You are on page 1of 263

‫بسم ال الرحن الرحيم‬

‫رؤية إسلمية‬
‫لحوال العال العاصر‬
‫تأليف‬
‫الستاذ ممد قطب‬

‫بسم ال الرحن الرحيم؛ )ق‪#‬د‪ 4‬خ‪%‬ل‪#‬ت‪ 4‬م)ن‪ 4‬ق‪#‬ب‪4‬ل)ك‪/‬م‪ 4‬س‪-‬ن‪%‬ن= ف‪#‬س)ي‪-‬وا ف)ي ال‪.‬أ‪#‬ر‪4‬ض) ف‪#‬ان‪4‬ظ‪/‬ر‪-‬وا ك‪#‬ي‪4‬ف‪ %‬ك‪#‬ان‪ #‬ع‪%‬اق)ب‪%‬ة‪ /‬ا‪.‬لم‪-‬ك‪#‬ذ‪)+‬بي‪ ،%‬ه‪%‬ذ‪#‬ا‬
‫‪%‬بي‪%‬ان‪ I‬ل)لن‪H‬اس) و‪%‬ه‪-‬دى‪ J‬و‪%‬م‪%‬و‪4‬ع)ظ‪#‬ة‪) I‬لل‪.‬م‪-‬ت‪H‬ق)ي( سورة آل عمران‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬

‫***‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.com‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬
‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬
‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫مقدمة‬
‫كيف يرى السلم أحوال العال العاصر؟‬
‫هل له ر‪-‬ؤ‪ 5‬ية خا صة به؟ أم إ نه يت ناول ا لمور ك ما ‪-‬ت قد*م له من خلل و سائل‬
‫العلم العالية؟‬

‫وما موقفه منها؟ أهو موقف الشارك‪ ،‬أم موقف التفرج؟‬

‫وإذا شارك فمن أي‪ A‬منطلق؟ وإذا تفر‪A‬ج فبعي من يتفرج؟‬

‫تلك أسئلة ينبغي أن نسألا أنفسنا‪ ،‬وأن تكون لدينا إجابة واضحة عنها‪ .‬فالعال‬
‫اليوم م‪-‬تشابك‪ ،Y‬نعم‪ ،‬وي‪-‬عب*ر عنه أحيان‪X‬ا بأنه أصبح كالقرية الصغية بفعل وسائل التصال‬
‫الدي ثة‪ ،‬ول كن ال ن‪A‬اس ‪ -‬ح ت‪A‬ى ف القر ية ال صغية ‪ -‬لي سوا م شربا‪ W‬وا حدا‪ ،W‬ول موق فا‬
‫واحدا‪ ،X‬ول لم رؤية واحدة تاه جيع المور‪:‬‬

‫) ‪%‬و ل‪#‬و‪ 4‬ش‪%‬ا̀ء ر‪_%‬ب ك‪# %‬لج‪%‬ع‪ %‬ل‪ #‬الن‪H‬ا س‪ %‬أ‪ /‬م‪H‬ة‪ W‬و‪%‬ا ح)د‪%‬ة‪ W‬و‪%‬ل ي‪%‬ز‪%‬ا ل‪/‬ون‪ #‬م‪-‬خ‪4‬ت‪%‬ل)ف) ي‪) ،%‬إل‪X‬ا م‪ %‬ن‪ 4‬ر‪%‬ح)م‬
‫ر‪%‬ب_ ك‪ %‬و‪ %‬ل)ذ‪)#‬لك‪ %‬خ‪%‬ل‪#‬ق‪#‬ه‪-‬م(‪ ] .‬سورة هود‪ ،‬الي تان ‪ .[119 ،118‬والك تل الت صارعة ‪ -‬ف‬
‫العال الواسع أو ف القرية الصغية ‪ -‬لكل‪ m‬منها موقفها الاص‪ ،A‬ورؤيتها الاص‪A‬ة لا يري‬
‫ف الرض من أحداث‪.(1) .‬‬

‫والسلمون ‪ -‬كما وصفهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬أمة من دون الن‪A‬اس‬
‫" )‪.(2‬‬

‫فهل هم اليوم كذلك حق‪c‬ا؟‬

‫‪ ()1‬أكتب هذا وقد انار العسكر الشيوعي‪ ،‬وحدث تقارب ملحوظ بي روسيا وأمريكا‪ ،‬ولكن هذا ل‬
‫ينفي وجود الكتل العالية التصارعة‪.‬‬
‫‪ ()2‬من وثيقة الوادعة بي السلمي واليهود ف أول العهد بالدينة‪ .‬رواه ابن اسحاق‪.‬‬

‫)‪(2‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫هل لم ر‪-‬ؤ‪5‬يتهم الاص‪A‬ة وموقفهم الاص ‪ -‬على القل كما لك ل‪ m‬أمة من المم‬
‫ا لخرى ر‪-‬ؤ‪5‬يت ها وموقف ها ‪ -‬أم إ نم أ شياع‪ Y‬متفر قون‪ ،‬وأت باع إ ما لذه ال قوة أو ت لك‪،‬‬
‫ينظرون بالنظار الذي يقد‪A‬مه لم سادتم‪ ،‬ويرون المور من خلله ‪ -‬أي كما ي‪-‬راد لم أن‬
‫‪%‬ير‪%‬و‪ 4‬ها ‪ -‬وي شتجرون في ما بين هم‪ ،‬ل ب سبب الر‪A‬ؤ ية الا صة لك ل‪ m‬من هم‪ ،‬ول كن ب سبب‬
‫اختلف الرؤية من خلل النظار الذي ي‪-‬قد‪A‬م لكل منهم!‬

‫والنتيجة‪..‬؟ ضياع‪!..‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ال سلمون أ م‪m‬ة من دون ال ناس‪ ،‬ك ما أراد لم خالقهم ومرج هم إ ل الو جود‪،‬‬
‫وكما وصفهم رسوله صلى ال عليه وسلم‪ .‬وليس المر مر‪A‬د اختل ف‡ للختلف‪ ،‬ول‬
‫هو كذلك اختلف‪ Y‬ف الش‪A‬كل أو ف الوجهة مع كونه على الستوى ذاته مع الخرين‪ .‬إنا‬
‫هو اختلف له منشؤ‪-‬ه الاص‪ ،‬ومستواه الاص‪ ،‬وله هدفه الاص كذلك‪.‬‬

‫فأما من حيث النشأ‪:‬‬

‫)ق‪/‬ل‪) .‬إن‪H‬ن)ي ه‪%‬د‪%‬ان)ي ر‪%‬ب‪s‬ي )إل‪#‬ى ص)ر‪%‬اط‪ p‬م‪-‬س‪4‬ت‪%‬ق)يم‪ p‬د)ينا‪ W‬ق)ي‪%‬ما‪ W‬م)ل‪X‬ة‪) #‬إب‪4‬ر‪%‬اه)يم‪ %‬ح‪%‬ن)يفا‪ W‬و‪%‬م‪%‬ا ك‪#‬ان‬
‫م)ن‪ %‬ا‪.‬لم‪-‬ش‪4‬ر)ك)ي(‪] .‬سورة النعام‪ ،‬الية‪.[161 :‬‬

‫)ق‪ /‬ل‪) .‬إ ن‪s‬ي ‪-‬نه)ي ت‪# -‬أ ن‪ .‬أ‪#‬ع‪ 4‬ب‪-‬د‪ %‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ت‪%‬د‪4‬ع‪-‬ون‪ #‬م) ن‪ 4‬د‪-‬و ن) الل‪ X‬ه) ق‪ /‬ل‪ .‬ل ‪#‬أت‪H‬ب) ع‪# -‬أ ه‪4‬و‪%‬ا̀ءك‪/‬م‪ 4‬ق‪#‬د‬
‫ضل‪#‬ل‪.‬ت‪ -‬إ)ذا‪ W‬و‪%‬م‪%‬ا ‪#‬أن‪%‬ا م)ن‪ %‬ا‪.‬لم‪-‬ه‪4‬ت‪%‬د)ين(‪] .‬سورة النعام‪ ،‬الية‪.[56 :‬‬ ‫‪%‬‬

‫)ق‪ /‬ل) الل‪ X‬ه‪ %‬أ‪#‬ع‪ 4‬ب‪-‬د‪ -‬م‪-‬خ‪4‬ل)صا‪# W‬ل ه‪ -‬د)ي ن)ي‪ ،‬ف‪#‬اع‪ 4‬ب‪-‬د‪-‬وا م‪%‬ا ش)ئ‪.‬ت‪-‬م‪ 4‬م) ن‪ 4‬د‪-‬ون) ه)(‪ ] .‬سورة الزمر‪،‬‬
‫اليتان ‪.[15 ،14‬‬

‫وأما من حيث الستوى‪:‬‬

‫) ‪/‬كن‪4‬ت‪ -‬م‪ 4‬خ‪ %‬ي‪4‬ر‪ %‬أ‪ /‬م‪H‬ة‪ p‬أ‪/‬خ‪4‬ر)ج‪ %‬ت‪ 4‬ل)لن‪H‬ا س) ت‪%‬أ‪.‬م‪-‬ر‪-‬ون‪ #‬ب)ال‪.‬م‪%‬ع‪4‬ر‪-‬وف) و‪%‬ت‪%‬ن‪ 4‬ه‪%‬و‪4‬ن‪ #‬ع‪ %‬ن) ا‪.‬لم‪-‬ن‪ 4‬ك‪#‬ر‬
‫و‪-%‬تؤ‪4‬م)ن‪-‬ون‪ #‬ب)الل‪X‬ه(‪] .‬آل عمران‪ ،‬الية‪.[110 :‬‬

‫)‪(3‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وأما من حيث الدف‪:‬‬

‫) ‪%‬و ك‪#‬ذ‪#‬ل)ك‪% %‬جع‪%‬ل‪ .‬ن‪%‬اك‪/‬م‪ 4‬أ‪ /‬م‪H‬ة‪ W‬و‪ %‬س‪%‬طا‪) W‬لت‪%‬ك‪/‬و ن‪-‬وا ش‪-‬ه‪%‬د‪%‬ا̀ء ع‪ %‬ل‪#‬ى الن‪H‬ا س) ‪%‬وي‪ %‬ك‪/‬ون‪ #‬الر‪ H‬س‪-‬ول‬
‫ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬ش‪%‬ه)يدا(‪] .‬البقرة‪ ،‬الية‪.[143 :‬‬

‫ومقتضى كونم أمة متميزة من دون الناس أن تكون لم رؤ‪4‬يتهم الاصة لا يري‬
‫من أحداث ف الرض‪ ،‬وموقفهم الاص‪ ،‬فعلى أي أساس يكون موقفهم‪ ،‬ومن أي زاوية‬
‫تكون رؤيتهم؟‬

‫إذا انطلقوا من النطلق " القومي " ‪ -‬كما يظ ن‪ A‬بعض الناس أ ن‪ m‬هذا هو النطلق‬
‫الذي ييز الناس ف الرض بعضهم من بعض‪ ،‬وي‪-‬حد‪A‬د لم موقفهم ورؤيتهم ‪ -‬فقد ضل‪€‬وا‬
‫الطريق من أول خ‪-‬طوة‪ ،‬ودخلوا ف التاهة الت أدخلهم فيها الذين كانوا يوجهونم ‪ -‬ول‬
‫يزا لون ‪ -‬ليفر‪ A‬ق”وا و حدتم السيا سية من ج هة‪ ،‬وليمي عوا شخ صيتهم التم يزة من ج هة‬
‫أ خرى‪ ،‬ا لت من ها ا تذوا و جودهم ا لاص‪ ،‬و هي كونم " م سلمي "‪ " ..‬أ مة من دون‬
‫الناس "‪.‬‬

‫وإذا انطل قوا من النط لق " ال يديولوجي " ‪ -‬ك ما ي سمونه ‪ -‬إ ما " ل يباليي "‪،‬‬
‫وإ ما " ا شتراكيي " أو " مارك سيي "‪ ،‬ف قد دخ لوا ف التا هة كذلك‪ ،‬و ج–ر–و‪5‬ا مغم ضي‬
‫العي وراء الذي –يج‪-‬ر‪A‬ونم إل هذا التاه أو ذاك‪ ،‬فإن أرادوا أن " ينظروا " قدم لم كل‬
‫اتاه منظاره‪ ،‬وقال لم كما قال فرعون من قبل‪) :‬م‪%‬ا أ‪/‬ر)يك‪/‬م‪) 4‬إل‪X‬ا م‪%‬ا ‪#‬أر‪%‬ى و‪%‬م‪%‬ا أ‪#‬ه‪4‬د)يك‪/‬م‪ 4‬إ)ل‪X‬ا‬
‫س‪%‬ب)يل‪ #‬الر‪H‬ش‪%‬اد( ]غافر‪ ،‬الية‪.[29 :‬‬

‫إنا منطلق السلمي يدده كونم " مسلمي "‪ ..‬أي أ ‪€‬ن منطلقهم هو السلم‪.‬‬

‫والسلم عقيدة‪ ،‬وشعية‪ ،‬وشريعة‪ ،‬ونظام سياسي واقتصادي واجتماعي‪ ،‬ورؤية‬


‫خاصة للكون والياة والنسان‪ ،‬ورؤية خاصة كذلك لا يدث من أحداث ف الرض‪،‬‬
‫وتفسي خاص للتاريخ )‪.(3‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪ ()3‬راجع إن شئت كتاب " حول التفسي السلمي للتاريخ "‪.‬‬

‫)‪(4‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وقد يعيش الفرد العادي ف كل أمة ‪ -‬ذلك الذي يسمونه " رجل الشارع! "‬
‫بغي وعي ول فهم لا يدور حوله من أحداث‪ ،‬لنه يتناول الياة ج‪-‬زئية جزئية بغي ترابط‪،‬‬
‫ولنه مشغول بأمور حياته اليومية أو أمور شهواته‪ ،‬ولنه ل صب له على تليل الحداث‬
‫وتعمقها‪ ،‬فهو يتناول المور جاهزة من وسائل إعلمه‪ ،‬كما يتناول وجبة الطعام الاهزة‬
‫من ال سوق‪ ،‬أو ك ما يت ناول ح ب‪A‬ة " الفيتامي نات " ا لاهزة ا لت أ عدها له الخ صائيون ف‬
‫الدواء!‬

‫ولكن مفكري المم وكتابا فضل‪ X‬عن قادتا وأول المر فيها ل يعيشون بذا‬
‫التبعثر وهذه السطحية وإل هلكوا وأهلكوا أمهم! إنا هم ي‪-‬فك‪m‬رون‪ ،‬وي‪-‬حل‪m‬لون‪ ،‬وي–قيسون‬
‫وي‪-‬ر ‪A‬ج حون‪ ،‬ويكو‪ A‬نون ف النها ية رؤيتهم الاصة و موقفهم ا لاص‪ ،‬ال نابع ف النها ية من‬
‫أفكارهم الرئيسية ومعتقداتم‪.‬‬

‫و قد ‪-‬ي قال ‪ -‬ف عج لة سطحية ‪ -‬إن ا لذي ي‪-‬حر‪A‬ك هم‪ ،‬أو ي‪ -‬حدد لم رؤيت هم‬
‫وموقفهم‪ ،‬هو " مصالهم "‪.‬‬

‫و كونم ي سعون إ ل تق يق م صالهم هذا وا قع ل سبيل إ ل ال ش‪A‬ك‪ A‬ف يه‪ .‬ول كن‬
‫كيف يتم تكييفهم وتديدهم لصالهم؟ ما " الصلحة " ف عرفهم؟ ما حدودها‪ ،‬وما‬
‫مواصفاتا‪ ،‬وما الوسائل الؤدية إل تقيقها؟‬

‫إ نا ف النها ية ن ظرة " عقائد ي‪m‬ة " أراد الن سان أم ل يرد! ن ظرة م ستمد‪A‬ة من‬
‫معتقدات النسان وتصوراته‪ ..‬من طريقة نظرته للكون والياة والنسان‪ ..‬من إجابته على‬
‫هذا السؤال الوهري‪ :‬ما النسان؟ ما تكوينه؟ ما حدود طاقاته؟ ما غاية وجوده؟ ما‬
‫الوسائل الت يستخدمها لتحقيق غاية وجوده‪ ..‬بعبارة أخرى‪ :‬ما منهج حياته؟‬

‫ومن ث نرجع إل نقطة البدء‪ :‬إن كل‪ €‬أمة لا ‪ -‬بداهة ‪ -‬معيارها الذي تقو‪m‬م به‬
‫أحوال العال العاصر!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(5‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وللم سلمي رؤيت هم الا صة ‪ -‬أو يب أن ت كون لم رؤيت هم الا صة ‪-‬‬


‫لحوال ال عال العا صر‪ ،‬الرؤ ية الناب عة من معت قداتم وت صوراتم وقيم هم‪ ،‬ونظر تم‬
‫للكون والياة والنسان‪ ،‬وإدراكهم لغاية وجودهم الاصة‪ ،‬ومهمتهم ف الرض‪ ..‬أي‬
‫إدراكهم أنم " مسلمون "‪.‬‬

‫ولقد ناقشت ف كتاب سابق )‪ (4‬الش‪¥‬ب–ه– الت ت‪-‬ثار حي ي‪-‬د‪5‬ع–ى السلمون لكي ي–ر–و‪5‬ا‬
‫رؤيتهم الاصة‪ ،‬ويقفوا مواقفهم الاصة‪ ،‬والتهم الت توجه إليهم‪ :‬تمة الرجعية وتمة‬
‫التعصب‪ ،‬وتمة اتاذ " عملة خاصة "‪ ،‬غي العملة التداولة الن ف الرض‪ ..‬وقلت إنا‬
‫كلها كلم ل وزن له‪ .‬فأوربا لا " عملتها " الاصة‪ ،‬وتريد أن تفرضها علينا بدعوى أنا‬
‫هي العم لة " العال ية "! فإذا نن أرد نا أن ن ستخدم عملت نا الا صة ‪ -‬ع لى ال قل ك ما‬
‫ي ستخدمون هم عملت هم ‪ -‬ق يل ل نا إن كم متع صبون‪ ..‬ورد‪A‬د ها وراء هم أت باعهم من "‬
‫السلمي "! وزادوا على ذلك قصة العال الذي أصبح كالقرية الصغية‪ ،‬ل يتمل التميز‬
‫ول الختلف! بينما القرية ‪ -‬أمامهم ‪ -‬تعج باللف!!!‬

‫وما أريد هنا أن أكرر ما قلته هناك ف ذلك الكتاب‪.‬‬

‫إنا أقول فقط إن الرؤ‪5‬ية السلمية لحوال العال العاصر ليست هوى© خاص¨ا‪ ،‬ول‬
‫مزاج‪X‬ا شخ ص̈يا‪ ،‬ول تعصبا‪ X‬لي معن من العان " الرضية " الت يتعصب لا الناس ف‬
‫الاهلية‪:‬‬

‫" ليس من‪m‬ا من دعا إل عصبية‪ ،‬وليس من‪m‬ا من قاتل على عصبية‪ ،‬وليس من‪m‬ا من‬
‫مات على عصبية " )‪.(5‬‬

‫إ نا هي ماو لة للت عرف ع لى " ال سنن الربان ية " ا لت ت كم وا قع ال عال ال يوم‪،‬‬


‫وماولة لتفسي الحداث الارية على ضوء تلك السنن الربانية‪ ،‬للتعرف على مغزى تلك‬
‫الحداث من جهة‪ ،‬وما يكن أن تئول إليه من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪ ()4‬كتاب " حول التفسي السلمي للتاريخ "‪.‬‬


‫‪ ()5‬رواه أبو داود‪.‬‬

‫)‪(6‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫و من ث ف هي درا سة " مو ضوعية " ب تة‪ " ،‬علم ية " ب تة‪ ..‬ول كن بال قاييس‬
‫الصحيحة للعلمية وللموضوعية‪ ،‬الستمدة من كتاب ال‪ ،‬ومن سنة رسوله صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ل من أهواء البشر وشهواتم‪.‬‬

‫والستمداد من كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ف تفسي أحوال‬
‫العال العاصر‪ ،‬هو ‪ -‬كما قلت ف كتاب السابق " حول التفسي السلمي للتاريخ " ‪-‬‬
‫اجت هاد ب شري‪ ،‬ي كن أن ي‪-‬خ طئ وأن ‪-‬ي صيب‪ ،‬كاجت هاد الفق يه ف ا ستنباط الح كام من‬
‫ك تاب ا ل و سنة ر سوله صلى ا ل عل يه و سلم‪ ..‬ولك نه ي ظل أ كثر ان ضباطا وأ قرب إ ل‬
‫الصواب من التفسي الذي يستند فقط إل الهواء‪:‬‬

‫) ‪%‬و ل‪#‬و) ات‪H‬ب‪ %‬ع‪ %‬ا‪.‬لح‪ %‬ق_ ‪#‬أ ه‪4‬و‪%‬ا̀ءه‪-‬م‪ 4‬ل‪#‬ف‪ #‬س‪%‬د‪%‬ت) ال س‪H‬م‪%‬او‪%‬ات‪ -‬و‪%‬ال‪.‬أ‪#‬ر‪ 4‬ض‪ -‬و‪%‬م‪ %‬ن‪ 4‬ف)يه) ن‪ ] .(H‬سورة‬
‫الؤمنون‪ ،‬الية‪.[71 :‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫نظرة سريعة إل أحوال العال العاصر تبي ثلثة خطوط عريضة رئيسية‪:‬‬

‫الط الول‪ :‬هو تك‪m‬ن أوربا ف الرض‪ ،‬وسيطرتا على العال‪ ،‬سواء غرب أوربا‬
‫بامتداده الذي يشمل أمريكا‪ ،‬أم شرق أوربا الذي يشمل روسيا وملحقاتا‪.‬‬

‫والط الثان‪ :‬هو السيطرة العالية لليهود‪ ،‬الت تتد فتشمل معظم دول الرض ‪-‬‬
‫الغربية والشرقية ‪ -‬وتوجهها لتحقيق مصال اليهود وأهدافهم ومططاتم‪.‬‬

‫والط الثالث‪ :‬هو الضعف الزري الذي يعيشه السلمون ف الرض‪ ،‬وسيطرة‬
‫العداء على بلدهم‪ ،‬سواء كانت سيطرة عسكرية أو سياسية أو اقتصادية أو فكرية‪ ،‬أو‬
‫مزيا‪ W‬من ذلك كل‪€‬ه‪ ،‬وهوان السلمي على أنفسهم وعلى الناس‪ ،‬وضياعهم وتشتتهم وقلة‬
‫حيلتهم ف العركة الضارية الت يعيشها الناس اليوم ف الرض‪.‬‬

‫هذا الواقع اللموس له أسبابه ول شك‪ ،m‬وله نتائجه كذلك‪.‬‬

‫)‪(7‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ودرستنا ف هذا الكتاب الوجز معني‪A‬ة أساسا‪ X‬بدراسة السباب الت أدت إل هذا‬
‫الواقع من خلل ال س_نن الرب‪m‬انية الت بينها ال ف كتابه النل وف سنة رسوله صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬لستخلص حقيقة أولية مهمة هي كون هذا الواقع ‪ -‬بكل‪ €‬حذافيه ‪ -‬هو‬
‫التحق يق ا لدقيق لت لك ال سنن الرب‪H‬ان ية‪ ،‬ولو عد ا ل ووع يده ؛ ث ا ستخلص ال عبة من‬
‫ذلك‪ ،‬وهي وجوب الرجوع إل تلك الس‪m‬نن إذا رغبنا ف تغيي واقعنا السيئ الذي نعيشه‬
‫اليوم إل واقع أفضل‪ .‬فالتغيي كذلك له سننه الرب*انية الت يري بقتضاها‪ ،‬والت ل بد من‬
‫التعرف عليها إن أردنا الستفادة منها‪.‬‬

‫كما تدف هذه الدراسة كذلك ‪ -‬إل جانب ماولة رؤ‪4‬ية الواقع العاصر على‬
‫ضوء الس‪A‬نن الربانية ‪ -‬إل إلقاء نظرة على الستقبل‪ ،‬وما يتوقع من أحواله‪ ،‬انطلقا‪ X‬من‬
‫الحوال الاضرة وترتيبا‪ X‬عليها‪.‬‬

‫ولن تكون هذه الاولة رجا‪ X‬بالغيب‪ ،‬فالغيب ل يعلمه إل ال‪:‬‬

‫)ق‪ /‬ل‪ .‬ل ‪%‬يع‪4‬ل‪ #‬م‪ -‬م‪ %‬ن‪ 4‬ف)ي ال س‪H‬م‪%‬او‪%‬ات) و‪%‬ال‪.‬أ‪#‬ر‪ 4‬ض) ا‪.‬لغ‪4 %‬ي ب‪) %‬إل‪X‬ا الل‪ X‬ه‪] .(-‬سورة النمل‪ ،‬الية‬
‫‪.[65‬‬

‫ولكن تكون تتبعا‪ X‬للسنن الرب‪A‬انية‪ ،‬ولوعد ال ووعيده‪ ،‬وماولة لقراءة الستقبل‬
‫على ذلك الضوء‪.‬‬

‫ولئن كانت رؤ‪5‬ية الاضر تشتمل أساسا‪ X‬على تقوي مواقع الق”وى العالية الثلث‬
‫العاملة فيه‪ ،‬وهي اليهود والنصارى والسلمون‪ ،‬وتقدير مواقفهم‪ ،‬فقراءة الستقبل كذلك‬
‫هي ماولة للتعرف على الواقع التوقعة لتلك القوى الثلث ومواقفها ف الستقبل القريب‬
‫والستقبل البعيد )‪ - (6‬على ضوء السنن الربانية كما أسلفنا‪ ،‬وعلى ضوء وعد ال ووعيده‬
‫‪ -‬مع ا لتركيز ع لى ما يلق يه ذ لك من التب عات ع لى ال مة ال سلمية‪ ،‬وع لى ال صحوة‬
‫ال سلمية ب صفة خا صة‪ ،‬إن أرادت أن ت صل إ ل شيء‡ حقيق ي‪ ،A‬وأن ت‪-‬ح ق‪m‬ق ما ندبت‬
‫نفسها إليه من أهداف‪.‬‬

‫‪ ()6‬الواقع أن القوى العالية – كما أشار إليها القرآن الكري – أربع‪ :‬اليهود والنصارى والشركون من‬
‫غ ي أ هل الك تاب وال سلمون‪ .‬ولك نا اكتفي نا ف درا سة الوا قع العا صر بالقوى الثلث ذوات اله ية‬
‫الا صة‪ ،‬ع لى أساس أن ال شركي ف ا لرض ال يوم خا ضعون ف القي قة ل حدى ال قوتي‪ :‬الي هود أو‬
‫النصارى أو كلتيهما معا‪.‬‬

‫)‪(8‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وف ظن‪m‬ي أن التوعية بأحوال العال العاصر‪ ،‬وما يتوقع أن تئ‪/‬ول إليه المور ف‬
‫الستقبل‪ ،‬هي مسألة من صميم اهتمامات الدعوة‪ ،‬وواجب من الواجبات الهمة اللقاة‬
‫على عاتق الدعاة الذين ندب‪-‬وا أنفسهم ليقاظ هذه المة وإرشادها إل السبيل الؤدية‬
‫إل النصر بعون ال وتوفيقه‪.‬‬

‫وف ختام هذه القدمة أوجه كلمة إل القارئ‪:‬‬

‫إن القارئ التتبع لكتب السابقة‪ ،‬وباصة الخية منها‪ " :‬مذاهب فكرية معاصرة‬
‫" و " واقع نا العا صر " و " م فاهيم ينب غي أن ‪-‬ت صح‪m‬ح " و " حول التف سي ال سلمي‬
‫للتاريخ "‪ ،‬قد يس‪ A‬أنه ل ي‪-‬وجد ف كتاب اليوم " معلومات " جديدة يضيفها إل ما سبق‬
‫أن قرأه ف تلك الكتب‪ ..‬ولكن الديد فيه ‪ -‬مع ذلك ‪ -‬هو ماولة تميع اليوط لرسم‬
‫صورة متكاملة للواقع الذي يعيشه العال اليوم‪ ،‬وموقع السلمي منه‪ ،‬وكذلك ماولة‬
‫رسم صورة لا ي‪-‬توق‪€‬ع أن تئول إليه المور ف الستقبل‪.‬‬

‫وف ظن‪A‬ي أن هذا أمر يستحق أن ي‪-‬فرد بالبحث‪ ،‬وأن ت‪-‬وج‪A‬ه إليه النظار‪ ،‬حت وإن‬
‫كانت مفردا ته مت ناثرة ف ع شرات الك تب من ق بل‪ .‬فل يس ال هم ه نا هو " العلو مات "‬
‫ب قدر ما هو " الدل لة " ال ستخرجة من العلو مات‪ ،‬وا لت ي‪-‬ر جى من درا ستها اكت ساب‬
‫البصية اللزمة ف حركة الد‪A‬عوة‪ ،‬والت أشارت إليها الية الكرية‪:‬‬

‫)ق‪/‬ل‪ .‬ه‪%‬ذ) )ه س‪%‬ب)يل)ي ‪#‬أد‪4‬ع‪-‬و )إل‪#‬ى الل‪X‬ه) ع‪%‬ل‪#‬ى ب‪%‬ص)ي‪%‬ة‪# p‬أن‪%‬ا و‪%‬م‪%‬ن) ا‪H‬تب‪%‬ع‪%‬ن)ي و‪%‬س‪-‬ب‪4‬ح‪%‬ان‪ #‬الل‪X‬ه) و‪%‬م‪%‬ا ‪#‬أن‪%‬ا‬
‫م)ن‪ %‬ا‪.‬لم‪-‬ش‪4‬ر)ك)ي( ]سورة يوسف‪ ،‬الية‪.[108 :‬‬

‫وف الية إشارة واضحة إل أن البصية مطلوبة ف الد‪A‬عوة لذا الد‪A‬ين‪ ،‬كاليان‬
‫سواء بسواء‪ ،‬وأن على أتباع ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أن يتلم‪A‬سوا تلك البصية ليس‪-‬وا‬
‫على هداها خطواتم‪ ،‬ث يرجوا من ال السداد‪.‬‬

‫وبعد‪ ،‬فما اهتديت إليه من صواب ف هذه الدراسة فهو من توفيق ال‪ ،‬وما قعد‬
‫به العجز البشري فهو مردود إليه‪..‬‬

‫" و‪%‬م‪%‬ا ت‪%‬و‪4‬ف)يق)ي إ)ل‪X‬ا ب)الل‪X‬ه) ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه) ت‪%‬و‪%‬ك‪X‬ل‪.‬ت‪ -‬و‪%‬إ)‪#‬لي‪4‬ه) ‪/‬أن)يب‪." -‬‬

‫)‪(9‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ممد قطب‬

‫)‪(10‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫الاهلية العاصرة‬
‫أول‪ :‬تهيد ف معن الاهلية‬
‫يستنكر كثي‪ Y‬من الناس أن نصف الوضاع السائدة ف معظم أرجاء الرض اليوم‬
‫بأ نا " جاهل ية "‪ ،‬وي سب‪-‬ون ذ لك تزا يدا‪ X‬ل يل يق‪ ،‬وو صفا‪ X‬خاطئا‪ ،X‬ل يتنا سب مع وا قع‬
‫الال‪.‬‬

‫والسبب ف ذلك أنم يفهمون من الاهلية صورة معينة‪ ،‬يرونا غي منطبقة على‬
‫الواقع اليوم‪ ..‬فيبنغي أول‪ X‬أن نفهم حقيقة الاهلية‪ ،‬لنرى مدة انطباقها على هذا الواقع أو‬
‫ب‪-‬عدها عنه‪.‬‬

‫ولنع لم ‪ -‬بادئ ذي بدء‡ ‪ -‬أن ل فظ " الاهل ية " م صطلح قرآ ن‪ .‬و هذه الصيغة‬
‫بالذات ‪ -‬صيغة " الفاعلية " ‪ -‬ل ترد ف استعمال الرب قبل نزول القرآن الكري‪ .‬فقد‬
‫ا ستخدموا الف عل " ج‪%‬ه) ل‪ ،" #‬وت صريفاته الختل فة‪ ،‬وا ستخدموا ال صدر‪ " :‬ال هل " و "‬
‫الهالة "‪ ،‬ولكنهم ل يستخدموا صيغة " الفاعلية " )جاهلية(‪ ،‬ول هم وصفوا أنفسهم‬
‫ول غيهم بأنم " جاهليون "‪ .‬إنا جاء وصفهم بذه الصفة ف القرآن الكري‪ ،‬وف سنة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫والصطلح القرآن ‪ -‬كل مصطلح قرآن ‪ -‬هو استخدام خاص‪ À‬للفظ‡ من اللفاظ‪،‬‬
‫ي‪-‬خص صه بع ن م‪-‬ع ي‪A‬ن‪ ،‬ل ي‪-‬ف هم من الع ن الل غوي‪ A‬ع لى هذا الن حو ا لاص إل بتخ صيص‬
‫القرآن الكري له‪ ،‬وإن كان يدخل ‪ -‬بداهة ‪ -‬ف إطار العن العام‪..‬‬

‫فالصلة ف اللغة مثل‪ X‬هي الد‪m‬عاء‪ .‬والزكاة هي الط‪€‬هارة‪ .‬والد‪A‬ين هو ما يعتقده‬


‫النسان ويدين به‪ .‬واليان هو التصديق‪..‬‬

‫ول كن " ال صلة " ف ال صطلح القرآ ن‪ ،‬هي ت لك اليئة الا صة ا لت ي قف في ها‬
‫النسان بي يدي موله‪ ،‬مت‪A‬جها‪ X‬وجهة معينة‪ ،‬راكعا‪ X‬ساجدا‪ X‬قائما‪ X‬قاعدا‪ X‬داعي‪X‬ا مسب‪A‬حا‪ X‬كما‬
‫أمر ال‪ ،‬وكما بي‪A‬ن رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫)‪(11‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫و " الزكاة " هي تلك النسبة العينة الت ي‪-‬ؤد‪A‬يها السلم من ماله لت‪-‬نفق ف مصارفها‬
‫الددة ف كتاب ال‪.‬‬

‫و " الدين " هو السلم ‪ -‬إسلم الوجه ل ‪ -‬وما يستتبعه من شهادة أل إله إل‬
‫ال‪ ،‬وأن ممدا‪ X‬رسول ال‪ ،‬وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وحج البيت من‬
‫استطاع إليه سبيل‪.‬‬

‫وال يان هو ال يان بال وملئك ته وكت به ور سله وال يوم ا لخر وال قدر خ يه‬
‫وشر‪A‬ه‪ ،‬وما يقتضيه ذلك من أعمال القلب وأعمال الوراح )‪.(7‬‬

‫فإذا ذكر لفظ الصلة أو الزكاة أو الدين أو اليان ل ينصرف ذهن السلم إل‬
‫العن اللغوي العام‪ ،‬إنا ينصرف ذهنه ابتداء إل العن الصطلحي الذي ورد ف كتاب‬
‫ال‪ ،‬وف سنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫و " الاهلية " ‪ -‬كسائر الصطلحات القرآنية ‪ -‬لا معناها الد‪A‬د‪ ،‬الذي يدخل‬
‫بطبي عة ا لال ف إ طار الع ن الل غوي ال عام‪ ،‬ولك نه يت‪ m‬خذ دلل ته ا لد‪m‬دة من ا ستخدام‬
‫القرآن له‪ ،‬وتديده لعناه‪.‬‬

‫يقول ابن تيمية ‪ -‬رحه ال ‪ -‬ف بيان العن اللغوي للجهل‪ " :‬هو عدم العلم‪ ،‬أو‬
‫عدم اتباع العلم‪ .‬فإن‪ m‬من ل يعلم الق‪ A‬فهو جاهل جهل‪ X‬بسيطا‪ ،X‬فإن اعتقد خلفه فهو‬
‫جاهل جهل‪ X‬مركبا‪ ..‬وكذلك من عمل بلف ال ق‪ m‬فهو جاهل‪ ،‬وإن علم أنه مالف‬
‫للحق‪.(8) " ..‬‬

‫و قد ورد الل فظ ف كلم ال عرب بكل العني ي‪ ،‬وب صفة خا صة ف الع ن ال ثان‪،‬‬
‫الذي يفيد عدم اتباع العلم‪ ،‬والعمل با ي‪-‬خالف مقتضاه‪.‬‬

‫‪ ()7‬يقول السلف – وقولم الق – إن اليان قول وعمل‪ .‬أما الرجئة – الذين أخذوا العن اللغوي‬
‫ل ف مسمى اليان‪ .‬وهو قول‬ ‫دون الصطلحي – فيقولون إنه التصديق والقرار‪ ،‬وليس العمل داخ ‪X‬‬
‫واضح البطلن‪.‬‬
‫‪ " ()8‬اقت ضاء ال صراط ال ستقيم مال فة أ صحاب الح يم " بتحق يق ال شيخ م مد حا مد الف قي‪ ،‬الطب عة‬
‫الثانية‪ ،‬مطبعة السنة المدية بالقاهرة ص ‪.78 – 77‬‬

‫)‪(12‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فحي يقول الشاعر )‪:(9‬‬

