You are on page 1of 101

‫مجلة أقلم الثقافية‬

http://www.aklaam.com
‫العولمة‬

‫الدكتور‪ :‬صالح الرقب‬


‫كلية أصول الدين‪ -‬الجامعة السلمية‬
‫فلسطين‪ -‬قطاع غزة‬

‫‪2‬‬
‫الطبعة الثانية‬
‫‪1422‬ه‪2002 -‬م‬

‫المقدمة‪:‬‬
‫لقد كثر الحديث عن العولمة في‬
‫السنوات العشر الخيرة من القرن‬
‫العشرين بعد سقوط التحاد السوفيتي‪،‬‬
‫فتناولتها بالحديث الوساط الجامعية‬
‫والعلمية والتيارات الفكرية والسياسية‬
‫المختلفة‪ ،‬وأصبحت حديث الجتماعيين‬
‫والفلسفة الوربيين وعلماء البيئة‬
‫والطبيعة وكثرت أعداد الندوات‬
‫والمؤتمرات والمحاضرات التي تحمل‬
‫عناوينها "العولمة" أو النظام العالمي‬
‫الجديد أو المتغيرات الدولية الجديدة أو‬
‫الكونية‪.‬‬
‫ولقد صدرت كثير من المؤلفات‬
‫باللغات الوربية والعربية التي تتناول هذه‬
‫الظاهرة‪ ،‬لدرجة أن المرء يكاد يحار في‬
‫كيفية دراسة هذه الظاهرة واللمام‬
‫بموضوعها‪ ،‬خاصة أن كل كاتب أو‬
‫متحدث يتناولها بالدراسة والتحليل من‬
‫جانب معين مثل الجانب القتصادي أو‬
‫الثقافي أو السياسي أو العلمي‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ومعظم الفكار والطروحات الغربية‬
‫التي تتناول دراسة ظاهرة العولمة تقوم‬
‫على ما طرحه الكاتب المريكي الياباني‬
‫الصل "فرانسيس فوكاياما" في كتابه‬
‫)نهاية التاريخ والنسان الخير()‪ ،(1‬والتي‬
‫يزعم فيه أننا وصلنا إلى نقطة حاسمة‬
‫في التاريخ البشري تتحدد بانتصار النظام‬
‫الرأسمالي الليبرالي والديمقراطية‬
‫الغربية على سائر النظم المنافسة لهما‪،‬‬
‫وأن العالم قد أدرك بعد فترة حماقة‬
‫طويلة أن الرأسمالية هي أفضل أنواع‬
‫النظم القتصادية‪ ،‬وأن الليبرالية الغربية‬
‫هي أسلوب الحياة الوحيد الصالح‬
‫للبشرية‪ ،‬وأن الوليات المتحدة المريكية‬
‫وامتدادها القتصادي القيمي )النظام‬
‫الرأسمالي المادي( أوربا يمثلن الدورة‬
‫النهائية للتاريخ‪ ،‬وأن النسان الغربي هو‬
‫النسان الكامل الخير)‪.(2‬‬
‫ومن هنا وجدت الفلسفة العلمية‬
‫الغربية في أفكار وأطروحات )فوكوياما(‬

‫‪ -1‬صدر هذا الكتاب بعد انهيار الشيوعية وسقوط التحاد السوفيتي ‪،‬‬
‫وقد صدر مترجما ً إلى اللغة العربية عن مركز النماء القومي ‪ ،‬بيروت‬
‫‪1993‬م بإشراف مطاوع صفدي ‪.‬‬
‫‪ - 2‬انظر العولمة ‪ ،‬د‪ .‬جلل أمين ‪ -‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪1998‬م ‪-‬‬
‫سلسلة اقرأ ص ‪ ، 5‬السلم والغرب والديمقراطية ‪ -‬جودت سعيد‬
‫وعبد الوهاب علواني ‪ -‬دار الفكر المعاصر ‪ -‬لبنان ‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬دمشق‬
‫‪ -‬الطبعة ‪1417‬هـ ‪1997 -‬م ‪ ،‬ص ‪ . 186‬فخ العولمة هانس‬
‫بيترمارتين ‪ ،‬هارالد شومان ترجمة د‪ .‬عدنان عباس علي ‪ ،‬مراجعة‬
‫وتقديم أ‪.‬د‪ .‬رمزي زكي ‪ -‬عالم المعرفة ‪ -‬المجلس الوطني للثقافة‬
‫والفنون والداب ‪ -‬الكويت ‪ ،‬ص ‪. 8-7‬‬

‫‪4‬‬
‫وغ بها سياسات الغرب الرعناء‬ ‫مادة تس ّ‬
‫تجاه العالم المعاصر)‪.(1‬‬
‫تعريف العولمة‪-:‬‬
‫لقد أصبح مصطلح العولمة متداول ً‬
‫منذ بداية التسعينات ‪ ،‬وأصبح علما ً على‬
‫الفترة الجديدة التي بدأت بتدمير جدار‬
‫برلين عام ‪1989‬م وسقوط التحاد‬
‫السوفييتي وتفككه‪ ،‬وانتهت بتغّلب‬
‫النظام الرأسمالي الغربي على النظام‬
‫الشيوعي‪ ،‬وانفراد الوليات المتحدة‬
‫المريكية بقيادة العالم المعاصر‪.‬‬
‫العولمة لغة‪ :‬العولمة على وزن فوعلة‪،‬‬
‫وهذه الكلمة بهذه الصيغة الصرفية لم‬
‫ترد في كلم العرب‪ ،‬والحاجة المعاصرة‬
‫قد تفرض استعمالها‪ ،‬وهي تدل على‬
‫تحويل الشيء إلى وضعية أخرى‪،‬‬
‫ومعناها‪ :‬وضع الشيء على مستوى‬
‫العالم‪ ،‬وأصبحت الكلمة دارجة على‬
‫ألسنة الكتاب والمفكرين في أنحاء‬
‫الوطن العربي)‪.(2‬‬
‫والعولمممممة ترجمـــــة لكلمـــــة "‬
‫‪ "Mondialisation‬الفرنســـية‪ ،‬بمعنـــى‬
‫جعــل الشــيء علــى مســتوى عــالمي‪،‬‬
‫والكلمــة الفرنســية المــذكورة إنمــا هــي‬

‫‪ - 1‬انظر السلم والغرب والديمقراطية ‪-‬مصدر سابق‪ -‬ص ‪. 185‬‬


‫‪ - 2‬العرب والعولمة ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬بيروت ‪1998‬م‬
‫من بحث للدكتور ‪ /‬محمد عابد الجابري ‪ ،‬ص ‪. 135‬‬

‫‪5‬‬
‫ترجمــــة “‪ ”Globalization‬النجليزيــــة‬
‫التي ظهــرت أول ً فــي الوليــات المتحــدة‬
‫المريكية‪ ،‬بمعنى تعميم الشــيء وتوســيع‬
‫دائرته ليشمل الكــل ‪ .‬فهــي إذا مصــطلح‬
‫دا‪ ،‬موجهًــا‬ ‫مــا واحـ ً‬
‫يعنــي جعــل العــالم عال ً‬
‫دا فــي إطــار حضــارة واحــدة‪،‬‬ ‫توجيًها واحـ ً‬
‫ولذلك قد تسمى الكونية أو الكوكبة ‪( ).‬‬
‫‪1‬‬

‫ومن خلل المعنى اللغوي يمكننا أن‬


‫نقول بأن العولمة إذا صدرت من بلد أو‬
‫جماعة فإنها تعني‪ :‬تعميم نمط من‬
‫النماط التي تخص ذلك البلد أو تلك‬
‫الجماعة‪ ،‬وجعله يشمل الجميع أي العالم‬
‫كله)‪.(2‬‬
‫العولمة إذا ً من حيث اللغة كلمة‬
‫غريبة على اللغة العربية ويقصد منها عند‬
‫الستعمال ‪-‬اليوم‪ -‬تعميم الشيء وتوسيع‬
‫دائرته ليشمل العالم كله‪.‬‬
‫اصطلحًا‪ :‬إن كلمة العولمة جديدة‪ ،‬وهي‬
‫مصطلح حديث لم يدخل بعد في‬
‫القواميس السياسية والقتصادية‪.‬‬
‫والكلمة "العولمة" نسبة إلى الَعالم‬
‫‪-‬بفتح العين‪ -‬أي الكون‪ ،‬وليس إلى الِعلم‬
‫‪-‬بكسر العين‪ -‬لقد ظهرت العولمة أول ً‬
‫كمصطلح في مجال التجارة والمال‬

‫‪ - 1‬مقاربتان عربيتان للعولـمة‪ ،‬ياسر عبد الجواد‪ ،‬المستقبل العربي‬


‫عدد ‪ 252‬شباط ‪2000‬م ص ‪.2‬‬
‫‪ - 2‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 137-136‬‬

‫‪6‬‬
‫والقتصاد‪ ،‬ثم أخذ يجري الحديث عنها‬
‫بوصفها نظاما ً أو نسقا ُ أو حالة ذات أبعاد‬
‫متعددة‪ ،‬تتجاوز دائرة القتصـاد‪ ،‬فتشـمل‬
‫إلى جانب ذلك المبادلت والتصال‬
‫والسياسة والفكر والتربية والجتماع‬
‫واليديولوجيا)‪.(1‬‬
‫وقد أطلق عليها بعض الكتاب‬
‫والمفكرين "النظام العالمي الجديد"‬
‫وربما يوحي هذا الطلق بأن اللفظة ذات‬
‫مضامين سياسية بحتة‪ ،‬ولكن في‬
‫الحقيقة تشمل مضامين سياسية‬
‫واقتصادية وثقافية واجتماعية وتربوية)‪،(2‬‬
‫بمعنى آخر تشمل مضامين تتعلق بكل‬
‫جوانب الحياة النسانية‪ .‬يقول الرئيس‬
‫كلينتون‪" :‬ليست العولمة مجرد قضية‬
‫اقتصادية بل يجب النظر إلى أهمية‬
‫مسائل البيئة والتربية والصحة")‪.(3‬‬
‫ولقد كثرت التعاريف التي توضح‬
‫معنى العولمة‪ ،‬نذكر هنا بعضا ً منها‪ ،‬ثم‬
‫اذكر التعريف الذي أرى أنه يعبر عن‬
‫المعنى الحقيقي لظاهرة العولمة‪.‬‬

‫‪ - 1‬المصدر السابق ص ‪. 138‬‬


‫‪ - 2‬انظر العولمة محمد سعيد أبو زعرور ‪ ،‬دار البيارق ‪ -‬عمان ‪،‬‬
‫الردن ‪ ،‬الطبعة الولى ‪1418‬هـ ‪1998 -‬م‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ - 3‬من خطاب ألقاه في المنتدى القتصادي بدافوس في يناير‬
‫‪2000‬م ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ومن هذه التعريفات‪:‬‬
‫يقول جيمس “روزانو” أحد علماء‬
‫السياسة المريكيين عن العولـمة‪" :‬إنها‬
‫العلقة بين مستويات متعددة لتحليل‬
‫القتصاد والسياسة والثقافة‬
‫واليديولوجيا‪ ،‬وتشمل‪ :‬إعادة النتاج‪،‬‬
‫وتداخل الصناعات عبر الحدود‪ ،‬وانتشار‬
‫أسواق التمويل‪ ،‬وتماثل السلع‬
‫المستهلكة لمختلف الدول نتيجة الصراع‬
‫بين المجموعات المهاجرة والمجموعات‬
‫‪(1).‬‬
‫المقيمة"‬
‫‪" -‬نظام عالمي جديد يقوم على العقل‬
‫اللكتروني‪ ،‬والثورة المعلوماتية القائمة‬
‫على المعلومات والبداع التقني غير‬
‫المحدود‪ ،‬دون اعتبار للنظمة والحضارات‬
‫والثقافات والقيم‪ ،‬والحدود الجغرافية‬
‫والسياسية القائمة في العالم)‪.(2‬‬
‫‪"--‬إنها حرية حركة السلع والخدمات‬
‫واليدي العاملة ورأس المال والمعلومات‬
‫عبر الحدود الوطنية والقليمية")‪.(3‬‬
‫‪-‬ويعرفها الدكتور مصطفى محمود‬
‫فيقول‪" :‬العولـمة مصطلح بدأ لينتهي‬
‫بتفريغ الوطن من وطنيته وقوميته‬
‫‪ -1‬العولـمة بين النظم التكنولوجية الحديثة – نعيمة شومان‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بيروت ‪1418‬هـ‪1998 -‬م ص ‪.40‬‬
‫‪ - 2‬محمد سعيد أبو زعرور ‪-‬مصدر سابق‪ -‬ص ‪. 14‬‬
‫‪ - 3‬مصطفى حمدي ‪ :‬العولمة آثار ومتطلباتها نقل ً عن المصدر السابق‬
‫ص ‪. 15-14‬‬

‫‪8‬‬
‫وانتمائه الديني والجتماعي والسياسي‪،‬‬
‫بحيث ل يبقى منه إل ّ خادم للقوى‬
‫‪1‬‬
‫الكبرى"‪.‬‬
‫‪ -‬العولمة هي‪ :‬العملية التي يتم بمقتضاها‬
‫إلغاء الحواجز بين الدول والشعوب‪،‬‬
‫والتي تنتقل فيها المجتمعات من حالة‬
‫الفرقة والتجزئة إلى حالة القتراب‬
‫والتوحد‪ ،‬ومن حالة الصراع إلى حالة‬
‫التوافق‪ ،‬ومن حالة التباين والتمايز إلى‬
‫حالة التجانس والتماثل‪ ،‬وهنا يتشكل‬
‫وعي عالمي وقيم موحدة تقوم على‬
‫مواثيق إنسانية عامة")‪.(2‬‬
‫والمواثيق النسانية الواردة في هذا‬
‫التعريف هي المواثيق التي يصنعها‬
‫الغرب الكافر وأساسها نظرة علمانية‬
‫مادية للوجود لتحقيق مصالحه الخاصة‪،‬‬
‫ثم تصدر للعالم على أنها مواثيق إنسانية‬
‫لصالح البشرية‪ ،‬ول بأس أن تصدر بها‬
‫القرارات الدولية من هيئة المم المتحدة‬
‫باعتبارها مؤسسة حامية للحقوق‬
‫النسانية‪.‬‬

‫‪ - 1‬إ علم العولـمة وتأثيره في المستهلك‪ ،‬أحمد مصطفى عمر‪،‬‬


‫المستقبل العربي‪ ،‬ص ‪ 72‬نقل ً عن مجلة )السلم وطن( عدد ‪،138‬‬
‫حزيران‪ ،1998 ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ - 2‬د‪ .‬أحمد مجدي حجازي ‪ :‬العولمة وآليات التهميش في الثقافة‬
‫العربية ص ‪ ، 3‬وهو بحث ألقي في المؤتمر العلمي الرابع )الثقافة‬
‫العربية في القرن القادم بين العولمة والخصوصية( المنعقد بجامعة‬
‫فيلدلفيا في الردن في مايو ‪1998‬م ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪" -‬هي تعاظم شيوع نمط الحياة‬
‫الستهلكي الغربي‪ ،‬وتعاظم آليات فرضه‬
‫سياسيا ً واقتصاديا ً وإعلميا ً وعسكريًا‪ ،‬بعد‬
‫التداعيات العالمية التي نجمت عن انهيار‬
‫التحاد السوفيتي وسقوط المعسكر‬
‫الشرقي" أو هي محاولة لفرض الفلسفة‬
‫البراجماتية النفعية المادية العلمانية‪ ،‬وما‬
‫يتصل بها من قيم وقوانين ومبادئ‬
‫وتصورات على سكان العالم أجمع)‪.(1‬‬
‫‪ -‬هي العمل على تعميم نمط حضاري‬
‫يخص بلدا ً بعينه هو الوليات المتحدة‬
‫المريكية بالذات على بلدان العالم‬
‫أجمع" وهي أيضا ً أيديولوجيا ً تعبر بصورة‬
‫مباشرة عن إرادة الهيمنة على العالم‬
‫وأمركته)‪.(2‬‬
‫وبعد دراسة متأنية لظاهرة العولمة‬
‫وأهدافها ووسائلها وتأثيراتها في واقع‬
‫المجتمعات والشعوب‪ ،‬يمكن أن تعرف‬
‫العولمة بما يلي‪-:‬‬
‫العولمة‪ :‬هي الحالة التي تتم‬
‫فيها عملية تغيير النماط والنظم‬
‫القتصادية والثقافية والجتماعية‬
‫ومجموعة القيم والعادات السائدة وإزالة‬
‫الفوارق الدينية والقومية والوطنية في‬

‫‪ - 1‬السلم والعولمة‪ ،‬محمد إبراهيم المبروك وآخرون‪ ،‬الدار القومية‬


‫العربية‪ ،‬القاهرة ‪1999‬م ‪ ،‬ص ‪. 101 ، 99‬‬
‫‪ - 2‬انظر العرب والعولمة ‪ ،‬محمد عابد الجابري‪ ،‬ص ‪. 137‬‬

‫‪10‬‬
‫إطار تدويل النظام الرأسمالي الحديث‬
‫وفق الرؤية المريكية المهيمنة‪ ،‬والتي‬
‫تزعم أنها سيدة الكون وحامية النظام‬
‫العالمي الجديد‪.‬‬

‫نشأتها ‪- :‬‬
‫اختلف الباحثون في التأريخ‬
‫لنشأة العولمة على قولين‪-:‬‬
‫الول‪ :‬يرى هؤلء الباحثون أن ظاهرة‬
‫العولمة قديمة‪ ،‬عمرها خمسة قرون‪،‬‬
‫ترجع إلى القرن الخامس عشر أي إلى‬
‫زمن النهضة الوربية الحديثة‪ .‬حيث‬
‫التقدم العلمي في مجال التصال‬
‫والتجارة‪ ،‬ويدل على ذلك‪ :‬أن العناصر‬
‫الساسية في فكرة العولمة وهي‪ :‬ازدياد‬
‫العلقات المتبادلة بين المم‪ ،‬سواء‬
‫المتمثلة في تبادل السلع والخدمات‪ ،‬أو‬
‫في انتقال رؤوس الموال‪ ،‬أو في انتشار‬
‫المعلومات والفكار‪ ،‬أو في تأثر أمة بقيم‬
‫وعادات غيرها من المم يعرفها العالم‬
‫من ذلك التاريخ ‪.‬‬
‫ولكن يقال‪ :‬ثمة أمور مهمة جديدة‬
‫طرأت على ظاهرة العولمة في السنوات‬
‫الثلثين الخيرة منها‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ -‬اكتساح تيار العولمة مناطق مهمة في‬
‫العالم كانت معزولة‪ ،‬ومن هذه المناطق‬
‫الدول الوربية الشرقية والصين‪.‬‬
‫‪ -‬الزيادة الكبيرة في تنوع السلع‬
‫والخدمات التي يجري تبادلها بين المم‬
‫والشعوب‪ ،‬وتنوع مجالت الستثمار التي‬
‫تتجه إليها رؤوس الموال‪.‬‬
‫‪ -‬سيطرة تبادل المعلومات والفكار على‬
‫العلقات الدولية‪.‬‬
‫‪ -‬ارتفاع نسبة السكان ‪-‬في دخل كل‬
‫دولة‪ -‬التي تتفاعل مع العالم الخارجي‪.‬‬
‫‪ -‬النشاط المتزايد والفعال للشركات‬
‫المتعددة الجنسيات في مجال تبادل‬
‫السلع وانتقال رأس المال والمعلومات‬
‫والفكار‪ ،‬واتخاذها العالم كله مسرحا ً‬
‫لعملياتها في النتاج والتسويق‪،‬وما تبع‬
‫ذلك من هدم الحواجز الجمركية وإلغاء‬
‫نظام التخطيط وإعادة توزيع الدخل‪،‬‬
‫والنظر في دعم السـلع والخدمات‬
‫الضرورية للسكان‪ ،‬وتخفيض النفاق على‬
‫الجيوش والجانب العسكري)‪.(1‬‬
‫الثاني‪ :‬يرى فريق آخر أن العولمة‬
‫ظاهرة جديدة‪ ،‬فما هي إل امتداد للنظام‬
‫الرأسمالي الغربي بل هي المرحلة‬
‫الخيرة من تطور النظام الرأسمالي‬
‫‪ - 1‬انظر العولمة ‪ ،‬د‪ .‬جلل أمين ص ‪ ، 26‬العرب والعولمة ‪ -‬مصدر‬
‫سابق ‪ -‬ص ‪139‬‬

‫‪12‬‬
‫العلماني المادي النفعي‪ ،‬وقد برزت في‬
‫المنتصف الثاني من القرن العشرين‬
‫نتيجة أحداث سياسية واقتصادية معينة‬
‫منها‪ :‬انتهاء الحرب الباردة بين التحاد‬
‫السوفيتي والوليات المتحدة المريكية‬
‫عام ‪1961‬م ثم سقوط التحاد السوفيتي‬
‫سياسيا ً واقتصاديا ً عام ‪1991‬م‪ ،‬وما‬
‫أعقبه من انفراد الوليات المتحدة‬
‫المريكية بالتربع على عرش الصدارة في‬
‫العالم المعاصر وانفرادها بقيادته‬
‫السياسية والقتصادية والعسكرية‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫بروز القوة القتصادية الفاعلة من قبل‬
‫المجموعات المالية والصناعية الحرة‬
‫عبرة شركات ومؤسسات اقتصادية‬
‫متعددة الجنسيات‪ ،‬مدعومة بصورة قوية‬
‫وملحوظة من دولها)‪.(1‬‬
‫يرى توماس فيردمان الصحافي‬
‫اليهودي المريكي الذي يكتب في‬
‫"نيويورك تايمز" ‪) :‬إن العولمة الحالية‬
‫هي مجرد جولة جديدة بعد الجولة الولى‬
‫التي بدأت في النصف الثاني من القرن‬
‫التاسع عشر بحكم التوسع الهائل في‬
‫الرحلت البحرية باستخدام طاقة البخار‬
‫والتي أدت إلى اتساع حجم التجارة‬

‫‪ -‬العولمة ‪ ،‬محمد سعيد أبو زعرور ص ‪. 18‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪13‬‬
‫الدولية بشكل لم يسبق له مثيل()‪.(1‬‬
‫ويرجع صاحبا كتاب فخ العولـمة البداية‬
‫الحقيقية للعولمة إلى عام ‪1995‬م؛ حيث‬
‫جه الرئيس السوفيتي السابق‬ ‫و ّ‬
‫جورباتشوف الدعوة إلى خمسمائة من‬
‫قادة العالم في مجال السياسة والمال‬
‫والقتصاد في فندق فيرمونت المشهور‬
‫في سان فرانسيسكو لكي يبنوا معالم‬
‫الطريق إلى القرن الحادي والعشرين‪.‬‬
‫وقد اشترك في هذا المؤتمر المغلق‬
‫أقطاب العولـمة في عالم الحاسوب‬
‫والمال وكذلك كهنة القتصاد الكبار‪،‬‬
‫وأساتذة القتصاد في جامعات ستانفورد‬
‫وهارفرد وأكسفورد‪ .‬واشترك فيها من‬
‫السياسيين‪ ،‬الرئيس الميركي جورج‬
‫بوش الب‪ ،‬ووزير خارجيته شولتز‪،‬‬
‫ورئيسة الوزراء البريطانية مارجريت‬
‫تاتشر ورئيس وزراء مقاطعة سكسونيا‬
‫‪2‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫أقول‪ :‬وإن كانت هـذه العولمة‬
‫تسـتهدف هيمنة دولة واحدة ‪-‬وهي‬
‫الوليات المتحدة المريكية‪ -‬على دول‬
‫العالم أجمع فإن هذه الصورة من‬
‫العولمة لم تكن لتظهر فجأة دون بدايات‬

‫‪ - 1‬الوطنية في عالم بل هوية ‪ -‬تحديات العولمة ‪ -‬د‪ .‬حسين كامل بهاء‬


‫الدين ‪ -‬دار المعارف ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ص ‪. 63-62‬‬
‫‪ - 2‬فخ العولـمة – مرجع سابق‪ -‬ص ‪.23 -22‬‬

‫‪14‬‬
‫أو مقدمات مهدت لها بصورة فاعلة‬
‫ومخطط لها من القوى الرأسمالية ذات‬
‫النزعة الستعمارية‪ .‬ومن ذلك إنشاء‬
‫منظمة المم المتحدة وما تبعها من‬
‫مؤسسات مالية دولية‪ :‬البنك الدولي‬
‫للنشاء والتعمير‪ ،‬وصندوق النقد الدولي‪،‬‬
‫ثم اتفاقية الجات "التفاقية العامة على‬
‫الرسوم الجمركية والتجارة" التي تعود‬
‫في تاريخها إلى سنة ‪1947‬م حيث‬
‫اجتمعت ثلث وعشرون دولة صناعية في‬
‫جنيف للنظر في تحرير التجارة وفتح‬
‫البواب بين هذه الدول ‪ ،‬وبدأت سريان‬
‫هذه التفاقية منذ أول يناير ‪1948‬م‪ ،‬وبلغ‬
‫عدد الدول الموقعة عليها سنة ‪1993‬م‬
‫مائة وسبع عشرة دولة‪.‬‬
‫ثم معاهدة "ماستريخت" التي‬
‫ضمت خمسة عشر بلدا ً صناعيًا‪ ،‬وظهور‬
‫المناطق التجارية الحرة‪ ،‬والتحادات‬
‫الجمركية‪ ،‬ثم الحداث السياسية التي‬
‫تتمثل بانتهاء الحرب الباردة‪ ،‬ثم قيام‬
‫الرئيس السوفيتي السبق ‪-‬ميخائيل‬
‫غورباتشوف‪ -‬وبدعم أمريكي ملحوظ ‪-‬‬
‫عام ‪1985‬م بالعلن عن إصلح النظام‬
‫القتصادي الشيوعي الذي سمي وقتها‬
‫"البيروستويكا" وقد كان هذا العلن‬
‫بمثابة العلن عن سقوط الشيوعية‬

