You are on page 1of 28

‫سد الذرائع في مسائل العقيدة‬

‫على ضوء الكتاب والسنة الصحيحة‬


‫تأليف‬
‫الدكتور‪ /‬عبد الله شاكر محمد الجنيدى‬
‫رئيس قسم الدراسات السلمية بكلية المعلمين‬
‫بالقنفذة ‪ -‬السعودية‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫المقدمة‪:‬‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه‪ ،‬ونعوذ بالله مممن شممرور أنفسممنا ومممن‬
‫سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادى ‪0‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله ‪0‬‬
‫ه ول ت َموت ُن إّل َ‬ ‫َ‬
‫ق تُ َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫‪1‬‬
‫ن{ ‪0‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫وأن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫قات ِ ِ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}َيا أي ّ َ‬
‫ههها‬ ‫َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خل َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫ههها َز ْ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫خل َ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫حد َ ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫قوا َرب ّك ُ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫}َيا أي ّ َ‬
‫ن‬‫ه كهها َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫والْر َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ساءَلو َ‬ ‫ذي ت َ َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫وات ّقوا الل َ‬ ‫ساءً َ‬ ‫ون ِ َ‬‫جال كِثيرا َ‬ ‫ر َ‬‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ث ِ‬ ‫وب َ ّ‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬
‫قيبًا{‪0‬‬ ‫م َر ِ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫فْر‬‫غ ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫م أَ ْ‬ ‫ح ل َك ُ ْ‬ ‫صل ِ ْ‬‫ديدا ً ي ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ول ً َ‬ ‫ق ْ‬ ‫قوُلوا َ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫}َيا أي ّ َ‬
‫‪3‬‬
‫ظيمًا{‪0‬‬ ‫ع ِ‬ ‫وزا ً َ‬ ‫ف ْ‬ ‫فاَز َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ف َ‬‫ه َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ع الل ّ َ‬ ‫ن ي ُطِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫م ذُُنوب َك ُ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فلعل من نافلة القول ومكرور الكلم أن يقال‪ :‬إن التوحيد وإفراد الله بجميع أنواع العبممادة‬
‫أساس دعوة النبياء والمرسلين فما من نبي ُبعث في قومه إل أمرهم به ودعاهم إليممه كممما قممال‬
‫ن{‪،4‬‬ ‫دو ِ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫ه إ ِل ّ أ ََنا َ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬
‫حي إل َي ِ َ‬
‫ه أن ّ ُ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ل إ ِل ّ ُنو ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫قب ْل ِ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫سل َْنا ِ‬ ‫َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫و َ‬ ‫تعالى‪َ } :‬‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ن إ ِله ٍ‬ ‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫مهها لك ُه ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫دوا الله َ‬ ‫عب ُ ُ‬‫وهو مفتتح دعوة النبياء والمرسلين‪ ،‬فكل منهم قال لقومه‪} :‬ا ْ‬
‫ه{‪ ،‬والمتتبع لكتاب الله الكريم يجد هذا واضحا ً فيه غاية الوضوح‪ ،‬كما أنه كان من أعظم ممما‬ ‫غي ُْر ُ‬ ‫َ‬
‫اعتنى به نبينا المين صلى الله عليه وسلم حيث مكمث فمي مكمة ثلثمة عشمر عامما ً يركمز ويكمرر‬
‫ويؤكد الدعوة إلى هذا التوحيد‪ ،‬ثم بعد هجرتمه كمان ينافمح ويمدافع ويزيمل العقبمات المتي تعمترض‬
‫طريقه حتى ي ُب َّلغ ما أوحى الله به ويدخل الناس بهذا التوحيد إلى الممدين الممذي ارتضمماه اللممه لهممم‪،‬‬
‫ووضع القواعد اللزمة لصيانته‪ ،‬وقضى على كل وسيلة مفضية إلى الخلل بممه‪ ،‬وس مد ّ كممل ذريعممة‬
‫يمكن أن تؤدى إلى شائبة فيه – كما سيتضح من خلل هذا البحث – إن شمماء اللممه تعممالى – وهممذا‬
‫من كمال الشريعة ومقاصدها الحميدة ‪0‬‬
‫يقول العلمة ابن القيم – رحمه اللممه ‪" :-‬لممما كممانت المقاصممد ل يتوصممل إليهمما إل بأسممباب‬
‫وطرق تفضي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها‪ ،‬فوسائل المحرمات والمعاصي في‬
‫كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها‪ ،‬ووسائل الطاعمات والقربممات فممي‬
‫محبتها والذن فيها بحسب إفضائها إلى غايتها‪ ،‬فوسيلة المقصود تابعة للمقصود وكلهممما مقصممود‬
‫لكنه مقصود قصد الغايات‪ ،‬وهى مقصودة قصد الوسائل‪ ،‬فإذا حّرم الرب تعالى شمميئا ً ولممه طممرق‬
‫ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها‪ ،‬تحقيقا ً لتحريمه وتثبيتا ً له‪ ،‬ومنعا أن يقرب حماه‪ ،‬ولو‬
‫أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضا للتحريم‪ ،‬وإغراًء للنفوس به‪ ،‬وحكمتممه تعممالى‬
‫‪5‬‬
‫وعلمه يأبى ذلك كل الباء" ‪0‬‬
‫ولهمية هذا الموضوع وتجليته‪ ،‬وعدم وجود كتاب يجمع شتات ما تفرق من أقمموال لعلممماء‬
‫السلف فيه ‪ 0‬استعنت الله عز وجل في الكتابة حوله سائل العلى العلى أن ينفع به ‪0‬‬
‫وقد تضمن البحث بعد هذه المقدمة والتمهيد خمسة فصول وخاتمة‪ ،‬وبيان ذلك فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬المقدمة‪ :‬وقد بينت فيها أهمية دراسة هذا الموضوع والكتابة حوله ‪0‬‬
‫‪ -‬التمهيد‪ :‬وقد بينت فيه مفهوم الذريعة‪ ،‬والدلة على وجمموب سممدها مممن القممرآن والسممنة‬
‫وأقوال بعض الئمة ‪0‬‬
‫‪ -‬الفصل الول‪ :‬سد الذرائع المؤدية إلى الشرك الكبر ‪0‬‬
‫وتحته ثلثة مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬تعريف الشرك الكبر وبيان خطورته ‪0‬‬ ‫‪-1‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬بعض اليات والمثلة المتعلقة بسد الذرائع إلى الشرك الكبر ‪0‬‬ ‫‪-2‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬بعض أحاديث سد الذرائع المتعلقة بالشرك الكبر ‪0‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ -‬الفصل الثاني‪ :‬سد الذرائع المؤدية إلى الشرك الصغر ‪0‬‬
‫وتحته مبحثان‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬سد الذرائع في اللفاظ ‪0‬‬ ‫‪-1‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬سد الذرائع في العمال ‪0‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ -‬الفصل الثالث‪ :‬سد الذرائع في توحيد المعرفة والثبات ‪0‬‬

‫آل عمران ‪ /‬آية‪.102 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫النساء ‪ /‬آية‪.1 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫الحزاب ‪ /‬آية‪.71 ،70 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫النبياء ‪ /‬آية‪.25 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫إعلم الموقعين جم ‪.147 / 3‬‬ ‫‪5‬‬


‫وتحته مبحثان‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬سد الذرائع في مضاهاة أفعال الله تعالى ‪0‬‬ ‫‪-1‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬سد الذرائع في توحيد السماء والصفات ‪0‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ -‬الفصل الرابع‪ :‬سد الذرائع المتعلق بالنبوة والرسالة ‪0‬‬
‫وتحته أربعة مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬تأييد النبياء بمعجزات ل تحصل لغيرهم ‪0‬‬ ‫‪-1‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬النهى عن المفاضلة بين النبياء ‪0‬‬ ‫‪-2‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬إرسال المرسلين بلسان أقوامهم ليعقلوا خطابهم ‪0‬‬ ‫‪-3‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬نهى الممؤمنين عمن مخاطبمة النمبي صمملى اللمه عليمه وسملم بلفممظ‬ ‫‪-4‬‬
‫"راعنا"‪0‬‬

‫‪ -‬الفصل الخامس‪ :‬سد الذرائع المتعلق بالمامة والخروج على الحاكم ‪0‬‬
‫وتحته مبحثان‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬وجوب تنصيب إمام واحد والجتماع عليه ‪0‬‬ ‫‪-1‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬ترك الخروج على الحاكم وطاعته في غير معصية الله ‪0‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الخاتمممة‪:‬‬
‫هذا وقد جعلته بين التطويل الممل والتقصير المخل‪ ،‬مع رغبة في العودة إليه عند فسممحة‬
‫من الوقت ‪0‬‬
‫وأسأل الله عز وجل أن يجعله خالصا ً لوجهه الكريم‪ ،‬وأن يثيبني عليه خيرا يوم الدين‪ ،‬وأن‬
‫يغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين ‪0‬‬
‫و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ‪0‬‬
‫كتبه‬
‫أبو محمد‬
‫د‪ /‬عبد الله شاكر محمد الجنيدي‬
‫في مساء يوم السبت الرابع من شهر ربيع الثاني‬
‫عام ‪ 1420‬هم ‪0‬‬
‫الموافق ‪17/7/1999‬م ‪0‬‬
‫التمهيد‪ :‬ويشتمل على ما يلي‪:‬‬
‫تعريف الذريعة ومفهوم سد الذرائع ‪0‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الدلة على وجوب سد الذرائممع ‪0‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬تعريف الذريعة‪:‬‬
‫الذريعة‪ :‬هي الوسيلة والسبب إلى الشيء‪ ،‬وأصمملها عنممد العممرب‪ :‬الناقممة الممتي يسممتتر بهمما‬
‫‪1‬‬
‫رامي الصيد حتى يصل إلى صيده ‪0‬‬
‫قال ابن تيمية‪" :‬والذريعة‪ :‬ما كان وسميلة وطريقما إلمى الشميء‪ ،‬لكمن صمارت فمي عمرف‬
‫الفقهاء عبارة عما أفضت إلى فعل محرم‪ ،‬ولو تجردت عن ذلك الفضاء لممم يكممن فيهمما مفسممدة‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫ولهذا قيل‪:‬الذريعة‪ :‬الفعل الذي ظاهره أنه مباح وهو وسيلة إلى فعل المحرم" ‪0‬‬
‫‪3‬‬
‫وقال الشاطبي‪" :‬حقيقة الذريعة‪:‬التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة" ‪0‬‬
‫والذرائع بذلك تختلف عممن الحيممل‪ ،‬فسممد الممذرائع مطلمموب‪ ،‬والحيممل محرمممة ل تجمموز‪ ،‬لن‬
‫حقيقتها‪:‬تقديم عمل ظاهر الجممواز لبطممال حكممم شممرعي وتحممويله فممي الظمماهر إلممى حكممم آخممر‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫كالواهب ماله عند رأس الحول فرارا من الزكاة ‪0‬‬
‫قال ابن تيمية‪":‬واعلم أن تجويز الحيل يناقض سد الذرائع مناقضممة ظمماهرة‪ ،‬فممإن الشممارع‬
‫‪5‬‬
‫سد الطريق إلى ذلك المحرم بكل طريق‪ ،‬والمحتال يريد أن يتوسل إليه" ‪0‬‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬وتجويز الحيل ينماقض سمد المذرائع مناقضمة ظماهرة فمإن الشمارع يسمد‬
‫الطريق إلى المفاسد بكل ممكن‪ ،‬والمحتال يفتح الطريق إليها بحيلة‪ ،‬فأين من يمنممع مممن الجممائز‬
‫‪6‬‬
‫خشية الوقوع في المحرم إلى من يعمل الحيلة في التوصل إليه" ‪0‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الدلة على وجوب سد الذرائع‪:‬‬
‫دل القرآن والسنة والجماع على وجوب سد الذرائع وإليكم بعض ما جاء من ذلك ‪0‬‬

‫لسان العرب جم ‪ ،8/96‬والقاموس المحيط جم ‪.24/ 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫مجموعة الفتاوى الكبرى جم ‪.139/ 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫الموافقات جم ‪.199/ 3‬‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع السابق جم ‪.201/ 3‬‬ ‫‪4‬‬

‫مجموعة الفتاوى الكبرى جم ‪.145/ 3‬‬ ‫‪5‬‬

‫إعلم الموقعين جم ‪.171/ 3‬‬ ‫‪6‬‬


‫ل‪ :‬أدلة القرآن الكريم‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫دوا ً‬‫عهه ْ‬
‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫سّبوا الل َ‬ ‫َ‬
‫ه في َ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ِ‬
‫دو ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫عو َ‬ ‫ن ي َدْ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫سّبوا ال ِ‬ ‫ول ت َ ُ‬ ‫قال تعالى‪َ }:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫عل ْ ٍ‬
‫‪1‬‬
‫م{‪0‬‬ ‫ر ِ‬‫غي ْ ِ‬‫بِ َ‬
‫ووجه الدللة من الية‪ :‬أن الله سبحانه وتعالى نهى المؤمنين عممن سممب آلهممة المشممركين‪،‬‬
‫وإن كان فيه مصلحة‪ ،‬إل أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها‪ ،‬وهى سب المشركين لله عز وجمل‪،‬‬
‫دا لهذه الذريعة‪ ،‬وهذا دليل على المنع من الجائز إذا كان يؤدى إلى محرم ‪0‬‬ ‫فكان النهى س ّ‬
‫قال القرطبي‪":‬في هذه الية ضرب من الموادعة‪ ،‬ودليل على وجوب الحكم بسد الذرائع"‬
‫‪2‬‬
‫‪0‬‬
‫ونقل القاسمي عن بعض العلماء قوله في الية‪":‬إنه متى خيف من سب الكفار وأصنامهم‬
‫سّبوا ول دينهم‪ ،‬قال‪:‬وهى أصل فممي قاعممدة سممد‬ ‫أن يسبوا الله‪ ،‬أو رسوله‪ ،‬أو القرآن لم يجز أن ي ُ َ‬
‫‪3‬‬
‫الذرائع"‪0‬‬
‫وقال الشيخ‪ /‬عبد الرحمن السعدي‪":‬وفى هذه الية الكريمة دليل للقاعدة الشممرعية‪ ،‬وهممو‬
‫أن الوسائل تعتبر بالمور التي توصل إليها‪ ،‬وأن وسائل المحرم‪ ،‬ولو كممانت جممائزة تكمون محرمممة‬
‫‪4‬‬
‫إذا كانت تفضي إلى الشر"‪0‬‬
‫قوُلهوا ان ْظُْرَنها‬‫و ُ‬ ‫ها‬‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫َ ِ َ‬ ‫را‬ ‫ُ‬
‫لهوا‬ ‫قو‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫نهوا‬ ‫م‬ ‫آ‬
‫ِ َ َ ُ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫له‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫هها‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫يا‬ ‫}‬ ‫مالى‪:‬‬ ‫وقممال تعم‬ ‫‪-2‬‬
‫َ‬ ‫َ ّ َ‬
‫‪5‬‬
‫م{‪0‬‬ ‫لي‬ ‫ذاب أ َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ري‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫عوا‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬
‫س َ‬‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫ووجه الدللة من الية‪:‬أن الله سبحانه وتعالى نهى المؤمنين عممن كلمممة "راعنمما"‪ ،‬ومعناهمما‬
‫عندهم راعنا سمعك‪ ،‬أي‪:‬اسمع لنا ما نريد أن نسأل عنه ونراجعك فيه‪ ،‬وهذا معنى صحيح‪ ،‬ولكممن‬
‫الله نهاهم عنها سدا للذريعة‪ ،‬لن اليهود كانوا يقولونهمما لويممن بهمما ألسممنتهم‪ ،‬لتوافممق كلمممة شممتم‬
‫عندهم‪ ،‬أو نسبة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرعونة ‪0‬‬
‫وسيأتي كلم على هذه الية – إن شاء الله تعالى – في الفصل الخامس من هذا البحث ‪0‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الدلة من السنة النبوية‪:‬‬
‫عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال‪ :‬قمال رسمول اللمه صملى اللمه‬ ‫‪-1‬‬
‫عليه وسلم "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل يا رسممول اللممه‪ ،‬وكيممف يلعممن الرجممل‬
‫‪6‬‬
‫والديه؟ قال‪ :‬يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه‪ ،‬ويسب أمه فيسب أمه"‪0‬‬

‫النعام ‪ /‬آية‪.108 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫الجامع لحكام القرآن جم ‪.4/2497‬‬ ‫‪2‬‬

‫محاسن التأويل جم ‪.2463/ 6‬‬ ‫‪3‬‬

‫تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان جم ‪.454،455/ 2‬‬ ‫‪4‬‬

‫البقرة ‪ /‬آية‪.104 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫أخرجه البخاري في كتاب الدب باب ‪ 4‬جم ‪،403/ 10‬ومسلم كتاب اليمان باب ‪ 38‬ط‪ 92/‬وأبو داود‬ ‫‪6‬‬

