You are on page 1of 347

‫بحار النوار‬

‫العلمة المجلسي ج ‪75‬‬

‫]‪[1‬‬

‫بحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار تأليف العلم العلمة الحجة فخر‬
‫المة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي )قدس ال سره( الجزء الخامس‬
‫والسبعون مؤسسة الوفاء بيروت ‪ -‬لبنان الطبعة الثانية المصححة ‪1403‬‬
‫‍ه‪ 1983 .‬م مؤسسة الوفاء ‪ -‬بيروت ‪ -‬لبنان ‪ -‬صرب‪ - 1457 :‬هاتف‪:‬‬
‫‪386868‬‬

‫]‪[1‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم ‪ - 49‬كتاب الغارات‪ (1) :‬لبراهيم بن محمد الثقفي‪ ،‬عن‬
‫أبي زكريا الجريري عن بعض أصحابه قال‪ :‬خطبة لمير المؤمنين عليه‬
‫السلم الحمد ل نحمده ونستعينه ونعوذ بال من شرور أنفسنا‪ ،‬ومن‬
‫سيئات أعمالنا‪ .‬من يهدي ال فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل ال فل هادي له‪،‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده و‬
‫رسوله انتجبه بالولية‪ ،‬واختصه بالكرام‪ ،‬وبعثه بالرسالة‪ ،‬أحب خلقه‬
‫إليه‪ .‬وأكرمهم عليه‪ ،‬فبلغ رسالت ربه‪ ،‬ونصح لمته‪ ،‬وقضى الذي عليه‪.‬‬
‫اوصيكم بتقوى ال‪ ،‬فان تقوى ال خير ما تواصت به العباد‪ ،‬وأقربه من‬
‫رضون ال‪ ،‬وخيره في عواقب المور‪ .‬فبتقوى ال امرتم‪ ،‬ولها خلقتم‪،‬‬
‫فاخشوا ال خشية ليست بسمعة ول تعذير )‪ (2‬فانه لم يخلقكم عبثا‪ ،‬وليس‬
‫بتارككم سدى )‪ (3‬قد أحصى أعمالكم‪ ،‬وسمى آجالكم‪ ،‬وكتب آثاركم‪ ،‬فل‬
‫تغرنكم الدنيا فإنها غرارة‪ .،‬مغرور من اغتر بها‪ ،‬وإلى فناء ما هي‪ .‬نسأل‬
‫ال ربنا وربكم أن يرزقنا وإياكم خشية السعداء‪ ،‬ومنازل الشهداء ومرافقة‬
‫النبياء‪ ،‬فإنما نحن به وله‪.‬‬

‫)‪ (1‬مخطوط‪ (2) .‬عذر في المر تعذيرا‪ :‬قصر فيه بعد جهد‪ (3) .‬أي ل يترككم‬
‫مهمل باطل‪.‬‬

‫]‪[2‬‬

‫‪ - 50‬وبهذا السناد خطبة له عليه السلم‪ :‬الحمد ل نحمدة تسبيحا‪ ،‬ونمجده تمجيدا‬
‫نكبر عظمته لعز جلله‪ ،‬ونهلله تهليل‪ ،‬موحدا مخلصا‪ ،‬ونشكره في‬
‫مصانعة الحسنى‪ ،‬أهل الحمد والثناء العلى‪ ،‬ونستغفره للحت من الخطايا‪،‬‬
‫ونستعفيه من متح ذنوب البليا )‪ (1‬ونؤمن بال يقينا في أمره‪ ،‬ونستهدي‬
‫بالهدى العاصم المنقذ العازم بعزمات خير قدر )؟( موجب فضل عدل قضاء‬
‫نافذ بفوز سابق بسعادة في كتاب كريم مكنون‪ ،‬ونعوذ بال من مضيق‬
‫مضائق السبل على أهلها بعد اتساع مناهج الحق لطمس آيات منير الهدى‬
‫بلبس ثياب مضلت الفتن‪ ،‬ونشهد غير ارتياب‪ ،‬حال دون يقين مخلص بأن‬
‫ال واحد موحد‪ ،‬وفي وعده‪ ،‬وثيق عقده‪ ،‬صادق قوله‪ ،‬ل شريك له في‬
‫المر‪ ،‬ول ولي له من الذل‪ ،‬نكبره تكبيرا‪ ،‬لإله إل ال هو العزيز الحكيم‪.‬‬
‫ونشهد أن محمدا صلى ال عليه وآله عبده بعيث ال لوحيه‪ ،‬ونبيه بعينه‪،‬‬
‫ورسوله بنوره‪ ،‬مجيبا مذكرا مؤديا‪ ،‬مبقيا مصابيح شهب ضياء مبصر‪.‬‬
‫وماحيا ماحقا مزهقا رسوم أباطيل خوض الخائضين‪ ،‬بدار اشتباك ظلمة‬
‫كفر دامس‪ ،‬فجل غواشي أظلم لجي راكد )‪ (2‬بتفصيل آياته من بعد‬
‫توصيل قوله وفصل فيه القول للذاكرين بمحكمات منه بينات‪ ،‬ومشتبهات‬
‫يتبعها الزايغ قلبه ابتغاء التأويل تعرضا للفتن‪ .‬والفتن محيطة بأهلها‪.‬‬
‫والحق نهج مستنير‪ ،‬من يطع الرسول يطع ال ومن يطع ال يستحق‬
‫الشكر من ال بحسن الجزاء‪ ،‬ومن يعص ال ورسوله يعاين عسر الحساب‬
‫لدى اللقاء‪ ،‬قضاء بالعدل عند القصاص بالحق يوم إفضاء الخلق إلى‬
‫الخالق‪ .‬أما بعد فمنصت سامع لواعظ نفعه إنصاته وصامت ذولب شغل‬
‫قلبه بالفكر في أمر ال حتى أبصر فعرف فضل طاعته على معصيته‪،‬‬
‫وشرف نهج ثوابه على احتلل من عقابه‪ ،‬ومخبر النائل رضاه عند‬
‫المستوجبين غضبه عند تزايل الحساب‪ .‬وشتى بين الخصلتين وبعيد تقارب‬
‫ما بينهما‪ ،‬اوصيكم بتقوى ال بارئ الزواح وفالق الصباح‪.‬‬

‫)‪ (1‬الحت بتشديد التاء السقوط‪ ،‬والمتح استقاء الماء بالدلو‪ ،‬والذنوب بفتح الذال‬
‫المعجمة‪ :‬الدلو‪ (2) .‬اللج‪ :‬معظم الماء‪.‬‬

‫]‪[3‬‬

‫‪ - 51‬من كتاب مطالب السؤول )‪ (1‬لمحمد بن طلحة من كلم أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم‪ :‬ذمتي بما أقول رهينة وأنا به زعيم إن من صرحت )‪ (2‬له العبر‬
‫عما بين يديه من المثلت حجزه التقوى عن تقحم الشبهات‪ ،‬أل وإن‬
‫الخطايا خيل شمس )‪ (3‬حمل عليها أهلها وخلعت لجمها فتقحمت بهم في‬
‫النار‪ ،‬أل وإن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها واعطوا أزمتها فأوردتهم‬
‫الجنة‪ .‬حق وباطل ولكل أهل‪ ،‬فلئن أمر الباطل )‪ (4‬لقديما فعل‪ ،‬ولئن قل‬
‫الحق فلربما ولعل ولقلما أدبر شئ فأقبل‪ .‬لقد شغل من الجنة والنار أمامه‪.‬‬
‫ساع سريع نجا‪ ،‬وطالب بطئ رجا‪ ،‬ومقصر في النار هوى‪ ،‬اليمين‬
‫والشمال مضلة )‪ (5‬والطريق الوسطى هي الجادة‪ ،‬عليها باقي الكتاب )‪(6‬‬
‫وآثار النبوة‪ ،‬ومنها منفذ السنة‪ ،‬وإليها مصير العاقبة‪ ،‬هلك من ادعى‪،‬‬
‫وخاب من افترى‪ ،‬وخسر من باع الخرة بالولى‪ ،‬ولكل نبأ مستقر وكل ما‬
‫هو آت قريب‪ - 52 .‬ومنه‪ (7) :‬لقد جاهرتكم العبر‪ ،‬وزجرتم بما فيه‬
‫مزدجر‪ ،‬وما يبلغ عن ال بعد رسل ال إل البشر‪ ،‬أل وإن الغاية أمامكم‪،‬‬
‫وإن وراءكم الساعة‪ ،‬تحدوكم تخففوا تلحقوا‪ ،‬فانما ينتظر بأولكم آخركم )‬
‫‪.(8‬‬

‫)‪ (1‬المصدر ص ‪ (2) .28‬الزعيم‪ :‬الضامن‪ .‬والتصريح‪ :‬كشف المر وانكشافه‪) .‬‬
‫‪ (3‬الشموس‪ :‬معرب چموش‪ (4) .‬أمر يأمر ‪ -‬من باب تعب ‪ :-‬كثر‪(5) .‬‬
‫أي طرفي الفراط والتفريط‪ (6) .‬هو ما يبقى من أثر مشيه وموضع قدمه‬
‫كانه مشى على الطريق الوسطى‪ .‬وقيل باقى الكتاب هو ما لم ينسخ منه‬
‫لكن الول هو الصواب‪ (7) .‬مطالب السؤول ص ‪ (8) .33‬تحدوكم أي‬
‫تسوقكم‪ .‬وقوله " تخففوا تلحقوا " أي تخففوا بالقناعة وترك الحرص أو‬
‫كناية عن عدم الركون الي الدنيا واتخاذها دار ممر ل دار مقر‪ .‬والنتظار‬
‫بالول كناية ‪- - -‬‬

‫]‪[4‬‬

‫‪ - 53‬وقال عليه السلم يوما وقد أحدق الناس به‪ :‬احذركم الدنيا فانها منزل قلعة‬
‫وليست بدار نجعة )‪ (1‬هانت على ربها فخلط خيرها بشرها‪ ،‬وحلوها‬
‫بمرها‪ ،‬لم يضعها لوليائه‪ ،‬ول يضنن بها علي أعدائه‪ ،‬وهي دار ممر ل‬
‫دار مستقر‪ ،‬والناس فيها رجلن رجل باع نفسه فأوبقها )‪ (2‬ورجل ابتاع‬
‫نفسه فأعتقها‪ ،‬إن اعذوذب منها جانب فحل‪ ،‬أمر منها جانب فأوبى )‪(3‬‬
‫أولها عناء‪ ،‬وآخرها فناء‪ ،‬من استغنى فيها فتن ومن اقتفر فيها حزن‪ ،‬من‬
‫ساعاها فاتته‪ ،‬ومن قعد عنها أتته‪ ،‬ومن أبصر فيها بصرته ومن أبصر‬
‫إليها أعمته‪ ،‬فالنسان فيها غرض المنايا‪ ،‬مع كل جرعة شرق‪ ،‬ومع كل‬
‫اكلة غصص‪ ،‬ل تنال منها نعمة إل بفراق اخرى‪ - 54 .‬وقال يوما في‬
‫مسجد الكوفة وعنده وجوه الناس‪ :‬أيها الناس إنا قد أصبحنا في دهر‬
‫عنود‪ ،‬وزمن شديد‪ ،‬يعد فيه المحسن مسيئا‪ ،‬ويزداد الظالم فيه عتوا‪ ،‬ل‬
‫ننتفع بما علمنا‪ ،‬ول نسأل عما جهلنا‪ ،‬ول نتخوف قارعة حتى تحل بنا‪،‬‬
‫والناس على أربعة أصناف منهم من ل يمنعه الفساد في الرض إل مهانة‬
‫نفسه وكللة حده ونضيض وفره‪ .‬ومنهم المصلت بسيفه‪ ،‬المعلن بشره )‬
‫‪ (4‬والمجلب بخيله ورجله‪ ،‬قد أهلك نفسه‪ ،‬وأوبق دينه لحطام ينتهزه أو‬
‫مقنب يقوده‪ ،‬أو منبر يفرعه )‪ (5‬ولبئس المتجر أن ترى ‪- - - -‬‬
‫عن كونهم كمن سبق من الرفقة إلى بلدة ل يؤذن لهم في دخولها ال بالجتماع‬
‫ولحوق الخرين أي لبد لكم من ترك هذه الدار ونزول دار القرار‬
‫والجتماع‪ (1) .‬القلعة ‪ -‬بضم القاف ‪ -‬المال العارية أو ما ل يدوم‪.‬‬
‫والنجعة ‪ -‬بالضم ‪ -‬طلب الكلء وقوله " هانت " من المهانة‪ (2) .‬أوبقها‬
‫أي أهلكها وأذلها‪ (3) .‬أي يبتلى بالوباء‪ (4) .‬القارعة‪ :‬الداهية‪ .‬ونض‬
‫الماء نضيضا‪ :‬سال قليل قليل‪ ،‬واصلت السيف هو اعلن الشر والفساد‪.‬‬
‫)‪ (5‬النتهاز‪ :‬النتظار‪ .‬والمقنب‪ :‬جماعة من الخيل تجتمع للغارة جمع‬
‫مقانب‪ .‬وفرع الجبل‪ :‬صعده‪.‬‬

‫]‪[5‬‬

‫الدنيا لنفسك ثمنا‪ ،‬ومما لك عند ال عوضا‪ .‬ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الخرة ول‬
‫يطلب الخرة بعمل الدنيا‪ ،‬قد طأمن من شخصه‪ ،‬وقارب من خطوه‪ ،‬وشمر‬
‫من ثوبه )‪ (1‬وزخرف من نفسه المانة واتخذ سر ال تعالى ذريعة إلى‬
‫المعصية‪ .‬ومنهم من أقعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه )‪ (2‬وانقطاع‬
‫سببه‪ ،‬فقصرته الحال على حاله‪ ،‬فتحلى باسم القناعة‪ ،‬وتزين بلباس أهل‬
‫الزهادة‪ ،‬وليس من ذلك في مراح‪ ،‬ول مغدى )‪ (3‬وبقي رجال غض‬
‫أبصارهم ذكر المرجع‪ ،‬وأراق دموعهم خوف المحشر‪ ،‬فهم بين شريد ناء‪،‬‬
‫وخائف مقموع‪ ،‬وساكت مكعوم )‪ (4‬وداع مخلص‪ ،‬وثكلن موجع قد‬
‫أخملتهم التقية‪ ،‬وشملتهم الذلة فهم في بحر اجاج‪ ،‬أفواههم خامرة )‪(5‬‬
‫وقلوبهم قرحة‪ ،‬قد وعظوا حتى ملوا‪ ،‬وقهروا حتى ذلوا‪ ،‬وقتلوا حتى قلوا‪،‬‬
‫فلتكن الدنيا عندكم أصغر من حثالة القرظ‪ ،‬وقراضة الجلم )‪ .(6‬واتعظوا‬
‫بمن كان قبلكم قبل أن يتعظ بكم من بعدكم‪ ،‬وارفضوها ذميمة فانها رفضت‬
‫من كان أشغف بها منكم‪ ،‬فياما أغر خداعها مرضعة‪ ،‬وياما أضر نكالها‬
‫فاطمة‪ - 55 .‬وقد نقل عنه عليه السلم أنه قال وقد اجتمع حوله خلق‬
‫كثير‪ :‬اتقوا ال فما‬

‫)‪ (1‬طأمن مقلوب طمأن أي سكن‪ ،‬وطأمن منه أي سكنه‪ ،‬وشمر ثوبه أي رفعه عن‬
‫ساقيه للتنزه والحتراز من النجاسة والقذارة‪ (2) .‬الضؤولة ‪ -‬بالضم ‪:-‬‬
‫الحقارة‪ .‬ورجل ضئيل أي ضعيف نحيف‪ (3) .‬المراح موضع يروح القوم‬
‫منه أو إليه‪ .‬والمغدى اسم مكان من الغدو‪ (4) .‬المقموع‪ :‬المقهور‪.‬‬
‫والمكعوم‪ :‬الملحم‪ (5) .‬خمر ‪ -‬كضرب ونصر ‪ :-‬سكت ولم يتكلم‪(6) .‬‬
‫الحثالة ‪ -‬بالضم ‪ -‬ما يسقط من قشر الشعير والرز‪ .‬والقرظ ‪ -‬بالتحريك ‪-‬‬
‫ورق السلم يدبغ به الديم‪ .‬وقراضة الجلم يعنى ريزه دم قيچى‪.‬‬

‫]‪[6‬‬
‫خلق امرء عبثا فيلهو‪ ،‬ول ترك سدى فيلغو‪ ،‬وما دنياه التي تحسنت له بخلف من‬
‫الخرة التي قبحها سوء ظنه عنده‪ ،‬وما المغرور بزخرفها الذي بناج من‬
‫عذاب ربه عند مرده إليه‪ - 56 .‬وقال عليه السلم‪ :‬عليكم بالعلم فانه صلة‬
‫بين الخوان‪ ،‬ودال على المروة وتحفة في المجالس‪ ،‬وصاحب في السفر‪،‬‬
‫ومونس في الغربة‪ ،‬وإن ال تعالى يحب المؤمن العالم الفقيه‪ ،‬الزاهد‬
‫الخاشع‪ ،‬الحيي العليم‪ ،‬الحسن الخلق‪ ،‬المقتصد المنصف‪ - 57 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬من تواضع للمتعلمين وذل للعلماء ساد بعلمه‪ ،‬فالعلم يرفع‬
‫الوضيع‪ ،‬وتركه يضع الرفيع‪ ،‬ورأس العلم التواضع‪ ،‬وبصره البراءة من‬
‫الحسد وسمعه الفهم‪ ،‬ولسانه الصدق‪ ،‬وقلبه حسن النية‪ ،‬وعقله معرفة‬
‫أسباب المور‪ ،‬و من ثمراته التقوى‪ ،‬واجتناب الهوى‪ ،‬واتباع الهدى‪،‬‬
‫ومجانبة الذنوب‪ ،‬ومودة الخوان والستماع من العلماء‪ ،‬والقبول منهم‪،‬‬
‫ومن ثمراته ترك النتقام عند القدرة واستقباح مقارفة الباطل‪ ،‬واستحسان‬
‫متابعة الحق‪ .‬وقول الصدق‪ ،‬والتجافي عن سرور في غفلة‪ ،‬وعن فعل ما‬
‫يعقب ندامة‪ ،‬والعلم يزيد العاقل عقل‪ ،‬ويورث متعلمه صفات حمد‪ ،‬فيجعل‬
‫الحليم أميرا‪ ،‬وذا المشورة وزيرا‪ ،‬ويقمع الحرص‪ ،‬ويخلع المكر‪ ،‬ويميت‬
‫البخل‪ ،‬ويجعل مطلق الوحش مأسورا )‪ (1‬وبعيد السداد قريبا‪ - 58 .‬وقال‬
‫عليه السلم )‪ (2‬العقل عقلن عقل الطبع وعقل التجربة وكلهما يؤدي إلى‬
‫المنفعة‪ ،‬والموثوق به صاحب العقل والدين‪ ،‬ومن فاته العقل والمروة‬
‫فرأس ماله المعصية‪ ،‬وصديق كل امرء عقله‪ ،‬وعدوه جهله‪ ،‬وليس العاقل‬
‫من يعرف الخير من الشر‪ ،‬ولكن العاقل من يعرف خير الشرين‪ ،‬ومجالسة‬
‫العقلء تزيد في الشرف‪ ،‬والعقل الكامل قاهر الطبع السوء‪ ،‬وعلى العاقل‬
‫أن يحصي على نفسه مساويها في الدين والرأي والخلق والدب فيجمع‬
‫ذلك في صدره أو في كتاب‬

‫)‪ (1‬المأسور‪ :‬السير‪ (2) .‬مطالب السؤول ص ‪.49‬‬

‫]‪[7‬‬

‫ويعمل في إزالتها‪ - 59 .‬وقال عليه السلم‪ :‬النسان )‪ (1‬عقل وصورة فمن أخطأه‬
‫العقل ولزمته الصورة لم يكن كامل‪ ،‬وكان بمنزلة من ل روح فيه‪ ،‬ومن‬
‫طلب العقل المتعارف فليعرف صورة الصول والفضول‪ ،‬فإن كثيرا من‬
‫الناس يطلبون الفضول ويضعون الصول‪ ،‬فمن أحرز الصل اكتفى به عن‬
‫الفضل‪ ،‬وأصل المور في النفاق طلب الحلل لما ينفق والرفق في الطلب‪،‬‬
‫وأصل المور في الدين أن يعتمد على الصلوات ويجتنب الكبائر وألزم ذلك‬
‫لزوم ما ل غنى عنه طرفة عين‪ ،‬وإن حرمته هلك‪ ،‬فان جاوزته إلى الفقه‬
‫والعبادة فهو الحظ‪ ،‬وإن أصل العقل العفاف وثمرته البراءة من الثام‪،‬‬
‫وأصل العفاف القناعة وثمرتها قلة الحزان‪ .‬وأصل النجدة القوة وثمرتها‬
‫الظفر‪ ،‬وأصل العقل )‪ (2‬القدرة وثمرتها السرور‪ ،‬ول يستعان على الدهر‬
‫إل بالعقل‪ ،‬ول على الدب إل بالبحث‪ ،‬ول على الحسب إل بالوفاء‪ ،‬ول‬
‫على الوقار إل بالمهابة‪ ،‬ول على السرور إل باللين‪ ،‬ول على اللب إل‬
‫بالسخاء‪ ،‬ول على البذل إل بالتماس المكافأة‪ ،‬ول على التواضع إل بسلمة‬
‫الصدر‪ ،‬وكل نجدة يحتاج إلى العقل‪ ،‬وكل معونة تحتاج إلى التجارب‪ ،‬وكل‬
‫رفعة يحتاج إلى حسن احدوثة‪ ،‬وكل سرور يحتاج إلى أمن‪ ،‬وكل قرابة‬
‫يحتاج إلى مودة‪ ،‬وكل علم يحتاج إلى قدرة‪ ،‬وكل مقدرة تحتاج إلى بذل‪،‬‬
‫ول تعرض لما ل يعنيك بترك ما يعنيك‪ .‬فرب متكلم في غير موضعه قد‬
‫أعطبه ذلك‪ - 60 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل تسترشد إلى الحزم بغير دليل العقل‬
‫فتخطئ منهاج الرأي فان أفضل العقل معرفة الحق بنفسه‪ ،‬وأفضل العلم‬
‫وقوف الرجل عند علمه‪ ،‬و أفضل المروة استبقاء الرجل ماء وجهه‪،‬‬
‫وأفضل المال ما وقي به العرض‪ ،‬وقضيت به الحقوق‪ - 61 .‬وعن عبد ال‬
‫بن عباس قال‪ :‬ما انتفعت بكلم بعد رسول ال صلى ال عليه وآله‬
‫كانتفاعي‬

‫)‪ (1‬المصدر ص ‪ (2) .49‬كذا وفي بعض النسخ " أصل الفعل "‪.‬‬

‫]‪[8‬‬

‫بكتاب كتبه إلي علي بن أبي طالب عليه السلم فإنه كتب إلي‪ :‬أما بعد )‪ (1‬فان‬
‫المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته‪ ،‬ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه‪،‬‬
‫فليكن سرورك بما نلت من آخرتك‪ ،‬وليكن أسفك على ما فاتك منها‪ ،‬وما‬
‫نلت من دنياك فل تكثرن به فرحا‪ ،‬وما فاتك منه فل تأس عليه جزعا‪،‬‬
‫وليكن همك فيما بعد الموت‪ .‬والسلم‪ - 62 .‬وقال عليه السلم لجماعة‪:‬‬
‫خذوا عني هذه الكلمات فلو ركبتم المطي حتى تنضوها ما صبتم مثلها )‬
‫‪ :(2‬ل يرجون عبد إل ربه‪ ،‬ول يخافن إل ذنبه‪ ،‬ول يستحي إذا لم يعلم أن‬
‫يتعلم‪ ،‬ول يستحي إذا سئل عما ل يعلم أن يقول‪ :‬ل أعلم‪ ،‬واعلموا أن‬
‫الصبر من اليمان بمنزلة الرأس من الجسد‪ ،‬ول خير في جسد ل رأس له‪،‬‬
‫فاصبروا على ما كلفتموه رجاء ما وعدتموه‪ - 63 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫الشئ شيئان شئ قصر عني لم ارزقه فيما مضى ول أرجوه فيما بقي‪،‬‬
‫وشئ ل أناله دون وقته ولو استعنت عليه بقوة أهل السماوات والرض‪،‬‬
‫فما أعجب أمر هذا النسان يسره درك ما لم يكن ليدركه‪ ،‬ولو أنه فكر‬
‫لبصر ولعلم أنه مدبر‪ ،‬واقتصر على ما تيسر‪ ،‬ولم يتعرض لما تعسر‪،‬‬
‫واستراح قلبه مما استوعر‪ ،‬فبأي هذين أفنى عمري‪ ،‬فكونوا أقل ما‬
‫يكونون في الباطن أموال‪ ،‬أحسن ما يكونون في الظاهر أحوال‪ ،‬فان ال‬
‫تعالى أدب عباده المؤمنين العارفين أدبا حسنا فقال‪ :‬جل من قائل‪" :‬‬
‫يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم ل يسئلون الناس‬
‫إلحافا " )‪ - 64 .(3‬وقال عليه السلم‪ :‬ل يكون غنيا حتى يكون عفيفا‪ ،‬ول‬
‫يكون زاهدا حتى يكون متواضعا‪ ،‬ول يكون حليما حتى يكون وقورا‪ ،‬ول‬
‫يسلم لك قلبك حتى تحب للمؤمنين ما تحب لنفسك‪ ،‬وكفى بالمرء جهل أن‬
‫يرتكب ما نهي عنه‪ ،‬وكفى به عقل‬

‫)‪ (1‬المصدر ص ‪ .55‬وفى النهج مثله‪ (2) .‬أنضى البعير‪ :‬هزله‪ (3) .‬البقرة‪.273 :‬‬

‫]‪[9‬‬

‫أن يسلم عن شره‪ ،‬فأعرض عن الجهل وأهله‪ ،‬واكفف عن الناس ما تحب أن يكف‬
‫عنك‪ ،‬وأكرم من صافاك وأحسن مجاورة من جاورك‪ ،‬وألن جانبك واكفف‬
‫عن الذى‪ ،‬واصفح عن سواء الخلق‪ ،‬ولتكن يدك العليا إن استطعت‪،‬‬
‫ووطن نفسك على الصبر على ما أصابك‪ ،‬وألهم نفسك القنوع‪ ،‬واتهم‬
‫الرجاء‪ ،‬وأكثر الدعاء تسلم من سورة الشيطان ول تناقس على الدنيا‪ ،‬ول‬
‫تتبع الهوى‪ ،‬وتوسط في الهمة تسلم ممن يتبع عثراتك‪ ،‬ول تك صادقا حتى‬
‫تكتم بعض ما تعلم‪ ،‬احلم عن السفيه يكثر أنصارك عليه‪ ،‬عليك بالشيم‬
‫العالية تقهر من يعاديك‪ ،‬قل الحق‪ ،‬وقرب المتقين‪ ،‬واهجر الفاسقين‪،‬‬
‫وجانب المنافقين‪ ،‬ول تصاحب الخائنين‪ - 65 .‬وقال عليه السلم‪ :‬قل عند‬
‫كل شدة " ل حول ول قوة إل بال " تكف بها وقل عند كل نعمة " الحمد‬
‫ل " تزدد منها‪ ،‬وقل إذا أبطأت عليك الرزاق " أستغفر ال " يوسع‬
‫عليك‪ .‬عليك بالمحجة الواضحة التي ل تخرجك إلى عوج‪ ،‬و ل تردك عن‬
‫منهج‪ .‬الناس ثلث‪ :‬عالم رباني‪ ،‬ومتعلم على سبيل النجاة‪ ،‬وهمج رعاع‪.‬‬
‫مفتاح‪ .‬الجنة الصبر‪ ،‬مفتاح الشرف التواضع‪ ،‬مفتاح الغنى اليقين‪ ،‬مفتاح‬
‫الكرم التقوى‪ .‬من أراد أن يكون شريفا فيلزم التواضع‪ ،‬عجب المرء بنفسه‬
‫أحد حساد عقله‪ ،‬الطمأنينة قبل الحزم ضد الحزم‪ ،‬المغتبط من حسن يقينه‪.‬‬
‫‪ - 66‬وقال عليه السلم‪ :‬اللهو يسخط الرحمن ويرضي الشيطان وينسى‬
‫القرآن‪ ،‬عليكم بالصدق فان ال مع الصادقين‪ ،‬المغبون من غبن دينه‪.‬‬
‫جانبوا الكذب فانه مجانب اليمان‪ ،‬والصادق على سبيل نجاة وكرامة‪،‬‬
‫والكاذب على شفا هلك وهون‪ .‬قولوا الحق تعرفوا به‪ ،‬واعملوا الحق‬
‫تكونوا من أهله‪ ،‬وأدوا المانة إلى من ائتمنكم‪ ،‬ول تخونوا من خانكم‪،‬‬
‫وصلوا أرحام من قطعكم‪ ،‬وعودوا بالفضل على من حرمكم‪ ،‬أوفوا إذا‬
‫عاهدتم‪ ،‬واعدلوا إذا حكمتم‪ ،‬ل تفاخروا بالباء‪ ،‬و ل تنابزوا باللقاب‪ ،‬ول‬
‫تحاسدوا‪ ،‬ول تباغضوا‪ ،‬ول تقاطعوا‪ ،‬وافشوا السلم‪ ،‬و ردوا التحية‬
‫بأحسن منها‪ ،‬وارحموا الرملة واليتيم‪ ،‬وأعينوا الضعيف والمظلوم‬
‫وأطيبوا المكسب‪ ،‬وأجملوا في الطلب‪.‬‬

‫]‪[10‬‬

‫‪ - 67‬وقال عليه السلم‪ :‬ل راحة لحسود‪ ،‬ول مودة لملول‪ ،‬ول مروة لكذوب‪ ،‬ول‬
‫شرف لبخيل‪ ،‬ول همة لمهين‪ ،‬ول سلمة لمن أكثر مخالطة الناس‪ ،‬الوحدة‬
‫راحة والعزلة عبادة‪ ،‬والقناعة غنية‪ ،‬والقتصاد بلغة )‪ (1‬وعدل السلطان‬
‫خير من خصب الزمان‪ ،‬والعزيز بغير ال ذليل‪ ،‬والغني الشره فقير )‪ (2‬ل‬
‫يعرف الناس إل بالختبار‪ ،‬فاختبر أهلك وولدك في غيبتك‪ ،‬وصديقك في‬
‫مصيبتك‪ ،‬وذا القرابة عند فاقتك‪ ،‬وذا التودد والملق عند عطلتك )‪ (3‬لتعلم‬
‫بذلك منزلتك عندهم‪ ،‬واحذر ممن إذا حدثته ملك‪ ،‬وإذا حدثك غمك‪ ،‬وإن‬
‫سررته أو ضررته سلك فيه معك سبيلك‪ ،‬وإن فارقك ساءك مغيبه بذكر‬
‫سوأتك‪ ،‬وإن مانعته بهتك وافترى‪ ،‬وإن وافقته حسدك واعتدى‪ ،‬وإن‬
‫خالفته مقتك ومارى )‪ (4‬يعجز عن مكافأة من أحسن إليه‪ ،‬ويفرط على من‬
‫بغى عليه‪ ،‬يصبح صاحبه في أجر‪ ،‬ويصبح هو في وزر‪ ،‬لسانه عليه لله‪،‬‬
‫ول يضبط قلبه قوله‪ ،‬يتعلم للمراء‪ ،‬ويتفقه للرياء‪ ،‬يبادر الدنيا‪ ،‬ويواكل‬
‫التقوى‪ ،‬فهو بعيد من اليمان‪ ،‬قريب من النفاق‪ ،‬مجانب للرشد‪ ،‬موافق‬
‫للغي فهو باغ غاو‪ ،‬ل يذكر المهتدين‪ - 68 .‬وقال عليه السلم‪ (5) :‬ل‬
‫تحدث من غير ثقة فتكون كذابا‪ ،‬ول تصاحب همازا فتعد مرتابا‪ ،‬ول تخالط‬
‫ذا فجور فترى متهما‪ ،‬ول تجادل عن الخائنين فتصبح ملوما وقارن أهل‬
‫الخير تكن منهم‪ ،‬وباين أهل الشرتبن عنهم‪ ،‬واعلم أن من الحزم العزم‬
‫واحذر اللجاج تنج من كبوته )‪ (6‬ول تخن من ائتمنك وإن خانك في أمانته‪،‬‬
‫ول‬

‫)‪ (1‬الغنية ‪ -‬بالضم ‪ -‬اليسار والكفاية‪ .‬والبلغة ‪ -‬بالضم أيضا ‪ :-‬ما يكفى من العيش‬
‫ول يفضل‪ (2) .‬الشره‪ :‬الحريص‪ (3) .‬العطلة ‪ -‬بالضم ‪ :-‬البقاء بل عمل‪.‬‬
‫والمراد الفقر‪ (4) .‬المماراة‪ :‬المنازعة والمجادلة )‪ (5‬مطالب السؤول‬
‫ص ‪ (6) .56‬الكبوة السقوط على الوجه‪.‬‬

‫]‪[11‬‬

‫تذع سر من أذاع سرك‪ ،‬ول تخاطر بشئ رجاء ما هو أكثر منه‪ ،‬وخذ الفضل‪ ،‬و‬
‫أحسن البذل‪ ،‬وقل للناس حسنا‪ ،‬ول تتخذ عدو صديقك صديقا فتعادي‬
‫صديقك‪ ،‬وساعد أخاك وإن جفاك‪ ،‬وإن قطعته فاستبق له بقية من نفسك‪،‬‬
‫ول تضيعن حق أخيك فتعدم إخوته‪ ،‬ول يكن أشقى الناس بك أهلك‪ ،‬ول‬
‫ترغبن فيمن زهد فيك وليس جزاء من سرك أن تسوءه‪ ،‬واعلم أن عاقبة‬
‫الكذب الذم‪ ،‬وعاقبة الصدق النجاة‪ - 69 .‬ونقل عنه عليه السلم‪ :‬أنه رأى‬
‫جابر بن عبد ال ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬وقد تنفس الصعداء )‪ (1‬فقال عليه‬
‫السلم‪ :‬يا جبار على م تنفسك أعلى الدنيا ؟ فقال جابر‪ :‬نعم فقال له‪ :‬يا‬
‫جابر ملذ الدنيا سبعة‪ :‬المأكول والمشروب والملبوس والمنكوح و‬
‫المركوب والمشموم والمسموع‪ ،‬فألذ المأكولت العسل وهو بصق من‬
‫ذبابة‪ ،‬وأحلى المشروبات الماء‪ ،‬وكفى بإباحته وسباحته على وجه‬
‫الرض‪ ،‬وأعلى الملبوسات الديباج وهو من لعاب دودة‪ ،‬وأعلى المنكوحات‬
‫النساء وهو مبال في مبال‪ ،‬ومثال لمثال‪ ،‬وإنما يراد أحسن ما في المرأة‬
‫لقبح ما فيها‪ ،‬وأعلى المركوبات الخيل وهو قواتل‪ ،‬وأجل المشمومات‬
‫المسك وهو دم من سرة دابة‪ ،‬وأجل المسموعات الغناء والترنم وهو إثم‪،‬‬
‫فما هذه صفته لم يتنفس عليه عاقل‪ .‬قال جابر بن عبد ال‪ :‬فوال ما‬
‫خطرت الدنيا بعدها على قلبي‪ - 70 .‬وقال عليه السلم‪ :‬في المثال‪:‬‬
‫بالصبر يناضل )‪ (2‬الحدثان‪ ،‬الجزع من أنواع الحرمان‪ ،‬العدل مألوف‬
‫والهوى عسوف )‪ (3‬والهجران عقوبة العشق‪ ،‬البخل جلباب المسكنة‪ ،‬ل‬
‫تأمنن ملول‪ ،‬إزالة الرواسي أسهل من تأليف القلوب المتنافرة‪ ،‬من اتبع‬
‫الهوى ضل‪ ،‬الشجاعة صبر ساعة‪ ،‬خير المور أوسطها‪ ،‬القلب بالتعلل‬
‫رهين‪ ،‬من ومقك‬

‫)‪ (1‬الصعداء ‪ -‬بضم الصاد وفتح العين المهملتين ‪ -‬التنفس الطويل من هم أو تعب‪.‬‬
‫)‪ (2‬ناضله مناضلة‪ :‬باراه في رمى السهام وناضل عنه‪ :‬حامى وجادل‬
‫ودافع عنه‪ .‬وحدثان الدهر ‪ -‬بكسر الحاء وفتحها ‪ -‬نوائبه ومصائبه‪(3) .‬‬
‫العسوف ‪ -‬بفتح العين ‪ -‬الشديد العسف أي الجور‪ .‬والظلم‪.‬‬

‫]‪[12‬‬

‫أعتبك )‪ (1‬القلة ذلة‪ ،‬المجاعة مسكنة‪ ،‬خير أهلك من كفاك‪ ،‬ترك الخطيئة أهون من‬
‫طلب التوبة‪ ،‬من ولع بالحسد ولم به الشؤم‪ ،‬كم تلف من صلف‪ ،‬كم قرف‬
‫من سرف )‪ (2‬عدو عاقل خير من صديق أحمق‪ ،‬التوفيق من السعادة‪،‬‬
‫والخذلن من الشقاوة‪ ،‬من بحث عن عيوب الناس فبنفسه بدأ‪ ،‬من كان في‬
‫حاجة أخيه كان ال في حاجته‪ ،‬من سلم من ألسنة الناس كان سعيدا‪ ،‬من‬
‫صحب الملوك تشاغل بالدنيا‪ ،‬الفقر طرف من الكفر‪ ،‬من وقع في ألسنة‬
‫الناس هلك‪ ،‬من تحفظ من سقط الكلم أفلح‪ ،‬كل معروف صدقة‪ ،‬كم من‬
‫غريب خير من قريب‪ ،‬لو القيت الحكمة على الجبال لقلقلتها )‪ ،(3‬كم من‬
‫غريق هلك في بحر الجهالة‪ ،‬وكم عالم قد أهلكته الدنيا‪ ،‬خير إخوانك من‬
‫واساك‪ ،‬وخير منه من كفاك‪ ،‬خير مالك ما أعانك على حاجتك‪ ،‬خير من‬
‫صبرت عليه من لبد لك منه‪ ،‬أحق من أطعت مرشد ل يعصيك‪ ،‬من أحب‬
‫الدنيا جمع لغيره‪ ،‬المعروف فرض‪ ،‬واليام دول‪ ،‬عند تناهي البلء يكون‬
‫الفرج‪ ،‬من كان في النعمة جهل قدر البلية‪ ،‬من قل سروره كان في الموت‬
‫راحته‪ ،‬قد ينمي القليل فيكثر‪ ،‬ويضمحل الكثير فيذهب‪ .‬رب اكلة يمنع‬
‫الكلت‪ ،‬أفلج الناس حجة من شهد له خصمه بالفلج )‪ (4‬السؤال مذلة‪،‬‬
‫والعطاء محبة‪ ،‬من حفر لخيه بئرا كان‪ ،‬بترديه فيها جديرا‪ .‬أملك عليك‬
‫لسانك‪ ،‬حسن التدبير مع الكفاف أكفى من الكثير مع السراف‪ .‬الفاحشة‬
‫كاسمها‪ ،‬مع كل جرعة شرقة‪ ،‬مع كل أكلة غصة‪ ،‬بحسب السرور يكون‬
‫التنغيص‪ ،‬الهوى يهوي بصاحب الهوى‪ ،‬عدو العقل الهوى‪ ،‬الليل أخفى‬
‫للويل صحبة الشرار تورث سوء الظن بالخيار‪ ،‬من أكثر من شئ عرف‬
‫به‪ ،‬رب كثير هاجه صغير‪ ،‬رب ملوم لذنب له‪ ،‬الحر حر ولو مسه الضر‪،‬‬
‫ما ضل من‬

‫)‪ (1‬ومقه‪ :‬أحبه‪ (2) .‬الصلف‪ :‬التملق‪ .‬والقرف‪ :‬النكس من مرض‪ (3) .‬القلقلة‪:‬‬
‫التحريك‪ (4) .‬الفلج‪ :‬الظفر‪.‬‬

‫]‪[13‬‬

‫استرشد‪ ،‬ول حار من استشار‪ ،‬الحازم ل يستبد برأيه‪ ،‬آمن من نفسك عندك من‬
‫وثقت به على سرك‪ ،‬المودة بين الباء قرابة بين البناء‪ - 71 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬من رضي عن نفسه كثر الساخط عليه‪ ،‬ومن بالغ في الخصومة‬
‫أثم‪ ،‬ومن قصر فيها ظلم‪ ،‬من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهوته‪ ،‬إنه‬
‫ليس لنفسكم ثمن إل الجنة فل تبيعوها إل بها‪ ،‬من عظم صغار المصائب‬
‫ابتله ال بكبارها‪ ،‬الوليات مضامير الرجال‪ ،‬ليس بلد أحق منك من بلد‪،‬‬
‫وخير البلد من حملك‪ ،‬إذا كان في الرجل خلة رائعة فانتظر أخواتها‪،‬‬
‫الغيبة جهد العاجز‪ ،‬رب مفتون بحسن القول فيه‪ ،‬ما لبن آدم والفخر أوله‬
‫نطفة‪ ،‬وآخره جيفة‪ ،‬ل يرزق نفسه‪ ،‬و ل يمنع حتفه‪ ،‬الدنيا تغر وتضر‬
‫وتمر إن ال تعالى لم يرضها ثوابا بأوليائه ول عقابا لعدائه‪ ،‬وإن أهل‬
‫الدنيا كركب بينا هم حلوا إذ صاح سائقهم فارتحلوا‪ ،‬من صارع الحق‬
‫صرعه‪ ،‬القلب مصحف البصر )‪ (1‬التقى رئيس الخلق‪ ،‬ما أحسن تواضع‬
‫الغنياء للفقراء طلبا لما عند ال‪ .‬وأحسن منه تيه الفقراء على الغنياء‬
‫إتكال على ال‪ .‬كل مقتصر عليه كاف )‪ (2‬الدهر يومان يوم لك ويوم عليك‪،‬‬
‫فان كان لك فل تبطر‪ ،‬وإن كان عليك فل تضجر‪ ،‬من طلب شيئا ناله أو‬
‫بعضه‪ ،‬الركون إلى الدنيا مع ما يعاين منها جهل‪ ،‬والتقصير في حسن‬
‫العمل مع الوثوق بالثواب عليه غبن والطمأنينة إلى كل أحد قبل الختبار‬
‫عجز‪ ،‬والبخل جامع لمساوي الخلق‪ ،‬نعم ال على العبد مجلبة لحوائج‬
‫الناس إليه‪ ،‬فمن قام ل فيها بما يجب عرضها للدوام والبقاء‪ ،‬ومن لم يقم‬
‫فيها بما يجب عرضها للزوال والفناء‪ ،‬الرغبة مفتاح النصب‪ ،‬والحسد‬
‫مطية التعب‪ .‬من علم أن كلمه من عمله قل كلمه إل فيما يعنيه من نظر‬
‫في عيوب الناس فأنكرها ثم حببها )‪ (3‬لنفسه فذلك الحمق بعينه‪ ،‬العفاف‬

‫)‪ (1‬استعار لفظ المصحف للقلب باعتبار انتقاشه بصور ما ينبغى التكلم به في لوح‬
‫الخيال وادراك الحس المشترك له من باطن فهو كالمصحف يقرأ منه‪) .‬‬
‫‪ (2‬أي كل ما يمكن القتصار عليه فهو كاف‪ (3) .‬في بعض النسخ " ثم‬
‫رضيها "‪(*) .‬‬

‫]‪[14‬‬

‫زينة الفقر‪ ،‬والشكر زينة الغنى‪ ،‬رسولك ترجمان عقلك‪ ،‬وكتابك أبلغ ما ينطق عنك‪.‬‬
‫الناس أبناء الدنيا ول يلم الرجل على حب أمه‪ ،‬الطمع ضامن غير وفي‪ ،‬و‬
‫الماني تعمى أعين البصائر‪ ،‬ل تجارة كالعمل الصالح‪ ،‬ول ربح كالثواب‪،‬‬
‫ول قائد كالتوفيق‪ ،‬ول حسب كالتواضع‪ ،‬ول شرف كالعلم‪ ،‬ول ورع‬
‫كالوقوف عند الشبهة‪ ،‬ول قرين كحسن الخلق‪ ،‬ول عبادة كأداء الفرائض‪،‬‬
‫ول عقل كالتدبير‪ ،‬ول وحدة أوحش من العجب‪ ،‬ومن أطال المل أساء‬
‫العمل‪ - 72 .‬وسمع عليه السلم )‪ (1‬رجل من الحرورية يقرأ ويتهجد‬
‫فقال‪ :‬نوم على يقين خير من صلة في شك‪ ،‬إذا تم العقل نقص الكلم‪ ،‬قدر‬
‫الرجل قدر همته قيمة كل امرء ما يحسنه‪ ،‬المال مادة الشهوات‪ ،‬الناس‬
‫أعداء ما جهلوه‪ ،‬أنفاس المرء خطاه إلى أجله‪ - 73 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫احذركم الدنيا فإنها خضرة حلوة‪ ،‬حفت بالشهوات‪ ،‬و تحببت بالعاجلة )‪(2‬‬
‫وعمرت بالمال‪ ،‬وتزينت بالغرور‪ ،‬ول يؤمن فجعتها‪ ،‬ول يدوم حبرتها )‬
‫‪ (3‬ضرارة غدارة غرارة زائلة بائدة أكالة عوالة‪ ،‬ل تعد و إذا تناهت إلى‬
‫امنية أهل الرضا بها )‪ (4‬والرغبة فيها أن يكون كما قال ال عز وجل " )‬
‫‪ " (5‬كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الرض فأصبح هشيما‬
‫تذروه الرياح )‪ (6‬على أن امرءا لم يكن فيها في حبرة إل أعقبته بعدها‬
‫عبرة ولم يلق‬

‫)‪ (1‬مطالب السؤول ص ‪ (2) .57‬أي صارت محبوبة للناس بكونها لذة عاجلة‪.‬‬
‫والنفوس مولعة بحب العاجل‪ (3) .‬الحبرة‪ :‬النعمة والسرور‪ (4) .‬باد أي‬
‫هلك‪ .‬وغاله‪ :‬أهلكه‪ .‬وعداه يعدوه‪ :‬جاوزه‪ .‬والمنية‪ :‬ما يتمناه النسان‬
‫أي يريده ويأمله‪ (5) .‬الكهف ‪ (6) .45‬أي غاية موافقة الدنيا لهلها ل‬
‫يجاوز المثل المضروب لها في الكتاب الكريم والمراد بالماء المطر‪،‬‬
‫واختلط النبات به دخوله في خلل النبات عند النمو‪ ،‬والهشيم نبت يابس‬
‫مكسر‪ .‬وتذروه الرياح أي تطيره فيصير كأن لم يكن‪.‬‬

‫]‪[15‬‬

‫من سرائها بطنا إل منحته من ضرائها ظهرا )‪ (1‬ولم تطله فيها ديمة رخاء إل‬
‫هتنت عليه مزنة بلء )‪ (2‬وحري إذا أصبحت له متنصرة أن تمسى له‬
‫متنكرة‪ ،‬فإن جانب منها اعذوذب لمرء واحلولى أمر عليه جانب فأوبي‪،‬‬
‫وإن لقى امرء من غضارتها رغبا زودته من نوائبها تعبا‪ ،‬ول يمسي امرء‬
‫منها في جناح أمن إل أصبح في خوافي خوف )‪ (3‬غرارة غرور ما فيها‪،‬‬
‫فانية فان من عليها‪ ،‬من أقل منها استكثر مما يؤمنه )‪ (4‬ومن استكثر‬
‫منها لم يدم له وزال عما قليل عنه‪ ،‬كم من واثق بها قد فجعته‪ ،‬وذي‬
‫طمأنينة إليها قد صرعته‪ ،‬وذي خدع قد خدعته‪ ،‬وذي أبهة قد صيرته‬
‫حقيرا‪ ،‬وذي نخوة قد صيرته خائفا فقيرا‪ ،‬وذي تاج قد أكبته لليدين و الفم‪.‬‬
‫سلطانها دول‪ ،‬وعيشها رنق )‪ (5‬وعذبها اجاج‪ ،‬وحلوها صبر‪ ،‬وغذائها‬
‫سمام وأسبابها رمام )‪ (6‬حيها بعرض موت وصحيحها بعرض سقم‪،‬‬
‫ومنيعها بعرض اهتضام عزيزها مغلوب‪ ،‬وملكها مسلوب‪ ،‬وضيفها‬
‫مثلوب‪ ،‬وجارها محروب )‪ (7‬ثم من وراء‬

‫)‪ (1‬الحبرة بالفتح‪ :‬النعمة‪ .‬والعبرة‪ :‬الدمعة‪ .‬والسراء مصدر بمعنى المسرة و‬
‫والضراء‪ :‬الشدة‪ .‬ويختص البطن بالسراء والظهر بالضراء لن القبال‬
‫يكون بالول كما أن الدبار بالثاني‪ ،‬أو لن الترس يكون بطنه اليك‬
‫وظهره إلى عدوك‪ (2) .‬الطل ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬المطر الضعيف‪ .‬والديمة ‪-‬‬
‫بالكسر ‪ :-‬مطر يدوم في سكون بل رعد وبرق‪ .‬وهتنت أي انصبت‪.‬‬
‫والحرى‪ :‬الجدير والخليق‪ (3) .‬الخوافى‪ :‬ريشات من الجناح إذا ضم‬
‫الطائر جناحيه خفيت‪ .‬وفى المثل " ليس القوادم كالخوافى "‪ (4) .‬أي‬
‫من أخذ القليل من متاعها أخذ الكثير مما يؤمنه‪ (5) .‬الدولة ‪ -‬بالفتح ‪-‬‬
‫النقلب للزمان والجمع دول مثلثة‪ .‬والرنق‪ :‬الماء الكدر‪ (6) .‬السمام ‪-‬‬
‫بالكسر ‪ -‬جمع سم بالضم والفتح‪ .‬والسبب في اصل الحبل الذى يتوصل‬
‫به إلى الماء‪ ،‬ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى الشئ‪ .‬والرمم ‪ -‬بالكسر ‪-‬‬
‫جمع رمة ‪ -‬بالضم ‪ -‬وهى قطعة جبل بالية‪ (7) .‬المثلوب‪ :‬الملوم‪ ،‬وثلبه‬
‫أي عابه ولمه‪ .‬والمحروب‪ :‬المسلوب ماله‬

‫]‪[16‬‬
‫ذلك هول المطلع‪ ،‬وسكرات الموت والوقوف بين يدي الحكم العدل " ليجزي الذين‬
‫أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى "‪ .‬ألستم في منازل من‬
‫كان أطول منكم أعمارا وآثارا‪ ،‬وأعد منكم عديدا‪ ،‬و أكثف جنودا )‪ (1‬وأشد‬
‫منكم عتودا‪ ،‬تعبدوا الدنيا أي تعبد‪ ،‬وآثروها أي إيثار ثم ظعنوا عنها‬
‫بالصغار‪ .‬فهل بلغكم أن الدنيا سخت لهم بفدية‪ ،‬أو أغنت عنهم فيما قد‬
‫أهلكهم من خطب‪ ،‬بل قد أوهنتهم بالقوارع )‪ (2‬وضعضعتهم بالنوائب‪،‬‬
‫وعفرتهم للمناخر‪ ،‬و أعانت عليهم ريب المنون )‪ (3‬فقد رأيتم تنكرها لمن‬
‫دان لها وأخلد إليها‪ ،‬حتى ظعنوا عنها لفراق أمد إلى آخر المستند‪ ،‬هل‬
‫أحلتهم إل الضنك ؟ أو زودتهم إل التعب ؟ أو نورت لهم إل الظلم‪ ،‬أو‬
‫أعقبتهم إل النار‪ ،‬فهذه تؤثرون ؟ أم على هذه تحرصون ؟ إلى هذه‬
‫تطمئنون ؟ يقول ال جل من قائل‪ " :‬من كان يريد الحيوة الدنيا وزينتها‬
‫نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها ل يبخسون * اولئك الذين ليس لهم في‬
‫الخرة إل النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " )‪.(4‬‬
‫فبئست الدار لمن ل يتهمها وإن لم يكن فيها على وجل منها‪ ،‬إعلموا وأنتم‬
‫ل تعلمون أنكم تاركواها لبد )‪ (5‬فانما هي كما نعتها ال تعالى " لهو‬
‫ولعب " واتعظوا * )الهامش( * )‪ (1‬أي أكثر جنودا‪ (2) .‬القوارع جمع‬
‫القارعة وهى الداهية‪ (3) .‬أي سلطته عليهم وريب المنون‪ :‬صروف‬
‫الدهر‪ (4) .‬هود‪ 18 :‬و ‪ (5) .19‬لعل العلم المأمور به هو اليقين المستتبع‬
‫وهو العمل أي أيقنوا بأنكم ستتركونها وترتحلون عنها وأنتم تعلمون ذلك‬
‫لكن علما ل يترتب عليه الثر‪ .‬ويحتمل أن يكون المعنى اعلموا ذلك وأنتم‬
‫من أهل العلم وشأنكم المعرفة وتمييز الخير من الشر‪ (6) .‬أي يبنون بكل‬
‫مكان مرتفع علما للمارة للعبث بمن يمر عليهم أو قصورا يفتخرون بها‪،‬‬
‫والمصانع جمع المصنع‪ :‬مأخذ الماء‪ ،‬وقيل قصور مشيدة وحصونا‪.‬‬

‫]‪[17‬‬

‫بالذين كانوا يبنون بكل ريع آية تعبثون ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون )‪ (1‬و‬
‫اتعظوا بالذين قالوا‪ " :‬من أشد منا قوة " واتعظوا باخوانكم الذين نقلوا‬
‫إلى قبورهم ل يدعون ركبانا‪ ،‬قد جعل لهم من الضريح أكنانا ومن التراب‬
‫أكفانا ومن الرفات جيرانا‪ ،‬فهم جيرة ل يجيبون داعيا‪ ،‬ول يمنعون ضيما )‬
‫‪ (2‬قد بادت أضغانهم فهم كمن لم يكن وكما قال ال عزوجل " فتلك‬
‫مساكنهم لم تسكن من بعدهم إل قليل وكنا نحن الوارثين " )‪ (3‬استبدلوا‬
‫بظهر الرض بطنا‪ ،‬وبالسعة ضيقا‪ ،‬وبالهل غربة‪ ،‬جاؤوها كما فارقوها‬
‫بأعمالهم إلى خلود البد كما قال عز من قائل " كما بدأنا أول خلق نعيده‬
‫وعدا علينا إنا كنا فاعلين " )‪ - 74 .(4‬وقال )‪ (5‬أيها الذام للدنيا أنت‬
‫المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك )‪ (6‬فقال قائل من الحاضرين بل أنا‬
‫المتجرم عليها يا أمير المؤمنين فقال له‪ :‬فلم ذممتها ؟ أليست دار صدق‬
‫لمن صدقها‪ ،‬ودار غنى لمن تزود منها‪ ،‬ودار عافية لمن فهم عنها ؟‬
‫مسجد أحبائه‪ ،‬ومصلى أنبيائه‪ ،‬ومهبط الملئكة‪ ،‬ومتجر أوليائه‪ ،‬اكتسبوا‬
‫فيها الطاعة‪ ،‬وربحوا فيها الجنة‪ ،‬فمن ذا يذمها ؟ وقد آذنت بانتهائها‪،‬‬
‫ونادت بانقضائها وأنذرت ببلئها‪ ،‬فان راحت بفجيعة فقد غدت بمبتغى‪،‬‬
‫وإن أعصرت بمكروه فقد أسفرت بمشتهى )‪ (7‬ذمها رجال يوم الندامة‪،‬‬
‫ومدحها آخرون‪ ،‬حدثتهم فصدقوا‪ ،‬وذكرتهم فتذكروا‪ .‬فيا أيها الذام لها‪،‬‬
‫المغتر بغرورها متى غرتك ؟ أم متى استذمت إليك أبمصارع‬

‫)‪ (1‬الريع‪ :‬المكن المرتفع‪ .‬و " آية " أي علما للمارة ببنهائها‪ (2) .‬الضيم‪ :‬الظلم‬
‫والتعدى‪ .‬والضغن‪ :‬الحقد‪ ،‬الناحية‪ ،‬الحضن‪ ،‬الميل‪ (3) .‬القصص‪) .58 :‬‬
‫‪ (4‬النبياء‪ (5) .104 :‬مطالب السؤول ص ‪ (6) .51‬تجرم على فلن إذا‬
‫ادعى على ذنبا لم أفعله‪ (7) .‬أعصرت‪ :‬دخلت في العصر‪ .‬وأسفر الصبح‬
‫أي أضاء وأشرق‪.‬‬

‫]‪[18‬‬

‫آبائك من البلى ؟ أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى ؟ كم عللت بيديك ومرضت ؟‬


‫وأذاقتك شهدا وصبرا ؟ فان ذممتها لصبرها فامدحها لشهدها وإل‬
‫فاطرحها ل مدح ول ذم‪ ،‬فقد مثلت لك نفسك حين ما يغني عنك بكاؤك ول‬
‫يرحمك أحباؤك‪ - 75 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع‪،‬‬
‫وإن الخرة قد أقبلت وآذنت باطلع )‪ (1‬أل وإن المضمار اليوم والسباق‬
‫غدا‪ ،‬أل وإن السبقة الجنة والغاية النار‪ .‬أل وإنكم في أيام مهل‪ ،‬من ورائه‬
‫أجل يحثه عجل‪ ،‬فمن عمل في أيام مهله قبل حلول أجله نفعه عمله ولم‬
‫يضره أمله‪ ،‬ومن لم يعمل أيام مهله قبل حضور أجله ضره أمله ولم ينفعه‬
‫عمله‪ ،‬ولو عاش أحدكم ألف عام كان الموت بالغه‪ ،‬ونحبه لحقه )‪ (2‬فل‬
‫تغرنكم الماني‪ .‬ول يغرنكم بال الغرور‪ ،‬وقد كان قبلكم لهذه الدنيا سكان‪،‬‬
‫شيدوا فيها البنيان‪ ،‬ووطنوا الوطان‪ ،‬أضحت أبدانهم )‪ (3‬في قبورهم‬
‫هامدة‪ ،‬وأنفسهم خامدة‪ ،‬فتلهف المفرط منهم على ما فرط يقول‪ :‬يا ليتني‬
‫نظرت لنفسي‪ ،‬ياليتني كنت أطعت ربي‪ - 76 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن الدنيا‬
‫ليست بدار قرار‪ ،‬ول محل إقامة‪ ،‬إنما أنتم فيها كركب عرسوا وارتاحوا )‬
‫‪ (4‬ثم استقلوا فغدوا وراحوا‪ ،‬دخلوها خفافا‪ ،‬و ارتحلوا عنها ثقال‪ ،‬فلم‬
‫يجدوا عنها نزوعا‪ ،‬ول إلى ما تركوا بها رجوعا‪ ،‬جد بهم فجدوا‪ ،‬وركنوا‬
‫إلى الدنيا فما استعدوا‪ ،‬حتى اخذ بكظمهم‪ ،‬ورحلوا إلى دار * )الهامش( *‬
‫)‪ (1‬آذنت أي أعلمت واليذان العلم‪ .‬والطلع‪ :‬الشراف من مكان عال‬
‫والمقبل على النحدار أحرى بالوصول‪ .‬والمضمار‪ :‬مدة تضمير الفرس‬
‫وموضعه أيضا وهو ان تعلفه حتى يسمن ثم ترده إلى القوت وذلك في‬
‫أربعين يوما‪ .‬والسباق المسابقة‪ (2) .‬النحب‪ :‬الموت والجل‪ (3) .‬في‬
‫المصدر " أصبحت أبدانهم "‪ (4) .‬عرس القوم تعريسا‪ :‬نزلوا في السفر‬
‫للستراحة ثم ارتحلوا‪ .‬وارتاحوا أي نشطوا وسروا واستراحوا‪ ،‬ولعل‬
‫الصواب " فأناخوا "‪ .‬واستقل القوم‪ :‬ارتحلوا‪.‬‬

‫]‪[19‬‬

‫قوم لم يبق من أكثرهم خبر ول أثر‪ ،‬قل في الدنيا لبثهم‪ ،‬وأعجل بهم إلى الخرة‬
‫بعثهم‪ ،‬وأصبحتم حلول في ديارهم‪ ،‬وظاعنين على آثارهم‪ ،‬والمنايا بكم‬
‫تسير سيرا ما فيه أين ول بطوء‪ ،‬نهاركم بأنفسكم دؤوب )‪ (1‬وليلكم‬
‫بأرواحكم ذهوب‪ ،‬وأنتم تقتفون من أحوالهم حال‪ ،‬وتحتذون من أفعالهم‬
‫مثال‪ ،‬فل تغرنكم الحياة الدنيا فانما أنتم فيها سفر حلول‪ ،‬والموت بكم‬
‫نزول‪ ،‬فتلتضل فيكم مناياه‪ ،‬وتمضي بكم مطاياه‪ ،‬إلى دار الثواب والعقاب‪،‬‬
‫والجزاء والحساب‪ ،‬فرحم ال من راقب ربه‪ ،‬و خاف ذنبه‪ ،‬وجانب هواه‪،‬‬
‫وعمل لخرته‪ ،‬وأعرض عن زهرة الحياة الدنيا‪ - 77 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫كأن قد زالت عنكم الدنيا كما زالت عمن كان قبلكم فأكثروا عباد ال‬
‫اجتهادكم فيها بالتزود من يومها القصير ليوم الخرة الطويل‪ .‬فإنها دار‬
‫العمل‪ ،‬والدار الخرة دار القرار والجزاء‪ ،‬فتجافوا عنها فان المغتر من‬
‫اغتر بها‪ ،‬لن تعد الدنيا إذا تناهت إليها امنية أهل الرغبة فيها‪ ،‬المطمئنين‬
‫إليها المغترين بها أن تكون كما قال ال تعالى‪ " (2) :‬كماء أنزلناه من‬
‫السماء فاختلط به نبات الرض مما يأكل الناس والنعام " أل إنه لم يصب‬
‫امرء منكم من هذه الدنيا حبرة إل أعقبتها عبرة‪ ،‬ول يصبح امرء في حياة‬
‫إل وهو خائف منها أن تؤول جائحة أو تغير نعمه أو زوال عافيته‪،‬‬
‫والموت من وراء ذلكم‪ ،‬وهول المطلع‪ ،‬والوقوف بين يدي الحكم العدل‬
‫لتجزى كل نفس بما كسبت ويجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين‬
‫أحسنوا بالحسنى‪ - 78 .‬وقال عليه السلم‪ :‬مالكم والدنيا فمتاعها إلى‬
‫انقطاع‪ ،‬وفخرها إلى وبال‪ ،‬وزينتها إلى زوال‪ ،‬ونعيمها إلى بؤس‪،‬‬
‫وصحتها إلى سقم أو هرم‪ ،‬ومآل ما فيها إلى نفاد وشيك )‪ (3‬وفناء قريب‪،‬‬
‫كل مدة فيها إلى منتهى‪ ،‬وكل حي فيها إلى مقارنة البلى‪ ،‬أليس لكم في آثار‬
‫الولين وآبائكم الماضين عبرة وتبصرة إن كنتم تعقلون‪ ،‬ألم تروا إلى‬
‫الماضين منكم ل يرجعون‪ ،‬وإلى الخلف الباقين‪ ،‬منكم‬

‫)‪ (1‬الين‪ :‬الحين‪ ،‬والتعب والمشقة والعياء‪ .‬والدؤوب‪ :‬الجد والتعب‪ (2) .‬يونس‪:‬‬
‫‪ (3) .26‬الوشيك السريع‪.‬‬

‫]‪[20‬‬
‫ل يبقون‪ ،‬أو لستم ترون أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى ميت يبكى‬
‫وآخر يعزى‪ ،‬وصريع مبتلى‪ ،‬وعايد يعود‪ ،‬ودنف بنفسه يجود )‪ (1‬وطالب‬
‫للدنيا والموت يطلبه‪ ،‬وغافل وليس بمغفول عنه‪ ،‬على أثر الماضي يمضى‬
‫الباقي وإلى ال عاقبة المور‪ - 79 .‬وقال عليه السلم‪ :‬انظروا إلى الدنيا‬
‫نظر الزاهدين فيها فإنها عن قليل تزيل الساكن وتفجع المترف )‪ (2‬فل‬
‫تغرنكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلة ما يصحبكم منها‪ ،‬فرحم ال امرءا تفكر‬
‫واعتبر‪ ،‬وأبصر إدبار ما قد أدبر‪ ،‬وحضور ما قد حضر فكان ما هو كائن‬
‫من الدنيا عن قليل لم يكن‪ ،‬وكأن ما هو كائن من الخرة لم يزل وكل ما هو‬
‫آت قريب‪ ،‬فكم من مومل مال يدركه‪ ،‬وجامع مال يأكله‪ ،‬ومانع مال يتركه‪،‬‬
‫ولعله من باطل جمعه‪ ،‬أو حق منعه‪ ،‬أصابه حراما‪ ،‬وورثه عدوانا‪ ،‬فاحتمل‬
‫ما ضره‪ ،‬وباء بوزره )‪ (3‬وقدم على ربه آسفال لهفا خسر الدنيا والخرة‬
‫وذلك هو الخسران المبين‪ - 80 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الدنيا مثل الحية لين‬
‫مسها‪ ،‬قاتل سمها فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها‪ ،‬وكن‬
‫آنس ما يكون إليها أوحش ما تكون منها )‪ (4‬فإن صاحبها كلما اطمئن‬
‫منها‪ ،‬إلى سرور أشخصته إلى مكروه‪ ،‬فقد يسر المرء بما لم يكن ليفوته‬
‫وليحزن لفوات ما لم يكن ليصيبه أبدا وإن جهد‪ ،‬فليكن سرورك بما قدمت‬
‫من عمل أو قول‪ ،‬ولتكن أسفك على ما فرطت فيه من ذلك‪ ،‬ول تكن‬

‫)‪ (1‬الصريع‪ :‬المطروح على الرض‪ .‬والدنف‪ :‬المريض‪ .‬وجاد بنفسه أي سمح بها‬
‫عند الموت فكأنه يدفعها كما يدفع النسان ماله‪ (2) .‬المترف ‪ -‬كمكرم ‪:-‬‬
‫المتروك بنعمته يصنع فيها ما يشاء ول يمنع‪ (3) .‬باء يبوء إليه‪ :‬رجع‬
‫وباء بالحق أو بالذنب‪ :‬أقر‪ (4) .‬آنس حال و " ما " مصدرية وخبر كان‬
‫احذر أي كن حال انسك بها أحذر اكوانك منها‪ .‬وقوله " فان صاحبها ‪-‬‬
‫الخ " أي ان سكون صاحبها الي اللذة بها مستلزم العذاب المكروه في‬
‫الخرة‪.‬‬

‫]‪[21‬‬

‫على ما فاتك من الدنيا حزينا‪ ،‬وما أصابك منها فل تنعم به سرورا‪ ،‬واجعل همك لما‬
‫بعد الموت فإن ما توعدون لت‪ - 81 .‬وقال عليه السلم )‪ :(1‬انظروا إلى‬
‫الدنيا نظر الزاهدين فيها فانها وال عن قليل تشقي المترف‪ ،‬وتحرك‬
‫الساكن‪ ،‬وتزيل الثاوي )‪ (2‬صفوها مشوب بالكدر‪ ،‬وسرورها منسوج‬
‫بالحزن‪ ،‬وآخر حياتها مقترن بالضعف‪ ،‬فل يعجبنكم ما يغركم منها‪ ،‬فعن‬
‫كثب تنقلون عنها )‪ (3‬وكلما هو آت قريب‪ ،‬و " هناك تبلو كل نفس ما‬
‫أسلفت وردوا إلى ال موليهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون " )‪.(4‬‬
‫‪ - 82‬وقال عليه السلم‪ :‬احذركم الدنيا فإنها ليست بدار غبطة‪ ،‬قد تزينت‬
‫بغرورها‪ ،‬وغرت بزينتها لمن كان ينظر إليها‪ ،‬فاعرفوها كنه معرفتها‬
‫فإنها دار هانت على ربها‪ ،‬قد اختلط حللها بحرامها‪ ،‬وحلوها بمرها‪،‬‬
‫وخيرها بشرها‪ ،‬ولم يذكر ال شيئا اختصه منها لحد من أوليائه ول‬
‫أنبيائه‪ ،‬ولم يصرفها من أعدائه‪ ،‬فخيرها زهيد‪ ،‬وشرها عتيد )‪ (5‬وجمعها‬
‫ينفد‪ ،‬وملكها يسلب‪ ،‬وعزها يبيد‪ .‬فالمتمتعون من الدنيا تبكي قلوبهم وإن‬
‫فرحوا‪ ،‬ويشتد مقتهم لنفسهم وإن اغتبطوا ببعض ما رزقوا‪ ،‬الدنيا فانية‬
‫ل بقاء لها‪ ،‬والخرة باقية ل فناء لها‪ ،‬الدنيا مقبلة‪ ،‬والخرة ملجأ الدنيا‪،‬‬
‫وليس للخرة منتقل ول منتهى‪ ،‬من كانت الدنيا همه اشتد لذلك غمه‪ ،‬ومن‬
‫آثر الدنيا على الخرة حلت به الفاقرة )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬مطالب السؤول ص ‪ (2) .52‬الثاوى هو الذى قام في مكان‪ (3) .‬الكثب‪:‬‬
‫القرب‪ ،‬يقال‪ :‬رماه من كثب أو عن كثب أي رماه إذ كان قريبا منه‪(4) .‬‬
‫أي في ذلك المقام تختبر كل نفس ما قدمت من عمل‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬‬
‫ردوا إلى ال " أي إلى جزائه‪ ،‬وقوله " ضل عنهم " أي بطل وهلك‬
‫عنهم ما كانوا يدعونه افتراء على ال سبحانه‪ (5) .‬العتيد‪ :‬الحاضر‬
‫المهيأ‪ (6) .‬الفاقرة‪ :‬الداهية الشديدة‪.‬‬

‫]‪[22‬‬

‫‪ - 83‬وقال عليه السلم‪ :‬إنما الدنيا دار فناء وعناء وغير وعبر‪ ،‬فمن فنائها أنك‬
‫ترى الدهر موتر قوسه‪ ،‬مفوق نبله‪ ،‬يرمي الصحيح بالسقيم‪ ،‬والحي‬
‫بالميت و البرئ بالمتهم‪ ،‬ومن عنائها أنك ترى المرء يجمع مال يأكل‪،‬‬
‫ويبني مال يسكن ويأمل مال يدرك‪ ،‬ومن غيرها أنك ترى المرحوم مغبوطا‬
‫والمغبوط مرحوما‪ ،‬ليس بينهم إل نعيم زال أو مثلة حلت أو موت نزل‪،‬‬
‫ومن عبرها أن المرء يشرف عليه أمله حتى يختطفه دونه أجله‪- 84 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬اجعل الدنيا شوكا وانظر أين تضع قدمك منها فإن من‬
‫ركن إليها خذلته‪ ،‬ومن أنس فيها أوحشته‪ ،‬ومن يرغب فيها أوهنته‪ ،‬ومن‬
‫انقطع إليها قتلته‪ ،‬ومن طلبها أرهقته‪ ،‬ومن فرح بها أترحته )‪ (1‬ومن‬
‫طمع فيها صرعته‪ ،‬ومن قدمها أخرته‪ ،‬ومن ألزمها هانته‪ ،‬ومن آثرها‬
‫باعدته من الخرة ومن بعد من الخرة قرب إلي النار‪ ،‬فهي دار عقوبة‬
‫وزوال وفناء وبلء‪ ،‬نورها ظلمة وعيشها كدر‪ ،‬وغنيها فقير‪ ،‬وصحيحها‬
‫سقيم‪ ،‬وعزيزها ذليل‪ ،‬فكل منعم برغدها شقي‪ ،‬وكل مغرور بزينتها‬
‫مفتون‪ ،‬وعند كشف الغطاء يعظم الندم‪ ،‬ويحمد الصدر أو يذم‪ - 85 .‬وقال‬
‫عليه السلم يأتي على الناس زمان ل يعرف فيه إل الماحل ول يظرف فيه‬
‫إل الفاجر )‪ (2‬ول يؤتمن فيه إل الخائن‪ ،‬ول يخون إل المؤتمن‪ ،‬يتخذون‬
‫الفئ مغنما‪ ،‬والصدقة مغرما‪ ،‬وصلة الرحم منا‪ ،‬والعبادة استطالة على‬
‫الناس وتعديا وذلك يكون عند سلطان النساء‪ ،‬ومشاورة الماء‪ ،‬وإمارة‬
‫الصبيان‪ - 86 .‬وقال عليه السلم‪ :‬احذروا الدنيا إذا أمات الناس الصلة‪،‬‬
‫وأضاعوا المانات‪ ،‬واتبعوا الشهوات‪ ،‬واستحلوا الكذب‪ ،‬وأكلوا الربا‪،‬‬
‫وأخذوا الرشى وشيدوا البناء‪ ،‬واتبعوا الهوى‪ ،‬وباعوا الدين بالدنيا‪،‬‬
‫واستخفوا بالدماء وركنوا إلى الرياء‪ ،‬وتقاطعت الرحام‪ ،‬وكان الحلم‬
‫ضعفا‪ ،‬والظلم فخرا‬

‫)‪ (1‬الرهاق أن يحمل النسان على ما ل يطيقه‪ .‬وأترحه أي أحزنه‪ (2) .‬الماحل‪:‬‬
‫الساعي إلى السلطان‪ .‬ول يظرف أي ل ينسب إلى الظرافة‪.‬‬

‫]‪[23‬‬

‫والمراء فجرة‪ ،‬والوزراء كذبة‪ ،‬والمناء خونة‪ ،‬والعوان ظلمة‪ ،‬و القراء فسقة‪،‬‬
‫وظهر الجور‪ ،‬وكثر الطلق وموت الفجأة‪ ،‬وحليت المصاحف‪ ،‬وزخرفت‬
‫المساجد‪ ،‬وطولت المنابر‪ ،‬ونقضت العهود‪ ،‬وخربت القلوب‪ ،‬و استحلوا‬
‫المعازف‪ ،‬وشربت الخمور‪ ،‬وركبت الذكور‪ ،‬واشتغل النساء وشاركن‬
‫أزواجهن في التجارة حرصا على الدنيا‪ ،‬وعلت الفروج السروج‪ ،‬ويشبهن‬
‫بالرجال‪ ،‬فحينئذ عدوا أنفسكم في الموتى‪ ،‬ول تغرنكم الحياة الدنيا فإن‬
‫الناس اثنان بر تقي وآخر شقي‪ ،‬والدار داران ل ثالث لهما‪ ،‬والكتاب واحد‬
‫ل يغادر صغيرة ول كبيرة إل أحصاها‪ ،‬أل وإن حب الدنيا رأس كل خطيئة‪،‬‬
‫وباب كل بلية ومجمع كل فتنة‪ ،‬وداعية كل ريبة‪ ،‬الويل لمن جمع الدنيا‬
‫وأورثها من ل يحمده‪ ،‬وقدم على من ل يعذره‪ ،‬الدنيا دار المنافقين‪،‬‬
‫وليست بدار المتقين‪ ،‬فلتكن حظك من الدنيا قوام صلبك‪ ،‬وإمساك نفسك‪،‬‬
‫وتزود لمعادك‪ - 87 .‬وقال عليه السلم‪ :‬يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت‪ ،‬أم إلي‬
‫تشوقت‪ ،‬هيهات هيهات غري غيري قد بتتك ثلثة‪ ،‬ل رجعة لي فيك‪،‬‬
‫فعمرك قصير‪ ،‬وعيشك حقير وخطرك كبير‪ ،‬آه من قلة الزاد‪ ،‬ووحشة‬
‫الطريق‪ - 88 .‬وقال عليه السلم‪ :‬احذروا الدنيا فإن في حللها حساب وفي‬
‫حرامها عقاب وأولها عناء وآخرها فناء‪ ،‬من صح فيها هرم‪ ،‬ومن مرض‬
‫فيها ندم‪ ،‬ومن استغنى فيها فتن‪ ،‬ومن افتقر فيها حزن‪ ،‬ومن أتاها فاتته‪،‬‬
‫ومن بعد عنها أتته‪ ،‬ومن نظر إليها أعمته‪ ،‬ومن بصر بها بصرته‪ ،‬إن‬
‫أقبلت غرت‪ ،‬وإن أدبرت ضرت‪ - 89 .‬في وصفه المؤمنين )‪ (1‬قال عليه‬
‫السلم‪ ،‬المؤمنون هم أهل الفضائل هديهم السكوت‪ ،‬وهيئتهم الخشوع‪،‬‬
‫وسمتهم التواضع )‪ (2‬خاشعين‪ ،‬غاضين أبصارهم عما حرم ال عليهم‪،‬‬
‫رافعين أسماعهم إلى العلم‪ ،‬نزلت أنفسهم منهم في البلء كما نزلت في‬
‫الرخاء‪ ،‬لول الجال التي كتبت عليهم لم تستقر أرواحهم في أبدانهم طرفة‬
‫)‪ (1‬مطالب السؤول ص ‪ (2) .53‬الهدى ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬الطريقة والسيرة‪ .‬والسمت‪:‬‬
‫هيئه أهل الخير‪.‬‬

‫]‪[24‬‬

‫عين‪ ،‬شوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب‪ ،‬عظم الخالق في أنفسهم وصغر ما دونه‬
‫في أعينهم‪ ،‬فهم كأنهم قد رأوا الجنة ونعيمها والنار وعذابها‪ ،‬فقلوبهم‬
‫محزونة وشرورهم مأمونة‪ ،‬وحوائجهم خفيفة‪ ،‬وأنفسهم ضعيفة‪،‬‬
‫ومعونتهم لخوانهم عظيمة اتخذوا الرض بساطا‪ ،‬وماءها طيبا‪ ،‬ورفضوا‬
‫الدنيا رفضا‪ ،‬وصبروا أياما قليلة فصارت عاقبتهم راحة طويلة‪ ،‬تجارتهم‬
‫مربحة‪ ،‬يبشرهم بها رب كريم‪ ،‬أرادتهم الدنيا فلم يريدوها‪ ،‬وطلبتهم‬
‫فهربوا منها‪ .‬أما الليل فأقدامهم مصطفة )‪ (1‬يتلون القرآن يرتلونه ترتيل‪،‬‬
‫فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا‪ ،‬وتطلعت أنفسهم تشوقا )‪(2‬‬
‫فيصيرونها نصيب أعينهم وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها‬
‫بقلوبهم وأبصارهم‪ ،‬فاقشعرت منها جلودهم ووجلت قلوبهم خوفا وفرقا )‬
‫‪ (3‬نحلت لها أبدانهم‪ ،‬وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها وصلصلة حديدها في‬
‫آذانهم‪ ،‬مكبين على وجوههم وأكفهم‪ ،‬تجري دموعهم على خدودهم‪.‬‬
‫يجأرون إلى ال تعالى في فكاك رقابهم‪ .‬وأما النهار فعلماء أبرار أتقياء‪ ،‬قد‬
‫براهم الخوف فهم أمثال القداح )‪ (4‬إذا نظر إليهم الناظر يقول بهم مرض‪،‬‬
‫وما بهم مرض‪ ،‬ويقول قد خولطوا وما خولطوا )‪ (5‬إذا ذكروا عظمة ال‬
‫وشدة سلطانه وذكروا الموت وأهوال القيامة وجفت قلوبهم‬

‫)‪ (1‬اصطف القوم‪ :‬قاموا صفوفا‪ (2) .‬التطلع إلى الشئ‪ :‬الستشراف له والنتظار‬
‫لوروده‪ (3) .‬الفرق ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬الخوف‪ .‬ونحلت أي هزلت وضعفت‪) .‬‬
‫‪ (4‬برى السهم نحته‪ .‬والقداح جمع قدح بالكسر فيهما وهو السهم قبل أن‬
‫يراش وينصل وهو كناية عن نحافة البدن وضعف الجسد‪ (5) .‬خولط‬
‫فلن في عقله إذا اختل عقله وصار مجنونا‪ .‬وخالطه إذا مازجه والمعنى‬
‫كما قاله بعض شراح النهج يظن الناظر بهم الجنون وما بهم من جنة بل‬
‫مازج قلوبهم أمر عظيم وهو الخوف فتولهوا لحله‪.‬‬

‫]‪[25‬‬

‫وطاشت حلومهم وذهلت عقولهم )‪ (1‬فإذا استفاقوا من ذلك بادروا إلى ال بالعمال‬
‫الزاكية‪ ،‬ل يرضون بالقليل‪ ،‬ول يستكثرون الكثير‪ ،‬فهم لنفسهم متهمون‪،‬‬
‫ومن أعمالهم مشفقون‪ ،‬إن زكي أحدهم خاف ال وغايلة التزكية )‪ (2‬قال‪:‬‬
‫وأنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم بي مني‪ ،‬اللهم ل تؤاخذني بما‬
‫يقولون‪ ،‬واجعلني كما يظنون‪ ،‬واغفر لي مال يعلمون‪ .‬ومن علمات أحدهم‬
‫أن يكون له حزم في لين‪ ،‬وإيمان في يقين‪ ،‬وحرص في تقوى‪ ،‬وفهم في‬
‫فقه‪ ،‬وحلم في علم‪ ،‬وكيس في رفق‪ ،‬وقصد في غنى‪ ،‬وخشوع في عبادة‬
‫وتحمل في فاقة‪ ،‬وصبر في شدة وإعطاء في حق‪ ،‬وطلب لحلل‪ ،‬ونشاط‬
‫في هدى‪ ،‬وتحرج عن طمع‪ ،‬وتنزه عن طبع‪ ،‬وبر في استقامة‪ ،‬واعتصام‬
‫بال من متابعة الشهوات‪ ،‬واستعاذة به من الشيطان الرجيم‪ ،‬يمسي وهمه‬
‫الشكر‪ ،‬ويصبح وشغله الفكر )‪ (3‬اولئك المنون المطمئنون الذين يسقون‬
‫من كأس ل لغو فيها ول تأثيم )‪ - 90 (4‬وقال عليه السلم‪ :‬المؤمنون هم‬
‫الذين عرفوا أمامهم‪ ،‬فذبلت شفاههم وغشيت عيونهم‪ ،‬وشحبت ألوانهم )‬
‫‪ (5‬حتى عرفت في وجوههم غبرة الخاشعين‪ .‬فهم عباد ال الذين مشوا‬
‫على الرض هونا‪ ،‬واتخذوها بساطا‪ ،‬وترابها فراشا‪ ،‬فرفضوا الدنيا‬
‫وأقبلوا على الخرة على منهاج المسيح بن مريم‪ ،‬إن شهدوا لم يعرفوا‪،‬‬
‫وإن غابوا لم يفتقدوا‪ ،‬وإن مرضوا لم يعادوا‪ ،‬صوام الهواجر‪ ،‬قوام‬
‫الدياجر )‪) * (6‬الهامش( * )‪ (1‬وجف الشئ اضطرب‪ ،‬والقلب‪ :‬خفق‪.‬‬
‫وطاش أي ذهب عقله‪ .‬والحلوم جمع حلم وهو العقل‪ .‬والذهول‪ .‬النسيان‬
‫والغيبة‪ (2) .‬الغائلة الداهية والفساد والمهلكة‪ .‬وغائلة التزكية عطف على‬
‫" ال " يعنى خاف ال أول وغائلة التزكية ثانيا‪ (3) .‬في بعض النسخ "‬
‫يمسى وهمته الشكر ويصبح وشغله الذكر "‪ (4) .‬أثمه من باب التفعيل‬
‫نسبه إلى الثم‪ (5) .‬شحبت لونه‪ :‬تغير من جوع أو مرض ونحوهما‪(6) .‬‬
‫الهواجر جمع الهاجرة وهى شدة حرارة النهار‪ .‬والديجور‪ :‬الظلم‪.‬‬

‫]‪[26‬‬

‫يضمحل عندهم كل فتنة‪ ،‬وينجلي عنهم كل شبهة‪ ،‬اولئك أصحابي فاطلبوهم في‬
‫أطراف الرضين‪ ،‬فإن لقيتم منهم أحدا فاسألوه أن يستغفر لكم‪ 91 - .‬وقال‬
‫عليه السلم )‪ :(1‬شيعتنا المتباذلون في وليتنا‪ ،‬المتحابون في مودتنا‬
‫المتوازرون في أمرنا‪ ،‬الذين إن غضبوا لم يظلموا‪ ،‬وإن رضوا لم يسرفوا‪،‬‬
‫بركة على من جاوروه‪ ،‬سلم لمن خالطوه‪ ،‬اولئك هم السائحون الناحلون‪،‬‬
‫الزابلون‪ ،‬ذابلة شفاههم‪ ،‬خميصة بطونهم )‪ (2‬متغيرة ألوانهم‪ ،‬مصفرة‬
‫وجوههم كثير بكاؤهم جارية دموعهم‪ .‬يفرح الناس ويحزنون‪ ،‬وينام‬
‫الناس ويسهرون‪ ،‬إذا شهدوا لم يعرفوا‪ ،‬وإذا غابوا لم يفتقدوا‪ ،‬وإذا خطبوا‬
‫البكار لم يزوجوا‪ ،‬قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة‪ ،‬وأنفسهم عفيفة‪،‬‬
‫وحوائجهم خفيفة‪ ،‬ذبل الشفاه من العطش خمص البطون من الجوع‪،‬‬
‫عمش العيون من السهر‪ ،‬الرهبانية عليهم ليحة‪ ،‬والخشية لهم لزمة‪،‬‬
‫كلما ذهب منهم سلف خلف في موضعه خلف‪ ،‬اولئك الذين يردون القيامة‬
‫وجوههم كالقمر ليلة البدر‪ .‬تغبطهم الولون والخرون‪ ،‬ول خوف عليهم‬
‫ول يحزنون‪ - 92 .‬وقال عليه السلم‪ :‬المؤمن يرغب فيما يبقى ويزهذ فيما‬
‫يفنى‪ ،‬يمزج الحلم بالعلم‪ ،‬والعلم بالعمل‪ ،‬بعيد كسله‪ ،‬دائم نشاطه‪ ،‬قريب‬
‫أمله‪ ،‬حي قلبه‪ ،‬ذاكر لسانه‪ ،‬ل يحدث بما ل يؤتمن عليه الصدقاء‪ ،‬ول‬
‫يكتم شهادة العداء‪ ،‬ل يعمل شيئا من الخير رياء ول يتركه حياء‪ ،‬الخير‬
‫منه مأمول‪ ،‬والشر منه مأمون‪ ،‬إن كان في الذاكرين لم يكتب في الغافلين‪،‬‬
‫وإن كان في الغافلين كتب في الذاكرين‪ ،‬ويعفو عمن ظلمه‪ ،‬ويعطي من‬
‫حرمه‪ ،‬ويصل من قطعه‪ ،‬ويحسن إلى من أساء إليه‪ ،‬ل يعزب حلمه‪ ،‬ول‬
‫يعجل فيما يريبه‪ ،‬بعيد جهله‪ ،‬لين قوله‪ ،‬قريب معروفه‪ ،‬غائب منكره‬
‫صادق كلمه‪ ،‬حسن فعله مقبل خيره‪ ،‬مدبر شره‪ ،‬في الزلزل وقور‪ ،‬وفي‬
‫المكاره * )الهامش( * )‪ (1‬مطالب السؤول ص ‪ (2) .53‬نحل جسمه أي‬
‫سقم‪ ،‬والناحل الرقيق الجسم من مرض أو تعب‪ .‬وذبل النبات‪ :‬قل ماؤه‬
‫وذهبت نضارته‪ .‬والذبل‪ :‬اليابسة الشفه‪ .‬والخميصة أي الضامرة‪.‬‬

‫]‪[27‬‬

‫صبور‪ ،‬وفي الرخاء شكور‪ ،‬ل يحيف على من يبغض‪ ،‬ول يأثم فيمن يحب‪ ،‬ول‬
‫يدعي ما ليس له‪ ،‬ول يجحد حقا عليه‪ ،‬يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه‪،‬‬
‫ول يضيع ما استحفظ‪ ،‬ول يرغب فيما ل تدعوه الضرورة إليه‪ ،‬ل يتنابز‬
‫باللقاب‪ ،‬ول يبغي على أحد‪ ،‬ول يهزء بمخلوق‪ ،‬ول يضار بالجار‪ ،‬ول‬
‫يشمت بالمصائب‪ ،‬مؤدب بأداء المانات‪ ،‬مسارع إلى الطاعات‪ ،‬محافظ‬
‫على الصلوات‪ ،‬بطئ في المنكرات‪ .‬ل يدخل على المور بجهل‪ ،‬ول يخرج‪،‬‬
‫عن الحق بعجز‪ ،‬إن صمت فل يغمه الصمت‪ ،‬وإن نطق ل يقول الخطأ‪ ،‬وإن‬
‫ضحك فل تعلو صوته سمعه‪ ،‬ول يجمح به الغضب )‪ (1‬ول تغلبه الهوى‪،‬‬
‫ول يقهره الشح‪ ،‬ول تملكه الشهوة‪ ،‬يخالط الناس ليعلم‪ ،‬ويصمت ليسلم‪،‬‬
‫ويسأل ليفهم‪ ،‬ينصت إلى الخير ليعمل به‪ ،‬ول يتكلم به ليفخر على ما‬
‫سواه‪ ،‬نفسه منه في عناء والناس منه في راحة‪ ،‬يتعب نفسه لخرته‬
‫ويعصي هواه لطاعة ربه‪ ،‬بعده عمن تباعد منه نزاهة‪ ،‬ودنوه ممن دنا منه‬
‫لين ورحمة‪ ،‬ليس بعده بكبر‪ ،‬ول قربه خديعة‪ ،‬مقتد بمن كان قبله من أهل‬
‫اليمان‪ ،‬إمام لمن بعده من البررة المتقين‪ - 93 .‬وقال عليه السلم‪ :‬طوبى‬
‫للزاهدين في الدنيا‪ ،‬الراغبين في الخرة‪ ،‬اولئك قوم اتخذوا أرض ال‬
‫مهادا‪ ،‬وترابها وسادا‪ ،‬وماءها طيبا‪ ،‬وجعلوا الكتاب شعارا والدعاء دثارا‪،‬‬
‫وإن ال أوحى إلى عبده المسيح عليه السلم أن قل لبني إسرائيل ل تدخلوا‬
‫بيتا من بيوتي إل بقلوب طاهرة‪ ،‬وأبصار خاشعة‪ ،‬وأكف نقية‪ ،‬وأعلمهم‬
‫أني ل اجيب لحد منهم دعوة‪ ،‬ولحد من خلقي قبله مظلمة‪ - 94 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬المؤمن وقور عند الهزاهز‪ ،‬ثبوت عند المكاره‪ ،‬صبور عند‬
‫البلء‪ ،‬شكور عند الرخاء‪ ،‬قانع بما رزقه ال‪ ،‬ل يظلم العداء‪ ،‬ول يتحامل‬
‫للصدقاء )‪ ،(2‬الناس منه راحة ونفسه منه في تعب‪ ،‬العلم خليله‪ ،‬والعقل‬
‫قرينه * )الهامش( * )‪ (1‬جمح الفرس‪ :‬تغلب على راكبه ول ينقاد له‪(2) .‬‬
‫أي ل يحتمل الوزر لجلهم‪ ،‬أو يتحمل عنهم مال يطيق التيان به من‬
‫المور المشاقة فيعجز عنها‪.‬‬

‫]‪[28‬‬

‫والحلم وزيره‪ ،‬والصبر أميره‪ ،‬والرفق أخوه‪ ،‬واللين والده‪ - 95 .‬وقوله عليه‬
‫السلم لنوف البكالي‪ :‬أتدري يا نوف من شيعتي ؟ قال‪ :‬ل وال‪ ،‬قال‪:‬‬
‫شيعتي الذبل الشفاه‪ ،‬الخمص البطون‪ ،‬الذين تعرف الرهبانية في‬
‫وجوههم‪ ،‬رهبان بالليل‪ ،‬أسد بالنهار‪ ،‬الذين إذا جنهم الليل ائتزروا على‬
‫أوساطهم‪ ،‬وارتدوا على أطرافهم )‪ (1‬وصفوا أقدامهم‪ ،‬وافترشوا جباههم‪،‬‬
‫تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى ال في فكاك أعناقهم )‪ (2‬وأما‬
‫النهار فحلماء علماء كرام نجباء أبرار أتقياء‪ ،‬يا نوف شيعتي من لم يهر‬
‫هرير الكلب‪ ،‬ولم يطمع طمع الغراب‪ ،‬ولم يسأل الناس ولو مات جوعا‪ ،‬إن‬
‫رأى مؤمنا أكرمه‪ ،‬وإن رأى فاسقأهجره‪ ،‬هؤلء وال شيعتي‪ - 96 .‬قال‬
‫نوف‪ :‬عرضت لي حاجة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلم‬
‫فاستتبعت إليه جندب بن زهير والربيع بن خثيم وابن أخيه همام بن عبادة‬
‫بن خثيم وكان من أصحاب البرانس المتعبدين فأقبلنا إليه فألفيناه حين‬
‫خرج يؤم المسجد فأفضى ونحن معه إلى نفر متدينين قد أفاضوا في‬
‫الحدوثات تفكها وهم يلهى بعضهم بعضا‪ ،‬فأسرعوا إليه قياما وسلموا‬
‫عليه‪ ،‬فرد التحية‪ ،‬ثم قال‪ :‬من القوم ؟ فقالوا اناس من شيعتك يا أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬فقال لهم‪ :‬خيرا‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا هؤلء مالي ل أرى فيكم سمة‬
‫شيعتنا‪ ،‬وحلية أحبتنا ؟ ! فأمسك القوم حياء‪ ،‬فأقبل عليه جندب والربيع‬
‫فقال له‪ :‬ماسمة شيعتك يا أمير المؤمنين ؟ فسكت فقال همام ‪ -‬كان عابدا‬
‫مجتهدا ‪ -‬أسألك بالذي أكرمكم أهل البيت وخصكم وحباكم لما أنبأتنا بصفة‬
‫شيعتك ؟ فقال‪ :‬ل تقسم فسأنبئكم جميعا ووضع يده على منكب همام وقال‪:‬‬

‫)‪ (1‬أي يشدون المئزر على وسطهم احتياطا لستر العورة فانهم كانوا ل يلبسون‬
‫السراويل أو المراد شد الوسط بالزار كالمنطقة ليجمع الثياب‪ .‬وقيل هو‬
‫كناية عن الهتمام في العبادة‪) .‬قاله المؤلف( وقوله " وارتدوا على‬
‫أطرافهم " أي يلبسون الرداءة أو يشدونها على أطرافهم ويشتملون بها‪.‬‬
‫)‪ (2‬جأر إلى ال‪ :‬تضرع ورفع صوته بالبكاء‪(*) .‬‬

‫]‪[29‬‬

‫شيعتنا هم العارفون بال‪ ،‬العاملون بأمر ال‪ ،‬أهل الفضائل‪ ،‬الناطقون بالصواب‬
‫مأكولهم القوت‪ ،‬وملبسهم القتصاد‪ ،‬ومشيهم التواضع‪ ،‬بخعوا ل تعالى‬
‫بطاعته )‪ (1‬وخضعوا له بعبادته‪ ،‬فمضوا غاضين أبصارهم عما حرم ال‬
‫عليهم‪ ،‬واقفين أسماعهم على العلم بدينهم‪ ،‬نزلت أنفسهم منهم في البلء‬
‫كالذي نزلت منهم في الرخاء‪ ،‬رضوا عن ال تعالى بالقضاء‪ ،‬فلول الجال‬
‫التي كتب ال تعالى لهم لم تستقر أرواحهم في أبدانهم طرفة عين‪ ،‬شوقا‬
‫إلى لقاء ال والثواب‪ ،‬وخوفا من أليم العقاب‪ ،‬عظم الخالق في أنفسهم‬
‫وصغر ما دونه في أعينهم‪ ،‬فهم والجنة كمن رآها فهم على أرائكها‬
‫متكئون‪ .‬وهم والنار كمن رآها فهم فيها معذبون‪ ،‬صبروا أياما قليلة‪،‬‬
‫فأعقبتهم راحة طويلة‪ ،‬أرادتهم الدنيا فلم يريدوها‪ ،‬وطلبتهم فأعجزوها‪،‬‬
‫أما الليل فصافون أقدامهم تالون لجزاء القرآن يرتلونه ترتيل‪ ،‬يعظون‬
‫أنفسهم بأمثاله‪ ،‬ويستشفون لدائهم بدوائه تارة‪ ،‬وتارة يفترشون جباههم‬
‫وأنفسهم وركبهم وأطراف أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم‪ ،‬يمجدون‬
‫جبارا عظيما ويجأرون إليه في فكاك أعناقهم‪ ،‬هذا ليلهم‪ ،‬وأما نهارهم‬
‫فحلماء علماء بررة أتقياء‪ ،‬براهم خوف باريهم )‪ (2‬فهم كالقداح تحسبهم‬
‫مرضى وقد خولطوا وما هم بذلك‪ ،‬بل خامرهم من عظمة ربهم‪ ،‬وشدة‬
‫سلطانه ما طاشت له قلوبهم‪ ،‬وذهلت منه عقولهم‪ ،‬فإذا اشتاقوا من ذلك‬
‫بادروا إلى ال تعالى بالعمال الزكية‪ ،‬ل يرضون له بالقليل‪ ،‬ول يستكثرون‬
‫له الجزيل فهم لنفسهم متهمون‪ ،‬ومن أعمالهم مشفقون‪ .‬يرى لحدهم قوة‬
‫في دين‪ ،‬وحزما في لين )‪ (3‬وإيمانا في يقين‪ ،‬وحرصا على‬

‫)‪ (1‬بخع نفسه ‪ -‬بتقديم الباء على الخاء المعجمة المفتوحة ‪ :-‬أنهكها وكاد يهلكها‬
‫من غم أو غضب‪ .‬وبخع ‪ -‬بكسر الخاء ‪ -‬بالحق‪ :‬أقر وأذعن‪ (2) .‬أي‬
‫نحتهم خوف ربهم‪ ،‬فانما يخشى ال من عباده العلماء‪ .‬والقداح جمع‬
‫القدح بالكسر فيهما‪ :‬السهم‪ (3) .‬الحزم في اللين أن يكون لينه حزما وفى‬
‫موضعه‪ ،‬ل عن مهانة وذلة‪.‬‬

‫]‪[30‬‬

‫علم‪ ،‬وفهما في فقه‪ ،‬وعلما في حلم‪ ،‬وكيسا في قصد‪ ،‬وقصدا في غنى‪ ،‬وتجمل في‬
‫فاقة‪ ،‬وصبرا في شدة‪ ،‬وخشوعا في عبادة‪ ،‬ورحمة في مجهود‪ ،‬وإعطاء‬
‫في حق ورفقا في كسب‪ ،‬وطلبا من حلل وتعففا في طمع‪ ،‬وطمعا في غير‬
‫طبع‪ ،‬ونشاطا في هدى‪ ،‬واعتصاما في شهوة‪ ،‬وبرا في استقامة‪ ،‬ل يغره‬
‫ما جهله‪ ،‬ول يدع إحصاء ما عمله‪ ،‬يستبطئ نفسه في العمل وهو من‬
‫صالح عمله على وجل‪ ،‬يصبح وشغله الذكر ويمسي وهمه الشكر‪ ،‬يبيت‬
‫حذرا من سنة الغفلة‪ ،‬ويصبح فرحا بما أصاب من الفضل والرحمة‪ .‬وإن‬
‫استصعب عليه نفسه فيما تكره لم يطعها سؤلها مما إليه تسره‪ ،‬رغبته‬
‫فيما يبقى‪ ،‬وزهادته فيما يفنى‪ ،‬قد قرن العلم بالعمل والعمل بالحلم‪ ،‬ويظل‬
‫دائما نشاطه‪ ،‬بعيدا كسله‪ ،‬قريبا أمله‪ ،‬قليل زل‪ ،‬متوقعا أجله‪ ،‬خاشعا قلبه‪،‬‬
‫ذاكرا ربه‪ ،‬قانعة نفسه‪ ،‬عازبا جهله‪ ،‬محرزا دينه‪ ،‬ميتا داؤه‪ ،‬كاظما‬
‫غيظه‪ ،‬صافيا خلقه آمنا منه جاره‪ ،‬سهل أمره‪ ،‬معدوما كبره‪ ،‬متينا صبره‪،‬‬
‫كثيرا ذكره‪ .‬ل يعمل شيئا من الخير رياء‪ ،‬ول يتركه حياء‪ .‬اولئك شيعتنا‬
‫وأحبتنا ومنا ومعنا‪ ،‬آها وشوقا إليهم‪ .‬فصاح همام صيحة ووقع مغشيا‬
‫عليه‪ ،‬فحركوه فإذا هو قد فارق الدنيا ‪ -‬رحمه ال تعالى ‪ -‬فغسل وصلى‬
‫عليه أمير المؤمنين عليه السلم ونحن معه‪ .‬فشيعته عليه السلم هذه‬
‫صفتهم وهي صفة المؤمنين‪ .‬وتقدم بعضها‪ - 97 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫الجنة التي أعدها ال تعالى للمؤمنين خطافة لبصار الناظرين فيها درجات‬
‫متفاضلت‪ ،‬ومنازل متعاليات‪ ،‬ل يبيد نعيمها ول يضمحل حبورها ول‬
‫ينقطع سرورها ول يظعن مقيمها ول يهرم خالدها ول يبؤس ساكنها‪ ،‬آمن‬
‫سكانها من الموت فل يخافون‪ ،‬صفالهم العيش‪ ،‬ودامت لهم النعمة في‬
‫أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة‬
‫للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من‬
‫ربهم‪ .‬على فرش موزونة وأزواج مطهرة وحور عين كأنهن اللؤلؤ‬
‫المكنون‪ ،‬وفاكهة كثيرة ل مقطوعة ول ممنوعة‬

‫]‪[31‬‬

‫" والملئكة يدخلون عليهم من كل باب سلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار "‪.‬‬
‫أقول‪ :‬قد مضى في كتاب اليمان والكفر في باب المؤمن وصفاته خبر همام‬
‫وطلبه عنه عليه السلم ذكر صفات المؤمن وأنه عليه السلم قال الخطبة‬
‫بمسجد الكوفة بعدة طرق من كتب عديدة ولكن بينها أنواع من الختلفات‪،‬‬
‫وكذلك بينها وبين هذا الخبر فل تغفل‪ ،‬ثم قد سبق في ذلك الباب كلم ابن‬
‫أبي الحديد من كون همام هذا هو همام بن شريح بن يزيد بن مرة‪،‬‬
‫والمذكور هنا ينافيه كما ل يخفى‪ - 98 .‬جع‪ (1) ،‬جاء رجل إلى أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم فقال‪ :‬جئتك لسأل عن أربعة مسائل‪ ،‬فقال عليه‬
‫السلم‪ :‬سل وإن كان أربعين‪ .‬فقال‪ :‬أخبرني ما الصعب وما الصعب ؟ وما‬
‫القريب وما القرب ؟ وما العجب وما العجب ؟ وما الواجب وما‬
‫الوجب ؟‪ .‬فقال عليه السلم‪ :‬الصعب المعصية‪ ،‬والصعب فوت ثوابها‪،‬‬
‫والقريب كل ما هو آت والقرب هو الموت‪ ،‬والعجب هو الدنيا وغفلتنا فيها‬
‫أعجب‪ ،‬والواجب هو التوبة‪ ،‬وترك الذنوب هو الوجب‪ - 99 .‬قيل‪ :‬جاء‬
‫رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلم وقال‪ :‬جئتك من سبعمائة فرسخ‬
‫لسألك عن سبع كلمات فقال عليه السلم‪ :‬سل ما شئت‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬أي‬
‫شئ أعظم من السماء ؟ وأي شئ أوسع من الرض ؟ وأي شئ أضعف من‬
‫اليتيم ؟ وأي شئ أحر من النار ؟ وأي شئ أبرد من الزمهرير ؟ وأي شئ‬
‫أغنى من البحر ؟ وأي شئ أقسى من الحجر ؟ قال أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم‪ :‬البهتان على البرئ أعظم من السماء والحق أوسع من الرض‪،‬‬
‫ونمائم الوشاة أضعف من اليتيم )‪ (2‬والحرص أحر من النار‪ ،‬وحاجتك إلى‬
‫البخيل أبرد من الزمهرير‪ ،‬والبدن القانع أغنى من البحر‪ ،‬وقلب الكافر‬
‫أقسى من الحجر‪ - 100 .‬ختص )‪ (3‬روى عن أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫أنه قال‪ :‬المفتخر بنفسه أشرف‬

‫)‪ (1‬جامع الخبار ص ‪ .161‬الفصل السادس والتسعون‪ (2) .‬الواشى هو النمام‬


‫عند المير أو الحاكم أو السلطان وجمعه الوشاة‪ (3) .‬الختصاص‪.188 :‬‬

‫]‪[32‬‬

‫من المفتخر بأبيه لني أشرف من أبي والنبي صلى ال عليه وآله أشرف من أبيه‬
‫وإبراهيم أشرف من تارخ‪ - 101 .‬قيل‪ :‬وبم الفتخار ؟ قال‪ :‬بإحدى ثلث‪:‬‬
‫مال ظاهر‪ ،‬أو أدب بارع أو صناعة ل يستحي المرء منها‪ - 102 .‬قيل‪:‬‬
‫لمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬كيف أصبحت يا أمير المؤمنين ؟ قال‪:‬‬
‫أصبحت آكل وأنتظر أجلي‪ - 103 .‬قيل له عليه السلم‪ :‬فما تقول في‬
‫الدنيا ؟ قال‪ :‬فما أقول في دار أولها غم‪ ،‬وآخرها الموت‪ ،‬من استغنى فيها‬
‫افتقر‪ ،‬ومن افتقر فيها حزن‪ ،‬في حللها حساب وفي حرامها النار‪- 104 .‬‬
‫قيل‪ :‬فمن أغبط الناس ؟ قال‪ :‬جسد تحت التراب قد أمن من العقاب ويرجو‬
‫الثواب‪ - 105 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من زار أخاه المسلم في ال ناداه ال‬
‫أيها الزائر طبت وطابت لك الجنة‪ - 106 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ما قضى‬
‫مسلم لمسلم حاجة إل ناداه ال علي ثوابك ول أرضى لك بدون الجنة‪.‬‬
‫‪ - 107‬وقال عليه السلم‪ :‬ثلثة يضحك ال إليهم يوم القيامة‪ :‬رجل يكون‬
‫على فراشه مع زوجته وهو يحبها فيتوضأ ويدخل المسجد فيصلي ويناجي‬
‫ربه‪ ،‬ورجل أصابته جنابة ولم يصب ماء فقام إلى الثلج فكسره ثم دخل فيه‬
‫واغتسل‪ ،‬ورجل لقى عدوا وهو مع أصحابه وجاءهم مقاتل فقاتل حتى قتل‪.‬‬
‫‪ - 108‬وقال عليه السلم‪ :‬التعزية تورث الجنة‪ - 109 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫إذا حملت بجوانب سرير الميت خرجت من الذنوب كما ولدتك أمك‪- 110 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬من اشترى لعياله لحما بدرهم كان كمن أعتق نسمة من‬
‫ولد إسماعيل‪.‬‬

‫]‪[33‬‬

‫‪ - 111‬وقال عليه السلم‪ :‬من شرب من سؤر أخيه تبركا به خلق ال بينهما ملكا‬
‫يستغفر لهما حتى تقوم الساعة‪ - 112 .‬وقال عليه السلم‪ :‬في سؤر‬
‫المؤمن شفاء من سبعين داء‪ - 113 .‬ختص‪ (1) :‬محمد بن الحسين‪ ،‬عن‬
‫محمد بن سنان‪ ،‬عن بعض رجاله عن أبي الجارود يرفعه قال‪ :‬قال أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ :‬من أوقف نفسه موقف التهمة فل يلومن من أساء‬
‫به الظن‪ ،‬ومن كتم سره كانت الخيرة في يده‪ ،‬وكل حديث جاوز اثنين‬
‫فشى‪ ،‬وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك‪ ،‬ول تظنن‬
‫بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محمل‪ ،‬وعليك‬
‫بإخوان الصدق فكثر في اكتسابهم عدة عند الرخاء‪ ،‬وجندا عند البلء‪،‬‬
‫وشاور حديثك الذين يخافون ال‪ ،‬وأحبب الخوان على قدر التقوى‪ ،‬واتقوا‬
‫شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر‪ ،‬إن أمرنكم بالمعروف‬
‫فخالفوهن حتى ل يطمعن في المنكر‪ - 114 .‬ما )‪ (2‬عن جماعة‪ ،‬عن أبي‬
‫المفضل‪ ،‬عن محمد بن جعفر الرزاز‪ ،‬عن أيوب بن نوح‪ ،‬عن الشارب بن‬
‫ذراع )‪ (3‬عن أخيه يسار‪ ،‬عن حمران‪ ،‬عن أبي عبد ال عن أبيه عليهما‬
‫السلم‪ ،‬عن جابر بن عبد ال قال‪ :‬بينا أمير المؤمنين عليه السلم في‬
‫جماعة من أصحابه أنا فيهم إذ ذكروا الدنيا وتصرفها بأهلها فذمها رجل‬
‫فذهب في ذمها كل مذهب فقال له أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬أيها الذام‬
‫للدنيا‪ ،‬أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك ؟ فقال‪ :‬بل أنا المتجرم‬
‫عليها يا أمير المؤمنين‪ ،‬قال‪ :‬فبم تذمها ؟ أليست منزل صدق لمن صدقها‪،‬‬
‫ودار غنى لمن تزود منها‪ ،‬ودار عافية لمن فهم عنها‪ ،‬ومساجد أنبياء ال‪،‬‬
‫ومهبط وحيه‪ ،‬ومصلى ملئكته‪ ،‬ومتجر أوليائه‪ ،‬اكتسبوا فيها الرحمة‪،‬‬
‫ورجوا فيها الجنة‪ ،‬فمن ذا يذمها ؟ وقد آذنت ببينها‪ ،‬ونادت بانقطاءها‪،‬‬
‫ونعت نفسها وأهلها‬

‫)‪ (1‬المصدر ص ‪ 226‬وفيه محمد بن الحسن‪ (2) .‬المالى ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .207‬في‬
‫المصدر " بشار بن ذراع "‪.‬‬

‫]‪[34‬‬

‫فمثلت ببلئها البلى‪ ،‬وشوقت بسرورها إلى السرور‪ ،‬تخويفا وترغيبا فابتكرت‬
‫بعافية‪ ،‬وراحت بفجيعة‪ ،‬فذمها رجال فرطوا غداة الندامة‪ ،‬وحمدها آخرون‬
‫اكتسبوا فيه الخير‪ ،‬فيا أيها الذام للدنيا‪ ،‬المغتر بغرورها ! متى استذمت‬
‫إليك أو متى غرتك ؟ أم بمضاجع آبائك من البلى‪ ،‬أم بمصارع امهاتك تحت‬
‫الثرى‪ ،‬كم مرضت بيديك‪ ،‬وعالجت بكفيك‪ ،‬تلتمس لهم الشفاء‪ ،‬وتستوصف‬
‫لهم الطباء‪ ،‬لم تنفعهم بشفاعتك‪ ،‬ولم تسعفهم في طلبتك‪ ،‬مثلت لك ‪ -‬ويحك‬
‫‪ -‬الدنيا بمصرعهم مصرعك‪ ،‬و بمضجعهم مضجعك‪ ،‬حين ل يغني بكاؤك‪،‬‬
‫ول ينفعك أحباؤك‪ .‬ثم التفت إلى أهل المقابر فقال‪ :‬يا أهل التربة‪ ،‬ويا أهل‬
‫القربة أما المنازل فقد سكنت‪ ،‬وأما الموال فقد قسمت‪ ،‬وأما الزواج فقد‬
‫نكحت‪ ،‬هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم ؟ ثم أقبل على أصحابه فقال‪:‬‬
‫وال لو أذن لهم في الكلم لخبروكم أن خير الزاد التقوى‪ - 115 .‬ما )‪(1‬‬
‫عن جماعة‪ ،‬عن أبي المفضل‪ ،‬عن عبيد ال بن الحسين العلوي‪ ،‬عن‬
‫محمد بن علي بن حمزة العلوي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الرضا‪ ،‬عن آبائه عليهم‬
‫السلم قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬الهيبة خيبة )‪ (2‬والفرصة‬
‫خلسته‪ ،‬والحكمة ضالة المؤمن فاطلبوها ولو عند المشرك تكونوا أحق بها‬
‫وأهلها‪ - 116 .‬ما )‪ (3‬عن أحمد بن محمد بن الصلت‪ ،‬عن ابن عقدة‪ ،‬عن‬
‫محمد بن عيسى الضرير‪ ،‬عن محمد بن زكريا المكي‪ ،‬عن كثير بن طارق‪،‬‬
‫عن زيد‪ ،‬عن أبيه علي ابن الحسين عليهما السلم قال‪ :‬خطب علي بن أبي‬
‫طالب عليه السلم بهذه الخطبة في يوم الجمعة فقال‪ :‬الحمد ل المتوحد‬
‫بالقدم والزلية الذي ليس له غاية في دوامه‪ ،‬ول له أولية‪ ،‬أنشأ صنوف‬
‫البرية ل عن اصول كانت بدية )‪ (4‬وارتفع من مشاركة النداد‬

‫)‪ (1‬المالى ج ‪ 2‬ص ‪ 237‬و ‪ (2) .238‬يعنى من تهيب أمرا خاب من ادراكه‪.‬‬
‫والخلسة ‪ -‬بضم الخاء ‪ :-‬الفرصة المناسبة وفى المثل " الخلسة سريعة‬
‫الفوت بطيئة العود " ويأتى نظيره عن قريب‪ (3) .‬المالى ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ (4) .315‬البدء والبديئة‪ :‬اول الحال والنشأة‪.‬‬

‫]‪[35‬‬

‫وتعالى عن اتخاذ صاحبة وأولد‪ ،‬هو الباقي بغير مدة‪ ،‬والمنشئ ل بأعوان‪ ،‬ل بآلة‬
‫فطر‪ ،‬ول بجوارح صرف ما خلق‪ ،‬ل يحتاج إلى محاولة التفكير‪ ،‬ول‬
‫مزاولة مثال ول تقدير‪ ،‬أحدثهم على صنوف من التخطيط والتصوير‪ ،‬ل‬
‫بروية ول ضمير‪ ،‬سبق علمه في كل المور‪ ،‬ونفذت مشيته في كل ما يريد‬
‫في الزمنة والدهور‪ ،‬وانفرد بصنعة الشياء فأتقنها بلطائف التدبير‪،‬‬
‫سبحانه من لطيف خبير‪ ،‬ليس كمثله شئ وهو السميع البصير‪- 117 .‬‬
‫كتاب الغارات )‪ (1‬لبراهيم بن محمد الثقفي‪ ،‬عن عبد الرحمن بن نعيم عن‬
‫أشياخ من قومه إن عليا عليه السلم كان كثيرا ما يقول في خطبته‪ :‬أيها‬
‫الناس إن الدنيا قد أدبرت وآذنت أهلها بوداع‪ ،‬وإن الخرة قد أقبلت وآذنت‬
‫باطلع‪ ،‬أل وإن المضمار اليوم والسباق غدا‪ ،‬أل وإن السبق الجنة‪،‬‬
‫والغاية النار‪ ،‬أل وإنكم في إيام مهل من ورائه أجل يحثه عجل‪ ،‬فمن عمل‬
‫في أيام مهله قبل حضور أجله نفعه عمله‪ ،‬ولم يضره أمله‪ ،‬أل وإن المل‬
‫يسهي القلب ويكذب الوعد ويكثر الغفلة ويورث الحسرة‪ ،‬فاعزبوا عن‬
‫الدنيا )‪ (2‬كاشد ما أنتم عن شئ تعزبون‪ ،‬فإنها من ورود صاحبها منها في‬
‫غطاء معنى‪ ،‬وافزعوا إلى قوام دينكم بإقامة الصلة لوقتها و أداء الزكاة‬
‫لهلها )‪ (3‬والتضرع إلى ال والخشوع له‪ ،‬وصلة الرحم‪ ،‬وخوف المعاد‬
‫وإعطاء السائل‪ ،‬وإكرام الضيف‪ ،‬وتعلموا القرآن واعملوا به‪ ،‬واصدقوا‬
‫الحديث وآثروه‪ ،‬وأوفوا بالعهد إذا عاهدتم وأدوا المانة إذا ائتمنتم‪،‬‬
‫وارغبوا في ثواب ال وخافوا عقابه فاني لم أر كالجنة نام طالبها‪ ،‬ول‬
‫كالنار نام هاربها‪ ،‬فتزودوا من الدنيا ما تحوزوا به أنفسكم غدا من النار‪،‬‬
‫واعملوا بالخير تجزوا بالخير يوم يفوز أهل الخير بالخير‪.‬‬

‫)‪ (1‬مخلوط‪ (2) .‬عزب‪ :‬بعد وغاب وخفى‪ (3) .‬في بعض النسخ " أداء الزكاة‬
‫لمحلها "‪.‬‬

‫]‪[36‬‬

‫‪) * - 16‬باب( * * " )ما جمع من جوامع كلم( " * أمير المؤمنين صلى ال عليه‬
‫وعلى ذريته‪ :‬وقد جمع الجاحظ من علماء العامة مائة كلمة من مفردات‬
‫كلمه عليه السلم‪ ،‬وهي رسالة معروفة شايعة‪ ،‬وقد جمع بعض علمائنا‬
‫أيضا كلماته عليه السلم في كتاب نثر الللي‪ ،‬والسيد الرضي ‪ -‬رحمه ال‬
‫‪ -‬قد أورد كلماته عليه السلم في مطاوي نهج البلغة‪ ،‬ول سيما في‬
‫أواخره‪ ،‬وكذا في كتاب خصائص الئمة عليهم السلم‪ ،‬ثم جمع بعده‬
‫المدي من أصحابنا أيضا كثيرا من ذلك في كتاب الغرر والدرر‪ ،‬وهو كتاب‬
‫مشهور متداول‪ .‬ثم قد أوردها مع كلمات النبي وسائر الئمة عليهم السلم‬
‫جماعة اخرى من العامة والخاصة أيضا في مؤلفاتهم ومنهم الحسن بن‬
‫علي بن شعبة في كتاب تحف العقول‪ ،‬والحسين بن محمد بن الحسن في‬
‫كتاب النزهة الناظر‪ ،‬والشهيد في كتاب الدرة الباهرة من الصداف‬
‫الطاهرة‪ ،‬وكذا الشيخ علي بن محمد الليثي الواسطي في كتاب عيون الحكم‬
‫والمواعظ وخيرة المتعظ والواعظ‪ ،‬الذي قد سمينا بكتاب العيون‬
‫والمجاسن‪ ،‬وهو يشتمل على كثير من كلماته‪ ،‬وكلمات باقي الئمة عليهم‬
‫السلم‪ .‬وقد جمع الشيخ سعد بن عبد القاهر أيضا من علمائنا بين كلمات‬
‫النبي صلى ال عليه وآله المذكور في كتاب الشهاب للقاضي القضاعي من‬
‫العامة وبين كلماته عليه السلم المذكورة في النهج في كتاب مجمع‬
‫البحرين ونحن قد أوردنا كل كلم له عليه السلم وله خبر في باب يناسبه‬
‫في مطاوي هذا الكتاب أعني كتابنا بحار النوار بقدر المكان والن لنذكر‬
‫شطرا صالحا من ذلك إن شاء ال تعالى‪ - 1 .‬ف )‪ :(1‬قال عليه السلم‪:‬‬
‫من كنوز الجنة البر وإخفاء العمل والصبر على‬

‫)‪ (1‬التحف ص ‪.200‬‬

‫]‪[37‬‬
‫الرزايا )‪ (1‬وكتمان المصائب‪ - 2 .‬وقال عليه السلم‪ :‬حسن الخلق خير قرين‪،‬‬
‫وعنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه‪ - 3 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الزاهد في‬
‫الدنيا من لم يغلب الحرام صبره‪ ،‬ولم يشغل الحلل شكره‪ - 4 .‬وكتب عليه‬
‫السلم‪ :‬إلى عبد ال بن عباس )‪ :(2‬أما بعد فإن المرء يسره درك ما لم‬
‫يكن ليفوته‪ ،‬ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه‪ ،‬فليكن سرورك بما نلته من‬
‫آخرتك‪ ،‬وليكن أسفك على ما فاتك منها‪ .‬ومانلته من الدنيا فل تكثرن به‬
‫فرحا‪ ،‬وما فاتك منها فل تأسفن عليه حزنا‪ ،‬وليكن همك فيما بعد الموت‪5 .‬‬
‫‪ -‬وقال عليه السلم‪ :‬في ذم الدنيا‪ :‬أولها عناء وآخرها فناء )‪ ،(3‬في‬
‫حللها حساب وفي حرامها عقاب‪ .‬من صح فيها أمن‪ ،‬ومن مرض فيها‬
‫ندم‪ ،‬من استغنى فيها فتن‪ ،‬ومن افتقر فيها حزن‪ ،‬من ساعاها فاتته )‪(4‬‬
‫ومن قعد عنها أتته‪ ،‬ومن نظر إليها أعمته‪ ،‬ومن نظر بها بصرته )‪- 6 .(5‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬احبب حبيبك هونا ما عسى أن يعصيك يوما ما )‪(6‬‬
‫وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما‪ - 7 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬لغنى مثل العقل‪ ،‬ول فقر أشد من الجهل‪ - 8 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫قيمة كل امرء ما يحسن‪.‬‬

‫)‪ (1‬الرزايا‪ :‬جمع الرزية‪ :‬المصيبة العظيمة‪ (2) .‬منقول في النهج بادنى اختلف‪) .‬‬
‫‪ (3‬العناء‪ :‬النصب والتعب‪ " (4) .‬ساعاها " أي غالبها في السعي‪ ،‬وفى‬
‫كنز الفوائد " فاتنه "‪ (5) .‬أي نظرها بعين الحقيقة نظر تأمل وتفكر‪.‬‬
‫وفى كنز الفوائد " ومن نظر إليها ألهته ومن تهاون بها نصرته "‪(6) .‬‬
‫الهون‪ :‬الرفق‪ ،‬السهل‪ ،‬السكينة والمراد احببه حبا مقتصدا ل افراط فيه‪.‬‬
‫وأبغضه بغضا مقتصدا‪.‬‬

‫]‪[38‬‬

‫‪ - 9‬وقال عليه السلم‪ :‬قرنت الهيبة بالخيبة )‪ .(1‬والحياء بالحرمان‪ .‬والحكمة‬


‫ضالة المؤمن فليطلبها ولو في أيدي أهل الشر‪ - 10 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫لو أن حملة العلم حملوه بحقه لحبهم ال وملئكته وأهل طاعته من خلقه‪،‬‬
‫ولكنهم حملوه لطلب الدنيا‪ ،‬فمقتهم ال وهانوا على الناس‪ - 11 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬أفضل العبادة الصبر‪ ،‬والصمت‪ ،‬وانتظار الفرج‪ - 12 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬إن للنكبات غايات لبد أن تنتهي إليها‪ ،‬فإذا حكم على أحدكم‬
‫بها فليطأ طألها ويصبر حتى تجوز )‪ (2‬فإن إعمال الحيلة فيها عند إقبالها‬
‫زائد في مكروهها‪ - 13 .‬وقال عليه السلم للشتر‪ :‬يا مالك احفظ عني هذا‬
‫الكلم وعه‪ .‬يا مالك بخس مروته من ضعف يقينه‪ .‬وأزرى بنفسه من‬
‫استشعر الطمع )‪ (3‬ورضي ]‍ب[ الذل من كشف ]عن[ ضره‪ .‬وهانت عليه‬
‫نفسه من اطلع على سره‪ .‬وأهلكها من أمر عليه لسانه )‪ .(4‬الشره جزار‬
‫الخطر‪ ،‬من أهوى إلى متفاوت خذلته الرغبة )‪ (5‬البخل عار‪ ،‬والجبن‬
‫منقصة‪ ،‬والورع جنة‪ ،‬والشكر ثروة‪ ،‬والصبر شجاعة والمقل غريب في‬
‫بلده )‪ ،(6‬والفقر يخرس الفطن عن حجته )‪ ،(7‬ونعم القرين‬

‫)‪ (1‬الهيبة‪ .‬المخافة‪ .‬والخيبة‪ :‬عدم الظفر بالمطلوب‪ .‬وقد مر آنفا‪ (2) .‬طأطأ‪:‬‬
‫خفض وخضع‪ (3) .‬أي احتقرها‪ .‬يقال‪ :‬أزرى به أي عابه ووضع من‬
‫حقه‪ (4) .‬أمر لسانه أي جعله أميرا على نفسه‪ - (5) .‬الشره‪ :‬اشد‬
‫الحرص وطلب المال مع القناعة‪ .‬والجزار‪ :‬الذباح‪ .‬والمتفاوت‪ :‬المتباعد‬
‫وفى كنز الفوائد " إلى متفاوت المور " وفى النهج " من أومأ إلى‬
‫متفاوت خذلته الحيل " أي من طلب تحصيل المتباعدات وضم بعضها إلى‬
‫بعض لم ينجح فيها فخذلته الحيل والرغبة فيما يريد‪ (6) .‬المقل‪ :‬الفقير‪.‬‬
‫وفى النهج " في بلدته "‪ (7) .‬الفطن‪ - .‬بفتح فكسر ‪ :-‬الفاطن أي‬
‫صاحب الفطنة والحذاقة‪.‬‬

‫]‪[39‬‬

‫الرضى‪ ،‬الدب حلل جدد )‪ ،(1‬ومرتبة الرجل عقله‪ ،‬وصدره خزانة سره والتثبت‬
‫حزم‪ ،‬والفكر مرآه صافية‪ ،‬والحلم سجية فاضلة‪ ،‬والصدقة دواء منجح )‬
‫‪ ،(2‬وأعمال القوم في عاجلهم نصب أعينهم في آجلهم‪ ،‬والعتبار تدبر‬
‫صلح )‪ ،(3‬والبشاشة فخ المودة‪ - 14 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الصبر من‬
‫اليمان كمنزلة الرأس من الجسد‪ ،‬فمن ل صبر له ل إيمان له‪ - 15 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬أنتم في مهل‪ ،‬من ورائه أجل‪ ،‬ومعكم أمل يعترض دون‬
‫العمل‪ ،‬فاغتنموا المهل‪ ،‬وبادروا الجل‪ ،‬وكذبوا المل‪ ،‬وتزودوا من العمل‪،‬‬
‫هل من خلص ؟ أو مناص ؟ أو فرار ؟ أو مجاز ؟ أو معاذ ؟ أو ملذ ؟ أول‬
‫؟ فأنى تؤفكون‪ - 16 .‬وقال عليه السلم‪ :‬اوصيكم بتقوى ال فإنها غبطة‬
‫للطالب الراجي‪ ،‬وثقة للهارب اللجي‪ ،‬استشعروا التقوى شعارا باطنا‪،‬‬
‫واذكروا ال ذكرا خالصا تحيوا به أفضل الحياة‪ ،‬وتسلكوا به طرق النجاة‪،‬‬
‫وانظروا إلى الدنيا نظر الزاهد المفارق‪ ،‬فإنها تزيل الثاوي الساكن )‪.(4‬‬
‫وتفجع المترف المن‪ ،‬ل يرجى منها ماولى فأدبر‪ ،‬ول يدرى ما هو آت‬
‫منها فيستنظر وصل الرخاء منها بالبلء‪ ،‬والبقاء منها إلى الفناء‪،‬‬
‫سرورها مشوب بالحزن‪ ،‬والبقاء منها إلى الضعف والوهن‪ - 17 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬إن الخيلء من التجبر‪ ،‬والتجبر من النخوة‪ ،‬والنخوة من‬
‫التكبر‪ ،‬وإن الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل‪ ،‬إن المسلم أخ المسلم‬

‫)‪ (1‬الحلل‪ :‬جمع الحلة ‪ -‬بالضم ‪ :-‬كل ثوب جديد‪ .‬والجدد‪ :‬جمع جديد‪ (2) .‬انجحت‬
‫حاجته‪ :‬قضيت‪ ،‬والرجل‪ :‬فاز وظفر بها‪ (3) .‬كذا والصحيح " والعتبار‬
‫منذر صالح " كما في النهج‪ .‬والفخ‪ .‬المصيدة أي آلة يصاد بها‪ .‬وفى‬
‫النهج " والبشاشة حبالة المودة " والحبالة ‪ -‬بالضم ‪ -‬شبكة الصيد‪(4) .‬‬
‫الثاوى‪ :‬القائم‪ .‬يعنى أن الدنيا تزيل من اقام بها واتخذها وطنا‪.‬‬

‫]‪[40‬‬

‫فل تخاذلوا ول تنابزوا فإن شرايع الدين واحدة‪ ،‬وسبله قاصدة‪ ،‬فمن أخذ بها لحق‪،‬‬
‫ومن فارقها محق‪ ،‬ومن تركها مرق )‪ .(1‬ليس المسلم بالكذوب إذا نطق‬
‫ول بالمخلف إذا وعد‪ ،‬ول بالخائن إذا ائتمن‪ - 18 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫العقل خليل المؤمن‪ ،‬والحلم وزيره‪ ،‬والرفق والده‪ ،‬واللين أخوه‪ .‬ول بد‬
‫للعاقل من ثلث‪ :‬أن ينظر في شأنه‪ ،‬ويحفظ لسانه‪ ،‬ويعرف زمانه‪ ،‬أل وإن‬
‫من البلء الفاقة‪ ،‬وأشد من الفافة مرض البدن وأشد من مرض البدن‬
‫مرض القلب‪ ،‬أل وإن من النعم سعة المال‪ ،‬وأفضل من سعة المال صحة‬
‫البدن‪ ،‬وأفضل من صحة البدن تقوى القلب‪ - 19 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن‬
‫للمؤمن ثلث ساعات‪ :‬فساعة يناجي فيها ربه‪ ،‬و ساعة يحاسب فيها‬
‫نفسه‪ ،‬وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل‪ .‬و ليس‬
‫للعاقل أن يكون شاخصا إل في ثلث‪ :‬مرمة لمعاشه )‪ (2‬وخطوة لمعاده أو‬
‫لذة في غير محرم‪ - 20 .‬وقال عليه السلم‪ :‬كم مستدرج بالحسان إليه )‬
‫‪ (3‬وكم من مغرور بالستر عليه‪ ،‬وكم من مفتون بحسن القول فيه‪ ،‬وما‬
‫ابتلى ال عبدا بمثل الملء له )‪ .(4‬قال ال عزوجل‪ " :‬إنما نملي لهم‬
‫ليزدادوا إثما " )‪ - 21 .(5‬وقال عليه السلم‪ :‬ليجتمع في قلبك الفتقار إلى‬
‫الناس والستغناء عنهم يكون افتقارك إليهم في لين كلمك وحسن بشرك )‬
‫‪ (6‬ويكون استغناؤك عنهم في‬

‫)‪ (1‬محق‪ :‬هلك‪ .‬ومرق‪ :‬خرج من الدين بضللة أو بدعة‪ (2) .‬رممت الشئ ‪-‬‬
‫بالتئقيل ‪ :-‬اصلحته‪ .‬والمرمة‪ :‬الصلح‪ (3) .‬استدرجه ال من حيث ل‬
‫يعلم بالنعام والحسان إليه‪ ،‬وهو يعصى ال ول يعلم أن ذلك بلغا للحجة‬
‫عليه واقامة للمعذرة في أخذه‪ (4) .‬الملء‪ :‬المهال‪ (5) .‬سورة آل‬
‫عمران‪ (6) .178 :‬البشر ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬بشاشة الوجه‪ .‬والنزاهة‪ :‬العفة‬
‫والبعد عن المكروه‪.‬‬

‫]‪[41‬‬

‫نزاهة عرضك وبقاء عزك‪ - 22 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل تغضبوا‪ ،‬ول تعضبوا )‪(1‬‬
‫افشوا السلم‪ ،‬وأطيبوا الكلم‪ - 23 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الكريم يلين إذا‬
‫استعطف واللئيم يقسوا إذا ألطف‪ - 24 .‬وقال عليه السلم أل اخبركم‬
‫بالفقيه حق الفقيه ؟ من لم يرخص الناس في معاصي ال‪ ،‬ولم يقنطهم من‬
‫رحمة ال‪ ،‬ولم يؤمنهم من مكر ال‪ ،‬ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى ما‬
‫سواه‪ ،‬ول خير في عبادة ليس فيها نفقه‪ ،‬ول خير في علم ليس فيه تفكر‬
‫ول خير في قراءة ليس فيها تدبر‪ - 25 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن ال إذا جمع‬
‫الناس نادى فيهم مناد أيها الناس إن أقربكم اليوم من ال أشدكم منه خوفا‪،‬‬
‫وإن أحبكم إلى ال أحسنكم له عمل وإن أفضلكم عنده منصبا أعملكم )‪(2‬‬
‫فيما عنده رغبة‪ ،‬وإن أكركم عليه أتقاكم‪ - 26 .‬وقال عليه السلم‪ :‬عجبت‬
‫لقوام يحتمون الطعام مخافة الذى كيف ل يحتمون الذنوب مخافة النار ؟‬
‫)‪ (3‬وعجبت ممن يشتري المماليك بماله كيف ل يشتري الحرار بمعروفه‬
‫فيملكهم ؟ ثم قال‪ :‬إن الخير والشر ل يعرفان إل بالناس‪ ،‬فإذا أردت أن‬
‫تعرف الخير )‪ (4‬فاعمل الخير تعرف أهله‪ ،‬وإذا أردت أن تعرف الشر‬
‫فاعمل الشر تعرف أهله‪ - 27 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إنما أخشى عليكم اثنين‪:‬‬
‫طول المل‪ ،‬واتباع الهوى أما طول المل فينسي الخرة‪ ،‬وأما اتباع‬
‫الهوى‪ ،‬فانه يصد عن الحق‪ - 28 .‬وسأله رجل بالبصرة عن الخوان‬
‫فقال‪ :‬الخوان صنفان‪ :‬إخوان الثقة وإخوان المكاشرة‪ ،‬فأما إخوان الثقة‬
‫فهم الكهف والجناح )‪ (5‬والهل و‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " ول تغضبوا " والصحيح كما في المتن " ول تعضبوا " أي‬
‫ل تقطعوا‪ (2) .‬في بعض النسخ " أعلمكم "‪ (3) .‬يحتمون أي يتقون‪) .‬‬
‫‪ (4‬في بعض النسخ " أن تعمل الخير "‪ (5) .‬المكاشرة ‪ -‬مفاعلة من‬
‫كشر كضرب ‪ -‬وكشر الرجل عن أسنانه أي أبدى وأظهر ‪- - - -‬‬

‫]‪[42‬‬

‫المال‪ ،‬فإن كنت من أخيك على حد الثقة فابذل له مالك ويدك وصاف من صافاه )‪(1‬‬
‫وعاد من عاداه‪ ،‬واكتم سره وعيبه‪ ،‬وأظهر منه الحسن إعلم أيها السائل‬
‫أنهم أقل من الكبريب الحمر‪ ،‬وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك‬
‫فل تقطعن منهم لذتك‪ ،‬ول تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم‪ ،‬وابذل لهم ما‬
‫بذلوا لك من طلقة الوجه وحلوة اللسان‪ - 29 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل‬
‫تتخذن عدو صديقك صديقا فتعدي صديقك‪ - 30 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل‬
‫تصرم أخاك على ارتياب ول تقطعه دون استعتاب )‪ - 31 .(2‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬ينبغي للمسلم أن يجتنب مؤاخاة ثلثة‪ :‬الفاجر )‪ (3‬والحمق‪،‬‬
‫والكذاب‪ .‬فأما الفاجر فيزين لك فعله‪ ،‬ويحب أنك مثله‪ ،‬ول يعينك على أمر‬
‫دينك ومعادك‪ ،‬فمقارنته جفاء وقسوة‪ ،‬ومدخله عار عليك )‪ .(4‬وأما‬
‫الحمق فإنه ل يشير عليك بخير‪ ،‬ول يرجه لصرف السوء عنك ولو جهد‬
‫نفسه )‪ (5‬وربما أراد نفعك فضرك‪ ،‬فموته خير من حياته‪ ،‬وسكوته خير‬
‫من نطقه‪ ،‬و بعده خير من قربه‪ .‬وأما الكذاب فإنه ل يهنئك معه عيش‪،‬‬
‫ينقل حديثك و ينقل إليك الحديث‪ ،‬كلما أقنى أحدوثة مطاها باخرى مثلها )‬
‫‪ (6‬حتى أنه‬

‫‪ - - - -‬ويكون في الضحك‪ .‬والمكاشر‪ :‬المتبسم في وجه‪ .‬والكهف‪ :‬الملجأ‪ .‬ورواه‬


‫الصدوق في الخصال وفيه " فهم الكف والجناح والصل والهل والمال‬
‫" والجناح من النسان‪ :‬اليد‪ :‬لنه بمنزلة جناح الطائر‪ (1) .‬صافى فلنا‪:‬‬
‫أخلص له الود‪ (2) .‬ل تصرم أي ل تقطع‪ .‬والستعتاب‪ :‬السترضاء‪(3) .‬‬
‫رواه الكليني رحمه ال في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 639‬وفيه " الماجن الفاجر‬
‫"‪ (4) .‬في الكافي " مقاربته جفاء "‪ .‬و " مدخله " أي زيارته‬
‫ومواجهته‪ (5) .‬في الكافي " ولو أجهد نفسه "‪ (6) .‬مطا يمطو‪ ،‬أسرع‬
‫في سيره‪ ،‬ومطا بالقوم‪ :‬مد بهم في السير‪ ،‬وفى الكافي " مطرها " وفى‬
‫بعض نسخه " مطها "‪.‬‬

‫]‪[43‬‬

‫يحدث بالصدق فل يصدق‪ ،‬يغري بين الناس بالعداوة )‪ (1‬فيثبت الشحناء في‬
‫الصدور‪ .‬فاتقوا ال وانظروا لنفسكم‪ - 32 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل عليك )‬
‫‪ (2‬أن تصحب ذا العقل وإن لم تجمد كرمه )‪ (3‬ولكن انتفع بعقله واحترس‬
‫من سيئ أخلقه‪ ،‬ول تدعن صحبة الكريم وإن لم تنتفع بعقله‪ ،‬ولكن انتفع‬
‫بكرمه بعقلك‪ ،‬وافرر الفرار كله من اللئيم الحمق‪ - 33 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫الصبر ثلثة‪ :‬الصبر على المصيبة‪ ،‬والصبر على الطاعة والصبر عن‬
‫المعصية‪ - 34 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة‬
‫أشياء فهو خليق بأن ل ينزل به مكروه أبدا‪ ،‬قيل‪ :‬وما هن ؟ قال‪ :‬العجلة‪،‬‬
‫واللجاجة‪ ،‬والعجب والتواني‪ - 35 .‬وقال عليه السلم‪ :‬العمال ثلثة‪:‬‬
‫فرائض وفضائل ومعاصي‪ ،‬فأما الفرائض فبأمر ال ومشيئته وبرضاه‬
‫وبعلمه وقدره‪ ،‬يعملها العبد فينجو من ال بها‪ .‬وأما الفضائل فليس بأمر‬
‫ال لكن بمشيئته وبرضاه وبعلمه وبقدره‪ ،‬يعملها العبد فيثاب عليها‪ .‬وأما‬
‫المعاصي فليس بأمر ال ول بمشيئته ول برضاه‪ ،‬لكن بعلمه وبقدره‬
‫يقدرها لوقتها فيفعلها العبد باختياره فيعاقبه ال عليها‪ ،‬لنه قد نهاه عنها‬
‫فلم ينته‪ - 36 .‬وقال عليه السلم‪ :‬يا أيها الناس إن ل في كل نعمة حقا‪،‬‬
‫فمن أداه زاده ومن قصر عنه خاطر بزوال النعمة وتعجل العقوبة‪ ،‬فليراكم‬
‫ال من النعمة وجلين كما يراكم من الذنوب فرقين )‪ - 37 .(4‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬من ضيق عليه في ذات يده فلم يظن أن ذلك حسن نظر‬
‫)‪ (1‬يغرى أي القى بينهم العداوة والشحناء‪ :‬العداوة والبغضاء امتلت منها النفس‬
‫من شحن أي ملء‪ .‬وفى الكافي " يفرق بين الناس بالعداوة فينبت‬
‫السخائم في الصدور "‪ (2) .‬أي ل بأس بك ول حرج‪ (3) .‬جمدت يده‪:‬‬
‫بخل‪ " (4) .‬وجلين " أي خائفين‪ " .‬فرفين " أي فزعين‪.‬‬

‫]‪[44‬‬

‫من ال ]له[ فقد ضيع مأمول‪ .‬ومن وسع عليه في ذات يده فلم يظن أن ذلك‬
‫استدراج من ال فقد أمن مخوفا )‪ - 38 .(1‬وقال عليه السلم يا أيها‬
‫الناس سلوا ال اليقين وارغبوا إليه في العافية فإن أجل النعم العافية‪،‬‬
‫وخير مادام في القلب اليقين‪ ،‬والمغبون من غبن دينة والمغبوط من حسن‬
‫يقينه‪ - 39 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل يجد رجل طعم اليمان حتى يعلم أن ما‬
‫أصابه لم يكن ليخطئه‪ ،‬وما أخطأه لم يكن ليصيبه‪ - 40 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫ما ابتلي المؤمن بشئ هو أشد عليه من خصال ثلث يحرمها‪ ،‬قيل‪ :‬وماهن‬
‫؟ قال‪ :‬المواساة في ذات يده‪ ،‬والنصاف من نفسه‪ ،‬وذكر ال كثيرا‪ ،‬أما‬
‫إني ل أقول لكم‪ :‬سبحان ال والحمد ل‪ ،‬ولكن ذكر ال عند ما أحل له‪،‬‬
‫وذكر ال عند ما حرم عليه‪ - 41 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من رضي من الدنيا‬
‫بما يجزيه كان أيسر ما فيه يكفيه‪ ،‬و من لم يرض من الدنيا بما يجزيه لم‬
‫يكن فيها شئ يكفيه‪ - 42 .‬وقال عليه السلم‪ :‬المنية ل الدنية‪ ،‬والتجلد ل‬
‫التبلد )‪ (2‬والدهر يومان‪ :‬فيوم لك ويوم عليك‪ ،‬فإذا كان لك فل تبطر‪ ،‬وإذا‬
‫كان عليك فل تحزن‪ ،‬فبكليهما ستختبر‪ - 43 .‬وقال عليه السلم‪ :‬أفضل‬
‫على من شئت يكن أسيرك‪ - 44 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ليس من أخلق‬
‫المؤمن الملق ول الحسد إل في طلب ‪-‬‬

‫)‪ (1‬ذات يده‪ :‬ما يملكه‪ .‬ومأمول أي ما أمل ورجا‪ .‬أي من كان في ضيق بحسب‬
‫المال ولم يظن ان ذلك احسانا من ال وامتحانا منه فقد ضيع أجرا‬
‫مأمول‪ ،‬وهكذا إذا لم يظن أن نعمته استدرجا منه فقد أمن من مكر ال‪) .‬‬
‫‪ (2‬المنية‪ :‬الموت أي يكون الموت ول يكون ارتكاب الدنية‪ .‬والتجلد‪:‬‬
‫تكلف الجلد ‪ -‬محركة ‪ -‬والصبر عليه‪ .‬والتبلد‪ :‬ضد التجلد والتلهف‪.‬‬
‫ونظير هذا الكلم منقول في النهج وفيه " والتقلل ول التوسل "‪(*) .‬‬

‫]‪[45‬‬

‫العلم‪ - 45 .‬وقال عليه السلم‪ :‬أركان الكفر أربعة‪ :‬الرغبة والرهبة والسخط‬
‫والغضب‪ - 46 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الصبر مفتاح الدرك‪ .‬والنجح عقبى من‬
‫صبر )‪ (1‬ولكل طالب حاجة وقت يحركه القدر‪ - 47 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫اللسان معيار‪ ،‬أطاشة الجهل )‪ (2‬وأرجحه العقل‪ - 48 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫من طلب شفا غيظ بغير حق أذاقه ال هوانا بحق‪ .‬إن ال عدوا ماكره‪49 .‬‬
‫‪ -‬من قال عليه السلم‪ :‬ما حار من استخار‪ ،‬ول ندم من استشار )‪- 50 .(3‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬عمرت البلدان بحب الوطان‪ - 51 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫ثلث من حافظ عليها سعد‪ :‬إذا ظهرت عليك نعمة فأحمد ال‪ ،‬وإذا أبطأ‬
‫عنك الرزق فاستغفر ال‪ ،‬وإذا أصابتك شدة فأكثر من قول‪ " :‬ل حول ول‬
‫قوة إل بال "‪ - 52 .‬وقال عليه السلم‪ :‬العلم ثلثة‪ :‬الفقه للديان‪ ،‬والطب‬
‫لبدان‪ ،‬والنحو للسان‪ - 53 .‬وقال عليه السلم‪ :‬حق ال في العسر الرضى‬
‫والصبر‪ ،‬وحقه في اليسر الحمد والشكر‪ 54 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ترك‬
‫الخطيئة أيسر من طلب التوبة‪ .‬وكم من شهوة ساعة قد أورثت حزنا‬
‫طويل‪ .‬والموت فضح الدنيا‪ ،‬فلم يترك لذي لب فيها فرحا‪ ،‬ول لعاقل لذة‪.‬‬
‫‪ - 55‬وقال عليه السلم‪ :‬العلم قائد‪ ،‬والعمل سائق‪ ،‬والنفس حرون )‪.(4‬‬
‫‪ - 56‬وقال عليه السلم‪ :‬كن لما ل ترجو أرجى منك لما ترجوا‪ ،‬فإن موسى‬
‫عليه السلم‬

‫)‪ (1‬النجح ‪ -‬بالضم ‪ :-‬الفوز والظفر‪ (2) .‬أطاشه أي خفه‪ .‬وبالفارسية " يعنى سبك‬
‫ميكند اورا "‪ (3) .‬الحور ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬التحير والرجوع إلى النقصان‪(4) .‬‬
‫الحرون من الخيل‪ :‬الذى ل ينقاد لراكبه فإذا استدرجريه وقف‪.‬‬

‫]‪[46‬‬

‫خرج يقتبس لهله نارا فكلمه ال ورجع نبيا‪ .‬وخرت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان‬
‫عليه السلم‪ .‬وخرجت سحرة فرعون يطلبون العز لفرعون فرجعوا‬
‫مؤمنين‪ - 57 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الناس بامرائهم أشبه منهم بآبائهم‪58 .‬‬
‫‪ -‬وقال عليه السلم‪ :‬أيها الناس اعلموا أنه ليس بعاقل من انزعج )‪ (1‬من‬
‫قول الزور فيه‪ ،‬ول بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه‪ .‬الناس أبناء ما‬
‫يحسنون‪ ،‬وقدر كل امرء ما يحسن‪ ،‬فتكلموا في العلم تبين أقداركم‪- 59 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬رحم ال امرء راغب ربه )‪ (2‬وتوكف ذنبه‪ ،‬وكابر‬
‫هواه‪ ،‬وكذب مناه‪ ،‬زم نفسه من التقوى بزمام‪ ،‬وألجمها من خشية ربها‬
‫بلجام‪ ،‬فقادها إلى الطاعة بزمامها‪ ،‬وقدعها عن المعصية بلجامها )‪(3‬‬
‫رافعا إلى المعاد طرفه‪ ،‬متوقعا في كل أوان حتفه‪ ،‬دائم الفكر‪ ،‬طويل‬
‫السهر‪ ،‬عزوفا عن الدنيا‪ ،‬كدوحا لخرته )‪ ،(4‬جعل الصبر مطية نجاته‪،‬‬
‫والتقوى عدة وفاته‪ ،‬ودواء ]داء[ جواه )‪ ،(5‬فاعتبر وقاس‪ ،‬فوتر الدنيا‬
‫والناس‪ ،‬يتعلم للتفقه والسداد‪ ،‬قد وقر قلبه ذكر المعاد‪ ،‬فطوى مهاده )‪(6‬‬
‫وهجر وساده‪ ،‬قد عظمت فيما عند ال رغبته‪ ،‬واشتدت منه رهبته‪ ،‬يظهر‬
‫دون ما يكتم‪ ،‬ويكتفي بأقل مما يعلم‪ ،‬أولئك ودائع ال في بلده المدفوع‬
‫بهم عن عباده‪ ،‬لو أقسم أحدهم على ال لبره‪ ،‬آخر دعواهم أن الحمد ل‬
‫رب العالمين‪.‬‬

‫)‪ (1‬ازعجه فانزعج‪ :‬أقلقه وقلعه من مكانه فقلق وانقلع‪ (2) .‬في بعض النسخ "‬
‫راقب دينه "‪ .‬والتوكف‪ :‬التجنب‪ .‬والمكابرة‪ :‬المعاندة والمغالبة‪ (3) .‬قدع‬
‫الفرس باللجام‪ :‬كبحه أي جذبه به لتقف وتجرى‪ (4) .‬سهر سهرا ‪ -‬كفرح‬
‫‪ -‬إذا لم ينم ليل‪ .‬عزفت نفسه عن الشئ‪ :‬انصرفت وزهدت فيه‪ .‬والكدح‪:‬‬
‫السعي في مشقة وتعب‪ (5) .‬الجوى‪ :‬الحرقة وشدة الوجد من عشق أو‬
‫حزن‪ (6) .‬طوى نقيض نشر‪ .‬والمهاد‪ :‬الفراش‪ .‬وهجره أي تركه‬
‫وأعرض عنه‪.‬‬

‫]‪[47‬‬

‫‪ - 60‬وقال عليه السلم‪ :‬وكل الرزق بالحمق‪ ،‬ووكل الحرمان بالعقل‪ ،‬ووكل البلء‬
‫بالصبر‪ - 61 .‬وقال عليه السلم‪ :‬للشعث )‪ (1‬يعزيه بأخيه عبد الرحمن‪:‬‬
‫إن جزعت فحق عبد الرحمن وفيت‪ ،‬وإن صبرت فحق ال أديت‪ ،‬على أنك‬
‫إن صبرت جرى عليك القضاء وأنت محمود‪ ،‬وإن جزعت جرى عليك‬
‫القضاء وأنت مذموم )‪ (2‬فقال الشعث‪ :‬إنا ل وإنا إليه راجعون فقال أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ :‬أتدري ما تأويلها ؟ فقال الشعث‪ :‬لنت غاية العلم‬
‫ومنتهاه فقال عليه السلم‪ :‬أما قولك‪ " :‬إنا ل " فإقرار منك بالملك‪ .‬وأما‬
‫قولك " وإنا إليه راجعون " فإقرار منك بالهلك )‪ - 62 .(3‬وركب عليه‬
‫السلم يوما فمشى معه قوم فقال عليه السلم لهم‪ :‬أما علمتم أن مشي‬
‫الماشي مع الراكب مفسدة للراكب ومذلة للماشي‪ ،‬انصرفوا‪ - 63 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬المور ثلثة‪ :‬أمر بان لك رشده فاتبعه )‪ (4‬وأمر بان‬

‫)‪ (1‬الظاهر هو اشعث بن قيس المكنى بأبى محمد ذكروه في جملة أصحاب رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله وكان اسر بعد النبي " ص " في ردة أهل ياسر‬
‫وعفا عنه أبو بكر وزوجه اخته ام فروة وكانت عوراء فولدت له محمد‪.‬‬
‫وكان أشعث سكن الكوفة وهو عامل عثمان على آذربيجان‪ ،‬وكان أبا‬
‫زوجة عمر بن عثمان وكتب أمير المؤمنين عليه السلم إليه بعد فتح‬
‫البصرة فسار وقدم على على عليه السلم وحضر صفين‪ ،‬ثم صار‬
‫خارجيا ملعونا‪ .‬وقال ابن أبى الحديد كل فساد كان في خلفة أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم وكل اضطراب فأصله الشعث‪ ،‬و هو الذى شرك‬
‫في دمه عليه السلم‪ ،‬وابنته جعدة سمت الحسن عليه السلم‪ ،‬ومحمد ابنه‬
‫شرك في دم الحسين عليه السلم‪ (2) .‬في النهج عزاه عن ابن له قال‪" :‬‬
‫يا اشعث ان تحزن على ابنك فقد استحقت منك ذلك الرحم‪ .‬وان تصبر‬
‫ففى ال من كل مصيبة خلف‪ .‬يا أشعث ان صبرت جرى عليك القدر وانت‬
‫مأجور‪ ،‬وان جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزوريا أشعث ابنك سرك‬
‫وهو بلء وفتنة و حزنك وهو ثواب ورحمة "‪ (3) .‬الهلك ‪ -‬بالضم ‪:-‬‬
‫الهلك‪ (4) .‬في بعض النسخ " فارتكبه "‪.‬‬

‫]‪[48‬‬

‫لك غيه فاجتنبه‪ ،‬وأمر أشكل عليك فرددته إلى عالمه )‪ - 64 .(1‬وقال له عليه‬
‫السلم‪ :‬جابر يوما‪ :‬كيف أصبحت يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه السلم‪:‬‬
‫وبنا من نعم ال ربنا مال نحصيه مع كثرة ما نعصيه‪ ،‬فل ندري ما نشكر‪،‬‬
‫أجميل ما ينشر أم قبيح ما يستر‪ - 65 .‬وعزى عبد ال بن عباس‪ ،‬عن‬
‫مولود صغير مات له‪ ،‬فقال عليه السلم‪ :‬لمصيبة في غيرك لك أجرها أحب‬
‫إلي من مصيبة فيك لغيرك ثوابها‪ ،‬فكان لك الجر لبك‪ ،‬وحسن لك العزاء‬
‫ل عنك‪ ،‬وعوضك ال عنه مثل الذي عوضه منك‪ - 66 .‬وقيل له‪ :‬ما التوبة‬
‫النصوح ؟ فقال عليه السلم‪ :‬ندم بالقلب‪ ،‬واستغفار باللسان‪ ،‬والقصد على‬
‫أن ل يعود )‪ - 67 .(2‬وقال عليه السلم‪ :‬إنكم مخلوقون اقتدارا‪،‬‬
‫ومربوبون اقتسارا )‪ (3‬ومضمنون أجداثا‪ ،‬وكائنون رفاتا‪ ،‬ومبعوثون‬
‫أفرادا ومدينون حسابا‪ ،‬فرحم ال عبدا اقترب فاعترف‪ ،‬ووجل فعمل‪،‬‬
‫وحاذر فبادر‪ ،‬وعمر فاعتبر‪ ،‬وحذر فازدجر‪ ،‬وأجاب فأناب‪ ،‬وراجع فتاب‪،‬‬
‫واقتدى فاحتذى )‪ ،(4‬فباحث طلبا‪ ،‬ونجا هربا‪ ،‬وأفاد ذخيرة وأطاب سريرة‪،‬‬
‫وتأهب للمعاد‪ ،‬واستظهر بالزاد ليوم رحيله )‪ (5‬ووجه سبيله‪ ،‬و حال‬
‫حاجته‪ ،‬وموطن فاقته‪ ،‬فقدم أمامه لدار مقامه‪ ،‬فمهدوا لنفسكم‪ ،‬فهل‬
‫ينتظر أهل غضارة الشباب إل حواني الهرم ؟ وأهل بضاضة الصحة )‪(6‬‬
‫إل نوازل السقم‪ ،‬وأهل مدة البقاء إل مفاجأة الفناء‪ ،‬واقتراف الفوت‪ ،‬ودنو‬
‫الموت ؟ !‪.‬‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " فرده إلى عالمه "‪ (2) .‬في بعض النسخ " العقد على أن ل‬
‫يعود "‪ (3) .‬في بعض النسخ ]انتشارا[‪ .‬والقتسار‪ :‬عدم الختيار‪ ،‬أي‬
‫رباهم ال من عند كونهم أجنة في بطون أمهاتهم إلى كبرهم من غير‬
‫اختيار منهم‪ .‬وفى بعض النسخ " ومضمون أحداثا‪ (4) .‬الحتذاء‪:‬‬
‫القتداء أي أتى بكل ما للقتداء من معنى‪ (5) .‬استظهر بالزاد‪ :‬استعان‬
‫به‪ (6) .‬الحوانى جمع حين‪ .‬والبضاضة‪ :‬رقة اللون وصفاؤه‪.‬‬

‫]‪[49‬‬
‫‪ - 68‬وقال عليه السلم‪ :‬اتقوا ال تقية من شمر تجريدا وجد تشميرا‪ ،‬وانكمش في‬
‫مهل‪ ،‬وأشفق في وجل )‪ (1‬ونظر في كثرة المال‪ ،‬وعاقبة الصبر‪ ،‬ومغبة‬
‫المرجع )‪ (2‬فكفى بال منتقما ونصيرا‪ ،‬وكفى بالجنة ثوابا ونوال )‪(3‬‬
‫وكفى بالنار عقابا و نكال‪ ،‬وكفى بكتاب ال حجيجا وخصيما )‪- 69 .(4‬‬
‫وسأله رجل عن السنة والبدعة والفرقة والجماعة‪ .‬فقال عليه السلم‪ :‬أما‬
‫السنة فسنة رسول ال صلى ال عليه وآله‪ .‬وأما البدعة فما خالفها )‪(5‬‬
‫وأما الفرقة فأهل الباطل وإن كثروا‪ ،‬وأما الجماعة فأهل الحق وإن قلوا‪.‬‬
‫وقال صلى ال وعليه وآله )‪ " :(6‬ل يرجو العبد إل ربه ول يخاف إل‬
‫ذنبه‪ ،‬ول يستحي العالم إذا سئل عما ل يعلم أن يقول‪ :‬ال أعلم )‪(7‬‬
‫والصبر من اليمان بمنزلة الرأس من الجسد‪ - 70 .‬وقال له رجل‪:‬‬
‫أوصني‪ .‬فقال عليه السلم‪ :‬اوصيك أن ل يكونن لعمل الخير عندك غاية في‬
‫الكثرة‪ ،‬ول لعمل الثم عندك غاية في القلة‪ - 71 .‬وقال له آخر‪ :‬أوصني‪،‬‬
‫فقال عليه السلم‪ :‬ل تحدث نفسك بفقر ول طول عمر‪ - 72 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬إن لهل الدين غلمات يعرفون بها‪ :‬صدق الحديث وأداء المانة‪،‬‬
‫ووفاء بالعهد‪ ،‬وصلة للرحام‪ ،‬ورحمة للضعفاء‪ ،‬وقلة مؤاتاة‬

‫)‪ (1‬التشمير‪ :‬السرعة والخفة‪ .‬وانكمش أي أسرع وجد فيه‪ .‬والمهل ‪ -‬بفتح فسكون‬
‫وبالتحريك ‪ -‬مصدر بمعنى الرفق والمهال‪ (2) .‬المغبة ‪ -‬بفتح الميم‬
‫والغين وتشديد الباء ‪ :-‬العاقبة‪ (3) .‬النوال‪ :‬العطاء والنصيب‪(4) .‬‬
‫الحجيج‪ :‬المغالب باظهار الحجة‪ (5) .‬في بعض النسخ " فمن خالفها "‪.‬‬
‫)‪ (6‬كذا في جميع النسخ‪ (7) .‬في الكافي عن أبى عبد ال عليه السلم‬
‫قال‪ " :‬للعالم إذا سئل عن شئ وهو ل يعلمه أن يقول‪ :‬ال أعلم وليس‬
‫لغير العالم أن يقول ذلك‪ .‬ج ‪ 1‬ص ‪.42‬‬

‫]‪[50‬‬

‫للنساء )‪ (1‬وبذل المعروف‪ ،‬وحسن الخلق‪ ،‬وسعة الحلم‪ ،‬واتباع العلم‪ ،‬وما يقرب‬
‫من ال زلفى‪ ،‬وطوبى لهم وحسن مآب‪ - 73 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ما أطال‬
‫]ا‍ل[ عبد المل إل أنسا ]ه[ العمل‪ - 74 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ابن آدم أشبه‬
‫شئ بالمعيار‪ :‬إما ناقص بجهل‪ ،‬أو راجح بعلم‪ - 75 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫سباب المؤمن فسق‪ ،‬وقتاله كفر‪ ،‬وحرمة ماله كحرمة دمه‪ - 76 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬ابذل لخيك دمك ومالك‪ ،‬ولعدوك عدلك‪ ،‬وإنصافك وللعامة‬
‫بشرك وإحسانك‪ ،‬تسلم على الناس يسلموا عليك‪ - 77 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫سادة الناس في الدنيا السخياء‪ ،‬وفي الخرة التقياء‪ - 78 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬الشئ شيئان‪ :‬فشئ غيري لم أرزقه فيما مضى‪ ،‬ول آمله فيما بقي‪،‬‬
‫وشئ ل أناله دون وقته‪ ،‬ولو أجلبت عليه بقوة السماوات والرض فبأي‬
‫هذين أفنى عمري‪ - 79 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن المؤمن إذا نظر اعتبر‪،‬‬
‫وإذا سكت تفكر‪ ،‬وإذا تكلم ذكر‪ ،‬وإذا استغنى شكر‪ ،‬وإذا أصابته شدة صبر‪،‬‬
‫فهو قريب الرضى‪ ،‬بعيد السخط يرضيه عن ال اليسير‪ ،‬ول يسخطه‬
‫الكثير‪ ،‬ول يبلغ بنيته إرادته في الخير‪ ،‬ينوي كثيرا من الخير ويعمل‬
‫بطائفة منه‪ ،‬ويتلهف على ما فاته من الخير كيف لم يعمل به )‪.(2‬‬
‫والمنافق إذا نظر لها‪ ،‬وإذا سكت سها‪ ،‬وإذا تكلم لغا )‪ (3‬وإذا استغنى طغا‪،‬‬
‫وإذا أصابته شدة ضغا )‪ (4‬فهو قريب السخط بعيد الرضي‪ ،‬يسخط على ال‬
‫اليسير‪ ،‬ول‬

‫)‪ (1‬المواتاة‪ :‬المطاوعة‪ (2) .‬تلهف أي حزن عليه وتحسر‪ " (3) .‬لها " أي لعب‪.‬‬
‫" سها " أي غفل ونسى وذهب قلبه إلى غيره‪ .‬و " لغا " أي خطأ وتكلم‬
‫من غير تفكر وروية‪ " (4) .‬ضغا " أي تذلل وضعف‪.‬‬

‫]‪[51‬‬

‫يرضيه الكثير‪ ،‬ينوي كثيرا من الشر ويعمل بطائفة منه‪ ،‬ويتلهف على ما فاته من‬
‫الشر كيف لم يعمل به‪ - 80 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الدنيا والخرة عدوان‬
‫متعاديان‪ ،‬وسبيلن مختلفان‪ ،‬من أحب الدنيا ووالها أبغض الخرة‬
‫وعاداها‪ ،‬مثلهما مثل المشرق والمغرب‪ ،‬والماشي بينهما ل يزداد من‬
‫أحدهما قربا إل ازداد من الخر بعدا‪ - 81 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من خاف‬
‫الوعيد قرب عليه البعيد )‪ (1‬ومن كان من قوت الدنيا ل يشبع لم يكفه منها‬
‫ما يجمع‪ .‬ومن سعى للدنيا فاتته‪ ،‬ومن قعد عنها أتته إنما الدنيا ظل ممدود‬
‫إلى أجل معدود‪ ،‬رحم ال عبدا سمع حكما فوعى‪ ،‬ودعي إلى الرشاد فدنا‪،‬‬
‫وأخذ بحجزة ناج هاد فنجا )‪ (2‬قدم صالحا‪ ،‬وعمل صالحا‪] ،‬قدم[ مذخورا‪،‬‬
‫واجتنب محذورا‪ ،‬رمى غرضا )‪] (3‬وقدم عوضا[‪ ،‬كابر هواه‪ ،‬وكذب مناه‪،‬‬
‫جعل الصبر مطية نجاته‪ ،‬والتقوى عذة وفاته )‪ (4‬لزم الطريقة الغراء‬
‫والمحجة البيضاء‪ ،‬واغتنم المهل‪ ،‬وبادر الجل‪ ،‬وتزود من العمل‪- 82 .‬‬
‫وقال عليه السلم لرجل‪ :‬كيف أنتم ؟ فقال‪ :‬نرجو ونخاف‪ ،‬فقال عليه‬
‫السلم‪ :‬من رجا شيئا طلبه‪ ،‬ومن خاف شيئا هرب منه‪ ،‬ما أدري ما خوف‬
‫رجل عرضت له شهوة فلم يدعها لما خاف منه‪ ،‬وما أدري ما رجاء رجل‬
‫نزل به بلء فلم يصبر عليه لما يرجو‪ - 83 .‬وقال عليه السلم لعباية بن‬
‫ربعي‪ (5) :‬وقد سأله عن الستطاعة التي تقوم‬

‫)‪ (1‬الوعيد يستعمل في الشر كما أن الوعد يستعمل في الخير غالبا‪ (2) .‬الحجزة ‪-‬‬
‫كغرفة ‪ :-‬معقد الزار‪ ،‬واستعير لهدى الهادى‪ ،‬ولزوم قصده والقتداء به‪.‬‬
‫)‪ (3‬الغرض ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬الهدف الذى يرمى إليه‪ .‬وكابر‪ :‬عاند وغالب‪.‬‬
‫)‪ (4‬العدة ‪ -‬بالضم ‪ -‬الستعداد وما أعددته‪ .‬وفى الخبر " استعدوا للموت‬
‫" أي اطلبوا العدة للموت وهى التقوى‪ .‬والغراء‪ :‬البيضاء‪ (5) .‬هو عباية‬
‫بن عمرو بن ربعى السدي من أصحاب أمير المؤمنين والحسن عليهما ‪-‬‬
‫السلم بل من خواصهما ومعتمد عليه في الحديث‪(*) .‬‬

‫]‪[52‬‬

‫ونقعد ونفعل‪ :‬إنك سألت عن الستطاعة فهل تملكها من دون ال أو مع ال‪ ،‬فسكت‬
‫عباية‪ ،‬فقال له أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬إن قلت‪ :‬تملكها مع ال قتلتك‪،‬‬
‫وإن قلت‪ :‬تملكها دون ال قتلتك‪‍] ،‬ف[ قال عباية‪ :‬فما أقول ؟ قال عليه‬
‫السلم‪ :‬تقول‪ :‬إنك تملكها بال الذي يملكها من دونك‪ ،‬فإن ملكك إياها كان‬
‫ذلك من عطائه‪ ،‬و إن سلبكها كان ذلك من بلئه‪ ،‬فهو المالك لما ملكك‪،‬‬
‫والقادر على ما عليه أقدرك )‪ - 84 .(1‬قال الصبغ بن نباتة )‪ :(2‬سمعت‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬يقول‪ :‬أحدثكم بحديث ينبغي لكل مسلم أن‬
‫يعيه‪ ،‬ثم أقبل علينا‪ ،‬فقال عليه السلم‪ :‬ما عاقب ال عبدا مؤمنا في هذه‬
‫الدنيا إل كان أجود وأمجد من أن يعود في عقابه يوم القيامة‪ ،‬ول ستر ال‬
‫على عبد مؤمن في هذه الدنيا وعفا عنه إل كان أمجد وأجود وأكرم من أن‬
‫يعود في عفوه يوم القيامة‪ ،‬ثم قال عليه السلم‪ :‬وقد يبتلي ال المؤمن‬
‫بالبلية في بدنه أو ماله أو ولده أو أهله وتل هذه الية‪ " :‬ما أصابكم من‬
‫مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " )‪ (3‬وضم يده ثلث مرات‬
‫ويقول‪ " :‬ويعفو عن كثير "‪ - 85 .‬وقال عليه السلم‪ :‬أول القطيعة‬
‫السجا‪ ،‬ول تأس أحدا إذا كان ملول )‪(4‬‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " والقادر لما عليه قدرك "‪ (2) .‬اصبغ بن نباتة المجاشعى‬
‫كان من خاصة أمير المؤمين عليه السلم وعمر بعده و روى عهده‬
‫لمالك الشتر الذى عهد إليه أمير المؤمنين عليه السلم لما وله مصر‪،‬‬
‫وروى أيضا وصية أمير المؤمنين إلى ابنه محمد الحنفية وكان يوم‬
‫صفين على شرطة الخميس وكان شيخا شريفا ناسكا عابدا وكان من‬
‫ذخائر على عليه السلم ممن قد بايعه على الموت‪ ،‬وهو من فرسان أهل‬
‫العراق وكان عند سلمان رضى ال عنه وقت وفاته وبكائه على أمير‬
‫المؤمنين " ع " عند بابه لما ضربه ابن ملجم لعنه ال ودخوله عليه ‪-‬‬
‫وهو معصوب الرأس بعمامة صفراء وقد نزف الدم واصفر وجه ‪-‬‬
‫مشهور‪ (3) .‬سورة الشورى‪ (4) .30 :‬السجا‪ :‬الستر‪ ،‬سجا الليل يسجو‪:‬‬
‫ستر بظلمته‪ .‬وفى النهج " ول تأمنن ملول "‬

‫]‪[53‬‬
‫أقبح المكافات المجازاة بالساءة‪ - 86 .‬وقال عليه السلم‪ :‬أول إعجاب المرء‬
‫بنفسه فساد عقله‪ .‬من غلب لسانه أمنه من لم يصلح خلئقه كثرث بوائقه‬
‫)‪ (1‬من ساء خلقه مله أهله‪ ،‬رب كلمة سلبت نعمة‪ ،‬الشكر عصمة من‬
‫الفتنة‪ ،‬الصيانة رأس المروة‪ ،‬شفيع المذنب خضوعه‪ ،‬أصل الحزم الوقوف‬
‫عند الشبهة‪ ،‬في سعة الخلق كنوز الرزاق‪ - 87 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫المصائب بالسوية مقسومة بين البرية‪ ،‬ل ييأس لذنبك وباب التوبة‬
‫مفتوح‪ ،‬الرشد في خلف الشهوة‪ ،‬تأريخ المنى الموت‪ ،‬النظر إلى البخيل‬
‫يقسي القلب‪ ،‬النظر إلى الحمق يسخن العين )‪ ،(2‬السخاء فطنة‪ ،‬واللوم‬
‫تغافل‪ - 88 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الفقر الموت الكبر‪ ،‬وقلة العيال أحد‬
‫اليسارين وهو نصف العيش‪ ،‬والهم نصف الهرم‪ ،‬وما عال امر اقتصد )‬
‫‪ ،(3‬وما عطب امرء استشار والصنيعة ل تصلح إل عند ذي حسب أو دين‪،‬‬
‫والسعيد من وعظ بغيره‪ ،‬والمغبون ل محمود ول مأجور‪ ،‬البر ل يبلى‪،‬‬
‫والذنب ل ينسى‪ - 89 .‬وقال عليه السلم‪ :‬اصطنعوا المعروف )‪ (4‬تكسبوا‬
‫الحمد‪ .‬واستشعروا الحمد يؤنس بكم ]العقلء[‪ .‬ودعوا الفضول يجانبكم‬
‫السفهاء‪ ،‬وأكرموا الجليس تعمر ناديكم )‪ ،(5‬وحاموا عن الخليط يرغب في‬
‫جواركم‪ ،‬وأنصفوا الناس من أنفسكم يوثق بكم‪ ،‬وعليكم بمكارم الخلق‬
‫فإنها رفعة‪ ،‬وإياكم والخلق الدنية فإنها تضع الشريف وتهدم المجد‪90 .‬‬
‫‪ -‬وقال عليه السلم‪ :‬اقنع تعز‪.‬‬

‫)‪ (1‬الخلئق‪ :‬جمع خليقة‪ :‬الطبيعة‪ .‬والبوائق جمع بائقة‪ :‬الشر والغائلة والداهية )‬
‫‪ (2‬سخنت عينه‪ :‬نقيض قرت‪ (3) .‬أي ما افتقر امرء ان أخذ بالقتصاد‪.‬‬
‫وفى النهج " ما أعال "‪ .‬وما عطب أي ما هلك‪ (4) .‬اصطنعوا‪ :‬اعطوا‬
‫واحسنوا واكرموا‪ (5) .‬النادى‪ :‬المجلس جمعه أندية‪.‬‬

‫]‪[54‬‬

‫‪ - 91‬وقال عليه السلم‪ :‬الصبر جنة من الفاقة‪ .‬والحرص علمة الفقر‪ .‬والتجمل‬
‫اجتناب المسكنة‪ .‬والموعظة كهف لمن لجأ إليها‪ - 92 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫من كساه العلم ثوبه اختفى عن الناس عيبه‪ - 93 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل‬
‫عيش لحسود‪ .‬ول مودة لملوك‪ .‬ول مروة لكذوب‪ - 94 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫تروح إلى بقاء عزك بالوحدة‪ - 95 .‬وقال عليه السلم‪ :‬كل عزيز داخل‬
‫تحت القدرة فذليل‪ - 96 .‬وقال عليه السلم‪ :‬أهلك الناس اثنان‪ :‬خوف الفقر‬
‫وطلب الفخر‪ - 97 .‬وقال عليه السلم‪ :‬أيها الناس إياكم وحب الدنيا فإنها‬
‫رأس كل خطيئة‪ ،‬وباب كل بلية‪ ،‬وقران كل فتنة‪ ،‬وداعي كل رزية )‪98 .(1‬‬
‫‪ -‬وقال عليه السلم‪ :‬جمع الخير كله في ثلث خصال‪ :‬النظر والسكوت‬
‫والكلم فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو‪ ،‬وكل سكوت ليس فيه فكرة‬
‫فهو غفلة‪ ،‬وكل كلم ليس فيه ذكر فهو لغو‪ ،‬فطوبى لمن كان نظره عبرة‪،‬‬
‫وسكوته فكرة‪ ،‬و كلمه ذكرا‪ ،‬وبكى على خطيئته‪ ،‬وأمن الناس من شره‪.‬‬
‫‪ - 99‬وقال عليه السلم‪ :‬ما أعجب هذا النسان مسرور بدرك ما لم يكن‬
‫ليفوته محزون على فوت ما لم يكن ليدركه ولو أنه فكر لبصر‪ ،‬وعلم أنه‬
‫مدبر‪ ،‬وأن الرزق عليه مقدر‪ ،‬ول قتصر على ما تيسر‪ ،‬ولم يتعرض لما‬
‫تعسر )‪ - 100 .(2‬وقال عليه السلم إذا طاف في السواق ووعظهم قال‪:‬‬
‫يا معشر التجار قدموا الستخارة‪ ،‬وتبركوا بالسهولة‪ ،‬واقتربوا من‬
‫المبتاعين )‪ (3‬وتزينوا بالحلم‪ ،‬وتناهوا عن اليمين‪ ،‬وجانبوا الكذب‪،‬‬
‫وتخافوا عن الظلم )‪ (4‬وأنصفوا المظلومين‪ ،‬ول تقربوا الربا " وأوفوا‬
‫الكيل والميزان ول تبخسوا الناس أشياءهم‬