‫فنجهل فوق جهل الاهلينا‬ ‫أل ل يهلن أحد علينا‬

‫فهو يستخدم الهل بعن‪ :‬نغضب غضبا‪ W‬شديدا‪ ،W‬ونتصرف با يليه علينا الغضب‬
‫لل‪Å‬م‪.‬‬
‫من بظش وعدوان‪ ،‬ول نقف عند الضوابط الت تكم سلوكنا ف حالة ا ‪Æ‬‬

‫وحي يقول الشاعر الخر )‪:(10‬‬

‫بكت عين اليسرى فلما زجرتا عن الهل بعد اللم أسبلتا معا‪!X‬‬

‫فهو كذلك يستخدم الهل بعن السلوك غي النضبط بالضوابط اللئقة بثله‪ ،‬من‬
‫صب وكتمان‪ ،‬وعدم إظهار للوعة السى وفرط الزن‪.‬‬

‫أما ف القرآن الكري فاللفظ يرد ف معن خاص‪ ،‬أو ف القيقة ف معنيي مد‪m‬دين‪:‬‬
‫إما الهل بقيقة اللوهية وخصائصها‪ ،‬وإما السلوك غي النضبط بالضوابط الربانية‪،‬‬
‫أي بعبارة أخرى‪ :‬عدم اتباع ما أنزل ال‪.‬‬

‫فحي يقول جل‪ m‬شأنه‪% ) :‬وج‪%‬او‪%‬ز‪ 4‬ن‪%‬ا ب)‪%‬بن)ي )إس‪4‬رائيل‪ #‬ال‪.‬ب‪%‬ح‪4‬ر‪ %‬ف‪#‬أ‪#‬ت‪%‬و‪4‬ا ع‪%‬ل‪#‬ى ق‪#‬و‪4‬م‪% p‬يع‪4‬ك‪/‬ف‪/‬ون‬
‫ع‪%‬ل‪#‬ى ‪#‬أص‪4‬ن‪%‬ام‪ p‬ل‪#‬ه‪-‬م‪ 4‬ق‪#‬ال‪/‬وا ي‪%‬ا م‪-‬وس‪%‬ى ا ‪4‬جع‪%‬ل‪ .‬ل‪#‬ن‪%‬ا )إل‪#‬ها‪# W‬كم‪%‬ا ‪#‬له‪-‬م‪ 4‬آل)ه‪%‬ة‪ I‬ق‪#‬ال‪ #‬إ)‪H‬نك‪/‬م‪ 4‬ق‪#‬و‪4‬م= ت‪%‬ج‪4‬ه‪%‬ل‪/‬ون(‪.‬‬
‫]سورة العراف‪ ،‬الية‪ .[138 :‬فالهل القصود هنا هو عدم العلم بقيقة اللوهية‪ .‬إذ‬
‫لو علموا أنه تعال )ل ت‪-‬د‪4‬ر)ك‪/‬ه‪ -‬ال‪.‬أ‪#‬ب‪4‬ص‪%‬ار‪] .(-‬سورة النعام‪ ،‬الية ‪ .[103‬وأنه )ل‪#‬ي‪4‬س‪ %‬ك‪#‬م)ث‪.‬ل)ه‬
‫ش‪%‬ي‪4‬ء(‪ ] .‬سورة ال شورى‪ ،‬ال ية‪ .[11 :‬وأ نه ت عال ) خ‪%‬ال)ق‪ -‬ك‪ /‬ل‪ +‬ش‪%‬ي‪4‬ء‪ ] .(p‬سورة الن عام‪،‬‬
‫الية‪ .[102 :‬وليس بخلوق‪ ،‬ول صفاته تشبه صفات اللق‪ .‬ما سألوا هذا السؤال الذي‬
‫ينم‪ A‬عن جهلهم بذه المور كل‪m‬ها‪.‬‬

‫وح ي ي قول سبحانه وت عال‪) :‬و‪%‬ط‪#‬ائ) ف‪#‬ة‪ I‬ق‪#‬د‪ 4‬أ‪#‬ه‪%‬م‪H‬ت‪4‬ه‪ -‬م‪ 4‬أ‪4#‬نف‪ /‬س‪-‬ه‪-‬م‪ 4‬ي‪%‬ظ‪ /‬ن_ون‪ #‬ب)الل‪X‬ه) غ‪ #‬ي‪4‬ر‬
‫ال‪.‬ح‪ %‬ق‪ s‬ظ‪ #‬ن‪ H‬ا‪.‬لج‪%‬اه)ل) ي‪H‬ة) ي‪%‬ق‪/‬و ل‪/‬ون‪ #‬ه‪ %‬ل‪# .‬ل ن‪%‬ا م) ن‪ %‬ا ل‪.‬أ‪#‬م‪4‬ر) م) ن‪ 4‬ش‪%‬ي‪4‬ء(‪ ] .‬سورة آل ع مران‪ ،‬ال ية‪:‬‬
‫‪ .[154‬فالذي يعيبه ال على هذه الطائفة هو تصور معي لمر يتعلق بقيقة اللوهية‪.‬‬

‫‪ ()9‬هو عمرو بن كلثوم‪.‬‬


‫‪ ()10‬هو الص‪-‬م‪A‬ة بن عبد ال القشيي‪.‬‬

‫)‪(13‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫هو تصورهم أن هناك من يكن ان ي‪-‬شارك ال سبحانه وتعال ف تدبي المر‪ ،‬وجهلهم‬
‫بأن ما يتم‪ A‬بالفعل هو إرادة ال وحده‪ ،‬وتدبيه وحده‪ ،‬ل تدبيهم هم ول تدبي غيهم‪،‬‬
‫وأنم سواء كانوا است‪È-‬ش‪Æ‬يو‪-‬ا أم ل ‪-‬يس‪5‬تش–ار‪-‬وا‪ ،‬أخذ برأيهم أم ل ‪-‬يؤ‪5‬خذ به‪ ،‬فليس لشيء‡ من‬
‫ذلك تأثي ف قدر ال وتدبيه‪ ،‬كما تصوروا ف جهالتهم‪ .‬لذلك رد‪ A‬عليهم بقوله تعال‪:‬‬
‫)ق‪/‬ل‪) .‬إن‪ X‬ا‪.‬لأ‪#‬م‪4‬ر‪ %‬ك‪/‬ل‪X‬ه‪) -‬لل‪X‬ه)(‪.‬‬

‫وحي يقول تعال‪) :‬و‪ %‬ق‪#‬ال‪ #‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ل ي‪%‬ع‪4‬ل‪ #‬م‪-‬ون‪ (11) #‬ل‪#‬و‪4‬ل ‪-‬يك‪#‬ل‪+‬م‪ -‬ن‪%‬ا الل‪ X‬ه‪# -‬أو‪% 4‬تأ‪.‬ت)ي ن‪%‬ا آ ي‪%‬ة‬
‫ك‪#‬ذ‪#‬ل)ك‪ %‬ق‪#‬ال‪ #‬ال‪X‬ذ)ين‪ %‬م)ن‪ 4‬ق‪#‬ب‪4‬ل)ه)م‪ 4‬م)ث‪.‬ل‪ #‬ق‪#‬و‪4‬ل)ه)م‪ 4‬ت‪%‬ش‪%‬اب‪%‬ه‪%‬ت‪ 4‬ق‪/‬ل‪/‬وب‪-‬ه‪-‬م‪ 4‬ق‪#‬د‪% 4‬بي‪H‬ن‪H‬ا ال‪.‬آيات) ل)ق‪#‬و‪4‬م‪ p‬ي‪-‬وق)ن‪-‬ون(‬
‫]سورة البقرة‪ ،‬الية‪ .[118 :‬فالقصود كذلك أن هؤلء الاهلي أو الاهليي يهلون‬
‫أمرا‪ W‬يتعلق باللوهية‪ ،‬وهو أن ال ل يكلم الناس إل وحيا‪ X‬أو من وراء حجاب‪ ،‬كما قال‬
‫سبحانه‪) :‬و‪%‬م‪%‬ا ك‪#‬ان‪) #‬لب‪%‬ش‪%‬ر‪ p‬أ‪#‬ن‪ .‬ي‪-‬ك‪#‬ل‪+‬م‪%‬ه‪ -‬الل‪X‬ه‪) -‬إل‪X‬ا و‪%‬ح‪4‬يا‪ W‬أ‪#‬و‪ 4‬م)ن‪ 4‬و‪%‬ر‪%‬اء) ح)ج‪%‬اب‪ p‬أ‪#‬و‪ 4‬ي‪-‬ر‪4‬س) ‪#‬ل ر‪%‬س‪-‬ول‬
‫ف‪#‬ي‪-‬وح)ي‪ %‬ب)إ)ذ‪.‬ن)ه) م‪%‬ا ‪%‬يش‪%‬اء® )إن‪H‬ه‪ -‬ع‪%‬ل)ي‪ -‬ح‪%‬ك)يم(‪] .‬سورة الشورى‪ ،‬الية ‪ .[51‬وأنه تعال ل ي‪-‬ن‪m‬ل‬
‫اليات حسب أمزجة ال ن‪A‬اس‪ ،‬إنا ي‪-‬ن‪m‬لا حي يشاء سبحانه‪ ،‬لكمة ي‪-‬ريدها‪ ،‬فإذا أنزلت‬
‫ترت بت علي ها نتائج ها‪ ،‬و هي ال تدمي العا جل ع لى ال كافرين‪ ،‬ك ما قال سبحانه‪% ) :‬و ل‪#‬و‬
‫‪#‬أن‪4‬ز‪%‬ل‪.‬ن‪%‬ا م‪%‬ل‪#‬كا‪# W‬لق‪/‬ض)ي‪ %‬ال‪.‬أ‪#‬م‪4‬ر‪ -‬ث‪/‬م‪ H‬ل ‪-‬ين‪4‬ظ‪#‬ر‪-‬ون( ]سورة النعام‪ ،‬الية‪.[8 :‬‬

‫وحي يقول سبحانه على لسان يوسف عليه السلم‪% ) :‬وإ)ل‪X‬ا ‪%‬تص‪4‬ر)ف‪ 4‬ع‪%‬ن‪s‬ي ك‪#‬ي‪4‬د‪%‬ه‪-‬ن‬
‫‪#‬أ ص‪4‬ب‪) -‬إل‪#‬ي‪4‬ه) ن‪% H‬وأ‪#‬ك‪ /‬ن‪ 4‬م) ن‪ %‬ال‪ .‬ج‪%‬اه)ل)ي(‪] .‬سورة يوسف‪ ،‬الية‪ .[33 :‬فالعن م‪-‬تع ل‪m‬ق بسلوك‬
‫غي منضبط بالضوابط الربانية‪ ،‬وهو الصبو‪ A‬إل النسوة‪ ،‬ومالفة أمر ال‪ ،‬والوقوع فيما‬
‫حر‪A‬م ال‪ ،‬وهو المر الذي ي–خشى يوسف عليه السلم أن يقع فيه‪ ،‬ويستعيذ بال منه‪.‬‬

‫وحي يقول تعال‪) :‬و‪%‬ل ‪%‬تب‪%‬ر‪H‬ج‪4‬ن‪% %‬تب‪%‬ر_ج‪ %‬ا‪.‬لج‪%‬اه)ل)ي‪H‬ة) ال‪.‬أ‪/‬ول‪#‬ى(‪] .‬سورة الحزاب‪ ،‬الية‬
‫‪ .[33‬فالقصود كذلك سلوك غي منضبط بالضوابط الربانية‪ ،‬واتباع لغي ما أنزل ال‬
‫من وجوب التحشم وعدم إبداء‪ Æ‬النساء‪ Æ‬لزينتهن إل لارمهن‪.‬‬

‫وح ي ي قول ج ل‪ m‬شأنه‪) :‬إ)ذ‪ .‬ج‪%‬ع‪ %‬ل‪ #‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ك‪ #‬ف‪#‬ر‪-‬وا ف)ي ق‪ /‬ل‪/‬وب)ه)م‪ -‬ا‪.‬لح‪%‬م) ي‪H‬ة‪ #‬ح‪%‬م) ي‪H‬ة‬
‫ال‪.‬ج‪%‬اه)ل)ي‪H‬ة(‪] .‬سورة الفتح‪ ،‬الية ‪ .[26‬فالقصود سلوك غي منضبط بالضوابط الربانية‪،‬‬
‫ا لت ت لزم الن سان أل ي‪-‬قا تل إل ف سبيل ا ل‪ ،‬ول ي‪-‬قا تل ح– ‪Æ‬م ي*ة‪ ،X‬ول ع– صبي‪A‬ة‪ ،‬ول لمر‬
‫ي‪-‬غضب ال سبحانه وتعال‪:‬‬

‫‪ ()11‬أي الذين يهلون‪.‬‬

‫)‪(14‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وأخيا‪ X‬حي يقول سبحانه وتعال‪#) :‬أف‪#‬ح‪-‬ك‪.‬م‪ %‬ال‪.‬ج‪%‬اه)ل)ي‪H‬ة) ي‪%‬ب‪4‬غ‪-‬ون‪ #‬و‪%‬م‪%‬ن‪ 4‬أ‪4 #‬حس‪%‬ن‪ -‬م)ن‪ %‬الل‪X‬ه‬
‫ح‪-‬ك‪ .‬ما‪ W‬ل) ق‪#‬و‪4‬م‪ p‬ي‪-‬وق) ن‪-‬ون(‪ ] .‬سورة ا لائدة‪ ،‬ال ية ‪ .[50‬فا لمر متع لق مبا شرة بات باع غ ي ما‬
‫أنزل ال من التشريع‪ ،‬الذي قال ال فيه‪) :‬و‪%‬م‪ %‬ن‪ 4‬ل‪ #‬م‪ 4‬ي‪%‬ح‪4‬ك‪ /‬م‪) 4‬ب م‪%‬ا ‪#‬أن‪4‬ز‪ %‬ل‪ #‬الل‪ X‬ه‪ -‬ف‪#‬أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ه‪-‬م‬
‫ال‪.‬ك‪#‬اف)ر‪-‬ون(‪] .‬سورة الائدة‪ ،‬الية ‪.[44‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ذ لك هو الع ن " ال صطلحي " للجاهل ية‪ ،‬ا لذي جاء ف ك تاب ا ل الكر ي‪،‬‬
‫والذي خلصته الهل بقيقة اللوهية‪ ،‬والهل با يب ل سبحانه وتعال من إخلص‬
‫العبادة له وحده دون شريك‪ .‬وهي بذا العن ليست مددة بزمن معي‪ ،‬ول مكان معي‪،‬‬
‫ول قوم معيني‪ .‬إنا هي تصورات معينة‪ ،‬وسلوك معي‪ ،‬حيثما وجدت فهي الاهلية‪،‬‬
‫بصرف النظر عن الز‪A‬مان والكان والقوم‪.‬‬

‫وبذا العيار الربان‪ ،‬نصف الاهلية العاصرة بأنا جاهلية!‬

‫والذين يظنون أن الاهلية كانت فترة زمنية معينة ف الزيرة العربية‪ ،‬انتهت ببعثة‬
‫الرسول الات صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول يعد لا وجود ف أي مكان ف الرض‪ ،‬يغفلون‬
‫عن الوا قع ا لذي تعي شه مع ظم ا لرض ال يوم‪ ،‬ك ما يغف لون عن أ قوال العل ماء ف هذا‬
‫الشأن‪.‬‬

‫يقول ابن تيمية ‪ -‬رحه ال ‪:-‬‬

‫" فإذا تبي ذلك )‪ ،(12‬فالناس قبل مبعث الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كانوا ف‬
‫حال جاهلية منسوبة إل الهل‪ ،‬فإن ما كانوا عليه من القوال والعمال إنا أحدثه لم‬
‫‪-‬ج ه‪A‬ال‪ ،‬وإ نا يفع له جا هل‪ .‬و كذلك ك ل‪ Ë‬ما يالف ما جاء به الر سلون من يهود ية‬
‫ونصرانية فهو جاهلية‪ .‬وتلك كانت الاهلية العامة "‪.‬‬

‫‪ ()12‬أي الشرح الذي شرح به معن الاهلية‪ ،‬واشتمالا على التصورات الاطئة والعمال الخالفة لا‬
‫أنزل ال‪.‬‬

‫)‪(15‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫" فأما بعد ما بعث ال الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فالاهلية الطلقة قد تكون‬
‫ف م صر‪ p‬دون م صر‪ ،p‬ك ما هي ف دار الك ف‪€‬ار‪ ،‬و قد ت كون ف شخ ص‡ دون شخص‬
‫كالرجل قبل أن يسلم‪ ،‬فإنه يكون ف جاهلية‪ ،‬وإن كان ف دار السلم‪.‬‬

‫" فأما ف زمان‪ p‬مطلق فل جاهلية بعد مبعث ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فإنه ل‬
‫تزال من أمته طائفة ظاهرين على الق‪ m‬إل قيام الساعة‪.‬‬

‫"والاهل ية الق يدة قد ت قوم ف ب عض د يار ال سلمي‪ ،‬و ف كثي من‬


‫السلمي‪.(13)"..‬‬

‫وخلصة الكلم الدقيق الذي يقوله ابن تيمية ‪ -‬رحه ال ‪ -‬أن الاهلية العامة‬
‫الت تشكل كل‪ m‬وجه الرض قد انتفت بعد بعثة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لن الرض‬
‫ل تلو ف أي‪A‬ة لظة من وجود طائفة من أمته ظاهرين على الق‪ .‬ولكن الاهلية الطلقة‬
‫)التامة الكاملة( قد توجد ف بعض البلد بعد بعثة الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كما أن‬
‫الاهل ية الق يدة )أي ا لت ل ت شمل كل شيء ول كل أ حد(‪ .‬قد تو جد ف ب عض د يار‬
‫السلمي وف كثي منهم‪.‬‬

‫فإذا نظر نا إ ل ال غرب ال يوم )ب صرف الن ظر عن بلد ال سلم ا لت ل يكم ها‬
‫السلم( فبأي وصف نصفه؟ أي تصورات تكمه؟ وأي سلوك يسلكه؟ وما حكم هذه‬
‫الرباب العبودة فيه‪ ،‬وأولا الوى‪ ،‬الذي قال ال فيه‪) :‬أ‪#‬ف‪#‬ر‪%‬أ‪#‬ي‪ 4‬ت‪ %‬م‪ %‬ن) ات‪ H‬خ‪%‬ذ‪) #‬إل‪#‬ه‪ %‬ه‪ -‬ه‪%‬و‪%‬اه‪.(-‬‬
‫]سورة الاثية‪ ،‬الية‪ .[23 :‬وما حكم التشريع بغي ما أنزل ال‪ ،‬وتليل ما حر‪A‬م ال؟ وما‬
‫حكم التبج القائم اليوم‪ ،‬الذي ل تصل إليه جاهلية ف التاريخ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ومن جانب آخر فإن كثيا‪ X‬من الناس يستنكر أن نصف الاهلية العاصرة بأنا‬
‫جاهلية‪ ،‬حي تبهرهم قوة أوربا الادية وعمارتا للرض‪ ،‬وما لديها من العلم‪ ،‬ويعتبون‬
‫هذا الوصف تج‪A‬م‪X‬ا عليها بغي حق‪ .‬وهؤلء ل يدركون أن الاهلية ف الصطلح القرآن‬
‫ا لذي ن لتزم به‪ ،‬لي ست م قابل‪ W‬لل قو‪m‬ة الاد ي‪m‬ة‪ ،‬ول الع مارة الاد ي‪m‬ة ل لرض‪ ،‬ول الع لم‬

‫‪ ()13‬اقتضاء الصراط الستقيم مالفة أصحاب الحيم ص ‪.79 – 78‬‬

‫)‪(16‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫بظواهر الياة الدنيا‪ .‬فقد وصف ال جاهليات كثية ف التاريخ بالقو‪A‬ة والعلم وعمارة‬
‫الرض‪ ،‬فلم ينف عنها ذلك كل‪m‬ه أنا جاهلية‪ ،‬ول يمها من الصي التوم الذي قدره ال‬
‫للجاهلية بسب السنن الربانية‪.‬‬

‫)ف‪#‬أ‪#‬م‪H‬ا ع‪%‬اد= ف‪#‬اس‪4‬ت‪%‬ك‪.‬ب‪%‬ر‪-‬وا ف)ي ال‪.‬أ‪#‬ر‪4‬ض) ب)غ‪%‬ي‪4‬ر) ا‪.‬لح‪%‬ق‪ s‬و‪%‬ق‪#‬ال‪/‬وا م‪%‬ن‪ 4‬أ‪#‬ش‪%‬د_ م)ن‪H‬ا ق‪/‬و‪H‬ة‪ W‬أ‪#‬و‪%‬ل‪#‬م‪ 4‬ي‪%‬ر‪%‬و‪4‬ا‬
‫‪#‬أن‪ X‬الل‪X‬ه‪ %‬ا‪X‬لذ)ي خ‪%‬ل‪#‬ق‪#‬ه‪-‬م‪ 4‬ه‪-‬و‪ %‬أ‪#‬ش‪%‬د_ م)ن‪4‬ه‪-‬م‪ 4‬ق‪/‬و‪H‬ة(‪] .‬سورة فصلت‪ ،‬الية ‪.[15‬‬

‫)أ‪#‬و‪%‬ل‪#‬م‪% 4‬يس)ي‪-‬وا ف)ي ا‪.‬لأ‪#‬ر‪4‬ض) ف‪#‬ي‪%‬ن‪4‬ظ‪/‬ر‪-‬وا ك‪#‬ي‪4‬ف‪ %‬ك‪#‬ان‪ #‬ع‪%‬اق)ب‪%‬ة‪ /‬ال‪X‬ذ)ين‪ %‬م)ن‪ 4‬ق‪#‬ب‪4‬ل)ه)م‪ 4‬ك‪#‬ان‪-‬وا ‪#‬أش‪%‬د‬
‫م)ن‪4‬ه‪ -‬م‪ 4‬ق‪/‬و‪H‬ة‪% W‬وأ‪ #‬ث‪#‬ار‪-‬وا ال‪.‬أ‪#‬ر‪ 4‬ض‪ %‬و‪%‬ع‪%‬م‪%‬ر‪-‬و ه‪%‬ا ‪#‬أك‪ .‬ث‪#‬ر‪ %‬م) م‪H‬ا ع‪%‬م‪%‬ر‪-‬و ه‪%‬ا و‪ %‬ج‪%‬ا̀ءت‪4‬ه‪-‬م‪ 4‬ر‪ -‬س‪-‬ل‪/‬ه‪-‬م‪ 4‬ب)ال‪%.‬بي‪ s‬ن‪%‬ات) ف‪ #‬م‪%‬ا‬
‫ك‪#‬ان‪ #‬الل‪X‬ه‪) -‬لي‪%‬ظ‪.‬ل)م‪%‬ه‪-‬م‪ (14) 4‬و‪%‬ل‪) #‬كن‪ 4‬ك‪#‬ان‪-‬وا ‪#‬أن‪4‬ف‪/‬س‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬ي‪%‬ظ‪.‬ل)م‪-‬ون‪] .(#‬سورة الروم‪ ،‬الية ‪.[9‬‬

‫) ‪%‬ول‪#‬ك) ن‪ H‬أ‪. #‬ك ث‪#‬ر‪ %‬الن‪H‬ا س) ل ي‪%‬ع‪4‬ل‪ #‬م‪-‬ون‪% ،#‬يع‪4‬ل‪ #‬م‪-‬ون‪ #‬ظ‪#‬اه)را‪ W‬م) ن‪ %‬ال‪.‬ح‪ %‬ي‪%‬ا )ة ا ل _دن‪4‬ي‪%‬ا و‪%‬ه‪ -‬م‪ 4‬ع‪%‬ن‬
‫ال‪.‬آخ)ر‪%‬ة) ه‪-‬م‪ 4‬غ‪#‬اف)ل‪/‬ون(‪] .‬سورة الروم‪ ،‬اليتان ‪.[7 - 6‬‬

‫)أ‪#‬ف‪#‬ل‪#‬م‪ 4‬ي‪%‬س)ي‪-‬وا ف)ي ال‪.‬أ‪#‬ر‪4‬ض) ف‪#‬ي‪%‬ن‪4‬ظ‪/‬ر‪-‬وا ك‪#‬ي‪4‬ف‪ %‬ك‪#‬ان‪ #‬ع‪%‬اق)ب‪%‬ة‪ /‬ال‪X‬ذ)ين‪ %‬م)ن‪ 4‬ق‪#‬ب‪4‬ل)ه)م‪ 4‬ك‪#‬ان‪-‬وا أ‪#‬ك‪.‬ث‪#‬ر‬
‫م)ن‪4‬ه‪ -‬م‪% 4‬وأ‪ #‬ش‪%‬د‪ H‬ق‪/‬و‪H‬ة‪ W‬و‪%‬آ ث‪#‬ارا‪ W‬ف)ي ا‪.‬لأ‪#‬ر‪ 4‬ض) ف‪ #‬م‪%‬ا أ‪#‬غ‪ .‬ن‪%‬ى ع‪4 %‬نه‪ -‬م‪ 4‬م‪%‬ا ك‪#‬ان‪-‬وا ي‪%‬ك‪ .‬س)ب‪-‬ون‪ ،#‬ف‪#‬ل‪ #‬م‪H‬ا ج‪%‬ا̀ءت‪4‬ه‪-‬م‬
‫ر‪ -‬س‪-‬ل‪/‬ه‪-‬م‪ 4‬ب)ال‪.‬ب‪s%‬ي ن‪%‬ات) ف‪#‬ر) ح‪-‬وا ب) م‪%‬ا ع) ن‪4‬د‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬م) ن‪ %‬ال‪.‬ع)ل‪ .‬م) و‪ %‬ح‪%‬اق‪) %‬به) م‪ 4‬م‪%‬ا ك‪#‬ان‪-‬وا ب) ه) ي‪ %‬س‪4‬ت‪%‬ه‪4‬ز)ئ‪/‬ون(‪.‬‬
‫]غافر‪ ،‬اليتان ‪.[83 - 82‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أ مر آ خر ي عترض ف أذ هان ال ناس‪ ،‬ح ي ن صف ال ضارة الغرب ية العا صرة بأ نا‬
‫جاهلية‪ .‬ذلك هو تصورهم أننا ننفي عن الاهلية أن يكون فيها أي خي على الطلق‪،‬‬
‫ون–ص‪Æ‬م‪-‬ه–ا بأنا ش–ر‪ À‬بت‪ .‬فإذا وجدوا ف الاهلية العاصرة جوانب من الي رفضوا وصفنا‬
‫لا بأنا جاهلية‪ ،‬وتصوروا أننا نفتئت عليها بذا الوصف!‬

‫وليس المر كذلك! فما من جاهلية من جاهليات التاريخ خلت من جوانب من‬
‫الي‪ ،‬ومن أفراد خي‪A‬رين! وإذا كان القرآن الكري ‪ -‬لكمة معينة ‪ -‬قد ركز على جوانب‬
‫السوء ف الاهلية والاهليي‪ ،‬فإن السنة النبوية الطه*رة قد فصلت المر‪ ،‬وبينت أن هناك‬

‫‪ ()14‬أي لا دمر عليهم حي كذبوا الرسل ول يؤمنوا با جاءوهم به من البينات‪.‬‬

‫)‪(17‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫أفرادا‪ X‬خي‪A‬رين وجوانب خية ف الاهلية‪ ،‬ولكن‪A‬ها كل‪m‬ها ذاهبة بددا‪ ،X‬بسبب جوانب السوء‬
‫ا لت أبرز ها ال قرآن الكر ي‪ ،‬و هي شرك الع بادة و شرك الت باع‪ ،‬أي لبطلن القا عدة‬
‫الساسية الت تقوم عليها حياتم كل‪€‬ها‪.‬‬

‫يقول الرسول الكري صلى ال عليه وسلم‪ " :‬خياركم ف الاهلية خياركم ف‬
‫السلم إذا ف‪#‬ق)ه‪-‬وا " )‪.(15‬‬

‫فيبي عليه الصلة والسلم أن ف الاهلية " خيار‪W‬ا " من الناس‪ .‬ول يوصف الناس‬
‫بأنم خ يار حت ي كون فيهم قدر‪ Y‬كاف‡ من ال ي ي‪-‬ؤهلهم لذا الوصف‪ .‬ولكنهم إذا ل‬
‫يفقهوا ‪ -‬أي إذا ج‪%‬ه) ل‪/‬وا ‪ -‬يضيع خيهم ب–د–دا‪ ،X‬أو يستنفدون أجرهم ف الياة الدنيا ول‬
‫يقبل منهم عملهم يوم القيامة كما قال تعال‪:‬‬

‫)م‪ %‬ن‪ 4‬ك‪#‬ان‪- #‬ير) يد‪ -‬ا‪.‬لح‪ %‬ي‪%‬اة‪ #‬ا لد_ن‪4‬ي‪%‬ا و‪%‬ز)ين‪%‬ت‪ %‬ه‪%‬ا ن‪-‬و‪%‬ف‪) s‬إل‪#‬ي‪4‬ه) م‪# 4‬أع‪ 4‬م‪%‬ا‪#‬له‪-‬م‪ 4‬ف)ي ه‪%‬ا و‪%‬ه‪ -‬م‪ 4‬ف)ي ه‪%‬ا ل‬
‫‪-‬يب‪4‬خ‪%‬س‪-‬ون‪ ،#‬أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ال‪X‬ذ)ين‪ %‬ل‪#‬ي‪4‬س‪ %‬ل‪#‬ه‪-‬م‪ 4‬ف)ي ال‪.‬آخ)ر‪%‬ة) )إل‪X‬ا الن‪H‬ار‪ -‬و‪%‬ح‪)%‬بط‪ #‬م‪%‬ا ص‪%‬ن‪%‬ع‪-‬وا ف)يه‪%‬ا و‪%‬ب‪%‬اط)ل‪ I‬م‪%‬ا‬
‫ك‪#‬ان‪-‬وا ي‪%‬ع‪4‬م‪%‬ل‪/‬ون( ]سورة هود‪ ،‬اليتان ‪.[16 ،15‬‬

‫وقد كان ف الاهلية العربية فضائل ل شك فيها‪ ،‬كإكرام الضيف‪ ،‬والشجاعة‬


‫وإ باء الضيم‪ ،‬وإ جارة الضعيف‪ ..‬ال‪ ،‬ولع ل‪ m‬قمة ما كان فيها من الفضيلة ذلك ال لف‬
‫الذي ذكره رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال فيه‪ " :‬د‪-‬ع)يت‪ -‬إل حلف ف الاهلية ف‬
‫بيت ابن جدعان‪ ،‬لو دعيت إليه ف السلم لجبت " )‪ (16‬يقصد حلف الفضول‪.‬‬

‫ولكن هذا ك ل‪m‬ه ل ينع عنها صفة الاهلية الت وصفها با ر ب‪ A‬العالي ‪ -‬وهو‬
‫أ صدق ال قائلي ‪ -‬و ل ي نع عن ها م صيها ال توم ف ا لدنيا و ف ا لخرة‪ ،‬لنه من ال سنن‬
‫الربانية‪ ،‬ومن الق‪ A‬الذي خلقت به السموات والرض‪) .‬و‪%‬م‪%‬ا ر‪%‬ب_ك‪) %‬بظ‪#‬ل‪X‬ام‪) p‬لل‪.‬ع‪%‬ب)يد)(‪] .‬سورة‬
‫فصلت‪ ،‬الية ‪.[46‬‬

‫فليس من الظلم وصف الاهلية بأنا جاهلية على الرغم من الي الزئي الذي قد‬
‫تشتمل عليه‪ ،‬وعلى الرغم من اشتمالا على خيار من الناس ل ي‪-‬شك‪ ¥‬ف وجود الي ف‬

‫‪ ()15‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪ ()16‬انظر سية ابن هشام ج ‪ 1‬ص ‪.133‬‬

‫)‪(18‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫نفوسهم‪ ..‬ذلك أن المر ليس منظورا‪ X‬فيه إل الياة الدنيا وحدها‪ ،‬بل إل الياة مكتملة‬
‫بميع حلقاتا‪ .‬وعمل الاهليي ضائع ف الخرة غي مقبول منهم‪ ،‬بسبب إشراكهم بال‪:‬‬

‫) ‪%‬و ق‪#‬د)م‪4‬ن‪%‬ا إ) ل‪#‬ى م‪%‬ا ع‪%‬م) ل‪/‬وا م) ن‪ 4‬ع‪%‬م‪ %‬ل‪ p‬ف‪#‬ج‪%‬ع‪%‬ل‪ .‬ن‪%‬اه‪ -‬ه‪ %‬ب‪%‬اء· م‪%‬ن‪ 4‬ث‪/‬ورا‪] .(W‬سورة الفرقان‪ ،‬الية‬
‫‪.[23‬‬

‫)أ‪/‬ول‪)#‬ئ ك‪ %‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ك‪#‬ف‪#‬ر‪-‬وا ب)آيات) ر‪%‬ب‪s‬ه) م‪ 4‬و‪%‬ل)ق‪#‬ائ)ه) ف‪#‬ح‪%‬ب)ط‪ #‬ت‪# 4‬أع‪ 4‬م‪%‬ا‪/‬له‪-‬م‪ 4‬ف‪#‬ل ن‪-‬ق)ي م‪# -‬له‪ -‬م‪ 4‬ي‪%‬و‪4‬م‬
‫ال‪.‬ق)ي‪%‬ام‪%‬ة) و‪%‬ز‪4‬نا(‪] .‬سورة الكهف‪ ،‬الية ‪.[105‬‬

‫والعم ل‪ /‬الذي ت‪-‬ؤدي نايته إل البوار الكيد هو عمل ل خي فيه‪ ،‬مهما بدا فيه‬
‫من مظاهر الي الزئية ف أثناء الطريق‪.‬‬

‫بل حت لو أخذنا الياة الدنيا وحدها ف حسابنا وهو أمر غي جائز‪ ،‬لنه ي‪-‬همل‬
‫حقيقة أكب من حقيقة الياة الدنيا‪.‬‬

‫) ‪%‬وإ) ن‪ X‬ا لد‪H‬ار‪ %‬ا ل‪.‬آخ)ر‪%‬ة‪ #‬ل‪#‬ه) ي‪ %‬ا‪.‬لح‪ %‬ي‪%‬و‪%‬ا ‪/‬ن )‪ (17‬ل‪#‬و‪ 4‬ك‪#‬ان‪-‬وا ي‪%‬ع‪4‬ل‪ #‬م‪-‬ون‪ ] .(#‬سورة العنك بوت‪،‬‬
‫الية ‪.[64‬‬

‫نقول حت لو أخذنا الياة الدنيا وحدها ف حسابنا‪ ،‬فالاهلية هي الاهلية ولو‬


‫احتوت على جوانب من الي الزئي‪ ..‬والواقع الذي نراه ف الغرب اليوم هو مصداق‬
‫هذه القيقة‪ .‬فأين النسان ف النهاية؟ هل هو ف مكانه اللئق بإنسانيته‪ .‬هل هو م‪-‬حقق‬
‫لغا ية و جوده؟ هل هو سعيد م‪-‬طمئن ب ياته؟ وإذن ف ما دل لة هذه الن سب التزا يدة من‬
‫المراض النفسية والعصبية‪ ،‬والقلق والنتحار‪ ،‬والنون والمر والخدرات والرية‪..‬؟‬
‫وإن هو استمتع بياته فأي نوع من التاع؟‬

‫)و‪%‬ال‪X‬ذ)ين‪ %‬ك‪#‬ف‪#‬ر‪-‬وا ‪%‬يت‪%‬م‪%‬ت‪H‬ع‪-‬ون‪ #‬و‪%‬ي‪%‬أ‪.‬ك‪/‬ل‪/‬ون‪ #‬ك‪#‬م‪%‬ا ت‪%‬أ‪.‬ك‪/‬ل‪ /‬ال‪.‬أ‪#‬ن‪4‬ع‪%‬ام‪ -‬و‪%‬الن‪H‬ار‪ -‬م‪%‬ث‪.‬وى‪# J‬له‪-‬م‪] .(4‬سورة‬
‫ممد‪ ،‬الية ‪.[12‬‬

‫‪ ()17‬أي الياة القيقية الدائمة الت تستحق أن تعاش‪.‬‬

‫)‪(19‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فبحساب الدنيا ذاتا تظ ل‪ m‬الاهلية جاهلية كما وصفها ال‪ ،‬حي تهل حقيقة‬
‫اللوه ية‪ ،‬وتت بع غ ي من هج ا ل‪ ،‬ول ي نع هذا أن ت كون لا " ح ضارة " وت قدم مادي‬
‫وعلمي وتكنولوجي‪ .‬وأن تتناثر على سطحها بقع من الي ل يربط بينها بينها رباط!‬

‫)‪(20‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ثانيا‪ :‬جذور الاهلية العاصرة ومكوناتا‬


‫ت عتز‪ A‬أور با باهليت ها العا صرة ا عتزاز‪X‬ا شديدا‪ ،X‬و ترى أ نا شيء غ ي م سبوق ف‬
‫التاريخ‪ ،‬وأنه ل يتأتى لمة ف الوجود أن تبز مثلها أو قريبا‪ X‬منها‪ ..‬وترى أنا جاع الي‬
‫كله‪.‬‬

