Professional Documents
Culture Documents
ف القرآن
www.tawhed.com
تقديم الطبعة الولى
م ،ونشر هذه رساله ألفها الستاذ السيد أبو العلى المودودي في سنة 1360هـ 1941 -
فصولها تباعا في مجلته الشهرية " ترجمان القرآن " ثم جمعها ونشرها في رسالة سماها " المصطلحات
الربعة في القرآن " .وما كتبه الستاذ المودودي نفسه في مقدمته لهذه الرساله عن أهميه هذه المصطلحات
في السلم ،فيه ما يغني عن إعادة ذكره في هذا التقديم ،وحسبنا أن نبين هنا تأريخ تأليف هذه الرسالة
والمناسبة التي دعت لتأليفها .
تم تأليف هذه الرسالة سنة 1360هـ ،وهي السنة التي تأسست فيها " الجماعة السلمية " في الهند
،فكان لهذه الرسالة يد – وأي يد – في إيضاح دعوة الجماعة ،وتحديد موقفها من جميع الحزاب
والجمعيات التي كانت قائمة في البلد .فما تقدم بعدها أحد للشتراك إل كان على بينة تامة من الفرق بين
دعوة الجماعة وبين ما تدعو إليه سائر الحزاب والجمعيات ،على الرغم من أن بعضها يدعي أنها ما قامت
إل لجل السلم ونشر دعوته.
نسخة – باللغة الردية وقد ظهر من هذه الرسالة حتى الن أربع طبع – في كل طبعه نحو 3000
،ولم تنقل حتى يومنا هذا إلى أيه لغة أخرى ،إل هذه الترجمة العربية التي نهض بها الخ الفاضل الديب
الستاذ السيد محمد كاظم سباق ،من زملء " دار العروبة للدعوة السلمية " وها نحن أولء نتشرف بتقديمها
إلى اخواننا الناطقين بالضاد.
وهذه الرسالة هي الثانية من رسائلنا – تحلت بالطبع في مدينة دمشق – معقل السلم الحصين – على أيدي
اخوان لنا في العلم والدين ،ممن اجتمعت قلوبنا وقلوبهم على حب السلم والستماته في سبيله ،جزاهم ال
عن السلم وأهله خير الجزاء ،ووفقنا جميعا للعمل بما فيه مرضاته ،انه ولي التوفيق وانه سميع مجيب .
وقد سبق أن نشر في دمشق ريسالة " مبادئ السلم " للستاذ المودودي ،وثماني رسائل أخرى
نشرت في القاهرة – يجد القارئ اسماءها في ختام هذه الرسالة – والمأمول أن تعقبها رسائل أخرى من هذه
السلسلة قريبا إن شاء ال .
وآخر دعوانا أن الحمد ل رب العالمين
المقدمة
الله والرب والدين والعبادة
هذه الكلمات الربع أساس المصطلح القرآني وقوامه ،والقطب الذي تدور حوله دعوة القرآن .فجماع
ما يدعو إليه القرآن الكريم هو أن ال تعالى هو الله الواحد الحد والرب الفرد الصمد ،ل إله إل هو ،ول
رب سواه ،ول يشاركه في ألوهيته ول في ربوبيته أحد .فيجب على النسان أن يرضى به إلها Tوأن يتخذه
دون سواه ربا ،Tويكفر بألوهية غيره ويجحد ربوبية من سواه ،وأن يعبده وحده ول يعبد أحدا Tغيره ويخلص
دينه ل تعالى ويرفض كل دين غير دينه سبحانه كما ورد في التنزيل) :وWما أ\رسWل[نا مYن XقZبلYك WمYن XرWسول Vإل
( نوحي إليه Yأنه_ ل إله إل^ أنا فاعبدون() .النبياء25 :
( )وما أ6م&روا إل 0ل&ي.ع5ي)دوا إلها 3واح&دا 3ل إله .إل 0هو .س)بحان,ه) عم*ا ي)ش'ر&كون() .التوبة31 :
( )إن; هذه أم*ت9ك9م 5أم;ة واحدة 3وأنا ر: .بك9م 5فاعبدون( )النبياء92 :
( )قل أغي5ر .ال ابغي ر.ب*ا 3وه)و .رب :كل@ شيء( )النعام164 :
( )الكهف110 : )ف,م.ن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمل 3صالحا 3ول يشرك بعبادة ربه أحدا(3
( )ولقد ب.عثنا في كل أمة رسول 3أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت( )النحل36 :
)آل عمران: )أفغير دين ال يبغون وله أسلم من في السماوات والرض طوعا 3وكرها 3وإليه يرجعون(
( 83
( )قل إني أمرت 9أن أعبد .ال مخلصا 3له الدين( )الزمر11 :
( )إن ال ربي ورب*كم فاعبدوه هذا صراط Oمستقيم( )آل عمران51 :
هذه الي المعدودة إنما سردناها مثال Tوأنموذجا ،Tوإل فمن قرأ القرآن وتتبع آياته ،فإنه يحس لول
وهلة ان كل ما نزل به القرآن الكريم من الهدي والرشاد ل يدور إل حول هذه المصطلحات الربعة ،وليس
ومن الظاهر البيeن أنه لبد لمن أراد أن يدرس القرآن ويسبر غور معانيه ،أن يتفهم المعاني
الصحيحة لكل من هذه الكلمات الربع ويتلقى مفهومها الكامل الشامل ،فإذا كان النسان ل يعرف ما الله،
وما معنى الرب ،وما العبادة ،وما تطلق عليه كلمة الدين فل جرم ،أن القرآن كله سيعود في نظره كلما
مهمل Tل يفهم من معانيه شيء .فل يقدر أن يعرف حقيقة التوحيد ،أو يتفطن إلى ماهية الشرك ،ول يستطيع
ان يخص عبادته بال سبحانه أو يخلص دينه له .وكذلك إذا كان مفهوم تلك المصطلحات غامضا Tمتشابها Tفي
ذهن الرجل وكانت معرفته بمعانيها ناقصة فل شك أنه يلتبس عليه كل ما جاء به القرآن من الهدى
والرشاد ،وتبقى عقيدته وأعماله كلها ناقصة مع كونه مؤمنا Tبالقرآن .فإنه لن ينفك يلهج بكلمة ل إله إل ال
ويتخذ مع ذلك آلهة متعددة من دون ال .ولن يبرح يعلن أنه ل رب إل ال ثم يكون مطيعا Tلرباب من دون
ال في واقع المر .إنه يجهر بكل صدق وإخلص بأنه ل يعبد إل ال تعالى ول يخضع إل له ،ولكنه مع ذلك
يكون عاكفا Tعلى عبادة آلهة كثيرة من دون ال .وكذلك يصرح بكل شدة وقوة أنه في حظيرة دين ال وكنفه
وإن قام أحد يعزوه إلى دين آخر غير السلم هجم عليه وناصبه الحرب؛ ولكنه يبقى مع ذلك متعلقا Tبأذيال
متعددة ول شك أنه ل يدعو أحدا Tغير ال تعالى ول يسميه بالله أو الرب بلسانه ،لكن تكون له آلهة كثيرة
وأرباب متعددة من حيث المعاني التي وضعت لها هاتان الكلمتان ،والمسكين ل يشعر أصل Tأنه قد أشرك بال
آلهة وأربابا Tأخرى وغذ نبeهته إلى أنه عابد لغير ال ومقترف kللشرك في الدين ،لنقض عليك يخمش وجهك،
إل أنه يكون عابدا Tلغير ال حقا Tوداخل Tفي غير دينه بدون ريب من حيث مغزى )العبادة( و )الدين( وهو ل
يدري مع كل ذلك أن العمال التي يرتكبها هي في حقيقة المر عبادة لغير ال وأن الحالة التي قد سقط فيها
يدلنا النظر في عصر الجاهلية وما تبعه من عصور السلم أنه لما نزل القرآن في العرب وعرض
على الناطقين بالضاد كان حينئذ يعرف كل امرئ Vمنهم ما معنى )الله( وما المراد بـ )الرب ،(Xلن كلمتي
)الله( و )الرب( كانتا مستعملتين في كلمهم منذ قبل ،وكانوا يحيطون علما Tبجميع المعاني التي تطلقان
عليها .ومن ثم إذا قيل لهم :ل غله إل ال ول رب سواه ول شريك له في ألوهيته وربوبيته ،أدركوا ما د_عوا
إليه تماما Tوتبين لهم من غير ما لبس ول إبهام أي شيء هو الذي قد نفاه القائل ومنع غير ال أن يوصف به؛
وأي شيء قد خصه وأخلصه ل تعالى ،فالذين كفروا إنما كفروا عن بينة ومعرفة بكل ما يبطله وينعي عليه
كفره بألوهية غير ال وربوبيته ،وكذلك من آمن فقد آمن عن بينة وبصيرة بكل ما يوجب قبول تلك العقيدة
وكذلك كانت كلمتا )العبادة( و )الدين( شائعتين في لغتهم وكانوا يعلمون ما البعد ،وما الحال التي
بعبر عنها بالعبودية ،وما هو المنهاج العملي الذي يطلق عليه اسم )العبادة( وما مغزى )الدين( وما هي
المعاني التي تشتمل عليها هذه الكلمة؟ ومن ثم لما قيل لهم "أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت" وادخلوا في دين
ال منقطعين عن الديان كلها ما أخطأوا في فهم هذه الدعوة التي جاء بها القرآن .وما إن قرعت كلماتها
أسماعهم حتى تبينوا :أي نوع من التغيير في نظام حياتهم جاءت تطالبهم به تلك الدعوة؟
ولكنه في القرون التي تلت ذلك العصر الزاهر جعلت تتبدل المعاني الصلية الصحيحة لجميع تلك
الكلمات ،تلك المعاني التي كانت شائعة بين القوم عصر نزول القرآن ،حتى أخذت تضيق كل كلمة من تلكم
الكلمات الربع عما كانت تتسع له وتحيط به من قبل ،وعادت منحصرة في معان ضيقة محدودة؛ بمدلولت
الول :قلة الذوق العربي السليم ونضوب معين العربية الخالصة في العصور المتأخرة ،والثاني أن
الذين ولدوا في المجتمع السلمي ونشؤوا فيه ،لم يكن قد بقي لهم من معاني كلمات )الله( و )الرب( و
)العبادة( و )الدين( ما كان شائعا Tفي المجتمع الجاهلي وقت نزول القرآن .ولجل هذين السببين أصبح
اللغويون والمفسرون في العصور المتأخرة يشرحون أكثر كلمات القرآن في معاجم اللغة وكتب التفسير
بالمعاني التي فهمها المتأخرون من المسلمين بدل Tمن معانيها اللغوية الصلية .ودونك من ذلك أمثلة:
وكلمة )الرب( جعلوها مترادفة مع الذي يربي وينشئ وللذات القائمة بأمر تربية الخلق وتنشئتهم.
وكلمة )العبادة( حددوها في معاني التأله والتنسك والخضوع والصلة بين يدي ال.
فكانت النتيجة أن تعذر على الناس أن يدركوا حتى الغرض الحقيقي والمقصد الجوهري من دعوة
القرآن فإذا دعاهم القرآن أل يتخذوا من دون ال إلها ،Tظنوا أنهم وف^وا مطالبة القرآن حقها لما تركوا الصنام
واعتزلوا الوثان؛ والحال أنهم ل يزالون متشبثين بكل ما يسعه ويحيط به مفهوم )الله( ما عدا الوثان
والصنام ،وهم ل يشعرون أنهم بعملهم ذلك قد اتخذوا غير ال إلها .وإذا ناداهم القرآن أن ال تعالى هو
الرب فل تتخذوا من دونه ربا ،Tقالوا ها نحن أولء ل نعتقد أحدا Tمن دون ال مربيا Tلنا ومتعهدا Tلمرنا ،وبذلك
قد كملت عقيدتنا في باب التوحيد ،والواقع أنه قد أذعن أكثرهم لربوبية غير ال من حيث المعاني الخرى
التي تطلق عليها كلمة )الرب( غير هذا المعنى – المربي .-وإذا خاطبهم القرآن أن اعبدوا ال واجتنبوا
الطاغوت ،قالوا :ل نعبد الوثان ،ونبغض الشيطان ونلعنه ول نخشع إل ل ،فقد امتثلنا هذا المر القرآني
أيضا Tامتثال ،Tوالحال أنهم ل يزالون متمسكين بأذيال الطواغيت الخرى غير الصنام المنحوتة من الحجار،
وقد خصوا سائر ضروب العبادة – اللهم إل التأله -لغير ال ،وقل مثل ذلك في )الدين( ،فإنه ل يفهم الناس
من معنى إخلص الدين ل تعالى غير أن ينتحل المرء ما يسمونه )الديانة السلمية( وأل يبقى في ملة
الهنادك أو اليهود أو النصارى .ومن هنا يزعم كل من هو معدود من أهل الديانة السلمية أنه قد أخلص
دينه ل ،والحق أن أغلبيتهم ممن لم يخلصوا دينهم ل تعالى من حيث المعاني الواسعة التي تشتمل عليها كلمة
)الدين(.
من الحق الذي ل مراء فيه أنه قد خفي على الناس معظم تعاليم القرآن ،بل قد غابت عنهم روحه
السامية وفكرته المركزية لمجرد ما غشي هذه المصطلحات الربعة الساسية من حجب الجهل .وذلك من
أكبر السباب التي قد تطرق لجلها الوهن والضعف إلى عقائدهم وأعمالهم على رغم قبولهم دين السلم
وكونهم في عداد المسلمين .ومن أجل ذلك كله يجدر بنا أن نفصل معاني تلك المصطلحات الربعة ونشرحها
ومع أني قد حاولت اللمام بمفهوم تلك المصطلحات في مقالت لي عديدة تقدم لي كتابها ،غير أن ما
قد كتبته حتى الن ل يكفي في حد ذاته لدرء الخطاء التي قد تسربت إلى الذهان في هذا الباب؛ ول يكاد
يقتنع به الناس ويطمئنون إليه لنهم يحسبون كل ما آني به من الشرح والتفصيل لمعاني تلك الكلمات من غير
استشهاد بآي الكتاب العزيز ومن غير استناد إلى معاجم اللغة – يحسبونه رأيا Tلي ارتأيته؛ والظاهر أن رأيي
الشخصي ل يمكن أن يقنع الذين ل يرون رأيي ول يوافقونني عليه على القل .فأردت في هذه الرسالة أن
أبين المعاني الكاملة الشاملة لهذه المصطلحات الربعة ،من دون أن آتي في ذلك بقول ل يؤيده القرآن أو
وسأتناول بالبحث أول Tكلمة )الله( ثم )الرب( ثم )العبادة( ثم )الدين( إن شاء ال تعالى.
أبو العلى
1اللـــــه
التحقيق اللغوي
مادة كلمة )الله( :الهمزة واللم والهاء ،وقد جاء في معاجم اللغة من هذه المادة ما يأتي بيانه فيما
يلي:
)(
ويتبين من التأمل في هذه المعاني المناسبة التي جعلت "اله ياله إلهة" تستعمل بمعنى العبادة – )أي
-1أن أول ما ينشأ في ذهن النسان من الحافز على العبادة والتأله يكون ما أتاه احتياج المرء
وافتقاره .وما كان النسان ليخطر بباله أن يعبد أحدا Tما لم يظن فيه أنه قادر على أن يسد خلته ،وأن ينصره
على النوائب ويؤويه عند الفات ،وعلى أن يسكن من روعه في حال القلق والضطراب.
-2وكذلك أن اعتقاد المرء أن أحدا Tما قاض للحاجات ومجيب للدعوات ،لستلزم أن يعده أعلى منه
منزلة وأسمى مكانة ،وأل يعترف بعلوه في المنزلة فحسب ،بل أن يعترف كذلك بعلوه وغلبته في القوة
واليد.
-3ومن الحق كذلك أن ما تقضى به حاجات المرء غالبا Tحسب قانون السباب والمسببات في هذه
الدنيا ،ويقع جل عمله في قضاء الحاجات تحت سمع المرء وبصره ،وفي حدود ل تخرج من دائرة علمه ،ل
ينشئ في نفس المرء شيئا Tمن النزوع إلى عبادته أبدا ،Tخذ لذلك مثل Tأن رجل Tيحتاج إلى مال ينفقه في بعض
حاجته ،فيأتي رجل Tآخر يطلب منه عمل Tأو وظيفة فيجيبه الرجل إلى طلبه ويقلده عمل ،Tثم يأجره على
بل رأى بأم eعينه كل المنهاج الذي بلغ به غايته وعرف الطريقة التي اتخذها الرجل لقضاء حاجته .فإن
تصور العبادة ل يمكن أن يخطر ببال المرء إل إذا كان شخص المعبود وقوeته من وراء حجاب الغيب،
وكانت مقدرته على قضاء الحوائج تحت أستار الخفاء .من ها هنا قد اختيرت للمعبود كلمة تتضمن معاني
-4ورابع الربعة أنه من المور الطبيعية التي ل مندوحة عنها أن يتجه النسان في شوق وولع إلى
من يظن فيه أنه قادر على أن يقضي حاجته إذا احتاج ،وعلى أن يؤويه إذا نابته النوائب ،ويهدئ أعصابه
عند القلق.
فتبين من ذلك كله أن التصورات التي قد أطلقت من أجلها كلمة )الله( على المعبود هي :قضاء
الحاجة والجارة والتهدئة والتعالي والهيمنة وتملك القوى التي يرجى بها أن يكون المعبود قاضيا Tللحاجات
مجيرا Tفي النوازل وأن يكون متواريا Tعن النظار يكاد يكون سرا Tمن السرار ل يدركه الناس ،وأن يفزع
ويجمل بنا بعد هذا البحث اللغوي أن ننظر ماذا كانت تصورeات العرب والمم القديمة في باب
يتبين من هاتين اليتين الكريمتين أن الذين كان يحسبهم أهل الجاهلية آلهة لنفسهم كانوا يظنون بهم
أنهم أولياؤهم وحماتهم في النوائب والشدائد وأنهم يكونون بمأمن من الخوف والنقض إذا احتموا بجوارهم.