‫)‪ (1‬الرزية‪ :‬المصيبة‪ (2) .‬في بعض النسخ " ل قتصر على ما يتيسر‪ ،‬ولم يتعرض‬
‫لما يتعسر "‪ (3) .‬أي تغاربوا بالمشترى وامضوا المعاملة‪ (4) .‬في بعض‬
‫النسخ " تجافوا "‪.‬‬

‫]‪[55‬‬

‫ول تعثوا في الرض مفسدين "‪ - 101 .‬وسئل أي شئ مما خلق ال أحسن ؟ فقال‬
‫عليه السلم‪ :‬الكلم‪ .‬فقيل‪ :‬أي شئ مما خلق ال أقبح ؟ قال‪ :‬الكلم‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬بالكلم ابيضت الوجوه‪ ،‬وبالكلم اسودت الوجوه‪ - 102 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬قولوا الخير تعرفوا ]به[ واعملوا به تكونوا من أهله‪ - 103 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬إذا حضرت بلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم‪ ،‬وإذا نزلت‬
‫نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم‪ ،‬واعلموا أن الهالك من هلك دينه‪ ،‬و‬
‫الحرب من سلب دينه )‪ ،(1‬أل وإنه لفقر بعد الجنة‪ ،‬ول غنى بعد النار‪.‬‬
‫‪ - 104‬وقال عليه السلم‪ :‬ل يجد عبد طعم اليمان حتى يترك الكذب هزله‬
‫وجده )‪ - 105 .(2‬وقال عليه السلم‪ :‬ينبغي للرجل المسلم أن يجتنب‬
‫مؤاخاه الكذاب‪ ،‬إنه يكذب حتى يجيئ بالصدق فما يصدق‪ - 106 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬أعظم الخطايا اقتطاع مال امرء مسلم بغير حق )‪- 107 .(3‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬من خاف القصاص كف عن ظلم الناس‪ - 108 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد‪ - 109 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬العامل بالظلم‪ ،‬والمعين عليه‪ ،‬والراضي به شركاء ثلثة‪- 110 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬الصبر صبران‪ :‬صبر عند المصيبة حسن ]جميل[ و‬
‫أحسن من ذلك الصبر عندما حرم ال عليك‪ .‬والذكر ذكران‪ :‬ذكر عند‬
‫المصيبة حسن جميل وأفضل من ذلك ذكر ال عند ما حرم ]ال[ عليك‬
‫فيكون ذلك حاجزا‪.‬‬
‫)‪ (1‬الحرب الذى سلب ماله وترك بل شئ‪ (2) .‬الهزل في الكلم‪ :‬ضد الجد أي‬
‫المزح والهذى‪ (3) .‬اقتطع مال فلن أي أخذه لنفسه‪.‬‬

‫]‪[56‬‬

‫‪ - 111‬وقال عليه السلم‪ :‬اللهم ل تجعل بي حاجة إلى أحد من شرار خلقك‪ ،‬وما‬
‫جعلت بي من حاجة فاجعلها إلى أحسنهم وجها‪ ،‬وأسخاهم بها نفسا‪،‬‬
‫وأطلقهم بها لسانا وأقلهم علي بها منا‪ - 112 .‬وقال عليه السلم‪ :‬طوبى‬
‫لمن يألف الناس ويألفونه على طاعة ال‪ - 113 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن‬
‫من حقيقة اليمان أن يؤئر العبد الصدق حتى نفر عن الكذب حيث ينفع‪ .‬ول‬
‫يعد المرء بمقالته علمه‪ - 114 .‬وقال عليه السلم‪ :‬أدوا المانة ولو إلى‬
‫قاتل ولد النبياء )‪ - 115 .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬التقوى سنخ اليمان‪.‬‬
‫‪ - 116‬وقال عليه السلم‪ :‬أل إن الذل في طاعة ال أقرب إلى العز من‬
‫التعاون بمعصية ال‪ - 117 .‬وقال عليه السلم‪ :‬المال والبنون حرث الدنيا‪،‬‬
‫والعمل الصالح حرث الخرة وقد جمعها ال لقوام‪ - 118 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬مكتوب في التوارة في صحيفتين‪ ،‬إحديهما‪ :‬من أصبح على الدنيا‬
‫حزينا فقد أصبح لقضاء ال ساخطا‪ ،‬ومن أصبح من المؤمنين يشكو‬
‫مصيبة نزلت به إلى من يخالفه على دينه فإنما يشكو ربه إلى عدوه‪ .‬ومن‬
‫تواضع لغني طلبا لما عنده ذهب ثلثا دينه )‪ (2‬ومن قرأ القرآن فمات فدخل‬
‫النار فهو ممن يتخذ آيات ال هزوا‪ .‬وقال‪ :‬في الصحيفه الخرى‪ :‬من لم‬
‫يستشر يندم‪ ،‬ومن يستأثر من الموال يهلك )‪ (3‬والفقر الموت الكبر‪.‬‬
‫‪ - 119‬وقال عليه السلم‪ :‬النسان لبه لسانه‪ ،‬وعقله دينه‪ ،‬ومروته حيث‬
‫يجعل‬

‫)‪ (1‬في كنز الفوائد " إلى قاتل النبياء "‪ (2) .‬لن الخضوع لغير ال اذاء عمل‬
‫لغيره واستعظام المال ضعف في اليقين فلم يبق ال القرار باللسان‪(3) .‬‬
‫استأثر بالمال‪ :‬اختص نفسه به واختاره‪.‬‬

‫]‪[57‬‬

‫نفسه‪ ،‬والرزق مقسوم‪ ،‬واليام دول‪ ،‬والناس إلى آدم شرع سواء )‪ - 120 .(1‬وقال‬
‫عليه السلم لكميل بن زياد‪ :‬رويدك ل تشهر )‪ (2‬واخف شخصك ل تذكر‪،‬‬
‫تعلم تعلم‪ .‬واصمت تسلم‪ ،‬ل عليك إذا عرفك دينه ل تعرف الناس ول‬
‫يعرفونك‪ - 121 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ليس الحكيم من لم يدار من ل يجد بدا‬
‫من مداراته‪ - 122 .‬وقال عليه السلم‪ :‬أربع لو ضربتم فيهن أكباد البل )‬
‫‪ (3‬لكان ذلك يسيرا‪ :‬ل يرجون أحد إل ربه‪ ،‬ول يخافن إل ذنبه‪ ،‬ول يستحي‬
‫أن يقول‪ :‬ل أعلم إذا هو لم يعلم‪ ،‬ول يستكبر أن يتعلم إذا لم يعلم‪- 123 .‬‬
‫وكتب إلى عبد ال بن العباس أما بعد فاطلب ما يعنيك واترك ما ل يعنيك‪،‬‬
‫فإن في ترك مال يعنيك درك ما يعنيك‪ ،‬وإنما تقدم على ما أسلفت ل على ما‬
‫خلفت‪ .‬وابن ما تلقاه غدا على ما تلقاه‪ .‬السلم‪ - 124 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫إن أحسن ما يألف به الناس قلوب أودائهم‪ ،‬ونفوا به الضغن عن قلوب‬
‫أعدائهم‪ :‬حسن البشر عند لقائهم‪ ،‬والتفقد في غيبتهم‪ ،‬والبشاشة بهم عند‬
‫حضورهم‪ - 125 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل يجد عبد طعم اليمان حتى يعلم أن‬
‫ما أصابه لم يكن ليخطئه‪ ،‬وما أخطأه لم يكن ليصيبه‪ - 126 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬يا رب ما أشقى جد من لم يعظم في عينه وقلبه ما رأى من ملكك‬
‫وسلطانك في جنب ما لم تر عينه وقلبه من ملكك وسلطانك‪ .‬وأشقى منه‬
‫من لم يصغر في عينه وقلبه ما رأى وما لم يرمن ملكك وسلطانك في جنب‬
‫عظمتك وجللك‪ ،‬لإله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين‪ - 127 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬إنما الدنيا فناء وعناء وغير وعبر فمن فنائها أنك‬

‫)‪ " (1‬دول " أي ل ثبات فيها ول قرار‪ .‬والشرع ‪ -‬بكسر فسكون وبفتحتين ‪:-‬‬
‫المثل‪ (2) .‬رويدك ‪ -‬مصدر ‪ -‬أي امهل‪ (3) .‬ضرب أكباد البل في طلب‬
‫الشئ كناية من أن يرحل إليه‪.‬‬

‫]‪[58‬‬

‫ترى الدهر موترا قوسه مفوقا نبله )‪ (1‬ل تخطئ سهامه‪ ،‬ول تشفي جراحه‪ ،‬يرمي‬
‫الصحيح بالسقم‪ ،‬والحي بالموت‪ ،‬ومن عنائها أن المرء يجمع ما ل يأكل‪،‬‬
‫ويبني ما ل يسكن‪ ،‬ثم يخرج إلى ال ل ما ل حمل ول بناء نقل‪ ،‬ومن‬
‫غيرها أنك ترى المغبوط مرحوما‪ ،‬والمرحوم مغبوطا‪ ،‬ليس بينهم إل نعيم‬
‫زال وبؤس نزل‪ ،‬ومن عبرها أن المرء يشرف على أمله فيتخطفه أجله‪،‬‬
‫فل أمل مدروك‪ ،‬ول مؤمل متروك فسبحان ]ال[ ما أعز سرورها وأظمأ‬
‫ريها وأضحى فيئها‪ ،‬فكأن ما كان من الدنيا لم يكن وكأن ما هو كائن قد‬
‫كان‪] .‬و[ أن الدار الخرة هي دار المقام ودار القرار وجنة ونار‪ .‬صار‬
‫أولياء ال إلى الجر بالصبر وإلى المل بالعمل‪ - 128 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫من أحب السبل إلى ال جرعتان‪ :‬جرعة غيظ تردها بحلم وجرعة حزن‬
‫تردها بصبر‪ .‬ومن أحب السبل إلى ال قطرتان‪ :‬قطرة دموع في جوف‬
‫الليل‪ ،‬وقطرة دم في سبيل ال‪ ،‬ومن أحب السبل إلى ال خطوتان‪ :‬خطوة‬
‫امرء مسلم يشد بها صفا في سبيل ال‪ ،‬وخطوة في صلة الرحم ]وهي[‬
‫أفضل من خطوة يشد )‪ (2‬بها صفا في سبيل ال‪ - 129 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬ل يكون الصديق لخيه صديقا حتى يحفظه في نكبته وغيبته وبعد‬
‫وفاته‪ - 130 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن قلوب الجهال تستفزها الطماع‪،‬‬
‫وترهنها المنى وتستعلقها الخدائع )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬موترا قوسه‪ :‬مشد وترها‪ " .‬مفوقا نبله " أي موضع فوقته في الوتر ليرمى‬
‫به‪ .‬والفوق‪ :‬موضع الوتر من رأس السهم حيث يقع الوتر‪ (2) .‬في بعض‬
‫النسخ ]يشهد[ في الموضعين‪ " (3) .‬تستفزها " أي تستخفها وتخرجها‬
‫من مقرها و " ترهنها المنى " في الكافي " ترتهنها " وهى اراده مال‬
‫يتوقع حصوله‪ ،‬أو المراد بها ما يعرف للنسان من أحاديث النفس‪،‬‬
‫وتسويل الشيطان‪ .‬أي تأخذها وتجعلها مشغولة بها ول تتركها ال‬
‫بحصول ما تتمناه‪ ،‬كما أن الرهن ل ينفك ال بأداء المال وقوله‪" :‬‬
‫تستعلقها " بالعين المهملة ثم القاف أي تصيدها وتربطها ‪- - - -‬‬

‫]‪[59‬‬

‫‪ - 131‬وقال عليه السلم‪ :‬من استحكمت ]لي[ فيه خصلة من خصال الخير اغتفرت‬
‫ما سواها ول أغتفر فقد عقل ول دين‪ ،‬مفارقة الدين مفارقة المن‪ ،‬ول‬
‫حياة مع مخافة وفقد العقل فقد الحياة ول يقاس ]إل[ بالموات )‪- 132 .(1‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬من عرض نفسه للتهمة فل يلومن من أساء به الظن‬
‫ومن كتم سره كانت الخيرة في يده )‪ - 133 .(2‬قال عليه السلم‪ :‬إن ال‬
‫يعذب ستة بستة‪ :‬العرب بالعصبية‪ ،‬والدهاقين بالكبر‪ ،‬والمراء بالجور‪،‬‬
‫والفقهاء بالحسد‪ ،‬والتجار بالخيانة‪ ،‬وأهل الرستاق بالجهل‪ - 134 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬أيها الناس اتقوا ال‪ ،‬فإن الصبر على التقوى أهون من‬
‫الصبر على عذاب ال‪ - 135 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الزهد في الدنيا قصر‬
‫المل وشكر كل نعمة والورع عن كل ما حرم ال‪ - 136 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬إن الشياء لما ازدوجت ازدوج الكسل والعجز فنتج منهما الفقر )‬
‫‪.(3‬‬

‫‪ - - - -‬بالحبال من قولهم‪ " :‬علق الوحش بالحبالة " إذا تعوق وتشب فيها‪ .‬وفى‬
‫بعض النسخ بالقافين أي تجعلها الخدائع منزعجة منقلعة من مكانها‪.‬‬
‫وفى بعضها بالغين المعجمة ثم القاف من قولهم‪ " :‬استغلقني في بيعه "‬
‫أي لم يجعل لى خيارا في رده‪) .‬قاله المؤلف( )‪ (1‬كذا‪ .‬وفى الكافي ج ‪1‬‬
‫ص ‪ " 27‬عن امير المؤمنين عليه السلم من استحكمت لى فيه خصلة‬
‫من خصال الخير احتملته عليها واعتفرت فقد ما سواها‪ ،‬ول أغتقر فقد‬
‫عقل ول دين‪ ،‬لن مفارقة الدين مفارقة المن فل يتهنأ بحياة مع مخافة‪،‬‬
‫وفقد العقل فقد الحياة ول يقاس ال بالموات "‪ .‬واستحكمت أي أثبتت‬
‫وصارت ملكة راسخة‪ :‬واحتملته أي قبلته ورحمته على تلك الخصلة‪.‬‬
‫وقوله " ل يقاس ال بالموات " ذلك لعدم اطلعه على وجوه مفاسده‬
‫ومصالحه وعدم اهتدائه إلى دفع مضاره وجلب منافعه‪ (2) .‬الخيرة‪:‬‬
‫الخيار وذلك لن من أسر عزيمة فله الخيار بخلف من أفشاها‪ (3) .‬في‬
‫بعض النسخ من المصدر " بينهما الفقر "‪.‬‬

‫]‪[60‬‬

‫‪ - 137‬وقال عليه السلم‪ :‬أل إن اليام ثلثة‪ :‬يوم مضى ل ترجوه‪ ،‬ويوم بقي ل بد‬
‫منه )‪ (1‬ويوم يأتي ل تأمنه‪ ،‬فالمس موعظة‪ ،‬واليوم غنيمة‪ ،‬وغدا ل‬
‫تدري من أهله‪ ،‬أمس شاهد مقبول‪ ،‬واليوم أمين مؤد‪ ،‬وغد يجعل بنفسك‬
‫سريع الظعن )‪ (2‬طويل الغيبة‪ ،‬أتاك ولم تأته‪ .‬أيها الناس إن البقاء بعد‬
‫الفناء‪ ،‬ولم تكن إل وقد ورثنا من كان قبلنا‪ ،‬ولنا وارثون بعدنا‪،‬‬
‫فاستصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه واسلكوا سبل الخير‪ ،‬ول‬
‫تستوحشوا فيها لقلة أهلها‪ ،‬واذكروا حسن صحبة ال لكم فيها‪ ،‬أل وإن‬
‫العواري اليوم‪ ،‬والهبات غدا‪ ،‬وإنما نحن فروع لصول قد مضت فما بقاء‬
‫الفروع بعد اصولها‪ ،‬أيها الناس إنكم إن آثرتم الدنيا على الخرة أسرعتم‬
‫إجابتها إلى العرض الدنى‪ ،‬ورحلت مطايا آمالكم إلى الغاية القصوى‪ ،‬يورد‬
‫مناهل عاقبتها الندم‪ ،‬وتذيقكم ما فعلت بالمم الخالية‪ ،‬والقرون الماضية‪،‬‬
‫من تغير الحالت‪ ،‬وتكون المثلت‪ - 138 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الصلة‬
‫قربان كل تقي‪ ،‬والحج جهاد كل ضعيف ولكل شئ زكاة وزكاة البدن‬
‫الصيام‪ ،‬وأفضل عمل المرء انتظاره فرج ال‪ ،‬والداعي بل عمل كالرامي‬
‫بل وتر‪ ،‬ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية‪ ،‬استنزلوا الرزق بالصدقة‬
‫وحصنوا أموالكم بالزكاة‪ ،‬ما عال امرء اقتصد‪ ،‬والتقدير نصف العيش‪،‬‬
‫والتودد نصف العقل‪ ،‬والهم نصف الهرم‪ ،‬وقلة العيال أحد اليسارين‪ ،‬ومن‬
‫حزن والديه عقهما ومن ضرب بيده على فخذه عند المصيبة حبط أجره‪،‬‬
‫والصنيعة ل تكون صنيعة إل عند ذي حسب أو دين‪ ،‬وال ينزل الرزق‬
‫على قدر المصيبة‪ ،‬فمن قدر رزقه ال‪ ،‬ومن بذر حرمه ال‪ ،‬والمانة تجر‬
‫الرزق‪ ،‬والخيانة تجر الفقر‪ ،‬ولو أراد ال بالنملة صلحا ما أنبت ]لها[‬
‫جناحا‪ - 139 .‬وقال عليه السلم‪ :‬متاع الدنيا حطام وتراثها كباب‪ ،‬بلغتها‬
‫أفضل من‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ من المصدر " ل تدمنه " أي ل تدومه‪ (2) .‬الطعن‪ :‬الرحلة‪.‬‬

‫]‪[61‬‬
‫أثرتها‪ ،‬وقلعتها أركن من طمأنينتها )‪ (1‬حكم بالفاقة على مكثرها‪ ،‬واعين بالراحة‬
‫من رغب عنها‪ ،‬من راقه رواؤها )‪ (2‬أعقبت ناظريه كمها )‪ (3‬ومن‬
‫استشعر شعفها ملت قلبه أشجانا‪ ،‬لهن رقص على سويداء قلبه كرقيص‬
‫الزبدة على أعراض المدرجة )‪ (4‬هم يحزنه‪ ،‬وهم يشغله )‪ (5‬كذلك حتى‬
‫يؤخذ بكظمه‪ ،‬ويقطع أبهراه‪ ،‬ويلقى هاما للقضاء‪ ،‬طريحا هينا على ال‬
‫مداه )‪ (6‬وعلى البرار ملقاه )‪ (7‬وإنما ينظر المؤمن إلى الدنيا بعين‬
‫العتبار ويقتات منها ببطن الضطرار‪ ،‬ويسمع فيها باذن النفث )‪.(8‬‬

‫)‪ (1‬الحطام ‪ -‬كغراب ‪ :-‬ما تكسر من يبس النبات‪ .‬والكباب ‪ -‬كغراب ‪ :-‬الكثير من‬
‫البل والغنم والتراب والطين اللزب وأمثالها‪ .‬والبلغة‪ :‬الكفاف‪ .‬والثرة ‪-‬‬
‫كقصبة ‪ :-‬الختيار واختصاص المرء بالشئ دون غيره‪ .‬والقلعة‪ :‬الرحلة‪.‬‬
‫)‪ (2‬في بعض نسخ المصدر " من راقه زبرجها " وفى بعضها " من‬
‫فاقه رواها "‪ .‬وراقه الشى‪ :‬أعجبه‪ ،‬والرواء ‪ -‬بضم الراء ‪ :-‬حسن‬
‫المنظر‪ ،‬والزبرج‪ :‬الزينة وكل شئ حسن والذهب‪ (3) .‬الكمه‪ - .‬محركة‬
‫‪ :-‬العمى‪ (4) .‬في بعض النسخ " من استشعف برواها " والشعف ‪-‬‬
‫محركة ‪ :-‬الولوع وشدة التعلق وغلبة الحب‪ .‬وفى بعض نسخ الحديث‬
‫والنهج " ومن استشعر الشعف بها "‪ .‬والشجان‪ :‬الحزان‪ ،‬والرقص‬
‫الغليان والضطراب‪ ،‬واستعار عليه السلم لفظ الرقص لتعاقب الحزان‬
‫والهموم واضطرابهما في قلبه‪ .‬والزبدة ما يستخرج من اللبن بالمخض‪.‬‬
‫)‪ (5‬في بعض نسخ المصدر " هم يعمره وهم يسفره "‪ (6) .‬الكظم ‪-‬‬
‫بالضم والتحريك ‪ :-‬مخرج النفس‪ .‬والبهران‪ :‬العرقان اللذان يخرجان‬
‫من القلب‪ .‬والهامة‪ :‬الجثة‪ .‬والمدى‪ :‬الغاية والمنتهى‪ .‬وفى النهج " هينا‬
‫على ال فناؤه وعلى الخوان القاؤه " أي طرحه في قبره‪ (7) .‬الملقى‪:‬‬
‫الموضع‪ " (8) .‬يقتات " في بعض النسخ " بقبات " وهو تصحيف من‬
‫النساخ‪ .‬وفى النهج " ويسمع فيها باذن المقت والبغاض "‪ .‬ولعله هو‬
‫الصحيح‪.‬‬

‫]‪[62‬‬

‫‪ - 140‬وقال عليه السلم‪ :‬تعلموا الحلم فإن الحلم خليل المؤمن ووزيره‪ ،‬والعلم‬
‫دليله‪ ،‬والرفق أخوه‪ ،‬والعقل رفيقه‪ ،‬والصبر أمير جنوده‪ - 141 .‬وقال‬
‫عليه السلم لرجل تجاوز الحد في التقشف )‪ :(1‬يا هذا أما سمعت قول ال‪:‬‬
‫" وأما بنعمة ربك فحدث )‪ " (2‬فوال ل بتذالك نعم ال بالفعال أحب إليه‬
‫من ابتذالها بالمقال‪ - 142 .‬وقال لبنه الحسن عليهما السلم‪ :‬اوصيك‬
‫بتقوى ال‪ ،‬وإقام الصلة لوقتها وإيتاء الزكاة عند محلها‪ ،‬واوصيك بمغفرة‬
‫الذنب‪ ،‬وكظم الغيظ‪ ،‬وصلة الرحم والحلم عند الجاهل‪ ،‬والتفقه في الدين‪،‬‬
‫والتثبت في المر‪ ،‬والتعهد للقرآن‪ ،‬وحسن الجوار‪ ،‬والمر بالمعروف‪،‬‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬واجتناب الفواحش كلها في كل ما عصى ال فيه‪143 .‬‬
‫‪ -‬وقال عليه السلم‪ :‬قوام الدنيا بأربعة‪ :‬بعالم مستعمل لعلمه‪ ،‬وبغني باذل‬
‫لمعروفه‪ ،‬وبجاهل ل يتكبر أن يتعلم‪ ،‬وبفقير ل يبيع آخرته بدنيا غيره‪ ،‬وإذا‬
‫عطل العالم علمه‪ ،‬وأمسك الغني معروفه‪ ،‬وتكبر الجاهل أن يتعلم‪ ،‬وباع‬
‫الفقير آخرته بدنيا غيره فعليهم الثبور‪ - 144 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من‬
‫استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق بأن ل ينزل به مكروه‬
‫أبدا‪ ،‬قيل‪ :‬وماهن يا أمير المؤمنين ؟ قال‪ :‬العجلة‪ ،‬واللجاجة والعجب‪،‬‬
‫والتواني‪ - 145 .‬وقال عليه السلم‪ :‬اعلموا عباد ال أن التقوى حصن‬
‫حصين‪ ،‬والفجور حصن ذليل‪ ،‬ل يمنع أهله‪ ،‬ول يحرز من لجأ إليه‪ ،‬أل‬
‫وبالتقوى تقطع حمة الخطايا )‪ (3‬وبالصبر على طاعة ال ينال ثواب ال‪،‬‬
‫وباليقين تدرك الغاية القصوى‪ ،‬عباد ال إن ال لم يحظر على أوليائه ما‬
‫فيه نجاتهم )‪ (4‬إذ دلهم عليه‪ ،‬ولم يقنطهم من رحمته‬

‫)‪ (1‬تقشف الرجل في لباسه إذا لم يتعاهد النظافة‪ (2) .‬سورة الضحى‪(3) .11 :‬‬
‫الحمة‪ :‬السم‪ .‬وحمة البرد‪ :‬شدته‪ (4) .‬لم يحظر أي لم يمنع‪ .‬وفى بعض‬
‫نسخ المصدر " ما فيه تجارتهم "‪.‬‬

‫]‪[63‬‬

‫لعصيانهم إياه إن تابوا إليه‪ - 146 .‬وقال‪ :‬الصمت حكم‪ ،‬والسكوت سلمة‪،‬‬
‫والكتمان طرف من السعادة‪ - 147 .‬وقال عليه السلم‪ :‬تذل المور‬
‫للمقدور حتى تصير الفة في التدبير )‪ - 148 .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬ل يتم‬
‫مروة الرجل حتى يتفقه ]في دينه[ ويقتصد في معيشته‪ ،‬ويصبر على‬
‫النائبة إذا نزلت به‪ ،‬ويستعذب مرارة إخوانه‪ - 149 .‬وسئل عليه السلم ما‬
‫المروة ؟ فقال‪ :‬ل تفعل شيئا في السر تستحيي منه في العلنية‪- 150 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬الستغفار مع الصرار ذنوب مجددة‪ - 151 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬سكنوا في أنفسكم معرفة ما تعبدون حتى ينفعكم ما تحركون من‬
‫الجوارج بعبادة من تعرفون‪ - 152 .‬وقال عليه السلم‪ :‬المستأكل بدينه‬
‫حظه من دينه ما يأكله‪ - 153 .‬وقال عليه السلم‪ :‬اليمان قول مقبول )‪(2‬‬
‫وعمل معمول وعرفان بالعقول‪ - 154 .‬وقال عليه السلم‪ :‬اليمان على‬
‫أربعة أركان التوكل على ال‪ ،‬والتفويض إلى ال‪ ،‬والتسليم لمر ال‪،‬‬
‫والرضى بقضاء ال‪ ،‬وأركان الكفر أربعة‪ :‬الرغبة والرهبة والغضب‬
‫والشهوة )‪ - 155 .(3‬وقال عليه السلم‪ :‬من زهد في الدنيا‪ ،‬ولم يجزع من‬
‫ذلها‪ ،‬ولم ينافس في عزها )‪ (4‬هداه ال بغير هداية من مخلوق‪ ،‬وعلمه‬
‫بغير تعليم‪ ،‬وأثبت الحكمة في‬
‫)‪ (1‬وفى النهج " تذل المور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير "‪ .‬وأيضا في‬
‫موضع آخر منه " يغلب المقدار على التقدير حتى تكون الفة في التدبير‬
‫"‪ .‬والتقدير‪ :‬القياس‪ (2) .‬وفى بعض النسخ " مقول "‪ (3) .‬وفى الكافي‬
‫ج ‪ 2‬ص ‪ 289 ،47‬بتقديم وتأخير‪ (4) .‬نافس فلنا في المر‪ :‬فاخره‬
‫وباراه فيه‪.‬‬

‫]‪[64‬‬

‫صدره‪ ،‬وأجراها على لسانه‪ - 156 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن ل عبادا عاملوه‬
‫بخالص من سره‪ ،‬فشكر لهم بخالص من شكره‪ ،‬فأولئك تمر صحفهم يوم‬
‫القيامة فرغا )‪ (1‬فإذا وقفوا بين يديه مل هالهم من سر ما أسروا إليه‪.‬‬
‫‪ - 157‬وقال عليه السلم‪ :‬ذللوا أخلقكم بالمحاسن وقودوها إلى المكارم‪،‬‬
‫وعودوا أنفسكم الحلم‪ ،‬واصبروا على اليثار على أنفسكم فيما تحمدون‬
‫عنه‪ ،‬ول تداقوا الناس وزنا بوزن )‪ (2‬وعظموا أقداركم بالتغافل عن الدني‬
‫من المور‪ ،‬وأمسكوا رمق الضعيف )‪ (3‬بجاهكم وبالمعونة له إن عجزتم‬
‫عما رجاه عندكم‪ ،‬ول تكونوا بحاثين عما غاب عنكم )‪ (4‬فيكثر عائبكم )‬
‫‪ ،(5‬وتحفظوا من الكذب‪ ،‬فإنه من أدنى الخلق قدرا وهو نوع من‬
‫الفحش‪ ،‬وضرب من الدناءة‪ ،‬وتكرموا بالتعامي عن الستقصاء ‪ -‬وروي‬
‫بالتعامس من الستقصاء ‪ - 158 .(6) -‬وقال عليه السلم‪ :‬كفى بالجل‬
‫حرزا إنه ليس أحد من الناس إل ومعه حفظة من ال يحفظونه أن ل‬
‫يتردى في بئر‪ ،‬ول يقع عليه حائط‪ ،‬ول يصيبه سبع‪ ،‬فإذا جاء أجله خلوا‬
‫بينه وبين أجله‪ .‬أقول‪ :‬وجدت في مناقب ابن الجوزي )‪ (7‬فصل في كلم‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم فأحببت إيراده قال‪ :‬قال أبو نعيم في الحلية‪1 :‬‬
‫‪ -‬حدثنا عمربن محمد‪ ،‬حدثنا الحسين بن محمد بن عفير‪ ،‬حدثنا الحسن بن‬
‫علي‪ ،‬حدثنا خلف بن تميم حدثنا عمر بن الرحال‪ ،‬عن العلء بن المسيب‪،‬‬
‫عن‬

‫)‪ (1‬فرغا أي خاليا فارغا‪ (2) .‬أي ل تحاسبهم بالدقة في المور ول تستقصهم‬
‫فيها‪ (3) .‬في بعض نسخ المصدر " من الضعيف "‪ .‬والجاه‪ :‬القدر‬
‫والشرف‪ (4) .‬في بعض نسخ المصدر " بحانين "‪ (5) .‬في بعض النسخ‬
‫" فيكبر غائبكم "‪ (6) .‬تعامى فلن‪ :‬اظهر من نفسه العمى والمراد‬
‫التغافل عنه‪ .‬والتعامس‪ :‬التغافل‪ (7) .‬المصدر ص ‪ 77‬مع اختلف كثير‪.‬‬

‫]‪[65‬‬
‫عبد خير قال‪ :‬قال لي أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬ليس الخير أن يكثر مالك وولدك‪،‬‬
‫ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك ]وأن تباهي الناس بعبادة ربك‪،‬‬
‫فإن أحسنت حمدت ال‪ ،‬وإن أسأت استغفرت ال[‪ .‬ول خير في الدنيا إل‬
‫لحد رجلين‪ :‬رجل أذنب ذنبا فهو يتدارك ذلك بتوبة‪ ،‬أو رجل يسارع في‬
‫الخيرات‪ .‬ول يقل عمل في تقوى‪ ،‬وكيف يقل ما يتقبل‪ - 2 .‬وقال أبو نعيم‪:‬‬
‫حدثنا أبي‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال‪ :‬كتب إلي أحمد بن‬
‫إبراهيم بن هشام الدمشقي حدثنا أبو صفوان القاسم بن يزيد بن عوانة‪،‬‬
‫عن ابن حرث‪ ،‬عن ابن عجلن‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‬
‫عليهم السلم قال‪ :‬شيع أمير المؤمنين عليه السلم جنازة فلما وضعت في‬
‫لحدها عج أهلها )‪ (1‬وبكوا فقال‪ :‬ما تبكون ؟ أما وال لو عاينوا ما عاين‬
‫ميتهم لذهلهم ذلك عن البكاء عليه أما وال إن له إليهم لعودة‪ ،‬ثم عودة‪،‬‬
‫حتى ل يبقي منهم أحدا‪ ،‬ثم قام فيهم فقال‪ :‬اوصيكم عباد ال بتقوى ال‬
‫الذي ضرب لكم المثال‪ ،‬ووقت لكم الجال‪ ،‬وجعل لكم أسماعا تعي ما‬
‫عناها ]وأبصارا لتجلوا عن غشاها[ وأفئدة تفهم ما دهاها ]في تركيب‬
‫صورها وما أعمرها[ فإن ال لم يخلقكم عبثا‪ ،‬ولم يضرب عنكم الذكر‬
‫صفحا‪ ،‬بل أكرمكم بالنعم السوابغ ]وأرفدكم بأوفر الروافغ‪ ،‬وأحاط بكم‬
‫الحصاء‪ ،‬وأرصد لكم الجزاء في السراء والضراء[‪ .‬فاتقوا ال عباد ال‪،‬‬
‫وجدوا في الطلب‪ ،‬وبادروا بالعمل قبل ]مقطع النهمات )‪ (2‬و[ هاذم اللذات‬
‫)‪ (3‬ومفرق الجماعات‪ ،‬فإن الدنيا ل يدوم نعيمها ول تؤمن فجائعها‪،‬‬
‫غرور حائل ]وشبح فائل )‪ ،[(4‬وسناد مائل‪ ،‬ونعيم زائل‪.‬‬

‫)‪ (1‬عج يعج عجا‪ :‬صاح ورفع صوته‪ (2) .‬النهمة‪ :‬بلوغ الهمة والشهوة في‬
‫الشئ‪ ،‬يقال " له في هذا المر نهمة " أي شهوة و " قضى منه نهمته‬
‫" أي شهوته‪ (3) .‬الهاذم بالذال المعجمة بمعنى الهادى ويستعمل مع‬
‫الموت‪ (4) .‬الشبح‪ :‬الشخص‪ .‬وما ينظر بالعين من ابل وغنم وبناء‪.‬‬
‫والفائل ‪ -‬فاعل عن فال يفيل رأيه‪ :‬أخطأ وضعف‪(*) .‬‬

‫]‪[66‬‬

‫وجيد عاطل‪ .‬فاتعظوا عباد ال بالعبر ]واعتبروا باليات والثر[ وازدجروا بالنذر‬
‫]وانتفعوا بالمواعظ[ فكأن قد علقتكم مخالب المنية ]وأحاطت بكم البلية‬
‫وضمكم بيت التراب[ ودهمتكم مفظعات المور بنفخة الصور‪ ،‬وبعثرة‬
‫القبور وسياقة المحشر‪ ،‬وموقف الحساب في المنشر‪ ،‬وبرز الخلئق حفاة‬
‫عراة‪ ،‬وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد‪ ،‬ونوقش الناس على القليل‬
‫والكثير‪ ،‬والفتيل والنقير )‪ (1‬وأشرقت الرض بنور ربها‪ ،‬ووضع الكتاب‬
‫وجئ بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق وهم ل يظلمون " فارتجت )‬
‫‪ (2‬لذلك اليوم البلد‪ ،‬وخشع العباد وناد المناد من مكان قريب‪ ،‬وحشرت‬
‫الوحوش‪ ،‬وزوجت النفوس ]مكان مواطن الحشر‪ ،‬وبدت السرار‪ ،‬وهلكت‬
‫الشرار‪ ،‬وارتجت الفئدة‪ ،‬فنزلت بأهل النار من ال سطوة مجيحة‪،‬‬
‫وعقوبة منيحة )‪ [(3‬وبرزت الجحيم‪ ،‬لها كلب ولجب‪ ،‬وقصيف رعد )‪(4‬‬
‫وتغيظ ووعيد‪ ،‬قد تأجج جحيمها )‪ (5‬وغل حميمها‪ .‬فاتقوا ال عباد ال‬
‫تقية ]من كنع فخنع[ )‪ (6‬وجل و ]رحل[ وحذر فأبصر وازدجر‪ ،‬فاحتث‬
‫طلبا )‪ (7‬ونجا هربا‪ ،‬وقدم للمعاد‪ ،‬واستظهر من الزاد وكفى بال منتقما‪،‬‬
‫وبالكتاب خصيما ]وحجيجا[‪ ،‬وبالجنة ثوابا ]ونعيما[ وبالنار وبال وعقابا‪،‬‬
‫وأستغفر ال لي ولكم‪.‬‬

‫)‪ (1‬النقير‪ .‬النكتة في ظهر النواة‪ .‬وهو كناية عن القليل‪ (2) .‬ارتج البحر‪:‬‬
‫اضطراب‪ (3) .‬المجيحة‪ :‬المهلكة والمستأصلة ‪ -‬والمنيحة أي الشديدة‬
‫المحرقة‪ (4) .‬الكلب‪ :‬الشدة‪ ،‬واللجب‪ :‬صوت الهياج واضطراب المواج‪.‬‬
‫وقصيف الرعد‪ :‬شدة صوته‪ (5) .‬التأجج‪ :‬التلهب والضطرام‪ (6) .‬كنع‬
‫أي جبن وهرب‪ .‬وخنع أي خضع وذل‪ .‬وجل أي خرج من بلده‪ (7) .‬احتث‬
‫على المر واحتثه‪ :‬حضه ونشطه على فعله‪.‬‬

‫]‪[67‬‬

‫قلت )‪ :(1‬قد رفعت إلينا ألفاظا من هذا الكتاب يشتمل على فصل الخطاب حذفنا‬
‫إسنادها طلبا للختصار وخوفا للكثار‪ - 3 .‬قوله عليه السلم‪ :‬الدنيا دار‬
‫ممر‪ ،‬والخرة دار مقر‪ ،‬فخذوا من ممركم لمقركم‪ ،‬ول تهتكوا أستاركم عند‬
‫من يعلم أسراركم‪ ،‬وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم‪،‬‬
‫ففيها اختبرتم‪ ،‬ولغيرها خلقتم‪ ،‬إن الجنازة إذا حملت قال الناس‪ :‬ماذا‬
‫ترك ؟ وقالت الملئكة ماذا قدم ؟ فقدموا بعضا يكن لكم ول تؤخروا كل يكن‬
‫عليكم‪ - 4 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا رأيتم ال تتابع نعمه عليكم وأنتم‬
‫تعصونه فاحذروه‪ - 5 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من كفارة الذنوب العظام إغاثة‬
‫الملهوف‪ ،‬والتنفس عن المكروب‪ - 6 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا كنت في‬
‫إدبار والموت في إقبال فما أسرع الملتقى‪ - 7 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من أطال‬
‫المل أساء العمل‪ ،‬وسيئة تسوؤك خير من حسنة تسرك‪ - 8 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬الدهر يخلق البدان )‪ (2‬ويجدد المال‪ ،‬ويقرب المنية ويباعد‬
‫المنية‪ ،‬من ظفر به تعب‪ ،‬ومن فاته نصب‪ - 9 .‬وقال عليه السلم‪ :‬عجبت‬
‫لمن يقنط ومعه الستغفار‪ - 10 .‬وقال عليه السلم‪ :‬لكان في الرض‬
‫أمانان فرفع أحدهما وهو رسول ال صلى ال عليه وآله فتمسكوا بالخر‬
‫وهو الستغفار قال تعالى " وما كان ال ليعذبهم وأنت فيهم ‪ -‬الية "‪11 .‬‬
‫‪ -‬وقال عليه السلم‪ :‬من أصلح ما بينه وبين ال أصلح ال ما بينه وبين‬
‫الناس‪ ،‬ومن عمل لخرته كفاه ال أمر دنياه‪ ،‬ومن كان له في نفسه واعظ‬
‫كان عليه من ال حافظ‪ - 12 .‬وقال عليه السلم‪ :‬كم من مستدرج‬
‫بالحسان إليه‪ ،‬ومغرور بالستر عليه ومفتون بحسن القول فيه‪ ،‬وشتان‬
‫بين عملين عمل تذهب لذته ويبقى تبعته‪ ،‬وعمل‬

‫)‪ (1‬القائل هو سبط ابن الجوزى قاله في المناقب ص ‪ (2) .78‬خلق الثوب ‪ -‬بكسر‬
‫اللم ‪ :-‬بلى‪.‬‬

‫]‪[68‬‬

‫تذهب مؤونته وتبقى أجره‪ - 13 .‬وقال عليه السلم‪ :‬استنزلوا الرزق بالصدقة‪،‬‬
‫فمن أيقن بالخلف جاد بالعطاء‪ - 14 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من اعطى أربعا لم‬
‫يحرم أربعا‪ :‬من اعطى الدعاء لم يحرم الجابة‪ ،‬ومن اعطى التوبة لم يحرم‬
‫القبول‪ ،‬ومن اعطى الستغفار لم يحرم المغفرة‪ ،‬ومن اعطى الشكر لم‬
‫يحرم الزيادة‪ ،‬وقال‪ :‬مصداق ذلك في كتاب ال قال ال تعالى في الدعاء "‬
‫ادعوني أستجب لكم " وقال في التوبة " إنما التوبة على ال للذين‬
‫يعلمون السوء بجهالة ‪ -‬الية " وقال في الستغفار " ومن يعمل سوء أو‬
‫يظلم نفسه ثم يستغفر ال ‪ -‬الية " وقال في الشكر " لئن شكرتم لزيدنكم‬
‫"‪ - 15 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الستغفار درجة العليين‪ ،‬وهو اسم واقع على‬
‫ستة معان‪ :‬أولها الندم على الفعل‪ ،‬والثاني العزم على الترك وأن ل يعود‪،‬‬
‫والثالث تأدية الحقوق ليلقى ال تعالى وليس عليه تبعة‪ ،‬والرابع أن يعمد‬
‫إلى كل فريضة فيؤدي حقها والخامس أن يذيب اللحم الذي نبت منه‬
‫السحت بالهموم والحزان حتى يكتسي لحما آخر من الحلل‪ ،‬والسادس أن‬
‫يذيق جسمه ألم الطاعة كما أذاقه لذة المعصية‪ - 16 .‬وقال صلوات ال‬
‫عليه‪ :‬ل تكن ممن يريد الخرة بعمل الدنيا أو بغير عمل‪ ،‬ويؤخر التوبة‬
‫بطول المل‪ ،‬يقول في الدنيا قول الزاهدين‪ ،‬ويعمل فيها عمل الراغبين‪ ،‬إن‬
‫اعطى منها لم يشبع‪ ،‬وإن ملك الكثير لم يقنع‪ ،‬يأمر بالمعروف ول يأتمر‪،‬‬
‫وينهى ول ينتهي‪ ،‬يحب الصالحين ول يعمل بعملهم‪ ،‬ويبغض العاصين‬
‫وهو أحدهم‪ ،‬يكره الموت لكثرة ذنوبه ويقيم على ما يكره ال منه‪ ،‬تعجبه‬
‫نفسه إذا عوفي ويقنط إذا ابتلي‪ ،‬إن أصابه بلء دعا مضطرا‪ ،‬وإن ناله‬
‫رخاء أعرض مغترا‪ ،‬تغلبه نفسه على ما يظن‪ ،‬ول يغلبها على ما يستيقن‪،‬‬
‫إن استغنى بطر‪ ،‬وإن افتقر قنط‪ ،‬يقدم المعصية ويسوف التوبة‪ ،‬يصف‬
‫العبر ول يعتبر‪ ،‬ويبالغ في الموعظة ول يتعظ‪ ،‬فهو من القول مكثر‪ ،‬ومن‬
‫العمل مقل‪ ،‬يناقش فيما يفنى‪ ،‬ويسامح فيما يبقى‪ ،‬يرى‬

‫]‪[69‬‬
‫المغنم مغرما‪ ،‬والمغرم مغنما‪ ،‬يخشى الموت ول يبادر الفوت‪ ،‬يستعظم من معاصي‬
‫غيره ما يستقله من معاصي نفسه‪ ،‬ويستكثر من طاعته ما يحتقره من‬
‫طاعة غيره‪ ،‬فهو على الناس طاعن‪ ،‬ولنفسه مداهن‪ ،‬اللغو مع الغنياء‬
‫أحب إليه من الذكر مع الفقراء يرشد غيره ويغوي نفسه " أتأمرون الناس‬
‫بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفل تعقلون "‪ - 17 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬من أصبح على الدنيا حزينا أصبح لقضاء ال ساخطا ومن أصبح‬
‫يشكو مصيبة نزلت به إلى مخلوق مثله فإنما يشكو ربه‪ ،‬ومن أتى غنيا‬
‫يتواضع له لجل دنياه ذهب ثلثا دينه‪ .‬قالوا‪ :‬ومعنى هذا أن المرء إنسان‬
‫بجسده وقلبه ولسانه والتواضع يحتاج فيه إلى استعمال الجسد واللسان‬
‫فإن أضاف إلى ذلك القلب ذهب جميع دينه‪ - 18 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن‬
‫قوما عبدوا ال رغبة فتلك عبادة التجار‪ ،‬وإن قوما عبدوا ال رهبة فتلك‬
‫عبادة العبيد‪ ،‬وإن قوما عبدوه شكرا فتلك عبادة الحرار‪ - 19 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬احذروا نفار النعم فماكل شارد بمردود )‪ - 20 .(1‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬أفضل العمال ما اكرهت عليه نفسك‪ - 21 .‬وقال عليه السلم‪ :‬لو‬
‫لم يتواعد ال عباده على معصيته لكان الواجب أل يعصى شكرا لنعمه‪،‬‬
‫ومن ههنا أخذ القائل ‪ -‬وقيل إنها لمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬هب البعث‬
‫لم تأتنا رسله * وجاحمة النار لم تضرم أليس من الواجب المستحق *‬
‫حياء العباد من المنعم )‪ - 22 (2‬وقال عليه السلم‪ :‬ما أكثر العبر‪ :‬وما أقل‬
‫المعتبرين‪ - 23 .‬وقال عليه السلم‪ :‬أقل ما يلزمك ل تعالى أل تستعينوا‬
‫بنعمه على معاصيه‪ - 24 .‬وقال عليه السلم‪ :‬المدة وإن طالت قصيرة‪،‬‬
‫والماضي للمقيم عبرة‪ ،‬والميت للحي عظة‪ ،‬وليس المس عودة‪ ،‬ول أنت‬
‫من غد على ثقة‪ ،‬وكل لكل مفارق‬

‫)‪ (1‬نفار النعم‪ :‬النعم الزائلة‪ .‬ونفورها بعدم أداء الحق منها‪ .‬والشارد‪ :‬النافر‪(2) .‬‬
‫جحم النار‪ :‬أوقدها‪ ،‬وجحمة النار توقدها‪ ،‬وضرمت النار‪ :‬اشتعلت‪.‬‬

‫]‪[70‬‬

‫وبه ل حق‪ ،‬فاستعدوا ليوم ل ينفع فيه مال ول بنون إل من أتى ال بقلب سليم‪.‬‬
‫واصبروا على عمل ل غنى لكم عن ثوابه‪ ،‬وارجعوا عن عمل ل صبر لكم‬
‫على عقابه فإن الصبر على الطاعة أهون من الصبر على العذاب‪ ،‬وإنما‬
‫أنتم نفس معدود‪ ،‬وأمل ممدود‪ ،‬وأجل محدود‪ ،‬ولبد للجل أن يتناهى‪،‬‬
‫وللنفس أن يحصى‪ ،‬وللعمل أن يطوى " وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين‬
‫يعلمون ما تفعلون "‪ - 25 .‬وقال عليه السلم‪ :‬اتقوا معاصي ال في‬
‫الخلوات فإن الشاهد هو الحاكم‪ - 26 .‬وقال عليه السلم‪ :‬كم من مؤمل مال‬
‫يبلغه‪ ،‬وبان مال يسكنه مما سوف يتركه ولعله من باطل جمعة‪ ،‬أصابه‬
‫حراما‪ ،‬واحتمل منه آثاما‪ ،‬وربما استقبل النسان يوما ولم يستدبره‪ ،‬ورب‬
‫مغبوط في أول يومه قامت بواكيه في آخره‪ ،‬ومن ههنا أخذ القائل‪ :‬يا راقد‬
‫الليل مسرورا بأوله * إن الحوادث قد يطرقن أسحارا أفنى القرون التي‬
‫كانت مسلطة * من الحوادث إقبال وإدبارا يا من يكابد دنيا ل بقاء لها *‬
‫يمسي ويصبح تحت الرض سيارا كم قد أبادت صروف الدهر من ملك *‬
‫قد كان في الرض نفاعا وضرارا ‪ - 27‬وقال عليه السلم‪ :‬الزهد كله في‬
‫كلمتين من القرآن قال ال تعالى‪ " :‬لكيل تأسوا على ما فاتكم ول تفرحوا‬
‫بما آتيكم " فمن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالتي فهو الزاهد‪- 28 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬أفضل الزهد إخفاؤه‪ - 29 .‬وقال عليه السلم‪ :‬أخذوا من‬
‫ال ما حذركم من نفسه‪ ،‬واخشوه خشية يظهر أثرها عليكم‪ ،‬واعملوا بغير‬
‫رياء ول سمعة فان من عمل لغير ال وكله ال إلى من عمل له‪ - 30 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬يوشك أن يفقد الناس ثلثا‪ :‬درهما حلل‪ ،‬ولسانا صادقا‪،‬‬
‫وأخا يستراح إليه‪ - 31 .‬وقال عليه السلم‪ :‬استعدوا للموت فقد أظلكم‬
‫غمامه‪ ،‬وكونوا قوما صيح بهم فانتبهوا وانتهوا فما بينكم وبين الجنة‬
‫والنار سوى الموت‪ ،‬وإن غاية تنقصها اللحظة‬

‫]‪[71‬‬

‫وتهدمها الساعة لجديرة بقصر المدة‪ ،‬وإن غائبا يحدوه الجديدان لحري بسرعة‬
‫الوبة )‪ .(1‬فرحم ال عبدا سمع حكمة فوعى‪ ،‬ودعي إلى خلص نفسه‬
‫فدنا‪ ،‬واستقام على الطريقة فنجا‪ ،‬وأحب ربه‪ ،‬وخاف ذنبه‪ ،‬وقدم صالحا‪،‬‬
‫وعمل خالصا‪ ،‬واكتسب مذخورا‪ ،‬واجتنب محذورا‪ ،‬ورمى غرضا‪ ،‬وأحرز‬
‫عوضا‪ ،‬وكابد هواه‪ ،‬وكذب مناه‪ ،‬وجعل الصبر مطية نجاته‪ ،‬والتقوى عدة‬
‫عند وفاته‪ ،‬ركب الطريق الغراء‪ ،‬ولزم المحجة البيضاء واغتنم المهل‪،‬‬
‫وبادر الجل‪ ،‬وتزود من العمل‪ - 32 .‬وقال عليه السلم في صفة الدنيا‪:‬‬
‫دار أولها عناء‪ ،‬وآخرها فناء‪ ،‬وحللها فيه حساب‪ ،‬وحرامها فيه عقاب‪،‬‬
‫من استغنى فيها فتن‪ ،‬ومن افتقر فيها حزن‪ ،‬ومن سعى إليها فاتته‪ ،‬ومن‬
‫قعد عنها أتته‪ ،‬ومن أبصر بها بصرته‪ ،‬ومن أبصر إليها أعمته‪ - 33 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬من لم يقنعه اليسير )‪ (2‬لم ينفعه الكثير‪ - 34 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬عليك بمداراة الناس‪ ،‬وإكرام العلماء‪ ،‬والصفح عن زلت الخوان‬
‫فقد أدبك سيد الولين والخرين بقوله صلى ال عليه وآله " اعف عمن‬
‫ظلمك‪ ،‬وصل من قطعك‪ ،‬وأعط من حرمك "‪ - 35 .‬وقال عليه السلم‪ :‬وقد‬
‫مر على المقابر قال‪ :‬السلم عليكم يا أهل القبور أنتم لنا سلف‪ ،‬ونحن لكم‬
‫خلف‪ ،‬وإنا إن شاء ال بكم لحقون‪ ،‬أما المساكن فسكنت وأما الزواج‬
‫فنكحت‪ ،‬وأما الموال فقسمت‪ ،‬هذا خبر ما عندنا‪ ،‬فليت شعري ما خبر ما‬
‫عندكم‪ ،‬ثم قال‪ :‬أما إنهم إن نطقوا لقالوا‪ :‬وجدنا التقوى خير زاد‪.‬‬
‫)‪ " (1‬غاية تنقصها اللحظة " الغاية هي الجل و " تنقصها " أي نتقص أمد‬
‫النتهاء إليها وكل لحظة تمر فهى تنقص في المد بيننا وبين الجل‪.‬‬
‫والساعة تهدم ركنا من ذلك المد وما كان كذلك فهو جدير بقصر المدة‪.‬‬
‫والمراد بالغائب‪ :‬الموت‪ .‬ويحدوه أي يسوقه‪ .‬والمراد بالجديدان‪ :‬الليل‬
‫والنهار‪ .‬والوبة‪ :‬الرجوع‪ (2) .‬في المصدر " من لم ينفعه اليسير "‪.‬‬

‫]‪[72‬‬

‫‪ - 36‬وقال كميل بن زياد‪ :‬سمع أمير المؤمنين ‪ -‬كرم ال وجهه ‪ -‬قائل ينشد أبيات‬
‫السود بن يعفر‪ :‬ماذا اؤمل بعد آل محرق * تركوا منازلهم وبعد إباد فقال‪:‬‬
‫هل قرأتم " كم تركوا من جنات وعيون ‪ -‬الية " )‪ - 37] .(1‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬العجب ممن يدعو ويستبطئ الجابة وقد سد طريقها بالمعاصي[‪.‬‬
‫‪ - 38‬وقال عليه السلم في وصف التائبين‪ :‬غرسوا أشجار ذنوبهم نصب‬
‫عيونهم وقلوبهم وسقوها بمياه الندم‪ ،‬فأثمرت لهم السلمة‪ ،‬وأعقبتهم‬
‫الرضا والكرامة‪ - 39 .‬وقال عليه السلم في صفة الولياء‪ :‬قال أبو نعيم‪:‬‬
‫حدثنا عبد ال محمد‪ ،‬حدثنا أبويحيى الرازي‪ ،‬حدثنا هناد‪ ،‬عن ابن الفضيل‪،‬‬
‫عن الحسن البصري قال‪ :‬قال أمير المؤمنين ‪ -‬كرم ال وجهه ‪ -‬طوبى لمن‬
‫عرف الناس ولم يعرفه الناس اولئك مصابيح الهدى‪ ،‬بهم يكشف ال عن‬
‫هذه المة كل فتنة مظلمة‪ ،‬اولئك سيدخلهم ال في رحمة منه وفضل‪.‬‬
‫ليسوا بالمذاييع البذر )‪ (2‬ول الجفاة المرائين‪ .‬المذياع الذي ل يكتم السر‪.‬‬
‫‪ - 40‬وقال ابن أبي الدنيا‪ :‬حدثنا علي بن الجعدي‪ ،‬أخبرنا عمرو بن شمر‬
‫عن السدي‪ ،‬عن أبي أراكة قال‪ :‬صليت مع أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫صلة الفجر فلما سلم انفتل عن يمينه‪ ،‬ثم مكث كأن عليه كآبة حتى إذا‬
‫كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح أو رمحين )‪ (3‬قلب يده وقال لقد‬
‫رأيت أصحاب محمد صلى ال عليه وآله فما أرى اليوم شيئا يشبههم لقد‬
‫كانوا يصبحون شعثا غبرا صفرا‪ ،‬بين أعينهم أمثال ركب المعزى‪ ،‬قد باتو‬
‫ال سجدا وقياما‪ ،‬يتلون كتاب ال‪ ،‬يراوحون بين جباههم‬

‫)‪ (1‬الدخان‪ (2) .25 :‬والبذر ‪ -‬ككتف ‪ :-‬الذى يفشى السر‪ (3) .‬القيد ‪ -‬بفتح القاف‬
‫‪ :-‬القدر‪.‬‬

‫]‪[73‬‬

‫وأقدامهم )‪ (1‬فإذا أصبحوا فذكروا ال مادوا كما تميد الشجر في يوم ريح عاصف‬
‫وهملت عيونهم )‪ (2‬حتى تبل ثيابهم وال لكأن القوم باتوا غافلين‪ ،‬ثم‬
‫نهض فما رئي مفترا حتى )‪ (3‬ضربه اللعين ابن ملجم‪ - 41 .‬وروى‬
‫مجاهد‪ ،‬عن ابن عباس قال‪ :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم يومأ قد وصف‬
‫المؤمن فقال‪ :‬حزنة في قلبه وبشره في وجهه‪ ،‬وأوسع الناس صدرا‪،‬‬
‫وأرفعهم قدرا‪ ،‬يكره الرفعة‪ ،‬ول يحب السمعة‪ ،‬طويل غمه‪ ،‬بعيد همه‪ ،‬كثير‬
‫صمته مشغول بما ينفعه‪ ،‬صبور شكور‪ ،‬قلبه بذكر ال معمور‪ ،‬سهل‬
‫الخليقة لين العريكة‪ - 42 .‬وفي رواية‪ ،‬عن أبي أراكة‪ ،‬وعن ابن عباس‬
‫أيضا قال‪ :‬سمعنا أمير المؤمنين ‪ -‬كرم ال وجهه ‪ -‬يقول‪ :‬أما بعد فإن ال‬
‫سبحانه خلق الخلئق حين خلقهم وهو غني عن طاعتهم‪ ،‬ول يتضرر‬
‫بمعصيتهم لنه سبحانه ل تضره معصية من عصاه‪ ،‬ول ينفعه طاعة من‬
‫أطاعه واتقاه‪ ،‬فالمتقون في هذه الدار هم أهل الفضائل‪ ،‬منطقهم الصواب‪،‬‬
‫وملبسهم القتصاد‪ ،‬وعيشهم التواضع‪ ،‬غضوا أبصارهم عن المحارم‪،‬‬
‫ووقفوا أسماعهم على العلم النافع‪ ،‬ولول الرجاء لم تستقر أرواحهم في‬
‫أجسادهم طرفة عين شوقا إلى جزيل الثواب‪ ،‬وخوفا من وبيل العقاب )‪(4‬‬
‫عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم‪ ،‬فهم في الجنة كمن قد‬
‫رآها منعمون وفي النار كمن قد رآها معذبون‪ ،‬قلوبهم محزونة‪ ،‬وشرورهم‬
‫مأمونة‪ ،‬أجسادهم نحيفة وحاجاتهم خفيفة صبروا اياما يسيرة فأعقبهم‬
‫راحة طويلة‪ .‬أما الليل فصافون أقدامهم تالين كلم ربهم يحبرونه تحبيرا )‬
‫‪ (5‬ويرتلونه‬

‫)‪ (1‬المراوحة بين العملين أن يعمل هذا مرة‪ ،‬وهذا مرة‪ ،‬والمراوحة بين الرجلين‬
‫أن يقوم على كل مرة‪ (2) .‬ماديميد‪ - :‬تحرك‪ .‬والريح العاصف‪ :‬الشديدة‪.‬‬
‫وهملت عينه‪ :‬فاضت دموعا‪ (3) .‬فتر يفتر تفتيرا ‪ -‬سكن بعد حدة ولن‬
‫بعد شدة‪ (4) .‬الوبيل‪ :‬الشديد‪ (5) .‬حبر الكلم أو الخط أو الشعر‪ :‬حسنه‬
‫وزينه‪.‬‬

‫]‪[74‬‬

‫ترتيل‪ ،‬فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا‪ ،‬وتطلعت نفوسهم إليها شوقا‬
‫وهلعا )‪ (1‬وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها بمسامع قلوبهم‪،‬‬
‫ومثلوا زفير جهنم في آذانهم‪ ،‬فهم مفترشون جباههم وركبهم وأطراف‬
‫أقدامهم يجأرون إلى ال في فك رقابهم‪ .‬وأما النهار فعلماء حلماء بررة‬
‫أتقياء‪ ،‬قد براهم الخوف بري القداح‪ ،‬ينظر إليهم الناظر فحسبهم مرضى‬
‫وما بالقوم مرض‪ ،‬ويقول‪ :‬قد خولطوا‪ ،‬ولقد خالطهم أمر عظيم ل يرضون‬
‫في أعمالهم بالقليل‪ ،‬ول يستكثرون الكثير‪ ،‬فهم لنفسهم متهون‪ ،‬ومن‬
‫أعمالهم مشفقون‪ ،‬إذا زكى أحدهم خاف أشد الخوف يقول‪ :‬أنا أعلم بنفسي‬
‫من غيري اللهم فل تؤاخذني بما يقولون‪ ،‬واجعلني أفضل مما يظنون‪،‬‬
‫واغفر لي مال يعلمون‪ ،‬ومن علمة أحدهم أنك ترى له قوة في دين‪،‬‬
‫وورعا في يقين‪ ،‬وحزما في علم‪ ،‬وعزما في حلم‪ ،‬وقصدا في غنا‪،‬‬
‫وخشوعا في عبادة‪ ،‬وتجمل في فاقة‪ ،‬وصبرا في شدة‪ ،‬وطلبا للحلل‪،‬‬
‫وتحرجا عن الطمع‪ .‬يعمل العمال الصالحة على وجل ويجتهد في إصلح‬
‫ذات البين‪ ،‬يمسي وهمه الشكر‪ ،‬ويصبح وشغله الفكر‪ ،‬الخير منه مأمول‪،‬‬
‫والشر منه مأمون‪ ،‬ويعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه‪ ،‬ويصل من قطعه‬
‫وفي الزلزل صبور‪ ،‬وفي المكاره وقور‪ ،‬وفي الرضا شكور‪ ،‬ل ينابز‬
‫باللقاب ]ول يعرف العاب[ ول يؤذي الجار‪ ،‬ول يشمت بالمصائب‪ ،‬ول‬
‫يدخل في الباطل‪ ،‬ول يخرج من الحق إن بغي عليه صبر ليكون ال تعالى‬
‫هو المنتقم له‪ ،‬نفسه منه في عناء والناس منه في راحة‪ ،‬أتعب نفسه‬
‫لخراه وزهد في الفاني شوقا إلى موله‪ - 43 .‬قال عليه السلم في صفة‬
‫الفقيه قال أبو نعيم‪ :‬حدثنا أبي‪ ،‬حدثنا أبو جعفر محمد ابن إبراهيم بن‬
‫الحكم‪ ،‬عن يعقوب‪ ،‬عن إبراهيم الدورقي‪ ،‬عن شجاع بن الوليد عن زياد‬
‫بن خيثمة‪ ،‬عن أبي إسحاق‪ ،‬عن عاصم بن ضمرة‪ ،‬عن أمير المؤمنين ‪-‬‬
‫كرم ال وجهه ‪ -‬قال‪ :‬أل إن الفقيه كل الفقيه هو الذي لم يقنط الناس من‬
‫رحمة ال تعالى ول يؤمنهم من عذابه‪ .‬ول يرخص لهم في معصيته‪ ،‬ول‬
‫يدع القرآن رغبة في غيره‬

‫)‪ (1‬الهلع ‪ -‬بكسر اللم ‪ :-‬الحزين‪.‬‬

‫]‪[75‬‬

‫ول خير في عبادة ل علم فيها‪ ،‬ول خير في قراءة ل تدبر فيها‪ - 44 .‬وسأله رجل‬
‫عن المروة فقال عليه السلم‪ :‬إطعام الطعام‪ ،‬وتعاهد الخوان وكف الذى‬
‫عن الجيران‪ ،‬ثم قرأ " إن ال يأمر بالعدل والحسان ‪ -‬الية " )‪- 45 .(1‬‬
‫ومن وصاياه عليه السلم أخبرنا عبد الوهاب بن عبد ال المقري‪ ،‬أخبرنا‬
‫محمد ابن ناصر‪ ،‬أخبرنا عبد القادر بن يوسف‪ ،‬أخبرنا أبو إسحاق‬
‫البرمكي‪ ،‬حدثنا إسحاق بن سعد بن الحسن بن سفيان النسوي‪ ،‬حدثنا جدي‬
‫الحسن بن سفيان‪ ،‬حدثنا حرملة بن يحيى‪ ،‬عن ابن وهب‪ ،‬عن سفيان‪ ،‬عن‬
‫السري بن إسماعيل‪ ،‬عن عامر الشعبي قال‪ :‬قال أمير المؤمنين ‪ -‬كرم ال‬
‫وجهه‪ :‬يا أيها الناس خذوا عني هذه الكلمات فلو ركبتم المطي حتى‬
‫تنضوها ما أصبتم مثلها ل يرجون عبد ال ربه‪ ،‬ول يخافن إل ذنبه‪ ،‬ول‬
‫يستحي إذا لم يعلم أن يتعلم‪ ،‬ول يستحي إذا سئل عما ل يعلم أن يقول‪ :‬ل‬
‫أعلم‪ ،‬واعلم أن الصبر من اليمان بمنزلة الرأس من الجسد‪ ،‬ول خير في‬
‫جسد ل رأس له‪ .‬وقد بلغني أن ال تعالى أوحى إلى نبي من أنبيائه أنه‬
‫ليس من أهل بيت ول أهل دار ول أهل قرية يكونون لي على ما احب‬
‫فيتحولون إلى ما أكره إل تحولت لهم مما يحبون إلى ما يكرهون‪ ،‬ليس من‬
‫أهل دار ول قرية يكونون لي على ما أكره فيتحولون إلى ما أحب إل‬
‫تحولت لهم مما يكرهون إلى ما يحبون‪ - 46 .‬ذكر وصيته عليه السلم‬
‫لكميل بن زياد‪ :‬أخبرنا عبد الوهاب بن علي الصوفي أخبرنا علي بن محمد‬
‫بن عمر‪ ،‬أخبرنا رزق ال بن عبد الوهاب التميمي‪ ،‬أخبرنا أحمد بن علي‬
‫بن الباد‪ ،‬أخبرنا حبيب بن الحسن القزاز‪ ،‬حدثنا موسى بن إسحاق‬
‫النصاري‪ ،‬حدثنا ضرار بن ضمرة )‪ (2‬حدثنا عاصم بن حميد‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫حمزة الثمالي‪ ،‬عن عبد الرحمن بن جندب‪ ،‬عن كميل بن زياد قال‪ :‬أخذ‬
‫بيدي أمير المؤمنين ‪ -‬كرم ال وجهه ‪ -‬فأخرجني إلى ناحية الجبان فلما‬
‫أصحرنا جلس فتنفس الصعداء‪.‬‬

‫)‪ (1‬النحل‪ (2) .9 :‬في المصدر " ضرار بن صرد " وكذا في الحلية‪.‬‬

‫]‪[76‬‬

‫ثم قال‪ :‬يا كميل بن زياد إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها‪ ،‬احفظ ما أقول لك‪:‬‬
‫الناس ثلثة‪ :‬عالم رباني‪ ،‬ومتعلم على سبيل نجاة‪ ،‬وهمج رعاع‪ ،‬أتباع كل‬
‫ناعق‪ ،‬يميلون مع كل ريح‪ ،‬لم يستضيئوا بنور العلم‪ ،‬ولم يلجأوا إلى ركن‬
‫وثيق‪ .‬يا كميل‪ :‬العلم خير من المال‪ .‬العلم يحرسك وأنت تحرس المال‪،‬‬
‫العلم يزكو على النفاق‪ ،‬والمال يزول‪ ،‬ومحبة العالم دين يدان به‪ ،‬وبه‬
‫يكسب العالم الطاعة في حياته وجميل الحدوثة بعد مماته‪ ،‬المال تنقصه‬
‫النفقة‪ ،‬العلم حاكم‪ ،‬والمال محكوم عليه‪ .‬يا كميل مات خزان المال وهم‬
‫أحياء‪ ،‬والعلماء باقون ما بقي الدهر‪ ،‬أعيانهم مفقودة‪ ،‬وأمثالهم في‬
‫القلوب موجودة‪ .‬ثم قال‪ :‬آه آه إن ههنا علما جما لو أصبت له حملة وأشار‬
‫بيده إلى صدره ثم قال‪ :‬أللهم بلى قد أصبت لقنا غير مأمون عليه‪ ،‬يستعمل‬
‫آلة الدين للدنيا يستظهر بنعم ال على عباده‪ ،‬وبحججه على كتابه‪ ،‬أو‬
‫معاند لهل الحق ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة‪ ،‬لذا ول‬
‫ذاك‪ ،‬بل منهوما باللذات‪ ،‬سلس القياد للشهوات‪ ،‬مغري بجمع الموال‬
‫والدخار‪ ،‬ليس من الدين في شئ‪ ،‬أقرب شبها بالبهائم السائمة‪ ،‬كذلك‬
‫يموت العلم بموت حامليه‪ ،‬أللهم بلى لن تخلو الرض من قائم ل بحجة‬
‫لكيل تبطل حجج ال على عباده اولئك هم القلون عددا العظمون عند ال‬
‫قدرا‪ ،‬بهم يحفظ ال دينه حتى يؤدونه إلى نظرائهم‪ ،‬ويزرعونه في قلوب‬
‫أشباههم )وفي رواية بهم يحفظ ال حججه( هجم بهم العلم على حقيقة‬
‫المر فاستلنوا ما استوعر منه المترفون‪ ،‬وأنسوا بما استوحش منه‬
‫الجاهلون‪ ،‬صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل العلى‪ ،‬اولئك‬
‫خلفاء ال في أرضه‪ ،‬ودعاته إلى دينه آه ثم آه واشوقاه إلى رؤيتهم‪،‬‬
‫واستغفر ال لي ولك إذا شئت فقم‪ - 47 .‬وصيته لبنيه عليه وعليهم‬
‫السلم‪ ،‬وبه قال أبو حمزة الثمالي حدثنا إبراهيم بن سعيد‪ ،‬عن الشعبي‪،‬‬
‫عن ضرار بن ضمرة قال‪ :‬أوصى أمير المؤمنين عليه السلم‬

‫]‪[77‬‬

‫بنيه فقال‪ :‬يا بني عاشروا الناس بالمعروف معاشرة إن عشتم حنوا إليكم‪ ،‬وإن متم‬
‫بكوا عليكم‪ ،‬ثم قال‪ :‬اريد بذاكم أن تهشوا لطلقتي * وأن تكثروا بعدي‬
‫الدعاء على قبري وأن يمنحوني في المجالس ودهم * وإن كنت عنهم‬
‫غائبا أحسنوا ذكري ‪ - 48‬وقال ابن عباس‪ :‬سأل رجل أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم فقال‪ :‬أوصني فقال‪ :‬ل تحدث نفسك بفقر‪ ،‬ول بطول عمر‪- 49 .‬‬
‫وقال عليه السلم وقد سئل عن أحاديث رسول ال صلى ال عليه وآله من‬
‫رواية الشعبي عن ضرار بن ضمرة وعبد خير قال‪ :‬قيل له‪ :‬ما سبب‬
‫اختلف الناس في الحديث فقال الناس أربعة‪ :‬منافق مظهر للسلم‪ ،‬وقلبه‬
‫يأبى اليمان‪ ،‬ل يتحرج عن الكذب كذب على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله متعمدا‪ ،‬فلو علم الناس حاله ما أخذوا عنه‪ ،‬ولكنهم قالوا‪ :‬صاحب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله فأخذوا بقوله‪ ،‬وقد أخبر ال عن المنافقين‬
‫بما أخبر ووصفهم بما وصف ثم إنهم عاشوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلل‬
‫والدعاة إلى النار بالزور والبهتان‪ ،‬فولوهم العمال وجعلوهم على رقاب‬
‫الناس‪ ،‬فأكلوا بهم الدنيا وإنما هم تبع للملوك إل من عصمه ال تعالى‬
‫ورجل سمع رسول ال صلى ال عليه وآله يقول‪ :‬قول أو رآه يعمل عمل‪،‬‬
‫ثم غاب عنه ونسخ ذلك القول والفعل‪ ،‬ولم يعلم‪ ،‬فلو علم أنه نسخ ما حدث‬
‫به‪ ،‬ولو علم الناس أيضا أنه نسخ لما نقلوه عنه‪ .‬ورجل سمع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله يقول قول فوهم فيه‪ ،‬ولو علم أنه وهم فيه لما حدث‬
‫عنه ول عمل به‪ ،‬ورجل لم يكذب ولم يغب حدث بما سمع وعمل به‪ .‬فأما‬
‫الول فل اعتبار بروايته‪ ،‬ول يحل الخذ عنه‪ ،‬وأما الباقون فينزعون إلى‬
‫غاية ويرجعون إلى نهاية‪ ،‬ويسقون من قليب واحد وكلمهم أشرق بنور‬
‫النبوة ضياؤه ومن الشجرة المباركة اقتبست ناره‪ .‬وفي رواية إنه قال‪ :‬في‬
‫أيدي الناس حقا وباطل‪ ،‬وصدقا وكذبا‪ ،‬وناسخا ومنسوخا‪ ،‬وعاما وخاصا‪،‬‬
‫ومحكما ومتشابها‪ ،‬وحفظا ووهما‪ ،‬وقد كذب على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله في عهده حتى قام خطيبا فقال‪ :‬من كذب علي ]متعمدا[ فليتبوء‬
‫مقعده‬

‫]‪[78‬‬

‫من النار‪ ،‬وإنما يأتيك الحديث أربعة رجال ليس لهم خامس‪ .‬وذكرهم‪ ،‬قلت وقد‬
‫روي عن رسول ال صلى ال وعليه وآله هذا الحديث وهو قوله " من‬
‫كذب علي عامدا فليتبوء مقعده من النار " عدة من الصحابة منهم العشرة‬
‫)‪ (1‬فأما الطريق إلى أمير المؤمنين فأنبأ غير واحد عن عبد الول‬
‫الصوفي أنبأ ابن المظفر الداودي‪ ،‬أنبأ ابن أعين أنبأ السرخسي‪ ،‬أنبأ‬
‫الفربري‪ ،‬أنبأ البخاري‪ ،‬أنبأ علي بن الجعد‪ ،‬أنبأ شعبة عن منصور‪ ،‬عن‬
‫ربعي بن خراش قال‪ :‬سمعت عليا عليه السلم يقول‪ :‬سمعت النبي صلى‬
‫ال عليه وآله يقول‪ " :‬من كذب علي " وذكر متفق عليه وقد أخرجه أحمد‬
‫في المسند والجماعة‪ - 50 .‬كشف )‪ :(2‬ذكر محمد بن طلحة أخبارا رواها‬
‫الجواد عليه السلم عن آبائه عليهم السلم عن علي عليه السلم قال‪:‬‬
‫بعثني النبي صلى ال عليه وآله إلى اليمن فقال لي وهو يوصيني‪ :‬يا علي‬
‫ما حار من استخار‪ ،‬ول ندم من استشار‪ ،‬يا علي عليك بالدلجة )‪ (3‬فإن‬
‫الرض تطوى بالليل ما ل تطوى بالنهار‪ ،‬يا على اغد باسم ال فإن ال‬
‫عزوجل بارك لمتي في بكورها‪ - 51 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من استفاد أخا‬
‫في ال فقد استفاد بيتا في الجنة‪ - 52 .‬وعنه عليه السلم‪ :‬وقد سئل عن‬
‫حديث النبي صلى ال عليه وآله " إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم ال‬
‫ذريتها على النار " فقال خاص للحسن والحسين‪ - 53 .‬وعنه‪ ،‬عن علي‬
‫عليه السلم قال في كتاب علي بن أبي طالب عليه السلم‪ :‬ابن آدم أشبه‬
‫شئ بالمعيار‪ ،‬إما راجح بعلم ‪ -‬وقال مرة بعقل ‪ -‬أو ناقص بجهل‪- 54 .‬‬
‫وعنه عن علي عليه السلم‪ :‬قال لبي ذر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬إنما غضبت‬
‫ل عزوجل فارج من غضبت له‪ ،‬إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على‬
‫دينك‪ ،‬وال لو كانت السماوات والرضون رتقا على عبد ثم اتقى ال لجعل‬
‫ال له منها مخرجا‪ ،‬ل يؤنسنك إل الحق‪ ،‬ول يوحشنك إل الباطل‪.‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر " مائة وعشرون من الصحابة ذكرتهم في كتابي المترجم بحق‬
‫اليقين "‪ (2) .‬كشف الغمة ج ‪ 3‬ص ‪ 135‬في احوال المام التاسع أبى‬
‫جعفر الجواد عليه السلم‪ (3) .‬الدلجة‪ :‬السير في الليل‪.‬‬

‫]‪[79‬‬

‫‪ - 55‬وعنه عن علي عليه السلم إنه قال لقيس بن سعد وقد قدم عليه من مصر‪ :‬يا‬
‫قيس إن للمحن غايات لبد أن تنتهي إليها فيجب على العاقل أن ينام لها‬
‫إلى إدبارها‪ ،‬فإن مكابدتها بالحيلة عند إقبالها زيادة فيها‪ - 56 .‬وعنه عليه‬
‫السلم قال‪ :‬من وثق بال أراه السرور‪ ،‬ومن توكل عليه كفاه المور‪،‬‬
‫والثقة بال حصن ل يتحصن فيه إل مؤمن أمين‪ ،‬والتوكل على ال نجاة‬
‫من كل سوء وحرز من كل عدو‪ .‬والدين عز‪ ،‬والعلم كنز‪ ،‬والصمت نور‪،‬‬
‫وغاية الزهد الورع‪ ،‬ول هدم للدين مثل البدع‪ ،‬ول أفسد للرجال من الطمع‪،‬‬
‫وبالراعي تصلح الرعية‪ ،‬وبالدعاء تصرف البلية‪ ،‬ومن ركب مركب الصبر‬
‫اهتدى إلى مضمار النصر‪ ،‬ومن عاب عيب‪ ،‬ومن شتم اجيب‪ ،‬ومن غرس‬
‫أشجار التقى اجتنى ثمار المنى‪ - 57 .‬وقال عليه السلم‪ :‬أربع خصال تعين‬
‫المرء على العمل‪ :‬الصحة والغنى والعلم والتوفيق‪ - 58 .‬وقال‪ :‬إن ل‬
‫عبادا يخصهم بالنعم ويقرها فيهم ما بذلوها فإذا منعوها نزعها عنهم وحو‬
‫لها إلى غيرهم‪ - 59 .‬وقال‪ :‬ما عظمت نعمة ال على أحد إل عظمت عليه‬
‫مؤونة الناس‪ ،‬فمن لم يحتمل تلك المؤونة عرض النعمة للزوال‪- 60 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬أهل المعروف إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجه إليه‬
‫لن لهم أجره وفخره‪ ،‬وذكره‪ ،‬فمهما اصطنع الرجل من معروف فإنما يبدء‬
‫فيه بنفسه فل يطلبن شكر ما صنع إلى نفسه من غيره‪ - 61 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬من أمل إنسانا فقد هابه‪ ،‬ومن جهل شيئا عابه‪ ،‬والفرصة خلسة‪،‬‬
‫ومن كثر همه سقم جسده‪ ،‬والمؤمن ل يشتفي غيظه‪ ،‬وعنوان صحيفة‬
‫المؤمن حسن خلقه‪ .‬وقال في موضع آخر‪ :‬عنوان صحيفة السعيد حسن‬
‫الثناء عليه‪ - 62 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من استغنى بال افتقر الناس إليه‪،‬‬
‫ومن اتقى ال أحبه الناس وإن كرهوا‪.‬‬

‫]‪[80‬‬

‫‪ - 63‬وقال عليه السلم‪ :‬عليكم بطلب العلم فإن طلبه فريضة‪ ،‬والبحث عنه نافلة‬
‫وهو صلة بين الخوان‪ ،‬ودليل على المروة‪ ،‬وتحفة في المجالس‪ ،‬وصاحب‬
‫في السفر وانس في الغربة‪ - 64 .‬وقال عليه السلم‪ :‬العلم علمان‪ :‬مطبوع‬
‫ومسموع‪ ،‬ول ينفع مسموع إذا لم يك مطبوع‪ ،‬ومن عرف الحكمة لم‬
‫يصبر عن الزدياد منها‪ ،‬الجمال في اللسان والكمال في العقل‪ - 65 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬العفاف زينة الفقر‪ ،‬والشكر زينة الغنى‪ ،‬والصبر زينة البلء‪،‬‬
‫والتواضع زينة الحسب‪ ،‬والفصاحة زينة الكلم‪ ،‬والعدل زينة اليمان‬
‫والسكينة زينة العبادة‪ ،‬والحفظ زينة الرواية‪ ،‬وخفض الجناح زينة العلم‪،‬‬
‫وحسن الدب زينة العقل‪ ،‬وبسط الوجه زينة الحلم‪ ،‬واليثار زينة الزهد‪،‬‬
‫وبذل المجهود زينة النفس‪ ،‬وكثرة البكاء زينة الخوف‪ ،‬والتقلل زينة‬
‫القناعة‪ ،‬وترك المن زينة المعروف‪ ،‬والخشوع زينة الصلة‪ .‬وترك ما ل‬
‫يعني زينة الورع‪ - 66 .‬وقال عليه السلم‪ :‬حسب المرء من كمال المروة‬
‫تركه مال يجمل به‪ .‬ومن حيائه أن ل يلقى أحدا بما يكره‪ .‬ومن عقله حسن‬
‫رفقه‪ ،‬ومن أدبه أن ل يترك مال بد له منه‪ .‬ومن عرفانه علمه بزمانه‪،‬‬
‫ومن ورعه غض بصره وعفة بطنه‪ ،‬ومن حسن خلقه كفه أذاه‪ ،‬ومن‬
‫سخائه بره بمن يجب حقه عليه‪ ،‬وإخراجه حق ال من ماله‪ ،‬ومن إسلمه‬
‫تركه مال يعنيه وتجنبه الجدال والمراء في دينه‪ ،‬ومن كرمه ايثاره على‬
‫نفسه‪ ،‬ومن صبره قلة شكواه‪ ،‬ومن عقله إنصافه من نفسه‪ ،‬ومن حلمه‬
‫تركه الغضب عند مخالفته‪ ،‬ومن إنصافه قبوله الحق إذا بان له‪ ،‬ومن‬
‫نصحه نهيه عما ل يرضاه لنفسه‪ ،‬ومن حفظه جوارك تركه توبيخك عند‬
‫إساءتك مع علمه بعيونك ومن رفقه تركه عذلك عند غضبك بحضرة من‬
‫تكره )‪ (1‬ومن حسن صحبته لك إسقاطه عنك مؤونة أذاك‪ ،‬ومن صداقته‬
‫كثرة موافقته وقلة مخالفته‪ ،‬ومن صلحه شدة خوفه من ذنوبه‪ ،‬ومن‬
‫شكره معرفة إحسان من أحسن إليه‪ ،‬ومن تواضعه‬

‫)‪ (1‬العذل ‪ -‬محركة ‪ :-‬الملمة‪.‬‬

‫]‪[81‬‬

‫معرفته بقدره‪ ،‬ومن حكمته علمه بنفسه‪ ،‬ومن سلمته قلة حفظه لعيوب غيره‪،‬‬
‫وعنايته بإصلح عيوبه‪ - 67 .‬وقال عليه السلم‪ :‬لن يستكمل العبد حقيقة‬
‫اليمان حتى يؤثر دينه على شهوته ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على‬
‫دينه‪ - 68 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الفضائل أربعة أجناس‪ :‬أحدها الحكمة‬
‫وقوامها في الفكرة والثاني العفة وقوامها في الشهوة‪ ،‬والثالث القوة‬
‫وقوامها في الغضب‪ .‬والرابع العدل وقوامه في اعتدال قوى النفس‪- 69 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء‪- 70 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم‪.‬‬
‫‪ - 71‬وقال عليه السلم‪ :‬أقصد العلماء للمحجة الممسك عند الشبهة‪،‬‬
‫والجدل يورث الرياء )‪ (1‬ومن أخطأ وجوه المطالب خذلته الحيل‪ ،‬والطامع‬
‫في وثاق الذل‪ ،‬ومن أحب البقاء فليعد للمصائب قلبا صبورا‪ - 72 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم‪ - 73 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫الصبر على المصيبة مصيبة على الشامت بها‪ - 74 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫التوبة على أربعة دعائم‪ :‬ندم بالقلب‪ ،‬واستغفار باللسان وعمل بالجوارح‪،‬‬
‫وعزم أن ل يعود‪ ،‬وثلث من عمل البرار إقامة الفرائض واجتناب المحارم‬
‫واحتراس من الغفلة في الدين‪ ،‬وثلث يبلغن بالعبد رضوان ال‪ :‬كثرة‬
‫الستغفار وخفض الجانب وكثرة الصدقة‪ ،‬وأربع من كن فيه استكمل‬
‫اليمان‪ :‬من أعطى ل ومنع في ال وأحب ل وأبغض فيه‪ ،‬وثلث من كن‬
‫فيه لم يندم‪ :‬ترك العجلة والمشورة والتوكل عند العزم على ال عزوجل‪.‬‬
‫‪ - 75‬وقال عليه السلم‪ :‬لو سكت الجاهل ما اختلف الناس‪ - 76 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬مقتل الرجل بين لحييه‪ ،‬والرأي مع الناة‪ ،‬وبئس الظهير‬
‫الرأي الفطير )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬في بعض نسخ المصدر " يورث الشك "‪ (2) .‬الفطير‪ :‬كل ما أعجل عن ادراكه‬
‫يقال‪ " :‬اياك والرأى الفطير " أي بديهى ‪- - - -‬‬

‫]‪[82‬‬
‫‪ - 77‬وقال عليه السلم‪ :‬ثلث خصال تجتلب بهن المحبة‪ :‬النصاف في المعاشرة‬
‫والمواساة في الشدة والنطواع‪ ،‬والرجوع على قلب سليم )‪ - 78 .(1‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬فساد الخلق بمعاشرة السفهاء وصلح الخلق بمنافسة‬
‫العقلء‪ ،‬والخلق أشكال فكل يعمل على شاكلته‪ ،‬والناس إخوان‪ ،‬فمن كانت‬
‫إخوته في غير ذات ال فإنها تحوز عداوة‪ ،‬وذلك قوله تعالى " الخلء‬
‫يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين " )‪ - 79 .(2‬وقال عليه السلم‪ :‬من‬
‫استحسن قبيحا كان شريكا فيه‪ - 80 .‬وقال عليه السلم‪ :‬كفر النعمة داعية‬
‫المقت‪ ،‬ومن جازاك بالشكر فقد أعطاك أكثر مما أخذ منك‪ - 81 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬ل يفسدك الظن على صديق وقد أصلحك اليقين له‪ .‬ومن وعظ أخاه‬
‫سرا فقد زانه‪ ،‬ومن وعظه علنية فقد شانه‪ ،‬استصلح الخيار بإكرامهم‬
‫والشرار بتأديبهم‪ ،‬والمودة قرابة مستفادة‪ ،‬وكفى بالجل حرزا‪ ،‬ول يزال‬
‫العقل والحمق يتغالبان على الرجل إلى ثمانية عشر سنة فإذا بلغها غلب‬
‫عليه أكثرهما فيه وما أنعم ال عزوجل على عبد نعمة فعلم أنها من ال إل‬
‫كتب ال جل اسمه له شكرها قبل أن يحمده عليها‪ ،‬ول أذنب ذنبا فعلم أن‬
‫ال مطلع عليه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له إل غفر ال له قبل أن‬
‫يستغفره‪ - 82 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الشريف كل الشريف من شرفه علمه‪،‬‬
‫والسؤدد حق السؤدد )‪ (3‬لمن اتقى ال ربه‪ ،‬والكريم )‪ (4‬من أكرم عن ذل‬
‫النار وجهه‪.‬‬

‫‪ - - - -‬من غير روية‪ (1) .‬النطواع‪ :‬النقياد‪ .‬والقياس النطياع بالياء‪(2) .‬‬
‫الزخرف‪ (3) .67 :‬السؤدد‪ :‬القدر الرفيع‪ ،‬كرم المنصب‪ ،‬السيادة‪ (4) .‬كذا‬
‫والظاهر سقط " كل الكريم " من قلم الناسخ‪.‬‬

‫]‪[83‬‬

‫‪ - 83‬وقال عليه السلم‪ :‬من أمل فاجرا كان أدنى عقوبته الحرمان‪ - 84 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬اثنان عليلن أبدا‪ :‬صحيح محتم‪ ،‬وعليل مخلط )‪ .(1‬موت النسان‬
‫بالذنوب أكثر من موته بالجل‪ ،‬وحياته بالبر أكثر من حياته بالعمر‪- 85 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬ل تعاجلوا المر قبل بلوغة فتندموا‪ ،‬ول يطولن عليكم‬
‫المد فتقسوا قلوبكم‪ ،‬وارحموا ضعفاءكم‪ ،‬واطلبوا الرحمة من ال بالرحمة‬
‫لهم‪ .‬من كتاب مطالب السؤول )‪ - 86 .(2‬من كلمه عليه السلم غرك‬
‫عزك‪ ،‬فصار قصار ذلك ذلك‪ ،‬فاخش فاحش فعلك فعلك بهذا تهدا‪- 87 .‬‬
‫ومن كلمه عليه السلم‪ :‬العالم حديقة سياحها الشريعة‪ ،‬والشريعة سلطان‬
‫تجب له الطاعة‪ ،‬والطاعة سياسة يقوم بها الملك‪ ،‬والملك راع يعضده‬
‫الجيش‪ ،‬والجيش أعوان يكفلهم المال‪ ،‬والمال رزق يجمعه الرعية‪،‬‬
‫والرعية سواد يستعبدهم العدل والعدل أساس به قوام العالم‪ - 88 .‬نهج )‬
‫‪ :(3‬قال عليه السلم‪ :‬القاويل محفوظة والسرائر مبلوة )‪ (4‬وكل نفس بما‬
‫كسبت رهينة‪ ،‬والناس منقوصون مدخولون إل من عصم ال )‪ (5‬سائلهم‬
‫متعنت‪ ،‬ومجيبهم متكلف‪ ،‬يكاد أفضلهم رأيا يرده عن فضل رأيه الرضا‬
‫والسخط‪ ،‬ويكاد أصلبهم عودا تنكؤه اللحظة‪ ،‬وتستحيله الكلمة الواحدة )‬
‫‪ .(6‬معاشر الناس اتقوا ال‬

‫)‪ (1‬احتمى المريض‪ :‬امتنع ومنه اتقاه‪ .‬وخلط المريض ‪ -‬من باب التفعيل ‪ :-‬أكل ما‬
‫يضره‪ (2) .‬المصدر ص ‪ (3) .61‬المصدر أبواب الحكم تحت رقم ‪) .343‬‬
‫‪ (4‬بلها ال واختبرها وعلمها‪ .‬يريد أن ظاهر العمال وخفيها معلوم ل‪.‬‬
‫)‪ (5‬منقوصون‪ :‬أي مغبونون‪ .‬أو مأخوذون عن رشدهم وكمالهم‪.‬‬
‫ومدخولون أي مغشوشون مصابون بالدخل ‪ -‬محركة ‪ -‬وهو مرض العقل‬
‫والقلب‪ (6) .‬أصلبهم‪ :‬أي أثبتهم قدما في دينه‪ .‬وتنكؤه ‪ -‬كتمنعه ‪ -‬أي‬
‫تسيل جرحه وتأخذ بقلبه‪ .‬واللحظة‪ :‬النظرة إلى مشتهى‪ .‬وتسحيلة‪:‬‬
‫تحوله عما هو عليه‪ ،‬أراد اللحظة والكلمة ممن تستهويه الدنيا وتسحيله‬
‫لغيره‪.‬‬

‫]‪[84‬‬

‫فكم من مؤمل ما ل يبلغه‪ ،‬وبان ما ل يسكنه وجامع ما سوف يتركه‪ ،‬ولعله من‬
‫باطل جمعه‪ ،‬ومن حق منعه‪ .‬أصابه حراما واحتمل به آثاما‪ ،‬فباء بوزره‪،‬‬
‫وقدم على ربه آسفا لهفا‪ ،‬قد خسر الدنيا والخرة‪ ،‬ذلك هو الخسران‬
‫المبين‪ - 89 .‬وقال عليه السلم‪ (1) :‬المنية ول الدنية ؟ والتقلل ول‬
‫التوسل )‪ (2‬ومن لم يعط قاعدا لم يعط قائما‪ ،‬والدهر يومان‪ :‬يوم لك ويوم‬
‫عليك‪ ،‬فإذا كان لك فل تبطر‪ ،‬وإذا كان عليك فاصبر‪ - 90 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ (3) :‬مسكين ابن آدم‪ :‬مكتوم الجل‪ ،‬مكنون العلل‪ ،‬محفوظ العمل‪،‬‬
‫تؤلمه البقة‪ ،‬وتقتله الشرقة‪ ،‬وتنتنه العرقة )‪ - 91 .(4‬كنز الكراجكى‪(5) :‬‬
‫وروي أن أمير المؤمنين عليه السلم مر على المدائن فلما رأى آثار‬
‫كسرى وقرب خرابها قال رجل ممن معه‪ :‬جرت الرياح على رسوم ديارهم‬
‫* فكأنهم كانوا على ميعاد فقال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬أفل قلتم " كم‬
‫تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين‬
‫* كذلك وأورثناها قوما آخرين * فما بكت عليهم السماء والرض وما‬
‫كانوا منظرين " )‪ - 92 .(6‬من كتاب مطالب السؤول )‪ (7‬لكمال الدين‬
‫محمد بن طلحة‪ :‬من‬

‫)‪ (1‬النهج أبواب الحكم تحت رقم ‪ (2) .396‬المنية‪ :‬الموت‪ .‬والدنية‪ :‬التذلل‬
‫والنفاق‪ .‬والتقليل‪ :‬الكتفاء بالقليل‪ .‬يعنى الشريف يرضى بالقليل ول‬
‫يتوسل إلى الناس أو الدنيا‪ (3) .‬النهج أبواب الحكم تحت رقم ‪(4) .419‬‬
‫البقة‪ :‬حيوان عدسي مفرطح‪ ،‬خبيث الرائحة‪ ،‬لذاع‪ .‬وشرق بريقه غص‪.‬‬
‫والعرقة واحدة العرق‪ (5) .‬المصدر ص ‪ (6) .145‬الدخان‪ 25 :‬إلى ‪.29‬‬
‫)‪ (7‬المصدر ص ‪.61‬‬

‫]‪[85‬‬

‫نظمه عليه السلم‪ :‬دليلك أن الفقر خير من الغنى * وأن قليل المال خير من المثري‬
‫)‪ (1‬لقاؤك مخلوقا عصى ال بالغنى * ولم تر مخلوقا عصى ال بالفقر‬
‫وقوله‪ :‬لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذي دون الوفات قليل وإن‬
‫افتقادي واحدا بعد واحد * دليل على أن ل يدوم خليل وقوله‪ :‬علل النفس‬
‫بالكفاف وإل * طلبت منك فوق ما يكفيها ما لما قد مضى ول للذي لم *‬
‫يأت من لذة لمستحليها إنما أنت طول مدة ما * عمرت كالساعة التي أنت‬
‫فيها وقوله عليه السلم يرثى رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أمن بعد‬
‫تكفين النبي ودفنه * بأثوابه آسى على هالك ثوى رزينا رسول ال فينا فلن‬
‫نرى * بذاك عديل ما حيينا من الرزى وكان لنا كالحصن من دون أهله *‬
‫لهم معقل فيها حصين من العدى وكنا بمرآه نرى النور والهدى * صباح‬
‫مساء راح فينا أو اغتدى فقد غشيتنا ظلمة بعد موته * نهارا وقد زادت‬
‫على ظلمة الدجى فياخير من ضم الجوانح والحشا * ويا خير ميت ضمه‬
‫التراب والثرى كأن امور الناس بعدك ضمنت * سفينة موج البحر والبحر‬
‫قدسما )‪ (2‬وضاق فضاء الرض عنهم برحبه * لفقد رسول ال إذ قيل قد‬
‫مضى فقد نزلت للمسلمين مصيبة * كصدع الصفا ل شعب للصدع في‬
‫الصفا فلن يستقل الناس تلك مصيبة * ولن يجبر العظم الذي منهم وهى‬
‫وفي كل وقت للصلة يهيجه * بلل ويدعو باسمه كل من دعا‬

‫)‪ (1‬المثرى من الثروة وهو كثير المال‪ (2) .‬في المصدر " والبحر قد طمى "‬
‫وراجع في شرح مشكل هذه الشعار أواخر ج ‪.12‬‬

‫]‪[86‬‬

‫ويطلب أقوام مواريث هالك * وفينا مواريث النبوة والهدى وقد نقلت )‪ (1‬هذه‬
‫المرثية عنه بزيادة اخرى فما رأيت إسقاطها فأثبتها على صورتها وهي‬
‫هذه‪ :‬أمن بعد تكفين النبي ودفنه * بأثوابه آسى على ميت ثوى لقد غاب‬
‫في وقت الظلم لدفنه * عن الناس من هو خير من وطئ الحصا رزينا‬
‫رسول ال فينا فلن نرى * لذاك عديل ما حيينا من الرزى رزينا رسول ال‬
‫فينا ووحيه * فخير خيار ما رزينا ول سوى فمثل رسول ال إذ حان يومه‬
‫* لفقدانه فليبك يا عيش من بكى وكان لنا كالحصن من دون أهله * لهم‬
‫معقل منه حصين من العدى وكنا برؤياه نرى النور والهدى * صباح مساء‬
‫راح فينا أو اغتدى فقد غشيتنا ظلمة بعد موته * نهارا فقد زادت على‬
‫ظلمة الدجى وكنا به شم النوف بنجوة * على موضع ل يستطاع ول يرى‬
‫فيا خير من ضم الجوانح والحشا * وياخير ميت ضمه التراب والثرى كأن‬
‫امور الناس بعدك ضمنت * سفينة موج البحر والبحر قد طمى وهم‬
‫كالسارى من توقع هجمة * من الشر يرجو من رجاها على شفا وضاق‬
‫فضاء الرض عنهم برحبه لفقد رسول ال إذ قيل قد قضى فيالنقطاع‬
‫الوحي عنا بنوره * إذا أمرنا أعشى لفقدك أو دجى لقد نزلت بالمسلمين‬
‫مصيبة * كصدع الصفا ل شعب للصدع في الصفا فيا حزننا إنا رزينا نبينا‬
‫* على حين تم الدين واشتدت القوى فلن يستقل الناس تلك مصيبة * ولن‬
‫يجبر العظم الذي منهم وهى كأنا لولى شبهة سفر ليلة * أضلوا الهدى ل‬
‫نجم فيها ول ضوا فيامن لمر اعترانا بظلمة ؟ * وكنت له بالنور فينا إذا‬
‫اعترى‬

‫)‪ (1‬من كلم المؤلف أو أحد تلميذه لن ما يأتي من المراثى إلى قوله " الطرق‬
‫الناعي " ليس في مطالب السؤول‪.‬‬

‫]‪[87‬‬

‫فتجلو العمى عنا فيصبح مسفرا * لنا الحق من بعد الرخا مسفر اللوا وتجلو بنور‬
‫ال عنا ووحيه * عمى الشرك حتى يذهب الشك والعمى تطاول ليلى أنني‬
‫ل أرى له * شبيها ولم يدرك له الخلق منتهى وفي كل وقت للصلة يهيجه‬
‫* بلل ويدعو باسمه كل من دعا يذكرني رؤيا الرسول بدعوة * ينوه فيها‬
‫باسمه كل من دعا فولى أبا بكر إمام صلتنا * وكان الرضا منا له حين‬
‫يجتبى أبى الصبر إل أن يقوم مقامه * وخاف بأن يقلب الصبر والعنا )‪(1‬‬
‫وقوله عليه السلم يرثيه صلى ال عليه وآله )‪ :(2‬أل طرق الناعي بليل‬
‫فراعني * وأرقني لما استهل مناديا فقلت له لما رأيت الذي أتى * أغير‬
‫رسول ال إذ كنت ناعيا فحقق ما أشفقت منه ولم يبل * وكان خليلي عزنا‬
‫وجماليا فوال ما أنساك أحمد ما مشت * بى العيس في أرض تجاوزن‬
‫واديا وكنت متى أهبط من الرض تلعة * أرى أثرا منه جديدا وعافيا شديد‬
‫جري الصدر نهد مصدر * هو الموت معذور عليه وعاديا ومما نقل عنه‬
‫عليه السلم قوله ‪ -‬وقيل هما لغيره ‪ :-‬زعم المنجم والطبيب كلهما * أن‬
‫ل معاد فقلت ذاك إليكما إن صح قولكما فلست بخاسر * أو صح قولي‬
‫فالوبال عليكما ومما نقل عنه عليه السلم قوله‪ :‬ولي فرس للخير بالخير‬
‫ملجم * ولي فرس للشر بالشر مسرج فمن رام تقويمي فإني مقوم * ومن‬
‫رام تعويجي فإني معوج ومما نقل عنه عليه السلم قوله‪ :‬ولو أني اطعت‬
‫حملت قومي * على ركن اليمامة والشأم‬

‫)‪ (1‬كذا‪ ،‬وما أدرى من أي كتاب نقلها هنا من نقلها مع لحن اللفاظ وتكرارها و ما‬
‫دس فيها من زيادة بعض البيات‪ (2) .‬مطالب السؤول ص ‪(*) .62‬‬

‫]‪[88‬‬

‫ولكني متى أبرمت أمرا * تتازعني أقاويل الطغام وقوله يرثي عمه حمزة لما قتل‬
‫باحد‪ :‬أتاني أن هندا حل صخر * دعت دركا وبشرت الهنودا فإن تفخر‬
‫بحمزة يوم ولى * مع الشهداء محتسبا شهيدا فإنا قد قتلنا يوم بدر * أبا‬
‫جهل وعتبة والوليدا وشيبة قد قتلنا يوم احد * علي أثوابه علقا جسيدا‬
‫فبوء في جهنم شر دار * عليه لم يجد عنها محيدا فما سيان من هو في‬
‫حميم * يكون شرابه فيها صديدا ومن هو في الجنان يدر فيها عليه الرزق‬
‫مغتبطا حميدا وقوله‪ :‬أل أيها الموت الذي ليس تاركي * أرحني فقد أفنيت‬
‫كل خليل أراك بصيرا بالذين أحبهم * كانك تسعى نحوهم بدليل وقوله أيضا‬
‫فيه يرثيه‪ :‬رأيت المشركين بغوا علينا * ولجو في الغواية والضلل وقالوا‬
‫نحن أكثر إذ نفرنا * غداة الروع بالسل النبال فان يبغوا ويفتخروا علينا *‬
‫بحمزة فهو في غرف العوالي فقد أودى بعتبة يوم بدر * وقد أبلى وجاهد‬
‫غير آل وقد غادرت كبشهم جهادا * بحمد ال طلحة في المجال فخر‬
‫لوجهه ورفع عنه * رقيق الحد حودث بالصقال وحضر لديه إنسان فقال‪:‬‬
‫يا أمير المؤمنين أسألك أن تخبرني عن واجب وأوجب وعجب وأعجب‪،‬‬
‫وصعب وأصعب‪ ،‬وقريب وأقرب ؟ فما انبجس بيانه بكلماته ولخنس لسانه‬
‫في لهواته حتى أجابه عليه السلم بأبياته وقال‪ :‬توب رب الورى واجب‬
‫عليهم * وتركهم للذنوب أوجب والدهر في صرفه عجيب * وغفلة الناس‬
‫فيه أعجب‬

‫]‪[89‬‬

‫والصبر في النائبات صعب * لكن فوت الثواب أصعب وكلما يرتجى قريب *‬
‫والموت من كل ذاك أقرب فياما أوضح لذوي الهداية جوابه المتين‪ ،‬ويا ما‬
‫أفصح عند اولى الدراية نظم خطابه المستبين‪ ،‬فلقد عبر اسلوبا من علم‬
‫البيان مستوعرا عند المتأدبين‪ ،‬ومهد مطلوبا من حقيقه اليمان مستعذبا‬
‫عند المقربين‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا أقبلت الدنيا فأنفق منها فإنها ل بقى‪،‬‬
‫وإذا ما أدبرت فأنفق منها فإنها ل تفنى وأنشد‪ :‬ل تبخلن بدنيا وهي مقبلة‬
‫* فليس ينقصها التبذير والسرف وإن تولت فأحرى أن تجود بها * فالحمد‬
‫منها إذا ما أدبرت خلف وقوله عليه السلم‪ :‬إذا جادت الدنيا عليك فجد بها‬
‫* على الخلق طرا أنها تتقلب فل الجود يفنيها إذا هي أقبلت * ول البخل‬
‫يبقيها إذا هي تذهب وقوله عليه السلم‪ :‬أصم عن الكلم المحفظات * وأحلم‬
‫والحلم بي أشبه وإني ل ترك بعض الكلم * لئل اجاب بما أكره إذا ما‬
‫اجتررت سفاه السفيه * علي فإني إذن أسفه فل تغترر برواء الرجال *‬
‫وإن زخرفوا لك أو موهوا فكم من فتى تعجب الناظرين * له ألسن وله‬
‫أوجه وقوله عليه السلم‪ :‬أتم الناس أعلمهم بنقصه * وأقمعهم لشهوته‬
‫وحرصه فل تستغل عافية بشئ * ول تسترخصن داء لرخصه ‪ - 93‬الدرة‬
‫الباهرة من الصداف الطاهرة‪ :(1) :‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬العفو‬
‫عن المقر ل عن المصر‪ ،‬وما أقبح الخشوع عند الحاجة‪ ،‬والجفاء عند‬
‫الغناء‬

‫)‪ (1‬مخطوط‪.‬‬

‫]‪[90‬‬

‫بلء النسان من اللسان‪ ،‬اللسان سبع إن خلى عنه عقر العافية‪ ،‬والعافية عشرة‬
‫أجزاء تسعة منها في الصمت إل بذكر ال‪ ،‬وواحد في ترك مجالسته‬
‫السفهاء‪ ،‬والعاقل من رفض الباطل‪ ،‬عماد الدين الورع‪ ،‬وفساده الطمع‪.‬‬
‫‪ - 94‬دعوات الراوندي )‪ :(1‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬كيف يكون‬
‫حال من يفنى ببقائه‪ ،‬ويسقم بصحته‪ ،‬ويؤتى ما منه يفر‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬في كل جرعة شرقة‪ ،‬ومع كل اكلة غصة‪ ،‬وقال‪ :‬الناس في أجل‬
‫منقصوص وعمل محفوظ‪ .‬نهج )‪ :(2‬قال‪ :‬عيبك مستور ما أسعدك جدك‪.‬‬
‫‪ - 95‬كنز الكراجكى )‪ :(3‬قال أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬من ضاق صدره‬
‫لم يصبر على أداء حق‪ ،‬من كسل لم يؤد حق ال‪ ،‬من عظم أوامر ال أجاب‬
‫سؤاله‪ ،‬من تنزه عن حرمات ال سارع إليه عفو ال‪ ،‬ومن تواضع قلبه ل‬
‫لم يسأم بدنه من طاعة ال‪ ،‬الداعي بل عمل كالرامي بل وتر‪ ،‬ليس مع‬
‫قطيعة الرحم نماء‪ ،‬ول مع الفجور غنى‪ ،‬عند تصحيح الضمائر تغفر‬
‫الكبائر‪ ،‬تصفية العمل خير من العمل‪ ،‬عند الخوف يحسن العمل‪ ،‬رأس‬
‫الدين صحة اليقين‪ ،‬أفضل ما لقيت ال به نصيحة من قلب وتوبة من ذنب‪،‬‬
‫إياكم والجدال فإنه يورث الشك في دين ال‪ ،‬بضاعة الخرة كاسدة‬
‫فاستكثروا منها في أوان كسادها‪ ،‬دخول الجنة رخيص‪ ،‬ودخول النار غال‪،‬‬
‫التقي سابق إلى كل خير‪ ،‬من غرس أشجار التقى جنى ثمار الهدى‪ ،‬الكريم‬
‫من أكرم عن ذل النار وجهه‪ ،‬ضاحك معترف بذنبه أفضل من باك مدل على‬
‫ربه‪ ،‬من عرف عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره‪ ،‬من نسي خطيئته‬
‫استعظم خطيئة غيره‪ ،‬ومن نظر في عيوب الناس ورضيها لنفسه فذاك‬
‫الحمق بعينه‪ ،‬كفاك أدبك لنفسك ما كرهته‬

‫)‪ (1‬مخطوط‪ (2) .‬المصدر باب الحكم والمواعظ تحت رقم ‪ .51‬والجد ‪ -‬بالفتح ‪:-‬‬
‫الحظ أي ما دامت الدنيا مقبلة عليك‪ (3) .‬المصدر ص ‪.128‬‬

‫]‪[91‬‬

‫لغيرك‪ ،‬اتعظ بغيرك ول تكن متعظا بك‪ ،‬ل خير في لذة تعقب ندامة‪ ،‬تمام الخلص‬
‫تجنب المعاصي‪ ،‬من أحب المكارم اجتناب المحارم‪ ،‬جهل المرء بعيوبه من‬
‫أكبر ذنوبه‪ ،‬من أحبك نهاك‪ ،‬ومن أبغضك أغراك‪ ،‬من أساء استوحش‪ ،‬من‬
‫عاب عيب ومن شتم اجيب‪ ،‬ادوا المانة ولو إلى قاتل النبياء‪ ،‬الرغبة‬
‫مفتاح العطب‪ ،‬والتعب مطية النصب‪ ،‬والشر داع إلى التقحم في الذنوب‪،‬‬
‫ومن تورط في المور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمدرجات‬
‫النوائب‪ ،‬من لزم الستقامة لزمته السلمة‪ - 96 .‬وقال عليه السلم‪(1) :‬‬
‫العفاف زينة الفقر‪ ،‬والشكر زينة الغنى‪ ،‬والصبر زينة البلء‪ ،‬والتواضع‬
‫زينة الحسب‪ ،‬والفصاحة زينة الكلم‪ ،‬والعدل زينة المارة والسكينة زينة‬
‫العبادة‪ ،‬والحفظ زينة الرواية‪ ،‬وخفض الجناح زينة العلم‪ ،‬وحسن الدب‬
‫زينة العقل‪ ،‬وبسط الوجه زينة الحلم‪ ،‬واليثار زينة الزهد‪ ،‬وبذل المجهود‬
‫زينة المعروف‪ ،‬والخشوع زينة الصلة‪ ،‬ترك مال يعني زينة الورع‪- 97 .‬‬
‫ومن بديع كلمه عليه السلم )‪ :(2‬إن رجل قطع عليه خطبته وقال له‬
‫صف لنا الدنيا فقال‪ :‬أولها عناء وآخرها بلء‪ ،‬حللها حساب‪ ،‬حرامها‬
‫عقاب من صح فيها أمن‪ ،‬ومن مرض فيها ندم‪ ،‬ومن استغنى فيها فتن‪،‬‬
‫ومن افتقره فيها حزن‪ ،‬ومن ساعاها فاتته‪ ،‬ومن قعد عنها أتته‪ ،‬ومن نظر‬
‫إليها ألهته‪ ،‬ومن تهاون بها نصرته‪ ،‬ثم عاود إلى مكانه من خطبته‪- 98 .‬‬
‫كنز الكراجكى )‪ :(3‬عن أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬الجواد من بذل ما‬
‫يضن بنفسه‪ .‬من كرم أصله حسن فعله‪ .‬وقال عليه السلم )‪ :(4‬أزرى‬
‫بنفسه من استشعر الطمع‪ ،‬من أهوى إلى متفاوت المور خذلته الرغبة‪،‬‬
‫أشرف الغنى ترك المنى‪ ،‬من ترك الشهوات كان حرا‪ ،‬الحرص مفتاح‬
‫التعب وداع إلى التقحم في الذنوب‪ ،‬والشره جامع لمساوي العيوب‬
‫الحرص علمة الفقر‪ ،‬من أطلق طرفه كثر أسفه‪ ،‬قل ما تصدقك المنية‪،‬‬
‫رب‬

‫)‪ (1‬الكنز ص ‪ (2) .138‬المصدر ص ‪ (3) .160‬المصدر ص ‪ (4) .163‬المصدر‬


‫ص ‪.163‬‬
‫]‪[92‬‬

‫طمع كاذب‪ ،‬وأمل خائب‪ ،‬من لجأ إلى الرجاء سقطت كرامته‪ ،‬همة الزاهد مخالفة‬
‫الهوى والسلو عن الشهوات‪ ،‬ما هدم الدين مثل البدع‪ ،‬ول أفسد الرجل‬
‫مثل الطمع‪ ،‬إياك والماني فإنها بضائع النوكى )‪ (1‬لن يكمل العبد حقيقة‬
‫اليمان حتى يؤثر دينه على شهوته‪ ،‬ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على‬
‫دينه‪ ،‬من تيقن أن ال سبحانه يراه وهو يعمل بمعاصيه فقد جعله أهون‬
‫الناظرين‪ - 99 .‬وقال عليه السلم‪ (2) :‬إياكم وسقطات السترسال فإنها ل‬
‫تستقال )‪ - 100 .(3‬وقال عليه السلم‪ (4) :‬صديق كل إنسان عقله‪،‬‬
‫وعدوه جهله‪ ،‬والعقول ذخائر‪ ،‬والعمال كنوز‪ ،‬والنفوس أشكال فما تشاكل‬
‫منها اتفق‪ ،‬والناس إلى أشكالهم أميل‪ - 101 .‬وقال عليه السلم‪(5) :‬‬
‫الفكرة مرآة صافية‪ ،‬والعتبار منذر ناصح‪ ،‬من تفكر اعتبر‪ ،‬ومن اعتبر‬
‫اعتزل‪ ،‬ومن اعتزل سلم‪ ،‬العجب ممن خاف العقاب فلم يكف ورجا الثواب‬
‫فلم يعمل‪ ،‬العتبار يقود إلى الرشاد‪ ،‬كل قول ليس ل فيه ذكر فلغو‪ ،‬وكل‬
‫صمت ليس فيه فكر فسهو‪ ،‬وكل نظر ليس فيه اعتبار فلهو‪- 102 .‬‬
‫وتروى )‪ (6‬هذه البيات عن أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬إذا كنت تعلم أن‬
‫الفراق * فراق الحياة قريب قريب وأن المعد جهاز الرحيل * ليوم الرحيل‬
‫مصيب مصيب وإن المقدم ما ل يفوت * على ما يفوت معيب معيب‬

‫)‪ (1‬النوكى جمع أنوك وهو الحمق‪ (2) .‬الكنز ص ‪ (3) .194‬السترسال في‬
‫الكلم‪ :‬التساع والنبساط‪ .‬واستقاله عثرته‪ :‬سأله أن ينهضه من‬
‫سقوطه‪ (4) .‬المصدر ص ‪ (5) .194‬المصدر ص ‪ (6) .255‬المصدر ص‬
‫‪.271‬‬

‫]‪[93‬‬

‫وأنت على ذاك ل ترعوي * فأمرك عندي عجيب عجيب ‪ - 103‬قال أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم )‪ :(1‬مازالت نعمة عن قوم‪ ،‬ول غضارة عيش إل بذنوب‬
‫اجترحوها‪ ،‬إن ال ليس بظلم للعبيد‪ - 104 .‬وقال عليه السلم‪ (2) :‬المرء‬
‫حيث يجعل نفسه‪ ،‬من دخل مداخل السوءاتهم من عرض نفسه التهمة فل‬
‫يلومن من أساء به الظن‪ ،‬من أكثر من شئ عرف به من مزح استخف به‪،‬‬
‫من اقتحم البحر غرق‪ ،‬المزاح يورث العداوة‪ ،‬من عمل في السر عمل‬
‫يستحيي منه في العلنية فليس لنفسه عنده قدر‪ ،‬ما ضاع امرء عرف قدره‬
‫اعرف الحق لمن عرفه لك رفيعا كان أم وضيعا‪ ،‬من تعدى الحق ضاق‬
‫مذهبه‪ ،‬من جهل شيئا عاداه‪ ،‬أسوء الناس حال من لم يثق بأحد لسوء‬
‫ظنه‪ ،‬ولم يبق به أحد لسوء فعله‪ ،‬ل دليل أنصح من استماع الحق‪ ،‬من‬
‫نظف ثوبه قل همه‪ ،‬الكريم يلين إذا استعطف‪ ،‬واللئيم يقسو إذا لوطف‪.‬‬
‫حسن العتراف يهدم القتراف‪ ،‬أخر الشر فإنك إذا شئت تعجلته‪ ،‬أحسن إذا‬
‫أحببت أن يحسن إليك‪ ،‬إذا جحد الحسان حسن المتنان‪ ،‬العفو يفسد من‬
‫اللئيم بقدر إصلحه من الكريم‪ ،‬من بالغ في الخصومة أثم‪ ،‬ومن قصر عنها‬
‫خصم‪ ،‬ل تظهر العداوة لمن ل سلطان لك عليه‪ - 105 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫الهم نصف الهرم‪ ،‬والسلمة نصف الغنيمة‪ - 106 .‬أعلم الدين )‪ :(3‬قال‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬أفضل رداء تردى به الحلم وإن لم تكن حليما‬
‫فتحلم فإنه من تشبه بقوم أوشك أن يكون منهم‪ .‬قال عليه السلم‪ :‬الناس‬
‫في الدنيا صنفان‪ :‬عامل في الدنيا للدنيا‪ ،‬قد شغلته دنياه عن آخرته‪ ،‬يخشى‬
‫على من يخلفه الفقر‪ ،‬ويأمنه على نفسه‪ ،‬فيفني عمره في منفعة غيره‬
‫وآخر عمل في الدنيا لما بعدها‪ ،‬فجاءه الذي له من الدنيا بغير عمله فأصبح‬
‫ملكا ل يسأل ال تعالى شيئا فيمنعه‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكنز ص ‪ (2) .271‬المصدر ص ‪ (3) .283‬مخطوط‪.‬‬

‫]‪[94‬‬

‫‪ - 107‬وقال عليه السلم‪ :‬عجبت للبخيل الذي استعجل الفقر الذي منه هرب وفاته‬
‫الغنى الذي إياه طلب‪ ،‬يعيش في الدنيا عيش الفقراء‪ ،‬ويحاسب في الخرة‬
‫حساب الغنياء‪ ،‬وعجبت للمتكبر الذي كان بالمس نطفة وهو غدا جيفة‪،‬‬
‫وعجبت لمن شك في ال وهو يرى خلق ال‪ ،‬وعجبت لمن نسي الموت‬
‫وهو يرى من يموت‪ ،‬وعجبت لمن أنكر النشأة الخرة وهو يرى النشأة‬
‫الولى‪ ،‬وعجبت لعامر الدنيا دار الفناء‪ ،‬وهو نازل دار البقاء‪ - 108 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬الفقيه كل الفقيه الذي ل يقنط الناس من رحمة ال‪ ،‬ول‬
‫يؤمنهم من مكر ال‪ ،‬ول يؤيسهم من روح ال‪ ،‬ول يرخص لها في‬
‫معاصي ال‪) * .17 .‬باب( * * " )ما صدر عن أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم في العدل( " * * " )في القسمة ووضع الموال في مواضعها( "‬
‫* ‪ - 1‬ف )‪ :(1‬أما بعد أيها الناس فإنا نحمد ربنا وإلهنا وولي النعمة علينا‬
‫ظاهرة وباطنة‪ ،‬بغير حول منا ول قوة إل امتنانا علينا وفضل ليبلونا‬
‫أنشكر أم نكفر فمن شكر زاده‪ ،‬ومن كفر عذبه‪ .‬وأشهد أن ل إله ال ال‬
‫وحده ل شريك له أحدا صمدا‪ .‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬بعثه رحمة‬
‫للعباد والبلد والبهائم والنعام نعمة أنعم بها ومنا وفضل صلى ال عليه‬
‫وآله‪ .‬فأفضل الناس ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬عند ال منزلة وأعظمهم عند ال خطرا‬
‫أطوعهم لمر ال وأعملهم بطاعة ال وأتبعهم لسنة رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله وأحياهم لكتاب ال فليس لحد من خلق ال عندنا فضل إل‬
‫بطاعة ال‪ ،‬وطاعة رسوله‪ ،‬واتباع كتابه‪ ،‬وسنة نبيه صلى ال عليه وآله‬
‫هذا كتاب ال بين أظهرنا‪ ،‬وعهد نبي ال وسيرته فينا‪ ،‬ل يجهلها إل جاهل‬
‫مخالف معاند عن ال عزو جل‪ ،‬يقول ال‪ " :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من‬
‫ذكر‬

‫)‪ (1‬التحف ص ‪ 183‬ومنقول في النهج‪.‬‬

‫]‪[95‬‬

‫وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند ال أتقيكم )‪ " (1‬فمن اتقى‬
‫ال فهو الشريف المكرم المحب‪ ،‬وكذلك أهل طاعته وطاعة رسول ال‪،‬‬
‫يقول ال في كتابه‪ " :‬إن كنتم تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال ويغفر لكم‬
‫ذنوبكم وال غفور رحيم )‪ .(2‬وقال‪ " :‬وأطيعوا ال واطيعوا الرسول فان‬
‫توليتم فإن ال ل يحب الكافرين )‪ ." (3‬ثم صاح بأعلى صوته‪ :‬يا معاشر‬
‫المهاجرين والنصار‪ ،‬ويا معاشر المسلمين أتمنون على ال وعلى رسوله‬
‫بإسلمكم‪ ،‬ول ولرسوله المن عليكم إن كنتم صادقين‪ .‬ثم قال‪ :‬أل إنه من‬
‫استقبل قبلتنا‪ ،‬وأكل ذبيحتنا‪ ،‬وشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا عبده‬
‫ورسوله أجرينا عليه أحكام القرآن‪ ،‬وأقسام السلم‪ ،‬ليس لحد على أحد‬
‫فضل إل بتقوى ال وطاعته‪ ،‬جعلنا ال وإياكم من المتقين‪ ،‬وأوليائه‬
‫وأحبائه الذين ل خوف عليهم ول هم يحزنون‪ .‬ثم قال‪ :‬أل إن هذه الدنيا‬
‫التي أصبحتم تتمنونها وترغبون فيها‪ ،‬وأصبحت تعظكم وترميكم ليست‬
‫بداركم ول منزلكم الذي خلقتم له‪ ،‬ول الذي دعيتم إليه أل وإنها ليست‬
‫بباقية لكم ول تبقون عليها‪ .‬فل يغرنكم عاجلها فقد حذرتموها ووصفت لكم‬
‫وجربتموها‪ ،‬فأصبحتم ل تحمدون عاقبتها‪ .‬فسابقوا ‪ -‬رحمكم ال ‪ -‬إلى‬
‫منازلكم التي امرتم أن تعمروها فهي العامرة التي ل تخرب أبدا‪ ،‬والباقية‬
‫التي ل تنفد رغبكم ال فيها ودعاكم إليها‪ ،‬وجعل لكم الثواب فيها‪ .‬فانظروا‬
‫يا معاشر المهاجرين والنصار‪ ،‬وأهل دين ال ما وصفتم به في كتاب ال‬
‫ونزلتم به عند رسول ال صلى ال عليه وآله وجاهدتم عليه فيما فضلتم به‬
‫أبالحسب والنسب ؟ أم بعمل وطاعة‪ ،‬فاستتموا نعمه عليكم ‪ -‬رحمكم ال ‪-‬‬
‫بالصبر لنفسكم والمحافظة على‬

‫)‪ (1‬سورة الحجرات‪ (2) .14 :‬سورة آل عمران‪ (3) .31 :‬مضمون مأخوذ من‬
‫الية ‪ 32‬سورة آل عمران‪.‬‬

‫]‪[96‬‬

‫من استحفظكم ال من كتابه‪ .‬أل وإنه ل يضركم تواضع شئ من دنياكم بعد حفظكم‬
‫وصية ال والتقوى‪ ،‬ول ينفعكم شئ حافظتم عليه من أمر دنياكم بعد‬
‫تضييع ما امرتم به من التقوى‪ ،‬فعليكم عباد ال بالتسليم لمره والرضا‬
‫بقضائه والصبر على بلئه‪ .‬فأما هذا الفئ فليس لحد فيه على أحد أثرة )‬
‫‪ (1‬قد فرغ ال عزوجل من قسمه فهو مال ال‪ ،‬وأنتم عباد ال المسلمون‪،‬‬
‫وهذا كتاب ال‪ ،‬به أقررنا‪ ،‬وعليه شهدنا وله أسلمنا‪ ،‬وعهد نبينا بين‬
‫أظهرنا‪ .‬فسلموا ‪ -‬رحمكم ال ‪ -‬فمن لم يرض بهذا فليتول كيف شاء‪ ،‬فإن‬
‫العامل بطاعة ال‪ ،‬والحاكم بحكم ال ل وحشة عليه " اولئك الذين ل خوف‬
‫عليهم ول هم يحزنون "‪ " ،‬اولئك هم المفلحون " ونسأل ال ربنا وإلهنا‬
‫أن يجعلنا وإياكم من أهل طاعته‪ ،‬وأن يجعل رغبتنا ورغبتكم فيما عنده‪.‬‬
‫أقول ما سمعتم‪ ،‬وأستغفر ال لي ولكم‪ - 2 .‬ف )‪ :(2‬لما رأت طائفة من‬
‫أصحابه بصفين ما يفعله معاوية بمن انقطع إليه وبذله لهم الموال ‪-‬‬
‫والناس أصحاب دنيا ‪ -‬قالوا لمير المؤمنين عليه السلم‪ :‬أعط هذا المال‪،‬‬
‫وفضل الشراف ومن تخوف خلفه وفراقه‪ .‬حتى إذا استتب )‪ (3‬لك ما‬
‫تريد عدت إلى أحسن ما كنت عليه من العدل في الرعية والقسم بالسوية )‬
‫‪ .(4‬فقال‪ :‬أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من أهل‬
‫السلم وال ل أطور به ماسمر به سمير )‪ (5‬وما أم نجم في السماء نجما‬
‫)‪ (6‬ولو كان مالهم‬

‫)‪ (1‬الثرة ‪ -‬محركة ‪ :-‬الختيار واختصاص المرء باحسن شئ دون غيره‪(2) .‬‬
‫التحف ص ‪ (3) .185‬استتب‪ :‬استقام واطرد واستمر‪ (4) .‬رواه الشيخ‬
‫أبو على ابن الشيخ في أماليه مع اختلف يسير أشرنا إلى بعضها‪ (5) .‬ل‬
‫أطور به‪ :‬ل أقاربه‪ .‬والسمير‪ :‬الدهر أي ل أقاربه مدى الدهر ول أفعله‬
‫أبدا‪ .‬وفى المالى )أتأمروني أن أطلب النصر بالجور وال ل افعلن ما‬
‫طلعت شمس ولح في السماء نجم وال لو كان مالى لواسيت بينهم‬
‫وكيف وانما هو أموالهم(‪ (6) .‬أم‪ :‬قصد أي ما قصد نجم نجما‪.‬‬

‫]‪[97‬‬

‫مالي لسويت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم‪ .‬ثم أزم طويل ساكتا )‪ ،(1‬ثم قال‪ :‬من‬
‫كان له مال فإياه والفساد‪ ،‬فإن إعطاءك المال في غير وجهه تبذير )‪(2‬‬
‫وإسراف وهو يرفع ذكر صاحبه في الناس ويضعه عند ال )‪ .(3‬ولم يضع‬
‫امرء ماله في غير حقه وعند غير أهله إل حرمه شكرهم وكان خيره‬
‫لغيره‪ ،‬فإن بقي معه منهم من يريه الود‪ .‬ويظهر له الشكر‪ ،‬فإنما هو ملق‬
‫وكذب )‪ (4‬وإنما يقرب لينال من صاحبه مثل الذي كان يأتي إليه قبل‪ ،‬فان‬
‫زلت بصاحبة النعل واحتاج إلى معونته ومكافأته فأشر خليل وآلم خدين )‬
‫‪ (5‬مقالة جهال مادام عليهم منعما‪ ،‬وهو عن ذات ال بخيل‪ ،‬فأي حظ أبور‬
‫وأخس من هذا الحظ ؟ !‪ .‬وأي معروف أضيع وأقل عائدة من هذا المعروف‬
‫؟ !‪ .‬فمن أتاه مال فليصل به القرابة‪ ،‬وليحسن به الضيافة‪ ،‬وليفك به العاني‬
‫)‪ (6‬والسير وليعن به الغارمين وابن السبيل والفقراء والمهاجرين‪،‬‬
‫وليصبر نفسه على الثواب والحقوق‪ ،‬فإنه يحوز بهذه الخصال شرفا في‬
‫الدنيا )‪ (7‬ودرك فضائل الخرة‪.‬‬

‫)‪ (1‬أزم‪ :‬امسك‪ (2) .‬في بعض النسخ " في غيره تبذير " وفى المالى " في غير‬
‫حقه تبذير "‪ (3) .‬في المالى " وهو وان كان ذكرا لصاحبه في الدنيا‬
‫والخرة فهو يضيعه عند ال "‪ (4) .‬ملق ‪ -‬بفتح فكسر ككذب مصدر ‪:-‬‬
‫التودد والتذلل والظهار باللسان من الكرام والود ما ليس في القلب‪.‬‬
‫وفى المالى " وكان لغيره ودهم فان بقى معه من يوده يظهر له الشكر ‪-‬‬
‫الخ "‪ (5) .‬كذا ولعله ألم فصحف والخدين‪ :‬الحبيب والصديق‪(6) .‬‬
‫العانى‪ :‬السائل‪ (7) .‬في المالى " فان النور بهذه الخصال شرف مكارم‬
‫الدنيا "‪.‬‬

‫]‪[98‬‬

‫‪) * .18‬باب( * * " )ما أوصى به أمير المؤمنين عليه السلم عند وفاته( " * جا‪،‬‬
‫ما )‪ :(1‬عن المفيد‪ ،‬عن عمر بن محمد المعروف بابن الزيات‪ ،‬عن محمد‬
‫بن همام السكافي‪ ،‬عن جعفر بن محمد بن مالك‪ ،‬عن أحمد بن سلمة‬
‫الغنوي‪ ،‬عن محمد بن الحسن العامري‪ ،‬عن أبي معمر‪ ،‬عن أبي بكر بن‬
‫عياش‪ ،‬عن الفجيع العقيلي قال‪ :‬حدثني الحسن بن علي بن أبي طالب‬
‫عليهما السلم قال‪ :‬لما حضرت والدي الوفاة أقبل يوصي فقال‪ :‬هذا ما‬
‫أوصى به علي بن أبي طالب أخو محمد رسول ال وابن عمه وصاحبه أول‬
‫وصيتي أشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسوله وخيرته‪ ،‬اختاره بعلمه‪،‬‬
‫وارتضاه لخيرته‪ ،‬وأن ال باعث من في القبور‪ ،‬وسائل الناس عن‬
‫أعمالهم‪ ،‬عالم بما في الصدور ثم إني اوصيك يا حسن وكفى بك وصيا بما‬
‫أوصاني به رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬فإذا كان ذلك يا بني ألزم بيتك‪،‬‬
‫وابك على خطيئتك‪ ،‬ول تكن الدنيا أكبر همك‪ ،‬واوصيك يا بني بالصلة عند‬
‫وقتها‪ ،‬والزكاة في أهلها عند محلها‪ ،‬والصمت عند الشبهة‪ ،‬والقتصاد‬
‫والعدل في الرضا والغضب‪ ،‬وحسن الجوار‪ ،‬وإكرام الضيف‪ ،‬ورحمة‬
‫المجهود وأصحاب البلء‪ ،‬وصلة الرحم‪ ،‬وحب المساكين ومجالستهم‪،‬‬
‫والتواضع فإنه من أفضل العبادة‪ ،‬وقصر المل‪ ،‬واذكر الموت‪ ،‬وازهد في‬
‫الدنيا فإنك رهين موت‪ ،‬وغرض بلء‪ ،‬وصريع سقم‪ ،‬واوصيك بخشية ال‬
‫في سر أمرك وعلنيتك وأنهاك عن التسرع بالقول والفعل‪ ،‬وإذا اعرض‬
‫شئ من أمر الخرة فابدء به‪ ،‬وإذا عرض شئ من أمر الدنيا فتأن حتى‬
‫تصيب رشدك فيه‪ ،‬وإياك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء‪،‬‬
‫فإن قرين السوء يغير جليسه‪ ،‬وكن ل يا بني عامل وعن الخنى زجورا )‬
‫‪ (2‬وبالمعروف آمرا‪ ،‬وعن المنكر ناهيا‪ ،‬وواخ الخوان في ال‬

‫)‪ (1‬مجالس المفيد ص ‪ 129‬وامالي الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .6‬الخنى ‪ -‬مقصورا ‪:-‬‬
‫الفحش‪.‬‬

‫]‪[99‬‬

‫وأحب الصالح لصلحه‪ ،‬ودار الفاسق عن دينك‪ .‬وأبغضه بقلبك‪ ،‬وزايله بأعمالك‬
‫كيل تكون مثله‪ ،‬وإياك والجلوس في الطرقات‪ ،‬ودع الممارات ومجاراة من‬
‫ل عقل له ول علم‪ ،‬واقصد يا بني في معيشتك‪ ،‬واقتصد في عبادتك‪،‬‬
‫وعليك فيها بالمر الدائم الذي تطيقه‪ ،‬وألزم الصمت تسلم‪ ،‬وقدم لنفسك‬
‫تغنم‪ ،‬وتعلم الخير تعلم‪ ،‬وكن ل ذاكرا على كل حال‪ ،‬وارحم من أهلك‬
‫الصغير‪ ،‬ووقر منهم الكبير‪ ،‬ول تأكلن طعاما حتى تصدق منه قبل أكله‪،‬‬
‫وعليك بالصوم فإنه زكاة البدن وجنة لهله‪ ،‬وجاهد نفسك‪ ،‬واحذر جليسك‪،‬‬
‫واجتنب عدوك‪ ،‬وعليك بمجالس الذكر وأكثر من الدعاء فاني لم آلك يا بني‬
‫نصحا‪ ،‬وهذا فراق بيني وبينك‪ .‬واوصيك بأخيك محمد خيرا فإنه شقيقك‬
‫وابن أبيك وقد تعلم حبي له‪ .‬وأما أخوك الحسين فهو ابن امك ول اريد‬
‫الوصاة بذلك )‪ ،(1‬وال الخليفة عليكم‪ ،‬وإياه أسأل أن يصلحكم وأن يكف‬
‫الطغاة والبغاة عنكم‪ ،‬والصبر الصبر حتى ينزل ال المر‪ ،‬ول قوة إل بال‬
‫العلي العظيم‪ - 2 .‬ف )‪ :(2‬وصيته عليه السلم عند الوفاة‪ :‬هذا ما أوصى‬
‫به علي بن أبي طالب‪ .‬أوصى المؤمنين بشهادة أن ل إله إل ال وحده ل‬
‫شريك له وأن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره‬
‫على الدين كله ولو كره المشركون‪ ،‬وصلى ال على محمد وسلم‪ .‬ثم إن‬
‫صلتي ونسكي ومحياي ومماتي ل رب العالمين‪ ،‬ل شريك له وبذلك امرت‬
‫وأنا أول المسلمين‪ .‬ثم إني اوصيك يا حسن وجميع ولدي‪ ،‬وأهل بيتي‪،‬‬
‫ومن بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى ال ربكم‪ ،‬ول تموتن إل وأنتم‬
‫مسلمون‪ ،‬واعتصموا بحبل ال جميعا ول تفرقوا‪ ،‬فإني سمعت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله يقول‪ " :‬صلح ذات البين أفضل من عامة الصلة‬
‫والصوم " وإن المبيرة وهي الحالقة للدين )‪ (3‬فساد ذات البين‪،‬‬

‫)‪ (1‬في أمالى الطوسى " ول ازيد الوطأة بذلك "‪ (2) .‬التحف ص ‪ .197‬وفى‬
‫الكافي باب صدقات النبي " ص "‪ (3) .‬في الكافي " من عامة الصلة‬
‫والصيام‪ .‬وان المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين "‪.‬‬
‫]‪[100‬‬

‫ول قوة إل بال‪ .‬انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون ال عليكم الحساب‪ .‬ال ال‬
‫في اليتام )‪ (1‬ل يضيعوا بحضرتكم‪ ،‬فقد سمعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله يقول‪ " :‬من عال يتيما حتى يستغني أوجب ال له بذلك الجنة كما‬
‫أوجب لكل مال اليتيم النار "‪ .‬ال ال في القرآن فل يسبقنكم إلى العلم )‪(2‬‬
‫به غيركم‪ .‬ال ال في جيرانكم‪ ،‬فإن رسول ال صلى ال عليه وآله أوصى‬
‫بهم‪ ،‬ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم‪ .‬ال ال في بيت ربكم فل‬
‫يخلو منكم ما بقيتم‪ ،‬فإنه إن ترك لم تناظروا‪ .‬وأدنى ما يرجع به من أمه أن‬
‫يغفر له ما سلف )‪ .(3‬ال ال في الصلة‪ ،‬فإنها خير العمل‪ ،‬إنها عماد‬
‫دينكم‪ .‬ال ال في الزكاة‪ ،‬فإنها تطفئ غضب ربكم‪ .‬ال ال في صيام شهر‬
‫رمضان‪ ،‬فإن صيامه جنة من النار‪ .‬ال ال في الفقراء والمساكين‪،‬‬
‫فشاركوهم في معائشكم‪ .‬ال ال في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم‪،‬‬
‫فإنما يجاهد رجلن إمام هدى أو مطيع له مقتد بهداه‪ .‬ال ال في ذرية‬
‫نبيكم‪ ،‬ل تظلمن بين أظهركم وأنتم تقدرون على المنع عنهم‪ .‬ال ال في‬
‫أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا ولم يأووا محدثا‪ ،‬فإن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم‪ ،‬والمؤوي‬
‫للمحدثين‪ .‬ال ال في النساء وما ملكت أيمانكم‪ ،‬فإن آخر ما تكلم به نبيكم‬
‫أن قال‪ " :‬اوصيكم بالضعيفين‪ :‬النساء وما ملكت أيمانكم "‪ .‬الصلة‪،‬‬
‫الصلة‪ ،‬الصلة‪ ،‬ل تخافوا في ال لومة لئم يكفكم من أرادكم‬

‫)‪ (1‬في الكافي " ل يغيروا أفواههم ول يضيعوا بحضرتكم "‪ (2) .‬في الكافي " إلى‬
‫العمل به "‪ " (3) .‬من أمه " أي من قصده‪.‬‬

‫]‪[101‬‬

‫وبغي عليكم )‪ .(1‬قولوا للناس حسنا كما أمركم ال‪ ،‬ول تتركوا المر بالمعروف‪،‬‬
‫والنهي عن المنكر فيولي ال أمركم شراركم‪ ،‬ثم تدعون فل يستجاب لكم‬
‫عليهم‪ .‬عليكم يا بني بالتواصل والتباذل والتبادر‪ ،‬وإياكم والتقاطع والتدابر‬
‫والتفرق‪ ،‬وتعاونوا على البر والتقوى‪ ،‬ول تعاونوا على الثم والعدوان‪،‬‬
‫واتقوا ال إن ال شديد العقاب‪ ،‬وحفظكم ال من أهل بيت وحفظ نبيكم فيكم‬
‫)‪ (2‬استودعكم ال وأقرأ عليكم السلم‪ ،‬ورحمة ال وبركاته‪ .‬ثم لم يزل‬
‫يقول‪ :‬ل إله إل ال حتى مضى‪) * .19 .‬باب( * * " )مواعظ الحسن بن‬
‫على عليهما السلم( " * ‪ - 1‬مع )‪ :(3‬الطالقاني‪ ،‬عن محمد بن سعيد بن‬
‫يحيي‪ ،‬عن إبراهيم بن الهيثم‪ ،‬عن امية البلدي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن المعافى بن‬
‫عمران‪ ،‬عن إسرائيل‪ ،‬عن المقدام بن شريح ابن هاني‪ ،‬عن أبيه شريح‬
‫قال‪ :‬سئل أمير المؤمنين عليه السلم عن ابنه الحسن بن علي عليهما‬
‫السلم فقال‪ :‬يا بني ما العقل ؟ قال‪ :‬حفظ قلبك ما استودعته‪ ،‬قال‪ :‬فما‬
‫الحزم ؟ قال‪ :‬أن تنتظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك‪ ،‬قال‪ :‬فما المجد ؟ قال‪:‬‬
‫حمل المغارم وابتناء المكارم‪ ،‬قال‪ :‬فما السماحة ؟ قال‪ :‬إجابة السائل وبذل‬
‫النائل )‪ ،(4‬قال‪ :‬فما الشح ؟ قال‪ :‬أن ترى القليل سرفا‪ ،‬وما أنفقت تلفا‪،‬‬
‫وقال‪ :‬فما الرقة ؟ قال‪ :‬طلب اليسير‪ ،‬ومنع الحقير‪ ،‬قال‪ :‬فما الكلفة ؟ قال‪:‬‬
‫التمسك بمن ل يؤمنك‪ ،‬والنظر فيما ل يعنيك‪ ،‬قال‪ :‬فما الجهل ؟ قال‪ :‬سرعة‬
‫الوثوب على الفرصة قبل الستمكان منها‬

‫)‪ (1‬في الكافي " يكفيكم ال من أذاكم وبغى عليكم "‪ (2) .‬أي حفظ رعايته وامتثال‬
‫أمره‪ .‬وفى الكافي بتقديم " نبيكم " على " فيكم "‪ (3) .‬معاني الخبار‬
‫ص ‪ (4) .401‬النائل‪ :‬ما ينال‪.‬‬

‫]‪[102‬‬

‫والمتناع عن الجواب‪ ،‬ونعم العون الصمت في مواطن كثيرة وإن كنت فصيحا‪ .‬ثم‬
‫أقبل على الحسين ابنه عليهما السلم فقال له‪ :‬يا بني ما السؤدد ؟ قال‪:‬‬
‫اصطناع ‪ -‬العشيرة واحتمال الجريرة‪ ،‬قال‪ :‬فما الغنى ؟ قال‪ :‬قلة أمانيك‪،‬‬
‫والرضا بما يكفيك ؟ قال‪ :‬فما الفقر ؟ قال‪ :‬الطمع وشدة القنوط‪ ،‬قال‪ :‬فما‬
‫اللؤم ؟ قال‪ :‬احراز المرء نفسه‪ ،‬وإسلمه عرسه‪ ،‬قال‪ :‬فما الخرق ؟ قال‪:‬‬
‫معاداتك أميرك‪ ،‬ومن يقدر على ضرك ونفعك‪ .‬ثم التفت إلى الحارث العور‬
‫فقال‪ :‬يا حارث علموا هذه الحكم أولدكم فإنها زياده في العقل والحزم‬
‫والرأي‪ - 2 .‬ف )‪ :(1‬أجوبة الحسن بن علي عليهما السلم عن مسائل‬
‫سأله عنها أمير المؤمنين عليه السلم أو غيره في معان مختلفة‪ .‬قيل له‬
‫عليه السلم‪ :‬ما الزهد ؟ قال‪ :‬الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا‪ .‬قيل‪:‬‬
‫فما الحلم ؟ قال‪ :‬كظم الغيظ وملك النفس‪ .‬قيل‪ :‬ما السداد ؟ قال‪ :‬دفع المنكر‬
‫بالمعروف قيل‪ :‬فما الشرف ؟ قال‪ :‬إصطناع العشيرة وحمل الجريرة‪ .‬قيل‪:‬‬
‫فما النجدة ؟ )‪ (2‬قال‪ :‬الذب عن الجار والصبر في المواطن والقدام عند‬
‫الكريهة‪ .‬قيل‪ :‬فما المجد ؟ قال‪ :‬أن تعطي في الغرم )‪ (3‬وأن تعفو عن‬
‫الجرم‪ .‬قيل‪ :‬فما المروة ؟ قال‪ :‬حفظ الدين وإعزاز النفس ولين الكنف )‪(4‬‬
‫وتعهد الصنيعة وأداء الحقوق‪ ،‬والتحبب إلى الناس‪ .‬قيل فما الكرم ؟ قال‪:‬‬
‫البتداء بالعطية قبل‬

‫)‪ (1‬التحف ص ‪ (2) .225‬اصطناع العشيرة‪ :‬الحسان إليهم‪ .‬والجريرة‪ :‬الذنب‬


‫والجناية‪ .‬والنجدة‪ :‬الشجاعة والشدة والبأس‪ (3) .‬الغرم ‪ -‬بتقديم‬
‫المعجمة المضمومة‪ :‬ما يلزم اداؤه‪ (4) .‬الكنف ‪ -‬محركة ‪ :-‬الجانب‬
‫والناحية‪ .‬وكنف النسان‪ :‬حضنه والعضدان والصدر‪ .‬وقوله‪ " :‬وتعهد‬
‫الصنيعة " أي اصلحها وانماؤها‪.‬‬

‫]‪[103‬‬

‫المسألة وإطعام الطعام في المحل )‪ (1‬قيل‪ :‬فما الدنيئة ؟ قال‪ :‬النظر في اليسير‬
‫ومنع الحقير‪ .‬قيل‪ :‬فما اللؤم ؟ قال‪ :‬قلة الندى وأن ينطق بالخنى )‪ .(2‬قيل‪:‬‬
‫فما السماح ؟ قال‪ :‬البذل في السراء والضراء‪ .‬قيل‪ :‬فما الشح ؟ قال‪ :‬أن‬
‫ترى ما في يديك شرفا وما أنفقته تلفا‪ .‬قيل‪ :‬فما الخاء ؟ قال‪ :‬الخاء في‬
‫الشدة والرخاء‪ .‬قيل‪ :‬فما الجبن ؟ قال‪ :‬الجرأة على الصديق والنكول عن‬
‫العدو‪ .‬قيل‪ :‬فما الغنى ؟ قال‪ :‬رضى النفس بما قسم لها وإن قل‪ .‬قيل‪ :‬فما‬
‫الفقر ؟ قال‪ :‬شره النفس إلى كل شئ‪ .‬قيل‪ :‬فما الجود ؟ قال‪ :‬بذل المجهود‪.‬‬
‫قيل‪ :‬فما الكرم ؟ قال‪ :‬الحفاظ في الشدة والرخاء )‪ (3‬قيل‪ :‬فما الجرأة ؟‬
‫قال‪ :‬مواقفة القران )‪ .(4‬قيل‪ :‬فما المنعة ؟ قال‪ :‬الشدة البأس ومنازعة‬
‫أعز الناس )‪ .(5‬قيل‪ :‬فما الذل ؟ قال‪ :‬الفرق عند المصدوقة )‪ .(6‬قيل‪ :‬فما‬
‫الخرق ؟ قال‪ :‬مناواتك أميرك ومن يقدر على ضرك )‪ .(7‬قيل‪ :‬فما السناء ؟‬
‫قال‪ :‬إتيان الجميل وترك القبيح )‪ .(8‬قيل‪ :‬فما الحزم ؟ قال‪ :‬طول الناة‬
‫والرفق بالولة والحتراس‬

‫)‪ (1‬المحل ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬الشدة والجدب‪ .‬يقال‪ :‬زمان ما حل أي مجدب‪ (2) .‬اللؤم ‪-‬‬
‫مصدر من لؤم الرجل لؤما وملءمة ‪ -‬كان دنى الصل شحيح النفس فهو‬
‫لئيم‪ .‬والندى ‪ -‬كعمي ‪ :-‬الجود والفضل والخير‪ .‬والخنى ‪ -‬مقصورا ‪:-‬‬
‫الفحش في الكلم‪ (3) .‬الحفاظ ‪ -‬ككتاب ‪ :-‬الذب عن المحارم والمنع لها‬
‫والمحافظة على العهد والوفاء والتمسك بالود‪ (4) .‬في بعض النسخ "‬
‫قيل‪ :‬فما الجزاء "‪ .‬والمواقفة ‪ -‬بتقديم القاف ‪ :-‬المحاربة‪ ،‬يقال‪ :‬واقفه‬
‫في الحرب أو الخصومة أي وقف كل منهما مع الخر‪ (5) .‬المنعة‪ :‬العز‬
‫والقوة‪ .‬ولعل المراد بالبأس والمنازعة‪ :‬الجهاد في ال أو الهيبة في‬
‫أعين الناس‪ .‬وبأعز الناس أقواهم‪ (6) .‬الفرق ‪ -‬محركة ‪ :-‬الخوف‬
‫والفزع‪ .‬والمصدوقة‪ :‬الصدق‪ (7) .‬المناواة‪ :‬المعاداة‪ (8) .‬السناء ‪-‬‬
‫بالمهملة ممدودا ‪ :-‬الرفعة‪.‬‬

‫]‪[104‬‬

‫من جميع الناس )‪ .(1‬قيل‪ :‬فما الشرف ؟ قال‪ :‬موافقة الخوان وحفظ الجيران‪ .‬قيل‪:‬‬
‫فما الحرمان ؟ قال‪ :‬تركك حظك وقد عرض عليك‪ .‬قيل‪ :‬فما السفه ؟ قال‪:‬‬
‫اتباع الدناة ومصاحبة الغواة‪ .‬قيل‪ :‬فما العي )‪ (2‬؟ قال‪ :‬العبث باللحية‬
‫وكثرة التنحنح عند المنطق‪ .‬قيل‪ :‬فما الشجاعة ؟ قال‪ :‬مواقفة القران‬
‫والصبر عند الطعان‪ .‬قيل فما الكلفة ؟ قال‪ :‬كلمك فيما ل يعنيك‪ .‬قيل‪ :‬وما‬
‫السفاه )‪ (3‬؟ قال‪ :‬الحمق في ماله المتهاون بعرضه‪ .‬قيل‪ :‬فما اللؤم ؟‬
‫قال‪ :‬إحراز المرء نفسه وإسلمه عرسه )‪ - 3 .(4‬ف )‪ :(5‬ومن حكمه‬
‫عليه السلم‪ :‬أيها الناس إنه من نصح ل وأخذ قوله دليل هدي للتي هي‬
‫أقوم‪ ،‬ووفقه ال للرشاد‪ ،‬وسدده للحسنى‪ ،‬فإن جار ال آمن محفوظ‪،‬‬
‫وعدوه خائف مخذول‪ ،‬فاحترسوا من ال بكثرة الذكر‪ ،‬واخشوا ال‬
‫بالتقوى‪ ،‬وتقربوا إلى ال بالطاعة فإنه قريب مجيب‪ ،‬قال ال تبارك‬
‫وتعالى‪ " :‬وإذا سألك عبادي عني فإني قريب اجيب دعوة الداع إذا دعان‬
‫فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون )‪ " (6‬فاستجيبوا ل وآمنوا‬
‫به‪ ،‬فإنه ل ينبغي لمن عرف عظمة ال أن يتعاظم‪ ،‬فإن رفعة الذين يعلمون‬
‫عظمة ال أن يتواضعوا و ]عز[ الذين يعرفون ما جلل ال أن يتذللوا ]له[‬
‫وسلمة الذين يعلمون ما قدرة ال أن يستسلموا له‪ ،‬ول ينكروا أنفسهم‬

‫)‪ (1‬الناة‪ :‬الوقار والحلم‪ .‬وفى بعض النسخ " الناة "‪ (2) .‬العى‪ :‬العجر في‬
‫الكلم‪ (3) .‬السفاه ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬الجهل وأيضا جمع سفيه‪ (4) .‬العرس ‪-‬‬
‫بالكسر ‪ :-‬حليلة الرجل ورحلها‪ (5) .‬التحف ص ‪ 227‬ومضمون هذا‬
‫الخبر مروى في روضة الكافي عن أمير المؤمنين )ع( في خطبته التى‬
‫خطبها بذى قار ول عجب أن يشتبه الكلمان لن مستقاهما من قليب‬
‫ومفرغهما من ذنوب كما قال المعصوم عليه السلم‪ (6) .‬سورة البقرة‬
‫‪.182‬‬

‫]‪[105‬‬

‫بعد المعرفة‪ ،‬ول يضلوا بعد الهدى )‪ .(1‬واعلموا علما يقينا أنكم لن تعرفوا التقى‬
‫حتى تعرفوا صفة الهدى )‪ (2‬ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي‬
‫نبذه‪ ،‬ولن تتلوا الكتاب حق تلوته حتى تعرفوا الذي حرفه‪ ،‬فإذا عرفتم ذلك‬
‫عرفتم البدع والتكلف‪ ،‬ورأيتم الفرية على ال والتحريف‪ ،‬ورأيتم كيف‬
‫يهوي من يهوي‪ .‬ول يجهلنكم الذين ل يعلمون‪ .‬والتمسوا ذلك عند أهله‪،‬‬
‫فإنهم خاصة نور يستضاء بهم‪ ،‬وأئمة يقتدى بهم‪ ،‬بهم عيش العلم وموت‬
‫الجهل‪ ،‬وهم الذين أخبركم حلمهم عن جهلهم )‪ (3‬وحكم منطقهم عن‬
‫صمتهم‪ ،‬وظاهرهم عن باطنهم‪ ،‬ل يخالفون الحق ول يختلفون فيه‪ .‬وقد‬
‫خلت لهم من ال سنة )‪ (4‬ومضى فيهم من ال حكم‪ ،‬إن في ذلك لذكرى‬
‫للذاكرين‪ ،‬واعقلوه إذا سمعتموه عقل رعايته ول تعقلوه عقل روايته‪ ،‬فإن‬
‫رواة الكتاب كثير‪ ،‬ورعاته قليل‪ ،‬وال المستعان‪ - 4 .‬ف )‪ :(5‬وروى عنه‬
‫عليه السلم في قصار هذه المعاني‪ - 1 :‬قال عليه السلم‪ :‬ما تشاور قوم‬
‫إل هدوا إلى رشدهم‪ - 2 .‬وقال عليه السلم‪ :‬اللؤم أن ل تشكر النعمة‪- 3 .‬‬
‫وقال عليه السلم لبعض ولده‪ :‬يا بني ل تواخ أحدا حتى تعرف موارده‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " ول ينكرن أنفسهم بعد المعرفة ول يضلن بعد الهدى "‪(2) .‬‬
‫في بعض النسخ " حتى تعرفوا بصبغة الهدى "‪ (3) .‬كذا‪ .‬ولعل الضمير‬
‫في " جهلهم " راجع إلى المخالفين كما يظهر من السياق والمعنى‬
‫أخبركم حلمهم عن جهل مخالفيهم‪ .‬أو عن عدم جهلهم أوانه تصحيف "‬
‫جهدهم "‪ .‬وفى الروضة " هم عيش العلم وموت الجهل‪ ،‬يخبركم حكمهم‬
‫عن علمهم وظاهرهم عن باطنهم الخ "‪ (4) .‬في بعض النسخ " من ال‬
‫سبقة "‪ (5) .‬التحف ‪.333‬‬

‫]‪[106‬‬

‫ومصادره فإذا استنبطت الخبرة )‪ (1‬ورضيت العشرة فآخه على إقالة العثرة‬
‫والمواساة في العسرة‪ - 4 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل تجاهد الطلب جهاد‬
‫الغالب‪ ،‬ول تتكل على القدر اتكال المستسلم فإن ابتغاء الفضل من السنة‪،‬‬
‫والجمال في الطلب من العفة‪ ،‬وليست العفة بدافعة رزقا‪ ،‬ول الحرص‬
‫بجالب فضل‪ ،‬فإن الرزق مقسوم‪ ،‬واستعمال الحرص استعمال المآثم‪- 5 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬القريب من قربته المودة وإن بعد نسبه‪ ،‬والبعيد من‬
‫باعدته المودة وإن قرب نسبه‪ ،‬ل شئ أقرب من يد إلى جسد‪ ،‬وإن اليد تفل‬
‫فتقطع وتحسم )‪ - 6 .(2‬وقال عليه السلم‪ :‬من اتكل على حسن الختيار‬
‫من ال لم يتمن )‪ (3‬أنه في غير الحال التي اختارها ال له‪ - 7 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬الخير الذي ل شر فيه‪ :‬الشكر مع النعمة‪ ،‬والصبر على النازلة‪8 .‬‬
‫‪ -‬وقال عليه السلم لرجل أبل من علة )‪ :(4‬إن ال قد ذكرك فاذكره‪ ،‬وأقالك‬
‫فاشكره )‪ - 9 .(5‬وقال عليه السلم‪ :‬العار أهون من النار‪ - 10 .‬وقال عليه‬
‫السلم عند صلحه لمعاوية‪ :‬إنا وال ماثنانا عن أهل الشام بالسلمة‬

‫)‪ (1‬الخبرة ‪ -‬مصدر ‪ :-‬الختيار والعلم عن تجربة‪ .‬والعشرة ‪ -‬بالكسر ‪ -‬المخالطة‬


‫والصحبة‪ (2) .‬تفل‪ :‬تكسر وتثلم‪ .‬و " تحسم " أصله القطع والمراد به‬
‫تتابع بالمكواة حتى يبرد‪ (3) .‬في بعض النسخ " يتميز "‪ (4) .‬أبل من‬
‫مرضه‪ :‬برئ منه‪ (5) .‬القالة‪ :‬فسخ البيع وأقالك ال أي غفر لك وتجاوز‬
‫عنك‪.‬‬

‫]‪[107‬‬
‫والصبر‪ ،‬فثبت السلمة )‪ (1‬بالعداوة والصبر بالجزع‪ ،‬وكنتم في مبداكم إلى صفين‬
‫ودينكم أمام دنياكم وقد أصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم‪ - 11 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬ما أعرف أحدا إل وهو أحمق فيما بينه وبين ربه‪ - 12 .‬وقيل له‪:‬‬
‫فيك عظمة فقال عليه السلم‪ :‬بل في عزة قال ال‪ " :‬ول العزة ولرسوله‬
‫وللمؤمنين )‪." (2‬‬

‫)‪ (1‬فيه تصحيف والصحيح " فسلبت السلمة " كما في اسد الغابة ج ‪ 2‬ص ‪13‬‬
‫وهذه الخطبة تكشف الغطاء عن سر صلح المام المجتبى سبط المصطفى‬
‫عليهما آلف التحية والثناء‪ .‬مختارها في هذا الكتاب وكتاب الملحم‬
‫والفتن للسيد بن طاووس رحمة ال وتمامها في كتاب اسد الغابة قد‬
‫يعجبنى ذكرها بنصها‪ :‬قال الجزرى‪ " :‬أخبرنا أبو محمد القاسم بن على‬
‫بن الحسن الدمشقي اجازة أخبرنا أبى أخبرنا أبو السعود‪ ،‬حدثنا أحمد بن‬
‫محمد بن العجلى‪ ،‬أخبرنا محمد بن محمد ابن أحمد العكبرى‪ ،‬أخبرنا‬
‫محمد بن أحمد بن خاقان‪ ،‬أخبرنا أبو بكر بن دريد قال‪ :‬قام الحسن بعد‬
‫موت أبيه أمير المؤمنين فقال بعد حمد ال عزوجل‪ :‬انا وال ماثنانا عن‬
‫أهل الشأم شك ول ندم وانما كنا نقاتل أهل الشأم بالسلمة والصبر‪،‬‬
‫فسلبت السلمة بالعداوة‪ ،‬والصبر بالجزع‪ ،‬وكنتم في منتدبكم إلى صفين‬
‫ودينكم أمام دنياكم‪ ،‬فاصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم‪ ،‬أل وانا لكم كما‬
‫كنا ولستم لنا كما كنتم‪ ،‬أل وقد اصبحتم‪ ،‬بين قتيلين قتيل بصفين تبكون‬
‫له‪ ،‬وقتيل بالنهروان تطلبون بثاره‪ ،‬فاما الباقي فخاذل‪ ،‬وأما الباكى فثائر‪،‬‬
‫أل وان معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عزول نصفة‪ ،‬فان اردتم الموت‬
‫رددناه عليه وحاكمناه إلى ال عزوجل بظباء السيوف‪ ،‬وان أردتم الحياة‬
‫قبلناه واخذنا لكم الرضى "‪ .‬فناداه القوم من كل جانب‪ :‬البقية البقية فلما‬
‫أفردوه امضى الصلح "‪ .‬انتهى‪ ،‬وقوله‪ " :‬البقية البقية " تحذير يعنى‬
‫احفظ البقية‪ (2) .‬المنافقون‪ .8 :‬وفى نسخة " فيكم " مكان " فيك "‪.‬‬
‫ورواه الساروى في المناقب وفيه‪ " :‬فيك عظمة "‪.‬‬

‫]‪[108‬‬

‫‪ - 13‬وقال عليه السلم في وصف أخ كان له صالح )‪ :(1‬كان من أعظم الناس في‬
‫عيني‪ ،‬صغر الدنيا في عينه )‪ (2‬كان خارجا من سلطان الجهالة‪ ،‬فل يمد‬
‫يدا إل على ثقة لمنفعة‪ ،‬كان ل يشتكي ول يتسخط ول يتبرم‪ ،‬كان أكثر‬
‫دهره صامتا‪ ،‬فإذا قال بذ القائلين )‪ (3‬كان ضعيفا مستضعفا‪ ،‬فإذا جاء الجد‬
‫فهو الليث عاديا )‪ .(4‬كان إذا جامع العلماء على أن يستمع أحرص منه‬
‫على أن يقول‪ ،‬كان إذا غلب على الكلم لم يغلب على السكوت‪ ،‬كان ل يقول‬
‫مال يفعل‪ ،‬ويفعل مال يقول‪ ،‬كان إذا عرض له أمر ان ل يدري أيهما أقرب‬
‫إلى ربه نظر أقربهما من هواه فخالفه‪ ،‬كان ل يلوم أحدا على ما قد يقع‬
‫العذر في مثله‪ - 14 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من أدام الختلف إلى المسجد‬
‫أصاب إحدى ثمان‪ :‬آية محكمة‪ ،‬وأخا مستفادا‪ ،‬وعلما مستطرفا‪ ،‬ورحمة‬
‫منتظرة‪ ،‬وكلمة تدله على الهدى‪ ،‬أو ترده عن ردى‪ ،‬وترك الذنوب حياء أو‬
‫خشية‪.‬‬

‫)‪ (1‬رواه الكليني )ره( في الكافي عن الحسن بن على عليهما السلم بنحو أبسط‪.‬‬
‫وأورده الرضى )ره( في النهج عن أمير المؤمنين عليه السلم هكذا "‬
‫وقال )ع( كان لى فيما مضى اخ في ال ‪ -‬الخ " قال ابن ميثم‪ :‬ذكر هذا‬
‫الفصل ابن المقفع في ادبه ونسبه إلى الحسن ابن على عليهما السلم‬
‫والمشار إليه قيل‪ :‬أبو ذر الغفاري وقيل‪ :‬هو عثمان بن مظعون انتهى‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ل يبعد أن يكون المراد به أباه عليه السلم عبر عنه عليه السلم‬
‫هكذا لمصلحة‪ (2) .‬أي كان أعظم الصفات التى صارت سببا لعظمته في‬
‫عينى هو أن صغر الدنيا في عينه‪ ،‬والصغر كعنب وقفل‪ :‬خلف الكبر‬
‫وبمعنى الذل والهوان وهو خبر " كان " وفاعل " عظم " ضمير الخ‬
‫وضمير " به " عائد إلى الموصول والباء للسببية‪ (3) .‬يتبرم أي ل‬
‫يتسأم ول يتضجر ول يغتم‪ .‬وبذ القائلين‪ .‬أي غلبهم وسبقهم وفاقهم‪(4) .‬‬
‫" كان ضعيفا مستضعفا " كناية عن تواضعه ولين كلمه وسجاحة‬
‫أخلقه‪ " .‬فإذا جاء الجد كان ليثا عاديا " الليث‪ :‬السد وهو كناية عن‬
‫التصلب في ذات ال وترك المداهنة في أمر الدين واظهار الحق وفى لفظ‬
‫الجد بعد ذكر الضعف أشعار بذلك‪ .‬ولعل المراد البسالة في الحرب‬
‫والشجاعة‪.‬‬

‫]‪[109‬‬

‫‪ - 15‬ورزق غلما فأتته قريش تهنيه فقالوا‪ :‬يهنيك الفارس‪ ،‬فقال عليه السلم‪ :‬أي‬
‫شئ هذا القول ؟ ولعله يكون راجل‪ ،‬فقال له جابر‪ :‬كيف نقول يا ابن رسول‬
‫ال ؟ فقال عليه السلم‪ :‬إذا ولد لحدكم غلم ؟ فأتيتموه فقولوا له‪ :‬شكرت‬
‫الواهب وبورك لك في الموهوب‪ ،‬بلغ ال به أشده )‪ (1‬ورزقك بره‪- 16 .‬‬
‫وسئل عن المروة ؟ فقال عليه السلم‪ :‬شح الرجل على دينه‪ ،‬وإصلحه‬
‫ماله‪ ،‬وقيامه بالحقوق‪ - 17 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن أبصر البصار ما نفذ‬
‫في الخير مذهبه‪ .‬وأسمع السماع ما وعى التذكير وانتفع به‪ .‬أسلم القلوب‬
‫ما طهر من الشبهات‪ - 18 .‬وسأله رجل أن يخيله )‪ (2‬قال عليه السلم‪:‬‬
‫إياك أن تمدحني فأنا أعلم بنفسي منك‪ ،‬أو تكذبني فإنه ل رأي لمكذوب‪ ،‬أو‬
‫تغتاب عندي أحدا‪ .‬فقال له الرجل‪ :‬ائذن لي في النصراف‪ ،‬فقال عليه‬
‫السلم‪ :‬نعم إذا شئت‪ - 19 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن من طلب العبادة تزكى‬
‫لها‪ ،‬إذا أضرت النوافل بالفريضة فارفضواها‪ ،‬اليقين معاذ للسلمة‪ ،‬من‬
‫تذكر بعد السفر اعتد‪ ،‬ول يغش العاقل من استنصحه‪ ،‬بينكم وبين الموعظة‬
‫حجاب العزة‪ ،‬قطع العلم عذر المتعلمين )‪ ،(3‬كل معاجل يسأل النظرة )‪،(4‬‬
‫وكل مؤجل يتعلل بالتسويف‪ - 20 .‬وقال عليه السلم‪ :‬اتقوا ال عباد ال‬
‫وجدوا في الطلب وتجاه الهرب‪ ،‬وبادروا العمل قبل مقطعات النقمات )‪(5‬‬
‫وهاذم اللذات‪ ،‬فإن الدنيا ل يدوم نعيمها ول تؤمن فجيعها ول تتوقى في‬
‫مساويها‪ ،‬غرور حائل‪ ،‬وسناد مائل )‪ ،(6‬فاتعظوا‬

‫)‪ (1‬وفى بعض النسخ " رشده "‪ .‬ورواه الكليني في الكافي قسم الفروع‪ (2) .‬في‬
‫بعض النسخ " يعظه " مكان يخيله أي يغيره وهو أيضا كناية عن‬
‫الموعظة‪ (3) .‬كذا وفى كلم أبيه عليه السلم في النهج " المعللين "‪) .‬‬
‫‪ (4‬النظرة‪ :‬المهال والتأخير‪ (5) .‬النقمات‪ :‬جمع نقمة‪ :‬اسم من النتقام‪.‬‬
‫)‪ (6‬السناد ‪ -‬ككتاب ‪ :-‬النافة الشديدة القوية‪ .‬ومن الشئ عماده‪.‬‬

‫]‪[110‬‬

‫عباد ال بالعبر‪ ،‬واعتبروا بالثر‪ ،‬وازدجروا بالنعيم )‪ (1‬وانتفعوا بالمواعظ‪ ،‬فكفى‬


‫بال معتصما ونصيرا‪ ،‬وكفى بالكتاب حجيجا وخصيما )‪ (2‬وكفى بالجنة‬
‫ثوابا‪ ،‬وكفى بالنار عقابا ووبال‪ - 21 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا لقى أحدكم‬
‫أخاه فليقبل موضع النور من جبهته‪ - 22 .‬ومر عليه السلم في يوم فطر‬
‫بقوم يلعبون ويضحكون فوقف على رؤوسهم فقال‪ :‬إن ال جعل شهر‬
‫رمضان مضمارا لخلقه )‪ (3‬فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم‬
‫ففازوا‪ ،‬وقصر آخرون فخابوا‪ ،‬فالعجب كل العجب من ضاحك لعب في‬
‫اليوم الذي يثاب فيه المحسنون‪ ،‬ويخسر فيه المبطلون‪ ،‬وأيم ال لو كشف‬
‫الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه‪ ،‬والمسيئ مشغول بإساءته‪ ،‬ثم‬
‫مضى‪ - 5 .‬ف )‪ :(4‬موعظة منه عليه السلم‪ :‬إعلموا أن ال لم يخلقكم‬
‫عبثا‪ ،‬وليس بتارككم سدى‪ ،‬كتب آجالكم‪ ،‬وقسم بينكم معائشكم‪ ،‬ليعرف كل‬
‫ذي لب منزلته‪ ،‬وأن ما قدر له أصابه‪ ،‬وما صرف عنه فلن يصيبه‪ ،‬قد‬
‫كفاكم مؤونة الدنيا‪ ،‬وفرغكم لعبادته‪ ،‬وحثكم على الشكر‪ ،‬وافترض عليكم‬
‫الذكر‪ ،‬وأوصاكم بالتقوى‪ ،‬وجعل التقوى منتهى رضاه‪ ،‬والتقوى باب كل‬
‫توبة‪ ،‬ورأس كل حكمة‪ ،‬وشرف كل عمل‪ ،‬بالتقوى فاز من فاز من المتقين‪.‬‬
‫قال ال تبارك وتعالى‪ " :‬إن للمتقين مفازا )‪ ." (5‬وقال‪ " :‬وينجي ال‬
‫الذين اتقوا بمفازتهم ل يمسهم السوء ول هم يحزنون )‪ " (6‬فاتقوا ال‬
‫عباد ال‪ ،‬واعلموا أنه من يتق ال يجعل له مخرجا من الفتن‪ ،‬ويسدده في‬
‫)‪ (1‬كذا‪ ،‬والظاهر " بالنقم "‪ (2) .‬الحجيج‪ :‬المغالب باظهار الحجة‪ (3) .‬المضمار‪:‬‬
‫المدة واليام التى تضمر فيها للسباق‪ .‬وموضع السباق أيضا‪ (4) .‬التحف‬
‫ص‪ (5) 232 .‬سورة النبأ‪ (6) .32 :‬سورة الزمر‪.61 :‬‬

‫]‪[111‬‬

‫أمره‪ ،‬ويهيئ له رشده‪ ،‬ويفلجه بحجته‪ ،‬ويبيض وجهه‪ ،‬ويعطيه رغبته مع الذين‬
‫أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك‬
‫رفيقا‪ - 6 .‬كشف )‪ :(1‬عن الحسن بن علي عليهما السلم قال‪ :‬ل أدب لمن‬
‫ل عقل له‪ ،‬ول مروة لمن ل همة له‪ ،‬ول حياء لمن ل دين له‪ ،‬ورأس العقل‬
‫معاشرة الناس بالجميل‪ ،‬وبالعقل تدرك الداران جميعا‪ ،‬ومن حرم من العقل‬
‫حرمهما جميعا‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬علم الناس علمك وتعلم علم غيرك‬
‫فتكون قد أتقنت علمك وعلمت ما لم تعلم‪ .‬وسئل عليه السلم عن الصمت‬
‫فقال‪ :‬هو ستر العمى‪ ،‬وزين العرض‪ ،‬وفاعله في راحة وجليسه آمن‪ .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬هلك الناس في ثلث‪ :‬الكبر والحرص والحسد‪ ،‬فالكبر هلك‬
‫الدين وبه لعن إبليس‪ ،‬والحرص عدو النفس وبه اخرج آدم من الجنة‪،‬‬
‫والحسد رائد السوء ومنه قتل قابيل هابيل‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل تأت رجل‬
‫إل أن ترجو نواله وتخاف يده‪ ،‬أو يستفيد من علمه‪ ،‬أو ترجو بركة دعائه‪،‬‬
‫أو تصل رحما بينك وبينه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬دخلت على أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم وهو يجود بنفسه لما ضربه ابن ملجم فجزعت لذلك فقال لي‪:‬‬
‫أتجزع فقلت‪ :‬وكيف ل أجزع وأنا أراك على حالك هذه فقال عليه السلم‪:‬‬
‫أل اعلمك خصال أربع إن أنت حفظتهن نلت بهن النجاة وإن أنت ضيعتهن‬
‫فاتك الداران‪ ،‬يا بني ل غنى أكبر من العقل‪ ،‬ول فقر مثل الجهل‪ ،‬ول‬
‫وحشة أشد من العجب‪ ،‬ول عيش ألذ من حسن الخلق‪] .‬فهذه سمعت عن‬
‫الحسن يرويها عن أبيه عليهما السلم فاروها إن شئت في مناقبه أو‬
‫مناقب أبيه[ )‪ .(2‬وقال عليه السلم‪ :‬ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من‬
‫حاسد‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬اجعل ما طلبت من الدنيا فلن تظفر به بمنزلة ما‬
‫لم يخطر ببالك‪ ،‬واعلم أن مروة القناعة والرضا أكثر من مروة العطاء‪،‬‬
‫وتمام الصنيعة خير من ابتدائها‬

‫)‪ (1‬كشف الغمة ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .196‬بين القوسين كلم الردبيلى في )كشف( ول‬
‫يناسب هذا الكتاب‪.‬‬

‫]‪[112‬‬
‫وسئل عن العقوق فقال‪ :‬أن تحرمهما وتهجرهما )‪ .(1‬وروي أن أباه عليا عليه‬
‫السلم قال له‪ :‬قم فاخطب لسمع كلمك‪ ،‬فقام فقال‪ :‬الحمد ل الذي من تكلم‬
‫سمع كلمه‪ ،‬ومن سكت علم ما في نفسه‪ ،‬ومن عاش فعليه رزقه‪ ،‬ومن‬
‫مات فإليه معاده‪ ،‬أما بعد فإن القبور محلتنا‪ ،‬والقيامة موعدنا‪ ،‬وال‬
‫عارضنا‪ ،‬إن عليا باب من دخله كان مؤمنا‪ ،‬ومن خرج عنه كان كافرا‪.‬‬
‫فقام إليه علي عليه السلم فالتزمه فقال‪ :‬بأبي أنت وامي " ذرية بعضها‬
‫من بعض وال سميع عليم "‪ .‬ومن كلمه عليه السلم‪ :‬يا ابن آدم عف عن‬
‫محارم ال تكن عابدا‪ ،‬ومن ارض بما قسم ال سبحانه تكن غنيا‪ ،‬وأحسن‬
‫جوار من جاورك تكن مسلما‪ ،‬وصاحب الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك‬
‫به تكن عدل‪ ،‬إنه كان بين أيديكم أقوام يجمعون كثيرا ويبنون مشيدا‪،‬‬
‫ويأملون بعيدا‪ ،‬أصبح جمعهم بوارا وعملهم غرورا‪ ،‬ومساكنهم قبورا‪ ،‬يا‬
‫ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن امك فخذ مما في‬
‫يديك لما بين يديك‪ ،‬فإن المؤمن يتزود‪ ،‬والكافر يتمتع‪ ،‬وكان عليه السلم‬
‫يتلو بعد هذه الموعظة‪ " :‬وتزودوا فإن خير الزاد التقوى "‪ .‬ومن كلمه‬
‫عليه السلم إن هذا القرآن فيه مصابيح النور وشفاء الصدور‪ ،‬فليجل جال‬
‫بضوئه وليلجم الصفة فإن التلقين )‪ (2‬حياة القلب البصير‪ ،‬كما يمشي‬
‫المستنير في الظلمات بالنور‪ - 7 .‬د )‪ :(3‬قال عليه السلم‪ :‬العقل حفظ قلبك‬
‫ما استودعته‪ ،‬والحزم أن تنتظر فرصتك‪ ،‬وتعاجل ما أمكنك‪ ،‬والمجد حمل‬
‫المغارم وابتناء المكارم‪ ،‬والسماحة إجابة السائل‪ ،‬وبذل النائل‪ ،‬والرقة‬
‫طلب اليسير ومنع الحقير‪ ،‬والكلفة‬