‫وف أثناء اعتزازها تنسب نفسها أحيانا‪ X‬إل السيحية‪ ،‬فتتحدث ف نبة اعتزاز عما‬
‫ت سميه " ال ضارة ال سيحية "! ‪ Christian Civilization‬ولكن ها ت عود فتن سب نف سها إ ل‬
‫الضارة الغريقية الرومانية ‪ Greco - Roman‬وتقول‪ :‬إن جذورها كل‪m‬ها نابعة من هناك‪.‬‬
‫وف جيع الحوال تنكر أثر السلم والضارة السلمية ف قيام " نضتها " الديثة‪،‬‬
‫وتقدمها حت استوت على قدميها‪.‬‬

‫والقيقة أن هذه الاهلية العاصرة قد جعت أصول‪ W‬متعددة وتأثرات شت‪A‬ى‪ ،‬تمع‬
‫بي الي والشر‪ ،A‬وإن غلب عليها الشر‪ A‬ف النهاية بسبب بعدها عن ال‪ ،‬وتردها على كل‬
‫شيء يأت من طريق الوحي الربان‪ ..‬المر الذي دخلت من أجله ف عداد الاهليات‪ ،‬ول‬
‫ينفعها ما اشتملت عليه من جوانب الي‪.‬‬

‫وإذا تتبع نا الن شأة التاري ية للجاهل ية العا صرة ف سيتبي ل نا جذورها ومكو‪A‬نا تا‪،‬‬
‫والعناصر الت أثرت ف تشكيلها على النحو الذي تشكلت به‪.‬‬

‫و من الوا ضح أن ا لذور الغريق ية الرومان ية عمي قة ف التر بة الورب ية‪ ،‬وأن‬


‫)‪،(18‬‬
‫الاهل ية العا صرة ت‪-‬ع تب ب ق‪ A‬هي الوري ثة للجاهل ية الغريق ية والاهل ية الرومان ية‬
‫والم تداد القيق ي‪ A‬ل ما‪ ،‬ول كن خائر جد يدة ت فاعلت مع ا لتراث ا لغريقي الرو مان‪،‬‬
‫فكونت منه الواقع العاصر‪ ،‬بيث ي‪-‬صبح قولنا إن أوربا اليوم هي المتداد لذلك التراث‬
‫قو ‪X‬ل ناقص الدللة مع أنه صحيح ف جلته‪.‬‬

‫‪ ()18‬نسميها جاهلية بالقياس الربان الذي أشرنا إليه آنفا‪ X‬وهو الهل بقيقة اللوهية واتباع غي ما أنزل‬
‫ال‪ ،‬وكتب التاريخ تسميها " حضارة " فتقول " الضارة الغريقية " و " الضارة الرومانية " ونقول‬
‫نن‪ :‬ل بأس! فهي " حضارة جاهلية " بالعيار الربان‪.‬‬

‫)‪(21‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ففي الفترة الت سيطرت فيها جاهلية الدين الكنسي الرف )‪ ،(19‬كانت الذور‬
‫الغريق ية الرومان ية قد ج ف‪m‬ت و كادت توت‪ ،‬و ساد أور با الظلم ا لذي أ حدثته جها لة‬
‫الكنيسة وطغيانا‪ ،‬وتريفها للدين النل‪ ،‬وتويله من دين توحيد إل دين تثليث وشرك‪،‬‬
‫وفصل عقيدته عن شريعته‪ ،‬وتقديه للناس عقيدة ‪ -‬مر‪A‬فة ‪ -‬بل شريعة )‪.(20‬‬

‫وحقي قة إن الل غة اللتين ية ظ لت هي ل غة ا لد×ين الر سية‪ ،‬والغريق ية ل غة الع لم‬


‫والدب‪ ،‬ولكن مالما ظل‪ m‬يضيق باستمرار‪ ،‬وظل‪ m‬الناس ينصرفون عن العرفة‪ ،‬ويغرقون‬
‫ف الظلم‪ ..‬حت جاء السلم فأيقظهم‪.‬‬

‫وكتب التاريخ الوربية ل تنكر أن الحتكاك بالسلمي‪ ،‬هو الذي أيقظ أوربا‬
‫من سباتا ‪ -‬إل غ‪/‬لة الغلة من هم! ‪ -‬ول كن ال كثرة ال كاثرة ت‪-‬ر جع اليق ظة إ ل أن أور با‬
‫ح ي احت كت بال سلمي عثرت ع لى تراث ها ا لغريقي مفو ظا‪ X‬ع ندهم‪ ،‬ف عادت إ ل‬
‫الستمداد منه بعد أن كانت قد نسيته ‪ -‬أو فقدته ‪ -‬ف فترة الظلم الكنسي!‬

‫وتلك مغالطة تنطوي على مموعة من الغالطات!‬

‫فم ما ل شك ف يه ‪ -‬ع ندي ‪ -‬أن ما ‪-‬ي سم‪A‬ى " الفل سفة ال سلمية " هو ف كر‬
‫إغريقي وإن تناول موضوعات إسلمية‪ ،‬أو قل إن شئت إنه عرض للسلم من خلل أداة‬
‫غريبة على السلم‪ ،‬هي " الفلسفة الغريقية "‪ ،‬و " النطق الغريقي "‪.‬‬

‫وما ل شك فيه كذلك أن أوربا ‪ -‬حي أرسلت مبعوثيها ليتعلموا ف الدارس‬


‫السلمية ف الندلس والشمال الفريقي وصقلية السلمية وبلد الشرق‪ ،‬وحي ترجت‬
‫الك تب ال سلمية‪ ،‬قد و جدت ‪ -‬في ما و جدت ‪ -‬تراث ها ا لغريقي مرة أ خرى متر جا‬
‫بالعربية ف كتب " الفلسفة السلمية "‪ ،‬ومضافا‪ X‬إليها إضافات‪ ..‬فوصل ذلك ما بينها‬
‫وبي تراثها الذي كانت قد فقدته أو نسيته ف عصور الظلم الكنسي‪.‬‬

‫ول كن ال قول بأن هذا هو ا لذي أي قظ أور با‪ ،‬هو تب جح ال غرور من كر الم يل‪،‬‬
‫الذي ل يريد أن يعترف بالق‪ ،A‬والق‪ A‬ميط به من كل جوانبه!‬

‫‪ ()19‬هي جاهلية بنفس العتبار الذي أشرنا إليه آنفا‪ X‬وإن كانت ترفع شعارات " الدين "‪.‬‬
‫‪ ()20‬انظر بالتفصيل إن شئت فصل " دور الكنيسة " ف كتاب " مذاهب فكرية معاصرة "‪.‬‬

‫)‪(22‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فل قد كان ا لتراث ا لغريقي الرو مان ال صلي قائ ما‪ X‬مو جودا‪ X‬ف مت ناول أ يدي‬
‫ا لوربيي ف ع صور الظلم‪ ،‬فل هو أيقظ هم من سباتم‪ ،‬ول هم مدوا أ يديهم إل يه‬
‫ليتناولوه!‬

‫إنا الذي أيقظهم هو السلم‪.‬‬

‫وسواء كان احتكاكهم بالسلم والسلمي‪ ،‬هو الحتكاك السلمي ف الندلس‪،‬‬


‫أو الحتكاك الرب ف الروب الصليبية‪ ،‬فقد كان هذا الحتكاك هو الذي أشعرهم با‬
‫هم فيه من ظلم وتلف‪ ،‬وحفزهم إل إرادة الياة‪ ،‬بعد أن كانوا قد أخلدوا إل الس‪A‬بات‬
‫الذي ي‪-‬شبه الوت‪.‬‬

‫يقول " الفارو القرطب " عن أثر السلمي ف نصارى الندلس‪:‬‬

‫" ي طرب إ خوان ال سيحيون بأ شعار ال عرب وقص صهم‪ ،‬ف هم يدر سون ك تب‬
‫الفقهاء والفلسفة المديي ل لتفنيدها‪ ،‬بل للحصول على أسلوب عرب صحيح رشيق‪.‬‬
‫فأين تد اليوم علمان̈يا )‪ (21‬يقرأ التعليقات اللتينية على الكتب القدسة؟ وأين ذلك الذي‬
‫يدرس النيل وكتب النبياء والرسل؟ واأسفاه! إن شباب السيحيي الذين هم أبرز الناس‬
‫مواهب‪ ،‬لي سوا ع لى ع لم بأي أدب ول أ ية ل غة غ ي العرب ية‪ ،‬ف هم ي قرأون ك تب ال عرب‬
‫ويدرسونا بلهفة وشغف‪ ،‬وهم يمعون منها مكتبات كاملة تكلفهم نفقات باهظة‪ ،‬وإنم‬
‫ليترنون ف كل‪ m‬مكان بدح تراث العرب‪ .‬وإنك لتراهم من الناحية الخرى يتجون ف‬
‫زراية إذا ذكرت الكتب السيحية بأن تلك الؤلفات غي جديرة بالتفاتم! فواحر‪ A‬قلباه!‬
‫لقد نسي السيحيون لغتهم‪ ،‬ول يكاد يوجد منهم واحد ف اللف قادر على إنشاء رسالة‬
‫إ ل صديق بلتين ية م ستقيمة! ول كن إذا ا ستدعى ا لمر كتا بة بالعرب ية‪ ،‬ف كم من هم من‬
‫يستطيع أن يعب عن نفسه ف تلك اللغة بأعظم ما يكون من الرشاقة‪ ،‬بل قد يقرضون من‬
‫الشعر ما يفوق ف صحة نظمه شعر العرب أنفسهم " )‪.(22‬‬

‫وقد كان مثل هذا التأثي‪ ،‬العائد مع البتعثي الوربيي إل مدارس السلمي ف‬
‫الغرب وال ندلس وبلد ال شرق‪ ،‬هو الذي أثار ج نون الكنيسة الوربية‪ ،‬فرا حت ترق‬

‫‪ ()21‬لعله يقصد الشتغلي بالعلم‪.‬‬


‫‪ ()22‬فون جروني باوم‪ ،‬ح ضارة ال سلم‪ ،‬ص ‪ 82 – 81‬من التر جة العرب ية‪ ،‬إ صدار م شروع ا للف‬
‫كتاب‪ ،‬وزارة التعليم العال‪ ،‬بالقاهرة‪.‬‬

‫)‪(23‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫العل ماء ا لذين نادوا بأف كار اكت سبوها من ع لوم ال سلمي‪ ،‬ماو لة من ها لو قف الت يار‬
‫الارف الذي نشأ ف الفكر الورب نتيجة الحتكاك بالسلم‪.‬‬

‫يقوول بريفولت ف كتاب " بناء النسانية ‪:" Making of Humanity‬‬

‫" فال عال ال قدي ‪ -‬ك ما رأي نا ‪ -‬ل ي كن للع لم ف يه و جود‪ .‬وع لم الن جوم ع ند‬
‫اليو نان وريا ضياتم كانت علو ما‪ X‬أجنب ية ا ستجلبوها من خارج بلد هم وأ خذوها عن‬
‫سواهم‪ ،‬و ل ت تأقلم ف يوم من ال يام فت متزج امتزا جا‪ X‬كل̈يا بالثقا فة اليونان ية‪ .‬و قد ن ظ‪m‬م‬
‫اليو نان ا لذاهب وعم موا الح كام وو ضعوا النظر يات‪ .‬ول كن أ ساليب الب حث ف دأب‬
‫وأناة‪ ،‬وجيع العلومات اليابية وتركيزها‪ ،‬والناهج التفصيلية للعلم‪ ،‬واللحظة الدقيقة‬
‫الستمرة‪ ،‬والبحث التجريب‪ ،‬كل‪ m‬ذلك كان غريبا‪ X‬تاما‪ X‬عن الزاج اليونان‪ .‬أما ما ندعوه "‬
‫الع لم " ف قد ظ هر ف أور با نتي جة لروح من الب حث جد يدة‪ ،‬ول طرق من الستق صاء‬
‫مستحدثة‪ ،‬من طرق التجربة واللحظة والقاييس‪ ،‬ولتطور الرياضيات إل صورة ل يعرفها‬
‫اليونان‪ .‬وهذه الروح وتلك الناهج العلمية‪ ،‬أدخلها العرب إل العال الورب " )‪.(23‬‬

‫" ول يكن العلم وحده هو الذي أعاد أوربا إل الياة‪ ،‬بل إن مؤثرات أخرى‬
‫كثية من مؤثرات الضارة السلمية بعثت باكورة أشعتها إل الياة الوربية " )‪.(24‬‬

‫لقد كان أهم ما كسبته أوربا من الحتكاك بالسلم والسلمي هو إرادة الياة‪.‬‬

‫لقد احتكوا بأمة حية قوية متعل‪m‬مة ذات حضارة وفكر و–ث‪Û‬اب‪ ..‬فأرادوا أن تكون‬
‫لم ح ياة ماث لة‪ ،‬فغ يوا نظر تم إ ل ا لمور ك‪m‬ل ها‪ ،‬وغ يوا من هج ح ياتم من جذوره‪..‬‬
‫فانبعثوا أمة جديدة‪.‬‬

‫كان دينهم الذي حرفته الكنيسة يدعوهم إل إهال الياة الدنيا من أجل الخرة‪،‬‬
‫تف سيا‪ X‬خاطئا‪ X‬من هم ل قول ال سيح عل يه ال سلم ‪ -‬إن كان قد قال بالف عل ‪ " -‬من أراد‬
‫اللكوت فليترك ماله وأبناءه وليتبعن‪ ،" ..‬فقد أنزل ال على السلمي مثل هذا التوجيه‬
‫فلم يفهموا منه ما فهمت الكنيسة من القول النسوب إل السيح عليه السلم‪.‬‬

‫‪ ()23‬عن كتاب " تديد الفكر الدين " تأليف ممد إقبال ترجة عباس ممود‪ ،‬ص ‪ 250‬من الترجة‬
‫العربية‪.‬‬
‫‪ ()24‬الصدر السابق ص ‪.149‬‬

‫)‪(24‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫قال تعال‪) :‬ق‪ /‬ل‪) .‬إ ن‪ .‬ك‪#‬ان‪ #‬آ ب‪%‬اؤ‪-‬ك‪/‬م‪ 4‬و‪%‬أ‪4#‬ب ن‪%‬اؤ‪-‬ك‪/‬م‪ 4‬و‪%‬إ) خ‪4‬و‪%‬ان‪/ -‬كم‪ 4‬و‪#%‬أز‪4‬و‪%‬اج‪-‬ك‪ /‬م‪ 4‬و‪%‬ع‪ %‬ش)ي‪%‬ت‪-‬ك‪/‬م‬
‫و‪#%‬أم‪4‬و‪%‬ال‪ I‬اق‪.‬ت‪%‬ر‪%‬ف‪.‬ت‪-‬م‪-‬و ه‪%‬ا و‪%‬ت) ج‪%‬ار‪%‬ة‪% I‬تخ‪ 4‬ش‪%‬و‪4‬ن‪ #‬ك‪ #‬س‪%‬اد‪%‬ه‪%‬ا و‪%‬م‪ %‬س‪%‬اك)ن‪% -‬تر‪ 4‬ض‪%‬و‪4‬ن‪%‬ه‪%‬ا أ‪#‬ح‪%‬ب‪) H‬إل‪#‬ي‪4‬ك‪ /‬م‪ 4‬م) ن‪ %‬الل‪X‬ه‬
‫و‪%‬ر‪ %‬س‪-‬ول)ه) و‪%‬ج) ه‪%‬اد‪ p‬ف)ي س‪%‬ب)يل)ه) ف‪#‬ت‪%‬ر‪%‬ب‪ H‬ص‪-‬وا ح‪ %‬ت‪H‬ى ي‪. %‬أت)ي‪ %‬الل‪ X‬ه‪ -‬ب)أ‪#‬م‪4‬ر)ه) و‪%‬الل‪ X‬ه‪ -‬ل ي‪ %‬ه‪4‬د)ي ال‪ .‬ق‪#‬و‪4‬م‬
‫ال‪.‬ف‪#‬اس)ق)ي(‪] .‬سورة التوبة‪ ،‬الية ‪ .[24‬ولكن السلمي ل يترجوا ذلك إل رهبانية سلبية‬
‫مهملة لواقع الرض‪ ،‬لن تعاليم ال سلم كل‪m‬ها كانت تدعو إ ل مارسة الياة الواقعية‬
‫بكل‪ €‬اتاهاتا وكل مالتا‪ ،‬لتحقيق " اللكوت " ف واقع الرض‪ ،‬وذلك بتطبيق النهج‬
‫الربان ف دنيا الواقع‪ ،‬وتكيمه ف ك ل‪ m‬شئون البشر السياسية والقتصادية والجتماعية‬
‫والفكرية والخلقية )‪ ،(25‬وتظ ل‪ m‬النة بنعيمها الالد هي الزاء على ما يبذله البشر ف‬
‫الرض من الهد لتطبيق ذلك النهج ف واقع الياة‪ ،‬ول تكون هي الزاء على ترك الدنيا‬
‫يعمل الفساد فيها فل ي‪-‬قاو–م‪ ،‬وي–حكم القيصر فيها بواه فيفسد ف الرض‪.‬‬

‫وكان دينهم الذي حر‪A‬فته الكنيسة يدعو الناس إل الرضا بالذ ‪m‬ل والوان ف الياة‬
‫الدنيا من أجل نعيم الخرة‪ ،‬تفسي‪X‬ا خاطئا‪ X‬لقول السيح عليه السلم ‪ -‬إن كان قد قال‬
‫بالفعل ‪ " -‬من خدم سيدين ف الدنيا خي من خدم سيدا‪ W‬واحدا‪ " W‬ولكن السلم كان‬
‫يعلم الناس أل يرضخوا للظلم ف الياة الدنيا‪ ،‬بل يقاوموه ما وسعهم الهد‪ ،‬لقامة العدل‬
‫الربان التمثل ف الشريعة النلة‪ ،‬وأنذر الذين يرضون بالذل‪ m‬والظلم ول يقاومونه ‪ -‬وهم‬
‫م ستطيعون ‪ -‬بالعذاب ا لليم ف الخرة‪)) :‬إ ن‪ X‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ت‪%‬و‪ %‬ف‪X‬اه‪-‬م‪ -‬ال‪.‬م‪%‬ل)ئ ك‪#‬ة‪ /‬ظ‪#‬ال)م)ي ‪#‬أن‪4‬ف‪ /‬س)ه)م‬
‫ق‪#‬ال‪/‬وا ف)ي م‪ %‬ك‪/‬ن‪4‬ت‪ -‬م‪ 4‬ق‪#‬ال‪/‬وا ك‪ /‬ن‪H‬ا م‪-‬س‪4‬ت‪ %‬ض‪4‬ع‪%‬ف)ي‪ %‬ف)ي ال‪.‬أ‪#‬ر‪ 4‬ض) ق‪#‬ال‪/‬وا أ‪#‬ل‪ #‬م‪% 4‬تك‪ /‬ن‪ 4‬أ‪#‬ر‪ 4‬ض‪ -‬الل‪ X‬ه) و‪%‬ا س)ع‪%‬ة‬
‫ف‪#‬ت‪ -‬ه‪%‬اج)ر‪-‬وا ف)ي ه‪%‬ا ف‪#‬أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬م‪%‬أ‪.‬و‪%‬اه‪-‬م‪ 4‬ج‪%‬ه‪%‬ن‪ H‬م‪ -‬و‪ %‬س‪%‬ا̀ءت‪ 4‬م‪ %‬ص)يا‪) ،W‬إل‪X‬ا ا‪.‬لم‪-‬س‪4‬ت‪ %‬ض‪4‬ع‪%‬ف)ي‪ %‬م) ن‪ %‬الر‪ s‬ج‪%‬ال‬
‫و‪%‬الن‪ s‬س‪%‬اء) و‪%‬ال‪.‬و) ل‪.‬د‪%‬ان) ل ي‪ %‬س‪4‬ت‪%‬ط)يع‪-‬ون‪ #‬ح)ي ل‪#‬ة‪ W‬و‪%‬ل ي‪%‬ه‪ 4‬ت‪%‬د‪-‬ون‪ #‬س‪%‬ب)يل‪ ،W‬ف‪#‬أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ع‪ %‬س‪%‬ى الل‪ X‬ه‪ -‬أ‪ #‬ن‪ .‬ي‪%‬ع‪4‬ف‪/‬و‬
‫ع‪%‬ن‪4‬ه‪ -‬م‪ 4‬و‪ %‬ك‪#‬ان‪ #‬الل‪ X‬ه‪ -‬ع‪ %‬ف‪/‬و‪m‬ا‪ W‬غ‪ #‬ف‪/‬ورا(‪ ] .‬سورة الن ساء‪ ،‬ال يات ‪ .[99 - 97‬و هؤلء‬
‫الستضعفون ح ق‪Ü‬ا‪ ،‬الذين ل يستطيعون حيلة ول يهتدون سبيل‪ ،X‬ليسوا كذلك متروكي‬
‫للذ”ل‪ Ý‬يأكلهم ويسحق وجودهم‪ ،‬إنا هناك من ‪-‬يح–ض‪ ¥‬على تليصهم ما هو واقع بم‪:‬‬

‫)ف‪#‬ل‪.‬ي‪ -‬ق‪#‬ات)ل‪ .‬ف)ي س‪%‬ب)يل) الل‪ X‬ه) ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ي‪ %‬ش‪4‬ر‪-‬ون‪ #‬ا‪.‬لح‪ %‬ي‪%‬اة‪ #‬ا لد_ن‪4‬ي‪%‬ا ب)ا ل‪.‬آخ)ر‪%‬ة) و‪%‬م‪ %‬ن‪- 4‬ي ق‪#‬ات)ل‪ .‬ف)ي‬
‫س‪%‬ب)يل) الل‪X‬ه) ف‪#‬ي‪-‬ق‪.‬ت‪%‬ل‪# .‬أو‪% 4‬يغ‪4‬ل)ب‪ 4‬ف‪#‬س‪%‬و‪4‬ف‪ %‬ن‪-‬ؤ‪4‬ت)يه) أ‪#‬ج‪4‬را‪ W‬ع‪%‬ظ)يما‪ ،W‬و‪%‬م‪%‬ا ل‪#‬ك‪/‬م‪ 4‬ل ت‪-‬ق‪#‬ات)ل‪/‬ون‪ #‬ف)ي س‪%‬ب)يل) الل‪X‬ه‬
‫و‪%‬ال‪.‬م‪-‬س‪4‬ت‪%‬ض‪4‬ع‪%‬ف)ي‪ (26) %‬م) ن‪ %‬الر‪ s‬ج‪%‬ال) و‪%‬الن‪ s‬س‪%‬اء) و‪%‬ا‪.‬لو) ل‪.‬د‪%‬ان) ا ل‪X‬ذ)ين‪% %‬يق‪/‬و ل‪/‬ون‪ #‬ر‪%‬ب‪ H‬ن‪%‬ا أ‪#‬خ‪4‬ر)ج‪ 4‬ن‪%‬ا م) ن‪ 4‬ه‪%‬ذ)ه‬

‫‪ ()25‬التفت الستشرق الكندي العاصر ولفرد كانتول سيث إل هذه النقطة ف مقدمة كتابه " السلم‬
‫ف التار يخ ا لديث " ف قرر أن الن صارى يرون أن الل كوت ل يتح قق إل ف ا لخرة بين ما ي سعى‬
‫السلمون إل تقيقه ف الياة الدنيا بتطبيق الشريعة‪.‬‬
‫‪ ()26‬أي الستضعفي حقيقة‪.‬‬

‫)‪(25‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ال‪.‬ق‪#‬ر‪4‬ي‪%‬ة) الظ‪X‬ال)م) ‪#‬أه‪4‬ل‪/‬ه‪%‬ا و‪%‬اج‪4‬ع‪%‬ل‪# .‬لن‪%‬ا م)ن‪ 4‬ل‪#‬د‪4-‬نك‪ %‬و‪%‬ل)ي‪m‬ا‪ W‬و‪%‬اج‪4‬ع‪%‬ل‪ .‬ل‪#‬ن‪%‬ا م)ن‪ 4‬ل‪#‬د‪-‬ن‪4‬ك‪ %‬ن‪%‬ص)يا‪ ،W‬ال‪X‬ذ)ين‪ %‬آم‪%‬ن‪-‬وا‬
‫ي‪-‬ق‪#‬ات)ل‪/‬ون‪ #‬ف)ي س‪%‬ب)يل) الل‪X‬ه) و‪%‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ك‪ #‬ف‪#‬ر‪-‬وا ي‪-‬ق‪#‬ات)ل‪/‬ون‪ #‬ف)ي س‪%‬ب)يل) الط‪X‬اغ‪/‬وت) ف‪ #‬ق‪#‬ات)ل‪/‬وا أ‪#‬و‪)4‬ل ي‪%‬اء‬
‫ضع)يفا(‪] .‬سورة النساء‪ ،‬اليات ‪.[76 - 74‬‬ ‫الش‪H‬ي‪4‬ط‪#‬ان) إ) ‪X‬ن ‪#‬كي‪4‬د‪ %‬الش‪H‬ي‪4‬ط‪#‬ان) ك‪#‬ان‪% #‬‬

‫وكان دينهم الذي حر‪A‬فته الكنيسة يضفي على " رجال الدين " قداسة ليست لم‬
‫ف الدين القيقي‪ ،‬مبنية على سلسلة من الساطي الت ابتدعها بولس وغيه من البتدعي‪،‬‬
‫تبدأ بتأليه عيسى عليه السلم‪ ،‬ودعاء بنو‪A‬ته ل سبحانه وتعال‪ ،‬ث بقول منسوب للمسيح‬
‫عليه السلم‪ ،‬أنه قال لبطرس‪ " :‬أنت بطرس‪ ،‬وعلى هذه الصخرة ابن كنيست‪ ،‬وأبواب‬
‫الحيم لن تقوى عليها‪ ،‬وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات‪ ،‬فكل‪ m‬ما تربطه على الرض‬
‫يكون مربوطا‪ X‬ف السماوات‪ ،‬وكل‪ m‬ما تل‪m‬ه على الرض يكون ملول‪ X‬ف السموات " )‪.(27‬‬
‫ث إن ب طرس م نح هذا ال سلطان القد سي لل بابوات من ب عده‪ ،‬ف صار لك ل‪ m‬من هم قدا سة‪،‬‬
‫ولكلم ته سلطان م قد‪A‬س‪ .‬و بذا ال سلطان ط غوا ف ا لرض بغ ي ال ق‪ ،A‬و كان من ضمن‬
‫طغ يانم ح ظر التفك ي ع لى الع قل الب شري ‪ -‬ل كي ل ي‪-‬ف ك‪m‬ر في ما اب تدعته الكني سة من‬
‫ا لزعبلت‪ ،‬ول كي يظ ل‪ m‬للكني سة سلطانا ال قدس ‪ -‬فج مد الع قل ا لورب ع شرة قرون‬
‫متوال ية هي ع صور الظلم ا لت ر فرف علي ها د ين الكني سة ا لرف‪ ،‬وامت ل هذا الع قل‬
‫بالساطي‪ ،‬وح‪-‬ر‪A‬م عليه أن يرى النور فرضي بالظلم‪ .‬بينما كان السلم بريئا من ذلك‬
‫لنه دين ال الق‪ ،m‬فل قداسة فيه لحد غي ال سبحانه وتعال‪ ،‬وحت رسوله صلى ال‬
‫عل يه و سلم‪ ،‬ي‪-‬ؤمر أن ي قول لل ناس ) س‪-‬ب‪4‬ح‪%‬ان‪ #‬ر‪ %‬ب‪s‬ي ه‪ %‬ل‪ .‬ك‪4 /‬ن ت‪ -‬إ)ل‪X‬ا ‪%‬ب ش‪%‬را‪ W‬ر‪ %‬س‪-‬ول‪ ] .(W‬سورة‬
‫السراء‪ ،‬الية ‪ ..[93‬والسلمون ي‪-‬وق‪m‬رون رسولم صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ويطيعونه ف كل‬
‫أمر‪ ،‬وي سارعون إ ل مرضاته‪ ،‬ولكنهم يعر فون أ نه ب شر‪ ،‬وأن دوره هو التبل يغ عن ر به‪،‬‬
‫وهو البيان لا أنزل من عند ال‪ ،‬وهو التربية والتوجيه لم‪ ،‬ولكنه ل يلك لم ول لنفسه‬
‫ضر¾ا ول نفعا‪ W‬إل ما شاء ال‬

‫ث إن هذا الدين ل يجر على العقل أن ي‪-‬فك‪m‬ر‪ ،‬بل يدعوه دعوة ملح‪m‬ة أن يقوم‬
‫بالتفكي والتدبر‪ ،‬والنظر ف ملكوت السماوات والرض‪ ،‬والتعرف على السنن الربانية ف‬
‫الكون الشهود وف حياة البشر‪ ،‬وأن يسيوا ف الرض ويتفكروا‪ ..‬ومن ث انطلقت المة‬
‫الت آمنت بذا الدين‪ ،‬توب الفاق‪ ..‬آفاق الفكر وآفاق الرض وآفاق العلم‪ ..‬وتتفوق‬
‫ف ك ‪m‬ل اليادين‪.‬‬

‫‪ ()27‬إنيل مت‪ ،‬الصحاح السادس عشر‪.20 – 19 ،‬‬

‫)‪(26‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫لقد كان كل‪ m‬شيء ف حياة السلمي كأنه القابل الكامل لا ألفته أوربا ف قرونا‬
‫الو سطى الظل مة‪ ..‬لذلك كان الحت كاك ب ي أور با وال سلمي عظ يم ا لثر ف حيا تا‪،‬‬
‫شامل‪ W‬لكل‪ €‬ميادين الياة فيها‪ ،‬كما قال " بريفولت " ف عبارته الت نقلناها عنه من قبل‪:‬‬
‫" ول يكن العلم وحده هو الذي أعاد أوربا إل الياة‪ ،‬بل إن مؤثرات أخرى كثية من‬
‫مؤثرات الضارة السلمية بعثت باكورة أشعتها إل الياة الوربية "‪.‬‬

‫وكانت أوربا قمينة ‪ -‬كما قال الؤرخ البيطان " ويلز " ف كتاب " معال تاريخ‬
‫النسانية " ‪ -‬أن تدخل ف السلم‪ .‬يقول‪ " :‬ولو تيأ لرجل ذي بصية نف‪m‬اذة أن ينظر إل‬
‫العال ف مفتتح القرن السادس عشر فلعله كان يستنتج أنه لن تضي إل بضعة أجيال قليلة‬
‫ل يلبث بعدها العال أجع أن ي‪-‬صبح مغول̈يا ‪ -‬وربا أصبح إسلمي¾ا " )‪.(28‬‬

‫ول كن الكني سة وق فت لور با بالر صاد تنع ها من ا لدخول ف ال سلم!‬


‫واستخدمت ف سبيل ذلك كل‪ m‬ما تلك من الوسائل با ف ذلك ماكم التفتيش‪ ،‬وبا ف‬
‫ذ لك تكل يف ك” ت‪A‬اب الكني سة ومفكري ها وأدبائ ها أن ي شوهوا صورة ال سلم ف ن فوس‬
‫الوربيي‪ ،‬بتشويه صورة الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وصحابته الكرام ‪ -‬رضوان ال‬
‫علي هم ‪ -‬وتزي يف و قائع التار يخ‪ ،‬وت صوير ال سلم بربر ية ووح شية ودمو ية و شهوانية‬
‫وانطاطا‪ X‬وقسوة وهجية‪ ..‬ال‪ ..‬ال‪.‬‬

‫ووق عت أور با ف مأزق تاريي‪ ..‬ف هي نافرة من الكني سة وطغيا نا وجهالت ها‪،‬‬
‫وحجرها على الفكر‪ ،‬وصرفها الناس عن مارسة الياة‪ ،‬وإصلح الواقع الرضي‪ ،‬وهي ف‬
‫الوقت ذاته مصدودة عن الد‪A‬ين الق‪ A‬با شوه الك”ت‪A‬اب من صورته ف نفوس الناس‪ ..‬وكان‬
‫اللجأ الذي لأت إليه ف مأزقها التاريي هو نبذ الفكر الدين جلة‪ ،‬والعودة إل التراث‬
‫ا لوثن‪ ،‬التم ثل ف الاهل ية الغريق ية والاهل ية الرومان ية‪ ،‬وماو لة ب ناء " النه ضة " ع لى‬
‫أساس ذلك التراث‪.‬‬

‫وكان هذا هو اليلد النكد للجاهلية العاصرة!‬

‫‪ ()28‬ويلز‪ ،‬معال تاريخ النسانية‪ ،‬ترجة عبد العزيز توفيق جاويد‪ ،‬طبع لنة التأليف والترجة والنشر‬
‫بالقاهرة ج ‪ 3‬ص ‪.966‬‬

‫)‪(27‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ثالثا‪ :‬خصائص الاهلية العاصرة‬


‫كان لذا اليلد النكد آثار خطية ف تشكيل خصائص الاهلية العاصرة‪.‬‬

‫فلقد جعت هذه الاهلية ف أطوائها مواريث متلفة وتأثرات متلفة‪ ،‬جعلت منها‬
‫ف النها ية صورتا الال ية ا لت ي كن تلخي صها ف كل متي‪ :‬ت قدم هائل ف الع لوم الاد ية‬
‫والتكنولوجيا والعمارة الادية للرض‪ ،‬وانتكاسة هائلة ف الانب الروحي والقيم العنوية‬
‫اللزمة لياة النسان‪.‬‬

‫لقد ورثت من الاهلية الغريقية عبادة العقل‪ ،‬وعبادة السد ف صورة جال‬
‫ح سي‪ ،m‬وا لروح الوثن ية ف الن ظر إ ل ال كون وال ياة والن سان‪ ،‬وب صفة خا صة عل قة‬
‫الصراع بي البشر واللة‪ ،‬حيث اللة تريد تدمي النسان‪ ،‬والنسان يريد أن ي‪-‬ثبت ذاته‬
‫بالتمر‪m‬د على اللة‪.‬‬

‫وورثت من الاهلية الرومانية عبادة السد ف صورة شهوات حسي‪m‬ة‪ ،‬وتزيي‬


‫الياة الدنيا لزيادة الستمتاع السي‪ A‬با إل أقصى الغاية‪ ،‬ومن ث الهتمام البالغ بالعمارة‬
‫الادية للرض‪.‬‬

‫وورثت منهما معا‪ X‬نزعة الستعمار‪ ،‬واستعباد الخرين من أجل شهوة السيطرة‬
‫من ناحية‪ ،‬ومن أجل زيادة الفراهية السية من ناحية أخرى‪.‬‬

‫وأخذت من السلمي النهج التجريب ف البحث العلمي‪ ،‬الذي كان أساس كل‬
‫الت قدم العل مي ا لديث‪ ،‬وا ستفادت من ع لومهم كل‪ m‬ها با في ها الفيز ياء والكيم ياء‬
‫والرياضيات والطب‪ A‬والفلك‪ ،‬كما استفادت من وسائلهم الضارية الخرى‪) ،‬وأضافت‬
‫لر ف مت لف مالت الف كر‪،‬‬ ‫إلي ها كثيا‪ W‬بالطبع(‪ ،‬ك ما أ خذت من هم روح التفك ي ا ‪A‬‬
‫وروح الغامرة ف فجاج الرض واستكشاف ماهيلها‪.‬‬

‫وف الخي جاءها التأثي اليهودي‪ ،‬الذي نفذ من الثغرات الت أوجدها نفور أوربا‬
‫من الدين‪ ،‬فصبغ الياة الوربية بالصبغة النفعية‪ ،‬وعم‪A‬ق التاهات الادية‪ ،‬وزاد من الفوة‬
‫الروحية‪ ،‬ونشر التفسخ الخلقي ف التمع الورب‪ ،‬مستغل‪ Ü‬أحداث الثورة الفرنسية ث‬

‫)‪(28‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ال ثورة ال صناعية ث النظر ية الداروين ية ع لى أو سع ن طاق‪ .‬ذ لك موجز مت صر ي تاج إ ل‬


‫تفصيل‪.‬‬

‫ا شتهرت الاهل ية الغريق ية ب هد فكر ي‪ A‬ضخم‪ ،‬متم ثل ف " الفل سفة " و "‬
‫النطق "‪ ،‬معن‪ á‬بالتفكي ف الكليات‪ ،‬واستنباط النظريات‪ ،‬ووضع القواعد الت يقو‪A‬م على‬
‫أسا سها الف كر‪ .‬و هذه ‪ -‬ف ذا تا ‪ -‬أدوات ناف عة‪ ،‬بل هي ضرورية للح ياة الفكر ية‬
‫ال سليمة‪ ،‬ول ي ستطيع الف كر أن يرت قي إ ل آ فاقه العل يا بغ ي ال لام بت لك ا لدوات‬
‫واستخدامها ف مالا الصحيح‪.‬‬