) -2فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون ال من شيء لم*ا جاء أمر ربك وما زادوهم غير
)والذين يدعون من دون ال ل يخلقون شيئ3ا وهم يخلقون .أموات Oغير أحياء eوما يشعرون أي*ان
)يونس(66 : )وما يت0بع الذين يدعون من دون ال شركاء إن يتبعون إل الظن وإن هم إل يخرصون(
وتتجلى من هذه اليات بضعة أمور ،أحدها أن الذين كان أهل الجاهلية يتخذونهم آلهة لهم كانوا
يدعونهم عند الشدائد ويستغيثون بهم؛ والثاني :أن آلهتهم أولئك لم يكونوا من الجن أو الملئكة أو الصنام
فحسب بل كانوا كذلك أفرادا Tمن البشر قد ماتوا من قبل ،كما يدل عليه قوله تعالى" :أموات kغير أحياء وما
يشعرون أيان ي_بعثون" دللة واضحة والثالث :أنهم كانوا يزعمون أن آلهتهم هذه يسمعون دعاءهم ويقدرون
على نصرهم.
ولبد للقارئ في هذا المقام من أن يكون على ذكر من مفهوم الدعاء ،ومن وضعية النصرة التي
يرجوها النسان من الله فالمرء إذا كان أصابه العطش مثل Tفدعا خادمه وأمره بإحضار الماء أو إذا أصيب
بمرض فدعا الطبيب لمداواته ،ول يصح eأن يطلق على طلب الرجل للخادم أو للطبيب حكم "الدعاء" وكذلك
ليس من معناه أن الرجل قد اتخذ الخادم أو الطبيب إلها Tله .وذلك أن كل ما فعله الرجل جار على قانون
العلل والسباب ول يخرج عن دائرة حكمه .ولكنه إذا استغاث بولي أو وثن – وقد أجهده العطش أو
المرض -بدل Tمن أن يدعو الخادم أو الطبيب ،فل شك أنه دعاه لتفريج الكربة واتخذه إلها .Tفإنه دعا وليا Tقد
ثوى في قبر يبعد عنه بمئات من الميال ،فكأني له يراه سميعا Tبصيرا Tويزعم أن له نوعا Tمن السلطة على
عالم السباب مما يجعله قادرا Tعلى ان يقوم بإبلغه الماء أو شفائه من المرض ،وكذلك إذا دعا وثنا Tفي مثل
هذه الحال يلتمس منه الماء أو الشفاء ،فكأنه يعتقد أن الوثن حكمه نافذ على الماء أو الصحة أو المرض ،مما
يقدر به أن يتصرف في السباب لقضاء حاجته تصرفا Tغيبيا Tخارجا Tعن قوانين الطبيعة .وصفوة القول أن
التصور الذي لجله يدعو النسان الله ويستغيثه ويتضرع إليه هو ل جرم تصور كونه مالكا Tللسلطة
المهيمنة على قوانين الطبيعة وللقوى الخارجة عن دائرة نفوذ قوانين الطبيعة.
) -3ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصر;فنا اليات لعلهم يرجعون .فلول نصرهم الذين اتخذوا
)الحقاف(28-27 : من دون ال قربان3ا آلهة 3بل ضل0وا عنهم وذلك إفك9هم وما كانوا يفترون(
)ومالي ل أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ،أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضر nل تغن
)والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إل ليقربونا إلى ال ز)لفى إن ال يحكم بينهم فيما هم
)يونس(18 : )ويعبدون من دون ال مال يضرهم ول ينفعهم ويقولون هؤلء شفعاؤنا عند ال(
فيتجلى من هذه اليات الكريمة أمور عديدة منها أن أهل الجاهلية ما كانوا يعتقدون في آلهتهم أن
اللوهية قد توزعت فيما بينهم ،فليس فوقهم إله قاهر ،بل كان لديهم تصور واضح لله قاهر كانوا يعبرون
عنه بكلمة )ال( في لغتهم .وكانت عقيدتهم الحقيقة في شأن سائر اللهة أن لهم شيئا Tمن التدخل والنفوذ في
ألوهية ذلك الله العلى ،وأن كلمتهم تrتZلقى عنده بالقبول وأنه يمكن أن تتحقق أمانينا بواسطتهم ونستدر النفع
ونتجنب المضار باستشفاعهم .ولمثل هذه الظنون كانوا يتخذونهم أيضا Tآلهة مع ال تعالى .ومن هنا يتبين أن
النسان عن اتخذ أحدا Tشافعا Tله عند ال ثم أصبح يدعوه ويستعين به ويقوم بآداب التبجيل والتعظيم ويقدم له
)(
القربات والنذور ،فكل ذلك على ما اصطلح عليه أهل الجاهلية اتخاذه إياه إلها.
)النحل(51 : ) -4وقال ال :ل تتخذوا إلهين اثنين ،إنما هو إله واحد fفإياي فارهبون(
ويتضح من هذه اليات الحكيمة ،أن أهل الجاهلية كانوا يخافون من قبل آلهتهم أنهم إن أسخطوا
آلهتهم على أنفسهم لسبب من السباب أو حرموا عنايتهم بهم وعطفهم عليهم نابتهم نوائب المرض والقحط
) -5اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا 3من دون ال والمسيح بن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها
)الفرقان(43 : )أرأيت من اتخذ إلهه هواه ،أفأنت تكون عليه وكيل(
)الشورى(21 : )أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به ال(
وفي اليات يقف المتأمل على معنى آخر لكلمة )الله( يختلف كل الختلف عن كل ما تقدم ذكره
من معانيها ،فليس ههنا شيء من تصور السلطة المهيمنة على قوانين الطبيعة ،فالذي ات^خذ إلها Tهو إما واحد
من البشر أو نفس النسان نفسه ،ولم يتخذ ذلك إلها Tمن حيث أن الناس يدعونه أو يعتقدون فيه أنه يضرهم
وينفعهم ،أو أنه يستجار به ،بل قد اتخذوه إلها Tمن حيث تلقوا أمره شرعا Tلهم ،وائتمروا بأمره وانتهوا عما
نهى عنه ،واتبعوه فيما حلله وحرمه ،وزعموا ان له الحق في أن يأمر وينهى بنفسه ،وليس فوقه سلطة قاهرة
يحتاج إلى الرجوع والستناد إليها .فالية الولى تبين لنا كيف اتخذت اليهود والنصارى أحبارهم ورهبانهم
أربابا Tوآلهة من دون ال ،كما بين ذلك الحديث النبوي الشريف فيما رواه المام الترمذي وابن جرير من
طرق عن عدي بن حاتم رضي ال عنه "أنه دخل على رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم وفي عنقه صليب
من ذهب وهو يقرأ هذه الية ،قال ،فقلت :إنهم لم يعبدوهم ،فقال :بلى ،إنهم حرموا عليهم الحلل وأحلوا لهم
وأما الية الثانية فمعناها واضح كل الوضوح ،وذلك أن من يتبع هوى النفس ويرى أمره فوق كل
أما اليتان التاليتان بعدهما فإنه وإن وردت فيهما كلمة )الشركاء( مكان )الله( ،فالمراد بالشرك هو
الشراك بال تعالى في اللوهية .ففي هاتين اليتين دللة واضحة على أن الذين يرون أن ما وضعه رجل أو
طائفة من الناس من قانون أو شرعة أو رسم هو قانون شرعي من غير أن يستند إلى أمر من ال تعالى ،فهم
إن جميع ما تقدم ذكره من المعاني المختلفة لكلمة )الله( يوجد فيما بينها ارتباط منطقي ل يخفى
على المتأمل المستبصر .فالذي يتخذ كائنا Tما وليا Tله ونصيرا Tوكاشفا Tعنه السوء ،وقاضيا Tلحاجته ومستجيبا
لدعائه وقادرا Tعلى أن ينفعه ويضره ،كل ذلك بالمعاني الخارجة عن نطاق السنن الطبيعية ،يكون السبب
لعتقاده ذلك ظنه فيه أن له نوعا Tمن أنواع السلطة على نظام هذا العالم .وكذلك من يخاف أحدا Tويتقيه ويرى
أن سخطه يجر عليه الضرر ومرضاته تجلب له المنفعة ،ل يكون مصدر اعتقاده ذلك وعمله إل ما يكون في
ذهنه من تصور أن له نوعا Tمن السلطة على هذا الكون .ثم أن الذي يدعو غير ال ويفزع إليه في حاجاته
بعد إيمانه بال العلي العلى ،فل يبعثه على ذلك إل اعتقاده فيه أن له شركا Tفي ناحية من نواحي السلطة
اللوهية .وعلى غرار ذلك من يتخذ حكم أحد من دون ال قانونا Tويتلقى أوامره ونواهيه شريعة متبعة فإنه
أيضا Tيعترف بسلطته القاهرة .فخلصة القول أن أصل اللوهية وجوهرها هو السلطة سواء أكان يعتقدها
الناس من حيث أن حكمها على هذا العالم حكم مهيمن على قوانين الطبيعة ،أو من حيث أن النسان في حياته
الدنيا مطيع لمرها وتابع لرشادها ،وأن أمرها في حد ذاته واجب الطاعة والذعان.
استدلل القرآن
وهذا هو تصور السلطة الذي يجعله القرآن الكريم أساسا Tيأتي به من البراهين والحجج على إنكار
ألوهية غير ال ،وإثبات اللوهية ل تعالى وحده .فالذي يستدل به القرآن في هذا الشأن هو انه ل يملك جميع
السلطات والصلحيات في السماوات والرض إل ال .فالخلق مختص به ،والنعمة كلها بيده ،والمر له وحده،
والقوة والحول في قبضته ،وكل ما في السماوات والرض قانت له ومطيع لمره طوعا Tوكرها ،Tول سلطة
لحد سواه ول ينفذ فيها الحكم لحد غيره ،وما من أحد دونه يعرف أسرار الخلق والنظم والتدبير ،أو يشاركه
في صلحيات حكمه .ومن ثم ل إله في حقيقة المر إل هو ،وإذ لم يكن في الحقيقة إله آخر من دون ال،
فكل ما تأتونه من الفعال معتقدين غيره إلها Tباطل من أساسه ،سواء أكان ذلك دعاءكم إياه واستجارتكم له أم
كان خوفكم إياه ورجاءكم منه ،أم كان اتخاذكم إياه شافعا Tلدى ال ،أم كان إطاعتكم له وامتثالكم لمره؛ فإن
هذه الواصر والعلقات التي قد عقدتموها مع غير ال ،يجب أن تكون مختصة بال سبحانه لنه هو الذي
وأما السلوب الذي يستدل به القرآن الكريم في هذا الباب ،فدونك بيانه في كلمه البليغ المعجز:
)الزخرف(84 : )وهو الذي في السماء إله fوفي الرض إله fوهو الحكيم العليم(
)أفمن يخلق كمن ل يخلق أفل تذكرون( )والذين يدعون من دون ال ل يخلقون شيئ3ا وهم
)يا أي:ها الناس اذكروا نعمة ال عليكم هل من خالق eغير ال يرزقكم من السماء والرض ل إله إل
)النعام(46 : )قل أرأيتم عن أخذ ال سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله fغير ال يأتيكم به(
)وهو ال ل إله إل هو له الحمد في الولى والخرة وله الح)كم وإليه ترجعون .قل أرأيتم إن جعل
ال عليكم الليل سرمدا 3إلى يوم القيامة من إله غير ال يأتيكم بضياء eأفل تسمعون .قل أرأيتم إن جعل ال
)القصص(72-7 : عليكم النهار سرمدا 3إلى يوم القيامة من إله fغير ال يأتيكم بليل eتسكنون فيه أفل تبصرون(
)قل ادعوا الذين زعمتم من دون ال ل يملكون مثال ذرة eفي السماوات ول في الرض وما لهم
)سبأ(22:23 : فيهما من شرك وما له منهم من ظهير .ول تنفع الشفاعة عنده إل لمن أذن له(
)خلق السماوات والرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس
)خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من النعام ثمانية أزواج eيخلقكم في بطون
)أمن خلق السماوات والرض وأنزل لكم من السماء ماء xفأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم
أن تنبتوا شجرها أإله fمع ال بل هم قوم fيعدلون .أمن جعل الرض قرارا 3وجعل خللها أنهارا 3وجعل لها
رواسي وجعل بين البحرين حاجزا .أإله fمع ال بل أكثرهم ل يعلمون ،أم*ن ي)جيب المضطر إذا دعاه ويكشف
السوء ويجعلكم خلفاء الرض .أإله fمع ال قليل 3ما تذكرون .أم*ن يهديكم في ظلمات البر yوالبحر ومن
يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته أإله مع ال تعالى ال عما ي)شركون .أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن
)النمل(64-60 : يرزقكم من السماء والرض أإله fمع ال قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين(
)الذي له ملك السماوات والرض ولم يتخذ ولدا 3ولم يكن له شريك fفي الملك وخلق كل شيء
فقدره تقديرا .واتخذوا من دونه آلهة 3ل يخلقون شيئا 3وهم يخلقون ،ول يملكون لنفسهم ضرا 3ول نفعا 3ول
)بديع السماوات والرض أن0ى يكون له ولدق ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء eوهو بكل شيء
)النعام(102 – 101 : عليم .ذلكم ال ربكم ل إله إل هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل(
)ومن الناس من يتخذ من دون ال أندادا 3يحبونهم كحب ال والذين آمنوا أشد حبا 3ل ،ولو يرى
)قل أرأيتم ما تدعون من دون ال أروني ما خلقوا من الرض أم لهم شرك في السماوات( )ومن
)الحقاف(5 ،4 : أضل ممن يدعو من دون ال من ل يستجيب له إلى يوم القيامة(
)لو كان فيهما آلهة Oإل ال لفسدتا فسبحان ال رب العرش عما يصفون .ل ي)سئل عما يفعل 6وه)م
)ما اتخذ ال من ولد وما كان معه من إله إذا 3لذهب كل إله بما خلق ولعل بعضهم على بعض(
)المؤمنون(91 :
)قل لو كان معه آلهة Oكما يقولون إذا 3لبتغوا إلى ذي العرش سبيل .3سبحانه وتعالى عم*ا يقولن
ففي جميع هذه اليات من أولها إلى آخرها ل تجد إل فكرة رئيسية واحدة أل وهي أن كل Tمن
اللوهية والسلطة تستلزم الخرى وأنه ل فرق بينهما من حيث المعنى والروح .فالذي ل سلطة له ،ل يمكن
أن يكون إلها Tول ينبغي أن يتخذ إلها .وأما من يملك السلطة فهو الذي يجوز أن يكون غلها Tوهو وحده ينبغي
أن يتخذ إلها .ذلك بأن جميع حاجات المرء التي تتعلق بالله أو التي يضطر المرء لجلها أن يتخذ أحدا Tإلها
له ل يمكن قضاء شيء منها من دون وجود السلطة .ولذلك ل معنى للوهية من ل سلطة له ،فإن ذلك أيضا
مخالف للحقيقة ،ومن النفخ في الرماد أن يرجع إليه المرء ويرجو منه شيئا.
والسلوب الذي يستدل به القرآن واضعا Tبين يديه هذه الفكرة الرئيسية ،يمكن القارئ أني فهم
الدعوات التي قد تهاونتم بها وصغرتم من شأنها ،ما هي بأعمال هينة في حقيقة المر ،بل الحق أن صلتها
وثيقة بالقوى والسلطات التي تتولى أمر الخلق والتدبير في هذا الكون فإنكم إن تأملتم في المنهاج الذي تقضى
به حوائجكم التافهة الحقيرة ،عرفتم أن قضاءها مستحيل من غير أن تتحرك لجله عوامل ل تحصى في
ملكوت الرض والسماء خذوا لذلك مثل Tكأسا Tمن الماء تشربونها أو حبة من القمح تأكلونها فما أدركوا إذ
تعمل كل من الشمس والرض والرياح والبحار قبل أن تتهيأ لكم هذه وتصل إلى أيديكم .فالحق أنه ل تتطلب
إجابة دعائكم وقضاء حاجتكم وما إليها من الشؤون سلطة هينة ،بل يتطلب ذلك سلطة يقتضيها ويستلزمها
خلق السماوات والرض وتحريك السيارات وتصريف الرياح وإنزال المطار وبكلمة موجزة يقتضيها
-2وهذه السلطة غير قابلة للتجزئة ،فل يمكن أبدا Tأن تكون السلطة في أمر الخلق بيد وفي أمر
الرزق بيد أخرى ،وأن تكون الشمس مسخرة لهذا وتكون الرض مذللة لذاك .كما ل يمكن أن يكون النشاء
في يد والمرض والشفاء في يد أخرى ،والموت والحياة بيد ثالثة .فإنه لو كان المر كذلك ما أمكن لنظام هذا
الكون أن تقوم له قائمة .فما لبد eمنه أن تكون جميع السلطات والصلحيات بيد حاكم واحد يرجع إليه كل ما
في السماوات والرض .فإن eنظام هذا العالم يقتضي أن يكون المر كذلك وهو في الواقع كذلك:
-3وإذ كانت السلطة كلها بيد الحاكم الواحد ولم يكن لحد غيره نقير منها ول قطمير ،فاللوهية
أيضا Tمخصوصة به ل محالة ،وخالصة له دون غيره ول شريك له فيها .فل يملك أحد من دونه أن يغيثك أو
يستجيب دعاءك أو يجيرك أو يكون حاميا Tلك ونصيرا Tأو ليا Tووكيل ،Tأو يملك لك شيئا Tمن النفع أو الضر.
