Professional Documents
Culture Documents
الثقافة والثورة
مهدي عامل
الثقافة والثورة
مهدي عامل
سيدًا في ملكوت الكلم ،عالميًا ،متعاليًا ،بالتأمتل يحيتا ،وللتأمتل .هكتذا كتان الفكتر ،علتى امتتداد
قرون خلت ،في انفصام مع الواقع ،له الثبات المطلق ،وللتاريخ المادي الّتغير والحركة.
ل من عليتتاء تجريتتده علتتى الواقتتع ،فيتتدينه تتتارة ،وغالبتًا متتا طّ
كان يحلو له بين حين وحين ،أن ُي ِ
يعذره .لكّنه من خارج كان يحكم ،وما كان يقوى عليتته .وكتتان ،حيتتن يتتتوق إلتتى واقتتع آختتر ،أو
أفضل ،يحكم ،أو يتخيل ،أعني يتأول .وما كان يرتبتتط بقتتوى التغييتتر الثتتوري حيتتن كتتان يطمتتح
إليه .وما كان يدرك شروط هذا التغيير وأدواته .لذا ،كان يجنح نحو الطوباوية ،في أشكال شّتى،
فيقدم للواقع ذريعة بقاٍء وحجة تأّبد.
ي موقع كان يمكن أن يكون للمثقف في مثل هذا النفصام المتجدد بين الفكر والواقع؟ -2أ ّ
موقع المنبوذ ،أو موقع خادم السلطان ،سواء أكان شاعرا أم فقيها ،حليما ،فيلستتوفا أم أديبتتا .ومتتا
كان الفكر ،في الموقعين ،بقادر على أن يغّير .كتتان يرفتتض ،أحيانتتا ،أو ُيَبتّرر .يهجتتو أو يمتتدح،
ج على الستتائد ونظتتامه ،كتّأنه محكتتوم بمتتوت يتأجتتل. ن خر َ
وفي الحالتين يرتزق .أو يتصعلك ،إ ّ
يحتج على الشرع ويثور ،لكن ،من موقع العاجز عن نقض الشترع .فيتصتّوف .يستتبدل الرض
ن الثنتين في نظام الستبداد ،لسلطته يرضخ. بالسماء ،ويزهد .أو يستكين للدنيا وللخرةَ ،فُيعقِل ُ
والسلطة ،بالدين ،تبدو مطلقة .وهي المقدسة ،في الغيب وبتتالغيب .وهتتي الستتلطُة ،فتتوق الرفتتض
وفوق النقض ،سيفها على الرقاب مسّلط ،والرقاب خاضتتعٌة ،راضتتية .فمتتن تمتّرد ،فعلتتى ستتلطة
ج ،أو السهر وردي .أما ابن تيميتته ،أو الغزالتتي، ل دُمه .حّتى لو كان الحل َ حّالدين يتمرد .إّذاك ُي َ
أو من شابههما ،فعلى التمرد والمتمردين ،في كل عصر ،يشهران سلح التتدين ،ستتلح الستتلطة،
فيكبلن العقل ،يرهبان الروح ،ويئدان الجسد
-3لم يكن للمثقف ،في عالم كهذا ،سوى أن يختار بين الستتباع أو الموت ،بيتتن أن ينطتتق بلغتتة
الستبداد ونظامه ،أو أن ينطق بلغة الصمت ،أعني بلغة المكبوت ورمتتوزه .هكتتذا كتتانت الثقافتتة
تجري في صراع بين اثنتين :واحدة هي ثقافة السياد ،بتياراتها المختلفة المتباينة ،أو أخرى هي
ثقافة المقهورين ،بأنواعها المتعددة .لم تكن الثقافة يوما واحدة ،وليس متتن الجتتائز حصتترها فتتي
ثقافة رسمية ،أو مسيطرة ،أو معلنة .كانت ثقافتتة مناهضتةٌ لهتتذه ،مكبوتتٌة ،مستتتترة ،لعلهتتا أكتتثر
ل ،فتتي حكايتتات شيوعًا من الولى ،أو أصدق تعبيرا عن ضمير النتتاس وطموحتتاتهم .كتتانت ،مث ً
ألف ليلة وليلة ،أو في عروض خيال الظل ،أو في سير البطال الشتتعبية .وهتتي ،بالتأكيتتد ،أكتتثر
تمردا على الواقع القائم ،وأشد رفضًا له .لكنها عاجزة كانت عتتن تغييتتر العتتالم ،فيمتتا هتتي كتتانت
تطمح إليه.