‫)‪ (1‬يعنى الوالدين‪ (2) .‬كذا وفى المصدر " وليلجم الصفة قلبه فان التفكير حياة‬
‫القلب البصير " والصواب كما في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ " 599‬فليجل جال‬
‫بصره‪ ،‬وليبلغ الصفة نظره فان التفكر حياة قلب البصير "‪ (3) .‬مخطوط‪.‬‬

‫]‪[113‬‬

‫التمسك لمن ل يؤاتيك‪ ،‬والنظر بما ل يعنيك‪ ،‬والجهل وإن كنت فصيحا‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬ما فتح ال عزوجل على أحد باب مسألة فخزن عنه باب الجابة‪،‬‬
‫ول فتح الرجل باب عمل فخزن عنه باب القبول‪ ،‬ول فتح لعبد باب شكر‬
‫فخزن عنه باب المزيد‪ .‬وقيل له عليه السلم‪ :‬كيف أصبحت يا ابن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله ؟ قال‪ :‬أصبحت ولي رب فوقي‪ ،‬والنار أمامي‪،‬‬
‫والموت يطلبني‪ ،‬والحساب محدق بي‪ ،‬وأنا مرتهن بعملي ل أجد ما احب‪،‬‬
‫ول أدفع ما أكره‪ ،‬والمور بيد غيري‪ ،‬فإن شاء عذبني وإن شاء عفا عني‪،‬‬
‫فأي فقير أفقر مني ؟‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬المعروف ما لم يتقدمه مطل‪ ،‬ول‬
‫يتبعه من‪ ،‬والعطاء قبل السؤال من أكبر السؤدد‪ .‬وسئل عليه السلم عن‬
‫البخل‪ :‬فقال‪ :‬هو أن يرى الرجل ما أنفقه تلفا وما أمسكه شرفا‪ ،‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬من عدد نعمه محق كرمه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬الوحشة من الناس‬
‫على قدر الفطنة بهم‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬الوعد مرض في الجود‪ ،‬والنجاز‬
‫دواؤه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬النجاز دواء الكرم‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل تعاجل‬
‫الذنب بالعقوبة واجعل بينهما للعتذار طريقا‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬المزاح‬
‫يأكل الهيبة‪ ،‬وقد أكثر من الهيبة الصامت‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬المسؤول حر‬
‫حتى يعد ومسترق المسؤول حتى ينجز )‪ .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬المصائب‬
‫مفاتيح الجر‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬النعمة محنة فإن شكرت كانت نعمة‪ ،‬فإن‬
‫كفرت صارت نقمة‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود‪.‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬ل يعرف الرأي إل عند الغضب‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من‬
‫قل ذل‪ ،‬وخير الغنى القنوع‪ ،‬وشر الفقر الخضوع‪.‬‬

‫)‪ " (1‬يعد " مضارع من وعد‪ ،‬والمسترق هو السائل يعنى هو الذى يطلب الرق‪.‬‬

‫]‪[114‬‬

‫وقال عليه السلم‪ :‬كفاك من لسانك ما أوضح لك سبيل رشدك من غيك‪ - 8 .‬د‪:‬‬
‫روي أن أمير المؤمنين عليه السلم قال للحسن عليه السلم‪ :‬قم فاخطب‬
‫لسمع كلمك فقام وقال‪ :‬الحمد ل الذي من تكلم سمع كلمه‪ ،‬ومن سكت‬
‫علم ما في نفسه‪ ،‬ومن عاش فعليه رزقه‪ ،‬ومن مات فإليه معاده‪ ،‬وصلى‬
‫ال على محمد وآله الطاهرين وسلم‪ .‬أما بعد فإن القبور محلتنا‪ ،‬والقيامة‬
‫موعدنا‪ ،‬وال عارضنا‪ ،‬وإن عليا باب من دخله كان آمنا‪ ،‬ومن خرج منه‬
‫كان كافرا‪ ،‬فقام إليه عليه السلم فالتزمه وقال‪ :‬بأبي أنت وامي ذرية‬
‫بعضها من بعض وال سميع عليم‪ - 9 .‬د‪ :‬اعتل أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم بالبصرة فخرج الحسن عليه السلم يوم الجمعة فصلى الغداة‬
‫بالناس فحمد ال وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى ال عليه وآله‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫إن ال لم يبعث نبيا إل اختار له نفسا ورهطا وبيتا والذي بعث محمدا‬
‫بالحق ل ينقص أحد من حقنا إل نقصه ال من علمه‪ ،‬ول يكون علينا دولة‬
‫إل كانت لنا عاقبة‪ ،‬ولتعلمن نبأه بعد حين‪ - 10 .‬د‪ :‬قال مولينا الحسن عليه‬
‫السلم‪ :‬إن ال عزوجل أدب نبيه أحسن الدب فقال‪ " :‬خذ العفو وأمر‬
‫بالعرف وأعرض عن الجاهلين )‪ " (1‬فلما وعى الذي أمره قال تعالى‪" :‬‬
‫ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا )‪ " (2‬فقال لجبرئيل عليه‬
‫السلم‪ :‬وما العفو ؟ قال‪ :‬أن تصل من قطعك‪ ،‬وتعطي من حرمك‪ ،‬وتعفو‬
‫عمن ظلمك‪ ،‬فلما فعل ذلك أوحى ال إليه " إنك لعلى خلق عظيم )‪." (3‬‬
‫وقال‪ :‬السداد دفع المنكر بالمعروف‪ ،‬والشرف اصطناع العشيرة وحمل‬
‫الجريرة‪ ،‬والمروة العفاف وإصلح المرء ماله‪ ،‬والرقة النظر في اليسير‬
‫ومنع الحقير‪ ،‬واللؤم إحراز المرء نفسه وبذله عرسه‪ ،‬السماحة البذل في‬
‫العسر واليسر‪ ،‬الشح أن ترى ما في يديك شرفا‪ ،‬وما أنفقته تلفا‪ ،‬الخاه‬
‫الوفاء في الشدة‬

‫)‪ (1‬العراف‪ (2) .199 :‬الحشر‪ (3) .7 :‬القلم‪.4 :‬‬

‫]‪[115‬‬

‫الرخاء‪ ،‬الجبن الجرأة على الصديق والنكول عن العدو‪ ،‬والغنيمة في التقوى‬


‫والزهادة في الدنيا في الغنيمة البادرة‪ ،‬الحلم كظم الغيظ‪ ،‬وملك النفس‬
‫الغنى بما قسم ال لها وإن قل فإنما الغنى غني النفس‪ ،‬الفقر شدة النفس‬
‫في كل شئ‪ ،‬المنعة شدة البأس ومنازعة أشد الناس‪ ،‬الذل التضرع عند‬
‫المصدوقة الجرأة مواقفة القران‪ ،‬الكلفة كلمك فيما ل يعنيك‪ ،‬والمجد أن‬
‫تعطي في العدم وأن تعفو عن طول الناة‪ ،‬والقرار بالولية‪ ،‬والحتراس‬
‫من الناس بسوء الظن هو الحزم‪ ،‬السرور موافقة الخوان وحفظ الجيران‪،‬‬
‫السفه اتباع الدناة ومصاحبة الغواة‪ ،‬الغفلة تركك المسجد وطاعتك المفسد‪،‬‬
‫الحرمان ترك حظك وقد عرض عليك‪ ،‬السفيه الحمق في ماله‪ ،‬المتهاون‬
‫في عرضه‪ ،‬يشتم فل يجيب‪ ،‬المتحرم بأمر عشيرته هو السيد‪ - 11 .‬الدرة‬
‫الباهرة )‪ :(1‬قال الحسن بن علي عليهما السلم‪ :‬المعروف ما لم يتقدمه‬
‫مطل ولم يتعقبه من‪ ،‬والبخل أن يرى الرجل ما أنفقه تلفا وما أمسكه‬
‫شرفا‪ ،‬من عدد نعمه محق كرمه‪ ،‬النجاز دواء الكرم‪ ،‬ل تعاجل الذنب‬
‫بالعقوبة واجعل بينهما للعتذار طريقا‪ ،‬التفكر حياة قلب البصير‪ ،‬أوسع ما‬
‫يكون الكريم بالمغفرة إذا صاقت بالمذنب المعذرة‪ - 12 .‬اعلم الدين )‪:(2‬‬
‫قال الحسن بن علي عليهما السلم‪ :‬المصائب مفاتيح الجر‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬تجهل النعم ما أقامت فإذا ولت عرفت‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬عليكم‬
‫بالفكر فإنه حياة قلب البصير ومفاتيح أبواب الحكمة‪ .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫أوسع ما يكون الكريم بالمغفرة إذا ضاقت بالمذنب المعذرة‪ .‬وقيل له عليه‬
‫السلم‪ :‬فيك عظمة قال‪ :‬ل بل في عزة قال ال تعالى‪ " :‬ول العزة‬
‫ولرسوله وللمؤمنين )‪." (3‬‬

‫)‪ (1‬مخطوط‪ (2) .‬مخطوط‪ (3) .‬المنافقون‪.8 :‬‬

‫]‪[116‬‬

‫وقال عليه السلم‪ :‬صاحب الناس مثل ما تحب أن يصاحبوك به‪ .‬وكان يقول عليه‬
‫السلم‪ :‬ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن امك‪ ،‬فخذ‬
‫مما في يديك لما بين يديك‪ ،‬فإن المؤمن يتزود وإن الكافر يتمتع‪ ،‬وكان‬
‫ينادي مع هذه الموعظة " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى "‪* .20 .‬‬
‫)باب( * * " )مواعظ الحسين بن أمير المؤمنين صلوات ال عليهما( " *‬
‫‪ - 1‬لى )‪ :(1‬ابن المتوكل‪ ،‬عن السعد آبادي‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫محمد بن سنان‪ ،‬عن المفضل‪ ،‬عن الصادق‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده عليهم‬
‫السلم قال‪ :‬سئل الحسين بن علي عليهما السلم فقيل له‪ :‬كيف أصبحت يا‬
‫ابن رسول ال ؟ قال‪ :‬أصبحت ولي رب فوقي‪ ،‬والنار أمامي‪ ،‬والموت‬
‫يطلبني‪ ،‬والحساب محدق بي‪ ،‬وأنا مرتهن بعملي‪ ،‬ل أجد ما احب‪ ،‬ول أدفع‬
‫ما أكره‪ ،‬والمور بيد غيري‪ ،‬فإن شاء عذبني وإن شاء عفا عني‪ ،‬فاي‬
‫فقير أفقر مني ؟‪ - 2 .‬ف )‪ :(2‬عن الحسين عليه السلم في قصار هذه‬
‫المعاني‪ - 1 :‬قال عليه السلم‪ :‬في مسيره إلى كربل )‪ :(3‬إن هذه الدنيا قد‬
‫تغيرت وتنكرت‪ ،‬وأدبر معروفها‪ ،‬فلم يبق منها إل صبابة كصابة الناء‪،‬‬
‫وخسيس عيش كالمرعى الوبيل )‪ ،(4‬أل ترون أن الحق ل يعمل به‪ ،‬وأن‬
‫الباطل ل ينتهى‬

‫)‪ (1‬المجالس‪ :‬المجلس التاسع والثمانون ص ‪ (2) .362‬التحف ص ‪(3) .245‬‬


‫ذلك في موضع يقال‪ :‬ذى حسم ونقل هذا الكلم الطبري في تاريخه " عن‬
‫عقبة ابن أبى العيزار قال‪ :‬قام الحسين عليه السلم بذى حسم فحمد ال‬
‫واثنى عليه ثم قال‪ " :‬أما بعد انه قد نزل من المر ما قد ترون‪ ..‬الخ "‬
‫مع اختلف يسير‪ (4) .‬الصبابة ‪ -‬بالضم ‪ :-‬بقية الماء في الناء‪.‬‬
‫والمرعى‪ :‬الكلء‪ .‬والوبيل‪ :‬الوخيم‪.‬‬

‫]‪[117‬‬

‫عنه‪ ،‬ليرغب المؤمن في لقاء ال محقا‪ ،‬فإني ل أرى الموت إل الحياة‪ ،‬ول الحياة‬
‫مع الظالمين إل برما‪ .‬إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم )‪(1‬‬
‫يحوطونه مادرت معائشهم فإذا محصوا بالبلء )‪ (2‬قل الديانون ‪ - 2‬وقال‬
‫عليه السلم لرجل اغتاب عنده رجل‪ :‬يا هذا كف عن الغيبة فإنها إدام كلب‬
‫النار‪ - 3 .‬وقال عنده رجل‪ :‬إن المعروف إذا اسدي إلى غير أهله ضاع )‪(3‬‬
‫فقال الحسين عليه السلم‪ :‬ليس كذلك‪ ،‬ولكن تكون الصنيعة مثل وابل‬
‫المطر تصيب البر والفاجر‪ - 4 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ما أخذ ال طاقة أحد إل‬
‫وضع عنه طاعته‪ ،‬ول أخذ قدرته إل وضع عنه كلفته‪ - 5 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬إن قوما عبدوا ال رغبة فتلك عبادة التجار‪ ،‬وإن قوما عبدوا ال‬
‫رهبة فتلك عبادة العبيد‪ ،‬وإن قوما عبدوا ال شكرا فتلك عبداة الحرار‪،‬‬
‫وهي أفضل العبادة‪ - 6 .‬وقال له رجل‪ :‬ابتداء كيف أنت عافاك ال ؟ فقال‬
‫عليه السلم له‪ :‬السلم قبل الكلم عافاك ال‪ ،‬ثم قال عليه السلم‪ :‬ل تأذنوا‬
‫لحد حتى يسلم‪ - 7 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الستدراج من ال سبحانه لعبده‬
‫أن يسبغ عليه النعم ويسلبه الشكر‪ - 8 .‬وكتب إلى عبد ال بن العباس حين‬
‫سيره عبد ال بن الزبير )‪ (4‬إلى‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " لغو على ألسنتهم "‪ (2) .‬محص ال الرجل‪ :‬اختبره‪(3) .‬‬
‫اسدي إليه‪ :‬أحسن إليه‪ .‬والوابل‪ :‬المطر الشديد‪ (4) .‬انما وقع هذا‬
‫التسيير بعد قتل المختار الناهض الوحيد لطلب ثار المام السبط المفدى‬
‫فالكتاب هذا ل يمكن أن يكون للحسين السبط عليه السلم ولعله لولده‬
‫الطاهر على بن الحسين السجاد سلم ال عليهما فاشتبه على الراوى‬
‫على بن الحسين بالحسين بن على صلوات ال عليهم‪.‬‬

‫]‪[118‬‬

‫اليمن‪ :‬أما بعد بلغني أن ابن الزبير سيرك إلى الطائف فرفع ال لك بذلك ذكرا وحط‬
‫به عنك وزرا وإنما يبتلى الصالحون‪ .‬ولو لم توجر إل فيما تحت لقل الجر‬
‫)‪ ،(1‬عزم ال لنا ولك بالصبر عند البلوى‪ ،‬والشكر عند النعمى )‪ (2‬ول‬
‫أشمت بنا ول بك عدوا حاسدا أبدا‪ ،‬والسلم‪ - 9 .‬وأتاه رجل فسأله فقال‬
‫عليه السلم‪ :‬إن المسألة ل تصلح إل في غرم فادح‪ ،‬أو فقر مدقع‪ ،‬أو‬
‫حمالة مقطعة )‪ ،(3‬فقال الرجل‪ :‬ما جئت إل في إحديهن‪ ،‬فأمر له بمائة‬
‫دينار‪ - 10 .‬وقال لبنه علي بن الحسين عليهما السلم‪ :‬أي بني إياك وظلم‬
‫من ل يجد عليك ناصرا إل ال عزوجل‪ - 11 .‬وسأله رجل عن معنى قول‬
‫ال‪ " :‬وأما بنعمة ربك فحدث )‪ " (4‬قال عليه السلم‪ :‬أمره أن يحدث بما‬
‫أنعم ال به عليه في دينه‪ - 12 .‬وجاءه رجل من النصار يريد أن يسأله‬
‫حاجة فقال عليه السلم‪ :‬يا أخا النصار صن وجهك عن بذلة المسألة )‪(5‬‬
‫وارفع حاجتك في رقعة‪ ،‬فإني آت فيها ما سارك إن شاء ال‪ ،‬فكتب‪ :‬يا أبا‬
‫عبد ال إن لفلن علي خمسمائة دينار وقد ألح بي فكلمه ينظرني إلى‬
‫ميسرة‪ ،‬فلما قرأ الحسين عليه السلم الرقعة دخل إلى منزله فأخرج صرة‬
‫)‪ (6‬فيها ألف دينار‪ ،‬وقال عليه السلم له‪ :‬أما خمسمائة فاقض بها دينك‬
‫وأما خمسمائة فاستعن بها على دهرك‪ ،‬ول ترفع حاجتك إل إلى أحد ثلثة‪:‬‬
‫إلى‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " لقاء الجر "‪ (2) .‬والنعمى‪ :‬الدعة والراحة وخفض‬
‫العيش‪ (3) .‬الغرم‪ :‬أداء شئ لزم‪ ،‬وما يلزم أداؤه‪ ،‬والضرر والمشقة‪.‬‬
‫والفادح‪ :‬الصعب المثقل‪ .‬والمدقع‪ :‬الملصق بالتراب‪ .‬والحمالة‪ :‬الدية‬
‫والغرامة والكفالة‪ (4) .‬سورة الضحى‪ (5) .11 :‬البذلة‪ :‬ترك الصون‪) .‬‬
‫‪ (6‬الصرة ‪ -‬بالضم فالتشديد ‪ :-‬ما يصر فيه الدراهم والدينار‪.‬‬
‫]‪[119‬‬

‫ذي دين‪ ،‬أو مروة‪ ،‬أو حسب‪ ،‬فأما ذو الدين فيصون دينه‪ ،‬وأما ذوالمروة فإنه‬
‫يستحيي لمروته‪ ،‬وأما ذو الحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله له في‬
‫حاجتك‪ ،‬فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك‪ - 13 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬الخوان أربعة‪ :‬فأخ لك وله‪ ،‬وأخ لك‪ ،‬وأخ عليك وأخ ل لك ول له‪.‬‬
‫فسئل عن معنى ذلك ؟ فقال عليه السلم‪ :‬الخ الذي هو لك وله فهو الخ‬
‫الذي يطلب بإخائه بقاء الخاء ول يطلب بإخائه موت الخاء‪ ،‬فهذا لك وله‬
‫لنه إذا تم الخاء طابت حياتهما جميعا‪ ،‬وإذا دخل الخاء في حال التناقص‬
‫بطل جميعا‪ .‬والخ الذي هو لك فهو الخ الذي قد خرج بنفسه عن حال‬
‫الطمع إلى حال الرغبة‪ ،‬فلم يطمع في الدنيا إذا رغب في الخاء‪ ،‬فهذا موفر‬
‫)‪ (1‬عليك بكليته‪ .‬والخ الذي هو عليك فهو الخ الذي يتربص بك الدوائر‬
‫)‪ (2‬ويغشي السرائر‪ ،‬ويكذب عليك بين العشائر‪ ،‬وينظر في وجهك نظر‬
‫الحاسد‪ ،‬فعليه لعنة الواحد‪ .‬والخ الذي ل لك ول له فهو الذي قد مله ال‬
‫حمقا فأبعده سحقا )‪ (3‬فتراه يؤثر نفسه عليك ويطلب شحا ما لديك‪- 14 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬من دلئل علمات القبول‪ :‬الجلوس إلى أهل العقول‪.‬‬
‫ومن علمات أسباب الجهل المماراة لغير أهل الكفر )‪ (4‬ومن دلئل العالم‬
‫انتقاده لحديثه‪ ،‬وعلمه بحقائق فنون النظر‪ - 15 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن‬
‫المؤمن اتخذ ال عصمته‪ ،‬وقوله مرآته‪ .‬فمرة ينظر في نعت المؤمنين‪،‬‬
‫وتارة ينظر في وصف المتجبرين‪ ،‬فهو منه في لطائف‪ ،‬ومن نفسه في‬
‫تعارف‪ ،‬ومن فطنته في يقين‪ ،‬ومن قدسه على تمكين )‪.(5‬‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " موفور عليك "‪ (2) .‬الدوائر‪ .‬النوائب‪ ،‬يقال‪ :‬دارت الدوائر‬
‫أي نزلت الدواهي والنوائب‪ (3) .‬أي فابعده ال من رحمته بعدا‪(4) .‬‬
‫الممارة‪ :‬المجادلة والمنازعة‪ .‬وفى بعض النسخ " لغير أهل الفكر "‪) .‬‬
‫‪ (5‬أي ومن طهارة نفسه على قدرة وسلطنة‪.‬‬

‫]‪[120‬‬

‫‪ - 16‬وقال عليه السلم‪ :‬إياك وما تعتذر منه‪ ،‬فإن المؤمن ل يسيئ ول يعتذر‬
‫والمنافق كل يوم يسيئ ويعتذر‪ - 17 .‬وقال عليه السلم‪ :‬للسلم سبعون‬
‫حسنة‪ ،‬تسع وستون للمبتدئ وواحدة للراد‪ - 18 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫البخيل من بخل بالسلم‪ - 19 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من حاول امرا )‪(1‬‬
‫بمعصية ال كان أفوت لما يرجو‪ ،‬وأسرع لما يحذر )‪ - 3 .(2‬ف )‪(3‬‬
‫موعظة منه عليه السلم‪ :‬أوصيكم بتقوى ال واحذركم أيامه وأرفع لكم‬
‫أعلمه‪ ،‬فكان المخوف قد أفد بمهول وروده‪ ،‬ونكير حلوله‪ ،‬وبشع مذاقه‪،‬‬
‫فاعتلق مهجكم )‪ (4‬وحال بين العمل وبينكم‪ ،‬فبادروا بصحة الجسام في‬
‫مدة العمار كأنكم ببغتات طوارقه )‪ (5‬فتنقلكم من ظهر الرض إلى بطنها‪،‬‬
‫ومن علوها إلى سفلها‪ ،‬ومن انسها إلى وحشتها‪ ،‬ومن روحها وضوئها‬
‫إلى ظلمتها‪ ،‬ومن سعتها إلى ضيقها‪ ،‬حيث ل يزار حميم‪ ،‬ول يعاد سقيم‪،‬‬
‫ول يجاب صريخ‪ .‬أعاننا ال وإياكم على أهوال ذلك اليوم‪ ،‬ونجانا وإياكم‬
‫من عقابه‪ ،‬وأوجب لنا ولكم الجزيل من ثوابه‪ .‬عباد ال فلو كان ذلك قصر‬
‫مرماكم ومدى مظعنكم )‪ (6‬كان حسب العامل‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " من حاول أمرءا "‪ (2) .‬في بعض النسخ " أسرع لمجئ ما‬
‫يحذر "‪ (3) .‬التحف ص ‪ (4) .239‬أفد ‪ -‬كفرح ‪ :-‬عجل ودنا وأزف‪.‬‬
‫والمهول‪ :‬ذوالهول‪ .‬وبشع‪ :‬ضد حسن وطيب أي كريه الطعم والرائحة‪.‬‬
‫والمهج ‪ -‬كغرف ‪ :-‬جمع مهجة ‪ -‬كغرفة ‪ :-‬الدم‪ ،‬أو دم القلب والمراد به‬
‫الروح‪ (5) .‬بغتات‪ :‬جمع بغتة‪ .‬والطوارق‪ :‬جمع الطارقة‪ :‬الداهية‪(6) .‬‬
‫القصر‪ :‬الجهد والغاية‪ .‬والمرمى‪ :‬مصدر ميمى أو مكان الرمى وزمانه‪.‬‬
‫والمدى‪ :‬الغاية والمنتهى‪ .‬ويذهل‪ :‬ينسى ويسلو ‪ -‬من الذهول ‪ :-‬الذهاب‬
‫عن المر ‪- - - - -‬‬

‫]‪[121‬‬

‫شغل يستفرغ عليه أحزانه‪ ،‬ويذهله عن دنياه‪ ،‬ويكثر نصبه لطلب الخلص منه‪،‬‬
‫فكيف وهو بعد ذلك مرتهن باكتسابه‪ ،‬مستوقف على حسابه‪ ،‬ل وزير له‬
‫يمنعه‪ ،‬ول ظهير عنه يدفعه‪ ،‬ويومئذ ل ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من‬
‫قبل أو كسبت في إيمانها خيرا‪ ،‬قل انتظروا إنا منتظرون‪ .‬اوصيكم بتقوى‬
‫ال فإن ال قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلى ما يحب‪ ،‬ويرزقه‬
‫من حيث ل يحتسب‪ ،‬فإياك أن تكون ممن يخاف على العباد من ذنوبهم‪،‬‬
‫ويأمن العقوبة من ذنبه‪ ،‬فإن ال تبارك وتعالى ل يخدع عن جنته ول ينال‬
‫ما عنده إل بطاعته إن شاء ال‪ - 4 .‬كشف )‪ :(1‬خطب الحسين عليه‬
‫السلم فقال‪ :‬أيها الناس نافسوا في المكارم‪ ،‬وسارعوا في المغانم‪ ،‬ول‬
‫تحتسبوا بمعروف لم تعجلوا‪ ،‬واكسبوا الحمد بالنجح‪ ،‬ول تكتسبوا بالمطل‬
‫ذما‪ ،‬فمهما يكن لحد عند أحد صنيعة له رأى أنه ل يقوم بشكرها فال له‬
‫بمكافأته‪ ،‬فإنه أجزل عطاء وأعظم أجرا‪ ،‬واعلموا أن حوائج الناس إليكم‬
‫من نعم ال عليكم فل تملوا النعم فتحور نقما )‪ ،(2‬واعلموا أن المعروف‬
‫مكسب حمدا‪ ،‬ومعقب أجرا‪ ،‬فلو رأيتم المعروف رجل رأيتموه حسنا جميل‬
‫تسر الناظرين‪ ،‬ولو رأيتم اللؤم رأيتموه سمجا )‪ (3‬مشوها تنفر منه‬
‫القلوب وتغض دونه البصار‪ .‬أيها الناس من جاد ساد‪ ،‬ومن بخل رذل‪،‬‬
‫وإن أجود الناس من أعطى من ل يرجوه‪ ،‬وإن أعفى الناس من عفا عن‬
‫قدرة‪ ،‬وإن أوصل الناس من وصل من‬

‫‪ - - - -‬بدهشة‪ .‬أي لو كانت الدنيا آخر أمركم وليس وراءها شئ لجدير بأن النسان‬
‫يجد ويتعب ويسعى لطلب الخلص من الموت وتبعاته ويشغل عن غيره‪.‬‬
‫)‪ (1‬كشف النعمة ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .241‬حار يحور حورا‪ :‬رجع‪(3) .‬‬
‫السمج‪ :‬القبيح‪.‬‬

‫]‪[122‬‬

‫قطعه‪ ،‬والصول على مغارسها بفروعها تسموا‪ ،‬فمن تعجل لخيه خيرا وجده إذا‬
‫قدم عليه غدا‪ ،‬ومن أراد ال تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في‬
‫وقت حاجته‪ ،‬وصرف عنه من بلء الدنيا ما هو أكثر منه‪ ،‬ومن نفس كربة‬
‫مؤمن فرج ال عنه كرب الدنيا والخرة‪ ،‬ومن أحسن أحسن ال إليه‪ ،‬وال‬
‫يحب المحسنين‪ - 5 .‬وخطب عليه السلم )‪ (1‬فقال‪ :‬إن الحلم زينة‪،‬‬
‫والوفاء مروة‪ ،‬والصلة نعمة‪ ،‬والستكبار صلف )‪ (2‬والعجلة سفه‪،‬‬
‫والسفه ضعف‪ ،‬والغلو ورطة‪ ،‬ومجالسة أهل الدناءة شر‪ ،‬ومجالسة أهل‬
‫الفسق ريبة‪ - 6 .‬كشف )‪ :(3‬وأما شعر الحسين عليه السلم فقد ذكر‬
‫الرواة له شعرا ووقع إلي شعره عليه السلم بخط الشيخ عبد ال بن أحمد‬
‫بن الخشاب النحوي )ره( وفيه قال أبو مخنف لوط بن يحيى‪ :‬أكثر ما‬
‫يرويه الناس من شعر سيدنا أبي عبد ال الحسين عليهما السلم إنما هو‬
‫ما تمثل به وقد أخذت شعره من مواضعه واستخرجته من مظانه وأماكنه‪،‬‬
‫ورويته عن ثقات الرجال منهم عبد الرحمن بن نجبة الخزاعي وكان عارفا‬
‫بأمر أهل البيت عليهم السلم ومنهم‪ :‬المسيب بن رافع المخزومي وغيره‬
‫رجال كثير ولقد أنشدني يوما رجل من ساكني سلع )‪ (4‬هذه البيات فقلت‬
‫له اكتبنيها فقال لي‪ :‬ما أحسن رداءك هذا‪ ،‬وكنت قد اشتريته يومي ذاك‬
‫بعشرة دنانير فطرحته عليه فاكتبنيها وهي‪ :‬قال أبو عبد ال الحسين بن‬
‫علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى عليه‬
‫السلم‪ :‬ذهب الذين احبهم * وبقيت فيمن ل احبه في من أراه يسبني *‬
‫ظهر المغيب ول اسبه‬

‫)‪ (1‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .242‬الصلف مجاوزة القدر في الظرف والبراعة‬


‫والدعاء فوق ذلك تكبرا‪ (3) .‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪ (4) .245‬بفتح السين‬
‫موضع بقرب المدينة‪.‬‬
‫]‪[123‬‬

‫يبغى فسادي ما استطاع * وأمره مما أربه حنقا يدب إلى الضراء * وذاك مما ل‬
‫أدبه ويرى ذباب الشر من * حولي يطن ول يذبه وإذا خبا وغر الصدور *‬
‫فل يزال به يشبه )‪ (1‬أفل يعيج بعقله * أفل يتوب إليه لبه )‪ (2‬أفل يرى‬
‫أن فعله * مما يسور إليه غبه حسبي بربي كافيا * ما أختشى والبغي‬
‫حسبه ولقل من يبغى عليه * فما كفاه ال ربه )‪ (3‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا‬
‫ما عضك الدهر فل تجنح إلى خلق * ول تسأل سوى ال تعالى قاسم‬
‫الرزق فلو عشت وطوفت من الغرب إلى الشرق * لما صادفت من يقدر أن‬
‫يسعد أو يشقى وقال عليه السلم‪ :‬ال يعلم أن ما يبدي يزيد لغيره * وبأنه‬
‫لم يكتسبه بغيره وبميره )‪ (4‬لو أنصف النفس الخؤن لقصرت من سيره *‬
‫ولكان ذلك منه أدنى شره من خيره كذا بخط ابن الخشاب " شره "‬
‫بالضافة‪ ،‬وأظنه وهما منه لنه ل معنى له على الضافة‪ ،‬والمعنى أنه لو‬
‫أنصف نفسه أدنى النصاف شره على المفعولية‪ .‬من خيره أي صار ذا‬
‫خير‪ .‬قال عليه السلم‪ :‬إذا استنصر المرء امرءا ل يدي له * فناصره‬
‫والخاذلون سواء‬

‫)‪ (1‬خبا أي سكن‪ .‬ووغر الصدور‪ :‬حرها‪ .‬ويشبه أي يشعله ويوقده‪ (2) .‬يعيج أي‬
‫يقيم ويرجع‪ .‬ويثوب أي يرجع‪ ،‬واللب‪ :‬العقل‪ (3) .‬في بعض النسخ " ال‬
‫كفاه ال ربه "‪ (4) .‬غار الرجل‪ .‬وغار لهم‪ .‬ومار لهم‪ ،‬ومار بهم وهى‬
‫الغيرة والميرة‪.‬‬

‫]‪[124‬‬

‫أنا ابن الذي قد تعلمون مكانه * وليس على الحق المبين طخاء )‪ (1‬أليس رسول‬
‫ال جدي ووالدي * أنا البدران خل النجوم خفاء ألم ينزل القرآن خلف‬
‫بيوتنا * صباحا ومن بعد الصباح مساء ينازعني وال بيني وبينه * يزيد‬
‫وليس المر حيث يشاء فيا نصحاء ال أنتم ولته * وأنتم على أديانه امناء‬
‫بأي كتاب أم بأية سنة * تناولها عن أهلها البعداء وهي طويلة‪ ،‬وقال عليه‬
‫السلم‪ (2) :‬أنا الحسين بن علي بن أبي * طالب البدر بأرض العرب ألم‬
‫تروا وتعلموا أن أبي * قاتل عمرو ومبير مرحب ولم يزل قبل كشوف‬
‫الكرب * مجليا ذلك عن وجه النبي أليس من أعجب عجب العجب * أن‬
‫يطلب البعد ميراث النبي " وال قد أوصى بحفظ القرب " وقال عليه‬
‫السلم‪ (3) :‬ما يحفظ ال يصن * ما يضع ال يهن من يسعد ال يلن * له‬
‫الزمان إن خشن أخي اعتبر ل تغترر * كيف ترى صرف الزمن يجزى بما‬
‫اوتي من * فعل قبيح أو حسن أفلح عبد كشف * الغطاء عنه ففطن وقر‬
‫عينا من رأى * إن البلء في اللسن فماز من ألفاظه * في كل وقت ووزن‬
‫)‪ (1‬الطخاء‪ :‬السحاب المرتفع‪ ،‬وما في السماء طخية ‪ -‬بالضم ‪ -‬أي شئ من‬
‫السحاب‪ .‬والطخياء‪ :‬الليلة المظلمة وظلم طاخ‪ (2) .‬الكشف‪ :‬ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ (3) .248‬المصدر‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.248‬‬

‫]‪[125‬‬

‫وخاف من لسانه * عزبا حديدا فخزن ومن يكن معتصما * بال ذي العرش فلن‬
‫يضره شئ ومن * يعدى على ال ومن من يأمن ال يخف * وخائف ال‬
‫أمن وما لما يثمره الخوف من ال ثمن يا عالم السر كما * يعلم حقا ما‬
‫علن صلى على جدي أبي القاسم ذي النور المنن أكرم من حي ومن * لفف‬
‫ميتا في كفن وامنن علينا بالرضى * فأنت أهل للمنن وأعفنا في ديننا من‬
‫* كل خسر وغبن ما خاب من خاب كمن * يوما إلى الدنيا ركن طوبى لعبد‬
‫كشفت * عنه غبابات الوسن والموعد ال وما * يقض به ال يكن وهي‬
‫طويلة‪ ،‬وقال عليه السلم )‪ :(1‬أبي علي وجدي خاتم الرسل *‬
‫والمرتضون لدين ال من قبلي وال يعلم والقرآن ينطقه * إن الذي بيدي‬
‫من ليس يملك لي ما يرتجى بامرء ل قائل عذل * ول يزيغ إلى قول ول‬
‫عمل ول يرى خائفا في سره وجل * ول يحاذر من هفو ول زلل يا ويح‬
‫نفسي ممن ليس يرحمها * أما له في كتاب ال من مثل أماله في حديث‬
‫الناس معتبر * من العمالقة العادية الول يا أيها الرجل المغبون شيمته *‬
‫إني ورثت رسول ال عن رسل أأنت أولى به من آله فبما * ترى اعتللت‬
‫وما في الدين من علل وفيها أبيات اخر‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكشف‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.249‬‬

‫]‪[126‬‬

‫وقال عليه السلم‪ :‬يا نكبات الدهر دولي دولي * وأقصري إن شئت أو أطيلي )‪(1‬‬
‫منها‪ :‬رميتني رمية ل مقيل * بكل خطب فادح جليل وكل عبء أيد ثقيل *‬
‫أول ما رزئت بالرسول وبعد بالطاهرة البتول * والوالد البر بنا الوصول‬
‫وبالشقيق الحسن الجليل * والبيت ذي التأويل والتنزيل وزورنا المعروف‬
‫من جبريل * فما له في الزرء من عديل ما لك عني اليوم من عدول *‬
‫وحسبي الرحمن من منيل قال‪ :‬تم شعر مولينا الشهيد أبي عبد ال الحسين‬
‫بن علي بن أبي طالب عليهما السلم وهو عزيز الوجود‪ - 7 .‬جع )‪:(2‬‬
‫روي أن الحسين بن علي عليهما السلم جاءه رجل وقال‪ :‬أنا رجل عاص‬
‫ول أصبر عن المعصية فعظني بموعظة فقال عليه السلم‪ :‬افعل خمسة‬
‫أشياء واذنب ما شئت‪ ،‬فأول ذلك‪ :‬ل تأكل زرق ال واذنب ما شئت‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬اخرج من ولية ال واذنب ما شئت‪ ،‬والثالث‪ :‬اطلب موضعا ل‬
‫يراك ال واذنب ما شئت‪ ،‬والرابع‪ :‬إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك‬
‫فادفعه عن نفسك واذنب ما شئت‪ ،‬والخامس‪ :‬إذا أدخلك مالك في النار فل‬
‫تدخل في النار واذنب ما شئت‪ - 8 .‬ختص )‪ :(3‬قال الصادق عليه السلم‪:‬‬
‫حدثني أبي‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم أن رجل من أهل الكوفة كتب إلى‬
‫الحسين بن علي عليهما السلم‪ :‬يا سيدي أخبرني بخير الدنيا والخرة‬
‫فكتب عليه السلم‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم أما بعد فإن من طلب رضى ال‬
‫بسخط الناس كفاه ال امور الناس‪ ،‬ومن طلب رضى الناس بسخط ال‬
‫وكله ال إلى الناس والسلم‪ - 9 .‬الدرة الباهرة )‪ :(4‬قال الحسين بن علي‬
‫عليهما السلم‪ :‬إن حوائج الناس إليكم‬

‫)‪ (1‬دال اليام‪ :‬دارت‪ .‬ودال الزمان‪ :‬انقلب من حال إلى حال‪ (2) .‬جامع الخبار‬
‫الفصل ‪ 89‬وفيه عن علي بن الحسين‪ (3) .‬الختصاص ص ‪(4) .225‬‬
‫مخطوط‪.‬‬

‫]‪[127‬‬

‫من نعم ال عليكم فل تملوا النعم‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬اللهم ل تستدرجني بالحسان‪،‬‬
‫ول تؤدبني بالبلء‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من قبل عطاءك فقد أعانك على‬
‫الكرم‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬مالك إن لم يكن لك كنت له‪ ،‬فل تبق عليه فإنه ل‬
‫يبقى عليك وكله قبل أن يأكلك‪ - 10 .‬كنز الكراجكى )‪ :(1‬قال الحسين بن‬
‫علي عليهما السلم يوما لبن عباس‪ :‬ل تتكلمن فيما ل يعنيك فإني أخاف‬
‫عليك الوزر‪ ،‬ول تتكلمن فيما يعنيك حتى ترى للكلم موضعا‪ ،‬فرب متكلم‬
‫قد تكلم بالحق فعيب‪ ،‬ول تمارين حليما ول سفيها‪ ،‬فان الحليم يقليك‪،‬‬
‫والسفيه يؤذيك‪ ،‬ول تقولن في أخيك المؤمن إذا توارى عنك إل ما تحب أن‬
‫يقول فيك إذا تواريت عنه‪ ،‬واعمل عمل رجل يعلم أنه مأخوذ بالجرام‪،‬‬
‫مجزي بالحسان‪ ،‬والسلم‪ .‬وبلغه عليه السلم كلم نافع بن جبير )‪ (2‬في‬
‫معاوية وقوله‪ " :‬إنه كان يسكته الحلم وينطقه العلم "‪ ،‬فقال‪ :‬بل كان‬
‫ينطقه البطر ويسكته الحصر‪ - 11 .‬أعلم الدين )‪ (3‬قال الحسين بن علي‬
‫عليهما السلم‪ :‬اعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم ال عليكم فل تملوا‬
‫النعم فتتحول إلى غيركم‪ ،‬واعلموا أن المعروف مكسب حمدا ومعقب أجرا‪،‬‬
‫فلو رأيتم المعروف رجل لرأيتموه حسنا جميل يسر الناظرين‪ ،‬ويفوق‬
‫العالمين‪ ،‬ولو رأيتم اللؤم رأيتموه سمجا قبيحا مشوها تنفر منه القلوب‬
‫وتغض دونه البصار‪ ،‬ومن نفس كربة مؤمن فرج ال تعالى عنه كرب‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬من أحسن أحسن ال إليه‪ ،‬وال يحب المحسنين‪ .‬وتذاكروا‬
‫العقل عند معاوية فقال الحسين عليه السلم‪ :‬ل يكمل العقل إل باتباع‬
‫الحق‪ ،‬فقال معاوية‪ :‬ما في صدوركم إل شئ واحد‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل‬
‫تصفن لملك دواء فإن نفعه لم يحمدك وإن ضره اتهمك‪.‬‬

‫)‪ (1‬المصدر‪ :‬ص ‪ (2) .194‬ابن مطعم يكنى أبا محمد أو أبا عبد ال مات سنة ‪.99‬‬
‫)‪ (3‬مخطوط‪.‬‬

‫]‪[128‬‬

‫وقال عليه السلم‪ :‬رب ذنب أحسن من العتذار منه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬مالك إن لم‬
‫يكن لك كنت له منفقا‪ ،‬فل تنفقه بعدك فيكن ذخيرة لغيرك وتكون أنت‬
‫المطالب به المأخوذ بحسابه‪ ،‬اعلم‪ .‬أنك ل تبقى له‪ ،‬ول يبقى عليك‪ ،‬فكله‬
‫قبل أن يأكلك‪ .‬وكان عليه السلم يرتجز يوم قتل ويقول‪ :‬الموت خير من‬
‫ركوب العار * والعار خير من دخول النار وال من هذا وهذا جار وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬دراسة العلم لقاح المعرفة‪ ،‬وطول التجارب زيادة في العقل‪،‬‬
‫والشرف التقوى‪ ،‬والقنوع راحة البدان‪ ،‬ومن أحبك نهاك‪ ،‬ومن أبغضك‬
‫أغراك‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من أحجم عن الرأي وعييت به الحيل كان‬
‫الرفق مفتاحه )‪) * .21 .(1‬باب( * * " )وصايا على بن الحسين عليهما‬
‫السلم ومواعظه وحكمه( " * ‪ - 1‬ف )‪ :(2‬من كلمه عليه السلم في‬
‫الزاهدين‪ :‬إن علمة الزاهدين في الدنيا الراغبين في الخرة تركهم كل‬
‫خليط وخليل‪ ،‬ورفضهم كل صاحب ل يريد ما يريدون‪ .‬أل وإن العامل لثواب‬
‫الخرة هو الزاهد في عاجل زهرة الدنيا‪ ،‬الخذ للموت أهبته )‪ (3‬الحاث‬
‫على العمل قبل فناء الجل‪ ،‬ونزول ما لبد من لقائه‪ ،‬وتقديم الحذر قبل‬
‫الحين )‪ (4‬فإن ال عزوجل يقول‪ " :‬حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب‬
‫ارجعون لعلي أعمل صالحا‬

‫)‪ (1‬أحجم عن الشئ‪ :‬كف أو نكص هيبة‪ (2) .‬التحف ص ‪ (3) .272‬الهبة‪ :‬العدة‬
‫والسباب‪ (4) .‬الحين ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬الهلك‪.‬‬

‫]‪[129‬‬

‫فيما تركت )‪ " (1‬فلينزلن أحدكم اليوم نفسه في هذه الدنيا كمنزلة المكرور إلى‬
‫الدنيا‪ ،‬النادم على ما فرط فيها من العمل الصالح ليوم فاقته‪ .‬واعلموا عباد‬
‫ال ! أنه من خاف البيات تجافى عن الوساد‪ ،‬وامتنع من الرقاد )‪(2‬‬
‫وأمسك عن بعض الطعام والشراب من خوف سلطان أهل الدنيا‪ ،‬فكيف ‪-‬‬
‫ويحك ‪ -‬يا ابن آدم من خوف بيات سلطان رب العزة ؟ وأخذه الليم وبياته‬
‫لهل المعاصي والذنوب مع طوارق المنايا )‪ (3‬بالليل والنهار‪ ،‬فذلك البيات‬
‫الذي ليس منه منجى‪ ،‬ول دونه ملتجأ‪ ،‬ول منه مهرب‪ .‬فخافوا ال أيها‬
‫المؤمنون من البيات خوف أهل التقوى‪ ،‬فإن ال يقول‪ " :‬ذلك لمن خاف‬
‫مقامي وخاف وعيد )‪ ." (4‬فاحذروا زهرة الحياة الدنيا وغرورها‬
‫وشرورها‪ ،‬وتذكروا ضرر عاقبة الميل إليها‪ ،‬فإن زينتها فتنة وحبها‬
‫خطيئة‪ .‬واعلم ‪ -‬ويحك ‪ -‬يا ابن آدم أن قسوة البطنة‪ ،‬وفترة الميلة‪ ،‬وسكر‬
‫الشبع‪ ،‬وغرة الملك )‪ (5‬مما يثبط ويبطئ عن العمل وينسي الذكر‪ ،‬ويلهي‬
‫عن اقتراب الجل‪ ،‬حتى كأن المبتلى بحب الدنيا به خبل من سكر الشراب )‬
‫‪ (6‬وأن العاقل عن ال‪ ،‬الخائف منه‪ ،‬العامل له ليمرن نفسه ويعودها‬
‫الجوع‪ ،‬حتى ما تشتاق إلى الشبع‪ ،‬وكذلك تضمر الخيل لسبق الرهان )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬المؤمنون‪ (2) .100 :‬البيات‪ :‬الهجوم على العداء ليل‪ .‬وتجافي‪ :‬تنحى‪،‬‬
‫والوسادة ‪ -‬بالتثليث‪ :‬المخدة والمتكاء‪ .‬والرقاد‪ :‬النوم‪ (3) .‬المنايا‪ :‬جمع‬
‫المنية أي الموت‪ .‬وطوارق المنية‪ :‬دواهي الموت‪ (4) .‬سورة ابراهيم‪:‬‬
‫‪ (5) .18‬البطنة ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬المتلء الشديد من الكل‪ .‬وفى بعض النسخ‬
‫" نشوة البطنة وفطرة الميلة " والميلة‪ :‬الرغبة‪ .‬وفى بعض النسخ "‬
‫عزة الملك " والعزة‪ :‬الحمية والغلبة‪ (6) .‬الخبل ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬اصابة‬
‫الجنون وفساد في العقل‪ (7) .‬تضمير الفرس أن تعلفه حتى يسمن ثم‬
‫ترده عن القوت وذلك في أربعين يوما‪.‬‬

‫]‪[130‬‬

‫فاتقوا ال عباد ال تقوى مؤمل ثوابه‪ ،‬وخاف عقابه )‪ ،(1‬فقد ل أنتم أعذرو أنذر‬
‫وشوق وخوف‪ ،‬فل أنتم إلى ما شوقكم إليه من كريم ثوابه تشتاقون‬
‫فتعملون‪ ،‬ول أنتم مما خوفكم به من شديد عقابه وأليم عذابه ترهبون‬
‫فتنكلون )‪ (2‬وقد نبأكم ال في كتابه أنه‪ " :‬من يعمل من الصالحات وهو‬
‫مؤمن فل كفران لسعيه وإنا له كاتبون )‪ ." (3‬ثم ضرب لكم المثال في‬
‫كتابه وصرف اليات لتحذروا عاجل زهرة الحياة الدنيا فقال‪ " :‬إنما‬
‫أموالكم وأولدكم فتنة وال عنده أجر عظيم )‪ " (4‬فاتقوا ال ما استطعتم‬
‫واسمعوا وأطيعوا‪ ،‬فاتقوا ال واتعظوا بمواعظ ال‪ .‬وما أعلم إل كثيرا منكم‬
‫قد نهكته )‪ (5‬عواقب المعاصي فما حذرها‪ ،‬وأضرت بدينه فما مقتها‪ .‬أما‬
‫تسمعون النداء من ال بعيبها وتصغيرها حيث قال‪ " :‬اعلموا أنما الحيوة‬
‫الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الموال والولد كمثل‬
‫غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الخرة‬
‫عذاب شديد‪ .‬ومغفرة من ال ورضوان وما الحيوة الدنيا إل متاع الغرور *‬
‫سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والرض اعدت‬
‫للذين آمنوا بال ورسله ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال ذو الفضل‬
‫العظيم )‪ ." (6‬وقال‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال ولتنظر نفس ما قدمت‬
‫لغد واتقوا ال إن ال خبير بما تعملون * ول تكونوا كالذين نسوا ال‬
‫فأنسيهم أنفسهم اولئك هم الفاسقون )‪." (7‬‬

‫)‪ (1‬الخاف‪ :‬الشديد الخوف‪ (2) .‬تنكلون‪ :‬تنكصون وتخافون‪ (3) .‬سورة النبياء‪:‬‬
‫‪ (4) .94‬سورة التغابن‪ (5) .15 :‬نهكه‪ :‬بالغ في عقوبته‪ .‬ونهك العمى‬
‫فلنا‪ :‬هزلته وأضنته‪ .‬وفى بعض النسخ " لقد هلكته "‪ (6) .‬سورة‬
‫الحديد‪ (7) .21 - 20 :‬سورة الحشر‪.19 - 18 :‬‬

‫]‪[131‬‬

‫فاتقوا ال عباد ال وتفكروا واعملوا لما خلقتم له‪ ،‬فإن ال لم يخلقكم عبثا ولم‬
‫يترككم سدى‪ ،‬قد عرفكم نفسه‪ ،‬وبعث إليكم رسوله‪ ،‬وأنزل عليكم كتابه‪،‬‬
‫فيه حلله وحرامه‪ ،‬وحججه وأمثاله‪ ،‬فاتقوا ال فقد احتج عليكم ربكم‬
‫فقال‪ :‬ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين * وهديناه النجدين )‪ :(1‬فهذه‬
‫حجة عليكم فاتقوا ال ما استطعتم فإنه ل قوة إل بال ول تكلن إل عليه‬
‫وصلى ال على محمد ]نبيه[ وآله‪ - 2 .‬ف )‪ :(2‬كتابه عليه السلم إلى‬
‫محمد بن مسلم الزهري يعظه )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬سورة البلد‪ (2) .10 - 8 :‬التحف ص‪ (3) 274 .‬محمد بن مسلم بن عبيدال‬
‫بن عبد ال بن شهاب الزهري على ما يظهر من كتب التراجم من‬
‫المنحرفين عن أمير المؤمنين وأبنائه عليهم السلم كان أبوه مسلم مع‬
‫مصعب بن الزبير وجده عبيدال مع المشركين يوم بدر‪ ،‬وكان هو أكثر‬
‫عمره عامل لبنى مروان ويتقلب في دنياهم‪ ،‬جعله هشام بن عبد الملك‬
‫معلم أولده وأمره أن يملى على أولده أحاديث فأملى عليهم أربعمائة‬
‫حديث‪ .‬وأنت خبير بأن الذى خدم بنى امية منذ خمسين سنة ما مبلغ‬
‫علمه وماذا حديثه ومعلوم أن كل ما أملى من هذه الحاديث هو ما يروق‬
‫هؤلء ول يكون فيه شئ من فضل على عليه السلم وولده‪ .‬ومن هنا‬
‫أطراه علماؤهم ورفعوه فوق منزلته بحيث تعجب ابن حجر من كثرة ما‬
‫نشره من العلم‪ .‬روى ابن أبى الحديد في شرح النهج على ما حكاه‬
‫صاحب تنقيح ‪ -‬المقال )ره( ‪ -‬عن جرير بن عبد الحميد عن محمد بن‬
‫شيبة قال‪ :‬شهدت الزهري وعروة بن الزبير في مسجد النبي صلى ال‬
‫عليه وآله جالسان يذكران عليا عليه السلم ونال منه فبلغ ذلك على بن‬
‫الحسين عليهما السلم فجاء حتى وقف عليهما فقال‪ :‬أما أنت يا عروة‬
‫فان أبي حاكم أباك إلى ال فحكم لبي على أبيك‪ ،‬وأما أنت يا زهرى فلو‬
‫كنت بمكة لريتك كرامتك‪ .‬وفى رجال الشيخ الطوسى والعلمة وابن داود‬
‫والتفرشى أنه عدو‪ ،‬وفى المحكى عن السيد بن طاووس في التحرير‬
‫الطاووسي أن سفيان بن سعيد والزهرى عدوان متهمان‪ .‬وبالتأمل في‬
‫رسالة المام عليه السلم يعلم صدق ما قلناه‪.‬‬

‫]‪[132‬‬

‫كفانا ال وإياك من الفتن ورحمك من النار‪ ،‬فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها‬
‫أن يرحمك‪ ،‬فقد أثقلتك نعم ال بما أصح من بدنك‪ ،‬وأطال من عمرك‪،‬‬
‫وقامت عليك حجج ال بما حملك من كتابه‪ ،‬وفقهك فيه من دينه‪ ،‬وعرفك‬
‫من سنة نبيه محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬فرض لك في كل نعمة أنعم بما‬
‫عليك وفي كل حجة احتج بها عليك الفرض فما قضى إل ابتلى شكرك في‬
‫ذلك‪ ،‬وأبدى فيه فضله عليك )‪ (1‬فقال‪ " :‬لئن شكرتم لزيدنكم ولئن كفرتم‬
‫إن عذابي لشديد )‪ ." (2‬فانظر أي رجل تكون غدا إذا وقفت بين يدي ال‬
‫فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها‪ ،‬وعن حججه عليك كيف قضيتها‪ ،‬ول‬
‫تحسبن ال قابل منك بالتعذير ول راضيا منك بالتقصير‪ ،‬هيهات هيهات‬
‫ليس كذلك‪ ،‬أخذ على العلماء في كتابه إذ قال‪ " :‬لتبيننه للناس ول تكتمونه‬
‫)‪ " (3‬واعلم أن أدنى ما كتمت وأخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم‪،‬‬
‫وسهلت له طريق الغي بدنوك منه حين دنوت‪ ،‬وإجابتك له حين دعيت‪ ،‬فما‬
‫أخوفني أن تكون تبوء بإثمك غدا مع الخونة‪ ،‬وأن تسأل عما أخذت‬
‫بإعانتك على ظلم الظلمة‪ ،‬إنك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك‪ ،‬ودنوت ممن‬
‫لم يرد على أحد حقا‪ ،‬ولم ترد باطل حين أدناك‪ ،‬وأحببت من حاد ال )‪(4‬‬
‫أو ليس بدعائه إياك حين دعاك جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم‪،‬‬
‫وجسرا يعبرون عليك إلى بلياهم وسلما إلى ضللتهم‪ ،‬داعيا إلى غيهم‪،‬‬
‫سالكا سبيلهم‪ ،‬يدخلون بك الشك على العلماء‪ ،‬ويقتادون بك قلوب الجهال‬
‫إليهم‪ ،‬فلم يبلغ أخص وزرائهم‪ ،‬ول أقوى أعوانهم إل دون ما بلغت من‬
‫إصلح فسادهم‪،‬‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " فرضى لك في كل نعمة أنعم بها عليك وفى كل حجة أحتج‬
‫بها عليك الفرض بما قضى ال ابتلى شكرك‪ .‬الخ "‪ (2) .‬سورة ابراهيم‪:‬‬
‫‪ (3) .7‬سورة آل عمران‪ (4) .187 :‬في بعض النسخ " وأجبت من حاد‬
‫ال "‪.‬‬

‫]‪[133‬‬
‫واختلف الخاصة والعامة إليهم‪ .‬فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك‪ ،‬وما‬
‫أيسر ما عمروا لك‪ ،‬فيكف ما خربوا عليك‪ .‬فانظر لنفسك فإنه ل ينظر لها‬
‫غيرك وحاسبها حساب رجل مسؤول‪ .‬وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه‬
‫صغيرا وكبيرا‪ ،‬فما أخوفني أن تكون كما قال ال في كتابه‪ " :‬فخلف من‬
‫بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الدنى ويقولون سيغفر لنا )‬
‫‪ " (1‬إنك لست في دار مقام‪ .‬أنت في دار قد آذنت برحيل‪ ،‬فما بقاء المرء‬
‫بعد قرنائه‪ .‬طوبى لمن كان في الدنيا على وجل‪ ،‬يا بؤس لمن يموت وتبقى‬
‫ذنوبه من بعده‪ .‬احذر فقد نبئت‪ ،‬وبادر فقد اجلت‪ ،‬إنك تعامل من ل يجهل‪،‬‬
‫وإن الذي يحفظ عليك ل يغفل‪ ،‬تجهز فقد دنا منك سفر بعيد‪ ،‬وداو ذنبك فقد‬
‫دخله سقم شديد‪ .‬ول تحسب أني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك )‪ (2‬لكني‬
‫أردت أن ينعش ال ما ]قد[ فات من رأيك‪ ،‬ويرد إليك ما عزب من دينك )‬
‫‪ (3‬وذكرت قول ال تعالى في كتابه‪ " :‬وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين )‬
‫‪ ." (4‬أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك وبقيت بعدهم كقرن‬
‫أعضب )‪ .(5‬أنظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت‪ ،‬أم هل وقعوا في مثل ما وقعت‬
‫فيه‪ ،‬أم هل تراهم‬

‫)‪ (1‬سورة العراف‪ (2) .168 :‬عنفه‪ :‬لمه وعتب عليه ولم يرفق به‪ .‬وينعش ال‬
‫ما فات أي يجبر ويتدارك‪ (3) .‬عزب ‪ -‬بالعين المهملة والزاى المعجمة‬
‫‪ :-‬بعد‪ (4) .‬سورة الذاريات‪ (5) .55 :‬العضب‪ :‬المكسور القرن‪ .‬ولعل‬
‫المراد‪ :‬بقيت كاحد قرنى العضب‪ .‬والعضباء‪ :‬الشاة المكسورة القرن‪.‬‬

‫]‪[134‬‬

‫ذكرت خيرا علموه )‪ (1‬وعلمت شيئا جهلوه‪ ،‬بل حظيت )‪ (2‬بما حل من حالك في‬
‫صدور العامة وكلفهم بك‪ ،‬إذ صاروا يقتدون برأيك‪ ،‬ويعملون بأمرك‪ .‬إن‬
‫أحللت أحلوا وإن حرمت حرموا‪ ،‬وليس ذلك عندك‪ ،‬ولكن أظهرهم عليك‬
‫رغبتهم فيما لديك ذهاب علمائهم وغلبة الجهل عليك وعليهم‪ ،‬وحب‬
‫الرئاسة وطلب الدنيا منك ومنهم‪ .‬أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة‪،‬‬
‫وما الناس فيه من البلء والفتنة‪ ،‬قد ابتليتهم وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم‬
‫مما رأوا‪ ،‬فتاقت نفوسهم )‪ (3‬إلى أن يبلغوا من العلم ما بلغت‪ ،‬أو يدركوا‬
‫به مثل الذي أدركت‪ ،‬فوقعوا منك في بحر ل يدرك عمقه‪ ،‬وفي بلء ل يقدر‬
‫قدره‪ .‬فال لنا ولك وهو المستعان‪ .‬أما بعد فأعرض عن كل ما أنت فيه‬
‫حتى تلحق بالصالحين الذين دفنوا في أسما لهم )‪ (4‬لصقة بطونهم‬
‫بظهورهم‪ ،‬ليس بينهم وبين ال حجاب‪ ،‬ول تفتنهم الدنيا ول يفتنون بها‪،‬‬
‫رغبوا فطلبوا‪ ،‬فما لبثوا أن لحقوا‪ ،‬فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا‬
‫المبلغ مع كبر سنك ورسوخ علمك وحضور أجلك‪ ،‬فكيف يسلم الحدث في‬
‫سنه‪ ،‬الجاهل في علمه‪ ،‬المأفون في رأيه )‪ ،(5‬المدخول في عقله‪ .‬إنا ل‬
‫وإنا إليه راجعون‪ .‬على من المعول ؟ وعند من المستعتب ؟ نشكو إلى ال‬
‫بثنا )‪ (6‬وما نرى فيك‪ ،‬ونحتسب عند ال مصيبتنا بك‪ .‬فانظر كيف شكرك‬
‫لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا‪ ،‬وكيف إعظامك لمن‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " أم هل ترى ذكرت خيرا علموه وعملت شيئا جهلوه "‪ .‬وفى‬
‫بعضها " أم هل تراه ذكرا خيرا عملوه وعملت شيئا جهلوه "‪ (2) .‬من‬
‫الحظ‪ .‬رجل حظى إذا كان ذا منزلة‪ (3) .‬تافت‪ :‬اشتافت‪ (4) .‬السمال‪:‬‬
‫جمع سمل ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬الثوب الخلق البالى‪ (5) .‬المأفون‪ :‬الذى ضعف‬
‫رأيه‪ .‬والمدخول في عقله‪ :‬الذى دخل في عقله الفساد‪ (6) .‬المعول‪:‬‬
‫المعتمد والمستغاث‪ .‬واستعتبه‪ :‬استرضاه‪ .‬والبث‪ :‬الحال‪ ،‬الشتات‪ ،‬أشد‬
‫الحزن‪(*) .‬‬

‫]‪[135‬‬

‫جعلك بدينه في الناس جميل‪ ،‬وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس‬
‫ستيرا‪ ،‬وكيف قربك أو بعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا ذليل‪ .‬مالك ل‬
‫تنتبه من نعستك‪ ،‬وتستقيل من عثرتك‪ ،‬فتقول‪ :‬وال ما قمت ل واحدا‬
‫أحييت به له دينا أو أمت له فيه باطل‪ ،‬فهذا شكرك من استحملك )‪ (1‬ما‬
‫أخوفني أن تكون كمن قال ال تعالى في كتابه‪ " :‬أضاعوا الصلوة واتبعوا‬
‫الشهوات فسوف يلقون غيا )‪ " (2‬استحملك كتابه‪ ،‬واستودعك علمه‬
‫فأضعتها‪ ،‬فنحمد ال الذي عافانا مما ابتلك به‪ ،‬والسلم‪ - 3 .‬ف )‪:(3‬‬
‫وروى عنه عليه السلم في قصار هذه المعاني‪ - 1 :‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫الرضى بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين‪ - 2 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من‬
‫كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا‪ - 3 .‬وقيل له‪ :‬من أعظم الناس خطرا )‬
‫‪ (4‬؟ فقال عليه السلم‪ :‬من لم ير الدنيا خطرا لنفسه‪ - 4 .‬وقال بحضرته‬
‫رجل‪ :‬اللهم أغنني عن خلقك )‪ .(5‬فقال عليه السلم‪ :‬ليس هكذا‪ :‬إنما‬
‫الناس بالناس‪ ،‬ولكن قل‪ :‬اللهم أغنني عن شرار خلقك‪ - 5 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬من قنع بما قسم ال له فهو من أغنى الناس )‪ - 6 .(6‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬ل يقل عمل مع تقوى‪ ،‬وكيف يقل ما يتقبل‪ - 7 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل‪،‬‬

‫)‪ (1‬استحملك‪ :‬سألك أن يحمل‪ .‬وفى بعض النسخ " من استعملك "‪ .‬أي سألك أن‬
‫يعمل‪ (2) .‬سورة مريم‪ (3) .59 :‬التحف ص ‪ (4) .278‬الخطر ‪-‬‬
‫بالتحريك ‪ :-‬الخطير أي ذو قدر ومقام‪ (5) .‬في بعض النسخ " من خلقك‬
‫"‪ (6) .‬في بعض النسخ " كان " موضع " فهو "‪.‬‬
‫]‪[136‬‬

‫فان الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير )‪ - 8 .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬كفى‬
‫بنصر ال لك أن ترى عدوك يعمل بمعاصي ال فيك‪ - 9 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬الخير كله صيانة النسان نفسه‪ - 10 .‬وقال عليه السلم لبعض‬
‫بنيه‪ :‬يا بني إن ال رضيني لك ولم يرضك لي‪ ،‬فأوصاك بي ولم يوصني‬
‫بك‪ ،‬عليك بالبر تحفة يسيرة‪ - 11 .‬وقال له رجل‪ :‬ما الزهد ؟ فقال عليه‬
‫السلم‪ :‬الزهد عشرة أجزاء )‪ :(2‬فأعلى درجات الزهد أدنى درجات‬
‫الورع‪ ،‬وأعلى درجات الورع أدنى درجات اليقين‪ ،‬وأعلى درجات اليقين‬
‫أدنى درجات الرضى‪ .‬وإن الزهد في آية من كتاب ال‪ " :‬لكيل تأسوا على‬
‫ما فاتكم ول تفرحوا بما آتيكم )‪ - 12 ." (3‬وقال عليه السلم‪ :‬طلب‬
‫الحوائج إلى الناس مذلة للحياة‪ ،‬ومذهبة للحياء‪ ،‬واستخفاف بالوقار وهو‬
‫الفقر الحاضر‪ .‬وقلة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر‪- 13 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬إن أحبكم إلى ال أحسنكم عمل‪ ،‬وإن أعظمكم عند ال‬
‫عمل أعظمكم فيما عند ال رغبة‪ ،‬وإن أنجاكم من عذاب ال أشدكم خشية‬
‫ل‪ ،‬وإن أقربكم من ال أوسعكم خلقا‪ ،‬وإن أرضاكم عند ال أسبغكم على‬
‫عياله )‪ ،(4‬وإن أكرمكم على ال أتقاكم ل‪.‬‬

‫)‪ (1‬رواه الكليني في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 338‬وفيه بعد قوله‪ " :‬على الكبير "‪ " :‬أما‬
‫علمتم أن رسول ال صلى ال عليه وآله قال‪ :‬ما يزال العبد يصدق حتى‬
‫يكتبه ال صديقا‪ ،‬وما يزال العبد يكذب حتى يكتبه ال كذابا "‪ (2) .‬رواه‬
‫الكليني في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 129‬باسناده عن هاشم بن بريد عن أبيه أن‬
‫رجل سأل على بن الحسين عليهما السلم عن الزهد فقال‪ :‬عشرة أشياء‪.‬‬
‫الحديث‪ .‬وفى ص ‪ :62‬عنه عليه السلم أيضا وفيه عشرة أجزاء وهكذا‬
‫رواه الصدوق في الخصال‪ (3) .‬سورة الحديد‪ (4) .23 :‬وكذا في الكافي‬
‫والفقيه‪ .‬وفى بعض النسخ " أسعاكم على عياله "‪.‬‬

‫]‪[137‬‬

‫‪ - 14‬وقال عليه السلم لبعض بنيه‪ :‬يا بني انظر خمسة فل تصاحبهم ول تحادثهم‬
‫ول ترافقهم في طريق‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبه من هم )‪ (1‬؟ قال عليه السلم‪ :‬إياك‬
‫ومصاحبة الكذاب‪ ،‬فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد‪ ،‬ويبعد لك القريب‪.‬‬
‫وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بايعك باكلة )‪ (2‬أو أقل من ذلك‪ ،‬وإياك‬
‫ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه‪ .‬وإياك‬
‫ومصاحبة الحمق‪ ،‬فإنه يريد أن ينفعك فيضرك‪ ،‬وإياك ومصاحبة القاطع‬
‫لرحمه‪ ،‬فإني وجدته ملعونا في كتاب ال )‪ - 15 .(3‬وقال عليه السلم‪ :‬إن‬
‫المعرفة وكمال دين المسلم تركه الكلم فيما ل يعنيه وقلة مرائه وحلمه‬
‫وصبره وحسن خلقه )‪ - 16 .(4‬وقال عليه السلم ابن آدم ! إنك ل تزال‬
‫بخير ما كان واعظ من نفسك‪ ،‬وما كانت المحاسبة من همك‪ ،‬وما كان‬
‫الخوف لك شعارا‪ ،‬والحذر لك دثارا )‪ .(5‬ابن آدم ! إنك ميت ومبعوث‬
‫وموقوف بين يدي ال عزوجل‪ ،‬فأعد له جوابا )‪.(6‬‬

‫)‪ (1‬في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ " 641‬يا أبه من هم عرفنيهم "‪ (2) .‬الكلة ‪ -‬بضم‬
‫الهمزة ‪ :-‬اللقمة‪ (3) .‬رواه الكليني )ره( في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 641‬وفيه‪:‬‬
‫فانى وجدته ملعونا في كتاب ال عزوجل في ثلثة مواضع‪ :‬قال ال‬
‫عزوجل‪ " :‬فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الرض وتقطعوا‬
‫أرحامكم‪ .‬أولئك الذين لعنهم ال فاصمهم وأعمى أبصارهم "‪ .‬وقال‬
‫عزوجل‪ " :‬الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر ال‬
‫به أن يوصل ويفسدون في الرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار "‪.‬‬
‫وقال في البقرة‪ " :‬الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ويقطعون ما‬
‫أمر ال به أن يوصل ويفسدون في الرض اولئك هم الخاسرون "‪(4) .‬‬
‫رواه الصدوق )ره( في الخصال والكليني )ره( في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪240‬‬
‫وفيهما " ان المعرفة بكمال دين المسلم "‪ (5) .‬ورواه المفيد )ره( في‬
‫أماليه وفيه " والحزن دثارا "‪ .‬وهكذا في أمالى الشيخ‪ (6) .‬في المالى‬
‫" ابن آدم انك ميت ومبعوث بين يدى ال‪ .‬الخ‪.‬‬

‫]‪[138‬‬

‫‪ - 17‬وقال عليه السلم‪ :‬ل حسب لقرشي ول لعربي إل بتواضع‪ ،‬ول كرم إل‬
‫بتقوى‪ ،‬ول عمل إل بنية‪ ،‬ول عبادة إل بالتفقه‪ .‬أل وإن أبغض الناس إلى‬
‫ال من يقتدي بسنة إمام ول يقتدي بأعماله‪ - 18 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫المؤمن من دعائه على ثلث‪ :‬إما أن يدخر له‪ ،‬وإما إن يعجل له‪ ،‬وإما أن‬
‫يدفع عنه بلء يريد أن يصيبه‪ - 19 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن المنافق ينهى‬
‫ول ينتهي‪ ،‬ويأمر ول يأتي‪ ،‬إذا قام إلى الصلة اعترض‪ ،‬وإذا ركع ربض‪،‬‬
‫وإذا سجد نقر )‪ (1‬يمسي وهمه العشاء ولم يصم )‪ (2‬ويصبح وهمه النوم‬
‫ولم يسهر‪ ،‬والمؤمن خلط عمله بحمله‪ ،‬يجلس ليعلم )‪ (3‬وينصت ليسلم‪ ،‬ل‬
‫يحدث بالمانة الصدقاء‪ ،‬ول يكتم الشهادة للبعداء‪ ،‬ول يعمل شيئا من‬
‫الحق رئاء‪ ،‬ول يتركه حياء‪ .‬إن زكي خاف مما يقولون‪ ،‬ويستغفر ال لما‬
‫ل يعلمون‪ ،‬ول يضره جهل من جهله‪ - 20 .‬ورأى عليه السلم عليل قد‬
‫برئ فقال عليه السلم له‪ :‬يهنئك الطهور من الذنوب إن ال قد ذكرك‬
‫فاذكره‪ ،‬وأقالك فاشكره‪.‬‬
‫)‪ (1‬رواه الكليني في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 396‬عن أبى حمزة عنه عليه السلم وفيه "‬
‫يأمر بما ل يأتي وإذا قام إلى الصلة اعترض‪ ،‬قلت‪ :‬يا ابن رسول ال وما‬
‫العتراض ؟ قال‪ :‬اللتفات‪ .‬وإذا ركع ربض ‪ -‬الخ "‪ .‬والربوض استقرار‬
‫الغنم وشبهه على الرض وكأن المراد انه يسقط نفسه على الرض من‬
‫قبل أن يرفع رأسه من الركوع كاسقاط الغنم عند ربوضه‪ .‬والنقر التقاط‬
‫الطائر الحب بمنقاره‪ .‬أي خف السجود‪ .‬ورواه الصدوق رحمه ال في‬
‫المالى المجلس ‪ 74‬بتقديم وتأخير مع زيادة‪ (2) .‬العشاء ‪ -‬بالفتح‪:‬‬
‫الطعام الذى يتعشى به‪ (3) .‬رواه الكليني في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 231‬وفيه‬
‫" يصمت ليسلم وينطق ليغنم‪ ،‬ل يحدث أمانته الصدقاء ول يكتم شهادته‬
‫من البعداء ‪ -‬إلى أن قال ‪ :-‬ل يغره قول من جهله ويخاف أحصاء ما‬
‫عمله "‪.‬‬

‫]‪[139‬‬

‫‪ - 21‬وقال عليه السلم‪ :‬خمس لو رحلتم فيهن لنضيتموهن )‪ (1‬وما قدرتم على‬
‫مثلهن‪ :‬ل يخاف عبد إل ذنبه‪ ،‬ول يرجو إل ربه‪ ،‬ول يستحي الجاهل إذا‬
‫سئل عما ل يعلم أن يتعلم‪ .‬والصبر من اليمان بمنزلة الرأس من الجسد‪،‬‬
‫ول إيمان لمن ل صبر له‪ - 22 .‬وقال عليه السلم‪ :‬يقول ال‪ :‬يا ابن آدم‬
‫ارض بما آتيتك تكن من أزهد الناس‪ .‬ابن آدم ! إعمل بما افترضت عليك‬
‫تكن من أعبد الناس‪ .‬ابن آدم ! اجتنب مما حرمت عليك تكن من أورع‬
‫الناس‪ - 23 .‬وقال عليه السلم‪ :‬كم من مفتون بحسن القول فيه‪ ،‬وكم من‬
‫مغرور بحسن الستر عليه‪ ،‬وكم من مستدرج بالحسان إليه‪ - 24 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬يا سوأتاه لمن غلبت إحداته عشراته‪ - .‬يريد أن السيئة‬
‫بواحدة‪ ،‬والحسنة بعشرة ‪ - 25 .-‬وقال عليه السلم‪ :‬إن الدنيا قد ارتحلت‬
‫مدبرة‪ .‬وإن الخرة قد ترحلت مقبلة‪ ،‬ولكل واحد منهما بنون‪ ،‬فكونوا من‬
‫أبناء الخرة‪ ،‬ول تكونوا من أبناء الدنيا‪ ،‬فكونوا من الزاهدين في الدنيا‪،‬‬
‫والراغبين في الخرة‪ ،‬لن الزاهدين اتخذوا أرض ال بساطا‪ ،‬والتراب‬
‫فراشا‪ ،‬والمدر وسادا‪ ،‬والماء طيبا‪ ،‬وقرضوا المعاش من الدنيا تقريضا‪.‬‬
‫اعلموا أنه من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الحسنات وسل عن الشهوات )‬
‫‪ (2‬ومن أشفق من النار بادر بالتوبة إلى ال من ذنوبه‪ ،‬وراجع عن‬
‫المحارم‪ .‬ومن زهد‬

‫)‪ (1‬أنضت الدابة‪ :‬هزلتها السفار‪ .‬والظاهر أن الضمير راجع إلى المطية التى تفهم‬
‫من فحوى الكلم‪ ،‬وقد مضى هذا الكلم أيضا عن أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم كرارا‪ ،‬وفى بعض النسخ " لو دخلتم فيهن ل بعتموهن "‪ .‬ورواه‬
‫الصدوق في الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلم بدون قوله " ل‬
‫نضيتموهن "‪ (2) .‬سل عن الشئ‪ :‬نسيه وهجره‪ .‬واشفق‪ :‬خاف وحذر‪.‬‬
‫ورواه الكليني في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 132‬بادنى تفاوت‪.‬‬

‫]‪[140‬‬

‫في الدنيا هانت عليه مصائبها ولم يكرهها‪ .‬وإن ل عزوجل لعبادا قلوبهم معلقة‬
‫بالخرة وثوابها‪ ،‬وهم كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين منعمين‪،‬‬
‫وكمن رأى أهل النار في النار معذبين‪ ،‬فاولئك شرورهم وبوائقهم عن‬
‫الناس مأمونة‪ ،‬وذلك أن قلوبهم عن الناس مشغولة بخوف ال فطرفهم‬
‫عن الحرام مغضوض‪ ،‬وحوائجهم إلى الناس خفيفة‪ ،‬قبلوا اليسير من ال‬
‫في المعاش وهو القوت‪ ،‬فصبروا أياما قصارى لطول الحسرة يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ - 26‬وقال له رجل‪ :‬إني لحبك في ال حبا شديدا‪ ،‬فنكس عليه السلم‬
‫رأسه )‪ (1‬ثم قال‪ :‬اللهم إني أعوذ بك أن احب فيك وأنت لي مبغض‪ .‬ثم قال‬
‫له‪ :‬احبك للذي تحبني فيه‪ - 27 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن ال ليبغض البخيل‬
‫السائل الملحف‪ - 28 .‬وقال عليه السلم‪ :‬رب مغرور مفتون يصبح لهيا‬
‫ضاحكا‪ ،‬يأكل ويشرب وهو ل يدري لعله قد سبقت له من ال سخطة يصلى‬
‫بها نار جهنم )‪ - 29 .(2‬وقال عليه السلم‪ :‬إن من أخلق المؤمن النفاق‬
‫على قدر القتار )‪ .(3‬والتوسع على قدر التوسع‪ ،‬وإنصاف الناس من‬
‫نفسه‪ ،‬وابتداؤه إياهم بالسلم‪ - 30 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ثلث منجيات‬
‫للمؤمن‪ :‬كف لسانه عن الناس واغتيابهم‪ ،‬وإشغاله نفسه بما ينفعه لخرته‬
‫ودنياه‪ ،‬وطول البكاء على خطيئته‪ - 31 .‬وقال عليه السلم‪ :‬نظر المؤمن‬
‫في وجه أخيه المؤمن للمودة والمحبة له عبادة‪ - 32 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫ثلث من كن فيه من المؤمنين كان في كنف ال )‪ (4‬وأظله ال يوم القيامة‬
‫في ظل عرشه‪ ،‬وآمنه من فزع اليوم الكبر‪ :‬من أعطى من نفسه‬

‫)‪ (1‬نكس رأسه‪ :‬طأطأه وخفضه‪ (2) .‬في بعض النسخ " يصله بها في نار جهنم‬
‫"‪ (3) .‬القتار‪ :‬القلة والتضيق في الرزق‪ (4) .‬كنف ال ‪ -‬بالتحريك ‪:-‬‬
‫ظله وحضنه‪.‬‬

‫]‪[141‬‬

‫ما هو سائلهم لنفسه‪ ،‬ورجل لم يقدم يدا ول رجل حتى يعلم أنه في طاعة ال قدمها‬
‫أو في معصيته‪ .‬ورجل لم يعب أخاه بعيب حتى يترك ذلك العيب من نفسه‪،‬‬
‫وكفى بالمرء شغل بعيبه لنفسه عن عيوب الناس‪ - 33 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬ما من شئ أحب إلى ال بعد معرفته من عفة بطن وفرج‪ ،‬وما‬
‫]من[ شئ أحب إلى ال من أن يسأل‪ - 34 .‬وقال لبنه محمد عليهما‬
‫السلم‪ :‬افعل الخير إلى كل من طلبه منك‪ ،‬فإن كان أهله فقد أصبت‬
‫موضعه‪ ،‬وإن لم يكن بأهل كنت أنت أهله‪ ،‬وإن شتمك رجل عن يمينك ثم‬
‫تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره )‪ - 35 .(1‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫مجالس الصالحين داعية إلى الصلح )‪ (2‬وآداب العلماء زيادة في العقل‪،‬‬
‫وطاعة ولة المر تمام العز‪ ،‬واستنماء المال تمام المروة )‪ (3‬وإرشاد‬
‫المستشير قضاء لحق النعمة‪ ،‬وكف الذى من كمال العقل‪ .‬وفيه راحة‬
‫للبدن عاجل وآجل )‪ - 36 .(4‬وكان علي بن الحسين عليهما السلم إذا قرأ‬
‫هذه الية‪ " :‬وإن تعدوا نعمة ال ل تحصوها )‪ " (5‬يقول عليه السلم‪:‬‬
‫سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إل‬

‫)‪ (1‬رواه الكليني في الروضة وفيها " وان لم يكن أهله كنت أنت أهله "‪ (2) .‬في‬
‫الكافي " مجالسة الصالحين داعية إلى الصلح "‪ (3) .‬في الكافي "‬
‫طاعة ولة العدل تمام العز‪ ،‬واستثمار المال تمام المروة "‪ (4) .‬قال‬
‫الفيض ‪ -‬رحمه ال ‪ :-‬في كلمه عليه السلم ترغيب إلى المعاشرة مع‬
‫الناس والمؤانسة بهم واستفادة كل فضيلة من أهلها وزجر عن العتزال‬
‫والنقطاع اللذين هما منبت النفاق ومغرس الوسواس والحرمان عن‬
‫المشرب التم المحمدى والمقام المحمود الجمعى‪ ،‬والموجب لترك كثير‬
‫من الفضائل والخيرات وفوت السنن الشرعية وآداب الجمعة والجماعات‬
‫وانسداد أبواب مكارم الخلق‪ (5) .‬سورة ابراهيم‪ .37 :‬أي ل تحصروها‬
‫ول تطيقوا عد أنواعها فضل من أفرادها فانها غير متناهية‪ .‬قاله‬
‫البيضاوى‪.‬‬

‫]‪[142‬‬

‫المعرفة بالتقصير عن معرفتها‪ ،‬كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من‬
‫العلم بأنه ل يدركه‪ ،‬فشكر عزوجل معرفة العارفين بالتقصير عن معرفته‪،‬‬
‫وجعل معرفتهم بالتقصير شكرا‪ ،‬كما جعل علم العالمين أنهم ل يدركونه‬
‫إيمانا‪ ،‬علما منه أنه قد ]ر[ وسع العباد فل يجاوزون ذلك‪ - 37 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬سبحان من جعل العتراف بالنعمة له حمدا‪ ،‬سبحان من جعل‬
‫العتراف بالعجز عن الشكر شكرا‪ - 4 .‬ما )‪ :(1‬عن الحسين بن إبراهيم‬
‫القزويني‪ ،‬عن محمد بن وهبان‪ ،‬عن أحمد بن إبراهيم‪ ،‬عن الحسن بن‬
‫علي الزعفراني‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن هشام بن‬
‫سالم‪ ،‬عن الثمالي قال‪ :‬سمعت علي بن الحسين عليهما السلم وهو يقول‪:‬‬
‫عجبا للمتكبر الفخور الذي كان بالمس نطفة وهو غدا جيفة‪ ،‬والعجب كل‬
‫العجب لمن شك في ال وهو يرى الخلق‪ ،‬والعجب كل العجب لمن أنكر‬
‫الموت وهو يموت في كل يوم وليلة‪ ،‬والعجب كل العجب لمن نكر النشأة ‪-‬‬
‫الخرى‪ ،‬وهو يرى النشأة الولى‪ ،‬والعجب كل العجب لمن عمل لدار الفناء‬
‫وترك دار البقاء‪ - 5 .‬الدرة الباهرة )‪ :(2‬قال علي بن الحسين عليهما‬
‫السلم‪ :‬خف ال تعالى لقدرته عليك‪ ،‬واستحي منه لقربه منك‪ ،‬ول تعادين‬
‫أحدا وإن ظننت أنه ل يضرك ول تزهدن صداقة أحد‪ ،‬وإن ظننت أنه ل‬
‫ينفعك‪ ،‬فإنك ل تدري متى ترجو صديقك‪ ،‬ول تدري متى تخاف عدوك‪ ،‬ول‬
‫يعتذر إليك أحد إل قبلت عذره‪ ،‬وإن علمت أنه كاذب‪ ،‬وليقل عيب الناس‬
‫على لسانك‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من عتب على الزمان طالت معتبته‪ .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬ما استغنى أحد بال إل افتقر الناس إليه‪ ،‬ومن اتكل على‬
‫حسن اختيار ال عزوجل له لم يتمن أنه في غير الحال التي اختارها ال‬
‫تعالى له‪.‬‬

‫)‪ (1‬المالى ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .277‬مخطوط‪.‬‬

‫]‪[143‬‬

‫وقال عليه السلم‪ :‬الكريم يبتهج بفضله‪ ،‬واللئيم يفتخر بملكه‪ - 6 .‬لى )‪ :(1‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن ابن محبوب عن عبد ال بن‬
‫غالب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعيد بن المسيب قال‪ :‬كان علي بن الحسين عليهما‬
‫السلم يعظ الناس يزهدهم في الدنيا‪ ،‬ويرغبهم في أعمال الخرة بهذا‬
‫الكلم في كل جمعة في مسجد الرسول صلى ال عليه وآله وحفظ عنه‬
‫وكتب‪ ،‬وكان يقول‪ :‬أيها الناس اتقول ال واعلموا أنكم إليه ترجعون "‬
‫فتجد كل نفس ما عملت ‪ -‬في هذه الدنيا ‪ -‬من خير محضرا‪ ،‬وما عملت من‬
‫سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا‪ ،‬ويحذركم ال نفسه " ويحك ابن‬
‫آدم الغافل وليس بمغفول عنه‪ ،‬ابن آدم إن أجلك أسرع شئ إليك‪ ،‬قد أقبل‬
‫نحوك حثيثا )‪ (2‬يطلبك‪ ،‬ويوشك أن يدركك‪ ،‬وكأن قد أوفيت أجلك‪ ،‬وقبض‬
‫الملك روحك‪ ،‬وصرت إلى منزل وحيدا فرد إليك فيه روحك‪ ،‬واقتحم عليك‬
‫فيه ملكاك منكر ونكير لمساءلتك‪ ،‬وشديد امتحانك‪ ،‬أل وإن أول ما يسألنك‬
‫عن ربك الذي كنت تبعده‪ ،‬وعن نبيك الذي ارسل إليك‪ ،‬وعن دينك الذي‬
‫كنت تدين به‪ ،‬وعن كتابك الذي كنت تتلوه‪ ،‬وعن إمامك الذي كنت تتوله‪،‬‬
‫ثم عن عمرك فيما أفنيته‪ ،‬ومالك من أين اكتسبته‪ ،‬وفيما أتلفته‪ ،‬فخذ‬
‫حذرك وانظر لنفسك‪ ،‬وأعد للجواب قبل المتحان‪ ،‬والمسألة والختبار‪،‬‬
‫فإن تك مؤمنا تقيا عارفا بدينك‪ ،‬متبعا للصادقين‪ ،‬مواليا لولياء ال لقاك‬
‫ال حجتك‪ ،‬وأنطق لسانك بالصواب فأحسنت الجواب‪ ،‬فبشرت بالجنة‬
‫والرضوان من ال والخيرات الحسان واستقبلتك الملئكة بالروح‬
‫والريحان وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك‪ ،‬ودحضت حجتك‪ ،‬وعييت عن‬
‫الجواب )‪ (3‬وبشرت بالنار‪ ،‬واستقبلتك ملئكة العذاب‪ ،‬بنزل من حميم‬
‫وتصلية جحيم )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬المجلس السادس والسبعون ص ‪ (2) .301‬الحثيث‪ :‬السريع‪ .‬اقتحم المنزل‪:‬‬


‫هجمه‪ ،‬والمر‪ :‬رمى نفسه فيه بشدة ومشقة‪ (3) .‬التلجلج‪ :‬التردد في‬
‫الكلم‪ .‬والدحض‪ :‬البطال‪ ،‬والعى‪ :‬العجز عن الكلم‪ (4) .‬النزل ‪ -‬بضم‬
‫النون‪ :‬ما يعد للضيف‪ .‬والحميم النار‪.‬‬

‫]‪[144‬‬

‫فاعلم ابن آدم إن من وراء هذا ما هو أعلم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة " ذلك‬
‫يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود " ويجمع ال فيه الولين‬
‫والخرين ذلك يوم ينفخ في الصور وتبعثر فيه القبور‪ ،‬ذلك يوم الزفة إذ‬
‫القلوب لدى الجناجر كاظمين )‪ (1‬ذلك يوم ل تقال فيه عثرة‪ ،‬ول تؤخذ من‬
‫أحد فيه فدية‪ ،‬ول تقبل من أحد فيه معذرة‪ ،‬ول لحد فيه مستقبل توبة‪،‬‬
‫ليس إل الجزاء بالحسنات‪ ،‬والجزاء بالسيئات‪ ،‬فمن كان من المؤمنين‬
‫عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده ومن كان عمل من المؤمنين‬
‫في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده‪ .‬فاحذروا أيها الناس من المعاصي‬
‫والذنوب فقد نهاكم ال عنها وحذركموها في الكتاب الصادق والبيان‬
‫الناطق ول تأمنوا مكر ال وشدة أخذه عند ما يدعوكم إليه الشيطان اللعين‬
‫من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا فإن ال يقول‪ :‬إن الذين اتقوا إذا‬
‫مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون )‪ " (2‬فاشعروا قلوبكم‬
‫‪ -‬ل أنتم ‪ -‬خوف ال‪ ،‬وتذكروا ما قد وعدكم ال في مرجعكم إليه من حسن‬
‫ثوابه‪ ،‬كما قد خوفكم من شديد العقاب‪ ،‬فإنه من خاف شيئا حذره‪ ،‬ومن‬
‫حذر شيئا نكله‪ ،‬فل تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدنيا‬
‫فتكونوا من الذين مكروا السيئات‪ ،‬وقد قال ال تعالى " أفامن الذين مكروا‬
‫السيئات أن يخسف ال بهم الرض أو يأتيهم العذاب من حيث ل يشعرون‬
‫* أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف فإن‬
‫ربكم لرؤف رحيم )‪ ." (3‬فاحذروا ما قد حذركم ال‪ ،‬واتعظوا بما فعل‬
‫بالظلمة في كتابه‪ ،‬ول تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما تواعد به القوم‬
‫الظالمين في الكتاب‪ ،‬تال لقد وعظتم بغيركم‪ ،‬وإن السعيد من وعظ بغيره‪،‬‬
‫ولقد أسمعكم ال في الكتاب ما فعل‬

‫)‪ (1‬أزف الرحيل‪ :‬قرب‪ .‬وفى المصدر " لدى الحناجر كاظمة "‪ (2) .‬العراف‪:‬‬
‫‪ .201‬والطائف‪ :‬الخيال أو الوسوسة ما يقال له بالفارسية " خيال " )‪(3‬‬
‫النحل‪ 44 :‬إلى ‪ .47‬وتقلبهم أي إذا كانوا في اسفارهم أو مشغولين في‬
‫تجاراتهم‪ .‬وقوله " على تخوف " أي تنقص شيئا فشيئا حتى يهلك‬
‫الجمبع‪.‬‬

‫]‪[145‬‬

‫بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال‪ " :‬وكم أهلكنا من قرية كانت ظالمة‬
‫وأنشأنا بعدها قوما آخرين * فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون‬
‫)يعني يهربون( * ل تركضوا وارجعوا إلى ما اترفتم فيه ومساكنكم لعلكم‬
‫تسئلون )فلما آتيهم العذاب( قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك‬
‫دعويهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين )‪ " (1‬وأيم ال إن هذه لعظة لكم‬
‫وتخويف إن اتعظتم وخفتم‪ .‬ثم رجع إلى القول من ال في الكتاب على أهل‬
‫المعاصي والذنوب‪ .‬فقال‪ " :‬ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا‬
‫ويلنا إنا كنا ظالمين )‪ " (2‬فإن قلتم أيها الناس‪ :‬إن ال إنما عنى بهذا أهل‬
‫الشكر فكيف ذاك وهو يقول‪ " :‬ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فل‬
‫تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين )‬
‫‪ " (3‬؟‪ .‬اعلموا عباد ال أن أهل الشرك ل تنصب لهم الموازين‪ ،‬ول تنشر‬
‫لهم الدواوين وإنما تنشر الدواوين لهل السلم‪ ،‬فاتقوا ال عباد ال‬
‫واعلموا أن ال لم يختر هذه الدنيا وعاجلها لحد من أوليائه‪ ،‬ولم يرغبهم‬
‫فيها وفي عاجل زهرتها‪ ،‬وظاهر بهجتها‪ ،‬وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها‬
‫ليبلوهم أيهم أحسن عمل لخرته‪ ،‬وأيم ال لقد ضرب لكم فيها المثال‪،‬‬
‫وصرف اليات لقوم يعقلون‪ ،‬فكونوا أيها المؤمنون من القوم الذين يعقلون‬
‫ول قوة إل بال‪ ،‬وازهدوا فيما زهدكم ال فيه من عاجل الحياة الدنيا فإن‬
‫ال يقول وقوله الحق " إنما مثل الحيوة الدنيا كماء أنزلناه من السماء‬
‫فاختلط به نبات الرض ‪ -‬الية )‪ " (4‬فكونوا عباد ال من القوم الذين‬
‫يتفكرون‪ ،‬ول تركنوا إلى الدنيا فإن ال قد قال لمحمد نبيه صلى ال عليه‬
‫وآله ولصحابه‬

‫)‪ (1‬النبياء‪ 12 :‬إلى ‪ .15‬وفى المصحف " وكم قصمنا " وقوله‪ " :‬اترفتم " أي‬
‫متعتم‪ .‬وقوله " خامدين " أي ميتين كخمود النار إذا طفئت‪(2) .‬‬
‫النبياء‪ 46 :‬وقوله‪ " :‬نفحة " أي وقعة خفيفة‪ (3) .‬النبياء‪(4) .47 :‬‬
‫يونس‪.24 :‬‬

‫]‪[146‬‬

‫" ول تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار )‪ " (1‬ول تركنوا إلى زهرة الحياة‬
‫الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان‪ ،‬فإنها دار قلعة‬
‫وبلغة‪ ،‬ودار عمل‪ ،‬فتزودوا العمال الصالحة منها قبل أن تخرجوا منها‪،‬‬
‫وقبل الذن من ال في خرابها‪ ،‬فكأن قد أخربها الذي عمرها أول مرة‬
‫وابتدأها وهو ولي ميراثها‪ .‬وأسأل ال لنا ولكم العون على تزود التقوى‪،‬‬
‫والزهد فيها‪ ،‬جعلنا ال وإياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا‪،‬‬
‫والراغبين العاملين لجل ثواب الخرة فإنما نحن به وله‪ .‬ف )‪ (2‬مرسل‬
‫مثله‪ - 7 .‬لى )‪ (3‬عن عبد ال بن النصر التيمي‪ ،‬عن جعفر بن محمد‬
‫المالكي‪ ،‬عن عبد ال بن محمد بن عمرو الطروش‪ ،‬عن صالح بن زياد‪،‬‬
‫عن عبد ال بن ميمون السكري‪ ،‬عن عبد ال بن معز الودي‪ ،‬عن عمران‬
‫بن سليم‪ ،‬عن سويد بن غفلة‪ ،‬عن طاووس اليماني قال‪ :‬مررت بالحجر‬
‫فإذا أنا بشخص راكع وساجد فتأملته فإذا هو علي بن الحسين عليهما‬
‫السلم فقلت‪ :‬يا نفس رجل صالح من أهل بيت النبوة وال لغتمن دعاءه‬
‫فجعلت أرقبه حتى فرغ من صلته ورفع باطن كفيه إلى السماء وجعل‬
‫يقول‪ " :‬سيدي سيدي هذه يداي قد مددتهما إليك بالذنوب مملوءة‪،‬‬
‫وعيناي بالرجاء ممدودة‪ ،‬وحق لمن دعاك بالندم تذلل أن تجيبه بالكرم‬
‫تفضل‪ ،‬سيدي أمن أهل الشقاء فاطيل بكائي ؟ أم من أهل السعادة خلقتني‬
‫فابشر رجائي )‪ ،(4‬سيدي الضرب المقامع خلقت أعضائي ؟ أم لشرب‬
‫الحميم خلقت أمعائي ؟ سيدي لو أن عبدا استطاع الهرب من موله لكنت‬
‫أول الهاربين منك‪ ،‬لكني أعلم أني ل أفوتك‪ ،‬سيدي لو أن عذابي مما يزيد‬
‫في ملكك لسألتك الصبر عليه‪ ،‬غير أني أعلم أنه‬

‫)‪ (1‬هود‪ .113 :‬ول تركنوا أي ل تميلوا‪ (2) .‬التحف‪ :‬ص ‪ (3) .249‬المجلس‬
‫التاسع والثلثون ص ‪ (4) .132‬كذا‪.‬‬

‫]‪[147‬‬

‫ل يزيد في ملكك طاعة المطيعين‪ ،‬ول ينقص منه معصية العاصين‪ ،‬سيدي ما أنا‬
‫وما خطري ؟ هب لي بفضلك‪ ،‬وجللني بسترك‪ ،‬واعف عن توبيخي بكرم‬
‫وجهلك‪ ،‬إلهي وسيدي ارحمني مصروعا على الفراش تقلبني أيدي أحبتي‪،‬‬
‫وارحمني مطروحا على المغتسل يغسلني صالح جيرتي‪ ،‬وارحمني محمول‬
‫قد تناول القرباء أطراف جنازتي‪ ،‬وارحم في ذلك البيت المظلم وحشتي‬
‫وغربتي ووحدتي "‪ .‬قال طاووس‪ :‬فبكيت حتى عل نحيبي فالتفت إلي‬
‫فقال‪ :‬ما يبكيك يا يماني أو ليس هذا مقام المذنبين ؟ فقلت‪ :‬حبيبي حقيق‬
‫على ال أن ل يردك‪ ،‬وجدك محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬قال‪ :‬فبينا نحن‬
‫كذلك إذ أقبل نفر من أصحابه فالتفت إليهم فقال‪ :‬معاشر أصحابي اوصيكم‬
‫بالخرة‪ ،‬ولست اوصيكم بالدنيا‪ ،‬فإنكم بها مستوصون‪ ،‬وعليها حريصون‪.‬‬
‫وبها مستمسكون‪ ،‬معاشر أصحابي إن الدنيا دار ممر‪ ،‬والخرة دار مقر‪،‬‬
‫فخذوا من ممركم لمقركم‪ ،‬ول تهتكوا أستاركم عند من ل يخفى عليه‬
‫أسراركم‪ ،‬وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم‪ ،‬أما رأيتم‬
‫وسمعتم ما استدرج به من كان قبلكم من المم السالفة والقرون الماضية‪،‬‬
‫لم تروا كيف فضح مستورهم‪ ،‬وأمطر مواطر الهوان عليهم بتبديل‬
‫سرورهم بعد خفض عيشهم‪ ،‬ولين رفاهيتهم‪ ،‬صاروا حصائد النقم‪،‬‬
‫ومدارج المثلث‪ ،‬أقول قولي هذا وأستغفر ال لي ولكم‪ - 8 .‬ما )‪ :(1‬عن‬
‫المفيد‪ ،‬عن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن‬
‫محبوب‪ ،‬عن الثمالي قال‪ :‬كان علي بن الحسين عليهما السلم يقول‪ :‬ابن‬
‫آدم ل يزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك‪ ،‬وما كانت المحاسبة من‬
‫همك‪ ،‬وما كان الخوف لك شعارا‪ ،‬والحزن لك دثارا‪ ،‬ابن آدم إنك ميت‬
‫ومبعوث وموقوف بين يدي ال عزوجل ومسؤول فأعد جوابا‪ - 9 .‬ل )‪:(2‬‬
‫عن ابن المتوكل‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن ابن‬

‫)‪ (1‬المالى ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .114‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.12‬‬

‫]‪[148‬‬

‫محبوب‪ ،‬عن ابن عطية‪ ،‬عن الثمالي‪ ،‬عن علي بن الحسين عليهما السلم قال‪ :‬ل‬
‫حسب لقرشي ول لعربي إل بتواضع‪ ،‬ول كرم إل بتقوى‪ ،‬ول عمل إل بنية‪،‬‬
‫ول عبادة إل بتفقه‪ ،‬أل وإن أبغض الناس إلى ال عزوجل من يقتدي بسنة‬
‫إمام ول يقتدي بأعماله‪ - 10 .‬ل )‪ :(1‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن القاسم بن‬
‫محمد‪ ،‬عن سليمان بن داود‪ ،‬عن عبد الرزاق‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن الزهري‬
‫قال‪ :‬قال علي بن الحسين عليهما السلم‪ :‬أشد ساعات ابن آدم ثلث‬
‫ساعات‪ :‬الساعة التي يعاين فيها ملك الموت‪ ،‬والساعة التي يقوم فيها من‬
‫قبره‪ ،‬والساعة التي يقف فيها بين يدي ال تبارك وتعالى‪ ،‬فإما إلى الجنة‬
‫وإما إلى النار‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن نجوت يا ابن آدم عند الموت فأنت أنت‪ ،‬وإل‬
‫هلكت‪ ،‬وإن نجوت يا ابن آدم حين توضع في قبرك فأنت أنت وإل هلكت‪،‬‬
‫وإن نجوت يا ابن آدم في مقام القيامة فأنت أنت وإل هلكت‪ ،‬وإن نجوت يا‬
‫آدم حين يحمل الناس على الصراط فأنت أنت وإل هلكت‪ ،‬وإن نجوت يا ابن‬
‫آدم حين يقوم الناس لرب العالمين فأنت أنت وإل هلكت‪ ،‬ثم تل‪ " :‬ومن‬
‫ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون )‪ " (2‬قال‪ :‬هو القبر وإن لهم فيه لمعيشة‬
‫ضنكا‪ ،‬وال إن القبر لروضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار‪ ،‬ثم‬
‫أقبل على رجل من جلسائه فقال له‪ :‬قد علم ساكن السماء ساكن الجنة من‬
‫ساكن النار‪ ،‬فأي الرجلين أنت وأي الدارين دارك‪ .‬كتاب الغايات )‪ (3‬لجعفر‬
‫بن أحمد القمي )ره( مرسل مثله‪ - 11 .‬ف )‪ :(4‬موعظة وزهد وحكمة‪:‬‬
‫كفانا ال وإياكم كيد الظالمين‪ ،‬وبغي الحاسدين‪ ،‬وبطش الجبارين‪،‬‬
‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .59‬المؤمنون‪ (3) .100 :‬مخطوط‪ (4) .‬التحف‪ :‬ص‬
‫‪ .252‬ورواه الكليني في الروضة والمفيد في المجالس‪.‬‬

‫]‪[149‬‬

‫أيها المؤمنون ل يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في الدنيا‪ ،‬المائلون‬


‫إليها‪ ،‬المفتونون بها‪ ،‬المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد‪ ،‬وهشيمها‬
‫البائد غدا )‪ (1‬واحذروا ما حذركم ال منها‪ ،‬وازهدوا فيما زهدكم ال فيه‬
‫منها‪ ،‬ول تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من أعدها دارا وقرارا‪ ،‬بال‬
‫إن لكم مما فيهما عليها دليل )‪ (2‬من زينتها‪ ،‬وتصريف أيامها‪ ،‬وتغيير‬
‫انقلبها ومثلتها‪ ،‬وتلعبها بأهلها‪ ،‬إنها لترفع الخميل )‪ (3‬وتضع‬
‫الشريف‪ ،‬وتورد النار أقواما غدا‪ ،‬ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه )‬
‫‪ .(4‬وإن المور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مظلمات الفتن )‪(5‬‬
‫وحوادث البدع‪ ،‬وسنن الجور‪ ،‬وبوائق الزمان‪ ،‬وهيبة السلطان‪ ،‬ووسوسة‬
‫الشيطان لتدبير القلوب عن نيتها )‪ (6‬وتذهلها عن موجود الهدى )‪(7‬‬
‫ومعرفة أهل الحق إل قليل ممن عصم ال عزوجل فليس يعرف تصرف‬
‫أيامها‪ ،‬وتقلب حالتها‪ ،‬وعاقبة ضرر فتنتها إل من عصمه ال‪ ،‬ونهج‬
‫سبيل الرشد‪ ،‬وسلك طريق القصد‪ .‬ثم استعان على ذلك بالزهد‪ ،‬فكرر‬
‫الفكر‪ ،‬واتعظ بالعبر وازدجر‪ ،‬فزهد في عاجل بهجة الدنيا‪،‬‬

‫)‪ (1‬الهامد‪ :‬البالى المسود المتغير واليابس من النبات والشجر‪ .‬والهشيم‪ :‬اليابس‬
‫متكسر من كل شجر وكلء‪ ،‬أصله المكسور‪ .‬والبائد‪ :‬الهالك‪ (2) .‬في‬
‫الروضة وامالي المفيد " ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان "‬
‫وفى الروضة " وال لكم مما فيها عليها لدليل وتنبيها من تصريف‬
‫أيامها "‪ (3) .‬الخميل‪ :‬الخامل وهو الساقط الذى ل نباهة له‪ (4) .‬في‬
‫بعض النسخ " لمتنبه "‪ (5) .‬في بعض النسخ الروضة " ملمات الفتن‬
‫" وفى المالى " مضلت الفتن "‪ (6) .‬في بعض النسخ " لمثبطة‬
‫القلوب " وفى بعضها وفى المالى " ليذر القلوب عن تنبيهها " وفى‬
‫بعض النسخ " لتثبط القلوب عن نيتها " وفى الروضة " لتثبط القلوب‬
‫عن تنبيهها "‪ (7) .‬من اضاقة الصفة إلى الموصوف‪ .‬وفى المالى " عن‬
‫وجود الهدى "‪.‬‬

‫]‪[150‬‬

‫وتجافى عن لذاتها‪ ،‬ورغب في دائم نعيم الخرة‪ ،‬وسعى لها سعيها‪ ،‬وراقب الموت‪،‬‬
‫وشنأ الحياة مع القوم الظالمين‪ ،‬فعند ذلك نظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة‬
‫حديدة النظر )‪ (1‬وأبصر حوادث الفتن‪ ،‬وضلل البدع‪ ،‬وجور الملوك‬
‫الظلمة‪ ،‬فقد لعمري استدبرتم من المور الماضية في اليام الخالية من‬
‫الفتن المتراكمة‪ ،‬والنهماك فيها ما تستدلون به ]على[ تجنب الغواة وأهل‬
‫البدع والبغي والفساد في الرض بغير الحق‪ .‬فاستعينوا بال‪ ،‬وارجعوا إلي‬
‫طاعته وطاعة من هو أولى بالطاعة من طاعة من اتبع واطيع‪ .‬فالحذر‬
‫الحذر من قبل الندامة والحسرة‪ ،‬والقدوم على ال‪ ،‬والوقوف بين يديه‪.‬‬
‫وتال ما صدر قوم قط عن معصية ال إل إلى عذابه‪ ،‬وما آثر قوم قط الدنيا‬
‫على الخرة إل ساء منقلبهم وساء مصيرهم‪ .‬وما العلم بال )‪ (2‬والعمل‬
‫بطاعته إل إلفان مؤتلفان‪ ،‬فمن عرف ال خافه‪ ،‬فحثه الخوف على العمل‬
‫بطاعة ال‪ ،‬وإن أرباب العلم واتباعهم الذين عرفوا ال فعملوا له ورغبوا‬
‫إليه وقد قال ال‪ " :‬إنما يخشى ال من عباده العلمؤا )‪ " (3‬فل تلتمسوا‬
‫شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية ال‪ ،‬واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة ال‪،‬‬
‫واغتنموا أيامها واسعوا لما فيه نجاتكم غدا من عذاب ال‪ ،‬فإن ذلك أقل‬
‫للتبعة‪ ،‬وأدنى من العذر وأرجا للنجاة‪ .‬فقدموا أمر ال وطاعته وطاعة من‬
‫أوجب ال طاعته بين يدي المور كلها ول تقدموا المور الواردة عليكم‬
‫من طاعة الطواغيت‪ ،‬وفتنة زهرة الدنيا بين يدي أمر ال وطاعته وطاعة‬
‫أولي المر منكم‪ ،‬واعلموا أنكم عبيدال ونحن معكم‪ ،‬يحكم علينا وعليكم‬
‫سيد حاكم غدا وهو موقفكم ومسائلكم‪ ،‬فاعدوا الجواب قبل الوقوف‬
‫والمسألة والعرض على رب العالمين " يومئذ ل تكلم نفس إل بإذنه "‪.‬‬
‫واعلموا أن ال ل يصدق كاذبا‪ ،‬ول يكذب صادقا‪ ،‬ول يرد عذر مستحق‪،‬‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ والروضة " بعين قرة "‪ (2) .‬في بعض النسخ والمالي "‬
‫وما العز بال "‪ (3) .‬سورة فاطر‪.25 :‬‬

‫]‪[151‬‬

‫ول يعذر غير معذور‪ ،‬بل ل الحجة على خلقه بالرسل والوصياء بعد الرسل‪ .‬فاتقوا‬
‫ال واستقبلوا من إصلح أنفسكم )‪ (1‬وطاعة ال وطاعة من تولونه فيها‪،‬‬
‫لعل نادما قد ندم على ما فد فرط بالمس في جنب ال‪ ،‬وضيع من حق ال )‬
‫‪ (2‬واستغفروا ال وتوبوا إليه‪ ،‬فإنه يقبل التوبة‪ ،‬ويعفوا عن السيئات‪،‬‬
‫ويعلم ما تفعلون‪ ،‬وإياكم وصحبة العاصين‪ ،‬ومعونة الظالمين‪ ،‬ومجاورة‬
‫الفاسقين‪ .‬احذروا فتنتهم وتباعدوا من ساحتهم‪ ،‬واعلموا أنه من خالف‬
‫أولياء ال ودان بغير دين ال واستبد بأمره دون أمر ولي ال في نار‬
‫تلتهب‪ ،‬تأكل أبدانا ]قد غابت عنها أرواحها[ غلبت عليها شقوتها ]فهم‬
‫موتى ل يجدون حر النار )‪ [(3‬فاعتبروا يا اولى البصار واحمدوا ال على‬
‫ما هداكم‪ .‬واعلموا أنكم ل تخرجون من قدرة ال إلى غير قدرته وسيرى‬
‫ال عملكم ثم إليه تحشرون فانتفعوا بالعظة وتأدبوا بآداب الصالحين‪- 12 .‬‬
‫جا )‪ :(4‬عن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن معروف عن‬
‫ابن مهزيار‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن ابن عطية‪ ،‬عن الثمالي قال‪ :‬ما سمعت‬
‫بأحد من الناس كان أزهد من علي بن الحسين عليهما السلم إل ما بلغني‬
‫عن علي بن أبي طالب عليه السلم‪ .‬ثم قال أبو حمزة‪ :‬كان علي بن‬
‫الحسين عليهما السلم إذا تكلم في الزهد ووعظ أبكى من بحضرته‪ ،‬قال‬
‫أبو حمزة‪ :‬فقرأت صحيفة فيها كلم زهد من كلم علي بن الحسين عليهما‬
‫السلم وكتبتها فيها وأتيته به فعرضته عليه فعرفه‪ ،‬وصححه وكان فيها‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم كفانا ال وإياكم كيد الظالمين ‪ -‬إلى آخر الخبر‪.‬‬

‫)‪ (1‬في الروضة " في اصلح أنفسكم "‪ (2) .‬في الروضة " من حقوق ال "‪(3) .‬‬
‫ما بين القوسين في الموضعين كان في هامش بعض نسخ المصدر‪ .‬وفى‬
‫الروضة " فهم موتى ل يجدون حر النار ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض‬
‫حر النار "‪ (4) .‬مجالس المفيد ص ‪.116‬‬

‫]‪[152‬‬

‫‪ - 13‬جا )‪ :(1‬عن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن‬
‫صفوان‪ ،‬عن ابن حازم‪ ،‬عن علي بن الحسين عليهما السلم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬ما من خطوة أحب إلى ال من خطوتين‪:‬‬
‫خطوة يسد بها صفا في سبيل ال تعالى‪ ،‬وخطوة إلى ذي رحم قاطع‬
‫يصلها‪ ،‬وما من جرعة أحب إلى ال من جرعتين‪ :‬جرعة غيظ يردها‬
‫مؤمن بحلم‪ ،‬وجرعة جزع يردها مؤمن بصبر‪ .‬وما من قطرة أحب إلى ال‬
‫من قطرتين‪ :‬قطرة دم في سبيل ال‪ ،‬وقطرة دمع في سواد الليل من خشية‬
‫ال‪ .‬كتاب الغايات )‪ (2‬عن أبي حمزة الثمالي قال‪ :‬سمعت علي بن الحسين‬
‫عليهما السلم يقول‪ :‬مامن خطوة ‪ -‬إلى آخر الحديث‪ - 14 .‬جا )‪ :(3‬عن‬
‫أحمد الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن أبي معروف‪ ،‬عن ابن مهزيار‪،‬‬
‫عن ابن حديد‪ ،‬عن علي بن النعمان رفعه قال‪ :‬كان علي بن الحسين‬
‫عليهما السلم يقول‪ :‬ويح من غلبت واحدته عشرته‪ ،‬وكان أبو عبد ال‬
‫عليه السلم يقول‪ :‬المغبون من غبن عمره ساعة بعد ساعة‪ ،‬وكان علي‬
‫بن الحسين عليهما السلم يقول‪ :‬أظهر اليأس من الناس فإن ذلك من‬
‫الغنى‪ ،‬وأقل طلب الحوائج إليهم فان ذلك فقر حاضر‪ ،‬وإياك وما يعتذر منه‪،‬‬
‫وصل صلة مودع‪ ،‬وإن استطعت أن تكون اليوم خيرا منك أمس وغدا‬
‫خيرا منك اليوم فافعل‪ - 15 .‬جا )‪ :(4‬بهذا السناد‪ ،‬عن ابن مهزيار‪ ،‬عن‬
‫علي بن النعمان‪ ،‬عن ابن مسكان‪ ،‬عن ابن فرقد‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬عن‬
‫أحدهما عليهما السلم أنه قال‪ :‬ويل لقوم ل يدينون ال بالمر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬وقال‪ :‬من قال‪ :‬ل إله إل ال فلن يلج ملكوت السماء‬
‫حتى يتم قوله بعمل صالح‪ ،‬ول دين لمن دان ال بطاعة الظالم‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫وكل القوم ألهاهم التكاثر حتى زاروا المقابر‪.‬‬

‫)‪ (1‬مجالس المفيد ص ‪ (2) .5‬مخطوط‪ (3) .‬المصدر ص ‪ (4) .108‬المصدر ص‬


‫‪.109‬‬

‫]‪[153‬‬

‫‪ - 16‬جا )‪ :(1‬بهذا السناد‪ ،‬عن ابن مهزيار‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن الثمالي قال‪:‬‬
‫سمعت علي بن الحسين عليهما السلم يقول‪ :‬من عمل بما افترض ال‬
‫عليه فهو من خير الناس‪ ،‬ومن اجتنب ما حرم ال عليه فهو من أعبد‬
‫الناس ومن أورع الناس‪ ،‬ومن قنع بما قسم ال له فهو من أغنى الناس‪.‬‬
‫‪ - 17‬عم )‪ :(2‬روي أن علي بن الحسين عليهما السلم رأى يوما الحسن‬
‫البصري وهو يقص عند الحجر السود فقال له عليه السلم أترضى يا‬
‫حسن نفسك للموت ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فعملك للحساب ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فثم دار‬
‫للعمل غير هذه الدار ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فلله في أرضه معاذ غير هذا البيت ؟‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فلم تشغل الناس عن الطواف‪ .‬وقيل له‪ :‬يوما إن الحسن‬
‫البصري قال‪ :‬ليس العجب ممن هلك كيف هلك ؟ وإنما العجب ممن نجا‬
‫كيف نجا‪ ،‬فقال عليه السلم‪ :‬أنا أقول‪ :‬ليس العجب ممن نجا كيف نجا وأما‬
‫العجب ممن هلك كيف هلك مع سعة رحمة ال‪ - 18 .‬كشف )‪ :(3‬عن أبي‬
‫الطفيل عامر بن واثلة قال‪ :‬كان علي بن الحسين عليهما السلم إذا تل هذه‬
‫الية " يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وكونوا مع الصادقين )‪ " (4‬يقول‬
‫اللهم ارفعني في أعلى درجات هذه الندبة‪ ،‬وأعني بعزم الرادة‪ ،‬وهبني‬
‫حسن المستعقب من نفسي‪ ،‬وخذني منها حتى تتجرد خواطر الدنيا عن‬
‫قلبي من برد خشيتي منك‪ ،‬وارزقني قلبا ولسانا يتجاريان في ذم الدنيا‬
‫وحسن التجافي منها حتى ل أقول إل صدقا )‪ (5‬وأرني مصاديق إجابتك‬
‫بحسن توفيقك حتى أكون في كل حال حيث أردت‪.‬‬

‫)‪ (1‬مجالس المفيد ص ‪ (2) 109‬اعلم الورى ص ‪ (3) .255‬كشف النعمة ج ‪2‬‬
‫ص ‪ (4) .306‬التوبة‪ (5) .119 :‬في المصدر " ال صدقت "‪.‬‬

‫]‪[154‬‬

‫فقد قرعت بي باب فضلك فاقة )‪ * (1‬بحد سنان نال قلبي فتوقها وحتى متى أصف‬
‫محن الدنيا ومقام الصديقين‪ ،‬وانتحل عزما من إرادة مقيم بمدرجة الخطايا‬
‫أشتكى ذل ملكة الدنيا وسوء أحكامها علي وقد رأيت وسمعت لو كنت‬
‫أسمع في أداة فهم أو أنظر بنور يقظه‪ .‬وكل القي نكبة وفجيعة * وكأس‬
‫مرارات ذعافا أذوقها )‪ (2‬وحتى متى أتعلل بالماني وأسكن إلى الغرور‬
‫واعبد نفسي للدنيا على غضاضة سوء العتداد من ملكاتها‪ ،‬وأنا أعرض‬
‫لنكبات الدهر علي أتربص اشتمال البقاء‪ ،‬وقوارع الموت تختلف حكمي‬
‫في نفسي ويعتدل حكم الدنيا‪ .‬وهن المنايا أي واد سلكته * عليها طريقي‬
‫أو علي طريقها وحتى متى تعدني الدنيا فتخلف‪ ،‬وأئتمنها فتخون‪ ،‬ل تحدث‬
‫جدة إل بخلوق جدة )‪ ،(3‬ول تجمع شمل إل بتفريق شمل حتى كأنها‬
‫غيرى محجبة ضنا تغار علي اللفة‪ ،‬وتحسد أهل النعم‪ .‬فقد آذنتني بانقطاع‬
‫وفرقة * وأومض لي من كل افق بروقها )‪ (4‬ومن أقطع عذرا من مغذ‬
‫سيرا )‪ (5‬يسكن إلى معرس غفلة بأدواء نبوة الدنيا )‪ (6‬ومرارة العيش‪،‬‬
‫وطيب نسيم الغرور‪ ،‬وقد أمرت تلك الحلوة على القرون الخالية وحال ذلك‬
‫النسيم هبوات )‪ (7‬وحسرات‪ ،‬وكانت حركات فسكنت‪ ،‬وذهب كل عالم بما‬
‫فيه‪.‬‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " قد فزعت إلى باب فضلك فاقة "‪ (2) .‬الذعاف ‪ -‬كغراب‪:‬‬
‫السم‪ (3) .‬الجدة بتشديد الدال ‪ :-‬الخرقة‪ .‬جدة الثوب‪ :‬كونه جديدا‪(4) .‬‬
‫أومض البرق‪ :‬لمع خفيفا وظهر‪ (5) .‬أغذ في السير‪ :‬أسرع‪(6) .‬‬
‫التعريس‪ :‬النزول في السفر في موضع للستراحة ثم الرتحال عنه‬
‫والموضع معرس‪ .‬والنبوة‪ :‬ما ارتفع من الرض يقال هو يشكو نبوة‬
‫الزمان وجفوته‪ (7) .‬الهبوات‪ :‬جمع الهبوة‪ :‬الغبار‪.‬‬

‫]‪[155‬‬

‫فما عيشة إل تزيد مرارة * ول ضيقة إل ويزداد ضيقها فكيف يرقا دمع لبيب أو‬
‫يهدأ طرف متوسم )‪ (1‬على سوء أحكام الدنيا وما تفجأ به أهلها من‬
‫تصرف الحالت‪ ،‬وسكون الحركات‪ ،‬وكيف يسكن إليها من يعرفها وهي‬
‫تفجع الباء بالبناء‪ ،‬وتلهى البناء عن الباء‪ ،‬تعدمهم أشجان قلوبهم )‪(2‬‬
‫وتسلبهم قرة عيونهم‪ .‬وترمي قساوات القلوب بأسهم * وجمر فراق ل‬
‫يبوخ حريقها )‪ (3‬وما عسيت أن أصف عن محن الدنيا‪ ،‬وأبلغ من كشف‬
‫الغطاء عما وكل به دور الفلك من علوم الغيوب ولست أذكر منها إل قتيل‬
‫أفنته‪ ،‬أو مغيب ضريح تجافت عنه )‪ (4‬فاعتبر أيها السامع بهلكات المم‪،‬‬
‫وزوال النقم‪ ،‬وفظاعة ما تسمع وترى من سوء آثارها في الديار الخالية‪،‬‬
‫والرسوم الفانية‪ ،‬والربوع الصموت )‪ .(5‬وكم عاقل أفنت فلم تبك شجوه )‬
‫‪ * (6‬ولبد أن تفنى سريعا لحوقها فانظر بعين قلبك إلى مصارع أهل البذخ‬
‫)‪ (7‬وتأمل معاقل الملوك‪ ،‬ومصانع الجبارين )‪ ،(8‬وكيف عركتهم الدنيا‬
‫بكلكل الفناء )‪ (9‬وجاهرتهم بالمنكرات‬

‫)‪ (1‬رقأ الدمع‪ :‬سكن وجف‪ .‬وهدأ‪ :‬سكن‪ (2) .‬الشجان جمع الشجن وهو الهم‬
‫والحزن‪ (3) .‬باخ النار أي سكن وخمد‪ (4) .‬تجافى‪ :‬أي تنحى ولم يلزم‬
‫مكانه ‪ -‬وبالفارسية يعنى پهلو خالي كرد‪ (5) .‬أي الدور الخاليات‪(6) .‬‬
‫في المصدر " وكم عالم أفنت "‪ .‬والشجو‪ :‬الهم والحزن‪ ،‬والحاجة يقال‬
‫" له عندي شجو " أي حاجة‪ ،‬والشوط من البكاء‪ (7) .‬البذخ‪ :‬الترفع‬
‫والتكبر‪ (8) .‬معاقل الملوك يحتمل أن يكون المراد كبراء الملوك وسادتهم‬
‫ويحتمل أن يكون المراد القصور والحصون‪ .‬ويحتمل كليهما‪ .‬وقوله "‬
‫مصانع الجبارين " معناه القصور والقرى والحصون والدور‪(9) .‬‬
‫عركته الدنيا أي حنكه‪ .‬والكل كل جمع الكلكل‪ :‬الصدر أو ما بين‬
‫الترقوتين‪.‬‬

‫]‪[156‬‬

‫وسحبت عليهم أذيال البوار‪ ،‬وطحنتهم طحن الرحى للحب‪ ،‬واستودعتهم هوج‬
‫الرياح )‪ (1‬تسحب عليهم أذيالها فوق مصارعهم في فلوات الرض‪ .‬فتلك‬
‫مغانيهم وهذي قبورهم )‪ * (2‬توارثها أعصارها وقبورها أيها المجتهد في‬
‫آثار من مضى من قبلك من امم السالفة‪ ،‬توقف وتفهم‪ ،‬وانظر أي عز ملك‬
‫أو نعيم انس أو بشاشة ألف إل نغصت أهله قرة أعينهم‪ ،‬وفرقتهم أيدي‬
‫المنون‪ ،‬فألحقتهم بتجافيف التراب فأضحوا في فجوات قبورهم يتقلبون‬
‫وفي بطون الهلكات عظاما ورفاتا وصلصال في الرض هامدون )‪.(3‬‬
‫وآليت ل تبقى الليالي بشاشة )‪ * (4‬ول جدة إل سريعا خلوقها وفي مطالع‬
‫أهل البرزخ‪ ،‬وخمود تلك الرقدة‪ ،‬وطول تلك القامة طفيت مصابيح النظر‪،‬‬
‫واضمحلت غوامض الفكر‪ ،‬وذم الغفول أهل العقول‪ ،‬وكم بقيت متلذذا في‬
‫طوامس هوامد تلك الغرفات فنوهت بأسماء الملوك‪ ،‬وهتفت بالجبارين )‬
‫‪ (5‬ودعوت الطباء والحكماء‪ ،‬وناديت معادن الرسالة والنبياء‪ ،‬أتململ‬
‫تململ السليم )‪ (6‬وأبكي بكاء الحزين‪ ،‬انادي ولت حين مناص )‪ .(7‬سوى‬
‫أنهم كانوا فبانوا وأنني * على جدد قصد سريعا لحوقها وتذكرت مراتب‬
‫الفهم‪ ،‬وغضاضة فطن العقول‪ ،‬بتذكر قلب جريح‪،‬‬

‫)‪ (1‬الهوج جمع الهوجاء وهى من الرياح التى ل تستوى في هبوبها وتقلع البيوت‪.‬‬
‫)‪ (2‬المغانى‪ :‬المواضع والمنازل‪ (3) .‬الهامد‪ :‬البالى‪ (4) .‬آليت أي‬
‫حلفت‪ .‬والبشاشة السرور والبتهاج‪ (5) .‬طمس الشئ‪ :‬درس وانمحى‪،‬‬
‫ونوه الشئ من باب التفعيل ‪ -‬رفعه‪ ،‬أو دعاه برفع الصوت‪ ،‬أو رفع ذكره‪.‬‬
‫وهتف الحمامة أي صاتت أو مدت صوتها‪ .‬وهتفت الحمامة‪ :‬ناحت‪(6) .‬‬
‫تململ أي تقلب على فراشه مرضا أو غما‪ .‬والسليم‪ :‬اللديغ أو الجريح‬
‫المشرف على الموت‪ (7) .‬المناص‪ :‬الخلص الغضاضة‪ :‬الذلة‬
‫والمنقصة‪.‬‬

‫]‪[157‬‬

‫فصدعت الدنيا عما التذ بنواظر فكرها من سوء الغفلة‪ ،‬ومن عجب كيف يسكن إليها‬
‫من يعرفها‪ ،‬وقد استذهلت عقله بسكونها‪ ،‬وتزين المعاذير وخسأت‬
‫أبصارهم عن عيب التدبير‪ ،‬وكلما تراءت اليات ونشرها من طي الدهر‪،‬‬
‫عن القرون الخالية الماضية‪ ،‬وحالهم ومآلهم‪ ،‬وكيف كانوا وما الدنيا‬
‫وغرور اليام‪ .‬وهل هي إل لوعة من ورائها * جوى قاتل أو حتف نفس‬
‫يسوقها )‪ (1‬وقد أغرق في ذم الدنيا الدلء على طرق النجاة من كل عالم‪،‬‬
‫فبكت العيون شجن القلوب فيها دما‪ ،‬ثم درست تلك المعالم فتنكرت الثار‪،‬‬
‫وجعلت في برهة من محن الدنيا وتفرقت ورثة الحكمة‪ ،‬وبقيت فردا كقرن‬
‫العضب )‪ (2‬وحيدا أقول فل أجد سميعا‪ ،‬وأتوجع فل أجد مشتكى‪ .‬وإن‬
‫أبكهم أجرض وكيف تجلدي * وفي القلب مني لوعة ل اطيقها )‪ (3‬وحتى‬
‫متى أتذكر حلوة مذاق الدنيا‪ ،‬وعذوبة مشارب أيامها‪ ،‬وأقتفي آثار‬
‫المريدين‪ ،‬وأتنسم أرواح الماضين )‪ (4‬مع سبقهم إلى الغل والفساد‪،‬‬
‫وتخلفي عنهم في فضالة طرق الدنيا منقطعا من الخلء‪ ،‬فزادني جليل‬
‫الخطب لفقدهم جوى وخانني الصبر حتى كأنني أول ممتحن‪ ،‬أتذكر معارف‬
‫الدنيا وفراق الحبة‪ .‬فلو رجعت تلك الليالي كعهدها * رأت أهلها في‬
‫صورة ل تروقها فمن أخص بمعاتبتي ؟ ومن أرشد بندبتي‪ ،‬ومن أبكى‪،‬‬
‫ومن أدع أشجو بهلكة الموات‪ ،‬أم بسوء خلف الحياء‪ ،‬وكل يبعث حزني‬
‫ويستأثر بعبراتي ومن يسعدني فأبكي وقد سلبت القلوب لبها‪ ،‬ورق الدمع‪،‬‬
‫وحق للداء أن يذوب على طول مجانبة الطباء‪ ،‬وكيف بهم وقد خالفوا‬
‫المرين‪ ،‬وسبقهم زمان الهادين‪ ،‬ووكلوا إلى أنفسهم يتنسكون في‬
‫الضللت في دياجير الظلمات‪.‬‬

‫)‪ (1‬الجوى‪ .‬الحرقة وشدة الحزن وتطاول المرض‪ (2) .‬العضب‪ :‬الظبى الذى‬
‫انكسر احد قرينه‪ (3) .‬أجرض أي أهلك‪ .‬واللوعة‪ :‬الحرق وألمه‪ (4) .‬في‬
‫بعض النسخ " أرواح الصالحين "‪.‬‬

‫]‪[158‬‬
‫حيارى وليل القوم داج نجومه * طوامس ل تجري بطئ خفوقها )‪ (1‬وقال عليه‬
‫السلم‪ (2) :‬من ضحك ضحكة مج من عقله مجة علم‪ .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫إن الجسد إذا لم يمرض يأشر‪ ،‬ول خير في جسد يأشر )‪ .(3‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬فقد الحبة غربة‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من قنع بما قسم ال له فهو‬
‫من أغنى الناس‪ - 10 .‬كتاب نثر الدرر )‪ (4‬لمنصور بن الحسن البي‪ :‬نظر‬
‫علي بن الحسين عليهما السلم إلى سائل يبكي فقال‪ :‬لو أن الدنيا كانت في‬
‫كف هذا‪ ،‬ثم سقطت منه ما كان ينبغي له أن يبكي عليها‪ .‬وسئل عليه‬
‫السلم‪ - :‬لم ‪ -‬اوتم النبي صلى ال عليه وآله من أبويه ؟ فقال‪ :‬لئل يوجب‬
‫عليه حق المخلوق )‪ .(5‬وقال لبنه‪ :‬يا بني إياك ومعاداة الرجال فإنه لن‬
‫يعدمك )‪ (6‬مكر حليم أو مفاجأة لئيم‪ .‬وبغله عليه السلم قول نافع بن جبير‬
‫)‪ (7‬في معاوية حيث قال‪ :‬كان يسكته الحلم وينطقه العلم‪ ،‬فقال‪ :‬كذب بل‬
‫كان يسكته الحصر وينطقه البطر‪ .‬وقيل له‪ :‬من أعظم الناس خطرا قال‪:‬‬
‫من لم ير للدنيا خطرا لنفسه‪ .‬قال وروي لنا الصاحب )ره(‪ ،‬عن أبي محمد‬
‫الجعفري‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عمه جعفر‪ ،‬عن أبيه عليهم السلم قال‪ :‬قال رجل‬
‫لعلي بن الحسين عليهما السلم‪ :‬ما أشد بغض‬

‫)‪ (1‬خفق النجم‪ :‬غاب‪ .‬والليل‪ :‬ذهب أكثره‪ .‬والطائر‪ :‬طار‪ .‬الرجل في البلد‪ :‬ذهب‪) .‬‬
‫‪ (2‬كشف الغمة ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .314‬أشر يأشر أي بطر ومرح‪(4) .‬‬
‫مخطوط‪ (5) .‬يعنى في وجوب الطاعة‪ (6) .‬في كتاب نزهة الناظر‬
‫للحلواني ص ‪ " 32‬فانك لن تعدم "‪ (7) .‬نافع بن جبير بن مطعم النوفلي‬
‫يكنى أبا محمد أو أبا عبد ال المدنى مات سنة تسع وتسعين‪.‬‬

‫]‪[159‬‬

‫قريش لبيك ؟ قال‪ :‬لنه أورد أولهم النار وألزم آخرهم العار‪ ،‬قال ثم جرى ذكر‬
‫المعاصي فقال‪ :‬عجبت لمن يحتمي عن الطعام لمضرته‪ ،‬ول يحتمي من من‬
‫الذنب لمعرته )‪ .(1‬وقيل له عليه السلم‪ :‬كيف أصبحت قال‪ :‬أصبحنا‬
‫خائفين برسول ال وأصبح جميع أهل السلم آمنين به‪ .‬وسمع عليه‬
‫السلم رجل كان يغشاه )‪ (2‬يذكر رجل بسوء‪ ،‬فقال‪ :‬إياك والغيبة فإنه إدام‬
‫كلب النار‪ .‬ومما أورد محمد بن الحسن بن حمدون في كتاب التذكرة من‬
‫كلمه عليه السلم قال‪ :‬ل يهلك مؤمن بين ثلث خصال‪ :‬شهادة أن ل إله‬
‫إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬وشفاعة رسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬وسعة‬
‫رحمة ال عزوجل‪ .‬خف ال عزوجل لقدرته عليك‪ ،‬واستحي منه لقربه‬
‫منك‪ ،‬إذا صليت صل صلة مودع‪ ،‬وإياك وما يعتذر منه‪ ،‬وخف ال خوفا‬
‫ليس بالتعذير‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬إياك والبتهاج بالذنب فان البتهاج به‬
‫أعظم من ركوبه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬هلك من ليس له حكيم يرشده‪ ،‬وذل‬
‫من ليس له سفيه يعضده‪ - 19 .‬ضه‪ :(3) :‬قال علي بن الحسين عليهما‬
‫السلم‪ :‬مليك عزيز ل يرد قضاؤه * عليم حكيم نافذ المر قاهر عنا كل ذي‬
‫عز لعزة وجهه * فكل عزيز للمهيمن صاغر )‪ (4‬لقد خشعت واستسلمت‬
‫وتضاءلت )‪ * (5‬لعزة ذي العرش الملوك الجبابر وفي دون ما عاينت من‬
‫فجعاتها * إلى رفضها داع وبالزهد آمر‬

‫)‪ (1‬المعرة‪ :‬الثم والمساءة‪ ،‬والذى والجناية‪ (2) .‬غشى يغشى غشيا‪ .‬المر فلنا‪:‬‬
‫غطاه وحل به‪ ،‬والمكان‪ :‬أتاه‪ (3) .‬روضة الواعظين ص ‪ (4) .523‬عنا‬
‫يعنو له أي خضع وذل‪ (5) .‬تضاءل أي صغر وضعف وتصاغر وتقاصر‪.‬‬
‫وفى المصدر " تصغرت "‬

‫]‪[160‬‬

‫فجد ول تغفل فعيشك زائل * وأنت إلى دار المنية صائر ول تطلب الدنيا فإن طلبها‬
‫* فإن نلت منها غبها لك ضائر ‪ - 20‬ختص )‪ :(1‬قال‪ :‬جاء رجل إلى علي‬
‫بن الحسين عليهما السلم يشكو إليه حاله فقال‪ :‬مسكين ابن آدم له في كل‬
‫يوم ثلث مصائب ل يعتبر بواحدة منهن ولو اعتبر لهانت عليه المصائب‬
‫وأمر الدنيا‪ ،‬فأما المصيبة الولى فاليوم الذي ينقص من عمره‪ ،‬قال‪ :‬وإن‬
‫ناله نقصان في ماله اغتم به‪ ،‬والدرهم يخلف عنه والعمر ل يرده شئ‪،‬‬
‫والثانية أنه يستوفى رزقه‪ ،‬فان كان حلل حوسب عليه‪ ،‬وإن كان حراما‬
‫عوقب عليه‪ ،‬قال‪ :‬والثالثة أعظم من ذلك قيل‪ :‬وما هي قال‪ :‬مامن يوم‬
‫يمسي إل وقد دنى من الخرة مرحلة ل يدري على الجنة أم على النار‪.‬‬
‫وقال‪ :‬أكبر ما يكون ابن آدم اليوم الذي يلد من امه‪ .‬قالت الحكماء‪ :‬ما‬
‫سبقه إلى هذا أحد‪ - 21 .‬اعلم الدين )‪ (2‬قال علي بن الحسين عليهما‬
‫السلم‪ :‬ل يهلك مؤمن بين ثلث خصال‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال وحده ل‬
‫شريك له وشفاعة رسول ال صلى ال عليه وآله وسعة رحمة ال‪ .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬خف ال تعالى لقدرته عليك واستحي منه لقربه منك‪ .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬ل تعادين أحدا وإن ظننت أنه ل يضرك‪ ،‬ول تزهدن في‬
‫صداقة أحد وإن ظننت أنه ل ينفعك فإنه ل تدري متى تخاف عدوك‪ ،‬ومتى‬
‫ترجو صديقك‪ .‬وإذا صليت فصل صلة مودع‪ .‬وقال عليه السلم في جواب‬
‫من قال‪ :‬إن معاوية يسكته الحلم وينطقه العلم‪ ،‬فقال‪ :‬بل كان يسكته‬
‫الحصر وينطقه البطر‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬لكل شئ فاكهة وفاكهة السمع‬
‫الكلم الحسن‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من رمى الناس بما فيهم رموه بما ليس‬
‫فيه‪ ،‬ومن لم يعرف داءه‬

‫)‪ (1‬الختصاص ص ‪ (2) .342‬مخطوط‪.‬‬


‫]‪[161‬‬

‫أفسده دواؤه‪ .‬وقال عليه السلم لولده محمد الباقر عليه السلم‪ :‬كف الذى رفض‬
‫البذاء )‪ ،(1‬واستعن على الكلم بالسكوت‪ ،‬فإن للقول حالت تضر‪ ،‬فاحذر‬
‫الحمق‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل تمتنع من ترك القبيح وإن كنت قد عرفت به‬
‫ول تزهد في مراجعة الجهل‪ ،‬وإن كنت قد شهرت بخلفه وإياك والرضا‬
‫بالذنب فإنه أعظم من ركوبه‪ ،‬والشرف في التواضع‪ ،‬والغنى في القناعة‪.‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬ما استغنى أحد بال إل افتقر الناس إليه‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬خير مفاتيح المور الصدق‪ ،‬وخير خواتيمها الوفاء‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬كل عين ساهرة )‪ (2‬يوم القيامة إل ثلث عيون‪ :‬عين سهرت في‬
‫سبيل ال‪ ،‬وعين غضت عن محارم ال‪ ،‬وعين فاضت من خشية ال‪ .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬الكريم يبتهج بفضله‪ ،‬واللئيم يفتخر بملكه‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬إياك والغيبة فإنها إدام كلب النار‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من اتكل‬
‫على حسن اختيار ال عزوجل لم يتمن أنه في حال غير حال التي اختارها‬
‫ال له‪ .‬قيل‪ :‬تشاجر هو عليه السلم وبعض الناس في مسائل من الفقه‬
‫فقال عليه السلم‪ :‬يا هذا إنك لو صرت إلى منازلنا لريناك آثار جبرئيل في‬
‫رحالنا‪ ،‬أفيكون أحد أعلم بالسنة منا‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا صلى تبرز إلى‬
‫مكان خشن يتخفى ويصلى فيه‪ ،‬وكان كثير البكاء‪ ،‬قال‪ :‬فخرج يوما في حر‬
‫شديد إلى الجبال ليصلي فيه فتبعه مولى له‪ ،‬وهو ساجد على الحجارة وهي‬
‫خشنة حارة وهو يبكي فجلس موله حتى فرغ فرفع رأسه فكأنه قد غمس‬
‫رأسه ووجهه في الماء من كثرة الدموع فقال له موله‪ :‬يا مولي أما آن‬
‫لحزنك أن ينقضي ؟ فقال‪ :‬ويحك إن يعقوب نبي بن نبي كان له‬

‫)‪ (1‬البذاء‪ :‬الكلم القبيح والفحش‪ (2) .‬العين الساهرة هي العين التى لم تنم ليل‪.‬‬

‫]‪[162‬‬

‫اثنى عشر ولدا فغيب عنه واحد منهم فبكى حتى ذهب بصره واحد ودب ظهره‬
‫وشاب رأسه من الغم‪ ،‬وكان ابنه حيا يرجو لقاءه‪ ،‬فإني رأيت أبي وأخي‬
‫وأعمامي وبني عمي ثمانية عشر مقتلين صرعى تسفي عليهم الريح‬
‫فكيف ينقضي حزني وترقأ عبرتي‪) * .22 .‬باب( * * " )وصايا الباقر‬
‫عليه السلم( " * ‪ - 1‬ف )‪ :(1‬وصيته عليه السلم لجابر بن يزيد الجعفي‬
‫)‪ (2‬روي عنه عليه السلم أنه قال له‪ :‬يا جابر اغتنم من أهل زمانك‬
‫خمسا‪ :‬إن حضرت لم تعرف‪ .‬وإن غبت لم تفتقد‪ .‬وإن شهدت لم تشاور‪.‬‬
‫وإن قلت لم يقبل قولك‪ .‬وإن خطبت لم تزوج‪ .‬واوصيك بخمس‪ :‬إن ظلمت‬
‫فل تظلم‪ ،‬وإن خانوك فل تخن‪ .‬وإن كذبت فل تغضب‪ .‬وإن مدحت فلل‬
‫تفرح‪ .‬وإن ذممت فل تجزع‪ .‬وفكر فيما قيل فيك‪ ،‬فإن عرفت من نفسك ما‬
‫قيل فيك فسقوطك من عين ال عزوجل عند غضبك من الحق أعظم عليك‬
‫مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس‪ .‬وإن كنت على خلف على‬
‫قيل فيك‪ ،‬فثواب اكتسبته من غير أن يتعب بدنك‪ .‬واعلم بأنك ل تكون لنا‬
‫وليا حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا‪ :‬إنك رجل سوء لم يحزنك‬
‫ذلك‪ ،‬ولو قالوا‪ :‬إنك رجل صالح لم يسرك‬

‫)‪ (1‬التحف ص ‪ (2) .284‬الجعفي ‪ -‬على زنة الكرسي ‪ :-‬نسبة إلى جعف بن سعد‬
‫العشيرة بن مذحج أبى حى باليمن‪ .‬وهو جابر بن يزيد بن الحرث بن عبد‬
‫يغوث الجعفي من اصحاب الباقر والصادق عليها السلم وخدم المام أبا‬
‫جعفر عليه السلم سنينا متوالية مات رحمه ال في أيام الصادق عليه‬
‫السلم سنة ثمان وعشرين ومائة‪.‬‬

‫]‪[163‬‬

‫ذلك ولكن أعرض نفسك على ]ما في[ كتاب ال‪ ،‬فإن كنت سالكا سبيله‪ ،‬زاهدا في‬
‫تزهيده‪ ،‬راغبا في ترغيبه‪ ،‬خائفا من تخويفه فاثبت وأبشر‪ ،‬فإنه ل يضرك‬
‫ما قيل فيك‪ .‬وإن كنت مبائنا للقرآن فماذا الذي يغرك من نفسك‪ .‬إن المؤمن‬
‫معنى بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها فمرة يقيم أودها )‪ (1‬ويخالف‬
‫هواها في محبة ال‪ ،‬ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه ال فينتعش‬
‫)‪ (2‬ويقيل ال عثرته فيتذكر‪ ،‬ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة‬
‫ومعرفة لما زيد فيه من الخوف‪ ،‬وذلك بأن ال يقول‪ " :‬إن الذين اتقوا إذا‬
‫مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون )‪ " (3‬يا جابر استكثر‬
‫لنفسك من ال قليل الرزق تخلصا إلى الشكر‪ ،‬واستقلل من نفسك كثير‬
‫الطاعة ل إزراء على النفس )‪ (4‬وتعرضا للعفو‪ ،‬وادفع عن نفسك حاضر‬
‫الشر بحاضر العلم‪ ،‬واستعمل حاضر العلم بخالص العمل‪ ،‬وتحرز في‬
‫خالص العمل من عظيم الغفلة بشدة التيقظ‪ ،‬واستجلب شدة التيقظ بصدق‬
‫الخوف‪ ،‬و احذر خفي التزين )‪ (5‬بحاضر الحياة‪ ،‬وتوق مجازفة الهوى‬
‫بدللة العقل )‪ (6‬وقف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم‪ ،‬واستبق خالص‬
‫العمال ليوم الجزاء‪ ،‬وانزل ساحة‬

‫)‪ (1‬الود ‪ -‬محركة ‪ :-‬العوج‪ .‬وقد يأتي بمعنى القوة‪ (2) .‬نعشه ال‪ :‬رفعه وأقامه‬
‫وتداركه من هلكة وسقطة‪ .‬وينعش أي ينهض ‪ -‬وينشط‪ (3) .‬سورة‬
‫العراف‪ .200 :‬والطائف فاعل من طاف يطوف أي الخيال والوسوسة‪) .‬‬
‫‪ (4‬أزرى على النفس‪ :‬عابها وعاتبها‪ .‬ويحتمل أن يكون‪ :‬ازدراء ‪ -‬من‬
‫باب الفتعال ‪ -‬أي احتقارا واستخفافا‪ (5) .‬وفى بعض النسخ " خفى‬
‫الرين " أي الدنس‪ (6) .‬جازف في كلمه‪ :‬تكلم بدون تبصر وبل روية‪.‬‬
‫وجازف في البيع‪ :‬بايعه بل كيل ول وزن ول عدد‪ ،‬وجازف بنفسه‪ :‬خاطر‬
‫بها‪.‬‬

‫]‪[164‬‬

‫القناعة باتقاء الحرص )‪ (1‬وادفع عظيم الحرص بإيثار القناعة‪ ،‬واستجلب حلوة‬
‫الزهادة بقصر المل‪ ،‬واقطع أسباب الطمع ببرد اليأس‪ ،‬وسد سبيل العجب‬
‫بمعرفة النفس‪ ،‬وتخلص إلى راحة النفس بصحة التفويض‪ ،‬واطلب راحة‬
‫البدن بإجمام القلب )‪ (2‬وتخلص إلى إجمام القلب بقلة الخطأ‪ ،‬وتعرض‬
‫لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات‪ ،‬واستجلب نور القلب بدوام الحزن‪،‬‬
‫وتحرز من إبليس بالخوف الصادق‪ ،‬وإياك والرجاء الكاذب‪ ،‬فإنه يوقعك‬
‫في الخوف الصادق وتزين ل عزوجل بالصدق في العمال‪ ،‬وتحبب إليه‬
‫بتعجيل النتقال‪ ،‬و إياك والتسويف فإنه بحر يغرق فيه الهلكي‪ ،‬وإياك‬
‫والغفلة ففيها تكون قساوة القلب‪ ،‬وإياك والتواني فيما ل عذر لك فيه‪،‬‬
‫فإليه يلجأ النادمون‪ ،‬واسترجع سالف الذنوب بشدة الندم وكثرة الستغفار‪،‬‬
‫وتعرض للرحمة وعفو ال بحسن المراجعة‪ ،‬واستعن على حسن المراجعة‬
‫بخالص الدعاء والمناجات في الظلم‪ ،‬و تخلص إلى عظيم الشكر باستكثار‬
‫قليل الرزق واستقلل كثير الطاعة‪ ،‬واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر‪،‬‬
‫وتوسل إلى عظيم الشكر بخوف زوال النعم‪ ،‬واطلب بقاء العز بإماتة‬
‫الطمع‪ ،‬وادفع ذل الطمع بعز اليأس‪ ،‬واستجلب عز اليأس ببعد الهمة‪،‬‬
‫وتزود من الدنيا بقصر المل‪ ،‬وبادر بإنتهاز البغية )‪ (3‬عند إمكان‬
‫الفرصة‪ ،‬ول إمكان كاليام الخالية مع صحة البدان‪ ،‬وإياك والثقة بغير‬
‫المأمون فإن للشر ضراوة كضراوة الغذاء‪ (4) .‬واعلم أنه ل علم كطلب‬
‫السلمة‪ ،‬ول سلمة كسلمة القلب‪ ،‬ول عقل كمخالفة الهوى‪ .‬ول خوف‬
‫كخوف حاجز‪ ،‬ول رجاء كرجاء معين‪ ،‬ول فقر‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " وانزل ساعة القناعة بانفاء الحرص "‪ (2) .‬الجمام ‪-‬‬
‫بالفتح ‪ :-‬الراحة‪ .‬وأجم نفسه أي أتركها‪ (3) .‬البغية‪ :‬مصدر بغى الشئ‬
‫أي طلبه‪ .‬وانتهاز البغية‪ :‬اغتنامها والنهوض إليها مبادرا‪ (4) .‬الضراوة‪:‬‬
‫العتياد‪ ،‬مصدر ضرى بالشئ‪ :‬أي اعتاده‪.‬‬

‫]‪[165‬‬

‫كفقر القلب‪ ،‬ول غنى كغنى النفس‪ ،‬ول قوة كغلبة الهوى‪ ،‬ول نور كنور اليقين ول‬
‫يقين كاستصغارك الدنيا‪ ،‬ول معرفة كمعرفتك بنفسك‪ ،‬ول نعمة كالعافية‪،‬‬
‫ول عافية كمساعدة التوفيق‪ ،‬ول شرف كبعد الهمة‪ ،‬ول زهد كقصر المل‪،‬‬
‫ول حرص كالمنافسة في الدرجات )‪ (1‬ول عدل كالنصاف‪ ،‬ول تعدي‬
‫كالجور‪ ،‬ول جور كموافقة الهوى‪ ،‬ول طاعة كأداء الفرائض‪ ،‬ول خوف‬
‫كالحزن‪ ،‬ول مصيبة كعدم العقل‪ ،‬ول عدم عقل كقلة اليقين‪ ،‬ول قلة يقين‬
‫كفقد الخوف‪ ،‬ول فقد خوف كقلة الحزن على فقد الخوف‪ ،‬ول مصيبة‬
‫كاستهانتك بالذنب ورضاك بالحالة التي أنت عليها‪ ،‬ول فضيلة كالجهاد‪،‬‬
‫ول جهاد كمجاهدة الهوى‪ ،‬ول قوة كرد الغضب‪ ،‬ول معصية كحب البقاء )‬
‫‪ (2‬ولذل كذل الطمع‪ ،‬وإياك والتفريط عند إمكان الفرصة‪ ،‬فإنه ميدان‬
‫يجري لهله بالخسران‪ - 2 .‬ف )‪ :(3‬ومن كلمه عليه السلم لجابر أيضا‬
‫خرج يوما وهو يقول‪ :‬أصبحت وال يا جابر محزونا مشغول القلب‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫جعلت فداك ما حزنك وشغل قلبك كل هذا علي الدنيا ؟ فقال عليه السلم‪ :‬ل‬
‫يا جابر ولكن حزن هم الخرة‪ ،‬يا جابر من دخل قلبه خالص حقيقة اليمان‬
‫شغل عما في الدنيا من زينتها‪ ،‬إن زينة زهرة الدنيا إنما هو لعب ولهو‪،‬‬
‫وإن الدار الخرة لهي الحيوان‪ .‬يا جابر إن المؤمن ل ينبغي له أن يركن‬
‫ويطمئن إلى زهرة الحياة الدنيا‪ .‬واعلم أن أبناء الدنيا هم أهل غفلة وغرور‬
‫وجهالة‪ ،‬وأن أبناء الخرة هم المؤمنون العاملون الزاهدون‪ ،‬أهل العلم‬
‫والفقه‪ ،‬وأهل فكرة واعتبار واختبار‪ ،‬ل يملون من ذكر ال‪.‬‬

‫)‪ (1‬المنافسة‪ :‬المفاخرة والمباراة‪ (2) .‬يعنى البقاء في هذه الدنيا الدنية لستلزامه‬
‫البعد عن جوار الرب تعالى‪ (3) .‬التحف ص ‪ 286‬ورواه الكليني في‬
‫الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 133‬عن ابى عبد ال المؤمن عن جابر " قال‪ :‬دخلت‬
‫على ابى جعفر عليه السلم فقال‪ :‬يا جابر وال انى لمحزون و انى‬
‫لمشغول القلب‪ ...‬الخ " ورواه على بن عيسى الربلي في كشف الغمة‬
‫أيضا مع اختلف‪.‬‬

‫]‪[166‬‬

‫واعلم يا جابر أن أهل التقوى هم الغنياء‪ ،‬أغناهم القليل من الدنيا فمؤونتهم‬


‫يسيرة‪ ،‬إن نسيت الخير ذكروك‪ ،‬وإن عملت به أعانوك‪ .‬أخروا شهواتهم‬
‫ولذاتهم خلفهم وقدموا طاعة ربهم أمامهم‪ ،‬ونظروا إلى سبيل الخير وإلى‬
‫ولية أحباء ال فأحبوهم‪ ،‬وتولوهم واتبعوهم‪ .‬فأنزل نفسك من الدنيا كمثل‬
‫منزل نزلته ساعة ثم ارتحلت عنه‪ ،‬أو كمثل مال استفدته في منامك ففرحت‬
‫به وسررت ثم انتبهت )‪ (1‬من رقدتك وليس في يدك شئ‪ ،‬وإني إنما‬
‫ضربت لك مثل )‪ (2‬لتعقل وتعمل به إن وفقك ال له‪ .‬فاحفظ يا جابر ما‬
‫استودعك )‪ (3‬من دين ال وحكمته‪ :‬وانصح لنفسك‪ ،‬وانظر ما ال عندك‬
‫في حياتك‪ ،‬فكذلك يكون لك العهد عنده في مرجعك‪ ،‬وانظر فإن تكن الدنيا‬
‫عندك على ]غير[ ما وصفت لك فتحول عنها إلى دار المستعتب اليوم )‪،(4‬‬
‫فلرب حريص على أمر من امور الدنيا قد ناله‪ ،‬فلما ناله كان عليه وبال‬
‫وشقي به‪ ،‬ولرب كاره لمر من امور الخرة قد ناله فسعد به‪ - 3 .‬ف )‪:(5‬‬
‫ومن كلمه عليه السلم في أحكام السيوف سأله رجل من شيعته عن‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " استنبهت " وفى الكافي والكشف " استيقظت "‪ (2) .‬في‬
‫الكافي " هذا مثل "‪ (3) .‬في بعض النسخ " ما استودعتك " وفى‬
‫الكافي والكشف " ما استرعاك "‪ (4) .‬قال الفيض رحمه ال‪ :‬أي ان تكن‬
‫الدنيا عندك على غير ما وصفت لك فتكون تطمئن إليها فعليك أن تتحول‬
‫فيها إلى دار ترضى فيها ربك يعنى أن تكون في الدنيا ببدنك وفى الخرة‬
‫بروحك تسعى في فكاك رقبتك وتحصيل رضا بك حتى يأتيك الموت‪.‬‬
‫وليست في ‪ -‬بعض النسخ لفظة " غير " وعلى هذا فل حاجة إلى التكلف‬
‫في معناه‪ .‬والستعتاب السترضاء‪ (5) .‬التحف ص ‪ 288‬ورواه الكليني‬
‫)ره( في الكافي ج ‪ 5‬ص ‪ 8‬عن على بن ابراهيم عن أبيه عن القاسم بن‬
‫محمد وعلى بن محمد القاسانى عن المنقرى عن حفص بن غياث عن‬
‫أبى عبد ال عليه السلم قال‪ " :‬سأل رجل عن حروب أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم وكان القائل من محبينا فقال‪ :‬بعث ال محمدا صلى ال عليه‬
‫وآله بخمسة أسياف ‪ -‬الخ "‪ .‬ورواه شيخ الطائفة )ره( أيضا في التهذيب‬
‫ص ‪ 46‬من المجلد الثاني والصدوق )ره( في الخصال‪.‬‬

‫]‪[167‬‬

‫حروب أمير المؤمنين صلوات ال عليه فقال عليه السلم له‪ :‬بعث ال محمدا صلى‬
‫ال عليه وآله بخمسة أسياف‪ :‬ثلثة منها شاهرة ل تغمد )‪ (1‬حتى تضع‬
‫الحرب أو زارها‪ ،‬ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من‬
‫مغربها‪ ،‬فإذا طلعت الشمس من مغربها أمن الناس كلهم في ذلك اليوم‪،‬‬
‫فيومئذ ل ينفع نفسا إيمانها لم تكن أمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا‬
‫)‪ .(2‬وسيف مكفوف )‪ (3‬وسيف منها مغمود‪ ،‬سله إلى غيرنا وحكمه إلينا‪.‬‬
‫فأما السيوف الثلثة الشاهرة‪ :‬فسيف على مشركي العرب قال ال عزوجل‬
‫" اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل‬
‫مرصد )‪ " ." (4‬فإن تابوا )أي آمنوا( وأقاموا الصلوة وآتوا الزكوة‬
‫فإخوانكم في الدين )‪ " (5‬هؤلء ل يقبل منهم إل القتل أو الدخول في‬
‫السلم وأموالهم فيئ‪ ،‬وزراريهم سبي على ماسن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله فإنه سبي وعفا وقبل الفداء‪ .‬والسيف الثاني على أهل الذمة قال‬
‫ال سبحانه‪ " :‬وقولوا للناس حسنا )‪ " (6‬نزلت هذه الية في أهل الذمة‬
‫ونسخها قوله‪ " :‬قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحرمون‬
‫ما حرم ال ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين‬

‫)‪ (1‬الشاهرة‪ :‬المجردة من الغمد‪ .‬وقوله‪ " .‬حتى تضع الحرب أوزارها " أي‬
‫ينقضى‪ .‬والوزار‪ :‬اللت والثقال‪ .‬ولعل طلوع الشمس من مغربها كناية‬
‫عن أشراط الساعة وقيام القيامة‪ .‬كما قاله الفيض رحمه ال في الوافى‪) .‬‬
‫‪ (2‬قوله‪ " :‬كسبت في ايمانها خيرا " أي ل ينفع يومئذ نفسا غير مقدمة‬
‫ايمانها أو مقدمة ايمانها غير كاسبة في ايمانها خيرا‪ (3) .‬في بعض‬
‫النسخ " وسيف ملفوف " وكذا في تفسيره‪ .‬ومغمود أي مستور في‬
‫غلفه‪ .‬وسله‪ :‬اخراجه من غلفه‪ (4) .‬سورة التوبة‪ (5) .5 :‬سورة‬
‫التوبة‪ (6) .11 :‬سورة البقرة‪.78 :‬‬

‫]‪[168‬‬

‫اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون )‪ " (1‬فمن كان منهم في‬
‫دار السلم فلن يقبل منهم إل الجزية أو القتل وما لهم فيئ‪ .‬وذراريهم‬
‫سبي‪ ،‬فإذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم‪ ،‬وحرمت أموالهم‪،‬‬
‫وحلت لنا مناكحهم )‪ (2‬ومن كان منهم في دار الحرب حل لنا سبيهم‬
‫وأموالهم‪ ،‬ولم تحل لنا مناكحتهم‪ ،‬ولم يقبل منهم إل دخول دار السلم )‪(3‬‬
‫والجزية أو القتل‪ .‬والسيف الثالث على مشركي العجم كالترك والديلم‬
‫والخزر )‪ (4‬قال ال عزوجل في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا‬
‫فقص قصتهم ثم قال‪ " :‬فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم )‪ (5‬فشدوا‬
‫الوثاق * فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها )‪ " (6‬فأما‬
‫قوله‪ " :‬فإما منا بعد " يعني بعد السبي منهم " وإما فداء " يعني المفاداة‬
‫بينهم وبين أهل السلم‪ ،‬فهؤلء لن يقبل منهم إل القتل أو الدخول في‬
‫السلم ول يحل لنا نكاحهم )‪ (7‬ماداموا في دار الحرب‪ .‬وأما السيف‬
‫المكفوف فسيف على أهل البغي والتأويل قال ال‪ " :‬وإن طائفتان من‬
‫المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما )صلحا( فإن بغت إحديهما على الخرى‬
‫فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر ال )‪ " (8‬فلما نزلت هذه الية قال‬
‫رسول‬

‫)‪ (1‬سورة التوبة‪ (2) .30 :‬في الكافي والتهذيب " مناكحتهم "‪ (3) .‬فيهما " يعنى‬
‫الترك والديلم والخزر ‪ -‬بالتحريك والخاء المعجمة والزاى ثم الراء ‪:-‬‬
‫جيل من الناس ضيقة العيون‪ (4) .‬فيهما " ال الدخول في دار السلم "‪.‬‬
‫)‪ (5‬أي أكثرتم قتلهم واغلظتموهم‪ .‬من الثخن‪ (6) .‬سورة محمد‪(7) .4 :‬‬
‫فيهما " مناكحتهم "‪ (8) .‬سورة الحجرات‪ ،9 :‬وهذه الية أصل في قتال‬
‫المسلمين ودليل على وجوب قتال أهل البغى وعليها بنى أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم قتال الناكثين والقاسطين والمارقين واياها عنى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله حين قال لعمار بن ياسر‪ " :‬تقتلك الفئة الباغية "‪.‬‬

‫]‪[169‬‬

‫ال صلى ال عليه وآله‪ :‬إن منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على‬
‫التنزيل‪ ،‬فسئل النبي صلى ال عليه وآله من هو ؟ فقال‪ :‬خاصف النعل‪،‬‬
‫يعني أمير المؤمنين عليه السلم‪ ،‬و قال عمار بن ياسر‪ " :‬قاتلت بهذه‬
‫الراية مع رسول ال صلى ال عليه وآله ثلثا )‪ (1‬وهذه الرابعة‪ ،‬وال لو‬
‫ضربونا حتى يبلغوا بنا السعفات من هجر )‪ (2‬لعلمنا أنا على الحق وأنهم‬
‫على الباطل "‪ .‬وكانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين عليه السلم مثل ما‬
‫كان من رسول ال صلى ال عليه وآله في أهل مكة يوم فتحها فإنه لم‬
‫يسب لهم ذرية وقال‪ :‬من أغلق بابه فهو آمن‪ ،‬وكذلك قال أمير المؤمنين‬
‫عليه السلم يوم البصرة نادى فيهم ل تسبوا لهم ذرية ول تدففوا على‬
‫جريح )‪ (3‬ول تتبعوا مدبرا ومن أغلق بابه‪ ،‬وألقى سلحه فهو آمن‪.‬‬
‫والسيف المغمود فالسيف الذي يقام به القصاص قال ال عزوجل‪" :‬‬
‫النفس بالنفس والعين بالعين )‪ " (4‬فسله إلى أولياء المقتول‪ ،‬وحكمه‬
‫إلينا‪ .‬فهذه السيوف التي بعث ال بها محمدا صلى ال عليه وآله فمن‬
‫جحدها أو جحد واحدا منها أو شيئا من سيرها وأحكامها فقد كفر بما أنزل‬
‫ال تبارك وتعالى على محمد نبيه صلى ال عليه وآله‪.‬‬

‫)‪ (1‬يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين‪ (2) .‬السعف ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬جريدة النخل أو‬
‫ورقه قيل مادامت بالخوص فإذا زال عنها قيل‪ :‬جريدة‪ ،‬وأكثر ما يقال إذا‬
‫يبست وإذا كانت رطبة فهى شطبة‪ .‬والهجر ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬بلدة باليمن‪.‬‬
‫واسم لجميع أرض البحرين‪ .‬وانما خص هجر لبعد المسافة أو لكثرة‬
‫النخل بها‪ (3) .‬دفف على الجريح‪ :‬أجهزه عليه وأتم قتله‪ ،‬وفى بعض‬
‫النسخ " ول تذيعوا على جريح " وفى الكافي والتهذيب " ل تجهزوا‬
‫على جريح " والجهاز على الجريح‪ :‬اتمام قتله والسراع فيه‪(4) .‬‬
‫سورة المائدة‪.47 :‬‬

‫]‪[170‬‬

‫‪ - 4‬ف )‪ :(1‬موعظة‪ :‬وحضره ذات يوم جماعة من الشيعة فوعظهم وحذرهم وهم‬
‫ساهون لهون‪ ،‬فأغاظه ذلك فأطرق مليا‪ ،‬ثم رفع رأسه إليهم‪ ،‬فقال‪ :‬إن‬
‫كلمي لو وقع طرف منه في قلب أحدكم لصار ميتا‪ .‬أل يا أشباحا بل‬
‫أرواح‪ ،‬و ذبابا بل مصباح كأنكم خشب مسندة )‪ (2‬وأصنام مريدة‪ ،‬أل‬
‫تأخذون الذهب من الحجر ؟ أل تقتبسون الضياء من النور الزهر‪ ،‬؟ أل‬
‫تأخذون اللؤلؤ من البحر ؟ خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها وإن لم يعمل بها‪،‬‬
‫فإن ال يقول‪ " :‬الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم‬
‫ال )‪ ." (3‬ويحك يا مغرور أل تحمد من تعطيه فانيا ويعطيك باقيا‪ ،‬درهم‬
‫يفنى بعشرة تبقى إلى سبعمائة ضعف مضاعفة من جواد كريم‪ ،‬آتاك ال‬
‫عند مكافأة )‪ ،(4‬هو مطعمك وساقيك وكاسيك ومعافيك وكافيك وساترك‬
‫ممن يراعيك‪ ،‬من حفظك في ‪ -‬ليلك ونهارك‪ ،‬وأجابك عند اضطرارك‪،‬‬
‫وعزم لك على الرشد في اختبارك‪ .‬كأنك قد نسيت ليالي أوجاعك وخوفك‬
‫دعوته فاستجاب لك‪ ،‬فاستوجب بجميل صنيعه الشكر‪ ،‬فنسيته فيمن ذكر‪،‬‬
‫وخالفته فيما أمر‪ .‬ويلك إنما أنت لص من لصوص الذنوب )‪ (5‬كلما‬
‫عرضت لك شهوة أو‬

‫)‪ (1‬التحف ص ‪ (2) .291‬شبههم عليه السلم في عدم النتفاع بهم بالخشب‬
‫المسندة إلى الحائط والصنام المنحوتة من الخشب وان كانت هياكلهم‬
‫معجبة وألسنتهم ذلقة‪ .‬وفى بعض النسخ " و اصنام مربذة "‪ (3) .‬سورة‬
‫الزمر‪ (4) .18 :‬اشارة إلى قوله تعالى في سورة البقرة‪ " .261 :‬مثل‬
‫الذين ينفقون أموالهم في سبيل ال كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل‬
‫سنبلة مائة حبة وال يضاعف لمن يشاء وال واسع عليم "‪ (5) .‬اللص‬
‫‪ -‬بالكسر ‪ :-‬فعل الشئ في ستر ‪ -‬ومنه قيل للسارق‪ :‬لص‪ .‬وجمعه‬
‫لصوص‪.‬‬

‫]‪[171‬‬

‫ارتكاب ذنب سارعت إليه وأقدمت بجهلك عليه‪ ،‬فارتكبته كأنك لست بعين ال‪ ،‬أو‬
‫كأن ال ليس لك بالمرصاد‪ ،‬يا طالب الجنة ما أطول نومك وأكل مطيتك‪،‬‬
‫وأوهى همتك )‪ (1‬فلله أنت من طالب ومطلوب‪ ،‬ويا هاربا من النار ما أحث‬
‫مطيتك إليها‪ ،‬وما أكسبك لما يوقعك فيها‪ .‬انظروا إلي هذه القبور سطورا‬
‫بأفناء الدور‪ ،‬تدانوا في خططهم )‪ (2‬وقربوا في مزارهم‪ ،‬وبعدوا في‬
‫لقائهم‪ ،‬عمروا فخربوا‪ ،‬وأنسوا فأوحشوا‪ ،‬وسكنوا فازعجوا‪ ،‬وقطنوا‬
‫فرحلوا )‪ (3‬فمن سمع بدان بعيد وشاحط قريب )‪ ،(4‬وعامر مخرب‪ ،‬وآنس‬
‫موحش‪ ،‬وساكن مزعج‪ ،‬و قاطن مرحل غير أهل القبور ؟‪ .‬يا ابن اليام‬
‫الثلث‪ :‬يومك الذي ولدت فيه‪ ،‬ويومك الذي تنزل فيه قبرك ويومك الذي‬
‫تخرج فيه إلى ربك‪ ،‬فياله من يوم عظيم‪ .‬يا ذوي الهيئة المعجبة‪ ،‬والهيم‬
‫المعطنة )‪ (5‬مالي أرى أجسامكم عامرة وقلوبكم دامرة‪ ،‬أوما وال لو‬
‫عاينتم ما أنتم ملقوه‪ ،‬وما أنتم إليه صائرون لقلتم‪ " :‬يا ليتنا نرد ول‬
‫نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين )‪ " (6‬وقال جل من قائل‪ " :‬بل‬
‫بدالهم ما كانوا يخفون ‪ -‬ولوا ردوا لعادوا لمما نهوا عنه وإنهم لكاذبون )‬
‫‪." (7‬‬

‫)‪ (1‬أوهى فلنا‪ :‬أضعفه وجعله واهيا‪ (2) .‬الخطط‪ :‬جمع خطة ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬ما‬
‫يخيطه النسان من الرض ليعلم أنه قد أحتازها ليبنيها دارا‪ .‬والرض‬
‫التى تنزلها ولم ينزلها نازل قبلك ‪ -‬وبالضم ‪ :-‬المر والخصلة‪(3) .‬‬
‫القاطن‪ :‬المقيم‪ (4) .‬الشاحط‪ :‬البعيد‪ (5) .‬الهيم‪ :‬البل العطاش‪ .‬العطن ‪-‬‬
‫بالنحريك ‪ :-‬وطن البل ومبركها حول الماء‪ .‬وأعطنت البل‪ :‬حبسها عند‬
‫الماء فبركت بعد الورود‪ .‬وعطنت البل‪ :‬رويت ثم بركت‪ (6) .‬سورة‬
‫النعام‪ (7) .27 :‬سورة النعام‪.28 .‬‬

‫]‪[172‬‬

‫‪ - 5‬ف )‪ :(1‬وروى عنه عليه السلم في قصار هذه المعاني‪ - 1 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬صانع المنافق بلسانك‪ ،‬وأخلص مودتك للمؤمن‪ ،‬وإن جالسك‬
‫يهودي فأحسن مجالسته‪ - 2 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ما شيب شئ بشئ أحسن‬
‫من حلم بعلم )‪ - 3 .(2‬وقال عليه السلم‪ :‬الكمال كل الكمال التفقه في‬
‫الدين‪ ،‬والصبر على النائبة‪ ،‬وتقدير المعيشة‪ 4 .‬وقال عليه السلم‪ :‬وال‬
‫المتكبر ينازع ال رداءه‪ - 5 .‬وقال عليه السلم‪ :‬يوما لمن حضره ما‬
‫المروة ؟ فتكلموا‪ ،‬فقال‪ :‬صلى ال عليه وآله‪ :‬المروة أن ل تطمع فتذل‪،‬‬
‫وتسأل فتقل )‪ (3‬ول تبخل فتشتم‪ ،‬ول تجهل فتخصم‪ ،‬فقيل‪ :‬ومن يقدر على‬
‫ذلك ؟ فقال عليه السلم‪ :‬من أحب أن يكون كالناظر في الحدقة )‪(4‬‬
‫والمسك في الطيب‪ ،‬وكالخليفة في يومكم هذا في القدر‪ - 6 .‬وقال يوما‬
‫رجل عنده‪ :‬اللهم أغننا عن جميع خلقك‪ .‬فقال أبو جعفر عليه السلم‪ :‬ل‬
‫تقل هكذا‪ ،‬ولكن قل‪ :‬اللهم أغننا عن شرار خلقك‪ ،‬فإن المؤمن ل يستغني‬
‫عن أخيه‪ - 7 .‬وقال عليه السلم‪ :‬قم بالحق واعتزل مال يعنيك‪ ،‬وتجنب‬
‫عدوك‪ ،‬واحذر صديقك من القوام إل المين من خشي ال‪ ،‬ول تصحب‬
‫الفاجر‪ ،‬ول تطلعه على سرك‪ ،‬واستشر في أمر الذين يخشون ال‪- 8 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬صحبة عشرين سنة قرابة‪ - 9 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن‬
‫استطعت أن ل تعامل أحدا إل ولك الفضل عليه فافعل‪.‬‬

‫)‪ (1‬التحف ص ‪ (2) .292‬الشوب‪ :‬الخلط‪ (3) .‬يقل الرجل‪ :‬قل ماله‪ (4) .‬الناظر‪:‬‬
‫سواد الصغر الذى فيه انسان العين‪ .‬والحدقة‪ .‬سواد العين العظم‪.‬‬
‫]‪[173‬‬

‫‪ - 10‬وقال عليه السلم‪ :‬ثلثة من مكارم الدنيا والخرة‪ :‬أن تعفو عمن ظلمك‪،‬‬
‫وتصل من قطعك‪ .‬وتحلم إذا جهل عليك‪ - 11 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الظلم‬
‫ثلثة‪ :‬ظلم ل يغفره ال‪ ،‬وظلم يغفره ال‪ ،‬وظلم ل يدعه ال‪ ،‬فأما الظلم‬
‫الذي ل يغفره ال فالشرك بال‪ ،‬وأما الظلم الذي يغفره ال فظلم الرجل‬
‫نفسه فيما بينه وبين ال‪ ،‬وأما الظلم الذي ل يدعه ال فالمدائنة بين العباد‬
‫)‪ - 12 .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬ما من عبد يمتنع من معونة أخيه المسلم‬
‫والسعي له في حاجته قضيت أولم تقض إل ابتلي بالسعي في حاجة فيما‬
‫يأثم عليه ول يوجر‪ ،‬وما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضي ال إل‬
‫ابتلي بأن ينفق أضعافها فيما أسخط ال‪ - 13 .‬وقال عليه السلم‪ :‬في كل‬
‫قضاء ال خير للمؤمن‪ - 14 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن ال كره إلحاح الناس‬
‫بعضهم على بعض في المسألة و أحب ذلك لنفسه‪ .‬إن ال جل ذكره يحب‬
‫أن يسأل ويطلب ما عنده‪ - 15 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من لم يجعل له من‬
‫نفسه واعظا‪ ،‬فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئا‪ - 16 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه‪ - 17 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬كم من رجل قد لقى رجل فقال له‪ :‬كب ال عدوك )‪ (2‬وماله من‬
‫عدو إل ال‪ - 18 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ثلثة ل يسلمون‪ :‬الماشي إلى‬
‫الجمعة‪ ،‬والماشي خلف جنازة وفي بيت الحمام‪ - 19 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد‪ - 20 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل‬
‫يكون العبد عالما حتى ل يكون حاسدا لمن فوقه ول محقرا لمن دونه‪.‬‬

‫)‪ (1‬المدائنة من الدين أي ظلم العباد عند المعاملة )‪ (2‬كب فلنا‪ :‬صرعه‪ .‬وقلبه‬
‫على رأسه‪.‬‬