إذا Tل إله لكم غير ال بمعنى من تلك المعاني التي قد تخطر ببالكم ،حتى إنه ل يمكن أن يكون أحدا Tإلها Tلكم
بأن له دالة عند حاكم هذا الكون وتتقبل شفاعته لديه ،لمكانه من التقرب عنده .كل بل ليس في وسع أحد أن
يتصدى لمر من أمور حكمه وتدبيره ،ول يستطيع أحد أن يتدخل في شيء من شؤونه ،وكذلك قبول الشفاعة
أو رفضها متوقف على مشيئته وإرادته ،وليس لحد من القوة والنفوذ ما يجعل شفاعته مقبول لديه.
-4وما يقتضيه توحد السلطة العليا أن يكون جميع ضروب الحكم والمر راجعة إلى مسيطر قاهر
واحد ،وإل^ ينتقل منه جزء من الحكم إلى غيره .فإنه إذا لم يكن الخلق إل له ولم يكن له شريك فيه ،وإذا كان
هو الذي يرزق الناس ولم تكن لحد من دونه يد في المر ،إذا كان هو القائم بتدبير نظام هذا الكون وتسيير
شؤونه ولم يكن له في ذلك شريك ،فما يتطلبه العقل أل yيكون الحكم والمر والتشريح إل بيده كلك ول مبرeر
لن يكون أحد شريكا Tله في هذه الناحية أيضا .وكما أن^ه من الخطأ أن يكون أحد غيره مجيبا Tلدعوة الداعي
وقاضيا Tلحاجة المحتاج ،ومجيرا Tللمضطر في دائرة ملكوته في السموات والرض ،فمن الخطأ والباطل كذلك
أن يكون أحد غيره حاكما Tمستقل Tبنفسه ،وآمرا Tمستبدا Tبحكمه ،وشارعا Tمطلق اليد في تشريعه ،إن الخلق
والرزق والحياء والنامة ،وتسخير الشمس والقمر ،وتكوير الليل والنهار والقضاء والقدر ،والحكم والملك،
والمر والتشريع ..كل أولئك وجوه مختلفة للسلطة الواحدة ،ومظاهر شتى للحكم الواحد ،والحكم والسلطة ل
يقبل شيء منهما التجزئة والتقسيم البتة .فالذي يعتقد أمر كائن ما من دون ال مما يجب إطاعته والذعان له
بغير سلطان من عند ال ،فإنه يأتي من الشرك بمثل ما يأتي به الذي يدعو غير ال ويسأله .وكذلك الذي
يدعي أنه مالك الملك ،والمسيطر القاهر ،والحاكم المطلق بالمعاني السياسية)( ،فإن دعواه هذه كدعوى
اللوهية ممن ينادي بالناس" :إني وليكم وكفيلكم وحاميكم وناصركم" ،ويريد بكل ذلك المعاني الخارجة عن
نطاق السنن الطبيعية .ألم تر أنه بينما جاء في القرآن أن ال تعالى ل شريك له في الخلق وتقدير الشياء
وتدبير نظام العالم ،جاء معه أن ال له الحكم وله الملك ليس له شريك في الملك ،مما يدل دللة واضحة على
أن اللوهية تشتمل على معاني الحكم والملك أيضا ،Tوأنه مما يستلزمه توحيد الله أل يشرك بال تعالى في
هذه المعاني كذلك .وقد فصل القول في ذلك أكثر مما تقدم فيما يلي من اليات:
)قل| اللهم* مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك من تشاء) وتعز من تشاء وتذل من تشاء(
)الناس(3-1 : )قل أعوذ برب الناس .ملك الناس .إله الناس(
وقد صرح القرآن بالمر بأكثر من كل ما سبق في )سورة غافر ( حيث جاء:
)غافر(16 : )يوم هم بارزون ،ل يخفى على ال منهم شيء ،لمن الملك اليوم ل الواحد القهار(
أي يوم يكون الناس قد انقشعت الحجب عنهم ،ول يخفى على ال خافية من أمرهم ،ينادي المنادي:
لمن الملك اليوم؟ ول يكون الجواب إل أن الملك ل الذي غلبت سلطته جميع الخلق ،وأحسن ما يفسر هذه
الية ما رواه المام أحمد بن حنبل – رحمه ال – عن عبد ال بن عمر رضي ال عنهما ،أن رسول ال صلى
ال عليه وسلم قرأ هذه الية ذات يوم على المنبر )وما قد روا ال حق قدره ،والرض جميعا Tقبضته يوم
القيامة ،والسموات مطويات بيمينه ،سبحانه وتعالى عما يشركون( ورسول ال صلى ال عليه وسلم يقول:
هكذا بيده ويحركها ،يقبل بها ويدبر ،يمجد الرب نفسه ،أنا الجبار ،أنا المتكبر ،أنا العزيز ،أنا الكريم ،فرجف
-2الـــــرب
التحقيق اللغوي
مادة كلمة )الرب( :الراء والباء المضعzفة)(،ومعناها الصلي الساسي :التربية ،ثم تتشعب عنه معاني
التصرف والتعهد والستصلح والتمام والتكميل ،ومن ذلك كله تنشأ في الكلمة معاني العلو والرئاسة والتملك
)(
والسيادة .ودونك أمثلة لستعمال الكلمة في لغة العرب بتلك المعاني المختلفة:
يقولون )رب zالولد( أي ربeاه حتى أدرك فـ )الرeبيب( هو الصبي الذي تربيه و )الربيبة( الصبية.
وكذلك تطلق الكلمتان على الطفل الذي يربى في بيت زوج أمه و )الربيبة( أيضا Tالحاضنة ويقال )الرeابة(
لمرأة الب غير الم ،فإنها وإن لم تكن أم الولد ،تقوم بتربيته وتنشئته .و )الراب( كذلك زوج الم.
)المربب( أو )المربى( هو الدواء الذي يختزن ويدeخر .و )رWب zي_رب{ ربzا (Tمن باب نصر معناه الضافة
والزيادة والتمام ،فيقولون )رب zالنعمة( :أي زاد في الحسان وأمعن فيه.
يقولون) :فلن يرب الناس( أي يجمعهم أو يجتمع عليه الناس ،ويسمون مكان جمعهم )بالمرeب (eو
يقولون )رب ضيعة( أي تعهدeها وراقب أمرها .قال صفوان بن أمية لبي سفيان :لن يربني رجل من
قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن ،أي يكفلني ويجعلني تحت رعايته وعنايته .وقال علقمة بن
عبدة:
)(
وقبلك ربتني فضيعت ربوب وكنت امرءا Tأفضت إليك ربابتي
أي انتهى إليك الن أمر ربابتي وكفالتي بعد أن رباني قبلك ربوب فلم يتعهدوني ولم يصلحوا شأني.
ويقول الفرزدق:
)(
سلءها في أديم غير مربوب كانوا كسالئة حمقاء إذ حقنت
أي الديم الذي لم يليeن ولم يدبغ .ويقال )فلن يربب صنعته عند فلن( أي يشتغل عنده بصناعته
يقولون )قد رب eفلن قومه( :أي ساسهم وجعلهم ينقادون له .و )ربيت القوم( أي حكمتهم وسدتهم،
والمراد برب كندة ههنا سيد كندة ورئيسهم .وفي هذا المعنى يقول النابغة الذبياني:
) (5التملك:
قد جاء في الحديث أنه سأل النبي صلى ال عليه وسلم رجل" Tأرب غنم أم رب ابل؟ ،أي أمالك غنم
أنت أم مالك ابل؟ وفي هذا المعنى يقال لصاحب البيت )رب الدار( وصاحب الناقة) :رب الناقة( ومالك
الضيعة) :رب الضيعة( وتأتي كلمة الرب بمعنى السيد أيضا Tفتستعمل بمعنى ضد العبد أو الخادم.
هذا بيان ما يتشعب من كلمة )الرب( من المعاني .وقد أخطأوا لعمر ال حين حصروا هذه الكلمة في
معنى المربي والمنشئ ،ورددوا في تفسير )الربوبية( هذه الجملة )هو إنشاء الشيء حال Tفحال Tإلى حد
التمام( .والحق أن ذلك إنما هو معنى واحد من معاني الكلمة المتعددة الواسعة .وبإنعام النظر في سعة هذه
الكلمة واستعراض معانيها المتشعبة يتبين أن كلمة )الرب( مشتملة على جميع ما يأتي بيانه من المعاني:
5السيد المطاع ،والرئيس وصاحب السلطة النافذ الحكم ،والمعترف له بالعلء والسيادة ،والمالك
لصلحيات التصرف.
6الملك والسيد.
استعمال كلمة )الرب( في القرآن
وقد جاءت كلمة )الرب( في القرآن بجميع ما ذكرناه آنفا Tمن معانيها .ففي بعض المواضع أريد بها
معنى أو معنيان من تلك المعاني .وفي الخرى أريد بها أكثر من ذلك .وفي الثالثة جاءت الكلمة مشتملة على
المعاني الخمسة بأجمعها في آن واحد .وها نحن نبين ذلك بأمثلة من آي الذكر الحكيم.
بالمعنى الول
)يوسف(23 :
)(
)قال معاذ ال إنه ربي أحسن مثواي(
)فإنهم عدو fلي إل رب العالمين .الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين .وإذا مرضت
)وما بكم من نعمة فمن ال ،ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ،ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق
)النعام(164 : )قل أغير ال أبغي ربا 3وهو رب :كل شيء(
بالمعنى الثالث
)آل عمران(64 : )ول يتخذ بعضنا بعضا 3أربابا 3من دون ال(
والمراد بالرباب في كلتا اليتين الذين تتخذهم المم والطوائف هداتها ومرشديها على الطلق.
فتذعن لمرهم ونهيهم ،وتتبع شرعهم وقانونهم ،وتؤمن بما يحلون وما يحرمون بغير أن يكون قد أنزل ال
تعالى به من سلطان ،وتحسبهم فوق ذلك أحقاء بأن يأمروا وينهوا من عند أنفسهم.
)أما أحدكما فيسقي ربه خمرا) .. (3وقال للذي ظن* أنه ناج eمنهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان
ذكر ربه( ) ..فلما جاءه الر*سول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللتي قط0عن أيديهن* إن* ربي
قد كرر يوسف عليه السلم في خطابه لهل مصر في هذه اليات تسمية عزيز مصر بكلمة )ربهم(
فذلك لن أهل مصر بما كانوا يؤمنون بمكانته المركزية وبسلطته العليا ،ويعتقدون أنه مالك المر والنهي،
فقد كان هو ربهم في واقع المر ،وبخلف ذلك لم ي_رد يوسف عليه السلم بكلمة )الرب( عندما تكلم بها
بالنسبة لنفسه إل ال تعالى فإنه لم يكن يعتقد فرعون ،بل ال وحده المسيطر القاهر ومالك المر والنهي.
بالمعنى الخامس:
ومما تقدم من شواهد آيات القرآن ،تتجلى معاني كلمة )الرب( كالشمس ليس دونهما غمام .فالن
يجمل بنا أن ننظر ماذا كانت تصورات المم الضالة في باب الربوبية ،ولماذا جاء القرآن ينقضها ويرفضها،
وما الذي يدعو إليه القرآن الكريم؟ ولعل من الجدر بنا في هذا الصدد أن نتناول كل أمة من المم الضالة
التي ذكرها القرآن منفصلة بعضها عن بعض ،فنبحث في عقائدها وأفكارها حتى يستبين المر ويخلص من
إن أقدم أمة في التاريخ يذكرها القرآن هي أمة نوح عليه السلم ،ويتضح مما جاء فيه عن هؤلء
القوم أنهم لم يكونوا جاحدين بوجود ال تعالى ،فقد روى القرآن نفسه قولهم التي في ردeهم على دعوة نوح
عليه السلم:
)المؤمنون(24 : )ما هذا إل بشر lمثلكم يريد_ أن يتفضل عليكم ،ولو شاء ال لنزل ملئكة(
وكذلك لم يكونوا يجحدون كون ال تعالى خالق هذا العالم ،وبكونه ربا Tبالمعنى الول والثاني ،فإنه لما
و )استغفروا ربكم إنه ،كان غفارا (3و )ألم تروا كيف خلق ال سبع سماوات طباق3ا وجعل القمر فيهن
)نوح(17 ،16 ،15 ،10 : نورا 3وجعل الشمس سراجا 3وال أنبتكم من الرض نباتا(
لم يقم أحد منهم يرد على نوح قوله ويقول :ليس ال بربنا ،أوليس ال بخالق الرض والسماء ول
بخالقنا نحن ،أو ليس هو الذي يقوم بتدبير المر في السماوات والرض.
ثم إنهم لم يكونوا جاحدين أن ال إل lه لهم .ولذلك دعاهم نوح عليه السلم بقوله) :ما لكم من إله غيره(
فإن القوم لو كانوا كافرين بألوهية ال تعالى ،إذا Tلكانت دعوة نوح إياهم غير تلك الدعوة وكان قوله عليه
عليه السلم .وإننا إذا Tأرسلنا النظر لجل ذلك في آيات القرآن وتتبعناها ،تبين لنا أنه لم يكن موضوع النزاع
بين الجانبين إل أمرين اثنين :أولهما أن نوحا Tعليه السلم كان يقول لقومه :إن ال الذي هو رب العالمين
والذي تؤمنون بأنه هو الذي قد خلقكم وخلق هذا العالم جميعا ،Tوهو الذي يقضي حاجاتكم ،هو في الحقيقة
إلهكم الواحد الحد ول إله إل هو ،وليس لحد من دونه أن يقضي لكم الحاجات ويكشف عنكم الضر ويسمع
وكان قومه بخلف ذلك مصرين على قولهم بأن ال هو رب العالمين دون ريب .إل أن هناك آلهة
أخرى لها أيضا Tبعض الدخل في تدبير نظام هذا العالم ،وتتعلق بهم حاجاتنا ،فل بد أن نؤمن بهم كذلك آلهة
لنا مع ال:
)نوح(23 : )وقالوا ل تذرن :آلهتكم ول تذرن* ودا 3ول سواعا 3ول يغوث ويعوق ونسرا(3
وثانيهما أن القوم لم يكونوا يؤمنون بربوبية ال تعالى إل من حيث إنه خالقهم ،جميعا Tومالك الرض
والسماوات ،ومدبر أمر هذا العالم ،ولم يكونوا يقولون بأنه وحده هو الحقيق – كذلك -بأن يكون له الحكم
والسلطة القاهرة في أمور الخلق والجتماع والمدنية والسياسة وسائر شؤون الحياة النسانية ،وبأنه وحده
أيضا Tهادي السبيل وواضع الشرع ومالك المر والنهي ،وبأنه وحده يجب كذلك أن يتبع .بل كانوا قد اتخذوا
رؤساءهم وأحبارهم أربابا Tمن دون اله في جميع تلك الشؤون .وكان يدعوهم نوح عليه السلم – بخلف ذلك
إلى أل يجعلوا الربوبية يتقسمها أرباب متفرقة بل عليهم أن يتخذوا ال تعالى وحده ربا Tبجميع ما تشتمل عليه
كلمة )الرب( من المعاني وأن يتبعوه ويطيعوه فيما يبلغهم من أوامر ال تعالى وشيعته نائبا Tعنهن فكان يقول
لهم:
ويذكر القرآن بعد قوم نوح عادا Tقوم هود عليه السلم .ومعلوم أن هذه المة أيضا Tلم تكن جاحدة
بوجود ال تعالى ،وكذلك لم تكن تكفر بكونه إلها .بل كانت تؤمن بربوبية ال تعالى بالمعاني التي كان يؤمن
بها قوم نوح عليه السلم .أما النزاع بينها وبين نبيها هود عله السلم فلم يكن إل حول المرين الثنين اللذين
كان حولهما نزاع بين نوح عليه السلم وقومه يدل على ذلك ما يأتي من النصوص القرآنية دللة واضحة:
)العراف(65 : )وإلى عاد eأخاهم هودا ،3قال يا قوم اعبدوا ال ما لكم من إله غيره(
)العراف(70 : )قالوا أجئتنا لنعبد ال وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا(
)هود(59 : )وتلك عاد fجحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر .كل جب*ار eعنيد(
ويأتي بعد ذلك ثمود الذين كانوا أطغى المم وأعصاها بعد عاد وهذه المة أيضا Tكان ضللها كضلل
قومي نوح وهود من حيث الصل والمبدأ فما كانوا جاحدين بوجود ال تعالى ول كافرين بكونه إلها Tوربا
للخلق أجمعين .وكذلك ما كانوا يستنكفون عن عبادته والخضوع بين يديه ،بل الذي كانوا يجحدونه هو أن ال
تعالى هو الله الواحد ،وأنه ل يستحق العبادة إل هو ،وأن الربوبية خاصة له دون غيره بجميع معانيها .فإنهم
كانوا مصرين على إيمانهم بآلهة أخرى مع ال وعلى اعتقادهم أن أولئك يسمعون الدعاء ،ويكشفون الضر
ويقضون الحاجات ،وكانوا يأبون إل أن يتبعوا رؤساءهم وأحبارهم في حياتهم الخلقية والمدنية ،ويستمدوا
منهم بدل Tمن ال تعالى شرعهم وقانون حياتهم .وهذا هو الذي أفضى بهم في آخر المر إلى أن يصبحوا أمة
مفسدة ،فأخذهم من ال عذاب أليم ويبين كل ذلك ما يأتي من آيات القرآن الحكيم.
)فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد eوثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن
)حم :السجدة (14-13 خلفهم أل تعبدوا إل ال قالوا لو شاء ربنا لنزل ملئكة فإنا بما أرسلتم به كافرون(
)هود(61 : )وإلى ثمود أخاهم صالحا ،3قال يا قوم اعبدوا ال ما لكم من إله غيره(
)قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجو*ا 3قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا(
)الشعراء(144-151 : )إذ قال لهم أخوهم صالح fأل تتقون .إني لكم رسول uأمين .فاتقوا ال وأطيعون(
)الشعراء(152-151 : )ول تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الرض ول يصلحون(
قوم إبراهيم ونمورد
ويتلو ثمود قوم إبراهيم عليه السلم .ومما يجعل أمر هذه المة أخطر وأجدر بالبحث ،أن قد شاع
خطأ بين الناس عن ملكها نمرود ،أنه كان يكفر بال تعالى ويدعي اللوهية .والحق أنه كان يؤمن بوجود ال
تعالى ويعتقد بأنه خالق هذا العالم ومدبر أمره ،ولم يكن يدعي الربوبية إل بالمعنى الثالث والرابع والخامس.
وكذلك قد فشا بين الناس خطأ أن قوم إبراهيم عليه السلم هؤلء ما كانوا يعرفون ال ول يؤمنون بألوهيته
وربوبيته .إنما الواقع أن أمر هؤلء القوم لم يكن يختلف في شيء عن أمر قوم نوح وعاد وثمود .فقد كانوا
يؤمنون بال ويعرفون أنه هو الرب وخالق الرض والسماوات ومدبر أمر هذا العالم ،وما كانوا يستنكفون
عن عبادته كذلك .وأما غيeهم وضللهم فهو أنهم كانوا يعتقدون أن الجرام الفلكية شريكة مع ال في الربوبية
بالمعنى الول والثاني ولذلك كانوا يشركونها بال تعالى في اللوهية .وأما الربوبية بالمعنى الثالث والرابع
والخامس فكانوا قد جعلوها خاصة لملوكهم وجبابرتهم .وقد جاءت نصوص القرآن في ذلك من الوضوح
والجلء بحيث يتعجب المرء :كيف لم يدرك الناس هذه الحقيقة وقصروا عن فهمها؟ .وهيا بنا ننظر قبل كل
شيء في الحادث الذي حدث لبراهيم – عليه السلم -عند أول ما بلغ الرشد؛ والذي يصف فيه القرآن كيفية
)فلما جن عليه الليل رأى كوكبا ،3قال هذا ربي؛ فلما أفل ،قال ل أحب الفلين .فلما رأى القمر بازغا،3
قال هذا ربي ،فلما أفل ƒقال لئن لم يهدني ربي لكونن من القوم الضالين .فلما رأى الشمس بازغة ،قال هذا
ربي ،هذا أكبر؛ فلما أفلت قال يا قوم إني بريء fمما تشركون .إني وجهت 9وجهي للذي فطر السماوات
فيتبين واضحا Tمن اليات المخطوط تحتها أن المجتمع الذي نشأ فيه إبراهيم عليه السلم،كان يوجد
عنده تصور فاطر السماوات والرض وتصو{ر كونه ربا Tمنفصل Tعن تصوeر ربوبية السيارات السماوية .ول
عجب في ذلك ،فقد كان القوم من ذرية المسلمين الذين كانوا قد آمنوا بنوح عليه السلم ،وكان الدين
السلمي لم يزل يحيا و_يجدد فيمن داناهم في القرب والقرابة من أمم عاد وثمود ،على أيدي الرسل الكرام
الذين توالوا عليها كما قال عز eوجل) :جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم( .فعلى ذلك كان إبراهيم
عليه السلم أخذ تصور كون ال ربا Tوفاطرا Tللسماوات والرض عن بيئته التي نشأ فيها .وأما التساؤل الذي
كان يخالج نفسه فهو عن مبلغ الحق والصحة فيما شاع بين قومه من تصوeر كون الشمس والقمر والسيارات
الخرى شريكة مع ال في نظام الربوبية حتى أشركوها بال تعالى في العبادة)(.فجد eإبراهيم عليه السلم في
البحث عن جوابه قبل أن يصطفيه ال تعالى للنبوة ،حتى أصبح نظام طلوع السيارات السماوية وأفولها هاديا
له إلى الحق الواقع وهو أنه ل رب إل فاطر السماوات والرض .ولجل ذلك تراه يقول عند أفول القمر :لئن
لم يهدني ربي لخافن zأن أبقى عاجزا Tعن الوصول إلى الحق وانخدع بهذه المظاهر التي ل يزال ينخدع بها
مليين من الناس من حولي .ثم لما اصطفاه ال تعالى لمنصب النبوة أخذ في دعوة قومه إلى ال ،فإنك ترى
بالتأمل في الكلمات التي كان يعرض بها دعوته على قومه أن ما قلناه آنفا Tيزداد وضوحا Tوتبيانا:
)النعام – (81 )وكيف أخاف ما أشركتم ول تخافون أنكم أشركتم بال ما لم ينز*ل به عليكم سلطانا(3
)الصافات: )إذ قال لبيه وقومه ماذا تعبدون .أأفكا 3آلهة 3دون ال تريدون .فما ظن0كم برب yالعالمين(
(87 -85
)إن0ا ب)رآء) منكم ومما تعبدون من دون ال كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا 3حتى
فيتجلى من جميع القوال لبراهيم عليه السلم أنه ما كان يخاطب بها قوما Tل يعرفون ال تعالى
ويجحدون بكونه إله الناس ورب العالمين أو أذهانهم خالية من كل ذلك ،بل كان بين يديه قوم يشركون بال
تعالى آلهة أخرى في الربوبية بمعناها الول والثاني وفي اللوهية .ولذلك ل ترى في القرآن الكريم قول
واحدا Tلبراهيم عليه السلم قد قصد به إقناع أمته بوجود ال تعالى وبكونه إلها Tوربا Tللعالمين ،بل الذي تراه
ثم لنستعرض أمر نمرود .فالذي جرى بينه وبين إبراهيم عليه السلم من الحوار ،قصه القرآن في ما
يأتي من اليات:
)ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه ال الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال
)البقرة أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن ال يأتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب فبهت الذي كفر(
– (258
أنه ليتضح جليا Tمن هذا الحوار بين النبي وبين نمرود أنه لم يكن النزاع بينهما في وجود ال تعالى أو
عدمه وإنما كان في أنه من ذا يعتقده إبراهيم عليه السلم رباT؟ كان نمرود من أمة كانت تؤمن بوجود ل
تعالى ،ثم لم يكن مصابا Tبالجنون واختلل العقل حتى يقول هذا القول السخيف البين الحمق" :إني فاطر
السماوات والرض ومدبر سير الشمس والقمر" فالحق أنه لم تكن دعواه أنه هو ال ورب السماوات والرض
وغنما كانت أنه رب المملكة التي كان إبراهيم –عليه السلم -أحد أفراد رعيتها .ثم أنه لم يكن يدعي الربوبية
لتلك المملكة بمعناها الول والثاني ،فإنه كان يعتقد بربوبية الشمس والقمر وسائر السيارات بهذين المعنيين،
بل كان يدعي الربوبية لمملكته بالمعنى الثالث والرابع والخامس .وبعبارة أخرى كانت دعواه أنه مالك تلك
المملكة ،وأن جميع أهاليها عبيد له ،وأن سلطته المركزية أساس لجتماعهم ،وأمره قانون حياتهم .وتدل
كلمات )أن آتاه ال الملك( دللة صريحة على أن دعواه للربوبية كان أساسها التبجح بالملكية .فلما بلغه أن
قد ظهر بين رعيته رجل يقال له إبراهيم ،ل يقول بربوبية الشمس والقمر ول السيارات الخرى في دائرة ما
فوق الطبيعة ،ول هو يؤمن بربوبية صاحب العرش في دائرة السياسة والمدنية ،استغرب المر جدا Tفدعا
إبراهيم عليه السلم فسأله :من ذا الذي تعتقده رباT؟ فقال إبراهيم عليه السلم بادئ ذي بدء" :ربي الذي يحيي
ويميت يقدر على إماتة الناس وإحيائهم!" فلم يدرك نمرود غور المر فحاول أن يبرهن على ربوبيته بقوله:
"وأنا أيضا Tأملك الموت والحياة ،فأقتل من أشاء وأحقن دم من أريد! "..هنالك بين له إبراهيم عليه السلم أنه
ل رب عنده إل ال الذي ل رب سواه بجميع معاني الكلمة ،وأنى يكون لحد غيره شرك في الربوبية وهو ل
سلطان له على الشمس في طلوعها وغروبها؟! وكان نمرود رجل Tفطنا ،Tفما أن سمع من إبراهيم عليه السلم
هذا الدليل القاطع حتى تجلت له الحقيقة ،وتفطن لن دعواه للربوبية في ملكوت ال تعالى بين السموات
والرض إن هي إل زعم باطل وادعاء فارغ فبهت ولم ينبس ببنت شفة .إل انه قد كان بلغ منه حب الذات
واتباع هوى النفس وإيثار مصالح العشيرة ،مبلغا Tلم يسمح له بأن ينزل عن ملكيته المستبدة ويئوب إلى طاعة
ال ورسوله ،مع أنه قد تبين له الحق والرشد .فعلى ذلك قد أعقب ال تعالى هذا الحوار بين النبي ونمرود
بقوله) :وال ل يهدي القوم الظالمين( والمراد أن نمرود لما لم يرض أن يتخذ الطريق الذي كان ينبغي له أن
يتخذه بعدما تبين له الحق ،بل آثر أن يظلم الخلق ويظلم نفسه معهم ،بالصرار على ملكيته المستبدة الغاشمة
لم يؤته ال تعالى نورا Tمن هدايته ،ولم يكن من سنة ال أن يهدي إلى سبيل الرشد من كان ل يطلب الهداية
ويعقب قوم إبراهيم في القرآن قوم لوط ،الذين بعث لهدايتهم وإصلح فسادهم لوط بن أخي إبراهيم
عليهما السلم .-ويدلنا القرآن الكريم أن هؤلء أيضا Tما كانوا متنكرين لوجود ال تعالى ول كانوا يجحدون
بأنه هو الخالق والرب بالمعنى الول والثاني .أما الذي كانوا يأبونه ول يقبلونه فهو العتقاد بأن ال هو الرب
المعنى الثالث والرابع والخامس ،والذعان لسلطة النبي من حيث كونه نائبا Tمن عند ال أمينا .ذلك بأنهم
كانوا يبتغون أن يكونوا أحرارا Tمطلقي الحرية يتبعون ما يشاؤون من أهوائهم ورغباتهم وتلك كانت جريمتهم
الكبيرة التي ذاقوا من جرائها أليم العذاب .ويؤيد ذلك ما يأتي من النصوص القرآنية:
)إذ قال لهم أخوهم لوط أل تتقون إني لكم رسول uأمين .fفاتقوا ال وأطيعون .وما أسألكم عليه من
أجر إن 5أجري إل على رب العالمين .أتأتون الذ„كران من العالمين .وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم
وبديهي أن مثل هذا القول لم يكن ليخاطب به إل قوم ل يجدون بوجود ال تعالى وبكونه خالقا Tوربا
لهذا العالم؟ فأنت ترى أنهم ل يجيبون لوطا Tعليه السلم بقول من مثل" :ما ال؟" من أين له أن يكون خالقا
وقد ذكر القرآن الكريم هذا الحديث في موضع آخر بالكلمات التية:
)ولوطا 3إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين .أإنكم لتأتون الرجال
وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إل أن قالوا ائتنا بعذاب ال إن كنت من
أفيجوز أن يكون هذا جواب قوم ينكرون وجود ال تعالى؟ .ل وال ومن ذلك يتبين أن جريمتهم
الحقيقية لم تكن إنكار ألوهية ال تعالى وربوبيته ،بل كانت جريمتهم أنهم على إيمانهم بال تعالى إلها Tوربا
فيما فوق العالم الطبيعي ،كانوا يأبون أن يطيعوه ويتبعوا قانونه في شؤونه الخلقية والمدنية والجتماعية،
ولنذكر في الكتاب بعد ذلك أهل مدين وأصحاب اليكة الذين بعث إليهم شعيب عليه السلم .ومما
نعرف عن أمرهم أنهم كانوا من ذرية إبراهيم عليه السلم .إذن ل حاجة إلى أن نبحث فيهم :هل كانوا
يؤمنون بوجود ال تعالى وبكونه إلها Tوربا Tأم ل؟ إنهم كانوا في حقيقة المر أمة نشأت على السلم في بداية
أمرها ،ثم أخذت بالفساد بما أصاب عقائدها من النحلل وأعمالها من السوء .ويبدو مما جاء عنهم في القرآن
كأن القوم كانوا بعد ذلك كله يدeعون لنفسهم اليمان ،فإنك ترى شعيبا Tعليه السلم يكرر لهم القول :يا قوم
اعملوا كذا وكذا إن كنتم مؤمنين وفي خطاب شعيب عليه السلم لقومه وأجوبة القوم له دللة واضحة على
أنهم كانوا قوما Tيؤمنون بال وينزلونه منزلة الرب والمعبود .ولكنهم كانوا قد تورطوا في نوعين من الضلل:
أحدهما أنهم كانوا أصبحوا يعتقدون اللوهية والربوبية في آلهة أخرى مع ال تعالى ،فلم تعد عبادتهم خالصة
لوجه ال ،والخر أنهم كانوا يعتقدون أن ربوبية ال ل مدخل لها في شؤون الحياة النسانية من الخلق
والجتماع والقتصاد والمدنية والسياسة ،وعلى ذلك كانوا يزعمون أنهم مطلقوا العنان في حياتهم المدنية ولم
)وإلى مدين أخاهم شعيبا ،3قال يا قوم اعبدوا ال ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة Oمن ربكم
فأوفوا الكيل والميزان ول تبخسوا الناس أشياءهم ول تفسدوا في الرض بعد إصلحها ذلكم خير fلكم إن
)وإن 5كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت 9به وطائفة Oلم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم ال بيننا وهو
)ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ول تبخسوا الناس أشياءهم ول تعثوا في الرض مفسدين.
بقية ال خير fلكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ .قالوا يا شعيب أصلتك تأمرك أن نترك ما يعبد
)هود(87-85 : آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشا )ء إنك .لنت الحليم الرشيد(
والعبارات الخيرة المخطوط تحتها خصوصية الدللة على ضللهم الحقيقي في باب الربوبية
واللوهية.
فرعون وآله
وهيا بنا ننظر الن في قصة فرعون وآله ،فمن قد شاع عنهم في الناس من الخطاء والكاذيب أكثر
مما شاع فيهم عن نمرود وقومه .فالظن الشائع أن فرعون لم يكن منكرا Tلوجود ال تعالى فحسب ،بل كان
يدعي اللوهية لنفسه أيضا .ومعناه أن قد بلغت منه السفاهة أنه كان يجاهر على رؤوس الناس بدعوى أنه
فاطر السماوات والرض ،وكانت أمته من البله والحماقة أنها كانت تؤمن بدعواه تلك .والحق الواقع الذي
يشهد به القرآن والتاريخ هو أن فرعون لم يكن يختلف ضلله في باب اللوهية والربوبية عن ضلل نمرود،
ول كان يختلف ضلل آله عن ضلل قوم نمرود .وإنما الفرق بين هؤلء وأولئك أنه قد كان نشأ في آل
فرعون لبعض السباب السياسية عناد وتعصب وطني شديد على بني إسرائيل ،فكانوا لمجرد هذا العناد
يمتنعون من اليمان بألوهية ال وربوبيته ،وإن كانت قلوبهم تعترف بها شأن أكثر الملحدين الماديين في
عصرنا هذا.
وبيان هذا الجمال أنه لما استتبت ليوسف عليه السلم السلطة على مصر ،استفرغ جهده في نشر
السلم وتعاليمه بينهم .ورسم على أرضه من ذلك أثرا Tمحكما Tلم يقدر على محوه أحد إلى القرون .وأهل
مصر وإن لم يكونوا إذ ذاك قد آمنوا بدين ال عن بكرة أبيهم ،إل أنه ل يمكن أن يكون قد بقي فيهم من لم
يعرف وجود ال تعالى ولم يعلم أنه هو فاطر السماوات والرض .وليس المر يقف عند هذا بل الحق أن
كان تم للتعاليم السلمية من النفوذ والتأثير في كل مصري ما جعله – على القل – يعتقد بأن ال إله اللهة
رب الرباب فيما فوق العالم الطبيعي ولم يبق في تلك الرض من يكفر بألوهية ال تعالى .وأما الذين كانوا
قد أقاموا على الكفر ،فكانوا يجعلون مع ال شركاء في اللوهية والربوبية .وكانت تأثيرات السلم المختلفة
هذه في نفوس أهل مصر باقية إلى الزمن الذي بعث فيه موسى عليه السلم)( .والدليل على ذلك تلك الخطبة
التي ألقاها أمير من القباط في مجلس فرعون .وذلك أن فرعون حينما أبدى إرادته في قتل موسى عليه
السلم ،لم يصبر عليه هذا المير القبطي من أمراء مجلسه ،وكان قد أسلم وأخفى إسلمه ،ولم يلبث أن قام
يخطب:
ل أن يقول ربي ال وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك
)أتقتلون رج 3
صادقا 3يصبكم بعض الذي يعدكم إن ال ل يهدي من هو مسرف Oكذاب .يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في
)يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الحزاب .مثل داب قوم نوح eوعاد eوثمود والذين من بعدهم(.
)ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث ال
من بعده رسول( ) ..ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار .تدعونني لكفر بال وأشرك به
الغفار().غافر – (42 -41 – 34 – 31 – 28 ما ليس لي به علم fوأنا أدعوكم إلى العزيز
وتشهد هذه الخطبة من أولها إلى آخرها بأنه لم يزل أثر شخصية النبي يوسف عليه السلم باقيا Tفي
نفوس القوم إلى ذلك الحين ،وقد مضت على عهده قرون متعددة .وبفضل ما علمهم هذا النبي الجليل ،لم
يكونوا قد بلغوا من الجهالة أل يعلموا شيئا Tعن وجود ال تعالى ،أو أل يعرفوا أنه الرب والله ،وأن سيطرته
وسلطته غالبة على قوى الطبية في هذا العالم ،وأن غضبه مما يخاف ويتقى .ويتضح أيضا Tمن آخر هذه
الخطبة أن أمة فرعون لم تكن تجحد بألوهية ال وربوبيته جحودا Tباتا ،Tوإنما كان ضللها كضلل المم
الخرى مما ذكرناه آنفTا – أي كانت هذه المة أيضا Tتشرك بال تعالى في صفتي اللوهية والربوبية وتجعل
أما مثار الشبهة في أمر فرعون فهو سؤاله لموسى عليه السلم )وما رب العالمين( حينما سمع منه:
)إنا رسول رب العالمين!( ثم قوله لصاحبه هامان) :ابن لي صرحا 3لعلي أبلغ السباب أسباب السموات
فأطلع إلى إله موسى( ووعيده لموسى عليه السلم) :لئن اتخذت إلها 3غيري لجعلنك من المسجونين(،
وإعلنه لقومه) :أنا ربكم العلى( وقوله لملئه) :ل أعلم لكم من إله غيري( – .فمثل هذه الكلمات التي قالها
فرعون قد خيلت إلى الناس أنه كان ينكر وجود ال تعالى وكان فارغ الذهن من تصور رب العالمين ،ويزعم
لنفسه أنه الله الواحد ،ولكن الواقع الحق أنه لم يكن يدعي ذلك كله إل بدافع من العصبية الوطنية .وذلك أنه
لم يكن المر في زمن النبي يوسف عليه السلم قد وقف على أن شاعت تعاليم السلم في ربوع مصر
بفضل شخصيته القوية الجليلة ،بل جاوز ذلك إلى أن تمكن لبني إسرائيل نفوذ بالغ في الرض مصر تبعا Tلما
تهيأ ليوسف عليه السلم من السلطة والكلمة النافذة في حكومة مصر .فبقيت سلطة بني إسرائيل مخيمة على
القطر المصري إلى ثلثمائة سنة أو أربعمائة .ثم أخذ يخالج صدور المصريين من العواطف الوطنية
والقومية ما جعلهم يتعصبون على بني إسرائيل ،واشتد المر حتى الغوا سلطة السرائيليين ونفوذهم إلغاء.
فتولى المر بعدهم السر المصرية الوطنية وتتابعت في الحكم .وهؤلء الملوك الجدد لما أمسكوا زمام المر
لم يقتصروا على إخضاع بني إسرائيل وكسر شوكتهم ،بل تعدوه إلى أن حاولوا محو كل أثر من آثار العهد
اليوسفي في مصر وإحياء تقاليد ديانتهم الجاهلية .فلما بعث إليهم في تلك الونة موسى عليه السلم ،خافوا
على غلبتهم وسلطتهم أن تنتقل من أيديهم إلى أيدي بني إسرائيل مرة أخرى .فلم يكن يبعث فرعون إل هذا
العناد واللجاج على أن يسأل موسى عليه السلم ساخطا Tمتبرما :وما رب العالمين؟ ومن يمكن أن يكون إلها
غيري؟ وهو في الحقيقة لم يكن جاهل Tوجود رب العالمين .وتتضح هذه الحقيقة كأوضح ما يكون مما جاء
في القرآن الكريم من أحاديثه وأحاديث ملئه وخطب موسى عليه السلم .فيقول فرعون – مثل – تأكيدا Tلقوله
)الزخرف(53 : )فلول ألقي عليه أسورة Oمن ذهب أو جاء معه الملئكة مقترنين(
أفكان لرجل فارغ الذهن من وجود ال تعالى والملئكة أن يقول هذا القول وفي موضع آخر يقص
القرآن الحوار التي بين فرعون وبين النبي موسى عليه السلم:
)فقال له فرعون إني لظنك يا موسى مسحورا .3قال لقد علمت ما أنزل هؤلء إل رب السماوات
)النمل: )فلما جاءتهم آياتنا مبصرة 3قالوا هذا سحر fمبين fوجحدوا واستيقنتها أنفسهم ظلما 3وعلوا(3
(14-13
ويصور لنا القرآن ناديا Tآخر جمع موسى عليه السلم وآل فرعون بهذه الية:
)قال لهم موسى ويلكم ل تفتروا على ال كذبا 3فيسحتكم بعذاب eوقد خاب من افترى .فتنازعوا أمرهم
بينهم وأسروا النجوى قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما بطريقتكم المثلى(
)طه(63-61 :
والظاهر أنه لم يكن قام النزاع ونشأ الخذ والرد بينهم وبين نبيهم موسى عليه السلم حين أنذرهم
عذاب ال ونبههم على سوء مآل ما كانوا يفترون ،إل لنهم قد كان في قلوبهم ولشك بقية من أثر عظمة ال
تعالى وجلله وهيبته ولكن حاكمهم الوطنيين لما أنذروهم بخطر النقلب السياسي العظيم ،وحذروهم عاقبة
اتباعهم لموسى وهارون ،وهي عودة غلبة السرائيليين على أبناء مصر ،قست قلوبهم واتفقوا جميعا Tعلى
مقاومة النبيين.
وبعد ما قد تبين لنا من هذه الحقيقة ،من السهل علينا أن نبحث :ماذا كان مثار النزاع بين موسى عليه
السلم وفرعون ،وماذا كانت حقيقة ضلله وضلل قومهن وبأي معاني كلمة )الرب( كان فرعون يدعي
لنفسه اللوهية والربوبية .فتعال نتأمل لهذا الغرض ما يأتي من اليات بالتدريج.
-1إن الذين كانوا يلحون من مل فرعون على حسم دعوة موسى عليه الصلة والسلم واستئصالها
فإذا نظرنا في هاتين اليتين وأضفنا إليهما ما قد زودنا به التاريخ وآثار المم القديمة أخيرا Tمن
المعلومات عن أهالي مصر زمن فرعون ،يتجلى لنا أن كل Tمن فرعون وآله كانوا يشركون بال تعالى في
المعنى الول والثاني لكلمة )الرب( ويجعلون معه شركاء من الصنام ويعبدونها .والظاهر أن فرعون لو كان
يدعي لنفسه الربوبية فيما فوق العالم الطبيعي ،أي لو كان يدعي أنه هو الغالب المتصرف في نظام السباب
في هذا العالم ،وأنه ل إله ول رب غيره في السماوات والرض ،ولم يعبد اللهة الخرى أبدا)(.
فليس المراد بذلك أن فرعون كان ينفي جميع ما سواه من اللهة .وإنما كان غرضه الحقيقي من ذلك
رد دعوة موسى عليها لسلم وإبطالها .ولما كان موسى عليه السلم – يدعو إلى إله ل تنحصر ربوبيته في
دائرة ما فوق الطبيعة فحسب ،بل هو كذلك مالك المر والنهي ،وذو القوة والسلطة القاهرة بالمعاني السياسية
والمدنية ،قال فرعون لقومه :يا قوم ل أعلم لكم مثل ذلك الله غيري ،وتهدد موسى عليه السلم ،أنه إن اتخذ
ومما يعلم كذلك من هذه اليات ،وتؤيده شواهد التاريخ وآثار المم القديمة ،أن فراعنة مصر لم
يكونوا يدعون لنفسهم مجرد الحاكمية المطلقة ،بل كانوا يدعون كذلك نوعا Tمن القداسة والتنزه بانتسابهم إلى
اللهة والصنام ،حرصا Tمنهم على أن يتغلغل نفوذهم في نفوس الرعية ويستحكم استيلؤهم على أرواحهم.
ولم تكن الفراعنة منفردة بهذا الدعاء ،بل الحق أن السر الملكية ما زالت في أكثر أقطار العالم تحاول
الشركة – قليل Tأو كثيرTا – في اللوهية والربوبية في دائرة ما فوق الطبيعة ،علوة على ما كانت تتوله من
الحاكمية السياسية ،وما زالت لجل ذلك تفرض على الرعية أن تقوم بين يديها بشيء من شعائر العبودية،
على أن دعواهم تلك لللوهية السماوية لم تكن هي المقصودة بذاتها في الحقيقة ،وإنما كانوا يتذرعون بها إلى
تأثيل حاكميتهم السياسية .ومن ذلك نرى أنه ما زالت السر الملكية في مصر وغيرها من القطار الجاهلية
تذهب ألوهيتها بذهاب سلطانها السياسي ،وقد بقيت اللوهية تتبع العرش في تنقله من أيد إلى أخرى.
) (3ولم تكن دعوى فرعون الصلية الغالبة المتصرفة في نظام السنن الطبيعية ،بل باللوهية
السياسية! فكان يزعم أنه الرب العلى لرض مصر ومن فيها بالمعنى الثالث والرابع والخامس لكلمة
)الرzب( ويقول إني أنا مالك القطر المصري وما فيه من الغنى والثروة وأنا الحقيق بالحاكمية المطلقة فيه،
وشخصيتي المركزية هي الساس لمدينة مصر واجتماعها ،وإذن ل يجرين zفيها إل^ شريعتي وقانوني .وكان
)ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه النهار تجري من تحتي أفل
وهذا الساس نفسه هو الذي كانت تقوم عليه دعوى نمرود للربوبية.
وهو كذلك الساس الذي رفع عليه فرعون المعاصر ليوسف عليه السلم بنيان ربوبيته على أهل
مملكته.
) (4أمeا دعوة موسى عليه السلم التي كانت سبب النزاع بينه وبين فرعون وآله ،فهي في الحقيقة أنه
ل إله ول رب zبجميع معاني كلمة )الرب( إل ال رب العالمين ،وهو وحده الله والرeب فيما فوق العالم
الطبيعي ،كما أنه هو الله والرب بالمعاني السياسية والجتماعية ،لجل ذلك يجب أل نخلص العبادة إل له،
ول نتبع في شؤون الحياة المختلفة إل شرعه وقانونه ،وانه – أي موسى عليه السلم – قد بعثه ال تعالى
باليات البينات وسي_نزل ال تعالى أمره ونهيه لعباده بما يوحي إليه؛ لذلك يجب أن تكون أزمeة أمور عباده
بيده ،ل بيد فرعون .ومن هنا كان فرعون ورؤساء حكومته ي_علون أصواتهم المرeة بعد المرeة بأن موسـى
وهارون – عليهما السلم – قد جاءا يسلبان أرض مصر .وأرادا أن يذهبا بنظمنا الدينية والمدنية ليستبدل بها
)ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين .إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون
)هود(97-96 : برشيد(
)ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول uكريم .أن أد:وا إلي; عباد .ال إني لكم رسول أمين .وان
)إنا أرسلنا إليكم رسول 3شاهدا 3عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسول 3فعصى فرعون الرسول فأذناه
)طه(50-49 : )قال فمن ربكما يا موسى .قال رب*نا الذي أعطى كل شي eء خلقه ثم هدى(
)قال فرعون وما رب العالمين .قال رب السماوات والرض وما بينهما إن كنتم موقنين .قال لمن
حوله أل تستمعون .قال ربكم ورب آبائكم الولين .قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون .قال رب
)الشعراء: المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون .قال لئن اتخذت إلها 3غيري لجعلن0ك من المسجونين(
(29-23
)وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع رب*ه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الرض
)طه )قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى(
– (63
وبإنعام النظر في هذه اليات بالتدريج الذي قد سردناها به ،يتجلى أن الضلل الذي تعاقبت فيه المم
المختلفة من أقدم العصور ،كان هو عينه قد غشت وادي النيل ظلماته ،وأن الدعوة التي قام بها جميع النبياء
منذ البد ،كانت هي نفسها يدعو بها موسى وهارون عليهما السلم.
اليهود والنصارى
وتطلع علينا بعد آل فرعون بنو إسرائيل والمم الخرى التي دانت باليهودية والنصرانية .وهؤلء ل
مجال للظن فيهم أن يكونوا منكرين لوجود إله العالم ،أو يكونوا ل يعتقدون بألوهيته وربوبيeته فإن القرآن
نفسه يشهد بكونهم أهل الكتاب .وأما السؤال الذي ينشأ في ذهن الباحث عن أمرهم فهو أنه ما هو على
التحديد الخطأ في عقيدتهم ومنهج عملهم في باب الربوبية – الذي قد عدهم القرآن من أجله من القوم
الضالين؟ والجواب المجمل على السؤال تجده في القرآن نفسه في آيته الكريمة:
)قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول تتبعوا أهواء قوم eقد ضلوا من قبل 6وأضلوا كثيرا
فيعلم من هذه الية أن ضلل اليهود والنصارى هو من حيث الصل والساس نفس الضلل الذي
ارتطمت فيه المم المتقدمة ،وتدلنا هذه الية أيضا Tأن ضللهم هذا كان آتيا Tمن غلوeهم في الدين .وها نحن
)التوبة(30 : )وقالت اليهود عزير ابن ال وقالت النصارى المسيح ابن ال(
)لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم .وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا ال ربي
)لقد كفر الذين قالوا إن ال ثالث ثلثة وما من إله إل إله واحد() .وإذ قال ال يا عيسى بن مريم
أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون ال قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق(
)ما كان لبشر eأن يؤتيه ال الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا 3لي من دون ال ولكن
كونوا ربانيين بما كنتم تعل@مون الكتاب وبما كنتم تدرسون .ول يأمر.كم أن تتخذوا الملئكة والنبيين أربابا،3
فكان ضلل أهل الكتاب حسب ما تجل عليه هذه اليات :أول Tأنهم بالغوا في تعظيم النفوس المقدسة
كالنبياء والولياء والملئكة التي تستحق التكريم والتعظيم لمكانتها الدينية ،فرفعوها من مكانتها الحقيقية إلى
مقام اللوهية وجعلوها شركاء مع ال ودخلء في تدبير أمر هذا العالم ،ثم عبدوها واستغاثوا بها واعتقدوا أن
لها نصيبا Tفي اللوهية والربوبية الميمنتين على ما فوق العالم الطبيعي ،وزعموا أنها تملك لهم المغفرة
أي أن الذين لم تكن وظيفتهم في الدين سوى أن يعلموا الناس أحكام الشريعة اللهية ،ويزكوهم حسب
مرضاة ال ،تدرج بهم هؤلء حتى أنزلوهم بحيث يحلون لهم ما يشاؤون ويحرمون عليهم ما يشاؤون،
ويأمرونهم وينهونهم حسب ما تشاء أهواؤهم بدون سند من كتاب ال ،ويسنون لهم من السنن ما تشتهي
أنفسهم .كذلك وقع هؤلء في نفس النوعين من الضلل الساسي الخطير اللذين قد وقع فيهما قبلهم أمم نوح
وإبراهيم وعاد وثمود وأهل مدين وغيرهم من المم ،فأشركوا بال الملئكة وعبادة المقربين – كما أشرك
أولئك – في الربوبية المهيمنة على ما فوق العالم الطبيعي ،وجعلوا الربوبية بمعانيها السياسية والمدنية – كما
جعل أولئك – للنسان بدل Tمن ال رب السماوات .وراحوا يستمدون مبادئ المدنية والجتماع والخلق
والسياسة وأحكامها جميعا Tمن بني آدم ،مستغنيين في ذلك عن السلطان المنزل من عند ال تعالى .وأفضى
)النساء(51 : )ألم تر إلى الذين أتوا نصيبا 3من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت(
)قل هل أنبئكم بشر eمن ذلك مثوبة عند ال من لعنه) ال وغضب .عليه وجعل منهم القردة والخنازير
)المائدة(60 : وعبد الطاغوت .أولئك شر‡ مكانا 3وأضل عن سواء السبيل(
)الجبت (rكلمة جامعة شاملة لجميع أنواع الوهام والخرافات من السحر والتمائم والشعوذة والتكهeن
واستكشاف الغيب والتشاؤم والتفاؤل والتأثيرات الخارجة عن القوانين الطبيعية .والمراد من )الطاغوت( كل
فرد أو طائفة أو إدارة تبغي وتتمرد على ال ،وتجاوز حدود العبودية وتدعي لنفسها اللوهية والربوبية .فلما
وقعت اليهود والنصارى في ما تقدم ذكره من النوعين من الضلل ،كانت نتيجة أولها أن أخذت جميع أنواع
الوهام مأخذها من قلوبهم وعقولهم ،وأما الثاني فاستدرجهم من عبادة العلماء والمشايخ والصوفية والزهاد
إلى عبادة الجبابرة وطاعة الظالمين الذين كانوا قد بغوا على ال علنية!