‫ولكن الأخوذ على تلك الاهلية ليس هو " إعمال العقل " إنا هو ما يكن أن‬
‫نسميه " عبادة العقل "‪ ،‬أي جعله هو الكم ف المور كل‪m‬ها‪ ،‬وهو الرجع الذي تنتهي‬
‫إل يه " العرفة " من ك ل‪ m‬جوانبها ‪ -‬و هو ما يبدو واضحا‪ W‬ف الاهل ية العا صرة بشكل‬
‫بارز‪.‬‬

‫إ ن‪ m‬العقل أداة مفيدة دون شك‪ ،‬وقد عظ‪€‬مه السلم‪ ،‬وجعله من كبيات النعم‬
‫الت م ن* ال با على النسان‪ ،‬وأسند إليهم فهم ا لوحي‪ ،‬واستنباط أح كامه‪ ،‬والنظر ف‬
‫مالت تطبيقه‪ ،‬كما أسند إليه أمورا‪ X‬أخرى مهمة ف حياة السلم‪ .‬ولكنه ل يعله هو‬
‫الرجع الوحيد‪ ،‬ول الرجع العلى‪ ،‬لن ال الالق ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يعلم حدود هذه الداة‪،‬‬
‫ويع لم ا لالت ال صالة لعملها‪ ..‬ويع لم أ نا ‪ -‬و حدها ‪ -‬ل تصلح أن ت كون حك ما‪ X‬ف‬
‫ا لمور ا لت تت عرض لوى الن فس‪ ،‬أو لو هام الن فس‪ ..‬ك ما أ نا مدودة بدود ال قدرة‬
‫البشرية‪ ..‬أو فلنقل‪ :‬العجز البشري!‬

‫إن العقل أداة صالة للتعامل مع الكون الادي‪ ،m‬واستنباط السنن الت تكمه )الت‬
‫ستها أوربا ف جاهليتها العاصرة " قواني الطبيعة "!(‪ ،‬لن هذه السنن ل دخل للنسان‬
‫فيها‪ ،‬إنا دوره هو التعرف عليها‪ ،‬وماولة الستفادة منها ف تسي أحواله على الرض‪،‬‬
‫ول تتأثر برغباته ول أهوائه ول أوهامه‪ ..‬وهو قد ي‪-‬خطئ ف فهمها وقد ي‪-‬صيب‪ ،‬ولكنها‬
‫تظ ل‪ m‬على حالا كما خلقها ال‪ ،‬ل تتأثر " بوقف " النسان‪ :‬مؤ‪5‬منا‪ X‬أو كافرا‪ ،X‬مقبل‪ X‬أو‬
‫مدبرا‪ ،X‬مستقيما‪ X‬أو منحرفا‪ ..‬ومن ث فبحثه فيها يكن أن يصل ف النهاية إل القيقة‪ ،‬ف‬
‫الدود التاحة للقدرة البشرية‪ ،‬الد‪A‬دة لا من عند ال )‪.(29‬‬

‫‪ ()29‬ما زال " العلم " رغم كل الفاق الت وصل إليها يقف حائر‪X‬ا ف قضايا كان يظن أنا حسمت‬
‫للمرة الخية‪ ..‬فبعد تفجي الذرة واستخلص طاقتها انساحت الواجز بي " الادة " و " الطاقة " ول‬

‫)‪(29‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وكذلك يكن أن يكون العقل أداة صالة ف كل‪ m‬أمر ينطبق عليه هذا الوصف‪،‬‬
‫أنه " سنن " ل تتأثر بوقف النسان ول رغباته ول أهوائه ول أوهامه‪ ،‬ف الدود التاحة‬
‫للقدرة البشرية‪ ..‬أما المور الت تتعرض لوى النفس وأوهامها‪ ،‬أو الت ترج عن حدود‬
‫ال قدرة الب شرية النو حة للن سان‪ ،‬فه نا ي كون الع قل هو ال كم‪ ،‬ول ي كون هو الر جع‬
‫النهائي‪ ،‬وإن ل ي‪-‬ستغن عنه ف الفهم والستنباط والتطبيق‪.‬‬

‫وهنا يأت دور الوحي الربان‪..‬‬

‫فقد علم ال أن هناك أمورا‪ X‬ل يهتدي النسان فيها إل الق‪ A‬بفرده‪ .‬وأمورا‪ X‬تغلب‬
‫النسان فيها شهوته ورغباته‪ ،‬فتزين له أمورا‪ X‬م‪-‬هلكة يظن‪ A‬فيها ناته‪ ،‬وتنفره من أمور فيها‬
‫ناته تبدو له أضرارا‪ X‬ومهالك‪ .‬فتكفل ال بتعليم النسان هذه المور كل‪€‬ها عن طريق‬
‫ا لوحي‪ ..‬و ترك له المور الخرى‪ ،‬ا لت يصلح عق له لستيعابا وال كم فيها‪ ،‬يرب‬
‫فيها مقدرته‪ ،‬ي‪-‬خطئ وي‪-‬صيب‪.‬‬

‫والن سان ف و ضعه ال طبيعي ‪ -‬و ضعه الم ثل ‪ -‬ح ي يتل قى " العر فة " من‬
‫مصدريها‪.‬‬

‫من الوحي ف المور الت تك ف‪€‬ل با الوحي‪ :‬حقيقة اللوهية‪ ،‬وحقيقة اللق‪،‬‬
‫وحقيقة اليوم الخر‪ ،‬والتشريع‪ ،‬والنهج الذي يكم الياة‪.‬‬

‫ومن العقل ف المور التروكة للعقل‪ :‬التعرف على السنن الربانية الت تكم‬
‫ال ياة الب شرية لتنظ يم ال ياة بقت ضاها والت عرف ع لى ال سنن الربان ية ا لت ت كم ال كون‬
‫الادي لتحقيق ما سخ‪A‬ره ال من طاقات السموات والرض لتحسي الياة وتميلها )‪.(30‬‬

‫أما الاهلية الغريقية فقد جعلت المر كل‪€‬ه موكول‪ W‬للعقل وحده‪ ..‬فأل‪€‬هته!‬

‫وصار العقل ‪ -‬عندها ‪ -‬هو الرجع الذي ترجع إليه ف قضية اللوهية‪ ،‬وقضية‬
‫اللق‪ ،‬وقضية ما يكون بعد الوت‪ ،‬وقضية التشريع‪ ،‬وقضية النهج الذي يكم الياة‪ .‬ف‬
‫حي حولت اليدان الرئيسي للعقل ‪ -‬وهو النظر ف الكون الادي والتعرف على خواصه‪،‬‬

‫يعد أحد يعرف على وجه الدقة حدود هذه وتلك!‬


‫‪ ()30‬اقرأ – إن شئت – فصل " العقلنية " ف كتاب " مذاهب فكرية معاصرة "‪.‬‬

‫)‪(30‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وماولة تسخي طاقاته ‪ -‬إل نظريات ذهنية مردة‪ ،‬ل ت‪m‬رب لعرفة مدى صدقها وانطباقها‬
‫ع لى الوا قع‪ ،‬إ نا ت‪ -‬مرر ع لى " الع قل "‪ ،‬فإن رآ ها صحيحة ف هي ف حك مه صحيحة‪،‬‬
‫بصرف النظر عن واقعها القيقي‪ ،‬وإن رآها ‪ -‬لي سبب من السباب ‪ -‬غي صحيحة‬
‫فهي ف حكمه غي صحيحة‪ ،‬بصرف النظر عن واقعها القيقي!‬

‫وكان ل بد لذا النراف ف الاهلية الغريقية أن يصل إل نتيجته‪ ..‬فقد عاش‬


‫الناس ف دوامة من النظريات الفلسفية التناقضة ف قضايا الياة الرئيسية كل‪€‬ها‪ ،‬وف‬
‫الوقت ذاته ل يتقدم العلم! وكان هذا النهج قمينا‪ X‬أن يصل بالياة إل البوار حت لو قدر‬
‫له أن يعيش أكثر ما عاش‪ ،‬ول تأت الكنيسة لتطمسه أو تسخره لغراضها الاصة‪.‬‬

‫وإذا تفهم نا هذه القي قة ن ستطيع أن ندرك مع ن ال نراف الوا قع ف الاهل ية‬
‫العاصرة من " إحياء " الاهلية الغريقية مرة أخرى‪.‬‬

‫حقيقة إنه حدثت تغييات جوهرية ف بعض نواحي النهج‪..‬‬

‫فقد تسلم السلمون النهج الغريقي‪ ،‬وأدركوا ما فيه من خلل ف الناحية العلمية‪،‬‬
‫إذ أن العلم ل يصلح نظريات ذهنية تريدية بغي تريب‪ ،‬واهتدوا ‪ -‬بوحي إسلمهم ‪-‬‬
‫إل النهج الصحيح‪ ،‬فحو‪A‬لوا العلم إل ملحظة وتربة واستنباط‪ ،‬وكان هذا هو النهج‬
‫الذي انبن عليه كل‪ €‬التقدم العلمي ف العصر الاضر‪ ،‬كما أشار " بريفولت "‪ ،‬وكثي‬
‫غيه من الباحثي والؤرخي‪.‬‬

‫وما من شك أن أوربا لا جهدها الضخم ف هذا اليدان‪ ،‬الذي يسب لا ف‬


‫النتائج الخية الت توصل إليها العلم‪ ،‬نتيجة اللد والثابرة وروح الد‪ A‬والعزية الت حل‬
‫الوربيون عبئها ف القرون الثلثة الخية‪ ،‬ولكن هذا ل ينقص من قيمة الهتداء إل‬
‫النهج الصحيح‪ ،‬الذي جعل هذه النتائج مكنة باللد والثابرة والعزية‪ ،‬والذي لوله لبقي‬
‫العلم نظريات تريدية‪ ،‬كما كان على عهد اليونان‪.‬‬

‫ك ما أن العقلن ية التجريد ية قد تولت ‪ -‬بف عل الت قدم العل مي التجر يب ‪ -‬إ ل‬


‫عقلنية تريبية‪ ،‬فانصرفت عن عال " ما وراء الطبيعة " )اليتافيزيقا( إل عال الطبيعة‪،‬‬
‫واكت سبت بذلك " واقع ية " ف ت ناول م شكلت ال ياة الب شرية ل ت كن لا من ق بل‪،‬‬
‫ونشأت من ذلك دوائر واسعة من الباث‪ ،‬تاول أن توجد حلول‪ X‬عملية للمشكلت‬

‫)‪(31‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ا لت تواجه ال ناس ف ح ياتم‪ ،‬وت صل إ ل تي سيات ضخمة ف مالت ال ياة الختل فة‪،‬‬
‫تستخدم فيها ثار العلم أول‪ X‬بأول‪ ،‬وت‪-‬ؤدي هي ذاتا إل مزيد من التقدم العلمي‪..‬‬

‫ول كن تب قى ب عد ذ لك حقي قة مبدئ ية‪ ..‬هي ال نراف ا لوهري ا لذي ورث ته‬
‫الاهلية العاصرة من الاهلية الغريقية ‪ -‬بالرغم من التغييات الت أحدثها النهج التجريب‬
‫ذو ال صل ال سلمي ‪ -‬ذ لك ال نراف التم ثل ف تك يم الع قل في ما ل مال له ف يه‪،‬‬
‫واتاذه حكما‪ W‬فيما ل يصلح أن يكون حكما‪ W‬فيه‪.‬‬

‫ل قد ح ‪m‬ك مت الاهل ية العا صرة عقل ها ف ق ضية اللوه ية‪ ،‬فأدت با عقلنيت ها‬
‫التجريب ية إ ل ن في و جود ا ل! لرد أن ا ل سبحانه وت عال " ل تدركه الب صار "‪ ،‬ول‬
‫يكن إدراك وجوده بتجربة علمية معملية‪ ،‬على طريقة الكون الادي‪ ..‬وحقيقة أن الاهلية‬
‫العاصرة حو‪A‬لت عقلنيتها عن البحث فيما وراء الطبيعة‪ ،‬وكان هذا تول‪ X‬صح̈يا سليم‪X‬ا ف‬
‫ذاته‪ ،‬لن عقلنية الغريق ف هذا الال ل ت‪-‬فض إل علم نافع ينفع البشرية ف دنياها ول‬
‫آخر تا )‪ ،(31‬ول كن حكم ها ‪ -‬بعقلنيت ها ‪ -‬بن في و جود ا ل لرد أن ق ضية اللوه ية ل‬
‫ل ضخم‪X‬ا هوى بالبشرية ف حأة اللاد‪ ،‬وما صاحبه‬ ‫تضع للتجربة العملية‪ ،‬كان خط ‪X‬‬
‫من انتكاس القيم العنوية كل‪m‬ها إل الضيض‪ .‬وخسرت البشرية من وراء هذا النراف‬
‫أضعاف أضعاف ما كسبته من الي الزئي الذي حقق توجه العقلنية إل اللول العملية‬
‫لشكلت الياة الواقعية‪ ،‬والتقدم العلمي ف شت الالت‪.‬‬

‫وح ‪m‬ك مت الاهل ية العا صرة عقل ها ف ق ضية ال لق ‪ -‬ب عد نفي ها لو جود ا ل‬
‫سبحانه وتعال‪ ،‬أو ف القليل نفي هيمنته وتدبيه لشئون الكون ‪ -‬فأدت با عقلنيتها إل‬
‫أسطورة ضخمة ليس لا واقع علمي‪ ،‬هي " الطبيعة الالقة " من ناحية‪ ،‬و " اللق الذات‬
‫" من ناحية أ خرى‪ ..‬وصارت هذه السطورة " علما‪ " W‬يتداوله " العل ماء " بغ ي برهان‬
‫علمي‪ ،‬ف الوقت الذي يرفضون فيه رد‪ A‬المور إل ال بجة عدم وجود برهان علمي على‬
‫وجوده أو تدبيه لشئون اللق!‬

‫واعجب إن شئت لسريان هذه السطورة ف عصر " العلم "! عجب أكثر من‬
‫أن " العال " إذا ذكر ال ف البحث العلمي سقط من أعي " العلماء "! وصار مضغة ف‬

‫‪ ()31‬كان ما يسمى " الفلسفة السلمية " ماولة للستفادة من الفكر الغريقي ف إثبات وجود ال‪،‬‬
‫ول تفض هذه الاولة إل شيء ذي قيمة‪ ،‬والنهج القرآن هو الول بالتباع‪ ،‬لن منل القرآن هو‬
‫خالق النفس البشرية العليم با يصلح لا ف دينها ودنياها‪.‬‬

‫)‪(32‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫أفواههم يتندرون بهله وسذاجته‪ ،‬وعدم علميته‪ ،‬وعدم موضوعيته‪ ،‬وتعلقه " بالغيبيات "‪،‬‬
‫فإذا ذكر " الطبيعة " رفعوه بذكرها‪ ،‬وخروا لا ساجدين!! وصدق ال العظيم‪:‬‬

‫) ‪%‬وإ)ذ‪#‬ا ذ‪ /‬ك)ر‪ %‬الل‪ X‬ه‪ -‬و‪ %‬ح‪4‬د‪- %‬ه ا ش‪4‬م‪%‬أ‪#‬ز‪H‬ت‪ 4‬ق‪ /‬ل‪/‬وب‪ -‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ل ي‪-‬ؤ‪4‬م) ن‪-‬ون‪ #‬ب)ا ل‪.‬آخ)ر‪) %‬ة و‪%‬إ)ذ‪#‬ا ذ‪ /‬ك)ر‬
‫ال‪X‬ذ)ين‪ %‬م)ن‪ 4‬د‪-‬ون)ه) )إذ‪#‬ا ه‪-‬م‪% 4‬يس‪4‬ت‪%‬ب‪4‬ش)ر‪-‬ون(‪] .‬سورة الزمر‪ ،‬الية ‪.[45‬‬

‫والق أن هذه السطورة تستحق م ن‪A‬ا وقفة بالنظر إل مدى توغلها ف الاهلية‬
‫العاصرة‪ ،‬وتأثي ها ع لى كثي من ماري الف كر و ماري ال سلوك‪ ،‬مع عدم استنادها إ ل‬
‫شيء على الطلق!‬

‫وك ما ي قول " ول د يورانت " عن ا لثي إ نه " خرا قة اب تدعت لخ فاء ال هل‬
‫الثقف للعلم الديث‪ ،‬فهو غامض غموض الشبح أو الروح " )‪ (32‬فالطبيعة الالقة خرافة‬
‫مبتد عة ع لى ذات ال ستوى‪ ،‬وإن كانت أ سبابا أع مق‪ ،‬وآثار ها أخ طر‪ .‬فإذا كان ا لثي‬
‫خرافة قد ابتدعت لسباب " علمية "‪ ،‬أي لتفسي أمور غامضة ف هذا الكون ل يتوصل‬
‫العل ماء إلي ها ب عد‪ ،‬فافتر ضوا فر ضا‪ X‬وا تذوه كأنه حقي قة‪ ..‬فالطبي عة الال قة خرا فة قد‬
‫اب تدعت ل سباب " دين ية "! ف قد كانت مهر با‪ X‬و جدان̈يا ‪ -‬ل علم ي¨ا ‪ -‬من إ له الكني سة‬
‫الذي تستعبد الناس باسه‪ ،‬وتسلب أموالم‪ ،‬وتقلق راحتهم‪ ،‬وتتعقب أفكارهم‪ ،‬وتتدسس‬
‫إ ل دا خل أرواح هم‪ ،‬إ ل إ له آ خر له مع ظم خ صائص ا لله ا لول‪ :‬أ بدي‪ A‬أز ل‪ ،m‬خالق‪،‬‬
‫قادر‪ ..‬ولكن ليست له كنيسة‪ ،‬وليس له على البشر التزامات‪ ..‬فع‪-‬ب‪A‬اده أحرار ل يتقيدون‬
‫تاهه بشيء ف أخلقهم‪ ،‬ول قيمهم‪ ،‬ول سلوكهم! وإل هنا يكون المر أقرب إل الزل‬
‫منه إل الد‪.‬‬

‫أما أن تتحول هذه الرافة البتدعة لسباب وجدانية إل ما ي‪-‬عتب " حقيقة علمية‬
‫"‪ ،‬هي الت تقبل من العلماء‪ ،‬وغيها ‪ -‬الذي هو الق‪ - A‬ي‪-‬رفض منهم‪ ،‬فهذه هي العجيبة‬
‫الت ل ي‪-‬فس‪A‬رها شيء‪ ،‬ول حت‪A‬ى الفزع من سلطان الكنيسة الفزع‪ ..‬فقد كانت السباب‬
‫الرئي سية ا لت من أجل ها رف ضت العقلن ية التجريب ية أن ت عترف بو جود ا ل‪ ،‬أو ت عترف‬
‫بيمنته على الكون‪ ،‬هي أن ال " ل ت‪-‬در)كه البصار "‪ ،‬وأنه قضية " غيبية " ل تدخل ف‬
‫عال الس‪ .‬فما الطبيعة الالقة؟ هل تدركها البصار؟ أم إنا قضية غيبية ل تدخل ف‬
‫عال ال س‪m‬؟! إن الذي تدركه البصار هو الطبيعة الخلوقة ل الطبيعة الالقة‪ ..‬وهذه ل‬
‫يتلف وضعها سواء آمن‪A‬ا بال الق‪ ،A‬أم آمنت الاهلية بإلها الزائف‪ ..‬فأي شيء يكن أن‬

‫‪ ()32‬ول ديورانت‪ ،‬مباهج الفلسفة‪ ،‬ترجة الدكتور أحد فؤاد الهوان‪ ،‬ص ‪.72‬‬

‫)‪(33‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ي‪-‬فس‪A‬ر ‪ -‬فضل‪ X‬عن أن ي‪-‬ب‪A‬ر ‪ -‬اليان بالسطورة ف عهد العلم؟! وبأي ‪-‬حج*ة يتج‪ A‬عصر‬
‫العلم على أساطي الكنيسة وخرافاتا " الدينية "‪ ،‬إذا وقع هذا العصر ف أساطي " اللاد‬
‫" وخرافاته؟‬

‫ع لى أن الق ضية ل ت قف ف خطور تا ع ند هذا ا لد‪ ،A‬و هو خط ي ف ذا ته‪ ،‬إ نا‬


‫تتعداه إل آثاره الطية ف حياة البشرية‪ .‬فما من " وهم " ف تاريخ البشرية كان له من‬
‫الثار الدمرة مثل ما كان من آثار هذا الوهم الذي اعتنقته الاهلية العاصرة لتسند به‬
‫إلادها وتللها وتفسخها‪ ..‬فقد استندت إليه بادئ ذي بدء‡ لتواجه به طغيان الكنيسة‪،‬‬
‫وت سند به تر‪A‬د ها ع لى ذ لك ال سلطان‪ ،‬فإذا به ي هوي با ف م هاو‡ من الف ساد الف كري‬
‫والفساد اللقي ل يصيها الصر‪ ..‬ونظرة سريعة إل التمع الغرب ‪ -‬بعد إلاده بال‪،‬‬
‫وإعطائه الشرعية للفساد اللقي والفوضى النسية ‪ -‬كفيلة بأن ترينا كم كان لنكار‬
‫و جود ا ل‪ ،‬ون في " الغائ ية " عن ا لالق ال بديل‪ ،‬من ن تائج خط ية‪ ،‬ل يس أق‪m‬ل ها انت شار‬
‫المراض النفسية والعصبية والقلق والنون والنتحار والمر والخدرات والرية‪..‬‬

‫إن النسان ‪ -‬بغي اليان بال واليوم الخر‪ ،‬واليان بأن هناك غاية من خلقه ‪-‬‬
‫ل بد أن يصل إل العبثية الت عب عنها شاعر جاهلي معاصر )‪.(33‬‬

‫جئت ل أعلم من أين ولكن أتيت‬

‫ولقد أبصرت قدامي طريقا‪ X‬فمشيت‬

‫وتنقلب الياة بثا‪ X‬منونا‪ X‬عن " التاع "‪ ،‬ي‪-‬ؤدي ف النهاية إل البوط‪ ،‬وي‪-‬ؤدي إل‬
‫الدمار‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وحك‪m‬مت الاهلية العاصرة عقلها ف قضية التشريع‪ ..‬ب‪-‬جة أن النسان قد شب‬
‫عن ال ط‪m‬وق‪ ،‬و ل ي عد ف حا جة إ ل و صاية ا ل‪ .‬وب جة أن ا لمور قد ت طو‪A‬رت‪ ،‬بين ما‬
‫التشريع السماوي جامد ل يتحرك‪ ،‬ول يواكب التطور‪.‬‬

‫‪ ()33‬هو الشاعر اللبنان العاصر إيليا أبو ماضي‪.‬‬

‫)‪(34‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وقضية التشريع بالنسبة لوربا قضية مركبة‪ ،‬تصب‪ A‬فيها اعتبارات كثية ف وقت‬
‫واحد‪.‬‬

‫فالواقع أن " العلمانية " بعن فصل الدين عن الدولة‪ ،‬والتشريع بغي ما أنزل ال‪،‬‬
‫أمر عميق الذور ف التربة الوربية‪ ،‬ل تعد‪A‬له حت فترة الدين الكنسي الرف‪ ،‬فقد كان‬
‫من تريفات ذلك الدين‪ ،‬الت ارتكبتها الكنيسة ضمن ما ارتكبته من التحريفات‪ ،‬فصل‬
‫الدين عن الدولة‪ ،‬أو فصل العقيدة عن الشريعة‪ ،‬وتقدي الد‪A‬ين عقيدة بل شريعة‪ ،‬على‬
‫أساس قول منسوب للسيد السيح‪ " :‬أد‪ A‬ما لقيصر لقيصر وما ل ل! "‪.‬‬

‫أما العلمانية الت أبرزتا الاهلية العاصرة وأكدتا فهي إقصاء كل أثر للتعاليم‬
‫الدينية ف التشريع‪ ،‬وإقامة التشريع على مبعدة من الدين ‪ -‬إن ل يكن على عداء صريح‬
‫مع الدين ‪ -‬ويبدو ذلك واضحا‪ X‬ف تليل الربا‪ ،‬وإباحة الفاحشة‪ ،‬وعدم اعتبارها جرية‬
‫ما دامت برضى الطرفي‪ ،‬بل التوسع ف ذلك ‪ -‬حديثا‪ - X‬إل حد‪ A‬إباحة الفاحشة الشاذة‬
‫وزنا الارم‪ ..‬إل غي ذلك من ألوان التحد‪A‬ي الصارخ لوامر ال‪.‬‬

‫ويبز معن " الاهلية " ف هذه القضية من زاويتي اثنتي على القل‪.‬‬

‫ا لول‪ :‬هي الت مر‪m‬د ع لى ح ق‪ m‬ا ل ف الت شريع‪ ،‬ا لترتب ع لى كونه هو ا لالق‬
‫سبحانه‪ ،‬الذي خلق البشر‪ ،‬وخلق لم طعامهم وشرابم وكساءهم والواء الذي يتنفسونه‪،‬‬
‫وسخ‪A‬ر لم ما ف السموات وما ف الرض جيعا‪ X‬منه‪ ..‬وهم ل يلكون شيئا‪ X‬من ذلك كل‪m‬ه‬
‫بغي تليك ال لم إياه‪:‬‬

‫)أ‪#‬ل ‪#‬له‪ -‬ال‪.‬خ‪%‬ل‪.‬ق‪ -‬و‪%‬ا‪.‬لأ‪#‬م‪4‬ر‪] .(-‬سورة العراف‪ ،‬الية ‪.[54‬‬

‫أي أنه هو صاحب المر سبحانه با أنه هو الالق‪ .‬والرزق ذاته هو من خلق ال‬
‫سبحانه وتعال‪:‬‬

‫)ي‪%‬ا أ‪_#‬يه‪%‬ا الن‪H‬ا س‪ -‬اذ‪ .‬ك‪/‬ر‪-‬وا ن)ع‪4‬م‪ %‬ت‪ %‬الل‪X‬ه) ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ك‪ /‬م‪ 4‬ه‪ %‬ل‪ .‬م) ن‪ 4‬خ‪%‬ا)لق‪ p‬غ‪ #‬ي‪4‬ر‪ -‬الل‪X‬ه) ي‪%‬ر‪4‬ز‪-‬ق‪/‬ك‪ /‬م‪ 4‬م)ن‬
‫الس‪H‬م‪%‬اء) و‪%‬ال‪.‬أ‪#‬ر‪4‬ض) ل إ)ل‪#‬ه‪) %‬إل‪X‬ا ه‪-‬و‪ %‬ف‪#‬أ‪#‬ن‪H‬ى ‪-‬تؤ‪4‬ف‪#‬ك‪/‬ون(‪] .‬سورة فاطر‪ ،‬الية ‪.[3‬‬

‫)‪(35‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫الثانية‪ :‬هي التمر‪m‬د على حكمة ال الكيم البي‪ ،‬الذي خلق النسان ويعلم‬
‫دخائله‪ ،‬ويعلم ما ي‪-‬صلحه وما ي–صلح له‪ ،‬وي‪-‬حيط بالزمن كله ماضيه وحاضره ومستقبله‪،‬‬
‫ويعلم ما يكن أن ي‪-‬ؤ–دي إليه كل تشريع من التشريعات‪ ،‬ل ف الاضر وحده‪ ،‬ولكن ف‬
‫الزمن القبل كله إل أن يرث ال الرض ومن عليها‪ .‬بينما علم النسان قاصر‪ ،‬وأشد‬
‫علمه قصورا‪ - X‬كما ب ي‪A‬ن " الكسيس كاريل " ف كتابه " النسان ذلك الهول " ‪ -‬هو‬
‫علمه بنفسه‪.‬‬

‫وكان من نتائج التشريع بغي ما أنزل ال ف الاهلية العاصرة‪ ،‬أن انقسم الناس ‪-‬‬
‫ك ما يدث ف ك ل‪ m‬جاهل يات التار يخ ‪ -‬إ ل سادة وعب يد‪ :‬سادة يل كون وي شرعون‪،‬‬
‫وعب يد ي قع ع لى كاهلهم الت شريع‪ ،‬ك ما هو ا لال ف ك ل‪ m‬من الع سكرين الت نازعي‪:‬‬
‫العسكر الرأسال‪ ،‬الذي يلك الرأساليون ناصية المر فيه‪ ،‬ويستعبدون الكادحي ‪ -‬على‬
‫الرغم من مسرحية الديقراطية الميلة )‪ - (34‬والعسكر الشيوعي الذي يلك الزب ‪-‬‬
‫أو اللج نة الركز ية العل يا لل حزب‪ ،‬أو الع ضاء ال بارزون ف اللج نة الركز ية‪ ،‬أو الزع يم‬
‫الوحد‪ ،‬أو الستخبارات ‪ -‬ناصية المر فيه‪ ،‬ويقع العبء فيه على الكادحي‪ ،‬أو طبقة "‬
‫البوليتاريا " الت زعمت الشيوعية أنا حط‪m‬مت الن‪A‬ظم السائدة كل‪m‬ها من أجلهم!‬

‫كما كان من نتائجه خلط وخبط ل تنتهي آثاره عند حد‪..m‬‬

‫كانت الرأة ف التمع الغرب مظلومة فأراد قوم إنصافها با رأت " عقولم " أنه‬
‫الق‪ A‬والعدل‪ ،‬وكانت النتيجة ما هو معروف من آثار " ترير الرأة " من تفتيت السرة‪،‬‬
‫وتشر‪A‬د الطفال‪ ،‬وجنوح الحداث‪ ،‬وتول التمع إل ماخور كبي‪..‬‬

‫و كان الع مال مظ لومي فأراد قوم إن صافهم با رأت " ع قولم " أ نه ال ق‬
‫وال عدل‪ ..‬و كانت النتي جة ك ل‪ m‬ال شر‪ A‬ا لذي ا عترف به أخ يا‪ " X‬جوربات شوف " ف ن قده‬
‫للشيوعية!‬

‫وهذان مرد مثالي من أمثلة التشريع بغي ما أنزل ال‪ ..‬وإل‪ m‬فالياة الغربية ‪ -‬ف‬
‫كل العسكرين ‪ -‬مليئة بالنماذج الصارخة للخلل القائم ف حياة الناس‪ ،‬أفرادا‪ X‬وجاعات‪،‬‬
‫يفسد حياتم‪ ،‬ويبدد طاقاتم‪ ،‬ويسلمهم إل الضياع‪.‬‬

‫‪ ()34‬انظر – إن شئت – فصل " الديقراطية " من كتاب " مذاهب فكرية معاصرة "‪.‬‬

‫)‪(36‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وحك‪m‬مت الاهلية العاصرة عقلها ف رسم منهج للحياة‪..‬‬

‫وال ق‪ A‬أ نه من هج بالغ الد‪ A‬قة‪ ..‬وأ نه مل ب× لل هداف الرئي سية للح ياة الورب ية‪..‬‬
‫وملب‪ á‬لا على درجة كبية من التمك‪m‬ن‪.‬‬

‫والق‪ A‬كذلك أن فيه كثيا‪ X‬من " الفضائل "‪.‬‬

‫ول كن‪ ..‬فلنن ظر إ ل " ال هداف " فلعل ها هي ا لت تبي ل نا مو ضع ال لل ف "‬


‫النهج " الذي رسم لتحقيق تلك الهداف‪.‬‬

‫يكن تلخيص المر ف قوله تعال‪) :‬م‪%‬ن‪ 4‬ك‪#‬ان‪- #‬ير)يد‪ -‬ال‪.‬ح‪%‬ي‪%‬اة‪ #‬ال _دن‪4‬ي‪%‬ا و‪%‬ز)ين‪%‬ت‪%‬ه‪%‬ا(‪] .‬سورة‬
‫هود‪ ،‬الية ‪.[15‬‬

‫فالقوم قد ور ث”وا من كل تا ا لاهليتي الغريق ية والرومان ية إرادة ال ياة ا لدنيا‬


‫وزينتها‪ ،‬كما أشرنا من قبل‪ ،‬فقد قلنا إنم ورثوا عن الاهلية الغريقية عبادة السد ف‬
‫صورة جال‡ ح سي‪ ،á‬و من الاهل ية الرومان ية ع بادة ال سد ف صورة شهوات ح سية‪،‬‬
‫وتزيي الياة الدنيا لزيادة الستمتاع السي‪ A‬با إل أقصى الغاية‪ ،‬ومن ث الهتمام البالغ‬
‫بالعمارة الادية للرض‪..‬‬

‫وذلك كل‪m‬ه شأن من كان ي‪-‬ريد الياة الدنيا وزينتها‪:‬‬

‫) ‪-‬زي‪s‬ن‪ %‬ل)لن‪H‬اس) ح‪-‬ب_ الش‪H‬ه‪%‬و‪%‬ات) م)ن‪ %‬الن‪s‬س‪%‬اء) و‪%‬ال‪.‬ب‪)%‬ني‪ %‬و‪%‬ال‪.‬ق‪#‬ن‪%‬اط)ي) ال‪.‬م‪-‬ق‪#‬ن‪4‬ط‪#‬ر‪%‬ة) م)ن‪ %‬الذ‪X‬ه‪%‬ب‬
‫و‪%‬ال‪.‬ف) ض‪H‬ة) و‪%‬ال‪.‬خ‪%‬ي‪ 4‬ل) ا‪.‬لم‪ -‬س‪%‬و‪H‬م‪%‬ة) و‪%‬ال‪.‬أ‪#‬ن‪ 4‬ع‪%‬ام) و‪%‬ا‪.‬لح‪%‬ر‪ 4‬ث) )‪ (35‬ذ‪#‬ل) ك‪ %‬م‪ %‬ت‪%‬اع‪ -‬ا‪.‬لح‪ %‬ي‪%‬اة) الد_ن‪4‬ي‪%‬ا و‪%‬الل‪ X‬ه‪ -‬ع) ن‪4‬د‪%‬ه‬
‫ح‪-‬س‪4‬ن‪ -‬ال‪.‬م‪%‬آب(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[14‬‬

‫‪ ()35‬هذه المور مذكورة ف الية ل على سبيل الصر‪ ،‬وقد جد‪A‬ت بعد اليل أشياء أخرى أشارت‬
‫إليها سورة النحل ف قوله تعال‪) :‬و–ال‪Å‬خ–ي‪ 5‬ل‪ ã‬و–ال‪Å‬ب‪ Æ‬غ–ال‪ ã‬و–ال‪Å‬ح–م‪ Æ‬ي– ‪Æ‬لت–ر‪ã 5‬كب‪-‬و ه–ا و–ز‪Æ‬ي ن–ة‪ X‬و–ي–خ‪5‬ل” ق‪ -‬م–ا ل ت–ع‪5‬ل‪ ã‬م‪-‬ون‪.(ã‬‬
‫] سورة النحل‪ :‬الية ‪.[ 8‬‬

‫)‪(37‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وإذا كانت فترة الدين الكنسي الرف قد نقلت أوربا ‪ -‬فترة من الزمن ‪ -‬من‬
‫النقيض إل النقيض‪ :‬من الستغراق ف ملذات الس‪ ،A‬والفتنة بالياة الدنيا‪ ،‬إل الرهبانية‪،‬‬
‫والز‪A‬هد ف متاع الرض كل‪m‬ه‪ ،‬وإهال الياة الدنيا من أجل الخرة )‪ ..(36‬فقد نقلهم التمر‪A‬د‬
‫على الدين والكنيسة مرة أخرى من النقيض إل النقيض‪ ..‬من الرهبانية والز‪A‬هد إل الفتنة‬
‫بلذات الياة )‪.(37‬‬

‫عادوا ‪ -‬كا يصفون أنفسهم بق‪ - A‬إغريقيي رومانيي!‬

‫ووضعوا لنفسهم " منهج حياة " ي‪-‬حقق لم أهدافهم‪ ،‬مستفيدين بكل‪ m‬ما أمد‪A‬هم‬
‫به التقدم العلمي والتكنولوجي الذي أحرزوه ف أثناء الطريق‪.‬‬

‫أرادوا القو‪A‬ة‪ ،‬فوضعوا لنفسهم منهج‪X‬ا ي‪-‬حق‪m‬ق لم القوة ف كل‪ m‬اليادين‪ ،‬وكان من‬
‫بي أدواته الستعمار‪ ،‬الذي ورثوا نزعته من الاهليتي الغريقية والرومانية‪.‬‬

‫ول يكن الستعمار شيئا‪ X‬عارضا‪ X‬ف حياة الاهلية العاصرة‪ ،‬ول شيئا‪ X‬خارجا‪ X‬عن‬
‫خط ها ال صيل ‪ -‬ك ما يع تذر ع نه ا لذين ا ستعبدت أرواح هم لل غرب‪ ،‬إ نا كان و سيلة‬
‫مشروعة عندها من وسائل القوة‪ ،‬موروثة ‪ -‬هي والنظر إليها على أنا أداة شرعية ‪ -‬من‬
‫الاهلية الغريقية الرومانية الت كانت تد لذتا ف التوسع واستعباد الخرين‪.‬‬

‫وب صرف الن ظر ‪ -‬مؤق ت‪X‬ا ‪ -‬عن ا لروح ال صليبية ا لت كانت من أ كب دوا فع‬
‫ال ستعمار ا لديث )‪ ،(38‬فإن الف ظائع ا لت ارتك بت ف هذا ال ستعمار الوح شي‪ ،‬كانت‬
‫حق " من حقوق القوياء الذين يسعون إل تكي‬ ‫مبرة تاما‪ X‬عند أصحابا‪ ،‬على أنا " ‪A‬‬
‫قوتم وترسيخها‪ ،‬و " عقاب مشروع " على جرية القاومة لذا ال ‪A‬ق الشروع!‬