‫‪15‬‬
‫وانهيار التحاد السوفيتي سياسيا ً‬
‫واقتصاديًا‪ ،‬وما تله من سقوط حائط‬
‫برلين عام ‪1989‬م‪ ،‬واتحاد اللمانيتين‪ ،‬ثم‬
‫حرب الخليج الثانية عام ‪1991‬م‪ ،‬وما‬
‫أسفرت عنه من تثبيت القواعد المريكية‬
‫العسكرية في منطقة الخليج العربي‪ .‬كل‬
‫هذه الحداث ساهمت إلى حد بعيد في‬
‫تربع الوليات المتحدة المريكية على‬
‫عرش النفوذ العالمي‪ ،‬وبالتالي برز‬
‫مصطلح "النظام العالمي الجديد"‬
‫و"الحادية القطبية والعولمة"‪.‬‬
‫وظهر أول نظام تجاري دولي ملزم‬
‫للقطار المنضوية تحت لوائه في شهر‬
‫نيسان سنة ‪1995‬م‪ ،‬حيث أعلن عن‬
‫إنشاء المنظمة العالمية للتجارة ‪W.T. -‬‬
‫‪ - O‬بمدينة مراكش المغربية ‪ -‬وهي‬
‫امتداد لتفاقية الجات‪ .‬وهذه المنظمة‬
‫تمثل أحد أركان النظام القتصادي‬
‫العالمي الجديد‪ ،‬وتختص بأعمال إدارة‬
‫ومراقبة وتصحيح أداء العلقات التجارية‪،‬‬
‫وستكون عامل مساعد للبنك الدولي‬
‫وصندوق النقد الدولي لتنفيذ وإقرار‬
‫النظام القتصادي العالمي الجديد‪ .‬وأخيرا ً‬
‫تم دعم صرح العولمة بالتوقيع ‪-‬في‬
‫شباط عام ‪1997‬م بمدينة جنيف‬
‫بسويسرا‪ -‬على أول اتفاق دولي يتعلق‬

‫‪16‬‬
‫بتحرير المبادلت الخدمية المتطورة‪،‬‬
‫وخاصة فيما عرف "بالتكنولوجيا‬
‫المعلوماتية" أو ثورة التصالت) (‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومما ساعد على سرعة انتشار‬


‫ظاهرة العولمة انضمام كثير من دول‬
‫شرق أوربا إلى الحلف الطلسي‪ ،‬وانفتاح‬
‫دول أخرى على الحلف نفسه ‪ ،‬وانضمام‬
‫كثير من الدول العربية إلى المنظمة‬
‫العالمية للتجارة)‪- ،(2‬وبقية الدول‬
‫تتفاوض للنضمام‪ -‬ثم المؤتمرات‬
‫القتصادية المتلحقة التي تنظر لهذه‬
‫العولمة كأمر حتمي ل مفر منه‪ ،‬وإظهار‬
‫مزاياها القتصادية والتنموية ومن أشهرها‬
‫"منتدى دافوس القتصادي" ثم‬
‫المشروعات القتصادية السرائيلية التي‬
‫تستهدف عولمة الشرق الوسط لصالح‬
‫المشروع الصهيوني الذي يتمثل في دولة‬
‫إسرائيل الكبرى‪ ،‬التي تسعى لتحقيقه‬
‫اقتصاديا ً وثقافيا ً عبر بوابات اتفاقيات‬
‫السلم التي تعقدها منفردة مع الدول‬
‫العربية‪ ،‬والتفاقيات القتصادية الثنائية‬
‫مع دول المنطقة وعبر بوابات التطبيع‪،‬‬
‫‪ - 1‬انظر العولمة ‪ ،‬محمد سعيد أبو زعرور ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬
‫‪ - 2‬تضم هذه المنظمة حتى ديسمبر ‪1999‬م مائة وخمسة وثلثين )‬
‫‪ (135‬دولة ‪ ،‬وتشارك بنحو ‪ %95‬من حجم التجارة الدولية ‪ .‬لمعرفة‬
‫المزيد عن دور هذه المنظمة وآثارها اليجابية لمريكا وآثارها السلبية‬
‫على الدول السلمية ‪ :‬النظام القتصادي العالمي واتفاقية الجات ‪ ،‬د‪.‬‬
‫حسين شحاته ‪ ،‬دار البشير ‪ ،‬طنطا ‪ ،‬الطبعة الولى ‪1418‬هـ ‪1998 -‬م‬
‫‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫التي تهيأ لها بكل قوة الوليات المتحدة‬
‫المريكية وحلفاؤها في المنطقة العربية‪،‬‬
‫وقد أضفى ذلك كله بعدا ً استراتيجيا ً‬
‫جديدا ً على دعم الدور المريكي ‪-‬ومن‬
‫ورائه القوى الصهيونية المتحكمة في‬
‫السياسة والقيادة المريكية‪ -‬لقيادة‬
‫النظام العالمي الجديد‪.‬‬
‫ن العولمممة‬ ‫ممما سممبق يتضممح لنمما أ ّ‬‫م ّ‬
‫تتكون من العناصر الرئيسية التالية‬
‫‪-:‬‬
‫‪ -1‬تعميممم الرأسمممالية ‪ :‬إن تغل ّـــب‬
‫الرأسمالية علــى الشــيوعية جعلهــا تعمــم‬
‫مبادئهــا علــى كــل المجتمعــات الخــرى‪،‬‬
‫فأصبحت قيــم الســوق‪ ،‬والتجــارة الحــرة‪،‬‬
‫والنفتــاح القتصــادي‪ ،‬والتبــادل التجــاري‪،‬‬
‫وانتقال السلع ورؤوس الموال‪ ،‬وتقنيــات‬
‫النتــاج والشــخاص‪ ،‬والمعلومــات‪ ،‬هــي‬
‫القيـــم الرائجـــة‪ ،‬وتقـــود ذلـــك أمريكـــا‬
‫وتفرضها عن طريق المؤسسات العالمية‬
‫التابعة للمم المتحــدة‪ ،‬وخاصــة مؤسســة‬
‫البنك الدولي ‪ ،‬ومؤسســة النقــد الــدولي‪،‬‬
‫وعــن طريــق التفاقــات العالميــة الــتي‬
‫تقرها تلك المؤسســات كاتفاقيــة الجــات‪،‬‬
‫والمنظمة العالمية للتجارة وغيرها ‪.‬‬
‫‪ -2‬القطممب الواحممد ‪ :‬تفــردت أمريكــا‬
‫بقيـــادة العـــالم بعـــد ســـقوط التحـــاد‬

‫‪18‬‬
‫الســوفييتي‪ ،‬وتفكيــك منظــومته الدوليــة‬
‫المسمى )حلف وارسو(‪ ،‬إنه لم تبلغ دولة‬
‫وة أمريكا العسـكرية‬ ‫عظمى في التاريخ ق ّ‬
‫والقتصادية‪ ،‬مما يجعل هذا التفرد خطيرا ً‬
‫علـــى الخريـــن فـــي كـــل المجـــالت‬
‫القتصــــادية‪ ،‬والسياســــية‪ ،‬والثقافيــــة‪،‬‬
‫والجتماعية‪.‬‬
‫‪ -3‬ثورة التقنيات والمعلومات ‪:‬‬
‫دة ثورات علمية منها‬ ‫مّرت البشرية بع ّ‬
‫ثورة البخار والكهرباء والذّرة‪ ،‬وكان‬
‫آخرها الثورة العلمية والتكنولوجية‪،‬‬
‫وخاصة في مجال التطورات السريعة‬
‫والمدهشة في عالم الحاسوب اللي‬
‫)الكمبيوتر(‪ ،‬وتوصل الحاسوب اللي‬
‫الحالي إلى إجراء أكثر من ملياري عملية‬
‫مختلفة في الثانية الواحدة‪ ،‬وهو المر‬
‫الذي كان يستغرق ألف عام لجرائه في‬
‫السابق‪ ،‬أما المجال الخر من هذه الثورة‬
‫فهو التطورات المثيرة في تكنولوجيا‬
‫المعلومات والتصالت والتي تتيح للفراد‬
‫والدول والمجتمعات للرتباط بعدد ل‬
‫يحصى من الوسائل التي تتراوح بين‬
‫الكبلت الضوئية والفاكسات ومحطات‬
‫الذاعة والقنوات التلفزيونية الرضية‬
‫والفضائية‪ ،‬التي تبث برامجها المختلفة‬
‫عبر حوالي ‪ 2000‬مركبة فضائية‪،‬‬

‫‪19‬‬
‫بالضافة إلى أجهزة الكمبيوتر‪ ،‬والبريد‬
‫اللكتروني وشبكات النترنت‪ ،‬التي تربط‬
‫العالم بتكاليف أقل‪ ،‬وبوضوح أكثر على‬
‫مدار الساعة‪ ،‬لقد تحولت تكنولوجيا‬
‫المعلومات إلى أهم مصدر من مصادر‬
‫الثروة‪ ،‬أو قوة من القوى الجتماعية‬
‫والسياسية والثقافية الكاسحة في عالم‬
‫اليوم)‪.(1‬‬
‫أسباب ظهورالعولمة )النظام‬
‫الجديد(‪:‬‬
‫يرجع الدكتور عبد الوهاب المسيري‬
‫ظهورالعولمة إلى عدة أسباب‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫" ونحن نلخص أسباب ظهور هذا النظام‬
‫الجديد فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬أدرك الغرب عمق أزمته العسكرية‬
‫والثقافية والقتصادية ‪ ,‬وأحس بالتفكك‬
‫الداخلي وبعجزه عن فرض سياساته‬
‫بالقوة‪.‬‬
‫‪ -2‬أدرك الغرب استحالة المواجهة‬
‫العسكرية والثقافية والقتصادية مع دول‬
‫العالم الثالث ‪ ,‬التي أصبحت جماهيرها‬
‫أكثر صحوا ً ‪ ,‬وُنخبها أكثر حركية وصقل ً‬
‫وفهما ً لقواعد اللعبة الدولية‪.‬‬
‫‪ -3‬أدرك الغرب أنه على الرغم من‬
‫هذه الصحوة ‪ ,‬فثمة عوامل تفكك بدأت‬
‫‪ - 1‬من ورقة قــدمت إلــى مــؤتمر كليــة الشـريعة فــي جامعــة الكــويت‬
‫المنعقد عام ‪2000‬م حول العولمة‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫تظهر في دول العالم الثالث ‪ ,‬فقد‬
‫ظهرت نخب محلية مستوعبة تماما ً في‬
‫المنظومة القيمية والمعرفية‬
‫والستهلكية الغربية ‪ -‬يمكنه أن يتعاون‬
‫معها ويجندها ‪ ,‬وهي نخب يمكن أن‬
‫تحقق له ‪ -‬من خلل السلم والستسلم‬
‫‪ -‬ما فشل في تحقيقه من خلل الغزو‬
‫العسكري‪.‬‬
‫لكل هذا أدرك الغرب إمكانية اللجوء‬
‫للغواء والغراء‪ ،‬بدل ً من القمع‬
‫والستفادة من التفكك لضرب‬
‫التماسك‪ ،‬بدل ً من الهجوم التدميري‬
‫المباشر‪ ،‬وبذا يحل إشكالية عجزه عن‬
‫المواجهة ويتخلى عن مركزيته الواضحة‬
‫وهيمنته المعلنة ‪ ,‬ليحل محلها هيمنة‬
‫بنيوية تغطيها ديباجات العدل والسلم‬
‫والديمقراطية التي ينقلها البعض بب َْبغائية‬
‫مذهلة ")‪.(1‬‬
‫أهدافها وآثارها‪-:‬‬
‫لقد رّوج دعاة العولمة في الغرب‬
‫وعملؤهم في المنطقة العربية مجموعة‬
‫من المقولت لصالح العولمة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫أن العولمة تبشر بالزدهار القتصادي‬
‫والتنمية والرفاهية لكل المم والعيش‬
‫الرغيد للناس كلهم‪ ،‬والنتعاش ونشر‬
‫‪ - 1‬أسباب ظهور النظام الجديد‪ :‬الدكتور عبد الوهاب المسيري موقع‬
‫‪ - -alarabnews‬على النترنت‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫التقنية الحديثة وتسهيل الحصول على‬
‫المعلومات والفكار عبر الستفادة من‬
‫الثورة المعلوماتية الحديثة‪ ،‬وإيجاد فرص‬
‫للنطلق للسواق الخارجية‪ ،‬وتدفق‬
‫الستثمارات الجنبية التي تتمتع بكفاءة‬
‫عالية وبالتالي ينتعش القتصاد الوطني‬
‫والقومي‪.‬‬
‫ولكن سرعان ما اكتشف الباحثون‬
‫والمفكرون أن تلك المقولت ما هي إل‬
‫شعارات استهلكية جوفاء‪ .‬لقد أدركت‬
‫الدول الفقيرة والنامية أن طغيان‬
‫العولمة واحتكارات الشركات الدولية إنما‬
‫يزيدها فقرا ً وخضوعا ً للسياسات‬
‫الرأسمالية الغربية فأخذت تستنفر‬
‫جهودها للدفاع عن حقوقها في مواجهة‬
‫هذه العولمة‪ ،‬فلقد حذر مهاتير محمد‬
‫رئيس وزراء ماليزيا من العولمة في‬
‫المجال القتصادي وقال‪" :‬إن منظمة‬
‫التجارة العالمية تسمح للدول الغنية‬
‫بابتلع الدول الفقيرة")‪.(1‬‬

‫‪ - 1‬جاء ذلك في كلمة ألقاها أمام مؤتمر لوزراء خارجية دول منظمة‬
‫المؤتمر السلمي الذي انعقد في كوالمبور في السابع والعشرين من‬
‫يونيو ‪2000‬م ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫والهداف الحقيقية للعولمة يمكممن‬
‫تلخيصها فيما يلي‪-:‬‬
‫ل‪ :‬الهداف والثار القتصادية‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ترتبط عملية العولمة بتدويل النظام‬
‫القتصادي الرأسمالي‪ ،‬حيث تم توحيد‬
‫الكثير من أسواق النتاج والستهلك‪ ،‬وتم‬
‫التدخل المريكي في الوضاع القتصادية‬
‫للدول‪ ،‬وخاصة دول العالم الثالث‪ ،‬عبر‬
‫المؤسسات المالية الدولية كصندوق‬
‫النقد الدولي والبنك الدولي التي تمارس‬
‫الملءات القتصادية المغايرة لمصالح‬
‫الشعوب‪ ،‬وبالتالي تحقق العولمة‬
‫لصحابها هدفين كبيرين في المجال‬
‫القتصادي هما‪-:‬‬
‫‪ -1‬الهيمنــة المريكيــة علــى اقتصــاديات‬
‫العــالم مــن خلل القضــاء علــى ســلطة‬
‫وقـــوة الدولـــة الوطنيـــة فـــي المجـــال‬
‫القتصادي بحيث تصبح الدولة تحت رحمة‬
‫صندوق النقد الدولي حين تســتجدي منــه‬
‫المعونة والمساعدة عــبر بوابــة القــروض‬
‫ذات الشــــروط المجحفــــة‪ ،‬وخاضــــعة‬
‫لســـــيطرة الحتكـــــارات والشـــــركات‬
‫المريكية الكبرى على اقتصــاد الــدول)‪،(1‬‬
‫ولعــل تركيــا والمكســيك وماليزيــا مــن‬
‫النماذج الواضحة للدول الــتي عصــف بهــا‬
‫‪ - 1‬العولمة ‪ ،‬محمـد سـعيد أبـو زعـرور ص ‪ ، 36‬السـلم والعولمـة ص‬
‫‪. 136‬‬

‫‪23‬‬
‫تيــــار العولمــــة لصــــالح المســــتثمرين‬
‫المريكيين)‪.(1‬يقول رئيس وزراء ماليزيــا‪:‬‬
‫مهاتير محمد الــذي عــانت بلده مــن آثــار‬
‫العولـــمة فــي الســنوات الخيــرة ‪" :‬إن‬
‫العــالم المعــولم لــن يكــون أكــثر عــدل ً‬
‫ومســاواة‪ .‬وإنمــا سيخضــع للــدول القويــة‬
‫المهيمنة‪ .‬وكما أدى انهيار الحرب البــاردة‬
‫إلى موت وتدمير كــثير مــن النــاس‪ ،‬فــإن‬
‫العولـمة يمكن أن تفعــل الشــيء نفســه‪،‬‬
‫ربمــا أكــثر مــن ذلــك‪ ،‬فــي عــالم معــولم‬
‫سيصــبح بإمكــان الــدول الغنيــة المهيمنــة‬
‫فرض إرادتها على الباقين الذين لن تكون‬
‫حالهم أفضل مما كانت عليه عندما كــانوا‬
‫مسـتعمرين مـن قبـل أولئك الغنيـاء")‪.(2‬‬
‫ن‬
‫ويقول الــدكتور عمــاد الــدين خليــل‪ ":‬إ ّ‬
‫العولمة تجعــل العــالم كلــه قريــة صــغيرة‬
‫تتحكم فيهــا الزعامــة المريكيــة وبطانتهــا‬
‫اليهودية بمصائر المم والدول والشعوب‪،‬‬
‫وتضع مقدراتها الماليـة والقتصـادية ‪-‬فـي‬
‫نهاية المر‪ -‬تحــت قبضــتها‪ ،‬تفعــل بهــا مــا‬
‫تشــاء‪ ،‬مــن أجــل تحقيــق أهــداف نفعيــة‬
‫)براغماتية( صرفة لصالح مراكــز الهيمنــة‬

‫‪ -‬فخ العولمة ص ‪. 258-254‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -3‬من محاضرة ألقاها فـي كــوال لمبــور‪ ،‬فـي ‪ 24‬يوليــو ‪ ،1996‬نقل ً‬
‫عن ))الدين والعولـمة(( للدكتورأحمد بن عثمان التويجري‪ ،‬ص ‪ ،19‬من‬
‫مجلة السلم اليوم‪ ،‬من عدد ‪ ،17 ،16‬السنة ‪1421 ،17‬هـ‪2000 /‬م‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫الغربيـــة علـــى حســـاب المـــم والـــدول‬
‫والشعوب")‪.(1‬‬
‫‪ -2‬تحقيق مصالح المجموعات الغنية في‬
‫الدول الغربية والقوى المتحالفة معها في‬
‫الدول الخـرى علـى حسـاب شـعوب‬
‫العالـم‪ ،‬ومما يدل على ذلك فشل تجربة‬
‫"النمور السيوية" ومنها إندونيسيا‬
‫وماليـزيا‪ ،‬حيث لم تسـتطع تحقيـق‬
‫المصالح القتصـادية المطلـوبـة‬
‫لشـعوبها‪ ،‬إذ عملت الشركات المتعددة‬
‫الجنسيات على إحداث هذا الفشل‪ ،‬وقام‬
‫أحد المستثمرين الجانب ‪-‬أحد رموز‬
‫العولمة‪ -‬الملياردير "جورج سورس"‬
‫باللعب في البورصة مما أدى إلى ضرب‬
‫التجـارة التنمويـة وإحباطهـا)‪.(2‬‬
‫إن هذه الشــركات تعــد الرض كلهــا‬
‫سوًقا كبيًرا لها‪ ،‬بما فيها ومن فيها بحيــث‬
‫تتنافس فــي اقتســام هــذه الراضــي دون‬
‫أي اعتبار لقيــم أو أخلق‪ ،‬وهــي نــادًرا مــا‬
‫تــدخل فــي شــكل اســتثمارات مباشــرة‬
‫طويلــة المــد‪ ،‬وإنمــا تــدخل بمــا يعــرف‬
‫بالموال الطائرة‪ ،‬في استثمارات قصيرة‬
‫الجل وسريعة الفــوائد والــتي تحقــق لهــا‬
‫عوائد هائلة‪ ،‬دون أن يكــون لــذلك مــردود‬
‫‪ - 1‬تحديات النظام العالمي الجديد – النترنت‪ -‬موقع السلم على‬
‫الطريق‪.‬‬
‫‪ - 2‬الســلم والعولمــة ص ‪ ، 126-125‬الوطنيــة فــي عــالم بل هويــة ‪-‬‬
‫تحديات العولمة ‪ -‬ص ‪.81‬‬

‫‪25‬‬
‫على التنمية المحلية‪ .‬وإن حــدث وقــدمت‬
‫استثمارات مباشرة‪ ،‬فإنها قبل ذلك تأخــذ‬
‫مــا يكفيهــا مــن التســهيلت والضــمانات‬
‫السياسية والقتصادية التي ل تحظــى بهــا‬
‫رؤوس الموال المحلية‪ ،‬وهــو مــا يعرقــل‬
‫القتصاد المحلي‪ ،‬زيادة علــى ذلــك‪ ،‬فــإن‬
‫معظــم أنشــطتها تقتصــر علــى الســلع‬
‫الســتهلكية ذات العــائد الســرع نتيجــة‬
‫للنمـــط الســـتهلكي الســـائد)‪.(1‬يقـــول‬
‫الــدكتور مجــدي قرقــر‪" :‬إن الشــركات‬
‫المتعـــــددة الجنســـــيات أدى تطورهـــــا‬
‫وتضخمها إلى تعميــق العولمــة اقتصــاديًا‪،‬‬
‫وتعـــدد أنشـــطتها فـــي كـــل المجـــالت‪:‬‬
‫الســـتثمار والنتـــاج والنقـــل والتوزيـــع‬
‫والمضــاربة‪ ،‬ووصــل المــر إلــى أنهــا قــد‬
‫صارت تؤثر في القرار السياســي والبعــد‬
‫الثقــافي والمعرفــي‪ ،‬وفــي ظــل العولمــة‬
‫استطاعت هذه الشركات الســتفادة مــن‬
‫فروق السعار‪ ،‬من نســبة الضــرائب‪ ،‬مــن‬
‫مستوى الجور لتركيز النتاج في المكــان‬
‫الرخــص وبعــد ذلــك ينقــل النتــاج إلــى‬
‫المكان الذي يكون فيــه مسـتوى الســعار‬
‫أعلى ويتم تسويقه هناك")‪.(2‬‬

‫‪ - 1‬نهايـــة الجغرافيـــة‪ ،‬ص ‪ ،103‬وأنظـــر أيضـــًا‪ :‬طوفـــان العولــــمة‬


‫واقتصادياتنا المسلمة‪ ،‬البيان‪ ،‬عدد ‪ ،151‬ص ‪.72‬‬
‫‪ - 2‬السلم والعولمة ‪ ،‬ص ‪. 70‬‬

‫‪26‬‬
‫في يوم ‪19/6/2000‬م عقد في‬
‫القاهرة مؤتمر ضم الدول الخمسة عشر‬
‫‪-‬أفريقية وآسيوية‪ -‬من الدول النامية ‪-‬‬
‫أكد المتحدثون فيه أن القتصاد العالمي‬
‫الجديد هو لصالح فئة قليلة تزيدها غنى‬
‫فوق غناها‪ ،‬على حساب الدول الكثيرة‬
‫الفقيرة‪ ،‬وهو يدفع الدول النامية إلى‬
‫مقبرة الفقر‪.‬‬
‫وترتب على هذا الهدف ما يلي‪-:‬‬
‫لقــد كــانت نتيجــة العولـــمة خطيــرة فــي‬
‫حياتنــا القتصــادية‪ ،‬فضــل ً عــن الجــوانب‬
‫الخرى‪ ،‬وقـد حصــرها بعــض القتصــاديين‬
‫العرب بالنقاط التية‪-:‬‬
‫‪-1‬إنهاء دور القطاع العام وإبعــاد الدولــة‬
‫عن إدارة القتصاد الوطني‪.‬‬
‫‪-2‬عولـمة الوحدات القتصادية وإلحاقهــا‬
‫بالســوق الدوليــة لدارتهــا مركزيــا ً مــن‬
‫الخارج‪.‬‬
‫‪ -3‬العمل على اختراق الســوق العربيــة‬
‫من قبل السوق الجنبي‪.‬‬
‫‪ -4‬إدارة القتصـــاديات الوطنيـــة وفـــق‬
‫اعتبــارات الســوق العالميــة بعيــدا ً عــن‬
‫متطلبات التنمية الوطنية‪.‬‬
‫‪-5‬العمــل علــى إعــادة هيكلــة المنطقــة‬
‫العربية في ضوء التكتلت الدولية‪(1).‬‬
‫‪ - 1‬القتصاد العربي في مواجهة تحديات النصف الثاني من عقد‬
‫التسعينيات – مجلة آفاق عربية ‪ ،‬في ‪1/2/1995‬م ص ‪ ،2‬والسوق‬