المشركون العرب
هذا ولنبحث الن في المشركين العرب الذين بعث فيهم خاتم النبيين صلى ال عليه وسلم ،والذين كانوا
أول من خاطبهم القرآن ،من أي نوع كان ضللهم في باب اللوهية والربوبية ،هل كانوا يجهلون ال رب
العالمين ،أو كانوا ينكرون وجوده ،فبعث إليهم النبي صلى ال عليه وسلم ليبث في قلوبهم اليمان بوجود
الذات اللهية! وهل كانوا ل يعتقدون ال عز وجل إلها Tللعالمين وربا ،Tفأنزل ال القرآن ليقنعهم بألوهيته
وربوبيته؟ وهل كانوا يأبون عبادة ال والخضوع له؟ أو كانوا ل يعتقدونه سميع الدعاء وقاضي الحاجة؟ وهل
كانوا يزعمون أن اللت والعزeى ومناة وهبل واللهة الخرى هي في الحقيقة فاطرة هذا الكون ومالكته
والرازقة فيه والقائمة على تدبيره وإدارته؟ أو كانوا يؤمنون بأن آلهتهم تلك مرجع القانون ومصدر الهداية
كل واحد من هذه السئلة إذا راجعنا فيه القرآن فإنه يجيب عليه بالنفي؛ ويبين لنا أن المشركين العرب
– لم يكونوا قائلين بوجود ال تعالى فحسب ،بل كانوا يعتقدونه مع ذلك خالق هذا العالم كله – حتى آلهتهم
ومالكه وربه العلى ،وكانوا يذعنون له باللوهية والربوبية .وكان ال هو الجناب العلى الرفع الذي كانوا
يدعونه ويبتهلون إليه في مآل المر عندما يمسهم الضر أو تصيبهم المصائب ،ثم كانوا ل يمتنعون عن
عبادته والخضوع له ،ولم تكن عقيدتهم في آلهتهم وأصنامهم أنها قد خلقتهم وخلقت هذا الكون ،وترزقهم
جميعا ،Tول أنها تهديهم وترشدهم في شؤون حياتهم الخلقية والمدنية ،فاليات التية تشهد بما تقول:
)قلن لمن الرض ومن فيها إن كنتم تعلمون .سيقولون ل ،قل أفل تذكرون .قل من رب السماوات
السبع ورب العرش العظيم .سيقولن ال ،قل أفل تتقون .قل من بيده ملكوت كل شيء eوهو يجير ول يجار
)المؤمنون(90-84 : عليه إن كنتم تعلمون .سيقولون ل ،قل فأنى تسحرون ،بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون(
)هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها
جاءتها ريح عاصف Oوجاءهم الموج من كل مكان eوظنوا أنهم أحيط بهم دعوا ال مخلصين له الدين لئن
)يونس(23-22 : أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين .فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الرض بغير الحق(
)وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إل إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان النسان
)الزمر(3 : )والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إل ليقربونا إلى ال زلفى(
ثم إنهم لم يكونوا يزعمون للهتهم شيئا Tمن مثل أنها تهديهم في شؤون حياتهم ،فال تعالى يأمر رسوله
فيرميهم سؤاله هذا 35 صلى ال لعيه وسلم في سورة يونس )قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق( الية:
بالسكات ،ول يجيب أحد منهم عليه بنعم! عن اللت والعزى ومناة واللهة الخرى تهدينا سواء السبيل في
العقيدة والعمل ،وتعلمنا مبادئ العدالة والمن والسلم في حياتنا الدنيا ،وإننا نستمد من منبع علمها معرفة
حقائق الكون الساسية ،فعند ذلك يقول ال عز وجل لنبيه صلى ال عليه وسلم:
)قل ال يهدي للحق .أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن ل يهدي إل أن ي)هدى فمالكم كيف
ويبقى بعد هذه النصوص القرآنية أن نطلب جواب هذا السؤال :ماذا كان ضللهم الحقيقي في باب
الربوبية الذي بعث ال نبيه صلى ال عليه وسلم نرده إلى الصواب ،وأنزل كتابه المجيد ليخرجهم من ظلماته
إلى نور الهداية؟ وإذا تأملنا القرآن للتحقيق في هذه المسألة ،نقف في عقائدهم وأعمالهم كذلك على النوعين
فكانوا بجانب يشركون بال آلهة وأربابا Tمن دونه في اللوهية والربوبية فيما فوق الطبيعة ،ويعتقدون
بأن الملئكة والنفوس النسانية المقدسة والسيارات السماوية – كل أولئك دخيلة بوجه من الوجوه في
صلحيات الحكم القائم فوق نظام العلل والسباب .ولذلك لم يكونوا يرجعون إلى ال تعالى وحده في الدعاء
والستعانة وأداء شعائر العبودية ،بل كانوا يرجعون كذلك في تلك المور كلها إلى آلهتهم المصنوعة الملفقة.
وكانوا بجانب آخر يكادون ل يتصورون في باب الربوبية المدنية والسياسية أن ال تعالى هو الرب بهذه
المعاني أيضا .فكانوا قد اتخذوا أئمتهم الدينيين ورؤساءهم وكبراء عشائرهم أربابا Tبتلك المعاني ،ومنهم كانوا
)ومن الناس من يعبد ال على حرف eفان أصابه خي fر اطمأن به وإن أصابته فتنة Oانقلب على وجهه
خسر الدنيا والخرة ،ذلك هو الخسران المبين .يدعو من دون ال ما ل يضره وما ل ينفعه ،ذلك هو
)الحج(13-11 : الضلل البعيد يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير(
)ويعبدون من دون ال مال يضرهم ول ينفعهم ويقولون هؤلء شفعاؤنا عند ال ،قل أتنبئون ال بما
)حم السجدة(9 : )قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الرض في يومين وتجعلون له أندادا(3
)المائدة(76 : )قل أتعبدون من دون ال مال يملك لكم ضر*ا 3ول نفعا 3وال هو السميع العليم(
)وإذا مس; النسان ضر fدعا ربه منيبا 3إليه ثم إذا خو*له نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل
منكم بربهم يشركون .ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون .ويجعلون لما ل يعلمون نصيب3ا)( مما
)النعام: )وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولدهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم(
(137
ومن الظاهر أنه ليس المراد بـ )شركاء( في هذه الية :اللهة والصنام ،بل المراد بهم أولئك القادة
والزعماء الذين زينوا للعرب قتل أولدهم وجعلوه في أعينهم مكرمة .فأدخلوا تلك البدعة الشنعاء على دين
إبراهيم وإسماعيل عليهما السلم .وظاهر كذلك أن أولئك الزعماء لم يكن القوم قد اتخذوهم شركاء من حيث
كانوا يعتقدون أن لهم السلطان فوق نظام السباب في هذا العالم ،أو كانوا يعبدونهم ويدعونهم ،بل كانوا قد
جعلوهم شركاء مع ال في اللوهية والربوبية من حيث كانوا يسلمون بحقهم في أن يشرعوا لهم ما يشاؤون
)الشورى(21 : )أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به ال(
وسيأتي تفصيل معاني كلمة )الدين( في موضعه من هذه الرسالة ،وهناك سنتبين سعة معاني هذه الية
وشمولها .على أنه يتضح في هذا المقام أن ما كان يتوله أولئك الزعماء والرؤساء من وضع الحدود
والقواعد التي هي بمثابة الدين بغير إذن من ال تعالى ،وأن اعتقاد العرب بكونها مما يجب اتباعه والعمل به،
كان هو عينه شركة مع ال من أولئك في ألوهيته وربوبيته ،وإيمانا Tمن هؤلء بشركتهم تلك!
أن هذا البحث الذي قد خضنا غماره في الصفحات السابقة بصدد تصورات المم الضالة وعقائدها،
ليكشف القناع عن حقيقة أن جميع المم التي قد وصمها القرآن بالظلم والضلل وفساد العقيدة من لدن أعرق
العصور في القدم إلى زمن نزول القرآن ،لم تكن منها جاحدة بوجود ال تعالى ول كانت تنكر كون ال ربا
وإلها Tبالطلق .بل كان ضللها الصلي المشترك بين جميعها أنها كانت قد قسمت المعاني الخمسة لكلمة
)الرب( التي قد حددناها في بداية هذا الباب – مستشهدين باللغة والقرآن – قسمين متباينين:
فأما المعاني التي تدل على أن )الرب( هو الكفيل بتربية الخلق وتعهده وقضاء حاجته وحفظه ورعايته
بالطرق الخارجة عن النظام الطبيعي ،فكانت لها عندهم دللة أخرى مختلفة ،وهم وإن كانوا ل يعتقدون إل
ال تعالى ربهم العلى بموجبها ،إل أنهم كانوا يشركون به في الربوبية الملئكة والجن والقوى الغيبية
وأما المعنى الذي يدل على أن )الرب( هو مالك المر والنهي وصاحب السلطة العليا ،ومصدر الهداية
والرشاد ،ومرجع القانون والتشريع ،وحاكم الدولة والمملكة وقطب الجتماع والمدنية ،فكانت له عندهم دللة
أخرى متباينة :وبموجب هذا المفهوم كانوا إما يعتقدون أن النفوس النسانية وحدهم ربا Tمن دون ال ،وإما
يستسلمون لربوبية تلك النفوس في شؤون الخلق والمدنية والسياسة مع كونهم يؤمنون إيمانا Tنظريا Tبأن ال
هو الرب ،هذا هو الضلل الذي مازالت تبعث لحسمه الرسل عليهم اللم من لدن فجر التاريخ ،ولجل ذلك
بعث ال أخيرا Tمحمدا Tصلى ال عليه وسلم .وكانت دعوتهم جميعا Tأن الرب بجميع معاني الكلمة واحد ليس
غير ،وهو ال تقدست أسماؤه .والربوبية ما كانت لتقبل التجزئة ولم يكن جزء من أجزائها ليرجع إلى أحد
من دون ال بوجه من الوجوه ،وأن نظام هذا الكون مرتبط بأصله ومركزه وثيق الرتباط ،قد خلفه ال الواحد
الحد ،ويحكمه الفرد الصمد ،ويملك كل السلطة والصلحيات فيه الله الفذ^ الموحد! فل يد لحد غير ال في
خلق هذا النظام ول شريك مع ال في إدارته وتدبيره ول قسيم له في ملكوته .وبما أن ال تعالى هو مالك
السلطة المركزية ،فإنه هو وحده ربكم في دائرة ما فوق الطبيعة ،وربكم في شؤون المدنية والسياسة
والخلق ،ومعبودكم ووجهة ركوعكم وسجودكم ،ومرجع دعائكم وعماد توكلكم ،والمتكفل بقضاء حاجاتكم،
وكذلك هو الملك ،ومالك الملك ،وهو الشارع والمقنن ،وهو المر والناهي .وكل هاتين الدللتين للربوبية
اللتين قد فصلتم إحداهما عن الخرى لجاهليتكم ،هي في حقيقة المر قوام اللوهية وعمادها وخاصة إلهية
الله .لذلك ل يمكن فصل إحداهما عن الخرى ،كما ل يجوز أن يشرك مع ال أحد من خلقه باعتبار أيهما.
)إن ربكم ال الذي خلق السماوات والرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل والنهار
يطلبه حثيث3ا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ،أل له الخلق والمر ،تبارك ال رب العالمين(
)العراف(54 :
)قل من يرزقكم من السماء والرض ،أم*ن يملك السمع والبصار ومن يخرج الحي من الميت
ويخرج الميت من الحي ومن يدبر المر فسيقولون ال ،فقل أفل تتقون .فذلكم ال ربكم الحق ،فما بعد
)خلق السماوات والرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس
)الزمر(5،6 : والقمر كل يجري لجل مسمى( ) ..ذلكم ال ربكم له الملك ل إله إل هو فأنى تصرفون(
)ال الذي جعل لكم الرض قرارا … )ذلكم ال ربكم خالق كل شيء ل إله إل هو فأنى تؤفكون(
والسماء بناء xوصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ،ذلكم ال ربكم فتبارك ال رب العالمين .هو
)غافر(65 ،64 ،62 ،61 : الحي ل إله إل هو فادعوه مخلصين له الدين(
)يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل … )وال خلقكم من تراب(
يجري لجل مسمى ،ذلكم ال ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير .إن تدعوهم ل
)فاطر 11 :و (14-13 يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم(
)ضرب لكم مثل 3من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء
تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفص*ل اليات لقوم eيعقلون .بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم(..
)فأقم وجهك للدين حنيفا 3فطرة ال التي فطر الناس عليها ،ل تبديل لخلق ال ذلك الدين القيم ولكن
)وما قدروا ال حق قدره والرض جميعا 3قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات Oبيمينه سبحانه
)فلله الحمد رب السماوات ورب الرض رب العالمين .وله الكبرياء) في السماوات والرض وهو
)مريم(65 : )رب السماوات والرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا(
)هود(123 : )ول غيب السماوات والرض وإليه يرجع المر كله فاعبده وتوكل عليه(
)النبياء-92 : )إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون(
(93
)قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء eبيننا وبينكم أل نعبد إل ال ول نشرك به شيئا 3ول يتخذ
)الناس(3-1 : )قل أعوذ برب الناس .ملك الناس .إله الناس(
)الكهف(110: )فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمل 3صالحا 3ول يشرك بعبادة ربه أحدا(3
فبقراءة هذه اليات بالترتيب الذي سردناها به ،يتبين للقارئ أن القرآن يجعل )الربوبية( مترادفة مع
ويصف لنا )الرب( بأنه الحاكم المطلق لهذا الكون ومالكه وآمره الوحيد ل )(Sovereignty الحاكمية والملكية
شريك له.
وطاعته بهذا العتبار هي الساس الفطري الصحيح الذي يقوم عليه بنيان حياتنا الجتماعية على
الوجه الصحيح المرضي ،والصلة بشخصيته المركزية تسلك شتى الفراد والجماعات في نظام المة.
وبهذا العتبار هو حري بأن نعبده نحن وجميع خلئفه ،ونطيعه ونقنت له.
لقد كان العرب والشعوب الجاهلية في كل زمان اخطأوا – ول يزالون يخطئون إلى هذا اليوم – بأنهم
وزعوا هذا المفهوم الجامع الشامل للربوبية على خمسة أنواع من الربوبية ،ثم ذهب بهم الظن والوهم أن تلك
النواع المختلفة للربوبية قد ترجع إلى ذوات مختلفة ونفوس شتى ،بل ذهبوا إلى أنها راجعة إليها بالفعل.
فجاء القرآن فأثبت باستدلله القوي المقنع أنه ل مجال أبدا Tفي هذا النظام المركزي لن يكون أمر من أمور
الربوبية راجعا – Tفي قليل أو كثير -إلى غير من بيده السلطة العليا ،وأن مركزية هذا النظام نفسها هي الدليل
البيeن على أن جميع أنواع الربوبية مختصة بال الواحد الحد الذي أعطى هذا النظام خلقه.
ولذلك فإن من يظن جزءا Tمن أجزاء الربوبية راجعا Tإلى أحد من دون ال ،أو يرجعه إليه ،بأي وجه
من الوجوه ،وهو يعيش في هذا النظام ،فإنه يحارب الحقيقة ويصدف عن المواقع ويبغي على الحق ،وباقي
بيديه إلى التهلكة والخسران بما يتعب نفسه في مقاومة الحق الواقع.
-3العبـــــادة
التحقيق اللغوي
العبودة والعبودية؛ معناها اللغوي)( :الخضوع والتذلل ،أي استسلم المرء وانقياده لحد غيره انقيادا Tل
مقاومة معه ول عدول عنه ول عصيان له ،حتى يستخدمه هو حسب ما يرضى وكيف ما يشاء.
وعلى ذلك تقول العرب) :بعير معبzد( للبعير السلس المنقاد ،و )طريق معبeد( للطريق الممهد الوطء.
ومن هذا الصل اللغوي نشأت في مادة هذه الكلمة معاني العبودية والطاعة والتأله والخدمة والقيد والمنع.
)) (1العبد( المملوك خلف الحر) :تعبد الرجل( :اتخذه عبدا Tأي مملوكا Tأو عامله معاملة العبد ،وكذلك
)عبد الرجل واعبده واعتبده( وقد جاء في الحديث الشريف :ثلثة أنا خصمهم :رجل اعتبد محررTا – وفي
رواية أعبد_ محررTا – أي اتخذ رجل Tحرا Tعبدا Tله ومملوكا :Tوفي القرآن أن موسى عليه السلم قال لفرعون:
وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل( اتخذتهم عبيدا Tلك.
)) (2العبادة( الطاعة مع الخضوع :ويقال )عبد الطاغوت( أي أطاعه؛ )إياك نعبد( أي نطيع الطاعة
التي يخضع معها؛ و )اعبدوا ربكم( أي أطيعوا ربكم؛ و )قومهما لنا عبادون( أي دائنون وكل من دان لملك
فهو عابد له؛ وقال ابن النباري) :فلن عابد( وهو الخاضع لربه المستسلم المنقاد لمره.
)) (3عبده عبادة ومعبدا Tومعبدة( تأله له) .التعبeد( :التنسك .هو )المعبzد( المكرم المعظم :كأنه يعبد .قال
الشاعر:
ويتضح من هذا الشرح اللغوي لمادة )ع ب د( أن مفهومها الساسي أن يذعن المرء لعلء أحد
وغلبته ،ثم ينزل له عن حريته واستقلله ويترك إزاءه كل المقاومة والعصيان وينقاد له انقيادا .وهذه هي
حقيقة العبدية والعبودية ،ومن ذلك أن أول ما يتمثل في ذهن العربي لمجرد سماعه كلمة )العبد( و )العبادة(
هو تصور العبدية والعبودية .وبما أن وظيفة العبد الحقيقية هي إطاعة سيده وامتثال أوامره ،فحتما Tيتبعه
تصور الطاعة .ثم إذا كان العبد لم يقف به المر على أن يكون قد أسلم نفسه لسيده طاعة وتذلل ،Tبل كان
مع ذلك يعتقد بعلئه ويعترف بعلو شأنه وكان قلبه مفعما Tبعواطف الشكر والمتنان على نعمه وأياديه ،فإنه
يبالغ في تمجيده وتعظيمه ويتفنن في إبداء الشكر على الئه وفي أداء شعائر العبدية له ،وكل ذلك اسمه التأله
والتنسك .وهذا التصور ل ينضم إلى معاني العبدية إل إذا كان العبد ل يخضع لسيده رأسه فحسب ،بل
يخضع معه قلبه أيضا .وأما المفهومان الباقيان فإنهما تصوران فرعيان ل أصليان للعبدية.