‫]‪[174‬‬

‫‪ - 21‬وقال عليه السلم‪ :‬ما عرف ال من عصاه وأنشد‪ :‬تعصي الله وأنت تظهر‬
‫حبه * هذا لعمرك في الفعال بديع لو كان حبك صادقا لطعته * إن المحب‬
‫لمن أحب مطيع ‪ - 22‬وقال عليه السلم‪ :‬إنما مثل الحاجة إلى من أصاب‬
‫ماله حديثا كمثل الدرهم في فم الفعي أنت إليه محوج )‪ (1‬وأنت منها على‬
‫خطر‪ - 23 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ثلث خصال ل يموت صاحبهن أبدا حتى‬
‫يرى وبالهن‪ :‬البغي‪ .‬وقطيعة الرحم‪ .‬واليمين الكاذبة يبارز ال بها‪ ،‬وإن‬
‫أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم وإن القوم ليكونون فجارا فيتواصلون‬
‫فتنمى أموالهم ويثرون )‪ (2‬وإن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم ليذران‬
‫الديار بلقع من أهلها )‪ - 24 (3‬وقال عليه السلم‪ :‬ل يقبل عمل إل‬
‫بمعرفة‪ .‬ول معرفة إل بعمل‪ .‬ومن عرف دلته معرفته علي العمل‪ .‬ومن لم‬
‫يعرف فل عمل له‪ - 25 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن ال جعل للمعروف أهل من‬
‫خلقه‪ ،‬حبب إليهم المعروف وحبب إليهم فعاله‪ ،‬ووجه لطلب المعروف‬
‫الطلب إليهم ويسر لهم قضاءه كما يسر الغيث للرض المجدبة ليحييها‬
‫ويحيي أهلها )‪ (4‬وإن ال جعل للمعروف أعداء من خلقه بغض إليهم‬
‫المعروف وبغض إليهم فعاله‪ .‬وحظر على طلب المعروف التوجه إليهم‬
‫وحظر عليهم قضاءه كما يحظر الغيث عن الرض المجدبة ليهلكها ويهلك‬
‫أهلها وما يعفو ال عنه أكثر‪ - 26 .‬وقال عليه السلم‪ :‬اعرف المودة في‬
‫قلب أخيك بما له في قلبك‪.‬‬

‫)‪ (1‬أحوج إليه‪ :‬افتقر‪ .‬وأحوجه‪ :‬جعله محتاجا‪ " (2) .‬يثرون " أي يكثرون مال‪.‬‬
‫يقال‪ :‬ثرا الرجل‪ :‬كثر ماله‪ " (3) .‬ليذران " أي ليدعان ويتركان من‬
‫وذره أي ودعه‪ " .‬بلقع " جمع بلقع ‪ :-‬الرض القفر‪ (4) .‬المجدبة‪ :‬ذو‬
‫جدب وهو ضد الخصب ويأتى ايضا بمعني الماحل‪.‬‬

‫]‪[175‬‬

‫‪ - 27‬وقال عليه السلم‪ :‬اليمان حب وبغض )‪ - 28 .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬وال ما‬
‫شيعتنا إل من اتقى ال وأطاعه‪ ،‬وما كانوا يعرفون إل بالتواضع والتخشع‬
‫وأداء المانة وكثرة ذكر ال والصوم والصلة والبر بالوالدين وتعهد‬
‫الجيران من الفقراء وذوي المسكنة والغارمين واليتام‪ ،‬و صدق الحديث‬
‫وتلوة القرآن وكف اللسن عن الناس إل من خير‪ ،‬وكانوا امناء عشائرهم‬
‫في الشياء‪ - 29 .‬وقال‪ :‬عليه السلم‪ :‬أربع من كنوز البر‪ :‬كتمان الحاجة‪،‬‬
‫وكتمان الصدقة‪ ،‬وكتمان الوجع‪ ،‬وكتمان المصيبة‪ - 30 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬من صدق لسانه زكي عمله‪ ،‬ومن حسنت نيته زيد في رزقه ومن‬
‫حسن بره بأهله زيد في عمره‪ - 31 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إياك والكسل‬
‫والضجر فإنهما مفتاح كل شر‪ ،‬من كسل لم يؤد حقا‪ ،‬ومن ضجر لم يصبر‬
‫على حق‪ - 32 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من استفاد أخا في ال على إيمان بال‬
‫ووفاء بإخائه طلبا لمرضات ال فقد استفاد شعاعا من نور ال‪ ،‬وأمانا من‬
‫عذاب ال‪ ،‬وحجة يفلج بها يوم القيامة )‪ (2‬وعزا باقيا‪ ،‬وذكرا ناميا‪ ،‬لن‬
‫المؤمن من ال عزوجل ل موصول ول مفصول‪ ،‬قيل له عليه السلم‪ :‬ما‬
‫معني ل موصول ول مفصول ؟ قال‪ :‬ل موصول به إنه هو ول مفصول منه‬
‫إنه من غيره‪ - 33 .‬وقال عليه السلم‪ :‬كفى بالمرء غشا لنفسه أن يبصر‬
‫من الناس ما يعمي عليه من أمر نفسه‪ ،‬أو يعيب غيره )‪ (3‬بما ل يستطيع‬
‫تركه أو يؤذي جليسه بما ل يعنيه‪.‬‬
‫)‪ (1‬المراد الحب في ال والبغض فيه كما جاء في الحاديث‪ (2) .‬يفلج أي يفوز‬
‫ويظفر ويغلب بها‪ .‬وفلج الحجة‪ :‬أثبتها‪ .‬وفلج الرجل‪ :‬ظفر بما طلب‪،‬‬
‫وعلى خصمه‪ :‬غلبه‪ - .‬وعلى القوم فاز‪ (3) .‬في بعض النسخ " أو يعير‬
‫غيره "‪.‬‬

‫]‪[176‬‬

‫‪ - 34‬وقال عليه السلم‪ :‬التواضع الرضا بالمجلس دون شرفه‪ ،‬وأن تسلم على من‬
‫لقيت‪ ،‬وأن تترك المراء وإن كنت محقا‪ - 35 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن‬
‫المؤمن أخ المؤمن ل يشتمه ول يحرمه ول يسئ به الظن‪ - 36 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬لبنه‪ :‬اصبر نفسك على الحق‪ ،‬فإنه من منع شيئا في ‪ -‬حق‬
‫اعطي في باطل مثليه‪ - 37 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من قسم له الخرق حجب‬
‫منه اليمان )‪ - 38 .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬إن ال يبغض الفاحش‬
‫المتفحش‪ - 39 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن ل عقوبات في القلوب والبدان‪:‬‬
‫ضنك في المعيشة ووهن في العبادة‪ .‬وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من‬
‫قسوة القلب‪ - 40 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين‬
‫الصابرون ؟ فيقوم فئام من الناس )‪ .(2‬ثم ينادي مناد أين المتصبرون ؟‬
‫فيقوم فئام من الناس‪ .‬قلت‪ :‬جعلت فداك ما الصابرون والمتصبرون ؟ فقال‬
‫عليه السلم الصابرون على أداء الفرائض‪ ،‬والمتصبرون على ترك‬
‫المحارم‪ - 41 .‬وقال عليه السلم‪ :‬يقول ال‪ :‬ابن آدم ! اجتنب ما حرمت‬
‫عليك تكن من أورع الناس‪ - 42 .‬وقال عليه السلم‪ :‬أفضل العبادة عفة‬
‫البطن والفرج‪ - 43 .‬وقال عليه السلم‪ :‬البشر الحسن )‪ (3‬وطلقة الوجه‬
‫مكسبة للمحبة‪ ،‬و قربة من ال‪ .‬وعبوس الوجه وسوء البشر مكسبة‬
‫للمقت وبعد من ال‪ - 44 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ما تذرع إلي بذريعة‪ ،‬ول‬
‫توسل بوسيلة هي أقرب له‬

‫)‪ (1‬الخرق‪ :‬ضعف العقل والرأى‪ ،‬الجهل‪ ،‬الحمق‪ ،‬ضد الرفق‪ (2) .‬الفئام ‪ -‬ككتاب‬
‫‪ :-‬الجماعة من الناس‪ .‬وفسر في خطب أمير المؤمنين عليه السلم بمائة‬
‫ألف‪ (3) .‬البشر ‪ -‬بالكسر ‪ -‬طلقة الوجه وبشاشته‪ .‬والمقت‪ :‬البغض‪.‬‬

‫]‪[177‬‬

‫مني إلى ما يحب من يد سالفة مني إليه أتبعتها اختها ليحسن حفظها وربها‪ ،‬لن‬
‫منع الواخر يقطع لسان شكر الوائل )‪ (1‬وما سمحت لي نفسي برد بكر‬
‫الحوائج‪ - 45 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الحياء واليمان مقرونان في قرن‪ ،‬فإذا‬
‫ذهب أحدهما تبعه صاحبه‪ - 46 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن هذه الدنيا تعاطاها‬
‫البر والفاجر‪ ،‬وإن هذا الدين ل يعطيه ال إل أهل خاصته )‪ - 47 .(2‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬اليمان إقرار وعمل‪ .‬والسلم إقرار بل عمل‪ - 48 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬اليمان ما كان في القلب‪ .‬والسلم ما عليه التناكح والتوارث‬
‫وحقنت به الدماء‪ .‬واليمان يشرك السلم‪ ،‬والسلم ل يشرك اليمان‪49 .‬‬
‫‪ -‬وقال عليه السلم‪ :‬من علم باب هدى فله مثل أجر من عمل به‪ ،‬ول‬
‫ينقص أولئك من أجورهم شيئا‪ .‬ومن علم باب ضلل كان عليه مثل أوزار‬
‫من عمل به‪ ،‬ول ينقص أولئك من أوزارهم شيئا‪ - 50 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫ليس من أخلق المؤمن الملق والحسد إل في طلب العلم )‪ - 51 .(3‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬للعالم إذا سئل عن شئ وهو ل يعلمه أن يقول‪ :‬ال أعلم‪،‬‬
‫وليس لغير العالم أن يقول ذلك‪ ،‬وفي خبر آخر يقول‪ :‬ل أدري لئل يوقع‬

‫)‪ (1‬الظاهر أن المراد التتابع في الحسان والعمل وفى حديث آخر عن الصادق‬
‫عليه السلم " قال‪ :‬ما من شئ أسر إلى من يد اتبعها الخرى لن منع‬
‫الواخر يقطع لسان شكر الوائل " ذكره البى‪ (2) .‬التعاطى‪ :‬التناول‪.‬‬
‫وتناول ما ل يحق‪ .‬والتنازع في الخذ والقيام به‪ .‬وفى بعض النسخ " ل‬
‫يعطيه ال أهل ال خاصة "‪ (3) .‬الملق ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬التملق وهو الود‬
‫واللطف وأن يعطى في اللسان ما ليس في القلب‪.‬‬

‫]‪[178‬‬

‫في قلب السائل شكا‪ - 52 .‬وقال عليه السلم‪ :‬أول من شق لسانه بالعربية إسماعيل‬
‫بن إبراهيم عليهما السلم وهو ابن ثلث عشرة سنة‪ ،‬وكان لسانه على‬
‫لسان أبيه وأخيه‪ ،‬فهو أول من نطق بها وهو الذبيح‪ - 53 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬أل أنبئكم بشئ إذا فعلتموه يبعد السلطان والشيطان منكم ؟ فقال‬
‫أبو حمزة‪ :‬بلى‪ ،‬أخبرنا به حتى نفعله‪ ،‬فقال عليه السلم‪ :‬عليكم بالصدقة‬
‫فبكروا بها‪ ،‬فإنها تسود وجه إبليس وتكسر شرة السلطان الظالم عنكم في‬
‫يومكم ذلك )‪ .(1‬وعليكم بالحب في ال والتودد )‪ (2‬والموازرة على العمل‬
‫الصالح‪ ،‬فإنه يقطع دابرهما ‪ -‬يعني السلطان والشيطان ‪ .-‬وألحوا في‬
‫الستغفار‪ ،‬فإنه ممحاة للذنوب‪ - 54 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن هذا اللسان‬
‫مفتاح كل خير وشر‪ ،‬فينبغي للمؤمن أن يختم على لسانه كما يختم علي‬
‫ذهبه وفضته‪ ،‬فإن رسول ال صلى ال عليه وآله قال‪ " :‬رحم ال مؤمنا‬
‫أمسك لسانه من كل شر‪ ،‬فإن ذلك صدقة منه على نفسه )‪ " (3‬ثم قال‬
‫عليه السلم‪ :‬ل يسلم أحد من الذنوب حتى يخزن لسانه‪ - 55 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬من الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره ال عليه‪ ،‬فأما المر الظاهر‬
‫منه مثل الحدة والعجلة‪ ،‬فل بأس أن تقوله‪ .‬وإن البهتان أن تقول في أخيك‬
‫ما ليس فيه )‪.(4‬‬
‫)‪ (1‬الشرة ‪ -‬بالكسر فالفتح مشددة ‪ :-‬الشر والغضب والحدة‪ (2) .‬وفى بعض‬
‫النسخ " المودة "‪ (3) .‬في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 114‬عن على بن ابراهيم‬
‫باسناده عن الحلبي رفعه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪" :‬‬
‫أمسك لسانك فانها صدقة تصدق بها على نفسك ثم قال‪ :‬ول يعرف عبد‬
‫حقيقة اليمان حتى يخزن من لسانه " أقول‪ :‬قوله‪ " :‬فانها " أي‬
‫المساك والتأنيث بتأويل الخصلة‪ (4) .‬رواه الكليني )ره( في الكافي ج ‪2‬‬
‫ص ‪ 358‬باسناده عن الصادق عليه السلم والصدوق في معاني الخبار‬
‫أيضا عنه عليه السلم‪ .‬والحدة ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬ما يعترى النسان من‬
‫الغضب والنزق‪ .‬والعجلة ‪ -‬بالتحريك ‪ .-‬السرعة والمبادرة في المور من‬
‫غير تأمل‪.‬‬

‫]‪[179‬‬

‫‪ - 56‬وقال عليه السلم‪ :‬إن أشد الناس حسرة يوم القيامة عبد وصف عدل ثم‬
‫خالفه إلى غيره )‪ - 57 .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬عليكم بالورع والجتهاد‪،‬‬
‫وصدق الحديث‪ ،‬وأداء المانة إلى من ائتمنكم عليها برا كان أو فاجرا‪ ،‬فلو‬
‫أن قاتل علي بن أبي طالب عليه السلم ائتمنني على أمانة لديتها إليه‪58 .‬‬
‫‪ -‬وقال عليه السلم‪ :‬صلة الرحام تزكي العمال‪ ،‬وتنمي الموال‪ ،‬وتدفع‬
‫البلوى‪ ،‬وتيسر الحساب‪ ،‬وتنسئ في الجل )‪ - 59 .(2‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫أيها الناس إنكم في هذه الدار أغراض تنتضل فيكم المنايا‪ ،‬لن يستقبل أحد‬
‫منكم يوما جديدا من عمره إل بانقضاء آخر من أجله‪ ،‬فأية اكلة ليس فيها‬
‫غصص ؟ أم أي شربة ليس فيها شرق ؟ )‪ (3‬استصلحوا ما تقدمون عليه‬
‫بما تظعنون عنه )‪ ،(4‬فان اليوم غنيمة‪ ،‬وغدا ل تدري لمن هو‪ ،‬أهل الدنيا‬
‫سفر )‪ (5‬يحلون عقد رحالهم في غيرها‪ ،‬قد خلت منا اصول نحن فروعها‪،‬‬
‫فما بقاء الفرع بعد أصله‪ ،‬أين الذين كانوا أطول أعمارا منكم ؟ وأبعد‬
‫آمال ؟‪ .‬أتاك يا ابن آدم مال ترده‪ ،‬وذهب عنك مال يعود‪ ،‬فل تعدن عيشا‬
‫منصرفا عيشا‪ .‬مالك منه إل لذة تزدلف بك إلى حمامك ؟ ! )‪ (6‬وتقربك من‬

‫)‪ (1‬رواه الكليني )ره( في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 300‬باسناده عن الصادق عليه السلم‪.‬‬
‫)‪ " (2‬تزكى العمال " أي تنميها في الثواب أو تطهرها أو تصيرها‬
‫مقبولة‪ .‬والنساء ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬التأخير )‪ (3‬غص غصصا بالطعام‪ :‬اعترض‬
‫في حلقه شئ منه فمنعه التنفس‪ .‬وشرق بالماء أو بريقه‪ :‬غص‪(4) .‬‬
‫الظعن‪ :‬الرحال والسير‪ (5) .‬السفر ‪ -‬بالفتح فالسكون ‪ -‬جمع سافر‪ ،‬أي‬
‫المسافرون‪ (6) .‬الحمام ‪ -‬ككتاب ‪ :-‬قضاء الموت وقدره أي تقربك إلى‬
‫موتك‪ .‬واخترم‪ :‬أهلك‪ .‬والسواد المخترم‪ :‬الشخص الذى مات‪ .‬يقال‪:‬‬
‫اخترمهم الدهر وتخرمهم أي افتطعهم واستأصلهم‪.‬‬
‫]‪[180‬‬

‫أجلك ؟ ! فكأنك قد صرت الحبيب المفقود والسواد المخترم‪ .‬فعليك بذات نفسك ودع‬
‫ما سواها واستعن بال يعنك )‪ - 60 .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬من صنع مثل‬
‫ما صنع إليه فقد كافأه‪ ،‬ومن أضعف كان شكورا ومن شكر كان كريما‪،‬‬
‫ومن علم أنه ما صنع كان إلى نفسه لم يستبطئ الناس في شكرهم ولم‬
‫يستزدهم في مودتهم‪ ،‬فل تلتمس من غيرك شكر ما آتيته إلى نفسك‬
‫ووقيت به عرضك‪ ،‬واعلم أن طالب الحاجة لم يكرم وجهه عن مسألتك‬
‫فأكرم وجهك عن رده‪ - 61 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن ال يتعهد عبده المؤمن‬
‫بالبلء كما يتعهد الغائب أهله بالهدية‪ ،‬ويحميه عن الدنيا كما يحمي الطيب‬
‫المريض‪ - 62 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن ال يعطي الدنيا من يحب ويبعض‪.‬‬
‫ول يعطي دينه إل من يحب‪ - 63 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إنما شيعة علي عليه‬
‫السلم المتباذلون في وليتنا‪ ،‬المتحابون في مودتنا‪ ،‬المتزاورون لحياء‬
‫أمرنا‪ ،‬الذين إذا غضبوا لم يظلموا‪ ،‬وإذا رضوا لم يسرفوا‪ ،‬بركة على من‬
‫جاوروا‪ ،‬سلم لمن خالطوا‪ - 64 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الكسل يضر بالدين‬
‫والدنيا‪ - 65 .‬وقال عليه السلم‪ :‬لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد‬
‫أحدا‪ .‬ولو يعلم المسؤول ما في المنع ما منع أحد أحدا‪ - 66 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬إن ل عبادا ميامين مياسير‪ ،‬يعيشون ويعيش الناس في ‪ -‬أكنافهم‪،‬‬
‫وهم في عباده مثل القطر‪ .‬ول عباد ملعين مناكيد‪ ،‬ل يعيشون ول يعيش‬
‫الناس في أكنافهم وهم في عباده مثل الجراد ل يقعون على شئ إل أتوا‬
‫عليه )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " يغنك "‪ (2) .‬الميامين‪ :‬جمع ميمون بمعنى ذو اليمن‬
‫والبركة‪ .‬والمياسير‪ :‬جمع موسر بمعنى الغنى وذو اليسر‪ .‬والمناكيد جمع‬
‫نكد ‪ -‬بفتح الكاف وكسره وسكونه ‪ :-‬عسر‪ ،‬قليل الخير‪ .‬وأتوا عليه أي‬
‫أهلكوه وأفنوه‪.‬‬

‫]‪[181‬‬

‫‪ - 67‬وقال عليه السلم‪ :‬قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم‪ ،‬فإن ال يبغض‬
‫اللعان السباب الطعان على المؤمنين‪ ،‬الفاحش المتفحش‪ ،‬السائل الملحف‪،‬‬
‫ويحب الحيي الحليم العفيف المتعفف )‪ - 68 .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬إن ال‬
‫يحب إفشاء السلم‪ - 6 .‬ل )‪ :(2‬عن الطالقاني‪ ،‬عن محمد بن جرير‬
‫الطبري‪ ،‬عن أبي صالح الكناني‪ ،‬عن يحيى بن عبد الحميد الحماني‪ ،‬عن‬
‫شريك‪ ،‬عن هشام بن معاذ قال‪ :‬كنت جليسا لعمر بن عبد العزيز حيث دخل‬
‫المدينة فأمر مناديه فنادى من كانت له مظلمة أو ظلمة فليأت الباب فأتى‬
‫محمد بن علي عليهما السلم ‪ -‬يعني الباقر ‪ -‬عليه السلم فدخل إليه موله‬
‫مزاحم فقال‪ :‬إن محمد بن علي بالباب فقال له‪ :‬أدخله يا مزاحم‪ ،‬قال‪ :‬فدخل‬
‫وعمر يمسح عينيه من الدموع فقال له محمد بن علي عليهما السلم‪ :‬ما‬
‫أبكاك يا عمر ؟ فقال هشام‪ :‬أبكاه كذا وكذا يا ابن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ ،‬فقال محمد بن علي عليهما السلم‪ :‬يا عمر إنما الدنيا سوق من‬
‫السواق منها خرج قوم بما ينفعهم ومنها خرجوا بما يضرهم‪ ،‬وكم من‬
‫قوم قد ضرهم بمثل الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموت‪ ،‬فاستوعبوا‬
‫فخرجوا من الدنيا ملومين لما لم يأخذوا لما أحبوا من الخرة عدة‪ ،‬ول مما‬
‫كرهوا جنة‪ ،‬قسم ما جمعوا من ل يحمدهم‪ ،‬وصاروا إلى من ل يعذرهم‬
‫فنحن وال محقون أن ننظر إلى تلك العمال التي كنا نغبطهم بها‬
‫فنوافقهم‪ ،‬وننظر إلى تلك العمال التي كنا نتخوف عليهم منها‪ ،‬فنكف‬
‫عنها فاتق ال‪ ،‬واجعل في قلبك اثنتين تنظر الذي تحب أن يكون معك إذا‬
‫قدمت على ربك فقدمه بين يديك‪ ،‬وتنظر الذي تكرهه أن يكون معك إذا‬
‫قدمت على ربك فابتغ به البدل‬

‫)‪ (1‬يقال‪ :‬ألحف في المسألة الحافا إذا ألح فيها ولزمها‪ ،‬وهو موجب لبغض الرب‬
‫حيث أعرض عن الغنى الكريم وسأل الفقير اللئيم‪ .‬وأنشد بعضهم‪ :‬ال‬
‫يبغض ان تركت سؤاله * وبنو آدم حين يسأل يغضب )‪ (2‬الخصال ج ‪1‬‬
‫ص ‪.51‬‬

‫]‪[182‬‬

‫ول تذهبن إلى سلعة قد بارت )‪ (1‬على من كان قبلك ترجو أن تجوز عنك‪ ،‬واتق ال‬
‫يا عمر‪ ،‬وافتح البواب‪ ،‬وسهل الحجاب‪ ،‬وانصر المظلوم‪ ،‬ورد المظالم )‬
‫‪ .(2‬ثم قال‪ :‬ثلث من كن فيه استكمل اليمان بال‪ ،‬فجثا عمر على ركبتيه‬
‫وقال‪ :‬إيه يا أهل بيت النبوة فقال‪ :‬نعم يا عمر من إذا رضي لم يدخله‬
‫رضاه في الباطل‪ ،‬وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق‪ ،‬ومن إذا قدر لم‬
‫يتناول ما ليس له‪ ،‬فدعا عمر بدواة في قرطاس وكتب‪ :‬بسم ال الرحمن‬
‫الرحيم هذا ما رد عمربن عبد العزيز ظلمة محمد بن علي فدك‪ - 7 .‬ما )‬
‫‪ :(3‬عن المفيد‪ ،‬عن ابن قولويه‪ ،‬عن الكليني‪ ،‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫اليقطيني‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن عمرو بن شمر‪ ،‬عن جابر قال‪ :‬دخلنا على أبي‬
‫جعفر عليه السلم ونحن جماعة بعد ما قضينا نسكنا فودعناه وقلنا له‪:‬‬
‫أوصنا يا ابن رسول ال فقال‪ :‬ليعن قويكم ضعيفكم‪ ،‬وليعطف غنيكم على‬
‫فقيركم‪ ،‬ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه‪ ،‬واكتموا أسرارنا‪ ،‬ول تحملوا‬
‫الناس على أعناقنا‪ ،‬وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا فإن وجدتموه للقرآن‬
‫موافقا فخذوا به‪ ،‬وإن لم تجدوه موافقا فردوه‪ ،‬وإن اشتبه المر عليكم‬
‫فقفوا عنده‪ ،‬وردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا‪ ،‬فإذا كنتم كما‬
‫اوصيناكم‪ ،‬لم تعدوا إلى غيره فمات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان‬
‫شهيدا وإن أدرك قائمنا فقتل معه كان له أجر شهيدين‪ ،‬ومن قتل بين يديه‬
‫عدوا لنا كان له أجر عشرين شهيدا‪ - 8 .‬ما )‪ :(4‬عن الفحام‪ ،‬عن عمه‪،‬‬
‫عن محمد بن جعفر‪ ،‬عن محمد بن المثنى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عثمان بن زيد‪،‬‬
‫عن جابر بن يزيد الجعفي قال‪ :‬خدمت سيد النام أبا جعفر محمد بن علي‬
‫عليهما السلم ثمانية عشرة سنة فلما أردت الخروج ودعته فقلت له‪:‬‬

‫)‪ (1‬السلعة‪ :‬المتاع‪ .‬وبار السوق أو السلعة أي كسد‪ (2) .‬في المصدر " الظالم "‪.‬‬
‫)‪ (3‬المالى ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .236‬المصدر‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪302‬‬

‫]‪[183‬‬

‫أفدني‪ ،‬فقال‪ :‬بعد ثمانية عشر سنة يا جابر ؟ قلت‪ :‬نعم إنكم بحر ل ينزف ول يبلغ‬
‫قعره )‪ (1‬قال‪ :‬يا جابر بلغ شيعتي عني السلم وأعلمهم أنه ل قرابة بيننا‬
‫و بين ال عزوجل‪ ،‬ول يتقرب إليه إل بالطاعة له‪ ،‬يا جابر من أطاع ال‬
‫وأحبنا فهو ولينا‪ ،‬ومن عصى ال لم ينفعه حبنا‪ .‬يا جابر من هذا الذي سأل‬
‫ال فلم يعطه ؟ أو توكل عليه فلم يكفه ؟ أو وثق به فلم ينجه ؟‪ .‬يا جابر‬
‫أنزل الدنيا منك كمنزل نزلته تريد التحول وهل الدنيا إل دابة ركبتها في‬
‫منامك فاستيقظت وأنت على فراشك غير راكب‪ .‬ول أحد يعبأ بها‪ ،‬أو كثوب‬
‫لبسته‪ ،‬أو كجارية وطئتها‪ .‬يا جابر الدنيا عند ذوي اللباب كفيئ الظلل‪ .‬ل‬
‫إله إل ال إعزاز لهل دعوته‪ ،‬الصلة بيت الخلص وتنزيه عن الكبر‪،‬‬
‫والزكاة تزيد في الرزق‪ ،‬و الصيام والحج تسكين القلوب‪ ،‬القصاص‬
‫والحدود حقن الدماء‪ ،‬وحبنا أهل البيت نظام الدين‪ ،‬وجعلنا ال وإياكم من‬
‫الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون‪ - 9 .‬مع )‪ :(2‬عن‬
‫الوليد‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن محمد بن خالد البرقي عن‬
‫هارون بن الجهم‪ ،‬عن المفضل بن صالح‪ ،‬عن سعد السكاف‪ ،‬عن أبي‬
‫جعفر عليه السلم قال‪ :‬ثلث درجات وثلث كفارات وثلث موبقات )‪(3‬‬
‫وثلث منجيات فأما الدرجات فافشاء السلم‪ ،‬وإطعام الطعام‪ ،‬والصلة‬
‫بالليل والناس نيام‪ ،‬و أما الكفارات فإسباغ الوضوء في السبرات‪ ،‬والمشي‬
‫بالليل والنهار إلى الجماعات والمحافظة على الصلوات‪ ،‬وأما الموبقات‬
‫فشح مطاع‪ ،‬وهوى متبع‪ ،‬وإعجاب المرء بنفسه‪ ،‬وأما المنجيات فخوف‬
‫ال في السر والعلنية‪ ،‬والقصد في الغنى و‬

‫)‪ (1‬ل ينزف أي ل يفنى ماؤها على كثرة الستقاء‪ (2) .‬معاني الخبار‪ :‬ص ‪314‬‬
‫ورواه في الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ 41‬بسند آخر‪ (3) .‬الموبقة‪ :‬المهلكة‪،‬‬
‫والموبقات المهلكات من المعاصي والذنوب‪.‬‬
‫]‪[184‬‬

‫الفقر‪ ،‬وكلمة العدل في الرضا والسخط‪ .‬قال‪ :‬مصنف هذا الكتاب )ره( )‪ (1‬روي عن‬
‫الصادق عليه السلم أنه قال‪ :‬الشح المطاع سوء الظن بال عزوجل‪ ،‬وأما‬
‫السبرات فجمع سبرة وهو شدة البرد‪ ،‬وبها سمي الرجل سبرة‪ - 10 .‬سن‬
‫)‪ :(2‬عن أبان‪ ،‬عن عبد الرحمن بن سيابة‪ ،‬عن أبي النعمان‪ ،‬عن أبي‬
‫جعفر عليه السلم قال‪ :‬العجب كل العجب للشاك في قدرة ال وهو يرى‬
‫خلق ال‪ ،‬والعجب كل العجب للمكذب بالنشأة الخرى وهو يرى النشأة‬
‫الولى‪ ،‬والعجب كل العجب للمصدق بدار الخلود وهو يعمل لدار الغرور‪،‬‬
‫والعجب كل العجب للمختال الفخور‪ ،‬الذي خلق من نطفة ثم يصير جيفة‪،‬‬
‫وهو فيما بين ذلك ول يدري كيف يصنع به‪ - 11 .‬جا )‪ :(3‬عن أحمد بن‬
‫الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن معروف‪ ،‬عن ابن مهزيار‪ ،‬عن ابن‬
‫حديد‪ ،‬عن علي بن النعمان‪ ،‬عن إسحاق بن عمار‪ ،‬عن أبي النعمان العجلي‬
‫قال‪ :‬قال أبو جعفر عليه السلم‪ :‬يا أبا النعمان ل تحققن علينا كذبا فتسلب‬
‫الحنيفية‪ ،‬يا أبا النعمان ل تستأكل بنا الناس فل تزيدك ال بذلك إل فقرا‪ ،‬يا‬
‫أبا النعمان ل ترأس فتكون ذنبا‪ ،‬يا أبا النعمان إنك موقوف ومسؤول ل‬
‫محالة‪ ،‬فإن صدقت صدقناك‪ ،‬وإن كذبت كذبناك‪ ،‬يا أبا النعمان ل يغرك‬
‫الناس عن نفسك فإن المر يصل إليك دونهم‪ ،‬ول تقطعن نهارك بكذا وكذا‬
‫فإن معك من يحفظ عليك‪ ،‬وأحسن فلم أر شيئا أسرع دركا ول أشد طلبا من‬
‫حسنة لذنب قديم‪ - 12 .‬كشف )‪ :(4‬من كتاب الحافظ بن عبد العزيز عن‬
‫الحجاج بن أرطاة‬

‫)‪ (1‬يعنى الصدوق‪ (2) .‬المحاسن ص ‪ 242‬تحت رقم ‪ (3) .230‬مجالس المفيد‪:‬‬
‫ص ‪ ،108‬المجلس الثالث والعشرون‪ (4) .‬كشف الغمة ج ‪ 2‬ص ‪333‬‬
‫إلى ‪.362‬‬

‫]‪[185‬‬

‫قال‪ :‬قال أبو جعفر عليه السلم‪ :‬يا ابن أرطاة كيف تواسيكم ؟ قلت‪ :‬صالح يا أبا‬
‫جعفر‪ ،‬قال‪ :‬يدخل أحدكم يده في كيس أخيه فيأخذ حاجته إذا احتاج إليه ؟‬
‫قلت‪ :‬أما هذا فل‪ ،‬فقال له‪ :‬لو فعلتم ما احتجتم‪ - 13 .‬عن أبي حمزة‬
‫الثمالي قال‪ :‬حدثني أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلم قال‪ :‬ل تصحبن‬
‫خمسة ول تحادثهم ول تصاحبهم في طريق‪ .‬وقد سبق ذكره في ‪ -‬أخبار‬
‫أبيه عليهما السلم )‪ - 14 .(1‬وعن حسين بن حسن قال‪ :‬كان محمد بن‬
‫علي عليهما السلم يقول‪ :‬سلح اللئام قبيح الكلم‪ - 15 .‬وعن جابر‬
‫الجعفي قال‪ :‬قال لي محمد بن علي عليهما السلم‪ :‬يا جابر إني لمحزون‪،‬‬
‫وإني لمشتغل القلب‪ ،‬قلت‪ :‬وما حزنك وما شغل قلبك ؟ قال‪ :‬يا جابر إنه من‬
‫دخل قلبه صافي خالص دين ال شغله عما سواه‪ ،‬يا جابر ما الدنيا وما‬
‫عسى أن يكون‪ ،‬إن هو إل مركب ركبته‪ ،‬أو ثوب لبسته‪ ،‬أو امرأة أصبتها‪،‬‬
‫يا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا للبقاء فيها‪ ،‬ولم يأمنوا قدوم‬
‫الخرة عليهم‪ ،‬ولم يصمهم عن ذكر ال ما سمعوا بآذانهم من الفتنة‪ ،‬ولم‬
‫يعمهم عن نور ال ما رأوا بأعينهم من الزينة ففازوا ثواب البرار‪ ،‬وإن‬
‫أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة‪ ،‬وأكثرهم لك معونة‪ ،‬إن نسيت ذكروك‪،‬‬
‫وإن ذكرت أعانوك‪ ،‬قوالين بحق ال عزوجل‪ ،‬قوامين بأمر ال‪ ،‬وقطعوا‬
‫محبتهم لمحبة ربهم‪ ،‬ونظروا إلى ال وإلى محبته بقلوبهم‪ ،‬وتوحشوا من‬
‫الدنيا بطاعة مليكهم‪ ،‬وعلموا أن ذلك منظور إليه من شأنهم‪ ،‬فأنزل الدنيا‬
‫بمنزلة نزلت به وارتحلت عنه‪ ،‬أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت‬
‫وليس معك منه شئ‪ ،‬احفظ ال ما استرعاك من دينه وحكمته‪ - 16 .‬وفى‬
‫كتاب حلية الولياء عن خلف بن حوشب‪ ،‬عن أبي جعفر محمد ابن علي‬
‫عليهما السلم قال‪ :‬اليمان ثابت في القلب‪ ،‬واليقين‪ ،‬خطرات‪ ،‬فيمر اليقين‬

‫)‪ (1‬راجع ص ‪ 137‬والكافي ج ‪ 2‬ص ‪641‬‬

‫]‪[186‬‬

‫بالقلب فيصير كأنه زبر الحديد‪ ،‬ويخرج منه فيصير كأنه خرقة بالبة‪ .‬وعنه عليه‬
‫السلم أنه قال‪ :‬ما دخل قلب امرء شئ من الكبر إل نقص من عقله مثل ما‬
‫دخله من ذلك‪ ،‬قل ذلك أو كثر‪ - 17 .‬وعن سفيان الثوري قال‪ :‬سمعت‬
‫منصورا يقول‪ :‬سمعت محمد بن علي ابن الحسين عليهم السلم يقول‪:‬‬
‫الغنى والعز يجولن في قلب المؤمن فإذا وصل إلى مكان فيه التوكل‬
‫أقطناه‪ - 18 .‬وعن زيد بن خيثمة‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪:‬‬
‫الصواعق يصيب المؤمن وغير المؤمن‪ ،‬ول تصيب الذاكر‪ - 19 .‬وعن‬
‫ثابت‪ ،‬عن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلم في قوله تعالى " اولئك‬
‫يجزون الغرفة بما صبروا " )‪ (1‬قال‪ :‬الغرفة‪ :‬الجنة‪ ،‬بما صبروا على‬
‫الفتن في الدار الدنيا‪ - 20 .‬وعن أبي حمزة الثمالي‪ ،‬وعن أبي جعفر عليه‬
‫السلم في قوله‪ " :‬وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا " )‪ (2‬قال‪ :‬بما‬
‫صبروا على الفقر ومصائب الدنيا‪ - 21 .‬وعن جابر‪ ،‬عن أبي جعفر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬شيعتنا من أطاع ال‪ - 22 .‬وعن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‬
‫عليهما السلم قال‪ :‬إياكم والخصومة فإنها تفسد القلب وتورث النفاق‪23 .‬‬
‫‪ -‬وعن ابن المبارك قال‪ :‬قال محمد بن علي بن الحسين عليهم السلم‪ :‬من‬
‫أعطى الخلق والرفق فقد اعطي الخير والراحة‪ ،‬وحسن حاله في دنياه‬
‫وآخرته‪ ،‬ومن حرم الخلق والرفق كان ذلك سبيل إلى كل شر وبلية إل من‬
‫عصمه ال‪ - 24 .‬وعن يوسف بن يعقوب‪ ،‬عن أخيه‪ ،‬عن أبي جعفر عليه‬
‫السلم قال‪ :‬شيعتنا ثلثة أصناف صنف يأكلون الناس بنا‪ ،‬وصنف كالزجاج‬
‫ينم )‪ (3‬وصنف كالذهب الحمر‬

‫)‪ (1‬الفرقان‪ (2) .76 :‬الدهر‪ (3) .13 :‬يعنى ل يكتم السر وأذاع ما في باطنه من‬
‫السرار‪.‬‬

‫]‪[187‬‬

‫كلما ادخل النار ازداد جودة‪ - 25 .‬وعن الصمعي قال محمد بن علي عليهما السلم‬
‫لبنه‪ :‬يا بني إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر‪ ،‬إنك إن كسلت لم‬
‫تؤد حقا وإن ضجرت لم تصبر على حق‪ - 26 .‬وعن حجاج‪ ،‬عن أبي جعفر‬
‫عليه السلم قال‪ :‬أشد العمال ثلثة‪ :‬ذكر ال على كل حال‪ ،‬وإنصافك‬
‫]الناس من نفسك[ ومواساة الخ في المال‪ - 27 .‬قال البي في كتاب نثر‬
‫الدرر )‪ (1‬قال عليه السلم لبنه جعفر عليه السلم‪ :‬إن ال خبأ ثلثة‬
‫أشياء في ثلثة أشياء‪ :‬خبأ رضاه في طاعته‪ ،‬فل تحقرن من الطاعة شيئا‪،‬‬
‫فلعل رضاه فيه‪ ،‬وخبأ سخطه في معصيته فل تحقرن من المعصية شيئا‪،‬‬
‫فلعل سخطه فيه‪ ،‬وخبأ أولياءه في خلقه فل تحقرن أحدا فلعل الولي ذلك‪.‬‬
‫‪ - 28‬واجتمع عنده ناس من بني هاشم وغيرهم فقال‪ :‬اتقوا ال شيعة آل‬
‫محمد‪ ،‬وكونوا النمرقة الوسطى‪ ،‬يرجع إليكم الغالي‪ ،‬ويلحق بكم التالي‪،‬‬
‫قالوا له‪ :‬وما الغالي ؟ قال‪ :‬الذي يقول فينا مال نقوله في أنفسنا‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫فما التالي ؟ قال‪ :‬التالي الذي يطلب الخير فيزيد به خيرا‪ ،‬وال ما بيننا‬
‫وبين ال قرابة‪ ،‬ول لنا على ال من حجة‪ ،‬ول يتقرب إليه إل بالطاعة‪،‬‬
‫فمن كان منكم مطيعا ل يعمل بطاعته نفعته وليتنا أهل البيت‪ ،‬ومن كان‬
‫منكم عاصيا ل يعمل معاصيه لم تنفعه وليتنا ويحكم ل تغتروا ‪ -‬ثلثا ‪) .-‬‬
‫‪ - 29 (2‬وقال عليه السلم‪ :‬إن قوما عبدوا ال شكرا فتلك عبادة الحرار‪.‬‬
‫‪ - 30‬وقال عليه السلم لبنه‪ :‬يا بني إذا أنعم ال عليك بنعمة فقل‪ :‬الحمد‬
‫ل‪ ،‬وإذا حزنك أمر فقل‪ :‬ل حول ول قوة إل بال‪ ،‬وإذا أبطأ عنك رزق فقل‪:‬‬
‫أستغفر ال‪ - 31 .‬وقال ابن حمدون في تذكرته‪ :‬قال محمد بن علي عليهما‬
‫السلم‪ :‬توقى الصرعة خير من سؤال الرجعة‪.‬‬

‫)‪ (1‬راجع كشف الغمة ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .360‬أي قالها ثلث مرات‪.‬‬

‫]‪[188‬‬
‫‪ - 32‬وقيل له‪ :‬من أعظم الناس قدرا ؟ قال‪ :‬من لم يرى الدنيا لنفسه قدرا‪- 33 .‬‬
‫وقال أبو عثمان الجاحظ‪ :‬جمع محمد صلح شأن الدنيا بحذافيرها في ‪-‬‬
‫كلمتين فقال‪ :‬صلح شأن المعاش والتعاشر ملء مكيال‪ :‬ثلثان فطنة‪ ،‬وثلث‬
‫تغافل‪ - 34 .‬الدرة الباهرة )‪ :(1‬قال الباقر عليه السلم‪ :‬إن ال خبأ ثلثة‬
‫في ثلثة‪ :‬خبأ رضاه في طاعته‪ ،‬فل تحقرن من الطاعة شيئا‪ ،‬فلعل رضاه‬
‫فيه‪ .‬وخبأ سخطه في معصيته فل تحقرن من المعصية شيئا‪ ،‬فلعل سخطه‬
‫فيه‪ .‬وخبأ أولياءه في خلقه فل تحقرن أحدا‪ ،‬فلعله الولي‪ - 35 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬الغلبة بالخير فضيلة‪ ،‬وبالشر قبيحة‪ - 36 .‬وقيل له عليه السلم‪:‬‬
‫من أعظم الناس قدرا ؟ فقال‪ :‬من ل يرى الدنيا لنفسه قدرا‪ - 37 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬ما يأخذ المظلوم من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من دنيا‬
‫المظلوم‪ - 38 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من كان ظاهره أرجح من باطنه خف‬
‫ميزانه‪ - 39 .‬اعلم الدين )‪ :(2‬قال‪ :‬محمد بن علي الباقر عليهما السلم‬
‫كن لما ل ترجو أرجا منك لما ترجو فإن موسى عليه السلم خرج ليقتبس‬
‫نارا فرجع نبيا مرسل‪ - 40 .‬وقال لبعض شيعته‪ :‬إنا ل نغني عنكم من ال‬
‫شيئا إل بالورع‪ ،‬وإن وليتنا ل تدرك إل بالعمل‪ ،‬وإن أشد الناس يوم‬
‫القيامة حسرة من وصف عدل وأتى جورا‪ - 41 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا‬
‫علم ال تعالى حسن نية من أحد اكتنفه بالعصمة‪ - 42 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫صانع المنافق بلسانك وأخلص ودك للمؤمنين‪ ،‬وإن جالسك يهودي فأحسن‬
‫مجالسته‪.‬‬

‫)‪ (1‬و )‪ (2‬مخطوط‪.‬‬

‫]‪[189‬‬

‫‪ - 43‬وقال عليه السلم‪ :‬الوقوف عند الشبهة خير من القتحام في الهلكة وتركك‬
‫حديثا لم تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه‪ ،‬إن على كل حق نورا‪ ،‬وما‬
‫خالف كتاب ال فدعوه‪ ،‬إن أسرع الخير ثوابا البر‪ ،‬وإن أسرع الشر عقوبة‬
‫البغي‪ ،‬وكفى بالمرء عيبا أن ينظر إلى ما يعمى عنه من نفسه‪ ،‬ويعير‬
‫الناس بما ل ينفيه عن نفسه‪ ،‬أو يتكلم بكلم ل يعنيه‪ - 44 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬من عمل بما يعلم علمه ال ما لم يعلم‪ - 45 .‬واجتمع عنده جماعة‬
‫من بني هاشم وغيرهم فقال لهم‪ :‬اتقوا ال شيعة آل محمد وكونوا النمرقة‬
‫الوسطى يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي‪ ،‬قالوا له‪ :‬وما الغالي ؟ قال‬
‫الذي يقول فينا مال نقوله في أنفسنا‪ ،‬قالوا‪ :‬وما التالي ؟ قال‪ :‬الذي يطلب‬
‫الخير فيزيد به خيرا‪ ،‬إنه وال ما بيننا وبين ال من قرابة‪ ،‬ول لنا عليه‬
‫حجة‪ ،‬ول يتقرب إلى ال إل بالطاعة‪ ،‬فمن كان منكم مطيعا ل يعمل‬
‫بطاعته نفعته وليتنا أهل البيت‪ ،‬ومن كان منكم عاصيا ل يعمل بمعاصيه‬
‫لم تنفعه وليتنا‪ ،‬ويحكم ل تغتروا‪ - 46 .‬وقال لبعض شيعته وقد أراد سفرا‬
‫فقال له‪ :‬أوصني فقال‪ :‬ل تسيرن سيرا وأنت خاف‪ ،‬ول تنزلن عن دابتك‬
‫ليل إل ورجلك في خف‪ ،‬ول تبولن في نفق‪ ،‬ول تذوقن بقلة ول تشمها‬
‫حتى تعلم ما هي‪ ،‬ول تشرب من سقاء حتى تعرف ما فيه‪ ،‬ول تسيرن إل‬
‫مع من تعرف‪ ،‬واحذر من ل تعرف‪ - 47 .‬وقيل له عليه السلم‪ :‬من أعظم‬
‫الناس قدرا فقال‪ :‬من ل يبالي في يد من كانت الدنيا‪ - 48 .‬وقال عليه‬
‫السلم تعلموا العلم فإن تعلمه حسنة وطلبه عبادة‪ ،‬ومذاكرته تسبيح‪،‬‬
‫والبحث عنه جهاد‪ ،‬وتعلمه صدقة‪ ،‬وبذله لهله قربة‪ ،‬والعلم ثمار الجنة‪،‬‬
‫وانس في الوحشة‪ ،‬وصاحب في الغربة‪ ،‬ورفيق في الخلوة‪ ،‬ودليل على‬
‫السراء‪ ،‬وعون على الضراء‪ ،‬ودين عند الخلء‪ ،‬وسلح عند العداء‪،‬‬
‫يرفع ال به قوما فيجعلهم في الخير سادة‪ ،‬وللناس أئمة‪ ،‬يقتدى بفعالهم‪،‬‬
‫ويقتص‬

‫]‪[190‬‬

‫آثارهم‪ ،‬ويصلي عليهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البر‬
‫وأنعامه‪) * .23 .‬باب( * * " )مواعظ الصادق جعفر بن محمد عليهما‬
‫السلم ووصاياه( " * * " )وحكمه( " * ‪ - 1‬لى )‪ :(1‬عن ابن ادريس‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن أبي الصهبان‪ ،‬عن محمد ابن زياد‪ ،‬عن أبان‬
‫الحمر‪ ،‬عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلم أنه جاء إليه رجل فقال‬
‫له‪ :‬بأبي أنت وامي يا ابن رسول ال علمني موعظة‪ .‬فقال له عليه السلم‪:‬‬
‫إن كان ال تبارك وتعالى قد تكفل بالرزق فاهتمامك لماذا ؟ وإن كان الرزق‬
‫مقسوما فالحرص لماذا‪ ،‬وإن كان الحساب حقا فالجمع لماذا‪ ،‬وإن كان‬
‫الثواب عن ال حقا فالكسل لماذا‪ ،‬وإن كان الخلف من ال عزوجل حقا‬
‫فالبخل لماذا‪ ،‬وإن كان العقوبة من ال عزوجل النار فالمعصية لماذا‪ ،‬وإن‬
‫كان الموت حقا فالفرح لماذا‪ ،‬وإن كان العرض على ال حقا فالمكر لماذا‪،‬‬
‫وإن كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا‪ ،‬وإن كان الممر على الصراط حقا‬
‫فالعجب لماذا‪ ،‬وإن كان كل شئ بقضاء وقدر فالحزن لماذا‪ ،‬وإن كانت‬
‫الدنيا فانية فالطمأنينة إليها لماذا ؟ !‪ .‬ل )‪ :(2‬عن ابن وليد‪ ،‬عن الصفار‪،‬‬
‫عن ابن عيسى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن أبان مثله‪ ،‬وفيه بعد‬
‫قوله " فالمعصية لماذا "‪ " :‬وإن كان الموت حقا فالفرج لماذا " وليس‬
‫فيه‪ " ،‬وإن كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا "‪ - 2 .‬لى )‪ (3‬عن العطار‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن الجاموراني‪ ،‬عن ابن أبي عثمان‪ ،‬عن محمد‬
‫بن أبي حمزة‪ ،‬عن معاوية بن وهب‪ ،‬عن أبي عبد ال ‪-‬‬
‫)‪ (1‬المجلس الثاني ص ‪ (2) .5‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .61‬المجلس الثالث‬
‫والربعون ص ‪.148‬‬

‫]‪[191‬‬

‫الصادق جعفر بن محمد عليهما السلم قال‪ :‬تبع حكيم حكيما سبعمائة فرسخ في‬
‫سبع كلمات فلما لحق به قال له‪ :‬يا هذا ما أرفع من السماء‪ ،‬وأوسع من‬
‫الرض‪ ،‬وأغنى من البحر‪ ،‬وأقسى من الحجر‪ ،‬وأشد حرارة من النار‪،‬‬
‫وأشد بردا من الزمهرير‪ ،‬وأثقل من الجبال الراسيات‪ .‬فقال له‪ :‬يا هذا الحق‬
‫أرفع من السماء‪ ،‬والعدل أوسع من الرض‪ ،‬وغنى النفس أغنى من البحر‪،‬‬
‫وقلب الكافر أقسى من الحجر‪ ،‬والحريص الجشع أشد حرارة من النار‪،‬‬
‫واليأس من روح ال عزوجل أشد بردا من الزمهرير والبهتان على البرئ‬
‫أثقل من الجبال الراسيات‪ .‬ل )‪ :(1‬عن ما جيلويه‪ ،‬عن محمد العطار مثله‪.‬‬
‫كتاب الغايات )‪ (2‬للشيخ جعفر بن أحمد القمي مرسل مثله‪ - 3 .‬لى )‪(3‬‬
‫عن جعفر بن الحسن‪ ،‬عن محمد بن جعفر بن بطة‪ ،‬وعن البرقي عن أبيه‪،‬‬
‫عن محمد بن سنان‪ ،‬عن ابن مسكان‪ ،‬عن أبي عبد ال الصادق عليه‬
‫السلم قال‪ :‬إن أحق الناس بأن يتمنى للناس الغنى البخلء لن الناس إذا‬
‫استغنوا كفوا عن أموالهم‪ ،‬وإن أحق الناس بأن يتمنى للناس الصلح أهل‬
‫العيوب لن الناس إذا صلحوا كفوا عن تتبع عيوبهم‪ ،‬وإن أحق الناس بأن‬
‫يتمنى للناس الحلم أهل السفه الذين يحتاجون أن يعفى‪ ،‬عن سفههم‪،‬‬
‫فأصبح أهل البخل يتمنون فقر الناس‪ ،‬وأصبح أهل العيوب يتمنون معايب‬
‫الناس‪ ،‬وأصبح أهل السفه يتمنون سفه الناس‪ .‬وفي الفقر الحاجة إلى‬
‫البخيل وفي الفساد طلب عورة أهل العيوب‪ ،‬وفي السفة المكافأة بالذنوب‪.‬‬
‫‪ - 4‬ب )‪ :(4‬عن ابن سعد‪ ،‬عن الزدي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪:‬‬
‫كم من نعمة ال عزوجل على عبده في غير عمله‪ ،‬وكم من مؤمل أمل‬
‫والخيار في غيره‪ ،‬وكم من ساع إلى حتفه وهو مبطئ عن حظه‪.‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .5‬مخطوط‪ (3) .‬المجلس الحادى والستون ص ‪) .233‬‬
‫‪ (4‬قرب السناد ص ‪.19‬‬

‫]‪[192‬‬

‫ما ‪ :(1) -‬عن المفيد‪ ،‬عن ابن قولويه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى عن‬
‫مسكان‪ ،‬عن بكر بن محمد عن الصادق عليه السلم مثله‪ - 5 .‬ل )‪ :(2‬عن‬
‫ما جيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن ابن معروف‪ ،‬عن أبي شعيب يرفعه‬
‫إلى أبي عبد ال عليه السلم قال‪ ،‬أورع الناس من وقف عند الشبهة‪ ،‬أعبد‬
‫الناس من أقام الفرائض‪ ،‬أزهد الناس من ترك الحرام‪ ،‬أشد الناس اجتهادا‬
‫من ترك الذنوب‪ - 6 .‬ل )‪ :(3‬عن القاسم بن محمد السراج‪ ،‬عن محمد بن‬
‫أحمد الضبي‪ ،‬عن محمد ابن عبد العزيز الدينوري‪ ،‬عن عبيدال بن موسى‬
‫العبسي‪ ،‬عن سفيان الثوري قال‪ :‬لقيت الصادق جعفر بن محمد عليهما‬
‫السلم فقلت له‪ :‬يا ابن رسول ال أوصني فقال لي‪ :‬يا سفيان ل مروة‬
‫لكذوب‪ ،‬ول أخ لملوك‪ ،‬ول راحة لحسود‪ ،‬ول سؤدد لسيئ الخلق‪ ،‬فقلت‪ :‬يا‬
‫ابن رسول ال زدني‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا سفيان ثق بال تكن مؤمنا‪ ،‬وارض بما‬
‫قسم ال لك تكن غنيا‪ ،‬وأحسن مجاورة من جاورت تكن مسلما‪ ،‬ول‬
‫تصحب الفاجر فيعلمك من فجوره‪ ،‬وشاور في أمرك الذين يخشون ال‬
‫عزوجل‪ .‬قلت‪ :‬يا ابن رسول ال زدني فقال‪ :‬لي‪ :‬يا سفيان من أراد عزا بل‬
‫عشيرة‪ ،‬وغنى بل مال‪ ،‬و هيبة بل سلطان فلينتقل عن ذل معصية ال إلى‬
‫عز طاعته‪ ،‬قلت‪ :‬زدني يا ابن رسول ال‪ ،‬فقال لي‪ :‬يا سفيان أمرني والدي‬
‫عليه السلم بثلث ونهاني عن ثلث فكان فيما قال لي‪ :‬يا بني من يصحب‬
‫صاحب السوء ل يسلم‪ ،‬ومن يدخل مداخل السوء يتهم ومن ل يملك لسانه‬
‫يندم‪ ،‬ثم أنشدني‪ :‬عود لسانك قول الخير تحظ به * إن اللسان لما عودت‬
‫معتاد موكل بتقاضي ما سننت له * في الخير والشر كيف تعتاد‬

‫)‪ (1‬المالى ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .132‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .11‬المصدر ج ‪ 1‬ص ‪.8‬‬

‫]‪[193‬‬

‫‪ - 7‬فس )‪ (1‬عن أبيه‪ ،‬عن القاسم بن محمد‪ ،‬عن المنقري‪ ،‬عن حفص بن ‪ -‬غياث‬
‫قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬يا حفص ما منزلة الدنيا من نفسي إل‬
‫بمنزلة الميتة إذا اضطررت إليها أكلت منها‪ ،‬يا حفص‪ :‬إن ال تبارك‬
‫وتعالى علم ما العباد عاملون‪ ،‬وإلى ماهم صائرون‪ ،‬فحلم عنهم عند‬
‫أعمالهم السيئة‪ ،‬لعلمه السابق فيهم‪ ،‬فل يغرنك حسن الطلب ممن ل يخاف‬
‫الفوت‪ ،‬ثم تل قوله‪ :‬تلك الدار الخرة ‪ -‬الية " )‪ (2‬وجعل يبكي ويقول‪:‬‬
‫ذهب وال الماني عند هذه الية‪ .‬ثم قال فازوا وال البرار‪ ،‬أتدري من‬
‫هم ؟ هم الذين ل يؤذون الذر‪ ،‬كفى بخشية ال علما‪ ،‬وكفى بالغترار بال‬
‫جهل‪ ،‬يا حفص إنه يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد‪،‬‬
‫ومن تعلم وعلم وعمل بما علم دعي في ملكوت السماوات عظيما‪ ،‬فقيل‪:‬‬
‫تعلم ل‪ ،‬وعمل ل‪ ،‬وعلم ل‪ .‬قلت‪ :‬جعلت فداك فما حد الزهد في الدنيا ؟‬
‫فقال‪ :‬فقد حد ال في كتابه فقال عزوجل " لكيل تأسوا على ما فاتكم ول‬
‫تفرحوا بما آتيكم " )‪ (3‬إن أعلم الناس بال أخوفهم ل‪ ،‬وأخوفهم له‬
‫أعلمهم به‪ ،‬وأعلمهم به أزهدهم فيها‪ .‬فقال له رجل يا ابن رسول ال‬
‫أوصني فقال‪ :‬اتق ال حيث كنت فإنك ل تستوحش‪ - 8 .‬ل )‪ :(4‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن محمد العطار‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن يعقوب بن ‪ -‬يزيد‪ ،‬عن محمد بن‬
‫جعفر )‪ (5‬بإسناده قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬ليس للبحر جار‪ ،‬ول‬
‫للملك صديق‪ ،‬ول للعافية ثمن‪ ،‬وكم من منعم عليه وهو ل يعلم‪.‬‬

‫)‪ (1‬تفسير على بن ابراهيم ص ‪ (2) .493‬القصص‪ .83 :‬وتمام الية " نجعلها‬
‫للذين ل يريدون علوا في الرض ول فسادا والعاقبة للمتقين "‪(3) .‬‬
‫الحديد‪ (4) .23 :‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (5) .106‬يعنى محمد بن جعفر‬
‫الخزاز من أصحاب الرضا عليه السلم‪.‬‬

‫]‪[194‬‬

‫‪ - 9‬ل )‪ :(1‬ابن المتوكل‪ ،‬عن السعد آبادي‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه رفعه إلى أبي عبد‬
‫ال عليه السلم أنه قال‪ :‬خمس من خمسة محال‪ :‬النصيحة من الحاسد‬
‫محال‪ ،‬والشفقة من العدو محال‪ ،‬والحرمة من الفاسق محال‪ ،‬والوفاء من‬
‫المرأة محال‪ ،‬والهيبة من الفقير محال‪ - 10 .‬ل )‪ :(2‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد‬
‫العطار‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن موسى بن عمر‪ ،‬عن أبي علي بن راشد‪ ،‬رفعه‬
‫إلى الصادق عليه السلم أنه قال‪ :‬خمس هن كما أقول‪ :‬ليست لبخيل راحة‪،‬‬
‫ول لحسود لذة‪ ،‬ول لملوك وفاء‪ ،‬ول لكذاب مروة‪ ،‬ول يسود سفيه‪- 11 .‬‬
‫ل )‪ :(3‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن الجاموراني‪ ،‬عن‬
‫درست‪ ،‬عن أبي خالد السجستاني‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪:‬‬
‫خمس خصال من لم تكن فيه خصلة منها فليس فيه كثير مستمتع‪ :‬أولها‬
‫الوفاء‪ ،‬والثانية التدبير‪ ،‬والثالثة الحياء‪ ،‬والرابعة حسن الخلق‪ ،‬والخامسة‬
‫‪ -‬وهي تجمع هذه الخصال ‪ -‬الحرية‪ :(4) - 12 .‬وقال عليه السلم خمس‬
‫خصال من فقد منهن واحدة لم يزل ناقص العيش‪ ،‬زائل العقل‪ ،‬مشغول‬
‫القلب فأولها صحة البدن‪ ،‬والثانية المن‪ ،‬والثالثة السعة في الرزق‪،‬‬
‫والرابعة النيس الموافق‪ ،‬قلت‪ :‬وما النيس الموافق ؟ قال‪ :‬الزوجة‬
‫الصالحة‪ ،‬والولد الصالح‪ ،‬والخليط الصالح‪ ،‬والخامسة ‪ -‬وهي تجمع هذه‬
‫الخصال ‪ -‬الدعة‪ - 13 .‬ل )‪ :(5‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد بن إدريس‪ ،‬عن‬
‫الشعري‪ ،‬عن الجاموراني عن أبي عثمان‪ ،‬عن أحمد بن عمر الحلل‪ ،‬عن‬
‫يحيى الحلبي قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬سبعة يفسدون‬
‫أعمالهم‪ :‬الرجل الحليم ذو العلم الكثير ل يعرف‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .129‬المصدر ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .130‬و )‪ (4‬المصدر ج ‪1‬‬
‫ص ‪ (5) .136‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪.5‬‬
‫]‪[195‬‬

‫بذلك ول يذكر به‪ ،‬والحكيم الذي يدين ماله كل كاذب منكر لما يؤتى إليه‪ ،‬والرجل‬
‫الذي يأمن ذا المكر والخيانة‪ ،‬والسيد الفظ الذي ل رحمة له‪ ،‬و الم التي ل‬
‫تكتم عن الولد السر وتفشي عليه‪ ،‬والسريع إلى لئمة إخوانه‪ ،‬والذي‬
‫يجادل أخاه مخاصما له‪ - 14 .‬ل )‪ :(1‬عن العطار‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫الشعري‪ ،‬عن الجاموراني‪ ،‬عن ابن أبي عثمان‪ ،‬عن أحمد بن عمر‪ ،‬عن‬
‫يحيى الحلبي قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬ل يطمعن ذوالكبر‬
‫في الثناء الحسن‪ ،‬ول الخب في كثرة الصديق‪ ،‬ول السيئ الدب في‬
‫الشرف‪ ،‬ول البخيل في صلة الرحم‪ ،‬ول المستهزئ بالناس في صدق‬
‫المودة‪ ،‬ول القليل الفقه في القضاء‪ ،‬ول المغتاب في السلمة‪ ،‬ول الحسود‬
‫في راحة القلب‪ ،‬ول المعاقب على الذنب الصغير في السؤدد‪ ،‬ول القليل‬
‫التجربة المعجب برأيه في رئاسة‪ - 15 .‬ل )‪ :(2‬عن المفسر أحمد بن‬
‫الحسن الحسيني‪ ،‬عن أبي محمد العسكري عن آبائه عليهم السلم قال‪:‬‬
‫كتب الصادق عليه السلم إلى بعض الناس‪ :‬إن أردت أن يختم بخير عملك‬
‫حتى تقبض وأنت في أفضل العمال فعظم ل حقه أن تبذل نعمائه في‬
‫معاصيه‪ ،‬وأن تغتر بحلمه عنك‪ .‬وأكرم كل من وجدته يذكرنا أو ينتحل‬
‫مودتنا ثم ليس عليك صادقا كان أو كذابا إنما لك نيتك وعليه كذبه‪- 16 .‬‬
‫ما )‪ :(3‬عن المفيد‪ ،‬عن ابن قولويه‪ ،‬عن محمد الحميري‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫البرقي عن شريف بن سابق‪ ،‬عن الفضل بن عبد الملك‪ ،‬عن أبي عبد ال‪،‬‬
‫عن آبائه عليهم السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬أول‬
‫عنوان صحيفة المؤمن بعد موته ما يقول الناس فيه إن خيرا فخيرا وإن‬
‫شرا فشرا‪ ،‬وأول تحفة المؤمن أن يغفر ال له ولمن تبع جنازته‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫يا فضل ل يأتي المسجد من كل قبيلة إل وافدها‪ ،‬ومن كل أهل‬

‫)‪ (1‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .53‬لم أجده‪ (3) .‬المالى ج ‪ 1‬ص ‪.45‬‬

‫]‪[196‬‬

‫بيت إل نجيبها‪ ،‬يا فضل ل يرجع صاحب المسجد بأقل من إحدى ثلث‪ :‬إما دعاء‬
‫يدعو به يدخل ال به الجنة‪ ،‬وإما دعاء يدعو به فيصرف ال عنه بلء‬
‫الدنيا‪ ،‬وإما أخ يستفيده في ال عزوجل‪ .‬ثم قال‪ :‬قال رسول ال‪ " :‬ما‬
‫استفاد امرء مسلم فائدة بعد فائدة السلم مثل أخ يستفيده في ال‪ :‬ثم قال‪:‬‬
‫يا فضل ل تزهدوا في فقراء شيعتنا فإن الفقير منهم ليشفع يوم القيامة في‬
‫مثل ربيعة ومضر‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا فضل إنما سمي المؤمن مؤمنا لنه يؤمن‬
‫على ال فيجيز ال أمانه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أما سمعت ال تعالى يقول في أعدائكم إذا‬
‫رأوا شفاعة الرجل منكم لصديقه يوم القيامة‪ " :‬فما لنا من شافعين ول‬
‫صديق حميم )‪ - 17 ." (1‬ما )‪ :(2‬عن المفيد‪ ،‬عن حسن بن حمزة‬
‫الحسني‪ ،‬عن علي بن إبراهيم في كتابه على يد أبي نوح الكاتب‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫عن ابن بزيع‪ ،‬عن عبيد ال بن عبد ال عن أبي عبد ال جعفر بن محمد‬
‫الصادق عليه السلم أنه قال لصحابه‪ :‬اسمعوا مني كلما هو خير لكم من‬
‫الدهم الموقفة )‪ (3‬ل يتكلم أحدكم بما ل يعنيه‪ ،‬وليدع كثيرا من الكلم فيما‬
‫يعنيه‪ ،‬حتى يجد له موضعا‪ ،‬فرب متكلم في غير موضعه جنى على نفسه‬
‫بكلمه‪ ،‬ول يمارين أحدكم سفيها ول حليما فإنه من مارى حليما أقصاه‪،‬‬
‫ومن مارى سفيها أرداه‪ ،‬واذكروا أخاكم إذا غاب عنكم بأحسن ما تحبون‬
‫أن تذكروا به إذا غبتم عنه‪ ،‬واعملوا عمل من يعلم أنه مجازى بالحسان‬
‫مأخوذ بالجترام‪ - 18 .‬ما )‪ :(4‬عن المفيد‪ ،‬عن ابن قولويه‪ ،‬عن الكليني‪،‬‬
‫عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن يونس‪ ،‬عن محمد بن زياد‪،‬‬
‫عن رفاعة قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلمل يقول‪ :‬أربع في التوراة‬
‫وإلى جنبهن أربع‪ :‬من أصبح على الدنيا‬

‫)‪ (1‬الشعراء‪ (2) .100 :‬المالى ج ‪ 1‬ص ‪ (3) .229‬الدهم جمع أدهم‪ :‬أجود‬
‫الفرس‪ .‬ودابة موقفة التى في قوائمها خطوط سود‪ (4) .‬المالى ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ 233‬ورواه المفيد في المجالس ص ‪.111‬‬

‫]‪[197‬‬

‫حزينا فقد أصبح على ربه ساخطا‪ ،‬ومن أصبح يشكر مصيبة نزلت به فإنما يشكر‬
‫ربه‪ ،‬ومن أتى غنيا فتضعضع له ليصيب من دنياه فقد ذهب ثلثا دينه‪ ،‬ومن‬
‫دخل النار ممن قرأ القرآن فإنما هو ممن كان يتخذ آيات ال هزوا‪ ،‬والربع‬
‫التي إلى جنبهن كما تدين تدان‪ ،‬ومن ملك استأثر‪ ،‬ومن لم يستشر ندم‪،‬‬
‫والفقر هو الموت الكبر‪ - 19 .‬ما )‪ :(1‬باسناد أبي قتادة قال‪ :‬قال أبو عبد‬
‫ال عليه السلم‪ :‬ليس لحاقن رأي‪ ،‬ول لملوك صديق‪ ،‬ول لحسود غنى‪،‬‬
‫وليس بحازم من لم ينظر في العواقب والنظر في العواقب تلقيح للقلوب‪.‬‬
‫‪ - 20‬ما )‪ ،(2‬عن جماعة‪ ،‬عن أبي المفضل‪ ،‬عن أحمد بن هودة‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم ابن إسحاق‪ ،‬عن عبد ال بن حماد النصاري‪ ،‬عن عبد العزيز بن‬
‫محمد قال‪ :‬دخل سفيان الثوري على أبي عبد ال جعفر بن محمد عليهما‬
‫السلم وأنا عنده فقال له جعفر‪ :‬يا سفيان إنك رجل مطلوب وأنا رجل‬
‫تسرع إلي اللسن‪ ،‬فسل عما بد الك‪ ،‬فقال‪ :‬ما أتيتك يا ابن رسول ال إل‬
‫لستفيد منك خيرا‪ ،‬قال‪ :‬يا سفيان إني رأيت المعروف ليتم إل بثلث‪:‬‬
‫تعجيله وستره وتصغيره‪ ،‬فإنك إذا عجلته هنأته وإذا سترته أتممته وإذا‬
‫صغرته عظم عند من تسديه إليه‪ ،‬يا سفيان إذا أنعم ال على أحد منكم‬
‫بنعمة فليحمد ال عزوجل‪ ،‬وإذا استبطئ الرزق فليستغفر ال‪ ،‬وإذا حزنه‬
‫أمر قال ل حول ول قوة إل بال العلي العظيم‪ ،‬يا سفيان ثلث أيما ثلث‪:‬‬
‫نعمت العطية الكلمة الصالحة يسمعها المؤمن فينطوي عليها حتى يهديها‬
‫إلى أخيه المؤمن‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬المعروف كاسمه وليس شئ أعظم‬
‫من المعروف إل ثوابه‪ ،‬وليس كان من يحب أن يصنع المعروف يصنعه‪،‬‬
‫ول كل من يرغب فيه يقدر عليه‪ ،‬ول كل من يقدر عليه يؤذن له فيه‪ ،‬فإذا‬
‫اجتمعت الرغبة والقدرة والذن فهنالك تمت السعادة للطالب والمطلوب‬
‫إليه‪.‬‬

‫)‪ (1‬المالى ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .307‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪.94‬‬

‫]‪[198‬‬

‫‪ - 21‬ع )‪ :(1‬عن ابن المتوكل‪ ،‬عن الحميري‪ ،‬عن اليقطيني محمد بن عيسى‪ ،‬عن‬
‫ابن محبوب‪ ،‬عن هشام بن سالم قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‬
‫لحمران‪ :‬يا حمران انظر إلى من هو دونك‪ ،‬ول تنظر إلي من هو فوتك في‬
‫المقدرة‪ ،‬فإن ذلك أقنع لك بما قسم لك‪ ،‬وأحرى أن تستوجب الزيادة من‬
‫ربك‪ .‬واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند ال من العمل‬
‫الكثير على غير يقين‪ .‬و اعلم أنه ل ورع أنفع من تجنب محارم ال والكف‬
‫عن أذي المؤمنين واغتيابهم‪ ،‬ول عيش أهنأ من حسن الخلق‪ ،‬ول مال‬
‫أنفع من القنوع باليسير المجزي‪ ،‬ول جهل أضر من العجب‪ - 22 .‬ع )‪:(2‬‬
‫عن ابن المتوكل‪ ،‬عن السعد آبادي‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن عبد العظيم الحسني‪،‬‬
‫عن ابن أبي عمير‪ ،‬عن عبد ال بن الفضل‪ ،‬عن خاله محمد بن سليمان‬
‫عن رجل‪ ،‬عن محمد بن علي عليهما السلم أنه قال لمحمد بن مسلم‪ :‬ل‬
‫تغرنك الناس من نفسك فإن المر يصل إليك دونهم‪ ،‬ول تقطع النهار عنك‬
‫كذا وكذا‪ ،‬فإن معك من يحصي عليك‪ ،‬ول تستصغرن حسنة تعملها فإنك‬
‫تراها حيث تسرك‪ ،‬ول تستصغرن سيئة تعمل بها فإنك تراها حيث‬
‫تسوؤك‪ ،‬وأحسن فإني لم أر شيئا قط أشد طلبا ول أسرع دركا من حسنة‬
‫محدثة لذنب قديم‪ .‬جا )‪ (3‬عن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن‬
‫ابن معروف‪ ،‬عن ابن مهزيار‪ ،‬عن فضالة‪ ،‬عن عبد ال بن زيد‪ ،‬عن ابن‬
‫أبي يعفور‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم مثله‪ .‬وزاد في آخره‪ :‬إن ال جل‬
‫اسمه يقول‪ " :‬إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين )‪." (4‬‬

‫)‪ (1‬علل الشرائع الباب الثاني والخمسون بعد الثلثمائة ص ‪ (2) .559‬المصدر‬
‫الحديث التاسع والربعون من الباب الخر ص ‪ .599‬وهذا اشتباه من‬
‫جامع الكتاب حيث أورد حديث باقر عليه السلم في هذا الباب‪(3) .‬‬
‫المجالس ص ‪ (4) .108‬هود‪.114 :‬‬
‫]‪[199‬‬

‫‪ - 23‬مع )‪ :(1‬عن ماجيلويه‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد بن ‪-‬‬
‫سنان‪ ،‬عن المفضل‪ ،‬عن ابن ظبيان قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪:‬‬
‫إعلم أن الصلة حجزة ال في الرض فمن أحب أن يعلم ما يدرك من نفع‬
‫صلته فلينظر فإن كانت صلته حجزته عن الفواحش والمنكر فإنما أدرك‬
‫من نفعها بقدر ما احتجز‪ ،‬ومن أحب أن يعلم ماله عند ال فليعلم مال‬
‫عنده‪ ،‬ومن خل بعمل فلينظر فيه فإن كان حسنا جميل فليمض عليه‪ ،‬وإن‬
‫كان سيئا قبيحا فليجتنبه فان ال عزوجل أولى بالوفاء والزيادة‪ .‬من عمل‬
‫سيئة في السر فليعمل حسنة في السر‪ ،‬ومن عمل سيئة في العلنية فليعمل‬
‫حسنة في العلنية‪ - 24 .‬سن )‪ :(2‬عن حماد بن عيسى‪ ،‬عن عبد الحميد‬
‫الطائي‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬كتب معي إلى عبد ال بن‬
‫معاوية وهو بفارس‪ :‬من اتقى ال وقاه‪ ،‬ومن شكره زاده‪ ،‬ومن أقرضه‬
‫جزاه‪ - 25 .‬سن )‪ :(3‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن علي بن حديد‪ ،‬عن أبي‬
‫اسامة قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬عليكم بتقوى ال‪،‬‬
‫والورع‪ ،‬والجتهاد‪ ،‬وصدق الحديث‪ ،‬وأداء المانة‪ ،‬وحسن الخلق‪ ،‬وحسن‬
‫الجوار‪ ،‬وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم‪ ،‬وكونوا زينا ول تكونوا‬
‫شينا‪ ،‬وعليكم بطول الجود والركوع فإن أحدكم إذا طال الركوع يهتف‬
‫إبليس من خلفه‪ ،‬وقال‪ :‬يا ويلتاه أطاعوا وعصيت وسجدوا وأبيت‪- 26 .‬‬
‫ص )‪ :(4‬عن الصدوق رحمه ال بإسناده‪ ،‬عن ابن سنان‪ ،‬عن الصادق‬
‫عليه السلم قال‪ :‬ل تمزح فيذهب نورك‪ ،‬ول تكذب فيذهب بهاؤك‪ ،‬وإياك‬
‫وخصلتين‪ :‬الضجر والكسل فإنك إن ضجرت لم تصبر على حق‪ ،‬وإن‬
‫كسلت لم تؤد حقا‪ ،‬قال‪:‬‬

‫)‪ (1‬معاني الخبار‪ :‬ص ‪ (2) .236‬المحاسن للبرقي ص ‪ 3‬تحت رقم ‪(3) .2‬‬
‫المصدر‪ :‬ص ‪ 18‬تحت رقم ‪ (4) .50‬قصص النبياء مخطوط‪.‬‬

‫]‪[200‬‬

‫وكان المسيح عليه السلم يقول‪ :‬من كثر همه سقم بدنه‪ ،‬ومن ساء خلقه عذب‬
‫نفسه‪ ،‬ومن كثر كلمه كثر سقطه‪ ،‬ومن كثر كذبه ذهب بهاؤه‪ ،‬ومن لحى‬
‫الرجال ذهب مروته‪ - 27 .‬مص )‪ :(1‬قال الصادق عليه السلم أفضل‬
‫الوصايا وألزمها أن ل تنسى ربك‪ ،‬وأن تذكره دائما‪ ،‬ول تعصيه‪ ،‬وتعبده‬
‫قاعدا وقائما‪ ،‬ول تغتر بنعمته‪ ،‬واشكره أبدا‪ ،‬ول تخرج من تحت أستار‬
‫عظمته وجلله فتضل‪ ،‬وتقع في ميدان الهلك‪ ،‬وإن مسك البلء والضر‪،‬‬
‫وأحرقتك نيران المحن واعلم أن بلياه محشوة بكراماته البدية‪ ،‬ومحنه‬
‫مورثة رضاه وقربه ولو بعد حين‪ ،‬فيالها من مغنم لمن علم ووفق لذلك‪.‬‬
‫‪ - 28‬روى أن رجلل استوصى رسول ال صلى ال عليه وآله فقال‪ :‬ل‬
‫تغضب قط‪ ،‬فإن فيه منازعة ربك فقال‪ :‬زدني‪ ،‬قال إياك وما يعتذر فيه فإن‬
‫فيه الشرك الخفي فقال‪ :‬زدني‪ ،‬فقال‪ :‬صار صلة مودع فإن فيها الوصلة‬
‫والقربي‪ ،‬فقال‪ :‬زدني‪ ،‬فقال عليه السلم استحي من ال استحياءك من‬
‫صالحي جيرانك فإن فيها زيادة اليقين‪ ،‬وقد أجمع ال تعالى ما يتواصى به‬
‫المتواصون من الولين والخرين في خصلة واحدة وهي التقوى‪ ،‬قال ال‬
‫عزوجل‪ " :‬ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا ال )‬
‫‪ " (2‬وفيه جماع كل عبادة صالحة‪ ،‬وصل من وصل إلى الدرجات العلى‪،‬‬
‫والرتبة القصوى‪ ،‬وبه عاش من عاش مع ال بالحياة الطيبة‪ ،‬والنس‬
‫الدائم‪ ،‬قال ال عزوجل‪ " :‬إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند‬
‫مليك مقتدر )‪ - 29 ." (3‬كشف )‪ :(4‬قال محمد بن طلحة قال‪ :‬مالك بن‬
‫أنس قال‪ :‬جعفر عليه السلم‬

‫)‪ (1‬مصباح الشريعة ص ‪ 50‬الباب الثالث والسبعون‪ (2) .‬النساء‪(3) .131 :‬‬
‫القمر‪ (4) .54 :‬كشف الغمة ج ‪ 2‬ص ‪.368‬‬

‫]‪[201‬‬

‫يوما لسفيان الثوري‪ :‬يا سفيان إذا أنعم ال عليك بنعمة فأحببت بقاءها فأكثر من‬
‫الحمد والشكر على ال قال ال عزوجل في كتابه العزيز‪ " :‬لئن شكرتم‬
‫لزيدنكم )‪ " (1‬وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الستغفار فإن ال عزوجل‬
‫قال في كتابه " استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم‬
‫مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين )‪ " (2‬يعني في الدنيا " ويجعل لكم جنات‬
‫" يعني في الخرة‪ .‬يا سفيان إذا حزنك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من‬
‫قول " ل حول ول قوة إل بال " فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة‪.‬‬
‫‪ - 30‬وقال ابن أبي حازم )‪ (3‬كنت عند جعفر بن محمد عليهما السلم إذا‬
‫جاء آذنه فقال‪ :‬سفيان الثوري بالباب‪ ،‬فقال‪ :‬ائذن له‪ ،‬فدخل فقال له جعفر‪:‬‬
‫يا سفيان إنك رجل يطلبك السلطان وأنا أتقي السلطان قم فاخرج غير‬
‫مطرود‪ ،‬فقال سفيان‪ :‬حدثني حتى أسمع وأقوم‪ ،‬فقال جعفر‪ :‬حدثني أبي‬
‫عن جدي أن رسول ال صلى ال عليه وآله قال‪ :‬من أنعم ال عليه نعمة‬
‫فليحمد ال‪ ،‬ومن استبطأ الرزق فليستغفر ال‪ ،‬ومن حزنه أمر فليقل‪ :‬ل‬
‫حول ول قوة إل بال‪ ،‬فلما قام سفيان قال جعفر‪ :‬خذها يا سفيان ثلثا وأي‬
‫ثلث‪ - 31 .‬وكان يقول عليه السلم‪ :‬ل يتم المعروف إل بثلثة‪ :‬تعجيله‬
‫وتصغيره وستره‪ - 32 .‬وسئل عليه السلم لم حرم ال الربا ؟ قال‪ :‬لئل‬
‫يتمانع الناس المعروف‪ - 33 .‬وذكر بعض أصحابه )‪ (4‬قال‪ :‬دخلت على‬
‫جعفر عليه السلم وموسى ولده بين يديه وهو يوصيه بهذه الوصية فكان‬
‫مما حفظت منه أن قال‪ :‬يا بني اقبل وصيتي‬

‫)‪ (1‬ابراهيم‪ (2) .7 :‬نوح‪ 10 :‬إلى ‪ (3) .12‬كشف الغمة ج ‪ 2‬ص ‪(4) .358‬‬
‫المصدر‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪(*) .369‬‬

‫]‪[202‬‬

‫واحفظ مقالتي‪ ،‬فإنك إن حفظتها تعش سعيدا وتمت حميدا‪ ،‬يا بني إنه من قنع بما‬
‫قسم ال له استغنى‪ ،‬ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيرا‪ ،‬ومن لم‬
‫يرض بما قسم ال عزوجل اتهم ال تعالى في قضائه‪ ،‬ومن استصغر زلة‬
‫نفسه استعظم زلة غيره‪ ،‬ومن استصغر زلة غيره استعظم زله نفسه‪ ،‬يا‬
‫بني من كشف حجاب غيره انكشفت عورات نفسه‪ ،‬ومن سل سيف البغي‬
‫قتل به‪ ،‬ومن حفر لخيه بئرا سقط فيها‪ ،‬ومن دخل مداخل السفهاء حقر‪،‬‬
‫ومن خالط العلماء وقر‪ ،‬ومن دخل مداخل السوء اتهم‪ .‬يا بني قل الحق لك‬
‫وعليك‪ ،‬وإياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال‪ .‬يا بني إذا‬
‫طلبت الجود فعليك بمعادنه‪ ،‬فإن للجود معادن وللمعادن اصول وللصول‬
‫فروعا وللفروع ثمرا‪ ،‬ول يطيب ثمر إل بفرع ول فرع إل بأصل‪ ،‬ول أصل‬
‫إل بمعدن طيب‪ .‬يا بني إذا زرت فزر الخيار ول تزر الفجار‪ ،‬فإنهم صخرة‬
‫ل ينفجر ماؤها وشجرة ل يخضر ورقها‪ ،‬وأرض ل يظهر عشبها‪ .‬قال علي‬
‫بن موسى عليه السلم‪ :‬فما ترك أبي هذه الوصية إلى أن مات‪ - 34 .‬ونقل‬
‫أنه )‪ (1‬كان رجل من أهل السواد يلزم جعفرا عليه السلم ففقده فسئل عنه‬
‫فقال له رجل ‪ -‬يريد أن يستنقص به ‪ :-‬إنه نبطي فقال جعفر عليه السلم‪:‬‬
‫أصل الرجل عقله‪ ،‬وحسبه دينه‪ ،‬وكرمه تقواه‪ ،‬والناس في آدم مستوون‪،‬‬
‫فاستحيا ذلك القائل‪ - 35 .‬وقال سفيان الثوري‪ :‬سمعت جعفر الصادق عليه‬
‫السلم يقول‪ :‬عزت السلمة حتى لقد خفي مطلبها‪ ،‬فإن يكن في شئ‬
‫فيوشك أن يكون في الخمول فإن طلبت في خمول فلم توجد فيوشك أن‬
‫تكون في الصمت‪ ،‬فإن طلبت في الصمت فلم توجد فيوشك أن تكون في‬
‫التخلي‪ ،‬فإن طلبت في التخلي فلم توجد فيوشك أن تكون في كلم السلف ‪-‬‬

‫)‪ (1‬الكشف‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.370‬‬

‫]‪[203‬‬

‫الصالح‪ ،‬والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشغل بها‪ - 36 .‬وقال الحافظ )‪ (1‬عبد‬
‫العزيز‪ :‬وقال إبراهيم بن مسعود قال‪ :‬كان رجل من التجار يختلف إلى‬
‫جعفر بن محمد عليهما السلم يخاطبه ويعرفه بحسن حال فتغيرت حاله‬
‫فجعل يشكو إلى جعفر عليه السلم فقال‪ :‬فل تجزع وإن اعسرت يوما *‬
‫فقد أيسرت في زمن طويل ول تيأس فأن اليأس كفر * لعل ال يغني عن‬
‫قليل ول تظنن بربك ظن سوء فإن ال أولى بالجميل ‪ (2) - 37‬وعن عبد‬
‫ال بن أبي يعفور‪ ،‬عن جعفر بن محمد عليهما السلم قال‪ :‬بني النسان‬
‫على خصال فمهما بني عليه فإنه ل يبنى على الخيانة والكذب‪ - 38 .‬وقال‬
‫الحافظ )‪ (3‬عبد العزيز‪ :‬روي عن جابر بن عون قال‪ :‬قال رجل لجعفر بن‬
‫محمد عليهما السلم‪ :‬إنه وقع بيني وبين قوم منازعة في امور وإني اريد‬
‫أن أتركه فيقال لي‪ :‬إن تركك له ذل‪ ،‬فقال جعفر بن محمد عليهما السلم‪:‬‬
‫إن الذليل هو الظالم‪ - 39 .‬وعن إسماعيل بن جعفر بن محمد‪ ،‬عن جده‬
‫عليهما السلم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬من حسن إسلم‬
‫المرء تركه مال يعنيه‪ - 40 .‬وقال الحافظ )‪ (4‬أبو نعيم‪ :‬روي عن محمد‬
‫بن بشير‪ ،‬عن جعفر بن محمد عليهما السلم أوحى ال تعالى إلى الدنيا أن‬
‫اخدمي من خدمني وأتعبي من خدمك‪ (5) - 41 .‬وعن الصمعي قال‪ :‬قال‬
‫جعفر بن محمد عليهما السلم‪ :‬الصلة قربان كل تقي‪ ،‬والحج جهاد كل‬
‫ضعيف‪ ،‬وزكاة البدن الصيام‪ ،‬والداعي بل عمل‬

‫)‪ (1‬الكشف‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .374‬المصدر‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .375‬المصدر‪ :‬ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ (4) .377‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪ (5) .395‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪.396‬‬

‫]‪[204‬‬

‫كالرامي بل وتر‪ ،‬واستنزلوا الرزق بالصدقة‪ ،‬وحصنوا أموالكم بالزكاة‪ ،‬وما عال‬
‫من اقتصد‪ ،‬والتقدير نصف العيش‪ ،‬والتودد نصف العقل‪ ،‬وقلة العيال أحد ‪-‬‬
‫اليسارين‪ ،‬من حزن والديه فقد عقهما‪ ،‬ومن ضرب بيده ]على فخذه[ عند‬
‫المصيبة فقد حبط أجره‪ ،‬والصنيعة ل تكون صنيعة إل عند ذي حسب أو‬
‫دين‪ ،‬وال عزوجل ينزل الصبر على قدر المصيبة‪ ،‬وينزل الرزق على قدر‬
‫المؤونة‪ ،‬ومن قدر معيشته رزقه ال‪ ،‬ومن بذر معيشته حرمه ال‪- 42 .‬‬
‫وعن بعض أصحاب جعفر عليه السلم قال‪ :‬دخلت عليه وموسى عليه‬
‫السلم بين يديه وهو يوصيه بهذه الوصية فكان مما حفظت منها أن قال‪:‬‬
‫يا بني اقبل وصيتي واحفظ مقالتي‪ ،‬فإنك إن حفظتها تعش سعيدا وتمت‬
‫حميدا‪ .‬يا بني من قنع بما قسم له استغنى‪ ،‬ومن مد عينيه إلى ما في يد‬
‫غيره مات فقيرا‪ ،‬ومن لم يرض بما قسم له اتهم ال في قضائه‪ ،‬ومن‬
‫استصغر زلة غيره استعظم زله نفسه‪ ،‬ومن استصغر زلة نفسه استعظم‬
‫زلة غيره‪ .‬يا بني من كشف حجاب غيره تكشف عورات بيته‪ ،‬ومن سل‬
‫سيف البغي قتل به‪ ،‬ومن احتفر لخيه بئرا سقط فيها‪ ،‬ومن دخل السفهاء‬
‫حقر‪ ،‬ومن خالط العلماء وقر‪ ،‬ومن دخل مداخل السوء اتهم‪ .‬يا بني إياك‬
‫أن تزري بالرجال فيزرى بك‪ ،‬وإياك والدخول فيمال يعنيك فتذل‪ ،‬يا بني قل‬
‫الحق لك وعليك تستشار من بين أقرانك‪ .‬يا بني كن لكتاب ال تاليا‪،‬‬
‫وللسلم فاشيا‪ ،‬وبالمعروف آمرا‪ ،‬وعن المنكر ناهيا‪ ،‬ولمن قطعك واصل‪،‬‬
‫ولمن سكت عنك مبتدئا‪ ،‬ولمن سألك معطيا‪ ،‬وإياك والنميمة فانها تزرع‬
‫الشحناء في قلوب الرجال‪ ،‬وإياك والتعرض لعيوب الناس فمنزلة‬
‫المعترض لعيوب الناس كمنزلة الهدف‪ .‬يا بني إذا طلبت الجود فعليك‬
‫بمعادنه‪ ،‬فإن للجود معادن‪ ،‬وللمعادن اصول‪ ،‬وللصول فروعا‪ ،‬وللفروع‬
‫ثمرا‪ ،‬ول يطيب ثمر إل بفرع‪ ،‬ول فرع إل بأصل‪ ،‬ول أصل ثابت إل بمعدن‬
‫طيب‪.‬‬

‫]‪[205‬‬

‫يا بني إذا زرت فز الخيار ول تزر الفجار فإنهم صخرة ل يتفجر ماؤها وشجرة ل‬
‫يخضر ورقها وأرض ل يظهر عشبها‪ .‬قال علي بن موسى عليه السلم‪:‬‬
‫فما ترك أبي هذه الوصية إلى أن توفي‪ (1) - 43 .‬وعن عنبسة الخثعمي‬
‫وكان من الخيار قال‪ :‬سمعت جعفر بن ‪ -‬محمد عليهما السلم يقول‪ :‬إياكم‬
‫والخصومة في الدين فإنها تشغل القلب وتورث النفاق‪ - 44 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬إذا بلغك عن أخيك شئ يسوؤك فل تغتم به فإنه إن كان كما يقول‬
‫كانت عقوبة عجلت وإن كانت على غير ما يقول‪ :‬كانت حسنة لم تعلمها‪،‬‬
‫قال‪ :‬وقال موسى عليه السلم‪ :‬يا رب أسألك أن ل يذكرني أحد إل بخير‪،‬‬
‫قال‪ :‬ما فعلت ذلك لنفسي‪ - 45 .‬وقال البي )‪ :(2‬سئل جعفر بن محمد‬
‫عليهما السلم لما صار الناس يكلبون أيام الغلء على الطعام ويزيد‬
‫جوعهم على العادة في الرخص ؟ قال‪ :‬لنهم بنو الرض فإذا قحطت‬
‫قحطوا وإذا خصبت خصبوا‪ - 46 .‬وشكى إليه عليه السلم رجل جاره‬
‫فقال‪ :‬اصبر عليه‪ ،‬فقال‪ :‬ينسبني الناس إلى الذل فقال‪ :‬إنما الذليل من ظلم‪.‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬أربعة أشياء القليل منها كثير‪ :‬النار والعداوة والفقر‬
‫والمرض‪ (3) - 47 .‬وقال عليه السلم إذا أقبلت الدنيا على المرء أعطته‬
‫محاسن غيره‪ ،‬و إذا أعرضت عنه سلبته محاسن نفسه‪ (4) - 48 .‬ومر به‬
‫عليه السلم رجل وهو يتغدى فلم يسلم فدعاه إلى الطعام فقيل له‪ :‬السنة‬
‫أن يسلم ثم يدعى‪ ،‬وقد ترك السلم على عمد‪ ،‬فقال‪ :‬هذا فقه عراقي فيه‬
‫بخل‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكشف‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .398‬المصدر‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪ .414‬والبي‪ :‬عز الدين ابن‬
‫زينب الحسن بن أبى طالب اليوسفي تلميذ المحقق ومن أعلم القرن‬
‫السابع‪ (3) .‬المصدر‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪ (4) .416‬المصدر‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.417‬‬
‫]‪[206‬‬

‫‪ - 49‬وقال عليه السلم‪ :‬القرآن ظاهره أنيق‪ ،‬وباطنه عميق‪ - 50 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬من أنصف من نفسه رضي حكما لغيره‪ - 51 .‬وقال عليه السلم‪) :‬‬
‫‪ (1‬أكرموا الخبز فإن ال أنزل له كرامة‪ ،‬قيل‪ :‬وما كرامته قال‪ :‬أن ل‬
‫يقطع‪ ،‬ول يوطأ‪ ،‬وإذا حضر لم ينتظر به غيره )‪ - 52 .(2‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬حفظ الرجل أخاه بعد وفاته في تركته كرم‪ - 53 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬ما من شئ أسر إلي من يد أتبعها الخرى لن منع الواخر بقطع‬
‫لسان شكر الوائل‪ - 54 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إني لملق أحيانا فاتاجر ال‬
‫بالصدقة )‪ - 55 .(3‬وقال عليه السلم‪ :‬ل يزال العز قلقا حتى يأتي دارا قد‬
‫استشعر أهلها اليأس مما في أيدي الناس فيوطنها‪ - 56 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬إذا دخلت إلى منزل أخيك فاقبل الكرامة كلها ما خل الجلوس في‬
‫الصدور‪ - 57 .‬وقال عليه السلم‪ :‬كفارة عمل السلطان الحسان إلى‬
‫الخوان‪ - 58 .‬واشتكى مرة فقال‪ :‬اللهم اجعله أدبا لغضبا‪ - 59 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬البنات حسنات والبنون نعم‪ ،‬والحسنات يثاب عليها والنعم‬
‫مسؤول عنها‪ - 60 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إياك وسقطة السترسال فانها ل‬
‫تستقال‪ - 61 .‬وقيل له عليه السلم‪ :‬ما طعم الماء ؟ قال‪ :‬طعم الحياة‪- 62 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬من لم يستحى من العيب ويرعوى )‪ (4‬عند الشيب‬
‫ويخشى ال بظهر الغيب فل خير فيه‪ - 63 .‬وقال عليه السلم‪ :‬وإن خير‬
‫العباد من يجتمع فيه خمس خصال‪ :‬إذا أحسن‬

‫)‪ (1‬الكشف‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪ (2) .417‬في المصدر " سواه "‪ (3) .‬أملق الرجل أنفق‬
‫ماله حتى قل‪ (4) .‬ارعوى من الجهل‪ :‬كف عنه‪.‬‬

‫]‪[207‬‬

‫استبشر‪ ،‬وإذا أساء استغفر‪ ،‬وإذا اعطى شكر‪ ،‬وإذا ابتلى صبر‪ ،‬وإذا ظلم غفر‪64 .‬‬
‫‪ -‬وقال عليه السلم‪ :‬إياكم وملحاة الشعراء )‪ (1‬فانهم يضنون بالمدح‬
‫ويجودون بالهجاء‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬إني ل سارع إلى حاجة عدوي خوفا‬
‫أن أرده فيستغني عني‪ - 65 .‬كان عليه السلم يقول‪ :‬اللهم إنك بما أنت له‬
‫أهل من العفو أولى مني بما أنا أهل له من العقوبة‪ - 66 .‬وأتاه عليه‬
‫السلم أعرابي وقيل‪ :‬بل أتى أباه الباقر عليه السلم فقال‪ :‬أرأيت ال حين‬
‫عبدته فقال‪ :‬ما كنت لعبد شيئا لم أره‪ ،‬قال‪ :‬كيف رأيته ؟ قال‪ :‬لم تره‬
‫البصار بمشاهدة العيان‪ ،‬ولكن رأته القلوب بحقيقة اليمان‪ ،‬ل يدرك‬
‫بالحواس ول يقاس بالناس‪ ،‬معروف باليات‪ ،‬منعوت بالعلمات‪ ،‬هو ال‬
‫الذي ل إله إل هو‪ ،‬فقال العرابي‪ ،‬ال أعلم حيث يجعل رسالته‪ - 67 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬يهلك ال ستا بست المراء بالجور والعرب بالعصبية‬
‫والدهاقين بالكبر‪ ،‬والتجار بالخيانة‪ ،‬وأهل الرستاق بالجهل‪ ،‬والفقهاء‬
‫بالحسد‪ - 68 .‬وقال عليه السلم‪ :‬منع الموجود سوء ظن بالمعبود‪- 69 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬صلة الرحام منسأة في العمار‪ ،‬وحسن الجوار عمارة‬
‫للدنيا‪ ،‬وصدقة السر مثراة للمال‪ - 70 .‬وقال له أبو جعفر )‪ :(2‬يا أبا عبد‬
‫ال أل تعذرني من عبد ال بن حسن وولده يبثون الدعاة ويريدون الفتنة‪،‬‬
‫قال‪ :‬قد عرفت المر بيني وبينهم فإن أقنعتك مني آية من كتاب ال تعالى‬
‫تلوتها عليك ؟ قال‪ :‬هات‪ ،‬قال‪ " :‬لئن اخرجوا ل يخرجون معهم ولئن‬
‫قوتلوا ل ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الدبار ثم ل ينصرون )‪" (3‬‬

‫)‪ (1‬الملحاة‪ :‬المنازعة والمخاصمة‪ .‬والضن‪ :‬البخل‪ (2) .‬يعنى الدوانيقي‪(3) .‬‬
‫الحشر‪.12 :‬‬

‫]‪[208‬‬

‫وقال‪ :‬كفاني وقبل بين عينيه‪ - 71 .‬وقال‪ :‬عليه السلم لرجل أحدث سفرا يحدث ال‬
‫لك رزقا وألزم ما عودت منه الخير‪ - 72 .‬قال عليه السلم‪ :‬دعا ال الناس‬
‫في الدنيا بآبائهم ليتعارفوا وفي الخرة بأعمالهم ليجازوا‪ ،‬فقال‪ " :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا " " يا أيها الذين كفروا "‪ - 73 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من أيقظ‬
‫فتنة فهو اكلها‪ - 74 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن عيال المرء اسراؤه‪ ،‬فمن أنعم‬
‫ال عليه نعمة فليوسع على اسرائه فإن لم يفعل أوشك أن تزول تلك‬
‫النعمة‪ - 75 .‬وكان عليه السلم يقول‪ :‬السريرة إذا صلحت قويت العلنية‪.‬‬
‫‪ - 76‬وقال عليه السلم‪ :‬ما يصنع العبد أن يظهر حسنا ويسر سيئا‪ ،‬أليس‬
‫يرجع إلى نفسه فيعلم أن ليس كذلك‪ ،‬وال عزوجل يقول‪ " :‬بل النسان‬
‫على نفسه بصيرة )‪ - 77 ." (7‬وقال له أبو حنيفة‪ :‬يا أبا عبد ال ما‬
‫أصبرك على الصلة فقال‪ :‬ويحك يا نعمان أما علمت أن الصلة قربان كل‬
‫تقي‪ :‬وأن الحج جهاد كل ضعيف‪ ،‬و لكل شئ زكاة وزكاة البدن الصيام‪،‬‬
‫وأفضل العمال انتظار الفرج من ال‪ ،‬الداعي بل عمل كالرامي بل وتر‪،‬‬
‫فاحفظ هذه الكلمات يا نعمان‪ :‬استنزلوا الرزق بالصدقة‪ ،‬وحصنوا المال‬
‫بالزكاة‪ ،‬وما عال امرء اقتصد‪ ،‬والتقدير نصف العيش‪ :‬والتودد نصف‬
‫العقل‪ ،‬والهرم نصف الهم‪ ،‬وقلة العيال أحد اليسارين‪ ،‬من أحزن والديه فقد‬
‫عقهما‪ ،‬ومن ضرب يده على فخذه عند المصيبة حبط أجره‪ ،‬والصنيعة ل‬
‫يكون صنيعة إل عند ذي حسب ودين‪ ،‬وال ينزل الرزق على قدر المؤونة‪،‬‬
‫وينزل الصبر على قدر المصيبة‪ ،‬ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية‪ ،‬ولو أراد‬
‫ال بالنمل خيرا ما أنبت لها جناحا‪.‬‬

‫)‪ (1‬الكل جمع اكلة وهى اللقمة‪ (4) .‬القيامة‪.14 :‬‬


‫]‪[209‬‬

‫زاد ابن حمدون في روايته ومن قدر معيشته رزقه ال‪ ،‬ومن بذر حرمه ال ولم‬
‫يورد " ولو أراد ال بالنملة "‪ - 78 .‬وقيل له عليه السلم‪ :‬ما بلغ بك من‬
‫حبك موسى ؟ قال‪ :‬وددت أن ليس لي ولد غيره حتى ل يشركه في حبي له‬
‫أحد‪ - 79 .‬وقال‪ :‬ثلثة اقسم بال أنها الحق‪ :‬ما نقص مال من صدقه ول‬
‫زكاة‪ ،‬ول ظلم أحد بظلمة فقدر أن يكافي بها فكظمها إل أبدله ال مكانها‬
‫عزا‪ ،‬ول فتح عبد على نفسه باب مسألة إل فتح عليه باب فقر‪ - 80 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬ثلثة ل يزيد ال بها المرء المسلم إل عزا‪ :‬الصفح عمن‬
‫ظلمه والعطاء لمن حرمه‪ ،‬والصلة لمن قطعه‪ - 81 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫من اليقين أل ترضى الناس بما يسخط ال‪ ،‬ول تذمهم على ما لم يؤتك ال‪،‬‬
‫ول تحمدهم على ما رزق ال‪ ،‬فإن الرزق ل يسوقه حرص حريص‪ ،‬ول‬
‫يصرفه كره كاره‪ ،‬ولو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من الموت لدركه‬
‫الرزق كما يدركه الموت‪ - 82 .‬وقال عليه السلم‪ :‬مروة الرجل في نفسه‬
‫نسب لعقبه وقبيلته‪ - 83 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من صدق لسانه زكي عمله‪،‬‬
‫ومن حسنت نيته زيد في رزقه ومن حسن بره بأهل بيته زيد في عمره‪.‬‬
‫‪ - 84‬وقال عليه السلم‪ :‬خذ من حسن الظن بطرف تروح به قلبك ويروح‬
‫به أمرك )‪ - 85 .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬المؤمن إذا غضب لم يخرجه‬
‫غضبه من حق‪ ،‬وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل‪ ،‬والذي إذا قدر لم‬
‫يأخذ أكثر مما له‪ - 86 .‬ومن تذكرة ابن حمدون قال الصادق عليه السلم‪:‬‬
‫تأخير التوبة اغترار‪ ،‬وطول التسويف حيرة‪ ،‬والئتلء )‪ (2‬على ال‬
‫عزوجل هلكة‪ ،‬والصرار أمن‪ ،‬ول يأمن مكر ال إل القوم الخاسرون‪.‬‬

‫)‪ (1‬في الكشف‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪ " 420‬ويرخ به أمرك "‪ (2) .‬أي الحكم والحتم‪.‬‬

‫]‪[210‬‬

‫‪ - 87‬وقال عليه السلم‪ :‬ما كل من أراد شيئا قدر عليه‪ ،‬ول كل من قدر على شئ‬
‫وفق له‪ ،‬ول كل من وفق أصاب له موضعا‪ ،‬فإذا اجتمع النية والقدرة‬
‫والتوفيق والصابة فهناك تجب السعادة‪ - 88 .‬وقال عليه السلم‪ :‬صلة‬
‫الرحم تهون الحساب يوم القيامة قال ال تعالى " والذين يصلون ما أمر‬
‫ال به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب )‪- 89 ." (1‬‬
‫وقال عليه السلم )‪ (2‬وقد قيل بحضرته‪ :‬جاور ملكا أو بحرا‪ ،‬فقال هذا‬
‫الكلم محال والصواب ل تجاور ملكا ول بحرا لن الملك يؤذيك‪ ،‬والبحر ل‬
‫يرويك‪ - 90 .‬وسئل عليه السلم‪ :‬عن فضيلة لمير المؤمنين عليه السلم‬
‫لم يشركه فيها غيره‪ ،‬قال‪ :‬فضل القربين بالسبق‪ ،‬وسبق البعدين‬
‫بالقرابة‪ - 91 .‬وعنه عليه السلم قال‪ " :‬بسم ال الرحمن الرحيم " تيجان‬
‫العرب‪ - 92 .‬وقال عليه السلم‪ :‬صحبة عشرين يوما قرابة‪ - 93 .‬كا من‬
‫الروضة )‪ (3‬علي بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن فضال‪ ،‬عن حفص‬
‫المؤذن‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‪ ،‬وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع )‬
‫‪ (4‬عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه‬
‫السلم أنه كتب بهذه الرسالة إلى أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فيها‪،‬‬
‫وتعاهدها والعمل بها‪ ،‬فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم‪ ،‬فإذا فرغوا من‬
‫الصلة نظروا فيها‪ .‬قال‪ :‬وحدثني الحسن بن محمد‪ ،‬عن جعفر بن محمد‬
‫بن مالك الكوفي‪ ،‬عن القاسم ابن الربيع الصحاف عن إسماعيل بن مخلد‬
‫السراج عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬خرجت هذه الرسالة من أبي‬
‫عبد ال عليه السلم إلى أصحابه‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم أما بعد فاسألوا‬
‫ال ربكم العافية‪ ،‬وعليكم بالدعة )‪ (5‬والوقار والسكينة‪،‬‬

‫)‪ (1‬الرعد‪ (2) .21 :‬يعنى البى المترجم في ص ‪ (3) .205‬المصدر الحديث الول‪.‬‬
‫)‪ (4‬معطوف على ابن فضال لن ابراهيم بن هاشم أحد رواته‪(5) .‬‬
‫الدعة‪ :‬الخفض والطمأنينة‪.‬‬

‫]‪[211‬‬

‫وعليكم بالحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلكم‪ ،‬وعليكم بمجاملة )‪ (1‬أهل‬
‫الباطل‪ ،‬تحملوا الضيم منهم‪ ،‬وإياكم ومماظتهم‪ ،‬دينوا فيما بينكم وبينهم إذا‬
‫أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلم‪ ،‬فإنه ل بد لكم من‬
‫مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم الكلم بالتقية التي أمركم ال أن تأخذوا‬
‫بها فيما بينكم و بينهم‪ ،‬فإذا ابتليتم بذلك منهم فإنهم سيؤذونكم وتعرفون‬
‫في وجوههم المنكر و لول أن ال تعالى يدفعهم عنكم لسطوا )‪ (2‬بكم وما‬
‫في صدورهم من العداوة والبغضاء أكثر مما يبدون لكم‪ ،‬مجالسكم‬
‫ومجالسهم واحدة‪ ،‬وأرواحكم وأرواحهم مختلفة ل تأتلف‪ ،‬ل تحبونهم أبدا‬
‫ول يحبونكم‪ ،‬غير أن ال تعالى أكرمكم بالحق و بصركموه ولم يجعلهم من‬
‫أهله فتحاملونهم وتصبرون عليهم ول مجاملة لهم ول صبر لهم على شئ‬
‫)‪ (3‬وحيلهم ووسواس بعضهم إلى بعض فإن أعداء ال إن استطاعوا‬
‫صدوكم عن الحق‪ ،‬يعصمكم ال من ذلك‪ .‬فاتقوا ال وكفوا ألسنتكم إل من‬
‫خير وإياكم أن تذلقوا )‪ (4‬ألسنتكم‬

‫)‪ (1‬المجاملة‪ :‬المعاملة بالجميل‪ .‬والضيم‪ :‬الظلم‪ .‬والمماظة بالمعجمة ‪ :-‬شدة‬


‫المنازعة والمخاصمة مع طول اللزوم‪ .‬وقوله " بالتقية " متعلق بدينوا‪.‬‬
‫وما بينهما معترض‪ (2) .‬السطو‪ :‬القهر‪ .‬أي وثبوا عليكم وقهروكم‪(3) .‬‬
‫اعلم أن الحديث ‪ -‬كما قاله المؤلف ‪ -‬قد اختل نظمه وترتيبه بسبب تقديم‬
‫بعض الورقات وتأخير بعضها‪ .‬وفى بعض النسخ المصححة التى رآها‬
‫المؤلف قوله " ل صبر لهم " متصل بقوله )في ص ‪ " (221‬من اموركم‬
‫" هكذا " ول صبر لهم على شئ من اموركم تدفعون أنتم السيئة ‪ -‬الخ‬
‫"‪ .‬وهو الصواب‪ .‬ا‍ه‪ .‬هذا‪ .‬وقد يخطر بالبال من اختلط بعض فصوله‬
‫واندماج بعض جمله واختلف نسخه أن أصل الكتاب صدر من المام‬
‫عليه السلم لكن لم يخل عن تصرف بعض الرواة أو الناسخين الولين‬
‫بتفسير بعض الجمل وادخاله في المتن‪ " (4) .‬تذلقوا " في أكثر نسخ‬
‫المصدر " تزلقوا " بالزاى المعجمة‪.‬‬

‫]‪[212‬‬

‫بقول الزور والبهتان والثم والعدوان‪ ،‬فإنكم إن كففتم ألسنتكم عما يكرهه ال مما‬
‫نهاكم عنه كان خيرا لكم عند ربكم‪ ،‬من أن تذلقوا ألسنتكم به فإن ذلق‬
‫اللسان فيما يكرهه ال وفيما ينهى عنه )‪ (1‬مرداة للعبد عند ال ومقت من‬
‫ال وصمم وبكم و عمي يورثه ال إياه يوم القيامة فتصيروا كما قال ال "‬
‫صم بكم عمى فهم ل يعقلون )‪ " (2‬يعني ل ينطقون " ول يؤذن لهم‬
‫فيعتذرون "‪ .‬وإياكم وما نهاكم ال عنه أن تركبوه وعليكم بالصمت إل فيما‬
‫ينفعكم ال به من أمر آخرتكم ويأجركم عليه‪ ،‬وأكثروا من التهليل‬
‫والتقديس والتسبيح والثناء على ال والتضرع إليه والرغبة فيما عنده من‬
‫الخير الذي ل يقدر قدره ول يبلغ كنهه أحد‪ ،‬فاشغلوا ألسنتكم بذلك عما‬
‫نهى ال عنه من أقاويل الباطل التي تعقب أهلها خلودا في النار من مات‬
‫عليها ولم يتب إلى ال ولم ينزع عنها‪ ،‬وعليكم بالدعاء فإن المسلمين لم‬
‫يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه والتضرع‬
‫إلى ال والمسألة له‪ ،‬فارغبوا فيما رغبكم ال فيه وأجيبو ال إلى ما دعاكم‬
‫إليه )‪ (3‬لتفلحوا وتنجحوا من عذاب ال‪ ،‬وإياكم أن تشره أنفسكم إلى شئ‬
‫مما حرم ال عليكم فإن من انتهك ما حرم ال عليه ههنا في الدنيا حال ال‬
‫بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لهل الجنة أبد‬
‫البدين‪ .‬واعلموا أنه بئس الحظ الخطر لمن خاطر ال بترك طاعة ال‬
‫وركوب معصيته‪ ،‬فاختار أن ينتهك محارم ال في لذات دنيا منقطعة زائلة‬
‫عن أهلها على خلود نعيم في الجنة ولذاتها وكرامة أهلها‪ ،‬ويل لولئك‪ ،‬ما‬
‫أخيب حظهم وأخسر كرتهم‪ ،‬وأسوء حالهم عند ربهم يوم القيامة‪،‬‬
‫استجيروا ال أن يجيركم في مثالهم أبدا‪ ،‬وأن‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " وما نهى عنه "‪ .‬والمرادة بغير الهمزة مفعلة من الردى‬
‫بمعنى الهلك وفى بعضها " أن تزلقوا ألسنتكم " بالزاى‪ (2) .‬البقرة‪:‬‬
‫‪ (3) .167‬زاد في بعض النسخ " لتفلحوا وتنجحوا من عذاب ال "‪.‬‬
‫والشره‪ :‬غلبة الحرص‪.‬‬

‫]‪[213‬‬

‫يبتليكم بما ابتلهم به‪ ،‬ول قوة لنا ولكم إل به‪ .‬فاتقوا ال أيتها العصابة الناجية إن‬
‫أتم ال لكم ما أعطاكم به فإنه ل يتم المر حتى يدخل عليكم مثل الذي دخل‬
‫على الصالحين قبلكم وحتى تبتلوا في أنفسكم وأموالكم )‪ (1‬وحتى تسمعوا‬
‫من أعداء ال أذى كثيرا فتصبروا وتعركوا بجنوبكم )‪ (2‬وحتى يستذلوكم‬
‫ويبغضوكم‪ ،‬وحتى يحملوا عليكم الضيم فتحملوه منهم‪ ،‬تلتمسون بذلك‬
‫وجه ال والدار الخرة‪ ،‬وحتى تكظموا الغيظ الشديد في الذى في ال‬
‫عزوجل يجترمونه )‪ (3‬إليكم‪ ،‬وحتى يكذبوكم بالحق‪ ،‬ويعادوكم فيه‪،‬‬
‫ويبغضكم عليه‪ ،‬فتصبروا على ذلك منهم‪ ،‬ومصداق ذلك كله في كتاب ال‬
‫الذي أنزله جبرئيل عليه السلم على نبيكم‪ ،‬سمعتم قول ال عزوجل لنبيكم‬
‫صلى ال عليه وآله‪ " :‬فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل ول‬
‫تستعجل لهم " )‪ (4‬ثم قال‪ :‬وإن يكذبوك " فقد كذبت رسل من قبلك‬
‫فصبروا على ما كذبوا واذوا )‪ " (5‬فقد كذب نبي ال والرسل من قبله‬
‫واوذوا مع التكذيب بالحق‪ ،‬فإن سركم )‪ (6‬أمر ال فيهم الذي خلقهم له في‬
‫الصل ‪ -‬أصل الخلق ‪ -‬من الكفر الذي سبق في علم ال أن يخلقهم له في‬
‫الصل‪ ،‬ومن الذين سماهم ال في كتابه في قوله " وجعلنا منهم‬

‫)‪ (1‬قال المؤلف‪ :‬لعل المراد‪ :‬اتقوا ال ول تتركوا التقوى عن الشرك والمعاصي‬
‫عند ارادة اتمام ما أعطاكم من دين الحق‪ ،‬ثم بين عليه السلم التمام بانه‬
‫انما يكون بالبتلء والفتتان وتسليط من يؤذيكم عليكم‪ .‬فالمراد المر‬
‫بالتقوى عند البتلء بالفتن وذكر فائدة البتلء بانه سبب لتمام اليمان‬
‫فلذا يبتليكم‪ (2) .‬يقال‪ :‬عرك الذى بجنبه أي احتمله‪ (3) .‬في القاموس‪:‬‬
‫اجترم عليهم واليهم جريمة‪ :‬جنى جناية‪ (4) .‬الحقاف‪ .35 :‬وفيها "‬
‫ولقد "‪ (5) .‬النعام‪ (6) .34 :‬في النسخة المصححة التى أومأ إليها‬
‫المؤلف قوله " ان سركم " متصل بما سيأتي في آخر الرسالة " أن‬
‫تكونوا مع نبى ال محمد صلى ال عليه وآله إلى آخر الرسالة‪.‬‬

‫]‪[214‬‬

‫أئمة يدعون إلى النار )‪ " (1‬فتدبروا هذا واعقلوه ول تجهلوه‪ ،‬فانه من يجهل هذا‬
‫وأشباهه مما افترض ال عليه في كتابه مما أمر ال به ونهى عنه ترك‬
‫دين ال وركب معاصيه‪ ،‬فاستوجب سخط ال فأكبه ال على وجهه في‬
‫النار‪ .‬وقال‪ :‬أيتها العصابة المرحومة المفلحة إن ال أتم لكم ما آتاكم من‬
‫الخير‪ ،‬واعلموا أنه ليس من علم ال ول من أمره أن يأخذ أحد من خلق‬
‫ال في دينه بهوى ورأي ول مقائيس قد أنزل ال القرآن وجعل فيه تبيان‬
‫كل شئ‪ ،‬وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهل ل يسع أهل القرآن الذين آتاهم‬
‫ال علمه أن يأخذوا فيه بهوى ول رأى ول مقائيس‪ ،‬أغناهم ال عن ذلك‬
‫بما آتاهم من علمه وخصهم به ووضعه عندهم كرامة من ال أكرمهم بها‬
‫وهم أهل الذكر الذين أمر ال هذه المة بسؤالهم‪ ،‬وهم الذين من سألهم‬
‫وقد سبق في علم ال أن يصدقهم ويتبع أثرهم أرشدوه وأعطوه من علم‬
‫القرآن ما يهتدي به إلى ال بإذنه وإلى جميع سبل الحق وهم الذين ل‬
‫يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي أكرمهم ال به وجعله عندهم‬
‫إل من سبق عليه في علم ال الشقاء في أصل الخلق تحت الظلة )‪(2‬‬
‫فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم ال علم القرآن‬
‫ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم‪ ،‬واولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم‬
‫ومقائيسهم حتى دخلهم الشيطان لنهم جعلوا أهل اليمان في علم القرآن‬
‫عند ال كافرين‪ ،‬وجعلوا أهل الضللة في علم القرآن عند ال مؤمنين‪،‬‬
‫وحتى جعلوا ما أحل ال في كثير من المر حراما‪ ،‬وجعلوا ما حرم ال في‬
‫كثير من المر حلل‪ ،‬فذلك أصل ثمرة أهوائهم‪ ،‬وقد عهد إليهم رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله قبل موته فقالوا‪ :‬نحن بعد ما قبض ال عزوجل‬
‫رسوله يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعد ما قبض ال‬
‫عزوجل رسوله صلى ال عليه وآله وبعد عهده الذي عهده إلينا وأمرنا به‬
‫مخالفا ل ولرسوله صلى ال عليه وآله فما أحد أجر أعلى ال ول أبين‬
‫ضللة ممن أخذ بذلك‪ ،‬وزعم أن ذلك يسعه وال إن ال على خلقه أن‬
‫يطيعوه ويتبعوا أمره في حياة محمد صلى ال عليه وآله‬

‫)‪ (1‬القصص‪ 41 :‬وفيها " وجعلناهم ائمة يدعون "‪ (2) .‬أي عالم الرواح‪.‬‬

‫]‪[215‬‬

‫وبعد موته‪ ،‬هل يستطيع اولئك أعد ال أن يزعموا أن أحدا ممن أسلم مع محمد‬
‫صلى ال عليه وآله أخذ بقوله ورأيه ومقائيسه‪ ،‬فإن قال‪ :‬نعم فقد كذب‬
‫على ال وضل ضلل بعيدا‪ ،‬وإن قال‪ :‬ل لم يكن لحد أن يأخذ برأيه وهواه‬
‫ومقائيسه فقد أقر بالحجة على نفسه وهو ممن يزعم أن ال يطاع ويتبع‬
‫أمره بعد قبض رسول ال صلى ال عليه وآله وقد قال ال ‪ -‬وقوله الحق‬
‫‪ " :-‬وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن مات أو قتل انقلبتم‬
‫على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر ال شيئا وسيجزي ال‬
‫الشاكرين )‪ ." (1‬وذلك لتعلموا أن ال يطاع ويتبع أمره في حياة محمد‬
‫صلى ال عليه وآله وبعد قبض ال محمدا صلى ال عليه وآله وكما لم يكن‬
‫لحد من الناس مع محمد صلى ال عليه وآله أن يأخذ بهواه ول رأيه ول‬
‫مقائيسه خلفا لمر محمد صلى ال عليه وآله فكذلك لم يكن لحد من‬
‫الناس بعد محمد صلى ال عليه وآله أن يأخذ بهواه ول رأيه ول مقائيسه‪.‬‬
‫وقال‪ :‬دعوا رفع أيديكم في الصلة إل مرة واحدة حين تفتتح الصلة )‪(2‬‬
‫فإن الناس قد شهروكم بذلك‪ .‬وال المستعان ول حول ول قوة إل بال‪.‬‬
‫وقال‪ :‬أكثروا من أن تدعوا ال فإن ال يحب من عباده المؤمنين أن‬
‫يدعوه‪ ،‬وقد وعد ]ال[ عباده المؤمنين بالستجابة‪ ،‬وال مصير دعاء‬
‫المؤمنين يوم القيامة لهم عمل يزيدهم به في الجنة فأكثروا ذكر ال ما‬
‫استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار‪ ،‬فإن ال أمر بكثرة الذكر‬
‫له‪ ،‬وال ذاكر لمن ذكره من‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪ (2) .144 :‬اعلم أن رفع اليدين في تكبير الفتتاح ل خلف في أنه‬
‫مطلوب للشارع بين العامة والخاصة‪ .‬والمشهور بين الصحاب‬
‫الستحباب وذهب السيد ‪ -‬ره ‪ -‬من علمائنا إلى الوجوب‪ ،‬وأما الرفع في‬
‫سائر التكبيرات فالمشهور بين الفريقين أيضا استحبابه‪ .‬وقال الثوري‬
‫وأبو حنيفة والنخعي‪ :‬ل رفع ال عند الفتتاح وذهب السيد ‪ -‬ره ‪ -‬إلى‬
‫الوجوب في جميع التكبيرات‪ .‬ولما كان في زمانه عليه السلم عدم‬
‫استحباب الرفع أشهر بين العامة فلذا منع الشيعة عن ذلك لئل يشهروا‬
‫بذلك فيعرفونهم‪) .‬قاله المؤلف(‪.‬‬

‫]‪[216‬‬

‫المؤمنين‪ .‬واعلموا أن ال لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إل ذكره بخير فأعطوا‬


‫ال من أنفسكم الجتهاد في طاعته فإن ال ل يدرك شئ من الخير عنده إل‬
‫بطاعته واجتناب محارمه التي حرم ال في ظاهر القرآن وباطنه فإن ال‬
‫تبارك وتعالى قال في كتابه ‪ -‬وقوله الحق ‪ " -‬وذروا ظاهر الثم وباطنه )‬
‫‪ " (1‬واعلموا أن ما أمر ال به أن تجتنبوه فقد حرمه‪ ،‬واتبعوا آثار رسول‬
‫ال صلى ال عليه وآله وسنته‪ ،‬فخذوا بها‪ ،‬ول تتبعوا أهواءكم وآراءكم‬
‫فتضلوا فإن أضل الناس عند ال من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من ال‬
‫وأحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم " فإن أحسنتم أحسنتم لنفسكم وإن‬
‫أسأتم فلها " وجاملوا الناس ول تحملوهم على رقابكم‪ ،‬تجمعوا مع ذلك‬
‫طاعة ربكم )‪ (2‬وإياكم وسب أعداء ال حيث يسمعونكم فيسبوا ال عدوا‬
‫بغير علم‪ ،‬وقد ينبغي لكم أن تعلموا حد سبهم ل كيف هو ؟ إنه من سب‬
‫أولياء ال فقد انتهك سب ال‪ ،‬ومن أظلم عند ال ممن استسب ل‬
‫ولوليائه‪ ،‬فمهل مهل فاتبعوا أمر ال ول حول ول قوة إل بال‪ .‬وقال‪:‬‬
‫أيتها العصابة الحافظ ال لهم أمرهم عليكم بآثار رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله وسنته وآثار الئمة الهداة من أهل بيت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله من بعده وسنتهم‪ ،‬فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى‪ ،‬ومن ترك ذلك‬
‫ورغب عنه ضل‪ ،‬لنهم هم الذين أمر ال بطاعتهم ووليتهم‪ ،‬وقد قال أبونا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬المداومة على العمل في اتباع الثار‬
‫والسنن وإن قل أرضى ل وأنفع عنده في العاقبة من الجتهاد في البدع‬

‫)‪ (1‬النعام‪ (2) 120 :‬جواب للمر أي انكم إذا جاملتم الناس عشتم مع المن وعدم‬
‫حمل الناس على رقابكم بالعمل بطاعة ربكم فيما أمركم به من التقية‪ .‬في‬
‫بعض نسخ المصدر " تجمعون " فيكون حال عن ضميري الخطاب أي‬
‫ان أجمعوا طاعة ال مع المجاملة‪ ،‬ل بأن تتابعوهم في المعاصي‬
‫وتشاركوهم في دينهم بل بالعمل بالتقية فيما أمركم ال فيه بالتقية )قاله‬
‫المؤلف(‪(*) .‬‬

‫]‪[217‬‬

‫واتباع الهواء )‪ (1‬أل إن اتباع الهواء واتباع البدع بغير هدى من ال ضلل وكل‬
‫ضللة بدعة وكل بدعة في النار‪ ،‬ولن ينال شئ من الخير عند ال إل‬
‫بطاعته والصبر والرضا لن الصبر والرضا من طاعة ال‪ ،‬واعلموا أنه لن‬
‫يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن ال فيما صنع ال إليه وصنع به على‬
‫ما أحب وكره‪ ،‬ولن يصنع ال بمن صبر ورضي عن ال إل ما هو أهله‬
‫وهو خير له مما أحب وكره‪ .‬وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلة‬
‫الوسطى وقوموا ل قانتين كما أمر ال به المؤمنين في كتابه من قبلكم‬
‫وإياكم )‪ (2‬وعليكم بحب المساكين المسلمين فإنه من حقرهم وتكبر عليهم‬
‫فقد زل عن دين ال‪ ،‬وال له حاقر ماقت‪ ،‬وقد قال أبونا رسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله‪ " :‬أمرني ربي بحب المساكين المسلمين ]منهم[ " واعلموا‬
‫أن من حقر أحدا من المسلمين ألقى ال عليه المقت منه والمحقرة حتى‬
‫يمقته الناس‪ ،‬وال له أشد مقتا‪ ،‬فاتقوا ال في إخوانكم المسلمين المساكين‬
‫فإن لهم عليكم حقا أن تحبوهم‪ ،‬فإن ال أمر رسوله صلى ال عليه وآله‬
‫بحبهم فمن لم يحب من أمر ال بحبه فقد عصى ال ورسوله‪ ،‬ومن عصى‬
‫ال ورسوله ومات على ذلك مات وهو من الغاوين‪ .‬وإياكم والعظمة والكبر‬
‫فإن الكبر رداء ال عزوجل فمن نازع ال رداءه قصمه ال وأذله يوم‬
‫القيامة‪ .‬وإياكم أن يبغي بعضكم على بعض فانها ليست من خصال‬
‫الصالحين فإنه من بغي صير ال بغيه على نفسه‪ ،‬وصارت نصرة ال لمن‬
‫بغي عليه‪ ،‬ومن نصره ال غلب وأصاب الظفر من ال‪ ،‬وإياكم أن يحسد‬
‫بعضكم بعضا فإن الكفر أصله الحسد‪ ،‬وإياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم‬
‫فيدعوا ال عليكم ويستجاب له فيكم‪ ،‬فان أبانا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله كان يقول‪ " :‬إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة " وليعن بعضكم‬
‫بعضا‪ ،‬فإن أبانا رسول ال صلى ال عليه وآله كان يقول‪ " :‬إن معاونة‬
‫المسلم‬

‫)‪ (1‬هذا من قبيل المماشاة مع الخصم أي لو كان البدعة تنفع ويرضى الرحمن بها‬
‫على فرض المحال كان اتباع السنة أنفع‪ " (2) .‬اياكم " عطف على‬
‫المؤمنين‪.‬‬

‫]‪[218‬‬

‫خير وأعظم أجرا من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام " إياكم وإعسار أحد‬
‫من إخوانكم المسلمين أن تعسروه )‪ (1‬بالشئ يكون لكم قبله وهو معسر‪،‬‬
‫فإن أبانا رسول اله صلى ال عليه وآله كان يقول‪ " :‬ليس للمسلم أن‬
‫يعسر مسلما‪ ،‬ومن أنظر معسرا أظله ال بظله يوم ل ظل إل ظله "‪ .‬وإياكم‬
‫أيتها العصابة المرحومة المفضلة على من سواها وحبس حقوق ال قبلكم‬
‫يوما بعد يوم‪ ،‬وساعة بعد ساعة‪ ،‬فإنه من عجل حقوق ال قبله كان ال‬
‫أقدر على التعجيل له إلى مضاعفة الخير في العاجل والجل‪ ،‬وإنه من أخر‬
‫من حقوق ال قبله كان ال أقدر على تأخير رزقه‪ ،‬ومن حبس ال رزقه لم‬
‫يقدر أن يرزق نفسه‪ ،‬فأدوا إلى ال حق ما رزقكم يطيب ال لكم بقيته‪،‬‬
‫وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الضعاف الكثيرة التي ل يعلم‬
‫عددها ولكنه فضله إل ال رب العالمين‪ .‬وقال‪ :‬اتقوا ال أيتها العصابة‬
‫وإن استطعتم أل يكون منكم محرج المام )‪(2‬‬

‫)‪ (1‬عسر الغريم يعسره‪ :‬طلب منع على عسرته‪ .‬كأعسره‪) .‬القاموس( )‪" (2‬‬
‫محرج المام " في الصحاح‪ :‬أحرجه إليه‪ :‬ألجأه‪ .‬وفيه‪ :‬سعى به إلى‬
‫الوالى إذا وشى به يعنى نمه وذمه عنده‪ .‬وقال المؤلف‪ :‬الظاهر أن المراد‬
‫ل تكونوا محرج المام أي بأن تجعلوه مضطرا إلى شئ ل يرضى به‪ ،‬ثم‬
‫بين عليه السلم بان المحرج هو الذى يذم أهل الصلح عند المام ويشهد‬
‫عليهم بفساد وهو كاذب في ذلك فيثبت ذلك بظاهر حكم الشريعة عند‬
‫المام فيلزم المام أن يلعنهم فإذا لعنهم‪ .‬وهم غير مستحقين لذلك تصير‬
‫اللعنة عليهم رحمة وترجع اللعنة إلى الواشى الكاذب الذى ألجأ المام إلى‬
‫ذلك‪ ،‬أو المراد أنه ينسب الواشى إلى أهل الصلح عند المام شيئا‬
‫بمحضر جماعة يتقى منهم المام فيضطر المام إلى أن يلعن من نسب‬
‫إليه ذلك تقية‪ ،‬ويحتمل أن يكون المراد أن محرج المام هو من يسعى‬
‫بأهل الصلح إلى أئمة الجور ويجعلهم معروفين عند أئمة الجور بالتشيع‬
‫فيلزم أئمة الحق لرفع الضرر عن أنفسهم وعن أهل الصلح أن يلعنوهم‬
‫ويتبرؤوا منهم فيصير اللعنة إلى الساعين وأئمة الجور معا وعلى هذا‬
‫المراد باعدء ال أئمة الجور‪ .‬وقوله‪ " :‬إذا ‪- - -‬‬

‫]‪[219‬‬

‫فإن محرج المام هو الذي يسعى بأهل الصلح من أتباع المام‪ ،‬المسلمين لفضله‬
‫الصابرين على أداء حقه‪ ،‬العارفين بحرمته‪ ،‬واعلموا أنه من نزل بذلك‬
‫المنزل عند المام فهو محرج المام فإذا فعل ذلك عند المام أحرج المام‬
‫إلى أن يلعن أهل الصلح من أتباعه من المسلمين لفضله‪ ،‬الصابرين على‬
‫أداء حقه‪ ،‬العارفين بحرمته فإذا لعنهم لحراج أعداء ال المام صارت‬
‫لعنته رحمة من ال عليهم وصارت اللعنة من ال ومن ملئكته ورسله‬
‫على اولئك‪ .‬واعلموا أيتها العصابة إن السنة من ال قد جرت في‬
‫الصالحين قبل‪ ،‬وقال‪ :‬من سره أن يلقى ال وهو مؤمن حقا ]حقا[ فليتول‬
‫ال ورسوله والذين آمنوا وليبرء إلى ال من عدوهم‪ ،‬ويسلم لما انتهى‬
‫إليه من فضلهم لن فضلهم ل يبلغه ملك مقرب ول نبي مرسل ول من دون‬
‫ذلك‪ ،‬ألم تسمعوا ما ذكر ال من فضل أتباع الئمة الهداة وهم المؤمنون‬
‫قال‪ " :‬اولئك مع الذين أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين والشهداء‬
‫والصالحين وحسن اولئك رفيقا )‪ " (1‬فهذا وجه من وجوه فضل أتباع‬
‫الئمة فكيف بهم وفضلهم‪ ،‬ومن سره أن يتم ال له إيمانه حتى يكون‬
‫مؤمنا حقا حقا فليف ل بشروطه التي اشترطها على المؤمنين فإنه قد‬
‫اشترط مع وليته وولية رسوله وولية أئمة المؤمنين إقام الصلة وإيتاء‬
‫الزكاة وإقراض ال قرضا حسنا واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن‪،‬‬
‫فلم يبق شئ مما فسر مما حرم ال إل وقد دخل في جملة قوله )‪ .(2‬فمن‬
‫دان ال فيما بينه وبين ال مخلصا ل ولم يرخص لنفسه في ترك شئ من‬
‫هذا فهو عند ال في حزبه الغالبين‪ ،‬وهو من‬

‫‪ - - - -‬فعل ذلك عند المام " يؤيد المعنى الول‪ .‬هذه من الوجوه التى خطر بالبال‬
‫وال أعلم ومن صدر عنه صلوات ال عليه انتهى‪ (1) .‬النساء‪(2) .69 :‬‬
‫أي في الفواحش‪ .‬فقوله " اجتناب الفواحش " يشمل اجتناب جميع‬
‫المحرمات وقوله " فمن دان ال " أي عبد ال فيما بينه وبين ربه أي‬
‫مختفيا‪ .‬ول ينظر إلى غيره‪ ،‬ول يلتفت إلى من سواه‪.‬‬

‫]‪[220‬‬
‫المؤمنين حقا‪ .‬وإياكم والصرار على شئ مما حرم ال في ظهر القرآن وبطنه وقد‬
‫قال ال تعالى‪ " :‬ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون )‪) " (1‬إلى ههنا‬
‫رواية قاسم بن ‪ -‬الربيع( )‪ (2‬يعني المؤمنين قبلكم إذا نسوا شيئا مما‬
‫اشترط ال في كتابه عرفوا أنهم قد عصوا في تركهم ذلك الشئ فاستغفروا‬
‫ولم يعودوا إلى تركه فذلك معنى قول ال عزوجل‪ " :‬ولم يصروا على ما‬
‫فعلوا وهم يعلمون "‪ .‬واعلموا أنه إنما أمر ونهى ليطاع فيما أمر به‬
‫ولينتهي عما نهى عنه‪ ،‬فمن اتبع أمره فقد أطاعه وقد أدرك كل شئ من‬
‫الخير عنده‪ ،‬ومن لم ينته عما نهى ال عنه فقد عصاه‪ ،‬فإن مات على‬
‫معصيته أكبه ال على وجهه في النار‪ .‬واعلموا أنه ليس بين ال وبين أحد‬
‫من خلقه ملك مقرب ول نبي مرسل ول من دون ذلك من خلقه كلهم إل‬
‫طاعتهم له‪ ،‬فاجتهدوا في طاعة ال إن سركم أن تكونوا مؤمنين حقا حقا‪،‬‬
‫ول قوة إل بال‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬وعليكم بطاعة ربكم ما استطعتم فإن‬
‫ال ربكم‪ .‬واعلموا أن السلم هو التسليم والتسليم هو السلم‪ ،‬فمن سلم‬
‫فقد أسلم‪ ،‬ومن لم يسلم فل إسلم له‪ ،‬ومن سره أن يبلغ إلى نفسه في‬
‫الحسان فليطع ال فانه من أطاع ال فقد أبلغ إلى نفسه في الحسان‪،‬‬
‫وإياكم ومعاصي ال أن تركبوها فانه من انتهك معاصي ال فركبها فقد‬
‫أبلغ في الساءة إلى نفسه وليس بين الحسان والساءة منزلة‪ ،‬فلهل‬
‫الحسان عند ربهم الجنة‪ ،‬ولهل الساءة عند ربهم النار‪ ،‬فاعملوا بطاعة‬
‫ال واجتنبوا معاصيه‪ ،‬اعلموا أنه ليس يغني عنكم من ال أحد من خلقه‬
‫شيئا‪ ،‬ل ملك مقرب ول نبي مرسل ول من دون ذلك‪ ،‬فمن سره أن تنفعه‬
‫شفاعة الشافعين عند ال فليطلب إلى ال أن يرضى عنه‪.‬‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪ (2) .145 :‬أي ما يذكر بعده لم يكن في رواية القاسم بل كان في‬
‫رواية حفص و اسماعيل‪.‬‬

‫]‪[221‬‬

‫واعلموا أن أحدا من خلق ال لم يصب رضى ال إل بطاعته وطاعة رسوله وطاعة‬


‫ولة أمره من آل محمد عليهم السلم ومعصيتهم من معصية ال ولم ينكر‬
‫لهم فضل عظم أو صغر‪ .‬واعلموا أن المنكرين هم المكذبون وأن المكذبين‬
‫هم المنافقون وأن ال قال للمنافقين ‪ -‬وقوله الحق ‪ " :-‬إن المنافقين في‬
‫الدرك السفل من النار ولن تجد لهم نصيرا )‪ " (1‬ول يفرقن )‪ (2‬أحد‬
‫منكم ألزم ال قلبه طاعته وخشيته من أحد من الناس أخرجه ال من صفة‬
‫الحق‪ ،‬ولم يجعله من أهلها فإن من لم يجعله ال من أهل صفة الحق‬
‫فاولئك هم شياطين النس والجن وإن لشياطين النس حيلة ومكرا وخدايع‬
‫ووسوسة بعضهم إلى بعض يريدون إن استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما‬
‫أكرمهم ال به من النظر في دين ال الذي لم يجعل ال شياطين النس من‬
‫أهله إرادة أن يستوي أعداء ال وأهل الحق في الشك والنكار والتكذيب‬
‫فيكونون سواء كما وصف ال تعالى في كتابه من قوله‪ " :‬ودوا لو‬
‫تكفرون كما كفروا فتكونون سواء )‪ " (3‬ثم نهى ال أهل النصر بالحق أن‬
‫يتخذوا من أعداء ال وليا ول نصيرا فل يهولنكم ول يردنكم عن النصر‬
‫بالحق الذي خصكم ال به من حيلة شياطين النس ومكرهم من اموركم‬
‫تدفعون أنتم السيئة بالتي هي أحسن فيما بينكم وبينهم تلتمسون بذلك وجه‬
‫ربكم بطاعته وهم خير عندهم‪ ،‬ل يحل لكم أن تظهروهم على اصول دين‬
‫ال فانهم إن سمعوا منكم فيه شيئا عادوكم عليه‪ ،‬ورفعوه عليكم‪ ،‬وجهدوا‬
‫على هلككم‪ ،‬واستقبلوكم بما تكرهون‪ ،‬ولم يكن لكم النصفة منهم في دول‬
‫الفجار‪ ،‬فاعرفوا منزلتكم فيما بينكم وبين أهل الباطل فانه ل ينبغي لهل‬
‫الحق أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل لن ال لم يجعل أهل الحق عنده‬
‫بمنزلة أهل الباطل‪ ،‬ألم يعرفوا وجه قول ال في كتابه إذ يقول‪:‬‬

‫)‪ (1‬النساء‪ (2) .145 :‬الفرق ‪ -‬محركة ‪ :-‬الخوف وفى أكثر النسخ " ل يعرفن "‪.‬‬
‫)‪ (3‬النساء‪.88 :‬‬

‫]‪[222‬‬

‫" أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الرض أم نجعل المتقين‬
‫كالفجار )‪ " (1‬أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل ول تجعلوا ال تبارك وتعالى‬
‫‪ -‬وله المثل العلى ‪ -‬وإمامكم ودينكم الذي تدينون به عرضة )‪ (2‬لهل‬
‫الباطل فتغضبوا ال عليكم فتهلكوا‪ .‬فمهل مهل يا أهل الصلح ل تتركوا‬
‫أمر ال وأمر من أمركم بطاعته فيغير ال ما بكم من نعمة‪ ،‬أحبوا في ال‬
‫من وصف صفتكم‪ ،‬وأبغضوا في ال من خالفكم‪ ،‬وابذلوا مودتكم‬
‫ونصيحتكم ]لمن وصف صفتكم[ ول تبتذلوها لمن رغب عن صفتكم‬
‫وعاداكم عليها وبغا ]‍ل[ كم الغوائل هذا أدبنا أدب ال فخذوا به وتفهموه‬
‫واعقلوه ول تنبذوه وراء ظهوركم‪ ،‬ما وافق هداكم أخذتم به وما وافق‬
‫هواكم طرحتموه ولم تأخذوا به‪ .‬وإياكم والتجبر على ال‪ ،‬واعلموا أن عبدا‬
‫لم يبتل بالتجبر على ال إل تجبر على دين ال‪ ،‬فاستقيموا ل ول ترتدوا‬
‫على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين أجارنا ال وإياكم من التجبر على ال‪ ،‬ول‬
‫قوة لنا ولكم إل بال‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن العبد إذا كان خلقه ال في‬
‫الصل ‪ -‬أصل الخلق ‪ -‬مؤمنا لم يمت حتى يكره ال إليه الشر ويباعده عنه‬
‫ومن كره ال إليه الشر وباعده عنه عافاه ال من الكبر أن يدخله والجبرية‬
‫فلنت عريكته‪ ،‬وحسن خلقه‪ ،‬وطلق وجهه‪ ،‬وصار عليه وقار السلم‬
‫وسكينته وتخشعه‪ ،‬وورع عن محارم ال‪ ،‬واجتنب مساخطه‪ ،‬ورزقه ال‬
‫مودة الناس ومجاملتهم‪ ،‬وترك مقاطعة الناس والخصومات ولم يكن منها‬
‫ول من أهلها في شئ‪ ،‬وإن العبد إذا كان ال خلقه في الصل ‪ -‬أصل الخلق‬
‫‪ -‬كافرا )‪ (3‬لم يمت حتى يحبب إليه الشر‪ ،‬ويقر به منه‪ ،‬فإذا حبب إليه‬

‫)‪ (1‬ص‪ (2) .28 :‬العرضة‪ :‬الحيلة‪ (3) .‬ظاهر هذا الكلم هو الجبر الباطل في‬
‫مذهب أهل البيت عليهم السلم وسلب الختيار ومخالف لصريح القرآن‬
‫قوله تعالى‪ " :‬فطرة ال التى فطر الناس عليها ل تبديل لخلق ال "‬
‫فيجب تأويله أو التوقف ورد علمه إلى أهله‪.‬‬

‫]‪[223‬‬

‫الشر وقربه منه ابتلى بالكبر والجبرية )‪ (1‬فقسا قلبه وساء خلقه‪ ،‬وغلظ وجهه‪،‬‬
‫وظهر فحشه وقل حياؤه‪ ،‬وكشف ال سره‪ ،‬وركب المحارم فلم ينزع عنها‪،‬‬
‫وركب معاصي ال وأبغض طاعته وأهلها فبعد ما بين حال المؤمن وحال‬
‫الكافر‪ .‬سلوا ال العافية واطلبوها إليه ول حول ول قوة إل بال‪ ،‬صبروا‬
‫النفس على البلء في الدنيا فإن تتابع البلء فيها والشدة في طاعة ال‬
‫ووليته وولية من أمر بوليته خير عاقبة عند ال في الخرة من ملك‬
‫الدنيا وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة عيشها في معصية ال‬
‫وولية من نهى ال عن وليته وطاعته فإن ال أمر بولية الئمة الذين‬
‫سماهم ال في كتابه في قوله‪ " :‬وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا )‪ " (2‬وهم‬
‫الذين أمر ال بوليتهم وطاعتهم‪ ،‬والذين نهى ال عن وليتهم وطاعتهم‬
‫وهم أئمة الضللة الذين قضى ال أن يكون لهم دول في الدنيا على أولياء‬
‫ال الئمة من آل محمد يعملون في دولتهم بمعصية ال ومعصية رسوله‬
‫ليحق عليهم كلمة العذاب‪ ،‬وليتم )‪ (3‬أن تكونوا مع نبي ال محمد صلى ال‬
‫عليه وآله والرسل من قبله‪ ،‬فتدبروا ما قص ال عليكم في كتابه مما ابتلى‬
‫به أنبياءه وأتباعهم المؤمنين‪ ،‬ثم سلوا ال أن يعطيكم الصبر على البلء‬
‫في السراء والضراء والشدة والرخاء مثل الذي أعطاهم‪ ،‬وإياكم ومماظة‬
‫أهل الباطل وعليكم بهدى الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشعهم‬
‫وورعهم عن محارم ال وصدقهم ووفائهم واجتهادهم ل في العمل‬
‫بطاعته‪ ،‬فانكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم‪.‬‬
‫واعلموا أن ال إذا أراد بعبد خيرا شرح صدره للسلم فإذا أعطاه ذلك‬
‫أنطق لسانه بالحق وعقد قلبه عليه فعمل به‪ ،‬فإذا جمع ال له ذلك تم له‬
‫إسلمه وكان عند ال إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقا‪ ،‬وإذا لم‬
‫يرد ال تعالى بعبد‬
‫)‪ (1‬الجبرية ‪ -‬بكسر الجيم والراء وسكون الباء‪ .‬وبكسر الباء أيضا وبفتح الجيم‬
‫وسكون الباء ‪ :-‬التكبر‪ .‬والعريكة‪ :‬الطبيعة‪ (2) .‬النبياء‪ (3) .73 :‬هذا‬
‫موضع آخر من مواضع الختلف في النسخ وفى النسخة التى أشرنا‬
‫إليها هكذا " وليتم أمر ال فيهم الذى خلقهم له في الصل " إلى آخر ما‬
‫مر في ص ‪(*) .213‬‬

‫]‪[224‬‬

‫خيرا وكله إلى نفسه‪ ،‬وكان صدره صيقا حرجا فإن جرى على لسانه حق لم يعقد‬
‫قلبه عليه‪ ،‬وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه ال العمل به‪ ،‬فإذا اجتمع ذلك‬
‫عليه حتى يموت وهو على تلك الحال كان عند ال من المنافقين‪ ،‬وصار ما‬
‫جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه ال أن يعقد قلبه عليه ولم يعطه‬
‫العمل به حجة عليه‪ ،‬فاتقوا ال وسلوه أن يشرح صدوركم للسلم وأن‬
‫يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفاكم وأنتم على ذلك وأن يجعل منقلبكم‬
‫منقلب الصالحين قبلكم‪ ،‬ول قوة إل بال‪ ،‬والحمد ل رب العالمين‪ .‬من سره‬
‫أن يعلم أن ال يحبه فليعمل بطاعة ال وليتبعنا‪ ،‬ألم يستمع قول ال‬
‫عزوجل لنبيه صلى ال عليه وآله‪ " :‬قل إن كنتم تحبون ال فاتبعوني‬
‫يحببكم ال ويغفر لكم ذبوبكم )‪ " (1‬وال ل يطيع ال عبد أبدا إل أدخل ال‬
‫عليه في طاعته اتباعنا‪ ،‬ول وال ل يتبعنا عبد أبدا إل أحبه ال‪ ،‬ول وال‬
‫ل يدع أحد اتباعنا أبدا إل أبغضنا‪ ،‬ول وال ل يبغضنا أحد أبدا إل عصى‬
‫ال‪ ،‬ومن مات عاصيا ل أخزاه ال وأكبه على وجهه في النار‪ ،‬والحمد ل‬
‫رب العالمين‪ - 94 .‬كا )‪ (2‬عن علي بن محمد‪ ،‬عمن ذكره‪ ،‬عن محمد بن‬
‫الحسين‪ ،‬وحميد بن زياد‪ ،‬عن الحسن بن محمد الكندي جميعا‪ ،‬عن أحمد‬
‫بن الحسن الميثمي‪ ،‬عن رجل من أصحابه قال‪ :‬قرأت جوابا من أبي عبد‬
‫ال عليه السلم إلى رجل من أصحابه‪ :‬أما بعد فإني اوصيك بتقوى ال فإن‬
‫ال قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلى ما يحب ويرزقه من حيث ل‬
‫يحتسب‪ ،‬فإياك أن تكون ممن تخاف على العباد من ذنوبهم‪ ،‬ويأمن العقوبة‬
‫من ذنبه فإن ال عزوجل ل يخدع عن جنته‪ ،‬ول ينال ما عنده إل بطاعته‬
‫إن شاء ال‪ - 95 .‬كا )‪ :(3‬عن علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن القاسم بن محمد‪ ،‬عن‬
‫سليمان بن ‪-‬‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪ (2) .31 :‬الكافي ج ‪ 8‬ص ‪ .49‬تحت رقم ‪ (3) .9‬المصدر‪ :‬ج ‪ 8‬ص‬
‫‪ 128‬تحت رقم ‪.98‬‬

‫]‪[225‬‬
‫داود المنقري‪ ،‬عن حفص بن غياث‪ ،‬عن أبى عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قال‪ :‬إن‬
‫قدرتم أن ل تعرفوا فافعلوا‪ ،‬وما عليك إن لم يثن الناس عليك أن تكون‬
‫مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند ال تبارك وتعالى‪ ،‬إن أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم كان يقول‪ " :‬ل خير في الدنيا إل لجد رجلين‪ :‬رجل‬
‫يزداد فيها كل يوم إحسانا‪ ،‬ورجل يتدارك منيته بالتوبه‪ ،‬وأنى له بالتوبة‪،‬‬
‫فوال أن لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل ال عزوجل منه عمل إل‬
‫بوليتنا أهل البيت‪ ،‬أل ومن عرف حقنا أو رجا الثواب بنا‪ ،‬ورضي بقوته‬
‫نصف مد كل يوم‪ ،‬وما يستر به عورته‪ ،‬وما أكن به رأسه وهم مع ذلك‬
‫وال خائفون وجلون ودوا أنه حظهم من الدنيا )‪ (1‬وكذلك وصفهم ال‬
‫عزوجل حيث يقول‪ " :‬والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة )‪ " (2‬وما‬
‫الذي أتوا به أتوا وال بالطاعة مع المحبة والولية وهم في ذلك خائفون‬
‫أل يقبل منهم‪ ،‬وليس وال خوفهم خوف شك فيما هم فيه من إصابة الدين‪،‬‬
‫ولكنهم خافوا أن يكونوا مقصرين في محبتنا وطاعتنا‪ .‬ثم قال‪ :‬إن قدرت‬
‫على أن ل تخرج من بيتك فافعل فإن عليك في خروجك أن ل تغتاب ول‬
‫تكذب ول تحسد ول ترائي ول تصنع ول تداهن‪ .‬ثم قال‪ ،‬نعم صومعة‬
‫المسلم بيته يكف فيه بصره ولسانه ونفسه وفرجه‪ ،‬إن من عرف نعمة ال‬
‫بقلبه استوجب المزيد من ال عزوجل قبل أن يظهر شكرها على لسانه‬
‫ومن ذهب يرى أن له على الخر فضل فهو من المستكبرين‪ ،‬فقلت له‪ :‬إنما‬
‫يرى أن له عليه فضل بالعافية إذ رآه مرتكبا للمعاصي ؟ فقال‪ :‬هيهات‬
‫هيهات فلعله أن يكون قد غفر له ما أتى وأنت موقوف تحاسب أما تلوت‬
‫قصة سحرة موسى عليه السلم ؟‪ .‬ثم قال‪ :‬كم من مغرور بما قد أنعم ال‬
‫عليه‪ ،‬وكم من مستدرج بستر ال عليه‪ ،‬وكم من مفتون بثناء الناس عليه‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬إني لرجو النجاة‬

‫)‪ (1‬أي هم راضون بما قدر لهم من التقية في الدنيا ول يريدون أكثر من ذلك حذرا‬
‫من أن يصير سببا لطغيانهم )منه رحمه ال(‪ (2) .‬المؤمنون‪.60 :‬‬

‫]‪[226‬‬

‫لمن عرف حقنا من هذه المة إل لحد ثلثة‪ :‬صاحب سلطان جائر‪ ،‬وصاحب هوى‪،‬‬
‫والفاسق المعلن‪ .‬ثم قال‪ " :‬قل إن كنتم تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال "‬
‫)‪ (1‬ثم قال‪ :‬يا حفص الحب أفضل من الخوف‪ ،‬ثم قال‪ :‬وال ما أحب ال‬
‫من أحب الدنيا ووالى غيرنا‪ ،‬ومن عرف حقنا وأحبنا فقد أحب ال تبارك‬
‫وتعالى‪ .‬فبكى رجل فقال‪ :‬أتبكي لو أن أهل السماوات والرض كلهم‬
‫اجتمعوا يتضرعون إلى ال عزوجل أن ينجيك من النار ويدخلك الجنة لم‬
‫يشفعوا فيك ]ثم كان لك قلب حي لكنت أخوف الناس ل عزوجل في تلك‬
‫الحال[‪ .‬ثم قال‪ :‬يا حفص كن ذنبا ول تكن رأسا‪ ،‬يا حفص قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وآله‪ " :‬من خاف ال كل لسانه "‪ .‬ثم قال‪ :‬بينا موسى بن‬
‫عمران يعظ أصحابه إذ قام رجل فشق قميصة فأوحى ال عزوجل إليه يا‬
‫موسى قل له‪ :‬ل تشق قميصك ولكن اشرح لي عن قلبك‪ .‬ثم قال‪ :‬مر‬
‫موسى بن عمران عليه السلم برجل من أصحابه وهو ساجد فانصرف من‬
‫حاجته وهو ساجد على حاله‪ ،‬فقال له موسى عليه السلم‪ :‬لو كانت حاجتك‬
‫بيدي لقضيتها لك‪ ،‬فأوحى ال عزوجل إليه يا موسى لو سجد حتى ينقطع‬
‫عنقه ما قبلته حتى يتحول عما أكره إلى ما احب‪ - 96 .‬د )‪ :(2‬قال السفيان‬
‫الثوري للصادق عليه السلم‪ :‬ل أقوم حتى تحدثني فقال عليه السلم له‪:‬‬
‫أما إني احدثك وما كثرة الحديث لك بخير‪ ،‬يا سفيان إذا أنعم ال عليك‬
‫بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر عليها‪ ،‬فإن ال‬
‫عزوجل قال في كتابه " لئن شكرتم لزيدنكم " )‪ (3‬فإذا استبطأت الرزق‬
‫فأكثر من الستغفار فإن ال تعالى قال‪ " :‬استغفروا ربكم إنه كان غفارا‪.‬‬
‫يرسل السماء عليكم مدارا‪ .‬ويمددكم‬

‫)‪ (1‬آل عمران‪ (2) .31 :‬العدد القوية‪ ،‬مخطوط‪ (3) .‬ابراهيم‪.7 :‬‬

‫]‪[227‬‬

‫بأموال وبنين )يعني في الدنيا( ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا )‪ " (1‬يعني في‬
‫الخرة‪ ،‬يا سفيان إذا حزنك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من قول‪ :‬ل‬
‫حول ول قوة إل بال‪ ،‬فإنها مفتاح الفرج‪ ،‬وكنز من كنوز الجنة‪ ،‬فعقد‬
‫سفيان بيده وقال‪ :‬ثلثا وأي ثلث‪ ،‬قال مولنا الصادق عليه السلم‪ :‬عقلها‬
‫وال ولينفعنه بها‪) 97 .‬ين )‪ :(2‬عن فضالة‪ ،‬عن أبي المغرا‪ ،‬عن زيد‬
‫الشحام‪ ،‬عن عمرو بن سعيد بن هلل قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪:‬‬
‫إني ل ألقاك إل في السنين فأوصني بشئ حتى آخذ به قال‪ :‬اوصيك بتقوى‬
‫ال والورع والجتهاد‪ ،‬وإياك أن تطمع إلى من فوقك‪ ،‬وكفى بما قال ال‬
‫عزوجل لرسوله‪ " :‬ول تعجبك أموالهم ول أولدهم )‪ " (3‬وقال‪ " :‬ول‬
‫تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا )‪ " (4‬فإن‬
‫خفت شيئا من ذلك فاذكر عيش رسول ال صلى ال عليه وآله فإنما كان‬
‫قوته من الشعير‪ ،‬وحلواؤه من التمرو وقيده من السعف إذا وجده )‪ (5‬إذا‬
‫أصبت بمصيبة في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصائبك برسول ال صلى‬
‫ال عليه وآله فإن الخلئق لم يصابوا بمثله قط‪ - 98 .‬ين‪ :‬عن فضالة‪ ،‬عن‬
‫الفضيل بن عثمان‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم قال‪ :‬قلت له‪ :‬أوصني‬
‫قال‪ :‬اوصيك بتقوى ال‪ ،‬وصدق الحديث‪ ،‬وأداء المانة‪ ،‬وحسن الصحابة‬
‫لمن صحبك‪ ،‬وإذا كان قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فعليك بالدعاء‬
‫واجتهد ول تمتنع من شئ تطله من ربك‪ ،‬ول تقول هذا مال أعطاه‪ ،‬وداع‬
‫فإن ال يفعل ما يشاء‪ - 99 .‬ين‪ :‬عن فضالة‪ ،‬عن بشر الهذلي‪ ،‬عن عجلن‬
‫أبي صالح قال‪ :‬قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬أنصف الناس من نفسك‪.‬‬
‫وواسهم من مالك‪ ،‬وارض لهم بما ترضى‬

‫)‪ (1‬نوح‪ (2) .12 - 10 :‬مخطوط‪ (3) .‬التوبة‪ (4) .87 :‬طه‪ (5) .131 :‬الوقيد‬
‫والوقاد والوقود كلها بمعنى‪ ،‬يعني ما توقد به النار‪.‬‬

‫]‪[228‬‬

‫لنفسك‪ ،‬واذكر ال كثيرا‪ ،‬وإياك والكسل والضجر‪ ،‬فإنك إذا كسلت لم تؤد إلى ال‬
‫حقه‪ ،‬وإذا ضجرت لم تؤد إلى أحد حقه‪ - 100 .‬من خط الشهيد رحمه ال‬
‫قيل للصادق عليه السلم‪ :‬على ما ذا بنيت أمرك ؟ فقال‪ :‬على أربعة أشياء‪:‬‬
‫علمت أن عملي ل يعمله غيري فاجتهدت‪ ،‬وعلمت أن ال عزوجل مطلع‬
‫علي فاستحييت‪ ،‬وعلمت أن رزقي ل يأكله غيري فاطمأننت‪ ،‬وعلمت أن‬
‫آخر أمري الموت فاستعددت‪ - 101 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا أراد ال بعبد‬
‫خزيا أجرى فضيحته على لسانه‪ - 102 .‬الدرة الباهرة‪ (1) :‬قال الصادق‬
‫عليه السلم‪ :‬من كان الحزم حارسه‪ ،‬والصدق جليسه‪ ،‬عظمت بهجته‪،‬‬
‫وتمت مروته‪ ،‬ومن كان الهوى مالكه‪ ،‬والعجز راحته‪ ،‬عاقاه عن السلمة‪،‬‬
‫وأسلماه إلى الهلكة‪ - 103 .‬وقال عليه السلم‪ :‬جاهل سخي أفضل من‬
‫ناسك بخيل‪ - 104 .‬وقال عليه السلم‪ :‬اللهم إنك بما أنت له أهل من العفو‬
‫أولى بما أنا له أهل من العقوبة‪ - 105 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من سئل فوق‬
‫قدره استحق الحرمان‪ ،‬العز أن تذل للحق‪ ،‬إذا لزمك‪ ،‬من أمك فأكرمه‪،‬‬
‫ومن استخف بك فأكرم نفسك عنه‪ ،‬أولى الناس بالعفو أقدرهم على‬
‫العقوبة‪ ،‬وأنقص الناس عقل من ظلم دونه‪ ،‬ولم يصفح عمن اعتذر إليه‪،‬‬
‫حشمة النقباض أبقى للعرض وانس التلفي )‪ ،(2‬الهوى يقظان والعقل‬
‫نائم‪ ،‬ل تكونن أول مشير‪ ،‬وإياك والرأي الفطير‪ ،‬وتجتنب ارتجال الكلم‬
‫مروة الرجل في نفسه نسب لعقبه وقبيلته‪ - 106 .‬وقيل في مجلسه عليه‬
‫السلم‪ :‬جاور ملكا أو بحرا فقال‪ :‬هذا كلم محال‪ ،‬والصواب ل تجاور ملكا‬
‫ول بحرا لن الملك يؤذيك‪ ،‬والبحر ل يرويك‪ ،‬إذا كان يوم القيامة وجمع‬
‫ال الخلئق سألهم عما عهد إليهم ولم يسألهم عما قضى عليهم ‪ -‬قاله في‬
‫القضاء والقدر ‪ .-‬من أمل رجل هابه‪ ،‬ومن قصر عن شئ عابه‪.‬‬

‫)‪ (1‬مخطوط‪ (2) .‬كذا‪.‬‬


‫]‪[229‬‬

‫‪ - 107‬ف )‪ (1‬ومن كلمه عليه السلم سماه بعض الشيعة نثر الدرر‪- 1 :‬‬
‫الستقصاء فرقة النتقاد عداوة‪ ،‬قلة الصبر فضيحة‪ ،‬إفشاء السر سقوط‪،‬‬
‫السخاء فطنة‪ ،‬اللوم تغافل‪ - 2 .‬ثلثة من تمسك بهن نال من الدنيا والخرة‬
‫بغيته )‪ :(2‬من اعتصم بال‪ ،‬ورضي بقضاء ال‪ ،‬وأحسن الظن بال‪- 3 .‬‬
‫ثلثة من فرط فيهن كان محروما‪ :‬استماحة جواد‪ ،‬ومصاحبة عالم‪،‬‬
‫واستمالة سلطان‪ - 4 .‬ثلثة تورث المحبة‪ :‬الدين‪ ،‬والتواضع‪ ،‬والبذل‪- 5 .‬‬
‫من برئ من ثلثة نال ثلثة‪ :‬من برئ من الشر نال العز‪ ،‬ومن برئ من‬
‫الكبر نال الكرامة‪ ،‬ومن برئ من البخل نال الشرف‪ - 6 .‬ثلثة مكسبة‬
‫للبغضاء‪ :‬النفاق‪ .‬والظلم‪ .‬والعجب‪ - 7 .‬ومن لم تكن فيه خصلة من ثلثة لم‬
‫يعد نبيل )‪ :(3‬من لم يكن له عقل يزينه أو جدة تغنيه )‪ (4‬أو عشيرة‬
‫تعضده‪ - 8 .‬ثلثة تزري بالمرء )‪ :(5‬الحسد‪ .‬والنميمة‪ .‬والطيش‪- 9 .‬‬
‫ثلثة ل تعرف إل في ثلث مواطن‪ :‬ل يعرف الحليم إل عند الغضب‪ .‬ول‬
‫الشجاع إل عند الحرب‪ .‬ول أخ إل عند الحاجة‪ - 10 .‬ثلث من كن فيه فهو‬
‫منافق وإن صام وصلى‪ :‬من إذا حدث كذب‪ .‬وإذا وعد أخلف‪ .‬وإذا ائتمن‬
‫خان‪ - 11 .‬احذر من الناس ثلثة‪ :‬الخائن‪ .‬والظلوم‪ .‬والنمام‪ ،‬لن من خان‬

‫)‪ (1‬التحف‪ (2) .315 :‬البغية‪ :‬ما يرغب فيه ويطلب أي المطلوب‪ (3) .‬النبيل‪:‬‬
‫ذوالنجابة‪ (4) .‬الجدة ‪ -‬مصدر وجد يجد‪ ،‬كعدة ‪ :-‬الغنى والقدرة‪(5) .‬‬
‫ازرى به‪ :‬عابه ووضعه من حقه‪ .‬والطيش‪ :‬النزق والخفة‪.‬‬

‫]‪[230‬‬

‫لك خانك‪ ،‬ومن ظلم لك سيظلمك‪ .‬ومن نم إليك سينم عليك‪ - 12 .‬ل يكون المين‬
‫أمينا حتى يؤتمن على ثلثة فيؤديها‪ :‬على الموال والسرار والفروج‪.‬‬
‫وإن حفظ اثنين وضيع واحدة فليس بأمين‪ - 13 .‬ل تشاور أحمق‪ ،‬ول‬
‫تستعن بكذاب‪ ،‬ول تثق بمودة ملوك‪ ،‬فان الكذاب يقرب لك البعيد ويبعد لك‬
‫القريب‪ ،‬والحمق يجهد لك نفسه ول يبلغ ما تريد والملوك أوثق ما كنت به‬
‫خذلك‪ ،‬وأوصل ما كنت له قطعك‪ - 14 .‬أربعة ل تشبع من أربعة‪ :‬أرض من‬
‫مطر‪ ،‬وعين من نظر‪ ،‬وانثى من ذكر‪ ،‬وعالم من علم‪ - 15 .‬أربعة تهرم‬
‫قبل أوان الهرم‪ :‬أكل القديد‪ ،‬والقعود على النداوة‪ ،‬والصعود في الدرج‪.‬‬
‫ومجامعة العجوز )‪ - 16 .(1‬النساء ثلث‪ :‬فواحدة لك‪ ،‬وواحدة لك وعليك‪.‬‬
‫وواحدة عليك ل لك‪ ،‬فأما التي هي لك فالمرأة العذراء‪ ،‬وأما التي هي لك‬
‫وعليك فالثيب‪ .‬وأما التي هي عليك للك فهي المتبع التي لها ولد من‬
‫غيرك‪ - 17 .‬ثلث من كن فيه كان سيدا‪ :‬كظم الغيظ‪ ،‬والعفو عن المسيئ‪،‬‬
‫والصلة بالنفس والمال‪ - 18 .‬ثلثة ل بد لهم من ثلث‪ :‬لبد للجواد من‬
‫كبوة‪ ،‬وللسيف من نبوة‪ ،‬وللحليم من هفوة )‪ - 19 .(2‬ثلثة فيهن البلغة‪:‬‬
‫التقرب من معنى البغية‪ ،‬والتبعد من حشو الكلم والدللة بالقليل على‬
‫الكثير‪ - 20 .‬النجاة في ثلث‪ :‬تمسك عليك لسانك‪ .‬ويسعك بيتك‪ .‬وتندم‬
‫على خطيئتك‪ - 21 .‬الجهل في ثلث‪ :‬في تبدل الخوان‪ ،‬والمنابذة بغير‬
‫بيان )‪ (3‬والتجسس‬

‫)‪ (1‬القديد‪ :‬اللحم المقدد‪ .‬يقال‪ :‬قدداللحم أي جعله قطعا وجففه‪ (2) .‬الكبوة‪:‬‬
‫السقطة‪ ،‬المرة من كبا يكبو كبوا لوجهه‪ :‬انكب على وجهه‪ .‬ونبا ينبو‬
‫نبوة السيف‪ :‬كل ولم يقطع‪ .‬والهفوة‪ :‬الزلة والسقطة‪ (3) .‬المنابذة‪:‬‬
‫المخالفة والمفارقة‪ ،‬يقال‪ :‬نابذه أي خالفه وفارقه عن عداوة ولعل‬
‫المراد‪ :‬المخالفة بل جهة وعلة‪.‬‬

‫]‪[231‬‬

‫عما ل يعني‪ - 22 .‬ثلث من كن فيه كن عليه‪ :‬المكر‪ .‬والنكث‪ .‬والبغي‪ .‬وذلك قول‬
‫ال‪ " :‬ول يحيق المكر السيئ إل بأهله )‪ " ." (1‬فانظر كيف كان عاقبة‬
‫مكرهم إنا دمرناهم وقومهم أجمعين )‪ " (2‬وقال جل وعز‪ " :‬ومن نكث‬
‫فإنما ينكث على نفسه )‪ ." (3‬وقال‪ " :‬يا أيها الناس إنما بغيكم على‬
‫أنفسكم متاع الحيوة الدنيا )‪ - 23 .(4‬ثلث يحجزن المرء عن طلب‬
‫المعالي‪ :‬قصر الهمة‪ :‬وقلة الحيلة‪ ،‬و ضعف الرأي‪ - 24 .‬الحزم في ثلثة )‬
‫‪ :(5‬الستخدام للسلطان‪ ،‬والطاعة للوالد‪ ،‬والخضوع للمولى‪ - 25 .‬النس‬
‫في ثلث‪ :‬في الزوجة الموافقة‪ ،‬والولد البار‪ ،‬والصديق المصافي )‪26 .(6‬‬
‫‪ -‬من رزق ثلثا نال ثلثا وهو الغنى الكبر‪ :‬القناعة بما اعطي‪ ،‬واليأس‬
‫مما في أيدي الناس‪ ،‬وترك الفضول‪ - 27 .‬ل يكون الجواد جوادا إل بثلثة‪:‬‬
‫يكون سخيا بماله على حال اليسر والعسر‪ ،‬وأن يبذله للمستحق‪ ،‬ويرى أن‬
‫الذي أخذه من شكر الذي اسدي إليه )‪ (7‬أكثر مما أعطاه‪.‬‬

‫)‪ (1‬فاطر‪ .41 :‬ل يحيق أي ل يحيط‪ (2) .‬النمل‪ (3) .52 :‬الفتح‪ (4) .10 :‬يونس‪:‬‬
‫‪ (5) .24‬الحزم‪ :‬ضبط الرجل أمره والحذر من فواته والخذ فيه بالثقة‪) .‬‬
‫‪ (6‬صافى فلنا‪ :‬أخلص له الود‪ (7) .‬في بعض النسخ‪ :‬يسدى إليه "‪.‬‬

‫]‪[232‬‬

‫‪ - 28‬ثلثة ل يعذر المرء فيها‪ :‬مشاورة ناصح‪ ،‬ومداراة حاسد‪ ،‬والتحبب إلى‬
‫الناس‪ - 29 .‬ل يعد العاقل عاقل حتى يستكمل ثلثا‪ :‬إعطاء الحق من نفسه‬
‫على حال الرضا والغضب‪ ،‬وأن يرضى للناس ما يرضى لنفسه‪ ،‬واستعمال‬
‫الحلم عند العثرة‪ - 30 (1) .‬ل تدوم النعم إل بعد ثلث )‪ :(2‬معرفة بما يلزم‬
‫ال سبحانه فيها‪ ،‬وأداء شكرها‪ ،‬ول يعيب فيها‪ - 31 .‬ثلث من ابتلي‬
‫بواحدة منهن تمنى الموت‪ :‬فقر متتابع‪ ،‬وحرمة فاضحة‪ ،‬وعدو غالب‪32 .‬‬
‫‪ -‬من لم يرغب في ثلث ابتلي بثلث‪ :‬من لم يرغب في السلمة ابتلي‬
‫بالخذلن‪ ،‬ومن لم يرغب في المعروف ابتلي بالندامة‪ .‬ومن لم يرغب في‬
‫الستكثار من الخوان ابتلي بالخسران‪ - 33 .‬ثلث يجب على كل إنسان‬
‫تجنبها‪ :‬مقارنة الشرار‪ ،‬ومحادثة النساء‪ ،‬ومجالسة أهل البدع‪- 34 .‬‬
‫ثلثة تدل على كرم المرء‪ :‬حسن الخلق‪ ،‬وكظم الغيظ‪ ،‬وغض الطرف‪35 .‬‬
‫‪ -‬من وثق بثلثة كان مغرورا‪ :‬من صدق بما ل يكون‪ ،‬وركن إلى من ل‬
‫يثق به‪ ،‬وطمع في ما ل يملك‪ - 36 .‬ثلثة من استعملها أفسد دينه ودنياه‪:‬‬
‫من ]أ[ ساء ظنه‪ ،‬وأمكن من سمعه‪ ،‬وأعطى قياده حليلته )‪ - 37 .(3‬أفضل‬
‫الملوك من اعطي ثلث خصال‪ :‬الرأفة‪ ،‬والجود والعدل‪.‬‬

‫)‪ (1‬العثرة‪ :‬الزلة‪ .‬والسقطة‪ (2) .‬في بعض النسخ " ال بثلث "‪ (3) .‬القياد‪ :‬حبل‬
‫يقاد به‪ .‬والحليلة‪ :‬الزوجة‪.‬‬

‫]‪[233‬‬

‫‪ - 38‬وليس يحب للملوك أن يفرطوا في ثلث )‪ :(1‬في حفظ الثغور‪ ،‬وتفقد المظالم‪،‬‬
‫واختيار الصالحين لعمالهم‪ - 39 .‬ثلث خلل )‪ (2‬تجب للملوك على‬
‫أصحابهم ورعيتهم‪ :‬الطاعة لهم‪ ،‬والنصيحة لهم في المغيب والمشهد‪،‬‬
‫والدعاء بالنصر والصلح‪ - 40 .‬ثلثة تجب على السلطان للخاصة‬
‫والعامة‪ :‬مكافأة المحسن بالحسان ليزدادوا رغبة فيه‪ .‬وتغمد ذنوب‬
‫المسيئ ليتوب ويرجع عن غيه )‪ (3‬وتألفهم جميعا بالحسان والنصاف‪.‬‬
‫‪ - 41‬ثلثة أشياء من احتقرها من الملوك وأهملها تفاقمت عليه‪ :‬خامل‬
‫قليل الفضل شذ عن الجماعة )‪ ،(4‬وداعية إلى بدعة جعل جنته المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وأهل بلد جعلوا لنفسهم رئيسا يمنع‬
‫السلطان من إقامة الحكم فيهم‪ - 42 .‬العاقل ل يستخف بأحد‪ .‬وأحق من ل‬
‫يستخف به ثلثة‪ :‬العلماء‪ ،‬والسلطان‪ ،‬والخوان‪ ،‬لنه من استخف بالعلماء‬
‫أفسد دينه‪ ،‬ومن استخف بالسلطان أفسد دنياه‪ ،‬ومن استخف بالخوان‬
‫أفسد مروته‪ - 43 .‬وجدنا بطانة السلطان ثلث طبقات )‪ :(5‬طبقة موافقة‬
‫للخير وهي بركة عليها وعلى السلطان وعلى الرعية‪ .‬وطبقة غايتها‬
‫المحاماة على ما في أيديها فتلك ل محمودة ول مذمومة‪ ،‬بل هي إلى الدم‬
‫أقرب‪ .‬وطبقة موافقة للشر وهي مشؤومة مذمومة عليها وعلى السلطان‪.‬‬
‫)‪ (1‬يفرطوا فيه‪ :‬يقصروا وأظهروا العجز فيه‪ (2) .‬الخلل ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬جمع خلة‪.‬‬
‫و ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬الخصلة‪ (3) .‬في بعض النسخ " عن عتبه "‪ (4) .‬تفاقم‬
‫المر‪ :‬عظم ولم يجر على استواء‪ .‬والخامل‪ :‬الساقط الذى ل نباهة له‪.‬‬
‫وشذ عنهم أي انفرد واعتزل‪ (1) .‬البطانة‪ :‬الخاصة‪.‬‬