‫‪27‬‬
‫ومن أخطارهذه العولمة أيضًا‪:‬‬
‫أ‪ -‬تركيز الثروة المالية في يد قلة من‬
‫الناس أو قلة من الدول‪ ،‬فـ ‪358‬‬
‫ملياردير في العالم يمتلكون ثروة تضاهي‬
‫ما يملكه أكثر من نصف سكان العالم‪ ،‬و‬
‫‪ %20‬من دول العالم تستحوذ على ‪%85‬‬
‫من الناتج العالمي الجمالي‪ ،‬وعلى ‪%84‬‬
‫من التجارة العالمية‪ ،‬ويمتلك سكانها‬
‫‪ %85‬من المدخرات العالمية‪.‬‬
‫ب‪ -‬سيطرة الشركات العملقة عمليا ً‬
‫على القتصاد العالمي‪ ،‬إن خمس دول‬
‫‪-‬الوليات المتحدة المريكية واليابان‬
‫وفرنسا وألمانيا وبريطانيا‪ -‬تتوزع فيما‬
‫بينها ‪ 172‬شركة من أصل مائتي شركة‬
‫من الشركات العالمية العملقة)‪.(1‬ويمكن‬
‫هنا أن نعرض إحصائية أولية لقوة تلك‬
‫الشركات المتعددة الجنسيات‪ .‬فهناك‬
‫‪ 350‬شركة كبرى لتلك الدول تستأثر بما‬
‫نسبته ‪ %40‬من التجارة الدولية‪ .‬وقد‬
‫بلغت الحصة المئوية لكبر عشر شركات‬
‫في قطاع التصالت السلكية واللسلكية‬
‫‪ %86‬من السوق العالمي‪ ،‬وبلغت هذه‬
‫النسبة ‪ %85‬من قطاع المبيدات وما‬
‫يقرب من ‪ %70‬من قطاع الحاسبات و‬
‫‪ %60‬في قطاع الدوية البيطرية و ‪%35‬‬
‫الشرق اوسطية – آفاق عربية‪ ،‬عدد ‪ ،1995 ،11/12‬ص ‪.4‬‬
‫‪ - 1‬انظر فخ العولمة ص ‪ ، 13 -11‬العرب والعولمة ‪ ،‬ص ‪. 140‬‬

‫‪28‬‬
‫من قطاع الدوية الصيدلنية و ‪ %34‬في‬
‫‪1‬‬
‫قطاع البذور التجارية‪.‬‬
‫ج‪ -‬تعميق التفاوت في توزيع الدخل‬
‫والثروة بين الناس بل بين المواطنين في‬
‫الدولة الواحدة‪ ،‬واختزال طاقات شعوب‬
‫العالم إلى طاقة دفع لماكينة الحياة‬
‫البراجماتية الستهلكية للقوى الرأسمالية‬
‫والسياسة الغربية المسيطرة)‪.(2‬‬
‫د‪ -‬استئثار قلة من سكان الدولة الواحدة‬
‫بالقسم الكبر من الدخل الوطني والثروة‬
‫المحلية‪ ،‬في الوقت الذي يعيش أغلبية‬
‫السكان حياة القلة والشقاء‪ ،‬ويوضح ذلك‬
‫أن عشرين بالمئة من الفرنسيين‬
‫يتصرفون فيما يقرب من سبعين بالمئة‬
‫من الثروة الوطنية‪ ،‬وعشرين بالمئة من‬
‫الفرنسيين ل ينالون من الدخل الوطني‬
‫سوى نسبة ستة بالمائة)‪.(3‬‬
‫هـ‪ -‬النمو المطرد للبطالة‪ ،‬وانخفاض‬
‫الجور وما يرتبط بها من تقليص في‬
‫قدرة المستهلكين واتساع دائرة‬
‫المحرومين‪ ،‬وقد دلت الحصائيات على‬
‫حقائق خطيرة‪ ،‬ففي العالم )‪(800‬‬
‫مليون شخص يعانون من البطالة‪ ،‬وهذا‬
‫الرقم في ازدياد‪ ،‬وفي السنوات العشرة‬

‫‪ -‬مقال نهاية الجغرافية‪،‬مجلة البيان‪ ،‬ص ‪.102‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬السلم والعولمة ص ‪ ، 107‬فخ العولمة ص ‪. 36 ، 28-26 ، 8-7‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬العرب والعولمة ص ‪ ، 141‬فخ العولمة ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪29‬‬
‫الخيرة عملت ‪ 500‬شركة من أكبر‬
‫الشركات العالمية على تسريح أربعمائة‬
‫ألف عامل ‪-‬في المتوسط‪ -‬كل سنة‪،‬‬
‫على الرغم من ارتفاع أرباح هذه‬
‫الشركات بصورة هائلة‪ ،‬فإحدى هذه‬
‫الشركات منحت للمساهمين فيها مبلغ‬
‫خمسة مليون دولر لكل منهم)‪،(1‬‬
‫والشركات المريكية تسّرح مليونين من‬
‫العمال)‪.(2‬‬
‫و‪ -‬فرض السياسات القتصادية والزراعية‬
‫على دول العالم ‪-‬وخاصة النامية‪ -‬بهدف‬
‫تعطيل التنمية القتصادية‪ ،‬وإبقائها سوقا ً‬
‫استهلكية رائجة للمنتوجات الغربية‪،‬‬
‫وتسليم إرادتها السياسية للقوى الحاكمة‬
‫في أمريكا‪ .‬ففي بعض الدول انخفضت‬
‫معدلت النمو عام ‪98‬م بأكثر من‬
‫‪ ،%100‬وارتفعت معدلت البطالة بنسبة‬
‫خطيرة أدت إلى حدوث مشكلت‬
‫اجتماعية عديدة من أهمها زيادة نسبة‬
‫الفقر والمية)‪ .(3‬يقول ساكيكو فوكيربار‪:‬‬
‫"ما دام القتصاد ومفاهيم السوق من‬
‫العناصر الساسية في العولمة فإن‬
‫التنمية البشرية لن تأخذ حظها الذي‬

‫‪ - 1‬العرب والعولمة ‪ ،‬ص ‪. 141‬‬


‫‪ - 2‬السلم والعولمة ‪ ،‬ص ‪. 61‬‬
‫‪ - 3‬انظر جريدة الرسالة ‪ -‬قطاع غزة ‪ -‬عدد ‪ ، 141‬تاريخ ‪ 28‬شوال‬
‫‪1420‬هـ ص ‪.21‬‬

‫‪30‬‬
‫تستحق من هذه العولمة")‪ .(1‬ز‪ -‬إضعاف‬
‫قوة موارد الثروة المالية العربية المتمثلة‬
‫في النفط حيث تم إضعاف أهميته‬
‫كسلعة حينما تم استثناؤه من السلع التي‬
‫تخضع لحرية التجارة الدولية ‪-‬أسوة‬
‫بتجارة المعلومات‪ -‬من تخفيض الضرائب‬
‫والقيود الجمركية المفروضة عليه من‬
‫الدول المستهلكة‪ ،‬فما زالت هذه الدول‬
‫وعلى رأسها الوليات المتحدة المريكية‬
‫ترفض اعتبار النفط والمشتقات‬
‫البتروكيماوية من السلع التي يجب‬
‫تحريرها من القيود الجمركية والضرائب‬
‫الباهضة التي تفرضها الدول المستهلكة‪،‬‬
‫وبذلك تجني هذه الدول الرباح الهائلة‬
‫من وراء ذلك‪ ،‬وهي تعادل ثلثة أمثال‬
‫العائدات إلى الدول المنتجة في الوقت‬
‫الحاضر‪ ،‬بل أصدر الكونجرس المريكي‬
‫تشريعا ً يقضي بفرض العقوبات على دول‬
‫في منظمة أوبيك إذا شاركت في رفع‬
‫أسعار النفط أو تثبيتها)‪.(2‬‬
‫ح‪ -‬ارتفاع أسعار المواد الغذائية في‬
‫الدول السلمية‪ ،‬نتيجة إلغاء هذه الدول‬
‫الدعم المالي الذي كانت تقدمه للسلع‬
‫الغذائية‪ ،‬وبسبب الحتكار والمنافسة غير‬
‫المتكافئة من الدول الكبرى‪ ،‬وبسبب‬
‫‪ -‬انظر المصدر السابق ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬انظر المصدر السابق ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪31‬‬
‫قيود الجودة وشروط المواصفات‬
‫العالمية التي تفرضها التفاقيات التجارية‬
‫والصناعية الدولية‪ ،‬وهي شروط ل تقدر‬
‫الدول السلمية النامية على الوفاء‬
‫بها)‪ .(1‬ويترتب على ذلك ابتعاد الحكومات‬
‫عن التدخل في النشاط القتصادي وقصر‬
‫دورها في حراسة النظام‪.‬وأن تبقى‬
‫السواق السلمية سوقا ً مفتوحا ً رائجا ً‬
‫أمام المنتجات والبضائع الوربية‬
‫والمريكية‪ ،‬وأن تقوض المصانع‬
‫والمؤسسات الوطنية والقتصاد‬
‫الوطني)‪.(2‬‬
‫ط‪ -‬التلوث البيئي للعالم السلمي‪ :‬من‬
‫المعلوم أنه تلقي كل يوم أطنان‬
‫المبيدات الزراعية على الرض‪،‬وهي‬
‫تهلك كل الحشرات النافعة‪ ،‬حتى تزيد‬
‫في إنتاج طعام ماسخ ل مذاق له‪.‬‬
‫وعمليات العولمة ستزيد البيئة سوءًا‪،‬‬
‫قال الله تعالى‪" :‬ظهر الفساد في‬
‫البر والبحر بما كسبت أيدي الناس‬
‫ليذيقهم بعض الذي كسبوا لعلهم‬
‫ن الشركات الكبرى العابرة‬ ‫يرجعون"‪ ،‬إ ّ‬
‫للقارات بما تنتجه من الصناعات‬
‫‪ - 1‬انظر آثار التفاقيات القتصادية والصناعية والزراعية ‪ -‬على العالم‬
‫السلمي ‪ : -‬النظام القتصادي العالمي واتفاقية الجات تأليف د‪.‬‬
‫حسين شحاته‪ ،‬دار البشير للثقافة والعلوم ‪ ،‬طنطا ‪ ،‬الطبعة الولى‬
‫‪1418‬هـ ‪1998 ،‬م ‪ ،‬ص ‪. 25-20‬‬
‫‪ - 2‬انظر السلم والعولمة ص ‪. 148‬‬

‫‪32‬‬
‫الكيماوية والمبيدات الزراعية ونحوها‬
‫تلوث البيئة تلويثا كبيرًا‪ ،‬يقول المريكي‬
‫جيمي رفكن في كتابه )النتروبي( بعد‬
‫أن استعرض كل الفساد البيئي في‬
‫الكون المحيط ‪" :‬إن الحل وليس هناك‬
‫حل غيره‪ ،‬هو أن نعود إلى ما قبل الثورة‬
‫الصناعية الولى"‪(1).‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الهداف والثار السياسية‪-:‬‬
‫‪ -1‬فــرض الســيطرة السياســية الغربيــة‬
‫على النظمة الحاكمـة والشـعوب التابعـة‬
‫لها‪ ،‬والتحكم في مركز القــرار السياســي‬
‫وصناعته في دول العالم لخدمة المصــالح‬
‫المريكيــة والقــوى الصــهيونية المتحكمــة‬
‫فــي السياســة المريكيــة نفســها‪ ،‬علــى‬
‫حساب مصالح الشعوب وثرواتها الوطنية‬
‫والقومية‪ ،‬وثقافتها ومعتقداتها الدينيــة)‪.(2‬‬
‫يقـــول جـــون بوتنـــغ رئيـــس المـــدراء‬
‫التنفيذيين السابق في بنك بنسلفانيا "في‬
‫العولمــة نحــن نقــرر مــن الــذي ســيعيش‬
‫ونحن نقرر من الذي سيموت")‪.(3‬‬
‫إن العولـمة المريكية الصهيونية‬
‫تخطط للتدخل العسكري وإعلن الحــرب‬

‫‪ - 1‬العولمة وقضايا التقنية‪ :‬سيد دسوقي حسن –موقع السلم على‬


‫النترنت‪.‬‬
‫‪ - 2‬العولمة ‪ ،‬محمد سعيد أبو زعرور ص ‪. 36‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دراسـة حـول البعـد التـاريخي والمعاصـر لمفهـوم العولمـة ‪ ،‬غـازي‬
‫الصوراني‪ ،‬إصدار منتــدى الفكــر الــديمقراطي الفلســطيني ‪2000 ،‬م ‪،‬‬
‫ص ‪. 80‬‬

‫‪33‬‬
‫في أية بقعة مــن العــالم‪ ،‬تفكــر بــالخروج‬
‫على سيطرتها وتحكمها‪ ،‬لن العــالم يــراد‬
‫له أن يقع تحت براثن الستبداد المريكي‬
‫والقــانون المريكــي والقــوة العســكرية‬
‫المريكيــة‪ .‬وهــو أمــر يكشــفه تقريــران‬
‫خطيران كانا سريين للغاية‪ ،‬ثم ُنشرا بعــد‬
‫ذلـــــك‪ ،‬وهمـــــا تقريـــــرا "جريميممممما‬
‫وولفوفتيز")‪.(1‬‬
‫ول شـــك فـــي أن نصـــيب العـــالم‬
‫السلمي‪ -‬في أفغانستان وفلسطين‪ -‬قــد‬
‫كــان كــبيرا ً فــي ضــوء تلــك السياســة‬
‫المريكيـــة الظالمـــة‪ .‬يقـــول صممموئيل‬
‫هنتنغتممون)‪ -(2‬فــي دراســته المســماة‬
‫"المصــالح المريكيــة ومتغيــرات المــن"‪،‬‬
‫التي ُنشرتها "مجلــة الشــؤون الخارجيــة"‬
‫ن الغــرب بعــد‬ ‫في حزيــران ‪1993‬م‪ ": -‬إ ّ‬
‫ســة‬
‫سقوط التحــاد الســوفيتي بحاجــة ما ّ‬
‫إلى عدو جديد يوحــد دولــه وشــعوبه‪ ،‬وأن‬
‫الحرب لن تتوقف‪ ،‬حتى لو سكت السلح‬
‫وُأبرمـــت المعاهـــدات‪ ،‬ذلـــك أن حرًبـــا‬
‫حضارية قادمــة ستســتمر بيــن المعســكر‬
‫الغربي الذي تتزعمه أمريكا وطــرف آخــر‬
‫قد يكون عالم السلم أو الصين")‪.(3‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬النظــام العــالمي الجديــد‪ ،‬منيــر شــفيق‪ ،‬ص ‪ ،16‬الناشــر للطباعــة‬
‫والنشر والتوزيع والعلن‪ ،‬ط ‪1420 ،1‬هـ ‪1992 -‬م ص ‪.22-18‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬أستاذ العلوم السياسية ومــدير مؤسســة )جــون أوليــن( للدراســات‬
‫الستراتيجية بجامعة هاردفارد‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ - -‬تحديات النظام العالمي الجديد – د‪.‬عمـاد الـدين خليـل‪ -‬النـترنت‪-‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ -2‬إضعاف فاعلية المنظمات والتجمعات‬
‫السياسية القليمية والدولية‪ ،‬والعمل‬
‫على تغييبها الكامل كقوى مؤثرة في‬
‫الساحة العالمية والقليمية‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫منظمة الدول المريكية ومنظمة الوحدة‬
‫الفريقية والجامعة العربية ومنظمة‬
‫المؤتمر السلمي‪ ،‬والمتابع لنشاطات‬
‫هذه المنظمات يلحظ أنها ل تستطيع‬
‫اتخاذ أي موقف تجاه القضايا السياسية‬
‫المعاصرة وتجاه الحداث الجارية مثل‬
‫قضايا‪:‬فلسطين‪،‬‬
‫والبوسنةوالهرسك‪،‬وكشمير‪ ،‬وألبان‬
‫كوسوفو والشيشان)‪.(1‬‬
‫‪ -3‬إبقاء الدول السلمية ‪-‬خاصة‪-‬‬
‫منقوصة السيادة‪ ،‬حتى تبقى هذه الدول‬
‫ضعيفة وتابعة للهيمنة السياسية الغربية‪.‬‬
‫‪ -4‬إضعاف سلطة الدول الوطنية‪ ،‬أو‬
‫إلغاء دورها وتقليل فاعليتها‪ ،‬وقتل روح‬
‫النتماء في نفوس أبنائها‪ ،‬فالعولمة نظام‬
‫يقفز على الدولة والوطن والمة‪،‬‬
‫واستبدال ذلك بالنسانية‪ ،‬إنها نظام يفتح‬
‫الحدود أمام الشبكات العلمية‬
‫والشركات المتعددة الجنسيات)‪ ،(2‬ويزيل‬
‫موقع السلم على الطريق‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬انظر مقال ‪" :‬نظام عالمي أم سيطرة اســتعمارية جديــدة" لجمــال‬
‫قنان في مجلة المستقبل العربي ‪ ،‬العدد ‪ ، 180‬فبراير ‪1994‬م ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬العرب والعولمة ‪ ،‬ص ‪، 145‬ـ ‪ ، 148-147‬الوطنيــة فــي عــالم بل‬
‫هوية ‪ ،‬ص ‪. 158-157‬‬

‫‪35‬‬
‫الحواجز التي تقف حائل ً دون الثقافة‬
‫الرأسمالية المادية والغزو الفكري الذي‬
‫يستهدف تفتيت وحدة المة‪ ،‬وإثارة‬
‫النعرات الطائفية‪ ،‬وإثارة الحروب والفتن‬
‫داخل الدولة الواحدة كما في السودان‪.‬‬
‫‪ -5‬إضعاف دور الحزاب السياسية في‬
‫التأثير في الحياة السياسية في كثير من‬
‫دول العالم ‪-‬خاصة الدول السلمية‪ -‬في‬
‫الوقت التي بدأت فيه المنظمات غير‬
‫الحكومية والجمعيات الهلية تمارس دورا ً‬
‫متزايدا ً في الحياة السياسية)‪.(1‬‬
‫‪ -6‬إن العولـمة المريكية الصهيونية‬
‫تخطط للتدخل العسكري وإعلن الحرب‬
‫في أية بقعة من العالم‪ ،‬تفكر بالخروج‬
‫على سيطرتها وتحكمها‪ ،‬لن العالم يراد‬
‫له أن يقع تحت براثن الستبداد المريكي‬
‫والقانون المريكي والقوة العسكرية‬
‫المريكية‪ .‬وهو أمر يكشفه تقريران‬
‫خطيران كانا سريين للغاية‪ ،‬ثم ُنشرا بعد‬
‫ذلك‪ ،‬وهما تقريرا جريميا وولفوفتيز)‪.(2‬‬
‫ول شك في أن نصيب العالم السلمي‬
‫سيكون كبيرا ً في ضوء تلك السياسة‬
‫الغاشمة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الوطنية في عالم بل هوية ‪ -‬مرجع سابق ‪ -‬ص ‪. 80-79‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬انظــر‪ :‬النظــام العــالمي الجديــد – منيــر شــفيق‪ ،‬الناشــر للطباعــة‬
‫والنشر والتوزيع والعلن‪ ،‬ط ‪1420 ،1‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬ص ‪.23-18‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ -7‬إن العولمة المريكية ل تكتفي بواقع‬
‫التجزئة العربية والسلمية الن‪ ،‬بل‬
‫تحاول إحداث تجزئة داخلية في كل بلد‬
‫عربي أو إسلمي‪ ،‬حتى ينشغلوا بأنفسهم‬
‫وينسوا تماما ً أنهم أمة عربية واحدة‪،‬‬
‫وينتمون إلى جامعة إسلمية واحدة‪.‬وهذا‬
‫معناه بعثرة الشعوب المسلمة وتفرقها‪،‬‬
‫والقضاء على مقومات الوحدة والتضامن‬
‫السلمي‪ ،‬وتفريغ المنظمات والتجمعات‬
‫السلمية من مضامينها الحقيقية حتى‬
‫تبقى عاجزة عن تحقيق آمال وأماني‬
‫المسلمين‪ ،‬ولتصبح أداة طيعة في خدمة‬
‫المخططات الستعمارية الغربية‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الهداف والثار الثقافية‪:‬‬
‫لعل من أخطر أهداف العولمة ما‬
‫يعرف بالعولمة الثقافية فهي تتجاوز‬
‫الحدود التي أقامتها الشعوب لتحمي‬
‫كيان وجودها‪ ،‬وما له من خصائص‬
‫تاريخية وقومية وسياسية ودينية‪ ،‬ولتحمي‬
‫ثرواتها الطبيعية والبشرية وتراثها الفكري‬
‫الثقافي‪ ،‬حتى تضمن لنفسها البقاء‬
‫والستمرار والقدرة على التنمية ومن ثم‬
‫الحصول على دور مؤثر في المجتمع‬
‫الدولي‪.‬‬
‫يقول بلقيزر‪" :‬العولمة كما يدعي‬
‫روادها هي انتقال من مرحلة الثقافة‬

‫‪37‬‬
‫الوطنية إلى ثقافة عليا جديدة "عالمية"‪،‬‬
‫وهي في حقيقتها اغتصاب ثقافي وعدوان‬
‫رمزي على سائر الثقافات الخرى‪ ،‬وهي‬
‫اختراق تقني يستخدم وسائل النقل‬
‫والتصال لهدر سيادة الثقافات الخرى‬
‫للشعوب‪ ،‬وفرض الثقافة الغربية")‪.(1‬‬
‫ودعا دافايد روشكويف )أستاذ‬
‫العلقات الدولية بجامعة كولومبيا‬
‫والمسئول السابق في حكومة الرئيس‬
‫المريكي كلينتون( الوليات المتحدة إلى‬
‫استغلل الثورة المعلوماتية الكونية‬
‫للترويج للثقافة والقيم المريكية على‬
‫حساب الثقافات الخرى‪ ،‬لن المريكان‬
‫أكثر المم عدل ً وتسامحا ً وهم النموذج‬
‫الفضل للمستقبل‪ ،‬والقدر على قيادة‬
‫العالم)‪.(2‬‬
‫ويقول شتراوس هوب في كتابه‬
‫"توازن الغد"‪) :‬إن المهمة الساسية‬
‫لمريكا توحيد الكرة الرضية تحت‬
‫قيادتها‪ ،‬واستمرار هيمنة الثقافة الغربية‪،‬‬
‫وهذه المهمة التي ل بد من إنجازها‬
‫بسرعة في مواجهة نمور آسيا وأي قوى‬
‫أخرى ل تنتمي للحضارة الغربية()‪ .(3‬إذا ً‬

‫‪ - 1‬انظر مجلة المجمع العربي للمحاسبين القانونيين ‪ ،‬عدد ‪، 11‬‬


‫‪1999‬م ‪ ،‬ص ‪، 38‬‬
‫‪ - 2‬السلم والعولمة ‪ ،‬ص ‪. 14-13‬‬
‫‪ - 3‬نقل ً عن دراسة حول البعد التاريخي المعاصر لمفهوم العولمة‬
‫‪-‬مرجع سابق‪ -‬ص ‪.5‬‬

‫‪38‬‬
‫من الهداف الثقافية للعولمة‪ :‬الترويج‬
‫لفلسفة النظام الغربي الرأسمالي‬
‫النفعي البرجماتي‪ ،‬وفرض الثقافة‬
‫الغربية الوافدة وجعلها في محل الصدارة‬
‫والهيمنة في العالم وقهر الهوية الثقافية‬
‫للمم والشعوب الخرى‪ ،‬على أن تظل‬
‫الثقافات الخرى محدودة في نطاق‬
‫السلوك الفردي ل تتعداه‪ ،‬فالدساتير‬
‫والنظم والقوانين والقيم الخلقية يجب‬
‫أن تستمد من الفلسفة المادية النفعية‪،‬‬
‫ومن ثقافة الرجل البيض العلمانية‪،‬‬
‫المناهضة للعقائد والشرائع السماوية)‪.(1‬‬
‫يقول الباحث د‪ .‬محمد امخرون‪" :‬ومن‬
‫المؤكد أن المستهدف بهذا الغزو الثقافي‬
‫هم المسلمون‪ .‬وذلك لعاملين‪-:‬‬
‫أ – ما تملكه بلدهم من مواد أولية هائلة‬
‫يأتي على رأسها النفط والغاز وثروات‬
‫طبيعية أخرى‪.‬‬
‫ب – ما ثبت لهم عبر مراكزهــم وبحــوثهم‬
‫وجامعاتهم ومستشــرقيهم إن هــذه المــة‬
‫مستعصــية علــى الهزيمــة‪ ،‬إذا حــافظت‬
‫على هويتها السلمية‪ ،‬ومن ثم فــالطريق‬
‫الوحيد لخضاعها يتمثل في القضــاء علــى‬
‫تفرد شخصيتها وإلغــاء دينهــا الــذي يبعــث‬