وإذا رجعنا إلى القرآن بعد هذا التحقيق اللغوي رأينا أن كلمة )العبادة( قد وردت فيه غالبا Tفي المعاني
الثلثة الولى .ففي بعض المواضع قد أريد بها المعنيان الول والثاني معا ،Tوفي الخرى المعنى الثاني
وحده ،وفيا لثالثة المعنى الثالث فحسب ،كما قد استعملت في مواضع أخرى بمعانيها الثلثة في آن واحد .أما
)ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين .إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما
عالين .فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون( )().المؤمنون(47-45 :
والمراد بالعبادة في كلتا اليتين هو العبودية والطاعة .فقال فرعون :أن قوم موسى وهارون عابدون
لنا ،أي عبيد لنا وخاضعون لمرنا ،وقال موسى :إنك عبzدت بني إسرائيل ،اتخذتهم عبيدا Tوتستخدمهم حسب
).البقرة(172 : )يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا ل إن كنتم إياه تعبدون(
)(
إن المناسبة التي أنزلت بها هذه الية هي أن العرب قبل السلم كانوا يتقيدون بأنواع من القيود في
المآكل والمشارب ،امتثال Tلوامر أئمتهم الدينيين واتباعا Tلوهام آبائهم الولين ،فلما أسلموا قال ال تعالى:
إن كنتم تعبدونني فعليكم أن تحطموا جميع تلك القيود وتأكلوا ما أحللته لكم هنيئا Tمريئا ،Tومعناه أنكم
إن لم تكونوا عبادا Tلحباركم وأئمتكم ،بل ل تعالى وحده ،وإن كنتم قد هجرتم طاعتهم إلى طاعته ،فقد وجب
عليكم أن تتبعوا ما وضعه لكم من الحدود ،ل ما وضعوه في الحلل والحرام .ومن ذلك جاءت كلمة )العبادة(
في هذا الموضع أيضا Tبمعاني العبودية والطاعة.
)قل هل أ6نبئكم بشر eمن ذلك مثوبة عند ال من لعنه ال وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير
)النحل(36 : )ولقد بعثنا في كل أمة eرسول 3أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت(
)الزمر(17 : )والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى ال لهم البشرى(
المراد بعبادة الطاغوت في كل من هذه اليات الثلث هو العبودية للطاغوت وإطاعته .ومعنى
الطاغوت في إصطلح القرآن – كما سبقت الشارة إليه – كل دولة أو سلطة وكل إمامة أو قيادة تبغي على
ال وتتمرد ،ثم تنفذ حكمها في أرضه وتحمل عباده على طاعتها بالكراه أو بالغراء أو بالتعليم الفاسد.
– فاستسلم المرء لمثل تلك السلطة وتلك المامة والزعامة وتعبeده لها ثم طاعته إياها – كل ذلك منه عبادة
ول شك – للطاغوت!
وخذ بعد ذلك اليات التي قد وردت فيها كلمة )العبادة( بمعناها الثاني فحسب؛ قال ال تعالى:
)يس(60 : )ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن ل تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو fمبين(.
الظاهر أنه ل يتأله أحد للشيطان في هذه الدنيا ،بل كل يلعنه ويطرده من نفسه ،لذلك فإن الجريمة التي
يصم بها ال تعالى بنى آدم يوم القيامة ليست تألههم للشيطان في الحياة الدنيا ،بل إطاعتهم لمره وابتاعهم
… )احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون .من دون ال فاهدوهم إلى صراط الجحيم(
)وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون .قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين .قالوا بل لم تكونوا مؤمنين .وما
ويتضح بإنعام النظر في هذه المحاورة التي حكاها القرآن بين العابدين وبين ما كانوا يعبدون ،أن ليس
المراد بالمعبودين في هذا المقام اللهة والصنام التي كان يتأله لها القوم ،بل المراد أولئك الئمة والهداة
الذين أضلوا الخلق متظاهرين بالنصح ،وتمثلوا للناس في لبوس القديسيين المطهرين ،فخدعوهم بسبحاتهم
وجباتهم وجعلوا تبعا Tلهم ،والذين أشاعوا فيهم الشر والفساد باسم النصح والصلح .فالتقليد العمى لولئك
الخداعين والتباع لحكامهم هو الذي قد عبر ال عنه بكلمة العبادة في هذه الية.
)اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا 3من دون ال والمسيح بن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها 3واحدا(3
)التوبة(31 :
والمراد باتخاذ العلماء والحبار أربابا Tمن دون ال ثم عبادتهم في هذه الية هو اليمان بكونهم مالكي
المر والنهي ،والطاعة لحكامهم بدون سند من عند ال أو الرسول ،وقد صرح بهذا المعنى رسول ال
صلى ال عليه وسلم نفسه في الحاديث الصحيحة ،فلما قيل له :إننا لم نعبد علماءنا وأحبارنا ،قال :ألم تحلوا
ولننظر بعد ذلك في اليات التي قد وردت فيها كلمة )العبادة( بمعناها الثالث .وليكن منك على ذكر
في هذا المقام أن العبادة بمعنى التأله تشتمل على أمرين اثنين حسبما يدل عليه القرآن:
أولهما :أن يؤدي المرء لحد من الشعائر كالسجود والركوع والقيام والطواف وتقبيل عتبة الباب
والنذر والنسك ،ما يؤديه عادة بقصد التأله والتنسك ،ول عبرة بأن يكون المرء يعتقده إلها Tأعلى مستقل Tبذاته،
أو يأتي بكل ذلك إياه وسيلة للشفاعة والزلفى إليه أو مؤمنا Tبكونه شريكا Tللله العلى وتابعا Tله في تدبير أمر
هذا العالم.
والثاني :أن يظن المرء أحدا Tمسيطرا Tعلى نظام السباب في هذا العالم ثم يدعوه في حاجته ويستغيث
به في ضره وآفته ،ويعوذ به عند نزول الهوال ونقص النفس والموال.
فهذان لوجهان من كلهما داخل في معاني التأله ،والشاهد بذلك ما يأتي من آيات القرآن:
)غافر(66 : )قل إني ن9هيت 9أن 5أعب)د .الذين تدعون من دون ال لما جاءني البينات من ربي(
)مريم(49 ،48 : )فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون ال وهبنا له إسحاق(
)ومن أضل ممن يدعو من دون ال من ل يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون.
).الحقاف(6-5 : وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين(
)(
ففي كل من هذه اليات الثلث قد صرح القرآن نفسه بأن المراد بالعبادة فيها هو الدعاء والستغاثة.
)بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون( )سبأ(41 :
والمراد بعبادة الجن واليمان بهم في هذه الية ،تفصله الية التية من سورة الجن:
)الجن(6 : )وأنه كان رجال uمن النس يعوذون برجال eمن الجن(
فيتبين منه أن المراد بعبادة الجن هو العياذ بهم واللجوء إليهم في الهوال ونقص الموال والنفس،
)ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون ال فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلء أم هم ضلوا السبيل.
)الفرقان(18-17 : قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء( )(.
ويتجلى من بيان هذه الية أن المقصود بالمعبودين فيها هم الولياء والنبياء والصلحاء والمراد
بعبادتهم هو العتقاد بكونهم أجل وأرفع من خصائص العبدية والظن بكونهم متصفين بصفات اللوهية
وقادرين على العانة الغيبية وكشف الضر ،والغاثة ،ثم القيام بين يديهم بشعائر التكريم والتعظيم فما يكاد
)ويوم يحشرهم جميعا 3ثم يقول للملئكة أهؤلء إياكم كانوا يعبدون .قالوا سبحانك أنت ولينا من
في هذه الية هو التأله والخضوع لهياكلهم وتماثيلهم الخيالية ،كما كان )(
والمقصود بعبادة الملئكة
يفعله أهل الجاهلية ،وكان غرضهم من وراء ذلك أن يرضوهم ،فيستعطفوهم ويستعينوا بهم في شؤون حياتهم
الدنيا.
)يونس(18 : )ويعبدون من دون ال ما ل يضرهم ول ينفعهم ويقولون هؤلء شفعاؤنا عند ال(
)الزمر(3 : )والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إل ليقربونا إلى ال زلفى(
والمراد بالعبادة في هذه الية أيضا Tهو التأله ،وقد فصل فيها أيضا Tالغرض الذي كانوا لجله
يعبدونهم.
ويتضح كل الوضوح من جميع ما تقدم من المثلة أن كلمة )العبادة( في القرآن قد استعملت في بعض
المواضع بمعنيي العبودية والطاعة وفي الخرى بمعنى الطاعة فحسب ،وفي الثالثة بمعنى التأله وحده
والن قبل أن نسوق لك المثلة التي قد جاءت فيها كلمة )العبادة( شاملة لجميع المعاني الثلثة ،ل بد أن تكون
إن المثلة التي قد سردناها آنفا ،Tتتضمن جميعا Tذكر عبادة غير ال ،أما اليات التي قد وردت فيها
كلمة )العبادة( بمعنيي العبودية والطاعة ،فإن المراد بالمعبود فيها إما الشيطان ،وإما الناس المتمردون الذين
جعلوا أنفسهم طواغيت ،فحملوا عباد ال على عبادتهم وإطاعتهم بدل Tمن عبادة ال وإطاعته ،أو هم الئمة
والزعماء الذي قادوا الناس إلى ما اخترعوه من سبل الحياة وطرق المعاش جاعلين كتاب ال وراء ظهرهم.
وأما اليات التي قد وردت فيها )العبادة( بمعنى التأله ،فإن المعبود فيها عبارة إما عن الولياء والنبياء
والصلحاء الذين اتخذهم الناس آلهة لهم على رغم أنف هدايتهم وتعليمهم ،وإما عن الملئكة والجن الذين
اتخذوهم لسوء فهمهم شركاء في الربوبية المهيمنة على قانون الطبيعة ،أو هو عبارة عن تماثيل القوى
الخيالية وهياكلها .التي أصبحت وجهة عبادتهم وقبلة صلواتهم بمجرد إغراء الشيطان والقرآن الكريم يعد
جميع أولئك المعبودين باطل Tويجعل عبادتهم خطأ عظيما Tسواءا Tتعبدهم الناس أو أطاعوهم أم تألهوا لهم،
ويقول إن جميع من طفقتم تعبدونهم عباد ال وعبيده ،فل يستحقون أن يعبدوا ول أنتم مكتسبون من عبادتهم
غير الخيبة والمذلة والخزي ،وأن مالكهم في الحقيقة ومالك جميع ما في السماوات والرض هو ال الواحد،
وبيده كل المر وجميع السلطات والصلحيات ولجل ذلك ل يجدر بالعبادة إل هو وحده.
)والذين … )إن الذين تدعون من دون ال عباد fأمثالكم فادعو فليستجيبوا)( لكم إن كتم صادقين(
)وقالوا ات0خذ الرحمن ولدا 3سبحانه بل عباد fمكرمون .ل يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما
).النبياء(28-26 : بين أيديهم وما خلفهم ول يشفعون إل لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون(
)(
)الصافات(158 : )وجعلوا بينه وبين الجن0ة نسبا 3ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون(
)لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا 3ل ول الملئكة المقربون ،ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر
)تسبح له السماوات السبع والرض ومن فيهن* ،وإن من شيء إل يسبح بحمده ولكن ل تفقهون
)السراء(44 : تسبيحهم(
)إن كل„ من في السماوات والرض إل آتي الرحمن عبدا .3لقد أحصاهم وعدهم عدا .3وكلهم آتيه يوم
)قل اللهم ما لك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء) وتعز من تشاء وتذل من تشاء
كذلك بعد أن يقيم القرآن البرهان على كون جميع من عبدهم الناس بوجه من الوجوه عبيدا Tل
وعاجزين أمامه ،يدعو جميع النس والجن إلى أن يعبدوا ال تعالى وحده بكل معنى من معاني )العبادة(
المختلفة ،فل تكن العبدية إل له ،ول يطع إل هو ،ول يتأله المرء إل له ،ول تكن حبة خردل من أي تلك
)النحل(36 : )ولقد بعثنا في كل أمة eرسول 3أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت(
)الزمر(17 : )والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى ال لهم البشرى(
)ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن ل تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو fمبين .وأن اعبدوني هذا صراط
مستقيم(.
)البقرة(172 : )يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا ل إن كنتم إياه تعبدون(
قد أمر ال تعالى في هذه اليات أن تختص له العبادة التي هي عبارة عن العبدية والعبودية والطاعة
والذعان ،وقرينة ذلك واضحة في اليات ،فإن ال تعالى يأمر فيها أن اجتنبوا إطاعة الطاغوت والشيطان
والحبار والرهبان والباء والجداد واتركوا عبديتهم جميعا ،Tوادخلوا في طاعة ال الواحد الحد وعبديته.
)قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون ال لما جاءني البي*نات من ربي وأ6مرت أن أسلم لرب
)غافر: )وقال ربكم ادعوني أستجب لكم .إن* الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين(
(60
)ذلكم ال ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير .إن تدعوهم ل يسمعوا
)فاطر(14-13 : دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم(
)المائدة(76 : )قل أتعبدون من دون ال ما ل يملك لكم ضرا 3ول نفعا 3وال هو السميع العليم(
وقد أمر ال تعالى في هذه اليات أن تختص له العبادة بمعنى التأله .وقرينة ذلك أيضا Tواضحة في
الية ،وهو أن كلمة )العبادة( قد استعملت فيها بمعنى الدعاء .وقد جاء فيما سبق وما لحق من اليات ذكر
اللهة الذين كانوا يشركونهم بال تعالى في الربوبية المهيمنة على ما فوق الطبيعة.
فالن ليس من الصعب في شيء على ذي عينين أن يتفطن إلى أنه حيثما ذكرت في القرآن عبادة ال
تعالى ولم تكن في اليات السابقة أو اللحقة مناسبة تحصر كلمة العبادة في معنى بعينه من المعاني المختلفة
للكلمة ،فإن المراد بها في جميع هذه المكنة معانيها الثلثة :العبودية والطاعة والتأله .فانظر في اليات
التالية مثل:
)النعام(102 : )ذلكم ال ربكم ل إله إل هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل(
)قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فل أعبد الذين تعبدون من دون ال ولكن أعبد ال الذي
)ما تعبدون من دونه إل أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل ال بها من سلطان .إن الحكم إل ل
)هود(123 : )ول غيب السماوات والرض وإليه يرجع المر كله فاعبده وتوكل عليه(
)له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا .3رب السماوات والرض وما بينهما
)الكهف(110 : )فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمل 3صالحا 3ول يشرك بعبادة ربه أحداا (
فل داعي لن تخص كلمة )العبادة( في هذه اليات وما شاكلها بمعنى التأله وحده أو بمعنى العبدية
والطاعة فحسب .بل الحق أن القرآن في مثل هذه اليات يعرض دعوته بأكملها .ومن الظاهر أنه ليست
دعوة القرآن إل أن تكون العبدية والطاعة والتأله ،كل أولئك خالصا Tلوجه ال تعالى :ومن ثم إن حصر
معاني كلمة )العبادة( في معني بعينه ،في الحقيقة ،حصر لدعوة القرآن في معان ضيقة .ومن نتائجه
المحتومة أن من آمن بدين ال وهو يتصور دعوة القرآن هذا التصور الضيق المحدود ،فإنه لن يتبع تعاليمه
-4الـــــدين
التحقيق اللغوي
)(
تستعمل كلمة الدين)( في كلم العرب بمعان شتى وهي:
فوقه، )(Sovereignty ) (1القهر والسلطة والحكم والمر ،والكراه على الطاعة ،واستخدام القوة القاهرة
وجعله عبدا ،Tومطيعا ،Tفيقولون )دان الناس( أي قهرهم على الطاعة ،وتقول )دنتهم فدانوا( أي قهرتهم
فأطاعوا .و )دنت القوم( أي أذللتهم واستعبدتهم ،و )دان الرجل( إذا عز و )دنت الرجل( حملته على ما يكره.
و )د_يeن فلن( إذا حمل على مكروه .و )دنته( أي سسته وملكته .و )ديzنته القوم( وليته سياستهم ،ويقول
وجاء في الحديث النبوي على صاحبه الصلة والسلم) :الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت(
أي قهر نفسه وذللها ،ومن ذلك يقال )ديان( للغالب القاهر على قطر أو أمة أو قبيلة والحاكم عليها ،فيقول
وبهذا العتبار يقال )مدين( للعبد والمملوك و )المدينة( للمة فـ )ابن المدينة( معناه ابن المة كما
يقول الخطل:
)(
ربت وربا في حجرها ابن مدينة
وجاء في التنزيل:
) (2الطاعة والعبدية والخدمة والتسخر لحد والئتمار بأمر أحد ،وقبول الذلة والخضوع تحت غلبته
وقهره .فيقولون )دنتهم فدانوا( أي قهرتهم فأطاعوا ،و )دنت الرجل( أي خدمته ،وجاء في الحديث ،قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم )أريد من قريش كلمة تدين بها العرب( أي نطيعهم ونخضع لهم .بهذا المعنى
يقال للقوم المطيعين )قوم دين( بهذا المعنى نفسه قد وردت كلمة الدين في حديث الخوارج )يمرقون من الدين
)(
مروق السهم من الرمية(
) (3الشرع والقانون والطريقة والمذهب والملة والعادة والتقليد ،فيقولون )ما زال ذلك ديني وديدني(
أي دأبي وعادتي .ويقال )دان( إذا اعتاد خيرا Tأو شرا .Tوفي الحديث )كانت قريش ومن دان بدينهم( أي من
كان على طريقتهم وعادتهم ،وفيه )أنه عليه السلم كان على دين قومه( أي كان يتبع الحدود والقواعد الرائجة
في قومه في شؤون النكاح والطلق والميراث وغير ذلك من الشؤون المدنية والجتماعية.