‫في كتاب الدب باب ‪ 129‬جم ‪.352/ 5‬‬


‫ووجه الدللة من هذا الحديث‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الرجل لعنا لبممويه إذا‬
‫كان سببا في ذلك‪ ،‬وإن لم يقصده ‪0‬‬
‫قال النووى – رحمه الله – في شرحه للحديث‪":‬فيه دليل على أن ممن تسممبب فممي شمميئ‬
‫جاز أن ينسب إليه ذلك الشيء‪ ،‬وإنما جعل هذا عقوقا ً لكونه يحصل منه ما يتأذى بممه الوالممد تأذيمما‬
‫ليس بالهين‪ ،‬وفيه قطع الذرائع‪ ،‬فيؤخذ منه النهى عممن بيممع العصممير ممممن يتخممذ الخمممر‪ ،‬والسمملح‬
‫‪1‬‬
‫ممن يقطع الطريق ونحو ذلك ‪ 0‬والله أعلم"‪0‬‬
‫وقال ابن حجر‪":‬قال ابن بطال‪:‬هذا الحديث أصل في سد الذرائع‪ ،‬ويؤخممذ منممه أن مممن آل‬
‫فعلممه إلممى محممرم يحممرم عليممه ذلممك الفعممل‪ ،‬وإن لممم يقصممد إلممى ممما يحممرم‪ ،‬والصممل فممي هممذا‬
‫‪2‬‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه{ ‪0‬‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬
‫عو َ‬‫ن ي َدْ ُ‬ ‫سّبوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ول ت َ ُ‬ ‫الحديث‪:‬قوله تعالى‪َ }:‬‬
‫قال عبد الله بن أبى بن سلول في غزوة بنى المصطلق‪":‬أما واللممه لئن رجعنمما‬ ‫‪-2‬‬
‫إلى المدينة ليخرجن العز منها الذل‪ ،‬فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقام عمر فقال‪:‬يا رسول‬
‫الله‪ :‬دعني أضرب عنق هذا المنافق‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم "دعه ل يتحدث الناس أن‬
‫‪3‬‬
‫محمدا يقتل أصحابه" ‪0‬‬
‫ووجه الدللة من قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا‪ ،‬أنه كان يكف عممن قتممل المنممافقين‬
‫مع كونه مصلحة‪ ،‬لئل يكون ذريعة لتنفير الناس عنه وقولهم‪:‬إن محمدا يقتل أصحابه ‪0‬‬
‫يقول ابن تيمية في ذلك‪":‬إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكف عن قتل المنافقين مع‬
‫كونه مصلحة لئل يكون ذريعة إلى قول الناس أن محمدا صلى الله عليه وسلم يقتممل أصمحابه لن‬
‫‪4‬‬
‫هذا القول يوجب النفور عن السلم ممن دخل فيه‪ ،‬وممن لم يدخل فيه‪ ،‬وهذا النفور حرام"‪0‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الجماع‪:‬‬
‫أجمع الصحابة على بعض المسائل التي يمكن أن يستدل بها على وجوب سد الذرائع‪ ،‬وقد‬
‫اعتبرها أهل العلم أدلة على سد الذرائع واحتجوا بها‪ ،‬كما عمل بها كثير من الئمة‪ ،‬وإليكممم بعممض‬
‫الدلة ‪0‬‬
‫إن السابقين الولين من المهاجرين والنصار ورثوا المطلقة المبتوتة في مرض‬ ‫‪-1‬‬
‫الموت‪ ،‬حيث يتهم بقصممد حرمانهمما مممن الميممراث بل تممردد‪ ،‬وإن لممم يقصممد الحرمممان‪ ،‬لن الطلق‬
‫‪5‬‬
‫ذريعة وأما حيث ل يتهم ففيه خلف معروف ‪0‬‬
‫وقد رجح ابن قدامة توريثها فقال‪":‬وإن كان الطلق في المممرض المخمموف‪ ،‬ثممم مممات مممن‬
‫مرضه ذلك في عدتها ورثته‪ ،‬ولم يرثها إن ماتت‪ ،‬وروى عن عتبة بن عبد اللممه بممن الزبيممر ل تممرث‬
‫مبتوته‪ ،‬ولنا‪:‬أن عثمان – رضي الله عنه – ورث تماضر بنت الصبغ الكلبية مممن عبممد الرحمممن بممن‬
‫‪6‬‬
‫عوف‪ ،‬وكان طلقها في مرضه فبتها‪ ،‬واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكر فكان إجماعا" ‪0‬‬
‫إجماع الصحابة – رضي الله عنهم – وعامة الفقهاء على قتل الجماعة بالواحممد‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وإن كان قياس القصاص يمنع ذلممك‪ ،‬لئل يكممون عممدم القصمماص ذريعممة إلممى التعمماون علممى سممفك‬
‫الدماء‪ ،‬قال ابن قدامة‪ ":‬ولن القصاص لمو سمقط بالشمتراك أدى إلمى التسمارع إلمى القتمل بمه‪،‬‬
‫‪7‬‬
‫فيؤدى إلى إسقاط حكمة الردع والزجر"‪0‬‬
‫ّ‬
‫وقد تتابع كثير من العلماء على اعتبار سد الذرائع‪ ،‬وحكمها المممام مالممك فممي أكممثر أبممواب‬
‫الفقه‪ ،‬كما ذكر الشاطبي ‪ ،8‬وقال بعد أن ذكر خلفا بين المامين مالك والشافعي‪":‬فقممد ظهممر أن‬
‫‪9‬‬
‫قاعدة سد الذرائع متفق على اعتبارها في الجملة"‪0‬‬
‫‪10‬‬
‫وقال ابن بدران‪":‬سد الذرائع هو مذهب مالك وأصحابنا"‪ 0‬يعنى الحنابلة ‪0‬‬
‫وقد قال بها ابن تيمية‪ ،‬وذكر لها ثلثين شاهدا من الشريعة يدل عليها ‪ ،11‬وتوسع ابن القيم‬
‫فذكر تسعة وتسعين دليل عليها‪ ،‬وختم كلمه بقوله‪":‬ولنقتصر على هذا العدد من المثلة الموافممق‬
‫لسماء الله الحسنى التي من أحصاها دخل الجنة‪ ،‬وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف‪ ،‬فإنه أمممر‬
‫ونهى‪ ،‬والمممر نوعممان‪:‬أحممدهما‪:‬مقصممود لنفسممه‪ ،‬والثمماني‪:‬وسمميلة إلممى المقصممود‪ ،‬والنهممى نوعممان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬ما يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه ‪ 0‬والثاني‪:‬ما يكون وسيلة إلى المفسممدة‪ ،‬فصممار‬
‫‪12‬‬
‫سد الذرائع المفضية إلى الحرام أحد أرباع الدين" ‪0‬‬

‫شرح النووي على مسلم جم ‪.88/ 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫فتح البارى شرح صحيح البخاري جم ‪.404/ 10‬‬ ‫‪2‬‬

‫أخرجه البخاري في كتاب التفسير جم ‪ ،648/ 8‬ومسلم في كتاب البر باب ‪ 16‬جم ‪.1998/ 4‬‬ ‫‪3‬‬

‫مجموعة الفتاوى الكبرى جم ‪.140/ 3‬‬ ‫‪4‬‬

‫انظر مجموعة الفتاوى الكبرى لبن تيمية جم ‪.143/ 4‬‬ ‫‪5‬‬

‫المغنى جم ‪.329،330/ 6‬‬ ‫‪6‬‬

‫المرجع السابق جم ‪ ،672/ 7‬ومجموعة الفتاوى الكبرى جم ‪.143/ 4‬‬ ‫‪7‬‬

‫الموافقات جم ‪.198/ 4‬‬ ‫‪8‬‬

‫المرجع السابق جم ‪.200،201/ 4‬‬ ‫‪9‬‬

‫المدخل إلى مذهب أحمد ‪.138/‬‬ ‫‪10‬‬

‫مجموعة الفتاوى الكبرى جم ‪.145 – 138/ 3‬‬ ‫‪11‬‬

‫إعلم الموقعين جم ‪.3/171‬‬ ‫‪12‬‬


‫الفصل الول‪ :‬سد الذرائع المؤدية إلى الشرك الكبر‬
‫المبحث الول‪ :‬تعريف الشرك الكبر وبيان خطورته‬
‫الشرك الكبر‪ :‬هو أن يجعممل العبممد للممه شممريكا ً ونممدا فممي ربمموبيته وإلهيتممه‪ ،‬وأغلممب شممرك‬
‫المشركين وقع في توحيد اللهية كدعاء غير الله‪ ،‬أو صرف أي لون من ألمموان العبممادة لغيممر اللممه‬
‫كالذبح والنذر والخوف والرجاء والمحبة وما إلى ذلك ‪0‬‬
‫والشرك بالله أعظم ذنب عصى الله به‪ ،‬فهو أظلم الظلم‪ ،‬وأكبر الكبائر‪ ،‬وما هلكت المممم‬
‫الغابرة وأعدت لهم النيران في الخرة إل بالشممرك‪ ،‬وممما أرسممل اللممه النبيمماء والمرسمملين وأنممزل‬
‫عليهم الكتب بالحق المبين إل للتحذير منه وبيان قبحه وشؤمه‪ ،‬ودعوة الناس إلممى ضممده أل وهممو‬
‫تحقيق التوحيد لله رب العالمين ‪0‬‬
‫والشرك خطره عظيم وضرره على العبد كبير‪ ،‬وذلك للسباب التالية‪:‬‬
‫لنه تشبيه للمخلوق العاجز الضعيف بالواحد الحممد المتفممرد بممالجلل والكمممال‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ومن أشرك مع الله أحدا فقد شبهه به‪ ،‬وهذا أعظم الظلم كما في الصحيحين ‪ 10‬من حديث عبممد‬
‫الله بن مسعود ‪ -‬رضي الله عنه – قممال‪:‬سممألت رسمول اللممه صملى اللممه عليمه وسمملم‪ :‬أي الممذنب‬
‫أعظم عند الله؟ قال‪ ":‬أن تجعل لله ندا وهو خلقك" قال النووى‪" :‬الند‪ :‬الضد والشممبه‪ ،‬وفلن نممد‬
‫فلن ونديده ونديدته أي‪:‬مثله‪ ..‬أما أحكام هذا الحديث‪ :‬ففيه أن أكبر المعاصي الشرك‪،‬وهذا ظاهر‬
‫‪2‬‬
‫ل خفاء فيه"‪0‬‬
‫ن‬ ‫أن الله ل يغفر لمشرك مات على الشرك دون توبممة ‪ 0‬قممال اللممه تعممالى‪}:‬إ ِ ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫فر أ َ‬
‫ن يَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫‪3‬‬
‫ء{‪0‬‬ ‫شا ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫دو‬ ‫ُ‬ ‫ما‬ ‫ُ َ‬ ‫ر‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫غ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬‫ِ َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ك‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ش‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫غ‬
‫ْ‬ ‫ه ل يَ‬
‫ك ِبهالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ر ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ِ ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬‫}‬ ‫مالى‪:‬‬ ‫م‬ ‫تع‬ ‫مال‬ ‫م‬‫ق‬ ‫‪0‬‬ ‫مشرك‬ ‫كل‬ ‫على‬ ‫الجنة‬ ‫حرم‬ ‫الله‬ ‫أن‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3‬‬
‫َ‬ ‫ما ِلل ّ‬ ‫ةو ْ‬
‫‪4‬‬
‫ر{‪0‬‬ ‫صا ٍ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫و َ‬
‫واهُ الّناُر َ‬ ‫مأ َ‬ ‫جن ّ َ َ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫أن الشرك يحبط جميع العمال التي يعملها العبد‪ ،‬وتصير هباًء منثورا في يمموم‬ ‫‪-4‬‬
‫ن‬‫حب َطَه ّ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬ ‫ش هَرك ْ َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ك ل َئ ِ ْ‬ ‫قب ْل ِه َ‬ ‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫وإ ِل َههى ال ّه ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ي إ ِل َي ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫قدْ ُأو ِ‬ ‫ول َ َ‬ ‫الدين ‪0‬قال تعالى‪َ }:‬‬
‫‪5‬‬
‫ن{‪0‬‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫وك ْ‬‫ُ‬ ‫عب ُدْ َ‬ ‫فا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ل الل َ‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫ول َت َ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫مل ُ َ‬‫ع َ‬ ‫َ‬
‫المبحث الثاني‪ :‬بعض اليات والمثلة المتعلقة بسد الذرائع إلى الشرك الكبر ‪0‬‬
‫بعد الوقوف على خطورة الشرك الكبر ومفاسده وأضممراره أتعممرض لممذكر نممماذج يسمميرة‬
‫من القرآن والسنة جاء بها الشرع الحكيم لقطع علئق الشرك كله وما يؤدى إليه‪ ،‬حتى يتممبين لنمما‬
‫كيف أن السلم سد ّ الذرائع المؤدية إلى الشرك‪ ،‬وأحكم الحديث في هذا الباب أيما إحكام ليحذر‬
‫العباد من الشرك ومن الوسائل المفضية إلى حصوله ووقوعه‪،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫اليات الدالة على عبودية عيسى – عليه السمملم – وأنممه بشممر رسمول مخلمموق‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ليس بإله‪ ،‬أو فيه جزء من الله‪ ،‬أو أنه ابن الله ‪ -‬تعالى اللممه عممما يقممول الظممالمون علمموا كممبيرا‪،-‬‬
‫دا لذريعة الشرك‪ ،‬واتخمماذه إلهمما مممن دون اللممه أو مممع اللممه‪ ،‬ودفعمما لي شممبهة تممرد علممى‬ ‫وذلك س ّ‬
‫ب‬ ‫ن ت َُرا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ َ‬‫م َ‬ ‫ل آدَ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫سى‬ ‫َ‬ ‫عي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قال‬ ‫‪0‬‬ ‫بها‬ ‫خلق‬ ‫التي‬ ‫الطريقة‬
‫في َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ه كُ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫‪6‬‬
‫ن{ ‪0‬‬ ‫كو ُ‬
‫سى{ إشارة إلى البشممرية المممأخوذة مممن مريممم‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫مث َ َ‬ ‫قال ابن تيمية‪ ":‬فأعنى بقوله } َ‬
‫الطاهرة‪ ،‬لنه لم يذكر هنا اسم المسيح‪ ،‬إنما ذكممر عيسممى فقمط‪ ،‬فمإنه سمبحانه خلمق هممذا النمموع‬
‫البشرى على القسام الممكنة ليبين عموم قدرته‪ ،‬فخلق آدم من غير ذكر ول أنثى‪ ،‬وخلق زوجته‬
‫ها{‪ ،‬وخلق المسيح من أنثى بل ذكر‪ ،‬وخلممق‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫ها َز ْ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫و َ‬ ‫حواء من ذكر بل أنثى‪ ،‬كما قال‪َ }:‬‬
‫سائر الخلق من ذكر وأنثى‪ ،‬وكان خلق آدم وحواء أعجب من خلق المسيح‪ ،‬فإن حواء خلقت مممن‬
‫ضلع آدم‪ ،‬وهذا أعجب من خلق المسيح في بطن مريم‪ ،‬وخلممق آدم أعجممب مممن هممذا وهممذا‪ ،‬وهممو‬
‫أصل خلق حواء فلهذا شبهه الله بخلق آدم الذي هو أعجب من خلق المسيح‪ ،‬وهذا كلممه يممبين بممه‬
‫‪7‬‬
‫أن المسيح عبد ُ ليس بإله‪ ،‬وأنه مخلوق كما خلق آدم"‪0‬‬
‫ه{ فممي قممدرة اللممه تعممالى حيممث‬ ‫عن ْدَ الل ّ ِ‬ ‫سى ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫مث َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫وقال ابن كثير‪":‬يقول تعالى‪}:‬إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫مه ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ َ‬ ‫م{ فإنه اللممه تعممالى خلقممه مممن غيممر أب ول أم‪ ،‬بممل } َ‬ ‫ل آدَ َ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫خلقه من غير أب }ك َ َ‬
‫ن{ والممذي خلممق آدم قممادر علممى خلممق عيسممى بطريممق الولممى‬ ‫في َك ُههو ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ك ُه ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ثُ ّ‬ ‫ت َُرا ٍ‬
‫ً‬
‫والحرى‪ ،‬وإن جاز ادعمماء البنموة فمي عيسممى بكمونه مخلوقما ممن غيمر أب‪ ،‬فجمواز ذلممك فمي آدم‬
‫بالطريقة الولى‪ ،‬ومعلوم بالتفاق أن ذلك باطل فدعواها في عيسى أشد بطلنمما وأظهممر فسممادا‪،‬‬
‫ولكن الرب عز وجل أراد أن يظهر قدرته حين خلق آدم ل من ذكر ول من أنثى‪ ،‬وخلق حواء مممن‬
‫‪8‬‬
‫ذكر بل أنثى‪ ،‬وخلق عيسى من أنثى بل ذكر‪ ،‬كما خلق البرية من ذكر وأنثى" ‪0‬‬
‫ويقرر ربنا في آيات أخرى بشرية عيسى وأمه – عليهما السلم‪ -‬وأنهما من جنممس البشممر‪،‬‬