‫‪ - 1‬السلم والعولمة‪ ،‬ص ‪ ،96-95‬العولمة وآليات التهميش في الثقافة‬


‫الغربية ص ‪.11-10‬‬

‫‪39‬‬
‫فيها الثورة والرفض لكل أشكال الحتلل‬
‫والسيطرة "‪(2).‬‬
‫جـ – الحفاظ على أمن الكيان الصــهيوني‬
‫في قلب العالم السلمي‪ ،‬وهو مــن أهــم‬
‫أهــــداف العولـــــمة فــــي بلد العــــرب‬
‫والمسلمين‪.‬‬
‫د – الحضارة السلمية بعقيدتها وشريعتها‬
‫ونظام أخلقهــا وإنجازاتهــا التاريخيــة هــي‬
‫النقيض الوحيد الشامل لفلسفة العولـــمة‬
‫ودينها وأنظمتها وقيمها الهابطة فــي هــذه‬
‫الدنيا التي نعيش فيها‪.‬‬
‫إن عملء الغرب في العالم‬
‫السلمي الذين يروجون العولمة‬
‫يحاولون جادين تعميم الفلسفة المادية‬
‫والفكر الغربي العلماني ليصبح العالم‬
‫السلمي جزءا ً من المنظومة العلمانية‬
‫العالمية التي تتميز بخصائص معينة‬
‫وتظهر بثقافة واحدة‪ ،‬تتجاوز الفكر‬
‫السلمي بكل أبعاده الثقافية والسياسية‬
‫والجتماعية والقتصادية والخلقية‪.‬‬
‫ومممن آثممار العولمممة فممي الهويممة‬
‫الثقافية‪-:‬‬
‫ن العولمة‬ ‫‪ -‬شيوع الثقافة الستهلكية ‪-‬ل ّ‬
‫جد ثقافة الستهلك‪ -‬التي استخدمت‬ ‫تم ّ‬
‫كأداة قوية فاعلة في إطلق شهوات‬
‫‪ - 2‬مقال العولـمة بين منظورين‪ ،‬البيان‪ ،‬السنة ‪ ،14‬العدد ‪،145‬‬
‫رمضان ‪1420‬ه‪ ،‬كانون ‪1/1999‬م ‪،‬ص ‪.127-126‬‬

‫‪40‬‬
‫م‬
‫الستهلك إلى أقصى عنان ومن ث ّ‬
‫تشويه التقاليد والعراف السائدة في‬
‫العالم السلمي‪.‬‬
‫‪ -‬تغريب النسان المسلم وعزله عن‬
‫قضاياه وهمومه السلمية‪ ،‬وإدخال‬
‫الضعف لديه والتشكيك في جميع قناعته‬
‫الدينية وهويته الثقافية)‪.(1‬‬
‫‪ -‬إشاعة ما يسمى بأدب الجنس وثقافة‬
‫العنف التي من شأنها تنشئة أجيال كاملة‬
‫تؤمن بالعنف كأسلوب للحياة وكظاهرة‬
‫عادية وطبيعية)‪ .(2‬وما يترتب على ذلك‬
‫من انتشار الرذيلة والجريمة والعنف في‬
‫المجتمعات السلمية‪ ،‬وقتل أوقات‬
‫الشباب بتضييعها في توافه المور وبما‬
‫يعود عليه بالضرر البالغ في دينه وأخلقه‬
‫وسلوكه وحركته في الحياة‪ ،‬وتساهم في‬
‫هذا الجانب شبكات التصال الحديثة‬
‫والقنوات الفضائية وبرامج العلنات‬
‫والدعايات للسلع الغربية وهي مصحوبة‬
‫بالثقافة الجنسية الغربية التي تخدش‬
‫الحياء والمروءة والكرامة النسانية‪ ،‬ولقد‬
‫أثبتت الدراسات الحديثة خطورة القنوات‬
‫الفضائية ‪-‬بما تبثه من أفلم ومسلسلت‬
‫جنسية فاضحة‪ -‬على النظام التعليمي‬
‫‪ - 1‬الوطنية في عالم بل هوية ص ‪.150‬‬
‫‪ - 2‬انظر مبحث الثقافة العربية في مواجهة المتغيرات الدولية الراهنة –‬
‫مجلة الفكر العربي المعاصر العدد ‪ 101 - 100‬بيروت ‪1993‬م‪ ،‬مسعود‬
‫ظاهر ‪ ،‬الوطنية في عالم بل هوية ص ‪ ،150 ،85-84‬ص ‪.36‬‬

‫‪41‬‬
‫والحياة الثقافية والعلقات الجتماعية‬
‫ونمط الحياة القتصادية في العالم‬
‫السلمي)‪.(1‬‬
‫ومن آثار عولمة الثقافة انتشار‬
‫نوعية مميزة من الثقافة المادية‬
‫والمعنوية المريكية حيث سيطرت‬
‫الثقافة المريكية الشعبية على أذواق‬
‫البشر فأصبحت موسيقى وغناء مايكل‬
‫جاكسون وتليفزيون رامبو وسينما دالس‬
‫هي الليات والنماذج السائدة في مختلف‬
‫أنحاء العالم وأصبحت اللغة النجليزية‬
‫ذات اللكنة المريكية هي اللغة‬
‫السائدة)‪.(2‬‬
‫ومن آثار العولمة في طمس الهوية‬
‫الثقافية للمة السلمية انتشار الزياء‬
‫والمطاعم والمأكولت والمنتوجات‬
‫المريكية في كثير من الدول السلمية‪،‬‬
‫لن هذه السلع تحمل في طياتها ثقافة‬
‫مغايرة تسحق ثقافات المم المستوردة‬
‫لها‪ ،‬وظهور اللغة النجليزية على واجهات‬
‫المحلت والشركات‪ ،‬وعلى اللعب‬
‫والهدايا‪ ،‬وعلى ملبس الطفال والشباب‪.‬‬
‫لقد ثبت أن الزياء الوربية‬
‫والمريكية قد كتبت عليها عبارات باللغة‬

‫‪ - 1‬العولمة ‪ ،‬د‪ .‬جلل أمين ص ‪. 128-126‬‬


‫‪ - 2‬انظر مجلة المستقبل العربي ‪ -‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪-‬‬
‫بيروت ‪ -‬العدد ‪ 229‬مارس ‪1998‬م ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫النجليزية)‪ (1‬تحتوي على ألفاظ وجمل‬
‫جنسية مثيرة للشهوات ومحركة للغرائز‬
‫الجنسية‪ ،‬وأيضا ً ل دينية تمس المشاعر‬
‫والمقدسات والخلق السلمية وتروج‬
‫للثقافة الغربية التي تقوم على الباحية‬
‫والحرية الفوضوية في مجال العلقات‬
‫بين الرجل والمرأة)‪.(2‬‬
‫رابعًا‪ :‬الهداف والثار الدينية‪:‬‬
‫العولمة آتية من الغرب الصليبي‬
‫الكافر الذي يعتمد النظمة والمفاهيـم‬
‫العلمانية اللدينية‪ .‬ولقد حذرنا الله تعالى‬
‫من اليهود والنصارى فقال عز وجل‪:‬‬
‫)ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى‬
‫حتى تتبع ملتهم( سورة البقرة‪،120 :‬‬
‫وقال‪) :‬ول يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم‬
‫عن دينكم إن استطاعوا( سورة البقرة‪:‬‬
‫‪.217‬‬
‫يقول الدكتور جلل أمين‪" :‬وهناك‬
‫من يكره العولمة ل لسبب اقتصادي‪ ،‬بل‬
‫لسبب ديني‪ .‬فالعولمة آتية من مراكز‬
‫دينها غير ديننا‪ ،‬بل هي قد تنكرت للديان‬
‫كلها‪ ،‬وآمنت بالعلمانية التي ل تختلف‬
‫كثيرا ً في نظر هؤلء عن الكفر‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫م‬
‫‪ - 1‬ومن تلك الكلمات والعبارات المكتوبة على ملبس الطفال‬
‫والشباب ‪ : kiss me :‬قبلني ‪ : take me -‬خذني ‪ : Sow -‬خنزير ‪I:m -‬‬
‫‪ : Jewish‬أنا يهودي ‪ : prostitute -‬عاهر ‪ : Adulery -‬ابن الزنا ‪: Zion -‬‬
‫صهيوني ‪.‬‬
‫‪ - 2‬السلم والعولمة ص ‪. 137-136‬‬

‫‪43‬‬
‫ففتح البواب أمام العولمة هو فتح‬
‫البواب أمام الكفر‪ ،‬والغزو هنا في‬
‫الساس ليس غزوا ً اقتصاديًا‪ ،‬بل غزو من‬
‫جانب فلسفة للحياة معادية للدين‪،‬‬
‫والهوية الثقافية المهددة هنا هي في‬
‫الساس دين المة وعقيدتها‪ ،‬وحماية‬
‫الهوية معناها في الساس الدفاع عن‬
‫الدين")‪ .(1‬فمن أهداف العولمة الدينية‪-:‬‬
‫‪ -1‬التشكيك في المعتقدات الدينية‬
‫وطمس المقدسات لدى الشعوب‬
‫المسلمة لصالح الفكر المادي اللديني‬
‫الغربي‪ ،‬أو إحلل الفلسفة المادية الغربية‬
‫محل العقيدة السلمية‪.‬‬
‫‪ -2‬استبعاد السلم وإقصاؤه عن الحكم‬
‫والتشريع‪ ،‬وعن التربية والخلق‪ ،‬وإفساح‬
‫المجال للنظم والقوانين والقيم الغربية‬
‫المستمدة من الفلسفة المادية والعلمانية‬
‫البرجماتية)‪.(2‬‬
‫‪ -3‬تحويل المناسبات الدينية إلى‬
‫مناسبات استهلكية‪ ،‬وذلك بتفريغها من‬
‫القيم والغايات اليمانية إلى قيم السوق‬
‫الستهلكية‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ :‬استطاع‬
‫ول‬‫التقدم العلمي والتقني الحديث أن يح ّ‬
‫شهر رمضان ‪)-‬شهر الصوم والعبادة‬

‫‪ -‬العولمة ‪ ،‬ص ‪. 46‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬السلم والعولمة ص ‪. 96‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪44‬‬
‫والقرآن(‪ -‬وعيد الفطر خاصة من مناسبة‬
‫دينية إلى مناسبة استهلكية)‪.(3‬‬
‫ومن آثار العولمة في هذا الجانب‪:‬‬
‫التحدي الخطير الذي تواجهه الشريعة‬
‫السلمية من القوى المحلية العلمانية‬
‫التي تتلقى الحماية الدولية المعنوية‬
‫والمادية باسم الحرية والديمقراطية‬
‫وحقوق النسان‪ ،‬ولقد انتشرت الجمعيات‬
‫الهلية المدعومة غربيًا‪ ،‬التي تقوم‬
‫بمحاربة الهوية الثقافية السلمية وإثارة‬
‫الشبه والشكوك حول النظم‬
‫والتشريعات السلمية ‪-‬وخاصة فيما‬
‫يتعلق بالعلقة بين المرأة والرجل وقضايا‬
‫المرأة المسلمة‪ -‬وتطالب بعضها جهارا ً‬
‫نهارا ً الحكومات والمجالس البرلمانية‬
‫إصدار القوانين وفق مواثيق المم‬
‫المتحدة المتعلقة بحقوق النسان بعيدا ً‬
‫عن النظم والتشريعات السلمية‪ .‬ولكن‬
‫أخطر ما في العولمة نسبية الحقيقة التي‬
‫تقوم عليها‪ ،‬وهي التي تتصادم تصادما ً‬
‫مباشرا ً مع ثوابت الدين السلمي‬
‫المستمدة من النص‪:‬القطعي الثبوت‬
‫القطعي الدللة‪ ،‬لذلك نجد أن قوى‬
‫العولمة تدعم كل من يروج لنسبية‬
‫الحقيقة‪ ،‬فقد امتدح "بللترو" وكيل‬
‫‪ - 3‬إن من ينظر إلى أسواق المسلمين في رمضان ل يملك إل أن يقر‬
‫بأن المخططات المعادية قد نجحت في تحقيق ذلك ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫وزارة الخارجية المريكية السبق ثلثة‬
‫من الكّتاب العرب‪ ،‬ودعا إلى ترويج‬
‫كتاباتهم واعتمادها‪ ،‬وهم‪ -:‬محمد شحرور‬
‫من سورية‪ ،‬ومحمد سعيد العشماوي من‬
‫ن ما‬ ‫مصر‪ ،‬ومحمد أركون من الجزائر وإ ّ‬
‫يجمع هؤلء الثلثة هو إيمانهم بنسبية‬
‫الحقيقة‪ ،‬وتفسيرهم النص القطعي‬
‫الثبوت القطعي الدللة الذي يتناول‬
‫ثوابت الدين السلمي ‪ :‬العقائد‪،‬‬
‫والحدود‪ ،‬والميراث وتشريعات السرة ‪:‬‬
‫كالزواج والطلق‪..‬على أنه انعكاس لبيئة‬
‫العرب الجاهلية‪ ،‬وربطهم بينه وبين‬
‫الواقع الجاهلي‪ ،‬ولذلك فنحن لسنا‬
‫سر هذه‬‫ملزمين به‪ ،‬وعلينا أن نف ّ‬
‫النصوص على ضوء واقعنا الجديد‪،‬‬
‫ونعطيها مضمونا ً وبعدا ً جديدًا‪ -‬أي حسب‬
‫أهوائهم‪ -‬أي بمعنى ثبوت النص وتغّير‬
‫المعنى‪ ،‬وبالضافة إلى ذلك فإن كثيرا ً‬
‫من المعارك الثقافية التي دارت أخيرا ً‬
‫هي تجسيد للصراع بين نسبية الحقيقة‬
‫التي تقوم عليها العولمة وبين ثوابت ديننا‬
‫السلمي‪ ،‬ومن أبرز هذه المعارك ما‬
‫ذكره د‪ .‬نصر حامد أبو زيد عن النصوص‬
‫القطعية الثبوت والدللة التي تتناول‬
‫قضايا عقائدية ‪ :‬كالكرسي‪ ،‬والعرش‪،‬‬
‫والميزان‪ ،‬والصراط والملئكة‪ ،‬والجن‪،‬‬

‫‪46‬‬
‫والشياطين‪ ،‬والسحر‪ ،‬والحسد… فقد‬
‫اعتبرها ألفاظا ً مرتبطة بواقع ثقافي‬
‫معين‪ ،‬ويجب أن نفهمها على ضوء واقعها‬
‫الثقافي‪ ،‬واعتبر أن وجودها الذهني‬
‫السابق ل يعني وجودها العيني‪ ،‬وقد‬
‫أصبحت ذات دللت تاريخية‪ ،‬والدكتور‬
‫نصر حامد أبو زيد في كل أحكامه‬
‫السابقة ينطلق من أن النصوص الدينية‬
‫نصوص لغوية تنتمي إلى بنية ثقافية‬
‫م إنتاجها طبقا ً لنواميس تلك‬‫محدودة‪ ،‬ت ّ‬
‫الثقافة التي تعد اللغة نظامها الدللي‬
‫المركزي‪ ،‬وهو يعتمد على نظرية عالم‬
‫اللغة "دي سوسير" في كل ما يرّوج له‪،‬‬
‫وينتهي الدكتور أبو زيد إلى ضرورة‬
‫إخضاع النصوص الدينية إلى المناهج‬
‫اللغوية المشار إليها سابقًا‪.‬ول يتسع‬
‫المقام الن للرد على كل ما قاله الدكتور‬
‫نصر حامد أبو زيد بالتفصيل لكن يمكن‬
‫أن يقال هل نفى العلم بشكل قطعي‬
‫وجود حقائق عينية لتلك اللفاظ حتى‬
‫ُنعقب عليها‪ ،‬ونعتبرها ألفاظا ً ل حقائق‬
‫لها‪ ،‬وذات وجود ذهني فقط ؟)‪(1‬‬

‫‪ - 1‬من ورقة قدمت إلى مؤتمر كلية الشريعة في جامعة الكويت‬


‫المنعقد عام ‪2000‬م حول العولمة‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫خامسًا‪ :‬الهداف والثار الجتماعية‬
‫والخلقية‪:‬‬
‫من أهداف العولمة الجتماعية‬
‫والخلقية ‪ :‬تكريس النزعة النانية لدى‬
‫الفرد‪،‬وتعميق مفهوم الحرية الشخصية‬
‫في العلقة الجتماعية‪ ،‬وفي علقة‬
‫الرجل بالمرأة‪ ،‬وهذا بدوره يؤدي إلى‬
‫التساهل مع الميول والرغبات الجنسـية‪،‬‬
‫وتمرد النسان على النظم والحكام‬
‫الشرعية التي تنظم وتضبط علقة الرجل‬
‫بالمرأة‪ .‬وهذا بدوره يؤدي إلى انتشار‬
‫الباحية والرذائل والتحلل الخلقي‪،‬‬
‫وخدش الحياء والكرامة والفطرة‬
‫النسانية‪.‬‬
‫إن ثقافة العولمة ثقافة ماديــة بحتــة‬
‫ل مجــال فيهــا للروحانيــات أو العواطــف‬
‫النبيلة‪ ،‬أو المشاعر النسانية‪ ،‬إنهــا تهمــل‬
‫العلقـــات الجتماعيـــة القائمـــة علـــى‬
‫التعــاطف والتكافــل والهتمــام بمصــالح‬
‫وحقوق الخرين ومشاعرهم‪ .‬فهي تشكل‬
‫عالم ـا ً يجعــل مــن الشــح والبخــل فضــيلة‬
‫ويشجع على الجشع والنتهازية والوصــول‬
‫إلــى الهــداف بــأي وســيلة دون أدنــى‬
‫التفات إلى القيم الشــريفة الســائدة فــي‬
‫المجتمع)‪.(1‬إن وسائل العولمة في مجــال‬
‫‪ - 1‬الوطنية في عالم بل هوية ‪ ،‬ص ‪ ، 151-150‬تحديات العولمة ‪ -‬د‪.‬‬
‫حسين كامل بهاء الدين ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫العلم والتصــــالت‪-‬و خاصــــة القمــــار‬
‫الصناعية‪ -‬التي تلف حول العالم فـي كـل‬
‫لحظة‪ ،‬وتتســلل إلــى الــبيوت علــى وجــه‬
‫الرض كلهــــا‪ ،‬دون اســــتئذان‪،‬وتلعــــب‬
‫بشخصية الفراد والمــم جميعـا ً تــثير فــي‬
‫برامجهــا وأنشــطتها الشــهوات الجنســية‪،‬‬
‫وتزين عبادة الجسد وتشيع أنواع الشــذوذ‬
‫وتحطم قيــم الفطــرة النســانية الرفيعــة‪،‬‬
‫فتتنــاقض بــذلك مــع النظــام الســلمي‬
‫الجتماعي والخلقــي الــذي أراد الســلم‬
‫في ظله أن يبنــي مجتمع ـا ً مؤمن ـا ًً فاض ـل ً‬
‫عفيفًا‪.‬‬
‫ولتنفيذ مخططاتهم في هدم كيان‬
‫المجتمع السلمي من خلل المرأة‬
‫لهمية دورها في بناء كيان السرة‬
‫والمجتمع‪ ،‬ساروا في ثلثة مسارات في‬
‫آن واحد‪ ،‬وهي‪-:‬‬
‫أ‪ -‬التمويل المريكي والوربي للجمعيــات‬
‫الهلية النسائية)غير السلمية( مــن أجــل‬
‫تنفيذ مخططات إخـراج المـرأة المسـلمة‬
‫مــن الخلق الســلمية‪ ،‬وتمردهــا علــى‬
‫الشريعة الربانية‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التفاقيــات الدوليــة الخاصــة بحمايــة‬
‫حقوق النسان‪ ،‬وإزالة آثــار كافــة أشــكال‬
‫التمييز ضد المرأة )كــذا بــالنص(‪ ،‬وإلــزام‬

‫‪49‬‬
‫الــدول الســلمية بــالتوقيع عليهــا‪ ،‬مقابــل‬
‫إعفائها من بعض الديون المترتبة عليها‪.‬‬
‫وهنالــك محــاولت لتضــليل الــرأي‬
‫العام وإيهام المــرأة المســلمة أن الظلــم‬
‫كله واقع عليها‪ ،‬وأن هذه التفاقية سترفع‬
‫عنها الجور والظلــم‪ ،‬وأن المــم المتحــدة‬
‫ستحررها مــن ســطوة مجتمعهــا مــع أنهــا‬
‫فــي حقيقــة المــر تريــد هلكهــا وهلك‬
‫مجتمعها‪.‬‬
‫ج‪ -‬المؤتمرات النسائية والــتي يقصـد بهــا‬
‫هـــدم المجتمعـــات البشـــرية‪ ،‬ول ســـيما‬
‫المجتمعات السلمية‪ .‬وبمراجعة البحــوث‬
‫التي ألقيت في المؤتمرات النسائية التي‬
‫عقدت في بعض البلد الســلمية‪ ،‬نجــدها‬
‫جميعها تريد إخراج المــرأة المســلمة مــن‬
‫النظام الجتماعي الســلمي الــذي ينظــر‬
‫إلـــــى المـــــرأة مـــــن خلل فطرتهـــــا‬
‫واستعداداتها وكرامتها‪(1).‬‬
‫إن العولمة تجيز الشذوذ الجنسي‬
‫والعلقات الجنسية الثمة بين الرجل‬
‫والمرأة‪ ،‬بل بين الرجل والرجل‪ .‬ولبيان‬
‫هذا الجانب الخطير المدمر للحياة‬
‫الجتماعية في العالم السلمي‪،‬و يظهر‬
‫ذلك عند مراجعة وثيقة مؤتمر المم‬
‫‪ - - 1‬انظر‪ :‬المرأة المسلمة ومواجهة تحديات العولـمة‪ ،‬سهيلة زين‬
‫العابدين حماد‪ ،‬المنهل‪ ، ،‬شوال‪ ،‬ذو القعدة‪ 1420 ،‬يناير‪ ،‬فبراير‬
‫‪2000‬م ص ‪ ،87-84‬والمجتمع الكويتية‪ ،‬عدد ‪ 1404‬و ‪ ،1406‬يونيو‬
‫‪2000‬م‪.‬المجتمع الكويتية‪ ،‬عدد ‪ ،1406‬في ‪ 25‬ربيع الول‪1421 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫المتحدة عن السكان والتنمية الذي عقد‬
‫في القاهرة في شهر سبتمبر عام‬
‫‪1994‬م وأذكر هنا بعض التي ركزت‬
‫عليها هذه الوثيقة‪-:‬‬
‫‪ -‬الفرد هو السـاس ومصالحـه ورغباتـه‬
‫هـي المعيـار‪ ،‬ل الديـن ول المة‪ ،‬ول‬
‫العائلة‪ ،‬ول التقاليد‪ ،‬ول العرف‪ .‬ومن حق‬
‫الفرد التخلص من القيود التي تفرض من‬
‫جانب تلك الجهات‪.‬‬
‫‪ -‬تتحدث عن ممارسة الجنس دون أن‬
‫تفترض وجود زواج‪ ،‬وعن ممارسة‬
‫الجنس بين المراهقين دون أن تستهجنه‪،‬‬
‫والمهم في نظر الوثيقة أل تؤدي هذه‬
‫الممارسة إلى الوقوع في المراض‪،‬‬
‫والواجب توعية المراهقين وتقديم‬
‫النصائح المتعلقة بممارسة الجنس ومنع‬
‫الحمل‪ ،‬وتوفير منتهى السرية لهم‪،‬‬
‫واحترام حقهم في الحتفاظ بنشاطهم‬
‫الجنسي سرا ً عن الجميع‪.‬‬
‫‪ -‬تستهجن الوثيقة الزواج المبكر لنه‬
‫يؤدي ‪-‬في نظرها‪ -‬إلى زيادة معدل‬
‫المواليد‪.‬‬
‫‪ -‬الجهاض‪ :‬ل تدين الوثيقة الجهاض حتى‬
‫ولو لم يكن ثمة خطر على صحة الم‪،‬‬
‫المهم أن يكون الجهاض آمنا ً ل يهدد‬
‫حياة الم‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫‪ -‬استهجنت الوثيقة المومة المبكرة‬
‫‪-‬دون أن تميز بين ما إذا كانت هذه‬
‫المومة قد حدثت في نطاق الزواج‬
‫الشرعي أم خارجه‪ -‬لنها في نظرها تزيد‬
‫من معدلت النمو ‪ ،‬وتقيد المرأة من‬
‫العمل والمساهمة في النتاج‪.‬‬
‫‪ -‬استخدمت الوثيقة لفظ "قرينين" بدل ً‬
‫من زوجين‪ ،‬فلفظ قرينين أكثر حيادًا‪ ،‬لنه‬
‫ل يفترض وجود رباط قانوني معين‪ .‬وهذا‬
‫الحياد يجعل الشذوذ الجنسي والعلقات‬
‫الجنسية دون زواج أمرا ً جائزا ً ومقبو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ -‬المســاواة بيــن المــرأة والرجــل‪ :‬تــدعو‬
‫الوثيقـــة إلـــى المســـاواة التامـــة بيـــن‬
‫الطرفيــن‪ ،‬وحثــت المــرأة علــى إلغــاء‬
‫الفوارق الطبيعية بينها وبين الرجل‪ ،‬ومــن‬
‫ذلـــك‪ :‬اشـــتراك الرجـــل فـــي العمـــال‬
‫المنزلية ورعاية الطفال أســوة بالنســاء‪،‬‬
‫دون النظـــــر إلـــــى اختلف الظـــــروف‬
‫القتصــادية والجتماعيــة والثقافيــة بيــن‬
‫الرجال والنساء)‪.(1‬‬
‫وقــد أفصــح المفكــر الفرنســي‬
‫المســـلم رجمماء جممارودي عـــن نوايـــا‬
‫مقررات مؤتمر القاهرة في الرسالة التي‬
‫وجهها للمؤتمر ونشرتها صــحيفة الشــعب‬

