You are on page 1of 289

‫بسم ال الرحن الرحيم‬

‫التطور و الثبات‬
‫ف حياة البشرية‬

‫تأليف الستاذ‬

‫ممد قطب‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫***‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.net‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬
‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬
‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫مقدمة‬
‫هذا العصر هو عصر التطور‪..‬‬

‫كل شيء فيه يتطور‪..‬‬

‫الفكار والعقائد‪ ..‬القيم والفاهيم‪ ..‬والخلق والتقاليد‪ ..‬الصور الادية للحياة‪..‬‬


‫السكن واللبس والأكل‪ ..‬وسائل الواصلت ووسائل العلم‪ ..‬الرب والسلم‪ ..‬اللة‪..‬‬
‫النسان!‬

‫ول ير يوم ول تر ساعة‪ ..‬بل ل تر لظة ل يذكر فيها لفظ التطور من أقصى‬
‫الرض إل أقصى الرض‪ ..‬ف الغرب " التحضر " والشرق " التأخر "‪ ..‬ف كل مكان!‬

‫ول يو جد شيء وا حد ول ع مل وا حد ول مف هوم وا حد ل تدخل ف يه ف كرة‬


‫التطور‪ ..‬ول يتصور الناس شيئا فـي الياة كلها إل من خلل فكرة التطور الت تشمل‬
‫كل شيء وكل كيان!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وحي تستول ف كرة الت طور على أفهام ال ناس بذه الصورة‪ ،‬فل بد أن يصطدم‬
‫تفكيهم بالدين! فالدين ‪ -‬ف حس البشرية ‪ -‬يثل الثبات‪ .‬ثبات الله‪ .‬وثبات العقيدة‪.‬‬
‫وثبات القيم‪ .‬وثبات الفاهيم‪ .‬وثبات التقاليد‪ .‬وثبات الياة‪.‬‬

‫وما دام الدين ف حس البشرية يثل هذا الثبات كله‪ ،‬فل بد أن يصطدم ف حسها‬
‫بفهوم التطور الشامل‪ ،‬الذي ل يطيق تصور الثبات ف أي شيء على الطلق‪ ،‬ولو كان‬
‫فكرة ال أو فكرة الدين‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(2‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫و ف ال غرب ا صطدمت بالف عل ف كرة الت طور بف هوم ا لدين‪ .‬و قام بينه ما صراع‬
‫عنيف منذ " عصر النهضة " الذي قام على أساس ل دين‪ .‬وانتهى الصراع بتنحية الدين‬
‫عن الياة العملية‪ .‬وعن القتصاد والجتماع والسياسة‪ .‬وعن العلم والفن‪ ..‬ول يبق له إل‬
‫ر كن ضئيل ف ح ياة ا لفراد‪ ..‬ي شبعون ميل هم الشخ صي إل يه با لذهاب إ ل الكني سة‪ ،‬أو‬
‫اتباع بعض تعاليم الدين ف السلوك الشخصي‪ ،‬بينما الياة الواقعية كلها تكمها الفاهيم‬
‫الضادة لفكرة الدين‪.‬‬

‫وفتر الصراع الذي كان حادا ف القرني الثامن عشر والتاسع عشر لن الدين ل‬
‫تعد له القدرة على الصراع‪ ،‬والتديني ورجال الدين ل يعد ف وسعهم إل الرضى من‬
‫الغني مة بال سلمة الشخ صية‪ ،‬والن عزال عن الر كب الت حرك‪ ..‬أو وماو لة الل حاق بذلك‬
‫الركب عن طريق " تطوير " الدين )!( وجعله تابعا ذليل للتطور‪ ،‬بعد أن عجز عن قيادة‬
‫الياة!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أما ف الشرق‪ " ..‬السلمي "‪ ..‬فما زال الصراع قائما بي الدين والتطور!‬

‫لن ا لدين ‪ -‬من ناح ية ‪ -‬ما زا لت له قب ضته ع لى ن فوس ال ماهي‪ ،‬كعق يدة‬
‫وف كرة إن ل ي كن كوا قع و سلوك‪ ،‬ر غم ال هد ال ضخم ا لذي ي بذل لت فتيت العق يدة‬
‫وتطيمها‪ ،‬وتويل الهتمامات عنها إل مفاهيم جديدة وأفكار جديدة‪..‬‬

‫و لن " الت طور " من ناح ية أ خرى ل يب لغ مداه ب عد‪ ..‬ل الت طور ال صناعي ول‬
‫الجتماعي ول القتصادي اللوب من الغرب‪ ،‬والذي يمل ف أطوائه الفهوم " اللدين‬
‫" للحياة‪.‬‬

‫ومن ث فما تزال هناك معركة!‬

‫والك̂تاب ورواد التطور يتلف موقفهم من العركة باختلف درجة اصطباغهم‬


‫بالفكر الغرب‪ ،‬ودرجة صراحتهم ف إدارة العراك!‬

‫)‪(3‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫فبع ضهم ي هاجم ا لدين صراحة‪ ،‬وي قول إ نه بق ية من الا ضي الظ لم ينب غي أن‬
‫تزول‪ ..‬وخرافة ل يصح أن تعيش ف عصر النور!‬

‫وبع ضهم ل يد ف نف سه ا لرأة ا لت ي هاجم با ا لدين صراحة‪ ،‬في ستتر وراء‬


‫مهاجة " الفكار الرجعية " أو " رجال الدين "‪ ..‬ومن هناك يهاجم كل الفاهيم الدينية‬
‫وهو آمن من تمة اللاد والروق‪ .‬فل يستطيع ‪ -‬مثل ‪ -‬أن يقول إن ال ‪ -‬سبحانه ‪-‬‬
‫رجعي لنه يقصر زينة الرأة على رجلها أو مارمها‪ .‬فهذا القول الوقح يعرضه ل مالة‬
‫لغضبة الماهي‪ ،‬فل ينسب إل ال هذا القول! وينسبه إل رجال الدين الرجعيي! ول‬
‫يرؤ ‪ -‬مثل ‪ -‬أن يقول إن ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬مطئ حي يرم الفاحشة‪ ،‬وقيام أي علقة‬
‫جن سية خارج ا لزواج ال شرعي‪ .‬فل ين سب هذا التحر ي إ ل ا ل سبحانه! وي قول إن "‬
‫الفاهيم الرجعية " للخلق‪ ،‬الت ترم الصداقات والعلقات بي النسي هـي مفاهيم‬
‫بالية ينبغي أن تتطور‪ ..‬وأن تزول!‬

‫وبع ضهم ي قول إن ا لدين أف كار سامية جي لة )!( ول كن ما ف يه من ت شريعات‬


‫وتوجيهات قد نزل لعصر معي وظروف معينة‪ ..‬والظروف قد تغيت‪ ..‬فل بد من إبقاء‬
‫الدين " روحا " صافية‪ ،‬ل تتدخل ف التشريع‪ ،‬ول تكم الياة الواقعية‪ ..‬من أجل البقاء‬
‫على معانيه السامية وأفكاره الرفيعة‪ ،‬ومنعها من الصطدام بالواقع التغي التطور‪ ،‬فتتحطم‪،‬‬
‫وتترك الناس بل هداية من روح الدين!‬

‫وبع ضهم ل يذكر ا سم ا لدين ع لى ا لطلق‪ ..‬وإ نا ي هاجم ال فاهيم الدين ية "‬
‫كم فاهيم " ل عل قة لا با لدين‪ ..‬م فاهيم اجتماع ية أو فكر ية أو سيا سية أو اقت صادية‪.‬‬
‫وي سخˆفها ل عدم ت شيها مع روح الع صر‪ ،‬والت طور العل مي وال ضاري‪ ..‬و يترك هذا‬
‫التسخيف يفعل فعله الفي ف تطيم القيم الدينية دون أن يتعرض إطلقا‪ š‬لذكر الدين!‬

‫وبعضهم ‪ -‬للتوريط ‪ -‬ينسب إل الدين كل ما يريد بثه من أفكار " تط̂ورية "‬
‫ب جة مرو نة ا لدين و صلحيته للح ياة ف كل ع صر‪ ..‬ف هو يب يح الختلط‪ ،‬ويب يح تز ين‬
‫ا لرأة‪ ،‬ويب يح ق يام عل قات ب ي الن سي )دون الفاح شة من باب ال تأدب!( ويب يح ن قد‬
‫الفاهيم بل النصوص الدينية ذاتا وتحيصها )للقتناع با عن تفكر وتدبر!( ويبيح ترك‬
‫بعض الفاهيم الدينية واستبدال غيها با )لن الناس أعلم بأمور دنياهم!( أو بعبارة أخرى‬
‫يبيح نقض الدين كله بجة التجديد والتطوير!‬

‫)‪(4‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وبعضهم ‪ -‬الضللي الخدوعي! ‪ -‬يكتبون ‪ -‬ف إخلص! ‪ -‬عن وجوب تطوير‬


‫الدين حت ل يفوته الركب‪ ،‬وينعزل ف زوايا النسيان!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والماهي تتشرب الياءات الختلفة الت يصبها ف أذهانا " الثقفون " بختلف‬
‫و سائل ا لعلم‪ :‬الك تاب والق صة وال سرحية وال قال وا لب والتحق يق ال صحفي والر سم‬
‫الكاري كاتوري والنك تة ال صورة‪ ..‬والذا عة وال سينما والتليفز يون‪ ..‬وت ظل هذه ال فاهيم‬
‫تدور ف نفوسهم‪ ،‬وتصطرع ‪ -‬ف وعي أو غي وعي ‪ -‬بفهوم الدين‪ .‬وتنتج عن ذلك‬
‫ن تائج متباي نة‪ ..‬فبع ضهم ينت هي به ا لمر إ ل ا لروج ال صريح من دائرة ا لدين‪ .‬وبع ضهم‬
‫ينعزل الدين ف وجدانه عن الياة‪ " ..‬فيتدين " ف داخل قلبه‪ :‬يصلي ويصوم‪ ،‬وقد يزكي‬
‫و يج‪ ،‬ث يارس ال ياة الواق عة ب كل م فاهيم " الت طور "‪ ،‬ف يترك ب ناته ‪ -‬مثل ‪ -‬يلب سن‬
‫فساتي فوق الركبة‪ ،‬ويالطن الشبان‪ ،‬لن " العصر " يريد ذلك‪ ،‬وهو يريد لبناته أن يكن‬
‫ع لى " مو ضة " الع صر‪ .‬وبع ضهم يتج مد ‪ -‬ف ت جر ‪ -‬ع لى م فاهيم معي نة يظن ها هي‬
‫الدين‪ ،‬وياصم الياة التحركة كلها لنا خروج على الدين‪ .‬وبعضهم يظلون ف حية‪،‬‬
‫ل يدرون ماذا يصنعون!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وهذا البحث يتناول قضية التطور‪ ،‬ف مواجهة قضية الدين‪..‬‬

‫وقد تناولت هذا الوضوع من قبل ف كتب سابقة ولكن دون تفصيل‪.‬‬

‫ت ناولته أول مرة ‪ -‬ب صورة مبا شرة ‪ -‬ف ف صل " أن تم أع لم بأمور دن ياكم " ف‬
‫ك تاب " قب سات من الر سول " فت حدثت حديثا‪ š‬سريعا عن ق ضية الت طور‪ ،‬و عن ال ثابت‬
‫والتطور ف كيان النسان‪ ،‬وطريقة السلم ف معالة هذا وذاك‪.‬‬

‫ث ت ناولته ف ف صلي من ك تاب " معر كة التقال يد " تدثت فيه ما عن الف هوم‬
‫الورب للتطور؛ وما يمله ف طياته من حقائق وأباطيل‪ ،‬وكيف أثر ف الياة الوربية ث‬
‫انتقلت عدواه إل الشرق عن طريق الستعمار‪.‬‬

‫)‪(5‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ث أفردت له فصل ف كتاب " دراسات ف النفس النسانية " بعنوان " الثابت‬
‫والتطور ف كيان النسان "‪.‬‬

‫ول كن الرغ بة كانت تتزا يد ف نف سي كل مرة أن أت ناول الو ضوع ف بث‬


‫متخصص‪ ،‬ل تناول عرضيا ف أثناء الطريق‪.‬‬

‫وأخيا‪ š‬كان هذا الكتاب‪ ،‬تناولت فيه الوضوع من جيع الزوايا الت جالت ف‬
‫خاطري‪ ،‬ف الفكر الغرب والسلمي سواء‪.‬‬

‫وهو يتناول أربع قضايا رئيسية‪:‬‬

‫الفهوم الغرب للتطور‪ ،‬وأسبابه ونتائجه ف الياة الغربية‪.‬‬

‫حقيقة الفطرة البشرية وما تشتمل عليه من جوانب ثابتة وجوانب متغية‪.‬‬

‫الف هوم ال سلمي " للن سان " وطري قة ال سلم ف معا لة ال ثابت والت طور ف‬
‫حياة البشرية‪.‬‬

‫والق ضية الراب عة تت ناول الو قف الرا هن للح ضارة الغرب ية ولل سلم‪ ،‬و ما يم له‬
‫الوقف من دللة لستقبل البشرية‪.‬‬

‫والوضوع واسع ما ف هذا شك‪ ،‬والقضايا الت يتناولا شديدة الطورة بالنسبة‬
‫للمفاهيم الالية للحياة‪ .‬وهو ف حاجة إل دراسة واسعة مستفيضة جادة ف كل مناحي‬
‫التفكي البشري والياة البشرية‪.‬‬

‫وما يتسع بث كهذا لكل جوانب الوضوع بطبيعة الال‪.‬‬

‫ولكن حسبه أن يتناول القضية ف جوهرها‪ .‬بل حسبه أن يفتح الباب للتفكي‪.‬‬

‫فإن نح ف ذلك فما توفيقي إل بال‪ ..‬وله المد وله الشكر ف جيع الحوال‪.‬‬

‫ممد قطب‬

‫)‪(6‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ع*ص'ر( التطو(ر'‬
‫ف الع صور الو سطى كان " الث بات " هو ال طابع ال سيطر ع لى ال ياة كل ها ف‬
‫الغرب‪ .‬وكان العال السلمي قد أخذ دورة من النشاط الي التحرك الغلب‪ ..‬ث أخذ‬
‫يركن إل الدوء أو إل الركود التدريي البطيء‪.‬‬

‫وكان مفهوم الثبات ف أوربا مستمد‪š‬ا من الدين‪ ،‬كما هو مستمد من الوضع‬


‫القتصادي والجتماعي الثابت الركان‪.‬‬

‫كان ا لدين ‪ -‬بف هومه الكن سي ا لورب ‪ " -‬عق يدة "‪ ..‬أي عل قة ب ي الع بد‬
‫وا لرب ت كم الو جدان‪ ،‬ول ت كم ‪ -‬إل قليل ‪ -‬وا قع ال ياة‪ .‬أ ما هذا الوا قع فتحك مه‬
‫تشريعات مستمدة من القانون الرومان‪ ،‬ومستمدة من أهواء حكام القطاع‪ ،‬أي مستمدة‬
‫‪ -‬ف النهاية ‪ -‬من أصول وثنية ل علقة لا بالدين‪.‬‬

‫وما دام الدين " عقيدة " بذا الفهوم‪ ،‬أي اعتقادا ف ال‪ ،‬وارتباطا وجداني‪š‬ا به‪،‬‬
‫وتعبدا روحي‪š‬ا إليه‪ ..‬فهو " ثابت " بكل معن الكلمة‪ ،‬فال ف الوجدان ثابت‪ ،‬وطريقة‬
‫الوجدان ف التطلع إليه تثل كذلك لونا‪ š‬من الثبات‪.‬‬

‫على أننا حت لو فرضنا أن الدين ‪ -‬بفهومه الكنسي الورب ‪ -‬كان دينا‪ š‬كليا‬
‫شامل ]كما هو منل من عند ال قي القيقية[ أي دينا‪ š‬يكم الوجدان والياة الواقعة ف‬
‫ذات الوقت‪ ،‬ويشرع للناس أوضاعهم القتصادية والجتماعية والسياسية إل جانب ما‬
‫يشرع لم عباداتم وسلوكهم الفردي‪ ..‬فل ندري على وجه التحقيق كيف كانت تصبح‬
‫صورة التمع الورب‪ ،‬ما دامت الكومات الوربية ل تكم بذا الدين!‬

‫إنا نن نعلم على وجه اليقي ‪ -‬من التاريخ ‪ -‬أن دور السلم ل يكن كذلك‪..‬‬

‫ف هو أول قد حافظ ع لى مف هوم ال سماوي فترة طوي لة من ا لوقت‪ ،‬كان في ها‬


‫يشرع للوجدان وللحياة الواقعة على السواء‪ .‬وعلى الرغم من الفساد الزئي الذي أصاب‬
‫الكومة السلمية‪ ،‬وأصابا مبكرا منذ عهد الدولة الموية‪ ،‬فإن " الدين " ل يعش ف‬
‫عزلة عن التمع قط‪ ،‬إل ف العصر الخي‪ ..‬ف القرن الثامن عشر اليلدي وما تله‪ ،‬بعد‬

‫)‪(7‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫الملة الصليبية الت قادها نابليون على مصر‪ ،‬وتبعتها حلت صليبية أوربية متعددة على‬
‫العال السلمي‪ :‬فرنسية وانليزية وبلجيكية وهولندية وألانية‪ ..‬ث أمريكية‪ ..‬ف صورة "‬
‫استعمار " حرب واقتصادي وسياسي‪ ..‬يعمل بادئ ذي بدء على خلع الكومة السلمة‬
‫القائمة بتنفيذ شريعة ال‪ ،‬وإخضاع الكم لتشريع غي ربان‪ ،‬وبصفة خاصة غي إسلمي‪.‬‬

‫ك ما أن ال سلم قد " حرك " ال ياة و " طور ها " ف كل م كان حل ف يه‪..‬‬
‫وكانت آيات التطوير شاملة لشت التاهات‪.‬‬

‫ففي الزيرة العربية وما شابها ف البناء الجتماعي والقتصادي‪ ،‬أحدث حركة‬
‫ضخمة ح ي حول الت مع القب لي إ ل " أ مة "‪ .‬أ مة متما سكة‪ ،‬تكم ها حكو مة مركز ية‬
‫واحدة‪ ،‬وتطبق فيها قانونا واحدا‪ ،‬ويمعها ف النهاية شعور المة الوحدة‪ ،‬ل القاطعات‬
‫ال ستقلة ول ال قاليم التفر قة النعز لة‪ .‬و ف البلد ذات ال ضارات ال سابقة أ حدث حر كة‬
‫ماثلة حي حرر المة من عبادة الوثن الاكم إل عبادة ال‪ ..‬فانطلقت الشاعر الت كانت‬
‫حبيسة ف عبودية الاكم‪ ،‬تنشط ف مالا التحرر متلف ألوان النشاط‪.‬‬

‫وف جيع الحوال أحدث " حركة " اقتصادية ضخمة‪ ،‬فانتقل بالتمع السلمي‬
‫الواسع من مرحلة الرق‪ ،‬والرعي‪ ،‬إل الزراعة والتجارة والصناعة على مستوى " دول "‪..‬‬
‫فحال دون الركود القتصادي على وضع معي فترة طويلة من الوقت‪ .‬وأهم من ذلك أنه‬
‫‪ -‬بتشريعاته الاصة‪ ،‬القتصادية والجتماعية ‪ -‬حال دون " ثبات " الوضع القتصادي‬
‫والجت ماعي ل لفراد وال سرات‪ .‬فل ن ظام ف يه " للطب قات " كا لذي عرف ته أور با‪ .‬ول "‬
‫أشراف " بالولد يظلون يتوارثون الرض والال والركز الجتماعي والسيادة‪ .‬وإنا هو‬
‫متمع " مفتوح " يستطيع كل فرد فيه بوسيلة أو بأخرى أن يرتفع إل القمة وأن ينل إل‬
‫الضيض‪ .‬ث تتفتت الثروات بتشريع الرث فل تبقى ف يد شخص واحد أو أسرة معينة‪.‬‬
‫ث التجارة بتقلباتا تغن هذا وتفقر ذاك‪ ،‬وتدث حركة دائمة ف أوضاع الناس‪ ،‬فل الغن‬
‫يبقى غنيا إل البد ول الفقي يظل على فقره‪ ،‬وإنا يتبادلون الراكز كلما تقلبت الحوال‪.‬‬
‫ث " الصناعة " ف الدن الصناعية تدث ألوانا من الثروة وألوانا من العلقات غي ثروة‬
‫القطاع وعلقاته‪ ..‬وهكذا تور الركة ف العال السلمي من أقصاه إل أقصاه‪.‬‬

‫وكذلك كانت الفتوح والغزوات الت صاحبت تاريخ السلم سببا ف حركة من‬
‫نوع آ خر‪ .‬حر كة ال يوش وحر كة الف كار وحر كة ال ضارات‪ .‬ف مع كل ف تح جد يد‬
‫حركة‪ .‬ومع كل حركة تبادل حي بي الغالبي والغلوبي‪ .‬تتولد عنه مفاهيم اجتماعية‬
‫واقتصادية وسياسية جديدة‪ ،‬يكمها ف النهاية مفهوم السلم‪.‬‬

‫)‪(8‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وفوق ذلك كله كانت الركة العلمية‪ ..‬وهي تعتب ف ميزان التاريخ أكب حركة‬
‫فيه إل ما قبل العصر الخي‪ .‬وهي ليست مرد علم‪ .‬وإنا هي على وجه التحديد " حركة‬
‫علم ية "‪ .‬حر كة تأ خذ وتع طي‪ ،‬وتن مو و تزداد‪ .‬حر كة تأليف وترجة ون شر ]عن طر يق‬
‫الدارس والكتبات العامة[ على نطاق واسع غي معهود من قبل ف التاريخ‪ .‬حركة ف‬
‫الفل سفة التجريد ية والع لوم النظر ية والتجريب ية‪ ..‬ويك في من دلل تا أن ي كون العل ماء‬
‫ال سلمون هم ا لذين أن شأوا الذهب التجر يب ا لذي سارت عل يه الع لوم كلها في ما بعد‪،‬‬
‫وطبقوه ع لى أو سع ن طاق‪ ،‬ف الغراف يا والف لك‪ ..‬و ف ال طب والكيم ياء والطبيعة‪ ..‬وف‬
‫اتاه الياة عامة بل استثناء‪.‬‬

‫ف هذا الو " التحرك " النامي التطور كان يعيش العال السلمي‪ ،‬حيث كانت‬
‫تعيش أوربا ف جو من الركود و " الثبات "‪...‬‬

‫و حت ح ي ا ستهلك ال عال ال سلمي طاقته ]ل سباب تاري ية ل يس ه نا مال‬


‫تفصيلها‪ ،‬ولكن يكن تلخيصها ف كلمة واحدة‪ :‬أنا البعد التدريي عن " السلم "‪..‬‬
‫أي عن م صدر الر كة وال شعاع[‪ ..‬حت حينئذ كانت ف يه من بقا يا الر صيد ال ضخم‪،‬‬
‫ر صيد الر كة والن ماء والت طور‪ ،‬ف أ يام ا لروب ال صليبية‪ ،‬ما كان كاف يا لن ي شعل‬
‫الشرارة ف أوربا‪ ،‬فيخرجها من الظلمات إل النور‪.‬‬

‫ف الروب الصليبية التقت أوربا " ببقايا " الركة السلمية‪ ..‬أكب حركة مد ف‬
‫التاريخ‪ ..‬فكانت هذه البقايا تمل من اليوية والركة والشتعال‪ ،‬ما استطاع أن يوقظ‬
‫أوربا من سباتا‪ ،‬ويبعثها تطلب الركة والياة‪.‬‬

‫أول ثار الروب الصليبية كانت حركة البعث العلمي‪ .‬فقد تعرف الصليبيون‬
‫على العارف السلمية‪ ،‬سواء ما كان منها من أصل إغريقي‪ ،‬وما كان إضافة جديدة‬
‫أضافها العلماء السلمون ف فترة الركود الورب الطويل‪ .‬وكانت حركة البعث هذه أول‬
‫شرارة انطلقت لتحرر الرواح ف أوربا من ظلم الهل والرافات والساطي‪.‬‬

‫ث كان تط يم الن ظام الق طاعي وال سعي لت كوين ا لدول وا لمم ف م كان‬
‫القطاعيات والقبائل‪ ،‬حي لس الصليبيون ف حربم مع السلمي مزايا الكومة الركزية‬
‫الوحدة‪ ،‬والقانون الواحد الذي يسري على الميع‪ ،‬القانون الذي ل ينبع من هوى حاكم‬
‫القطاع ية‪ ،‬ول تتداخل ف يه ال سلطة القضائية والسلطة الت شريعية وال سلطة التنفيذ ية‪ ،‬ك ما‬
‫كانت كلها تتداخل ف شخص الاكم هناك‪ .‬كما ساعد تك̂ون الدن التجارية والصناعية‬

‫)‪(9‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫الت نشأت ف أثناء الروب الصليبية ‪ -‬على غرار الدن السلمية الساحلية ‪ -‬على تفتيت‬
‫القطاع وترير العبيد‪.‬‬

‫باختصار بدأت أوربا " تتحرك " من سباتا الطويل‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وحي بدأت تتحرك‪ ..‬أخذت الركة تصطدم بفهوم " الثبات "‪.‬‬

‫وقد كان هذا الفهوم بعيد الغور ف التربة الوربية‪ ..‬فلفترة طويلة من الزمن كان‬
‫كل شيء ثابتا ف أوربا ل يتحرك ول يري‪ .‬العبيد ف الرض‪ .‬والسادة ف القطاعيات‪.‬‬
‫كل منهما يرث عبوديته أو سيادته على مدار الجيال ومدار القرون‪ .‬ورجال الدين ذوو‬
‫النلة والسطوة عنصر يكمل الصورة ويث̂بت الطار‪.‬‬

‫الياة هي الياة‪ ..‬الرجل والرأة والطفال يتعاقبون على طور واحد‪ .‬فرد يذهب‬
‫وفرد يلفه ف مكانه‪ ،‬يأخذ نفس السمت ويؤدي نفس الدور‪ ،‬فكأنا ل يذهب الذاهب‬
‫ول ي يء‪ ..‬ف حدود " الطب قة " بإطار ها الا مد ا لذي ل يتح طم‪ ،‬يع يش كل إن سان‪.‬‬
‫الشريف ف " شرفه " والشعب ف شعبيته‪ ،‬ورجل الدين ف مسوحه‪ ..‬بل تبديل‪.‬‬

‫ال ياة القت صادية والجتماع ية السيا سية والفكر ية والروح ية ت سي ع لى ن فس‬
‫الوتية منذ عهود ل يعيها وعي الفرد‪ ،‬وإنا يتصورها امتدادا " أزليا " ثابتا ف الاضي‪،‬‬
‫ويراها ف الاضر ثابتة‪ ،‬فيتخيل لا كذلك ثباتا " أبدبا " فيما ي»قبل من التاريخ‪..‬‬

‫وف ظل هذا الفهوم الثابت تثبت الفكار والقيم والخلق والتقاليد‪ ..‬ويشمل‬
‫ذلك كله من الارج إطار» الدين‪ ،‬في»حك¼م الصورة الثابتة‪ ،‬ويزيد ف تثبيت الفهوم‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والهل والساطي والرافة تزيد من عنصر الثبات‪..‬‬

‫)‪(10‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫فالعلم حر كة‪ ..‬حر كة ف ا لذهن تتبع ها حر كة ف وا قع ال ياة‪ .‬و ما دام ا لذهن‬


‫يع مل ويت حرك‪ ،‬وي عرف جد يد‪š‬ا كل يوم‪ ،‬فل سبيل للر كود الا مد ول الث بات ا لائم‪..‬‬
‫وإنا السبيل للتغي والتطور‪ ،‬والتحوير والتبديل‪.‬‬

‫ولقد كانت الكنيسة الوربية ق̂يمة على هذا الهل حريصة عليه‪ ..‬فأي شيء ‪-‬‬
‫كالهل ‪ -‬يكن أن يضمن لا استنامة ال ماهي ل سلطانا الطغ يان‪ ،‬وأي شيء ي كن أن‬
‫تذره أكثر من العلم الذي " يرر " الرواح والنفوس؟!‬

‫ومن هنا كان الدور " الطبيعي " للكنيسة ‪ -‬من موقفها الذي ترصد منه الياة‬
‫الوربية ‪ -‬أن تافظ على الهل أطول مدة تستطيعها‪ ،‬وتنحه سلطان الدين وعنوانه‪ ،‬وأن‬
‫تارب الع لم ما و سعتها الار بة‪ ،‬وت سمه بالع صيان وا لروق‪ ،‬وت طرده من ر حة ا ل‪..‬‬
‫كذلك فعلت مع كوبرنيكوس وجاليليو وجوردانو برونو‪ ..‬ومع كل عال ترأ أن يناقض‬
‫جهالتها القدسة‪ ،‬ويفتح الباب للعلم كي يني الطريق‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫من هذا " الثبات " الائل الراسخ العميق الغور‪ ،‬أخذت أوربا تتحرك على صدى‬
‫الروب الصليبية‪ ،‬وما أطلقته هذه الروب ف كيانا من هزات‪.‬‬

‫وكان أمرا‪ š‬طبيعيا‪ š‬أن تقوم " الركة " ف أوربا على غي أساس الدين‪..‬‬

‫أمرا‪ š‬طبيعيا‪ š‬من جيع الوجوه‪..‬‬

‫فالدين كما تصورته الكنيسة الوربية وصورته للناس‪ ،‬كان ‪ -‬كما قلنا ‪ -‬يثل‬
‫الثبات الطلق ف جيع المور‪ .‬فالركة إذن ل بد أن تصطدم به‪ ،‬كما تصطدم كل حركة‬
‫بالسكون‪ .‬ول بد أن تقوم على غي أساس منه‪ ،‬لنه ل يسمح بفهوم الركة‪ ،‬ول يك¿نه‬
‫من الوجود‪.‬‬

‫والكني سة فوق ذ لك كانت قد أ صبحت غول ب شعا‪ š‬ي طارد ال ناس ف يقظت هم‬
‫ومنامهم‪ ،‬يفرض عليهم الضوع الذل لرجال الدين‪ ،‬ويفرض عليهم العشور والضرائب‪،‬‬
‫وأعمال السخرة فيما ت لك من ا لرض‪ ،‬والتجن يد ف ال يوش التابعة لا الت تارب با‬

‫)‪(11‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ال لوك‪ .‬ف كان رد الف عل ال طبيعي هو " الت حرر "‪ .‬الت حرر من سلطان الكني سة الطغ يان‪،‬‬
‫وإقامة البناء الديد ‪ -‬بناء النهضة ‪ -‬على مبعدة من ذلك السلطان‪.‬‬

‫فإذا أ ضيف إ ل ذ لك أن الكني سة قد بدأت بالف عل بت عذيب العل ماء وتريق هم‬
‫وقتلهم لنم يعلنون ما تصل إليه أباثهم العلمية الخالفة لساطيها القدسة‪ ..‬فقد كان‬
‫ال طبيعي إذن أن ت قوم الر كة " العلم ية " مناه ضة ل سلطان الكني سة‪ ،‬بع يدة عن مف هوم‬
‫الدين‪.‬‬

‫وذ لك ك له فوق ا لروح الغريق ية الرومان ية الوثن ية العمي قة ال غور ف الن فس‬
‫الوربية‪ ،‬والت كانت تتفي تت قشرة رقيقة من السيحية ف العصور الوسطى‪ ،‬فما إن‬
‫واتتها الفرصة ف حركة العداء للكنيسة حت برزت من تت السطح‪ ،‬وعادت تكم الياة‬
‫وتكم الفكار والنفوس!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ول شك أن هذا كله كان بطيئا‪ š‬جد‪š‬ا وتدرييا‪ š‬جدا‪ ..š‬فالركات ‪ -‬مهما اشتد‬
‫أوار ها ‪ -‬بطيئة ا لدوث ف الن فوس‪ ،‬بطيئة التغل غل‪ ،‬لن علي ها أن ت قاوم روا سب كثية‬
‫واعية وغي واعية‪ ،‬وتصطدم بكثي من العقبات‪..‬‬

‫والف كار ا لت ت بدأ ف ن فوس أ فراد متحم سي‪ ،‬يقتح مون ال خاطر وير تادون‬
‫الطريق‪ ،‬ل تتحول إل أفكار " جاهيية " على نطاق واسع‪ ،‬إل بعد أجيال من دورتا‬
‫الفية ف النفوس‪.‬‬

‫ومن ث فقد استغرقت " النهضة " قرونا عدة وهي تقاتل سلطان الكنيسة‪ ،‬وتقيم‬
‫الياة ‪ -‬جزءا جزءا ‪ -‬بعيدا‪ š‬عن سلطان الكنيسة‪ ،‬ولكنها كانت " لدينية " منذ مولدها‪،‬‬
‫و" هيلينية " ف وجهتها‪ ،‬وف استمداداتا وإياءاتا‪ ،‬أي‪ ..‬بعيدة عن روح الدين‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وقام الصراع‪ ..‬الفي والعلن ف نفوس الناس بي مفهوم النهضة ومفهوم الدين‪.‬‬

‫)‪(12‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫صراع مرير بطيء طويل المد‪.‬‬

‫فقد كانت ثار النهضة مغرية ول شك‪ ..‬ثارها الفكرية والعلمية والفنية‪ ..‬كانت‬
‫‪ -‬بالنسبة لوربا ‪ -‬نورا ينفذ ف الظلمات‪ ،‬وتتفتح عليه العيون مبهورة بعد طول الظلم‪.‬‬
‫وكانت حركة من الركود السن التعفن‪ .‬والركة ف ذاتا مببة‪ ،‬لنا تلب الفطرة الت‬
‫ت كره ال سكون‪ .‬ك ما أ نا كانت تعت مد ‪ -‬ف أ غوار الن فس الورب ية ‪ -‬ع لى ال ياث‬
‫الغريقي الرومان الذي ل تكن السيحية قد أطفأته إطفاء كامل‪ ،‬إنا كان مكمورا‪ š‬فقط‬
‫تت غشاء الدين‪..‬‬

‫كل ذ لك ي سˆر للنه ضة أن ت ضي قدما ف ن شر ر سالتها ف العر فة وال ضارة‪،‬‬


‫والعلوم والفنون‪..‬‬

‫ول كن ‪ -‬من جانب آ خر ‪ -‬كانت " العق يدة " عز يزة ع لى ال ماهي‪ .‬ف قد‬
‫صاحبتها ألف سنة أو تزيد‪ .‬وأي‪Á‬ا تكن درجة تعمقها‪ ،‬وأيا يكن تغلغلها القيقي ف الياة‪،‬‬
‫وحكمها لسلوك الناس‪ ..‬فقد كانت " موجودة " ومؤثرة ف وجدان الماهي‪ .‬ول يكن‬
‫من السهل اقتلعها ول موها من الوجود‪.‬‬

‫ومن ث عاشت أوربا فترة من الوقت غي قصية بشخصية مزدوجة‪ :‬مسيحية من‬
‫ناحية‪ ،‬وهيلينية من ناحية‪ .‬مسيحية ف داخل الكنيسة‪ ،‬وهيلينية ف واقع الياة‪ .‬مسيحية ف‬
‫الوجدان وهيلينية ف التفكي‪.‬‬

‫واستمر هذا " الطور " عدة قرون‪.‬‬

‫ولكن العرفة الفية كانت تدور ف داخل النفوس‪ ..‬وتدور ‪ -‬رويدا رويدا ‪ -‬ف‬
‫صال اليلين ية النبع ثة ف ع صر النه ضة ل ف صال ا لدين‪ ..‬وإن كان ا لدين ‪ -‬ب عد ‪-‬‬
‫صاحب سلطان ف نفوس الماهي‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وجاء اليوم الذي وقع فيه الصدام الاد الدمر العنيف‪.‬‬

‫)‪(13‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وقع على يد دارون‪..‬‬

‫ف قد أ صدر دارون ك تابه ف " أ صل ا لنواع " سنة ‪ ،1859‬و ف سنة ‪1871‬‬
‫نشر كتابه ف " أصل النسان "‪.‬‬

‫ور»سم خط واضح من خطوط التاريخ‪.‬‬

‫فمن قبل وقع الصدام بي الكنيسة وبي كوبرنيكوس )‪ (1‬وجاليليو )‪ (2‬وجوردانو‬


‫برو نو )‪ ،(3‬و عذبتهم وأحرقت هم ونك لت بم أب شع تنك يل ح ي عار ضوا فكر تا ف أن‬
‫الرض مركز الفلك والنسان مركز الكون‪ ..‬وقد تكون الماهي قد استبشعت عمليات‬
‫النكال والتعذيب‪ ،‬ولكنها رغم ذلك وقفت ف صف الكنيسة تصفق لنتصارها على "‬
‫اللحدين "‪.‬‬

‫ث جاء دارون بالطامة الكبى حي قال إن النسان أصله حيوان‪..‬‬

‫وكفرته الكنيسة بل شك‪..‬‬

‫ووقفت الماهي ف بادئ المر ف جانب الكنيسة‪ .‬فقد عز عليها بطبيعة الال‬
‫أن يصمها دارون باليوانية‪ ،‬وينع عنها " قداستها " وتيزها ورفعتها‪ ،‬حي ينع عنها‬
‫كرامة النسان ويردها إل أصل اليوان‪.‬‬

‫ولكنها رويدا رويدا ف العركة الادة الت قامت بي دارون وبي الكنيسة‪ ،‬غيت‬
‫موقفها! فقد وجدت أن هذه فرصة سانة للجهاز على ذلك الغول البشع الذي يضطهد‬
‫الناس بسلطان الدين‪.‬‬

‫ون سيت ال ماهي ب عد فترة كرامت ها " الن سانية " الل موزة‪ ،‬وفر حت بالنطلق‬
‫والت حرر‪ ..‬و لو ف إ هاب ال يوان! وحدت لدارون وقف ته " ا لريئة " ف و جه الطغيان‪.‬‬

‫‪ ()1‬سنة ‪.1543 - 1473‬‬


‫‪ ()2‬سنة ‪.1642 - 1564‬‬
‫‪ ()3‬سنة ‪.1600 - 1548‬‬

‫)‪(14‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وحدت له أكثر من ذلك أنه أعطاها السلح البار الذي تطم به ما بقي من سلطان‬
‫الكنيسة الائر‪ :‬سلح " العلم "‪ ..‬سلح العرفان‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولكن شيئا‪ š‬كبيا‪ š‬كان قد حدث ف هذه الثناء‪..‬‬

‫فكرة " التطور " حلت مل فكرة " الثبات "‪..‬‬

‫لقد كانت " الركة " من قبل قد اصطدمت بالث بات فعل‪ ،‬و بدأت تزلز له من‬
‫م كانه‪ .‬ول كن ال صراع كان خف يا‪ ،‬و كان هي نا لي نا دا خل الن فوس‪ .‬ف قد عا شت اليلين ية‬
‫والسيحية معا‪ š‬جنبا إل جنب ف ظل ازدواج الشخصية الذي عاشت به أوربا طوال عصر‬
‫النهضة وما بعده‪ ..‬وكان من المكن أن تستمر ف هذا الزدواج فترة طويلة أخرى لول‬
‫هذه الحداث‪..‬‬

‫وكان دارون هو الناقوس الذي دق معلنا ميء الحداث‪.‬‬

‫لقد صارت الركة الضادة للثبات الن نظرية " علمية "‪ ،‬ول تعد مرد وجدان‬
‫خفي ف داخل النفوس‪ .‬نظرية اسها " التطور "‪ ..‬اسم جديد‪ ،‬مغر‪ Å‬جذاب!‬

‫واندفعت الماهي وراء اللعبة الديدة‪..‬‬

‫العلماء أول‪ ..‬ومن ورائهم الماهي‪..‬‬

‫" هيجة "!‪ ..‬كل شيء يتطور‪..‬‬

‫إذا كانت الياة تتطور‪ ..‬من اللية الواحدة إل النسان العقد الشديد التعقيد؛‬
‫وإذا كان النسان ذاته قد تطور من حيوان سابق إل حيوان يشبه النسان‪ ،‬إل إنسان‬
‫يشبه اليوان‪ ..‬إل إنسان‪ ..‬فماذا يكن أن يكون ثابتا على وجه الرض على الطلق؟!‬

‫لقد كانت صدمة عنيفة لفكرة الثبات‪..‬‬

‫)‪(15‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫صدمة ل تطقها ف مبدأ المر أعصاب العلماء ول أعصاب الماهي‪..‬‬

‫ول كن هؤلء و هؤلء ح ي أ فاقوا من ال صدمة أ خذوا يت شبثون ف فر حة ول فة‬


‫باللعبة الديدة‪ ،‬وأخذوا ينطلقون با ف كل مكان‪.‬‬

‫إنه ليست الحياء وحدها هي الت تطورت أو تتطور‪.‬‬

‫إنه كل شيء‪ ..‬كل شيء ف هذه الياة‪..‬‬

‫حت الفكار والتمعات تتطور‪ ..‬إنا ليست " ثابتة " كما كانت تبدو من قبل‪.‬‬

‫والدين‪..‬؟! يا للعجب! إنه هو الخر يتطور! من كان يتصور؟!‬

‫إن فكرة ال " تطور " ف تفكي البشرية! إنا ليست فكرة أزلية ثابتة كما كان‬
‫يصورها الدين وتصورها الكنيسة‪ .‬لقد تطورت من قبل‪ ،‬ويكن اليوم أن تتطور‪ .‬كانت‬
‫عبادة للوالد‪ .‬وعبادة للطوطم‪ .‬وعبادة لقوى الطبيعة الختلفة‪ .‬وعبادة للوثان‪ .‬ث صارت‬
‫ع بادة ل‪ .‬ولكن ها ي كن أن تت طور‪ ..‬ي كن أن ت كون ع بادة لي شيء آ خر‪ ..‬ماذا لو‬
‫أصبحت عبادة " للطبيعة "؟!‬

‫الطبيعة جي لة‪ ..‬الطبيعة خل قة‪ ..‬الطبيعة هي ا لم ا لت و لدتنا‪ ..‬أو " خلقت نا "‪..‬‬
‫فلنعبدها! إننا كاسبون بذلك مكاسب عظيمة‪ .‬سنحطم الكنيسة ذات السلطان الطاغي‬
‫ا لذي ل ير حم‪ ،‬وذات ال هالت والرا فات وال ساطي‪ .‬و سنعبد إ لا " جيل "‪ ..‬و فوق‬
‫ذلك فإنه إله بل كنيسة! بل التزامات! بل ضرائب ول عشور‪ .‬بل رهبانية‪ ..‬بل تزمت‪.‬‬
‫إله ينحنا الرية لننا سنعيش ف ظله أحرار‪š‬ا من كل قيد‪ ..‬طلقاء‪ ..‬نفعل ما يلو لنا‪ ،‬لنه‬
‫ل ياسبنا ول يزجر أفعالنا‪ .‬سنولد من جديد‪ .‬لن نولد ‪ -‬هذه الرة ‪ -‬ف السيح‪ .‬ولكن‬
‫سنولد ف أحضان الطبيعة‪ ..‬فأي فرحة لنا ف هذا الدين الديد؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولكن مو جة ال ندفاع وراء الت طور‪ ،‬والبتعاد عن مفهوم الدين‪ ،‬ل تكن قائ مة‬
‫على دارون وحده‪ ،‬وإن كان دارون بطلها الغوار‪..‬‬

‫)‪(16‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫لقد كان هناك حدث اقتصادي واجتماعي ضخم يهز أركان الياة هزا‪ ،š‬ول يقل‬
‫مفعوله عن مفعول نظرية التطور‪ ..‬ذلك هو النقلب الصناعي ف أوربا‪.‬‬

‫بدأ النقلب الصناعي بظهور اللة‪ ..‬وأحدث انقلبا كامل ف الياة الوربية ل‬
‫يقف عند حدود العلقات القتصادية أو الجتماعية وإنا يتعداها إل كل نواحي الياة‪.‬‬

‫بدأت الدن الصناعية تنشأ‪ ،‬وتتذب إليها الشباب من الرجال يعملون ف الصانع‬
‫الديدة ويسكنون ف الدينة على نسق جديد ل يعرفونه من قبل‪.‬‬

‫لقد كانت ال ياة من ق بل هادئة رتي بة بطيئة آ سنة‪ ..‬تر بتاعبها وملعب ها ع لى‬
‫وت ية وا حدة ف القر ية أو القطاع ية‪ ..‬الفل حون يعم لون ف ا لرض أر قاء أو طل قاء‪،‬‬
‫وزوجاتم ف النازل يدبرن شئونا ويغزلن الغزل ليبعنه ف السوق‪ ..‬والسرة ‪ -‬ف صورتا‬
‫تلك ‪ -‬مكينة الروابط‪ ،‬ل يفكر أحد أو يرؤ على تفتيت روابطها‪ .‬والناس متعارفون على‬
‫مف هوم مع ي ل لدين وا لخلق والتقال يد‪ ،‬ير عونه حق ر عايته أو ل ير عونه‪ ،‬ولكن هم ل‬
‫يفكرون ف مناقضته حت ولو خالفوا تعاليمه ف سلوكهم الواقعي‪ .‬ولكل شيء من ذلك‬
‫قدا سة‪ .‬قدا سة ا ستمدها من طول المار سة وثبا تا‪ ،‬فوق ا ستمدادها من ره بة ا لدين‪..‬‬
‫والرية اللقية يرتكبها نفر من الشبان الطائشي لنم طائشون‪ ..‬وقد يتغاضى عنها "‬
‫التمع " ولكنها ف نظره جرية‪ .‬والفتيات ل يرتكب هذه الرية لن سعتهن تذهب إذن‬
‫إل البد ‪ -‬كذلك تقضي مفاهيم التمع ‪ -‬فهناك الفضيحة وهناك العار‪ ..‬وهناك أيضا‪- š‬‬
‫ف هذه الا لة ‪ -‬ره بة ا لدين‪ ..‬فل ت قدم الفت يات عليها إل فل تة عابرة ف القر ية ف كل‬
‫جيل‪.‬‬

‫وفجأة أخذت المور تتغي‪..‬‬

‫فالصانع الديدة ت̂مع حولا الشبان القوياء الفتول العضلت‪ ..‬الذين يقدرون‬
‫ع لى ال هد الع ضلي العن يف ف قد كانت ا للت ف من شئها ت تاج إ ل م ثل هذه ال هد‬
‫لدراتا‪ .‬وقد جاء هؤلء الشبان إل الدينة أفرادا بل أسر‪ ،‬يرتادون الطريق ويارسون هذه‬
‫التجربة الديدة‪ ،‬ل يرؤون على إحضار أسرهم معهم قبل أن يستقر لم القام‪.‬‬

‫و هم شبان م غامرون‪ ..‬انفل توا من " الق يد " الق طاعي‪ ..‬ا لذي كان يكبل هم‬
‫بالرض‪ ،‬والذلة للسيد‪ ،‬فجاءوا يارسون " الرية " ف التمع الديد‪.‬‬

‫)‪(17‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫و هو مت مع ل يعرف هم‪ ..‬ل ي عرف ذوا تم‪ .‬إ نم ف أغ مار مهو لون‪ ،‬ل يفل هم‬
‫أحد‪ ،‬ول يتقيد سلوكهم بعرفة الناس لم‪ ،‬واستحيائهم هم من الناس الذين يعرفونم‪،‬‬
‫ويعرفون أسرهم ويع̂يرونم بالسلوك النحرف‪..‬‬

‫ث هم شباب قوي ف فترة الفتوة الفارهة‪ ..‬بل أزواج‪.‬‬

‫إذن‪ ..‬فالطريق هو الرية اللقية‪ ،‬والظروف كلها تهد الطريق‪.‬‬

‫وجاء دور الرأة لتعمل‪..‬‬

‫ساءت العل قة ب ي الع مال وأ صحاب ال صانع‪ .‬ي شغلونم فوق ما يطي قون‬
‫ويع طونم أ بس ا لجور‪ .‬وي ضرب الع مال أو ي هددون بال ضراب‪ ،‬فيب حث " ال سادة "‬
‫الدد عن سلح مضاد‪ ..‬هو إياد " جيش احتياطي " مـن العمال الذين يقبلون العمل‬
‫بنفس الجر بل بأجر أقل‪..‬‬

‫وجاءت الرأة الت هجرها عائلها‪ ،‬أو الت ل تد عائل بعد نزوح ألوف الشبان‬
‫إل الدينة وترك ما يقابلهن من الفتيات بل رجال‪ ..‬جاءت فوقعت ف الصيدة النصوبة‪.‬‬
‫جاءت تبحث عن عمل لتعيش‪ .‬ورضيت بذا الجر الدون تت وطأة الظروف‪.‬‬

‫ور»سم خط جديد من خطوط التاريخ‪..‬‬

‫الرأة تعمل " بالملة "‪..‬‬

‫وتاخذ أجرا ف يدها تلكه لنفسها دون شريك أو رقيب‪.‬‬

‫وصحيح أنا تعول به نفسها أو أسرتا‪ .‬ولكنها صارت " تلك " بعد أن ل تكن‬
‫تلك و " تتصرف " ف ملكها بعد أن ل تكن تتصرف‪ .‬فقد كانت تقاليد التمع الورب‬
‫وتشريعاته تجب الرأة عن التعامل الر ف الال واللك‪ ،‬وتنعها من حرية التصرف الباشر‬
‫ف أي شأن من الشئون‪.‬‬

‫وأحست الرأة رغم وطأة الظروف كلها أنا " تتحرر "‪.‬‬

‫)‪(18‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫والتقى شاب متحرر بفتاة متحررة!‬

‫ل ل يلبيان معا‪ - š‬ف حرية ‪ -‬داعي النس البوس؟!‬

‫ول يكن هذا دفعة واحدة بطبيعة الال‪ ،‬وما كان من المكن أن يكون‪ .‬فهناك‬
‫الرواسب الواعية والفية العميقة الترسبة ف النفس تزجرها عن النطلق‪ .‬ولكن رويدا‬
‫رويدا تتم جيع المور‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ونشأ مع الرأسالية الصاعدة جيل يارس لونا من الرية السياسية ل يكن موجودا‬
‫من قبل‪ .‬برلان وانتحابات وتثيل شعب ومهن نقاب‪ ..‬وخطب واجتماعات‪ .‬وحرية ف‬
‫القول والعمل‪ ..‬شيء ل يكن موجودا‪ š‬ف داخل القطاع‪ .‬شيء دافع إل النشاط والركة‪.‬‬
‫دافع إل المام‪ .‬وف الوقت ذاته " متحرر "‪ ..‬يطلب مزيدا من القوق مزيدا من الرية‪.‬‬
‫ويقا بل صعابا ف الطر يق‪ ،‬من " ال سادة " أ صحاب الن فوذ‪ ،‬الري صي ع لى الت فرد‬
‫بالسلطان‪ ،‬فيحفزه ذلك إل مزيد من الصراع ف سبيل الرية‪ .‬ويعدي التحرر» النفس‪ É‬من‬
‫شعور إل شعور‪ .‬ومن فكرة إل فكرة‪ .‬فتطلب الرية ف جيع الالت ومن بينها التحرر‬
‫من قيود الخلق كما رسها التمع الزراعي ف ظل القطاع وث̂بتها إطار الدين‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وتتفكك روابط السرة‪..‬‬

‫الرجل يعمل والرأة تعمل والطفال يعملون‪..‬‬

‫ول ي عود ا لبيت ف ح سهم جي عا‪ š‬هو ذ لك الر باط ال قدس ا لذي ير بط بع ضهم‬
‫بب عض‪ ،‬وا لذي ي لتزمون نوه بآداب وم شاعر وتقال يد و " ط قوس "‪ ..‬كانت تن شأ ف‬
‫الت مع الري في من و جود " ا مرأة " م ستقرة تن ظم هذه ال شاعر وت سكها ب يدها‪ ..‬أو‬
‫بقلبها‪ ..‬فل تف لت منها‪ .‬كما تن شأ من سيطرة ا لزوج ع لى الو قف ك له داخل ال سرة‪،‬‬
‫وصدور " التشريعات " ف داخل النل منه وحده‪ ،‬فيوجد رباطان متقابلن يربطان كل‬

‫)‪(19‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫أفراد البيت‪ :‬رباط عاطفي تلك قياده الم‪ ،‬ورباط عملي يلك قياده الب‪ ،‬والطفال بي‬
‫هذا الرباط وذاك يروحون وييئون ف " حضن " السرة ل يتعدونه‪.‬‬

‫كل ذ لك تغ ي ح ي خر جت ا لرأة من م ستقرها فانفلت الر باط ال عاطفي‪ ..‬فل‬


‫و جود له ف ز حة الع مل وال هد النا صب ا لذي ت بذله ا لرأة ف يه‪ .‬وتغ ي كذلك ح ي "‬
‫استقلت " الرأة اقتصاديا‪ ،‬فصارت " سلطة " مع سلطة الب‪ ..‬فانفلت الرباط العملي‬
‫الذي كان يكمه تفرد الب‪ ..‬ث تغي مرة ثالثة حي ذهب الطفال يعملون‪ ،‬فيصهرهم‬
‫جو العمل مبكرا قبل أوانه‪ ،‬ويفسد فيهم مشاعر الطفولة‪ ،‬ويستحث فيهم مشاعر النضوج‬
‫ف كيان طفل‪ ،‬فتختل مشاعرهم وينفلتون من الرباط‪ ..‬الرباط العاطفي والرباط العملي‬
‫سواء‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ويدث ذلك كله تغيا ملحوظا ف صورة التمع‪.‬‬

‫كل العلقات العهودة تتغي‪ ..‬أو‪ " ..‬تتطور "!‬

‫العل قات القت صادية والجتماع ية والسيا سية واللق ية والفكر ية‪ ..‬ل شيء ع لى‬
‫حاله‪ ،‬بعد أن ظل على حاله مئات السني‪.‬‬

‫الصورة الثابتة‪ ،‬الت كان الفرد مرد لبنة فيها‪ ،‬يذهب فيجيء غيه يلفه ف نفس‬
‫مكانه‪ ..‬ل يعد لا وجود‪.‬‬

‫ل الرجل ول الطفل ول الرأة‪.‬‬

‫ل البيت ول الشارع‪.‬‬

‫ل العبد ول السيد‪.‬‬

‫ل العمل ول نوع الثروة‪.‬‬

‫)‪(20‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫كل شيء قد تغي‪..‬‬

‫وتغي بسرعة مدهشة ل عهد با من قبل فقد كانت من قبل تر السنوات العشر‬
‫أو الع شرون أو الم سون او ا لائة ل ت كاد تدث تغ يا يذكر ف ال صورة‪ .‬ب يث ي غري‬
‫المر بالظن أن كل شيء " ثابت "‪ ،‬لبطء الركة وضآلتها‪ .‬فاليوم صارت السنوات الائة‪،‬‬
‫بل المسون‪ ،‬بل العشرون‪ ،‬بل العشر‪ ،‬تدث تغي ملموسا واضحا ف كل شيء‪:‬‬

‫رجل من حيث هو " رجل " ل يعد له السلطان الطلق قي بيته كما كان‪.‬‬

‫وامرأة ل تعد تعتب نفسها قعيدة بيتها‪ ،‬ول ملزمة بالطاعة الكاملة لذلك الرجل‬
‫الذي كان‪.‬‬

‫وطفل مشرد نفسيا وإن كان يمل بي أصابعه شيئا‪ š‬من النقود‪.‬‬

‫وبيت ل رباط فيه‪.‬‬

‫وشارع مزدحم بالناس‪ .‬أصناف متلفة من الناس‪ .‬رجال ونساء وأطفال‪ ،‬كزحة‬
‫الوا سم والع ياد ف القر ية‪ ،‬ول كن ف غ ي مو سم أو ع يد‪ .‬وع لى نو آ خر غ ي ازد حام‬
‫القرية‪ .‬فهنا ناس ل يعرف بعضهم بعضا‪ ،‬ول يفل بعضهم شئون بعض‪ ،‬ول يلتزمون إزاء‬
‫بعضهم البعض بتقاليد التعارف والرتباط‪.‬‬

‫وعبد " ترر " من ربقة ا لرض‪ .‬ووقع ف عبودية جد يدة‪ ،‬هي عبودية الصنع‬
‫ورأس الال‪ .‬ولك نه مع ذ لك مستب شر‪ :‬دخ له زاد‪ .‬وأصبح يصارع‪ ،‬ي لك حق الصراع‪.‬‬
‫وي طالب ب قوق‪ .‬وي لك حق الطال بة بالقوق‪ .‬ويتك تل ف تكتلت ذات فاعل ية ووزن‪،‬‬
‫وي صبح بالتدر يج قوة سيا سية متزا يدة‪ .‬ث هو يع يش مع غ يه من العب يد ف جو سته‬
‫]الظاهرية على القل[ هي الرية ل العبودية‪ .‬وخصوصا‪ š‬ف الانب اللقي‪ .‬ث هو يشعر‬
‫بفرديته التميزة ]ف سلوكه الشخصي[ حيث كان مقيدا ف كل خطوة من قبل بالسلوك‬
‫المعي الذي يربط إطار القرية كله؛ بينما يشعر بماعيته التكتلة ]ف النقابات والحزاب‬
‫واليئات والماعات[ حيث كان يس بالضياع من قبل كفرد ل مموع له‪ ،‬لن الموع‬
‫ا لذي يث له ل يس له ح ساب‪ .‬وباخت صار قد انق لب ك يانه ك له‪ ،‬بم يع جزئ ياته‪ ،‬وأ صبح‬
‫صورة مقابلة تام التقابل لكل ما كان!‬

‫)‪(21‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وسيد ما زال يشعر بالسيادة ولكن من نوع آخر‪ .‬فهي سيادة صارت تعتمد على‬
‫الال السائل بعد أن كانت تعتمد على الرض‪ .‬صارت مركزة ف حيز أصغر ولكنه أفعل‪.‬‬
‫و مع ذ لك ف هي سيادة ت تاج إ ل صراع مع الع مال والنقا بات من ج هة‪ ،‬والناف سات‬
‫الشديدة من جهة أخرى‪ ،‬بصورة ل تكن موجودة من قبل ف القطاع الستقر الثابت‬
‫الركان‪.‬‬

‫وعمل من نوع جديد‪ .‬ل يتعامل مع " الهول " ل يتعامل مع " الغيب " كما‬
‫كان يصنع وهو يبذر البذرة ف الرض وينتظر الناتج من السماء‪ .‬وإنا يتعامل مع القوى‬
‫النظورة الت تتدخل ف " الادة " فتشكلها وتصوغها كما يريد " النسان "‪ .‬يتعامل مع "‬
‫الطبيعة " ل " ما وراء الطبيعة "! يتعامل مع الادة ل مع ال‪.‬‬

‫كل شيء صورة متلفة تام الختلف عما كان قبل ذلك " النقلب "‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ث يتدخل " العلم " فيكمل صورة التغي‪..‬‬

‫التقدم العلمي يقفز قفز‪š‬ا هائل كل يوم‪ ،‬ويغي شكل الياة البشرية‪.‬‬

‫اللة‪ ..‬الركبة البخارية‪ ..‬السيارة‪ ..‬الكهرباء‪ ..‬الصناعة اللية ف مكان الصناعة‬


‫اليدوية‪ ..‬كل شيء قد تغي عن ذي قبل‪ .‬ث‪ ..‬هو دائم التغي ل شيء يثبت على حاله‬
‫أكثر من بضع سني‪ ،‬قد تتصر إل بضعة شهور‪ ..‬ث يتغي‪ .‬يدخل عليه توير جديد‪.‬‬

‫وصور الياة تتغي تبعا لكل تغي جديد يدثه العلم‪.‬‬

‫فالسفر بالقطار شيء يتلف تاما عن السفر على الصان أو العربة الت ترها‬
‫اليول‪.‬‬

‫والنسيج الل شيء آخر غي النسيج اليدوي‪..‬‬

‫والكهرباء غي الفحم‪..‬‬

‫)‪(22‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫والشارع الذي تصب فيه الخترعات الديدة كل يوم‪ ،‬شيء آخر غي الشارع‬
‫الثابت ف طوله وعرضه ومعروضاته‪.‬‬

‫والبيت الذي يستحدث أدواته يتلف عن البيت الذي ظل قرون‪š‬ا يستخدم نفس‬
‫الدوات‪..‬‬

‫بل نظر يات الع لم ذا تا تتغ ي‪ ..‬ف الطبي عة والكيم ياء وال طب والف لك والريا ضة‬
‫والحياء‪ ..‬نتيجة للكشوف الديدة واللت العلمية الستحدثة‪ .‬وهل هناك ما هو أضخم‬
‫من القول بأن الكائنات الية تطورت من الكائن الوحيد اللية؟ أو القول بأن الواء ملوء‬
‫بليي من الحياء الدقيقة الت ل ترى ول ت»حس‪ ،‬وهي مع ذلك شديدة الطورة‪ ،‬تدث‬
‫ا لوبئة وا لمراض؟ أو ال قول بأن ال كواكب لي ست سبعة ف قط‪ ،‬أو أن ه ناك ملي ي من‬
‫النجوم ل تراها العي وهي مع ذلك أكب وأشد اشتعال وإضاءة من الشمس؟!‬

‫وينشأ من ذلك كله شعور عميق بالتغي‪ ..‬أو التطور‪ .‬أو عدم الثبات‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وتمع " حصيلة " هذا كله ف اتاه معي‪ ،‬او اتاهي متصاحبي‪..‬‬

‫التطور من ناحية‪ ..‬ومن ناحية أخرى البتعاد التدريي عن الدين‪..‬‬

‫الت طور ل ي عد " نظر ية علم ية " كالت نادى با دارون ف دا خل الع مل‪ ،‬و ف‬
‫حدود الع لم ا لذي بث ف يه‪ :‬ع لم الح ياء‪ ..‬وإ نا صار " لو ثة " أ صابت العل ماء ك ما‬
‫أصابت الماهي‪.‬‬

‫لو ثة ت صيب كل شيء‪ ،‬وتت صور كل شيء من خلل ف كرة الت طور‪ ..‬ل شيء‬
‫ثابت على الطلق‬

‫ل ا لدين‪ .‬ول ا لخلق‪ .‬ول التقال يد‪ .‬ول الق يم‪ .‬ول الف كار‪ .‬ول " ال قائق "‪.‬‬
‫ول العلومات‪ .‬ول شكل الياة‪ .‬ول شكل التمع‪ .‬ول كيان الفرد‪ .‬ول علقات الفرد‬

‫)‪(23‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫بالتمع‪ .‬ول عل قاته م ـع الدو لة‪ ..‬ول م شاعر الر جل ول م شاعر ا لرأة‪ .‬ول أ هداف‬
‫الياة‪..‬‬

‫بل ينبغي العمل على ماربة " الثبات " بكل وسيلة من وسائل الرب‪.‬‬

‫كل شيء " ينبغي " أن ي»طو‪Ì‬ر بالقوة‪ ،‬إذا ل يتطور من تلقاء نفسه‪ .‬ل شيء ينبغي‬
‫أن ي كون ثاب تا‪ š‬ع لى ا لطلق‪ .‬فالث بات ضد ناموس ال ياة‪ .‬وال ناموس هو الت طور‪ .‬و كل‬
‫شيء ثابت‪ Å‬فهو إذن مالف للناموس!‬

‫ومن ث أ صبح التغي ي أو الت طوير هدفا ف ذا ته ول يس و سيلة إ ل غا ية فح سب‪.‬‬


‫وأصبح الناس يكرهون أن يروا شيئا‪ š‬ثابتا‪ š‬على وضعه ف كل الرض!‬

‫فإذا كانت العقيدة ف ال تثل لونا من الثبات‪ ..‬فلتتغي‪ ..‬إما أن نغي العبود أو‬
‫نغ ي الع بادة! فلن كف عن ع بادة ا ل‪ .‬ولنع بد الطبيعة‪ .‬أو نع بد أنف سنا‪ ..‬الهم هو التغي ي!‬
‫ولنكف عن الطريقة التقليدية للعبادة‪ .‬فلنتعبد بطريقة أخرى‪ ،‬ولتكن العربدة والنفلت‪..‬‬
‫الهم هو التغيي!‬

‫وإذا كانت الخلق تثل لونا من الثبات‪ ..‬فلتتغي‪ ..‬فلنستحدث أخلقا جديدة‪.‬‬
‫ولو لرد التغيي! فلتكن النتهازية فضيلة‪ ،‬والنانية فضيلة‪ ،‬وتقطع الروابط العائلية فضيلة‪..‬‬

‫وإذا كانت التقاليد تثل لونا من الثبات‪ ..‬فلتتغي‪ ..‬فلتسبق الرأة الرجل‪ .‬وليتجرأ‬
‫الصغار على الكبار‪ .‬ولتتغي اللبس‪ :‬ملبس الرجل وملبس الرأة‪ .‬ولتكثر " الوضات "‬
‫فذلك أدعى للتغيي السريع والتبديل‪.‬‬

‫ذلك من جانب لوثة التطور‪..‬‬

‫أما من الانب الخر فلم يعد للدين وزن حقيقي ف هذه المور!‬

‫لقد جاءت الزلزلة الول للدين من أنه يثل مفهوم الثبات ف عصر يتمثل كله‬
‫بف هوم الت طور والتغي ي‪ ،‬أو مف هوم الر كة ع لى و جه الع موم‪ .‬الر كة ا لت ت صطدم‬
‫بالسكون‪.‬‬

‫)‪(24‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ولكن المر زاد اتساعا ف هذا التاه‪.‬‬

‫إن كل علقات التمع تقوم على غي أساس من الدين‪..‬‬

‫ليسن النهضة " الفكرية " فقط‪ ،‬هي الت قامت على أساس ل دين " ‪" secular‬‬
‫وإنا الواقع العملي كذلك الذي انبثق من النهضة الفكرية‪..‬‬

‫فالنظام الرأسال الصاعد قام على أساس ربوي صريح‪ .‬والدين يرم الربا وينع‬
‫التعامل على أساسه‪ .‬وعلى الرغم من احتجاج الكنيسة وصراخها ضد نظام الربا‪ ،‬فقد‬
‫مضت الرأسالية الطاغية ف طريقها ل تصيخ سعا لصراخ الكنيسة‪ ،‬مدفوعة بشهوة الال‬
‫النونة الت ل تتريث ول تتأث‪ ..‬ول تمها قيود الخلق أو قواعد الدين‪.‬‬

‫والعلقات النسية " الرة " الت قامت بي الرجل والرأة ف ظل العمل الشترك‪،‬‬
‫والختلط ف التمع‪ ،‬والشتراك ف النوادي‪ ،‬والسعي الشترك إل " الترفيه "‪ ..‬وف ظل‬
‫الستقلل القتصادي للمرأة وظنها ‪ -‬من ث ‪ -‬أنا ل تعد ملزمة بالافظة على عفتها‪،‬‬
‫لنا تستطيع أن تعول نفسها إن رفض الرجل إعالتها بسبب أخلقها‪ ..‬وف ظل صعوبات‬
‫الياة التزايدة الت تشغل الشاب فترة من الوقت عن تكوين السرة والستقرار الوجدان‬
‫والسدي ف إطارها‪ ..‬ال‪ ..‬هذه العلقات قامت كلها على أساس مالف للدين‪ .‬ورغم‬
‫ا لواعظ ا لت ألقا ها " ر جال ا لدين " بالئات وا للوف‪ ،‬فإن ال صياغة الواقع ية للمجت مع‬
‫ظلت تسي ف اتاهها النفلت من رباط الخلق‪ .‬لن الخلق كانت قد أصبحت مثل‬
‫معلقا‪ š‬ف الفضاء ل رصيد له من الواقع‪ .‬ولن الدين ‪ -‬وهو ف عزلة عن التمع منذ مولده‬
‫ف أور با‪ ،‬ل يكم الياة الواقعة ول ي شرع لا ف كل شيء ‪ -‬ل ي كن ي لك أن يوجه‬
‫سفينة التمع ف خضمها الائج الضطرب الذي صنعه النقلب‪..‬‬

‫والعلم سار منذ البدء ف طريق غي طريق الدين‪ ،‬لن الدين ‪ -‬كما تثله الكنيسة‬
‫يومئذ ‪ -‬ل يكن ف طوقه أن يد العال بشيء؛ ل بذهب ‪ -‬كالذهب التجريب الذي أمد‬
‫به السلم التفكي العلمي ‪ -‬ول بعلومات صحيحة تفيده‪ ،‬ول بتشجيع من أي نوع‪ .‬بل‬
‫كان العكس هو الاصل‪ .‬فالكنيسة تشجع الهل وتارب العلم وتنكل بالعلماء‪.‬‬

‫ومنت جات الع لم ‪ -‬بع ضها ع لى ال قل ‪ -‬تت جه نو الك سب ق بل أن تت جه نو‬


‫الفائدة‪ ،‬مدفوعة بشهوة رأس الال‪ ،‬وذلك مالف لروح الدين‪ .‬ولكن الدين هناك ليست‬
‫له قوة التوجيه ول البة بالتوجيه ف ذلك الال‪..‬‬

‫)‪(25‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ورو يدا رو يدا أ حس ال فرد ال عادي أن ح ياته ت صوغها ال شياء " الت طورة " ول‬
‫يصوغها الدين‪.‬‬

‫العلم يصوغ حياته الادية ويشكلها‪..‬‬

‫والسياسة تصوغ علقاته السياسية وتشكلها‬

‫والرأسالية تصوغ حياته القتصادية‬

‫والنقلب الصناعي ومعقباته تصوغ حياته الجتماعية‬

‫واليلينية تصوغ حياته الفكرية‪...‬‬

‫وينعزل الدين انعزال شديدا‪ š‬ف داخل الوجدان‪ ..‬فكل يوم تنتزع الياة الواقعية‬
‫جزءا‪ š‬من م ساحته‪ ،‬وتزحز حه عن م كانه ف الن فس‪ ،‬في سلك ال فرد سلوكه سلوكه‬
‫الجت ماعي وال فردي‪ ،‬والعم لي والعل مي‪ ،‬والسيا سي والقت صادي دون أن يس ب كان‬
‫للدين ف هذا كله‪ .‬أو يس بكان لفكرة ال‪.‬‬

‫وإن ل ي كن ين فر من ا لدين‪ ..‬ف هو ع لى ال قل يهم له و هو م توجه إ ل وا قع‬


‫الياة‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ول كن ا لمر ل ي ظل ف دا خل هذه ا لدود‪ ..‬حدود " إ هال " ا لدين و عدم‬
‫تكيمه ف أمور الياة‪..‬‬

‫لقد مضى المر خطوة أبعد‪ .‬خطوة " التحطيم " التعمد لقواعد الدين‪.‬‬

‫وتلك كانت مهمة اليهودية العالية!! وقد قامت با بنجاح منقطع النظي‪.‬‬

‫)‪(26‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ل ين سى الي هود قط ح قدهم ع لى ا لميي " او " ا لميي " ك ما ي عب ال قرآن‬
‫الكري‪ " :‬ذلك بأنم قالوا ليس علينا ف الميي سبيل "‪ .‬ذلك أنم هم شعب ال الختار‪،‬‬
‫وغيهم من " كلب " البشرية ل جزاء لم سوى الضعاف والفناء والتدمي‪..‬‬

‫وثأرهم مع السيحية ف أوربا ثأر قدي‪ ..‬ثأر الضطهاد الفظيع الذي نالوه تت‬
‫الكم الرومان السيحي‪ ،‬والذلل الذي أصابم ف كل متمع مسيحي‪.‬‬

‫إذلل تثله رواية " تاجر البندقية " لشكسبي‪ ،‬كما تثله رواية " الزنبقة المراء‬
‫‪ " Scarlet Pimpernel‬تأليف البارونة أوركزي ‪.Orczy‬‬

‫كان السيحي يتاج إل الال فيقترضه من اليهودي‪ ،‬ومع ذلك يأب إل أن يقر‬
‫مقرضه‪ ،‬فل يسلم عليه بيده‪ ،‬ول يلمسه‪ ،‬إنا يوقفه بعيدا‪ š‬عنه كالنبوذ‪ ،‬ويقول له آمرا‬
‫موبا‪ :‬ضع الال بعيد‪š‬ا واغرب عن وجهي يا خنير‪ .‬فإذا ابتعد خطوات ف ذلة ذليلة‪،‬‬
‫اقترب " السيد " السيحي ليأخذ الال الذي اقترضه من اليهودي!‬

‫إذلل ل تنساه ذاكرة يهود‪..‬‬

‫وقد فرحت اليهودية العالية أيا فرحة بقيام النهضة الوربية الديثة على أساس ل‬
‫دين )‪ (secular‬فذلك نصف الطريق نو تطيم السيحية‪ ،‬خصمها القدي‪ ..‬وقامت تنفخ‬
‫ف هذا التاه من وراء الستار‪.‬‬

‫و كانت فرحت ها أع ظم وأ شد يوم ظ هر دارون ‪ -‬ال سيحي ‪ -‬بنظري ته ف أ صل‬


‫النواع وأصل النسان‪ ،‬فقد أحست بذكائها‪ ،‬با وراء ذلك الدث الضخم من صدام‬
‫عنيف مع الكنيسة‪.‬‬

‫يقول كتاب بروتوكولت حكماء صهيون ف ذلك‪ " :‬إن دارون ليس يهوديا‪،š‬‬
‫ولكنا عرفنا كيف ننشر آراءه على نطاق واسع‪ ،‬ونستغلها ف تطيم الدين ]السيحي[ "‬

‫وكان ذلك حقا‪..š‬‬

‫)‪(27‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫بذل اليهود جهود البابرة لتوسيع الوة ا لت قامت بي الدين وبي الداروينية‪،‬‬
‫على أمل تطيم الدين ف النهاية‪ ،‬تقيقا‪ š‬لقدهم القدي ضد غي اليهود عامة‪ ،‬وحقدهم ‪-‬‬
‫ف أوربا ‪ -‬على السيحيي بصفة خاصة‪ ،‬من أجل ما لقوه منهم من اضطهاد‪.‬‬

‫واستغلت اليهودية العالية نظرية دارون أبشع استغلل‪..‬‬

‫استغلته على يد ثلثة من أكب علمائها‪ ..‬قاموا بصياغة الفكر الورب كله ف‬
‫ميدان القتصاد وعلم النفس والجتماع‪ ..‬أخطر ميادين ثلثة ف عال الفكر‪ ..‬على أساس‬
‫معاد للدين‪ ،‬بل مطم لكل مفاهيمه‪.‬‬

‫أولئك هم‪ :‬ماركس ‪ -‬وفرويد ‪ -‬ود»ر‪Ó‬كاي‪.‬‬

‫)‪(28‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫اليهود الثلثة‬
‫ماركس ‪ /‬وفرويد ‪ /‬ود(ر'كاي‬
‫من ا لق أن ن قول إن الي هود لي سوا هم ا لذين أن شأوا الف‪Ô‬ر قة ب ي أور با وب ي‬
‫السيحية‪ .‬فقد قامت الفرقة بالفعل منذ قيام النهضة دون تدخل من اليهود ]وإن كان ذلك‬
‫قد جاء على هواهم بل شك[ وقام الصام والصراع على يدي دارون دون تدخل منهم‬
‫كذلك ]وإن كانوا قد فر حوا لذلك فر حا‪ š‬شديدا‪ š‬ك ما ت قول بروتو كولت حك ماء‬
‫صهيون[‪.‬‬

‫ولكن الدور الذي قاموا به مع ذلك كان شديد الطورة‪..‬‬

‫قامت الفر قة ب ي ا لدين والعل ماء‪ ،‬وب ي ا لدين والفكر ين‪ ،‬وب ي ا لدين ود عاة‬
‫الر ية‪ ،‬وب ي ا لدين وا لرأة الراغ بة ف اقت حام الت مع و " ال ستمتاع " بال ياة‪ ..‬ول كن‬
‫البت عاد عن ا لدين‪ ،‬أو الن فور م نه‪ ،‬أو الكت فاء بإ هاله والن صراف ع نه كان حت ذ لك‬
‫شخصيا لصحابه‪ ،‬يصنعونه لسابم الاص كأفراد‪..‬‬ ‫‪š‬‬ ‫الي مزاجا‬

‫و قامت الفر قة ب ي ال ناس وقوا عد ا لخلق ‪ -‬ف م يدان ال نس بصفة خاصة ‪-‬‬
‫كمزاج شخصي كذلك‪ ،‬أو " كضرورة " يتلمس الناس إليها العذار‪..‬‬

‫ول كن " العل ماء " اليهود الثل ثة تدخلوا ف ا لمر ليجع لوا من كل ذ لك نظر ية‬
‫يسندها العلم‪ ،‬ويعطيها سند " القيقة العلمية " ف أنظار الماهي! فل يعود المر بعد‬
‫مزاجا شخصيا‪ š‬يتاج النسان إل العتذار عنه‪ ،‬وتلمس البرات له‪ ،‬وإنا يعود واجبا‬
‫يقتضيه التقدم العلمي‪ ،‬ل يتاج إل مبر آخر‪ ،‬فهو يبر نفسه بنفسه‪ ..‬ول ي»عتذر عنه فهو‬
‫ف غ ي حا جة إ ل اع تذار‪ ..‬بل ا لذي ي تاج إ ل ال تبير والع تذار هو التم سك با لدين‬
‫والخلق والتقاليد‪ ..‬فهي تمة ينبغي التبؤ منها أو تقدي البر العقول!‬

‫وذ لك هو ا لدور الط ي ا لذي قام به ماركس وفرو يد ودر كاي‪ ..‬كل ف‬
‫اختصاصه‪ ..‬وأثر تأثيا‪ š‬بالغا‪ š‬ف الفكر الغرب كله ف ناية القرن التاسع عشر وبداية القرن‬
‫العشرين‪..‬‬

‫)‪(29‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫إ نم ل يقو لوا إن الف هوم الكن سي ل لدين هو الن حرف‪ ،‬و هو ا لذي ي تاج إ ل‬
‫تقوي‪ ..‬وإنا قالوا إن الدين ذاته هو النراف الذي يتاج إل تقوي!‬

‫و ل يقو لوا إن الف هوم ال سائد للخلق هو الن حرف‪ ،‬ال تاج إ ل تعديل‪ ..‬وإنا‬
‫قالوا إن الخلق ذاتا ليست قيمة حقيقية من قيم الياة!‬

‫ث قالوا هذه القولة وتلك ل كاعتقاد شخصي يراه الؤلف‪ ،‬ويدعو إليه كمذهب‬
‫فردي! وإ نا كدرا سات علم ية ونظر يات علم ية وح قائق علم ية‪ ..‬تل بس م سوح الب حث‬
‫والدراسة والتحقيق!‬

‫و من ه نا كانت الفت نة ا لت ت عرض لا الت مع الغر ب كأعنف ما ت كون الفت نة‪..‬‬


‫والت يعيش ف نتائجها منذ ذلك الي!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ل قد كانت العوا مل كل ها مو جودة بالف عل ل تؤدي لذلك ال نراف الط ي‪..‬‬
‫وكانت ‪ -‬ف ذاتا ‪ -‬عوامل عنيفة‪ ،‬اجتماعية واقتصادية وفكرية‪ ..‬متمثلة ف نظرية دارون‬
‫من ناحية‪ ،‬والنقلب الصناعي من ناحية أخرى‪ ..‬ومع ذلك فلم يكن من التم أن تصل‬
‫هذه العوامل إل تطيم الدين وتطيم الخلق‪.‬‬

‫ل قد ابت عد ال ناس عن ا لدين مرات كثية ف ح ياة الب شرية ل سباب اجتماع ية‬
‫واقتصادية وفكرية‪ .‬وانرفوا مرات كثية عن الخلق وانغمسوا ف الشهوات‪ ..‬وكانوا‬
‫ف كل مرة يعودون‪.‬‬

‫ولكنهم ف هذه الرة أبعدوا ف الضلل جدا‪ ،š‬وكأنا قرروا بينهم وبي أنفسهم أل‬
‫يعودوا بعد ذلك أبدا‪ š‬مهما فعل الفاعلون!‬

‫ذلك أنم ‪ -‬ف كل مرة سابقة ‪ -‬كانوا ينحرفون كمزاج شخصي‪ ،‬ل يد سندا‬
‫ف النهاية حي يشتد ويعم التمع كله أكثر من سند " المر الواقع "‪ .‬ولكنه انراف‪.‬‬
‫وانراف مرذول‪.‬‬

‫)‪(30‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫أما ف هذه الرة فقد قدم لم " العلماء " السند العلمي للضلل النحرف‪ ،‬فزين‬
‫لم فرأوا أنه الق‪ ،‬وأنه الصواب‪ ،‬وأنه المر الذي ينبغي اتباعه‪ ،‬ل تشيا مع المر الواقع‪،‬‬
‫وإنا سعيا إل الفضل والقوم والصح!‬

‫قدموا لم الفرم لة ا لت ت نع ال عودة‪ ،‬وت سمح ف قط بال ضي ال نون ف ـي طر يق‬


‫الشيطان‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫اتذ اليهود الثلثة نواحي متلفة من الفكر‪ .‬فكتب ماركس ف القتصاد وفرويد‬
‫ف علم النفس‪ ،‬ودركاي ف علم الجتماع‪ ...‬ولكنهم ف النهاية يلتقون ف عدة أمور‪.‬‬

‫لقد أخذوا كلهم‪ ،‬بادئ ذي بدء‪ ،‬من النظرية الداروينية فكرة حيوانية النسان‬
‫وماديته‪ ،‬فمدوها ووسعوا نطاقها‪ ،‬وعمموا إياءاتا السمومة ف كل اتاه‪.‬‬

‫وليس هنا الال ‪ -‬ول هو من هي ف أي بث ‪ -‬أن أناقش نظرية دارون‪ ..‬وإنا‬


‫أنا دائما‪ š‬أناقش إياءاتا‪ ،‬وليست هذه الياءات نظرية علمية! ث إن أكتفي ف مناقشتها‬
‫دائ م‪š‬ا بإيراد الداروين ية الدي ثة ‪ Neo Darwinism‬ا لت تؤمن بالتطور كدارون‪ ،‬ولكنها مع‬
‫ذ لك ل تؤمن بيوان ية الن سان ول ماديته الكام لة‪ ،‬إ نا تؤمن بت فرد الن سان‪ ،‬ت فرده‬
‫بيولوجيا وسيكلوجيا‪ ،‬وتفرده كذلك ف طريقة تطوره‪ ،‬فهو يتطور على قاعدته النسانية‬
‫الاصة‪ ،‬ل على قاعدة اليوان‪.‬‬

‫وسنورد هذه الناقشة ف مكان آخر‪ ،‬حي نتاج إل مناقشة الراء‪ ...‬وإنا نن‬
‫هنا نثبت وقائع التاريخ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫كانت نظرية دارون ذات إياء قوي بيوانية النسان ل شك فيه‪ .‬يقول جوليان‬
‫هكسلي ف كتابه " النسان ف العال الديث ‪ - " Man in the Modern World‬وهو من‬

‫)‪(31‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫عل ماء الداروين ية الدي ثة ‪ " :-‬وب عد نظر ية دارون ل ي عد الن سان ي ستطيع ت نب اعت بار‬
‫نفسه حيوانا‪.(4) " š‬‬

‫وهذا الياء هو الذي مده العلماء الثلثة ووسعوه على أوسع نطاق‪...‬‬

‫وه نا ي طر ‪ -‬من أ جل القيقة التاري ية ‪ -‬سؤال‪ :‬هل كان ف الم كان ح بس‬
‫نظرية دارون ف العمل الذي نشأت فيه‪ ،‬وحجزها عن التأثي ف التمع الغرب والفكر‬
‫البشري كله؟‬

‫ربا كان هذا مستحيل ف نظرية من هذا النوع‪ ،‬وف ظروف كالت ولدت فيها‬
‫تلك النظرية الطية‪..‬‬

‫ومع ذلك فلم يكن حتما أن تتجه هذا التاه ف التأثي‪ ،‬لو تلقفتها أيد‪ Å‬أخرى‪،‬‬
‫ملصة للحقيقة‪ ،‬مؤمنة بال‪ ،‬أو ف القليل مقدرة " للنسان " والي النسان‪.‬‬

‫إن الفكر الغرب الذي كان يعيش ف ظل فكرة الثبات الطلق‪ ،‬قد فوجئ مفاجأة‬
‫عنيفة بفكرة التطور‪ ،‬فأفقدته الزة صوابه‪ ،‬وصار عرضه للنراف‪ ..‬ولكن ل يكن حتما‬
‫أن ينحرف‪ ..‬كان يكن أن يرتد إل الصواب حي يد الداة الذين يردونه إل الصواب‪.‬‬

‫ولقد عرف السلمون التطور معرفة وثيقة‪ ،‬وصاحبوه مصاحبة عميقة ف تاريهم‬
‫ال̂ي كله‪ ،‬فلم ينحرفوا به عن سواء السبيل‪.‬‬

‫عرفوه ف فقههم‪ ،‬حي قال عمر بن عبد العزيز‪ " :‬ي̂د للناس من القضية )أي‬
‫الح كام( ب قدر ما ي̂د لم من الق ضايا "‪ .‬وح ي أ خذ الفق هاء هذا ال تاه فن مˆوا الف قه‬
‫بالجتهاد حت شلوا به كل ما ج̂د ف حياة الناس من أحداث ووقائع واتاهات‪.‬‬

‫وعر فوه ف علم هم‪ :‬ي قول " در يب " ا لمريكي ف ك تابه "ال ناع ب ي الع لم‬
‫والدين"‪ " :‬وإننا لندهش حي نرى ف مؤلفاتم من الراء العلمية ما كنا نظنه من نتائج‬
‫العلم ف هذا العصر‪ .‬ومن ذلك أن مذهب النشوء والرتقاء للكائنات العضوية الذي‬

‫‪ ()4‬ترجة حسن خطاب ومراجعة عبد الليم منتصر‪.‬‬

‫)‪(32‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫يعتب مذهبا[ حديثا[‪ ،‬كان يدرس ف مدارسهم‪ .‬وقد كانوا ذهبوا منه إل مدى أبعد ما‬
‫وصلنا إليه‪ ،‬وذلك بتطبيقه على الامدات والعادن أيضا‪.(5) " š‬‬

‫وظلوا مع ذلك مؤمني بإنسانية النسان‪ ،‬ومؤمني بالخلق‪ .‬ذلك أنم كانوا‬
‫يؤمنون بال‪.‬‬

‫أما اليهود الثلثة فلم يأخذوا على عاتقهم رد أوربا إل صوابا بعد هزة التطور‪،‬‬
‫وإنا أخذوا على عاتقهم أن ينفخوا ف انرافاتا بقوة وعنف‪ ،‬وإصرار وتكن‪ ،‬حت تزيد‬
‫الوة اتساعا وتشتد سرعة النزلق‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫كانت نظرية دارون قد أعطت إياءين متصاحبي‪ :‬الياء بالتطور الدائم الذي‬
‫يل غي ف كرة الث بات‪ ،‬وال ياء بيوان ية الن سان و ماديته‪ ،‬بإر جاعه إ ل ال صل ال يوان من‬
‫ناحية‪ ،‬وحصر القوى الت تؤثر فيه من ناحية أخرى بالقوى الادية المثلة ف " البيئة " أو‬
‫على الكثر ف " الطبيعة "‪ ،‬وإغفال الانب الروحي إغفال‪ š‬تاما‪ ،š‬وإغفال تدخل ال ف‬
‫عملية اللق أو عملية التطور سواء )‪.(6‬‬

‫ومن هذين الياءين ‪ -‬أحدها أو كليهما‪ ،‬ومتصلي أو منفصلي ‪ -‬أخذ العلماء‬


‫الثلثة‪ :‬ماركس وفرويد ودركاي‪.‬‬

‫‪ ()5‬عن ك تاب " ال سلم د ين ع لم خا لد " لل ستاذ م مد فر يد و جدي ص ‪ 233‬من الطب عة الثان ية‪.‬‬
‫وينبغي الحتراس هنا من مثل هذا القول وإن كان يقال ف معرض إنصاف السلم والفكر السلمي‪.‬‬
‫فالذي اه تدى إليه السلمون ف تفكي هم شيء آ خر غي مذهب النشوء والرتقاء كما قرره دارون‬
‫وولس‪ .‬لقد لحظوا التدرج ف مراتب الخلوقات من الوامد إل النسان‪ .‬ولكنهم ل يقولوا ‪ -‬كما‬
‫قال دارون ‪ -‬إن النسان من أصل حيوان‪ ،‬ول يبخسوه قدره ول نفوا عنه مزاياه الت تفرد با‪ ،‬وردوا‬
‫تيزه ‪ -‬ابتداء ‪ -‬إل إرادة ال الصرية من خلقه هكذا متميزا متفردا ليصبح خليفة ال ف الرض‪ .‬ومن‬
‫ث عرفوا فكرة التطور ولكنها ل تتحول ف تفكيهم إل لوثة مدمرة كما حدث ف الفكر الغرب‪.‬‬
‫‪ ()6‬قال دارون‪ " :‬إن تف سي الن شوء والرت قاء ب تدخل ا ل‪ ،‬هو بثا بة إد خال عن صر خارق للطبي عة ف‬
‫وضع ميكانيكي بت "‪.‬‬

‫)‪(33‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫فأ ما ماركس ف قد كان م يدان ب ثه ع لم القت صاد‪ ،‬ولك نه ل يق صر ب ثه ع لى‬


‫دراسات أكاديية ف علم القتصاد‪ ،‬وإنا وضع مذهب‪š‬ا كامل‪ ،‬يتناول تصورا‪ š‬كامل للحياة‬
‫من زاوية معينة‪ ،‬يتمثل فيها الياءان الداروينيان متصلي متصاحبي‪.‬‬

‫ف هو قد و طد أر كان التف سي ا لادي للتار يخ‪ ،‬و هو تف سي ي عل لل قوى الاد ية‬


‫السلطان الكب على نشاط النسان كله‪ ،‬كما يعل هذا النشاط ماديا‪ š‬بصفة أساسية‪،‬‬
‫ومنبعثا عن الكيان اليوان للنسان‪.‬‬

‫القوى الادية ‪ -‬والقتصادية ‪ -‬هي العنصر الفعال ف تاريخ البشرية‪:‬‬

‫" ف النتاج الجتماعي الذي يزاوله الناس تراهم يقيمون علقات مدودة ل غن‬
‫لم عنها‪ ،‬وهي مستقلة عن إرادتم‪ ..‬فأسلوب النتاج ف الياة الادية هو الذي يدد‬
‫صورة العمليات الجتماعية والسياسية والعنوية ف الياة‪ ،‬ليس شعور الناس هو الذي‬
‫يعي وجودهم‪ ،‬بل إن وجودهم هو الذي يعي مشاعرهم ]كارل ماركس[‪.‬‬

‫" ت بدأ النظر ية الاد ية من ال بدأ ا لت‪ :‬و هو أن الن تاج و ما ي صاحبه من ت بادل‬
‫النتجات هو الساس الذي يقوم عليه كل نظام اجتماعي‪ .‬فحسب هذه النظرية ند أن‬
‫السباب النهائية لكافة التغيات أو التحولت الساسية ل يوز البحث عنها ف عقول‬
‫ال ناس‪ ،‬أو ف سعيهم وراء ا لق وال عدل ا لزليي‪ ،‬وإ نا ف التغ يات ا لت ت طرأ ع لى‬
‫أسلوب النتاج والتبادل " ]فردريك إنلز[‪.‬‬

‫كلم صريح ل يداري هدفه الصريح!‬

‫فأ سلوب الن تاج ف ال ياة الاد ية‪ ،‬وأ سلوب الن تاج والت بادل ‪ -‬ول يس ا لق‬
‫وال عدل الزل يان ‪ -‬هو ا لذي يدد صورة العمل يات الجتماع ية والسيا سية والعنو ية ف‬
‫الياة‪ ،‬وإليه ترجع السباب النهائية لكافة التغيات أو التحولت الساسية‪..‬‬

‫وتاريخ البشرية كله هو هذا التاريخ الادي‪ .‬اختراع آلة جديدة أو تغي أساليب‬
‫النتاج هو الذي يصنع التاريخ‪ .‬و " الطوار " الت مرت فيها البشرية من أول الشيوعية‬
‫الول‪ ،‬إل الرق‪ ،‬إل القطاع‪ ،‬إل الرأسالية‪ ،‬إل الشيوعية الثانية ]والخية![ ترجع كلها‬
‫إل اختراع اللت وتغي أساليب النتاج‪.‬‬

‫)‪(34‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫والعمل يات الجتماع ية والسيا سية والعنو ية لي ست قي ما قائ مة بذاتا‪ ،‬أ صيلة ف‬
‫الكيان البشري‪.‬‬

‫إنا هي انعكاس لسلوب النتاج ف الياة الادية‪ ..‬أي نتيجة للكيان الادي‪ ..‬ف‬
‫الياة والنسان‪.‬‬

‫والق والعدل الزليان ليسا قيمة حقيقية من قيم النسانية‪..‬‬

‫إنا القيمة القيقية هي التغيات الت تطرأ على أسلوب النتاج والتبادل‪..‬‬

‫وحي نر سم دستورا للحياة الب شرية‪ ،‬فهو مصور ف ن طاق " ال طالب الرئي سية‬
‫للنسان " الأكل والسكن والشباع النسي ]النيفستو أو العلن الشيوعي[‪.‬‬

‫أما الدين والخلق والتقاليد فهي السخرية العظمى ف نظر ماركس‪..‬‬

‫الرسالت السماوية بادئ ذي بدء وهم من أكب أوهام البشرية‪ " ..‬فحقيقة العال‬
‫تنح صر ف ماديته " )‪ !(7‬و ف ظل التف سي الادي للتار يخ ل يو جد ا ل‪ .‬ول ا لوحي‪ .‬ول‬
‫الرسالت‪.‬‬

‫والدين ثانيا ‪ -‬أفيون الشعوب ‪ -‬شيء ابتدعه القطاعيون لتخدير العبيد والطبقة‬
‫الكادحة عن الطالبة بقوقهم السلوبة‪ ،‬وإغرائهم بالصب على سوء أحوالم والرضى با‬
‫طمعا ف النة ف الخرة‪ ،‬ما ييسر لؤلء القطاعيي أن يستمتعوا بالثروات الغتصبة وهم‬
‫آمنون‪.‬‬

‫والق يم ثال ثا ‪ -‬و من بين ها الق يم اللق ية ‪ -‬إ نا هي مرد انع كاس للو ضع‬
‫القتصادي‪ ،‬ومن ث ليس لا وجود أصيل ف الياة البشرية‪ ،‬فضل عن كونا غي ثابتة‪.‬‬
‫فهي متطورة بسب الطور القتصادي الذي تر به البشرية‪ .‬ولا كانت الطوار القتصادية‬
‫للب شرية حتم ية ومتعاق بة‪ ،‬فالقيم اللق ية تأ خذ أو ضاعا مددة ومت طورة‪ ..‬و هي حتم ية‬
‫التطور مع تطور أوضاع البشرية‪.‬‬

‫‪ ()7‬كارل ماركس ف كتاب " ‪" Anti - Dihring‬‬

‫)‪(35‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وإل هنا يتضح القصود من النظرية ف أوضح صورة وأصرحها‪..‬‬

‫أول‪ ..‬ل دين‪.‬‬

‫فالدين أسطورة ابتدعها أصحاب الصال هنا ف الرض ول علقة له بالسماء‪،‬‬


‫ول رصيد له من القيقة‪.‬‬

‫وثانيا‪ ..‬ل قيم ول أخلق‪.‬‬

‫فالقيم ليس لا وجود ذات‪ ،‬إنا هي انعكاس للوضاع القتصادية‪ .‬وليس لا ثبات‬
‫لن مصدرها ‪ -‬وهو الوضاع القتصادية ‪ -‬دائم التغي‪ .‬ث هي حتمية التطور فل يكن‬
‫المساك با على وضع معي مهما حاول الاولون من الفكرين أو رجال الدين‪.‬‬

‫‪ ..‬ول يقل دارون كل ذلك ول شيئا‪ š‬من ذلك!‬

‫ول كان من هه أن يقول!‬

‫ول كن ال عال الي هودي ا لذي أ خذ إ ياء نظري ته ال سموم‪ ،‬قد مده م‪É‬د‪Ì‬ة وا سعة‬
‫فشملت الياة كلها‪ ،‬تت ستار البحث " العلمي " ف علم القتصاد‪.‬‬

‫وانت شر ال ياء ال سموم ‪ -‬ع لى يد ماركس ‪ -‬فدخل كل ال ياة الغرب ية ع لى‬


‫التساع‪.‬‬

‫حقيقة إن روسيا وحدها ‪ -‬ف مبدأ المر ‪ -‬هي الت اعتنقت الذهب الشيوعي‬
‫كامل وأعط ته قوة التط بق‪ .‬ورو سيا و حدها ‪ -‬ف م بدأ ا لمر ‪ -‬هي ا لت قاومت ا لدين‬
‫مقاو مة " ر سية " ع لى ن طاق وا سع‪ ،‬وا ضطهدته كل أ نواع ال ضطهاد‪ ،‬من أول الق تل‬
‫والعتقال والصادرة والنفي‪ ،‬إل تدريس اللاد رسيا ف الدارس والامعات‪..‬‬

‫ولكن الغرب كله ‪ -‬الذي ل يصبح شيوعيا من حيث الذهب ‪ -‬قد أخذ مع‬
‫ذلك بالتفسي الادي للتاريخ‪.‬‬

‫)‪(36‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫أ خذ به ف إع طاء ا لانب القت صادي الهت مام ا لكب‪ ،‬وال يل إ ل تف سي ال ياة‬


‫النسانية كلها من خلل التفسي القتصادي والادي‪ ،‬وإغفال " القيم " وأثرها ف الياة‪،‬‬
‫وف توجيه سلوك الناس‪..‬‬

‫وأخذ به ف اعتبار القيم الخلقية " متطورة " ل ثبات لا‪ ،‬ول سبيل إل ثباتا‪..‬‬
‫ومتطورة على أساس التطور القتصادي بصفة خاصة‪.‬‬

‫وأخذ به ف اعتبار الدين آخر ما يكن أن يؤثر ف الياة!‬

‫وصارت الياة الغربية القائمة ف ظل النظام الرأسال ‪ -‬الضاد للنظام الشيوعي ‪-‬‬
‫ل ت فترق كثي‪š‬ا ف ـي ال ساس الف كري وال ضاري و " الن سان " عن مثيلت ها ف ال عال‬
‫الشيوعي‪.‬‬

‫صحيح أن الدين ف الغرب ل يصادر‪..‬‬

‫وصحيح أن الفراد هناك " متدينون " بعن الذهاب للكنيسة يوم الحد‪ ،‬ورسم‬
‫علمة الصليب ف الصلة‪ ،‬واليان بان هناك ربا‪ š‬خلق الياة والنسان‪ ،‬ويقدر على كثي‬
‫من المور )!(‪.‬‬

‫ول كن هذا " ا لدين " ل يك يف شيئا‪ š‬من ح ياة ال ناس الواقع ية ول م شاعرهم‪..‬‬
‫فالتنظيم القتصادي والجتماعي والسياسي والفكري قائم على أساس أن الياة الادية هي‬
‫الصل‪ .‬وهي القيقة بالعناية‪ .‬وهي السعى الذي يستغرق نشاط النسان‪ .‬وهي " حقيقة‬
‫" الياة‪.‬‬

‫ث إ نه ل و جود ‪ -‬ف وا قع الت مع ‪ -‬ل لخلق ال ستمدة من مف هوم ا لدين‪.‬‬


‫فالنشاط النسي " الر " للولد والبنات والرجال والنساء ل صلة له البتة بفهوم الدين‪.‬‬
‫والصراع التكالب على الياة ل صلة له البتة بفهوم الدين‪ .‬والتاع السي الزائد عن الد‬
‫ل صلة له البتة بالفهوم السيحي على وجه الصوص‪.‬‬

‫واليان الساري عند الماهي كلها ف الغرب ‪ -‬أوربا وأمريكا سواء ‪ -‬هو أن‬
‫مقاييس الخلق قد تغيت‪ .‬وأن " تطورها " كان حتميا ف ظل التمع الصناعي‪ .‬وأنه ل‬

‫)‪(37‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫مال مطل قا للم قاييس القد ية ل لخلق ]ا لت كانت م ستمدة من ا لدين[ لن ا لرأة قد‬
‫تررت ]اقتصاديا[ ولن النظرة ]الزراعية[ للعفة ل يعد لا مال‪..‬‬

‫أي‪ ..‬أنه التفسي الادي للتاريخ هو الذي يكم الياة ف الغرب‪ .‬ويكمها ف‬
‫ذات النق طة أو النق طتي ال لتي أردا ماركس تطيمه ما ‪ -‬تت ستار الب حث العل مي ف‬
‫علم القتصاد ‪ -‬وها الدين والخلق‪.‬‬

‫ومعناه مرة أخرى أن الياء السموم للداروينية قد و»ص×ل على يد العال اليهودي‬
‫الكب إل مناطق من الياة البشرية ل يكن حتما أن يصل إليها‪ ،‬فح»ط‪Ø‬م به ف واقع الياة‬
‫الدين والخلق والتقاليد ف صورة علمية منظمة ل تقوم على مذهب شخصي ]ف ظاهر‬
‫المر[‪ ،‬وإنا تقوم على أساس البحث " العلمي " والدراسة والتحقيق‪ .‬ومن ث يد فيها‬
‫النحر فون الضالون سندا‪ š‬ي سند ضللم وانرافهم‪ ،‬ول يوجهم إ ل الع تذار عن إ هال‬
‫الدين وتطيم الخلق والتقاليد‪ ،‬بل يعلهم يسعون إليه سعيا ليكونوا مواكبي لوكب‬
‫العلم‪ ،‬مستمسكي بوحي العرفة الصحيح!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أما فرويد فلم يأخذ من دارون جانب التطور‪ ،‬وإنا أخذ عنه حيوانية النسان‪.‬‬

‫إ نه ‪ -‬ك كل باحث نف سي ‪ -‬ير سم صورة ثاب تة لك يان الن سان‪ ،‬وإن كان ف‬
‫كتابه ‪] Totem & Taboo‬وربا كان ف هذا الكتاب وحده[ يأخذ جانب التطور أيضا‪ ،š‬وهو‬
‫يتحدث ‪ -‬إل جانب سيكلوجية الفرد ‪ -‬عن سيكلوجية الماعات‪ ،‬وعن تطور الدين‬
‫وت طور الر مات‪ ..‬ولك نه ير سم هذه ال صورة من جانب ال يوان ل من جانب "‬
‫النسان"‪.‬‬

‫ولئن كان ماركس قد تدث عن الدين والخلق‪ ،‬وسخافتهما وبعدها عن أن‬


‫يكو نا قي ما أ صيلة‪ ،‬ف ظل الب حث " العل مي " ف القت صاد‪ ،‬فإن فرو يد قد تدث عن‬
‫الوضوع ذاته والتاه ذاته ف ظل البحث " العلمي " ف علم النفس‪.‬‬

‫إن م يدان ب ثه هو الن فس الن سانية‪ ..‬هو ال شاعر والنف عالت‪ ..‬هو ال عال "‬
‫الداخلي " ف مواجهة العال " الارجي " الذي تدث عنه ماركس‪ .‬النفس ف نظره هي‬

‫)‪(38‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫اليدان الصيل للحياة؛ عن تركيبها الذات تنبثق الفعال والفكار والشاعر‪ ،‬وتتحول إل‬
‫وقائع عملية ف واقع الياة‪ ..‬أي أنه ‪ -‬من جهة البحث ‪ -‬يأخذ بالضبط الانب القابل‬
‫لاركس‪ ،‬و مع ذ لك ‪ -‬و من ع جب ‪ -‬ي صل م عه إ ل النتي جة ذا تا ف مو ضوع ا لدين‬
‫والخلق‪ ،‬ويتخذ ف بثه نفس التفسي اليوان للحياة النسانية وللنسان!‬

‫مصادفة‪!!..‬‬

‫ول كن ا لق أن ال صورة ا لت ير سها فرو يد للن فس الن سانية ‪ -‬وإن الت قت مع‬
‫ماركس ف النها ية ع ند نق طة ت سخيف ا لدين وا لخلق‪ ،‬واعتبار ها قي ما غ ي أصيلة ف‬
‫ال ياة الب شرية‪ ،‬وإ نا انعكا سا ل شيء آ خر‪ ،‬مادي ف أ صله وح يوان ‪ -‬فإن فرو يد كان‬
‫أفحش وأخطر ف تلويثه لتلك النفس‪ ،‬والنطاط با إل الضيض‪.‬‬

‫إن الياة النفسية للنسانية ليست حيوانية فحسب‪ ،‬ولكنها ‪ -‬كلها ‪ -‬تنبع من‬
‫جانب واحد من جوانب اليوان‪ ،‬هو النس السيطر على كل أفعال النسان‪.‬‬

‫إن حياة النسان بادئ ذي بدء حياة حيوانية بتة‪ " .‬فغرائزه " هي الت تكمه‪.‬‬
‫هي الت تسيطر على كل نشاطه‪ .‬والانب السمى " الروح " ل وجود له على الطلق‬
‫]وإل هنا يتلقي مع ماركس التقاء كامل ف تصور النفس النسانية[‪ .‬أما الانب الذي‬
‫اسه " العقل " فهو موجود بكل تأكيد‪ .‬وهو " طبقة " من طبقات النفس‪ .‬هو الوعي‪.‬‬
‫وهو الضابط لتصرفات النسان‪ .‬وهو الذي يواجه الياة الواقعية‪ ،‬ويقرر موقف النسان‬
‫إزاء ها‪ .‬ول كن أي نتي جة يا ترى لو جود الع قل ‪ -‬أو ا لذات الواع ية ‪ - Ego‬ف ك يان‬
‫النسان؟ النتيجة‪ " :‬أن موقع الذات بي الطاقة الشهوانية ]الت هي القيقة الباطنية للنفس‬
‫ف ن طر فرو يد[ وب ي القيقة الارج ية‪ ،‬كثيا‪ š‬ما يغري ها بأن ت كون منافقة مادعة نازة‬
‫للفرص‪ ،‬كالسياسي الذي يرى القائق‪ ،‬ولكنه يب أن يافظ على مكانته بي الماهي!‬
‫" )‪ (8‬و من ث " فالقيم " ف كل مة وا حدة هي خرا فة و " ضحك ع لى ا لذقون "! عم لة‬
‫زائ فة يتباد لا ال ناس و هم ف حقيقت هم عالون بأ نا خداع! ]وه نا يلت قي ‪ -‬من بع يد ‪-‬‬
‫بفكرة ماركس عن القيم‪ ،‬وإن كانت السانيد متلفة ف الالي[‪.‬‬

‫ولكن فرويد بعد ذلك " يتخصص " فيأت بالعاجيب‪:‬‬

‫‪ ()8‬كتاب " ‪ " The Ego and the Id‬ص ‪ 83‬من الطبعة الثالثة سنة ‪.1942‬‬

‫)‪(39‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫إن حقي قة الن سان الباطن ية العمي قة ]‪ [id‬لي ست هي الطا قة ال شهوانية فح سب‪.‬‬
‫وإ نا هي ع لى و جه التحد يد الطا قة الن سية‪ .‬الن سية با لذات دون أي طا قة أ خرى من‬
‫طاقات النسان ]أو اليوان[‪.‬‬

‫وليس هنا مال مناقشة فرويد‪ ،‬فقد ناقشته كثي‪š‬ا وطويل‪ š‬ف كل الكتب السابقة‪.‬‬
‫)‪ (9‬ولكنا نلحظ فقط شيئ‪š‬ا بارزا ف نظريته النفسية‪ ..‬فقد كان النس ‪ -‬ف أوربا السيحية‬
‫التزمتة ]ر غم بدء النلل اللقي فيها[‪ .‬طاقة مستقذرة‪ ،‬ينفر الناس من الديث عنها‬
‫وكشفها للنور ‪ ,‬فيجيء فرويد‪ ،‬فيصر إصرارا‪ š‬مموما على أن يفسر النفس كلها‪ ،‬بميع‬
‫ألوان نشاطها‪ ،‬من خلل هذه الطاقة الستقذرة بالذات! ويصر ‪ -‬أكثر من ذلك ]وهذا‬
‫هو الهم[ ‪ -‬على أن يفسر الدين والخلق بصفة خاصة بأنا انبثاق جنسي‪ ..‬وجنسي‬
‫على وجه التحديد!!‬

‫مصادفة‪!!..‬‬

‫الياة كلها جنس‪ ،‬ومنبثقة من خلل النس‪..‬‬

‫والنس يبدأ مبكرا‪ š‬جدا‪ ..š‬ل ف مرحلة البلوغ أو الراهقة كما يسب الهلء‬
‫من الناس‪ ..‬وإنا‪ ..‬من لظة اليلد‪ .‬بل يولد النسان جنس‪š‬ا خالصا مركزا ف إهاب طفل‬
‫حيوان صغي!!‬

‫كل أعمال اطفل تعبي عن طاقة النس‪.‬‬

‫الرضاعة جنس‪ .‬ومص البام جنس‪ .‬وتريك العضلت جنس‪ .‬والتبول جنس‪.‬‬
‫والتبز جنس‪ .‬واللتصاق بالم جنس‪ .‬وهذا الخي بصفة خاصة هو الذي يشكل الياة‬
‫النفسية للبشرية كلها أفرادا‪ š‬وجاعات!‬

‫فالط فل يع شق أ مه بدافع ال نس‪ .‬ث يد ا لب حائل بين ها وبي نه فيك بت هذا‬


‫العشق‪ .‬فتنشأ ف نفس عقدة أوديب‪] .‬والطفلة تعشق أباها بدافع النس كذلك ث تكبت‬
‫الع شق فتن شأ ف نف سه ع قدة إلي كترا[‪ .‬و من هذه الع قدة اللعي نة ين شأ ال ضمي وا لدين‬
‫والخلق والتقاليد‪ ،‬وكل " القيم العليا " ف حياة البشرية!!‬