‫أخرجه البخاري في مواضع منها كتاب التفسير باب ‪ 3‬جم ‪ ،163/ 8‬وكتاب التوحيد باب ‪ 46‬جم‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،13/503‬ومسلم كتاب اليمان ‪ 0‬باب كون الشرك أقبح الذنوب جم ‪.90/ 1‬‬
‫شرح النووي على مسلم جم ‪.80،81/ 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫النساء ‪ /‬آية‪.48،117 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫المائدة ‪ /‬آية‪.72 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫الزمر ‪ /‬آية‪.66 ،65 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫آل عمران ‪ /‬آية‪.59 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح جم ‪.295 – 293 / 2‬‬ ‫‪7‬‬
‫م إ ِل ّ‬ ‫مْري َه َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْه ُ‬ ‫سههي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫ويسلكان في الطبيعة البشرية ما يسلكه غيرهم ‪ 0‬قممال تعممالى‪َ }:‬‬
‫ن‬ ‫ف ن ُب َي ّه ُ‬ ‫م ان ْظْر كي ْه َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫عا َ‬ ‫ن الطّ َ‬ ‫كل ِ‬ ‫كاَنا ي َأ ْ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ق ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ُ‬ ‫وأ ّ‬
‫ل ُ‬
‫س ُ َ‬ ‫ه الّر ُ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫ت ث ُم ان ْظُر أ َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫‪1‬‬
‫ن{ ‪0‬‬ ‫َ‬ ‫كو‬ ‫ف‬ ‫ؤ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫نى‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫اليا‬ ‫م‬
‫ه ُ‬
‫يعنى أن عيسى رسول من رسل الله تعالى الذين أرسمملوا لهدايممة البشممرية ودعوتهمما إلممى‬
‫توحيد الله وعبادته‪ ،‬وأمه صديقة من فضليات النسمماء‪ ،‬وحقيقتهممما مسمماوية لحقيقممة غيرهممما مممن‬
‫أفراد نوعهما وجنسهما بدليل أنهما كان يأكلن الطعام‪ ،‬وكل من يأكل الطعام فهو مفتقر إلممى ممما‬
‫يقيم بنيته ويمد حياته‪ ،‬إلى جانب أن أكل الطعام يستلزم الحاجممة إلممى دفممع الفضمملت‪ ،‬وعليممه فل‬
‫يمكن أن يكون ربا خالقا‪ ،‬ول ينبغي أن يكون ربا معبودا ‪0‬‬
‫ن‬ ‫مه ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ه ْ‬ ‫ق هد ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م إ ِل ّ َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫قال الشوكاني في تفسيره للية‪َ } :‬‬
‫ن‬ ‫مه ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خله ْ‬ ‫َ‬ ‫ق هد ْ َ‬ ‫ل{‪ ،‬أي‪ :‬هو مقصور على الرسالة ل يجاوزها كما زعمتم‪ ،‬وجملممة } َ‬ ‫س ُ‬ ‫ه الّر ُ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ل{ صفة لرسول‪ ،‬أي ما هو إل رسول من جنس الرسل الذين خلمموا مممن قبلممه‪ ،‬وممما‬ ‫س ُ‬ ‫ه الّر ُ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬ ‫َ‬
‫وقع منه من المعجزات ل يوجب كونه إلها‪ ،‬فقد كان لمن قبله من الرسمل مثلهما‪ ،‬فمإن اللمه أحيما‬
‫العصا في يد موسى‪ ،‬وخلق آدم من غير أب‪ ،‬فكيف جعلتم إحياء عيسى للموتى ووجوده من غيممر‬
‫أب يوجبان كونه إلها‪ ،‬فإن كان كما تزعمون إلها لذلك‪ ،‬فمن قبله من الرسل الممذين جمماءوا بمثممل‬
‫ة{ عطف على المسيح‪ ،‬أي‪:‬وما أمه‬ ‫ق ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫ما جاء به آلهة‪ ،‬وأنتم ل تقولون بذلك ‪ 0‬قوله‪ُ }:‬‬
‫ص ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ُ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫إل صديقة‪ ،‬وذلك ل يستلزم اللهية لها‪ ،‬بل هي كسائر من يتصف بهذا الوصف من النساء ‪ 0‬قوله‪:‬‬
‫م{ استئناف يتضمن التقرير لما أشير إليه من أنهما كسائر أفراد البشر‪:‬أي‬ ‫عا َ‬ ‫ن الطّ َ‬ ‫كل ِ‬ ‫كاَنا ي َأ ْ ُ‬ ‫} َ‬
‫من كان يأكل الطعام كسائر المخلوقين فليس برب‪ ،‬بمل همو عبمد مربموب ولمدته النسماء‪ ،‬فممتى‬
‫‪2‬‬
‫يصلح لن يكون ربا" ‪0‬‬
‫وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره‪":‬أي‪:‬هذا غاتيه ومنتهى أمره‪ ،‬أنه مممن عبمماد‬
‫الله المرسلين‪ ،‬الذين ليس لهم من المر‪ ،‬ول من التشريع إل ما أرسلهم به الله‪ ،‬وهو مممن جنممس‬
‫ه{ مريممم‬ ‫الرسممل قبلممه‪ ،‬ل مزيممة لممه عليهممم تخرجممه عممن البشممرية إلممى مرتبممة الربوبيممة‪ُ } ،‬‬
‫م ُ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫ة{ أي‪ :‬هذا أيضا غايتها‪ ،‬أن كانت من الصديقين الذين هم أعلى الخلق رتبة بعد النبيمماء‪،‬‬ ‫ق ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫ص ّ‬ ‫} ِ‬
‫فإذا كان عيسى –عليه السلم – من جنس النبياء والرسل ممن قبلممه‪ ،‬وأمممه صممديقة‪ ،‬فلي شمميئا‬
‫م{ دليل ظاهر علمى أنهمما عبممدان‬ ‫عا َ‬ ‫ن الطّ َ‬ ‫كل ِ‬ ‫كاَنا ي َأ ْ ُ‬ ‫تخذهما النصارى إلهين مع الله؟‪ ،‬وقوله‪َ }:‬‬
‫فقيران محتاجان كما يحتاج بنو آدم إلى الطعام والشراب‪ ،‬فلو كانمما إلهيممن لسممتغنيا عممن الطعممام‬
‫‪3‬‬
‫والشراب ولم يحتاجا إلى شيء‪ ،‬فإن الله هو الغنى الحميد" ‪0‬‬
‫م{ وأن مريممم‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫قاُلوا إ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫فَر ال ّ ِ‬ ‫قدْ ك َ َ‬ ‫وقال تعالى‪}:‬ل َ َ‬
‫‪4‬‬
‫ه‬
‫ُ ْ ُ َ ْ َ َ‬‫ي‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ح‬ ‫هي‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ه َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ذي َ‬
‫دعون اللهية لمن يعترف علممى نفسممه‬ ‫ولدت إلها‪ ،‬ولذلك رد الله عليهم هذا البهتان وعليه فكيف ي ّ‬
‫‪5‬‬
‫بأنه عبد مثلهم كما أن دلئل الحدوث ظاهرة عليه ‪0‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذوِني‬ ‫خه ُ‬ ‫س ات ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ها‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫لل‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫سههى اب ْه‬ ‫عي َ‬ ‫ه َيا ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫وإ ِذْ َ‬ ‫وقال تعالى‪َ }:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ق إِ ْ‬ ‫حهه ّ‬ ‫س ِلي ب ِ َ‬ ‫ما لي ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قو َ‬ ‫نأ ُ‬ ‫ن ِلي أ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫هي ْ ِ‬ ‫ي إ ِل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫ّ‬
‫عل ُ‬ ‫ت َ‬ ‫سهك إ ِّنهك أْنه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف ِ‬ ‫فهي ن َ ْ‬ ‫مها ِ‬ ‫م َ‬ ‫عل ُ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫في ن َ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫عل ُ‬ ‫ه تَ ْ‬ ‫مت َ ُ‬ ‫عل ِ ْ‬‫قد ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫قلت ُ ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫ك ُن ْ ُ‬
‫قل ْت ل َهم إل ّ ما أ َمرت َِني به ِ َ‬
‫م‬ ‫هه ْ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وك ُن ْه ُ‬ ‫م َ‬ ‫وَرب ّك ُه ْ‬
‫َ‬
‫ه َرب ّههي َ‬ ‫دوا الل ّه َ‬ ‫عب ُه ُ‬ ‫نا ْ‬
‫َ‬
‫هأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ِ‬ ‫ما ُ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫غُيو ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬ ‫شه ْ‬ ‫ل َ‬ ‫على كه ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت َ‬ ‫وأن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫قي َ‬ ‫ت الّر ِ‬ ‫ت أن ْ َ‬ ‫وفي ْت َِني كن ْ َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫م فل ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫في ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ما دُ ْ‬ ‫هيدا َ‬ ‫ش ِ‬
‫‪6‬‬
‫د{‪0‬‬ ‫هي ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫قال القاسمي في تفسيره‪ ":‬ل ذكر تعممالى أنمه يعممدد نعممه علممى عيسممى بحضممرة الرسممل‬
‫واحدة فواحدة إشعارا ً بعبوديته‪ ،‬فإن كل واحد من تلك النعم المعدودة عليه‪ ،‬تممدل علممى أنممه عبممد‬
‫وليس بإله ثم أتبع ذلك باستفهامه لينطق بإقراره – عليه السلم – على رؤوس الشهاد بالعبودية‪،‬‬
‫وأمره لهم بعبادة الله عز وجل إكذابا لهم في افترائهم عليه‪ ،‬وتثبيتا للحجة على قومه‪ ،‬فهممذا سممر‬
‫سؤاله تعالى له‪ ،‬مع علمه بأنه لم يقل ذلك‪ ،‬وكل ذلك لتنبيه النصارى الذين كانوا في وقت نممزول‬
‫‪7‬‬
‫الية ومن تأثر بهم على قبح مقالتهم وركاكة مذهبهم واعتقادهم"‪0‬‬
‫ً‬
‫علِني ن َب ِّيهها{‬ ‫َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫تا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫تا‬ ‫هآ َ‬ ‫عب ْدُ الل ّ ِ‬ ‫ل إ ِّني َ‬ ‫قا َ‬ ‫ومثل ذلك ما جاء في قوله تعالى‪َ }:‬‬
‫‪8‬‬
‫م{‪0‬‬ ‫قي ٌ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٌ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫دوهُ َ‬ ‫عب ُ ُ‬‫فا ْ‬ ‫م َ‬ ‫وَرب ّك ُ ْ‬ ‫ه َرّبي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إلى قوله‪}:‬إ ِ ّ‬
‫قال ابن كثير في تفسيره‪":‬ومما أمر عيسى به قومه وهمو فمي مهمده‪ :‬أن أخممبرهم إذ ذاك‬
‫م{ أي‪:‬هممذا الممذي‬ ‫قي ٌ‬ ‫سهت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صهَرا ٌ‬ ‫ذا ِ‬ ‫هه َ‬ ‫دوهُ َ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫أن الله ربهم وربه وأمرهم بعبممادته فقممال‪َ }:‬‬
‫‪9‬‬
‫جئتكم به عن الله صراط مستقيم‪ ،‬أي‪ :‬قويم ‪ 0‬من اتبعه رشد وهدى‪ ،‬ومن خالفه ضل وغوى"‪0‬‬

‫تفسير القرآن العظيم لبن كثير جم ‪.1/40‬‬ ‫‪8‬‬

‫المائدة ‪ /‬آية‪.79 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫فتح القدير جم ‪.64/ 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫تيسير الكريم الرحمن جم ‪.326،327 /2‬‬ ‫‪3‬‬

‫المائدة ‪/‬آية‪.72:‬‬ ‫‪4‬‬

‫انظر الدين الخالص لصديق حسن خان جم ‪.25/ 1‬‬ ‫‪5‬‬

‫المائدة ‪/‬آية‪117 ،116:‬‬ ‫‪6‬‬

‫محاسن التأويل جم ‪.2219/ 6‬‬ ‫‪7‬‬

‫مريم اليات من ‪.36 – 30‬‬ ‫‪8‬‬


‫وعن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – عن النممبي صمملى اللممه عليمه وسمملم قممال‪":‬مممن‬
‫شهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬وأن عيسى عبد لله ورسمموله‬
‫وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حمق والنمار حمق أدخلمه اللمه الجنمة علمى مما كمان ممن‬
‫‪1‬‬
‫العمل"‪0‬‬
‫اليات الدالة على عبودية النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫‪-2‬‬
‫جاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم تدل وترشد إلى حقيقة هامة أل وهى أن النبي صمملى‬
‫الله عليه وسلم بشر كسائر البشممر‪ ،‬ولكنممه فضممل عليهممم بممالنبوة والرسممالة الممتي تمموجب محبتممه‬
‫وطاعته والنقياد لمره صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كما نهى صلى الله عليه وسلم عن الغلو والطممراء‬
‫دا لذريعة اتخاذه شريكا مع اللممه‪ ،‬أو صممرف أي لممون مممن ألمموان العبممادة لممه‬ ‫في شخصه‪ ،‬وذلك س ّ‬
‫َ‬
‫ول َ ْ‬
‫و‬ ‫ه َ‬ ‫شاءَ الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ضّرا ً إ ِل ّ َ‬ ‫ول َ‬ ‫فعا ً َ‬ ‫سي ن َ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫للأ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫صلى الله عليه وسلم قال تعالى‪ُ }:‬‬
‫شهيٌر‬ ‫وب َ ِ‬ ‫ذيٌر َ‬ ‫ن أ ََنها إ ِل ّ َنه ِ‬ ‫سهوءُ إ ِ ْ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫سهن ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫مها َ‬ ‫و َ‬ ‫ر َ‬ ‫خْيه ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ست َك ْث َْر ُ‬ ‫بل ْ‬ ‫غي ْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ت أَ ْ‬ ‫ك ُن ْ ُ‬
‫ن{‪ 0‬ولهذا كانت العبودية هي أشممرف مقممام للنممبي صمملى اللممه عليمه وسمملم وقممد‬ ‫‪2‬‬
‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫وم ٍ ي ُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫لِ َ‬
‫سهَرى‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ذي أ ْ‬ ‫ن ال ه ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫خاطبه ربه بها في أشرف المناسبات وأعظممم المقامممات قممال تعممالى‪ُ }:‬‬
‫‪4‬‬
‫جهها{‬ ‫و َ‬ ‫ع َ‬ ‫ه ِ‬‫ل لَ ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫ج َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ه ال ْك َِتا َ‬ ‫د ِ‬‫عب ْ ِ‬‫عَلى َ‬ ‫ل َ‬ ‫ذي أ َن َْز َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫مدُ ل ِل ّ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ه{‪ ،3‬وقال تعالى‪}:‬ال ْ َ‬ ‫د ِ‬‫عب ْ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ً ‪5‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ذيرا{ ‪ ،‬وقمممال‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫َ ِ َ ِ َ َ ِ‬ ‫مي‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫ل‬‫ل‬ ‫ن‬ ‫كو‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫ْ ِ ِ ِ َ‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫لى‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ف‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ز‬ ‫َ ّ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫‪ 0‬وقال سبحانه‪}:‬ت ََباَر َ‬
‫ول‬ ‫عو َرّبههي َ‬ ‫ما أ َدْ ُ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ه ل َِبدا ً ُ‬ ‫عل َي ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫كوُنو َ‬ ‫دوا ي َ ُ‬ ‫كا ُ‬ ‫عوهُ َ‬ ‫ه ي َدْ ُ‬ ‫عب ْدُ الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫قا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه لَ ّ‬ ‫وأن ّ ُ‬
‫تعالى‪َ }:‬‬
‫َ‬
‫شدًا{‪0‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أُ ْ‬
‫ول َر َ‬ ‫ضّرا ً َ‬ ‫ك ل َك ُ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫حدا ً ُ‬ ‫ر ُ‬
‫‪6‬‬
‫م َ‬ ‫ل إ ِّني ل أ ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫ك بِ ِ‬ ‫ش ِ‬
‫وإذا كان رسول رب العالمين الذي هو أكمل الخلق وأقربهم إلممى اللممه عممز وجممل ل يملممك‬
‫ضرا ول رشدا بنص كتاب الله الكريم فغيره من سائر الخلق ممن هم دونه صلى الله عليه وسلم‬
‫من باب أولى وأحرى‪ ،‬بل إنه صلى الله عليه وسلم ما سبق غيره إل بكمال عبوديته لربه ‪0‬‬
‫قال ابن القيم‪" :‬أكمل الخلق أكملهم عبودية وأعظمهم شممهودا لفقممره وضممرورته وحمماجته‬
‫إلى ربه وعدم استغنائه عنه طرفة عين‪ ،‬ولهذا كان من دعائه صلى الله عليممه وسمملم "أصمملح لممي‬
‫شأني كله‪ ،‬ول تكلني إلى نفسي طرفة عين‪ ،‬ول إلى أحد مممن خلقممك"‪ ،7‬وكممان يممدعو‪":‬يمما مقلممب‬
‫القلوب ثبت قلبي على دينك"‪ ،8‬يعلم صلى الله عليه وسلم أن قلبه بيد الرحمن عز وجل ل يملمك‬
‫ك لَ َ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫قه ْ‬ ‫ن ث َب ّت ْن َهها َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫منه شيئًا‪ ،‬وأن الله سبحانه يصرفه كما يشاء‪ ،‬وهممو يتلممو قمموله تعممالى‪َ }:‬‬
‫ل{‪ ،9‬فضرورته صلى الله عليه وسلم إلى ربه وفاقته إليه بحسب‬ ‫قِلي ً‬ ‫شْيئا ً َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن إ ِل َي ْ ِ‬ ‫ت ت َْرك َ ُ‬ ‫ك ِدْ َ‬
‫معرفته به‪ ،‬وحسب قربه منه ومنزلته عنده‪ ،..‬ولهذا كان أقرب الخلق إلى الله وسمميلة وأعظمهمم‬
‫جاها وأرفعهم عنده منزلة لتكميله مقام العبودية والفقر إلى ربه …‪ ،.‬وذكره الله سممبحانه بسمممة‬
‫ن‬‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫العبودية في أشرف مقاماته‪ ،‬مقممام السممراء‪ ،‬ومقممام الممدعوة‪ ،‬ومقممام التحممدي فقممال‪ُ }:‬‬
‫ل{‪100‬وقممال‪َ }:‬‬ ‫َ‬
‫ه{‪ 110‬وفممى حممديث‬ ‫عو ُ‬ ‫ه ي َهدْ ُ‬ ‫عب ْهدُ الل ّه ِ‬ ‫م َ‬ ‫قهها َ‬ ‫مهها َ‬ ‫ه لَ ّ‬ ‫وأن ّه ُ‬ ‫َ‬ ‫ه ل َي ْ ً‬ ‫د ِ‬ ‫عب ْ ِ‬‫سَرى ب ِ َ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫الشفاعة‪":‬أن المسيح يقول لهم‪ :‬اذهبموا إلمى محممد عبمد غفمر اللمه لمه مما تقمدم ممن ذنبمه ومما‬
‫تأخر"‪ ،12‬فنال ذلك المقام بكمال عبوديته لله وبكمال مغفرة الله له"‪ 130‬وللعلمممة الشمميخ محمممد‬
‫المين الشنقيطي – رحمه الله – كلم جميل على هذا الموضوع يحسن إيراد شيئا منممه هنمما لتتممم‬
‫الفائدة ‪ 0‬قال وهو يفسر أوائل سورة الحجرات‪" :‬مسألتان‪ :‬الولى‪ :‬اعلم أن عممدم احممترام النممبي‬
‫صلى الله عليه وسلم المشعر بالغض منه‪ ،‬أو تنقيصه صلى الله عليه وسمملم والسممتخفاف بممه‪ ،‬أو‬
‫الستهزاء به ردة عن السلم وكفر بالله‪ ،‬وقد قال تعالى في الذين اسممتهزءوا بممالنبي صمملى اللممه‬

‫تفسير ابن كثير جم ‪.225/ 4‬‬ ‫‪9‬‬

‫أخرجه البخاري في كتاب النبياء باب ‪ 47‬جم ‪ ،474/ 6‬ومسلم كتاب اليمان جم ‪ ،58،59/ 1‬وأحمد‬ ‫‪1‬‬

‫في مسنده جم ‪.313،314/ 5‬‬


‫العراف ‪ /‬آية‪.188 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫السراء ‪ /‬آية‪.1 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫الكهف ‪ /‬آية‪.1 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫الفرقان ‪ /‬آية‪.1 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫الجن ‪ /‬اليات من ‪.21 – 19‬‬ ‫‪6‬‬

‫أخرجه أبوداود في كتاب الدب باب ‪ 11‬جم ‪ ،326/ 5‬وأحمد في مسنده جم ‪.42/ 5‬‬ ‫‪7‬‬

‫أخرجه الترمذي في أبواب الدعوات جم ‪ ،504/ 9‬ومسند أحمد جم ‪،257/ 3‬والسنة لبن ابى عاصم جم‬ ‫‪8‬‬

‫‪ ،101/ 1‬والجرى في الشريعة ‪.317/‬‬


‫السراء ‪ /‬آية‪.74 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫السراء ‪ /‬آية‪.1:‬‬ ‫‪10‬‬