‫‪ - 1‬انظر العولمة ‪ ،‬د‪ .‬جلل أمين ص ‪ ، 138-133‬السلم والعولمة ص‬


‫‪. 122-121‬‬

‫‪52‬‬
‫فــي القــاهرة بعــددها ‪16/9/1994‬م‪(1).‬‬
‫ومـــن المـــدهش أن رئيسمممة جمعيـــة‬
‫"المهممات الصممغيرات فممي أمريكمما"‬
‫حذرت المسلمين في مؤتمر القاهرة من‬
‫مــروا‬ ‫خطــورة المركــة‪ ،‬فقــالت‪ " :‬لقــد د ّ‬
‫المجتمع المريكي وجــاءوا الن بأفكــارهم‬
‫للمجتمعـــــــات الســـــــلمية‪ ،‬حـــــــتى‬
‫يدمروها‪،‬ويدمروا المرأة المسلمة ودورها‬
‫فيها"‪(2).‬‬
‫ومن آثار العولمة في الجانب‬
‫الجتماعي زيادة معدلت نسبة الجريمة‬
‫ليس في الدول النامية وحدها‪ ،‬بل في‬
‫كل الدول الوربية الغنية‪ ،‬وقد أكد هذا‬
‫المر الكاتبان اللمانيان )هانس بيتر‬
‫مارتين‪ ،‬وهارالدشومان( حيث قال‪" :‬ينتفع‬
‫مرتكبو الجرائم متعدية الجنسيات أيضا ً‬
‫من إلغاء القيود القانونية المفروضة على‬
‫القتصاد‪ ،‬فعلى مستوى كل البلدان‬
‫الصناعية تتحدث دوائر الشرطة والقضاء‬
‫عن طفرة بينة في نمو الجريمة‬
‫المنظمة‪ ،‬وكان أحد موظفي الشرطة‬
‫الدولية قد أشار إلى هذه الحقيقة بعين‬
‫العقل‪ ،‬حينما راح يقول‪" :‬إن ما هو في‬
‫‪ - 1‬انظر‪ :‬وثيقة مؤتمر السكان والتنمية‪ ،‬رؤية شرعية‪ ،‬د‪ .‬عبــد الحســين‬
‫سلمان جاد‪ ،‬كتاب المة ‪ ،53‬ص ‪.70-55‬‬
‫‪ - 2‬سقوط الحضارة الغربية‪ ،‬رؤية من الداخل‪ ،‬أحمد منصور‪ ،‬دار القلم‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬ط ‪1418 ،1‬هـ‪1998 /‬م‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫مصلحة التجارة الحرة‪ ،‬هو في مصلحة‬
‫مرتكبي الجرائم أيضًا")‪ .(1‬ويضيفان‪" :‬إن‬
‫النتائج المترتبة تثير الرعب بل شك‪ ،‬ففي‬
‫منظور الخبراء أضحت اليوم الجريمة‬
‫المنظمة عالميًا‪ ،‬أكثر القطاعات‬
‫القتصادية نموًا‪ ،‬إنه يحقق أرباحا َ تبلغ‬
‫خمسمائة مليار دولر في العام")‪.(2‬‬
‫ويمكن أن نمثــل بالوليــات المتحــدة‬
‫المريكيـــــة أبـــــرز قلع الرأســـــمالية ‪،‬‬
‫فالجريمــة اتخــذت هنــاك أبعــادا ً بحيــث‬
‫صارت وبــاء واســع النتشــار‪ .‬ففــي وليــة‬
‫كاليفورنيا ‪ -‬التي تحتــل بمفردهــا المرتبــة‬
‫الســابعة فــي قائمــة القــوى القتصــادية‬
‫العالميــة – فــاق النفــاق علــى الســجون‬
‫المجموع الكلي لميزانية التعليــم‪ .‬وهنــاك‬
‫‪ 28‬مليون مواطن أمريكــي‪ ،‬أي مــا يزيــد‬
‫صــنوا أنفســهم‬ ‫على عشر الســكان قــد ح ّ‬
‫في أبنية وأحيــاء ســكنية محروســة‪ .‬ومــن‬
‫هنـــا فليـــس بـــالمر الغريـــب أن ينفـــق‬
‫المواطنــون المريكيــون علــى حراســهم‬
‫المسّلحين ضــعف مــا تنفــق الدولـة علــى‬
‫الشــرطة)‪ .(3‬فــي ســنة ‪1965‬م وقعــت‬
‫‪ - 1‬فخ العولمة ‪ ،‬ص ‪. 367‬‬
‫‪ - 2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 370‬فمن المثلة ‪ :‬ارتفاع حجم المبيعات في‬
‫السوق العالمية للهيروين في عام ‪1990‬م إلى عشرين ضعفا ً من‬
‫خلل العشرين سنة الماضية ‪ ،‬وارتفعت المتاجرة بالكوكايين إلى‬
‫خمسين ضعفا ً ‪ .‬انظر المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 368-367‬‬
‫‪ - 3‬من ورقة قدمت إلى مؤتمر كلية الشريعة في جامعة الكويت‬
‫المنعقد عام ‪2000‬م حول العولمة‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫خمسة مليين جريمة‪ ،‬ثم ازدادت الجرائم‬
‫الخطيــرة أســرع أربــع عشــرة مــرة مــن‬
‫الزيـــادة الســـكانية )‪ % 187‬مقابـــل ‪13‬‬
‫‪.(%‬وفي أمريكــا‪ :‬تحــدث جريمــة كــل ‪12‬‬
‫ثانية‪ ،‬وجريمة قتــل كــل ســاعة‪ ،‬وجريمــة‬
‫اغتصاب للعــرض كــل ‪ 25‬دقيقــة ‪-‬مــع أن‬
‫الجنس مباح‪ -‬وجريمة سرقة كــل خمــس‬
‫دقائق‪ ،‬وسرقة سيارة كل دقيقة)‪.(1‬‬
‫ومن آثار العولمة في الجانب‬
‫الجتماعي أيضا ً زيادة معدلت الفقر‬
‫والبطالة وتوهين العلقات الجتماعية بين‬
‫الفراد‪ ،‬والظلم الجتماعي الذي يصيب‬
‫السر الفقيرة نتيجة تقليص الدولة للدعم‬
‫الجتماعي لهذه السر‪ ،‬ستؤدي العولمة‬
‫إلى تشغيل خمس المجتمع‪ ،‬وستستغني‬
‫عن الربع الخماس الخرين نتيجة‬
‫التقنيات الجديدة المرتبطة بالكمبيوتر‪،‬‬
‫فخمس قوة العمل كافية لنتاج جميع‬
‫السلع ‪ ،‬وسيدفع ذلك بأربعة أخماس‬
‫المجتمع إلى حافة الفقر والجوع ‪ ،‬ومن‬
‫مخاطر العولمة أيضا ً قضاؤها على حلم‬
‫مجتمع الرفاه‪ ،‬وقضاؤها على الطبقة‬
‫الوسطى التي هي الصل في إحداث‬
‫الستقرار الجتماعي وفي إحداث‬

‫‪ - 1‬انظر السلم بين الشرق والغرب د‪ .‬علي عزت بيجوفيتش‪،‬‬


‫مؤسسة بافاريا للنشر والعلم والخدمات‪ ،‬ومجلة النور الكويتية‪،‬‬
‫الطبعة الولى ‪1414‬هـ‪1994 -‬م‪ .‬ص ‪.122 ،120 ،117‬‬

‫‪55‬‬
‫النهضة‪ ،‬والتطور الجتماعي)‪ .(1‬ولقد‬
‫أصدرت المم المتحدة أخيرا ً تقريرا ً يفيد‬
‫بأن قوى العولمة رغم إتاحتها فرص لم‬
‫يحلم بها لمنفعة بعض الشعوب وبعض‬
‫الدول إل أنها قد أسهمت في الوقت‬
‫نفسه في كثير من دول العالم في رفع‬
‫معدلت الفقر والظلم‪،‬والقلق على فرص‬
‫العمل‪ ،‬وإضعاف المؤسسات التي تقدم‬
‫الدعم الجتماعي للفقراء كما أسهمت‬
‫في تفتت القيم والعادات السائدة منذ‬
‫زمن بعيد)‪.(2‬‬
‫بعض النتائج الخطيممرة الممتي بممدأت‬
‫تظهممر فممي العممالم أجمممع بفعممل‬
‫العولمة‪-:‬‬
‫أجمــع البــاحثون علــى ظهــور نتــائج‬
‫خطيرة بفعل تي ّــار العولمــة الــذي اكتســح‬
‫العالم المعاصر‪ ،‬ومن هذه النتائج‪-:‬‬
‫* حوار الشمال والجنوب قضى نحبه‪ ،‬كما‬
‫قضى نحبه صراع الشــرق والغــرب‪ .‬فقــد‬
‫أسلمت فكرة التطور القتصــادي الــروح‪،‬‬
‫فلم تعد هنالك لغة مشتركة‪ ،‬بــل لــم يعــد‬
‫هنــــاك قــــاموس مشــــترك لتســــمية‬
‫المشــكلت‪ .‬فالمصــطلحات مــن قبيـــل‬

‫‪ - 1‬من ورقة قــدمت إلــى مــؤتمر كليــة الشـريعة فــي جامعــة الكــويت‬
‫المنعقد عام ‪2000‬م حول العولمة‪.‬‬
‫‪ - 2‬انظر مجلة المشاهد السياسي عدد ‪ 11 ، 108‬نيسان ‪1998‬م‪ ،‬ص‬
‫‪. 36‬‬

‫‪56‬‬
‫الجنوب والشمال والعالم الثالث والتحــرر‬
‫لم يبق لها معنى)‪.(1‬‬
‫منظـــري العولــــمة‪ :‬إن‬ ‫* مـــن وجهـــة ُ‬
‫المجتمعات العاجزة عــن إنتــاج غــذائها أو‬
‫ل‪ ،‬ل‬ ‫شرائها بعــائد صــادراتها الصــناعية مث ً‬
‫تستحق البقاء وهي عبء علــى البشــرية‪،‬‬
‫أو على القتصاد العالمي يمكن أن يعرقل‬
‫نموها الذي يحكمه قانون البقــاء للصــلح‪.‬‬
‫ولذلك يجب إســقاطها مــن الحســاب‪ .‬ول‬
‫ضرورة بالتالي لوقوف حروبها الهليــة أو‬
‫مساعدتها أو نجدتها)‪.(2‬‬
‫* عــاد الســتعمار القتصــادي والسياســي‬
‫والثقــافي والجتمــاعي مــن جديــد فــي‬
‫صورة العولـــمة بالقتصــاد الــخ‪ ،‬واتفاقيــة‬
‫الجات‪ ،‬والمنافسة‪ ،‬والربح‪ ،‬والعالم قريــة‬
‫واحدة‪ ،‬والتبعية السياسية‪ ،‬وتجاوز الدولــة‬
‫القوميــة‪ ،‬ونشــر القيــم الســتهلكية‪ ،‬مــع‬
‫‪(3) .‬‬
‫الجنس والعنف والجريمة المنظمة‬
‫* غدا العالم الذي خضــع للعولمــة‪ ،‬بــدون‬
‫ول‬ ‫دولة‪ ،‬بدون أمة‪ ،‬بــدون وطــن‪ ،‬لنــه حـ ّ‬
‫هـــذا العـــالم إلـــى عـــالم المؤسســـات‬
‫والشبكات‪ ،‬وعالم الفــاعلين والمســيرين‪،‬‬
‫وعالم آخر‪ ،‬هــم المســتهلكون للمــأكولت‬
‫والمعلبـــــات والمشـــــروبات والصـــــور‬
‫‪ - 1‬فخ العولـمة‪ -‬مرجع سابق‪ -‬ص ‪.61‬‬
‫‪ - 2‬الصناعة العربيـة فـي مواجهـة العولــمة‪ ،‬د‪.‬زكــي حنـوش‪ ،‬عـدد ‪،99‬‬
‫جمادى الولى ‪1420‬هـ ص ‪.13‬‬
‫‪ - 3‬ما العولـمة ‪ :‬محمد جلل العظم – حسن حنفي ص ‪.17‬‬

‫‪57‬‬
‫والمعلومات والحركــات والســكنات الــتي‬
‫تفــــرض عليهــــم‪ .‬أمــــا وطنهــــم فهــــو‬
‫السيبرســـبيس‪ :‬أي )الواقـــع الفتراضـــي‬
‫الــذي نشــأ فــي رحــاب النــترنت وســائر‬
‫وســـائل التصـــال‪ ،‬ويحتـــوي القتصـــاد‬
‫والسياسة والثقافة(‪(1).‬‬
‫ويقول أحد الكتاب الفرنسيين عن‬
‫النظام الرأسمالي المريكي‪ :‬فكلما ازداد‬
‫هذا النظام الرأسمالي الجشع إمعاًنا‬
‫وانتشاًرا بالعو لمة‪ ،‬ازدادت النتفاضات‬
‫والحروب العرقية والقبلية والعنصرية‬
‫والدينية للتفتيش عن الهوية القومية في‬
‫شت المعلوماتية‬ ‫المستقبل‪ .‬وكلما ت ََف ّ‬
‫والجهزة التلفزيونية والسلكية‬
‫واللسلكية‪ ،‬تكبلت اليدي بقيود العبودية‪،‬‬
‫وازدادت مظاهر الوحدة والنعزال‬
‫والخوف والهلع دون عائلة ول قبيلة ول‬
‫وطن‪ .‬وكلما ازداد معدل الحياة سوف‬
‫تزداد وسائل القتل‪ ،‬وكلما ازدادت وسائل‬
‫الرفاهية سوف تزداد أكثر فأكثر جرائم‬
‫البربرية والعبودية ")‪.(2‬‬

‫‪ - 1‬قضايا في الفكر العربي المعاصر‪ :‬د‪.‬محمد عابد الجابري‪ ،‬مركز‬


‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪1997،‬م‪،‬ص ‪.148‬‬
‫‪ - 2‬ما العولـمة ‪ :‬محمد جلل العظم – حسن حنفي‪ ،‬ص ‪.20‬‬

‫‪58‬‬
‫وسائل العولمة‪-:‬‬
‫لقد لجأت القوى الرأسمالية الغربية‬
‫وعلى رأسها الوليات المتحدة المريكية‬
‫إلى الوسائل التالية من أجل تحقيق‬
‫الهداف المنشودة من وراء العولمة‪.‬‬
‫‪ -1‬إنشاء التكتلت والمنظمات القتصادية‬
‫والتجارية التي تمرر من خللها‬
‫السياسات والملءات لصالح العولمة‪،‬‬
‫ومن ذلك اتفاقية الجات "أعضاؤها ‪117‬‬
‫دولة" )التفاقية العامة للتجارة والتعرفة‬
‫الجمركية(‪ ،‬وتكتل "النافتا" المكون من‬
‫كندا وأمريكا والمكسيك‪ ،‬والسوق‬
‫الوربية المشتركة‪ ،‬و"إيباك" المكون من‬
‫دول "النافتا" واستراليا ونيوزلندة‬
‫واليابان وإندونيسيا وماليزيا‪ ،‬ومنظمة‬
‫التجارة العالمية التي تنتمي إليها كثير من‬
‫دول العالم)‪.(1‬‬
‫‪ -2‬استخدام الشرعية الدولية الزائفة‬
‫وعبر استغلل المم المتحدة ومؤسساتها‬
‫المالية ‪-‬صندوق النقد الدولي والبنك‬
‫الدولي للنشاء والتعمير‪ -‬في فرض‬
‫وتنفيذ الملءات والقرارات السياسية‬
‫والقتصادية التي تضر بالدول والشعوب‬

‫‪ - 1‬لقد فصل الحديث عن المنظمات والتكتلت القتصادية العالمية د‪.‬‬


‫حسين شحاته في كتابه "النظام القتصادي العالمي واتفاقية الجات"‬
‫دار البشير للثقافة والعلوم ‪ ،‬طنطا ‪1998‬م‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫وتحقق المصالح العليا لمريكا‬
‫وحلفائها)‪.(2‬‬
‫‪ -3‬تقديم الدعم القتصادي والمعنوي‬
‫للنظمة والحكومات المعادية للسلم‪،‬‬
‫وفرض سياسة الحصار والتجويع على‬
‫النظمة المتمردة على الرادة المريكية‪،‬‬
‫أو النظمة التي تسعى إلى اتخاذ السلم‬
‫منهجا ً وشريعة للحياة‪ .‬واستخدم‬
‫العقوبات الدولية التي تفرضها أمريكا‬
‫‪-‬من خلل المم المتحدة‪ -‬طبقا ً لمعاييرها‬
‫الخاصة التي تحقق أهداف العولمة‪.‬‬
‫‪ -4‬تقييد الحكومات في العالم السلمي‬
‫بالتفاقيات المجحفة الظالمة‪ ،‬كاتفاقية‬
‫منع انتشار السلحة النووية والكيماوية‬
‫في الوقت الذي يسمح فيه لليهود ومن‬
‫على شاكلتهم بامتلك تلك السلحة‬
‫وتطويرها‪.‬‬
‫‪ -5‬تسخير القوى العلمانية الداخلية من‬
‫الكتاب ورجال العلم والتربية لصالح‬
‫العولمة والستفادة من جهود‬
‫المستشرقين وقادة الغزو الفكري‪.‬‬

‫‪ - 2‬انظر السلم والعولمة ‪ ،‬ص ‪ ، 150‬العولمة ‪ ،‬محمد سعيد أبو‬


‫زعرور ‪ ،‬ص ‪ ، 42‬من الملحظ أن العولمة ترتكز اقتصاديا ً‬
‫على ثلث ركائز هي ‪-:‬‬
‫)‪ (1‬النظام النقدي العالمي ويشرف عليه صندوق النقد الدولي ‪.‬‬
‫)‪ (2‬النظام الستثماري العالمي بإشراف البنك الدولي ‪.‬‬
‫)‪ (3‬النظام التجاري العالمي بإشراف وإدارة منظمة التجارة العالمية‬
‫والتي تعمل بالتنسيق مع الشركات الكبرى العابرة للقوميات ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫‪ -6‬كتم الصوت السلمي المعبر عن‬
‫آمال المة وتطلعاتها في الحرية‬
‫والستقلل وعدم التبعية للسيطرة‬
‫الغربية‪.‬‬
‫‪ -7‬الكثار من المنظمات والجمعيات‬
‫والمؤسسات الخدماتية الهلية ذات‬
‫الهداف اللدينية ودعمها ماليا ً ومعنويًا‪.‬‬
‫‪ -8‬إحلل الثقافة الغربية من خلل نشر‬
‫اللغة النجليزية من خلل الزياء‬
‫والمأكولت والمنتوجات الغربية وإقامة‬
‫المطاعم المريكية )ماكدونالد( وإقامة‬
‫شركات إنتاج المواد الغذائية المريكية‬
‫ومن أمثلتها شركة )كوكا كول(‬
‫للمشروبات الغازية‪.‬‬
‫‪ -9‬استخدام وسائل الدعاية والعلم‬
‫وشبكات التصال الحديثة كالقمار‬
‫الصناعية والقنوات الفضائية وشاشات‬
‫الحاسوب لحداث التغيرات المطلوبة‬
‫لعولمة العالم)‪.(1‬‬
‫يقــول العــالم المريكــي المعــروف‬
‫ناعوم تشومسكي‪" :‬إن العولـمة الثقافيـة‬
‫ليســت ســوى نقلــة نوعيــة فــي تاريــخ‬
‫العلم‪ ،‬تعزز ســيطرة المركــز المريكــي‬
‫على الطراف‪ ،‬أي على العالم كلــه"‪ 2.‬إن‬

‫‪ - 1‬السلم والعولمة ‪ ،‬ص ‪ ، 98-97‬العولمة ‪ ،‬محمد سعيد أبو زعرور‬


‫‪ ،‬ص ‪. 42‬‬
‫‪ - 2‬العولـمة بين منظورين‪ ،‬البيان‪ -‬مرجع سابق‪ -‬ص ‪.125‬‬

‫‪61‬‬
‫هيمنــة أمريكــا ناتجــة مــن أن ‪ %65‬مــن‬
‫مجمـــل المـــواد والمنتجـــات العلميـــة‬
‫والعلنيـــة والثقافيـــة والترفيهيـــة تحـــت‬
‫سيطرتها‪ ،‬ومن إنتاجهــا‪ .‬هــذا المــر الــذي‬
‫أدى إلــى تــوجس بعــض الــدول الغربيــة‬
‫وخوفها علــى أجيالهــا‪ .‬إن طغيــان العلم‬
‫والثقافـــة المريكيـــتين فـــي القنـــوات‬
‫الفضائية دفع وزير العدل الفرنسي جاك‬
‫كوبون أن يقــول‪" :‬إن النــترنت بالوضــع‬
‫الحالي شكل جديد من أشكال الستعمار‪،‬‬
‫وإذا لم نتحرك فأسلوب حياتنا في خطــر‪،‬‬
‫وهنــاك إجمــاع فرنســي علــى اتخــاذ كــل‬
‫الجراءات الكفيلة لحماية اللغة الفرنسية‬
‫والثقافـــــة الفرنســـــية مـــــن التـــــأثير‬
‫المريكي")‪ .(1‬بــل إن الرئيــس الفرنســي‬
‫جمماك شمميراك عـــارض قيـــام مطعـــم‬
‫ماكدونالدز الذي يقدم الوجبات المريكيــة‬
‫مــبررا َ ذلــك أن يبقــى بــرج أيفــل منفــردا ً‬
‫بنمــط العيــش الفرنســي)‪.(2‬كمــا هــاجم‬
‫وزير الثقافة الفرنسي هجومــأ ً قويــأ ً‬
‫علـــى أمريكـــا فـــي اجتمـــاع اليونســـكو‬
‫بالمكســيك‪ ،‬وقــال‪" :‬إنــي أســتغرب أن‬
‫تكون الدول التي عّلمــت الشــعوب قــدًرا‬
‫كبيًرا من الحرية‪ ،‬ودعت إلى الثورة علــى‬

‫‪ - 1‬مستقبل العولـمة بين منظورين‪ :‬المستقبل العربي‪ ،‬ص ‪.21‬‬


‫‪ - 2‬العولـمة أمام عالمية الشريعة السلمية‪ ،‬د‪ .‬عمــر الحــاجي‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫دار المكتبي ‪ ،‬دمشق‪1420 ،‬هـ‪1999 /‬م ص ‪.51‬‬

‫‪62‬‬
‫الطغيان هي التي تحاول أن تفرض ثقافة‬
‫شــمولية وحيــدة علــى العــالم أجمــع‪ .‬ثــم‬
‫قال‪ :‬إن هذا شكل من أشكال المبرياليـة‬
‫المالية والفكرية‪ ،‬ل يحتل الراضي‪ ،‬ولكن‬
‫تصادر الضمائر‪ ،‬ومناهج التفكيــر واختلف‬
‫أنماط العيــش")‪ .(1‬وتبعًــا لهــذه السياســة‬
‫قــررت فرنســا أن تكــون نســبة الفلم‬
‫الفرنسية المعروضة باللغة الفرنسية فــي‬
‫التلفـــاز الفرنســـي ‪ .(2) )%60‬وفـــي‬
‫المقاطعـــات الكنديـــة بلغـــت الهيمنـــة‬
‫المريكيـــة فـــي مجـــال تـــدفق البرامـــج‬
‫العلمية والتلفاز إلــى حــد دعــا مجموعــة‬
‫من الخبراء إلى التنــبيه إلــى أن الطفــال‬
‫الكنديين‪ ،‬أصبحوا ل يدركون أنهم كنــديون‬
‫لكثرة ما يشاهدون من برامج أمريكية)‪.(3‬‬
‫‪ -10‬التوسع في قبول الطلب الجانب‬
‫في الجامعات والمعاهد الغربية‪ ،‬ففي‬
‫أمريكا وحدها أكثر من عشرين ألف‬
‫جامعة ومعهد مهمتها القيام بالبرامج‬
‫الثقافية التي ترسخ لديهم الثقافة‬
‫الغربية وتستخدمهم وسائل للعولمة‪.‬‬
‫‪ -11‬استخدام ما يسمى بالديمقراطية‬
‫وحقوق النسان واعتبارات الحياة‬
‫المعاصرة ومواثيق المم المتحـدة في‬

‫‪ -‬المصدر‪ -‬نفسه‪ -‬ص ‪.50‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬العولـمة والهوية‪ :‬نجيب غزاوي‪ ،‬ص ‪ ،46‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬مستقبل العولـمة بين منظورين‪ :‬المستقبل العربي‪ ،‬ص ‪.21‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪63‬‬
‫محاربة منظومة القيم والخلق‬
‫والتشريعات السائدة في المجتمعات‬
‫السلمية‪.‬‬
‫‪ -12‬المؤتمرات القتصادية ومؤتمرات‬
‫التنمية والسكان التي تعقد في كافة دول‬
‫العالم‪ ،‬واستخدامها للترويج لثقافة وفكرة‬
‫العولمة‪.‬‬
‫‪ -13‬تنظيم المهرجانات الفنية الغنائية‬
‫والموسيقية واللقاءات الشبابية التي‬
‫تشترك فيها فرق ووفود من كل أنحاء‬
‫العالم‪.‬‬
‫‪ -14‬استغلل المرأة عبر دعوات لتحقيق‬
‫المساواة بينها وبين الرجل‪ ،‬وسن قوانين‬
‫عالمية بحجة حماية حقوق المرأة‪.‬‬
‫‪ -15‬سياسة السوق وفتح المجال أمام‬
‫الشركات المريكية والشركات الكبرى‬
‫متعددة الجنسيات للقيام بالستثمار غير‬
‫المباشر في دول العالم والعتماد على‬
‫خوصصة الشركات والمؤسسات‬
‫القتصادية والخدماتية الوطنية‬
‫والحكومية‪ ،‬أي نزع ملكية الوطن والمة‬
‫والدولة لها ونقلها للخواص من الداخل‬
‫والخارج لضعاف سلطة الدولة والتخفيف‬
‫من حضورها لصالح ظاهرة العولمة‪ ،‬ومن‬
‫ثم إحداث هزات مالية في أسواق العالم‪،‬‬
‫وفتح السواق المحلية أمام السلع‬