) (4الجزاء والمكافأة والقضاء والحساب .فمن أمثال العرب )كما تدين تدان( أي كما تصنع يصنع بك.
وقد روى القرآن قول الكفار )أإنا لمدينون( أي هل نحن مجزيون محاسبون؟ وفي حديث ابن عمر رضي
عنهما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم )ل تسبوا السلطين ،فإن كان ل بد فقولوا اللهم دنهم كما يدينون(
أي افعل بهم كما يفعلون بنا .ومن هنا تأتي كلمة )الديان( بمعنى القاضي وحاكم المحكمة وسئل أحد الشيوخ
عن علي كرم ال وجهه فقال) :إنه كان ديان هذه المة بعد نبيها( أي كان أكبر قضاتها بعده.
فيتبين مما تقدم أن كلمة )الدين( قائم بنيانها على معان أربعة ،أو بعبارة أخرى هي تمثل الذهن
وكانت العرب تستعمل هذه الكلمة قبل السلم بهذا المعنى تارة أخرى حسب لغاتهم المختلفة؛ إل أنهم
لما لم تكن تصوراتهم لتلك المور الربعة واضحة جلية ول كان لها من السمو والبعد نصيب ،كان استعمال
كلمة )الدين( مشوبا Tبشوائب اللبس والغموض ،ولذلك لم يتح لها أن تكون مصطلحا Tمن مصطلحات نظام فكر
متين ،حتى نزل القرآن فوجد هذه الكلمة ملئمة لغراضه؛ فاقتناها واستعملها لمعانيه الواضحة المتعينة،
واصطنعها مصطلحا Tله مخصوصا .فأنت ترى أن كلمة )الدين( في القرآن تقوم مقام نظام بأكلمه ،يتركب من
أجزاء أربعة هي:
10المكافأة التي تكافئها السلطة العليا على اتباع ذلك النظام والخلص له أو على التمرد عليه
والعصيان له.
ويطلق القرآن كلمة )الدين( على معنيها الول والثاني تارة ،وعلى المعنى الثالث أخرى وعلى الرابع
ثالثة ،وطورا Tيستعمل كلمة )الدين( ويريد بها ذلك النظام الكامل بأجزائه الربعة في آن واحد .وليضاح ذلك
)ال الذي جعل لكم الرض قرارا 3والسماء بناء xوصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم
ال ربكم فتبارك ال رب العالمين ،هو الحي ل إله إل هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد ل رب العالمين(
)غافر(65-64 :
)قل إني أمرت أن أعبد ال مخلصا 3له الدين .وأمرت لن أكون أول المسلمين( ) ..قل ال أعبد
)والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى ال لهم البشرى( ) ..إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق
)الزمر 12-11 :و ،17و (3-2 فاعبد ال مخلصا 3له الدين .أل ل الدين الخالص(
)النحل(52 : )وله ما في السماوات والرض وله الدين واصبا 3أفغير ال تتقون(
)آل عمران: )أفغير دين ال يبغون وله أسلم من في السماوات والرض طوعا 3وكرها 3وإليه يرجعون(
(82
في جميع هذه اليات قد وردت كلمة )الدين( بمعنى السلطة العليا ،ثم الذعان لتلك السلطة وقبول
إطاعتها وعبديتها .والمراد بإخلص الدين ل أل يسلم المرء لحد من دون ال بالحاكمية والحكم والمر،
)(
ويخلص إطاعته وعبديته ل تعالى إخلصا Tل يتعبد بعده لغيره ال ول يطيعه إطاعة مستقلة بذاتها.
)قل يا أيها الناس إن كنتم في شك eمن ديني فل أعبد) الذين تعبدون من دون ال ولكن أعبد ال الذي
)يونس-104 : يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين .وأن أقم وجهك للدين حنيفا 3ول تكونن من المشركين(
(105
)يوسف(40 : )إن الح)كم إل ل أمر أن ل تعبدوا إل إياه ذلك الدين القيم(
)ضرب لكم مثل 3من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء
)فأقم وجهك للدين حنيفا 3فطرة علم(… )بل ات0بع الذين ظلموا أهواءهم بغير … تخافونهم كخيفتكم أنفسكم(
)الروم 26 :و ،28 ال التي فطر الناس عليها)( ل تبديل لخلق ال ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون(
(30 ،29
)النور(2 : )الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ول تأخذكم بهما رأفة في دين ال(
)إن* عدة الشهور عند ال اثنا عشر شهرا 3في كتاب ال يوم خلق السماوات والرض ،منها أربعة
)يوسف(76 : )كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك(
)النعام: )وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولدهم شركاؤهم)( ليردوهم وليلبسوا)( عليهم دينهم(
(137
)الشورى(21 : )أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به ال(
المراد بـ )الدين( في جميع هذه اليات هو القانون والحدود والشرع والطريقة والنظام الفكري
والعملي الذي يتقيد به النسان فإن كانت السلطة التي يستند إليها المرء لتباعه قانونا Tمن القوانين أو نظاما
من النظم سلطة ال تعالى ،فالمرء ل شك في دين ال عز وجل ،وأما إن كانت تلك السلطة سلطة ملك من
الملوك ،فالمرء في دين الملك ،وإن كانت سلطة المشايخ والقسوس فهو في دينهم .وكذلك إن كانت تلك
السلطة سلطة العائلة أو العشيرة أو جماهير المة ،فالمرء ل جرم في دين هؤلء .وموجز القول أن من يتخذ
المرء سنده أعلى السناد وحكمه منتهى الحكام ثم يتبع طريقا Tبعينه بموجب ذلك ،فإنه –ل شك -بدينه يدين.
)الماعون (3-1 )أرايت الذي يكذب بالدين .فذلك الذي يدع اليتيم .ول يحض على طعام المسكين(
)وما أدراك ما يوم الدين .ثم ما أدراك ما يوم الدين .يوم ل تملك نفس fلنفس eشيئا 3والمر يومئذ ل(
)النفطار(19-17 :
قد وردت كلمة )الدين( في هذه اليات بمعنى المحاسبة والقضاء والمكافأة.
إلى هذا المقام قد استعمل القرآن كلمة )الدين( فيما يقرب من معانيها الرائجة في كلم العرب الول.
ولكننا نرى بعد ذلك أنه يستعمل هذه الكلمة مصطلحا Tجامعا Tشامل Tيريد به نظاما Tللحياة يدعن فيه المرء
لسلطة عليا لكائن ما ،ثم يقبل إطاعته واتباعه ويتقيد في حياته بحدوده وقواعده وقوانينه ويرجو في طاعته
العزة والترقي في الدرجات وحسن الجزاء ،ويخشى في عصيانه الذلة والخزي وسوء العقاب .ولعله ل يوجد
) في لغة من لغات العالم مصطلح يبلغ من الشمول والجامعية أن يحيط بكل هذا المفهوم .وقد كادت كلمة
تبلغ قريبا Tمن ذلك المفهوم ولكنها تفتقر إلى مزيد من التساع لجل إحاطتها بحدود معاني كلمة (State
)الدين( .وفي اليات التالية قد استعمل )الدين( بصفة هذا المصطلح الجامع:
)قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحر*مون ما حر*م ال ورسوله ول يدينون دين
)التوبة(29 : الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد eوهم صاغرون(
)الدين الحق( في هذه الية كلمة اصطلحية قد شرح معانيها واضح الصطلح نفسه عز وجل ،في
الجمل الثلث الولى ،وقد أوضحنا بوضع العلمات على متن الية أنه قد ذكر ال تعالى فيها جميع معاني
كلمة )الدين( الربعة ،ثم عبر عن مجموعها بكلمة )الدين الحق(.
)وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع) رب*ه إني أخاف أن يبد*ل دينكم أو يظهر في الرض الفساد(
)غافر(26 :
وبملحظة جميع ما ورد في القرآن من تفاصيل لقصة موسى عليه السلم وفرعون ،ل يبقى من شك
أن كلمة )الدين( لم ترد في تلك اليات بمعنى النحلة والديانة فحسب ،أريد بها الدولة ونظام المدينة أيضا.T
فكان مما يخشاه فرعون ويعلنه :أنه إن نجح موسى عليه السلم في دعوته ،فإن الدولة ستدول وإن نظام
الحياة القائم على حاكمية الفراعنة والقوانين والتقاليد الرائجة سيقتلع من أصله .ثم إما أن يقوم مقامه نظام
آخر على أسس مختلفة جدا ،Tوإما أل يقوم بعده أي نظام .بل يعم كل المملكة الفوضى والختلل.
)آل عمران(85 : )ومن يبتغ غير السلم دينا 3فلن يقبل منه(
)التوبة(33 : )هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون(
)النفال(39 : )وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله ل(
)إذا جاء نصر ال والفتح ورأيت ,الناس يدخلون في دين ال أفواجا 3فسبح بحمد ربك واستغفره إنه
المراد بـ )الدين( في جميع هذه اليات هو نظام الحياة الكامل الشامل لنواحيها من العتقادية
فقد قال ال تعالى في اليتين الولين إن نظام الحياة الصحيح المرضي عند ال هو النظام المبني على
إطاعة ال وعبديته .وأما ما سواه من النظم المبنية على إطاعة السلطة المفروضة من دون ال ،فإنه مردود
عند ،ولم يكن بحكم الطبيعة ليكون مرضيا Tلديه ،ذلك بأن الذي ليس النسان إل مخلوقه ومملوكه ،ول يعيش
في ملكوته إل عيشة الرعية ،لم يكن ليرضى بأن يكون للنسان الحق في أن يحيا حياته على إطاعة غير
وقال في الية الثالثة أنه قد أرسل رسوله صلى ال عليه وسلم بذلك النظام الحق الصحيح للحياة
النسانية -أي السلم -وغاية رسالته أن يظهره على سائر النظم للحياة.
وفي الرابعة قد أمر ال المؤمنين بدين السلم أن يقاتلوا من في الرض ول يكفوا عن ذلك حتى
تمحي الفتنة ،وبعبارة أخرى حتى يمحي جميع النظم القائمة على أساس البغي على ال ،وحتى يخلص ل
وفي الية الخيرة الخامسة قد خاطب ال تعالى نبيه صلى ال عليه وسلم حين النقلب السلمي بعد
الجهد والكفاح المستمر مدة ثلث وعشرين سنة ،وقام السلم بالفعل بجميع أجزائه وتفاصيله نظاما Tللعقيد
والفكر والخلق والتعليم والمدنية والجتماع والسياسة والقتصاد ،وجعلت وفود العرب تتابع من نواحي القطر
وندخل في حظيرة هذا النظام ،فإذا ذاك – وقد أدى النبي رسالته التي بعث لجلها – يقول له ال تعالى :إياك
أن تظن أن هذا العمل الجليل الذي قد تم على يديك من كسبك ومن سعيك ،فيدركك العجب به ،وإنما المنزه
عن النقص والعيب والمنفرد بصفة الكمال هو ربك وحده ،فسبح بحمده واشكره على توفيقه إياك للقيام بتلك
المهمة الخطيرة وأسأله :ال اغفر لي ما عسى أن يكون قد صدر مني من التقصير والتفريط في واجيي خلل
تخريج الحديث:
رقم ) (5414طبعة أحمد محمد شاكر وأسناده صحيح ولفظه في موضع آخر من المسند )رقم :(5608
قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم هذه الية وهو على المنبر )والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى
عما يشركون( قال :يقول ال) :أنا الجبار أنا المتكبر أنا الملك ،أنا المتعال الخ( .وقد أخرجه مسلم )(8/126
من وجه آخر عن ابن عمر ،ولفظه أقرب إلى لفظ الكتاب وهو" :يطوي ال عز وجل السماوات يوم القيامة،
ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول :أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الرض بشماله ،ثم يقول:
فتح الباري( عن طريق ثالث عن ابن عمر مختصرا ،Tورواه أبو داود ) )13/337 ورواه البخاري
(2/278بتمامه إل أنه قال )بيده الخرى( بدل )بشماله( وهو الموافق للحاديث القائلة) :وكلتا يديه يمين(
ولذلك أشار البهيقي – كما نقله الحافظ – إلى أن هذه اللفظة )بشماله( شاذة؛ وال أعلم.
-2ص ،96ورد في باب )التحقيق اللغوي( – وهو مختصر عما ورد في )لسان العرب(.
"وقد جاء في الحديث الشريف :ثلثة أنا خصمهم :رجل اعتبد محررا:"T
تخريج الحديث
لم أره بهذا اللفظ ،بل هو ملفق من حديثين ،أحدهما صحيح والخر ضعيف.
الول :عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال" :قال ال تعالى :ثلثة أنا
خصمهم يوم القيامة :رجل أعطى بي ثم غدر ،ورجل باع حرا Tفأكل ثمنه ،رجل استأجر أجيرا Tفاستوفى منه
ولم يعطه أجره" .أخرجه البخاري ) (354 ،353 ،4/331ابن ماجه ،والطحاوي في )مشكل الثار(.
والثاني :عن عبد ال بن عمرو مرفوعا" :Tثلثة ل يقبل ال منهم صلة :من تقدم قوما Tوهم له
كارهون ،ورجل أتى الصلة دبارTا – والدبار أن يأتيها بعد أن تفوته ،-ورجل اعتبد محرره - ،وفي رواية:
محررا."T
أخرجه أبو داوود ) (1/97وابن ماجه ) (1/307والبهيقي ) (3/128وسنده ضعيف فيه عبد الرحمن بن
زياد الفريقي عن شيخه عمران بن عبد المعافري ،وكلهما ضعيف ،وذلك قال النووي" :أنه حديث ضعيف"
وسبقه إلى ذلك البهيقي ،لكن القضية الولى منه صحت عنه صلى ال عليه وسلم في أحاديث أخرى وردت
بأسانيد صحيحة في سنن أبي داود .وأما الرواية الخرى "أعبد محررا "Tفلم اقف عليها)(.
-3ص ،117ورد في باب )التحقيق اللغوي(" .وجاء في الحديث النبوي " ...الكيس من دان فنسه
تخريج الحديث
أخرجه الترمذي ) (3/305وابن ماجه ) (2/565والحاكم ) (1/57وأحمد ) (4/124عن طريق أبي بكر بن
أبي مريم الغساني عن حمزة بن حبيب عن شداد بن أوس مرفوعا .وقال الترمذي "حديث حسن"! وقال
الحاكم" :صحيح على شرط البخاري"! وتعقبه الذهبي بقوله" :قلت :ل وال ،أو بكر رواه" وقد أصاحب -
رحمه ال . -
-4ص ،117ورد في باب )التحقيق اللغوي( أيضا Tبينت من أرجوزة العشى الحرمازي يمدح رسول
و (6886باسنادين أحدهما ضعيف، )6885 أخرجه عبد ال بن المام أحمد في زوائد مسند أبيه ،رقم
والخر فيه رجلن تفرد بتوثيقهما ابن حبان ،ومن المعلوم عند العلماء أنه متساهل في التوثيق – كما بينه
ومع هذا فقد صحح هذا السناد المعلق على المسند الستاذ أحمد محمد شاكر على قاعدته التي جرى
عليها في تعليقه هذا وفي غيره من العتماد على توثيق ابن حبان خلفا Tللمحققين من العلماء.
-5ص ،118ورد في باب )التحقيق اللغوي( أيضا Tحديث الخوارج" :يمرقون من الدين مروق السهم
من الرمية".
تخريج الحديث
علي بن أبي طالب ،وأبو سعيد الخدري ،وعبد ال بن عمر ،وجابر بن عبد ال – رضي ال عنهم . -
ورد في باب )التحقيق اللغوي( أيضا" :Tكانت قريش ومن دان بدينهم " .. ص118 -6
تخريج الحديث
هو من حديث عائشة رضي ال عنها قالت" :كان قريش دان Vدينها يقفون بالمزدلفة ،وكانوا يسمون
الح_مس ،وكان سائر العرب يقفون بعرفة ،فلما جاء السلم أمر ال عز وجل نبيه صلى ال عليه وسلم أني
يأتي عرفات فيقف بها ،ثم يفيض منها ،فذلك قوله عز وجل "ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس".
،118 -7ورد في باب )التحقيق اللغوي( أيضا) :Tوفي الحديث أنه عليه السلم كان على دين قومه".
تخريج الحديث
لم أجده بهذا اللفظ في شيء مما لدي من المراجع ،وإنما أورده ابن الثير في "النهاية" مادة "دين" دون
وأخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" )ج 1ق 1ص (126بسند صحيح عن السدي في قوله تعالى
)ووجدك ضال Tفهدى( قال" :كان على أمر قومه أربعين عاما "Tوهذا إسناد ضعيف معضل ،فإن بين السدي
وبينه صلى ال عليه وسلم آمادا Tطويلة ،ثم هو منكر واضح النكارة ،ول يحتاج المر للطالة ،واقرب ما قيل
في تفسير الية المذكورة أنها كقوله تعالى) :وكذلك أوحينا إليك روحا Tمن أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول
( – الية . … اليمان ،ولكن جعلناه نورا Tنهدي به من نشاء من عبادنا
-8ص ،119ورد في باب )التحقيق اللغوي( أيضا :Tفي الحديث عن ابن عمر أنه صلى ال عليه وسلم
قال" :ل تسبوا السلطين ،فإن كان لبد فقولوا :اللهم دنهم كما يدينون".
تخريج الحديث
لم أجده إل في )النهاية في غريب الحديث( لبن الثير ،وقد أورده من حديث ابن عمرو ،وأما حديث
ابن عمر فقد أورده الشيخ إسماعيل العجلوني في )كشف الخفاء( ،1/456بلفظ آخر وليس فيه موضع الشاهد
www.tawhed.com
موقعنا على النترنت
منبر التوحيد والجهاد
www.tawhed.com