‫]‪[234‬‬

‫‪ - 44‬ثلثة أشياء يحتاج الناس طرا إليها‪ :‬المن والعدل والخصب )‪ - 45 .(1‬ثلثة‬
‫تكدر العيش‪ :‬السلطان الجائر‪ ،‬والجار السوء والمرأة البذية )‪ - 46 .(2‬ل‬
‫تطيب السكنى إل بثلث‪ :‬الهواء الطيب‪ ،‬والماء الغزير العذب‪ ،‬والرض‬
‫الخوارة )‪ - 47 .(3‬ثلثة تعقب الندامة‪ :‬المباهاة‪ ،‬والمفاخرة‪ ،‬والمعازة )‬
‫‪ - 48 .(4‬ثلثة مركبة في بني آدم‪ :‬الحسد‪ ،‬والحرص‪ ،‬والشهوة‪ - 49 .‬من‬
‫كانت فيه خلة من ثلثة انتظمت فيه ثلثتها في تفخيمه وهيبته وجماله‪:‬‬
‫من كان له ورع‪ ،‬أو سماحة‪ ،‬أو شجاعة‪ - 50 .‬ثلث خصال من رزقها كان‬
‫كامل‪ :‬العقل‪ ،‬والجمال‪ ،‬والفصاحة‪ - 51 .‬ثلثة تقضى لهم بالسلمة إلى‬
‫بلوغ غايتهم‪ :‬المرأة إلى انقضاء حملها والملك إلى أن ينفد عمره‪،‬‬
‫والغائب إلى حين إيابه‪ - 52 .‬ثلثة تورث الحرمان‪ :‬اللحاح في المسألة‪،‬‬
‫والغيبة‪ ،‬والهزء )‪ - 53 .(5‬ثلثة تعقب مكروها‪ :‬حملة البطل )‪ (6‬في‬
‫الحرب في غير قرصة وإن رزق الظفر‪ ،‬وشرب الدواء من غير علة وإن‬
‫سلم منه‪ ،‬والتعرض للسلطان وإن ظفر الطالب بحاجته منه‪ - 54 .‬ثلث‬
‫خلل يقول كل إنسان إنه على صواب منها‪ :‬دينه الذي يعتقده‪ ،‬وهواه الذي‬
‫يستعلى عليه‪ ،‬وتدبيره في اموره‪.‬‬

‫)‪ (1‬الخصب ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬كثرة العشب والخير‪ .‬وفى بعض النسخ " والخضب " أي‬
‫سفح الجبل وجانبه وصوت القوس‪ .‬والول أظهر‪ (2) .‬البذية‪ :‬السفيه‬
‫والتى أفحش في منطقها‪ (3) .‬الغزير‪ :‬الكثير‪ .‬وأرض خوارة‪ :‬السهلة‬
‫اللينة‪ (4) .‬المعازة‪ :‬المعارضة في العز‪ (5) .‬الهزء ‪ -‬بالفتح والضم ‪:-‬‬
‫الستهزاء والستخفاف‪ (6) .‬الحملة ‪ -‬بفتح فسكون ‪ ،-‬الكرة في الحرب‪.‬‬

‫]‪[235‬‬

‫‪ - 55‬الناس كلهم ثلث طبقات‪ :‬سادة مطاعون وأكفاء متكافون )‪ (1‬واناس‬


‫متعادون‪ - 56 .‬قوام الدنيا بثلثة أشياء‪ :‬النار‪ ،‬والملح‪ ،‬الماء‪ - 57 .‬من‬
‫طلب ثلثة بغير حق حرم ثلثة بحق‪ :‬من طلب الدنيا بغير حق حرم الخرة‬
‫بحق‪ ،‬ومن طلب الرئاسة بغير حق حرم الطاعة له بحق‪ ،‬ومن طلب المال‬
‫بغير حق حرم بهاؤه له بحق‪ - 58 .‬ثلثة ل ينبغي للمرء الحازم أن يقدم‬
‫عليها‪ :‬شرب السم للتجربة وإن نجا منه‪ .‬وإفشاء السر إلى القرابة الحاسد‬
‫وإن نجا منه‪ .‬وركوب البحر وإن كان الغنى فيه‪ - 59 .‬ل يستغني أهل كل‬
‫بلد عن ثلثة يفزع إليه في أمر دنياهم وآخرتهم فإن عدموا ذلك كانوا‬
‫همجا )‪ :(2‬فقيه عالم ورع‪ .‬وأمير خير مطاع‪ .‬وطبيب بصير ثقة‪- 60 .‬‬
‫يمتحن الصديق بثلث خصال‪ ،‬فإن كان مؤاتيا فيها )‪ (3‬فهو الصديق‬
‫المصافي وإل كان صديق رخاء ل صديق شدة‪ :‬تبتغي منه مال‪ ،‬أو تأمنه‬
‫على مال‪ ،‬أو تشاركه في مكروه‪ - 61 .‬إن يسلم الناس من ثلثة أشياء‬
‫كانت سلمة شاملة‪ :‬لسان السوء‪ .‬ويد السوء‪ .‬وفعل السوء‪ - 62 .‬إذا لم‬
‫تكن في المملوك خصلة من ثلث فليس لموله في إمساكه راحة‪ :‬دين‬
‫يرشده‪ .‬أو أدب يسوسه )‪ .(4‬أو خوف يردعه‪.‬‬

‫)‪ (1‬المتكافون والمتكافئون‪ :‬المتساوون‪ (2) .‬الهمج ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬السفلة‬


‫والحمقى والرعاع من الناس‪ ،‬يقال‪ :‬قوم همج أي ل خير فيهم‪ (3) .‬آتاه‬
‫مؤاتاة‪ :‬وافقه‪ .‬والمصافي‪ :‬المخلص لك الود‪ .‬والرخاء‪ :‬سعة العيش‪(4) .‬‬
‫ساس يسوس سياسة المر‪ .‬قام به‪ - .‬والقوم دبرهم وتولى أمرهم‪- .‬‬
‫وفلن قد ساس أي أدب‪.‬‬

‫]‪[236‬‬

‫‪ - 63‬إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلث خلل يتكلفها وإن لم يكن في‬
‫طبعه ذلك‪ :‬معاشرة جميلة‪ ،‬وسعة بتقدير‪ .‬وغيرة بتحصن )‪ - 64 .(1‬كل‬
‫ذي صناعة مضطر إلى ثلث خلل يجتلب بها المكسب وهو‪ :‬أن يكون‬
‫حاذقا بعمله‪ ،‬مؤديا للمانة فيه‪ ،‬مستميل لمن استعمله )‪ - 65 .(2‬ثلث من‬
‫ابتلي بواحدة منهن كان طائح العقل )‪ :(3‬نعمة مولية‪ .‬وزوجة فاسدة )‪.(4‬‬
‫وفجيعة بحبيب‪ - 66 .‬جبلت الشجاعة على ثلث طبائع‪ ،‬لكل واحدة منهن‬
‫فضيلة ليست للخرى‪ :‬السخاء بالنفس‪ ،‬والنفة من الذل )‪ ،(5‬وطلب‬
‫الذكر‪ ،‬فإن تكاملت في الشجاع كان البطل الذي ل يقام لسبيله‪ ،‬والموسوم‬
‫بالقدام في عصره‪ .‬وإن تفاضلت فيه بعضها على بعض كانت شجاعته في‬
‫ذلك الذي تفاضلت فيه أكثر وأشد إقداما‪ - 67 .‬ويجب للوالدين على الولد‬
‫ثلثة أشياء‪ :‬شكرهما على كل حال‪ .‬وطاعتهما فيما يأمرانه وينهيانه عنه‬
‫في غير معصية ال‪ .‬ونصيحتهما في السر والعلنية وتجب للولد على‬
‫والده ثلث خصال‪ :‬إختياره لوالدته‪ .‬وتحسين اسمه‪ .‬والمبالغة في تأديبه )‬
‫‪ - 68 .(6‬تحتاج الخوة فيما بينهم إلى ثلثة أشياء‪ ،‬فإن استعملوها وإل‬
‫تباينوا وتباغضوا وهي‪ :‬التناصف‪ .‬والتراحم‪ .‬ونفي الحسد )‪.(7‬‬
‫)‪ (1‬في بعض النسخ " بحسن " أي تزين به أو صار حسنا‪ (2) .‬أي عطوفا عليه‪.‬‬
‫واستماله‪ :‬أماله واستعطفه‪ (3) .‬طاح يطوح وطاح يطيح‪ :‬تاه وأشرف‬
‫على الهلك‪ (4) .‬في بعض النسخ " مفسدة "‪ (5) .‬النفة‪ :‬اسم من أنف‬
‫‪ -‬كتعب ‪ :-‬كرهه وترفع وتنزه عنه‪ (6) .‬في بعض نسخ المصدر " وتجب‬
‫للولد على والدته ثلث خصال "‪ (7) .‬يقال‪ :‬تناصفوا أي أنصف بعضهم‬
‫بعضا‪ .‬وتراحموا‪ :‬رحم بعضهم بعضا‪.‬‬

‫]‪[237‬‬

‫‪ - 69‬إذا لم تجتمع القرابة على ثلثة أشياء تعرضوا لدخول الوهن عليهم وشماتة‬
‫العداء بهم وهي‪ :‬ترك الحسد فيما بينهم‪ ،‬لئل يتحزبوا فيتشتت أمرهم‪.‬‬
‫والتواصل ليكون ذلك حاديا )‪ (1‬لهم على اللفة‪ ،‬والتعاون لتشملهم العزة‪.‬‬
‫‪ - 70‬ل غنى بالزوج عن ثلثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي الموافقة‬
‫ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها‪ ،‬وحسن خلقة معها‪ ،‬واستعماله‬
‫استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها‪ ،‬وتوسعته عليها‪ .‬ول غنى‬
‫بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلث خصال وهن‪:‬‬
‫صيانة نفسها عن كل دنس حتى يطمئن قلبه إلى الثقة بها في حال‬
‫المحبوب والمكروه‪ ،‬وحياطته )‪ (2‬ليكون ذلك عاطفا عليها عند زلة تكون‬
‫منها‪ ،‬وإظهار العشق له بالخلبة )‪ (3‬والهيئة الحسنة لها في عينه‪- 71 .‬‬
‫ل يتم المعروف إل بثلث خلل‪ :‬تعجيله‪ ،‬وتقليل كثيره‪ ،‬وترك المتنان به‪.‬‬
‫‪ - 72‬والسرور في ثلث خلل‪ :‬في الوفاء‪ ،‬ورعاية الحقوق‪ ،‬والنهوض‬
‫في النوائب‪ - 73 .‬ثلثة يستدل بها على إصابة الرأي )‪ :(4‬حسن اللقاء‪،‬‬
‫وحسن الستماع‪ ،‬وحسن الجواب‪ - 74 .‬الرجال ثلثة‪ :‬عاقل‪ .‬وأحمق‪.‬‬
‫وفاجر‪ ،‬فالعاقل إن كلم أجاب وإن نطق أصاب‪ ،‬وإن سمع وعى‪ .‬الحمق إن‬
‫تكلم عجل‪ ،‬وإن حدث ذهل وإن حمل على القبيح فعل‪ .‬والفاجر إن ائتمنته‬
‫خانك وإن حدثته شأنك‪.‬‬

‫)‪ (1‬أي يحدوهم ويسيرهم‪ .‬ويحتمل أن يكون " هاديا "‪ .‬وقد يقرء في بعض النسخ‬
‫" حاويا "‪ (2) .‬حاطه حياطة‪ :‬حفظه وتعهده‪ (3) .‬الخلبة ‪ -‬بكسر الخاء‬
‫‪ :-‬الحذيعة باللسان أو بالقول الطيب‪ (4) .‬كذا‪ .‬والظاهر " أصالة الرأى‬
‫"‪(*) .‬‬

‫]‪[238‬‬

‫‪ - 75‬الخوان ثلثة‪ :‬فواحد كالغذاء الذي يحتاج إليه كل وقت فهو العاقل‪ .‬والثاني‬
‫في معنى الداء وهو الحمق‪ .‬والثالث في معنى الدواء فهو اللبيب‪- 76 .‬‬
‫ثلثة أشياء تدل على عقل فاعلها‪ :‬الرسول على قدر من أرسله‪ ،‬والهدية‬
‫على قدر مهديها‪ ،‬والكتاب على قدر ]عقل[ كاتبه‪ - 77 .‬العلم ثلثة‪ :‬آية‬
‫محكمة‪ ،‬وفريضة عادلة‪ ،‬وسنة قائمة‪ - 78 .‬الناس ثلثة‪ :‬جاهل يأبى أن‬
‫يتعلم‪ ،‬وعالم قد شفه علمه‪ ،‬وعاقل يعمل لدنياه وآخرته )‪ - 79 .(1‬ثلثة‬
‫ليس معهن غربة‪ :‬حسن الدب‪ ،‬وكف الذى‪ ،‬ومجانبة الريب‪ - 80 .‬اليام‬
‫ثلثة‪ :‬فيوم مضى ل يدرك‪ ،‬ويوم الناس فيه‪ ،‬فينبغي أن يغتنموه‪ .‬وغدا إنما‬
‫في أيديهم أمله )‪ - 81 .(2‬من لم تكن فيه ثلث خصال لم ينفعه اليمان‪:‬‬
‫حلم يرد به جهل الجاهل‪ .‬وورع يحجزه عن طلب المحارم‪ .‬وخلق يداري به‬
‫الناس‪ - 82 .‬ثلث من كن فيه استكمل اليمان‪ ،‬من إذا غضب لم يخرجه‬
‫غضبه من الحق‪ .‬وإذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل‪ .‬ومن إذا قدر‬
‫عفا‪ - 83 .‬ثلث خصال يحتاج إليها صاحب الدنيا‪ :‬الدعة من غير توان )‬
‫‪ (3‬والسعة مع قناعة‪ .‬والشجاعة من غير كسلن‪ - 84 .‬ثلثة أشياء ل‬
‫ينبغي للعاقل أن ينساهن على كل حال‪ :‬فناء الدنيا وتصرف الحوال‪.‬‬
‫والفات التي ل أمان لها‪ - 85 .‬ثلثة أشياء ل ترى كاملة في واحد قط‪:‬‬
‫اليمان‪ .‬والعقل‪ .‬والجتهاد‪.‬‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " للدنيا والخرة "‪ .‬وشفه‪ :‬هزله‪ ،‬رقه‪ ،‬أوهنه‪ (2) .‬قال بعض‬
‫الشعراء‪ :‬ما فات مضى وما سيأتيك فأين * قم فاغتنم الفرصة بين‬
‫العدمين )‪ (3‬أي من غير فتور‪ ،‬والدعة‪ :‬خفض العيش والراحة‪.‬‬

‫]‪[239‬‬

‫‪ - 86‬الخوان ثلثة‪ :‬مواس بنفسه‪ .‬وآخر مواس بماله وهما الصادقان في الخاء‪.‬‬
‫وآخر يأخذ منك البلغة )‪ (1‬ويريدك لبعض اللذة‪ ،‬فل تعده من أهل الثقة‪.‬‬
‫‪ - 87‬ل يستكمل عبد حقيقة اليمان حتى تكون فيه خصال ثلث‪ :‬الفقة في‬
‫الدين‪ ،‬وحسن النقدير في المعيشة‪ ،‬والصبر على الرزايا‪ .‬ول قوة إل بال‬
‫العلي العظيم‪ - 108 .‬ف )‪ :(2‬وروي عنه عليه السلم في قصار هذه‬
‫المعاني‪ - 1 :‬قال صلوات ال عليه‪ :‬من أنصف الناس من نفسه رضي به‬
‫حكما لغيره‪ - 2 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا كان الزمان زمان جوز وأهله أهل‬
‫غدر فالطمأنينة إلى كل أحد عجز )‪ - 3 .(3‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا اضيف‬
‫البلء كان من البلء عافية‪ - 4 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا أردت أن تعلم صحة‬
‫ما عند أخيك فاغضبه فإن ثبت لك على المودة فهو أخوك وإل فل‪- 5 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬ل تعتد بمودة أحد حتى تغضبة ثلث مرات‪ - 6 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬ل تثقن بأخيك كل الثقة‪ ،‬فإن صرعة السترسال ل تستقال )‬
‫‪ - 7 .(4‬وقال عليه السلم‪ :‬السلم درجة‪ ،‬واليمان على السلم درجة‪،‬‬
‫واليقين‬
‫)‪ (1‬أي ما يبلغه ويكفيه‪ (2) .‬التحف ص ‪ (3) .357‬في بعض النسخ " فل طمأنينة‬
‫إلى كل أحد "‪ (4) .‬الصرعة ‪ -‬بالفتح‪ :‬المرة من صرع‪ - .‬وبالضم ‪-‬‬
‫المبالغ في الصرع أي من يصرعه الناس كثيرا‪ .‬والسترسال‪ :‬الطمأنينة‬
‫والستيناس إلى الغير والثقة فيما يحدثه وأصل السترسال‪ :‬السكون‬
‫والثبات‪ .‬وقد مضى نظير هذا الكلم فيما تقدم‪ .‬وفى بعض نسخ الحديث "‬
‫فان سرعة السترسال "‪.‬‬

‫]‪[240‬‬

‫على اليمان درجة )‪ .(1‬وما أوتي الناس أقل من اليقين‪ - 8 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫إزالة الجبال أهون من إزالة قلب عن موضعه‪ - 9 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫اليمان في القلب واليقين خطرات‪ - 10 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الرغبة في‬
‫الدنيا تورث الغم والحزن )‪ (2‬والزهد في الدنيا راحة القلب والبدن‪- 11 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬من العيش دار يكرى‪ ،‬خبز يشرى‪ - 12 .‬وقال عليه‬
‫السلم لرجلين تخاصما بحضرته‪ :‬أما إنه لم يظفر بخير من ظفر بالظلم‪.‬‬
‫ومن يفعل السوء بالناس فل ينكر السوء إذا فعل به‪ - 13 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬التواصل بين الخوان في الحضر التزاور‪ ،‬والتواصل في السفر‬
‫المكاتبة‪ - 14 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل يصلح المؤمن إل على ثلث خصال‪:‬‬
‫التفقه في الدين‪ ،‬وحسن التقدير في المعيشة‪ ،‬والصبر على النائبة‪- 15 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬المؤمن ل يغلبه فرجه‪ ،‬ول يفضحه بطنه‪ - 16 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬صحبة عشرين سنة قرابة‪ - 17 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل تصلح‬
‫الصنيعة إل عند ذي حسب أو دين‪ ،‬وما أقل من يشكر المعروف‪- 18 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬إنما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتعظ‪،‬‬
‫أو جاهل فيتعلم‪ .‬فأما صاحب سوط وسيف فل )‪ - 19 .(3‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬إنما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كانت فيه ثلث خصال‪:‬‬
‫عالم بما يأمر‪ ،‬عالم بما ينهى‪ .‬عادل فيما يأمر‪ ،‬عادل فيما ينهى‪ ،‬رفيق بما‬
‫يأمر‪ ،‬رفيق بما ينهى‪.‬‬

‫)‪ (1‬كذا وفى الكافي " والتقوى على اليمان درجة واليقين على التقوى درجة "‪) .‬‬
‫‪ (2‬في بعض النسخ " تورث النقم والحزن "‪ (3) .‬لنه ل يؤثر فيهما‬
‫كثيرا لنهما صاحبا قدرة وسلطنة ومغروران بما في أيديهما‪.‬‬

‫]‪[241‬‬

‫‪ - 20‬وقال عليه السلم‪ :‬من تعرض لسلطان )‪ (1‬جائر فأصابته منه بلية لم يؤجر‬
‫عليها ولم يرزق الصبر عليها‪ - 21 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن ال أنعم على‬
‫قوم بالمواهب فلم يشكروه فصارت عليهم وبال‪ ،‬وابتلى قوما بالمصائب‬
‫فصبروا فكانت عليهم نعمة‪ - 22 .‬وقال عليه السلم‪ :‬صلح حال التعايش‬
‫والتعاشر ملء مكيال )‪ (2‬ثلثاه فطنة‪ ،‬وثلثه تغافل‪ - 23 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬ما أقبح النتقام بأهل القدار )‪ - 24 .(3‬وقيل له‪ :‬ما المروة ؟ فقال‬
‫عليه السلم‪ :‬ل يراك ال حيث نهاك‪ ،‬ول يفقدك من حيث أمرك‪ - 25 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬اشكر من أنعم عليك‪ ،‬وأنعم على من شكرك‪ ،‬فإنه ل إزالة‬
‫للنعم إذا شكرت‪ ،‬ول إقامة لها إذا كفرت‪ .‬والشكر زيادة في النعم‪ .‬وأمان‬
‫من الفقر‪ - 26 .‬وقال عليه السلم‪ :‬فوت الحاجة خير من طلبها من غير‬
‫أهلها‪ ،‬وأشد من المصيبة سوء الخلق منها‪ - 27 .‬وسأله رجل‪ :‬أن يعلمه‬
‫ما ينال به خير الدنيا والخرة ول يطول عليه )‪ (4‬؟ فقال عليه السلم‪ :‬ل‬
‫تكذب‪ - 28 .‬وقيل له‪ :‬ما البلغة ؟ فقال عليه السلم‪ :‬من عرف شيئا قل‬
‫كلمه فيه‪ ،‬وإنما سمي البليغ لنه يبلغ حاجته بأهون سعيه‪.‬‬

‫)‪ (1‬أي تصدى لطلب فضله واحسانه‪ (2) .‬في بعض النسخ " على مكيال "‬
‫وتعايش القوم‪ :‬عاشوا مجتمعين على الفة ومودة وتعاشر القوم‪ :‬تخالطوا‬
‫وتصاحبوا‪ (3) .‬الظاهر أن المراد من يقدر عليهم الرزق والمعيشة أي‬
‫الضعفاء‪ :‬والقدار‪ :‬جمع قدر‪ " (4) .‬ول يطول " بالتخيف أي ل يجعله‬
‫طويل بل مختصرا موجزا‪.‬‬

‫]‪[242‬‬

‫‪ - 29‬وقال عليه السلم‪ :‬الدين غم بالليل‪ ،‬وذل بالنهار‪ - 30 .‬وقال عليه السلم‪ ،‬إذا‬
‫صلح أمر دنياك فاتهم دينك‪ - 31 .‬وقال عليه السلم‪ :‬بروا آبائكم يبركم‬
‫أبناؤكم‪ ،‬وعفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم‪ - 32 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫من ائتمن خائنا على أمانة لم يكن له على ال ضمان )‪ - 33 .(1‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬لحمران بن أعين‪ :‬يا حمران انظر من هو دونك في المقدرة )‪(2‬‬
‫ول تنظر إلى من هو فوقك‪ ،‬فإن ذلك أقنع لك بما قسم ال لك‪ ،‬وأحرى أن‬
‫تستوجب الزيادة منه عزوجل‪ .‬واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين‬
‫أفضل عند ال من العمل الكثير على غير يقين واعلم أنه ل ورع أنفع من‬
‫تجنب محارم ال‪ ،‬والكف عن أذى المؤمنين واغتيابهم‪ .‬ول عيش أهنأ من‬
‫حسن الخلق‪ ،‬ول مال أنفع من القناعة باليسير المجزئ‪ ،‬ول جهل أضر من‬
‫العجب‪ - 34 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الحياء على وجهين فمنه ضعف‪ ،‬ومنه‬
‫قوة وإسلم وإيمان‪ - 35 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ترك الحقوق مذلة‪ ،‬وإن‬
‫الرجل يحتاج إلى أن يتعرض فيها للكذب‪ - 36 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا سلم‬
‫الرجل من الجماعة أجزأ عنهم‪ .‬وإذا رد واحد من القوم أجزأ عنهم‪.‬‬
‫)‪ (1‬الضمان ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬ما يلتزم بالرد‪ (2) .‬المقدرة ‪ -‬بتثليث الدال ‪ :-‬القوة‬
‫والغنى‪ .‬وحمران ‪ -‬كسكران ‪ -‬وقيل‪ - :‬كسبحان ‪ -‬ابن أعين كاحمد ‪-‬‬
‫الشيباني الكوفى تابعي مشكور يكنى أبا الحسن وقيل‪ :‬أبا حمزة من‬
‫أصحاب الصادقين بل من حواريهما عليهما السلم ولقى على بن الحسين‬
‫عليهما السلم وكان من أكابر مشايخ الشيعة المفضلين الذين ل يشك‬
‫فيهم‪ ،‬وكان أحد حملة القرآن وقرأ على أبى جعفر الباقر عليه السلم‬
‫وقيل‪ :‬أن حمزة أحد القراء السبعة قرأ عليه وكان عالما بالنحو واللغة‪.‬‬

‫]‪[243‬‬

‫‪ - 37‬وقال عليه السلم‪ :‬السلم تطوع والرد فريضة )‪ - 38 .(1‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫من بدأ بكلم قبل سلم فل تجيبوه )‪ - 39 .(2‬وقال عليه السلم‪ :‬إن تمام‬
‫التحية للمقيم المصافحة‪ ،‬وتمام التسليم على المسافر المعانقة‪ - 40 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬تصافحوا‪ ،‬فانها تذهب بالسخيمة )‪ - 41 .(3‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬اتق ال بعض التقى وإن قل‪ ،‬ودع بينك وبينه سترا وإن رق‪- 42 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬من ملك نفسه إذا غضب وإذا رغب وإذا رهب وإذا‬
‫اشتهى حرم ال جسده على النار‪ - 43 .‬وقال عليه السلم‪ :‬العافية نعمة‬
‫خفية )‪ (4‬إذا وجدت نسيت‪ ،‬وإذا عدمت ذكرت‪ - 44 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫ل في السراء نعمة التفضل‪ ،‬وفي الضراء نعمة التطهر )‪ - 45 .(5‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬كم من نعمة ل على عبده في غير أمله‪ ،‬وكم من مؤمل أمل‬
‫الخيار في غيره‪ ،‬وكم من ساع إلى حتفه وهو مبطئ عن حظه‪ - 46 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬قد عجز من لم يعد لكل بلء صبرا‪ ،‬ولكل نعمة شكرا ولكل‬
‫عسر يسرا‪ .‬اصبر نفسك عند كل بلية ورزية في ولد أو في مال‪ ،‬فإن ال‬
‫إنما يقبض عاريته وهبته ليبلو شكرك وصبرك‪ - 47 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫مامن شئ إل وله حد‪ .‬قيل‪ :‬فما حد اليقين ؟ قال عليه السلم‪ :‬أن ل تخاف‬
‫شيئا‪.‬‬

‫)‪ (1‬تطوع‪ :‬تبرع‪ ،‬والمراد أن السلم تطوع ابتداء‪ (2) .‬في الكافي " من بدأ بالكلم‬
‫قبل السلم فل تجيبوه "‪ (3) .‬السخيمة‪ :‬الضغينة والحقد في النفس‪(4) .‬‬
‫وفى بعض النسخ‪ " :‬خفيفة "‪ (5) .‬التفضل‪ :‬النيل من الفضل‪ .‬والتطهر‪:‬‬
‫التنزه عن الدناس أي المعاصي‪.‬‬

‫]‪[244‬‬

‫‪ - 48‬وقال عليه السلم‪ :‬ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال‪ :‬وقور عند‬
‫الهزاهز )‪ ،(1‬صبور عند البلء‪ ،‬شكور عند الرخاء‪ ،‬قانع بما رزقه ال‪ ،‬ل‬
‫يظلم العداء‪ ،‬ول يتحمل الصدقاء )‪ ،(2‬بدنه منه في تعب‪ ،‬والناس منه‬
‫في راحة‪ - 49 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن العلم خليل المؤمن‪ ،‬والحلم وزيره‪،‬‬
‫والصبر أمير جنوده‪ ،‬والرفق أخوه‪ ،‬واللين والده‪ - 50 .‬وقال أبو عبيدة )‬
‫‪ :(3‬ادع ال لي أن ل يجعل رزقي على أيدي العباد‪ .‬فقال عليه السلم‪ :‬أبى‬
‫ال عليك ذلك إل أن يجعل أرزاق العباد بعضهم من بعض‪ ،‬ولكن أدع ال‬
‫أن يجعل رزقك على أيدي خيار خلقه‪ ،‬فإنه من السعادة‪ ،‬ول يجعله على‬
‫أيدي شرار خلقه‪ ،‬فإنه من الشقاوة‪ - 51 .‬وقال عليه السلم‪ :‬العامل على‬
‫غير بصيرة كالسائر على غير طريق‪ ،‬فل تزيده سرعة السير إل بعدا‪52 .‬‬
‫‪ -‬وقال عليه السلم في قول ال عزوجل‪ " :‬اتقوا ال حق تقاته )‪" (4‬‬
‫قال‪ :‬يطاع فل يعصى‪ ،‬ويذكر فل ينسى‪ ،‬ويشكر فل يكفر‪ - 53 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬من عرف ال خاف ال‪ ،‬ومن خاف ال سخت نفسه عن الدنيا )‪.(5‬‬
‫‪ - 54‬وقال عليه السلم‪ :‬الخائف من لم تدع له الرهبة لسانا ينطق به‪.‬‬

‫)‪ (1‬الوقور ‪ -‬للمذكر والمؤنث ‪ :-‬ذو وقار‪ .‬الهزاهز‪ :‬الفتن التى يهز الناس‪ .‬و تطلق‬
‫على الشدائد والحروب‪ " (2) .‬يتحمل " أي ول يحمل على الصدقاء ول‬
‫يتكلف عليهم وفى الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ " 232‬ل يتحامل للصدقاء " أي ما‬
‫يشق عليهم ويضر بحالهم‪ (3) .‬الظاهر أنه أبو عبيدة الحذاء زياد بن‬
‫عيسى الكوفى من أصحاب الباقر والصادق عليهما السلم ومات في‬
‫زمان الصادق عليه السلم‪ (4) .‬آل عمران‪ (5) .97 :‬سخيت نفسي عنه‬
‫أي تركته ولم تنازعني إليه نفسي‪(*) .‬‬

‫]‪[245‬‬

‫‪ - 55‬وقيل له عليه السلم‪ :‬قوم يعملون بالمعاصي ويقولون‪ :‬نرجو‪ ،‬فل يزالون‬
‫كذلك حتى يأتيهم الموت‪ .‬فقال‪ :‬هؤلء قوم يترجحون في الماني كذبوا‬
‫ليس يرجون )‪ (1‬إن من رجا شيئا طلبه‪ ،‬ومن خاف من شئ هرب منه‪.‬‬
‫‪ - 56‬وقال عليه السلم‪ :‬إنا لنحب من كان عاقل عالما فهما فقيها حليما‬
‫مداريا صبورا صدوقا وفيا )‪ ،(2‬إن ال خص النبياء عليهم السلم بمكارم‬
‫الخلق‪ ،‬فمن كانت فيه فليحمد ال على ذلك ومن لم تكن فيه فليتضرع إلى‬
‫ال وليسأله إياها وقيل له‪ :‬وما هي ؟ قال عليه السلم‪ :‬الورع والقناعة‬
‫والصبر والشكر والحلم والحياء والسخاء والشجاعة والغيرة وصدق‬
‫الحديث والبر وأداء المانة واليقين وحسن الخلق والمروة‪ - 57 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬من أوثق عرى اليمان أن تحب في ال وتبغض في ال‬
‫وتعطي في ال وتمنع في ال‪ - 58 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل يتبع الرجل بعد‬
‫موته إل ثلث خلل‪ :‬صدقة أجراها ال له في حياته فهي تجري له بعد‬
‫موته‪ ،‬وسنة هدى يعمل بها‪ ،‬وولد صالح يدعو له‪ - 59 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬إن الكذبة لتنقض الوضوء إذا توضأ الرجل للصلة‪ ،‬وتفطر الصيام‬
‫فقيل له‪ :‬إنا نكذب فقال عليه السلم‪ :‬ليس هو باللغو ولكنه الكذب على ال‬
‫وعلى رسوله وعلى الئمة صلوات ال عليهم‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن الصيام ليس من‬
‫الطعام ول من الشراب وحده‪ ،‬إن مريم عليها السلم قالت‪ " :‬إني نذرت‬
‫للرحمن صوما )‪ " (3‬أي صمتا‪ ،‬فاحفظوا ألسنتكم وغضوا أبصاركم‪ ،‬ول‬
‫تحاسدوا ول تنازعوا‪ ،‬فإن الحسد يأكل اليمان كما تأكل النار الحطب‪.‬‬

‫)‪ (1‬كذا وفى الكافي " كذبوا ليسوا براجين "‪ .‬ترجح في القول‪ :‬تميل فيه )‪(2‬‬
‫الوفى‪ :‬الكثير الوفاء‪ .‬وأيضا الذى يعطى الحق ويأخذ الحق والجمع‬
‫اوفياء كأصدقاء‪ (3) .‬مريم‪.27 :‬‬

‫]‪[246‬‬

‫‪ - 60‬وقال عليه السلم‪ :‬من أعلم ال ما لم يعلم اهتز له عرشه )‪ - 61 .(1‬وقال‬


‫عليه السلم‪ :‬إن ال علم أن الذنب خير للمؤمن من العجب ولول ذلك ما‬
‫ابتلى ال مؤمنا بذنب أبدا‪ - 62 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من ساء خلقه عذب‬
‫نفسه‪ - 63 .‬وقال عليه السلم‪ :‬المعروف كاسمه وليس شئ أفضل من‬
‫المعروف إل ثوابه‪ ،‬والمعروف هدية من ال إلى عبده‪ ،‬وليس كل من يحب‬
‫أن يصنع المعروف إلى الناس يصنعه‪ ،‬ول كل من رغب فيه يقدر عليه‪،‬‬
‫ول كل من يقدر عليه يؤذن له فيه‪ ،‬فإذا من ال على العبد جمع له الرغبة‬
‫في المعروف والقدرة والذن‪ ،‬فهناك تمت السعادة والكرامة للطالب‬
‫والمطلوب إليه‪ - 64 .‬وقال عليه السلم‪ :‬لم يستزد في محبوب بمثل‬
‫الشكر‪ ،‬ولم يستنقص من مكروه بمثل الصبر‪ - 65 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫ليس لبليس جند أشد من النساء والغضب‪ - 66 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الدنيا‬
‫سجن المؤمن والصبر حصنه‪ ،‬والجنة مأواه‪ ،‬والدنيا جنة الكافر‪ ،‬والقبر‬
‫سجنه‪ ،‬والنار مأواه‪ - 67 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ولم يخلق ال يقينا ل شك‬
‫فيه أشبه بشك ل يقين فيه من الموت‪ - 68 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا رأيتم‬
‫العبد يتفقد الذنوب من الناس )‪ (2‬ناسيا لذنبه فاعلموا أنه قد مكر به‪- 69 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬الطاعم الشاكر له مثل أجر الصائم المحتسب‪ ،‬والمعافي‬
‫الشاكر له مثل أجر المبتلى الصابر‪ - 70 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل ينبغي لمن‬
‫لم يكن عالما أن يعد سعيدا‪ ،‬ول لمن لم يكن ودودا أن يعد حميدا‪ ،‬ول لمن‬
‫لم يكن صبورا أن يعد كامل‪ ،‬ول لمن ل يتقي‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " من اعلم ال ما ل يعلم اهتز عرشه "‪ (2) .‬تفقده أي طلبه‬
‫عند غيبته‪.‬‬
‫]‪[247‬‬

‫ملمة العلماء وذمهم أن يرجى له خير الدنيا والخرة‪ ،‬وينبغي للعاقل أن يكون‬
‫صدوقا ليؤمن على حديثه‪ ،‬وشكورا ليستوجب الزيادة‪ - 71 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬ليس لك أن تأتمن الخائن وقد جربته‪ ،‬وليس لك أن تتهم من‬
‫ائتمنت‪ - 72 .‬وقيل له‪ :‬من أكرم الخلق على ال ؟ فقال عليه السلم‪:‬‬
‫أكثرهم ذكرا ل وأعملهم بطاعة ال‪ .‬قلت‪ :‬فمن أبغض الخلق إلى ال ؟ قال‬
‫عليه السلم‪ :‬من يتهم ال‪ .‬قلت‪ :‬أحد يتهم ال ؟ قال عليه السلم‪ :‬نعم من‬
‫استخار ال فجاءته الخيرة بما يكره فيسخط فذلك يتهم ال‪ ،‬قلت‪ :‬ومن ؟‬
‫قال‪ :‬يشكو ال ؟ قلت‪ :‬واحد يشكوه ؟ قال عليه السلم‪ :‬نعم‪ ،‬من إذا ابتلي‬
‫شكى بأكثر مما أصابه‪ .‬قلت‪ :‬ومن ؟ قال‪ :‬إذا اعطي لم يشكر وإذا ابتلي لم‬
‫يصبر‪ .‬قلت‪ :‬فمن أكرم الخلق على ال ؟ قال عليه السلم‪ :‬من إذا اعطي‬
‫شكر‪ ،‬وإذا ابتلي صبر‪ - 73 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ليس لملول )‪ (1‬صديق‪،‬‬
‫ول لحسود غنى‪ ،‬وكثرة النظر في الحكمة تلقح العقل‪ - 74 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬كفى بخشية ال علما‪ ،‬وكفى بالغترار به جهل‪ - 75 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬أفضل العبادة العلم بال والتواضع له‪ - 76 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫عالم أفضل من ألف عابد وألف زاهد وألف مجتهد )‪ - 77 .(2‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬إن لكل شئ زكاة‪ ،‬وزكاة العلم أن يعلمه أهله‪ - 78 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬القضاة أربعة ثلثة في النار وواحد في الجنة‪ :‬رجل قضى بجور‬
‫وهو يعلم فهو في النار‪ ،‬ورجل قضى بجور وهو ل يعلم فهو في النار‪،‬‬
‫ورجل قضى بحق وهو ل يعلم فهو في النار‪ ،‬ورجل قضى بحق وهو يعلم‬
‫فهو في الجنة‪.‬‬

‫)‪ (1‬الملول‪ :‬ذو الملل‪ ،‬صفة بمعنى الفاعل‪ .‬وقد يقرء " لملوك " كما مر كرارا‬
‫وفى الخصال " للملك " وفى بعض نسخ أمالى الشيخ " للملوك "‪(2) .‬‬
‫أي الذى يجتهد في العبادة‪.‬‬

‫]‪[248‬‬

‫‪ - 79‬وسئل عن صفة العدل من الرجل ؟ فقال عليه السلم‪ :‬إذا غض طرفه عن‬
‫المحارم‪ ،‬ولسانه عن المآثم‪ ،‬وكفه عن المظالم‪ - 80 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫كلما حجب ال عن العباد فموضوع عنهم حتى يعرفهموه‪ - 81 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬لداود الرقي )‪ :(1‬تدخل يدك في فم التنين )‪ (2‬إلى المرفق خير لك‬
‫من طلب الحوائج إلى من لم يكن له وكان )‪ - 82 .(3‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫قضاء الحوائج إلى ال‪ ،‬وأسبابها ‪ -‬بعد ال ‪ -‬العباد تجري على أيديهم‪ ،‬فما‬
‫قضى ال من ذلك فاقبلوا من ال بالشكر‪ ،‬وما زوي عنكم )‪ (4‬منها فاقبلوه‬
‫عن ال بالرضا والتسليم والصبر فعسى أن يكون ذلك خيرا لكم‪ ،‬فإن ال‬
‫أعلم بما يصلحكم وأنتم ل تعلمون‪ - 83 .‬وقال عليه السلم‪ :‬مسألة ابن آدم‬
‫لبن آدم فتنة‪ ،‬إن أعطاه حمد من لم يعطه‪ ،‬وإن رده ذم من لم يمنعه‪.‬‬

‫)‪ (1‬الرقى ‪ -‬بفتح الراء وقيل‪ :‬بكسرها وتشديد القاف ‪ -‬نسبة إلى الرقة اسم‬
‫لمواضع‪ ،‬بلدة بقوهستان وأخريان من بساتين بغداد صغرى وكبرى‬
‫وبلدة اخرى في غربي بغداد وقرية كبيرة أسفل منها بفرسخ على الفرات‬
‫غربي النبار وهيت‪ ،‬كانت مصيف آل المنذر ملوك العراق ومنتزه الرشيد‬
‫العباسي‪ .‬قال علماء الرجال‪ " :‬وهى التى ينصرف إليها اطلق لفظ الرقة‬
‫منها داود الرقى " وهو داود بن كثير بن أبى خالد الرقى مولى بنى أسد‬
‫من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلم ثقة وله أصل وكتاب‪ ،‬عاش‬
‫إلى زمان الرضا عليه السلم‪ (2) .‬التنين ‪ -‬كسكيت ‪ :-‬الحوت والحية‬
‫العظيمة كنيته أبو مرداس‪ .‬قيل‪ " :‬انه شر من الكوسج وفى فمه أنياب‬
‫مثل أسنة الرماح وهو طويل كالنخلة السحوق‪ ،‬أحمر العينين مثل الدم‪،‬‬
‫واسع الفم والجوف‪ ،‬براق العينين‪ ،‬يبلع كثيرا من حيوان البر والبحر‪ ،‬إذا‬
‫تحرك يموج البحر لقوته الشديدة "‪ (3) .‬وفى بعض النسخ " فكان "‬
‫وهو الصوب‪ (4) .‬زواه ‪ -‬من باب رمى ‪ :-‬نحاه ومنعه‪ .‬وعنه طواه‬
‫وصرفه‪ .‬والشى‪ :‬جمعه وقبضه‪.‬‬

‫]‪[249‬‬

‫‪ - 84‬وقال عليه السلم‪ :‬إن ال قد جعل كل خير في التزجية )‪ - 85 .(1‬وقال عليه‬


‫السلم‪ :‬إياك ومخالطة السفلة‪ ،‬فإن مخالطة السفلة ل تؤدي إلى خير )‪.(2‬‬
‫‪ - 86‬وقال عليه السلم‪ :‬الرجل يجزع من الذل الصغير فيدخله ذلك في الذل‬
‫الكبير‪ - 87 .‬وقال عليه السلم‪ :‬أنفع الشياء للمرء سبقه الناس إلى عيب‬
‫نفسه‪ ،‬وأشد شئ مؤونة إخفاء الفاقة‪ .‬وأقل الشياء غناء النصيحة لمن ل‬
‫يقبلها ومجاورة الحريص‪ ،‬وأروح الروح اليأس من الناس‪ ،‬ل تكن ضجرا‬
‫ول غلقا‪ ،‬وذلل نفسك باحتمال من خالفك ممن هو فوقك ومن له الفضل‬
‫عليك‪ ،‬فإنما أقررت له بفضله )‪ (3‬لئل تخالفه‪ ،‬ومن ل يعرف لحد الفضل‬
‫فهو المعجب برأيه‪ ،‬واعلم أنه ل عز لمن ل يتذلل ل‪ ،‬ول رفعة لمن ل‬
‫يتواضع ل‪ - 88 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن من السنة لبس الخاتم )‪- 89 .(4‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬أحب إخواني إلي من أهدى إلي عيوبي‪ - 90 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬ل تكون الصداقة إل بحدودها فمن كانت فيه هذه الحدود أو‬
‫شئ منه )‪ (5‬وإل فل تنسبه إلى شئ من الصداقة‪ :‬فأولها أن تكون سريرته‬
‫وعلنيته لك واحدة‪ ،‬والثانية أن يرى زينك زينه وشينك شينه‪ ،‬والثالثة أن‬
‫ل تغيره عليك ولية ولمال‪ .‬والرابعة ل يمنعك شيئا تناله مقدرته )‪(6‬‬
‫والخامسة‬
‫)‪ (1‬زجا يزجو زجوا وزجى تزجية وأزجى ازجاء‪ ،‬وازدجى فلنا‪ :‬ساقه‪ ،‬دفعه‬
‫برفق‪ ،‬يقال‪ " :‬زجى فلن حاجتى " أي سهل تحصيلها‪ .‬وفى بعض‬
‫النسخ " في الترجية "‪ (2) .‬في بعض نسخ الحديث " ل تؤول ألى خير‬
‫"‪ (3) .‬أي ذلل نفسك فلعل من خالفك كان له الفضل عليك‪ (4) .‬وفى‬
‫بعض النسخ " لباس الخاتم "‪ (5) .‬كذا‪ (6) .‬المقدرة ‪ -‬بتثليت الدال ‪:-‬‬
‫القوة والغنى‪.‬‬

‫]‪[250‬‬

‫‪ -‬وهي تجمع هذه الخصال ‪ -‬أن ل يسلمك عند النكبات‪ - 91 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫مجاملة الناس ثلث العقل )‪ - 92 .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬ضحك المؤمن‬
‫تبسم‪ - 93 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ما ابالي إلى من ائتمنت خائنا أو مضيعا )‬
‫‪ - 94 .(2‬وقال عليه السلم للمفضل )‪ :(3‬اوصيك بست خصال تبلغهن‬
‫شيعتي‪ ،‬قلت‪ :‬وما هن يا سيدي ؟ قال عليه السلم‪ :‬أداء المانة إلى من‬
‫ائتمنك‪ ،‬وأن ترضى لخيك ما ترضى لنفسك‪ ،‬واعلم أن للمور أواخر‬
‫فاحذر العواقب‪ .‬وأن للمور بغتات )‪ (4‬فكن على حذر‪ .‬وإياك ومرتقي جبل‬
‫سهل إذا كان المنحدر وعرا )‪ (5‬ول تعدن أخاك وعدا ليس في يدك وفاؤه‪.‬‬
‫‪ - 95‬وقال عليه السلم‪ :‬ثلث لم يجعل ال لحد من الناس فيهن رخصة‪:‬‬
‫بر الوالدين برين كانا أو فاجرين‪ ،‬ووفاء بالعهد للبر والفاجر‪ ،‬وأداء‬
‫المانة إلى البر والفاجر‪ - 96 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إني لرحم ثلثة وحق‬
‫لهم أن يرحموا‪ ،‬عزيز أصابته مذلة بعد العز‪ ،‬وغني أصابته حاجة بعد‬
‫الغنى‪ .‬وعالم يستخف به أهله والجهلة‪ - 97 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من تعلق‬
‫قلبه بحب الدنيا تعلق من ضررها بثلث خصال‪ :‬هم ل يفنى‪ .‬وأمل ل يدرك‪.‬‬
‫ورجاء ل ينال‪.‬‬

‫)‪ (1‬المجاملة‪ :‬حسن الصنيعة مع الناس والمعاملة بالجميل‪ (2) .‬أي ل فرق عندي‬
‫بين الخائن والمضيع‪ ،‬أو المراد ان الرجل إذا ائتمن احدا فل يبالى به إذا‬
‫كان خائنا أو مضيعا‪ (3) .‬هو أبو عبد ال مفضل بن عمر الجعفي الكوفى‬
‫من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلم‪ .‬قيل‪ :‬هو من شيوخ أصحاب‬
‫الصادق عليه السلم وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين صاحب‬
‫رسالة المعروف بتوحيد المفضل المروى عن الصادق عليه السلم‪(4) .‬‬
‫البغتات ‪ -‬جمع بغتة ‪ -‬أي الفجأة‪ (5) .‬المنحدر‪ :‬مكان النحدار أي الهبوط‬
‫والنزول‪ .‬والوعر‪ :‬ضد السهل أي المكان الصلب وهو الذى مخيف‬
‫الوحش‪.‬‬

‫]‪[251‬‬
‫‪ - 98‬وقال عليه السلم‪ :‬المؤمن ل يخلق على الكذب ول على الخيانة‪ ،‬وخصلتان ل‬
‫يجتمعان في المنافق‪ :‬سمت حسن )‪ (1‬وفقة في سنة‪ - 99 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬الناس سواء كأسنان المشط‪ ،‬والمرء كثير بأخيه )‪ (2‬ول خير في‬
‫صحبة من لم ير لك مثل الذي يرى لنفسه‪ - 100 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من‬
‫زين اليمان الفقه‪ ،‬ومن زين الفقه الحلم‪ ،‬ومن زين الحلم الرفق‪ ،‬ومن‬
‫زين الرفق اللين‪ ،‬ومن زين اللين السهولة‪ - 101 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من‬
‫غضب عليك من إخوانك ثلث مرات فلم يقل فيك مكروها فأعده لنفسك‪.‬‬
‫‪ - 102‬وقال عليه السلم‪ :‬يأتي على الناس زمان ليس فيه شئ أعز من أخ‬
‫أنيس وكسب درهم حلل‪ - 103 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من وقف نفسه موقف‬
‫التهمة فل يلومن من أساء به الظن‪ ،‬ومن كتم سره كانت الخيرة في يده )‬
‫‪ (3‬وكل حديث جاوز اثنين فاش )‪ (4‬وضع أمر أخيك على أحسنه‪ ،‬ول‬
‫تطلبن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محمل‪.‬‬
‫وعليك بإخوان الصدق‪ ،‬فإنهم عدة عند الرخاء )‪ (5‬وجنة‬

‫)‪ (1‬السمت‪ :‬الطريق والمحجة‪ .‬وأيضا‪ .‬هيئة أهل الخير وهى المراد هنا أي السكينة‬
‫والوقار وحسن السيرة والطريقة واستقامة المنظر والهيئة‪ .‬يقال‪ :‬فلن‬
‫حسن ‪ -‬السمت أي حسن المذهب في المور كلها‪ (2) .‬أي ليس هو وحده‬
‫بل هو كثير بأخيه‪ (3) .‬الخيرة ‪ -‬بفتح فسكون أو بكسر ففتح ‪ :-‬الختيار‪.‬‬
‫)‪ (4‬قال الشاعر‪ :‬كل سر جاوز الثنين شاع * كل علم ليس في القرطاس‬
‫ضاع )‪ (5‬العدة ‪ -‬بالضم ‪ :-‬الستعداد وما أعددته أي هيأته للحوادث‬
‫والنوائب و ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬الجماعة‪.‬‬

‫]‪[252‬‬

‫عند البلء‪ ،‬وشاور في حديثك الذين يخافون ال‪ ،‬وأحبب الخوان على قدر التقوى‪،‬‬
‫واتق شرار النساء وكن من خيارهن على حذر‪ ،‬وإن أمرنكم بالمعروف‬
‫فخالفوهن حتى ل يطمعن منكم في المنكر‪ - 104 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫المنافق إذا حدث عن ال وعن رسوله كذب‪ ،‬وإذا وعد ال ورسوله أخلف‪.‬‬
‫وإذا ملك خان ال ورسوله في ماله‪ ،‬وذلك قول ال عزوجل‪ " :‬فأعقبهم‬
‫نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا ال ما وعدوه وبما كانوا‬
‫يكذبون )‪ " (1‬وقوله‪ :‬وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا ال من قبل فأمكن‬
‫منهم وال عليم حكيم )‪ - 105 ." (2‬وقال عليه السلم‪ :‬كفى بالمرء خزيا‬
‫أن يلبس ثوبا يشهره )‪ .(3‬أو يركب دابة مشهورة‪ ،‬قلت‪ :‬وما الدابة‬
‫المشهورة ؟ قال‪ :‬البلقاء )‪ - 106 .(4‬وقال عليه السلم‪ :‬ل يبلغ أحدكم‬
‫حقيقة اليمان حتى يحب أبعد الخلق منه في ال‪ ،‬ويبغض أقرب الخلق منه‬
‫في ال‪ - 107 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من أنعم ال عليه نعمة فعرفها بقلبه‬
‫وعلم أن المنعم عليه ال فقد أدى شكرها‪ ،‬وإن لم يحرك لسانه‪ ،‬ومن علم‬
‫أن المعاقب على الذنوب ال فقد استغفر‪ ،‬وإن لم يحرك به لسانه‪ ،‬وقرأ‪" :‬‬
‫إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ‪ -‬الية ‪ - 108 .(5) " -‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬خصلتين مهلكتين )‪ :(6‬تفتي الناس برأيك أو تدين بما ل تعلم‪.‬‬

‫)‪ (1‬التوبة‪ (2) .78 :‬النفال‪ (3) .72 :‬في بعض النسخ " لشهرة "‪ (4) .‬البلقاء‪:‬‬
‫مؤنث البلق ‪ -‬كحمراء وأحمر ‪ :-‬الذى كان في لونه سواد وبياض‪(5) .‬‬
‫البقرة‪ (6) .284 :‬كذا‪ .‬تقدير الكلم‪ :‬اتق خصلتين‪.‬‬

‫]‪[253‬‬

‫‪ - 109‬وقال عليه السلم لبي بصير )‪ :(1‬يا أبا محمد ل تفتش الناس عن أديانهم‬
‫فتبقى بل صديق‪ - 110 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الصفح الجميل أن ل تعاقب‬
‫على الذنب‪ ،‬والصبر الجميل الذي ليس فيه شكوى‪ - 111 .‬قال عليه‬
‫السلم‪ :‬أربع من كن فيه كان مؤمنا وإن كان من قرنه إلى قدمه ذنوبا‪:‬‬
‫الصدق والحياء‪ :‬وحسن الخلق‪ ،‬والشكر‪ - 112 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل‬
‫تكون مؤمنا حتى تكون خائفا راجيا‪ ،‬ول تكون خائفا راجيا حتى تكون‬
‫عامل لما تخاف وترجو‪ - 113 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ليس اليمان بالتحلي‬
‫ول بالتمني ولكن اليمان ما خلص في القلوب وصدقته العمال‪- 114 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬إذا زاد الرجل على على الثلثين فهو كهل‪ .‬وإذا زاد‬
‫على الربعين فهو شيخ‪ - 115 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الناس في التوحيد على‬
‫ثلثة أوجه‪ :‬مثبت وناف ومشبه‪ ،‬فالنافي مبطل والمثبت مؤمن‪ .‬والمشبه‬
‫مشرك‪ - 116 .‬وقال عليه السلم‪ :‬اليمان إقرار وعمل ونية‪ .‬والسلم‬
‫إقرار وعمل )‪ - 117 .(2‬وقال عليه السلم ل تذهب الحشمة )‪ (3‬بينك‬
‫وبين أخيك وابق منها‪ ،‬فإن ذهاب الحشمة ذهاب الحياء‪ ،‬وبقاء الحشمة‬
‫بقاء المودة‪.‬‬

‫)‪ (1‬هو يحيى بن أبى القاسم اسحاق السدي الكوفى المكنى بابى بصير وأبى محمد‬
‫المتوفى سنة ‪ 150‬امامى ثقة عدل من أصحاب الجماع ومن خواص‬
‫أصحاب الباقرين عليهما السلم‪ ،‬وقد أفرد جماعة من العلماء رسالة في‬
‫ترجمته واطال الكلم فيه صاحب تنقيح المقال وقيل‪ :‬هو خال شعيب‬
‫العقرقوفى‪ (2) .‬المراد بالنية‪ :‬الخلص والقرار بالقلب‪ (3) .‬الحشمة‪:‬‬
‫الحياء‪ .‬النقباض‪ .‬الغضب‪ .‬واحتشم‪ :‬غضب‪ ،‬انقبض‪ ،‬استحيا‪.‬‬

‫]‪[254‬‬
‫‪ - 118‬وقال عليه السلم‪ :‬من احتشم أخاه حرمت وصلته‪ .‬ومن اغتمه سقطت‬
‫حرمته‪ - 119 .‬وقيل له‪ :‬خلوت بالعقيق )‪ (1‬وتعجلت الوحدة‪ .‬فقال عليه‬
‫السلم‪ :‬لو ذقت حلوة الوحدة لستوحشت من نفسك‪ .‬ثم قال عليه السلم‪:‬‬
‫أقل ما يجد العبد في الوحدة من مداراة الناس )‪ - 120 .(2‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬ما فتح ال على عبد بابا من الدنيا إل فتح عليه من الحرص مثليه‬
‫)‪ - 121 .(3‬وقال عليه السلم‪ :‬المؤمن في الدنيا غريب‪ ،‬ل يجزع من‬
‫ذلها‪ ،‬ول يتنافس أهلها في عزها‪ - 122 .‬وقيل له‪ :‬أين طريق الراحة ؟‬
‫فقال عليه السلم‪ :‬في خلف الهوى‪ ،‬قيل‪ :‬فمتى يجد الراحة ؟ فقال عليه‬
‫السلم‪ :‬عند أول يوم يصير في الجنة‪ - 123 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل يجمع‬
‫ال لمنافق ول فاسق حسن السمت والفقه وحسن الخلق أبدا‪ - 124 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬طعم الماء الحياة‪ ،‬وطعم الخبز القوة‪ ،‬وضعف البدن وقوته‬
‫من شحم الكليتين )‪ .(4‬وموضع العقل الدماغ‪ .‬والقسوة والرقة في القلب‪.‬‬

‫)‪ (1‬خل به يخلو خلوة وخلوا وخلء‪ :‬اجتمع معه على خلوة‪ .‬وخل الرجل بنفسه‪:‬‬
‫انفرد‪ .‬والعقيق‪ :‬خرز أحمر والواحدة العقيقة‪ .‬وفى بعض النسخ "‬
‫العفيفة "‪ .‬ولعل المراد بها امرأة الرجل وهى كناية عن الوحدة‬
‫والنزواء‪ .‬أي انك مقيم في بيتك ولم تخرج إلى الناس‪ (2) .‬كذا‪ .‬والظاهر‬
‫سقطت كلمة " الراحة " قبل " من "‪ (3) .‬حرص على حفظ ما ناله‬
‫وحرص على الزيادة‪ (4) .‬أي منوطة به‪ .‬وفى الحديث " ل يستلقين‬
‫أحدكم في الحمام فانه يذيب شحم الكليتين "‪ .‬وفى حديث آخر " ادمانه‬
‫كل يوم يذيب شحم الكليتين "‪ .‬مكارم الخلق‪.‬‬

‫]‪[255‬‬

‫‪ - 125‬وقال عليه السلم‪ :‬الحسد حسدان‪ :‬حسد‪ :‬فتنة وحسد غفلة‪ ،‬فأما حسد‬
‫الغفلة فكما قالت الملئكة حين قال ال‪ " :‬إني جاعل في الرض خليفة‬
‫قالوا أتجعل فيما من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس‬
‫لك )‪ " (1‬أي اجعل ذلك الخليفة منا ولم يقولوا‪ ،‬حسدا لدم من جهة الفتنة‬
‫والرد والجحود‪ .‬والحسد الثاني الذي يصير به العبد إلى الكفر والشرك فهو‬
‫حسد إبليس في رده على ال وإبائه عن السجود لدم عليه السلم‪- 126 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬الناس في القدرة على ثلثة أوجه‪ :‬رجل يزعم أن المر‬
‫مفوض إليه فقد وهن ال في سلطانه فهو هالك‪ .‬ورجل يزعم أن ال أجبر‬
‫العباد على المعاصي وكلفهم ما ل يطيقون‪ ،‬فقد ظلم ال في حكمه فهو‬
‫هالك‪ .‬ورجل يزعم أن ال كلف العباد ما يطيقونه ولم يكلفهم مال يطيقونه‪،‬‬
‫فإذا أحسن حمد ال وإذا أساء استغفر ال فهذا مسلم بالغ‪ - 127 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬المشي المستعجل يذهب ببهاء المؤمن ويطفئ نوره‪- 128 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬إن ال يبغض الغني الظلوم‪ - 129 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫الغضب ممحقة لقلب الحكيم‪ ،‬ومن لم يملك غضبه لم يملك عقله‪- 130 .‬‬
‫وقال الفضيل بن العياض )‪ :(2‬قال لي أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬أتدري من‬

‫)‪ (1‬سورة البقرة‪ (2) .28 :‬هو أبو على الفضل بن عياض بن مسعود بن بشر‬
‫التميمي الفندينى الزاهد الصوفى المشهور أحد رجال الطريقة ولد‬
‫بأبيورد من بل خراسان وقيل‪ :‬بسمرقند ونشأ بأبيورد من أصحاب‬
‫الصادق عليه السلم ثقه عظيم المنزلة قيل‪ :‬لكنه عامى‪ .‬وحكى أنه كان‬
‫في أول أمره شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس وكان سبب‬
‫توبته أنه عشق جارية فبينما هو يرتقى الجدران إليها سمع تاليا يتلو‪" :‬‬
‫ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر ال "‪ .‬فقال‪ :‬يا رب قد آن‪،‬‬
‫فرجع وأوى الليل إلى خربة فإذا فيها رفقة فقال بعضهم‪ :‬نرتحل وقال‬
‫بعضهم حتى نصبح فان فضيل على الطريق يقطع علينا فتاب الفضيل‬
‫وآمنهم فصار من كبار ‪- - - - -‬‬

‫]‪[256‬‬

‫الشحيح ؟ قلت‪ :‬هو البخيل‪ ،‬فقال عليه السلم‪ :‬الشح أشد من البخل‪ ،‬إن البخيل‬
‫يبخل بما في يده والشحيح يشح على ما في أيدي الناس وعلى ما في يده‪،‬‬
‫حتى ل يرى في أيدي الناس شيئا إل تمنى أن يكون له بالحل والحرام‪ ،‬ل‬
‫يشبع ول يننفع بما رزقه ال‪ - 131 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن البخيل من‬
‫كسب مال من غير حله‪ ،‬وأنفقه في غير حقه‪ - 132 .‬وقال عليه السلم‬
‫لبعض شيعته‪ :‬ما بال أخيك يشكوك ؟ فقال‪ :‬يشكوني أن استقصيت عليه‬
‫حقي‪ .‬فجلس عليه السلم مغضبا ثم قال‪ :‬كأنك إذا استقصيت عليه حقك لم‬
‫تسئ‪ ،‬أرأيتك ما حكى ال عن قوم يخافون سوء الحساب‪ ،‬أخافوا أن يجور‬
‫ال عليهم ؟ ل‪ .‬ولكن خافوا الستقصاء فسماه ال سوء الحساب‪ .‬فمن‬
‫استقصى فقد أساء‪ - 133 .‬وقال عليه السلم‪ :‬كثرة السحت يمحق الرزق )‬
‫‪ - 134 .(1‬وقال عليه السلم سوء الخلق نكد )‪.(2‬‬

‫‪ - - - -‬السادات‪ ،‬قدم الكوفة وسمع الحدث بها‪ ،‬ثم انتقل إلى مكة وجاور بها إلى أن‬
‫مات في المحرم سنة ‪ 187‬وقبره بها‪ .‬وله كلمات ومواعظ مشهورة وكان‬
‫له ولدا يسعى بعلى الفضيل وهو أفضل من أبيه في الزهد والعبادة فكان‬
‫شابا سربا من كبار الصالحين وهو معدود من الذين قتلهم محبة ال فلم‬
‫يتمتع بحياته كثيرا وذلك انه كان يوما في المسجد الحرام واقعا بقرب ماء‬
‫زمزم فسمع قارئا يقرأ‪ " :‬وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الصفاد‬
‫سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار " فصعق ومات‪" (1) .‬‬
‫السحت " ‪ -‬بالضم ‪ :-‬المال الحرام وكل ما ل يحل كسبه‪ .‬وفى بعض‬
‫النسخ " الصخب " وفى بعضها " السخب " والسخب والصخب ‪-‬‬
‫بالتحريك ‪ :-‬الصيحة واضطراب الصوات‪ (2) .‬نكد العيش ‪ -‬كعلم ‪:-‬‬
‫اشتد وعسر‪ - .‬والرجل‪ :‬ضاق خلقه‪ ،‬وضد يسر وسهل‪ ،‬فهو نكد ‪-‬‬
‫بسكون الكاف وفتحها وكسرها ‪ -‬أي شؤم عسر‪ - .‬وبالضم ‪ :-‬قيل الخير‬
‫والعطاء‪.‬‬

‫]‪[257‬‬

‫‪ - 135‬وقال عليه السلم‪ :‬إن اليمان فوق السلم بدرجة والتقوى فوق اليمان‬
‫بدرجة وبعضه من بعض )‪ ،(1‬فقد يكون المؤمن في لسانه بعض الشئ‬
‫الذي لم يعد ال عليه النار وقال ال‪ " :‬إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه‬
‫نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخل كريما )‪ " (2‬ويكون الخر وهو الفهم‬
‫لسانا )‪ (3‬وهو أشد لقاء للذنوب وكلهما مؤمن‪ .‬واليقين فوق التقوى‬
‫بدرجة‪ .‬ولم يقسم )‪ (4‬بين الناس شي أشد من اليقين‪ .‬إن بعض الناس أشد‬
‫يقينا من بعض وهم مؤمنون وبعضهم أصبر من بعض على المصيبة‬
‫وعلى الفقر وعلى المرض وعلى الخوف وذلك من اليقين‪ - 136 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬إن الغنى والعز يجولن‪ ،‬فإذا ظفرا بموضع التوكل أوطناه )‬
‫‪ - 137 .(5‬وقال عليه السلم‪ :‬حسن الخلق من الدين وهو يزيد في الرزق‪.‬‬
‫‪ - 138‬وقال عليه السلم‪ :‬الخلق خلقان أحدهما نية والخر سجية‪ .‬قيل‪:‬‬
‫فأيهما أفضل ؟ قال عليه السلم‪ :‬النية‪ ،‬لن صاحب السجية مجبول على‬
‫أمر ل يستطيع غيره‪ ،‬وصاحب النية يتصبر على الطاعة تصبرا فهذا‬
‫أفضل‪ - 139 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن سرعة ائتلف قلوب البرار إذا التقوا‬
‫وإن لم يظهروا التودد بألسنتهم كسرعة اختلط ماء السماء بماء النهار‪.‬‬
‫وإن بعد ائتلف قلوب الفجار إذا التقوا وإن أظهرا التودد بألسنتهم كبعد‬
‫البهائهم من التعاطف‬

‫)‪ (1‬أي ان اليمان بعضه فوق بعض وبعضه أعلى درجة من بعض فاليمان ذو‬
‫مراتب‪ (2) .‬النساء ‪ (3) .35‬الفهم ‪ -‬ككتف ‪ :-‬السريع الفهم ولعل المراد‬
‫لممه فيكون الخر أشد لما من غيره من جهة اللسان‪ (4) .‬في بعض‬
‫النسخ " ولم يقم "‪ .‬وفى الكافي " وما قسم في الناس شئ أقل من‬
‫اليقين "‪ (5) .‬أوطناه أي اتخذاه وطنا وأقاما فيه‪.‬‬

‫]‪[258‬‬
‫وإن طال اعتلفها )‪ (1‬على مذود واحد )‪ - 140 .(2‬وقال عليه السلم‪ :‬السخي‬
‫الكريم الذي ينفق ماله في حق ال‪ - 141 .‬وقال عليه السلم‪ :‬يا أهل‬
‫اليمان ومحل الكتمان تفكروا وتذكروا عند غفلة الساهين‪ - 142 .‬قال‬
‫المفضل بن عمر )‪ ،(3‬سألت أبا عبد ال عليه السلم عن الحسب ؟ فقال‬
‫عليه السلم‪ :‬المال‪ .‬قلت‪ :‬فالكرم ؟ قال عليه السلم‪ :‬التقوى‪ .‬قلت‪:‬‬
‫فالسؤدد )‪ (4‬قال عليه السلم‪ :‬السخاء ويحك أما رأيت حاتم طي )‪ (5‬كيف‬
‫ساد قومه وما كان بأجودهم موضعا )‪ - 143 .(6‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫المروة مروتان‪ :‬مروة الحضر ومروة السفر‪ ،‬فأما مروة الحضر فتلوة‬
‫القرآن‪ ،‬وحضور المساجد‪ ،‬وصحبة أهل الخير‪ ،‬والنظر في التفقه‪ .‬وأما‬
‫مروة السفر‪ :‬فبذل الزاد‪ ،‬والمزاح في غير ما يسخط ال وقلة الخلف على‬
‫من صحبك وترك الرواية عليهم إذا أنت فارقتهم‪ - 144 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬اعلم أن ضارب علي عليه السلم بالسيف وقاتله لو ائتمنني‬
‫واستنصحني واستشارني ثم قبلت ذلك منه لديت إليه المانة‪ - 145 .‬وقال‬
‫سفيان‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬يجوز أن يزكي الرجل نفسه ؟ قال‪:‬‬
‫نعم إذا اضطر إليه‪ ،‬أما سمعت قول يوسف‪ " :‬اجعلني على خزائن الرض‬

‫)‪ (1‬اعتلفت الدابة‪ :‬أكلت‪ (2) .‬المذود ‪ -‬كمنبر ‪ :-‬معتلف الدواب‪ (3) .‬هو المفضل‬
‫من عمر المعروف الذى تقدم ذكره ص ‪ (4) .250‬السؤدد ‪ -‬أحد مصادر‬
‫ساد يسود ‪ :-‬يعنى الشرف والمجد‪ (5) .‬هو حاتم بن عبد ال الطائى كان‬
‫جوادا يضرب به المثل في الجود وكان شجاعا شاعرا‪ .‬وأخبار حاتم‬
‫مذكورة في الغانى وعقد الفريد والمستطرف وغيرها‪ :‬وابنه عدى بن‬
‫حاتم كان من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وآله وخواص أصحاب‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم وترجمة حالته وقصته وكلمه في محضر‬
‫معاوية بعد فوت على عليه السلم مشهورة ومذكورة في السير‬
‫والتواريخ‪ (6) .‬أي ل يكون موضعه جيدا من جهة الحسب النسب‪.‬‬

‫]‪[259‬‬

‫إني حفيظ عليم )‪ " (1‬وقول العبد الصالح‪ " :‬أنا لكم ناصح أمين )‪- 146 ." (2‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬أوحى ال إلى داود عليه السلم‪ :‬يا داود تريد واريد‪،‬‬
‫فإن اكتفيت بما اريد مما تريد كفيتك ما تريد‪ .‬وإن أبيت إل ما تريد أتعبتك‬
‫فيما تريد وكان ما اريد‪ - 147 .‬قال محمد بن قيس )‪ (3‬سألت أبا عبد ال‬
‫عليه السلم عن الفئتين يلتقيان من أهل الباطل أبيعهما السلح ؟ فقال‬
‫عليه السلم‪ ،‬بعهما ما يكنهما الدرع والخفتان )‪ (4‬والبيضة ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ - 148‬وقال عليه السلم‪ :‬أربع ل تجري في أربع‪ :‬الخيانة والغلول‬
‫والسرقة والرياء‪ ،‬ل تجري في حج ول عمرة ول جهاد ول صدقة‪- 149 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬إن ال يعطي الدنيا من يحب ويبغض ول يعطي اليمان‬
‫إل أهل صفوته من خلقه‪ - 150 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من دعا الناس إلى‬
‫نفسه وفيهم من هو أعلم منه فهو مبتدع ضال‪ - 151 .‬قيل له‪ :‬ما كان في‬
‫وصية لقمان ؟ فقال عليه السلم‪ :‬كان فيها العاجيب وكان من أعجب ما‬
‫فيها أن قال لبنه‪ :‬خف ال خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك‬

‫)‪ (1‬يوسف‪ .55 :‬والظاهر أن سفيان هو سفيان الثوري المعروف الذى تقدم آنفا‪) .‬‬
‫‪ (2‬العراف‪ (3) .66 :‬محمد بن قيس في أصحاب الصادق عليه السلم‬
‫مشترك بين محمد بن قيس البجلى الثقة صاحب كتاب قضايا أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم‪ ،‬ومحمد بن قيس السدي من فقهاء الصادقين‬
‫عليهما السلم واعلم الرؤساء المأخوذ عنهم الحلل والحرام والفتيا‬
‫والحكام ‪ -‬و هم أصحاب الصول المدونة والمصنفات المشهورة ‪-‬‬
‫ومحمد بن قيس أبى نصر السدي الكوفى وجه من وجوه العرب بالكوفة‬
‫وكان خصيصا بعمر بن عبد العزيز ثم يزيد بن عبد الملك‪ ،‬و كان أحدهما‬
‫أنفذه إلى بلد الروم في فداء المسلمين وله أيضا كتاب‪ (4) .‬الخفتان ‪-‬‬
‫بالفتح ‪ :-‬ضرب من الثياب‪ .‬دخيل‪.‬‬

‫]‪[260‬‬

‫وارج ال رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك‪ .‬ثم قال أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬ما‬
‫من مؤمن إل وفي قلبه نوران‪ :‬نور خيفة ونور رجاء‪ ،‬لو وزن هذا لم يزد‬
‫على هذا‪ ،‬ولو وزن هذا لم يزد على هذا‪ - 152 .‬قال أبو بصير‪ (1) :‬سألت‬
‫أبا عبد ال عليه السلم عن اليمان ؟ فقال عليه السلم‪ :‬اليمان بال أن ل‬
‫يعصي‪ ،‬قلت‪ :‬فما السلم ؟ فقال عليه السلم‪ :‬من نسك نسكنا وذبح‬
‫ذبيحتنا‪ - 153 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل يتكلم أحد بكلمة هدى فيؤخذ بها إل‬
‫كان له مثل أجر من أخذ بها‪ .‬ول يتكلم بكلمة ضللة فيؤخذ بها إل كان‬
‫عليه مثل وزر من أخذ بها‪ - 154 .‬وقيل له‪ :‬إن النصارى يقولون‪ :‬إن ليلة‬
‫الميلد في أربعة وعشرين من كانون فقال‪ :‬كذبوا‪ ،‬بل في النصف من‬
‫حزيران ويستوي الليل والنهار في النصف من أزار )‪ - 155 .(2‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬كان إسماعيل أكبر من إسحاق بخمس سنين‪ .‬وكان الذبيح‬
‫إسماعيل عليه السلم أما سمع قول إبراهيم عليه السلم‪ " :‬رب هب لي‬
‫من الصالحين )‪ " (3‬إنما سأل ربه أن يرزقه غلما من الصالحين فقال في‬
‫سورة الصافات‪ " :‬فبشرناه بغلم حليم )‪ " (4‬يعني إسماعيل‪ ،‬ثم قال‪" :‬‬
‫وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين )‪ ." (5‬فمن زعم أن إسحاق أكبر من‬
‫إسماعيل فقد كذب بما أنزل ال من القرآن‪ - 156 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫أربعة من أخلق النبياء عليهم السلم‪ :‬البر والسخاء والصبر على النائبة‬
‫والقيام بحق المؤمن‪.‬‬

‫)‪ (1‬هو يحيى بن أبى القاسم الذى مر ترجمته آنفا‪ (2) .‬لستاذنا العلمة الميرزا أبو‬
‫الحسن الشعرانى هنا تحقيق راجع شرح اصول الكافي للمولى صالح‬
‫المازندرانى ج ‪ 4‬ص ‪ (3) .351‬الصافات‪ (4) .98 :‬الصافات‪(5) .99 :‬‬
‫الصافات‪.112 :‬‬

‫]‪[261‬‬

‫‪ - 157‬وقال عليه السلم‪ :‬ل تعدن مصيبة اعطيت عليها الصبر واستوجبت عليها‬
‫من ال ثوابا بمصيبة‪ ،‬إنما المصيبة أن يحرم صاحبها أجرها وثوابها إذا لم‬
‫يصبر عند نزولها‪ - 158 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن ل عبادا من خلقه في‬
‫أرضه يفزع إليهم في حوائج الدنيا والخرة‪ ،‬اولئك هم المؤمنون حقا‪،‬‬
‫آمنون يوم القيامة‪ .‬أل وإن أحب المؤمنين إلى ال من أعان المؤمن الفقير‬
‫من الفقر في دنياه ومعاشه‪ ،‬ومن أعان ونفع ودفع المكروه عن المؤمنين‪.‬‬
‫‪ - 159‬وقال عليه السلم‪ :‬إن صلة الرحم والبر ليهونان الحساب‬
‫ويعصمان من الذنوب‪ ،‬فصلوا إخوانكم وبروا إخوانكم‪ ،‬ولو بحسن السلم‬
‫ورد الجواب‪ - 160 .‬قال سفيان الثوري‪ :‬دخلت على الصادق عليه السلم‬
‫فقلت له‪ :‬أوصني بوصية أحفظها من بعدك ؟ قال عليه السلم‪ :‬وتحفظ يا‬
‫سفيان ؟ قلت‪ :‬أجل يا ابن بنت رسول ال‪ ،‬قال عليه السلم يا سفيان‪ :‬ل‬
‫مروة لكذوب‪ ،‬ول راحة لحسود‪ ،‬ول إخاء لملوك‪ ،‬ول خلة لمختال‪ .‬ول‬
‫سؤدد لسيئ الخلق )‪ (1‬ثم أمسك عليه السلم فقلت‪ :‬يا ابن بنت رسول ال‬
‫زدني ؟ فقال عليه السلم‪ :‬يا سفيان ثق بال تكن عارفا‪ .‬وارض بما قسمه‬
‫لك تكن غنيا‪ .‬صاحب بمثل ما يصاحبونك به تزدد إيمانا‪ .‬ول تصاحب‬
‫الفاجر فيعلمك من فجوره‪ .‬وشاور في أمرك الذين يخشون ال عزوجل‪ .‬ثم‬
‫أمسك عليه السلم فقلت‪ :‬يا ابن بنت رسول ال زدني ؟ فقال عليه السلم‪:‬‬
‫يا سفيان من أراد عزا بل سلطان وكثرة بل إخوان وهيبة بل مال فلينتقل‬
‫من ذل معاصي ال إلى عز طاعته‪ .‬ثم أمسك عليه السلم فقلت‪ :‬يا ابن بنت‬
‫رسول ال زدني ؟ فقال عليه السلم‪ :‬يا سفيان أدبني أبي عليه السلم‬
‫بثلث ونهاني عن ثلث‪ :‬فأما اللواتي أدبني بهن فانه قال لي‪ :‬يا بني من‬
‫يصحب صاحب السوء ل يسلم‪ .‬ومن ل يقيد ألفاظه يندم‪ ،‬ومن يدخل مداخل‬
‫السوء يتهم‪ .‬قلت‪ :‬يا ابن بنت رسول ال فما الثلث اللواتي نهاك عنهن ؟‬
‫قال عليه السلم‪ :‬نهاني أن اصحاب حاسد نعمة‪ ،‬وشامتا بمصيبة‪ ،‬أو حامل‬
‫نميمة‪.‬‬
‫)‪ (1‬وفى بعض النسخ " لختال "‪ .‬والسودد والسؤدد‪ :‬الشرف والمجد‪.‬‬

‫]‪[262‬‬

‫‪ - 161‬وقال عليه السلم‪ :‬ستة ل تكون في مؤمن‪ :‬العسر‪ .‬والنكد )‪ (1‬والحسد‬


‫واللجاجة‪ ،‬والكذب‪ .‬والبغي‪ - 162 .‬وقال عليه السلم‪ :‬المؤمن بين‬
‫مخافتين‪ :‬ذنب قد مضى ل يدري ما يصنع ال فيه‪ ،‬وعمر قد بقي ل يدري‬
‫ما يكتسب فيه من المهالك‪ ،‬فهو ل يصبح إل خائفا‪ ،‬ول يمسي إل خائفا‪،‬‬
‫ول يصلحه إل الخوف‪ - 163 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من رضي بالقليل من‬
‫الرزق قبل ال منه اليسير من العمل‪ ،‬ومن رضي باليسير من الحلل خفت‬
‫مؤونته‪ ،‬وزكت مكتسبه‪ ،‬وخرج من حد العجز‪ - 164 .‬وقال سفيان‬
‫الثوري‪ :‬دخلت على أبي عبد ال عليه السلم فقلت‪ :‬كيف أصبحت يا ابن‬
‫رسول ال ؟ فقال عليه السلم‪ :‬وال إني لمحزون‪ ،‬وإني لمشتغل القلب‬
‫فقلت له‪ :‬وما أحزنك ؟ وما شغل قلبك ؟ فقال عليه السلم لي‪ :‬يا ثوري إنه‬
‫من داخل قلبه صافي خالص دين ال شغله عما سواه‪ .‬يا ثوري ما الدنيا ؟‬
‫وما عسى أن تكون ؟ هل الدنيا إل أكل أكلته‪ ،‬أو ثوب لبسته‪ ،‬أو مركب‬
‫ركبته‪ ،‬إن المؤمنين لم يطمئنوا في الدنيا ولم يأمنوا قدوم الخرة‪ .‬دار‬
‫الدنيا دار زوال ودار الخرة دار قرار أهل الدنيا أهل غفلة‪ .‬إن أهل التقوى‬
‫أخف أهل الدنيا مؤونة وأكثرهم معونة‪ ،‬إن نسيت ذكروك وإن ذكروك‬
‫أعلموك‪ ،‬فأنزل الدنيا كمنزل نزلته فارتحلت عنه‪ ،‬أو كمال أصبته في‬
‫منامك فاستيقظت وليس في يدك شئ منه‪ .‬فكم من حريص على أمر قد‬
‫شقى به حين أتاه‪ .‬وكم من تارك لمر قد سعد به حين أتاه‪ - 165 .‬وقيل‬
‫له‪ :‬ما الدليل على الواحد ؟ فقال عليه السلم‪ :‬ما بالخلق من الحاجة‪166 .‬‬
‫‪ -‬وقال عليه السلم‪ :‬لن تكونوا مؤمنين حتى تعدوا البلء نعمة والرخاء‬
‫مصيبة‪.‬‬

‫)‪ (1‬عسر الرجل‪ :‬ضاق خلقه‪ ،‬وضد يسر وسهل‪ .‬والنكد ‪ -‬بفتح وضم ‪ :-‬قليل الخير‬
‫والعطاء‪ .‬وقد مر‪.‬‬

‫]‪[263‬‬

‫‪ - 167‬وقال عليه السلم‪ :‬المال أربعة آلف‪ .‬واثنا عشر ألف درهم كنز‪ .‬ولم يجتمع‬
‫عشرون ألفا من حلل‪ .‬وصاحب الثلثين ألفا هالك‪ .‬وليس من شيعتنا من‬
‫يملك مائة ألف درهم‪ - 168 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من صحة يقين المرء‬
‫المسلم أن ل يرضي الناس بسخط ال‪ .‬ول يحمدهم على ما رزق ال‪ .‬ول‬
‫يلومهم على ما لم يؤته ال‪ ،‬فإن رزقه )‪ (1‬ل يسوقه حرص حريص ول‬
‫يرده كره كاره‪ .‬ولو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من الموت لدركه رزقه‬
‫قبل موته كما يدركه الموت‪ - 169 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من شيعتنا من ل‬
‫يعدو صوته سمعه‪ ،‬ولشحنه اذنه )‪ (2‬ول يمتدح بنا معلنا )‪ .(3‬ول يواصل‬
‫لنا مغضبا‪ .‬ول يخاصم لنا وليا ول يجالس لنا عائبا‪ .‬قال له مهزم )‪:(4‬‬
‫فيكف أصنع بهؤلء المتشيعة ؟ )‪ (5‬قال عليه السلم‪ :‬فيهم التمحيص‬
‫وفيهم التمييز وفيهم التنزيل )‪ (6‬تأتي عليهم سنون تفنيهم وطاعون‬
‫يقتلهم واختلف يبددهم‪ .‬شيعتنا من ل يهر هرير الكلب )‪ (7‬ول يطمع طمع‬
‫الغراب ول يسأل وإن مات جوعا‪ .‬قلت‪ :‬فأين أطلب هؤلء ؟ قال عليه‬
‫السلم‪ :‬اطلبهم في أطراف الرض‬

‫)‪ (1‬مروى في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 57‬وفيه " فان الرزق ل يسوقه حرص حريص ول‬
‫يرده كراهية كاره "‪ (2) .‬كذا‪ .‬وفى الكافي " ول شحناؤه بدنه "‪(3) .‬‬
‫في بعض نسخ المصدر " ول يمتدح بمعاملنا "‪ .‬قوله‪ " :‬ول يواصل لنا‬
‫مغضبا " أي ل يواصل عدونا‪ (4) .‬هو مهزم بن أبى برزة السدي‬
‫الكوفى كان من أصحاب الباقر والصادق والكاظم عليهما السلم‪ (5) .‬في‬
‫بعض نسخ المصدر " الشيعة "‪ (6) .‬التمحيص‪ :‬الختبار والمتحان‪.‬‬
‫وفيهم التنزيل أي نزول البلية والعذب‪ ،‬وفى الكافي " وفيهم التبديل "‬
‫والسنون‪ :‬جمع سنة أي القحط والجدب‪ (7) .‬الهرير‪ :‬صوت الكلب دون‬
‫نباحه من قلة صبره على البرد‪.‬‬

‫]‪[264‬‬

‫اولئك الخفيض عيشهم )‪ (1‬المنتقلة دارهم‪ ،‬الذين إن شهدوا لم يعرفوا‪ ،‬وإن غابوا‬
‫لم يفتقدوا وإن مرضوا لم يعادوا‪ .‬وإن خطبوا لم يزوجوا‪ .‬وإن رأوا منكرا‬
‫أنكروا‪ .‬وإن خاطبهم جاهل سلموا‪ ،‬وإن لجأ إليهم ذو الحاجة منهم رحموا‪.‬‬
‫وعند الموت هم ل يحزنون‪ .‬لم تختلف قلوبهم وإن رأيتهم اختلفت بهم‬
‫البلدان‪ - 170 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من أراد أن يطول ال عمره فليقم أمره‪.‬‬
‫ومن أراد أن يحط وزره فليرخ ستره )‪ .(2‬ومن أراد أن يرفع ذكره فليخمل‬
‫أمره )‪ - 171 .(3‬وقال عليه السلم‪ :‬ثلث خصال هن أشد ما عمل به‬
‫العبد‪ :‬إنصاف المؤمن من نفسه‪ ،‬ومواساة المرء لخيه‪ ،‬وذكر ال على كل‬
‫حال‪ ،‬قيل له‪ :‬فما معنى ذكر ال على كل حال ؟ قال عليه السلم‪ :‬يذكر ال‬
‫عند كل معصية يهم بها فيحول بينه وبين المعصية‪ - 172 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ ،‬الهمز زيادة في القرآن )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬خفض العيش‪ :‬دناءته‪ ،‬أي القليل المكفى‪ (2) .‬أرخى الستر‪ :‬أرسله وأسدله‪.‬‬
‫والمراد بالستر الحياء والخوف‪ (3) .‬أخمله‪ :‬جعله خامل أي خفيا‪،‬‬
‫مستورا‪ .‬وفى بعض نسخ المصدر " فليحمل " وفى بعضها " فليجمل "‬
‫)‪ (4‬في رجال النجاشي في ترجمة أبان بن تغلب عن محمد بن موسى بن‬
‫أبى مريم صاحب اللؤلؤ قال‪ :‬سمعت أبان بن تغلب ‪ -‬وما رأيت أحدا أقرأ‬
‫منه ‪ -‬قد يقول‪ " :‬انما الهمز رياضة " وذكر قراءته ‪ -‬إلى آخر كلمه‪.‬‬
‫وذكر بعض العلماء في الهامش‪ :‬قد فصل في كتب الصرف أن العرب قد‬
‫اختلف في كيفية التكلم بالهمزة فالقريش وأكثر أهل الحجاز خففها لنها‬
‫أدخل حروف الحلق ولها نبرة كريهة يجرى مجرى التهوع فثقلت بذلك‬
‫على اللفظ‪ ،‬وعن أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال‪ " :‬ينزل القرآن‬
‫بلسان قريش وليسوا بأهل نبر ‪ -‬أي همز ‪ -‬ولول أن جبرئيل نزل بالهمزة‬
‫على النبي صلى ال عليه وآله ما همزنا " وأما باقى العرب كتميم وقيس‬
‫حققها قياسا لها على سائر الحروف‪ .‬وقول أبان هذا " انما الهمز رياضة‬
‫" اختيار منه ‪ -‬ره ‪ -‬لغة قريش على غيرها يقول‪ :‬انما الهمز أي التكلم‬
‫بها والفصاح عنها مشقة ورياضة بل ثمر فلبد فيها من التخفيف‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬

‫]‪[265‬‬

‫‪ - 173‬وقال عليه السلم‪ :‬إياكم )‪ (1‬والمزاح‪ ،‬فانه يجر السخيمة ويورث الضغينة‬
‫وهو السب الصعر‪ - 174 .‬وقال الحسن بن راشد )‪ :(2‬قال أبو عبد ال‬
‫عليه السلم‪ :‬إذا نزلت بك نازلة فل تشكها إلى أحد من أهل الخلف ولكن‬
‫اذكرها لبعض إخوانك‪ ،‬فانك لن تعدم خصلة من أربع خصال‪ :‬إما كفاية‪،‬‬
‫وإما معونة بجاه‪ ،‬أو دعوة مستجابة‪ :‬أو مشورة برأي‪ - 175 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬ل تكونن دوارا في السواق ول تكن شراء دقائق الشياء بنفسك‪،‬‬
‫فإنه يكره للمرء ذي الحسب والدين أن يلي دقائق الشياء بنفسه )‪ (3‬إل‬
‫في ثلثة أشياء‪ :‬شراء العقار والرقيق والبل‪ - 176 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل‬
‫تكلم بما ل يعنيك‪ ،‬ودع كثيرا من الكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعا‪.‬‬
‫فرب متكلم تكلم بالحق بما يعنيه في غير موضعه فتعب‪ ،‬ول تمارين سفيها‬
‫ول حليما‪ ،‬فان الحليم يغلبك والسفيه يرديك‪ ،‬واذكر أخاك إذا تغيب بأحسن‬
‫ما تحب أن يذكرك به إذا تغيبت عنه‪ ،‬فان هذا هو العمل‪ ،‬واعمل عمل من‬
‫يعلم أنه مجزي بالحسان مأخوذ بالجرام‪ - 177 .‬وقال له يونس )‪:(4‬‬
‫لولئي لكم وما عرفني ال من حقكم أحب‬

‫)‪ (1‬وفى بعض النسخ " اياك "‪ (2) .‬هو الحسن بن راشد مولى بنى العباس‬
‫بغدادي كوفى من أصحاب الصادق عليه السلم وأدرك الكاظم عليه‬
‫السلم وروى عنه أيضا‪ .‬ويمكن أن يكون هو حسن بن راشد الطفاوى‬
‫من أصحاب الصادق عليه السلم يروى عن الضعفاء له‪ ،‬كتاب نوادر‪،‬‬
‫كثير العلم‪ (3) .‬دقائق الشياء‪ :‬محقراتها‪ .‬والعقار‪ :‬الضيعة‪ ،‬المتاع‪ ،‬وكل‬
‫ما له أصل وقرار‪ .‬والعقار في الحاديث كل ملك ثابت له أصل كالرض‬
‫والضياع والنخل‪ .‬والرقيق‪ :‬المملوك للذكر والنثى‪ (4) .‬الظاهر أنه أبو‬
‫على يونس بن يعقوب بن قيس البجلى الكوفى من أصحاب الصادق‬
‫والكاظم والرضا عليهم السلم‪ ،‬ثقة معتمد عليه من أصحاب الصول‬
‫المدونة ومن أعلم الرؤساء المأخوذ عنهم الحلل والحرام والحكام‬
‫والفتيا وله كتاب وكان يتوكل لبي الحسن عليه السلم ‪(*) - - - -‬‬

‫]‪[266‬‬

‫إلي من الدنيا بحذافيرها‪ .‬قال يونس‪ :‬فتبينت الغضب فيه‪ ،‬ثم قال عليه السلم‪ :‬يا‬
‫يونس قستنا بغير قياس ما الدنيا وما فيها هل هي إل سد فورة‪ ،‬أو ستر‪،‬‬
‫عورة وأنت لك بمحبتنا الحياة الدائمة‪ - 178 .‬وقال عليه السلم‪ :‬يا شيعة‬
‫آل محمد إنه ليس منا من لم يملك نفسه عند الغضب‪ ،‬ولم يحسن صحبة‬
‫من صحبه‪ ،‬ومرافقة من رافقه‪ ،‬ومصالحة من صالحه‪ ،‬و مخالفة من‬
‫خالفه‪ .‬يا شيعة آل محمد اتقوا ال ما استطعتم ول حول ول قوة إل بال‪.‬‬
‫‪ - 179‬وقال عبدالعلي )‪ :(1‬كنت في حلقة بالمدينة فذكروا الجود فأكثروا‬
‫فقال رجل منهم يكنى أبا دلين‪ :‬إن جعفرا وإنه لول أنه ‪ -‬ضم يده ‪ .-‬فقال‬
‫لي أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬تجالس أهل المدينة ؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال عليه‬
‫السلم‪ :‬فما حدثت بلغني فقصصت عليه الحديث‪ ،‬فقال عليه السلم‪ :‬ويح‬
‫أبي دلين إنما مثله مثل الريشة تمر بها الريح فتطيرها )‪ (2‬ثم قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ :‬كل معروف صدقة وأفضل‬

‫‪ - - - -‬امه منية بنت عمار بن أبى معاوية الدهنى اخت معاوية بن عمار ‪ -‬مات‬
‫رحمه ال في أيام الرضا عليه السلم بالمدينة وبعث إليه أبو الحسن‬
‫الرضا عليه السلم بحنوطه وكفنه وجميع ما يحتاج إليه‪ (1) .‬هو عبد‬
‫العلى مولى آل سام من أصحاب الصادق عليه السلم وأنه اذن له في‬
‫الكلم لنه يقع ويطير‪ ،‬وقد تضمن عدة اخبار أنه عليه السلم دعاه إلى‬
‫الكل معه من طعامه المعتاد ومن طعام اهدى له‪ .‬ويمكن أن يكون الراوى‬
‫هو عبد العلى بن أعين العجلى مولهم الكوفى من أصحاب الصادق‬
‫عليه السلم‪ .‬وقيل باتحادهما‪ (2) .‬الريشة‪ :‬واحدة الريش وهو للطائر‬
‫بمنزلة الشعر لغيره‪ .‬ولعل المراد أنه في خفته كالريشة تتبع كل ناعق‬
‫وتميل مع كل ريح وهو لم يستضئ بنور العلم الحقيقي ولم يلجأ إلى ركن‬
‫وثيق‪ .‬وأبو دلين في بعض النسخ " أبا دكين " ‪ -‬بالتصغير ‪ -‬والصحيح‬
‫ابن دكين وهو فضل بن دكين المكنى بأبى نعيم كان من أكابر محدثي‬
‫قدماء السلم وروى عنه كل الطائفتين ولد سنة ‪ 130‬وقدم بغداد فنزل‬
‫الرميلة وهى محلة بها فاجتمع ‪- - - - -‬‬

‫]‪[267‬‬

‫الصدقة صدقة عن ظهر غنى )‪ (1‬وابدأ بمن تعول‪ ،‬واليد العليا خير من السفلى‪ .‬ول‬
‫يلوم ال على الكفاف‪ ،‬أتظنون أن ال بخيل وترون أن شيئا أجود من ال‬
‫إن الجواد السيد من وضع حق ال موضعه‪ .‬وليس الجواد من يأخذ المال‬
‫من غير حله ويضع في غير حقه‪ ،‬أما وال إني لرجو أن ألقى ال ولم‬
‫أتناول ما ل يحل بي وما ورد علي حق ال إل أمضيته‪ ،‬وما بت ليلة قط‬
‫ول في مالي حق لم أرده‪ - 180 .‬وقال عليه السلم‪ :‬لرضاع بعد فطام )‬
‫‪ (2‬ول وصال في صيام‪ ،‬ول يتم بعد احتلم‪ ،‬ولصمت يوم إلى الليل‪ ،‬ول‬
‫تعرب بعد الهجرة‪ (3) ،‬ول هجرة بعد ‪-‬‬

‫‪ - - - - -‬الهجرة التارك لهذا المر بعد معرفته "‪ .‬فل يعبد أن يراد بالكلم معنى‬
‫عاما يشمل إليه أصحاب الحديث ونصبوا له كرسيا صعد عليه وأخذ يعظ‬
‫الناس ويذكرهم ويروى لهم الحاديث وتوفى بالكوفة سنة ‪ (1) .210‬قال‬
‫الجزرى‪ :‬وفيه خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى أي ما كان عفوا قد‬
‫فضل عن غنى‪ ،‬وقيل‪ :‬أراد ما فضل عن العيال والظهر قد يزاد في مثل‬
‫هذا اشباعا للكلم وتمكينا‪ ،‬كأن صدقته مستندة إلى ظهر قوى من المال‪.‬‬
‫انتهى‪ .‬مثله‪ " :‬خير الصدقة ما أبقيت غنى " أي أبقيت بعدها لك ولعيالك‬
‫غنى والمراد نفس الغنى لكنه اضيف لليضاح والبيان كما قيل‪ :‬ظهر‬
‫الغيب والمراد نفس الغيب فالضافة بيانية طلبا للتأكيد كما في حق اليقين‬
‫ودار الخرة‪ .‬والمراد باليد العليا‪ :‬المعطية المتعففة‪ .‬واليد السفلى‪:‬‬
‫المانعة أو السائلة‪ (2) .‬أي كل طفل شرب اللبن بعد فصله عن الرضاع‬
‫من امرأة اخرى لم ينشر ذلك الرضاع الحرمة‪ ،‬لنه رضاع بعد فطام‪" .‬‬
‫ول وصال في صيام " أي يحرم ذلك الصوم فل يجوز‪ " .‬ول يتم بعد‬
‫احتلم " أي ل يطلق اليتيم على الصبى الذى فقد أباه إذا احتلم وبلغ‬
‫واليتم ‪ -‬بفتح وضم ‪ :-‬مصدر يتم ييتم فهو يتيم‪ " .‬ول صمت يوم إلى‬
‫الليل " أي ليس صومه صوما ول يكون مشروعا فل فضيلة له وفى‬
‫الحديث " صوم الصمت حرام "‪ " (3) .‬ل تعرب بعد الهجرة " أي يحرم‬
‫اللتحاق ببلد الكفر والقامة فيها من غير عذر‪ ،‬وفى الخبر " من الكفر‬
‫التعرب بعد الهجرة "‪ .‬وروى أيضا " أن المتعرب بعد ‪- - - -‬‬

‫]‪[268‬‬
‫الفتح‪ ،‬ول طلق قبل النكاح‪ ،‬ولعتق قبل ملك‪ ،‬ول يمين لولد مع والده )‪ (1‬ول‬
‫للمموك مع موله‪ ،‬ول للمرأة مع زوجها‪ ،‬ول نذر في معصية‪ ،‬ول يمين‬
‫في قطيعة‪ - 181 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ليس من أحد ‪ -‬وإن ساعدته المور‬
‫‪ -‬بمستخلص غضارة عيش )‪ (2‬إل من خلل مكروه‪ ،‬ومن انتظر بمعاجلة‬
‫الفرصة مؤاجلة الستقصاء )‪ (3‬سلبته اليام فرصته لن من شأن اليام‬
‫السلب‪ ،‬وسبيل الزمن الفوت‪ - 182 .‬وقال عليه السلم‪ :‬المعروف زكاة‬
‫النعم‪ ،‬والشفاعة زكاة الجاه‪ ،‬والعلل زكاة البدان‪ ،‬والعفو زكاة الظفر‪ ،‬وما‬
‫اديت زكاته فهو مأمون السلب‪ - 183 .‬وكان عليه السلم يقول عند‬
‫المصيبة‪ " :‬الحمد ل الذي لم يجعل مصيبتي في ديني والحمد ل الذي لو‬
‫شاء أن تكون مصيبتي أعظم مما كانت ]كانت[ والحمد ل على المر الذي‬
‫شاء أن يكون وكان "‪.‬‬

‫‪ - - - - -‬كل مورد بحسب الزمان والمقام‪ .‬ولذا قيل‪ " :‬التعرب بعد الهجرة في‬
‫زماننا هذا أن يشتغل النسان بتحصيل العلم ثم يتركه ويصير منه غريبا‬
‫"‪ .‬ولعل المراد بالفتح فتح مكة أو مطلق الفتح فيراد به معنى عاما )‪(1‬‬
‫لعل المراد به نفى الصحة فل ينعقد من الصل كما يمكن أن يراد بها نفى‬
‫اللزوم فينعقد ال أنه ل يلزم )‪ (2‬الغضارة ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬طيب العيش يقال‪:‬‬
‫انهم لفى غضارة من العيش أي في خير وخصب ‪ -‬من غضر غضارة ‪:-‬‬
‫أخصب‪ ،‬طاب عيشه‪ ،‬كثر ماله‪ " .‬من خلل مكروه " بفتح الخاء أي‬
‫المكروهات‪ .‬وخلل الديار بالكسر‪ :‬ما بين بيوتها أو ما حوالى حدودها‪.‬‬
‫ولعل المراد ان النيل بغضارة العيش لكل احد ل تحصل ال بعد التعب‬
‫والمشقة‪ (3) .‬لعل المراد ان من وجد الفرصة ولم يستقدمها وينتظر زمنا‬
‫حتى يستوفى من المطلوب بنحو أتم ذهبت هذه الفرصة أيضا ولم ينل‬
‫بشئ من المطلوب أبدا‪.‬‬

‫]‪[269‬‬

‫‪ - 184‬وقال عليه السلم‪ :‬يقول ال‪ :‬من استنقذ حيرانا من حيرته سميته حميدا‬
‫وأسكنته جنتي )‪ - 185 .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا أقبلت دنيا قوم كسوا‬
‫محاسن غيرهم‪ ،‬وإذا أدبرت سلبوا محاسن أنفسهم‪ - 186 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬البنات حسنات والبنون نعم‪ ،‬فالحسنات تثاب عليهن والنعمة تسال‬
‫عنها‪ - 109 .‬ف )‪ :(2‬ومن حكمه عليه السلم ل يصلح من ل يعقل )‪(3‬‬
‫ول يعقل من ل يعلم‪ ،‬وسوف ينجب من يفهم‪ ،‬ويظفر من يحلم‪ ،‬والعلم‬
‫جنة‪ ،‬والصدق عز‪ ،‬والجهل ذل‪ ،‬و الفهم مجد )‪ (4‬والجود نجح‪ ،‬وحسن‬
‫الخلق مجلبة للمودة‪ ،‬والعالم بزمانه ل تهجم عليه اللوابس )‪ (5‬والحزم‬
‫مشكاة الظن )‪ (6‬وال ولي من عرفه وعدو من تكلفه والعاقل غفور‬
‫والجاهل ختور )‪ ،(7‬وإن شئت أن تكرم فلن‪ ،‬وأن شئت أن تهان فاخشن‪،‬‬
‫ومن كرم أصله لن قلبه‪ ،‬ومن خشن عنصره غلظ كبده )‪ (8‬ومن فرط‬
‫تورط )‪ (9‬ومن خاف العاقبة تثبت فيها ل يعلم‪ ،‬ومن هجم على أمر بغير‬
‫علم جدع أنف نفسه )‪ ،(10‬ومن لم يعلم لم يفهم‪ ،‬ومن لم يفهم لم يسلم‪،‬‬
‫ومن لم يسلم لم يكرم ومن لم يكرم تهضم‪ ،‬ومن تهضم كان ألوم )‪(11‬‬
‫ومن كان كذلك كان أحرى أن‬

‫)‪ (1‬في بعض نسخ المصدر " اسميه "‪ ،‬قوله‪ " :‬حميدا "‪ .‬وفى بعض النسخ‪" :‬‬
‫جهيدا " ويمكن أن يقرأ " جهبذأ "‪ (2) .‬التحف‪ (3) .356 :‬رواها‬
‫الكليني في الكافي ج ‪ 1‬ص ‪ 26‬وفيه " ل يفلح من ل يعقل "‪(4) .‬‬
‫المجد‪ :‬العز والرفعة‪ .‬والنجح‪ :‬الفوز والظفر‪ (5) .‬اللبس ‪ -‬بالفتح ‪:-‬‬
‫الشبهة‪ ،‬أي ل تدخل عليه الشبهات‪ (6) .‬المشكاة‪ :‬كوة غير نافذة‪،‬‬
‫وأيضا‪ :‬ما يوضع فيها المصباح‪ .‬وفى الكافي " والحزم مساءة الظن "‬
‫والمساءة مصدر ميمى‪ (7) .‬ختر ‪ -‬كضرب ونصر ‪ -‬ختورا‪ :‬خبث وفسد‪.‬‬
‫والختر‪ :‬الغدر والخديعة‪ (8) .‬العنصر‪ :‬الصل‪ " .‬وغلظ كبده " أي قسا‬
‫قلبه‪ (9) .‬أي من قصر في طلب الحق وفعل الطاعات أوقع نفسه في‬
‫ورطات المهالك‪ (10) .‬أي ذل نفسه‪ (11) .‬تهضم من باب التفعيل‪ .‬وفى‬
‫بعض النسخ " يهضم " في الموضعين أي يظلم ويغضب‪.‬‬

‫]‪[270‬‬

‫يندم‪ ،‬إن قدرت أن ل تعرف فافعل‪ ،‬وما عليك إذا لم يثن الناس عليك وما عليك أن‬
‫تكون مذموما عند الناس إذا كنت عند ال محمودا‪ ،‬إن أمير المؤمنين عليه‬
‫السلم كان يقول‪ " :‬ل خير في الحيادة إل لحد رجلين‪ :‬رجل يزداد كل يوم‬
‫فيها إحسانا ورجل يتدارك منيته بالتوبة )‪ ." (1‬إن قدرت أن ل تخرج من‬
‫بيتك فافعل وإن عليك في خروجك أن ل تغتاب ول تكذب ول تحسد ول‬
‫ترائي ول تتصنع ول تداهن‪ .‬صومعة المسلم بيته‪ ،‬يحبس فيه نفسه‬
‫وبصره ولسانه وفرجه‪ .‬إن من عرف نعمة ال بقلبه استوجب المزيد من‬
‫ال قبل أن يظهر شكرها على لسانه‪ .‬ثم قال عليه السلم‪ :‬كم من مغرور‬
‫بما أنعم ال عليه‪ ،‬وكم من مستدرج بستر ال عليه‪ ،‬وكم من مفتون بثناء‬
‫الناس عليه‪ .‬إني لجور النجاة لمن عرف حقنا من هذه المة إل ]‍ل[ أحد‬
‫ثلثة‪ :‬صاحب سلطان جائر‪ ،‬وصاحب هوى‪ ،‬والفاسق المعلن‪ ،‬الحب أفضل‬
‫من الخوف‪ ،‬وال ما أحب ال من أحب الدنيا ووالي غيرنا ومن عرف حقنا‬
‫وأحبنا فقد أحب ال‪ ،‬كن ذنبا ول تكن رأسا‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله " من خاف كل لسانه "‪ - 110 .‬سر‪ (2) :‬ابن محبوب‪ ،‬عن الهيثم بن‬
‫واقد الجزري قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ :‬من أخرجه ال‬
‫من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه ال بل مال وأعزه بل عشيرة‪،‬‬
‫وآنسه بل بشر‪ ،‬ومن خاف ال خاف منه كل شئ‪ ،‬ومن لم يخف ال أخافه‬
‫ال من كل شئ‪ ،‬ومن رضي من ال باليسير من المعاش رضي ال عنه‬
‫باليسير من العمل‪ ،‬ومن لم يستحي من طلب الحلل وقنع به خفت مؤونته‬
‫ونعم أهله‪ ،‬ومن زهد في الدنيا أثبت ال الحكمة في قلبه وأنطق به لسانه‪،‬‬
‫وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها وأخرجه من الدنيا سالما إلى دار‬
‫السلم‪ - 111 .‬سر‪ (3) :‬من كتاب أبي القاسم بن قولويه‪ ،‬عن عنبسة‬
‫العابد قال‪ :‬قال رجل لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬أوصني قال‪ :‬أعد جهازك‪،‬‬
‫وقدم زادك وكن وصي‬

‫)‪ (1‬في بعض نسخ الكافي " سيئته بالتوبة "‪ (2) .‬و )‪ (3‬السرائر باب النوادر آخر‬
‫أبواب الكتاب‪.‬‬

‫]‪[271‬‬

‫نفسك‪ ،‬ل تقل لغيرك يبعث إليك بما يصلحك‪ - 112 .‬أقول‪ :‬روى الشهيد الثاني ‪-‬‬
‫رحمه ال ‪ (1) -‬بإسناده عن ابن قولويه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن‬
‫عيسى‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد ال بن سليمان النوفلي قال‪ :‬كنت عند جعفر بن‬
‫محمد الصادق عليه السلم قال‪ :‬فإذا بمولى لعبدال النجاشي قد ورد عليه‬
‫فسلم وأوصل إليه كتابه ففضة وقرأه فإذا أول سطر فيه بسم ال الرحمن‬
‫الرحيم أطال ال بقاء سيدي وجعلني من كل سوء فداءه ول أراني فيه‬
‫مكروها فانه ولي ذلك والقادر عليه‪ ،‬إعلم سيدي ومولي إني بليت بولية‬
‫الهواز فإن رأى سيدي أن يحد لي حدا أو يمثل لي مثل لستدل به على ما‬
‫يقر بني إلى ال عزوجل وإلى رسوله ويلخص في كتابه ما يرى لي العمل‬
‫به وفيما بذله وابتذله وأين أضع زكاتي وفيمن أصرفها وبمن آنس وإلى‬
‫من أستريح ومن أثق وآمن وألجأ إليه في سري ؟ فعسى أن يخلصني ال‬
‫بهدايتك ودللتك‪ ،‬فانك حجة ال على خلقه‪ ،‬وأمينه في بلده ل زالت نعمته‬
‫عليك‪ .‬قال عبد ال بن سليمان فأجابه أبو عبد ال عليه السلم‪ :‬بسم ال‬
‫الرحمن الرحيم جاملك ال بصنعه‪ ،‬ولطف بك بمنه‪ ،‬وكلك برعايته‪ ،‬فانه‬
‫ولي ذلك‪ .‬أما بعد فقد جاء إلي رسولك بكتابك فقرأته‪ ،‬وفهمت جميع ما‬
‫ذكرته‪ ،‬وسألت عنه‪ ،‬وزعمت أنك بليت بولية الهواز فسرني ذلك و‬
‫ساءني‪ ،‬وساخبرك بما ساءني من ذلك‪ ،‬وما سرني إن شاء ال تعالى فأما‬
‫سروري بوليتك فقلت‪ :‬عسى أن يغيث ال بك ملهوفا خائفا من أولياء آل‬
‫محمد صلى ال عليه وآله ويعز بك ذليلهم ويكسو بك عاريهم‪ ،‬ويقوي بك‬
‫ضعيفهم‪ ،‬ويطفئ بك نار المخالفين عنهم‪ ،‬وأما الذي ساءني من ذلك فان‬
‫أدنى ما أخاف عليك أن تعثر بولي لنا فل تشم حظيرة القدس‪ ،‬فاني ملخص‬
‫لك جميع ما سألت عنه إن أنت عملت به‪ ،‬ولم تجاوزه‬

‫)‪ (1‬كتاب الغيبة الملحق بكشف الفوائد ص ‪ 264‬وقد مر بعضه في مواعظ النبي‬
‫صلى ال عليه وآله ج ‪ 77‬ص ‪ 189‬مع اختلف في بعض الموارد‪.‬‬
‫والظاهر المنقول ههنا من نسخة وهنالك من نسخة اخرى وكان فيهما‬
‫اختلف‪.‬‬

‫]‪[272‬‬

‫رجوت أن تسلم إن شاء ال تعالى‪ .‬أخبرني يا عبد ال أبي‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي بن‬
‫أبي طالب عليه السلم عن رسول ال صلى ال عليه وآله أنه قال‪ " :‬من‬
‫استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه ال لبه "‪ .‬واعلم أني‬
‫سأشير عليك برأي إن أنت عملت به تخلصت مما أنت متخوفه واعلم أن‬
‫خلصك ونجاتك من حقن الدماء وكف الذى من أولياء ال والرفق‬
‫بالرعية والتأني‪ ،‬وحسن المعاشرة مع لين في غير ضعف‪ ،‬وشدة في غير‬
‫عنف‪ ،‬و مدارأة صاحبك ومن يرد عليك من رسله‪ .‬وارتق فتق رعيتك )‪(1‬‬
‫بأن توفقهم على ما وافق الحق والعدل إن شاء ال‪ .‬إياك والسعاة وأهل‬
‫النمايم فل يلتزقن منهم بك أحد‪ ،‬ول يراك ال يوما وليلة وأنت تقبل منهم‬
‫صرفا ول عدل‪ ،‬فيسخط ال عليك ويهتك سترك‪ ،‬واحذر مكر خوز الهواز‬
‫)‪ (2‬فان أبي أخبرني‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن أمير المؤمنين عليه السلم أنه قال‪:‬‬
‫" اليمان ل يثبت في قلب يهودي ول خوزي أبدا " فأما من تأنس به‬
‫تستريح إليه وتلجئ امورك إليه فذلك الرجل الممتحن المستبصر المين‬
‫الموافق لك على دينك‪ ،‬وميز أعوانك وجرب الفريقين )‪ (3‬فان رأيت هنالك‬
‫رشدا فشأنك وإياه‪ .‬وإياك أن تعطي درهما‪ ،‬أو تخلع ثوبا‪ ،‬أو تحمل على‬
‫دابة في غير ذات ال لشاعر أو مضحك أو متمزح إل أعطيت مثله في ذات‬
‫ال‪ ،‬ولتكن جوائزك و عطاياك وخلعك للقواد والرسل والجناد )‪(4‬‬
‫وأصحاب الرسائل وأصحاب الشرط والخماس‪ ،‬وما أردت أن تصرفه في‬
‫وجوه البر والنجاح العتق والصدقة والحج و‬

‫)‪ (1‬الرتق‪ :‬ضد الفتق أي أصلح ذات بينهم‪ (2) .‬الخوز بالمعجمتين وضم أولهما‬
‫جيل من الناس واسم لجميع بلد خوزستان‪ (3) .‬أي اجعل لهم علمة‬
‫يعرفون بها وعلى هذا فمعنى " جرب الفريقين أي جرب من تأنس‬
‫وأعوانك‪ ،‬ويمكن أن يراد بتمييز العوان تشخيص العدو والصديق منهم‬
‫فيكون التجربة متعلقة بهما‪ (4) .‬كذا‪ .‬وفى نسخة " الخبار "‪(*) .‬‬
‫]‪[273‬‬

‫المشرب والكسوة التي تصلي فيها وتصل بها والهدية التي تهديها إلى ال تعالى‬
‫عزوجل وإلى رسوله صلى ال عليه وآله من أطيب كسبك‪ ،‬يا عبد ال‬
‫اجهد أن ل تكنز ذهبا ول فضة فتكون من أهل هذه الية التي قال ال‬
‫عزوجل " الذين يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في سبيل ال )‪" (1‬‬
‫ول تستصغرن من حلو أو فضل طعام تصرفه في بطون خالية لتسكن بها‬
‫غضب ال تبارك وتعالى‪ .‬واعلم أني سمعت من أبي يحدث من آبائه عن‬
‫أمير المؤمنين عليه السلم أنه سمع النبي صلى ال عليه وآله يقول‬
‫لصحابه يوما‪ " :‬ما آمن بال واليوم الخر من بات شبعان و جاره جائع‬
‫" فقلنا‪ :‬هلكنا يا رسول ال‪ ،‬فقال‪ :‬من فضل طعامكم ومن فضل تمركم‬
‫ورزقكم وخلقكم وخرقكم تطفئون بها غضب الرب )‪ (2‬وسانبئك بهوان‬
‫الدنيا وهوان شرفها على ما مضى من السلف والتابعين‪ .‬فقد حدثني محمد‬
‫بن علي بن الحسين قال عليه السلم‪ :‬لما تجهز الحسين عليه السلم إلى‬
‫الكوفة أتاه ابن عباس فنا شده ال والرحم أن يكون هو المقتول بالطف‬
‫فقال‪ :‬أنا أعروف بمصرعي منك وما وكدي من الدنيا إل فراقها )‪ ،(3‬أل‬
‫اخبرك يا ابن عباس بحديث أمير المؤمنين عليه السلم والدنيا ؟ فقال له‪:‬‬
‫بلى لعمري إني لحب أن تحدثني بأمرها‪ ،‬فقال أبي‪ :‬قال علي بن الحسين‬
‫عليه السلم‪ :‬سمعت أبا عبد ال الحسين عليه السلم يقول‪ :‬حدثني أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم قال‪ :‬إني كنت بفدك في بعض حيطانها‪ ،‬وقد صارت‬
‫لفاطمة عليها السلم قال‪ :‬فإذا أنا بامرأة قد هجمت علي وفي يدي مسحاة‬
‫وأنا أعمل بها‪ ،‬فلما نظرت إليها طار قلبي مما تداخلني من جمالها‬
‫فشبهتها ببثينة بنت عامر الجمحي وكانت من أجمل نساء قريش فقالت‪ :‬يا‬
‫ابن أبي طالب هل‬

‫)‪ (1‬التوبة‪ (2) .35 :‬قوله‪ " :‬فقلنا هلكنا " أي هكنا بما قلت‪ ،‬أو نحن نشبع‬
‫وجيراننا يبيتون جياعا وليس عندنا ما يشبعهم‪ ،‬فقال صلى ال عليه‬
‫وآله‪ " :‬من فضل طعامكم " أي انفقوا فضل طعامكم وفضل ثيابكم وان‬
‫كان خلقا باليا خرقا‪ ،‬تسكن به غضب ربكم‪ (3) .‬الوكد ‪ -‬كفلس ‪ :-‬المراد‪،‬‬
‫والمقصد‪ ،‬والهم‪ .‬و ‪ -‬كقفل ‪ :-‬السعي والجهد‪.‬‬

‫]‪[274‬‬

‫لك أن تتزوج بي فاغنيك عن هذه المسحاة وأدلك على خزائن الرض فيكون لك‬
‫الملك ما بقيت ولعقبك من بعدك ؟ فقال لها‪ :‬من أنت حتى أخطبك من أهلك‬
‫فقالت‪ :‬أنا الدنيا قال لها‪ :‬فارجعي واطلبي زوجا غيري ]فلست من شأني[‪.‬‬
‫وأقبلت على مسحاتي وأنشأت أقول‪ :‬لقد خاب من عزته دنيا دنية * وما‬
‫هي إن غرت قرونا بنائل أتتنا على زي العزيز بثينة * وزينتها في مثل تلك‬
‫الشمائل فقلت لها‪ :‬غري سواي فإنني * عزوف عن الدنيا فلست بجاهل‬
‫وما أنا والدنيا فان محمدا * أحل صريعا بين تلك الجنادل )‪ (1‬وهبها أتتنا‬
‫بالكنوز ودرها * وأموال قارون وملك القبائل أليس جميعا للفناء مصيرنا‬
‫* ويطلب من خزانها بالطوائل )‪ (2‬فغري سواي إنني غير راغب * بما‬
‫فيك من ملك وعز ونائل فقد قنعت نفسي بما قد رزقته * فشأنك يا دنيا‬
‫وأهل الغوائل فاني أخاف ال يوم لقائه * وأخشى عذابا دائما غير زائل "‬
‫فخرج من الدنيا وليس في عنقه تبعة لحد حتى لقى ال محمودا غير ملوم‬
‫ول مذموم‪ .‬ثم اقتدت به الئمة من بعده بما قد بلغكم لم يتلطخوا بشئ من‬
‫بوائقها صلوات ال عليهم أجمعين وأحسن مثواهم‪ .‬وقد وجهت إليك‬
‫بمكارم الدنيا والخرة‪ ،‬وعن الصادق المصدق رسول ال فان أنت عملت‬
‫بما نصحت لك في كتابي هذا ثم كانت عليك من الذنوب والخطايا كمثل‬
‫أوزان الجبال وأمواج البحار رجوت ال أن يتجافى عنك عزوجل بقدرته‪ .‬يا‬
‫عبد ال إياك أن تخيف مؤمنا فان أبي محمد بن علي حدثني‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫جده علي بن أبي طالب عليه السلم أنه كان يقول‪ " :‬من نظر إلى مؤمن‬
‫نظرة ليخيفه بها‬

‫)‪ (1‬الجنادل‪ :‬الصخور‪ (2) .‬الطوائل جمع طائلة وهى العداوة‪.‬‬

‫]‪[275‬‬

‫أخافه ال يوم ل ظل إل ظله‪ ،‬وحشره في صورة الذر لحمه وجسده وجميع أعضائه‬
‫حتى يورده مورده "‪ .‬وحدثني أبي‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي عليه السلم عن‬
‫النبي صلى ال عليه وآله أنه قال‪ :‬من أغاث لهفانا من المؤمنين أغاثه ال‬
‫يوم ل ظل إل ظله‪ ،‬وآمنه يوم الفزع الكبر‪ ،‬وآمنه عن سوء المنقلب‪ ،‬ومن‬
‫قضى لخيه المؤمن حاجة قضى ال له حوائج كثيرة إحديها الجنة‪ ،‬ومن‬
‫كسا أخاه المؤمن من عرى كساه ال من سندس الجنة وإستبرقها و‬
‫حريرها ولم يزل يخوض في رضوان ال مادام على المكسو منها سلك‪،‬‬
‫ومن أطعم أخاه من جوع أطعمه ال من طيبات الجنة‪ ،‬ومن سقاه من ظمأ‬
‫سقاه ال من الرحيق المختوم رية‪ ،‬ومن أخدم أخاه أخدمه ال من الولدان‬
‫المخلدين‪ ،‬وأسكنه مع أوليائه الطاهرين‪ ،‬ومن حمل أخاه المؤمن من رحله‬
‫حمله ال على ناقة من نوق الجنة‪ ،‬وباهى به الملئكة المقربين يوم‬
‫القيامة‪ ،‬ومن زوج أخاه المؤمن امرأة يأنس بها ويشد عضده ويستريح‬
‫إليها‪ ،‬زوجه ال من الحور العين‪ ،‬وآنسه بمن أحب من الصديقين من أهل‬
‫بيت نبيه وإخوانه وآنسهم به‪ ،‬ومن أعان أخاه المؤمن على سلطان جائر‬
‫أعانه ال على إجازة الصراط عند زلزلة القدام‪ ،‬ومن زار أخاه المؤمن‬
‫إلى منزله ل لحاجة منه إليه كتب من زوار ال‪ ،‬وكان حقيقا على ال أن‬
‫يكرم زائره "‪ .‬يا عبد ال وحدثني أبي‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي عليه السلم‬
‫أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وآله يقول لصحابه يوما‪ " :‬معاشر‬
‫الناس إنه ليس بمؤمن من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه‪ ،‬فل تتبعوا عثراة‬
‫المؤمنين فانه من اتبع عثرة مؤمن اتبع ال عثراته يوم القيامة وفضحه‬
‫في جوف بيته "‪ .‬وحدثني أبي عن علي عليه السلم أنه قال‪ " :‬أخذ ال‬
‫ميثاق المؤمن أن ل يصدق في مقالته ول ينتصف من عدوه‪ ،‬وعلى أن ل‬
‫يشفي غيظه إل بفضيحة نفسه‪ ،‬لن كل مؤمن ملجم‪ ،‬وذلك لغاية قصيرة‬
‫وراحة طويلة‪ ،‬أخذ ال ميثاق المؤمن على أشياء‬

‫]‪[276‬‬

‫أيسرها عليه مؤمن مثله يقول بمقالته‪ ،‬يبغيه ويحسده‪ ،‬والشيطان يغويه ويمقته‪ ،‬و‬
‫السلطان يقفو أثره‪ ،‬ويتبع عثراته‪ ،‬وكافر بالذي هو مؤمن به يرى سفك‬
‫دمه دينا وإباحة حريمه غنما‪ ،‬فما بقاء المؤمن بعد هذا "‪ .‬يا عبد ال‬
‫وحدثني أبي‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي عليهم السلم‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وآله قال‪ " :‬نزل جبرئيل عليه السلم فقال‪ :‬يا محمد إن ال يقرء عليك‬
‫السلم ويقول‪ :‬اشتققت للمؤمن اسما من أسمائي سميته مؤمنا فالمؤمن‬
‫مني وأنا منه‪ ،‬من استهان بمؤمن فقد استقبلني بالمحاربة "‪ .‬يا عبد ال‬
‫وحدثني أبي‪ ،‬عن آبائه عليهم السلم‪ ،‬عن علي عليه السلم عن النبي‬
‫صلى ال عليه وآله أنه قال يوما‪ " :‬يا علي ل تناظر رجل حتى تنظر في‬
‫سريرته‪ ،‬فان كانت سريرته حسنة فان ال عزوجل لم يكن ليخذل وليه وإن‬
‫كانت سريرته ردية فقد يكفيه مساويه‪ ،‬فلو جهدت أن تعمل به أكثر مما‬
‫عمله من معاصي ال عزوجل ما قدرت عليه "‪ .‬يا عبد ال وحدثني أبي‪،‬‬
‫عن آبائه‪ ،‬عن علي عليه السلم عن النبي صلى ال عليه وآله قال‪" :‬‬
‫أدنى الكفر أن يسمع الرجل عن أخيه الكلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه‬
‫بها اولئك لخلق لهم )‪ ." (1‬يا عبد ال وحدثني أبي‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي‬
‫عليه السلم أنه قال‪ " :‬من قال في مؤمن ما رأت عيناه وسمعت اذناه ما‬
‫يشينه ويهدم مروته‪ ،‬فهو من الذين قال ال عزوجل‪ " :‬إن الذين يحبون‬
‫أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم )‪ ." (2‬يا عبد ال‬
‫وحدثني أبي‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن علي عليه السلم أنه قال‪ :‬من روى عن أخيه‬
‫المؤمن رواية يريد بها هدم مروته وثلبه أو بقه ال بخطيئته )‪ (3‬حتى‬
‫يأتي‬
‫)‪ (1‬أي ل نصيب لهم في الخرة‪ (2) .‬النور‪ (3) .19 :‬ثلبه أي عابه ولمه واغتابه‬
‫أو سبه‪ .‬وأوبقه أي أهلكه وذل‪ .‬وفى بعض النسخ " بخطبه " والخطب‬
‫المر العظيم المكروه‪.‬‬

‫]‪[277‬‬

‫بمخرج مما قال‪ ،‬ولن يأتي بالمخرج منه أبدا‪ ،‬ومن أدخل على أخيه المؤمن سرورا‬
‫فقد أدخل على أهل البيت عليهم السلم سرورا ومن أدخل على أهل البيت‬
‫سرورا فقد أدخل على رسول ال صلى ال عليه وآله سرورا‪ ،‬ومن أدخل‬
‫على رسول ال صلى ال عليه وآله سرورا فقد سر ال‪ ،‬ومن سر ال‬
‫فحقيق عليه أن يدخله الجنة حينئذ "‪ .‬ثم إني اوصيك بتقوى ال‪ ،‬وإيثار‬
‫طاعته‪ ،‬والعتصام بحبله فانه من اعتصم بحبل ال فقد هدي إلى صراط‬
‫مستقيم‪ ،‬فاتق ال ول تؤثر أحدا على رضاه وهواه فانه وصية ال عزوجل‬
‫إلى خلقه ل يقبل منهم غيرها ول يعظم سواها‪ ،‬واعلم أن الخلئق لم‬
‫يوكلوا بشئ أعظم من التقوى‪ ،‬فانه وصيتنا أهل البيت‪ ،‬فان استطعت أن ل‬
‫تنال من الدنيا شيئا تسأل عنه غدا فافعل‪ .‬قال عبد ال بن سليمان‪ :‬فلما‬
‫وصل كتاب الصادق عليه السلم إلى النجاشي نظر فيه فقال‪ :‬صدق وال‬
‫الذي ل إله إل هو مولي‪ ،‬فما عمل أحد بما في هذا الكتاب إل نجا‪ ،‬فلم يزل‬
‫عبد ال يعمل به في أيام حياته‪ - 113 .‬كتاب الربعين )‪ (1‬في قضاء‬
‫حقوق المؤمنين وأعلم الدين‪ :‬قال جعفر ابن محمد الصادق عليه السلم‪:‬‬
‫المؤمن يداري ول يماري‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من اعتدل يوماه فهو‬
‫مغبون‪ ،‬ومن كان في غده شرا من يومه فهو مفتون‪ ،‬ومن لم يتفقد‬
‫النقصان في نفسه دام نقصه‪ ،‬ومن دام نقصه فالموت خير له‪ ،‬ومن أدب‬
‫من غير عمد كان للعفو أهل‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬اطلبوا العلم ولو بخوض‬
‫اللجج وشق المهج‪ .‬وقال عليه السلم لجاهل سخي خير من ناسك بخيل‪.‬‬
‫وسئل عليه السلم عن التواضع فقال‪ :‬هو أن ترضى من المجلس بدون‬
‫شرفك وأن تسلم على من لقيت‪ ،‬وأن تترك المراء وإن كنت محقا‪ .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬إذا دق العرض استصعب جمعه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬المؤمن‬
‫إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق‪ ،‬وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل‪.‬‬
‫والذي إذا قدر لم يأخذ أكثر من ماله‪.‬‬

‫)‪ (1‬مخطوط‪.‬‬

‫]‪[278‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬كتاب ال عزوجل على أربعة أشياء‪ :‬على العبارة والشارة‪،‬‬
‫واللطائف‪ ،‬والحقائق‪ ،‬فالعبارة للعوام‪ ،‬والشارة للخواص‪ ،‬واللطائف‬
‫للولياء والحقائق للنبياء‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من سأل فوق قدره استحق‬
‫الحرمان‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من أكرمك فأكرمه‪ ،‬ومن استخفك فأكرم‬
‫نفسك عنه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من أخلق الجاهل الجابة قبل أن يسمع‪،‬‬
‫والمعارضة قبل أن يفهم‪ ،‬والحكم بما ل يعلم‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬سرك من‬
‫دمك فل تجريه في غير أوداجك‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬صدرك أوسع لسرك‪.‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة وأنقص الناس‬
‫عقل من ظلم من دونه‪ ،‬ولم يصفح عمن اعتذر إليه‪ ،‬والقادر على الشئ‬
‫سلطان‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن القلب يحيى ويموت فإذا حيي فأدبه‬
‫بالتطوع‪ ،‬وإذا مات فاقصره على الفرائض‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل تحدث‬
‫من تخاف أن يكذبك‪ ،‬ول تسأل من تخاف أن يمنعك‪ ،‬ول تثق إلى من تخاف‬
‫أن يعذبك )‪ (1‬ومن لم يواخ إل من ل عيب فيه قل صديقه‪ ،‬ومن لم يرض‬
‫من صديقه إل بايثاره على نفسه دام سخطه‪ ،‬ومن عاتب على كل ذنب كثر‬
‫تبعته‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من عذب لسانه زكي عقله‪ ،‬ومن حسنت نيته زيد‬
‫في رزقه ومن حسن بره بأهله زيد في عمره‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن‬
‫الزهاد في الدنيا نور الجلل عليهم‪ ،‬وأثر الخدمة بين أعينهم‪ ،‬وكيف ل‬
‫يكونون كذلك وإن الرجل لينقطع إلى بعض ملوك الدنيا فيرى عليه أثره‬
‫فكيف بمن ينقطع إلى ال تعالى ل يرى أثره عليه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬صلة‬
‫الرحم تهون الحساب يوم القيامة قال ال تعالي‪ " :‬والذين يصلون ما أمر‬
‫ال به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب )‪." (2‬‬

‫)‪ (1‬كذا والظاهر " يغدر بك "‪ (2) .‬الرعد‪.22 :‬‬

‫]‪[279‬‬

‫‪) * .24‬باب( * " )ما روى عن الصادق عليه السلم من وصاياه لصحابه( " ‪- 1‬‬
‫ف )‪ :(1‬وصيته عليه السلم لعبدال بن جندب )‪ (2‬روي أنه عليه السلم‬
‫قال‪ :‬يا عبد ال لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور فما يقصد فيها إل‬
‫أولياءنا‪ ،‬ولقد جلت الخرة في أعينهم حتى ما يريدون بها بدل‪ ،‬ثم قال‪ :‬آه‬
‫آه على قلوب حشيت نورا وإنما كانت الدنيا عندهم بمنزلة الشجاع الرقم )‬
‫‪ (3‬والعدو العجم )‪ (4‬أنسوا بال واستوحشوا مما به استأنس المترفون‪،‬‬
‫أولئك أوليائي حقا‪ ،‬وبهم تكشف كل فتنة وترفع كل بلية‪ .‬يا ابن جندب حق‬
‫على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه فيكون‬
‫محاسب نفسه‪ ،‬فان رأى حسنة استزاد منها‪ .‬وإن رأى سيئة استغفر منها‬
‫لئل يخزي يوم القيامة‪ .‬طوبى لعبد لم يغبط الخاطئين على ما أوتوا من ‪-‬‬
‫)‪ (1‬التحف ص ‪ (2) .301‬بضم الكاف وسكون النون وفتح الدال‪ .‬هو عبد ال بن‬
‫جندب البجلى الكوفى ثقة جليل القدر من أصحاب الصادق والكاظم‬
‫والرضا عليهم السلم وانه من المخبتين وكان وكيل لبي ابراهيم وأبى‬
‫الحسن عليهما السلم‪ .‬كان عابدا رفيع المنزلة لديهما على ما ورد في‬
‫الخبار‪ .‬ولما مات رحمه ال قام مقامه على بن مهزيار‪ (3) .‬حشيت أي‬
‫ملت‪ .‬والشجاع ‪ -‬بالكسر والضم ‪ :-‬الحية العظيمة التى تواثب الفارس‬
‫وربما قلعت رأس الفارس وتكون في الصحارى ويقوم على ذنبه‪.‬‬
‫والرقم‪ :‬الحية التى فيها سواد وبياض وهو أخبث الحيات‪ ،‬ويحتمل أن‬
‫يكون " الشجاع القرع " وهو حية قد تمعط شعر رأسها لكثرة سمها‪) .‬‬
‫‪ (4‬العجم الدابة وسميت به لنها ل تتكلم‪ .‬وكل من ل يقدر على الكلم أو‬
‫ل يفهم الكلم فهو أعجم‪.‬‬

‫]‪[280‬‬

‫نعيم الدنيا وزهرتها‪ ،‬طوبى لعبد طلب الخرة وسعى لها‪ ،‬طوبى لمن لم تلهه الماني‬
‫الكاذبة‪ .‬ثم قال عليه السلم‪ :‬رحم ال قوما كانوا سراجا ومنارا‪ ،‬كانوا دعاة‬
‫س ]وا[ كمن يذيع أسرارنا‪ .‬يا ابن جندب‬ ‫إلينا بأعمالهم ومجهود طاقتهم‪ ،‬لي ‍‬
‫إنما المؤمنون الذين يخافون ال‪ ،‬ويشفقون أن يسلبوا ما اعطوا من‬
‫الهدى‪ ،‬فإذا ذكروا ال ونعماءه وجلوا وأشفقوا‪ ،‬وإذا تليت عليهم آياته‬
‫زادتهم إيمانا مما أظهره من نفاذ قدرته‪ ،‬وعلى ربهم يتوكلون‪ .‬يا ابن‬
‫جندب قديما عمر الجهل وقوي أساسه وذلك ل تخاذهم دين ال لعبا حتى‬
‫لقد كان المتقرب منهم إلى ال بعمله يريد سواه أولئك هم الظالمون‪ .‬يا ابن‬
‫جندب لو أن شيعتنا استقاموا لصافحتهم الملئكة‪ ،‬ولظلهم الغمام‪ ،‬و‬
‫لشرقوا نهارا‪ ،‬ولكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم‪ ،‬ولما سألوا ال شيئا‬
‫إل أعطاهم‪ .‬يا ابن جندب ل تقل في المذنبين من أهل دعوتكم إل خيرا‪،‬‬
‫واستكينوا إلى ال في توفيقهم‪ ،‬وسلوا التوبة لهم‪ ،‬فكل من قصدنا وتولنا‪،‬‬
‫ولم يوال عدونا وقال ما يعلم‪ ،‬وسكت عما ل يعلم أو أشكل عليه فهو في‬
‫الجنة‪ .‬يا ابن جندب يهلك المتكل على عمله‪ ،‬ول ينجو المجترئ على‬
‫الذنوب الواثق برحمة ال‪ .‬قلت‪ :‬فمن ينجو ؟ قال‪ :‬الذين هم بين الرجاء‬
‫والخوف‪ ،‬كأن قلوبهم في مخلب طائر شوقا إلى الثواب وخوفا من العذاب‪.‬‬
‫يا ابن جندب من سره أن يزوجه ال الحور العين‪ ،‬ويتوجه بالنور فليدخل‬
‫على أخيه المؤمن السرور‪ .‬يا ابن جندب أقل النوم بالليل والكلم بالنهار‪،‬‬
‫فما في الجسد شئ أقل شكرا من العين واللسان‪ ،‬فان ام سليمان قالت‬
‫لسليمان عليه السلم‪ :‬يا بني إياك و النوم‪ ،‬فإنه يفقرك يوم يحتاج الناس‬
‫إلى أعمالهم‪ .‬يا ابن جندب إن للشيطان مصائد يصطاد بها فتحاموا شباكه )‬
‫‪ (1‬ومصائده‬
‫)‪ (1‬فتحاموا شباكه‪ :‬اجتنبوها وتوقوها‪ .‬والشباك ‪ -‬جمع شبكة ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬شركة‬
‫الصياد يعنى حبائل الصيد‪.‬‬

‫]‪[281‬‬

‫قلت‪ :‬يا ابن رسول ال وما هي ؟ قال‪ :‬أما مصائده فصد عن بر الخوان‪ ،‬وأما‬
‫شباكه فنوم عن قضاء الصلوات التي فرضها ال‪ ،‬أما إنه ما يعبد ال بمثل‬
‫نقل القدام إلى بر الخوان وزيارتهم‪ ،‬ويل للساهين عن الصلوات‪ ،‬النائمين‬
‫في الخلوات‪ ،‬المستهزئين بال وآياته في الفترات )‪ " (1‬أولئك )الذين( ل‬
‫خلق لهم في الخرة ول يكلمهم ال ]ول ينظر إليهم[ يوم القيمة ول‬
‫يزكيهم ولهم عذاب أليم )‪ ." (2‬يا ابن جندب من أصبح مهموما لسوى‬
‫فكاك رقبته فقدهون عليه الجليل ورغب من ربه في الوتح الحقير )‪(3‬‬
‫ومن غش أخاه وحقره وناواه )‪ (4‬جعل ال النار مأواه‪ ،‬ومن حسد مؤمنا‬
‫انماث اليمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء‪ .‬يا ابن جندب الماشي في‬
‫حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة‪ ،‬وقاضي حاجته كالمتشحط بدمه‬
‫في سبيل ال يوم بدر واحد‪ ،‬وما عذب ال امة إل عند استهانتهم بحقوق‬
‫فقراء إخوانهم‪ .‬يا ابن جندب بلغ معاشر شيعتنا وقل لهم‪ :‬ل تذهبن بكم‬
‫المذاهب فوال ل تنال وليتنا إل بالورع والجتهاد في الدنيا ومواساة‬
‫الخوان في ال‪ .‬وليس من شيعتنا من يظلم الناس‪ .‬يا ابن جندب إنما‬
‫شيعتنا يعرفون بخصال شتى‪ :‬بالسخاء والبذل للخوان وبأن يصلوا‬
‫الخمسين ليل ونهارا‪ ،‬شيعتنا ل يهرون هرير الكلب‪ ،‬ول يطمعون طمع‬
‫الغراب‪ ،‬ول يجاورون لنا عدوا‪ ،‬ول يسألون لنا مبغضا‪ ،‬ولو ماتوا جوعا‪،‬‬
‫شيعتنا ل يأكلون الجري )‪ (5‬ول يمسحون على الخفين‪ ،‬ويحافظون على‬
‫الزوال‪ ،‬ول‬

‫)‪ (1‬الفترة‪ :‬الضعف والنكسار‪ ،‬والمراد بها زمان ضعف الدين‪ (2) .‬آل عمران‪:‬‬
‫‪ (3) .77‬كذا في الوافى " الوتح الحقير " والوتح ‪ -‬بالتحريك وككتف ‪:-‬‬
‫القيل التافه مى الشئ‪ .‬وفى أكثر نسخ المصدر " الربح "‪ (4) .‬أي عاداه‬
‫وأصله الهمزة من النوء‪ .‬بمعنى النهوض والطلوع‪ (5) .‬الجرى ‪ -‬كذمي‬
‫‪ :-‬سمك طويل أملس وليس عليه فصوص‪ .‬وقيل‪ :‬مارماهى‪.‬‬

‫]‪[282‬‬

‫يشربون مسكرا‪ .‬قلت‪ :‬جعلت فداك فأين أطلبهم ؟ قال عليه السلم‪ :‬على رؤوس‬
‫الجبال وأطراف المدن‪ .‬وإذا دخلت مدينة فسل )‪ (1‬عمن ل يجاورهم ول‬
‫يجاورونه فذلك مؤمن كما قال ال‪ " :‬وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى )‬
‫‪ " (2‬وال لقد كان حبيب النجار وحده‪ .‬يا ابن جندب كل الذنوب مغفورة‬
‫سوى عقوق أهل دعوتك‪ ،‬وكل البر مقبول إل ما كان رئاء‪ .‬يا ابن جندب‬
‫أحبب في ال وابغض في ال‪ ،‬واستمسك بالعروة الوثقى‪ ،‬واعتصم بالهدى‬
‫يقبل عملك فإن ال يقول‪ " :‬وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم‬
‫اهتدى )‪ " (3‬فل يقبل إل اليمان‪ ،‬ول إيمان إل بعمل‪ ،‬ول عمل إل بيقين‪،‬‬
‫ول يقين إل بالخشوع وملكها كلها الهدى‪ ،‬فمن اهتدى يقبل عمله وصعد‬
‫إلى الملكوت متقبل " وال يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم )‪ ." (4‬يا‬
‫ابن جندب إن أحببت أن تجاور الجليل في داره‪ ،‬وتسكن الفردوس في‬
‫جواره فلتهن عليك الدنيا‪ ،‬واجعل الموت نصب عينك‪ ،‬ول تدخر شيئا لغد‪،‬‬
‫و اعلم أن لك ما قدمت وعليك ما أخرت‪ .‬يا ابن جندب من حرم نفسه كسبه‬
‫فإنما يجمع لغيره‪ ،‬ومن أطاع هواه فقد أطاع عدوه‪ ،‬من يثق بال يكفه ما‬
‫أهمه من أمر دنياه وآخرته ويحفظ له ما غاب عنه‪ .‬وقد عجز من لم يعد‬
‫لكل بلء صبرا ولكل نعمة شكرا‪ ،‬ولكل عسر يسرا‪ ،‬صبر نفسك عند كل‬
‫بلية في ولد أو مال‪ ،‬أو رزية )‪ (5‬فانما يقبض عاريته ويأخذ‬

‫)‪ (1‬الظاهر أن مراده عليه السلم في دولة الفسق وزمن الكفر‪ (2) .‬يس‪(3) .19 :‬‬
‫طه‪ .84 :‬وفى المصدر‪ :‬ال من آمن وعمل صالحا ثم اهتدى "‪(4) .‬‬
‫البقرة‪ (5) .210 :‬الرزية‪ :‬المصيبة أصله من رزأ أي أصاب منه شيئا‬
‫ونقض‪ .‬وفى بعض النسخ " أو ذرية " وهى الصواب‪.‬‬

‫]‪[283‬‬

‫هبته ليبلو فيهما صبرك وشكرك‪ ،‬وارج ال رجاء ل يجرئك على معصيته‪ ،‬وخفه‬
‫خوفا ل يؤيسك من رحمته‪ ،‬ول تغتر بقول الجاهل ول بمدحه فتكبر وتجبر‬
‫و تعجب بعملك‪ ،‬فان أفضل العمل العبادة والتواضع‪ ،‬فل تضيع مالك‬
‫وتصلح مال غيرك ما خلفته وراء ظهرك‪ ،‬واقنع بما قسمه ال لك‪ ،‬ول‬
‫تنظر إل إلى ما عندك‪ ،‬ول تتمن ما لست تناله‪ ،‬فان من قنع شبع‪ ،‬ومن لم‬
‫يقنع لم يشبع‪ ،‬وخذ حظك من آخرتك‪ ،‬ول تكن بطرا في الغنى‪ ،‬ول جزعا‬
‫في الفقر‪ ،‬ول تكن فظا غليظا يكره الناس قربك ول تكن واهنا يحقرك من‬
‫عرفك‪ ،‬ول تشار )‪ (1‬من فوقك‪ ،‬ول تسخر بمن هو دونك‪ ،‬ول تنازع المر‬
‫أهله‪ ،‬ول تطع السفهاء‪ ،‬ول تكن مهينا تحت كل أحد‪ ،‬ول تتكلن على كفاية‬
‫أحد‪ ،‬وقف عند كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه قبل أن تقع فيه‬
‫فتندم‪ ،‬واجعل قلبك قريبا تشاركه )‪ (2‬واجعل علمك والدا تتبعه‪ ،‬واجعل‬
‫نفسك عدوا تجاهده‪ ،‬وعارية تردها‪ ،‬فانك قد جعلت طبيب نفسك‪ ،‬وعرفت‬
‫آية الصحة وبين لك الداء‪ ،‬ودللت على الدواء‪ .‬فانظر قيامك على نفسك‪،‬‬
‫وإن كانت لك يد عند إنسان فل تفسدها بكثرة المنن والذكر لها‪ ،‬و لكن‬
‫اتبعها بأفضل منها‪ ،‬فان ذلك أجمل بك في أخلقك‪ ،‬وأوجب للثواب في‬
‫آخرتك‪ ،‬وعليك بالصمت تعد حليما ‪ -‬جاهل كنت أو عالما ‪ -‬فإن الصمت‬
‫زين لك عند العلماء‪ ،‬وستر لك عند الجهال‪ .‬يا ابن جندب إن عيسى بن‬
‫مريم عليه السلم قال لصحابه‪ " :‬أرأيتم لو أن أحدكم مر بأخيه فرأى‬
‫ثوبه قد انكشف عن بعض عورته أكان كاشفا عنها كلها أم يرد عليها ما‬
‫انكشف منها ؟ قالوا‪ :‬بل نرد عليها‪ ،‬قال‪ :‬كل‪ ،‬بل تكشفون عنها كلها ‪-‬‬
‫فعرفوا أنه مثل ضربه لهم ‪ -‬فقيل‪ :‬يا روح ال وكيف ذلك ؟ قال‪ :‬الرجل‬
‫منكم يطلع على العورة من أخيه فل يسترها‪ .‬بحق أقول لكم إنكم ل‬
‫تصيبون ما تريدون إل بترك ما تشتهون‪ ،‬ول تنالون ما تأملون إل بالصبر‬
‫على ما تكرهون‪.‬‬

‫)‪ (1‬ول تشار أي ول تخاصم‪ (2) .‬في بعض النسخ " تتنازله " وفى بعضها "‬
‫تشاوره "‪.‬‬

‫]‪[284‬‬

‫إياكم والنظرة فانها تزرع في القلب الشهوة‪ ،‬وكفى بها لصاحبها فتنة‪ .‬طوبى لمن‬
‫جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عنيه ل تنظروا في عيوب الناس‬
‫كالرباب و انظروا في عيوبكم كهيئة العبيد‪ .‬إنما الناس رجلن مبتلى‬
‫ومعافي‪ ،‬فارحموا المبتلى واحمدوا ال على العافية "‪ .‬يا ابن جندب صل‬
‫من قطعك‪ ،‬واعط من حرمك‪ ،‬وأحسن إلى من أساء إليك وسلم على من‬
‫سبك‪ ،‬وأنصف من خاصمك‪ ،‬واعف عمن ظلمك‪ ،‬كما أنك تحب أن يعفى‬
‫عنك‪ ،‬فاعتبر بعفو ال عنك‪ ،‬أل ترى أن شمسه أشرقت على البرار و‬
‫الفجار‪ ،‬وأن مطره ينزل على الصالحين والخاطئين‪ .‬يا ابن جندب ل‬
‫تتصدق على أعين الناس ليزكوك‪ ،‬فانك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك‪،‬‬
‫ولكن إذا أعطيت بيمينك فل تطلع عليها شمالك‪ ،‬فإن الذي تتصدق له سرا‬
‫يجزيك علنية على رؤوس الشهاد في اليوم الذي ل يضرك أن ل يطلع‬
‫الناس على صدقتك‪ .‬واخفض الصوت‪ ،‬إن ربك الذي يعلم ما تسرون وما‬
‫تعلنون‪ ،‬قد علم ما تريدون قبل أن تسألوه‪ ،‬وإذا صمت فل تغتب أحدا‪ ،‬ول‬
‫تلبسوا صيامكم بظلم‪ ،‬ول تكن كالذي يصوم رئاء الناس‪ ،‬مغبرة وجوههم‪،‬‬
‫شعثة رؤوسهم‪ ،‬يابسة أفواههم لكي يعلم الناس أنهم صيام‪ .‬يا ابن جندب‬
‫الخير كله أمامك‪ ،‬وإن الشر كله أمامك‪ ،‬ولن ترى الخير والشر إل بعد‬
‫الخرة‪ ،‬لن ال عزوجل جعل الخير كله في الجنة والشر كله في النار‪،‬‬
‫لنهما الباقيان‪ ،‬والواجب على من وهب ال له الهدى وأكرمه باليمان‬
‫وألهمه رشده‪ ،‬وركب فيه عقل يتعرف به نعمه‪ ،‬وآتاه علما وحكما يدبر به‬
‫أمر دينه ودنياه )‪ (1‬أن يوجب على نفسه أن يشكر ال ول يكفره‪ ،‬وأن‬
‫يذكر ال ول ينساه وأن يطيع ال ول يعصيه‪ ،‬للقديم الذي تفرد له بحسن‬
‫النظر‪ ،‬وللحديث الذي أنعم عليه بعد إذ أنشأه مخلوقا‪ ،‬وللجزيل الذي‬
‫وعده‪ ،‬والفضل الذي لم يكلفه من طاعته فوق طاقته وما يعجز عن القيام‬
‫به وضمن له العون على تيسير ما حمله من ذلك‬

‫)‪ " (1‬الواجب " مبتدأ وخبره جملة " أن يوجب على نفسه الخ "‪.‬‬

‫]‪[285‬‬

‫وندبه إلى الستعانة على قليل ما كلفه وهو معرض )‪ (1‬عما أمره وعاجز عنه قد‬
‫لبس ثوب الستهانة فيما بينه وبين ربه‪ ،‬متقلدا لهواه‪ ،‬ماضيا في‬
‫شهواته‪ ،‬مؤثرا لدنياه على آخرته‪ ،‬وهو في ذلك يتمنى جنان الفردوس‪،‬‬
‫وما ينبغي لحد أن يطمع أن ينزل بعمل الفجار منازل البرار‪ .‬أما إنه لو‬
‫وقعت الواقعة‪ ،‬وقامت القيامة‪ ،‬وجاءت الطامة‪ ،‬ونصب الجبار الموازين‬
‫لفصل القضاء‪ ،‬وبرز الخلئق ليوم الحساب أيقنت عند ذلك لمن تكون‬
‫الرفعة والكرامة‪ ،‬وبمن تحل الحسرة والندامة‪ ،‬فاعمل اليوم في الدنيا بما‬
‫ترجو به الفوز في الخرة‪ .‬يا ابن جندب قال ال حل وعز في بعض ما‬
‫أوحي‪ " :‬إنما اقبل الصلة ممن يتواضع لعظمتي‪ ،‬ويكف نفسه عن‬
‫الشهوات من أجلي‪ ،‬ويقطع نهاره بذكري‪ ،‬ول يتعظم على خلقي‪ ،‬ويطعم‬
‫الجائع ويكسو العاري ويرحم المصاب ويؤوي الغريب )‪ (2‬فذلك يشرق‬
‫نوره مثل الشمس‪ ،‬أجعل له في الظلمة نورا وفي الجهالة حلما‪ ،‬أكله‬
‫بعزتي )‪ (3‬وأستحفظه ملئكتي‪ ،‬يدعوني فالبيه‪ ،‬ويسألني فاعطيه‪ ،‬فمثل‬
‫ذلك العبد عندي كمثل جنات الفردوس ل يسبق أثمارها‪ ،‬ول تتغير عن‬
‫حالها‪ .‬يا ابن جندب السلم عريان‪ ،‬فلباسه الحياء‪ ،‬وزينته الوقار‪،‬‬
‫ومروته العمل الصالح‪ ،‬وعماده الورع‪ ،‬ولكل شئ أساس‪ ،‬وأساس السلم‬
‫جبنا أهل البيت‪ .‬يا ابن جندب إن ال تبارك وتعالى سورا من نور‪ ،‬محفوفا‬
‫بالزبرجد و الحرير‪ ،‬منجدا بالسندس )‪ (4‬والديباج‪ ،‬يضرب هذا السور بين‬
‫أوليائنا وبين أعدائنا‪ ،‬فإذا على الدماغ وبلغت القلوب الحناجر ونضجت‬
‫الكباد من طول‬

‫)‪ (1‬الضمير يرجع إلى " من وهب ال "‪ (2) .‬في بعض النسخ " ويواسى الغريب‬
‫" يقال‪ :‬واسى الرجل أي آساه وعاونه‪ (3) .‬كل ال فلنا‪ :‬حفظه‬
‫وحرسه‪ (4) .‬منجدأ أي مزينا‪.‬‬

‫]‪[286‬‬
‫الموقف ادخل في هذا السور أولياء ال‪ ،‬فكانوا في أمن ال وحرزه‪ ،‬لهم فيها ما‬
‫تشتهي النفس وتلذ العين‪ .‬وأعداء ال قد ألجمهم العرق‪ ،‬وقطعهم‬
‫الفرق‪ ،‬وهم ينظرون إلى ما أعد ال لهم‪ ،‬فيقولون‪ " :‬ما لنا ل نرى رجال‬
‫كنا نعدهم من الشرار )‪ " (1‬فينظر إليهم أولياء ال فيضحكون منهم‪،‬‬
‫فذلك قوله عزوجل‪ " :‬اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم البصار )‪." (2‬‬
‫وقوله‪ " :‬فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الرائك ينظرون‬
‫)‪ " (3‬فل يبقى أحد ممن أعان مؤمنا من أوليائنا بكلمة إل أدخله ال الجنة‬
‫بغير حساب‪ - 2 .‬ف )‪ :(4‬وصيته عليه السلم لبي جعفر محمد بن‬
‫النعمان الحول )‪(5‬‬

‫)‪ (1‬ص‪ (2) 26 :‬ص‪ (3) .63 :‬المطففين‪ (4) .35 ،34 :‬التحف ص ‪(5) .307‬‬
‫هو أبو جعفر محمد بن على بن النعمان الكوفى المعروف عندنا بصاحب‬
‫الطاق أو مؤمن الطاق والمخالفون يلقبونه شيطان الطاق‪ ،‬كان صيرفيا‬
‫في طاق المحامل بالكوفة يرجع إليه في النقد فيخرج كما ينقد فيقال‪:‬‬
‫شيطان الطاق وهو من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلم كان‬
‫رحمه ال ثقة‪ ،‬متكلما‪ ،‬حاذقا‪ ،‬كثير العلم‪ ،‬حسن الخاطر‪ ،‬حاضر الجواب‬
‫حكى عن أبى خالد الكابلي أنه قال‪ :‬رأيت أبا جعفر صاحب الطاق وهو‬
‫قاعد في الروضة قد قطع أهل المدينة ازاره وهو دائب يجيبهم ويسألونه‬
‫فدنوت منه وقلت‪ :‬ان أبا عبد ال عليه السلم نهانا عن الكلم‪ .‬فقال‪:‬‬
‫وأمرك أن تقول لي ؟ فقلت‪ :‬ل وال ولكنه أمرنى أن ل اكلم أحدا قال‪:‬‬
‫فاذهب وأطعه فيما أمرك‪ .‬فدخلت على أبى عبد ال عليه السلم فأخبرته‬
‫بقصة صاحب الطاق وما قلت له وقوله‪ :‬اذهب وأطعه فيما أمرك‪ .‬فتبسم‬
‫أبو عبد ال عليه السلم وقال‪ :‬يا أبا خالد ان صاحب الطاق يكلم الناس‬
‫فيطير وينقض وأنت ان قصوك لن تطير ا‍ه‪ .‬وله مع أبى حنيفة حكايات‬
‫نقلها المؤرخون وأهل السير فمنها أنه لما مات الصادق عليه السلم رأى‬
‫أبو حنيفة مؤمن الطاق فقال له‪ :‬مات امامك‪ ،‬قال‪ :‬نعم أما امامك فمن‬
‫المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم‪ .‬وله كتب منها كتاب المامة وكتاب‬
‫المعرفة ‪- - - -‬‬

‫]‪[287‬‬

‫قال أبو جعفر‪ :‬قال لي الصادق عليه السلم‪ :‬إن ال عزوجل عير أقواما في القرآن‬
‫بالذاعة فقلت له‪ :‬جعلت فداك أين قال ؟ قال‪ :‬قوله‪ " :‬وإذا جاءهم أمر من‬
‫المن أو الخوف أذاعوا به )‪ " (1‬ثم قال‪ :‬المذيع علينا سرنا كالشاهر‬
‫بسيفه علينا‪ ،‬رحم ال عبدا سمع بمكنون علمنا فدفنه تحت قدميه‪ .‬وال‬
‫إني لعلم بشراركم من البيطار بالدواب‪ ،‬شراركم الذين ل يقرؤون القرآن‬
‫إل هجرا‪ ،‬ول يأتون الصلة إل دبرا‪ ،‬ول يحفظون ألسنتهم )‪ .(2‬إعلم أن‬
‫الحسن بن علي عليهما السلم لما طعن واختلف الناس عليه سلم المر‬
‫لمعاوية فسلمت عليه الشيعة " عليك السلم يا مذل المؤمنين "‪ ،‬فقال‬
‫عليه السلم‪ " :‬ما أنا بمذل المؤمنين ولكني معز المؤمنين‪ ،‬إني لما رأيتكم‬
‫ليس بكم عليهم قوة سلمت المر لبقى أنا وأنتم بين أظهرهم‪ ،‬كما عاب‬
‫العالم السفينة لتبقى لصحابها وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم "‪ .‬يا ابن‬
‫النعمان إني ل حدث الرجل منكم بحديث فيتحدث به عني فأستحل بذلك‬
‫لعنته ول براءة منه‪ .‬فان أبي كان يقول‪ " :‬وأي شئ أقر للعين من التقية‪،‬‬
‫إن التقية جنة المؤمن )‪ (3‬ولول التقية ما عبد ال "‪ .‬وقال ال عزوجل‪" :‬‬
‫ل يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين‪ ،‬ومن يفعل ذلك فليس‬
‫من ال في شئ إل أن تتقوا منهم تقيه )‪." (4‬‬

‫‪ - - - -‬وكتاب الرد على المعتزلة في امامة المفضول وكتاب في اثبات الوصية‬


‫وغير ذلك‪ .‬وما قيل‪ :‬ان الطاق حصن بطبرستان وبه سكن محمد بن‬
‫النعمان المعروف سهو ولعل أصله منها وال كان رحمه ال يسكن الكوفة‬
‫كما يظهر من مباحثاته مع أبى حنيفة وامثاله‪ (1) .‬النساء‪(2) .82 :‬‬
‫الهجر ‪ -‬بالضم ‪ :-‬الهذيان والقبيح من الكلم‪ .‬والدبر ‪ -‬بضم فسكون أو‬
‫بضمتين ‪ -‬من كل شئ مؤخره وعقبه‪ (3) .‬لن بها يحفظ أساس السلم‬
‫واصوله‪ ،‬ورواه الكليني في الكافي عن محمد بن عجلن‪ (4) .‬آل عمران‪:‬‬
‫‪.27‬‬

‫]‪[288‬‬

‫يا ابن النعمان إياك والمراء‪ ،‬فانه يحبط عملك‪ .‬وإياك والجدال‪ ،‬فانه يوبقك‪ .‬وإياك‬
‫وكثرة الخصومات‪ ،‬فانها تبعدك من ال‪ .‬ثم قال‪ :‬إن من كان قبلكم كانوا‬
‫يتعلمون الصمت وأنتم تتعلمون الكلم‪ ،‬كان أحدهم إذا أراد التعبد يتعلم‬
‫الصمت قبل ذلك بعشر سنين فإن كان يحسنه ويصبر عليه تعبد وإل قال‪:‬‬
‫ما أنا لما أروم بأهل )‪ ،(1‬إنما ينجو من أطال الصمت عن الفحشاء وصبر‬
‫في دولة الباطل على الذى‪ ،‬اولئك النجباء الصفياء الولياء حقا وهم‬
‫المؤمنون‪ .‬إن أبغضكم إلي المتراسون )‪ (2‬المشاؤون بالنمائم‪ ،‬الحسدة‬
‫لخوانهم‪ ،‬ليسوا مني ول أنا منهم‪ .‬إنما أوليائي الذين سلموا لمرنا‬
‫واتبعوا آثارنا واقتدوا بنا في كل امورنا‪ .‬ثم قال‪ :‬وال لو قدم أحدكم ملء‬
‫الرض ذهبا على ال‪ ،‬ثم حسد مؤمنا لكان ذلك الذهب مما يكوى به في‬
‫النار‪ .‬يا ابن النعمان إن المذيع ليس كقاتلنا بسيفه بل هو أعظم وزرا‪ ،‬بل‬
‫هو أعظم وزرا‪ ،‬بل هو أعظم وزرا‪ .‬يا ابن النعمان إنه من روى علينا‬
‫حديثا )‪ (3‬فهو ممن قتلنا عمدا ولم يقتلنا خطاء‪ .‬يا ابن النعمان إذا كانت‬
‫دولة الظلم فامش واستقبل من تتقيه بالتحية‪ ،‬فان المتعرض للدولة قاتل‬
‫نفسه )‪ (4‬وموبقها‪ ،‬إن ال يقول‪ " :‬ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )‪." (5‬‬

‫)‪ (1‬رام الشئ يروم روما‪ ،‬أراده‪ (2) .‬تراس القوم الخبر‪ :‬تساروه‪ .‬وارتس الخبر‬
‫في الناس‪ :‬فشا وانتشر‪ .‬ويحتمل أن يكون كما في بعض نسخ الحديث "‬
‫المترأسون " بالهمزة من ترأس أي صار رئيسا‪ (3) .‬في بعض النسخ "‬
‫حديثنا "‪ (4) .‬كان ذلك إذا حفظ بها اصول السلم وأساس الدين‬
‫وضرورياته وال فل يجوز بل حرام فليس هذا بعمل التقية‪ (5) .‬البقرة‪:‬‬
‫‪.195‬‬

‫]‪[289‬‬

‫يا ابن النعمان إنا أهل بيت ل يزال الشيطان يدخل فينا من ليس منا ول من أهل‬
‫ديننا‪ ،‬فإذا رفعه ونظر إليه الناس أمره الشيطان فيكذب علينا‪ ،‬وكلما ذهب‬
‫واحد جاء آخر‪ .‬يا ابن النعمان من سئل عن علم‪ ،‬فقال‪ :‬ل أدري فقد ناصف‬
‫العلم‪ ،‬والمؤمن يحقد ما دام في مجلسه‪ ،‬فإذا قام ذهب عنه الحقد‪ .‬يا ابن‬
‫النعمان إن العالم ل يقدر أن يخبرك بكل ما يعلم‪ ،‬لنه سر ال الذي أسره‬
‫إلى جبرئيل عليه السلم وأسره جبرئيل عليه السلم إلى محمد صلى ال‬
‫عليه وآله وأسره محمد صلى ال عليه وآله إلى علي عليه السلم‪ ،‬وأسره‬
‫علي عليه السلم إلى الحسن عليه السلم‪ ،‬وأسره الحسن عليه السلم إلى‬
‫الحسين عليه السلم‪ ،‬وأسره الحسين عليه السلم إلى علي عليه السلم‪،‬‬
‫وأسره علي عليه السلم إلى محمد عليه السلم‪ ،‬وأسره محمد عليه السلم‬
‫إلى من أسره‪ ،‬فل تعجلوا فوال لقد قرب هذا المر ثلث مرات فأذعتموه‪،‬‬
‫فأخره ال‪ ،‬وال مالكم سر إل وعدوكم أعلم به منكم‪ .‬يا ابن النعمان ابق‬
‫على نفسك فقد عصيتني‪ .‬ل تذع سري‪ ،‬فان المغيرة بن سعيد )‪ (1‬كذب‬
‫على أبي وأذاع سره فأذاقه ال حر الحديد‪ .‬وإن أبا الخطاب‬

‫)‪ (1‬كان هو من الكذابين الغالين كبنان والحارث الشامي وعبد ال بن عمر بن‬
‫الحرث وأبى الخطاب وحمزة بن عمارة البربري وصائد النهدي ومحمد‬
‫بن فرات وأمثالهم ممن اعيروا اليمان فانسلخ منهم وانهم يدسون‬
‫الحاديث في كتب الحديث حتى أنهم عليهم السلم قالوا‪ :‬ل تقبلوا علينا‬
‫ما خالف قول ربنا وسنة نبينا‪ .‬ول تقبلوا علينا ال ما وافق الكتاب‬
‫والسنة‪ .‬وفى المستدرك عن قاضى مصر نعمان بن محمد بن منصور‬
‫المعروف بأبى حنيفة المغربي المتوفى ‪ 363‬صاحب دعائم السلم أنه‬
‫ذكر قصة الغلة في عصر أمير المؤمنين عليه السلم واحراقه اياهم‬
‫بالنار ثم قال‪ :‬وكان في أعصار الئمة من ولده عليهم السلم من قبل ذلك‬
‫ما يطول الخبر بذكرهم كالمغيرة بن سعيد من أصحاب أبى جعفر محمد‬
‫بن على عليهما السلم ودعائه فاستزله الشيطان ‪ -‬إلى أن قال‪- :‬‬
‫واستحل المغيرة وأصحابه المحارم كلها وأباحوها وعطلوا الشرائع‬
‫وتركوها و انسلخوا من السلم جملة‪ ،‬وبانوا من جميع شيعة الحق‬
‫واتباع الئمة‪ ،‬وأشهر ‪- - - - -‬‬

‫]‪[290‬‬

‫كذب علي وأذاع سري فأذاقه ال حر الحديد‪ ،‬ومن كتم أمرنا زينه ال به في الدنيا‬
‫والخرة وأعطاه حظه‪ ،‬ووقاه حر الحديد وضيق المحابس‪ ،‬إن بني‬
‫إسرائيل قحطوا حتى هلكت المواشي والنسل فدعا ال موسى بن عمران‬
‫عليه السلم فقال‪ :‬يا موسى إنهم أظهروا الزنى والربا وعمروا الكنائس‬
‫وأضاعوا الزكاة‪ ،‬فقال‪ :‬إلهي تحنن‬

‫‪ - - -‬أبو جعفر عليه السلم لعنهم والبراءة منهم الخ‪ .‬وقد تظافرت الروايات بكونه‬
‫كذابا كان يكذب على أبى جعفر عليه السلم وفى رواية عن أبى عبد ال‬
‫عليه السلم أنه يقول‪ " :‬كان المغيرة بن سعيد تتعمد الكذب على أبى‬
‫ويأخذ كتب أصحابه وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبى يأخذون‬
‫الكتب من أصحاب أبى فيدفعونها إلى المغيرة فكان يدس فيها الكفر‬
‫والزندقة ويسدوها إلى أبى ثم يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أن يبثوها في‬
‫الشيعة فكل ما كان في كتب أصحاب أبى من الغلو فذاك مما دسه المغيرة‬
‫بن سعيد في كتبهم " وفى رواية قال أبو جعفر عليه السلم‪ :‬هل تدرى ما‬
‫مثل المغيرة ؟ قال ‪ -‬الراوى ‪ :-‬قلت‪ :‬ل‪ .‬قال عليه السلم‪ :‬مثله مثل بلعم‬
‫بن باعور‪ .‬قلت‪ :‬ومن بلعم ؟ قال عليه السلم‪ :‬الذى قال ال عزوجل‪" :‬‬
‫الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان وكان من الغاوين "‪ .‬وأما‬
‫أبو الخطاب فهو محمد بن مقلص أبى زينب السدي الكوفى البراد يكنى‬
‫أبا ظبيان غال ملعون من أصحاب أبى عبد ال عليه السلم في أول أمره‬
‫ثم أصابه ما أصاب المغيرة فانسلخ من الدين وكفر‪ ،‬وردت روايات كثيرة‬
‫في ذمه ولعنه وحكى عن قاضى نعمان أنه ممن استحل المحارم كلها‬
‫ورخص لصحابه فيها وكانوا كلما ثقل عليهم أداء فرض أتوه فقالوا‪ :‬يا‬
‫أبا الخطاب خفف عنا‪ ،‬فيأمرهم بتركه حتى تركوا جميع الفرائض‬
‫واستحلوا جميع المحارم وأباح لهم أن يشهد بعضهم لبعض بالزور وقال‪:‬‬
‫من عرف المام حل له كل شئ كان حرم عليه‪ ،‬فبلغ أمره جعفر بن محمد‬
‫عليهما السلم فلم يقدر عليه بأكثر من أن يلعنه ويتبرأ منه وجمع‬
‫أصحابه فعرفهم ذلك وكتب إلى البلدان بالبراءة منه وباللعنة عليه وعظم‬
‫أمره على أبى عبد ال عليه السلم واستفظعه واستهاله انتهى‪ ،‬ولعنه‬
‫الصادق عليه السلم ودعا عليه باذاقة حر الحديد فاستجاب ال دعاءه‬
‫فقتله عيسى بن موسى العباسي والى الكوفة‪ .‬ولمزيد الطلع راجع‬
‫الرجال لبي عمر والكشى ‪ -‬رحمه ال ‪.-‬‬

‫]‪[291‬‬

‫برحمتك عليهم )‪ (1‬فإنهم ل يعقلون‪ .‬فأوحى ال إليه أني مرسل قطر السماء‬
‫ومختبرهم بعد أربعين يوما‪ .‬فأذاعوا ذلك وأفشوه‪ ،‬فحبس عنهم القطر‬
‫أربعين سنة وأنتم قد قرب أمركم فأذعتموه في مجالسكم‪ .‬يا أبا جعفر مالكم‬
‫وللناس كفوا عن الناس‪ ،‬ول تدعوا أحدا إلى هذا المر )‪ ،(2‬فوال لو أن‬
‫أهل السماوات ]والرض[ اجتمعوا على أن يضلوا عبدا يريد ال هداه ما‬
‫استطاعوا أن يضلوه‪ .‬كفوا عن الناس ول يقل‪ :‬أحدكم أخي وعمي وجاري‪.‬‬
‫فإن ال عزوجل إذا أراد بعبد خيرا طيب روحه‪ ،‬فل يسمع معروفا إل‬
‫عرفه‪ ،‬ول منكرا إل أنكره‪ ،‬ثم قذف ال في قلبه كلمة يجمع بها أمره‪ .‬يا‬
‫ابن النعمان إن أردت أن يصفو لك ود أخيك فل تمازحنه‪ ،‬ول تمارينه‪ ،‬ول‬
‫تباهينه )‪ (3‬ول تشارنه‪ ،‬ول تطلع صديقك من سرك إل على ما لو اطلع‬
‫عليه عدوك لم يضرك‪ ،‬فإن الصديق قد يكون عدوك يوما‪ .‬يا ابن النعمان ل‬
‫يكون العبد مؤمنا حتى يكون فيه ثلث سنن‪ :‬سنة من ال وسنة من‬
‫رسوله وسنة من المام‪ ،‬فأما السنة من ال عزوجل فهو أن‬

‫)‪ (1‬تحنن عليه‪ :‬ترحم عليه‪ (2) .‬أي كفوا عن دعوتهم إلى دين الحق في زمن شدة‬
‫التقية‪ .‬قال عليه السلم هذا الكلم في زمان العسرة والشدة على‬
‫المؤمنين في دولة العباسية‪ ،‬وحاصل الكلم أن من يريد ال هدايته لن‬
‫يستطيع أحد أن يضله وهكذا من لم يرد ال أن يهديه لن يستطيع أحد أن‬
‫يهديه‪ .‬ورواه الكليني في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 213‬عن ثابت بن سعيد وفيه‬
‫" ل تدعو أحدا إلى أمركم فوال لو أن أهل الرضين اجتمعوا على أن‬
‫يهدوا عبدا يريد ال ضللته ما استطاعوا على أن يهدوه ولو أن أهل‬
‫السماوات وأهل الرضين اجتمعوا على أن يضلوا عبدا‪ ..‬الخ "‪ (3) .‬أي‬
‫ل تفاخرنه‪ .‬و " ل تشارنه " أي ول تخاصمنه‪.‬‬

‫]‪[292‬‬

‫يكون كتوما للسرار يقول ال جل ذكره‪ " :‬عالم الغيب فل يظهر على غيبه أحدا )‬
‫‪ " (1‬وأما التي من رسول ال صلى ال عليه وآله فهو أن يداري الناس‬
‫ويعاملهم بالخلق الحنيفية‪ ،‬وأما التي من المام فالصبر في البأساء‬
‫والضراء حتى يأتيه ال بالفرج‪ .‬يا ابن النعمان ليست البلغة بحدة‬
‫اللسان‪ ،‬ول بكثرة الهذيان‪ ،‬ولكنها إصابة المعنى وقصد الحجة‪ .‬يا ابن‬
‫النعمان من قعد إلى ساب أولياء ال فقد عصى ال‪ .‬ومن كظم غيظا فينا ل‬
‫يقدر على إمضائه كان معنا في السنام العلى )‪ .(2‬ومن استفتح نهاره‬
‫بإذاعة سرنا سلط ال عليه حرالحديد وضيق المجالس‪ .‬يا ابن النعمان ل‬
‫تطلب العلم لثلث‪ :‬لترائي به‪ ،‬ول لتباهي ]به[‪ ،‬ول لتماري ول تدعه‬
‫لثلث‪ :‬رغبة في الجهل‪ ،‬وزهادة في العلم‪ :‬واستحياء من الناس‪ ،‬والعلم‬
‫]ا‍ل[ مصون كالسراج المطبق عليه‪ .‬يا ابن النعمان إن ال عزوجل إذا أراد‬
‫بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة بيضاء‪ ،‬فجال القلب بطلب الحق‪ .‬ثم هو إلى‬
‫أمركم أسرع من الطير إلى وكره )‪ .(3‬يا ابن النعمان إن حبنا أهل البيت ‪-‬‬
‫ينزله ال من السماء من خزائن تحت العرش كخزائن الذهب والفضة ول‬
‫ينزله إل بقدر‪ ،‬ول يعطيه إل خير الخلق‪ ،‬وإن له غمامة كغمامة القطر‪،‬‬
‫فإذا أراد ال أن يخص به من أحب من خلقه أذن لتلك الغمامة فتهطلت كما‬
‫تهطل السحاب )‪ (4‬فتصيب الجنين في بطن امه‪.‬‬

‫)‪ (1‬الجن‪ (2) .26 :‬أي في الدرجة الرفيعة العالية‪ (3) .‬الوكر‪ :‬عش الطائر أي بيته‬
‫وموضعه‪ (4) .‬تهطل المطر‪ :‬نزل متتابعا عظيم القطر‪.‬‬