‫الجن ‪ /‬آية‪.19 :‬‬ ‫‪11‬‬

‫أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب ‪ 19‬جم ‪ ،392 /13‬ومسلم كتاب اليمان باب ‪ 84‬جم ‪،180/ 1‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪.181‬‬
‫طريق الهجرتين وباب السعادتين ص ‪.10،11‬‬ ‫‪13‬‬
‫َ‬
‫مهها ك ُّنهها‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫قول ُ ّ‬ ‫م ل َي َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫سأل ْت َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ول َئ ِ ْ‬ ‫عليه وسلم وسخروا منه في غزوة تبوك لما ضلت راحلته‪َ }:‬‬
‫د‬
‫عهه َ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫ذُروا قدْ كفْرت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عت َ ِ‬ ‫ن ل تَ ْ‬ ‫زُئو َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ه ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫وآَيات ِ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل أ َِبالل ّ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ب ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫ون َل ْ َ‬ ‫ض َ‬ ‫خو ُ‬ ‫نَ ُ‬
‫مان ِك ُ ْ‬
‫‪1‬‬
‫م{‪0‬‬ ‫ِإي َ‬
‫المسألة الثانية‪ :‬وهى من أهم المسائل‪ ،‬اعلم أنه يجب على كل إنسان أن يميز بين حقوق‬
‫الله تعالى التي هي من خصائص ربوبيته التي ل يجمموز صممرفها لغيممره‪ ،‬وبيممن حقمموق خلقممه كحممق‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ليضع كل شيئ في موضعه على ضوء مما جماء بمه النمبي صملى اللمه‬
‫عليه وسلم في هذا القرآن العظيم والسنة الصحيحة ‪0‬‬
‫وإذا عرفت ذلك فاعلم‪:‬أن من الحقوق الخاصة بالله التي هي من خصائص ربوبيته التجمماء‬
‫عبده إليه إذا دهمته الكروب التي ل يقدر على كشفها إل الله‪ ،‬فالتجاء المضطر الذي أحمماطت بممه‬
‫الكروب ودهمته الدواهي ل يجوز إل لله وحده‪ ،‬لنه من خصائص الربوبية‪ ،‬فصرف ذلك الحق للممه‬
‫وإخلصه له هو عين طاعة الله ومرضاته‪ ،‬وطاعة رسوله صلى الله عليممه وسمملم ومرضمماته‪ ،‬وهممو‬
‫عين التوقير والتعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم لن أعظم أنواع تمموقيره وتعظيمممه هممو اتبمماعه‬
‫والقتداء به في إخلص التوحيد والعبادة له وحده جل وعل‪ ،‬وقد بين جل وعل في آيات كثيرة من‬
‫كتابه أن التجاء المضطر من عباده إليه وحده في أوقممات الشممدة والكممرب مممن خصمائص ربموبيته‬
‫َ‬
‫مها‬ ‫خي ْهٌر أ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫فى آلل ّه ُ‬ ‫صهطَ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫عَباِد ِ‬ ‫عَلى ِ‬ ‫م َ‬ ‫سل ٌ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫مدُ ل ِل ّ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫تعالى … قال تعالى‪ُ }:‬‬
‫َ‬ ‫كون{‪ ،2‬ثم بين من خصائص ربمموبيته الدالممة علممى أنممه المعبممود وحممده فقممال‪}:‬أ َ‬
‫ق‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ن‬‫ّ ْ‬ ‫م‬ ‫ر ُ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫ن‬ ‫مهها َ‬ ‫َ‬ ‫فأ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت وال َرض وأ َ‬
‫كهها َ‬ ‫َ‬ ‫ة‬
‫ٍ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ذا‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫دا‬‫َ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ً‬ ‫ء‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ء‬
‫ِ‬ ‫ما‬ ‫ّ َ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ز‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ال ّ َ َ‬‫ما‬ ‫س‬
‫ها أ َ‬ ‫ل َك ُ َ‬
‫ن{ فهممذه المممذكورات الممتي هممي‬ ‫دُلو َ‬ ‫عه ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫و ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫م‬‫ِ ٌ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ج‬‫َ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫توا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ‬
‫خلق السماوات والرض وإنزال الماء من السماء وإنبات الحدائق ذات البهجة الممتي ل يقممدر علممى‬
‫َ‬
‫ه{ يقدر علممى‬ ‫ع الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه َ‬ ‫إنبات شجرها إل الله من خصائص ربوبيه الله‪ ،‬ولذا قال تعالى بعدها }أإ ِل َ ٌ‬
‫خلق السماوات والرض وإنزال الماء من السماء وإنبات الحدائق به‪ ،‬والجواب "ل" لنممه ل إلممه إل‬
‫‪3‬‬
‫الله وحده"‪0‬‬
‫اليات الدالة على أن دعاء غير الله واللجوء إليه شرك ‪0‬‬ ‫‪-3‬‬
‫جاء آيات كثيرة في القرآن الكريم تبين أن الدعاء والستعاذة والستغاثة ل تكممون إل بممالله‬
‫وحده ل شريك له‪ ،‬وأن اللهة الباطلة التي عبدت من دونه ل تملك لنفسها نفعا ً ول ضممرا‪ ،‬فكيممف‬
‫دا لذريعة التعلق بها‪ ،‬أو اعتقاد نفع فيهمما‪ ،‬ويسمملك القممرآن‬ ‫يرجو العبد منها شيئا ل تملكه‪ ،‬وذلك س ّ‬
‫الكريم في ذلك مسلكا عظيما يضيق المقام عن استقصائه‪ ،‬ولكن تكفى الشارة إلممى بعممض مممن‬
‫‪4‬‬
‫ذلك ‪0‬‬
‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫}‬ ‫مالى‪:‬‬ ‫م‬ ‫تع‬ ‫موله‬ ‫م‬ ‫كق‬ ‫معفها‬ ‫م‬ ‫وض‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫فقره‬ ‫مراز‬ ‫م‬‫وإب‬ ‫مة‬ ‫م‬ ‫المزعوم‬ ‫مة‬ ‫م‬ ‫الله‬ ‫هذه‬ ‫عجز‬ ‫بيان‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ويل ً ُأول َئ ِ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْك ُ ْ‬ ‫ضّر َ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ش َ‬ ‫ن كَ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫فل ي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دون ِ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن َز َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عوا ال ّ ِ‬ ‫ادْ ُ‬
‫ن‬ ‫عهه َ‬ ‫خهها ُ‬ ‫ْ‬ ‫ة أ َيهم أ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫ذاب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫فو َ‬ ‫وي َ َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫جو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫سي‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫لى‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫غو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫ي َدْ‬
‫قه ْ َ َ‬
‫ه‬ ‫ن الل ّه ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫مهها ت َهدْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل أَرأي ْت ُه ْ‬ ‫ذورًا{ ‪ 50‬وكقمموله تعممالى‪ُ }:‬‬ ‫حه ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ب َرب ّ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫من ال َ‬ ‫أَ‬
‫ل‬ ‫قب ْه ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ت ائ ُْتوِني ب ِك َِتا ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫شْر ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫رو‬ ‫ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نل‬ ‫مهه ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن اللهه ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مه ْ‬ ‫عو ِ‬ ‫ن ي َدْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫قي َ‬ ‫صاِد ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫علم ٍ إ ِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫و أَثاَر ٍ‬ ‫ذا أ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫هه ْ‬ ‫كاُنوا ل َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫شَر الّنا ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فُلو َ‬ ‫غا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عائ ِ ِ‬ ‫ن دُ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ة َ‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫وم ِ ال ْ ِ‬ ‫ه إ َِلى ي َ ْ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن{‪ 0 6‬فقد بينت هذه اليات بيانمما شممافيا قاطعمما للعممذر أن غيممر‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عَبادَت ِ ِ‬ ‫كاُنوا ب ِ ِ‬ ‫و َ‬ ‫داءً َ‬ ‫ع َ‬ ‫أَ ْ‬
‫الله ل يدعى لنه إلى جانب أنه ل ينفع ول يضر لم يخلممق شمميئا بالسممتقلل‪ ،‬كممما لممم يخلممق شمميئا‬
‫بالشركة‪ ،‬وليس عند المشركين أي دليل على ما يفعلون ثم بينت اليات ضلل من يدعو من دون‬
‫صت على أن المدعو غافممل عممن دعمماء الممداعي مممما‬ ‫الله من ل يستجيب له إلى يوم القيامة‪ ،‬بل ن ّ‬
‫يبين عجزه وضعفه وشدة احتياجه إلى خالقه وربه‪ ،‬وقد ذكر القاسمي –رحمه اللممه – فممي اليممات‬
‫الخيرة لطيفة جميلة نقلها عن من يعرف بالناصر وإليك نصها‪":‬لطيفممة‪ :‬قممال الناصممر‪ :‬فممي قمموله‬
‫ة{ نكتة حسنة‪ ،‬وذلك أنه جعل يوم القيامة غاية لعدم السممتجابة‪ ،‬ومممن شممأن‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫وم ِ ال ْ ِ‬ ‫}إ َِلى ي َ ْ‬
‫مغّيا عندها لكن عدم الستجابة مستمر بعد هذه الغاية‪ ،‬لنهم في يوم القيامة أيضمما‬ ‫الغاية انتهاء ال ُ‬
‫ل يستجيبون لهم‪ ،‬فالوجه – والله أعلم – أنها من الغايات المشعرة بأن ممما بعممدها‪ ،‬وإن وافممق ممما‬
‫قبلها‪ ،‬إل أنه أزيد منه زيادة بينة تلحقه بالثاني‪ ،‬حتى كأن الحالتين وإن كانتا نوعا واحدا لتفاوت ما‬
‫بينهما كال شيئ وضده‪ ،‬وذلك أن الحالة الولممى الممتي جعلممت غايتهمما القيامممة‪ ،‬ل تزيممد علممى عممدم‬
‫الستجابة‪ ،‬والحالة الثانية التي في القيامة زادت على عدم السممتجابة بالعممداوة والكفممر بعبممادتهم‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫وآب َههاءَ ُ‬ ‫ء َ‬ ‫ؤل ِ‬ ‫هه ُ‬ ‫ت َ‬ ‫عه ُ‬ ‫مت ّ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫إياهم‪ ،‬فهو من وادي ما تقدم آنفا في سورة الزخرف في قوله‪ }:‬ب َ ْ‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫ِ ْ ٌ َ ِّ ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫ها‬‫ه‬‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫ها‬ ‫قه‬ ‫ق َ‬ ‫حه ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫جههاءَ ُ‬ ‫مهها َ‬ ‫ول َ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫مِبيه ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫سههو ٌ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ق َ‬ ‫حه ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫جههاءَ ُ‬ ‫حّتى َ‬ ‫َ‬
‫‪7‬‬
‫ن {‪0‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫كا ِ‬ ‫َ‬

‫التوبة ‪ /‬آية‪.66 ،65:‬‬ ‫‪1‬‬

‫النمل ‪ /‬آية‪.60 ،59 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن جم ‪.621 – 617/ 7‬‬ ‫‪3‬‬

‫باختصار وتصرف من كتاب دعوة التوحيد للدكتور ‪/‬محمد خليل هراس ص ‪.40 - 35‬‬ ‫‪4‬‬

‫السراء آية‪.57 – 56 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫الحقاف اليات من ‪.6 – 4‬‬ ‫‪6‬‬

‫محاسن التأويل جم ‪ ،5339 ،5338/ 15‬واليتين من سورة الزخرف ‪.29،30‬‬ ‫‪7‬‬


‫فههي‬ ‫هههاَر ِ‬ ‫ج الن ّ َ‬ ‫وُيول ِ ُ‬ ‫ر َ‬ ‫ها ِ‬ ‫في الن ّ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج الل ّي ْ َ‬ ‫ومثل هذه اليات ما جاء في قوله تعالى‪ُ}:‬يول ِ ُ‬
‫مْلهكُ‬ ‫ه ال ُ‬‫ْ‬ ‫م له ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه َرب ّكه ْ‬ ‫م الله ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ى ذل ِكه ُ‬ ‫َ‬ ‫م ً‬ ‫سه ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ري ِل َ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫مَر ك ُ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫خَر ال ّ‬ ‫س ّ‬ ‫و َ‬ ‫ل َ‬ ‫الل ّي ْ ِ‬
‫و‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫ُ َ َ ْ َ ْ‬‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ء‬ ‫عا‬ ‫د‬ ‫عوا‬ ‫م‬
‫َ ْ َ ُ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ِ ٍ ِ ْ َ ْ ُ ُ ْ‬ ‫عو‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ر‬ ‫مي‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫ق‬ ‫َ ِ ْ ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫وال ّ ِ َ َ ْ ُ َ ِ ْ ُ ِ ِ َ َ ْ ِ‬
‫ل‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫ر{‪0‬‬ ‫ِ ٍ‬ ‫بي‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ئ‬ ‫ب‬
‫ُ ّ‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ول‬ ‫م‬
‫ُ َ ِ ِ ْ ِ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬
‫َ َ ِ َ‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جاُبوا ل َك ُ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫عوا َ‬ ‫م ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫فقد أخبر الله فيها عن حال المدعويين من دونه ممن الملئكمة والنبيماء وغيرهمم بمما يمدل‬
‫على عجزهم وضعفهم‪ ،‬وأنهم قد انتفت عنهممم السممباب الممتي تكممون فممي المممدعو‪ ،‬وهممى الملممك‪،‬‬
‫وسماع الدعاء‪ ،‬والقدرة على استجابته‪ ،‬فمتى لم توجد هذه الشروط تامة بطلممت دعمموته‪ ،‬فكيممف‬
‫‪2‬‬
‫إذا عدمت بالكلية؟‪0‬‬
‫التشنيع بحال العابدين لهممذه اللهممة الباطلممة و رميهممم بالضمملل والسممفه وعممدم‬ ‫‪-2‬‬
‫التعقل والتفكر‪ ،‬حيث رضمموا لنفسممهم أن يعبممدوا ممن ل يسممتحق العبممادة ممممن ل يملممك لهممم ول‬
‫لغيرهم نفعا ول ضرا ول يسمع ول يبصر‪،‬ول يملك من أمر نفسه شمميئا‪ ،‬وذلممك لن اللممه يجممب أن‬
‫يكون متصفا بصفات الجلل والكمال منزها عن صفات العجمز والنقممص والحمدوث والحتيماج‪ ،‬لن‬
‫ف‬ ‫كل ذلك مناف لللهية ‪ 0‬قال تعالى على لسان إبراهيم – عليه السلم – في خطابه لقممومه‪}:‬أ ُ ّ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ه ِ‬ ‫ق َ‬ ‫حهه ّ‬ ‫وة ُ ا ل ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ه دَ ْ‬ ‫ن{‪ 0‬وقال تعالى‪}:‬ل َ ُ‬
‫‪3‬‬
‫قُلو َ‬ ‫ع ِ‬ ‫فل ت َ ْ‬ ‫ه أَ َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ول ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ما‬ ‫ُ َ َ‬‫و‬ ‫ه‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫غ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ب‬
‫ِ َ ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ء‬
‫ِ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫ْ ِ ِ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ط‬‫َ ِ ِ‬ ‫س‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬
‫ْ ِ‬ ‫ء‬
‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫َ ْ َ ِ ُ َ ُ ْ ِ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫بو‬ ‫جي‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ن‬
‫َ ِ ْ ُ ِ ِ‬ ‫دو‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫ي َدْ‬
‫‪4‬‬
‫ل{‪0‬‬ ‫ٍ‬ ‫ضل‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬
‫ِ َ ِ‬ ‫ن‬ ‫ري‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫عا‬ ‫َ‬ ‫د‬
‫ِ َ َ ُ‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫غ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ه َ ِ َ‬
‫ب‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫جم‪ -‬تصوير ما سيكون وسيقع يوم القيامة بين العابدين والمعبودين‪ ،‬وبين التباع‬
‫والمتبوعين من التبرؤ والمعاداة وتنصل المعبودين من جناية هؤلء العابدين‪ ،‬وإنكممارهم أن‬
‫ميعا ً‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫شُر ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫يكون لهم يد في إضللهم وشركهم‪ ،‬ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫كان َك ُ َ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫مهها‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ؤ ُ‬ ‫كا ُ‬ ‫ش هَر َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫فَزي ّل َْنا ب َي ْن َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ؤك ُ ْ‬ ‫كا ُ‬ ‫شَر َ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫كوا َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ن‬ ‫فِلي َ‬ ‫غهها ِ‬ ‫مل َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عب َههادَت ِك ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عه ْ‬ ‫ن كن ّهها َ‬ ‫ُ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ُ‬
‫وب َي ْن َكه ْ‬ ‫هيدا ب َي ْن َن َهها َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫بال‬ ‫ِ‬ ‫فى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫دو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫يا‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ك ُن‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ما كههاُنوا‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫و َ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ول ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫دوا إ ِلى الل ِ‬ ‫َ‬ ‫وُر ّ‬ ‫ت َ‬ ‫ف ْ‬ ‫سل َ‬‫َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ُ‬
‫هَنال ِك ت َب ْلو ك ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف ٍ‬ ‫ُ‬
‫‪5‬‬
‫ن{‪0‬‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫يقول ابن كثير في هذه اليات‪":‬وفى هذا تبكيت عظيم للمشممركين الممذين عبممدوا مممع اللممه‬
‫غيره‪ ،‬ممن ل يسمع ول يبصر‪ ،‬ول يغنى عنهم شيئا‪ ،‬ولم يأمرهم بذلك ول رضي بممه ول أراده‪ ،‬بممل‬
‫تبرأ منهم في وقت أحوج ما يكونون إليه‪ ،‬وقد تركوا عبادة الحي القيمموم السممميع البصممير‪ ،‬القممادر‬
‫على كل شيء‪ ،‬العليم بكل شيء‪ ،‬وقد أرسل رسله وأنزل كتبه آمرا بعبممادته وحممده ل شممريك لممه‬
‫َ‬ ‫في ك ُ ّ ُ‬
‫ه‬‫دوا الّلهه َ‬ ‫عُبهه ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫سول ً أ ِ‬ ‫ة َر ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫لأ ّ‬ ‫عث َْنا ِ‬ ‫قد ْ ب َ َ‬ ‫ول َ َ‬ ‫ناهيا عن عبادة ما سواه‪ ،‬كما قال تعالى‪َ }:‬‬
‫ة{ ‪ ،‬وقممال‬ ‫‪6‬‬
‫ضههلل َ ُ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫عل َي ْه ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ق‬ ‫ّ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ُ ْ َ ْ‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫دى‬ ‫ه َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت َ‬ ‫غو َ‬ ‫طا ُ‬ ‫جت َن ُِبوا ال ّ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫ن{‪،7‬‬ ‫دو‬ ‫بهه‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ه أ َن ّه ل إل َه إّل أ َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫حي‬ ‫ِ‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫تعالى‪}:‬وما أ َ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سأ َ ْ‬
‫دون‬ ‫عب َ ُ‬ ‫ة يُ ْ‬ ‫ه ً‬ ‫ن آل ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫عل َْنا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫سل َِنا أ َ‬ ‫ن ُر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫قب ْل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ن أْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وا ْ‬ ‫وقال‪َ }:‬‬
‫‪8‬‬
‫َ{‪0‬‬
‫والمشركون أنواع وأقسام كثيرون قد ذكرهم الله في كتابه‪ ،‬وبين أحمموالهم وأقمموالهم ورد‬
‫‪9‬‬
‫عليهم فيما هم فيه أتم رد"‪0‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬بعض أحاديث سد الذرائع المتعلقة بالشرك الكبر ‪0‬‬
‫بعث رسول الهدى صلى الله عليه وسلم رحممة للعمالمين وهدايمة للنماس أجمعيمن‪ ،‬وكمان‬
‫صلى الله عليه وسلم حريصا كل الحرص على رجوع العباد إلى ربهم وعبممادتهم لممه وحممده‪ ،‬وكممان‬
‫ب دعوته ودعوة‬ ‫توحيد العبادة على رأس المهمات التي ركز عليها صلى الله عليه وسلم‪ ،‬بل هو ل ُ ّ‬
‫إخوانه من النبياء والمرسلين‪ ،‬ولذلك ل نجد عجبا حينما نجممد كتممب السممنة قممد امتلت بكممثير مممن‬
‫الحاديث التي حذر فيها النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الشممرك‪ ،‬واحتمماط صمملى اللممه عليممه‬
‫كد وكممرر‬ ‫وسلم لهذا المر احتياطا عظيما بالغا‪ ،‬فسد الذرائع وأغلق أي باب يؤدى إلى الشرك‪ ،‬وأ ّ‬
‫ونهى وحذر في مواقف مختلفة متعددة‪ ،‬حتى وقع ذلممك منممه صمملى اللممه عليممه وسمملم وهممو علممى‬
‫فراش الموت ‪0‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية‪":‬وقد كان النبي صلى اللممه عليممه وسمملم يحقممق هممذا التوحيممد‬
‫لمته‪ ،‬ويحسم عنهم مواد الشرك‪ ،‬إذ هذا تحقيق قولنا "ل إله إل الله"‪ ،‬فإن اللممه هممو الممذي تممألهه‬
‫‪10‬‬
‫القلوب لكمال المحبة والتعظيم والجلل والكرام والرجاء والخوف" ‪0‬‬