ليس بالحلم تكون الثورة ،وإن كان الحلم شرطًا من شروطها .ومن شروط الثتتورة أن يتتتوفر لهتتا
وعي مّتسق ،إليه تستند ،وبه تستبق الممكن .أعني الضروري .ومن شروطها أن يتجستتد وعيهتتا
المتسق هذا ،أي العلمي ،وفي وعي القائمين بها ،جماهير الكادحين ،المنتجين بأيديهم وأدمغتهتتم،
ك أعمدة القتتائم ،وتهيتتئ ي يستحيل الوعي النظري قوًة ماديًة َتُد ّ صانعي التاريخ ،بوعيهم الممارس ّ
لولدة الجديد.
-4لمن يكن للثقافة ،في زمن انفصام الفكتتر عتتن الواقتتع ،دوٌر فتتي تغييتتر العتتالم ،إل متتا ل يكتتاد
يذكر .كانت ،كلما حاولت القيام بهذا التتدورُ ،تقمتتع وُتهتتان ،باستتم التتدين غالبتًا ،وبتهمتتة الكفتتر أو
الزندقة ،وبتهمة التحريف أو الهرطقة .فالثقافي ،حتى في ثقافة السياد ،يرتّد عليهم وعليها ،فهتتو
ع في فعل الحرية ،يتهدد ويزعزع .إنها القاعدة في كل العصور :كلما انحازت الثقافتتة إلتتى المبتد ُ
طِهدت جديد ضد القديم ،إلى المتغّير ضد الثابت ،إلى النار ذد الرماد ،وإلتتى الحيتتاة والحلتتم ،اض ت ُ
طِهَد المثقفون ،أحباُء الحرية الفتتاق الزرقتتاء الرحبتتة .إنهتتا البداهتتة فتتي ضتترورة أن يكتتون واض ُ
ي ،ضد كتتل ظلميتتة ،أو ل المثقف ثائرا ،أو ل يكون ،وفي ضرورة أن تكون الثقافة للفرح الكون ّ
تكون.
تلك مشكلة المثقف والثقافة بامتياز .وهي قضية الثورة في آن.
-5ثم التحمت ،لول مرة في تاريخ الفكر ،نظرية الثورة بحركة الثورة ،فالتأم الفكر ،في نشاطه
المعرف نفسه ،بقوى التغيير ،فلم تعد الثورة تفتقد فكرها ،ولم يعد الفكر سجين تأملته .لقتتد بتتات
الممكن قابل للتحقيق ،فهو الضروري في حركة التاريتتخ المتتادي ،ل يتحقتتق إل بنضتتال ثتتوري.
ط وأشتكا ٌ
ل والنضال وعُد الكادحين بتتأن أنظمتتة الرجعيتتة والستتتبداد إلتتى زوال .وللنضتتال شتترو ٌ
سستتها متتاركس ،وأقتتامت وأدوات .من شروطه أن يهتدي بعلم الثورة ،أعني بتلك النظرية التتتي أ ّ
ثورات الشعوب المضطهدة على صحتها البرهان ،بالملموس التاريخي .ومن أشكاله متتا تمارسته
قوى المقاومة الوطنية في كفاحها ضد الحتلل ،وضتتد الفاشتتية والطائفيتتة .ومتن أدواتته الولتتى
الحزب الثوري .حزب العمال والفلحين والمثقفين.
منذ أن التحمت النظرية بالثورة ،لم تعد الثقافة حكرا على نخبة من الكهنة .فلقد عمت ضرورتها
ل ،أن يكون بأدوات إنتاجه المادي مثقف تًا ،وعلتتى المثقتتف، حتى بات على العامل ،كي يكون عام ً
كي يكون كذلك ،أن يكون بأدوات إنتاجه الفكري كادحًا .والنتاجان واحتٌد فتتي ستتيرورة التاريتتخ
الثوري ،هذا الذي يؤسس لحرية اليد المبدعة .ليست الثقافة كتابة ،وإن كانت الكتابة من أركانها.
ك للعالم في حلم ،أو حقل أو مصنع .أما المثقفون ،فهم المنتجون ،بأيديهم وأدمغتهم ،ضتتد إنها َتَمّل ٌ
ب للحيتتاة .وأمتتا غيتر المنتجيتن، ل هتو حت ّأنظمة القمتتع والستتتغلل والجهالتتة ،فكتترًا ،فنتًا وجمتتا ً
القابعين في قبحهم ،فهم السياد بأنظمتهم .وأما هدم النظمة ،فهو مهمة الثورة في كل آن.