‫]‪[293‬‬

‫‪ - 3‬ف )‪ :(1‬رسالته عليهما السلم إلى جماعة شيعته وأصحابه )‪ (2‬أما بعد فسلوا‬
‫ربكم العافية‪ .‬وعليكم بالدعة والوقار )‪ (3‬والسكينة والحياء والتنزه عما‬
‫تنزه عنه الصالحون منكم‪ .‬وعليكم بمجاملة أهل الباطل‪ ،‬تحملوا الضيم‬
‫منهم‪ ،‬وإياكم ومماظتهم )‪ (4‬دينوا فيما بينكم وبينهم ‪ -‬إذا أنتم جالستموهم‬
‫وخالطتموهم و نازعتموهم الكلم‪ ،‬فانه لبد لكم من مجالستهم ومخالطتهم‬
‫ومنازعتهم ‪ -‬بالتقية )‪ (5‬التي أمركم ال بها‪ ،‬فإذا ابتليتم بذلك منهم فإنهم‬
‫سيؤذونكم ويعرفون في وجوهكم المنكر‪ .‬ولو ل أن ال يدفعهم عنكم‬
‫لسطوا بكم )‪ (6‬وما في صدورهم من العداوة و البغضاء أكثر مما يبدون‬
‫لكم‪ ،‬مجالسكم ومجالسهم واحدة إن العبد إذا كان ال خلقه في الصل ‪-‬‬
‫أصل الخلق ‪ -‬مؤمنا لم يمت حتى يكره إليه الشر ويباعده منه ومن كره ال‬
‫إليه الشر وباعده منه عافاه ال من الكبر أن يدخله والجبرية فلنت‬
‫عريكته )‪ (7‬وحسن خلقه وطلق وجهه‪ ،‬وصار عليه وقار السلم وسكينته‬
‫وتخشعه‪ ،‬وورع عن محارم ال واجتنب مساخطه‪ ،‬ورزقه ال مودة الناس‬
‫و مجاملتهم‪ ،‬وترك مقاطعة الناس والخصومات‪ ،‬ولم يكن منها ول من‬
‫أهلها في شئ‪ .‬وإن العبد إذا كان ال خلقه في الصل ‪ -‬أصل الخلق ‪ -‬كافرا‬
‫)‪ (8‬لم يمت‬
‫)‪ (1‬التحف ص ‪ (2) .313‬هذ الرسالة مختارة من التى رواها الكليني )ره( في‬
‫الروضة ونقله المؤلف في هذا الجزء ص ‪ (3) .210‬الدعة‪ :‬الخفض‬
‫والطمأنينة‪ (4) .‬المجاملة‪ :‬المعاملة بالجميل‪ .‬والضيم‪ :‬الظلم‪ .‬والمماظة ‪-‬‬
‫بالمعجمة ‪ :-‬شدة المنازعة والمخاصمة مع طول اللزوم‪ " (5) .‬بالتقية‬
‫" متعلق بدينوا وما بينهما معترض‪ (6) .‬السطو‪ :‬القهر‪ .‬أي وثبوا عليكم‬
‫وقهروكم‪ ،‬وفى بعض النسخ " لبطشوا بكم "‪ (7) .‬العريكة‪ :‬الطيبعة‬
‫والخلق والنفس‪ (8) .‬مر كلم فيه ص ‪.222‬‬

‫]‪[294‬‬

‫حتى يحبب إليه الشر ويقر به منه‪ ،‬فإذا حبب إليه الشر وقر به منه ابتلي بالكبر‬
‫والجبرية‪ ،‬فقسا قلبه وساء خلقه وغلظ وجهه وظهر فحشه وقل حياؤه‬
‫وكشف ال ستره وركب المحارم فلم ينزع عنها وركب معاصي ال‬
‫وأبغض طاعته وأهلها‪ ،‬فبعد ما بعد حال المؤمن والكافر‪ ،‬فسلوا ال العافية‬
‫واطلبوها إليه ول حول ول قوة إل بال‪ .‬أكثروا من الدعاء‪ ،‬فان ال يحب‬
‫من عباده الذين يدعونه‪ ،‬وقد وعد عباده المؤمنين الستجابة‪ ،‬وال مصير‬
‫دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عمل يزيدهم به في الجنة‪ .‬وأكثروا ذكر ال‬
‫ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار فان ال أمر بكثرة‬
‫الذكر له‪ ،‬وال ذاكر من ذكره من المؤمنين‪ ،‬إن ال لم يذكره أحد من عباده‬
‫المؤمنين إل ذكره بخير‪ .‬وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلة‬
‫الوسطى وقوموا ل قانتين‪ ،‬كما أمر ال به المؤمنين في كتابه من قبلكم‪.‬‬
‫وعليكم بحب المساكين المسلمين‪ ،‬فإن من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل‬
‫عن دين ال وال له حاقر ماقت )‪ (1‬وقد قال أبونا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ " :‬أمرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم "‪ .‬واعلموا أن‬
‫من حقر أحدا من المسلمين ألقى ال عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته‬
‫الناس )‪ (2‬أشد مقتا‪ ،‬فاتقوا ال في إخوانكم المسلمين المساكين‪ ،‬فان لهم‬
‫عليكم حقا أن تحبوهم فان ال أمر نبيه صلى ال عليه وآله بحبهم‪ ،‬فمن لم‬
‫يحب من أمر ال بحبه فقد عصى ال و رسوله ومن عصى ال ورسوله‬
‫ومات على ذلك مات من الغاوين‪ .‬إياكم والعظمة والكبر‪ ،‬فان الكبر رداء‬
‫ال‪ ،‬فمن نازع ال رداءه قصمه ال وأذله يوم القيامة‪ .‬إياكم أن يبغي‬
‫بعضكم على بعض‪ ،‬فإنها ليست من خصال الصالحين‪ ،‬فانه من بغى صير‬
‫ال بغيه على نفسه وصارت نصرة ال لمن بغي عليه‪ .‬ومن نصره ال‬
‫غلب‬

‫)‪ (1‬حقره استصغره وهان قدره وصغر‪ .‬ومقت فلنا‪ :‬أبغضه‪ (2) .‬المحقرة‪:‬‬
‫الحقارة أي الذلة والهوان‪.‬‬
‫]‪[295‬‬

‫وأصاب الظفر من ال‪ .‬إياكم أن يحسد بعضكم بعضا‪ ،‬فان الكفر أصله الحسد )‪.(1‬‬
‫إياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم فيدعو ال عليكم ويستجاب له فيكم‪ ،‬فان‬
‫أبانا رسول ال صلى ال عليه وآله يقول‪ " :‬إن دعوة المسلم المظلوم‬
‫مستجابة "‪ .‬إياكم أن تشره نفوسكم )‪ (2‬إلى شئ مما حرم ال عليكم‪ ،‬فانه‬
‫من انتهك ما حرم ال عليه ههنا في الدنيا حال ال بينه وبين الجنة‬
‫ونعيمها ولذتها و كرامتها القائمة الدائمة لهل الجنة أبد البدين‪ - 4 .‬ما )‬
‫‪ :(3‬عن الحسين بن إبراهيم‪ ،‬عن محمد بن وهبان‪ ،‬عن محمد بن أحمد بن‬
‫زكريا‪ ،‬عن الحسين علي بن فضال‪ ،‬عن علي بن عقبة‪ ،‬عن أبي كهمش‪،‬‬
‫عن عمرو ابن سعيد بن هلل قال‪ :‬قلت لبي عبد ال عليه السلم‪ :‬أوصني‬
‫فقال‪ :‬اوصيك بتقوى ال والورع والجتهاد‪ ،‬واعلم أنه ل ينفع اجتهاد‬
‫لورع فيه‪ ،‬وانظر إلى من هو دونك ول تنظر إلى من هو فوقك فكثيرا ما‬
‫قال ال عزوجل لرسوله صلى ال عليه وآله‪ " :‬فل تعجبك أموالهم ول‬
‫أولدهم " )‪ (4‬وقال عز ذكره‪ " :‬ول تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا‬
‫منهم زهرة الحيوة الدنيا " )‪ (5‬فان نازعتك نفسك إلى شئ من ذلك فاعلم‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وآله كان قوته الشعير‪ ،‬وحلواه التمر‪،‬‬
‫ووقوده السعف‪ .‬وإذا أصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله فان الناس لم يصابوا بمثله أبدا ولن يصابوا بمثله أبدا‪.‬‬

‫)‪ (1‬لن الشيطان أول من حسد فكفر وأخرجه ال من الجنة‪ (2) .‬شره فلن ‪ -‬كفرح‬
‫‪ :-‬غلب حرصه واشتد ميله‪ (3) .‬المالى ج ‪ 2‬ص ‪ (4) .294‬التوبة‪55 :‬‬
‫و ‪ .85‬المنافقون‪ 4 :‬نظيرها‪ (5) .‬طه‪.131 :‬‬

‫]‪[296‬‬

‫‪) * .25‬باب( * * " )مواعظ موسى بن جعفر وحكمه عليهما السلم( " * ‪ - 1‬ف‬
‫)‪ :(1‬وصيته عليه السلم لهشام وصفته للعقل‪ :‬إن ال تبارك وتعالى )‪(2‬‬
‫بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال‪ " :‬فبشر عباد الذين يستمعون القول‬

‫)‪ (1‬التحف ص ‪ (2) .383‬رواه الكليني في المجلد الول من كتابه الكافي مع‬
‫اختلف نشير إليه‪ .‬وهشام هو أبو محمد وقيل‪ :‬أبو الحكم هشام بن الحكم‬
‫البغدادي الكندى مولى بنى شيبان ممن اتفق الصحاب على وثاقته وعظم‬
‫قدره ورفعة منزلته عند الئمة عليهم السلم‪ ،‬وكانت له مباحث كثيرة مع‬
‫المخالفين في الصول وغيرها‪ ،‬صحب أبا عبد ال وبعده أبا الحسن‬
‫موسى عليهما السلم وكان من أجلة أصحاب أبى عبد ال عليه السلم‬
‫وبلغ من مرتبة علوه عنده أنه دخل عليه بمنى وهو غلم أول ما اختط‬
‫عارضاه وفى مجلسه شيوخ الشيعة كحمران بن أعين وقيس الماصر‬
‫ويونس بن يعقوب وأبى جعفر الحول وغيرهم فرفعه على جماعتهم‬
‫وليس فيهم ال من هو أكبر سنا منه‪ ،‬فلما رأى أبو عبد ال عليه السلم‬
‫أن ذلك الفعل كبر على أصحابه قال‪ " :‬هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده "‪.‬‬
‫وكان له أصل وله كتب كثيرة‪ ،‬وان الصحاب كانوا يأخذون عنه‪ .‬مولده‬
‫بالكوفة ومنشاؤه واسط وتجارته بغداد وكان بياع الكرابيس وينزل الكرخ‬
‫من مدينة السلم بغداد في درب الجنب‪ ،‬ثم انتقل إلى الكوفة في أواخر‬
‫عمره ونزل قصر وضاح وتوفى سنة ‪ 199‬أو ‪ 179‬في أيام الرشيد‬
‫مستترا وكان لستتاره قصة مشهورة في المناظرات‪ ،‬وترحم عليه الرضا‬
‫عليه السلم وقيل في شأنه‪ " :‬انه من متكلمي الشيعة وبطائنهم ومن‬
‫دعى له الصادق عليه السلم فقال‪ :‬أقول لك ما قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله لحسان‪ :‬ل تزل مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك‪ .‬وهو‬
‫الذى فتق الكلم في المامة وهذب المذهب وسهل طريق الحجاج فيه‪.‬‬
‫وكان حاذقا بصناعة الكلم‪ ،‬حاضر الجواب‪ .‬وكان أول من أصحاب الجهم‬
‫بن صفوان ثم انتقل إلى القول بالمامة بالدلئل والنظر وهو منقطعا إلى‬
‫البرامكة ملزما ليحيى بن خالد وكان القيم بمجالس كلمه ونظره ثم تبع‬
‫‪----‬‬

‫]‪[297‬‬

‫فيتبعون أحسنه اولئك الذين هديهم ال وأولئك هم اولوا اللباب )‪ ." (1‬يا هشام بن‬
‫الحكم إن ال عزوجل أكمل للناس )‪ (2‬الحجج بالعقول‪ ،‬و أفضى إليهم‬
‫بالبيان‪ ،‬ودلهم على ربوبيته بالدلء‪ ،‬فقال‪ " :‬وإلهكم إله واحد ل إله إل‬
‫هو الرحمن الرحيم )‪ " ." (3‬إن في خلق السموات والرض واختلف‬
‫الليل والنهار " ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬ليات لقوم يعقلون )‪ ." (4‬يا هشام قد جعل‬
‫ال عز وجل ذلك دليل على معرفته بأن لهم مدبرا‪ ،‬فقال‪ " :‬وسخر لكم‬
‫الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك ليات‬
‫لقوم يعقلون )‪ ." (5‬وقال‪ " :‬حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآنا‬
‫عربيا لعلكم تعقلون )‪ " (6‬وقال‪ " :‬ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا‬
‫وينزل من السماء ماء فيحيي به الرض بعد موتها إن في ذلك ليات لقوم‬
‫يعقلون )‪ ." (7‬يا هشام ثم وعظ أهل العقل ورغبتهم في الخرة‪ ،‬فقال‪" :‬‬
‫وما الحيوة الدنيا إل لعب ولهو وللدار الخرة خير للذين يتقون أفل تعقلون‬
‫)‪ ." (8‬وقال‪:‬‬
‫‪ - - - -‬الصادق عليه السلم فانقطع إليه وتوفى بعد نكبة البرامكة بمدة يسيره‬
‫وقيل‪ :‬بل في خلفة المأمون‪ .‬وان العامة طعنوا فيه‪ .‬وورد في الخبار ذم‬
‫له من جهة القول بالتجسم وان الصحاب اخذوا في الذب عنه تنزيها‬
‫لساحته عن ذلك‪ ،‬ووردت روايات في مدحه ودل على جللته هذه‬
‫الروايات المذكورة في المتن الجامعة لبواب الخير والفلح‪ (1) .‬الزمر‪:‬‬
‫‪ (2) .19‬في بعض النسخ " أكمل الناس "‪ (3) .‬البقرة‪(4) .162 :‬‬
‫البقرة‪ .163 :‬والمراد باختلفهما ذهابهما ومجيئهما‪ (5) .‬النحل‪) .12 :‬‬
‫‪ (6‬الزخرف‪ (7) .3 ،2 ،1 :‬الروم‪ " .23 :‬خوفا " أي للمسافر‪ .‬و "‬
‫طمعا " للحاضر‪ (8) .‬النعام‪.32 :‬‬

‫]‪[298‬‬

‫" وما اوتيتم من شئ فمتاع الحيوة الدنيا وزينتها وما عند ال خير وأبقى أفل‬
‫تعقلون )‪ ." (1‬يا هشام ثم خوف الذين ل يعقلون عذابه‪ ،‬فقال عزوجل‪" :‬‬
‫ثم دمرنا الخرين * وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل أفل تعقلون )‬
‫‪ ." (2‬يا هشام ثم بين أن العقل مع العلم‪ ،‬فقال‪ " :‬وتلك المثال نضربها‬
‫للناس وما يعقلها إل العالمون )‪ ." (3‬يا هشام ثم ذم الذين ل يعقلون‪.‬‬
‫فقال‪ " :‬وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل ال قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا‬
‫أولو كان آباؤهم ل يعقلون شيئا ول يهتدون " )‪ (4‬وقال‪ " :‬إن شر‬
‫الدواب عند ال الصم البكم الذين ل يعقلون " )‪ .(5‬وقال‪ " :‬ولئن سألتهم‬
‫من خلق السموات والرض ليقولن ال قل الحمدل بل أكثرهم ل يعقلون )‬
‫‪ ." (6‬ثم ذم الكثرة‪ ،‬فقال‪ " :‬وإن تطع أكثر من في الرض يضلوك عن‬
‫سبيل ال )‪ " (7‬وقال‪ " :‬ولكن أكثرهم ل يعلمون )‪ " ." (8‬وأكثرهم‬

‫)‪ (1‬القصص‪ (2) .60 :‬الصافات‪ (3) .139 ،138 ،137 :‬العنكبوت‪(4) .43 :‬‬
‫البقرة‪ .165 :‬ألفينا أي وجدنا‪ (5) .‬النفال‪ .22 :‬ومثلها قوله تعالى في‬
‫سورة البقرة‪ .166 ،41 :‬وسورة يونس‪ ،43 :‬وسورة الفرقان‪.46 :‬‬
‫وسورة الحشر‪ (6) .14 :‬هذه الية في سورة لقمان‪ 24 :‬وفيه " بل‬
‫أكثرهم ل يعلمون " كما في بعض نسخ الكافي ولعله سهو من الراوى أو‬
‫اشتباه من النساخ‪ (7) .‬النعام‪ (8) .116 :‬النعام‪ .37 :‬ونظيرها قوله‬
‫تعالى‪ " :‬بل أكثرهم ل يعلمون "‪ .‬النحل‪ 77 :‬وآية ‪ .103‬وسورة النبياء‬
‫آية ‪ .24‬وسورة النمل آية ‪ .62‬وسورة لقمان‪- - - - .24 :‬‬

‫]‪[299‬‬
‫ل يشعرون )‪ ." (1‬يا هشام ثم مدح القلة‪ ،‬فقال‪ " :‬وقليل من عبادي الشكور )‪(2‬‬
‫"‪ .‬وقال‪ " :‬وقليل ماهم )‪ " (3‬وقال‪ " :‬وما آمن معه إل قليل )‪ ." (4‬يا‬
‫هشام ثم ذكر أولي اللباب بأحسن الذكر وحلهم بأحسن الحلية‪ ،‬فقال‪" :‬‬
‫يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إل‬
‫أولوا اللباب )‪ :" (5‬يا هشام إن ال يقول‪ " :‬إن في ذلك لذكرى لمن كان‬
‫له قلب )‪ " (6‬يعني العقل‪ .‬وقال‪ " :‬ولقد آتينا لقمن الحكمة )‪ " (7‬قال‪:‬‬
‫الفهم والعقل‪ .‬يا هشام إن لقمان قال لبنه‪ " :‬تواضع للحق تكن أعقل‬
‫الناس )‪ .(8‬يا بني إن الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير‪ ،‬فلتكن‬
‫سفينتك فيها تقوى ال‪ ،‬وحشوها اليمان )‪ (9‬وشراعها التوكل‪ ،‬وقيمها‬
‫العقل‪ ،‬ودليلها العلم‪ ،‬وسكانها الصبر "‪.‬‬

‫‪ - -‬وسورة الزمر‪ 30 :‬وكذا قوله تعالى‪ " :‬بل أكثرهم ل يعقلون " سورة‬
‫العنكبوت‪ 63 :‬وقوله تعالى‪ " :‬وأكثرهم ل يعقلون " سورة المائدة‪:‬‬
‫‪ (1) .102‬مضمون مأخوذ من آى القرآن‪ (2) .‬سبأ‪ (3) .13 :‬ص‪.23 :‬‬
‫" ما " تأكيد القلة‪ (4) .‬هود‪ (5) .42 :‬البقرة‪ .272 :‬ونظيرها في سورة‬
‫آل عمران‪ .187 :‬وسورة الرعد‪ 19 :‬وسورة ص‪ ،28 :‬وسورة الزمر‪:‬‬
‫‪ .12‬وسورة المؤمن‪ (6) .56 :‬ق‪ (7) .36 :‬لقمان‪ .11 :‬إلى هنا كان في‬
‫الكافي بتقديم وتأخير‪ (8) .‬وزاد في الكافي‪ :‬وان الكيس لدى الحق يسير‬
‫"‪ (9) .‬الحشو‪ :‬ماحشى بن الشئ أي ملء به والظاهر أن ضمير " فيها‬
‫" يرجع إلى ‪- - - -‬‬

‫]‪[300‬‬

‫يا هشام لكل شئ دليل‪ ،‬ودليل العاقل التفكر‪ ،‬ودليل التفكر الصمت‪ .‬ولكل شئ مطية‪،‬‬
‫ومطية العاقل التواضع )‪ (1‬وكفى بك جهل أن تركب ما نهيت عنه‪ .‬يا‬
‫هشام لو كان في يدك جوزة وقال الناس‪] :‬في يدك[ لؤلوة ما كان ينفعك‬
‫وأنت تعلم أنها جوزة‪ ،‬ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس‪ :‬إنها جوزة ما‬
‫ضرك وأنت تعلم أنها لؤلؤة‪ .‬يا هشام ما بعث ال أنبياءه ورسله إلى عباده‬
‫إل ليعقلوا عن ال‪ ،‬فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة ل‪ .‬وأعلمهم بأمر‬
‫ال أحسنهم عقل‪ ،‬وأعقلهم )‪ (2‬أرفعهم درجة في الدنيا والخرة‪ .‬يا هشام‬
‫مامن عبد إل وملك آخذ بناصيته‪ ،‬فل يتواضع إل رفعه ال ول يتعاظم إل‬
‫وضعه ال‪ .‬يا هشام إن ل على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة‪،‬‬
‫فأما الظاهرة فالرسول والنبياء‪ .‬والئمة وأما الباطنة فالعقول‪ .‬يا هشام إن‬
‫العاقل‪ ،‬الذي ل يشغل الحلل شكره‪ ،‬ول يغلب الحرام صبره‪ .‬يا هشام من‬
‫سلط ثلثا على ثلث فكأنما أعان هواه على هدم عقله‪ :‬من أظلم نور فكره‬
‫)‪ (3‬بطول أمله‪ ،‬ومحا طرائف حكمته بفضول كلمه‪ ،‬وأطفأ نور عبرته‬
‫بشهوات نفسه‪ ،‬فكأنما أعان هواه على هدم عقله‪ ،‬ومن هدم عقله أفسد‬
‫عليه دينه ودنياه‪.‬‬

‫‪ - - -‬الدنيا وضمير حشوها وما بعده يرجع إلى السفينة‪ .‬وفى بعض النسخ " فلتكن‬
‫سفينتك منها "‪ .‬و " حشوها " في بعض النسخ " جسرها "‪ .‬وشراع‬
‫السفينة ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬ما يرفع فوقها من ثوب وغيره ليدخل فيه الريح‬
‫فتجريها‪ (1) .‬في الكافي مكان العاقل " العقل " في الموضعين‪ (2) .‬في‬
‫الكافي " وأكملهم عقل "‪ (3) .‬في الكافي " من أظلم نور تفكره "‪.‬‬

‫]‪[301‬‬

‫يا هشام كيف يزكو عند ال عملك وأنت قد شغلت عقلك عن أمر ربك‪ ،‬وأطعت‬
‫هواك على غلبة عقلك‪ .‬يا هشام الصبر على الوحدة علمة قوة العقل‪ ،‬فمن‬
‫عقل عن ال تبارك وتعالى اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها‪ ،‬ورغب فيما‬
‫عند ربه ]وكان ال[ آنسه في الوحشة وصاحبه في الوحدة‪ ،‬وغناه في‬
‫العيلة‪ ،‬ومعزه في غير عشيرة )‪ .(1‬يا هشام نصب الخلق لطاعة ال )‪(2‬‬
‫ول نجاة إل بالطاعة‪ ،‬والطاعة بالعلم‪ .‬والعلم بالتعلم‪ ،‬والتعلم بالعقل يعتقد )‬
‫‪ (3‬ول علم إل من عالم رباني‪ ،‬ومعرفة العالم بالعقل‪ .‬يا هشام قليل العمل‬
‫من العاقل مقبول مضاعف‪ ،‬وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود‪ .‬يا‬
‫هشام إن العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة‪ .‬ولم يرض بالدون من‬
‫الحكمة مع الدنيا‪ ،‬فلذلك ربحت تجارتهم‪ .‬يا هشام إن كان يغنيك ما يكفيك‬
‫فأدنى ما في الدنيا يكفيك‪ .‬وإن كان ل يغنيك ما يكفيك فليس شئ من الدنيا‬
‫يغنيك‪ .‬يا هشام إن العقلء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب‪ ،‬وترك الدنيا‬
‫من الفضل وترك الذنوب من الفرض )‪ .(4‬يا هشام إن العقلء زهدوا في‬
‫الدنيا ورغبوا في الخرة‪ ،‬لنهم علموا أن‬

‫)‪ (1‬العيلة‪ :‬الفاقة‪ (2) .‬نصب ‪ -‬من باب علم ‪ :-‬تعب وأعيا‪ .‬وفى الكافي " ونصب‬
‫الحق لطاعة ال "‪ (3) .‬اعتقد الشئ‪ :‬نقيض حله‪ .‬وفى بعض النسخ "‬
‫يعتقل " هو أيضا نقيض حل أي يمسك ويشد‪ (4) .‬وزاد في الكافي " يا‬
‫هشام ان العاقل نظر إلى الدنيا والى أهلها فعلم أنها ل تنال ال بالمشقة‬
‫ونظر إلى الخرة فعلم انها ل تنال ال بالمشقة‪ ،‬فطلب بالمشقة أبقاهما "‬

‫]‪[302‬‬

‫الدنيا طالبة ومطلوبة‪ ،‬والخرة طالبة ومطلوبة )‪ (1‬فمن طلب الخرة طلبته الدنيا‬
‫حتى يستوفى منها رزقه ومن طلب الدنيا طلبته الخرة فيأتيه الموت فيفسد‬
‫عليه دنياه وآخرته‪ .‬يا هشام من أراد الغنى بل مال‪ ،‬وراحة القلب من‬
‫الحسد‪ ،‬والسلمة في الدين فليتضرع إلى ال في مسألته بأن يكمل عقله‪،‬‬
‫فمن عقل قنع بما يكفيه‪ ،‬ومن قنع بما يكفيه استغنى‪ ،‬ومن لم يقنع بما‬
‫يكفيه لم يدرك الغنى أبدا‪ .‬يا هشام إن ال عزوجل حكى عن قوم صالحين‬
‫أنهم قالوا‪ " :‬ربنا ل تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك‬
‫أنت الوهاب )‪ " (2‬حين علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورادها )‬
‫‪ .(3‬إنه لم يخف ال من لم يعقل عن ال‪ ،‬ومن لم يعقل عن ال لم يعقد قلبه‬
‫على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه‪ ،‬ول يكون أحد كذلك إل‬
‫من كان قوله لفعله مصدقا‪ ،‬وسره لعلنيته موافقا‪ ،‬لن ال لم يدل )‪(4‬‬
‫على الباطن الخفي من العقل إل بظاهر منه وناطق عنه‪ .‬يا هشام كان أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم يقول‪ :‬ما من شئ عبد ال به )‪ (5‬أفضل من العقل‬
‫وماتم عقل امرء حتى يكون فيه خصال شتى‪ ،‬الكفر والشر منه مأمونان )‬
‫‪ .(6‬والرشد والخير منه مأمولن )‪ (7‬وفضل ماله مبذول‪ ،‬وفضل قوله‬
‫مكفوف‪ ،‬نصيبه‬

‫)‪ (1‬في الكافي " أن الدنيا طالبة مطلوبة وأن الخرة طالبة ومطلوبة‪ (2) .‬آل‬
‫عمران‪ (3) .7 :‬الردى‪ :‬الهلك‪ (4) .‬في بعض النسخ " ل يدل "‪(5) .‬‬
‫في الكافي " ما عبد ال بشئ "‪ (6) .‬الكفر في العتقاد‪ ،‬والشر في القول‬
‫والعمل‪ ،‬والكل ينشأ من الجهل‪ ،‬وفى بعض النسخ " مأمون "‪(7) .‬‬
‫الرشد في العتقاد والخير في القول والكل ناش من العقل‪ .‬وفى بعض‬
‫النسخ " مأمول "‪.‬‬

‫]‪[303‬‬

‫من الدنيا القوت‪ ،‬ول يشبع من العلم دهره‪ ،‬الذل أحب إليه مع ال من العز مع‬
‫غيره‪ ،‬والتواضع أحب إليه من الشرف‪ ،‬يستكثر قليل المعروف من غيره‪،‬‬
‫ويستقل كثير المعروف من نفسه‪ .‬ويرى الناس كلهم خيرا منه وأنه شرهم‬
‫في نفسه‪ .‬وهو تمام المر )‪ .(1‬يا هشام من صدق لسانه زكي عمله‪ ،‬ومن‬
‫حسنت نيته زيد في رزقه‪ ،‬ومن حسن بره بإخوانه وأهله مد في عمر‪ .‬يا‬
‫هشام ل تمنحوا الجهال الحكمة فتظلموها )‪ ،(2‬ول تمنعوها أهلها‬
‫فتظلموهم‪ .‬يا هشام كما تركوا لكم الحكمة فاتركوا لهم الدنيا )‪ .(3‬يا هشام‬
‫ل دين لمن ل مروة له‪ ،‬ول مروة لمن ل عقل له‪ ،‬وإن أعظم الناس قدرا‬
‫الذي ل يرى الدنيا لنفسه خطرا )‪ ،(4‬أما إن أبدانكم ليس لها ثمن إل‬
‫الجنة‪ ،‬فل تبيعوها بغيرها )‪.(5‬‬
‫)‪ (1‬أي ملك المر وتمامه في أن يكون النسان كامل تام العقل هو كونه متصفا‬
‫بمجموعة هذه الخصال‪ (2) .‬ل تمنحوا الجهال أي ل تعطوهم ول‬
‫تعلموهم‪ .‬والمنحة‪ :‬العطاء‪ (3) .‬في الكافي ههنا " يا هشام ان العاقل ل‬
‫يكذب وان كان فيه هواه "‪ (4) .‬أي قدرا ورفعة‪ .‬والخطر‪ :‬الحظ‬
‫والنصيب والقدر والمنزلة‪ (5) .‬ههنا كلم نقله صاحب الوافى عن استاذه‬
‫‪ -‬رحمهما ال ‪ -‬قال‪ :‬ذلك لن البدان في التناقص يوما فيوما لتوجه‬
‫النفس منها إلى عالم آخر فان كانت النفس سعيدة كانت غاية سعيه في‬
‫هذه الدنيا وانقطاع حياته البدنية إلى ال سبحانه والى نعيم الجنة لكونه‬
‫على منهج الهداية والستقامة فكأنه باع بدنه بثمن الجنة معاملة مع ال‬
‫تعالى ولهذا خلقه ال عزوجل وان كانت شقية كانت غاية سعيه وانقطاع‬
‫أجله وعمره إلى مقارنة الشيطان وعذاب النيران لكونه على طريق‬
‫الضللة فكأنه باع بدنه بثمن الشهوات الفانية واللذات الحيوانية التى‬
‫ستصير نيرانات محرقة مؤلمة وهى اليوم كامنة مستورة عن حواس أهل‬
‫الدنيا وستبرز يوم القيامة " وبرزت الجحيم لمن يرى " معاملة مع‬
‫الشيطان وخسر هنالك المبطلون‪.‬‬

‫]‪[304‬‬

‫يا هشام إن أمير المؤمنين عليه السلم كان يقول )‪ " :(1‬ل يجلس في صدر‬
‫المجلس إل رجل فيه ثلث خصال‪ :‬يجيب إذا سئل‪ ،‬وينطق إذا عجز القوم‬
‫عن الكلم‪ ،‬ويشير بالرأي الذي فيه صلح أهله‪ ،‬فمن لم يكن فيه شئ‬
‫منهن فجلس فهو أحمق "‪ .‬وقال الحسن بن علي عليهما السلم‪ " :‬إذا‬
‫طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها " قيل‪ :‬يا ابن رسول ال ومن أهلها ؟‬
‫قال‪ " :‬الذين قص ال في كتابه وذكرهم فقال‪ " :‬إنما يتذكر أولو اللباب )‬
‫‪ " (2‬قال‪ :‬هم أولو العقول "‪ .‬وقال علي بن الحسين عليهما السلم‪:‬‬
‫مجالسة الصالحين داعية إلى الصلح‪ .‬وأدب العلماء )‪ (3‬زيادة في العقل‪،‬‬
‫وطاعة ولة العدل تمام العز‪ ،‬واستثمار المال )‪ (4‬تمام المروة‪ ،‬وإرشاد‬
‫المستشير قضاء لحق النعمة‪ ،‬وكف الذى من كمال العقل وفيه راحة البدن‬
‫عاجل وآجل "‪ .‬يا هشام إن العاقل ل يحدث من يخاف تكذيبه‪ ،‬ول يسأل‬
‫من يخاف منعه‪ ،‬ول يعد مال يقدر عليه‪ ،‬ول يرجو ما يعنف برجائه )‪(5‬‬
‫ول يتقدم على ما يخاف العجز عنه )‪ (6‬وكان أمير المؤمنين عليه السلم‬
‫يوصي أصحابه يقول‪ " :‬أوصيكم بالخشية‬

‫)‪ (1‬في الكافي " ان من علمة العاقل أن يكون فيه ثلث خصال‪ :‬يجيب إذا سئل‬
‫وينطق إذا عجز القوم عن الكلم‪ .‬ويشير بالرأى الذى يكون فيه صلح‬
‫أهله‪ ،‬فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلث شئ فهو أحمق‪ ،‬ان أمير‬
‫المؤمنين عليه السلم قال‪ :‬ل يجلس في صدر المجلس ال رجل فيه هذه‬
‫الخصال الثلث أو واحدة منهن ‪ -‬الخ "‪ (2) .‬الزمر‪ (3) .12 :‬في الكافي‬
‫" وآداب العلماء "‪ (4) .‬أي استنماؤه بالكسب والتجارة "‪ (5) .‬التعنيف‪:‬‬
‫اللؤم والتوبيخ والتقريع‪ .‬والمراد ان العاقل ل يرجو فوق ما يستحقه وما‬
‫لم يستعده‪ (6) .‬في الكافي " ول يقدم على ما يخاف فوته بالعجز عنه "‪.‬‬
‫أي ل يبادر إلى فعل قبل أوانه خوفا من أن يفوته بالعجز عنه في وقته‪.‬‬

‫]‪[305‬‬

‫من ال في السر والعلنية‪ ،‬والعدل في الرضا والغضب‪ ،‬والكتساب في الفقر والغنى‬


‫وأن تصلوا من قطعكم‪ ،‬وتعفوا عمن ظلمكم‪ ،‬وتعطوا )‪ (1‬على من حرمكم‪،‬‬
‫وليكن نظركم عبرا‪ ،‬وصمتكم فكرا‪ ،‬وقولكم ذكرا‪ ،‬وطبيعتكم السخاء )‪(2‬‬
‫فإنه ل يدخل الجنة بخيل‪ ،‬ول يدخل النار سخي "‪ .‬يا هشام رحم ال من‬
‫استحيا من ال حق الحياء‪ ،‬فحفظ الرأس وما حوى )‪ .(3‬والبطن وما‬
‫وعى‪ ،‬وذكر الموت والبلى‪ ،‬وعلم أن الجنة محفوفة بالمكاره )‪ (4‬والنار‬
‫محفوفة بالشهوات‪ .‬يا هشام من كف نفسه عن أعراض الناس أقاله ال‬
‫عثرته يوم القيامة‪ ،‬ومن كف غضبه عن الناس كف ال عنه غضبه يوم‬
‫القيامة‪ .‬يا هشام إن العاقل ل يكذب وإن كان فيه هواه‪ .‬يا هشام وجد في‬
‫ذؤابة )‪ (5‬سيف رسول ال صلى ال عليه وآله أن أعتى الناس على ال‬

‫)‪ (1‬في بعض نسخ المصدر " وتعطفوا "‪ (2) .‬في بعض نسخ المصدر " واياكم‬
‫والبخل وعليكم بالسخاء "‪ " (3) .‬وما حوى " أي ما حواه الرأس من‬
‫الوهام والفكار بأن يحفظها ول يبديها ويمكن أن يكون المراد ما حواه‬
‫الرأس من العين والذن وسائر المشاعر بأن يحفظها عما يحرم عليه‪.‬‬
‫وما وعى أي ما جمعه من الطعام والشراب بأن ل يكونا من حرام‪ .‬والبلى‬
‫‪ -‬بالكسر ‪ :-‬الندراس والضمحلل‪ (4) .‬المحفوفة‪ :‬المحيطة‪ .‬والمكاره‪:‬‬
‫جمع مكرهة ‪ -‬بفتح الراء وضمها ‪ :-‬ما يكرهه النسان ويشق عليه‪.‬‬
‫والمراد أن الجنة محفوفة بما يكره النفس من القوال والفعال فتعمل‬
‫بها‪ ،‬فمن عمل بها دخل الجنة‪ ،‬والنار محفوفة بلذات النفس وشهواتها‪،‬‬
‫فمن اعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار‪ (5) .‬الذؤابة من كل شئ‪:‬‬
‫أعله‪ .‬ومن السيف‪ :‬علقته‪ .‬ومن السوط‪ :‬طرفه‪ .‬ومن الشعر‪ :‬ناصيته‪.‬‬
‫وعتا يعتو عتوا‪ ،‬وعتى يعتى عتيا بمعنى واحد أي استكبر وتجاوز الحد‪،‬‬
‫والعتو‪ :‬الطغيان والتجاوز عن الحدود والتجبر‪.‬‬

‫]‪[306‬‬
‫من ضرب غير ضاربه وقتل غير قاتله‪ ،‬ومن تولى غير مواليه فهو كافر بما أنزل‬
‫ال على نبيه محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬ومن أحدث حدثا )‪ ،(1‬أو آوى‬
‫محدثا لم يقبل ال منه يوم القيامة صرفا ول عدل‪ .‬يا هشام أفضل ما يتقرب‬
‫به العبد إلى ال بعد المعرفة به‪ :‬الصلة‪ ،‬وبر الوالدين‪ ،‬وترك الحسد‬
‫والعجب والفخر‪ .‬يا هشام أصلح أيامك الذي هو أمامك‪ ،‬فانظر أي يوم هو‪،‬‬
‫وأعد له الجواب‪ ،‬فإنك موقوف ومسؤول‪ ،‬وخذ موعظتك من الدهر وأهله‪،‬‬
‫فإن الدهر طويلة قصيرة فاعمل كانك ترى ثواب عملك لتكن أطمع في ذلك‪.‬‬
‫واعقل عن ال وانظر )‪ (2‬في تصرف الدهر وأحواله‪ ،‬فإن ما هو آت من‬
‫الدنيا كما ولى منها‪ ،‬فاعتبر بها‪ .‬وقال علي بن الحسين عليهما السلم‪" :‬‬
‫إن جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الرض ومغاربها بحرها‬
‫وبرها وسهلها وجبلها عند ولي من أولياء ال وأهل المعرفة بحق ال‬
‫كفيئ الظلل ‪ -‬ثم قال عليه السلم ‪ :-‬أول حر يدع ]هذه[ اللماظة لهلها )‬
‫‪ - (3‬يعني الدنيا ‪ -‬فليس لنفسكم ثمن إل الجنة فل تبيعوها بغيرها‪ ،‬فإنه‬
‫من رضي من ال بالدنيا فقد رضي بالخسيس "‪ .‬يا هشام إن كل الناس‬
‫يبصر النجوم‪ ،‬ولكن ل يهتدي بها إل من يعرف مجاريها ومنازلها‪ ،‬وكذلك‬
‫أنتم تدرسون الحكمة‪ ،‬ولكن ل يهتدي بها منكم إل من عمل بها‪ .‬يا هشام‬
‫إن المسيح عليه السلم قال للحواريين‪ " :‬يا عبيد السوء يهولكم طول‬
‫النخلة )‪ (4‬وتذكرون شوكها ومؤونة مراقيها‪ ،‬وتنسون طيب ثمرها‬

‫)‪ (1‬الحدث‪ :‬المر الحادث الذى ليس بمعتاد ول معروف في السنة‪ " (2) .‬عقل عن‬
‫ال "‪ :‬عرف عنه وبلغ عقله إلى حد يأخذ العلم عن ال فكأنه أخذ العلم‬
‫عن كتاب ال وسنة نبيه صلى ال عليه وآله‪ (3) .‬اللماظة ‪ -‬بالضم ‪ -‬بقية‬
‫الطعام في الفم‪ .‬وأيضا بقية الشئ القليل‪ .‬والمراد بها هنا الدنيا‪(4) .‬‬
‫يهولكم أي يفزعكم وعظم عليكم‪.‬‬

‫]‪[307‬‬

‫ومرافقها )‪ .(1‬كذلك تذكرون مؤونة عمل الخرة فيطول عليكم أمده‪ .‬و تنسون ما‬
‫تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها )‪ (2‬يا عبيد السوء نقوا القمح‬
‫وطيبوه وأدقوا طحنه تجدوا طعمه ويهنئكم أكله‪ ،‬كذلك فأخلصوا اليمان‬
‫وأكملوه تجدوا حلوته وينفعكم غبه )‪ ،(3‬بحق أقول لكم‪ ،‬لو وجدتم سراجا‬
‫يتوقد بالقطران )‪ (4‬في ليلة مظلمة لستضأتم به ولم يمنعكم منه ريح نتنه‪.‬‬
‫كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه‪ ،‬ول يمنعكم منه‬
‫سوء رغبته فيها‪ .‬يا عبيد الدنيا بحق أقول لكم‪ :‬ل تدركون شرف الخرة إل‬
‫بترك ما تحبون‪ ،‬فل تنظروا بالتوبة غدا‪ ،‬فان دون غد يوما وليلة وقضاء‬
‫ال )‪ (5‬فيهما يغدوا ويروح‪ .‬بحق أقول لكم‪ :‬إن من ليس عليه دين من‬
‫الناس أروح وأقل هما ممن عليه الدين وإن أحسن القضاء‪ ،‬وكذلك من لم‬
‫يعمل الخطيئة أروح هما عمل الخطيئة وإن أخلص التوبة وأناب‪ ،‬وأن‬
‫صغار الذنوب ومحقراتها )‪ (6‬من مكائد إبليس‪ ،‬يحقرها لكم ويصغرها في‬
‫أعينكم فتجتمع وتكثر فتحيط بكم‪ .‬بحق أقول لكم‪ :‬إن الناس في الحكمة‬
‫رجلن‪ :‬فرجل أتقنها بقوله وصدقها بفعله‪ ،‬ورجل أتقنها‬

‫)‪ (1‬مؤونة المراقى‪ :‬شدة الرتقاء‪ .‬والمرافق‪ :‬المنافع وهى جمع مرفق ‪ -‬بالفتح ‪:-‬‬
‫ما انتفع به‪ (2) .‬المد‪ :‬الغاية ومنتهى الشئ‪ ،‬يقال‪ :‬طال عليهم المد أي‬
‫الجل‪ .‬والنور ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬الزهرة‪ (3) .‬الغب ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬العاقبة‪ .‬وأيضا‬
‫بمعنى البعد‪ (4) .‬القطران ‪ -‬بفتح القاف وسكون الطاء وكسرها أو بكسر‬
‫القاف وسكون الطاء ‪ :-‬سيال دهنى شبيه النفط‪ ،‬يتخذ من بعض الشجار‬
‫كالصنوبر والرز فيهنأ به البل الجربى ويسرع فيه اشعال النار‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫" نتنه " أي خبث رائحته‪ (5) .‬كناية عن الموت فانه يأتي في الغداة‬
‫والرواح‪ (6) .‬في بعض النسخ " ومحقرتها "‪.‬‬

‫]‪[308‬‬

‫بقوله وضيعها بسوء فعله‪ ،‬فشتان بينهما‪ ،‬فطوبى للعلماء بالفعل وويل للعلماء‬
‫بالقول‪ .‬يا عبيد السوء اتخذوا مساجد ربكم سجونا لجسادكم وجباهكم‪،‬‬
‫واجعلوا قلوبكم بيوتا للتقوى‪ ،‬ول تجعلوا قلوبكم مأوى للشهوات‪ ،‬إن‬
‫أجزعكم عند البلء لشدكم حبا للدنيا‪ ،‬وإن أصبركم على البلء لزهدكم في‬
‫الدنيا‪ ،‬يا عبيد السوء ل تكونوا شبيها بالحداء الخاطفة )‪ (1‬ول بالثعالب‬
‫الخادعة ول بالذئاب الغادرة‪ ،‬ول بالسد العاتية كما تفعل بالفراس )‪(2‬‬
‫كذلك تفعلون بالناس‪ ،‬فريقا تخطفون وفريقا تخدعون وفريقا تغدرون بهم‬
‫)‪ .(3‬بحق أقول لكم‪ :‬ل يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحا وباطنه‬
‫فاسدا‪ ،‬كذلك ل تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم‪ .‬وما‬
‫يغني عنكم أن تنقوا جلودكم وقلوبكم دنسة‪ .‬ل تكونوا كالمنخل )‪ (4‬يخرج‬
‫منه الدقيق الطيب ويمسك النخالة‪ ،‬كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم‬
‫ويبقي الغل في صدوركم‪ ،‬يا عبيد الدنيا إنما مثلكم مثل السراج يضيئ‬
‫للناس ويحرق نفسه‪ ،‬يا بني إسرائيل زاحموا العلماء في مجالسهم ولو‬
‫جثوا على الركب )‪ ،(5‬فإن ال يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي‬
‫الرض الميتة بوابل المطر )‪." (6‬‬

‫)‪ (1‬الحداء ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬جمع حدأة ‪ -‬كعنبة ‪ :-‬طائر من الجوارح وهو نوع من‬
‫الغراب يخطف الشياء‪ ،‬والخاطفة من خطف الشئ يخطف كعلم يعلم ‪:-‬‬
‫استلبه بسرعة والغادرة‪ :‬الخائنة‪ .‬والعاتى‪ :‬الجبار‪ (2) .‬الفريسة‪ :‬ما‬
‫يفترسه السد ونحوه‪ .‬وفى بعض النسخ " بالفراش "‪ (3) .‬في بعض‬
‫النسخ " وفريقا تقدرون بهم "‪ (4) .‬المنخل ‪ -‬بضم الميم والخاء أو بفتح‬
‫الخاء ‪ :-‬ما ينخل به‪ .‬والنخالة ‪ -‬بالضم ‪ :-‬ما بقى في المنخل من القشر‬
‫ونحوه‪ (5) .‬جثا يجثو‪ .‬وجثى يجثى‪ :‬جلس على ركبته أو قام على أطراف‬
‫الصابع‪ .‬وفى بعض النسخ " حبوا " أي زحفا على الركب من حبا يحبو‬
‫وحبى يحبى " إذا مشى على أربع‪ (6) .‬الوابل‪ :‬المطر الشديد الضخم‬
‫القطر‪.‬‬

‫]‪[309‬‬

‫يا هشام مكتوب في النجيل " طوبى للمتراحمين‪ ،‬اولئك هم المرحومون يوم‬
‫القيامة‪ ،‬طوبى للمصلحين بين الناس‪ ،‬اولئك هم المقربون يوم القيامة‪،‬‬
‫طوبى للمطهرة قلوبهم‪ ،‬اولئك هم المتقون يوم القيامة‪ ،‬طوبى للمتواضعين‬
‫في الدنيا‪ ،‬اولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة "‪ .‬يا هشام قله المنطق‬
‫حكم عظيم‪ ،‬فعليكم بالصمت‪ ،‬فإنه دعة حسنة وقلة وزر وخفة من الذنوب‪.‬‬
‫فحصنوا باب الحلم‪ ،‬فإن بابه الصبر‪ ،‬وإن ال عزوجل يبغض الضحاك من‬
‫غير عجب‪ ،‬والمشاء إلى غير أرب )‪ (1‬ويجب على الوالي أن يكون‬
‫كالراعي ل يغفل عن رعيته ول يتكبر عليهم‪ ،‬فاستحيوا من ال في‬
‫سرائركم‪ ،‬كما تستحيون من الناس في علنيتكم‪ ،‬واعلموا أن الكلمة من‬
‫الحكمة ضالة المؤمن‪ ،‬فعليكم بالعلم قبل أن يرفع‪ ،‬ورفعه غيبة عالمكم بين‬
‫أظهركم‪ .‬يا هشام تعلم من العلم ما جهلت‪ ،‬وعلم الجاهل مما علمت‪ ،‬عظم‬
‫العالم لعلمه ودع منازعته‪ ،‬وصغر الجاهل لجهله‪ ،‬ول تطرده‪ ،‬ولكن قربه‬
‫وعلمه‪ .‬يا هشام إن كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ بها‪،‬‬
‫وقال أمير المؤمنين صلوات ال عليه‪ " :‬إن ل عبادا كسرت قلوبهم خشية‬
‫فأسكتتهم عن المنطق‪ ،‬وإنهم لفصحاء عقلء‪ ،‬يستبقون إلى ال بالعمال‬
‫الزكية‪ ،‬ل يستكثرون له الكثير‪ ،‬ول يرضون لهم من أنفسهم بالقليل‪ ،‬يرون‬
‫في أنفسهم أنهم أشرار وأنهم لكياس وأبرار " )‪ .(2‬يا هشام الحياء من‬
‫اليمان واليمان في الجنة‪ ،‬والبذاء من الجفاء )‪ (3‬والجفاء في النار‪.‬‬

‫)‪ (1‬المشاء‪ :‬الكثير المشى‪ .‬وأيضا النمام والمراد ههنا الول‪ .‬والرب ‪ -‬بفتحتين ‪:-‬‬
‫الحاجة‪ (2) .‬الكياس‪ :‬جمع كيس ‪ -‬كسيد ‪ :-‬الفطن‪ ،‬الظريف‪ ،‬الحسن‬
‫الفهم والدب‪ (3) .‬البذاء‪ :‬الفحش‪ .‬والبذى ‪ -‬على فعيل ‪ :-‬السفيه والذى‬
‫أفحش في منطقه‪.‬‬

‫]‪[310‬‬
‫يا هشام المتكلمون ثلثة‪ :‬فرابح وسالم وشاجب )‪ (1‬فأما الرابح فالذاكر ل‪ .‬وأما‬
‫السالم فالساكت‪ .‬وأما الشاجب فالذي يخوض في البال‪ ،‬إن ال حرم الجنة‬
‫على كل فاحش بذي‪ ،‬قليل الحياء‪ ،‬ل يبالي ما قال ول ما قيل فيه‪ ،‬وكان أبو‬
‫ذر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬يقول‪ " :‬يا مبتغي العلم إن هذا اللسان مفتاح خير‬
‫ومفتاح شر‪ ،‬فاختم على فيك كما تختم على ذهبك وورقك "‪ .‬يا هشام بئس‬
‫العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين‪ ،‬يطري أخاه إذا شاهده )‪ (2‬ويأكله‬
‫إذا غاب عنه‪ ،‬إن أعطي حسده وإن ابتلي خذله‪ ،‬إن أسرع الخير ثوابا البر‪.‬‬
‫وأسرع الشر عقوبة البغي‪ ،‬وإن شر عباد ال من تكره مجالسته لفحشه‪،‬‬
‫وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إل حصائد ألسنتهم‪ .‬ومن حسن‬
‫إسلم المرء ترك ما ل يعنيه‪ .‬يا هشام ل يكون الرجل مؤمنا حتى يكون‬
‫خائفا راجيا‪ ،‬ول يكون خائفا راجيا حتى يكون عامل لما يخاف ويرجو‪ .‬يا‬
‫هشام قال ال عزوجل‪ :‬عزتي وجللي وعظمتي وقدرتي وبهائي وعلوي‬
‫في مكاني ل يؤثر عبد هواي على هواه إل جعلت الغنى في نفسه‪ ،‬وهمه‬
‫في آخرته‪ ،‬وكففت ]عليه[ ضيعته )‪ (3‬وضمنت السماوات والرض رزقه‪،‬‬
‫وكنت له من وراء تجارة كل تاجر )‪ .(4‬يا هشام الغضب مفتاح الشر‪.‬‬
‫وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا‪ ،‬وإن خالطت الناس فإن استطعت أن‬
‫ل تخالط أحدا منهم إل من كانت يدك عليه العليا )‪ (5‬فافعل‪.‬‬

‫)‪ (1‬الشاجب‪ :‬الهذاء المكثار أي كثير الهذيان وكثير الكلم‪ .‬وأيضا الهالك‪ .‬و هو‬
‫النسب‪ (2) .‬أي يحسن الثناء وبالغ في مدحه إذا شاهده‪ ،‬ويعيبه بالسوء‬
‫ويذمه إذا غاب‪ (3) .‬الضيعة ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬حرفة الرجل وصناعته وفى‬
‫بعض النسخ " صنعته "‪ (4) .‬أي مضافا على ربح تجارتهم‪ (5) .‬اليد‬
‫العلياء‪ :‬المعطية المتعففة‪.‬‬

‫]‪[311‬‬

‫يا هشام عليك بالرفق‪ .‬فإن الرفق يمن والخرق شؤم‪ ،‬إن الرفق والبر وحسن الخلق‬
‫يعمر الديار‪ ،‬ويزيد في الرزق )‪ .(1‬يا هشام قول ال‪ " :‬هل جزاء الحسان‬
‫إل الحسان )‪ " (2‬جرت في المؤمن والكافر والبر والفاجر‪ .‬من صنع إليه‬
‫معروف فعليه أن يكافئ به‪ ،‬وليست المكافأة أن تصنع كما صنع حتى ترى‬
‫فضلك‪ ،‬فإن صنعت كما صنع فله الفضل بالبتداء )‪ .(3‬يا هشام إن مثل‬
‫الدنيا مثل الحية مسها لين وفي جوفها السم القاتل‪ ،‬يحذرها الرجال ذووا‬
‫العقول‪ ،‬ويهوي إليها الصبيان بأيديهم‪ .‬يا هشام اصبر على طاعة ال‪،‬‬
‫واصبر عن معاصي ال‪ ،‬فانما الدنيا ساعة‪ ،‬فما مضى منها فليس تجد له‬
‫سرورا ول حزنا‪ ،‬وما لم يأت منها فليس تعرفه‪ ،‬فاصبر على تلك الساعة‬
‫التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت )‪ .(4‬يا هشام مثل الدنيا مثل ماء البحر‬
‫كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله‪ .‬يا هشام إياك والكبر‪،‬‬
‫فإنه ل يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر‪ .‬الكبر رداء ال‪،‬‬
‫فمن نازعه رداءه أكبه ال في النار على وجهه‪ .‬يا هشام ليس منا من لم‬
‫يحاسب نفسه في كل يوم‪ ،‬فإن عمل حسنا استزاد منه وإن عمل سيئا‬
‫استغفر ال منه وتاب إليه‪ .‬يا هشام تمثلت الدنيا للمسيح عليه السلم في‬
‫صورة امرأة زرقاء فقال لها‪ :‬كم تزوجت ؟ فقالت‪ :‬كثيرا‪ ،‬قال‪ :‬فكل طلقك ؟‬
‫قالت‪ :‬ل بل كل قتلت‪ ،‬قال المسيح عليه السلم‪ :‬فويح لزواجك الباقين‪،‬‬
‫كيف ل يعتبرون بالماضين‪.‬‬

‫)‪ (1‬كذا‪ (2) .‬الرحمن‪ (3) .60 :‬أي له الفضيلة بسبب ابتدائه بالحسان‪ ،‬فهو أفضل‬
‫منك‪ (4) .‬اغتبط‪ :‬كان في مسرة وحسن حال‪ .‬وفى بعض النسخ " قد‬
‫احتبطت "‪.‬‬

‫]‪[312‬‬

‫يا هشام إن ضوء الجسد في عينه‪ ،‬فإن كان البصر مضيئا استضاء الجسد كله‪ .‬وإن‬
‫ضوء الروح العقل‪ ،‬فإذا كان العبد عاقل كان عالما بربع وإذا كان عالما‬
‫بربه أبصر دينه‪ .‬وإن كان جاهل بربه لم يقم له دين‪ ،‬وكما ل يقوم الجسد‬
‫إل بالنفس الحية فكذلك ل يقوم الدين إل بالنية الصادقة‪ ،‬ول تثبت النية‬
‫الصادقة إل بالعقل‪ .‬يا هشام إن الزرع ينبت في السهل ول ينبت في الصفا‬
‫)‪ (1‬فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع‪ ،‬ول تعمر في قلب المتكبر‬
‫الجبار‪ ،‬لن ال جعل التواضع آلة العقل‪ ،‬وجعل التكبر من آلة الجهل‪ ،‬ألم‬
‫تعلم أن من شمخ إلى السقف )‪ (2‬برأسه شجه )‪ (3‬ومن خفض رأسه‬
‫استظل تحت وأكنه‪ ،‬وكذلك من لم يتواضع ل خفضه ال‪ .‬ومن تواضع ل‬
‫رفعه‪ .‬يا هشام ما أقبح الفقر بعد الغنى‪ ،‬وأقبح الخطيئة بعد النسك‪ ،‬وأقبح‬
‫من ذلك العابد ل ثم يترك عبادته‪ .‬يا هشام ل خير في العيش إل لرجلين‪:‬‬
‫لمستمع واع‪ ،‬وعالم ناطق‪ .‬يا هشام ما قسم بين العباد أفضل من العقل‪،‬‬
‫نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ما بعث ال نبيا إل عاقل حتى يكون‬
‫عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين‪ .‬وما أدى العبد فريضة من فرائض‬
‫ال حتى عقل عنه )‪ .(4‬يا هشام قال رسول ال صلى ال عليه وآله‪ " .‬إذا‬
‫رأيتم المؤمن صموتا فادنوا منه‪ ،‬فانه يلقى الحكمة‪ .‬والمؤمن قليل الكلم‬
‫كثير العمل والمنافق كثير الكلم قليل العمل "‪ .‬يا هشام أوحى ال تعالى‬
‫إلى داود عليه السلم " قل لعبادي‪ :‬ل تجعلوا بيني وبينهم‬
‫)‪ (1‬الصفا‪ :‬الحجر الصلد الضخم‪ (2) .‬شمخ ‪ -‬من باب منع ‪ :-‬عل ورفع‪ (3) .‬أي‬
‫كسره وجرحه‪ (4) .‬أي ما يؤدى العبد فريضة من فرائض ال حتى عرف‬
‫ال إلى حد التعقل‪ ،‬أو أخذ عنه‪.‬‬

‫]‪[313‬‬

‫عالما مفتونا بالدنيا فيصدهم عن ذكري‪ ،‬وعن طريق محبتي ومناجاتي‪ ،‬اولئك‬
‫قطاع الطريق من عبادي‪ ،‬إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلوة محبتي‬
‫)‪ (1‬ومناجاتي من قلوبهم‪ .‬يا هشام من تعظم في نفسه لعنته ملئكة‬
‫السماء وملئكة الرض‪ ،‬ومن تكبر على إخوانه واستطال عليهم فقد ضاد‬
‫ال )‪ (2‬ومن ادعى ما ليس له فهو أعنى لغير رشده )‪ .(3‬يا هشام أوحى‬
‫ال تعالى إلى داود عليه السلم " يا داود حذر‪ ،‬فأنذر )‪ (4‬أصحابك عن‬
‫حب الشهوات‪ ،‬فإن المعلقة قلوبهم شهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عني "‪.‬‬
‫يا هشام إياك والكبر على أوليائي والستطالة بعلمك فيمقتك ال‪ ،‬فل تنفعك‬
‫بعد مقته دنياك ول آخرتك‪ .‬وكن في الدنيا كساكن دار ليست له‪ ،‬إنما ينتظر‬
‫الرحيل‪ .‬يا هشام مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والخرة‪ ،‬ومشاورة العاقل‬
‫الناصح يمن وبركة ورشد وتوفيق من ال‪ ،‬فإذا أشار )‪ (5‬عليك العاقل‬
‫الناصح فإياك والخلف فإن في ذلك العطب )‪ .(6‬يا هشام إياك ومخالطة‬
‫الناس والنس بهم إل أن تجد منهم عاقل ومأمونا فآنس به واهرب من‬
‫سائرهم كهربك من السباع الضارية )‪ (7‬وينبغي للعاقل إذا‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " عبادتي "‪ (2) .‬استطال عليهم‪ :‬أي تفضل عليهم‪ (3) .‬أعنى‬
‫اعناء ‪ -‬يائى ‪ -‬الرجل‪ :‬أذاه وكلفه ما يشق عليه‪ .‬وفى بعض النسخ "‬
‫أعنى لغيره " أي يدخل غيره في العناء والتعب‪ (4) .‬في بعض النسخ "‬
‫وانذر " وفى بعضها " ونذر "‪ (5) .‬في بعض النسخ " فإذا استشار "‪.‬‬
‫)‪ (6‬العطب‪ :‬الهلك‪ (7) .‬الضارى‪ :‬الحيوان السبع‪ ،‬من ضرى الكلب‬
‫بالصيد يضرى‪ :‬تعوده وأولع به وأيضا‪ :‬تطعم بلحمه ودمه‪.‬‬

‫]‪[314‬‬

‫عمل عمل أن يستحيي من ال‪ ،‬وإذا تفرد له بالنعم أن يشارك في عمله أحدا غيره )‬
‫‪ (1‬وإذا خر بك )‪ (2‬أمر ان ل تدري أيهما خير وأصوب‪ ،‬فانظر أيهما أقرب‬
‫إلى هواك فخالفه‪ ،‬فإن كثير الصواب في مخالفة هواك‪ ،‬وإياك أن تغلب‬
‫الحكمة وتضعها في الجهالة )‪ (3‬قال هشام‪ :‬فقلت له‪ :‬فإن وجدت رجل‬
‫طالبا له غير أن عقله ل يتسع لضبط ما القي إليه ؟ قال عليه السلم‪:‬‬
‫فتلطف له في النصيحة‪ ،‬فان ضاق قلبه ]‍ف[ ل تعرضن نفسك للفتنة‪ ،‬واحذر‬
‫رد المتكبرين‪ ،‬فإن العلم يذل على أن يملى على من ل يفيق )‪ (4‬قلت‪ :‬فإن‬
‫لم أجد من يعقل السؤال عنها قال عليه السلم‪ :‬فاغتنم جهله عن السؤال‬
‫حتى تسلم من فتنة القول وعظيم فتنة الرد‪ ،‬واعلم أن ال لم يرفع‬
‫المتواضعين بقدر تواضعهم‪ ،‬ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده‪ ،‬ولم يؤمن‬
‫الخائفين بقدر خوفهم ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده‪ ،‬ولم يفرج‬
‫المحزونين )‪ (5‬بقدر حزنهم ولكن بقدر رأفته ورحمته‪ .‬فما ظنك بالرؤوف‬
‫الرحيم الذي يتودد إلى من يؤذيه بأوليائه‪ ،‬فكيف بمن يؤذى فيه‪ ،‬وما ظنك‬
‫بالتواب‬

‫)‪ (1‬كذا‪ .‬أي إذا اختص العاقل بنعمة ينبغى له أن يشارك غيره في هذه النعمة بأن‬
‫يعطيه منها‪ .‬وفى بعض النسخ " إذ تفرد له "‪ .‬والظاهر سقطت لفظة "‬
‫ل " من قوله " أن يشارك " والمعنى واضح‪ (2) .‬في بعض النسخ "‬
‫وإذا مر بك أمران " وخربه أمر أي نزل به وأهمه‪ (3) .‬قال المؤلف ‪-‬‬
‫رحمه ال ‪ :-‬وفيه حذفا وايصال أي تغلب على الحكمة أي يأخذها منك‬
‫قهرا من ل يستحقها بأن يقرأ على صيغة المجهول أو على المعلوم أي‬
‫تغلب على الحكمة فانها تأبى عمن ل يستحقها‪ .‬ويحتمل أن يكون بالفاء‬
‫والتاء من الفلت بمعنى الطلق فانهم يقولون‪ :‬انفلت منى كلم أي‬
‫صدر بغير روية‪ .‬وفى بعض النسخ المنقولة من الكتاب " واياك أن تطلب‬
‫الحكمة وتضعها في الجهال "‪ (4) .‬الفاقة‪ :‬الرجوع عن السكر والغماء‬
‫والغفلة إلى حال الستقامة‪ .‬وفى بعض النسخ " فان العلم يدل على أن‬
‫يحمل على من ل يفيق " وفى بعضها " يجلى " مكان يملى‪ (5) .‬في‬
‫بعض النسخ " ولم يفرح المحزونين "‪.‬‬

‫]‪[315‬‬

‫الرحيم الذي يتوب على من يعاديه‪ ،‬فكيف بمن يترضاه )‪ (1‬ويختار عداوة الخلق‬
‫فيه‪ .‬يا هشام من أحب الدنيا ذهب خوف الخرة من قلبه‪ ،‬وما اوتي عبد‬
‫علما فازداد للدنيا حبا إل ازداد من ال بعدا‪ ،‬وازداد ال عليه غضبا‪ .‬يا‬
‫هشام إن العاقل اللبيب من ترك مال طاقة له به‪ ،‬وأكثر الصواب في خلف‬
‫الهوى‪ ،‬ومن طال أمله ساء عمله‪ .‬يا هشام لو رأيت مسير الجل للهاك‬
‫عن المل‪ .‬يا هشام إياك والطمع‪ ،‬وعليك باليأس مما في أيدي الناس‪،‬‬
‫وأمت الطمع من المخلوقين‪ ،‬فإن الطمع مفتاح للذل )‪ (2‬واختلس العقل‬
‫واختلق المروات )‪ .(3‬وتدنيس العرض‪ ،‬والذهاب بالعلم وعليك‬
‫بالعتصام بربك والتوكل عليه‪ .‬وجاهد نفسك لتردها عن هواها‪ ،‬فإنه‬
‫واجب عليك كجهاد عدوك‪ ،‬قال هشام‪ :‬فقلت له‪ :‬فاي العداء أوجبهم‬
‫مجاهدة قال عليه السلم‪ :‬أقربهم إليك وأعداهم لك وأضرهم بك وأعظمهم‬
‫لك عداوة وأخفاهم لك شخصا مع دنوه منك‪ ،‬ومن يحرض )‪ (4‬أعداءك‬
‫عليك وهو إبليس الموكل بوسواس ]من[ القلوب فله فلتشتد عداوتك )‪.(5‬‬
‫ول يكونن أصبر على مجاهدتك لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته‪ ،‬فإنه‬
‫أضعف منك ركنا في قوته )‪ (6‬وأقل منك ضررا في كثرة شره‪.‬‬

‫)‪ (1‬يترضاه‪ :‬أي يطلب رضاه‪ (2) .‬في بعض النسخ " الذل "‪ (3) .‬الختلق‪:‬‬
‫الفتراء‪ .‬وفى بعض النسخ " واخلق " والظاهر أنه جمع خلق ‪-‬‬
‫بالتحريك ‪ -‬أي البالى‪ .‬والعرض‪ :‬النفس والخليقة المحمودة ‪ -‬وأيضا‪ :‬ما‬
‫يفتخر النسان من حسب وشرف‪ (4) .‬وفى بعض النسخ " ومن يحرص‬
‫"‪ (5) .‬في بعض النسخ " فلتشد "‪ (6) .‬الركن‪ :‬العز والمنعة‪ .‬وأيضا‪:‬‬
‫ما يقوى به‪ .‬والمر العظيم‪ .‬أي ل يكون صبره في المجاهدة قوى منأك‬
‫فمع قوته وكثرة شره أضعف منك ركنا وأقل ضررا‪.‬‬

‫]‪[316‬‬

‫إذا أنت اعتصمت بال فقد هديت إلى صراط مستقيم‪ .‬يا هشام من أكرمه ال بثلث‬
‫فقد لطف به‪ :‬عقل يكفيه مؤونة هواه‪ ،‬وعلم يكفيه مؤونة جهله‪ ،‬وغنى‬
‫يكفيه مخافة الفقر‪ .‬يا هشام احذر هذه الدنيا واحذر أهلها‪ ،‬فإن الناس فيها‬
‫على أربعة أصناف‪ :‬رجل متردي معانق لهواه‪ ،‬ومتعلم مقري )‪ (1‬كلما‬
‫ازداد علما ازداد كبرا‪ ،‬يستعلى )‪ (2‬بقراءته وعلمه على من هو دونه‪،‬‬
‫وعابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته‪ ،‬يحب أن يعظم ويوقر‪ ،‬وذو‬
‫بصيرة عالم عارف بطريق الحق يحب القيام به‪ ،‬فهو عاجز أو مغلوب ول‬
‫يقدر على القيام بما يعر‍ف ]‪ -‬ه[ فهو محزون مغموم بذلك‪ ،‬فهو أمثل أهل‬
‫زمانه )‪ (3‬وأوجههم عقل‪ .‬يا هشام أعرف العقل وجنده‪ ،‬والجهل وجنده‬
‫تكن من المهتدين‪ ،‬قال هشام‪ :‬فقلت جعلت فداك ل نعرف إل ما عرفتنا ؟‬
‫فقال عليه السلم‪ :‬يا هشام إن ال خلق العقل وهو أول خلق خلقه ال من‬
‫الروحانيين عن يمين العرش من نوره )‪ (4‬فقال له‪ :‬أدبر فأدبر‪ .‬ثم قال له‪:‬‬
‫أقبل فأقبل‪ .‬فقال ال عزوجل‪ :‬خلقتك خلقا ]عظيما[ وكرمتك على جميع‬
‫خلقي‪ .‬ثم خلق الجهل من البحر الجاج الظلماني‪ ،‬فقال له‪ :‬أدبر فأدبر‪ ،‬ثم‬
‫قال له‪ :‬أقبل‪ ،‬فلم يقبل‪ .‬فقال له‪ :‬استكبرت فلعنه‪ .‬ثم جعل للعقل خمسة‬

‫)‪ (1‬فاعل من قرأوفى بعض النسخ " متقرى "‪ (2) .‬في بعض النسخ " يستعلن‬
‫"‪ (3) .‬المثل‪ :‬الفضل‪ (4) .‬عن يمين العرش أي أقوى جانبيه‬
‫وأشرفهما‪ .‬و " من نوره " أي من نور ذاته‪ " .‬فقال له الخ " مضى‬
‫بيان ما فيه في أوائل ج ‪ 77‬من كلمات رسول ال صلى ال عليه وآله في‬
‫حكمه مواعظه فليطلبه هنا‪ .‬قوله عليه السلم‪ " :‬فل يكون خلفا أعظم‬
‫منه " إذ به يقوم كل شئ فيكون أكرم من كل مخلوق‪ .‬والجهل يكون منبع‬
‫الشرور فله قابلية لكل شر‪.‬‬

‫]‪[317‬‬

‫وسبعين جندا‪ ،‬فلما رأى الجهل ما كرم ال به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة‬
‫فقال الجهل‪ :‬يا رب هذا خلق مثلي خلقته وكرمته وقويته وأنا ضده ول قوة‬
‫لي به أعطني من الجند مثل ما أعطيته ؟ فقال تبارك وتعالى‪ :‬نعم‪ ،‬فإن‬
‫عصيتني بعد ذلك أخرجتك وجندك من جواري ومن رحمتي‪ ،‬فقال‪ :‬قد‬
‫رضيت‪ .‬فأعطاه ال خمسة وسبعين جندا‪ ،‬فكان مما أعطى العقل من‬
‫الخمسة والسبعين جندا‪ (1) :‬الخير‪ ،‬وهو وزير العقل‪ .‬وجعل ضده الشر‪،‬‬
‫وهو وزير الجهل‪ .‬اليمان‪ ،‬الكفر‪ .‬التصديق‪ ،‬التكذيب‪ .‬الخلص‪ ،‬النفاق‪.‬‬
‫الرجاء‪ ،‬القنوط‪ .‬العدل‪ ،‬الجور‪ .‬الرضى‪ ،‬السخط‪ .‬الشكر‪ ،‬الكفران‪ .‬اليأس‪،‬‬
‫الطمع‪ .‬التوكل‪ ،‬الحرص‪ .‬الرأفة‪ ،‬الغلظة‪ .‬العلم‪ ،‬الجهل‪ .‬العفة‪ ،‬التهتك‪.‬‬
‫الزهد‪ ،‬الرغبة‪ .‬الرفق‪ ،‬الخرق‪ .‬الرهبة‪ ،‬الجرأة‪ .‬التواضع‪ ،‬الكبر‪ .‬التؤدة )‬
‫‪ ،(2‬العجلة‪ .‬الحلم‪ ،‬السفه‪ .‬الصمت‪ ،‬الهذر )‪ .(3‬الستسلم‪ ،‬الستكبار‪.‬‬
‫التسليم‪ ،‬التجبر‪ .‬العفو‪ ،‬الحقد‪ .‬الرحمة‪ ،‬القسوة‪ .‬اليقين‪ ،‬الشك‪ .‬الصبر‪،‬‬
‫الجزع‪ .‬الصفح‪ ،‬النتقام‪ .‬الغنى‪ ،‬الفقر‪ .‬التفكر‪ ،‬السهو‪ .‬الحفظ‪ ،‬النسيان‪.‬‬
‫التواصل‪ ،‬القطيعة‪ .‬القناعة‪ ،‬الشره )‪ .(4‬المؤاساة‪ ،‬المنع‪ .‬المودة‪ ،‬العداوة‪.‬‬

‫)‪ (1‬المذكور هنا ‪ 71‬جندا وفى الكافي ثمانية وسبعون لكنه تكرر بعض الجنود ول‬
‫يخفى أن الجنود أكثر لكن ذكر منها الهم‪ (2) .‬التؤدة ‪ -‬بالضم ‪ :-‬الرزانة‬
‫والتأنى‪ ،‬يقال‪ :‬توأد في المر أي تأتى وتمهل‪ (3) .‬الهذر ‪ -‬بالتحريك ‪:-‬‬
‫الهذيان والكلم الذى ل يعبأ به‪ ،‬يقال‪ :‬هذر فلن في منطقه ‪ -‬من باب‬
‫ضرب ونصر ‪ .-‬خلط وتكلم بما ل ينبغى‪ (4) .‬الشره ‪ -‬بالتحريك ‪ -‬مصدر‬
‫باب فرح ‪ :-‬الحرص يقال‪ :‬شره إلى الطعام‪ :‬اشتد ميله إليه‪ .‬ويمكن أن‬
‫يكون كما في بعض النسخ " الشرة " بالكسر فالتشديد أي الحدة‬
‫والحرص‪.‬‬

‫]‪[318‬‬

‫الوفاء‪ ،‬الغدر‪ .‬الطاعة‪ ،‬المعصية‪ .‬الخضوع‪ ،‬التطاول )‪ .(1‬السلمة‪ ،‬البلء‪ .‬الفهم‪،‬‬


‫الغباوة )‪ .(2‬المعرفة‪ ،‬النكار‪ .‬المداراة‪ ،‬المكاشفة‪ .‬سلمة الغيب‪ ،‬المماكرة‬
‫)‪ .(3‬الكتمان‪ ،‬الفشاء‪ .‬البر‪ ،‬العقوق‪ .‬الحقيقة‪ ،‬التسويف )‪ .(4‬المعروف‪،‬‬
‫المنكر‪ .‬التقية‪ ،‬الذاعة‪ .‬النصاف‪ ،‬الظلم‪ .‬التقى‪ ،‬الحسد )‪ .(5‬النظافة‪،‬‬
‫القذر‪ .‬الحياء‪ ،‬القحة )‪ .(6‬القصد‪ ،‬السراف‪ .‬الراحة‪ ،‬التعب‪ .‬السهولة‪،‬‬
‫الصعوبة‪ .‬العافية‪ ،‬البلوى‪ .‬القوام‪ ،‬المكاثرة )‪ .(7‬الحكمة‪ ،‬الهوى‪ .‬الوقار‪،‬‬
‫الخفة‪ .‬السعادة‪ ،‬الشقاء‪ .‬التوبة‪ ،‬الصرار‪ .‬المحافظة‪ ،‬التهاون )‪.(8‬‬
‫الدعاء‪ ،‬الستنكاف‪ .‬النشاط‪ ،‬الكسل‪ .‬الفرح‪ ،‬الحزن‪ .‬اللفة‪ ،‬الفرقة‪.‬‬
‫السخاء‪ ،‬البخل‪ .‬الخشوع‪ ،‬العجب‪ .‬صون الحديث‪ ،‬النميمة )‪ (9‬الستغفار‪،‬‬
‫الغترار‪ .‬الكياسة‪ ،‬الحمق‪.‬‬

‫)‪ (1‬التطاول‪ :‬التكبر والترفع‪ (2) .‬الغباوة‪ :‬الغفلة وقلة الفطنة‪ (3) .‬المماكرة‪:‬‬
‫المخادعة‪ (4) .‬التسويف‪ :‬المطل والتأخير‪ (5) .‬في بعض النسخ "‬
‫النفى‪ ،‬الحسد " ولعله تصحيف‪ .‬وفى بعضها " النقى "‪ (6) .‬القح ‪-‬‬
‫بالضم ‪ -‬الجافي‪ .‬ويمكن أن يكون قحة مصدر وقح‪ :‬الوقاحة وقلة الحياء‪.‬‬
‫وفى بعض النسخ " القيحة "‪ (7) .‬القوام ‪ -‬بالفتح ‪ :-‬العدل والعتدال‪.‬‬
‫والمكاثرة‪ :‬المفاخرة والمغالبة في الكثرة بالمال أو العدد‪ (8) .‬في بعض‬
‫النسخ " المخافة التهاون "‪ (9) .‬في بعض النسخ " صدق الحديث‪،‬‬
‫النميمة "‪.‬‬

‫]‪[319‬‬

‫يا هشام ل تجمع )‪ (1‬هذه الخصال إل لنبي أو وصي أو مؤمن امتحن ال قلبه‬
‫لليمان‪ .‬وأما سائر ذلك من المؤمنين فإن أحدهم ل يخلو من أن يكون فيه‬
‫بعض هذه الجنود من أجناد العقل ويتخلص من جنود الجهل‪ .‬فعند ذلك‬
‫يكون في الدرجة العليا مع النبياء والوصيا عليهم السلم‪ .‬وفقنا ال‬
‫وإياكم لطاعته‪ - 2 .‬لى‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن جعفر بن محمد‬
‫بن مالك‪ ،‬عن سعيد بن عمرو‪ ،‬عن إسماعيل بن بشر بن عمار قال‪ :‬كتب‬
‫هارون الرشيد إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلم‪ :‬عظني‬
‫وأوجز‪ ،‬فكتب إليه‪ :‬ما من شئ تراه عينيك إل وفيه موعظة‪ - 3 .‬ف )‪:(2‬‬
‫وروى عنه عليه السلم في قصار هذه المعاني‪ - 1 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫ينبغي لمن عقل عن ال أن ل يستبطئه )‪ (3‬في رزقه ول يتهمه في قضائه‪.‬‬
‫‪ - 2‬وقال‪ :‬سألته عن اليقين ؟ فقال عليه السلم‪ :‬يتوكل على ال ويسلم ال‬
‫ويرضى بقضاء ال ويفوض إلى ال‪ - 3 .‬وقال عبد ال بن يحيى )‪:(4‬‬
‫كتبت إليه في دعاء " الحمد ل منتهى علمه " فكتب عليه السلم‪ :‬ل‬
‫تقولن منتهى علمه‪ ،‬فإنه ليس لعلمه منتهى‪ .‬ولكن قل‪ :‬منتهى رضاه‪- 4 .‬‬
‫وسأله رجل عن الجواد ؟ فقال عليه السلم‪ :‬إن لكلمك وجهين‪ ،‬فإن كنت‬
‫تسأل عن المخلوقين‪ ،‬فإن الجواد‪ ،‬الذي يؤدي ما افترض ال عليه‪،‬‬
‫والبخيل من بخل بما افترض ال‪ ،‬وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن‬
‫أعطى وهو الجواد إن منع‪ ،‬لنه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك وإن منعك‬
‫منعك ما ليس لك‪ - 5 .‬وقال لبعض شيعته‪ :‬أي فلن ! إتق ال وقل الحق‬
‫وإن كان فيه هلكك‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " ل تجتمع "‪ (2) .‬التحف ص ‪ (3) .408‬أي ل يجده بطيئا‪) .‬‬
‫‪ (4‬رواه الصدوق ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬في التوحيد باب العلم باسناده عن‬
‫الكاهلى عن موسى بن جعفر عليهما السلم‪ .‬وعبد ال بن يحيى الكاهلى‬
‫السدي الكوفى أخو اسحاق بن يحيى من وجوه أصحاب الصادق والكاظم‬
‫عليهما السلم وله كتاب‪(*) .‬‬

‫]‪[320‬‬

‫فإن فيه نجاتك‪ ،‬أي فلن ! اتق ال ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك‪ ،‬فإن فيه هلكك‪.‬‬
‫‪ - 6‬وقال له وكيله‪ :‬وال ما خنتك‪ .‬فقال عليه السلم له‪ :‬خيانتك وتضييعك‬
‫علي مالي سواء‪ ،‬والخيانة شرهما عليك‪ - 7 .‬وقال عليه السلم‪ ،‬إياك أن‬
‫تمنع في طاعة ال‪ ،‬فتنفق مثليه في معصية ال‪ - 8 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫المؤمن مثل كفتي الميزان كلما زيد في إيمانه زيد في بلئه‪ - 9 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬عند قبر حضره )‪ (1‬إن شيئا هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله‪،‬‬
‫وإن شيئا هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره‪ - 10 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من‬
‫تكلم في ال هلك‪ ،‬ومن طلب الرئاسة هلك‪ ،‬ومن دخله العجب هلك‪- 11 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬اشتدت مؤونة الدنيا والدين‪ :‬فأما مؤونة الدنيا فإنك ل‬
‫تمد يدك إلى شئ منها إل وجدت فاجرا قد سبقك إليه‪ ،‬وأما مؤونة الخرة‬
‫فإنك ل تجد أعوانا يعينونك عليه‪ - 12 .‬وقال عليه السلم‪ :‬أربعة من‬
‫الوسواس‪ :‬أكل الطين‪ ،‬وفت الطين‪ ،‬وتقليم الظفار بالسنان‪ ،‬وأكل اللحية‪.‬‬
‫وثلث يجلين البصر‪ :‬النظر إلى الخضرة‪ ،‬والنظر إلى الماء الجاري‪،‬‬
‫والنظر إلى الوجه الحسن‪ - 13 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ليس حسن الجوار كف‬
‫الذى‪ ،‬ولكن حسن الجوار الصبر على الذى‪ - 14 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل‬
‫تذهب الحشمة بينك وبين أخيك )‪ (2‬وابق منها‪ ،‬فإن ذهابها ذهاب الحياء‪.‬‬
‫‪ - 15‬وقال عليه السلم لبعض ولده‪ :‬يا بني إياك أن يراك ال في معصية‬
‫نهاك عنها‪ .‬وإياك أن يفقدك ال عند طاعة أمرك بها‪ ،‬وعليك بالجد‪ ،‬ول‬
‫تخرجن نفسك‬

‫)‪ (1‬وفى بعض النسخ " حفره "‪ (2) .‬الحشمة‪ :‬النقباض والستحياء‪.‬‬

‫]‪[321‬‬
‫من التقصير في عبادة ال وطاعته‪ ،‬فإن ال ل يعبد حق عبادته‪ ،‬وإياك والمزاح‪،‬‬
‫فإنه يذهب بنور إيمانك ويستخف مروتك‪ ،‬وإياك والضجر والكسل‪ ،‬فإنهما‬
‫يمنعان حظك من الدنيا والخرة‪ - 16 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا كان الجور‬
‫أغلب من الحق لم يحل لحد أن يظن بأحد خيرا حتى يعرف ذلك منه‪- 17 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬ليس القبلة على الفم إل للزوجة والولد الصغير‪- 18 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات‪ :‬ساعة‬
‫لمناجات ال‪ ،‬وساعة لمر المعاش‪ ،‬وساعة لمعاشرة الخوان والثقات‬
‫الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن‪ ،‬وساعة تخلون فيها‬
‫للذاتكم في غير محرم‪ ،‬و بهذه الساعة تقدرون على الثلث ساعات‪ .‬ل‬
‫تحدثوا أنفسكم بفقر ول بطول عمر‪ ،‬فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل‪ ،‬ومن‬
‫حدثها بطول العمر يحرص‪ ،‬اجعلوا لنفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما‬
‫تشتهي من الحلل ومال يثلم المروة ومال سرف فيه‪ .‬واستعينوا بذلك على‬
‫أمور الدين‪ ،‬فإنه روي " ليس منا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنياه‬
‫"‪ - 19 .‬وقال عليه السلم‪ :‬تفقهوا في دين ال فإن الفقه مفتاح البصيرة‬
‫وتمام العبادة والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين‬
‫والدنيا‪ .‬وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب‪ .‬ومن لم‬
‫يتفقه في دينه لم يرض ال له عمل‪ - 20 .‬وقال عليه السلم لعلي بن‬
‫يقطين )‪ :(1‬كفارة عمل السلطان الحسان إلى الخوان‪.‬‬

‫)‪ (1‬هو على بن يقطين بن موسى مولى بنى أسد كوفى الصل سكن بغداد من‬
‫أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلم قال الشيخ في الفهرست‪ :‬على‬
‫بن يقطين ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬ثقة جليل القدر له منزلة عظيمة عند أبى الحسن‬
‫موسى عليه السلم‪ ،‬عظيم المكان في الطائفة‪ .‬وكان يقطين من وجوه‬
‫الدعاة‪ .‬فطلبه مروان فهرب‪ ،‬وابنه على بن يقطين هذا ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬ولد‬
‫بالكوفة سنة ‪ 124‬وهربت به امه وبأخيه عبيد بن يقطين إلى المدينة فلما‬
‫ظهرت الدولة الهاشمية ظهر يقطين وعادت ام على بعلى وعبيد فلم يزل‬
‫يقطين بخدمة السفاح وأبى جعفر ‪- - - - -‬‬

‫]‪[322‬‬

‫‪ - 21‬وقال عليه السلم‪ :‬كلما أحدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعملون‪ ،‬أحدث‬
‫ال لهم من البلء ما لم يكونوا يعدون‪ - 22 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا كان‬
‫المام عادل كان له الجر وعليك الشكر‪ .‬وإذا كان جائرا كان عليه الوزر‬
‫وعليك الصبر‪ - 23 .‬وقال أبو حنيفة )‪ (1‬حججت في أيام أبي عبد ال‬
‫الصادق عليه السلم فلما‬
‫‪ - - - - - -‬المنصور ومع ذلك كان يتشيع ويقول بالمامة وكذلك ولده وكان ‪ -‬رحمه‬
‫ال ‪ -‬يحمل الموال إلى أبى عبد ال جعفر الصادق عليه السلم ونم خبره‬
‫إلى المهدى فصرف ال عنه كيدهما وتوفى على بن يقطين بمدينة السلم‬
‫ببغداد سنة ‪ 182‬وسنه يومئذ ‪ 57‬سنة وصلى عليه ولى العهد محمد بن‬
‫الرشيد‪ ،‬وتوفى أبوه بعده سنة ‪ 185‬ولعلى بن يقطين كتب منها كتاب ما‬
‫سأل عن الصادق عليه السلم من الملحم وكتاب مناظرة الشاك‬
‫بحضرته‪ .‬انتهى‪ .‬وكان وفات على بن يقطين في أيام كان أبو الحسن‬
‫عليه السلم محبوسا في سجن هارون ببغداد وبقى عليه السلم أربع‬
‫سنين فيه بعد على بن يقطين‪ .‬وله أيضا مسائل عن أبى الحسن عليه‬
‫السلم واستأذنه في ترك عمل السلطان فلم يأذن له وقال عليه السلم‪" :‬‬
‫ل تفعل فان لنا بك أنسا ولخوانك لك عزا وعسى أن يجبر ال بك كسرا‬
‫ويكسر بك نائرة المخالفين عن أوليائه يا على كفارة أعمالكم الحسان‬
‫إلى اخوانكم "‪ .‬وضمن على بن يقطين لبي الحسن عليه السلم أن ل‬
‫يأتيه ولى له ال أكرمه‪ .‬فضمن أبو الحسن عليه السلم له ثلث خصال‪:‬‬
‫ل يظله سقف سجن أبدا ول يناله حد سيف أبدا ول يدخل الفقر فيه أبدا‪) .‬‬
‫‪ (1‬هو نعمان بن ثابت بن زوطى أحد الئمة الربعة كان جده من الفرس‬
‫من موالى تيم ال بن ثعلبة فمسه الرق فاعتق فكان أبو حنيفة من أبناء‬
‫الفرس ولد سنة ‪ 80‬بالكوفة وكان خزازا يبيع الخز‪ ،‬صاحب الرأى‬
‫والقياس والفتاوى المعروفة في الفقه وقال هو بالقياس والستحسان‬
‫حتى أنه قاس في امور معاشه أيضا‪ ،‬وهو أول من قاس في السلم‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬أجاز وضع الحديث على وفق مذهبه وعدوه أيضا من المرجئة‬
‫الذين يقولون ل تضر مع اليمان معصية‪ ،‬رد على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله أربعمائة حديث أو أكثر فقال‪ :‬لو أدركني ‪- - - - -‬‬

‫]‪[323‬‬

‫أتيت المدينة دخلت داره فجلست في الدهليز أنتظر إذنه إذ خرج صبي يدرج )‪،(1‬‬
‫فقلت‪ :‬يا غلم أين يضع الغريب الغائط من بلدكم ؟ قال‪ :‬على رسلك )‪ .(2‬ثم‬
‫جلس مستندا إلى الحائط‪ .‬ثم قال‪ :‬توق شطوط النهار ومساقط الثمار‬
‫وأفنية المساجد وقارعة الطريق )‪ .(3‬وتوار خلف جدار‪ ،‬وشل ثوبك )‪(4‬‬
‫ول تستقبل القبلة ول تستدبرها‪ ،‬وضع حيث شئت‪ ،‬فأعجبني ما سمعت من‬
‫الصبي فقلت له‪ ،‬ما اسمك ؟ فقال‪ :‬أنا موسى بن جعفر بن محمد بن علي‬
‫بن الحسين بن علي بن أبي طالب‪ .‬فقلت له‪ :‬يا غلم ممن المعصية ؟ فقال‬
‫عليه السلم إن السيئات ل تخلو من إحدى ثلث‪ :‬إما أن تكون من ال ‪-‬‬
‫وليست منه ‪ -‬فل ينبغي للرب أن يعذب العبد على ما ل‬
‫‪ - - -‬رسول ال لخذ بكثير من قولى‪ ،‬ونقل الخطيب في تاريخ بغداد بعضها ويعاب‬
‫عليه بقواعد العربية‪ .‬مات سنة ‪ 150‬واتفق أنه في يوم وفاته ولد‬
‫الشافعي ودفن في مقبرة الخيزران ببغداد وهى مشهورة معروفة عند‬
‫العامة بالمام العظم وبنى شرف الملك أبو سعد محمد بن منصور‬
‫الخوارزمي مستوفى مملكة السلطان ملكشاه السلجوقي على قبره مشهدا‬
‫وقبة وبنى عنده مدرسة كبيرة للحنفية وقيل‪ :‬ان الذى أمر ببناء هذه‬
‫العمارة هو الب أرسلن محمد والد السلطان ملكشاه وكان المير أبو سعد‬
‫نائبا عليها‪ .‬وفى الخبار‪ :‬ان أبا حنيفة‪ :‬جاء يوما إلى الصادق عليه‬
‫السلم ليسمع منه وخرج عليه السلم يتوكأ على عصا فقال له أبو حنيفة‬
‫يا ابن رسول ال ما بلغت من السن ما يحتاج منه إلى العصا قال‪ :‬هو‬
‫كذلك ولكنها عصا رسول ال صلى ال عليه وآله اردت أتبرك بها فوثب‬
‫أبو حنيفة إليها وقال له‪ :‬اقبلها يا ابن رسول ال ؟ فحسر عليه السلم‬
‫عن ذراعه وقال‪ :‬وال لقد علمت أن هذا بشر رسول ال صلى ال عليه‬
‫وآله وان هذا من شعره فما قبلته وتقبل عصاه‪ (1) .‬درج الصبى‪ :‬مشى‬
‫قليل في أول ما يمشى‪ (2) .‬الرسل والرسلة‪ :‬الرفق والتمهل‪ .‬يقال‪ :‬على‬
‫رسلك يا رجل أي على مهلك‪ (3) .‬قارعة الطريق‪ :‬أعله ومعظمه وهى‬
‫موضع قرع المارة‪ (4) .‬أي ارفع ثوبك‪ - .‬من شال يشول شول الشئ أي‬
‫رفعه‪.‬‬

‫]‪[324‬‬

‫يرتكب‪ .‬وإما أن تكون منه ومن العبد ‪ -‬وليست كذلك ‪ -‬فل ينبغي للشريك القوي أن‬
‫يظلم الشريك الضعيف‪ .‬وإما أن تكون من العبد ‪ -‬وهي منه ‪ -‬فإن عفا‬
‫فبكرمه وجوده‪ .‬وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته‪ .‬قال أبو حنيفة‪:‬‬
‫فانصرفت ولم ألق أبا عبد ال عليه السلم واستغنيت بما سمعت‪- 24 .‬‬
‫وقال له أبو أحمد الخراساني‪ :‬الكفر أقدم أم الشرك )‪ (1‬؟ فقال عليه السلم‬
‫له‪ :‬مالك ولهذا ما عهدي بك تكلم الناس‪ .‬قلت‪ :‬أمرني هشام بن الحكم )‪(2‬‬
‫أن أسألك‪‍] .‬ف[ ‪ -‬قال‪ :‬قل له‪ :‬الكفر أقدم‪ ،‬أول من كفر إبليس " أبى‬
‫واستكبر وكان من الكافرين )‪ " (3‬والكفر شئ واحد والشرك يثبت واحدا‬
‫ويشرك معه غيره‪ - 25 .‬ورأى رجلن يتسابان فقال عليه السلم‪ :‬البادي‬
‫أظلم ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتد المظلوم‪ - 26 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬ينادي مناد يوم القيامة‪ :‬أل من كان له على ال أجر فليقم‪ ،‬فل‬
‫يقوم إل من عفا‪ ،‬وأصلح فأجره على ال‪ - 27 .‬وقال عليه السلم‪ :‬السخي‬
‫الحسن الخلق في كنف ال‪ ،‬ل يتخلى ال عنه حتى يدخله الجنة‪ .‬وما بعث‬
‫ال نبيا إل سخيا‪ .‬ومازال أبي يوصيني بالسخاء وحسن الخلق حتى مضى‪.‬‬
‫‪ - 28‬وقال السندي بن شاهك ‪ -‬وكان الذي وكله الرشيد بحبس موسى‬
‫عليه السلم ‪ -‬لما حضرته الوفاة‪ :‬دعني اكفنك‪ .‬فقال عليه السلم‪ :‬إنا أهل‬
‫بيت‪ ،‬حج صرورتنا )‪ (4‬ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا‪.‬‬

‫)‪ (1‬رواه الكليني في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 385‬عن موسى بن بكر الواسطي والعياشي‬
‫في تفسيره‪ .‬عنه قال‪ :‬سألت أبا الحسن موسى عليه السلم عن الكفر‬
‫والشرك أيهما أقدم ‪ -‬إلى آخر الية ‪ (2) .-‬وكذا في تفسير العياشي ولكن‬
‫في الكافي " هشام بن سالم "‪ (3) .‬البقرة‪ (4) .32 :‬الصرور ‪ -‬بالصاد‬
‫المهملة ‪ -‬الذى لم يتزوج أو لم يحج‪.‬‬

‫]‪[325‬‬

‫‪ - 29‬وقال عليه السلم لفضل بن يونس‪ :‬أبلغ خيرا وقل خيرا ول تن إمعة )‪(1‬‬
‫قلت‪ :‬وما المعة ؟ قال‪ :‬ل تقل‪ :‬أنا مع الناس‪ ،‬وأنا كواحد من الناس‪ .‬إن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله قال‪ " :‬يا أيها الناس إنما هما نجدان نجد‬
‫خير ونجد شر‪ ،‬فل يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير )‪- 30 ." (2‬‬
‫وروي أنه مر برجل من أهل السواد دميم المنظر )‪ ،(3‬فسلم عليه و نزل‬
‫عنده وحادثه طويل‪ .‬ثم عرض عليه السلم عليه نفسه في القيام بحاجة إن‬
‫عرضت له‪ ،‬فقيل له‪ :‬يا ابن رسول ال أتنزل إلى هذا ثم تسأله عن‬
‫حوائجه‪ ،‬وهو إليك أحوج ؟ فقال عليه السلم‪ :‬عبد من عبيدال وأخ في‬
‫كتاب ال وجار في بلد ال‪ ،‬يجمعنا وإياه خير الباء آدم عليه السلم‬
‫وأفضل الديان السلم ولعل الدهر يرد من حاجاتنا إليه‪،‬‬

‫)‪ (1‬فضل بن يونس الكاتب البغدادي عده الشيخ من أصحاب الكاظم عليه السلم‬
‫وقال‪ :‬أصله كوفى تحول إلى بغداد مولى واقفى‪ .‬انتهى‪ .‬ووثقه النجاشي‪،‬‬
‫وروى الكشى ما يدل على غاية اخلصه للمام الكاظم عليه السلم قال‪:‬‬
‫وجدت بخط محمد بن الحسن بن بندار القمى في كتابه حدثنى على بن‬
‫ابراهيم عن محمد بن سالم قال‪ :‬لما حمل سيدى موسى بن جعفر عليهما‬
‫السلم إلى هارون جاء إليه هشام بن ابراهيم العباسي فقال له يا سيدى‬
‫قد كتبت لى صك إلى الفضل ابن يونس فتسأله أن يروج أمرى فركب إليه‬
‫أبو الحسن فدخل عليه حاجبه وقال‪ :‬يا سيدى ! أبو الحسن موسى عليه‬
‫السلم بالباب فقال‪ :‬ان كنت صادقا فأنت حر ولك كذا وكذا‪ ،‬فخرج الفضل‬
‫حافيا يعدو حتى وصل إليه فوقع على قدميه يقبلهما‪ ،‬ثم سأله أن يدخل‬
‫فقال له‪ :‬اقض حاجة هشام بن ابراهيم فقضاها‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا سيدى قد‬
‫حضر الغذاء فتكرمني أن تتغذى عندي فقال‪ :‬هات فجاء بالمائدة وعليها‬
‫البوارد فأجال أبو الحسن عليه السلم يده في البارد ثم قال‪ :‬البارتجال‬
‫اليد فيه وجاؤوا بالحار فقال أبو الحسن عليه السلم‪ :‬الحار حمى‪ (2) .‬ال‬
‫مع والمعة ‪ -‬بالكسر فالتشديد ‪ -‬قيل‪ :‬أصله " انى معك "‪ (3) .‬النجد‪:‬‬
‫الطريق الواضح المرتفع‪ .‬وقوله عليه السلم‪ " :‬انما هما نجدان "‬
‫فالظاهر اشارة إلى قوله في سورة البلد ‪ " 10‬فهديناه النجدين "‪(4) .‬‬
‫دميم المنظر أي قبيح المنظر من دم دمامة‪ :‬كان حقيرا وقبح منظره‪.‬‬

‫]‪[326‬‬

‫فيرانا ‪ -‬بعد الزهو عليه )‪ - (1‬متواضعين بين يديه‪ ،‬ثم قال عليه السلم‪ :‬نواصل‬
‫من ل يستحق وصالنا مخافة أن نبقى بغير صديق ‪ - 31‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫ل تصلح المسألة إل في ثلثة‪ :‬في دم منقطع )‪ (2‬أو غرم مثقل أو حاجة‬
‫مدقعة‪ - 32 .‬وقال عليه السلم‪ :‬عونك للضعيف من أفضل الصدقة‪- 33 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬تعجب الجاهل من العاقل أكثر من تعجب العاقل من‬
‫الجاهل‪ - 34 .‬وقال عليه السلم‪ :‬المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان‪.‬‬
‫‪ - 35‬وقال عليه السلم‪ :‬يعرف شدة الجور من حكم به عليه‪ - 4 .‬ف )‪:(3‬‬
‫روي عن موسى بن جعفر عليه السلم أنه قال‪ :‬صلة النوافل قربان إلى‬
‫ال لكل مؤمن‪ ،‬والحج جهاد كل ضعيف‪ ،‬ولكل شئ زكاة وزكاة الجسد‬
‫صيام النوافل‪ ،‬وأفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج‪ ،‬ومن دعا قبل‬
‫الثناء على ال والصلة على النبي صلى ال عليه وآله كان كمن رمى‬
‫بسهم بل وتر‪ ،‬ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية وإن امرء اقتصد‪ ،‬والتدبير‬
‫نصف العيش‪ ،‬والتودد إلى الناس نصف العقل‪ ،‬وكثرة الهم يورث الهرم‪،‬‬
‫والعجلة هي الخرق‪ ،‬وقله العيال أحد اليسارين‪ ،‬ومن أحزن والديه فقد‬
‫عقهما‪ ،‬ومن ضرب بيده على فخذه‪ ،‬أو ضرب بيده الواحدة على الخرى‬
‫عند المصيبة فقد حبط أجره‪ ،‬والمصيبة ل تكون مصيبة يستوجب صاحبها‬
‫أجرها إل بالصبر والسترجاع عند الصدمة‪ ،‬والصنيعة ل تكون صنيعة إل‬
‫عند ذي دين أو حسب‪،‬‬

‫)‪ (1‬الزهو‪ :‬الفخر والكبر‪ .‬قال الشاعر‪ :‬ل تهين الفقير علك أن * تركع يوما والدهر‬
‫قد رفعه )‪ (2‬أي دم من ليس لقاتله مال حتى يؤدى ديته‪ .‬والمدقعة‪:‬‬
‫الشديدة يفضى صاحبه إلى الدقعاء أي التراب أو يفضى صاحبه إلى الدقع‬
‫وهو سوء احتمال الفقر‪ .‬والمدقع الملصق بالتراب والذى ل يكون عنده‬
‫ما يتقى به التراب‪ (3) .‬التحف ص ‪.403‬‬

‫]‪[327‬‬

‫وال ينزل المعونة على قدر المؤونة‪ ،‬وينزل الصبر على قدر المصيبة‪ ،‬ومن اقتصد‬
‫وقنع بقيت عليه النعمة‪ ،‬ومن بذر وأسرف زالت عنه النعمة‪ ،‬وأداء المانة‬
‫والصدق يجلبان الرزق‪ ،‬والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق‪ ،‬وإذا أراد‬
‫ال بالذرة )‪ (1‬شرا أنبت لها جناحين فطارت فأكلها الطير‪ ،‬والصنيعة ل تتم‬
‫صنيعة عند المؤمن لصاحبها إل بثلثة أشياء‪ :‬تصغيرها وسترها‬
‫وتعجيلها‪ ،‬فمن صغر الصنيعة عند المؤمن فقد عظم أخاه‪ ،‬ومن عظم‬
‫الصنيعة عنده فقد صغر أخاه ومن كتم ما أوله )‪ (2‬من صنيعة فقد كرم‬
‫فعاله‪ ،‬ومن عجل ما وعد فقد هنئ )‪ (3‬العطية‪ - 5 .‬كشف )‪ :(4‬قال البي‬
‫في كتاب نثر الدرر‪ :‬سمع موسى عليه السلم رجل يتمنى الموت فقال له‪:‬‬
‫هل بينك وبين ال قرابة يحاميك لها ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فهل لك حسنات قدمتها‬
‫تزيد على سيئاتك ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فأنت إذا تتمنى هلك البد‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬من استوى يوماه فهو مغبون‪ ،‬ومن كان آخر يوميه شرهما فهو‬
‫ملعون‪ ،‬ومن لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في نقصان‪ ،‬ومن كان إلى‬
‫النقصان فالموت خير له من الحياة‪ .‬وروي عنه عليه السلم‪ :‬أنه قال‪:‬‬
‫اتخذوا القيان فإنه لهن فطنا وعقول‪ ،‬ليست لكثير من النساء‪ .‬كأنه أراد‬
‫النجابة في أولدهن‪ .‬قلت‪ :‬القيان جمع قينة وهي المة مغنية كانت أو غير‬
‫مغنية‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وكل عبد هو عند العرب قين والمة قينة‪ ،‬وبعض‬
‫الناس يظن القينة‪ ،‬المغنية خاصة وليس كذلك‪.‬‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " بالنملة "‪ (2) .‬يقال‪ :‬أوله معروفا أي صنعه إليه‪ (3) .‬هنى‬
‫الطعام ‪ -‬من باب علم ‪ :-‬تهنأ به أي ساغ له الطعام ولذ‪ .‬وفى بعض‬
‫النسخ " هنوء " ‪ -‬من باب شرف ‪ :-‬صار هنيئا‪ .‬وفى بعضها " فقد هنأ‬
‫" من باب التفعيل‪ (4) .‬كشف الغمة ج ‪ 3‬ص ‪.42‬‬

‫]‪[328‬‬

‫وقال‪ :‬ابن حمدون في تذكرته )‪ (1‬قال موسى بن جعفر عليه السلم‪ :‬وجدت علم‬
‫الناس في أربع‪ :‬أولها أن تعرف ربك‪ ،‬والثانية أن تعرف ما صنع بك‪،‬‬
‫والثالثة أن تعرف ما أراد منك‪ ،‬والرابعة أن تعرف ما يخرجك من دينك‪.‬‬
‫معنى هذه الربع‪ :‬الولى وجوب معرفة ال تعالى الذي هي اللطف‪ ،‬الثانية‬
‫معرفة ما صنع بك من النعم التي يتعين عليك لجلها الشكر والعبادة‪،‬‬
‫الثالثة أن تعرف ما أراده منك فيما أوجبه عليك وندبك إلى فعله لتفعله على‬
‫الحد الذي أراده منك فتستحق بذلك الثواب‪ ،‬والرابعة أن تعرف الشئ الذي‬
‫يخرجك عن طاعة ال فتجتنبه‪ - 6 .‬كش )‪ ،(2‬عن حمدويه‪ ،‬عن الحسن بن‬
‫موسى‪ ،‬عن إسماعيل بن مهران‪ ،‬عن محمد بن منصور الخزاعي‪ ،‬عن‬
‫علي بن سويد السائي )‪ (3‬قال‪ :‬كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلم‬
‫وهو في الحبس أسأله فيه عن حاله وعن جواب مسائل كتبت بها إليه‬
‫فكتب بسم ال الرحمن الرحيم‪ :‬الحمد ال العلي العظيم الذي بعظمته ونوره‬
‫أبصر قلوب المؤمنين‪ ،‬وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون‪ ،‬وبعظمته ابتغى‬
‫إليه الوسيلة بالعمال المختلفة والديان الشتى‪ ،‬فمصيب ومخطئ‪ ،‬وضال‬
‫ومهتدي‪ ،‬وسميع وأصم‪ ،‬وأعمى وبصير‪ ،‬وحيران‪ ،‬فالحمد ل الذي عرف‬
‫وصف دينه بمحمد صلى ال عليه وآله‪ .‬أما بعد فإنك امرء أنزلك ال من‬
‫آل محمد بمنزلة خاصة مودة بما ألهمك من رشدك وبصرك من أمر دينك‬
‫بفضلهم‪ ،‬ورد المور إليهم والرضا بما قالوا ‪ -‬في كلم طويل ‪ -‬وقال‪ :‬ادع‬
‫إلى صراط ربك فينا من رجوت إجابته ول تحصر حصرنا )‪(4‬‬

‫)‪ (1‬المصدر‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪ (2) .45‬اختيار رجال الكشى ص ‪ (3) .386‬السائى نسبة‬
‫إلى ساية‪ :‬اسم واد من حدود الحجاز‪ .‬وقيل‪ :‬قرية من قرى المدينة‬
‫المشرفة‪ ،‬وقيل‪ :‬انها قرية بمكة‪ ،‬وقيل واد بين الحرمين‪ .‬وقال في منهج‬
‫المقال قرية بالمدينة‪ (4) .‬في بعض النسخ " ول تحصن بحصن رياء "‪.‬‬

‫]‪[329‬‬

‫ووال آل محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬ول تقل لما بلغك عنا أو نسب إلينا‪ " :‬هذا باطل‬
‫" وإن كنت تعرف خلفه فإنك ل تدري لما قلناه وعلى أي وجه وصفناه‪،‬‬
‫آمن بما أخبرتك‪ ،‬ول تفش ما استكتمتك‪ ،‬أخبرك أن من أوجب حق أخيك‬
‫أن ل تكتمه شيئا ينفعه لمر دنياه ولمر آخرته )‪ - 7 .(1‬كا )‪ :(2‬عن‬
‫العدة‪ ،‬عن سهل‪ ،‬عن إسماعيل بن مهران‪ ،‬عن محمد بن منصور‬
‫الخزاعي‪ ،‬عن علي بن سويد‪ .‬ومحمد بن يحيى‪ ،‬عن محمد بن الحسين‪،‬‬
‫عن محمد بن إسماعيل بن بزيع‪ ،‬عن عمه حمزة بن بزيع‪ ،‬عن علي بن‬
‫سويد‪ ،‬والحسن بن محمد‪ ،‬عن محمد بن أحمد النهدي‪ ،‬عن إسماعيل بن‬
‫مهران‪ ،‬عن محمد بن منصور‪ ،‬عن على بن سويد قال‪ :‬كتبت إلى أبي‬
‫الحسن موسى عليه السلم وهو في الحبس كتابا أسأله عن حاله وعن‬
‫مسائل كثيرة‪ ،‬فاحتبس الجواب علي أشهر ثم أجابني بجواب هذه نسخته‪:‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل العلي العظيم الذي بعظمته ونوره أبصر‬
‫قلوب المؤمنين‪ ،‬وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون‪ ،‬وبعظمته ونوره ابتغى‬
‫من في السماوات ومن في الرض إليه الوسيلة بالعمال المختلفة‪،‬‬
‫والديان المتضادة‪ ،‬فمصيب ومخطئ‪ ،‬وضال ومهتد‪ ،‬وسميع وأصم‪،‬‬
‫وبصير وأعمى وحيران‪ ،‬فالحمد ل الذي عرف ووصف دينه محمد صلى‬
‫ال عليه وآله )‪ .(3‬أما بعد فإنك امرء أنزلك ال من آل محمد بمنزلة‬
‫خاصة وحفظ مودة ما‬

‫)‪ (1‬في المصدر " ل من دنياه ول من آخرته "‪ (2) .‬في الكافي ج ‪ 8‬ص ‪) .124‬‬
‫‪ " (3‬عرف ووصف " كذا في بعض النسخ‪ ،‬فقوله " عرف " بتخفيف‬
‫الراء أي عرف محمد دينه ووصفه‪ .‬وفى بعض النسخ " عز ووصف "‬
‫أي عز هو تعالى ووصف الخلق دينه محمد وفى بعض النسخ " محمدا‬
‫" بالنصب فعرف بتشديد الراء‪ .‬والول أظهر وأصوب‪.‬‬

‫]‪[330‬‬

‫استرعاك من دينه )‪ (1‬وما ألهمك من رشدك‪ ،‬وبصرك من أمر دينك بتفضيلك إياهم‬
‫وبردك المور إليهم كتبت تسألني عن امور كنت منها في تقية‪ ،‬ومن‬
‫كتمانها في سعة‪ ،‬فلما انقضى سلطان الجبابرة وجاء سلطان ذي السلطان‬
‫العظيم )‪ (2‬بفراق الدنيا المذمومة إلى أهلها العتاة على خالقهم )‪ (3‬رأيت‬
‫أن افسر لك ما سألتني عنه مخافة أن يدخل الحيرة على ضعفاء شيعتنا من‬
‫قبل جهالتهم‪ ،‬فاتق ال عز ذكره وخص بذلك المر أهله‪ ،‬واحذر أن تكون‬
‫سبب بلية على الوصياء أو حارشا عليهم )‪ (4‬بإفشاء ما استودعتك‪،‬‬
‫وإظهار ما استكتمتك‪ ،‬ولن تفعل إن شاء ال‪ ،‬إن أول ما أنهى إليك أني‬
‫أنعى إليك نفسي في ليالي هذه‪ ،‬غير جازع ول نادم ول شاك فيما هو كائن‬
‫مما قد قضى ال عزوجل وحتم‪ ،‬فاستمسك بعروة الدين ‪ -‬آل محمد ‪-‬‬
‫والعروة الوثقى‪ ،‬الوصي بعد الوصي‪ ،‬والمسالمة لهم‪ ،‬والرضا بما قالوا‪،‬‬
‫ول تلتمس دين من ليس من شيعتك‪ ،‬ول تحبن دينهم‪ ،‬فإنهم الخائنون‬
‫الذين خانوا ال ورسوله وخانوا أماناتهم‪ ،‬وتدري ما خانوا أماناتهم‬
‫ائتمنوا على كتاب ال فحرفوه وبدلوه ودلوا على ولة المر منهم‬
‫فانصرفوا عنهم‪ ،‬فأذاقهم ال لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون‪.‬‬

‫)‪ " (1‬حفظ مودة " كانه معطوف على قوله " منزلة " أي جعلك تحفظ مودة امر‬
‫استرعاك وهو دينه‪ ،‬ويمكن أن يقرء حفظ على صيغة الماضي ليكون‬
‫معطوفا على قوله " أنزلك "‪ (2) .‬أي كنت أتقى هذه الظلمة في أن أكتب‬
‫جوابك لكن في تلك اليام دنا أجلى وانقضت أيامى ول يلزمنى الن التقية‬
‫وجاء سلطان ال فل أخاف من سلطانهم‪ " (3) .‬المذمومة إلى أهلها "‬
‫لعل المراد أنها مذمومة بما يصل منها إلى أهلها الذين ركنوا إليها كما‬
‫يقال‪ :‬استذم إليه أي فعل ما يذمه على فعله‪ ،‬يحتمل أن تكون إلى بمعنى‬
‫اللم أو بمعنى عند أي انما هي لهم بئست الدار وأما للصالحين فنعمت‬
‫الدار فان فيها يتزودون لدار القرار‪ (4) .‬التحريش الغراء على الضرر‪،‬‬
‫والحرش‪ :‬الصيد‪ ،‬ويطلق على الخديعة والمعنى الول هنا أنسب‪.‬‬

‫]‪[331‬‬
‫وسألت عن رجلين اغتصبا رجل مال كان ينفقه على الفقراء والمساكين وأبناء‬
‫السبيل وفى سبيل ال فلما اغتصباه ذلك لم يرضيا حيث غصباه حتى حمله‬
‫إياه كرها فوق رقبته إلى منازلهما فلما أحرزاه توليا إنفاقه أيبلغان بذلك‬
‫كفرا ولعمري لقد نافقا قبل ذلك وردا على ال عزوجل كلمه‪ ،‬وهزئا‬
‫برسوله صلى ال عليه وآله وهما الكافران عليهما لعنة ال والملئكة‬
‫والناس أجمعين‪ ،‬وال مادخل قلب أحد منهما شئ من اليمان منذ‬
‫خروجهما من حاليتهما‪ ،‬وما ازداد إل شكا كانا خداعين‪ ،‬مرتابين‪ ،‬منافقين‬
‫حتى توفتهما ملئكة العذاب إلى محل الخزي في دار المقام‪ .‬وسألت عمن‬
‫حضر ذلك الرجل وهو يغصب ماله ويوضع على رقبته منهم عارف ومنكر‬
‫فاولئك أهل الردة الولى من هذه المة فعليهم لعنة ال والملئكة والناس‬
‫أجمعين‪ .‬وسألت عن مبلغ علمنا وهو على ثلثة وجوه‪ :‬ماض وغابر‬
‫وحادث‪ ،‬فأما الماضي فمفسر‪ ،‬وأما الغابر فمزبور‪ ،‬أما الحادث فقذف في‬
‫القلوب ونقر في السماع‪ ،‬وهو أفضل علمنا‪ ،‬ول نبي بعد نبينا محمد صلى‬
‫ال عليه وآله )‪ .(1‬وسألت عن امهات أولدهم وعن نكاحهم وعن طلقهم‪،‬‬
‫فأما أمهات أولدهم فهن عواهر إلى يوم القيامة )‪ (2‬نكاح بغير ولي‬
‫وطلق بغير عدة )‪ (3‬وأما من دخل في دعوتنا فقد هدم إيمانه ضلله‬
‫ويقينه شكه‪ .‬وسألت عن الزكاة فيهم‪ ،‬فما كان من الزكاة فأنتم أحق به لنا‬
‫قد أحللنا‬

‫)‪ (1‬أي ل يتوهم أن القاء الملك مستلزم للنبوة بل يكون للئمة عليهم السلم ول‬
‫نبوة بعد نبينا‪ (2) .‬العواهر‪ :‬الزوانى لن تلك السبايا لما سبين بغير اذن‬
‫المام فكلهن أو خمسهن للمام ولم يرخص المام لغير الشيعة في‬
‫وطيهن‪ (3) .‬أي طلقهم طلق في غير الزمان الذى يمكن فيه انشاء‬
‫العدة أي طهر غير المواقعة مع أنه تعالى قال " وطلقوهن لعدتهن‬
‫واحصوا العدة "‪.‬‬

‫]‪[332‬‬

‫ذلك لكم من كان منكم‪ ،‬وأين كان‪ .‬وسألت عن الضعفاء فالضعيف من لم ترفع إليه‬
‫حجة‪ ،‬ولم يعرف الختلف‪ ،‬فإذا عرف الختلف فليس بضعيف‪ .‬وسألت‬
‫عن الشهادت لهم‪ ،‬فأقم الشهادة ل عزوجل ولو على نفسك ]أ[ و الوالدين‬
‫والقربين فيما بينك وبينهم‪ ،‬فإن خفت على أخيك ضيما )‪ (1‬فل‪ ،‬وادع إلى‬
‫شرائط ال )‪ (2‬عز ذكره بمعرفتنا من رجوت إجابته‪ ،‬ول تحصن بحصن‬
‫رياء )‪ ،(3‬ووال آل محمد عليهم السلم ول تقل لما بلغك عنا ونسب إلينا‪:‬‬
‫" هذا باطل " وإن كنت تعرف منا خلفه فإنك ل تدري لما قلناه‪ ،‬وعلى إي‬
‫وجه وصفناه‪ ،‬آمن بما اخبرك‪ ،‬ول تفش ما استكتمناك من خبرك‪ ،‬إن من‬
‫واجب حق أخيك أن ل تكتمه شيئا تنفعه به لمر دنياه وآخرته‪ ،‬ول تحقد‬
‫عليه وإن أساء‪ ،‬وأجب دعوته إذا دعاك‪ ،‬ول تخل بينه وبين عدوه من‬
‫الناس وإن كان أقرب إليه منك‪ ،‬وعده في مرضه‪ ،‬ليس من أخلق‬
‫المؤمنين الغش ول الذى ول الخيانة ول الكبر ول الخنا ول الفحش ول‬
‫المر به‪ ،‬فإذا رأيت المشوه العرابي في جحفل جرار فانتظر فرجك )‪(4‬‬
‫ولشيعتك المؤمنين فإذا انكسفت الشمس فارفع بصرك إلى السماء وانظر‬
‫ما فعل ال عزوجل بالمجرمين‪ ،‬فقد فسرت لك جمل مجمل وصلى ال على‬
‫محمد وآله الخيار‪.‬‬

‫)‪ (1‬الضيم‪ :‬الظلم يعنى إذا كان يعلم مثل أن المدعى عليه معسر ويعلم أنه مع‬
‫شهادته يجبره الحاكم على أدائه فل يلزم اقامة تلك الشهادة‪ (2) .‬أي إلى‬
‫الشرائط التى اشترطها ال على الناس بسبب معرفة الئمة من وليتهم‬
‫ومحبتهم وطاعتهم والتبرى من أعدائهم ومخالفيهم‪ ،‬ويحتمل أن يكون‬
‫المراد بالشرائط الوعد والوعيد والتأكيد والتهديد الذى ورد في أصل‬
‫المعرفة وتركها‪ (3) .‬في بعض النسخ " ول تحضر حصن زناء "‪(4) .‬‬
‫الجحفل ‪ -‬كجعفر ‪ :-‬الجيش الكبير‪ ،‬ويقال‪ :‬كتيبة جرارة أي ثقيلة السير‬
‫لكثرتها‪.‬‬

‫]‪[333‬‬

‫‪ - 8‬الدرة الباهرة )‪ :(1‬قال الكاظم عليه السلم‪ :‬المعروف غل ل يفكه إل مكافأة أو‬
‫شكر‪ ،‬لو ظهرت الجال افتضحت المال‪ ،‬من ولده الفقر أبطره الغنى‪ ،‬من‬
‫لم يجد للساءة مضضا )‪ (2‬لم يكن للحسان عنده موقع‪ ،‬ما تساب اثنان‬
‫إل انحط العلى إلى مرتبة السفل‪ - 9 .‬اعلم الدين )‪ :(3‬قال موسى بن‬
‫جعفر عليهما السلم‪ ،‬أولى العلم بك مال يصلح لك العمل إل به‪ ،‬وأوجب‬
‫العمل عليك ما أنت مسؤول عن العمل به‪ ،‬وألزم العلم لك ما دلك على‬
‫صلح قلبك‪ ،‬وأظهر لك فساده‪ ،‬وأحمد العلم عاقبة ما زاد في علمك‬
‫العاجل‪ ،‬فل تشتغلن بعلم مال يضرك جهله‪ ،‬ول تغفلن عن علم ما يزيد في‬
‫جهلك تركه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬لو ظهرت الجال افتضحت المال‪ .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬من أتى إلى أخيه مكروها فبنفسه بدأ‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من‬
‫لم يجد للساءة مضضا لم يكن عنده للحسان موقعا‪ .‬وقال عبد المؤمن‬
‫النصاري‪ :‬دخلت على المام أبي الحسن موسى بن ‪ -‬جعفر عليهما السلم‬
‫وعنده محمد بن عبد ال الجعفري‪ ،‬فتبسمت إليه فقال‪ :‬أتحبه ؟ فقلت‪ :‬نعم‬
‫وما أحببته إل لكم‪ ،‬فقال عليه السلم‪ :‬هو أخوك والمؤمن أخو المؤمن‬
‫لمه وأبيه وإن لم يلده أبوه‪ ،‬ملعون من اتهم أخاه‪ ،‬ملعون من غش أخاه‪،‬‬
‫ملعون من لم ينصح أخاه‪ ،‬ملعون من اغتاب أخاه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬ما‬
‫تساب اثنان إل انحط العلى إلى مرتبة السفل‪ .‬وقدم على الرشيد رجل من‬
‫النصار يقال له‪ :‬نفيع‪ ،‬وكان عارفا فحضر يوما باب الرشيد وتبعه عبد‬
‫العزيز بن عمر بن عبد العزيز‪ ،‬وحضر موسى بن ‪-‬‬

‫)‪ (1‬مخطوط‪ (2) .‬المضض‪ :‬وجع اللم‪ (3) .‬مخطوط‪.‬‬

‫]‪[334‬‬

‫جعفر عليهما السلم على حمار له فتلقاه الحاجب بالكرام والجلل وأعظمه من‬
‫كان هناك وعجل له الذن فقال نفيع لعبد العزيز‪ :‬من هذا الشيخ فقال له‪:‬‬
‫أو ما تعرفه هذا شيخ آل أبي طالب هذا موسى بن جعفر عليه السلم فقال‬
‫نفيع‪ :‬ما رأيت أعجب من هؤلء القوم يفعلون هذا برجل لو يقدر على‬
‫زوالهم عن السرير لفعل أما إن خرج لسوءنه فقال له عبد العزيز‪ :‬ل تفعل‬
‫فإن هؤلء أهل بيت قلما تعرض لهم أحد بخطاب إل وسموه في الجواب‬
‫وسمة يبقى عارها عليه أبد الدهر‪ ،‬وخرج موسى عليه السلم فقام إليه‬
‫نفيع فأخذ بلجام حماره ثم قال له‪ :‬من أنت قال‪ :‬يا هذا إن كنت تريد النسب‬
‫فأنا ابن محمد حبيب ال ابن إسماعيل ذبيح ال ابن إبراهيم خليل ال‪ ،‬وإن‬
‫كنت تريد البلد فهو الذي فرض عزوجل عليك وعلى المسلمين إن كنت‬
‫منهم الحج إليه‪ ،‬وإن كنت تريد المفاخرة فوال ما رضي مشركي قومي‬
‫مسلمي قومك أكفاء لهم حتى قالوا‪ :‬يا محمد اخرج لنا أكفاءنا من قريش‪،‬‬
‫خل عن الحمار فخلى عنه ويده ترعد‪ ،‬وانصرف بخزي فقال له عبد‬
‫العزيز‪ :‬ألم أقل لك‪ .‬وقيل حج الرشيد فلقي موسى عليه السلم على بغلة له‬
‫فقال للرشيد‪ :‬من مثلك في حسبك ونسبك وتقدمك يلقاني على بغلة ؟ فقال‪:‬‬
‫تطأطأت عن خيلء الخيل‪ ،‬وارتفعت عن ذلة الحمير‪) * .26 .‬باب( * "‬
‫)مواعظ الرضا عليه السلم( " ‪ 1 -‬ف )‪ :(1‬روي عنه عليه السلم في‬
‫قصار هذه المعاني‪ - 1 .‬قال الرضا عليه السلم‪ :‬ل يكون المؤمن مؤمنا‬
‫حتى تكون فيه ثلث خصال‪ :‬سنة من ربه‪ ،‬وسنة من نبيه صلى ال عليه‬
‫وآله‪ ،‬وسنة من وليه عليه السلم‪ .‬فأما السنة من ربه فكتمان السر‪ ،‬وأما‬
‫السنة من نبيه صلى ال عليه وآله فمدارأة الناس‪ ،‬وأما السنة من وليه‬

‫)‪ (1‬التحف ص ‪.442‬‬

‫]‪[335‬‬

‫عليه السلم فالصبر في البأساء والضراء‪ - 2 .‬وقال عليه السلم‪ :‬صاحب النعمة‬
‫يجب أن يوسع على عياله‪ - 3 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ليس العبادة الصيام‬
‫والصلة‪ ،‬وإنما العبادة كثرة التفكر في أمر ال‪ - 4 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من‬
‫أخلق النبياء التنظف‪ - 5 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ثلث من سنن المرسلين‪:‬‬
‫العطر‪ ،‬وإحفاء الشعر‪ ،‬وكثرة الطروقة )‪ - 6 .(1‬وقال عليه السلم‪ :‬لم‬
‫يخنك المين‪ ،‬ولكن ائتمنت الخائن‪ - 7 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا أراد ال‬
‫أمرا سلب العباد عقولهم‪ ،‬فأنفذ أمره وتمت إرادته‪ .‬فإذا أنفذ أمره رد إلى‬
‫كل ذي عقل عقله‪ ،‬فيقول‪ :‬كيف ذا ومن أين ذا‪ - 8 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫الصمت باب من أبواب الحكمة‪ ،‬إن الصمت يكسب المحبة‪ ،‬إنه دليل على‬
‫كل خير‪ - 9 .‬وقال عليه السلم‪ :‬مامن شئ من الفضول إل وهو يحتاج إلى‬
‫الفضول من الكلم‪ - 10 .‬وقال عليه السلم‪ :‬الخ الكبر بمنزلة الب‪- 11 .‬‬
‫وسئل عليه السلم عن السفلة فقال‪ :‬من كان له شئ يلهيه عن ال‪- 12 .‬‬
‫وكان عليه السلم‪ :‬يترب الكتاب )‪ (2‬ويقول‪ :‬ل بأس به‪ ،‬وكان إذا أراد أن‬
‫يكتب تذكرات حوائجه كتب بسم ال الرحمن الرحيم أذكر إن شاء ال‪ ،‬ثم‬
‫يكتب ما يريد‪ - 13 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا ذكرت الرجل وهو حاضر فكنه‪،‬‬
‫وإذا كان غائبا فسمه‪ - 14 .‬وقال عليه السلم‪ :‬صديق كل امرء عقله‪،‬‬
‫وعدوه جهله‪ - 15 .‬وقال عليه السلم‪ :‬التودد إلى الناس نصف العقل‪16 .‬‬
‫‪ -‬وقال عليه السلم‪ :‬إن ال يبغض القيل والقال وإضاعة المال وكثرة‬
‫السؤال‪.‬‬

‫)‪ (1‬الحفاء‪ :‬القص‪ .‬والطروقة‪ :‬الجماع‪ .‬وفى بعض النسخ " واخفاء السر "‪(2) .‬‬
‫أي يجعل عليه التراب ليجفه‪ .‬ترب وأترب الشئ‪ :‬جعل عليه التراب‪.‬‬

‫]‪[336‬‬

‫‪ - 17‬وقال عليه السلم‪ :‬ليتم عقل امرء مسلم حتى تكون فيه عشر خصال‪ :‬الخير‬
‫منه مأمول‪ ،‬والشر منه مأمون‪ ،‬يستكثر قليل الخير من غيره‪ ،‬ويستقل‬
‫كثير الخير من نفسه‪ ،‬ل يسأم من طلب الحوائج إليه‪ ،‬ول يمل من طلب‬
‫العلم طول دهره‪ ،‬الفقر في ال أحب إليه من الغنى‪ ،‬والذل في ال أحب إليه‬
‫من العز في عدوه‪ ،‬والخمول أشهى إليه من الشهره‪ ،‬ثم قال عليه السلم‪:‬‬
‫العاشرة وما العاشرة‪ ،‬قيل له‪ :‬ماهي ؟ قال عليه السلم‪ :‬ل يرى أحدا إل‬
‫قال‪ :‬هو خير مني وأتقى‪ .‬إنما الناس رجلن‪ :‬رجل خير منه وأتقى‪ ،‬ورجل‬
‫شر منه وأدنى‪ ،‬فإذا لقى الذي شر منه وأدنى قال‪ :‬لعل خير هذا باطن وهو‬
‫خير له‪ ،‬وخيري ظاهر وهو شر لي‪ .‬وإذا رأى الذي هو خير منه وأتقى‬
‫تواضع له ليلحق به‪ ،‬فإذا فعل ذلك فقد عل مجده‪ ،‬وطاب خيره‪ ،‬و حسن‬
‫ذكره‪ ،‬وساد أهل زمانه‪ - 18 .‬وسأله رجل عن قول ال‪ " :‬ومن يتوكل‬
‫على ال فهو حسبه )‪ " (1‬؟ فقال عليه السلم‪ :‬للتوكل درجات‪ :‬منها أن‬
‫تثق به في أمرك كله فيما فعل بك‪ ،‬فما فعل بك كنت راضيا وتعلم أنه لم‬
‫يألك خيرا ونظرا )‪ .(2‬وتعلم أن الحكم في ذلك له‪ ،‬فتتوكل عليه بتفويض‬
‫ذلك إليه‪ .‬ومن ذلك اليمان بغيوب ال التي لم يحط علمك بها فوكلت علمها‬
‫إليه وإلى امنائه عليها ووثقت به فيها وفي غيرها‪ - 19 .‬وسأله أحمد بن‬
‫نجم )‪ (3‬عن العجب الذي يفسد العمل ؟ فقال عليه السلم‪ :‬للعجب درجات‪:‬‬
‫منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه ويحسب أنه يحسن‬
‫صنعا‪ .‬ومنها أن يؤمن العبد بربه فيمن على ال )‪ (4‬ول المنة عليه فيه‪.‬‬

‫)‪ (1‬الطلق‪ (2) .3 :‬أل في المر‪ :‬قصر وأبطأ وترك الجهد ومنه يقال‪ " :‬لم يأل‬
‫جهدا "‪ (3) .‬رواه الكليني ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪313‬‬
‫والصدوق ‪ -‬رضوان ال عليه ‪ -‬في معاني الخبار باسناده عن على بن‬
‫سويد المدينى عن أبى الحسن موسى عليه السلم‪ .‬وأما أحمد ابن نجم‬
‫هذا لم نجد اليعاز إليه في معاجم الرجال‪ (4) .‬وفى بعض النسخ " فيمتن‬
‫"‪.‬‬

‫]‪[337‬‬

‫‪ - 20‬قال الفضل )‪ (1‬قلت لبي الحسن الرضا عليه السلم‪ :‬يونس بن عبد الرحمن‬
‫يزعم أن المعرفة إنما هي اكتساب‪ .‬قال عليه السلم‪ :‬لما أصاب‪ ،‬إن ال‬
‫يعطي اليمان من يشاء فمنهم من يجعله مستقرا فيه ومنهم من يجعله‬
‫مستودعا عنده‪ ،‬فأما المستقر فالذي ل يسلبه ال ذلك أبدا‪ ،‬وأما المستودع‬
‫فالذي يعطاه الرجل ثم يسلبه إياه‪ - 21 .‬وقال صفوان بن يحيى )‪ (2‬سألت‬
‫الرضا عليه السلم عن المعرفة هل للعباد‬

‫)‪ (1‬الظاهر أنه الفضل بن سنان ولعله ابن سهل ذو الرياستين وزير المأمون وقد‬
‫مضى ترجمته‪ .‬ويونس بن عبد الرحمن هو أبو محمد مولى آل يقطين‬
‫ثقة من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلم‪ ،‬كان وجها في أصحابنا‬
‫متقدما عظيم المنزلة قال ابن النديم‪ " :‬يونس بن عبد الرحمن من‬
‫أصحاب موسى بن جعفر عليهما السلم من موالى آل يقطين علمة‬
‫زمانه كثير التصنيف والتأليف على مذاهب الشيعة " ثم عد كتبه‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وكان يونس من أصحاب الجماع ولد في أيام هشام بن عبد الملك ورأى‬
‫جعفر بن محمد عليهما السلم بين الصفا والمروة ولم يرو عنه وروى‬
‫عن الكاظم والرضا عليهما السلم وكان الرضا عليه السلم يشير إليه في‬
‫العلم والفتيا وكان ممن بذل على الوقف مال جزيل مات ‪ -‬رحمه ال ‪-‬‬
‫سنة ‪ (2) .208‬هو أبو محمد صفوان بن يحيى البجلى الكوفى‪ ،‬بياع‬
‫السابرى من أصحاب المام السابع والثامن والتاسع عليهم السلم وأقروا‬
‫له بالفقه والعلم‪ ،‬ثقة من أصحاب الجماع وكان وكيل الرضا عليه السلم‬
‫وصنف كتبا كثيرة وكان من الورع والعبادة ما لم يكن أحد في طبقته‪.‬‬
‫وكان اوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث وأعبدهم‪ ،‬كان يصلى كل يوم‬
‫خمسين ومائة ركعة ويصوم في السنة ثلثة أشهر‪ ،‬ويخرج زكاة ماله كل‬
‫سنة ثلث مرات وذاك أنه اشترك هو وعبد ال بن جندب وعلى بن‬
‫النعمان في بيت ال الحرام فتعاقدوا جميعا ان مات واحد منهم يصلى من‬
‫بقى بعده صلته ويصوم عنه ويحج عنه ويزكى عنه مادام حيا فمات‬
‫صاحباه وبقى صفوان بعدهما وكان يفى لهما بذلك وكان يصلى عنهما‬
‫ويزكى عنهما ويصوم عنهما ويحج عنهما وكل شئ من البر والصلح‬
‫يفعل لنفسه كذلك يفعله عن صاحبيه‪ .‬كما في جش وصه‪ .‬وروى عن‬
‫أربعين رجل من أصحاب أبى عبد ال عليه السلم‪ .‬وله كتب كثيرة مثل‬
‫كتب الحسين بن سعيد وله مسائل عن أبى الحسن موسى عليه السلم‬
‫وروايات‪ .‬مات ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬بالمدينة وبعث إليه أبو جعفر بحنوطه‬
‫وكفنه وأمر اسماعيل بن موسى بالصلة عليه‪.‬‬

‫]‪[338‬‬

‫فيها صنع ؟ قال عليه السلم‪ :‬ل‪ .‬قلت‪ :‬لهم فيها أجر ؟ قال عليه السلم‪ :‬نعم طول‬
‫عليهم بالمعرفة‪ ،‬وتطول عليهم بالصواب )‪ - 22 .(1‬وقال الفضيل بن يسار‬
‫)‪ (2‬سألت الرضا عليه السلم عن أفاعيل العباد مخلوقة هي أم غير‬
‫مخلوقة ؟ قال عليه السلم‪ :‬هي وال مخلوقة ‪ -‬أراد خلق تقدير ل خلق‬
‫تكوين ‪ .-‬ثم قال عليه السلم‪ :‬إن اليمان أفضل من السلم بدرجة‪،‬‬
‫والتقوى أفضل من اليمان بدرجة‪ ،‬واليقين أفضل من اليمان بدرجة‪ ،‬ولم‬
‫يعط بنو آدم أفضل من اليقين‪ - 23 .‬وسئل عن خيار العباد ؟ فقال عليه‬
‫السلم‪ :‬الذين إذا أحسنوا استبشروا‪ ،‬وإذا أساؤوا استغفروا‪ ،‬وإذا اعطوا‬
‫شكروا‪ ،‬وإذا ابتلوا صبروا‪ ،‬وإذا غضبوا عفوا‪ - 24 .‬وسئل عليه السلم‬
‫عن حد التوكل ؟ فقال عليه السلم‪ :‬أن ل تخاف أحدا إل ال‪ - 25 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬من السنة إطعام الطعام عند التزويج‪ - 26 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬اليمان أربعة أركان‪ :‬التوكل على ال‪ ،‬والرضا بقضاء ال‪،‬‬
‫والتسليم لمر ال‪ ،‬والتفويض إلى ال‪ ،‬وقال العبد الصالح )‪ " :(3‬وأفوض‬
‫أمري إلى ال فوقاه ال سيئات ما مكروا "‪ - 27 .‬وقال عليه السلم‪ :‬صل‬
‫رحمك ولو بشربة من ماء‪ ،‬وأفضل ما توصل به الرحم كف الذي عنها‪،‬‬
‫وقال‪ :‬في كتاب ال‪ " :‬ول تبطلوا صدقاتكم بالمن والذى )‪- 28 ." (4‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬إن من علمات الفقه‪ :‬الحلم والعلم‪ ،‬والصمت باب من‬
‫أبواب الحكمة‪ .‬إن الصمت يكسب المحبة‪ ،‬إنه دليل على كل خير‪.(5) .‬‬
‫)‪ (1‬كذا‪ .‬وتطول عليه‪ :‬امتن عليه‪ (2) .‬الفضيل بن يسار من أصحاب المام‬
‫الصادق عليه السلم ومات في أيامه‪ ،‬ولعله كان قاسم بن الفضيل أو‬
‫محمد بن الفضيل لنهما من أصحاب الرضا عليه السلم‪ (3) .‬أراد عليه‬
‫السلم بالعبد الصالح مؤمن آل فرعون والية في سورة غافر‪(4) .44 :‬‬
‫البقرة‪ (5) .266 :‬وفى بعض النسخ " على كل حق "‪.‬‬

‫]‪[339‬‬

‫‪ - 29‬وقال عليه السلم‪ :‬إن الذي يطلب من فضل يكف به عياله أعظم أجرا من‬
‫المجاهد في سبيل ال‪ - 30 .‬وقيل له‪ :‬كيف أصبحت ؟ فقال عليه السلم‪:‬‬
‫أصبحت بأجل منقوص‪ ،‬وعمل محفوظ‪ ،‬والموت في رقابنا‪ ،‬والنار من‬
‫ورائنا‪ ،‬ول تدري ما يفعل بنا‪ - 31 .‬وقال عليه السلم‪ :‬خمس من لم تكن‬
‫فيه فل ترجوه لشئ من الدنيا والخرة‪ :‬من لم تعرف الوثاقة في أرومته )‬
‫‪ .(1‬والكرم في طباعه‪ ،‬والرصانة في خلقه )‪ (2‬والنبل في نفسه‪ ،‬والمخافة‬
‫لربه‪ - 32 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ما التقت فئتان قط إل نصر أعظمهما عفوا‪.‬‬
‫‪ - 33‬وقال عليه السلم‪ :‬السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه‪،‬‬
‫والبخيل ل يأكل من طعام الناس لئل يأكلوا من طعامه‪ - 34 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬إنا أهل بيت نرى وعدنا علينا دينا كما صنع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله‪ - 35 .‬وقال عليه السلم‪ :‬يأتي على الناس زمان تكون العافية‬
‫فيه عشرة أجزاء‪ :‬تسعة منها في اعتزال الناس وواحد في الصمت‪- 36 .‬‬
‫وقال له معمر بن خلد )‪ :(3‬عجل ال فرجك‪ .‬فقال عليه السلم‪ .‬يا معمر‬
‫ذاك فرجكم أنتم‪ ،‬فأما أنا فوال ما هو إل مزود فيه كف سويق مختوم‬
‫بخاتم‪ - 37 .‬وقال عليه السلم‪ :‬عونك للضعيف أفضل من الصدقة‪- 38 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬ل يستكمل عبد حقيقة اليمان حتى تكون فيه خصال‬
‫ثلث‪ :‬التفقة في الدين‪ .‬وحسن التقدير في المعيشة‪ .‬والصبر على الرزايا‪.‬‬

‫)‪ (1‬الرومة‪ :‬الصل‪ (2) .‬رصن ‪ -‬كشرف ‪ -‬أي استحكم واشتد وثبت‪ .‬والنبل ‪-‬‬
‫بالضم ‪ :-‬الفضل والنجابة‪ .‬وفى بعض النسخ " والرزانة في خلقه "‪) .‬‬
‫‪ (3‬هو أبو خلد معمر بن خلد بن أبى خلد بغدادي ثقة من أصحاب‬
‫الرضا عليه السلم وله كتب‪.‬‬

‫]‪[340‬‬

‫‪ - 39‬وقال عليه السلم لبي هاشم داود بن القاسم الجعفري )‪ :(1‬يا داود إن لنا‬
‫عليكم حقا برسول ال صلى ال عليه وآله‪ ،‬وإن لكم علينا حقا‪ .‬فمن عرف‬
‫حقنا وجب حقه‪ ،‬ومن لم يعرف حقنا فل حق له‪ - 40 .‬وحضر عليه‬
‫السلم‪ :‬يوما مجلس المأمون وذو الرياستين حاضر‪ ،‬فتذاكروا الليل‬
‫والنهار وأيهما خلق قبل صاحبه‪ .‬فسأل ذو الرياستين الرضا عليه السلم‬
‫عن ذلك ؟ فقال عليه السلم له‪ :‬تحب أن اعطيك الجواب من كتاب ال أم‬
‫حسابك ؟ فقال‪ :‬أريده أول من الحساب‪ ،‬فقال عليه السلم‪ :‬أليس تقولون‪:‬‬
‫إن طالع الدنيا السرطان‪ ،‬وإن الكواكب كانت في أشرافها ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪:‬‬
‫فزحل في الميزان‪ ،‬والمشتري في السرطان‪ ،‬والمريخ في الجدي‪ ،‬والزهرة‬
‫في الحوت‪ ،‬والقمر في الثور‪ ،‬والشمس في وسط السماء في الحمل‪ ،‬وهذا‬
‫ل يكون إل نهارا‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فمن كتاب ال ؟ قال عليه السلم‪ :‬قوله‪:‬‬
‫" ل الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ول الليل سابق النهار " أي أن‬
‫النهار سبقه )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬هو أبو هاشم داود بن القاسم بن اسحاق بن عبد ال بن جعفر بن أبى طالب ثقة‬
‫جليل القدر عظيم المنزلة عند الئمة‪ ،‬وقد شاهد جماعة منهم‪ :‬المام‬
‫الثامن إلى المام الثاني عشر عليهم السلم وله موقع جليل عندهم وكان‬
‫منقطعا إليهم وروى عنهم وله منهم أخبار ورسائل وروايات من دلئل‬
‫أبى الحسن الهادى عليه السلم وقال‪ :‬ما دخلت على أبى الحسن وأبى‬
‫محمد عليهما السلم ال رأيت منهما دللة وبرهانا‪ .‬وقال السيد ابن‬
‫طاووس‪ " :‬انه من وكلء الناحية الذين ل تختلف الشيعة فيهم " كان‬
‫أبو هاشم عالما اديبا ورعا زاهدا ناسكا ولم يكن في آل أبى طالب مثله‬
‫في زمانه في علو النسب وكان مقدما عند السلطان توفى ‪ -‬رحمه ال ‪-‬‬
‫سنة ‪ .261‬وكان أبو القاسم بن اسحاق أمير اليمن رجل جليل وهو ابن‬
‫خالة مولنا الصادق عليه السلم لن ام حكيم بنت القاسم بن محمد بن‬
‫أبى بكراخت ام فرودة ام مولنا الصادق عليه السلم‪ (2) .‬رواه الطبرسي‬
‫‪ -‬رحمه ال ‪ -‬في المجمع عند بيان الية من تفسير العياشي عن الشعث‬
‫بن حاتم هكذا " قال‪ :‬كنت بخراسان حيث اجتمع الرضا عليه السلم‬
‫والفضل بن ‪- - - -‬‬

‫]‪[341‬‬

‫‪ - 41‬قال علي بن شعيب )‪ (1‬دخلت على أبي الحسن الرضا عليه السلم‪ ،‬فقال لي‪:‬‬
‫يا علي من أحسن الناس معاشا ؟ قلت‪ :‬يا سيدي أنت أعلم به مني‪ .‬فقال‬
‫عليه السلم‪ :‬يا علي بن حسن معاش غيره في معاشه‪ .‬يا علي بن أسوء‬
‫الناس معاشا ؟ قلت‪ :‬أنت أعلم‪ ،‬قال‪ :‬من لم يعش غيره في معاشه‪ .‬يا علي‬
‫أحسنوا جوار النعم فإنها وحشية ما نأت عن قوم فعادت إليهم )‪.(2‬‬
‫‪ - - - -‬سهل والمأمون في ايوان الحبرى بمرو فوضعت المائدة فقال الرضا عليه‬
‫السلم‪ :‬ان رجل من بنى اسرائيل سألني بالمدينة فقال‪ :‬النهار خلق قبل‬
‫أم الليل‪ ،‬فما عندكم ؟ قال‪ :‬فأداروا الكلم فلم يكن عندهم في ذلك شئ‪،‬‬
‫فقال الفضل للرضا عليه السلم‪ :‬أخبرنا بها ‪ -‬أصلحك ال ‪ -‬قال‪ :‬نعم من‬
‫القرآن أم من الحساب ؟ قال له الفضل‪ :‬من جهة الحساب فقال‪ :‬قد علمت‬
‫يا فضل أن طالع الدنيا السرطان والكواكب في مواضع شرفها ؟ فزحل في‬
‫الميزان والمشترى في السرطان والشمس في الحمل والقمر في الثور‬
‫فذلك يدل على كينونة الشمس في الحمل في العاشر في الطالع في وسط‬
‫السماء فالنهار خلق قبل الليل‪ .‬وفى قوله تعالى " ل الشمس ينبغى لها‬
‫أن تدرك القمر ول الليل سابق النهار " أي قد سبقه النهار‪ .‬انتهى‪ .‬أقول‪:‬‬
‫لما كان وجود الليل والنهار أمران منتزعان من الشمس وحركته فهما‬
‫مولودان لدورتها‪ .‬وتقدم المر النتزاعي على منشأ النتزاع مما ريب‬
‫فيه‪ .‬وبعبارة اخرى لما كان وجود الليل والنهار فرع وجود الشمس فإذا‬
‫كان الشمس كان النهار فإذا كان النهار كان الليل‪ .‬فوجود الليل منتزع من‬
‫النهار‪ .‬فتأمل‪ .‬وفى قوله عليه السلم‪ " :‬أم حسابك " اشارة إلى أن‬
‫الجواب على وفق مذهب السائل‪ .‬والية في سورة يس‪ (1) .40 :‬قال‬
‫صاحب تنقيح المقال ‪ -‬ره ‪ -‬لم اقف عليه بهذا العنوان في كتب الرجال‬
‫وانما وقفنا فيها على على بن أبى شعيب المدائني وقال‪ :‬له كتاب صغير‬
‫والظاهر كونه اماميا‪ (2) .‬الجوار ‪ -‬بالكسر ‪ -‬مصدر بمعنى المجاورة‪.‬‬
‫ونأت عن قوم أي بعدت عنه‪ .‬والمراد ان النعمة وحشية فيجب على من‬
‫أصابها ونال منها ان أراد بقاءها ودوامها ان يعامل معها معاملة الحيوان‬
‫الوحشى الذى إذا هرب لم يعد‪.‬‬

‫]‪[342‬‬

‫يا علي إن شر الناس من منع رفده‪ ،‬وأكل وحده‪ ،‬وجلد عبده‪ - 42 .‬وقال له عليه‬
‫السلم رجل في يوم الفطر‪ :‬إني أفطرت اليوم على تمر وطين القبر‪ .‬فقال‬
‫عليه السلم‪ :‬جمعت السنة والبركة‪ - 43 .‬وقال عليه السلم لبي هاشم‬
‫الجعفري‪ :‬يا أبا هاشم العقل حباء من ال‪ ،‬والدب كلفة‪ ،‬فمن تكلف الدب‬
‫قدر عليه‪ ،‬ومن تكلف العقل لم يزدد بذلك إل جهل )‪ - 44 .(1‬وقال أحمد‬
‫بن عمر )‪ (2‬والحسين بن يزيد‪ :‬دخلنا على الرضا عليه السلم فقلنا‪ :‬إنا‬
‫كنا في سعة من الرزق وغضارة من العيش فتغيرت الحال بعض التغير‬
‫فادع ال أن يرد ذلك إلينا ؟ فقال عليه السلم‪ :‬أي شئ تريدون تكونون‬
‫ملوكا ؟ أيسركم أن تكونوا مثل طاهر وهرثمة )‪ (3‬وإنكم على خلف ما‬
‫أنتم عليه ؟ فقلت‪:‬‬
‫)‪ (1‬الحباء ‪ -‬بالكسر ‪ :-‬العطية‪ .‬والمراد ان العقل غريزة موهبة من ال فكان في‬
‫فطرة النسان وجبلته فليس للكسب فيه أثر فمن لم يكن فيه عقل ليس له‬
‫صلحية اكتساب العقل بخلف الدب فان الدب هو السيرة والطريقة‬
‫الحسنة في المحاورات والمعاشرات فيمكن للنسان تحصيله بأن يتجشمه‬
‫ويتكلفه‪ .‬وأبو هاشم الجعفري هو داود بن القاسم بن اسحاق بن عبد ال‬
‫ابن جعفر بن أبى طالب الذى تقدم شرح حاله في ص ‪ (2) .340‬هو أحمد‬
‫بن عمر بن أبى شعبة الحلبي ثقة من أصحاب المام السابع والثامن‬
‫عليهما السلم وله كتاب‪ .‬وأما الحسين بن يزيد هو ابن عبد الملك‬
‫النوفلي المتطبب من أصحاب المام الثامن‪ .‬كان أديبا شاعرا سكن الرى‬
‫ومات بها ‪ -‬رحمه ال ‪ (3) .-‬الظاهر هو أبو الطيب أو أبو طلحة طاهر‬
‫بن الحسين بن مصعب بن زريق بن ماهان الملقب بذو اليمينين والى‬
‫خراسان كان من أكبر قواد المأمون والمجاهدين في تثبيت دولته‪ ،‬كان‬
‫جده زريق بن ماهان أو باذان مجوسيا فأسلم على يد طلحة الطلحات‬
‫الخزاعى المشهور بالكرم والى سجستان وكان موله‪ ،‬ولذلك اشتهر‬
‫الطاهر بالخزاعى‪ ،‬وكان هو الذى سيره المأمون من خراسان إلى‬
‫محاربة أخيه المين محمد بن زبيدة ببغداد لما خلع المأمون بيعته وسير‬
‫المين على بن عيسى بن ماهان لدفعه فالتقيا بالرى وقتل ‪< - - - -‬‬

‫]‪[343‬‬

‫ل وال ما سرني أن لي الدنيا بما فيها ذهبا وفضة وإني على خلف ما أنا عليه‪.‬‬
‫فقال عليه السلم‪ :‬إن ال يقول‪ " :‬اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي‬
‫الشكور )‪ ." (1‬أحسن الظن بال‪ ،‬فإن من حسن ظنه بال كان ال عند‬
‫ظنه )‪ (2‬ومن رضي بالقليل من الرزق قبل منه اليسير من العمل‪ ،‬ومن‬
‫رضي باليسير من الحلل خفت مؤونته ونعم أهله‪ ،‬وبصره ال داء الدنيا‬
‫ودواءها‪ ،‬وأخرجه منها سالما إلى دار السلم‪.‬‬

‫‪ - - -‬على بن عيسى وكسر جيش المين وتقدم الطاهر إلى بغداد وأخذ ما في‬
‫طريقه من البلد وحاصر بغداد وقتل المين سنة ‪ 198‬وحمل برأسه إلى‬
‫خراسان وعقد للمأمون على الخلفة فلما استقل المأمون بالملك كتب إليه‬
‫وهو مقيم ببغداد وكان واليا عليها بأن يسلم إلى الحسن بن سهل جميع‬
‫ما افتتحه من البلد وهى العراق وبل الجبل وفارس وأهواز والحجاز‬
‫واليمن وأن يتوجه هو إلى الرقة‪ ،‬ووله الموصل وبلد الجزيرة والشأم‬
‫والمغرب فكان فيها إلى أن قدم المأمون بغداد فجاء إليه وكان المأمون‬
‫يرعاه لمناصحته وخدمته ولقبه ذو اليمينين وذلك لنه ضرب شخصا‬
‫بيساره فقده نصفين في وقعته مع على بن عيسى بن ماهان حتى قال‬
‫بعض الشعراء‪ " :‬كلتا يديك يمين حين تضربه " فبعثه إلى خراسان‬
‫فكان واليا عليها إلى أن توفى سنة ‪ 207‬بمرو وهو الذى أسس دولة آل‬
‫طاهر في خراسان وما والها من ‪ 205‬إلى ‪ 259‬وكان طاهر من أصحاب‬
‫الرضا عليه السلم كان متشيعا وينسب التشيع أيضا إلى بنى طاهر كما‬
‫في مروج الذهب وغيره‪ .‬ولد طاهر سنة ‪ 159‬في توشنج من بلد‬
‫خراسان وله عهد إلى ابنه وهو من أحسن الرسائل‪ .‬وهرثمة هو هرثمة‬
‫بن أعين كان أيضا من قواد المأمون وفى خدمته وكان مشهورا معروفا‬
‫بالتشيع محبا لهل البيت من أصحاب الرضا عليه السلم بل من خواصه‬
‫وأصحاب سره ويأخذ نفسه انه من شيعته وكان قائما بمصالحه وكانت له‬
‫محبة تامة واخلص كامل له‪ ،‬توفى بمرو سنة ‪ 200‬في السجن‪(1) .‬‬
‫سبأ‪ (2) .12 :‬قيل‪ :‬معناه أنه عزوجل عند ظن عبده في حسن عمله‬
‫وسوء عمله لن من حسن عمله حسن ظنه ومن ساء عمله ساء ظنه‪.‬‬

‫]‪[344‬‬

‫‪ - 45‬وقال له ابن السكيت )‪ :(1‬ما الحجة على الخلق اليوم ؟ فقال عليه السلم‪:‬‬
‫العقل يعرف به الصادق على ال فيصدقه‪ ،‬والكاذب على ال فيكذبه‪ .‬فقال‬
‫ابن السكيت‪ :‬هذا وال هو الجواب‪.‬‬

‫)‪ (1‬هو أبو يوسف يعقوب بن اسحاق الدورقى الهوازي من رجال الفرس‪،‬‬
‫المعروف بابن السكيت كان أحد أعلم اللغويين وجهابذة المتأدبين‪ ،‬حامل‬
‫لواء علم العربية والدب والشعر واللغة ويتصرف في أنواع العلوم‪ ،‬ثقة‬
‫جليل القدر عظيم المنزلة وكان من عظماء الشيعة ومن خواص أصحاب‬
‫المام التاسع والعاشر‪ ،‬وكان المتوكل الخليفة العباسي قد ألزمه تأديب‬
‫أولده وكان في أول أمره يؤدب مع أبيه بمدينة السلم في درب القنطرة‬
‫صبيان العامة حتى احتاج إلى الكسب فجعل يتعلم النحو‪ .‬وكان أبوه رجل‬
‫صالحا وأديبا عالما وكان من أصحاب الكسائي‪ ،‬حسن المعرفة بالعربية‬
‫وحكى عنه أنه كان قد حج فطاف بالبيت وسعى وسأل ال تعالى أن يعلم‬
‫ابنه العلم‪ .‬كان لبن السكيت تصانيف جيدة مفيدة منها اصلح المنطق في‬
‫اللغة‪ ،‬ونقل عن ابن خلكان أنه قال بعد نقل كلم‪ " :‬ول شك أنه من الكتب‬
‫النافعة الممتعة الجامعة لكثير من اللغة ول يعرف في حجمه مثله في بابه‬
‫وقد عنى به جماعة واختصره الوزير أبو القاسم الحسين بن على‬
‫المعروف بابن المغربي‪ .‬وهذبه الخطيب أبو زكريا التبريزي ‪ -‬إلى أن قال‬
‫‪ :-‬ولم يكن بعد ابن العرابي أعلم باللغة من ابن السكيت الخ "‪ .‬كان‬
‫مولده ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬في حوالى سنة ‪ 185‬وعاش نحو ثمان وخمسين‬
‫سنة وقتله المتوكل العباسي وسببه ان المتوكل قال له يوما‪ :‬أيما أحب‬
‫ابناى هذان أي المعتز والمؤيد أم الحسن والحسين ‪ -‬عليهما السلم ‪ -‬؟‬
‫فقال ابن السكيت‪ :‬وال ان قنبرا خادم على بن أبى طالب خير منك ومن‬
‫أبنيك‪ .‬فقال المتوكل للتراك‪ :‬سلوا لسانه من قفاه‪ ،‬ففعلوا فمات‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫أثنى على الحسن والحسين )ع(‪ ،‬ولم يذكرا بنيه فأمر المتوكل فداسوا‬
‫بطنه فحمل إلى داره فمات بعد غد ذلك اليوم ‪ -‬رحمة ال عليه‪(*) .‬‬

‫]‪[345‬‬

‫‪ - 46‬وقال عليه السلم‪ :‬ل يقبل الرجل يد الرجل فإن قبلة يده كالصلة له )‪47 .(1‬‬
‫‪ -‬وقال عليه السلم‪ :‬قبلة الم على الفم‪ ،‬وقبلة الخت على الخد‪ ،‬وقبلة‬
‫المام بين عينيه‪ - 48 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ليس لبخيل راحة‪ ،‬ول لحسود‬
‫لذة‪ ،‬ول لملوك وفاء ول لكذوب مروة‪ - 2 .‬ما )‪ :(2‬عن جماعة‪ ،‬عن أبي‬
‫المفضل‪ ،‬عن مسعر بن علي بن زياد‪ ،‬عن حريز بن سعد بن أحمد بن‬
‫مالك‪ ،‬عن العباس بن المأمون‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬قال لي علي بن موسى‬
‫الرضا عليهما السلم ثلثة موكل بها ثلثة‪ :‬تحامل اليام علي ذوي‬
‫الدوات الكاملة‪ ،‬واستيلء الحرمان على المتقدم في صنعته‪ ،‬ومعاداة‬
‫العوام على أهل المعرفة‪ .‬أقول‪ :‬قد مضى بعض حكمه عليه السلم في‬
‫النظم في أبواب أحواله عليه السلم‪ - 3 .‬ص )‪ :(3‬بإسناده إلى الصدوق‪،‬‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن سعد‪ ،‬عن ابن عيسى‪ ،‬عن علي بن سيف‪ ،‬عن محمد بن‬
‫عبيدة قال‪ :‬دخلت على الرضا عليه السلم فبعث إلى صالح بن سعيد‬
‫فحضرنا جميعا فوعظنا ثم قال‪ :‬إن العابد من بني إسرائيل لم يكن عابدا‬
‫حتى يصمت عشر سنين‪ ،‬فإذا صمت عشر سنين كان عابدا ثم قال‪ :‬قال أبو‬
‫جعفر عليه السلم‪ :‬كن خيرا ل شر معه‪ ،‬كن ورقا ل شوك معه‪ ،‬ول تكن‬
‫شوكا ل ورق معه‪ ،‬وشرا ل خير معه‪ ،‬ثم قال إن ال تعالى يبغض القيل‬
‫والقال‪ ،‬وإيضاع المال‪ ،‬وكثرة السؤال‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن بني إسرائيل شددوا‬
‫فشدد ال عليهم قال لهم موسى عليه السلم‪ :‬اذبحوا بقرة‪ ،‬قالوا‪ :‬ما‬
‫لونها‪ ،‬فلم يزالوا شددوا حتى ذبحوا بقرة يمل جلدها ذهبا‪ ،‬ثم قال إن علي‬
‫بن أبي طالب عليه السلم قال‪ :‬إن الحكماء ضيعوا الحكمة لما وضعوا عند‬
‫غير أهلها‪.‬‬

‫)‪ (1‬في الكافي ج ‪ 2‬ص ‪ 185‬باسناده عن رفاعة بن موسى عن أبى عبد ال عليه‬
‫السلم قال‪ :‬ل يقبل رأس أحد ول يده ال يد رسول ال أو من اريد به‬
‫رسول ال صلى ال عليه وآله‪ (2) .‬المالى ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .98‬مخطوط‪.‬‬

‫]‪[346‬‬
‫‪ - 4‬ضا )‪ :(1‬سلوا ربكم العافية في الدنيا والخرة‪ ،‬فإنه أروي عن العالم أنه " قال‬
‫الملك الخفي‪ :‬إذا حضرت )‪ (2‬لم يؤبه لها‪ ،‬وإن غابت عرف فضلها "‬
‫واجتهدوا أن يكون زمانكم أربع ساعات ساعة ل لمناجاته‪ ،‬وساعة لمر‬
‫المعاش‪ ،‬وساعة لمعاشرة الخوان الثقات‪ ،‬والذين يعرفونكم عيوبكم‬
‫ويخلصون لكم في الباطن‪ ،‬وساعة تخلون فيها للذاتكم‪ ،‬وبهذه الساعة‬
‫تقدرون على الثلث الساعات‪ ،‬ل تحدثوا أنفسكم بالفقر‪ ،‬ول بطول العمر‪،‬‬
‫فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل‪ ،‬ومن حدثها بطول العمر حرص‪ ،‬اجعلوا‬
‫لنفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلل‪ ،‬وما لم يثلم المروة‬
‫ول سرف فيه‪ ،‬واستعينوا بذلك على امور الدنيا فإنه نروي " ليس منا من‬
‫ترك دنياه لدينه‪ ،‬ودينه لدنياه "‪ ،‬وتفقهوا في دين ال فإنه أروي " من لم‬
‫يتفقه في دينه ما يحظئ أكثر مما يصيب‪ ،‬فإن الفقه مفتاح البصيرة‪ ،‬وتمام‬
‫العبادة‪ ،‬والسبب إلى المنازل الرفيعة‪ ،‬وحاز المرء المرتبة الجليلة في‬
‫الدين والدنيا‪ ،‬فضل الفقيه على العباد كفضل الشمس على الكواكب‪ ،‬ومن‬
‫لم يتفقه في دينه لم يزك ال له عمل "‪ .‬وأروي عن العالم عليه السلم أنه‬
‫قال‪ " :‬لو وجدت شابا من شبان الشيعة ل يتفقه لضربته ضربة بالسيف "‬
‫وروي غيري عشرون سوطا‪ ،‬وأنه قال‪ " :‬تفقهوا وإل أنتم أعراب جهال‬
‫"‪ .‬وروي أنه قال‪ " :‬منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة النبياء في بني‬
‫إسرائيل "‪ .‬روي " أن الفقيه يستغفر له ملئكة السماء وأهل الرض‬
‫والوحش والطير وحيتان البحر " وعليكم بالقصد في الغنى والفقر‪ ،‬والبر‬
‫من القليل والكثير فإن ال تبارك وتعالى يعظم شقة التمرة حتى يأتي يوم‬
‫القيامة كجبل احد‪ .‬إياكم والحرص والحسد فإنهما أهلكا المم السالفة‪،‬‬
‫وإياكم والبخل فإنها عاهة ل تكون في حر ول مؤمن‪ ،‬إنها خلف اليمان‪.‬‬

‫)‪ (1‬فقه الرضا عليه السلم باب حق النفوس من باب الديات‪ (2) .‬أي إذا حضرت‬
‫العافية ل يلتفت إليها وإذا غابت ظهر فضلها‪.‬‬

‫]‪[347‬‬

‫عليكم بالتقية‪ ،‬فإنه روي " من ل تقية له ل دين له "‪ ،‬وروي " تارك التقية كافر‬
‫" وروي " اتق حيث ل يتقى‪ ،‬التقية دين منذ أول الدهر إلى آخره "‬
‫وروي " أن أبا عبد ال عليه السلم كان يمضي يوما في أسواق المدينة‬
‫وخلفه أبو الحسن موسى فجذب رجل ثوب أبي الحسن ثم قال له‪ :‬من‬
‫الشيخ فقال‪ :‬ل أعرف )‪ .(1‬تزاوروا تحابوا وتصافحوا ول تحاشموا فانه‬
‫روي " المحتشم والمحتشم )‪ (2‬في النار " ل تأكلوا الناس بآل محمد فإن‬
‫التأكل بهم كفر‪ ،‬ل تستقلوا قليل الرزق فتحرموا كثيره‪ ،‬عليكم في اموركم‬
‫بالكتمان في امور الدين والدنيا فإنه روي " أن الذاعة كفر " وروي "‬
‫المذيع والقاتل شريكان " وروي " ما تكتمه من عدوك فل يقف عليه‬
‫وليك " ل تغضبوا من الحق إذا صدعتم‪ ،‬ول تغرنكم الدنيا فإنها ل تصلح‬
‫لكم كما ل تصلح لمن كان قبلكم ممن اطمأن إليها‪ ،‬وروي " أن الدنيا سجن‬
‫المؤمن‪ ،‬والقبر بيته‪ ،‬والجنة مأواه‪ ،‬والدنيا جنة الكافر‪ ،‬والقبر سجنه‪،‬‬
‫والنار مأواه "‪ .‬عليكم بالصدق وإياكم والكذب فإنه ل يصلح إل لهله‪،‬‬
‫أكثروا من ذكر الموت فإنه أروي " أن ذكر الموت أفضل العبادة "‪.‬‬
‫وأكثروا من الصلواة على محمد وآله عليهم السلم والدعاء للمؤمنين‬
‫والمؤمنات في آناء الليل والنهار فإن الصلة على محمد وآله أفضل أعمال‬
‫البر‪ ،‬واحرصوا على قضاء حوائج المؤمنين وإدخال السرور عليهم ودفع‬
‫المكروه عنهم‪ ،‬فإنه ليس شئ من العمال عند ال عزوجل بعد الفرائض‬
‫أفضل من إدخال السرور على المؤمن‪ .‬ل تدعوا العمل الصالح والجتهاد‬
‫في العبادة اتكال على حب آل محمد عليهم السلم‪،‬‬

‫)‪ (1‬سأل الرجل عن أبى الحسن من الرجل يعنى أبا عبد ال فقال أبو الحسن عليه‬
‫السلم " انى ل أعرف " فقط بدون ذكر مفعول ل أعرف‪ ،‬وهذا من‬
‫أحسن التورية‪ (2) .‬حشمه‪ :‬آذاه وأغضبه بتسميعه ما يكره‪ .‬واحتشم منه‬
‫وعنه غضب وانقبض واستحيا‪ .‬وفى بعض النسخ " ول تحاشموا " أي‬
‫ل تغاضبوا فان المتغاضبان في النار‪.‬‬

‫]‪[348‬‬

‫ل تدعوا حب آل محمد عليهم السلم والتسليم لمرهم اتكال على العبادة فإنه ل يقبل‬
‫أحدهما دون الخر‪ .‬واعلموا أن رأس طاعة ال سبحانه التسليم لما‬
‫عقلناه‪ ،‬وما لم نعقله‪ ،‬فان رأس المعاصي الرد عليهم‪ ،‬وإنما امتحن ال‬
‫عزوجل الناس بطاعته لما عقلوه وما لم يعقلوه إيجابا للحجة وقطعا‬
‫للشبهة‪ ،‬واتقوا ال وقولوا قول سديدا يصلح لكم أعمالكم ويدخلكم جنات‬
‫تجري من تحتها النهار ومساكن طيبة في جنات عدن‪ ،‬ول يفوتنكم خير‬
‫الدنيا فإن الخرة ل تلحق ول تنال إل بالدنيا‪ - 5 .‬ضا )‪ :(1‬نروي " انظر‬
‫إلى من هو دونك في المقدرة‪ ،‬ول تنظر إلى من هو فوقك‪ ،‬فإن ذلك أقنع لك‬
‫وأحرى أن تستوجب الزيادة‪ ،‬واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين‬
‫والبصيرة أفضل عند ال من العمل الكثير على غير يقين والجهد‪ ،‬واعلم‬
‫أنه ل ورع أنفع من تجنب محارم ال‪ ،‬والكف عن أذى المؤمن‪ ،‬ول عيش‬
‫أهنأ من حسن الخلق‪ ،‬ول مال أنفع من القنوع‪ ،‬ول جهل أضر من العجب‪،‬‬
‫ول تخاصم العلماء ول تلعبهم ول تحاربهم ول تواضعهم )‪ " (2‬ونروي‬
‫" من احتمل الجفا لم يشكر النعمة " " وأروي عن العالم عليه السلم أنه‬
‫قال‪ " :‬رحم ال عبدا حببنا إلى الناس ولم يبغضنا إليهم‪ ،‬وأيم ال لو‬
‫يروون محاسن كلمنا لكانوا أعز ولما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشئ‬
‫"‪ .‬وأروي عن العالم أنه قال‪ " :‬عليكم بتقوى ال والورع والجتهاد وأداء‬
‫المانة وصدق الحديث‪ ،‬وحسن الجوار‪ ،‬فبهذا جاء محمد صلى ال عليه‬
‫وآله‪ ،‬صلوا في عشائركم‪ ،‬وصلوا أرحامكم‪ ،‬وعودوا مرضاكم‪ ،‬واحضروا‬
‫جنائزكم‪ ،‬كونوا زينا ول تكونوا شينا‪ ،‬حببونا إلى الناس‪ ،‬ول تبغضونا‪ ،‬جر‬
‫وإلينا كل مودة‪ ،‬وادفعوا عنا كل قبيح‪ ،‬وما قيل فينا من خير فنحن أهله‪،‬‬
‫وما قيل فينا من شر فما نحن‬

‫)‪ (1‬فقه الرضا عليه السلم أواخر باب مكارم الخلق‪ (2) .‬كذا‪ .‬وواضعه أي‬
‫راهنه‪ ،‬وفى المر‪ :‬واقفه فيه‪ ،‬وواضعه البيع‪ :‬تاركه‪ ،‬والرهان‪ :‬أبطله‪.‬‬

‫]‪[349‬‬

‫كذلك‪ ،‬الحمدل رب العالمين "‪ .‬ويروى " أن رجل قال للصادق السلم والرحمة‬
‫عليه‪ :‬يا ابن رسول ال فيم المروة فقال‪ :‬أل يراك ]ال[ حيث نهاك‪ ،‬ول‬
‫يفقدك حيث أمرك‪ - 6 .‬كشف )‪ (1‬قال البي في نثر الدرر‪ ،‬سئل الرضا‬
‫عليه السلم عن صفة الزاهد‪ ،‬فقال‪ :‬متبلغ بدون قوته‪ ،‬مستعد ليوم موته‪،‬‬
‫متبرم بحياته‪ .‬وسئل عليه السلم عن القناعة فقال‪ :‬القناعة تجتمع إلى‬
‫صيانة النفس وعز القدر‪ ،‬وطرح مؤن الستكثار )‪ ،(2‬والتعبد لهل الدنيا‪،‬‬
‫ول يسلك الطريق القناعة إل رجلن إما متعلل )‪ (3‬يريد أجر الخرة‪ ،‬أو‬
‫كريم متنزه عن لئام الناس‪ .‬وامتنع عنده رجل من غسل اليد قبل الطعام‪،‬‬
‫فقال‪ :‬اغسلها والغسلة الولى لنا‪ ،‬وأما الثانية فلك‪ ،‬فإن شئت فاتركها‪ .‬قال‬
‫عليه السلم‪ (4) :‬في قول ال تعالى‪ " :‬فاصفح الصفح الجميل )‪ " (5‬قال‪:‬‬
‫عفو بغير عتاب‪ .‬وفي قوله " خوفا وطمعا " )‪ (6‬قال خوفا للمسافر‪،‬‬
‫وطمعا للمقيم‪ - 7 .‬ومن تذكرة )‪ (7‬ابن حمدون قال عليه السلم‪ :‬من‬
‫رضي من ال عزوجل بالقليل من الرزق رضي منه بالقليل من العمل‪،‬‬
‫وقال‪ :‬ل يعدم المرء دائرة السوء مع نكث الصفقة )‪ (8‬ول يعدم تعجيل‬
‫العقوبة مع ادراء البغي‪ ،‬وقال‪ :‬الناس ضربان بالغ ل يكتفي وطالب ل يجد‪.‬‬

‫)‪ (1‬كشف الغمة ج ‪ 3‬ص ‪ (2) .96‬في بعض النسخ " مؤونة الستكثار "‪ (3) .‬في‬
‫بعض النسخ " متعبد "‪ (4) .‬المصدر ج ‪ 3‬ص ‪ (5) .99‬غافر‪(6) .84 :‬‬
‫الرعد‪ (7) .13 :‬كشف الغمة ج ‪ 3‬ص ‪ (8) .100‬نكث الصفقة أي نقض‬
‫العهد‪ .‬وبالفارسية " پيمان شكنى "‪.‬‬

‫]‪[350‬‬
‫‪ - 8‬كش )‪ :(1‬عن حمدويه عن الحسن بن موسى‪ ،‬عن إسماعيل بن مهران )‪(2‬‬
‫عن أحمد بن محمد قال‪ :‬كتب الحسين بن مهران إلى أبي الحسن الرضا‬
‫عليه السلم كتابا قال فكان )يمشي( شاكا في وقوفه قال‪ :‬فكتب إلى أبي‬
‫الحسن يأمره وينهاه‪ ،‬فأجابه أبو الحسن بجواب وبعث به إلى أصحابه‬
‫فنسخوه ورد ]وا[ إليه لئل يستره حسين بن مهران وكذلك كان يفعل إذا‬
‫سئل عن شئ فأحب ستر الكتاب فهذه نسخة الكتاب الذي أجابه به‪ :‬بسم‬
‫ال الرحمن الرحيم عافانا ال وإياك جائني كتابك تذكر فيه الرجل الذي‬
‫عليه الجناية والعين )‪ (3‬وتقول‪ :‬أخذته وتذكر ما تلقاني به وتبعث إلي‬
‫بغيره فاحتججت فيه فأكثرت وعميت )‪ (4‬عليه أمرا وأردت الدخول في‬
‫مثله تقول إنه عمل )‪ (5‬في أمري بعقله وحيلته نظرا منه لنفسه وإرادة أن‬
‫تميل إليه قلوب الناس ليكون مثله المر بيده وليته )‪ (6‬يعمل فيه برأيه‬
‫ويزعم أني طاوعته فيما أشار به علي وهذا أنت تشير علي فيما يستقيم‬
‫عندك في العقل والحيلة بعدك‪ ،‬ل يستقيم المر إل بأحد أمرين إما قبلت‬
‫المر على ما كان يكون عليه‪ ،‬وإما أعطيت القوم ما طلبوا وقطعت عليهم‪،‬‬
‫وإل فالمر عندنا معوج‪ ،‬والناس غير مسلمين ما في أيديهم من مال‬
‫وذاهبون به‪ ،‬فالمر ليس بعقلك ول بحيلتك يكون‪ ،‬ول تفعل الذي نحلته‬
‫بالراي والمشورة )‪ (7‬ولكن المر إلى ال عزوجل وحده ل شريك له يفعل‬
‫في خلقه ما يشاء‪ ،‬من يهدي ال فل مضل له‪ ،‬ومن يضلله فل هادي له‪،‬‬
‫ولن تجد له مرشدا‪ ،‬فقلت‪ :‬واعمل في أمرهم واحتل فيه فكيف لك بالحيلة‬
‫وال يقول‪ " :‬وأقسموا بال جهد أيمانهم ل يبعث ال من يموت بلى وعدا‬
‫عليه حقا في التورية والنجيل ‪ -‬إلى قوله عزوجل ‪ -‬وليقترفوا ما هم‬
‫مقترفون " )‪ (8‬فلو تجيبهم فيما سألوا عنه استقاموا‬