‫ولو أن الساسة وحدهم هم الذين بر‪A‬روا هذه الرائم ‪ -‬أو ف القليل غط‪Ë‬وا عليها‬
‫‪ -‬أو لو أن العسكريي وحدهم هم الذين قاموا بذلك‪ ،‬لقلنا‪ " :‬شنشنة نعرفها من أخزم‬
‫"‪ ،‬كما قال العرب ف أمثالم‪ ،‬بعن أن الشيء من معدنه ل ي‪-‬ستغرب! ولكنا أذا راجعنا‬
‫الكت‪A‬اب والدباء والفكرين والفلسفة ود‪-‬عاة الرية ود‪-‬عاة النسانية‪ ..‬ال‪ ..‬ال‪ ..‬ونظرنا‬

‫‪ ()36‬ل ينفي هذا وجود أغنياء مترفي غارقي ف التاع‪.‬‬


‫‪ ()37‬ل ينفي هذا وجود زاهدين ف التاع‪.‬‬
‫‪ ()38‬سنتحدث عن الروح الصليبية فيما بعد‪.‬‬

‫)‪(38‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ف الهد الذي بذلوه لوقف الازر الوحشية الت صاحبت ذلك الستعمار ‪ -‬وقد كانوا‬
‫يلكون وقفها لو جندوا أنفسهم لوقفها ‪ -‬لو نظرنا ف ذلك الهد لعرفنا كم مر‪ m‬المر‬
‫سهل‪ W‬على " ضمي " أوربا‪ ..‬وما يزال!‬

‫و قد ا ستخدموا ‪ -‬بطبي عة ا لال ‪ -‬و سائل ناف عة‪ ،‬بل و سائل فا ضلة ف ب عض‬
‫الحيان‪ ،‬لتحقيق القوة الت أرادوها‪.‬‬

‫استخدموا التعليم‪.‬‬

‫ووضعوا مناهج تعليمية مدروسة‪ ،‬بذلت ف دراستها عناية ملحوظة‪ ،‬و ‪-‬جر‪A‬بت‪،‬‬
‫وأجر يت اللح ظات علي ها ف أث ناء التجر بة‪ ،‬و عد‪A‬لت أخطاؤ ها‪ ،‬وا ستكمل نق صها‪،‬‬
‫للو صول با إ ل أق صى طاقت ها النتاج ية‪ .‬ور‪-‬و عي ف هذه النا هج تر يج قوم عملي ي‪،‬‬
‫ومنتجي‪ ،‬ولديهم القدرة على البتكار‪ ،‬والقدرة على الختراع‪ .‬ع‪-‬و×د‪-‬وا من صغرهم على‬
‫ال قراءة والطلع‪ ،‬ورؤ ية الو ضوع الوا حد من أ كثر من زاو ية‪ ،‬و بأكثر من طري قة‪ ،‬فل‬
‫ينحصر ذهنهم ف الستظهار والفظ‪ ،‬ول ينحصر ف رؤية واحدة معينة مفروضة تعيق‬
‫الذ‪m‬هن عن رؤية صور أخرى‪ ..‬وع‪-‬و×د‪-‬وا على تربة ما يكن تربته من العلومات‪ ،‬فنشأوا‬
‫واقعيي تريبيي‪ ،‬وف الوقت ذته مدربي ذوي خبة‪ ،‬وذوي استعدادات عملية‪ ،‬مستعدة‬
‫لبذل الهد‪ ،‬راغبة ف النتاج )‪.(39‬‬

‫وو ضعوا منا هج تربو ية مدرو سة‪ ،‬ت‪ -‬عو×د ال صغار ع لى كثي من الف ضائل ا لت‬
‫يتاجون إليها وهم كبار‪.‬‬

‫تعو‪m‬دهم على النظام والنضباط‪..‬‬

‫وتعو‪m‬دهم على الثابرة وال‪ã‬ل‪ã‬د‪..‬‬

‫وتعو‪m‬دهم على العتماد على النفس وتمل السئولية‪.‬‬

‫‪ ()39‬لحظ كيف كان هذا من سات الياة السلمية حي كان السلمون متمسكي ح ق‪Ü‬ا بالسلم‪،‬‬
‫وشاعرين بأن لم رسالة يؤدونا‪ .‬وقد وجدت أوربا ذلك كله ف الضارة الندلسية حي احتكت‬
‫بالسلمي هناك‪ ،‬وأخذت عنهم النهج التجريب ف البحث العلمي‪ ،‬كما أخذت عنهم روح البحث‬
‫الر ف الامعات السلمية‪.‬‬

‫)‪(39‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وتعو‪m‬دهم على النشاط ف الركة‪.‬‬

‫وتعو‪m‬دهم على الرأة ف مواجهة الواقف‪.‬‬

‫وتعو‪m‬دهم على الصدق والمانة‪.‬‬

‫وتعو‪m‬دهم على السلوك الهذب مع الخرين‪.‬‬

‫وك‪m‬ل ها ك ما ترى " ف ضائل " ناف عة‪ ،‬وكل‪ m‬ها من أدوات التمك ي وال قوة اللز مة‬
‫للشعوب الت ترغب ف التمكي ف الرض‪.‬‬

‫واستخدموا العلم‪ ..‬وي س‪A‬روا به كثيا‪ X‬من مشقات الياة‪ ،‬إذ ح‪A‬لوا اللة ما كان‬
‫يمل النسان من قبل من الكد‪ ،A‬وصارت اللة تقوم بأضعاف ما كان يقوم به النسان‬
‫من النتاج من قبل‪ ،‬وف زمن ل ي‪-‬قاس ف قصره بالنسبة لا كان يقضيه النسان من قبل‪.‬‬
‫كما استخدموه ف ح ل‪ m‬مشكلتم‪ ،‬فدرسوها بطريقة علمية منظمة‪ ،‬ووضعوا لا حلول‬
‫مبنية على أسس علمية‪.‬‬

‫واستخدموا ‪ -‬باختصار ‪ -‬أنطمة سياسية واقتصادية واجتماعية ت‪-‬حقق للنسان‬


‫كثيا‪ X‬من ضروري‪A‬ات حياته‪ ،‬وقدرا‪ X‬من تقيق الذات )ف النظم الليبالية على القل‪ ،‬وإن‬
‫كانت النظم الشتراكية تزعم أنا هي الت تعمل على تقيق الذات!(‪.‬‬

‫وإ ل ه نا ينت هي " الن هج "‪ ..‬ينت هي ع ند تق يق التمك ي ف ا لرض‪ ..‬ف ال ياة‬
‫الدنيا‪ ..‬ول يلتفت إل شيء‡ وراء ذلك!‬

‫كل‪ !€‬بل إنه ل ينتهي هنا! فما زالت ف الهداف الراد تقيقها بقية‪ ،‬تتاج إل‬
‫ما يقابلها ف النهج‪.‬‬

‫إن الياة الدنيا ليست قوة وتكينا‪ X‬فقط‪ ..‬إنا هي كذلك متاع!‬

‫)‪(40‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وقد ورثت الاهلية العاصرة من أصولا الغريقية الرومانية ‪ -‬والرومانية خاصة‬


‫‪ -‬حب‪ A‬التاع‪ ،‬والتاع السدي خاصة‪ .‬إذن ينبغي أن يكون ف " النهج " ما ي‪-‬قابل هذا "‬
‫الدف " الساسي الصيل‪.‬‬

‫ويدخل ف هذا " النهج " " برامج " متعددة‪.‬‬

‫تدخل وسائل العلم‪ ،‬ووسائل الترفيه‪ ،‬ووسائل " اللهو "‪ ،‬والرية النسية‪.‬‬
‫و " تر ير ا لرأة "‪ ،‬والنظر يات )والتطبي قات( ا لت ‪-‬ت حارب " الك بت "! ك ما يدخل‬
‫بصفة أساسية ماربة الد‪m‬ين والخلق والتقاليد!‬

‫إن ما ن سميه نن ب " الف ساد الل قي " أو ب " الفو ضى الن سية " أو "‬
‫التحلل " أو ما شابه ذلك من العبارات‪ ،‬ليس أمرا‪ X‬عارضا‪ X‬ف حياة الاهلية العاصرة‪ ،‬ول‬
‫شيئا‪ X‬خارجا‪ X‬عن خط‪m‬ها الصيل ‪ -‬كما يعتذر عنه الذين استعبدت أرواحهم للغرب ‪ -‬إنا‬
‫هو خط أصيل فيها‪ ،‬ي‪-‬ح ق‪€‬ق هدفا‪ W‬أصيل‪ W‬من أهدافها‪ ..‬وقد كان مو جودا‪ X‬ف الاهلية‬
‫الغريق ية والاهل ية الرومان ية )‪ (40‬كلتيه ما‪ ،‬و كان من ال سباب ا لت أدت بكلتيه ما إ ل‬
‫الدمار‪ .‬وإنا احتاج المر إل فترة من الوقت‪ ،‬وإل " جهود " تبذل لزالة ما علق ف‬
‫الن فس الورب ية من آ ثار ال فترة ال سيحية ا لت ام تدت عد‪A‬ة ق”رون‪ ،‬ت سميها أور با قرو نا‬
‫)‪.(41‬‬
‫الوسطى الظلمة‬

‫وقد يبدو للعي السطحية النظرة أن ما هو موجود اليوم خاص بذه الاهلية ‪ -‬أو‬
‫ك ما ي سمونا هم‪ :‬هذه " ال ضارة " ‪ -‬ول كن ا لمر ل يس كذلك لن يرا جع التار يخ‪..‬‬
‫حقيقة إن " الوسائل " قد تغيت‪ .‬فلم يكن عند الغريق والرومان سينما ول تلفزيون‬
‫ول ف يديو‪ ،‬ول و سائل إف ساد جاع ية كالوجودة ال يوم‪ .‬ول كن من ال سذاجة ال”ف‪Å‬ر‪ Æ‬طة أن‬
‫يكون حكمنا مرتبطا‪ X‬بالوسائل ‪ -‬الت من شأنا أن تتغي من عصر إل عصر ‪ -‬إنا يب‬
‫أن يكون الكم مرتبطا‪ X‬بالهداف والفكار والبادئ أكثر من ارتباطه بالوسائل‪ ،‬لنا هي‬
‫ا لت تت شابه في ها الاهل يات عب التار يخ‪ ،‬وا لت تت شابه في ها " الق لوب "‪ ،‬ك ما جاء ف‬
‫القرآن الكيم‪%) :‬ت ش‪%‬اب‪%‬ه‪%‬ت‪ 4‬ق‪ /‬ل‪/‬وب‪-‬ه‪-‬م‪] (4‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪ .[118‬وإن اختلفت الجناس‬
‫واللغات والمكنة والزمان‪.‬‬

‫‪ ()40‬سنتكلم فيما بعد عن الذين بذلوا الهود لفساد أوربا‪ ،‬والعال كله من ورائها‪.‬‬
‫‪ ()41‬هي مظل مة ح ق‪Ü‬ا بالن سبة لور با ول كن ل ب سبب ا لدين ف ذا ته ك ما يزع مون‪ ،‬بل ب سبب ا لدين‬
‫الكنسي الرف‪.‬‬

‫)‪(41‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫إن ال تاع م بب للن سان‪ ،‬والع بارة القرآن ية الكي مة ت‪-‬ؤ كد هذه القي قة‪- ) :‬زي‪s‬ن‬
‫ل)لن‪H‬ا س) ح‪ -‬ب_ ال ش‪H‬ه‪%‬و‪%‬ات(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪ .[14‬فليس الزين للناس ‪ -‬ف الية‬
‫القرآنية ‪ -‬هو الشهوات‪ .‬إنا هو " ح ب_ الشهوات "‪ .‬وهو تعبي دقيق عن مدى توغل‬
‫الشهوات ف النفس النسانية‪ .‬وك ل‪ m‬زيادة ف البن تدل‪ m‬على زيادة ف العن كما يقول‬
‫البلغيون‪ .‬ومن ث‪ m‬فإن –تز‪5‬يي " حب‪ m‬الشهوات " آكد ف بيان عمق الشهوات ف النفس‬
‫من تزيي الشهوات ذاتا‪ ،‬وأدل‪ m‬على أن النفس مفطورة على حب‪ A‬التاع ‪ ,‬ولكمة ربانية‬
‫أراد ا ل ذ لك‪ .‬ولك نه سبحانه وت عال أ مر ال ناس أن ي ضبطوا منط لق ال شهوات )‪،(42‬‬
‫وأع طاهم ا لداة العي نة ع لى ال ضبط‪ ،‬والتوجي هات ا لت تع له مي سرا‪ X‬ع لى أ صحابه‪ ،‬و ف‬
‫مقدمة ذلك اليان بال واليوم الخر والتوجه إل القيم الع‪-‬ليا‪ ،‬والهاد ف سبيلها‪.‬‬

‫فح ي ل ي‪-‬ؤمن الن سان باليوم ا لخر‪- ،‬ت صبح ال ياة ف ح س‪A‬ه فر صة وا حدة إن‬
‫ذه بت ل ت عود‪ ،‬و هي فر صة مدودة بدود الع مر الب شري‪ ،‬بل بدود ال ص‪A‬حة وال قوة‬
‫وال ستطاعة من ذ لك الع مر‪ ،‬و هي من ث فر صة ق صية ق صية ل ‪-‬ت ش‪5‬ب‪Æ‬ع! في كون ه–م‬
‫الن سان ف ت لك الا لة أن ين كب ع لى ال تاع ب كل طاقته‪ ،‬لي عب م نه ما ي ستطيع ق بل‬
‫ال فوات! وي كون كذلك كار ها‪ W‬لك ل‪ €‬ال ضوابط ‪ -‬أو ال شاغل ‪ -‬ا لت تد‪ m‬من ذ لك‬
‫التاع!‬

‫وليس كذلك من يؤمن بال واليوم الخر‪ .‬فالمر ف حس‪A‬ه متلف‪ .‬إنه يستمتع‪،‬‬
‫نعم! ولكن ف غي لفة على التاع‪ ،‬لنه يؤمن أن ما يفوته من التاع ف الياة الدنيا نتيجة‬
‫تقيده بالضوابط الربانية‪ ،‬أو بأي سبب كالهاد ف سبيل ال‪ ،‬ليس ضائعا‪ ،X‬وليس ذاهبا‬
‫بل عودة‪ .‬بل هو مفوظ له عند ال أول‪ ،X‬ث هو معوض عنه ثاني‪X‬ا بنعيم ل ينفد‪ ،‬ف النة‬
‫الت " فيها ما ل عي رأت‪ ،‬ول أذن سعت‪ ،‬ول خطر على قلب بشر " )‪.(43‬‬

‫ومن ث " يضبط " شهواته‪ ،‬دون أن تتلف نفسه من عملية الضبط‪.‬‬

‫ث إ نه م شغول بق يم عل يا‪ ،‬وجهاد ف سبيل هذه الق يم‪ ،‬يصرفه عن التع لق بذه‬
‫الشهوات حت تصبح هه القعد القيم‪) :‬ز‪-‬ي‪ s‬ن‪ %‬ل)لن‪H‬ا س) ح‪-‬ب_ الش‪H‬ه‪%‬و‪%‬ات) م) ن‪ %‬الن‪ s‬س‪%‬اء) و‪%‬ال‪.‬ب‪%‬ن)ي‬
‫و‪%‬ال‪.‬ق‪#‬ن‪%‬اط)ي) ا‪.‬لم‪-‬ق‪#‬ن‪4‬ط‪#‬ر‪%‬ة) م)ن‪ %‬الذ‪X‬ه‪%‬ب) و‪%‬ال‪.‬ف)ض‪H‬ة) و‪%‬ا‪.‬لخ‪%‬ي‪4‬ل) ال‪.‬م‪-‬س‪%‬و‪H‬م‪%‬ة) و‪%‬ا‪.‬لأ‪#‬ن‪4‬ع‪%‬ام) و‪%‬ا‪.‬لح‪%‬ر‪4‬ث) ذ‪#‬ل)ك‪ %‬م‪%‬ت‪%‬اع‬
‫ال‪.‬ح‪ %‬ي‪%‬ا )ة ال _دن‪4‬ي‪%‬ا و‪%‬الل‪X‬ه‪ -‬ع) ن‪4‬د‪%‬ه‪ -‬ح‪ -‬س‪4‬ن‪ -‬ال‪ .‬م‪%‬آب)‪ ،‬ق‪ /‬ل‪ .‬أ‪#‬ؤ‪%-‬نب‪s‬ئ‪/‬ك‪ /‬م‪ 4‬ب)خ‪ %‬ي‪4‬ر‪ p‬م) ن‪ 4‬ذ‪#‬ل)ك‪ /‬م‪ 4‬ل) ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ات‪H‬ق‪#‬و‪4‬ا ع) ن‪4‬د‬
‫‪ ()42‬الضبط غي الكبت‪ .‬راجع إن شئت فصل " فرويد " ف كتاب " النسان بي الادية والسلم "‪.‬‬
‫‪ ()43‬متفق عليه‪.‬‬

‫)‪(42‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ر‪%‬ب‪s‬ه) م‪ 4‬ج‪ %‬ن‪H‬ات= ت‪ %‬ج‪4‬ر)ي م) ن‪ 4‬ت‪%‬ح‪4‬ت) ه‪%‬ا ا‪.‬لأ‪#‬ن‪ 4‬ه‪%‬ار‪ -‬خ‪%‬ا ل)د)ين‪ %‬ف)ي ه‪%‬ا و‪%‬أ‪#‬ز‪4‬و‪%‬ا ج= م‪-‬ط‪ #‬ه‪H‬ر‪%‬ة‪ I‬و‪%‬ر) ض‪4‬و‪%‬ان‪ I‬م) ن‪ %‬الل‪X‬ه‬
‫و‪%‬الل‪ X‬ه‪% -‬ب ص)ي= ب)ال‪.‬ع) ب‪%‬اد)‪ ،‬ا ل‪X‬ذ)ين‪% %‬يق‪/‬و ل‪/‬ون‪ #‬ر‪H%‬ب ن‪%‬ا إ)ن‪ H‬ن‪%‬ا آم‪ %‬ن‪H‬ا ف‪#‬اغ‪.‬ف)ر‪ 4‬ل‪ #‬ن‪%‬ا ذ‪/‬ن‪-‬وب‪ %‬ن‪%‬ا و‪%‬ق) ن‪%‬ا ع‪%‬ذ‪#‬اب‪ %‬ال ن‪H‬ار)‪،‬‬
‫الص‪H‬اب)ر)ين‪ %‬و‪%‬الص‪H‬اد)ق)ي‪ %‬و‪%‬ال‪.‬ق‪#‬ان)ت)ي‪ %‬و‪%‬ال‪.‬م‪-‬ن‪4‬ف)ق) ي‪ %‬و‪%‬ال‪.‬م‪ -‬س‪%4‬تغ‪4‬ف)ر)ين‪ %‬ب)ال‪.‬أ‪#‬س‪4‬ح‪%‬ار(‪] .‬سورة آل عمران‪،‬‬
‫اليات ‪.[17 - 14‬‬

‫)ي‪%‬ا ‪#‬أي_ه‪%‬ا ال‪X‬ذ)ين‪ %‬آم‪ %‬ن‪-‬وا ه‪ %‬ل‪# .‬أد‪-‬ل‪Í‬ك‪ /‬م‪ 4‬ع‪%‬ل‪#‬ى ت)ج‪%‬ار‪%‬ة‪ p‬ت‪4 -‬نج)يك‪ /‬م‪ 4‬م) ن‪ 4‬ع‪%‬ذ‪#‬اب‪# p‬أل)يم‪- ،p‬تؤ‪4‬م) ن‪-‬ون‬
‫ب)الل‪X‬ه) و‪%‬ر‪ %‬س‪-‬ول)ه) و‪%‬ت‪-‬ج‪%‬ا ه)د‪-‬ون‪ #‬ف)ي س‪%‬ب)يل) الل‪X‬ه) ب)أ‪#‬م‪4‬و‪%‬ال)ك‪/‬م‪ 4‬و‪%‬أ‪4#‬نف‪ /‬س)ك‪/‬م‪ 4‬ذ‪#‬ل)ك‪ /‬م‪ 4‬خ‪ %‬ي‪4‬ر= ل‪#‬ك‪ /‬م‪ 4‬إ)ن‪/ .‬كن‪4‬ت‪-‬م‬
‫‪%‬تع‪4‬ل‪ #‬م‪-‬ون‪ ،#‬ي‪%‬غ‪4‬ف)ر‪ 4‬ل‪#‬ك‪ /‬م‪ 4‬ذ‪ /‬ن‪-‬و‪%‬بك‪/‬م‪% 4‬وي‪-‬د‪4‬خ)ل‪.‬ك‪/‬م‪% 4‬جن‪H‬ات‪% p‬تج‪4‬ر)ي م) ن‪% 4‬تح‪4‬ت)ه‪%‬ا ال‪.‬أ‪#‬ن‪4‬ه‪%‬ار‪ -‬و‪%‬م‪ %‬س‪%‬اك)ن‪ %‬ط‪#‬ي‪ s‬ب‪%‬ة‬
‫ف)ي ج‪%‬ن‪H‬ات) ع‪%‬د‪4‬ن‪ p‬ذ‪#‬ل)ك‪ %‬ا‪.‬لف‪#‬و‪4‬ز‪ -‬ال‪.‬ع‪%‬ظ)يم( ]سورة الصف‪ ،‬اليات ‪.[12 - 10‬‬

‫وهذه نقطة اختلف جوهرية بي " النهج الربان "‪ ،‬و " النهج " الذي ت تاره‬
‫الاهليات ‪ -‬كل الاهليات ‪ -‬با ف ذلك الاهلية العاصرة‪ ..‬وممورها هو اليان ‪ -‬أو‬
‫عدم اليان ‪ -‬بال واليوم الخر‪.‬‬

‫وهنا نأت إل مياث من أخطر ما ورثته الاهلية العاصرة من الاهلية الغريقية‬


‫بالذات‪.‬‬

‫إنه الياث الذي ي‪-‬صو‪m‬ر العلقة بي البشر وبي " اللة " )‪ (44‬علقة صراع دائم‬
‫ل يك ف‪ m‬لظة‪ :‬اللة تريد أن تدمر النسان‪ ،‬لنه ي‪-‬ريد أن ي‪-‬شاركها ف ألوهيتها‪ ،‬وهي‬
‫ت‪-‬ريد أن تتفرد وحدها باللوهية‪ ،‬والبشر دائمو التمر‪A‬د على اللة لنم يريدون أن يثبتوا‬
‫ذواتم‪ ،‬ول سبيل لم إل إثبات ذواتم إل بالتمر‪A‬د والعصيان!‬

‫ولعل أسطورة " بروميثيوس " سارق النار القدسة هي أوضح تثيل لذا العن‪.‬‬

‫تقول السطورة ‪ -‬الت تشتمل على بعض القائق مشوهة تشويها‪ X‬أسطور̈يا‪ ،‬إل‬
‫جانب بعض التصورات الاهلية الوثنية الاطئة ‪ -‬إن " زيوس " إله اللة خلق النسان‬
‫من قب ضة من ط ي ا لرض‪ ،‬و سواه ع لى ال نار القد سة‪) ،‬ا لت تر مز ف ال سطورة إ ل‬
‫العرفة(‪ ،‬ث أهبطه إل الرض وحده ف ظلم دامس‪) ،‬يرمز ف السطورة إل الهل(‪،‬‬
‫فأ شفق عل يه كائن أ سطوري ‪-‬ي سمى " بروم يثيوس "‪ ) ،‬قد ي كون ر مزا‪ W‬لل شيطان وا ل‬

‫‪ ()44‬ف كل الاهليات الوثنية تتعدد اللة كما هو معلوم‪ ،‬ولكن يظل الفرق قائما‪ X‬بي اللوهية من‬
‫جهة‪ ،‬والبشرية من جهة أخرى‪.‬‬

‫)‪(43‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫أعلم( فسرق له النار القدسة من الله زيوس وأعطاها له )رمزا‪ W‬لبدء تعلم النسان(‪،‬‬
‫فغضب الله من هذا المر غضبا‪ X‬شديدا‪ ،X‬لن لنسان قد اكتسب صفة من صفات الله‬
‫)وهي العلم( ؛ فصب جام غضبه على النسان ؛ )السمى ف السطورة " إيبيمثيوس "(‪،‬‬
‫وع لى " بروم يثيوس " م عا‪ ،X‬فأ ما " بروم يثيوس " ف قد و كل به ن سر‪X‬ا ير عى ك بده طوال‬
‫النهار‪ ،‬وتنبت له كبد جديدة ف الليل‪ ،‬فيأت النسر ف النهار ليأكلها من جديد‪ ،‬وهكذا‬
‫ف عذاب أبدي!! أما النسان " إيبيمثيوس " فقد أرسل إليه امرأة )ت‪-‬سمى ف السطورة‬
‫باندورا‪ ،‬وترمز إل حواء(‪ ،‬لكي ‪-‬تؤ‪5‬نسه )ف ظاهر المر(‪ .‬وأرسل معها هدية صندوقا‬
‫مغلقا‪ ،X‬فل ما فت حه إذا هو م لوء بال شرور‪ ،‬فت ناثرت ال شرور من الصندوق وم لت سطح‬
‫الرض!‬

‫وليس الذي يهمنا من السطورة ف هذا القام هو علقة الكراهية التبادلة بي‬
‫الن سان و خالقه فح سب ‪ -‬وإن كانت هذه م صيبة من م صائب الت صور ا لاهلي‬
‫ا لغريقي‪ ،‬ل أ ظن لا مثيل‪ X‬ف أ ساطي الوثن يات ا لخرى ‪ -‬إ نا هو كذلك شعور "‬
‫النسان " ف هذه السطورة أنه ل ي‪-‬حق‪m‬ق ذاته إل بعصية الله!‬

‫كل المرين ير‪A‬ب الشاعر النسانية‪..‬‬

‫حقيقة إن التصور السلمي ي‪-‬قر‪A‬ر أن النسان خلق للبتلء‪:‬‬

‫)إ) ن‪H‬ا خ‪%‬ل‪#‬ق‪ .‬ن‪%‬ا ا‪.‬لأ)ن‪ 4‬س‪%‬ان‪ #‬م) ن‪- 4‬نط‪ .‬ف‪#‬ة‪ p‬أ‪#‬م‪ 4‬ش‪%‬اج‪ p‬ن‪%‬ب‪4‬ت‪%‬ل)ي ه) ف‪#‬ج‪%‬ع‪%‬ل‪ .‬ن‪%‬اه‪ -‬س‪%‬م)يعا‪% W‬ب ص)يا‪ ] .(W‬سورة‬
‫النسان‪ ،‬الية ‪.[2‬‬

‫ولكن البتلء أول‪ X‬ليس بالشر‪ A‬وحده‪:‬‬

‫) ‪%‬ون‪%‬ب‪4‬ل‪/‬وك‪/‬م‪ 4‬ب)الش‪H‬ر‪ s‬و‪%‬ال‪.‬خ‪%‬ي‪4‬ر) ف)ت‪4‬ن‪%‬ة‪] .(W‬سورة النبياء‪ ،‬الية ‪.[35‬‬

‫والبتلء ثاني‪X‬ا انتقاما‪ X‬إليا‪ X‬يوقعه الالق بالنسان الذي خلقه‪ ،‬إنا هو اختبار له‪،‬‬
‫بعد أن أنعم عليه بشت‪m‬ى النعم‪ ،‬الت تشمل العلم فيما تشمل‪ ،‬هبة ربانية من ال للنسان‪..‬‬
‫اختبار له بعد كل الن‪A‬عم الت أنعم عليه با‪ :‬هل يشكر النعمة ‪ -‬بطاعة ال ‪ -‬أم يكفرها‬
‫بعصيانه؟‬

‫)‪(44‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ث إن الياة الدنيا ليست ناية الطاف‪ ،‬ول هي أهم مرحلة ف حياة النسان‪ ،‬إنا‬
‫هي فقط مرحلة الختبار من حياته‪ ،‬فإذا اجتاز الختبار بنجاح ‪ -‬بطاعة ال ‪ -‬فإن له‬
‫جزاء من النعيم الالد ي ‪m‬ل عن الوصف‪.‬‬

‫فل كراه ية إذن من ا لالق للن سان ا لذي خل قه وأن عم عل يه‪ ،‬ول كراه ية من‬
‫النسان السوي لالقه‪ ،‬بل شكر للنعمة وإخبات‪ ،‬وتقرب وطاعة ل‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى فإن ال يدمر على النسان الكافر الذي يدعي اللوهية‪ ،‬أو‬
‫يدعي لنفسه خصيصة من خصائصها‪ ،‬هذا حق‪ .‬ولكن هل مرد سعي النسان لتحقيق‬
‫ذاته هو الذي يستوجب غضب ال عليه وتدميه؟ أليس ال سبحانه وتعال هو الذي‬
‫خلقه ليكون خليفة ف الرض؟‬

‫) ‪%‬وإ)ذ‪ .‬ق‪#‬ال‪ #‬ر‪%‬ب_ ك‪ %‬ل)ل‪.‬م‪%‬لئ) ك‪#‬ة) )إ ن‪s‬ي ج‪%‬اع)ل‪ I‬ف)ي ال‪.‬أ‪4 #‬ر ض) خ‪%‬ل)ي ف‪#‬ة‪ ] .(W‬سورة البقرة‪ ،‬الية‬
‫‪.[30‬‬

‫أو ليس ال سبحانه وتعال هو الذي سخر له ما ف السماوات والرض؟‬

‫) ‪%‬و س‪%‬خ‪H‬ر‪ %‬ل‪#‬ك‪ /‬م‪ 4‬م‪%‬ا ف)ي ال س‪H‬م‪%‬او‪%‬ات) و‪ %‬م‪%‬ا ف)ي ال‪.‬أ‪#‬ر‪ 4‬ض) ج‪%‬م)يعا‪ W‬م)ن‪ 4‬ه‪ ] .(-‬سورة الاث ية‪،‬‬
‫الية ‪.[13‬‬

‫أو ليس ال هو الذي أت–اح له عمارة الرض؟‬

‫) ‪-‬هو‪# %‬أن‪4‬ش‪%‬أ‪#‬ك‪/‬م‪ 4‬م)ن‪ %‬ال‪.‬أ‪#‬ر‪4‬ض) و‪%‬اس‪4‬ت‪%‬ع‪4‬م‪%‬ر‪%‬ك‪/‬م‪ 4‬ف)يه‪%‬ا(‪] .‬سورة هود‪ ،‬الية ‪.[61‬‬

‫أو ليس ال هو الذي منحه الدوات العينة له لعمارة الرض؟‬

‫)أ‪##‬لم‪ 4‬ن‪%‬ج‪4‬ع‪%‬ل‪ .‬ل‪#‬ه‪ -‬ع‪%‬ي‪4‬ن‪4 %‬ين)‪ ،‬و‪%‬ل)س‪%‬انا‪ W‬و‪%‬ش‪%‬ف‪#‬ت‪%‬ي‪4‬ن)‪ ،‬و‪%‬ه‪%‬د‪%‬ي‪4‬ن‪%‬اه‪ -‬الن‪H‬ج‪4‬د‪%‬ي‪4‬ن)(‪] .‬سورة البلد‪ ،‬اليات‬
‫‪.[10 - 8‬‬

‫) ‪%‬وع‪%‬ل‪X‬م‪ %‬آد‪%‬م‪ %‬ال‪.‬أ‪#‬س‪4‬م‪%‬ا̀ء ‪/‬كل‪X‬ه‪%‬ا( ]سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.[31‬‬

‫)‪(45‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫سم‪4‬ع‪ %‬و‪%‬ال‪.‬أ‪#‬ب‪4‬ص‪%‬ار‪ %‬و‪%‬ال‪.‬أ‪#‬ف‪.‬ئ)د‪%‬ة‪] .(#‬سورة تبارك‪ ،‬الية ‪.[23‬‬


‫) ‪%‬وج‪%‬ع‪%‬ل‪# #‬لك‪/‬م‪ -‬ال ‪H‬‬

‫) ‪%‬خل‪#‬ق‪ %‬ال‪).‬أن‪4‬س‪%‬ان‪ ،#‬ع‪%‬ل‪X‬م‪%‬ه‪ -‬ال‪%.‬بي‪%‬ان‪] (#‬سورة الرحن‪ ،‬اليتان ‪.[4 ،3‬‬

‫)ا ق‪.‬ر‪%‬أ‪ .‬و‪%‬ر‪%‬ب_ ك‪ %‬ا ل‪.‬أ‪#‬ك‪.‬ر‪%‬م‪ ،-‬ا ل‪X‬ذ)ي ع‪%‬ل‪ X‬م‪ %‬ب)ال‪.‬ق‪#‬ل‪#‬م)‪ ،‬ع‪%‬ل‪ X‬م‪ %‬ا‪.‬لأ)ن‪ 4‬س‪%‬ان‪ #‬م‪%‬ا ل‪ #‬م‪% 4‬يع‪4‬ل‪ #‬م‪ ] .(4‬سورة‬
‫العلق‪ ،‬اليات ‪.[5 - 3‬‬

‫فال هو الذي قد‪A‬ر للنسان أن يكون ذا ق”و‪A‬ة وذا فاعلية‪ ،‬وذا نزعة فطرية لتحقيق‬
‫ذاته من خلل قوته وفاعليته‪ ،‬ول يغضب ال عليه حي ي‪-‬مارس هذه الق”وة وهذه الفاعلية‬
‫ف الدود الت رسها له‪ ،‬وهي الدود الت يعلم اللطيف البي أنا ت‪-‬صلح الياة الدنيا وتنع‬
‫عنها الفساد‪.‬‬

‫إ نا يغ ضب عل يه ف قط ح ي يت مر‪A‬د ع لى ا ل‪ ،‬ويع صيه عا مدا‪ X‬ليج عل نف سه ‪ -‬أو‬


‫غ يه ‪ -‬ن̈دا ل‪ ،‬ف‪-ã‬ي خالف بذلك إرادة ا ل‪ ،‬و‪-‬ي خالف ال ق‪ A‬كذلك‪ ،‬إذ أ نه ل ند‪ A‬ل ف‬
‫القي قة ول شريك‪ ،‬ف من ا تذ له ن̈دا أو شريكا‪ X‬ف قد كذب ع لى ال ق‪ A‬وات بع البا طل‪،‬‬
‫فاستحق غضب ال‪.‬‬

‫ولكن العجيب ف السطورة أنا تعل هذا السلوك التمر‪A‬د ‪ -‬وحده ‪ -‬هو وسيلة‬
‫تقيق النسان لذاته‪ ،‬فإذا غضب ال عليه من أجل ذلك قالت السطورة‪ :‬انظروا! ها هو‬
‫ذا الله ينتقم من النسان‪ ،‬لن النسان أراد أن ي‪-‬حقق ذاته!!‬

‫إنه تصو‪m‬ر مريض‪ ..‬ل ندرك له سبب‪X‬ا ظاهرا‪ ،X‬وليس بي أيدينا من الدراسات ف‬
‫تاريخ تلك الاهلية ما ي‪-‬فس‪A‬ر لنا هذا النراف العجيب‪ ،‬اللهم إل شيئا‪ X‬واحدا‪ X‬نقوله من‬
‫باب الدس‪ ،‬ل من باب اليقي ول حت الترجيح‪ :‬إن الطفل ف سن معينة‪ ،‬حي يبدأ‬
‫يس‪ A‬بذاته‪ ،‬يب أن ي‪-‬ثبت ذاته بالعتماد على نفسه ورفض العون الذي ي‪-‬قد‪A‬مه له الكبار!‬
‫فإذا مددت إل يه يدك مثل‪ X‬لتعي نه ع لى ال سي ف الطر يق الزد حم ‪ -‬خو فا‪ X‬م نك عل يه ‪-‬‬
‫سحب يده من يدك ومشى وحده‪Æ ،‬لي‪-‬ثبت لك أنه شب‪ A‬عن الطوق‪ ،‬واستطاع العتماد‬
‫على نفسه! هذا يقع من الطفل السوي‪ ،A‬أما الطفل النحرف فهو يعصي أوامرك عنادا‪ X‬منه‪،‬‬
‫‪Æ‬لي‪-‬ثبت لنفسه ولك أنه يستطيع أن يقول ل!‬

‫)‪(46‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فإذا كانت هذه القائق السلوكية ت‪-‬لقي بعض الضوء على القضية‪ ،‬فهي ت‪-‬وحي‬
‫بشيئي معا‪ X‬بالنسبة للجاهلية الغريقية‪ :‬الول أنا كانت طفلة من الوجهة النفسية‪ ،‬على‬
‫الرغم من كل‪ m‬ن‪-‬ضجها الفكري‪ ،‬والثان أنا كانت مريضة منحرفة‪ ،‬على الرغم من كل "‬
‫حكمتها " الفلسفية " )‪.(45‬‬