‫فاطر ‪ /‬آية‪.14 ،13 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ‪.188 /‬‬ ‫‪2‬‬

‫النبياء ‪ /‬آية‪.67 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫الرعد ‪ /‬آية‪.14 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫يونس اليات من ‪.30 – 28‬‬ ‫‪5‬‬

‫النحل ‪ /‬آية‪.36:‬‬ ‫‪6‬‬

‫النبياء ‪ /‬آية‪.25 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫الزخرف ‪ /‬آية‪.45 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫تفسير ابن كثير جم ‪ ،202 ،201/ 3‬وراجع ما بعدها من صفحات فإنه كلم جيد ونفيس ‪0‬‬ ‫‪9‬‬

‫مجموع الفتاوى جم ‪.136/ 1‬‬ ‫‪10‬‬


‫وهذه نبذة يسيرة مما قاله صلى الله عليه وسلم في ذلك ‪0‬‬
‫نهى عن الغلو فيه حتى ل يكون ذلك ذريعة إلى عبادته من دون الله‪ ،‬أو مع الله‬ ‫‪-1‬‬
‫‪0‬‬
‫فعن عمر بن الخطماب – رضمي اللمه عنمه – قمال‪:‬سممعت النمبي صملى اللمه عليمه وسملم‬
‫‪1‬‬
‫يقول‪":‬ل تطروني كما أطرت النصارى ابن مريمم‪ ،‬فإنمما أنمما عبمده فقولمموا‪ :‬عبمد اللمه ورسموله"‬
‫والطراء هو مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه ‪ ،2‬ولذلك نهى عنه النبي صلى الله عليه وسمملم‬
‫حتى ل تقع أمته فيه‪ ،‬وتفعل كما فعلت النصارى بعيسى بن مريم ‪0‬‬
‫قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في شرحه للحممديث‪":‬أي ل تمممدحوني فتغلمموا‬
‫في مدحي كما غلت النصارى في عيسى – عليه السلم‪ -‬فاّدعوا فيه اللهيممة‪ ،‬وإنممما أنمما عبممد اللممه‬
‫‪3‬‬
‫ورسوله فصفوني بذلك كما وصفني ربى فقولوا عبد الله ورسوله…"‪0‬‬
‫وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الغلو بصفة عامة أهلك المم السابقة‪ ،‬وكان سممببا‬
‫في القضاء عليها‪ ،‬ومن هنا حذر أمته منه حتى ل تهلك كهلكهم‪ ،‬فعن ابن عباس – رضي الله عنه‬
‫– قال‪":‬قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداه جمع ‪ 4‬هّلم القط لي‪ ،‬فلقطت له حصيات‬
‫من حصى الخذف ‪ ،5‬فلما وضعهن في يده قال‪ :‬نعم بأمثال هؤلء‪ ،‬وإياكم والغلو في الممدين فإنممما‬
‫‪6‬‬
‫هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين"‪0‬‬
‫ولمسلم عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫"هلك المتنطعون" قالها ثلثا ‪ 70‬والمتنطعمون‪ :‬همم المتعمقمون الغمالون المجماوزون الحمدود فمي‬
‫‪8‬‬
‫أقوالهم وأفعالهم ‪0‬‬
‫وكرر النبي صلى الله عليه وسمملم هممذه الكلمممة ثلث مممرات مبالغممة فممي التعليممم والبلغ‪،‬‬
‫وتحذيرا من الوقوع فيه لخطره وضرره على العقيدة وحماية لجناب التوحيد ‪0‬‬
‫قال ابن القيم‪":‬فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه‪ ،‬وخير الناس النمط الوسط‪ ،‬وقممد‬
‫جعل الله سبحانه هذه المممة وسممطا‪ ،‬وهممى الخيممار العممدل لتوسممطها بيممن الطرفيممن المممذمومين‪،‬‬
‫والعدل‪ :‬هو بين طرفي الجور والتفريط‪ ،‬والفات إنمما تتطمرق إلمى الطمراف والوسماط محميمة‬
‫بأطرافها‪ ،‬فخيار المور أوساطها ‪0‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫‪9‬‬
‫بها الحوادث حتى أصبحت طرفا‪0‬‬ ‫كانت هي الوسط المحمى فاكتنفت‬
‫وقد كان الغلو هو سبب عبادة الصنام وحدوث الشرك في الرض كممما جمماء فممي البخممارى‬
‫ن‬‫ول ت َهذَُر ّ‬
‫م َ‬ ‫هت َك ُه ْ‬ ‫قاُلوا ل ت َهذَُر ّ‬
‫ن آل ِ َ‬ ‫و َ‬
‫عن ابن عباس – رضي الله عنه‪ -‬في قول الله تعممالى‪َ } :‬‬
‫سرًا{ ‪ 10‬قال‪" :‬أسممماء رجممال صممالحين مممن قمموم نمموح‪،‬‬ ‫ون َ ْ‬‫عوقَ َ‬
‫وي َ ُ‬
‫ث َ‬
‫غو َ‬
‫ول ي َ ُ‬‫واعا ً َ‬
‫س َ‬ ‫ودّا ً َ‬
‫ول ُ‬ ‫َ‬
‫فلما هلكوا أوحى الشيطان إلمى قمومهم أن انصمبوا إلمى مجالسمهم المتي كمانوا يجلسمون أنصمابا‬
‫‪12‬‬
‫وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد‪ ،‬حتى إذا هلك أولئك وتنسخ ‪ 11‬العلم عبدت"‪0‬‬
‫فهؤلء كما جاء في الحديث غلوا في هؤلء الصالحين لما ّ صوروا صممورهم ونصممبوها فممي‬
‫مجالسهم‪ ،‬وكان الدافع لهم إلى ذلك – في زعمهم‪ -‬أن ينشطوا ويجتهممدوا فممي الطاعممة والعبممادة‬
‫ويسلكوا سبيلهم ولكن آل المر بعد طول المد وغلبة الجهممل ووسوسممة الشمميطان إلممى عبممادتهم‬
‫من دون الله عز وجل‪ ،‬وقد ساق ابن جرير الطبري بإسناده إلى محمد بن قيس أنممه قممال‪":‬كممانوا‬
‫قوما صالحين من بنى آدم‪ ،‬وكان لهم أتباع يقتدون بهممم‪ ،‬فلممما ممماتوا قممال أصمحابهم الممذين كممانوا‬
‫يقتدون بهم‪ :‬لو صورناهم كان أشوق لنا إلممى العبممادة إذا ذكرنمماهم فصمموروهم‪ ،‬فلممما ممماتوا وجمماء‬
‫‪13‬‬
‫آخرون دب إليهم إبليس فقال‪":‬إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم"‪0‬‬

‫أخرجه البخاري في كتاب النبياء باب ‪ 48‬جم ‪ ،478 / 6‬والدرامي في كتاب الرقائق جم ‪،320/ 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫وأحمد في مسنده جم ‪.55 ،47 ،24 ،1/23‬‬


‫النهاية في غريب الحديث والثر جم ‪.3/123‬‬ ‫‪2‬‬

‫فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص ‪.231 ،203‬‬ ‫‪3‬‬

‫يعنى مزدلفة ‪0‬‬ ‫‪4‬‬

‫أي حصى صغارا‪ .‬انظر لسان العرب جم ‪.61 / 9‬‬ ‫‪5‬‬

‫أخرجه أحمد في مسنده جم ‪ ،347 ،1/215‬والنسائي في كتاب مناسك الحج جم ‪ ،218/ 5‬وابن ماجة‬ ‫‪6‬‬

‫كتاب المناسك باب ‪ 63‬جم ‪ ،2/1008‬وابن أبى عاصم في السنة جم ‪ ،1/46‬والحاكم في المستدرك‪،‬‬
‫وقال‪:‬صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫صحيح مسلم كتاب العلم باب ‪ 4‬جم ‪.2055 / 4‬‬ ‫‪7‬‬

‫شرح النووي على مسلم جم ‪.220 / 16‬‬ ‫‪8‬‬

‫إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان جم ‪.182 / 1‬‬ ‫‪9‬‬

‫نوح ‪ /‬آية‪.23 :‬‬ ‫‪10‬‬

‫يعنى تحول وتغير ونسى بسبب ذهاب العلماء ‪0‬‬ ‫‪11‬‬

‫البخاري كتاب التفسير جم ‪.667/ 8‬‬ ‫‪12‬‬


‫قال الشيخ عبد الرحمممن بممن حسممن‪":‬فصممارت هممذه الصممنام بهممذا التصمموير علممى صممور‬
‫سّلما إلى عبادتها‪ ،‬وكل ما عبد من دون الله مممن قممبر‪ ،‬أو مشممهد‪ ،‬أو صممنم‪ ،‬أوطمماغوت‬ ‫الصالحين ُ‬
‫‪1‬‬
‫فالصل في عبادته هو الغلو كما ل يخفى على ذوى البصائر"‪0‬‬
‫وقال الشيخ حافظ الحكمي بعد ذكره لحديث ابن عبمماس‪":‬فلممو جمماءهم اللعيممن وأمرهممم‬
‫من أول مرة بعبادتهم لم يقبلوا ولم يطيعوه‪ ،‬بل أمر الولين بنصب الصور لتكممون ذريعممة للصمملة‬
‫‪2‬‬
‫عندها ممن بعدهم‪ ،‬ثم تكون عبادة الله عندها ذريعة إلى عبادتها ممن يخلفهم"‪0‬‬
‫وقال الشيخ صديق حسن خان‪":‬ومن أسباب عبادة الصنام الغلو في المخلوق وإعطاؤه‬
‫‪3‬‬
‫فوق منزلته"‪0‬‬
‫بيان النبي صلى الله عليه وسلم أن الستغاثة بالله وحده ‪0‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الستغاثة‪ :‬هي طلب الغوث وهو إزالة الشدة ‪0‬يقال‪ :‬استغاثني فلن فأغثته‪ ،‬ول تجوز بغيممر‬
‫الله فيما ل يقدر عليه إل الله ‪ 0‬قال تعالى مبينا استغاثة الرسول صلى الله عليممه وسمملم وصممحبه‬
‫َ‬ ‫فاست َجاب ل َك ُ َ‬
‫ملئ ِك َ ِ‬
‫ة‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬‫ف ِ‬ ‫م ب ِأل ْ ٍ‬ ‫مدّك ُ ْ‬‫م ِ‬ ‫م أّني ُ‬ ‫ْ‬ ‫م َ ْ َ َ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫غيُثو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫الكرام بربهم وحده‪}:‬إ ِذْ ت َ ْ‬
‫‪4‬‬
‫ن {‪0‬‬ ‫في َ‬‫مْرِد ِ‬ ‫ُ‬
‫وعن عمر بن الخطاب‪ -‬رضي الله عنه – قال‪":‬لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصممحابه ثلثمممائة وتسممعة عشممر رجل‪ ،‬فاسممتقبل نممبي اللممه‬
‫صلى الله عليه وسلم القبلة‪ ،‬ثم مد يديه فجعل يهتف بربه‪":‬اللهم انجز لي ما وعدتني‪ ،‬اللهممم آت‬
‫ما وعدتني‪ ،‬اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل السلم ل تعبد في الرض"‪ ،‬فمازال يهتف بربممه‪،‬‬
‫مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه‪ ،‬فأتمماه أبممو بكممر فأخممذ رداءه فألقمماه علممى‬
‫منكبيه‪ ،‬ثم التزمه من ورائه‪ ،‬وقال‪:‬يا نبي الله كفاك مناشممدتك ربممك فممإنه سممينجز لممك ممما وعممدك‬
‫َ‬ ‫فاست َجاب ل َك ُ َ‬
‫ملئ ِك َ ِ‬
‫ة‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬‫ف ِ‬ ‫م ب ِأل ْ ٍ‬ ‫مدّك ُ ْ‬‫م ِ‬ ‫م أّني ُ‬ ‫ْ‬ ‫م َ ْ َ َ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫غيُثو َ‬ ‫ست َ ِ‬‫فأنزل الله عز وجل‪}:‬إ ِذْ ت َ ْ‬
‫‪5‬‬
‫ن{‪ ،‬فأمده الله بالملئكة"‪0‬‬ ‫في َ‬‫مْرِد ِ‬ ‫ُ‬
‫وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – قال‪:‬قال أبو بكممر‪ :‬قوممموا بنمما‬
‫نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق‪ ،‬فقال رسول اللممه صمملى اللممه عليممه‬
‫‪6‬‬
‫وسلم‪":‬إنه ل يستغاث بي وإنما يستغاث بالله عز وجل" ‪0‬‬
‫قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بعد ذكره للحديث‪":‬فيه النص على أنه ل يستغاث بالنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ول بمن دونه ‪ 0‬كره النبي صلى الله عليممه وسمملم أن يسممتعمل هممذا اللفممظ‬
‫في حقه‪ ،‬وإن كان مما يقدر عليه في حياته‪ ،‬حمايممة لجنمماب التوحيممد وسممدا لمذرائع الشممرك وأدبمما‬
‫وتواضعا لربه وتحذيرا للمة من وسائل الشرك في القوال والفعممال‪ ،‬فممإذا كممان هممذا فيممما يقممدر‬
‫عليه صلى الله عليه وسلم في حياته‪ ،‬فكيف يجوز أن يستغاث به بعد وفاته"‪0‬‬
‫وقال في قرة العيون‪" :‬وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم كممان يقممدر أن يغيثهممم مممن‬
‫ذلك المنافق فيكون نهيه صلى الله عليه وسلم عن السممتغاثة بممه حمايممة لجنمماب التوحيممد‪ ،‬وسممدا‬
‫لذرائع الشرك كنظائره مما للمستغاث به قدرة عليه مما كان يستعمل لغة وشرعا مخافة أن يقع‬
‫من أمته استغاثة بمن ل يضر ول ينفع"‪70‬قلت‪ :‬ويظهر بذلك أن الستغاثة نوعان‪:‬‬
‫أ‪-‬استغاثة ل يقدر عليها إل الله ول تطلب إل منه وحده‪ ،‬وطلبها من غيره شرك‪ ،‬وهى التي‬
‫تقدم الحديث عنها ‪0‬‬
‫ب‪-‬استغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه ويتمكن من فعله والقيممام بممه‪ ،‬فهممذه ليسممت شممركا‪،‬‬
‫وذلك كاستغاثة الغريق مثل بمن ينقذه ومنه استغاثة السممرائيلي بموسممى – عليممه السمملم – كممما‬
‫سههى‬ ‫مو َ‬ ‫وك ََزهُ ُ‬
‫فه َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ِ‬
‫ع هد ُ ّ‬‫ن َ‬ ‫مه ْ‬‫ذي ِ‬ ‫عل َههى ال ّه ِ‬
‫ه َ‬
‫عت ِ ِ‬
‫شههي َ‬
‫ن ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫ذي ِ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫غاث َ ُ‬
‫ست َ َ‬ ‫جاء فممي قمموله‪َ }:‬‬
‫فا ْ‬
‫‪8‬‬
‫ه{‪0‬‬‫عل َي ْ ِ‬
‫ضى َ‬ ‫ق َ‬‫ف َ‬
‫َ‬
‫النهى عن اتخاذ القبور مساجد وعبادة الله عندها ‪0‬‬ ‫‪-3‬‬

‫جامع البيان في تفسير القرآن جم ‪.62 / 29‬‬ ‫‪13‬‬

‫فتح المجيد الهامش ص ‪.225‬‬ ‫‪1‬‬

‫معارج القبول جم ‪.422 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫الدين الخالص جم ‪.445 /2‬‬ ‫‪3‬‬

‫النفال ‪ /‬آية‪.9 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫مسلم كتاب الجهاد باب ‪ 18‬جم ‪ ،1384/ 3‬وأحمد في مسنده جم ‪.32 ،30 / 1‬‬ ‫‪5‬‬

‫قال الهيثمي في مجمع الزوائد جم ‪ :159 / 10‬رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة‬ ‫‪6‬‬

‫وهو حسن الحديث ‪ 0‬قلت‪ :‬ابن لهيعة ضعيف مختلط إل في رواية العبادلة عنه‪ ،‬وهذه ليست منها‪،‬‬
‫وقد ذكر بعض العلماء هذا الحديث في كتبهم كابن تيمية وغيره وسقته هناك كشاهد على موضوع سد‬
‫الذرائع التي أنا بصدد الحديث عنها ‪0‬‬
‫فتح المجيد ‪ ،185 ،184 /‬وبها مشه كلمه في قرة العيون ‪0‬‬ ‫‪7‬‬

‫القصص ‪ /‬آية‪.15 :‬‬ ‫‪8‬‬


‫قبممل بيممان ممما ورد فممي الشممرع مممن ذلممك أرى مممن الضممروري أن أبيممن أول ً صممفة القبممور‬
‫الشرعية‪ ،‬حتى يتبين لنا المخالفات التي وقع فيها من اتخذوا القبور مساجد‪ ،‬ونفهممم أيضمما أهميممة‬
‫التحذيرات المتكررة من النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه الشديد عن اتخاذ القبور مساجد ‪0‬‬
‫قال ابن فارس في مادة "قبر"‪":‬القاف والباء والراء أصل صحيح يدل على غممموض فممي‬
‫شمميئ وتطممامن‪ ،1‬ومممن ذلممك القممبر قممبر الميممت‪ ،‬ويقممال فممي اللغممة‪ :‬أطمممأنت الرض وتطممأمنت‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫انخفضت ‪0‬‬
‫وهذا يحدد مفهوم كلمة "قبر" في اللغة‪ ،‬وهو ما كان من المواضممع منخفضمما غيممر شممارع‬
‫ول بارز ‪0‬‬
‫وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في سنته صفة القبممور‪ ،‬وممما يجممب أن تكممون عليممه‪،‬‬
‫ومن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما‪ -‬قال‪ ":‬نهى رسول اللممه صمملى اللممه عليممه‬
‫‪3‬‬
‫وسلم أن يجصص القبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه" ‪0‬‬
‫وعن أبى الهياج السدي قال‪ :‬قال لي على بن أبى طالب‪ :‬أل أبعثك علمى ممما بعثنمي عليمه‬
‫‪4‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪":‬أن ل تدع تمثال ً إل طمسته ول قبرا مشرفا إل سويته"‪0‬‬