-6والثورة في لبنان ما تزال فاعلًة فتتي ستتيرورة حتترب أهليتتة فجرتهتتا الرجعيتتة لنقتتاذ نظامهتتا
الطائفي وفرض الفاشية ،فانقلب عليها ،وعلى نظامها ،ثورٌة وطنيٌة ديمقراطية تخلختتل وتصتّدع،
ظ تٌم
ب إلى الولدة آخر .تتفكتتك ُن ُ ق ،فهي التي ُتخيف ،بها ينهار عالم بكامله ،ويشرئ ّ ل يخيفها عائ ٌ
من الفكر والقتصاد والسياسة يصتتعب عليهتتا المتتوت بتتدون عنتتف ،تتصتتدى لجديتتد ينهتتض فتتي
حجرشة الحاضر ،وتقاوم فتتي أشتتكال تتجتتدد بتجتتدد ضتترورة انقراضتتها ،تنعقتتد بيتتن عناصتترها
المتنافرة تحالفات هي فيها على موعد الموت.
ث الخطتى فتي طريتق الضترورة الضتاحكة .فهتو إذن ،فليدخل الفكُر المناضل في صراع يستتح ّ
ظ الدائم ،في الحركة الثورية ينغرس ويتجّذر .يستبق التجربة بعين النظريتتة، اليانع أبدًا ،وهو الَيِق ُ
جأ :يتوّثب على المعرفة ويعيد النظر فتتي ترتيتتب عناصتتره ليتتؤّمن للنظريتتة ول يتخاذل حين ُيفا َ
قدرتها على التشامل ،ورحابة أفق تتسُع لكل جديد .هكذا يكتسب كل نشاط نظري طابعًا نضتتاليًا،
ن فتتي النظريتتة ،فتتأكتتد ،بالتحتتام النشتتاطين فتتي الملمتتوس ويتتتوق كتتل نشتتاط ثتتوري إلتتى التعقلت ِ
التاريخي ،ضرورة الفكر العلمي في أن يكون ثوريًا ،وضتترورة الحركتتة الثوريتتة فتتي أن تكتتون
علمية.
-7والحتترب فتتي لبنتتان حربتتان :حتترب علتتى إستترائيل ،وحتترب علتتى الفاشتتية والطائفيتتة ،لكتتن
الرجعية ،بأطرافها المتعددة ،تستميت في محاولة إظهارها مظهر الحرب الطائفية .وتفشتتل دومتتا
في المحاولة ،برغم كل ما أحاط ومتتا يحيتتط بهتتذه الحتترب متتن وحتتول الطتتوائف .وكيتتف تكتتون
الحرب طائفية حين يكون الموقف من إسرائيل ،مثل ،محورًا للصراع فيها؟ وكيف تكون طائفية
حين يحتدم فيها الصراع بين القوى الرجعية_الطائفيتتة_ وهتتي متتن مختلتتف الطتتوائف _والقتتوى
الوطنية الديمقراطية_ وهي أيضا من طوائف متعددة_ ،حول الموقتتف متتن هويتتة لبنتتان ،أو متتن
الثتتورة الفلستتطينية ،أو متتن المبرياليتتة ،أو متتن الحتلل الستترائيلي ،أو متتن قتتوات الحلتتف
الطلسي ،أو من اتفاق 17أّيار ،أو التفاق الثلثي نفسه ،ومن “القتصاد الحر” أيضًا ،بل حتتتى
من الطائفّية إياها ،بما هي النظام السياسي لسيطرة البرجوازية اللبنانية؟
ليست الحرب طائفية ،ول الصتتراع فيهتتا بطتتائفي .إنتته ،فتتي أساستته ،صتتراع بيتتن قتتوى التغييتتر
الثوري للنظام السياسي الطائفي ،والقوى الفاشية الطائفية التي تحتتاول ،عبثتًا ،تأييتتد هتتذا النظتتام.