‫‪ ()9‬بصفة خاصة فصل " فرويد " من كتاب " النسان بي الادية والسلم "‪.‬‬

‫)‪(40‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫والمر كله مستمد من تلك الادثة الت " رآها! " فرويد ف منشأ تاريخ البشرية!‬

‫ذلك أن البناء ‪ -‬ف مطلع البشرية ‪ -‬اتهوا نو أمهم بدافع النس‪ ،‬ث وجدوا‬
‫أباهم عائقا ف الطريق فقتلوه‪ .‬ث أحسوا بالندم على قتل أبيهم فأقسموا ليقدسن ذكراه‪.‬‬
‫فعبدوه‪ .‬ومن ذلك نشأت عبادة الب‪ .‬ث تولت إل عبادة الطوطم لنه ف النفس البشرية‬
‫هكذا يرتبط الب برمز اليوان! ]لاذا؟![‪ .‬وف الوقت ذاته وجد البناء أنم سيتقاتلون‬
‫بينهم للحصول على الم‪ .‬وهذا أمر ل يوز! ]لاذا؟![‪ .‬فقرروا تريها على أنفسهم‪ ،‬فنشأ‬
‫بذلك أول تري ]جنسي[ وانصب على الم‪ .‬كما قرروا التعاون فيما بينهم بدل الصام‬
‫والعراك ]لاذا؟![ فنشأت " القيم "‪.‬‬

‫وهذه القصة الت " رآها! " فرويد تدث ف البشرية الول‪ ،‬ليست حادثة تاريية‬
‫مفردة‪ ،‬فقد تركت طابعها ف الياة البشرية كلها منذ ذلك الي‪ .‬فكل طفل يعشق أمه‬
‫بدافع النس‪ :‬وكل طفل يكبت ذلك العشق‪ .‬ث ينمو الدين والخلق والتقاليد‪ ..‬والقيم‬
‫العليا والضارة‪ ،‬من ذلك الكبت النسي لعشق الم‪ .‬ومع ذلك فالكبت ل ينته‪ .‬وإنا هو‬
‫يتحول إل قلق نفسي دائم ل يترك الناس ف راحة ]" وكل الديانات الت جاءت بعد ذلك‬
‫هي ماولت لل ال شكلة ذا تا )إحساس الب ناء بالرية( وهي تت لف ب سب مستوى‬
‫الضارة الت ظهرت فيها‪ ،‬والوسائل الت تطبقها‪ ،‬ولكنها جيعا‪ Ô‬تدف إل شيء واحد‪،‬‬
‫وهي رد فعل لنفس الدث العظيم )قتل الب( الذي نشأت عنه الضارة‪ ،‬والذي ل يدع‬
‫للنسانية منذ حدوثه لظة واحدة للراحة "! فرويد ‪ -‬كتاب ‪ Totem & taboo‬ص ‪.[145‬‬

‫واضح أن هذا التفسي للنسان تفسي حيوان بت‪..‬‬

‫فالق صة كل ها ا لت " رآ ها! " فرو يد‪ ،‬م ستمدة من ملح طات دارون ف عال‬
‫اليوان‪ .‬فقد لحظ أنه ف عال البقر تتجه الثيان الفتية للحصول على البقرة الم‪ ،‬فتجد‬
‫أباها عائقا ف الطريق‪ ،‬فتتجه كلها نوه لتقتله‪ .‬فإذا فرغت من ذلك عادت فاصطرعت‬
‫في ما بين ها حت يتغ لب أ حدها ‪ -‬و هو أقوا ها ‪ -‬في فوز و حده با لم وي صبح هو ال سيد‬
‫الديد‪.‬‬

‫وواضح كذلك مدى تلويث فكرة الدين والخلق والتقاليد‪ ،‬وتقذيرها ف نفوس‬
‫الناس‪ ،‬بغمسها ف مستنقع النس الستقذر ف أوربا السيحية‪ ،‬وإخراجها منه يتقاطر منها‬
‫نقيع النس الكبوت!‬

‫)‪(41‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وحقيقة إنه سعى إل إزالة " القذارة " عن النس! ولكن هذه مسألة أخرى!‬

‫جاء ف كتاب بروتوكولت حكماء صهيون‪ " :‬يب أن نعمل لتنهار الخلق‬
‫ف كل مكان فتسهل سيطرتنا‪ ..‬إن فرويد منا‪ .‬وسيظل يعرض العلقات النسية ف ضوء‬
‫الشمس لكي ل يبقى ف نظر الشباب شيء مقدس‪ ،‬ويصبح هه الكب هو إرواء غرائزه‬
‫النسية‪ ،‬وعندئذ تنهار أخلقه "‬

‫إن ه ناك هدفا مزدو جا ي تم ف ن فس ا لوقت‪ :‬فالنس ي»ن ظف لي ستباح‪ .‬لتنط لق‬
‫الغرائز " الكبو تة "‪ .‬لينط لق ال شباب كالبهائم‪ ،‬دون أن ي سوا ف ضميهم لذعا ول ف‬
‫نفوسهم ندامة ولكن ف الوقت ذاته ي»قذر الدين والخلق والتقاليد بتصويرها نابعة ف‬
‫الصل من النس ‪ -‬الستقذر حينئذ ف النفوس!‬

‫أي أ نه ت تم عمل ية إ بدال دقي قة خبي ثة ب شعة‪ ..‬في نل ا لدين وا لخلق إ ل م كان‬
‫النس الستقذر‪ ،‬ويرتفع النس إل مكان الدين والخلق ف النظافة والتقديس!‬

‫ول يس ه نا ‪ -‬ك ما أ سلفت ‪ -‬مال الناق شة مع فرو يد‪ ،‬ف قد ناق شته ف الك تب‬
‫السابقة‪ ،‬وبينت فساد هذه الساطي والضاليل الت يقيم عليها تفسيه للحياة البشرية‪ ،‬بل‬
‫سند علمي ول منطق سليم‪.‬‬

‫إ نا نث بت ه نا ف قط ممو عة من ال قائق حول هذا التف سي الن سي لل سلوك‬


‫البشري‪:‬‬

‫أول‪ :‬إ نه ا ستمد من إ ياءات نظر ية دارون ذ لك التف سي ال يوان للن سان‪ .‬و ل‬
‫ي قل دارون بطبي عة ا لال شيئا‪ š‬من ذ لك ك له‪ ،‬ول كان من هه أن ي قول‪ .‬ول كن ال عال‬
‫اليهودي الذي أخذ إياء نظريته السموم‪ ،‬فقد مده م‪É‬د‪Ì‬ة واسعة فشملت الياة كلها‪ ،‬تت‬
‫ستار البحث " العلمي " ف علم النفس‪.‬‬

‫ثانيا‪ :š‬أنه وجˆه الياء السموم كله الذي استمده من دارون إل نقطتي مركزتي‪،‬‬
‫ف أثناء هذه الولة الواسعة ف باطن النفس‪ ،‬وف التاريخ‪ ،‬ها الدين والخلق‪ .‬فسعى إل‬
‫تلويثهما بصورة ل يسبق لا مثيل ف التاريخ كله‪ .‬ووضعهما ف صورة منفرة مقززة ينفر‬
‫من ها كل إن سان! و ل يك تف ف ذ لك بالتلم يح‪ ،‬بل كان صريا‪ š‬جد‪š‬ا و هو ي قول‪ :‬إن‬
‫الت سامي نوع من ال شذوذ! ]‪ Three Contributions to the Sexual Theory‬ص ‪ [82‬وإن‬

‫)‪(42‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫الخلق تتسم بطابع القسوة حت ف درجتها الطبيعية العادية! ] ‪ The Ego and the Id‬ص‬
‫‪ [80‬وإن أساطي السيحية تصور ف حقيقتها رغبة البن )السيح( ف قتل والده )الرب‬
‫الله( وإن كان قد كبت هذه الرغبة فقتل نفسه بدل من أبيه‪ ،‬ولكنه أصبح إلا مكان‬
‫أبيه! ]‪ Totem & Taboo‬ص ‪ [154‬وإن الضارة تتعارض مع النمو الر للطاقة النسية! ]‬
‫‪ Three Contributions‬ص ‪ [85‬وإن الدين والخلق والضارة تنشأ من الكبت النسي‪،‬‬
‫والك بت الن سي خ طر ع لى الك يان النف سي والع صب‪ ،‬لنه ي صيب الن فس بالع قد‬
‫والضطرابات ]كل كتب فرويد بل استثناء![‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أما دركاي فله قصة ثالثة‪...‬‬

‫إنه ‪ -‬مرة أخرى ‪ -‬يقف من فرويد موقف التقابل الكامل‪.‬‬

‫إنه ل يعترف أن الكيان النفسي للفرد هو أساس الياة الجتماعية‪ .‬بل العكس ف‬
‫نظره أقرب إل الصواب‪ .‬إن الياة الجتماعية هي الت تشكل مشاعر الفرد‪ .‬وعليه فل‬
‫يوز أن نفسر الياة من نفسية الفرد كما يصنع علم النفس كله‪ ،‬وإنا ينبغي أن نفرق بي‬
‫الظاهرة النفسية والظاهرة الجتماعية تفريقا‪ š‬كامل‪ ،‬حت وإن قام بينهما ‪ -‬أحيانا ‪ -‬نوع‬
‫مـن التصال‪:‬‬

‫" ولكن الالت النفسية الت تر بشعور الماعة تتلف ف طبيعتها عن الالت‬
‫ا لت تر ب شعور ال فرد‪ ،‬و هي ت صورات من ج نس آ خر‪ ،‬وتت لف عقل ية الما عات عن‬
‫)‪(10‬‬
‫عقلية الفراد‪ ،‬ولا قوانينها الاصة با "‬

‫"‪ ..‬إن ضروب السلوك والتفكي الجتماعيي أشياء حقيقية توجد خارج ضمائر‬
‫)‪(11‬‬
‫الفراد‪ ،‬الذي يبون على الضوع لا ف كل لظة من لظات حياتم "‬

‫‪ ()10‬قواعد النهج ف علم الجتماع تأليف إميل دركاي‪ ،‬ترجة الدكتور ممود قاسم ومراجعة الدكتور‬
‫السيد ممد بدوي ‪ -‬مقدمة الطبعة الثانية‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ ()11‬ص ‪ 22‬من الصدر السابق‪.‬‬

‫)‪(43‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫" ولكن لا كان هذا العمل الشترك ]الذي تنشأ عنه الظواهر الجتماعية[ يتم‬
‫خارج شعور كل فرد منا‪ ،‬وذلك لنه نتيجة لعدد كبي من الضمائر الفردية‪ ،‬فإنه يؤدي‬
‫بال ضرورة إ ل ت ثبيت وتقر ير ب عض ال ضروب الا صة من ال سلوك والتفك ي‪ ،‬و هي ت لك‬
‫)‪(12‬‬
‫الضروب الت توجد خارجة عنا‪ ،‬والت ل تضع لرادة أي فرد منا "‬

‫" ولكن ليس من المكن تطبيق هذه الطريقة ]الت تفسر الظواهر الجتماعية من‬
‫داخل نفوس الفراد[ على الظواهر الجتماعية اللهم إل إذا أردنا تشويه طبيعتها! ويكفي‬
‫ف البهنة على ذلك أن نعود إل التعريف الذي سبق أن حددنا به الظواهر الجتماعية‪.‬‬
‫فلما كانت الاصة الوهرية الت تتاز با هذه الظواهر تنحصر ف القيام بضغط خارجي‬
‫)‪(13‬‬
‫على ضمائر الفراد‪ ،‬كان ذلك دليل على أنا ليست وليدة هذه الضمائر "‬

‫" و بذا الع ن و لذه ال سباب يكن نا‪ ،‬بل يب علي نا أن نت حدث عن شعور‬
‫اجتماعي يتلف عن شعور الفراد‪ .‬وإذا أردنا تبير هذه التفرقة بي الشعور الجتماعي‬
‫والشعور الفردي‪ ،‬فلسنا ف حاجة إل تسيد الشعور الجتماعي‪ .‬فإن لذا الشعور وجودا‬
‫من جنس خاص‪ .‬ومن الواجب أن نعب عنه بصطلح خاص‪ ،‬لرد السبب الت‪ ،‬وهو‪ :‬أن‬
‫الالت الت تدخل ف تركيبه تتلف عن الالت النفسية الت يتركب منها شعور الفرد‬
‫اختل فا[ نوع يا‪ ...‬و من ج هة أ خرى ف ما كان ير مي تعريف نا لل ظاهرة الجتماع ية إل إ ل‬
‫)‪(14‬‬
‫تديد الفرق بي كل من الشعور الجتماعي والشعور الفردي "‬

‫هكذا ل يعترف دركاي بأن الياة البشرية ‪ -‬ذات الصفة الجتماعية ‪ -‬يكن أن‬
‫تفسر عن طريق نفسية الفرد وطبيعته وكيانه الفردي‪ .‬إنا يفسرها وجود " العقل المعي‬
‫" خارج نطاق الفراد!‬

‫ومرة ثانية يقف دركاي من فرويد موقف التقابل الكامل‪ .‬ففي كتاب " قواعد‬
‫الن هج ف ع لم الجت ماع " يت حدث عن " ت طور " الما عات شأن كل باحث ف ع لم‬
‫الجتماع ‪ -‬ولكنه يأب أن ينسب هذا التطور إل عنصر من عناصر النفس الفردة‪:‬‬

‫‪ ()12‬ص ‪.25‬‬
‫‪ ()13‬ص ‪.166‬‬
‫‪ ()14‬ص ‪.169 - 168‬‬

‫)‪(44‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫" و لن ن ستطيع معر فة ال صدر ا لذي تن بع م نه هذه الت يارات الجتماع ية إل إذا‬
‫صعدنا ف مراها حت منابعها الول‪ ،‬وحينئذ يب علينا أن نلحظ الظواهر الجتماعية‬
‫ف ذاتا‪ ..‬ويب أن ندرس هذه الظواهر من الارج على أنا أشياء خارجية‪ ...‬ولئن خيل‬
‫إلينا أن وجود هذه الظواهر خارج شعور الفراد ليس إل وجودا بسب الظاهر فسوف‬
‫يت بدد هذا ال شك كل ما ت قدم ع لم الجت ماع‪ .‬و سيى ا لرء ك يف تقت حم ال ظاهرة‬
‫)‪(15‬‬
‫الجتماعية الارجية الشعور الداخلي للفراد "‬

‫ومع ذلك‪!..‬‬

‫أهي مصادفة تلك الطريقة الت يتحدث با عن الدين والخلق؟!‬

‫" فمن هذا القبيل أن الناس يفسرون عادة نشأة النظام السري بوجود العواطف‬
‫الت يكنها الباء للبناء‪ ،‬ويشعر با البناء تاه الباء؛ كما يفسرون نشأة الزواج بالزايا‬
‫الت يققها لكل من الزوجي وفروعهما‪ ،‬والل با يدث من غضب الفرد إذا أصيبت‬
‫مصاله بضرر جسيم‪ .‬وترجع الياة القتصادية ف ناية المر ‪ -‬كما يفهمها ويفسرها‬
‫القتصاديون‪ ،‬وباصة أصحاب الذهب الافظ ‪ -‬إل هذا العامل الفردي البحت‪ ،‬وهو‬
‫الرغبة ف تصيل الثروة‪ .‬وليس المر على خلف ذلك فيما يتعلق بالظواهر اللقية‪ .‬فإن‬
‫ا لخلقيي يت خذون واح بات ا لرء نو نف سه أسا سا‪ š‬ل لخلق‪ .‬و كذا ا لمر في ما يتع لق‬
‫با لدين‪ ،‬فإن ال ناس يرون أ نه ول يد ا لواطر ا لت تثي ها ال قوى الطبيع ية ال كبى أو ب عض‬
‫الشخصيات الفذة لدى النسان‪ ..‬ال‪ .‬ولكن ليس من المكن تطبيق هذه الطريقة على‬
‫الظواهر الجتماعية اللهم إل إذا أردنا تشويه طبيعتها! "‬

‫" ومن هذا القبيل أن بعض هؤلء العلماء يقول بوجود عاطفة دينية فطرية لدى‬
‫النسان‪ ،‬وبأن هذا الخي مزود بد أدن من الغية النسية والب بالوالدين ومبة البناء‪،‬‬
‫وغي ذلك من العواطف‪ ،‬وقد أراد بعضهم تفسي نشأة كل من الدين والزواج والسرة‬
‫على هذا النحو‪ .‬ولكن التاريخ يوقفنا على أن هذه النعات ليست فطرية ف النسان "‬

‫" وحينئذ فإنه يكن القول بناء على الرأي السالف بأنه ل وجود لتفاصيل القواعد‬
‫القانون ية واللق ية ف ذا تا‪ ،‬إذا صح هذا الت عبي‪ ...‬و من ث فل يس من الم كن‪ ،‬تب ع‪š‬ا لذا‬

‫‪ ()15‬ص ‪.66‬‬

‫)‪(45‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ا لرأي‪ ،‬أن ت صبح ممو عة القوا عد اللق ية ا لت ل و جود لا ف ذا تا مو ضوعا لع لم‬


‫)‪(16‬‬
‫الخلق‪" ...‬‬

‫واضح؟!‬

‫إن الدين ليس شيئا‪ š‬فطريا‪ .‬وكذلك الزواج والسرة‪ .‬والقواعد اللقية ل وجود‬
‫لا ف ذاتا!‬

‫ولن نناقش هنا دركاي! لن نناقش أسطورة " العقل المعي " القائم خارج نطاق‬
‫ا لفراد‪ ،‬وال خالف لك يان ا لفراد‪ ،‬وا لذي يقهر هم من ا لارج ع لى غ ي رغ بة من هم ول‬
‫استعداد فطري!‬

‫ولكننا نثبت فقط ما حول هذه السطورة من القائق‪:‬‬

‫لقد أخذ دركاي كثيا عن دارون‪:‬‬

‫أخذ عنه بادئ ذي بدء فكرة التطور الدائم الذي يلغي فكرة الثبات‪.‬‬

‫وأخذ عنه فكرة " القهـر الارجي " الذي يقهر الفرد على غي رغبة ذاتية منه‪،‬‬
‫فيط̂وره‪.‬‬

‫وأخذ عنه التفسي اليوان للنسان‪ ،‬فهو ل يفتأ يستشهد ف كل حالة با يدث‬
‫ف عال اليوان‪:‬‬

‫" أضف إل ذلك أنه ل يقم قط برهان على أن اليل إل الجتماع كان غريزة‬
‫وراثية وجدت لدى النس البشري منذ نشأته‪ .‬وإنه لن الطبيعي جد‪š‬ا أن ننظر إل هذا‬
‫ال يل ع لى أ نه نتي جة للح ياة الجتماع ية ا لت ت شربت با نفو سنا ع لى مر الع صور‬
‫والح قاب‪ .‬وذ لك لن نا نل حظ‪ ،‬ف الوا قع‪ ،‬أن اليوا نات تع يش جا عات أو أ فرادا تب عا‬
‫)‪(17‬‬
‫لطبيعة مساكنها الت توجب عليها الياة ف جاعة أو تصرفها عن هذه الياة "‬

‫‪ ()16‬ص ‪.60 - 59‬‬


‫‪ ()17‬ص ‪.173‬‬

‫)‪(46‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫" ول كن أل يس مع ن ذ لك أن " كونت " يف سر ا لاء با لاء‪ ،‬وأ نه ي شرح الت قدم‬
‫بو جود م يل ف طري يدفع الن سان إ ل الت قدم ا لذي ل ي عدو أن ي كون سوى ف كرة‬
‫ميتافيزيقية ليس ثة ما يدل على وجودها بسب الواقع؟ وذلك لن الفصائل اليوانية ‪-‬‬
‫با ف ذلك الفصائل الراقية منها كل الرقي ‪ -‬ل تشعر قط بذه الاجة الت تدفعها إل‬
‫التقدم " )‪ ..(18‬ال‪.‬‬

‫ول يقل دارون بطبيعة الال شيئا‪ š‬ما قاله دركاي‪ ،‬ول كان من شأنه أن يقول‪.‬‬
‫ولكن العال اليهودي أخذ الياء اليوان لنظريته‪ ،‬ومده م‪É‬د‪Ì‬ة واسعة فشملت الياة كلها‪،‬‬
‫تت ستار من البحث " العلمي " ف علم الجتماع‪.‬‬

‫ث إنه ‪ -‬ف جولته الواسعة ف علم الجتماع ‪ -‬قد عن عناية خاصة بأن يقول إن‬
‫ا لدين ل يس ف طرة وا لزواج ل يس ف طرة‪ ،‬وا لخلق لي ست قيمة ذات ية‪ ،‬ول هي ثابتة ع لى‬
‫وضع معي‪ ،‬فإنا تأخذ صورتا من التمع الذي توجد فيه‪ ،‬فإن " التمع " هو الصل ف‬
‫ظل الظواهر الجتماعية‪ ،‬وليس " النسان "!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ومن حصيلة هذا كله حدثت حركات ضخمة ف التمع الغرب ف ناية القرن‬
‫التاسع عشر وبداية القرن العشرين‪.‬‬

‫لقد التقت " توجيهات " العلماء الثلثة ‪ -‬وغيهم بطبيعة الال‪ ،‬ولكنهم هم ف‬
‫القدمة ‪ -‬التقت عند نقط رئيسية‪ ،‬متصلة ومتصاحبة‪:‬‬

‫الملة ع لى ا لدين وا لخلق والتقال يد‪ ،‬ونفي القدا سة عنها‪ ،‬وت شويه سعتها أو‬
‫التشكيك ف قيمتها‪.‬‬

‫والقيام بذه الملة باسم " العلم " والبحث العلمي‪.‬‬

‫والربط بي هذا التحلل الدين والنلل اللقي وبي " التطور "‪.‬‬

‫‪ ()18‬ص ‪.176‬‬

‫)‪(47‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫والياء بأن هذا التحلل والنلل أمر " حتمي " لن التطور حتمي ل قبل لحد‬
‫بوقفه عن طريقه التوم‪.‬‬

‫ت قول بروتو كولت حك ماء صهيون‪ " :‬ل قد رتب نا ناح دارون و ماركس‬
‫ونيتشه)‪ (19‬بالترويج لرائهم‪ .‬وإن الثر الدام للخلق الذي تنشئه علومهم ف الفكر‬
‫غي اليهودي واضح لنا بكل تاكيد "‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولقد حدث بالفعل ذلك الثر الدام للخلق!‬

‫وسرت ف الماهي لوثتان معا‪ š‬ف ذات الوقت‪ :‬لوثة التطور‪ ..‬ولوثة العداء للدين‬
‫والخلق‪.‬‬

‫ور با برز ا سم فرو يد ف هذا ا لثر ا لدمر أ كثر من زميل يه ا لخرين‪ ،‬لن آراءه‬
‫أخذت " شعبية " واسعة النطاق‪ ،‬بينما بقي الخران ‪ -‬وخاصة دركاي ‪ -‬فوق مستوى‬
‫الماهي‪ .‬ولكن الصيلة النهائية للوثة التطور ولوثة العداء للدين والخلق ينبغي أن ترد‬
‫لم جيعا‪ ،š‬وإن تفاوتت النسب و " حقوق التأليف " بي أعضاء الثالوث!‬

‫لقد صارت " الوضة " هي التطور‪ .‬وما ل يتطور بذاته ينبغي أن يطور بالقوة!‬
‫إنه ل ينبغي أن يظل شيء على الطلق ثابتا‪ š‬ف كل الرض‪ .‬ل الدين‪ .‬ول فكرة ال‪ .‬ول‬
‫ا لخلق‪ .‬ول التقال يد‪ .‬ول الق يم‪ .‬ول الروا بط الجتماع ية‪ .‬ل شيء‪ ..‬ل شيء ع لى‬
‫الطلق‪.‬‬

‫ينبغي أن نتطور‪ .‬وأن نتحرر من السكون اليت والثبات العيب‪.‬‬

‫‪ ()19‬فيلسوف ألان نادى ف تشنج هستيي بفكرة النسان العلى ‪ Superman‬و " موت الله "! وهو‬
‫يعفي هذا النسان من التقيد بالخلق السيحية لنا أخلق الذلء! ومن ث تد فيه " برتوكولت‬
‫حكماء صهيون " بغيتها النشودة‪.‬‬

‫)‪(48‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ينبغي أن نطم قيود الخلق‪ .‬فهي قيد يعوق التطور‪ .‬وقد تقدينا با ف الاضي‬
‫ف الت مع الزرا عي فينب غي أن نطرح ها ال يوم ف الت مع ال صناعي الت طور ] ماركس[ أو‬
‫تقيدنا با نتيجة الهل الطي بقيقة النفس الباطنية وبأن الخلق " كبت " ضار بكيان‬
‫النسان ]فرويد[ أو تقيدنا با جهل منا بأنه ل توجد حقيقة ثابتة للقيم اللقية‪ ،‬إنا هي‬
‫تتطور بتطور وسائل النتاج ]ماركس[ أو بتطور حالة التمع ]دركاي[‪.‬‬

‫وينبغي أن نطم الدين‪ .‬فهو قيد آخر يعوق التطور‪ .‬وقد ورثناه من أسلفنا ف‬
‫عماية وجهالة وجود وتأخر‪ ،‬وقد كان هذا كله يناسب التمع الزراعي التأخر‪ ،‬ونن‬
‫اليوم ف التمع الصناعي التطور الذي ل يطيق هذه الزعبلت ]ماركس[ أو قد كان‬
‫هذا يناسب عصر الهالة السابق‪ ،‬يوم كنا نظن الدين شيئا‪ š‬له قداسة‪ ،‬منل من السماء‪،‬‬
‫قبل أن نعرف أنه كبت جنسي ضار مؤذ منفر ]فرويد[ أو يوم ظننا ‪ -‬خطأ منا وجهالة ‪-‬‬
‫أنه فطرة إنسانية ]دركاي[‪.‬‬

‫ينب غي أن نن شئ أنف سنا إن شاء ف الت مع الد يد‪ ..‬الت طور‪ ..‬الت حرك‪ ..‬الو ثاب‪.‬‬
‫ينب غي أن ننط لق مع وث باته ال ظافرة بل د ين‪ .‬بل أخلق‪ .‬بل تقال يد‪ .‬ف هذا هو ال سبيل‬
‫الوحيد للتقدم الصحيح! ]" العلماء " الثلثة![‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وتركزت الفتنة كلها ف " ترير الرأة "‪..‬‬

‫حقا‪ š‬لقد كان هذا العصر هو عصر ترير الرأة!‬

‫فقد كانت القوى الشريرة كلها الت تعمل ف الرض تعلم أنه ل وسيلة لفساد‬
‫ا لمم كل ها خ ي من " تر ير " ا لرأة‪ ،‬أي إخراج ها إ ل الطر يق فت نة للر جل ل كي تف سد‬
‫أخلقه وتنهار‪.‬‬

‫ينبغي بأي ثن أن ترج الرأة إل الطريق‪..‬‬

‫ترج بجة الستقلل القتصادي‪..‬‬

‫)‪(49‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ترج بجة مارسة حقها ف الياة‪..‬‬

‫ترج بجة التعليم أو بجة العمل‪..‬‬

‫ترج " للستمتاع "‪..‬‬

‫الهم أن ترج‪ ..‬ولكن أهم من ذلك أن ترج ف صورة إغراء‪.‬‬

‫إنا إن خرجت تتعلم أو تعمل او تارس حقها ف الياة‪ ،‬وهي متشمة متحفظة‪،‬‬
‫مافظة على أخلقها‪ ،‬وعلى طبيعتها " النلية " بعن الرغبة ف " الستقرار " ف أسرة حي‬
‫تسنح الظروف‪ ..‬فل فائدة إذن من كل " التعب " الذي تعبناه ف إفساد البشرية!‬

‫ينبغي أن ترج الرأة ف صورة تفت الرجل وتغريه‪ ..‬وإل فما الفائدة؟‬

‫ولكن كيف السبيل؟!‬

‫السبيل هو الدعوة‪!..‬‬

‫يكتب الكتاب‪ ..‬ويكتب الصحفيون‪ .‬ويكتب القصاصون‪..‬‬

‫السبيل هو السينما‪!..‬‬

‫ت»مثل الفلم الداعرة العارية الداعية إل الفساد‪..‬‬

‫السبيل هو الذاعة والتليفزيون ]على التوال[‬

‫السبيل هو بيوت الزياء‪!..‬‬

‫السبيل هو صناعة أدوات الزينة‪!..‬‬

‫السبيل ‪ -‬بكل سبيل ‪ -‬هو إياد صورة من " الياة الجتماعية " ل تستغن عن‬
‫ا لرأة الفات نة الغر ية ‪ -‬ب جة الت مع ‪ -‬وإ ياد ت صور للح ياة ل ي ستغن عن ا لرأة الفات نة‬

‫)‪(50‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫الغر ية " لت شارك " الر جل ف حل الع باء؛ وإ ياد " وا قع عم لي " ل ي ستغن عن ا لرأة‬
‫الفاتنة الغرية كجزء واقعي من الياة!‬

‫ووجد كل كذلك بالفعل‪..‬‬

‫واستراحت القوى الت تعمل لفساد البشرية‪ ..‬وطلبت الزيد!‬

‫وجاء الزيد ‪] -‬قصدا‪ š‬أم ع‪É‬ر‪É‬ضا‪š‬؟[ ‪ -‬بالربي العاليتي!‬

‫قتل ف الرب الول عشرة مليي من الشباب‪ ،‬وف الثانية حوال أربعي‪.‬‬

‫و‪É‬و»ج¼د‪É‬ت ‪ -‬بعددهم ‪ -‬أسر بل عائل‪ ،‬ونساء بل رجال‪..‬‬

‫وخرجت الرأة ‪ -‬راضية أو مكرهة ‪ -‬تعمل‪ ..‬وتبحث عن النس‪..‬‬

‫وحدث مزيد من " التحرر "‪ ..‬من انلل الخلق!‬

‫وصار الروتي العادي ف الياة الغربية أن تعمل كل فتاة‪ ..‬وأن يكون لا صديق‬
‫‪ -‬أي ع شيق ‪ -‬تارس م عه ن شاط ال نس‪ ،‬كامل ف أغ لب الح يان‪ .‬روت ي عادي ل‬
‫ي ستنكر‪ .‬ل يف كر أ حد ف استنكاره ع لى ا لطلق‪ .‬إل الاني! ا لذين يظ نون أ نه يو جد‬
‫دين! أو أخلق! أو تقاليد!‬

‫الاني الهلء الرجعيون التزمتون التحجرون التعفنون‪ ..‬الذين يعيشون بعقلية‬


‫ال قرون الو سطى‪ .‬ا لذي يج بون عن أعين هم ال نور‪ .‬ا لذين ير يدون إر جاع ال ساعة إ ل‬
‫الوراء‪ ..‬الذي ل يعرفون أنه التطور‪ ..‬التطور التمي الذي ل قبل لحد بوقفه‪ ..‬التطور‬
‫الذي أحدثه القرن العشرون!‬

‫التطور‪!..‬‬

‫هل هو التطور حقا‪ ،‬الذي صنع هذه الصورة الجتماعية ف القرن العشرين‪..‬؟‬

‫)‪(51‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫بصرف الن ظر عن رأي نا الشخ صي ف هذه الصورة‪ :‬إن كانت ت قدما م شرفا أو‬
‫انلل مزريا‪ .‬إن كانت رفعة للبشرية أو نكسة بشعة إل عال اليوان‪.‬‬

‫هل التطور هو الذي أحدثها؟‬

‫هل هي شيء " جد يد " ح قا‪ ،‬أن شأه " الت قدم " العل مي وال ضاري ف ال قرن‬
‫العشرين؟‬

‫إذن فلنسمع‪ ..‬شهادة التاريخ!‬

‫)‪(52‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫شهادة التاريخ‬
‫حي يعيش النسان فترة من الياة فإنه يراها مسمة مضخمة‪ ،‬لنه يعيش دقائقها‬
‫وتفصيلتا وجيع لظاتا‪ ،‬لظة إثر لظة‪ ،‬فياها ‪ -‬من ث ‪ -‬أضخم من أي فترة اخرى‬
‫من التاريخ!‬

‫وهذا أمر " بشري " من جيع جوانبه!‬

‫فالعي ترى النظر القريب كبيا‪ š‬مفصل مسما‪ ..‬ث يتضاءل ف نظرها ‪ -‬هو ذاته‬
‫‪ -‬حي تبعد عنه بضع خطوات أو بضعة أميال‪..‬‬

‫والنسان يس بأموره هو كبية مفصلة مسمة‪ ،‬لنا أقرب شيء إليه‪ ..‬ث يرى‬
‫مثيل تا ع ند شخص آ خر ‪ -‬أ مامه ‪ -‬فل ي سها بذا ال كب والتف صيل والتج سˆم‪ ،‬وإن‬
‫عطف عليها أو شارك فيها بوجدانه‪ ..‬ول ييل إليه أبدا‪ š‬أنا تشابه تربته الشخصية‪.‬‬

‫بل النسان الواحد يس لظته الراهنة كبية مفصلة مسمة‪ ،‬لنه يعيشها الن‪،‬‬
‫فهي قريبة من حسه وشعوره وتفكيه‪ ،‬فإذا مرت ودخل ف غيها‪ ،‬تضاءلت ف حسه ‪-‬‬
‫وهي جزء منه هو ذاته ‪ -‬وصارت ‪ -‬بكل آلمها أو آمالا ‪ -‬أصغر من لظته الديدة‬
‫الراهنة الداخلة ف بؤرة الحساس والتفكي و " العايشة "‪..‬‬

‫ومن ث يرى أهل القرن العشرين أن هذا القرن فريد تفردا‪ š‬كامل ف كل شيء‪،‬‬
‫وأنه ل مثيل له ف شيء قط على مدار التاريخ‪..‬‬

‫ذلك لنم يعيشونه‪ ..‬أما الخر فتاريخ!‬

‫وحقي قة إن ال قرن الع شرين مت فرد ف كثي من ا لمور‪ .‬ف هذه " ال صورة " من‬
‫الياة‪ ،‬بكل تفصيلتا ودقائقها‪ ،‬ل تعشها البشرية قط من قبل‪ ..‬ل يكن لديها صواريخ‬
‫ول طائرات ول سفن سريعة ول ق طر ماردة‪ ،‬ول إذا عة ول سينما ول تليفز يون‪ ..‬ول‬
‫إنتاج آل ضخم يشمل كل مرافق الياة‪..‬‬

‫)‪(53‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ذلك كله صحيح‪..‬‬

‫ولكن دللته غي صحيحة!‬

‫دللته الت يريد الناس أن يستخرجوها منه أنه ل شيء على الطلق ما يعيشونه‬
‫اليوم قد عاشه أي جيل من قبل‪ .‬وأنه ل شيء ما يدث اليوم قد حدث ف أي يوم من‬
‫التاريخ!‬

‫والناس ل يقرأون التاريخ!‬

‫ل يقرأو نه لنم م شغولون بأ حداث الا ضر ال سيمة‪ ،‬ا لت يز يدها ج سامة أ نم‬
‫يعيشون فيها بالفعل‪ ،‬فتبدو لم دقائقها مسمة ضخمة‪ .‬ول يقرأونه كذلك غرورا منهم!‬
‫غرورا يي×ل إليهم أنم مقطوعو الصلة بالاضي كله‪ ،‬لنم خلق جديد ل شأن له باضي‬
‫النسانية السالف‪ ،‬ول شبه بينهم وبينه‪ ،‬فل " عبة " إذن ترتى من وراء قراءة التاريخ!‬

‫وقد يتواضعون قليل فيدرسون تاريخ أوربا الديث! تاريخ النهضة‪ .‬لنم ‪ -‬وقد‬
‫تثقفوا ‪ -‬يعرفون أن التغيات ل تدث بي يوم وليلة‪ .‬وإنا هي تر ف " تطور " بطيء‬
‫جدا‪ .‬فالقرن العشرون‪ ،‬با يمله من آيات ضخمة‪ ،‬قد ولد ‪ -‬مثل ‪ -‬ف عصر النهضة‪،‬‬
‫أي ف ال قرن الرا بع ع شر أو ا لامس ع شر‪ " ،‬فيح سن " من باب ال ستئناس أن ي قرأ‬
‫النسان التاريخ الديث والعاصر‪ ،‬ليى فيه مولد القرن العشرين!‬

‫ولكنهم ل يصلون ف التواضع ‪ -‬إل نادرا‪ - š‬إل حد قراءة ما سلف قبل ذلك من‬
‫التاريخ!‬

‫ول ست أ تدث بطبي عة ا لال عن " العل ماء " و " العقلء "‪ ..‬إ نا أ تدث عن "‬
‫الماهي "‪ ..‬با ف ذلك " جاهي الثقفي "!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫لذلك فنحن متاجون إل قراءة التاريخ!‬

‫)‪(54‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫متاجون إليه لنرى صورة البشرية على حقيقتها‪ ،‬ولنحدث شيئا‪ š‬من التزان ف‬
‫رءوسنا الت أدارها الدوي الطنان الذي نعيشه ف القرن العشرين‪ :‬دوي اللت الضخمة‪،‬‬
‫والسباق النون‪ ..‬ودوي الفتنة الائجة ف الطريق‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أغمض عينيك لظة‪ ..‬أغمض عينيك عن شاشة التليفزيون الت أمامك! أو عن‬
‫الصاروخ البار الذي انطلق منذ لظة‪ .‬أو عن السيارة الفاخرة الت تنهب بك الرض‪.‬‬
‫وأغمض عينيك لظة كذلك عن تلك الفتاة الت لبست أحدث ما أخرجته بيوت الزياء‬
‫ف باريس‪ ..‬ف ستانا ياذي الرك بة‪ ،‬وينح سر عن ها ح ي ت لس فيك شف ع ما فوق ها‪ ،‬ث‬
‫تزينت أعظم زينة‪ ،‬وخرجت " تتبختر " ف رشاقة فاتنة تلهب الشاعر وتذب العيون‪.‬‬

‫أغ مض عين يك ل ظة‪ ..‬وا نس أ نك تع يش ا لن ف الن صف ال ثان من ال قرن‬


‫العشرين‪ .‬واستمع لذه الكلمات!‬

‫" أرقى المم القدية حضارة وأزهرها تدنا ف التاريخ‪ ،‬هم اليونان‪ .‬وف عصرهم‬
‫البدائي كانت الرأة ف غاية من النطاط وسوء الال من حيث نظرية الخلق والقوق‬
‫القانونية والسلوك الجتماعي جيعا‪ .‬فلم تكن لا ف متمعهم منلة أو مقام كري‪ .‬وكانت‬
‫الساطي )‪ (Mythology‬اليونانية قد اتذت من امرأة خيالية اسها " باندورا " )‪(Pandora‬‬
‫ينبوع جيع آلم النسان ومصائبه‪ ،‬كما جعلت الساطي اليهودية حواء‪ :‬العي الت تنشق‬
‫من ها جداول ا للم وال شدائد‪ .‬وغ ي خاف ع لى أ حد ما كان لذه ال سطورة اليهود ية‬
‫الشنيعة عن حواء من تأثي عظيم ف سلوك المم اليهوية والسيحية قبل الرأة‪ ،‬وما كان لا‬
‫من مفعول قوي ف حقول القانون والخلق والجتماع عند هؤلء الشعوب‪ .‬وكذلك‬
‫أو دونه بقليل كان تأثي السطورة اليونانية عن )باندورا( ف عقولم وأذهانم‪ .‬فلم تكن‬
‫عندهم إل خلقا‪ š‬من الدرك السفل‪ ،‬ف غاية من الهانة والذل ف كل جانب من جوانب‬
‫الياة الجتماعية‪ .‬وأما منازل العز والكرامة ف التمع فكانت كلها متصة بالرجل‪.‬‬

‫وبقي هذا السلوك قبل الرأة ف أول عهدهم بالنهضة الدنية ثابتا على حاله‪ ،‬ربا‬
‫تللته تعديلت قليلة‪ .‬فإنه كان من تأثي ذيوع العلم وانتشار أنوار الضارة أن ارتفعت‬
‫مكانة الرأة ف التمع وأصبحت أحسن حال وأرفع منلة من ذي قبل‪ ،‬وإن بقيت منلتها‬
‫القانونية على حالا ل تتبدل‪ .‬فهي أصبحت ربة البيت‪ ،‬منحصرة واجباتا ف حدوده‪،‬‬

‫)‪(55‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وأصبح لا ف داخله سلطة ونفوذ تام‪ .‬وكان عفافها وتصونا من أغلى وأنفس ما يلك‪،‬‬
‫و ما ين ظر إل يه بع ي الت قدير والتعظ يم‪ .‬وأي ضا‪ š‬كان ال جاب شائعا ف البيو تات العال ية‪.‬‬
‫فكانوا يبنون بيوتم على قسمي‪ :‬قسم للنساء وآخر للرجال‪ .‬وما كان نسوتم يشاركن‬
‫ف ا لالس والند ية الختل طة ول يبزن ف ال ماكن العا مة‪ .‬و كان ي عد زواج ا لرأة‬
‫وملزمتها لزوجها دون غيه من أمارات النجابة والشرف‪ .‬ولمثالا كانت الرمة والنلة‬
‫ف الت مع‪ .‬و بالعكس من ذ لك كانوا ين ظرون إ ل ح ياة الع هر وا لدعارة ن ظرة كره‬
‫وازدراء‪ ..‬هذا ف ع صر كانت ال مة اليونان ية ف إ بان مدها وعن فوان شبابا وقو تا‪،‬‬
‫وكانت تنمو صعدا إل الرقي والكمال‪ .‬ول ريب أنه كانت توجد عندهم مفاسد خلقية‬
‫ف ذ لك العصر‪ ،‬إل أ نا كانت منحصرة ف نطاق مدود‪ .‬وذ لك أن الرجال ل يكو نوا‬
‫يطال‪Ý‬بون ب»ث‪Ô‬ل من العفاف وطهارة الخلق وزكاء السجية كانت تطالب با الرأة وتؤاخذ‬
‫عليها‪ ،‬بل كانوا يستثنو‪Ó‬ن من التخلق بتلك الخلق السنة‪ ،‬ول يكن من التوقع منهم أن‬
‫يعيشوا عيشة ذوي العفاف والشمة‪ .‬ومن أجل ذلك كانت الومسات جزءا من صميم‬
‫التمع اليونان ل ينفك عنه أبدا‪ ،š‬ول يعاب الرء إذا عاشرهن وخادنن‪.‬‬

‫ث جع لت ال شهوات النف سية تتغ لب ع لى أ هل اليو نان و يرف بم ت يار ال غرائز‬


‫البهيمية والهواء الامة‪ ،‬فتبوأت العاهرات والومسات مكانة عالية ف التمع ل نظي لا‬
‫ف تار يخ الب شرية ك له‪ ،‬وأ صبحت ب يوت ال عاهرات مر كزا يؤمه سائر طب قات الت مع‪،‬‬
‫ومرجعا[ يلجأ إليه الدباء والشعراء والفلسفة‪ .‬فكانت شوسا ف ساء العلم والدب‬
‫يدور حولا كواكب الفلسفة والدب والشعر والتاريخ وما عداها من الفنون‪ .‬بل أصبحن‬
‫الق طب ا لذي تدور حوله ر حى ال مة اليونان ية‪ .‬ف ما ك ن• يرأ سن أند ية الع لم و مالس‬
‫ا لدب فح سب‪ ،‬بل كانت ال شاكل السيا سية أي ضا[ تل ع قدها وت فك مع ضلتا‬
‫ب ضرتن و تت إ شرافهن‪ .‬و قد ب لغ بم التع سف ف هذا ال شأن أن كانوا يرج عون ف‬
‫السائل الرئيسية الت تعلو با أمة وتسفل‪ ،‬وتيا لا وتوت‪ ،‬إل الرأة الت ربا ل ترضى‬
‫أن تعاشر رجل بعينه أكثر من ليلة أو ليلتي‪ .‬ث زاد أهل‪ Ý‬اليونان حبهم للجمال وتذوقهم‬
‫الفرط تاديا ف الغي وارتطاما ف حأة الرذائل‪ ،‬وأضرم ف قلوبم نار‪š‬ا للشهوات ل تمد‪.‬‬
‫فالتماثيل ‪ -‬ناذج الفن العارية ‪ -‬الت كانوا ي(ظهرون با وبالفتنان ف صنعها وإتقانا‬
‫ذوقهم هذا‪ ،‬كانت هي الت ترك فيهم الشهوات دوما وتد ف غرائزهم البهيمية‪ .‬ول‬
‫يطر لم ببال أن الستسلم للشهوات شيء ذميم ف قانون الخلق‪ ،‬والندفاع وراء‬
‫ت يار ا لهواء عار وهج نة‪ .‬وت بدلت م قاييس ا لخلق ع ندهم إ ل حد ج عل ك بار‬
‫فلسفتهم وعلماء الخلق عندهم ل يرون ف الزنا وارتكاب الفحشاء غضاضة يلم‬
‫عليها الرء ويعاب‪ .‬وأصبح عامتهم ينظرون إل عقد الزواج نظر من ل يهتم به‪ ،‬ول‬

‫)‪(56‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫يرى إليه من حاجة‪ .‬وقلما يرون بأسا بأن يعاشر الرجل الرأة ويادنا علنا من غي‬
‫عقد ول نكاح‪.‬‬

‫‪...‬‬

‫‪...‬‬

‫والذين تسلموا ذروة الد والرقي ف العال بعد اليونانيي هم الرومان‪ .‬وف هذه‬
‫المة أيضا‪ š‬نرى تلك السلسلة من الصعود والبوط الت قد شاهدناها ف اليونان‪ .‬فحينما‬
‫خرج الرومان من عصر الوحشية وظلمة الهل‪ ،‬وظهروا على مسرح التاريخ لول مرة‪،‬‬
‫كان الرجل رب السرة ف متمعهم‪ ،‬له حقوق اللك كاملة على أهله وأولده‪ ،‬بل بلغ‬
‫من سلطته ف هذا الشأن أن كان يوز له حت قتل زوجه ف بعض الحيان‪.‬‬

‫ولا تففت فيهم صورة الوحشية وتقدموا خطوات ف سبيل الدنية والضارة‪،‬‬
‫تففت القسوة ف تلك السلطة وجعلت الكفة تيل إل الستواء والعتدال شيئ‪š‬ا فشيئا‪،š‬‬
‫وإن بقي نظام السرة القدي ثابتا‪ š‬على حاله‪ .‬وهؤلء ل يكن الجاب عندهم معمول به‬
‫‪ -‬كاليو نان ‪ -‬ف إ بان مد المهور ية الرومان ية ورقي ها‪ .‬لكن هم كانوا ق يدوا الن ساء‬
‫والشباب عامة بقيود مثقلة من نظام السرة‪ .‬فالعفاف كان شيئ‪š‬ا ينظر إليه بعي الجلل‬
‫ول سيما ف شأن النساء‪ ،‬وكان يعد مقياسا‪ š‬للشرف وكرم التد‪ .‬وكذلك كان مستوى‬
‫الخلق عندهم عاليا‪ .‬ومن أمثال ذلك أن اتفق ذات مرة أن عضو ملس الشيوخ قبل‬
‫زو جه أ مام ابن ته‪ ،‬فغ ضب عل يه ال قوم وحك موا ع لى صنيعه بأنه غض من كرا مة ال لق‬
‫القومي وإهانة له‪ ،‬وأمضوا إقرار النكي )‪ (Vote of Censure‬عليه ف ملس الشيوخ‪ .‬هذا‬
‫و ما كان مبا حا ع ندهم ول مر ضيا‪ š‬ف أخلق هم أن يتعا شر الر جل وا لرأة بدون ع قد‬
‫مشروع‪ .‬وما كانت الرأة تتبوأ مكانة العز والكرامة ف التمع إل بأن تكون أم‪Á‬ا لسرة )‬
‫‪ (Matron‬والوم سات‪ ،‬وإن كانت طبقت هن مو جودة‪ ،‬و كان للر جال نوع من الر ية ف‬
‫مادنتهن‪ ،‬إل أن عامة الرومان وجهورهم كانوا يزدرونن وينظرون إليهن نظرة احتقار‬
‫وتعيي‪ .‬وكذلك ما كانوا ينظرون بعي الستحسان إل الرجال الخادني لن‪.‬‬

‫ث أ خذت نظر ية الرو مان ف الن ساء تت بدل برقي هم وتقلب هم ف م نازل الدن ية‬
‫والضارة‪ .‬وما زال هذا التبديل يطرأ على نظمهم وقوانينهم التعلقة بالسرة وعقد الزواج‬
‫والطلق‪ ،‬إل أن انقلب المر ظهر‪š‬ا لبطن‪ ،‬وانعكست الال رأسا‪ š‬على عقب‪ ،‬فلم يبق‬

‫)‪(57‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫لعقد الزواج عندهم معن سوى أنه عقد مدن )‪ (Civil Contract‬فحسب‪ ،‬ينحصر بقاؤه‬
‫وم ضيه ع لى ر ضا التعا قدين‪ ،‬وأ صبحوا ل يهت مون بتب عات العل قة الزوج ية إل قليل‪.‬‬
‫ومنحت الرأة ج يع حقوق الرث وال لك‪ ،‬وجعلها القانون حرة طليقة ل سلطة عليها‬
‫للب ول للزوج‪ ،‬ول تصبح الرومانيات مستقلت بشئون معايشهن فحسب‪ ،‬بل دخل‬
‫ف حوزة ملك هن و سلطانن جزء عظ يم من ا لثراء ال قومي ع لى م سي ال يام‪ .‬ف كن‬
‫يقرضن أزواجهن بأسعار الربا الفاحشة‪ ،‬ما يعود به أزواج الثريات من النساء عبيدا‬
‫لن ف ميادين العمل والواقع‪ .‬ث سهلوا من أمر الطلق تسهيل جعله شيئا[ عاديا[ يلجأ‬
‫إل يه لتفه ال سباب‪ .‬ف هذا " سنيكا " الفيل سوف الرو مان ال شهي )‪ 4‬ق‪ .‬م ‪ 56 -‬م(‬
‫يندب كثرة الطلق ويشكو تفاقم خطبه بي بن جلدته فيقول‪ " :‬إنه ل يعد الطلق اليوم‬
‫شيئا‪ š‬ي ندم عل يه أو ي ستحي م نه ف بلد الرو مان ‪ ,‬و قد ب لغ من كثرته وذ يوع أ مره أن‬
‫جعلت النساء يعدون أعمارهن بأعداد أزواجهن‪ .‬وكانت الرأة الواحدة تتزوج رجل‬
‫ب عد آ خر وت ضي ع لى ذ لك من غ ي ح ياء‪ .‬و قد ذ كر مار شل ) ‪ 104 - 43‬م( ا مرأة‬
‫تزو جت ع شرة ر جال‪ ،‬و كذلك ك تب جووي نل )‪ 140 - 60‬م( عن ا مرأة تقل بت ف‬
‫أحضان ثانية أزواج ف خس سنوات‪ ،‬وأعجب من كل ذلك وأغرب ما ذكره القديس‬
‫ج يوم )‪ 420 - 340‬م( عن ا مرأة تزو جت ف ا لرة ا لخية ال ثالث والع شرين من‬
‫أزواجها‪ ،‬وكانت هي أيضا‪ š‬الزوجة الادية والعشرين لبعلها‪.‬‬

‫ث بدأت تتغي نظرتم إل العلقات والروابط القائمة بي الرجل والرأة من غي‬


‫عقد مشروع‪ .‬وقد بلغ بم التطرف ف آخر المر أن جعل كبار علماء الخلق منهم‬
‫يعدون الزنا شيئا[ عاديا‪ .‬فهذا كاتو )‪ (Cato‬الذي أسندت إليه السبة اللقية سنة ‪184‬‬
‫ق بل اليلد‪ ،‬ي هر بواز ا قتراف الفح شاء ف ع صر ال شباب‪ .‬وذاك شي شيون )‪(Cisro‬‬
‫الصلح الشهي يرى عدم تقييد الشبان بأغلل الخلق الثقلة ويشي بإطلق العنان لم ف‬
‫هذا الشأن‪ .‬ول يقتصر المر عليهما بل يأت إبكتيتس )‪ (Epictetus‬الذي يعد من التصلبي‬
‫ف باب الخلق من فلسفة الرواقيي )‪ (Stoics‬فيقول لتلميذه مرشدا‪ š‬ومعلما‪ " :š‬تنبوا‬
‫معاشرة النساء قبل الزواج ما استطعتم‪ .‬ولكنه ل ينبغي أن تلوموا أحدا‪ š‬أو تؤنبوه إذا ل‬
‫يتمكن من كبح جاح شهواته "‪.‬‬

‫" ولا تراخت عرى الخلق وصيانة الداب ف التمع الرومان إل هذا الد‪،‬‬
‫اندفع تيار من العري والفواحش وجوح الشهوات فأصبحت السارح مظاهر للخلعة‬
‫والتبج المقوت والعري الشي‪ .‬وزينت البيوت بصور ورسوم كلها دعوة سافرة إل‬
‫الفجور والدعارة والفحشاء‪ .‬ومن جراء هذا كله راجت مهنة الومسات والداعرات‬

‫)‪(58‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وانذبت إليهن نساء البيوتات‪ .‬وتادى المر ف ذلك إل أن اضطر القوم إل وضع قانون‬
‫خاص ف عصر القيصر تائي بييس )‪ 37 - 14‬م( لنع نساء البيوت من احتراف مهنة‬
‫الومسات وصناعتهن النافقة‪ .‬ونالت مسرحية فلورا )‪ (Flora‬حظوة عظيمة لدى الروم‬
‫لكونا تتوي على سباق النساء العاريات‪ .‬وكذلك انتشر استحمام الرجال والنساء ف‬
‫م كان وا حد برأى من ال ناس وم شهد‪ .‬أ ما سرد ال قالت اللي عة والق صص الاج نة‬
‫العار ية ف كان شغل مر ضيا مق بول ل يت حرج م نه أ حد‪ ،‬بل ا لدب ا لذي كان يتل قاه‬
‫الناس بالقبول والرضى هو الذي يعب عنه اليوم بالدب الكشوف‪ ،‬وهو الذي تبي فيه‬
‫)‪(20‬‬
‫أحوال الب والعناق والتقبيل سافرة غي مقنعة بجب من الاز والكنايات‪" .‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الن تستطيع أن تفتح عينينك!‬

‫ما رأيك ف هذا " الشريط " من الخبار؟!‬

‫لكأنك تراه أمامك اللحظة ف السينما أو التليفزيون!‬

‫هل هناك كبي فرق؟! ما أشبه الليلة بالبارحة!‬

‫إن بعض أجزاء الصورة توشك أن تكون بذافيها وصفا لا هو كائن اليوم ف‬
‫القرن العشرين‪ ،‬ل ما كان موجودا قبل عشرين قرنا‪ ،‬أو أكثر من عشرين!‬

‫الرأة التبجة التزينة الت تفت الرجل بتبجها وزينتها‪..‬‬

‫الرأة الت تقضي ف شئون الدب والفن والسياسة‪..‬‬

‫الرأة الت تلك الرجل وتسيه حسب هواها‪..‬‬

‫‪ ()20‬كتاب الجاب للسيد أب العلى الودودي‪ ،‬ص ‪ - 14‬ص ‪.24‬‬

‫)‪(59‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ا لرأة " ال ستقلة اقت صاديا " ا لت تف هم من ا ستقللا القت صادي أن لا حق "‬
‫التحرر " أو التحلل اللقي‪..‬‬

‫الرجل الباحث عن متاع السد‪ ،‬الساعي خلف الرأة التبجة‪..‬‬

‫الرجل الشغول بتاع السد عن جديات المور‪.‬‬

‫الرجل الباحث عن " بجـة التمع " وعن الرأة الت " تشارك فـي حل أعباء‬
‫الياة "‪.‬‬

‫الرجل الذي ينظر إل الرأة التحللة على أنا " ضرورة اجتماعية " ويرحب با‬
‫على هذا الساس‪.‬‬

‫و الدب الكشوف‪ ،‬والسارح العارية‪ ،‬والتفنن ف الفحشاء‪.‬‬

‫أكثي هو الذي تغي؟!‬

‫بل‪ ..‬هل تغي شيء ف القيقة؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إن النسان ليذهل من قراءة التاريخ‪.‬‬

‫يذهل أن تكون صورة الياة اليوم ‪ -‬ف جوهرها ‪ -‬هي إل هذا الد تكرار لا‬
‫كان قبل ألفي من السني!‬

‫ويذهل من جهالة الاهلي‪ ،‬ودعاوى الزي×في!‬

‫الزيف ي ا لذين يزع مون أن ال ياة الجتماع ية الدي ثة صورة فر يدة ل تت كرر ف‬
‫التار يخ‪ ،‬ونتي جة " للت طور " ا لذي جاء به " الع لم "‪ ..‬وا لاهلي ا لذين ي صدقون هؤلء‬
‫الزيفي!‬

‫)‪(60‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫أين هو " التطور " ف صورة الياة الجتماعية؟!‬

‫لقد تغيت الدوات حقا‪ ..š‬ما ف ذلك شك! ولكن " العمل " ذاته هل تغي؟!‬

‫وأ ية سذاجة أو جها لة أو تزي يف ت لك ا لت تعل نا ن سب ا لمر جد يد‪š‬ا لن "‬


‫كرستيان ديور " هو الذي يصدر أزياء النساء ول يكن موجودا من قبل‪ ،‬وأن السينما هي‬
‫الت تعرض العري والدعارة والفجور ول تكن موجودة من قبل‪ ،‬وأن التليفزيون هو الذي‬
‫ين قل صور الف ساد إ ل دا خل ا لبيوت و ل ي كن مو جودا من ق بل‪ ،‬وأن ال شارع ا لذي‬
‫تستعرض فيه الرأة قدرتا على الفتنة والغراء شارع واسع " مسفلت " نظيف مزدحم‬
‫بالسيارات الاصة والعامة ول يكن موجودا من قبل؟!‬

‫أ ية سذاجة أو جها لة أو تزي يف ت لك ا لت تن سب ذ لك " الت قدم الجت ماعي " "‬
‫ال ضخم " ا لذي نعي شه ال يوم‪ ،‬وا لذي أ خرج الرأة إ ل الطر يق عار ية تبتغي الفت نة و شغل‬
‫الر جل بفتنت ها‪ ..‬إ ل اقت صاديات ال قرن الع شرين الفر يدة ف التار يخ‪ ،‬و ظروف ال قرن‬
‫العشرين الفريدة ف التاريخ‪ ،‬وعلم القرن العشرين الفريد ف التاريخ‪ ،‬واختراعات القرن‬
‫العشرين الفريدة ف التاريخ و " أيديولوجيات " القرن العشرين الفريدة ف التاريخ؟!!‬

‫أية سذاجة أو جهالة أو تزييف تلك الت تنسى وقائع التاريخ الاضي وتزعم أن‬
‫الب شرية " و لدت " ال يوم مو لدا‪ š‬ل تو لده من ق بل قط‪ ،‬وأن هذا ال يل من الب شرية ج يل‬
‫منقطع الصلة عن كل شيء قبله‪ " .‬جيل الصواريخ "‪ ..‬الذي ل يتقيد بدللت الاضي‪،‬‬
‫ول يتأثر با‪ ،‬ول تعنيه ف شيء‪ ،‬لنه ينشئ نفسه إنشاء على نو غي مسبوق‪..‬؟!‬

‫بل أية سذاجة أو جهالة أو تزييف تلك الت تزعم أن الكيان البشري الداخلي قد‬
‫" تطور " أو تغي خلل كل هذه القرون؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلك شهادة التاريخ‪ .‬فلنتدبرها‪ .‬إنا تقول أشياء كثية‪..‬‬

‫تقول أول‪ :‬إن " القرن العشرين "‪ ..‬أو " الياة الجتماعية ف القرن العشرين "‪..‬‬
‫أو " دور الرأة ف الياة الجتماعية ف القرن العشرين " أو " علقة الرجل والرأة ف القرن‬

‫)‪(61‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫العشرين " ليست صورة فريدة ول جديدة ف حياة البشرية‪ ..‬فقد مرت صور من قبل‬
‫فيها مشابه عجيبة منها‪ ،‬حت لينسى النسان إذا أغمض عينيه وهو يسمعها أنه يعيش ف‬
‫القرن العشرين‪ ،‬أو أن تلك الصور كانت قبل ألفي من السني!‬

‫وت قول ثان يا‪ :š‬إن ال سباب الزعو مة ا لت تف سر با ال ياة الجتماع ية ف ال قرن‬
‫الع شرين‪ ،‬ودور ا لرأة في ها‪ ،‬وعلقت ها بالر جل في ها‪ ،‬لي ست هي ال سباب القيق ية‪ ..‬أو‬
‫ليست كلها على القل‪ .‬فإنا إن عزيت إل أي سبب متعلق بالقرن العشرين وحده وما‬
‫حدث فيه من " تطور " وتقدم‪ ،‬فكيف يكن تفسي الصورة الشابة الشديدة الشبه منها‪،‬‬
‫الت حدثت ف القرن الول للميلد‪ ،‬أو قبله بعدة قرون؟!‬

‫وتقول ثال ثا‪ :š‬إن الك يان الب شري ل يس ك ما تصوره نظر يات ال قرن التا سع ع شر‬
‫وال قرن الع شرين‪ ،‬ع لى يد ماركس ودر كاي‪ ،‬و من شابهم و من أ خذ من هم‪ ..‬ل يس "‬
‫متطورا‪ " š‬من داخله بالصورة الت تلغي كل ثبات فيه أو فيما حوله‪ ..‬وليس " النس "‬
‫اكتشافا جديد‪š‬ا يكتشفه فرويد‪ ..‬فقد اكتشفته قبله حضارات عديدة ف التاريخ!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وليس معن هذا أننا نلغي عمل التطور‪ ،‬أو نسقط فترة اللفي من السني!‬

‫كل! فما يصنع ذلك عاقل!‬

‫إ نا نر يد ف قط أن ن صحو من غفلت نا ا لت تت صور الا ضر منقط عا‪ š‬عن كل دل لة‬


‫الاضي‪ ،‬نابت‪š‬ا نباتا‪ š‬شيطانيا‪š‬على نسق غي مسبوق‪.‬‬

‫ل قد حدثت أ حداث ضخمة ف القرن ي التا سع ع شر والع شرين‪ :‬ف عال ا لادة‬
‫وعال البشر على السواء‪.‬‬

‫النقلب الصناعي كان حدث‪š‬ا تاريي‪š‬ا ضخما‪ š‬ول ريب‪.‬‬

‫الرأسالية والشيوعية حدثان ول شك من أحداث التاريخ‪..‬‬

‫)‪(62‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫النظرة إل " النسان " قد تقلبت مرات عدة من أقصى الشمال إل أقصى اليمي‬
‫بصورة ل يسبق لا مثيل‪ :‬من تقديس فرديته إل الد الذي يكاد يلغي التمع إل جواره‪،‬‬
‫إل تقديسه ف صورة الماعة إل الد الذي يكاد يلغي شخصيته الفردية ويعتبه مرد فرد‬
‫ف القطيع‪ .‬من " إنسان " رفيع النلة يعتب مركز الكون‪ ،‬إل حيوان أو ناجم من حيوان‪..‬‬
‫ل مزية له على غيه من الحياء إل أنه ف طور السيادة ف الوقت الاضر‪ ،‬وقبله كانت‬
‫أنواع من اليوان هي السيدة على ظهر الرض! ث من إنسان عابد لغيه‪ :‬ل أو الطبيعة أو‬
‫أي شيء آخر‪ ،‬إل إنسان متأله ل يريج أن يعبد إل ذاته ف القرن العشرين!‬

‫والعلم قد خطا خطوات جبارة ل مثيل لا ف التاريخ كله‪ ..‬ف جˆر الذرة وأطلق‬
‫ال صاروخ‪ ..‬و سخر للن سان كثيا‪ š‬من قوى ا لرض وال كون‪ ..‬وي سˆر ال ياة الاد ية أ يا‬
‫تيسي‪ ..‬وحل عن الناس الهد البدن الذي كان يشقيهم من قبل ويعنتهم‪ ،‬فح̂مله لللة‪،‬‬
‫وانطلق النسان خفيفا‪ š‬مذخور الطاقات!‬

‫" صورة " الياة كلها قد تغيت من اللف إل الياء‪..‬‬

‫ولكن‪ " ..‬النسان" هل تغي؟!‬

‫ألوان نشاطه‪ ..‬ودللة مناشطه وأعماله؟ هل تغيت؟!‬

‫هل صار ‪ -‬ف انرافاته واعتدالته ‪ -‬شيئا‪ š‬آخر غي " النسان "؟ النسان الذي‬
‫عاش ‪ -‬مثل ‪ -‬قبل ألفي من السني؟!‬

‫هل صارت دللت أعماله بالنسبة إليه ‪ -‬ف انرافاته واعتدالته ‪ -‬شيئا‪ š‬آخر غي‬
‫ما كان من الدللت؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلك شهادة التاريخ‪..‬‬

‫فلنتدبرها‪..‬‬

‫)‪(63‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫إنا تروي لنا أشياء خطية‪ ..‬عن الثابت والتطور ف كيان النسان‪.‬‬

‫)‪(64‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫الثابت والتطو•ر ف كيان النسان‪š‬‬


‫هل وعينا شهادة التاريخ؟‬

‫هل استخرجنا منها كل دللتها؟‬

‫إن دللتها ل تقف عند حد هذا التشابه العجيب بي فترتي من فترات التاريخ‬
‫يفصل بينهما عشرون قرنا من الزمان‪.‬‬

‫إنا تلفتنا إل ما هو أعمق من ذلك وأخطر‪ ..‬إل الطبيعة البشرية ذاتا‪ ..‬إل ذلك‬
‫" النسان " التضم‪Ì‬ن ف أحداث التاريخ‪ ،‬متأثرا‪ š‬با ومؤثرا فيها على مدار الجيال‪..‬‬

‫هذا " النسان " هو الذي نريد أن نصل إليه من خلل الحداث والظروف‪..‬‬
‫و من وراء اللب سات والتقل بات‪ ..‬نر يد أن نفح صه من ا لداخل‪ ..‬أن نتع مق ك يانه‪ ..‬أن‬
‫نتعرف إليه‪ ..‬فمن الؤكد ‪ -‬من تبطاتنا ف النظر إليه ‪ -‬أنه هو " الهول " الكب ف هذا‬
‫القرن العشرين‪ ..‬قرن " العلم " والكشف والعرفان!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫يقول ألكسس كاريل ف كتابه " النسان‪ ..‬ذلك الهول " ‪ -‬وهو " عال " من‬
‫علماء الطب والياة‪ ،‬وليس فيلسوفا صاحب نظريات‪:‬‬

‫" إننا ل نفهم للنسان ككل‪ ..‬إننا نعرفه على أنه مكون من أجزاء متلفة‪ .‬وحت‬
‫هذه الجزاء ابتدعتها وسائلنا‪ .‬فكل واحد منا مكون من موكب من الشباح تسي ف‬
‫وسطها حقيقة مهولة!!‬

‫ووا قع ا لمر أن جهل نا مط بق‪ .‬فأغلب ال سئلة ا لت يلقي ها ع لى أنف سهم أولئك‬
‫الذين يدرسون النس البشري تظل بل جواب‪ ،‬لن هناك مناطق غي مدودة ف دنيانا‬
‫الباطن ية‪ ،‬ما زا لت غ ي معرو فة‪ ...‬وه ناك أ سئلة أ خرى ل عداد لا‪ ،‬ي كن أن تل قى ف‬

‫)‪(65‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫مو ضوعات تع تب ف غا ية اله ية بالن سبة ل نا‪ ..‬ولكن ها ستظل جي عا‪ š‬بل جواب‪ ..‬ف من‬
‫الواضح أن جيع ما حققه العلماء من تقدم فيما يتعلق بدراسة النسان غي كاف‪ ،‬وأن‬
‫)‪(21‬‬
‫معرفتنا بأنفسنا ما زالت بدائية ف الغالب‪" ...‬‬

‫هذا تقرير عال ف العلوم‪ ،‬أتيحت له فرص نادرة ‪ -‬كما يقول ف مقدمة كتابه ‪-‬‬
‫لن يقضي معظم وقته يبحث ف العمل‪ ،‬ويفيد من تارب العلماء الخرين ف الطبيعة‬
‫والكيمياء وعلم الياة وعلم وظائف العضاء إل جانب تصصه ف الطب‪ .‬ومع ذلك "‬
‫فالماهي "‪ ،‬با ف ذلك " جاهي الثقفي " يأخذها غرور العلم الجوف‪ ،‬فيظنون أنم‬
‫عرفوا كل شيء ‪ -‬ف عال النسان خاصة ‪ -‬وأنم مؤهلون لن يفتوا ف قضايا النسان‬
‫ف تأكد وتكن‪ ..‬فتكون فتواهم هي هذه القوال الزائفة‪ ،‬الت توحي بأن إنسان القرن‬
‫الع شرين كائن مت فرد‪ ،‬مق طوع ال صلة ‪ -‬أو ي كاد ‪ -‬ب كل الج يال قب له‪ ،‬وأن ترب ته ا لت‬
‫يعيشها ف هذا القرن تربة متفردة لنا تصدر عن كيان " متطور " ل مثيل له من قبل‪،‬‬
‫وأن دللت الف عال بالن سبة لذا الن سان دللت غ ي م سبوقة‪ ،‬ول شبه بين ها وب ي‬
‫دللت البشرية فيما مضى من القرون‪..‬‬

‫وتتغذى هذه النظرة الزائفة على " علوم " كثية و " نظريات "‪..‬‬

‫فالتفسي الادي للتاريخ يقول إنه " ليس شعور الناس هو الذي يعي وجودهم‪،‬‬
‫ولكن وجودهم هو الذي يعي مشاعرهم " ]كارل ماركس[ ووجودهم متغي على الدوام‬
‫ب كم الت طور ف أدوات الن تاج‪ ،‬تب عا لا يد من ك شوف واخترا عات ع لى ا لدوام "‬
‫فأ سلوب الن تاج ف ال ياة الاد ية هو ا لذي يع ي ال صفة العا مة للعمل يات الجتماع ية‬
‫والسياسية والعنوية ف الياة " ]ماركس[ " النتاج وما يصحبه من تبادل النتجات هو‬
‫ال ساس ا لذي ي قوم عل يه كل ن ظام اجت ماعي‪ .‬فح سب هذه النظر ية ند أن ال سباب‬
‫النهائية لكافة التغييات والتحولت الساسية يب البحث عنها ل ف عقول الناس أو ف‬
‫سعيهم وراء ا لق وال عدل ا لزليي‪ ،‬وإ نا ف التغي يات ا لت ت طرأ ع لى أ سلوب الن تاج‬
‫والتبادل " ]فردريك إنلز[‪.‬‬

‫ومن ث فل يوجد كيان ثابت للنسان!‬

‫‪ ()21‬ترجة شفيق أسعد فريد‪ .‬منشورات مكتبة العارف ببيوت‪ .‬ص ‪18 - 16‬‬

‫)‪(66‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫النسان هو حصيلة الظروف الادية والقتصادية‪ .‬وهو انعكاس الطور القتصادي‬


‫الذي يعيش فيه‪ .‬وما دامت هذه الطوار دائمة التغي‪ ،‬فالنسان ‪ -‬حصيلتها وانعكاسها ‪-‬‬
‫ليس له كيان ثابت‪ ،‬وإنا هو ف تطور مستمر تبعا لذه التغيات‪ .‬والتطور يشمل كيانه‬
‫كله‪ :‬أخلقه وعقائده وأفكاره وسلوكه الفردي والماعي‪ ..‬وكل شيء فيه‪.‬‬

‫كان النسان ف التمع الزراعي يعبد ال‪ ..‬لنه‪ ..‬يضع البذرة ف الرض ويطلب‬
‫الب‪ Ì‬من الرب! لنه عاجز بنفسه عن التأثي ف عملية النتاج‪ ،‬ل هو يستطيع أن يسرعها‬
‫أو يبطئها عن مدتا " الغيبية " ول هو يستطيع ‪ -‬إل بقدر ضئيل ‪ -‬أن يتحكم ف النتائج‬
‫]بالهد البذول من جانبه[ فالعاصي والفات‪ ،‬وتقلبات البد والر ل سلطان له عليها‬
‫البتة‪ ..‬ول بد أن ينتظر فيها كلمة السماء‪.‬‬

‫وكان الرجل هو النتج الرئيسي‪ ،‬وهو الذي يعول الرأة‪ .‬ومن ث كان هو السيطر‬
‫صاحب السلطان‪ .‬وكانت السرة تثل سلطان الزوج‪ ،‬وهو حريص عليها شديد الرص‬
‫لنا تيئ له ذلك السلطان‪ ،‬ومن ث يفرض على الرأة قيودا خلقية شديدة‪ ،‬فالعفة شرط‬
‫رئيسي لياتا وعنصر ل غناء لا عنه‪ .‬والعفة معناها ]ف هذا التفسي[ أن يتأكد الرجل ‪-‬‬
‫صاحب السلطان ‪ -‬أن هذه الرأة أو تلك له وحده ل يسسها أحد غيه‪ .‬ث ييء الدين‬
‫]الذي يثل هذا " الطور "[ فيقول إن العفة مطلب إلي من البشر‪ ،‬عليهم أن يلتزوما به‬
‫من أجل ال‪.‬‬

‫و كانت ال ياة الزراع ية با في ها من ت كاليف شاقة ت ستلزم نو عا من الت عاون‬


‫الفردي‪ ،‬فصار هذا التعاون خ»لقا‪ ..‬وصار جزءا كذلك من مفهوم الدين‪.‬‬

‫و كانت ال سرة متعار فة‪ ،‬ب كم قرابت ها وت صاهرها ف ميط ها ا لدود‪ ،‬وب كم‬
‫التعاون بينها ف جع الاصيل وبيعها وتبادلا‪ ،‬فكان هذا التعارف خلقا‪ ..‬وكان جزءا من‬
‫مفهوم الدين‪ ..‬ال‪ ..‬ال‪..‬‬

‫و من ه نا كانت أخلق الت مع الزرا عي وم شاعره وم فاهيمه وم بادئه و سلوكه‬


‫العملي‪ ..‬كلها نابعة من حقيقة الرض‪ ،‬ومرتدة إليها‪ ..‬فالرض ‪ -‬بفهومها الزراعي ‪-‬‬
‫هي الت تشكل حياة النسان‪.‬‬

‫ث انتقل الناس إل الطور الصناعي‪ ..‬فتبدلت الحوال‪..‬‬

‫)‪(67‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫عملية النتاج ل تعد " غيبية "‪ .‬فهي عملية منظورة‪ .‬اللة النت¼جة منظورة‪ ،‬والادة‬
‫النت‪É‬جة منظورة كذلك‪ .‬و " النسان " هو الذي يديرها وليس " ال " ]!![ ومن ث فل‬
‫ضرورة شعورية لعبادة ال!‬

‫والرأة قد استقلت اقتصادي‪š‬ا بكم سلسلة من الظروف القتصادية التوالية‪ ..‬فلم‬


‫يعد الر جل هو الذي يعولا‪ .‬ومن ث ل يعد الر جل هو السيطر‪ .‬أو على ال قل ل تعد‬
‫سيطرته مطلقة‪ .‬فلم يعد ف و سعه ‪ -‬تدرييا‪ - š‬أن يفرض العفة على الرأة‪ .‬أي يفرض‬
‫عليها أن تكون له وحده‪ .‬فصار من حقها ‪ -‬تدرييا‪ - š‬أل تكون عفيفة‪ .‬لنا تستطيع‬
‫ح ي يرف ضها الر جل ‪ -‬إذا رف ضها! ‪ -‬ل عدم عفت ها‪ ،‬أن ت عول نف سها بنف سها‪ ..‬ول نا‬
‫استقلت اقتصادي‪š‬ا اضطر الرجل أن يترمها‪ ،‬وينل لا عن سلطانه‪ ،‬ويعطيها حق الباحية‬
‫النسية‪ ..‬ث انتهى المر أن يبذ هو تلك الباحية بكم " التطور "‪..‬‬

‫و عاش ال ناس ف الدي نة ‪ -‬ل ف القر ية ‪ -‬بأ عداد متزا يدة‪ ،‬و من أ صول غ ي‬
‫متعارفة‪ .‬فلم يعد التعارف شرطا‪ š‬للحياة النسانية‪ .‬وصار اللق الديد للمدينة ‪ -‬اللق‬
‫الت طور ‪ -‬أن يع يش كل إن سان ح ياته الا صة ف عز لة عن ا لخرين‪ ..‬عز لة شعورية‬
‫وواقعية‪..‬‬

‫وب طل التعاون ال فردي‪ ،‬لن عمل ية الن تاج صارت متخص صة‪ ،‬كل عا مل يدق‬
‫مسمارا أو يط خ طا أو يدفع شريطا‪ š‬معدني‪š‬ا أمامه‪ ..‬إل‪ .‬بل تعاون مل موس بي وا حد‬
‫وواحد ف الصنع الكبي‪ ..‬فصار " عدم التعاون الفردي " هو اللق الديد التطور‪..‬‬

‫وه كذا ا ستمد الت مع ال صناعي أخل قه وم شاعره وم فاهيمه وم بادئه و سلوكه‬
‫العملي من اللة‪ ،‬والنتاج الادي‪ ..‬فصارت اللة هي الت تشكل حياة النسان‪..‬‬

‫وهكذا‪ ..‬ل يكون شعور الناس هو الذي يعي وجودهم‪ .‬ولكن وجودهم هو‬
‫الذي يعي مشاعرهم‪ ،‬على حد قول العال الكبي كارل ماركس!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫هكذا تسب السبة ف التفسي الادي للتاريخ!‬

‫)‪(68‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ث ييء " علم " الجتماع على هدى دركاي فيقول إن الدين والزواج والسرة‬
‫ليست فطرة لدى النسان! وإنا هي من عمل " العقل المعي "‪ ،‬وهو شيء ]ما هو؟![‬
‫دائم الت طور والتغ ي والت شكل‪ ،‬لن التم عات ل تث بت ع لى حال وا حد‪ .‬و من ث ف كل‬
‫متمع يصنع دينه ]أو لدينه![ ونظم زواجه ]أو ل زواجه![ ونظم أسرته ]أو ل أسرته![‬
‫فإذا قال العقل المعي ف طور من أ طواره‪ :‬لي كن د ين‪ ..‬فلي كن د ين! وإذا قال‪ :‬لي كن‬
‫زواج‪ ..‬فليكن زواج‪ .‬وإذا قال‪ :‬لتكن أسرة‪ ..‬فلتكن أسرة‪ .‬أما إذا قال ‪ -‬حسب هواه‪،‬‬
‫أو ح سب " حتم ية ال ظواهر الجتماع ية " ا لت ل تن شأ من ضمي ال فرد ول فطر ته‪ ،‬ول‬
‫عل قة لا ب شاعره الفرد ية‪ ،‬ول بر ضاه أو عدم ر ضاه عن ها! ‪ -‬إذا قال‪ :‬لي كن ل د ين‪.‬‬
‫وليكن ل زواج‪ .‬وليكن ل أسرة‪ .‬فسرعان ما يرضخ الفراد " لقهر الظاهرة الجتماعية "‬
‫فين سلخون من دين هم وأخلق هم وي تبأون من ها‪ .‬وي لون روا بط ا لزواج وال سرة‪،‬‬
‫ويصبحون أي شيء يريده العقل المعي ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ل قاهر سواه‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ث تيء برة العلم‪..‬‬

‫الكهرباء بأعاجيبها‪..‬‬

‫واللة بضخامتها‪..‬‬

‫والتغي الدائم‪ ..‬كل يوم جديد‪..‬‬

‫ما تكاد البشرية تفتح فاها عجبا للتليفون ‪ -‬مثل ‪ -‬وقدرته السحرية على نقل‬
‫الصوت ‪ -‬ف أسلك ‪ -‬عب السهول والدويان والبال‪ ،‬حت يكون اللسلكي قد فجأها‬
‫با هو أعجب وأشد فتحا للفواه‪ .‬وحت يكون التليفزيون‪..‬‬

‫وما تكاد البشرية تفيق من دهشة السيارة الت تسي بل حصان‪ ..‬بقوة الحتراق‬
‫الداخلي‪ ،‬كأنا يدفعها جن أو ساحر يسخر الن‪ ،‬حت تفجأها الطائرة‪ ..‬ث الصاروخ‪..‬‬

‫)‪(69‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وما تكاد تفيق من عملية النسج اللية‪ ،‬الت تقوم اللة فيها بعمل ستة من العمال‬
‫دفعة واحدة‪ ،‬حت تفجأها اللة الت تصنع كل شيء! والت تقوم بعمل ألوف العمال‪ ،‬على‬
‫دقة وتكن ل تطيقه طاقات النسان‪.‬‬

‫ث تتوال العجائب كل يوم وكل لظة‪ ..‬فتعطي الياة شكل متلفا ف كل لظة‪،‬‬
‫وتغي مشاعر الناس وأفكارهم ومفاهيمهم ومبادئهم وسلوكهم الواقعي كل لظة‪ ..‬سلوك‬
‫راكب المل ومفاهيمه غي سلوك راكب السيارةغي سلوك راكب الطائرة‪ ،‬غي سلوك‬
‫راكب الصاروخ السافر بي الكواكب ف عصر الفضاء‪..‬‬

‫فأ̂نى " للنسان " أن ي كون هو الن سان‪ ..‬بل أين هو النسان ذاته فـي هذا‬
‫السباق البار؟!‬

‫وحي نصل من القضية إل هذا الد‪ ..‬حي تأخذ رءوسنا تدور من طني اللت‬
‫وانفجار الطاقات‪ ..‬حي تبهر أعيننا شدة التغي ومداه‪ ..‬فنظن أن " النسان " قد تغي‪..‬‬
‫أو أنه ل يوجد وجود حقيقي للنسان )!(‪ ..‬عند ذلك ينبغي أن نعود سريعا إل شهادة‬
‫التاريخ‪ ..‬فهي العاصم لنا من الدوار!‬

‫شهادة التاريخ‪ ..‬هي الرد على هذه " التهيؤات "!‬

‫صورتان من ال ياة يف صل بينه ما أل فا عام‪ ..‬وتف صل بينه ما أدوات متل فة من‬


‫أدوات النتاج‪ ..‬وأطوار متلفة من العلوم والكشوف والختراعات‪ ..‬ومع ذلك يتشابان‬
‫إل هذا الد الذي يثي الدهشة‪ .‬كادان ف بعض الزئيات يتماثلن!‬

‫إذن‪..‬؟!‬

‫ل بد أن هناك تفسيا آخر " للنسان "‪..‬‬

‫ول بد أن هناك عوامل أخرى غي هذه العوامل النظورة‪ ،‬هي الت تكم تصرفات‬
‫النسان!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(70‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫التف سي الادي للتار يخ ياول أن يف سر الن سان من ا لارج‪ ..‬ياول أن يف سره‬


‫على أنه هو ف ذاته عجينة لينة قابلة للتشكل الدائم‪ ،‬ومهمتها هي التشكل الدائم‪ ..‬ل‬
‫قوام لا ف ذا تا‪ ..‬وإ نا ت ستجيب دائ ما لل مؤثرات‪ ..‬و من ث تأ خذ صورة ال قالب ‪-‬‬
‫القتصادي والادي ‪ -‬الذي توضع فيه‪ ،‬ول تضغط هي على الوادث أبدا‪ ،‬ول يكون لا‬
‫هي التأثي على هذا القالب‪ ،‬لنه " حتمي " من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى " مستقل عن‬
‫)‪.(22‬‬
‫إرادة الناس " ]كارل ماركس[‬

‫والتفسي المعي للتاريخ ياول كذلك أن يفسر النسان من الارج‪ ..‬ياول أن‬
‫يف سره على أنه ‪ -‬أراد أو ل يرد ‪ -‬يتشكل على الدوام " بالقهر " الجتماعي الذي ل‬
‫يرا عي م شاعر ال فرد ول رغ باته‪ ،‬ول عل قة له با ]در كاي[ )‪ (23‬وع لى أن ال ظواهر‬
‫الجتماع ية ل صلة لا " بف طرة " الن سان‪ ..‬فا لمور ا لت ي» ظن أ نا من الف طرة‪ ،‬كا لدين‬
‫والزواج والسرة‪ ،‬والقيم اللقية‪ ،‬ظواهر اجتماعية ف حقيقتها‪ ،‬قد يرتضيها الفرد وقد ل‬
‫يرتضيها‪ ،‬ولكنها " تكون "‪ ..‬وبالتال‪ ،‬فإنه إما أل تكون للنسان فطرة ثابتة‪ ..‬وإما أن‬
‫هذه الفطرة ‪ -‬على فرض وجودها ‪ -‬ليست مرجعا لياة النسان!!‬

‫ث تيء شهادة التاريخ فتكذب هذا وذاك!‬

‫فكل التفسيين يعجز عن تفسي هذا التشابه العجيب ف الياة الجتماعية الذي‬
‫يفصل بينه ألفا عام‪..‬‬

‫التف سي الادي للتار يخ ا لذي ي ضع هه ك له ف التغ يات الاد ية وت طور أ ساليب‬


‫النتاج‪ ،‬يعجز بداهة عن تفسي موقفي متشابي من الناحية " النسانية " ل شبه بينهما‬
‫على الطلق ف عال الادة وأساليب النتاج!‬

‫والتفسي المعي الذي يضع هه كله ف العقل المعي‪ ،‬والقهر الجتماعي الواقع‬
‫على الفرد الذي ل تكمه الفطرة‪ ..‬يعجز عن تفسي الوقفي التشابي‪ ،‬إل على فرض‬

‫‪ " ()22‬ف الن تاج الجت ماعي ا لذي يزاو له ال ناس ترا هم يقي مون عل قات مددة ل غ ن عن ها‪ .‬و هي‬
‫مستقلة عن إرادتم‪ .‬وعلقات النتاج تطابق مرحلة مددة من تطور قواهم الادية ف النتاج‪ .‬والموع‬
‫الكلي لذه العلقات يؤلف البناء القتصادي للمجتمع‪ .‬وهو الساس القيقي الذي تقوم عليه النظم‬
‫القانونية والسياسية‪ ،‬والت تطابقها أشكال مددة من الوعي الجتماعي " ]ماركس[‪.‬‬
‫‪ ()23‬مرت بنا مقتطفات من أقواله ف فصل سابق‪.‬‬

‫)‪(71‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫واحد ‪ -‬ل يريد أصحابه العتراف به ‪ -‬هو أن يكون هذا العقل المعي ‪ -‬على فرض‬
‫التسليم بوجوده ‪ -‬جزءا من فطرة النسان!‬

‫ول تفسي لشهادة التاريخ إل تفسي واحد‪ :‬أن يكون للنسان فطرة‪ ،‬وأن يكون‬
‫لذه الفطرة لون من الثبات! وكل تفسي خلف ذلك فهو عاجز عن التفسي‪ ،‬متمحل‪،‬‬
‫مانب للصواب!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ما الذي أغرى تلك التفسيات النحرفة أن تصنع هذا الصنيع " بالنسان "؟!‬

‫إنا مزية النسان العظمى‪ ،‬الت ميزه ال با عن اليوان‪ ،‬هي ذاتا الت تعل هذه‬
‫التفسيات النحرفة تنله من مكانه الرفيع‪ ،‬فترده إل وضع أسوأ حت من اليوان!‬

‫الرونة‪ ..‬وتعدد الوانب!‬

‫ويع جب الن سان ح ي ين ظر إ ل ت لك التف سيات القا صرة الزائ فة‪ ،‬ك يف ت شوه‬
‫الزية الت وهبها ال للنسان‪ ،‬ليوسع حياته ويثريها‪ ،‬ويعدد أناطها ومستوياتا‪ ،‬واتاهاتا‬
‫وأ لوان ن شاطها‪ ..‬فتقلب ها ‪ -‬ف تف سيها ‪ -‬أداة لل سلبية وال نوع‪ ،‬والنط باع ا لدائم‬
‫بالؤثرات الادية " الستقلة عن إرادة النسان " أو القهر الجتماعي " الستقل عن كيان‬
‫الفرد "‪ ..‬أو ما شابه ذلك من الؤثرات‬

‫الرونة الت مكنت النسان أن " يواجه " البيئة الادية ف جيع ظروفها وحالتا‪،‬‬
‫خر‪Ý É‬لك‪ Ô‬م‪ Ó‬م‪É‬ا ف¼ي ال س‪Ì‬م‪É‬او‪É‬ات¼ و‪ É‬م‪É‬ا ف¼ي‬
‫فيسيطر عليها ف النهاية على نو من الناء ]" و‪ É‬س‪Ì É‬‬
‫ا‪á‬لأ‪Ý‬ر‪Ó‬ض¼ ج‪É‬م¼يعا‪ š‬م¼ن‪Ó‬ه» "[ )‪ (24‬ول يفن ول يدول حي تواجهه الصعاب‪.‬‬

‫وتعدد ا لوانب ا لذي تتم ثل ف يه عبقر ية الن سان‪ ،‬وا لذي أ تاح له أن " ين شئ "‬
‫الضارات الختلفة‪ ،‬وأن يعل هذه الضارات شاملة لنشاط الروح ونشاط الفكر ونشاط‬
‫السد‪ ..‬شاملة للجوانب القتصادية والجتماعية والسياسية والادية والفكرية والروحية‪..‬‬

‫‪ ()24‬سورة الاثية ]‪.[13‬‬

‫)‪(72‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫هذه الز ية وت لك ‪ -‬وكلتا ها موهب تان للن سان ليعط ياه إياب ية وحيو ية فاع لة ‪-‬‬
‫تردها التفسيات النحرفة الزائغة إل سلبية بغيضة تتأثر بالحداث من الارج‪ ،‬ول تؤثر‬
‫هي من الداخل ف الحداث!‬

‫الرونة ‪ -‬القابلية للتشكل الدائم ‪ -‬أغرت التفسي الادي للتاريخ أن يظن أنه ل‬
‫يوجد " كيان " ثابت للنسان‪ .‬وأنه ليس لذا الكيان كلمة ذاتية ف الوضوع! عليه فقط‬
‫أن يتلقى فيستجيب!‬

‫وت عدد ا لوانب ‪ -‬وخا صية بروز بع ضها أحيا نا وان سار ب عض ‪ -‬أ غرت هذا‬
‫التفسي والتفسي المعي كذلك أن يظنا أنه ل يوجد كيان ثابت للنسان‪ ،‬وإنا هي "‬
‫أطوار " ل يمعها ف النهاية كيان!‬

‫وهذا وذاك ‪ -‬وغيها من التفسيات الزائغة النحرفة ‪ -‬يأخذون جزئية صغية‪،‬‬


‫أو وجها واحدا‪ š‬من وجوه النسان‪ ،‬ويفسرون على ضوئه النسان كله‪ ،‬أو وجها واحدا‬
‫من وجوه النسان‪ ،‬ويفسرون على ضوئه النسان كله‪ ،‬فيخرج من بي أيديهم مشوه‬
‫الكيان!‬

‫والنسان ف حقيقته أكب من تلك الزئية الصغية وأكب من ذلك الوجه الفرد‬
‫الذي تفسر من خلله الياة‪.‬‬

‫ومرونته وتعدد جوانبه اللذان أغريا هذه التفسيات الزئية أن تشوه صورته ها‬
‫مزيتان إيابيتان على مدار التاريخ‪ ،‬وإن كان لما ‪ -‬بالفعل ‪ -‬وجه سلب هو الذي تركز‬
‫عليه هذه التفسيات!‬

‫إن الن سان ا لزدوج الطبي عة‪ ،‬ال كون من قب ضة الط ي ونف خة ا لروح‪ ،‬مت حدتي‬
‫متز جتي )‪ ،(25‬ي مل ف كل ت صرفاته وجه ي مت قابلي‪ .‬و من مالت هذا الزدواج أن‬
‫توجد فيه هاتان الصفتان التقابلتان‪ :‬السلبية واليابية‪ ،‬وأن تشمل ‪ -‬من الانبي ‪ -‬كل‬
‫تصرفاته‪ ،‬ف اللحظة الواحدة وف جيع اللحظات‪ .‬وإن كان ف طبيعته أن ينح أحيانا بذه‬
‫ال صفة أو ت لك‪ ،‬فتز يد ن سبتها مؤق تا‪ ،‬ث ي عود ‪ -‬ما دام سويا ‪ -‬إ ل ال تزان‪ .‬وت لك هي‬

‫‪ ()25‬انظر بالتفصيل فصل " خطوط متقابلة ف النفس البشرية " ف كتاب " منهج التربية السلمية "‬
‫وفصل " طبيعة مزدوجة " ف كتاب " دراسات ف النفس النسانية "‪.‬‬

‫)‪(73‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫القي قة ال كبى ا لت غابت عن و عي ت لك التف سيات‪ ،‬فوقعت في ما وق عت ف يه من‬


‫انرافات!‬

‫والن نعود إل القضية الساسية ف هذا البحث‪ ..‬قضية الثابت والتطور ف كيان‬
‫النسان‪.‬‬

‫ما " الفطرة " النسانية‪ ..‬وما دللتها ف حياة النسان؟‬

‫وإذا كانت للنسان فطرة " ثابتة " فما تفسي التغي الدائم ف حياة البشرية الذي‬
‫ي صل من أق صى اليم ي إ ل أق صى ال شمال‪ ،‬وا لذي ل تتما ثل ف يه حال تان من حالت‬
‫النسان‪ ،‬وإن تشابتا تشابا شديد‪š‬ا ف بعض الحيان؟‬

‫بل قبل ذلك‪ ..‬ما الذي يثبت لنا أن للنسان " فطرة " على الطلق؟ ولاذا ل‬
‫ي كون ‪ -‬ك ما يف سره ع لم الن فس التحلي لي ‪ -‬ممو عة من ا لالت النف سية التتاب عة بل‬
‫وحدة‪ ،‬أو ‪ -‬كما يفسره التفسي الادي للتاريخ ‪ -‬مموعة من الطوار؟‬

‫الذي يثبت ذلك هو النسان ذاته! وهو تاريخ النسان!‬

‫فلننظر إل " الدوافع الفطرية "‪ ..‬هل لا وجود حقيقي ملموس بارز‪ ..‬وهل هذا‬
‫الوجود ثابت أم يتغي بتغي " أطوار " النسان؟‬

‫" حب الياة " هو الدافع الكب للنسان‪ .‬وهو دافع مشترك بي جيع الحياء‪.‬‬
‫كلهم يبون الياة ويتشبثون با‪ ،‬ويعملون على البقاء فيها أبدا‪ ..š‬وإن كان من طبيعتهم‬
‫أن يصيبهم الفناء‪ .‬ولكن مزية النسان العظمى ف كل جوانب حياته هي الوعي والدراك‬
‫وحرية الختيار‪ .‬فهو يب الياة ويدرك أنه يبها‪ ،‬ويعي لذا الب أهدافا وغايات‪ ،‬ث‬
‫ي تار ‪ -‬ف ن طاق الر ية الخو لة له ف فطر ته ‪ -‬ال لون أو ال صورة ا لت يارس با حب‬
‫الياة‪.‬‬

‫هل هذا الدافع ثابت ف كيان النسان أم متغي؟‬

‫هل ييء على البشرية طور ل تب فيه الياة؟‬

‫)‪(74‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫إن حالت النت حار ‪ -‬و هي ال شذوذ الن حرف إ ل أ سفل ‪ -‬و حالت الت ضحية‬
‫بالنفس ‪ -‬وهي حالت الرتفاع ‪ -‬ل تنفيان هذا الدافع‪ ،،‬بل ربا تؤكدانه‪ ..‬فضل عن‬
‫أنا ‪ -‬من جانبيها ‪ -‬حالت نادرة ف البشرية!‬

‫إن الذي يؤدي به الشذوذ النحرف إل النتحار‪ ،‬شخص يب الياة جدا‪ š‬ف‬
‫حقيقة الواقع‪ ،‬ولكنه ل يد فيها متاعه النشود الذي يبه‪ ،‬فينتحر لنه ل يطيق الرمان‬
‫من ذلك التاع!‬

‫والذي يؤدي به الرتفاع إل التضحية بالنفس ف سبيل عقيدة أو فكرة‪ ،‬يب‬


‫صورة من الياة أعلى من الصورة الواقعة‪ .‬وف هذا الستوى العال يقدم حياته الاصة ف‬
‫سبيل أن يقق صورة من الياة أفضل ‪ -‬على هذه الرض ‪ -‬أو ف سبيل أن ينال حياة‬
‫أفضل من حياة الرض كلها ‪ -‬ف الخرة ‪ -‬فهي إذن دفعة متسامية لتحسي هذه الياة‪،‬‬
‫وليست خروجا‪ š‬على حب الياة!‬

‫ث تأت الالت " العادية " كلها تؤكد عمق هذا الدافع ف حياة كل إنسان رغم‬
‫التباين الواسع ما بي إنسان وإنسان‪.‬‬

‫وحب الياة يتفرع عنه فرعان كبيان‪ :‬حب الذات ]أو حفظ الذات[ وحفظ‬
‫النوع‪.‬‬

‫فهل من شك ف هذا أو ذاك؟‬

‫وإذا قسمنا هذين الدافعي إل فروعهما التميزة ‪ -‬التشابكة ف النهاية ‪ -‬وهي‬


‫دافع الطعام والشراب واللبس والسكن‪ .‬ونزعة اللك‪ .‬ونزعة القتال أو الصراع‪ .‬ونزعة‬
‫البوز والتميز‪ .‬ودافع النس )‪ ..(26‬فلننظر ف كل منها على حدة‪ ،‬لنرى هل هي نزعات‬
‫ثابتة ف الكيان البشري‪ ،‬أم إنا توجد وتتفي حسب الحوال؟‬

‫‪ ()26‬فصلنا الديث عن هذه الدوافع ف فصل " الدوافع والضوابط " ف كتاب " دراسات ف النفس‬
‫النسانية " ول نلك الديث عنها هنا بالتفصيل بطبيعة الال‪ ،‬وإنا نأخذ خلصتها ف هذا البحث‪،‬‬
‫فمن يرغب ف التفصيل فمكانه هناك!‬

‫)‪(75‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫الأكل والشرب واللبس والسكن‪ ..‬ل يادل فيها أحد بعد مالة جدية )!( ]ربا‬
‫تادل " ال ضارة " الغرب ية التقدم ية الراق ية ف م سألة ال عري الكا مل ع لى ال شواطئ و ف‬
‫الد غال! وب صرف الن ظر عن هذه النك سة اليوان ية الب شعة‪ ،‬فإ نا تا خذ صورة وقت ية‪..‬‬
‫للستمتاع كما يقولون‪ ،‬ث يعود العرايا فيلبسون! ومن ث فل جدال من حيث البدأ![‪.‬‬

‫وطاقة النس كذلك‪ ..‬ل يرؤ أحد أن يقول إنا مستمدة من الطور القتصادي‬
‫أو ا لادي! وإ نا تو جد ‪ -‬مثل ‪ -‬ف الت مع الر عوي ول تو جد ف الت مع الزرا عي‪ .‬أو‬
‫توجد ف السيد ‪ -‬مثل ‪ -‬ول توجد ف الرقيق! إنا أقر الميع بأنا مسألة جسدية بتة‪ ،‬أو‬
‫جسدية نفسية‪ .‬توجد حي توجد الغدد الهيمنة عليها وتؤدي وظيفتها الصحيحة‪ ،‬وتغيب‬
‫حي يتل عمل الغدد اختلل وظيفيا‪ š‬ل شأن له بأساليب النتاج وأطوار التاريخ!!‬

‫ولكن الشيوعية بصفة خاصة قد حاولت أن تنتزع نزعة معينة من هذه النعات‬
‫الفطرية وتلقيها خارج كيان النسان‪ ..‬لتنفي وجودها من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى تنفي‬
‫وجود كيان ثابت للنسان! تلك هي نزعة اللك‪ ..‬وذلك لغاية ف نفس يعقوب‪ ..‬لتصادر‬
‫اللكية الفردية وتستبدل با اللكية الماعية‪.‬‬

‫وقد ناقشت هذا المر ف كتاب " الشبهات " وكتاب " الدراسات "‪ .‬وما ب‬
‫من م يل هنا إل إ عادة الناقشة التفصيلية ا لت بينت فيها ضلل هذه الدعوى وبطل نا‪.‬‬
‫ولكن ‪ -‬توفيا‪ š‬للجدل هنا ‪ -‬أقول إن الشيوعية ذاتا‪ ،‬حي نقلت " اللك " من الفرد إل‬
‫ال موع‪ ،‬ل تن كر نز عة ال لك ف القي قة من ح يث هي‪ ..‬وإ نا أرادت ف قط أن تتحا يل‬
‫عليها وتوجهها إل أفق آخر يدم أغراضها الذهبية‪ ..‬ومع ذلك فقد اضطرت أخيا‪ š‬إل‬
‫التسليم بالمر الواقع‪ ،‬وأباحت ألوانا‪ š‬من اللكية الفردية ‪ -‬ف الواد الستهلكية ‪ -‬ترضى‬
‫با نزعة اللك الفردية ف النسان‪ ..‬وهذا يكفي!‬

‫كذلك حاولت الشيوعية أن تصنع مثل ذلك ف نزعة البوز‪ .‬حاولت أن تقتلها‬
‫ف ما لا ال فردي‪ .‬فل يبز ال فرد إل ل ساب ال موع! و سارت خ طوات وتب طت ف‬
‫الطريق! وكان ستالي ذاته ‪ -‬بزعامته الفردية الطاغية الت اعترف با خروشوف فيما بعد!‬
‫‪ -‬أكب تكذيب عملي لذه " اليديولوجية " اليالية الفارغة‪ .‬ث عادت الشيوعية فسلمت‬
‫بالمر الواقع‪ ،‬وأباحت التفاوت ف أجور العمال ‪ -‬أجور الطبقة الواحدة والعمل الواحد‬
‫‪ -‬لن أراد أن ي بذل جهدا‪ š‬أ كب ويصل ع لى أ جر أ كب‪ ،‬ينفقه ف " الكمال يات "‪ ..‬إنا‬
‫نزعة البوز إذن ف صورة من الصور‪ ..‬الفردية ف ناية الطاف!‬

‫)‪(76‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫أما نزعة القتال والصراع‪ ،‬فالمم منذ القدم حاولت أن توجهها وجهة جاعية‪،‬‬
‫ف الرب من أجل الموع‪ ،‬أو العقيدة‪ ،‬أو ما شابه ذلك من الهداف العامة‪ .‬أو وجهة‬
‫فردية متسامية‪ ،‬ف السابقات الت تدف إل " الفوز " وهو غاية القتال والصراع‪ .‬وكل‬
‫هذه الاولت ل تنفي على أي حال وجود هذه النعة ف صورتا الفردية‪ ،‬وإنا تاول‬
‫فقط أن تستغلها لي الموع‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلك نوازع الفطرة الرئيسية‪ ..‬فما الذي يتغي أو يتطور فيها على مدار التاريخ؟!‬

‫إن قوما سيقولون بل شك‪ :‬لقد تدثت عن النسان من الداخل‪ .‬ول تتحدث‬
‫عن وا قع الب شرية‪ :‬عن الك يان القت صادي والك يان الجت ماعي والسيا سي التغ ي‪ .‬عن‬
‫النتاج وأساليبه وصراعاته‪ .‬عن التقدم والتطور الدائم ف حياة النسان‪..‬‬

‫نعم‪ .‬تدثنا عن النسان من الداخل‪..‬‬

‫ولكن‪ ..‬هل الياة الواقعية إل النعكاس القيقي لكيان النسان؟!‬

‫ك يف إذن نو فق ب ي الك يان الن سان ال ثابت‪ ،‬وب ي تغ ي ال ياة الن سانية ع لى‬
‫الدوام؟‬

‫إن " الصورة " الت يترجم با النسان عن دوافعه الفطرية تتغي و " تتطور " من‬
‫جيل إل جيل‪ ..‬تتطور بفعل الحتكاك الدائم بي العقل البشري والكون الادي‪ ،‬ونشوء‬
‫صور جديدة للحياة الواقعية نتيجة لذا الحتكاك‪.‬‬

‫هذه حقيقة‪..‬‬

‫ولكن‪ ..‬حي تتغي " الصورة "‪ ..‬هل يتغي " النسان "؟!‬

‫فلنأخذ مثل نزعة الطعام‪..‬‬

‫)‪(77‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫إنا نزعة فطرية ثابتة ف جيع الناسي‪ ،‬بل ف جيع الحياء‪ ،‬ولكن " صورة "‬
‫الطعام تتغي وتتطور‪.‬‬

‫يأ كل الن سان فري سة نيئة ف ع صر ال صيد‪ ،‬لنه ل ي لك و سيلة أ خرى لل كل‪.‬‬
‫إمكانياته الادية ل تسمح له بأكثر من ذلك‪ .‬ومعارفه ومعلوماته قاصرة عند هذا الد‪ .‬ث‬
‫يكتشف النار‪ .‬فيتيح له هذا الكتشاف عالا جديدا كل الدة‪ ،‬ويغي " شكل " حياته‬
‫كله‪ .‬وف ميدان الطعام بصفة خاصة تتغي الصورة‪ ،‬فيطهو النسان اللحم قبل أن يأكله‪.‬‬
‫ولك نه ما زال ينه شه ن شا بال صابع وال سنان‪ .‬ث يرت قي وي ستحدث مت لف ا لدوات‪.‬‬
‫يستحدث سكينا يقطع با اللحم قطعا ضغية يستطيع إمساكها بيده ووضعها ‪ -‬ل نشها‬
‫‪ -‬ف فمه‪ .‬ث يرتقي أكثر‪ ،‬ويستحدث مزيدا من الدوات‪ ،‬وتتعدد ألوان طعامه‪ ،‬ويتأنق‬
‫فيها‪ ،‬ويعل للطعام آدابا وقواعد وتقاليد‪ ..‬و " فنونا " ل تفرغ منها البشرية!‬

‫ما الذي تغي؟! نزعة الطعام ذاتا أم صورة الطعام؟!‬

‫ولنأخذ مثل نزعة السكن‪..‬‬

‫إ نا نز عة ثاب تة ف الف طرة‪ ..‬كل الب شر ‪ -‬بل كل الح ياء ‪ -‬ي سعون إ ل ا تاذ‬
‫السكن‪ .‬ولكن " صورة " السكن تتغي وتتطور‪.‬‬

‫يسكن النسان ف مبدأ حياته ف الكهوف‪ .‬لن إمكانياته الادية ل تتيح له شيئا‬
‫يسكن فيه سوى هذه الساكن " الاهزة " غي الصنوعة‪ ،‬ولن معلوماته وخباته الدودة‬
‫ل تتيح له أن " يصنع " مسكنا لنفسه ف أية صورية‪ .‬ث تتغي ظروف حياته وتزداد خباته‬
‫ومعلوماته‪ ،‬فيسكن ف " عش " ف أعال الشجار أو ف كوخ بانب الاء‪ .‬ث ف مساكن‬
‫من ال غاب وب يوت من الط ي‪ .‬ث ف ب يوت من ال جر أ كب وأف سح‪ ..‬ث ف ناط حات‬
‫ال سحاب ع لى ا لرض‪ .‬أو في ما ل نع لم غدا‪ š‬ع لى سطوح ال كواكب ح ي ي صل إلي ها‬
‫بالصواريخ‪..‬‬

‫ما الذي تغي؟! نزعة السكن أم صورة الساكن؟‬

‫ولنأخذ نزعة اللباس‪..‬‬

‫)‪(78‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫نزعة فطرية ف بن آدم منذ طفق آدم وحواء يصفان على سوآتما من ورق النة‬
‫إل الوقت الاضر‪ ..‬ولكن صورة اللباس تتغي‪..‬‬

‫" يلبس " النسان أوراق الشجر‪ ،‬أو بالحرى يغطي با عوراته ول زيادة‪ ،‬لن‬
‫إمكانياته الادية ل تتيح له أن " يصنع " لنفسه ملبس‪ ،‬ولن معلوماته وخباته الدودة ل‬
‫تتيح له أكثر من الادة الاهزة يغطي با من جسمه ما تستطيع تلك الادة أن تغطيه‪ ..‬ث‬
‫يرتقي‪ ..‬يستجد معلومات وخبات ويزداد إمكانيات‪ ..‬فيغطي عوراته بقطعة من اللد‪،‬‬
‫أكثر إحكاما من ورق الشجر وأكثر سترا للعورات‪ ..‬ث ينسج قطعة من القماش يؤدي با‬
‫ال غرض ذا ته‪ ..‬ث تزداد ملب سه تنو عا وتأن قا‪ ..‬حت ت صي لا قوا عد وآداب وتقال يد‪..‬‬
‫وتصبح فنا من فنون البشرية‪..‬‬