‫أي انخفاض‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر معجم مقاييس اللغة ج ‪5/47‬ولسان العرب جم ‪.268 / 13‬‬ ‫‪2‬‬

‫أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ‪ 32‬جم ‪ ،667/ 2‬وأحمد في مسنده جم ‪ ،339 /3‬والترمذي في‬ ‫‪3‬‬

‫أبواب الجنائز باب ‪ 57‬جم ‪ ،155 / 4‬وأبو داود في كتاب الجنائز باب ‪ 76‬جم ‪.552/ 3‬‬
‫أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ‪ 31‬جم ‪ ،666/ 2‬والترمذي في أبواب الجنائز باب ‪ 55‬جم ‪،4/150‬‬ ‫‪4‬‬

‫وأبو داود في كتاب الجنائز باب ‪ 72‬جم ‪.548 / 3‬‬


‫وقد وردت أحاديث كثيرة بهممذا المعنممى‪ ،‬وكلهمما تممدل علممى تحريممم البنمماء علممى القبممور أو‬
‫‪1‬‬
‫الكتابة عليها وتجصيصها‪ ،‬وإيقاد السرج عليها‪0‬‬
‫والن إلى ذكر بعض الحمماديث الممواردة فممي النهممى عممن اتخمماذ القبممور مسمماجد والصمملة‬
‫عندها‪ ،‬وبيان ما في ذلك من سد لذرائع الشرك ‪0‬‬
‫‪-1‬عن عائشة وعبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال‪ :‬لما نزل ‪ 2‬برسول الله صمملى‬
‫الله عليه وسلم طفق‪ 3‬صلى الله عليه وسلم يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتنم بهمما كشممفها‬
‫عن وجهه فقال وهو كذلك‪" :‬لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيمائهم مسماجد" يحمذر‬
‫‪4‬‬
‫ما صنعوا‪0‬‬
‫قال القرطبي في معنى الحديث‪":‬وكل ذلك لقطع الذريعة المؤديممة إلممى عبممادة مممن فيهمما‪،‬‬
‫كما كان السبب في عبادة الصنام"‪ ،‬وقال أيضًا‪":‬ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعممة فممي قممبر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فأعلوا حيطان تربته وسدوا المممداخل إليهمما‪ ،‬وجعلوهمما محدقممة بقممبره‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ثم خافوا أن يتخذ موضع قممبره قبلممة إذا كممان مسممتقبل المصمملين‪ ،‬فتصممور‬
‫الصلة إليه بصورة العبادة‪ ،‬فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حممتى التقيمما علممى‬
‫‪5‬‬
‫زاوية مثلثة من ناحية الشمال‪ ،‬حتى ل يمكنوا أحدا من استقبال قبره ‪0‬‬

‫يراجع في ذلك المبحث الثالث من الفصل الثاني من كتابي "أصول العتقاد عند المام البغوي"‪0‬‬ ‫‪1‬‬

‫ُنزل و نزل‪ ،‬والمعنى‪ :‬لما نزل ملك الموت‪ ،‬أو حضرت المنية‪ ،‬والوفاة رسول الله صلى الله عليه‬ ‫‪2‬‬

‫وسلم‬
‫طفق‪ :‬بكسر الفاء وفتحها‪ ،‬أي‪ :‬جعل‪ ،‬والكسر أفصح وأشهر ‪0‬‬ ‫‪3‬‬

‫الحديث أخرجه البخاري في مواضع منها كتاب الصلة باب ‪ 55‬جم ‪ ،1/532‬وكتاب الجنائز باب ‪ 61‬جم‬ ‫‪4‬‬

‫‪ ،200/ 3‬وباب ‪ 96‬جم ‪ ،3/255‬وكتاب أحاديث النبياء باب ‪ 50‬جم ‪ ،6/494‬ومسلم في كتاب المساجد‬
‫باب ‪ 3‬جم ‪ ،377 /1‬والنسائي في كتاب المساجد باب النهى عن اتخاذ القبور مساجد جم ‪ 2/33‬وأحمد‬
‫في مسنده جم ‪.275 ،228/ 6‬‬
‫فتح المجيد ‪.239/‬‬ ‫‪5‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية‪":‬فحرم صلى اللممه عليممه وسمملم أن تتخممذ قبممورهم مسمماجد‬
‫بقصد الصلوات فيها‪ ،‬كما تقصد المساجد‪ ،‬وإن كان القاصد لذلك إنما يقصد عبادة الله وحده‪ ،‬لن‬
‫ذلك ذريعة إلى أن يقصدوا المسجد لجل صاحب القبر ودعائه‪ ،‬والدعاء به‪ ،‬والدعاء عنممده‪ ،‬فنهممى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ هذا المكان لعبممادة اللممه وحممده لئل يتخممذ ذريعممة إلممى‬
‫الشرك بالله‪ ،‬والفعل إذا كان يفضى إلى مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة ينهى عنممه‪ ،‬كممما نهممى‬
‫عن الصلة في الوقات الثلثة لما في ذلك من المفسدة الراجحة‪ ،‬وهو التشبه بالمشركين الممذي‬
‫‪1‬‬
‫يفضى إلى الشرك"‪0‬‬
‫وقال في موطن آخر‪":‬إنه نهى عن بناء المساجد على القبور ولعن من فعل ذلك‪ ،‬ونهممى‬
‫عن تكبير القبور وتشريفها وأمر بتسويتها‪ ،‬ونهى عن الصلة إليهمما وعنممدها‪ ،‬وعممن إيقمماد المصممابيح‬
‫عليها لئل يكون ذلك ذريعة إلى اتخاذها أوثانا‪ ،‬وحرم ذلك على من قصد هذا ومن لممم يقصممده بممل‬
‫‪2‬‬
‫قصد خلفه سدا للذريعة"‪0‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-2‬وفى الصحيحين وغيرهما أن أم حبيبة وأم سلمة – رضي اللممه عنهممما – ذكرتمما كنيسممة‬

‫مجموع الفتاوى جم ‪.164 ،163 / 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫مجموعة الفتاوى الكبرى جم ‪.141 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫أخرجه البخاري في كتاب الصلة باب ‪ 48‬جم ‪ ،1/523‬وباب ‪ 54‬جم ‪ ،1/531‬وكتاب الجنائز باب ‪ 70‬جم‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،208 / 3‬وكتاب مناقب النصار باب ‪ 37‬جم ‪ ،187،188 / 7‬ومسلم في كتاب المساجد باب ‪ 3‬جم ‪/ 1‬‬
‫‪ ،375‬والنسائي في كتاب المساجد جم ‪.33/ 2‬‬
‫رأينها بأرض الحبشة وما فيها ممن الصمور‪ ،‬فقمال صملى اللمه عليمه وسملم‪":‬أولئك إذا ممات فيهمم‬
‫الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا ً وصوروا فيه تلك الصور‪ ،‬أولئك شرار الخلق‬
‫عند الله"‪0‬‬
‫قال ابن حجممر‪":‬وإنممما فعممل ذلممك أوائلهممم ليتأسمموا برؤيممة تلممك الصممور ويتممذكروا أحمموالهم‬
‫الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم‪ ،‬ثم خلف من بعدهم خلوف جهلوا مرادهم‪ ،‬ووسوس لهم الشمميطان‬
‫أن أسلفكم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فعبدوها‪ ،‬فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عممن‬
‫‪1‬‬
‫مثل ذلك سدا للذريعة المؤدية إلى ذلك ‪0‬‬
‫وقال ابن القيم بعد ذكره لهذا الحديث وغيممره مممن الحمماديث الناهيممة عممن اتخمماذ القبممور‬
‫مساجد‪":‬إن فتنة الشرك بالصلة فممي القبمور ومشمابهة عبمماد الوثممان أعظمم بكمثير ممن مفسمدة‬
‫الصلة بعد العصر والفجر‪ ،‬فإذا نهى عن ذلممك‪ ،‬أي عممن الصمملة بعممد هممذين الوقممتين سممدا لذريعممة‬
‫التشبه التي ل تكاد تخطر ببال المصلى‪ ،‬فكيف بهذه الذريعة القريبة التي كثيرا ممما تممدعو صمماحبها‬
‫إلى الشرك ودعاء الموتى واستغاثتهم‪ ،‬وطلب الحمموائج منهممم‪ ،‬واعتقمماد أن الصمملة عنممد قبممورهم‬
‫‪2‬‬
‫أفضل منها في المساجد مما هو محادة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم "‪0‬‬

‫فتح الباري جم ‪.1/525‬‬ ‫‪1‬‬

‫إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان جم ‪.188 /1‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪ -3‬وعن جندب بن عبد الله البجلي أنه سمع النبي صلى الله عليممه وسمملم قبممل أن يممموت‬
‫بخمس وهو يقول "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل‪ ،‬فإن الله تعممالى قممد اتخممذني خليل ً‬
‫ل‪ ،‬ولو كنت متخذا من أمتي خليل ً لتخممذت أبمما بكممر خليل ‪ 0‬أل وإن مممن كممان‬
‫كما اتخذ ابراهيم خلي ً‬
‫قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ‪ 0‬أل فل تتخذوا القبممور مسمماجد إنممي أنهمماكم‬
‫‪1‬‬
‫عن ذلك"‪0‬‬
‫قال النووي‪":‬قال العلماء‪ :‬إنما نهى النبي صلى الله عليمه وسملم عمن اتخماذ قمبره وقمبر‬
‫غيره مسجدا ً خوفا ً من المبالغة في تعظيمه والفتتان به‪ ،‬فربما أدى ذلك إلممى الكفممر‪ ،‬كممما جممرى‬
‫‪2‬‬
‫لكثير من المم الخالية …‪0"..‬‬
‫وقال ابن القيم‪":‬إن النبي صلى الله عليه وسلم نهممى عممن بنمماء المسمماجد علممى القبممور‪،‬‬
‫ولعن من فعل ذلك‪ ،‬ونهى عن تجصيص القبممور وتشممريفها واتخاذهمما مسمماجد‪ ،‬وعممن الصمملة إليهمما‬
‫وعندها‪ ،‬وعن إيقاد المصابيح عليها‪ ،‬وأمر بتسويتها ونهى عن اتخاذها عيدا‪ ،‬وعن شد الرحال إليها‪،‬‬
‫لئل يكون ذلك ذريعة إلى اتخاذها أوثانا والشراك بها‪ ،‬وحرم ذلك على من قصده ومن لم يقصده‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫دا للذريعة"‪0‬‬
‫بل قصد خلفه س ّ‬

‫أخرجه مسلم في صحيحة كتاب المساجد باب ‪ 3‬جم ‪.378 ،377 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫شرح النووي على مسلم جم ‪.13 / 5‬‬ ‫‪2‬‬

‫إعلم الموقعين عن رب العالمين جم ‪.151/ 3‬‬ ‫‪3‬‬


‫وقد ذكر الصنعاني بعد سياقه لبعض الحاديث المبينمة لصمفات القبمور الشمرعية‪":‬وهمذه‬
‫الخبار المعبر فيها باللعن والتشبيه بقوله‪":‬ل تجعلوا قبري وثنا يعبد من دون الله"‪ ،‬تفيممذ التحريممم‬
‫للعمارة والممتزيين والتجصمميص‪ ،‬ووضممع الصممندوق المزخممرف‪ ،‬ووضممع السممتائر علممى القممبر وعلممى‬
‫سمائه‪ ،‬والتمسح بجدار القبر‪ ،‬وأن ذلك قد يفضى مع بعد العهد وفشو الجهل إلممى ممما كممان عليممه‬
‫المم السابقة من عبادة الوثان‪ ،‬فكان في المنع عن ذلك بالكلية قطع لهذه الذريعة المفضية إلى‬
‫الفساد‪ ،‬وهو المناسب للحكمة المعتبرة فمي شمرع الحكمام ممن جلمب المصمالح ودفمع المفاسمد‬
‫‪1‬‬
‫سواء كانت بأنفسها أو باعتبار ما تفضي إليه"‪0‬‬
‫‪-4‬وعن ثابت بن الضحاك – رضي الله عنه – قال‪":‬نذر رجمل علمى عهمد النمبي صملى اللمه‬
‫عليه وسلم أن ينحر إبل ببوانة‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم هممل كممان فيهمما وثممن مممن أوثممان‬
‫الجاهلية يعبد؟ قالوا‪:‬ل‪ ،‬قال‪ :‬هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالو‪ :‬ل ‪ 0‬قال رسول الله صلى الله‬
‫‪2‬‬
‫عليه وسلم " أوف بنذرك‪ ،‬فإنه ل وفاء لنذر في معصية الله ول فيما ل يملك ابن آدم"‪0‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬سد الذرائع المؤدية إلى الشرك الصغر ‪0‬‬
‫الشرك الصغر‪ :‬هو النوع الثاني من أنمواع الشمرك بعمد الكمبر‪ ،‬وهمو ل يخمرج ممن الملمة‪،‬‬
‫ولكنه قد يحبط العمل الذي يصاحبه أو ينقص ثوابه ‪ ،3‬وقد خاف النبي صلى الله عليه وسلم على‬
‫أمته منه‪ ،‬كما جاء في حديث محمود بمن لبيمد أن رسمول اللمه صملى اللمه عليمه وسملم قمال‪":‬إن‬
‫أخوف ما أخاف عليكم الشرك الصغر‪ ،‬قالوا‪ :‬وما الشرك الصغر يا رسول اللممه؟ قممال‪ :‬الريمماء ‪0‬‬
‫يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم‪ :‬اذهبوا إلى الذين كنتممم تممراؤن فممي‬
‫الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ؟"‪ ،4‬والمراد بالرياء في هذا الحديث هو يسيره‪ ،‬ل النفمماق‬

‫سبل السلم شرح أدلة الحكام جم ‪.2/574‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 1‬بوانة‪ :‬هضبة وراء ينبع قريبة من ساحل البحر‪.‬انظر معجم البلدان جم ‪1/505‬‬ ‫‪2‬‬

‫أخرجه أبو داود في سننه كتاب اليمان والتذور باب ‪ 23‬جم ‪.140 / 9‬وقال الشيخ اللبانى ‪ 0‬صحيح ‪0‬‬
‫انظر صحيح سند أبى داود جم ‪.637/ 2‬‬
‫انظر معارج القبول جم ‪.450 / 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫أخرجه أحمد في مسنده جم ‪ ،429 ،428 / 5‬والبغوى في شرح السنة جم ‪.324 / 14‬‬ ‫‪4‬‬
‫العتقادي الكبر المخرج من الملة‪ ،‬وذلك أن الرياء قد يطلق ويراد به النفاق الكبر كما جمماء فممي‬
‫‪1‬‬
‫ر{ ‪0‬‬ ‫خ ِ‬‫وم ِ اْل ِ‬ ‫وال ْي َ ْ‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫ول ي ُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫رَئاءَ الّنا ِ‬
‫س َ‬ ‫مال َ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ق َ‬
‫ف ُ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫ذي ي ُن ْ ِ‬ ‫قوله تعالى‪َ }:‬‬
‫قال ابن كثير في تفسيره‪":‬أي‪ :‬ل تبطلوا صدقاتكم بالمن والذى‪ ،‬كما تبطل صممدقة مممن‬
‫راءى بها الناس فأظهر لهم أنه يريد وجه الله‪ ،‬وإنما قصده مدحة الناس لمه‪ ،‬أو شمهرته بالصمفات‬
‫الجميلة ليشكر بين الناس‪ ،‬أو يقال‪ :‬إنه كريم‪ ،‬ونحو ذلك من المقاصد الدنيويممة‪ ،‬مممع قطممع نظممره‬
‫وم ِ‬‫وال ْي َه ْ‬ ‫ن ب ِههالل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫ول ي ُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫عن معاملة الله تعالى وابتغاء مرضاته وجزيممل ثمموابه‪ ،‬ولهممذا قممال‪َ }:‬‬
‫‪2‬‬
‫ر {‪0‬‬
‫خ ِ‬
‫ال ِ‬
‫وطريقة التفريق بين الرياء الذي هو النفاق الكبر‪ ،‬وبين الرياء الذي سممماه النممبي صمملى‬
‫الله عليه وسلم شركا ً أصغر حديث‪":‬إنما العمال بالنيمات…‪ ،3"..‬فالنيمة همي المتي تفمرق بينهمما‪،‬‬
‫وقد وضح ذلك وفصله الشيخ حافظ الحكمي فقال‪……":‬فإن كان الباعث علممى العمممل هممو إرادة‬
‫غير الله عز وجل والدار الخرة فذلك النفاق الكبر …‪ ،‬وإن كممان البمماعث علممى العمممل هممو إرادة‬
‫الله عز وجل والدار الخرة‪ ،‬ولكن دخل عليها الرياء في تزيينمه وتحسمينه فمذلك همو المذي سمماه‬
‫‪4‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم الشرك الصغر وفسره بالرياء العملى ……"‪0‬‬

‫البقرة ‪ /‬آية‪.264 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫تفسير ابن كثير جم ‪.470 / 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫أخرجه البخاري في مواطن منها كتاب بدء الوحي باب ‪ 1‬جم ‪ ،9 / 1‬ومسلم في كتاب المارة باب ‪45‬‬ ‫‪3‬‬

‫جم ‪.1515 / 3‬‬


‫معارج القبول جم ‪.454 / 1‬‬ ‫‪4‬‬
‫ولخطورة هذا النوع من الشرك أيضًا‪ ،‬ولخفائه أحيانًا‪ ،‬وصيانة لجانب التوحيممد‪ ،‬فقممد س مد ّ‬
‫الشارع كل الوسائل المفضية إلى الوقوع فيه‪ ،‬وسأبين ذلك من خلل المبحثين التاليين‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬سد الذرائع في اللفاظ‬
‫لقد تهاون كثير من الناس في هذه المسألة‪ ،‬وأصبحوا يطلقممون كلمممات تمموقعهم فممي هممذا‬
‫اللون من الشرك‪ ،‬ولكثرة وقوعه وانتشاره بدأت الحديث عنه في هذا الفصممل‪ ،‬ومممن أمثلممة سممد‬
‫الذرائع في هذا الباب ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬النهى عن الحلف بغير الله‪ :‬لما كان الحلف بال شمميئ يقتضممى تعظيمممه‪ ،‬والعظمممة فممي‬
‫الحقيقة لله وحده‪ ،‬نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحلف بغير الله كما في حممديث عمممر‬
‫– رضي الله عنه – قال‪ :‬قال لي رسول الله صلى اللممه عليممه وسمملم‪":‬إن اللممه ينهمماكم أن تحلفمموا‬
‫‪1‬‬
‫بآبائكم"‪0‬‬
‫وعن ابن عمر – رضي اللممه عنمه – قممال‪ :‬سمممعت رسممول اللممه صمملى اللممه عليممه وسمملم‬
‫يقول‪":‬من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"‪ 20‬قال الترمذي بعد سممياقه‪":‬هممذا حممديث حسممن ‪،3‬‬