‫‪64‬‬
‫ورؤوس الموال والمعلومات الوافدة‪،‬‬
‫وهدم السوار الجمركية والقيود أمام‬
‫التجارة الدولية‪ ،‬وعدم إعطاء الدعم‬
‫لبعض السلع بحجة أن ذلك يضر التنمية‪،‬‬
‫وتسريح الجيوش أو الحد من أعدادها‬
‫وخوصصة القطاع العام‪ ،‬وتخلي الدولة‬
‫عن دورها في إدارة اقتصادها وحمايته‬
‫وفق رؤيتها ومصالحها الخاصة)‪.(1‬‬
‫من وراء العولمة؟؟‬
‫‪ -1‬لقد لعبت الصهيونية دورها في‬
‫الوليات المتحدة المريكية‪ ،‬واستطاع‬
‫اليهود في مطلع القرن العشرين ‪-‬ول‬
‫يزالون‪ -‬أن يسيطروا على القرار‬
‫السياسي في تلك الدولة‪ ،‬وأصبح‬
‫الزعماء السياسيون يخشون سلطان‬
‫الصهيونية التي تستطيع إسقاطهم عن‬
‫كراسيهم لقدرتها على نشر الفضائح‬
‫والشاعات عبر دور الدعاية والعلن‬
‫ووسائل العلم التي يسيطر عليها اليهود‬
‫ولذا فإن كل من يفكر في الوصول إلى‬
‫البيت البيض يجب عليه أن يسترضي‬
‫اليهود ويخضع لبتزازاتهم‪ ،‬وينحني صاغرا ً‬
‫أمام الصهيونية‪ ،‬وإذا كانت مؤسسات‬
‫المم المتحدة من أهم الوسائل التي‬
‫‪ - 1‬العولمة ‪ ،‬د‪ .‬جلل أمين ص ‪ ، 28-27‬العولمة ‪ ،‬محمد سعيد أبو‬
‫زعرور ص ‪ ،49 45-44‬الوطنية في عالم بل هوية ‪ -‬تحديات العولمة ‪-‬‬
‫مرجع سابق ‪ -‬ص ‪ ، 74‬العولمة وآليات التهميش في الثقافة العربية ‪-‬‬
‫مصدر سابق ‪ ،‬ص ‪. 14‬‬

‫‪65‬‬
‫تستخدمها الوليات المتحدة في العولمة‪،‬‬
‫فأنا نجد اليهود قد استطاعوا السيطرة‬
‫على المم المتحدة منذ إنشائها‪ ،‬وتغلغلوا‬
‫إلى معظم مؤسساتها ودوائرها ومكاتبها‬
‫المختلفة‪ ،‬يقول الكاتب المريكي‬
‫دوجلس ويد‪) :‬إن رؤساء أمريكا ومن‬
‫يعملون معهم ينحنون أمام الصهيونية كما‬
‫لو كانوا ينحنون أمام ضريح له قداسته(‬
‫)‪ ،(1‬بل وصل بعض اليهود إلى رئاسة‬
‫الوليات المتحدة المريكية)‪.(2‬‬
‫لقد استطاع اليهود أن يسيطروا‬
‫على معظم المؤسسات القتصادية‪ ،‬فمن‬
‫شركات البترول إلى الشركات الصناعية‬
‫والبنوك والبورصة ‪ ،‬وسيطروا على‬
‫العلم ووسائله المختلفة وأسسوا دور‬
‫السينما وصناعة الفلم وتولوا أماكن‬
‫الصدارة في مجلس الشيوخ والنواب‪،‬‬
‫وعملوا كمستشارين للرؤساء المريكيين‬
‫في الشؤون المالية والسياسية والمنية‪،‬‬
‫ولقد مكن لهم بعض الرؤساء المريكان‬
‫اليهود أصل ً أمثال ‪-‬روزفلت‪ -‬من‬
‫السيطرة على اقتصاديات البلد‬
‫ومواردها‪ ،‬والوصول إلى الوظائف العامة‬
‫في وزارات الدفاع والخارجية والقتصاد‬

‫‪ - 1‬وثيقة الصهيونية ‪ ،‬جورجي كنعان ‪ ،‬دار اقرأ ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1985‬م‬


‫‪ ،‬ص ‪. 142‬‬
‫‪ - 2‬أمثال روزفلت وترومان وآيزنهاور ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫والمخابرات‪ ،‬بل تمكن بعض اليهود من‬
‫الوصول إلى رئاسة الوليات المتحدة‬
‫المريكية‪.‬‬
‫واليوم يسيطر اليهود على القرار‬
‫السياسي والقتصادي والمالي والشؤون‬
‫المنية في الوليات المتحدة المريكية‪،‬‬
‫وكما هو معلوم فإن سبعة أعضاء كانوا –‬
‫في حكومة الرئيس كلنتون‪ -‬يتبوءون‬
‫أعلى مراكز الصدارة في البيت البيض‬
‫ويرسمون السياسة الداخلية والخارجية‬
‫لمريكا‪ ،‬خمسة منهم من اليهود‪ ،‬ومن‬
‫هؤلء السيدة مادلين أولبرايت في وزارة‬
‫الخارجية‪ ،‬وليم كوهين في وزارة الدفاع‪،‬‬
‫ساندي بيرغر مستشار الرئيس كلينتون‬
‫لشئون المن القومي‪.‬‬
‫‪ -2‬لقد استطاع اليهود أن يتغلغلوا في‬
‫عقلية الشعب المريكي وأن يغزوه في‬
‫عقيدته الدينية حيت استغلوا المجامع‬
‫الكنسية والمؤتمرات الدينية‪ ،‬ووضعوا‬
‫التفسيرات والشروحات الدينية للعهد‬
‫القديم‪ ،‬وتمكنوا من أن يجعلوا الرأي‬
‫العام المريكي ينطلق من المرتكزات‬
‫الصهيونية في السياسة والفكر والدين‪.‬‬
‫‪ -3‬إن اليهودية العالمية لها نفوذ واضح‬
‫في كثير من الدول الوربية خاصة في‬
‫بريطانيا وفرنسا وألمانيا‪ ،‬فهم يسيطرون‬

‫‪67‬‬
‫في هذه الدول على كثير من المؤسسات‬
‫القتصادية كالبنوك والشركات الصناعية‬
‫والتجارية والمناجم وأسهم شركات‬
‫البترول‪ ،‬وامتلكوا كثيرا ً من الصحف‬
‫الكبرى التي تسير الرأي العام بل‬
‫وتصنعه لصالح السياسة الصهيونية العامة‬
‫في الشرق الوسط‪.‬‬
‫‪ -4‬ولما أنشئت هيئة المم المتحدة‬
‫تغلغل اليهود والماسونيون إلى دوائرها‬
‫ومكاتبها المختلفة وبالتالي استغللها‬
‫لتحقيق أهدافهم الشريرة في السيطرة‬
‫على العالم‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬مكتب‬
‫السكرتارية لهيئة المم المتحدة الذي هو‬
‫أهم شعبة فيها‪ ،‬ومراكز الستعلمات‪،‬‬
‫وشعبة القسام الداخلية‪ ،‬ومؤسسة‬
‫التغذية والزراعة‪ ،‬ومؤسسة التعليم‬
‫والثقافة والفن "اليونسكو"‪ ،‬وبنك العمار‬
‫الدولي‪ ،‬وصندوق النقد الدولي‪ ،‬ومؤسسة‬
‫الصحة العالمية‪ ،‬ومؤسسة اللجئين‬
‫الدولية‪ ،‬ومؤسسة التجارة الدولية)‪.(1‬‬
‫‪ -5‬ومن خلل دراسة الوثائق اليهودية‬
‫يتبين للقارئ دور اليهودية العالمية في‬
‫صناعة الحداث أو في استغللها لصالح‬
‫مخططاتهم التي تستهدف السيطرة على‬
‫‪ - 1‬أسرار الماسونية الجنرال جواد رفعت آتلخان ‪ ،‬الزهراء للعلم‬
‫العربي ‪ -‬الطبعة الولى ‪1410‬هـ ‪1990 -‬م ‪ ،‬ص ‪ ، 71-61‬وذكر في‬
‫هذا الكتاب أسماء اليهود ووظائفهم داخل مؤسسات هيئة المم‬
‫المتحدة ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫العالم كله من خلل تأسيس جمهورية‬
‫ديمقراطية عالمية‪ .‬إذا أن من أهداف‬
‫الحركة الماسونية ‪-‬التي أسسها ويديرها‬
‫اليهود‪ -‬إقامة دولة عالمية ل دينية‪ ،‬وقد‬
‫نص على ذلك الهدف المؤتمر الماسوني‬
‫العالمي المنعقد في باريس سنة ‪1900‬م‬
‫)‪.(1‬‬
‫‪ -6‬ومن المعلوم أن اليهود وضعوا‬
‫مخططاتهم للسيطرة على العالم فيما‬
‫يسمى )بروتوكولت حكماء صهيون(‪،‬‬
‫ومن يدرس هذه البروتوكولت يستطيع‬
‫أن يعقد وبكل سهولة مقارنة دقيقة بين‬
‫ما تضمنته هذه البروتوكولت وما يسود‬
‫العالم من أوضاع سياسية واقتصادية‬
‫الن‪ ،‬فكل وسائل العولمة التي سبق‬
‫ذكرها قد نصت عليها البروتوكولت الربع‬
‫والعشرون‪ .‬وأكثر وسيلة ركزت عليها في‬
‫الوصول إلى حكم العالم وجعله خاضعا ً‬
‫لحكومة واحدة‪ :‬النشاط القتصادي‬
‫والتحكم في حركة التجارة العالمية‪،‬‬
‫وإيجاد أزمات اقتصادية عالمية‪،‬‬
‫والسيطرة على مقدرات المم ومواردها‬
‫المالية)‪ .(2‬وتحدثت بروتوكولت حكماء‬
‫صهيون عن المخطط اليهودي لحكم‬
‫‪ - 1‬أسرار الماسونية ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص ‪. 43‬‬
‫‪ - 2‬انظر البروتوكولت ‪ :‬الرابع ‪ -‬العشرون ‪ -‬الحادي والعشرون ‪ -‬الثاني‬
‫والعشرون من كتاب بروتوكولت حكماء صهيون ترجمة محمد خليفة‬
‫التونسي أو ترجمة أحمد عبد الغفور العطار أو ترجمة علي الجوهري ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫العالم من خلل الحكومة اليهودية‬
‫العالمية‪ ،‬وللوصول لهذا الهدف ل بد من‬
‫استغلل النشاط القتصادي والصناعي‬
‫والتجاري‪ ،‬وإتاحة الحرية لرأس المال‬
‫لكي يصل إلى مرحلة سيادة الحتكار في‬
‫كل مجالت التجارة والصناعة‪ ،‬وتخريب‬
‫القتصاد للحكومات والشعوب الخرى‬
‫عن طريق المضاربة والقروض وزيادة‬
‫السعار للسلع الساسية الضرورية‬
‫ولصناعة الرأي العام لصالح اليهود ل بد‬
‫من السيطرة على وسائل العلم‪.‬‬
‫‪ -7‬ومن الوثائق اليهودية القديمة التي‬
‫تكشف عن حقيقة مشروع العولمة‪ ،‬وأنه‬
‫ضمن خطة يهودية هدفها الهيمنة على‬
‫العالم‪ ،‬ما نشرته جمعية "القباله"‬
‫اليهودية‪ .‬جاء فيها‪) :‬وبفضل قرية السلم‬
‫العامة التي جعلناها بمنزلة الصلة‬
‫اليومية للنسانية جمعاء لكثرة ما تحدثت‬
‫عنها إذاعتنا‪ ،‬سوف نحطم أعصاب‬
‫البشرية برمتها‪ ،‬وسنركز جهدنا على‬
‫تذكير الناس بالهوال المرتقبة من‬
‫الحروب لنرهبهم‪ ،‬ونجعلهم يلتمسون‬
‫تجنبها مهما كان الثمن‪ ،‬عندها سنخرج‬
‫عليهم بفكرة الدولة العالمية الواحدة‪،‬‬
‫بحجة أنها الوسيلة الفريدة للحيلولة دون‬
‫قيام الحرب‪ ،‬بينما سيكون هدفنا‬

‫‪70‬‬
‫الحقيقي منها التمهيد لزالة الفوارق‬
‫العنصرية والدينية لتنصرف الشعوب‬
‫المعادية لنا عن مراقبتنا‪ ،‬والتحري عن‬
‫خفايا مناهجنا‪ ،‬ومن ثم إضعاف النزعات‬
‫القومية والوطنية بين أفرادها‪ ،‬وليهامها‬
‫بنبل مقاصد دعوتنا سنروج لفكرة‬
‫التعاون القتصادي بين الدول بحجة‬
‫السعي لرفع مستوى الشعوب المختلفة‪،‬‬
‫وسنشجع الدول الرأسمالية الخاضعة لنا‬
‫على منح القروض للدول الخرى‪،‬‬
‫ولغفالها عن مراقبتنا سنبادر إلى‬
‫السهام بقسم من هذه القروض‪ ،‬ومن‬
‫المؤكد أن الدول الكبرى ستلبي دعوتنا‬
‫لتظهر بمظهر المحبة للخير والنسانية‬
‫ومن جهة ثانية لتسيطر ‪-‬بزعمها‪ -‬على‬
‫الدول التي ستتلقى منها القروض وإن‬
‫ح زعمها هذا فتكون في الواقع قد‬ ‫ص ّ‬
‫أخضعت تلك الدول لمشيئتنا بصورة غير‬
‫مباشرة‪ ،‬باعتبارها هي نفسها خاضعة لنا‪،‬‬
‫وبهذه الطريقة سنوزع ما تبقى من‬
‫الثروات في حوزة الشعوب الخرى دون‬
‫أي أمل في تحقيق الغاية القتصادية‬
‫وة من هذا التوزيع على العالم()‪.(1‬‬ ‫المرج ّ‬

‫‪ - 1‬مكائد يهودية ‪ ،‬عبد الرحمن حسن الميداني ‪ ،‬دار القلم ‪ ،‬بيروت ‪-‬‬
‫دمشق ص ‪. 447-437‬‬

‫‪71‬‬
‫إسرائيل والعولمة‪-:‬‬
‫لم تنصاع إسرائيل إلى تيار العولمة‬
‫الذي اكتسح دول العالم السلمي‪ ،‬فما‬
‫زالت إسرائيل كدولة تتدخل في القتصاد‬
‫والمجتمع ‪ ،‬وتتمسك بقوتها العسكرية‬
‫وتعمل على تنميتها‪ ،‬وزيادتها عددا ً وعتادًا‪،‬‬
‫وترفض بشدة وقف أي نشاط وتقدم في‬
‫عملية التسلح‪ ،‬وترفض بشدة التوقيع‬
‫على اتفاقيات منع السلح النووي‬
‫والسلحة الكيماوية‪ ،‬وهي ل تتلقى‬
‫التوجيهات من صندوق النقد الدولي ومن‬
‫البنك الدولي للنشاء والتعمير‪ ،‬كشأن‬
‫كثير من دول العالم‪ ،‬ويخضع القطاع‬
‫الخاص في مجالي القتصاد والصناعة‬
‫ونحوهما باستمرار للعتبارات التي تمليها‬
‫مصالح الدولة العليا ول تسمح بتجاوزها‪.‬‬
‫وتطرح إسرائيل تصورها الخاص‬
‫للعولمة فيما يعرف بمشروع الشرق‬
‫أوسطية وتروج له‪ ،‬وتحاول فرضه على‬
‫دول الشرق الوسط المحيطة بها‪ .‬وإذا‬
‫كانت هذه العولمة تعني انتهاء عصر‬
‫اليديولوجيا )الدين والعقيدة( والنفتاح‬
‫على الخر وعدم التمسك بالولء للوطن‬
‫أو المة‪ ،‬فإن إسرائيل تتمسك‬
‫بأيديولوجيتها وترفض النفتاح على الخر‬
‫والتفاعل معه‪ ،‬بل تريد من الخر النفتاح‬

‫‪72‬‬
‫عليها لتعمل هي على التأثير فيه وفق‬
‫مصالحها ومخططاتها الستراتيجية‬
‫المستقبلية‪ .‬وتتمسك بالولء التقليدي‬
‫للوطن )إسرائيل( والمة )اليهود شعب‬
‫الله المختار( وتمارس الحروب باستمرار‬
‫لثبات سطوتها وفرض هيمنتها في‬
‫المنطقة وتتلقى الدعم المادي‬
‫والسياسي من القوى الستعمارية‬
‫الغربية)‪.(1‬‬
‫ن إسرائيل تسعى جادة لعولمة‬ ‫إ ّ‬
‫الشرق الوسط لحسابها الخاص ولقد‬
‫طرح شمعون بيرز رئيس الوزراء‬
‫السرائيلي السابق مشروع الشرق‬
‫الوسطية‪ ،‬وهو مشروع للعولمة يستند‬
‫إلى فكرة أن النسان العربي إنسان‬
‫اقتصادي مستهلك وأيدي عاملة‪ ،‬وأن‬
‫النسان السرائيلي إنسان اقتصادي‬
‫مفكر ومنتج‪ .‬ولقد صرح شمعون بيرز‬
‫بأفكاره في عولمة المنطقة لحساب‬
‫إسرائيل في كثير من الندوات واللقاءات‬
‫القليمية والدولية‪ ،‬ففي لقائه مع‬
‫المثقفين المصريين قال بيرز‪" :‬إن‬
‫الشعب اليهودي يريد فقط أن يشتري‬
‫ويبيع ويستهلك وينتج‪ ،‬وعظمة إسرائيل‬
‫تكمن في عظمة أسواقها"‪ .‬فالسوق في‬
‫‪ - 1‬العولمة ‪ ،‬د‪ .‬جلل أمين ص ‪ ،30-29‬العولمة‪ ،‬محمد سعيد أبو‬
‫زعرور ص ‪.51-50‬‬

‫‪73‬‬
‫نظر بيرز هو المعيار الساسي وهو‬
‫المكان الذي نتبادل فيه السلع‬
‫والفكار)‪ ،(1‬ولما كان معلوما ً أن إسرائيل‬
‫تتفوق على جيرانها في استخدام التقنية‬
‫الجدية في النتاج فمعنى ذلك أن بيرز‬
‫يريد من السواق العربية أن تصبح‬
‫أسواقا ً استهلكية للسلع والمنتوجات‬
‫السرائيلية وما يصاحبها من ثقافة وفكر‬
‫صهيوني يريد أن يتسلل من خللها إلى‬
‫حصون وقلع المسلمين في عقر دارهم‪.‬‬
‫وأفكار عولمة الشرق الوسط‬
‫ليست وليدة أفكار جديدة لبيرز وليست‬
‫نشأتها مرتبطة بعقد اتفاقيات السلم مع‬
‫إسرائيل التي بدأت بمعاهدة كامب ديفيد‬
‫مع مصر سنة ‪1979‬م ثم باتفاقية أوسلو‬
‫مع منظمة التحرير واتفاقية وادي عربة‬
‫مع الردن‪ ،‬بل نشأت أفكار العولمة‬
‫السرائيلية منذ أكثر من ثلثين سنة من‬
‫خلل دراسات علمية جادة قام بها‬
‫الخبراء السرائيليون في المجالت‬
‫العسكرية والقتصادية والعلمية ومن‬
‫أهمها‪-:‬‬
‫ل‪ :‬الدراسات المستقبلية‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬دراسة الشرق الوسط عام ‪2000‬م‪:‬‬
‫أصدرتها رابطة السلم في تل أبيب سنة‬

‫‪ -‬السلم والعولمة ‪ ،‬محمد المبروك ص ‪. 88‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪74‬‬
‫‪1970‬م‪ ،‬وتتضمن تصور مجموعة من‬
‫الكاديميين والمفكرين السرائيليين‬
‫للحياة في منطقة الشرق الوسط في‬
‫نهاية القرن انطلقا ً من فرضية إحلل‬
‫السلم القتصادي في المنطقة‪ ،‬ويترتب‬
‫على ذلك‪ :‬إزالة العوائق والحدود بين‬
‫إسرائيل والدول العربية‪ ،‬وحرية انتقال‬
‫السلع والخدمات وعناصر النتاج سواء‬
‫من خلل سوق مشتركة للشرق‬
‫الوسط‪ ،‬أم سوق مشتركة لدول البحر‬
‫المتوسط تضم إسرائيل والدول العربية‬
‫والدول الوربية المطلة على البحر‬
‫المتوسط على أن تستحوذ إسرائيل على‬
‫النصيب الكبر في إدارة هذه السوق‪،‬‬
‫وأن تكون قلب المنطقة ومركز إدارتها‬
‫وأساس تطورها القتصادي والتكنولوجي‬
‫وفي مجال البحوث العلمية‪ ،‬واقترحت‬
‫الدراسة إقامة المجمعات الصناعية بين‬
‫إسرائيل ودول الجوار العربي‪.‬‬
‫‪ -2‬دراسة لمعهد "هورفينز للسلم"‬
‫نشرت عام ‪1972‬م تناولت الوضاع‬
‫القتصادية في إسرائيل والعالم العربي‬
‫في السبعينات‪ ،‬وذكرت فرضيات لقوة‬
‫إسرائيل القتصادية المستقبلية‪.‬‬
‫‪ -3‬دراسة أعدها معهد "فان لير" في‬
‫القدس عام ‪1978‬م بعنوان عندما "يأتي‬

‫‪75‬‬
‫السلم ‪ . .‬الحتمالت والمخاطر" شارك‬
‫في إعدادها مجموعة مختارة من‬
‫الباحثين والكتاب في إسرائيل من‬
‫أصحاب الخبرات في مجال الدراسات‬
‫الستراتيجية والسياسية والقتصادية‬
‫والثقافية والعلمية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الدراسات التخطيطية‪:‬‬
‫مع تزايد احتمالت السلم في‬
‫المنطقة وبخاصة منذ زيارة الرئيس‬
‫المصري الراحل أنور السادات انشغلت‬
‫مراكز البحاث السرائيلية في الوزارات‬
‫بإعداد عشرات الدراسات التخطيطية‬
‫حول علقة إسرائيل بالوطن العربي‪.‬‬
‫منها‪-:‬‬
‫‪ -1‬دراسة أعدتها وزارة المالية وهي‬
‫تطوير لبحوث "افرايم ديبرت" المستشار‬
‫للوزارة التي كان أعدها سنة ‪1970‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬دراسة من بنك إسرائيل بتطوير‬
‫أبحاث "عيزر سيفر" التي أعدها من‬
‫قبل‪.‬‬
‫‪ -3‬مشروعات ودراسات أعدتها وزارات‬
‫الصناعة والسياحة والتجارة والطاقة‬
‫والزراعة‪.‬‬
‫‪ -4‬مشروعات الجامعات ومراكز البحاث‬
‫العلمية ومن أشهرها مشروع بحث‬