‫ما الذي تغي؟! نزعة اللبس ذاتا أم صورة اللباس؟‬

‫ولنأخذ دفعة النس‪..‬‬

‫دفعة فطرية تشترك فيها الناسي وكثي من الحياء‪ ..‬ولكن " صورة " ال نس‬
‫تتغي‪ .‬ول نقول هنا " كانت " ث " صارت " فما زالت تتقلب إل هذه اللحظة بي ما‬
‫كانت عليه وما صارت إليه! ]وسنعود إل الديث عن هذه النقطة بالذات بعد قليل[‬
‫وإنا نقول إنا تارة تكون دفعة مباشرة كدفعة اليوان‪ .‬كل هها اللقاء النسي‪ ،‬وإرواء‬
‫دفعة السد الائج ف صورة الغريزة‪ .‬وتارة تكون مسبوقة بأنواع من الغزل العنيف أو‬
‫الرق يق ]ك ما يت لف ف عال ال يوان ذا ته ب ي " غزل " الن مور ال طم ا لدمر‪ ،‬وب ي ر قة‬
‫الغزل عند المائم وأنواع أخرى من الطيور![ وتارة تضع للتنظيمات اللقية والدينية‬
‫والجتماعية والقتصادية‪ .‬وتارة تتحلل من هذه القيود‪ .‬ولكن لا على أي حال ‪ -‬ككل‬
‫الن عات الفطر ية ا لخرى ‪ -‬قا عدة دن يا أ قرب إل ـى عال ال يوان‪ ،‬وق مة عل يا أل يق‬
‫بالنسان‪ ..‬ولكن‪ ..‬حت فـي هذا المر‪..‬‬

‫ما الذي تغي؟! دفعة النس ذاتا أم صورة اللقاء؟‬

‫ولنأخذ نزعة اللك‪..‬‬

‫نز عة فطر ية ر غم جدل ال شيوعية! يثبت ها ك ما قل نا اضطرار ال شيوعية إ ل إبا حة‬


‫اللكية الفردية ف بعض المور‪ ..‬ولكن صورة اللك تتغي‪ .‬ف فترة من الفترات ل يكن‬

‫)‪(79‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫هناك ما يتلك! ل يكن الصيد الذي يصيده النسان ملكا لفرد بعينه لنه ل يستطيع أن‬
‫يتلكه وهو ل يصيده بهده وحده من ناحية‪ ،‬ول يستطيع أن يتفظ به من ناحية أخرى‬
‫لنه ينت ويف سد‪ .‬ولكن حت ف ذلك الي كان يثور الصراع على " امتلك " امرأة‪.‬‬
‫فيت صارع من أجل ها الر جال‪ .‬ث صار ه ناك " إن تاج " ي كن أن يت لك‪ .‬فامت لك الن سان‬
‫ا لدوات الب سيطة ا لت أنتج ها‪ .‬ث امت لك الا صيل ح ي تع لم الزرا عة‪ .‬وامت لك ح يوان‬
‫الزراعة الستأنس حي تعلم كيف يستأنسه‪ .‬وامتلك الرض الت تغل الاصيل‪ .‬ث امتلك‬
‫ال صانع‪ .‬وال يوم يت لك القنا بل وال صواريخ! و قد يت لك ال كواكب ف ال غد القر يب أو‬
‫البعيد‪..‬‬

‫ما الذي تغي؟! نزعة اللك أم صورة التملك؟‬

‫ولنأخذ نزعة البوز‪..‬‬

‫نزعة فطرية تدفع البشرية من مولدها إل حاضرها‪ .‬بل هي موجودة عند كثي من‬
‫ال يوان‪ ..‬ول كن صورة ا لبوز تتغ ي‪ .‬ولعل ها من أ شد الن عات تباي نا وت شكل ف ح ياة‬
‫الن سان‪ .‬يبز ف ع صر الك هوف بالقوة البدن ية الفائ قة ا لت ي صطاد با ال صيد و يارب‬
‫الوحوش والعداء‪ ..‬ث يبز باليلة‪ .‬أي بالتفكي‪ .‬ويبز بحاولة الختراع‪ .‬أي بالهارة‪.‬‬
‫و يبز بال مال‪ .‬و يبز باللبس وال سكن والأ كل وال شرب‪ .‬و يبز بالنس " فيقت ن "‬
‫النساء‪ .‬ويبز بالقتال والصراع‪ .‬ويبز بالطاعة ويبز بالعصية! يبز بالي ويبز بالشر‪.‬‬
‫يبز ف السابقة الرياضية والسابقة العلمية والفنية‪ .‬يبز ف السياسة‪ .‬يبز بالقدرة على‬
‫الكلم وال تأثي‪ .‬أو ال قدرة ع لى ا لدس والدي عة‪ ..‬أ لوان متل فة من ا لبوز وم ستويات‬
‫متلفة‪..‬‬

‫ما الذي تغي؟! نزعة البوز أم صورة البوز؟‬

‫ولنأخذ نزعة القتال والصراع‪..‬‬

‫نزعة فطرية ف البشرية وغيها من الحياء‪ ..‬ولكن صورة القتال تتغي‪ .‬القتال‬
‫بالقوة البدنية الباشرة‪ ،‬القوي يصرع الضعيف‪ .‬والقتال بالراوة والجر الضخم‪ .‬والقتال‬
‫باليلة والديعة‪ .‬والقتال بالدوات السنونة‪ :‬السهم والرمح والسيف‪ .‬والقتال بالقلع‪.‬‬
‫والق تال بال بارود‪ .‬بالرصا صة والقنب لة‪ .‬والق تال بال صورايخ وأ شعة الراث يم وأ شعة ا لوت‬
‫وأشعة النوم والـ‪..‬؟!‬

‫)‪(80‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ما الذي تغي؟! نزعة القتال أم صورة القتال؟‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ت لك ح ياة الب شرية من ا لداخل وا لارج ف ذات ا لوقت‪ ..‬ف ال شاعر الداف عة‬
‫وال صورة الواق عة‪ .‬ف " ا لرادة " و " الت طبيق "‪ .‬ف " الف كرة " و " الوا قع " أو الف كرة‬
‫والادة‪.‬‬

‫ما ا لذي تغ ي ف ع صور التار يخ؟ ما ا لذي تغ ي ف " الن سان " ح ي ا ستجد‬
‫أدوات وو سائل للط عام‪ ،‬وأدوات وو سائل لل سكن‪ ،‬وأدوات وو سائل لل بس‪ ،‬وأدوات‬
‫وو سائل للن شاط الن سي‪ ،‬وأدوات وو سائل للم لك‪ ،‬وأدوات وو سائل ل لبوز‪ ،‬وأدوات‬
‫ووسائل للصراع؟!‬

‫هل تغي " النسان "؟ هل تغيت دوافعه حي وجدت له الوسائل والدوات؟‬
‫هل صار ل يأكل؟ ل يشرب؟ ل يلبس؟ ل يسكن؟ ل ينشط نشاط النس؟ ل يلك؟ ل‬
‫ياول الصراع؟!‬

‫هل جدت له دوافع جديدة ل تكن له من قبل أو أمت من نفسه دوافع كانت‬
‫فيه؟‬

‫ماذا على وجه التحديد؟!‬

‫ح قا‪ š‬ل قد حدثت ف ح ياته تغ يات ضخمة‪ ،‬ما ب نا أن ننكر ها أو نغفل ها من‬
‫حسابنا! بل نن نريد أن نثبتها ونبزها ونؤكد عليها!‬

‫إن سان الغا بة غ ي إن سان الر عى غ ي إن سان القر ية غ ي إن سان الدي نة‪ ..‬وإن سان‬
‫الضارة الدودة غي إنسان الضارة العالية‪ ..‬غيه ف طريقة التفكي والتصور‪ .‬غيه ف‬
‫تناول الياة‪..‬‬

‫غيه على أناء شت‪ ..‬ومستويات متباينة‪.‬‬

‫)‪(81‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ونر يد ه نا أن ن فرز أ نواع التغ ي والت طور ‪ -‬فإ نا متباي نة ‪ -‬ث نن ظر هل هذه‬
‫التطورات ذاتا جزء من الفطرة‪ .‬الفطرة الثابتة‪ .‬داخل ف كيانا‪ .‬أم عنصر جد على‬
‫الن سان من أ ثر الت طور ا لادي وت قدم الو سائل وا لدوات‪ ،‬لنح كم ع لى دل لة التغ ي‬
‫بالنسبة للفطرة‪ ،‬ولكي نستخلص أخي‪š‬ا من هذا الكم‪ :‬هل هناك مقياس من الفطرة‬
‫ي قاس به الت طور وير جع إل يه‪ ،‬وي كم عل يه إن كان ت طورا فا سدا أم ي سي ف طر يق‬
‫الصلح‪ ..‬أم إنه ليس هناك مقياس؟‬

‫تلك أمور على أعظم جانب من الهية ف قضية التطور‪ ..‬فإن القوم الصابي‬
‫بلوثة التطور ف الغرب‪ ،‬ومن أخذ منهم العدوى ف الشرق‪ ،‬ل يفرقون بي تغي وتغي‪،‬‬
‫ول يقيمون مقياسا تقاس به المور‪ .‬لن التطور ‪ -‬ف نظرهم‪ -‬مقياس لذاته! ل ي»حكم‬
‫عليه بشيء ‪ -‬كما يقولون ‪ -‬من خارجه! فإذا سار نو الفردية الانة ‪ -‬مثل ‪ -‬فلن‬
‫الظروف القتصادية والجتماعية تدفع إل ذلك وتتمه‪ ،‬ومن ث ل يكم عليه بأنه خطأ‬
‫أو صواب! والكم الوحيد هو الظرف القتصادي والجتماعي‪ .‬فإذا كان يقتضي الفردية‬
‫ويتمها فالفردية عندئذ صواب‪ .‬وإذا كان يقتضي الماعية ويتمها فالفردية إذن ‪ -‬إن‬
‫وجدت ‪ -‬خطأ ينبغي أن يصحح! ول يوجد مقياس ثابت تقاس إليه الفردية الانة أو‬
‫الماعية الانة فتخط¿أ أو تص̂وب‪ ،‬وتنع أو تاز!‬

‫وإذا سار الت مع نو ا لخلق ا لت ترم الن شاط الن سي خارج ن طاق ال سرة‪،‬‬
‫وت فرض الع فة ع لى ا لرأة‪ ،‬أو علي ها وع لى الر جل‪ ،‬فل يس ذ لك لن هذه ا لخلق قي مة‬
‫موضوعية لا مقياس من فطرة النسان تقاس إليه‪ ،‬وإنا لن الطور القتصادي الجتماعي‬
‫يقت ضيها ويتم ها‪ ،‬ف هي صواب إذن ف نطاق ها هذا وظروف ها ت لك‪ .‬فإذا تغ ي ال ظرف‬
‫القت صادي والجت ماعي‪ ،‬و صار يقت ضي التح لل الن سي والباح ية‪ ،‬والتخ لص من ق يود‬
‫العفة‪ ،‬ومارسة النشاط النسي الر ف الشوارع أو الغابات أو شواطئ البحيات‪ ،‬فهذا‬
‫إذن صواب بقياسه الاص‪ ،‬لنه ل مقياس من الفطرة ول مقياس من أي شيء " خارج "‬
‫الظرف القتصادي والجتماعي‪..‬‬

‫وهكذا يقولون ف كل جانب من الياة البشرية‪..‬‬

‫لذلك ينبغي ونن نناقش هذه القضية الطية أن نضع نصب أعيننا تلك المور‬
‫الت أشرنا إليها آنفا‪:‬‬

‫)‪(82‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ما أنواع التغي؟ ]فإنا أنواع متباينة[‪..‬‬

‫هل التغيات الت حدثت ف التاريخ جزء من الفطرة أم أمور ج̂دت عليها من‬
‫خارجها بفعل التطور الادي؟‬

‫ما دللة هذه التغيات بالنسبة للفطرة السوية ]هل هي متمشية معها أم ضدها[؟‬

‫ما القياس الذي يقاس به التطور؟ ]إن كان فاسدا‪ š‬أو يسي ف طريق الصلح[‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ون بدأ ب فرز أ نواع التغ ي ا لت أ صابت الب شرية م نذ مو لدها‪ ،‬ك ما ي تبي ل نا من‬
‫الدراسة العلمية للنسان الول والتمعات الول‪ ،‬وكما يتبي لنا من دراسة التاريخ‪.‬‬

‫هنالك ‪ -‬على القل ‪ -‬أربعة أنواع متميزة من التغي أو التطور‪:‬‬

‫التطور ف الدوات وأساليب النتاج‪.‬‬

‫التطور ف التشابك القتصادي والجتماعي ف بنية التمع‪.‬‬

‫التطور " النفسي " ]السيكلوجي[‪.‬‬

‫التطور ]أو التغي[ الخلقي‪.‬‬

‫والتفسي الادي للتاريخ ‪ -‬وإن ل يفرزها كما نفرزها نن‪ ،‬لن هذا أمر ل يعنيه!‬
‫‪ -‬يعلها كلها ‪ -‬ج لة وا حدة ‪ -‬مرتبطة بعضها ببعض‪ ،‬ث مرتب طة بالتطور ف أ ساليب‬
‫النتاج وناشئة عنه!‬

‫ونن نرى الرتباط واضحا ووثيقا بي التطور ف استعمال الدوات وأ ساليب‬


‫النتاح‪ ،‬والتطور ف البنية القتصادية والجتماعية للمجتمع‪ .‬وإن كنا ‪ -‬كما سيجيء ‪-‬‬
‫ل نب أن نعتقد أن الرتباط ناشئ من علقة السببية الباشرة‪ .‬أي ل نب أن نعتقد أن‬

‫)‪(83‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ال سبب الوح يد ف ت طور البن ية القت صادية والجتماع ية للمجت مع هو ت طور ا لدوات‬
‫وأساليب الن تاج‪ .‬فهذا سبب وا حد‪ ،‬ومعه أ سباب أ خرى نفسية سنبينها‪ .‬ولك نا نقول‬
‫فقط إن هناك ارتباطا كبيا‪ š‬بي هذا وذاك‪..‬‬

‫أما التطور النفسي ‪ -‬أي التعقد ف الكيان النفسي للنسان‪ ،‬وزيادة التشابك بي‬
‫أطرافه ‪ -‬فالتفسي الادي للتاريخ يؤكد أنه نتيجة مباشرة لتطور أساليب النتاج‪ .‬ول شك‬
‫عندنا أن تطور أساليب النتاج عامل مؤثر‪ ،‬بل شديد التأثي‪ .‬ولكنا نريد أن نبي ‪ -‬رغم‬
‫ذلك ‪ -‬أن هذه الظاهرة‪ ،‬وهي التطور النفسي‪ ،‬ظاهرة مستقلة إل حد كبي‪ ،‬يكن أن‬
‫توجد بنأى عن تطور أساليب النتاج‪ ،‬كما وجدت ف الضارات القدية‪ ،‬ووجدت ف‬
‫أعلى مراحلها ف السلم!‬

‫وأ ما الت طور ]أو التغ ي[ ا لخلقي فن حن نر فض اب تداء أن نعل قه بت طور أ ساليب‬
‫النتاج! ونتكم ف ذلك إل شهادة التاريخ!‬

‫ولكنا ‪ -‬قبل الضي ف البحث ‪ -‬نؤكد حقيقة تدينا إليها الدراسة النفسية‪ ،‬وهي‬
‫أنه ل توجد ف الياة البشرية ظاهرة مستقلة تام الستقلل عن الخرى! إنا قلت عن‬
‫التطور النفسي إنه ظاهرة مستقلة إل حد كبي‪ .‬ول أقل منفصلة‪ .‬لنه ل انفصال البتة بي‬
‫شيء وشيء ف الياة البشرية‪ .‬النسان يارس حياته بكيانه كله‪ .‬وهذا الكل الشامل الذي‬
‫يت كون م نه الن سان ي توي ع لى جوانب متخص صة‪ ،‬ولكن ها لي ست منف صلة‪ .‬كعمل ية‬
‫البصار يتص با الهاز البصري‪ ،‬فل يبصر النسان برجله أو بظهره أو بأذنه‪ .‬ومع ذلك‬
‫ل ينفصل الهاز البصري عن بقية السم وكما توجد ف السم أجهزة شديدة التخضض‬
‫كجهاز البصار أو السمع‪ ،‬فإن فيه كذلك أجهزة أقل تصصا ]أ وأوسع نطاقا[ كجهاز‬
‫الدورة الدموية الذي يدخل ف كل أجزاء السم‪ .‬وكذلك المر ف الكيان البشري ف‬
‫مموعه‪ :‬فالتطور ف استخدام الدوات وأساليب النتاج يؤثر ف الياة البشرية كلها‪ .‬نعم‬
‫ول شك‪ .‬ول كن الت طور النف سي والت طور الل قي عملي تان شديدتا التخ صص كال سمع‬
‫والبصار!‬

‫وننتقل بعد هذا من الجال إل التفصيل‪..‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(84‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫حي انتقل النسان من أكل الفريسة النيئة إل الطهو على النار‪ ..‬إل استخدام‬
‫السكي‪ ..‬إل التأنق الشديد ف الطعام‪ .‬إل وضع القواعد والداب والتقاليد بشأنه‪ .‬إل‬
‫تويل الطعام إل " فن " قائم ذاته‪..‬‬

‫وحي انتقل من سكن الكهوف إل سكن الشجار إل سكن الكواخ‪ ..‬إل‬


‫ب ناء ا لبيوت من الط ي‪ ..‬إ ل إقا مة الع مائر الفخ مة ذات الند سة التق نة‪ ..‬إ ل ال تأنق إ ل‬
‫تويل السكن إل " فن " قائم بذاته سواء ف البن أو ما ف داخل البن من الثاث‪..‬‬

‫وحي انتقل من اتاذ ورق الشجر لباسا إل اتاذ اللد إل اتاذ القماش‪ ..‬إل‬
‫التأنق الشديد ف اللبس‪ ..‬إل وضع قواعد للملبس وآداب وتقاليد‪ ..‬إل تويل اللبس إل‬
‫فن قائم بذاته‪..‬‬

‫وحي انتقل من التعبي البا شر عن ال نس‪ ..‬إ ل ا تاذ التقال يد والن ظم والقواعد‬
‫والراسم والحتفالت‪ ..‬إل التوسع ف مفهوم النس ذاته حت يتحول إل فن قائم بذاته‪،‬‬
‫وتنشأ من حوله فنون متلفة‪ ،‬ف الدب والتصوير الوسيقي والنحت والرقص والغناء‪..‬‬

‫وحي انتقل ف اللك من تلك الشياء الفجة إل تلك الرض والرقيق‪ ..‬إل تلك‬
‫الصانع‪ ..‬إل تلك " رأس الال " كقوة اقتصادية واجتماعية وسياسية‪ ..‬إل تلك المم‬
‫والشعوب‪ ..‬إل تلك الكواكب ف الستقبل النظور‪..‬‬

‫وح ي انت قل من ا لبوز ال سدي ال سي إ ل ا لبوز النف سي وا لبوز الرو حي‪..‬‬


‫وشل البوز كل النتقالت السابقة ف الطعم والسكن واللبس والنس والتملك‪..‬‬

‫وح ي انت قل من الق تال بالقوة البدن ية البا شرة إ ل ا ستخدام ال جر الثق يل إ ل‬
‫ا ستخدام ا لراوة القات لة إ ل ا ستخدام ا لداة ال سنونة من سهم أو ر مح أو سيف‪ ..‬إ ل‬
‫استخدام البارود‪ ..‬إل استخدام الطاقة الذرية‪..‬‬

‫ما الذي حدث على وجه التحديد‪ ..‬وكيف ولاذا حدث؟‬

‫ي قول التف سي ا لادي للتار يخ إن ا ستخدام " ا لدوات " هو ال سبب ف هذا‬
‫النتقال‪ .‬فلوله ل ينتقل النسان من طور إل طور‪ ،‬وبالتال ل يعدل كل حياته على‬
‫أ ساس جد يد‪ .‬ف لول اكت شاف ال نار ما ت كن الن سان من ط هو الط عام‪ .‬و لول ا ختراع‬

‫)‪(85‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫النسيج ما تكن من نسج ملبسه‪ ،‬وبعد ذلك تفصيلها على قد النسان‪ .‬ولول استخدام‬
‫الدوات ما أمكن البناء‪ ..‬ال‪ .‬ث ‪ -‬يقول التفسي الادي للتاريخ ‪ -‬إن استخدام الدوات‬
‫يدث تغييا حتميا ف الشاعر والفكار والقيم والبادئ‪ ..‬فحي اكتشف النسان النار‬
‫فكر أن يطهو الطعام‪ ،‬وفكر بالتال ف فنون من تسي الطعام ل تكن لتخطر على باله لو‬
‫ل يكتشف النار‪ .‬وحي اخترع الغزل والنسج فكر أن ينسج القمشة‪ ،‬وفكر بالتال ف‬
‫تفصيل اللبس والتأنق فيها‪ ،‬ول يكن شيء من ذلك ليخطر على باله لول اختراع الغزل‬
‫والنسج‪ .‬وحي أمكنه استخدام الدوات السنونة فكر ف استخدامها ف الصيد والقتال‪..‬‬
‫وحي اكتشف الزراعة فكر ف تلك الرض والغارة على أرض الخرين وأسر السرى‬
‫واسترقاقهم ليعملوا له ف الرض‪ ..‬وهكذا نشأت نتائج اقتصادية واجتماعية وسيكلوجية‬
‫وأخلق ية حتم ية نتي جة اكت شاف ا لدوات وا ختراع الختر عات‪ ..‬وع لى هذا ت صبح‬
‫الدوات واللت هي الرك الول والدائم لياة البشرية!‬

‫والقضية بصورتا هذه براقة وخادعة‪..‬‬

‫فحي يكون السبب والنتيجة متلحقي ف سلسلة متصلة‪ ،‬فإنه تسهل الديعة‪،‬‬
‫وي سهل ال نداع! وي سهل ع لى من ير يد‪ ،‬أن يوحي أو يعت قد أن النتي جة هي ال سبب‬
‫والسبب هو النتيجة‪..‬‬

‫ولكن هذه القضية " العلمية " الت تناولا التفسي الادي للتاريخ بذه الصورة‪ ،‬لا‬
‫وجه آخر " علمي " ل يصعب علينا الوصول إليه لو بثنا المر ف هدوء بعيدا عن البيق‬
‫الاطف الذي تقدمه " العلوم " و " الدراسات العلمية " ف القرن العشرين!‬

‫أول‪ ..‬لاذا اكتشف النسان النار؟!‬

‫ثانيا‪ ..‬لاذا استخدمها ‪ -‬حي اكتشفها ‪ -‬ف " تسي " الطعام بطهوه؟!‬

‫ثالثا‪ ..‬لاذا ل يقف عند الدرجة الت وصˆله إليها اكتشاف النار وهي مرد طهو‬
‫الطعام‪ ،‬فراح يتفنن ف الطعام الطهو درجات بعد درجات؟!‬

‫رابعا‪ ..‬حي لن له الديد والنحاس والبونز والذهب والفضة‪ ،‬أي دافع حتمي‬
‫دف عه أن يت خذ الل عق وال شوك وال سكاكي و هي لي ست داخ لة ف عمل ية الط عام ذا ته‬

‫)‪(86‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫كضرورة بيولوجية‪ ،‬ث أي دافع حتمي دفعه أن يتخذ من أدوات الطعام هذه أداة للزينة‪،‬‬
‫فيتفنن ف صنعها‪ ،‬وتميلها‪ ،‬ونقشها‪ ،‬ث‪ ..‬ما علقة هذا كله " بالقيم " الت اتذها حول‬
‫الطعام‪ :‬سواء ف رسم قواعد له وتقاليد‪ ،‬أو ف طريقة توزيعه بي الناس‪ ،‬أو ف التمييز بي‬
‫الط يب م نه وا لبيث ع لى غ ي ال ستوى ال سي ا لذي ت قرره ال عدة‪ ..‬أي ع لى م ستوى‬
‫اللل والرام؟!!‬

‫وكذلك‪..‬‬

‫لاذا اخترع الغزل والنسج؟‬

‫لا استخدمهما ‪ -‬حي اخترعهما ‪ -‬ف نسج القماش ث ف " تسينه "؟‬

‫لاذا ل يقف عند حد استخدام النسيج‪ ،‬فراح يتفنن ف اللبس فيما وراء مستوى‬
‫الضرورة؟‬

‫وأي علقة بي هذا التحسي الذي أنتجته الدوات‪ ،‬وبي " القيم " الت اتذها‬
‫النسان حول اللبس‪ ،‬سواء ف رسم قواعد لا وتقاليد‪ ،‬أو ف طريقة توزيعها بي الناس‪،‬‬
‫أو ف ربطها بالقيم اللقية والدينية؟!‬

‫وحي اخترع الداة السنونة‪..‬‬

‫لاذا اخترعها بادئ ذي بدء؟‬

‫ولاذا استخدمها ف القتال؟‬

‫ولاذا ل يقف عند الد الذي وصˆلته إليه‪ ،‬فراح يبحث عن وسائل جديدة للقتال‬
‫حت وصل إل القنبلة الذرية واليدروجينية وقنبلة الكوبلت وقنبلة الراثيم؟‬

‫وأي علقة بي هذه الدوات كلها وبي " القيم " الت ربطها النسان بالرب‪،‬‬
‫سواء ف تليلها وتريها‪ ،‬أو وضع قواعد لا وتقاليد؟!‬

‫وحي وحي وحي‪..‬‬

‫)‪(87‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫أل توجد من وراء ذلك دللة‪ ..‬واضحة؟!‬

‫هل اللة هي الت وجهت النسان؟ أم النسان هو الذي وجه اللة؟!!‬

‫لن نضع القضية هنا كما توضع تلك الحجية الشهورة‪ :‬البيضة قبل الفرخة أم‬
‫الفرخة قبل البيضة؟!‬

‫فالق ضية ا لت ب ي أ يدينا ه نا لي ست أحج ية‪ ،‬ولي ست ف حا جة إ ل التم حل‬


‫والروغان!‬

‫إن اليوان‪ ،‬زميل النسان ف سكن الرض‪ ،‬وزميله ‪ -‬ف رأي الداروينية ‪ -‬ف‬
‫كثي من الصائص‪ ،‬وف الصل الشترك‪ ،‬ل يكتشف ول يترع على طول مقامه ف هذه‬
‫الرض!‬

‫فالكتشاف والختراع إذن مزية بشرية ف صميم فطرة النسان‪ ..‬تلك بديهية‪.‬‬

‫يقول جوليان هكسلي ‪ -‬العال الداروين الديث ‪ -‬فـي كتابه " النسان ف‬
‫العال الديث "‪:‬‬

‫" وأو ل خ صائص الن سان ال فذة وأعظم ها و ضوحا قدرته ع لى التفك ي‬
‫التصوري‪ ..‬ولقد كان لذه الاصية الساسية ف النسان نتائج كثية‪ ،‬وكان أهها نو‬
‫التقاليد التزايدة‪ ..‬ومن أهم نتائج تزايد التقاليد ‪ -‬أو إذا شئت من أهم مظاهره القيقية ‪-‬‬
‫ما ي قوم به الن سان من ت سي في ما لديه من عدد وآلت‪ ..‬وإن التقال يد وال عدد لي‬
‫ا لواص ا لت ه يأت للن سان مر كز ال سيادة ب ي سائر الكائ نات ال ية‪ .‬و هذه السادة‬
‫)‪(27‬‬
‫البيولوجية ‪ -‬ف الوقت الاضر ‪ -‬خاصية أخرى من خواص النسان الفذة‪" ..‬‬

‫وهذا العال ‪ -‬كما بينا ف كتب سابقة ‪ -‬عال ملحد‪ ،‬ل ينسب إل ال شيئ‪š‬ا من‬
‫عمل ية ال لق‪ ،‬ولك نه يث بت للن سان ت لك الز ية أو الزا يا الت فردة‪ :‬قدرته ع لى التفك ي‬
‫التصوري‪ ..‬وقدرته ع لى استخدام العدد‪ ..‬ومي له و قدرته ع لى ت سي ما لديه من عدد‬

‫‪ ()27‬ترجة حسن خطاب ومراجعة عبد الليم منتصر فصل " تفرد النسان " مقتطفات ص ‪5 - 3‬‬

‫)‪(88‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وآلت‪ ..‬وإقامة التقاليد وتنميتها‪ ..‬ويسمى ذلك كله خواص بيولوجية أي‪ ..‬ف صميم‬
‫الفطرة البشرية‪.‬‬

‫إنا ل تنجم إذن من استخدام العدد واللت‪ ..‬وإنا هي الت أنتجت استخدام‬
‫العدد واللت!‬

‫ل قد تبي ل نا إذن ‪ -‬من الب حث " العل مي " ل من الفل سفة النظر ية ‪ -‬و جه‬
‫ال صواب ف الق ضية ال شبيهة بأحج ية البي ضة والفر خة! إن " الن سان " هو ال صل‪ .‬هو‬
‫النبع‪ .‬وليست هي العدد واللت!‬

‫النسان ‪ -‬بادئ ذي بدء ‪ -‬هو الذي اته إل الكتشاف والختراع!‬

‫لاذا؟!‬

‫يقول هكسلي اللحد‪ :‬إن تلك خاصية بيولوجية للنسان! أي أنا تمل ف ذاتا‬
‫تفسيها!‬

‫ونقول نن ‪ -‬ول يتعارض ذلك مع " العلم " وإنا يكمله ويق̂ومه من انرافه ‪-‬‬
‫إن ال الذي خلق النسان ليجعله خليفته ف الرض‪ ،‬هو الذي منحه هذه الاصية‪ ،‬لنا‬
‫وسيلة من وسائل اللفة وأدواتا‪ ،‬وإن ال هو الذي قيض للنسان اكتشاف النار ‪ -‬ل‬
‫الصادفة! ‪ -‬بأن أودع ف فطرته اللتفات إل ظواهر الطبيعة‪ ،‬و " تصورها " والستفادة‬
‫من ها‪ .‬وإل فال صادفة ا لت أ حدثت ال نار أ مام ال ناس‪ ،‬فالتقط من ها الف كرة وا ستخدمها‪،‬‬
‫تدث مليي الرات أمام اليوان فل يدركها ول يتصورها ول يلتقطها ليستخدمها‪.‬‬

‫وإذن ف قد أ‪Ô‬ود عت الف طرة الن سانية ال قدرة ع لى الت صور‪ ،‬و من ث ال قدرة ع لى‬
‫الكت شاف وال ختراع‪ ،‬و من ث ال قدرة ع لى ا ستخدام ا للت‪ ..‬وال قدرة ع لى ت سي‬
‫اللت‪ ..‬كما أودعت ف الوقت ذاته ما يسميه هكسلي " بالتقاليد " ونسميه نن "القيم"‬
‫وال قدرة ع لى ر بط الع مال ‪ -‬با في ها ا ستخدام ا للت ‪ -‬بق يم نف سية واقت صادية‬
‫واجتماعية وخلقية ودينية‪.‬‬

‫وهذا هو الذي يفسر لنا كل السئلة الت قدمناها منذ قليل‪..‬‬

‫)‪(89‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫لاذا اكتشف النسان النار؟ لاذا استخدمها ‪ -‬حي اكتشفها ‪ -‬ف تسي الطعام‬
‫بطهوه؟ لاذا ل يقف عند الدرجة الت وصله إليها اكتشاف النار؟ لاذا أنشأ حول الطعام‬
‫قيما متلفة وأدابا وتقاليد؟‬

‫أما اكتشاف النار ‪ -‬كحادثة مادية وكأداة مادية ‪ -‬فل يفسر شيئ‪š‬ا ما يريد أن‬
‫يفسره به التفسي الادي للتاريخ!‬

‫لقد كان من المكن ‪ -‬بادئ ذي بدء ‪ -‬أل يكتشف النسان النار لول ما ركب‬
‫ف فطرته من القدرة على التفكي التصوري‪ .‬وكان من المكن ‪ -‬حي اكتشفها ‪ -‬أل‬
‫ي ستخدمها ف ط هو الط عام ]إذ ما ا لذي يدفعه إ ل ذ لك ب صورة حتم ية؟![ و كان من‬
‫المكن ‪ -‬حي استخدمها ف طهو الطعام ‪ -‬أن يقف عند هذا الد فل يتفنن تفننا ف‬
‫الطعام‪ .‬وكان من المكن أخيا‪ š‬أل يصوغ حول الطعام قيما وآدابا وتقاليد!!‬

‫كل! ل تنشئ النار شيئا‪ š‬من ذلك كله! لول الرغبة الفطرية الكامنة‪ ،‬السابقة ف‬
‫وجودها على النار!! القدرة الفطرية على التفكي التصوري هي الت مكنت النسان من‬
‫اكتشاف النار ]وهي موهبة ال للنسان[‪ .‬ث الرغبة الفطرية ف التحسي والتجميل هي‬
‫الت قامت ببقية الهمة ف خط طويل على مدار التاريخ!‬

‫وتلك عقدة القضية‪ ..‬ومفرق الطريق!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫هل معن ذلك أن اللة ل تغي شيئا‪ š‬ف حياة النسان!؟‬

‫كل! ل نقول ذلك! ول يكن أن يقوله إنسان!‬

‫إن صورة الياة قبل اكتشاف أية أداة أو اختراع أية آلة تتلف اختلفا ‪ -‬جزئيا‬
‫أو كامل ‪ -‬عن صورتا ب عد ال ختراع أو الكت شاف‪ .‬إذ ت ستجد لل ناس أف كار جد يدة‬
‫وعل قات جد يدة وم شاعر جد يدة وتنظي مات جد يدة ] سنتحدث ف الف قرة التال ية عن‬
‫التطور الجتماعي والقتصادي[‪.‬‬

‫)‪(90‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫فبعد اكتشاف النار حدث تطور هائل ف الرض‪ .‬وبعد اختراع الراث‪ .‬وبعد‬
‫اكتشاف البارود‪ .‬وبعد اكتشاف الكهرباء‪...‬‬

‫ونن ‪ -‬كما قلنا ‪ -‬نريد أن نبز هذا التطور ونؤكد عليه‪ ..‬لنه ‪ -‬من وجهة‬
‫نظرنا ‪ -‬حقيقة " إنسانية "!‬

‫إ نا ا لمر ا لذي نر يد أن نناق شه هو هذا‪ :‬هل ال لة أن شأت جد يدا‪ š‬ف ك يان‬


‫النسان‪ ،‬أم إنا حققت رغبات كامنة ف فطرة النسان؟!‬

‫والفرق ‪ -‬لعله ‪ -‬واضح بي الوضعي‪ ..‬وهو فارق كبي‪.‬‬

‫فحي تنشئ اللة جديدا ف كيان النسان‪ ،‬تكون اللة حقا هي الصل ف التطور‬
‫كما يرسها التفسي الادي للتاريخ‪ .‬وحي تقق رغبات كامنة ف فطرة النسان يكون‬
‫النسان هو الصل كما يرسه التفسي " النسان " للنسان )‪!(28‬‬

‫النار‪ ..‬هل هي الت أنشات الرغبة ف طهو الطعام؟‬

‫ف ظاهر المر يبدو ذلك! ولكن أية قوة حتمية ف النار تدفع النسان إل طهو‬
‫الطعام عليها؟!‬

‫إن الق صة ي كن أن ت»ت صور ع لى هذا الن حو‪ :‬أ نه و قع ف تارب الن سان ‪ -‬با‬
‫يسمونه الصادفة‪ ،‬ونرده نن إل حقيقته " العلمية " وهي قدر ال ومشئيته ‪ -‬أن شبت‬
‫النار قريبا من الفريسة أو وضع الفريسة قريبا‪ š‬من النار فنضجت فأعجبته رائحة الشواء‬
‫واستطعم طعمه‪ ،‬با ف فطرته من استعداد وتقبل لذه الرائحة وذلك الطعم‪ .‬ث راح ‪ -‬با‬
‫فطرته من التفكي التصوري ‪ -‬يستعيد العملية ليحصل على نفس النتيجة‪.‬‬

‫وف كل الالي ل تكن الداة الستحدثة ‪ -‬وهي النار ‪ -‬هي الت أنشأت المر‬
‫ف باطن الن فس‪ ،‬وإ نا هي حقق ته‪ .‬حقق ته ف عال الوا قع ب عد أن كان كام نا ف باطن‬
‫النفس‪.‬‬

‫‪ ()28‬انظر فصل " التفسي النسان للنسان " ف كتاب " دراسات ف النفس النسانية "‬

‫)‪(91‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وتغيت صورة الياة ‪ -‬ف ميدان الطعام ‪ -‬بعد اكتشاف النار‪ .‬فقد هيأت الداة‬
‫الستحدثة فرصا متزايدة للوان من الطعام جديدة‪ ،‬و " فنون " مستحدثة‪.‬‬

‫نعم‪ .‬ولكن هل كان ف وسع النار ‪ -‬بإمكانياتا الستحدثة ‪ -‬أن تصنع شيئا‪ š‬من‬
‫ذلك كله لول أن نفس النسان قد استطابت ذلك وأنست إليه ورغبت فيه؟!‬

‫لو أن النار أعطت الطعام طعما ل يستسيغه النسان‪ ..‬هل كان يقبل عليه؟‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ..‬لول الرغبة الدفينة ف " تسي " الطعام‪ ،‬هل كان يستخدم‬
‫النار ف هذا السبيل؟‬

‫إن ال نار قد أع طت الن سان إمكان يات جد يدة حاف لة‪ ..‬ولكن ها إمكان يات لي‬
‫شيء؟! إمكانيات لتحقيق رغبات كامنة ف الفطرة‪ ،‬تنتظر الفرصة الواتية للتحقيق!‬

‫وقد ل تكون الفطرة واعية لتلك الرغبات ف كل حالة! وهذا هو الذي يؤدي‬
‫إل الديعة الول ف فهم الوضوع!‬

‫قد ل ي كون الن سان ا لول واع يا ل كون ال نار ستعطيه طعوما شهية مست ساغة‪.‬‬
‫وقد ل يكون اكتشف هذا المر إل بعد أن جربه بالفعل‪ .‬ولكن‪ ..‬حت على هذا الفرض‪،‬‬
‫فالرجع الخي هو الفطرة‪ .‬إن الاولة والطأ طريقة من طرق التعلم والعرفة عند النسان‬
‫وعند اليوان‪ .‬ولكنها ف الالي تصطدم ف النهاية بفطرة اليوان أو فطرة النسان‪ ..‬ول‬
‫تتعداها‪ .‬فقد استساغ الن سان صنوفا من الطعام و ل يست سغ صنوفا أ خرى وال نار هي‬
‫النار! أي أن ميدان استخدام النار ومدى استخدامها يسيان على خط الفطرة‪ ،‬ول يغيان‬
‫ها شيئ‪š‬ا من حقيقة الفطرة على مدى التاريخ‪.‬‬

‫وإ نا جاءت الدي عة ا لخرى من ات ساع الف طرة الن سانية‪ ..‬حت خ يل لب عض‬
‫الناس أنه ل حدود لا‪ ،‬ومن ث فل قيمة حقيقية لوجودها ما دامت تتسع لكل شيء!!‬

‫كل! إن اتساعها ل يلغي حقيقتها‪ ،‬ول يلغي دللتها!‬

‫)‪(92‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫إنا تسع أشياء كثية ولكنها ل تتسع لكل شيء فلها ‪ -‬ف النهاية ‪ -‬خطوطها‬
‫ا لخية ا لت ت صطدم بال شياء وترف ضها‪ ،‬وت صر ع لى رف ضها مه ما كان ال ضغط الوا قع‬
‫عليها‪ ،‬فل تقبل أشياء ليس لديها الستعداد الفطري لتقبلها‪.‬‬

‫وهنا الديعة الثالثة! الناشئة من مرونة الفطرة! إنا ‪ -‬لرونتها الشديدة ‪ -‬تتمل‬
‫كثيا‪ š‬من الضغط الواقع عليها من شيء يالف طبيعتها‪ .‬ولكنها من ناحية ل تتمل كل‬
‫شيء ومن ناحية أخرى ل تتمله إل البد! وإنا تتمل بعض الشياء‪ ..‬وبعض الوقت‪.‬‬
‫ث تثور فتلفظ ما ل تسيغه ول تستريح إليه‪ .‬لقد ثارت على الدكتاتوريات لنا تكبت‬
‫الوجود الفردي للنسان‪ .‬وثارت على ملكية الدولة لنا تكبت النعة الفطرية للملكية‬
‫الفردية‪ .‬وثارت ‪ -‬كما سيجيء ‪ -‬على كثي من ألوان النراف‪.‬‬

‫وتلك هي القائق الت غابت عن التفسي الادي للتاريخ‪ .‬والتفسي المعي للحياة‬
‫البشرية!‬

‫إن ما كل ها ير صدان التار يخ من خط ال نوع والست سلم لل قوى ال قاهرة‪.‬‬


‫ولكنهما ل يرصدانه من خط الثورة على تلك القوى وتدميها وإزاحتها!‬

‫والقيقة العلمية النيهة من الغرض‪ ،‬ينبغي أن ترصد التاريخ من خطيه‪ .‬لن كل‬
‫خط يه حقي قة‪ ..‬تر سه من خط ال نوع و خط النت فاض‪ :‬خط ال سلبية و خط الياب ية‪..‬‬
‫وكلها موجود وفطري ف كيان النسان!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫من هذه الرحلة من الناقشة نصل إل مموعة من القائق‪:‬‬

‫أن الفطرة هي الصل ف تصرفات النسان‪.‬‬

‫أن الدوات واللت الستحدثة هي ف ذاتا تعبي عن الفطرة ]من حيث القدرة‬
‫على التفكي التصوري والرغبة ف التحسي[‪.‬‬

‫)‪(93‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وأنا ‪ -‬وهي تعبي ف الصل عن الفطرة ‪ -‬تسي على هدى الفطرة ف تطبيقاتا‬
‫العملية ]من حيث تقيقها لرغبات النسان[‪.‬‬

‫وأنا ‪ -‬ف تطبيقاتا العملية ‪ -‬ل تنشئ جديدا‪ š‬ف كيان النسان‪ ،‬وإنا تقق ما‬
‫كان كامنا من قبل ف ذلك الكيان‪.‬‬

‫وأنا تغي صورة الياة تغيي‪š‬ا شامل‪ ..‬ولكن التغي ذاته يدث استجابة لطالب‬
‫الفطرة‪ ،‬ويقع ف حدودها ل يتعداه‪.‬‬

‫ت لك ال قائق ال مس و ما ت ستلزمه من ح قائق أ خرى فرع ية ي كن التح قق من ها‬


‫ب سهولة ف ج يع م يادين الن شاط الن سان‪ .‬ول ن تاج أن نتت بع خ طوط الف طرة جيع ها‬
‫لنتثبت من هذه القيقة‪ ،‬ولكنا نضرب بعض المثلة للتوضيح والتوكيد‪:‬‬

‫ل ي كن ا ختراع ال طائرة هو ا لذي أن شأ الرغ بة ف ال سفر ال سريع والتن قل ب ي‬


‫ج هات ال عال‪ .‬وإ نا ا لحرى أن ت كون هذه الرغ بة الكام نة هي ا لت أو حت باختراع‬
‫الطائرة‪ ،‬حي وجدت المكانيات العلمية الت تيئ الفرصة للتحقيق العملي لذه الرغبة‪.‬‬
‫فمن قبل ظل النسان يزيد سرعته ف السفر بختلف الوسائل لنه يرغب ف ذلك‪ ،‬وكان‬
‫ي لم ‪ -‬ح ي يع جز عن التنف يذ العم لي ‪ -‬بو سائل خاط فة تنق له ف ل ظة من م كان إ ل‬
‫مكان! فالطائرة ]ومن بعدها الصاروخ[ هي تقيق اللم البشري القدي الذي كان يايل‬
‫للبشرية وتتمن تقيقه‪..‬‬

‫و صحيح أن هذه الرغ بة ح ي تق قت باختراع ال طائرة قد أو جدت إمكان يات‬


‫جد يدة ل ت طر ع لى ال بال ‪ -‬ف صورتا التف صيلية ‪ -‬من ق بل‪ .‬إمكان يات ف ال سلم‬
‫وإمكان يات أ خرى ف ا لرب‪ .‬وتر تب ع لى هذه المكان يات الزدو جة إ عادة ت شكيل‬
‫علقات البشرية ف السلم وف الرب على نسق جديد‪ ..‬وصوغ مشاعرهم وأفكارهم‬
‫على نسق جديد‪..‬‬

‫هذه حقيقة تنطبق على كل اكتشاف أو اختراع جديد‪ ..‬فهو يهيئ إمكانيات ل‬
‫تكن منظورة من قبل بالتفصيل‪.‬‬

‫)‪(94‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ولكن الرغبة العامة تسبق دائما‪ š‬كل اختراع جديد‪ ..‬فالخترع ل يقول سأصنع‬
‫اختراعا ما ‪ -‬أي اختراع ‪ -‬ث أبث عن وسيلة للستفادة منه‪ .‬وإنا هو يقول‪ :‬أنا ‪ -‬أو‬
‫نن البشر ‪ -‬نريد آلة تصنع كذا‪ .‬فلحاول اختراعها!‬

‫خط الب حث العل مي و حده هو ا لذي يبدو أ نه ين شئ نف سه بنف سه‪ .‬كل خ طوة‬
‫تؤدي إل ما بعدها بطريقة حتمية )!( ل هدف وراءها ول أغراض! كل! ليس حقيقة!‬
‫إنا وراءها الرغبة الفطرية ف العرفة! هي الت تدفع البحث العلمي وهي الت تغذوها‪.‬‬
‫والنسان ل يتدخل فيما يصل إليه البحث العلمي من قواني لنا ل تقع تت سلطانه ل‬
‫لنه ل يرغب ف ذلك! إنا نواميس كونية ليس من شأنه ‪ -‬ول ف طوقه ‪ -‬أن يتدخل‬
‫فيها أو يغي منها‪ .‬فهي ملك الالق الذي خلقها ويسيطر عليها‪ .‬ولكن النسان يتدخل ف‬
‫التطبيق العملي لنتائج البحث العلمي‪ ..‬أي لنتائج كشفه عن النواميس الكونية ]الت أعطاه‬
‫ا ل ال قدرة ع لى ك شفها وت سخيها‪ " :‬و‪ É‬س‪É‬خ‪Ì‬ر‪Ý É‬لك‪ Ô‬م‪ Ó‬م‪É‬ا ف¼ي ال س‪Ì‬م‪É‬او‪É‬ات¼ و‪ É‬م‪É‬ا ف¼ي ال‪á‬أ‪Ý‬ر‪Ó‬ض‬
‫‪É‬جم¼يعا‪ š‬م¼ن‪Ó‬ه» " )‪ [(29‬وهو ف تدخله ياول أن يعل التطبيق العملي ف خدمة أهدافه ورغباته‬
‫القائمة ف نفسه من قبل‪ ،‬والت تنتظر الفرصة الواتية للتطبيق‪.‬‬

‫وحي يفتح الكشف أو الختراع الديد آفاقا جديدة ل تطر بتفصيلها ف بال‬
‫النسان من قبل‪ ،‬فإنه على الدوام يسعى لتحقيق رغبة عامة من رغبات الفطرة‪ ،‬كالرغبة‬
‫ف القوة‪ .‬والرغبة ف السيطرة‪ .‬والرغبة ف اللود‪ .‬والرغبة ف استشفاف الجب والرغبة‬
‫ف البوز‪ .‬والرغبة ف اللك‪ ..‬إل آخر هذه الرغبات‪ .‬ولكنها ل تستجد فكرة ول شعورا‬
‫ل يقع تت واحدة من هذه الرغبات العامة الوجودة ف الفطرة من قبل ]والقدورة من‬
‫لدن خالقها حي خلقها ووهبها إمكانيتها[‬

‫ومن ث " فالتطور " الذي يدثه الختراع أو الكتشاف الديد ف نفس النسان‬
‫هو التنمية الدائمة للرغبات الفطرية الوجودة من قبل ف حالة كامنة‪ ،‬بإعطائها فرصة‬
‫التحقق الدائم على نطاق أوسع وأشل وأدق‪ .‬وليس هو إنشاء الرغبات الفطرية من حيث‬
‫ل تكون!‬

‫والتنمية شيء والنشاء شيء آخر‪..‬‬

‫‪ ()29‬سورة الاثية ]‪.[13‬‬

‫)‪(95‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫الطفل يولد مكتمل الكيان ولكن ف حالة كامنة‪ ..‬ث ينمو‪ ..‬فيتحقق بالتدريج‬
‫كيانه‪ ،‬ولكن ل ينشأ فيه شيء جديد‪ .‬ل تنشأ له قدم ول ساق ول أذن ول عي‪ ..‬فهذه‬
‫مو جودة من ق بل‪ ،‬ولكن ها غ ي م ستكملة التح قق‪ ..‬والن مو يقق ها حت ت صل إ ل آ خر‬
‫مداها‪ .‬فالتطور هنا هو النمو‪ ..‬وليس هو النشوء من اللوجود!‬

‫وذلك ينطبق على كل كشف وكل اختراع جديد‪.‬‬

‫فالراث ا لذي ق لب ظ هر ا لرض وق لب تار يخ الب شرية‪ ،‬كان ول شك رغ بة‬


‫كامنة ف نفس مترعه‪ ،‬ليحقق به رغبة أو مموعة من الرغبات الفطرية‪ .‬وإل ما أجهد‬
‫نفسه ف اختراعه! واكتشاف البارود ليس هو الذي أنشأ الرغبة ف التدمي ول الرغبة ف‬
‫القتل على نطاق واسع‪ .‬وإنا هو أعطاها المكانيات للتنفيذ‪ .‬ولكنها كانت موجودة من‬
‫قبل‪ ،‬ومتحققة ف النطاق الصغي‪ ..‬وف اليال كانت تداعب الحلم!‬

‫وه كذا‪ ..‬ل يدث شيء خارج ن طاق الف طرة‪ .‬الدود بدود‪ .‬أ ي‪š‬ا كانت سعة‬
‫هذه الدود!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وصلنا من بثنا للنوع الول من أنواع التطور ‪ -‬وهو تطور الدوات وأساليب‬
‫النتاج ‪ -‬إل أنه تقيق للفطرة وليس تغييا[ للفطرة‪ ..‬تقيق لا بتنمية إمكانياتا العملية‬
‫على الدوام‪ ..‬وهذا يزيد مساحتها‪ ،‬ويعيد تشكيلها على الدوام ف أشكال جديدة‪ ،‬ولكنه‬
‫ل يضيف إليها عنصرا‪ š‬ل يكن موجودا‪ š‬ف جوهرها إما ف صورة بدائية وإما ف صورة‬
‫كامنة‪ ..‬وفرق بي التنمية والتشكيل ف حدود الطار الوجود بالفعل‪ ،‬وبي استحداث‬
‫أ مر جد يد ف ذ لك ال طار‪ .‬ك ما و صلنا إ ل أن هذا ال لون من الت طور ي سي ع لى هدى‬
‫الف طرة ويتت بع خطوط ها‪ ،‬فالفطرة دائ م‪š‬ا من ورائه تدوه‪ ،‬وإن كان هو بدوره ي قوي‬
‫إمكان يات الف طرة‪ ..‬ولك نه يقوي ها ل نا هي ‪ -‬من ال صل ‪ -‬راغ بة ف التح قق والتم كن‬
‫والقوة عن هذا الطريق‪ ..‬فالمر ل يعدو الفطرة ف ناية الطاف‪.‬‬

‫وا لن ننت قل إ ل ال لون ال ثان من الت طور‪ ،‬و هو الت طور القت صادي والجت ماعي‬
‫والسياسي ف حياة النسان‪.‬‬

‫)‪(96‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫الت طور القت صادي والجت ماعي والسيا سي هو ال يدان الرئي سي لن شاط التف سي‬
‫الادي للتاريخ! فقد جال فيه وصال ليقول إنه ينشأ عن تطور أساليب النتاج‪ .‬وإن تطور‬
‫أساليب النتاج هو السبب الوحد فيه!‬

‫حي اكتشف النسان الزراعة تغي وجه الرض‪..‬‬

‫فقد استقر النسان ف الرض ليزرع وينتظر نتيجة الزرع‪ ،‬بعد أن كان جوال‬
‫يبحث عن الرعى والصيد‪ .‬وكان الستقرار نتيجة حتمية‪ ..‬وحي استقر كان ل بد من‬
‫تنظيم اجتماعي‪ ،‬ينظم علقات أولئك الستقرين ف بقعة واحدة من الرض بصفة دائمة‪..‬‬
‫وكان هذا التنظيم نتيجة حتمية‪ ..‬ونشأت علقات اقتصادية مدودة نتيجة لعملية الزراعة‪،‬‬
‫فهناك ماصيل تنتج‪ ،‬تفيض عند بعض الناس عن حاجتهم‪ ،‬وتنقص عند آخرين‪ ،‬فل بد‬
‫من التبادل بي الفريقي‪ ..‬وكان هذا نتيجة حتمية‪ ..‬ث حدثت النازعات على الراضي‬
‫والنتاج من ناحية‪ ،‬وإغارات القوام بعضهم على بعض للستيلء على الرض النرعة‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬فاستلزم ذلك وجود نوع من الكومة يفض النازعات من ناحية‪ ،‬ونوع‬
‫من القوة الاربة تصد الغارات من ناحية أخرى‪ ..‬وكان هذا التشكيل السياسي والرب‬
‫نتي جة حتم ية‪ ..‬وو جد الرق يق‪ ،‬من نتي جة ا لرب‪ ،‬و صار عم لة اقت صادية واجتماع ية‬
‫وسياسية صاحبت التمع الزراعي فترة طويلة جدا‪ š‬من الزمان‪ .‬ووجد القطاع كتنظيم‬
‫اقتصادي واجتماعي وسياسي‪ ..‬وكان ذلك كله نتيجة حتمية‪.‬‬

‫ث اخترع النسان اللة‪ ..‬وتغي وجه الرض من جديد‪..‬‬

‫نشأت الصانع ف الدن‪ .‬واحتاجت إل رجال أشداء يديرونا‪ .‬وكان هؤلء ف‬


‫الريف‪ ،‬مستعبدين ف الرض‪ ،‬فكان ل بد من تريرهم من عبودية الرض ليديروا اللة‪،‬‬
‫فحدثت حركة ترير الرقيق‪ ..‬وكانت نتيجة حتمية‪ .‬ث تكتل العمال ف مصانع الدن‪،‬‬
‫وأخذ رأس الال ينمو فتنشأ طبقة استغللية جديدة مصاحبة ف مبدأ المر ث مناوئة لطبقة‬
‫القطاع‪ ..‬وكان ذلك نتيجة حتمية ]وتغيت أخلق التمع ومفاهيمه نتيجة انتقاله من‬
‫الزراعة إل الصناعة كما أشرنا إل ذلك من قبل[ وحدث صراع سياسي بي الطبقات‬
‫الستغ¼لة والطبقات الستغ‪É‬لة على التشريع والتوجيه‪ ،‬لدمة مصال كل طبقة‪ ..‬وكان ذلك‬
‫نتي جة حتم ية‪ .‬و ما زال هذا ال صراع قائ ما‪ ،š‬وي قول التف سي ا لادي للتار يخ إ نه ل بد أن‬
‫يؤدي إ ل نتيجته التم ية‪ ،‬ث تت لف التف سيات ‪ -‬أو ا لذاهب ‪ -‬ف أ مر هذه النتي جة‪،‬‬

‫)‪(97‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫فيقول مذهب إنا الشيوعية‪ ،‬ويقول مذهب آخر إنا الشتراكية‪ ،‬ويقول مذهب ثالث إنا‬
‫التعاونية‪ ..‬ويقول الميع إنم ديقراطيي!‬

‫صورة ‪ -‬ف هذا الوضع ‪ -‬منطقية‪ ،‬مرتبة‪ ،‬منظمة‪ ،‬م»قنعة!‬

‫ومع ذلك فعند التمعن فيها تتبدى فيها جلة ثقوب!‬

‫إ نا أول تف سر كل ت طور اجت ماعي واقت صادي وسيا سي بتغ ي أ ساليب الن تاج‬
‫فحسب‪ .‬وقد مر بنا صراحة ماركس وإنلز ف هذا المر أنما يقولن ف وضوح كاف‪:‬‬
‫" فأ سلوب الن تاج ف ال ياة الاد ية هو ا لذي يع ي ال صفة العا مة للعمل يات الجتماع ية‬
‫والسياسية والعنوية ف الياة‪ .‬ليس شعور الناس هو الذي يعي وجودهم‪ ،‬بل إن وجودهم‬
‫هو الذي يعي مشاعرهم‪] " .‬ماركس[‪ " .‬إن النتاج وما يصاحبه من تبادل النتجات هو‬
‫ال ساس ا لذي ي قوم عل يه كل ن ظام اجت ماعي‪ .‬فح سب هذه النظر ية ند أن ال سباب‬
‫النهائية لكافة التغييات والتحولت الساسية يب البحث عنها ل ف عقول الناس أو ف‬
‫سعيهم وراء ا لق وال عدل ا لزليي‪ ،‬وإ نا ف التغي يات ا لت ت طرأ ع لى أ سلوب الن تاج‬
‫والتبادل " ]إنلز[‪.‬‬

‫وعلى ذلك ل توجد ف نظرها أية أسباب أخرى غي تطور أساليب النتاج‪.‬‬

‫إنما ‪ -‬مثل ‪ -‬ل يقيمان وزنا‪ š‬لعملية النمو الطبيعية ف بنية النفس والتمع! النمو‬
‫الذي يعتب تطور أساليب النتاج مظهرا‪ š‬واحدا‪ š‬من مظاهره‪ ..‬فالنفس كما تنمو بتحقيق‬
‫إمكانياتا العملية عن طريق العدد واللت‪ ،‬وتسينها‪ ،‬كما يقول جوليان هكسلي‪ ،‬تنمو‬
‫كذلك بتحقيق إمكانياتا الجتماعية والقتصادية والسياسية‪ ..‬الكامنة ف فطرتا‪.‬‬

‫يقول هكسلي ف كتاب " النسان ف العال الديث "‪:‬‬

‫" و هذه ا لواص ا لت ام تاز با الن سان‪ ،‬وا لت ي كن ت سميتها نف سية أ كثر من ها‬
‫بيولوجية‪ ،‬تنشأ من خاصية أو أكثر من الواص الثلث التية‪:‬‬

‫الول‪ :‬قدرته على التفكي الاص والعام‪.‬‬

‫)‪(98‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫الثان ية‪ :‬التوح يد الن سب لعمل ياته العقل ية بع كس انق سام الع قل وال سلوك ع ند‬
‫اليوان‪.‬‬

‫الثال ثة‪ :‬و جود الو حدات الجتماع ية م ثل القبي لة وال مة وا لزب والكني سة‬
‫)‪(30‬‬
‫وتسك كل منها بتقاليدها وثقافتها "‬

‫إن وجود التنظيمات الجتماعية والسياسية والدينية واللقية والقتصادية هو إذن‬


‫خاصية من الواص النفسية للنسان! إنا ف صميم فطرته‪ ،‬ل تنشئها أساليب النتاج كما‬
‫يبدو لول وهلة على هدى التفسي الادي للتاريخ‪ .‬وإنا تطور أساليب النتاج يكن أن‬
‫يعطي ها صورة معي نة‪ .‬و فرق ‪ -‬ك ما بي نا مرارا من ق بل ‪ -‬ب ي الن شاء والت شكيل‪ .‬فرق‬
‫واضح وكبي‪ .‬فحي تكون النفس هي الصل‪ ،‬ففي وسعها ‪ -‬نظريا على القل! ‪ -‬أن‬
‫تت شكل بأكثر من صورة‪ .‬أ ما ح ي ت كون أ ساليب الن تاج هي ال صل ف هي إذن تع طي‬
‫صورة حتم ية ل ف كاك من ها! و سنرى ب عد قل يل أن هذه الفر صة النظر ية كانت حقي قة‪،‬‬
‫وحقيقة ضخمة ف حياة البشرية يعجز عن تفسيها كل تفسي مادي للتاريخ! ولكنا ل‬
‫نريد أن نسبق الديث!‬

‫إن التنظيمات الجتماعية والقتصادية‪ ..‬ال خاصية نفسية للنسان‪ .‬ومن ث فهي‬
‫تضع لفطرة النسان ف النمو‪ .‬والنمو خاصية نفسية بيولوجية ل تتاج إل تفسي من‬
‫خارجها! ]إل القول بأنا موهبة من الالق[‪ .‬وحقيقة إن النمو يتاج إل غذاء‪ .‬ولكن‬
‫ل يس حقي قة أن ال غذاء هو ا لذي ين شئ خا صية الن مو! إ نا ال غذاء يت يح ف قط المكان يات‬
‫العملية لذه الاصية الكامنة ف الفطرة‪.‬‬

‫و من ث فإن نو التنظي مات الجتماع ية والقت صادية وتع قدها خا صية فطر ية ف‬
‫الن سان‪ .‬و هي ت تواكب مع نو أ ساليب الن تاج ل ك سبب ونتي جة‪ ،‬ول كن ك قوتي‬
‫متواكبتي تستمدان من أصل واحد هو الفطرة‪ .‬ول ينع ذلك من وجود علقة السبب‬
‫والنتيجة بي الزئيات‪ .‬أما التاه العام ف مموعه فل يكن اعتبار أساليب النتاج فيه‬
‫سببا للتطور الجتماعي والقتصادي أكثر من اعتبار التطور الجتماعي والقتصادي سببا‬
‫ف ت طور أ ساليب الن تاج! وا لول أن نت صورها ‪ -‬ع لى حقيقته ما ‪ -‬قوتي متواك بتي‬
‫تستمدان من الصل الشترك ف الفطرة البشرية!‬

‫‪ ()30‬النسان ف العال الديث ص ‪ 32‬من الترجة العربية‪.‬‬

‫)‪(99‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وإل‪ ..‬فك يف نغ فل أن ال ضرورات الجتماع ية والقت صادية والسيا سية قد أدت‬


‫إل استحداث أساليب متطورة للنتاج تناسب الوضع القائم‪ ،‬بنفس الصورة الت تؤدي با‬
‫تطورات النتاج إل استحداث تنظيمات اجتماعية واقتصادية؟!‬

‫وك يف نغ فل ق بل ذ لك أن " الا جات الب شرية الفطر ية " هي ا لدافع وراء هذا‬
‫التطور وذاك ف نفس الوقت؟!‬

‫إن الرغبة ‪ -‬الفطرية ‪ -‬ف الجتماع بالخرين هي الت أنشأت " التمع " بادئ‬
‫ذي بدء ‪ -‬ف أية صورة من صوره ‪ -‬لتلبية تلك الرغبة العميقة ف نفس الفرد‪.‬‬

‫وحي نشأ التمع ‪ -‬ف أية صورة من صوره ‪ -‬تعددت حاجاته ونت‪ ،‬بكم‬
‫الف طرة ا لت أن شأته من ق بل‪ ،‬با أودعها خالقها من طا قات وا ستعدادات واتاهات‪" .‬‬
‫وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " فنمو " النسان " إل شعوب وقبائل هو العمل التمي‬
‫الناشئ من إرادة ال‪ ،‬والنفذ عن طريق الفطرة الت خلقها ال وأودعها هذا اليل والقدرة‬
‫على تقيقه‪ .‬وليس ناشئا من تطور أساليب النتاج‪ ،‬ول أي ضرورة أخرى " خارج "‬
‫النفس البشرية‪.‬‬

‫وخاصية النمو‪ ،‬الت تنمي الطفل حت يبلغ أشده‪ ،‬وهي خاصية بيولوجية‪ ،‬أي ف‬
‫صميم الفطرة‪ ،‬هي ذاتا الت تنمي التمعات الصغية إل متمعات كبية‪ .‬فتنمي العشية‬
‫إى قبيلة‪ ،‬والقبيلة إل أمة‪ ..‬وهكذا‪ .‬وتنمي العلقات بي الناس من علقات بدائية صغية‬
‫مبا شرة إ ل عل قات مع قدة كبية غ ي مبا شرة‪ ..‬و ف أث ناء ذ لك ت يء أ ساليب الن تاج‬
‫التطورة فتحتل مكانا من الصورة‪ ،‬و " تلبس " ف حيزها‪ ،‬قوة متفاعلة مع السياق كله‪،‬‬
‫آخذة ومعطية ف ذات الوقت‪ ،‬ومتجهة ف اتاه الفطرة الكبي‪ ..‬ف اتاه النماء‪ .‬ويتبادل‬
‫ت طور الن تاج وت طور الت مع عل قة ال سببية من طرفي ها‪ ،‬ف تارة ي كون ت طور الن تاج هو‬
‫السبب ف تطور التمع‪ ،‬وتارة يكون تطور التمع هو السبب ف تطور النتاج‪ ..‬وف‬
‫النهاية يكون الصدر هو الفطرة التصفة باصية النماء!‬

‫ا ختراع ال لة هو ال سبب ف و جود الت مع ال صناعي‪ .‬ول كن رغ بة الب شرية ف "‬


‫القوة " من ناحية‪ ،‬ورغبتهم ف زيادة النتاج لتيسي كل حاجات التمع من ناحية أخرى‬
‫هي السبب ف اختراع اللة! ووراء هذا وذلك الفطرة البشرية الشتملة على القدرة على‬
‫استخدام العدد واللت‪ ،‬والرغبة ف تسي العدد واللت!‬

‫)‪(100‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ث هناك نظم اجتماعية مثل الزواج والسرة ل تنشأ من تطور أساليب النتاج‪.‬‬
‫ف هي نو اجت ماعي بت‪ .‬و جد ف مت مع ال صيد ف ظل مات التار يخ‪ ،‬وو جد ف الت مع‬
‫الرعوي‪ ،‬والتمع الزراعي والتمع الصناعي‪ .‬وعلى الرغم من النيار " النسان " الذريع‬
‫الذي يعانيه الناس ف القرن العشرين‪ ،‬فيدمر فطرتم تدميا ]سنتحدث عن هذا فيما بعد[‬
‫فما زال الزواج والسرة نظامي " طبيعيي " تدث النظم الخرى ]الباحية والتحلل[ إل‬
‫جانبها كشذوذ يصيب البشرية بالدمار ل " كتطور " يهدف إليه العقلء‪ ،‬أو يرتاح إليه‬
‫العقلء! وإن الدعوى الزيفة الت أقامها دركاي‪ ،‬حي زعم أن الزواج والسرة ليسا من‬
‫الف طرة‪ ،‬لي ز عم ل ي قم صاحبه عل يه أي دل يل ]و سنعود إ ل ذ لك ف الف صل ال قادم‬
‫بالتفصيل[‬

‫إن ت طور أ ساليب الن تاج إذن ل يس هو ال سبب الوح يد للن مو الجت ماعي‬
‫والقت صادي والسيا سي‪ ،‬ك ما ز عم ماركس وإن لز وغي ها من هواة التف سي ا لادي‬
‫للتاريخ‪ .‬وإنا هو واحد من أسباب!‬

‫وحقيقة إن تطور أساليب النتاج يدث تغيات ف صورة الياة البشرية‪ .‬ولكنها‬
‫ليست حتمية‪ .‬وأوضح المثلة على ذلك وأقربا أن أساليب النتاج ف القرن العشرين‬
‫وا حدة ف ا لمم ال كبى‪ .‬و مع ذ لك ف هي ف ال غرب ت صاحب الرأ سالية و ف ال شرق‬
‫تصاحب الشيوعية! على بعد ما بي هذه وتلك ف شكل الياة الجتماعية والقتصادية‬
‫والسياسية!‬

‫بل الدهى من ذلك أن روسيا ‪ -‬الشيوعية ‪ -‬قد أخذت أساليب النتاج الادي‬
‫عن أوربا الرأسالية! فقد كانت خارجة من القطاع والظلم والهالة ف ظل القيصرية‪،‬‬
‫بغ ي تر بة ف عال ال صناعة‪ ،‬وبغ ي أدوات صناعية ذات بال‪ ،‬فل ما أن شأت نظام ها ع لى‬
‫مذهبها الف كري ا لاص‪ ،‬و قررت إ حداث حر كة صناعية ضخمة‪ ،‬ا ستخدمت أ ساليب‬
‫الن تاج التقد مة الو جودة لدى أور با الرأ سالية‪ ،‬ولكن ها أعطت ها أ هدافها هي‪ ،‬وقيم ها‬
‫ومبادئها! فحيث تستخدم هذه الساليب ف الغرب لتوكيد فردية النسان‪ ،‬استخدمتها‬
‫روسيا للغاء فردية النسان وتوكيد صفته الماعية! فألغت اللكية الفردية‪ ،‬والحزاب‬
‫السياسية التعددة‪ ،‬و " ديقراطية " الكومة‪ ،‬وأعلنت " دكتاتورية " البوليتاريا!‬

‫بل ال شد سخرية من ذ لك أن ماركس ‪ -‬و هو يت صور ع لى هواه خ طوات‬


‫التار يخ التم ية‪ ،‬البن ية ع لى حتم ية مرا حل الن مو القت صادي والجت ماعي والسيا سي‪،‬‬

‫)‪(101‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫الترت بة بدورها ع لى ت طور أ ساليب الن تاج ‪ -‬قد ا فترض أن ال شيوعية ستبدأ ف غرب‬
‫أور با‪ ،‬و ف إن لترا ب صفة خا صة‪ ،‬كنتي جة حتم ية للت قدم ال صناعي وال صراع الطب قي ب ي‬
‫العمال ورأس الال! فكانت النتيجة القيقية ]غي التمية[! أن قفزت روسيا من القطاع‬
‫إل الشيوعية مباشرة‪ ،‬متخطية خطوة الرأسالية ]التمية!![ وبقيت إنلترا رأسالية إل هذه‬
‫اللحظة!‬

‫و من ناح ية أ خرى فإن التغ ي ف صورة ال ياة الب شرية ‪ -‬ف ال يدان القت صادي‬
‫والجتماعي والسياسي ‪ -‬قد ل يقوم على تطور أساليب النتاج على الطلق!‬

‫ومثال ذلك هو السلم!‬

‫" أية قوة مادية‪ ..‬أية تغيات ف أساليب النتاج‪ ..‬ف الزيرة العربية أو ف العال‬
‫أجع‪ ..‬هي الت أدت ‪ -‬بصورة حتمية ‪ -‬إل ظهور ممد بن عبد ال ‪ -‬صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ -‬يدعو إل هذا السلم ويبشر بالدين الديد؟‬

‫يقولون إن العرب ف الزيرة كانوا قد استنفدوا طور " القبيلة " وأخذوا يتطلعون‬
‫لن يكونوا أمة‪ ..‬فكان ظهور ممد صلى ال عليه وسلم أمرا‪ š‬طبيعيا‪ š‬متمشيا مع طبيعة‬
‫الحداث‪ ،‬ومستجيبا لتمية التطور‪.‬‬

‫ومع ما ف هذا القول من التجوز‪ ،‬فسنسلم به توفيا للجدال!‬

‫من قبيلة إل أمة‪ ..‬معقول!‬

‫ولكن هل كان السلم دين " المة العربية "!؟‬

‫ك يف و هو ي قول ‪ -‬ف م كة ‪ -‬ق بل ا لذهاب إ ل الدي نة‪ ،‬وق بل تأ سيس الدو لة‪،‬‬
‫وقبل اجتماع النصار‪ ،‬وقبل تميع القوى الادية والقدرة التنفيذية‪ ..‬قبل أن يؤمن به أحد‬
‫إل بضعة نفر مشردين ف الشعاب‪ ،‬ومطاردين من الهل واللن‪ ،‬هائمي بغي مستقر ول‬
‫حاية ول أمل ف الغد القريب فضل عن الغد البعيد‪ ..‬كيف وهو يقول ف هذه الظروف‬
‫عن القرآن الكري‪ " :‬وما هو إل ذكر للعالي " ف سورة " القلم " من أوائل ما نزل من‬
‫القرآن الكري‪ .‬وف سورة سبأ الكية ما هو أصرح ف هذا العن‪ .‬ذلك قوله تعال‪ " :‬وما‬

‫)‪(102‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫أرسلناك إل كافة للناس بشيا‪ š‬ونذير‪š‬ا "‪ .‬وكذلك آية العراف الكية‪ " :‬قل يا أيها الناس‬
‫إن رسول ال إليكم جيعا‪" š‬؟‬

‫ث هل كان السلم دين " المة العربية " ونب السلم يقول‪ " :‬الناس سواسية‬
‫كأسنان الشط‪ .‬ل فضل لعرب على عجمي إل بالتقوى "؟‬

‫أ هي د عوة لت كوين أ مة‪ ،‬أم د عوة إ ل " الن سانية " عا مة من أول خ طوة ف‬
‫الطريق؟‬

‫ف هل كذلك التم ية التاري ية يا هواة التف سي ا لادي للتار يخ؟ من القبي لة إ ل‬


‫النسانية قفوة ف سنوات؟!‬

‫وتتكون المم من القبائل‪ ..‬فهل مرد هذه الطوة يعدل النظم الفكرية والعقيدية‬
‫والجتماعية والقتصادية‪ ..‬دون تغي مادي‪ ،‬ول تول ف أساليب النتاج؟‬

‫منطلق البيئة ل يكن هو النطق الذي أتى به السلم‪ ..‬بل لقد قام الصراع طويل‬
‫‪ -‬جد‪š‬ا ‪ -‬بي منطق البيئة ومنطق السلم‪ ،‬حت تغلبت العقيدة الديدة با فيها من قوة‬
‫ومن عناصر خي غلبة‪ ،‬فقهرت منطق البيئة وأجلته من النفوس‪.‬‬

‫كان منطق البيئة يتقر الرأة ويضعها ف مكانة تشبه مكانة السائمة واليوان‪..‬‬
‫توأد أحيانا‪ š‬وهي وليدة‪ .‬وتستقبل بالبتئاس والغيظ‪ .‬وتذل وهي فتاة‪ " .‬وتتلك " وهي‬
‫زوجة كما تتلك الشياء‪ .‬ول تكن الرأة ذاتا تسخط على هذا الوضع‪ ،‬ول كان هناك‬
‫من يطلب لا وضعا غيه من الرجال‪ .‬ل ف الزيرة العربية‪ ،‬ول ف أي مكان ف الرض‪.‬‬

‫و جاء ال سلم ي قول‪ " :‬ف من ع مل صالا من ذ كر أو أ نثى ‪ -‬و هو مؤمن ‪-‬‬
‫فلنحيينه حياة طيبة " " فاستجاب لم ربم‪ :‬أن ل أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو‬
‫أنثى‪ ،‬بعضكم من بعض "‪.‬‬

‫و جاء ي قول‪ " :‬عا شروهن بالعروف " وي عل لذا ال عروف قوا عد وت شريعات‬
‫وتوجيهات‪.‬‬

‫)‪(103‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وجاء يعطيها ‪ -‬إل جانب الساواة ف النسانية‪ ،‬والساواة عند ال ‪ -‬حق اللك‬
‫والتصرف‪ " :‬للرجال نصيب ما ترك الوالدان والقربون‪ ،‬وللنساء نصيب ما ترك الوالدان‬
‫والقربون " " للرجال نصيب ما اكتسبوا وللنساء نصيب ما اكتسب " وهو حق ل تعطه‬
‫فرنسا لنسائها إل ف القرن العشرين‪.‬‬

‫و كان منطق البيئة هو من طق الغلبة لصاحب القوة ل لصاحب ا لق‪ ،‬و ل ي كن‬
‫تول العرب إل أمة بطريقة ‪ -‬حتمية ‪ -‬ليغي هذا النطق‪ ،‬فكم من أمة يسود فيها هذا‬
‫النطق إل هذه اللحظة ف القرن العشرين!‬

‫فجاء السلم يعطي كل ذي حق حقه‪ ،‬بإنسانيته الردة‪ ،‬ل بكونه صاجب قوة‬
‫أو ن فوذ أو سلطان‪ ،‬حت و لو ل ي كن م سلما‪ ،‬ما دام يع يش ف الت مع ال سلمي‪ .‬و قد‬
‫نزلت تسع آيات ف سورة النساء لتبئ يهوديا اتم ظلما‪ ،‬وتآمر على اتامه رجال من‬
‫الدي نة أقو ياء بع صبيتهم ول و ل له ول ن صي ] سورة الن ساء )‪ (113 - 105‬و ما جاء‬
‫فيها‪ " :‬ومن يكسب خطيئة أو إثا ث يرم به بريئا فقد احتمل بتانا وإثا مبينا " إشارة إل‬
‫ذلك اليهودي البيء![‪.‬‬

‫وكان منطق البيئة هو توقي زعيم القبيلة ‪ -‬أو اللك حي تتكون المة ‪ -‬توقيا‬
‫يعل منه إلا ل يسأل عما يفعل‪ .‬وكان هذا هو منطق العال كله مع حكامه ف ذلك‬
‫الي‪ ،‬فإذا السلم يعل ف هذه المة من الوعي السياسي البالغ القمة ما يعل فردا من‬
‫عامة السلمي يقول لشد اللفاء مهابة ف تاريخ السلم ‪ -‬عمر بن الطاب ‪ " -‬وال‬
‫لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناه بد السيف "! ث يعل عمر ل يغضب لنفسه من هذه‬
‫القولة الريئة‪ .‬بل يمد ال!‬

‫و كان من طق ا لبيئة ي عل ال كرم العر ب ال شهي مقت صرا ع لى ال فاوة ا لت ي سي‬


‫بذكرها الركبان‪ ،‬وتصلح للمفاخرة بي القبائل‪ ،‬أما العطف على الفقي السكي‪ ،‬والعطف‬
‫الذي ينبع من منبع إنسان بت‪ ،‬ول يهدف إل شهرة ول فخر ول تظاهر‪ ،‬فقد كان أمرا‬
‫نادرا‪ š‬ف تلك البيئة قليل الدوث! فجاء السلم يلح إلاحا شديدا جدا ف إعطاء السكي‬
‫" حقه " ف مال ال‪ ،‬وإكرامه‪ ،‬والعطف عليه‪ ،‬ومواساته‪ ،‬حت ليجعل ذلك أمرا للرسول‬
‫ذاته صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وما كان ف حاجة قط إل هذا المر‪ " :‬فأما اليتيم فل تقهر‪،‬‬
‫وأما السائل فل تنهر " وإنا كان توجيه المر إليه صلى ال عليه وسلم للشعار بأهيته‬
‫وبأنـه واجب القضاء‪.‬‬

‫)‪(104‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫و كان من طق ا لبيئة ‪ -‬ومن طق ال عال ك له يومئذ ‪ -‬ي عل ال سادة سادة والع بد ف‬


‫منلة تقرب من منلة اليوان‪ ،‬يهان ويعذب ويقتل بل حساب‪.‬‬

‫و جاء ال سلم يزوج ب نت ع مة ر سول ا ل ‪ -‬القر شية ‪ -‬من ز يد‪ ..‬من أ حد‬
‫ا لوال‪ ،‬و جاء ي عل هذه ا لول قائد‪š‬ا ل يش من ج نوده أ بو ب كر وع مر وز يرا الر سول‬
‫وخليفتاه!‬

‫ويقول الرسول الكري‪ " :‬من قتل عبده قتلناه‪ ،‬ومن جدع عبده جدعناه "‪ ..‬ول‬
‫يكن ذلك لن أحدا طالب لم بذه الكرامة‪ ..‬ول يكن كذلك لن الوضع القتصادي أو‬
‫علقات النتاج أو أدوات النتاج تغيت أدن تغيي!‬

‫وكان منطق البيئة يؤمن باللكية الفردية الطلقة من كل قيد‪ ،‬الاضعة لغي قانون‪.‬‬

‫و جاء ال سلم ين ظم هذه اللك ية بن ظام ل ي ثب ال عال إ ل شيء م نه إل ف هذا‬


‫الع صر‪ ،‬ب عد أن اك توى بح يم الق طاع والرأ سالية و ترع منه ما الم يم؛ جاء ي قول إن‬
‫الال مال ال والماعة وكيلة عنه‪ .‬والفرد موظف فيه‪ ،‬يستحقه بأداء حقه والقيام عليه‪.‬‬
‫فإن سفه أو ل يؤد حقه عاد إل الماعة صاحبة الق الول فيه‪ ،‬ث ينص على طريقة‬
‫توزيعه " كي ل يكون دولة بي الغنياء منكم "‪.‬‬

‫وكان منطق البيئة وكان‪ ..‬وكان‪ ..‬فجاء السلم يلغي ذلك النطق ويستبدل به‬
‫منطقا آخر بعيدا‪ š‬كل البعد‪ ،‬غريبا كل الغرابة على تلك البيئة وعلى كل البيئات يوم كان‪،‬‬
‫ول ي عل كل مه م بادئ " مثال ية " معل قة ف الف ضاء‪ ،‬بل واق عا مسو سا يتم ثل ف ب شر‬
‫يدبون على الرض وقلبهم متجه إل السماء!‬

‫فكيف حدث ذلك؟‬

‫أ ية حتم ية تاري ية وأي تف سي مادي ي كن أن يف سر هذه العجي بة ف تار يخ‬


‫النسان؟!‬

‫شيء واحد يكن أن يفسر‪.‬‬

‫)‪(105‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫إن النسان حي يؤمن بال إيانا صحيحا وتعمر قلبه عقيدة سليمة يصنع هذه‬
‫العجزات! " )‪.(31‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ذلك مثال يلغي ‪ -‬ف ضربة قاضية ‪ -‬كل التفسي الادي للتاريخ!‬

‫وهو مثال من عال الواقع ل من عال النظريات‪ ..‬مثال من وقائع " التاريخ "!‬

‫وإن تف سيه لو التف سي الوح يد ا لذي يأ باه التف سي ا لادي للتار يخ‪ ،‬وي شتط ف‬
‫إبائه! تفسيه أن هناك " علقة " بي النسان وال! وأن قدر ال هو الذي يشكل واقع‬
‫الرض ويقرره! قدر ال الذي وجه النسان الول إل اكتشاف النار واختراع اللت‪..‬‬
‫وجهه إل تكوين القبائل والشعوب للتعارف‪ ..‬بغي سبب إل إرادة ال للنسان أن يصنع‬
‫ذلك‪ ..‬هو ذاته الذي وجهه إل السلم‪ ،‬وإل بناء متمع مثال على هدى السلم‪ ،‬بغي‬
‫سبب إل إرادة ال للنسان أن يصنع ذلك! ل بتطور أساليب النتاج ول بالنمو " الطبيعي‬
‫" للمجتمع! وإن كان قد اعتمد ف هداية النسانية للسلم‪ ،‬وهدايته إل إقامة هذا التمع‬
‫الثال‪ ،‬على الكونات البشرية الفطرية الت أودعها الالق فطرة النسان )‪.(32‬‬

‫وكل تفسي للتاريخ يغفل ال‪ ،‬وقدر ال‪ ،‬وتدخله الباشر ف حياة البشرية‪ ،‬ويفسر‬
‫حياة النسان كحدث قائم بذاته‪ ،‬أو قائم لسباب " مادية " ميطة بوجوده‪ ،‬هو تفسي‬
‫خاطئ ل يفسر حقائق الوجود!‬

‫إن الماقة الت أدل با دارون وهو يقول‪ " :‬إن تفسي شئون الياة بوجود خالق‬
‫له إرادة ف اللق‪ ،‬يكون بثابة إدخال عنصر خارق للطبيعة ف وضع ميكانيكي بت "‪..‬‬
‫إنا‪ ..‬حاقة!‬

‫‪ ()31‬من كتاب " معركة التقاليد " الطبعة الثانية ص ‪.109 - 104‬‬
‫‪ ()32‬ان ظر ف صل " ر صيد الف طرة " ف ك تاب " هذا ا لدين " وف صل " ا لدين والف طرة " ف ك تاب‬
‫الدراسات‪.‬‬

‫)‪(106‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ومن شاء فليفسر وقائع التاريخ ووقائع الياة ووقائع الكون بدون إدخال هذا‬
‫العن صر " ا لارق للطبي عة "! إن تف سيه لن يذهب به أب عد من خ طوات‪ ..‬ث يت عثر ف‬
‫الطريق!‬

‫وإدخال هذا العنصر الارق للطبيعة لن يلغي ‪ -‬كما يفهم " العلم " الغرب ف‬
‫حاقة ‪ -‬قواني العلم وقواني الطبيعة وقواني الادة وقواني الجتماع وقواني القتصاد‪.‬‬
‫كل! وإنا يكملها ويصححها ويق̂ومها‪ ..‬ويعطيها دللتها القيقية ف سياق الحداث!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ث إن التطور الجتماعي والقتصادي والسياسي ‪ -‬كالتطور العلمي ‪ -‬ل يرج‬
‫بالنسان عن فطرته‪ ،‬لن الناس مكومون بفطرتم ف ناية الطاف!‬

‫كل ا ختراع جد يد ي هز ال ناس و قت ظ هوره هزا‪ ،š‬ويط لق أف كارهم وم شاعرهم‬


‫فيتخيلون عالا جديدا متلفا‪ š‬كل الختلف‪ ،‬عالا ل تكمه مشاعر الاضي ول تصوراته‪..‬‬
‫عالا كأنا يكمه جانب جديد من النفس ل يكن له وجود من قبل!‬

‫ث‪ ..‬تبد حرارة الختراع‪ ..‬ويتعود الناس وجوده‪ ..‬ويعودون رويدا‪ š‬رويدا‪ š‬إل‬
‫فطر تم‪ ..‬وإ ل م شاغلهم العاد ية‪ ،‬وآ مالم و ماوفهم! ي عودون إ ل الب حث عن الط عام‬
‫وال شراب والل بس وال سكن وال نس‪ ..‬ي عودون إ ل حب ال لك‪ ،‬و حب ال صراع و حب‬
‫البوز‪ ..‬يعودون إل الوف من الوت والبحث عن اللود!‬

‫و كذلك الت حولت الجتماع ية والقتصادية والسيا سية‪ ..‬تز ال ناس ف جلت ها‪..‬‬
‫وتشكل أفكارهم ومشاعرهم ف شكل جديد‪ .‬ولكنها ل ترجهم من فطرتم!‬

‫ففي العشية والقبيلة والمة والتمع النسان‪.‬‬

‫وف التمع الرعوي والتمع الزراعي والتمع الصناعي‪..‬‬

‫ف حكومة " الب " وحكومة المباطور القدس والكومة الديقراطية وحكومة‬
‫الطبقة الواحدة والزب الواحد‪..‬‬

‫)‪(107‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ف كل ذلك ل يرج النسان عن الفطرة ف نطاقها الواسع‪..‬‬

‫إنا الفطرة ف نزعتها الفردية والماعية‪ .‬ف نزعتها لللتزام والتحرر‪ .‬ف نزعتها‬
‫للسلبية واليابية‪ .‬ف حب اللك‪ .‬وحب البوز وحب الصراع‪ ..‬تأخذ أوضاعا شت!‬

‫ومرو نة الف طرة و سعتها لي ستا دليل ع لى عدم وجود ها ك ما خ يل لدركاي‬


‫وللتفسي الادي للتاريخ!‬

‫والدليل على وجودها هو ثورتا على ما ل يلئم طبيعتها‪ .‬ثورة طبيعية ل ت»تلمس‬
‫لا السباب!‬

‫إن التفسي الادي للتاريخ يتمحل السباب لثورة الرقيق ف أوربا ف ناية العصور‬
‫الوسطى‪ ،‬فيقول إنا كامنة ف نشوء التمع الصناعي وحاجة الصانع إل العمال‪ ،‬وضرورة‬
‫ترير رقيق الرض للعمل ف الصانع!‬

‫كذلك‪..‬؟!‬

‫ول يس الفطرة الب شرية الت تأب العبودية ف النهاية وإن خضعت لا عشرات أو‬
‫مئات من السني؟!‬

‫فما تفسي ثورة العبيدة الشهية ف العصر الرومان بقيادة " سبارتاكوس "‪ ،‬قبل‬
‫نشوء التمع الصناعي‪ ،‬وقبل حدوث أي تطور ف أساليب النتاج يدعو لتحرير العبيد؟‬
‫تلك الثورة الت هزت المباطورية كلها من قواعدها؟‬

‫وليس معن ذلك أن نلغي السباب الباشرة الت أدت لتحرير رقيق الرض عند‬
‫ن شأة الت مع ال صناعي! كل‪ .‬وإ نا مع ناه ف قط أن نرد ها إ ل الف طرة ا لت تترقب الفر صة‬
‫الناسبة لتحقيق وجودها‪ .‬ومعناه أن نفسر بذه الظروف ناح الثورة الثانية بينما هزمت‬
‫الول شر هزية ف عصر المباطورية الرومانية‪ .‬ولكن الزية والنصر شيء آخر غي دللة‬
‫الفطرة واتاهها‪ ..‬وهو واحد ف الالي!‬

‫)‪(108‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫والتف سي الادي للتاريخ يتم حل ال سباب لل ستعمار فيقول إنا كام نة ف بث‬
‫رأس ا لال عن الر باح وال سواق لت صريف فائض الن تاج ب عد الو صول إ ل الن تاج‬
‫الكبي‪!..‬‬

‫كذلك‪..‬؟!‬

‫وليس ف انرافة من انرافات الفطرة تنع إل الغلبة والسلطان وإخضاع الخرين‬


‫واستذللم؟!‬

‫فما تفسي الستعمار الرومان الشهي الذي استعبد أما وشعوبا بأسرها‪ ،‬وامتص‬
‫دماء ها‪ ،‬وأ كل خيا تا‪ ،‬وترك ها ف أ سوأ حال من الف قر وا لرض وال هل‪ ،‬لي ستمتع هو‬
‫وحده باللذائذ الرام‪ ،‬والبذخ الفاخر‪ ،‬والتلذذ بمامات الدماء؟!‬

‫وليس معن هذا أن نلغي السباب الباشرة الت أدت إل الستعمار الديث! وإنا‬
‫معناه فقط أن نردها إل مكانا من الفطرة ف انرافها‪ ،‬حيث يستوي ‪ -‬من حيث الدافع‬
‫‪ -‬الستعمار الول والستعمار الخي!‬

‫ث‪ ..‬ل قد شاء ا لذهب ال شيوعي أن يول الف طرة عن طريق ها ف م سألة اللك ية‬
‫الفرد ية‪ ،‬وا ستخدم لذلك ال ضغط والر هاب والد يد وال نار والتج سس‪ ،‬و كل و سائل‬
‫الكم البوليسي الشنيع‪ ،‬الت اعترف با خروشوف ف " اعترافاته " عن عهد ستالي ]بعد‬
‫وفاته بطبيعة الال![ فماذا كانت النتيجة ف النهاية؟! كان ذلك التراجع الستمر من ق¼بل‬
‫الكم البوليسي‪ ،‬خطوة خطوة نو الفطرة البشرية‪ .‬من إباحة التفاوت ف الجور بي‬
‫عمال الطبقة الواحدة والعمل الواحد‪ ،‬وإباحة اللكية الفردية ‪ -‬ف الواد الستهلكية! ‪-‬‬
‫إل اعتراف خروشوف بأن العمل ف الزارع الماعية ل يسي كما كان مقدرا‪ š‬له‪ ،‬ول‬
‫يعطي الغلة الت تعطيها الزراع الفردية‪ ..‬إل‪..‬؟!‬

‫كل! إ نا الف طرة ف النها ية ‪ -‬باع تدالتا وانرافا تا ‪ -‬تدد حدود الت طور‬
‫الجتماعي والقتصادي والسياسي‪ ،‬ف أثناء نوه الفطري‪ ..‬فتتركه ‪ -‬لسعتها ومرونتها ‪-‬‬
‫يتشكل ف أشكال شت‪ ..‬ولكن ف حدود الفطرة ف ناية الطاف!‬

‫وخلصة البحث ف التطور الجتماعي والقتصادي والسياسي هو هذه الموعة‬


‫من القائق‪:‬‬

‫)‪(109‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫أ نه قد يرت بط بالتطور ف أ ساليب الن تاج‪ .‬ولك نه ل ي كون ارت باط النتي جة‬
‫بالسبب‪ ،‬وإنا ارتباط الواكبة والصاحبة‪ ،‬مع تبادل علقة السببية من طرفيها‪ .‬فيؤثر كل‬
‫منهما ف الخر ويتأثر به‪.‬‬

‫وأنه ينشأ من خاصية النمو الفطرية ف كيان النسان ]ما ل يقف ف طريق النمو‬
‫عائق غي طبيعي[‪.‬‬

‫وأنه ‪ -‬مع ذلك ‪ -‬ليس تطورا‪ š‬حتميا‪ š‬من حيث الصورة الت يأخذها‪.‬‬

‫وأنه ‪ -‬سواء كان ناشئا من تدخل قدر ال الباشر كما ف الديانات السماوية‬
‫كلها‪ ،‬والسلم على رأسها‪ ،‬أو تدخله غي الباشر عن طريق ما أودعه ال ف الفطرة من‬
‫طاقات ‪ -‬فهو ف النهاية قائم على الفطرة البشرية‪ ،‬ومرده إليها‪.‬‬

‫وأنه أخيا‪ š‬ل يرج عن حدود الفطرة مهما تطور وتغي‪ .‬فهو تغي‪ ä‬ف الصورة ل‬
‫تغي ف جوهر الكيان‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫كنا إل هذه اللحظة نبحث ف التطور الجتماعي والقتصادي والسياسي‪ .‬وقد‬
‫رددناها ف وضوح جازم إل الفطرة البشرية وطاقاتا واستعداداتا‪ ،‬ووكدنا حقيقة ثبات‬
‫الفطرة رغم هذه التطورات‪ .‬ونريد ‪ -‬قبل أن ننتقل إل بث اللوني الخيين من التطور‪:‬‬
‫التطور النفسي والتطور الخلقي ‪ -‬أن نبي حقيقة هامة قد ل تتضح على حقيقتها ف‬
‫ظل ذلك التوكيد‪.‬‬

‫إننا ل نلغي على الطلق قيمة التطور العلمي أو التطور الجتماعي والقتصادي‬
‫والسياسي‪ .‬ول نقول إنه ل يغي شيئا‪ š‬ف واقع الياة!‬

‫ذلك كلم ل يقوله العقلء!‬

‫كمن يقول إن الطفل الرضيع كالرجل البالغ ف جيع الوضاع!‬

‫)‪(110‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫و ما ق صدنا غ لى شيء من ذ لك‪ .‬بل نن ‪ -‬ك ما أ سلفنا ‪ -‬ن يل إ ل إبراز هذا‬


‫التطور وذاك إبرازا‪ š‬واضحا ملموسا‪ ،‬ونؤكد حقيقته!‬

‫ولكننا فقط نرده إل الفطرة‪ ..‬ونرد الفطرة إل مشيئة ال وقدره‪.‬‬

‫إننا نريد أن نقول إن " صورة " الياة كلها تتغي بعد كل اكتشاف أو اختراع‬
‫جد يد‪ ،‬وبعد كل تول من الت حولت الجتماع ية والقتصادية والسيا سية‪ .‬و ت̂د لل ناس‬
‫مشاعر وأفكار وتصورات ل تكن من قبل‪ ،‬كما تقوم علقات الناس فيما بينهم على هذه‬
‫الشاعر الديدة والفكار والتطورات‪.‬‬

‫ول كن تغ ي " صورة " ال ياة ل يغ ي " ف طرة " الن سان‪ .‬هذه هي ال سألة ا لت‬
‫نكررها ونؤكدها‪ .‬إنا أشكال متغية من فطرة ثابتة‪ .‬وكل التغي والثبات له حقيقته وله‬
‫دلل ته‪ ،‬بل ت عارض ول ت ضارب‪ .‬لن " ا لق " ل يت عارض ول يت ضارب إل ف الف هام‬
‫الزئية الت ل تدرك ما بي بعضه وبعض من ارتباط‪.‬‬

‫إن النمو الدائم ف جسم الطفل ونفسه وعقله حقيقة‪ ..‬لا وزنا ودللتها‪.‬‬

‫و مع ذ لك ف في الط فل ما ف الر جل ال بالغ من خ طوط فطر ية أ صيلة ونز عات‬


‫فطرية‪ ..‬بل افتراق ف الوهر وإن تعددت الصور والشكال‪.‬‬

‫الط فل ياف والر جل ال بالغ ياف‪ .‬الط فل ير جو والر جل ال بالغ ير جو‪ .‬الط فل‬
‫يبحث عن الطعام والرجل البالغ يبحث عن الطعام‪ .‬الطفل يصارع والرجل البالغ يصارع‪.‬‬
‫الطفل يفكر والرجل البالغ يفكر‪ ..‬الطفل " يكدح " والرجل البالغ يكدح‪..‬‬

‫كل خطوط الفطرة الصيلة ودوافعها موجودة ف نفس الطفل‪ ،‬ف صورة بدائية‬
‫أو كامنة‪ ..‬ث تنمو‪ ..‬حت تصل إل النضوج والكتمال‪..‬‬

‫وكذلك حياة البشرية‪ ..‬كامنة بأكملها ف فطرتا‪ ..‬ث تتشكل ف مراحل النمو‬
‫الختلفة‪ ،‬فتتحقق طورا بعد طور ف صورة إثر أخرى‪ ..‬وكل الصور تقيق لذات هذا‬
‫الكيان!‬

‫)‪(111‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وإذا فرغنا من الديث عن تطور أساليب النتاج ‪ -‬أو التطور العلمي بصفة عامة‬
‫‪ -‬والت طور الجت ماعي والقت صادي والسيا سي‪ ،‬و ما بينه ما من ترا بط‪ ،‬و مذى ذ لك‬
‫الترابط‪ ،‬ومدى ما بينهما من استقلل نسب‪ ،‬نتحدث الن عن التطور النفسي ث التطور‬
‫الخلقي‪ ..‬وقد كان من المكن أن نتحدث عنهما معا‪ š‬ف آن واحد‪ ،‬لن بينهما نوعا من‬
‫الترابط غي قليل‪ .‬ولكنه كالترابط بي النوعي الولي من التطور‪ ،‬ليس ترابطا كامل‪،‬‬
‫فكل منهما متخصص ف جانب‪ ،‬كما سيتبي لنا من الديث‪.‬‬

‫التطور النفسي ]السيكلوجي[ نقصد به مدى النمو والنضوج ف النفس من حيث‬


‫هي مشاعر واتاهات وأفكار وتصورات وقيم وارتباطات وجدانية‪ ..‬على أوسع نطاق‪.‬‬
‫والتطور الخلقي نقصد به تطور القيم اللقية ف ميدانا التخصص‪ ،‬من حيث الكم‬
‫على أعمال النسان بأنا خطأ أو صواب‪ ،‬حلل أو حرام‪ ،‬مرتفعة أو هابطة‪ ..‬ومن حيث‬
‫مدى مراعاة النسان لذه الحكام‪.‬‬

‫وواضح لول وهلة أن هناك نوعا من الترابط بي النضوج النفسي ]السيكلوجي[‬


‫والن ضوج الل قي‪ .‬ول كن ه ناك إ ل جانبه نو عا من التخ صص ي عل هذا غ ي ذاك‪ .‬ف قد‬
‫تكون النفس ناضجة من حيث " قوة " الشاعر وعمقها واتساع نطاقها‪ ..‬ث تكون ف‬
‫ذات الوقت منحرفة من الناحية اللقية‪ ..‬وعلى العكس قد تكون مستقيمة من الناحية‬
‫اللق ية ولكن ها من الناح ية النف سية بدائ ية ضامرة غ ي مكتم لة الن ضوج‪ .‬لذلك أفرد نا‬
‫الديث عن كل منهما‪ ،‬مع بيان مدى الترابط ومدى الستقلل‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫التطور النفسي يتجه ‪ -‬فطريا ‪ -‬إل النضوج والتكامل ف كل جوانب النفس‪.‬‬
‫وهو حركة فطرية تدث ف النفس كما يدث النمو ف السم‪ ،‬فل تتاج إل تفسي من‬
‫خارج ها‪ ،‬إل التف سي ا لذي ي شمل الن سان ك له‪ ،‬وال كون ع لى ات ساعه‪ ،‬و هو أ نه ي سي‬
‫بقتضى ما فطره عليه خالقه‪ ،‬وما أودعه من سنن وطاقات واستعدادات‪ ،‬وبقتضى قدر‬
‫ال الذي ينشئ كل نو وكل حركة وكل تكيف ف هذه الطاقات والستعدادات‪.‬‬

‫)‪(112‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫والتفسي الادي للتاريخ يعل التقدم الادي ‪ -‬أي التقدم ف أساليب النتاج ‪ -‬هو‬
‫مور التطور النفسي كذلك‪ .‬ويستند إل ظاهرة خداعة‪ ،‬هي أن التقدم العلمي‪ ،‬وما ينشأ‬
‫ع نه ‪ -‬ف ن ظره ‪ -‬من ت قدم وت طور ف بن ية الت مع القت صادية والجتماع ية والسيا سية‪،‬‬
‫ينمي النفس بطريقة آلية‪ ،‬لن النفس هي انعكاس الوسط الادي‪ .‬فإذا " ارتقى " الوسط‬
‫الادي كان من جراء ذلك ارتقاء النفس‪.‬‬

‫وتلك ‪ -‬كما نقول ‪ -‬ظاهرة خداعة!‬

‫حقا إن التقدم العلمي يساعد على لون من النضوج‪.‬‬

‫فالط فل ا لذي يو لد ف ال قرن الع شرين‪ ،‬ف الن صف ال ثان م نه خا صة‪ ،‬و حوله‬
‫ال سينما والذا عة والتليفز يون‪ ،‬وال طائرة وال صاروخ‪ ،‬وا للت الدقي قة ا لتركيب‪ ،‬و حوله‬
‫التشابكات الجتماعية العقدة‪ ،‬والتشابكات السياسية الدولية واللية‪ ،‬التقلبة من لظة إل‬
‫لظة‪ ..‬ساعة تنح إل السلم وساعة تنح إل الرب‪ ..‬هذا الطفل أنضج ول شك ف "‬
‫معلو ماته " و ف ب عض م شاعره وت صوراته وأف كاره من ر جل بالغ كان يع يش ف ال قرن‬
‫العاشر مثل أو الثان عشر‪..‬‬

‫ولكنا نكون مطئي إل حد مضحك إذا تصورنا أن هذا الطفل أنضج ف مموع‬
‫نف سه من ذ لك الر جل! ف هو ظ فل مه ما ي كن من نو مدركاته‪ ..‬يت ناول ال ياة بنف سية‬
‫الط فل وم طالب الط فل وت صورات الط فل‪ ..‬وذ لك الر جل ر جل بالغ مرب‪ ،‬نا ضج ف‬
‫مموع نفسه بقدار ما تتيح له بنيته الاصة من النضوج‪.‬‬

‫الدللة الت نستحرجها من الثال واضحة‪ ..‬إن التقدم العلمي ينضج حقا بعض‬
‫جوانب الن فس‪ .‬ولك نه ‪ -‬ب فرده ‪ -‬ل ي صلح للح كم ع لى مدى الن ضوج وا تاهه‪ ،‬لن‬
‫الانب الذي ينضجه ليس من السعة والشمول بيث يعطي النفس طابعها الميز الخي!‬

‫وقد وقع القرن العشرون ف هذه الضلولة حي بره التقدم العلمي!‬

‫لقد ظن أ نه خي القرون طر‪š‬ا ف كل شيء‪ ،‬لنه أشد القرون تقدما ف الع لم‪،‬‬
‫وأشدها ‪ -‬حت الن ‪ -‬سيطرة على قوى الكون‪..‬‬

‫)‪(113‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وأعماه هذا الظن عن أن يدرك عيوبه‪ ..‬النفسية واللقية على حد سواء!‬

‫إن هذا القرن الذي تقدم ف العلوم كل هذا التقدم‪ ،‬ففجر الذرة وأطلق الصاروخ‬
‫وغزا الكواكب‪ ..‬يعيش بنفسية الطفل ف بعض جوانب الياة‪ ،‬وبنفسية الراهق ف بعضها‬
‫الخر‪ .‬وف بعضها الثالث بنفسية اليوان‪ ،‬من غي ضوابط اليوان‪.‬‬

‫وهذا العلم كله ‪ -‬بفرده‪ ،‬أي بدون توجيه نفسي وخلقي معي ‪ -‬ل يستطيع أن‬
‫يصلح ما فسد من النفوس‪ .‬بل هو قمي أن يزيدها فسادا لنه يلهب غرورها فتظن أنا‬
‫على صواب! ]" ‪Ô‬ق ل‪ á‬ه‪ É‬ل‪ á‬ن»‪É‬نب×ئ‪Ô Ô‬ك م‪ Ó‬ب¼ال‪á‬أ‪Ó Ý‬خ س‪É‬ر¼ين‪ É‬أ‪Ý‬ع‪ Ó‬م‪É‬ال‪ ،š‬ال ذ¼ين‪ É‬ض‪É‬ل س‪É‬ع‪»Ó‬يه»م‪ Ó‬ف¼ي ا‪á‬لح‪ É‬ي‪É‬اة¼ الد‪Óå‬ني‪É‬ا‬
‫)‪(33‬‬
‫سن»ون‪ Ý‬ص»ن‪Ó‬عا‪[!" š‬‬ ‫و‪É‬ه»م‪É Ó‬يح‪Ó‬س‪É‬ب»ون‪ Ý‬أ‪ÌÝ‬نه»م‪» Ó‬يح‪¼ Ó‬‬

‫هذا التقدم العلمي كله‪ :‬الثلجة الكهربائية‪ ،‬والغسالة الكهربائية‪ ،‬والنسان الل‬
‫وا لخ ا للكترون‪ .‬وا لزر ا لذي ت ضغط عل يه ف يدور م صنع كا مل دق يق ا للت أو ضخم‬
‫اللت‪ .‬أو يأتيك طعام جاهز يلب نداءك كالن القدي ف السطورة‪ .‬أو تسمع الوسيقى‬
‫الالة الت ترتاح إليها نفسك‪ .‬أو يتكيف جو حجرتك أو فراشك‪ ..‬أو‪ ..‬أو‪ ..‬ال‪.‬‬

‫التقدم الذي ينقلك ف لظة عب العال‪ .‬تسمعه وتشاهده وتشاركه‪ .‬ف الذاعة أو‬
‫التليفزيون أو التليفون اللسلكي‪ .‬فيفتح لك نوافذ متعددة على العال ترى منها ما ل تكن‬
‫تلم أن تراه لو قضيت عمرك كله ف السفار‪ .‬هذا وأنت جالس ف مكانك ل تبح‪.‬‬
‫كالن القدي ف السطورة ينقل العال إليك وأنت مستريح‪..‬‬

‫التقدم الذي نفذ إل آفاق الكون‪ ،‬فرأى مليي الليي من النجوم والكواكب‪،‬‬
‫قاس حرار تا و عرف أبعاد ها ور صد أفلك ها‪ .‬ث ق فز إلي ها ير يد أن ي ضع قدمه ع لى‬
‫أرضها‪.‬‬

‫هذا التقدم كله‪ ..‬ماذا صنع ف " نفسية " القرن العشرين؟‪ .‬ول نتحدث بعد عن‬
‫الخلق‪.‬‬

‫‪ ()33‬سورة الكهف ]‪.[104 - 103‬‬

‫)‪(114‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫هذه الضحالة الزرية بكرامة النسان! الت ل تطيق التعمق ف العرفة ول التعمق‬
‫ف الشاعر ول التعمق ف الفكار‪ .‬وإنا تريد أن تأخذ المور كلها من سطوحها‪ .‬قفزا‬
‫قفزا‪ .‬كالطائر النون‪.‬‬

‫هذه التفاهة " الزئية " ف الكم على المور‪ ،‬الت ل تطيق النظرة الشاملة ول‬
‫تصب عليها‪ ،‬وإنا تأخذ كل جزئية بفردها‪ ،‬منفصلة ومستقلة‪ ،‬على غي حقيقتها ف بنية‬
‫الكون وبنية الحداث‪.‬‬

‫هذه اللية الابطة‪ ،‬الت تيل الشاعر والفكار والعمال نشاطا آليا كنشاط اللة‪.‬‬
‫زر ي ضغط عل يه فتنط لق أع مال‪ .‬زر ي ضغط عل يه فتنط لق أف كار‪ .‬زر ي ضغط عل يه فتنط لق‬
‫م شاعر‪ .‬أ قرب إ ل م شاعر البهي مة‪ ،‬وأحيا نا أ حط من م شاعر البهي مة الكو مة بفطر تا‬
‫الضبوطة الستقيمة‪.‬‬

‫هذه الادية الغلقة الت تغلق جوانب الروح‪ ،‬وتطمس على رفرفاتا‪ ،‬وتثم على‬
‫الرض ل تريد النطلق ول تقدر عليه‪.‬‬

‫هذه " الواقع ية " الري ضة ا لت تع يش ف حدود اللح ظة‪ ،‬و تأب أن " تت صور " و‬
‫"تتخيل"‪ ..‬لتتصور " الكمال " وتسعى إل تقيقه‪.‬‬

‫هذه السية الت تيل الشاعر لذة جسد مصورة‪ ،‬ل تتندى بعواطف "النسان"‪.‬‬

‫ت لك هي حصيلة " التقدم! " النف سي ف القرن الع شرين! ول نت حدث بعد عن‬
‫الخلق!‬

‫إنا حصيلة " اللة "! حصيلة تويل النسان كله إل آلة تعمل فـي نطاق الس‬
‫القريب‪.‬‬

‫إنا اختلل نفسي ل مثيل له قط ف سالف القرون!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(115‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫والتفسي الادي للتاريخ يقدم لذا المر تفسيات شت‪ ،‬ومبرات شت‪ .‬بعضها‬
‫يقدمه ف تبجح وبعضها يقدمه على استحياء‪ ..‬فحت التفسي " الادي " للتاريخ ينبغي أن‬
‫يستحيي من هذا السخ الشوه الذي صار إليه النسان ف القرن العشرين!‬

‫وما يعنينا هنا أن نناقش التفسيات والبرات والعتذارات‪ .‬ولكن يعنينا فقط أن‬
‫نبز هذه القيقة‪ :‬أن التقدم العلمي ل علقة له بالوضع النفسي للنسان‪ .‬فالعلم يتقدم ف‬
‫سبيله‪ ،‬صاعدا أ بدا‪ ،‬كل خ طوة تؤدي إ ل ت قدم جد يد‪ .‬والن فس ت ضي ف سبيلها‪ .‬إن‬
‫وجهت الوجهة الصالة يكون فيها الي‪ ،‬وإن وجهت الوجهة الفاسدة ل يسكها عن‬
‫الفساد كل التقدم العلمي والت طور ف أساليب النتاج‪ ..‬بل قد يز يدها فسادا كما هو‬
‫الال ف القرن العشرين‪.‬‬