‫وأ̈يا كان المر بالنسبة للجاهلية الغريقية‪ ،‬فإن بعثها من جديد على يد الاهلية‬
‫العاصرة يع ‪¥‬د أشد‪ m‬انرافا‪ W‬وأشد‪ m‬مرضا‪ ،X‬حيث ل عذر فيه من " الطفولة " الت يكن أن‬
‫توصف با الاهلية الغريقية‪ ،‬وخاصة من قوم يزعمون أنم ف قمة الرقي البشري‪ ..‬وقمة‬
‫النضوج‪.‬‬

‫لقد ظلت السطورة ‪ -‬بإياءاتا السمومة ‪ -‬كامنة تت القشرة السيحية طيلة‬


‫عصور أوربا الوسطى " الظلمة "‪ ،‬وكان الفروض أن يكون " الد‪s‬ين " قد قضى عليها‪،‬‬
‫وخا صة ذ لك ا لدين ا لذي ي صل إ ل حد‪ A‬الرهبان ية تبتل‪ X‬إ ل ا ل‪ ،‬وي صل إ ل حد‪ A‬إن كار‬
‫النسان لذاته‪ ،‬ولوجوده النسان كل‪m‬ه‪ ،‬تعظيما‪ X‬ل وتبجيل‪ X‬له‪ .‬ولكن صدق ال إذ يقول‪:‬‬

‫) ‪%‬ور‪%‬ه‪4‬ب‪%‬ان) ي‪H‬ة‪ W‬اب‪ 4‬ت‪%‬د‪%‬ع‪-‬وه‪%‬ا م‪%‬ا ك‪%#‬تب‪4‬ن‪%‬ا ه‪%‬ا ع‪%‬ل‪4 #‬يه) م‪) 4‬إل‪X‬ا اب‪)4‬ت غ‪%‬ا̀ء ر) ض‪4‬و‪%‬ان) الل‪ X‬ه) ف‪ #‬م‪%‬ا ر‪%‬ع‪%‬و‪ 4‬ه‪%‬ا ح‪%‬ق‬
‫ر)ع‪%‬اي‪)%‬ت ه‪%‬ا ف‪#‬آت‪%‬ي‪ 4‬ن‪%‬ا ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬آ ‪%‬م ن‪-‬وا م)ن‪4‬ه‪ -‬م‪# 4‬أج‪4‬ر‪%‬ه‪ -‬م‪ 4‬و‪%‬ك‪#‬ث) ي= م)ن‪4‬ه‪ -‬م‪ 4‬ف‪#‬ا س)ق‪/‬ون(‪ ] .‬سورة الد يد‪ ،‬ال ية‬
‫‪.[27‬‬

‫وكأ نا كان رد‪ A‬الف عل لت لك الرهبان ية الكاب تة للو جود الن سان هو ال عودة ‪-‬‬
‫الري ضة ‪ -‬إ ل ت لك ال سطورة النحر فة‪ ،‬ا لت تز عم أن إث بات الن سان لذاته ل ي كون إل‬
‫بعصية ال!‬

‫وربا كان طغيان الكنيسة كذلك سببا‪ X‬من أسباب هذه العودة الريضة‪ .‬فال ف‬
‫ح س‪ A‬الن‪A‬صارى متلبس بعيسى ابن مري عليه السلم‪ ،‬والبابا متلبس بعيسى ابن مري من‬
‫خلل بطرس‪ ،‬كما قال البابا‪ " :‬نقول الول " ف بيانه الذي أعلنه على الناس‪:‬‬

‫" إن ا بن الن سان أن شأ الكني سة بأن ج عل الر سول ب طرس أول رئ يس لا‪ ،‬وإن‬
‫أساقفة روما و–ر‪ Æ‬ث”وا سلطان بطرس ف تسلسل مستمر متصل‪ ،‬ولذلك فإن البابا مثل ال‬

‫‪ " ()45‬الفلسفة " – باللغة الغريقية – تعن اتباع الكمة‪.‬‬

‫)‪(47‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ع لى ا لرض يب أن ت كون له ال سيادة العل يا وال سلطان ا لعظم ع لى ج يع ال سيحيي‪،‬‬


‫حكاما‪ X‬كانوا أو مكومي " )‪.(46‬‬

‫ومن خلل هذه السيادة طغت الكنيسة طغيانا البشع‪ ،‬الذي نف‪m‬رت فيه الناس ف‬
‫النها ية من الد‪A‬ين‪ ،‬فرفضوا الضوع ل سلطان البابا‪ ،‬التل بس ف ح س‪A‬هم بسلطان ال جل‬
‫جل له )أو ب سلطان ال سيح ا لذي أل‪ m‬هوه وع بدوه(‪ ،‬وأ صبح الت مر‪m‬د ع لى ذ لك ال سلطان‬
‫اللي هو طريقهم لثبات الذات! واستيقظت بذلك السطورة الكامنة ف حس‪A‬هم‪ ،‬الت‬
‫ل ت قض علي ها فترة ال تدين الطوي لة‪ ،‬إ نا كانت كام نة ف ظل مات نفو سهم تنت ظر ما‬
‫ي‪-‬وقظها!‬

‫‪Man in the‬‬ ‫ي قول " جول يان هك سلي " ف ك تابه " الن سان ف ال عال ا لديث‬
‫‪ " Modern World‬ما خل صته‪ :‬إن أ سطورة بروم يثيوس ما تزال تع يش ف ال س‪ A‬ا لورب‬
‫و ت‪-‬ؤثر ع لى سلوك ال ناس‪ .‬وا لورب العا صر هو " بروم يثيوس ا لديث " الت مر‪A‬د ع لى‬
‫سلطان ال‪ .‬لقد خضع الن سان ل ف الاضي ب سبب ع جزه وجه له‪ ،‬وا لن‪ ،‬و قد تع ل‪m‬م‬
‫وسيطر على البيئة فقد آن له أن يمل على عاتق نفسه ما كان يلقيه من قبل ف عصر‬
‫العجز والهل على عاتق ال‪ ،‬ومن ث‪ €‬ي‪-‬صبح هو ال!‬

‫نستعيد بال‪..‬‬

‫إن هذه العقدة ‪ -‬أو س–م*ها ما شئت من الساء ‪ -‬هي الت تشكل " النهج " كل‪m‬ه‬
‫لدى الاهلية العاصرة!!‬

‫إن ا لورب ي سعى لع مارة ا لرض ن عم‪ ،‬ويت خذ لذلك كل الو سائل ا لت يرا ها‬
‫م‪-‬وص‪A‬لة لتحقيق أهدافه‪ ،‬وكثي منها م‪-‬وص‪A‬ل للهدف بالفعل‪ ،‬ولكن القضية ليست عمارة‬
‫ا لرض ف ذا تا‪ .‬إ نا هي قضية " الن هج " ا لت ت تم على أسا سه ع مارة ا لرض‪ ..‬أ هو‬
‫النهج الربان الذي يقق الفلح ف الدنيا والخرة؟ أم هو منهج غي ال؟! وحي يكون‬
‫منهج غي ال فهو منهج الشيطان!! منهج " بروميثيوس "‪) :‬أ‪##‬لم‪ 4‬أ‪#‬ع‪4‬ه‪%‬د‪) 4‬إل‪#‬ي‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬ي‪%‬ا ‪%‬بن)ي آد‪%‬م‬
‫‪#‬أن‪ .‬ل ‪%‬تع‪4‬ب‪-‬د‪-‬وا الش‪H‬ي‪4‬ط‪#‬ان‪) #‬إن‪H‬ه‪ -‬ل‪/ #‬كم‪ 4‬ع‪%‬د‪-‬و‪ -‬م‪-‬ب)ي=‪ ،‬و‪%‬أ‪#‬ن) اع‪4‬ب‪-‬د‪-‬ون)ي ه‪%‬ذ‪#‬ا ص)ر‪%‬اط‪ I‬م‪-‬س‪4‬ت‪%‬ق)يم(‪] .‬سورة‬
‫ي‪A‬س‪ ،‬اليتان ‪.[61 ،60‬‬

‫‪ ()46‬ول ديورانت‪ ،‬قصة الضارة ج ‪ 14‬ص ‪ 352‬من الترجة العربية‪.‬‬

‫)‪(48‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وهذا النهج ‪ -‬منهج " بروميثيوس " ‪ -‬ي‪-‬ح ق‪m‬ق جوانب من النفع‪ ،‬وجوانب من‬
‫الي‪ ،‬ولكنه إل جانب ذلك ي‪-‬حقق كثيا‪ X‬من الشر‪ ،A‬وي‪-‬ؤدي ف النهاية إل الدمار‪..‬‬

‫لقد م ك‪m‬ن هذا النهج لوربا ف الرض‪ ،‬وأعطاها ق”وة فائقة ف ميادين متعددة‪:‬‬
‫العلم والتكنولوجيا والعمارة الادية للرض وتيسيات شت ف حياة النسان‪ ..‬ولكنه ف‬
‫ا لوقت ذا ته ‪ -‬ل نراف القا عدة ا لت يقوم عليها ‪ -‬قد أدى إ ل الف ساد اللقي ا لذ‪m‬ريع‬
‫الذي تبدو آثاره واضحة ف التمع الغرب‪ ،‬والذي يهبط بالنسان ف حأة الشهوات إل‬
‫د–ر‪5‬ك أ ضل‪ m‬من ال يوان‪) :‬أ‪/‬ول‪#‬ئ) ك‪ %‬ك‪#‬ال‪.‬أ‪#‬ن‪ 4‬ع‪%‬ام) ‪%‬ب ل‪ .‬ه‪ -‬م‪# 4‬أ ض‪Í %‬ل أ‪/‬ول‪#‬ئ) ك‪ %‬ه‪ -‬م‪ -‬ال‪ .‬غ‪%‬اف)ل‪/‬ون‪ ] .(#‬سورة‬
‫العراف‪ ،‬الية ‪.[179‬‬

‫وأدى إ ل ال صراع ا لدم‪A‬ر ب ي ا لدول ا لت ت لك ال قوة‪ ،‬ول ت لك ال ضوابط "‬


‫النسانية " لستخدام القوة‪ .‬ويكفي من أمر هذا الصراع حربان عاليتان ف ربع قرن‪،‬‬
‫والتهديد الستمر بالرب الثالثة الت يكن أن تدم‪A‬ر وجه الرض‪.‬‬

‫وأدى إل الستعمار الوحشي‪ ،‬الذي ي‪-‬لغي ك ل‪ m‬كرامة للضعيف الذي ل يلك‬


‫وسائل القوة‪ ،‬ذلك الستعمار الذي يقع ف قبضته ما ي‪-‬سمى باالعال الثالث‪ ،‬وهو أكثر من‬
‫نصف الرض‪ .‬لن القانون السائد ف الاهلية هو قانون الغاب‪ :‬القو‪A‬ة هي الق‪Might is A‬‬
‫‪ Right‬وال قوي يأ كل ال ضعيف‪ .‬والب قاء " لل صلح " ف عرف هم تع ن الب قاء " ل لقوى "‪،‬‬
‫مهما يكن ما ينطوي عليه من الشر‪ ،A‬وهو معن مستمد من التفسي اليوان للنسان‪.‬‬

‫وأدى إ ل إف ساد الف طرة الب شرية ب صرفها عن –تو–ج‪A‬ه ها الف طري إ ل ع بادة ا ل‪.‬‬
‫)ف)ط‪.‬ر‪%‬ت‪ %‬الل‪X‬ه) ا‪X‬لت)ي ف‪#‬ط‪#‬ر‪ %‬الن‪H‬ا س‪ %‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه‪%‬ا ل ‪%‬تب‪4‬د)يل‪ #‬ل)خ‪%‬ل‪.‬ق) الل‪X‬ه) ذ‪)#‬لك‪ %‬الد‪s‬ين‪ -‬ال‪.‬ق‪#‬ي‪ s‬م‪ -‬و‪%‬ل‪#‬ك)ن‪ H‬أ‪#‬ك‪.‬ث‪#‬ر‬
‫الن‪H‬اس) ل ي‪%‬ع‪4‬ل‪#‬م‪-‬ون(‪] .‬سورة الروم‪ ،‬الية ‪.[30‬‬

‫ث أفسد فطرة الرجل وفطرة الرأة كليهما بقضية الساواة‪ ،‬فر–ج*ل‪ ã‬الرأة‪ ،‬ونف‪m‬رها‬
‫من وظيفتها الفطرية‪ ،‬من البيت والسرة ورعاية النشء‪ ،‬كما نف‪m‬رها من ق‪Æ‬و–امة الر‪A‬جل الت‬
‫ل ي ستقيم بدونا حال ال سرة‪ ،‬فتفك كت ال سرة‪ ،‬وت شر‪A‬د الط فال‪ ،‬وج نح ال حداث‪،‬‬
‫وانت شر الشذوذ ا لذي أف سد ف طرة الرجل فق تل رجولته‪ ،‬أو صرفها عن ميلها الف طري‪..‬‬
‫وذلك ك ل‪m‬ه إل جانب المر والخدرات والرية‪ ،‬والقلق والنتحار والنون والمراض‬
‫النفسية والعصبية‪.‬‬

‫)‪(49‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫هذا ول نتحدث بعد عن التأثي اليهودي ف الاهلية العاصرة‪ ،‬الذي عم‪A‬ق فيها‬
‫كل‪ m‬معان الشر‪ ،A‬وأفسح له الال ف شت اليادين‪ ،‬فقد أرجأناه إل فصل مستقل‪.‬‬

‫وهكذا نصل مع الاهلية العاصرة إل خلصتها الت بدأنا با الديث عنها‪ :‬تقد‪m‬م‬
‫هائل ف العلوم الادية والتكنولوجيا والعمارة الادية للرض‪ ،‬وانتكاسة هائلة ف الانب‬
‫الروحي والقيم العنوية اللزمة لياة النسان‪.‬‬

‫)‪(50‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫رابعا‪ :‬السننن الربانية‬


‫الت تكم أوضاع الاهلية العاصرة‬
‫يظن " بروميثيوس " الديث ‪ -‬الذي تكل‪m‬م عنه جوليان هكسلي‪ ،‬وقال إنه ي‪-‬مثل‬
‫الورب العاصر ‪ -‬أنه قد تد‪A‬ى ال ج ل‪ m‬جلله‪ ،‬ونح ف تديه )‪ !(47‬ومن جهة أخرى‬
‫يعجب بعض الناس كيف تكنت أوربا ك ل‪ m‬هذا التمكي وهي كافرة‪ .‬ويتساءلون‪ :‬أين‬
‫إذن سنن ال الت توعدت الكف‪€‬ار بالق والتدمي؟!‬

‫والقيقة أن أحوال الاهلية العاصرة وأوضاعها كل‪m‬ها مذكورة ف السنن الربانية‬


‫الواردة ف كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪ .‬بل يعجب النسان حي يتلو‬
‫اليات كيف انطبقت بذافيها على أوضاع الاهلية العاصرة كأنا أنزلت بشأنا‪ ،‬مع أنا‬
‫نزلت قبل أربعة عشر قرنا‪ ..‬ذلك أن الاهليات كل‪m‬ها متشابة ف جوهرها‪ ،‬وإن اختلفت‬
‫ف تفصيلتا‪ ،‬وكان لك ل‪ å‬منها خصائصها الت تشك‪m‬لها ظروف الزمان والكان‪ ،‬والسنن‬
‫الربانية متعلقة بالوهر وليست متعلقة بالشكال‪.‬‬

‫ول كي نف هم أو ضاع الاهل ية العا صرة ع لى ضوء ال سنن الربان ية علي نا أن ن تدبر‬
‫م موع ال سنن ا لوواردة ف ال يات التال ية‪ ،‬ذ لك أن ال سنن الربان ية ل تع مل ف ال غالب‬
‫فرادى‪ ،‬إنا تعمل متمعة‪ ،‬وخاص‪A‬ة ف حياة التمعات والش‪A‬عوب‪:‬‬

‫‪) (1‬و‪%‬ق‪/‬ل‪ .‬ن‪%‬ا ا ‪4‬هب) ط‪/‬وا ‪%‬بع‪ 4‬ض‪-‬ك‪/‬م‪ 4‬ل)ب‪%‬ع‪ 4‬ض‪ p‬ع‪%‬د‪-‬و‪ -‬و‪%‬ل‪#‬ك‪ /‬م‪ 4‬ف)ي ال‪.‬أ‪#‬ر‪ 4‬ض) م‪ -‬س‪4‬ت‪%‬ق‪#‬ر‪ -‬و‪%‬م‪ %‬ت‪%‬اع= )إ ل‪#‬ى‬
‫ح)ي(‪] .‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.[36‬‬

‫‪) (2‬ك‪/‬ل‪€‬ا‪ W‬ن‪ -‬م)د_ ه‪%‬ؤ‪-‬لء) و‪ %‬ه‪%‬ؤ‪-‬لء) م) ن‪ 4‬ع‪ %‬ط‪#‬اء) ر‪%‬ب‪ s‬ك‪ %‬و‪ %‬م‪%‬ا ك‪#‬ان‪ #‬ع‪ %‬ط‪#‬اء® ر‪%‬ب‪ s‬ك‪ %‬م‪%‬ح‪ 4‬ظ‪/‬ورا‪.(W‬‬
‫]سورة السراء‪ ،‬الية ‪.[20‬‬

‫‪) (3‬م‪%‬ن‪ 4‬ك‪#‬ان‪ #‬ي‪-‬ر)يد‪ -‬ا‪.‬لح‪%‬ي‪%‬اة‪ #‬الد_ن‪4‬ي‪%‬ا و‪%‬ز)ي‪%‬نت‪%‬ه‪%‬ا ن‪-‬و‪%‬ف‪) s‬إل‪#‬ي‪4‬ه)م‪ 4‬أ‪#‬ع‪4‬م‪%‬ا‪#‬له‪-‬م‪ 4‬ف)يه‪%‬ا و‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬ف)يه‪%‬ا ل‬
‫‪-‬يب‪4‬خ‪%‬س‪-‬ون(‪] .‬سورة هود‪ ،‬الية ‪.[15‬‬

‫‪ ()47‬ما يثي السخرية أن الصاروخ الذي كان يمل اسم التحد×ي ‪ Challenger‬قد انفجر بعد ثوان من‬
‫إطلقه وقتل كل من كان فيه من البشر‪.‬‬

‫)‪(51‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫‪) (4‬ف‪#‬ل‪#‬م‪H‬ا ن‪%‬س‪-‬وا م‪%‬ا ذ‪/‬ك‪+‬ر‪-‬وا )به) ف‪#‬ت‪%‬ح‪4‬ن‪%‬ا ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه)م‪# 4‬أب‪4‬و‪%‬اب‪ %‬ك‪/‬ل‪ +‬ش‪%‬ي‪4‬ء‪% p‬حت‪H‬ى )إذ‪#‬ا ف‪#‬ر)ح‪-‬وا ب)م‪%‬ا‬
‫أ‪/‬وت‪-‬وا ‪#‬أخ‪%‬ذ‪.‬ن‪%‬اه‪-‬م‪% 4‬بغ‪4‬ت‪%‬ة‪ W‬ف‪#‬إ)ذ‪#‬ا ه‪-‬م‪ 4‬م‪-‬ب‪4‬ل)س‪-‬ون‪ ،#‬ف‪#‬ق‪/‬ط)ع‪ %‬د‪%‬اب)ر‪ -‬ال‪.‬ق‪#‬و‪4‬م) ال‪X‬ذ)ين‪ %‬ظ‪#‬ل‪#‬م‪-‬وا و‪%‬ا‪.‬لح‪%‬م‪4‬د‪) -‬لل‪X‬ه) ر‪%‬ب‬
‫ال‪.‬ع‪%‬ال‪#‬م)ي(‪] .‬سورة النعام‪ ،‬اليتان ‪.[45 - 44‬‬

‫‪) (5‬و‪%‬ك‪#‬أ‪#‬ي‪s‬ن‪ 4‬م‪%‬ن‪ 4‬ق‪#‬ر‪4‬ي‪%‬ة‪ p‬أ‪#‬م‪4‬ل‪#‬ي‪4‬ت‪ -‬ل‪#‬ه‪%‬ا و‪%‬ه)ي‪ %‬ظ‪#‬ا)لم‪%‬ة‪/ I‬ثم‪# H‬أخ‪%‬ذ‪.‬ت‪-‬ه‪%‬ا و‪%‬إ)ل‪#‬ي‪ H‬ال‪.‬م‪%‬ص)ي‪] .(-‬سورة‬
‫الج‪ ،‬الية ‪.[48‬‬

‫‪) (6‬و‪%‬ل ‪%‬يز‪%‬ال‪ /‬ال‪X‬ذ)ين‪ %‬ك‪#‬ف‪#‬ر‪-‬وا ت‪-‬ص)يب‪-‬ه‪-‬م‪) 4‬بم‪%‬ا ص‪%‬ن‪%‬ع‪-‬وا ق‪#‬ار)ع‪%‬ة‪# I‬أو‪ 4‬ت‪%‬ح‪-‬ل‪ Í‬ق‪#‬ر)يبا‪ W‬م)ن‪ 4‬د‪%‬ار)ه)م‬
‫ح‪%‬ت‪H‬ى ‪%‬يأ‪.‬ت)ي‪ %‬و‪%‬ع‪4‬د‪ -‬الل‪X‬ه) )إن‪ X‬الل‪X‬ه‪ %‬ل ي‪-‬خ‪4‬ل)ف‪ -‬ال‪.‬م)يع‪%‬اد(‪] .‬سورة الرعد‪ ،‬الية ‪.[31‬‬

‫إذا تدبرنا هذه اليات وهذه السنن تتبي لنا مموعة من القائق حول الاهلية‬
‫العاصرة‪.‬‬

‫فقدر ال للنسان أن ينال ف الرض مستق̈را ومتاعا‪ X‬إل حي‪ ،‬هو قدر عام شامل‬
‫للنسان كل‪m‬ه‪ ،‬مؤمنه وكافره‪ ،‬غي متعل‪m‬ق بالكفر ول باليان‪ ،‬وإنا متعل‪m‬ق‪ Y‬بنوع النسان‪.‬‬

‫ي‪-‬ؤيد هذا قوله تعال عن الفريقي اللذين قد‪A‬ر ال أن ينقسم إليهما البشر نتيجة‬
‫الري‪A‬ة الت وهبها ال للنسان‪ ،‬وعدم قهره على الدى كبقية الكائنات‪/ ) :‬كل‪€‬ا‪- W‬نم)د_ ه‪%‬ؤ‪-‬لء‬
‫و‪ %‬ه‪%‬ؤ‪-‬لء) م) ن‪ 4‬ع‪ %‬ط‪#‬اء) ر‪%‬ب‪ s‬ك‪ %‬و‪ %‬م‪%‬ا ك‪#‬ان‪ #‬ع‪ %‬ط‪#‬اء® ر‪%‬ب‪ s‬ك‪ %‬م‪%‬ح‪ 4‬ظ‪/‬ورا(‪] .‬سورة السراء‪ ،‬الية ‪.[20‬‬
‫فعطاء ال ‪ -‬من حيث البدأ ‪ -‬مبذول للفريقي‪ :‬الؤمني والكفار‪ ،‬غي مظور على واحد‬
‫منهما‪ .‬والعطاء شامل غي مد‪A‬د‪ ،‬فهو يشمل كل ما وهبه ال للنسان من هواء يتنفسه‪،‬‬
‫وماء يشربه‪ ،‬وطعام يأكله‪ ،‬وخ–ل‪Å‬ق‡ ف أحسن تقوي‪ ،‬وأدوات معينة على مهمة اللفة ف‬
‫الرض‪ ،‬وتسخي لا ف السموات والرض لصال النسان لكي تكون حياته على الرض‬
‫مكنة ومستقر‪A‬ة ومتوية على قدر من التاع‪..‬‬

‫والتمك ي ف ا لرض لون من أ لوان ال ستقرار وال تاع ا لذي وه به ا ل للن سان‬
‫عامة‪ ،‬وجزء من العطاء الذي ت‪-‬قر‪A‬ر الية الكرية أنه مبذول لؤلء وهؤلء‪ ..‬أي للمؤمني‬
‫والكفار‪.‬‬

‫بل إن إحدى اليات الت استشهدنا با ت‪-‬قر‪A‬ر حقيقة تبدو عجيبة لول وهلة‪ ،‬لنا‬
‫ت بدو ف ال ظاهر متناقضة لا نتصوره نن ‪ -‬دون تع مق ‪ -‬من أ مر ال سنن الربان ية ا لت‬

‫)‪(52‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫يريها ال ف حياة البشر‪ ،‬إذ تقرر هذه الية أن الك ف‪m‬ار حي –ن س‪-‬وا ما ذ” ك‪Ý‬ر‪-‬وا به ‪ -‬أي‬
‫–ن س‪-‬وا ما ن‪-‬ز‪A‬ل علي هم من ا لوحي ع لى يد النب ياء والر سل ‪ -‬ف تح ا ل علي هم أ بواب كل‬
‫شيء‪ ،‬ومك‪m‬ن لم ف الرض!‬

‫)ف‪#‬ل‪ #‬م‪H‬ا ن‪ %‬س‪-‬وا م‪%‬ا ذ‪ /‬ك‪+‬ر‪-‬وا ب) ه) ف‪#‬ت‪%‬ح‪ 4‬ن‪%‬ا ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه) م‪ 4‬أ‪ #‬ب‪4‬و‪%‬اب‪ %‬ك‪ /‬ل‪ +‬ش‪%‬ي‪4‬ء‪ ] .(..p‬سورة النعام‪،‬‬
‫الية ‪.[44‬‬

‫نتصور لول وهلة أن هذا مناقض لوعيد ال للكفار بالتدمي عليهم‪ ،‬ووعده ‪-‬‬
‫ع لى الع كس من ذ لك ‪ -‬ب نح التمك ي لل مؤمني ا لذين يع بدون ا ل حق ع بادته ول‬
‫خل)ف‪#‬ن‪H‬ه‪-‬م‪ 4‬ف)ي ال‪.‬أ‪#‬ر‪4‬ض‬ ‫ي‪-‬شركون به‪) :‬و‪%‬ع‪%‬د‪ %‬الل‪X‬ه‪ -‬ال‪X‬ذ)ين‪ %‬آم‪%‬ن‪-‬وا م)ن‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬و‪%‬ع‪%‬م)ل‪/‬وا الص‪H‬ال)ح‪%‬ات) ل‪#‬ي‪%‬س‪4‬ت‪4 %‬‬
‫ك‪ #‬م‪%‬ا ا س‪4‬ت‪%‬خ‪4‬ل‪#‬ف‪ %‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬م) ن‪ 4‬ق‪#‬ب‪4‬ل)ه) م‪ 4‬و‪#%‬لي‪-‬م‪%‬ك‪+‬ن‪ %‬ن‪ H‬ل‪#‬ه‪ -‬م‪ 4‬د)ين‪%‬ه‪ -‬م‪ -‬ا ل‪X‬ذ)ي ار‪4‬ت‪%‬ض‪%‬ى ل‪#‬ه‪ -‬م‪ 4‬و‪%‬ل‪#‬ي‪ -‬ب‪%‬د‪s‬ل‪#‬ن‪H‬ه‪-‬م‪ 4‬م)ن‬
‫‪%‬بع‪4‬د) خ‪%‬و‪4‬ف)ه)م‪ 4‬أ‪#‬م‪4‬نا‪ W‬ي‪%‬ع‪4‬ب‪-‬د‪-‬ون‪%‬ن)ي ل ‪-‬يش‪4‬ر)ك‪/‬ون‪ #‬ب)ي ش‪%‬ي‪4‬ئا(‪] .‬سورة النور‪ ،‬الية ‪.[55‬‬

‫ولكن هذا التناقض الظاهري ‪ -‬ف تصورنا ‪ -‬يزول حي ‪-‬نن‪5‬ع‪Æ‬م الن‪A‬ظر ف اليات‪،‬‬
‫ونزداد تعرف‪X‬ا على السنن الربانية‪.‬‬

‫إن ا ل ج ل‪ m‬وعل ل ي ظر الع طاء ا لدنيوي ع لى الكفار اب تداء‪ ،‬بل بذله ‪ -‬ك ما‬
‫رأينا ‪ -‬لكل الفريقي الكافر والؤمن سواء‪ ،‬ومن العطاء التمكي ف الرض كما سبق‬
‫القول‪ .‬وبيان ذلك أن الدنيا ل تساوي عند ال جناح بعوضة‪ ،‬فهو ي‪-‬عطي منها الكافر‪،‬‬
‫لوانا عليه سبحانه وتعال‪ ،‬أما الخرة فيدخرها للمؤ‪5‬مني وحدهم‪.‬‬

‫يقول صلى ال عليه وسلم‪ " :‬لو كانت الدنيا تعدل عند ال جناح بعوضة ما‬
‫س‪%‬ق‪#‬ى الكافر‪ %‬منها ش‪%‬ر‪4‬ب‪%‬ة‪ #‬ماء‪.(48) " p‬‬

‫وي قول صلى ا ل عل يه و سلم‪ " :‬إن ا ل ي‪-‬ع طي ا لدنيا لن أح ب‪ m‬و من ل ي‪-‬ح ب‪،m‬‬
‫ولكنه ل ي‪-‬عطي الخرة إ ‪€‬ل لن أحب‪.(49) " H‬‬

‫وإل هنا يزول جزء من العجب الذي يعترينا لول وهلة‪ ،‬حي نرى ال يبذل‬
‫شيء " وهم كفار‪.‬‬
‫للكفار من عطائه‪ ،‬ويفتح عليهم " أبواب ك ‪+‬ل ‡‬

‫‪ ()48‬صححه الترمذي والاكم‪.‬‬


‫‪ ()49‬رواه أحد ‪.387 / 1‬‬

‫)‪(53‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫لقد كان السبب ف عجبنا هو نظرتنا إل الدنيا‪ ،‬وإل التمكي فيها‪ ،‬بعي الكبار‬
‫والعظام‪ ،‬كأنا غاية الغايات الت خلق النسان لتحصيلها‪ ..‬فإذا علمنا هوانا على ال‪،‬‬
‫وانا ل ت‪-‬ساوي عنده –جن–اح– ب–ع‪-‬وض–ة‪ ،‬تطامن إكبارنا وإعظامنا لا‪ ،‬وزال عجبنا ‪ -‬أو جزء‬
‫من عجبنا على القل ‪ -‬من كون ال يفتح أبوابا للكافرين العاندين الارجي على طاعة‬
‫ال‪.‬‬

‫ث يزول ما بقي من عجبنا حي نعلم أمرين آخرين يري بما قدر ال وسنته‪،‬‬
‫ووعده ووعيده‪.‬‬

‫المر الول أن من سننه الارية سبحانه وتعال أن يلي للكفار ف الرض قبل‬
‫أن يدمر عليهم‪% ) .‬و ك‪#‬أ‪#‬ي‪s‬ن‪ 4‬م‪ %‬ن‪ 4‬ق‪#‬ر‪ 4‬ي‪%‬ة‪ p‬أ‪#‬م‪4‬ل‪#‬ي‪ 4‬ت‪# -‬ل ه‪%‬ا و‪%‬ه) ي‪ %‬ظ‪#‬ال) م‪%‬ة‪ I‬ث‪ /‬م‪ H‬أ‪ #‬خ‪%‬ذ‪.‬ت‪-‬ه‪%‬ا و‪)%‬إل‪ #‬ي‪ H‬ال‪.‬م‪ %‬ص)ي‪.(-‬‬
‫]سورة الج‪ ،‬الية ‪.[48‬‬

‫) ‪%‬ول‪#‬ق‪#‬د) اس‪4‬ت‪-‬ه‪4‬ز)ئ‪ %‬ب)ر‪-‬س‪-‬ل‪ p‬م)ن‪ 4‬ق‪#‬ب‪4‬ل)ك‪ %‬ف‪#‬أ‪#‬م‪4‬ل‪#‬ي‪4‬ت‪ -‬ل)ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ك‪#‬ف‪#‬ر‪-‬وا ث‪/‬م‪# H‬أخ‪%‬ذ‪-.‬ته‪-‬م‪ 4‬ف‪#‬ك‪#‬ي‪4‬ف‪ %‬ك‪#‬ان‬
‫ع)ق‪#‬اب(‪] .‬سورة الرعد‪ ،‬الية ‪.[32‬‬

‫وظاهر من هذه اليات وأمثالا ف القرآن أن الملء ييء " بالفاء " والخذ يأت‬
‫مع " ث " أي أن الملء يأت مباشرة بعد التكذيب‪ ،‬وأما الخذ فيأت على الدى‪ ،‬با يشي‬
‫إل أن الملء قد يطول مع الكفر والتكذيب!‬

‫فإذا فهمنا أن من معان الملء للكفار التمكي لم ف الرض )إذ أن التكذيب‬


‫ي صدر عادة من الط غاة المكن ي ف ا لرض‪ ،‬وب سبب من ذ لك التمك ي( )‪ .(50‬ل ن عد‬
‫نعجب أن يفتح ال أبواب كل شيء على الذين نسوا ما ذكروا به‪ ،‬فإن هذا هو عي‬
‫الملء‪ ،‬الذي تدثت به آيات كثية ف كتاب ال‪.‬‬

‫وا لمر ال ثان أن هذا ا لملء للك فار ا لذي ي شمل التمك ي لم ف ا لرض‪،‬‬
‫وفتح أبواب كل شيء عليهم إل حي ‪ -‬يطول أو يقصر ‪ -‬يصحبه ويلزمه حرمانم‬
‫من ثواب الخرة‪ ،‬وصيورتم إل النار‪:‬‬

‫‪ ()50‬يقول تعال عن النمرود‪ã) :‬أل‪ã‬م‪ 5‬ت–ر– إ‪Æ‬ل‪ã‬ى ال‪Û‬ذ‪Æ‬ي ح–اج* إ‪Æ‬ب‪5‬ر–اه‪Æ‬يم– ف‪Æ‬ي ر–ب×ه‪ã Æ‬أن‪ Å‬آت–اه‪ -‬الل‪Û‬ه‪ -‬ال‪Å‬م‪-‬ل‪Å‬ك–( أي بسبب أن‬
‫ال آتاه اللك! )سورة البقرة‪.(258 :‬‬

‫)‪(54‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫)م‪ %‬ن‪ 4‬ك‪#‬ان‪- #‬ير) يد‪ -‬ا‪.‬لح‪ %‬ي‪%‬اة‪ #‬ا لد_ن‪4‬ي‪%‬ا و‪%‬ز)ين‪%‬ت‪ %‬ه‪%‬ا ن‪-‬و‪%‬ف‪) s‬إل‪#‬ي‪4‬ه) م‪# 4‬أع‪ 4‬م‪%‬ا‪#‬له‪-‬م‪ 4‬ف)ي ه‪%‬ا و‪%‬ه‪ -‬م‪ 4‬ف)ي ه‪%‬ا ل‬
‫‪-‬يب‪4‬خ‪%‬س‪-‬ون‪ ،#‬أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ال‪X‬ذ)ين‪ %‬ل‪#‬ي‪4‬س‪ %‬ل‪#‬ه‪-‬م‪ 4‬ف)ي ال‪.‬آخ)ر‪%‬ة) )إل‪X‬ا الن‪H‬ار‪ -‬و‪%‬ح‪)%‬بط‪ #‬م‪%‬ا ص‪%‬ن‪%‬ع‪-‬وا ف)يه‪%‬ا و‪%‬ب‪%‬اط)ل‪ I‬م‪%‬ا‬
‫ك‪#‬ان‪-‬وا ي‪%‬ع‪4‬م‪%‬ل‪/‬ون(‪] .‬سورة هود‪ ،‬اليتان‪.[16 - 15 :‬‬

‫) ‪%‬و ي‪%‬و‪4‬م‪ %‬ي‪-‬ع‪4‬ر‪ %‬ض‪ -‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ك‪ #‬ف‪#‬ر‪-‬وا ع‪ %‬ل‪#‬ى ال ن‪H‬ار) ‪#‬أذ‪.‬ه‪%‬ب‪4‬ت‪ -‬م‪ 4‬ط‪#‬ي‪ s‬ب‪%‬ات)ك‪/‬م‪ 4‬ف)ي ح‪ %‬ي‪%‬ات)ك‪/‬م‪ -‬ا لد_ن‪4‬ي‪%‬ا‬
‫و‪%‬اس‪4‬ت‪%‬م‪%4‬تع‪4‬ت‪-‬م‪ 4‬ب)ه‪%‬ا ف‪#‬ال‪.‬ي‪%‬و‪4‬م‪- %‬تج‪4‬ز‪%‬و‪4‬ن‪ #‬ع‪%‬ذ‪#‬اب‪ %‬ال‪.‬ه‪-‬ون) ب)م‪%‬ا ك‪4 /‬نت‪-‬م‪ 4‬ت‪%‬س‪4‬ت‪%‬ك‪.‬ب)ر‪-‬ون‪ #‬ف)ي ا‪.‬لأ‪#‬ر‪4‬ض) ب)غ‪%‬ي‪4‬ر) ال‪.‬ح‪%‬ق‬
‫و‪)%‬بم‪%‬ا ك‪4 /‬نت‪-‬م‪ 4‬ت‪%‬ف‪.‬س‪-‬ق‪/‬ون(‪] .‬سورة الحقاف‪ ،‬الية ‪.[20‬‬