‫‪76‬‬
‫التعاون القتصادي في الشرق الوسط‬
‫الذي أعدته جامعة تل أبيب‪.‬‬
‫وأهمممم المشمممروعات المممتي نمممالت‬
‫أهمية خاصة‪-:‬‬
‫‪ -1‬مشروع مركز الرصاد التكنولوجي‬
‫المتفرع عن دائرة القتصاد بجامعة تل‬
‫أبيب الذي بدأ العمل به في عام ‪1981‬م‬
‫وهو يتناول مجالت الطاقة والمواصلت‬
‫والصناعة والمياه بالشرق الوسط‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروع التعاون القتصادي في‬
‫الشرق الوسط الذي يعرف بـ "مشروع‬
‫مارشال الخاص بشمعون بيرز")‪ .(1‬وقد‬
‫بدأت فكرة المشروع تظهر للوجود بعد‬
‫اتفاقية كامب ديفيد من قبل سياسيين‬
‫ورجال أعمال وأصحاب رؤوس أموال ‪،‬‬
‫وجرى تبادلها في عدد من الجتماعات‬
‫في أمريكا وفرنسا وإسرائيل)‪.(2‬‬
‫أهداف العولمة السرائيلية‪-:‬‬
‫صلت إسرائيل وبرعاية أوربية‬ ‫لقد ف ّ‬
‫أمريكية خاصة مشروع الشرق أوسطي‬
‫‪ - 1‬اقترح شمعون بيرز خلل زيارته للمارات المتحدة في أبريل‬
‫‪1986‬م اعتماد مشروع مارشال للشرف الوسط على غرار مشروع‬
‫مارشال لوربا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬وفي سنة ‪1992‬م‬
‫طرح بيرز تصوراته حول الشرق الوسط أمام المعهد القومي‬
‫لدراسـات الشرق الوسط في القاهرة ثم نشر أفكاره سنة ‪1993‬م‬
‫في كتاب له بعنوان )الشرق الوسط الجديد( ‪ ،‬انظر لمشروع الشرق‬
‫أوسطي ‪ ،‬ص ‪. 11 ، 8 ، 7‬‬
‫‪ - 2‬انظر هذه الدراسات والمشروعات في كتاب "الستراتيجية‬
‫السرائيلية لتطبيع العلقات مع البلد العربية ‪ :‬محسن عوض ‪ ،‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬الطبعة الولى ‪1988‬م ‪ ،‬ص ‪42-29‬‬
‫‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫الجديد لخدمة الهداف السرائيلية‬
‫ولتحقيق الطماع اليهودية في المنطقة‬
‫حيث يحقق المشروع السرائيلي فرصة‬
‫الهيمنة على اقتصاديات دول الشرق‬
‫الوسط والتحكم في مواردها النفطية‬
‫والمالية والمائية‪ ،‬وإلغاء فكرة التكامل‬
‫القتصادي العربي‪ ،‬وغزو المنطقة ثقافيًا‪،‬‬
‫والقضاء على مقوماتهـا العقائديـة‬
‫والخلقية والجتماعية)‪ .(1‬ويقوم هذا‬
‫المشروع على دعامتين اثنتين‪-:‬‬
‫الولى‪ :‬النفتاح القتصادي الكامل على‬
‫العالم عامة وعلى دول منطقة الشرق‬
‫الوسط خاصة شاملة الدول العربية وغير‬
‫العربية وإسرائيل ضمن العولمة القائمة‬
‫على نظام سوق التجارة الدولية الحرة‬
‫والمتعددة الطراف‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬التعاون القليمي المتعدد‬
‫الطراف‪ ،‬الذي يستند إلى النفتاح‬
‫الكامل بين دول المنطقة تجاريًا‪،‬‬
‫ويستهدف إسرائيليا ً وأمريكيا ً إقامة تجمع‬
‫إقليمي شرق أوسطي بديل من تجمع‬
‫إقليمي عربي‪ ،‬تشغل فيه إسرائيل مركزا ً‬
‫متفوقا ً ومتميزا ً اقتصاديا ً وسياسيا ً‬
‫وعسكريًا‪ ،‬وتقوم فيه بدور القوة‬
‫القليمية المهيمنة والعظمى)‪.(2‬‬
‫‪ -‬انظر المشروع الشرق أوسطي ‪ ،‬ص ‪. 46‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬انظر المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 13-12‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪78‬‬
‫لقد نشر شمعون بيرز رئيس وزراء‬
‫إسرائيل السبق مخطط الشرق أوسطي‬
‫في كتابه الذي أصدره عام ‪1993‬م تحت‬
‫عنوان "الشرق الوسط الجديد" وأهم‬
‫أفكار بيرز هي‪-:‬‬
‫‪ -1‬استخدام القتصاد في غزو دول‬
‫الشرق الوسط بدل الدبابة "الخبز مقابل‬
‫الدبابة"‪ .‬وتقوم نظرية بيرس على‬
‫مقولة‪ :‬إن القتصاد هو مفتاح السياسة‪،‬‬
‫وأن من يسيطر على مشاريع القتصاد‬
‫في بلد ما يستطيع في النهاية إملء‬
‫السياسة التي يراها مناسبة‪.‬‬
‫‪ -2‬إن إسرائيل ستقوم بدور المركز‬
‫والقائد والقوة الساسية لتحويل النظام‬
‫القليمي الجديد إلى قوة عظمى على‬
‫غرار التحاد الوروبي وبالتعاون والتنسيق‬
‫معه‪.‬‬
‫‪ -3‬التعاون السرائيلي العربي فالعرب‬
‫يملكون المال والنفط واليدي العاملة‬
‫وإسرائيل تملك العلم والعقل‪.‬‬
‫وهذا كله يحقق لسرائيل أن تصبح‬
‫القوة القتصادية الولى في المنطقة‪،‬‬
‫وبالتالي تحقق حلمها بأن تكون الدولة‬
‫العظمى اقتصاديا بدل إسرائيل الكبرى‬
‫جغرافيًا‪ ،‬ولقد صرح بهذا الهدف شيمون‬
‫بيرز حرفـيا ً عندما قال‪) :‬إن إسرائيل‬

‫‪79‬‬
‫تواجه خيارا ً حادا ً أن تكون إسرائيل‬
‫الكبرى اعتمادا ً على عدد الفلسطينيين‬
‫الذين تحكمهم أو أن تكون إسرائيل‬
‫الكبرى اعتمادا ً على حجم السوق التي‬
‫تحت تصرفها(‪ .‬ويعتبر بيرز أن الشرق‬
‫أوسط الجديد هو الذي يحل مشاكل‬
‫المنطقة ويقضي عليها‪ ،‬يقول‪" :‬أنا أقول‬
‫أنه لن يكون هناك أي حل دائم إذا لم‬
‫يصبح هناك شرق أوسط جديد")‪.(1‬‬

‫وسائل العولمة السرائيلية‪-:‬‬


‫‪ -1‬التعاون المني‪ ،‬ونزع السلح المؤثر‬
‫وفرض مناطق أمنية وإقامة أجهزة النذار‬
‫المبكر داخل الدول العربية وخاصة الدول‬
‫المجاورة‪ ،‬وتقييد تطوير القدرات‬
‫الدفاعية العربية‪ ،‬وتقليل النفقات‬
‫العسكرية‪ ،‬وإحباط أي جهود لتنمية‬
‫القدرات النووية‪.‬‬
‫‪ -2‬تطبيع العلقات الدبلوماسية‬
‫والسياسية بين إسرائيل والدول العربية‪.‬‬
‫‪ -3‬التفاقيات القتصادية الثنائية‪ ،‬وفتح‬
‫السواق للمنتوجات السرائيلية ذات‬
‫الجودة والمواصفات القياسية العالمية‪.‬‬

‫‪ - 1‬انظر المشروع الشرق أوسطي ‪ ،‬م فتحي شهاب الدين ‪ ،‬دار‬


‫البشير ‪ ،‬القاهرة ‪1418‬هـ ‪1998 -‬م ‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫‪ -4‬إقامة المشاريع القليمية المشتركة‬
‫في المجالين الصناعي والتجاري والطرق‬
‫البرية والموانئ البحرية والمطارات‪.‬‬
‫‪ -5‬استثمار مزيد من الموال السرائيلية‬
‫في دول المنطقة من خلل إقامة‬
‫المصانع والمؤسسات القتصادية وشراء‬
‫العقارات وأسهم شركات القطاع الخاص‬
‫الناجحة‪ ،‬ومن ذلك قيام مركز بيرس‬
‫للسلم بشراء أسهم في شركة‬
‫التصالت الفلسطينية وهي من كبرى‬
‫شركات القطاع الخاص الفلسطيني على‬
‫الطلق)‪.(1‬‬
‫‪ -6‬تغيير المناهج الثقافية في الدول‬
‫العربية لتحقيق الهداف التالية‪-:‬‬
‫أ‪ -‬طمس روح العداء والكراهية تجاه‬
‫اليهود‪.‬‬
‫ب‪ -‬مودة اليهود ومحبتهم وموالتهم‪.‬‬
‫ج‪ -‬القرار بوجود اليهود وحقهم التاريخي‬
‫في أرض فلسطين والقبول بالساس‬
‫العقائدي الصهيوني لدولة إسرائيل‪.‬‬
‫‪ -7‬إقامة اللقاءات الشبابية بين الشباب‬
‫اليهودي وغيرهم من الشباب العربي‪،‬‬
‫يقول نحميا ستراسلر )أحد أبرز المعلقين‬
‫القتصاديين اليهود(‪ :‬إن أكثر من سبعين‬
‫في المائة من الموال التي يجمعها مركز‬
‫‪ - 1‬انظر جريدة الرسالة ‪ -‬الفلسطينية ‪ -‬عدد ‪ 27 ، 162‬ربيع الول‬
‫‪1421‬هـ ‪ ،‬ص ‪. 6‬‬

‫‪81‬‬
‫بيرس للسلم من الدول المانحة واليابان‬
‫‪) -‬استطاع بيرس أن يجمع ثلثمائة مليون‬
‫دولر من هذه الدول( ‪ -‬لصالح مشاريع‬
‫في الراضي الفلسطينية من أجل تعزيز‬
‫فرص السلم بين الشعبين اليهودي‬
‫والفلسطيني وإنعاش القتصاد‬
‫الفلسطيني تصرف على برامج اللقاءات‬
‫الشبابية وآليات التطبيع الثقافي‬
‫والسياسي والجتماعي‪ ،‬ومن ذلك إقامة‬
‫المخيمات الصيفية في المنتجعات‬
‫الوربية والمريكية)‪.(1‬‬
‫‪ -8‬السماح بتدفق الفكار والدبيات‬
‫السرائيلية داخل العالم العربي‪ ،‬وإيجاد‬
‫علقات إنسانية وطبيعية وتلقائية بين‬
‫اليهود وشعوب المنطقة‪.‬‬
‫‪ -9‬عقد المؤتمرات القتصادية الدولية‬
‫في المنطقة العربية بمشاركة إسرائيل‪،‬‬
‫وكلها تروج لفكار إسرائيل في عولمة‬
‫الشرق الوسط اقتصاديا ً ومن ذلك‪-:‬‬
‫أ‪ -‬القمة القتصادية الولى في المغرب‬
‫من ‪1/11/19 - 30/10/94‬م)‪.(2‬‬

‫‪ - 1‬انظر المصدر السابق ‪.‬‬


‫‪ - 2‬إن الذي نظم هذا المؤتمر مجلس العلقات الخارجية المريكي في‬
‫نيويورك والمنتدى القتصادي الدولي في دافوس بسويسرا ‪ ،‬ومن‬
‫المعلوم أن المخابرات المريكية هي تقف وراء مجلس العلقات‬
‫الخارجية المريكي وهي التي أنشأت المنتدى الدولي في دافوس سنة‬
‫‪1950‬م ‪ ،‬واشـتركت في العـداد للمؤتمـر مجموعـة من المؤسـسات‬
‫السـرائيلية والوربية والمريكية ‪ .‬انظر المشروع الشرق أوسطي أ‪.‬‬
‫فتحي شهاب الدين ص ‪. 33-32‬‬

‫‪82‬‬
‫ب‪ -‬القمة القتصادية الثانية في عمان‬
‫من ‪31/10/199 - 29/10/95‬م‪.‬‬
‫ج‪ -‬القمة القتصادية الثالثة في القاهرة‬
‫من ‪14/11/1996 - 12/11/96‬م‪.‬‬
‫د‪ -‬القمة القتصادية الرابعة في الدوحة‬
‫بقطر من ‪18/11/1997 - 16/11/97‬م‪.‬‬
‫وقد عرضت في هذه المؤتمرات‬
‫عشرات المشاريع القتصادية والصناعية‬
‫التي تصب في مصلحة إسرائيل بالدرجة‬
‫الولى‪.‬‬
‫‪ -10‬استخدام المعونات المريكية بربطها‬
‫بتنمية اتجاهات موالية للسياسة المريكية‬
‫الداعمة للمشروع السرائيلي وتعزيز‬
‫أهدافها لدى الجهات المتلقية للمعونة‪.‬‬
‫‪ -11‬إيجاد مجال للتواصل مع بعض‬
‫التيارات السياسية والفكرية‪ ،‬وتجلى ذلك‬
‫في حركات السلم الفلسطينية‬
‫والمصرية‪ ،‬الزيارات المتبادلة التي يقوم‬
‫بها رجال العلم والصحافة‪ ،‬وإقامة‬
‫المعارض الفنية بالتبادل‪ .‬وزيارة‬
‫البرلمانيين بالتبادل‪ ،‬ومشاركة‬
‫المؤسسات العلمية والدبية والعلماء‬
‫اليهود في المؤتمرات العلمية وزيارتهم‬
‫للمؤسسات التربوية والكاديمية‪.‬‬
‫‪ -12‬التحالف مع القليات الدينية‬
‫والعرقية في المنطقة‪ ،‬كالعلقة المميزة‬

‫‪83‬‬
‫لسرائيل مع موارنة لبنان وكالتحالف‬
‫الوثيق مع النصارى في جنوب السودان‬
‫ومساعدتهم عسكريا ً في حربهم ضد‬
‫الحكومة السودانية‪.‬‬
‫‪ -13‬محاربة الحركات والجماعات‬
‫السلمية المجاهدة وتجفيف منابع‬
‫ومصادر الصحوة السلمية التي تحمل‬
‫روح العداء لسرائيل عبر مشاريع عدة‬
‫منها‪-:‬‬
‫أ‪ -‬إقامة علقات جوار ولقاءات متعددة‬
‫مع جامعة الزهر‪.‬‬
‫ب‪ -‬إجراء حوار ديني وثقافي على‬
‫المستوى الشعبي‪ ،‬عبر لقاءات مؤتمرات‬
‫لتباع الديان الثلثة‪.‬‬
‫ج‪ -‬إقامة اللقاءات الثقافية والترويحية‬
‫بين الشباب‪ ،‬لجراء عمليات غسيل دماغ‬
‫لصالح الوجود اليهودي وإثارة العداء ضد‬
‫أعدائها وتشويه الفكر السلمي الرافض‬
‫لوجود دولة لليهود في قلب العالم‬
‫السلمي‪.‬‬
‫د‪ -‬التخويف المستمر من الجماعات‬
‫السلمية والتأكيد على دورها في عرقلة‬
‫السلم والتطبيع والتنمية القتصادية‪.‬‬
‫هـ‪ -‬المواجهة المباشرة لهذه الحركات‬
‫بالقتل والعتقال والمطاردة والمحاكمات‬
‫الظالمة والقمع المنهجي المنظم‬

‫‪84‬‬
‫المستمر لبنائها‪ ،‬وإسكات الصوت‬
‫السلمي في الجامعات والنقابات‬
‫والتحادات المهنية والطلبية‪.‬‬
‫و‪ -‬تشويه الجهاد السلمي‪ ،‬واعتباره‬
‫إرهابا ً وتخريبا ً وأعمال عنف‪ ،‬والتقليل من‬
‫فاعليته في المواجهة‪.‬‬
‫ز‪ -‬الستفادة من التعاون المني‬
‫المشترك لمحاصرة الجهاد السلمي‬
‫وتطويقه ومنعه)‪.(1‬‬

‫المسمممملمون ومواجهممممة أخطممممار‬


‫العولمة المريكية واليهودية‪:‬‬
‫اتضـــح معنـــا أن العولــــمة تســـتند‬
‫اســتنادا ً مباشــرا ً إلــى الحضــارة الغربيــة‬
‫المعاصرة التي توجههــا المبــادئ اللدينيــة‬
‫الوضــعية الــتي ل تــؤمن بــالله تعــالى‪ ،‬ول‬
‫اليمان بالنبوات ومنها نبــوة محمــد صــلى‬
‫اللــه عليــه وســلم‪ ،‬ول بــاليوم الخــر‪ ،‬ول‬
‫بالغيبيــات الدينيــة الثابتــة فــي الكتــاب‬
‫والســنة‪.‬ومــن هنــا تشــيع الحيــاة الماديــة‬
‫واللحادية عبر شبكاتها وأجهزتها العالميــة‬
‫بأساليب ووسائل إغراء فــي غايــة التــأثير‬
‫في النفس النسانية‪،‬إًنها تــؤثر فــي مئات‬
‫المليين من المسلمين مباشرة أو بصورة‬
‫غيـــر مباشـــرة‪ ،‬فتـــؤدي إلـــى النكـــار‬
‫‪ - 1‬انظر كتاب ‪ :‬الستراتيجية السرائيلية لتطبيع العلقات مع البلد‬
‫العربية ‪-‬مرجع سابق‪ -‬صفحات متعددة‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫والتشــكيك‪ ،‬إنهــا تفقــد النســان المســلم‬
‫كيــانه وشخصــيته‪ ،‬تفقــده عقلــه وقلبــه‬
‫وروحـــه‪ ،‬وتفرغـــه مـــن أصـــول اليمـــان‬
‫والخلق الحميـــدة‪ .‬إن ّـــه ليســـت هنالـــك‬
‫مـة علــى وجـه الرض ســتتأثر‬ ‫حضارة أو أ ّ‬
‫بالعولـــمة كمــا ســيتأثر بهــا المســلمون‬
‫والحضــارة الســلمية‪ .‬ودراســة العولـــمة‬
‫بكل بأبعادها دراسة واعية متفحصة تثبــت‬
‫ول شك أن المسلمين جميعا ً هــم الهــدف‬
‫الهــم للعولـــمة المريكيــة الرأســمالية‬
‫الصهيونية‪.‬‬
‫يقول المفكر الفرنسي المسلم‬
‫رجاء جارودي عن هـذه العولمة المريكية‬
‫الصهيونية‪" :‬هــذه الوحــدة الــتي أسســها‬
‫الحكــام المريكــان‪ ،‬واللــوبي الصــهيوني‬
‫"اليباك"‪ -AIPAC-‬وساسة دولة إسرائيل‪،‬‬
‫تقوم اليوم ‪ -‬أكثر مــن أي وقــت مضــى ‪-‬‬
‫علــى وحــدة الهــدف الــذي هــو محاربــة‬
‫السلم‪ ،‬وآسيا اللذين يعدان أهم عقبــتين‬
‫فــي وجــه الهيمنــة العالميــة المريكيــة‬
‫والصهيونية"‪ (1).‬ويقول باحث آخر‪" :‬ومن‬
‫المؤكد أن المستهدف بهذا الغزو الثقافي‬
‫هــم المســلمون‪ .‬وذلــك لعــاملين‪-:‬أ – مــا‬
‫تملكه بلدهم من مواد أوليــة هائلــة يــأتي‬
‫على رأسها النفط والغاز وثروات طبيعيــة‬
‫‪ -11‬العولـمة والمستقبل – استراتيجية تفكير – سيار الجميل– الهليــة‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬ط ‪ ،1‬عمان‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪86‬‬
‫أخرى‪ .‬ب – ما ثبــت لهــم عــبر مراكزهــم‬
‫وبحــوثهم وجامعــاتهم ومستشــرقيهم إن‬
‫هذه المــة مستعصــية علــى الهزيمــة‪ ،‬إذا‬
‫حافظت على هويتها السلمية‪ ،‬ومــن ثــم‬
‫فــالطريق الوحيــد لخضــاعها يتمثــل فــي‬
‫القضاء على تفرد شخصيتها وإلغــاء دينهــا‬
‫الــذي يبعــث فيهــا الثــورة والرفــض لكــل‬
‫أشكال الحتلل والسيطرة‪(1).‬‬
‫إن المشروع السلمي العــالمي هــو‬
‫الذي نواجه به خطر العولمة‪ .‬لنــه وحــده‬
‫الــــذي يملــــك مواصــــفات عقائديــــة‪،‬‬
‫وتشــريعية‪ ،‬وثقافيــة‪ ،‬وأخلقيــة ســليمة‬
‫وصــحيحة وقويــة‪ ،‬ولنهــا وحــدها الــتي‬
‫تنسجم مــع الســنن الربانيــة فــي الكــون‪،‬‬
‫وتتفــق مــع الفطــرة الصــحيحة والعقــل‬
‫الصريح‪ ،‬ويملك بالضافة إلى ذلك تجربــة‬
‫تاريخيــة غنيــة صــاغت حضــارة عالميــة‬
‫متميــزة‪،‬مــا زالــت آثارهــا ماثلــة فــي كــل‬
‫مكان‪.‬‬
‫والهم من ذلك أن هناك أمة عربية‬
‫إسلمية ما زالت قائمة موجودة‪-‬رغم كل‬
‫محاولت الفساد والتضليل‪،‬والتشرذم‬
‫والتقطيع‪،‬والتجهيل والفقار الذي مارسه‬
‫‪ - 1‬العولـمة بين منظورين العولـمة بين منظورين‪ ،‬د‪ .‬محمد امخرون‪،‬‬
‫البيان‪ ،‬السنة ‪ ،14‬العدد ‪ ،145‬رمضان ‪ ،1420‬كانون ‪1/1999‬م‪ ،.‬ص‬
‫‪ ،127-126‬وأيضًا‪ :‬العولـمة في العلم‪ ،‬د‪ .‬مالك بن إبراهيم بن أحمد‪،‬‬
‫البيان‪ ،‬ذو الحجة ‪ /1420‬آذار ‪2000‬م‪ ،‬العدد ‪ 114‬ص ‪.114‬‬

‫‪87‬‬
‫العداء نحوها‪ -‬يجمعها دين واحد‪ ،‬وقبلة‬
‫واحدة‪ ،‬وكتاب واحد‪ ،‬ولغة واحدة‪،‬وتاريخ‬
‫واحد‪ ،‬وعادات وتقاليد واحدة‪ ،‬ولديها‬
‫إمكانات مادية واقتصادية هائلة‪ .‬إن هذه‬
‫المة العربية السلمية التي تمتد على‬
‫مساحة واسعة من الرض في آسيا‬
‫وأفريقيا ذات النسيج الجتماعي‬
‫كل‬ ‫المتقارب والبنية الثقافية الواحدة‪ ،‬تش ّ‬
‫زادا ً قّيما ً لمواجهة أخطار العولمة‪،‬وهو ما‬
‫يفتقده الخرون‪ .‬وأوروبا خير مثال على‬
‫هذا‪ ،‬فهي مؤلفة من أمم مختلفة ولغات‬
‫متعددة‪ ،‬وشعوب متنافرة وتاريخ‬
‫متشابك‪ ،‬ومع ذلك فهي تسعى إلى إيجاد‬
‫أوروبا واحدة‪ .‬إن السلم دين يتميز‬
‫بالعالمية‪ .‬والعالمية تعني‪:‬عالمية الهدف‬
‫والغاية والوسيلة‪.‬‬
‫ويرتكــز الخطــاب القرآنــي علــى تــوجيه‬
‫رسالة عالمية للناس جميعًــا‪،‬قــال تعــالى‪:‬‬
‫َ‬
‫ن( النبيــاء‬ ‫مي َ‬ ‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫م ً‬ ‫ك إ ِّل َر ْ‬
‫ح َ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫)وَ َ‬
‫كافّ ً‬
‫ة‬ ‫ك إ ِّل َ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫‪ ،107‬وقال تعالى‪) :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫سل‬ ‫ن أك ْث َـَر الن ّــا ِ‬ ‫ذيرا ً وَل َك ِ ّ‬ ‫شيرا ً وَن َ ِ‬ ‫س بَ ِ‬‫ِللّنا ِ‬
‫ن( ســـبأ‪ ،28:‬ووصــف الخــالق عــز‬ ‫مــو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫وجــل نفســه بــأنه "رب العــالمين"‪ ،‬وذكــر‬
‫الرسول صــلى اللــه عليــه وســلم مقترن ًــا‬
‫بالناس والبشر جميعا ً قال تعالى )ي َــا أ َي ّهَــا‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫م َواّلـ ِ‬ ‫كـ ْ‬‫خل ََق ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م اّلـ ِ‬ ‫دوا َرب ّك ُ ُ‬ ‫س اعْب ُ ُ‬ ‫الّنا ُ‬

‫‪88‬‬
‫ن( البقــرة‪،21:‬‬ ‫م ت َت ُّقــو َ‬ ‫كــ ْ‬ ‫م ل َعَل ّ ُ‬ ‫كــ ْ‬ ‫ن قَب ْل ِ ُ‬ ‫مــ ْ‬ ‫ِ‬
‫ســطا ً ل ِت َ ُ‬ ‫ُ‬
‫كوُنــوا‬ ‫ة وَ َ‬ ‫مــ ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫جعَل َْنــاك ُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫كــذ َل ِ َ‬ ‫)وَ َ‬
‫ل‬ ‫ســو ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫كــو َ‬ ‫س وَي َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫داَء عََلــى الّنــا‬ ‫شــهَ َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫شــِهيدًا( البقــرة‪َ) ،143:‬يــا أي َّهــا‬ ‫م َ‬ ‫عَل َي ْ ُ‬
‫كــ ْ‬
‫ن‬ ‫مـ ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ل ب ِــال ْ َ‬ ‫ســو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫جــاَءك ُ ُ‬ ‫س قَ ـد ْ َ‬ ‫الن ّــا ُ‬
‫ن‬ ‫ن ت َك ُْفـُروا فَـإ ِ ّ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫خي ْــرا ً ل َك ُـ ْ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫م َفآ ِ‬ ‫َرب ّك ُ ْ‬
‫ت واْل َ‬
‫ه‬‫ن الل ّـ ُ‬ ‫ض وَك َــا َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ماَوا ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ل ِل ّهِ َ‬
‫ل ي َــا أ َي ّهَــا‬ ‫كيمًا( النســاء‪) ،170:‬قُ ـ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫عَِليما ً َ‬
‫ذي‬ ‫ميعا ً اّلــ ِ‬ ‫ج ِ‬‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫س إ ِّني َر ُ‬ ‫الّنا ُ‬
‫َ‬
‫ه إ ِّل هُ ـ َ‬
‫و‬ ‫ض ل إ ِل َـ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬
‫ْ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫سـ َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫لَ ُ‬
‫ي‬‫ســول ِهِ الن ِّبــ ّ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫ت َفآ ِ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫ُ‬
‫مــات ِهِ َوات ّب ِعُــوهُ‬ ‫ن ب ِــالل ّهِ وَك َل ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ذي ي ُؤْ ِ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫اْل ّ‬
‫ن(العراف‪.158:‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫إننا نــدعو إلــى احتفــاظ المســلمين‬
‫بهويتهم السلمية وشخصــيتهم المســتقلة‬
‫المتميــــزة حســــب القــــرآن والســــنة‪،‬‬
‫والمحافظــة علــى الفكــر الســلمي فــي‬
‫منابعه الصيلة‪ ،‬وإعــادة تماســك الجماعــة‬
‫السلمية‪ ،‬مع الفادة من خير مــا أنجزتــه‬
‫المدنية الغربية والعلم الغربــي‪ ،‬مــع عــدم‬
‫الخذ من الثقافة نفسها إل ما كان منها ل‬
‫يتعـــارض مـــع هويـــة المـــة الســـلمية‬
‫وشخصيتها وثقافتها الصيلة‪.‬‬
‫ونرى أيضا ً ضرورة مواجهــة العولمـة‬
‫دياتها بشــجاعة وإيمــان‪ ،‬ومعاملتهــا‬ ‫وتحــ ّ‬
‫كمادة خام يستفاد منهــا للخيــر أو للشــر‪،‬‬
‫وهــو موقــف الفحــص والتمحيــص والنقــد‬