‫ونعود إل دراسة التطور النفسي ف ذاته‪ .‬ما هو؟ وما العوامل الؤثرة فيه؟ وما‬
‫دللته على الفطرة البشرية؟‬

‫الن فس الب شرية ‪ -‬ك كل شيء ف ح ياة الن سان ‪ -‬تن مو بفطر تا نو الن ضوج‬
‫والتكامل والتعقد والشمول‪.‬‬

‫وتت عرض ف ـي أث ناء نو ها للع تدال وال نراف‪ .‬كل ها ف طرة ف ـي طبي عة‬
‫النسان )‪..(34‬‬

‫ف طفولتها تكون أقرب إل البساطة‪ .‬تعبيها ساذج مباشر‪ " .‬فراملها " ضعيفة‬
‫الت كوين‪ .‬ح سية أ كثر ما هي معنو ية‪ .‬جزئ ية أ كثر ما هي شاملة‪ .‬جزئ ية ف تناو لا‬
‫وتفسيها للمور‪ .‬وف الوقت ذاته واسعة اليال على غي أسس تكم هذا اليال‪ .‬فهو‬
‫خيال مطلق يتخيل كل شيء ويصدق كل شيء ف بساطة وسهولة ويسر‪.‬‬

‫وتأخذ البشرية ف النضوج‪..‬‬

‫لاذا؟‬

‫هكذا ركب ف فطرتا‪ .‬فل تتاج إل مبر آخر!‬

‫‪ ()34‬انظر كتاب الدراسات‪ " ،‬فصل النراف والشذوذ "‬

‫)‪(116‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ولكن النضوج ]أي النمو[ يتاج إل غذاء‪ .‬وإل فإنه يذبل ويذوي ويوت‪.‬‬

‫والالق الذي خلق النفس ووضع ف فطرتا ذلك النمو‪ ،‬وضع لا كذلك غذاءها‬
‫" الفطري " على مقربة منها‪ .‬كما جعل الثدي على مقربة من فم الطفل‪ ،‬والغذاء كله‬
‫على مقربة من النسان‪.‬‬

‫غذاء الن مو النف سي هو " التجر بة "‪ ..‬و ف ف طرة الن سان أن يرب وي ستفيد‬
‫بالتجربة‪.‬‬

‫وميدان التجربة هو الياة كلها على التساع‪ :‬ف عال الس وعال النفس وعال‬
‫الروح‪ .‬ف الكون الادي والكون العنوي سواء‪.‬‬

‫" ع قل " الن سان ي تك بالكون ا لادي فت كون تر بة‪ .‬يك شف ال نار‪ .‬يك شف‬
‫خواص الادة‪ .‬يكشف طريقة " التعامل " مع العادن أو النبات أو اليوان‪.‬‬

‫و " نفس " النسان تتك بالكون الادي فتكون تربة من نوع آخر‪ .‬يكتشف‬
‫ع جزه عن أ مور وم قدرته ع لى أ مور‪ .‬و من الع جز وال قدرة كليه ما تت كون له م شاعر‬
‫وعقائد وأفكار‪ .‬فيتعبد‪ .‬ويعتقد‪ .‬ويتجب أحيانا ويغتر! وياول التغلب على العجز بالزيد‬
‫من القدرة‪ ،‬فتنمو ف نفسه وعقله وجسمه طاقات متلفة كانت كامنة من قبل‪.‬‬

‫ويتك بالناس فتكون تربة من نوع ثالث‪ ..‬بل تارب شت متعددة‪ .‬يكتشف‬
‫أنه يب الناس ويكره الناس ]لسباب![ )‪ (35‬وأنه يطغى على غيه أحيانا فيستخذي هذا‬
‫الغي أو يقاوم الطغيان‪ ،‬وأنه هو كذلك يستخذي لطغيان غيه عليه أحيانا ويقاوم أحيانا‪.‬‬
‫وأنه يتاج إل الناس ويستغن عن الناس‪ .‬ويتخصام ويتصاف‪ .‬ويارب ويسال‪ .‬ويتعاون‬
‫وينعزل‪ .‬فتنشأ من كل ذلك " نظم " وشرائع وعلقات‪.‬‬

‫وهكذا‪ ..‬كلما خطا خطوة وقعت له تربة جديدة‪ ،‬ومن هذه التجارب ينمو‬
‫ويت سع وي شتد قوامه‪ .‬وي تدرج من الب ساطة إ ل التعق يد‪ .‬من الت عبي ال ساذج البا شر إ ل‬

‫‪ ()35‬يقول فرويد إن الب والكره ظاهرة مزدوجة ف الكيان النفسي تدث بل سبب! وقد ناقشنا ذلك‬
‫تفصيل ف كتاب الدراسات‪.‬‬

‫)‪(117‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫التعبي الناضج البعيد الغور‪ .‬وتقوى " عضلت " نفسه وفراملها‪ ،‬ويتلط اليال بالواقع‪،‬‬
‫ويصي أقرب إل " تعقل " المور‪.‬‬

‫وتتواكب المور كلها ف وقت واحد‪ ..‬ف عملية النمو السوية‪ .‬فتزداد البة‬
‫وتتح سن ال عدد وا للت وأدوات الن تاج‪ ،‬وين مو الك يان الجت ماعي والقت صادي‬
‫والسياسي‪ ..‬وكذلك تنمو " النفس " ف مموعها وتنضج وتتعمق‪.‬‬

‫ولكن المور ل تستقيم ف كل حالة‪ ..‬فقد ينمو جانب من النفس أو جانب من‬
‫الياة ويتعثر جانب آخر‪ ..‬فل يدث التواكب الفطري السليم الذي ينبغي أن يكون‪.‬‬

‫يت قدم الن تاج ا لادي أو ا لبة النف سية أو ا لبة الفكر ية ول ت ستقيم بق ية‬
‫البات‪..‬‬

‫وقد عرف التاريخ ناذج من ذلك كثية‪..‬‬

‫فالغريق قد بلغوا الذروة ‪ -‬ف عصرهم ‪ -‬ف التقدم " الفكري " الالص‪ .‬ف‬
‫الفلسفة والعلوم النظرية‪ .‬ومع ذلك كانت ف حياتم اختللت جة‪ .‬أبرزها الختلل ف‬
‫الانب الروحي‪ .‬فالذهن التضخم كان يطغى على نشاط الروح‪.‬‬

‫وال ند ‪ -‬ف ع صرها ‪ -‬بل غت ا لذروة ف الت قدم " الرو حي "‪ ..‬ف إ شراقات‬
‫التصوف وسبحات التعبد‪ ،‬و " الفناء " ف الكل العظم الذي يشمل روح الوجود‪ .‬ومع‬
‫ذ لك كانت ف ح ياتم اختللت جة‪ .‬أبرز ها ال سلبية الن صرفة عن الن تاج ا لادي‪.‬‬
‫فالنشاط الروحي التضخم يفسد إيابية الياة‪.‬‬

‫والرومان ‪ -‬ف عصرهم ‪ -‬بلغوا الذروة ف التقدم " الادي "‪ ..‬ف تطبيقات الدنية‬
‫العملية‪ ،‬من طرق وجسور وخزانات وحامات وهندسة للري وتنظيمات للحكم وسياسة‬
‫للسلم والرب‪ ..‬ومع ذلك كانت ف حياتم اختللت شت‪ .‬أبرزها الختلل الروحي‬
‫والل قي‪ ..‬ف قد انغم سوا ف لذائذ ا لس وت كالبوا ع لى م تاع ا لرض‪ ،‬فانقلبوا وحو شا‬
‫يلغون ف الدماء أو أجسادا بل أرواح‪.‬‬

‫وال صريون ‪ -‬ف ع صرهم ‪ -‬بل غوا ا لذروة ف الن شاط الرو حي والن شاط ا لادي‬
‫معا‪ .‬فكانت لم عقائد وعبادات أرقى بكثي ما عرفه زمانم ف شت المم‪ ،‬وفيها نفحة‬

‫)‪(118‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫من بقايا الديانات السماوية الت وصلت إليهم‪ ،‬وإن كانت مشوهة منحرفة‪ ،‬وكانت لم‬
‫هندسات وتنظيمات وإنتاج مادي رفيع‪ ..‬ومع ذلك كانت ف حياتم اختللت شت‪.‬‬
‫أبرزها عبادة الفرعون وتأليهه‪ ،‬والستنامة من ث للضغط والطغيان ]وهو عيب بارز ف‬
‫تاريهم كله[ والنوح إل التفكي ف الوت والعال الثان ومن ث الكتفاء من الياة الدنيا‬
‫بالد الدن الذي ل يرفع مستوى الياة؛ ل عن عجز عن الدنية والتقدم ]فقد كانت‬
‫الصناعات الدقيقة الرفيعة كلها تصنع من أجل الفرعون وبتسخيه[ ولكن عن قناعة ذليلة‬
‫ترتضي لقمة البز والصي الفروش على الرض الرداء‪.‬‬

‫ف كل هذه الالت ل يتواكب التقدم ف جوانبه الختلفة كما ينبغي أن يكون‪..‬‬

‫كانت البشرية ف طفولتها‪ ..‬أو ف طفولتا الختلفة‪.‬‬

‫ث بلغت سن الرشد ف فترة من حياتا معينة‪ ..‬على يد السلم‪.‬‬

‫يكن أن نقول إنا بلغت سن الرشد بدعوتا إل السلم أو باستجابتها إليه‪ ،‬يوم‬
‫خاطب ا ل ت عال ال سلمي ب قوله‪ " :‬ا‪á‬ل ي‪É‬و‪Ó‬م‪Ý É‬أك‪á‬م‪É‬ل‪ á‬ت» ل‪Ô Ý‬ك م‪ Ó‬د¼ين‪É‬ك‪ Ô‬م‪ Ó‬و‪ÝÉ‬أت‪Ó‬م‪É‬م‪ Ó‬ت» ع‪ÝÉ‬لي‪Ó‬ك‪ Ô‬م‪¼ Ó‬نع‪Ó‬م‪ É‬ت¼ي‬
‫و‪É‬ر‪ É‬ض¼يت» ل‪Ý‬ك‪ Ô‬م» ا‪á‬لأ¼ س‪Ó‬لم‪ É‬د¼ي نا‪ .(36) " š‬ف في ذ لك ال يوم كان قد اكت مل لا الر شد ح قا‪،‬‬
‫وانطلقت تقيم اللفة الراشدة على ظهر الرض‪ ..‬فكيف كان ذلك الرشد؟ وما مظاهره‬
‫وميزاته؟‬

‫الر شد العق لي ظاهر ف طبي عة الر سالة ذا تا‪ ..‬ا لت تاطب الع قل‪ ،‬ول تق هره‬
‫بالعجزات السية‪ ،‬وإ نا تر شده وتوضح له ال سالك ليه تدي ‪ -‬بذاته ‪ -‬إ ل ا لق ا لذي‬
‫خلقت به السماوات والرض وما فيهن‪ .‬والذي تقوم عليه حياة النسان وتق̂وم به أعماله‬
‫ف آخرته ودنياه‪.‬‬

‫و ظاهر كذلك ف إطلق طا قة الع قل ف ج يع م يادين الن شاط العق لي التا حة‬
‫للنسان‪ ..‬بتدبر آيات ال ف الكون‪ ،‬وبتعرف على " القواني الطبيعية "والنواميس الت‬
‫ت كم ك يانه‪ .‬وي شي ف م ناكب ا لرض يب حث عن ا لرزق‪ ،‬فيح تك بالكون ا لادي‬
‫ويستنبط طاقاته‪ .‬ويشي ف " التاريخ " فيستنبط أسباب قيام المم وزوالا‪ ،‬ويستفيد با‬

‫‪ ()36‬سورة الائدة ]‪.[3‬‬

‫)‪(119‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫خبة لا ضره وم ستقبله‪ .‬وي تدبر حك مة الت شريع ليق يم تنظي ماته السيا سية والقت صادية‬
‫والجتماعية على هدى وبصية‪.‬‬

‫والرشد الروحي ف الهتداء إل ال الق‪ .‬والتصال به‪ .‬والستمداد منه‪ .‬والتعبد‬


‫ال صحيح إل يه‪ ،‬بإفراده بالعبود ية‪ ،‬ون بذ الع بادات ال ضالة كل ها‪ ،‬من ع بادة ب شر لب شر‪ ،‬أو‬
‫عبادة بشر لوثن أو قوة من قوى الكون‪ ،‬أو عبادة بشر لذاته وأهوائه وشهواته‪..‬‬

‫والر شد " ال سي " ف الب حث عن و سائل الت قدم الادي والضاري‪ ،‬وهضمها‬
‫وتثيلها والضافة إليها حت صارت حضارة السلم مضرب الثل ف التاريخ‪..‬‬

‫كيان راشد ناضج تواكبت جوانب النمو فيه فتوازنت على شول وإحاطة‪.‬‬

‫وكانت تلك قمة البشرية‪..‬‬

‫وانطلقت تلك المة الراشدة تبن مثل للتاريخ‪ ..‬م»ث‪Ô‬ل ف كل جوانب الياة وكل‬
‫مالت النشاط النسان‪ .‬الف تح الاطف الذي ل مث يل له من قبل ول من بعد ف كل‬
‫التاريخ‪ ..‬من اليط للمحيط ف نصف قرن من الزمان!‬

‫نشر العقيدة الصحيحة ف ربوع الكون العمور على ثبات وقوة وتكن‪.‬‬

‫إقا مة ال ثل اللق ية الباق ية ا لت ت ستمد من ها الب شرية كل ها ف ج يع ع صورها ف‬


‫شخص الرسول صلى ال عليه وسلم وأصحابه الذين صنعهم على عينه‪ :‬أب بكر وعمر‪..‬‬
‫وعث مان وع لي‪ ..‬وأ ب عب يدة وخا لد‪ ..‬و سلمان و صهيب‪ ..‬وبلل وع مار‪ .‬وأ ساء‬
‫وعائ شة‪ ..‬وفاط مة وأم سلمة‪ ..‬وسية ون سيبة‪ ..‬ومئات وأ لوف ع لى مدار الج يال حت‬
‫اللحظة الراهنة رغم جيع التقلبات والحداث!‬

‫إقامة الضارات بكل الوسائل التاحة ف الرض‪.‬‬

‫إنشاء الذهب التجريب الذي قامت عليه بعد ذلك العلوم الديثة كلها‪ ،‬وخطا به‬
‫العلم هذه الطوات البارة ف العصر الديث‪..‬‬

‫و‪ ...‬ف كل جانب من جوانب الياة‪..‬‬

‫)‪(120‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫تلك كانت قمة البشرية‪ " ..‬ك‪Ô‬ن‪»Ó‬ت م‪ Ó‬خ‪ É‬ي‪Ó‬ر‪ É‬أ‪ Ô‬م‪Ì‬ة‪ Å‬أ‪Ó Ô‬خر¼ج‪ É‬ت‪ Ó‬ل¼لن‪Ì‬ا س¼ ت‪É‬أ‪á‬م»ر»ون‪ Ý‬ب¼ا‪á‬لم‪É‬ع‪Ó‬ر»وف‬
‫و‪ÉÉ‬تن‪Ó‬ه‪É‬و‪Ó‬ن‪ Ý‬ع‪¼ É‬ن ال‪» á‬من‪Ó‬ك‪Ý‬ر¼ و‪É‬ت»ؤ‪Ó‬م¼ن»ون‪ Ý‬ب¼الله¼ " )‪.(37‬‬

‫ولكن " البشرية " ل تافظ على قمتها!‬

‫لقد تقدم العلم‪ .‬وتقدمت " البات " النفسية ف شت اليادين‪ ..‬ولكن عادت‬
‫الختللت إل الظهور!‬

‫تنح البشرية بروحها مرة‪ .‬وعقلها مرة‪ .‬وجسدها مرة‪.‬‬

‫تتم بالضارة الادية وتمل حضارة الروح‪..‬‬

‫تتم بالتقدم العلمي وتمل التوجيه اللقي‪..‬‬

‫تتم بالياة الدنيا وتمل الخرة‪..‬‬

‫وتف قد الب شرية تواز نا‪ ،‬ول ت تواكب ا لبات‪ ..‬فين حدر الك يان النف سي ف‬
‫مموعه‪..‬‬

‫وتنشأ من ذلك " حضارة " القرن العشرين!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ح ي ن صل إ ل هذا ا لد من الب حث‪ ،‬ن عود إ ل زاو ية الن ظر ا لت نر صد من ها‬
‫الوضوع كله‪ " ..‬دللة الفطرة "‪.‬‬

‫ل قد قل نا من ق بل إن الت قدم العل مي جزء من الف طرة يقق ها ف أ حد جوانب ها‪.‬‬


‫وكذلك قلنا عن التطور الجتماعي والقتصادي والسياسي‪ ..‬وقلنا إن هذا التطور وذاك‬
‫ل يرجان عن حدود الفطرة ف ناية الطاف‪..‬‬

‫‪ ()37‬سورة آل عمران ]‪.[110‬‬

‫)‪(121‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫فماذا نقول هنا عن التطور النفسي؟‬

‫إنه نفس الوقف ونفس القضية‪..‬‬

‫كل ما يدث فهو ف حدود الفطرة‪..‬‬

‫ولكن الف طرة هنا ‪ -‬بصورة أوضح من كل ما سبق ‪ -‬ذات وجهي متقابلي‪،‬‬
‫ينشأ من أحدها العتدال‪ ،‬ومن الخر ينشأ النراف!‬

‫إن الط النفسي ‪ -‬كما رأينا ‪ -‬ل يصعـد دائما‪ š‬فـي جيع الالت‪ ،‬كخط‬
‫التقدم العلمي‪..‬‬

‫ولذلك سبب من ذات الفطرة!‬

‫التقدم العلمي صاعد أبد‪š‬ا ل ينكص‪ ،‬لن ف فطرة النسان أن يطلب الزيد من‬
‫العر فة‪ .‬و ف فطر ته أن ي سˆن ع لى ا لدوام ما ي لك من أدوات‪ .‬إن التح سي ي ستجيب‬
‫للف طرة من كل جوانب ها‪ .‬فهو ي لب رغبت ها ف العر فة‪ .‬ورغبت ها ف ال مال‪ .‬ورغبتها ف‬
‫التط لع إ ل الك مال‪ .‬ك ما أ نه ي ستجيب لرغبت ها ف الرا حة ورغبت ها ف ال قوة وال قدرة‬
‫والبوز‪ .‬فكل تسي يقق ‪ -‬ولو ف أحد جوانبه ‪ -‬مزيدا‪ š‬من الراحة للنسان ]وذلك‬
‫دافع من دوافع الختراع‪ :‬تيسي الياة[ كما يقق شعورا‪ š‬بأن النسان قد قدر على عمل‬
‫جديد‪ ،‬وبذه القدرة يقق ذاته ويبز‪ ..‬وف اختصار فالفطرة هنا دافعة دفعا‪ š‬ملحا‪ š‬دائبا‪ š‬نو‬
‫التقدم العلمي‪ .‬ولذا ظل التقدم العلمي يسي ف خط صاعد طوال التاريخ‪ .‬لذا‪ ،‬وليس‬
‫لي سبب آخر من " خارج " الفطرة‪ ،‬يدعيه التفسي الادي للتاريخ! ولذا الكيان الكلي‬
‫الشامل‪ ،‬الذي يشمل النسان كله‪ ،‬ل لزء واحد منه كما زعم التفسي الادي للتاريخ‬
‫حي قال إن تاريخ النسان كان دائما تاريخ الاولة لتحقيق كيان " النسان " ول يكن‬
‫تاريخ البحث عن أي جانب واحد منفصل ف هذا الكيان!‬

‫أما التطور الجتماعي والقتصادي والسياسي فهو يسي قدما ف جانب واحد‬
‫منه‪ :‬هو جانب التعقد والتشابك وإحكام الروابط و " مزجها " بعضها ببعض‪ .‬ولكنه ل‬
‫ي سي قدما من ح يث " الك يف "‪ ،‬ف هو ي سي متأرج حا‪ š‬ب ي الفرد ية الطاغ ية والماع ية‬
‫الطاغ ية‪ ..‬وأبرز المث لة ع لى ذ لك‪ :‬الرأ سالية وال شيوعية ف ال قرن الع شرين‪ .‬ول كن مرد‬

‫)‪(122‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ذلك أيضا‪ š‬إل الفطرة! ففيها اعتدالت وفيها انرافات‪ ،‬وفيها مرونة تتسع لشكال شت‬
‫وضغوط متعددة‪ ..‬حت تثور ف النهاية وتلفظ ما ل يناسبها من الوضاع والظروف‪..‬‬
‫وف كل ثورة من ثورات الفطرة يدث انتقال من طور إل طور‪ ،‬ينطلق ف طريقه فترة‬
‫حت تغلبه النرافات فيبيت ف انتظار انقلب جديد‪ .‬وهذا ‪ -‬وليس التطور ف أساليب‬
‫الن تاج و حده ك ما يز عم التف سي ا لادي للتار يخ ‪ -‬هو ا لذي يف سر الت طور الجت ماعي‬
‫والقتصادي والسياسي ف حياة البشرية‪.‬‬

‫وأما التطور النفسي فهو ل يسي على خط واحد على الطلق!‬

‫هناك مرحلة كان خط التطور واضحا فيها‪ ..‬إل المام‪ ،‬وهي الرحلة السابقة‬
‫لرحلة الرشد‪ ..‬والت أدت إل الرشد‪.‬‬

‫كان الن مو ف هذه الرح لة هو العن صر ال بارز الوا ضح‪ .‬الن مو إ ل ال مام‪ .‬إ ل‬
‫النضوج والتكامل والشمول‪ .‬ومع ذلك فلم يكن خطا واحد‪š‬ا صاعدا ف كل مراحله‪.‬‬
‫فالتاريخ يثبت قيام حضارات وانيارها‪ ،‬والنيار نكسة إل الوراء‪ .‬ومعن ذلك أنه يدث‬
‫تقدم ونكوص‪ .‬فل يسي الط على سواء‪.‬‬

‫ث بلغت الب شرية الر شد ع لى مو لد ال سلم وانت شاره‪ .‬و ل ترتفع قط عن ت لك‬
‫الق مة ف تاري ها ك له‪ .‬ف قد كانت هذه أع لى ق مة و صلتها الب شرية‪ ..‬و كذلك ل تث بت‬
‫عليها‪ ،‬بل أخذت ف الندار‪.‬‬

‫وقد حدثت أنواع من النمو الزئي ف النفس البشرية بعد السلم ول شك‪ ،‬ف‬
‫ا لوانب ا لت تت غذى ع لى الت قدم العل مي ال صاعد أ بدا‪ ،‬وع لى التع قد الجت ماعي‬
‫والقتصادي والسياسي الدائم ]التعقد ل التقدم[‪ ..‬ولكن النفس ف مموعها ل تتقدم بعد‬
‫تلك القمة أبدا بل ل تثبت عليها‪ .‬وقد مر بنا بيان الندار النفسي التواصل ف " حضارة‬
‫" القرن العشرين‪.‬‬

‫والرجع الخي هنا ‪ -‬كما ف المور الخرى كلها ‪ -‬هو الفطرة!‬

‫ففي الفطرة البشرية استعداد للهبوط يقابل الستعداد للرتفاع‪ .‬كلها فطري‪.‬‬
‫وكلها أصيل‪ .‬ليس أحدها ملوبا من خارج النفس ول مفروضا‪ š‬عليها من خارجها "‬
‫و‪É‬ن‪É‬ف‪á‬س‪ Å‬و‪É‬م‪É‬ا س‪É‬و‪Ì‬اه‪É‬ا‪ ،‬ف‪Ý‬أ‪áÝ‬له‪É‬م‪É‬ه‪É‬ا ف‪Ô‬ج»ور‪É‬ه‪É‬ا و‪É‬ت‪É‬ق‪á‬و‪É‬اه‪É‬ا‪ ،‬ق‪Ý‬د‪ Ó‬أ‪Ý‬ف‪Ýá‬لح‪ É‬م‪É‬ن‪ Ó‬ز‪É‬كاه‪É‬ا‪ ،‬و‪É‬ق‪Ý‬د‪ Ó‬خ‪É‬اب‪ É‬م‪É‬ن‪ Ó‬د‪É‬س‪Ì‬اه‪É‬ا "‬

‫)‪(123‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫)‪ " (38‬ل‪ Ý‬ق‪Ý‬د‪ Ó‬خ‪ÝÉ‬لق‪ á‬ن‪É‬ا ا‪á‬لأ¼ن‪ Ó‬س‪É‬ان‪ Ý‬ف¼ي أ‪Ó Ý‬ح س‪É‬ن¼ ت‪ É‬ق‪á‬و¼ي‪Ô ،Å‬ث م‪ Ì‬ر‪É‬د‪É‬د‪ Ó‬ن‪É‬اه» أ‪ Ý‬س‪Ó‬ف‪Ý‬ل‪ Ý‬س‪É‬اف¼¼لي‪ ،É‬إ¼لا ال ذ¼ين‪ É‬آم‪ É‬ن»وا‬
‫و‪É‬ع‪É‬م¼ل‪Ô‬وا الص‪Ì‬ا¼لح‪É‬ات¼ " )‪.(40) [(39‬‬

‫والنفس ‪ -‬ف حالتيها ‪ -‬داخل حدود ال كما خلقها ال‪..‬‬

‫والتوجيه هو الذي يدفع النفس إل فطرة الرتفاع أو فطرة البوط‪.‬‬

‫ول قد كان ال توجيه ال سلمي هو ق مة ال توجيه نو الرت فاع‪ ،‬و كان الن ظام‬
‫السلمي هو قمة النظمة الت تسمح بتحقيق ثرة تلك التوجيه‪ ،‬فارتفعت النفس البشرية‬
‫إ ل قمت ها‪ .‬وال توجيه الغر ب ف ال قرن الع شرين هو ا لدرك القا بل لل توجيه ال سلمي‪،‬‬
‫والنظمة الغربية تكمل هذا التوجيه وتققه ف عال الواقع! فهبطت به النفس البشرية إل‬
‫دركها السفل‪ ،‬الذي ل يبدو أن هناك مزيدا عليه‪.‬‬

‫الضحالة الزرية بكرامة النسان‪ .‬التفاهة الزئية ف الكم على المور‪ ..‬اللية‬
‫الابطة‪ ..‬الادية الغلقة الت تغلق جوانب الروح‪ ..‬الواقعية الريضة الت تعيش ف حدود‬
‫اللحظة‪ ..‬السية الت تيل الشاعر لذة جسد مصورة‪.‬‬

‫ولكن النفس البشرية قابلة للصعود مرة أخرى حي يهتف لا هاتف الصعود‪..‬‬

‫وف حالتيها تكون ف حدود الفطرة‪ ..‬وت كون الف طرة ‪ -‬ب شعبتيها التقابلتي ‪-‬‬
‫ثابتة رغم تغي الشكال!!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والن نقترب حثيثا‪ š‬من الديث عن " التغي " الخلقي‪ ..‬ول نقول " التطور "!‬

‫‪ ()38‬سورة الشمس ]‪.[10 - 7‬‬


‫‪ ()39‬سورة التي ]‪.[6 - 3‬‬
‫‪ ()40‬انظر كتاب " دراسات ف النفس النسانية "‪.‬‬

‫)‪(124‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ع لى هدى ما تبي ل نا من درا سة الت طور النف سي‪ ،‬ل ند م شقة ف تت بع التغ ي‬
‫ا لخلقي ف تار يخ الب شرية‪ .‬فه نا تت بدى ل نا الف طرة الب شرية الزدو جة ف أج لى معاني ها‬
‫وأوضح مظاهرها‪.‬‬

‫فلئن كان الط العلمي صاعدا‪ š‬أبد‪š‬ا ل ينكص‪ ..‬ولئن كان " التعقد " الجتماعي‬
‫والقتصادي والسياسي صاعد‪š‬ا أبد‪š‬ا ]دون التقدم ف هذا اليدان ذاته[ ولئن كلن التطور‬
‫النفسي أقل استقامة وأكثر تقلبا‪ ..‬فالانب الخلقي من الياة البشرية هو أكثرها تقلبا‬
‫على الطلق‪ ،‬وأقلها استقامة على " خط " معي ف أي مرحلة من مراحل التاريخ‪.‬‬

‫إنا بادئ ذي بدء مسألة تبز فيها الفردية على الرغم من تأثرها باليط الماعي‬
‫ال شامل‪ ،‬ول ي كون التخ صص ال فردي وا ضح‪š‬ا ب قدر ما ي كون ف ا لانب الل قي‪ .‬فلئن‬
‫كان التقدم العلمي والتطور الجتماعي تكمهما الظروف الماعية بشكل واضح‪ ،‬وكان‬
‫التطور النفسي مزيا‪ š‬من الفردية والماعية‪ ..‬فالسألة اللقية يبز فيها الانب الفردي‪،‬‬
‫وإن يكن اليط الماعي الذي يعيش فيه الفرد هو الذي يساعد أو يعوق النمو اللقي ف‬
‫الفراد على تفاوت ف التأثي يرجع إل طبائع الفراد ومدى صلبتها‪.‬‬

‫ث إنا ل تتخذ خطا مستقيما أبدا ف التاريخ‪ ..‬إنا أخذت على الدوام صورة‬
‫دورات صاعدة هابطة‪.‬‬

‫يهتف للبشرية هاتف بالصعود‪ :‬نب مرسل أو زعيم مصلح أو قائد‪ ..‬فتتجه ‪ -‬ف‬
‫مموعها ‪ -‬إل الصعود فترة من الوقت‪ ،‬ويبقى حثالة من الناس ف أسفل القاع‪ ،‬مذمومي‬
‫مدحورين‪ .‬لن الوجة صاعدة‪ .‬ث يتعب الناس من الصعود‪ ،‬أو من الستقامة على القمة!‬
‫فيبدأون دورة البوط‪ ..‬وهنا تنتفش الثالة الوجودة ف أسفل القاع‪ ،‬وتس أن " الضغط‬
‫" عليها قد خف‪ ،‬فتأخذ ف النشاط‪ ،‬ويكون نشاطها ف مبدأ المر مدودا‪ ،‬ومنظورا إليه‬
‫باستنكار‪ .‬وتبط الوجة أكثر‪ ،‬ويف الضغط على الثالة الواطية‪ ،‬فتزداد انتفاش‪š‬ا ونشاطا‬
‫وتت سلم هي الق يادة! وتب قى ق لة من ال ناس مرتفع ي‪ ،‬ول كن تت ضغط مر هق عن يف‪..‬‬
‫وتشتد الوجة ف هبوطها حت تطغى‪ ..‬ويصطدم بقرارة الفساد ف النفس البشرية حت‬
‫تجها " الفطرة "‪ ..‬حت الفطرة الريضة‪ ..‬فتبدأ تلفظها لنا تاوزت آخر مداها‪ .‬وعندئذ‬
‫تأخذ الوجة ف الصعود مرة أخرى على يد نب مريسل أو زعيم مصلح أو قائد‪..‬‬

‫وذلك تاريخ البشرية!‬

‫)‪(125‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ولئن كان التطور الجتماعي والقتصادي والسياسي ألصق شيء بالتطور الادي‪،‬‬
‫ومع ذلك فهو مستقل عنه‪ ،‬ويكن أن يوجد بل تدخل منه ]كما حدث ف السلم[‪،‬‬
‫وكان التطور النفسي أقل لصوقا بالتطور الادي‪ ،‬وأكثر استقلل عنه‪ ،‬فالتغي الخلقي‬
‫هو آخر شيء يكن أن يرتبط بالتطور الادي!‬

‫والقصة الطويلة ‪ -‬جدا ‪ -‬الت يرويها التفسي الادي للتاريخ‪ ،‬ف ارتباط الخلق‬
‫بتطور أساليب النتاج‪ ..‬قد كذبتها شهادة التاريخ!‬

‫ول نتاج أن نعود إليها! فقد تبي لنا من شهادة التاريخ أن وضعي متشابي إل‬
‫حد يثي الده شة‪ ،‬قد ف صل بينه ما أل فا عام‪ ..‬وف صل بينه ما ما ب ي الع مل ال يدوي‪،‬‬
‫واستخدام الطاقة الذرية ف الصناعة والزراعة والطب و‪ ..‬التدمي!‬

‫إذن‪ ..‬فالعلقة بي الخلق ووسائل النتاج هي أضعف العلقات على الطلق‪.‬‬

‫ولسنا نقول ‪ -‬مع ذلك ‪ -‬إن تفسيات التفسي الادي للتاريخ بشأن " تطور "‬
‫الخلق ف القرني الخيين كلها بعيدة عن الواقع! إنا نقول فقط إنا تفسيات مضللة‬
‫لنا تأخذ ف حسابا الظهر الارجي ول تنفذ إل الباطن‪ ..‬إل " الفطرة "‪.‬‬

‫إن كل التغ يات الخلق ية ا لت حدثت مع النقلب ال صناعي‪ ،‬و مع الداروين ية‬
‫وال توجيه الي هودي‪ ،‬ل ت كن حتم ية! وه نا م فرق الطر يق ب ي التف سي ا لادي للتار يخ‪،‬‬
‫والتفسي النسان للنسان!‬

‫ظروف أور با الل ية هي ا لت أن شأت الن يار الل قي ف ت لك ال فترة‪ ،‬ولي ست‬
‫الطبيعة البشرية‪.‬‬

‫" فالتطور " ‪ -‬بعن نو الياة وتددها ‪ -‬كان عنصرا‪ š‬دائما ف حياة السلمي‪..‬‬
‫ف لم يف سدهم‪ .‬ل أف سد أخلق هم ول أ شاع ال لل ف نفو سهم‪ .‬إ نا ف سدوا واخت لت‬
‫نفوسهم حي تغيت ف حياتم دوافع النمو والتجدد‪ ،‬وجنحوا إل المود والتحجر‪.‬‬

‫وال صناعة ‪ -‬ف حدود ‪ -‬كانت جزءا‪ š‬من مكو نات الت مع ال سلمي‪ ..‬ف لم‬
‫تفسدهم‪ .‬ل تفسد أخلقهم ول جعلتهم يتركون الخرة لساب الدنيا ويتكالبون على‬

‫)‪(126‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫م تاع ا لرض‪ .‬إ نا ف سدوا ح ي قل ن شاطهم ال صناعي وح صروا أنف سهم ف أ لوان من‬
‫النتاج ضئيلة الفائدة‪.‬‬

‫وترير الرأة ‪ -‬نفسيا‪ š‬وإنسانيا‪ - š‬كان جزءا‪ š‬أصيل من العقيدة السلمية ذاتا الت‬
‫حررت الن سان ك له ‪ -‬ب شقيه ‪ -‬من كل عبود ية لغ ي ا ل ت عال‪ ،‬وجع لت أداة تر يره‬
‫ال كبى هي علق ته البا شرة مع ا ل‪ ،‬ا لت يست صغر ب عدها كل قوة من قوى ا لرض‪،‬‬
‫وير فض ال ضوع لا إل أن ت كون هي مهتد ية بدى ا ل‪ .‬وم نذ اللح ظة ا لول للبع ثة‬
‫المدية أخذت الرأة وضعها النسان والقتصادي والجتماعي‪ ،‬فاتصلت بربا مباشرة‪،‬‬
‫وصار لا حق اللك والتصرف والطبة والزواج ]وطلب الطلق أيضا‪ [š‬وصارت تادل‬
‫عن حقوقها ]" ق‪Ý‬د‪ Ó‬س‪¼ É‬مع‪ É‬الله» ق‪Ý‬و‪Ó‬ل‪ Ý‬الت¼ي »تج‪É‬اد¼ل‪Ô‬ك‪ É‬ف¼ي ز‪Ó É‬وج¼ه‪É‬ا و‪É‬ت‪É‬ش‪Ó‬ت‪É‬ك¼ي إ¼ل‪Ý‬ى الله¼ و‪É‬الله» ي‪É‬س‪Ó‬م‪É‬ع‬
‫‪É‬تح‪É‬او»ر‪É‬ك‪ Ô‬م‪É‬ا إ¼ن الل ه‪ É‬س‪É‬م¼يع‪ ä‬ب‪ É‬ص¼ي‪ (41) [" ä‬ث نزل ا لوحي بإن صاف ا لرأة وت ثبيت حق ها‬
‫النسان ف الياة‪ ..‬ومع ذلك فهذا التحرر ل يفسد السلمي‪ .‬وإنا فسدوا يوم طغوا على‬
‫ك يان ا لرأة فخن قوا كيا نا الت حرر وغلفو ها بعبود ية لغ ي ا ل ظا لة‪ ،‬وب تأخر و قذارة‬
‫وانطاط‪..‬‬

‫ومن ث فكل " العوامل " الت ينسب إليها هواة التفسي الادي للتاريخ " تطور! "‬
‫الفاهيم اللقية ف القرني الخيين كانت ‪ -‬ف صورة ما ‪ -‬موجودة ف التمع السلمي‬
‫فلم تفسده‪ ،‬بل كانت دعامة من دعائم الخلق فيه‪.‬‬

‫إ نا كانت ه ناك أ مة مؤم نة‪ .‬ع لى هدى من دين ها‪ .‬را شدة ل ت ستمتع لل توجيه‬
‫اليهودي الاكر البيث‪ .‬ولذلك ل تفسد بذه العوامل الزعومة‪ ،‬بل تاسكت وصعدت‬
‫على استواء‪.‬‬

‫ولو حدث " النقلب " الصناعي ف أمة مسلمة مؤمنة مهتدية‪ ،‬فقد كان حريا‬
‫أن ي ق̂وم أخلق ال مة ويز يد تا سكها‪ ،‬ل أن ي فرط ع قدها و يل أخلق ها ويط لق فتيا نا‬
‫وفتيا تا كالب هائم ال شاردة ل ت شبع من ال سعار ال نون‪ ،‬بين ما ال يوان ذا ته م كوم بف طرة‬
‫مضبوطة ل تنحرف عن خطها القدي‪:‬‬

‫إنا " حضارة " الغرب اللحدة الكافرة هي السئولة عن التحول الابط‪ ،‬وليست‬
‫وسائل النتاج ول حتمية التاريخ!‬

‫‪ ()41‬سورة الادلة ]‪.[1‬‬

‫)‪(127‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وعلى أي حال فكل جدال‪ Å‬زائف‪ ä‬بعد شهادة التاريخ!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ونريد أن نلص من الوضوع إل غايته‪..‬‬

‫لقد رأينا أن هناك أربعة أنواع متلفة من التطور‪:‬‬

‫الت طور ا لادي ‪ -‬الت طور الجت ماعي ‪ -‬الت طور النف سي ‪ -‬الت طور ]أو التغي ـر[‬
‫الخلقي‪.‬‬

‫ورأي نا أن مرد ها جيعا ف نا ية ال طاف إ ل الف طرة‪ .‬ك ما رأي نا أن الف طرة شيء‬
‫ثابت رغم تعدد الشكال وتطورها على الدوام‪.‬‬

‫وهنا شبهة ينبغي أن نزيلها بقوة‪.‬‬

‫إن قول نا ال كرر الل حˆ بأن الف طرة ثاب تة ل يع ن قط أن نا نل غي من ح سابنا قي مة‬
‫التطور‪.‬‬

‫إننا إن ألغينا قيمة التطور فإننا نلغي حقيقة النسان! فالنسان ملوق ليتطور على‬
‫الدوام‪ .‬والتطور أبرز ما ف فطرته‪ ،‬وأشد ما ييزها عن فطرة اليوان! وعن كل فطرة ثابتة‬
‫الكيان‪.‬‬

‫كل ما ف المر أننا نرد التطور الدائم إل الفطرة الثابتة الوهر‪ .‬ونرى ‪ -‬ف ذات‬
‫اللحظة ‪ -‬الوهر الثابت والصورة التغية حقيقتي متجاورتي‪ ،‬أو حقيقة واحدة شاملة‬
‫تفسر كل نشاط النسان‪.‬‬

‫ث نكم على النسان ‪ -‬ف تطوره ‪ -‬بالقياس الثابت الذي تقدمه الفطرة!‬

‫وهذه السبة الرياضية العقدة ف ظاهرها ‪ -‬أو التناقضة ‪ -‬بسيطة جدا‪ š‬حي نثل‬
‫لا ف كل من النواع الربعة السالفة من التطور‪.‬‬

‫)‪(128‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫فمقياس الفطرة الثابت بالنسبة للتقدم العلمي أنه يسي ف خط صاعد أبدا‪ .‬وبذا‬
‫الق ياس ‪ -‬الثابت ‪ -‬ناسب الن سان‪ .‬فكل إنسان يأخذ بنتائج العلم ف تقدمه الن ظري‬
‫والعملي فهو سليم الفطرة سائر ف الطريق الصحيح‪ .‬وكل إنسان يرفض ‪ -‬لي سبب ‪-‬‬
‫الستفادة من ذلك التقدم فهو منحرف الفطرة ف حاجة إل علج‪.‬‬

‫ومق ياس الف طرة ال ثابت بالن سبة للت قدم الجت ماعي والقت صادي والسيا سي أ نه‬
‫ينحو دائما نو التشابك والتعقد‪ ،‬والفروض فيه أن يعمل على التوازن بي متلف طاقات‬
‫الب شرية ونوازع ها‪ .‬ف كل ج يل من ال ناس ي صلون إ ل هذا ال توازن‪ ،‬فتن ضج نظم هم‬
‫الجتماع ية والقت صادية والسيا سية ع لى توازن‪ :‬توازن ب ي ال فرد والت مع‪ ،‬وب ي الطا قة‬
‫الادية والطاقة العنوية‪ ،‬وبي السلبية واليابية‪ ...‬ال‪ ...‬ال فهو جيل سليم الفطرة سائر‬
‫ف الطريق الصحيح‪ .‬وكل جيل يرفض النضوج الجتماعي والقتصادي والسياسي‪ ،‬أو‬
‫ينحرف عن التوازن فهو جيل متخلف أو منحرف‪ .‬ف حاجة إل علج‪.‬‬

‫ومقياس الفطرة الثابت ف التطور النفسي هو النمو الدائم نو النضوج والتكامل‬


‫والشمول والتوازن‪ .‬فكل فرد أو جيل يتجه نو هذا اللون من النمو فهو سليم الفطرة‬
‫سائر ف الطريق الصحيح‪ .‬وكل فرد أو جيل يثبت على درجة معينة من النمو ‪ -‬متخلفة‬
‫‪ -‬أو يتقدم ببعض جوانب نفسه ويتأخر ببعض‪ ،‬أو يفقد توازنه‪ ،‬فهو منحرف الفطرة ف‬
‫حا جة إ ل علج ]والق ياس الوا ضح ال سوس هو الق مة ا لت و صلت إلي ها الب شرية ع لى‬
‫هدى السلم مع إضافة ما يد بطبيعة الال من تقدم علمي وتقدم ف أشكال التمع‪،‬‬
‫وهو أمر تدعو إليه طبيعة السلم‪ ،‬فمن اته نو هديها فهو سائر ف الطريق الصحيح‪،‬‬
‫ومن انرف عنها فهو منحرف معتل[‪.‬‬

‫ومقياس الفطرة الثابت ف الانب اللقي أن يكون النسان إنسانا! وهو مقياس‬
‫م ستمد من الف طرة! فالن سان قب ضة من ط ي ا لرض ونف خة من روح ا ل‪ ،‬متز جتي‬
‫مترابطتي ف كيان موحد‪ .‬له دوافعه وأشواقه‪ .‬دوافع السد وأشواق الروح‪ .‬له نزعاته‬
‫الفطرية من طعام وشراب وملبس ومسكن‪ ،‬وجنس وتلك‪ ،‬وصراع وبروز‪ ..‬وله " قيم "‬
‫ت عل لم يع الع مال غا ية و هدفا‪ ،‬ول ت كون هي هدفا ف ذا تا ك ما يدث ف عال‬
‫اليوان‪ .‬وهدفا واعيا مدركا با يتناسب مع طبيعة النسان‪ ..‬ث إنه له إل جانب الدوافع‬
‫ضوابط ت ضبط من صرفات الطا قة الفطر ية وتنظف ها دون أن تكبت ها أو تقتل ها من منبت ها‪،‬‬
‫وهذه الضوابط فطرية كالدوافع سواء بسواء‪ .‬يستخدمها النسان السوي استخداما فطريا‬
‫غي مفروض من الارج ]وإن كانت تنمية الضوابط ف حاجة إل عون خارجي بالتربية‪،‬‬

‫)‪(129‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫كالقدرة على النطق والقدرة على الشي‪ ،‬فطريتان كامنتان ف السم‪ .‬ولكنهما تتاجان‬
‫إ ل ال عون ا لارجي لتنتقل من الا لة الكام نة إ ل الو جود ا لواقعي[‪ .‬و ف هذه الف طرة‬
‫خ طوط متقاب لة‪ :‬ا لوف والر جاء‪ ..‬ا لب وال كره‪ .‬ال سية والعنو ية‪ .‬ال يان با تدركه‬
‫ا لواس وال يان بالغيب‪ .‬الوا قع وال يال‪ .‬ال سلبية والياب ية‪ .‬ال لتزام والت حرر‪ .‬الفرد ية‬
‫والماعية‪ ..‬وهذه الطوط مهمتها أن تعدد جوانب النسان وتوازن نشاطه‪ ..‬ث إن ف‬
‫صميم الف طرة أن ت تدي إ ل خالق ها‪ ،‬فتعر فه وتت صل به وتق بس من نوره وت تدي بديه‬
‫وتتعبد له وحده‪ ..‬ومن هذه القاعدة تنبثق كل مبادئ الخلق )‪ (42‬فمن سار عليها فهو‬
‫سليم الفطرة سائر ف الطريق الصحيح‪ .‬ومن انقلب عليها فهو منحرف هابط مرتكس إل‬
‫مستوى اليوان!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وهواة التفسي الادي للتاريخ يادلون أشد الدال ف هذه الدللت‪ .‬وف الدللة‬
‫اللقية خاصة‪ .‬يادلون ف أن ما حدث ف القرن التاسع عشر والقرن العشرين هو انراف‬
‫عن الفطرة‪ .‬ويقولون إنه تطور‪ ،‬وإنه صاعد‪ ،‬وإنه سليم!‬

‫ولقد سعنا من قبل شهادة التاريخ لتزييف قصة التطور‪ ،‬فأثبتت لنا هذه الشهادة‬
‫أن ما حدث ف العصر الديث ل يكن " تطورا " فريدا ف بابه‪ ،‬ناجا عن الظروف الادية‬
‫الا صة بذا الع صر‪ ،‬إ نا كان له شبيه ف ـي ح ياة ا لغريق والرو مان من ق بل ألف ي من‬
‫السني!‬

‫ا لن‪ ..‬ل كي نتأ كد من دل لة الف طرة بالن سبة لذا " الت طور " الز عوم‪ ..‬هل هو‬
‫ا نراف عن الف طرة وارت كاس إ ل اليوان ية الري ضة‪ ،‬أن ت طور صال ي سي مع ف طرة‬
‫النسان‪..‬‬

‫بل‪ ..‬ل كي نتأ كد من و جود ف طرة ع لى ا لطلق ير جع إلي ها ف ق ياس ال سائل‬


‫اللق ية‪ ..‬ف طرة ثاب تة ت قول ل‪ ،‬ون عم‪ ،‬ف كل مرة‪ ،‬عن قوا عد ثاب تة مكي نة ف ك يان‬
‫النسان‪..‬‬

‫‪ ()42‬انظر بالتفصيل كتاب الدراسات‪.‬‬

‫)‪(130‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫لكي نتأكد‪ ..‬فلنستمع إل شهادة القرن العشرين!‬

‫)‪(131‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫شهادة القرن العشرين‬


‫كما استمعنا من قبل لشهادة التاريخ‪ .‬لنثبت أن ما يسمى " تطورا " خلقيا ف‬
‫القرن العشرين‪ ،‬ناشئا من " التقدم " العلمي والصناعي والجتماعي‪ ..‬ال ليس شيئا‪ š‬فريدا‬
‫ف التاريخ‪ ،‬وإنا كان له شبيه من قبل‪ ..‬نستمع الن لشهادة القرن العشرين ذاته‪ ،‬لنرى‬
‫هل هو " تطور " أم انراف!‬

‫إن الدفعة الت نفخ فيها ماركس وفرويد ودركاي‪ ،‬وغيهم من يذون حذوهم‪،‬‬
‫قد أفه مت هذا ال يل من الب شرية أ نه حي ينف لت من إ طار ا لدين‪ ،‬وينسلخ من قواعد‬
‫الخلق ‪ -‬ف مسائل النس على الصوص ‪ -‬ويأب التقيد بشيء على الطلق ما كان‬
‫ف الاضي‪ ..‬حي يصنع ذلك فهو " يتطور "‪ .‬أي يرتقي ويتقدم إل المام‪..‬‬

‫وفهم هذا اليل من البشرية أنه " مطالب " بتحطيم ذلك كله‪ :‬الدين والخلق‬
‫والتقال يد‪ ..‬وأ نه لن يرتقي ويتقدم حت يأت عليها جيعا ويقتلعها من جذورها‪ .‬وأنا "‬
‫معركة مقدسة " يوضها هذا اليل ضد الرجعية والمود والتأخر‪ ..‬ضد الهل والرافة‬
‫والسطورة‪ ..‬ضد " القيد " الذي يعوق النطلق‪.‬‬

‫وكانت الشياطي تنفخ ف روح اليل من جوانب متعددة ف آن واحد‪ ..‬أو إن‬
‫شئت قل تنفخ فيها من كل جانب‪.‬‬

‫فا لذي يت حدث ف ع لم الن فس ي قول إن ا لدين ك بت‪ ..‬ينب غي أن ي طم ل كي ل‬


‫يؤذي الكيان النفسي للفرد!‬

‫وا لذي يت حدث ف القت صاد ي قول إن القت صاد ال صناعي ي تاج إ ل مت مع "‬
‫متحرر " من القيود الوروثة من التمع الزراعي‪ ،‬ومن بينها كذلك احتجاز الرأة لهمة‬
‫المومة! إذ ينبغي ‪ -‬ف التمع الصناعي ‪ -‬أن ترج الرأة تعمل!‬

‫والذي يتحدث ف الجتماع ينظر بعي السخرية إل تلك السذاجة الت كانت‬
‫تيل للناس أن الدين فطرة! وأنه شيء منل من السماء! أل يعلم الناس أن البشر هم الذين‬
‫ابتدعوا الدين أيام جهالتهم وسذاجتهم؟! انظروا إل التمعات التأخرة الت ما تزال تعيش‬

‫)‪(132‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ف ا لحراش ف أفريق يا وأ ستراليا‪ ..‬و ستجدون بذرة ا لدين ه ناك‪ .‬ف ال هل وال سذاجة‬
‫والرافة والسطورة‪ ..‬ث انظروا إل التقدم الضاري ف القرن العشرين! أما تستحون من‬
‫أن يكون ف ضمائركم ووجداناتكم بقية ما ورثتموه عن سكان الغابات والحراش؟!‬

‫وا لذي يت حدث عن الع لوم‪ ..‬الع لوم البح تة‪ ،‬ل ين سى ا لدين كذلك! إ نه يذكر‬
‫الناس بيوم كان الناس متديني فكانوا لهالتهم الشديدة ينسبون ما يدث ف الكون كله‬
‫إل ال! يا لهالتهم! ل يكونوا يعرفون القواني الطبيعية الت تكم الكون‪ ..‬أما " نن "‬
‫العلماء ف القرن العشرين‪..‬‬

‫والذي يتحدث ف الفن‪ ..‬يزري بتلك اليام الت كان التحدث عن النس فيها‬
‫يعتب " عيبا " تأباه الخلق! تب‪š‬ا لكم أيها التأخرون! كم كنتم تجبون من ألوان المال‬
‫المتع البهيد الخاذ! انظروا إلينا نن التحررين! اليوم نن نعل النس فنا قائما بذاته‪..‬‬
‫لظة النس " كون " كامل‪ ..‬تعالوا نتتبعه من جيع أقطاره‪ ..‬تعالوا نصفه داخل النفوس‬
‫وف واقع الياة‪ ..‬تعالوا نكشف متعه ومباهجه‪ ..‬تعالوا نعر× الناس ذكورا وإناثا ونطلقهم‬
‫ينشطون نشاط النس‪ ..‬ونسك الكاميا للتسجيل‪.‬‬

‫أما الذي يتحدث ف " التطور "‪ ..‬فهو يدخل اليدان من كل باب‪ .‬من أي باب‪.‬‬
‫يتحدث ليقول إن الدين " ظاهرة " تاريية! تر با البشرية ف دورها الطبيعي وتبأ منها‬
‫بضي اليام! ]كالصبة الت تصيب الطفل مثل!![ ولكنها إذ تبأ منها تتحصن ضدها‪،‬‬
‫فل تعود إليها بعد ذلك أبدا! " فالصل " الضاد للدين هو العلم‪ .‬هو العرفة‪ .‬وهو اليوم‬
‫متي سر ب عون ا ل ‪ -‬ب عون ال شيطان )!( ‪ -‬ف كل م كان‪ .‬ف الدر سة‪ .‬ف ال سينما‪ .‬ف‬
‫الذاعة‪ .‬ف التليفزيون‪ .‬ف الصحافة‪ .‬ف الدب‪ .‬ف الفن‪ .‬ف كل مكان يد النسان الصل‬
‫الواقي من الدين!‬

‫وهكذا دخل ف ورع هذا اليل من البشرية أنه ل مناص! إما الدين والرجعية‬
‫وال تأخر والتخ لف القت صادي والجت ماعي والرا فة‪ ..‬وإ ما النطلق والت حرر والن شاط‬
‫والر كة والعر فة والت قدم العل مي والقت صادي والجت ماعي‪ ..‬بل د ين!‪ ..‬ف من ذا ا لذي‬
‫يرمي بنفسه إذن ف هاوية الظلمات وهو يرى مرتقى النور؟!‬

‫كل!‬

‫)‪(133‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫فمن شاء له مزاجه النحرف أن يتدين‪ ..‬فل بأس! نن ف عصر " الرية "‪ .‬ومن‬
‫الرية أن نترك كل صاحب مزاج لزاجه‪ .‬ولو كان منحرفا! نعم‪ .‬فهذه هي الرية‪ .‬فمن‬
‫شاء أن ي تدين ف ما ع سانا أن ن صنع له؟ ل شيء‪ .‬ول كن ل بد من ت صي الت مع ضد‬
‫الرثومة الفاتكة‪ ..‬نقدم الصل الواقي من الرجعة إل الوباء الفتاك‪ .‬نقدم " تنطيمات "‬
‫عمل ية ت عل هذه الرج عة م ستحيلة‪ ،‬وتترك ها حالت فرد ية غ ي م شية النت شار‪" .‬‬
‫فالختلط " ع لى ن طاق وا سع كف يل ‪ -‬بذاته ‪ -‬أن ي طم هذه الع قدة اللعي نة‪ ..‬ع قدة‬
‫الدين‪ .‬ف لظة الختلط‪ ..‬وسط الغريات‪ ،‬والنفاس الارة والشواظ التلمظ‪ ..‬والسد‬
‫ملصق للجسد وتواق إليه‪ ..‬ف اللوة والزحة سواء‪ ..‬ف تلك اللحظة من ذا الذي يذكر‬
‫دينه؟! يذكره ليحرمه من تلك التعة الباحة؟ وي! ومن ذا الذي يرتكب هذه الماقة؟!‬
‫خ ل¿ ا لدين للح ظة أ خرى‪ ..‬خل ا لدين ل ساعة ال لوة‪ .‬ساعة ل يرم نا في ها ا لدين من‬
‫ال تاع‪ ..‬مثل للح ظة الكني سة! و مع ذ لك تل حق ال شياطي ن فوس ال شباب حت ف هذه‬
‫اللوة الروحية ف داخل الكنيسة‪ ،‬فما يكاد " الب " ينتهي من " الوعظة " ف الكنيسة‬
‫المريك ية‪ ،‬حت يط فئ ا لنوار ال كبى وي ضيء ال صابيح الاف تة الغر ية بالل سة! و يدير‬
‫اسطوانات الرقص للشباب والفتيات‪ ..‬بنفسه‪ ..‬ليتطور! هل يصح أن يبقى الدين ف عزلة‬
‫عن التمع؟!!‬

‫الختلط على نطاق واسع‪ ..‬هو صمام المن ضد الدين‪ .‬إنه يأكل هذه الرثومة‬
‫أكل كما تقتل مضادات اليوية الراثيم )‪ ..(!Anti - Biotics‬إنه يزيها من مكمنها ف‬
‫أعماق النفس‪ ،‬بأن يضع إل جوارها متعة الشهوة العارمة التجددة النشيطة‪ ..‬أنشط ما ف‬
‫كيان النسان حي يطلق لا العنان!‬

‫فليكن الختلط على نطاق واسع إذن هو " شعار " التمع " التطور "‪..‬‬

‫وليكن السؤال هكذا ف كل مكان ف الرض‪ :‬متمع متلط؟ أم رجعي؟!‬

‫ويكون رد الفعل بطبيعة الال هو نفي التهمة الشائنة عن النفس‪ .‬من ذا الذي‬
‫يرضى لنفسه التهمة وسوء السمعة وسوء الال؟‬

‫ولي كن مع ن " ا لروح الامع ية " ف الام عة هو الختلط! لي مدى يت لط‬


‫الطالبات والطلبة؟ لي مدى تستطيع البنت أن تنتقي ولدا من هؤلء وتلس معه على‬
‫حشائش الامعة أو ف " البوفيه "‪ ..‬فترة ريثما تنتهي الدروس ويرجان‪ ..‬ويذهبان‪ ..‬أين‬
‫يذهبان‪..‬؟!‬

‫)‪(134‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ولي كن توظ يف ا لرأة ف ال صانع وال تاجر وا لدواوين " سيا سة "‪ ..‬لي كون‬
‫الختلط طابعا " رسيا " للمجتمع‪ ..‬وتكون نتائجه " التمية " هي القضاء على الرثومة‬
‫البيثة اللعونة‪ ..‬ملعونة لنا بعد أن تبدو أنا قتلت قتل كامل‪ ..‬تعود!‬

‫وليكن الدب والفن والذاعة والسينما والتليفزيون والصحافة‪ ..‬بكل ما تلك من‬
‫قوة " الدعوة " ومغريات العرض والتشويق‪ ،‬أداة ف يد تلك السياسة‪ ،‬توجهها حيث يراد‬
‫لا التوجيه‪.‬‬

‫الختلط‪ .‬البهجة‪ .‬التعة‪ .‬التحرر‪ ..‬أيها " الرجل " هل ت كره " الستمتاع "؟!‬
‫أيت ها " ا لرأة " أل تبي أن تث بت " ذا تك "؟‪ ..‬إ نك ف حقي قة ا لمر لطي فة ومغر ية‪" ..‬‬
‫جذا بة " ولك نك ل ترب ي سحرك‪ .‬جر ب‪ ..‬هل تعلم ي أ نك لو تأنقت ف ملب سك‬
‫وتزينت فإن هذا الرجل سيلتفت إليك‪ ..‬سيعجب بك‪ .‬سيتجه إليك بعواطفه‪ .‬سيحبك‪.‬‬
‫قد يتزوجك‪ .‬ل يرض؟ جامد‪ ..‬رجعي‪ ..‬متحجر‪ ..‬جرب مع الخر‪ ..‬رضي؟ أل نقل‬
‫لك! لقد نحت ف إثبات ذاتك‪ ..‬يا له من انتصار‪ ..‬الن قد نزلت اليدان‪ ..‬فل تنكصي‬
‫على عقبيك!‬

‫يا بيوت الزياء‪ ..‬يا مصانع الزينة‪ ..‬يا بيوت " المال "‪ ..‬إياك أن تكفي لظة‬
‫لكي ل " يبد " الشواظ النطلق السعور‪ ..‬ل تكفي عن إزجاء الغريات‪ .‬يا سلم‪ .‬فستان‬
‫ي نن ع قول الر جال‪ .‬فت نة‪ .‬إ غراء‪ ..‬من يتما سك أ مام هذا ا لغراء؟ ال صدر الك شوف‬
‫الغري‪ .‬من يصمد للفتنة؟ الساق العريانة‪ ..‬الرقصة والثنية ف الشية‪ ..‬الرنة ف الصوت‬
‫الناعم‪.‬‬

‫أيت ها الب نت‪ ..‬إ ياك أن ي جزك أ بوك عن " تق يق ذا تك "‪ ..‬ما لب يك وما لك؟‬
‫ثوري‪ .‬إرمي ف وجهه تقاليده البالية‪ .‬تسكي بالتحرر‪ .‬قول له إن عارضك‪ :‬إنك من‬
‫جيل رجعي‪ .‬أنا من جيل " متطور "‪.‬‬

‫أيها الولد‪ .‬تريد أن تتدين؟! يا منون! ترم نفسك؟! عش واستمتع! هيا أقدم!‬
‫تنظر لك! خذها! حقق ذاتك!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(135‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وه كذا تب لورت ف كرة " الت حرر " حول ذ لك التح لل الل قي‪ ،‬ا لذي ل ي سمى‬
‫بطبيعة الال تلل لكي ل يفسد مفعوله‪ .‬وإنا يسمى " تطورا " ليظل مفعوله قائما على‬
‫الدوام‪.‬‬

‫التطور‪ ..‬معناه النفلت من قيود الدين وقيود الخلق‪ .‬وقيود التقاليد‪ .‬وقيود "‬
‫النسان "!‬

‫فإذا قام منون ياول وقف التيار الارف من النفلت والتحلل تصايت حوله‬
‫الصوات‪ ،‬ألوف الصوات ومليي الصوات‪ ،‬تزأ به وتسخر‪ ،‬وتصمه بكل تمة شنيعة‬
‫لكي يكف‪ ..‬لكي ل يفسد الفعول!‬

‫رجعي‪ .‬متأخر‪ .‬جامد‪ .‬متحجر‪ .‬جاهل‪ .‬متهوس‪ .‬منون‪ .‬يريد أن يرجع عقارب‬
‫الساعة إل الوراء‪ .‬يريد أن يوقف عجلة التطور‪.‬‬

‫العجلة ستدوسه‪.‬‬

‫ستدوسه " حتمية " التطور!‬

‫فهو ليس تطورا فقط‪ .‬وإنا هو كذلك حتمي! فلقد يشى أن يقوم فعل جاعة‬
‫من " الاني " ياولون رد البشرية إل صوابا‪ ،‬وتذكيها " بإنسانيتها " الشاردة الفقودة‪،‬‬
‫فل بد من الحت ياط من ق يام م ثل هذه الما عة ف أي م كان ع لى ا لرض‪ ،‬تع يد ن شر‬
‫الرثومة البيثة اللعونة‪ ،‬الت تبدو أنا قتلت قتل كامل‪ .‬ث تعود!‬

‫فإذا كان الختلط على نطاق واسع هو الصل الواقي من الدين ف نطاق الواقع‬
‫العم لي‪ " ..‬فالتم ية " هي الصل ا لواقي من الرجعة إل يه ف ن طاق " الف كر "‪ .‬ومن ه نا‬
‫نكون احتطنا للمر من كل جوانبه ف عال الفكر وعال الواقع سواء‪ .‬ومن قام بعد ذلك‬
‫يقف ف طريق " التمية التاريية " و " حتمية التطور "‪ ،‬فل يلومن إل نفسه‪ .‬يذهب مزقا‬
‫ف الفاق‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(136‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وم ضت الو جة العات ية تكت سح ف طريق ها كل شيء‪ ..‬و بدت فعل ذات قوة "‬
‫حتمية " مروعة‪ ..‬ل يقف ف سبيلها شيء‪..‬‬

‫ونبت جيل ف أوربا وأمريكا متحلل من كل قيد‪ ..‬حقيقة‪ ..‬ل يربطه رابط من‬
‫خ لق أو د ين أو تقل يد ف م سألة ال نس‪ .‬ل شيء ع لى ا لطلق ي قول له‪ :‬أم سك‪ .‬كل‬
‫شيء يقول له‪ :‬أقدم‪.‬‬

‫كل التوجي هات و كل " التنظي مات " و كل الت يارات ت يئ له النطلق الن سي‬
‫وتزينه له وتدفعه إليه‪.‬‬

‫وصار أمرا‪ š‬طبيعيا‪ š‬جدا‪ ،š‬وهينا‪ š‬جدا‪ ،š‬ومعروفا جدا‪ š‬أن تتخذ كل فتاة " صديقا " )‬
‫‪ (Boy Friend‬وكل فت " صديقة " )‪ (Girl Friend‬يقضيان معا‪ " š‬ضرورة " النس بصورة‬
‫من الصور تبلغ حد العلقة الكاملة بل حواجز إن شاء وإن شاءت‪ ..‬وحبوب منع المل‬
‫تيسر الطريق‪.‬‬

‫و " استمتعت " أوربا وأمريكا بنتائج " الختلط " كاملة‪ ..‬حت الثمالة‪.‬‬

‫وبدا للناس هناك أن هذا هو المر " الطبيعي " الذي ل يستنكر‪¼ .‬لم‪ É‬يستنكر؟‬

‫ما الانع؟ هل هناك مانع " حقيقي " ينع من هذا السلوك؟‬

‫الدين؟ تلك الرافة القدية الذميمة؟ لقد " عجز " الدين عن وقف " التطور "‪.‬‬
‫عجز عن الوقوف ف وجه " التمية " التاريية‪ .‬فكيف نلتفت إل هذا العاجز الذي يتنق‬
‫صوته بي الصوات؟‬

‫الخلق؟ قيم وضعتها أجيال عابرة‪ .‬قد ذهبت‪ .‬لن ترجع‪ .‬أ̂نى للماضي أن يكم‬
‫الاضر؟ أن للموتى أن يكموا الحياء؟ ألسنا نن الحياء؟ هل هي حياتنا نن أم حياة‬
‫أولئك الذين ماتوا وانتهت مهمتهم ف حياة البشرية؟ لقد كانوا يتحدثون بظروف أيامهم‪.‬‬
‫ونن نتحدث بظروف أيامنا‪ .‬بالذرة‪ .‬بالصاروخ‪.‬‬

‫)‪(137‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ماذا؟ ما الانع؟ أي شيء يضينا؟ التمع يزداد " تقدما " كل يوم‪ .‬الختراعات‬
‫م ستمرة‪ .‬الع لم يقت حم كل يوم أف قا‪ š‬ل يقت حم من ق بل‪ .‬الن تاج يز يد‪ .‬و سائل الرا حة‬
‫والتيسي متوالية تترى‪.‬‬
‫)‪(43‬‬
‫" النسان يصنع نفسه "‬

‫ل حرج‪ .‬ول قيد‪ .‬ول رجعة‪.‬‬

‫الياة تارب‪ .‬وتلك تربة القرن العشرين‪ .‬أروع تربة ف تاريخ البشرية‪ .‬تربة‬
‫يقوم با " النسان " بعيدا‪ š‬عن وصاية " ال "‪ .‬لقد شب عن الطوق‪ .‬ما حاجته اليوم إل‬
‫ال أو الدين؟ إنه هو الله الديد‪ ،‬يصنع دينه بنفسه بعيدا‪ š‬عن إياءات الدين الوروث‪..‬‬
‫)‪(44‬‬
‫دين القرون الوسطى ف عصر الظلمات‬

‫ول يفكر أحد ف أثناء الدفعة السعورة الت تنفخ فيها الشياطي‪ ،‬أن هناك " فطرة‬
‫" للنسان تتأذى من هذا النراف النون‪..‬‬

‫" فطرة "‪...‬؟!‬

‫هل بعد هذا العلم كله‪ ،‬والتقدم كله‪ ،‬والنطلق كله‪ ،‬والتحرر كله‪ ..‬ييء من‬
‫يدثنا عن الفطرة؟‬

‫فطرة ماذا؟!‬

‫أ ل ت قرأ التف سي ا لادي للتار يخ؟ أ ل تع لم أ نه ل يس ه ناك ك يان ثابت ي سمى‬


‫الن سان؟ وأن الن سان هو ح صيلة ظرو فه القت صادية والجتماع ية‪ ..‬والاد ية‪ .‬و ظروف‬
‫اليوم غي ظروف المس‪ .‬فحصيلتها متلفة‪ .‬ومؤدى هذا الختلف أن تارب الاضي ل‬

‫‪V. Gordon‬‬ ‫‪ " Man Makes Himself " ()43‬عنوان كتاب لؤلف أمريكي يدعى " جوردن تشايلد "‬
‫‪Childe‬‬
‫‪ ()44‬يقول جوليان هكسلي ف كتابه ) النسان ف العال الديث ( ‪ :Man in the Modern World‬ولقد‬
‫كان الن سان ف الع صور ال سابقة يل قي الع بء ع لى كائن م قدس غ ي مف هوم ي سي ا لمور بطري قة‬
‫غام ضة‪ .‬أ ما ا لن في جب عل يه أل يف عل ذ لك ن ظرا لز يادة معرف ته ب قائق ال كون‪ .‬ومع ن ذ لك ق يام‬
‫النسان بالتبعات الت كان من قبل يلقيها على الله ) ص ‪ 224‬من الترجة العربية (‬

‫)‪(138‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫تقيد إنسان القرن العشرين‪ ،‬ول يكم با على نشاطه وأعماله‪ .‬إنا يستمد الكم الديد‬
‫من الوضع الديد‪!..‬‬

‫الفطرة‪..‬؟!‬

‫بل الفطرة ذاتا ‪ -‬إن شئت أن تستخدم هذا اللفظ الرجعي التأخر ‪ -‬هي الت‬
‫تدفع إ ل هذا النطلق‪ .‬فالنس عمل ية " بيولوج ية " ب تة‪ .‬ما دخل ها با لخلق؟ هذا‬
‫منطق الفطرة! هل الكلب وأنثاه‪ ،‬يعرفان ف لظة النس شيئا‪ š‬اسه الخلق؟ وماذا يزيد‬
‫النسان عن الكلب؟ أوهام صنعتها الديان!!‬

‫الف طرة‪ ..‬ل ف طرة‪ .‬أو إن شئت فهات يك الف طرة‪ .‬نن نع يش ع لى الف طرة ع لى‬
‫الدوافع الفطرية‪ .‬بل كبت أو ضغط أو حرمان!‬

‫ومضت الوجة العاتية إلـى قمتها‪ ..‬ل يضبطها شيء أو يسكها عـن تطيم "‬
‫النسان "!‬

‫التمية‪ ..‬من ذا يكن أن يقف التمية؟‬

‫ث‪ ..‬لاذا يوقفها؟‬

‫العيش لذيذ ف ظل " التطور "‪ ..‬انفلت بل قيود‪ ..‬وانطلق بل حدود‪ .‬متعة‪..‬‬

‫ومن الذي يتجه إل وقفها؟ البنت النونة بالغراء لتثبت ذاتا وتقق كيانا؟ أم‬
‫الولد الغارق ف التاع اليسر اللذيذ الذي ل يكلف دراهم معدودات؟‬

‫أم بيوت الزياء ودور السينما والخرجون والنتجون والـ‪ ..‬الذين يعملون ف‬
‫تلك الصناعة الرابة بالليي؟‬

‫أم " الدباء " و " الفنانون " الذين تروج كتبهم وأعمالم ف هذا السعار النون؟‬

‫أم الشياطي الذين يقودون البشرية إل الدمار؟‬

‫)‪(139‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫كل!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ومع ذلك‪ ..‬يقف أناس ليصيحوا صيحات النذير!‬

‫يقف أناس ليقولوا‪ :‬قد جاوزنا الدى وأبعدنا ف التيه!‬

‫ي قف أ ناس ليقو لوا‪ :‬عودوا إ ل " الف طرة "‪ .‬عودوا إ ل ا لخلق‪ .‬عودوا إ ل‬
‫الفرامل‪ .‬فأنتم تدمرون أنفسكم‪ .‬تدمرون مستقبلكم‪ .‬تدمرون " البشرية "!‬

‫أناس من اتاهات شت‪ ..‬ليس فيهم واعظ من رجال الدين!‬

‫رجال " علم " ورجال " سياسة "‪ .‬وفلسفة‪ .‬وملحدون!‬

‫وتتوال الشهادات من تلك الفواه‪ ..‬أفواه القرن العشرين!‬

‫يقول‪ " ..‬ألكسس كاريل " ف كتابه " النسان ذلك الهول "‪:‬‬

‫" إن الضارة العصرية تد نفسها ف موقف صعب‪ ،‬لنا ل تلئمنا‪ .‬لقد أنشئت‬
‫دون أ ية معر فة بطبيعت نا القيق ية‪ .‬إذ أ نا تو لدت من خ يالت الكت شافات العلم ية‬
‫وشهوات الناس‪ ،‬وأوهامهم‪ ،‬ونظرياتم ورغباتم‪ .‬وعلى الرغم من أنا أنشئت بجهوداتنا‪،‬‬
‫إل أنا غي صالة بالنسبة لجمنا وشكلنا ]ص ‪.[38‬‬

‫يب أن يكون النسان مقياسا[ لكل شيء‪ .‬ولكن الواقع هو عكس ذلك‪ .‬فهو‬
‫غريب ف العال الذي ابتدعه‪ .‬إنه ل يستطع أن ينظم دنياه بنفسه لنه ل يلك معرفة‬
‫عملية بطبيعته‪ ..‬ومن ث فإن التقدم الائل الذي أحرزته علوم الماد على علوم الياة هو‬
‫إ حدى ال كوارث ا لت عانت من ها الن سانية‪ ..‬فالبيئة ا لت و لدتا عقول نا واختراعات نا غ ي‬
‫صالة ل بالنسبة لقومنا‪ ،‬ول بالنسبة ليئتنا‪ ..‬إننا قوم تعساء لننا ننحط أخلقيا وعقليا‪..‬‬
‫إن الما عات وا لمم ا لت بل غت في ها ال ضارة ال صناعية أع ظم نو وت قدم‪ ،‬هي ع لى‬

‫)‪(140‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫و جه الد قة الما عات وا لمم ال خذة ف ال ضعف‪ ،‬وا لت ستكون عود تا إ ل الببر ية‬
‫والمجية أسرع من عودة غيها إليها‪] " ..‬ص ‪.[44 - 43‬‬

‫" إن ال ضارة ل تف لح حت ا لن ف خ لق بيئة منا سبة للن شاط العق لي‪ .‬وتر جع‬
‫القي مة العقل ية والروح ية النحف ضة لغلب ب ن الن سان ‪ -‬إ ل حد كبي ‪ -‬للن قائص‬
‫الوجودة ف جوهم السيكلوجي‪ .‬إذ أن تفوق الادة ومبادئ " دين الصناعة " حطمت‬
‫الثقافة والمال والخلق " ص ]‪[184‬‬

‫" لقد ارتكب التمع العصري غلطة جسيمة باستبداله تدريب السرة بالدرسة‬
‫استبدال تاما‪ .‬ولذا تترك المهات أطفالن لدور الضانة‪ ،‬حت يستطعن النصراف إل‬
‫أع مالن‪ ،‬أو م طامعهن الجتماع ية‪ ،‬أو م باذلن‪ ،‬أو هوايتهن الدب ية أو الفن ية‪ ،‬أو الل عب‬
‫البيدج‪ ،‬أو ارتياد دور السينما‪ ..‬وهكذا يضيعن أوقاتن ف الكسل‪ .‬إنن مسئولت عن‬
‫اخت فاء و حدة ال سرة واجتماعا تا ا لت يت صل في ها الط فل بالك بار‪ ،‬فيتع لم من هم أ مورا‬
‫كثية‪ ..‬إن الكلب الصغية الت تنشأ مع أخرى من نفس عمرها ف حظية واحدة‪ ،‬ل‬
‫تنمو نوا‪ š‬مكتمل كالكلب الرة الت تستطيع أن تضي ف إثر والديها‪ .‬والال كذلك‬
‫بالنسبة للطفال الذين يعيشون وسط جهرة من الطفال الخرين وأولئك الذين يعيشون‬
‫بصحبة راشدين أذكياء‪ .‬لن الطفل يشكل نشاطه الفسيولوجي والعقلي والعاطفي طبقا‬
‫للقوالب الو جودة ف مي طه‪ .‬إذ أ نه ل يتع لم إل قليل من الطفال ف م ثل سنه‪ .‬وحين ما‬
‫يكون مرد وحدة ف الدرسة‪ ،‬فإنه يظل غي مكتمل‪ .‬ولكي يبلغ الفرد قوته الكاملة فإنه‬
‫يتاج إل عزلة نسبية‪ ،‬واهتمام جاعة اجتماعية مددة تتكون من السرة " ]ص ‪- 318‬‬
‫‪.[319‬‬

‫" من ال عروف أن ا لفراط الن سي يعر قل الن شاط العق لي‪ .‬وي بدو أن الع قل‬
‫ي تاج إ ل و جود غدد جن سية ح سنة الن مو‪ ،‬وك بت مؤقت لل شهوة الن سية حت‬
‫يستطيع أن يبلغ منتهى قوته‪ ..‬ولقد أكد فرويد‪ ،‬عن حق‪ ،‬الهية القصوى للدوافع‬
‫الن سية ف و جوه ن شاط ال شعور‪ .‬و مع ذ لك فإنه ملح ظاته تتع لق بالر ضى ع لى‬
‫الخص‪ ..‬ومن ث يب أل تعمم استنتاجاته بيث تشمل الشخاص العاديي‪ ،‬وباصة‬
‫أولئك الذين وهبوا جهازا عصبيا قويا‪ ،‬وسيطرة على أنفسهم‪ ..‬وبينما يصبح الضعفاء‪،‬‬
‫العت لو الع صاب‪ ،‬غ ي ا لتزني‪ ،‬أ كثر شذوذا ع ندما تك بت شهوتم الن سية‪ ،‬فإن‬
‫القوياء يصيون أكثر قوة‪ ،‬بمارسة هذا الشكل من الزهد " ]ص ‪.[174‬‬

‫)‪(141‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫" الن سان نتي جة الورا ثة وا لبيئة و عادات ال ياة والتفك ي ا لت يفر ضها الت مع‬
‫العصري‪ .‬ولقد وصفنا كيف تؤثر هذه العادات ف جسمه وشعوره‪ ،‬وعرفنا أنه ل يستطيع‬
‫تكييف نفسه بالنسبة للبيئة الت خلقتها " التكنولوجيا " وأن مثل هذه البيئة تؤدي إل‬
‫انلله‪ .‬وأن العلم والتكنولوجيا ليسا مسئولي عن حالته الراهنة‪ ،‬وإنا نن السئولون‪،‬‬
‫لننا ل نستطع التمييز بي المنوع والشروع‪ .‬لقد نقضنا القواني الطبيعية‪ ،‬فارتكبنا‬
‫بذلك الطيئة العظمى‪ .‬الطيئة الت يعاقب مرتكبها دائما‪ ..‬فالياة ل تعطي إل إجابة‬
‫وا حدة حين ما ت ستأذن ف ارت ياد ا لرض الر مة‪ ..‬هي إ ضعاف ال سائل‪ ..‬و لذا فإن‬
‫الضارة آخذة ف النيار " ]ص ‪.[322‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ويقول " ول ديورانت " الفيلسوف المريكي ف كتابه " مباهج الفلسفة "‪:‬‬

‫" وثقافت نا ال يوم سطحية‪ ،‬ومعرفت نا خط ية‪ ،‬لن نا أغن ياء ف ا للت ف قراء ف‬
‫الغراض‪ .‬وقد ذهب اتزان العقل الذي نشأ ذات يوم من حرارة اليان الدين‪ ،‬وانتزع‬
‫العلم منا السس التعالية لخلقياتنا؛ ويبدو العال كله مستغرقا ف فردية مضطربة تعكس‬
‫تزؤ خلقنا الضطرب‪ .‬إننا نواجه مرة أخرى تلك الشكلة الت أقلقت بال سقراط‪ .‬نعن‬
‫كيف نتدي إل أخلق طبيعية تل مل الزواجر العلوية الت بطل أثرها ف سلوك الناس؟‬
‫إننا نبدد تراثنا الجتماعي بذا الفساد الاجن من جهة‪ ،‬وبذا النون الثوري من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬حي نفقد الفلسفة الت بدونا نفقد هذه النظرة الكلية الت توحد الغراض وترتب‬
‫سلم الرغبات‪] (45) " ...‬ص ‪ 7 - 6‬ج ‪[1‬‬

‫" واختراع موانع المل وذيوعها هو السبب الباشر ف تغي أخلقنا‪ .‬فقد كان‬
‫القانون الخلقي قديا يقيد الصلة النسية بالزواج‪ ،‬لن النكاح كان يؤدي إل البوة‬
‫ب يث ل ي كن الفصل بينهما‪ ،‬ول يكن الوالد مسئول عن ولده إل بطريق الزواج‪ .‬أما‬

‫‪ ()45‬يلحظ أن الكاتب ‪ -‬مع إقراره بأن حرارة اليان الدين قد أنشأت ذات يوم اتزانا ف العقل ‪ -‬ل‬
‫يدعو ول يعمل لستعادة حرارة اليان الدين‪ .‬إنا هو يلجأ إل " الفلسفة " لتعيد اتزان العقل الفقود!‬
‫والفلسفة ف تاريها الطويل كانت حصيلة ذهنية باردة‪ ،‬ل تؤثر قط ف حياة البشرية الوارة‪ .‬فالياة‬
‫البشرية ل تؤثر فيها إل العق يدة الداف عة‪ .‬ولكن الكاتب الغر ب ‪ -‬ا لمريكي ‪ -‬ل يلك إل هذا ا لل‬
‫الزيل‪ ..‬لنه هارب من الكنيسة!‬

‫)‪(142‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫اليوم فقد انلت الرابطة بي الصلة النسية وبي التناسل‪ ،‬وخلقت موقفا ل يكن آباؤنا‬
‫يتوقعونه‪ ،‬لن جيع العلقات بي الرجال والنساء آخذة ف التغي نتيجة هذا العامل‪ .‬ويب‬
‫ع لى ال قانون ا لخلقي ف ال ستقبل أن يدخل ف ح سابه هذه الت سهيلت الد يدة ا لت‬
‫جاءت با الختراعات لتحقيق الرغبات التأصلة!‪] " ...‬ص ‪ 125‬ج ‪[1‬‬

‫" فحياة الدنية تفضي إل كل مثبط عن الزواج‪ ،‬ف الوقت الذي تقدم فيه إل‬
‫الناس كل باعث على الصلة النسية وكل سبيل يسهل أداءها ولكن النمو النسي يتم‬
‫مبكرا عما كان من قبل‪ ،‬كما يتأخر النمو القتصادي‪ .‬فإذا كان قمع الرغبة شيئا‪ š‬عمليا‬
‫ومعقول ف ظل النظام القتصادي والرزاعي‪ ،‬فإنه الن يبدو أمرا عسي‪š‬ا أو غي طبيعي ف‬
‫حضارة صناعية أجلت الزواج حت بالنسبة للرجال‪ ،‬حت لقد يصل إل سن الثلثي‪ .‬ول‬
‫م فر من أن يأ خذ ال سم ف ال ثورة‪ ،‬وأن ت ضعف ال قوة ع لى ضبط الن فس ع ما كان ف‬
‫الزمن القدي‪ .‬وتصبح العفة الت كانت فضيلة موضعا للسخرية؛ ويتفي الياء الذي كان‬
‫ي ضفي ع لى ال مال جال‪ ،‬وي فاخر الر جال بت عداد خطا ياهم‪ ،‬وت طالب الن ساء بق ها ف‬
‫م غامرات غ ي مدودة ع لى قدم ال ساواة مع الر جال‪ .‬وي صبح الت صال ق بل ا لزواج أ مرا‬
‫مألوفا‪ ،‬وتتفي البغايا من الشوارع بنافسة الاويات ل برقابة البوليس‪ .‬لقد تزقت أوصال‬
‫القانون الخلقي الزراعي‪ ،‬ول يعد العال الدن يكم به )‪] " (46‬ص ‪.[127 - 126‬‬

‫" ولسنا ندري مقدار الشر الجتماعي الذي يكن أن نعل تأخي الزواج مسئول‬
‫عنه‪ .‬ول ف أن بعض هذا الشر يرجع إل ما فينا من رغبة ف التعدد ل تذب‪ ..‬ولكن‬
‫معظم هذا الشر يرجع ف أكب الظن ف عصرنا الاضر إل التأجيل غي الطبيعي للحياة‬
‫الزوجية‪ .‬وما يدث من إباحة بعد الزواج فهو ف الغالب ثرة التعود قبله‪ .‬وقد ناول‬
‫فهم العلل اليوية والجتماعية ف هذه الصناعة الزدهرة؛ وقد نتجاوز عنها باعتبار أنا أمر‬
‫ل م فر م نه ف عال خل قه الن سان‪ .‬و هذا هو ا لرأي ال شائع لع ظم الفكر ين ف ا لوقت‬
‫الاضر‪ .‬غي أنه من الخجل أن نرضى ف سرور عن صورة نصف مليون فتاة أمريكية‬
‫ي قدمن أنف سهن ضحايا ع لى مذ بح الباح ية‪ ،‬و هي ت عرض علي نا ف ال سارح وك تب‬
‫ا لدب الك شوف‪ ،‬ت لك ا لت تاول ك سب ا لال با ستثارة الرغ بة النسية ف الر جال‬

‫‪ ()46‬واضح أن الكاتب يسي هنا على هدى التفسي الادي للتاريخ‪ ،‬فيفسر التحلل اللقي " بالتطور "‬
‫القتصادي‪ .‬ولن نناقش هذه " الشهادات " هنا‪ ،‬وإنا ننقلها كما هي بغي تعليق‪ ،‬لن الذي يهمنا منها‬
‫هو النتائج الت يصل إليها أصحابا ف النهاية‪ ،‬من القول بأن هذا " التطور " أو أيا‪ š‬كان اسه‪ ،‬ينذر‬
‫البشرية بالنيار‪ .‬وهي نتيجة مشتركة وصل إليها " الشهود " جيعا على اختلف مذاهبهم‪.‬‬

‫)‪(143‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫والن ساء الروم ي‪ ،‬و هم ف ح( م®ى الفو ضى ال صناعية‪ ،‬من ح‪ -‬مى ا لزواج ور عايته‬
‫للصحة‪.‬‬

‫ول يقل الانب الخر من الصورة كآبة‪ .‬لن كل رجل حي يؤجل الزواج‬
‫يصاحب فتيات الشوارع من يتسكعن ف ابتذال ظاهر‪ .‬ويد الرجل لرضاء غرائزه‬
‫الا صة ف هذه ال فترة من التأج يل نظا ما دول يا م هزا بأ حدث التح سينات‪ ،‬ومنظ ما‬
‫بأ سى ضروب ا لدارة العلم ية‪ .‬وي بدو أن ال عال قد اب تدع كل طري قة ي كن ت صورها‬
‫لثارة الرغبات وإشباعها‪] " ..‬ص ‪.[128 - 127‬‬

‫" وأكب الظن أن هذا التجدد ف القبال على اللذة قد تعاون أكثر ما نظن مع‬
‫هجوم دارون على العتقدات الدينية‪ .‬وحي اكتشف الشبان والفتيات ‪ -‬وقد أكسبهم‬
‫الال جرأة ‪ -‬أن ا لدين ي شهر بلذ هم التم سوا ف العلم ألف سبب وسبب للتشهي‬
‫بالدين‪] " ...‬ص ‪[134‬‬

‫" و لا كان زواجه ما ]الر جل وا لرأة ف الت مع ا لديث[ ل يس زوا جا بالعن‬


‫الصحيح ‪ -‬لنه صلة جنسية ل رباط أبوة ‪ -‬فإنه يفسد لفقدانه الساس الذي يقوم عليه‪،‬‬
‫ومقومات الياة‪ .‬يوت هذا الزواج لنفصاله عن الياة وعن النوع‪ .‬وينكمش الزوجان ف‬
‫نفسيهما وحيدين كأنما قطعتان منفصلتان‪ .‬وتنتهي الغيية الوجودة ف الب إل فردية‬
‫يبعثها ضغط حياة الساخر‪ .‬وتعود إل الرجل رغبته الطبيعية ف التنويع‪ ،‬حي تؤدي اللفة‬
‫إل الستخفاف‪ .‬فليس عند الرأة جديد تبذله أكثر ما بذلته‪] " ...‬ص ‪[225‬‬

‫" ل ندع غي نا من ا لذين يعر فون يبو نا عن ن تائج تارب نا‪ .‬أ كب ال ظن أ نا لن‬
‫تكون شيئا[ نرغب فيه أو نريده‪ .‬فنحن غارقون ف تيار من التغيي‪ ،‬سيحملنا بل ريب إل‬
‫نايات متومة ل حيلة لنا ف اختيارها‪ .‬وأي شيء قد يدث مع هذا الفيضان الارف من‬
‫العادات والتقاليد والنظم‪ ،‬فالن وقد أخذ البيت ف مدننا الكبى ف الختفاء‪ ،‬فقد فقد‬
‫ا لزواج القا صر ]الق صور[ ع لى وا حدة جاذبيته الا مة‪ .‬ول ر يب أن زواج الت عة سيظفر‬
‫بتأييد أكثر فأكثر‪ ،‬حيث ل يكون النسل مقصودا‪ .‬وسيزداد الزواج الر‪ ،‬مباحا كان أم‬
‫غي مباح‪ .‬ومع أن حريتهما إل جانب الرجل أميل‪ ،‬فسوف تعتب الرأة هذا الزواج أقل‬
‫شرا من عز لة عقي مة تق ضيها ف أ يام ل يغاز لا أ حد‪ .‬سينهار " ال ستوى ا لزدوج "‬
‫وستحث الرأة الرجل بعد تقليده ف كل شيء على التجربة قبل الزواج‪ .‬سينمو الطلق‪،‬‬
‫وتزدحم الدن بضحايا الزيات الطمة‪ .‬ث يصاغ نظام الزواج بأسره ف صور جديدة‬

‫)‪(144‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫أ كثر ساحة‪ .‬وع ندما ي تم ت صنيع ا لرأة وي صبح ضبط ال مل سرا شائعا ف كل طب قة‪،‬‬
‫يضحي المل أمرا عارضا ف حياة الرأة‪ ،‬أو تل نظم الدولة الاصة بتربية الطفال مل‬
‫عناية البيت‪ ..‬وهذا كل شيء " )‪] .(47‬ص ‪.[236 - 235‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ونشرت جريدة " أخبار اليوم " ف عددها الصادر ف ‪ 12‬مايو ‪ ،1962‬تقيقا‬
‫صحفيا بعنوان " شباب العال ف طريق الضياع! " جعلت مقدمته هكذا‪ " :‬إل أين يتجه‬
‫شباب ال عال؟! ف أمري كا يرت فع ترمو متر ال نراف ب ي ال شباب‪ ..‬و ف بريطان يا ت تألف‬
‫ع صابات من الراهق ي لل سطو و تدخي ال شيش‪ ..‬و ف سوي سرا يتزا يد النلل‪ ..‬و ف‬
‫رو سيا يت مع ال لس ا لعلى لل سوفيت ليب حث م شكلة ا نراف ال شباب الرو سي‪ ..‬ل قد‬
‫أبر قت " أخ بار ال يوم " إ ل م ندوبيها ومرا سليها ف عوا صم ال عال وطل بت من هم صورة‬
‫كاملة من النراف الارف الذي يهدد شباب العال‪" !.‬‬

‫وهذا هو نص التحقيق‪:‬‬

‫من لندن كتب زغلول السيد‪:‬‬

‫إن جرائم من كل نوع يرتكبها الشبان ف بريطانيا كل لظة‪ .‬وهي جرائم تتلف‬
‫باختلف الطبقات‪ .‬إذ أن بريطانيا هي أكثر بلد العال حساسية بالنسبة لنظام الطبقات‪.‬‬
‫ال صحف البيطان ية تن شر كل يوم جرائم ت قع ف مت لف أ ناء البلد‪ .‬وت صور ل نا هذه‬
‫ا لرائم ت لك الر ية ا لت وق عت أخ يا‪ š‬ع ندما د خل ب عض ال شبان ال سينما‪ ،‬و ل يعجب هم‬
‫الفيلم فانالوا على مقاعد السينما الوثية يزقونا بالسكاكي‪ ،‬ث مزقوا الشاشة بأيديهم‪.‬‬
‫وكانت النتيجة أن أغلقت السينما أبوابا‪ .‬ول يكن هذا الادث هو الول من نوعه‪ .‬وإنا‬
‫كان الثالث!‬

‫هجوم العصابات‪:‬‬

‫‪ ()47‬ألف الكاتب كتابه هذا سنة ‪ !1929‬وقد تققت كل الشرور الت توقعها الكاتب يومئذ‪ ،‬فأصبح‬
‫التمع المريكي كما توقعه بالفعل‪ ،‬كما أن هذه الشرور ذاتا تنتقل ‪ -‬بالعدوى ‪ -‬إل التمعات "‬
‫التحضرة " الت تنقل حضارتا عن الغرب‪.‬‬

‫)‪(145‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ومنذ أيام نظمت إحدى عصابات الشباب هجوما على عصابة أخرى وطعنت‬
‫بال سكاكي ع شرة من أفراد ها‪ .‬و قد أ عد ال جوم ك ما تن ظم الملت الع سكرية‪ .‬ف قد‬
‫أرسلت عصابة " موسويل " بعض أفرادها للقيام بهمة الستطلع ث بدأ بعد ذلك الجوم‬
‫بال سكاكي والع صي والق ضبان الديد ية والزجا جات الك سورة‪ .‬و كان أ فراد الع صابة‬
‫ا لخرى يرق صون التوي ست ف قا عة البلد ية‪ .‬وفا جأتم ع صابة " مو سويل " بالجوم‬
‫وارتفعت صرخات الفتيات اللت كن يشتركن ف الرقص وسالت الدماء ف كل مكان‪.‬‬

‫جرائم الطبقة الدنيا‪:‬‬

‫ومثل هذه الرائم هي الت يشتهر با أفراد الطبقة الدنيا‪ .‬وهي ف الواقع أفظع‬
‫الرائم وأكثرها إزعاجا‪ ...‬فالشبان النحرفون من أفراد هذه الطبقة يتجمعون أحيانا‪ š‬ف‬
‫عصابات كبية ويهاجون القرى والدن الصغرى ويتصرفون بالطريقة الت يشاهدونا ف‬
‫الفلم تاما‪.‬‬

‫‪ 5‬شبان أمام القاضي‪:‬‬

‫وف السبوع الاضي وقف خسة شبان أمام القاضي النليزي سيمور كولين ف‬
‫ويست لندن بتهمة النراف والبطالة‪ .‬قال القاضي لون بومونت ) ‪ 23‬سنة( إنك شاب‬
‫تتمتع بإمكانيات طبية‪ .‬ولكنك تترك نفسك تتهاوى وتزداد كسل وخول حت تصل إل‬
‫مرحلة ل يستطيع أحد أن يساعدك فيها‪.‬‬

‫و قال القا ضي ل بول إي فا " ‪ 23‬سنة " هل تعت قد ح ق‪š‬ا أن أي شخص ي كن أن‬
‫يستخدمك ف عمل‪ .‬وأنت تترك شعرك يسترسل على جبينك ورقبتك؟‬

‫و قال ل شارلس وي ستوود )‪ 21‬سنة( يلز مك قدر كبي من ال هود لتج عل من‬
‫نفسك إنسانا‪ š‬مهذبا‪.‬‬

‫تركت الكلية إل الشارع‪:‬‬

‫و يرد ال شبان بأقوال متل فة‪ .‬ف مالكوم در يك )‪ 23‬سنة( قال‪ " :‬ل قد ساعدن‬
‫أ بواي ع لى ت صيل قدر كبي من التعل يم‪ .‬ول كن ف منت صف مرح لت الدرا سية بالكل ية‬

‫)‪(146‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫بدأت أتساءل‪ :‬ما الذي سأكونه ف الستقبل؟ ورأيت نفسي مساعد صيدل أجلس طوال‬
‫اليوم وراء " البنك " وعندما تعنت ف هذه الياة ل أجد فيها كثيا‪ š‬من السعادة‪ .‬كل ما‬
‫فيها مرض وأدوية وحبوب مهدئة‪ ..‬ولذلك فقد تركت الكلية‪ ،‬وقررت أن أحيا طليقا‬
‫فـي شوارع لندن وباريس! "‬

‫احتقار الياة‪ ..‬بالجاع‪:‬‬

‫إن هؤلء الشبان جيعا‪ š‬ممعون على احتقار الياة‪ ،‬وكان مثل هؤلء يوتون ف‬
‫الشوارع من الوع‪ ،‬أما التعطلون ف لندن منذ ثلثي عاما الن فإن التمع يساعدهم‬
‫"على نو ما" على الياة‪.‬‬

‫ي شرح أ حدهم و هو شارلس وي ستوود ك يف ي صلون ع لى ن قود في قول‪ " :‬إن‬


‫دخلنا السبوعي يتراوح بي ‪ 30‬و ‪ 40‬شلنا‪ ،‬ونن نصل على الال من الفتيات اللت‬
‫يشفقن علينا‪ ،‬أو الفتيات اللت يشعرن بالسرور منا‪ ،‬كما نصل على الال من السياح‬
‫ا لذين ير يدون الت قاط صور ل نا‪ ،‬أو من زائري ل ندن ا لذين ير يدون الطلع ع لى خبا يل‬
‫الل يل ف الدي نة‪ .‬أو من الثقف ي ا لذين يق ضون الل يل ف مناق شتنا‪ ،‬أو من ال ناس ا لذين‬
‫يشعرون بالوحدة ويريدون رفيقا‪ .‬أو باختصار من أي شيء مشروع ولكن بل مهود أو‬
‫عمل "‪.‬‬

‫جرائم الشيش‪:‬‬

‫وهذا النوع من الرائم الت يرتكبها الشبان التعلمون من الطبقة التوسطة مثل‬
‫تدخي " الشيش " يتزايد باستمرار‪ .‬ويذب هذا النوع من الرائم الفتيات تاما‪ š‬كما‬
‫يذب الشبان‪ .‬ولكن لا كان من الصعب على الفتيات أن يصلن على " الشيش " فإنن‬
‫يلجأن إل نوع من أقراص الخدرات الفيفة‪ .‬وتباع هذه القراص سرا‪ š‬ف بعض القاهي‬
‫وال بارات‪ .‬و قد اكت شف ال بوليس ف ب لدة إي ستبورن أن طال بات ا لدارس يت ناولن هذه‬
‫ا لقراص‪ .‬وال سبب ا لذي أ بدينه هو " ا لرب من ال ياة " )‪ (48‬وأ سوأ م ناطق ا لجرام‬

‫‪ ()48‬ف بث جديد للدكتور لينيكن ف جريدة الصنداي تيمز النليزية بتاريخ ‪ 27‬يناير سنة ‪1963‬‬
‫يقول عن الشباب النحرف الذي يتعاطى الخدرات هناك‪ " :‬إنم يقولون إن الشيش ماولة للتعبي‬
‫عن أنفسهم‪ ،‬ولتحديد ملمهم ف متمع ضائع‪ .‬ف عال بل شكل! وهم يفخرون بأنم قد فتحوا لنا‬
‫باب إدراك اليال النسان! "‬

‫)‪(147‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وال نراف ف ل ندن منط قة " سوهو " ا لت تنت شر في ها أو كار ال خدرات وح يت تر قص‬
‫الفتيات التويست طوال الليل حت إذا طلع الصبح يصبح التخدير والرهاق قد أعياهن فل‬
‫يهمهن بعد ذلك ماذا يدث لن!‬

‫مواجهة القائق‪:‬‬

‫والسؤال الن‪ :‬ما الذي تفعله بريطانيا لواجهة هذه الرائم التزايدة؟‬

‫لقد ذهبت إل إدارة الحداث النحرفي بوزارة الداخلية‪ .‬وقابلت مستر رومان‬
‫مدير الدارة الذي قال ل إن أسباب الرائم تتلف من طبقة إل أخرى‪ .‬وإن أسوأ أنواع‬
‫الشبان النحرفي هم الشبان الذين ينتمون إل الطبقات الدنيا‪ .‬ولقد دل التحقيق على أن‬
‫تربية الطفل مسئولة إل حد كبي عن سلوكه‪ .‬ولقد كانت الرب مسئولة ف البداية‪ .‬فقد‬
‫هاجرت بعض السر أثناء الرب وتركت أطفالا الذين ل يدوا آ باء وأمهات يعت نون‬
‫بم‪ .‬واته الكثيون منهم إل الرية‪.‬‬

‫ول شك أن السينما والتليفزيون لما تأثيها على الشبان أيضا‪ .š‬لقد شنق صب‬
‫ف الثالثة عشرة من عمره صديقا له بورب أمه‪ .‬وعندما سئل عن السبب أجاب قائل‪" :‬‬
‫لقد رأيت شيئا كهذا ف التليفزيون‪" .‬‬

‫العلج‪:‬‬

‫وقد أمرت الكومة بإجراء تقيق خاص ف مسألة الفلم والسرحيات العنيفة‬
‫الت تعرض ف التليفزيون‪ .‬ولكن هذا ليس السبب الوحيد ف انتشار جرائم الشباب‪ .‬لقد‬
‫قال م ستر بو مان إن الكو مة ل ت ستطع توفي الت سهيلت اللز مة ل كي يق ضي ال شبان‬
‫أوقات فراغهم بطريقة مرضية‪ ،‬ولذلك فإن الكومة تشترك الن ف مشروع كبي يهدف‬
‫إل بناء مزيد من الندية وحامات السباحة وغي ذلك من وسائل قضاء وقت الفراغ‪.‬‬

‫و ف ن فس ا لوقت ي شترك ج يش كبي من الط باء والخ صائيي الجت ماعيي‬


‫والخصائيي ف التربية ف دراسة أسباب انراف الشبان واحتياجاتم ومشاكلهم‪.‬‬

‫صورة من سويسرا‪:‬‬

‫)‪(148‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ومن سويسرا كتب إبراهيم سعدة‪:‬‬

‫الوقت الواحدة بعد منتصف الليل‪ .‬الشوارع خالية تاما‪ ..‬البد يمد الطراف‬
‫ويشل حركة الدم ف العروق‪ .‬وفجأة ظهرت سيارة قدية مكشوفة!‪ ..‬ل تعرف لونا فهي‬
‫مطلية بميع اللوان الطبيعية وغي الطبيعية‪ .‬لوحة طائشة عبثت با ريشة الفنان الغريب‬
‫الذي يقلد بيكاسو‪ .‬رسومات عجيبة‪ .‬فوق هيكل السيارة‪ .‬ونوافذها‪ .‬وكل مكان فيها‪.‬‬
‫حت ليصعب عليك التقاط أرقامها‪ ..‬أكثر من ‪ 7‬أشخاص كانوا يركبون هذه السيارة‪.‬‬

‫ل يكنك أن تفرق بي الصب والفتاة‪ .‬اللبس واحدة‪ .‬نفس البنطلون الضيق جدا‬
‫الذي يدد أكثر ما يفي‪ .‬نفس " البلوزة " اللونة بالحر والخضر والباب مع النمب‪.‬‬
‫الشعر طويل ويصل إل أعلى الدقن‪ ..‬وإل ما وراء القفا‪.‬‬

‫إل داخل الشقة‪:‬‬

‫ث وقفت السيارة أمام إحدى الفيلت التناثرة ف إهال أمام بية جنيف‪ .‬ويدور‬
‫الف تاح الفقود ف القفل‪ ..‬وت ندفع الموعة دا خل ال شقة ‪ -‬ف ا لدور ال ثان من الفيل ‪-‬‬
‫وتضاء ا لنوار‪ ..‬وال شموع‪ ..‬وتفر قع ز جادات النب يذ وا لبية والوي سكي ث ي سكب كل‬
‫هذا ف وعاء كبي لتكوين أعجب كوكتيل ل يسمع بثله أمهر " متردوتيل " حت يومنا‬
‫هذا! وانسابت الوسيقى من اللة الصغية الت تدور فوقها أحدث السطوانات الراقصة‬
‫وغ ي الراق صة‪ ..‬واخت فت ا لنوار‪ ..‬واكت فت المو عة بال شموع اللو نة‪ ..‬وال ضواء غ ي‬
‫البا شرة وا لت تنب عث من خ لف مق عد‪ ..‬من وراء ستارة‪ ..‬فوق دولب! وو ضع كل "‬
‫ملوق " سيجارة أو سيجارا أو بيبة بي شفتيه‪ ..‬وبدأت حلقات وسحب الدخان التباينة‬
‫ت لق ف سقف الغر فة ال ضيقة‪ .‬و كان ل بد من الر قص لتكت مل " الف لة "‪ ..‬و ل تتن به‬
‫المو عة إ ل أن ال ساعة قاربت الثال ثة صباحا‪ ..‬بل اخ تاروا أع نف أن غام راق صة كالروك‬
‫أندرول‪ ..‬وأجنها كالتويست‪ ،‬وبدأوا يضربون بأقدامهم وأجسامهم فوق الرض‪ ...‬ث‬
‫توزع أوراق " الكوتشينة " بالتساوي على اللعبي‪ ..‬ث يسحب الول ورقة من اللعب‬
‫الثان فإذا وجده عنده مثلها ألقى بالورقتي على الرض‪ ..‬وهكذا حت ينتهي الدور بأن‬
‫تتب قى ور قة أخ ية ف يد ل عب فيع تب الا سر ف هذا ا لدور‪ ..‬وي ستحق توق يع الع قاب‬
‫عليه‪ ..‬والعقاب الوحيد ف هذه اللعبة هو أن يقوم الاضر بلع أي قطعة من ملبسه‪..‬‬
‫فيبدأ عادة بلع الاكيت‪ ..‬أو الكرافت‪ ..‬أو الذاء‪ ..‬وهكذا حت تنتهي اللعبة بأن يلع‬

‫)‪(149‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫اللعبون ملبسهم كلها ويصبحون عرايا كما ولدتم أمهاتم‪ ..‬بي ضحكاتم وصرخاتم‬
‫وغمزاتم‪ ..‬وتزداد هذه الصرخات ف حالة وجود فتاة أو أكثر ضمن " الشلة "‪..‬‬

‫وحكاية أخرى‪..‬‬

‫ول تتنبه كل العائلت إل نداء الصحافة! إن بعضها ل يستفد من الدرس الؤل‬


‫الذي جاء بعد القبض على " شلة " الراهقي الت كتبتها ف بداية هذا التحقيق! الدليل‪.‬؟‬
‫لقد عرفت سويسرا عصابات البلوفر السود‪ ..‬إنا البدعة الستوردة من باريس‪ ..‬الشباب‬
‫الضائع الذي استطاع الروب من سيطرة الباء فعاش ف الشوارع والقاهي والواخي‪..‬‬
‫حياة بوهيمية ل معن لا‪ ..‬اليام تر وهو ف مكانه ف القهى أو على الرصيف‪ ،‬ل يشعر‬
‫با حت تنتابه حالة من حالت اللل والضيق‪ ..‬فيقرر أن يقدم على شيء يبعده عن هذا‬
‫الضيق وهذا اللل ويقربه من الضياع‪ ..‬أي شيء خارق للعادة ليلفت إليه النظار‪ ..‬وتنشر‬
‫صوره ف الصحف ويقفز اسه إل الصفحات الول‪ ..‬ويتحدث عنه الناس ف كل مكان‪.‬‬

‫الشباب الضائع فقد زمامه‪:‬‬

‫هذه الشكلة ل تم سويسرا وحدها‪ ..‬وإنا تعان منها معظم دول أوربا‪ .‬بدأت‬
‫الزمة ف باريس‪ ..‬فقالت الصحافة إن الشباب الفرنسي مظلوم إن السينما المريكية هي‬
‫السبب‪ .‬أفلم الغامرات والعصابات ورعاة البقر هي الت حطمت معنويات اليل الديد‪.‬‬
‫إن الرا هق الفرن سي يق لد آل كابون‪ ..‬وي لم بالثراء ب عد ال سطو ع لى أ حد الب نوك ع لى‬
‫الطريقة المريكية الت يشترط فيها اختفاء جيع رجال الشرطة تاما من أمام البنك لظة‬
‫تنف يذ ال طة‪ .‬آراء أ خرى ل توا فق ا لرأي ا لول وت قول إن ال سينما وا لفلم المريك ية‬
‫مظلو مة وبريئة من هذا ال تام‪ .‬وإن أ هم أ سباب ا نراف ال شباب ف فرن سا هو انلل‬
‫التمع نفسه‪ .‬انعدام الروابط بي أفراد السرة‪ .‬سياسة " عدم البالة " الت يطبقها الباء‬
‫ف تربية الولد‪ .‬إن ترك الراهق وحده ف هذا الياة البكرة يدفعه إل الية‪ ..‬والضياع‪.‬‬
‫الفلم الثية تؤثر فيه‪ ..‬التصرف الاطئ يد فيه نوعا من الغامرة‪.‬‬

‫حفلت ساهرة وألوف النيهات‪:‬‬

‫ففي كل شهر ‪ -‬على الكثر ‪ -‬تقام ف باريس حفلة ساهرة للشباب يغن فيها‬
‫جون هول يدي ا لذي ل يز يد ع مره ع لى ‪ 18‬سنة وم طرود من ا لدارس العداد ية‬

‫)‪(150‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وصاحب مئات اللوف من النيهات الن! ويتسابق أكثر من ‪ 10‬آلف مراهق ومراهقة‬
‫لسماع هذا الغن‪ ..‬برغم ارتفاع ثن تذكرة الدخول‪ .‬تبدأ السهرة ف التاسعة مساء ول‬
‫تنتهي إل بعد تدخل البوليس والطافئ والسعاف والباء‪!.‬‬