‫أخرجه البخاري في كتاب اليمان باب ‪ 4‬جم ‪ ،530 /11‬ومسلم كتاب اليمان باب ‪ 1‬جم ‪،1266/ 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫ومالك في الموطأ جامع اليمان جم ‪ 67/ 3‬من شرح الزرقانى ‪0‬‬


‫أخرجه الترمذي في أبواب النذور باب ‪ 8‬جم ‪ 135 / 5‬من تحفة الحوذى ‪0‬‬ ‫‪2‬‬

‫قال الشيخ اللباني بعد ذكره لكلم الترمذي هذا‪ ،‬بل هو صحيح ‪ 0‬انظر السلسلة الصحيحة جم ‪.70/ 5‬‬ ‫‪3‬‬
‫وتفسير هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن قوله‪":‬فقد كفر أو أشرك"‪ ،‬علممى التغليممظ‪ ،‬والحجممة‬
‫في ذلك حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر يقول‪ :‬وأبى وأبممى‪ ،‬فقممال‪":‬أل‬
‫إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم"‪ ،‬وحممديث أبممى هريممرة عممن النممبي صمملى اللممه عليممه وسمملم أنممه‬
‫قال‪":‬من قال في حلفه‪:‬و اللت والعزى فليقل‪:‬ل إله إل الله ‪0‬‬
‫وهذا مثل ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قممال‪":‬الريمماء شممرك"‪ ،‬وقممد فسممر‬
‫صاِلحا{ الية ‪ 0‬قممال‪:‬‬ ‫مل ً َ‬
‫ع َ‬ ‫م ْ‬
‫ل َ‬ ‫ع َ‬‫فل ْي َ ْ‬
‫ه َ‬ ‫جوا ل ِ َ‬
‫قاءَ َرب ّ ِ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫بعض أهل العلم هذه الية‪َ }:‬‬
‫ف َ‬
‫‪1‬‬
‫ل يرائي"‪0‬‬
‫قال ابن حجر‪ ":‬والتعبير بقوله‪":‬فقد كفر أو أشممرك للمبالغممة فممي الزجممر والتغليممظ فممي‬
‫‪2‬‬
‫ذلك‪ ،‬وقد تمسك به من قال بتحريم ذلك"‪0‬‬
‫قال أبو جعفر الطحاوي‪":‬لم يرد به الشرك الذي يخرج من السلم حتى يكون به صاحبه‬
‫خارجا ً عن السلم‪ ،‬ولكنه أراد أنه ل ينبغي أن يحلف بغيممر اللممه تعممالى‪ ،‬لن مممن حلممف بغيممر اللممه‬
‫تعالى فقد جعل ما حلف به محلوفا به‪ ،‬كما جعل الله تعالى محلوفا به‪ ،‬وبذلك جعل من حلف بممه‬

‫الترمذي مع شرحه تحفة الحوذي جم ‪.317 ،136 / 5‬‬ ‫‪1‬‬

‫فتح البارى جم ‪.531/ 11‬‬ ‫‪2‬‬


‫أو ما حلف به شريكا فيما يحلف به‪ ،‬وذلك أعظم‪ ،‬فجعله شممركا بممذلك شممركا غيممر الشممرك الممذي‬
‫يكون به كافرا بالله تعالى خارجا عن السلم"‪0‬‬
‫قال الشيخ اللباني بعد نقله لهذا الكلم‪":‬يعنى – والله أعلم – أنممه شممرك لفظممي وليممس‬
‫‪1‬‬
‫شركا اعتقاديا‪ ،‬والول تحريمه من باب سد الذرائع‪ ،‬والخر محرم لذاته‪ ،‬وهو كلم وجيه متين"‪0‬‬
‫ب‪-‬النهى عن قول‪":‬ما شاء الله وشئت"‪0‬‬
‫‪2‬‬
‫قال البخاري في صحيحة‪":‬باب ل يقول ما شاء الله وشئت"‪0‬‬
‫وعن حذيفة بن اليمان أن رجل من المسمملمين رأى فممي النمموم أنممه لقممي رجل مممن أهممل‬
‫الكتاب فقال‪ :‬نعم القوم أنتم‪ ،‬لول أنكم تشركون ‪ 0‬تقولون‪ :‬ما شاء الله وشاء محمد‪ ،‬وذكر ذلممك‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم فقال‪":‬أما والله‪ ،‬إن كنت لعرفها لكم‪ ،‬قولوا‪ :‬ما شمماء اللممه ثممم شمماء‬
‫‪3‬‬
‫محمد" ‪0‬‬
‫قال الربيع بن سليمان‪ :‬قال الشافعي‪":‬المشيئة إرادة الله قال الله سبحانه وتعالى‪":‬وما‬
‫تشاؤون إل أن يشاء الله"‪ ،4‬فأعلم الله خلقه أن المشيئة له دون خلقه‪ ،‬وأن مشيئتهم ل تكممون إل‬
‫أن يشاء‪ ،‬فيقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪":‬ما شاء الله ثممم شممئت"‪ ،‬ول يقممال‪":‬ممما شمماء‬
‫‪5‬‬
‫الله وشئت"‪0‬‬

‫سلسلة الحاديث الصحيحة جم ‪.217/ 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫أخرجه البخاري فىكتاب اليمان والنذور باب ‪ 8‬جم ‪.539/ 11‬‬ ‫‪2‬‬

‫أخرجه ابن ماجة في سننه كتاب الكفارات باب ‪ 13‬جم ‪ 1‬م ‪ ،685‬والدارمي في سننه كتاب‬ ‫‪3‬‬

‫الستئذان جم ‪ ،2/295‬وأحمد في مسنده جم ‪.394 ،393/ 5‬‬


‫النسان ‪ /‬آية‪.30 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫شرح السنة للبغوي جم ‪.361 / 12‬‬ ‫‪5‬‬


‫وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن رجل ً قال للنبي صلى الله عليه وسلم‪":‬ما شمماء‬
‫‪1‬‬
‫الله وشئت"‪ ،‬فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‪":‬أجعلتني والله عدل‪ ،‬بل ما شاء الله وحده"‪0‬‬
‫قال ابن القيم‪ ":‬إنه صلى الله عليه وسلم قال‪":‬ل تقولوا ما شاء الله وشاء محمممد‪ ،‬وذم‬
‫الخطيب الذي قال‪":‬من يطع الله ورسوله فقممد رشممد‪ ،‬ومممن عصمماهما فقممد غمموى"‪ ،‬سممدا لذريعممة‬
‫التشريك في المعنى بالتشريك في اللفظ‪ ،‬وحسما لمادة الشممرك حممتى فممي اللفممظ‪ ،‬ولهممذا قممال‬
‫للذي قال له‪":‬ما شاء الله وشئت" أجعلتني لله ندا؟ فحسم مادة الشرك‪ ،‬وسد الذريعة إليممه فممي‬
‫اللفظ‪ ،‬كما سدها في الفعل والقصد‪ ،‬فصلة اللممه وسمملمه عليممه وعلممى آلممه أكمممل صمملة وأتمهمما‬
‫‪2‬‬
‫وأزكاها وأعمها"‪0‬‬
‫وقال الشيخ اللباني بعد ذكره لبعممض الحمماديث فممي هممذا الموضمموع‪":‬قلممت‪ :‬وفممى هممذه‬
‫الحاديث أن قول الرجل لغيره‪:‬ما شاء الله وشئت يعتبر شركا في نظر الشارع‪ ،‬وهو مممن شممرك‬
‫اللفاظ‪ ،‬لنه يوهم أن مشيئة العبد في درجة مشيئة الممرب سممبحانه وتعممالى‪ ،‬وسممببه القممرن بيممن‬
‫المشيئتين‪ ،‬ومثل ذلك قول بعض العامة وأشباههم ممن يدعى العلم مالي غير الله وأنت‪ ،‬وتوكلنا‬

‫مسند أحمد جم ‪.214،224،283،347/ 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫إعلم الموقعين جم ‪.159 ،158 / 3‬‬ ‫‪2‬‬


‫على الله وعليك‪ ،‬ومثله قول بعض المحاضرين‪ :‬باسم الله والوطن‪ ،‬أو باسم الله والشعب‪ ،‬ونحممو‬
‫‪1‬‬
‫ذلك من اللفاظ الشركية التي يجب النتهاء عنها والتوبة منها‪ ،‬أدبا مع الله تبارك وتعالى"‪0‬‬
‫جم‪ -‬النهي عن قول‪ :‬عبدي وأمتي ‪0‬‬
‫عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة – رضي الله عنممه – يحممدث عممن النممبي صمملى اللممه‬
‫عليه وسلم أنه قال‪":‬ل يقل أحدكم‪:‬أطعم ربك وضئ ربك‪ ،‬وليقل‪:‬سيدي‪ ،‬مولي‪ ،‬ول يقل أحممدكم‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫عبدي‪ ،‬أمتي‪ ،‬وليقل‪:‬فتاي‪ ،‬وفتاتي وغلمي"‪0‬‬
‫قال البغوي‪":‬قيل‪:‬إنما منع من أن يقول‪:‬ربى أو اسق ربممك‪ ،‬لن النسممان مربمموب متعبممد‬
‫حممر‪،‬فيممه‬
‫بإخلص التوحيد‪ ،‬فكره له المضمماهاة بالسممم‪ ،‬لئل يممدخل فممي معنممى الشممرك‪ ،‬والعبممد وال ُ‬
‫بمنزلة واحدة‪ ،‬فأما ما ل تعّبد عليه من سائر الحيوان والجماد فل يمنممع منممه‪ ،‬كقولممك‪ :‬رب الممدار‪،‬‬
‫ورب الدابة والثوب‪ ،‬ولممم يمنممع العبممد أن يقممول‪:‬سمميدي وممولي‪ ،‬لن مرجممع السمميادة إلممى معنممى‬
‫الرياسة على من تحت يده‪ ،‬والسياسة له وحسن التدبير لمره‪ ،‬ولذلك سمى الزوج سمميدا ‪ 0‬قممال‬
‫ب{‪ ،..… 3‬ومنع السيد من أن يقول‪ :‬عبممدي‪ ،‬لن‬ ‫دى ال َْبا ِ‬‫ها ل َ َ‬
‫سي ّدَ َ‬ ‫وأ َل ْ َ‬
‫فَيا َ‬ ‫الله سبحانه وتعالى‪َ }:‬‬
‫مت ّعَب ّد ُ بأمره ونهيممه‪ ،‬فإدخمماله‬
‫هذا السم من باب المضاف ومقتضاه العبودية له‪ ،‬وصاحبه ع َب ْد ُ لله‪ُ ،‬‬
‫‪4‬‬
‫مملوكه تحت هذا السم يوهم التشريك…"‪0‬‬

‫سلسلة الحاديث الصحيحة جم ‪.217/ 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫أخرجه البخاري في كتاب العتق باب ‪ 17‬جم ‪ ،177/ 5‬ومسلم في كتاب اللفاظ باب ‪ 3‬جم ‪،4/1765‬‬ ‫‪2‬‬

‫وأبو داود في سننه كتاب الدب باب ‪ 83‬جم ‪ ،5/256‬وأحمد في مسنده جم ‪.463 ،423 ،316/ 2‬‬
‫يوسف ‪ /‬آية‪.25 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫شرح السنة جم ‪.351 ،350/ 12‬‬ ‫‪4‬‬


‫وقال النووي في شرحه للحديث‪":‬يكره للسيد أن يقول لمملوكه عبدي وأمتي‪ ،‬بل يقول‬
‫"غلمي وجاريتي وفتاي وفتاتي‪ ،‬لن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعممالى‪ ،‬ولن فيهمما تعظيممما‬
‫بما ل يليق بالمخلوق استعماله لنفسه‪ ،‬وقمد بيمن النمبي صملى اللمه عليمه وسملم العلمة فمي ذلمك‬
‫‪1‬‬
‫فقال‪":‬كلكم عبيد الله‪ ،‬فنهى عن التطاول في اللفظ"‪0‬‬
‫وقممال ابممن القيممم‪":‬إن النممبي صمملى اللممه عليممه وسمملم نهممى الرجممل أن يقممول لغلمممه‬
‫وجاريته‪:‬عبدي وأمتي‪ ،‬ولكن يقول‪:‬فتاي وفتاتي‪ ،‬ونهى أن يقول لغلمممه‪:‬وضممئ ربممك‪ ،‬أطعممم ربممك‬
‫سدا لذريعة الشرك في اللفظ والمعنى‪ ،‬وإن كان الرب ههنا هو المالك كمرب المدار‪ ،‬ورب البمل‪،‬‬
‫فعدل عن لفظ العبد والمة إلى لفظ الفتى والفتمماة‪ ،‬ومنممع مممن إطلق لفممظ الممرب علممى السمميد‬
‫‪2‬‬
‫حماية لجانب التوحيد وسدا لذريعة الشرك"‪0‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن حسن‪":‬هذه اللفاظ المنهي عنها‪ ،‬وإن كممانت تطلممق لغممة‪ ،‬فممالنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم نهى عنها تحقيقا للتوحيد‪ ،‬وسدا لذرائع الشرك لما فيها مممن التشممريك فممي‬
‫اللفظ‪ ،‬لن الله تعالى هو رب العباد جميعهم‪ ،‬فإذا أطلق على غيره شاركه في السم فينهى عنممه‬
‫لذلك‪ ،‬وإن لم يقصد بذلك التشريك في الربوبية التي هي وصف الله تعالى…‪ ،‬فالنهى عنه حسما‬
‫لمادة التشريك بين الخالق والمخلوق‪ ،‬وتحقيقا للتوحيد‪ ،‬وبعدا عن الشرك حتى في اللفظ‪ ،‬وهممذا‬
‫من أحسن مقاصد الشريعة لما فيه مممن تعظيممم الممرب تعممالى‪ ،‬وبعممده عممن مشممابهة المخلمموقين‪،‬‬
‫فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى ما يقوم مقام هذه اللفاظ‪ ،‬وهو قوله‪":‬سيدي ومولي" وكذا‬
‫ن‬
‫قوله‪":‬ول يقل أحدكم عبدي وأمتي"‪ ،‬لن العبيد عبيد الله والماء إماء الله ‪ 0‬قال الله تعممالى‪}:‬إ ِ ْ‬
‫عب ْههدا ً{‪ ،3‬ففممي إطلق همماتين الكلمممتين‬ ‫ن َ‬ ‫ض إ ِل ّ آِتي الّر ْ‬ ‫َ‬ ‫كُ ّ‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬ ‫والْر ِ‬
‫ت َ‬
‫وا ِ‬
‫ما َ‬
‫س َ‬
‫في ال ّ‬‫ن ِ‬‫م ْ‬
‫ل َ‬
‫على غير الله تشريك في اللفظ‪ ،‬فنهاهم عن ذلممك تعظيممما للممه تعممالى وأدبمما وبعممدا عممن الشممرك‬
‫وتحقيقمما للتوحيممد‪ ،‬وأرشممدهم إلممى أن يقولمموا‪":‬فتمماي وفتمماتي وغلمممي"‪ ،‬وهنمما مممن بمماب حمايممة‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد‪ ،‬فقد بلغ صلى الله عليه وسلم أمتممه كممل ممما فيممه‬
‫نفع لهم‪ ،‬ونهاهم عن كل ما فيه نقممص فممي الممدين‪ ،‬فل خيممر إل دلهممم عليممه‪،‬خصوصمما فممي تحقيممق‬
‫التوحيد‪ ،‬ول شر إل حذرهم منممه خصوصمما ممما يقممرب مممن الشممرك لفظمما وإن لممم يقصممد ‪ 0‬وبممالله‬
‫‪4‬‬
‫التوفيق"‪0‬‬

‫شرح النووي على مسلم جم ‪.7 / 15‬‬ ‫‪1‬‬

‫إعلم الموقعين جم ‪.163 ،162 / 3‬‬ ‫‪2‬‬

‫مريم ‪ /‬آية‪.93 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ‪.467 /‬‬ ‫‪4‬‬


‫المبحث الثاني‪ :‬سد الذرائع في العمال‬
‫سمد ّ كمل الوسمائل المؤديمة إليمه‪ ،‬نهمى أيضما‬ ‫كما نهى الشارع عن الشرك في اللفماظ و َ‬
‫وحذر من الوسائل المفضية إلى الشرك في العمال‪ ،‬ويظهر ذلك في الصور التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬النهى عن التمائم‪:‬‬
‫التمائم‪ :‬جمع تميمة‪ ،‬وهى خرزات كانت العرب تعلقها على أولدهم يتقون بهمما العيممن فممي‬
‫‪1‬‬
‫زعمهم فأبطلها السلم ‪0‬‬
‫وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قمال‪ :‬سممعت رسمول اللمه صملى اللمه عليمه‬
‫‪2‬‬
‫وسلم يقول‪":‬إن الرقى والتمائم والتولة شرك"‪0‬‬
‫وقد اختلف العلماء في التمائم إذا كممانت مممن القممرآن الكريممم‪ ،‬فأباحهمما البعممض كممالرقى‬
‫الشرعية‪ ،‬ومنعها آخرون سدا لذريعة الوقوع في الشرك‪ ،‬وممن همؤلء ابمن مسمعود وابمن عبماس‬
‫وغيرهم ‪0‬‬
‫قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه التوحيد‪":‬التمائم شيئ يعلق على الولد عن‬
‫العين‪ ،‬لكن إذا كان المعلق من القرآن فرخص فيه بعض السلف‪ ،‬وبعضهم لم يرخص فيه ويجعله‬
‫من المنهي عنه منهم ابن مسعود رضي الله عنه –"‪0‬‬
‫قال شارحه‪":‬هذا هو الصحيح‪ -‬أي النهى عممن تعليممق التمممائم مممن القممرآن –لوجمموه ثلثممة‬
‫تظهر للمتأمل‪:‬‬
‫الول‪ :‬عموم النهى ول مخصص للعموم ‪0‬‬
‫الثاني‪ :‬سد الذريعة فإنه يفضى إلى تعليق ما ليس كذلك ‪0‬‬
‫الثالث‪":‬أنه إذا علق فلبد أن يمتهنه المعَّلق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والسممتنجاء‬
‫‪3‬‬
‫ونحو ذلك"‪0‬‬
‫وقال الشيخ حافظ الحكمي‪:‬‬
‫إن تمك آيمات بينات‬ ‫وفمى التمائمم المعلقمات‬
‫فبعضهم أجازها والبعض كف‬ ‫فالختلف واقع بين السلف‬
‫ثم ذكر بعض أسماء المانعين والمبيحين وعقب بقوله‪":‬ول شك أن منع ذلك سمد لذريعمة‬
‫العتقاد والمحظور‪ ،‬لسيما في زماننا هذا‪ ،‬فإنه إذا كرهه أكثر الصحابة والتابعين في تلك العصور‬
‫الشريفة المقدسة‪ ،‬واليمان في قلوبهم أكبر من الجبال‪ ،‬فلن يكره في وقتنا هذا – وقممت الفتممن‬
‫‪4‬‬
‫والمحن‪ -‬أولى وأجدر بذلك "‪0‬‬