‫فإذا ف”همت هذه القائق كلها‪ ،‬وع‪-‬رفت سنن ال ف هذا الشأن‪ ،‬ل يعد عجيبا‪ X‬أن‬
‫يفتح ال أبواب كل شيء على الكفار كلما أوغلوا ف الكفر‪ ،‬استدراجا‪ X‬لم لكي يزدادوا‬
‫إثا‪ ،X‬وليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة‪:‬‬

‫)و‪%‬ل ي‪%‬ح‪ 4‬س‪%‬ب‪%‬ن‪ H‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ك‪#‬ف‪#‬ر‪-‬وا ‪#‬أن‪ H‬م‪%‬ا ن‪-‬م‪ 4‬ل)ي ‪#‬له‪ -‬م‪ 4‬خ‪ %‬ي‪4‬ر= )لأ‪#‬ن‪4‬ف‪ /‬س)ه)م‪) 4‬إن‪ H‬م‪%‬ا ن‪-‬م‪4‬ل)ي ل‪#‬ه‪ -‬م‬
‫)لي‪%‬ز‪4‬د‪%‬اد‪-‬وا إ)ث‪.‬ما‪% W‬ول‪#‬ه‪-‬م‪ 4‬ع‪%‬ذ‪#‬اب= م‪-‬ه)ي(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[178‬‬

‫) ‪%‬سن‪ %‬س‪4‬ت‪%‬د‪4‬ر)ج‪-‬ه‪-‬م‪ 4‬م) ن‪ 4‬ح‪%‬ي‪ 4‬ث‪ /‬ل ي‪%‬ع‪4‬ل‪ #‬م‪-‬ون‪ ،#‬و‪%‬أ‪/‬م‪ 4‬ل)ي ل‪#‬ه‪ -‬م‪ 4‬إ) ن‪ X‬ك‪ #‬ي‪4‬د)ي م‪%‬ت) ي=(‪ ] .‬سورة‬
‫القلم‪ ،‬اليتان ‪.[45 - 44‬‬

‫حم)ل‪/‬وا ‪#‬أو‪4‬ز‪%‬ار‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬ك‪#‬ام)ل‪#‬ة‪ W‬ي‪%‬و‪4‬م‪ %‬ال‪.‬ق)ي‪%‬ام‪%‬ة) و‪%‬م)ن‪ 4‬أ‪4 #‬وز‪%‬ار) ال‪X‬ذ)ين‪- %‬يض)ل‪Í‬ون‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬ب)غ‪%‬ي‪4‬ر) ع)ل‪.‬م‪ p‬أ‪#‬ل‬
‫)ل)ي‪4 %‬‬
‫س‪%‬ا̀ء م‪%‬ا ي‪%‬ز)ر‪-‬ون(‪] .‬سورة النحل‪ ،‬الية ‪.[25‬‬

‫كما قد يكون من ح‪Æ‬ك‪ã‬م الملء تقيق سنن أخرى من سنن ال‪ ،‬من بينهما سنة‬
‫البتلء للمؤمني‪ ،‬وتحيصهم ليمحق بم الكافرين‪:‬‬

‫)أ‪#‬ح‪%‬س)ب‪ %‬الن‪H‬اس‪ -‬أ‪#‬ن‪- .‬يت‪4‬ر‪%‬ك‪/‬وا ‪#‬أن‪ .‬ي‪%‬ق‪/‬ول‪/‬وا آم‪%‬ن‪H‬ا و‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬ل ي‪-‬ف‪.‬ت‪%‬ن‪-‬ون‪% ،#‬ول‪#‬ق‪#‬د‪ 4‬ف‪#‬ت‪%‬ن‪H‬ا ال‪X‬ذ)ين‪ %‬م)ن‬
‫ق‪#‬ب‪4‬ل)ه) م‪ 4‬ف‪#‬ل‪#‬ي‪%‬ع‪4‬ل‪#‬م‪ %‬ن‪ H‬الل‪X‬ه‪ -‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ص‪%‬د‪%‬ق‪/‬وا و‪%‬ل‪#‬ي‪%‬ع‪4‬ل‪#‬م‪ %‬ن‪ H‬ا‪.‬لك‪#‬اذ)ب)ي(‪] .‬سورة العنكبوت‪ ،‬اليتان ‪- 2‬‬
‫‪.[3‬‬

‫ح ص‪ %‬الل‪ X‬ه‪ -‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬آم‪ %‬ن‪-‬وا و‪%%‬يم‪4‬ح‪ %‬ق‪ %‬ال‪ .‬ك‪#‬اف)ر)ين‪ ] .(%‬سورة آل ع مران‪ ،‬ال ية‬
‫) ‪%‬ول)ي‪-‬م‪s %‬‬
‫‪.[141‬‬

‫)‪(55‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وقد يكون السبب غياب أهل الق عن الساحة‪ ،‬الذين يتم بم تقيق سنة التدافع‬
‫الت جعلها ال أداة لصلح الرض‪:‬‬

‫) ‪%‬و ل‪#‬و‪4‬ل د‪%‬ف‪ .‬ع‪ -‬الل‪ X‬ه) الن‪H‬ا س‪ %‬ب‪%‬ع‪ 4‬ض‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬ب)ب‪%‬ع‪ 4‬ض‪ p‬ل‪#‬ف‪ #‬س‪%‬د‪%‬ت) ال‪.‬أ‪#‬ر‪ 4‬ض‪% -‬ول‪#‬ك) ن‪ H‬الل‪ X‬ه‪ %‬ذ‪/‬و ف‪ #‬ض‪4‬ل‬
‫ع‪%‬ل‪#‬ى ال‪.‬ع‪%‬ال‪#‬م)ي(‪] .‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪.[251 :‬‬

‫فيم لي ا ل للك فار‪ ،‬إ ل أن يظ هر أ هل ا لق‪ ،‬وي صبحوا أهل‪ W‬لن ير ثوا ا لرض‬
‫لتحقيق وعد ال‪:‬‬

‫) ‪%‬ول‪ #‬ق‪#‬د‪ 4‬ك‪%#‬تب‪ 4‬ن‪%‬ا ف)ي الز‪ H‬ب‪-‬ور) م) ن‪% 4‬ب ع‪4‬د) الذ‪+‬ك‪.‬ر) أ‪ #‬ن‪ X‬ال‪.‬أ‪#‬ر‪ 4‬ض‪% %‬ير)ث‪ /‬ه‪%‬ا ع) ب‪%‬اد)ي‪ %‬ال ص‪H‬ال)ح‪-‬ون‪.(#‬‬
‫]النبياء ‪.[105‬‬

‫وهذا المر الخي بالذات قد يكون أقرب تفسي لحوال العال العاصر‪ ،‬وتكي‬
‫الاهل ية العا صرة‪ ،‬ب سبب غ ياب أ هل ا لق عن ال ساحة‪ ،‬وغ ياب الن هج الر بان عن‬
‫التطبيق‪.‬‬

‫على أن المر ل يتم بجرد الكفر‪ ..‬أي أنه ليس مرد كفر الكافرين هو الذي‬
‫يؤدي إل تكينهم ف الرض‪ .‬فإن التمكي له سننه الاصة الت ل بد أن تتوفر له حت‬
‫يوجد‪ .‬وكل شيء إنا يتم بشيئة ال‪ .‬ولكن مشيئة ال هي الت اقتضت أن تكون للتمكي‬
‫أسباب‪ ،‬وأنه ل بد من اتاذ السباب لكي يتم التمكي‪.‬‬

‫ل بد من إرادة ومن جهد يبذل‪.‬‬

‫)م‪ %‬ن‪ 4‬ك‪#‬ان‪- #‬ير) يد‪ -‬ا‪.‬لح‪ %‬ي‪%‬اة‪ #‬ا لد_ن‪4‬ي‪%‬ا و‪%‬ز)ين‪%‬ت‪ %‬ه‪%‬ا ن‪-‬و‪%‬ف‪) s‬إل‪#‬ي‪4‬ه) م‪# 4‬أع‪ 4‬م‪%‬ا‪#‬له‪-‬م‪ 4‬ف)ي ه‪%‬ا و‪%‬ه‪ -‬م‪ 4‬ف)ي ه‪%‬ا ل‬
‫‪-‬يب‪4‬خ‪%‬س‪-‬ون(‪] .‬سورة هود‪ ،‬الية ‪.[15‬‬

‫)ل‪#‬ق‪#‬د‪% 4‬خل‪#‬ق‪.‬ن‪%‬ا ا‪.‬لأ)ن‪4‬س‪%‬ان‪ #‬ف)ي ك‪%#‬بد‪] .(p‬سورة البلد‪ ،‬الية ‪.[4‬‬

‫)ي‪%‬ا ‪#‬أي_ه‪%‬ا ال‪.‬أ)ن‪4‬س‪%‬ان‪ /‬إ)ن‪H‬ك‪ %‬ك‪#‬اد)ح= إ)ل‪#‬ى ر‪%‬ب‪s‬ك‪ %‬ك‪#‬د‪4‬حا‪ W‬ف‪#‬م‪-‬لق)يه)(‪] .‬سورة النشقاق‪ ،‬الية‬
‫‪.[6‬‬

‫)‪(56‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫والسباب ف ذاتا ليست هي الت تؤدي إل النتائج بطريقة ذاتية‪ ،‬إنا يتم ذلك‬
‫ب شيئة من ا ل‪ .‬وإذا ل ي شأ ا ل فإن ا لمر ل ي تم مه ما بذلت ف يه ال سباب‪ ..‬ول كن‬
‫ا لاهليي يه لون ذ لك‪ ،‬ويتك لون ع لى ال سباب و حدها دون التو كل ع لى ا ل‪ .‬و من‬
‫ال ستدراج ا لذي يفتن هم ا ل به أن يكل هم إ ل ال سباب ا لت يت خذونا‪ ،‬وينجح ها لم‪،‬‬
‫فيزدادون فتنة با‪ ،‬واتكال عليها‪ ،‬وبعد‪X‬ا عن ال!‬

‫ولكي نوضح هذه القيقة الت تغشى عليها الاهلية العاصرة‪ ،‬حقيقة أن السباب‬
‫ل تفعل بذاتا‪ ،‬ولكنها تفعل بشيئة ال‪ ،‬نضرب بعض المثلة‪:‬‬

‫فهت لر قد ا تذ كل ما ف و سع الب شر من ال سباب ل كي ينت صر ع لى الل فاء‪.‬‬


‫وتدى بأسبابه قدر ال‪ .‬وكان يقول إن قواته ستتوغل ف روسيا بالسهولة الت تقطع با‬
‫ال سكي قط عة ال ب! و كان ي قول إ نه لن ي طئ ك ما أخ طأ نابليون‪ ،‬و لن ‪-‬ي ستدرج إل‬
‫الصقيع الذي أهلك جيش نابليون! ث شاء قدر ال غي ما أراد هتلر‪ .‬واستدرجه الروس‬
‫إل الصقيع الذي أهلك جيشه كما أهلك جيش نابليون!‬

‫ودخل الروس أفغانستان وهم واثقون تاما‪ X‬من النصر‪ ،‬وأن المر لن يستغرق‬
‫منهم أكثر من شهور‪ ،‬نظرا‪ X‬لتفوقهم الساحق ف العدد والعدة‪ ،‬ول يسبوا أي حساب‬
‫ل قدر ا ل‪ .‬ف هم ل يؤم نون بال ا صل‪ ،X‬ول يؤم نون إل بال سباب الاد ية‪ ،‬و ف ح ساب‬
‫السباب الادية ل تناسب على الطلق بي ما يلكون هم وما يلك الفغان! ث شاء ال‬
‫غي ما شاء الروس‪ ،‬فصمد الفغان عشر سنوات كاملة‪ ،‬واضطر الروس ف النهاية إل‬
‫النسحاب دون أن يققوا النصر‪..‬‬

‫وف هذا وذاك عبة لن يعتب‪ ..‬ولكن الكفار ل يعتبون!‬

‫)ق‪ /‬ل) ا‪4‬نظ‪/‬ر‪-‬وا م‪%‬اذ‪#‬ا ف)ي ال س‪H‬م‪%‬او‪%‬ات) و‪%‬ال‪.‬أ‪#‬ر‪ 4‬ض) و‪%‬م‪%‬ا ت‪-‬غ‪ 4‬ن)ي ال‪.‬آيات‪ -‬و‪%‬ال ن_ذ‪/‬ر‪% -‬عن‪ 4‬ق‪#‬و‪4‬م‪ p‬ل‬
‫‪-‬يؤ‪4‬م)ن‪-‬ون(‪] .‬سورة يونس‪ ،‬الية ‪.[101‬‬

‫كل! ليست السباب هي الت تؤدي بذاتا إل النتائج إل أن يشاء ال‪ .‬ولكن ال‬
‫يستدرج الكفار ‪ -‬جزاء كفرهم وإعراضهم ‪ -‬فيكلهم إل السباب الت يتخذونا‪ ..‬حت‬
‫تلكهم السباب ف النهاية!‬

‫)‪(57‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ولكن هناك حقيقة واقعة من الانب الخر هي أنه ل يكن أن يتم التمكي بغي‬
‫اتاذ السباب‪ ..‬ل للكفار ول للمؤمني‪.‬‬

‫وقد بذلت أوربا كل ما تلك من جهد‪ ،‬وكدحت بكل ما تلك من الكدح‪،‬‬


‫وتوجهت بكل ما تلك من إرادة‪ ،‬فمكن ال لا ف الرض حسب سننه الت قدرها وبينها‬
‫سبحانه ف ك تابه ال نل‪ :‬أ نه من أراد ا لدنيا‪ ،‬و سعى لا سعيها‪ ،‬يوفيهم ا ل جزاء هم ف‬
‫الدنيا‪ ،‬ول يبخسهم جهدهم‪ ،‬وكدحهم‪ ،‬وتوجههم‪:‬‬

‫)م‪ %‬ن‪ 4‬ك‪#‬ان‪- #‬ير) يد‪ -‬ا‪.‬لح‪ %‬ي‪%‬اة‪ #‬ا لد_ن‪4‬ي‪%‬ا و‪%‬ز)ين‪%‬ت‪ %‬ه‪%‬ا ن‪-‬و‪%‬ف‪) s‬إل‪#‬ي‪4‬ه) م‪# 4‬أع‪ 4‬م‪%‬ا‪#‬له‪-‬م‪ 4‬ف)ي ه‪%‬ا و‪%‬ه‪ -‬م‪ 4‬ف)ي ه‪%‬ا ل‬
‫‪-‬يب‪4‬خ‪%‬س‪-‬ون(‪] .‬سورة هود‪ ،‬الية ‪.[15‬‬

‫) ‪%‬وم‪%‬ن‪- 4‬ير)د‪ 4‬ث‪#‬و‪%‬اب‪ %‬الد_ن‪4‬ي‪%‬ا ‪-‬نؤ‪4‬ت)ه) م)ن‪4‬ه‪%‬ا(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[145‬‬

‫) ‪%‬وم‪%‬ن‪ 4‬ك‪#‬ان‪ #‬ي‪-‬ر)يد‪ -‬ح‪%‬ر‪4‬ث‪ #‬ال _دن‪4‬ي‪%‬ا ن‪-‬ؤ‪4‬ت)ه) م)ن‪4‬ه‪%‬ا و‪%‬م‪%‬ا ‪#‬له‪ -‬ف)ي ال‪.‬آخ)ر‪%‬ة) م)ن‪% 4‬نص)يب‪] .(p‬سورة‬
‫الشورى‪ ،‬الية ‪.[20‬‬

‫وه كذا ت لور با التمك ي ‪ -‬ب شيئة ا ل وح سب سنته ‪ -‬ف ح ي ي ظن "‬


‫بروميثيوس " الديث أن المر ت تديا‪ X‬ل! ويظن الذين استعبدت أوربا أرواحهم أن المر‬
‫كله راجع إل اتاذ السباب! ف حي كان ال يرب المة السلمة على منهج بديع‪ ،‬يوازن‬
‫ما بي ضرورة ا تاذ ال سباب وبي عدم الت كال عليها أو الفت نة با‪ ،‬وضرورة التو كل‬
‫على ال مع اتاذ السباب‪.‬‬

‫فحي أخبهم سبحانه أنه قدر لذا الدين أن يك‪m‬ن ف الرض‪ ،‬وأن الكافرين لن‬
‫يقدروا على موه من الرض كما تنوا ف دخيلة أنفسهم‪ ،‬أمرهم ف الوقت ذاته باتاذ‬
‫السباب لكيل يتواكلوا اعتمادا‪ X‬على وعد ال بالتمكي لدينه‪:‬‬

‫)و‪%‬ل ي‪%‬ح‪ 4‬س‪%‬ب‪%‬ن‪ H‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ك‪ #‬ف‪#‬ر‪-‬وا س‪%‬ب‪%‬ق‪/‬وا )إن‪H‬ه‪ -‬م‪ 4‬ل ‪-‬يع‪4‬ج)ز‪-‬و ن‪ ،#‬و‪%‬أ‪ #‬ع)د_وا ‪#‬له‪ -‬م‪ 4‬م‪%‬ا ا س‪4‬ت‪%‬ط‪#‬ع‪4‬ت‪-‬م‬
‫م)ن‪ 4‬ق‪/‬و‪H‬ة(‪] .‬سورة النفال‪ ،‬اليتان ‪.[60 - 59‬‬

‫وحي خدعتهم السباب فقالوا‪ :‬لن نغلب اليوم من قلة‪ ،‬قدر لم الزية لينتبهوا‬
‫إل أن السباب ل تؤدي بذاتا إل النتائج‪:‬‬

‫)‪(58‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫) ‪%‬وي‪%‬و‪4‬م‪ %‬ح‪-‬ن‪%‬ي‪4‬ن‪ p‬إ)ذ‪ .‬أ‪4 #‬عج‪%‬ب‪%‬ت‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬ك‪. #‬ثر‪%‬ت‪-‬ك‪/‬م‪ 4‬ف‪#‬ل‪#‬م‪ 4‬ت‪-‬غ‪4‬ن) ع‪%‬ن‪/ 4‬كم‪ 4‬ش‪%‬ي‪4‬ئا‪% W‬وض‪%‬اق‪#‬ت‪ 4‬ع‪%‬ل‪4 #‬يك‪/‬م‪ -‬ا‪.‬لأ‪#‬ر‪4‬ض‬
‫)بم‪%‬ا ر‪%‬ح‪%-‬بت‪/ 4‬ثم‪ H‬و‪X%‬لي‪4‬ت‪-‬م‪ 4‬م‪-‬د‪4‬ب)ر)ين(‪] .‬سورة التوبة‪ ،‬الية ‪.[25‬‬

‫إنا وجههم أن يتخذوا السباب ويتوكلوا على ال ف ذات الوقت‪ ،‬فتتم لم عدة‬
‫النصر‪:‬‬

‫)ف‪#‬إ)ذ‪#‬ا ع‪%‬ز‪%‬م‪4‬ت‪ %‬ف‪#‬ت‪%‬و‪%‬ك‪X‬ل‪ .‬ع‪%‬ل‪#‬ى الل‪X‬ه)(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[159‬‬

‫والعزية تتضمن اتاذ السباب فإنا ل تكون عزية صادقة بغي ذلك‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إذا خل صنا إ ل هذه القي قة‪ ،‬و هي أن تك ي الاهل ية العا صرة‪ ،‬وإيتاء ها كل‬
‫أسباب القوة‪ ،‬وفتح " أبواب كل شيء " عليها‪ ،‬إنا يتم حسب السنن الربانية ل مالفا‬
‫لا‪ ،‬فيجب أن نعرف بعد ذلك أن هناك فرقا‪ - W‬بل فروقا‪ - X‬بي تكي الرضا‪ ،‬الذي يعد‬
‫ال به عباده الؤمني‪ ،‬وتكي الستدراج الذي يعطيه للكافرين حي " يريدون " الدنيا‪،‬‬
‫ويبذلون الهد الكافئ لتلك الرادة‪ ،‬فيوفيهم جزاءهم ف الياة الدنيا‪ ،‬ويفتح عليهم "‬
‫أبواب كل شيء " ما يتعلق بذلك التمكي‪.‬‬

‫ال فرق ا لول‪ :‬أن تك ي ال ستدراج تك ي مؤقت مه ما طالت مدته‪ ،‬وينت هي‬
‫دائما‪ W‬بالدمار‪ ..‬بينما تكي الرضا متد حت يغي الناس ما بأنفسهم‪ ،‬وييدوا عن الطريق‪،‬‬
‫فيزيل عنهم التمكي‪ ..‬فإن ل يغيوا ما بأنفسهم امتد لم التمكي‪.‬‬

‫يقول ال عن الكفار‪:‬‬

‫)ف‪#‬ل‪ #‬م‪H‬ا ن‪ %‬س‪-‬وا م‪%‬ا ذ‪ /‬ك‪+‬ر‪-‬وا ب) ه) ف‪#‬ت‪%‬ح‪ 4‬ن‪%‬ا ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه) م‪# 4‬أ ب‪4‬و‪%‬اب‪ %‬ك‪ /‬ل‪ +‬ش‪%‬ي‪4‬ء‪ p‬ح‪ %‬ت‪H‬ى )إذ‪#‬ا ف‪#‬ر) ح‪-‬وا )ب م‪%‬ا‬
‫أ‪/‬وت‪-‬وا ‪#‬أخ‪%‬ذ‪.‬ن‪%‬اه‪-‬م‪% 4‬بغ‪4‬ت‪%‬ة‪ W‬ف‪#‬إ)ذ‪#‬ا ه‪-‬م‪ 4‬م‪-‬ب‪4‬ل)س‪-‬ون‪ ،#‬ف‪#‬ق‪/‬ط)ع‪ %‬د‪%‬اب)ر‪ -‬ال‪.‬ق‪#‬و‪4‬م) ال‪X‬ذ)ين‪ %‬ظ‪#‬ل‪#‬م‪-‬وا و‪%‬ا‪.‬لح‪%‬م‪4‬د‪) -‬لل‪X‬ه) ر‪%‬ب‬
‫ال‪.‬ع‪%‬ال‪#‬م)ي(‪] .‬سورة النعام‪ ،‬اليتان ‪.[45 - 44‬‬

‫بينما يقول عن الؤمني‪:‬‬

‫)‪(59‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫)ذ‪#‬ل)ك‪ %‬ب)أ‪#‬ن‪ X‬الل‪X‬ه‪ %‬ل‪#‬م‪ 4‬ي‪%‬ك‪ -‬م‪-‬غ‪%‬ي‪s‬را‪) W‬نع‪4‬م‪%‬ة‪# W‬أن‪4‬ع‪%‬م‪%‬ه‪%‬ا ع‪%‬ل‪#‬ى ق‪#‬و‪4‬م‪ p‬ح‪%‬ت‪H‬ى ‪-‬يغ‪%‬ي‪s‬ر‪-‬وا م‪%‬ا ب)أ‪#‬ن‪4‬ف‪/‬س)ه)م‪.(4‬‬
‫]سورة النفال‪ ،‬الية ‪.[53‬‬

‫والفرق الثان أن " أبواب كل شيء " الفتوحة على الكفار حي يوغلون ف‬
‫الكفر‪ ،‬هي أبواب التمكي الادي وحده‪ ،‬ولكن هناك بابي ل يفتحان على الكفار أبدا‬
‫لن ال حرمهما على الكافرين‪ :‬باب البكة‪ ،‬وباب الطمأنينة‪ ،‬وها بابان يفتحهما ال‬
‫على الؤمني فحسب‪:‬‬

‫) ‪%‬ول‪#‬و‪ 4‬أ‪#‬ن‪# X‬أه‪4‬ل‪ #‬ا‪.‬لق‪/‬ر‪%‬ى آم‪%‬ن‪-‬وا و‪%‬ات‪H‬ق‪#‬و‪4‬ا ‪#‬لف‪#‬ت‪%‬ح‪4‬ن‪%‬ا ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه)م‪% 4‬بر‪%‬ك‪#‬ات‪ p‬م)ن‪ %‬الس‪H‬م‪%‬اء) و‪%‬ال‪.‬أ‪#‬ر‪4‬ض)(‪.‬‬
‫]سورة العراف‪ ،‬الية ‪.[96‬‬

‫)ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬آم‪%‬ن‪-‬وا و‪%%‬تط‪.‬م‪%‬ئ)ن_ ق‪/‬ل‪/‬وب‪-‬ه‪-‬م‪ 4‬ب)ذ)ك‪.‬ر) الل‪X‬ه) أ‪#‬ل ب)ذ)ك‪.‬ر) الل‪ X‬ه) ت‪. %‬طم‪%‬ئ)ن_ ا‪.‬لق‪ /‬ل‪/‬وب‪.(-‬‬
‫]سورة الرعد‪ ،‬الية ‪.[28‬‬

‫ولفظ البكة ل ينحصر مع ناه ف الرخاء الادي‪ ..‬إنه أوسع وأشل‪ ..‬بل نكاد‬
‫نقول إنه ليس الرخاء الادي أساسا‪ - X‬وإن شله ‪ -‬إنا هو شيء ما ف حياة الناس يعلها‬
‫مباركة طيبة وضيئة شفيفة عالية نظيفة تستروحها النفس‪.‬‬

‫وهناك معان‡ لللفاظ يصعب تديدها‪ ،‬ولكن من ذاقها عرفها‪.‬‬

‫فالث قة التباد لة ب ي ال ناس نوع من الب كة‪ .‬وا لب الت بادل نوع من الب كة‪.‬‬
‫والتعاون على الب والتقوى نوع من البكة‪ .‬وغية كل إنسان على عرض أخيه نوع‬
‫من البكة‪ .‬والفاظ على القيم العليا ف التمع نوع من البكة‪ .‬والرص على صلت‬
‫الرحم نوع من البكة‪ .‬وكفالة القادرين لغي القادرين نوع من البكة‪ .‬وطلب العلم‬
‫لنفع الناس نوع من البكة‪ ..‬ومئات ومئات من الشاعر والعمال تمعها هذه اللفظة‬
‫الفردة‪ ،‬الت يفيض ال عليها من رحته فيجعلها " بركات "‪.‬‬

‫أ ما الطمأني نة‪ ،‬فا سأل عن ها ا لائفي القلق ي ا لائرين ال ضطربي التوج سي‬
‫الرهقي العصاب من القلق والوف والتوجس‪ ..‬إنم يعرفون جيدا‪ X‬ما يبحثون عنه‪ ..‬إنم‬
‫يبح ثون عن الطمأني نة! وا ل يبي لم ال باب ا لذي يؤدي إليها‪) :‬أ‪#‬ل ب)ذ)ك‪.‬ر) الل‪ X‬ه) ت‪%‬ط‪.‬م‪%‬ئ)ن‬
‫ال‪.‬ق‪/‬ل‪/‬وب(‪] .‬سورة الرعد‪ ،‬الية ‪.[28‬‬

‫)‪(60‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ولعلنا ل نتاج أن نقول إن الاهلية العاصرة برغم كل أدوات التمكي التاحة‬


‫لا من ال قوة الرب ية وال قوة السيا سية وال قوة الاد ية وال قوة القت صادية وال قوة العلم ية‪..‬‬
‫تفتقد الطمأني نة‪ ،‬وتفتقد ال سعادة ا لت ين شدها الن سان ف ح ياته‪ .‬وال مر وال خدرات‬
‫والرية وحدها دليل على فقدان السعادة والطمأنينة‪ ،‬فضل‪ X‬عن القلق والنتحار والنون‬
‫والمراض النفسية والعصبية‪ .‬فالمر ‪ -‬ومثلها الخدرات ‪ -‬ماولة للهروب من الواقع‪.‬‬
‫فلماذا يسعى الناس للهروب من واقعهم لو كانوا سعداء به!! والرية لون من الشعور‬
‫الرضي نو التمع‪ ،‬يعب عن عدم الرضا عن هذا التمع‪ ..‬فلماذا تنتشر الرية وتزداد‬
‫نسبتها؟‬

‫أما الرح النون الذي تغرق فيه الاهلية العاصرة ف لظات " النفلت "‪ ..‬ف‬
‫الرا قص والل هي والا نات وع لب الل يل فل يس دليل‪ X‬ع لى ال سعادة‪ ،‬بل هو أ حرى أن‬
‫يكون دليل‪ W‬على فقدانا‪ ،‬وماولة التعويض الفتعل عن الواء النفسي الناشئ من فقدانا‪.‬‬

‫وهذه هي الصورة الكالة للجاهلية‪ ،‬الت تعجز عن إخفائها الصانع الضخمة‪،‬‬


‫والنتاج الادي الكبي‪ ،‬والصواريخ الذاهبة إل القمر أو إل الريخ!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫سن‪A‬ة أخ ية ن شي إليها ف حديثنا عن الاهلية العاصرة‪ ،‬كانت قمينة أن ت كون‬
‫عبة لبوميثيوس العاصر‪ ،‬لول أن الاهلية قد أصمت أذنيها وأغلقت أعينها عن كل عبة‬
‫من العب‪.‬‬

‫)ل‪#‬ه‪-‬م‪ 4‬ق‪/‬ل‪/‬وب= ل ي‪%‬ف‪.‬ق‪#‬ه‪-‬ون‪) #‬به‪%‬ا و‪%‬ل‪#‬ه‪-‬م‪# 4‬أع‪4‬ي‪-‬ن= ل ‪-‬يب‪4‬ص)ر‪-‬ون‪) #‬به‪%‬ا و‪%‬ل‪#‬ه‪-‬م‪ 4‬آذ‪#‬ان‪ I‬ل ‪%‬يس‪4‬م‪%‬ع‪-‬ون‬
‫)به‪%‬ا أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ك‪#‬ال‪.‬أ‪#‬ن‪4‬ع‪%‬ام) ‪%‬بل‪ .‬ه‪-‬م‪# 4‬أض‪Í %‬ل أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ه‪-‬م‪ -‬ال‪.‬غ‪%‬اف)ل‪/‬ون(‪] .‬سورة العراف‪ ،‬الية ‪.[179‬‬

‫يقول تعال‪) :‬و‪%‬ل ‪%‬يز‪%‬ا ل‪ /‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ك‪ #‬ف‪#‬ر‪-‬وا ‪-‬ت ص)يب‪-‬ه‪-‬م‪) 4‬ب م‪%‬ا ص‪%‬ن‪%‬ع‪-‬وا ق‪#‬ار) ع‪%‬ة‪ I‬أ‪#‬و‪% 4‬تح‪ -‬ل‪ Í‬ق‪#‬ر)يبا‬
‫م)ن‪ 4‬د‪%‬ار)ه)م‪% 4‬حت‪H‬ى ي‪%‬أ‪.‬ت)ي‪ %‬و‪%‬ع‪4‬د‪ -‬الل‪X‬ه(‪] .‬سورة الرعد‪ ،‬الية ‪.[31‬‬

‫إنا نذر ربانية ل تزال تصيب الكفار حت يأت التدمي النهائي الذي توعد ال به‬
‫العاندين الستكبين‪ ..‬وما أكثرها‪ ..‬وما أقل العتبار‪.‬‬

‫)‪(61‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫كان يكفي " اليدز " ليوقظ قلوب الغافلي ويفتح بصائرهم‪ ..‬إنه قارعة بكل ما‬
‫تمله اللفظة من معان‪ .‬وهو ينتشر وينتشر‪ ،‬وهم ف هلع منه‪ ،‬ول يستطيعون وقفه عن‬
‫النتشار‪.‬‬

‫وكان يكفي النتشار البشع لمراض السرطان‪.‬‬

‫وكان يكفي ما يهدد غلف الوزون‪ ،‬وما يهدد به التغي الواقع به من حدوث‬
‫طوفان كطوفان نوح‪..‬‬

‫وكان يكفي الفساد ذاته‪ ،‬الادث على وجه الرض ف كل اتاه ليد الناس إل‬
‫ربم‪:‬‬

‫)ظ‪ #‬ه‪%‬ر‪ %‬ال‪.‬ف‪ #‬س‪%‬اد‪ -‬ف)ي ال‪.‬ب‪%‬ر‪ s‬و‪%‬ال‪.‬ب‪ %‬ح‪4‬ر) ب) م‪%‬ا ك‪ #‬س‪%‬ب‪%‬ت‪# 4‬أ ي‪4‬د)ي الن‪H‬ا س) )ل ي‪-‬ذ)يق‪#‬ه‪-‬م‪ 4‬ب‪%‬ع‪ 4‬ض‪ %‬ا ل‪X‬ذ)ي‬
‫ع‪%‬م)ل‪/‬وا ل‪#‬ع‪%‬ل‪X‬ه‪-‬م‪ 4‬ي‪%‬ر‪4‬ج)ع‪-‬ون(‪] .‬سورة الروم‪ ،‬الية ‪.[41‬‬

‫كان يكفي هذا كله ليوقن الناس أن سنن ال ماضية ف حياتم‪ ،‬وأنم ليسوا‬
‫ناجي منها مهما خيل إليهم أنم ناجون‪ ،‬ومهما ظنوا أنم قادرون‪ ،‬وأنم عالون!‬

‫لقد قال قارون من قبل حب عاتبه قومه‪) " :‬إن‪H‬م‪%‬ا أ‪/‬وت)يت‪-‬ه‪ -‬ع‪%‬ل‪#‬ى ع)ل‪.‬م‪ p‬ع)ن‪4‬د)ي "! تاما‬
‫كما تقول الاهلية العاصرة‪ .‬وقال ال‪#) :‬أو‪%‬ل‪#‬م‪ 4‬ي‪%‬ع‪4‬ل‪#‬م‪# 4‬أن‪ X‬الل‪X‬ه‪ %‬ق‪#‬د‪# 4‬أه‪4‬ل‪#‬ك‪ %‬م)ن‪ 4‬ق‪#‬ب‪4‬ل)ه) م)ن‪ %‬ال‪.‬ق‪/‬ر‪-‬ون‬
‫م‪%‬ن‪ 4‬ه‪-‬و‪# %‬أش‪%‬د_ م)ن‪4‬ه‪ -‬ق‪/‬و‪H‬ة‪ W‬و‪%‬أ‪#‬ك‪.‬ث‪#‬ر‪ -‬ج‪%‬م‪4‬عا(‪] .‬سورة القصص‪ ،‬الية ‪.[78‬‬

‫) ‪%‬حت‪H‬ى إ)ذ‪#‬ا ‪#‬أخ‪%‬ذ‪#‬ت) ال‪.‬أ‪#‬ر‪4‬ض‪ -‬ز‪-‬خ‪4‬ر‪-‬ف‪#‬ه‪%‬ا و‪%‬از‪H‬ي‪H‬ن‪%‬ت‪ 4‬و‪%‬ظ‪#‬ن‪# H‬أه‪4‬ل‪/‬ه‪%‬ا ‪#‬أن‪H‬ه‪-‬م‪ 4‬ق‪#‬اد)ر‪-‬ون‪ #‬ع‪%‬ل‪4 #‬يه‪%‬ا ‪#‬أت‪%‬اه‪%‬ا‬
‫‪#‬أم‪4‬ر‪ -‬ن‪%‬ا ‪#‬لي‪4‬ل‪ W‬أ‪#‬و‪ 4‬ن‪ %‬ه‪%‬ارا‪ W‬ف‪#‬ج‪%‬ع‪%‬ل‪.‬ن‪%‬ا ه‪%‬ا ح‪ %‬ص)يدا‪ W‬ك‪#‬أ‪#‬ن‪ .‬ل‪ #‬م‪% 4‬تغ‪ 4‬ن‪ %‬ب)ال‪.‬أ‪#‬م‪ 4‬س) ك‪#‬ذ‪#‬ل)ك‪ %‬ن‪-‬ف‪ #‬ص‪s‬ل‪ /‬ال‪.‬آيات) ل) ق‪#‬و‪4‬م‬
‫‪%‬يت‪%‬ف‪#‬ك‪X‬ر‪-‬ون(‪] .‬سورة يونس‪ ،‬الية ‪.[24‬‬

‫وقبل عشر سنوات أو عشرين ل يكن الناس يصدقون أن هذه الاهلية يكن ان‬
‫تنهار! وما زال قوم يعتقدون أنا ل يكن أن تبيد أبدا‪ ..X‬ولكن قوما‪ X‬من عقلء الاهلية‬
‫ذاتا بدأوا يرون بوادر النيار‪.‬‬

‫)‪(62‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ومهما يكن النيار بطيئا‪ - X‬بسبب ما يبذل أهل الاهلية من جهد ف الفاظ‬
‫عليها ‪ -‬فإن النيار سن‪A‬ة حتمية‪.‬‬

‫)ف‪#‬ه‪ %‬ل‪ .‬ي‪%‬ن‪4‬ظ‪/‬ر‪-‬و ن‪ #‬إ)ل‪X‬ا س‪-‬ن‪H‬ت‪ %‬ا ل‪.‬أ‪#‬و‪H‬ل)ي‪ %‬ف‪#‬ل‪ #‬ن‪% 4‬تج)د‪ %‬ل) س‪-‬ن‪H‬ت) الل‪X‬ه) ‪%‬تب‪4‬د)يل‪ W‬و‪%‬ل‪ #‬ن‪% 4‬تج)د‪) %‬لس‪-‬ن‪H‬ت‬
‫الل‪X‬ه) ‪%‬تح‪4‬و)يل(‪] .‬سورة فاطر‪ ،‬الية ‪.[43‬‬