‫وتسيل الدماء ويسقط العشرات قتلى وجرحى!‬

‫الرقابة الدقيقة‪:‬‬

‫وعل ماء الن فس ي طالبون أول بالعلج الو قائي‪ ..‬ي طالبون ب فرض الرقا بة ال صارمة‬
‫على الفلم السينمائية‪ ..‬سلسلة الفلم الباحية النحلة الت ترجها فرنسا وألانيا وإيطاليا‬
‫يب أن تتوقف‪ ..‬أن ينع عرضها تاما ل أن يقتصر على تديد سن التفرج بعمر معي‪.‬‬
‫هذه الرق صات النلل ية يب أن ت نع من التلفز يون و من ا لال العا مة‪ ..‬والق بض ع لى‬
‫النحل جون هوليدي وأمثاله وإيداعهم إصلحيات يتربون فيها‪.‬‬

‫جرائم الحداث ف أمريكا‪:‬‬

‫ومن واشنطون كتب فريد زوسي‪:‬‬

‫سجلت جرائم الحداث ف الوليات التحدة ارتفاعا ملحوظا ف العام الاضي‬


‫معادتا منذ ‪ 12‬سنة على التوال حيث بلغ عدد الولد الذين مثلوا أمام ماكم الحداث‬
‫حوال الليون‪ .‬بعد أن كان هناك ‪ 773‬ألف قضية أمام ماكم الحداث ف عام ‪.1959‬‬

‫ومشكلة الحداث تثي المة المريكية‪ .‬ول سيما بسبب امتدادها إل الطبقات‬
‫العليا ف التمع‪ .‬كما أن هناك نسبة عالية من النراف بي الفتيات‪ ،‬ويثرن مشكلة كبية‬
‫ف كيفية التصرف معهن لن معظم مؤسسات الحداث خاصة بالولد‪.‬‬

‫وقد ألقى البوليس أخي‪š‬ا القبض على مموعة من الولد تتراوح أعمارهم بي‬
‫‪ 15‬و ‪ 17‬سنة من أغ ن ال عائلت متهم ي ف ‪ 11‬ت مة سرقة وأر بع ت مات اقت حام‬
‫م نازل‪ ،‬ومتهم ي ب سرقة سيارة‪ ،‬وع شر ت مات تر يب و تدمي‪ .‬و ف نيوجر سي ق بض‬
‫البوليس على عصابة تضم ‪ 17‬من الحداث بتهمة سرقة أشياء ثينة تقدر أثانا بوال‬
‫‪ 10‬آلف دولر وبيعها بأثان بسة‪ .‬ولقد اعترفوا بأنم يتلقون من آبائهم أموال كافية‬
‫تعلهم ف غن عن السرقة‪ ،‬وأنم أقدموا على السرقة لنا " شيء مثي "‪ .‬وف ويست‬

‫)‪(151‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫شستر وهي إحدى الضواحي الغنية بدينة نيويورك اتم الدعي العام أكثر من ‪ 250‬شابا‬
‫معظمهم من العائلت الغنية العروفة ببيع واستخدام الخدرات‪ .‬وقد تول الكثيون منهم‬
‫إل مدمني وبعضهم من طلبة الامعات‪.‬‬

‫قانون الكونرس المريكي‪:‬‬

‫وقد أصدر الكونرس المريكي أخيا‪ š‬بعد ست سنوات من الناقشة قانون جرائم‬
‫ال حداث عام ‪ 1961‬ووق عه الرئ يس كن يدي‪ .‬وي عد هذا ال قانون بثا بة نق طة تول ف‬
‫مكاف حة جرائم ال حداث‪ ،‬و هو ي صص ‪ 30‬مل يون دولر لذا ا لدف خلل ال سنوات‬
‫الثلث القادمة‪ ،‬ولا كانت البطالة بي الشباب من السباب الرئيسية لل نراف‪ ،‬لذلك‬
‫أكدت حكومة كنيدي عزمها على القيام ببنامج ضخم لتشغيل الشباب‪ ،‬ومن مراحل‬
‫هذا البنامج إنشاء قوات السلم خارج الوليات التحدة وف أعال البحار‪.‬‬

‫مشكلة دولية‪:‬‬

‫وهنك حقيقة هامة هي أن جرائم الحداث ليست مقصورة على أمريكا ولكنها‬
‫م شكلة ذات طابع دو ل‪ ،‬و قد أكد ذ لك عدة مئات من ال ندوبي من ج يع أ ناء العال‬
‫الذين حضروا مؤتر المم التحدة لنع الرية وتقوي النحرفي الذي عقد ف لندن عام‬
‫‪ 1960‬وحضره مندوبون من التاد السوفيت أيضا‪.š‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وأخي‪š‬ا تيء تلك الشهادة من رئيسي أكب دولتي ف العصر الاضر‪ ،‬الدولتي‬
‫الاكمتي بأمرها ف الرض‪ ،‬واللتي تتنازعان فيما بينهما مناطق النفوذ ف العال أجع‪.‬‬

‫ف عام واحد‪ ،1962 ،‬يصدر تصريان من رجلي يباعد بينهما ما بي الشيوعية‬


‫والرأسالية من خلف ف الذهب وخلف ف السياسة وخلف ف الوسائل‪ .‬ولكن يمع‬
‫بي تصرييهما شبه واضح‪ .‬إن كل منهما يقدم إنذارا‪ š‬لشباب وطنه‪ ،‬أنه جاوز الدى ف‬
‫انلله‪ ،‬وأنه ف طريقه إل النيار‪.‬‬

‫)‪(152‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫قال خروشوف‪ :‬إن الشباب الشيوعي قد بدأ ينحرف ويفسده الترف! وإن من‬
‫بي نه " ع صبجية و ص̂يعا! " وأ نذر بأن الكو مة ال سوفييتية تب حث إطلق يد ال بوليس ف‬
‫معالة هؤلء " البلطجية " كما أنذر بأن معسكرات جديدة قد تفتح ف سيبييا للتخلص‬
‫من الشباب النحرف لنه خطر على مستقبل روسيا!!‬

‫وقال كنيدي‪ :‬إن الشباب المريكي مائع منحل مترف غارق ف الشهوات‪ ،‬وإنه‬
‫من بي كل سبعة شبان يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غي صالي‪ ،‬بسبب انماكهم ف‬
‫الشهوات! وأنذر بأن هذا الشباب خطر على مستقبل أمريكا‪ .‬وأهاب بالعلماء والصلحي‬
‫الجتماعيي أن يبحثوا هذا الطر ويقرروا العلج!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ول يفوتنا أن نشي إل الفضيحة الكبى الت حدثت ف إنلترا منذ قريب وأتم‬
‫فيها وزير الرب بإذاعة أسرار عسكرية هامة تعرض وطنه للخطر ف مقابل شهوة دنسة‬
‫مع فتاة ساقطة تيط نفسها بو من الدعارة يسقط فيه المراء والوزراء!‬

‫و هذا ك له فوق حوادث ال نون والنت حار و لمراض الع صبية والنف سية و ضغط‬
‫الدم‪ ،‬الخذة ف الزيادة الستمرة‪ ،‬والت ل مثيل لا ف عددها وف ضراوتا‪ ،‬ف كل أجيال‬
‫التاريخ!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إنا أمور خطية جدا‪ š‬تلك الت تقولا شهادة القرن العشرين!‬

‫إنا تقول أول‪ :‬إن هذا التحلل اللقي ليس " تطورا " وإنا هو انراف‪.‬‬

‫وتقول ثانيا‪ :‬إنه انراف ضار بالكيان البشري مؤد‪ Å‬إل الدمار‪.‬‬

‫وت قول بال تال‪ :‬إن ه ناك " ف طرة " للن سان‪ ،‬ت تأذى من كل شيء ل يلئم‬
‫طبيعتها‪ ،‬وترض من استمرار تعاطيه‪.‬‬

‫)‪(153‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وتقول كذلك‪ :‬إن هذه الفطرة ثابتة‪ ،‬فما كان يؤذيها ويدمرها قبل ألفي عام ما‬
‫زال يؤذيها ويدمرها بعد مرور الجيال الطوال‪ ،‬ول يدث فيها " تطور " يعلها تصح‬
‫على ما كانت ترض به ف تلك الزمان‪ .‬بل هي ما زالت ترض به على نفس الصورة‬
‫وبنفس القدار‪.‬‬

‫وت قول أخ يا‪ š‬إن ا لانب الل قي ‪ -‬ع لى ال قل ‪ -‬من ح ياة الن سان‪ ،‬ذو مق ياس‬
‫ثابت يقاس به ف جيع الجيال‪ ،‬فما كان صوابا ف علقات الناس ‪ -‬وعلقات النسي‬
‫ب صفة خا صة ‪ -‬ق بل أل في عام‪ ،‬ما يزال هو ال صواب‪ ،‬و ما كان خ طأ وانرا فا ف ت لك‬
‫العل قات ما يزال هو ال طأ وال نراف‪ ،‬ب عد كل " الت قدم " العل مي‪ " ،‬والت طور "‬
‫الجتماعي والقتصادي والسياسي‪ " ،‬والتحور " النفسي ف ألفي بل ألوف من العوام!‬

‫وخل صة ذ لك ك له أن أي ن ظام ل ياة الب شرية ينب غي أن ي عل ف ح سابه ذ لك‬


‫القياس الثابت للخلق‪ ،‬مهما كانت مرونته ف الوانب الادية والقتصادية والجتماعية‬
‫والسيا سية‪ ،‬ا لت ينب غي أن تن مو‪ ،‬وينب غي أن ي سمح لا بالنمو ف ظل أي ن ظام صال‬
‫للحياة‪..‬‬

‫وهذا يقودنا إل الديث عن موقف السلم من الياة البشرية‪..‬‬

‫)‪(154‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫السلم وح*ياة البشرية‬


‫السلم دين الفطرة‪..‬‬

‫ومزيته العظمى أنه يساير الفطرة ويطابقها مطابقة كاملة‪.‬‬

‫وقد تدثت ف كتابي سابقي عن لون هذه الطابقة ومداها‪ .‬فتحدثت ف كتاب‬
‫" منهج التربية السلمية " عن طريقة السلم ف تربية النفس البشرية‪ ،‬وكيف أنه يشملها‬
‫كلها من جيع جوانبها‪ ،‬ويشملها كلها ف آن واحد‪:‬‬

‫" طريقة السلم ف التربية هي معالة الكائن البشري كله معالة شاملة ل تترك‬
‫منه شيئا‪ š‬ول تغفل عن شيء‪ .‬جسمه وعقله وروحه‪ ،‬حياته الادية والعنوية‪ ،‬وكل نشاطه‬
‫على الرض‪.‬‬

‫إنه يأخذ الكائن البشري كله‪ ،‬ويأخذه على ما هو عليه‪ ،‬بفطرته الت خلقه ال‬
‫عليها‪ ،‬ل يغفل عن شيء من هذه الفطرة‪ ،‬ول يفرض عليها شيئا‪ š‬ليس ف تركيبها الصيل‪.‬‬

‫ويتناول هذه الفطرة ف دقة بالغة فيعال كل وتر منها‪ ،‬وكل نغمة تصدر عن هذا‬
‫الوتر‪ ،‬فيضبطها بضبطها الصحيح‪.‬‬

‫و ف ا لوقت ذا ته يعا ل الو تار متم عة‪ .‬ل يعا ل كل من ها ع لى حدة فت صبح‬
‫النغ مات ن شازا ل تنا سق في ها‪ .‬ول يعا ل بع ضها ويه مل الب عض ا لخر‪ ،‬فت صبح النغ مة‬
‫ناق صة غ ي م عبة عن الل حن الم يل التكا مل‪ ،‬ا لذي ي صل ف جاله ال خاذ إ ل در جة‬
‫)‪(49‬‬
‫البداع "‬

‫و ف ك تاب " درا سات ف الن فس الن سانية " عدت إ ل ر سم مك̂و نات الن فس‬
‫النسانية وطريقة السلم ف معالتها " ووكدت بصفة خاصة حقيقة الترابط ف كيان‬
‫النسان‪:‬‬

‫‪ ()49‬منهج التربية السلمية‪ ،‬ص ‪ 19‬من الطبعة الثانية‪.‬‬

‫)‪(155‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫" هذا الكيان النسان الفرد‪ ،‬ل نصل إل كل قراره ف القيقة حي ندرك فقط‬
‫أ نه ك يان مزدوج الطبيعة‪ ،‬ث ندرك أن ه ناك امتزاجا بي عنصريه ال ك̂وني له‪ ،‬يع له ‪-‬‬
‫وهو يمع بي نشاط الل‪Ý‬ك ونشاط اليوان ‪ -‬يؤدي كل منهما بطريقته الاصة‪ ،‬طريقة‬
‫النسان‪ ،‬الت تمل مشابه من اللك ومشابه من اليوان‪ ،‬ث تفترق ف النهاية عن اللك‬
‫واليوان‪.‬‬

‫ليس هذا هو القرار الخي ف كيان النسان!‬

‫وإنا نصل إل قراره حي ندرك أن ف القيقة كيان موحد‪ ،‬على الرغم ما ف‬


‫طبيعته هذه من ازدواج‪.‬‬

‫ك يان مو حد‪ ..‬كل ما ينب عث ع نه من ن شاط فإ نا ي صدر عن ك يانه الو حد‬


‫التشابك العقد التركيب!‬

‫أعمال النسان كلها ذات ترابط وثيق وإن بدت منفصلة ف بعض الحيان‪.‬‬

‫النشاط الادي والنشاط العنوي‪..‬‬

‫النشاط العملي والنشاط التعبدي‪..‬‬

‫النشاط القتصادي والجتماعي والسياسي‪ ،‬والنشاط الفكري والروحي‪..‬‬

‫كل لون من ألوان النشاط هذه وما شابها قد يبدو لول وهلة نشاطا منفصل‪،‬‬
‫متخص صا‪ ،‬م ستغرقا‪ ،‬ي قوم به الن سان بانب من جوانبه‪ ،‬ول يت صل ببق ية ا لوانب أي‬
‫اتصال‪..‬‬

‫وذلك وهم ظاهري‪ ،‬كوهم تزؤ النسان إل جسم وروح منفصلي‪.‬‬

‫و‪É‬ه‪Ó‬م‪ ä‬يغري به بروز أحد هذه الوانب ف لظة وتوارى الوانب الخرى مؤقتا‬
‫)‪(50‬‬
‫وراء هذا البوز "‬

‫‪ ()50‬دراسات ف النفس النسانية‪ ،‬فصل " طبيعة مزدوجة "‬

‫)‪(156‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وه نا ف هذا الك تاب نب حث الو ضوع من زاو ية أ خرى‪ ،‬هي زاو ية ال ثابت‬
‫والتطور ف كيان النسان‪ ،‬وطريقة السلم ف معالة النفس البشرية ف هذا القام‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إن الكيان البشري وحدة‪..‬‬

‫وحقيقة إن فيه جوانب ثابتة وجوانب متطورة كما رأينا فيما سبق من البحث‪.‬‬
‫أو فيه ‪ -‬على الصح ‪ -‬صور متغية وجوهر ثابت‪ ..‬ولكن عجيبة النسان الكبى أن‬
‫الثابت والتطور فيه يك̂ونان وحدة واحدة ف النهاية‪ ،‬مترابطة متماسكة متحدة‪ ،‬ل يكن‬
‫فصل بعضها عن بعض‪.‬‬

‫العقل البشري يتطور‪ ..‬ينمو على الدوام‪ ..‬ت̂د له معلومات وخبات وتصورات‪.‬‬
‫ولكنه مع كل تطوره ل يقفز وحده خارج كيان النسان‪ ،‬ويتطور بفرده‪ ،‬تاركا بقية‬
‫النفس‪ .‬وإنا يتطور وينمو وهو ف داخل الطار الكلي للنسان‪ ،‬سواء ف ذلك النسان‬
‫ال فرد‪ ،‬أو الن سان التج مع ف صورة مت مع‪ ..‬و كذلك الن تاج العل مي أو ا لادي لذا‬
‫الت طور‪ ،‬إ نه ين مو ع لى ا لدوام‪ ،‬ولك نه ل ي ستقل بنف سه عن الك يان الب شري‪ ،‬وإ نا يأ خذ‬
‫ح̂يزه ‪ -‬مع تطوره الدائم ‪ -‬ف داخل الكيان الثابت الذي يتكون منه " النسان "‪.‬‬

‫والنمو القتصادي والجتماعي والسياسي‪ ،‬والنمو النفسي كذلك‪ ..‬كل شيء‬


‫ينمو ويتطور‪ ،‬وهو ف النهاية داخل ف الكيان الثابت الذي ل تغي جوهرة التطورات‪..‬‬

‫ومن هذا اليط الزدوج يأخذ السلم المر‪ ،‬وعلى أساسه يقيم نظامه للحياة‬
‫البشرية‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(157‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫" ب سم ا ل الر حن الرح يم‪ .‬ي‪É‬ا أ‪åÝ‬ي ه‪É‬ا الن‪Ì‬ا س» ا‪Ì‬ت ق‪Ô‬وا ر‪É‬ب‪Ì‬ك‪ Ô‬م» ال ذ¼ي خ‪É‬ل‪Ý‬ق‪Ý‬ك‪ Ô‬م‪ Ó‬م¼ ن‪ Ó‬ن‪É‬ف‪á‬س‬
‫و‪É‬اح¼د‪É‬ة‪ Å‬و‪É‬خ‪É‬ل‪Ý‬ق‪ É‬م¼ن‪Ó‬ه‪É‬ا ز‪É‬و‪Ó‬ج‪É‬ه‪É‬ا و‪É‬ب‪É‬ث م¼ن‪Ó‬ه»م‪É‬ا ر¼ج‪É‬ال‪ š‬ك‪Ý‬ث¼ي‪š‬ا و‪É‬ن¼س‪É‬اء‪ (51) " é‬صدق ال العظيم‪.‬‬

‫فـي هذه الية الواحدة العجيبة أربع قضايا متوالية تدد الانب الثابت من حياة‬
‫البشرية!‬

‫" اتقوا ربكم الذي خلقكم " " من نفس واحدة " " وخلق منها زوجها " "‬
‫وبث منهما رجال كثي‪š‬ا ونساء "‬

‫وإ نه ل لون من الع جاز أن تت مع القضية هكذا‪ ،‬أو القضايا ا لربع‪ ،‬بذا التتابع‬
‫السهل البسيط‪ ،‬ف آية واحدة معدودة الكلمات!‬

‫آية واحدة تقص ف إياز معجز كل تاريخ البشرية‪!..‬‬

‫وتيء آيات أخرى كثية ف القرآن الكري فتفصل جوانب هذه القضية تفصيل‬
‫وتزيدها بيانا‪ .‬وسنستعرض بعض هذه اليات ف أثناء الديث التفصيلي عن تلك القضية‬
‫أو القضايا الربع التوالية‪ ،‬ولكنا نريد هنا أن نبز اجتماعها ف تلك الية الفردة الت تدد‬
‫ف بساطتها تلك حقائق البشرية الساسية ف ألفاظ معدودات‪.‬‬

‫ق ضية الربوب ية‪ .‬ق ضية و حدة الن سانية‪ .‬ق ضية و حدة الن سي‪ .‬ق ضية الت مع‬
‫البشري‪ ..‬أربع قضايا متوالية تدد الطار الذي تعيش ف داخله البشرية‪.‬‬

‫" اتقوا ربكم الذي خلقكم " قضية الربوبية واللق‪ .‬ال هو الالق‪ .‬قضية أزلية‬
‫ثابتة ل تغيها كل تطورات التاريخ‪ ،‬ول تفقدها مكانتها كل تطورات التاريخ! ومن ث‬
‫يترتب عليها تقوى ال‪ .‬فتنشأ القضية الول ف حياة النسان‪ :‬قضية العقيدة‪.‬‬

‫" من نفس واحدة "‪ ..‬قضية النسانية الناشئة من نفس واحدة‪ .‬من أصل واحد‬
‫مشترك‪ .‬من كيان واحد يضمها جيعا‪ .š‬قضية ثابتة ل تغيها كل تطورات التاريخ‪ ،‬ول‬
‫تفقدها مكانتها كل تطورات التاريخ! ومن ث يترتب عليها أخوة البشرية‪.‬‬

‫‪ ()51‬سورة النساء ]‪.[1‬‬

‫)‪(158‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫" وخ لق من ها زوج ها "‪ ..‬ق ضية الن سي‪ ،‬الر جل وا لرأة‪ ،‬أ حدها من ا لخر‪.‬‬
‫فالرأة " من " ذات النفس الت هي الرجل‪ ..‬قضية ثابتة ل تغيها كل تطورات التاريخ‪،‬‬
‫ول تفقدها مكانتها كل تطورات التاريخ! ومن ث يترتب عليها الساواة " النسانية " بي‬
‫النسي‪ ،‬وكذلك وجود علقة ثابتة بي النسي‪.‬‬

‫" وبث منهما رجال كثيا‪ š‬ونساء "‪ ..‬قضية التمع التكون من الفراد‪ ،‬الناشئي‬
‫من ن فس وا حدة‪ ،‬وا لذي هم أ خوة ف الن سانية‪ .‬ق ضية ثاب تة ل تغي ها كل ت طورات‬
‫التار يخ‪ ،‬ول تف قدها مكانت ها كل ت طورات التار يخ! و من ث يترتب علي ها أن ت كون‬
‫تنظي مات الت مع قائ مة ع لى هذه ال قائق‪ :‬ا لخوة وو حدة الن شأة وو حدة " الن فس "‬
‫البشرية‪..‬‬

‫هل تتغ ي هذه القائق أو " تت طور " بت طور أ ساليب الن تاج أو تقدم الع لوم؟ أم‬
‫هل تتغي دللتها؟!‬

‫إنا ثابتة ل تقبل التغيي‪ ،‬لنا حقائق " تاريية " وجدت وانتهت‪ ،‬ول سبيل إل‬
‫تغيي حقائق التاريخ!‬

‫وعلى هذه القائق الربع الثابتة‪ ،‬تقوم حقائق أخرى‪ ،‬وتشريعات وتوجيهات‪ ،‬ل‬
‫بد أن تكون ثابتة لنا تتعامل مع حقائق ثابتة‪ ،‬ول بد أن تكون دائمة ما دامت الياة‬
‫البشرية على الرض‪.‬‬

‫ونأخذ ف التفصيل‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫" ي‪É‬ا أ‪åÝ‬يه‪É‬ا الن‪Ì‬اس» ا‪Ì‬تق‪Ô‬وا ر‪É‬ب‪Ì‬ك‪Ô‬م» الذ¼ي ‪É‬خل‪Ý‬ق‪Ý‬ك‪Ô‬م‪" Ó‬‬

‫ق ضية الربوب ية وال لق هي الق ضية الرئي سية ف الت صور ال سلمي‪ ،‬ل نا القي قة‬
‫الول الت تنبثق منها كل القائق التالية وتعود إليها‪.‬‬

‫)‪(159‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫إن ال هو الالق الذي خلق الكون وخلق النسان‪ ..‬ومن ث فهو " الرب " الذي‬
‫ينبغي عبادته‪ ..‬وحده‪.‬‬

‫تلك حقيقة أزلية ل سبيل إل تغييها! فكل التطور الادي والعلمي والقتصادي‬
‫والجت ماعي والنف سي لن يو جد خال قا‪ š‬جد يد‪š‬ا ي»ن سب إل يه ال لق ك له وخ لق الن سان‬
‫خاصة‪ ،‬غي ال! وكل ما يدثه " النسان " على وجه الرض من تغيي وتطوير‪ ،‬وإنشاء‬
‫وتعمي‪ ،‬وهدم وتدمي‪ ..‬كله ل يغي تلك القيقة الزلية‪ ،‬ول ينشئ خالقا‪ š‬ف السماوات‬
‫والرض غي ال!‬

‫واللحدون من أمثال جوليان هكسلي‪ ،‬الذين يقولون إن النسان ينبغي أن يأخذ‬


‫على عاتقه ما كان يلقيه من قبل ف عجزه وجهله على عاتق ال‪ ..‬يهزلون! ول يترمون‬
‫عقولم‪ ..‬وإن كانوا " ملصي " ف إلادهم ‪ -‬كما يعتذر لم بعض " الثقفي "! ‪ -‬فهم‬
‫يسيئون تفسي حقائق الياة‪ .‬فال الذي خلق النسان قد منحه اللفة ف الرض‪ " :‬و‪É‬إ¼ذ‬
‫ق‪Ý‬ال‪ Ý‬ر‪É‬ب‪ å‬ك‪ É‬ل¼ ‪á‬لم‪É‬لئ¼ ك‪¼ Ý‬ة إ¼ ن×ي ج‪É‬اع¼ل‪ ê‬ف¼ي ا‪á‬لأ‪Ý‬ر‪ Ó‬ض¼ خ‪É‬ل¼ي ف‪Ý‬ة‪ .(52) " š‬و من مقت ضى هذه الل فة أن‬
‫ينشئ النسان بإذن ال أشياء وأوضاعا وأحداث‪š‬ا على وجه الرض‪ .‬أن ينتج‪ .‬أن يعمل‪.‬‬
‫أن يطور الوجود ليبدع منه أشكال جديدة على الدوام‪ .‬وذلك معن اللفة الت جعلها‬
‫ال للنسان‪ ...‬أفذلك يغري النسان أن ينسى حقيقته وياصم ال! " أ‪Ý‬و‪É‬ل‪Ý‬م‪ Ó‬ي‪É‬ر‪ É‬ال‪á‬أ¼‪Ó‬نس‪É‬ان‪Ý Ô‬أن‪Ì‬ا‬
‫)‪(53‬‬
‫‪É‬خل‪Ý‬ق‪á‬ن‪É‬اه» م¼ن‪ Ó‬ن»ط‪á‬ف‪Ý‬ة‪Ý Å‬فإ¼ذ‪Ý‬ا ه»و‪ É‬خ‪É‬ص¼يم‪ ä‬م»ب¼ي‪ä‬؟! "‬

‫ماذا أحدث النسان‪ Ô‬على غي قانون ال؟!‬

‫أليس ف كل ما يعمل وينتج وينشئ ويطور‪ ،‬يعمل بقتضى القانون اللي الذي‬
‫أودعه فطرة الكون‪ ،‬وكل عمله " أن يتعرف " على " القواني الطبيعية " الت هي " سنة‬
‫ال "‪ ..‬يتعرف عليها با وهبه ال من طاقة العرفة‪ ،‬ث ياول التطبيق عليها‪ ،‬بقتضى ما‬
‫وهبه ال من قدرة على التطبيق؟‬

‫أي شيء ف عمله كله خارج عن النطاق الذي رسه له ال؟‬

‫كل! إنم يهزلون ول يترمون عقولم‪ ..‬أو يعميهم الهل عن حقيقة الناموس‪..‬‬

‫‪ ()52‬سورة البقرة ]‪.[30‬‬


‫‪ ()53‬سورة يس ]‪.[77‬‬

‫)‪(160‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ل خالق إل هو ف السماوات والرض‪ ..‬تلك هي القيقة " العلمية " الت تنشأ‬
‫منها كل القائق الخرى ف هذا الوجود‪.‬‬

‫وما دام هو الله‪ ،‬فمقتضى ألوهيته أن يقوم العباد بعبادته‪ " :‬و‪ É‬م‪É‬ا خ‪ÝÉ‬لق‪ á‬ت» ا‪á‬لج¼ن‬
‫و‪É‬ال‪á‬أ¼ن‪Ó‬س‪ É‬إ¼لا ¼لي‪É‬ع‪Ó‬ب»د»ون¼ " )‪.(54‬‬

‫والعبادة لفظ شامل واسع ميط‪ .‬إنه ليس شعائر التعبد الصورة الدودة‪ .‬ولكنها‬
‫كل شيء‪ .‬هي ع مل الع باد ك له‪ .‬فالع باد ملو قون للع بادة‪ .‬أي أن كل عمل هم ا لذي‬
‫يعملون مفروض أنه عبادة‪ .‬ومن ث يلتقي العمل بالشعائر التعبدية ويصبحان شيئا‪ š‬واحدا‬
‫ف عرف السلم‪.‬‬

‫وما دام هو الله الواحد الحد‪ ،‬فمقتضى وحدانيته هو إفراده بالعبادة‪ .‬فل يعبد‬
‫غ يه ف ا لرض‪ .‬ول يس مع ن ذ لك هو الع ن ال ضيق ال صور‪ ،‬و هو أل ي سجد الن سان‬
‫ل حد ول ير كع ل حد‪ .‬ف هذا الف هوم ل ينا سب إل الف هوم ال ضيق للع بادة ال صور ف‬
‫الشعائر التعبدية‪ .‬ولكن العبادة بعناها القيقي‪ ،‬الت هي عمل الناس كله‪ ،‬هي الت ينبغي‬
‫أن تكون ل وحده ول تكون لحد غيه من اللق‪ .‬فكل العمل البشري ‪ -‬وهو العبادة‬
‫‪ -‬ينبغي أن يكون ل وحده دون شريك‪.‬‬

‫فيأكل النسان ل ويشرب ل ويسكن ويلبس ل‪ .‬وينشط نشاطه النسي ل‪.‬‬


‫ويلك ل‪ .‬ويقاتل ل‪ .‬ويبز ل‪ .‬ويب ل ويكره ل إل‪ ..‬ال وذلك هو معن العبادة ل‬
‫ف نطاقها الواسع‪ ..‬نطاقها القيقي‪.‬‬

‫ومقتضى وحدانيته كذلك أن تكون له الاكمية وله التشريع‪ .‬فالاكمية ألوهية‪،‬‬


‫وطاعة الاكمية عبودية‪ ..‬ولن يشرع إنسان للناس ‪ -‬من عنده ‪ -‬إل أن يكون شاعرا‪ š‬أن‬
‫الناس ينبغي أن يطيعوه هو ول يطيعوا سواه‪ .‬أي ‪ -‬بعن من العان ‪ -‬يعبدوه! وما دام‬
‫يضع لم عقوبات حي يرجون على طاعته ‪ -‬هو ‪ -‬فهو يستعبدهم لنفسه‪ ،‬وهم ‪ -‬حي‬
‫يطي عونه را ضي ‪ -‬يتع بدون له! وي ستوي أن ي كون ال شرع إن سانا‪ š‬فرد‪š‬ا أو ممو عة من‬
‫الناس تعطي نفسها الق ف التحليل والتحري لبقية الناس‪ ،‬وترسم العقوبات للمخالفي‪..‬‬
‫إنا تعطي نفسها حقوق الله‪ ،‬وتتطلب من الناس ما يتوجهون به إل ال‪ .‬وهو ما ل يق‬
‫لم ما داموا ليسوا آلة ول خالقي‪..‬‬

‫‪ ()54‬سورة الذاريات ]‪.[56‬‬

‫)‪(161‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ت لك هي الق ضية ا لول ف الت صور ال سلمي‪ .‬أن ت كون الع بادة ل و حده‪.‬‬
‫والاكمية ل وحده‪ .‬والتشريع من عند ال وحده‪.‬‬

‫وهي قضية تقوم على حقيقة أزلية‪ ..‬وحقيقة " علمية " هي أنه ل إله إل ال‪.‬‬

‫والذين يدعون إل أن يشرع النسان لنفسه‪ ،‬ويضع القواعد لنفسه‪ ،‬ها هم أولء‬
‫ف صراحة يقولون‪ :‬إن النسان ينبغي أن يمل على عاتقه هو ما كان يضعه على عاتق‬
‫)‪(55‬‬
‫ال من قبل‪ ،‬ويصبح هو ال!‬

‫ويلتقي بذه القيقة الزلية حقيقة مقابلة ف الفطرة‪ ..‬أن الفطرة البشرية تتجه إل‬
‫ع بادة ا ل‪ " :‬و‪É‬إ¼ذ‪Ý á‬أ خ‪É‬ذ‪ Ý‬ر‪åÉ‬ب ك‪ É‬م¼ ن‪É Ó‬ب ن¼ي آد‪ É‬م‪ É‬م¼ ن‪ Ó‬ظ‪ Ô‬ه»ور¼ه¼م‪ Ó‬ذ‪Ô‬ر×ي‪Ì‬ت‪É‬ه» م‪ Ó‬و‪É‬أ‪ Ý‬ش‪Ó‬ه‪É‬د‪É‬ه»م‪ Ó‬ع‪ É‬ل‪Ý‬ى ‪Ý‬أن‪Ó‬ف‪ Ô‬س¼ه¼م‬
‫)‪(56‬‬
‫أ‪ÝÝ‬لس‪Ó‬ت» ¼بر‪É‬ب×ك‪Ô‬م‪ Ó‬ق‪Ý‬ال‪Ô‬وا ‪É‬بل‪Ý‬ى ‪É‬شه¼د‪Ó‬ن‪É‬ا "‬

‫وتلك حقيقة علمية‪ ،‬تثبتها وقائع التاريخ‪..‬‬

‫النسان ف كل عصوره وكل أحواله يعبد ال‪ .‬ولكنه يهتدي تارة ويضل أخرى‪.‬‬
‫فيعبد ال على صفاء وصحة‪ ،‬أو يعبده ف صور منحرفة‪ ،‬أو يعبده ويشرك به آلة أخرى‪..‬‬

‫ولكنه ف كل حالة يعبد ال‪ ..‬الالق‪ ..‬الذي خلقه وخلق الكون والياة‪.‬‬

‫ول تتاج الفطرة إل من يوجهها إل عبادة ال‪ .‬فهي تعبده تلقائيا ‪ -‬ضالة أو‬
‫مهتدية ‪ -‬بل تدخل‪ .‬وإن كانت توقيعات متلفة من الكون ف الس البشري " توقظ "‬
‫الفطرة وتنبهها إل حقيقة ال‪.‬‬

‫العجز البشري‪ ،‬الذي يسه النسان ف أعماقه مهما وصل من القوة والقدرة‪.‬‬
‫العجز عن تقيق كل ما يريده النسان والسيطرة على كل ما يريد السيطرة عليه‪ .‬العجز‬
‫عن اللود‪ .‬العجز عن معرفة الغيب‪ .‬العجز على أن يكون النسان إلا‪ ،‬يقوم بذاته ول‬
‫يتاج إل مدد من خارجه‪ ..‬من غذاء أو كساء أو جنس!!‬

‫‪ ()55‬جوليان هكسلي‪ ،‬كتاب " النسان ف العال الديث " ]وغيه كثيون![‬
‫‪ ()56‬سورة العراف ]‪.[171‬‬

‫)‪(162‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫والروعة الت يسها النسان إزاء الكون‪ ..‬الكون الائل‪ ،‬والكون الدقيق‪ .‬الجرام‬
‫الروعة ف ضخامتها‪ ،‬والدقة العجزة ف تفصيلتا وجزئياتا وتنظيماتا ودورة أفلكها‪.‬‬

‫والوت‪ ..‬الذي يروع الس البشري ويلجئه للبحث عن واهب الياة‪.‬‬

‫ورو عة حدوث ال حداث‪ :‬الل يل والن هار‪ ،‬والز مان وال كان‪ ،‬وا لوت وال ياة‪،‬‬
‫والصحة والرض‪ ،‬والغن والفقر‪ ،‬واللذة والل والسعادة والشقاء‪ ..‬ال‬
‫)‪(57‬‬
‫كلها توقيعات يوقعها الكون على الس البشري‪ ،‬فتوقظ فطرته إل ال!‬

‫والسلم يقيم نظامه كله على هاتي القيقتي التقابلتي‪ :‬حقيقة وجود الالق‬
‫وحقيقة توجه الفطرة إليه‪.‬‬

‫فهو ينح النسان عقيدة ف ال‪ ،‬تلب فطرته التوجهة إل ال‪ ،‬وتصحح الفطرة‬
‫وتقومها من ضللا إن ضلت عن حقيقة ال‪ .‬عقيدة تلب حاجة النسان الفطرية إل ال‪.‬‬
‫وحاجت ها الفطر ية إ ل ع بادته‪ .‬وحاجت ها الفطر ية إ ل الت عرف ع لى مركز ها من ال ياة‬
‫والكون‪ ،‬وعلى حقيقة الصلة بينها وبي ال‪.‬‬

‫وعقيدة ‪ -‬من ناحية أخرى ‪ -‬تنظم حياة النسان‪ ،‬بقتضى عبوديته ل وحاكميه‬
‫ال له‪ ،‬فتجعل التشريع كله والنتظيم‪ ،‬مستمدا من العقيدة‪ ،‬مرتبطا با متعلقا بعبادة ال‪.‬‬
‫)‪(58‬‬

‫وعقيدة ‪ -‬من ناحية ثالثة ‪ -‬تعل التشريع والتنظيم متمشيا مع فطرة النسان‪ ،‬ف‬
‫الثبات والتغي على السواء! ومن ث تلتقي العقيدة بالفطرة ف كل اتاه‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والنظم الت خرجت على تلك القيقة الزلية‪ ،‬ماذا صنعت ببن النسان؟!‬

‫‪ ()57‬انظر فصل الدين والفطرة ف كتاب الدراسات‪.‬‬


‫‪ ()58‬انظر كتاب " هذا الدين " وكتاب " الستقبل لذا الدين "‪.‬‬

‫)‪(163‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫لقد صنعت بم شرورا كثية‪..‬‬

‫ا ستعبدتم بع ضهم لب عض‪ ..‬ف حدود " ا لوطن " الوا حد‪ ،‬و ف حدود ال عال‬
‫الكبي!‬

‫" فالطبقة الاكمة " كما تعترف الذاهب كلها‪ ،‬تشرع لنفسها ولصالها على‬
‫ح ساب بق ية الطب قات‪ .‬أي أ نا ت تأله ع لى ح ساب ا لخرين‪ ،‬وت ستعبد ا لخرين ل سابا‬
‫ألوانا من الستعباد‪.‬‬

‫و " الفرد الاكم " هو الطاغية ف كل أطوار التاريخ‪..‬‬

‫ذلك ف حدود " الوطن "‪ ..‬أما ف حدود العال الكبي‪ ،‬فأمة تستعبد أمة وتذيقها‬
‫العذاب‪ ،‬وهذه وتلك خارجتان على ال!‬

‫واستعبدتم لشهواتم‪ ..‬فحي ينفلت النسان من ضوابط العبادة القة ل تلكه‬


‫شهواته ونزواته‪ ،‬فيستعبد لا ويستذل‪.‬‬

‫وو ضعت لم نظ ما ل تلئم فطر تم ]ان ظر ألك سس كار يل[ ل نا قائ مة ع لى‬
‫الهل الطبق بقيقة النسان‪ .‬وكان من جراء هذه النظم هذا الفساد الذريع والشقاء الذي‬
‫يغشى وجه الرض‪..‬‬

‫ومزقتهم‪ ،‬بي حاجتهم الفطرية إل ال والعقيدة‪ ،‬وبي التنظيمات الضرورية لم‪،‬‬


‫لمنهم وراحت هم‪ ،‬وا لت ت ستمد ‪ -‬ف ح ياتم ‪ -‬من ع ند غ ي ا ل‪ .‬فتت ضارب الا جات‪،‬‬
‫وتتمزق الشاعر‪ ،‬ويدث النون والضطراب‪..‬‬
‫)‪(59‬‬
‫وف النهاية تدد ‪ -‬كما رأينا ف شهادة القرن العشرين ‪ -‬بتدمي البشرية!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪ ()59‬راجع كتاب " السلم ومشكلت الضارة " لسيد قطب‪.‬‬

‫)‪(164‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫والعقيدة ف ال أمر ثابت‪ ،‬لثبات القيقة الت ترتكن إليها‪ ،‬وهي وجود الالق‬
‫ووجود الخلوق‪.‬‬

‫ومن ث كانت العقيدة ‪ -‬كما أنزلا ال ‪ -‬ثابتة ف جيع أطوار التاريخ‪ .‬ل تتبدل‬
‫ول يطرأ عليها تغيي‪.‬‬

‫" ل‪Ý‬ق‪Ý‬د‪ Ó‬أ‪Ý‬ر‪Ó‬س‪á É‬لن‪É‬ا ن»وحا‪ š‬إ¼ل‪Ý‬ى ق‪Ý‬و‪Ó‬م¼ه¼ ف‪Ý‬ق‪Ý‬ال‪ Ý‬ي‪É‬ا ق‪Ý‬و‪Ó‬م¼ ا ‪Ó‬عب»د»وا الله‪ É‬م‪É‬ا ل‪Ô Ý‬كم‪ Ó‬م¼ن‪ Ó‬إ¼‪Ý‬له‪ Å‬غ‪Ý‬ي‪Ó‬ر»ه»‪ ...‬و‪É‬إ¼ل‪Ý‬ى‬
‫ع‪É‬اد‪Ý Å‬أخ‪É‬اه»م‪ Ó‬ه»ودا‪ š‬ق‪Ý‬ال‪ Ý‬ي‪É‬ا ق‪Ý‬و‪Ó‬م¼ ا ‪Ó‬عب»د»وا الله‪ É‬م‪É‬ا ل‪Ý‬ك‪Ô‬م‪ Ó‬م¼ن‪ Ó‬إ¼ل‪Ý‬ه‪ Å‬غ‪Ý‬ي‪Ó‬ر»ه‪ ..‬و‪É‬إ¼ل‪Ý‬ى ‪Ý‬ثم»ود‪ É‬أ‪Ý‬خ‪É‬اه»م‪ Ó‬ص‪É‬ال¼حا‬
‫ق‪Ý‬ال‪ Ý‬ي‪É‬ا ق‪Ý‬و‪Ó‬م¼ اع‪Ó‬ب»د»وا الله‪ É‬م‪É‬ا ل‪Ý‬ك‪Ô‬م‪ Ó‬م¼ن‪ Ó‬إ¼ل‪Ý‬ه‪Ý Å‬غي‪Ó‬ر»ه‪ ..‬و‪É‬إ¼ل‪Ý‬ى م‪É‬د‪Ó‬ي‪É‬ن‪Ý É‬أخ‪É‬اه»م‪ Ó‬ش»ع‪É‬ي‪Ó‬با‪ š‬ق‪Ý‬ال‪ Ý‬ي‪É‬ا ق‪Ý‬و‪Ó‬م¼ ا ‪Ó‬عب»د»وا‬
‫)‪(60‬‬
‫الله‪ É‬م‪É‬ا ل‪Ý‬ك‪Ô‬م‪ Ó‬م¼ن‪ Ó‬إ¼ل‪Ý‬ه‪ Å‬غ‪Ý‬ي‪Ó‬ر»ه‪" ...‬‬

‫دعوة واحدة على مدار التاريخ‪..‬‬

‫ولكن للعقيدة جانبها التطور على مدار التاريخ! جانب التشريع والتنظيم الذي‬
‫ينا سب در جة الن مو ا لت ت كون علي ها ال مة و قت الر سالة‪ .‬الن مو النف سي والجت ماعي‬
‫والعقلي‪..‬‬

‫وحي تبلغ البشرية رشدها تيئها العقيدة ف صورتا الخية الثابتة‪ ،‬وتمل هذه‬
‫العقيدة ف الوقت ذاته كل الرونة الطلوبة لتطورات الستقبل ]كما سيجيء بالتفصيل ف‬
‫ناية الفصل[‪ " :‬ا‪á‬لي‪É‬و‪Ó‬م‪ É‬أ‪Ý‬ك‪á‬م‪É‬ل‪á‬ت» ل‪Ý‬ك‪Ô‬م‪ Ó‬د¼ين‪É‬ك‪Ô‬م‪ Ó‬و‪É‬أ‪ÓÝ‬تم‪É‬م‪Ó‬ت» ع‪ÝÉ‬لي‪Ó‬ك‪Ô‬م‪¼ Ó‬نع‪Ó‬م‪É‬ت¼ي و‪É‬ر‪É‬ض¼يت» ل‪Ô Ý‬كم» ال‪á‬أ¼س‪Ó‬لم‬
‫)‪(61‬‬
‫د¼ينا‪" š‬‬

‫أما الذي يزعمه علم الجتماع الغرب من " تطور " العقيدة ف ال ذاتا‪ ،‬ليوحي‬
‫إياء خبيثا بأن العقيدة أمر بشري‪ ،‬ابتدعه البشر ف جهالتهم‪ ،‬وينبغي أن نتبأ منه ف عصر‬
‫النور )!(‪ ..‬أما هذا فمغالطة ل تثبت للتمحيص‬

‫إن الذي " تطور " ل يكن هو العقيدة ف ال‪ .‬إنا كان انراف العقيدة ف ال!‬

‫‪ ()60‬سورة العراف‪.‬‬
‫‪ ()61‬سورة الائدة ]‪.[3‬‬

‫)‪(165‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ح ي ع بدت الب شرية أبا ها‪ ،‬وع بدت ال طوطم‪ ،‬وع بدت ا لوثن‪ ،‬وع بدت قوى‬
‫الطبي عة الفر قة‪ ..‬كانت ف كل ذ لك تن حرف عن العق يدة ال صحيحة ف ا ل‪ ،‬وتت صوره‬
‫تصورات شت منحرفة‪ ،‬تتطور ف كل مرة مع تطور " العلومات " والتصورات البشرية‪،‬‬
‫والتشابكات الجتماعية والقتصادية والسياسية‪ ..‬ولكنها ل تكن ف شيء من ذلك تتبع‬
‫دين ال‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى فمن الثابت ف التاريخ ‪ -‬الذي أغفله علم الجتماع الغرب عن‬
‫عمد ‪ -‬أن البشرية ‪ -‬فيما بي انرافاتا التكررة " التطورة " ‪ -‬قد مرت بفترات فاءت‬
‫فيها إل العبادة الصحيحة ‪ -‬عن طريق الرسالت السماوية ‪ -‬قبل أن تعود مرة أخرى إل‬
‫النراف‪.‬‬

‫و من ث فإن " ت طور " الت صورات النحر فة يف قد دلل ته ا لت يل صقها با ع لم‬
‫الجتماع الغرب‪ .‬فهو ليس دليل على أن الدين قد ابتدعه البشر ول ينله ال‪ ،‬وليس دليل‬
‫كذلك على أن العقيدة ف ال عنصر متطور‪ ،‬ييء عليه وقت يزول من النفوس بكم "‬
‫التطور "‪ ..‬وتستبدل به عبادة أخرى‪ ،‬أو ل عبادة على الطلق!‬

‫بل إن هذه النرافات " التطورة " لتعطي دللة عكسية لا يقوله علم الجتماع‬
‫الذي أبدعته الشياطي!‬

‫إنا تعطي دللة ثبات العقيدة! ففي جيع الجيال‪ ،‬وعلى جيع الستويات توجد‬
‫عقيدة ف ال!! تتدي أو تضل‪ ،‬وتأخذ صورا‪ š‬شت‪ ،‬ولكنها ف النهاية عقيدة ف ال! فهي‬
‫إذن عنصر ثابت ف كيان النسان!‬

‫والقرن العشرون‪ ،‬أو " علماؤه " من الشياطي‪ ،‬ل يستطيعون أن يأخذوا من هذه‬
‫النرافات التوجيه الذي يريدونه‪ ،‬وهو أن الناس ف القرن العشرين أحرار ف أل يعبدوا‬
‫ال! وأن الروج من عبادة ال ظاهرة " بشرية " آن أوانا ف القرن العشرين!‬

‫كل! إن ما أثبتته الفطرة ف مئات اللوف من السني‪ ..‬ل يلغيه الواقع النحرف‬
‫لبعض الشياطي ف القرن العشرين‪ ،‬من فسدت فطرتم فارتكسوا إل ما دون مستوى‬
‫الدميي!‬

‫)‪(166‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫" اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة "‪.‬‬

‫ينتقل القرآن بعد ذلك إل القضية التالية‪ ،‬بعد قضية ربوبية الالق وعبادة العباد‪.‬‬

‫" خلقكم من نفس واحدة "‪.‬‬

‫تلك القيقة الثابتة ل تغيها التطورات القتصادية والجتماعية والسياسية‪ ،‬ول‬


‫التطور ف أساليب النتاج! إن شيئا من ذلك كله ل يقول إن النسان يرجع ف تاريه إل‬
‫أصول متعددة‪.‬‬

‫حت التفسي اليوان للنسان ‪ -‬تفسي دارون ‪ -‬ل يقل إن هناك أصول متعددة‬
‫للجنس البشري‪ .‬وإنا هو أصل واحد مشترك ف ناية الطاف‪.‬‬

‫ولكن تلك القيقة الثابتة تعطي كثيا‪ š‬من العط‪Ý‬يات‪.‬‬

‫إن وحدة البشرية وأخ̂وتا حقيقة علمية‪ .‬تترتب عليها أمور خطية ف علقات‬
‫الناس بعضهم بعض‪ ..‬أمور تغفلها النظم " البشرية " كلها‪ ،‬ويذكرها السلم‪.‬‬

‫ول نعود إل النظم السالفة‪ ،‬الت جعلت من الناس قوما منبوذين ل حقوق لم‪،‬‬
‫ول كيان‪ ،‬ول " آدمية "‪ ..‬إنا نتحدث عن النظم " التحضرة " الراقية ف القرن العشرين!‬

‫كيف تبدو أخ̂وة البشرية ووحدتا ف ظل " التفرقة العنصرية " الت تشوه وجه‬
‫الرض ف القرن العشرين‪ ،‬ف أمريكا التحضرة‪ ،‬وانلترا ]ف جنوب أفريقيا[ وغيها من‬
‫بلد ال؟!‬

‫كيف تبدو هذه القيقة الثابتة ف ظل النظم الت استكبت عن عبادة ال وقالت‬
‫إتا شبت عن الطوق‪ ،‬ول تعد ف حاجة إل وصاية ال أو وصاية الرسل والنبياء‪ ..‬لنا‬
‫تعيش ف عصر " العلم " و " التقدم " و " الدنية "؟!‬

‫)‪(167‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫كيف هي حي يسك البيض " التحضرون " بشاب زني ذنبه أنه أسود اللون‪،‬‬
‫في ضربونه ويرك لونه حت ا لوت‪ ،‬ويعل قونه ف فروع ال شجر ز يادة ف التنك يل‪ ،‬ور جل‬
‫البوليس البيض واقف ينظر ول يتدخل حت ينتهي الرم البشع الشنيع!‬

‫تلك هي الضارة! الضارة الراقية الت تستكب على الدين‪ .‬وتنظر إل العقيدة ف‬
‫ال على أنا رجعية وتأخر وانطاط!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والسلم قد راعى هذه القيقة الثابتة ف تشريعاته وتوجيهاته‪:‬‬

‫" و‪É‬ج‪É‬ع‪É‬ل‪á‬ن‪É‬اك‪Ô‬م‪ Ó‬ش»ع»وبا‪ š‬و‪ÝÉ‬قب‪É‬ائ¼ل‪ Ý‬ل¼‪É‬تع‪É‬ار‪É‬ف‪Ô‬وا ‪-‬إن¶ ‪µ‬أك‪š‬ر*م*́كم' ع‪-‬ن'د* الل¶ه‪ -‬أ‪µ‬ت'ق‪µ‬ا́كم' " )‪ .(62‬ول يقل‬
‫أبيضكم‪ .‬ول أكثركم " حضارة! " من ذلك النوع الذي يبيح قتل اللوني لنم ملونون‪،‬‬
‫وي ثور ثورة هج ية ح ي تأمر الدو لة بإع طاء أ حدهم حق التعل يم ف مدار سهم و هو من‬
‫أبسط حقوق " النسان "!‬
‫)‪(63‬‬
‫" ل فضل لعرب على عجمي إل بالتقوى "‬

‫" اسعوا وأطيعوا‪ ،‬ولو استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة‪ ،‬ما أقام فيكم‬
‫)‪(64‬‬
‫كتاب ال تبارك وتعال "‬

‫وراعاها ف واقعه التاريي‪ .‬فبلل البشي السود هو مؤذن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم الذي يظهر على ظهر الكعبة فيؤذن يوم الفتح‪ ،‬وهي الت يعظمها العرب ف‬
‫الاهلية والسلم‪ .‬وعمار وابن مسعود كذلك ها اللذان يمع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم بينهما وبي أب بكر وعمر ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬ف حديث واحد ف شأن واحد‬

‫‪ ()62‬سورة الجرات ]‪.[13‬‬


‫‪ ()63‬أخرجه الطبي‪.‬‬
‫‪ ()64‬رواه البخاري‪.‬‬

‫)‪(168‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫فيقول‪ " :‬إ ن ل أدري ما بقائي في كم فاق تدوا بال لذين من بعدي ‪ -‬وأ شار إ ل أ ب ب كر‬
‫)‪(65‬‬
‫وعمر ‪ -‬واهتدوا بدي عمار‪ ،‬وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه "‬

‫وراعا ها مع غ ي ال سلمي‪ ،‬ل نا حقي قة ل تتع لق بو جود ال سملي‪ ،‬وإ نا تتع لق‬
‫بوجود " الناس "‪ " " :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة "‪ .‬فعامل‬
‫ال ناس جي عا‪ š‬ع لى أ ساس إن سانيتهم الطلقة ما داموا ل يف سدون ف ا لرض ول ياربون‬
‫السلمي ول يفتنونم ف دينهم‪ " :‬ل ‪É‬ين‪ Ó‬ه‪É‬ا ‪Ô‬كم» الل ه» ع‪ É‬ن¼ ال ذ¼ين‪ É‬ل‪ Ý‬م‪ Ó‬ي» ق‪Ý‬ات¼ل‪Ô‬وك‪Ô‬م‪ Ó‬ف¼ي الد×ين¼ و‪É‬ل‪Ý‬م‬
‫)‪(66‬‬
‫»يخ‪Ó‬ر¼ج»وك‪Ô‬م‪ Ó‬م¼ن‪ Ó‬د¼ي‪É‬ار¼ك‪Ô‬م‪ Ó‬أ‪Ý‬ن‪É á‬تب‪É‬ر‪å‬وه»م‪ Ó‬و‪É‬ت»ق‪á‬س¼ط‪Ô‬وا إ¼ل‪ÓÝ‬يه¼م‪ Ó‬إ¼ن الله‪» É‬يح¼ب‪ å‬ال‪á‬م»ق‪á‬س¼ط¼ي‪" É‬‬

‫بل راعاها ف الرب مع الذين يقاتلونه ف الدين! فكانت تلك العاملة النسانية‬
‫الكرية الت ل يعرفها التاريخ ف غي حروب السلمي!‬

‫وا لذين ل يؤم نون بال ول ير يدون أن يكو نوا م سلمي ف كل ا لرض‪ ،‬لعل هم‬
‫ي ستنبطون شيئا من التف سي ا لادي للتار يخ‪ ،‬أو التف سي ال يوان للن سان يبرون به‬
‫وحشياتم ف السلم والرب‪ ،‬ف الضطهاد العنصري والقتل والتدمي على نطاق واسع‪،‬‬
‫و ف و سائل الت عذيب الوح شي ا لت ي ستخدمها الط غاة من ح كامهم لي سندوا أ لوهيتهم‬
‫الزائفة‪ ..‬ف عصر " الرية " و " التقدم " والستكبار عن عبادة ال!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وقد انعكس هذا الفهوم السلمي عن وحدة البشرية وأخوتا ف مموعة من‬
‫التشريعات والتوجيهات والتقاليد‪ ،‬ل يكن لا مثيل ف تاريخ المم الخرى كلها‪ ،‬خارج‬
‫نطاق السلم‪.‬‬

‫ف قد انب ثق من هذا الف هوم بادئ ذي بدء أن ي كون ال سلم هو القا عدة ا لول‬
‫للبشرية‪ .‬فهذا هو الذي يتناسب مع أبناء " النفس الواحدة "‪ " :‬ي‪É‬ا أ‪åÝ‬يه‪É‬ا الذ¼ين‪ É‬آم‪É‬ن»وا اد‪Ó‬خ»ل‪Ô‬وا‬

‫‪ ()65‬أخرجه الترمذي‪.‬‬
‫‪ ()66‬سورة المتحنة ]‪.[8‬‬

‫)‪(169‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ف¼ي ال س×ل‪á‬م¼ ك‪Ý‬اف ‪š‬ة " )‪ " .(67‬و‪É‬إ¼ ن‪É á‬جن‪ É‬ح»وا ل¼ل س‪á Ì‬لم¼ ف‪Ý‬ا ‪Ó‬جن‪É‬ح‪ Ó‬ل‪ Ý‬ه‪É‬ا و‪ É‬ت‪É‬و‪É‬كل‪ á‬ع‪ É‬ل‪Ý‬ى الل ه¼ " )‪ (68‬فا لمر‬
‫ا لول موجه إ ل الؤمني ليدخلوا ف ال سلم كافة‪ ،‬ذ لك بأن ي سلموا أنف سهم كلها ل‪،‬‬
‫فيسود السلم بينهم وبي فطرتم‪ ،‬وبينهم وبي الكون من حولم‪ ،‬وبي بعضهم وبعض‪،‬‬
‫وبذلك يصبحون المة الراشدة الت تشرف على بقية البشرية‪ " :‬و‪ É‬ك‪Ý‬ذ‪¼Ý‬لك‪É É‬جع‪É‬ل‪ á‬ن‪É‬اك‪Ô‬م‪ Ó‬أ‪ Ô‬م‪Ì‬ة‬
‫و‪É‬س‪É‬طا‪¼ š‬لت‪É‬ك‪Ô‬ون»وا ش»ه‪É‬د‪É‬اء‪ ë‬ع‪É‬ل‪Ý‬ى الن‪Ì‬اس¼ و‪ÉÉ‬يك‪Ô‬ون‪ Ý‬الر‪Ì‬س»ول‪ Ô‬ع‪ÝÉ‬لي‪Ó‬ك‪Ô‬م‪ Ó‬ش‪É‬ه¼يدا‪ (69) " š‬المة الت تعل من‬
‫نفسها الثال الذي تترسه البشرية‪ ،‬فأول با أن تكون ترجة صادقة لفهوم القرآن‪ ،‬وتكون‬
‫خالصة ل‪ .‬والمر الثان يدد العلقة بي هذه المة الؤمنة وغيها من الناس‪ .‬فإن جنحوا‬
‫للسلم‪ ،‬إن امتنعوا عن العدوان‪ ،‬وأطلقوا الرية للدعوة إل ال بينهم‪ ،‬تاركي الناس لرية‬
‫اقت ناعهم‪ ،‬فا لمر للم سلمي أن ين حوا هم كذلك لل سلم‪ ،‬و قد باتت ا لبواب مفتو حة‬
‫أ مامهم لزاو لة ا لدعوة إ ل د ين ا ل ف ا لرض‪ ،‬بل حاجز من سلطة تول بين هم وب ي‬
‫الناس‪ ،‬وإقامة نظام ال ف الرض بل مانع من سلطة تول بينهم وبي إقامة شريعة ال‪،‬‬
‫ليسود السلم كل الرض‪ ،‬تقيقا‪ š‬لخوة البشرية ف صدورها من " نفس واحدة "‪ .‬فأما‬
‫حي يقع العدوان على دعوة ال أو على السلمي‪ ،‬أو على النظام السلمي‪ ،‬ف صورة من‬
‫صور العدوان‪ ،‬سواء بالوقوف ف وجه الدعوة‪ ،‬أو ماربة النظام القائم على شريعة ال‪ ،‬أو‬
‫فتنة السلمي عن دينهم‪ ،‬فالرب تقع لرد العدوان الظال‪ " :‬و‪É‬ق‪Ý‬ات¼ل‪Ô‬وا ف¼ي س‪É‬ب¼يل¼ الله¼ ال ذ¼ين‬
‫»ي ق‪Ý‬ات¼ل‪Ô‬و‪É‬نك‪Ô‬م‪ Ó‬و‪É‬ل ت‪É‬ع‪ Ó‬ت‪É‬د»وا إ¼ن الل ه‪ É‬ل »يح¼ ب‪ å‬ال‪á‬م»ع‪ Ó‬ت‪É‬د¼ين‪ " (70) " É‬ف‪Ý‬إ¼ن¼ ا‪Ó‬نت‪ É‬ه‪É‬و‪Ó‬ا ف‪Ý‬ل ع»د‪Ó‬و‪É‬ان‪ Ý‬إ¼لا ع‪ É‬ل‪Ý‬ى‬
‫الظا¼لم¼ي‪.(71) " É‬‬

‫وانبثق عن هذا الفهوم كذلك أنه " ل إ¼ك‪á‬ر‪É‬اه‪ É‬ف¼ي الد×ين¼ " )‪ .(72‬حقيقة إن السلم‬
‫هو الدى‪ .‬وال سلمون هم المة الهتد ية الرا شدة‪ .‬ول كن ل يس لم مع ذ لك أن ي»كر هوا‬
‫إخوتم ف البشرية على اتباع دين الق! إنا عليهم أن يدعوهم إل الدى‪ ..‬دعوة بالت‬
‫)‪(73‬‬
‫هي أحسن‪ .‬كما يليق بالخوة‪ " :‬اد‪Ó‬ع» إ¼ل‪Ý‬ى س‪É‬ب¼يل¼ ر‪É‬ب×ك‪ É‬ب¼ا‪á‬لح¼ك‪á‬م‪É‬ة¼ و‪É‬ال‪á‬م‪É‬و‪Ó‬ع¼ظ‪Ý‬ة¼ ال‪á‬ح‪É‬س‪É‬ن‪¼ É‬ة "‬

‫‪ ()67‬سورة البقرة ]‪.[208‬‬


‫‪ ()68‬سورة النفال ]‪.[61‬‬
‫‪ ()69‬سورة البقرة ]‪.[143‬‬
‫‪ ()70‬سورة البقرة ]‪.[190‬‬
‫‪ ()71‬سورة البقرة ]‪.[193‬‬
‫‪ ()72‬سورة البقرة ]‪.[256‬‬
‫‪ ()73‬سورة النحل ]‪.[125‬‬

‫)‪(170‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫" و‪ É‬ج‪É‬اد¼ل‪á‬ه»م‪ Ó‬ب¼الت¼ي ه¼ ي‪ É‬أ‪Ó Ý‬ح س‪É‬ن» " )‪ .(74‬وإ نا ت قع ا لرب ف ا لدعوة ل لكراه ال ناس ع لى‬
‫الدين‪ ،‬فالمر صريح بأنه ل إكراه ف الدين‪ .‬ولكن لزالة القوى الظالة الت تجب الدى‬
‫عن الناس‪ .‬فإن جنحت تلك القوى الظالة العتدية إل السلم وأبدت أنا ل تقف ف سبيل‬
‫الدعوة إل ال الق‪ ،‬فل حرب ول عدوان‪.‬‬

‫وانبثق عنه أن تكون العلقة بي الؤمني وأصحاب الديانات الخرى هي علقة‬


‫ا لودة‪ " :‬و‪É‬ط‪ Ý‬ع‪É‬ام» ال ذ¼ين‪ É‬أ‪Ô‬و ت»وا ا‪á‬لك¼ ت‪É‬اب‪ É‬ح¼ ل‪Ý ì‬لك‪ Ô‬م‪ Ó‬و‪É‬ط‪ Ý‬ع‪É‬ام»ك‪Ô‬م‪¼ Ó‬ح ل‪Ý ì‬له» م‪ Ó‬و‪É‬ا‪á‬لم»ح‪ Ó‬ص‪É‬ن‪É‬ات» م¼ن‬
‫ا‪á‬لم»ؤ‪Ó‬م¼ ن‪É‬ات¼ و‪É‬ال‪» á‬مح‪ Ó‬ص‪É‬ن‪É‬ات» م¼ ن‪ É‬ال ذ¼ي ‪É‬ن أ‪Ô‬و ت»وا ا‪á‬لك¼ ت‪É‬اب‪ É‬م¼ ن‪Ý Ó‬قب‪Ó‬ل¼ك‪ Ô‬م‪ .(75) " Ó‬ف هي عل قة الؤاك لة‬
‫والتزاور والتزاوج‪ ..‬وهي أوثق العلقات‪.‬‬

‫ث انبثق عنها أن يقوم العدل بي البشر على أساس إنسانيتهم وحدها‪ .‬بصرف‬
‫النظر عن أي اعتبار آخر‪ ..‬ولو كان هذا العتبار هو العداوة للمؤمني! ففي وسط الرب‬
‫البي ثة ا لت كان ي شنها الي هود ع لى ال سلم ف م هده‪ ،‬ياولون زلز لة ا لؤمني واقتلع‬
‫العقيدة الديدة من جذورها قبل أن ترسخ ف الرض‪ ،‬والدس والكيد ونشر الراجيف‪،‬‬
‫وتشكيك الناس بعضهم ف بعض‪ ،‬وإيذاء السلمي والسلمات ف أعرضهم‪ ..‬بالضافة إل‬
‫الرب الرسية الت تستخدم فيها أدوات القتال‪ ،‬مع الغدر ف هذه الرب ونقض الواثيق‬
‫وانت هاك الر مات‪ ..‬ف و سط كل ذ لك ل يق بل ال سلم عدوانا‪ š‬و قع ع لى وا حد من‬
‫اليهود‪ ،‬إذ ر»م¼ ي‪ É‬بتهمة ظالة وكاد ي كم عل يه من أجلها‪ ،‬فيتنل ا لوحي بتبئته ف هذه‬
‫اليات البينات‪ " :‬إ¼ن‪Ì‬ا أ‪Ý‬نز‪É‬ل‪á‬ن‪É‬ا إ¼‪Ý‬لي‪Ó‬ك‪ É‬ال‪¼ á‬كت‪É‬اب‪ É‬ب¼ا‪á‬لح‪É‬ق× ل¼‪É‬تح‪Ó‬ك‪Ô‬م‪É É‬بي‪Ó‬ن‪ É‬الن‪Ì‬اس¼ ¼بم‪É‬ا أ‪Ý‬ر‪É‬اك‪ É‬الل¿ه» و‪É‬ل‪ Ý‬ت‪É‬ك‪Ô‬ن‬
‫ل‪á Ø‬لخ‪É‬آ¼ئن¼ي‪É É‬خص¼يم‪í‬ا‪ ،‬و‪É‬اس‪Ó‬ت‪É‬غ‪Ó‬ف¼ر¼ الل¿ه¼ إ¼ن الل¿ه‪ É‬ك‪Ý‬ان‪ Ý‬غ‪Ý‬ف‪Ô‬ور‪í‬ا ر‪Ì‬ح¼يم‪í‬ا‪ ،‬و‪É‬ل‪ Ý‬ت»ج‪É‬اد¼ل‪ á‬ع‪É‬ن¼ الذ¼ين‪É É‬يخ‪Ó‬ت‪É‬ان»ون‬
‫أ‪Ý‬نف‪Ô‬س‪É‬ه»م‪ Ó‬إ¼ن ال¿له‪ É‬ل‪ Ý‬ي»ح¼ب‪ å‬م‪É‬ن ك‪Ý‬ان‪É Ý‬خو‪Ì‬ان‪í‬ا أ‪Ý‬ث¼يم‪í‬ا‪É ،‬يس‪Ó‬ت‪É‬خ‪Ó‬ف‪Ô‬ون‪ Ý‬م¼ن‪ É‬الن‪Ì‬اس¼ و‪É‬ل‪É Ý‬يس‪Ó‬ت‪É‬خ‪Ó‬ف‪Ô‬ون‪ Ý‬م¼ن‪ É‬الل¿ه‬
‫و‪ É‬ه»و‪ É‬م‪É‬ع‪É‬ه» م‪ Ó‬إ¼ذ‪ á‬ي»‪É‬بي× ت»ون‪ Ý‬م‪É‬ا ل‪ Ý‬ي‪É‬ر‪ Ó‬ض‪É‬ى م¼ ن‪ É‬ال‪ á‬ق‪Ý‬و‪Ó‬ل¼ و‪ É‬ك‪Ý‬ان‪ Ý‬ال¿ل ه» ¼ب م‪É‬ا ‪É‬يع‪Ó‬م‪ É‬ل‪Ô‬ون‪ Ý‬م»ح¼ي ط‪š‬ا‪ ،‬ه‪É‬اأ‪Ý‬نت»م‬
‫ه‪É‬ـؤ»لء ج‪É‬اد‪É‬ل‪á‬ت»م‪ Ó‬ع‪É‬ن‪Ó‬ه» م‪ Ó‬ف¼ي ا‪á‬لح‪ É‬ي‪É‬اة¼ الد‪Óå‬ني‪É‬ا ف‪ Ý‬م‪É‬ن ي» ج‪É‬اد¼ل‪ Ô‬الل¿ ه‪ É‬ع‪ÓÉ‬نه» م‪ Ó‬ي‪É‬و‪Ó‬م‪ É‬ا‪á‬لق¼ي‪É‬ا م‪É‬ة¼ أ‪Ý‬م م‪Ì‬ن ي‪ É‬ك‪Ô‬ون‬
‫ع‪ÝÉ‬لي‪Ó‬ه¼ م‪ Ó‬و‪É‬ك¼يل‪ ،š‬و‪ É‬م‪É‬ن ‪É‬يع‪Ó‬م‪ É‬ل‪ á‬س»وء‪é‬ا أ‪Ý‬و‪ Ó‬ي‪É‬ظ‪¼á‬ل م‪É Ó‬نف‪ á‬س‪É‬ه» ث‪ Ô‬م‪ Ì‬ي‪ É‬س‪Ó‬ت‪É‬غ‪Ó‬ف¼ر¼ الل¿ ه‪É É‬ي ج¼د¼ ال¿ل ه‪ É‬غ‪ Ý‬ف‪Ô‬ور‪í‬ا ر‪Ì‬ح¼ي م‪í‬ا‪،‬‬
‫و‪É‬م‪É‬ن ي‪É‬ك‪á‬س¼ب‪¼ Ó‬إث‪á‬م‪í‬ا ف‪¼Ý‬إن‪Ì‬م‪É‬ا ‪É‬يك‪á‬س¼ب»ه» ع‪É‬ل‪Ý‬ى ‪É‬نف‪á‬س¼ه¼ و‪É‬ك‪Ý‬ان‪ Ý‬الل¿ه» ع‪É‬ل¼يم‪í‬ا ح‪É‬ك¼يم‪í‬ا‪ ،‬و‪É‬م‪É‬ن ‪É‬يك‪á‬س¼ب‪ Ó‬خ‪É‬ط¼يئ‪Ý‬ة‬
‫أ‪Ý‬و‪ Ó‬إ¼‪á‬ث م‪í‬ا ‪Ô‬ث م‪É Ì‬ير‪ Ó‬م¼ ¼ب ه¼ ب‪É‬ر¼يئ‪š‬ا ف‪ Ý‬ق‪Ý‬د¼ ا ‪Ó‬حت‪É‬م‪ É‬ل‪» Ý‬به‪Ó‬ت‪É‬ا ن‪í‬ا و‪É‬إ¼‪á‬ث م‪í‬ا م‪å‬ب¼ي ن‪í‬ا‪ ،‬و‪ É‬ل‪Ý‬و‪Ó‬ل‪ Ý‬ف‪ Ý‬ض‪Ó‬ل‪ Ô‬الل¿ ه¼ ع‪É‬ل‪Ý‬ي‪ Ó‬ك‪ É‬و‪É‬ر‪Ó É‬حم‪É‬ت»ه‬
‫ل‪Ý‬ه‪É‬م‪Ì‬ت طآئ¼ف‪Ý‬ة‪ ê‬م‪å‬ن‪Ó‬ه»م‪ Ó‬أ‪Ý‬ن ي»ض¼ل‪î‬وك‪ É‬و‪É‬م‪É‬ا ي»ض¼ل‪î‬ون‪ Ý‬إ¼ل‪ î‬أ‪Ý‬نف‪Ô‬س‪É‬ه»م‪ Ó‬و‪É‬م‪É‬ا ي‪É‬ض»ر‪å‬ون‪É‬ك‪ É‬م¼ن ش‪É‬ي‪Ó‬ء‪ Å‬و‪É‬أ‪Ý‬نز‪É‬ل‪ Ý‬الل¿ه‬
‫حك‪á‬م‪É‬ة‪ Ý‬و‪É‬ع‪É‬لم‪ É‬ك‪ É‬م‪É‬ا ل‪Ý‬م‪É Ó‬تك‪Ô‬ن‪ Ó‬ت‪É‬ع‪Ó‬ل‪Ý‬م» و‪É‬ك‪Ý‬ان‪Ý Ý‬فض‪Ó‬ل‪ Ô‬ال¿له¼ ع‪ÝÉ‬لي‪Ó‬ك‪ É‬ع‪É‬ظ¼يم‪í‬ا " )‪.(76‬‬ ‫ع‪ÝÉ‬لي‪Ó‬ك‪ É‬ال‪¼ á‬كت‪É‬اب‪ É‬و‪É‬ال‪¼ á‬‬

‫‪ ()74‬سورة النحل ]‪.[125‬‬


‫‪ ()75‬سورة الائدة ]‪.[5‬‬
‫‪ ()76‬سورة النساء ]‪.[113 - 105‬‬

‫)‪(171‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫و قد نز لت هذه ال يات الت سع بذا التف صيل والب يان والتوك يد ال شديد ال كرر‪ ،‬لتح مي‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم من الكم على هذا اليهودي البيء الذي كانت القرائن ‪-‬‬
‫الظاهرة ‪ -‬كلها تتهمه‪ ،‬وكان الق أنه بريء من التام! ووضع السلم بذلك ف عال‬
‫الواقع هذا البدأ النسان الالد‪ ..‬الذي ل يوجد قط بذه الصورة ف غي السلم!‬

‫*́كم و‪É‬ل ‪É‬ت ن‪É‬اب‪É‬ز»وا ب¼ا‪á‬لأ‪Ý‬ل‪ á‬ق‪Ý‬اب¼ "‬


‫ث كانت هذه التوجيهات العامة‪ " :‬و‪É‬ل ت‪á É‬ل م¼ز»وا أ‪µ‬ن'́ف س ‪Ó‬‬
‫)‪ " .(77‬م¼ ن‪ Ó‬أ‪Ý‬ج‪ Ó‬ل¼ ذ‪Ý‬ل¼ ك‪ É‬ك‪ÉÝ‬تب‪ Ó‬ن‪É‬ا ع‪ É‬ل‪Ý‬ى ‪É‬ب ن¼ي إ¼ س‪Ó‬رائي ‪Ý‬ل ‪Ý‬أن‪ Ì‬ه» م‪ É‬ن‪Ý Ó‬قت‪ É‬ل‪ Ý‬ن‪É‬ف‪á‬سا‪ š‬ب¼غ‪ É‬ي‪Ó‬ر¼ ‪É‬نف‪ á‬س‪ Å‬أ‪Ý‬و‪Ý Ó‬ف س‪É‬اد‪ Å‬ف¼ي‬
‫ا‪á‬لأ‪Ý‬ر‪ Ó‬ض¼ ف‪Ý Ý‬كأ‪Ý‬ن‪ Ì‬م‪É‬ا ق‪ÉÝ‬ت ل‪ Ý‬الن‪Ì‬ا س‪ É‬ج‪É‬م¼ي عا‪ š‬و‪É‬م‪ É‬ن‪ Ó‬أ‪Ó Ý‬حي‪É‬ا ه‪É‬ا ‪Ý‬فك‪Ý‬أ‪Ý‬ن‪ Ì‬م‪É‬ا أ‪Ó Ý‬ح ي‪É‬ا الن‪Ì‬ا س‪ É‬ج‪É‬م¼ي عا‪] (78) " š‬و هو‬
‫مكتوب على المة السلمة كذلك[ " و‪É‬ل ي‪É‬ج‪Ó‬ر¼م‪É‬ن‪Ì‬ك‪Ô‬م‪ Ó‬ش‪É‬ن‪É‬آن‪ Ô‬ق‪Ý‬و‪Ó‬م‪ Å‬ع‪É‬ل‪Ý‬ى أ‪Ý‬لا ت‪É‬ع‪Ó‬د¼ل‪Ô‬وا اع‪Ó‬د¼ل‪Ô‬وا ه»و‬
‫‪Ý‬أق‪á‬ر‪É‬ب» ل¼لت‪Ì‬ق‪á‬و‪É‬ى " )‪.(79‬‬

‫هكذا‪ ..‬إنسانية على التساع! ف السلم وف الرب سواء‪ .‬ف الب وف الكره‬
‫سواء!‬

‫و كان هذا ف ن ظر ال سلم عن صرا‪ š‬ثاب تا ف ح ياة الب شرية‪ ،‬ل تقل به ال ظروف‬
‫وا لهواء‪ ،‬لنه ليس نابعا‪ š‬من ال ظروف‪ ،‬وإنا ينبع من حقيقة ثابتة ل تغيها تطورات "‬
‫النتاج " ول أحداث التاريخ!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والقضية الثالثة هي قضية العلقة بي النسي‪ ..‬وهي من أخطر قضايا البشرية‪.‬‬

‫" خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها "‪.‬‬

‫إن الزوج ي ‪ -‬الر جل وا لرأة ‪ -‬من " نفس " وا حدة‪ .‬وال شارة إ ل الن فس ه نا‬
‫ذات دللة ل تفى‪ .‬إن الشاركة ليست ف " النوع النسان " فقط‪ .‬ولكنها أخ صˆ من‬
‫ذلك كثيا‪ .‬إنا الشاركة ف " النفس "‪ ..‬النفس الواحدة‪ .‬ومن ث يتشاركان ف الكيان‬

‫‪ ()77‬سورة الجرات ]‪.[11‬‬


‫‪ ()78‬سورة الائدة ]‪.[32‬‬
‫‪ ()79‬سورة الائدة ]‪.[8‬‬

‫)‪(172‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫النسان الداخلي‪ ،‬الذي تشي إليه لفظة " النفس " كما يتشاركان ف الطار الارجي‬
‫للنسان‪ " ..‬ف‪Ý‬اس‪ÉÓ‬تج‪É‬اب‪Ý É‬له»م‪ Ó‬ر‪åÉ‬به»م‪ Ó‬أ‪Ý‬ن×ي ل أ‪Ô‬ض¼يع» ع‪É‬م‪É‬ل‪ Ý‬ع‪É‬ام¼ل‪ Å‬م¼ن‪Ô Ó‬كم‪ Ó‬م¼ن‪ Ó‬ذ‪Ý‬ك‪Ý‬ر‪ Å‬أ‪Ý‬و‪ Ó‬أ‪Ô‬ن‪Ó‬ث‪Ý‬ى *بع'ض(́كم‬
‫م‪-‬ن' ب*ع'ض· " )‪ ...(80‬متداخلي متزجي ل يتميزان من حيث الكيان النسان للنسان!‬

‫و هذه القيقة الول ية ا لت و ضعها ال سلم بذه الصورة‪ ،‬ور تب عليها ما يت فق‬
‫معها من تشريعات‪ ،‬ل تفيء إليها البشرية خارج نطاق السلم إل بعد فترة طويلة جدا‪..‬‬
‫وبعد صراعات مدمرة‪ ،‬حطمت السرة والتمع ف الغرب‪ ،‬وحطمت الخلق والتقاليد‪،‬‬
‫وأدت إ ل ت لك الفو ضى الن سية الب شعة ا لت ردت الن سان حيوا نا‪ š‬يرت كس ف سعار‬
‫منون‪ .‬بينما السلم قد أعطاها للمرأة تكريا‪ š‬وكرما‪ ،‬مع الافظة الكاملة على كيانا‪،‬‬
‫وكيان الرجل معها‪ ،‬وكيان السرة والتمع‪ ..‬وذلك هو الفرق بي دين ال ودين البشر‬
‫الذين يشرعون لنفسهم‪ ،‬ويزعمون لنفسهم حقوق الله!‬

‫ل قد ر تب ال سلم ع لى هذه ال شاركة ف الن فس الوا حدة‪ ،‬نتائج ها الطبيع ية‪،‬‬


‫فأعطى الرأة حق اللك والتصرف والكسب والعمل والتعليم‪ ،‬والزواج وطلب الطلق‪،‬‬
‫والادلة عن نفسها والنافحة عن حقوقها‪ ..‬وهي مصونة الخلق‪ ،‬تقوم بذه المور كلها‬
‫ع لى م ستوى " الن سان " الرا شد العا بد النظ يف‪ ،‬ل ع لى م ستوى ال يوان النف لت من‬
‫القيد‪ ،‬ول الشيطان القاعد للفتنة والغراء‪ " :‬ل¼لر×ج‪É‬ال¼ ن‪É‬ص¼يب‪ ä‬م¼م‪Ì‬ا اك‪á‬ت‪É‬س‪É‬ب»وا و‪É‬ل¼لن×س‪É‬اء¼ ‪É‬نص¼يب‬
‫م¼م‪Ì‬ا اك‪Éá‬تس‪É‬ب‪Ó‬ن‪ " (81) " É‬ي‪É‬ا أ‪åÝ‬يه‪É‬ا الذ¼ين‪ É‬آم‪É‬ن»وا ل ‪É‬يح¼ل‪ î‬ل‪Ý‬ك‪Ô‬م‪Ý Ó‬أن‪ á‬ت‪É‬ر¼ث‪Ô‬وا الن×س‪É‬اء‪ ë‬ك‪Ý‬ر‪Ó‬ها‪ š‬و‪É‬ل ‪É‬تع‪Ó‬ض»ل‪Ô‬وه»ن‬
‫¼لت‪É‬ذ‪É á‬هب»وا ¼بب‪É‬ع‪Ó‬ض¼ م‪É‬ا آت‪É‬ي‪»Ó‬تم»وه»ن‪ Ì‬إ¼لا أ‪Ý‬ن‪ á‬ي‪É‬أ‪á‬ت¼ي‪ É‬ب¼ف‪Ý‬اح¼ش‪Å É‬ة م»‪É‬بي×ن‪É‬ة‪ Å‬و‪É‬ع‪É‬اش¼ر»وه»ن‪ Ì‬ب¼ال‪á‬م‪É‬ع‪Ó‬ر»وف¼ " )‪ " (82‬ق‪Ý‬د‬
‫س‪É‬م¼ع‪ É‬الله» ق‪Ý‬و‪Ó‬ل‪ Ý‬الت¼ي »تج‪É‬اد¼ل‪Ô‬ك‪ É‬ف¼ي ز‪É‬و‪Ó‬ج¼ه‪É‬ا و‪ÉÉ‬تش‪Ó‬ت‪É‬ك¼ي إ¼ل‪Ý‬ى الله¼ و‪É‬الله» ‪É‬يس‪Ó‬م‪É‬ع» ت‪É‬ح‪É‬او»ر‪É‬ك‪Ô‬م‪É‬ا إ¼ن الله‬
‫)‪(83‬‬
‫‪É‬سم¼يع‪ ä‬ب‪É‬ص¼ي‪" ä‬‬

‫وفرن سا ‪ -‬التح ضرة ‪ -‬ل ت عط ا لرأة حق الت صرف البا شر في ما ت لك‪ ،‬و حق‬
‫التعامل الباشر مع التمع إل ف القرن العشرين! وأوربا كلها ل تعط الرأة حق الساواة ف‬
‫الجر على العمل الواحد إل ف القرن العشرين‪ .‬وما تزال انلترا إل هذه اللحظة ل تراعي‬
‫هذه الساواة بي الوظفي والوظفات‪ ،‬بجة أن الرأة تمل وتلد وتطلب إجازة للوضع!‬

‫‪ ()80‬سورة آل عمران ]‪.[195‬‬


‫‪ ()81‬سورة النساء ]‪.[32‬‬
‫‪ ()82‬سورة النساء ]‪.[19‬‬
‫‪ ()83‬سورة الادلة ]‪.[1‬‬

‫)‪(173‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ول تصل الرأة إل هذه القوق حت اضطرت أول أن ترج للعمل لتكفل نفسها‬
‫لنه ل عائل لا يكفلها! واضطرت ثانيا‪ š‬أن تتخلى عن أخلقها لنا قيد ينع حصولا على‬
‫العمل‪ ،‬من الرجل اليوان الذي يريد ‪ -‬قبل أن ينحها لقمة البز الت تريدها ‪ -‬أن ينال‬
‫منها التعة الرام‪ .‬ث انتهى المر با أن تقوم ‪ -‬غي مضطرة ‪ -‬بدور الفتنة ف الرض‪،‬‬
‫وتول الياة ف الغرب إل ماخور كبي‪ .‬ث‪ ..‬ث قال الغرب بعد هذا الصراع اليوان كله‬
‫مع الرأة‪ :‬إنه ل يعطي لا هذه القوق لن ذلك مقتضى القيقة الولية ف خلق الرجل‬
‫وا لرأة‪ ،‬ول كن لن " الت طور " القت صادي قد اقت ضى ذ لك!! الت طور " الت مي "! أي‪..‬‬
‫وال ناس راغ مون!! بين ما ي ضع ال سلم هذه القوا عد مب تدئا ‪ -‬بل ضغط من ال ظروف‬
‫القتصادية ول قهر ‪ -‬والناس راضون‪ ،‬لنم بذلك يعبدون ال! ويضعها قواعد ثابتة ‪-‬‬
‫لنا مستمدة من حقيقة ثابتة ‪ -‬تطبق ف التمع الرعوي ‪ -‬الذي كان يوم نزل السلم ‪-‬‬
‫وف التمع الزراعي الذي تله‪ ،‬كما تطبق ف التمع الصناعي والتمع الذري سواء‪ .‬ل‬
‫د خل لا " بت طور " أ ساليب الن تاج ول ت طور القت صاد والت مع‪ .‬ل نا تتع لق ب ش¼قي "‬
‫النسان "‪ ..‬النسان من حيث هو إنسان!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وتت فرع من ق ضية الن سي ق ضايا كثية مت شعبة‪ ،‬ذات خ طر كبي ف ح ياة‬
‫البشرية‪:‬‬

‫" و‪É‬م¼ن‪ Ó‬آي‪É‬ات¼ه¼ أ‪Ý‬ن‪É á‬خل‪Ý‬ق‪Ý É‬لك‪Ô‬م‪ Ó‬م¼ن‪Ý Ó‬أن‪Ó‬ف‪Ô‬س¼ك‪Ô‬م‪ Ó‬أ‪Ý‬ز‪Ó‬و‪É‬اجا‪ š‬ل¼ت‪É‬س‪Ó‬ك‪Ô‬ن»وا إ¼ل‪Ý‬ي‪Ó‬ه‪É‬ا و‪É‬ج‪É‬ع‪É‬ل‪É Ý‬بي‪Ó‬ن‪Ô É‬كم‪ Ó‬م‪É‬و‪É‬د‪Ì‬ة‬
‫)‪(84‬‬
‫و‪É‬ر‪É‬ح‪Ó‬م‪š É‬ة "‬

‫الزواج ‪ -‬كما مر بنا ف الفقرة السابقة ‪ -‬من " أنفسكم "‪ .‬من "نفس واحدة"‪.‬‬
‫ولكن الية هنا تضيف بيان نوع العلقة بي النسي واتاهها وحكمتها‪.‬‬

‫لاذا خلق ال الزواج؟ إن حكمة ال واسعة شاملة‪ ..‬ولكن الية تدد الكمة ‪-‬‬
‫أو ت شي إ ل ب عض اتاها تا ‪ " -‬لت سكنوا إلي ها " ذ لك هدف خل قة الزوج ي ف عال‬
‫النسان‪.‬‬

‫‪ ()84‬سورة الروم ]‪.[21‬‬

‫)‪(174‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وال سكن عل قة وا سعة ي شملها ال سكون والرا حة والطمئ نان‪ .‬وتظلل ها ال سكينة‬
‫وير فرف علي ها ا لدوء‪ .‬و هذا ما ير يده ا ل من عل قة الزوج ي‪ .‬إ نه ل ير يدها خ صاما‬
‫وعرا كا تف سد م عه طي بات ال ياة‪ .‬ول ير يدها م شغلة دائ مة و ه‪ñ‬ا مقعدا مقي ما ك ما هي‬
‫اليوم ف الغرب حي انفلت من إطار الوحي اللي وأخلد إل الرض واتبع هواه‪.‬‬

‫" وجعل بينكم مودة ورحة " ذلك تركيب الفطرة‪ :‬التجاذب بي النسي‪ .‬ولئن‬
‫كان القرآن ل يستخدم هنا كلمة " الب " وإنا استخدم " الودة " فلنه ‪ -‬من ناحية ‪-‬‬
‫يريد أن يرفع العلقة إل أفق شفيف مني‪ ،‬ولنه ‪ -‬من ناحية أخرى ‪ -‬أكثر واقعية! إن‬
‫الوله والعشق والتطلع‪ ..‬مرحلة من مراحل الدفعة النسية‪ ،‬تقع ف فورة الشباب ولكنها ل‬
‫تدوم‪ ..‬وليس من شأنا أن تدوم! إنا الذي يدوم هو الودة! إنا تشمل العلقة كلها ف‬
‫ج يع مراحل ها‪ ،‬وتب قى ب عد ف تور ا لوله والع شق والتط لع ب كم ط بائع ال شياء وط بائع‬
‫النفوس!‬

‫هذه القضية الثابتة ذات أطراف ثابتة‪ ،‬وعلقات ثابتة‪ .‬ومن ث ترتبت عليها أمور‬
‫ثابتة ف حياة البشرية!‬

‫فالق ضية ت قوم اب تداء ع لى و جود " الر جل " من ناح ية و " ا لرأة " من ناح ية‪.‬‬
‫وتلك حقيقة ثابتة ]فيما عدا انرافات الفطرة الت سنتكلم عنها بعد قليل![ ث على وجود‬
‫تاذب بي الرجل والرأة من ناحية أخرى‪ .‬وتلك حقيقة أخرى ثابتة‪ .‬ث على رغبة تقيق‬
‫السكن من هذه العلقة القائمة على التجاذب من ناحية ثالثة‪ .‬وتلك حقيقة كذلك ثابتة‪.‬‬

‫وإذ كانت ج يع أ طراف الق ضية ثاب تة ك ما هو وا ضح‪ ..‬فنتائج ها ل ي كن أن‬


‫تضع للتطور والتغيي!!‬

‫وهنا تتداخل تلك القضية الثالثة ]قضية النسي[ مع القضية الرابعة الت سنتحدث‬
‫عنها تفصيل ف الفقرة التالية‪ ،‬وهي قضية التمع ]" وبث منهما رجال كثي‪š‬ا ونساء "[‬
‫فتتحدان معا‪ š‬كل علقات النسي‪.‬‬

‫إن هذا التجاذب القائم بي الرجل والراة‪ ،‬ووجودها ف ذات الوقت ف متمع‪،‬‬
‫قد استلزم تطبيق العلقة بينهما على أسس تلتقي مع فطرتيهما أول‪ ،‬وتلتقي كذلك مع‬
‫حقيقة وجودها ف متمع‪.‬‬

‫)‪(175‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫لو كان المر أمر رجل واحد وامرأة واحدة ف كل الرض‪ ..‬لا احتاج إل تنظيم‬
‫كثي! ول كن خروج الن سل من هذه العل قة بينه ما أول‪ ،‬و تول الن سل إ ل ر جال كثي‬
‫ونساء ثانيا‪ ،‬يعل المر ف حاجة إل تنظيم دقيق مكم ينع اللل الذي ينشأ ‪ -‬كلما‬
‫اتسعت الدائرة ‪ -‬من الفوضى الت ل يضبطها دليل‪.‬‬

‫لقد استلزم وجود رجال كثيين ونساء ‪ -‬ل رجل واحد وامرأة واحدة ‪ -‬تنظيم‬
‫صور " التجاذب " الذي يدث حدوثا فطريا بي الرجال والنساء‪ .‬لكي ل يصبح فوضى‬
‫تصطدم ف يه مت لف " التجاذ بات " ف تؤدي إ ل ضياع " ال سكن " الر جو ل كل نفس من‬
‫جهة‪ ،‬وتؤدي إل فساد روابط التمع من جهة أخرى‪ .‬كما استلزم وجود النسل النبث‬
‫من لقاء ش¼قي النفس الواحدة قيام " السرة " وتنظيم علئقها‪.‬‬

‫وهكذا ت شعبت علقات كثية متلفة من القيقة الرئيسية وهي خلق الزوجي‬
‫وشد بعضهما إل بعض برباط الذب و " الودة "‪ ..‬ث صارت هذه العلقات التشعبة‬
‫ثابتة لنا ترتكز على حقائق ثابتة‪.‬‬

‫وأمر العلقة بي النسي هو أشد ما يادل فيه الصابون بلوثة التطور ف الغرب‬
‫والشرق‪ ،‬وأشد ما يادل فيه الولد والبنات الذين أعمتهم الشهوة النفلتة من قيادها‪ ،‬فلم‬
‫تعد تبصر إل متعة السد الفائر‪ ،‬ول تعد تطيق قيدا‪ š‬يوضع ف طريق السعار النون‪.‬‬

‫ولكننا ونن نناقش المور الادة ف حياة البشرية ل ينبغي أن نغمض عيوننا عن‬
‫القائق الثابتة " الصارمة " الت ل تلي لشهواتنا وأهوائنا‪ ،‬ول تدور معها حيث تدور‪" .‬‬
‫إن نا ل ن ستطع التمي يز بي الم نوع وال شروع‪ .‬لقد نقضنا قواني الطبيعة فارتكب نا بذلك‬
‫الطيئة العظمى‪ ،‬الطيئة الت يعاقب مرتكبها دائما‪ ...‬فالياة ل تعطي إل إجابة واحدة‬
‫حين ما ت ستأذن ف ال سماح بارت ياد ا لرض الر مة‪ ..‬هي إ ضعاف ال سائل‪ .‬و لذا فإن‬
‫الضارة آخذة ف النيار " ]ألكسس كاريل[‪.‬‬

‫لذلك ل ينبغي لنا ونن نبحث هذا الوضوع الاد‪ ،‬أن ندور مع شهوات الولد‬
‫والبنات‪ ،‬أو نندفع وراء الصابي بلوثة التطور‪ ..‬إنا ينبغي أن نبي لؤلء وهؤلء حقائق‬
‫الفطرة‪ ،‬فيساعدهم ذلك على مواجهة أزمتهم والتغلب عليها بإنشاء أوضاع تلئم الفطرة‬
‫وتسي ف اتاهها‪..‬‬

‫)‪(176‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫إن ثبات العلقة بي النسي‪ ،‬وعدم خضوعها " للتطور " أمر تليه الفطرة الت ل‬
‫حيلة لحد فيها‪ .‬والت رأينا من شهادة القرن العشرين أنا ل تتطور ف عشرين قرنا من‬
‫الزمان‪ ،‬ول تعط إل إجابة واحدة ف كلتا الرتي‪ ،‬وف كل مرة استئذنت ف ارتياد الرض‬
‫الرمة!‬

‫لقد أعطت الفطرة إجابتها واضحة حاسة جازمة ف كل مرة انفلت فيها عقد "‬
‫ال ضوابط " ف عل قات الن سي‪ ،‬وانف لت في ها ا لولد والب نات وراء دف عة ال سد ل‬
‫يطيقون صبا ول يضعون لتنظيم‪.‬‬

‫أعطت الفطرة إجابتها ف اليونان القدية وروما القدية وفارس القدية‪ .‬وأعطت‬
‫إجابت ها ف ال عال ال سلمي يوم ا نل وركب ته ال شهوات‪ .‬وأع طت إجابت ها ف فرن سا ف‬
‫الرب العظمى الثانية‪ .‬وتعطي إجابتها الن على نطاق واسع ف كل الرض‪ ،‬وف أمريكا‬
‫وروسيا على وجه التخصيص‪..‬‬

‫إجابة واحدة ل تتغي‪ :‬النلل اللقي والباحة النسية‪ ..‬معناها الدمار‪ .‬معناها‬
‫الشقاء‪ .‬معناها الضياع‪ .‬ل إجابة غي هذه الجابة ف كل التاريخ!‬

‫وعب ثا حاول القرن الع شرون أن ين جو من قانون الف طرة الصارم‪ .‬أو من عقو بة‬
‫الفطرة الت تصيب مالفيها‪.‬‬

‫عبثا حاول أن يقول إنه ‪É‬خل‪á‬ق وحده ل شبيه له من قبل!‬

‫وعبثا حاول أن يقول إنه ل توجد " فطرة ثابتة " للنسان!‬

‫وعبثا حاول أن يقول إن ما أصاب المم السالفة من الدمار مع النشاط النسي "‬
‫الر " لن يصيبه!‬

‫وعبثا حاول أن يقول إنه سيمنع الدمار قبل حدوثه لنه جيل واع فاهم عارف‬
‫دارس متعلم!‬

‫وعبثا حاول أن يقول إن لديه علجا لكل داء!‬

‫)‪(177‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫عبث‪ ..‬كله!‬

‫إنا إجابة واحدة ثابتة تصدر عن الفطرة الثابتة‪..‬‬

‫إما تنظيم علقات النس بقيود من الدين والخلق والتقاليد‪ ..‬وإما النفلت‬
‫الر‪ ..‬والشقاء البشع والدمار الرهيب‪..‬‬

‫تلك هي " التمية " القيقية‪ ..‬لنا حتمية الفطرة كما خلقها ال‪.‬‬

‫ما قيمة الدل والنكار؟‬

‫ما قيمة دفن الرءوس ف الرمال؟‬

‫الشهوة لذيذة‪ .‬نعم‪ .‬والنفلت مبوب‪:‬‬

‫" ز»ي× ن‪ É‬ل¼لن‪Ì‬ا س¼ ح» ب‪ å‬ال ش‪Ì‬ه‪É‬و‪É‬ات¼ م¼ ن‪ É‬الن× س‪É‬اء¼ و‪É‬ا‪á‬لب‪É‬ن¼ ي‪ É‬و‪É‬ال‪á‬ق‪ Ý‬ن‪É‬اط¼ي¼ ال‪á‬م»ق‪Ý‬ن‪ Ó‬ط‪Ý‬ر‪É‬ة¼ م¼ ن‪ É‬الذه‪É‬ب‬
‫حي‪É‬اة¼ ال ‪å‬دن‪Ó‬ي‪É‬ا‪." (85) ...‬‬ ‫خي‪Ó‬ل¼ ا‪á‬لم»س‪É‬و‪Ì‬م‪É‬ة¼ و‪É‬ال‪Ýá‬أن‪Ó‬ع‪É‬ام¼ و‪É‬ال‪á‬ح‪É‬ر‪Ó‬ث¼ ذ‪Ý‬ل¼ك‪ É‬م‪É‬ت‪É‬اع» ا‪á‬ل ‪É‬‬
‫و‪É‬ال‪á‬ف¼ض‪Ì‬ة¼ و‪É‬ال‪É á‬‬

‫ولكن العقوبة عنيفة‪ ،‬هائلة‪ .‬ميفة‪...‬‬

‫الضغط العصب والنفسي‪ .‬النتحار والنون‪ .‬الشذوذ والرية‪ ..‬الدمار‪.‬‬

‫تلك شهادة القرن العشرين‪..‬‬

‫من ذا ا لذي ي لك عقل ف رأ سه‪ ،‬ث ي ندفع وراء لو ثة الت طور‪ ،‬أو وراء شهوة‬
‫الولد والبنات‪ ،‬وهو يرى أمامه النتائج بالفعل‪ ،‬منذرة بأبشع ناية للبشرية؟!‬

‫بل من ذا الذي ف قلبه ذرة حب لؤلء الولد والبنات ث ل يسك بجزهم أن‬
‫يتهاووا ف الاوية؟‬

‫‪ ()85‬سورة آل عمران ]‪.[14‬‬

‫)‪(178‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫إن علينا واجيا " إنسانيا " ضخما‪ ،‬نؤديه لنفسنا‪ .‬لنسانيتنا‪ .‬لولدنا وبناتنا‪ ،‬أن‬
‫نبصˆرهم بقيقة موقفهم وحقيقة الفطرة لكي ل يذهبوا ف طريق الضياع‪.‬‬

‫وقد يكرهوننا ‪ -‬نعم ‪ -‬ونن نبصرهم! كما يكره الطفل الطبيب ويسبه ويلعنه‬
‫وهو يقنه بالدواء!‬

‫ولكن أي أحق يلقي الدواء من يده لن الطفل يسبه ويلعنه؟ أو يتركه ف لوثة‬
‫المى لكي يبه؟!‬

‫كل! إن كنا جادين‪ ..‬فلنتبي حقائق الفطرة‪ ،‬ونبينها للناس‪.‬‬

‫أو إن كنا ل نريد أن نتعب خواطرنا‪ ،‬أو كنا نن ‪ -‬كالولد والبنات ‪ -‬نريد‬
‫أن " ن ستمتع "‪ .‬نر يد أن " ننت هب لذة الع يش "‪ .‬نر يد أن ن لغ ف حأة ال نس‪ ..‬فلن كن‬
‫صرحاء! ولن قل إن نا ه كذا " مب سوطون " مر تاحون مل تذون ل نر يد أن نف يق من د خان‬
‫الشيش والفيون‪ .‬وليكن بعد ذلك ما يكن أن يكون!!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫حقائق الفطرة تقول إن هناك تاذبا فطريا بي النسي‪ ..‬ل بد أن يأخذ سبيله‬
‫إ ل الل قاء‪ .‬ف في أي صورة ي كون هذا الل قاء؟ ع لى صورة التخ صص؟ أ نثى معي نة ل كل‬
‫رجل‪ ،‬ورجل معي لكل امرأة؟ أم علـى صورة الشاع‪ :‬كل أنثى لكل رجل وكل رجل‬
‫لميع النساء؟‬

‫تربة القرن العشرين تعطينا الجابة الاسة عن هذا السؤال‪.‬‬

‫إن التمع الغرب ‪ -‬أو الشيوعي ‪ -‬ل يصل لصورة الفوضى الكاملة‪ .‬فما زال فيه‬
‫أفراد فاضلون بل " متطهرون "‪ .‬بل " متزمتون " يافظون على التقاليد وينظرون بتقزز‬
‫عنيف لتلك الفوضى النسية الضاربة بأطنابا هناك‪ ..‬ومع ذلك‪ ..‬مع أن الفوضى ل تصل‬
‫لصورتا الكاملة‪ ..‬فإن بوادر النيار قد بدت واضحة تنذر بانيار التمع‪ ،‬مع القلة القليلة‬
‫الفاضلة التبقية فيه‪ ..‬فكيف إذا زادت عن ذلك‪ ،‬وهي ما تزال ف طريقها إل الزيادة‪ ،‬لن‬
‫الشياطي ل تشبع بعد‪ ،‬ول تزل تطلب الزيد من التدمي؟!‬

‫)‪(179‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وا لادلون يقو لون‪ :‬ل هذا ول ذاك‪ ..‬ل ا لتزمت ول البا حة‪ ..‬شيء و سط بي‬
‫الطرفي التطرفي!‬

‫ل نرم كل علقة بي النسي‪ ،‬ول نطلق لا العنان!‬

‫أكذو بة لطي فة مدرة! تر يح الع صاب من ع ناء التفك ي وال تدبي‪ ،‬و حل ا لم‪،‬‬
‫ووجع القلب!‬

‫نبيح للشبان والفتيات الختلط‪ ..‬مع الرقابة!‬

‫الو لد والب نت ي شتركان ف " الن شاط الجت ماعي "‪ .‬ف الام عة بل شك‪ .‬و ف‬
‫الدرسة الثانوية إذا أمكن‪ .‬وف الشارع‪ .‬والنادي‪ .‬والـ‪...‬‬

‫تت رقابتنا!‬

‫ماذا يكن أن يصنع الولد والبنات وهم تت رقابتنا؟!‬

‫ستتهذب م شاعرهم‪ .‬و يذهب ا لوع الن سي النا شئ عن الر مان من ناح ية‪.‬‬
‫ويتعارف النسان من ناحية أخرى فل يصي كل منهما مهول من الخر متهيبا له‪ ،‬تل‬
‫رأسه اليالت النحرفة عنه‪..‬‬

‫و‪ ..‬تت رقابتنا! ماذا يكن أن يدث تت رقابتنا؟!‬

‫ولقد يدث فعل أن ييل ولد إل بنت‪ ،‬أو بنت إل ولد‪ ..‬أليس كذلك؟‬

‫شيء فطري‪ .‬ماذا ينع؟‪ ..‬تت رقابتنا!‬

‫ولقد يدث فعل أن يشتد اليل‪ ..‬شيء فطري!‬

‫فلنكن واقعيي! هل يكن أن ننع هذا الشيء الفطري؟‬

‫فلنكن بعيدي النظر‪ :‬هل الفضل أن يتم اللقاء خلسة‪ ..‬أم تت رقابتنا؟!‬

‫)‪(180‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ولقد يدث فعل أن يطغى اليل ويشتد‪..‬‬

‫" يا سيدي‪ ..‬وماله‪ ..‬بكرة يتزوجها "!‬

‫فلنكن بعيدي النظر‪ :‬هل الفضل أن يتزوج بنتا ل تعرفه أو يعرفها‪ ..‬أم بنتا تعرفه‬
‫ويعرفها؟‬

‫ضمة؟! قبلة؟ ف السينما أو ف الشارع‪ ..‬ف الظلمة‪ ..‬أو ف اللوة؟!‬

‫يا سيدي‪ ..‬وماله‪..‬‬

‫شيء‪ ô‬من عبث‪ Å‬جن سي؟! ل ضي الب تة‪ .‬ترب يأ خذ من ها خبة‪ ..‬والب نت؟‬
‫ستعرف صاحبها! تأ خذ موع ظة تنفع ها ف غفلت ها! هل أ نت ستحر سها إن شاءت أن‬
‫تفسد؟ كل! فلتتركها!‬

‫ماذا يدث حت من غي رقابتنا؟!!‬

‫تلك طريق الرية ف القرن العشرين!!‬

‫بدأت ‪ -‬وال! ‪ -‬بذا التفكي الخلص ل من جانب الشياطي الذين أوحلوا بلوثة‬
‫التطور وأوحوا بالنفلت من القيد والنطلق كاليوان‪ ..‬ولكن ف أذهان الربي والباء‬
‫والمهات‪ ،‬وربا بعض " رجال الدين " التطورين!‬

‫ث‪ ..‬كانت النتيجة الت يشكو منها الربون والباء والمهات والساسة والعلماء‪..‬‬
‫و‪ ..‬رجال الدين!‬

‫ل وسط لشهوات البشرية!‬

‫ل وسط يكن الوقوف عنده بالرادة الواعية أو النية الخلصة‪..‬‬

‫إنا الوسط التخيل الذي يراود الناس أحيانا‪ ،‬فيودون ‪ -‬ف إخلص ‪ -‬أن يقفوا‬
‫عنده‪ ،‬هو مرحلة من مراحل " التطور! "‪ .‬مرحلة من مراحل النزلق ل تكون قد أبعدت‬

‫)‪(181‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫بعد ف البـوط! ولكنها مرحلة ل يكن الوقوف عندها أبدا‪ .š‬تلك حتمية الفطرة! وتلك‬
‫تربة التاريخ!‬

‫لقد قال القرن التاسع عشر الذي بدأ تربة الختلط هذه‪ :‬سنقف عند الرحلة‬
‫الأمونة‪ .‬لن نوغل‪ .‬لن نفقد أنفسنا‪ .‬لن تبلعنا الوة‪ ..‬لكن ل يقدر أن يفعل! بلعته الوة أو‬
‫كادت ف القرن العشرين!‬

‫والبطء الذي تتم فيه عملية النيار‪ ،‬البطء الذي ياوز أعمار الفراد إل أعمار‬
‫الجيال‪ ،‬هو الذي يغري الفراد بأن يعتقدوا أن الوقفة مكنة عند الد الوسط!‬

‫كل! وهم باطل! ل يدث ف التاريخ!‬

‫ليس " التطور " هو الذي يقول‪ .‬ليس التفسي الادي هو الذي يقول‪ .‬إنا تلك‬
‫حقيقة الفطرة‪ .‬وهي " التمية " الفردة الصادقة ف كل هذه الباطيل‪.‬‬

‫ما دام قد انفلت من القيد فل وقفة!‬

‫والوق فة الظاهر ية ا لت ت ستغرق جيل أو ب ضعة أج يال هي ا لت تدع الخل صي‬


‫فتخيل لم أن الوقفة أمر مكن! إنا خدعة! انظر إل رقعة أكب لكي ترى حقيقة الط‬
‫ا لابط و مدى ال ندفاع! إن ع قرب ال ساعات ف ال ساعة بط يء الر كة ف لو ن ظرت إل يه‬
‫لب ضع د قائق ف لن تراه يت حرك من م كانه! ول كن ان ظر إل يه ب عد ساعة! ث ب عد ساعات!‬
‫والساعة ذات التقوي با خانة تبي اليوم من الشهر‪ .‬بطيئة الركة! تتحرك مرة واحدة ف‬
‫اليوم‪ .‬لو نظرت إليها بضع ساعات فلن تراها تتحرك من مكانا! ولكن انظر إليها بعد‬
‫يوم كامل‪ .‬ث بعد أيام!‬

‫وانظر إل التاريخ على نطاق واسع‪ .‬انظر إل الجيال‪ .‬ف اليل الواحد قد ل‬
‫تتغي الصورة كثيا‪ .‬وإن كانت ف هذا اليل خاصة عنيفة التغيي‪ ،‬لن الشياطي ينفخون‬
‫فيها بعنف عنيف‪ .‬ولكن انظر إل رقعة واسعة لكي ترى الصورة على حقيقتها‪..‬‬

‫ل وسط لشهوات البشرية!‬

‫تلك حتمية الفطرة‪ ..‬ف ناية الطاف! فطرة الفرد‪ ..‬وفطرة الماعات!‬

‫)‪(182‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫إن الشهوة ل تشبع بالرواء الدائم! بل تشتد ظماء‪ é‬وتن!‬