‫‪89‬‬
‫والختيـــار‪ ،‬فالمســـلم صـــاحب عقيـــدة‪،‬‬
‫ورســالة عالميــة‪ ،‬وثقافــة أصــيلة‪ ،‬ومنهــج‬
‫شـــامل فـــي الحيـــاة‪ ،‬وعليـــه أن يحمـــل‬
‫رسالته الربانية للنــاس جميع ـًا‪ ،‬وعليــه أن‬
‫يجمع بين حسنات ما عنــده وحســنات مــا‬
‫عند الخرين‪ ،‬فالنافع والصالح يبحث عنــه‬
‫ويأخــذ بــه‪ ،‬مــع المحافظــة علــى الصــول‬
‫السلمية‪ ،‬مـع ضــرورة نقـد قـوي جريـء‬
‫للعولمـــة واتجاهاتهـــا وثقافتهـــا الماديـــة‪،‬‬
‫ومواجهتها وجها ً لوجه‪.‬‬

‫ن حضــارة الســلم قــامت علــى‬ ‫إ ً‬


‫القاسم المشترك بيــن حضــارات العــالم‪،‬‬
‫فقبلت الخر‪ ،‬وتفاعلت معه أخذأ ً وعطاًء‪،‬‬
‫ن حضـــارة الســـلم تعـــاملت مـــع‬ ‫بـــل إ ّ‬
‫الختلف بيــن البشــر باعتبــاره مــن ســنن‬
‫الكون‪ ،‬لذلك دعا الخطــاب القرآنــي إلــى‬
‫اعتبار الختلف في الجنس والدين واللغة‬
‫من عوامل التعــارف بيــن البشــر‪ .‬اتســاًقا‬
‫ن الســلم يوحــد بيــن‬ ‫مع نفس المبادئ‪ ،‬إ ّ‬
‫البشــر جميع ـا ً رجــال ً ونســاًء‪ ،‬فــي قضــايا‬
‫محددة‪ :‬أصل الخلــق والنشــأة‪ ،‬والكرامــة‬
‫النســـانية والحقـــوق النســـانية العامـــة‪،‬‬
‫ووحــدة اللوهيــة‪ ،‬وحريــة الختيــار وعــدم‬
‫الكراه‪ ،‬ووحــدة القيــم والمثــل النســانية‬
‫العليا‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫ومن هنا تظهر الختلفات جلية بيــن‬
‫مفهوم عالمية السلم ومفهوم "العولمة"‬
‫فبينمــا تقــوم الولــى علــى رد العالميــة‬
‫لعالمية الجنس البشري والقيم المطلقة‪،‬‬
‫وتحـــترم خصوصـــيته وتفـــرد الشـــعوب‬
‫والثقافات المحليــة‪ ،‬ترتكــز الثانيــة‪ :‬علــى‬
‫عملية "نفي" أو"استبعاد" لثقافات المــم‬
‫والشعوب ومحاولــة فــرض ثقافــة واحــدة‬
‫لدول تمتلك القــوة الماديــة وتهــدف عــبر‬
‫العولمة لتحقيق مكاسب السوق ل منــافع‬
‫البشر‪.‬‬
‫ن أبناء هذا العالم بمختلــف قبــائله‬ ‫إ ّ‬
‫وشــعوبه ولغــاته ومللــه ونحلــه يعيشــون‬
‫على هذه الرض‪ ،‬ولذا فل بد أن يتفــاهموا‬
‫فيما بينهم‪ ،‬تمهيــدا ً للتعــاون الــدائم علــى‬
‫خير الجميع‪ ،‬ول مانع من أن يأخذ بعضــهم‬
‫مــن بعــض‪ .‬ول يجــوز أن يفــرض بعضــهم‬
‫علــى بعــض وبــالكراه لغتــه أو دينــه أو‬
‫مبــادئه أو مــوازينه‪ .‬فــالختلف فــي هــذا‬
‫الطار طبيعي جدا ً والتعاون ضروري أبدًا‪،‬‬
‫لمنــع الصــدام والحــروب والعــدوان‪.‬وهــذا‬
‫تاريــخ البشــرية عامــة وتاريــخ الســلم‬
‫خاصـــة‪ ،‬لـــم يـــرد فيـــه دليـــل علـــى أن‬
‫دا‬
‫المسلمين رسموا للبشرية طريًقــا واح ـ ً‬
‫دا‬‫ما واح ـ ً‬
‫دا ونظا ً‬
‫ما واح ً‬
‫ووجهة واحدة وحك ً‬
‫دا بقيــادة واحــدة بالجبــار‬ ‫مــا واحــ ً‬‫وعال ً‬

‫‪91‬‬
‫والكــراه‪.‬بــل اعــترفوا كمــا ذكرنــا بواقــع‬
‫الديــان واللغــات والقوميــات‪ ،‬عاملوهــا‬
‫معاملــة كريمــة‪ ،‬بل خــداع ول ســفه ول‬
‫طعــن مــن الخلــف‪ ،‬ولــذلك عــاش فــي‬
‫المجتمــع الســلمي اليهــودي والنصــراني‬
‫والصابئ والمجوسي‪ ،‬وسائر أهل الديــان‬
‫بأمان واطمئنان‪ ،‬وأمــا المــم الــتي كــانت‬
‫تعيش خارج العالم السلمي‪ ،‬فقد عقدت‬
‫الدولة السلمية معها مواثيق ومعاهــدات‬
‫فــي قضــايا الحيــاة المتنوعــة‪ .‬والتــوجيه‬
‫الساس فــي بنــاء العلقــات الدوليــة فــي‬
‫س إ ِن ّــا‬
‫السلم قــوله تعــالى} يــا أيهــا الن ّــا ُ‬
‫ُ‬
‫ش ـُعوًبا‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل ْن َــاك ُ ْ‬
‫ن ذ َك َرٍ وَأنَثى وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خل َْقَناك ُ ْ‬‫َ‬
‫َ‬
‫عْنــد َ الّلــ ِ‬
‫ه‬ ‫م ِ‬ ‫كــ ْ‬ ‫م ُ‬‫ن أك َْر َ‬‫ل ل ِت ََعــاَرُفوا إ ِ ّ‬‫وَقََبــائ ِ َ‬
‫َ‬
‫م{ الحجرات‪13:‬‬ ‫أت َْقاك ُ ْ‬
‫ويمكــن للعــالم الســلمي أن يــواجه‬
‫خطــر العولمــة مــن خلل حملــة إســلمية‬
‫شــاملة متكاملــة‪ ،‬عــبر مخطــط حضــاري‬
‫معاصـــر‪،‬تشـــترك فيهـــا جميـــع الـــدول‬
‫السلمية‪،‬ومؤسساتها الرسمية‪،‬والشــعبية‬
‫والجمعيات والحزاب جميعًا‪ .‬لن مواجهــة‬
‫العولـــمة مــن الخطــورة بحيــث يجــب أن‬
‫نتعامل معها من مراكز قويــة تــدلل علــى‬
‫وحــدة المــة‪ ،‬وقوتهــا وتكاملهــا وأهــدافها‬
‫النبيلة‪ ،‬لخيرها وخير البشرية جميًعا‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫ويمكممن للمسمملمين مواجهممة خطممر‬
‫العولمة بتحقيق ما يلي‪-:‬‬
‫* التمســك بالشــريعة الســلمية الــتي‬
‫ارتضــاها اللــه تعــالى لنــا‪،‬فوفقهــا ننظــم‬
‫حياتنــا‪ ،‬ونربــي أجيالنــا‪ ،‬ونتبصــر بحقــائق‬
‫الحياة‪ .‬إن مجرد كوننا مسلمين جغرافيين‬
‫ل يكفى لنجاز وعد اللــه لنــا بالنصــر فــي‬
‫ن الله ســبحانه‬ ‫مواجهة أخطار العولمة‪ ،‬ل ّ‬
‫م‬‫ص ـْرك ُ ْ‬
‫ه َين ُ‬‫ص ـُروا الل ّـ َ‬
‫ن َتن ُ‬
‫وتعالى يقول‪) :‬إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫م( محمــد‪ ،7:‬فهــل نحــن‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ت أْقــ َ‬
‫دا َ‬ ‫وَي ُث َّبــ ْ‬
‫نصرنا الله تعالى فيما أمر به ونهى عنــه؟‬
‫وتبني المنهج الشمولي في فهـم السـلم‬
‫الـــذي يجمـــع بيـــن العقيـــدة والشـــريعة‬
‫والسلوك والحركة والبناء الحضاري‪ ،‬وفق‬
‫منهــج واع‪ ،‬أصــولي ســليم ‪ ،‬يعتمــد فقــط‬
‫علــى العلــم والعقــل‪.‬وهــذا يتطلــب تغييــر‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫حياتنا منطلقين من قوله تعالى‪ ( :‬إ ِ ّ‬
‫مـــا‬ ‫حّتـــى ي ُغَّيـــُروا َ‬ ‫مـــا ب َِقـــوْم ٍ َ‬‫ل َ ي ُغَّيـــُر َ‬
‫م) الرعد‪(1).11:‬‬ ‫َ‬
‫سه ِ ْ‬‫ب ِأنُف ِ‬
‫* تغيير طبيعة النظــام السياســي الســائد‬
‫فـي العـالم السـلم‪ ،‬مـن السـتبداد إلـى‬
‫الشورى‪ ،‬ومن مصادرة الرأي إلى الحرية‬
‫فــي الــرأي والمعارضــة‪ ،‬ومــن مصــالح‬
‫الفراد والسر الحاكمة إلى مصالح المة‪،‬‬

‫‪ : -‬العولمة من منظور إسلمي ‪،‬انظر موقع إسلم على النترنت‬ ‫‪1‬‬

‫‪93‬‬
‫من حيــث هــي كــل ل يتجــزأ‪ ،‬ومــن حكــم‬
‫الحكام إلى حكم المؤسسات الدستورية‪.‬‬
‫* تحقيــق الوحــدة الشــاملة فــي العــالم‬
‫مـة الــتي‬
‫العربي والســلمي‪.‬أي وحــدة ال ّ‬
‫تتحقــــق بوحــــدة العقــــول‪ ،‬والقلــــوب‬
‫والعواطف اليمانية‪ ،‬والمصالح والهداف‪،‬‬
‫والتضـــامن الكامـــل فـــي إطـــار جامعـــة‬
‫إســلمية واحــدة أو فــي إطــار المــؤتمر‬
‫السلمي الحالي‪ ،‬والذي تتولــد منــه قــوة‬
‫سياســة ومعنويــة واحــدة‪ ،‬علــى أســاس‬
‫وحدة المة الواحدة‪ ،‬والمصير المشترك‪.‬‬
‫* وفي المجال القتصادي يمكــن للعــالم‬
‫السلمي أن يواجه خطر العولمة بتحقيق‬
‫الســـوق الســـلمية المشـــتركة‪.‬وتقويـــة‬
‫المؤسسات العربية المنبثقة عن الجامعـة‬
‫العربيــة‪،‬ومــؤتمر القمــة الســلمي‪ ،‬لنــه‬
‫يمتلك مخزونا ً جبــارا ً مــن رؤوس المــوال‬
‫ومن الثروات الحيوية والمعدنية بالضــافة‬
‫إلــى التلحــم الجغرافــي‪ ،‬والتكامــل فــي‬
‫الموارد‪ ،‬ولهذا لو قامت تجارة فعلية بيــن‬
‫العــالم الســلمي لمكننــا الســتغناء عــن‬
‫العـــالم الخـــارجي‪ -‬علـــى القـــل‪ -‬فـــي‬
‫الحتياجـــات الســـتراتيجية‪ ،‬هـــذا علـــى‬
‫المستوى الخــارجي‪ .‬أمــا علــى المســتوى‬
‫الداخلي لكل دولة فيمكن أن تواجه خطر‬
‫العولمة بزيادة التكافــل الجتمــاعي الــذي‬

‫‪94‬‬
‫ترعاه الدولة‪ ،‬وزيادة الرعاية الجتماعيــة‪،‬‬
‫والتأمينــات الجتماعيــة‪ ،‬وتقويــة المجتمــع‬
‫المــدني‪،‬وتعزيــز المشــاعر والحاســيس‬
‫الدينيــــة‪.‬وتقويــــة الجــــوانب الفكريــــة‬
‫والقتصــادية والفنيــة والجتماعيــة وفــق‬
‫الثوابت الدينية)العقائدية والتشريعية(‪(1).‬‬
‫* وفي المجال القتصادي أيضا ل بد مــن‬
‫وجــود التكافــل الجتمــاعي فــي المجتمــع‬
‫الســلمي‪ ،‬لنــه هــو الــذي ينتهــي إلــى‬
‫التــوازن‪.‬و لبـد ّ مــن تكــافؤ الفــرص أمــام‬
‫الجميــــع وعــــدم تعطيــــل الطاقــــات‬
‫النسانية‪..‬وتغليب التجــاه الجمــاعي فــي‬
‫القتصـــاد الســـلمي لتغليـــب مصـــالح‬
‫الكثرية الكادحة‪.‬والتأكيد على حرمـة كنـز‬
‫الموال وحبس الــثروات‪ ،‬وتوظيفهــا لداء‬
‫ن الدولــة لهــا‬
‫وظيفتهــا الجتماعيــة‪.‬كمــا أ ّ‬
‫الحق في التدخل في الحيــاة القتصــادية‪،‬‬
‫كلمــا رأت الضــرورة فــي تحقيــق مصــالح‬
‫ن العمــل هــو المعيــار‬ ‫العبــاد‪ .‬واعتبــار أ ّ‬
‫الساسي‪ ،‬وهو نابع من فكرة الستخلف‪،‬‬
‫ويلـــتزم المجتمـــع بإيجـــاد عمـــل لكـــل‬
‫قــادر‪.‬ولبــد مــن المحافظــة علــى رأس‬
‫المــال وإنمــائه‪ ،‬وعــدم إضــاعته‪ .‬يقــول‬
‫القتصادي الفرنسي جاك أوستروي‪" :‬إن‬
‫طريق النمــاء القتصـادي ليــس مقصــوًرا‬

‫‪ -‬العولمة من منظور إسلمي ‪،‬انظر موقع إسلم على النترنت‬ ‫‪1‬‬

‫‪95‬‬
‫علــى المــذهبين المعروفيــن‪ ،‬الرأســمالي‬
‫والشتراكي‪ ،‬بل هنالــك مــذهب اقتصــادي‬
‫ثــالث راجــح‪ ،‬هــو المــذهب القتصــادي‬
‫الســـلمي‪ ،‬ويقـــول‪" :‬إن هـــذا المـــذهب‬
‫سيســود عــالم المســتقبل؛ لنــه أســلوب‬
‫‪(1).‬‬
‫كامل للحياة "‬
‫يقول أستاذ القتصاد الســلمي فــي‬
‫الجامعات المصرية الــدكتور عبــد الحميــد‬
‫الغزالي‪" :‬بعد ســقوط الشــتراكية وتبنــي‬
‫جوربا تشوف‪-‬الرئيس السوفيتي السابق‪-‬‬
‫البيريســترويكا‪ ،‬الــتي أراد مــن خللهــا أن‬
‫يبحث عــن طريــق غيــر الرأســمالية‪ ،‬لنــه‬
‫أعلــم بمشــاكلها‪ -‬أرســل وفــدا ً ليــدرس‬
‫النظام السلمي للستفادة منه‪ ،‬وشكلت‬
‫لجان في مركز القتصاد السـلمي التـابع‬
‫لجامعة الزهر من المتخصصين‪ ،‬وعكفــت‬
‫هذه اللجان على صــياغة برنامــج متكامــل‬
‫للنظـــام الســـلمي فـــي شـــكل بنـــود‬
‫وفقــرات‪ ،‬قــدمنا فيــه نظامــا ً اقتصــاديا ً‬
‫تشــغيليًا‪ ،‬يبــدأ بفلســفة النظــام والعمــل‬
‫والجـــور‪ ،‬ونظـــام الملكيـــة المتعـــددة‪،‬‬
‫والســـــتهلك والســـــتثمار‪ ،‬والدخـــــار‪،‬‬
‫والشــركات‪ ،‬وصــيغ الســتثمار‪،‬والسياســة‬
‫النقديــة‪ ،‬والسياســة الماليـة‪ ....‬إلــى آخـر‬

‫‪ - 1‬النظام القتصادي السلمي – مبادؤه وأهدافه‪ ،‬لحمد محمد العسال‬


‫وفتحي عبد الكريم‪ ،‬ط ‪ ،2‬مطبعة الستقامة – القاهرة ‪1977 -‬م ص‬
‫‪.14-13‬‬

‫‪96‬‬
‫مكونـــــــات النظـــــــام القتصـــــــادي‬
‫دمنا هـــذا النظـــام‬‫الفاعـــل‪.‬وعنـــدما قـــ ّ‬
‫للوفد‪،‬تساءل رئيسه الــوزير "بافلوف"‪:‬‬
‫"لديكم مثل هذا النظام‪ ،‬وأنتم على هــذه‬
‫المسألة من التخلــف؟ "‪ .‬وأســندت أمانــة‬
‫دي‪ " :‬لننــا‬‫ي‪ ،‬فكــان ر ّ‬ ‫المــؤتمر الــرد ّ إلــ ّ‬
‫‪1‬‬
‫بعيدون تماما ً عن هذا النظام"‪.‬‬
‫* الســتفادة مــن رصــيد المــة العربيــة‬
‫السلمية في ولوج عصر العولمــة‪ ،‬وهــذا‬
‫يقتضــي أن تســعى الشــعوب المســلمة‪،‬‬
‫وقياداتهــا العلميــة والدعويــة إلــى ترجمــة‬
‫حقيقة المة المسلمة الواحدة على أرض‬
‫الواقع‪ ،‬وذلك بتحصين الثــوابت العقائديــة‬
‫التي قامت عليها هذه المة‪.‬‬
‫‪ -‬الجتهاد في تلفي المراض والسلبيات‪،‬‬
‫والبناء علــى اليجابيــات‪.‬ل شــك أن هنــاك‬
‫بعــض المــراض والســلبيات الــتي تعــاني‬
‫منهــا هــذه المــة‪ ،‬لــذلك فــالمطلوب مــن‬
‫مفكريها وعلمائها وقادتها معرفة ودراســة‬
‫أمراضــها‪،‬وحصــر ســلبياتها‪،‬ووضــع الــدواء‬
‫الشافي لعلجها ومعافاتها‪.‬‬
‫* دراسة الســنن الكونيــة دراســة علميــة‬
‫موضوعية وتسخير هذه السنن في الكون‬
‫والحياة ‪ -‬للدخول إلــى العصــر الحضــاري‬
‫الســلمي الجديــد‪-‬وفــق الفهــم الصــحيح‬

‫‪ -‬العولمة من منظور إسلمي ‪،‬انظر موقع إسلم على النترنت‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪97‬‬
‫لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ .‬والستفادة منها فــي تســخير‬
‫إمكانــــات العــــالم الســــلمي الماديــــة‬
‫والمعنوية‪ ،‬وثرواته المتنوعة الهائلــة‪ ،‬كــي‬
‫نحدث تنمية حضــارية واجتماعيــة شــاملة‪،‬‬
‫تحفظ علينا شخصيتنا المعنويــة المتميــزة‬
‫وكياننا المادي المستقل‪.‬‬
‫*محاربة مظاهر البدع والخرافات‪،‬‬
‫والتبعية‪ ،‬والتواكلية‪ ،‬التي أخرت تقدم‬
‫مة ونهضتها عبر العصور الخيرة‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫* الــرد علــى الغــزو الثقــافي للعولمــة‬
‫المريكيــة الصــهيونية مــن خلل الفكــر‬
‫الســلمي ووفــق منهــج علمــي ســليم‪،‬‬
‫بجميـع الوسـائل الــتي يعتمـد عليهــا‪ ،‬مـن‬
‫خلل كافــة الجــوانب الفكريــة والفنيــة‬
‫والدبية التي يعرضونها من خلل أفكارهم‬
‫المناقضة للسلم)‪.(1‬ونقترح إيجــاد أكــثر‬
‫من قناة فضائية تبث برامجها المخصصــة‬
‫لمواجهــة تيــار العولمــة‪ ،‬بمختلــف لغــات‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫* الهتمـــام بتربيـــة الســـرة المســـلمة‬
‫وتثقيـــف أفرادهـــا وتـــوجيههم مـــن خلل‬
‫أجهـــزة الدولـــة المختلفـــة‪.‬ومـــن خلل‬
‫الوسائل التي تشترك جميعًــا فــي تكــوين‬
‫أجيال تشعر بانتمائها السلمي وانتســابها‬

‫‪ -21‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫الحضاري للمــة العربيــة والســلمية‪.‬إّنهــا‬
‫التربية السلمية التي تهدف إلى صــياغة‬
‫الفــرد صــياغة إســلمية حضــارية‪ ،‬وإعــداد‬
‫دا كامل ً مــن حيــث العقيــدة‬‫شخصيته إعدا ً‬
‫والذوق والفكر والمادة‪ ،‬حتى تتكون المة‬
‫الواحــدة المتحضــرة الــتي ل تبقــى فيهــا‬
‫ثغــرة تتســلل منهــا إغــراءات العولمــة‬
‫اللدينية الجنسية الباحية‪(1).‬‬
‫* ترشيد وتوجيه الصحوة السلمية ‪-‬‬
‫التي جاءت تعبيرا ً عن العودة إلى‬
‫السلم‪ ،‬ورفض التغريب – والستفادة‬
‫منها في مواجهة أخطار العولمة‪ .‬وتهيئة‬
‫صفوف المة للبناء‪،‬والتعمير‪ ،‬والجهاد‪،‬‬
‫والحركة‪ ،‬والتغيير‪.‬‬
‫* إعادة النظر في مشــكلتنا الجتماعيــة‬
‫فــي ضــوء أحكــام الشــريعة الســلمية‬
‫العامة ومقاصــدها وغاياتهــا الحكيمــة فــي‬
‫الحيــاة لتحديــد أول ً مســؤولية الســرة‪,‬‬
‫والمدرســة والجامعــة ومعاهــد التعليــم‪،‬‬
‫ومؤسسات المجتمع المــدني فــي القيــام‬
‫بواجباتها في هذا الجانب‪.‬‬
‫* إقامـــة المجتمعـــات الســـلمية علـــى‬
‫القاعـــدة اليمانيـــة الـــتي تجمـــع بيـــن‬

‫‪ -‬العولـمة والمستقبل– استراتيجية تفكير – مرجع سابق ص ‪.99‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪99‬‬
‫المســـلمين جميعـــا ً دون اللتفـــات إلـــى‬
‫اختلف اللغة أو اللون أو العرق‪.‬ومعاملــة‬
‫أهل الديان جميعًــا وفــق قاعــدة لهــم مــا‬
‫للمسلمين وعليهم ما على المسلمين‪-‬أي‬
‫تحقيق العدالة المطلقة للجميــع‪ -‬إل ّ فيمــا‬
‫يخــص القضــايا التشــريعية الخاصــة بكــل‬
‫أهل دين‪،‬فالبشر جميعـا ً كرامتهــم مصــانة‬
‫في إطار المجتمع النساني‪.‬‬

‫فهرست الموضوعات‬
‫المقدمة‪3........................................................:‬‬
‫تعريف العولمة‪5..............................................-:‬‬

‫‪100‬‬
‫ومن هذه التعريفات‪8.........................................:‬‬
‫ن العولمة تتكون من العناصر‬ ‫ما سبق يتضح لنا أ ّ‬ ‫م ّ‬
‫الرئيسية التالية ‪18...........................................-:‬‬
‫أهدافها وآثارها‪21............................................-:‬‬
‫والهداف الحقيقية للعولمة يمكن تلخيصها فيما يلي‪. -:‬‬
‫‪23‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬الهداف والثار القتصادية‪23.........................:‬‬
‫وترتب على هذا الهدف ما يلي‪27.........................-:‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الهداف والثار السياسية‪33........................-:‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الهداف والثار الثقافية‪37...........................:‬‬
‫ومن آثار العولمة في الهوية الثقافية‪40.................-:‬‬
‫رابعًا‪ :‬الهداف والثار الدينية‪43............................:‬‬
‫خامسًا‪ :‬الهداف والثار الجتماعية والخلقية‪48.........:‬‬
‫بعض النتائج الخطيرة التي بدأت تظهر في العالم أجمع‬
‫بفعل العولمة‪56..............................................-:‬‬
‫وسائل العولمة‪59............................................-:‬‬
‫من وراء العولمة؟؟‪65........................................‬‬
‫إسرائيل والعولمة‪72.........................................-:‬‬
‫ل‪ :‬الدراسات المستقبلية‪74...............................:‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬الدراسات التخطيطية‪76..............................:‬‬
‫وأهم المشروعات التي نالت أهمية خاصة‪77............-:‬‬
‫أهداف العولمة السرائيلية‪77..............................-:‬‬
‫وسائل العولمة السرائيلية‪80..............................-:‬‬
‫المسلمون ومواجهة أخطار العولمة المريكية‬
‫واليهودية‪85....................................................:‬‬

‫‪101‬‬

You might also like