‫)‪ (1‬اختيار رجال الكشى ص ‪ (2) .500‬في التحرير الطاووسي " اسماعيل ابن‬
‫موسى "‪ (3) .‬في المصدر " الخيانة والغبن "‪ (4) .‬في المصدر "‬
‫عممت "‪ (5) .‬في بعض النسخ " بقول انه عمل في أمرى "‪ (6) .‬في‬
‫المصدر " المر بيده واليه يعمل "‪ (7) .‬في بعض النسخ " والشهرة "‪.‬‬
‫)‪ (8‬النعام‪.113 :‬‬

‫]‪[351‬‬

‫وأسلموا وقد كان مني ما أنكرت )‪ (1‬وأنكروا من بعدي ومدلي بقائي‪ ،‬وما كان ذلك‬
‫إل رجاء الصلح لقول أمير المؤمنين عليه السلم‪ " :‬واقتربوا واقتربوا‬
‫وسلوا وسلوا فان العليم يفيض فيضا وجعل يمسح بطنه ويقول‪ :‬ما ملئ‬
‫طعاما ولكن ملته علما وال ما آية انزلت في بر ول بحر ول سهل ول‬
‫جبل إل أني أعلمها وأعلم فيمن نزلت " وقول أبي عبد ال عليه السلم‪:‬‬
‫إلى ال أشكو أهل المدينة إنما أنا فيهم كالشعر انتقل يريدونني أل أقول‬
‫الحق وال ل أزال أقول الحق حتى أموت فلما قلت‪ :‬حقا اريد به حقن‬
‫دمائكم وجمع أمركم على ما كنتم عليه أن يكون سركم مكتوما عندكم غير‬
‫فاش في غيركم‪ ،‬وقد قال رسول ال صلى ال عليه وآله سرا أسره ال‬
‫تعالى إلى جبرئيل‪ ،‬وأسره جبرئيل إلى محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬وأسره‬
‫محمد صلى ال عليه وآله إلى علي‪ ،‬وأسره علي إلى من شاء‪ ،‬ثم قال قال‬
‫أبو جعفر ثم أنتم تحدثون به في الطريق فأردت حيث مضى صاحبكم أن‬
‫ألف أمركم عليكم لئل تضعوه في غير موضعه ول تسألوا عنه غير أهله‬
‫فيكون في مسألتكم إياهم هلككم‪ ،‬فلما دعا إلى نفسه )‪ (2‬ولم يكن داخله‬
‫"‪ ،‬ثم قلتم‪ :‬ل بد إذا كان ذلك منه يثبت على ذلك ول يتحول عنه إلى غيره‬
‫قلت )‪ (3‬لنه كان له من التقية والكف أولى‪ ،‬وأما إذا تكلم فقد لزمه‬
‫الجواب فيما يسأل عنه وصار الذي كنتم تزعمون أنكم تذمون به فإن المر‬
‫مردود إلى غيركم وإن الفرض عليكم اتباعهم فيه إليكم فصبرتم )‪ (4‬ما‬
‫استقام في عقولكم وآرائكم وصح به القياس عندكم بذلك لزما لما زعمتم‬
‫من أن ل يصح أمرنا زعمتم حتى يكون ذلك علي لكم فإن قلتم لم يكن كذلك‬
‫لصاحبكم فصار المر ان وقع إليكم نبذتم أمر ربكم وراء ظهوركم فل أتبع‬
‫أهواءكم قد ظلت إذا وما أنا من المهتدين‪ ،‬وما كان بد من أن تكونوا كما‬
‫كان من قبلكم قد اخبرتم أنها السنن والمثال القذة بالقذة وما كان يكون ما‬
‫طلبتم من الكف أول ومن الجواب آخرا شفاء لصدوركم‬

‫)‪ (1‬في المصدر " ما كان منى ما امرتك وأنكروا "‪ (2) .‬في المصدر " فكم دعا‬
‫إلى نفسه "‪ (3) .‬في بعض النسخ " قلتم "‪ (4) .‬في بعض النسخ "‬
‫فصيرتم "‪.‬‬

‫]‪[352‬‬

‫ولذهاب شككم وقد كان بد من أن يكون ما قد كان منكم ول يذهب عن قلوبكم حتى‬
‫يذهبه ال عنكم‪ ،‬ولو قدر الناس كلهم على أن يحبونا ويعرفوا حقنا‬
‫ويسلموا لمرنا فعلوا‪ ،‬ولكن ال يفعل ما يشاء ويهدي إليه من أناب‪ ،‬فقد‬
‫أجبتك في مسائل كثيرة فانظر أنت ومن أراد المسائل منها وتدبرها فإن لم‬
‫يكن في المسائل شفاء فقد مضى إليكم مني ما فيه حجة ومعتبر وكثرة‬
‫المسائل معتبة عندنا مكروهة إنما يريد أصحاب المسائل المحنة ليجدوا‬
‫سبيل إلى الشبهة والضللة‪ ،‬ومن أراد لبسا لبس ال عليه ووكله إلى‬
‫نفسه ول ترى أنت وأصحابك إني أجبت بذلك وإن شئت صمت فذاك إلي ل‬
‫ما تقوله أنت وأصحابك ل تدرون كذا وكذا‪ ،‬بل لبد من ذلك إذا نحن منه‬
‫على يقين وأنتم منه في شك )‪ - 9 .(1‬د )‪ :(2‬من كتاب الذخيرة قال‬
‫الرضا‪ :‬من حاسب نفسه ربح‪ ،‬ومن غفل عنها خسر‪ ،‬ومن خاف أمن‪،‬‬
‫ومن اعتبر أبصر‪ ،‬ومن أبصرفهم‪ ،‬ومن فهم علم‪ ،‬وصديق الجاهل في‬
‫تعب‪ ،‬وأفضل المال ما وقي به العرض‪ ،‬وأفضل العقل معرفة النسان‬
‫نفسه‪ ،‬والمؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه عن حق‪ ،‬وإذا رضي لم يدخله‬
‫رضاه في باطل‪ ،‬وإذا قدر لم يأخذ أكثر من حقه‪ .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫الغوغاء قتلة النبياء )‪ (3‬والعامة اسم مشتق من العمى‪ ،‬ما رضي ال لهم‬
‫أن شبههم بالنعام حتى قال‪ " :‬بل هم أضل سبيل " )‪ .(4‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬قال لي المأمون‪ :‬هل رويت شيئا من الشعر ؟ قلت‪ :‬ورويت منه‬
‫الكثير‪ ،‬فقال‪ :‬أنشدني أحسن ما رويته في الحلم فأنشدته )‪ :(5‬إذا كان‬
‫دوني من بليت بجهله * أبيت لنفسي أن اقابل بالجهل وإن كان مثلي في‬
‫محلي من النهى * هربت لحلمي كي أجل عن المثل‬

‫)‪ (1‬اعلم أن النسخ في هذا المكتوب مشوة ل يسعنا تصحيها‪ (2) .‬العدد القوية‪:‬‬
‫مخطوط‪ (3) .‬كذا‪ (4) .‬الفرقان‪ (5) .47 :‬رواه الصدوق في كتاب عيون‬
‫أخبار الرضا عليه السلم ص ‪.304‬‬

‫]‪[353‬‬

‫وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجى * عرفت له حق التقدم والفضل قال‬
‫المأمون‪ :‬من قائله ؟ قلت‪ :‬بعض فتياننا قال‪ :‬فأنشدني أحسن ما رويته في‬
‫السكوت عن الجاهل‪ ،‬فقلت‪ :‬إني ليهجرني الصديق تجنبا * فاريه أن‬
‫الهجرة أسبابا وأراه إن عاتبته أغريته * فأرى له ترك العتاب عتابا وإذا‬
‫ابتليت بجاهل متحلم * يجد المحال من المور صوابا أوليته عني السكوت‬
‫وربما * كان السكوت عن الجواب جوابا فقال‪ :‬من قائله ؟ قلت بعض‬
‫فتياننا‪ .‬ومن كتاب النزهة قال‪ :‬مولينا الرضا عليه السلم من رضي من ال‬
‫عزوجل بالقليل من الرزق رضي ال منه بالقليل من العمل‪ ،‬من كثرت‬
‫محاسنه مدح بها واستغنى التمدح بذكرها )‪ (1‬من شبه ال بخلقه فهو‬
‫مشرك‪ ،‬ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر به‪ ،‬من لم تتابع رأيك في‬
‫صلحه فل تصغ إلى رأيه وانتظر به أن يصلحه شر‪ ،‬ومن طلب المر من‬
‫وجهه لم يزل‪ ،‬وإن زل لم تخذله الحيلة‪ ،‬ل يعدم المرء دائرة الشر مع نكث‬
‫الصفقة‪ ،‬ول يعدم تعجيل العقوبة مع ادراع البغي‪ .‬الناس ضربان بالغ ل‬
‫يكتفي وطالب ل يجد‪ ،‬طوبى لمن شغل قلبه بشكر النعمة‪ ،‬ل يختلط‬
‫بالسلطان في أول اضطراب المور يعني أول المخالطة )‪ (2‬القناعة تجمع‬
‫إلى صيانة النفس وعز القدرة وطرح مؤونة الستكثار‪ ،‬والتعبد لهل‬
‫الدنيا‪ ،‬ول يسلك طريق القناعة إل رجلن إما متعبد يريد أجر الخرة أو‬
‫كريم يتنزه عن لئام الناس‪ .‬كفاك من يريد نصحك بالنميمة ما يجد من سوء‬
‫الحساب في العاقبة‪ ،‬السترسال بالنس يذهب المهابة‪ .‬وقال عليه السلم‬
‫للحسن بن سهل في تغريته‪ :‬التهنية بآجل الثواب أولى من التعزية على‬
‫عاجل المصيبة‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من صدق الناس كرهوه‪ ،‬المسكنة‬
‫مفتاح البؤس‪ ،‬إن للقلوب‬

‫)‪ (1‬و )‪ (2‬كذا‪.‬‬

‫]‪[354‬‬

‫إقبال وإدبارا ونشاطا وفتورا فإذا أقبلت بصرت وفهمت وإذا أدبرت كلت وملت‪،‬‬
‫فخذوها عند إقبالها ونشاطها واتركوها عند إدبارها وفتورها‪ ،‬ل خير في‬
‫المعروف إذا رخص‪ .‬وقال عليه السلم للصوفية لما قالوا له‪ :‬إن المأمون‬
‫قد رد هذا المر إليك وإنك لحق الناس به إل أنه يحتاج من يتقدم منك‬
‫بقدمك إلى لبس الصوف )‪ (1‬وما يخشن لبسه‪ :‬ويحكم إنما يراد من المام‬
‫قسطه وعدله‪ ،‬إذا قال صدق‪ ،‬وإذا حكم عدل‪ ،‬وإذا وعد أنجز‪ ،‬والخير‬
‫معروف " قل من حرم زينة ال التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق "‬
‫وإن يوسف الصديق لبس الديباج المنسوج بالذهب وجلس على متكآت‬
‫فرعون‪ .‬قال عليه السلم في صفة الزاهد‪ :‬متبلغ بدون قوته‪ ،‬مستعد ليوم‬
‫موته‪ ،‬متبرم بحياته‪ .‬وقال في تفسير " فاصفح الصفح الجميل " )‪:(2‬‬
‫عفو بغير عتاب‪ .‬وقال للمأمون لما أراد قتل رجل‪ :‬إن ال ل يزيدك بحسن‬
‫العفو إل عزا‪ ،‬فعفا عنه‪ .‬وقال بعض أصحابه‪ :‬روي لنا عن الصادق عليه‬
‫السلم أنه قال‪ " :‬ل جبر ول تفويض بل أمر بين أمرين " فما معناه ؟‬
‫قال‪ :‬من زعم أن ال فوض أمر الخلق والرزق إلى عباده فقد قال‬
‫بالتفويض‪ ،‬قلت‪ :‬يا ابن رسول ال والقائل به مشرك ؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬ومن قال‬
‫بالجبر فقد ظلم ال تعالى‪ ،‬فقلت‪ :‬يا ابن رسول ال فما أمر بين أمرين ؟‬
‫فقال‪ :‬وجود السبيل إلى إتيان ما امروا به‪ ،‬وترك ما نهوا عنه‪ .‬وقال وقد‬
‫قال له رجل‪ :‬إن ال تعالى فوض إلى العباد أفعالهم ؟ فقال‪ :‬هم أضعف من‬
‫ذلك وأقل‪ ،‬قال‪ :‬فجبرهم ؟ قال‪ :‬هو أعدل من ذلك وأجل‪ ،‬قال‪ :‬فكيف تقول ؟‬
‫قال‪ :‬نقول‪ :‬إن ال أمرهم ونهاهم وأقدرهم على ما أمرهم به و نهاهم عنه‪.‬‬
‫سأله عليه السلم الفضل بن الحسن بن سهل الخلق مجبورون ؟ قال‪ :‬ال‬
‫أعدل من أن يجبر ويعذب‪ ،‬قال‪ :‬فمطلقون ؟ قال‪ :‬ال أحكم أن يهمل عبده‬
‫ويكله إلى نفسه‪.‬‬

‫)‪ (1‬كذا‪ .(2) .‬الحجر‪.85 :‬‬


‫]‪[355‬‬

‫اصحب السلطان بالحذر‪ ،‬والصديق بالتواضع‪ ،‬والعدو بالتحرز‪ ،‬والعامة بالبشر‪.‬‬


‫اليمان فوق السلم بدرجة‪ ،‬والتقوى فوق اليمان بدرجة‪ ،‬واليقين فوق‬
‫التقوى بدرجة‪ .‬ولم يقسم بين العباد شئ أقل من اليقين‪ .‬وسئل عن المشية‬
‫والرادة فقال‪ :‬المشية الهتمام بالشئ‪ ،‬والرادة إتمام ذلك الشئ‪ ،‬الجل آفة‬
‫المل‪ ،‬والعرف ذخيرة البد )‪ ،(1‬والبر غنيمة الحازم‪ ،‬والتفريط مصيبة‬
‫ذي القدرة‪ ،‬والبخل يمزق العرض‪ ،‬والحب داعي المكاره‪ .‬وأجل الخلئق )‬
‫‪ (2‬وأكرمها اصطناع المعروف‪ ،‬وإغاثة الملهوف‪ ،‬وتحقيق أمل المل‪،‬‬
‫وتصديق مخيلة الراجي‪ ،‬والستكثار من الصدقاء في الحياة والباكين بعد‬
‫الوفاة‪ .‬من كتاب الدر )‪ (3‬قال عليه السلم‪ :‬اتقوا ال أيها الناس في نعم‬
‫ال عليكم فل تنفروها عنكم بمعاصيه بل استديموها بطاعته وشكره على‬
‫نعمه وأياديه‪ ،‬واعلموا أنكم ل تشكرون ال بشئ بعد اليمان بال‬
‫ورسوله‪ ،‬وبعد العتراف بحقوق أولياء ال من آل محمد عليهم السلم‬
‫أحب إليكم من معاونتكم لخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لهم‬
‫إلى جنات ربهم فإن من فعل ذلك كان من خاصة ال‪ .‬من حاسب نفسه ربح‬
‫ومن غفل عنها خسرو من خاف أمن ومن اعتبر أبصر ومن أبصرفهم‬
‫ومن فهم عقل‪ .‬وصديق الجاهل في تعب وأفضل المال ما وقي به العرض‬
‫وأفضل العقل معرفة النسان نفسه‪ ،‬والمؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه‬
‫عن حق‪ ،‬وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل‪ ،‬وإذا قدر لم يأخذ أكثر من‬
‫حقه‪ ،‬الغوغاء قتلة النبياء‪ ،‬والعامة اسم مشتق من العمى‪ ،‬ما رضي ال‬
‫لهم أن شبههم بالنعام حتى قال " بلهم أضل سبيل "‪ .‬صديق كل امرئ‬
‫عقله وعدوه جهله‪ ،‬العقل حباء من ال عزوجل‪ ،‬والدب كلفة‪ ،‬فمن تكلف‬
‫الدب قدر عليه‪ ،‬ومن تكلف العقل لم يزده إل جهل‪ ،‬التواضع درجات منها‬
‫أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم‪ ،‬ل يحب‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " والعزم ذخيرة البد "‪ (2) .‬جمع الخليقة‪ (3) .‬كذا‪.‬‬

‫]‪[356‬‬

‫أن يأتي إلى أحد إل مثل ما يؤتى إليه‪ ،‬إن أتى إليه سيئة واراها بالحسنة‪ ،‬كاظم‬
‫الغيظ‪ ،‬عاف عن الناس‪ ،‬وال يحب المحسنين‪ - 10 .‬الدرة الباهرة )‪:(1‬‬
‫قال الرضا عليه السلم‪ :‬من شبه ال بخلقه فهو مشرك‪ ،‬ومن نسب إليه ما‬
‫نهى عنه فهو كافر‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من طلب المر من وجهه لم يزل‬
‫فإن زل لم تخذله الحيلة‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل يعدم المرء دائرة السوء مع‬
‫نكث الصفقة‪ ،‬ول يعدم تعجيل العقوبة مع ادراع البغي‪ .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫النس يذهب المهابة‪ ،‬والمسألة مفتاح في البؤس‪ .‬وأراد المأمون قتل رجل‬
‫فقال له عليه السلم‪ :‬ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال‪ :‬إن ال ل يزيد بحسن‬
‫العفو إل عزا‪ ،‬فعفا عنه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬اصحب السلطان بالحذر‪،‬‬
‫والصديق بالتواضع‪ ،‬والعدو بالتحرز‪ ،‬والعامة بالبشر‪ .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫المشية الهتمام بالشئ‪ ،‬والرادة إتمام ذلك الشئ‪ - 11 .‬كنز الكراجكى )‬
‫‪ :(2‬عن محمد بن أحمد بن شاذان القمي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن‬
‫صالح‪ ،‬عن سعد بن عبد ال‪ ،‬عن أيوب بن نوح قال‪ :‬قال الرضا عليه‬
‫السلم‪ :‬سبعة أشياء بغير سبعة أشياء من الستهزاء‪ :‬من استغفر بلسانه‬
‫ولم يندم بقلبه فقد استهزء بنفسه‪ ،‬ومن سأل ال التوفيق ولم يجتهد فقد‬
‫استهزء بنفسه‪ .‬ومن استحزم ولم يحذر فقد استهزء بنفسه‪ ،‬ومن سأل ال‬
‫الجنة ولم يصبر على الشدائد فقد استهزء بنفسه‪ ،‬ومن تعوذ بال من النار‬
‫ولم يترك شهوات الدنيا فقد استهزء بنفسه‪ ،‬ومن ذكر ال ولم يستبق إلى‬
‫لقائه فقد استهزء بنفسه‪ - 12 .‬اعلم الدين )‪ :(3‬قال الرضا عليه السلم‪:‬‬
‫من رضي عن ال تعالى بالقليل من‬

‫)‪ (1‬مخطوط‪ (2) .‬المصدر‪ :‬ص ‪ (3) .150‬مخطوط‪.‬‬

‫]‪[357‬‬

‫الرزق رضي ال منه بالقليل من العمل‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من شبه ال بخلقه فهو‬
‫مشرك‪ ،‬ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل يسلك‬
‫طريق القناعة إل رجلن إما متعبد يريد أجر الخرة أو كريم يتنزة من لئام‬
‫الناس‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬السترسال بالنس يذهب المهابة‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬من صدق الناس كرهوه‪ .‬وقال عليه السلم للحسن بن سهل‪ :‬وقد‬
‫عزاه بموت ولده‪ :‬التهنية بآجل الثواب أولى من التعزية على عاجل‬
‫المصيبة‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬إن للقلوب إقبال وإدبارا ونشاطا وفتورا‪ ،‬فإذا‬
‫أقبلت بصرت وفهمت‪ ،‬وإذا أدبرت كلت وملت‪ ،‬فخذوها عند إقبالها‬
‫ونشاطها‪ ،‬واتركوها عند إدبارها وفتورها‪ .‬وقال عليه السلم للحسن بن‬
‫سهل وقد سأله عن صفة الزاهد فقال عليه السلم‪ :‬متبلغ بدون قوته‪،‬‬
‫مستعد ليوم موته‪ ،‬متبرم بحياته‪ .‬وقال عليه السلم في تفسير قوله تعالى‪:‬‬
‫" فاصفح الصفح الجميل " فقال‪ :‬عفوا من غير عقوبة ول تعنيف ول‬
‫عتب‪ .‬واتي المأمون برجل يريد أن يقتله والرضا عليه السلم جالس فقال‪:‬‬
‫ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال‪ :‬إن ال تعالى ل يزيدك بحسن العفو إل عزا‪،‬‬
‫فعفا عنه‪ .‬وسئل عليه السلم عن المشية والرادة فقال‪ :‬المشية الهتمام‬
‫بالشئ والرادة إتمام ذلك الشئ‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬الجل آفة المل‪،‬‬
‫والعرف ذخيرة البد‪ ،‬والبر غنيمة الحازم‪ ،‬والتفريط مصيبة ذوي القدرة‪،‬‬
‫والبخل يمزق‪ ،‬العرض‪ ،‬والحب داعي المكاره‪ ،‬وأجل الخلئق وأكرمها‬
‫اصطناع المعروف‪ ،‬وإغاثة الملهوف‪ ،‬وتحقيق‬

‫]‪[358‬‬

‫أمل المل‪ ،‬وتصديق مخيلة الراجي‪ ،‬والستكثار من الصدقاء في الحياة يكثر‬


‫الباكين بعد الوفاء‪) * .27 .‬باب( * " )مواعظ أبى جعفر محمد بن على‬
‫الجواد صلوات ال عليه( " ‪ - 1‬ف )‪ :(1‬قال الجواد عليه السلم رجل‪،‬‬
‫أوصني‪ .‬قال‪ :‬وتقبل ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬توسد الصبر‪ ،‬واعتنق الفقر‪،‬‬
‫وارفض الشهوات‪ ،‬وخالف الهوى‪ ،‬واعلم أنك لن تخلو من عين ال‪،‬‬
‫فانظر كيف تكون‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬أوحى ال إلى بعض النبياء‪ :‬أما‬
‫زهدك في الدنيا فتعجلك الراحة‪ ،‬وأما انقطاعك إلي فيعززك بي ولكن هل‬
‫عاديت لي عدوا أو واليت لي وليا‪ .‬وكتب إلى بعض أوليائه أما هذه الدنيا‬
‫فإنا فيها مغترفون ولكن من كان هواه هوى صاحبه ودان بدينه فهو معه‬
‫حيث كان‪ ،‬والخرة هي دار القرار‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬المؤمن يحتاج إلى‬
‫ثلث خصال‪ :‬توفيق من ال‪ ،‬وواعظ من نفسه‪ ،‬وقبول ممن ينصحه‪- 2 .‬‬
‫كا‪ :‬من الروضة )‪ (2‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن محمد بن الحسين‪ ،‬عن‬
‫محمد بن إسماعيل بن يزيع‪ ،‬عن عمه حمزة بن بزيع‪ ،‬والحسين بن محمد‬
‫الشعري‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عبد ال‪ ،‬عن يزيد بن عبد ال‪ ،‬عمن‬
‫حدثه قال‪ :‬كتب أبو جعفر عليه السلم إلى سعد الخير‪ :‬بسم الرحمن الرحيم‬
‫أما بعد فإني اوصيك بتقوى ال فإن فيها السلمة من‬

‫)‪ (1‬التحف ص ‪ (2) .455‬الكافي ج ‪ 8‬ص ‪ 52‬تحت رقم ‪.16‬‬

‫]‪[359‬‬

‫التلف‪ ،‬والغنيمة في المنقلب‪ ،‬إن ال عزوجل يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه‬
‫عقله )‪ (1‬ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله‪ ،‬وبالتقوى نجى نوح ومن معه‬
‫في السفينة وصالح ومن معه من الصاعقة‪ ،‬وبالتقوى فاز الصابرون‬
‫ونجت تلك العصب )‪ (2‬من المهالك ولهم إخوان على تلك الطريقة‪،‬‬
‫يلتمسون تلك الفضيلة‪ ،‬نبذوا طغيانهم من اليراد بالشهوات لما بلغهم في‬
‫الكتاب من المثلت‪ ،‬حمدوا ربهم على ما رزقهم وهو أهل الحمد‪ ،‬وذموا‬
‫أنفسهم على ما فرطوا وهم أهل الذم‪ ،‬واعلموا أن ال تبارك وتعالى الحليم‬
‫العليم إنما غضبه على من لم يقبل منه رضاه‪ ،‬وإنما يمنع من لم يقبل منه‬
‫عطاه‪ ،‬وإنما يضل من لم يقبل منه هداه‪ ،‬ثم أمكن أهل السيئات من التوبة‬
‫بتبديل الحسنات‪ ،‬دعا عباده في الكتاب إلى ذلك بصوت رفيع لم ينقطع ولم‬
‫يمنع دعاء عباده‪ ،‬فلعن ال الذين يكتمون ما أنزل ال وكتب على نفسه‬
‫الرحمة‪ ،‬فسبقت قبل الغضب فتمت صدقا وعدل‪ ،‬فليس يبتدء العباد‬
‫بالغضب قبل أن يغضبوه‪ ،‬وذلك من علم اليقين وعلم التقوى‪ ،‬وكل امة قد‬
‫رفع ال عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولهم عدوهم حين تولوه‪ .‬وكان من‬
‫نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده‪ ،‬فهم يروونه ول يرعونه‪،‬‬
‫والجهال يعجبهم حفظهم للرواية‪ ،‬والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية‪ ،‬وكان‬
‫من نبذهم الكتاب أن ولوه الذين ل يعلمون )‪ (3‬فأوردوهم الهوى‪،‬‬
‫وأصدروهم إلى الردى وغيروا عرى الدين‪ ،‬ثم ورثوه في السفه والصبا )‬
‫‪ (4‬فالمة يصدرون عن أمر‬

‫)‪ (1‬عزب أي بعد‪ ،‬وفى بعض النسخ " نفى بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله‬
‫"‪ (2) .‬العصب‪ :‬جمع العصبة أو هي من الرجال والخيل والطير ما بين‬
‫العشرة إلى الربعين‪ (3) .‬أي جعلوا ولى الكتاب والقيم عليه والحاكم به‬
‫الذين ل يعلمونه وجعلوهم رؤساء على أنفسهم يتبعونهم في الفتاوى‬
‫وغيرها‪ (4) .‬أي جعلوه ميراثا يرثه كل سفيه جاهل أو صبى غير عاقل‪.‬‬
‫وقوله‪ " :‬بعد أمر ال " أي صدوره أو الطلع عليه أو تركه‪ ،‬والورود‬
‫والصدور كنايتان عن التيان للسؤال والخذ والرجوع بالقبول‪ .‬كما قال‬
‫المؤلف‪.‬‬

‫]‪[360‬‬

‫الناس بعد أمر ال تبارك وتعالى وعليه يردون‪ ،‬بئس للظالمين بدل ولية الناس بعد‬
‫ولية ال )‪ (1‬وثواب الناس بعد ثواب ال‪ ،‬ورضا الناس بعد رضا ال‪،‬‬
‫فأصبحت المة كذلك وفيهم المجتهدون في العبادة على تلك الضللة‪،‬‬
‫معجبون مفتونون فعبادتهم فتنة لهم ولمن اقتدى بهم‪ ،‬وقد كان في الرسل‬
‫ذكرى للعابدين‪ ،‬إن نبيا من النبياء كان يستكمل الطاعة )‪ (2‬ثم يعصي ال‬
‫تبارك وتعالى في الباب الواحد فيخرج به من الجنة )‪ (3‬وينبذ به في بطن‬
‫الحوت‪ ،‬ثم ل ينجيه إل العتراف والتوبة‪ .‬فاعرف أشباه الحبار والرهبان‬
‫الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه فما ربحت تجارتهم وما كانوا‬
‫مهتدين‪ ،‬ثم اعرف أشباههم من هذه المة الذين أقاموا حروف الكتاب‬
‫وحرفوا حدوده )‪ (4‬فهم مع السادة والكبرة فإذا تفرقت قادة الهواء كانوا‬
‫مع أكثرهم دنيا وذلك مبلغهم من العلم )‪ ،(5‬ل يزالون كذلك في‬

‫)‪ " (1‬ولية الناس " هو المخصوص بالذم‪ (2) .‬اشار به إلى يونس عليه السلم‪.‬‬
‫والمراد بعصيانه غضبه على قومه وهربه منهم بغير اذن ربه‪ ،‬روى أنه‬
‫لما وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم قبل أن يأمره ال تعالى‪ .‬واعلم أن‬
‫العصيان هنا ترك الفضل والولى وذلك لنه لم يكن هناك أمر من ال‬
‫تعالى حتى عصاه بترك التيان به أو نهى منه حتى خالفه بارتكابه‬
‫فاطلق لفظ العصيان مجاز عن ترك الولى والفضل وذلك بالنسبة إلى‬
‫درجات كمالهم بمنزلة العصيان‪ (3) .‬اطلق الجنة على الدنيا لعل‬
‫بالضافة إلى بطن الحوت‪ .‬كما في الوفى‪ (4) .‬شبه هؤلء العباد وعلماء‬
‫العوام المفتونين بالحطام بالحبار والرهبان لشرائهم الدنيا بالخرة‬
‫بكتمانهم العلم وتحريفهم الكلم عن مواضعها وأكل أموال الناس بالباطل‬
‫وصدهم عن سبيل ال كما أنهم كانوا كذلك على ما وصفهم ال في القرآن‬
‫في عدة مواضع‪ ،‬والمراد بالسادة والكبرة السلطين والحكام وأعوانهم‬
‫الظلمة‪ .‬والكلم يدل على أن التحريف الواقع في القرآن كان في معناه ل‬
‫في ألفاظه كما توهمه بعض من ل خبرة له بمعاريض الكلم‪ (5) .‬اشارة‬
‫إلى الية ‪ 31‬من سورة النجم " فأعرض عمن تولى عن ذكرنا "‪.‬‬
‫والطبع ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬الرين و ‪ -‬بالسكون ‪ -‬الختم‪.‬‬

‫]‪[361‬‬

‫طمع وطبع‪ ،‬ول يزال يسمع صوت إبليس على ألسنتهم بباطل كثير‪ ،‬يصبر منهم‬
‫العلماء على الذى والتعنيف‪ ،‬ويعيبون على العلماء بالتكليف )‪ (1‬والعلماء‬
‫في أنفسهم خانة إكتموا النصيحة‪ ،‬إن رأوا تائها ضال ل يهدونه‪ ،‬أو ميتا ل‬
‫يحيونه‪ ،‬فبئس ما يصنعون لن ال تبارك وتعالى أخذ عليهم الميثاق في‬
‫الكتاب أن يأمروا بالمعروف وبما امروا به وأن ينهوا عما نهوا عنه‪ ،‬وأن‬
‫يتعاونوا على البر والتقوى ول يتعاونوا على الثم والعدوان‪ ،‬فالعلماء من‬
‫الجهال في جهد وجهاد إن وعظت قالوا‪ :‬طغت وإن علموا الحق )‪ (2‬الذي‬
‫تركوا قالوا‪ :‬خالفت‪ ،‬وإن اعتزلوهم قالوا‪ :‬فارقت وإن قالوا‪ :‬هاتوا برهانكم‬
‫على ما تحدثون‪ ،‬قالوا‪ :‬نافقت وإن أطاعوهم ]قالوا‪ [:‬عصت ال عزوجل )‬
‫‪ (3‬فهلك جهال فيما ل يعلمون‪ ،‬اميون فيما يتلون‪ ،‬يصدقون بالكتاب عند‬
‫التعريف ويكذبون به عند التحريف‪ ،‬فل ينكرون‪ .‬اولئك أشباه الحبار‬
‫والرهبان‪ ،‬قادة في الهوى‪ ،‬سادة في الردى‪ ،‬وآخرون منهم جلوس بين‬
‫الضللة والهدى ل يعرفون إحدى الطائفتين من الخرى‪ ،‬يقولون ما كان‬
‫الناس يعرفون هذا‪ ،‬ول يدرون ما هو وصدقوا‪ ،‬تركهم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله على البيضاء )‪ (4‬ليلها من نهارها لم يظهر فيهم بدعة ولم يبدل‬
‫فيهم سنة ل خلف عندهم ول اختلف‪ ،‬فلما غشى الناس ظلمة خطاياهم‪،‬‬
‫صاروا إمامين داع إلى ال تبارك وتعالى‪ ،‬وداع إلى النار‪ ،‬فعند ذلك نطق‬
‫الشيطان فعلى صوته على لسان أوليائه وكثر خيله ورجله )‪ (5‬وشارك في‬
‫المال والولد من أشركه‪ ،‬فعمل بالبدعة‪ ،‬وترك الكتاب والسنة‪ ،‬ونطق‬
‫أولياء ال بالحجة وأخذوا بالكتاب والحكمة فتفرق من ذلك‬
‫)‪ " (1‬منهم " أي من أشباه الحبار والرهبان " العلماء " يعنى العلماء بال‬
‫الربانيين " بالتكليف " يعنى تكليفهم بالحق‪ (2) .‬في بعض النسخ "‬
‫عملوا الحق "‪ (3) .‬ليس في بعض النسخ " قالوا "‪ (4) .‬يعنى‬
‫الشريعة‪ ،‬الواضح مجهولها عن معلومها وعالمها عن جاهلها‪(5) .‬‬
‫الخيل‪ :‬جماعة الفرسان والرجل‪ :‬جماعة المشاة أي أعوانه القوية‬
‫والضعيفة‪.‬‬

‫]‪[362‬‬

‫اليوم أهل الحق وأهل الباطل وتخاذل )‪ (1‬وتهادن أهل الهدى وتعاون أهل الضللة‬
‫حتى كانت الجماعة مع فلن وأشباهه‪ ،‬فاعرف هذا الصنف وصنف آخر‬
‫فأبصرهم رأي العين تحيا )‪ (2‬وألزمهم حتى ترد أهلك‪ ،‬فان الخاسرين‬
‫الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة أل ذلك هو الخسران المبين‪ .‬إلى‬
‫ههنا رواية الحسين‪ ،‬وفي رواية محمد بن يحيى زيادة‪ " :‬لهم علم‬
‫بالطريق فإن كان دونهم بلء فل تنظر إليهم فإن كان دونهم )‪ (3‬عسف من‬
‫أهل العسف وخسف )‪ (4‬ودونهم بليا تنقضي ثم تصير إلى رخاء‪ .‬ثم اعلم‬
‫أن إخوان الثقة ذخائر بعضهم لبعض ولول أن تذهب بك الظنون عني )‪(5‬‬
‫لجليت لك عن أشياء من الحق غطيتها ولنشرت لك أشياء من الحق‬
‫كتمتها‪ ،‬ولكني أتقيك واستبقيك‪ ،‬وليس الحليم الذي ل يتقى أحدا في مكان‬
‫التقوى‪ ،‬والحلم لباس العالم فل تعرين ومنه والسلم "‪ - 3 .‬كا )‪:(6‬‬
‫رسالة أيضا منه إليه‪ ،‬عن محمد بن يحيى‪ ،‬عن محمد بن الحسين‪ ،‬عن‬
‫محمد بن إسماعيل بن بزيع‪ ،‬عن عمه حمزة بن بزيع قال‪ :‬كتب أبو جعفر‬
‫عليه السلم إلي سعد الخير‪:‬‬

‫)‪ (1‬أي تركوا نصرة الحق‪ .‬وفى بعض النسخ " تخادن " من الخدن وهو الصديق‪.‬‬
‫وتهادن من المهادنة بمعنى المصالحة‪ ،‬وفى بعض النسخ " تهاون " أي‬
‫عن نصرة الحق وهذا أنسب بالتخاذل كما أن التهادن أنسب بالتخادن‪) .‬‬
‫‪ (2‬في بعض نسخ المصدر " نجباء " وفى بعضها " نجيا "‪ (3) .‬في‬
‫بعض النسخ " إليه فان دونهم " وهو الصواب أي فل ينظرون إلى‬
‫البلء لنها تنقضي ول تبقى‪ (4) .‬العسف‪ :‬الجور والظلم وهو في الصل‬
‫أن يأخذ المسافر على غير طريق ول جادة ول علم‪ .‬قيل‪ :‬هو ركوب المر‬
‫من غير روية‪ .‬والخسف‪ :‬النقصان والهوان‪ .‬وقوله‪ " :‬تنقضي " جزاء‬
‫الشرط‪ (5) .‬أي يصير ظنك السيئ بى سببا ل نحرافك عنى وعدم اصغائك‬
‫إلى بعد ذلك‪ (6) .‬الكافي ج ‪ 8‬ص ‪ 56‬تحت رقم ‪.17‬‬

‫]‪[363‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم أما بعد فقد جائني كتابك تذكر فيه معرفة مال ينبغي تركه‪.‬‬
‫وطاعة من رضا ال رضاه‪ ،‬فقبلت من ذلك لنفسك ما كانت نفسك مرتهنة‬
‫لو تركته تعجب )‪ (1‬إن رضا ال وطاعته ونصيحته ل تقبل ول توجد ول‬
‫تعرف إل في عباد غرباء‪ ،‬أخلء من الناس‪ ،‬قد اتخذهم الناس سخريا لما‬
‫يرمونهم به من المنكرات‪ ،‬وكان يقال‪ :‬ل يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون‬
‫أبغض إلى الناس من جيفة الحمار )‪ (2‬ولول أن يصيبك من البلء مثل‬
‫الذي أصابنا فتجعل فتنة الناس كعذاب ال‪ ،‬واعيذك بال وإيانا من ذلك‬
‫لقربت على بعد منزلتك‪ .‬واعلم رحمك ال أنا ل ننال محبة ال إل ببغض‬
‫كثير من الناس ول وليته إل بمعاداتهم‪ ،‬وفوت ذلك قليل يسير لدرك ذلك‬
‫من ال لقوم يعلمون‪ .‬يا أخي إن ال عزوجل جعل في كل من الرسل بقايا‬
‫من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون معهم على الذى‪،‬‬
‫يجيبون داعي ال‪ ،‬ويدعون إلى ال فأبصرهم رحمك ال فإنهم في منزلة‬
‫رفيعة وإن أصابتهم في الدنيا وضيعة‪ ،‬إنهم يحيون بكتاب ال الموتى‬
‫ويبصرون بنور ال من العمى‪ ،‬كم من قتيل ل بليس قد أحيوه‪ ،‬وكم من‬
‫تائه ضال قد هدوه‪ ،‬يبذلون دماءهم دون هلكة العباد‪ ،‬وما أحسن أثرهم‬
‫على العباد وأقبح آثار العباد عليهم‪ - 4 .‬الدرة الباهرة )‪ (3‬قال أبو جعفر‬
‫الجواد عليه السلم‪ :‬كيف يضيع من اله كافله ؟‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " فعجب "‪ (2) .‬المستفاد من قوله عليه السلم‪ " :‬تذكر فيه‬
‫‪ -‬إلى آخره ‪ " -‬ان سعدا ذكر في كتابه أنه عرف كذا وأنه قبل منه لنفسه‬
‫كذا وانه تعجب من كذا بأن يكون إلى قوله‪ " :‬ومن جيفة الحمار " من‬
‫كلم سعد ويحتمل أن يكون فعجب أو تعجب إلى اختلف النسختين من‬
‫كلم المام عليه السلم‪ .‬وقوله‪ " :‬أخلء "‪ .‬جمع خلو ‪ -‬بالكسر ‪ -‬وهو‬
‫الخالى عن الشئ ويكون بمعنى المنفرد ويقال‪ :‬اخلء إذا انفرد أي هم‬
‫أخلء عن أخلق عامة الناس وأطوارهم الباطلة أو منفردون عن الناس‬
‫معتزلون عن شرارهم‪) .‬المرآة( )‪ (3‬مخطوط‪.‬‬

‫]‪[364‬‬

‫وكيف ينجو من ال طالبه ؟ ومن انقطع إلى غير ال وكله ال إليه‪ ،‬ومن عمل على‬
‫غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح‪ ،‬القصد إلى ال تعالى بالقلوب أبلغ من‬
‫إتعاب الجوارح بالعمال‪ ،‬من أطاع هواه أعلى عدوه مناه‪ ،‬من هجر‬
‫المدارأة قاربه المكروه‪ ،‬و من لم يعرف الموارد أعيته المصادر‪ ،‬ومن انقاد‬
‫إلى الطمأنينة قبل الخبرة فقد عرض نفسه للهلكة وللعاقبة المتعبة‪ ،‬من‬
‫عتب من غير ارتياب أعتب من غير استعتاب‪ ،‬راكب الشهوات ل تستقال‬
‫له عثرة‪ ،‬اتئد تصب أوتكد )‪ (1‬الثقة ]بال[ ثمن لكل غال وسلم إلى كل‬
‫عال‪ ،‬إياك ومصاحبة الشرير فإنه كالسيف المسلول يحسن منظره ويقبح‬
‫أثره )‪ (2‬إذا نزل القضاء ضاق الفضاء‪ ،‬كفى بالمرء خيانة أن يكون أمينا‬
‫للخونة‪ ،‬غنى المؤمن غناه عن الناس‪ ،‬نعمة ل تشكر كسيئة ل تغفر‪ ،‬ل‬
‫يضرك سخط من رضاه الجور‪ ،‬من لم يرض من أخيه بحسن النية لم يرض‬
‫بالعطية‪ - 5 .‬اعلم الدين )‪ :(3‬قال أبو جعفر محمد بن علي الجواد عليهما‬
‫السلم‪ :‬كيف يضيع من ال كافله ؟ وكيف ينجو من ال طالبه ؟ ومن انقطع‬
‫إلى غير ال وكله ال إليه‪ ،‬ومن عمل على غير علم ما أفسد أكثر مما‬
‫يصلح‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من أطاع هواه أعطى عدوه مناه‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬من هجر المدارأة قارنه المكروه‪ ،‬ومن لم يعرف الموارد أعيته‬
‫المصادر‪ ،‬ومن انقاد إلى الطمأنينة قبل الخبرة فقد عرض نفسه للهلكة‬
‫والمعاقبة المتعبة‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬قد عاداك من ستر عنك الرشد اتباعا‬
‫لما تهواه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬راكب الشهوات ل تقال عثرته‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬الثقة بال تعالى ثمن لكل غال‪ ،‬وسلم إلى كل عال‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬إياك ومصاحبة الشرير فإنه كالسيف يحسن منظره ويقبح أثره‪.‬‬

‫)‪ (1‬اتئد في أمرك ‪ -‬من باب الفتعال ‪ -‬أي تثبت‪ .‬والتؤدة‪ :‬الرزانة‪ .‬وكاد يفعل وكيد‬
‫أي قارب‪ (2) .‬السيف المسلول هو الذى اخرج من غمده وبالفارسية‬
‫شمشير كشيده شده‪ (3) .‬مخطوط‪.‬‬

‫]‪[365‬‬

‫وقال عليه السلم‪ :‬الحوائج تطلب بالرجاء وهي تنزل بالقضاء‪ ،‬والعافية أحسن‬
‫عطاء‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا نزل القضاء ضاق الفضاء‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬ل تعادي أحدا حتى تعرف الذي بينه وبين ال تعالى‪ ،‬فإن كان‬
‫محسنا فإنه ل يسلمه إليك وإن كان مسيئا فان علمك به يكفيكه فل تعاده‪.‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬ل تكن وليا ل في العلنية‪ ،‬عدوا له في السر‪ .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬التحفظ على قدر الخوف‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬عز المؤمن في‬
‫غناه عن الناس‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬نعمة ل تشكر كسيئة ل تغفر‪ .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬ل يضرك سخط من رضاه الجور‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من لم‬
‫يرض من أخيه بحسن النية لم يرض منه بالعطية‪ .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫اليام تهتك لك المر عن السرار الكامنة‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬تعرف عن‬
‫الشئ إذا صنعته لقلة صحبته إذا أعطيته )‪) * .28.(1‬باب( * * "‬
‫)مواعظ ابى الحسن الثالث عليه السلم وحكمه( " * ‪ - 1‬ف )‪ :(2‬قال أبو‬
‫الحسن الثالث عليه السلم‪ - 1 :‬الشاكر أسعد بالشكر منه بالنعمة التي أو‬
‫جبت الشكر‪ ،‬لن النعم متاع‪ ،‬والشكر نعم وعقبى‪ - 2 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫إن ال جعل الدنيا دار بلوى‪ ،‬والخرة دار عقبى‪ ،‬وجعل بلوى الدنيا لثواب‬
‫الخرة سببا وثواب الخرة من بلوى الدنيا عوضا‪ - 3 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫إن الظالم الحالم يكاد أن يعفى على ظلمه بحمله‪ ،‬وإن المحق السفيه‪ ،‬يكاد‬
‫أن يطفئ نور حقه بسفهه‪ - 4 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من جمع لك وده ورأيه‬
‫فاجمع له طاعتك‪ - 5 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من هانت عليه نفسه فل تأمن‬
‫شره‪.‬‬

‫)‪ (1‬كذا‪ .‬وفى بعض النسخ " ل تعرف "‪ (2) .‬التحف ص ‪.483‬‬

‫]‪[366‬‬

‫‪ - 6‬وقال عليه السلم‪ :‬الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون‪ - 2 .‬كشف )‪:(1‬‬
‫من دلئل الحميري عن فتح بن يزيد الجرجاني قال‪ :‬ضمني وأبا الحسن‬
‫طريق منصر في من مكة إلى خراسان وهو سائر إلى العراق فسمعته وهو‬
‫يقول‪ :‬من اتقى ال يتقى‪ ،‬ومن أطاع ال يطاع‪ ،‬قال‪ :‬فتلطفت إلى الوصول‬
‫إليه‪ ،‬فسلمت عليه فرد علي السلم وأمرني بالجلوس وأول ما ابتدأني به‬
‫أن قال‪ :‬يا فتح من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق‪ ،‬ومن أسخط‬
‫الخالق فأيقن أن يحل به الخالق سخط المخلوق‪ ،‬وإن الخالق ل يوصف إل‬
‫بما وصف به نفسه‪ ،‬وأنى يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه‪،‬‬
‫والوهام أن تناله‪ ،‬والخطرات أن تحده‪ ،‬والبصار عن الحاطة به‪ ،‬جل عما‬
‫يصفه الواصفون‪ ،‬وتعالى عما ينعته الناعتون‪ ،‬نأى في قربه‪ ،‬وقرب في‬
‫نأيه‪ ،‬فهو في نأيه قريب‪ ،‬وفي قربه بعيد‪ ،‬كيف الكيف فل يقال كيف‪ ،‬وأين‬
‫الين فل يقال أين‪ ،‬إذ هو منقطع الكيفية والينية‪ ،‬هو الواحد الحد الصمد‪،‬‬
‫لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد‪ ،‬فجل جلله‪ ،‬أم كيف يوصف بكنهه‪.‬‬
‫محمد‪ ،‬وقد قرنه الجليل باسمه‪ ،‬وشركه في عطائه‪ ،‬وأوجب لمن أطاعه‬
‫جزاء طاعته إذ يقول‪ " :‬وما نقموا إل أن أغنيهم ال ورسوله من فضله "‬
‫)‪ (2‬وقال يحكي قول من ترك طاعته وهو يعذبه بين أطباق نيرانها‬
‫وسرابيل قطرانها‪ " :‬يا ليتنا أطعنا ال وأطعنا الرسول " )‪ (3‬أم كيف‬
‫يوصف بكنهه من قرن الجليل طاعتهم بطاعة رسوله حيث قال‪ " :‬أطيعوا‬
‫ال وأطيعوا الرسول واولي المر منكم " )‪ (4‬وقال‪ " :‬ولو ردوه إلى ]ال‬
‫وإلى[ الرسول وإلى اولي المر منهم " )‪ (5‬وقال‪ " :‬إن ال يأمركم أن‬
‫تودوا المانات إلى أهلها " )‪ (6‬وقال‪ " :‬فسئلوا أهل الذكر‬

‫)‪ (1‬كشف الغمة ج ‪ 3‬ص ‪ (2) .176‬التوبة‪ (3) .75 :‬الحزاب‪ (4) .66 :‬النساء‪:‬‬
‫‪ (5) .59‬النساء‪ .83 :‬بدون ما بين القوسين )‪ (6‬النساء‪.58 :‬‬
‫]‪[367‬‬

‫إن كنتم ل تعلمون " )‪ .(1‬يا فتح كما ل يوصف الجليل جل جلله والرسول والخليل‬
‫وولد البتول فكذلك ل يوصف المؤمن المسلم لمرنا‪ ،‬فنبينا أفضل النبياء‪،‬‬
‫وخليلنا أفضل الخلء‪ ،‬و ]وصيه[ أكرم الوصياء‪ ،‬اسمهما أفضل السماء‪،‬‬
‫وكينتهما )‪ (2‬أفضل الكنى وأحلها‪ ،‬لو لم يجالسنا إل كفو لم يجالسنا أحد‪،‬‬
‫ولو لم يزوجنا إل كفو لم يزوجنا احد‪ ،‬أشد الناس تواضعا‪ ،‬أعظمهم حلما‪،‬‬
‫وأنداهم كفا‪ ،‬وأمنعهم كنفا‪ ،‬ورث عنهما أوصياؤهما علمهما‪ ،‬فاردد إليهما‬
‫المر وسلم إليهم‪ ،‬أماتك ال مماتهم‪ ،‬وأحياك حياتهم‪ ،‬إذا شئت رحمك ال‪.‬‬
‫قال فتح‪ :‬فخرجت فلما كان الغد تلطفت في الوصول إليه فسلمت عليه فرد‬
‫علي السلم فقلت‪ :‬يا ابن رسول ال أتأذن لي في مسألة اختلج في صدري‬
‫أمر هاليلتي‪ ،‬قال‪ :‬سل وإن شرحتها فلي‪ ،‬وإن أمسكتها فلي‪ ،‬فصحح نظرك‬
‫وتثبت في مسألتك‪ ،‬واصغ إلى جوابها سمعك‪ ،‬ول تسأل مسألة تعنت‬
‫واعتن بما تعتني به‪ ،‬فإن العالم والمتعلم شريكان في الرشد‪ ،‬مأموران‬
‫بالنصيحة‪ ،‬منهيان عن الغش‪ ،‬وأما الذي اختلج في صدرك ليلتك فإن شاء‬
‫العالم أنبأك بإذن ال‪ ،‬إن ال لم يظهر على غيبه أحدا إل من ارتضى من‬
‫رسول‪ ،‬فكل ما كان عند الرسول كان عند العالم‪ ،‬وكل ما اطلع عليه‬
‫الرسول فقد اطلع أوصياؤه عليه‪ ،‬كيل تخلو أرضه من حجة يكون معه علم‬
‫يدل على صدق مقالته‪ ،‬وجواز عدالته‪ .‬يا فتح عسى الشيطان أراد اللبس‬
‫عليك فأوهمك في بعض ما أودعتك وشككك في بعض ما أنبأتك حتى أراد‬
‫إزالتك عن طريق ال وصراطه المستقيم‪ ،‬فقلت‪ :‬من أيقنت أنهم كذا فهم‬
‫أرباب ؟ معاذ ال إنهم مخلوقون مربوبون مطيعون ل‪ ،‬داخرون راغبون‪،‬‬
‫فإذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به‪ ،‬فقلت‪ :‬جعلت‬
‫فداك فرجت عني وكشفت ما لبس الملعون علي بشرحك فقد كان أوقع‬

‫)‪ (1‬النبياء‪ (2) .7 :‬أي النبي والوصى‪.‬‬

‫]‪[368‬‬

‫بخلدي )‪ (1‬أنكم أرباب‪ ،‬قال‪ :‬فسجد أبو الحسن عليه السلم وهو يقول في سجوده‪:‬‬
‫" راغما لك يا خالقي داخرا خاضعا " قال‪ :‬فلم يزل كذلك حتى ذهب ليلي‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬يا فتح كدت أن تهلك وتهلك‪ ،‬وما ضر عيسى إذا هلك من هلك‪،‬‬
‫فاذهب إذا شئت رحمك ال‪ .‬قال‪ :‬فخرجت وأنا فرح بما كشف ال عني من‬
‫اللبس بأنهم هم‪ ،‬وحمدت ال على ما قدرت عليه‪ ،‬فلما كان في المنزل‬
‫الخر دخلت عليه وهو متك‪ ،‬وبين يديه حنطة مقلوة )‪ (2‬يعبث بها وقد‬
‫كان أوقع الشيطان في خلدي أنه ل ينبغي أن يأكلوا ويشربوا إذ كان ذلك‬
‫آفة والمام غير مأوف ؟ فقال‪ :‬اجلس يا فتح فإن لنا بالرسل اسوة كانوا‬
‫يأكلون ويشربون ويمشون في السواق‪ ،‬وكل جسم مغذو بهذا إل الخالق‬
‫الرازق لنه جسم الجسام وهو لم يجسم‪ ،،‬ولم يجزأ بتناه‪ ،‬ولم يتزايد‪ ،‬ولم‬
‫يتناقص‪ ،‬مبرء من ذاته ما ركب في ذات من جسمه‪ ،‬الواحد الحد الصمد‬
‫الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد‪ ،‬منشئ الشياء مجسم الجسام‪،‬‬
‫وهو السميع العليم‪ ،‬اللطيف الخبير‪ ،‬الرؤف الرحيم‪ ،‬تبارك وتعالى عما‬
‫يقول الظالمون علوا كبيرا‪ ،‬لو كان كما يوصف لم يعرف الرب من‬
‫المربوب‪ ،‬ول الخالق من المخلوق‪ ،‬ول المنشئ من المنشأ ولكنه فرق بينه‬
‫وبين من جسمه‪ ،‬وشيئ الشياء إذ كان ل يشبهه شئ يرى‪ ،‬ول يشبه‬
‫شيئا‪ - 3 .‬الدرة الباهرة )‪ :(3‬قال أبو الحسن الثالث عليه السلم‪ :‬من‬
‫رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه‪ ،‬الغنى قلة تمنيك والرضا بما يكفيك‪،‬‬
‫والفقر شرة النفس وشدة القنوط‪ ،‬والراكب الحرون أسير نفسه )‪(4‬‬
‫والجاهل أسير لسانه‪ ،‬الناس في الدنيا بالموال وفي الخرة بالعمال‪.‬‬

‫)‪ (1‬الخلد ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬الضمير والباطن‪ (2) .‬قلى اللحم وغيره‪ :‬أنضجه في‬
‫المقلى‪ .‬شايد مراد گندم بريان باشد‪ (3) .‬مخطوط‪ (4) .‬الحرون الشموس‬
‫معرب چموش‪.‬‬

‫]‪[369‬‬

‫وقال عليه السلم لشخص وقد أكثر من إفراط الثناء عليه‪ :‬اقبل على ما شأنك فإن‬
‫كثرة الملق يهجم على الظنة‪ ،‬وإذا حللت من أخيك في محل الثقة فاعدل‬
‫عن الملق إلى حسن النية‪ .‬المصيبة للصابر واحدة‪ ،‬وللجازع اثنتان‪،‬‬
‫العقوق ثكل من لم يثكل‪ ،‬الحسد ماحي الحسنات والدهر جالب المقت‪،‬‬
‫والعجب صارف عن طلب العلم داع إلى الغمط )‪ (1‬والجهل‪ ،‬والبخل أذم‬
‫الخلق‪ ،‬والطمع سجية سيئة‪ ،‬والهزء فكاهة السفهاء وصناعة الجهال‪،‬‬
‫والعقوق يعقب القلة وتؤدى إلى الذلة‪ - 4 .‬اعلم الدين )‪ :(2‬قال أبو‬
‫الحسن الثالث عليه السلم‪ :‬من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه‪.‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬المقادير تريك ما لم يخطر ببالك‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من‬
‫أقبل مع‪ ...‬ولي مع انقضائه )‪ .(3‬وقال عليه السلم‪ :‬راكب الحرون أسير‬
‫نفسه‪ ،‬والجاهل أسير لسانه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬الناس في الدنيا بالموال‬
‫وفي الخرة بالعمال‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬المراء يفسد الصداقة القديمة‪،‬‬
‫ويحلل العقدة والوثيقة‪ ،‬وأقل ما فيه أن يكون فيه المغالبة‪ ،‬والمغالبة اس‬
‫أسباب القطيعة‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬العتاب مفتاح الثقال‪ ،‬والعتاب خير من‬
‫الحقد‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬المصيبة للصابر واحدة‪ ،‬وللجازع اثنتان‪ .‬وقال‬
‫يحيى بن عبد الحميد‪ :‬سمعت أبا الحسن عليه السلم يقول لرجل ذم إليه‬
‫ولدا له فقال‪ :‬العقوق ثكل من لم يثكل‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬الهزل فكاهة‬
‫السفهاء‪ ،‬وصناعة الجهال‪ .‬وقال عليه السلم في بعض مواعظه‪ :‬السهر‬
‫ألذ للمنام‪ ،‬والجوع يزيد في طيب الطعام‪) .‬يريد به الحث على قيام الليل‬
‫وصيام النهار(‪.‬‬

‫)‪ (1‬الغمط‪ :‬احتقار الناس‪ (2) .‬مخطوط‪ (3) .‬فيه سقط‪.‬‬

‫]‪[370‬‬

‫وقال عليه السلم‪ :‬اذكر مصرعك بين يدي أهلك‪ ،‬ول طبيب يمنعك‪ ،‬ول حبيب‬
‫ينفعك‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬اذكر حسرات التفريط بأخذ تقديم الحزم‪ .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬الغضب على من تملك لؤم‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬الحكمة ل‬
‫تنجع في الطباع الفاسدة‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬خير من الخير فاعله‪ ،‬وأجمل‬
‫من الجميل قائله‪ ،‬وأرجح من العلم حامله‪ ،‬وشر من الشر جالبه‪ ،‬وأهول‬
‫من الهول راكبه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬إياك والحسد فإنه يبين فيك ول يعمل‬
‫في عدوك‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا كان زمان العدل فيه أغلب من الجور‬
‫فحرام أن يظن بأحد سوءا حتى يعلم ذلك منه‪ ،‬وإذا كان زمان الجور أغلب‬
‫فيه من العدل فليس لحد أن يظن بأحد خيرا ما لم يعلم ذلك منه‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم للمتوكل في جواب كلم دار بينهما‪ :‬ل تطلب الصفا ممن كدرت‬
‫عليه‪ ،‬ول الوفاء لمن غدرت به‪ ،‬ول النصح ممن صرفت سوء ظنك إليه‪،‬‬
‫فإنما قلب غيرك كقلبك له‪ .‬وقال له وقد سأله عن العباس )‪ :(1‬ما تقول بنو‬
‫أبيك فيه ؟ فقال‪ :‬ما يقولون في رجل فرض ال طاعته على الخلق وفرض‬
‫طاعة العباس عليه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬القوا النعم بحسن مجاورتها‬
‫والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها‪ ،‬واعلموا أن النفس أقبل شئ لما‬
‫أعطيت وأمنع شئ لما منعت‪) * .29 .‬باب( * * " )مواعظ أبى محمد‬
‫العسكري عليهما السلم وكتبه إلى اصحابه( " * ‪ - 1‬ف )‪ :(2‬قال عليه‬
‫السلم‪ :‬ل تمار فيذهب بهاؤك‪ .‬ول تمازح فيجترأ عليك‪.‬‬

‫)‪ (1‬يعنى عباس بن عبد المطلب‪ (2) .‬التحف ص ‪.486‬‬

‫]‪[371‬‬

‫‪ - 2‬وقال عليه السلم‪ :‬من رضي بدون الشرف من المجلس لم يزل ال وملئكته‬
‫يصلون عليه حتى يقوم‪ - 3 .‬وكتب عليه السلم إلى رجل سأله دليل‪ :‬من‬
‫سأل آية أو برهانا فاعطي ما سأل‪ ،‬ثم رجع عمن طلب منه الية عذب‬
‫ضعف العذاب‪ .‬ومن صبر اعطي التأييد من ال‪ .‬والناس مجبولون على‬
‫حيلة إيثار الكتب المنشرة‪ ،‬نسأل ال السداد )‪ (1‬فإنما هو التسليم أو‬
‫العطب ول عاقبة المور‪ - 4 .‬وكتب إليه بعض شيعته يعرفه اختلف‬
‫الشيعة‪ ،‬فكتب عليه السلم‪ :‬إنما خاطب ال العاقل‪ .‬والناس في على‬
‫طبقات‪ :‬المستبصر على سبيل نجاة‪ ،‬متمسك بالحق‪ ،‬متعلق بفرع الصل‪،‬‬
‫غير شاك ول مرتاب‪ ،‬ل يجد عني ملجأ‪ .‬وطبقة لم تأخذ الحق من أهله‪،‬‬
‫فهم كراكب البحر يموج عند موجه ويسكن عند سكونه‪ .‬وطبقة استحوذ‬
‫عليهم الشيطان‪ ،‬شأنهم الرد على أهل الحق ودفع الحق بالباطل حسدا من‬
‫عند أنفسهم‪ .‬فدع من ذهب يمينا وشمال‪ ،‬فإن الراعي إذا أراد أن يجمع‬
‫غنمه جمعها بأهون سعي‪ .‬وإياك والذاعة وطلب الرئاسة‪ ،‬فإنهما يدعوان‬
‫إلى الهلكة‪ - 5] .‬وقال عليه السلم‪ :‬من الذنوب التي ل تغفر‪ :‬ليتني ل‬
‫اؤاخذ إل بهذا )‪ .(2‬ثم قال عليه السلم‪ :‬الشراك في الناس أخفى من دبيب‬
‫النمل على المسح السود في الليلة المظلمة )‪ - 6 .(3‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم أقرب إلى اسم ال العظم من سواد العين إلى‬
‫بياضها‪[.‬‬

‫)‪ (1‬أي من عادة الناس أن يكتبوا كتبا مزورة وينتشرونها‪ .‬والعطب‪ :‬الهلك‪(2) .‬‬
‫أي قول الرجل المذنب ذلك إذا قيل له‪ :‬ل تعص‪ (3) .‬المسح ‪ -‬بالكسر ‪:-‬‬
‫البلس والتقيد بالسود تأكيد في اخفائه وعدم رؤيته بخلف ما إذا كان‬
‫غير السود لنه ربما يمكن أن يراه إذا كان أبيضا‪.‬‬

‫]‪[372‬‬

‫‪ - 7‬وخرج في بعض توقيعاته عليه السلم عند اختلف قوم من شيعته في أمره‪:‬‬
‫مامني أحد من آبائي بمثل مامنيت به من شك هذه العصابة في‪ ،‬فإن كان‬
‫هذا المر أمرا اعتقدتموه ودنتم به إلى وقت ثم ينقطع فللشك موضع‪ .‬وإن‬
‫كان متصل ما اتصلت امور ال فما معنى هذا الشك ؟ ؟‪ - 8 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬حب البرار للبرار ثواب للبرار‪ .‬وحب الفجار للبرار فضيلة‬
‫للبرار‪ .‬وبغض الفجار للبرار زين للبرار‪ ،‬وبغض البرار للفجار خزي‬
‫على الفجار‪ - 9 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من التواضع السلم على كل من تمر‬
‫به‪ ،‬والجلوس دون شرف المجلس‪ - 10 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من الجهل‬
‫الضحك من غير عجب‪ - 11 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من الفواقر التي تقصم‬
‫الظهر )‪ (1‬جار إن رأى حسنة أخفاها وإن رأى سيئة أفشاها‪ - 12 .‬وقال‬
‫عليه السلم لشيعته‪ :‬أوصيكم بتقوى ال‪ ،‬والورع في دينكم‪ ،‬والجتهاد ل‪،‬‬
‫وصدق الحديث‪ ،‬وأداء المانة إلى من ائتمنكم من بر أو فاجر‪ ،‬وطول‬
‫السجود‪ ،‬وحسن الجوار‪ ،‬فبهذا جاء محمد صلى ال عليه وآله‪ ،‬صلوا في‬
‫عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم )‪ (2‬وأدوا حقوقهم‪ ،‬فإن‬
‫الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه‪ ،‬وأدى المانة وحسن خلقه‬
‫مع الناس قيل‪ :‬هذا شيعي فيسرني ذلك‪ .‬اتقوا ال وكونوا زينا ول تكونوا‬
‫شينا‪ ،‬جروا إلينا كل مودة‪ ،‬وادفعوا عنا كل قبيح‪ ،‬فإنه ما قيل فينا من‬
‫حسن فنحن أهله‪ ،‬وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك‪ .‬لنا حق في كتاب‬
‫ال‪ ،‬وقرابة من رسول ال‪ ،‬وتطهير من ال ل يدعيه أحد غيرنا إل كذاب‪.‬‬
‫أكثروا ذكر ال وذكر الموت وتلوة القرآن والصلة على النبي صلى ال‬
‫عليه وآله‪ ،‬فإن الصلة على رسول ال عشر حسنات‪ .‬احفظوا ما‬

‫)‪ (1‬الفواقر‪ :‬جمع فاقرة أي الداعية العظيمة فكأنها تكسر فقر الظهر‪ (2) .‬الضمير‬
‫يرجع إلى المخالفين أو مطلق الناس‪ .‬وفى المصدر كلها بضمير الخطاب‪.‬‬

‫]‪[373‬‬

‫وصيتكم به‪ ،‬واستودعكم ال‪ ،‬وأقرأ عليكم السلم‪ - 13 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ليست‬
‫العبادة كثرة الصيام والصلة‪ ،‬وإنما العبادة كثرة التفكر في أمر ال‪- 14 .‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين‪ ،‬يطري‬
‫أخاه شاهدا )‪ (1‬ويأكله غائبا‪ ،‬إن اعطي حسده‪ ،‬وإن ابتلي خانه )‪- 15 (2‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬الغضب مفتاح كل شر‪] - 16 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫لشيعته في سنة ستين ومائتين‪ :‬أمرناكم بالتختم في اليمين ونحن بين‬
‫ظهرانيكم )‪ .(3‬والن نأمركم بالتختم في الشمال لغيبتنا عنكم إلى أن يظهر‬
‫ال أمرنا وأمركم‪ ،‬فانه من أدل دليل عليكم في وليتنا ‪ -‬أهل البيت ‪.-‬‬
‫فخلعوا خواتيمهم من أيمانهم بين يديه ولبسوها في شمائلهم‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم لهم‪ :‬حدثوا بهذا شبعتنا‪ - 17 [.‬وقال عليه السلم‪ :‬أقل الناس راحة‬
‫الحقود )‪ - 18 .(4‬وقال عليه السلم‪ :‬أورع الناس من وقف عند الشبهة‪،‬‬
‫أعبد الناس من أقام على الفرائض‪ ،‬أزهد الناس من ترك الحرام‪ ،‬أشد‬
‫الناس اجتهادا من ترك الذنوب‪ - 19 .‬وقال عليه السلم‪ :‬إنكم في آجال‬
‫منقوصة‪ ،‬وأيام معدودة‪ ،‬والموت يأتي بغتة‪ ،‬من يزرع خيرا يحصد غبطة‪،‬‬
‫ومن يزرع شرا يحصد ندامة‪ ،‬لكل زارع ما زرع‪ ،‬ل يسبق بطيئ بحظه‪،‬‬
‫ول يدرك حريص ما لم يقدر له‪ ،‬من اعطي خيرا فال أعطاه‪ ،‬ومن وقي‬
‫شرا فال وقاه‪.‬‬

‫)‪ (1‬أطرا فلنا‪ :‬أحسن الثناء عليه وبالغ في مدحه‪ (2) .‬في بعض النسخ " خذله‬
‫"‪ (3) .‬أي بينكم وفى جماعتكم‪ (4) .‬الحقود‪ :‬الكثير الحقد‪.‬‬

‫]‪[374‬‬
‫‪ - 20‬وقال عليه السلم‪ :‬المؤمن بركة على المؤمن وحجة على الكافر‪ - 21 .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬قلب الحمق في فمه وفم الحكيم في قلبه‪ - 22 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬ل يشغلك رزق مضمون من عمل مفروض‪ - 23 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬من تعدى في طهوره كان كناقضه‪ - 24 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ما‬
‫ترك الحق عزيز إل ذل‪ ،‬ول أخذه به ذليل إل عز‪ - 25 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫صديق الجاهل تعب‪ - 26 .‬وقال عليه السلم‪ :‬خصلتان ليس فوقهما شئ‪:‬‬
‫اليمان بال ونفع الخوان‪ - 27 .‬وقال عليه السلم‪ :‬جرأة الولد على والده‬
‫في ضعره تدعو إلى العقوق في كبره‪ - 28 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ليس من‬
‫الدب إظهار الفرح عند المحزون‪ - 29 .‬وقال عليه السلم‪ :‬خير من الحياة‬
‫ما إذا فقدته بغضت الحياة‪ ،‬وشر من الموت ما إذا نزل بك أحببت الموت‪.‬‬
‫‪ - 30‬وقال عليه السلم‪ :‬رياضة الجاهل ورد المعتاد عن عادته كالمعجز‪.‬‬
‫‪ - 31‬وقال عليه السلم‪ :‬التواضع نعمة ل يحسد عليها‪ - 32 .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬ل تكرم الرجل بما يشق عليه‪ - 33 .‬وقال عليه السلم‪ :‬من وعظ‬
‫أخاه سرا فقد زانه‪ .‬ومن وعظه علنية فقد شانه‪ - 34 .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫ما من بلية إل ول فيها نعمة تحيط بها‪ - 35 .‬وقال عليه السلم‪ :‬ما أقبح‬
‫بالمؤمن أن تكون له رغبة تذله‪ - 2 .‬ف )‪ :(1‬كتابه عليه السلم إلى‬
‫إسحاق بن إسماعيل النيسابوري‪ :‬سترنا ال )‪ (2‬وإياك بستره وتولك في‬
‫جميع أمورك بصنعه‪ ،‬فهمت كتابك يرحمك ال ونحن بحمد ال ونعمته أهل‬
‫بيت نرق على أوليائنا ونسر بتتابع إحسان ال إليهم وفضله لديهم و نعتد‬
‫بكل نعمة ينعمها ال تبارك وتعالى عليهم‪ ،‬فأتم ال عليك يا إسحاق وعلى‬

‫)‪ (1‬التحف ص ‪ (2) .484‬هو ثقة من أصحاب أبى محمد العسكري عليه السلم‬
‫وممن كانت ترد عليهم التوقيعات أيضا‪.‬‬

‫]‪[375‬‬

‫من كان مثلك ‪ -‬ممن قد رحمه ال وبصره بصيرتك ‪ -‬نعمته‪ .‬وقدر تمام نعمته دخول‬
‫الجنة وليس من نعمة وإن جل أمرها وعظم خطرها إل والحمد ل تقدست‬
‫أسماؤه عليها مؤد شكرها‪ ،‬وأنا أقول )‪ (1‬الحمد ل أفضل ما حمده حامده‬
‫إلى أبد البد بما من ال عليك من رحمته ونجاك من الهلكة وسهل سبيلك‬
‫على العقبة‪ .‬وأيم ال إنها )‪ (2‬لعقبة كؤود‪ ،‬شديد أمرها‪ ،‬صعب مسلكها‪،‬‬
‫عظيم بلؤها‪ ،‬قديم في الزبر الولى ذكرها‪ .‬ولقد كانت منكم في أيام‬
‫الماضي عليه السلم إلى أن مضى لسبيله وفي أيامي هذه امور كنتم فيها‬
‫عندي غير محمودي الرأي ول مسددي التوفيق‪ .‬فاعلم يقينا إسحاق أنه‬
‫من خرج من هذه الدنيا أعمى فهو في الخرة أعمى وأضل سبيل‪ .‬يا‬
‫إسحاق )‪ (3‬ليس تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور‪،‬‬
‫وذلك قول ال في محكم كتابه حكاية عن الظالم إذا يقول‪ " :‬رب لم‬
‫حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك‬
‫اليوم تنسى )‪ ." (4‬وأى آية أعظم من حجة ال على خلقه وأمينه في بلده‬
‫وشهيده على عباده من بعد من سلف من آبائه الولين النبيين وآبائه‬
‫الخرين الوصيين عليهم أجمعين السلم ورحمة ال وبركاته‪ .‬فأين يتاه بكم‬
‫)‪ (5‬وأين تذهبون كالنعام على وجوهكم‪ ،‬عن الحق تصدفون‪ ،‬وبالباطل‬
‫تؤمنون‪ ،‬وبنعمة ال تكفرون‪ ،‬أو تكونون ممن يؤمن ببعض الكتاب‪ ،‬ويكفر‬
‫ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إل خزي في الحياة الدنيا‬
‫وطول عذاب في الخرة الباقية‪ ،‬وذلك وال الخزي العظيم‪ .‬إن ال بمنه‬
‫ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " فأنا أقول "‪ (2) .‬في بعض النسخ " وانها أيم ال "‪(3) .‬‬
‫في بعض النسخ " يا ابن اسماعيل "‪ (4) .‬طه‪ (5) .126 :‬تاه يتيه‪ :‬ضل‬
‫وذهب متحيرا‪(*) .‬‬

‫]‪[376‬‬

‫بل رحمة منه ‪ -‬ل إله إل هو ‪ -‬عليكم ليميز الخبيث من الطيب وليبتلي ما في‬
‫صدوركم وليمحص ما في قلوبكم‪ ،‬لتسابقوا إلى رحمة ال ولتتفاضل‬
‫منازلكم في جنته‪ ،‬ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلة وإيتاء الزكاة‬
‫والصوم والولية وجعل لكم بابا تستفتحون به أبواب الفرائض ومفتاحا إلى‬
‫سبيله‪ ،‬لول محمد صلى ال عليه وآله والوصياء من ولده لكنتم حيارى )‬
‫‪ (1‬كالبهائم ل تعرفون فرضا من الفرائض وهل تدخل مدينة )‪ (2‬إل من‬
‫بابها‪ ،‬فلما من عليكم بإقامة الولياء بعد نبيكم‪ ،‬قال ال في كتابه‪ " :‬أليوم‬
‫أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا )‪" (3‬‬
‫ففرض عليكم لوليائه حقوقا أمركم بأدائها ليحل لكم ما وراء ظهوركم من‬
‫أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم‪ ،‬قال ال‪ " :‬قل ل أسئلكم عليه أجرا‬
‫إل المودة في القربى )‪ " (4‬واعلموا أن من يبخل فإنما يبخل عن نفسه‬
‫وال الغني وأنتم الفقراء‪ ،‬ل إله إل هو‪ .‬ولقد طالت المخاطبة فيما هو لكم‬
‫وعليكم‪ .‬ولول ما هو يحب ال من تمام النعمة من ال عليكم لما رأيتم لي‬
‫خطا ول سمعتم مني حرفا من بعد مضي الماضي عليه السلم وأنتم في‬
‫غفلة مما إليه معادكم )‪ .(5‬ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم بن عبده )‪(6‬‬
‫وكتابي الذي حمله إليكم محمد بن موسى النيسابوري وال المستعان على‬
‫كل حال‪ .‬وإياكم أن تفرطوا في جنب ال فتكونوا من الخاسرين‪ .‬فبعدا‬
‫وسحقا لمن رغب عن طاعة ال ولم يقبل مواعظ أوليائه‪ .‬فقد أمركم ال‬
‫بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي المر‪ ،‬رحم ال ضعفكم وغفلتكم و‬
‫)‪ (1‬الحيارى ‪ -‬بالفتح والضم ‪ :-‬جمع حيران‪ (2) .‬في بعض النسخ " قرية "‪(3) .‬‬
‫المائدة‪ (4) .5 :‬الشورى‪ (5) .23 ،‬في بعض النسخ " معاذكم "‪(6) .‬‬
‫ابراهيم بن عبده ومحمد بن موسى النيسابوري كانا من أصحاب الهادى‬
‫والعسكري عليهما السلم وروى الكشى ‪ -‬ره ‪ -‬بعض توقيعات في‬
‫حقهما‪.‬‬

‫]‪[377‬‬

‫صبركم على أمركم‪ ،‬فما أغر النسان بربه الكريم‪ ،‬ولو فهمت الصم الصلب بعض‬
‫ما هو في هذا الكتاب لتصدعت )‪ (1‬قلقا وخوفا من خشية ال‪ ،‬ورجوعا‬
‫إلى طاعة ال‪ ،‬اعملوا ما شئتم " فسيرى ال عملكم ورسوله والمؤمنون‬
‫ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون )‪ " (2‬والحمد‬
‫ل رب العالمين وصلى ال على محمد وآله أجمعين‪ .‬كش )‪ :(3‬حكى بعض‬
‫الثقات بنيسابور أنه خرج لسحاق بن إسماعيل من أبي محمد عليه السلم‬
‫توقيع فوقع عليه السلم‪ :‬يا إسحاق بن إسماعيل سترنا ال وإياك بستره‬
‫إلى آخر الخبر مع تغيير وزيادات أوردتها في أبواب تاريخه عليه السلم‪.‬‬
‫‪ - 3‬الدرة الباهرة )‪ :(4‬قال أبو محمد العسكري عليه السلم‪ :‬إن للسخاء‬
‫مقدارا فإن زاد عليه فهو سرف‪ ،‬وللحزم مقدارا فإن زاد عليه فهو جبن‪،‬‬
‫وللقتصاد مقدارا فإن زاد عليه فهو بخل‪ ،‬وللشجاعة مقدارا‪ ،‬فإن زاد عليه‬
‫فهو تهور‪ .‬كفاك أدبا تجنبك ما تكره من غيرك‪ ،‬احذر كل ذكي ساكن‬
‫الطرف‪ ،‬ولو عقل أهل الدنيا حزبت‪ ،‬خير إخوانك من نسي ذنبك إليه‪،‬‬
‫أضعف العداء كيدا من أظهر عداوته‪ ،‬حسن الصورة جمال ظاهر‪ ،‬وحسن‬
‫العقل جمال باطن‪ ،‬من أنس بال استوحش من الناس‪ ،‬من لم يتق وجوه‬
‫الناس لم يتق ال‪ ،‬جعلت الخباثت في بيت وجعل مفتاحه الكذب‪ ،‬إذا نشطت‬
‫القلوب فأودعوها وإذا نفرت فودعوها‪ .‬اللحاق بمن ترجو خير من المقام‬
‫مع من ل تأمن شره‪ ،‬من أكثر المنام رأى الحلم )الظاهر أنه عليه السلم‬
‫يعني أن طلب الدنيا كالنوم وما يصير منها كالحلم(‪ .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫الجهل خصم والحلم حكم‪ ،‬ولم يعرف راحة القلب من لم يجرعه‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " لصدعت "‪ (2) .‬اقتباس من الية الواردة في سورة التوبة‪:‬‬
‫‪ (3) .106‬مختار رجال الكشى ص ‪ (4) .481‬مخطوط‪.‬‬

‫]‪[378‬‬

‫الحلم غصص الغيظ‪ .‬إذا كان المقضي كائنا فالضراعة لماذا ؟ نائل الكريم يحببك إليه‬
‫ونائل اللئيم يضعك لديه‪ ،‬من كان الورع سجيته‪ ،‬والفضال حليته انتصر‬
‫من أعدائه بحسن الثناء عليه‪ ،‬وتحصن بالذكر الجميل من وصول نقص‬
‫إليه‪ .‬وقال بعض الثقات‪ :‬وجدت بخطه عليه السلم مكتوبا على ظهر كتاب‪:‬‬
‫قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوة والولية‪ ،‬ونورنا السبع الطرائق‬
‫بأعلم الفتوة‪ ،‬فنحن ليوث الوغى‪ ،‬وغيوث الندى‪ ،‬وفينا السيف والقلم في‬
‫العاجل‪ ،‬ولواء الحمد والعلم في الجل‪ ،‬وأسباطنا خلفاء الدين وحلفاء‬
‫اليقين‪ ،‬ومصابيح المم‪ ،‬ومفاتيح الكرم‪ ،‬فالكليم البس حلة الصطفاء لما‬
‫عهدنا منه الوفاء‪ ،‬وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا‬
‫الباكورة )‪ (1‬وشيعتنا الفئة الناجية‪ ،‬والفرقة الزاكية‪ ،‬صاروا لنا ردءا‬
‫وصونا وعلى الظلمة إلبا وعونا‪ ،‬وسينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى‬
‫النبران لتمام الطواوية والطواسين من السنين‪ .‬أقول‪ :‬هذه حكمة بالغة‬
‫ونعمة سابغة تسمعها الذان الصم وتقصر عليها الجبال الشم صلوات ال‬
‫عليهم وسلمه‪ - 4 .‬أعلم الدين )‪ :(2‬قال أبو محمد الحسن العسكري عليه‬
‫السلم‪ :‬من مدح غير المستحق فقد قام مقام المتهم‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬ل‬
‫يعرف النعمة إل الشاكر‪ ،‬ول يشكر النعمة إل العارف‪ .‬وقال عليه السلم‪:‬‬
‫ادفع المسألة ما وجدت التحمل يمكنك فإن لكل يوم رزقا جديدا‪ .‬واعلم أن‬
‫اللحاح في المطالب يسلب البهاء ويورث التعب والعناء‪ ،‬فاصبر حتى يفتح‬
‫ال لك بابا يسهل الدخول فيه فما أقرب الصنيع من الملهوف‪ ،‬والمن من‬
‫الهارب المخوف‪ ،‬فربما كانت الغير نوع من أدب ال‪ ،‬والحظوظ مراتب‪،‬‬

‫)‪ (1‬كذا‪ .‬والصاقورة‪ :‬السماء الثالثة‪ .‬وباطن القحف المشرف على الدماغ والمراد‬
‫الول‪ .‬والباكورة‪ :‬أول ما يدرك من الفاكهة‪ ،‬وأول كل شئ‪ (2) .‬مخطوط‪.‬‬

‫]‪[379‬‬

‫فل تعجل على ثمرة لم تدرك‪ ،‬وإنما تنالها في أوانها‪ ،‬واعلم أن المدبر لك أعلم‬
‫بالوقت الذي يصلح حالك فيه‪ ،‬فثق بخيرته في جميع امورك يصلح حالك‪،‬‬
‫ول تعجل بحوائجك قبل وقتها‪ ،‬فيضيق قلبك وصدرك ويخشاك القنوط‪،‬‬
‫واعلم أن للسخاء مقدارا‪ ،‬فان زاد عليه فهو سرف‪ ،‬وأن للحزم مقدارا فإن‬
‫زاد عليه فهو تهور‪ ،‬واحذر كل ذكي ساكن الطرف‪ ،‬ولو عقل أهل الدنيا‬
‫خربت‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬خير إخوانك من نسي ذنبك وذكر إحسانك إليه‪.‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬أضعف العداء كيدا من أظهر عداوته‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬حسن الصورة جمال ظاهر‪ ،‬وحسن العقل جمال باطن‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬أولى الناس بالمحبة منهم من أملوه‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من آنس‬
‫بال استوحش الناس‪ ،‬وعلمة النس بال الوحشة من الناس‪ .‬وقال عليه‬
‫السلم‪ :‬جعلت الخبائث في بيت والكذب مفاتيحها‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا‬
‫نشطت القلوب فأودعوها‪ ،‬وإذا نفرت فودعوها‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬اللحاق‬
‫بمن ترجو خير من المقام مع من ل تأمن شره‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬الجهل‬
‫خصم‪ ،‬والحلم حكم‪ ،‬ولم يعرف راحة القلوب من لم يجرعه الحلم غصص‬
‫الصبر والغيظ‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬من ركب ظهر الباطل نزل به دار‬
‫الندامة‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬المقادير الغالبة ل تدفع بالمغالبة‪ ،‬والرزاق‬
‫المكتوبة ل تنال بالشره‪ ،‬ول تدفع بالمساك عنها‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬نائل‬
‫الكريم يحببك إليه ويقربك منه‪ ،‬ونائل اللئيم يباعدك منه ويبغضك إليه‪.‬‬
‫وقال عليه السلم‪ :‬من كان الورع سجيته‪ ،‬والكرم طبيعته‪ ،‬والحلم خلته‬
‫كثر صديقه‪ ،‬والثناء عليه‪ ،‬وانتصر من أعدائه بحسن الثناء عليه‪ .‬وقال‬
‫عليه السلم‪ :‬السهر ألذ للمنام والجوع أزيد في طيب الطعام‪) .‬رغب به‬
‫عليه السلم على صوم النهار وقيام الليل(‪.‬‬

‫]‪[380‬‬

‫وقال عليه السلم‪ :‬إن الوصول إلى ال عزوجل سفر ل يدرك إل بامتطاء الليل‪ .‬من‬
‫لم يحسن ان يمنع لم يحسن ان يعطي‪ .‬وقال عليه السلم للمتوكل‪ :‬ل تطلب‬
‫الصفا ممن كدرت عليه ول النصح ممن صرفت سوء ظنك إليه فإنما قلب‬
‫غيرك لك كقلبك له‪) * .30 .‬باب( * * " )مواعظ القائم عليه السلم‬
‫وحكمه( " * ‪ - 1‬الدرة الباهرة من الصداف الطاهرة‪ :‬مما كتبه عليه‬
‫السلم جوابا لسحاق بن يعقوب إلى العمري ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬أما ظهور‬
‫الفرج فإنه إلى ال وكذب الوقاتون‪ ،‬وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها‬
‫إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة ال‪ ،‬وأما المتلبسون بأموالنا‬
‫فمن استحل منها شيئا فأكل فإنما يأكل النيران‪ ،‬وأما الخمس فقد ابيح‬
‫لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولدتهم ول‬
‫تخبث‪ ،‬وأما علة ما وقع من الغيبة فإن ال عزوجل قال‪ " :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا ل تسئلوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم )‪ " (1‬إنه لم يكن أحد من‬
‫آبائي إل وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه وإني أخرج حين أخرج‬
‫ول بيعة لحد من الطواغيت في عنقي‪ ،‬وأما وجه النتفاع بي في غيبتي‬
‫فكالنتفاع بالشمس إذا غيبها عن البصار السحاب‪ ،‬وإني أمان لهل‬
‫الرض كما أن النجوم أمان لهل السماء‪) * .31 .‬باب( * )وصية المفضل‬
‫بن عمر لجماعة الشيعة( ‪ - 1‬ف )‪ :(2‬اوصيكم بتقوى ال وحده ل شريك‬
‫له وشهادة أن ل إله إل ال‬

‫)‪ (1‬مائدة‪ (2) .101 :‬التحف ص ‪.513‬‬

‫]‪[381‬‬
‫وأن محمدا عبده ورسوله‪ .‬اتقوا ال وقولوا قول معروفا‪ .‬وابتغوا رضوان ال‬
‫واخشوا سخطه‪ .‬وحافظوا على سنة ال ول تتعدوا حدود ال‪ .‬وراقبوا ال‬
‫في جميع اموركم‪ .‬وارضوا بقضائه فيما لكم وعليكم‪ .‬أل وعليكم بالمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ .‬أل ومن أحسن إليكم فزيدوه إحسانا واعفوا‬
‫عمن أساء إليكم‪ .‬وافعلوا بالناس ما تحبون أن يفعلوه بكم‪ .‬أل وخالطوهم‬
‫بأحسن ما تقدرون عليه وإنكم أحرى أن ل تجعلوا عليكم سبيل‪ .‬عليكم‬
‫بالفقه في دين ال والورع عن محارمه وحسن الصحابة لمن صحبكم برا‬
‫كان أو فاجرا‪ .‬أل وعليكم بالورع الشديد‪ ،‬فإن ملك الدين الورع‪ .‬صلوا‬
‫الصلوات لمواقيتها وأدوا الفرائض على حدودها‪ .‬أل ول تقصروا فيما‬
‫فرض ال عليكم وبما يرضى عنكم‪ ،‬فإني سمعت أبا عبد ال عليه السلم‬
‫يقول‪ " :‬تفقهوا في دين ال ول تكونوا أعرابا‪ ،‬فإنه من لم يتفقه في دين‬
‫ال لم ينظر ال إليه يوم القيامة "‪ .‬وعليكم بالقصد في الغنى والفقر‪.‬‬
‫واستعينوا ببعض الدنيا على الخرة‪ ،‬فإني سمعت أبا عبد ال عليه السلم‬
‫يقول‪ " :‬استعينوا ببعض هذه على هذه ول تكونوا كل على الناس "‪.‬‬
‫عليكم بالبر بجميع من خالطتموه وحسن الصنيع إليه‪ .‬أل وإياكم والبغي‪،‬‬
‫فإن أبا عبد ال عليه السلم كان يقول‪ " :‬إن أسرع الشر عقوبة البغي "‪.‬‬
‫أدوا ما افترض ال عليكم من الصلة والصوم وسائر فرائض ال وأدوا‬
‫الزكاة المفروضة إلى أهلها فإن أبا عبد ال عليه السلم قال‪ " :‬يا مفضل‬
‫قل لصحابك‪ :‬يضعون الزكاة في أهلها وإني ضامن لما ذهب لهم "‪ .‬عليكم‬
‫بولية آل محمد صلى ال عليه وآله‪ .‬أصلحوا ذات بينكم ول يغتب بعضكم‬
‫بعضا‪ .‬تزاوروا وتحابوا وليحسن بعضكم إلى بعض‪ .‬وتلقوا وتحدثوا ول‬
‫يبطنن بعضكم عن بعض )‪ (1‬وإياكم والتصارم‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " ول يبطئن " ولعل المراد ول ينسأ بعضكم بعضا‪ ،‬يقال‪ :‬بطا‬
‫عليه وأبطا أي أخره‪ .‬والتصارم التقاطع‪.‬‬

‫]‪[382‬‬

‫وإياكم والهجران فإني سمعت أبا عبد ال عليه السلم يقول‪ " :‬وال ل يفترق‬
‫رجلن من شيعتنا على الهجران إل برئت من أحدهما ولعنته وأكثر ما أفعل‬
‫ذلك بكليهما‪ ،‬فقال له معتب )‪ :(1‬جعلت فداك هذا الظالم فما بال المظلوم ؟‬
‫قال‪ :‬لنه ل يدعو أخاه إلى صلته‪ ،‬سمعت أبي وهو يقول‪ " :‬إذا تنازع‬
‫اثنان من شيعتنا ففارق أحدهما الخر فليرجع المظلوم إلي صاحبه حتى‬
‫يقول له‪ :‬يا أخي أنا الظالم حتى ينقطع الهجران فيما بينهما‪ ،‬إن ال تبارك‬
‫وتعالى حكم عدل يأخذ للمظلوم من الظالم "‪ .‬ل تحقروا ول تجفوا فقراء‬
‫شيعة آل محمد عليهم السلم وألطفوهم وأعطوهم من الحق الذي جعله ال‬
‫لهم في أموالكم وأحسنوا إليهم‪ .‬ل تأكلوا الناس بآل محمد‪ ،‬فإني سمعت أبا‬
‫عبد ال عليه السلم يقول‪ " :‬افترق الناس فينا على ثلث فرق‪ :‬فرقة‬
‫أحبونا انتظار قائمنا ليصيبوا من دنيانا‪ ،‬فقالوا وحفظوا كلمنا وقصروا‬
‫عن فعلنا‪ ،‬فسيحشرهم ال إلى النار‪ .‬وفرقة أحبونا وسمعوا كلمنا ولم‬
‫يقصروا عن فعلنا‪ ،‬ليستأكلوا الناس بنا فيمل ال بطونهم نارا يسلط عليهم‬
‫الجوع والعطش‪ .‬وفرقة أحبونا وحفظوا قولنا وأطاعوا أمرنا ولم يخالفوا‬
‫فعلنا فاولئك منا ونحن منهم " ول تدعوا صلة آل محمد عليهم السلم من‬
‫أموالكم‪ :‬من كان غنيا فبقدر غناه ومن كان فقيرا فبقدر فقره‪ ،‬فمن أراد أن‬
‫يقضي ال له أهم الحوائج إليه فليصل آل محمد وشيعتهم بأحوج ما يكون‬
‫إليه من ماله‪ .‬ل تغضبوا من الحق إذا قيل لكم‪ .‬ول تبغضوا أهل الحق إذا‬
‫صدعوكم به‪ ،‬فإن المؤمن ل يغضب من الحق إذا صدع به‪ .‬وقال أبو عبد‬
‫ال عليه السلم مرة وأنا معه‪ :‬يا مفضل كم أصحابك ؟ فقلت‪ :‬وقليل‪ ،‬فلما‬
‫انصرفت إلى الكوفة أقبلت علي الشيعة فمزقوني كل ممزق‪ :‬يأكلون لحمي‬
‫ويشتمون عرضي حتى أن بعضهم استقبلني فوثب في وجهي وبعضهم قعد‬
‫لي في‬

‫)‪ (1‬متعب ‪ -‬بضم الميم وفتح العين وتشديد التاء المكسورة ‪ -‬هو مولى أبى عبد ال‬
‫عليه السلم بل من خواص أصحابه وأيضا من أصحاب المام السابع‬
‫عليه السلم‪ ،‬ثقه وقد روى عن أبى عبد ال عليه السلم انه قال‪ :‬موالى‬
‫عشرة خيرهم معتب‪.‬‬

‫]‪[383‬‬

‫سكك الكوفة يريد ضربي‪ ،‬ورموني بكل بهتان حتى بلغ ذلك أبا عبد ال عليه‬
‫السلم‪ ،‬فلما رجعت إليه في السنة الثانية كان أول ما استقبلني به بعد‬
‫تسليمه علي أن قال‪ ،‬يا مفضل ما هذا الذي بلغني أن هؤلء يقولون لك‬
‫وفيك ؟ قلت‪ :‬وما علي من قولهم‪ ،‬قال‪ " :‬أجل بل ذلك عليهم‪ ،‬أيغضبون‬
‫بؤس لهم‪ ،‬إنك قلت‪ :‬إن أصحابك قليل‪ .‬ل وال ماهم لنا شيعة ولو كانوا لنا‬
‫شيعة ما غضبوا من قولك وما اشمأزوا منه‪ ،‬لقد وصف ال شيعتنا بغير‬
‫ماهم عليه‪ ،‬وما شيعة جعفر إل من كف لسانه وعمل لخالقه ورجا سيده‬
‫وخاف ال حق خيفته‪ ،‬ويحهم أفيهم من قد صار كالحنايا من كثرة‬
‫الصلة ؟ أو قد صار كالتائه من شدة الخوف‪ ،‬أو كالضرير من الخشوع‪ ،‬أو‬
‫كالضني من الصيام‪ ،‬أو كالخرس من طول الصمت والسكوت‪ ،‬أو هل فيهم‬
‫من قد أدأب ليله من طول القيام وأدأب نهاره من الصيام‪ ،‬أو منع نفسه‬
‫لذات الدنيا ونعيمها خوفا من ال وشوقا إلينا ‪ -‬أهل البيت ‪ -‬أنى يكونون لنا‬
‫شيعة وإنهم ليخاصمون عدونا فينا حتى يزيدوهم عداوة وانهم ليهرون‬
‫هرير الكلب ويطمعون طمع الغراب‪ ،‬أما إني لول أنني أتخوف عليهم أن‬
‫اغريهم بك لمرتك أن تدخل بيتك وتغلق بابك ثم ل تنظر إليهم ما بقيت‬
‫ولكن إن جاؤوك فاقبل منهم‪ ،‬فإن ال قد جعلهم حجة على أنفسهم واحتج‬
‫بهم على غيرهم "‪ .‬ل تغرنكم الدنيا وما ترون فيها من نعيمها وزهرتها‬
‫وبهجتها وملكها فإنها ل تصلح لكم‪ ،‬فوال ما صلحت لهلها‪) * .32 .‬باب(‬
‫* * " )قصة بلوهر ويوذاسف( " * ‪ - 1‬ك )‪ (1‬عن أبي علي أحمد بن‬
‫الحسن القطان عن الحسن بن علي العسكري )‪ (2‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن‬
‫زكريا أن ملكا من ملوك الهند كان كثير الجند‪ ،‬واسع المملكة‪،‬‬

‫)‪ (1‬كمال الدين ص ‪ 317‬مع اختلف فيه‪ (2) .‬هو أحد مشايخ أبى على القطان‪.‬‬

‫]‪[384‬‬

‫مهيبا في أنفس الناس‪ ،‬مظفرا علي العداء‪ ،‬وكان مع ذلك عظيم النهمه )‪ (1‬في‬
‫شهوات الدنيا ولذاتها وملهيها‪ ،‬مؤثرا لهواه‪ ،‬مطيعا له‪ ،‬وكان أحب الناس‬
‫إليه وأنصحهم له في نفسه من زين له حاله وحسن رأيه‪ ،‬وأبغض الناس‬
‫إليه و أغشهم له في نفسه من أمره بغيرها وترك أمره فيها‪ ،‬وكان قد‬
‫أصاب الملك فيها في حداثة سنه وعنفوان شبابه وكان له رأي أصيل‬
‫ولسان بليغ ومعرفة بتدبير الناس و ضبطهم‪ ،‬فعرف الناس ذلك منه‬
‫فانقادوا له‪ ،‬وخضع له كل صعب وذلول‪ ،‬واجتمع له سكر الشباب وسكر‬
‫السلطان‪ ،‬والشهوة والعجب‪ ،‬ثم قوي ذلك ما أصاب من الظفر على من‬
‫ناصبه والقهر لهل مملكته‪ ،‬وانقياد الناس له‪ ،‬فاستطال على الناس‬
‫واحتقرهم‪ ،‬ثم ازداد عجبا برأيه ونفسه لما مدحه الناس وزينوا أمره‬
‫عنده‪ ،‬فكان ل همة له إل الدنيا وكانت الدنيا له مؤاتية ل يريد منها شيئا إل‬
‫ناله‪ ،‬غير أنه كان مئناثا )‪ (2‬ل يولد له ذكر‪ ،‬وقد كان الدين فشا في أرضه‬
‫قبل ملكه وكثر أهله‪ ،‬فزين له الشيطان عداوة الدين وأهله وأضر بأهل‬
‫الدين فأقصاهم مخافة على ملكه وقرب أهل الوثان‪ ،‬وصنع لهم أصناما‬
‫من ذهب وفضة‪ ،‬وفضلهم و شرفهم‪ ،‬وسجد لصنامهم‪ .‬فلما رأى الناس‬
‫ذلك منه سارعوا إلى عبادة الوثان والستخفاف بأهل الدين ثم إن الملك‬
‫سأل يوما عن رجل من أهل بلده كانت له منه منزلة حسنة ومكانة رفيعة‬
‫وكان أراد أن يستعين به على بعض اموره ويحبوه ويكرمه‪ ،‬فقيل له أيها‬
‫الملك إنه قد خلع الدنيا وخلي منها ولحق بالنساك فثقل ذلك على الملك‪ ،‬و‬
‫شق عليه‪ ،‬ثم إنه أرسل إليه فاوتي به‪ ،‬فلما نظر إليه في زي النساك‬
‫وتخشعهم‬
‫)‪ (1‬النهمة ‪ -‬بفتح النون ‪ -‬بلوغ الهمة والشهوة في الشئ ويقال‪ :‬ل في هذا المر‬
‫نهمة " أي شهوة‪ (2) .‬المئناث‪ :‬التى اعتادت أن تلد الناث وكذلك الرجل‬
‫لنهما يستويان في مفعال‪ .‬ويقابله المذكار وهى التى تلد الذكور كثيرا‪.‬‬

‫]‪[385‬‬

‫زبره وشتمه )‪ (1‬وقال له‪ :‬بينا أنت من عبيدي وعيون أهل مملكتي ووجههم‬
‫وأشرافهم إذ فضحت نفسك وضيعت أهلك ومالك واتبعت أهل البطالة‬
‫والخسارة حتى صرت ضحكة ومثل‪ ،‬وقد كنت أعددتك لمهم اموري‪،‬‬
‫والستعانة بك على ما ينوبني‪ ،‬فقال له‪ :‬أيها الملك إن لم يكن لي عليك حق‬
‫فلعقلك عليك حق‪ ،‬فاستمع قولي بغير غضب‪ ،‬ثم ائمر بما بدا لك بعد الفهم‬
‫والتثبيت‪ ،‬فإن الغضب عدو العقل‪ ،‬ولذلك يحول ما بين صاحبه وبين الفهم‪،‬‬
‫قال له الملك‪ :‬قل ما بدا لك‪ .‬قال الناسك‪ :‬فإني أسألك أيها الملك أفي ذنبي‬
‫على نفسي عتبت علي أم في ذنب مني إليك سالف ؟‪ .‬قال الملك‪ :‬إن ذنبك‬
‫إلى نفسك أعظم الذنوب عندي‪ ،‬وليس كلما أراد رجل من رعيتي أن يهلك‬
‫نفسه أخلي بينه وبين ذلك‪ ،‬ولكني أعد إهلكه لنفسه كإهلكه لغيره ممن‬
‫أنا وليه والحاكم عليه وله‪ ،‬فأنا أحكم عليك لنفسك وآخذ لها منك إذ ضيعت‬
‫أنت ذلك‪ ،‬فقال له الناسك‪ :‬أراك أيها الملك ل تأخذني إل بحجة ول نفاذ‬
‫لحجة إل عند قاض‪ ،‬وليس عليك من الناس قاض‪ ،‬لكن عندك قضاة وأنت‬
‫لحكامهم منفذ‪ ،‬وأنا ببعضهم راض‪ ،‬ومن بعضهم مشفق‪ .‬قال الملك‪ :‬وما‬
‫أولئك القضاة‪ ،‬قال‪ :‬أما الذي أرضى قضاءه فعقلك‪ ،‬وأما الذي أنا مشفق‬
‫منه فهواك‪ ،‬قال الملك‪ :‬قل ما بدا لك وأصدقني خبرك ومتى كان هذا رأيك ؟‬
‫ومن أغواك ؟ قال‪ :‬أما خبري فإني كنت سمعت كلمة في حداثة سني وقعت‬
‫في قلبي فصارت كالحبة المزروعة ثم لم تزل تنمي حتى صارت شجرة إلى‬
‫ما ترى‪ ،‬وذلك ؟ أني كنت قد سمعت قائل يقول‪ :‬يحسب الجاهل المر الذي‬
‫هو ل شئ شيئا والمر الذي هو الشئ ل شئ‪ ،‬ومن لم يرفض المر الذي‬
‫هو ل شئ لم ينل المر الذي هو شئ‪ ،‬ومن لم يبصر المر الذي هو الشئ‬
‫لم تطب نفسه برفض المر الذي هو ل شئ‪ ،‬والشئ هو الخرة‪ ،‬ول شئ‬
‫هو الدنيا‪ ،‬فكان لهذه الكلمة عندي قرار لني وجدت الدنيا حياتها موتا‬
‫وغناها فقرا‪ ،‬وفرحها ترحا‪ ،‬وصحتها سقما‪ ،‬و‬

‫)‪ (1‬النساك‪ :‬العباد‪ .‬وزبره أي زجره‪.‬‬

‫]‪[386‬‬
‫قوتها ضعفا‪ ،‬وعزها ذل‪ ،‬وكيف ل تكون حياتها موتا‪ ،‬وإنما يحيى فيها صاحبها‬
‫ليموت‪ ،‬وهو من الموت على يقين‪ ،‬ومن الحياة على قلعة‪ ،‬وكيف ل يكون‬
‫غناؤها فقرا وليس اصيب أحد منها شيئا إل احتاج لذلك الشئ إلى شئ آخر‬
‫يصلحه و إلى أشياء ل بدله منها‪ .‬ومثل ذلك أن الرجل ربما يحتاج إلى دابة‬
‫فإذا أصابها احتاج إلى علفها وقيمها ومربطها )‪ (1‬وأدواتها‪ ،‬ثم احتاج لكل‬
‫شئ من ذلك إلى شئ آخر يصلحه‪ ،‬وإلى أشياء ل بدله منها‪ ،‬فمتى تنقضي‬
‫حاجة من هو كذلك وفاقته ؟ وكيف ل يكون فرحها ترحا وهي مرصدة لكل‬
‫من أصاب منها قرة أعين أن يرى من ذلك المر بعينه أضعافه من الحزن‪،‬‬
‫إن رأى سرورا في ولده فما ينتظر من الحزان في موته وسقمه وجايحة‬
‫إن أصابته أعظم من سروره به‪ ،‬وإن رأى السرور في مال فما يتخوف من‬
‫التلف أن يدخل عليه أعظم من سروره بالمال‪ ،‬فإذا كان المر كذلك فأحق‬
‫الناس بأن ل يتلبس بشئ منها من عرف هذا منها‪ ،‬وكيف ل يكون صحتها‬
‫سقما وإنما صحتها من أخلطها وأصح أخلطها وأقربها من الحياة الدم‪،‬‬
‫وأظهر ما يكون النسان دما أخلق ما يكون صاحبه بموت الفجأة‪ ،‬والذبحة‬
‫والطاعون )‪ (2‬والكلة والبرسام‪ ،‬وكيف ل تكون قوتها ضعفا وإنما تجمع‬
‫القوى فيها ما يضره ويوبقه‪ ،‬وكيف ل يكون عزها ذل ولم ير فيها عز قط‬
‫إل أورث أهلها ذل طويل‪ ،‬غير أن أيام الغر قصيرة‪ ،‬وأيام الذل طويلة‪،‬‬
‫فأحق الناس بذم الدنيا من بسطت له الدنيا فأصاب حاجته منها‪ ،‬فهو يتوقع‬
‫كل يوم وليلة وساعة وطرفة عين أن يعدى على ماله فيحتاج‪ ،‬وعلى‬
‫حميمه فيختطف‪ ،‬وعلى جمعه فينهب‪ ،‬وأن يؤتى بنيانه من القواعد فيهدم‪،‬‬
‫وأن يدب الموت إلى جسده فيستأصل ويفجع بكل ما هو به ضنين‪.‬‬

‫)‪ (1‬المربط ‪ -‬بفتح الباء وكسرها ‪ -‬موضع ربط الدواب‪ (2) .‬الذبحة ‪ -‬بضم الذال‬
‫وفتح الباء والعامة تسكن الباء ‪ -‬ورم حار في العضلت من جانب‬
‫الحلقوم التى بها يكون البلع‪ .‬وقال العلمة‪ :‬وقد يطلق الذبحة على‬
‫الختناق‪ .‬والشيخ ل يفرق بينهما‪ ،‬وقيل هي ورم اللوزتين )بحر‬
‫الجواهر(‪.‬‬

‫]‪[387‬‬

‫فأذم إليك أيها الملك الدنيا الخذة ما تعطي‪ ،‬والمورثة بعد ذلك التبعة‪ ،‬السالبة لمن‬
‫تكسو‪ ،‬والمورثة بعد ذلك العرى‪ ،‬المواضعة لمن ترفع‪ ،‬والمورثة بعد ذلك‬
‫الجزع‪ ،‬التاركة لمن يعشقها‪ ،‬والمورثة بعد ذلك الشقوة‪ ،‬المغوية لمن‬
‫أطاعها واغتر بها‪ ،‬الغدارة بمن ائتمنها وركن إليها‪ ،‬هي المركب القموص‬
‫)‪ (1‬والصاحب الخؤون‪ ،‬والطريق الزلق‪ ،‬والمهبط المهوي‪ ،‬هي المكرمة‬
‫التي ل تكرم أحدا إل أهانته‪ ،‬المحبوبة التي ل تحب أحدا‪ ،‬الملزومة التي ل‬
‫تلزم أحدا‪ ،‬يوفى لها وتغدر‪ ،‬ويصدق لها وتكذب‪ ،‬وينجز لها وتخلف‪ ،‬هي‬
‫المعوجة لمن استقام بها‪ ،‬المتلعبة بمن استمكنت )‪ (2‬منه‪ ،‬بينا هي‬
‫تطعمه إذ حولته مأكول‪ ،‬وبينا هي تخدمه إذ جعلته خادما‪ ،‬وبينا هي‬
‫تضحكه إذ ضحكت منه‪ ،‬وبينا هي تشتمه إذ شتمت منه )‪ (3‬وبينا هي‬
‫تبكيه إذا بكت عليه‪ ،‬وبينا هي قد بسطت يده بالعطية إذ بسطتها بالمسألة‪،‬‬
‫وبينا هو فيها عزيز إذ أذلته‪ ،‬وبينا هو فيها مكرم إذ أهانته‪ ،‬وبينا هو فيها‬
‫معظم إذ صار محقورا‪ ،‬وبينا هو فيها رفيع إذ وضعته‪ ،‬وبينا هي له مطيعة‬
‫إذ عصته‪ ،‬وبينا هو فيها مسرور إذ أخزنته‪ ،‬وبينا هو فيها شبعان إذ‬
‫أجاعته‪ ،‬وبينا هو فيها حي إذ أماتته‪ .‬فأف لها من دار إذ كان هذا فعالها‪،‬‬
‫وهذه صفتها‪ ،‬تضع التاج على رأسه غدوة وتعفر خده بالتراب عشية‪،‬‬
‫وتجعلها في الغلل غدوة ]تحلى اليدي بأسورة الذهب عشية‪ ،‬وتجعلها‬
‫في الغلل غدوة ‪ -‬خ ل[ وتقعد الرجل على السرير غدوة‪ ،‬وترمي به في‬
‫السجن عشية‪ ،‬تفرش له الديباج عشية‪ ،‬وتفرش له التراب غدوة‪ ،‬وتجمع‬
‫له الملهي والمعازف غدوة‪ ،‬وتجمع عليه النوائح والنوادب عشية تحبب‬
‫إلى أهله قربه عشية وتحبب إليهم بعده غدوة‪ ،‬تطيب ريحه غدوة وتنتن‬
‫ريحه عشية‪ ،‬فهو متوقع لسطواتها‪ ،‬غير ناج من فتنتها وبلئها‪ ،‬تمتع‬
‫نفسه من‬

‫)‪ (1‬القموص ‪ -‬على وزن چموش ‪ -‬وبمعناه‪ (2) .‬في بعض النسخ " استمسكت "‪.‬‬
‫)‪ (3‬في بعض النسخ " وبينا هي تشمته إذا تشمت منه "‪.‬‬

‫]‪[388‬‬

‫أحاديثها وعينه من أعاجيبها‪ ،‬ويده مملؤة من جمعها‪ ،‬ثم تصبح الكف صفرا‪،‬‬
‫والعين هامدة‪ ،‬ذهب ما ذهب‪ ،‬وهوى ما هوى‪ ،‬وبادماباد‪ ،‬وهلك ما هلك‪،‬‬
‫تجد في كل من كل خلفا‪ ،‬وترضى بكل من كل بدل‪ ،‬تسكن دار كل قرن قرنا‪،‬‬
‫وتطعم سؤر كل قوم قوما‪ ،‬تقعد الراذل مكان الفاضل‪ ،‬والعجزة مكان‬
‫الحزمة )‪ (1‬تنقل أقواما من الجدب إلى الخصب )‪ ،(2‬ومن الرجلة إلى‬
‫المركب ومن البؤس إلى النعمة‪ ،‬ومن الشدة إلى الرخاء‪ ،‬ومن الشقاء إلى‬
‫الخفض والدعة‪ ،‬حتى إذا غمستهم في ذلك انقلبت بهم فسلبتهم الخصب‪،‬‬
‫ونزعت منهم القوة‪ ،‬فعادوا إلى أبأس البؤس‪ ،‬وأفقر الفقر‪ ،‬وأجدب الجدب‪.‬‬
‫فأما قولك أيها الملك في إضاعة الهل وتركهم فإني لم أضيعهم‪ ،‬ولم‬
‫أتركهم‪ ،‬بل وصلتهم وانقطعت إليهم‪ ،‬ولكني كنت وأنا أنظر بعين مسحورة‬
‫ل أعرف بها الهل من الغرباء‪ ،‬ول العداء من الولياء‪ ،‬فلما انجلى عني‬
‫السحر استبدلت بالعين المسحورة عينا صحيحة‪ ،‬واستنبت العداء من‬
‫الولياء‪ ،‬والقرباء من الغرباء‪ ،‬فإذا الذين كنت أعدهم أهلين وأصدقاء‬
‫وإخوانا وخلطاء إنما هم سباع ضارية )‪ (3‬ل همة لهم إل أن تأكلني وتأكل‬
‫بي‪ ،‬غير أن اختلف منازلهم في ذلك على قدر القوة‪ ،‬فمنهم كالسد في‬
‫شدة السورة )‪ (4‬ومنهم كالذئب في الغارة والنهبة‪ ،‬ومنهم كالكلب في‬
‫الهرير والبصبصة‪ ،‬ومنهم كالثعلب في الحيلة والسرقة‪ ،‬فالطرق واحدة‬
‫والقلوب مختلفة‪ .‬فلو أنك أيها الملك في عظيم ما أنت فيه من ملكك‪ ،‬وكثرة‬
‫من تبعك من أهلك وجنودك وحاشيتك وأهل طاعتك‪ ،‬نظرت في أمرك‬
‫عرفت أنك وحيد فريد‪ ،‬ليس معك أحد من جميع أهل الرض‪ ،‬وذلك أنك قد‬
‫عرفت أن عامة المم‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " الفجرة مكان البررة "‪ (2) .‬الجدب‪ :‬القحط‪ ،‬مقابل الخصب‪.‬‬
‫)‪ (3‬الضارى من الكلب ما لهج بالصيد وتعود أكله‪ (4) .‬السورة‪ :‬الحدة‪.‬‬

‫]‪[389‬‬

‫عدو لك‪ ،‬وأن هذه المة التي اوتيت الملك عليها كثيرة الحسد )‪ (1‬من أهل العداوة‬
‫والغش لك الذين هم أشد عداوة لك من السباع الضارية‪ ،‬وأشد حنقا عليك‬
‫من كل المم الغريبة‪ ،‬وإذا صرت إلى أهل طاعتك ومعرفتك وقرابتك وجدت‬
‫لهم قوما يعملون عمل بأجر معلوم‪ ،‬يحرصون مع ذلك أن ينقصوك من‬
‫العمل فيزدادوك من الجر‪ ،‬وإذا صرت إلى أهل خاصتك وقرابتك صرت إلى‬
‫قوم جعلت كدك وكدحك )‪ (2‬ومهنأك وكسبك لهم‪ ،‬فأنت تؤدي إليهم كل يوم‬
‫الضريبة‪ ،‬وليس كلهم وإن وزعت بينهم جميع كدك عنك براض فإن أنت‬
‫حبست عنهم ذلك فليس منهم البتة براض‪ ،‬أفل ترى أنك أيها الملك وحيد‬
‫ل أهل لك ول مال‪ .‬فأما أنا فإن لي أهل ومال وإخوانا وأخواتا وأولياء‪ ،‬ل‬
‫يأكلوني‪ ،‬ول يأكلون بي‪ ،‬يحبوني واحبهم‪ ،‬فل يفقد الحب بيننا‪ ،‬ينصحوني‬
‫وأنصحهم فل غش بيننا‪ ،‬ويصدقوني واصدقهم فل تكاذب بيننا‪ ،‬ويوالوني‬
‫واواليهم فل عداوة بيننا‪ ،‬ينصروني وأنصرهم فل تخاذل بيننا‪ ،‬يطلبون‬
‫الخير الذي إن طلبته معهم لم يخافوا أن أغلبهم عليه أو أستأثر به دونهم‪،‬‬
‫فل فساد بيننا ول تحاسد‪ ،‬يعملون لي وأعمل لهم باجور ل تنفد ول يزال‬
‫العمل قائما بيننا‪ ،‬هم هداتي إن ضللت‪ ،‬ونور بصري إن عميت‪ ،‬وحصني‬
‫إن اتيت‪ ،‬ومجني أن رميت )‪ (3‬وأعواني إذا فزعت‪ ،‬وقد تنزهنا عن‬
‫البيوت والمخاني )‪ (4‬فل يزيدها وتركنا الذخاير والمكاسب لهل الدنيا فل‬
‫تكاثر بيننا‪ ،‬ول تباغى‪ ،‬ول تباغض‪ ،‬ول تفاسد‪ ،‬ول تحاسد‪ ،‬ول تقاطع‪،‬‬
‫فهؤلء أهلي أيها الملك وإخواني وأقربائي وأحبائي‪ ،‬أحببتهم وانقطعت‬
‫إليهم‪ ،‬وتركت الذين كنت أنظر إليهم بالعين المسحورة لما عرفتهم‪،‬‬
‫والتمست السلمة منهم‪.‬‬
‫)‪ (1‬في بعض النسخ " الحشد " وهو الجماعة‪ (2) .‬الكد‪ :‬السعي والجد‪ ،‬والكدح‬
‫في العمل‪ :‬المجاهدة فيه‪ (3) .‬المجن‪ :‬الترس وكل ما وقى من السلح‪) .‬‬
‫‪ (4‬لعله جمع خان وهو الحانوت والفندق‪ .‬وفى بعض النسخ " المخابى‬
‫"‪.‬‬

‫]‪[390‬‬

‫فهذه الدنيا أيها الملك التي أخبرتك أنها ل شئ فهذا نسبها وحسبها ومسيرها إلى‬
‫ما قد سمعت‪ ،‬قد رفضتها لما عرفتها‪ ،‬وأبصرت المر الذي هو الشئ فإن‬
‫كنت تحب أيها الملك أن أصف لك ما أعرف عن أمر الخرة التي هي الشئ‬
‫فاستعد إلى السماع‪ ،‬تسمع غير ما كنت تسمع به من الشياء‪ .‬فلم يزده‬
‫الملك عليه إل أن قال له‪ :‬كذبت لم تصب شيئا‪ ،‬ولم تظفر إل بالشقاء‬
‫والعناء‪ ،‬فاخرج ول تقيمن في شئ من مملكتي‪ ،‬فإنك فاسد مفسد‪ .‬وولد‬
‫للملك في تلك اليام بعد إياسه من الذكور غلم لم ير الناس مولودا مثله قط‬
‫حسنا وجمال وضياء‪ ،‬فبلغ السرور من الملك مبلغا عظيما كاد يشرف منه‬
‫على هلك نفسه من الفرح‪ ،‬وزعم أن الوثان التي كان يعبدها هي التي‬
‫وهبت له الغلم‪ ،‬فقسم عامة ما كان في بيوت أمواله على بيوت أوثانه‪،‬‬
‫وأمر الناس بالكل والشرب سنة وسمى الغلم يوذاسف‪ ،‬وجمع العلماء‬
‫والمنجمين لتقويم ميلده‪ ،‬فرفع المنجمون إليه أنهم يجدون الغلم يبلغ من‬
‫الشرف والمنزلة مال يبلغه أحد قط في أرض الهند‪ ،‬واتفقوا على ذلك‬
‫جميعا‪ ،‬غير أن رجل قال‪ :‬ما أظن الشرف والمنزلة والفضل الذي وجدناه‬
‫يبلغه هذا الغلم إل شرف الخرة ول أحسبه إل أن يكون إماما في الدين‬
‫والنسك وذا فضيلة في درجات الخرة لني أرى الشرف الذي تبلغه ليس‬
‫يشبه شيئا من شرف الدنيا وهو شبيه بشرف الخرة‪ .‬فوقع ذلك القول من‬
‫الملك موقعا كاد أن ينغصه سروره بالغلم‪ ،‬وكان المنجم الذي أخبره بذلك‬
‫من أوثق المنجمين في نفسه وأعلمهم وأصدقهم عنده‪ ،‬وأمر الملك للغلم‬
‫بمدينة فأخلها وتخير له من الظؤرة )‪ (1‬والخدم كل ثقة وتقدم إليهم أن ل‬
‫يذكر فيما بينهم موت ول آخرة ول حزن ول مرض ول فناء حتى تعتاد ذلك‬
‫ألسنتهم وتنساه قلوبهم‪ ،‬وأمرهم إذا بلغ الغلم أن ل ينطقوا عنده بذكر شئ‬
‫مما يتخوفونه عليه خشية أن يقع في قلبه منه شئ فيكون ذلك داعية إلى‬
‫اهتمامه‬

‫)‪ (1‬جمع الظئر‪ :‬المرضعة‪.‬‬

‫]‪[391‬‬
‫بالدين والنسك‪ ،‬وأن يتحفظوا ويتحرزوا من ذلك‪ ،‬ويتفقد بعضهم من بعض‪ ،‬وازداد‬
‫الملك عند ذلك حنقا على النساك مخافة على ابنه‪ .‬وكان لذلك الملك وزير‬
‫قد كفل أمره وحمل عنه مؤونة سلطانه‪ ،‬وكان ل يخونه ول يكذبه ول‬
‫يكتمه‪ ،‬ول يؤثر عليه‪ ،‬ول يتواني في شئ من علمه‪ ،‬ول يضيعه‪ ،‬وكان‬
‫الوزيز مع ذلك رجل لطيفا طلقا معروفا بالخير يحبه الناس ويرضون به‬
‫إل أن أحباء الملك وأقربائه كانوا يحسدونه‪ ،‬ويبغون عليه‪ ،‬ويستثقلون‬
‫بمكانه‪ .‬ثم إن الملك خرج ذات يوم إلى الصيد ومعه ذلك الوزير فأتى به في‬
‫شعب من الشعاب على رجل قد أصابته زمانة شديدة في رجليه‪ ،‬ملقى في‬
‫أصل شجرة ل يستطيع براحا )‪ (1‬فسأله الوزير عن شأنه فأخبره أن‬
‫السباع أصابته‪ ،‬فرق له الوزير فقال له الرجل‪ :‬ضمني إليك واحملني إلى‬
‫منزلك فإنك تجد عندي منفعة فقال الوزير‪ :‬إني لفاعل وإن لم أجد عندك‬
‫منفعة‪ ،‬ولكن يا هذا ما المنفعة التي تعدينها‪ ،‬هل تعمل عمل أو تحسن شيئا‬
‫؟ فقال الرجل‪ :‬نعم أنا أرتق الكلم )‪ (2‬فقال‪ ،‬وكيف ترتق الكلم ؟ قال‪ :‬إذا‬
‫كان فيه فتق أرتقه حتى ل يجيئ من قبله فساد‪ ،‬فلم ير الوزير قوله شيئا‪،‬‬
‫وأمر بحمله إلى منزله وأمر له بما يصلحه حتى إذ كان بعد ذلك احتال‬
‫أحباء الملك للوزير وضربوا له المور ظهرا وبطنا فاجمع رأيهم على أن‬
‫دسوا رجل منهم إلى الملك‪ ،‬فقال له‪ :‬أيها الملك إن هذا الوزير يطمع في‬
‫ملكك أن يغلب عليه عقبك من بعدك فهو يصانع الناس على ذلك‪ ،‬ويعمل‬
‫عليه دائبا‪ ،‬فإن أردت أن تعلم صدق ذلك فأخبره أنه قد بدا لك أن ترفض‬
‫الملك وتلحق بالنساك‪ ،‬فإنك سترى من فرحه بذلك ما تعرف به أمره‪ ،‬وكان‬
‫القوم قد عرفوا من الوزير رقة عند ذكر فناء الدنيا والموت ولينا للنساك‬
‫وحبا لهم فعملوا فيه من الوجه الذي ظنوا أنهم يظفرون بحاجتهم منه‪،‬‬
‫فقال الملك‪ :‬لئن‬

‫)‪ (1‬أي ل يستطيع تحول‪ (2) .‬رتق الفتق‪ :‬أصلحه‪ .‬يقال هو راتق أي مصلح المر‪.‬‬

‫]‪[392‬‬

‫هجمت منه على هذا لم أسأل عما سواه‪ ،‬فلما أن دخل عليه الوزير قال له الملك‪:‬‬
‫إنك قد عرفت حرصي على الدنيا وطلب الملك وإني ذكرت ما مضى من‬
‫ذلك فلم أجد معي منه طائل‪ ،‬وقد عرفت أن الذى بقي منه كالذي مضى فإنه‬
‫يوشك أن ينقضي ذلك كله بأجمعه فل يصير في يدي منه شئ‪ ،‬وأنا اريد أن‬
‫أعمل في حال الخرة عمل قويا على قدر ما كان من عملي في الدنيا وقد‬
‫بدالي أن الحق بالنساك واخلي هذا العمل لهله فما رأيك ؟ قال‪ :‬فرق‬
‫الوزير لذلك رقة شديدة حتى عرف الملك ذلك منه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيها الملك إن‬
‫الباقي وإن كان عزيزا لهل أن يطلب وإن الفاني وإن استمكنت منه لهل‬
‫أن يرفض ونعم الرأي رأيت‪ ،‬وإني لرجو أن يجمع ال لك مع الدنيا شرف‬
‫الخرة‪ ،‬قال‪ :‬فكبر ذلك على الملك ووقع منه كل موقع ولم يبدله شيئا غير‬
‫أن الوزير عرف الثقل في وجهه فانصرف إلى أهله كئيبا حزينا ل يدري‬
‫من أين أتي ول من دهاه )‪ (1‬ول يدري ما دواء الملك فيما استنكر عليه‬
‫فسهر لذلك عامة الليل‪ ،‬ثم ذكر الرجل الذي زعم أنه يرتق الكلم فأرسل‬
‫إليه فاتي به فقال له‪ :‬إنك كنت ذكرت لي ذكرا من رتق الكلم فقال الرجل‬
‫أجل فهل احتجت إلى شئ من ذلك ؟ فقال الوزير‪ :‬نعم اخبرك أني صحبت‬
‫هذا الملك قبل ملكه ومنذ صار ملكا فلم أستنكره فيما بيني وبينه قط لما‬
‫يعرفه من نصيحتي وشفقتي وإيثاري إياه على نفسي وعلى جميع الناس‪،‬‬
‫حتى إذا كان هذا اليوم استنكرته استنكارا شديدا ل أظن خيرا عنده بعده‪،‬‬
‫فقال له الراتق‪ :‬هل لذلك سبب أو علة‪ ،‬قال الوزير‪ :‬نعم دعاني أمس وقال‬
‫لي كذا وكذا فقلت له كذا وكذا‪ ،‬فقال‪ :‬من ههنا جاء الفتق وأنا أرتقه إن‬
‫شاء ال‪ .‬إعلم أن الملك قد ظن أنك تحب أن ينجلي هو عن ملكه وتخلفه‬
‫أنت فيه فإذا كان عند الصبح فاطرح عنك ثيابك وحليتك وألبس أوضع ما‬
‫تجده من ذي النساك واشهره ثم احلق رأسك وامض على وجهك إلى باب‬
‫الملك فإن الملك سيدعو بك ويسألك عن الذي صنعت فقل له‪ :‬هذا الذي‬
‫دعوتني إليه ول‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " ما دهاه "‪.‬‬

‫]‪[393‬‬

‫ينبغي لحد أن يشير على صاحبه بشئ إل واساه فيه وصبر عليه‪ ،‬وما أظن الذي‬
‫دعوتني إليه إل خيرا مما نحن فيه‪ ،‬فقم إذا بدا لك‪ ،‬ففعل الوزير ذلك فتخلى‬
‫عن نفس الملك ما كان فيها عليه‪ .‬ثم أمر الملك بنفي النساك من جميع‬
‫بلده وتوعدهم بالقتل‪ ،‬فجدوا في الهرب والستخفاء‪ ،‬ثم إن الملك خرج‬
‫ذات يوم متصيدا فوقع بصره على شخصين من بعيد فأرسل إليهما فاتي‬
‫بهما فإذا هما ناسكان فقال لهما‪ :‬ما بالكما لن تخرجا من بلدي قال‪ :‬قد‬
‫أتتنا رسلك ونحن على سبيل الخروج‪ ،‬قال‪ :‬ولم خرجتما راجلين‪ ،‬قال‪ :‬لنا‬
‫قوم ضعفاء ليس لنا دواب ول زاد ول نستطيع الخروج إل بالتقصير‪ ،‬قال‬
‫الملك‪ :‬إن من خاف الموت أسرع بغير دابة‪ ،‬ول زاد فقال له‪ :‬إنا ل نخاف‬
‫الموت بل ل ننظر قرة عين في شئ من الشياء إل فيه‪ .‬قال الملك‪ :‬وكيف‬
‫ل تخافان الموت وقد زعمتما أن رسلنا لما أتتكم وأنتم على سبيل الخروج‬
‫أفليس هذا هو الهرب من الموت ؟ قال‪ :‬إن الهرب من الموت ليس من‬
‫الفرق )‪ (1‬فل تظن أنا فرقناك ولكنا هربنا من أن يعينك على أنفسنا‪،‬‬
‫فأسف الملك وأمر بهما أن يحرقا بالنار‪ ،‬وأذن في أهل مملكته بأخذ النساك‬
‫وتحريقهم بالنار فتجرد رؤساء عبدة الوثان في طلبهم وأخذوا منهم بشرا‬
‫كثيرا وأحرقوهم بالنار‪ ،‬فمن ثم صار التحريق سنة باقية في أرض الهند‪،‬‬
‫وبقي في جميع تلك الرض قوم قليل من النساك كرهوا الخروج من البلد‪،‬‬
‫واختاروا الغيبة والستخفاء ليكونوا دعاة وهداة لمن وصلوا إلى كلمه‪.‬‬
‫فنبت ابن الملك أحسن نبات في جمسه وعقله وعلمه ورأيه‪ ،‬ولكنه لم‬
‫يؤخذ بشئ من الداب إل بما يحتاج إليه الملوك مما ليس فيه ذكر موت ول‬
‫زوال ول فناء واوتى الغلم من العلم والحفظ شيئا كان عند الناس من‬
‫العجائب‪ ،‬وكان أبوه ل يدري أيفرح بما اوتي ابنه من ذلك أو يحزن له لما‬
‫يتخوف عليه أن يدعوه ذلك إلى ما قيل فيه‪ .‬فلما فطن الغلم بحصرهم إياه‬
‫في المدينة ومنعهم إياه من الخروج والنظر والستماع وتحفظهم عليه‬
‫ارتاب لذلك وسكت عنه وقال في نفسه هؤلء أعلم بما‬

‫)‪ (1‬الفرق ‪ -‬محركة ‪ :-‬الخوف‪.‬‬

‫]‪[394‬‬

‫يصلحني مني حتى إذا ازداد بالسن والتجربة علما قال‪ :‬ما أرى لهؤلء علي فضل‬
‫وما أنا بحقيق أن اقلدهم أمري‪ ،‬فأراد أن يكلم أباه إذا دخل عليه ويسأله‬
‫عن سبب حصره إياه‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما هذا المر إل من قبله وما كان ليطلعني‬
‫عليه ولكني حقيق أن ألتمس علم ذلك من حيث أرجو إدراكه‪ ،‬وكان في‬
‫خدمه رجل كان ألطفهم به وأرأفهم به‪ ،‬وكان الغلم إليه مستأنسا فطمع‬
‫الغلم في إصابة الخبر من قبل ذلك الرجل فازداد له ملطفة وبه استيناسا‪،‬‬
‫ثم إن الغلم واضعه الكلم في بعض الليل باللين وأخبره أنه بمنزلة والده‬
‫وأولى الناس به‪ ،‬ثم أخذه بالترغيب والترهيب وقال له‪ :‬إني لظن هذا‬
‫الملك سائر لي بعد والدي وأنت فيه سائر أحد رجلين إما أعظم الناس فيه‬
‫منزلة وإما أسوء الناس حال‪ ،‬قال له الحاضن )‪ (1‬وبأي شئ أتخوف في‬
‫ملكك سوء الحال قال‪ :‬بأن تكتمني اليوم أمرا أفهمه غدا من غيرك‪ ،‬فأنتقم‬
‫منك بأشد ما أقدر عليك‪ ،‬فعرف الحاضن منه الصدق وطمع منه في الوفاء‬
‫فأفشى إليه خبره‪ ،‬والذي قال المنجمون لبيه‪ ،‬والذي حذر أبوه من ذلك‪،‬‬
‫فشكر له الغلم ذلك وأطبق عليه حتى إذا دخل عليه أبوه‪ .‬قال‪ :‬يا أبه إني‬
‫وإن كنت صبيا فقد رأيت في نفسي واختلف حالي أذكر من ذلك ما أذكر‬
‫وأعرف بمال أذكر منه ما أعرف وأنا أعرف أني لم أكن على هذا المثال‬
‫وأنك لم تكن على هذه الحال‪ ،‬ول أنت كائن عليها إلى البد وسيغيرك الدهر‬
‫عن حالك هذه‪ ،‬فلئن كنت أردت أن تخفي عني أمر الزوال فما خفي علي‬
‫ذلك‪ ،‬ولئن كنت حبستني عن الخروج وحلت بيني وبين الناس لكيل تتوق‬
‫نفسي إلى غير ما أنا فيه لقد تركتني بحصرك إياي‪ ،‬وإن نفسي لقلقة مما‬
‫تحول بيني وبينه حتى مالي هم غيره‪ ،‬ول أردت سواه‪ ،‬حتى ل يطمئن‬
‫قلبي إلى شئ مما أنا فيه ول أنتفع به ول آلفه‪ ،‬فخل عني وأعلمني بما‬
‫تكره من ذلك وتحذره حتى أجتنبه وأوثر موافقتك ورضاك على ما‬
‫سواهما‪.‬‬

‫)‪ (1‬الحاضن فاعل من حضنه أي جعله في حضنه والحضن ما دون البط إلى‬
‫الكشح أو الصدر والعضدان وما بينهما أي الحافظ والمؤدب‪.‬‬

‫]‪[395‬‬

‫فلما سمع الملك ذلك من ابنه على أنه قد علم ما الذي يكرهه وأنه من حبسه‬
‫وحصره ل يزيده إل إغراء وحرصا على ما يحال بينه وبينه‪ ،‬فقال‪ :‬يا بني‬
‫ما أردت بحصري إياك إل أن انحي عنك الذى‪ ،‬فل ترى إل ما يوافقك ول‬
‫تسمع إل ما يسرك‪ ،‬فأما إذا كان هواك في غير ذلك فإن آثر الشياء عندي‬
‫ما رضيت وهويت‪ .‬ثم أمر الملك أصحابه أن يركبوه في أحسن زينة وأن‬
‫ينحوا عن طريقه كل منظر قبيح‪ ،‬وأن يعدوا له المعازف والملهي ففعلوا‬
‫ذلك‪ ،‬فجعل بعد ركبته تلك يكثر الركوب‪ ،‬فمر ذات يوم على طريق قد غفلوا‬
‫عنه فأتى على رجلين من السؤال )‪ (1‬أحدهما قد تورم وذهب لحمه‪،‬‬
‫واصفر جلده‪ ،‬وذهب ماء وجهه‪ ،‬وسمج منظره‪ ،‬والخر أعمى يقوده قائد‪،‬‬
‫فلما رأى ذلك اقشعر منهما وسأل عنهما فقيل له‪ :‬إن هذا المورم من سقم‬
‫باطن‪ ،‬وهذا العمى من زمانة‪ ،‬فقال ابن الملك‪ :‬وإن هذا البلء ليصيب‬
‫غير واحد ؟ قالوا‪ :‬نعم فقال‪ :‬هل يأمن أحد من نفسه أن يصيبه مثل هذا ؟‬
‫قالوا‪ :‬ل‪ ،‬وانصرف يومئذ مهموما ثقيل محزونا باكيا مستخفا بما هو فيه‬
‫من ملكه وملك أبيه فلبث بذلك أياما‪ .‬ثم ركب ركبة فأتى في مسيره على‬
‫شيخ كبير قد انحنى من الكبر‪ ،‬وتبدل خلقه‪ ،‬وابيض شعره‪ ،‬واسود لونه‪،‬‬
‫وتقلص جلده )‪ ،(2‬وقصر خطوه فعجب منه وسأل عنه‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا الهرم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬وفي كم يبلغ الرجل ما أرى ؟ قالوا‪ :‬في مائة سنة أو نحو ذلك‪،‬‬
‫وقال‪ :‬فما وراء ذلك ؟ قالوا‪ :‬الموت‪ ،‬قال‪ :‬فما يخلى بين الرجل وبين ما‬
‫يريد من المدة ؟ قالوا‪ :‬ل وليصيرن إلى هذا في قليل من اليام‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫الشهر ثلثون يوما والسنة اثنا عشر شهرا وانقضاء العمر مائة سنة فما‬
‫أسرع اليوم في الشهر‪ ،‬وما أسرع الشهر في السنة‪ ،‬وما أسرع السنة في‬
‫العمر فانصرف الغلم‪ ،‬وهذا كلمه يبديه ويعيده مكررا له‪.‬‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " فأتى عليه رجلن من السؤال "‪ (2) .‬تقلص أي انضم‬
‫وانزوى‪.‬‬
‫]‪[396‬‬

‫ثم سهر ليلته كلها وكان له قلب حي ذكي وعقل ل يستطيع معه نسيانا ول غفلة‪،‬‬
‫فعله الحزن والهتمام فانصرف نفسه عن الدنيا وشهواتها وكان في ذلك‬
‫يداري أباه ويتلطف عنده وهو مع ذلك قد أصغى بسمعه إلى كل متكلم‬
‫بكلمة طمع أن يسمع شيئا يدله على غير ما هو فيه‪ ،‬وخل بحاضنه الذي‬
‫كان أفضى إليه بسره‪ ،‬فقال له‪ :‬هل تعرف من الناس أحدا شأنه غير شأننا‪،‬‬
‫قال‪ :‬نعم قد كان قوم يقال لهم‪ :‬النساك‪ ،‬رفضوا الدنيا وطلبوا الخرة‪ ،‬ولهم‬
‫كلم‪ ،‬وعلم ل يدرى ما هو‪ ،‬غير أن الناس عادوهم وأبغضوهم وحرقوهم‬
‫ونفاهم الملك عن هذه الرض‪ ،‬فل يعلم اليوم ببلدنا منهم أحد فإنهم قد‬
‫غيبوا أشخاصهم ينتظرون الفرج‪ ،‬وهذه سنة في أولياء ال قديمة‬
‫يتعاطونها في دول الباطل‪ ،‬فاغتص لذلك الخبر فؤاده‪ ،‬وطال به اهتمامه‪،‬‬
‫وصار كالرجل الملتمس ضالته التي ل بدله منها‪ ،‬وذاع خبره في آفاق‬
‫الرض وشهر بتفكره وجماله وكماله وفهمه وعقله وزهادته في الدنيا‬
‫وهوانها عليه‪ .‬فبلغ ذلك رجل من النساك يقال له‪ :‬بلوهر‪ ،‬بأرض يقال لها‪:‬‬
‫سرانديب‪ ،‬وكان رجل ناسكا حكيما فركب البحر حتى أتى أرض سولبط‪،‬‬
‫ثم عمد إلى باب ابن الملك فلزمه وطرح عنه زي النساك ولبس زي التجار‬
‫وتردد إلى باب ابن الملك حتى عرف الهل والحباء والداخلين إليه‪ ،‬فلما‬
‫استبان له لطف الحاضن بابن الملك‪ ،‬وحسن منزلته منه أطاف به بلوهر‬
‫حتى أصاب منه خلوة‪ ،‬فقال له‪ :‬إني رجل من تجار سرانديب‪ ،‬قدمت منذ‬
‫أيام‪ ،‬ومعي سلعة عظيمة نفيسة الثمن‪ ،‬عظيمة القدر‪ ،‬فأردت الثقة لنفسي‬
‫فعليك وقع اختياري‪ ،‬وسلعتي خير من الكبريت الحمر‪ ،‬وهي تبصر‬
‫العميان‪ ،‬وتسمع الصم‪ ،‬وتداوي من السقام‪ ،‬وتقوي من الضعف‪ ،‬وتعصم‬
‫من الجنون‪ ،‬وتنصر على العدو‪ ،‬ولم أر بهذا أحدا هو أحق بها من هذا‬
‫الفتى فإن رأيت أن تذكر له ذلك ذكرته فان كان له فيها حاجة ادخلتني‬
‫عليه‪ ،‬فإنه لم يخف عنه فضل سلعتي لو قد نظر إليها‪ ،‬قال الحاضن‪:‬‬
‫للحكيم إنك لتقول شيئا ما سمعنا به من أحد قبلك ول أرى بك بأسا وما‬
‫مثلي يذكر مال يدري به ما هو‪ ،‬فأعرض علي سلعتك أنظر إليها فإن رأيت‬
‫شيئا ينبغي لي أن أذكره ذكرته‪ ،‬قال له‬

‫]‪[397‬‬

‫بلوهر‪ :‬إني رجل طبيب وإني لرى في بصرك ضعفا فأخاف إن نظرت إلى سلعتي‬
‫أن يلتمع بصرك‪ ،‬ولكن ابن الملك صحيح البصر حدث السن ولست أخاف‬
‫عليه أن ينظر إلى سلعتي فإن رأى ما يعجبه كانت له مبذولة على ما يحب‪،‬‬
‫وإن كان غير ذلك لم تدخل عليه مؤونة ول منقصة‪ ،‬وهذا أمر عظيم ل‬
‫يسعك أن تحرمه إياه أو تطويه دونه‪ ،‬فانطلق الحاضن إلى ابن الملك‬
‫فأخبره خبر الرجل فحس قلب ابن الملك بأنه قد وجد حاجته‪ ،‬فقال‪ :‬عجل‬
‫إدخال الرجل علي ليل وليكن ذلك في سر وكتمان‪ ،‬فإنه مثل هذا ل يتهاون‬
‫به‪ .‬فأمر الحاضن بلوهر بالتهيئ للدخول عليه‪ ،‬فحمل معه سفطا فيه كتب‬
‫له‪ ،‬فقال الحاضن‪ :‬ما هذا السفط ؟ قال بلوهر‪ :‬في هذا السفط سلعتي فإذا‬
‫شئت فأدخلني عليه فانطلق به حتى أدخله عليه فلما دخل عليه بلوهر سلم‬
‫عليه وحياه وأحسن ابن الملك إجابته‪ ،‬وانصرف الحاضن‪ ،‬وقعد الحكيم‬
‫عند الملك فأول ما قال له بلوهر‪ :‬رأيتك يا ابن الملك زدتني في التحية على‬
‫ما تصنع بغلمانك وأشراف أهل بلدك ؟ قال ابن الملك‪ :‬ذلك لعظيم ما‬
‫رجوت عندك‪ ،‬قال بلوهر‪ :‬لئن فعلت ذلك بي فقد كان رجل من الملوك في‬
‫بعض الفاق يعرف بالخير ويرجى فبينا هو يسير يوما في موكبه إذ عرض‬
‫له في مسيره رجلن ماشيان‪ ،‬لباسهما الخلقان‪ ،‬وعليهما أثر البؤس‬
‫والضر‪ ،‬فلما نظر إليهما الملك لم يتمالك أن وقع على الرض فحياهما‬
‫وصافحهما‪ ،‬فلما رأى ذلك وزراؤه اشتد جزعهم مما صنع الملك فأتوا أخا‬
‫له وكان جريا عليه فقالوا‪ :‬إن الملك أزرى بنفسه‪ ،‬وفضح أهل مملكته‪،‬‬
‫وخر عن دابته لنسانين دنيين‪ ،‬فعاتبه على ذلك كيل يعود‪ ،‬ولمه على ما‬
‫صنع‪ ،‬ففعل ذلك أخ الملك فأجابه الملك بجواب ل يدري ما حاله فيه أساخط‬
‫عليه الملك أم راض عنه‪ ،‬فانصرف إلى منزله حتى إذا كان بعد أيام أمر‬
‫الملك مناديا وكان يسمى منادي الموت فنادى في فناء داره‪ ،‬وكانت تلك‬
‫سنتهم فيمن أرادوا قتله‪ ،‬فقامت النوائح والنوادب في دار أخ الملك ولبس‬
‫ثياب الموتى وانتهى إلى باب الملك وهو يبكي بكاء شديدا ونتف شعره‪،‬‬
‫فلما بلغ ذلك الملك دعا به‪ ،‬فلما أذن له الملك دخل‬

‫]‪[398‬‬

‫عليه ووقع على الرض ونادى بالويل والثبور ورفع يده بالتضرع فقال له الملك‪:‬‬
‫اقترب أيها السفيه أنت تجزع من مناد نادى من بابك بأمر مخلوق وليس‬
‫بأمر خالق‪ ،‬وأنا أخوك وقد تعلم أنه ليس لك إلي ذنب أقتلك عليه‪ ،‬ثم أنتم‬
‫تلومونني على وقوعي إلى الرض حين نظرت إلى منادي ربي إلي وأنا‬
‫أعرف منكم بذنوني‪ ،‬فاذهب فإني قد علمت أنه إنما استغرك وزرائي‬
‫وسيعلمون خطأهم‪ .‬ثم أمر الملك بأربعه توابيت فصنعت له من خشب فطل‬
‫تابوتين منها بالذهب وتابوتين بالقار‪ ،‬فلما فرغ منها مل تابوتي القار ذهبا‬
‫وياقوتا وزبر جدا ومل تابوتي الذهب جيفا ودما وعذرة وشعرا‪ ،‬ثم جمع‬
‫الوزراء والشراف الذين ظن أنهم أنكروا صنيعه بالرجلين الضعيفين‬
‫الناسكين فعرض عليهم التوابيت الربعة وأمرهم بتقويمها‪ ،‬فقالوا‪ :‬أما في‬
‫ظاهر المر وما رأينا ومبلغ علمنا فإن تابوتي الذهب لثمن لهما لفضلهما‬
‫وتابوتي القار ل ثمن لهما لرذالتهما‪ ،‬فقال الملك‪ :‬أجل هذا لعلمكم بالشياء‬
‫ومبلغ رأيكم فيها‪ ،‬ثم أمر بتابوتي القار فنزعت عنهما صفايحهما فأضاء‬
‫البيت بما فيها من الجواهر فقال‪ :‬هذا مثل الرجلين الذين ازدريتم لباسهما‬
‫وظاهرهما وهما مملو ان علما وحكمة وصدقا وبرا وسائر مناقب الخير‬
‫الذي هو أفضل من الياقوت واللؤلؤ والجوهر والذهب‪ .‬ثم أمر بتابوتي‬
‫الذهب فنزع عنهما أبوابهما فاقشعر القوم من سوء منظرهما وتاذوا‬
‫بريحهما ونتنهما‪ ،‬فقال الملك وهذان مثل القوم المتزينين بظاهر الكسوة‬
‫واللباس وأجوافهما مملوة جهالة وعمى وكذبا وجورا وسائر أنواع الشر‬
‫التي هي أفضع وأشنع وأقذر من الجيف‪ .‬قال القوم‪ :‬قد فقهنا واتعظنا أيها‬
‫الملك‪ .‬ثم قال بلوهر‪ :‬هذا مثلك يا ابن الملك فيما تلقيتني به من التحية‬
‫والبشر فانتصب يوذاسف ابن الملك وكان متكئا‪ ،‬ثم قال‪ :‬زذني مثل قال‬
‫الحكيم‪ :‬إن الزارع خرج ببذره الطيب ليبذره‪ ،‬فلما مل كفه ونثره وقع‬
‫بعضه على حافة الطريق فلم يلبثان أن التقطه الطير ووقع بعضه على‬
‫صفاة قد أصابها ندى وطين‪،‬‬

‫]‪[399‬‬

‫فمكث حتى اهتز‪ .‬فلما صارت عروقه إلى يبس الصفاة مات ويبس‪ ،‬ووقع بعضه‬
‫بأرض ذات شوك فنبت حتى سنبل‪ ،‬وكاد أن يثمر فمنعه الشوك فأبطله‪،‬‬
‫وأما ما كان منه وقع في الرض الطيبة وإن كان قليل فإنه سلم وطاب‬
‫وزكى‪ ،‬فالزارع حامل الحكمة‪ ،‬وأما البذر ففنون الكلم‪ ،‬وأما ما وقع منه‬
‫على حافة الطريق فالتقطه الطير فمال يجاوز السمع منه حتى يمر صفحا‪،‬‬
‫وأما ما وقع على الصخرة في الندى فيبس حين بلغت عروقه الصفاة فما‬
‫استحله صاحبه حتى سمعه بفراغ قلبه وعرفه بفهمه ولم يفقه بحصافة‬
‫وليته‪ ،‬وأما ما نبت منه وكاد أن يثمر فمنعه الشوك فأهلكه فما وعاه‬
‫صاحبه حتى إذا كان عند العمل به حفته الشهوات فأهلكته‪ ،‬وأما ما زكي‬
‫وطاب وسلم منه وانتفع به رآه البصر ووعاه الحفظ‪ ،‬وأنفذه العزم بقمع‬
‫الشهوات وتطهير القلوب من دنسها‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬إني أرجو أن يكون ما‬
‫تبذره أيها الحكيم ما يزكو ويسلم ويطيب فاضرب لي مثل الدنيا وغرور‬
‫أهلها بها‪ .‬قال بلوهر‪ :‬بلغنا أن رجل حمل عليه فيل مغتلم )‪ (1‬فانطلق‬
‫موليا هاربا وأتبعه الفيل حتى غشيه فاضطره إلى بئر فتدلى فيها وتعلق‬
‫بغصنين نابتين على شفير البئر ووقعت قدماه على رؤوس حيات‪ ،‬فلما‬
‫تبين له الغصنين فإذا في أصلهما جرذان يقرضان الغصنين أحدهما أبيض‬
‫والخر أسود‪ ،‬فلما نظر إلى تحت قدميه‪ ،‬فإذا رؤس أربع أفاع قد طلعن من‬
‫جحرهن‪ ،‬فلما نظر إلى قعر البئر إذا بتنين فاغرفاه )‪ (2‬نحوه يريد التقامه‪،‬‬
‫فلما رفع رأسه إلى أعل الغصنين إذا عليهما شئ من عسل النحل فتطعم‬
‫من ذلك العسل فألهاه ما طعم منه‪ ،‬وما نال من لذة العسل وحلوته عن‬
‫الفكر في أمر الفاعي اللواتي ل يدري متى يبادرنه وألهاه عن التنين الذي‬
‫ل يدري كيف مصيره بعد وقوعه في لهواته‪ .‬أما البئر فالدنيا مملوة آفات‬
‫وبليا وشرور‪ ،‬وأما الغصنان فالعمر‪ ،‬وأما‬

‫)‪ (1‬أي شديد الشهوة يعنى فيل مست‪ ،‬اغتلم الشراب‪ :‬اشتدت سورته‪ (2) .‬الفاغر‬
‫الفاتح فاه‪.‬‬

‫]‪[400‬‬

‫الجرذان فالليل والنهار يسرعان في الجل‪ ،‬وأما الفاعي الربعة فالخلط الربعة‬
‫التي هي السموم القاتلة من المرة والبلغم والريح والدم التي ل يدري‬
‫صاحبها متى تهيج به‪ ،‬وأما التنين الفاغرفاه ليلتقمه فالموت الراصد‬
‫الطالب‪ ،‬وأما العسل الذي اغتر به المغرور فما ينال الناس من لذة الدنيا‬
‫وشهواتها ونعيمها ودعتها من لذة المطعم والمشرب والشم واللمس‬
‫والسمع والبصر‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬إن هذا المثل عجيب وأن هذا التشبيه‬
‫حق‪ ،‬فزدني مثل للدنيا وصاحبها المغرور بها المتهاون بما ينفعه فيها ؟‬
‫قال بلوهر‪ ،‬زعموا أن رجل كان له ثلثة قرناء‪ ،‬وكان قد آثر أحدهم على‬
‫الناس جميعا‪ ،‬ويركب الهوال والخطار بسببه ويغرر بنفسه له‪ ،‬ويشغل‬
‫ليله ونهاره في حاجته‪ ،‬وكان القرين الثاني دون الول منزلة وهو على‬
‫ذلك حبيب إليه مشفق عنده‪ ،‬ويكرمه ويلطفه ويخدمه ويطيعه ويبذل له‬
‫ول يغفل عنه‪ ،‬وكان القرين الثالث محقورا مستثقل‪ ،‬ليس له من وده‬
‫وماله إل أقله حتى إذا نزل بالرجل المر الذي يحتاج فيه إلى قرنائه‬
‫الثلثة‪ ،‬فأتاه جلوزة الملك ليذهبوا به ففزع إلى قرينه الول فقال له‪ :‬قد‬
‫عرفت إيثاري إياك وبذل نفسي لك‪ ،‬وهذا اليوم يوم حاجتي إليك فماذا‬
‫عندك ؟ قال‪ :‬ما أنا لك بصاحب وإن لي أصحابا يشغلوني عنك‪ ،‬هم اليوم‬
‫أولى بي منك ولكن لعلي ازودك ثوبين لتنتفع بهما‪ .‬ثم فزع إلى قرينه‬
‫الثاني ذي المحبة واللطف‪ ،‬فقال له‪ :‬قد عرفت كرامتي إياك ولطفي بك‬
‫وحرصي على مسرتك‪ ،‬وهذا يوم حاجتي إليك فماذا عندك ؟ فقال‪ :‬إن أمر‬
‫نفسي يشغلني عنك وعن أمرك‪ ،‬فاعمد لشأنك‪ ،‬واعلم أنه قد انقطع الذي‬
‫بيني وبينك وأن طريقي غير طريقك إل أني لعلي أخطو معك خطوات‬
‫يسيرة ل تنتفع بها‪ ،‬ثم أنصرف إلى ما هو أهم إلي منك‪ .‬ثم فزع إلى قرينه‬
‫الثالث الذي كان يحقره ويعصيه ول يلتفت إليه أيام رخائه فقال له‪ :‬إني‬
‫منك لمستح ولكن الحاجة اضطرتني إليك فماذا لي عندك ؟ قال‪:‬‬

‫]‪[401‬‬
‫لك عندي المواساة‪ ،‬والمحافظة عليك‪ ،‬وقلة الغفلة عنك‪ ،‬فابشر وقر عينا فإني‬
‫صاحبك الذي ل يخذلك ول يسلمك‪ ،‬فل يهمك قلة ما أسلفتني واصطنعت‬
‫إلي‪ ،‬فإني قد كنت أحفظ لك ذلك وأوفره عليك كله‪ ،‬ثم لم أرض لك بعد ذلك‬
‫به حتى اتجرت لك به فربحت أرباحا كثيرة‪ ،‬فلك اليوم عندي من ذلك‬
‫أضعاف ما وضعت عندي منه فأبشر‪ ،‬وإني أرجو أن يكون في ذلك رضي‬
‫الملك عنك اليوم وفرجا مما أنت فيه‪ .‬فقال الرجل عند ذلك‪ :‬ما أدري على‬
‫أي المرين أنا أشد حسرة عليه على ما فرطت في القرين الصالح أم على‬
‫ما اجتهدت فيه من المحبة لقرين السوء ؟‪ .‬قال بلوهر‪ :‬فالقرين الول هو‬
‫المال والقرين الثاني هو الهل والولد‪ ،‬والقرين الثالث هو العمل الصالح‪.‬‬
‫قال ابن الملك‪ :‬إن هذا هو الحق المبين فزدني مثل للدنيا وغرورها و‬
‫صاحبها المغرور بها‪ ،‬المطمئن إليها‪ .‬قال بلوهر‪ :‬كان أهل مدينة يأتون‬
‫الرجل الغريب الجاهل بأمرهم فيملكونه عليهم سنة فل يشك أن ملكه دائم‬
‫عليهم لجهالته بهم فإذا انقضت السنة أخرجوه من مدينتهم عريانا مجردا‬
‫سليبا‪ ،‬فيقع في بلء وشقاء لم يحدث به نفسه‪ ،‬فصار ما مضى عليه من‬
‫ملكه وبال وحزنا ومصيبة وأذى‪ ،‬ثم إن أهل المدينة أخذوا رجل آخر‬
‫فملكوه عليهم فلما رأى الرجل غربته فيهم لم يستأنس بهم وطلب رجل من‬
‫أهل أرضه خبيرا بأمرهم حتى وجده فأفضى إليه بسر القوم وأشار إليه أن‬
‫ينظر إلى الموال التي في يديه فيخرج منها ما استطاع الول فالول حتى‬
‫يحرزه في المكان الذي يخرجونه إليه فإذا أخرجه القوم صار إلى الكفاية‬
‫والسعة بما قدم وأحرز‪ ،‬ففعل ما قال له الرجل ولم يضيع وصيته‪ .‬قال‬
‫بلوهر‪ :‬وإني لرجو أن تكون ذلك الرجل يا ابن الملك الذي لم يستأنس‬
‫بالغرباء ولم يغتر بالسلطان‪ ،‬وأنا الرجل الذي طلبت ولك عندي الدللة‬
‫والمعرفة والمعونة‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬صدقت أيها الحكيم أنا ذلك الرجل وأنت‬
‫ذلك الرجل‬

‫]‪[402‬‬

‫وأنت طلبتي التي كنت طلبتها فصف لي أمر الخرة تاما‪ ،‬فأما الدنيا فلعمري لقد‬
‫صدقت ولقد رأيت منها ما يدلني على فنائها ويزهدني فيها‪ ،‬ولم يزل أمرها‬
‫حقيرا عندي‪ .‬قال بلوهر‪ :‬إن الزهادة في الدنيا يا ابن الملك مفتاح الرغبة‬
‫إلى الخرة‪ ،‬ومن طلب الخرة فأصاب بابها دخل ملكوتها وكيف ل تزهد‬
‫في الدنيا وقد آتاك ال من العقل ما آتاك‪ ،‬وقد ترى أن الدنيا كلها وإن‬
‫كثرت إنما يجمعها أهلها لهذه الجساد الفانية‪ ،‬والجسد لقوام له‪ ،‬ول‬
‫امتناع به‪ ،‬فالحر يذيبه‪ ،‬والبرد يجمده‪ ،‬والسموم يتخلله‪ ،‬والماء يغرقه‪،‬‬
‫والشمس تحرقه‪ ،‬والهواء يسقمه‪ ،‬والسباع يفترسه‪ ،‬والطير تنقره‪،‬‬
‫والحديد يقطعه‪ ،‬والصدم يحطمه‪ ،‬ثم هو معجون بطينة من ألوان السقام‬
‫والوجاع والمراض‪ ،‬فهو مرتهن بها‪ ،‬مترقب لها‪ ،‬وجل منها‪ ،‬غير طامع‬
‫في السلمة منها‪ ،‬ثم هو مقارن الفات السبع التي ل يتخلص منها ذو جسد‬
‫وهي الجوع والظمأ والحر والبرد والوجع والخوف والموت‪ .‬فأما ما سألت‬
‫منه من المر الخرة‪ ،‬فإني أرجو أن تجد ما تحسبه بعيدا قريبا‪ ،‬وما كنت‬
‫تحسبه عسيرا يسيرا‪ ،‬وما كنت تحسبه قليل كثيرا‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬أيها‬
‫الحكيم أرأيت القوم الذين كان والدي حرقهم بالنار ونفاهم أهم أصحابك ؟‬
‫فقال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فإنه بلغني أن الناس اجتمعوا على عداوتهم وسوء الثناء‬
‫عليهم‪ ،‬قال بلوهر‪ :‬نعم قد كان ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فما سبب ذلك أيها الحكيم ؟ قال‬
‫بلوهر‪ :‬أما قولك يا ابن الملك في سوء الثناء عليهم فما عسى أن يقولون‬
‫فيمن يصدق ول يكذب‪ ،‬ويعلم ول يجهل‪ ،‬ويكف ول يؤذي‪ ،‬ويصلي ول‬
‫ينام‪ ،‬ويصوم ول يفطر‪ ،‬ويبتلي فيصبر‪ ،‬ويتفكر فيعتبر‪ ،‬ويطيب نفسه عن‬
‫الموال والهلين‪ ،‬ول يخافهم الناس على أموالهم وأهليهم‪ .‬قال ابن الملك‪:‬‬
‫فكيف اتفق الناس على عداوتهم وهم فيما بينهم مختلفون ؟ قال بلوهر‪:‬‬
‫مثلهم في ذلك مثل كلب اجتمعوا على جيفة تنهشها ويهار بعضها بعضا‪،‬‬
‫مختلفة اللوان والجناس فبينا هي تقبل على الجيفة ازدنى رجل منهم‬
‫فترك بعضهن بعضا وأقبلن على الرجل فيهرن عليه جميعا معاويات عليه‬
‫وليس للرجل في جيفتهن حاجة‬

‫]‪[403‬‬

‫ول أراد أن ينازعهن فيها‪ ،‬ولكن هن عرفن غربته منهن فاستوحشن منه واستأنس‬
‫بعضهن ببعض وإن كن مختلفات متعاديات فيما بينهن من قبل أن يرد‬
‫الرجل عليهن‪ .‬قال بلوهر‪ :‬فمثل الجيفة متاع الدنيا ومثل صنوف الكلب‬
‫ضروب الرجال الذين يقتتلون على الدنيا ويهرقون دماءهم وينفقون لها‬
‫أموالهم‪ ،‬ومثل الرجل الذي اجتمعت عليه الكلب ول حاجة له في جيفهن‬
‫كمثل صاحب الدين الذي رفض الدنيا وخرج منها‪ ،‬فليس ينازع فيها أهلها‬
‫ول يمنع ذلك الناس من أن يعادونه لغربته عندهم‪ ،‬فإن عجبت فاعجبت من‬
‫الناس أنهم ل همة لهم إل الدنيا وجمعها والتكاثر والتفاخر والتغالب عليها‬
‫حتى إذا رأوا من قد تركها في أيديهم وتخلى عنها كانوا له أشد قتال عليه‬
‫وأشد حنقا منهم للذي يشاحهم عليها فأي حجة ل يا ابن الملك أدحض من‬
‫تعاون المختلفين على من ل حجة لهم عليه ؟ قال ابن الملك أعمد لحاجتي‪،‬‬
‫قال بلوهر‪ :‬إن الطبيب الرفيق إذ رأى الجسد قد أهلكته الخلط الفاسدة‬
‫فأراد أن يقويه ويسمنه لم يغذه بالطعام الذي يكون منه اللحم والدم والقوة‬
‫لنه يعلم أنه متى أدخل الطعام على الخلط الفاسدة أضر بالجسد ولم‬
‫ينفعه ولم يقوه‪ ،‬ولكن يبدأ بالدوية والحمية من الطعام‪ ،‬فإذا أذهب من‬
‫جسده الخلط الفاسدة أقبل عليه بما يصلحه من الطعام فحينئذ يجد طعم‬
‫الطعام ويسمن ويقوي ويحمل الثقل بمشية ال عزوجل‪ .‬وقال ابن الملك‬
‫أيها الحكيم‪ :‬أخبرني ماذا تصيب من الطعام والشراب ؟ قال الحكيم‪ :‬زعموا‬
‫أن ملكا من الملوك كان عظيم الملك كثير الجند والموال وأنه بداله أن‬
‫يغزو ملكا آخر ليزداد ملكا إلى ملكه ومال إلى ماله‪ ،‬فسار إليه بالجنود‬
‫والعدد والعدة‪ ،‬والنساء والولد والثقال‪ ،‬فأقبلوا نحوه فظهروا عليه‬
‫واستباحوا عسكره فهرب وساق امرأته وأولده صغارا فألجأه الطلب عند‬
‫المساء إلى أجمة على شاطئ النهر فدخلها مع أهله وولده وسيب دوابه‬
‫مخافة أن تدل عليه‬

‫]‪[404‬‬

‫بصهيلها فبأتوا في الجمة وهم يسمعون وقع حوافر الخيل من كل جانب فأصبح‬
‫الرجل ل يطيق براحا‪ ،‬وأما النهر فل يستطيع عبوره‪ ،‬وأما الفضاء فل‬
‫يستطيع الخروج إليه لمكان العدو‪ ،‬فهم في مكان ضيق قد أذاهم البرد‬
‫وأهجرهم الخوف وطواهم الجوع‪ ،‬وليس لهم طعام ول معهم زاد ول إدام‪،‬‬
‫وأولده ضعار جياع يبكون من الضر الذي قد أصابهم فمكث بذلك يومين‪،‬‬
‫ثم إن أحد بنيه مات فألقوه في النهر فمكث بعد ذلك يوما آخر فقال الرجل‬
‫لمرأته إنا مشرفون على الهلك جميعا وإن بقي بعضنا وهلك بعضنا كان‬
‫خيرا من أن نهلك جميعا وقد رأيت أن أعجل ذبح صبي من هؤلء الصبيان‬
‫فنجعله قوتا لنا ولولدنا إلى أن يأتي ال عزوجل بالفرج فإن أخرنا ذلك‬
‫هزل الصبيان حتى ل يشبع لحومهم وتضعف حتى ل نستطيع الحركة ان‬
‫وجدنا إلى ذلك سبيل‪ ،‬وطاوعته امرأته فذبح بعض أولده ووضعوه بينهم‬
‫ينهشونه‪ ،‬فما ظنك يا ابن الملك بذلك المضطر أأكل الكلب المستكثر يأكل ؟‬
‫أم أكل المضطر المستقل ؟ قال ابن الملك‪ :‬بل أكل المستقل‪ ،‬قال الحكيم‪:‬‬
‫كذلك أكلي وشربي يا ابن الملك في الدنيا‪ .‬فقال له ابن الملك‪ :‬أرأيت هذا‬
‫الذي تدعوني إليه أيها الحكيم أهو شئ نظر الناس فيه بعقولهم وألبابهم‬
‫حتى اختاروه على ما سواه لنفسهم أم دعاهم ال إليه فأجابوا‪ ،‬قال‬
‫الحكيم‪ :‬عل هذا المر ولطف عن أن يكون من أهل الرض أو برأيهم‬
‫دبروه‪ ،‬ولو كان من أهل الرض لدعوا إلى عملها وزينتها وحفظها‬
‫ودعتها ونعيمها ولذتها ولهوها ولعبها وشهواتها‪ ،‬ولكنه أمر غريب‬
‫ودعوة من ال عزوجل ساطعة‪ ،‬وهدى مستقيم ناقض على أهل الدنيا‬
‫أعمالهم‪ ،‬مخالف لهم‪ ،‬عائب عليهم‪ ،‬وطاعن ناقل لهم عن أهوائهم‪ ،‬داع‬
‫لهم إلى طاعة ربهم‪ ،‬وإن ذلك لبين لمن تنبه‪ ،‬مكتوم عنده عن غير أهله‬
‫حتى يظهر ال الحق بعد خفائه ويجعل كلمته العليا وكلمة الذين جهلوا‬
‫السفلى‪ .‬قال ابن الملك صدقت أيها الحكيم‪ .‬ثم قال الحكيم‪ :‬إن من الناس من‬
‫تفكر قبل مجيئ الرسل عليهم السلم فأصاب‪ ،‬ومنهم من دعته الرسل بعد‬
‫مجيئها فأجاب وأنت يا ابن الملك ممن تفكر بعقله فأصاب‪.‬‬
‫]‪[405‬‬

‫قال ابن الملك‪ :‬فهل تعلم أحدا من الناس يدعو إلي التزهيد في الدنيا غيركم ؟ قال‬
‫الحكيم‪ :‬أما في بلدكم هذه فل وأما في سائر المم ففيهم قوم ينتحلون‬
‫الدين بألسنتهم ولم يستحقوه بأعمالهم‪ ،‬فاختلف سبيلنا وسبيلهم‪ ،‬قال ابن‬
‫الملك‪ :‬كيف صرتم أولى بالحق منهم وإنما أتاكم هذا المر الغريب من حيث‬
‫أتاهم ؟ قال الحكيم‪ :‬الحق كله جاء من عند ال عزوجل وإنه تبارك وتعالى‬
‫دعا العباد إليه فقبله قوم بحقه وشروطه حتى أدوه إلى أهله كما امروا‪ ،‬لم‬
‫يظلموا ولم يخطئوا ولم يضيعوا‪ ،‬وقبله آخرون فلم يقوموا بحقه وشروطه‪،‬‬
‫ولم يؤدوه إلى أهله‪ ،‬ولم يكن لهم فيه عزيمة‪ ،‬ول على العمل به نية‬
‫ضمير‪ ،‬فضيعوه واستثقلوه فالمضيع ل يكون مثل الحافظ‪ ،‬والمفسد ل‬
‫يكون كالمصلح‪ ،‬والصابر ل يكون كالجازع‪ ،‬فمن ههنا كنا نحن أحق به‬
‫منهم وأولى‪ .‬ثم قال الحكيم‪ :‬إنه ليس يجري على لسان أحد منهم من الدين‬
‫والتزهيد والدعاء إلى الخرة إل وقد اخذ ذلك عن أصل الحق )‪ (1‬الذي‬
‫عنه أخذنا‪ ،‬ولكنه فرق بيننا وبينهم أحداثهم التي أحدثوا وابتغاؤهم الدنيا‬
‫وإخلدهم إليها‪ ،‬وذلك أن هذه الدعوة لم تزل تأتي وتظهر في الرض مع‬
‫أنبياء ال ورسله صلوات ال عليهم في القرون الماضية على ألسنة‬
‫مختلفة متفرقة‪ ،‬وكان أهل دعوة الحق أمرهم مستقيم‪ ،‬وطريقهم واضح‪،‬‬
‫ودعوتهم بينة‪ ،‬ل فرقة فيهم ول اختلف‪ ،‬فكانت الرسل عليهم السلم إذا‬
‫بلغوا رسالت ربهم‪ ،‬واحتجوا ل تبارك وتعالى على عباده بحجة وإقامة‬
‫معالم الدين وأحكامه‪ ،‬قبضهم ال عزوجل إليه عند انقضاء آجالهم ومنتهى‬
‫مدتهم‪ ،‬ومكثت المة من المم بعد نبيها برهة من دهرها ل تغير ول تبدل‬
‫ثم صار الناس بعد ذلك يحدثون الحداث ويبتغون الشهوات‪ ،‬ويضيعون‬
‫العلم‪ ،‬فكان العالم البالغ المستبصر منهم يخفى شخصه ول يظهر علمه‪،‬‬
‫فيعرفونه باسمه ول يهتدون إلى مكانه ول يبقى منهم إل الخسيس من أهل‬
‫العلم‪ ،‬يستخف به أهل الجهل والباطل‪ ،‬فيخمل العلم ويظهر الجهل‪ ،‬وتتناس‬
‫القرون فل يعرفون إل الجهل‪،‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر " أهل الحق "‪.‬‬

‫]‪[406‬‬

‫ويزداد الجهال استعلء وكثرة‪ ،‬والعلماء خمول وقلة‪ ،‬فحولوا معالم ال تبارك‬
‫وتعالى عن وجوهها‪ ،‬وتركوا قصد سبيلها‪ ،‬وهم مع ذلك مقرون بتنزيله‪،‬‬
‫متبعون شبهه ابتغاء تأويله‪ ،‬متعلقون بصفته‪ ،‬تاركون لحقيقته‪ ،‬نابذون‬
‫لحكامه‪ ،‬فكل صفة جاءت الرسل تدعوا إليها فنحن لهم موافقون في تلك‬
‫الصفة‪ ،‬مخالفون لهم في أحكامهم وسيرتهم‪ ،‬ولسنا نخالفهم في شئ إل‬
‫ولنا عليهم الحجة الواضحة والبينة العادلة من نعت ما في أيديهم من‬
‫الكتب المنزلة من ال عزوجل فكل متكلم منهم يتكلم بشئ من الحكمة فهي‬
‫لنا وهي بيننا وبينهم تشهد لنا عليهم بأنها توافق صفتنا وسيرتنا وحكمنا‬
‫وتشهد عليهم بأنها مخالفة لسنتهم وأعمالهم‪ ،‬فليسوا يعرفون من الكتاب‬
‫إل وصفه‪ ،‬ول من الذكر إل اسمه‪ ،‬فليسوا بأهل الكتاب حقيقة حتى يقيموه‪.‬‬
‫قال ابن الملك‪ :‬فما بال النبياء والرسل عليهم السلم يأتون في زمان دون‬
‫زمان ؟ قال الحكيم‪ :‬إنما مثل ذلك كمثل ملك كانت له أرض موات ل عمران‬
‫فيها‪ ،‬فلما أراد أن يقبل عليها بعمارته أرسل إليها رجل جلدا أمينا ناصحا‪،‬‬
‫ثم أمره أن يعمر تلك الرض وأن يغرس فيها صنوف الشجر وأنواع‬
‫الزرع‪ ،‬ثم سمى له الملك ألوانا من الغرس معلومة‪ ،‬وأنواعا من الزرع‬
‫معروفة‪ ،‬ثم أمره أن ل يعدو ما سمى له وأن ل يحدث فيها من قبله شيئا لم‬
‫يكن أمره به سيده‪ ،‬وأمره أن يخرج لها نهرا ويسد عليها حائطا‪ ،‬ويمنعها‬
‫من أن يفسدها مفسد‪ ،‬فجاء الرسول الذي أرسله الملك إلى تلك الرض‬
‫فأحياها بعد موتها وعمرها بعد خرابها‪ ،‬وغرس فيها وزرع من الصنوف‬
‫التي أمره بها‪ ،‬ثم ساق نهر الماء إليها حتى نبت الغرس واتصل الزرع‪ ،‬ثم‬
‫لم يلبث قليل حتى مات قيمها‪ ،‬وأقام بعده من يقوم مقامه وخلف من بعده‬
‫خلف خالفوا من أقامه القيم بعده وغلبوه على أمره‪ ،‬فأخربوا العمران‪،‬‬
‫وطموا النهار‪ ،‬فيبس الغرس‪ ،‬وهلك الزرع‪ ،‬فلما بلغ الملك خلفهم على‬
‫القيم بعد رسوله وخراب أرضه أرسل إليها رسول آخر يحييها ويعيدها‬
‫ويصلحها كما كانت في منزلتها الولى‪ ،‬وكذلك النبياء والرسل عليهم‬
‫السلم يبعث ال عزوجل الواحد بعد الواحد فيصلح أمر الناس بعد فساده‪.‬‬