إنه ،باختصار ،صراع طبقي عنيف بين قوى الثورة والقوى المضادة للثورة ،في سيرورة حرب
أهليٍة هتي فتي لبنتان ستيرورة الثتورة الوطنيتة الديمقراطيتة .فلته ،اذن ،ستمة العصتر فتي زمتن
النتقال الثوري من الرأسمالية إلى الشتراكية ،وله ،تاليًا ،طابع كتتوني هتتو طتتابع الصتتراع إيتتاه
المحتدم ،ليس بين معسكر الشتراكية ومعسكر المبريالية ،أفقيًا ،وحستتب ،بتتل رأستتيًا أيضتًا ،أو
ل من بلدان المنظومة الرأسمالية العالمية ،بما فيها ،بتتالطبع ،البلتتدان العربيتتة .فمتتاعموديًا ،في ك ّ
هتو موقتع الثقافتة والمثقفيتن متن هتذا الصتراع؟ متتا هتو موقفهتتا ومتوقفهم منته؟ متا هتو دورهتتا
ودورهم؟.
والسؤال ل ينحصر في لبنان ،ما دام الصتتراع فيتته هتتو إيتتاه ،بطتتابعه الكتتوني نفستته ،فتتي جميتتع
البلتتدان العربيتتة ،وإن اختلفتتت شتتروطه بيتتن بلتتد وآختتر ،وتن تّوعت أشتتكاله ،أو تفتتاوت تطتتوره.
فالحروب الهلية تتهدد بلدان العالم العربي جميعها بل استثناء ،وآلية الصراع فيها تنتتبئ بإمكتتان
اندلعها في كل آن .وأنظمة البرجوازيتات العربيتة فتي أزمتة .والتغييتر الثتوري بتتات ضترورة
ل منها ،وحاجة يومية في نضال الجماهير الكادحة .لكتتن الثتتورة فتتي انتظتتار قيادتهتتا. ملحة في ك ّ
والثورة سيرورة طويلة معقدة ،ولها مراحل وأحوال .وعلى الثقافة تطرح سؤالها :أمع الثتتورة أم
ضّدها؟ وعلى المثقفين تطرح السؤال :أمع التغيير أم ضّده؟ والسؤال سياسي بامتياز .وثقافي في
آن.
-8ل تعارض بين السياسة والثقافة .وكيتتف يكتتون تعتتارضٌ بيتتن الثنتتتين ،كيتتف يصتتح اختيتتار
الواحدة ضّد الخرى في منظور التاريخ الثوري؟ لئن كانت في البدء الكلمُة ،فلقتتد كتتانت ،بتتدئيا،
مبدعة .وللحرية كانت ،ضد القمتتع ،تناضتتل وتثتتابر فتتي رفتتض الظلتتم ،وللحتتب كتتانت فتتي قلتتب
ظم الستبداد. النسان .تؤسس في فعل التغيير معناها .وتجود بالجميل يحتج على قبح العالم في ُن ُ
هكذا تتكون الثقافة دومًا ضّدّيا ،تنمو وتتكامل في صراع مستمر ضد كل قديم يموت .وفي البتتدء
كانت السياسُة ،صراعًا مستمرًا بين قوى التغيير الثوري وقوى تأبيد الواقع .يخطئ من يظتتن أن
السياستتة نظتتام ،حكتتم ،أو مؤسستتات ،أو أنهتتا بالدولتتة تتحتتدد .إنهتتا ،فتتي ذلتتك ،متتن موقتتع نظتتر
ل كت ّ
ل البرجوازية وإيديولوجيتها المسيطرة .لكنها ،في منظور العلم والتاريخ ،صراع طبقي شتتام ٌ
حقول الحياة ،ل هامش فيه للرافض ،بتالوهم ،أن يكتون لته فيتته موقتع .إنهتتا حركتتة التاريتخ فتي
مجرى صراع له المتن ،والهامش فقط لمن قد متتات ،أو كتتان ،متتن متتوقعه فتتي الماضتتي ،رفيت َ
ق
ب للموت. در ٍ
إذن لكل ناشط في الحياة أن يأخذ موقعًا وأن يحدد موقفًا :أمع الثتتورة أم ضتتدها؟ بالكلمتتة الفاعلتتة
واليد المبدعة .والثورة ليست لفظًا أو تجريدًا .إنها طمي الرض ل يعرفها من يخاف علتتى يتتديه
من وحل الرض.