‫خذ أمريكا مثل‪..‬‬

‫هل ف التمع المريكي حواجز تنع من إرواء الشهوة؟ أي حواجز؟!‬

‫كل! ل شيء البتة!‬

‫ومع ذلك ففي هذا التمع ذاته ينتشر إل حد " الشبق " عشق الصور العريانة!‬

‫وتنتشر حوادث الغتصاب والطف النسي‪ .‬والقتل بعد إتام الرية اللقية!‬

‫وينتشر ‪ -‬أبشع من ذلك ‪ -‬الشذوذ النسي ف الولد والبنات على حد سواء!‬

‫وفرن سا وسوي سرا وبلجي كا‪ ..‬ن فس ال صورة‪ ..‬ودول ال شمال " أر قى " بلد‬
‫الرض!‬

‫إجابة واضحة تعطيها الفطرة حينما تستأذن ف ارتياد الرض الرمة! إجابة ثابتة‬
‫ف التاريخ!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫هل معن ذلك أن " نكبت " مشاعر النس؟‬

‫أو ليست الضار الناشئة من الكبت والرمان وبيلة هي الخرى؟‬

‫بلى! وبيلة!‬

‫الرمان الكامل طويل يفسد مشاعر النفس ويتلف العصاب!‬

‫)‪(183‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫والشذوذ النسي الذي يصاحب الرمان الطويل معروف ف التاريخ‪ .‬واليالت‬


‫الريضة الت تشغل كل جنس بالنس الخر‪ ،‬وتصر تفكيه الظاهر والباطن ف مشاعر‬
‫النس‪ .‬و‪ ..‬و‪ ..‬كل شيء معروف!‬

‫والرمان الكامل الطويل ماف للفطرة ول يطلبه ال من البشرية!‬

‫إنا وضع نظاما " معتدل " وسطا ل يكبت الشاعر ول يطيل فترة الرمان‪.‬‬

‫فالكبت بعناه النفسي‪ ،‬أي استقذار الدافع النسي‪ ،‬أمر ل وجود له ف مفهوم‬
‫السلم‪ ،‬الذي يضع علقة النسي ف النور الكامل‪ ،‬ويقول إنا فطرة‪ .‬وإنا فطرة سوية‪.‬‬
‫وإنا فطرة مصرح با ومرغوب فيها! " وإن ف بضع أحدكم لجرا‪ !š‬قالوا يا رسول ال‪:‬‬
‫إن أحدنا ليأت شهوته ث يكون له عليها أجر؟! قال‪ :‬أرأيت لو وضعها ف حرام أكان عليه‬
‫)‪(86‬‬
‫فيها وزر؟ قالوا‪ :‬بلى! قال‪ :‬فإذا وضعها ف حلل كان له فيها أجر! "‬

‫وتطويل فترة الرمان أمر يأباه السلم بكل وسائله! فهو يدعو دعوة صرية إل‬
‫التعجيل بالزواج‪ .‬ويضع الترتيبات القتصادية الت تعي عليه‪ ،‬با ف ذلك إعانة بيت الال‬
‫لل شبان ا لتزوجي! فالن ظام ال سلمي ن ظام م توازن ف جل ته تتنا سق ف يه الت صورات‬
‫العقتاد ية والتوجي هات اللق ية مع التنظي مات السيا سية والقت صادية‪ ،‬وتتكا مل كل ها‬
‫وتتفاعل‪ ،‬لنشاء متمع كامل فاضل‪ .‬ومن ث فهو ل يكل مسألة التبكي بالزواج لرد‬
‫التوجيه‪ ،‬ولكنه يكفل لا التحقيق بتيسي وسائل الياة العملية ف نظامه التكامل‪.‬‬

‫ولن نقف هنا طويل لنناقش إمكانية هذا المر ف تعقدات التمع الالية! فالبشر‬
‫مطالبون أن يكيفوا أوضاعهم على ضوء فطرتم‪ ،‬ل أن يسخوا فطرتم على ضوء أوضاع‬
‫يضعون لا ف ذلة واستخذاء! ث‪ ..‬إن التعقيدات القتصادية ليست هي السبب القيقي‬
‫ف إطالة فترة التعطل النسي الت تغري بالفساد! فالشباب ف أمريكا يتكسب ف سن‬
‫مبكرة جدا‪ ،š‬ث ينفق كسبه ف التعة الرام! لن هذا هو التوجيه الذي تصبه ف أعصابه‬
‫الشياطي! ول يعجز التمع المريكي الثري عن تنظيم عملية الزواج للشباب لو أراد‪ ..‬لو‬
‫كفت عن تضليله الشياطي! والتمع الشيوعي تعوله الدولة! ول تعجز الدولة عن تنظيم‬
‫عملية الزواج للشباب لو أرادت‪ ..‬لو ل يكن ف حساب القائمي عليها أن " الخلق "‬
‫خرافة ينبغي أن تباد! ومع ذلك فقد سعنا صيحة خروشوف النذرة بالوبال!‬

‫‪ ()86‬رواه مسلم‪.‬‬

‫)‪(184‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫)‪(87‬‬
‫أما نن ‪ -‬السلمي! ‪ -‬فنحن ل هنا ول هناك!‬

‫إنا يعنينا على أي حال أن نتبي طريقة السلم ف مسايرة الفطرة‪ ،‬وتنظيم حياة‬
‫البشرية على أساسها‪ .‬على القل‪ .‬لكي نعرفها!‬

‫ل كبت‪ .‬ول حرمان‪ .‬ولكن تنظيم‪.‬‬

‫تنظيم يشمل الفرد والتمع ف ذات الوقت‪ ،‬وبوسيلة واحدة مشتركة‪ .‬فالتمع‬
‫النظيف التوازن‪ ،‬تقوم فيه السرة النظيفة التوازنة‪ ،‬الت ترب الفرد النظيف التوازن‪ .‬والفرد‬
‫النظيف التوازن بدوره ينشئ السرة وينشئ التمع‪ .‬ومن ث يعمد السلم إل تنظيف‬
‫ضمي ال فرد‪ ،‬بر بط قل به وم شاعره بال‪ ،‬وتربي ته ع لى طاعته‪ ،‬وح به وخ شيته‪ ،‬و ف ذات‬
‫ا لوقت ي ضع التنظي مات الجتماع ية والقت صادية والسيا سية‪ ،‬والتوجي هات الفكر ية‬
‫والروحية الت ترسي التمع على قواعده السليمة‪ ،‬الت تنشئ الفراد التوازني‪.‬‬

‫و ف م سألة ال نس ب صفة خا صة ي كره ال سلم الختلط بل سبب‪ ،‬و يبيحه ف‬


‫أضيق الدود‪ .‬وينع التبج والفتنة ول يبيحهما على الطلق! ويكره خروج الرأة بل‬
‫سبب ويبيح خروجها عند القتضاء نظيفة الشاعر نظيفة السلوك‪.‬‬

‫ويكره لا العمل الذي تتشبه فيه بالرجل‪ ،‬ومع ذلك يبيحه إباحة كاملة ف حالة‬
‫الضرورة‪ .‬ويشجع على الزواج وييسر وسائله‪ ،‬ويدعو إل التبكي فيه‪ .‬وينع إقامة علقات‬
‫جنسية خارج هذا النطاق‪.‬‬

‫ت لك هي ال طوط ال سريعة لسيا سة ال سلم ف أ مر ال نس‪ ،‬و هي أ مور سهلة‬


‫ميسرة متناسقة مع النظام السلمي حي يطبق ف واقع الياة‪..‬‬

‫وكلها ترتكن إل الفطرة ودوافعها و " حتمياتا "‪ .‬كما ترتكن إل القائق الثابتة‬
‫ف حياة البشرية!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪ ()87‬انظر فيما بعد فصل " نن والغرب "!‬

‫)‪(185‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫الت جاذب ب ي الن سي ‪ -‬ك ما قل نا ‪ -‬ف طرة‪ ،‬حتم ية ا لدوث‪ .‬وما دام الن سان‬
‫ليسوا أفرادا معدودين‪ ،‬ولكنهم رجال كثي ونساء‪ ،‬فقد لزم تنظيم التجاذب بينهما لكي‬
‫ل يؤدي إل الفوضى والضطراب‪.‬‬

‫وإباحة الختلط بل سبب‪ ،‬وتبج الرأة وانشغال بالا بالفتنة والغراء ها اللذان‬
‫أفسدا الغرب وأنشآ تلك النذر الت شكا منها كنيدي وخروشوف‪ ،‬والفلسفة والعلماء‪.‬‬

‫فالسلم لذلك ل يبيح هذا ول ذاك‪.‬‬

‫وليس الجاب التقليدي هو القصود‪ .‬ول الكبت ول الرمان‪.‬‬

‫لقد كانت الرأة على عهد الرسول صلى ال عليه وسلم ترج وتعمل وتقاتل‬
‫وتعلم بنات جنسها‪ ..‬كل ذلك بقدر الضرورة الواجبة لشخصها وللجماعة السلمة‪.‬‬

‫نعم‪ .‬و ف الت مع ال سلم تقوم ب كل ت لك ا للوان من الن شاط ع ند القت ضاء‪ .‬ف‬
‫التمع السلم‪ .‬أي ف التمع النظيف الذي يعبد ال‪ ،‬ويطبق شريعته‪ ،‬ويأتر بأوامره‪ .‬أما‬
‫ف غي هذا التمع فليس لا ‪ -‬أو لي أحد ‪ -‬أن يتج بالقوق أو الريات الت أعطاها‬
‫السلم للمرأة! وهي ‪ -‬والتمع معها ‪ -‬ل يطبقان ف حياتما هذا السلم‪.‬‬

‫إ نه ل يقل لا ‪ -‬بداهة ‪ -‬أن تع يش وترضى بجت مع غ ي م سلم‪ ،‬ل يط بق نظام‬


‫السلم ف حياته‪ .‬فإذا هي قبلت أن تعيش ف مثل هذا التمع ‪ -‬غي منكرة عليه ‪ -‬فما‬
‫لا إذن وما للحقوق الت نظمها السلم للمجتمع السلمي‪ ،‬رجاله ونسائه على السواء؟!‬

‫ول يقل لا ‪ -‬بداهة‪ -‬أن ترج متبجة شغلتها الفتنة! فإذا كانت اليوم ‪ -‬بكم‬
‫ال عدوى الت ية من ال غرب ‪ -‬ت صنع ذ لك‪ ،‬ف هي و شأنا‪ ..‬ول شأن لا بال سلم! ول‬
‫تتمحك ف السلم!‬

‫وما دامت ترج ‪ -‬ف التمع السلم ‪ -‬لذه الشئون‪ ،‬فالعزلة الكاملة ليست قائمة‬
‫بي النسي‪ .‬ولكن ل تقوم العلقات " الاصة " بي الشبان والفتيات‪ ،‬والرجال والنساء‪.‬‬
‫ل يقوم نظام " الخدان " الذي يسمى " الصداقة " ف الغرب‪.‬‬

‫)‪(186‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وهي ترج متشمة كشرط أساسي لقيام التمع السلم‪ .‬تلك مسألة ل يكن أن‬
‫يتنازل عنها السلم!‬

‫وي قول د عاة الر ية ود عاة الت طور ود عاة ت طوير ال سلم )!( إن ال سألة عادة!‬
‫فنحن حي نعتاد أن نرى الرأة الاسرة عن شعرها وذراعيها وساقيها‪ ..‬ل يدث شيء!!‬
‫ف مبدأ المر تدث هزة‪ ..‬هزة الفاجأة‪ .‬ث يصبح النظر عاديا جدا‪ ..š‬ل يثي شيئا على‬
‫الطلق‪ .‬بل يصبح ‪ -‬عجبية! ‪ -‬أقل إثارة من الفتاة الغطاة الشعر والذراعي والساقي!‬

‫وسنسلم معهم ‪ -‬وال ‪ -‬بكل ما يقولون‪ .‬ث نظل عند رأينا‪ ..‬رأي السلم!‬

‫إن الذين يقولون إن منظر الرأة الاسرة ل يثي شيئا ف نفس الرجل حي يعتاد‬
‫عل يه‪ ..‬أولئك ين ظرون إ ل الرقعة الصغية من التار يخ‪ ..‬ول ين ظرون ف تاريخ الج يال!‬
‫ينظرون إل عقرب الساعات بضع دقائق ويقولون إنه ل يتحرك من موضعه ول يدل على‬
‫شيء!‬

‫ولكن‪ ..‬فلنحسب السبة من أولا‪ ..‬لنصل منها إل نايتها!‬

‫لاذا حسرت أول بنت عن ساقيها وذراعيها وشعرها؟‬

‫ف و قت من الو قات كان الت مع ل يب يح ذ لك‪ .‬عن إ يان‪ .‬ويراع يه بد قة‪ .‬ث‬
‫تنحل قليل روابط التمع‪ ،‬ويفتر اليان‪ ..‬فتخرج " الثالة " تاول أن تنتفش حي يف‬
‫عليها الضغط! )‪ (88‬عندئذ ترج أول فتاة حاسرة‪ .‬ماذا تقصد؟ تقصد بل شك إثارة الفتنة‬
‫بذا الصنيع‪ .‬وتدث الفتنة بالفعل‪ .‬وتدث العدوى‪ .‬فالتمع ف سبيل النلل‪ .‬وتدث‬
‫ا لزة ا لول‪ " .‬الطي بون " ي ستنكرون‪ ،‬وا لبيثون ي ضون ف الطر يق ع لى حذر ف م بدأ‬
‫المر‪ .‬ث ف استهتار حي تف حدة الستنكار‪..‬‬

‫وتف الزة فعل‪ .‬يعتاد الناس على النظر الديد‪ .‬يصبح عاديا حقا ل يثي شيئا‬
‫ف النفس‪ .‬إنه جزء من " الروتي " اليومي يفقد دللته بعد حي‪ ،‬لتبلد الواس عليه‪ .‬كما‬
‫تتبلد حت على فعل السموم‪.‬‬

‫‪ ()88‬راجع فصل " الثابت والتطور ف كيان النسان " من هذا الكتاب‪.‬‬

‫)‪(187‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫هذه حقيقة‪..‬‬

‫ولكنها نصف القيقة‪..‬‬

‫ونصفها الخر هو الذي ينساه ‪ -‬أو يتناساه ‪ -‬دعاة الرية ودعاة التطور‪ .‬ودعاة‬
‫تطوير السلم!‬

‫إن ا لت خر جت أول مرة تب غي الفت نة ]ومثيل تا بطبي عة ا لال ال لوات ت كاثرن‬


‫بالعدوى[ ل تعد لن ميزة ف التمع الديد‪ ،‬الذي قلدهن كله‪ ،‬فأصبحن فيه عاديات‪..‬‬
‫ل يثرن النتباه‪.‬‬

‫وهن ل يردن أن يك̂ن عاديات‪ ..‬يردن أن يثرن النتباه!‬

‫فإذا كان القدر ‪ -‬البسيط ‪ -‬من العري الذي تعرينه أصبح عاديا‪ ..‬فل بد إذن‬
‫من الزيد‪ ..‬بضعة سنتيمترات تتعرى من أي مكان‪ .‬من صدر الفستان‪ .‬من ظهره‪ .‬من‬
‫تت الركبة‪..‬‬

‫وتعود الصيحة‪ ..‬والزة‪ ..‬وتعود فتفتر‪ ..‬يصبح عاديا هذا القدر من " الفتنة " فل‬
‫يثي الفتنة! يصبح من روتي اليوم العتاد!‬

‫نعم‪ ..‬ولكن لن تقف العجلة!!‬

‫البنت الول ‪ -‬ومثيلتها ‪ -‬ل بد ستزداد!‬

‫الق صد هو الفت نة! فإذا بط لت الفت نة بتعر ية ال صدر‪ ،‬لن كل الفت يات يعر ين‬
‫صدورهن‪ ،‬والشبان اعتادوا الن ظر وتب لدت حوا سهم عل يه‪ ،‬فل بد من شيء جد يد يثي‬
‫الفتنة ويزيد الغراء‪ ..‬تعرية جديدة‪ .‬بدعة جديدة ف الشي‪ .‬خلعة ف الضحكة‪ ..‬تبدل‬
‫ف الخلق‪ ..‬أي إثارة‪ ..‬القصد هو الفتنة!‬

‫والبكة ف " الودة " وبيوت الزياء! والسينما والتليفزيون! تلتقط اليط الابط‪،‬‬
‫وتزيد هبوطا ف المأة!‬

‫)‪(188‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ل تقف العجلة‪!..‬‬

‫والطيبون الخدوعون‪ .‬الذين يظنون أنم يستطيعون وقف العجلة عند حد معي‪..‬‬
‫علي هم أن يفي قوا من غفلت هم‪ ،‬ل يوا أ ين‪ :‬ف أي م كان ف ا لرض‪ ،‬و ف أي ع صر ف‬
‫التاريخ‪ ،‬أمكن وقف العجلة عند الد " العقول "! وما الد العقول؟! وعليهم أن ينظروا‬
‫ف التمع الاضر من حولم ليوا كيف ومت يكن وقف العجلة الندفعة ف طريق الفتنة‬
‫والغراء‪ ..‬والتردي ف الفاحشة‪ ..‬والتحلل من كل رباط‪..‬؟!‬

‫كل! ل ت قف العج لة‪ ..‬ت لك شهادة ال قرن الع شرين‪ ،‬ف كل ا لرض‪ ..‬و هي‬
‫كذلك شهادة التاريخ‪..‬‬

‫إنا التمية الوحيدة الصادقة لنا حتمية الفطرة التس تقول إنه ل ش¼بع للشهوات‬
‫إل بالضبط وبالتقييد!‬

‫من أجل ذلك ل يبيح السلم الفتنة والغراء‪ ..‬ول يبيح الفاحشة‪ ..‬ويصر على‬
‫الشمة ف الزي وف الشية وف الديث‪ ،‬للرجل وللمرأة سواء‪:‬‬

‫" ق‪ Ô‬ل‪ á‬ل¼ ‪á‬لم»ؤ‪Ó‬م¼ن¼ي‪É É‬يغ»ض‪å‬وا م¼ ن‪ Ó‬أ‪ÓÝ‬بص‪É‬ار¼ه¼م‪ Ó‬و‪É‬ي‪É‬ح‪Ó‬ف‪ Ý‬ظ‪Ô‬وا ف‪Ô‬ر»وج‪É‬ه» م‪ Ó‬ذ‪Ý‬ل¼ك‪Ý É‬أز‪ Ó‬ك‪Ý‬ى ل‪Ý‬ه» م‪ Ó‬إ¼ن الله‬
‫‪É‬خب¼ ي‪¼ ä‬بم‪É‬ا ي‪É‬ص‪Ó‬ن‪É‬ع»ون‪É ،Ý‬وق‪ Ô‬ل‪¼ á‬لل‪á‬م»ؤ‪Ó‬م¼ ن‪É‬ات¼ ‪É‬يغ‪Ó‬ض»ض‪Ó‬ن‪ É‬م¼ ن‪Ý Ó‬أب‪Ó‬ص‪É‬ار¼ه¼ن‪ Ì‬و‪É‬ي‪É‬ح‪Ó‬ف‪Ý‬ظ‪ á‬ن‪ É‬ف‪Ô‬ر»وج‪É‬ه» ن‪ Ì‬و*ل ي( ب'د‪-‬ين‬
‫‪-‬ن ع‪É‬ل‪Ý‬ى »جي»و¼به¼ن‪ Ì‬و‪É‬ل »يب‪Ó‬د¼ين‪ É‬ز¼ين‪É‬ت‪É‬ه»ن‪ Ì‬إ¼لا ¼لب»ع»ول‪¼Ý‬ته¼ن‬ ‫ز‪-‬ي*نت*ه( ن® ‪-‬إل¶ا م*ا ظ‪µ‬ه*ر* م‪-‬ن'ه*ا و‪É‬ل‪á‬ي‪É‬ض‪Ó‬ر¼ب‪Ó‬ن‪- É‬بخ(م(ر‪-‬ه ‪Ì‬‬
‫أ‪Ý‬و‪ Ó‬آب‪É‬ائ¼ه¼ن‪ Ì‬أ‪Ý‬و‪ Ó‬آب‪É‬اء¼ ب»ع»ول‪Ý‬ت¼ه¼ن‪ Ì‬أ‪Ý‬و‪ Ó‬أ‪ÓÝ‬بن‪É‬ائ¼ه¼ن‪ Ì‬أ‪Ý‬و‪ Ó‬أ‪Ý‬ب‪Ó‬ن‪É‬اء¼ ب»ع»ول‪Ý‬ت¼ه¼ن‪ Ì‬أ‪Ý‬و‪ Ó‬إ¼خ‪Ó‬و‪É‬ان¼ه¼ن‪ Ì‬أ‪Ý‬و‪É Ó‬بن¼ي ¼إخ‪Ó‬و‪É‬ان¼ه¼ن‪ Ì‬أ‪Ý‬و‪ Ó‬ب‪É‬ن¼ي‬
‫أ‪ Ý‬خ‪É‬و‪É‬ات¼ه¼ن‪ Ì‬أ‪Ý‬و‪¼ Ó‬ن س‪É‬ائ¼ه¼ن‪ Ì‬أ‪Ý‬و‪ Ó‬م‪É‬ا م‪É‬ل‪Ý‬ك‪ Ý‬ت‪ Ó‬أ‪Ý‬ي‪ Ó‬م‪É‬ان»ه»ن‪ Ì‬أ‪Ý‬و¼ ال ت‪Ì‬ا¼بع¼ي‪ É‬غ‪ Ý‬ي‪Ó‬ر¼ أ‪Ô‬و ل¼ي ا‪á‬لأ¼ر‪ Ó‬ب‪É‬ة¼ م¼ ن‪ É‬الر× ج‪É‬ال¼ أ‪Ý‬و‬
‫خف¼ ي‪ É‬م¼ن‬ ‫الط‪Ø‬ف‪ á‬ل¼ ال ذ¼ين‪Ý É‬ل م‪É Ó‬يظ‪ á‬ه‪É‬ر»وا ع‪ É‬ل‪Ý‬ى ع‪É‬و‪Ó‬ر‪É‬ات¼ الن× س‪É‬اء¼ و‪É‬ل ي‪ É‬ض‪Ó‬ر¼ب‪Ó‬ن‪ É‬ب¼أ‪Ý‬ر‪Ó‬ج»ل¼ه¼ن‪¼ Ì‬لي»ع‪Ó‬ل‪ Ý‬م‪ É‬م‪É‬ا ي» ‪Ó‬‬
‫ز¼ين‪É‬ت¼ه¼ن‪ Ì‬و‪É‬ت»وب»وا إ¼ل‪Ý‬ى الله¼ ‪É‬جم¼يعا‪ š‬أ‪Ý‬ي‪å‬ه‪É‬ا ا‪á‬لم»ؤ‪Ó‬م¼ن»ون‪ Ý‬ل‪Ý‬ع‪É‬لك‪Ô‬م‪» Ó‬تف‪á‬ل¼ح»ون‪ " ." (89) Ý‬ف‪Ý‬ل ت‪É‬خ‪Ó‬ض‪É‬ع‪Ó‬ن‪ É‬ب¼ا‪á‬لق‪Ý‬و‪Ó‬ل‬
‫‪Ý‬في‪É‬ط‪á‬م‪É‬ع‪ É‬الذ¼ي ف¼ي ق‪á Ý‬لب¼ه¼ م‪É‬ر‪É‬ض‪ " ." (90) ä‬و‪É‬ل ‪É‬تب‪É‬ر‪Ì‬ج‪Ó‬ن‪É É‬تب‪É‬ر‪å‬ج‪ É‬ا‪á‬لج‪É‬اه¼¼لي‪Ì‬ة¼ ا‪á‬لأ‪Ô‬ول‪Ý‬ى )‪" (91‬‬

‫هذا‪ ..‬أو الدمار!‬

‫‪ ()89‬سورة النور ]‪.[31 - 30‬‬


‫‪ ()90‬سورة الحزاب ]‪.[32‬‬
‫‪ ()91‬سورة الحزاب ]‪.[33‬‬

‫)‪(189‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫الدمار الرهيب الذي بدأ يهدد الغرب‪ ..‬ويؤذن غدا بتدمي البشرية!!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وتلك قضية ثابتة ل تتغي!‬

‫ثاب تة ل نا ل تن بع من تغ ي أ ساليب الن تاج‪ ،‬ول من الت طور القت صادي‬


‫والجتماعي والسياسي‪ ،‬ول من الت طور العل مي‪ ..‬أو أي لون من أ لوان الت طور‪ ..‬وثاب تة‬
‫لن كل " تطور " تقع فيه البشرية ل يول دون نتائجها التمية!‬

‫إ نا تن بع من الف طرة‪ .‬من مكو نات الن فس الب شرية‪ .‬من قوة ا لذب ب ي شقي‬
‫النسانية‪ .‬جذب إما أن ينظم‪ ..‬وإما أن ينفلت قياده بل نظام‪..‬‬

‫وكل دعاوى التطور‪ ..‬وكل النيات السنة الت تتعلق بأمل الوقوف عند " الد‬
‫العقول "‪ ..‬الوقوف قبل الاوية‪ ..‬اليلولة دون الندفاع الطر‪ ..‬الـ‪ ..‬الـ‪ ..‬كلها تقف‬
‫مذولة أمام شهادة القرن العشرين‪ ..‬وشهادة التاريخ‪.‬‬

‫وليست المور بالتمن‪..‬‬

‫إن ح قائق التار يخ وح قائق الف طرة أ مور جادة ل تت مل الع بث‪ ..‬ول تت مل‬
‫التضليل! وكذلك ل تتمل الخالفة!‬
‫)‪(92‬‬
‫سن‪¼ Ì‬ة الله¼ ‪É‬تب‪Ó‬د¼يل‪" š‬‬
‫" س»ن‪Ý Ì‬ة الله¼ ف¼ي الذ¼ي ‪É‬ن ‪É‬خل‪Ý‬و‪Ó‬ا م¼ن‪Ý Ó‬قب‪Ó‬ل‪ Ô‬و‪É‬ل‪Ý‬ن‪É Ó‬تج¼د‪ É‬ل¼ »‬

‫" إننا ل نستطع التمييز بي المنوع والشروع‪ .‬لقد نقضنا قواني الطبيعة فارتكبنا‬
‫بذلك الطيئة العظ مى‪ ،‬الطيئة ا لت ي عاقب مرتكب ها دائ ما‪ ..‬فال ياة ل تع طي إل إجا بة‬
‫واحدة حينما تستأذن ف السماح بارتياد الرض الرمة‪ ..‬هي إضعاف السائل‪ .‬ولذا فإن‬
‫الضارة آخذة ف النيار " ]ألكسس كاريل[‪.‬‬

‫‪ ()92‬سورة الحزاب ]‪.[62‬‬

‫)‪(190‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ينظم السلم اللقاء ‪ -‬الفطري ‪ -‬بي النسي ف علقة مشروعة هي الزواج‪.‬‬
‫بعد تر ي العل قات ا لخرى كلها‪ ،‬وترب ية ال فرد خلق يا ودين يا ع لى النفور من الفاح شة‬
‫والتقزز منها‪ ،‬وتنظيف التمع من الثيات غي العادية الت تعل الفضيلة مستحيلة‪ .‬فيمنع‬
‫التبج والرقاعة واللعة ولي الديث وفنون الغراء‪ ،‬ويوجد للناس ‪ -‬من النسي ‪-‬‬
‫أهدافا جادة بدل من تلك الهداف التافهة الصورة ف الغراء من جانب‪ ،‬والوقوع ف‬
‫الغراء من جانب آخر‪ ،‬من أجل التسلية والبهجة والتاع الرخيص! أهدافا جادة تشمل‬
‫إقامة الما عة الراشدة ا لت تن شد الق يم العليا و تاول تطبيقها ف ا لرض‪ ،‬ف عال الادة‬
‫و عال ا لروح‪ .‬ف التنظي مات القت صادية والجتماع ية والسيا سية والفكر ية والروح ية‪..‬‬
‫النظيفة التعالية‪ ..‬ولكل من النسي فيها نصيبه كما سيجيء‪.‬‬

‫وحي ينتظم اللقاء الفطري ف رباط الزواج القدس تنشأ السرة‪.‬‬

‫والسرة هي النظام الطبيعي الذي يلب الفطرة‪..‬‬

‫وقد أطلقها دركاي كلمة خبيثة ل يثبتها بدليل‪ ..‬وإنا تركها تشكك الناس ف‬
‫مقدساتم وف فطرتم‪ ،‬حي قال إن السرة ليست نظاما فطريا!!‬

‫وشهادة ألوف السني وعشراتا‪ ..‬ليست ف نظره ذات دللة! ول تشهد ‪ -‬ف‬
‫نظره ‪ -‬باتاه الفطرة!‬

‫وما البديل؟ ما البديل حي يصدر " العقل المعي " أمره ‪ -‬سبحانه! ‪ -‬بتحطيم‬
‫السرة والعدول عنها؟‬

‫البديل الوحيد هو الفوضى النسية‪ ..‬ودمار التمع ف آخر الطاف!‬

‫السرة هي الت تلب كل دوافع الفطرة‪ .‬دافع النس‪ .‬والرغبة ف النسل‪ .‬والرغبة‬
‫ف " الستحواذ "‪ .‬وف " المتداد " و " البوز "‪ .‬وف السكن والستقرار‪..‬‬

‫)‪(191‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وذ لك فوق أ نا ضرورة " فطر ية " لترب ية الط فال‪ ،‬ل تغ ن عن ها الا ضن ول‬
‫ا لدارس ول الترب ية المع ية ا لت تطبق ها الن ظم المع ية الدي ثة‪] .‬را جع شهادة ألك سس‬
‫كاريل ص ‪ 118‬من هذا الكتاب‪ ،‬وشهادة أ̂نا فرويد ف كتابا " أطفال بل أسر " حيث‬
‫تت حدث عن الختللت النف سية والع صبية ا لت تن شأ من و جود عدد كبي من الط فال‬
‫يشتركون ف أم واحدة هي الاضن الربية‪ ،‬ضد الفطرة الت تعل الطفل ف سنتيه الوليي‬
‫على القل ف حاجة إل أم كاملة ل يشركه أحد فيها[‪.‬‬

‫وإذ كانت السرة ضرورة ثابتة للبشرية‪ ،‬ل تلغيها تطورات النتاج ول تطورات‬
‫القت صاد ] حت وإن كانت تن حرف با ف ع صر من الع صور الفا سدة‪ ،‬ك ما حدث ف‬
‫اليونان القدية وف الغرب الديث[ فهي ف حاجة غلى نظام ثابت مثلها ينظم أركانا‬
‫ويرسي قواعدها‪ .‬وقد أعطاها السلم التشريع الثابت الذي يكفل استقرارها وتكنها‪.‬‬

‫أعطا ها ت شريعات الط بة وا لزواج والطلق وال ضانة والن فاق‪ .‬وال صلح‬
‫والصام‪ .‬والنشوز من أحد الزوجي‪ .‬كما حدد حقوق الزوج وحقوق الزوجة وحقوق‬
‫الط فال الاد ية والعنو ية‪ .‬و حدد " آداب " ال سرة‪ ،‬وآداب الت مع ك له تاه ال سرة‬
‫وعلقات الزواج‪..‬‬

‫وأع طى ذ لك ك له صفة الث بات‪ ..‬ل نا أمور مرتكنة مبا شرة ع لى الف طرة‪ .‬ع لى‬
‫ا لانب ال ثابت من الك يان الب شري‪ .‬ع لى و جود الر جل من طرف‪ ،‬وا لرأة من طرف‪،‬‬
‫والتجاذب الدائم بينهما الذي ل بد أن يفضي إل اللقاء‪.‬‬

‫و " التطور يون " يقو لون إن ن ظم ال سرة ل يوز أن ت كون ثاب تة‪ .‬ل نا ت تأثر‬
‫بالتطورات العلمية والقتصادية والجتماعية والسياسية‪..‬‬

‫ا لرأة ال يوم قد ا ستقلت اقت صاديا‪ .‬و صارت تع مل‪ .‬و صارت ا لدوات العلم ية‬
‫الديثة تيسر لا شئون النل‪ ،‬فلم تعد تشغل بالا ول وقتها كما كانت من قبل‪ ،‬ونشأ‬
‫ع ندها " فراغ " ل بد أن تق ضيه ف " الت مع " ب صورة من ال صور‪ ،‬وطا قة ل بد أن‬
‫توجه ها للن شاط " الجت ماعي "‪ .‬ك ما أن ال ستقلل القت صادي ل ي عل للر جل ذ لك‬
‫ال سلطان ا لذي أع طاه له ال سلم ]ا لذي ن شأ ف مت مع ‪ -‬ل نن سى! ‪ -‬م تأخر! بدوي‬
‫رعوي![‪ ..‬ال‪ ..‬ال‪.‬‬

‫وقد ناقشت تلك الدعاوى ف كتب سابقة‪ .‬ولكن ل بأس هنا بالزيد!‬

‫)‪(192‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫إن ال ستقلل القت صادي ا لذي ت فرح به ا لرأة الغرب ية الدي ثة‪ ،‬وا لذي كلف ها‬
‫ال صول عل يه أن ترج من دين ها وأخلق ها وتقال يدها‪ ،‬كانت ق ضية م سل¿مة ف الن ظام‬
‫السلمي ل تتاج إل جهاد‪ ..‬و‪ ..‬ل يترتب عليها إفساد السرة!‬

‫وإن " العمل " الذي اضطرت إليه الرأة الغربية اضطرارا‪ š‬اقتصاديا‪ ،š‬واضطرت فيه‬
‫كذلك إ ل الت نازل عن أخلق ها لتأ كل‪ ..‬حق أع طاه ال سلم لل مرأة‪ ..‬ول كن دون أن‬
‫يضطرها إل التبذل‪ ،‬ودون أن يقبل منها ‪ -‬أو من الرجل ‪ -‬ذلك التبذل‪.‬‬

‫ول كن ال سلم ل ي قم عل قات ال سرة ع لى ا ستقلل ا لرأة اقت صادي أو عدم‬


‫ا ستقللا‪ .‬ول ع لى خروج ها للع مل أو عدم خروج ها‪ .‬إ نا أقام ها ع لى أ سس الف طرة‪.‬‬
‫والفطرة ثابتة ل تتغي‪..‬‬

‫إن السلم ‪ -‬رغم إعطاء الرأة الستقلل القتصادي الكامل‪ ،‬ورغم تقرير حقها‬
‫‪ -‬عند التطبيق الواقعي ‪ -‬ف أن تعمل وترج إل " التمع " للضرورة‪ ..‬أقام السرة على‬
‫أساس أنا " أنثى " ل رجل! أنثى تقوم بالهمة الفطرية للنثى‪ ،‬وتتكيف نفسيا وعصبيا‬
‫بذه الهمة‪ ،‬وتتخصص لا‪ ،‬وتطلق فيها طاقتها اليوية وتبذل فيها نشاطها‪ .‬ث ترعاها‪.‬‬
‫ترعى نتاجها الطبيعي‪ ،‬وتنحها الو العاطفي الذي يسكها ويافظ على روابطها‪ .‬وكفل‬
‫لا مقابل ذلك أن يعولا الرجل ‪ -‬ل ليسلبها حق الستقلل القتصادي ]فهو مكفول[‬
‫ول لي سلبها حق الع مل ]ف هو مك فول كذلك ع ند ال ضرورة‪ .‬ضرورتا هي الفرد ية أو‬
‫حاجة التمع إليها[ ‪ -‬ولكن لكي ل تشغل بالا وأعصابا بإعالة نفسها وهي متزوجة وف‬
‫ك نف ر جل‪ ،‬حت ت توفر لا شحنتها الكام لة من أ جل مهمت ها القد سة‪ :‬مه مة الن تاج‬
‫الب شري ور عايته‪ .‬بين ما ين صرف الر جل للن تاج ا لادي ور عايته‪ ،‬متخص صا له‪ ،‬مطل قا‬
‫شحنته العصبية فيه‪.‬‬

‫وال غرب ا لديث ‪ -‬ب كم ظرو فه أو ب كم انرا فاته ‪ -‬قد أ ب ال ستماع ل نداء‬
‫الفطرة‪ ،‬وتنظيمها الطبيعي‪ ،‬وزعم أنه " سيطور " علقات السرة‪ ،‬ويطور وضع الرأة‪ ،‬بل‬
‫يطور كيان الرأة ذاتا من الداخل لتصبح ملوقا‪ š‬جديدا‪ š‬متطورا غي ما أرادته لا عصور‬
‫الظلم! ملوقا " مساويا " للرجل ف كل شيء‪ .‬كل شيء على الطلق!‬

‫فماذا كانت النتيجة؟‬

‫لنسمع هنا شهادة " العلم "‪ ..‬وهي جزء من شهادة القرن العشرين!‬

‫)‪(193‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫يقول ألكسس كاريل ف كتاب " النسان‪ ،‬ذلك الهول "‪:‬‬

‫" إن الختل فات الو جودة ب ي الر جل وا لرأة ل تأت من ال شكل ا لاص‬
‫للع ضاء التنا سلية‪ ،‬و من و جود الر حم وال مل‪ ،‬أو من طري قة التعل يم‪ .‬إذ أ نا ذات‬
‫طبيعة أكثر أهية من ذلك‪ ..‬إنا تنشأ من تكو•ن النسجة ذاتا‪ ،‬ومن تلقيح السم كله‬
‫بواد كيماوية مددة يفرزها البيض‪ ..‬ولقد أدى الهل بذه القائق الوهرية بالدافعي‬
‫عن النوثة‪ ،‬إل العتقاد بأنه يب أن يتلقى النسان تعليما[ واحدا[‪ ،‬وأن ينحا سلطات‬
‫واحدة ومسئوليات متشابة‪ ..‬والقيقة أن الرأة تتلف اختلفا كبي[ا عن الرجل‪ .‬فكل‬
‫خلية من خليا جسمها تمل طابع جنسها‪ .‬والمر نفسه صحيح بالنسبة لعضائها‪..‬‬
‫وفوق كل شيء بالنسبة لهازها العصب‪ .‬فالقواني الفسيولوجية غي قابلة للي‪ ،‬شأنا‬
‫شأن قواني العال الكوكب فليس ف المكان إحلل الرغبات النسانية ملها‪ .‬ومن ث‬
‫فنحن مضطرون إل قبولا كما هي‪ .‬فعلى النساء أن ينمي أهليتهن‪ ،‬تبعا[ لطبيعتهن‪،‬‬
‫دون أن ياولن تقليد الذكور‪ .‬فإن دورهن ف تقدم الضارة أسى من دور الرجال‪.‬‬
‫فيجب عليهن أل يتخلي عن وظائفهن الدودة " ]ص ‪.[114‬‬

‫"‪ ...‬وعلى أي حال يبدو أن النساء ‪ -‬من بي الثدييات ‪ -‬هن فقط اللئي يصلن‬
‫إل نوهن الكامل بعد حل أو اثني‪ .‬كما أن النساء اللئي ل يلدن لسن متزنات توازنا‬
‫كامل كالوا لدات‪ .‬ف ضل عن أ نن ي صبحن أ كثر ع صبية من هن‪ .‬صفوة ال قول أن و جود‬
‫الن ي‪ ،‬ا لذي تت لف أن سجته اختل فا كبيا‪ š‬عن أن سجة ا لم‪ ،‬ب سبب صغرها‪ ،‬ول نا ‪-‬‬
‫جزئيا‪ - š‬من أنسجة زوجها‪ ،‬يدث أثرا‪ š‬كبيا‪ š‬ف الرأة‪ .‬إن أهية وظيفة المل والوضع‬
‫بالن سبة ل لم ل تف هم حت ا لن بدر جة كاف ية‪ .‬مع أن هذه الوظي فة لز مة لكت مال نو‬
‫الرأة‪ .‬ومن ث فمن سخف الرأي أن نعل الرأة تتنكر للمومة‪ .‬ولذا يب أل تلقن الفتاة‬
‫التدريب العقلي والادي ول أن تبث ف نفسها الطامع الت يتلقاها الفتيان وتبث فيهم‪..‬‬
‫يب أن يبذل الربون اهتماما شديدا‪ š‬للخصائص العضوية والعقلية ف الذكر والنثى‪ .‬كذا‬
‫لوظائفه ما الطبيع ية‪ .‬فه ناك اختل فات ل تن قض ب ي الن سي‪ ،‬و لذلك فل م ناص من أن‬
‫نسب حساب هذه الختلفات ف إنشاء عال متمدين "‪] .‬ص ‪.[117 - 116‬‬

‫" أليس من العجيب أن برامج تعليم البنات ل تشتمل بصفة عامة على أية دراسة‬
‫مستفيضة للصغار والطفال‪ ،‬وصفاتم الفسيولوجية والعقلية؟ يب أن تعاد للمرأة وظيفتها‬
‫الطبيعية الت ل تشتمل على المل فقط‪ ،‬بل أيضا‪ š‬على رعاية صغارها "‪] .‬ص ‪.[368‬‬

‫)‪(194‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ت لك شهادة عال طبيب‪ ،‬ل يستمد " رجعي ته " من الفاهيم الدينية‪ ،‬ول كن من‬
‫حقائق العلم العملية!‬

‫وهذه شهادة طبيبة نسوية التقت با الدكتورة بنت الشاطئ ف النمسا‪ ،‬ونشرت‬
‫حديثها عنها ف جريدة الهرام بعنوان " جنس ثالث ف طريقه إل الظهور "‪:‬‬

‫"‪ ..‬شاءت الظروف أن أذهب ف عطلة الحد‪ ،‬لزيارة صديقة ل طبيبة بإحدى‬
‫ضواحي " فينا " ‪ -‬بعد أسبوع مرهق قضيناه بي أوراق البدى العربية ف دار الكتب ‪-‬‬
‫وكنت أحسب أن يوم الحد هو أنسب وقت لثل تلك الزيارة‪ .‬فما كان أشد عجب‬
‫حي فتحت ل صديقت باب بيتها معجلة‪ ،‬وف يدها " بطاطس " تقشره‪ .‬ث قادتن ف‬
‫لطف إل مطبخها لنأخذ ملسنا هناك‪.‬‬

‫ول يغب عنها ما شعرت به من دهشة فابتدرتن قائلة‪:‬‬

‫ما كنت تتوقعي هذا النظر‪ :‬طبيبة ف الطبخ‪ ،‬يوم الحد!‬

‫قلت ضاحكة‪ :‬أما العمل يوم الحد فربا فهمته‪ .‬وأما اشتغالك بالطبخ مع ما‬
‫أعرفه من إرهاق مهنتك‪ ،‬فهذا ما ل أنتظره‪.‬‬

‫فردت‪ :‬لو عك ست لك نت أ قرب إ ل ال صواب‪ .‬فالع مل ف عط لة ال حد هو‬


‫الستغرب عندنا‪ .‬لول أ نه فرصت الوح يدة لكي أقف هنا حيث ترين‪ .‬وأما اشتغال ف‬
‫الطبخ‪ ،‬فلعلي ل أتاوز به نطاق مهنت‪ .‬إذ هو من نوع العلج لالة قلق أعانيها وتعانيها‬
‫معي سيدات أخريات من الشتغلت بالعمال العامة‪.‬‬

‫ولا سألتها عن سر هذا القلق ‪ -‬مع استقرار الوضع الجتماعي للمرأة الغربية ‪-‬‬
‫أجابت بأن ذلك القلق ل صلة له بتاعب النتقال الفروضة على جيل الطليعة من نساء‬
‫ال شرق! وإ نا هو صدى شعور ب بدء ت طور جد يد يتو قع حدوثه عل ماء الجت ماع‬
‫والفسيولوجيا والبيولوجيا ف الرأة العاملة‪ ،‬وذلك لا حظوا من تغي بطيء ف كيانا‪ ،‬ل‬
‫يثر النت باه أول ا لمر‪ ،‬لول ما سجلته الح صاءات من ا طراد الن قص ف الوال يد ب ي‬
‫العاملت‪ .‬وكان الظنون أن هذا النقص اختياري مض‪ ،‬وذلك لرص الرأة العاملة على‬
‫التخفف من أعباء المل والوضع والرضاع‪ ،‬تت ضغط الاجة والستقرار ف العمل‪.‬‬
‫ولكن ظهر من استقراء الحصاءات أن نقص الواليد للزوجات العاملت‪ ،‬ل يكن أكثره‬

‫)‪(195‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫عن اختيار‪ ،‬بل عن عقم استعصى علجه‪ .‬وبفحص ناذج شت منوعة من حالت العقم‬
‫اتضح أنه ف الغالب ل يرجع إل عيب عضوي ظاهر‪ ،‬ما دعا العلماء إل افتراض تغي‬
‫طارئ على كيان النثى العاملة نتيجة لنصرافها الادي والذهن والعصب ‪ -‬عن قصد أو‬
‫غ ي ق صد ‪ -‬عن م شاغل المو مة‪ ،‬ودن يا حواء‪ ،‬وت شبثها ب ساواة الر جل‪ ،‬وم شاركته ف‬
‫ميدان عمله‪.‬‬

‫واستند علماء الحياء ف هذا الفرض ‪ -‬نظريا ‪ -‬إل قانون طبيعي معروف‪ ،‬وهو‬
‫أن " الوظيفة تلق العضو " ومعناها فيما نن فيه أن وظيفة المومة هي الت خلقت ف‬
‫حواء خصائص ميزة للنوثة‪ ،‬ل بد أن تضمر تدرييا بانصراف الرأة عن وظيفة المومة‬
‫واندماجها فيما نسميه " عال الرجل "‪.‬‬

‫" ث تابع العلماء هذا الفرض‪ ،‬فإذا التجارب تؤيده إل أبعد ما كان منتطرا‪ ،š‬وإذا‬
‫بم يعلنون ‪ -‬ف اطمئنان مقرون بشيء من التحفظ ‪ -‬عن قرب ظهور " جنس ثالث "‬
‫تضمر فيه خصائص النوثة الت رسختها المارسة الطويلة لوظيفة حواء‪.‬‬

‫وثارت اعتراضات‪ ..‬منها‪ :‬أن كثرة العاملت ينفرن من العقم ويشتهي الولد‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن التمع الديث يعترف بالعاملة الم ويمي حقها ف العمل‪ ،‬ويتيح لا بكم‬
‫القانون‪ ،‬فرصة المع بي شواغل المومة وواجبات العمل‪ .‬ومنها‪ :‬أن عهد الرأة بالروج‬
‫من دنياها الاصة ل يتعدى بضعة أجيال‪ ،‬على حي يبلغ عمر خصائص النوثة فيها ما ل‬
‫يصى من دهور وأحقاب‪.‬‬

‫وكان الرد على هذه العتراضات‪ :‬أن اشتهاء الزوجة العاملة للولد يالطه دائما‬
‫الوف من أعبائه‪ ،‬والشفاق من أثر هذه العباء على طمأنينة مكانا ف مل العمل‪ .‬ث إن‬
‫العتراف بالعاملة الم قلما يتم إل ف حدود ضيقة‪ ،‬تت ضغط القانون‪ .‬وما أكثر ما يد‬
‫أصحاب العمل فرصتهم لتفضيل غي المهات‪ .‬وأما قصر عهد الرأة بالروج‪ ،‬فيد عليه‬
‫بأن هذا ا لروج ‪ -‬ع لى قرب الع هد به ‪ -‬قد صحبه تن به حاد إ ل ال ساواة بالر جل‪،‬‬
‫وإ صرار عن يد ع لى الت شبه به‪ ،‬ما ع جل ب بوادر التغ ي‪ ،‬لع مق تأثي ف كرة ال ساواة ع لى‬
‫أعصاب الرأة‪ ،‬وقوة رسوخها ف ضميها‪.‬‬

‫وما يزال الهتمون بذا الوضوع يرصدون التغيات الطارئة على كيان النثى‪،‬‬
‫وي ستقرئون ف اهت مام بالغ دللت الر قام الح صائية لالت الع قم ب ي ال عاملت‪،‬‬
‫والعجز عن الرضاع لنضوب اللب‪ ،‬وضمور العضاء الخصصة لوظيفة المومة "‪.‬‬

‫)‪(196‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلك شهادة " العلم "‪ ..‬أو شهادة " الفطرة "!‬

‫إ نا ت قول شيئ‪š‬ا وا ضحا‪ š‬مددا‪ ..š‬إن ا لرأة ينب غي أن ت كون " أ نثى "‪ .‬وينب غي أن‬
‫تت فرغ لوظيفت ها الطبيع ية ا لول‪ ..‬الا مة‪ .‬الط ية‪ .‬القد سة‪ .‬ول تف ت عن ها بأ ية وظي فة‬
‫أخرى قد تستطيعها‪ ،‬وقد تتقنها‪ ،‬وقد تبذ فيها الرجال‪ ..‬ال‪ ،‬ولكنها ليست وظيفتها!‬
‫وليس من صالها هي ‪ -‬كامرأة ‪ -‬أن تستبدل با وظيفتها! كما أنه ليس من مصلحة‬
‫النوع البشري أن تتل وظائف النسي فيه‪ ،‬أو أن يتل كذلك تركيبهما العضوي‪ ،‬فوق‬
‫اختلل تركيبهما النفسي والعصب!‬

‫وتنظ يم ال سلم لل سرة قائم ع لى ت لك " الف طرة "‪ ..‬الثاب تة ا لت ل تت بدل إل‬
‫بالنراف‪ .‬وتلك نتائج النراف كما يرويها " العلم " الايد‪ ،‬الذي تشترك فيه الطبيبة‬
‫مع الطبيب!‬

‫ولكن الهم أن السلم ‪ -‬وهو ياري الفطرة ف تصيص الرأة لوظيفتها ‪ -‬ل‬
‫ي عل ذ لك ‪ -‬بأي شكل من ال شكال ‪ -‬و سية ل ستلب إن سانية ا لراة أو تقي ها أو‬
‫إهانتها‪ ..‬السلم! نن نتكلم عن متمع يتعامل بالسلم ل عن أي متمع منحرف يسيء‬
‫فهم السلم‪ ،‬أو يسيء استخدام السلطة الت منحها للرجل ف بعض الواضع‪ ،‬أو ل يترم‬
‫روحه ونصوصه الت تقول‪ " :‬و‪É‬ع‪É‬اش¼ر»وه»ن‪ Ì‬ب¼ال‪á‬م‪É‬ع‪Ó‬ر»وف¼ " )‪ (93‬وتقول‪ " :‬ب‪É‬ع‪Ó‬ض»ك‪Ô‬م‪ Ó‬م¼ن‪ Ó‬ب‪É‬ع‪Ó‬ض‬
‫" )‪ .(94‬وتقول " خيكم خيكم لهله ]أي لزوجته[ وأنا خيكم لهلي " )‪.(95‬‬

‫ث إن السلم‪ ،‬وهو يصص الرأة للسرة‪ ..‬لرعاية النتاج البشري‪ ..‬ل يضعها‬
‫هناك لنه يهمل كيانا أو ل يسب حسابا ف تنظيم الياة البشرية وتنظيم " التمع "!‬
‫كل! إنه يعهد إليها بصيانة قدس من أقداس السلم والتمع السلمي‪ .‬فالسرة ف نظر‬
‫السلم ‪ -‬وكذلك هي ف الواقع ‪ -‬هي الضن الذي يترب فيه الطفل‪ ،‬ويتشرب أخلق‬
‫السلم وعقائده وشرائعه‪ .‬وهذه الهمة الضخمة الطية الائلة‪ ،‬الت تترتب عليها كل‬

‫‪ ()93‬سورة النساء ]‪.[19‬‬


‫‪ ()94‬سورة آل عمران ]‪.[195‬‬
‫‪ ()95‬رواه الترمذي‪.‬‬

‫)‪(197‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫صورة الت مع القب لة ‪ -‬أي أخ طر ما ي سعى ال سلم إ ل إ قامته ‪ -‬موكو لة لل مرأة‪،‬‬


‫التخص صة لا‪ ،‬الكفو لة الرا حة في ها‪ ،‬و لذلك ل ي شغل أع صابا بال هام ا لخرى‪ ،‬ا لت‬
‫يستطيع الرجل أن يقوم با ول يستطيع أن يقوم بسواها! ول يشغل أعصابا بإعالة نفسها‬
‫و هي ت قوم بذه اله مة الط ية القد سة‪ ..‬ث ل يف سد أع صابا وكيا نا بتوجيه ها إ ل‬
‫مصارعة الرجل ف التمع ‪ -‬أو حت مصاحبته ‪ -‬بالصورة الت تولا ‪ -‬كما تقول الطبيبة‬
‫الخل صة لب نات جن سها ‪ -‬إ ل ج نس ثالث م عذب شقى ف طري قه إ ل تدمي خصائ صه‬
‫الذاتية!‬

‫أ ما ال فراغ الز عوم‪ ،‬ا لذي ت سعى ا لرأة الغرب ية الدي ثة إ ل ملئه بالع مل تارة‪،‬‬
‫وبالن شاط " الجت ماعي " تارة‪ ..‬والفساد ف الن تديات وأماكن اللهو و " الحتفالت "‬
‫تارة أ خرى‪ ..‬ف هو فراغ مفت عل‪ .‬ن شأ أول من إقا مة ن ظم اقت صادية واجتماع ية فا سدة‪،‬‬
‫وتوجيهات نفسية وخلقية فاسدة‪ .‬تتجه كلها إل تأخي الزواج وتأخي إناب الطفال‪ .‬ث‬
‫تقليل عدد الطفال‪ ..‬فينشأ الفراغ‪ ..‬الناف للفطرة‪ .‬ونشأ ثاني‪š‬ا من الظن الاطئ بأن أي‬
‫أحد غي الم يستطيع أن يقوم بالتربية ويعفي الم منها‪ ..‬فينشأ الفراغ‪ ..‬الناف للفطرة!‬

‫إن التربية " بالملة " ف الاضن وما أشبهها ترج أجيال شاذة منحرفة ناقصة‬
‫الدمية‪ ..‬ث إنا تشغل فتيات بدور المومة الصناعية وهن مرومات من المومة القة! ث‬
‫تقوم بركة بلوانية منونة غي عاقلة الدف‪ :‬تعمل الرأة لتكسب لتستطيع النفاق على‬
‫الاضنة الت ترب لا طفلها ف أثناء العمل!! وف الطريق‪ :‬يرم الطفل من أمه القيقية‪،‬‬
‫وترم الاضنة من المومة!!‬

‫مموعة عجيبة من الختللت‪ ..‬ل تدث إل ف قمة " الضارة! " الت يارسها‬
‫الغرب ف القرن العشرين!!‬

‫والسلم ‪ -‬كلمة ال إل الرض ‪ -‬حاشا أن يقع ف هذه الختللت‪ ،‬لرضاء‬


‫مشاعر منونة عند ماني!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ننتقل الن إل القضية الرابعة‪:‬‬

‫)‪(198‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫"خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها‪ ،‬وبث منهما رجال كثيا[ ونساء"‪.‬‬

‫إنا قضية التمع الكون من رجال ونساء‪ ،‬مشتقي ف الصل من النفس الواحدة‬
‫الت خلقها ال‪.‬‬

‫وقد أخذنا جزءا من هذه القضية فيما سبق حي تعرضنا لعلقة النسي ف داخل‬
‫التمع‪ .‬فالن نكمل الديث عنها فيما سوى علقة النس‪.‬‬

‫إن ت كون الت مع من ا لفراد‪ :‬من الر جال والن ساء‪ ،‬ق ضية ثاب تة ل نا ت ستند إ ل‬
‫حقيقة ثابتة ل تغيها تطورات العلم ول تطورات التاريخ‪.‬‬

‫وقد استلزم وجودها وجود علقات معينة ثابتة بي الفرد وبقية الفراد‪ .‬أي بي‬
‫الفرد والتمع‪.‬‬

‫ون بدأ بناقشة ت لك ال سطورة ا لت زعمها در كاي‪ ..‬أسطورة " العقل المعي "‬
‫الذي يكم الفراد بغي مقتضى فطرتم‪ ،‬ويفرض عليهم ما ل يرغبون فيه بطريقة القهر‬
‫الجت ماعي ا لذي ل ي لك ال فرد رده ول الت صرف ف يه‪ .‬إ نا أ سطورة عجي بة إن ل ن قل‬
‫كذلك خبيثة فقد انتهى منها كما رأينا إل أن السرة ليست فطرة ]أي أن البديل ‪ -‬وهو‬
‫الفوضى النسية ‪ -‬مكن الدوث بصورة طبيعية إذا أراد ذلك العقل المعي![ والدين‬
‫ليس فطرة ]أي أن البديل ‪ -‬وهو التحلل الدين ‪ -‬مكن الدوث بصورة طبيعية إذا أراده‬
‫الع قل الم عي[ وأن الر ية لي ست ظاهرة اجتماع ية معت لة! وإ نا هي ظاهرة اجتماع ية‬
‫طبيعية ومفيدة للمجتمع!! ]كتاب قواعد النهج ف علم الجتماع )ص ‪ 118‬من الترجة‬
‫العربية(‪ " :‬ومن ث تكاد تكون الرية الظاهرة الوحيدة الت تنطوي بصفة ل تقبل الشك‬
‫على جيع أعراض الظاهرة السليمة " ص ‪ " 119‬ولكن معن ذلك أيضا أننا نؤكد من‬
‫جهة أخرى أن الرية عامل ل بد منه لسلمة التمع‪ .‬وأنا جزء ل يتجزأ من كل متمع‬
‫سليم "![‪.‬‬

‫إن هذه السطورة كلها تقوم على شيء واحد‪ :‬أن النسان الفرد يقوم ف أثناء‬
‫وجوده ف " الماعة " بأعمال قد ل يرضى عنها أو يرغب فيها‪ .‬بل قد يستنكرها إذا‬
‫خل لنفسه فيما بعد!‬

‫)‪(199‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وهذه ‪ -‬ول شك ‪ -‬حقيقة! ولكن ما دللتها؟!‬

‫إن هؤلء ال سادة " العل ماء " الك بار يغف لون عن حقي قة " فطر ية " كبية‪ ،‬هي‬
‫ازدواج الطبيعة النسانية )‪ (96‬ويفسرون النسان دائما بأحد جانبيه دون الخر‪ ،‬ومن ث‬
‫يتمح لون ال سباب ل لوجه ا لخر ‪ -‬الو جود دائ ما ‪ -‬فيف سرونه بتف سي آ خر " خارج "‬
‫كيان النسان! فتارة يكون الادة‪ .‬وتارة يكون التمع‪ .‬وتارة يكون‪!...‬‬

‫إن من ال طوط التقاب لة ف الن فس الب شرية‪ :‬الفرد ية والماع ية‪ .‬وال سلبية‬
‫واليابية‪ .‬كلها موجود وجودا فطريا ف النسان‪ .‬كلها أصيل‪ .‬ليس أحدها مفروضا‬
‫على النسان من خارج كيانه‪ .‬وكلها يؤثر فيه‪ .‬وهو قابل للتأثر من كل طرفيه بصورة‬
‫فطرية‪ ،‬ل من طرف واحد فحسب‪.‬‬

‫والذي يعل النسان ف التمع يقوم بأعمال ل يرضى عنها كفرد‪ ،‬بل يستنكرها‬
‫حي يلو إل نفسه‪ ،‬ليس هو " القهر الجتماعي " ف كل حالة‪ ،‬وإنا هو ف كثي من‬
‫الالت " الشاركة الوجدانية "! أي الرغبة ‪ -‬الفطرية ‪ -‬ف مشاركة الخرين ولو على‬
‫حساب الكيان الفردي‪ ،‬لفترة من الوقت وليس كل الوقت!‬

‫وا لذي ي هدم د عوى در كاي‪ ،‬أن الق هر الجت ماعي ‪ -‬و هو حقي قة ف كثي من‬
‫الالت ‪ -‬ل يستطيع مهما أوت من قوة وضغط أن يلغي فطرة الفرد‪ .‬فطرة النسان‪.‬‬
‫وإن كبتها إل حي‪ .‬فكل الضغط الذي مارسته الشيوعية ل يستطع إلغاء النعة الفردية‬
‫للتم لك! فا ضطرت ال شيوعية إ ل ا لتراجع! ك ما أن " ال ثورات " هي الت عبي ا لدائم عن‬
‫رفض الضوع للقهر‪ .‬ومع أن الثورة ذاتا ظاهرة " جاعية " إل أنا ول شك تتجمع من‬
‫ن فوس ا لفراد‪ .‬بل قد ت بدأ ب فرد وا حد ثأئر‪ ،‬ي مˆع حوله ا لخرين‪ .‬يمع هم من دا خل‬
‫فطرتم‪ .‬من عدم رضاهم عن القهر‪.‬‬

‫فالماعية الت تطغى أحيانا على الفرد‪ .‬والسلبية الت تسكت أحيانا على القهر‪،‬‬
‫كلتاها نزعة فطرية‪ .‬ومن ث تصبح كل الظواهر الجتماعية ف النهاية فطرية‪ .‬سواء كانت‬
‫سليمة أو معت لة‪ .‬فالفطرة عر ضة لل نراف وعر ضة للع تدال‪ .‬ومن اع تدالتا وانرافا تا‬
‫تنشأ اعتدالت الفرد وانرافاته‪ ،‬واعتدالت التمع كذلك وانرافاته‪.‬‬

‫‪ ()96‬انظر فصل " طبيعة مزدوجة " ف كتاب الدراسات‪.‬‬

‫)‪(200‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫" الت مع " جزء من الف طرة‪ .‬الف طرة الثابتة‪ .‬والعلقة بي الفرد والت مع كذلك‬
‫ثاب تة ف عموم ها‪ .‬وكو نا تقل بت ف شت الع صور ذات اليم ي وذات ال شمال‪ ،‬فأ خذت‬
‫صورة فردية حادة أو جاعية حادة‪ ،‬ل يعن أنه ليس لا مقياس من الفطرة ول أنه مقياس‬
‫غ ي ثابت‪ .‬وإ نا يع ن ف قط أ نا ‪ -‬ك كل شيء ف الف طرة الب شرية ‪ -‬قاب لة لل نراف‬
‫كقابليتها للعتدال‪.‬‬

‫والقانون الثابت الذي ينبغي أن يكم علقة الفرد بالتمع‪ ،‬هو أنما ناشئان معا‬
‫من النفس الواحدة‪ .‬فليس أحدها " أقدس " من الخر‪ ،‬وليس لحدها حرمات أكثر من‬
‫الخر!‬

‫وعلى هذا الساس تصان حرمات الميع وحقوق الميع‪.‬‬

‫ومن ذلك نشأت ‪ -‬ف السلم ‪ -‬نظرية الدود أي العقوبات الددة من ال‪.‬‬
‫ونشأ كذلك ثبات هذه الدود‪.‬‬

‫إن العقو بة ف طبيعت ها‪ ،‬و ف ثبا تا‪ ،‬ت ضع لذه القي قة الثاب تة‪ :‬و هي أن الر جال‬
‫الكثيين والنساء ]الك̂وني للمجتمع[ منبثون من ذات النفس الواحدة‪ .‬ومن ث فحقوقهم‬
‫" النسانية " جيعا واحدة وحرماتم واحدة‪.‬‬

‫حرمة الدم‪ ،‬وحرمة العرض‪ ،‬وحرمة الال‪ ،‬حرمات متساوية‪ .‬وثابتة‪ .‬ل تغيها‬
‫التطورات‪.‬‬

‫وعقو بات ال عدوان ع لى حر مات ا لدم وال عرض وا لال كذلك عقو بات ثاب تة ل‬
‫تغيها التطورات‪.‬‬

‫ومن ث جاءت ف السلم عقوبات القتل ]وما دونه من جراح[ والزنا والسرقة‪.‬‬
‫والفساد ف الرض الذي يشمل الرائم السابقة جيعا ويزيد عليها فتنة الناس ف أمنهم‬
‫وعقيدتم‪.‬‬

‫)‪(201‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫أما عقوبة الردة فهي مرتبطة بالعقيدة ف ال‪ .‬وهي عنصر كذلك دائم وثابت ف‬
‫حياة البشرية‪.‬‬

‫وقد تدث كثيون عن " التطور " ف النظر إل العقوبة‪ ،‬وتذلق كثيون وهم‬
‫يشيون إل أباث علم النفس الديث ‪ -‬والتحليلي خاصة ‪ -‬ف طبيعة الرية‪ ،‬وأباث‬
‫علم الجتماع‪ ،‬وعلوم كثية أخرى تبحث ف هذا اليدان‪..‬‬

‫تدثوا كثيا وتذلقوا كثيا‪ ..š‬وقالوا عن العقوبات السلمية جهالت كثية!‬

‫ق سوة‪ .‬رجع ية‪ .‬تأخر‪ .‬عدم ا حترام إن سانية ال فرد‪ .‬الن ظرة النتقام ية ل الن ظرة‬
‫العلجية‪ ..‬ال‪ ..‬ال‪.‬‬

‫وف كتاب " النسان بي الادية والسلم " فصل كامل عن الرية والعقاب‪.‬‬
‫وف كتاب " قبسات من الرسول " فصل آخر بعنوان " ادرءوا الدود بالشبهات "‪ .‬ول‬
‫أملك هنا إل تلخيص الفكرة ف سطور‪.‬‬

‫إن كل " التطور " " والتقدم " " والتحضر " ل يستطع أن يضيف جديدا‪ š‬لفكرة‬
‫السلم! بل ل يصل بعد إل عدالة السلم‪ ،‬ونظرته التربوية والتوجيهية‪.‬‬

‫إن السلم ل يبدأ بالعقوبة!‬

‫ولكن يبدأ بوقاية التمع من أسباب الرية!‬

‫ث بعد ذلك ‪ -‬بعد أن يهيء الوقاية الطلوبة‪ .‬بعد أن ل يعود هناك دافع معقول‬
‫للجرية ‪ -‬يأخذ ف تطبيق العقوبة!‬

‫و مع ذ لك ‪ -‬فاحتيا طا‪ š‬من عدم التأ كد من ا ستحقاق الت هم للعقو بة ا ستحقاقا‬


‫كامل ‪ -‬يقول‪ :‬ادرءوا الدود بالشبهات‪ ،‬أي‪ :‬يفسر الشك ف صال التهم! ويقول‪" :‬‬
‫لن يطئ المام بالعفو خي من أن يطئ بالعقوبة )‪!" (97‬‬

‫‪ ()97‬حديث ذكره صاحب مصابيح السنة ف الصحاح‪.‬‬

‫)‪(202‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫فأية عدالة‪ !..‬وماذا أضاف التطور والتقدم والتحضر إل تلك القمم العالية‪ .‬بل‬
‫ماذا يكن أن يضيف؟! بل ماذا بلغ‪ ،‬وماذا يكن أن يبلغ؟!‬

‫" روي أن غلمانا لبن حاطب ابن أب بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مزينة‪ ،‬فأتى‬
‫بم عمر‪ ،‬فأقروا‪ ،‬فأمر كثي بن الصلت بقطع أيديهم‪ ،‬فلما ول رده‪ .‬ث قال‪ :‬أما وال لول‬
‫أن أعلم أنكم تستعملونم وتيعونم حت إن أحدهم لو أكل ما حرم ال عليه لل له‪،‬‬
‫لقطعت أيديهم‪ .‬ث وجه القول لبن حاطب ابن أب بلتعة فقال‪ :‬وأين ال إذ ل أفعل ذلك‬
‫لغرمنك غرامة توجعك! ث قال‪ :‬يا مزن بكم أريدت منك ناقتك؟ قال‪ :‬بأربعمائة‪ .‬قال‬
‫عمر لبن حاطب‪ :‬اذهب فأعطه ثانائة "!‬

‫ذلك هو السلم! إنه ل يوقع العقوبة على السارق ‪ -‬حي رأى أن " التمع "‬
‫هو الذي يدفعه إل السرقة ‪ -‬بل وقع العقوب ف الواقع على هذا التمع الظال مثل ف‬
‫صاحب رس ا لال! وذ لك ق بل الت شدق بالبحوث النف سية والب حوث الجتماع ية‬
‫والقتصادية بأكثر من ألف عام!‬

‫وعقوبات السلم كلها منظور فيها هذه النظرة‪ .‬وقاية التمع أول من أسباب‬
‫الرية‪ .‬بالتشريع والتوجيه معا‪ .‬ث النظر ف كل حالة مفردة للتأكد من دوافع الرية فيها‪.‬‬
‫ودرء العقوبة بالشبهة‪.‬‬

‫والهم هنا أن نثبت أن هذه الدود ثابتة‪ ،‬لنا ترتكز على عوامل ثابتة‪ .‬مع ما‬
‫فيها من " الرونة " السلمية الت تعلها تتسع لميع الالت‪ ،‬وتردها إل مقياس العدالة‬
‫الثابت ف جيع الحوال‪.‬‬

‫وقد مر بنا من قبل ف الديث عن القضية الثانية‪ :‬قضية وحدة البشرية وأخوتا‪،‬‬
‫كلم يدخل ف قضية الفرد والتمع‪ ،‬فيحسن أن نذكر به ف ظل القضيتي التداخلتي ف‬
‫حقيقة المر‪:‬‬

‫إن علقة التمعات ‪ -‬الناشئة من نفس واحدة ‪ -‬ليست علقة الصام والرب‪:‬‬

‫)‪(203‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫" و‪É‬ج‪É‬ع‪É‬ل‪á‬ن‪É‬اك‪Ô‬م‪ Ó‬ش»ع»وبا‪ š‬و‪ÝÉ‬قب‪É‬ائ¼ل‪ Ý‬ل‪-‬ت*ع*ار*́فوا " )‪ (98‬فالدف الخي هو التعارف‪ .‬هو السلم‬
‫الذي يدخل فيه الناس كافة‪ .‬التعارف بكل الوسائل الت تؤدي إليه‪.‬‬

‫والرمات تصان لميع الناس ل لطائفة دون طائفة ول لفرد دون فرد‪.‬‬

‫" م¼ن‪ Ó‬أ‪Ý‬ج‪Ó‬ل¼ ذ‪Ý‬ل¼ك‪ É‬ك‪ÉÝ‬تب‪Ó‬ن‪É‬ا ع‪É‬ل‪Ý‬ى ‪É‬بن¼ي إ¼س‪Ó‬رائي ‪Ý‬ل ‪Ý‬أن‪Ì‬ه» م‪É‬ن‪Ý Ó‬قت‪É‬ل‪ Ý‬ن‪É‬ف‪á‬سا‪ š‬ب¼غ‪É‬ي‪Ó‬ر¼ ‪É‬نف‪á‬س‪ Å‬أ‪Ý‬و‪Ý Ó‬فس‪É‬اد‪ Å‬ف¼ي‬
‫ا‪á‬لأ‪Ý‬ر‪ Ó‬ض¼ ف‪Ý Ý‬كأ‪Ý‬ن‪ Ì‬م‪É‬ا ق‪ÉÝ‬ت ل‪ Ý‬الن‪Ì‬ا س‪ É‬ج‪É‬م¼ي عا‪ š‬و‪É‬م‪ É‬ن‪ Ó‬أ‪Ó Ý‬حي‪É‬ا ه‪É‬ا ‪Ý‬فك‪Ý‬أ‪Ý‬ن‪ Ì‬م‪É‬ا أ‪Ó Ý‬ح ي‪É‬ا الن‪Ì‬ا س‪ É‬ج‪É‬م¼ي عا‪] (99) " š‬و هو‬
‫كذلك مكتوب على السلمي[‬

‫وضمانات التحقيق وضمانات العدالة ف القضاء تشمل كل أبناء النفس الواحدة‬


‫أيا كان لونم أو دينهم أو شعبهم أو قبيلتهم‪ .‬وأيا كانت العلقة بينهم وبي السلمي‪.‬‬
‫علقة حرب أو سلم‪ .‬وقد مرت بنا اليات الت نزلت لنصفة الرجل اليهودي‪ .‬والتوجيه‬
‫)‪(100‬‬
‫العام‪ " :‬و‪É‬ل ‪É‬يج‪Ó‬ر¼م‪É‬ن‪Ì‬ك‪Ô‬م‪É Ó‬شن‪É‬آن‪ Ô‬ق‪Ý‬و‪Ó‬م‪ Å‬ع‪É‬ل‪Ý‬ى أ‪Ý‬لا ت‪É‬ع‪Ó‬د¼ل‪Ô‬وا ا ‪Ó‬عد¼ل‪Ô‬وا ه»و‪ É‬أ‪Ý‬ق‪á‬ر‪É‬ب» ل¼لت‪Ì‬ق‪á‬و‪É‬ى "‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ت لك هي ا لمور الثاب تة ف ت شريعات ال سلم وتوجي هاته‪ ،‬وتنظي ماته للح ياة‬
‫البشرية‪.‬‬

‫وهي ثابتة لنا تقوم على جوانب ثابتة ف كيان النسان‪ ،‬ل يغي منها شيئا كل‬
‫التطورات العلمية والقتصادية والجتماعية والسياسية والنفسية‪.‬‬

‫إنا أعمق ف الفطرة من كل تطور‪ .‬وأثبت من كل تغيي‪..‬‬

‫ول يوز أن يدعنا أنا ل تأخذ هذه الصورة الثابتة ف الواقع البشري‪ ..‬فتفسي‬
‫ذلك كامن ف انرافات الفطرة ل ف تطورها‪.‬‬

‫‪ ()98‬سورة الجرات ]‪.[13‬‬


‫‪ ()99‬سورة الائدة ]‪.[32‬‬
‫‪ ()100‬سورة الائدة ]‪.[8‬‬

‫)‪(204‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫والفرق بي النراف والتطور يتبي من النتائج الت يؤدي كل منهما إليها‪.‬‬

‫التطور ‪ -‬الذي يتمشى مع الفطرة ‪ -‬يؤدي إل نتائج نافعة صالة‪ .‬أما النراف‬
‫‪ -‬ا لذي ي سي ضد ا تاه الف طرة ‪ -‬ف يؤدي إ ل ا لمراض النف سية والجتماع ية‪ .‬والع صبية‬
‫والعقلية‪ ..‬ال‪ .‬وإل الدمار‪.‬‬

‫وقد قالت لنا شهادة القرن العشرين ما فيه غناء؛ فقد بينت لنا بلء ما نشأ عن‬
‫انراف الفطرة ف المور الثابتة الت ل تقبل التطور‪ .‬وخاصة ف علقات النس ومقاييس‬
‫الخلق!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إ ل ه نا ك نا نت حدث عن ا لانب ال ثابت من الك يان الب شري‪ ،‬و عن الت شريع‬
‫السلمي الذي يقابله ويغطيه‪..‬‬

‫والن ننتقل إل الانب التطور ف حياة النسان‪ ،‬لنرى كيف يواجهه السلم‪.‬‬

‫إن " صورة " الياة البشرية تتغي تغيا واسع الدى ف كل حي نتيجة الحتكاك‬
‫الدائم بي العقل البشري والكون الادي‪ ..‬وينشأ عن ذلك تنظيمات جديدة وأحوال‪.‬‬

‫وقد بينا ف الفقرات السابقة أن هذا التغي ‪ -‬الذي نصفه بأنه واسع الدى ‪ -‬ل‬
‫يشمل جوانب معينة من الكيان البشري والياة البشرية‪ ،‬لنا ترتكز إل أسس عميقة ف‬
‫الف طرة غ ي قاب لة للتغ ي‪ ..‬إل بالنراف الذي يصيبها بأ شد الضرار‪ ،‬ويعرضها للدمار‪.‬‬
‫فالن نقول إنه يشمل كل الوانب الخرى ف النسان‪.‬‬

‫يشمل التقدم الادي والعلمي وتطور أساليب النتاج‪.‬‬

‫وي شمل " صورة " الت مع‪ ..‬هل هو مت مع ر عوي‪ .‬أو زرا عي‪ .‬أو صناعي‪ .‬أو‬
‫ذري‪ ..‬أو‪..‬‬

‫)‪(205‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ويشمل بالتال اقتصاديات هذا التمع‪ .‬وطبيعة الروابط والعلقات بي الالكي‬


‫وغي الالكي‪.‬‬

‫كما يشمل الصورة السياسية للمجتمع‪ .‬أي شكل الكومة وتنظيماتا‪.‬‬

‫وهذه المور كلها مرتبط بعضها ببعض‪ ،‬وإن ل يكن ‪ -‬كما أثبتنا من قبل ‪-‬‬
‫ترابط السببية الباشرة‪ .‬وإنا ترابط الواكبة والصاحبة والتأثي التبادل‪.‬‬

‫ولكنها كلها متغية‪ ..‬هذا هو الطابع الذي يشملها جيعا‪.š‬‬

‫العلم يكتشف ويترع على الدوام‪ .‬ول يكف عن هذه الهمة أبدا‪ š‬منذ مولده إل‬
‫هذه اللحظة‪ .‬فهو ينمو ناء دائما ‪ -‬إل ف فترات النراف حي يمل ويعقم ويكف عن‬
‫التجدد ‪ -‬ويضيف دائما‪ š‬حصيلة جديدة من العرفة‪.‬‬

‫وباختراعاته واكتشافاته يطور اللت والعدد والدوات‪ ..‬أي أساليب النتاج‪.‬‬


‫وتلك ‪ -‬كما رأينا من كلم جوليان هكسلي ‪ -‬فطرة‪ .‬ولكن " الصورة " الت تؤدي إليها‬
‫هذه الفطرة متغية على الدوام‪.‬‬

‫وح ي تت طور أ ساليب الن تاج تن شأ ن ظم اقت صادية جد يدة‪ .‬و صورة جد يدة من‬
‫التمع‪ .‬وصورة جديدة من الكومة‪ ..‬ويسي كل ذلك على سنة النمو الفطرية ف كيان‬
‫النسان‪.‬‬

‫ولكن‪ ..‬ل ينبغي أن ننسى أن إنشاء نظم اقتصادية جديدة ل يتوقف حتما على‬
‫تغي أساليب النتاج كما زعم التفسي الادي للتاريخ‪ .‬فقد رأينا كيف أنشأ السلم نظاما‬
‫اقت صادي‪š‬ا مت فردا‪ ،š‬غ ي م سبوق من ق بل‪ ،‬و هو ف ا لوقت ذا ته غ ي قائم ع لى أي ضرورة‬
‫اقتصادية ول على أي تطور ف أساليب النتاج! وكذلك أنشأ صورة جديدة للمجتمع‪،‬‬
‫وصورة جديدة للحكومة‪..‬‬

‫إنا يدث ‪ -‬ف العتاد ‪ -‬أن تتواكب التطورات كلها وتتصاحب‪ ..‬وينشأ عنها‬
‫تغيات دائمة ف صورة الياة البشرية‪ .‬وهذا هو الذي نناقشه ف هذه الفقرة‪ ،‬لنرى موقف‬
‫السلم من هذه التطورات‪.‬‬

‫)‪(206‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ك ما وا جه ال سلم ا لانب ال ثابت من الك يان الب شري بت شريعات وتوجي هات‬
‫تنا سبه وتتل قى م عه‪ ،‬ب يث ينطب قان انطبا ق‪š‬ا كامل ف كل ل ظة ]في ما عدا حالت‬
‫النراف بطبيعة الال‪ :‬حيث تفترق الصورة الطلوبة عن الصورة الواقعة بسبب النراف‬
‫ل بسبب التطور‪ .‬وينبغي ف تلك الالة إعادة المر إل وضعه الصحيح[‪ ..‬كذلك يواجه‬
‫السلم الانب التطور بتشريعات وتوجيهات تناسبه وتتلقى معه‪ ،‬بيث ينطبقان انطباقا‬
‫كامل ف كل لظة‪ ..‬ما عدا حالت النراف!‬

‫إن عمل ية الن مو العل مي وا لادي‪ ،‬والقت صادي والجت ماعي والسيا سي‪ ،‬عمل ية‬
‫فطر ية‪ .‬والتغ ي ا لدائم في ها ف طري و طبيعي‪ .‬ول كن ل يس مع ن هذا أن كل تغ ي يدث‬
‫يكون طبيعيا[ وملئما للفطرة! فالفطرة عرضة دائما للنراف حي يساء توجيهها ]أو‬
‫حي تترك بل توجيه صال![ وع ندئذ تن مو حقي قة‪ ،‬ولكنها تن مو نو‪š‬ا منحر فا‪ .š‬كالط فل‬
‫الذي ينمو بساق معوجة‪ .‬إنه ينمو‪ -‬كما تقتضي الفطرة أن ينمو ‪ -‬ولكن من يقول إن‬
‫نوه سليم؟!‬

‫إنما أمران معا ف ذات الوقت‪ :‬النمو‪ ..‬واستقامة النمو على الفطرة‪ .‬وهذا ما‬
‫يراعيه السلم!‬

‫بينا من قبل ف فصل " الثابت والتغي ف كيان النسان " حقيقة هامة نتاج هنا‬
‫إليها حاجة شديدة‪ ،‬هي أنه ‪ -‬حت ف الانب التغي من النسان ‪ -‬تتغي " الصورة " ول‬
‫يتغي " الوهر "‪ .‬ومؤدى ذلك أن " التطور " ل يكون سائبا‪ š‬منفلتا من كل رباط‪ ،‬يتجه‬
‫بسب هواه‪ ،‬أو بسب ما تقوده الظروف‪ .‬إنا ينبغي أن يكون له رباط من الفطرة‪ .‬رباط‬
‫يعل له هدفا‪ š‬صالا‪ š‬راشد‪š‬ا بانيا‪ š‬يتفق مع اتاه الفطرة السوية‪ .‬رباط ينع اللل والنراف‬
‫ف أثناء عملية النمو الفطرية‪.‬‬

‫التقدم العلمي تدفعه الرغبة الفطرية ف العرفة‪ .‬والعقل البشري يكتشف ويترع‬
‫ب قدار ما يوفقه ا ل ويف تح عل يه من طا قة العر فة‪ .‬ول كن الت طبيق العم لي ل قائق الع لم‬
‫الايدة‪ ..‬ليس أمرا‪ š‬مايدا‪ !š‬فالتطبيق يكن أن يتجه إل الي‪ ،‬ويكن أن يتجه إل الشر‪.‬‬
‫والفطرة السوية تستخدم العلم ف سبيل الي فقط‪ ،‬ول تستخدمه ف سبيل الشر‪ .‬لن‬
‫الشر ل يدمها‪.‬‬

‫)‪(207‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫والنمو الجتماعي والقتصادي والسياسي نو فطري‪ .‬ولكن له وجهي متقابلي‪.‬‬


‫أو وجوها‪ š‬شت تندرج تت اتاهي‪ .‬أحدها للخي والخر للشر‪ .‬والفطرة السوية تنمو ف‬
‫سبيل الي وتأب النمو النحرف ف سبيل الشر‪.‬‬

‫والنمو النفسي كذلك‪.‬‬

‫كل حركات النمو هذه فطرية‪ ،‬فينبغي أن تكمها الفطرة السليمة‪ .‬ومن ث ينبغي‬
‫أن يكون هناك " إطار عام " يشمل عملية النمو‪ ،‬وينعها من النراف‪ .‬وذلك بالضبط ما‬
‫يصنعه السلم!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إن ال سلم كل مة ا ل النهائ ية للب شرية‪ " :‬ا‪á‬ل ي‪É‬و‪Ó‬م‪ É‬أ‪Ý‬ك‪á‬م‪É‬ل‪ á‬ت» ل‪Ô Ý‬ك م‪ Ó‬د¼ين‪É‬ك‪ Ô‬م‪ Ó‬و‪É‬أ‪ÓÝ‬تم‪É‬م‪Ó‬ت‬
‫ع‪ÝÉ‬لي‪Ó‬ك‪Ô‬م‪ Ó‬ن¼ع‪Ó‬م‪É‬ت¼ي و‪É‬ر‪É‬ض¼يت» ل‪Ý‬ك‪Ô‬م» ال‪á‬أ¼س‪Ó‬لم‪ É‬د¼ينا‪ .(101) " š‬ول يكن لتمع الزيرة العربية وحدها‪.‬‬
‫ول لع هد الر سول و حده صلى ا ل عل يه و سلم‪ .‬ول لي بيئة أو ج يل مدد ع لى و جه‬
‫الرض‪.‬‬

‫وإنا للبشرية كافة‪ .‬وف جيع أعصرها‪ " :‬وما أرسلناك إل رحة للعالي " و "‬
‫العالي " لفظ يشمل الزمان والكان على أقصى اتساع‪ .‬بل حدود!‬

‫لذلك ل يضع السلم ‪ -‬ف المور التغية ‪ -‬أحكاما تفصيلية‪.‬‬

‫لقد وضع التشريعات التفصيلية الثابتة ف المور الثابتة ف أعماق الفطرة‪ .‬الت ل‬
‫تتغ ي‪ .‬أي ل ينب غي أن تتغ ي‪ .‬لن كل تغ ي في ها هو ا نراف ضار ب ياة الب شرية ]را جع‬
‫شهادة القرن العشرين![‬

‫أما المور التغية ‪ -‬ولو أن مبادئ الشريعة العامة تيط با وتشملها ‪ -‬فلم ترد‬
‫فيها أحكام تفصيلية عرضة لن تتحطم عند أول نو يدث ف التمع‪ ..‬وهو حادث ل‬
‫مالة!‬

‫‪ ()101‬سورة الائدة ]‪.[3‬‬

‫)‪(208‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫لو و ضع ت شريعات اقت صادية تف صيلية ثاب تة للمجت مع الر عوي القب لي‪ ،‬لطم ها‬
‫النمو الزراعي‪ ،‬ث النمو الصناعي‪ ،‬وجعلها غي صالة للستعمال‪ .‬ولكان ذلك ف الوقت‬
‫نفسه قيدا يعوق التمع عن النمو الفطري الصحيح‪.‬‬

‫و لو و ضع صورة مددة ل شكل الكو مة‪ ،‬مف صلة ع لى قد الكو مة " الدي نة "‬
‫مدي نة الر سول صلى ا ل عل يه و سلم‪ ،‬أو ع لى قد الز يرة العرب ية القري بة الع هد بالن ظام‬
‫القبلي‪ ،‬لا صلحت هذه الكومة لتمع الزيرة العربية ذاته بعد جيل واحد من الزمان‪،‬‬
‫بعد الفتوح والمتداد‪ ،‬والحتكاك بشت النظم والضارات‪ ،‬ونو الاجات‪..‬‬

‫وحاشا ل أن يكون نظامه الدائم عرضة لذه الضطرابات‪..‬‬

‫وإنا كان موقف السلم من هذا المر‪ ،‬هو موقفه ف كل أمر‪ ..‬الطابقة الكاملة‬
‫مع الفطرة!‬

‫" إ طار " ثابت ي سمح ب كل أ نواع الن مو الف طري ال صحيح‪ .‬وأ سس عا مة تدد‬
‫التاه وتعي الطريق وتنع النراف‪ .‬وتسمح بأشكال متعددة تقوم كلها على القواعد‬
‫الكل ية وال بادئ الثاب تة‪ ،‬ك ما ت قوم ع لى ال صائص الم يزة للن ظام ال سلمي‪ ،‬ا لت تفر قه‬
‫وتيزه عن النظمة الت وضعها البشر لنفسهم‪.‬‬

‫و سنرى‪ ،‬ب شيء من التف صيل‪ ،‬ك يف كان مو قف ال سلم من الن مو العل مي‪،‬‬
‫والنمو القتصادي والجتماعي والسياسي‪ ،‬والنمو " الضاري " على وجه الجال‪.‬‬

‫فأما النمو العلمي‪ ،‬فلم يكن القرآن ‪ -‬كما يلو لبعض ذوي النوايا الطيبة ف هذه‬
‫ال يام أن يت صور! ‪ -‬ل ي كن لي حوي " نطر يات " علم ية‪ ،‬ف الطبي عة والكيم ياء والف لك‬
‫والذرة والصواريخ‪ .‬وليس من شأنه أن يفعل!!‬

‫إ نا شأنه أن يوجه الن مو العل مي با ين فع الف طرة ويلئم ها‪ ..‬وذ لك ما حدث‬
‫بالفعل‪.‬‬

‫)‪(209‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫لقد أشار القرآن إل طاقة العرفة‪ " :‬و‪É‬ع‪É‬ل م‪ É‬آد‪ É‬م‪ É‬ا‪á‬لأ‪ Ý‬س‪Ó‬م‪É‬اء‪ ë‬ك‪Ô‬له‪É‬ا " )‪ (102‬وأشار إل‬
‫وجوب التعلم‪ " :‬اق‪á‬ر‪É‬أ‪ á‬ب¼اس‪Ó‬م¼ ر‪É‬ب×ك‪ É‬الذ¼ي خ‪ÝÉ‬لق‪É ،É‬خل‪Ý‬ق‪ É‬ا‪á‬لأ¼ن‪Ó‬س‪É‬ان‪ Ý‬م¼ن‪ Ó‬ع‪É‬ل‪Ý‬ق‪ ،Å‬اق‪á‬ر‪É‬أ‪ á‬و‪É‬ر‪É‬ب‪å‬ك‪ É‬ال‪á‬أ‪Ý‬ك‪á‬ر‪É‬م»‪،‬‬
‫الذ¼ي ع‪É‬لم‪ É‬ب¼ا‪á‬لق‪Ý‬ل‪Ý‬م¼‪ ،‬ع*ل¶م* ا‪š‬لأ‪-‬ن'س*ان‪ µ‬م*ا ‪µ‬لم' *يع'ل‪µ‬م " )‪.(103‬‬

‫ث أوجب تدبر آيات ال ف الكون والتعرف عليها‪ " :‬إ¼ن ف¼ي خ‪á É‬ل ق¼ ال س‪Ì‬م‪É‬او‪É‬ات‬
‫و‪É‬ال‪á‬أ‪Ý‬ر‪ Ó‬ض¼ و‪É‬اخ‪Ó‬ت¼ل ف¼ اللي‪ Ó‬ل¼ و‪É‬الن‪ Ì‬ه‪É‬ار¼ و‪É‬ال‪á‬ف‪á Ô‬لك¼ الت¼ي ‪É‬تج‪Ó‬ر¼ي ف¼ي ا‪á‬لب‪ É‬ح‪Ó‬ر¼ ب¼م‪É‬ا ‪É‬ين‪Ó‬ف‪ Ý‬ع» الن‪Ì‬ا س‪ É‬و‪É‬م‪É‬ا أ‪Ý‬ن‪Ó‬ز‪É‬ل‬
‫الل ه» م¼ ن‪ É‬ال س‪Ì‬م‪É‬اء¼ م¼ ن‪ Ó‬م‪É‬اء‪Ý Å‬فأ‪Ý‬ح‪ Ó‬ي‪É‬ا ب¼ ه¼ ا‪á‬لأ‪Ý‬ر‪ Ó‬ض‪É É‬ب ع‪Ó‬د‪ É‬م‪É‬و‪Ó‬ت¼ ه‪É‬ا و‪É‬ب‪É‬ث ف¼ي ه‪É‬ا م¼ ن‪ Ó‬ك‪ Ô‬ل‪ Ø‬د‪É‬ا ب‪Ì‬ة‪ Å‬و‪É‬ت‪ É‬ص‪Ó‬ر¼يف‬
‫سم‪É‬اء¼ و‪É‬ال‪á‬أ‪Ý‬ر‪Ó‬ض¼ ل‪µ‬آيات· ‪-‬لق‪µ‬و'م· ي*ع'ق‪́-‬لون " )‪.(104‬‬ ‫سخ‪Ì‬ر¼ ‪É‬بي‪Ó‬ن‪ É‬ال ‪Ì‬‬ ‫سح‪É‬اب¼ ال‪á‬م» ‪É‬‬ ‫ح و‪É‬ال ‪Ì‬‬
‫الر×ي‪É‬ا ¼‬

‫وأو جب ال شي ف ا لرض والب حث عن رزق ا ل في ها‪ " :‬ه»و‪ É‬ال ذ¼ي ج‪É‬ع‪ É‬ل‪ Ý‬ل‪Ý‬ك‪Ô‬م‬
‫ا‪á‬لأ‪Ý‬ر‪Ó‬ض‪ É‬ذ‪Ý‬ل‪Ô‬ول‪ š‬ف‪µ‬ام'ش(وا ف‪-‬ي م*ن*اك‪-‬ب‪-‬ه*ا و‪É‬ك‪Ô‬ل‪Ô‬وا م¼ن‪ Ó‬ر¼ز‪Ó‬ق¼ه¼ " )‪.(105‬‬

‫وأعلم النسان ‪ -‬ف ظل هذا التوجيه كله ‪ -‬أن السماوات والرض ‪ -‬با تويان‬
‫من موجودات وطاقات ‪ -‬مسخرة للنسان بأمر ال‪ " :‬و‪É‬س‪É‬خ‪Ì‬ر‪ É‬ل‪Ô Ý‬كم‪ Ó‬م‪É‬ا ف¼ي الس‪Ì‬م‪É‬او‪É‬ات¼ و‪É‬م‪É‬ا‬
‫ف¼ي ال‪á‬أ‪Ý‬ر‪Ó‬ض¼ ج‪É‬م¼يعا‪ š‬م¼ن‪Ó‬ه» " )‪ .(106‬فعليه إذن أن يسعى إل تقيق هذا التسخي بالفعل‪ :‬بالعلم‬
‫]التعرف على قواني الكون الت يسيه ال بقتضاها[ والتطبيق ]الشي ف مناكب الرض‬
‫والكل من رزقه ‪.[Å‬‬

‫ومن تلك النقطة‪ .‬من هذا التوجيه‪ .‬انطلق العقل السليم يرتاد الكون‪.‬‬

‫العقل الذي كان ف جاهلية العرب ل يتجه إل العلم إطلقا‪ ..‬كل هه أن ينظم‬
‫شعرا‪ š‬جزل مصقول رصينا‪ ،‬يضمنه على الكثر بعض " الكم " النظرية‪ ..‬انطلق ف عال‬
‫الواقع ينشئ أكب حركة علمية ف تاريخ الرض إل ما قبل العصر الديث‪ ..‬ويكفي أن‬
‫يكون هو الذي أنشأ الذهب التجريب الذي تقوم عليه كل فتوحات العصر الديث!‪:‬‬

‫يقول " بريفولت " ف كتاب " بناء النسانية " ‪:Making of Humanity‬‬
‫‪ ()102‬سورة البقرة ]‪.[31‬‬
‫‪ ()103‬سورة العلق ]‪.[5 - 1‬‬
‫‪ ()104‬سورة البقرة ]‪.[164‬‬
‫‪ ()105‬سورة اللك ]‪.[15‬‬
‫‪ ()106‬سورة الاثية ]‪.[13‬‬

‫)‪(210‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫" ل قد كان الع لم أ هم ما جادت به الضارة العرب ية )‪ (107‬ع لى ال عال ا لديث‪،‬‬


‫ولكن ثاره كانت بطيئة النضج‪ ..‬إن العبقرية الت ولدتا ثقافة العرب ف أسبانيا‪ ،‬ل تنهض‬
‫ف عنفوانا إل بعد وقت طويل على اختفاء تلك الضارة وراء سحب الظلم؛ ول يكن‬
‫الع لم و حده هو ا لذي أ عاد إ ل أور با ال ياة‪ .‬بل إن مؤثرات أ خرى كثية من مؤثرات‬
‫الضارة السلمية بعثت باكورة أشعتها إل الياة الوربية‪ .‬فإنه على الرغم من أنه ليس‬
‫ثة ناح ية وا حدة من نواحي الزد هار ا لورب إل وي كن إر جاع أ صلها إ ل مؤثرات‬
‫الثقا فة ال سلمية ب صورة قاط عة‪ ،‬فإن هذه ا لؤثرات تو جد أو ضح ما ت كون‪ ،‬وأ هم ما‬
‫تكون‪ ،‬ف نشأة تلك الطاقة الت تكون ما للعال الديث من قوة متمايزة ثابتة‪ ،‬وف الصدر‬
‫القوي لزدهاره‪ :‬أي ف العلوم الطبيعية‪ ،‬وروح البحث العلمي‪.‬‬

‫‪ ...‬وإن ما يدين به علمنا لعلم العرب ليس فيما قدموه إلينا من كشوف مدهشة‬
‫لنظر يات مبت كرة‪ .‬بل يدين هذا الع لم إ ل الثقا فة العرب ية ]يق صد ال سلمية![ بأكثر من‬
‫هذا‪ :‬إنه يدين لا بوجوده نفسه‪ .‬فالعال القدي ‪ -‬كما رأينا ‪ -‬ل يكن للعلم فيه وجود‪.‬‬
‫وعلم النجوم عند اليونان ورياضياتم كانت علوما أجنبية‪ ،‬استجلبوها من خارج بلدهم؛‬
‫وأخذوها عن سواهم‪ ،‬ول تتأقلم ف يوم من اليام‪ ،‬فتمتزج امتزاجا كليا بالثقافة اليونانية‪.‬‬
‫وقد نظم اليونان الذاهب وعمموا الحكام ووضعوا النظريات‪ .‬ولكن أساليب البحث ف‬
‫دأب وأ ناة‪ ،‬وج يع العلو مات الياب ية وتركيز ها‪ ،‬والنا هج التف صيلية للع لم‪ ،‬واللح ظة‬
‫الدقيقة الستمرة‪ ،‬والبحث التجريب‪ ..‬كل ذلك كان غريبا تاما عن الزاج اليونان‪ .‬أما ما‬
‫ندعوه " الع لم " ف قد ظ هر ف أور با نتي جة لروح من الب حث جد يدة‪ ،‬ول طرق من‬
‫الستق صاء م ستحدثة‪ ،‬من طرق التجر بة واللح ظة وال قاييس‪ ،‬ولت طور الريا ضيات إ ل‬
‫صورة ل يعرفها اليونان‪ ..‬وهذه الروح‪ ،‬وتلك الناهج العلمية‪ ،‬أدخلها العرب إل العال‬
‫الورب )‪" (108‬‬

‫ويقول الؤلف نفسه‪:‬‬

‫‪ ()107‬يقصد الضارة السلمية كما قال فيما بعد‪ .‬ذلك أن التاريخ ل يعرف للعرب حضارة متميزة إل‬
‫بالسلم‪ .‬كما أن الضارة السلمية ل تكن قط حضارة للعرب كجنس‪ .‬إنا كانت نتاج السلم‬
‫ذا ته من ج يع العنا صر ال سلمة ا لت دخ لت ف ال سلم‪ .‬و هي ت مل طابع ال سلم ل طابع ال عرب‪.‬‬
‫والعرب عنصر واحد من العناصر الكثية الت صنعت هذه الضارة‪.‬‬
‫‪ ()108‬عن كتاب " تديد الفكر الدين ف السلم " تأليف ممد إقبال وترجة عباس ممود ص ‪- 149‬‬
‫‪.150‬‬

‫)‪(211‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫" وإن " روجربيكون " درس اللغة العربية والعلم العرب ف مدرسة " أكسفورد "‬
‫ع لى خل فاء معلم يه ال عرب ف ال ندلس‪ .‬ول يس " لروجربي كون " ول سيه " فرن سيس‬
‫بيكون " الذي جاء بعده‪ ،‬الق ف أن ينسب إليهما الفضل ف ابتكار النهج التجريب‪ ،‬فلم‬
‫ي كن روجربي كون إل ر سول من ر سل الع لم والنهج ال سلميي إ ل أور با السيحية‪.‬‬
‫و هو ل يل قط من الت صريح بأن تع لم معاصريه للغة العرب ية وع لوم ال عرب هو الطر يق‬
‫الوحيد للمعرفة القة‪ .‬والناقشات الت دارت حول واضعي النهج التجريب هي طرف من‬
‫التحريف الائل لصول الضارة الوربية‪ .‬وقد كان منهج العرب ف عصر " بيكون " قد‬
‫انتشر انتشارا واسعا‪ ،‬وانكب الناس ف لف على تصيله ف ربوع أوربا‪.‬‬

‫ومن أين استقى " روجربيكون " ما حصله من العلوم؟‬

‫من الامعات السلمية ف الندلس‪ .‬والقسم الامس من كتابه ) ‪(Cepus Majus‬‬


‫الذي خصصه للبحث ف البصريات‪ ،‬هو ف حقيقة المر نسخة من كتاب الناظر لبن‬
‫اليثم )‪." (109‬‬

‫ويقول دريب الستاذ بامعة نيويورك ف كتابه " الناع بي العلم والدين "‪:‬‬

‫" تقق علماء السلمي من أن السلوب العقلي النظري ل يؤدي إل التقدم؛ وأن‬
‫المل ف وجدان القيقة يب أن يكون معقودا بشاهدة الوادث ذاتا‪ .‬ومن هنا كان‬
‫شعارهم ف أباثهم السلوب التجريب والدستور العملي السي‪.‬‬

‫وإن نتائج هذه الركة العملية تظهر جلية ف التقدم الباهر الذي نالته الصنائع ف‬
‫عصرهم‪ ،‬وإننا لندهش حي نرى ف مؤلفاتم من الراء العلمية ما كنا نظنه من نتائج‬
‫العلم ف هذا العصر‪ .‬ومن ذلك أن مذهب النشوء والرتقاء للكائنات العضوية ‪ -‬الذي‬
‫يعتب مذهبا حديثا ‪ -‬كان يدرس ف مدارسهم‪ .‬وقد ذهبوا فيه إل أبعد ما وصلنا إليه‪.‬‬
‫وذ لك بت طبيقه ع لى الوا مد وال عادن )‪ ..(110‬و قد ا ستخدموا ع لم الكيم ياء ف ال طب‪،‬‬
‫ووصلوا ف علم اليكانيكا إل أنم عرفوا وحددوا قواني سقوط الجسام‪ .‬وكانوا عارفي‬
‫كل العرفة بعلم الركة‪ .‬ووصلوا ف نظريات الضوء والبصار إل أن غيوا الرأي اليونان‬
‫القائل بأن البصار يصل بوصول شعاع من البصر إل السم الرئي‪ ،‬وقالوا بالعكس‪.‬‬

‫‪ ()109‬الصدر السابق ص ‪.148‬‬


‫‪ ()110‬راجع الامشة ف ص ‪.28‬‬

‫)‪(212‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وكانوا يعرفون ف نظريات انعكاس الشعة وانكسارها‪ .‬وقد اكتشف " السن ابن اليثم‬
‫" الشكل النحن الذي يأخذه الشعاع ف سيه من الو‪.‬‬

‫وأثبت بذلك أننا نرى القمر والشمس قبل أن يظهرا حقيقة ف الفق‪ ،‬وكذلك‬
‫نراها ف الغرب بعد أن يغيبا بقليل" )‪.(111‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وهذا يكفي لثبات طبيعة الركة العلمية الت نشأت ف ظل السلم‪ ،‬والت حوى‬
‫القرآن " إطارها " التوجيهي‪ ،‬ول يكن ليحوي تفاصيلها لنا متغية على الدوام‪.‬‬

‫إ نا يهم نا في ها أن ن شي إ ل أن ال سلم كان يوجه الر كة العلم ية ف طر يق‬


‫الي‪ ،‬ويعصمها من النراف الذي يارسه العلم ف ظل الضارة الغربية‪ ،‬حيث تستغله‬
‫ال شياطي ف إف ساد أخلق ا لمم وا لفراد‪ ،‬و تدمي مقد ساتم‪ ،‬و حل روابط هم وإ شاعة‬
‫التفاهة ف نفوسهم‪ ،‬بتأثي السينما والذاعة والتليفزيون والصحافة‪ ..‬ث يستغل ف إنتاج‬
‫الدمار على نطاق واسع‪ ،‬بينما العال يهدده الفناء بالوع‪ ،‬والطاقة الذرية ‪ -‬الت تستخدم‬
‫للدمار ‪ -‬هي وحدها ‪ -‬ف الوقت الاضر ‪ -‬الت كان يكن أن تزيد إنتاجية الرض من‬
‫الغذاء لسد الفواه الائعة السكينة!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وف النمو الجتماعي والقتصادي والسياسي كذلك‪..‬‬

‫إطار عام يسمح بانفساح الصورة‪ .‬ولكنه ل يسمح بانراف الصورة!‬

‫أ شار ال قرآن إ ل نو " ال مة " ال سلمية من ق بائل متفر قة مت ناحرة إ ل " أ‪ Ô‬مة "‬
‫موحدة الدف مترابطة الكيان‪:‬‬

‫‪ ()111‬عن كتاب السلم دين العلم الالد لفريد وجدي‪.‬‬

‫)‪(213‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫حب‪ Ó‬ل¼ الل ه¼ ج‪É‬م¼ي عا‪ š‬و‪É‬ل ت‪É‬ف‪Ý‬ر‪ Ì‬ق‪Ô‬وا و‪É‬اذ‪ á‬ك‪Ô‬ر»وا ¼نع‪Ó‬م‪ É‬ت‪ É‬الل ه¼ ع‪É‬ل‪ÓÝ‬يك‪ Ô‬م‪ Ó‬إ¼ذ‪ á‬ك‪ÓÔ‬نت»م‬ ‫" و‪É‬اع‪Ó‬ت‪ É‬ص¼م»وا ب¼ ‪É‬‬
‫حت»م‪ Ó‬ب¼¼نع‪Ó‬م‪É‬ت¼ه¼ إ¼خ‪Ó‬و‪É‬ان‪š‬ا و‪Ô É‬كن‪Ó‬ت»م‪ Ó‬ع‪É‬ل‪Ý‬ى ش‪É‬ف‪Ý‬ا »حف‪á‬ر‪É‬ة‪ Å‬م¼ن‪ É‬الن‪Ì‬ار¼ ف‪ÝÝ‬أن‪Ó‬ق‪Ý‬ذ‪Ý‬ك‪Ô‬م‬
‫أ‪Ý‬ع‪Ó‬د‪É‬اء‪ é‬ف‪Ý‬أ‪Ý‬لف‪ É‬ب‪ÓÉ‬ين‪Ô É‬قل‪Ô‬وب¼ك‪Ô‬م‪ Ó‬ف‪Ý‬أ‪Ý‬ص‪Ó‬ب‪Ó É‬‬
‫)‪(112‬‬
‫"‪.‬‬ ‫م¼ن‪Ó‬ه‪É‬ا ك‪Ý‬ذ‪¼Ý‬لك‪» É‬يب‪É‬ي× »ن الله» ‪Ý‬لك‪Ô‬م‪ Ó‬آي‪É‬ات¼ه¼ ل‪Ý‬ع‪É‬لك‪Ô‬م‪É Ó‬ته‪Ó‬ت‪É‬د»ون‪Ý‬‬

‫وأشار إل مقومات هذه المة‪ ،‬وأسس حياتا وخصائص نظامها‪.‬‬

‫" ك‪Ô‬ن‪»Ó‬تم‪ Ó‬خ‪É‬ي‪Ó‬ر‪ É‬أ‪Ô‬م‪Ì‬ة‪ Å‬أ‪Ó Ô‬خر¼ج‪É‬ت‪ Ó‬ل¼لن‪Ì‬اس¼ ت‪É‬أ‪á‬م»ر»ون‪ Ý‬ب¼ال‪á‬م‪É‬ع‪Ó‬ر»وف¼ و‪É‬ت‪ÓÉ‬نه‪É‬و‪Ó‬ن‪ Ý‬ع‪É‬ن¼ ا‪á‬لم»ن‪Ó‬ك‪Ý‬ر¼ و‪»É‬تؤ‪Ó‬م¼ن»ون‬
‫ب¼الله¼ )‪." (113‬‬

‫" و‪É‬ل‪á‬ت‪É‬ك‪ Ô‬ن‪ Ó‬م¼ن‪Ó‬ك‪ Ô‬م‪ Ó‬أ‪ Ô‬م‪Ì‬ة‪ ê‬ي‪É‬د‪Ó‬ع»ون‪ Ý‬إ¼ ل‪Ý‬ى ا‪á‬لخ‪ É‬ي‪Ó‬ر¼ و‪ É‬ي‪É‬أ‪á‬م»ر»ون‪ Ý‬ب¼ال‪á‬م‪É‬ع‪Ó‬ر»وف¼ و‪É‬ي‪ÓÉ‬ن ه‪É‬و‪Ó‬ن‪ Ý‬ع‪ É‬ن¼ ا‪á‬لم»ن‪ Ó‬ك‪Ý‬ر‬
‫و‪É‬أ‪Ô‬ول‪¼Ý‬ئك‪ É‬ه»م» ا‪á‬لم»ف‪á‬ل¼ح»ون‪.(114) " Ý‬‬

‫" و‪É‬ت‪É‬ع‪É‬او‪É‬ن»وا ع‪É‬ل‪Ý‬ى ا‪á‬لب¼ر× و‪É‬ال‪Ì‬تق‪á‬و‪É‬ى و‪É‬ل ‪É‬تع‪É‬او‪É‬ن»وا ع‪É‬ل‪Ý‬ى ال‪¼á‬أث‪á‬م¼ و‪É‬ال‪á‬ع»د‪Ó‬و‪É‬ان¼ )‪." (115‬‬

‫" ي‪É‬ا أ‪åÝ‬يه‪É‬ا الذ¼ين‪ É‬آم‪É‬ن»وا أ‪Ý‬ط¼يع»وا الله‪ É‬و‪É‬أ‪Ý‬ط¼يع»وا الر‪Ì‬س»ول‪ Ý‬و‪É‬أ‪Ô‬ول¼ي ا‪á‬لأ‪Ý‬م‪Ó‬ر¼ م¼ن‪Ô Ó‬كم‪." (116) Ó‬‬

‫" إ¼ن‪Ì‬م‪É‬ا ال‪á‬م»ؤ‪Ó‬م¼ن»ون‪ Ý‬إ¼خ‪Ó‬و‪É‬ة‪." (117) ê‬‬

‫" و‪É‬أ‪Ý‬م‪Ó‬ر»ه»م‪ Ó‬ش»ور‪É‬ى ‪É‬بي‪ÉÓ‬نه»م‪." (118) Ó‬‬

‫" و‪É‬م‪É‬ا آت‪É‬اك‪Ô‬م» الر‪Ì‬س»ول‪Ý Ô‬فخ»ذ‪Ô‬وه» و‪É‬م‪É‬ا ‪É‬نه‪É‬اك‪Ô‬م‪ Ó‬ع‪É‬ن‪Ó‬ه» ف‪Ý‬ا‪Ó‬نت‪É‬ه»وا )‪." (119‬‬