‫]‪[407‬‬

‫قال ابن الملك أيخص النبياء والرسل عليهم إذا جاءت بما يبعث به أم تعم ؟‪ .‬قال‬
‫بلوهر‪ :‬إن النبياء والرسل إذا جاءت تدعوا عامة الناس فمن أطاعهم كان‬
‫منهم‪ ،‬ومن عصاهم لم يكن منهم‪ ،‬وما تخلو الرض قط من أن يكون ل‬
‫عزوجل فيها مطاع من أنبيائه ورسله ومن أوصيائه‪ ،‬وإنما مثل ذلك مثل‬
‫طائر كان في ساحل البحر يقال له قدم )‪ (1‬يبيض بيضا كثيرا وكان شديد‬
‫الحب للفراخ وكثرتها‪ ،‬وكان يأتي عليه زمان يتعذر عليه فيه ما يريده من‬
‫ذلك‪ ،‬فل يجد بدا من اتخاذ أرض اخرى حتى يذهب ذلك الزمان فيأخذ‬
‫بيضه مخافة عليه من أن يهلك من شفقته فيفرقه في أعشاش الطير‬
‫فتحضن الطير بيضته مع بيضتها وتخرج فراخه مع فراخها‪ ،‬فإذا طال مكث‬
‫فراخ قدم مع فراخ الطير ألفها بعض فراخ الطير واستأنس بها فإذا كان‬
‫الزمان الذي ينصرف فيه قدم إلى مكانه مر بأعشاش الطير وأو كارها‬
‫بالليل فأسمع فراخه وغيرها صوته فإذا سمعت فراخه صوته تبعته وتبع‬
‫فراخه ما كان ألفها من فراخ سائر الطير ولم يجبه ما لم يكن من فراخ ول‬
‫ما لم يكن ألف فراخه وكان قد يضم إليه من أجابه من فراخه حبا للفراخ‪،‬‬
‫و كذلك النبياء إنما يستعرضون الناس جميعا بدعائهم فيجيبهم أهل‬
‫الحكمة والعقل لمعرفتهم لفضل الحكمة‪ ،‬فمثل الطير الذي دعا بصوته مثل‬
‫النبياء والرسل التي تعم الناس بدعائهم‪ ،‬ومثل البيض المتفرق في‬
‫أعشاش الطير مثل الحكمة‪ ،‬ومثل سائر فراخ الطير التي ألفت فراخ قدم‬
‫مثل من أجاب الحكماء قبل مجيئ الرسل‪ ،‬لن ال عزوجل جعل لنبيائه‬
‫ورسله من الفضل والرأي ما لم يجعل لغيرهم من الناس‪ ،‬وأعطاهم من‬
‫الحجج والنور والضياء ما لم يعط غيرهم‪ ،‬وذلك لما يريد من بلوغ رسالته‬
‫ومواقع حججه‪ ،‬وكانت الرسل إذا جاءت وأظهرت دعوتها أجابهم من‬
‫الناس أيضا من لم يكن أجاب الحكماء وذلك لما جعل ال عزوجل على‬
‫دعوتهم من الضياء والبرهان‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬أفرأيت ما يأتي به الرسل‬
‫والنبياء إذ زعمت أنه ليس‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " قرم " ولعل الصواب " قرلى "‪.‬‬

‫]‪[408‬‬

‫بكلم الناس وكلم ال عزوجل وهو كلم وكلم ملئكته كلم‪ ،‬قال الحكيم‪ :‬أما رأيت‬
‫الناس لما أرادوا أن يفهموا بعض الدواب والطير ما يريدون من تقدمها‬
‫وتأخرها وإقبالها وإدبارها لم يجدوا الدواب والطير يحتمل كلمهم الذي هو‬
‫كلمهم‪ ،‬فوضعوا من النقر والصفير والرجز ما يبلغوا به حاجتهم وما‬
‫عرفوا أنها تطيق حمله‪ ،‬وكذلك العباد يعجزوا أن يعلموا كلم ال عزوجل‬
‫وكلم ملئكته على كنهه وكماله ولطفه وصفته قصار ما تراجع الناس‬
‫بينهم من الصوات التي سمعوا بها الحكمة شبيها بما وضع الناس‬
‫للدواب‪ ،‬والطير ولم يمنع ذلك الصوت مكان الحكمة المخبرة في تلك‬
‫الصوات من أن تكون الحكمة واضحة بينهم‪ ،‬قوية منيرة شريفة عظيمة‪،‬‬
‫ولم يمنعها من وقوع معانيها على مواقعها وبلوغ ما احتج به ال عزوجل‬
‫على العباد فيها فكان الصوت للحكمة جسدا ومسكنا‪ ،‬وكانت الحكمة‬
‫للصوت نفسا وروحا‪ ،‬ول طاقة للناس أن ينفذوا غور كلم الحكمة‪ ،‬ول‬
‫يحيطوا به بعقولهم‪ ،‬فمن قبل ذلك تفاضلت العلماء في علمهم‪ ،‬فل يزال‬
‫عالم يأخذ علمه من عالم حتى يرجع العلم إلى ال عزوجل الذي جاء من‬
‫عنده‪ ،‬وكذلك العلماء قد يصيبون من الحكمة والعلم ما ينجيهم من الجهل‪،‬‬
‫ولكن لكل ذي فضل فضله‪ ،‬كما أن الناس ينالون من ضوء الشمس ما‬
‫ينتفعون به في معائشهم وأبدانهم ول يقدرون أن ينفذوها بأبصارهم فهي‬
‫كالعين الغزيرة الظاهر مجراها المكنون عنصرها‪ ،‬فالناس قد يجيبون بما‬
‫ظهر لهم من مائها‪ ،‬ول يدركون غورها وهي كالنجوم الزاهرة التي يهتدى‬
‫بها الناس‪ ،‬ول يعلمون مساقطها‪ ،‬فالحكمة أشرف وأرفع وأعظم مما‬
‫وصفناها به كله‪ ،‬هي مفتاح باب كل خير يرتجى‪ ،‬والنجاة من كل شر‬
‫يتقى‪ ،‬وهي شراب الحياة التي من شرب منه لم يمت أبدا‪ ،‬والشفاء للسقم‬
‫الذي من استشفى به لم يسقم أبدا‪ ،‬والطريق المستقيم الذي من سلكه لم‬
‫يضل أبدا‪ ،‬هي حبل ال المتين الذي ل يخلقه طول التكرار‪ ،‬من تمسك به‬
‫انجلى عنه العمى‪ ،‬ومن اعتصم به فاز واهتدى‪ ،‬وأخذ بالعروة الوثقى‪.‬‬
‫قال‪ ،‬فما بال هذه الحكمة التي وصفت بما وصفت من الفضل والشرف‬

‫]‪[409‬‬

‫والرتفاع والقوة والمنفعة والكمال والبرهان ل ينتفع بها الناس كلهم جميعا ؟‪ .‬قال‬
‫الحكيم‪ :‬إنما مثل الحكمة كمثل الشمس الطالعة على جميع الناس البيض‬
‫والسود منهم‪ ،‬والصغير والكبير‪ ،‬فمن أراد النتفاع بها لم تمنعه ولم يحل‬
‫بينه وبينها من أقربهم وأبعدهم‪ ،‬ومن لم يرد النتفاع بها فل حجة له‬
‫عليها‪ ،‬ول تمنع الشمس على الناس جميعا‪ ،‬ول يحول بين الناس وبين‬
‫النتفاع بها‪ ،‬وكذلك الحكمة وحالها بين الناس إلى يوم القيامة‪ ،‬والحكمة‬
‫قد عمت الناس جميعا إل أن الناس يتفاضلون في ذلك‪ ،‬والشمس ظاهرة إذ‬
‫طلعت على البصار الناظرة فرقت بين الناس على ثلثة منازل فمنهم‬
‫الصحيح البصر الذي ينفعه الضوء ويقوي على النظر‪ ،‬ومنهم العمى‬
‫القريب من الضوء الذي لو طلعت عليه شمس أو شموس لم تغن عنه‬
‫شيئا‪ ،‬ومنهم المريض البصر الذي ل يعد في العميان ول في أصحاب‬
‫البصر‪ ،‬كذلك الحكمة هي شمس القلوب إذا طلعت تفرق على ثلث منازل‪:‬‬
‫منزل لهل البصر الذين يعقلون الحكمة فيكونون من أهلها‪ ،‬ويعملون بها‪،‬‬
‫ومنزل لهل العمى الذين تنبوا الحكمة عن قلوبهم لنكارهم الحكمة وتركهم‬
‫قبولها كما ينبوضوء الشمس عن العميان‪ ،‬ومنزلة لهل مرض القلوب‬
‫الذين يقصر علمهم ويضعف عملهم ويستوي فيهم السيئ والحسن‪ ،‬والحق‬
‫والباطل‪ ،‬وإن أكثر من تطلع عليه الشمس وهي الحكمة ممن يعمى عنها‪.‬‬
‫قال ابن الملك‪ :‬فهل يسع الرجل الحكمة فل يجيب إليها حتى يلبث زمانا‬
‫ناكبا عنها‪ ،‬ثم يجيب ويراجعها ؟ قال بلوهر‪ :‬نعم هذا أكثر حالت الناس في‬
‫الحكمة‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬ترى والدي سمع شيئا من هذا الكلم قط ؟ قال‬
‫بلوهر‪ :‬ل أراه سمع سماعا صحيحا رسخ في قلبه ول كلمه فيه ناصح‬
‫شفيق‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬وكيف ترك ذلك الحكماء منه طول دهرهم ؟ قال‬
‫بلوهر‪ :‬تركوه لعلمهم بمواضع كلمهم‪ ،‬فربما تركوا ذلك ممن هو أحسن‬
‫إنصافا وألين عريكة‪ ،‬وأحسن استماعا من أبيك حتى أن الرجل ليعاش‬
‫الرجل طول عمره بينهما الستيناس والمودة والمفاوضة‪ ،‬ول يفرق بينهما‬
‫شئ إل الدين والحكمة‪،‬‬
‫]‪[410‬‬

‫وهو متفجع عليه‪ ،‬متوجع له‪ ،‬ثم ل يفضي إليه أسرار الحكمة إذ لم يره لها موضعا‪.‬‬
‫وقد بلغنا أن ملكا من الملوك كان عاقل قريبا من الناس‪ ،‬مصلحا لمورهم‪،‬‬
‫حسن النظر والنصاف لهم‪ ،‬وكان له وزير صدق صالح يعينه على‬
‫الصلح ويكفيه مؤونته ويشاوره في اموره‪ ،‬وكان الوزير أديبا عاقل‪ ،‬له‬
‫دين وورع ونزاهة على الدنيا )‪ ،(1‬وكان قد لقي أهل الدين‪ ،‬وسمع‬
‫كلمهم‪ ،‬وعرف فضلهم‪ ،‬فأجابهم وانقطع إليهم بإخائه ووده‪ ،‬وكانت له من‬
‫الملك منزلة حسنة وخاصة‪ ،‬وكان الملك ل يكتمه شيئا من أمره‪ ،‬وكان‬
‫الوزير له أيضا بتلك المنزلة‪ ،‬إل أنه لم يكن ليطلعه على أمر الدين‪ ،‬ول‬
‫يفاوضه أسرار الحكمة‪ ،‬فعاشا بذلك زمانا طويل‪ ،‬وكان الوزير كلما دخل‬
‫على الملك سجد الصنام وعظمها وأخذ شيئا في طريق الجهالة والضللة‬
‫تقية له فأشفق الوزير على الملك من ذلك واهتم به واستشار في ذلك‬
‫أصحابه وإخوانه‪ ،‬فقالوا له‪ :‬انظر لنفسك وأصحابك فإن رأيته موضعا‬
‫للكلم فكلمه وفاوضه وإل فإنك إنما تعينه على نفسك‪ ،‬وتهيجه على أهل‬
‫دينك‪ ،‬فإن السلطان ل يغتر به‪ ،‬ول تؤمن سطوته‪ ،‬فلم يزل الوزير على‬
‫اهتمامه به مصافيا له‪ ،‬رفيقا به رجاء أن يجد فرصة فينصحه أو يجد‬
‫للكلم موضعا فيفاوضه‪ ،‬وكان الملك مع ضللته متواضعا سهل قريبا‪،‬‬
‫حسن السيرة في رعيته‪ ،‬حريصا على إصلحهم‪ ،‬متفقدا لمورهم‪،‬‬
‫فاصطحب الوزير الملك على هذا برهة من زمانه‪ .‬ثم إن الملك قال للوزير‬
‫ذات ليلة من الليالي بعدما هدأت العيون‪ :‬هل لك أن تركب فنسير في‬
‫المدينة فننظر إلى حال الناس وآثار المطار التي أصابتهم في هذه اليام ؟‬
‫فقال الوزير‪ :‬نعم فركبا جميعا يجولن في نواحي المدينة فمرا في بعض‬
‫الطريق على مزبلة تشبه الجبل‪ ،‬فنظر الملك إلى ضوء النار تبدو في ناحية‬
‫المزبلة‪ ،‬فقال للوزير‪ :‬إن لهذه النار لقصة فأنزل بنا نمشي حتى ندنو منها‬
‫فنعلم خبرها‪ ،‬ففعل ذلك فلما انتهيا إلى مخرج الضوء وجدا نقبا شبيها‬
‫بالغار‪ ،‬وفيه مسكين من المساكين ثم نظرا في الغار من حيث ل يراهما‬
‫الرجل فإذا الرجل مشوه الخلق‪ ،‬عليه ثياب‬

‫)‪ (1‬في المصدر " وزهاده عن الدنيا‪.‬‬

‫]‪[411‬‬

‫خلقان من خلقان المزبلة‪ ،‬متكئ على متكاء قد هيأه من الزبل‪ ،‬وبين يديه إبريق‬
‫فخار‪ ،‬فيه شراب وفي يده طنبور‪ ،‬يضرب بيده وامرأته في مثل خلقه‬
‫ولباسه قائمة بين يديه تسقيه إذا استسقى منها‪ ،‬وترقص له إذا ضرب‪،‬‬
‫وتحييه بتحية الملوك‪ ،‬كلما شرب وهو يسميها سيدة النساء‪ ،‬وهما يصفان‬
‫أنفسهما بالحسن والجمال وبينهما من السرور والضحك والطرب مال‬
‫يوصف‪ ،‬فقام الملك على رجليه مليا والوزير ينظر كذلك ويتعجبان من‬
‫لذتهما وإعجابهما بما هما فيه‪ ،‬ثم انصرف الملك والوزير فقال الملك‪ :‬ما‬
‫أعلمني وإياك أصابنا الدهر من اللذة والسرور والفرح مثل ما أصاب هذين‬
‫الليلة مع أني أظنهما يصنعان كل ليلة مثل هذا‪ ،‬فاغتنم الوزير ذلك منه‪،‬‬
‫ووجد فرصة فقال له‪ :‬أخاف أيها الملك أن يكون دنيانا هذه من الغرور‪،‬‬
‫ويكون ملكك وما نحن فيه من البهجة والسرور في أعين من يعرف‬
‫الملكوت الدائم مثل هذه المزبلة‪ ،‬ومثل هذين الشخصين اللذين رأيناهما‪،‬‬
‫وتكون مساكننا وما شيدنا منها عند من يرجو مساكن السعادة وثواب‬
‫الخرة مثل هذا الغار في أعيننا‪ ،‬وتكون أجسادنا عند من يعرف الطهارة‬
‫والنضارة والحسن والصحة مثل جسد هذه المشوه الخلق في أعيننا‪،‬‬
‫ويكون تعجبهم عن إعجابنا بما نحن فيه كتعجبنا من إعجاب هذين‬
‫الشخصين بما هما فيه‪ .‬قال الملك وهل تعرف لهذه الصفة أهل ؟ قال‬
‫الوزير‪ :‬نعم‪ ،‬قال الملك‪ :‬من هم ؟ قال الوزير‪ :‬أهل الدين الذين عرفوا ملك‬
‫الخرة ونعيمها فطلبوه‪ ،‬قال الملك‪ :‬وما ملك الخرة ؟ قال الوزير هو النعيم‬
‫الذي ل بؤس بعده‪ ،‬والغنى الذي ل فقر بعده‪ ،‬والفرح الذي ل ترح بعده‪،‬‬
‫والصحة التي ل سقم بعدها‪ ،‬والرضى الذي ل سخط بعده‪ ،‬والمن الذي ل‬
‫خوف بعده‪ ،‬والحياة التي ل موت بعدها‪ ،‬والملك الذي ل زوال له‪ ،‬التي هي‬
‫دار البقاء ودار الحيوان‪ ،‬التي ل انقطاع لها‪ ،‬ول تغير فيها‪ ،‬رفع ال‬
‫عزوجل عن ساكنيها فيها السقم والهرم والشقاء والنصب والمرض‬
‫والجوع والظمأ والموت‪ ،‬فهذه صفة ملك الخرة وخبرها أيها الملك‪.‬‬

‫]‪[412‬‬

‫قال الملك‪ :‬وهل تدركون إلى هذه الدار مطلبا وإلى دخولها سبيل ؟ قال الوزير‪ :‬نعم‬
‫هي مهيأة لمن طلبها من وجه مطلبها‪ ،‬ومن أتاها من بابها ظفر بها‪ ،‬قال‬
‫الملك‪ :‬ما منعك أن تخبرني بهذا قبل اليوم ؟ قال الوزير‪ :‬منعني من ذلك‬
‫إجللك والهيبة لسلطانك‪ ،‬قال الملك‪ :‬لئن كان هذا المر الذي وصفت يقينا‬
‫فل ينبغي لنا أن نضيعه ول نترك العمل به في إصابته‪ ،‬ولكنا نجتهد حتى‬
‫يصح لنا خبره‪ ،‬قال الوزير‪ :‬أفتأمرني أيها الملك أن اواظب عليك في ذكره‬
‫والتكرير له ؟ قال الملك‪ :‬بل آمرك أن ل تقطع عني ليل ول نهارا‪ ،‬ول‬
‫تريحني ول تمسك عني ذكره فإن هذا أمر عجيب ل يتهاون به‪ ،‬ول يغفل‬
‫عن مثله‪ ،‬وكان سبيل ذلك الملك والوزير إلى النجاة‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬ما أنا‬
‫بشاغل نفسي بشئ من هذه المور عن هذا السبيل ولقد حدثت نفسي‬
‫بالهرب معك في جوف الليل حيث بدالك أن تذهب‪ .‬قال بلوهر‪ :‬وكيف‬
‫تستطيع الذهاب معي والصبر على صحبتي وليس لي جحر يأويني‪ ،‬ول‬
‫دابة تحملني‪ ،‬ول أملك ذهبا ول فضة‪ ،‬ول أدخر غذاء العشاء‪ ،‬ول يكون‬
‫عندي فضل ثوب‪ ،‬ول أستقر ببلدة إل قليل حتى أتحول عنها ول أتزود من‬
‫أرض إلى أرض اخرى رغيفا أبدا‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬إني أرجو أن يقويني‬
‫الذي قواك‪ ،‬قال بلوهر‪ :‬أما إنك إن أبيت إل صحبتي كنت خليقا أن تكون‬
‫كالفتى الذي صاهر الفقير‪ .‬قال يوذاسف‪ :‬وكيف كان ذلك ؟ قال بلوهر‪:‬‬
‫زعموا أن فتى كان من أولد الغنياء فأراد أبوه أن يزوجه ابنة عم له ذات‬
‫جمال ومال‪ ،‬فلم يوافق ذلك الفتى ولم يطلع أباه على كراهته حتى خرج من‬
‫عنده متوجها إلى أرض اخرى‪ ،‬فمر في طريقه على جارية عليها ثياب‬
‫خلقان لها‪ ،‬قائمة على باب بيت من بيوت المساكين فأعجبته الجارية‪ ،‬فقال‬
‫لها‪ :‬من أنت أيتها الجارية ؟ قالت‪ :‬ابنة شيخ كبير في هذا البيت‪ ،‬فنادى‬
‫الفتى الشيخ فخرج إليه فقال له‪ :‬هل تزوجني ابنتك هذه ؟ قال‪ :‬ما أنت‬
‫بمتزوج لبنات الفقراء وأنت فتى من الغنياء‪ ،‬قال‪ :‬أعجبتني هذه الجارية‬
‫ولقد خرجت هاربا من امرأة ذات حسب ومال أرادوا مني تزويجها‪،‬‬
‫فكرهتها‬

‫]‪[413‬‬

‫فزوجني ابنتك فإنك واجد عندي خيرا إن شاء ال‪ .‬قال الشيخ‪ :‬كيف ازوجك ابنتي‬
‫ونحن ل تطيب أنفسنا أن تنقلها عنا‪ ،‬ول أحتسب مع ذلك أن أهلك يرضون‬
‫أن تنقلها إليهم‪ ،‬قال الفتى‪ :‬فنحن معكم في منزلكم هذا‪ ،‬قال الشيخ‪ :‬إن‬
‫صدقت فيما تقول فاطرح عنك زيك وحليتك هذه‪ ،‬قال‪ :‬ففعل الفتى ذلك وأخذ‬
‫أطمارا رثة من أطمارهم فلبسها وقعد معهم‪ ،‬فسأله الشيخ عن شأنه‬
‫وعرض له بالحديث حتى فتش عقله فعرف أنه صحيح العقل وأنه لم‬
‫يحمله على ما صنع السفه‪ ،‬فقال له الشيخ‪ :‬أما إذا اخترتنا ورضيت بنا فقم‬
‫معي إلى هذا السرب فأدخله فإذا خلف منزله بيوت ومساكن لم ير مثله قط‬
‫سعة وحسنا‪ ،‬وله خزائن من كل ما يحتاج إليه‪ ،‬ثم دفع إليه مفاتيحه وقال‪:‬‬
‫إن كل ما ههنا لك فاصنع به ما أحببت‪ ،‬فنعم الفتى أنت وأصاب الفتى ما‬
‫كان يريده‪ .‬قال يوذاسف‪ :‬إني لرجو أن أكون أنا صاحب هذا المثل إن‬
‫الشيخ فتش عقل هذا الغلم حتى وثق به‪ ،‬فلعلك تطول بي على تفتيش‬
‫عقلي فأعلمني ما عندك في ذلك‪ ،‬قال الحكيم‪ :‬لو كان هذا المر إلي ل‬
‫كتفيت منك بأدنى المشافهة ولكن فوق رأسي سنة قد سنها أئمة الهدى في‬
‫بلوغ الغاية في التوفيق‪ ،‬وعلم ما في الصدور فإني أخاف إن خالفت السنة‬
‫أن أكون قد أحدثت بدعة‪ ،‬وأنا منصرف عنك الليلة وحاضر بابك في كل‬
‫ليلة‪ ،‬ففكر في نفسك بهذا واتعظ به‪ ،‬وليحضرك فهمك وتثبت ول تعجل‬
‫بالتصديق لما يورده عليك همك حتى تعلمه بعد التؤدة والناة وعليك‬
‫بالحتراس في ذلك أن يغلبك الهوى والميل إلى الشبهة والعمى‪ ،‬واجتهد‬
‫في المسائل التي تظن أن فيها شبهة‪ ،‬ثم كلمني فيها وأعلمني رأيك في‬
‫الخروج إذا أردت‪ ،‬وافترقا على هذا تلك الليلة‪ .‬ثم عاد الحكيم إليه فسلم‬
‫عليه ودعا له‪ ،‬ثم جلس فكان من دعائه أن قال‪ :‬أسأل ال الول الذي لم‬
‫يكن قبله شئ‪ ،‬والخر الذي ل يبقى معه شئ‪ ،‬والباقي الذي ل فناء له‪،‬‬
‫والعظيم الذي ل منتهى له‪ ،‬والواحد الفرد الصمد الذي ليس معه غيره‪،‬‬
‫والقاهر الذي ل شريك له‪ ،‬البديع الذي ل خالق معه‪،‬‬

‫]‪[414‬‬

‫القادر الذي ليس له ضد‪ ،‬الصمد الذي ليس له ند‪ ،‬الملك الذي ليس معه أحد أن‬
‫يجعلك ملكا عدل‪ ،‬إماما في الهدى‪ ،‬قائدا إلى التقوى‪ ،‬ومبصرا من العمى‪،‬‬
‫وزاهدا في الدنيا‪ ،‬ومحبا لذوي النهى‪ ،‬ومبغضا لهل الردى‪ ،‬حتى يفضي‬
‫بنا وبك إلى ما وعد ال أوليائه على ألسنة أنبيائه من جنته ورضوانه‪ ،‬فإن‬
‫رغبتنا إلى ال في ذلك ساطعة‪ ،‬ورهبتنا منه باطنة‪ ،‬وأبصارنا إليه‬
‫شاخصة )‪ (1‬وأعناقنا له خاضعة‪ ،‬وامورنا إليه صائرة‪ .‬فرق ابن الملك‬
‫لذلك الدعاء رقة شديدة‪ ،‬وازداد في الخير رغبة‪ ،‬وقال متعجبا من قوله‪:‬‬
‫أيها الحكيم أعلمني كم أتى لك من العمر ؟ فقال‪ :‬اثنتا عشر سنة‪ ،‬فارتاع‬
‫لذلك ابن الملك‪ ،‬وقال‪ :‬ابن اثنتى عشرة سنة طفل وأنت مع ما أرى من‬
‫التكهل كابن ستين سنة‪ .‬قال الحكيم‪ :‬أما المولد فقد راهق الستين سنة‪،‬‬
‫ولكنك سألتني عن العمر وإنما العمر الحياة‪ ،‬ول حياة إل في الدين والعمل‬
‫به‪ ،‬والتخلي من الدنيا ولم يكن ذلك لي إل من اثنتى عشرة سنة‪ ،‬فأما قبل‬
‫ذلك فإني كنت ميتا ولست أعتد في عمري بأيام الموت‪ ،‬قال ابن الملك‪:‬‬
‫كيف تجعل الكل والشارب والمتقلب ميتا ؟ قال الحكيم‪ :‬لنه شارك الموتى‬
‫في العمى والصم والبكم وضعف الحياة وقلة الغنى‪ ،‬فلما شاركهم في‬
‫الصفة وافقهم في السم‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬لئن كنت ل تعد حياتك تلك حياة‬
‫ول غبطة ما ينبغي لك أن تعد ما تتوقع من الموت موتا‪ ،‬ول تراه مكروها‪،‬‬
‫قال الحكيم‪ :‬تغريري في الدخول عليك بنفسي يا ابن الملك مع علمي‬
‫لسطوة أبيك على أهل ديني يدلك على أني ل أرى الموت موتا‪ ،‬ول أرى‬
‫هذه الحياة حياة‪ ،‬ول ما أتوقع من الموت مكروها‪ ،‬فكيف يرغب في الحياة‬
‫من قد ترك حظه منها ؟ أو يهرب من الموت من قد أمات نفسه بيده‪ ،‬أول‬
‫ترى يا ابن الملك أن صاحب الدين قد رفض الدنيا من أهله وماله وما ل‬
‫يرغب فيها إل له )‪ (2‬واحتمل من نصب العبادة مال يريحه منه إل‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " وأبصارنا إليه خاشعة "‪ (2) .‬كذا‪.‬‬

‫]‪[415‬‬
‫الموت‪ ،‬فما حاجة من ل يتمتع بلذة الحياة إلى الحياة ؟ أو يهرب من ل راحة له إل‬
‫في الموت من الموت‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬صدقت أيها الحكيم فهل يسرك أن‬
‫ينزل بك الموت من غد ؟ قال الحكيم‪ :‬بل يسرني أن ينزل بي الليلة دون غد‬
‫فإنه من عرف السيئ والحسن وعرف ثوابهما من ال عزوجل ترك السيئ‬
‫مخافة عقابه‪ ،‬وعمل الحسن رجاء ثوابه‪ ،‬ومن كان موقنا بال وحده‬
‫مصدقا بوعده فإنه يحب الموت لما يرجو بعد الموت من الرخاء ويزهد في‬
‫الحياة لما يخاف على نفسه من الشهوات الدنيا والمعصية ل فيها فهو‬
‫يحب الموت مبادرة من ذلك‪ ،‬فقال ابن الملك‪ :‬إن هذا لخليق أن يبادر‬
‫الهلكة لما يرجو في ذلك من النجاة‪ ،‬فاضرب لي مثل امتنا هذه وعكوفها‬
‫على أصنامها‪ .‬قال الحكيم‪ :‬إن رجل كان له بستان يعمره ويحسن القيام‬
‫عليه إذ رأى في بستانه ذات يوم عصفورا واقعا على شجرة من شجرة‬
‫البستان يصيب من ثمرها فغاضه ذلك فنصب فخا فصاده‪ ،‬فلما هم بذبحه‬
‫أنطقه ال عزوجل بقدرته‪ ،‬فقال لصاحب البستان‪ :‬إنك تهتم بذبحي وليس‬
‫في ما يشبعك من جوع ول يقويك من ضعف فهل لك في خير عما هممت‬
‫به ؟ قال الرجل‪ :‬ما هو ؟ قال العصفور‪ :‬تخلى سبيلي واعلمك ثلث كلمات‬
‫إن أنت حفظتهن كن خيرا لك من أهل ومال هو لك‪ ،‬قال‪ :‬قد فعلت فأخبرني‬
‫بهن‪ ،‬قال العصفور‪ :‬احفظ عني ما أقول لك‪ :‬ل تأس على ما فاتك ول‬
‫تصدقن بما ل يكون‪ ،‬ول تطلبن مال تطيق‪ ،‬فلما قضى الكلمات خلى سبيله‪،‬‬
‫فطار فوقع على بعض الشجار‪ ،‬ثم قال للرجل‪ :‬لو تعلم ما فاتك مني لعلمت‬
‫أنك قد فاتك مني عظيم جسيم من المر‪ ،‬فقال الرجل وماذاك ؟ قال‬
‫العصفور‪ :‬لو كنت قضيت على ما هممت به من ذبحي لستخرجت من‬
‫حوصلتي درة كبيضة الوزة فكان لك في ذلك غنى الدهر‪ ،‬فلما سمع الرجل‬
‫منه ذلك أسر في نفسه ندما على ما فاته‪ ،‬وقال‪ :‬دع منك ما مضى‪ ،‬وهلم‬
‫أنطلق بك إلى منزلي فأحسن صحبتك وأكرم مثواك‪ ،‬فقال له العصفور‪ :‬أيها‬
‫الجاهل ما أراك حفظتني إذا ظفرت‬

‫]‪[416‬‬

‫بي‪ ،‬ول انتفعت بالكلمات التي فتديت بها منك نفسي‪ ،‬ألم أعهد إليك أل تأس على ما‬
‫فاتك ول تصدق مال يكون‪ ،‬ول تطلب مال يدرك ؟ أما أنت متفجع على ما‬
‫فاتك وتلتمس مني رجعتي إليك وتطلب مال تدرك وتصدق أن في حوصلتي‬
‫درة كبيضة الوزة‪ ،‬وجميعي أصغر من بيضها‪ ،‬وقد كنت عهدت إليك أن ل‬
‫تصدق بما ل يكون‪ .‬وأن امتكم صنعوا أصنامهم بأيديهم ثم زعموا أنها هي‬
‫التي خلقتهم وخفظوها من أن تسرق مخافة عليها وزعموا أنها هي التي‬
‫تحفظهم‪ ،‬وأنفقوا عليها من مكاسبهم وأموالهم‪ ،‬وزعموا أنها هي التي‬
‫ترزقهم فطلبوا من ذلك مال يدرك وصدقوا بما ل يكون فلزمهم منه ما لزم‬
‫صاحب البستان‪ ،‬قال ابن الملك‪ :‬صدقت أما الصنام فإني لم أزل عارفا‬
‫بأمرها‪ ،‬زاهدا فيها‪ ،‬آيسا من خيرها‪ ،‬فأخبرني بالذي تدعوني إليه والذي‬
‫ارتضيته لنفسك ما هو ؟ قال بلوهر‪ :‬جماع الدين أمران أحدهما معرفة ال‬
‫عزوجل والخر العمل برضوانه‪ ،‬قال ابن الملك‪ :‬وكيف معرفة ال‬
‫عزوجل ؟ قال الحكيم‪ :‬أدعوك إلى أن تعلم أن ال واحد ليس له شريك‪ ،‬لم‬
‫يزل فردا ربا‪ ،‬وما سواه مربوب‪ ،‬وأنه خالق وما سواه مخلوق‪ ،‬وأنه قديم‬
‫وما سواه محدث‪ ،‬وأنه صانع وما سواه مصنوع‪ ،‬وأنه مدبر وما سواه‬
‫مدبر‪ ،‬وأنه باق وما سواه فان‪ ،‬وأنه عزيز وما سواه ذليل‪ ،‬وأنه ل ينام ول‬
‫يغفل ول يأكل ول يشرب ول يضعف ول يغلب ول يعجز‪ ،‬ول يعجزه شئ‪،‬‬
‫لم تمتنع منه السماوات والرض والهواء والبر والبحر‪ ،‬وأنه كون الشياء‬
‫ل من شئ‪ ،‬وأنه لم يزل ول يزال‪ ،‬ول تحدث فيه الحوادث‪ ،‬ول تغيره‬
‫الحوال‪ ،‬ول تبدله الزمان ول يتغير من حال إلى حال‪ ،‬ول يخلو منه‬
‫مكان‪ ،‬ول يشتغل به مكان‪ ،‬ول يكون من مكان أقرب منه إلى مكان‪ ،‬ول‬
‫يغيب عنه شئ‪ ،‬عالم ل يخفى عليه شئ‪ ،‬قدير ل يفوته شئ‪ ،‬وأن تعرفه‬
‫بالرأفة والرحمة والعدل‪ ،‬وأن له ثوابا أعده لمن أطاعه‪ ،‬وعذابا أعده لمن‬
‫عصاه‪ ،‬وأن تعمل ل برضاه‪ ،‬وتجتنب سخطه‪.‬‬

‫]‪[417‬‬

‫قال ابن الملك‪ :‬فما يرضي الواحد الخالق من العمال ؟ قال الحكيم‪ :‬يا ابن الملك أن‬
‫تطيعه ول تعصيه‪ ،‬وأن تأتي إلى غيرك ما تحب أن يؤتى إليك‪ ،‬وتكف عن‬
‫غيرك ما تحب أن يكف عنك في مثله‪ ،‬فإن ذلك عدل وفي العدل رضاه‪،‬‬
‫وفي اتباع آثار أنبياء ال ورسله بأن ل تعدو سنتهم‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬زدني‬
‫أيها الحكيم تزهيدا في الدنيا وأخبرني بحالها‪ .‬قال الحكيم‪ :‬إني لما رأيت‬
‫الدنيا دار تصرف وزوال وتقلب من حال إلى حال‪ ،‬ورأيت أهلها فيها‬
‫أغراضا للمصائب‪ ،‬ورهائن للمتالف‪ ،‬ورأيت صحة بعدها سقما‪ ،‬وشبابا‬
‫بعده هرما‪ ،‬وغنى بعده فقرا‪ ،‬وفرحا بعده حزنا‪ ،‬وعزا بعده ذل‪ ،‬ورخاء‬
‫بعده شدة‪ ،‬وأمنا بعده خوفا‪ ،‬وحياة بعدها مماة‪ ،‬ورأيت أعمارا قصيرة‪،‬‬
‫وحتوفا راصدة )‪ (1‬وسهاما قاصدة‪ ،‬وأبدانا ضعيفة مستسلمة‪ ،‬غير‬
‫ممتنعة ول حصينة‪ ،‬عرفت أن الدنيا منقطعة بالية فانية‪ ،‬وعرفت بما ظهر‬
‫لي منها ما غاب عني منها‪ ،‬وعرفت بظاهرها باطنها‪ ،‬وغامضها‬
‫بواضحها‪ ،‬وسرها بعلنيتها‪ ،‬و صدورها بورودها‪ ،‬فحذرتها لما عرفتها‪،‬‬
‫وفررت منها لما أبصرتها‪ ،‬بينا ترى المرء فيها مغتبطا محبورا )‪ (2‬وملكا‬
‫مسرورا )‪ (3‬في خفض ودعة ونعمة وسعة في بهجة من شبابة‪ ،‬وحداثة‬
‫من سنه‪ ،‬وغبطة من ملكه‪ ،‬وبهاء من سلطانه‪ ،‬وصحة من بدنه إذا انقلبت‬
‫الدنيا به أسر ما كان فيها نفسا‪ ،‬وأقر ما كان فيها عينا‪ ،‬فأخرجته من‬
‫ملكها وغبطتها وخفضها ودعتها وبهجتها‪ ،‬فأبدلته بالعز ذل وبالفرح‬
‫ترحا‪ ،‬وبالسرور حزنا‪ ،‬وبالنعمة بؤسا‪ ،‬وبالغني فقرا‪ ،‬وبالسعة ضيقا‪،‬‬
‫وبالشباب هرما‪ ،‬وبالشرف ضعة‪ ،‬وبالحياة موتا‪ ،‬فدلته في حفرة ضيقة‬
‫شديدة الوحشة‪ ،‬وحيدا فريدا غريبا‪ ،‬قد فارق الحبة وفارقوه‪ ،‬خذله إخوانه‬
‫فلم يجد عندهم دفعا‪ ،‬وصار عزه وملكه وأهله وماله نهبة من بعده‪ ،‬كأن لم‬
‫يكن في الدنيا ولم يذكر فيها ساعة قط ولم‬

‫)‪ (1‬الحتف الموت من غير قتل والجمع حتوف‪ .‬والراصد‪ :‬المراقب‪ (2) .‬أي‬
‫مسرورا والحبر ‪ -‬بفتح الحاء وكسرها ‪ -‬السرور والجمع حبور وأحبار‪.‬‬
‫)‪ (3‬في بعض النسخ " مشعوفا "‪.‬‬

‫]‪[418‬‬

‫يكن له فيها خطر‪ ،‬ولم يملك من الرض حظا قط فل تتخذ فيها يا ابن الملك دارا‪،‬‬
‫ول تتخذن فيها عقدول عقارا‪ ،‬فاف لها وتف‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬اف لها ولمن‬
‫يغتر بها إذ كان هذا حالها ورق ابن الملك وقال‪ :‬زدني أيها الحكيم من‬
‫حديثك فإنه شفاء لما في صدري‪ .‬قال الحكيم‪ :‬إن العمر قصير‪ ،‬والليل‬
‫والنهار يسرعان فيه‪ ،‬والرتحال من الدنيا حثيث قريب‪ ،‬وإنه وإن طال‬
‫العمر فيها فإن الموت نازل‪ ،‬والظاعن ل محالة راحل فيصير ما جمع فيها‬
‫مفرقا‪ ،‬وما عمل فيها متبرا‪ ،‬وما شيد فيها خرابا‪ ،‬ويصير اسمه مجهول‪،‬‬
‫وذكره منسيا‪ ،‬وحسبه خامل وجسده باليا‪ ،‬وشرفه وضيعا‪ ،‬ونعمته وبال‪،‬‬
‫وكسبه خسارا‪ ،‬ويورث سلطانه‪ ،‬ويستذل عقبه‪ ،‬ويستباح حريمه‪ ،‬وتنقض‬
‫عهوده‪ ،‬وتخفر ذمته‪ ،‬وتدرس آثاره‪ ،‬ويوزع ماله‪ ،‬ويطوى رحله‪ ،‬ويفرح‬
‫عدوه ويبيد ملكه‪ ،‬ويورث تاجه‪ ،‬ويخلف على سريره‪ ،‬ويخرج من مساكنه‬
‫مسلوبا مخذول فيذهب به إلى قبره فيدلى في حفرته في وحدة وغربة‬
‫وظلمة ووحشة ومسكنة وذلة‪ ،‬قد فارق الحبة‪ ،‬وأسلمته العصبة فل‬
‫تؤنس وحشته أبدا‪ ،‬ول ترد غربته أبدا‪ ،‬واعلم أنها يحق على المرء اللبيب‬
‫من سياسة نفسه خاصة كسياسة المام العادل الحازم الذي يؤدب العامة‪،‬‬
‫ويستصلح الرعية‪ ،‬ويأمرهم بما يصلحهم‪ ،‬وينهاهم عما يفسدهم‪ ،‬ثم يعاقب‬
‫من عصاه منهم‪ ،‬ويكرم من أطاعه منهم‪ ،‬فكذلك للرجل اللبيب أن يؤدب‬
‫نفسه في جميع أخلقها وأهوائها وشهواتها وأن تحملها وإن كرهت على‬
‫لزوم منافعها فيما أحبت وكرهت‪ ،‬وعلى اجتناب مضارها‪ ،‬وأن يجعل‬
‫لنفسه عن نفسه ثوابا وعقابا من مكانها من السرور إذا أحسنت‪ ،‬ومن‬
‫مكانها من الغم إذا أساءت‪ ،‬ومما يحق على ذي العقل فيما ورد عليه من‬
‫اموره‪ ،‬والخذ بصوابها‪ ،‬وينهى نفسه عن خطائها‪ ،‬وأن يحتقر عمله‬
‫ونفسه في رأيه لكيل يدخله عجب‪ ،‬فإن ال عزوجل قد مدح أهل العقل وذم‬
‫أهل العجب‪ ،‬ومن ل عقل له‪ ،‬وبالعقل يدرك كل خير بإذن ال تبارك‬
‫وتعالى‪ ،‬وبالجهل تهلك النفوس‪ ،‬وإن من أوثق‬
‫]‪[419‬‬

‫الثقات عند ذوي اللباب ما أدركته عقولهم‪ ،‬وبلغته تجاربهم‪ ،‬ونالته أبصارهم في‬
‫الترك للهواء والشهوات‪ ،‬وليس ذو العقل بجدير أن يرفض ما قوي على‬
‫حفظه من العمل احتقارا له إذا لم يقدر على ما هو أكثر منه‪ ،‬وإنما هذا من‬
‫أسلحة الشيطان الغامضة التي ل يبصرها إل من تدبرها‪ ،‬ول يسلم منها إل‬
‫من عصمه ال منها‪ ،‬ومن أسلحته سلحان أحدهما إنكار العقل أن يوقع‬
‫في قلب النسان العاقل أنه ل عقل له ول بصر ول منفعة له في عقله‬
‫وبصره‪ ،‬ويريد أن يصده عن محبة العلم وطلبه‪ ،‬ويزين له الشتغال بغيره‬
‫من ملهي الدنيا‪ ،‬فإن أتبعه النسان من هذا الوجه فهو ظفره‪ ،‬وإن عصاه‬
‫وغلبه فرغ إلى السلح الخر وهو أن يجعل النسان إذا عمل شيئا وأبصره‬
‫عرض له بأشياء ل يبصرها ليغمزه ويضجره بما ل يعلم حتى يبغض إليه‬
‫ما هو فيه بتضعيف عقله عنده‪ ،‬وبما يأتيه من الشبهة‪ ،‬ويقول‪ :‬ألست ترى‬
‫أنك ل تستكمل هذا المر ول تطيقه أبدا فبم تعني نفسك وتشقيها فيما ل‬
‫طاقة لك به‪ ،‬فبهذا السلح صرع كثيرا من الناس‪ ،‬فاحترس من أن تدع‬
‫اكتساب علم ما تعلمه وأن تخدع عما اكتسبت منه‪ ،‬فإنك في دار قد استحوذ‬
‫على أكثر أهلها الشيطان بألوان حيله ووجوه ضللته‪ ،‬ومنهم من قد ضرب‬
‫على سمعه وعقله وقلبه فتركه ل يعلم شيئا‪ ،‬ول يسأل عن علم ما جهل‬
‫منه كالبهيمة‪ ،‬وإن لعامتهم أديانا مختلفة فمنهم المجتهدون في الضللة‬
‫حتى أن بعضهم ليستحل دم بعض وأموالهم‪ ،‬ويموه ضللتهم بأشياء من‬
‫الحق ليلبس عليهم دينهم‪ ،‬ويزينه لضعيفهم‪ ،‬ويصدهم عن الدين القيم‪،‬‬
‫فالشيطان وجنوده دائبون في إهلك الناس‪ ،‬وتضليلهم ل يسأمون ول‬
‫يفترون ول يحصى عددهم إل ال‪ ،‬ول يستطاع دفع مكائدهم إل بعون من‬
‫ال عزوجل والعتصام بدينه‪ ،‬فنسأل ال توفيقا لطاعته ونصرا على‬
‫عدونا‪ ،‬فإنه ل حول ول قوة إل بال‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬صف لي ال سبحانه‬
‫وتعالى حتى كأني أراه قال‪ :‬إن ال تقدس ذكره ل يوصف بالرؤية‪ ،‬ول يبلغ‬
‫بالعقول كنه صفته‪ ،‬ول تبلغ اللسن كنه مدحته‪ ،‬ول يحيط العباد من علمه‬
‫إل بما علمهم منه على ألسنة أنبيائه عليهم السلم‬

‫]‪[420‬‬

‫بما وصف به نفسه‪ ،‬ول تدرك الوهام عظم ربوبيته‪ ،‬هو أعلى من ذلك وأجل وأعز‬
‫وأعظم وأمنع وألطف‪ ،‬فتاح للعباد من علمه بما أحب‪ ،‬وأظهرهم من صفته‬
‫على ما أراد‪ ،‬وأدلهم على معرفته ومعرفة ربوبيته بإحداث ما لم يكن‪،‬‬
‫وإعدام ما أحدث‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬وما الحجة ؟ قال‪ :‬إذا رأيت شيئا مصنوعا‬
‫غاب منك صانعه علمت بعقلك أن له صانعا‪ ،‬فكذلك السماء والرض وما‬
‫بينهما‪ ،‬فأي حجة أقوى من ذلك‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬فأخبرني أيها الحكيم أبقدر‬
‫من ال عزوجل يصيب الناس ما يصيبهم من السقام والوجاع والفقر‬
‫والمكاره أو بغير قدر‪ .‬قال بلوهر‪ :‬ل بل بقدر‪ ،‬قال‪ :‬فأخبرني عن أعمالهم‬
‫السيئة‪ ،‬قال‪ :‬إن ال عزوجل من سيئ أعمالهم برئ ولكنه عزوجل أوجب‬
‫الثواب العظيم لمن أطاعه والعقاب الشديد لمن عصاه‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني من‬
‫أعدل الناس ومن أجورهم‪ ،‬ومن أكيسم ومن أحمقهم‪ ،‬ومن أشقاهم ومن‬
‫أسعدهم ؟ قال‪ :‬أعدلهم أنصفهم من نفسه وأجورهم من كان جوره عنده‬
‫عدل وعدل أهل العدل عنده جورا‪ ،‬وأما أكيسهم فمن أخذ لخرته اهبتها )‬
‫‪ ،(1‬وأحمقهم من كانت الدنيا همه‪ ،‬والخطايا عمله‪ ،‬وأسعدهم من ختم‬
‫عاقبة عمله بخير‪ ،‬وأشقاهم من ختم له بما يسخط ال عزوجل‪ .‬ثم قال‪ :‬من‬
‫دان الناس بما إن دين بمثله هلك فذلك المسخط ل‪ ،‬المخالف لما يحب‪،‬‬
‫ومن دانهم بما إن دين بمثله صلح فذلك المطيع ل الموافق لما يحب‬
‫المجتنب لسخطه‪ ،‬ثم قال‪ :‬ل تستقبحن الحسن وإن كان في الفجار‪ ،‬ول‬
‫تستحسنن القبيح وإن كان في البرار‪ .‬ثم قال له‪ :‬أخبرني أي الناس أولى‬
‫بالسعادة ؟ وأيهم أولى بالشقاوة ؟ قال بلوهر‪ :‬أولهم بالسعادة المطيع ل‬
‫عزوجل في أمره‪ ،‬والمجتنب لنواهيه‪ ،‬وأولهم بالشقاوة العامل بمعصية‬
‫ال‪ ،‬التارك لطاعته‪ ،‬المؤثر لشهوته على رضى ال‬

‫)‪ (1‬الهبة‪ :‬العدة‪ ،‬يقال أخذ للسفر أهبته أي أسبابه‪.‬‬

‫]‪[421‬‬

‫عزوجل‪ ،‬قال‪ :‬فأي الناس أطوعهم ل عزوجل ؟ قال‪ :‬أتبعهم لمره‪ ،‬وأقواهم في‬
‫دينه‪ ،‬وأبعدهم من العمل بالسيئات‪ ،‬قال‪ :‬فما الحسنات والسيئات ؟ قال‪:‬‬
‫الحسنات صدق النية والعمل‪ ،‬والقول الطيب‪ ،‬والعمل الصالح‪ ،‬والسيئات‬
‫سوء النية‪ ،‬و سوء العمل‪ ،‬والقول السيئ‪ ،‬قال‪ :‬فما صدق النية ؟ قال‪:‬‬
‫القتصاد في الهمة‪ ،‬قال‪ :‬فما سوء القول ؟ قال‪ :‬الكذب‪ ،‬قال‪ :‬فما سوء‬
‫العمل ؟ قال‪ :‬معصية ال عزوجل قال‪ :‬أخبرني كيف القتصاد في الهمة ؟‬
‫قال‪ :‬التذكر لزوال الدنيا وانقطاع أمرها‪ ،‬والكف عن المور التي فيها‬
‫النقمة والتبعة في الخرة‪ .‬قال‪ :‬فما السخاء ؟ قال‪ :‬إعطاء المال في سبيل‬
‫ال عزوجل‪ ،‬قال‪ :‬فما الكرم ؟ قال‪ :‬التقوى‪ ،‬قال‪ :‬فما البخل ؟ قال‪ :‬منع‬
‫الحقوق عن أهلها وأخذها من غير وجهها‪ ،‬قال‪ :‬فما الحرص ؟ قال‪:‬‬
‫الخلد إلى الدنيا‪ ،‬والطماح إلى المور التي فيها الفساد‪ ،‬وثمرتها عقوبة‬
‫الخرة‪ ،‬قال‪ :‬فما الصدق ؟ قال‪ :‬طريقة في الدين بأن ل يخادع المرء نفسه‬
‫ول يكذبها‪ ،‬قال‪ :‬فما الحمق ؟ قال‪ :‬الطمأنينة إلى الدنيا و ترك ما يدوم‬
‫ويبقى‪ ،‬قال‪ :‬فما الكذب ؟ قال‪ :‬أن يكذب المرء نفسه فل يزال بهواه شعفا‬
‫ولدينه مسوفا‪ ،‬قال‪ :‬أي الرجال أكملهم في الصلح ؟ قال‪ :‬أكملهم في العقل‬
‫وأبصرهم بعواقب المور‪ ،‬وأعملهم بخصومة‪ ،‬وأشدهم منهم احتراسا‪،‬‬
‫قال‪ :‬أخبرني ما تلك العاقبة وما اولئك الخصماء الذين يعرفهم العاقل‬
‫فيحترس منهم ؟ قال‪ :‬العاقبة الخرة‪ ،‬والعناء الدنيا‪ ،‬قال‪ :‬فما الخصماء ؟‬
‫قال‪ :‬الحرص والغضب والحسد و الحمية والشهوة والرياء واللجاجة‪ .‬قال‪:‬‬
‫أي هؤلء الذين عددت أقوى وأجدر أن ل يسلم منه ؟ قال‪ :‬الحرص أقل‬
‫رضا وأفحش غضبا‪ ،‬والغضب أجور سلطانا وأقل شكرا وأكسب للبغضاء‪،‬‬
‫والحسد أسوء الخيبة للنية‪ ،‬وأخلف للظن‪ ،‬والحمية أشد لجاجة وأفضع‬
‫معصية‪ ،‬والحقد أطول توقدا وأقل رحمة وأشد سطوة‪ ،‬والرياء أشد خديعة‪،‬‬
‫وأخفى اكتنانا وأكذب‪ ،‬واللجاجة أعي حصومة‪ ،‬وأقطع معذرة‪.‬‬

‫]‪[422‬‬

‫قال‪ :‬أي مكائد الشيطان للناس في هلكهم أبلغ ؟ قال‪ :‬تعميته عليهم البر والثم‬
‫والثواب والعقاب وعواقب المور في ارتكاب الشهوات‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني‬
‫بالقوة التي قوى ال عزوجل بها العباد في تغالب تلك المور السيئة‬
‫والهواء المردية ؟ قال‪ :‬العلم والعقل والعمل بهما‪ ،‬وصبر النفس عن‬
‫شهواتها‪ ،‬والرجاء للثواب في الدين‪ ،‬وكثرة الذكر لفناء الدنيا‪ ،‬وقرب‬
‫الجل‪ ،‬والحتفاظ من أن ينقض ما يبقى بما يفنى‪ ،‬واعتبار ماضي المور‬
‫بعاقبتها‪ ،‬والحتفاظ بما ل يعرف إل عند ذوي العقول‪ ،‬وكف النفس عن‬
‫العادة السيئة وحملها على العادة الحسنة‪ ،‬والخلق المحمود‪ ،‬وأن يكون‬
‫أمل المرء بقدر عيشه حتى يبلغ غايته‪ ،‬فإن ذلك هو القنوع وعمل الصبر‬
‫والرضا بالكفاف واللزوم للقضاء والمعرفة بما فيه في الشدة من التعب‬
‫وما في الفراط من الغتراف‪ ،‬وحسن العزاء عمافات‪ ،‬وطيب النفس عنه‬
‫وترك معالجة مال يتم‪ ،‬والصبر بالمور التي إليها يرد‪ ،‬واختيار سبيل‬
‫الرشد على سبيل الغي‪ ،‬وتوطين النفس على أنه إن عمل خيرا جزي به‬
‫وإن عمل شرا جزي به‪ ،‬والمعرفة بالحقوق والحدود في التقوى‪ ،‬وعمل‬
‫النصيحة‪ ،‬وكف النفس عن اتباع الهوى وركوب الشهوات‪ ،‬وحمل المور‬
‫على الرأي والخذ بالحزم والقوة‪ ،‬فإن أتاه البلء أتاه وهو معذور غير‬
‫ملوم‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬أي الخلق أكرم وأعز ؟ قال‪ :‬التواضع ولين الكلمة‬
‫للخوان في ال عزوجل‪ ،‬قال‪ :‬أي العبادة أحسن ؟ قال‪ :‬الوقار والمودة‬
‫قال‪ :‬فاخبرني أي الشيم أفضل ؟ قال‪ :‬حب الصالحين‪ ،‬قال‪ :‬أي الذكر‬
‫أفضل ؟ قال‪ :‬ما كان في المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬قال‪ :‬فأي‬
‫الخصوم ألد ؟ قال‪ :‬ترك الذنوب‪ ،‬قال ابن الملك‪ :‬أخبرني أي الفضل‬
‫أفضل ؟ قال‪ :‬الرضا بالكفاف‪ ،‬قال‪ :‬أخبرني أي الدب أحسن ؟ قال‪ :‬أدب‬
‫الدين‪ ،‬قال‪ :‬أي الشئ أجفا ؟ قال السلطان العاتي‪ ،‬والقلب القاسي‪ ،‬قال‪ :‬أي‬
‫شئ أبعد غاية ؟ قال‪ :‬عين الحريص التي ل يشبع من الدنيا‪ ،‬قال‪ :‬أي‬
‫المور أخبث عاقبة ؟ قال‪ :‬التماس رضى الناس في سخط ال عزوجل‪،‬‬
‫قال‪ :‬أي شئ أسرع تقلبا‪ ،‬قال‪ :‬قلوب الملوك الذين يعملون للدنيا‪،‬‬

‫]‪[423‬‬

‫قال‪ :‬فأخبرني أي الفجور أفحش ؟ قال‪ :‬إعطاء عهد ال والغدر فيه‪ ،‬قال‪ :‬فأي شئ‬
‫أسرع انقطاعا‪ ،‬قال‪ :‬مودة الفاسق‪ ،‬قال‪ :‬فأي شئ أخون ؟ قال‪ :‬لسان‬
‫الكاذب‪ ،‬قال‪ :‬فأي شئ أشد اكتتاما ؟ قال‪ :‬شر المرائي المخادع‪ ،‬قال‪ :‬فأي‬
‫شئ أشبه بأحوال الدنيا ؟ قال‪ :‬أحلم النائم‪ ،‬قال‪ :‬أي الرجال أفضل رضى ؟‬
‫قال‪ :‬أحسنهم ظنا بال عزوجل وأتقاهم وأقلهم غفلة عن ذكر ال وذكر‬
‫الموت وانقطاع المدة‪ ،‬قال‪ :‬أي شئ من الدنيا أقر للعين ؟ قال‪ :‬الولد‬
‫الديب والزوجة الموافقة المؤاتية المعينة على أمر الخرة‪ ،‬قال‪ :‬أي الداء‬
‫ألزم في الدنيا ؟ قال‪ :‬الولد السوء والزوجة السوء اللذين ل يجد منهما بدا‪،‬‬
‫قال‪ :‬أي الخفض أخفض ؟ قال‪ :‬رضى المرء بحظه واستيناسه بالصالحين‪.‬‬
‫ثم قال ابن الملك للحكيم‪ :‬فرغ لي ذهنك فقد أردت مساءلتك عن أهم‬
‫الشياء إلي بعد إذ بصرني ال عزوجل من أمري ما كنت به جاهل‪،‬‬
‫ورزقني من الدين ما كنت منه آيسا‪ .‬قال الحكيم‪ :‬سل عما بدالك‪ ،‬قال ابن‬
‫الملك‪ :‬أرأيت من اوتي الملك طفل ودينه عبادة الوثان وقد غذي بلذات‬
‫الدنيا واعتادها ونشأ فيها إلى أن كان رجل وكهل ل ينتقل من حالته تلك‬
‫في جهالته بال تعالى ذكره وإعطائه نفسه شهواتها متجردا لبلوغ الغاية‬
‫فيما زين له من تلك الشهوات مشتغل بها‪ ،‬مؤثرا لها‪ ،‬جريا عليها‪ ،‬ل يرى‬
‫الرشد إل فيها‪ ،‬ول تزيده اليام إل حبا لها واغترارا بها وعجبا وحبا لهل‬
‫ملته ورأيه وقد دعته بصيرته في ذلك إلى أن جهل أمر آخرته وأغفلها‬
‫فاستخفها وسها عنها قساوة قلب وخبث نية وسوء رأي‪ ،‬واشتدت عداوته‬
‫لمن خالفه من أهل الدين والستخفاء بالحق والمغيبين لشخاصهم انتطارا‬
‫للفرج من ظلمه وعداوته هل يطمع له إن طال عمره في النزوع عما هو‬
‫عليه ؟ والخروج منه إلى ما الفضل فيه بين والحجة فيه واضحة ؟ والحظ‬
‫جزيل من لزوم ما أبصرت من الدين فيأتي ما يرجى له ]بعد[ مغفرة ما قد‬
‫سلف من ذنوبه وحسن الثواب في مآبه‪ .‬قال الحكيم‪ :‬قد عرفت هذه‬
‫الصفة‪ ،‬وما دعاك إلى هذه المسألة ؟‪.‬‬

‫]‪[424‬‬

‫قال ابن الملك‪ :‬ما ذاك منك بمستنكر لفضل ما اوتيت من الفهم وخصصت به من‬
‫العلم‪ .‬قال الحكيم‪ :‬أما صاحب هذه الصفة فالملك والذي دعاك إليه العناية‬
‫بما سألت عنه‪ ،‬والهتمام به من أمره‪ ،‬والشفقة عليه من عذاب ما أوعد‬
‫ال عزوجل من كان على مثل رأيه وطبعه وهواه‪ ،‬مع ما نويت من ثواب‬
‫ال تعالى ذكره في أداء حق ما أوجب ال عليك له‪ ،‬وأحسبك تريد بلوغ‬
‫غاية العذر في التلطف لنفاذه و إخراجه عن عظيم الهول ودائم البلء‬
‫الذي ل انقطاع له من عذاب ال إلى السلمة وراحة البد في ملكوت‬
‫السماء‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬لم تحرم حرفا عما أردت فأعلمني رأيك فيما عنوت‬
‫من أمر الملك وحاله التي أتخوف أن يدركه الموت عليها فتصيبه الحسرة‬
‫والندامة حين ل اغني عنه شيئا فاجعلني منه على يقين وفرج عني فأنا به‬
‫مغموم شديد الهتمام به فإني قليل الحيلة فيه‪ .‬قال الحكيم‪ :‬أما رأينا فإنا ل‬
‫نبعد مخلوقا من رحمة ال خالقه عزوجل ول نأيس له منها مادام فيه‬
‫الروح‪ ،‬وإن كان عاتيا طاغيا ضال لما قد وصف ربنا تبارك وتعالى به‬
‫نفسه من التحنن والرأفة والرحمة ودل عليه من اليمان وما أمر به من‬
‫الستغفار والتوبة وفي هذا فضل الطمع لك في حاجتك إن شاء ال‪،‬‬
‫وزعموا أنه كان في زمن من الزمان ملك عظيم الصوت في العلم‪ ،‬رفيق‬
‫سايس يحب العدل في امته والصلح لرعيته‪ ،‬عاش بذلك زمانا بخير حال‪،‬‬
‫ثم هلك فجزعت عليه امته وكان بامرأة له حمل فذكر المنجمون والكهنة‬
‫أنه غلم وكان يدبر ملكهم من كان يلي ذلك في زمان ملكهم فاتفق المر‬
‫كما ذكره المنجمون والكهنة وولد من ذلك الحمل غلم فأقاموا عند ميلده‬
‫سنة بالمعازف والملهي والشربة والطعمة‪ ،‬ثم إن أهل العلم منهم والفقه‬
‫والربانيين قالوا لعامتهم‪ :‬إن هذا المولود إنما هو هبة من ال تعالى وقد‬
‫جعلتم الشكر لغيره وإن كان هبة من غير ال عزوجل فقد‬

‫]‪[425‬‬

‫أديتم الحق إلى من أعطاكموه واجتهدتم في الشكر لمن رزقكموه‪ ،‬فقال لهم العامة‪:‬‬
‫ما وهبه لنا إل ال تبارك وتعالى‪ ،‬ول امتن به علينا غيره‪ ،‬قال العلماء‪:‬‬
‫فإن كان ال عزوجل هو الذي وهبه لكم فقد أرضيتم غير الذي أعطاكم‬
‫وأسخطتم ال الذي وهبه لكم فقالت لهم الرعية‪ :‬فأشيروا لنا أيها الحكماء‬
‫وأخبرونا أيها العلماء فنتبع قولكم ونتقبل نصيحتكم‪ ،‬ومرونا بأمركم‪ .‬قالت‬
‫العلماء‪ :‬فإنا نرى لكم أن تعدلوا عن اتباع مرضات الشيطان بالمعازف‬
‫والملهي والمسكر إلى ابتغاء مرضات ال عزوجل وشكره على ما أنعم به‬
‫عليكم أضعاف شكركم للشيطان حتى يغفر لكم ما كان منكم قالت الرعية‪ :‬ل‬
‫تحمل أجسادنا كل الذي قلتم وأمرتم به‪ ،‬قالت العلماء‪ :‬يا أولى الجهل كيف‬
‫أطعتم من ل حق له عليكم وتعصون من له الحق الواجب عليكم وكيف‬
‫قويتم على مال ينبغي وتضعفون عما ينبغي ؟ ! قالوا لهم‪ :‬يا أئمة الحكماء‬
‫عظمت فينا الشهوات وكثرت فينا اللذات فقوينا بما عظم فينا منها على‬
‫العظيم من مشكلها و ضعفت منا النيات فعجزنا عن حمل المثقلت فارضوا‬
‫منا في الرجوع عن ذلك يوما فيوما‪ ،‬ول تكلفونا كل هذا الثقل‪ .‬قالوا لهم‪:‬‬
‫يا معشر السفهاء ألستم أبناء الجهل وإخوان الضلل حين خفت عليكم‬
‫الشقوة وثقلت عليكم السعادة‪ ،‬قالوا لهم‪ :‬أيها السادة الحكماء والقادة‬
‫العلماء إنا نستجير من تعنيفكم إيانا بمغفرة ال عزوجل ونستتر من‬
‫تعييركم لنا بعفوه فل تؤنبونا )‪ (1‬ول تعيرونا بضعفنا ول تعيبوا الجهالة‬
‫علينا فإنا إن أطعنا ال مع عفوه وحلمه وتضعيفه الحسنات أو اجتهدنا في‬
‫عبادته مثل الذي بذلنا لهوانا من الباطل بلغنا حاجتنا وبلغ ال عزوجل بنا‬
‫غايتنا ورحمنا كما خلقنا‪ ،‬فلما قالوا ذلك أقرهم علماؤهم ورضوا قولهم‬
‫فصلوا وصاموا وتعبدوا وأعظموا الصدقات سنة كاملة‪ ،‬فلما انقضى ذلك‬
‫منهم قالت الكهنة إن الذي صنعت هذه المة على هذا المولود يخبر أن هذا‬
‫الملك يكون فاجرا ويكون بارا‪ ،‬ويكون متجبرا ويكون متواضعا ويكون‬
‫مسيئا ويكون محسنا‪ .‬وقال المنجمون مثل ذلك‪ ،‬فقيل لهم‪ :‬كيف قلتم ذلك ؟‬
‫قال الكهنة‪ :‬قلنا هذا من قبل اللهو والمعازف والباطل الذي صنع عليه‪ ،‬وما‬
‫صنع عليه من ضده‬

‫)‪ (1‬أنبه ‪ -‬بشد النون ‪ :-‬عنفه ولمه‪.‬‬

‫]‪[426‬‬

‫بعد ذلك‪ ،‬وقال المنجمون‪ :‬قلنا ذلك من قبل استقامة الزهرة والمشتري‪ ،‬فنشأ الغلم‬
‫بكبر ل يوصف عظمته‪ ،‬ومرح ل ينعت‪ ،‬وعدوان ل يطاق فعسف وجار‬
‫وظلم في الحكم وغشم وكان أحب الناس إليه من وافقه على ذلك وأبغض‬
‫الناس إليه من خالفه في شئ من ذلك‪ ،‬واغتر بالشباب والصحة والقدرة‬
‫والظفر والنظر فامتل سرورا وإعجابا بما هو فه ورأى كلما يحبه وسمع‬
‫كلما اشتهى حتى بلغ اثنين و ثلثين سنة‪ ،‬ثم جمع نساء من بنات الملوك‬
‫وصبيانا والجواري والمخدرات وخيله المطهمات العناق )‪ (1‬وألوان‬
‫مراكبه الفاخرة ووصائفه وخدامه الذين يكونون في خدمته فأمرهم أن‬
‫يلبسوا أجد ثيابهم ويتزينوا بأحسن زينتهم وأمر ببناء مجلس مقابل مطلع‬
‫الشمس‪ ،‬صفائح أرضه الذهب مفضضا بأنواع الجواهر‪ ،‬طوله مائة‬
‫وعشرون ذراعا وعرضه ستون ذراعا مزخر فاسقفه وحيطانه‪ ،‬قد زين‬
‫بكرائم الحلي وصنوف الجوهر واللؤلؤ النظيم وفاخره‪ ،‬وأمر بضروب‬
‫الموال فاخرجت من الخزائن ونضدت سماطين )‪ (2‬أمام مجلسه‪ ،‬وأمر‬
‫جنوده وأصحابه وقواده وكتابه وحجابه وعظماء أهل بلده وعلمائهم‬
‫فحضروا في أحسن هيئتهم وأجمل جمالهم وتسلح فرسانه وركبت خيوله‬
‫في عدتهم‪ ،‬ثم وقفوا على مراكزهم ومراتبهم صفوفا وكراديس‪ ،‬وإنما أراد‬
‫بزعمه أن ينظر إلى منظر رفيع حسن تسر به نفسه وتقر به عينه‪ ،‬ثم‬
‫خرج فصعد إلى مجلسه فأشرف على مملكته فخروا له سجدا‪ ،‬فقال لبعض‬
‫غلمانه‪ :‬قد نظرت في أهل مملكتي إلى منظر حسن وبقي أن أنظر إلى‬
‫صورة وجهي فدعا بمرآة فنظر إلى وجهه فبينا هو يقلب طرفه فيها إذ‬
‫لحت له شعرة بيضاء من لحيته كغراب أبيض بين غربان سود‪ ،‬واشتد‬
‫منها ذعره وفزعه )‪ (3‬وتغير في عينه حاله وظهرت الكآبة والحزن في‬
‫وجهه وتولى السرور منه‪ .‬ثم قال في نفسه‪ :‬هذا حين نعي إلى شبابي‬
‫وبين لي أن ملكي في ذهاب واوذنت‬

‫)‪ (1‬أي تام الحسن‪ (2) .‬نضد المتاع ‪ -‬بشد الضاد وتخفيفها ‪ -‬رتبه وضم بعضه إلى‬
‫بعض متسقا أو مركوما‪ .‬والسماط‪ :‬الشئ المصطف‪ .‬وسماط الطريق‬
‫جانباه‪ (3) .‬الذعر‪ :‬الخوف والفزع‪.‬‬

‫]‪[427‬‬

‫بالنزول عن سرير ملكي‪ ،‬ثم قال‪ :‬هذه مقدمة الموت ورسول البلء )‪ (1‬لم يحجبه‬
‫عني حاجب‪ ،‬ولم يمنعه عني حارس‪ ،‬فنعى إلى نفسي وأذن لي بزوال‬
‫ملكي فما أسرع هذا في تبديل بهجتي وذهاب سروري‪ ،‬وهدم قوتي‪ ،‬لم‬
‫يمنعه مني الحصون ولم تدفعه عني الجنود‪ ،‬هذا سالب الشباب والقوة‪،‬‬
‫وما حق العز والثروة‪ ،‬ومفرق الشمل وقاسم التراث بين الولياء‬
‫والعداء‪ ،‬مفسد المعاش‪ ،‬ومنغص اللذات ومخرب العمارات ومشتت‬
‫الجمع‪ ،‬وواضع الرفيع‪ ،‬ومذل المنيع‪ ،‬قد أناخت بي أثقاله )‪ (2‬ونصب لي‬
‫حباله‪ .‬ثم نزل عن مجلسه حافيا ماشيا‪ ،‬وقد صعد إليه محمول‪ ،‬ثم جمع‬
‫إليه جنوده ودعا إليه ثقاته فقال‪ :‬أيها المل ماذا صنعت فيكم وما أتيت‬
‫إليكم منذ ملكتكم ووليت اموركم ؟ قالوا له‪ :‬أيها الملك المحمود عظم بلؤك‬
‫عندنا وهذه أنفسنا مبذولة في طاعتك‪ ،‬فمرنا بأمرك‪ ،‬قال‪ :‬طرقني عدو‬
‫نحيف )‪ (3‬لم تمنعوني منه حتى نزل بي وكنتم عدتي وثقاتي‪ ،‬قالوا‪ :‬أيها‬
‫الملك أين هذا العدو ؟ أيرى أم ل يرى ؟ قال‪ :‬يرى بأثر ول يرى عينه‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬أيها الملك هذه عدتنا كما ترى وعندنا سكن وفينا ذووا الحجى‬
‫والنهى‪ ،‬فأرناه نكفك ما مثله يكفى‪ ،‬قال‪ :‬قد عظم الغترار مني بكم‬
‫ووضعت الثقة في غير موضعها حين اتخذتكم وجعلتكم لنفسي جنة‪ ،‬وإنما‬
‫بذلت لكم الموال ورفعت شرفكم وجعلتكم البطانة دون غيركم لتحفظوني‬
‫من العداء وتحرسوني منهم‪ ،‬ثم أيدتكم على ذلك بتشييد البلدان وتحصين‬
‫المدائن والثقة من الصلح ونحيت عنكم الهموم )‪ (4‬وفرغتكم للنجدة‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " رسول البلى "‪ (2) .‬أناخ البلء على فلن‪ :‬أقام عليه‪،‬‬
‫وأناخ به الحاجة‪ :‬أنزلها به‪ .‬أناخ الجمل‪ :‬أبركه‪ (3) .‬طرق القوم‪ :‬أتاهم‬
‫ليل‪ (4) .‬نحاه عنه أي أبعده عنه وأزاله ‪ -‬والنجدة‪ :‬الشجاعة والشدة‬
‫والبأس‪.‬‬
‫]‪[428‬‬

‫والحتفاظ‪ ،‬ولم أكن أخشى أن اراع معكم ول أتخوف المنون على بنياني وأنتم‬
‫عكوف مطيفون به فطرقت وأنتم حولي واتيت وأنتم معي‪ ،‬فلئن كان هذا‬
‫ضعف منكم فما أخذت أمري بثقة وإن كانت غفلة منكم فما أنتم بأهل‬
‫النصيحة ول علي بأهل الشفقة‪ ،‬قالوا‪ :‬أيها الملك أما شئ نطيق دفعه‬
‫بالخيل والقوة فليس بواصل إليك إن شاء ال ونحن أحياء‪ ،‬وأما ما ل يرى‬
‫فقد غيب عنا علمه وعجزت قوتنا عنه‪ .‬قال‪ :‬أليس اتخذتكم لتمنعوني من‬
‫عدوي‪ ،‬قالوا‪ :‬بلي‪ ،‬قال‪ :‬فمن أي عدو تحفظوني من الذي يضرني أو من‬
‫الذي ل يضرني ؟ قالوا‪ :‬من الذي يضرك ؟ قال‪ :‬أفمن كل ضار لي أو من‬
‫بعضهم ؟ قالوا‪ :‬من كل ضار‪ ،‬قال‪ :‬فإن رسول البلى قد أتاني ينعى إلى‬
‫نفسي وملكي ويزعم أنه يريد خراب ما عمرت وهدم ما بنيت وتفريق ما‬
‫جمعت‪ .‬وفساد ما أصلحت وتبذير ما أحرزت وتبديل ما عملت وتوهين ما‬
‫وثقت‪ ،‬وزعم أن معه الشماتة من العداء وقد قرت بي أعينهم فإنه يريد‬
‫أن يعطيهم مني شفاء صدورهم وذكر أنه سيهزم جيشي ويوحش انسي‬
‫ويذهب عزي ويؤتم ولدي ويفرق جموعي ويفجع بي إخواني وأهلي‬
‫وقرابتي ويقطع أوصالي ويسكن مساكن أعدائي‪ ،‬قالوا‪ :‬أيها الملك إنما‬
‫نمنعك من الناس والسباع والهوام ودواب الرض‪ ،‬فأما البلء فل طاقة لنا‬
‫به ول قوة لنا عليه ول امتناع لنا منه‪ ،‬فقال‪ :‬فهل من حيلة في دفع ذلك‬
‫مني ؟ قالوا‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فشئ دون ذلك تطيقونه ؟ قالوا‪ :‬وما هو ؟ قال‪:‬‬
‫الوجاع والحزان والهموم‪ ،‬قالوا‪ :‬أيها الملك إنما قد قدر هذه الشياء‬
‫قوي لطيف وذلك يثور من الجسم والنفس وهو يصل إليك إذا لم يوصل ول‬
‫يحجب عنك وإن حجب )‪ (1‬قال‪ :‬فأمر دون ذلك‪ ،‬قالوا‪ :‬وما هو ؟ قال‪ :‬ما‬
‫قد سبق من القضاء‪ .‬قالوا‪ :‬أيها الملك ومن ذا غالب القضاء فلم يغلب ؟‬
‫ومن ذاكابره فلم يقهر ؟ قال‪ :‬فماذا عندكم ؟ قالوا‪ :‬ما نقدر على دفع‬
‫القضاء‪ ،‬وقد أصبت التوفيق والتسديد فماذا الذي تريد‪ ،‬قال‪ :‬اريد أصحابا‬
‫يدوم عهدهم ويفوا لي وتبقى لي إخوتهم ول‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " وان حجب لم يحجب "‪.‬‬

‫]‪[429‬‬

‫يحجبهم عني الموت ول يمنعهم البلى عن صحبتي ول يشتمل بهم المتناع عن‬
‫صحبتي )‪ (1‬ول يفردوني إن مت‪ ،‬ول يسلموني إن عشت‪ ،‬ويدفعون عني‬
‫ما عجزتم عنه من أمر الموت‪ .‬قالوا‪ :‬أيها الملك ومن هؤلء الذين‬
‫وصفت ؟ قال‪ :‬هم الذين أفسدتهم باستصلحكم‪ ،‬قالوا‪ :‬أيها الملك أفل‬
‫تصطنع عندنا وعندهم معروفا فإن أخلقك تامة ورأفتك عظيمة ؟ قال‪ :‬إن‬
‫في صحبتكم إياي السم القاتل‪ ،‬والصمم والعمى في طاعتكم‪ ،‬والبكم في‬
‫موافقتكم‪ ،‬قالوا‪ :‬كيف ذاك أيها الملك ؟ قال‪ :‬صارت صحبتكم إياي في‬
‫الستكثار وموافقتكم على الجمع‪ ،‬وطاعتكم إياي في الغتفال فبطأتموني‬
‫عن المعاد‪ ،‬وزينتم لي الدنيا‪ ،‬ولو نصحتموني ذكرتموني الموت‪ ،‬ولو‬
‫أشفقتم علي ذكرتموني البلء‪ ،‬وجمعتم لي ما يبقى‪ ،‬ولم تستكثروا لي ما‬
‫يفنى‪ ،‬فإن تلك المنفعة التي ادعيتموها ضرر‪ ،‬وتلك المودة عداوة‪ ،‬وقد‬
‫رددتها عليكم ل حاجة لي فيها منكم‪ .‬قالوا‪ :‬أيها الملك الحكيم المحمود قد‬
‫فهمنا مقالتك وفي أنفسنا إجابتك وليس لنا أن نحتج عليك فقد رأينا مكان‬
‫الحجة‪ ،‬فسكوتنا عن حجتنا فساد لملكنا‪ ،‬وهلك لدنيانا وشماتة لعدونا‪،‬‬
‫وقد نزل بنا أمر عظيم بالذي تبدل من رأيك وأجمع عليه أمرك قال‪ :‬قولوا‪:‬‬
‫آمنين واذكروا ما بدالكم غير مرعوبين فإني كنت إلى اليوم مغلوبا بالحمية‬
‫والنفة وأنا اليوم غالب لهما‪ ،‬وكنت إلى اليوم مقهورا لهما وأنا اليوم قاهر‬
‫لهما‪ ،‬وكنت إلى اليوم ملكا عليكم فقد صرت عليكم مملوكا‪ ،‬وأنا اليوم‬
‫عتيق وأنتم من مملكتي طلقاء‪ ،‬قالوا‪ :‬أيها الملك ما الذي كنت مملوكا إذ‬
‫كنت علينا ملكا‪ ،‬قال‪ :‬كنت مملوكا لهواي مقهورا بالجهل مستعبدا‬
‫لشهواتي فقد قطعت تلك الطاعة عني ونبذتها خلف ظهري‪ ،‬قالوا‪ :‬فقل ما‬
‫أجمعت أيها الملك ؟ قال‪ :‬القنوع والتخلي لخرتي وترك هذا الغرور ونبذ‬
‫هذا الثقل عن ظهري والستعداد للموت‪ ،‬والتأهب للبلء‪ ،‬فإن رسوله‬
‫عندي قد ذكر أنه قد أمر بملزمتي والقامة معي‬

‫)‪ (1‬في بعض النسخ " ول يستحيل بهم الطماع عن نصيحتي " وفى بعضها " ل‬
‫يستميل "‪.‬‬

‫]‪[430‬‬

‫حتى يأتيني الموت‪ ،‬فقالوا‪ :‬أيها الملك ومن هذا الرسول الذي قد أتاك ولم نره‪ ،‬وهو‬
‫مقدمة الموت الذي ل نعرفه‪ ،‬قال‪ :‬أما الرسول فهذا البياض يلوح بين‬
‫السواد‪ ،‬وقد صاح في جميعه بالزوال فأجابوا وأذعنوا‪ ،‬وأما مقدمة الموت‬
‫فالبلء الذي هذا البياض طرقه‪ .‬قالوا‪ :‬أيها الملك أفتدع مملكتك وتهمل‬
‫رعيتك وكيف ل تخاف الثم في تعطيل امتك ألست تعلم أن أعظم المر في‬
‫استصلح الناس وأن رأس الصلح الطاعة للمة والجماعة‪ ،‬فكيف ل‬
‫تخاف من الثم‪ ،‬وفي هلك العامة من الثم فوق الذي ترجو من الجر في‬
‫صلح الخاصة‪ ،‬ألست تعلم أن أفضل العبادة العمل وأن أشد العمل‬
‫السياسة‪ ،‬فإنك أيها الملك ما في يديك عدل على رعيتك‪ ،‬مستصلح لها‬
‫بتدبيرك‪ ،‬فإن لك من الجر بقدر ما استصلحت‪ ،‬ألست أيها الملك إذا خليت‬
‫ما في يديك من صلح امتك فقد أردت فسادهم‪ ،‬وإذا أردت فسادهم فقد‬
‫حملت من الثم فيهم أعظم مما أنت تصيب من الجر في خاصة يديك‪.‬‬
‫ألست أيها الملك قد علمت أن العلماء قالوا‪ :‬من أتلف نفسا فقد استوجب‬
‫لنفسه الفساد‪ ،‬ومن أصلحها فقد استوجب الصلح لبدنه‪ ،‬وأي فساد أعظم‬
‫من رفض هذه الرعية التي أنت إمامها والقامة في هذه المة التي أنت‬
‫نظامها حاشا لك أيها ‪ -‬الملك أن تخلع عنك لباس الملك الذي هو الوسيلة‬
‫إلي شرف الدنيا والخرة‪ ،‬قال‪ :‬قد فهمت الذي ذكرتم وعقلت الذي وصفتم‬
‫فإن كنت إنما أطلب الملك عليكم للعدل فيكم والجر من ال تعالى ذكره في‬
‫استصلحكم بغير أعوان يرفدونني ووزراء يكفونني فما عسيت أن أبلغ‬
‫بالوحدة فيكم ألستم جميعا نزعا إلى الدنيا وشهواتها ولذاتها ول آمن أن‬
‫اخلد إلى الدنيا التي أرجو أن أدعها وأرفضها‪ ،‬فإن فعلت ذلك أتاني الموت‬
‫على غرة‪ ،‬فأنزلني عن سرير ملكي إلى بطن الرض وكساني التراب بعد‬
‫الديباج والمنسوج بالذهب ونفيس الجوهر‪ ،‬وضمني إلى الضيق بعد‬
‫السعة‪ ،‬وألبسني الهوان بعد الكرامة‪ ،‬فأصبر فريدا بنفسي ليس معي أحد‬
‫منكم في الوحدة‪ ،‬قد أخرجتموني من العمران‪ ،‬وأسلمتموني إلى الخراب‪،‬‬

‫]‪[431‬‬

‫وخليتم بين لحمي وسباع الطير وحشرات الرض فأكلت مني النملة فما فوقها من‬
‫الهوام وصار جسدي دودا وجيفة قذرة‪ ،‬الذل لي حليف‪ ،‬والعز مني غريب‬
‫أشدكم حبا إلي أسرعكم إلى دفني‪ ،‬والتخلية بيني وبين ما قدمت من عملي‪،‬‬
‫أسلفت من ذنوبي‪ ،‬فيورثني ذلك الحسرة‪ ،‬ويعقبني الندامة‪ ،‬وقد كنتم‬
‫وعدتموني أن تمنعوني من عدوي الضار فإذا أنتم ل منع عندكم ول قوة‬
‫على ذلك لكم ول سبيل لكم‪ ،‬أيها المل إني محتال لنفسي إذ جئتم بالخداع‪،‬‬
‫ونصبتم لي شراك الغرور )‪ .(1‬فقالوا‪ :‬أيها الملك المحمود لسنا الذي كنا‬
‫كما أنك لست الذي كنت‪ ،‬وقد أبد لنا الذي أبد لك‪ ،‬وغيرنا الذي غيرك‪ ،‬فل‬
‫ترد علينا توبتنا وبذل نصيحتنا‪ ،‬قال‪ :‬أنا مقيم فيكم ما فعلتم ذلك ومفارقكم‬
‫إذا خالفتموه‪ ،‬فأقام ذلك الملك في ملكه وأخذ جنوده بسيرته واجتهدوا في‬
‫العبادة فخصبت بلدهم وغلبوا عدوهم وازداد ملكهم حتى هلك ذلك الملك‪،‬‬
‫وقد صار فيهم بهذه السيرة اثنين وثلثين سنة فكان جميع ما عاش أربعا‬
‫وستين سنة‪ .‬قال يوذاسف‪ :‬قد سررت بهذا الحديث جدا‪ ،‬فزدني من نحوه‬
‫أزدد سرورا ولربي شكرا‪ .‬قال الحكيم‪ :‬زعموا أنه كان ملك من الملوك‬
‫الصالحين وكان له جنود يخشون ال عزوجل ويعبدونه‪ ،‬وكان في ملك‬
‫أبيه شدة من زمانهم والتفرق فيما بينهم وتنقص العدو من بلدهم‪ ،‬وكان‬
‫يحثهم على تقوى ال عزوجل وخشيته والستعانة به ومراقبته والفزع‬
‫إليه‪ ،‬فلما ملك ذلك الملك قهر عدوه واستجمعت رعيته وصلحت بلده‬
‫وانتظم له الملك‪ ،‬فلما رأى ما فضل ال عزوجل به أترفه ذلك وأبطره‬
‫وأطغاه حتى ترك عبادة ال عزوجل وكفر نعمه‪ ،‬وأسرع في قتل من عبد‬
‫ال ودام ملكه وطالت مدته حتى ذهل الناس عما كانوا عليه من الحق قبل‬

‫)‪ (1‬الشراك‪ :‬آلة الصيد‪.‬‬

‫]‪[432‬‬

‫ملكه ونسوه وأطاعوه فيما أمرهم به وأسرعوا إلى الضللة‪ ،‬فلم يزل على ذلك‬
‫فنشاء فيه الولد وصار ل يعبد ال عزوجل فيهم ول يذكر بينهم اسمه ول‬
‫يحسبون أن لهم إلها غير الملك‪ ،‬وكان ابن الملك قد عاهد ال عزوجل في‬
‫حياة أبيه إن هو ملك يوما أن يعمل بطاعة ال عزوجل بأمر لم يكن من‬
‫قبله من الملوك يعملون به ول يستطيعونه‪ ،‬فلما ملك أنساه الملك رأيه‬
‫الول ونيته التي كان عليها‪ ،‬وسكر سكر صاحب الخمر‪ ،‬فلم يكن يصحو‬
‫ويفيق )‪ .(1‬وكان من أهل لطف الملك رجل صالح أفضل أصحابه منزلة‬
‫عنده‪ ،‬فتوجع له مما رأى من ضللته في دينه ونسيانه ما عاهد ال عليه‪،‬‬
‫وكان كلما أراد أن يعظه ذكر عتوه وجبروته ولم يكن بقي من تلك المة‬
‫غيره وغير رجل آخر في ناحية أرض الملك ل يعرف مكانه ول يدعى‬
‫باسمه‪ .‬فدخل ذات يوم على الملك بجمجمة قد لفها في ثيابه‪ ،‬فلما جلس‬
‫عن يمين الملك انتزعها عن ثيابه ثم وطئها برجله فلم يزل يفركها )‪(2‬‬
‫بين يدي الملك وعلى بساطه حتى دنس مجلس الملك بما تحات من تلك‬
‫الجمجمة‪ ،‬فلما رأى الملك ما صنع غضب من ذلك غضبا شديدا‪ ،‬وشخصت‬
‫إليه أبصار جلسائه واستعدت الحرس بأسيافهم انتظارا لمره إياهم‪ ،‬بقتله‬
‫والملك في ذلك مالك لغضبه‪ ،‬وقد كانت الملوك في ذلك الزمام مع جبروتهم‬
‫وكفرهم ذوي أناة وتؤدة‪ ،‬استصلحا للرعية على عمارة أرضهم ليكون‬
‫ذلك أعون للجلب وأدى للخراج‪ ،‬فلم يزل الملك ساكتا على ذلك حتى قام من‬
‫عنده‪ ،‬فلف تلك الجمجمة في ثوبه‪ ،‬ثم فعل ذلك في اليوم الثاني والثالث‬
‫فلما رأى أن الملك ل يسأله عن تلك الجمجمة‪ ،‬ول يستنطقه في شئ من‬
‫شأنها أدخل مع تلك الجمجمة ميزانا وقليل من تراب فلما صنع بالجمجمة‬
‫ما كان يصنع أخذ الميزان وجعل في إحدى كفيته درهما وفي الخرى‬
‫بوزنه ترابا ثم جعل ذلك‬

‫)‪ (1‬صحا السكران‪ :‬ذهب سكره وأفاق‪ (2) .‬فرك الثوب‪ :‬دلكه‪ ،‬الشئ عن الثوب‬
‫أزاله وحكه حتى تفتت‪.‬‬

‫]‪[433‬‬
‫التراب في عين تلك الجمجمة ثم أخذ قبضة من التراب فوضعها في موضع الفم من‬
‫تلك الجمجمة‪ .‬فلما رأى الملك ما صنع قل صبره وبلغ مجهوده‪ ،‬فقال لذلك‬
‫الرجل‪ :‬قد علمت أنك إنما اجترأت على ما صنعت لمكانك مني وإدللك‬
‫علي‪ ،‬وفضل منزلتك عندي‪ ،‬ولعلك تريد بما صنعت أمرا‪ ،‬فخر الرجل للملك‬
‫ساجدا وقبل قدميه‪ ،‬وقال‪ :‬أيها الملك أقبل علي بعقلك كله فإن مثل الكلمة‬
‫كمثل السهم إذا رمى به في أرض لينة يثبت فيها وإذا رمى في الصفا لم‬
‫يثبت ومثل الكلمة كمثل المطر إذا أصاب أرضا طيبة مزروعة ينبته فيها‪،‬‬
‫وإذا أصاب السباخ لم ينبت‪ ،‬وإن أهواء الناس متفرقة‪ ،‬والعقل والهوى‬
‫يصطرعان في القلب‪ ،‬فإن غلب هوى العقل عمل الرجل بالطيش والسفه‪،‬‬
‫وإن كان الهوى هو المغلوب لم يوجد في أمر الرجل سقطة‪ ،‬فإني لم أزل‬
‫منذ كنت غلما احب العلم وأرغب فيه وأوثره على المور كلها‪ ،‬فلم أدع‬
‫علما إل بلغت منه أفضل مبلغ‪ ،‬فبينا أنا ذات يوم أطوف بين القبور إذ قد‬
‫بصرت بهذه الجمجمة بارزة من قبور الملوك‪ ،‬فغاظني موقعها وفراقها‬
‫جسدها غضبا للملوك فضممتها إلي وحملتها إلى منزلي فألبستها الديباج‬
‫ونضحتها بالماء الورد والطيب ووضعتها على الفرش وقلت إن كان من‬
‫جماجم الملوك فسيؤثر فيها إكرامي إياها‪ ،‬وترجع إلى جمالها وبهائها‪،‬‬
‫وإن كانت من جماجم المساكين فإن الكرامة ل تزيدها شيئا ففعلت ذلك بها‬
‫أياما فلم أستنكر من هيئتها شيئا فلما رأيت ذلك دعوت عبدا هو أهون‬
‫عبدي عندي فأهانها فإذا هي في حالة واحدة عند الهانة والكرام‪ ،‬فلما‬
‫رأيت ذلك أتيت الحكماء فسألتهم عنها فلم أجد عندهم علما بها‪ ،‬ثم علمت‬
‫أن الملك منتهى العلم ومأوى الحلم فأتيتك خائفا على نفسي فلم يكن لي أن‬
‫أسألك عن شئ حتى تبدأني به واحب أن تخبرني أيها الملك أجمجمة ملك‬
‫أم جمجمة مسكين فإنها لما أعياني أمرها تفكرت في أمرها وفي عينها‬
‫التي كانت ل يملؤها شئ حتى لو قدرت على ما دون السماء من شئ‬
‫تطلعت إلى أن تتناول ما فوق السماء‪ ،‬فذهبت أنظر ما الذي يسدها ويملها‬
‫فإذا وزن درهم من تراب قد سدها وملها‪ ،‬و‬

‫]‪[434‬‬

‫نظرت إلى فيها )‪ (1‬الذي لم يكن يمله شئ فملءته قبضة من تراب‪ ،‬فإن أخبرتني‬
‫أيها الملك أنها جمجمة مسكين احتججت عليك بأني قد وجدتها وسط قبور‬
‫الملوك‪ ،‬ثم أجمع جماجم ملوك وجماجم مساكين فإن كان لجماجمكم عليها‬
‫فضل‪ ،‬فهو كما قلت‪ ،‬وإن أخبرتني بأنها من جماجم الملوك أنبأتك أن ذلك‬
‫الملك الذي كانت هذه جمجمته قد كان من بهاء الملك وجماله وعزته في‬
‫مثل ما أنت فيه اليوم فحاشاك أيها الملك أن تصير إلى حال هذه الجمجمة‬
‫فتوطأ بالقدام وتخلط بالتراب ويأكلك الدود وتصبح بعد الكثرة قليل وبعد‬
‫العزة ذليل‪ ،‬وتسعك حفرة طولها أدنى من أربعة أذرع‪ ،‬ويورث ملكك‬
‫وينقطع خبرك ويفسد صنايعك ويهان من أكرمت ويكرم من أهنت‬
‫ويستبشر أعداءك ويضل أعوانك ويحول التراب دونك‪ ،‬فإن دعوناك لم‬
‫تسمع‪ ،‬وإن أكرمناك لم تقبل‪ ،‬وإن أهناك لم تغضب‪ ،‬فيصير بنوك يتامى‬
‫ونساؤك أيامى )‪ (2‬وأهلك يوشك أن يستبدلن أزواجا غيرك‪ .‬فلما سمع‬
‫الملك ذلك فزع قلبه وانسكبت عيناه يبكى ويقول ويدعو بالويل‪ ،‬فلما رأي‬
‫الرجل ذلك علم أن قوله قد استمكن من الملك‪ ،‬وقوله قد أنجع فيه زاده ذلك‬
‫جرأة عليه وتكريرا لما قال‪ ،‬فقال له الملك‪ :‬جزاك ال عني خيرا وجزا من‬
‫حولي من العظماء شرا‪ ،‬لعمري لقد علمت ما أردت بمقالتك هذه وقد‬
‫أبصرت أمري فسمع الناس خبره فتوجهوا أهل الفضل إليه وختم له بالخير‬
‫وبقي عليه إلى أن فارق الدنيا‪ .‬قال ابن الملك‪ :‬زدني من هذا المثل قال‬
‫الحكيم‪ :‬زعموا أن ملكا كان في أول الزمان وكان حريصا على أن يولد له‬
‫وكان ل يدع شيئا مما يعالج به الناس أنفسهم إل أتاه وصنعه‪ ،‬فلما طال‬
‫ذلك عليه من أمره حملت امرأة له من نسائه فولدت له غلما فلما نشأ‬
‫وترعرع )‪ (3‬خطا ذات يوم خطوة فقال‪ :‬معادكم تجفون‪ ،‬ثم خطا اخرى‬
‫فقال‪ :‬تهرمون‪ ،‬ثم خطا الثالثة فقال‪ :‬ثم تموتون‪ ،‬ثم عاد كهيئته‬

‫)‪ (1‬يعنى فمها‪ (2) .‬أي ل زوج لهن‪ (3) .‬ترعرع الصبى نشأ وشب‪.‬‬

‫]‪[435‬‬

‫يفعل كما يفعل الصبي‪ .‬فدعا الملك العلماء والمنجمين فقال‪ :‬أخبروني خبر ابني هذا‬
‫فنظروا في شأنه وأمره فأعياهم أمره‪ ،‬فلم يكن عندهم فيه علم‪ ،‬فلما رأى‬
‫الملك أنه ليس عندهم فيه علم دفعه إلى المرضعات فأخذن في إرضاعه إل‬
‫أن منجما منهم قال‪ :‬إنه سيكون إماما‪ ،‬وجعل عليه حراسا ل يفارقونه حتى‬
‫إذا شب انسل يوما من عند مرضعيه والحرس فأتى السوق فإذا هو بجنازة‬
‫فقال‪ :‬ما هذا قالوا‪ :‬إنسانا مات قال‪ :‬ما أماته ؟ قالوا‪ :‬كبر وفنيت أيامه‬
‫ودنى أجله فمات‪ ،‬قال‪ :‬وكان صحيحا حيا يمشي ويأكل ويشرب ؟ قالوا‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬ثم مضى فإذا هو برجل شيخ كبير فقام ينظر إليه متعجبا منه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ما هذا ؟ قالوا‪ :‬رجل شيخ كبير قد فنى شبابه وكبر‪ ،‬قال‪ :‬وكان صغيرا ثم‬
‫شاب ؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬ثم مضى فإذا هو برجل مريض مستلقى على ظهره‪،‬‬
‫فقام ينظر إليه ويتعجب منه‪ ،‬فسألهم ما هذا ؟ قالوا‪ :‬رجل مريض‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أو كان هذا صحيحا ثم مرض ؟ قالوا‪ :‬نعم قال‪ :‬وال لئن كنتم صادقين فإن‬
‫الناس لمجنونون‪ .‬فافتقد الغلم عند ذلك فطلب فإذا هو بالسوق فأتوه‬
‫فأخذوه وذهبوا به فأدخلوه البيت‪ ،‬فلما دخل البيت استلقى على قفاه ينظر‬
‫إلى خشب سقف البيت و يقول‪ :‬كيف كان هذا ؟ قالوا‪ :‬كانت شجرة ثم‬
‫صارت خشبا‪ ،‬ثم قطع‪ ،‬ثم بني هذا البيت‪ ،‬ثم جعل هذا الخشب عليه‪ ،‬فبينا‬
‫هو في كلمه إذا رسل الملك إلى الموكلين به‪ :‬انظروا هل يتكلم أو يقول‬
‫شيئا ؟ قالوا‪ :‬نعم وقد وقع في كلم ما نظنه إل وسواسا‪ ،‬فلما رأى الملك‬
‫ذلك وسمع جميع ما لفظ به الغلم‪ ،‬دعا العلماء فسألهم فلم يجد فيه عندهم‬
‫علما إل الرجل الول فأنكر قوله فقال بعضهم‪ :‬أيها الملك لو زوجته ذهب‬
‫عنه الذي ترى‪ ،‬وأقبل وعقل وأبصر فبعث الملك في الرض يطلب ويلتمس‬
‫له امرأة فوجدت له امرأة من أحسن الناس وأجملهم فزوجها منه‪ ،‬فلما‬
‫أخذوا في وليمة عرسه أخذ اللعبون يلعبون والزمارون يزمرون‪ ،‬فلما‬
‫سمع الغلم جلبتهم )‪(1‬‬

‫)‪ (1‬جلب القوم‪ :‬ضجوا واختلطت اصواتهم‪ .‬والجلب والمجلب ‪ -‬بشد اللم ‪:-‬‬
‫المصوت‪.‬‬

‫]‪[436‬‬

‫وأصواتهم قال‪ :‬ما هذا ؟ قالوا‪ :‬هؤلء لعابون وزمارون جمعوا لعرسك‪ ،‬فسكت‬
‫الغلم‪ ،‬فلما فرغوا من العرس وأمسوا‪ ،‬دعا الملك امرأة ابنه فقال لها‪ :‬إنه‬
‫لم يكن لي ولد غير هذا الغلم‪ ،‬فلما دخلت عليه فألطفي به وأقربي منه‬
‫وتحببي إليه‪ ،‬فلما دخلت المرأة عليه أخذت تدنو منه وتتقرب إليه‪ ،‬فقال‬
‫الغلم على رسلك )‪ (1‬فإن الليل طويل‪ ،‬بارك ال فيك‪ ،‬واصبري حتى نأكل‬
‫ونشرب‪ ،‬فدعا بالطعام فجعل يأكل فلما فرغ جعلت المرأة تشرب فلما أخذ‬
‫الشراب منها نامت‪ .‬فقام الغلم فخرج من البيت‪ ،‬وانسل من الحرس‬
‫والبوابين حتى خرج وتردد في المدينة‪ ،‬فلقيه غلم مثله من أهل المدينة‬
‫فأتبعه وألقى ابن الملك عنه تلك الثياب التي كانت عليه ولبس ثياب الغلم‪،‬‬
‫وتنكر جهده وخرجا جميعا من المدينة فسارا ليلتهما حتى إذا قرب الصبح‬
‫خشيا الطلب فكمنا‪ ،‬فاتيت الجارية عند الصبح فوجدوها نائمة فسألوها أين‬
‫زوجك ؟ قالت‪ :‬كان عندي الساعة‪ ،‬فطلب الغلم فلم يقدر عليه‪ ،‬فلما أمسى‬
‫الغلم وصاحبه سارا ثم جعل يسيران الليل ويكمنان النهار حتى خرجا من‬
‫سلطان أبيه‪ ،‬ووقعا في ملك سلطان آخر‪ .‬وقد كان لذلك الملك الذي صارا‬
‫إلى سلطانه ابنة قد جعل لها أن ل يزوجها أحدا إل من هوته ورضيته‪،‬‬
‫وبنى لها غرفة عالية مشرفة على الطريق فهي فيها جالسة تنظر إلى كل‬
‫من أقبل وأدبر فبينما هي كذلك إذ نظرت إلى الغلم يطوف في السوق‬
‫وصاحبه معه في خلقانه‪ ،‬فأرسلت إلى أبيها إني قد هويت رجل فإن كنت‬
‫مزوجي أحدا من الناس فزوجني منه واتيت ام الجارية فقيل لها‪ :‬إن ابنتك‬
‫قد هويت رجل وهي تقول كذا وكذا‪ ،‬فأقبلت إليها فرحة حتى تنظر إلى‬
‫الغلم فأروها إياه فنزلت امها مسرعة حتى دخلت على الملك‪ ،‬فقالت‪ :‬إن‬
‫ابنتك قد هويت غلما فأقبل الملك ينظر إليه‪ ،‬ثم قال أرونيه فأروه من بعد‬
‫فأمر أن يلبس ثيابا اخرى ونزل فسأله واستنطقه وقال‪ :‬من أنت ومن أين‬
‫أنت ؟ قال الغلم‪ :‬وما سؤالك عني أنا رجل من مساكين الناس‪ ،‬فقال‪ :‬إنك‬
‫لغريب‪ ،‬وما يشبه لونك ألوان‬

‫)‪ (1‬أي على مهلك يعنى امهل وتأن‪.‬‬

‫]‪[437‬‬

‫أهل هذه المدينة‪ ،‬فقال الغلم‪ :‬ما أنا بغريب‪ ،‬فعالجه الملك أن يصدقه قصته فأبى‪،‬‬
‫فأمر الملك اناسا أن يحرسوه وينظروا أين يأخذ‪ ،‬ول يعلم بهم‪ ،‬ثم رجع‬
‫الملك إلى أهله فقال‪ :‬رأيت رجل كأنه ابن الملك وماله حاجة فيما تراودونه‬
‫عليه‪ ،‬فبعث إليه فقيل له‪ :‬إن الملك يدعوك‪ ،‬فقال الغلم‪ :‬وما أنا والملك‬
‫يدعوني ومالي إليه حاجة وما يدري من أنا‪ ،‬فانطلق به على كره منه حتى‬
‫دخل على الملك فأمر بكرسي فوضع له فجلس عليه ودعى الملك امرأته‬
‫وابنته فأجلسهما من وراء الحجاب خلفه فقال له الملك‪ :‬دعوتك لخير‪ ،‬إن‬
‫لي ابنه قد رغبت فيك اريد أن ازوجها منك فإن كنت مسكينا أغنيناك‬
‫ورفعناك وشرفناك‪ ،‬قال الغلم‪ :‬مالي فيما تدعوني إليه حاجة‪ ،‬فإن شئت‬
‫ضربت لك مثل أيها الملك ؟ قال‪ :‬فافعل‪ .‬قال الغلم‪ :‬زعموا أن ملكا من‬
‫الملوك كان له ابن وكان لبنه أصدقاء صنعوا له طعاما ودعوه إليه فخرج‬
‫معهم فأكلوا وشربوا حتى سكروا فناموا فاستيقظ ابن الملك في وسط الليل‬
‫فذكر أهله فخرج عائدا إلى منزله‪ ،‬ولم يوقظ أحدا منه فبينا هو في مسيره‬
‫إذ بلغ منه الشراب فبصر بقبر على الطريق فظن أنه مدخل بيته فدخله فإذا‬
‫هو بريح الموتى فحسب ذلك لما كان به السكر أنه رياح طيبة فإذا هو‬
‫بعظام ل يحسبها إل فرشه الممهدة‪ ،‬فإذا هو بجسد قد مات حديثا وقد أروح‬
‫فحسبه أهله فقام إلى جانبه فاعتنقه وقبله وجعل يعبث به عامة ليله فأفاق‬
‫حين أفاق ونظر حين نظر فإذا هو على جسد ميت وريح منتنة‪ ،‬قد دنس‬
‫ثيابه وجلده‪ ،‬ونظر إلى القبر وما فيه من الموتى‪ ،‬فخرج وبه من السوء ما‬
‫يختفي به من الناس أن ينظروا إليه متوجها إلى باب المدينة‪ ،‬فوجده‬
‫مفتوحا فدخله حتى أتى أهله فرأى أنه قد انعم عليه حيث لم يلقه أحد‪،‬‬
‫فألقى عنه ثيابه تلك واغتسل ولبس لباسا اخرى وتطيب‪ .‬عمرك ال أيها‬
‫الملك أتراه راجعا إلى ما كان فيه وهو يستطيع ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فإني أنا‬
‫هو‪ ،‬فالتفت الملك إلى امرأته وابنته‪ ،‬وقال‪ :‬قد أخبرتكم أنه ليس له فيما‬
‫تدعونه رغبة‪ ،‬قالت امها‪ :‬لقد قصرت في النعت لبنتي والوصف لها أيها‬
‫الملك‬

‫]‪[438‬‬
‫ولكني خارجة إليه ومتكلمة‪ ،‬فقال الملك للغلم‪ :‬إن امرأتي تريد أن تكلمك وتخرج‬
‫إليك ولم تخرج إلى أحد قبلك‪ ،‬فقال الغلم‪ :‬لتخرج إن أحبت‪ ،‬فخرجت‬
‫وجلست فقالت للغلم‪ :‬تعال إلى ما قد ساق ال إليك من الخير والرزق‬
‫فأزوجك ابنتي فإنك لو قد رأيتها وما قسم ال عزوجل لها من الجمال‬
‫والهيئة لغتبطت‪ ،‬فنظر الغلم إلى الملك فقال‪ :‬أفل أضرب لك مثل ؟ قال‪:‬‬
‫بلى‪ .‬قال‪ :‬إن سراقا تواعدوا أن يدخلوا خزانة الملك ليسرقوا‪ ،‬فنقبوا حائط‬
‫الخزانة فدخلوها فنظروا إلى متاع لم يروا مثله قط‪ ،‬وإذا هم بقلة من ذهب‬
‫مختومة بالذهب فقالوا ل نجد شيئا أعلى من هذه القلة هي ذهب مختومة‬
‫بالذهب والذي فيها أفضل من الذي رأينا فاحتملوها ومضو بها حتى دخلوا‬
‫غيضة ل يأمن بعضهم بعضا عليها ففتحوها فإذا في وسطها أفاع‪ ،‬فوثبن‬
‫في وجوههم فقتلنهم أجمعين‪ .‬عمرك ال أيها الملك أفترى أحدا علم بما‬
‫أصابهم ومالقوه يدخل يده في تلك القلة وفيها من الفاعي ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فإني أنا هو‪ ،‬فقالت الجارية لبيها‪ :‬ائذن لي فأخرج إليه بنفسي واكلمه فإنه‬
‫لو قد نظر إلي وإلى جمالي وحسني وهيئتي وما قسم ال عزوجل لي من‬
‫الجمال لم يتمالك أن يجيب‪ ،‬فقال الملك للغلم‪ :‬إن ابنتي تريد أن تخرج إليك‬
‫ولم تخرج إلى رجل قط‪ ،‬قال‪ :‬لتخرج أن أجبت‪ ،‬فخرجت عليه وهي أحسن‬
‫الناس وجها وقدا وطرفا وهيكل‪ ،‬فسلمت على الغلم وقالت للغلم‪ :‬هل‬
‫رأيت مثلي قط أو أتم أو أجمل أو أكمل أو أحسن ؟ وقد هويتك وأحببتك‪،‬‬
‫فنظر الغلم إلى الملك‪ ،‬فقال‪ :‬أفل أضرب لها مثل ؟ قال‪ :‬بلى‪ .‬قال الغلم‪:‬‬
‫زعموا أيها الملك إن ملكا له ابنان فأسر أحدهما ملك آخر فحبسه في بيت‬
‫وأمر أن ل يمر عليه أحد إل رماه بحجر‪ ،‬فمكث بذلك حينا‪ ،‬ثم إن أخاه قال‬
‫لبيه‪ :‬ائذن لي فأنطلق إلى أخي فافديه‪ ،‬وأحتال له‪ ،‬قال‪ :‬فانطلق وخذ معك‬
‫ما شئت من مال ومتاع ودواب‪ ،‬فاحتمل معه الزاد والراحلة وانطلق‬

‫]‪[439‬‬

‫معه المغنيات والنوائح فلما دنا من مدينة ذلك الملك أخبر الملك بقدومه فأمر الناس‬
‫بالخروج إليه وأمر له بمنزل خارج من المدينة فنزل الغلم في ذلك المنزل‬
‫فلما جلس فيه ونشر متاعه وأمر غلمانه أن يبيعوا الناس ويساهلوهم في‬
‫بيعهم ويسامحوهم ففعلوا ذلك فلما رأى الناس قد شغلوا بالبيع انسل ودخل‬
‫المدينة وقد علم أين سجن أخيه‪ ،‬ثم أتى السجن فأخذ حصاة فرمى بها‬
‫لينظر ما بقي من نفس أخيه‪ ،‬فصاح حين أصابته الحصاة‪ .‬وقال‪ :‬قتلتني‬
‫ففزع الحرس عند ذلك و خرجوا إليه وسألوه لم صحت وما شأنك وما‬
‫بدالك وما رأيناك تكلمت ونحن نعذبك منذ حين ويضربك ويرميك كل من‬
‫يمر بك بحجر‪ ،‬ورماك هذا الرجل بحصاة فصحت منها ؟ فقال‪ :‬إن الناس‬
‫كانوا من أمري على جهالة ورماني هذا على علم فانصرف أخوه راجعا‬
‫إلى منزله ومتاعه‪ ،‬وقال للناس‪ :‬إذا كان غدا فأتوني أنشر عليكم بزا‬
‫ومتاعا لم تروا مثله قط فانصرفوا يومئذ حتى إذا كان من الغد غدوا عليه‬
‫بأجمعهم فأمر بالبز فنشروا وأمر بالمغنيات والنايحات وكل صنف معه مما‬
‫يلهى به الناس فأخذوا في شأنهم فاشتغل الناس فأتى أخاه فقطع عنه‬
‫أغلله‪ ،‬وقال‪ :‬أنا اداويك فاختلسه وأخرجه من المدينة فجعل على جراحاته‬
‫دواء كان معه حتى إذا وجد راحة أقامه على الطريق‪ ،‬ثم قال له‪ :‬انطلق‬
‫فإنك ستجد سفينة قد سيرت لك في البحر‪ ،‬فانطلق سائرا فوقع في جب فيه‬
‫تنين وعلى الجب شجرة نابتة فنظر إلى الشجرة فإذا على رأسها اثنا عشر‬
‫غول وفي أسفلها اثنا عشر سيفا‪ ،‬وتلك السيوف مسلولة معلقة فلم يزل‬
‫يتحمل ويحتال حتى أخذ بغصن من الشجرة فتعلق به وتخلص وسار حتى‬
‫أتى البحر فوجد سفينة قد اعدت له إلى جانب الساحل فركب فيها حتى أتوا‬
‫به أهله‪ .‬عمرك ال أيها الملك أتراه عائد إلى ما قد عاين ولقى‪ ،‬قال‪ :‬ل‪،‬‬
‫قال‪ :‬فإني أنا هو فيئسوا منه‪ ،‬فجاء الغلم الذي صحبه من المدينة وقال‪:‬‬
‫اذكرني لها وأنكحنيها فقال الغلم للملك إن هذا يقول إني احب أن ينكحنيها‬
‫الملك‪ ،‬فقال‪ :‬ل أفعل قال‪ :‬أفل أضرب لك مثل ؟ قال‪ :‬بلى‪.‬‬

‫]‪[440‬‬

‫قال‪ :‬إن رجل كان في قوم فركبوا سفينة فساروا في البحر ليالي وأياما ثم انكسرت‬
‫سفينتهم بقرب جزيرة في البحر فيها الغيلن فغرقوا كلهم سواه وألقاه‬
‫البحر إلى الجزيرة‪ ،‬وكانت الغيلن يشرفن من الجزيرة إلى البحر فأتى‬
‫غول فهويها ونكحها حتى إذا كان من الصبح قتلته وقسمت أعضاءه بين‬
‫صواحباتها واتفق مثل ذلك لرجل آخر فأخذته ابنة ملك الغيلن فانطلقت به‬
‫فبات معها ينكحها وقد علم الرجل ما لقي من كان قبله فليس ينام حذرا‬
‫حتى إذا كان مع الصبح قامت الغولة فانسل الرجل حتى أتى الساحل فإذا‬
‫هو بسفينة فنادى أهلها واستغاث بهم فحملوه حتى أتوا به أهله فأصبحت‬
‫الغيلن فأتوا الغولة التي باتت معه فقالوا لها أين الرجل الذي بات معك ؟‬
‫قالت‪ :‬إنه قد فرمني فكذبوها وقالوا‪ :‬أكلته واستأثرت به علينا فنقتلنك إن‬
‫لم تأتنا به فمرت في الماء حتى أتته في منزله ورحله فدخلت عليه‬
‫وجلست عنده وقالت له‪ :‬ما لقيت في سفرك هذا‪ ،‬قال‪ :‬لقيت بلء خلصني‬
‫ال منه وقص عليها ذلك فقالت وقد تخلصت ؟ قال‪ :‬نعم فقالت أنا الغولة‬
‫وجئت لخذك فقال لها‪ :‬أنشدك ال أن تهلكيني فإني أدلك على مكان رجل‪،‬‬
‫قالت إني أرحمك فانطلقا حتى دخل على الملك‪ ،‬قالت اسمع منا أصلح ال‬
‫الملك إني تزوجت بهذا الرجل وهو من أحب الناس إلي‪ ،‬ثم إنه كرهني‬
‫وكره صجتي فانظر في أمرنا فلما رآها الملك أعجبه جمالها فخل بالرجل‬
‫فساره وقال‪ :‬إني قد أحببت أن تتركها فأتزوجها قال‪ :‬نعم أصلح ال الملك‬
‫ما تصلح إل لك فتزوج بها الملك وبات معها حتى إذا كانت مع السحر‬
‫ذبحته وقطعت أعضاءه وحملته إلى صواحباتها أفترى أيها الملك أحدا يعلم‬
‫بهذا‪ ،‬ثم ينطلق إليه ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال الخاطب للغلم فإني ل افارقك ول حاجة‬
‫لي فيما أردت‪ .‬فخرجا من عند الملك يعبدان ال جل جلله ويسيحان في‬
‫الرض‪ ،‬فهدى ال عزوجل بهما اناسا كثيرا وبلغ شأن الغلم وارتفع ذكره‬
‫في الفاق فذكر والده‪ ،‬وقال‪ :‬لو بعثت إليه لستنقذته مما هو فيه‪ ،‬فبعث‬
‫إليه رسول فأتاه فقال له‪ :‬إن ابنك يقرئك السلم وقص عليه خبره وأمره‬
‫فأتاه والده وأهله فاستنقذهم مما كانوا فيه‪.‬‬

‫]‪[441‬‬

‫ثم إن بلوهر رجع إلى منزله واختلف إلى يوذاسف أياما حتى عرف أنه فتح له‬
‫الباب ودله على السبيل‪ ،‬ثم تحول من تلك البلد إلى غيرها وبقي يوذاسف‬
‫حزينا مغتما فمكث بذلك حتى بلغ وقت خروجه إلى النساك لينادي بالحق‬
‫ويدعو إليه أرسل ال عزوجل ملكا من الملئكة فلما رأى منه خلوة ظهر‬
‫له وقام بين يديه‪ ،‬ثم قال له‪ :‬لك الخير والسلمة أنت إنسان بين البهائم‬
‫الظالمين الفاسقين من الجهال أتيتك بالتحية من الحق وإله الخلق بعثني‬
‫إليك لبشرك وأذكر لك ما غاب عنك من امور دنياك وآخرتك‪ ،‬فاقبل‬
‫بشارتي ومشورتي ول تغفل عن قولي‪ ،‬اخلع عنك الدنيا وانبذ عنك‬
‫شهواتها وازهد في الملك الزائل‪ ،‬والسلطان الفاني الذي ل يدوم وعاقبته‬
‫الندم والحسرة‪ ،‬واطلب الملك الذي ل يزول والفرح الذي ل ينقضي‬
‫والراحة التي ل يتغير وكن صديقا مقسطا‪ ،‬فإنك تكون إمام الناس تدعوهم‬
‫إلى الجنة‪ .‬فلما سمع يوذاسف كلمه خر بين يدي ال عزوجل ساجدا‪،‬‬
‫وقال‪ :‬إني لمر ال تعالى مطيع وإلى وصيته منته‪ ،‬فمرني بأمرك فإني لك‬
‫حامد ولمن بعثك إلي شاكر فإنه رحمني ورؤف بي ولم يرفضني بين‬
‫العداء فإني كنت بالذي أتيت له مهتما‪ ،‬قال الملك‪ :‬إني أرجع إليك بعد أيام‬
‫ثم اخرجك فتهيأ للخروج ول تغفل عنه‪ ،‬فوطن يوذاسف نفسه على‬
‫الخروج وجعل همته كله فيه ولم يطلع على ذلك أحدا حتى إذا جاء وقت‬
‫خروجه أتى الملك في جوف الليل والناس نيام‪ ،‬فقال له‪ :‬قم فاخرج ول‬
‫تؤخر ذلك‪ ،‬فقام ولم يفش سره إلى أحد من الناس غير وزيره فبينا هو‬
‫يريد الركوب إذ أتاه رجل شاب جميل كان قد ملكهم بلده فسجد له‪ .‬وقال‬
‫أين تذهب‪ :‬يا ابن الملك وقد أصابنا العسر أيها المصلح الحكيم الكامل‪:‬‬
‫وتتركنا وتترك ملكك وبلدك‪ ،‬أقم عندنا فإنا كنا منذ ولدت في رخاء‬
‫وكرامة ولم تنزل بنا عاهة ول مكروه‪ ،‬فسكته يوذاسف وقال له‪ :‬امكث‬
‫أنت في بلدك ودار أهل مملكتك فأما أنا فذاهب حيث بعثت وعامل ما امرت‬
‫به فإن أنت اعنتني‬

‫]‪[442‬‬
‫كان لك في عملي نصيبا‪ ،‬ثم ركب فسار ما قضى ال له أن يسير‪ ،‬ثم إنه نزل عن‬
‫فرسه ووزيره يقود فرسه ويبكي أشد البكاء‪ ،‬ويقول ليوذاسف بأي وجه‬
‫أستقبل أبويك ؟ وبما أجيبهما عنك وبأي عذاب أو موت يقتلني‪ ،‬وأنت‬
‫كيف تطيق العسر والذى الذي لم تتعوده وكيف ل تستوحش وأنت لم تكن‬
‫وحدك يوما قط ؟ وجسدك كيف تحمل الجوع والظمأ والتقلب على الرض‬
‫والتراب‪ ،‬فسكته وعزاه ووهب له فرسه والمنطقة فجعل يقبل قدميه‬
‫ويقول‪ :‬ل تدعني وراءك يا سيدي اذهب بي معك حيث خرجت فإنه ل‬
‫كرامة لي بعدك وإنك إن تركتني ولم تذهب بي معك خرجت في الصحراء‬
‫ولم أدخل مسكنا فيه إنسان أبدا‪ ،‬فسكته أيضا وعزاه‪ ،‬وقال‪ :‬ل تجعل في‬
‫نفسك إل خيرا فإني باعث إلى الملك وموصيه فيك أن يكرمك و يحسن‬
‫إليك‪ .‬ثم نزع عنه لباس الملك ودفعه إلى وزيره وقال له‪ :‬البس ثيابي‬
‫وأعطاه الياقوته التي كان يجعلها في رأسه‪ ،‬وقال‪ :‬انطلق بها معك وفرسي‬
‫وإذا أتيته فاسجد له وأعطه هذه الياقوتة وأقرئه السلم ثم الشراف وقل‬
‫لهم‪ :‬إني لما نظرت فيما بين الباقي والزائل رغبت في الباقي وزهدت في‬
‫الزائل ولما استبان لي أصلي و حسبي وفضلت بينهما وبين العداء‬
‫والقرباء رفضت العداء والقرباء وانقطعت إلي أصلي وحسبي‪ ،‬فأما‬
‫والدي فإنه إذا أبصر الياقوتة طابت نفسه‪ ،‬فإذا أبصر كسوتي عليك ذكرني‬
‫وذكر حبي لك ومودتي إياك‪ ،‬فمنعه ذلك أن يأتي إليك مكروها‪ .‬ثم رجع‬
‫وزيره وتقدم يوذاسف أمامه يمشي حتى بلغ فضاء واسعا فرفع رأسه‬
‫فرأى شجرة عظيمة على عين من ماء أحسن ما يكون من الشجر وأكثرها‬
‫فرعا وغصنا وأحلها ثمرا‪ ،‬وقد اجتمع إليها من الطير مال يعد كثرة‪ ،‬فسر‬
‫بذلك المنظر وفرح به‪ ،‬وتقدم إليه حتى دنامنه‪ ،‬وجعل يعبره في نفسه‬
‫ويفسره فشبه الشجر بالبشرى التي دعا إليها وعين الماء بالحكمة والعلم‪،‬‬
‫والطير بالناس الذين يجتمعون إليه ويقبلون منه الدين‪ ،‬فبينا هو قائم إذ‬
‫أتاه أربعة من الملئكة‬

‫]‪[443‬‬

‫عليهم السلم يمشون بين يديه فأتبع آثارهم حتى رفعوه في جو السماء واوتي من‬
‫العلم والحكمة ما عرف به الولى والوسطى والخرى‪ ،‬والذي هو كائن‪ ،‬ثم‬
‫أنزلوه إلى الرض وقرنوا معه قرينا من الملئكة الربعة فمكث في تلك‬
‫البلد حينا ثم إنه أتى أرض سولبط فلما بلغ والده قدومه خرج يسير هو‬
‫والشراف فأكرموه و قربوه‪ ،‬واجتمع إليه أهل بلده مع ذوي قرابته‬
‫وحشمه وقعدوا بين يديه وسلموا عليه وكلمهم الكلم الكثير وفرش لهم‬
‫اليناس وقال لهم‪ :‬اسمعوا إلي بأسماعكم وفرغوا إلي قلوبكم لستماع‬
‫حكمة ال عزوجل التي هي نور النفس وتقروا بالعلم الذي هو الدليل على‬
‫سبيل الرشاد‪ ،‬وأيقظوا عقولكم وافهموا الفصل الذي بين الحق والباطل‪،‬‬
‫والضلل والهدى‪ .‬واعلموا أن هذا هو دين الحق الذي أنزله ال عزوجل‬
‫على النبياء والرسل عليهم السلم‪ ،‬والقرون الولى‪ ،‬فخصنا ال عزوجل‬
‫به في هذا القرن برحمته بنا ورأفته ورحمته وتحننه علينا وفيه خلص‬
‫من نار جهنم إل أنه ل ينال النسان ملكوت السماوات ول يدخلها أحد إل‬
‫باليمان وعمل الخير‪ ،‬فاجتهدوا فيه لتدركوا به الراحة الدائمة والحياة‬
‫التي ل تنقطع أبدا ومن آمن منكم بالدين فل يكونن إيمانه طمعا في الحياة‬
‫ورجاء ملك الرض وطلب مواهب الدنيا‪ ،‬وليكن إيمانكم طمعا في ملكوت‬
‫السماوات ورجاء الخلص وطلب النجاة من الضللة وبلوغ الراحة والفرج‬
‫في الخرة‪ ،‬فإن ملك الرض وسلطانها زائل‪ ،‬ولذاتها منقطعة‪ ،‬فمن اغتر‬
‫بها هلك وافتضح‪ ،‬لو قد وقف على ديان الدين الذي ل يدين إل بالحق‪ ،‬فإن‬
‫الموت مقرون مع أجسادكم وهو يتراصد أرواحكم أن يكبكبها مع الجساد‪.‬‬
‫واعلموا أنه كما أن الطير لين يقدر على الحياة والنجاة من العداء من‬
‫اليوم إلى غد هذه إل بقوة من البصر والجناحين والرجلين‪ ،‬فكذلك النسان‬
‫ل يقدر على الحياة والنجاة إل بالعمل واليمان وأعمال الخير الكاملة‪،‬‬
‫فتفكر أيها الملك أنت والشراف فيما تستمعون وافهموا واعتبروا‪،‬‬
‫واعبروا البحر مادامت السفينة‪ ،‬واقطعوا المسافة مادام الدليل والظهر‬
‫والزاد‪ ،‬واسلكوا سبيلكم مادام المصباح‪،‬‬

‫]‪[444‬‬

‫وأكثروا من كنوز البر مع النساك‪ ،‬وشاركوهم في الخير والعمل الصالح‪ ،‬وأصلحوا‬


‫التبع وكونوا لهم أعوانا وأمروهم بأعمالكم لينزلوا معكم ملكوت النور‪،‬‬
‫واقبلوا النور‪ ،‬واحتفظوا بفرائضكم‪ ،‬وإياكم أن تتوثقوا إلى أماني الدنيا‬
‫وشرب الخمور وشهوة النساء من كل ذميمة وقبيحة مهلكة للروح‬
‫والجسد واتقوا الحمية والغضب والعداوة والنميمة‪ ،‬وما لم ترضوه أن‬
‫يؤتى إليكم فل تأتوه إلى أحد‪ ،‬وكونوا طاهري القلوب‪ ،‬صادقي النيات‬
‫لتكونوا على المنهاج إذا أتاكم الجل‪ .‬ثم انتقل من أرض سولبط وسار في‬
‫بلد ومدائن كثيرة حتى أتى أرضا تسمى قشمير فسار فيها وأحيا ميتها‬
‫ومكث حتى أتاه الجل الذي خلع الجسد‪ ،‬وارتفع إلى النور‪ ،‬ودعا قبل موته‬
‫تلميذا له اسمه يابد الذي كان يخدمه ويقوم عليه‪ ،‬وكان رجل كامل في‬
‫المور كلها‪ ،‬وأوصى إليه وقال‪ :‬إنه قد دنا ارتفاعي عن الدنيا‪ ،‬واحتفظوا‬
‫بفرائضكم‪ ،‬ول تزيغوا عن الحق‪ ،‬وخذوا بالنسك‪ ،‬ثم أمر يابد أن يبني له‬
‫مكانا فبسطه هو رجليه وهيأ رأسه إلى المغرب ووجهه إلى المشرق ثم‬
‫قضى نحبه‪) * - 33 .‬باب( * * " )نوادر المواعظ والحكم( " * ‪ - 1‬ل‪ ،‬ن‬
‫)‪ :(1‬عن تميم القرشي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد بن علي النصاري‪ ،‬عن‬
‫الهروي وقال‪ :‬سمعت الرضا عؤيه السلم يقول‪ :‬أوحى ال عزوجل إلى‬
‫نبي من أنبيائه إذا أصبحت فأول شئ يستقبلك فكله والثاني فاكتمه والثالث‬
‫فاقبله والرابع فل تؤيسه والخامش فاهرب منه‪ ،‬قال‪ :‬فلما أصبح مضى‬
‫فاستقبله جبل أسود عظيم فوقف وقال‪ :‬أمرني ربي عزوجل أن آكل هذا‪،‬‬
‫وبقي متحيرا ثم رجع إلى نفسه‪ ،‬فقال إن ربي جل جلله ل يأمرني إل بما‬
‫اطيق فمشى إليه ليأكله فلما‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪ ،128‬والعيون ص ‪ .152‬وقد مر بنصه في المجلد الول ص‬


‫‪.18‬‬

‫]‪[445‬‬

‫دنا منه صغر حتي انتهى إليه فوجده لقمة فأكلها فوجدها أطيب شئ أكله‪ ،‬ثم مضى‬
‫فوجد طستا من ذهب قال‪ :‬أمرني ربي أن أكتم هذا فحفر له وجعله فيه‬
‫وألقى عليه التراب‪ ،‬ثم مضى فالتفت فإذا الطست قد ظهر‪ ،‬فقال‪ :‬قد فعلت‬
‫ما أمرني ربي عزوجل‪ ،‬فمضى فإذا هو بطير وخلفه بازي وطاف الطير‬
‫حوله فقال‪ :‬أمرني ربي عزوجل أن أقبل هذا ففتح كمه فدخل الطير فيه‪،‬‬
‫فقال له البازي‪ :‬أخذت صيدي وأنا خلفه منذ أيام‪ ،‬فقال‪ :‬إن ربي عزوجل‬
‫أمرني أن ل اويس هذا‪ ،‬فقطع من فخذه قطعة فألقاها إليه‪ ،‬ثم مضى‪ ،‬فلما‬
‫مضى فإذا هو بلحم ميتة منتن مدود‪ ،‬فقال‪ :‬أمرني ربي أن أهرب من هذا‬
‫فهرب منه‪ ،‬ورجع ورأى في المنام كأنه قد قيل له‪ :‬إنك قد فعلت ما أمرت‬
‫به فهل تدري ماذا كان ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قيل له‪ :‬أما الجبل فهو الغضب إن العبد‬
‫إذا غضب لم ير نفسه وجهل قدره من عظم الغضب‪ ،‬فإذا حفظ نفسه‬
‫وعرف قدره وسكن غضبه كانت عاقبته كاللقمة الطيبة التي أكلتها وأما‬
‫الطست فهو العمل الصالح إذا كتمه العبد وأخفاه أبى ال عزوجل إل أن‬
‫يظهره ليزينه به مع ما يدخر له من ثواب الخرة‪ .‬وأما الطير فهو الرجل‬
‫الذي يأتيك بنصيحة فاقبله واقبل نصيحته‪ .‬وأما البازي فهو الرجل الذي‬
‫يأتيك في حاجة فل تؤيسه‪ .‬وأما اللحم المنتن فهو الغيبة فاهرب منها‪- 2 .‬‬
‫لى )‪ :(1‬عن ابن مسرور‪ ،‬عن ابن عامر‪ ،‬عن عمه‪ ،‬عن التفليسي‪ ،‬عن‬
‫السمندي قال‪ :‬سمعت أبا عبد ال عليه السلم‪ :‬يقول‪ :‬كان في بني إسرائيل‬
‫مجاعة حتى نبشوا الموتى فأكلوهم‪ ،‬فنبشوا قبرا فوجدوا فيه لوحا مكتوبا‪:‬‬
‫أنا فلن النبي نبش قبري حبشي‪ :‬ما قدمناه وجدناه‪ ،‬وما أكلناه ربحناه‪،‬‬
‫وما خلفناه خسرناه‪ - 3 .‬ل )‪ :(2‬عن ما جيلويه‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن‬
‫الشعري‪ ،‬عن صالح يرفعه‬

‫)‪ (1‬المجلس الثامن والثمانون ص ‪ (2) .361‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.113‬‬


‫]‪[446‬‬

‫بإسناده قال‪ :‬أربعة القليل منها كثير‪ ،‬النار القليل منها كثير‪ ،‬والنوم القليل منه‬
‫كثير‪ ،‬والمرض القليل منه كثير‪ ،‬والعداوة القليل منها كثير‪ - 4 .‬ما )‪:(1‬‬
‫عن المفيد‪ ،‬عن الكاتب‪ ،‬عن عبد الصمد بن علي‪ ،‬عن محمد بن هارون‪،‬‬
‫عن أبي طلحة الخزاعي‪ ،‬عن عمر بن عباد‪ ،‬عن أبي فرات )‪ (2‬قال‪ :‬قرأت‬
‫في كتاب لوهب بن منبه‪ ،‬وإذا مكتوب في صدر الكتاب‪ :‬هذا ما وضعت‬
‫الحكماء في كتبها‪ :‬الجتهاد في عبادة ال أربح تجارة‪ ،‬ول مال أعود من‬
‫العقل‪ ،‬ول فقر أشد من الجهل‪ ،‬وأدب تستفيده خير من ميراث‪ ،‬وحسن‬
‫الخلق خير رفيق‪ ،‬والتوفيق خير قائد‪ ،‬ول ظهر أوثق من المشاورة‪ ،‬ول‬
‫وحشة أوحش من العجب‪ ،‬ول تطمعن صاحب الكبر في حسن الثناء عليه‪.‬‬
‫‪ - 5‬ما )‪ :(3‬بالسناد‪ ،‬عن أبي قتادة‪ ،‬عن أبي عبد ال عليه السلم‪ :‬قال‪:‬‬
‫وصية ورقة بن نوفل لخديجة بنت خويلد عليها السلم إذا دخل عليها يقول‬
‫لها‪ :‬يا بنت أخي ل تمار جاهل ول عالما فإنك متى ماريت جاهل أذلك‪،‬‬
‫ومتي ماريت عالما منعك علمه‪ ،‬وإنما يسعد بالعلماء من أطاعهم‪ ،‬أي بنية‬
‫إياك وصحبة الحمق الكذاب‪ ،‬فإنه يريد نفعك فيضرك‪ ،‬ويقرب منك البعيد‪،‬‬
‫ويبعد عنك القريب‪ ،‬إن ائتمنته خانك‪ ،‬وإن ائتمنك أهانك‪ ،‬وإن حدثك كذبك‪،‬‬
‫وإن حدثته كذبك وأنت منه بمنزلة السراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتى‬
‫إذا جاءه لم يجده شيئا‪ ،‬واعلمي أن الشاب الحسن الخلق مفتاح للخير‬
‫مغلق للشر وأن الشاب الشحيح الخلق مغلق للخير مفتاح للشر‪ ،‬واعملي‬
‫أن الجر إذا انكسر لم يشعب ولم يعد طينا‪ - 6 .‬ما )‪ :(4‬عن ابن مخلد‪ ،‬عن‬
‫جعفر بن محمد بن نصير‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن‬

‫)‪ (1‬المالى ج ‪ 1‬ص ‪ (2) .185‬في المصدر " أبى تراب "‪ (3) .‬المالى ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ (4) .308‬المصدر ج ‪ 2‬ص ‪.8‬‬

‫]‪[447‬‬

‫مسروق قال‪ :‬أنشدني بعض أصحابنا‪ .‬اجعل تلدك في المهم من المور إذا اقترب‬
‫حسن التصبر ما استطعت فإنه نعم السبب لتسه عن أدب الصغير وإن‬
‫شكى ألم التعب ودع الكبير لشأنه كبر الكبير عن الدب ل تصحب النطف‬
‫المريب فقر به إحدى الريب واعلم بأن ذنوبه تعدى كما يعدى الجرب ‪- 7‬‬
‫ل‪ ،‬مع )‪ :(1‬عن العطار‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الشعري‪ ،‬عن أبي عبد ال الرازي‪،‬‬
‫عن ابن عثمان‪ ،‬عن محمد بن أبي حمزة‪ ،‬عن محمد بن وهب‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد ال عليه السلم‪ :‬قال‪ :‬تبع حكيم حكيما سبعمائة فرسخ في سبع كلمات‬
‫فلما لحق به قال له‪ :‬يا هذا ما أرفع من السماء ؟ وأوسع من الرض ؟‬
‫وأغني من البحر ؟ وأقسى من الحجر ؟ وأشد حرارة من النار ؟ وأشد بردا‬
‫من الزمهرير ؟ وأثقل من الجبال الراسيات ؟ فقال له‪ :‬يا هذا إن الحق أرفع‬
‫من السماء‪ ،‬والعدل أوسع من الرض‪ ،‬وغنى النفس أغنى من البحر‪،‬‬
‫وقلب الكافر أقسى من الحجر‪ ،‬والحريص الجشع أشد حرارة من النار‪،‬‬
‫واليأس من روح ال عزوجل أشد بردا من الزمهرير‪ ،‬والبهتان على البرئ‬
‫أثقل من الجبال الراسيات‪ - 8 .‬لى )‪ :(2‬عن ابن البرقي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫جده‪ ،‬عن الحسن بن علي بن فضال‪ ،‬عن ابن حميد‪ ،‬عن الثمالي قال‪ :‬دعا‬
‫حذيفة بن اليمان ابنه عنده موته فأوصى إليه وقال‪ :‬يا بني أظهر اليأس‬
‫مما في أيدي الناس فإن فيه الغنى‪ ،‬وإياك وطلب الحاجات إلى الناس فإنه‬
‫فقر حاضر‪ ،‬وكن اليوم خيرا منك أمس‪ ،‬وإذا أنت صليت فصل صلة مودع‬
‫للدنيا‪ ،‬كأنك ل ترجع‪ ،‬وإياك وما يعتذر منه‪ - 9 .‬ل )‪ :(3‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫علي‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن النوفلي‪ ،‬عن السكوني‪،‬‬

‫)‪ (1‬الخصال ج ‪ 2‬ص ‪ .5‬والمعاني ص ‪ (2) .177‬المجلس الثاني والخمسون ص‬


‫‪ (3) .194‬الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.21‬‬

‫]‪[448‬‬

‫عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه عليهما السلم قال‪ :‬قام أبو ذر ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬عند‬
‫الكعبة فقال‪ :‬أنا جندب بن سكن‪ ،‬فاكتنفه الناس فقال‪ :‬لو أن أحدكم أراد‬
‫سفرا ل تخذ فيه من الزاد ما يصلحه‪ ،‬فسفر يوم القيامة أما تريدون فيه ما‬
‫يصلحكم‪ ،‬فقام إليه رجل فقال‪ :‬أرشدنا‪ ،‬فقال‪ :‬صم يوما شديد الحر للنشور‪،‬‬
‫وحج حجة لعظائم المور وصل ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور‪،‬‬
‫كلمة خير تقولها‪ ،‬وكلمة شر تسكت عنها‪ ،‬أو صدقة منك على مسكين لعلك‬
‫تنجو بها‪ ،‬يا مسكين من يوم عسير‪ ،‬اجعل الدنيا درهمين درهما أنفقته‬
‫على عيالك‪ ،‬ودرهما قدمته لخرتك‪ ،‬والثالث يضر ول ينفع فل ترده‪ ،‬اجعل‬
‫الدنيا كلمتين‪ :‬كلمة في طلب الحلل‪ ،‬وكلمة للخرة‪ ،‬والثالثة تضر ول تنفع‬
‫ل تردها‪ ،‬ثم قال‪ :‬قتلني هم يوم ل أدركه‪ .‬جا )‪ :(1‬عن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن‬
‫أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن الوليد )‪ (2‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد‬
‫بن النضر‪ ،‬عن عمرو بن شمر‪ ،‬عن جابر‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم‬
‫مثله‪ - 10 .‬جا‪ ،‬ما )‪ :(3‬عن المفيد‪ ،‬عن الكاتب‪ ،‬عن الزعفراني‪ ،‬عن‬
‫الثقفي عن حبيب بن بصير )‪ (4‬عن أحمد بن بشير‪ ،‬عن هشام بن محمد‪،‬‬
‫عن أبيه محمد بن السائب‪ ،‬عن إبراهيم بن محمد اليماني‪ ،‬عن عكرمة قال‪:‬‬
‫سمعت عبد ال بن العباس يقول لبنه علي بن عبد ال‪ :‬ليكن كنزك الذي‬
‫تدخره العلم‪ ،‬كن به أشد اغتباطا منك بكثرة الذهب الحمر‪ ،‬فإني مودعك‬
‫كلما إن أنت وعيته اجتمع لك به خير أمر الدنيا والخرة ل تكن ممن‬
‫يرجو الخرة بغير عمل‪ ،‬ويؤخر التوبة الطول المل‪ ،‬ويقول في الدنيا قول‬
‫الزاهدين‪ ،‬ويعمل فيها عمل الرغبين إن اعطي منها لم يشبع وإن منع منها‬
‫لم يقنع‪ ،‬يعجز عن شكر ما اوتي ويبغي الزيادة فيما بقي ويأمر بما ل‬
‫يأتي‪ ،‬يحب الصالحين ول يعمل عملهم‪ ،‬ويبغض الفجار وهو أحدهم‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬لم أعمل فأتعني أل أجلس فأتمني‪ ،‬فهو يتمني المغفرة وقد دأب في‬
‫المعصية قد عمر‬

‫)‪ (1‬مجالس المفيد ص ‪ 125‬و ‪ (2) .126‬في المصدر محمد بن محمد بن الوليد‪) .‬‬
‫‪ (3‬مجالس المفيد ‪ ،195‬والمالي ج ‪ 1‬ص ‪ (4) .110‬في المجالس "‬
‫حبيب بن نصر "‪.‬‬

‫]‪[449‬‬

‫ما يتذكر فيه من تذكر يقول فيما ذهب‪ :‬لو كنت عملت ونصبت كان ذخرا لي‬
‫ويعصي ربه تعالى فيما بقي غير مكترث‪ ،‬إن سقم ندم على العمل )‪ (1‬وإن‬
‫صح أمن واغتر وأخر العمل‪ ،‬معجبا بنفسه ما عوفي‪ ،‬وقانطا إذا ابتلي‪ ،‬إن‬
‫رغب أشر‪ ،‬وإن بسط له هلك‪ ،‬تغلبه نفسه على ما يظن ول يغلبها على ما‬
‫يستيقن‪ ،‬ل يثق من الرزق بما قد ضمن له‪ ،‬ول يقنع بما قسم له‪ ،‬لم يرغب‬
‫قبل أن ينصب‪ ،‬ول ينصب فيما يرغب‪ ،‬إن استغنى بطر‪ ،‬وإن افتقر قنط‪،‬‬
‫فهو يبتغي الزيادة وإن لم يشكر‪ ،‬ويضيع من نفسه ما هو أكبر‪ ،‬يكره‬
‫الموت ل ساءته ول يدع الساءة في حياته‪ ،‬إن عرضت شهوته واقع‬
‫الخطيئة ثم تمنى التوبة‪ ،‬وإن عرض له عمل الخرة دافع‪ ،‬يبلغ في الرغبة‬
‫حين يسأل‪ ،‬ويقصر في العمل حين يعمل‪ ،‬فهو بالطول مدل وفي العمل‬
‫مقل‪ ،‬يبادر في الدنيا‪ ،‬يعبأ بمرض فإذا أفاق واقع الخطايا ولم يعرض‪،‬‬
‫يخشى الموت ول يخاف الفوت‪ ،‬يخاف على غيره بأقل من ذنبه‪ ،‬ويرجو‬
‫لنفسه بدون عمله‪ ،‬وهو على الناس طاعن‪ ،‬ولنفسه مداهن‪ ،‬يرجو المانة‬
‫ما رضي ويرى الخيانة إن سخط‪ ،‬إن عوفي ظن أنه قد تاب وإن ابتلي طمع‬
‫في العافية وعاد‪ ،‬ل يبيت قائما‪ ،‬ول يصبح صائما‪ ،‬يصبح وهمه الغذاء‪،‬‬
‫ويمسي ونيته العشاء وهو مفطر‪ ،‬يتعوذ بال من فوقه ول ينجو بالعوذ‬
‫منه من هو دونه‪ ،‬يهلك في بغضه إذا أبغض ول يقصر في حبه إذا أحب‪،‬‬
‫يغضب في اليسير‪ ،‬ويعصي على الكثير‪ ،‬فهو يطاع ويعصي ال‪ ،‬وال‬
‫المستعان‪ - 11 .‬ص )‪ :(2‬عن الصدوق‪ ،‬عن محمد العطار‪ ،‬عن الحسن بن‬
‫إسحاق‪ ،‬عن علي بن مهزيار‪ ،‬وعن الحسين بن سعيد‪ ،‬عن عثمان بن‬
‫عيسى‪ ،‬عن ابن مسكان‪ ،‬عن منذر‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم قال‪ :‬لما‬
‫فارق موسى الخضر قال موسى أوصني‪ ،‬فقال الخضر‪ :‬ألزم ما ل يضرك‬
‫معه شئ كما ل ينفعك من غيره شئ‪ ،‬إياك واللجاجة والمشي إلى غير‬
‫حاجة‪ ،‬والضحك في غير تعجب‪ ،‬يا ابن عمران ل تعيرن أحدا بخطيئته‪،‬‬
‫وابك على خطيئتك‪ - 12 .‬ك )‪ :(3‬عن الحسن بن عبد ال‪ ،‬عن علي بن‬
‫الحسين بن إسماعيل‪،‬‬

‫)‪ (1‬كذا والظاهر " على ترك العمل "‪ (2) .‬مخطوط‪ (3) .‬كمال الدين ص ‪.101‬‬

‫]‪[450‬‬

‫عن محمد بن زكريا‪ ،‬عن مهدي بن ساق‪ ،‬عن عبد ال بن عباس‪ ،‬عن أبيه قال‪:‬‬
‫جمع قس بن ساعدة ولده فقال‪ :‬إن المعا تكفيه البقلة وترويه المذقة‪ ،‬ومن‬
‫عيرك شيئا ففيه مثله‪ ،‬ومن ظلمك وجد من يظلمه‪ ،‬متى عدلت على نفسك‬
‫عدل عليك من فوقك‪ ،‬فإذا نهيت عن شئ فابدأ بنفسك‪ ،‬ول تجمع ما ل‬
‫تأكل‪ ،‬ول تأكل مال تحتاج إليه‪ ،‬وإذا ادخرت فل تكونن كنزك إل فعلك‪ ،‬وكن‬
‫عف العيلة مشترك الغنى تسد قومك‪ ،‬ول تشاورن مشغول وإن كان حازما‬
‫ول جائعا وإن كان فهما‪ ،‬ول مذعورا وإن كان ناصحا‪ ،‬ول تضعن في‬
‫عنقك طوقا ل يمكنك نزعه إل بشق نفسك‪ ،‬وإذا خاصمت فاعدل‪ ،‬وإذا قلت‬
‫فاقتصد‪ ،‬ول تستود عن أحدا دينك وإن قربت قرابته فإنك إذا فعلت ذلك لم‬
‫تزل وجل‪ ،‬وكان المستودع بالخيار في الوفاء بالعهد‪ ،‬وكنت له عبدا ما‬
‫بقيت‪ ،‬فإن جنى عليك كنت أولى بذلك‪ ،‬وإن وفى كان الممدوح دونك‪ ،‬عليك‬
‫بالصدقة فانها تكفر الخطيئة وكان قس ل يستودع دينه أحدا وكان يتكلم‬
‫بما يخفى معناه على العوام ول يستدركه إل الخواص‪ - 13 .‬صح )‪ :(1‬عن‬
‫الرضا عن آبائه‪ ،‬عن الحسين بن علي عليهم السلم قال‪ :‬وجد لوح تحت‬
‫حائط مدينة من المدائن مكتوب فيه أنا ال ل إله إل أنا‪ ،‬ومحمد نبيي‪،‬‬
‫عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح‪ ،‬وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن‪،‬‬
‫وعجبت لمن اختبر الدنيا ]كيف[ يطمئن إليها‪ ،‬وعجبت لمن أيقن بالحساب‬
‫كيف يذنب‪ - 14 .‬جا )‪ :(2‬عن علي بن محمد القرشي‪ ،‬عن علي بن‬
‫الحسن بن فضال‪ ،‬عن الحسن بن نصير‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد الغفار بن‬
‫القاسم‪ ،‬عن المنهال بن عمرو‪ ،‬عن محمد ابن علي بن الحنفية قال‪ :‬سمعته‬
‫يقول‪ :‬ما لك من عيشك إل لذة تزدلف بك إلى حمامك‪ ،‬ويقر بك إلى نومك‪،‬‬
‫فأي اكلة ليس معها غصص ؟ أو شربة ليس معها شرق‪ ،‬فتأمل أمرك‬
‫فكأنك قد صرت الحبيب المفقود والخيال المخترم‪ ،‬أهل الدنيا أهل سفر ل‬
‫يحلون عقد رحالهم إل في غيرها‪.‬‬

‫)‪ (1‬مجالس المفيد ص ‪ (2) .10‬صحفية الرضا‪ :‬ص ‪.35‬‬

‫]‪[451‬‬
‫‪ - 15‬جا )‪ :(1‬عن أحمد بن الوليد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن الصفار‪ ،‬عن ابن معروف‪ ،‬عن‬
‫ابن مهزيار‪ ،‬عن الهوازي‪ ،‬عن النضر‪ ،‬وابن أبي نجران معا‪ ،‬عن عاصم‪،‬‬
‫عن أبي بصير‪ ،‬عن أبي جعفر عليه السلم إنه قال‪ :‬إن أبا ذر ‪ -‬رحمة ال‬
‫عليه ‪ -‬كان يقول‪ :‬يا مبتغي العلم كأن شيئا من الدنيا لم يكن شيئا إل عمل‬
‫ينفع خيره ويضر شره إل من رحمه ال‪ ،‬يا مبتغي العلم ل يشغلك أهل ول‬
‫مال عن نفسك أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ثم غدوت من عندهم إلى‬
‫غيرهم والدنيا والخرة كمنزل نزلته ثم عدلت عنه إلى غيره‪ ،‬وما بين‬
‫الموت والبعث إل كنومة نمتها ثم استيقظت منها‪ ،‬يا مبتغي العلم قدم‬
‫لمقامك بين يدي ال فإنك مرتهن بعملك وكما تدين تدان‪ ،‬يا مبتغي العلم‬
‫صل قبل أن ل تقدر على ليل ول نهار تصلي فيه‪ ،‬إنما مثل الصلة لصاحبها‬
‫بإذن ال كمثل رجل دخل على سلطان فأنصت له حتى فرغ من حاجته كذلك‬
‫المرء المسلم مادام في صلته لم يزل ال ينظر إليه حتى يفزع من صلته‪،‬‬
‫يا مبتغي العلم تصدق قبل أن ل تقدر أن تعطي شيئا ول تمنع منه‪ ،‬إنما مثل‬
‫الصدقة لصاحبها كمثل رجل طلبه القوم بدم‪ ،‬فقال‪ :‬ل تقتلوني واضربوا لي‬
‫أجل ل سعى في مرضاتكم‪ ،‬كذلك المرء المسلم بإذن ال كلما تصدق‬
‫بصدقة حل بها عقدة في رقبته‪ ،‬حتى يتوفى ال أقواما وقد رضي عنهم‬
‫ومن رضي ال عنه فقد عتق من النار‪ ،‬يا مبتغي العلم إن قلبا ليس منه من‬
‫الحق شئ كالبيت الخراب الذي ل عامر له‪ ،‬يا مبتغي العلم إن هذا اللسان‬
‫مفتاح خير ومفتاح شر فاختم على قلبك كما تختم على ذهبك وورقك‪ ،‬يا‬
‫مبتغي العلم إن هذه المثال نضربها للناس وما يعقلها إل العالمون‪ .‬ما ‪) -‬‬
‫‪ :(2‬عن جماعة من أبي المفضل‪ ،‬عن محمد بن القاسم بن زكريا‪ ،‬عن‬
‫عباد بن يعقوب‪ ،‬عن عاصم بن حميد‪ ،‬عن يحيى بن القاسم يعني أبا بصير‬
‫عنه عليه السلم مثله وفيه‪ :‬يا باغي العلم في المواضع وفي بعض‬
‫الفقرات تقديم وتأخير‪ - 16 .‬ما )‪ (3‬بإسناده عن موسى بن بكر‪ ،‬عن العبد‬
‫الصالح عليه السلم قال‪ :‬بكى‬

‫)‪ (1‬المصدر‪ :‬ص ‪ (2) .106‬المالى ج ‪ 2‬ص ‪ (3) .157‬المالى ج ‪ 2‬ص ‪.313‬‬

‫]‪[452‬‬

‫أبو ذر من خشية ال تعالى حتى اشتكى بصره فقيل له‪ :‬لو دعوت ال يشفي بصرك‬
‫فقال‪ :‬إني عن ذلك مشغول وما هو بأكبر همي قالوا‪ :‬وما يشغلك عنه‪،‬‬
‫قال‪ :‬العظيمتان الجنة والنار‪ - 17 .‬ما )‪ :(1‬بإسناده‪ ،‬عن موسى بن بكر‪،‬‬
‫عن العبد الصالح عليه السلم قال‪ :‬سئل أبو ذر ما مالك ؟ قال‪ :‬عملي‪ ،‬قيل‬
‫له‪ :‬إنما نسألك عن الذهب والفضة‪ ،‬فقال‪ :‬ما اصبح فل امسي وما امسى‬
‫فل اصبح‪ ،‬لنا كندوج نرفع فيه خير متاعنا‪ ،‬سمعت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وآله يقول‪ " :‬كندوج المؤمن قبره "‪ - 18 .‬ما )‪ :(2‬بإسناده‪ ،‬عن‬
‫موسى بن بكر‪ ،‬عن العبد الصالح عليه السلم قال‪ :‬قال أبو ذر ‪ -‬ره ‪:-‬‬
‫جزى ال عني الدنيا مذمة بعد رغيفين من الشعير أتغذى بأحدهما وأتعشى‬
‫بالخر‪ ،‬وبعد شملتي الصوف أئتزر بإحديهما وأرتدي بالخرى‪ - 19 .‬الدرة‬
‫الباهرة )‪ :(3‬أوصى آدم ابنه شيث عليه السلم بخمسة أشياء وقال له‪:‬‬
‫اعمل بها وأوص بها بنيك من بعدك‪ ،‬أولها‪ :‬ل تركنوا إلى الدنيا الفانية‬
‫فإني ركنت إلى الجنة الباقية فما صحب لي واخرجت منها‪ ،‬الثانية ل‬
‫تعملوا برأي نسائكم فإني عملت بهوى امرأتي وأصابتني الندامة‪ ،‬الثالثة‬
‫إذا عزمتم على أمر فانظروا إلى عواقبه فإني لو نظرت في عاقبة أمري لم‬
‫يصبني ما أصابني‪ ،‬الرابعة إذا نفرت قلوبكم من شئ فاجتنبوه فإني حين‬
‫دنوت من الشجرة ل تناول منها نفر قلبي فلو كنت امتنعت من الكل ما‬
‫أصابني ما أصابني‪ .‬نقل من خط الشهيد ‪ -‬قدس ال روحه ‪ -‬ينسب إلى‬
‫محمد بن الحنفية‪ :‬من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا‪ - 20 .‬دعوات‬
‫الراوندي )‪ :(4‬أوحى ال إلى عزير عليه السلم يا عزير إذا وقعت في‬
‫معصية‪ ،‬فل تنظر إلى صغرها ولكن انظر من عصيت‪ ،‬وإذا اوتيت رزقا‬
‫مني فل تنظر إلى قلته ولكن انظر إلى من أهداه‪ ،‬وإذا نزلت بك بلية فل‬
‫تشك إلى‬

‫)‪ (1‬و )‪ (2‬المالى ح ‪ 2‬ص ‪ (3) .313‬و )‪ (4‬مخطوط‪.‬‬

‫]‪[453‬‬

‫خلقي كما ل أشكوك إلى ملئكتي عند صعود مساويك وفضائحك‪ - 21 .‬عدة الداعي‬
‫)‪ :(1‬أوحى ال تعالى إلى داود عليه السلم يا داود إني وضعت خمسة في‬
‫خمسة‪ ،‬والناس يطلبونها في خمسة غيرها فل يجدونها‪ :‬وضعت العلم في‬
‫الجوع والجهد وهم يطلبونه في الشبع والراحة فل يجدونه‪ ،‬وضعت العز‬
‫في طاعتي وهم يطلبونه في خدمة السلطان فل يجدونه‪ ،‬ووضعت الغنى‬
‫في القناعة وهم يطلبونه في كثرة المال فل يجدونه‪ ،‬ووضعت رضاي في‬
‫سخط النفس وهم يطلبونه في رضا النفس فل يجدونه‪ ،‬ووضعت الراحة‬
‫في الجنة وهم يطلبونها في الدنيا فل يجدونها‪ - 22 .‬كتاب المسلسلت‪:‬‬
‫حدثني أبو القاسم علي بن محمد بن علي العلوي قال‪ :‬سمعت محمد بن‬
‫أحمد السناني‪ ،‬سمعت محمد العلوي العريضي يقول‪ :‬سمعت عبد العظيم‬
‫بن عبد ال الحسني‪ ،‬يقول‪ :‬سمعت أحمد بن عيسى العلوي يقول‪ :‬سمعت‬
‫أبا صادق يقول‪ :‬سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلم يقول‪:‬‬
‫تمثيل لبي ذرالغفاري ‪ -‬ره ‪ -‬أنت في غفلة وقلبك ساه * نفد العمر‬
‫والذنوب كما هي جمة حصلت عليك جميعا * في كتاب وأنت عن ذاك‬
‫ساهي لم تبادر بتوبة منك حتى * صرت شيخا وحبلك اليوم واهي عجبا‬
‫منك كيف تضحك جهل * وخطاياك قد بدت للهى فتفكر في نفسك اليوم‬
‫جهدا * واسل عن نفسك الكرى ياتاهي )‪ - 23 (2‬كتاب الغايات )‪ :(3‬عن‬
‫علي بن الحسين عليه السلم قال‪ :‬كان أحد ما أوصى به الخضر موسى بن‬
‫عمران أنه قال‪ :‬ل تعيرن أحدا بذنب فإن أحب المور إلى ال ثلثة القصد‬
‫في الجدة والعفو في المقدرة‪ ،‬والرفق لعباد ال‪ ،‬وما رفق أحد بأحد في‬
‫الدنيا إل رفق ال له يوم القيامة‪ ،‬ورأس الحكمة مخافة ال‪ - 24 .‬ختص )‬
‫‪ :(4‬عن أبي عبد ال الصادق عليه السلم قال‪ :‬قال سلمان الفارسي‪:‬‬

‫)‪ (1‬المصدر‪ :‬ص ‪ (2) .126‬الكرى‪ :‬النعاس‪ (3) .‬مخطوط‪ (4) .‬الختصاص ص‬
‫‪ .230‬ورواه الصدوق في الخصال ج ‪ 1‬ص ‪.158‬‬

‫]‪[454‬‬

‫عجبت بست‪ ،‬ثلثة أضحكتني وثلثة أبكتني‪ ،‬فأما التي أبكتني ففراق الحبة محمد‬
‫صلى ال عليه وآله وهول المطلع والوقوف بين يدي ال عزوجل‪ ،‬وأما‬
‫التي أضحكتني فطالب الدنيا والموت يطلبه‪ ،‬وغافل وليس بمغفول عنه‪،‬‬
‫وضاحك ملء فيه ول يدري أرضي له أم سخط‪ - 25 .‬ختص )‪ :(1‬عن سعد‬
‫بن عبد ال رفعه قال‪ :‬تبع حكيم حكيما تسع مائة فرسخ فلما لحقه قال‪ :‬يا‬
‫هذا ما أرفع من السماء ؟ وما أوسع من الرض ؟ وما أغنى من البحر ؟‬
‫وما أقسى من الحجر وما أشد حرارة من النار وما أشد بردا من الزمهرير‪،‬‬
‫وما أثقل من الجبال الراسيات ؟ فقال‪ :‬الحق أرفع من السماء‪ ،‬والعدل‬
‫أوسع من الرض‪ ،‬وغنى النفس أغنى من البحر‪ ،‬وقلب الكافر أقسى من‬
‫الحجر‪ ،‬والحريص الجشع أشد حرارة من النار‪ ،‬واليأس من قريب أشد‬
‫بردا الزمهرير‪ ،‬والبهتان عن البرئ أثقل من الجبال الراسيات‪ - 26 .‬كنز‬
‫الكراجكى )‪ :(2‬قيل لبعضهم‪ :‬كيف حالك ؟ فقال‪ :‬كيف حال من يفنى ببقائه‪،‬‬
‫ويسقم بسلمته‪ ،‬ويؤتى من مأمنه‪ .‬وقيل لبعض حكماء العرب‪ :‬من أنعم‬
‫الناس عيشا ؟ قال‪ :‬من تحلى بالعفاف ورضي بالكفاف‪ ،‬وتجاوز ما يخاف‬
‫إلى ما ل يخاف‪ ،‬وقيل‪ :‬فمن أعلمهم ؟ قال‪ :‬من صمت فادكر‪ ،‬ونظر‬
‫فاعتبر‪ ،‬ووعظ فازدجر‪ .‬وروي أن ال تعالى يقول‪ :‬يا ابن آدم في كل يوم‬
‫يؤتى رزقك وأنت تحزن‪ ،‬وينقص عمرك وأنت ل تحزن‪ ،‬تطلب ما يطغيك‬
‫وعندك ما يكفيك‪ .‬وقيل‪ :‬أغبط الناس ؟ من اقتصد فقنع‪ ،‬ومن قنع فك رقبته‬
‫من عبودية الدنيا وذل المطامع‪ .‬وقيل‪ :‬الفقير من طمع‪ ،‬والغني من قنع‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬من كان له من نفسه واعظ كان عليه من ال حافظ‪.‬‬

‫)‪ (1‬المصدر‪ :‬ص ‪ (2) .247‬المصدر‪ :‬ص ‪.139‬‬


‫]‪[455‬‬

‫وقيل‪ :‬ل يزال العبد بخير مادام له واعظ من نفسه‪ ،‬وكانت محاسبته من همه‪،‬‬
‫ووعظ رجل فقال‪ :‬عباد ال الحذر الحذر فوال لقد ستر حتى كأنه قد غفر‪،‬‬
‫ولقد أمهل حتى كأنه قد أهمل‪ .‬وقيل‪ :‬العجب لمن يغفل وهو يعلم أنه ل‬
‫يغفل عنه‪ ،‬ولمن يهنئه عيشه وهو ل يعلم إلى ماذا يصير أمره‪ .‬وقيل‪ :‬إن‬
‫للباقي بالفاني معتبرا‪ ،‬وللخر بالول مزدجرا‪ ،‬فالسعيد ل يركن إلى الخدع‪،‬‬
‫ول يغتر بالطمع‪ .‬وقال آخر‪ :‬كيف أؤخر عملي ولست أدري متى يحل‬
‫أجلي‪ ،‬أم كيف تشتد حاجتي إلى الدنيا وليست بداري‪ ،‬أم كيف أجمع وفي‬
‫غيرها قراري‪ ،‬أم كيف ل امهد لرجعتي قبل انصراف مدتي‪ .‬وقال عمر بن‬
‫الخطاب لبي ذر ‪ -‬ره ‪ :-‬عظني‪ :‬قال له‪ :‬ارض بالقوت‪ ،‬وخف الفوت‪،‬‬
‫واجعل صومك الدنيا وفطرك الموت‪ .‬وقال آخر‪ :‬عجبا لمن يكتحل عينه‬
‫برقاد والموت ضجيعها على وساد‪ .‬وقال آخر‪ :‬نظرنا فوجدنا الصبر على‬
‫طاعة ال أهون من الصبر على عذاب ال‪ .‬وقال آخر‪ :‬عجبا لمن يحتمي‬
‫من الطيبات مخافة الداء‪ ،‬ول يحتمي من الذنوب مخافة النار‪ .‬وقيل‪ :‬كيف‬
‫يصفو عيش من هو مسؤول عما عليه‪ ،‬مأخوذ بما لديه‪ ،‬محاسب على ما‬
‫وصل إليه‪ .‬وقال آخر‪ :‬عجبا لمن يحسر عن الواضحة )‪ (1‬وقد يعمل‬
‫بالفاضحة‪ .‬وقيل‪ :‬إذا فللت )‪ (2‬فارجع‪ ،‬وإذا أذنبت فاقلع‪ ،‬وإذا أسأت فاندم‪،‬‬
‫وإذا ائتمنت فاكتم‪ .‬وقال المسيح عليه السلم‪ :‬تعملون للدنيا وأنتم ترزقون‬
‫فيها بغير عمل‪ ،‬ول تعملون‬

‫)‪ (1‬الواضحة مقدم الضراس‪ (2) .‬في المصدر‪ " :‬إذا زللت "‪.‬‬

‫]‪[456‬‬

‫للخرة وأنتم ل ترزقون فيها إل بعمل‪ .‬وقال عليه السلم‪ :‬إذا عملت الحسنة فأله‬
‫عنها فإنها عند من ل يضيعها‪ ،‬وإذا عملت السيئة فاجعلها نصب عينك‪.‬‬
‫وقيل لحكيم‪ :‬لم تدمن )‪ (1‬إمساك العصا ولست بكبير ول مريض قال‪:‬‬
‫لعلم أني مسافر‪ .‬وقيل‪ :‬من أحسن عبادة ال في شيبته لقاه ال الحكمة‬
‫في بلوغه أشده وذلك قوله سبحانه‪ " :‬ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما‬
‫وكذلك نجزى المحسنين )‪ " (2‬ول بأس أن يعذل المقصر المقصر )‪.(3‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬ل يمنعكم معاشر السامعين سوء ما تعلمون منا أن تقبلوا‬
‫أحسن ما تسمعون منا‪ .‬قال الخليل بن أحمد‪ :‬اعمل بعلمي ول تنظر إلى‬
‫عملي ينفعك علمي ول يضرك تقصيري‪ ،‬نعوذ بال أن يكون ما علمنا حجة‬
‫علينا ل لنا‪ ،‬انظر يا أخي إلى نفسك ول تكن ممن جمع علم العلماء‬
‫وطرائف الحكماء وجرى في العمل مجرى السفهاء‪ .‬وروي أن )‪ (4‬امرأة‬
‫العزيز وقفت على الطريق فمرت بها المواكب حتى مر يوسف عليه‬
‫السلم‪ ،‬فقالت‪ :‬الحمدل الذي جعل العبيد ملوكا بطاعته‪ ،‬والحمد ل الذي‬
‫جعل الملوك عبيدا بمعصيته‪ .‬وذكروا أن المتمناة ابنة النعمان بن المنذر‬
‫دخلت على بعض ملوك الوقت فقالت‪ :‬إنا كنا ملوك هذه البلدة يجبى إلينا‬
‫خراجها ويطيعنا أهلها فصاح بنا صائح الدهر فشق عصانا وفرق ملنا‪،‬‬
‫وقد أتيتك في هذا اليوم أسألك ما أستعين به على صعوبة الوقت‪ ،‬فبكى‬
‫الملك وأمر لها بجائزة حسنة فلما أخذتها أقبلت بوجهها‬

‫)‪ (1‬ادمن الشئ‪ :‬أدامه‪ (2) .‬يوسف‪ (3) .23 :‬العذل‪ :‬اللوم‪ (4) .‬الكنز‪ :‬ص ‪.145‬‬

‫]‪[457‬‬

‫عليه فقالت‪ :‬إني محييك بتحية كنا نحيى بها فأصغى إليها‪ ،‬فقالت‪ :‬شكوتك يدا‬
‫افتقرت بعد غنى‪ ،‬ولطلتك )‪ (1‬يدا استغنت بعد فقر‪ ،‬وأصاب ال بمعروفك‬
‫مواضعه‪ ،‬وقلدك المنن في أعناق الرجال‪ ،‬ول أزال ال عن عبد نعمة إل‬
‫جعلك السبب لردها عليه والسلم‪ .‬فقال اكتبوها في ديوان الحكمة‪ .‬وعن‬
‫محمد بن علي الزدي البصري )‪ (2‬رفعه إلى أبي شهاب قال‪ :‬قد بلغني أن‬
‫عيسى بن مريم عليه السلم قال للدنيا‪ :‬يا امرأة كم لك من زوج ؟ قالت‪:‬‬
‫كثير‪ ،‬قال‪ :‬فكلهم طلقك‪ ،‬قالت‪ :‬ل‪ ،‬بل كلهم قتلت‪ ،‬قال‪ :‬هؤلء الباقون ل‬
‫يعتبرون بإخوانهم الماضين كيف توردينهم المهالك واحدا واحدا فيكونوا‬
‫منك على حذر ؟ قالت‪ :‬ل‪ .‬وبلغنا )‪ (3‬أن كلم ال تعالى الذي أنزله على‬
‫بني إسرائيل إني أنا ال ل إله إل أنا ذوبكة مفقر الزناة‪ ،‬وتارك تاركي‬
‫الصلة عراة‪ .‬وقال ابن عباس ‪ -‬ره ‪ (4) -‬خمس خصال تورث خمسة‬
‫أشياء‪ :‬ما فشت الفاحشة في قوم قط إل أخذهم ال بالموت‪ ،‬وما طففت قوم‬
‫الميزان إل أخذهم ال بالسنين‪ ،‬وما نقض قوم العهد إل سلط ال عليهم‬
‫عدوهم‪ ،‬وما جار قوم في الحكم إل كان القتل بينهم‪ ،‬وما منع قوم الزكاة إل‬
‫سلط ال عليهم عدوهم‪ .‬وقال لقمان الحكيم لبنه في وصيته‪ :‬يا بني أحثك‬
‫على ست خصال‪ ،‬ليس منها خصلة إل وهي تقربك إلى رضوان ال‬
‫عزوجل‪ ،‬وتباعدك من سخطه‪ :‬الولى أن تعبد ال ل تشرك به شيئا‪،‬‬
‫والثانية الرضا بقدر ال فيما أحببت أو كرهت‪ ،‬والثالثة أن تحب في ال‬
‫وتبغض في ال‪ ،‬والرابعة أن تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره لهم ما‬
‫تكره لنفسك‪ ،‬والخامسة تكظم الغيظ وتحسن إلى من أساء إليك‪ ،‬والسادسة‬
‫ترك الهوى ومخالفة الردى‪.‬‬

‫)‪ (1‬في المصدر " ول ملكتك "‪ (2) .‬الكنز‪ :‬ص ‪ (3) .159‬المصدر‪ :‬ص ‪) .271‬‬
‫‪ (4‬المصدر‪ :‬ص ‪.272‬‬
‫]‪[458‬‬

‫‪ - 27‬أعلم الدين )‪ :(1‬وصية لقمان لولده قال‪ :‬يا بني أقم الصلة فإنما مثلها في‬
‫دين ال كمثل عمود الفسطاط فإن العمود إن استقام استقام الطناب‬
‫والوتاد والظلل‪ ،‬وإن لم يستقم لم ينفع وتد ول طنب ول ظلل‪ ،‬أي نبي‬
‫صاحب العلماء وجالسهم وزرهم في بيوتهم لعلك أن تشبههم فتكون منهم‪.‬‬
‫اعلم يا نبي إني قد ذقت الصبر وأنواع المر فلم أجد أمر من الفقر‪ ،‬فإذا‬
‫افتقرت يوما فاجعل فقرك بينك وبين ال‪ ،‬ول تحدث الناس بفقرك فتهون‬
‫عليهم‪ ،‬ثم سل في الناس هل من أحد وثق بال فلم ينجه‪ ،‬يا بني توكل على‬
‫ال ثم سل في الناس من ذا الذي أحسن الظن بال فلم يكن عند حسن ظنه‬
‫به‪ ،‬يا بني من يرد رضوان ال يسخط نفسه كثيرا‪ ،‬ومن ل يسخط نفسه ل‬
‫يرضى ربه‪ ،‬ومن ل يكظم غيظه يشمت عدوه‪ ،‬يا نبي تعلم الحكمة تشرف‬
‫بها فإن الحكمة تدل على الدين‪ ،‬وتشرف العبد على الحر‪ ،‬وترفع المسكين‬
‫على الغني‪ ،‬وتقدم الصغير على الكبير‪ ،‬وتجلس المسكين مجالس الملوك‪،‬‬
‫وتزيد الشريف شرفا‪ ،‬والسيد سؤددا‪ ،‬والغني مجددا‪ ،‬وكيف يظن ابن آدم‬
‫أن يتهيأ له أمر دينه ومعيشته بغير حكمة ولن يهيئ ال عزوجل أمر الدنيا‬
‫والخرة إل بالحكمة‪ ،‬ومثل الحكمة بغير طاعة مثل الجسد بغير نفس ومثل‬
‫الصعيد بغير ماء‪ ،‬ول صلح للجسد بغير نفس ول للصعيد بغير ماء ول‬
‫للحكمة بغير طاعة‪ .‬قدتم كتاب الروضة من كتاب بحار النوار ويتلوه كتاب‬
‫الطهارة والصلوة إن شاء ال تعالى والحمد ل وحده‪.‬‬

‫)‪ (1‬مخطوط‪ .‬إلى هنا تم المجلد السابع عشر وتم ما علقت عليه‪ .‬وأرجو من المولى‬
‫سبحانه القبول‪ .‬وأشكر الستاذ المعظم السيد جلل الدين المحدث‬
‫الرموى أبقاه ال تعالى علما للحق حيث تفضل بارسال نسختين‬
‫مخطوطتين من الكتاب حين وقوفه على طبعه وذلك بعد ما خرج من‬
‫الطبع ما جاوز الثلث من الكتاب فالواجب علينا أن نسدى جمل الثناء إليه‬
‫والشكر له‪ .‬وأنا القل على أكبر الغفاري ‪‍ 1386‬ه‪.‬‬

‫]‪[459‬‬

‫كلمة المصحح‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم نحمدك اللهم على التوفيق‪ ،‬ونصلي على‬
‫رسولك وآله هداة الطريق‪ .‬أما بعد‪ :‬فاني لمغتبط بهذه الفرصة التي اتيحت‬
‫لي لتصحيح هذا الجزء الذي هو في أجزاء الكتاب كالكواكب الدري‪ ،‬وفي‬
‫نظام هذا السلك المنضد كالدر ‪ -‬الوضئ‪ .‬لما فيه من عقائل الدب‪ ،‬وكرائم‬
‫الخطب‪ ،‬وينابيع الحكم‪ ،‬والمواعظ والزواجر والعبر‪ ،‬ومحاسن الكتب‬
‫والثر ما يشفي الغليل من غلته‪ ،‬ويبرئ‬
‫]‪[459‬‬

‫كلمة المصحح‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم نحمدك اللهم على التوفيق‪ ،‬ونصلي على‬
‫رسولك وآله هداة الطريق‪ .‬أما بعد‪ :‬فاني لمغتبط بهذه الفرصة التي اتيحت‬
‫لي لتصحيح هذا الجزء الذي هو في أجزاء الكتاب كالكواكب الدري‪ ،‬وفي‬
‫نظام هذا السلك المنضد كالدر ‪ -‬الوضئ‪ .‬لما فيه من عقائل الدب‪ ،‬وكرائم‬
‫الخطب‪ ،‬وينابيع الحكم‪ ،‬والمواعظ والزواجر والعبر‪ ،‬ومحاسن الكتب‬
‫والثر ما يشفي الغليل من غلته‪ ،‬ويبرئ عليل من علته‪ ،‬ويطهر النفوس‬
‫عن درن الرذائل‪ ،‬ويرحض القلوب عن ظلمة ‪ -‬الثام‪ ،‬فمن امتثل أوامره‬
‫وائتمر‪ ،‬وانتهى عن نواهيه وازدجر‪ ،‬واتعظ بمواعظه واعتبر‪ ،‬فهو أفضل‬
‫من تقمص وائتزر‪ .‬والكتاب بما في غضونه من الدروس الراقية يغنينا عن‬
‫سرد جمل الثناء عليه أو تسطير الكلم في إطرائه‪ ،‬غير أنه لم يخرج في‬
‫زمان مؤلفه الفحل والبطل‪ ،‬وسارع إلى رحمة ربه الكريم ولم يمهله الجل‪.‬‬
‫فبقي مسودة دون تصحيح ألفاظه‪ ،‬وتفسير غرائبه ولغاته‪ .‬فهو مع كونه‬
‫جؤنة مشحونة بنفائس العلق‪ ،‬ذوحظ وافر من السقاط والغلط‪،‬‬
‫فقاسيت ما قاسيت في تصحيحه‪ ،‬ولم آل جهدا في تحقيقه‪ ،‬وتحملت‬
‫المشاق في توضيحه‪ ،‬ولم أرم الطناب في تعليقه‪ .‬مع أن الباع قصير‪،‬‬
‫والمر خطير‪ .‬ولست بمستعظم عملي‪ ،‬ول مستكثر جهدي‪ ،‬وما ابرء‬
‫نفسي‪ ،‬وأنا معترف بأن الذي خلق من عجل قلما يسمل من الخطأ والزلل‪،‬‬
‫فالمرجو من أساتذتي العظام أن يمروا على هفواتي مر الكرام‪ ،‬فان‬
‫العصمة ل الملك العلم‪ ،‬وما توفيقي إل بال عليه توكلت وإليه انيب‪ .‬على‬
‫اكبر الغفاري‬

‫مكتبة يعسوب الدين عليه السلم اللكترونية‬

You might also like