة ك فانتقل تلك الغلط
][404
في نسخة الكمبانى من دون أي تصحيح ،لكنا صححنا كل ذلك .وفي هذه النسخة
كلما ذكر تفسير اليات فهي بقلمه وخط يده الشريفة وهكذا في بعض
الموارد سطر أو سطران وأكثر وأما عناوين البواب فالمعهود من النسخ
المبيضة في حياته -ره -كتابتها بخط يده ولكن ل توجد في هذه النسخة
ول عنوان واحد ،بل كلها مكتوبة بغير خطه .إنه جاء بعد ليكتب الرموز
فاشتبه عليه أحيانا قراءتها فكتب رمز ين بدل رمز سن لمشابهتهما في
الكتابة كما في ص 243عند الرقم 14ورمز شى بدل رمز م كما في ص
،246وكتب رمز ل في كثير من المواضع بصورة ك فانتقل تلك الغلط
][404
في نسخة الكمبانى من دون أي تصحيح ،لكنا صححنا كل ذلك .وفي هذه النسخة
كلما ذكر تفسير اليات فهي بقلمه وخط يده الشريفة وهكذا في بعض
الموارد سطر أو سطران وأكثر وأما عناوين البواب فالمعهود من النسخ
المبيضة في حياته -ره -كتابتها بخط يده ولكن ل توجد في هذه النسخة
ول عنوان واحد ،بل كلها مكتوبة بغير خطه .ويوجد في هذه النسخة أثناء
الباب 59باب الخوف والرجاء بعد الحديث المتمم للعشرين )راجع ص
(376صفحة أولها " :تداك الناس عليه ثلثة أيام متواليات " وآخرها
وهو السطر الخامس عشر " قال فرأينا ذلك " ،وكتب في أعل ذروتها -
تذكرة " -لبد أن يكتب صدر هذا الخبر من الكتاب الذي نقل هذا الخبر
عنه وليسئل مل ذو الفقار (1) " ..والكلمة الخيرة غير مقروة ،لكنا بعد
ما تفحصنا وجدناها منقولة في أحوال المام الصادق عليه الصلة والسلم
)ج 47ص 93و (94من طبعتنا هذه مستخرجة من نوادر علي بن أسباط
تحت الرقم 106من باب معجزاته واستجابة دعواته عليه السلم ،فرأينا
الساقط من صدر الحديث ل يزيد عن ثلثة أسطر ولما لم يكن ليراده في
هذا الكتاب )المجلد الخامس عشر( وجه أضربنا عنه كما أضرب عليه في
مطبوعة الكمباني .محمد الباقر البهبودى شوال المكرم 1386