وكيف تكون الثورة نظيفة ،وهي التي تخرج من أحشتتاء الحاضتتر ُمّتستتخة بتته ،وتهتتدمه وتغتستتل
ل حرًا؟ فلتتوضح كل المواقف ،ولتتحدد كل المواقع ،ولتكتتن المجابهتتة فتتي ن النسان جمي ٌ بوعٍد أ ّ
الضوء .كيف يمكن للثقافة أن يكون لها موقع الهامش فتتي معركتتة التغييتتر الثتوري ضتد الفاشتتية
والطائفية؟ كيف يمكن للمثقف أن يستتتقيل متتن نضتتال ينتصتتر للديمقراطيتتة ،هتتو أكستتجين الفكتتر
والدب والفن؟ بوضوح أقول ،فالوضوح هو الحقيقة ،من ل ينتصتتر للديمقراطيتتة ضتتد الفاشتتية،
للحرية ضد الرهاب ،للعقل والحب والخيال ،وللجمتتال ضتتد العدميتتة وكتتل ظلميتتة ،غتتي لبنتتان
الحرب الهلية ،وفي كل بلد متن عالمنتا العربتتي ،وعلتى امتتتداد أرض النستان ،متتن ل ينتصتر
للثورة في كل آن ،مثّقف مزيف ،وثقافته مخادعة مرائية .إذا تكلم عن الثورة ،في شعره أو نثره،
فعلى الثورة بالمجرد يتكلم ،من خارج كل زمتتان ومكتتان ،ل عليهتتا فتتي حركتتة التاريتتخ الفعليتتة،
وشروطها الملموسة .وإذ يعلن ،في نرجسية حمقاء أّنه يريدها ،فبيضاء ل تهتتدم ول تغّيتترُ .تبقتتي
ن إليه إذا تزلزل أو احتضر .كثيرون هم الذين في لبنان يحّننون إلى لبنتان متا القائم بنظامه ،وتح ّ
قبل الحرب الهلية ،ويريدون التغيير للعودة إلى الماضتتي ،ويريتتدونه إيقافتتا لنهيتتارات الزمتتان.
ع ،بتتل بتستليٍم واستتكانة .إنته أما التي ،فمن الغيب ،إلى الغيتب .إنتته موقتتف المنهتزم ،ل بصترا ٍ
موقف من ُيصنُع التاريخ بدونه .وله في التاريخ موقٌع ترفضتته الثقافتتة ،إذ الثقافتتة ،فتتي تعريفهتتا،
مقاومة .فإذا ساوت بين القاتل والقتيل انهزمت في عدميتها ،فانتصر القاتل ،وكانت ،في صمتها،
شريكته.
ي ثقافة هذه التي تتساوى فيها الضداد ،فيختلط السود بالبيض في رمادية اللون والمعنى؟ -9أ ّ
إنها الثقافة المسيطرة بسيطرة البرجوازية وإيديولوجيتها ،في أشكال منها قد تتخالف ،لكنهتتا ،فتتي
اللحظات التاريخية الحاسمة ،دوما تتحالف ضد الثقافة الثورية النقيض .هكذا تنعقتتد بيتتن العدميتتة
ت ترعاهتتا البرجوازيتتة ،بتتل والظلمية مثل ،أو بين هذه وتلك ،وأشكال من الفكر الديني ،تحالفتتا ٌ
س متتن الطتتبيعي أن تتوسلها في مجابهة الفكر المادي ،محور الثقافة الثورية وقطبها الجاذب .ألي ت َ
ينعقد التحالف وطيدًا فتي مجترى هتذه الثقافتة بيتن جميتع المثقفيتن المناضتلين متن أجتل الحريتة
والديمقراطية ،الطامحين إلى تغيير العالم وتحريره من سيطرة الرجعية والمبريالية؟ أليتتس متتن
الضروري أن تتشابك أيدي الكادحين جميعًا _فتتي زمتتن الثتتورات العلميتتة_ ضتتد الجهتتل ُتعّممتُه
أنظمة البرجوازيات العربية؟
فرحة للثقافة والمثقفين أن تتهاوى أنظمة القمع هذه في كل أرجاء التتوطن العربتتي ،بفعتتل نضتتال
الثوريين يتوحتدون ،علتى اختلف تيتاراتهم وانتمتاءاتهم الفكريتة والسياستية ،فتي حركتة ثوريتة
جديدة واحدة ،تعيد إلى العالم نضارته ،وبها التاريخ يستوثق .فالثورة ليست حكرًا علتتى فكتتر ،أو
ب فيهتتا متتن كتتل حزب ،أو طبقة .إنها سيرورة تتكامل في الختلف ،وتغتني بروافد التغيير تص ّ