‫‪ ()112‬سورة آل عمران ]‪.[103‬‬


‫‪ ()113‬سورة آل عمران ]‪.[110‬‬
‫‪ ()114‬سورة آل عمران ]‪.[104‬‬
‫‪ ()115‬سورة الائدة ]‪.[2‬‬
‫‪ ()116‬سورة النساء ]‪.[59‬‬
‫‪ ()117‬سورة الجرات ]‪.[10‬‬
‫‪ ()118‬سورة الشورى ]‪.[38‬‬
‫‪ ()119‬سورة الشر ]‪.[7‬‬

‫)‪(214‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫" و‪É‬أ‪Ý‬ن¼ اح‪Ô Ó‬كم‪ Ó‬ب‪ÓÉ‬ين‪É‬ه»م‪ Ó‬ب¼م‪É‬ا ‪Ý‬أن‪Ó‬ز‪É‬ل‪ Ý‬الله» و‪É‬ل ‪É‬تت‪Ì‬ب¼ع‪ Ó‬أ‪Ý‬ه‪Ó‬و‪É‬اء‪ë‬ه»م‪." (120) Ó‬‬

‫" و‪É‬م‪É‬ن‪Ý Ó‬لم‪ Ó‬ي‪É‬ح‪Ó‬ك‪Ô‬م‪¼ Ó‬بم‪É‬ا أ‪Ý‬ن‪Ó‬ز‪É‬ل‪ Ý‬الله» ف‪Ý‬أ‪Ô‬و‪Ý‬لئ¼ك‪ É‬ه»م» ال‪á‬ك‪Ý‬اف¼ر»ون‪." (121) Ý‬‬

‫" ف‪Ý‬ل و‪É‬ر‪É‬ب×ك‪ É‬ل ي»ؤ‪Ó‬م¼ن»ون‪ Ý‬ح‪É‬ت‪Ì‬ى ي»ح‪Ø É‬كم»وك‪ É‬ف¼يم‪É‬ا ش‪É‬ج‪É‬ر‪ É‬ب‪ÓÉ‬ين‪É‬ه»م‪ Ó‬ث‪Ô‬م‪ Ì‬ل ‪É‬يج¼د»وا ف¼ي أ‪Ý‬ن‪Ó‬ف‪Ô‬س¼ه¼م‬
‫سل¼يما‪." (122) š‬‬‫‪É‬حر‪É‬جا‪ š‬م¼م‪Ì‬ا ق‪Ý‬ض‪É‬ي‪Ó‬ت‪ É‬و‪É‬ي»س‪ØÉ‬لم»وا ت‪Ó É‬‬

‫ث ل يدد " صورة " المة كيف تكون‪ .‬تكون مرة متمعا‪ š‬رعويا‪ .š‬ومرة متمعا‬
‫زراعيا‪ .‬ومرة متمع مدينة‪ ،‬ومرة متمع تار‪ .‬أو صناع‪ .‬ومرة‪ ..‬ومرة‪ ..‬ل يتقيد التمع‬
‫ف نوه ب صورة معي نة‪ ،‬ول يد عائ قا‪ š‬وا حدا‪ š‬ي عوقه عن الن مو‪ ،‬إ نا يد دائ ما توجي هات‬
‫توجهه ف عملية النمو وتنعه من النراف‪.‬‬

‫ث ي شهد التار يخ أن الن مو الجت ماعي وال ضاري ف الت مع ال سلمي قد ب لغ‬
‫الذروة ‪ -‬ف عصره ‪ -‬فلم يأل السلمون جهد‪š‬ا ف الستفادة بكل التنظيمات الدارية الت‬
‫وجدوها عند المم الفتوحة‪ .‬ول الصيلة الضارية الت وجدوها عندهم سواء ف مصر‬
‫أو ال شام أو فارس‪ ،‬في ما ل يعارض عق يدتم وتصورهم ا لاص لغا يات ال ياة الن سانية‪.‬‬
‫كما اطلعوا على أسس الضارات الرومانية والغريقية والندية‪ ،‬واقتبسوا برية كل ما ل‬
‫يتعارض مع الصل الذي ابتعثهم ال ليقروه ف الرض‪ ،‬جاعلي عقيدتم وتصورهم اليزان‬
‫الذي يقبلون على أساسه ما يقبلون ويرفضون ما يرفضون‪.‬‬

‫وقد كان التمع السلمي ‪ -‬رغم كل ما أصابه من تدهور لسباب متلفة ‪-‬‬
‫قمة عالية أيام الروب الصليبية نشأ من احتكاك الصليبيي با كل ما حدث من تقدم‬
‫فكري واجتماعي وحضاري ف الغرب الديث‪ ،‬بشهادة من م̂رت شهادتم من الكتاب‬
‫الغربيي‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪ ()120‬سورة الائدة ]‪.[49‬‬


‫‪ ()121‬سورة الائدة ]‪.[44‬‬
‫‪ ()122‬سورة النساء ]‪.[65‬‬

‫)‪(215‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫أما النمو القتصادي فقد وضع القرآن له إطارا ثابتا‪ ،‬ث تركه ينمو برية داخل‬
‫الطار‪ ،‬دون أن يضع له صورة معينة‪ ،‬أو يعوقه بقيد واحد عن النمو الصال الرشيد‪.‬‬

‫النظر ية العا مة للقت صاد ال سلمي ت قوم ع لى أ ساس أن ا ل سبحانه ا ستخلف‬


‫النسان ‪ -‬كنوع ‪ -‬ف الرض‪ ،‬وأن الال فيها مال ال‪ ،‬والماعة النسانية مستخلفة فيه‪،‬‬
‫وفق شروط ال الواردة ف شريعته‪ ،‬سواء ف صورة مبادئ كلية أو تشريعات جزئية ‪-‬‬
‫والول هي الكثر ‪ -‬وأن الفرد موظف ف هذا الال‪ ،‬تقوم وظيفته على أساس اللكية‬
‫الفردية لانب من هذا الال مقابل جهد يبذله‪ ،‬وبشرط حسن التصرف ف هذه اللكية ‪-‬‬
‫با ي عود ع لى نف سه وع لى الما عة كل ها بالي‪ ،‬و ف حدود شروط ا ل ا لت بدونا ل‬
‫يتح قق ال ي‪ .‬فإن هو سفه وأ ساء ا ستخدام حق اللك ية ق يد حق الت صرف‪ ،‬و عاد حق‬
‫التصرف هذا إل الماعة‪ ،‬صاحبة الق الول الستمد من خلفتها عن ال ف الرض‪.‬‬
‫و هذا ل يل بقا عدة اللك ية الفرد ية ا لت ي قوم علي ها ن ظام ال سلم ك له ‪ -‬ل الن ظام‬
‫القتصادي وحده ‪ -‬ولكنه فقط ييط هذه القاعدة بالقيود الت تكفل حسن التصرف ف‬
‫هذه اللكية‪ ،‬ويفظ للجماعة حقها القرر ف مال الفراد بالزكاة وغيها من التكاليف‬
‫بقدر حاجة المة وبسبها‪ ،‬مع البقاء على ملكية الفراد‪ ،‬فيما عدا بعض الوارد العامة‬
‫العامة الت تبقى ملكية عامة‪:‬‬

‫" و‪É‬آت»وه»م‪ Ó‬م¼ن‪ Ó‬م‪É‬ال¼ الله¼ الذ¼ي آت‪É‬اك‪Ô‬م‪.(123) " Ó‬‬


‫)‪.(124‬‬
‫‪́µ‬كم ق¼ي‪É‬اما‪" š‬‬
‫‪́µ‬كم الت¼ي ‪É‬جع‪É‬ل‪ Ý‬الله» ل ‪Ó‬‬
‫سف‪Ý‬ه‪É‬اء‪ ë‬أ‪µ‬م'و*ال »‬
‫" و‪É‬ل ت»ؤ‪Ó‬ت»وا ال ‪å‬‬

‫ث يعل هناك قاعدة عامة لتوزيع الال ف الماعة‪:‬‬

‫" ك‪Ý‬ي‪ Ó‬ل ي‪É‬ك‪Ô‬ون‪ Ý‬د»ول‪š Ý‬ة ‪É‬بي‪Ó‬ن‪ É‬ال‪á‬أ‪Ý‬غ‪¼á‬ني‪É‬اء¼ م¼ن‪Ó‬ك‪Ô‬م‪.(125) " Ó‬‬

‫فل ينب غي أن تت كره أ يدي الغن ياء ف أ ية صورة‪ .‬يب أن توزع ملكي ته ف‬
‫اليدي الكثية كي تتداوله‪ ،‬وكي تتم دورة الال الطبيعية ف أيدي أكب عدد من المة‪.‬‬

‫‪ ()123‬سورة النور ]‪.[33‬‬


‫‪ ()124‬سورة النساء ]‪.[5‬‬
‫‪ ()125‬سورة الشر ]‪.[9‬‬

‫)‪(216‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وه ناك حق ال عوزين والروم ي‪ ،‬تتقا ضاه الما عة ح قا مفرو ضا‪ ،‬و توزعه ع لى‬
‫التاجي إليه‪:‬‬

‫" و‪É‬ف¼ي أ‪Ý‬م‪Ó‬و‪É‬ال¼ه¼م‪É Ó‬حق‪ ü‬ل¼لس‪Ì‬ائ¼ل¼ و‪É‬ال‪á‬م‪É‬ح‪Ó‬ر»وم¼ " )‪.(126‬‬

‫هو حق الزكاة‪ .‬ووراءه التكاليف الطارئة الت يؤخذ بسبها كلما وجدت من‬
‫أموال الغنياء‪.‬‬

‫ث هناك قواعد لكسب الال والتعامل فيه‪ .‬فل ييء هذا الكسب‪ ،‬ول يتم هذا‬
‫التعامل بطريقة فيها مضارة من أي وجه لفرد أو أكثر ف الماعة‪ .‬ومن ث يرم الغصب‬
‫والنهب والسرقة والغش والحتكار‪ .‬كا يرم الربا وهو أبشع هذه الوسائل جيعا‪:š‬‬

‫" ي‪É‬ا أ‪åÝ‬يه‪É‬ا ال ذ¼ين‪ É‬آم‪É‬ن»وا ا‪Ì‬تق‪Ô‬وا الله‪ É‬و‪É‬ذ‪Ý‬ر»وا م‪É‬ا ب‪É‬ق¼ي‪ É‬م¼ن‪ É‬الر×با إ¼ن‪ á‬ك‪ÓÔ‬نت»م‪ Ó‬م»ؤ‪Ó‬م¼ن¼ي‪ ،É‬ف‪Ý‬إ¼ن‪ á‬ل‪Ý‬م‬
‫‪É‬تف‪á‬ع‪ É‬ل‪Ô‬وا ف‪Ý‬أ‪á‬ذ‪Ý‬ن»وا ب¼ح‪É‬ر‪ Ó‬ب‪ Å‬م¼ ن‪ É‬الل ه¼ و‪É‬ر‪ É‬س»ول¼ه¼ و‪É‬إ¼ ن‪» á‬تب‪Ó‬ت» م‪ Ó‬ف‪ÝÝ‬لك‪ Ô‬م‪ Ó‬ر»ؤ»و س» أ‪ Ý‬م‪Ó‬و‪É‬ال¼ك‪Ô‬م‪ Ó‬ل ت‪á É‬ظل¼ م»ون‪ Ý‬و‪É‬ل‬
‫»تظ‪á‬ل‪Ý‬م»ون‪ " " (127) Ý‬الذ¼ي ‪É‬ن ي‪É‬أ‪á‬ك‪Ô‬ل‪Ô‬ون‪ Ý‬الر×با ل ‪É‬يق‪Ô‬وم»ون‪ Ý‬إ¼لا ك‪Ý‬م‪É‬ا ‪É‬يق‪Ô‬وم» الذ¼ي ‪É‬يت‪É‬خ‪É‬ب‪Ô Ì‬طه» الش‪ÓÌ‬يط‪Ý‬ان‪ Ô‬م¼ن‬
‫ا‪á‬لم‪É‬س× ذ‪Ý‬ل¼ك‪ É‬ب¼أ‪Ý‬ن‪Ì‬ه»م‪ Ó‬ق‪Ý‬ال‪Ô‬وا إ¼ن‪Ì‬م‪É‬ا ا‪á‬لب‪ÓÉ‬يع» م¼ث‪á‬ل‪ Ô‬الر×با و‪É‬أ‪Ý‬ح‪É‬ل الله» ا‪á‬ل‪É‬بي‪Ó‬ع‪ É‬و‪É É‬حر‪Ì‬م‪ É‬الر×با ف‪Ý‬م‪É‬ن‪ Ó‬ج‪É‬اء‪ë‬ه» م‪É‬و‪Ó‬ع¼ظ‪Ý‬ة‬
‫م¼ ن‪ Ó‬ر‪×É‬ب ه¼ ف‪Ý‬ان‪ÉÓ‬ته‪É‬ى ف‪Ý‬ل‪ Ý‬ه» م‪É‬ا س‪É‬ل‪Ý‬ف‪ É‬و‪É‬أ‪Ý‬م‪Ó‬ر» ه» إ¼ ل‪Ý‬ى الل ه¼ و‪É‬م‪ É‬ن‪ Ó‬ع‪É‬اد‪ É‬ف‪Ý‬أ‪Ô‬ول‪Ý‬ئ¼ك‪ É‬أ‪ Ý‬ص‪Ó‬ح‪É‬اب» ال ن‪Ì‬ار¼ ه» م‪ Ó‬ف¼ي ه‪É‬ا‬
‫خ‪É‬ال¼د»ون‪É ،Ý‬يم‪Ó‬ح‪É‬ق» الله» الر×با و‪É‬ي»ر‪Ó‬ب¼ي الص‪Ì‬د‪É‬ق‪Ý‬ات¼ و‪É‬الله» ل ي»ح¼ب‪ å‬ك‪Ô‬ل ك‪Ý‬فار‪ Å‬أ‪Ý‬ث¼يم‪.(128) " Å‬‬

‫وه ناك أ مر بالعاو نة " النظي فة "‪ " .‬و‪É‬إ¼ ن‪ á‬ك‪Ý‬ان‪ Ý‬ذ‪Ô‬و ع» س‪Ó‬ر‪É‬ة‪Ý Å‬فن‪ É‬ظ¼ر‪É‬ة‪ ê‬إ¼ ل‪Ý‬ى م‪É‬ي‪ Ó‬س‪É‬ر‪É‬ة‪ Å‬و‪É‬أ‪Ý‬ن‬
‫‪É‬تص‪É‬د‪Ì‬ق‪Ô‬وا ‪É‬خي‪Ó‬ر‪Ý ä‬لك‪Ô‬م‪ Ó‬إ¼ن‪ á‬ك‪ÓÔ‬نت»م‪ Ó‬ت‪É‬ع‪Ó‬ل‪Ý‬م»ون‪.(129) " Ý‬‬

‫تلك قواعد عامة‪ .‬وذلك هو الطار الذي ينمو فيه القتصاد السلمي بل عائق‪..‬‬
‫إل العوائق الت تنع النراف‪.‬‬

‫ولقد نا القتصاد السلمي ف ظل هذه البادئ العامة نوا مطردا من الوعي إل‬
‫الزراعة إل التجارة إل الصناعة ]البسيطة[ إل تداخل هذه النواع جيعا‪ š‬ف وقت واحد‪.‬‬

‫‪ ()126‬سورة الذاريات ]‪.[19‬‬


‫‪ ()127‬سورة البقرة ]‪.[279 - 278‬‬
‫‪ ()128‬سورة البقرة ]‪.[276 - 275‬‬
‫‪ ()129‬سورة البقرة ]‪.[280‬‬

‫)‪(217‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ونا معه الفقه السلمي ف جوانب " العاملت " نوا هائل حت كون ثروة تفخر با‬
‫البشرية‪ .‬وف الوقت ذاته حالت تلك البادئ العامة دون كثي من النرافات الت أصابت‬
‫القت صاد الغر ب‪ .‬ف حالت دون الق طاع ف صورته الورب ية الب شعة ا لت كانت ت ستعبد‬
‫الفلح ل لرض‪ ،‬و لوى ال سيد ا لذي كانت تت مع ف يده ف و قت وا حد ال سلطات‬
‫التشريعية والقضائية والتنفيذية‪ ...‬ما ل يكن له مثيل ف السلم‪ .‬وكان قمينا أن يول‬
‫دون بشاعات الرأسالية لو بقي حيا‪ š‬عامل ف الرض‪ ،‬ول توجه إليه الضربات القاصمة‬
‫من كل مكان‪ ،‬ول يتهاون أهله فيه كما حدث ف القرون الخية على وجه التحديد‪.‬‬

‫وه نا قد ي بدو لب عض ال ناس أن ال سلم ‪ -‬و هو يرم الر با ‪ -‬ي ضع ق يودا‪ š‬ع لى‬
‫"الن مو" القت صادي‪ ،‬ت نع الت قدم والنطلق‪ ...‬و قد كانت ت لك ال شبهة ت لذع ب عض‬
‫السلمي ف مبادئ هذا القرن فيسعون إل العتذار عن السلم ف هذا المر! أو يسعون‬
‫إل الفتاء بواز الربا للضرورة أو جوازه لنه اليوم شيء آخر غي النهي عنه ف القرآن!‬
‫وما زالت الشبهة تلذع بعض السلمي حت اليوم فيصنعون هذا وذاك!‬

‫ول نتاج ‪ -‬ف هذا العصر خاصة ‪ -‬أن نطيل الديث ف ويلت الرأسالية‪ ،‬وهي‬
‫النظام الذي يقوم على الربا أساسا‪ ،‬ويضيف إليه أو ينتهي إل الحتكار‪.‬‬

‫إن ب شاعات الرأ سالية الربو ية غن ية عن الب يان‪ .‬و قد قال في ها أ عداؤها ‪ -‬بل‬
‫أ صدقاؤها أنف سهم ‪ -‬ما ف يه الكفا ية‪ .‬ول يط لب عا قل من ال سلم أن يب يح ا لداة ا لت‬
‫تتسبب ف كل هذا الظلم وكل هذا الدمار!‬

‫أ ما ك يف يدار القت صاد ال سلم بغ ي الر با ف ظل الت قدم ال صناعي فمب حث‬
‫متخصص ل نتعرض له هنا‪ .‬وقد ألف فيه بعض العلماء السلمي‪ .‬فألف السيد أبو العلى‬
‫ا لودودي أم ي الما عة ال سلمية بباك ستان ثل ثة بوث رئي سية‪ " :‬أ سس القت صاد‬
‫ال سلمي " و " الر با " و " ملك ية ا لرض ف ال سلم "‪ .‬وأ لف سيد ق طب ك تاب "‬
‫العدالة الجتماعية ف السلم "‪ .‬ونشر غيها بوثا متفرقة عن الوضوع ف أولا بوث‬
‫الستاذ عيسى عبده إبراهيم ف صحف شت‪ ،‬وما زال المر متسعا لزيد من البحث‪..‬‬
‫ول كن ا لمر ا لذي ينب غي أن ي ستقر ف أذهان نا بداءة أ نه ل ي كن أن يرم ا ل شيئا‪ š‬ف يه‬
‫م صلحة لل ناس ل تتح قق بغ يه! و قد أث بت الت طبيق العم لي صدق ذ لك مرة ب عد مرة‪.‬‬
‫وكلما تقدم العلم وتقدمت تارب البشرية ]وانرافاتا[ ظهرت أسباب كانت مهولة‪،‬‬
‫توجب تري ما حرم ال! ث بعد ذلك على السلمي أن يستنبطوا النظم والتنظيمات الت‬

‫)‪(218‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫تنفع الناس ول تل ما حرم ال‪ .‬لنه حرمه لسبب‪ .‬لنه يريد للناس الي ول يريد بم‬
‫جع‪É‬ل‪ Ý‬ع‪É‬ل‪ÓÝ‬يك‪Ô‬م‪ Ó‬م¼ن‪ Ó‬ح‪É‬ر‪É‬ج‪ Å‬و‪É‬ل‪Ý‬ك¼ن‬
‫الضر ويريد بم اليسر ول يريد لم الرج‪ " :‬م‪É‬ا »ير¼يد» الله» ل¼ي‪Ó É‬‬
‫)‪.(131‬‬
‫»ير¼يد» ل¼ي» ‪Ý‬طه×ر‪É‬ك‪Ô‬م‪ Ó‬و‪¼É‬لي»ت¼م‪¼ Ì‬نع‪Ó‬م‪É‬ت‪É‬ه» ع‪ÝÉ‬لي‪Ó‬ك‪Ô‬م‪ " (130) " Ó‬و‪É‬م‪É‬ا ج‪É‬ع‪É‬ل‪ Ý‬ع‪É‬ل‪ÓÝ‬يك‪Ô‬م‪ Ó‬ف¼ي الد×ين¼ م¼ن‪É Ó‬حر‪É‬ج‪" Å‬‬

‫وكذلك قد يقال إن السلم يضع قيودا‪ š‬على " النمو " القتصادي لنه ل يرحب‬
‫كثيا بروج الرأة للعمل؛ " والتقدم " الصناعي الديث قد استوجب ذلك‪.‬‬

‫وقد بينا من قبل أن السلم ل ينع خروج الرأة للعمل عند القتضاء‪ ،‬وإن كان‬
‫حقيقة ل يرحب بذلك كثيا ف غي الوظائف النسوية الاصة‪.‬‬

‫ولكنا نضيف هنا‪ :‬أنه تبي لنا أول مدى الضرر الذي يصيب الرأة من تويلها‬
‫إل رجل يعمل ف السوق وف الصنع‪ ...‬ضرر ل يوازي قط أي زيادة ف النتاج الادي‬
‫يكن أن يدثها اشتراك الرأة ف العمل‪.‬‬

‫وتبي لنا ثانيا‪ š‬مدى الضرر الخلقي الذي أصاب التمع الغرب ف مقابل تلك‬
‫الز يادة ف الن تاج‪ .‬و هو ضرر يو شك أن يدمر ا لدنيا كل ها‪ ..‬فل ت ستفيد حت بذلك‬
‫النتاج!‬

‫ث‪ ..‬إن النتاج ف سبيله أن يتوله النسان الل والخ اللكترون واللة الضخمة‬
‫السريعة النتاج‪ ..‬فما الاجة غدا ‪ -‬ف الغد القريب ‪ -‬إل إشراك الرأة ف العمل‪ ..‬إل‬
‫شهوة ال شراك؟! و حت من ق بل ذ لك‪ ،‬ف ها نن أولء نرى الر جال يتعط لون با للوف‬
‫واللي ي‪ ،‬وبين ما تف تح ا لبواب لت شغيل الن ساء‪ .‬ف هل هي م صلحة الن تاج ا لت ت تم أن‬
‫يتعطل الرجال ويضطلع النساء بالعمل؟ أم إنه أمر آخر تعرفه برتوكولت صهيون؟‬

‫والسلم يبيح النمو الطبيعي الصال الراشد الب̂ناء‪ ..‬ولكنه ليس مسئول أن يبيح‬
‫انرافات البشرية!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪ ()130‬سورة الائدة ]‪.[6‬‬
‫‪ ()131‬سورة الج ]‪.[78‬‬

‫)‪(219‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وف الكيان السياسي وضع السلم القواعد العامة‪ ،‬وترك التفصيلت للنمو الدائم‬
‫الذي يلئم كل مرحلة من مراحل النمو العلمي والضاري والجتماعي والقتصادي‪.‬‬

‫" إ¼ن¼ ا‪á‬لح»ك‪á‬م» إ¼لا ل¼له¼ أ‪Ý‬م‪É‬ر‪ É‬أ‪Ý‬لا ‪É‬تع‪Ó‬ب»د»وا إ¼لا إ¼ي‪Ì‬اه» ذ‪Ý‬ل¼ك‪ É‬الد×ين» ا‪á‬لق‪Ý‬ي×م» " )‪.(132‬‬

‫" و‪É‬م‪É‬ن‪Ý Ó‬لم‪ Ó‬ي‪É‬ح‪Ó‬ك‪Ô‬م‪¼ Ó‬بم‪É‬ا أ‪Ý‬ن‪Ó‬ز‪É‬ل‪ Ý‬الله» ف‪Ý‬أ‪Ô‬و‪Ý‬لئ¼ك‪ É‬ه»م» ال‪á‬ك‪Ý‬اف¼ر»ون‪.(133) " Ý‬‬

‫" و‪É‬م‪É‬ا آت‪É‬اك‪Ô‬م» الر‪Ì‬س»ول‪Ý Ô‬فخ»ذ‪Ô‬وه» و‪É‬م‪É‬ا ‪É‬نه‪É‬اك‪Ô‬م‪ Ó‬ع‪É‬ن‪Ó‬ه» ف‪Ý‬ا‪Ó‬نت‪É‬ه»وا " )‪.(134‬‬

‫" ي‪É‬ا أ‪åÝ‬يه‪É‬ا الذ¼ين‪ É‬آم‪É‬ن»وا أ‪Ý‬ط¼يع»وا الله‪ É‬و‪É‬أ‪Ý‬ط¼يع»وا الر‪Ì‬س»ول‪ Ý‬و‪É‬أ‪Ô‬ول¼ي ال‪á‬أ‪Ý‬م‪Ó‬ر¼ م¼ن‪Ô Ó‬كم‪ Ó‬ف‪Ý‬إ¼ن‪É á‬تن‪É‬از‪É‬ع‪Ó‬ت»م‬
‫ف¼ي ش‪É‬ي‪Ó‬ء‪ Å‬ف‪Ý‬ر»د‪å‬وه» إ¼ل‪Ý‬ى الله¼ و‪É‬الر‪Ì‬س»ول¼ إ¼ن‪ á‬ك‪ÓÔ‬نت»م‪ Ó‬ت»ؤ‪Ó‬م¼ن»ون‪ Ý‬ب¼الله¼ و‪É‬ا‪á‬لي‪É‬و‪Ó‬م¼ ال‪á‬آخ¼ر¼ " )‪.(135‬‬
‫)‪.(136‬‬
‫" و‪É‬إ¼ذ‪Ý‬ا ح‪É‬ك‪Ó Ý‬مت»م‪ Ó‬ب‪ÓÉ‬ين‪ É‬الن‪Ì‬اس¼ أ‪Ý‬ن‪ á‬ت‪É‬ح‪Ô Ó‬كم»وا ب¼ال‪á‬ع‪É‬د‪Ó‬ل¼ "‬

‫" و‪É‬أ‪Ý‬م‪Ó‬ر»ه»م‪ Ó‬ش»ور‪É‬ى ‪É‬بي‪ÉÓ‬نه»م‪.(137) " Ó‬‬

‫هذه القواعد‪ :‬الاكمية ل وحده‪ .‬والكم بشريعة ال دون سواها‪ .‬والعدل من‬
‫الكام‪ .‬والطاعة من الكومي ف حدود شريعة ال‪ .‬والشورى بي الكومي والكام‪..‬‬
‫هي أسس الكم ف السلم‪ .‬أما شكل الكومة فهو متروك بكليته للمة السلمة تقرره‬
‫ف حدود هذه القواعد‪ .‬فكل حكم بغي شريعة ال فهو حكم غي إسلمي‪ .‬وكل حكم‬
‫بغي شورى فهو حكم غي إسلمي‪ .‬وكل حكم ل عدل فيه فهو حكم ينكره السلم‪.‬‬

‫وربا ل يكن التطبيق الواقعي ف عال السياسية والكم كامل إل ف فترة اللفة‬
‫الرا شدة‪ ،‬ا لت و ضعت القوا عد ال سليمة للح كم‪ " :‬إذا أح سنت فأعينون وإذا أخ طأت‬

‫‪ ()132‬سورة يوسف ]‪.[40‬‬


‫‪ ()133‬سورة الائدة ]‪.[44‬‬
‫‪ ()134‬سورة الشر ]‪.[7‬‬
‫‪ ()135‬سورة النساء ]‪.[59‬‬
‫‪ ()136‬سورة النساء ]‪.[58‬‬
‫‪ ()137‬سورة الشورى ]‪.[38‬‬

‫)‪(220‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫فقومون " ]أبو بكر[‪ " .‬أطيعون ما أطعت ال فيكم‪ .‬فإن عصيت ال ورسوله فل طاعة‬
‫ل عليكم " ]أبو بكر[‪ ..‬ث ف فترات متقطعة أخرى‪.‬‬

‫ولكن الفقه السلمي على أي حال قد شهد ف عصوره الختلفة " نوا‪ " š‬ضخما‬
‫ف النظر ية السيا سية ـ ا ستفاد ف يه من كل ما جد ع لى الت مع ال سلمي من أ طوار‪،‬‬
‫واستنبط لكل ما جد أحكاما من السلم‪.‬‬

‫وا لذي يعني نا ه نا أن نث بت الرو نة ال كبية ا لت يت سم با الت شريع ال سلمي ف‬


‫السيا سة‪ ،‬مع اليلو لة دون ال نراف ] ف ال صول ال شرعية‪ .‬أ ما أ سباب ال نراف ف‬
‫الت طبيق فل يس ه نا ما لا‪ .‬و هي ا نراف ع لى أي حال![ والقي مة ال كبى هي أن ي ضع‬
‫السلم الوازين الت يتبي ف مواجهتها كل انراف عند التطبيق‪ ،‬ويوصم بأنه انراف!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ذلك موقف السلم من الانب التغي ف حياة النسان‪.‬‬

‫ل ي عوق الت قدم؛ بل يدفع إل يه‪ .‬ولك نه ي ضع ال بادئ ا لت توجه إ ل ال ي وت نع‬


‫النراف‪ .‬فيتمثل فيه الثبات والتطور ف وقت واحد‪ .‬ثبات القواعد وتطور الشكال‪...‬‬

‫و قد رف ضت أور با و صاية ا لدين ع لى الت طور العل مي والت طور القت صادي‬
‫والجتماعي والسياسي‪ ..‬فماذا كانت النتيجة؟‬

‫تقدم العلم حقا تقدما باهر‪š‬ا ف ظل النهضة الوربية اللدينية‪ .‬ولكن ل لنا ل‬
‫دينية!! وإنا لن الدين الكنسي هناك كان يارب العلم ويفرض القيود على العقل ليستدي‬
‫ال هل أ طول مدى م ستطاع! ول كن هذا الت قدم العل مي ذا ته مأخوذ ‪ -‬ك ما مر ب نا من‬
‫شهادة بري فولت ودر يب وغي ها ‪ -‬من ال سلمي‪ ،‬ا لذين كانوا ي ضعون الع لم ‪ -‬وال ياة‬
‫كلها ‪ -‬تت وصاية الدين‪ ،‬ويستمدونا من قواعد الدين‪..‬‬

‫ث‪..‬؟‬

‫)‪(221‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ث انط لق الع لم ‪ -‬النف لت من و صاية ا لدين ‪ -‬بل ضابط فو قع ف غوا ية‬


‫الشياطي‪ ..‬يفسدون به الخلق‪ ،‬ويلون روابط التمع‪ ،‬ويشيعون به التفاهة والسطحية‬
‫والضحالة‪ ..‬ويدمرون به وجه الرض‪.‬‬

‫أما القت صاد‪ ..‬فيكفي الق طاع والرأ سالية ث ال شيوعية لب يان الف ساد ا لذي حل‬
‫بالقت صاد ا لورب ح ي أ ب و صاية ا ل عل يه! ف ساد ي يل الب شر إ ل سادة وعب يد‪ ،‬مع‬
‫اختلف فقط ف صورة السيادة وصورة الستعباد!‬

‫و ف الجت ماع‪ ..‬تكفي الفا سد الجتماع ية واللق ية ا لت يعاني ها الت مع الغر ب‪،‬‬
‫والت ردته متمعا حيوانيا‪ š‬هابطا ل يفيق من متعة السد ول يشبع‪ .‬ول يتعاطف بنوه كما‬
‫يتعاطف بنو النسان‪ .‬وإنا يعيش الغرب ف فردية بغيضة كريهة‪ .‬فردية انفصالية ل تمع‬
‫شتات أمه " ‪É‬تح‪ Ó‬س‪É‬ب»ه»م‪É Ó‬جم¼يعا‪ š‬و‪ÔÉ‬ق ل‪Ô‬وب»ه»م‪ Ó‬ش‪É‬ت‪Ì‬ى " )‪ .(138‬ويعيش الشرق الشيوعي ف جاعية‬
‫آل ية ل ت عرف ط عم ا لودة الن سانية القيق ية‪ ،‬وإ نا تكم ها الدو لة با لكراه‪ ،‬ف ا لزارع‬
‫الماعية والصانع الماعية الت يسيطر عليها الرهاب‪.‬‬

‫وف السياسة‪ ..‬تكفي الظال الت تل وجه الرض اليوم‪ ..‬من استعمار واستغلل‬
‫وا ستعباد‪ .‬و من دكتاتور يات ب شعة ت ستخدم الد يد وال نار والتج سس‪ ،‬وأب شع أ نواع‬
‫الت عذيب ا لت يت صورها الع قل‪ ،‬لتحت فظ ب سلطانا ا لبي ع لى ال ماهي‪ ..‬تك في هذه‬
‫الظال‪ ،‬فهي ليست ف حاجة إل بيان‪.‬‬

‫أما السلم ‪ -‬ف هذه المور كلها ‪ -‬فهو " الجة البيضاء " كما عب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬الجة الت تفرق النور عن الظلمة‪ ،‬والصلح عن الفساد‪.‬‬

‫الرونة الكاملة الت تسمح بالنمو‪ .‬والصلبة الكاملة الت تنع النراف‪.‬‬

‫وهو يستمد مزيته الكبى ف هذا الشأن من مطابقته التامة للفطرة الثابتة الوهر‪،‬‬
‫التغية الشكال‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪ ()138‬سورة الشر ]‪.[14‬‬

‫)‪(222‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ذلك موقف السلم من الثابت والتطور ف حياة النسان‪ ..‬موقف ل يصدر إل‬
‫عن تدبي إله!‬

‫فكل النظم الت صدرت عن تدبي البشر انرفت ذات اليمي وذات الشمال‪ .‬ول‬
‫تتد إل الصواب‪ ..‬لنا ل تتد إل " الفطرة "‪...‬‬

‫جهلتها ‪ -‬كما قال ألكسس كاريل ‪ -‬جهل مطبقا‪ ،‬ث راحت ‪ -‬بذا الهل ‪-‬‬
‫تشرع للنسان!‬

‫وال سلم ‪ -‬كل مة ا ل إ ل الب شر ‪ -‬ي قف موق فا فر يد‪š‬ا ف كل م فاهيم الب شرية‬
‫وتصوراتا‪ ،‬وتطبيقاتا العملية لذه الفاهيم والتصورات‪.‬‬

‫إنه يشمل جوانب الفطرة جيعها فل يركز على جانب ويهمل بقية الوانب‪.‬‬

‫وي ساير الف طرة ف ج يع جوانب ها‪ ،‬ويعطي ها غذاءها ا لق‪ .‬ف ما كان من ها ثاب تا‪،‬‬
‫أعطاه التشريع الثابت‪ ،‬وما كان منها متغيا‪ š‬سح له بالتغي الطلوب‪.‬‬

‫وبذلك فهو دين الفطرة‪..‬‬

‫وهو كذلك دين البشرية كلها ف جيع عصورها وجيع " تطوراتا "‪.‬‬

‫د ين يدفع ذا ته إ ل الت طور ال صاعد الرا شد الب نˆاء‪ ..‬ول ي قف من الت طور ا لق‬
‫موقف المود والرجعية‪ .‬إنا غيه من النظم النحرفة‪ ،‬الت تضفي على النراف ثوب‬
‫التطور‪ ،‬هي الت يكن بق أن تسمى رجعيات!‬

‫)‪(223‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫السلم والرجعيات‬
‫كل انرا فات الب شرية ا لت تل بس ثوب الت طور‪ ..‬هي رجع يات جاء ال سلم‬
‫ليقومها ويصححها!‬

‫ولول وهلة قد تبدو هذه القضية بعيدة عن التصديق!‬

‫كيف؟! وهذا " التقدم " كله الذي أحرزه العلم؟ و " النمو " و " التطور " الذي‬
‫حدث ف النفس والتمع؟‬

‫كيف يكون هذا كله رجعية؟ وكيف يكون السلم ‪ -‬السابق ف الزمن ‪ -‬قد‬
‫جاء ليقومها ويصححها؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫من أجل الكم فـي تلك القضية الغربية الظهر‪ ،‬ينبغي أن نضع مقياسا للتقدم‬
‫والرجعية‪.‬‬

‫هل هو مقياس الزمن وحده؟ كل " جديد " تقدم‪ ،‬وكل " قدي " رجعية؟!‬

‫إن هذا القياس يصلح حقا لقياس التقدم العلمي‪ .‬فكل جديد ف دنيا العلم يثل‬
‫خ طوة تقدم ية لنه ي بدأ م ـن ال طوة ال سابقة وي ضيف إلي ها‪ ..‬وإن ل ي ضف إلي ها فإنه‬
‫يفقد مبر وجوده‪.‬‬

‫أما بقية أنواع التحول‪ ..‬الجتماعي والقتصادي والسياسي‪ ،‬والنفسي واللقي‪..‬‬


‫فهي ينطبق عليها القياس ذاته‪ ،‬فيصبح الزمن وحده هو القياس؟‬

‫نريد أن نرد المور إل مقياسها الصحيح‪..‬‬

‫)‪(224‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫هل الثلجة الكهربائية والطائرة والصاروخ والخ اللكترون هو مقياس التقدم‪..‬‬


‫أم " النسان " هو القياس؟!‬

‫سيقول قائل‪ :‬أو ل يس الن سان هو ا لذي صنع ال طائرة وال صاروخ وا لخ‬
‫اللكترون؟‬

‫بلى‪ .‬ول شك‪ .‬ولكن‪ :‬كيف يستخدمها؟ هذا هو القياس‪.‬‬

‫ي ستخدمها ليت فع با؟ لي شر ب شاعر " إن سانية " أ كثر؟ لي كون شعوره بأخوة‬
‫البشرية أعمق؟ ليكون شعوره برباط " النفس الواحدة " أشد؟ ليحب أخاه؟ ليكون إنسانا‬
‫مع عدوه؟ أم ليصبح وحشا ساحقا‪ š‬ماحقا‪ š‬يكمه البغض وتوجهه النانية وتعميه وحشية‬
‫الصراع‪ ..‬أو تفاهة الصراع؟‬

‫أيهما القياس؟‬

‫الن‪ ..‬هل اتضحت الفكرة أكثر؟ هل بدا لنا ‪ -‬كما ينبغي أن يبدو ‪ -‬أن التقدم‬
‫العلمي ف ذاته ل يرفع إنسانا ول يفضه‪ .‬إنا الروح الت يستخدم با النسان ثار العلم‬
‫هي الت تفض وترفع‪ ،‬وتقربنا من اليوان أو تقربنا من النسان؟‬

‫الن‪ ..‬هل اتضح لنا القياس؟‬

‫هل نعتب حرب البادة حضارة؟ والتفرقة العنصرية حضارة؟ والستعباد حضارة؟‬
‫والفوضى اللقية حضارة؟ والنون والرض والنتحار حضارة؟ وتطم السرة والتمع‬
‫حضارة؟ والشقاء الشامل حضارة؟!‬

‫أي خي قدمه العلم للبشرية ف النهاية‪ ،‬ف ظل التوجيه الفاسد والنظرة الرتكسة‬
‫إل " النسان "؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولن نلغي العلم بطبيعة الال‪ ،‬ولن نسقطه من ميزان التقدم‪..‬‬

‫)‪(225‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ولن نلغي النمو الجتماعي والقتصادي والسياسي‪ ..‬والنمو النفسي‪..‬‬

‫كل واحد منهما له وزن ف اليزان‪..‬‬

‫لكن‪ ..‬ف الكفة الخرى نضع " النسان "‪ ..‬وموازين النسان‪.‬‬

‫ننظر هل يهدف هذا العلم وهذ التطور الجتماعي والقتصادي والسياسي إل‬
‫رفع " القيم النسانية " أم إل تطيمها وإبادتا‪..‬؟‬

‫وننظر ف مموع المر‪ .‬ل ف جزئيات متفرقة‪.‬‬

‫فالطب تقدم ول شك‪ .‬والعلم بخترعاته وكشوفه قد يسر كثيا‪ š‬من "الدمات"‬
‫وحقق خيا‪ š‬كثيا‪ š‬للناس‪ .‬وكل ذلك ينبغي أن نسب حسابه ونن نق̂وم هذه الضارة ف‬
‫اليزان‪.‬‬

‫لكن م‪É‬ن‪ ..Ó‬يرجح؟ هذا الي على كثرته؟ أم ذاك الشر الواغل ف العماق؟‬

‫كيف نرب من شهادة القرن العشرين؟ كيف نلوي عيوننا عن مواجهة دللتها؟‬

‫ث‪ .‬من ذا الذي يقول‪ :‬إنه إما أن نقبل هذه الشرور كلها‪ ،‬ليتحقق لنا قدر من‬
‫الي‪ ..‬وإما ل خي على الطلق؟‬

‫م ـن قال إن ال ي ضريبته ال تدمي؟ و ضريبته إف ساد ا لخلق؟ و ضريبته إ شقاء‬


‫البشرية؟!‬

‫إن هذه هي الصورة " الغربية " للحضارة‪ ..‬ولكنها ليست الصورة " البشرية "‬
‫للتقدم!‬

‫والطلوب أن نبقي كل الي الذي حققه العلم والتقدم‪ ،‬ونق̂وم ف ذات الوقت ما‬
‫أحدثه التوحيه الفاسد من شر‪.‬‬

‫ذلك شأن " النسان " الق‪ ..‬وذلك مقياس الرجعية والتقدم!‬

‫)‪(226‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫القياس هو " الفطرة "!‬

‫القياس هو النسان!‬

‫" يب أن يكون النسان مقياس‪š‬ا لكل شيء‪ .‬ولكن الواقع هو عكس ذلك‪ .‬فهو‬
‫غر يب ف العال الذي اب تدعه‪ .‬إ نه ل ي ستطع أن ين ظم دنياه بنف سه‪ ،‬لنه ل ي لك معر فة‬
‫عملية بطبيعته‪ ..‬ومن ث فإن التقدم الائل الذي أحرزته علوم الماد على علوم الياة‪ ،‬هو‬
‫إحدى الكوارث الت عانت منها البشرية‪ ..‬إننا قوم تعساء‪ ،‬لننا ننحط أخلقيا[ وعقليا‪..‬‬
‫إن الما عات وا لمم ا لت بل غت في ها ال ضارة ال صناعية أع ظم نو وت قدم‪ ،‬هي ع لى‬
‫و جه الد قة الما عات وا لمم ال خذة ف ال ضعف وا لت ستكون عود تا إ ل الببر ية‬
‫والمجية أسرع من عودة غيها إليها " ]ألكسس كاريل[‪.‬‬

‫شهادة واضحة حاسة ل تتاج إل تعليق‪.‬‬

‫" الن سان " هو الق ياس ا لذي ينب غي أن نق يس به الت قدم والرجع ية‪ .‬ف كل ن ظام‬
‫يرفع " النسان " فهو نظام تقدمي‪ .‬وكل نظام يرتد بالنسان إل الوراء من حيث كيانه‬
‫الن سان ف هو رج عي أ يا كانت در جة ال ضارة الاد ية ا لت ي شتمل علي ها‪ ،‬وأ يا كانت‬
‫اللت الت يستخدمها من الدقة والبوت!‬

‫وح قا إن ا ستخدام ال عدد وا للت وال سعي إ ل ت سينها مز ية إن سانية أ صيلة‪.‬‬


‫ولكنها وحدها ل تنشئ النسان! ووحدها ل تصلح مقياسا لتقدم النسان!‬

‫ماذا لو ت ضخمت يد الن سان جدا‪ ،š‬وأ صبحت لا قوة ج بارة‪ ..‬وبق ية ال سم‬
‫كسيح مقعد ل يستطيع أن يتحرك من مكانه؟ ما قيمة اليد القوية البارة وهي ل تستطيع‬
‫أن تتد بقوتا خطوات؟!‬

‫ذلك هو وضع التقدم العلمي والصناعي والضارة الادية ف القرن العشرين! يد‬
‫جبارة ف جسم مقعد كسيح! وفضل عما ف هذا الوضع من اختلل بالنسبة لموع "‬
‫النسان "‪ ،‬فإنه ‪ -‬ف النهاية ‪ -‬يذهب بالفائدة العملية من هذا التقدم البار‪.‬‬

‫)‪(227‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ولكن هذا القول المل يتاج إل نفصيل‪.‬‬

‫ما هي مواضع الختلل ف الكيان النسان ف القرن العشرين؟ ما انرافاته الت‬


‫ترجع به إل الوراء ف سلم " النسانية " وتعل حصيلته " رجعية " ف ناية الطاف؟‬

‫أو‪ ..‬من ناح ية أ خرى‪ :‬ما خ صائص " الن سان " ا لت ينب غي أن يافظ علي ها‪،‬‬
‫وركائزه الرئيسية الت دمرتا حضارة القرن العشرين؟‬

‫" ي‪É‬ا أ‪Ý‬ي‪ å‬ه‪É‬ا الن‪Ì‬ا س» ات‪ Ì‬ق‪Ô‬وا ر‪É‬ب‪Ì‬ك‪ Ô‬م» ال ذ¼ي ‪É‬خل‪Ý‬ق‪Ý‬ك‪ Ô‬م‪ Ó‬م¼ ن‪ Ó‬ن‪É‬ف‪ á‬س‪ Å‬و‪É‬ا ح¼د‪É‬ة‪ Å‬و‪É‬خ‪É‬ل‪ Ý‬ق‪ É‬م¼ن‪ Ó‬ه‪É‬ا ز‪É‬و‪Ó‬ج‪ É‬ه‪É‬ا‬
‫و‪É‬ب‪É‬ث م¼ن‪Ó‬ه» م‪É‬ا ر¼ ج‪É‬ا ‪š‬ل ‪Ý‬كث¼ي‪š‬ا ‪É‬ون¼ س‪É‬اء‪ (139) " é‬من عجب أن تكون كل القضايا الثابتة هي الت‬
‫اختلت وانارت ف هذا القرن العشرين!‬

‫قضية العقيدة‪ .‬قضية النفس الواحدة‪ .‬قضية النسي‪ .‬قضية النسانية الواحدة‪!..‬‬
‫ت لك با لذات ا لت حدث في ها الختلل‪ ..‬وت لك با لذات ا لت ت نذر اختلل تا ب تدمي‬
‫البشرية!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫حي انرف الناس عن العقيدة ف القرن العشرين‪ .‬حي جعلوها وراء ظهورهم‪.‬‬
‫حي نوها من حياتم العملية تنحية كاملة‪ ،‬وصارت ‪ -‬ف أحسن حالتا ‪ -‬ظل باهتا ف‬
‫ضمائر الناس‪ ..‬هل ارتفعوا ف سلم النسانية أم اندروا هابطي؟!‬

‫إن العقيدة الدركة الواعية ‪ -‬كما رأينا ف بثنا من قبل‪ ،‬وكما رأينا من كلم‬
‫جول يان هك سلي نف سه و هو مل حد ‪ (140) -‬رك يزة من ر كائز " الن سان " ت يز با عن‬
‫اليوان )‪ .(141‬فإلغاؤها ‪ -‬أو إهالا ‪ -‬ارتداد عن خاصية النسان بتة‪ ،‬ورجعة إل الوراء!‬

‫وقد لسنا بالفعل آثارها ف حياة هذا اليل من البشرية‪.‬‬

‫‪ ()139‬سورة النساء ]‪.[1‬‬


‫‪ ()140‬ص ‪ 83‬من هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪ ()141‬انظر كتاب الدراسات‪.‬‬

‫)‪(228‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ف قد أنت جت ‪ -‬أول ما أنت جت ‪ -‬ذ لك الت مزق ف ن فس الن سان‪ .‬الت مزق ب ي‬
‫حا جة الن فس الفطر ية إ ل خالق ها‪ ،‬وحاجت ها إ ل ا لمن الجت ماعي والسيا سي و "‬
‫الضاري "‪ ..‬الذي يأب الغرب ف موجته اللحدة الكافرة اليوم أن يربطه بالعقيدة ف ال!‬

‫وأنت جت ‪ -‬في ما أنت جت ‪ -‬ذ لك الق لق النف سي والرو حي ا لذي يف سد أع صاب‬


‫الناس ف الغرب‪ .‬ففي وسط هذا الصراع الدمر الرهيب الذي يوضه الناس ف ف كل‬
‫لظة وف كل جانب من جوانب الياة‪ :‬صراع ف عال الادة وصراع ف عال الفكار‬
‫وصراع ف عال السياسة وصراع ف داخل التمع وصراع ف داخل النفس الفردة‪ ..‬ف‬
‫و سط هذا ال صراع الدمر الره يب ي تاج الن سان إ ل سند‪ .‬ي تاج إ ل قوة ثاب تة يرت كن‬
‫إليها‪ .‬يتاج إل من يسح على قلبه التعب وضميه اليان‪ .‬يتاج إل اليد الانية الت‬
‫تسك به ف أزمته وتقوده إل الطمأنينة والدوء‪..‬‬

‫يتاج إل ال‪...‬‬

‫و " الضارة " الغربية تنهاه ‪ -‬بتوجيهاتا وتنظيماتا ‪ -‬أن يلجأ إل ال! تنهاه أن‬
‫يلجأ إليه ف السياسة‪ ،‬أو يلجأ إليه ف القتصاد‪ .‬أو يلجأ إليه ف تنظيم التمع‪ .‬أو يلجأ إليه‬
‫ف وضع دستور للداب والخلق والسلوك‪ .‬أو يلجأ إليه ف الفن‪ ...‬وإنا يلجأ إليه ‪ -‬إذا‬
‫شاء بعد هذا كله ‪ -‬ف سويعة عابرة ف الصلة ف الكنيسة‪ .‬ث يعيش بقية يومه وبقية‬
‫عمره ف جو مضاد للعقيدة‪ ،‬واقف لا بالرصاد!‬

‫فيتمزق ويقلق‪ ..‬ويضطرب ويتار‪..‬‬

‫ويهبط ف ميزان " النسان "‪..‬‬

‫ول يس هذا و حده‪ ..‬فح ي ل يؤمن ال ناس بال ال يان ا لق‪ ،‬ول يؤم نون باليوم‬
‫الخر‪ ..‬فليس ف حسهم إذن إل هذه الياة الدنيا‪ ..‬ينتهبون لذائذها ف الفرصة التاحة‬
‫الت لن تتكرر‪ ..‬ولن تعود!‬

‫ويت كالب ال ناس ع لى م تاع ا لرض‪ ..‬م تاع ال نس وم تاع ا لس‪ .‬وم تاع ال قوة‬
‫ومتاع السلطان‪..‬‬

‫)‪(229‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وتنقلب حياتم ‪ -‬بدل من التعة الزائدة الرجوة ‪ -‬إل جحيم من العذاب‪ .‬عذاب‬
‫القلق الدائم على الفرصة الذاهبة‪ .‬وعذاب السعار الذي ل يشبع لنه متلهف على الدوام!‬

‫ويهبط الناس ف ميزان " النسان "‪..‬‬

‫يهب طون إ ل م ستوى أد ن حت من ال يوان‪ .‬فاليوان ي لك ال ضوابط الفطر ية‬


‫الغريزية الت تقف به قبل نقطة اللك وتصون طاقته عن الدمار‪..‬‬

‫والنسان ‪ -‬بل عقيدة ‪ -‬يرتد أسوأ من ذلك اليوان‪ .‬لنه يصبح بل ضوابط‪..‬‬
‫ول أهداف‪:‬‬

‫" ل‪Ý‬ه» م‪Ô Ó‬ق ل‪Ô‬وب‪ ä‬ل ‪É‬يف‪á‬ق‪ Ý‬ه»ون‪ Ý‬ب¼ ه‪É‬ا و‪É‬ل‪Ý‬ه» م‪ Ó‬أ‪Ý‬ع‪»Ó‬ي ن‪ ä‬ل »يب‪ Ó‬ص¼ر»ون‪ Ý‬ب¼ ه‪É‬ا و‪ÝÉ‬له» م‪ Ó‬آذ‪Ý‬ا ن‪ ê‬ل ‪É‬ي س‪Ó‬م‪É‬ع»ون‬
‫¼به‪É‬ا أ‪Ô‬ول‪Ý‬ئ¼ك‪ É‬ك‪Ý‬ال‪á‬أ‪ÓÝ‬نع‪É‬ام¼ ب‪á É‬ل ه»م‪Ý Ó‬أض‪É‬ل‪ î‬أ‪Ô‬و‪Ý‬لئ¼ك‪ É‬ه»م» ال‪á‬غ‪É‬اف¼ل‪Ô‬ون‪.(142) " Ý‬‬

‫إنا نكسة‪ ..‬رجعية! ومع ذلك‪ ..‬فبمقياس الزمن ذاته‪ ..‬هل هي حقا‪ " š‬اختراع "‬
‫جديد ف القرن التاسع عشر أو العشرين؟!‬

‫كل! ما أقدمها ف التاريخ!‬

‫ليست أول وثنية! ليست أول كفر بال وإلاد‪ ..‬ما أقدمها!‬

‫ما الدليل على وجود ال؟ كيف يرسل ال الرسل؟ كيف ينل الوحي؟ كيف‬
‫يبعث الوتى؟ كيف‪..‬؟‬

‫" و‪ É‬ق‪Ý‬ال‪ Ý‬ال ذ¼ي ‪É‬ن ل ي‪É‬ع‪Ó‬ل‪ Ý‬م»ون‪ Ý‬ل‪Ý‬و‪Ó‬ل ي» ‪Ý‬كل‪Ø‬م» ن‪É‬ا الل ه» ‪Ý‬أو‪É Ó‬تأ‪á‬ت¼ي ن‪É‬ا آ ي‪ê É‬ة ك‪µ‬ذ‪-µ‬لك* ق‪µ‬ال‪ µ‬ا ل¶ذ‪-‬ين* م‪-‬ن‬
‫)‪(143‬‬
‫(م ‪Ý‬قد‪ Ó‬ب‪ÌÉ‬ين‪Ì‬ا ال‪á‬آيات¼ ل¼ق‪Ý‬و‪Ó‬م‪ Å‬ي»وق¼ن»ون‪" Ý‬‬ ‫ق‪µ‬ب'ل‪-‬ه‪-‬م' م‪-‬ث‪š‬ل‪ µ‬ق‪µ‬و'ل‪-‬ه‪-‬م' ت*ش*اب*ه*ت' ́ق́لوب(ه ‪Ó‬‬
‫)‪(144‬‬
‫" و‪É‬ق‪Ý‬ال‪Ô‬وا م‪É‬ا ه¼ي‪ É‬إ¼لا ح‪É‬ي‪É‬ات»ن‪É‬ا ال ‪å‬دن‪Ó‬ي‪É‬ا ‪É‬نم»وت» و‪ÉÉ‬نح‪Ó‬ي‪É‬ا و‪É‬م‪É‬ا ي»ه‪¼Ó‬لك‪Ô‬ن‪É‬ا إ¼لا ال ‪Ì‬ده‪Ó‬ر» "‬

‫‪ ()142‬سورة العراف ]‪.[179‬‬


‫‪ ()143‬سورة البقرة ]‪.[118‬‬
‫‪ ()144‬سورة الاثية ]‪.[24‬‬

‫)‪(230‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫)‪(145‬‬
‫" أ‪Ý‬إ¼ذ‪Ý‬ا ك‪Ô‬ن‪Ì‬ا ع¼ظ‪Ý‬اما‪ š‬و‪É‬ر»ف‪Ý‬اتا‪ š‬أ‪¼Ý‬إن‪Ì‬ا ل‪É Ý‬مب‪Ó‬ع»وث‪Ô‬ون‪" Ý‬‬

‫بل أبلغ من ذلك وأدق! إنك حي تقول للناس اليوم ف القرن العشرين إنه ينبغي‬
‫توح يد اللوه ية‪ .‬فل ي كون إ له للع بادة‪ .‬وإ له للع لم‪ .‬وإ له للقت صاد‪ .‬وإ له للسيا سة‪..‬‬
‫يستنكرون! ويقول القرآن حكاية لقول الكفار القدماء‪:‬‬

‫شي‪Ó‬ء‪ ô‬ع»ج‪É‬اب‪.(146) " ä‬‬


‫" أ‪Ý‬ج‪É‬ع‪É‬ل‪ Ý‬ال‪á‬آل¼ه‪É‬ة‪ Ý‬إ¼ل‪Ý‬ها‪ š‬و‪É‬اح¼دا‪ š‬إ¼ن ه‪É‬ذ‪Ý‬ا ل‪É Ý‬‬

‫وهذه الرجعية الت يارسها القرن العشرون ف عال العقيدة‪ ،‬هي ذاتا الت جاء‬
‫السلم ليصححها ويقومها‪ ،‬ويرد البشرية فيها إل الصواب‪ ..‬وما زال موقفه منها هو‬
‫ذات الوقف ف القرن العشرين!‬

‫وقضية النسي‪ ..‬با فيها " الخلق "‪..‬‬

‫لقد تدثنا عنها با فيه الكفاية‪ ..‬ول نتاج إل حديث جديد‪ .‬ل عن طبيعتها ول‬
‫عن آثارها ف حياة البشرية‪..‬‬

‫فهذا ال شقاء ال بالغ ا لذي أ حدثته ف نفوس ال شباب من الن سي‪ ..‬هذا ال شرود‬
‫ال طر ا لذي ل ي عل أ حد‪š‬ا ي ستقر‪ ..‬هذا ال تدمي ف ال سرة والت مع والن فوس‪ ..‬و هذه‬
‫اليوانية الت يأنف منها اليوان‪ ..‬وهذا السعار النون الذي ل يشبع‪..‬‬

‫إ نا ردة بق ياس " الن سان "‪ ..‬ف ما خ لق ا ل الن سان ليه بط هذا ال بوط ك له‪،‬‬
‫ويشرد ويقلق ويل به الدمار‪ ،‬وما كان " التقدم " ليصيب الناس بكل هذا الشر‪ ،‬الذي‬
‫رأينا أمثلة بارزة منه ف شهادة القرن العشرين‪ ..‬إنا الشر ينتج من النراف‪ .‬من البتعاد‬
‫عن الفطرة‪ .‬من عدم ملءمة هذا النظام " للنسان "‪..‬‬

‫ومع ذلك‪ ..‬فبمقياس الزمن ذاته‪ ..‬هل هو تقدم أم رجعية؟!‬

‫‪ ()145‬سورة السراء ]‪.[49‬‬


‫‪ ()146‬سورة ص ]‪.[5‬‬

‫)‪(231‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ل قد قال ال قرن الع شرون إ نه " يت طور " ف م سائل ا لخلق وال نس‪ .‬و»ي حدث‬
‫جد يدا‪ š‬ل تعر فه الب شرية من ق بل‪ .‬ث قالت شهادة التار يخ إ نه أ مر قدي جدا‪ š‬مو غل ف‬
‫التاريخ‪ ..‬عرفته اليونان القدية وروما القدية والند القدية وفارس القدية‪..‬‬

‫عرفته على نفس الصورة‪ ..‬أو ف صور متلفة‪ ..‬ل فرق! ل فرق من الداخل ف‬
‫نفس " الن سان "‪ .‬ول فرق من ا لارج ف وا قع الب شرية‪ ..‬ا نراف ل بد أن يؤدي إ ل‬
‫ن تائجه التو مة لنه يالف الف طرة‪ ..‬و هي القيقة التم ية الوح يدة ف تار يخ الن سان‪..‬‬
‫عنها تتفرع كل التميات!‬

‫إنه ذات الرجعية الت جاء السلم ليصححها ويقومها‪ ،‬ويرد البشرية فيها إلـى‬
‫الصواب‪.‬‬

‫إنا الاهلية الت كانت تتبج فيها الرأة وتقعد لفتنة الرجل وإغرائه‪ ،‬ويشغل فيها‬
‫الرجل بتلك الفتنة والغراء‪ ،‬سواء ف الزيرة العربية أو ف خارجها‪ .‬وجاء السلم ليفع‬
‫الناس من بيميتها‪ ،‬ويقر ف ضمائر الناس قيما عليا ترفع علقة النس عن أن تكون بيمية‬
‫جسد مسعور‪ .‬يرفعها إل السكن والودة والرحة‪ " :‬و‪É‬م¼ن‪ Ó‬آي‪É‬ات¼ه¼ أ‪Ý‬ن‪ á‬خ‪ÝÉ‬لق‪ É‬ل‪Ý‬ك‪Ô‬م‪ Ó‬م¼ن‪ Ó‬أ‪Ý‬ن‪Ó‬ف‪Ô‬س¼ك‪Ô‬م‬
‫أ‪Ý‬ز‪Ó‬و‪É‬اجا‪¼ š‬لت‪É‬س‪Ó‬ك‪Ô‬ن»وا إ¼ل‪Ý‬ي‪Ó‬ه‪É‬ا و‪É‬ج‪É‬ع‪É‬ل‪É Ý‬بي‪ÉÓ‬نك‪Ô‬م‪ Ó‬م‪É‬و‪É‬د‪Ì‬ة‪ š‬و‪É‬ر‪É‬ح‪Ó‬م‪š É‬ة "‪ .‬ويرفعها إلـى " التنظيم " الذي يليق‬
‫بالنسان‪.‬‬

‫وهذا الذي يصنعه القرن العشرون‪ ،‬سواء بقياس " الزمن " أو بقياس " النسان‬
‫" ل يزيد على أن رجعية هابطة‪ ،‬يصححها السلم!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وقضية النفس الواحدة‪ .‬وقضية النسانية الواحدة‪..‬‬

‫إن ال قرن الع شرين ين حرف في ها انرا فات شت‪ .‬من أبرز ها‪ :‬ا نراف الفرد ية‬
‫الطاغية الت تطغى على التمع‪ ،‬وانراف الماعية الطاغية الت تطغى على الفرد‪ ،‬وانراف‬
‫العدوان الستمر من بن النسان على " إخوتم " ف البشرية‪.‬‬

‫)‪(232‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫انراف الفردية الطاغية يثله اليوم النظام الرأسال الذي يقول عنه الغرب إنه "‬
‫تطور "! ويثله الدكتاتوريون الطغاة ف كل الرض‪ ..‬فهل هو " تطور " ل مثيل له من‬
‫قبل؟‬

‫من حيث " الصورة " نعم‪ ..‬أما من حيث الوهر؟‬

‫إن " رأس ا لال " ف صورته الطاغ ية ت طور ف نوع اللك ية وت طور ف صورة‬
‫الستغلل‪ .‬لكن طغيان الالك واستغلله لن ل يلك‪ ..‬هل هو جديد حقا على البشرية؟!‬
‫أو ليست هي ذات " الدوافع " ف النفس البشرية النحرفة‪ ،‬وتؤدي إل ذات الظلم؟ هل‬
‫كان الغن ف الزيرة العربية‪ ..‬أو ف الدولة الرومانية أو الفارسية شيئا‪ š‬آخر ف معدنه غي‬
‫الرأسال الديث الذي يطغى بسلطان رأس الال؟‬

‫أو ل يس هو النراف ذا ته الذي جاء ال سلم لتصحيحه؟ جاء ليأخذ السلطان‬


‫الطاغي من هذا الفرد‪ ،‬بسلبه حق التشريع الذي يستعبد به الناس‪ .‬ورد التشريع إل ال‬
‫الذي ل ياب أحدا‪ š‬من البشر‪ .‬فلم يعد الاكم يشرع لنفسه ول لطبقته كما يدث ف‬
‫العال الرأسال‪ ..‬وف كل مكان ف الرض ل يقوم على هدى السلم‪..‬‬

‫فالفرد ية الرأ سالية الطاغ ية ‪ -‬ر غم صورتا الظاهر ية الد يدة ‪ -‬رجع ية كانت‬
‫موجودة قبل السلم ف صورة من الصور‪ ،‬وجاء السلم ليصححها ويق̂ومها‪ .‬وما زال‬
‫وضعه منها اليوم هو وضعه منها قبل مئات السني!‬

‫أما فردية الدكتاتور الطاغية ‪ -‬الت عرف هذا القرن العشرون ناذج طاغية منها‬
‫‪ -‬فقد عرفتها البشرية كثيا‪ š‬قبل السلم‪ .‬وجاء السلم ليفع هذا الطغيان عن كاهل‬
‫البشرية بأن يعل العبودية واحدة ل وحده‪ ،‬ول عبودية لحد من البشر على الطلق‪.‬‬
‫ومن ث عاد الطغاة القدسون بشرا‪ š‬عاديي بل قداسة‪ .‬وصار الكام أشخاصا‪ š‬عاديي ل‬
‫سلطان لم إل تنفيذ شريعة ال‪ .‬فأما إن اعوجوا فل طاعة لم على الناس‪ .‬وإنا التقوي‬
‫أشد التقوي‪ :‬قال سلمان الفارسي لعمر ابن الطاب‪ ،‬أعدل حاكم ف تاريخ الرض‪" :‬‬
‫وال لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناه بد السيف " فقال عمر‪ :‬المد ل الذي جعل ف‬
‫رعية عمر من يقوم عمر بسيفه!‬

‫)‪(233‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ذلك موقف السلم من الطغيان من قبل‪ ..‬وهو موقفه منه حت اليوم‪ .‬الطغيان ف‬
‫أية صورة من صوره رجعية ترجع بالبشرية إل ما قبل الرشد‪ ..‬الذي يدده ف تاريخ‬
‫البشرية مولد السلم‪ .‬وقد جاء السلم ليصحح وضع البشرية من هذا الطغيان‪..‬‬

‫أما الطغيان الماعي الذي تثله اليوم الشيوعية ‪ -‬آخر " تطور " ف عال القتصاد‬
‫والجتماع ‪ -‬فهو صورة جديدة‪ .‬نعم‪ .‬أما الوهر؟‬

‫هذا الطغيان الذي يذيب كيان الفرد‪ .‬ويعله مرد واحد من القطيع‪ ..‬يتبعه أن‬
‫يسي‪ ..‬ل رأي له ف تقويه‪ ،‬ول الشراف عليه‪ ،‬ول له كيان متميز يس بذاته ف وقت‬
‫من الو قات‪ ..‬هل يت لف من ح يث ا لوهر عن طغ يان " القبي لة " ق بل ال سلم‪ ،‬ذ لك‬
‫الطغيان الذي أنطق الشاعر الاهلي بذا البيت‪:‬‬

‫وهل أنا إل من غزية إن غوت‪ ..‬غويت وإن ترشد غزية أرشد؟!‬

‫ث جاء ال سلم‪ ..‬جاء ل يد " للفرد الن سان " ك يانه إزاء طغ يان ال موع‪ .‬بأن‬
‫جعله ‪ -‬وهو الفرد ‪ -‬قوة هائلة حي يتصل بال‪ ،‬ويعبده حق عبادته‪ ،‬ويستلهم هداه‪ .‬قوة‬
‫خ ي‪Ó‬ر‬
‫توجه الت مع إ ل ال صلح وت صده عن الف ساد‪ " .‬و‪É‬ل‪á‬ت‪É‬ك‪ Ô‬ن‪ Ó‬م¼ن‪Ô Ó‬ك م‪ Ó‬أ‪ Ô‬م‪Ì‬ة‪ ê‬ي‪É‬د‪Ó‬ع»ون‪ Ý‬إ¼ ل‪Ý‬ى ا‪á‬ل ‪É‬‬
‫و‪ É‬ي‪É‬أ‪á‬م»ر»ون‪ Ý‬ب¼ا‪á‬لم‪É‬ع‪Ó‬ر»وف¼ و‪É‬ي‪É‬ن‪ Ó‬ه‪É‬و‪Ó‬ن‪ Ý‬ع‪ É‬ن¼ ا‪á‬لم»ن‪ Ó‬ك‪Ý‬ر¼ " )‪ (147‬و توجه ا لاكم إذا ا عوج‪ ،‬وت» ش‪É‬او‪É‬ر ف‬
‫شأن الكم وسياسة التمع‪ ..‬ومن ث يرفع عنها العبودية للمجموع‪.‬‬

‫و هذا الطغ يان ال ماعي الد يد ا لذي تار سه ا لدول الماع ية‪ ،‬ل يز يد ع لى أن‬
‫يكون رجعية من تلك الرجعيات الت جاء السلم ليصححها ويقومها‪ .‬وما زال موقفه‬
‫منها اليوم كموقفه منها يوم جاء!‬

‫إن ال سلم ين صب ال يزان ا لق ب ي ال فرد والت مع‪ .‬ل هذا يط غى ول ذاك‪.‬‬


‫ويستمد ميزانه من القيقة الثابتة‪ " :‬خلقكم من نفس واحدة "‪..‬‬

‫وبذلك يق̂وم الرجعيات‪.‬‬

‫‪ ()147‬سورة آل عمران ]‪.[104‬‬

‫)‪(234‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أما العدوان الستمر الذي يارسه القرن العشرون‪ ..‬عدوان البشر على البشر‪ ..‬ف‬
‫الرب وف السلم‪ .‬عدوان أمم على أمم‪ .‬وأمم على أفراد‪ .‬وأفراد على أفراد‪ ..‬التفرقة‬
‫العن صرية‪ .‬وال ستعمار وال ستعباد‪ .‬والت عذيب الوح شي ا لذي يار سه الط غاة لي سندوا‬
‫حكمهم ضد ثورة الماهي‪ .‬ما اسه؟ ما اسه ف ميزان " النسان "؟ تقدم أم رجعية؟ هل‬
‫فيه جديد إل الزيادة ف الوحشية والضراوة ف القتل والتعذيب؟‬

‫ولقد واجه السلم يوم جاء به صنوفا‪ š‬متلفة من هذا العدوان‪ .‬فجاء ليصححها‬
‫ويقومها‪ .‬بتهذيب الضمي الب شري من ناح ية‪ ،‬ووضع الت شريعات ا لت ت نع العدوان من‬
‫ناحية أخرى‪ .‬نظف النفس من " الغل " الحق البشع الذي يدفع إنسانا‪ š‬إل قتل أخيه‬
‫النسان أو تعذيبه أو العدوان عليه‪ .‬وجعل الرب الوحيدة الت يبيحها هي الرب ل‪.‬‬
‫لعلء كل مة ا ل ل كل مة ب شر من ال ناس‪ .‬وب شروط " إن سانية " ت نع الق تل الوح شي‬
‫والتمثيل والتعذيب‪.‬‬

‫إن ما يارسه " التقدم " العصري ف القرن العشرين‪ ،‬هو الرجعية ذاتا الت جاء‬
‫السلم ليصححها ويقومها‪ ..‬وما زال موقفه منها اليوم كموقفه منها يوم جاء!‬

‫وهكذا‪ ..‬كلما تتبعنا شيئا‪ š‬من " تطورات " الغرب وجدنا أنا ليست تطور‪š‬ا ف‬
‫القيقة‪ .‬وإنا هي انراف ورجعية‪ .‬انراف بقياس " النسان " ورجعية بقياس الزمان‪.‬‬

‫إنا نكسة حيوانية إل الوراء‪..‬‬

‫وموقف السلم منها هو موقفه من الرجعيات جيعا‪ :š‬موقف التقوي والتصحيح‪..‬‬


‫موقف القوة التقدمية الادية الت تشي للناس إل الطريق الصحيح‪.‬‬

‫وهكذا كان ينبغي أن يكون موقفنا نن من الغرب‪..‬‬

‫ولكن‪ ..‬أين نن؟!‬

‫)‪(235‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫نن والغرب‬
‫حي تكون القدمات كلها صحيحة‪ ،‬فينبغي أن تؤدي إل نتيجة صحيحة‪..‬‬

‫و ما دام ال سلم هو ال قوة التقدم ية الاد ية الر شدة إ ل الطر يق ال صحيح‪ ..‬و ما‬
‫دامت الضارة الغربية تشتمل على كل هذا القدر من النراف والردة إل عال اليوان‪..‬‬
‫فقد كان ينبغي أن نكون نن ‪ -‬السلمي ‪ -‬ف مقعد القوة والتمكن والتقدم والضارة‬
‫والسلطان‪ ،‬والنظافة الكاملة ف التعامل والخلق‪ ،‬والترابط ف التمع‪ ،‬ويكون الغرب ف‬
‫مكان الضعف والذلة والوان‪ ..‬ولكن المر الواقع هو العكس‪ .‬فالغرب ليس قوي‪š‬ا فقط‪،‬‬
‫وليس " متحضرا‪ " š‬فحسب‪ ،‬بل إنه ف معاملته الفردية نظيف نظافة ملحوظة‪ ،‬مستقيم‬
‫ا ستقامة وا ضحة‪ ..‬قل ما يدع الن سان من هم غ يه‪ ،‬أو يغ شه‪ ،‬أو ياوره أو يداوره‪ .‬أو‬
‫يكذب عليه ف مال التعامل اليومي‪ ،‬وفوق ذلك يلص ف عمله ويتقنه ويضع فيه كل‬
‫جهده‪ ..‬بينما نن ‪ -‬السلمي! ‪ -‬نغش وندع‪ ،‬وناور و نداور‪ ،‬ونكذب وننافق‪ ،‬ول‬
‫نلص ف عملنا ول نتقنه ول نضع جهدنا القيقي فيه‪.‬‬

‫دين بل نظافة‪ ..‬ونظافة بل دين!‬

‫تلك هي الصورة الت تربك أفهام الجيال الناشئة ف العال السلمي فتصرفها‬
‫عن السلم!‬

‫وهي ل تنصرف عنه تلقائيا‪ ..š‬وإنا بذل جهد جهيد خلل القرن الاضي كله وما‬
‫يزال يبذل ف هذا القرن للوصول إل هذه النتيجة‪..‬‬

‫جهد جهيد بذله البشرون والستشرقون‪ ..‬ث تلقفه منهم " تلميذهم " السلمون‬
‫)!( ف الشرق السلمي‪ ،‬فأخذوا يرددون السطوانة ذاتا‪ ،‬ول يلون من ترديدها ليصلوا‬
‫ف أذ هان الج يال الناشئة إ ل الر بط بي هذه " القائق " الظاهر ية‪ ..‬لتصل إ ل النتي جة‬
‫الطلوبة‪..‬‬

‫)‪(236‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫البشرون بادئ ذي بدء كانوا يقولون إن السلم رجعي متأخر‪ ..‬بدليل التأخر‬
‫والرجعية الخيمة على أهله‪ .‬والسيحية تقدمية متحضرة‪ ..‬بدليل الضارة والتقدم الوجود‬
‫ف الغرب السيحي‪.‬‬

‫والست شرقون ع لى آ ثارهم ]و هم بق ية من هم لب سوا م سوح الب حث " العل مي "‬


‫ليخفوا وراءها مسوح التبشي[ قالوا إن سر التأخر والرجعية كامن ف السلم ذاته‪ .‬فهو‬
‫‪ -‬بذاته ‪ -‬الذي قاد أهله إل النطاط والتأخر‪ ،‬لنه جامد ل يتطور ول يسمح بالتطور!‬
‫]ولعلهم يقولون أيضا إنه يدعو إل الهل وعدم الخذ بأسباب القوة!![‬

‫ث جاء تلم يذهم من " ال سلمي "‪ ..‬من " قادة " الف كر وال صحافة وا لدب‬
‫والسياسة يقولون‪ :‬هلم ننبذ تعاليم هذا الدين الرجعي الامد التأخر‪ ..‬لكي نتحضر‪ .‬لكي‬
‫نصبح مثل أوربا لكي ننال العلم والقوة والتقدم والسلطان‪.‬‬

‫والت قت ت لك ال ياءات ال سامة كل ها ف ن فوس الج يال النا شئة ف ال عال‬


‫ال سلمي‪ ،‬ل تؤدي إ ل نتي جة معي نة‪ :‬نن م تأخرون لن نا م سلمون وأور با متح ضرة لنا‬
‫ليست مسلمة!‬

‫ث دار الزمن دورة واختفت من الفق أقوال البشرين الباشرة‪ ..‬فقد احتجبوا عن‬
‫الع مل البا شر ب عد أن اط مأنوا إ ل ق يام تلم يذهم " ال سلمي " با لدعوة بدل من هم‪،‬‬
‫واطمأنوا إل سياسة الدولة التعليمية الت أوحوا بوضعها عن طريق الستعمار الذي كان‬
‫ب يده مقال يد ال كم وال توجيه‪ ..‬سيا سة ل تع لم النا شئة شيئا‪ š‬عن حقي قة ال سلم‪ ،‬وإ نا‬
‫تعلم هم بدل م نه أور با وح ضارتا وتفوق ها ال ساحق‪ ..‬وتعلم هم كذلك شبهات حول‬
‫السلم يتسرب إل أفهامهم تأثيها السموم بوعي أو بغي وعي‪ .‬واطمأنوا كذلك إل‬
‫دور الدارس الجنبية وما تدثه من آثار سامة ف تطيم عقائد السلمي‪ ،‬ول¿ أعناقهم إل‬
‫أور با و " ال ضارة " الورب ية‪ ..‬واط مأنوا أخ يا‪ š‬إ ل ت كبي تلم يذهم وت ضخيمهم حت‬
‫يصبحوا هم قادة الفكر والتوجيه ويصبح ف أيديهم من السلطان ما يكفي لتثبيت ذلك‬
‫التوجيه‪..‬‬

‫واختفت كذلك من ا لفق حلة الست شرقي البا شرة ع لى ال سلم‪ ،‬ا لت كانت‬
‫على أشدها ف النصف الثان من القرن التاسع عشر‪ ،‬إذ ظهر للمستشرقي بالتجربة العملية‬
‫أنا أدت إل عكس الغرض الطلوب‪ ،‬إذ أيقظت السلمي من سباتم‪ ،‬ووجهت مشاعرهم‬
‫وعقولم وأقلمهم إل الدفاع عن السلم‪ .‬فظهرت عشرات من الكتب أو مئات تدافع‬

‫)‪(237‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫عن السلم‪ .‬وكان ف هذا خطر عظيم على الدف النشود من وراء حركة الستشراق‪.‬‬
‫خطر صرح به الستشرق العاصر " ولفرد كانتول سيث " ف كتابه " السلم ف التاريخ‬
‫العاصر ‪ " Islam in Modern History‬حيث يقول ف أكثر من مكان ف كتابه‪ :‬إن الركة‬
‫التحررة الت قادها الكتاب التحررون‪ ،‬والت اتهت إل نقد الدين‪ ،‬كانت كفيلة بأن تؤت‬
‫ثارا‪ š‬طيبة‪ .‬لول أن حركة " الدفاع " عن السلم قد حالت دون هذه الثمار!!‬

‫لذلك ا ته الست شرقون إ ل و سيلة أخ بث‪ ،‬ت ن̂وم ال شاعر لل سموم بدل من أن‬
‫توقظها للخطر الاثل‪ ،‬وهي البدء بتمجيد السلم وتعظيمه‪ ،‬وإعطائه حقه النصف‪ ،‬حت‬
‫إذا ا سترخت أع صاب ال قارئ ال سلم ع لى الد يح‪ ،‬واط مأنت نف سه إ ل " نزا هة الق صد‬
‫والضمي العلمي! " ف هذا الستشرق أو ذاك‪ ،‬دس له السم ف العسل‪ ،‬ووضع ف خلل‬
‫الديح والتمجيد ما يشاء من التشويه والتشكيك‪ ،‬وهو مطمئن إل مفعوله الكيد! ث‪..‬‬
‫الياء ‪ -‬بل التصريح ‪ -‬بأن السلم كان عظيم‪š‬ا ونافعا‪ š‬وتقدميا‪ š‬أيام زمان! أما اليوم فهو‬
‫عقبة ف سبيل التقدم‪ ،‬ول مال لذا التقدم إل بالخذ بوسائل الغرب ف كل شيء ]انظر‬
‫كل كتب الستشرقي العاصرين! وبصفة خاصة كتاب " جب " " التاهات الديثة ف‬
‫السلم ‪ " Modern Trends in Islam‬وكتاب " جرونيباوم " " السلم‪ " ...‬وكتاب سيث‬
‫الشار إليه " ‪.[" Islam in Modern History‬‬

‫اختفت الملة الول والثانية وظهرت ف الفق دعوة جديدة‪ ،‬هي الت ما تزال‬
‫قائمة حت اليوم‪ ،‬على يد أولئك " التلميذ " الخلصي من " السلمي! "‪.‬‬

‫إن أوربا اليوم متقدمة‪ ..‬وهي ليست متدينة!‬

‫لقد طرحت الدين جانب‪š‬ا فتقدمت وتضرت ووصلت إل القوة والسلطان!‬

‫ونن متدينون )!(‪.‬‬

‫وف الوقت ذاته متأخرون!‬

‫فينب غي أن ن سلك الطر يق ال قوي‪ ..‬نن بذ دين نا ‪ -‬ك ما فع لت أور با ‪ -‬فنت قدم‬
‫ونتحضر ونصل إل القوة والسلطان! وليس من الضروري أن نكفر ونلحد! إنا يب أن‬
‫نسارع إل فصل الدين عن كل ما له علقة بواقع التمع وواقع الياة!‬

‫)‪(238‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وتلك هي خلصة السموم كلها الت وضعها التبشي والستشراق والستعمار!!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولكن‪ ..‬بغض النظر عن هذه القصة الطويلة الت استغرقت قرني من الزمان‪ ،‬فإن‬
‫هناك واقعا‪ š‬ملموسا‪ š‬ينبغي تبي أسبابه‪ :‬واقع القوة والتمكن و " النظافة " السية والعنوية‬
‫ف ال غرب ف ال عاملت اليوم ية ]ب صرف الن ظر عن شئون ال نس![ وو قائع ال ضعف‬
‫والتخ لف و " ال قذارة " ال سية والعنو ية ف ال شرق " ال سلمي " ]بال ضافة إ ل انت شار‬
‫الفساد اللقي ف شئون النس!![‬

‫هذا وا قع ينب غي تبي أ سبابه‪ ،‬لتت ضح الق ضية ف أذهان نا ع لى حقيقت ها‪ ،‬وتت ضح‬
‫ال صلة ب ي ال قدمات ا لت قدمناها كل ها وب ي الوا قع‪ ..‬وإل ف قدت دللت ها القيق ية‬
‫وأصبحت غي ذات موضوع!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫هذا الواقع‪ ..‬حقيقة‪ ê‬مضللة!‬

‫وظاهر هذه القيقة يقول‪ :‬هناك دين بل نظافة ]ف الشرق[ ونظافة بل دين ]ف‬
‫الغرب[‪.‬‬

‫وباطن القيقة ليس كذلك!‬

‫والرجع هو التاريخ‪...‬‬

‫إن أور با ال يوم لي ست متدي نة‪ ..‬بع ن أن ا لدين ل ي كم ال ياة‪ .‬ل ي كم وا قع‬
‫الت مع‪ ،‬ول ي كم القت صاد والسيا سة‪ ،‬ول ي كم التعل يم‪ ،‬ول ي كم ال توجيه الف كري‬
‫لل ناس‪ .‬وإن كان ‪ -‬في ما عدا هذا ‪ -‬قد ي سيطر ع لى م شاعر ال ناس ل ظات ف دا خل‬
‫الكنيسة‪ ،‬أو الحتفال بقديس من القديسي أو‪ ..‬ف التأثر ببعض الساطي!!‬

‫)‪(239‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ولكنها دون شك ل تكن كذلك قبل قرون‪..‬‬

‫يومئذ كانت العقيدة ف النفوس أرسخ‪ ،‬وتوجيهها للحياة أشد‪..‬‬

‫وربا ل تكن أوربا ف يوم من اليام مسيحية بكل معن الكلمة‪ .‬فقد ظلت ف‬
‫أعماق الضمي الورب ‪ -‬تت القشرة السيحية ‪ -‬رواسب عميقة من آثار الفكر اليونان‬
‫وال ضارة الرومان ية ا لوثنيي‪ ،‬يوج هان جوانب من ال ياة الورب ية بوعي أو بغ ي و عي‪..‬‬
‫ولكن هذا ل ينفي أن العقيدة السيحية كانت هي الغالبة ف القرون الوسطى‪.‬‬

‫ث ضاق الناس بكنيستهم لسباب عدة‪:‬‬

‫كانت الكنيسة قوة طاغية غاشة تفرض على الناس التاوات والعشور وترهقهم‬
‫من أمرهم عسرا‪.‬‬

‫وكانت تفرض عليهم الضوع الذل لرجال الدين‪.‬‬

‫وتفرض عليهم أفكارا‪ " š‬علمية " مزيفة‪ ،‬باسم أنا كلمة السماء‪ .‬فإذا أثبت العلم‬
‫التجريب والنظري كذبا راحت الكنيسة ترق العلماء وتعذبم كما فعلت بكوبرنيكوس‬
‫وجاليليو وجوردانو برونو لنم ل يوافقوا على نظريتها ف شكل الرض ومركزها من‬
‫الكون‪.‬‬

‫إل جانب ذلك مهزلة صكوك الغفران الت تول الدين إل سخرية لهية ضخمة‪،‬‬
‫وتنع عنه كثيا‪ š‬من جديته وقداسته‪ ..‬وكذلك الفسد اللقي الذريع الذي كان يارسه "‬
‫رجال الدين! " متسترين وراء مسوح الرهبان‪ ،‬ما يعف عنه الفرد العادي غي التمسك‬
‫بأهداب الدين!‬

‫كل ذلك أحدث انفصاما‪ š‬بي الدين وحياة الناس‪ ..‬وعزل الدين من الواقع الي‬
‫إل داخل الوجدان‪.‬‬

‫ث حدث حادث ضخم ف الياة الوربية ترتبت عليه آثار ف غاية الطورة‪ .‬وهو‬
‫الروب الصليبية‪.‬‬

‫)‪(240‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ففي تلك الروب الت انزم فيها الوربيون ‪ -‬السيحيون ‪ -‬ف كل حرب تقريبا‪،‬‬
‫و ف النها ية الا سة كذلك ‪ -‬تي قظ أولئك الغرب يون إ ل أ مر حا سم‪ :‬ل بد أن ي كون ف‬
‫حياتم أخطاء واختللت أدت بم إل الزية النكرة‪ ،‬ول بد أن يكون ف حياة السلمي‬
‫من أسباب السلمة والقوة ما مكنهم من النتصار‪.‬‬

‫ومن هذه اليقظة تولدت " النهضة " الوربية‪ ..‬ف كل مال‪.‬‬

‫نضة علمية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬واقتصادية‪ ،‬وفكرية‪ ،‬وروحية‪ ..‬ال‪.‬‬

‫" ل قد كان الع لم أ هم ما جاءت به ال ضارة العرب ية )‪ (148‬ع لى ال عال ا لديث‪،‬‬


‫ولكن ثاره كانت بطيئة النضج‪ ..‬إن العبقرية الت ولدتا ثقافة العرب ف أسبانيا‪ ،‬ل تنهض‬
‫ف عنفوانا إل بعد وقت طويل على اختفاء تلك الضارة وراء سحب الظلم‪ .‬ول يكن‬
‫العلم وحده هو الذي أعاد إل أوربا الياة‪ .‬بل إن مؤثرات أخرى كثية من مؤثرات‬
‫الضارة السلمية بعثت باكورة أشعتها إل الياة الوربية‪ .‬فإنه على الرغم من أنه ليس‬
‫ثة ناح ية وا حدة من نواحي الزد هار ا لورب إل وي كن إر جاع أ صلها إ ل مؤثرات‬
‫الثقا فة ال سلمية ب صورة قاط عة‪ ،‬فإن هذه ا لؤثرات تو جد أو ضح ما ت كون‪ ،‬وأ هم ما‬
‫تكون‪ ،‬ف نشأة تلك الطاقة الت تكون ما للعال الديث من قوة متميزة ثابتة‪ ،‬وف الصدر‬
‫القوي لزدهاره‪ :‬أي ف العلوم الطبيعية‪ ،‬وروح البحث العلمي "‪] .‬بريفولت ف كتاب "‬
‫بناء النسانية ‪.[" Making of Humanity‬‬

‫وع لى الر غم من اهت مام الر جل بالعلوم‪ ،‬وروح الب حث العل مي ‪ -‬و ما لذا من‬
‫دللة ف النهضة الوربية العاصرة ‪ -‬فإنه ل يغفل القيقة الوسع مدى وهي أنه " ليس ثة‬
‫ناحية واحدة من نواحي الزدهار الورب إل ويكن إرجاع أصلها إل مؤثرات الثقافة‬
‫السلمية بصورة قاطعة "‪.‬‬

‫وليس هنا مال التفصيل ف هذا الشأن‪ ..‬فذلك تتوله بوث التاريخ‪.‬‬

‫ولكنا نقول ف إياز شديد إن الروب الصليبية هي الت وجهت أوربا إل إنشاء‬
‫نظام " المة " بعد أن كانت إقطاعيات يكم كل منها إقطاعي تتمثل ف شخصه السلطة‬
‫التشريعية والقضائية والتنفيذية‪ ،‬ويستعبد الناس ف الرض‪ ..‬وقد وجد الصليبيون ف العال‬

‫‪ ()148‬راجع الامشة ص ‪ 178‬من هذا الكتاب‪ " :‬يقصد الضارة السلمية‪ ..‬ال "‪.‬‬

‫)‪(241‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫السلمي " أمة " تكمها حكومة مركزية موحدة ويسري فيها قانون واحد يطبق على‬
‫الم يع بال سوية‪ ..‬فنق لوا هذا الن ظام إ ل بلد هم ف صارت أ ما ودول ب عد أن كانت‬
‫إقطاعيات‪ .‬وتطم النظام القطاعي وترر عبيد الرض ليصيوا أحرارا‪ š‬كالسلمي‪.‬‬

‫والروب الصليبية وما تلها من الحتكاك بالفكر السلمي والثقافة السلمية‬


‫هي الت أدت إل الثورة الدينية على الكنيسة‪ ،‬الت قام با مارتن لوثر وكالفن ف أوربا‪.‬‬

‫وهي كذلك الت أدت إل الركات التحريرية الكبى ومن بينها الاجنا كارتا‬
‫وإعلن حقوق النسان‪.‬‬

‫و كانت ‪ -‬إ ل جانب ذ لك ‪ -‬ذات أ ثر كبي ف ا لخلق الورب ية‪ .‬ف قد أ خذ‬
‫الصليبيون ‪ -‬النهزمون ‪ -‬عن السلمي ‪ -‬الظافرين ‪ -‬كثيا‪ š‬من أخلقهم الشخصية من‬
‫صدق وأمانة وإخلص وتاسك وترابط وتاب ومودة وتعفف عن الدنايا‪ ..‬وقد كانوا ‪-‬‬
‫ف أثناء إقامتهم مع السلمي ف الشام ‪ -‬يرون كيف كان التاجر السلم إذا جاء وقت‬
‫الصلة يترك متجره ‪ -‬مفتوحا[ ‪ -‬ويذهب إل السجد يؤدي فريضته ث يعود فل يسرقها‬
‫سارق! و يرون ك يف يترم ال صغي ال كبي‪ ،‬وك يف يتف شى " ال سلم " ب ي ال ناس سواء‬
‫بالتحية بالفم أو ف واقع التمع‪ ..‬كما كانوا يرون دقة أصحاب الصنايع وإتقانم أعمالم‬
‫وا لخلص في ها‪ ،‬وك يف كانت " ذ مة " ال تاجر ال سلم رأس ماله ا لول‪ ،‬ي عد وي في‬
‫ويضبط اليعاد!‬

‫بذه المور كلها تأثرت الياة الوربية إل جانب الركة العلمية الكبى الت‬
‫ن شأت من انت قال ا لذهب التجر يب من مدارس ال ندلس و مدارس ال شرق إ ل ال غرب‬
‫الورب‪...‬‬

‫وخل صة هذا ا لمر أن ا لخلق الورب ية ذات أ صل دي ن م سيحي وإ سلمي‬


‫على السواء!‬

‫‪ ...‬ولقد وقعت الفجوة بي الدين والياة ف أوربا‪ ..‬للسباب الت ذكرناها‪.‬‬

‫وكانت جفوة تدريية بطيئة استغرقت بضعة قرون حت وصلت ذروتا ف ناية‬
‫القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين‪.‬‬

‫)‪(242‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وف أثناء هذه الفوة تنكر الناس للدين‪ ،‬وفصلوه عن كل القيم النافعة ف الياة!‬

‫فصلوه عن الع لم‪ ..‬فن شأت حركة إحياء الع لوم ع لى أساس ل دي ن‪ ..‬بل ع لى‬
‫أسس مناهضة للدين‪.‬‬

‫وف صلوه عن الت مع‪ ..‬ف جاء الن مو الجت ماعي ا لديث ع لى أ ساس ل دي ن )‬
‫‪ (secular‬إن ل يكن على أسس معادية للدين‪.‬‬

‫وفصلوه عن الخلق!‬

‫قالوا‪ :‬إن الخلق جيلة نعم‪ ..‬ولكن ليس من الضروري أن نأخذها من تعاليم‬
‫ا لدين فلنجعل ها قائ مة بذاتا‪ ،‬ت ستمد من " الوا قع " أو من " الع قل " أو من " ال ضمي‬
‫الجتماعي "‪ .‬أو من أي معي إل الدين! ]ول يدخل ف هذا الشأن الخلق النسية‪..‬‬
‫فهذه قضوا عليها نائيا‪ š‬بتوجيه الشياطي![‪.‬‬

‫وهكذا بقيت لوربا أخلق‪ ..‬لكن بغي عنوان الدين!‬

‫وقد كانت الفوة من الشدة والعنف بيث ل تفصل فقط بي الدين والخلق‪..‬‬
‫بل قد ن ف¿رت الناس تنفيا‪ š‬من أن يربطوا أي ر بط بي الدين والخلق‪ ..‬بل إ ل إن كار‬
‫وجود رابط بينهما على الطلق‪ ..‬بل إل الصرار على رفض الخلق إن كانت تلبس‬
‫ثوب الدين‪ ،‬وعدم قبولا إل أن كانت مفصولة عن الدين واقفة له بالرصاد!‬

‫ن عم‪ ،‬يب أن ت كون ل نا أخلق‪ ..‬ول كن حذار حذار من ربط ها با لدين‪ .‬وإل‬
‫تركناها لكم بأجعها وصرنا ل أخلقيي! كما أصبحنا من قبل ل دينيي!‬

‫وزيادة ف التحذير والتنفي تنشأ " مذاهب " كالوجودية تناقش " الخلق " من‬
‫حيث البدأ‪ ،‬وتقول‪ :‬ل أخلق! فما أراه " أنا " خي‪š‬ا فهو خي‪ ..‬وما أراه شرا‪ š‬فهو شر!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولكن هذه مرحلة ف " التطور "!‬

‫)‪(243‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫والذين يظنون أنا يكن أن تقوم إل البد هم الذين ينظرون إل رقعة صغية من‬
‫التار يخ! ا لذين ين ظرون إ ل ع قرب ال ساعات ف ال ساعة ب ضع د قائق‪ ،‬ث يقو لون إ نه ل‬
‫يتحرك من مكانه ول يري!‬

‫لقد بقيت الخلق الوربية ‪ -‬النابعة من العي الدين ‪ -‬بقيت فترة من الزمن‬
‫وهي منفصلة عن معينها الصلي‪ ،‬تسي بقوة الدفع الذاتية‪ ،‬بغي عنوان الدين‪.‬‬

‫ظلت أوربا فترة من الزمن " نظيفة " الخلق‪ ،‬تتعامل على استقامة‪ ..‬ل يدعك‬
‫الغرب ول يغشك ف العاملت اليومية الفردية‪ .‬ل يقول لك كلما ويقصد كلما‪ š‬آخر‪.‬‬
‫ل يقدم لك البضاعة الزورة‪ .‬ل يعطيك الوعد ويلفه‪ ...‬إل ف السياسة!‬

‫و قال ال ناس ‪ -‬ه نا ف ال شرق ال سلمي ‪ :-‬ل تت جوا ع لى ال غرب بالسيا سة‪..‬‬
‫فالسياسة خدعة! ولكن انظروا إل التعامل الشخصي‪ .‬إنا بالضبط الخلق الت تنسبونا‬
‫للسلم! ولكنها هناك واقع عملي‪ .‬يرب عليه الطفل فيتشربه‪ ،‬ويرب عليه التمع فيصونه!‬
‫إ نا لي ست نظر يات كالت ت قدمونا با سم ال سلم! لي ست مواعظ! إ نا ح قائق تربو ية‬
‫ضخمة‪ .‬يبذل فيها جهد دائب لتربية الطفل عليها منذ مولده‪ .‬يربيه عليها والداه ف النل‪،‬‬
‫والدرسون ف الدرسة‪ ،‬والواقع الارجي ف التمع‪ ..‬فتتأصل‪.‬‬

‫الوالدان بذاتما قدوة‪ ..‬ل تكذب الم أمام الطفل ول الب فل يشاهد الطفل‬
‫الكذب أمام عينيه‪ .‬فيتعود الصدق من الواقع الوجود ف السرة‪ .‬ث يذهب إل الدرسة‬
‫فل ت كذب عل يه الدر سة ول ا لدرس‪ .‬و يرج للمجت مع في جد ال صدق حقي قة‪ ..‬فين شأ‬
‫صادقا ل يكذب‪.‬‬

‫والمانة كذلك‪ .‬ل تغش الم ول الب‪ .‬ول الدرسة ول الدرس‪ .‬ول الناس ف‬
‫التمع‪ .‬فتصبح المانة ف نفس الطفل حقيقة‪ ..‬حقيقة ذات رصيد من الواقع‪.‬‬

‫وكذلك كل آداب السلوك‪..‬‬

‫وبذه الصورة تنشأ كل " الفضائل " الت نفتقدها ف الشرق " السلمي "‪ .‬إنا‬
‫هناك حقيقة ولدينا نن خواء ومواعظ دينية!‬

‫)‪(244‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وهم هنالك يصنعونا ل باسم الدين‪ ..‬وتفلح! ونن هنا نعظ إليها باسم الدين‪..‬‬
‫فل تنجح!‬

‫حقا‪ ..‬هذا هو الوجه الظاهر من القضية‪..‬‬

‫ول كن هذه ك ما ق لت مرح لة من مرا حل " الت طور "!‪ ..‬و لا ب عد نتائج ها‪..‬‬
‫التمية!‬

‫ل قد انف صلت ا لخلق ف ال غرب عن معين ها ال صلي‪ .‬مع ي ا لدين‪ .‬فك يف‬
‫صارت؟‬

‫قامت السياسة بادئ ذي بدء على غي أساس أخلقي!‬

‫ف الداخل‪ ..‬صارت " الطبقة " الت تكم تشرع لصالها هي على حساب بقية‬
‫الطبقات‪ .‬وظن " علماء " السياسة والقتصاد هناك أن هذه حتمية " اقتصادية "! وليست‬
‫حتمية اقتصادية ف الواقع‪ .‬ولكنها تصبح حتمية حي تنفصل السياسة عن مبادئ الدين‪..‬‬
‫فتصبح السياسة بل أخلق! وحي كان ال سلمون م سلمي ل ت كن ه ناك طبقة حاك مة‬
‫تشرع لصالها‪ .‬وإنا كان الكام ينفذون مبادئ الدين الت تقضي بالعدالة بي الميع!‬

‫وف الارج‪ ..‬كانت السياسة الغربية كلها خداعا واحتيال وغشا ونصبا وسرقة‬
‫وغصبا‪ š‬وامتصاصا‪ š‬للدماء! وظن " علماء " السياسة والقتصاد هناك أن هذه أيضا‪ š‬حتمية‬
‫اقت صادية! وإ نا هي نتي جة حتم ية لنف صال السيا سة عن م بادئ ا لدين! وح ي كان‬
‫السلمون مسلمي كانت " السياسة " الارجية هي الصدق والمانة ف السلم وف الرب‬
‫سواء‪ .‬ومافظة السلمي على عهودهم ومواثيقهم مضرب الثل ف التاريخ! يقول " ت‪.‬‬
‫و‪ .‬أرنو لد ف ك تابه " ا لدعوة إ ل ال سلم " ]تر جة ح سن إبراه يم ح سن وآخر ين‪ ،‬ص‬
‫‪ 58‬من الترجة العربية[‪ " :‬كذلك حدث أن سجل ف العاهدة الت أبرمها أبو عبيدة مع‬
‫بعض أهال الدن الاورة للحية‪ :‬فإن منعناكم فلنا الزية وإل فل " ث قال‪ .." :‬فلما علم‬
‫أبو عبيدة قائد العرب بذلك )أي بتجهيز هرقل لاربته( كتب إل عمال الدن الفتوحة ف‬
‫الشام يأمرهم بأن يردوا عليهم ما جن من الزية من هذه الدن‪ ،‬وكتب إل الناس يقول‪:‬‬
‫إنا رددنا عليكم أموالكم لنه بلغنا ما جع لنا من الموع‪ .‬وإنكم قد اشترطتم علينا أن‬
‫ننع كم‪ ،‬وإ نا ل ن قدر ع لى ذ لك‪ .‬و قد ردد نا علي كم ما أ خذنا من كم‪ .‬و نن ل كم ع لى‬
‫الشرط وما كتبنا بيننا إن نصرنا ال عليهم "‪ .‬وهذا هو السلم!‬

‫)‪(245‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ث انفصل السلوك النسي عن الخلق! وقال الناس هنا وهناك إن هذا "تطور"!‬

‫وقد بينا ف كل الفصول السابقة أنه ليس " تطورا " وإنا هو انلل‪ .‬ول نتاج‬
‫أن نعيد هنا ما قلناه من قبل من آثار البوط النسي والباحية اليوانية ف التمع الغرب‪..‬‬
‫فيكفينا ف هذا شهادة القرن العشرين‪ ،‬الت أدل با الغربيون أنفسهم‪ ،‬وشكوا فيها من‬
‫ان طاط ت لك " ا لخلق "‪ .‬إ نا يعني نا أن نبز حر كة " الت طور " ال ستمرة‪ ،‬النا شئة من‬
‫انفصال الخلق ف الغرب عن معينها الصلي‪ ..‬معي الدين‪ .‬وكيف يشمل الفساد جزءا‬
‫منها بعد جزء‪ ..‬لسبب واحد‪ ..‬هو أنا انفصلت عن ذلك العي!‬

‫إن الذي يزيغ أبصار الناس هنا وهناك‪ ..‬أن هذا الفساد اللقي ف شئون النس‬
‫‪ -‬الذي نشأ من ابتعاد الفاهيم اللقية عن مفاهيم الدين ‪ -‬قد وقف عند هذا الد‪ ،‬ول‬
‫يسر إل بقية شئون الخلق! فماذا علينا إذن ‪ -‬ما دام هذا ‪ -‬ولنسمه الفساد ‪ -‬تطور‪š‬ا "‬
‫حتميا‪ ،" !š‬ماذا علينا أن نبيح هذا الفساد الذي لن نستطيع أن نقو×مه أو نقف ف وجهه‪،‬‬
‫ما دامت بقية الكيان اللقي ما زالت سليمة‪ ،‬والتعامل مستقيما ونظيفا‪ š‬ل يسسه السوء؟!‬

‫إن ال شاب والف تاة ف ال غرب منحلن خلق يا ف شأن ال نس ]بقايي سنا نن![‬
‫ولكنه ما ما زال نظي في التعا مل‪ .‬ل غش‪ .‬ول كذب ول خداع‪ .‬وا ستقامة ف ال لق‬
‫والضمي‪ .‬وإخلص ف العمل وإتقان‪ ..‬فماذا نسر لو جاريناهم وماذا نكسب من دعوى‬
‫الرجوع إل الدين؟!‬

‫حت ف هذا‪ ..‬نعود إل شهادة القرن العشرين!‬

‫أين هي " الخلق " ف اليل الناشئ ف الغرب اليوم؟!‬

‫عصابات الطف والنهب والسرقة والجرام‪ ..‬وعصابات الشيش والفيون‪ .‬هل‬


‫هذه هي الخلق؟!‬

‫ع صابات تي سي الطلق‪ ،‬ا لت تو قع ا لزواج أو الزو جات ف جر ية الز نا‪ ،‬ث‬


‫ت ضبطهم متلب سي‪ ،‬لتي سر ع لى ال طرف ا لخر أن يط لب الطلق وي قدم ال سباب‪ .‬وا لت‬
‫يقوم با أطباء ومامون‪ ..‬هل هذه هي الخلق؟!‬

‫)‪(246‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫بيـع أسرار الدولة العسكرية لعدائها مقابل تلبيـة الشذوذ النسي‪ ..‬هل هذه‬
‫هي الخلق؟!‬

‫إنا ليست " حالت فردية " ما يوجد ف كل متمع ول يلفت إليه النظار! إنا‬
‫ظاهرة اجتماعية تتمع لا الؤترات لتدرسها وتققها‪ .‬وتنبه إل خطورتا!‬

‫ث‪ ..‬هي آخذة ف الزدياد!‬

‫حت الخلق " البسيطة " جدا‪ ..š‬الت كانت مضرب المثال ف الغرب‪ " :‬المانة‬
‫" ف الترام والتوبيس وعدم " التزويغ " من دفع أجرة الركوب! حت هذه! صار اليل‬
‫الناشئ ف أوربا يهرب منها ويالفها!‬

‫قالوا‪ ..‬هذا أثر الرب!‬

‫ور با كان كذلك! وح قا‪ š‬إن هذه لي ست ‪ -‬ب عد ‪ -‬ال صورة الغال بة للمجت مع‬
‫الغرب! ولكنها ف طريقها إل الزدياد‪ ..‬ومن هنا خطورتا‪ .‬ومن هنا دللتها‪.‬‬

‫كل! ليست الرب!‬

‫لقد خاض العال السلمي حروبا جة‪ ..‬ولقد عاش نصف القرن الول ف حرب‬
‫دائمة ل تفتر! ومع ذلك فقد كان نصف القرن هذا بالذات هو الفترة الت ترسخت فيها‬
‫أخلق السلم‪ ،‬وانتشرت ف كل مكان وطئته جنود السلم!‬

‫ليست الرب! إنا هو البتعاد عن الدين! هو فصل الخلق عن معينها الصلي‬


‫الذي ل معي سواه!‬

‫ل قد خ»دع ال ناس ف ال غرب خديعة ماكرة ح ي ظ نوا أ نم ي ستطيعون أن يظ لوا‬


‫بعيدا‪ š‬عن الدين‪ ،‬ث يظلوا ناجحي‪ ،‬ويظلوا على خلق قوي!‬

‫إنا مرحلة من مراحل " التطور "‪ ..‬ل تثبت! كيف يثبت الناس على النلق؟!‬

‫)‪(247‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫لقد بدأ الفساد بالسياسة‪ .‬ث شئون النس‪ .‬ث بقية " الخلق "‪.‬‬

‫ومظاهر القوة والتماسك والصعود والتقدم الت تزيغ أبصار الناس ف الشرق وف‬
‫ال غرب‪ ،‬فيح سبون أ نم ي ستطيعون أن يبت عدوا عن قانون ا ل ف أي شيء ث يظ لوا‬
‫ناجحي‪ ..‬هذه الظاهر خداعة ماكرة! ولنسأل كنيدي‪ ..‬ولنسأل خروشوف!‬

‫إن ما ي شيان نتي جة النلل ا لال ع لى م ستقبل أمري كا ورو سيا! و ها لي سا‬
‫طفل ي صغيين‪ ..‬ولي سا هازلي‪ ..‬إ نا ها جادان أ شد ا لد‪ ..‬يب صران ما ل يب صره ه نا‬
‫الكتاب الزيفون‪ ..‬التقدميون التطوريون‪.‬‬

‫إن ال غرب ي لك قوة حقيق ية ج بارة وهائ لة‪ ..‬لنه ما زال ي لك ر صيدا‪ š‬من "‬
‫ا لخلق " ا لت كانت ف أ صلها م ستمدة من ا لدين‪ ..‬ولك نه ‪ -‬ح ي ف صلها عن مع ي‬
‫الدين ‪ -‬بدأ يهبط‪ ..‬ف كل مال‪ .‬ووصل البوط إل الد النذر بالطر‪ ..‬الذي أطلق‬
‫الصيحة على لسان كنيدي وخروشوف‪.‬‬

‫ولن ينهار الغرب غدا‪ ..š‬ف أيام أو سنوات!‬

‫ل تقاس أعمار المم باليام والسنوات! وإنا تقاس بالجيال!‬

‫ولكن يتضح الط الصاعد والط الابط من خلل الجيال!‬

‫وشهادة القرن العشرين تقدم لنا الواب! إنا تقول ف أوضح صورة‪ :‬هذا اليل‬
‫ف طريقه للندار!‬

‫كل‪ ..‬ل نظافة بل دين!! إنا هي مرحلة من مراحل النزلق‪ ..‬ل تصل بعد إل‬
‫القذارة الكاملة‪ ،‬لن المم تنلق ف بطء شديد‪ ..‬ف أجيال‪ ..‬وقد بدأ الغرب ف البوط‬
‫على النلق‪ ..‬وشهد بذلك الناس هناك!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أما نن‪ ..‬فلسنا مسلمي!‬

‫)‪(248‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫كل دعوى بأننا مسلمون‪ ..‬باطلة!‬

‫م سلمون بأ سائنا؟! م سلمون ب سكنانا ف ا لرض ا لت " كان " ي سكنها‬


‫السلمون؟!‬

‫أين نن من السلم؟! ماذا فينا يكمه السلم؟!‬

‫ال سلم ل ي كم وا قع حيات نا ك له‪ ..‬ول سلوكنا ال فردي‪ ..‬فك يف ن كون‬


‫مسلمي؟!‬

‫ولقد كتبت كتابا كامل سيته " هل نن مسلمون؟ " بينت فيه كيف بعدنا عن‬
‫السلم وجافيناه‪ .‬وما أحتاج أن أعيده هنا ف هذا الكتاب!‬