‫النهاية في غريب الحديث والثر جم ‪ ،1/197‬وانظر شرح السنة جم ‪.158/ 12‬‬ ‫‪1‬‬

‫أخرجه أبو داود في سننه كتاب الطب باب ‪ 17‬جم ‪ ،367/ 10‬وابن ماجة كتاب الطب باب ‪ 39‬جم ‪/ 2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 1167‬وأحمد في مسنده جم ‪.381/ 1‬‬


‫فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ‪.133 ،132 /‬‬ ‫‪3‬‬

‫معارج القبول جم ‪.470 ،469 / 1‬‬ ‫‪4‬‬


‫وقال الشيخ عبد العزيز بن باز‪":‬واختلف العلماء في التمائم إذا كانت من القممرآن أومممن‬
‫الدعوات المباحة ‪ 0‬هل هي محرمة أم ل؟ والصواب تحريمها لوجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬عموم الحاديث المذكورة‪ ،‬فإنها تعم التمائم من القرآن وغير القرآن ‪0‬‬
‫والوجه الثاني‪ :‬سد ذريعة الشرك‪ ،‬فإنها إذا أبيحت التمممائم مممن القممرآن اختلطممت بالتمممائم‬
‫الخرى واشتبه المر‪ ،‬وانفتح باب الشرك بتعليق التمائم كلها‪ ،‬ومعلمموم أن سممد الممذرائع المفضممية‬
‫‪1‬‬
‫إلى الشرك والمعاصي من أعظم القواعد الشرعية ‪ 0‬والله ولى التوفيق"‪0‬‬
‫وعليه فتعليق التمائم ينهى عنه بإطلق سدا للذريعة في ذلك التي منها تعليممق ممما ليممس‬
‫من القرآن‪ ،‬وتعظيما لكلمات الله وآياته من امتهانها أثناء قضاء الحاجة وغير ذلك‪ ،‬خاصة في هممذا‬
‫الزمان الذي كثرت فيه البمدع وانتشمر أهمل الخرافمة والممدجل والمشممعوذين وغلمب الجهمل علممى‬
‫كثيرين ‪0‬‬
‫قال الشيخ اللباني بعد ذكره لتعريف التميمة‪":‬ول تزال هذه الضممللة فاشممية بيممن البممدو‬
‫والفلحين وبعض المدنيين‪ ،‬ومثلها الخرزات التي يضممعها بعممض السممائقين أمممامهم فممي السمميارة‪-‬‬
‫يعلقونها على المرآة وبعضهم يعلق نعل في مقدمة السيارة أو في مؤخرتها‪ ،‬وغيرهم يعلقون نعل‬
‫فرس في واجهة الدار أو الدكان فكل ذلك لدفع العين زعموا‪ ،‬وغير ذلممك مممما عممم وطممم بسممبب‬
‫الجهل بالتوحيد وما ينافيه من الشركيات والوثنيات التي ما بعثت الرسممل وأنزلممت الكتممب إل مممن‬
‫‪2‬‬
‫أجل إبطالها والقضاء عليها"‪0‬‬
‫النهى عن انحناء الرجل للرجل أو القيام له ‪0‬‬ ‫‪-1‬‬
‫عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال‪":‬قال رجممل يمما رسممول اللممه‪ :‬الرجممل منمما يلقممى‬
‫أخاه‪ ،‬أو صديقه‪ ،‬أينحني له؟ قال‪:‬ل‪ ،‬قال‪:‬فيلتزمه ويقبله ‪ 0‬قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فيأخممذ بيممده ويصممافحه‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫قال‪:‬نعم"‪0‬‬
‫قال ابن القيم‪":‬إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجل أن ينحني للرجل إذا لقيممه كممما‬
‫يفعل كثير من المنتسبين إلى العلم ممن ل علم له بالسنة بمل يبمالغون إلمى أقصمى حمد النحنماء‬
‫مبالغة في خلف السنة جهل‪ ،‬حتى يصير أحدهم بصورة الراكع لخيه‪ ،‬ثم يرفع رأسه مممن الركمموع‬
‫كما يفعل إخوانهم من السجود بين يدي شمميوخهم الحيمماء والممموات‪ ،‬فهممؤلء أخممذوا مممن الصمملة‬
‫سجودها‪ ،‬وأولئك ركوعها‪ ،‬وطائفة ثالثة قيامها‪ ،‬يقوم عليهم الناس وهممم قعممود كممما يقومممون فممي‬
‫الصلة‪ ،‬فتقاسمت الفرق الثلث أجزاء الصلة‪ ،‬والمقصود أن النبي صمملى اللممه عليممه وسمملم نهممى‬
‫‪4‬‬
‫عن انحناء الرجل لخيه سدا ً لذريعة الشرك‪ ،‬كما نهى عن السجود لغير الله ‪0‬‬
‫تنبيه‪ :‬جاء في حديث أنس السابق نهى عن اللتزام وهو المعانقة‪ ،‬وقد وردت عن أصحاب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم لقول أنس – رضي الله عنه ‪":-‬كان أصحاب رسممول اللممه صمملى اللممه‬
‫‪5‬‬
‫عليه وسلم إذا تلقوا تصافحوا‪ ،‬وإذا قدموا من سفر تعانقوا"‪0‬‬
‫وعانق عبد الله بن أنيس جابر بن عبممد اللممه – رضممي اللممه عنهممما – لممما رحممل إليممه مممن‬
‫‪6‬‬
‫المدينة إلى الشام ليسأله عن حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪0‬‬
‫وقد جمع العلماء بين هذه الحاديث‪ ،‬ودفعوا التعارض الظاهر بينها‪ ،‬ومنهم المممام البغمموي‪،‬‬
‫وفى ذلك يقول‪":‬قال حميد بن زنجوية‪ :‬قد جاء عن النمبي صملى اللمه عليمه وسملم أنمه نهمى عمن‬
‫المعانقة والتقبيل‪ ،‬وجاء أنه عانق جعفر بن أبى طالب وقبله عند قدومه من أرض الحبشة‪ ،‬ولكممل‬
‫وجه عندنا‪ ،‬فأما المكروه من المعانقة والتقبيل‪ ،‬فما كان على وجه الملق والتعظيم وفى الحضر‪،‬‬
‫فأما المأذون فيه‪ ،‬فعند التوديع وعند القدوم من السفر وطول العهد بالصاحب‪ ،‬وشدة الحب فممي‬
‫‪7‬‬
‫الله ومن قّبل فل يقبل الفم‪،‬ولكن اليد والرأس والجبهة"‪0‬‬

‫من مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز جم ‪.279/ 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫السلسلة الصحيحة جم ‪.810/ 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫أخرجه الترمذي في أبواب الستئذان باب ‪ 31‬جم ‪ ،514/ 7‬وابن ماجة في كتاب الدب باب ‪ 15‬جم ‪/ 2‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،1220‬وأحمد في مسنده جم ‪.198 / 3‬‬


‫إعلم الموقعين جم ‪.167 ،3/166‬‬ ‫‪4‬‬

‫رواه الطبراني في الوسط ورجاله رجال الصحيح كما ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد جم ‪.36/ 8‬‬ ‫‪5‬‬

‫أخرجه البخاري في الدب المفرد باب المعانقة جم ‪ ،2/458‬وعلقه في صحيحه في كتاب العلم باب‬ ‫‪6‬‬

‫‪ ،19‬وقال الحافظ في الفتح‪ :‬إسناده حسن‪ ،‬وأحمد في مسنده جم ‪.198 / 3‬‬


‫شرح السنة للبغوى جم ‪.293 ،292 / 12‬‬ ‫‪7‬‬
‫وقال الشيخ اللباني عقب ذكره لبعض أحاديث النهى وأحاديث الباحة‪" :‬فيمكممن أن يقممال‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫إن المعانقة في السفر مستثنى من النهى لفعل الصحابة ذلك"‪0‬‬
‫دا للذريعة‪ ،‬كره أن يقوم الناس له‪ ،‬كما‬ ‫وكما نهى صلى الله عليه وسلم عن النحناء س ّ‬
‫ذكر وعيدا ً شديدا لمن يحب أن يتمثل الناس له قياما ‪0‬‬
‫فعن أنس – رضي الله عنه‪ -‬قال ‪":‬ما كان في الدنيا شخص أحب إليهم رؤية من رسول‬
‫‪2‬‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه‪ ،‬لما يعلمون من كراهيته لذلك"‪0‬‬
‫وعن أبى مجلز قال ‪":‬خرج معاوية فقام عبد اللممه بممن الزبيممر وابممن صممفوان حيممن رأوه‪،‬‬
‫فقال ‪:‬اجلسا‪ ،‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬من سره أن يتمثممل لممه الرجممال‬
‫‪3‬‬
‫قياما فليتبوأ مقعده من النار"‪ 0‬قال الترمذي ‪ ":‬وفى الباب عن أبى أمامه‪ ،‬وهذا حديث حسن"‪0‬‬
‫ول يتعارض النهى عن القيام هنا مع قول النبي صلى الله عليه وسمملم لمما ّ قممدم سممعد بممن‬
‫معاذ إلى بنى قريظة ليحكم فيهم ‪ " :‬قوموا إلى سيدكم"‪ 4‬للفرق بين الحالين‪ ،‬وقممد وضممح ذلممك‬
‫ابن يتمية –رحمه الله‪ -‬وفصله تفصيل دقيقا فقال ‪":‬لم تكن عادة السلف علممى عهممد النممبي صمملى‬
‫الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أن يعتادوا القيام كلما يرونه صلى الله عليه وسلم كممما يفعلممه‬
‫كثير من الناس‪ ،‬بل قد قال أنس بن مالك‪ :‬لم يكن شخص أحب إليهم من النبي صلى اللممه عليممه‬
‫وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له‪ ،‬لما يعلمون من كراهيته لذلك‪ ،‬ولكن ربما قمماموا للقممادم مممن‬
‫مغيبه تلقيا له‪ ،‬كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام لعكرمة وقال للنصممار لممما قممدم‬
‫سعد بن معاذ ‪:‬قوموا إلى سيدكم‪ ،‬وكان قد قدم ليحكم فممي بنممى قريظممة…‪ ،..‬وأممما القيممام لمممن‬
‫يقدم من سفر ونحو ذلك تلقيا له فحسن‪ ،‬وإذا كان من عممادة النمماس إكممرام الجممائي بالقيممام ولممو‬
‫ترك لعتقد أن ذلك لترك حقه‪ ،‬أو قصد خفضه‪ ،‬ولمم يعلمم العمادة الموافقمة للسمنة‪ ،‬فالصملح أن‬
‫يقام له‪ ،‬لن ذلمك أصملح لمذات المبين وإزالمة التبماغض والشمحناء‪ ،‬وأمما ممن عمرف عمادة القموم‬
‫الموافقة للسنة‪ ،‬فليس في ترك ذلك إيذاء له‪ ،‬وليس هذا القيام المذكور فممي قمموله صمملى اللممه‬
‫عليه وسلم ‪" :‬من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار"‪ ،‬فإن ذلممك أن يقوممموا‬
‫له وهو قاعد‪ ،‬ليس هو أن يقوموا لمجيئة إذا جاء‪ ،‬ولهذا فرقوا بين أن يقال ‪:‬قمت إليه وقمت لممه‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫والقائم للقادم ساواه في القيام بخلف القائم للقاعد"‪0‬‬
‫كما جمع بين الحاديث ابن القيم جمعا حسنا‪ ،‬وذكر أن الحمماديث الممتي ورد فيهمما القيممام‬
‫كان لعارض‪ ،‬وأنه كان قياما إلى الرجل للقائه‪ ،‬ل قياما له‪ ،‬ثم قال ‪":‬فالمممذموم ‪ :‬القيممام للرجممل‪،‬‬
‫وأما القيام إليه للتلقي إذا قدم ‪:‬فل بأس به‪ ،‬وبهذا تجتمع الحاديث"‪ 6‬قلت ‪ :‬هذا جمع جيد وحسن‬
‫دا لذريعة الوقوع‬ ‫بين النصوص الثابتة‪ ،‬وعليه فينهى القيام للشخص للتعظيم مهما كانت منزلته س ّ‬
‫في الشرك‪ ،‬بعد الغلو فيه‪ ،‬أو مجاوزة الحد في حبه وتعظيمه وما إلى ذلك كما هو واقع من بعض‬
‫أتباع الطرق لمشايخهم‪ ،‬وأما القيام لعارض كالقيام للقادم من سفر‪ ،‬أو لغمائب علمى سمبيل المبر‬
‫والكرام فل بأس به ‪0‬‬
‫وقد نقل أبو عبد الله بن الحاج‪ 7‬عن أبى الوليد بن رشد أن القيام يقع على أربعة أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬محظور‪ ،‬وهو أن يقع لمن يريد أن يقام إليه تكبرا وتعاظما على القائمين إليه ‪0‬‬
‫الثاني‪ :‬مكروه‪ ،‬وهو أن يقع لمن ل يتكبر ول يتعاظم على القائمين‪ ،‬ولكن يخشى أن يدخل‬
‫نفسه بسبب ذلك ما يحذر‪ ،‬ولما فيه من التشبه بالجبابرة ‪0‬‬
‫الثالث‪ :‬جائز‪ ،‬وهو أن يقع على سبيل البر والكرام لمن ل يريد ذلك‪ ،‬ويممؤمن معممه التشممبه‬
‫بالجبابرة ‪0‬‬
‫الرابع‪ :‬مندوب‪ ،‬وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحا بقممدومه ليسمملم عليممه‪ ،‬أو إلممى مممن‬
‫تجددت له نعمة فيهنئه بحصولها أو مصيبة فيعزيه بسببها ‪.‬‬
‫وقال التوريشتى في شرح المصابيح ‪:‬معنى "قوموا إلى سيدكم"‪ ،‬أى إلى إعانته وإنزالممه‬
‫‪8‬‬
‫من دابته‪ ،‬ولو كان المراد التعظيم لقال‪ :‬قوموا لسيدكم" ‪0‬‬
‫مجَلز ‪":‬دلنا هذا الحديث على أمرين‪:‬‬ ‫وقال اللباني في حديث أبى ِ‬
‫الول‪ :‬تحريم حب الداخل على الناس القيام منهم له‪ ،‬وهممو صممريح الدللممة‪ ،‬بحيممث أنممه ل‬
‫يحتاج إلى بيان ‪0‬‬
‫والخر‪ :‬كراهة القيام مممن الجالسممين للممداخل‪ ،‬ولممو كممان ل يحممب القيممام‪ ،‬وذلممك مممن بمماب‬
‫التعاون على الخير‪ ،‬وعدم فتح باب الشر‪ ،‬وهذا معنممى دقيممق دلنمما عليممه راوى الحممديث معاويممة –‬
‫رضي الله عنه ‪ ،-‬وذلك بإنكاره على عبد الله بن عامر قيامه له‪،‬واحتج عليه بالحممديث‪ ،‬وذلممك مممن‬
‫‪9‬‬
‫فقهه في الدين‪ ،‬وعلمه بقواعد الشريعة التي منها سد الذرائع"‪0‬‬

‫‪ 1‬سلسلة الحاديث الصحيحة جم ‪.1/252‬‬


‫‪ 2‬أخرجه البخاري في الدب المفرد جم ‪ ، 2/419‬والترمذي في أبواب الستئذان باب ‪ 47‬جم ‪ ،8/29‬وأحمد‬
‫في مسنده جم ‪0 132/ 3‬‬
‫‪ 3‬سنن الترمذي أبواب الستئذان باب ‪ 47‬جم ‪ ، 30 / 8‬والبخاري في الدب المفرد جمم ‪ ،466 / 2‬وأبممو‬
‫داود في سننه أبواب السلم باب ‪ 24‬جم ‪ 14/142‬وأحمد في مسنده جم ‪0 100، 4/93‬‬
‫‪ 4‬أخرجه البخاري في كتاب الستئذان باب ‪ 26‬جم ‪0 11/29‬‬
‫‪ 5‬مجموع فتاوى ابن تيمية جم ‪0 375 ، 374/ 1‬‬
‫‪ 6‬شرح ابن القيم لسنن أبى داود من كتاب عون المعبود جم ‪0 127 / 14‬‬
‫‪ 7‬أنظر المدحل لبن الحاج جزء ‪ 1‬من ص ‪ ،168‬وفتح الباري لبن حجر جزء ‪52 ، 51 / 11‬‬
‫‪ 8‬المرجع السابق جم ‪0 52 / 11‬‬
‫‪ 9‬السلسلة الصحيحة جم ‪0 629 / 1‬‬
‫ومممن هممذا البمماب ممما جمماء فممي صممحيح البخمماري عممن عائشممة – رضممي اللممه عنهمما – أنهمما‬
‫ك‪ ،‬فصملى جالسمما‪ ،‬وصملى وراءه‬ ‫قالت ‪":‬صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شا ٍ‬
‫قوم قياما‪ ،‬فأشار أن اجلسوا‪ ،‬فلما انصرف قال ‪:‬إنما جعل المام ليممؤتم بممه‪ ،‬فممإذا ركممع فمماركعوا‪،‬‬
‫‪10‬‬
‫وإذا رفع فارفعوا"‪0‬‬
‫قال ابن القيم ‪":‬إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المأمومين أن يصلوا قعودا إذا صلى‬
‫إمامهم قاعدا‪ ،‬وقد تواتر عنه ذلك‪ ،‬ولم يجئ عنمه مما ينسمخه‪ ،‬ومما ذاك إل سممدا لذريعمة مشمابهة‬
‫‪11‬‬
‫الكفار‪ ،‬حيث يقومون على ملوكهم وهو قعود"‪0‬‬
‫قلت‪ :‬تأمل أيها المسلم حرص السلم ورسول رب العالمين وسلف المة الصالحين علممى‬
‫مخالفة الكفار والمشركين‪ ،‬ونهى الشريعة الغراء على المباح خوفا من الوقوع فممي الحممرام‪ ،‬كمل‬
‫ذلك صيانة وحماية للعقيدة‪ ،‬وتحقيقا للتوحيد ‪0‬‬
‫فما بالنا اليوم نجد جرأة كبيرة‪ ،‬حتى من بعض المنتسبين إلى العلممم فممي التسمماهل فممي‬
‫هذا الباب‪ ،‬ويا ليت المر – مممع خطممورته‪ -‬اقتصممر علممى الجممائز المممؤدى إلممى الحممرام‪ ،‬بممل وقعمموا‬
‫صراحة فيما نهى عنه الشارع الحكيم‪ ،‬وسقطوا في أعمال الجاهلين ‪ 0‬فإنا لله وإنا إليممه راجعممون‬
‫‪0‬‬

‫أخرجه البخاري في كتاب تقصير الصلة باب ‪ 17‬جم ‪0 584 / 2‬‬ ‫‪10‬‬

‫إعلم الموقعين جم ‪0 158 / 3‬‬ ‫‪11‬‬

You might also like