صوب ،في كل مرحلة .لكنها تتعطل ،أو تظل زاحفة ،أو منحرفة ،إن لم يكن للطبقة العاملة فيهتتا
موقٌع هو موقع الطبقة الهيمنّية النقيض ،ودوٌر هو دورها التاريخي نفسه ،ليس في قيادة النتقتتال
إلى الشتراكية وحسب ،بل في كل مرحلة من سيرورة هتتذا النتقتتال .ل بقتتراٍر ،بتتل بالممارستتة
الثورية ،وعلى قاعدة نهجها الطبقي الصتتحيح ،وبقيتتادة حزبهتتا الشتتيوعي ،تحتتتل الطبقتتة العاملتتة
موقعها ذاك في الحركة الثورية ،وتضطلع بدورها .والتاريخ الثوري ل يرحتتم متخّلفتتا عنتته ،ول
ل ،ل تلبث ،بعده ،أن تستعيد سيرورته الثوريتتة منطقهتتا. لج ٍ
هو يسير بعكس منطقه .فلئن فعل ،ف ِ
ح ،فتنهتتزَم إلتتى مواقتتعومنطقها أن تنتكس الثورة ،حتى في طابعها التتوطني التتديمقراطي ،فتتتراو َ
رجعية ،كلما استأثرت بقيادتهتتا قتتوى غيتُر هيمنيتتة ،متتن فئات وستتطية تحتتتل فتتي الستتلطة موقتتع
السيطرة الطبقيتة ،هّمهتا الول أل تستتكمل الثتورة ستيرورتها ،بحستب منطقهتا الضتروري فتي
تقويض علقات النتاج الرأستتمالية القائمتتة بارتباطهتتا التبعتتي بالمبرياليتتة ،وفتتي إقامتتة الستتلطة
السياسية الثورية القادرة على انجاز هذه المهمة.
ض يشتتل الحركتتة الثوريتتة ويضتتعها -10بين منطق الثورة ومنطق هذه القيادة غير الثورية تنتتاق ٌ
في أزمة تنعكس في ممارسات سلطوية قمعيتتة ضتتد قتتوى الثتتورة وجماهيرهتتا ،وبالتحديتتد ،ضتتد
ن الحتتل الطبقة العاملة التي هي ،بحزبها الطليعي ونهجها الوطني الصتتحيح ،النقيتتض الثتتوري .إ ّ
الجذري لتلك التناقضتات بتات يفترض ،بضترورة منطقته ،ضترورة تغييتر تلتك القيتادة الطبقيتة
لسيرورة الثورة الوطنية الديمقراطية ،واستنهاض حركة ثورية هتتي ،فتتي اتستتاقها متتع مهماتهتتا،
من نوع جديد ،ولها وحدها القيادة .ومن أولى خصائصها ،أن تسعى فيها الطبقة الهيمنية النقيض
إلى أن يكون نهجهتتا الطبقتتي نفسته ،فتتي ستتعيها إلتتى الستتلطة ،نهتتج الحركتتة بكاملهتتا .ل بتتالقمع،
بالممارسة الديمقراطية الثورية.
لئن كان القمع _أو الفئوية ،في لغة أخرى ،أو الستئثار بالسلطة ،أو النفراد بالقيادة_ هو الشكل
الطبقي الذي يحكم علقة القوى غير الهيمنية ،في وجودها في موقتتع الهيمنتتة الطبقيتتة ،بتتأطراف
التحالف الطبقي الثوري ،وكان ،بالتالي ضروريا بضرورة التناقض في أن تحتل تلك القوى هتتذا
الموقع ،فإن الديمقراطية ،كناظم للعلقة بين أطراف التحالف إياه ،وحتتق للجميتتع فتتي الختلف،
واحتراٍم لهذا الحق وممارسته ،أقول إن الديمقراطية هذه هي ،بتتالعكس ،الشتتكل الطتتبيعي ،أعنتتي
الضروري ،الذي يحكم علقة الطبقية .ذلك أن علقة الّتساق والتلؤم بينهتتا وبيتتن موقعهتتا هتتذا
هي ،بالضبط ،الساس المادي لضرورة الديمقراطية في علقة القتتوى الثوريتتة بعضتتها ببعتتض.
وهي ضمانة تحقق هذه الضرورة.
إن الحزب الشيوعي اللبناني ،إذ يدعو إلى وحدة القوى الثورية في حركة ثورية جديدة ،فهو إلى
احترام حق الختلف وممارستته فتي وحتدة هتذه الحركتة يتدعو ،وإلتى ديمقراطيتة ثوريتة هتو،
ن وجودهتتا .هكتتذا كتان ،منتذ أن كتتان، بوجوده حزبا للكادحين جميعًا ،للمنتجين المبتتدعين ،ضتتام ُ
وتاريخه يشهد .هكذا للثورة يبقى.