‫ولكن فقط أقول هذه البديهية الت يستطيع أن يراجعها كل إنسان ف نفسه‪ :‬ماذا‬
‫فينا يكمه السلم؟!‬

‫إن تلك البقية الباقية من العقيدة السلمية ف صورة " عبادات "‪ .‬ف صورة صوم‬
‫وصلة ومسابح‪ ،‬و " حج مبور "‪ ..‬كل! ليست إسلما!‬

‫" ل‪Ý‬ي‪ Ó‬س‪ É‬ا‪á‬لب¼ر‪ Ì‬أ‪ Ý‬ن‪ á‬ت»و‪ É‬ل‪î‬وا و» ج»وه‪É‬ك‪Ô‬م‪¼ Ó‬قب‪ É‬ل‪ Ý‬ا‪á‬لم‪ É‬ش‪Ó‬ر¼ق¼ و‪É‬ال‪á‬م‪É‬غ‪Ó‬ر¼ ب¼ و‪ÝÉ‬لك¼ ن‪ Ì‬ا‪á‬لب¼ر‪ Ì‬م‪ É‬ن‪ Ó‬آم‪ É‬ن‪ É‬ب¼الله‬
‫و‪É‬ال‪ á‬ي‪É‬و‪Ó‬م¼ ا ل‪á‬آخ¼ر¼ و‪É‬ال‪á‬م‪É‬لئ¼ ك‪Ý‬ة¼ و‪É‬ال‪á‬ك¼ ت‪É‬اب¼ و‪É‬الن‪¼Ì‬بي× ي‪ É‬و‪É‬آ ت‪É‬ى ال‪ á‬م‪É‬ا ‪Ý‬ل ع‪ É‬ل‪Ý‬ى »حب× ه¼ ذ‪Ý‬و¼ي ا‪á‬لق‪Ô‬ر‪ Ó‬ب‪É‬ى و‪É‬ا‪á‬لي‪ É‬ت‪É‬ام‪É‬ى‬
‫و‪É‬ال‪á‬م‪ É‬س‪É‬اك¼ي‪ É‬و‪É‬اب‪ Ó‬ن‪ É‬ال س‪Ì‬ب¼يل¼ و‪É‬ال س‪Ì‬ائ¼¼لي‪ É‬و‪ É‬ف¼ي الر× ق‪Ý‬اب¼ و‪É‬أ‪ Ý‬ق‪Ý‬ام‪ É‬ال ص‪Ì‬لة‪ Ý‬و‪É‬آ ت‪É‬ى الز‪ Ì‬ك‪Ý‬اة‪ Ý‬و‪É‬ال‪á‬م»و ف‪Ô‬ون‬
‫¼بع‪ É‬ه‪Ó‬د¼ه¼م‪ Ó‬إ¼ذ‪Ý‬ا ع‪É‬ا ه‪É‬د»وا و‪É‬ال ص‪Ì‬اب¼ر¼ين‪ É‬ف¼ي ا‪á‬لب‪É‬أ‪ á‬س‪É‬اء¼ و‪É‬ال ض‪Ì‬ر‪Ì‬اء¼ و‪É‬ح¼ ي‪ É‬ال‪Éá‬بأ‪ á‬س¼ أ‪Ô‬ول‪Ý‬ئ¼ ك‪ É‬ال ذ¼ين‪ É‬ص‪É‬د‪É‬ق‪Ô‬وا‬
‫و‪É‬أ‪Ô‬ول‪¼Ý‬ئك‪ É‬ه»م» ا‪á‬لم»ت‪Ì‬ق‪Ô‬ون‪ " ،(149) " Ý‬ف‪Ý‬ل و‪É‬ر‪É‬ب×ك‪ É‬ل ي»ؤ‪Ó‬م¼ن»ون‪É Ý‬حت‪Ì‬ى ي»ح‪Ø É‬كم»وك‪ É‬ف¼يم‪É‬ا ش‪É É‬‬
‫جر‪É É‬بي‪Ó‬ن‪É‬ه»م‪ Ó‬ث‪Ô‬م‬
‫سل¼يما‪.(150) " š‬‬ ‫سل‪Ø‬م»وا ‪É‬ت ‪Ó‬‬
‫ل ‪É‬يج¼د»وا ف¼ـي ‪Ý‬أن‪Ó‬ف‪Ô‬س¼ه¼م‪ Ó‬ح‪É‬ر‪É‬جا‪ š‬م¼م‪Ì‬ا ق‪Ý‬ض‪É‬ي‪Ó‬ت‪ É‬و‪É‬ي» ‪É‬‬

‫السلم هو أن نكون مسلمي ف كل لظة وكل عمل‪ .‬كل شئون التمع‪ .‬كل‬
‫شئون الياة‪ .‬كل التعامل الفردي‪ .‬كل السلوك الشخصي‪ ..‬وإل فلسنا بسلمي‪.‬‬

‫‪ ()149‬سورة البقرة ]‪[177‬‬


‫‪ ()150‬سورة النساء ]‪[65‬‬

‫)‪(249‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫و نن ضعاف متخل فون‪ ..‬كذابون م نافقون‪ ..‬مادعون غشا شون‪ ..‬لن نا غ ي‬


‫مسلمي‪.‬‬

‫ويوم كنا مسلمي‪ ..‬ل يكن شيء من ذلك كله ف واقعنا ول ف أخلقنا!‬

‫ول تكن " الخلق " يومئذ وعظا باسم الدين! إنا كانت تربية كاملة ف ظل‬
‫الدين‪ .‬تربية ينشأ عليها الطفل منذ مولده‪ ،‬ويد قدوتا ف والديه‪ ،‬ورصيدها الواقعي ف‬
‫التمع‪.‬‬

‫ولكننا انرفنا عن السلم ف الدى الطويل‪!..‬‬

‫وما ب هنا أن أدافع عن السلم أو أدافع عن الغرب! إن حربا‪ š‬واحدة أو حربي‬


‫متلحقتي أفسدتا من التمع الغرب ما أفسدتاه ف كل مال‪ ..‬حت الخلق الفردية الت‬
‫كان ي فاخر با ال غرب! وال عال ال سلمي قد ل قى صنوفا من ا لويلت‪ :‬الي هود والت تار‬
‫والصليبيي والستعمرين والبشرين والستشرقي‪ ،‬وتلميذ البشرين والستشرقي‪ .‬والكام‬
‫الطغاة من الداخل‪ ،‬والعداء من الارج‪ ..‬وظل متماسكا ألف سنة‪ ..‬حت أخذ ف النيار‬
‫بعد كل هذه الويلت!‬

‫والوجود عندنا اليوم على أي حال ليس دينا بل نظافة‪ ..‬وإنا هو ل دين! فقد‬
‫انرفنا عن كل مفاهيم الدين‪ ،‬وكل مقومات الدين!‬

‫ومع ذلك‪ ..‬فهناك فرق رئيسي بي انرافنا وانراف الغرب!‬

‫)‪(250‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫انرافنا وانر*افهم'‬
‫لقد انرف الغرب‪ ..‬وانرفنا! وطال علينا المد ف النراف‪ ..‬عدة أجيال!‬

‫وحالنا ول شك أسوأ من الغرب‪ ..‬فهم على القل ما يزالون يستمسكون بعدة‬


‫ف ضائل ‪ -‬وإن كانت ف طريق ها إ ل التف كك والنلل ب عد ا لرب الثان ية ع لى‬
‫ال صوص‪ ..‬ولكن ها ل تتف كك ب عد ع لى تام ها‪ .‬ما زا لوا يستم سكون بب عض الف ضائل‬
‫الفرد ية ف التعا مل‪ :‬من ا ستقامة و صدق وب عد عن ال غش والن صب والحت يال‪ .‬وب عض‬
‫الفضائل الماعية ف " التنظيمات " الختلفة الت يقوم عليها التمع الغرب‪ ..‬وف " العمل‬
‫" ب صفة خا صة‪ ،‬فالعا مل أو الو ظف يع مل ثان ساعات متوال ية ) مع فترات من الرا حة‬
‫الق صية تب لغ ف مموع ها ساعة أو أ كثر( بد كا مل وإخلص‪ ،‬ل يت حدث‪ ،‬ول ي قص‬
‫القصص‪ ،‬ول يتشاغل عن عمله ف صورة من الصور‪ .‬ومن أجل ذلك كله يلك الغرب‬
‫القوة " الادية " والقوة العلمية والقوة التنظيمية الت يلكها اليوم‪..‬‬

‫ونن ل تعد لدينا فضائل‪...‬‬

‫ل فضائلنا نن السلمية الصيلة‪ ..‬ول فضائل الغرب الذي نقلده اليوم كالقرود‬
‫تارة وكالعبيد تارة!‬

‫ل نن ف تعامل نا ال فردي ن صدق أو ن لص أو ي ستقيم ل نا و عد أو ن ية‪ ..‬ول‬


‫تنظيمات نا تتما سك إل ب قدار ما ت شى ال سلطة القائ مة علي ها‪ ،‬و سرعان ما تتراخى ال يد‬
‫المسكة بالسلطة‪ ،‬وسرعان ما تتفكك التنظيمات! وحالنا ف " العمل " و " النتاج " هو‬
‫حال نا ف التنظي مات والتعا مل ال فردي‪ :‬ل صدق ول إخلص‪ ،‬ول صب ع لى عمل ية‬
‫الن تاج‪ .‬و من أ جل ذ لك نتخ لف ف عمل ية ال سباق ال بار ا لذي ي صطرع ف يه ال عال‬
‫الديث‪..‬‬

‫ومع ذلك‪ ..‬فانرافهم أخطر من انرافنا وأمعن ف الضلل!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(251‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وللوهلة الول لن نصدق هذه القيقة!‬

‫ف قد ر̂با نا ال ستعمار ال صليب ف ال يل الا ضي ع لى أن أور با عملق ضخم ل‬


‫ينهار ول يقهر‪ ..‬ول يأتيه الباطل من بي يديه ول من خلفه‪ .‬فكل ما يفعله صواب‪ ،‬وكل‬
‫ما يأت من عنده فضيلة‪ ..‬ومن أجل ذلك انسقنا ف التقليد‪ ..‬كالقرود والعبيد‪ ..‬فقلدناهم‬
‫ف النلل اللقي والتفاهات " والتقاليع! "‪ ..‬ف " موضات " الزياء وموضات الفكار‬
‫سواء‪ ..‬ول نقلدهم ف الصب على العمل والصب على التنظيم‪ ،‬لن " العبيد " ل يقلدون "‬
‫السادة " فيما يتاج إل المة والهد‪ ،‬إنا يقلدون ف مظاهر الشياء‪ ..‬الت تنساب العبيد!‬

‫ث و لد ج يل جد يد ظلل نا ن قول له إن نا ترر نا من سيطرة ال ستعمار‪ ،‬و صرنا "‬


‫سادة "‪ ..‬ولس هذا اليل بالفعل بعض مظاهر القوة وبعض مظاهر السيادة‪ ..‬ولكنه رأى‬
‫بعين يه أن نا نأ خذ و سائل ال ياة الغربية كلها دون تي يز‪ ،‬ونتخ لى عن مكونات نا كلها دون‬
‫تييز‪ ..‬نتخلى عن مقدساتنا لنصبح تطوريي‪ ..‬أي أننا ف القيقة نستعبد أنفسنا للغرب‪،‬‬
‫حت ونن نصطرع معه على السيادة؛ وندخل ف نطاق تأثيه حت ونن ناول التحرر‬
‫منه‪ !..‬وف النهاية ل ننال الغرض القيقي على تامه‪ :‬وهو احتذاء الغرب ف القوة الادية‬
‫وال قوة العلم ية والتنظ يم‪ ..‬لن نا م شغولون ف عمل ية تط يم ا لدين وا لخلق والتقال يد‪،‬‬
‫وشبابنا مستنفد الطاقة ف السينما والتلفزيون‪ ،‬وأقاصيص النس الموم!‬

‫لذلك لن يصدق هذا اليل أو ذاك لول وهلة هذه القيقة‪ :‬أن انراف الغرب‬
‫أخطر من انرافنا‪ ،‬رغم أننا الضعفاء وهم القوياء!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫حياتنا وحياة الغرب قائمتان على أسس منحرفة‪.‬‬

‫لكن الفرق بي انرافنا وانرافهم‪ ،‬أنم ل يلكون أساسا للتقوي‪ ،‬ونن نلك هذا‬
‫الساس!‬

‫نن نلك الساس السليم للقوة والتقدم والضارة " النسانية " القيقية والرفعة‬
‫والصعود‪ ..‬وعيبنا أننا ل ننشئ حياتنا وحضارتنا على ذلك الساس السليم‪ ..‬وذلك سر‬
‫تلفنا‪ ،‬وسر ما فينا من ضعف وانراف‪.‬‬

‫)‪(252‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫أما الغرب فل يلك أساس التقوي‪ ..‬عيبه ناشئ من حضارته ذاتا‪ ..‬فكلما سار‬
‫في ها شوطا‪ ،‬ع لى خطوط ها النحر فة‪ ،‬زاد ف ال نراف‪ .‬بل كل ما زاد ف ال قوة ‪ -‬ع لى‬
‫خطوطها النحرفة ‪ -‬زاد ف البوط!‬

‫" إننا قوم تعساء‪ ،‬لننا ننحط أخلقيا وعقليا‪ .‬إن الماعات والمم الت بلغت‬
‫فيها الضارة الصناعية أعظم نو وتقدم‪ ،‬هي على وجه الدقة الماعات والمم الخذة ف‬
‫ال ضعف‪ ،‬وا لت ستكون عود تا إ ل الببر ية والمج ية أ سرع من من عودة غي ها إلي ها‪،‬‬
‫ولكنها ل تدرك ذلك "‪] .‬ألكسيس كاريل[‪.‬‬

‫إن الضارة الغربية ذاتا هي النحرفة‪ ..‬والناس هناك ل يفسدون لنم ينحرفون‬
‫عن الطوط الصلية للحضارة الغربية‪ ،‬ولكن لنم ‪ -‬على وجه الدقة ‪ -‬يسيون على‬
‫خطوط تلك الضارة‪ ،‬ويتبعونا بصدق وإخلص!‬

‫نن السلمي انرفنا عن السلم‪ ..‬ففسدنا وضعفنا وتلفنا‪ ..‬أما الغربيون فلم‬
‫ينحر فوا عن و حي ح ضارتم‪ .‬ل قد اتبعو ها صادقي‪ ،‬ف كانت هي ال سبب ف انراف هم‪،‬‬
‫واندارهم ‪ -‬كما يقول " كاريل " ‪ -‬إل الببرية والمجية والضياع‪.‬‬

‫النراف الغرب الكب‪ ،‬أنه ل يدرك ما ف حضارته من انراف!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ت قوم ال ضارة الغرب ية الال ية ع لى أس سها الغريق ية الرومان ية القد ية‪ ،‬بن فس‬
‫الهداف ونفس الروح‪..‬‬

‫الضارة الغريقية مدتا " بالفكار "‪ ..‬التجريدية بصفة خاصة‪.‬‬

‫والضارة الرومانية مدتا " بالتنظيم "‪ ،‬والبحث عن الفائدة العملية‪ ،‬والبحث عن‬
‫التاع‪.‬‬

‫ول قد أ خذت عن ال عال ال سلمي " ا لذهب التجر يب " ف الع لم‪ ،‬ا لذي قامت‬
‫عليه كل الركة العلمية الديثة‪ ،‬كما أخذت عنه كثي‪š‬ا من الفكار والتاهات‪ ..‬ولكنها‬

‫)‪(253‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫مزجت ذلك كله بالروح الغريقية الرومانية الوثنية‪ ،‬لنا قامت ‪ -‬بادئ ذي بدء ‪ -‬على‬
‫عداء مع الكنيسة ونفور من الدين‪..‬‬

‫لذلك انرفت‪ ..‬بادئ ذي بدء!‬

‫وظل النراف يزداد!‬

‫ل قد ف صمت هذه ال ضارة ‪ -‬اب تداء ‪ -‬ما ب ي ال سماء وا لرض من روا بط‪،‬‬
‫ففصمت ‪ -‬مقابلها ‪ -‬جانبي متزجي ف كيان النسان‪ ،‬فجعلت كل منهما على حدة‪،‬‬
‫ث كبتت أحد الوانب بكل وسائل الكبت‪ ،‬ونت الخر بكل وسائل التنمية!‬

‫تلك هي الطيئة الول ف هذه الضارة‪ ،‬الت تلتها الطايا الخرى متتابعات‪.‬‬

‫إن النفس البشرية وحدة‪ .‬والسماء والرض وحدة‪ .‬وفصل السماء عن الرض ف‬
‫الس البشري‪ ،‬وما يقابله من فصل الانب الروحي عن الانب الادي من النسان‪ ،‬ل بد‬
‫أن تترتب عليه نتائجه " التمية "‪ .‬فكل الانبي العزولي‪ ،‬سواء الذي كبت منذ البدء‪،‬‬
‫وا لذي نى أ كثر من طاقته‪ ..‬ل بد ف النها ية أن يذبل م عا‪ ..š‬لن ما منف صلن! وذ لك‬
‫مغزى الكلمة الصادقة الت يقولا ألكسس كاريل‪ ،‬ويؤكدها ف كتابه بشت أنواع التوكيد‬
‫" العلمي " القائم على الدراسة والشاهدات‪.‬‬

‫فصمت الضارة الغربية ما بي النسان وال‪ .‬فماذا كانت النتيجة؟‬

‫تقدم العلم‪ .‬ونظمت الياة على الرض أرقى أنواع التنظيم‪ ..‬وخيل للناس هناك‬
‫أن هذا التقدم والرقي هو حصيلة ذلك الفصام )‪!(151‬‬

‫ذلك وهم أنشأته الظروف واللبسات هناك!‬

‫فالتقدم العلمي ليس عدوا للدين‪ .‬وكذلك تنظيم الياة على الرض!‬

‫‪ ()151‬اقرأ فصل " الفصام النكد " ف كتاب " الستقبل لذا الدين "‪.‬‬

‫)‪(254‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫قد ي كون هذا وذاك عدوا للمف هوم الكن سي ل لدين أو لر جال ا لدين والكني سة‪.‬‬
‫ولك نه ل يس عدوا‪ " š‬ل لدين " ذا ته‪ .‬ل يس عدوا‪ š‬لدين ا ل‪ .‬فدين ا ل ل ي كن أن ي قف ف‬
‫سبيل البشر‪ ،‬وهو الذي نزل لصلح البشرية‪.‬‬

‫والدليل هو السلم!‬

‫فالركة العلمية الكبى الت نشأ عنها الذهب التجريب‪ ..‬أو العلم الديث ف‬
‫أوربا‪ ،‬قد نشأت ف ظل السلم‪ ،‬بل نشأت من وحي السلم وتوجيه السلم!‬

‫فالعرب ‪ -‬من قبل ‪ -‬ل يكونوا أهل علم‪ .‬والعلوم اليونانية الت أخذ السلمون‬
‫عنها وتتلمذوا عليها بادئ المر ل تكن ف ذاتا تنحو نو التجريب‪ ،‬كما قال بريفولت‬
‫ودريب )‪ ،(152‬ول تكن ‪ -‬بذاتا ‪ -‬تدث تلك النهضة‪ .‬إنا التوجيه السلمي هو الذي‬
‫حولا من التأمل إل التجريب‪ ..‬ومن ث تقدمت تقدما كبيا بساب ذلك الزمان‪.‬‬

‫و " التنظيم " بكل أنواعه أخذ السلمون أشكاله وأجهزته من الضارات السابقة‬
‫ف ظل البادئ السلمية الثابتة‪ ،‬ومزجوه بروح السلم وأضافوا إليه‪ ،‬فلم تقم العداوة بينه‬
‫وبي الدين‪ .‬بل كان الليفة الراشد عمر بن الطاب هو الذي سارع ‪ -‬بروحه السلم‬
‫التمكن ف السلم ‪ -‬إل " تدوين الدواوين "‪.‬‬

‫فالوهم الباطل الذي خيل للغرب أن التقدم العلمي والتنظيم الضاري ها حصيلة‬
‫الف صل ب ي ا لدين وال ياة العمل ية‪ ..‬و‪É‬ه‪ Ó‬م‪ ä‬أن شأته ملب سات خا صة ه ناك‪ ،‬ول يس حقي قة‬
‫بشرية!‬

‫ولكنه كان أخطر ما جنت به الضارة الغربية على أجيال البشرية!‬

‫لقد أنشأ مسخا مشوها ف مكان " النسان "!‬

‫مسخا نت فيه الوانب الفكرية والوانب الادية إل أقصى حد‪ ..‬وضمرت فيه‬
‫الوانب الروحية إل أقصى حد‪ ..‬فصار كريها منفرا‪ š‬ميفا‪ ..‬ينذر بالضياع والدمار!‬

‫‪ ()152‬راجع ص ‪.179 - 177‬‬

‫)‪(255‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫هذا السخ الشوه قد أغلق على نفسه نوافذ العرفة كلها إل ما يدخل من نافذة "‬
‫الذهن " ونافذة " الس "‪ .‬وألغى ما يدخل من نافذة " الروح "‪.‬‬

‫والن سان ‪ -‬إذا شبهناه مؤق تا بع مل هائل دق يق ا لتركيب ‪ -‬ل بد أن تدخل‬


‫الضواء إل ظلماته من جيع النوافذ ف آن واحد‪ ..‬ليستطيع أن يقوم " بالتمثيل الضوئي "‬
‫ا لاص به ع لى طري قة الن سان! و كل خ لل ي صيب ج هازا من أجهز ته‪ ،‬أو كل ن قص‬
‫ي صيب " ال ضوء " النا فذ إ ل ظل ماته‪ ،‬ي عل ال صيلة النهائ ية ناق صة‪ ،‬و قد يعل ها تن تج‬
‫مركبات خطرة‪ ..‬سامة‪ ..‬مدمرة لكيان النسان!‬

‫وهذا السخ الشوه الذي ل يؤمن إل با تدركه الواس ويدركه الذهن‪ .‬يصاب‬
‫‪ -‬أول ما ي صاب ‪ -‬بالعمى ال نوعي‪ .‬فل يب صر أ مامه إل جان با من الشا شة‪ .‬جان با‪ š‬من‬
‫الياة‪ .‬وبقية الشاشة ف نظره مظلم‪ ..‬أو ل وجود له على الطلق‪.‬‬

‫وتأثي ذلك ف إدراكه وف سلوكه خطر وشديد الطورة!‬

‫فهو يدرك الشياء ناقصة‪ ،‬وتتكون ف حسه الصورة مشوهة‪ ..‬ث يسي ف حياته‬
‫على هدى هذه الصورة الشوهة‪ ،‬فإذا كل خطوة اضطراب‪.‬‬

‫ول ن تاج ه نا أن نع يد كل شهادة ال قرن الع شرين‪ ..‬وإ نا ن تاج أن نشخ صها‬
‫لنعرف علجها‪.‬‬

‫فحي تعمى روح النسان عن حقيقة الياة والكون‪ ،‬ول نرى منها إل الانب‬
‫ال ظاهر لل حس‪ ..‬ي تل ال توازن ف دا خل ك يان الن سان ك ما ي تل م سار ال كوكب لو‬
‫حجبت عنه فجأة بعض عناصر الاذبية وترك لبعضها الخر! وقد اختل بالفعل توازن‬
‫النسان ف هذا العصر‪ ،‬فجذبته الرض بكل عنفها‪ ،‬حي انقطع عن جاذبية السماء!‬

‫نشاط الروح‪ ..‬ف اتصالا بالقها‪ ،‬واستمدادها النور منه‪ ،‬والتصال بروح الكون‬
‫اتصال البة والتفاهم والتعاون‪ ،‬والتصال بروح البشرية على إخاء‪ .‬هذا النشاط ل يودعه‬
‫الالق كيان النسان اعتباطا‪ ،‬تعال ال عن العبث وعدم القصد‪ " :‬و‪É‬م‪É‬ا ‪É‬خل‪Ý‬ق‪á‬ن‪É‬ا الس‪Ì‬م‪É‬او‪É‬ات‬

‫)‪(256‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫و‪É‬ال‪á‬أ‪Ý‬ر‪ Ó‬ض‪ É‬و‪ É‬م‪É‬ا ‪É‬بي‪Ó‬ن‪É‬ه» م‪É‬ا لع¼ب¼ ي‪ " (153) " É‬أ‪Ý‬ف‪Ý‬ح‪ É‬س¼‪Ó‬بت»م‪ Ó‬أ‪ÌÝ‬ن م‪É‬ا ‪É‬خل‪Ý‬ق‪ á‬ن‪É‬اك‪Ô‬م‪ Ó‬ع‪É‬ب‪É‬ثا‪" š‬؟! )‪ .(154‬وإنا أودعه‬
‫كيان النسان ليعادل به جواذب الرض وهواتفها‪ ،‬وهي عنيفة شديدة تتاج دائما‪ š‬إل ما‬
‫يوازنا ويعادلا‪.‬‬

‫فلما حدث " الفصام النكد " ف الغرب بي النسان وال‪ .‬بي الدين والياة‪..‬‬
‫انكفأ النسان على وجهه يهيم ف الرض‪ ..‬باحثا عن اللذة والتعة والقوة‪ ..‬بل هدى‬
‫يعصمه من السعار‪.‬‬

‫والسعار الموم الذي يغشى الدنية الغربية اليوم هو النتيجة التمية لذلك الفصام‪.‬‬

‫إ نه ل يس انرا فا عن أ صول ال ضارة الغرب ية‪ ..‬إ نا هو ال ضارة الغرب ية ذا تا ف‬


‫ذروة اللمعان! إنه ل يكن أن ي»تقى‪ ..‬ما دام الساس ذلك الساس!‬

‫و " الطيبون " الذين يظنون أنم يستطيعون أن يأخذوا الضارة الغربية ‪ -‬على‬
‫أصولا الغربية ‪ -‬ث يولوا دون انرفاتا‪..‬أو يتنعوا عن أضرارها‪ ..‬هم " طيبون " جدا‪..š‬‬
‫مض‪Ì‬للون جدا‪ ..š‬لنم يتخيلون شيئا‪ š‬ل يكن أن يدث‪ ..‬شيئا‪ š‬ضد طبائع الشياء!‬

‫هذا ال سعار ال موم ا لذي يتج لى ف " ا لغراق " ف كل شيء‪ ..‬ا لغراق ف‬
‫الادية‪ .‬الغراق ف اللية‪ .‬الغراق ف وحشية الصراع‪ .‬الغراق ف متاع النس‪ .‬الغراق‬
‫ف البحث عن السلطان‪ ..‬إنه ليس شيئ‪š‬ا عارضا‪ š‬نشأ عن مالفة الناس ف الغرب لصول‬
‫الضارة الغربية‪ ،‬إنا هو شيء ف صميم تلك الضارة‪ ،‬ونتيجة حتمية من نتائجها‪.‬‬

‫نتيجة حتمية لطمس الانب الروحي ف النسان!‬

‫ولقد سخر الغرب كله بقيقة الروح‪ ..‬سخر منها التفسي الادي للتاريخ ]وهو‬
‫ل يس مل كا لل شيوعية و حدها ف القي قة‪ ،‬ف قد رأي نا أن ال غرب الرأ سال م كوم ب فاهيمه‬
‫)‪ [(155‬وسخر منها التفسي النسي للسلوك البشري‪ .‬وسخر منها التفسي المعي للنسان‬

‫‪ ()153‬سورة الدخان ]‪.[38‬‬


‫‪ ()154‬سورة الؤمنون ]‪.[115‬‬
‫‪ ()155‬راجع شهادة ول ديورانت المريكي ف فصل شهادة القرن العشرين‪.‬‬

‫)‪(257‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫]در كاي[ و سخر من ها طائ فة كبية من الك تاب والعل ماء وال صحفيي والف ناني‪ ..‬أو ف‬
‫القليل تاهلوها فلم يعلوها ف الساب!‬

‫وكانت النتيجة التمية هي ذلك النراف النون‪.‬‬

‫ح ي ل يؤمن الن سان بال وال يوم ا لخر‪ ..‬أو ل يؤمن ب ما إيا نا جاد‪š‬ا ي كم‬
‫السلوك والشاعر والياة العملية‪ ..‬فالنتيجة التمية هي أن يرى هذا العال وحده‪ ..‬عال‬
‫الرض‪ ..‬وأن يعبد *** القوى الرضية‪ :‬يعبد الدولة‪ .‬أو يعبد التمع‪ .‬أو يعبد الادة‪ .‬أو‬
‫يعبد ذاته‪ .‬أو يعبد الشيطان!‬

‫ث‪ ..‬يتكالب على متاع الرض كله‪.‬‬

‫يتكالب على الفرصة الوحيدة التاحة للمتاع‪..‬‬

‫ومن ه نا ل ي كون شيء من التكالب الذي يدمر البشرية اليوم أمرا‪ š‬عارضا‪ š‬ف‬
‫الضارة الوربية يرجى له الصلح‪ .‬إنا هو شيء ف صميمها‪ ،‬ونتيجة حتمية من نتائجها!‬

‫تكالب الفرد الرأسال ف الغرب على تركيز الال ف يده‪ ،‬وتركيز السلطة الناشئة‬
‫من الال‪ ..‬وما يتبع ذلك من استغلل بشع‪ ،‬وامتصاص دماء‪ ،‬واستعمار وطغيان‪ ..‬إنه‬
‫ل يس خلل " اقت صاديا " ف ال ضارة الغرب ية‪ .‬إ نه نتي جة " الت فرغ " لذه ا لرض‪..‬‬
‫والنصراف عن هدى ال‪.‬‬

‫وتكالب الدولة الشيوعية على تركيز الال ف يدها وتركيز السلطة الناشئة من‬
‫الال‪ ..‬وما يتبع ذلك من استعباد الدولة للناس‪ ،‬وإذللم‪ ،‬ونزع آدميتهم‪ ،‬وتويلهم إل‬
‫آلت‪ ..‬ليس مرد اختلل " اقتصادي " مقابل لختلل الرأسالية‪ .‬إنه مثلها تاما‪ ،‬اختلل‬
‫ف ت صور ال كون وال ياة وت صور الن سان‪ ..‬اختلل ن شأ من الت فرغ لذه ا لرض‪..‬‬
‫والنصراف عن هدى ال‪.‬‬

‫وتكالب الشرق والغرب على القوة‪ ،‬بالصورة الت تنذر بالتدمي‪ ..‬ليس اختلل "‬
‫سياسيا‪ " š‬عارضا‪ ..š‬وإنا هو اختلل أصيل ف النظرة إل " القيم " الت تكم الياة‪.‬‬

‫)‪(258‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫)‪(156‬‬
‫والتكالب النسي‪ ..‬ل يتاج إل تعليق!‬

‫كلها اختللت!‬

‫اختللت لا ظروف مل ية ف أور با‪ ..‬ولكن ها ن شأت بادئ ذي بدء من ذ لك‬


‫الفصام النكد بي الدين والياة‪.‬‬

‫هذا الفصام هو الذي أتاح للتوجيه اليهودي أن يدخل العركة لتدمي السيحية‪،‬‬
‫وتدمي " الميي " بصفة عامة‪.‬‬

‫وهذا الفصام هو الذي أقام النقلب الصناعي ف صورته الادية الالصة الت ل‬
‫تراعي قواعد الخلق ول قواعد " النسانية "‪.‬‬

‫وهذا الفصام هو الذي أخرج الرأة من وظيفتها الفطرية الول إل الصنع والتجر‬
‫والطر يق‪ ..‬وأخرج ها ل لغراء والغوا ية‪ ..‬لتحط يم ما ب قي ف ال ياة من علو ية ورف عة‪..‬‬
‫والبوط با إل حأة النس السعور‪.‬‬

‫و هذا الف صام هو ا لذي سخر الع لم ف طر يق ال شر ]إ ل جانب ما يؤديه من‬


‫خدمات للبشرية[ فأفسد المم والفراد‪.‬‬

‫وهذا الفصام هو الذي جعل صورة " النسان " مشوهة مسوخة‪ ..‬فقامت نظم‬
‫التربية ونظم السياسة ونظم القتصاد ونظم التمع والفنون تغذي هذه الصورة المسوخة‬
‫وتد لا ف التشويه!‬

‫وف اختصار هو الذي أنشأ كل ما ف الغرب من الفساد!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وهو فساد خطر لنه ل يلك السبيل إل التوقف أو العلج!‬

‫‪ ()156‬اقرأ فصل " تبط واضطراب " من كتاب " السلم ومشكلت الضارة "‬

‫)‪(259‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ل يلك مقياس الكم الصحيح على الشياء‪..‬‬

‫لو كانت للحضارة الغربية مقاييس " إنسانية " صالة‪ ،‬انرف الناس عنها‪ ،‬لكان‬
‫هناك المل ف عودة الناس إل القاييس " الصحيحة "‪ ،‬ورجوعهم عن الفساد‪.‬‬

‫ولكن ما هي القاييس " الصحيحة " لذه لضارة؟!‬

‫ل قد " قالت " هذه ال ضارة كل ما كثيا‪ š‬عن " ح قوق الن سان " و " الر ية‬
‫والخاء والساواة " و " الكرامة النسانية " و " الرفعة النسانية " و " العظمة النسانية "‬
‫و‪ ..‬و‪ ..‬و‪..‬‬

‫ث عم لت هذه ال ضارة ‪ -‬مل صة ‪ -‬ع لى خطوط ها ال صيلة ‪ -‬لتحق يق هذا‬


‫الكلم!‬

‫عم لت ‪ -‬مل صة ‪ -‬و هي ترى " الن سان " ف القي قة ف صورة " ال يوان "!‬
‫وهي تفصل النسان عن ال‪ .‬وتفصل الياة عن الدين‪ .‬وتفصل الادة عن الروح‪ ،‬وتفصل‬
‫الدنيا عن الخرة!‬

‫وكانت النتيجة أن عملها أوصلها إل غايتها التومة!‬

‫فانقلبت حقوق النسان‪ ،‬والرية والخاء والساواة‪ ،‬والكرامة النسانية‪ ،‬والرفعة‬


‫النسانية‪ ،‬والعظمة النسانية‪ ..،‬إل‪ ..‬إل إل هذه الصورة البشعة الت لسنا جانبا‪ š‬منها ف‬
‫شهادة القرن العشرين‪ ،‬ولسنا جانبا‪ š‬منها ف هيوشيما ونازاكي‪ ،‬وجانبا‪ š‬منها ف التفرقة‬
‫العنصرية ف أمريكا وأفريقيا‪ ..‬وجانبا‪ š‬منها ف كل مال وف كل مكان!‬

‫ل ين حرف ال ناس عن " أ صول " ال ضارة الغرب ية! إ نا اتبعو ها فأو صلتهم إ ل‬
‫البوار!‬

‫و " الطيبون " الذين يرون الوجه اللمع من الضارة الغربية‪ ،‬والبقية الباقية من‬
‫الفضائل الوجودة ف الغرب‪ ،‬عليهم أن يروا كذلك الوجه السود الكال لذه الضارة‪،‬‬
‫ث يتذكروا شهادة كاريل‪:‬‬

‫)‪(260‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫" إننا قوم تعساء‪ ،‬لننا ننحط أخلقيا‪ š‬وعقليا‪ .š‬إن الماعات والمم الت بلغت‬
‫فيها الضارة الصناعية أعظم نو وتقدم‪ ،‬هي على وجه الدقة الماعات والمم الخذة ف‬
‫الضعف‪ ،‬والت ستكون عودتا إل الببرية والمجية أسرع من عودة غيها إليها "‪.‬‬

‫إنا ناية الط‪ ..‬خط النراف‪.‬‬

‫ولكنه انراف أصيل ف هذه الضارة ل يطرأ عليها من خارجها‪ .‬ل يطرأ من‬
‫انراف الناس ف تصور مفاهيمها أو تثل حقائقها‪ .‬وإنا نشأ من طبيعة قيامها منذ أول‬
‫لظة على أساس معاد‪ Å‬للدين‪ ،‬شارد من ال‪.‬‬

‫ونن ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬أسوأ من الغرب ف وضعه الراهن‪..‬‬

‫نن أضعف منه قوة وعلم‪š‬ا وتنظيما‪ ..‬وكذلك نن فاسدو الخلق‪.‬‬

‫أخلقنا هي الغش والنفاق والكذب والديعة‪ ..‬وهي النفور من السئولية وعدم‬


‫الصب على التنظيم وعدم الد ف النتاج‪.‬‬

‫وأخلقنا ف شئون النس ل تعد ف شيء أنظف من الغرب! والبكة ف التوجيه‬


‫الستمر من الصحافة والذاعة والسينما والتليفزيون وكتاب القصة " الفناني " "الوهوبي"‬
‫" البدعي "!‬

‫ولكننا مع ذلك نلك السبيل إل التقوي‪ ،‬بصرف النظر ‪ -‬مؤقتا ‪ -‬عن اتاهنا أو‬
‫عدم اتاهنا إل السبيل!‬

‫نن نلك السلم‪..‬‬

‫نلك أكب قوة إصلحية على وجه ارض‪..‬‬

‫وانرافاتنا كلها هي النراف عن السلم‪..‬‬

‫وطريقنا للقوة والصعود والتمكن والتقدم والضارة والنسانية‪ .‬بل طريقنا لنقاذ‬
‫البشرية كلها‪ ..‬هو الرجوع إل السلم‪.‬‬

‫)‪(261‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫أ ما ال غرب‪ ..‬فل طر يق أ مامه ‪ -‬ع لى خ طوطه الال ية ‪ -‬إل طر يق ال ضياع‬


‫والدمار‪..‬‬

‫فأي الطريقي هو الذي يكتب مستقبل البشرية؟!‬

‫)‪(262‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫مستقبل البشرية‬
‫ح ي أط لق الفيل سوف العا صر " برترا ند را سل " ن بوءته ال صادقة سنة ‪:1950‬‬
‫"لقد انتهى العصر الذي يسود فيه الرجل البيض‪ .‬وبقاء تلك السيادة إل البد ليس قانونا‬
‫من قواني الطبيعة‪ .‬وأعتقد أن الرجل البيض لن يلقى أياما رضية كتلك الت لقيها خلل‬
‫أربعة قرون‪ " ..‬حي أطلق نبوءته الصادقة هذه ل يكن يشي إل ملبسات " سياسية "‬
‫معينة تنهي دور الرجل البيض ف تاريخ الضارة البشرية‪ ..‬فالسياسة ف القيقة إن هي‬
‫إل الظهر الارجي لقيقة الوضاع الداخلية للمم‪ :‬الوضاع الفكرية والروحية والنفسية‬
‫والجتماع ية والعلم ية والاد ية‪ ..‬سواء! وإ نا كان الر جل ‪ -‬الفيل سوف ‪ -‬يدل ‪ -‬ع لى‬
‫طريقته الفلسفية ‪ -‬بنصيبه ف شهادة القرن العشرين!‬

‫انت هت سيادة الر جل ا لبيض‪ ،‬لن ح ضارته قد و صلت إ ل غايت ها ‪ -‬ع لى‬
‫خطوطها النحرفة ‪ -‬فأخذت ف النيار‪ ..‬تلك شهادة القرن العشرين من جيع جوانبها‪،‬‬
‫ومن بينها نبوءة ذلك الفيلسوف‪.‬‬

‫وليس أمام الرجل البيض طريق ‪ -‬من حضارته الالية ‪ -‬ينقذ به نفسه‪ ،‬وينقذ‬
‫البشرية الت يتول اليوم قيادتا‪ ،‬ويتول كذلك هلكها )‪!(157‬‬

‫فطريقه الذات الملوء بالفر الدمرة‪ ..‬وهو منطلق بأقصى ما وسعه من طاقة ف‬
‫هذا الطريق‪ ..‬طريق الشيطان!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ومع ذلك فلسنا متشائمي بستقبل البشرية!‬

‫ولسنا نبن تفاؤلنا ‪ -‬بطريقة صبيانية ‪ -‬على التقدم العلمي البار الذي سييسر‬
‫ال ياة ف ال ستقبل‪ ،‬وسيصنع ال عاجيب! ول على د عاوى " النسان " ف السيادة ع لى‬
‫ا لبيئة والتح كم ف ال ظروف والت حرر من الع جز والت حرر من الق يود‪ ..‬إ ل آ خر هذه‬
‫‪ ()157‬اقرأ فصل " انتهى دور الرجل البيض " ف كتاب " الستقبل لذا الدين "‪.‬‬

‫)‪(263‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫الدعاوى الفارغة الت يرددها كتاب الغرب الفتونون وتلميذهم ف الشرق‪ ،‬الذين يسبون‬
‫أنفسهم من " الرواد " حي يلوكون هذه القاويل‪ ..‬فقد رأينا من شهادة ألكسيس كاريل‬
‫أن الت قدم العل مي ذا ته ‪ -‬ع لى خ طوطه الال ية ‪ -‬هو ا لذي سي سرع بال ناس إ ل ال عودة‬
‫للببرية والمجية‪ ،‬وأن تكم النسان ف البيئة وسيادته عليها ‪ -‬بتصوراته الالية ‪ -‬هو‬
‫ذاته الذي يعله ينشئ حضارة ل تلئمه‪ ،‬وتؤدي به إل الدمار!‬

‫وإنا نبن تفاؤلنا على الواقع السيئ الذي تعيشه البشرية اليوم ف ظل الضارة‬
‫الغربية! والذي يأخذ طريقه إل الزدياد!‬

‫فهذا الواقع السيئ هو الذي سيهدي البشرية إل الصواب!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ل يعد لدى حضارة الغرب رصيد طيب تعطيه‪!..‬‬

‫إن التقدم العلمي هو الرصيد الوحيد الذي سيسلمه الغرب للبشرية‪ ..‬وهو من‬
‫ال صل ر صيد الب شرية كل ها ع لى مدار الج يال‪ ..‬بدأه ال صريون ال قدماء وا لغريق‬
‫وال نود‪ ..‬وأ خذه ال سلمون من هم وأ ضافوا إل يه‪ ..‬و سلموه لور با ففت حت ف يه فتو حا‬
‫واسعة‪ ..‬وستسلمه أوربا غدا‪ š‬لن يمل الراية ف الستقبل‪ ..‬دورة دائمة تتداولا الجيال‪.‬‬

‫ولكن الغرب ‪ -‬فيما عدا هذا ‪ -‬ل يلك الكثي!‬

‫هناك فضائل نفسيه واجتماعية وتنظيمية ما زال يملها الغرب ول شك‪ ..‬هي‬
‫ا لت ت فظ ك يانه إ ل هذه اللح ظة أ مام هذا ال سيل ا لارف من ا لدمرات‪ ..‬ف الفو ضى‬
‫الن سية واللق ية‪ ،‬وال لاد‪ ،‬وتفك يك روا بط ال سرة والت مع‪ ،‬النفلت من كل الق يم‬
‫وكل العنويات‪.‬‬

‫ول كن هذه الف ضائل هي ا لت تت ضاءل يو ما‪ š‬ب عد يوم‪ ..‬كل حرب و كل أز مة‬
‫تنقص منها وتزلزلا‪ ..‬لنا فقدت معينها الول الذي يصونا ويددها على الدوام‪ :‬معي‬
‫الدين‪ ..‬الصلة القة بال‪.‬‬

‫)‪(264‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫و شهادة ال قرن الع شرين‪ ..‬وال شباب ال هدد بال ضياع‪ ..‬و صيحة كن يدي‬
‫وخرشوف‪ ..‬وبرتراند راسل‪ ..‬وغي هؤلء وهؤلء‪ ..‬كلها تشي إل أن هذه الفضائل ف‬
‫طريقها إل التضاؤل‪ .‬والنيار!‬

‫سن‪¼ Ì‬ة الله¼ ‪É‬تب‪Ó‬د¼يل‪.(158) " š‬‬


‫" س»ن‪Ý Ì‬ة الله¼ ف¼ي الذ¼ي ‪É‬ن ‪É‬خل‪Ý‬و‪Ó‬ا م¼ن‪Ý Ó‬قب‪Ó‬ل‪ Ô‬و‪É‬ل‪Ý‬ن‪É Ó‬تج¼د‪ É‬ل¼ »‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وإذن فلن يكون اللص على يد الضارة الغربية‪ ،‬ول حضارة من نوع الضارة‬
‫الغربية!‬

‫البشرية ف حاجة إل تول جذري ف مالتا جيعا‪ ..š‬ف حاجة إل بناء جديد‪.‬‬

‫وهناك خطوط ستظل بل شك دون تغيي أو حاجة إل التغيي‪ ..‬فالعلم يسي على‬
‫خط صاعد وسيظل كذلك‪ .‬ول خوف عليه ‪ -‬حي تتغي نظم البشرية ومناهجها ‪ -‬أن‬
‫يتوقف أو يضيع! وتاريخ البشرية كله يومئ إل أنه ل يتوقف قط‪ .‬وإنا تتسلمه أمة من‬
‫أمة لتزيد عليه وتنميه‪ .‬وف التاريخ الديث شواهد على ذلك‪ .‬فقد كانت روسيا حي‬
‫بدأت ثورتا تكاد تكون أمية ف دنيا العلم‪ ..‬ث إذا هي تسبق الغرب ‪ -‬الذي تتلمذت‬
‫عليه ‪ -‬ف أباث الذرة وأباث الفضاء! والصي بدأت من تت الصفر! واستعارت من‬
‫روسيا كل شيء‪ ..‬العدد والدوات والفنيي والموال‪ ..‬ث‪ ..‬إذا هي خطر ماثل‪ ،‬يلجئ‬
‫روسيا ذاتا إل ماولة التفاهم مع الغرب للوقوف أمام الطر الصفر‪...‬‬

‫ل ارتباط إذن بي التقدم العلمي وبي الضارة الغربية الالية‪ ..‬ولن يقف العلم‬
‫أو ينهار إذا انارت ف القريب أو البعيد حضارة الرجل البيض!‬

‫و " التنظيم " العلمي للحياة ل يتوقف هو الخر‪ ..‬إنا يتاج إل تعديل " اللية "‬
‫ال سيطرة عل يه‪ ،‬وا لت تأ خذ ال يوم بر قاب ال غرب‪ ،‬وتق تل م نه ا لروح‪ ،‬و " فرد ية "‬
‫النسان)‪.(159‬‬

‫‪ ()158‬سورة الحزاب ]‪.[62‬‬

‫)‪(265‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وفيما عدا هذا ينبغي أن يشمل البشرية تغيي جذري يغي كل طريق البشرية!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ما صورة هذا التغيي؟‬

‫فلننظر ف انرافات البشرية الالية‪ ،‬لنعرف كيف يكون التغيي الذي يهدف إل‬
‫معالة النراف!‬

‫هنالك نقطتان رئيسيتان تنحرف فيهما البشرية الالية انرافا‪ š‬جذريا‪ š‬خطيا‪ ..š‬أو‬
‫هو انراف أصلي نشأ عنه انراف آخر ل يقل عنه خطورة‪..‬‬

‫النراف الصلي هو البعد عن ال‪ ..‬النفور من الدين‪ ..‬وإقامة الياة كلها على‬
‫أساس ل دين )‪.(secular‬‬

‫والنراف الذي نشأ عنه هو تشوه التصور النسان " للنسان "‪ .‬فهو يقوم من‬
‫ناحية على أساس التصور الادي اليوان للنسان‪ ،‬ومن ناحية أخرى على أساس "جزئية"‬
‫النسان‪.‬‬

‫والعلج ‪ -‬إذن ‪ -‬هو العودة إل ال بادئ ذي بدء‪ .‬وهو تصحيح تصور النسان‬
‫لنفسه‪ .‬على أساس " إنسانية " النسان من ناحية‪ .‬و " شول " النسان من ناحية أخرى‪.‬‬

‫العودة إل ال ل تعن مرد إضافة قدر من " الروحانية " على أسس الياة الغربية‬
‫الالية! فهذا الزيج التنافر لن يصلح الياة البشرية ف شيء! ولن يزيد الناس إل تزيقا‬
‫واضطرابا‪ š‬وحية ف مواجهة الياة!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪ ()159‬كل إنسان ‪ -‬كما خلقه ال ‪ -‬عال فرد ل يتماثل مع غيه من الفراد‪ ،‬وإن تشابه مع الميع‪.‬‬
‫ولكن اللية الت يعكسها العلم اليوم على الغرب تفقد الفرد فرديته‪ ،‬وتصب الناس ف قوالب جاهزة‬
‫كالنتاج الادي! ]انظر كاريل‪ :‬النسان ذلك الهول[‪.‬‬

‫)‪(266‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫إنا القصود شيء آخر‪ ..‬شيء يصنع تغييا‪ š‬جذريا ف " التوجه " النسان ذاته!‬
‫فيتجه بادئ ذي بدء إل ال! ل إل أحد سواه!‬

‫إنه شيء حقيقي‪ .‬شيء جاد! ل مرد تلهية وعبث وزخرفة!‬

‫ال توجه إ ل ا ل مع ناه إ فراده ‪ -‬سبحانه ‪ -‬باللوه ية‪ .‬مع ناه حاكم ية ا ل و حده‪.‬‬
‫معناه أن يكون هو ‪ -‬سبحانه ‪ -‬صاحب المر القيقي بي الناس‪ .‬هو الذي يضع للناس‬
‫شريعتهم ومنهج حياتم‪ .‬هو الذي يطط لم سياسة متمعهم وسياسة أموالم‪ .‬هو الذي‬
‫يدد لم علقة الفرد بالتمع‪ .‬وعلقة الناس بالدولة‪ .‬وعلقة الرجل بالرأة‪ .‬وعلقة المة‬
‫بالمم‪ .‬وعلقة " النسان " " بالنسان "‪.‬‬

‫شيء حقيقي جاد‪ ..‬ل مرد تلهية وعبث وزخرفة!‬

‫ليس مرد صلوات ل ف العابد‪ ،‬ول سبحات روحية مرفرفة‪ ،‬ول تزجية لوقات‬
‫الفراغ!‬

‫إنا هو إقامة الياة كلها على أساس العبودية القة ل! وعدم الستنكاف من‬
‫عبادة ال على هذا النوال!‬

‫أما الزج بي الياة الالية وبي " قدر " من التدين‪ ،‬فقد كان النقطة الطرة الت‬
‫بدأ عندها النفصام الال‪ ،‬والتمزق‪ ،‬والية‪ ،‬والضطراب!‬

‫إن الياة ل تصلح بعبادة إلي متلفي‪ .‬أو إله ف السماء وآلة متعددة ف الرض!‬
‫نايتها التمية هي ما وصلت إليه أوربا اليوم من تزق وفساد‪.‬‬

‫ول تصلح كذلك بعبادة إله غي ال‪ .‬فكل إله غي ال باطل‪ ،‬سريعا ما ي‪É‬عطب‬
‫وي»عطب ع ب‪Ì‬اد‪É‬ه‪ .‬وآخر هؤلء اللة الزيفي هو النسان ذاته‪ ..‬حي عبد النسان‪ Ô‬ذاته!‬
‫فسريعا ما عطب ذلك العبود وأعطب نفسه الت تعبده! وأسرع بنفسه إل اللك والبوار!‬

‫" أ‪Ý‬إ¼ل‪Ý‬ه‪ ä‬م‪É‬ع‪ É‬الله¼ ب‪á É‬ل ه»م‪Ý Ó‬قو‪Ó‬م‪É ä‬يع‪Ó‬د¼ل‪Ô‬ون‪.(160) " !Ý‬‬

‫‪ ()160‬سورة النمل ]‪.[60‬‬

‫)‪(267‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫)‪.(161‬‬
‫" أ‪Ý‬إ¼ل‪Ý‬ه‪ ä‬م‪É‬ع‪ É‬الله¼ ب‪á É‬ل أ‪Ý‬ك‪á‬ث‪Ý‬ر»ه»م‪ Ó‬ل ي‪É‬ع‪Ó‬ل‪Ý‬م»ون‪" !Ý‬‬

‫" أ‪Ý‬إ¼ل‪Ý‬ه‪ ä‬م‪É‬ع‪ É‬الله¼ ق‪Ý‬ل¼يل‪ š‬م‪É‬ا ‪É‬تذ‪Ý‬كر»ون‪.(162) " !Ý‬‬


‫)‪.(163‬‬
‫" أ‪Ý‬إ¼ل‪Ý‬ه‪ ä‬م‪É‬ع‪ É‬الله¼ ت‪É‬ع‪É‬ال‪Ý‬ى الله» ع‪É‬م‪Ì‬ا »يش‪Ó‬ر¼ك‪Ô‬ون‪" !Ý‬‬

‫" أ‪Ý‬إ¼ل‪Ý‬ه‪ ä‬م‪É‬ع‪ É‬الله¼ ق‪á Ô‬ل ه‪É‬ات»وا »بر‪Ó‬ه‪É‬ان‪É‬ك‪Ô‬م‪ Ó‬إ¼ن‪ á‬ك‪ÓÔ‬نت»م‪ Ó‬ص‪É‬اد¼ق¼ي‪.(164) " !É‬‬

‫وع بادة ا ل الوا حد معنا ها ن قض ال سس الال ية كل ها للسيا سة والجت ماع‬


‫والقتصاد‪ ..‬وتغيي صورة الياة بأكملها‪.‬‬

‫معنا ها إل غاء ع بادة الدو لة‪ .‬وع بادة رأس ا لال‪ .‬وع بادة الت مع‪ .‬وع بادة ال فرد‬
‫النسان‪ ..‬وما يترتب على كل هذه العبوديات من انراف‪.‬‬

‫النظم الماعية الت تعل الدولة ‪ -‬أو الزعيم ‪ -‬هو العبود‪ ..‬والنظم الفردية الت‬
‫تعل رأس الال هو العبود‪ ..‬والنظم الت تقدس التمع وتعله مور ارتكازها المر الناهي‬
‫ال سيطر‪ ،‬وتل غي بذلك ك يان ال فرد وت سحق و جوده‪ ،‬فل يتب قى له إل كونه فردا‪ š‬ف‬
‫القطيع‪ ..‬والنظم الت تقدس الفرد فتنفخ ف كيانه على حساب التمع‪ ،‬فتفكك التمع‪.‬‬
‫كلها نظم باطلة‪ ..‬منشأ بطلنا هو " العبادة " النحرفة الت تتوجه با لغي ال!‬

‫و لن ت صل هذه الن ظم إ ل " ال توازن " ا لذي يوازن انرافا تا وي‪ É‬ع‪Ó‬د¼ل‪Ô‬ها إل بن قض‬
‫هذه العبادات النحرفة كلها‪ ،‬والعودة القيقية إل عبادة ال‪ ..‬أي استمداد النظم والناهج‬
‫كلها منه‪ ،‬ل مرد التسلي بالتوجه إليه ف ساعات الفراغ!‬

‫والنرافات الجتماعية واللقية الت رأينا جانبا منها ف شهادة القرن العشرين‪،‬‬
‫وا لت تص صت ك تب " غرب ية " كام لة ل شرحها والفا ضة في ها‪ ..‬لن ت توازن كذلك إل‬

‫‪ ()161‬سورة النمل ]‪.[61‬‬


‫‪ ()162‬سورة النمل ]‪.[62‬‬
‫‪ ()163‬سورة النمل ]‪.[63‬‬
‫‪ ()164‬سورة النمل ]‪.[64‬‬

‫)‪(268‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫بنفض العبادات النحرفة‪ ،‬ومن بينها عبادة التمع وعبادة النسان لذاته‪ ..‬أي لشهواته!‬
‫والعودة إل عبادة ال‪ ،‬الذي يضع الضوابط النظمة للحياة البشرية‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أما انراف التصور النسان " للنسان "‪ ..‬وهو فرع من النراف الصلي الذي‬
‫بعد بأوربا عن الدين‪ ،‬فانفلت قيادها التصوري كما انفلت قيادها الجتماعي واللقي‪..‬‬
‫أما هذا النراف فقد أخذ طريقي رئيسيي‪.‬‬

‫إقامة الياة كلها على أساس حيوانية النسان وماديته‪.‬‬

‫وإقامتها على أساس الفهومات الزئية للنسان‪.‬‬

‫وكلها أنشأ ألوانا من الفساد الطر ف حياة البشرية‪..‬‬

‫حيوان ية الن سان و ماديته تر تب علي ها ف الت صور ا لورب إقا مة مت مع ل ت سيه‬
‫م فاهيم " الن سان " ول ت صوراته‪ ،‬ول م شاعره‪ ،‬ول سلوكه‪ .‬إ نا ت سيه ف م كان ذ لك‬
‫ك له م فاهيم " ال يوان "! وم فاهيم " ال لة "! و من ث ت ضاءل م كان العق يدة ف ح سه‪،‬‬
‫وانفلتت ضوابطه اللقية ف مال النس‪ ،‬وهبطت علقة النسي عنده إل علقة جسدية‬
‫" بيولوجية! " هها الصول على اللذة‪ ،‬والغراق ف التاع‪ .‬وذلك ‪ -‬بصفة خاصة ‪ -‬هو‬
‫الذي يسرع بتدمي البشرية كما قالت شهادة القرن العشرين! كما ترتب عليها تويل‬
‫الن سان إ ل " آ لة " إنتاج ية‪ ..‬تن تج وتن تج وتن تج‪ ..‬ول " تس " إل ع لى م ستوى‬
‫اليوان)‪.(165‬‬

‫أما جزئية النسان فقد ترتب عليها تضخيم جوانب منه على حساب جوانب‬
‫أخرى‪ ،‬أو تاهل الكيان الكلي عامة‪ ،‬وماولة " إنشاء " إنسان جديد على أسس فاسدة‬
‫تصطدم مع الفطرة وتفسد كيان النسان‪.‬‬

‫‪ ()165‬راجع " كاريل "‪ :‬النسان ذلك الهول‪ ،‬و " ول ديورانت "‪ :‬مباهج الفلسفة‪.‬‬

‫)‪(269‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫فالتف سي ا لادي للتار يخ‪ ،‬والتف سي الن سي لل سلوك‪ ،‬والتف سي الم عي للح ياة‪،‬‬
‫والتفسي " الرجال " للمرأة )‪ ..(166‬والتفسي الل للسلوك ]الذي يفسر السلوك البشري‬
‫على أنه صادر عن " اللة " البشرية[ وغيه وغيه وغيه‪ ..‬كلها قائم على أخذ جزء من‬
‫النسان والزعم بأنه هو " النسان "‪ ،‬وتصور الياة كلها على هذا الزعم!‬

‫وانع كاس هذا ال نراف وذاك ع لى ال ياة الب شرية العا صرة وا ضح شديد‬
‫الو ضوح‪ .‬فت ضخيم ا لانب ا لادي من ال ياة ع لى ح ساب ا لانب الرو حي وال عاطفي‪.‬‬
‫وتضخيم الانب النسي على حساب الانب اللقي‪ .‬وتضخيم الانب الماعي على‬
‫ح ساب ا لانب ال فردي ]أو الع كس[‪ ..‬وماو لة " صياغة " إن سان جد يد ل يس ول‬
‫يفكر على مستوى " النسان " وإنا على مستوى اللة أو مستوى اليوان‪ ..‬وماولة "‬
‫إنشاء " امرأة ليست أنثى‪ ..‬ال‪ ..‬ال‪ ..‬كلها توسات نشأت من انراف التصور النسان‬
‫للنسان‪ ،‬ول علج لا إل العودة للتصور الشامل للنسان!‬

‫التصور الشامل الذي يتصور النسان ف حقيقته الشاملة التكاملة‪ :‬قبضة من طي‬
‫ا لرض‪ ،‬ونف خة من روح ا ل‪ ،‬متزجي مترابطي‪ ،‬يت كون منه ما ك يان وا حد مو حد‬
‫الجزاء‪.‬‬

‫السم والروح حقيقة واحدة‪.‬‬

‫الانب الادي والانب الروحي حقيقة واحدة‪.‬‬

‫الانب القتصادي والجتماعي والانب اللقي والعنوي حقيقة واحدة‪.‬‬

‫كل نشاط النسان حقيقة‪ ..‬وحقيقة مترابطة متزجة‪.‬‬

‫ل ينفصل النشاط النسي عن الخلق‪ ،‬لن هذا وهذه جزءان غي منفصلي من‬
‫كيان " النسان "‪.‬‬

‫‪ ()166‬راجع شهادة الطبيبة النمسوية ص ‪.221 - 218‬‬

‫)‪(270‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫والب حث عن الط عام‪ ..‬والن تاج ا لادي‪ ..‬وت سي أ ساليب الن تاج‪ ..‬والت قدم‬
‫العلمي‪ ..‬كلها ل تنفصل عن النشاط الروحي و " القيم " اللقية والنسانية‪ .‬لنا جيعا‬
‫جوانب متعددة ‪ -‬مترابطة ‪ -‬من كيان واحد شامل متكامل‪.‬‬

‫و من ث ل تنف صل ف ح ياة الن سان عق يدته عن واق عه‪ .‬وأخل قه عن سلوكه‪.‬‬


‫ونشاطه النسي عن نشاطه الروحي‪ .‬ونشاطه الادي عن نشاطه العنوي‪ ..‬لنه ل انفصال‬
‫ف ن فس الن سان ب ي هذه وت لك‪ .‬ولي ست ن فس الن سان " خزائن " منف صلة‪ :‬خزا نة‬
‫للعقيدة‪ ،‬وخزانة للواقع‪ .‬خزانة للجنس‪ ،‬وخزانة للخلق‪ .‬خزانة للنشاط الادي‪ ،‬وخزانة‬
‫للنشاط الروحي‪ .‬وإنا يواجه النسان الياة بكيانه التكامل ونشاطه الشامل‪ ،‬وإن برزت‬
‫‪ -‬ف لظة ‪ -‬بعض جوانبه وانسرت جوانب أخرى‪ ..‬فهي ل تنفصل بال من الحوال‬
‫)‪!(167‬‬

‫وبذا التصور البن على حقيقة النسان‪ ،‬تتوازن الياة البشرية وتنجو ما فيها من‬
‫انراف‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ذانك ها النرافان الساسيان ف حياة القرن العشرين‪ :‬البعد عن ال‪ ،‬وفساد‬
‫التصور " للنسان "‪.‬‬

‫ومن هذين النرافي الرئيسيي نشأت كل النرافات الخرى الزئية‪.‬‬

‫وو صل ال نراف إ ل در جة من ال سوء ل ي كن أن ت ستمر! ل ي كن أن ت ستمر‬


‫دون تدمي البشرية!‬

‫وهذه هي النقطة الت ينشأ منها التغيي!‬

‫فح ي تس الب شرية بالطر ع لى كيا نا ذا ته‪ ..‬ح ي ت قف ع لى حا فة الاو ية‪.‬‬


‫تستيقظ! وتسعى إل التغيي!‬

‫‪ ()167‬راجع كتاب " الدراسات "‪.‬‬

‫)‪(271‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وستستيقظ البشرية من هوستها النونة ل شك! وستسعى للتغيي!‬

‫ستعود ‪ -‬ول بد ‪ -‬لنظام يتجنب ما وقعت فيه من انراف‪.‬‬

‫ستعود إل ال‪ .‬وإل التصور الصحيح للنسان‪.‬‬

‫ستعود إل السلم!‬

‫فليس ف أفكار البشرية كلها فكرة واحدة ت»صلح هذا النراف كله إل السلم!‬

‫فهو الذي يربط النسان ‪ -‬ربطا‪ š‬جادا‪ - š‬بال‪ ،‬ويستمد من ال منهج الياة‪ .‬وهو‬
‫الذي يتصور النسان على حقيقته الشاملة التكاملة التوازنة‪.‬‬

‫ول يس أ مام الب شرية إل طريق ها الن حرف ا لذي ت سي ف يه ال يوم ويو صلها إ ل‬
‫الاوية‪ ..‬أو الرجوع إل السلم‪.‬‬

‫و نن نعت قد ‪ -‬من وا قع الب شرية ا لال ‪ -‬أ نا ستفيق من غ شيتها‪ ،‬وتف يء إ ل‬


‫السلم! ما ل يكتب ال لا التدمي ف هذا اليل أو اليل الذي يليه ف غد غي بعيد!‬

‫و نن أ كثر إيا نا‪ š‬بر حة ا ل من أن يدمر الب شرية ‪ -‬ف غوايت ها ف هذا ال غد‬
‫القريب‪ ..‬قبل أن تستجيب!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولكن هذه لن تكون مسألة سهلة!‬

‫حقا لقد بدت بوادر توحي بعودة النسان ف الغرب إل الدين!‬

‫فالعلماء ‪ -‬أنبياء البشرية اليوم ‪ -‬بدأوا واحدا إثر واحد يصلون بعقولم العلمية‬
‫البحتة إل وجود ال من وراء الدقة العجزة الت يدار با الكون!‬

‫)‪(272‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫قال جيمس جين العال الفلكي الذي بدأ حياته ملحدا شاكسا‪ " :‬إن مشكلت‬
‫العلم الكبى ل يلها إل وجود إله! "‪.‬‬

‫" ‪Man Does‬‬ ‫وقال أ‪ .‬كريسي موريسون رئيس أكاديية العلوم بنيويورك‪ ،‬ف كتابه‬
‫‪ " Not Stand Alone‬الترجم بعنوان‪ " :‬العلم يدعو لليان "‪ " :‬إن وجود الالق تدل عليه‬
‫تنظيمات ل ناية لا تكون الياة بدونا مستحيلة‪ .‬وإن وجود النسان على ظهر الرض‪،‬‬
‫والظاهر الفاخرة لذكائه‪ ،‬إنا هي جزء من برنامج ينفذه بارئ الكون )‪ ...(168‬إن النسان‬
‫ليك سب مز يدا‪ š‬ل حد له من الت قدم ال ساب ف كل و حدة للع لم‪ .‬غ ي أن تط يم ذرة‬
‫دالتون ‪ -‬الت كانت تعد أصغر قالب ف بناء الكون ‪ -‬إل مموعة نوم مكونة من جرم‬
‫مذنب وإلكترو نات طائرة‪ ،‬قد ف تح مال لت بديل فكرت نا عن ال كون والقي قة ت بديل‬
‫جوهريا‪ .‬ول يعد التناسق اليت للذرات الامدة يربط تصورنا با هو مادي‪ .‬وإن العارف‬
‫الديدة الت كشف عنها العلم لتدع مال لوجود مدبر جبار‪ ،‬وراء ظواهر الطبيعة" )‪.(169‬‬

‫و كان أول انع كاس ف ن فس جا جارين رائد الف ضاء الرو سي ح ي خرج إ ل‬
‫الفضاء‪ ..‬هو البحث عن ال! وإن كانت " الدولة " الشيوعية قد انزعجت من تصريه‬
‫بذلك بعد عودته إل الرض‪ ،‬وخشيت على ما جهدت ف نشره من اللاد‪ ،‬فأوحت إل‬
‫الرائد الثالث " تيتوف " أن يقول إنه بث عن ال ف السماء فلم يده!‬

‫الهم‪ ..‬أن رجال " العلم " بدأوا يلوذون بمى ال‪ ..‬ف داخل معاملهم وأباثهم‬
‫العلمية البحتة‪ ..‬وذلك أول الطريق!‬

‫ث إن صيحات ال طر تنط لق ف كل م كان ت نذر ب سوء م صي الب شرية إن هي‬


‫داومت ال سي ع لى ما هي ف يه ال يوم من ا نراف‪ ..‬وكلها تنادي أن العودة إ ل ال هي‬
‫العلج‪ ،‬والعودة إل التفسي الشامل للنسان!‬

‫ولكن المر ليس هينا بيث تكفي فيه صيحات متفرقة من هنا أو هناك!‬

‫‪ ()168‬يل حظ تأثر ال كاتب بروا سب ال ضارة الاد ية حت و هو يست شرف بعق له إ ل ال نور ا للي‪" ..‬‬
‫برنامج ينفذه بارئ الكون "‪ ..‬إنه تعبي مثقل برواسب الضارة الادية وأساليبها العملية‪ ..‬والدارية!!‬
‫‪ ()169‬العلم يدعو لليان‪ .‬ترجة ممود صال الفلكي ص ‪.45 - 44‬‬

‫)‪(273‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫إن أسبابا جة ‪ -‬حقيقية وخطية ‪ -‬تصد الناس ف الغرب عن ال‪ ،‬وعن النهج‬
‫القوي للحياة‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إن الما قات ا لت ارتكبت ها الكني سة الورب ية كانت حا قات تاري ية! و ل ت كن‬
‫شيئ‪š‬ا عارضا ف حياتا أو حياة البشرية!‬

‫ي ستوي ف هذه الما قات الطغ يان الب شع ا لذي مار سته الكني سة ع لى ال ناس‪.‬‬
‫والهالة الخرفة الت عاش فيها رجال الدين ف القرون الوسطى‪ .‬والفاسد اللقية الشنيعة‬
‫الت ارتكبوها ف ذات المكنة الخصصة للعبادة والقداسة والترفع عن الشهوات‪ .‬ومهزلة‬
‫صكوك الغفران‪ ..‬ث تقتيل العلماء وتعذيبهم حي يكتشفون حقائق الكون والياة!‬

‫هذه الماقات كلها قد حفرت آثار‪š‬ا عميقة ف مشاعر الغرب وأفكاره‪ ..‬ليس‬
‫من الي إزالتها‪ ..‬وهي حصيلة أجيال!‬

‫حقا إنا حصيلة غي منطقية! فلم يكن لزاما على الغرب حي عادى الكنيسة أن‬
‫ين فر من ا ل وي عادي ا لدين‪ .‬و كان بو سعه أن ي صحح مف هومه ا لدين بدل من تطي مه‪.‬‬
‫ولكن هذا هو المر الذي وقع بالفعل‪ ،‬وهو الذي يواجهنا بنتائجه اليوم أيا‪ š‬ما كان فيها‬
‫من أخطاء!‬

‫والعودة إل الدين ‪ -‬مهما كانت بوادرها ظاهرة اليوم ‪ -‬ستكون ‪ -‬حسبما نرى‬
‫بنطق نا الب شري ا لدود ‪ -‬بطيئة بطيئة ت تاج إ ل أج يال! ] ما ل يرد ا ل غ ي ذ لك! و ما‬
‫أسهل ما يريد ال‪ .‬وما أسهل ما ينقلب النسان فردا‪ š‬وجاعة من موقف العناد مع ال‪ ،‬إل‬
‫موقف التسليم! وهي حالة لا ناذج مكرورة ف البشرية‪ ،‬خاصة ف أوقات الزمات![‬

‫وليس هذا هو السبب الوحيد‪ ..‬فقد لبسته كذلك ظروف وملبسات‪.‬‬

‫إن " النطق العلمي " الذي يسيطر اليوم على الغرب‪ ،‬أو " النطق الادي "‪ ،‬يقف‬
‫عثرة ف سبيل العودة إل الدين والعودة إل ال!‬

‫)‪(274‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫إن اليان " بقواني الطبيعة " وثبوتا‪ ..‬يفسد تفكي الغرب‪ ،‬ويفسد توجهه إل‬
‫ال! " فالعلم " كله ف الغرب قائم على أساس ثبوت هذه القواني وعدم تعرضها ‪ -‬ول‬
‫إمكان تعرضها ‪ -‬للتغيي! وهذا حق من أحد جوانبه‪ .‬فلم يكن العلم ليتقدم خطوة واحدة‬
‫لول افتراض ثبوت السنن الكونية‪ ،‬الت تبن عليها الشاهدات والتجارب‪ ،‬وتستمد منها‬
‫النتائج والقواني‪..‬‬

‫ولكن الغرب‪ ..‬يريد أن يقيد با قدرة ال!‬

‫ومن ناحية أخرى يتصور أن ال ‪ -‬مع التسليم بوجوده ‪ -‬قد أودع الكون هذه‬
‫ال قواني ث ترك ها تع مل بطري قة آل ية ف تؤدي إ ل كل عمل يات " ال لق " و كل عمل يات‬
‫الكون‪ ،‬دون تدخل منه سبحانه!‬

‫ت ألانيا ‪ -‬مسلما‪ - !š‬اجتذبته بساطة العقيدة السلمية واستقامتها‬


‫وقد لقيت ف ‪í‬‬
‫وشولا فآمن بأنا الق‪ ،‬ومع ذلك فهو يد أزمة عنيفة ف نفسه من أجل " العجزات "‬
‫لنا تالف قواني الطبيعة!‬

‫إنه ل يستطيع أن يتصور حدوث العجزة بال! ول تدخل ال الباشر ف شأن من‬
‫شئون اللق أو شئون الياة‪ ،‬بعدما أودعها " القواني " الت تسي عليها!‬

‫وحي قلت له إنه يطئ ف تصور أن تدخل ال الباشر ل يدث إل ف " مالفة "‬
‫قواني الطبيعة وإنا يدث هذا التدخل الباشر ف كل لظة للمحافظة على ثبوت هذه‬
‫القواني‪ ،‬وإل ما ثبتت على ما هي عليه‪ ..‬كانت هذه مفاجأة ضخمة لتفكيه! هذا وهو‬
‫يقرأ ف القرآن‪) :‬إ¼ن الله‪» É‬يم‪Ó‬س¼ك» الس‪Ì‬م‪É‬او‪É‬ات¼ و‪É‬ا‪á‬لأ‪Ý‬ر‪Ó‬ض‪ É‬أ‪Ý‬ن‪ á‬ت‪É‬ز»ول و‪É‬ل‪Ý‬ئ¼ن‪ Ó‬ز‪É‬ا‪Ý‬لت‪É‬ا إ¼ن‪ á‬أ‪Ý‬م‪Ó‬س‪Ý É‬كه»م‪É‬ا م¼ن‬
‫)‪(170‬‬
‫أ‪É Ý‬حد‪ Å‬م¼ـن‪ Ó‬ب‪É‬ع‪Ó‬د¼ه(‬

‫فكيف بغي السلمي ف الغرب الذي أفسدته هذه التصورات؟!‬

‫لقد نا الذهب التجريب ف العال السلمي ف ظل العقيدة السلمية‪ ،‬وف ظل‬


‫اليان بثبوت " سنة ال " ]الت يسميها الغرب جهل وعنادا‪ š‬منه " قواني الطبيعة! "[ ومع‬
‫ذلك ل يصطدم ف حسهم بقدرة ال الطلقة الت تستطيع أن تغي ما تشاء حي تشاء!‬

‫‪ ()170‬سورة فاطر ]‪.[41‬‬

‫)‪(275‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫فآمنوا بالعلم‪ ،‬وآم نوا بالعجزة؛ ف ب ساطة بل ت عارض ول تزق ف التفك ي! و هذا هو‬
‫النهج الصائب ف تفهم القيقة اللية والقيقة الكونية‪ .‬ولكن " العلم " ف الغرب البن‬
‫على نفهم قاصر‪ ،‬يصد الناس عن السبيل!‬

‫والتاع الزائد عن الد‪...‬‬

‫إنه " الزمة " القيقية ف حياة الغرب‪..‬‬

‫لقد يكن أن يصطلح " العلم " مع اليان " بالغيب " ف يوم قريب أو بعيد‪..‬‬
‫وخاصة بعد البحث ف قلب " الذرة " الذي غي النظرة كلها إل الكون " الادي " وقرب‬
‫ما بي الادي واللمادي ف أفكار الغربيي‪.‬‬

‫ولكن التاع الزائد عن الد مشكلة ضخمة‪..‬‬

‫من ذا الذي يستمع ف لذة هذا التاع إل صوت الدين؟!‬

‫الشبان والفتيات الذين يقضون أوقات فراغهم أكواما من اللحم السعور؟‬

‫كيف يفيقون؟ كيف تصدق أعصابم اللتذة بذا التاع أنم مدم‪Ì‬رون؟!‬

‫قد يرى " الكماء " ما هم فيه من دمار مقق‪ ..‬أما هم‪ ..‬وهم يترقون بالنار‬
‫الببة‪ ..‬هل يسون ‪ -‬أو يبالون ‪ -‬أنم يترقون؟!‬

‫)ز»ي× ن‪ É‬ل¼لن‪Ì‬ا س¼ »ح ب‪ å‬ال ش‪Ì‬ه‪É‬و‪É‬ات¼ م¼ ن‪ É‬الن× س‪É‬اء¼ و‪É‬ا‪á‬لب‪É‬ن¼ ي‪ É‬و‪É‬ال‪á‬ق‪ Ý‬ن‪É‬اط¼ي¼ ال‪á‬م»ق‪ÓÝ‬ن ط‪Ý‬ر‪É‬ة¼ م¼ ن‪ É‬ا لذه‪É‬ب‬
‫حي‪É‬اة¼ ال ‪å‬دن‪Ó‬ي‪É‬ا‪.(171) (..‬‬ ‫خي‪Ó‬ل¼ ا‪á‬لم»س‪É‬و‪Ì‬م‪É‬ة¼ و‪É‬ال‪Ýá‬أن‪Ó‬ع‪É‬ام¼ و‪É‬ال‪á‬ح‪É‬ر‪Ó‬ث¼ ذ‪Ý‬ل¼ك‪ É‬م‪É‬ت‪É‬اع» ا‪á‬ل ‪É‬‬
‫و‪É‬ال‪á‬ف¼ض‪Ì‬ة¼ و‪É‬ال‪É á‬‬

‫والتاع الزائد عن الد اليوم فنون‪ ..‬وفنون!‬

‫إنه ليس ساعات اللقاء النسي وحده‪ ..‬ولكنه كل شيء ف حياة الغرب!‬

‫‪ ()171‬سورة آل عمران ]‪.[14‬‬

‫)‪(276‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫الع مل ه ناك ‪ -‬ع لى طريقة ال لة الن سانية ‪ -‬مرهق للعصاب‪ ،‬كابت للحيو ية‬
‫والنطلق‪ .‬ث‪ ..‬ينط لق ال ناس من أع مالم‪ ،‬ليز يوا الك بت الوا قع ع لى ك يانم ا لي‪..‬‬
‫ولكن ينطلقون على طريقة اليوان!‬

‫حيوانية النسان وآليته‪ ..‬ذلك تصور القرن العشرين‪.‬‬

‫ومن أجل احتمال اللية الملة الرتيبة‪ ،‬توضع أشد الشهيات ف الانب الخر‪..‬‬
‫جانب اليوان!‬

‫و ل ي كن هذا ضرورة " حتم ية " ف ح ياة ال ناس‪ .‬ولك نه " ضرورة " ف هذا‬
‫التصور النحرف النون‪.‬‬

‫ث‪ ..‬تدخل اليهودية العالية‪ ..‬تنتهز الفرصة الواتية للتدمي!‬

‫الغراء‪ ..‬ف كل صورة‪..‬‬

‫ا لرأة مغر ية ف ال شارع‪ ..‬مغر ية ف ال سينما‪ ..‬مغر ية ف ال سرح‪ ..‬مغر ية ف‬


‫الشاطئ‪ ..‬مغرية ف الغابة‪ ..‬عارية ف كل مكان!‬

‫والسينما والسرح والنادي واللعب‪ ..‬والشارع والكتب‪ ..‬مالت للغراء!‬

‫والفن‪ ..‬الوسيقى والدب والرقص والغناء‪.‬‬

‫وترف الياة ونعومتها‪..‬‬

‫من ذا الذي يفكر ف الدين‪ ..‬أو ف الخلق‪ ..‬ليحد من هذا التاع؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫و كل تنظي مات ال غرب القائ مة ع لى أ ساس ل دي ن )‪ (secular‬وا لت فرح الغرب‬
‫بفصلها عن الدين! كيف يعود ‪ -‬بسهولة ‪ -‬فيقيمها على أساس من العقيدة ف ال؟‬

‫)‪(277‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫التنظيمات القتصادية‪ .‬والتنظيمات السياسية‪ .‬والتنظيمات الجتماعية‪ .‬و‪ .‬و‪ .‬من‬


‫ذا الذي يرحب بإقامتها على أساس العقيدة ف ال‪ ،‬الت تد من مطامع الطامعي‪ ،‬وتضبط‬
‫شهوات " أصحاب الصال " ف كل هذه اليادين؟‬

‫والرأة‪ ..‬والرأة الت " تررت " من كل قيد قيدتا به الجيال! كيف تعود؟!‬

‫كيف تعود إل مهمتها الفطرية وتقصر نفسها عليها وهي ترى نفسها اليوم ملء‬
‫" الت مع "‪ ،‬وم لء ال صانع وال تاجر وا لدواوين وال شوارع‪ ..‬وأ هم من ذ لك ك له‪ ..‬م لء‬
‫مشاعر الرجل‪ ..‬كل رجل؟!‬

‫كيف تقبل أن ينحصر سلطانا ف بيت واحد ورجل واحد‪ ،‬وهي اليوم ترى "‬
‫وجودها " واسع الفاق‪ ،‬يشمل كل رجل يقع عيناه على فتنتها‪ ،‬فيعجب با ولو لظة‬
‫عابرة ف الطريق‪ ..‬وتتجمع اللحظات لتك̂ون لا " الياة "!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫كل! ل يرجع الناس ف الغرب بسهولة إل الدين! ول ترجع البشرية كلها الت‬
‫يكمها الغرب اليوم‪ ،‬وتنتشر منه إليها الفاهيم‪ ،‬وأناط السلوك‪..‬‬

‫ل يرجعون إل بقارعة!‬

‫ولكن القارعة على البواب!‬

‫إنم ليسوا ميين!‬

‫أو هم ميون! بي الدمار الشامل الرهيب‪ ..‬وبي العودة إل حى ال ومنهج ال‬


‫مهما يكن فيه ‪ -‬ف تصورهم النحرف اليوم ‪ -‬من " القيود "!‬

‫وا لدمار يف تح فاه ف كل ل ظة‪ ..‬انت هاء سيادة الر جل ا لبيض ر عب ] له![‬
‫وا لوف ع لى ال ستقبل ف رو سيا وأمري كا ر عب ]ل ما[ وا لرب الذر ية ر عب ي شمل‬
‫الميع!‬

‫)‪(278‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وكلما هم العال أن يستريح لبعاد خطر الرب‪ ..‬عادت الزمة تطل من جديد‪.‬‬

‫القارعة على البواب‪ ..‬والناس ليسوا ميين‪ ..‬أو هم ميون بي العودة إل ال‬
‫وبي الدمار الرهيب‪.‬‬

‫وستجد البشرية ذات يوم أن ال أكرم لا وأشفق عليها من أنفسها‪ ..‬فتعود إليه‪.‬‬

‫ولن يكون هذا صباح الغد!‬

‫إنا تقع القارعة ‪ -‬أو الصحوة ‪ -‬ف العتاد حي يشتد الفساد بالناس جيل بعد‬
‫أجيال!‬

‫ونن ‪ -‬حي نقول إن مستقبل البشرية هو العودة إل ال ‪ -‬ل نرقب هذا الغد‬
‫القريب الذي يوي أعمارنا وأعمار هذا اليل!‬

‫فعمر البشرية ل يقاس بعمر فرد أو أفراد ف جيل‪ ..‬إنا يقاس بأجيال بعد أجيال!‬

‫ولكنا ‪ -‬مع ذلك ‪ -‬نراه بوضوح كأنه الغد!‬

‫نراه‪ ..‬لنة سنة " حتمية "‪ .‬سنة ال‪.‬‬

‫ستعود البشرية غدا إل ال‪...‬‬

‫ولكن‪ ..‬ماذا يكون يا ترى دور السلمي؟!‬

‫)‪(279‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫دور السلمي‬
‫دور السلمي هو أن يكونوا دائما ف الطليعة‪ .‬أن يسكوا ف أيديهم مقدم الزمام‪.‬‬

‫)ه»و‪ É‬ا ‪Ó‬جت‪É‬ب‪É‬اك‪Ô‬م‪ Ó‬و‪É‬م‪É‬ا ‪É‬جع‪É‬ل‪ Ý‬ع‪ÝÉ‬لي‪Ó‬ك‪Ô‬م‪ Ó‬ف¼ي الد×ين¼ م¼ن‪ Ó‬ح‪É‬ر‪É‬ج‪ Å‬م¼ل ‪Ý‬ة ‪Ý‬أب¼ي ‪Ô‬كم‪ Ó‬إ¼‪Ó‬بر‪É‬اه¼يم‪ É‬ه»و‪ É‬س‪É‬م‪Ì‬اك‪Ô‬م‬
‫ا‪á‬لم»س‪Ó‬ل¼م¼ي‪ É‬م¼ن‪Ý Ó‬قب‪Ó‬ل‪ Ô‬و‪É‬ف¼ي ه‪É‬ذ‪Ý‬ا ¼لي‪É‬ك‪Ô‬ون‪ Ý‬الر‪Ì‬س»ول‪ Ô‬ش‪É‬ه¼يدا‪ š‬ع‪ÝÉ‬ل‪Ó‬يك‪Ô‬م‪ Ó‬و*ت*́كون(وا ش(ه*د*اء¿ ع*ل‪µ‬ى الن®اس(‬
‫)‪.(172‬‬

‫)و‪ É‬ك‪Ý‬ذ‪Ý‬ل¼ك‪ É‬ج‪É‬ع‪á É‬ل ن‪É‬اك‪Ô‬م‪ Ó‬أ‪ Ô‬م‪š Ì‬ة و‪ É‬س‪É‬طا‪ š‬ل‪-‬ت*́كو ن(وا ش(ه*د*اء¿ ع* ل‪µ‬ى الن®اس¼ و‪É‬ي‪ É‬ك‪Ô‬ون‪ Ý‬الر‪ Ì‬س»ول‬
‫)‪.(173‬‬
‫ع‪ÝÉ‬لي‪Ó‬ك‪Ô‬م‪É Ó‬شه¼يدا(‬

‫®اس ت‪É‬أ‪á‬م»ر»ون‪ Ý‬ب¼ال‪á‬م‪É‬ع‪Ó‬ر»وف¼ و‪ÉÉ‬تن‪Ó‬ه‪É‬و‪Ó‬ن‪ Ý‬ع‪É‬ن¼ ال‪» á‬من‪Ó‬ك‪Ý‬ر¼ و‪É‬ت»ؤ‪Ó‬م¼ن»ون‬


‫)́كن'ت(م' خ*ي'ر* ́أم®ة· ́أخ'ر‪-‬ج*ت' ل‪-‬لن ¼‬
‫ب¼الله( )‪.(174‬‬

‫ذلك دور السلمي‪ :‬أن يكونوا خي أمة ف ا لرض‪ ،‬ويكونوا ‪ -‬بذا ‪ -‬شهداء‬
‫على الناس وقادة للبشرية‪.‬‬

‫ولكن الوقف اليوم أن السلمي ف ذيل القافلة ل ف مقدم الزمام‪.‬‬

‫ذلك لنم ليسوا مسلمي!‬

‫وو عد ا ل للم سلمي و عد صادق ل يتخ لف‪ " :‬و* ع*د* الل¶ ه( ا ل¶ذ‪-‬ين* آم* ن(وا م‪-‬ن'́كم‬
‫*ات ‪Ý‬لي‪É‬س‪ÉÓ‬تخ‪Ó‬ل¼ف‪Ý‬ن‪Ì‬ه»م‪ Ó‬ف¼ي ال‪á‬أ‪Ý‬ر‪Ó‬ض¼ ك‪Ý‬م‪É‬ا اس‪ÉÓ‬ت ‪Ó‬‬
‫خل‪Ý‬ف‪ É‬الذ¼ي ‪É‬ن م¼ن‪Ý Ó‬قب‪¼Ó‬له¼م‪ Ó‬و‪ÝÉ‬لي»م‪É‬ك‪ÉØ‬نن‪ Ì‬ل‪Ý‬ه»م‬ ‫و*ع*م‪́-‬لوا الص®ال‪-‬ح ¼‬
‫د¼ين‪É‬ه» م» ال ذ¼ي ار‪ÉÓ‬ت ض‪É‬ى ل‪Ý‬ه» م‪ Ó‬و‪ÝÉ‬لي» ب‪É‬د×ل‪ÌÝ‬نه»م‪ Ó‬م¼ ن‪ Ó‬ب‪ É‬ع‪Ó‬د¼ خ‪É‬و‪Ó‬ف¼ه¼م‪ Ó‬أ‪Ý‬م‪Ó‬نا‪* š‬يع' ب(د(ون*ن‪-‬ي ل (ي ش'ر‪́-‬كون‪ µ‬ب‪-‬ي ش*ي'ئا‬
‫)‪.(175‬‬
‫و‪É‬م‪É‬ن‪ Ó‬ك‪Ý‬ف‪Ý‬ر‪É É‬بع‪Ó‬د‪ É‬ذ‪Ý‬ل¼ك‪ É‬ف‪Ý‬أ‪Ô‬و‪Ý‬لئ¼ك‪ É‬ه»م» ا‪á‬لف‪Ý‬اس¼ق‪Ô‬ون‪" Ý‬‬

‫‪ ()172‬سورة الج ]‪.[78‬‬


‫‪ ()173‬سورة البقرة ]‪.[143‬‬
‫‪ ()174‬سورة آل عمران ]‪.[110‬‬
‫‪ ()175‬سورة النور ]‪.[55‬‬

‫)‪(280‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫الشرط أن يكونوا مسلمي!‬

‫وحي ينحرفون عن السلم كما انرفوا بالمس وينحرفون اليوم‪ ،‬فليس لم إل‬
‫و عد ا ل ال صادق ا لذي ل يتخ لف‪Ô " :‬ق ل¼ الل ه» »ين‪É‬ج×يك‪ Ô‬م‪ Ó‬م¼ن‪ Ó‬ه‪É‬ا و‪É‬م¼ ن‪ Ó‬ك‪ Ô‬ل‪ Ø‬ك‪Ý‬ر‪ Ó‬ب‪ Å‬ث‪ Ô‬م‪ Ì‬أ‪Ý‬ن‪Ó‬ت»م‬
‫»تش‪Ó‬ر¼ك‪Ô‬ون‪Ô ،Ý‬قل‪ á‬ه»و‪ É‬ا‪á‬لق‪Ý‬اد¼ر» ع‪É‬ل‪Ý‬ى أ‪Ý‬ن‪É á‬يب‪Ó‬ع‪É‬ث‪ Ý‬ع‪ÝÉ‬لي‪Ó‬ك‪Ô‬م‪ Ó‬ع‪É‬ذ‪Ý‬ابا‪ š‬م¼ن‪ Ó‬ف‪Ý‬و‪Ó‬ق¼ ‪Ô‬كم‪ Ó‬أ‪Ý‬و‪ Ó‬م¼ن‪É Ó‬تح‪Ó‬ت¼ أ‪Ý‬ر‪» Ó‬جل¼ك‪Ô‬م‪ Ó‬أ‪Ý‬و‬
‫‪É‬يل‪¼á‬بس‪É‬ك‪Ô‬م‪¼ Ó‬شي‪É‬عا‪ š‬و‪É‬ي»ذ¼يق‪É É‬بع‪Ó‬ض‪É‬ك‪Ô‬م‪É Ó‬بأ‪á‬س‪É É‬بع‪Ó‬ض‪ Å‬ا‪Ó‬نظ‪Ô‬ر‪ Ó‬ك‪Ý‬ي‪Ó‬ف‪ É‬ن»ص‪É‬ر×ف» ال‪á‬آيات¼ ل‪Ý‬ع‪É‬له»م‪ Ó‬ي‪É‬ف‪á‬ق‪Ý‬ه»ون" )‪.(176‬‬

‫ول كن لم ‪ -‬ح ي يكو نون م سلمي ‪ -‬دورا‪ š‬لذه الب شرية النحر فة ال ضالة ا لت‬
‫تشقى اليوم بانرافها وضللتها!‬

‫إنم ‪ -‬و حدهم ف كل الرض ‪ -‬الذين يل كون النهج الصال للح ياة‪ ..‬النهج‬
‫الادي من الضلل‪.‬‬

‫هم ‪ -‬و حدهم ‪ -‬ا لذين يل كون الن هج ا لذي يرأب صدع الب شرية و يداوي‬
‫انرافاتا الدمرة‪.‬‬

‫الن هج ا لذي يرأب الف صام ا لذي أ حدثته أور با ب ي الن سان وا ل! ب ي ا لدين‬
‫والياة‪ .‬بي الدنيا والخرة‪ .‬بي السم والروح‪ .‬بي الواقع والثال‪.‬‬

‫النهج الذي يلم شتات النفس البشرية بتوحيد وجهتها وتوحيد عبادتا‪ :‬تعبد إلا‬
‫وا حدا‪ ،š‬وتت جه وج هة وا حدة‪ .‬ف ن شاطها الرو حي وا لادي‪ .‬ن شاطها القت صادي‬
‫والجتماعي والسياسي‪ .‬نشاطها العقلي والفن )‪ ..(177‬كل لون من ألوان النشاط‪ .‬وبذلك‬
‫يقف الضطراب القلق الذي يزق النفس البشرية اليوم ويأكل نشاطها‪ ،‬ويفسد الشباب‬
‫ويدمر التمع‪ ،‬ويفزع السئولي عن التوجيه ف الدول الكبى والصغرى على السواء!‬

‫الن هج ا لذي يك فل للن فس الب شرية أن تن شط كل ن شاطها ال طبيعي بل ق لق ول‬


‫ت صادم‪ ،‬ك ما ي سي ال كوكب ف مداره ال صحيح‪ ،‬موزو نا ب ي ال شد وا لذب‪ ،‬متحر كا‬
‫حركة اتزان‪.‬‬

‫‪ ()176‬سورة النعام ]‪.[65 - 64‬‬


‫‪ ()177‬انظر كتاب " منهج الفن السلمي "‪.‬‬

‫)‪(281‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫تنشط ف دنيا العلم بل تصادم مع العقيدة ول نفرة من الدين‪.‬‬

‫وتنشط ف دنيا الواقع غي مثقلة بالكوابت العوقة ول منفلتة من الفرامل الضابطة‪.‬‬

‫و تارس ن شاطها " ال يوي " ك له‪ ،‬با ف ذ لك ن شاط ال نس‪ ،‬ف نظا فة ت شبع‬
‫الرغبات ول تفسد العصاب‪.‬‬

‫وتنظم مرافق الياة كلها ف تعقل واتزان‪.‬‬

‫ذلك هو النهج الذي يلكه السلمون‪..‬‬

‫وهو هو النهج الذي تتاج إليه البشرية لينقذها من انرافها‪ ،‬وينقذها من الدمار‬
‫الرهيب‪.‬‬

‫ولكي تتدي البشرية إل حقيقته‪ ،‬فلن يكفي أن تقرأ عنه وتفهمه‪ ..‬إنا ينبغي أن‬
‫تراه ف صورة عمل ية واقع ية‪ ..‬صورة من فذة ف وا قع ا لرض‪ ..‬وذ لك دور ال سلمي‬
‫للبشرية!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ول كن الب شرية العاد ية ال يوم ل لدين‪ ..‬والعاد ية لل سلم وال سلمي ع لى و جه‬
‫الصوص لن تتركهم ينفذونه ف واقع الرض! لن تترك لم فرصة إثبات حقيقته العلوية!‬

‫ستحاربم حرب الفناء!‬

‫والرب قائمة بالفعل ف العال السلمي من اليط إل اليط‪.‬‬

‫ا لرب ال صليبية الد يدة ا لت بدأت ف ال قرن الا ضي و ما تزال‪ ..‬وت ساندها‬
‫الصهيونية‪.‬‬

‫)‪(282‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫حرب بم يع و سائل ا لرب‪ .‬بال سلح وال يوش‪ .‬بال ستعمار " القت صادي "‬
‫وال ستعمار الف كري والرو حي‪ ..‬بإف ساد ا لخلق‪ ..‬ب تدمي اهتما مات ال شباب ا لادة‬
‫و تويلهم إ ل ف تات يت هافت حول ال سينما والتليفز يون‪ ،‬وأقا صيص ال نس ال موم‪،‬‬
‫ومبار يات ال مال وم عارض الز ياء‪ ،‬و سائر ما اب تدعته ال شياطي‪ ..‬ي ستهلك في ها طاقته‬
‫اليوية‪.‬‬

‫تن سلخون من دين كم ‪ -‬أي ها ال سلمون ‪ -‬نعطي كم من كل ال يات‪ :‬ن̂ونكم‬


‫ون ضركم‪ ،‬ونعطي كم قرو ضا وم شروعات وأدوات وآلت وإمكان يات‪ ..‬وت صرون ع لى‬
‫دينكم‪ ..‬فلن نسمح لكم بالياة!‬

‫تلك هي الرب السعورة الت يواجهها السلم‪ .‬حرب ل هوادة فيها ول هدانة‬
‫ول فتور‪ .‬حرب تشمل حركات البعث السلمي من اليط إل اليط‪ .‬حرب يصرح با‬
‫بعض الصرحاء أحيانا‪ š‬كما صرح با " بيدو " وزير خارجية فرنسا السابق‪ ،‬حي قال عن‬
‫حرب الزائر إنا حرب اللل والصليب ويب أن تضي إل غايتها‪ ..‬ويفيها آخرون‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والسلمون ف حاجة إل فترة طويلة من الهاد والهد لكي يستطيعوا أن يؤدوا‬
‫دورهم للبشرية‪.‬‬

‫ف حاجة أول إل تفهم دينهم‪ ..‬فإنم ل يفهمونه!‬

‫الهالة الطويلة الت رانت على قلوبم منذ عصر الركود‪ .‬وحرب التشويه الت‬
‫شنها البشرون والست شرقون والستعمرون الصليبيون‪ ،‬وتلمذتم من " أساتذة " اليل‪.‬‬
‫والفت نة با لذاهب الغرب ية ‪ -‬ذات ال سيادة ‪ -‬العاد ية ل لدين‪ .‬وال تأثر با قاله ا لوربيون ف‬
‫دينهم كما صورته لم الكنيسة‪ ،‬والظن بأنه ينطبق على كل مفهوم " الدين "‪ .‬ث موقف‬
‫الضعف السياسي والرب والقتصادي إزاء الغرب‪ ،‬الذي يشككهم ف كل قيمهم الذاتية‪،‬‬
‫ويسهل عليهم تصديق كل نقيصة ف أنفسهم وكل فضيلة ف القوياء التمكني!‬

‫هذه السباب كلها متمعة قد غشت على قلوب السلمي وأبصارهم فلم يعودوا‬
‫يعرفون حقيقة هذا الدين‪ .‬فصارت الهمة الول لم أن يعرفوه‪.‬‬

‫)‪(283‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫وهم ف حاجة ثانيا‪ š‬إل أن يعيشوه!‬

‫فالعرفة النظرية وحدها ل تكفي! ل تعطي الطعم القيقي لشيء من الشياء! إنا‬
‫يعرف النسان حقيقة الفكرة حي يعيشها بالفعل‪ ،‬ويتفاعل معها ف واقع الياة‪.‬‬

‫والسلم غريب اليوم على قلوب السلمي وضمائرهم غربته يوم بدأ‪ .‬أو أشد‬
‫غربة!‬

‫لقد كان غريبا‪ - š‬حقيقة ‪ -‬يوم بدأ‪ .‬ولكنه كان يواجه نفوسا ل تفسد فطرتا‬
‫كل الف ساد‪ .‬أو ل ت كن عمي قة ال غور ف الف ساد‪ .‬ف سرعان ما ا نابت الق شرة الفا سدة‬
‫وصفت النفوس للنور الق‪.‬‬

‫وال يوم يواجه ال سلم ‪ -‬في من يسمون " السلمي " ذاتم ‪ -‬نفوسا توغل فيها‬
‫الف ساد‪ :‬الف ساد الذي أ حدثه ال مود والن سار والتو قف‪ .‬والف ساد ال لوب من الغرب‪.‬‬
‫والتحلل اللقي والستمتاع الزائد عن الد‪ ،‬الذي يصرف الغرب عن الرجوع إل الدين‪.‬‬
‫ك ما يواجه م سلمي ت عودوا ‪ -‬ب كم ا لمر الوا قع تت توجيه ال ستعمار ال صليب ‪ -‬أن‬
‫يعيشوا بعيدا‪ š‬عن روح السلم وتشريع السلم‪ .‬وأن تكم حياتم كلها ‪ -‬ف الخلق‬
‫والسلوك والتفكي والتنفيذ ‪ -‬مفاهيم غي إسلمية‪.‬‬

‫لذلك فالغربة اليوم عن السلم أشد‪.‬‬

‫والسلمون ف حاجة ‪ -‬بعد أن يعرفوا السلم ‪ -‬أن يعيشوه ف واقع الياة‪.‬‬

‫ث هم ف حاجة ‪ -‬بعد أن يعيشوه بالفعل ‪ -‬أن ين مˆوا الفقه السلمي ليواكب‬


‫الياة الاضرة ف القرن العشرين ويكم كل جزئياتا‪.‬‬

‫و هو ج هد ضخم ما ف هذا شك‪ .‬ولك نه ل يس ال هد ا لول ول ا لخطر! إ نا‬


‫الهد الول والخطر هو أن يعرفوا السلم ويعيشوه! وبعد ذلك سيجيء النمو تلقائيا‬
‫وتدرييا‪ - š‬ف ظل الياة السلمية والفهوم السلمي ‪ -‬على يد الفقهاء التهدين‪.‬‬

‫وف أثناء ذلك كله هم ف حاجة إل التعرف على علم الغرب كله وأسباب قوته‬
‫الاد ية من تنظي مات و بوث و خبات‪ .‬حت ي ستعيدوا حا ستهم العلم ية ال صيلة ‪ -‬ا لت‬

‫)‪(284‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫فقدوها ف الجيال الخية ‪ -‬ويشاركوا مشاركة حية فعالة ‪ -‬على طريقتهم السلمية‬
‫النظيفة ‪ -‬ف تلك التنظيمات والبات والبحوث‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫كل ذلك يتاج إليه السلمون أول حت يؤدوا دورهم للبشرية‪.‬‬

‫وهو جهد ضخم شاق‪ ..‬ولكنه مع ذلك ضروري‪ .‬ضروري للمسلمي أنفسهم‬
‫لكي يعيشوا على مستوى " النسان " كما علمهم ال بالسلم‪ .‬النسان التنور التحضر‬
‫التوازن النظيف التطلع إل المام‪ .‬وضروري كذلك للبشرية لكي ترى النموذج الواقعي‬
‫ا لي للف كرة النظي فة ال سليمة‪ ،‬فتتبع ها ‪ -‬را ضية ‪ -‬لت خرج با من الظل مات إ ل ال نور‪،‬‬
‫وتتقي الدمار الذي ينذر بإفناء البشرية‪.‬‬

‫ولكن العداوات اليطة بالسلم لن تدع السلمي يقومون بذا الهد!‬

‫الرب الدائرة السعورة لن تدأ‪ .‬لن تفتر‪.‬‬

‫لن يدع أعداء السلم السلمي يفهمون دينهم أو يعيشونه‪.‬‬

‫إنه ل مانع لديهم من أن يبقى السلم ‪ -‬إذا شاء ‪ -‬صلوات ومشايخ ومساجد‬
‫للبكة!‬

‫ول مانع لديهم من " تطوير " الدين وتعديل مفاهيمه بإدخال الفاهيم الغربية ف‬
‫صلبه!‬

‫أما قيام متمع مسلم واع فاهم مثقف نام يفهم السلم ويعيشه بالفعل‪ ..‬فهذا‬
‫بالذات هو المر الرهوب الذي يرهبه أعداء السلم‪ ..‬والذي ينبغي أن يولوا دونه بكل‬
‫سبيل!‬

‫كل! لن يدع العداء الفرصة لنماء هذا الدين!‬

‫)‪(285‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫ول قد قاموا بالف عل بق تل ج يع المكان يات بالن سبة لق يام جا عة م سلمة ف هذا‬
‫اليل!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولكن البشر ليسوا هم الك¿مي ف دين ال!‬
‫)‪.(178‬‬
‫" و‪É‬الله» غ‪Ý‬ا¼لب‪ ä‬ع‪É‬ل‪Ý‬ى أ‪Ý‬م‪Ó‬ر¼ه¼ و‪É‬ل‪Ý‬ك¼ن‪ Ì‬أ‪á Ý‬كث‪Ý‬ر‪ É‬الن‪Ì‬اس¼ ل ي‪É‬ع‪Ó‬ل‪Ý‬م»ون‪!" Ý‬‬

‫ذات يوم ف التار يخ تو غل ال صليبيون ف الب حر ا لحر وقل بوا سفينة للح جاج‬
‫وقتلوا من فيها‪ ،‬ونزلوا ف جدة‪ ،‬وساروا بالفعل نو الرض القدسة بأقدامهم الدنسة‪.‬‬

‫لو أن إنسانا‪ š‬وقف يرصد التاريخ ف تلك اللحظة‪ ،‬مقطوع الصلة بالغيب الستور‪،‬‬
‫لقال إن السلم قد انتهى ولن تقوم له قائمة بعد اليوم‪ ..‬فليس بعد ذلك شيء‪..‬‬

‫ولك نا نع لم من التار يخ أن هذه الاد ثة با لذات هي ال سبب ف قو مة صلح‬


‫الدين‪ ..‬قاهر الصليبيي!‬

‫واليوم ينق الصهيونيون والصليبيون السلم ف كل الرض‪..‬‬

‫ث‪ ..‬ث ينت شر ال سلم ف أفريق يا ب صورة تز عج أع صاب الب شرين وا لدول ا لت‬
‫تبعث البشرين!‬

‫وينتشر السلم ف زنوج أمريكا الضطهدين‪ ..‬ف داخل السجون الت تضطهدهم‬
‫وتشردهم!‬

‫تلك إشارة إل الستقبل!‬

‫وهي إشارة موحية للجيال القادمة من السلمي!‬

‫‪ ()178‬سورة يوسف ]‪.[21‬‬

‫)‪(286‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫" و‪É‬الله» غ‪Ý‬ا¼لب‪ ä‬ع‪É‬ل‪Ý‬ى أ‪Ý‬م‪Ó‬ر¼ه¼ و‪É‬ل‪Ý‬ك¼ن‪ Ì‬أ‪á Ý‬كث‪Ý‬ر‪ É‬الن‪Ì‬اس¼ ل ي‪É‬ع‪Ó‬ل‪Ý‬م»ون‪!" Ý‬‬

‫صدق ال العظيم‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫***‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.net‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬
‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬

‫الفهرس'‬
‫مقدمة‬ ‫‪-‬‬
‫عصر التطور‬ ‫‪-‬‬
‫اليهود الثلثة‪ :‬ماركس ‪ /‬وفرويد ‪ /‬ودركاي‬ ‫‪-‬‬
‫شهادة التاريخ‬ ‫‪-‬‬
‫الثابت والتطور ف كيان النسان‬ ‫‪-‬‬
‫شهادة القرن العشرين‬ ‫‪-‬‬
‫السلم وحياة البشرية‬ ‫‪-‬‬
‫السلم والرجعيات‬ ‫‪-‬‬
‫نن والغرب‬ ‫‪-‬‬
‫انرافنا وانرافهم‬ ‫‪-‬‬
‫مستقبل البشرية‬ ‫‪-‬‬
‫دور السلمي‬ ‫‪-‬‬

‫)‪(287‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫هذه دعوتنا‬
‫‪ -‬دعوة ال الجرة إل ال بتجريد التوحيد‪ ،‬والباءة من الشرك والتنديد‪ ،‬والجرة‬
‫إل رسوله صلى ال عليه وسلم بتجريد التابعة له‪.‬‬

‫‪ -‬د عوة إ ل إظ هار التوح يد‪ ،‬بإعلن أو ثق عرى ال يان‪ ،‬وال صدع ب لة الليل ي‬
‫م مˆد وإبراهيم عليهما السلم‪ ،‬وإظهار موالة التوحيد وأهله‪ ،‬وإبداء الباءة من الشرك‬
‫وأهله‪.‬‬

‫‪ -‬د عوة إ ل تق يق التوح يد ب هاد ال طواغيت كل ال طواغيت بالل سان وال سنان‪،‬‬
‫لخراج العباد من عبادة العباد إل عبادة رب العباد‪ ،‬ومن جور الناهج والقواني والديان‬
‫إل عدل ونور السلم‪.‬‬

‫)‪(288‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫التطور والثبات ف حياة البشرية‬

‫‪ -‬د عوة إ ل ط لب الع لم ال شرعي من معي نه ال صاف‪ ،‬وك سر صنم̂ية عل ماء‬


‫الكومات‪ ،‬بنبذ تقليد الحبار والرهبان الذين أفسدوا الدين‪ ،‬ول̂بسوا على السلمي‪...‬‬

‫وأحبار سوء ورهبانا‬ ‫وهل أفسد الدين إل اللوك‬

‫‪ -‬د عوة إ ل الب صية ف الوا قع‪ ،‬وإ ل ا ستبانة سبيل الرم ي‪ ،‬كل الرم ي ع لى‬
‫اختلف مللهم ونلهم‪} ،‬قل هذه سبيلي أدعو إل ال على بصية أنا ومن اتبعن وسبحان‬
‫ال وما أنا من الشركي{‪.‬‬

‫‪ -‬دعوة إل العداد الاد على كافة الصعدة للجهاد ف سبيل ال‪ ،‬والسعي ف‬
‫قتال الطواغيت وأنصارهم‪ ،‬واليهود وأحلفهم‪ ،‬لتحرير السلمي وديارهم من قيد أسرهم‬
‫واحتللم‪.‬‬

‫‪ -‬ودعوة إل اللحاق بركب الطائفة الظاهرة القائمة بدين ال‪ ،‬الذين ل يضرهم‬
‫من خالفهم ول من خذلم حت يأت أمر ال‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫* * *‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.net‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬
‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬

‫موقعنا على الشبكة‬


‫)‪(289‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.com‬‬
‫منب التوحيد والهاد‬
‫‪www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬ ‫‪www.almaqdese.com‬‬
‫‪www.alsunnah.info‬‬
‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬ ‫‪www.abu-qatada.com‬‬

You might also like