‫)‪(63‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫السيطرة العالية لليهود‬


‫أول‪ :‬تهيد ف الخططات اليهودية‬
‫لليهود مططات أصبحت اليوم معروفة مكشوفة‪ ،‬بعد أن كانوا يعتبونا أسرارا‬
‫ل يوز لحد أن يطلع عليها‪ ،‬بل أصبحوا اليوم هم الذين يسعون إل كشفها‪ ،‬والتباهي‬
‫بقدرتم على تنفيذها وتقيقها رغم أنف العال كله!‬

‫وال سبب ف الت ستر علي ها ف الا ضي كان خوفهم من أن يؤدي ك شفها إ ل‬
‫إحباطها والوقوف ف سبيلها‪ .‬أما اليوم وقد ملكوا ناصية المر‪ ،‬وتكنوا من التنفيذ فلم‬
‫يعد يضيهم أن تنكشف مططاتم‪ ،‬بل صاروا يستخدمون كشفها أداة لتخذيل " الميي‬
‫" عن م قاومتهم‪ ،‬إذ يو حون إلي هم أن كل ما خط طوه قد ن فذوه‪ ،‬فل يق فن أ حد ف‬
‫سبيلهم!! ومن ث صاروا هم اليوم الذين ينشرون الكتب الت توي مططاتم‪ ،‬والت كانوا‬
‫يفونا من قبل ويسحبونا من السواق كلما نشرت‪ ،‬وباصة كتاب " البوتوكولت "‪،‬‬
‫وكتاب " الكومة الفية "‪ ،‬وكتاب " أحجار على رقعة الشطرنج "!‬

‫وحي نتكلم عن مططاتم‪ ،‬فل نقصد بطبيعة الال تفاصيل ما يدبرونه ‪ -‬كل‬
‫يوم ‪ -‬من مؤمرات و " عمليات " لتنفيذ أهدافهم‪ ،‬فمن البديهي أن هذه المور يتفظون‬
‫بسريتها‪ ،‬كما تفعل كل دولة أو جاعة من البشر لا أهداف تشى من انكشافها قبل‬
‫موعدها‪ .‬إنا نقصد الهداف العامة الت يطون للوصول إليها‪ ،‬والسياسة العامة الت‬
‫يتبعو نا للو صول إ ل ت لك ال هداف‪ ،‬وا لت أ صبحت ال يوم من " الع لوم من الوا قع‬
‫بالضرورة "!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫للي هود م صدران يوح يان إلي هم بأ هداف و جودهم‪ ،‬ومن هج و صولم إ ل تق يق‬
‫أهدافهم‪ ،‬هعما التوراة والتلمود‪.‬‬

‫)‪(64‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫التوراة هي الكتاب السماوي النل إليهم على موسى عليه السلم )وقد أدخلوا‬
‫عليه تريفات عدة(‪.‬‬

‫والتلمود هو كتاب مؤلف‪ ،‬يمع حكمة حكمائهم‪ ،‬ووصايا قادتم وموجهيهم‪،‬‬


‫ومع أنه بشري الصدر إل أن له قداسة ف نفوسهم أشد من قداسة الكتاب النل‪ ،‬الذي‬
‫حرفوا فيه ما شاء لم الوى أن يرفوه‪.‬‬

‫والكتا بان م عا‪ X‬ل ما تأثي قوي ف ت شكيل " النف سية اليهود ية " و " العقل ية‬
‫اليهودية " و " الخططات اليهودية "‪.‬‬

‫وخلصة التوجيه الستمد من الكتابي معا‪ X‬أن اليهود شعب متميز عن كل أهل‬
‫الرض‪ ،‬لنه شعب ال الختار‪ ،‬الذي اختاره ال لزايا معينة تتوفر فيه ول تتوفر ف‬
‫غ يه‪ ،‬وأن من ح قه ‪ -‬إن ل ي كن من واج به ‪ -‬أن ي سود ال عال ك له وي سيطر عل يه‪،‬‬
‫ويتخذه عبيدا‪ W‬له‪ ،‬مسخرين لقضاء مصاله وتقيق أهدافه‪.‬‬

‫وربا كان أبرز عبارتي ف التوراة والتلمود‪ ،‬تشكلن الوضع اليهودي ‪ -‬أو قل‬
‫إن شئت " الز مة اليهود ية " ‪ -‬ها قول ال توراة‪ " :‬وك لم ا لرب ا لله إ سرائيل قائل‪:X‬‬
‫سأنزل يا إسرائيل‪ ،‬وأضع السيف ف يدك‪ ،‬وأقطع رقاب المم وأستذلا لك "‪ .‬وقول‬
‫التلمود‪ " :‬الميون )‪ (51‬هم المي الذين خلقهم ال ليكبهم شعب ال الختار‪ ،‬وكلما‬
‫نفق منهم حار ركبنا حارا‪ W‬آخر "!‬

‫هذا هو التوجيه‪ ،‬وهذه هي أزمة البشرية مع اليهود!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫" الل‪X‬ه‪ -‬أ‪#‬ع‪4‬ل‪#‬م‪ -‬ح‪%‬ي‪4‬ث‪ /‬ي‪%‬ج‪4‬ع‪%‬ل‪ /‬ر)س‪%‬ال‪%#‬ته‪] " -‬سورة النعام‪ ،‬الية ‪.[124‬‬

‫‪ ()51‬ا لميون هم كل " ا لمم " من غ ي الي هود‪ ،‬و هي تر جة للكل مة العب ية " جوييم " و قد ن شأت‬
‫عندهم من تقسيم البشر إل فئتي‪ ،‬اليهود من جهة‪ ،‬وكل المم من غي اليهود من جهة أخرى‪.‬‬

‫)‪(65‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ول قد اخ تار ا ل ب ن إ سرائيل بالف عل ذات يوم ل مل ر سالته‪ ،‬وف ضلهم ع لى‬
‫العالي‪ ،‬ول يقل ال لنا ف كتابه العزيز ‪ -‬ول ف سنة رسوله صلى ال عليه وسلم ‪ -‬لاذا‬
‫اختار بن إسرائيل بالذات لمل الرسالة‪ ،‬وفضلهم هذا التفضيل‪ ،‬إل ما يرد من عبارات‬
‫عامة ف القرآن الكري‪ ،‬من مثل قوله تعال‪) :‬و‪%‬الل‪X‬ه‪ -‬ي‪-‬ؤ‪4‬ت)ي م‪-‬ل‪.‬ك‪#‬ه‪ -‬م‪%‬ن‪ 4‬ي‪%‬ش‪%‬اء®(‪] .‬سورة البقرة‪،‬‬
‫الية ‪ .[247‬أو قوله تعال‪%) :‬يخ‪4‬ت‪%‬ص_ ب)ر‪%‬ح‪4‬م‪%‬ت)ه) م‪%‬ن‪% 4‬يش‪%‬اء®(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[74‬‬

‫ول جدال ف أن ال قد اختارهم ذات يوم لداء رسالته‪ ،‬وفضلهم ف وقتها على‬
‫عالي زمانم لكمة معينة ‪ -‬علمناها أو جلهناها ‪ -‬ولكن مشكلة هذا الشعب أنه يصر‬
‫على أنه ما زال إل هذه اللحظة هو " شعب ال الختار " الذي من حقه أن يقطع رقاب‬
‫ا لمم وي ستذلا‪ ،‬و من ح قه أن " ي ستحمرها " وي سخرها لتنف يذ مآربه‪ ،‬ر غم الن صوص‬
‫الكثية الواردة ف التوراة ذاتا بلعنهم وإعلن الغضب عليهم‪ ،‬فضل‪ X‬عما ورد ف النيل‬
‫والقرآن‪ .‬فقد تكرر ف التوراة ورود هذا التعبي‪ " :‬وحي غضب الرب على شعبه "‪ ،‬كما‬
‫تكرر ف النيل قول عيسى عليه السلم لليهود‪ " :‬يا أولد الفاعي! " وقوله لم‪ " :‬أنتم‬
‫شعب صلب الرقبة "!‬

‫ول يفوتنا ونن نستشهد بكلمات من التوراة أنا قد حرفت تريفا‪ X‬كثيا‪ ،X‬غط‪m‬ى‬
‫ع لى ال صل ال نل من ع ند ا ل‪ ،‬ول كن الست شهاد بت لك الكل مات ف ا لال ا لذي نن‬
‫بصدده أبلغ دللة‪ .‬ذلك أنه على الرغم من أنم حرفوها لتوافق أهواءهم وأمزجتهم فإنم‬
‫ل يستطيعوا أن يذفوا منها كل ما ورد فيها من أنباء غضب ال عليهم ولعنه لم‪.‬‬

‫أما ف القرآن الكري‪ ،‬كلم ال الق الذي ل يأتيه الباطل من بي يديه ول من‬
‫خلفه‪ ،‬فقد جاء الكلم عن بن إسرائيل مفصل‪ X‬ف مواضع كثية‪ ،‬لكمة يعلمها ال‪ ،‬قد‬
‫يكون من بي جوانبها أن ال يعرض على السملي أنباء المة السابقة الت نزل لا كتاب‬
‫من ع ند ال‪ ،‬وأعزها ال بالك تاب النل‪ ،‬وم ك‪m‬ن لا ف الرض‪ ،‬فلم ترع الكتاب حق‬
‫رعايته‪ ،‬فنع ال السلطان منها وأذلا‪ ،‬وحك‪€‬م أعداءها ف أمرها‪ .‬لعل المة السلمة ‪-‬‬
‫وهي المة الثانية الت نزل لا كتاب من عند ال‪ ،‬وأعزها ال بالكتاب النل‪ ،‬ومك‪m‬ن لا ف‬
‫الرض ‪ -‬أن تذر الوقوع فيما وقعت فيه المة الول‪ ،‬فينالا ما نال المة الول من‬
‫العقاب )‪.(52‬‬

‫‪ ()52‬يلحظ أنه رغم هذا التحذير الواضح وقع السلمون ف كثي ما وقع فيه بنو إسرائيل‪ ،‬ونالم شيء‬
‫ما نالم من العقاب‪ ،‬وإن كان ال ل يكتب عليهم اللعنة الت كتبها على بن إسرائيل‪ ،‬لنم دائما‬
‫يعودون‪ ،‬ويبعث ال لم على رأس كل قرن من يدد لم أمر دينهم‪.‬‬

‫)‪(66‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ف القرآن الكري ند قصة بن إسرائيل كاملة ومفصلة‪ ،‬من أول جدهم إبراهيم‬
‫عل يه ال سلم إ ل أبي هم يع قوب )إ سرائيل( إ ل يو سف إ ل مو سى ‪ -‬علي هم صلوات ا ل‬
‫و سلمه ‪ -‬إ ل اضطهادهم ف مصر على يد الفر عون‪ ،‬وخلصهم على يد مو سى عل يه‬
‫السلم‪ ،‬ودخولم الرض القدسة من بعد موسى ‪ -‬بعد تقاعسهم وتاذلم عن دخولا‬
‫أيام موسى‪ ،‬وتيههم أربعي سنة ف أرض سيناء ‪ -‬ث التمكي لم ف أيام داود وسليمان‬
‫عليهما السلم‪ ،‬ث كفرهم وطردهم من رحة ال‪ ،‬وتأذن رب العالي أن يسلط عليهم إل‬
‫يوم القيا مة من ي سومهم سوء ال عذاب‪ ..‬ث موقفهم من م مد صلى ا ل عل يه و سلم‬
‫ور سالته‪ ،‬وإ بائهم ال سلم )‪ ،(53‬ور سهم بال ضلل‪ ،‬ولعن هم إ ل يوم القيا مة‪ ،‬وتو عدهم‬
‫باللود ف النار‪.‬‬

‫وتيء قصة اختيار بن إسرائيل وتفضيلهم على العالي ف مثل هذه اليات‪:‬‬

‫) ‪%‬ول‪ #‬ق‪#‬د‪% 4‬نج‪H‬ي‪ 4‬ن‪%‬ا ب‪ %‬ن)ي إ) س‪4‬ر‪%‬ائ)يل‪ #‬م) ن‪ %‬ال‪ .‬ع‪%‬ذ‪#‬اب) ا‪.‬لم‪-‬ه) ي)‪ ،‬م)ن ف)ر‪ 4‬ع‪%‬و‪4‬ن‪) #‬إن‪ H‬ه‪ -‬ك‪#‬ان‪ #‬ع‪%‬ا)ل ي‪J‬ا م‪s‬ن‬
‫ال‪.‬م‪ -‬س‪4‬ر)ف)ي‪ ،%‬و‪%‬ل‪ #‬ق‪#‬د) اخ‪4‬ت‪%‬ر‪ 4‬ن‪%‬اه‪-‬م‪ 4‬ع‪ %‬ل‪#‬ى ع)ل‪ .‬م‪ p‬ع‪ %‬ل‪#‬ى ا‪.‬ل ع‪%‬ال‪#‬م)ي‪ ،%‬و‪%‬آت‪%‬ي‪ 4‬ن‪%‬اه‪-‬م م‪ s‬ن‪ %‬ال‪.‬آ ي‪%‬ات) م‪%‬ا ف)ي ه) ب‪%‬ل‪#‬اء‬
‫م_ب)ي( ]سورة الدخان‪ ،‬اليات ‪.[32 - 30‬‬

‫) ي‪%‬ا ب‪%‬ن)ي )إ س‪4‬رائيل‪ #‬اذ‪ .‬ك‪/‬ر‪-‬وا )نع‪4‬م‪%‬ت) ي‪ %‬ال‪ X‬ت)ي ‪#‬أن‪4‬ع‪%‬م‪ 4‬ت‪% -‬عل‪#‬ي‪4‬ك‪ /‬م‪% 4‬وأ‪ #‬ن‪s‬ي ف‪#‬ض‪H‬ل‪.‬ت‪-‬ك‪/‬م‪ 4‬ع‪ %‬ل‪#‬ى‬
‫ال‪.‬ع‪%‬ال‪#‬م)ي( ]سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.[47‬‬

‫) ‪%‬وأ‪#‬و‪4‬ر‪%‬ث‪ .‬ن‪%‬ا ال‪ .‬ق‪#‬و‪4‬م‪ %‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ك‪#‬ان‪-‬وا ي‪-‬س‪4‬ت‪ %‬ض‪4‬ع‪%‬ف‪/‬ون‪ #‬م‪ %‬ش‪%‬ار)ق‪ %‬ال‪.‬أ‪#‬ر‪ 4‬ض) و‪%‬م‪%‬غ‪%‬ار)ب‪ %‬ه‪%‬ا ا‪X‬ل ت)ي ب‪%‬ار‪%‬ك‪ .‬ن‪%‬ا‬
‫ف)يه‪%‬ا و‪%‬ت‪%‬م‪H‬ت‪# 4‬كل)م‪%‬ت‪ -‬ر‪%‬ب‪s‬ك‪ %‬ا‪.‬لح‪-‬س‪4‬ن‪%‬ى ‪%‬عل‪#‬ى ب‪%‬ن)ي إ)س‪4‬رائيل‪ #‬ب)م‪%‬ا ص‪%‬ب‪%‬ر‪-‬وا و‪%‬د‪%‬م‪H‬ر‪4‬ن‪%‬ا م‪%‬ا ك‪#‬ان‪ #‬ي‪%‬ص‪4‬ن‪%‬ع‬
‫ف)ر‪4‬ع‪%‬و‪4‬ن‪ /‬و‪%‬ق‪#‬و‪4‬م‪-‬ه‪ -‬و‪%‬م‪%‬ا ك‪#‬ان‪-‬وا ي‪%‬ع‪4‬ر)ش‪-‬ون( ]سورة العراف‪ ،‬الية ‪.[137‬‬

‫ك ما ي يء ذ كر غ ضب ا ل علي هم ولعن هم ‪ -‬ب سبب كفر هم ‪ -‬ف م ثل هذه‬


‫اليات‪:‬‬

‫) و‪%‬ل‪ #‬ق‪#‬د‪ 4‬آت‪%‬ي‪ 4‬ن‪%‬ا م‪-‬و س‪%‬ى ا‪.‬لك) ت‪%‬اب‪ %‬و‪%‬ق‪#‬ف‪X‬ي‪ 4‬ن‪%‬ا م)ن ب‪ %‬ع‪4‬د)ه) ب)الر_ س‪-‬ل) و‪%‬آت‪%‬ي‪ 4‬ن‪%‬ا ع)ي س‪%‬ى اب‪ 4‬ن‪ %‬م‪%‬ر‪4‬ي‪%‬م‬
‫ال‪.‬ب‪%‬ي‪ s‬ن‪%‬ات) ‪%‬وأ‪ #‬ي‪H‬د‪4‬ن‪%‬اه‪) -‬بر‪-‬و ح) ا‪.‬لق‪/‬د‪ -‬س) ‪#‬أف‪#‬ك‪/‬ل‪ X‬م‪%‬ا ج‪%‬اءك‪/‬م‪ 4‬ر‪ %‬س‪-‬ول‪ I‬ب) م‪%‬ا ‪#‬ل ‪%‬ت ه‪4‬و‪%‬ى أ‪#‬نف‪ /‬س‪-‬ك‪/‬م‪ -‬ا س‪4‬ت‪%‬ك‪.‬ب‪%‬ر‪4‬ت‪-‬م‬
‫ف‪#‬ف‪#‬ر)ي قا‪ W‬ك‪#‬ذ‪X‬ب‪4‬ت‪-‬م‪ 4‬و‪%‬ف‪#‬ر)ي قا‪ W‬ت‪%‬ق‪.‬ت‪ -‬ل‪/‬ون‪ ،#‬و‪ %‬ق‪#‬ال‪/‬وا‪ .‬ق‪/‬ل‪/‬وب‪ -‬ن‪%‬ا غ‪/‬ل‪ .‬ف= ب‪%‬ل ل‪X‬ع‪%‬ن‪%‬ه‪ -‬م‪ -‬ال ل‪X‬ه ب)ك‪/‬ف‪.‬ر)ه) م‪ 4‬ف‪#‬ق‪#‬ل)يل‪ W‬م‪H‬ا‬
‫‪-‬يؤ‪4‬م)ن‪-‬ون‪ ،#‬و‪#%‬لم‪H‬ا ج‪%‬اءه‪-‬م‪ 4‬ك)ت‪%‬اب= م‪s‬ن‪ 4‬ع)ند) الل‪€‬ه) م‪-‬ص‪%‬د‪s‬ق= ل‪+‬م‪%‬ا م‪%‬ع‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬و‪%‬ك‪#‬ان‪-‬و‪.‬ا م)ن ق‪#‬ب‪4‬ل‪ /‬ي‪%‬س‪4‬ت‪%‬ف‪.‬ت)ح‪-‬ون‬

‫‪ ()53‬إل قليل‪ X‬منهم‪.‬‬

‫)‪(67‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ع‪ %‬ل‪#‬ى ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ك‪ #‬ف‪#‬ر‪-‬وا‪ .‬ف‪#‬ل‪ #‬م‪H‬ا ج‪%‬اءه‪-‬م م‪H‬ا ع‪%‬ر‪ %‬ف‪/‬وا‪# .‬ك ف‪#‬ر‪-‬وا‪) .‬ب ه) ف‪#‬ل‪#‬ع‪ 4‬ن‪%‬ة‪ /‬ال ل‪X‬ه ع‪ %‬ل‪#‬ى ال‪ .‬ك‪#‬اف)ر)ين‪ ،%‬ب) ‪.‬ئ س‪%‬م‪%‬ا‬
‫اش‪4‬ت‪%‬ر‪%‬و‪4‬ا‪) .‬به) أ‪#‬نف‪/‬س‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬أ‪#‬ن ي‪%‬ك‪.‬ف‪/‬ر‪-‬وا‪) .‬بم‪%‬ا أ‪%‬نز‪%‬ل‪ #‬ال ‪€‬له‪ -‬ب‪%‬غ‪4‬يا‪ W‬أ‪#‬ن ي‪-‬ن‪%‬ز‪s‬ل‪ /‬الل‪€‬ه‪ -‬م)ن ف‪#‬ض‪4‬ل)ه) ع‪%‬ل‪#‬ى م‪%‬ن ي‪%‬ش‪%‬اء‬
‫م)ن‪ 4‬ع)ب‪%‬اد)ه) ف‪#‬ب‪%‬آؤ‪-‬وا‪ .‬ب)غ‪%‬ض‪%‬ب‪ p‬ع‪%‬ل‪#‬ى غ‪#‬ض‪%‬ب‪ p‬و‪%‬ل)ل‪.‬ك‪#‬اف)ر)ين‪ %‬ع‪%‬ذ‪#‬اب= م_ه)ي(‪] .‬سورة البقرة‪ ،‬اليات‬
‫‪.[90 - 87‬‬

‫) ‪%‬و ض‪-‬ر)ب‪%‬ت‪ 4‬ع‪%‬ل‪4 #‬يه) م‪ -‬الذ‪ +‬ل‪X‬ة‪ /‬و‪%‬ال‪.‬م‪ %‬س‪4‬ك‪#‬ن‪%‬ة‪ /‬و‪ %‬ب‪%‬اء®وا )بغ‪ %‬ض‪%‬ب‪ p‬م) ن‪ %‬الل‪ X‬ه) ذ‪#‬ل) ك‪ %‬ب)أ‪#‬ن‪H‬ه‪-‬م‪ 4‬ك‪#‬ان‪-‬وا‬
‫ح ق‪ s‬ذ‪#‬ل) ك‪) %‬ب م‪%‬ا ع‪ %‬ص‪%‬و‪4‬ا و‪ %‬ك‪#‬ان‪-‬وا ‪%‬يع‪ 4‬ت‪%‬د‪-‬ون(‪.‬‬ ‫‪%‬يك‪.‬ف‪/‬ر‪-‬و ن‪ #‬بآ ي‪%‬ات) الل‪ X‬ه) و‪%‬ي‪%‬ق‪.‬ت‪ -‬ل‪/‬ون‪ #‬الن‪H‬ب)ي‪ s‬ي‪) %‬بغ‪ %‬ي‪4‬ر) ال‪% .‬‬
‫]سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.[61‬‬

‫) ‪#‬كي‪ 4‬ف‪ %‬ي‪ %‬ه‪4‬د)ي ال ‪€‬له‪ -‬ق‪#‬و‪4‬م‪J‬ا ك‪#‬ف‪#‬ر‪-‬وا‪ .‬ب‪%‬ع‪4‬د‪) %‬إي‪%‬ان)ه)م‪ 4‬و‪ %‬ش‪%‬ه)د‪-‬وا‪# .‬أن‪ X‬الر‪ H‬س‪-‬ول‪ #‬ح‪ %‬ق‪ -‬و‪ %‬ج‪%‬اءه‪-‬م‬
‫ال‪.‬ب‪%‬ي‪s‬ن‪%‬ات‪ -‬و‪%‬الل‪€‬ه‪ -‬ل‪ #‬ي‪%‬ه‪4‬د)ي ال‪.‬ق‪#‬و‪4‬م‪ %‬الظ‪X‬ال)م)ي‪/ ،%‬أو‪4‬ل‪#‬ئ)ك‪ %‬ج‪%‬ز‪%‬آؤ‪-‬ه‪-‬م‪ 4‬أ‪#‬ن‪ X‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه)م‪ 4‬ل‪#‬ع‪4‬ن‪%‬ة‪ #‬الل‪€‬ه) و‪%‬ال‪.‬م‪%‬ل)ئك‪#‬ة‬
‫و‪%‬الن‪H‬اس) أ‪4 #‬جم‪%‬ع)ي‪ ،%‬خ‪%‬ال)د)ين‪ %‬ف)يه‪%‬ا ل‪- #‬يخ‪%‬ف‪X‬ف‪ -‬ع‪%‬ن‪4‬ه‪-‬م‪ -‬ا‪.‬لع‪%‬ذ‪#‬اب‪ -‬و‪%‬ل‪ #‬ه‪-‬م‪ 4‬ي‪-‬نظ‪#‬ر‪-‬ون‪ ،#‬إ)ل‪ X‬ال‪X‬ذ)ين‪ %‬ت‪%‬اب‪-‬وا‬
‫م)ن ب‪%‬ع‪4‬د) ذ‪)#‬لك‪ %‬و‪#%‬أص‪4‬ل‪#‬ح‪-‬وا‪ .‬ف‪#‬إ)ن‪ X‬ال غ‪#‬ف‪/‬ور= ر‪H‬ح)يم( ]سورة آل عمران‪ ،‬اليات ‪.[89 - 86‬‬

‫تلك قصة بن إسرائيل من حي اصطفاء ال لم حي كانوا على الق‪ ،‬إل وقوع‬


‫الكفر من جانبهم واستحقاقهم للغضب واللعنة من ال‪:‬‬

‫)ف‪#‬ب) م‪%‬ا ‪%‬نق‪ .‬ض)ه)م م‪s‬ي ث‪#‬اق‪#‬ه‪-‬م‪ 4‬و‪%‬ك‪/‬ف‪.‬ر) ه)م ب‪%‬آ ي‪%‬ات) الل‪ €‬ه) و‪%‬ق‪#‬ت‪4‬ل)ه) م‪ -‬ا̀لن‪)4‬ب ي‪%‬اء )بغ‪ %‬ي‪4‬ر) ح‪ %‬ق¾ و‪ %‬ق‪#‬و‪4‬ل)ه)م‬
‫ق‪/‬ل‪/‬وب‪-‬ن‪%‬ا ‪/‬غل‪.‬ف= ب‪%‬ل‪ .‬ط‪#‬ب‪%‬ع‪ %‬الل‪€‬ه‪ -‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه‪%‬ا )بك‪/‬ف‪.‬ر)ه) م‪ 4‬ف‪#‬ل‪ #‬ي‪-‬ؤ‪4‬م)ن‪-‬ون‪) #‬إل‪ X‬ق‪#‬ل)يل‪ ،W‬و‪%‬ب)ك‪/‬ف‪.‬ر)ه)م‪ 4‬و‪%‬ق‪#‬و‪4‬ل)ه)م‪ 4‬ع‪%‬ل‪#‬ى‬
‫م‪%‬ر‪4‬ي‪%‬م‪ %‬ب‪-‬ه‪4‬ت‪%‬ان‪J‬ا ع‪%‬ظ)يم‪J‬ا‪ ،‬و‪%‬ق‪#‬و‪4‬ل)ه)م‪) 4‬إن‪H‬ا ق‪#‬ت‪%‬ل‪.‬ن‪%‬ا ال‪.‬م‪%‬س)يح‪ %‬ع)يس‪%‬ى اب‪4‬ن‪ %‬م‪%‬ر‪4‬ي‪%‬م‪ %‬ر‪%‬س‪-‬ول‪ #‬الل‪€‬ه) و‪%‬م‪%‬ا ق‪#‬ت‪%‬ل‪/‬وه‪ -‬و‪%‬م‪%‬ا‬
‫ص‪%‬ل‪#‬ب‪-‬وه‪ -‬و‪%‬ل‪ #‬ك)ن ش‪-‬ب‪s‬ه‪# %‬له‪ -‬م‪ 4‬و‪%‬إ) ن‪ X‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ا ‪4‬خت‪%‬ل‪ #‬ف‪/‬وا‪ .‬ف)ي ه) ‪#‬ل ف)ي ش‪%‬ك‪ Õ‬م‪s‬ن‪ 4‬ه‪ -‬م‪%‬ا ‪#‬ل ه‪-‬م )ب ه) م) ن‪ 4‬ع)ل‪ .‬م‪ p‬إ)ل‬
‫ات‪s‬ب‪%‬اع‪ %‬ال ‪X‬ظن‪ s‬و‪%‬م‪%‬ا ق‪#‬ت‪ %‬ل‪/‬وه‪% -‬يق)ي ن‪J‬ا‪ ،‬ب‪%‬ل ر‪H‬ف‪#‬ع‪%‬ه‪ -‬الل‪€‬ه‪) -‬إل‪#‬ي‪4‬ه) و‪%‬ك‪#‬ان‪ #‬الل‪€‬ه‪ -‬ع‪%‬ز)يز‪J‬ا ح‪%‬ك)يم‪J‬ا‪ ،‬و‪%‬إ)ن م‪ s‬ن‪ 4‬أ‪#‬ه‪4‬ل‬
‫ال‪.‬ك) ت‪%‬اب) )إل‪ X‬ل‪ #‬ي‪-‬ؤ‪4‬م)ن‪%‬ن‪) H‬ب ه) ق‪#‬ب‪ 4‬ل‪ #‬م‪%‬و‪4‬ت)ه) و‪ %‬ي‪%‬و‪4‬م‪ %‬ال‪.‬ق)ي‪%‬ا م‪%‬ة) ‪%‬ي ك‪/‬ون‪ /‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه) م‪ 4‬ش‪%‬ه)يد‪J‬ا‪ ،‬ف‪#‬ب)ظ‪/‬ل‪ .‬م‪ p‬م‪ s‬ن‪ %‬ا ل‪X‬ذ)ين‬
‫ه‪%‬اد‪-‬وا‪% .‬حر‪H‬م‪4‬ن‪%‬ا ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه)م‪ 4‬ط‪s#‬يب‪%‬ات‪ p‬أ‪/‬ح)ل‪X‬ت‪ 4‬ل‪#‬ه‪-‬م‪% 4‬وب)ص‪%‬د‪s‬ه)م‪ 4‬ع‪%‬ن س‪%‬ب)يل) ال ‪€‬له) ك‪#‬ث)ي‪J‬ا‪ ،‬و‪%‬أ‪#‬خ‪4‬ذ)ه)م‪ -‬الر‪s‬ب‪%‬ا‬
‫و‪ %‬ق‪#‬د‪- 4‬ن ه‪-‬وا‪ .‬ع‪%‬ن‪ 4‬ه‪ -‬و‪%‬أ‪#‬ك‪.‬ل)ه) م‪# 4‬أ م‪4‬و‪%‬ال‪ #‬الن‪H‬ا س) ب)ال‪ .‬ب‪%‬اط)ل) و‪%‬أ‪#‬ع‪ 4‬ت‪4 %‬دن‪%‬ا )لل‪ .‬ك‪#‬اف)ر)ين‪ %‬م)ن‪4‬ه‪ -‬م‪ 4‬ع‪%‬ذ‪#‬اب‪J‬ا ‪#‬أل)ي م‪J‬ا(‪.‬‬
‫]سورة النساء‪ ،‬اليات ‪.[161 - 155‬‬

‫ت لك صحيفة جرائم هم‪ ،‬أو ت لك أبرز " أع مالم ال يدة! " ا لت ا ستحقوا علي ها‬
‫اللعنة والطرد من رحة ال‪ .‬ولكنهم يتشبثون دائما‪ X‬بعهد الصطفاء الول ويتشدقون به‪،‬‬
‫ويغضون ال طرف ع ما أ حدثوا بعده‪ ،‬ما أدى بم إ ل ا ستحقاق اللع نة إ ل يوم القيامة‪..‬‬
‫ويزعمون أنم ما زالوا " شعب ال الختار "‪ ،‬وأن موعوده قائم بالنسبة لم‪ ،‬فما زال من‬

‫)‪(68‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫حقهم ‪ -‬إن ل يكن واجبهم ‪ -‬أن يقطعوا رقاب المم ويستذلوها لم‪ ،‬وأن يستحمروا‬
‫الميي ويسخروهم لدمتهم‪.‬‬

‫وتلك أزمتهم وأزمة البشرية معهم!‬

‫فهم من جهة يزعمون أنم مضطهدون بغي ذنب‪ ،‬وأن من حقهم من أجل ذلك‬
‫أن ينتقموا من كل البشرية!‬

‫ويزعمون من جهة أخرى أنم ‪ -‬بذواتم‪ ،‬أو بنسهم‪ ،‬أو بدمهم‪ ،‬أو بنسبهم ‪-‬‬
‫شعب له ميزات خاصة تؤهله لكم البشرية كلها وإخضاعها!‬

‫ومن كلتا " العقدتي " تنطلق مططاته الشريرة لنشر الفساد ف الرض‪.‬‬

‫فلقد عل موا ‪ -‬من خبتم الطويلة‪ ،‬ومن تدبر الكتب النلة ‪ -‬أن قوة الن سان‬
‫القيقية هي ف عقيدته وأخلقه‪ .‬وأن النسان صاحب العقيدة والخلق الفاضلة ل يكن‬
‫أن " يستحمر " ول أن يسخر للفساد‪ .‬إنا يستحمر إذا تلى عن عقيدته وأخلقه‪ ،‬وقد‬
‫وصف ال اليهود أنفسهم‪ ،‬وغيهم من بدل دينه وكفر‪ ،‬بأنم حر ضالة‪:‬‬

‫ح م‪%‬ار)(‪ ] .‬سورة الم عة‪،‬‬


‫حم)ل‪/‬و ه‪%‬ا ك‪#‬م‪#%‬ث ل) ال‪) .‬‬
‫)م‪#%‬ث ل‪ /‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ح‪-‬م‪ s‬ل‪/‬وا ال ت‪H‬و‪4‬ر‪%‬ا ‪#‬ة ث‪ /‬م‪ H‬ل‪ #‬م‪ 4‬ي‪4 %‬‬
‫الية ‪.[5‬‬

‫)ف‪ #‬م‪%‬ا ل‪#‬ه‪ -‬م‪ 4‬ع‪ %‬ن) ال ت‪H‬ذ‪.‬ك)ر‪%‬ة) م‪-‬ع‪4‬ر) ض)ي‪ ،%‬ك‪#‬أ‪H#‬نه‪-‬م‪ 4‬ح‪ -‬م‪-‬ر= م‪ -‬س‪4‬ت‪%‬ن‪4‬ف)ر‪%‬ة‪ ،I‬ف‪#‬ر‪ H‬ت‪ 4‬م) ن‪ 4‬ق‪ #‬س‪4‬و‪%‬ر‪%‬ة‪.(p‬‬
‫]سورة الدثر‪ ،‬اليات ‪.[51 - 49‬‬

‫)ل‪#‬ه‪-‬م‪ 4‬ق‪/‬ل‪/‬وب= ل ي‪%‬ف‪.‬ق‪#‬ه‪-‬ون‪) #‬به‪%‬ا و‪%‬ل‪#‬ه‪-‬م‪# 4‬أع‪4‬ي‪-‬ن= ل ‪-‬يب‪4‬ص)ر‪-‬ون‪) #‬به‪%‬ا و‪%‬ل‪#‬ه‪-‬م‪ 4‬آذ‪#‬ان‪ I‬ل ‪%‬يس‪4‬م‪%‬ع‪-‬ون‬
‫)به‪%‬ا أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ك‪#‬ال‪.‬أ‪#‬ن‪4‬ع‪%‬ام) ‪%‬بل‪ .‬ه‪-‬م‪# 4‬أض‪Í %‬ل أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ه‪-‬م‪ -‬ال‪.‬غ‪%‬اف)ل‪/‬ون(‪] .‬سورة العراف‪ ،‬الية ‪.[179‬‬

‫وإذ أدرك اليهود تلك القيقة‪ ،‬وكان من هدفهم استحمار الميي ليكبوهم‪،‬‬
‫ف قد عم لوا جا هدين م نذ بدءوا انراف هم وكفر هم‪ ،‬إ ل إف ساد ع قائد ال ناس وإف ساد‬
‫أخلق هم ب كل الو سائل ا لت تؤدي إ ل الف ساد‪ ،‬ليظ فروا بدفهم ال شيطان ال شرير‪ ،‬وا ل‬

‫)‪(69‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫يصفهم ف كتابه النل بالفساد والفساد‪ ،‬وأن ذلك قد أصبح جبلة فيهم‪ ،‬ل تزول عنهم‬
‫ول يعملون على تغييها‪.‬‬

‫) ‪%‬وي‪ %‬س‪4‬ع‪%‬و‪4‬ن‪ #‬ف)ي ال‪.‬أ‪#‬ر‪ 4‬ض) ف‪ #‬س‪%‬ادا‪ W‬و‪%‬الل‪ X‬ه‪ -‬ل ي‪-‬ح) ب_ ال‪.‬م‪-‬ف‪ .‬س)د)ين‪] .(%‬سورة الائدة‪ ،‬الية‬
‫‪.[64‬‬

‫) ‪%‬و ت‪%‬ر‪%‬ى ك‪)#‬ث يا‪ W‬م)ن‪4‬ه‪ -‬م‪- 4‬ي س‪%‬ار)ع‪-‬ون‪ #‬ف)ي ا ل‪.‬أ)ث‪.‬م) و‪%‬ال‪ .‬ع‪-‬د‪4‬و‪%‬ان) و‪#%‬أك‪.‬ل)ه) م‪ -‬ال س_ح‪4‬ت‪ %‬ل‪#‬ب)ئ‪ .‬س‪ %‬م‪%‬ا‬
‫ك‪#‬ان‪-‬وا ي‪%‬ع‪4‬م‪%‬ل‪/‬ون(‪] .‬سورة الائدة‪ ،‬الية ‪.[62‬‬

‫)ل‪/‬ع) ن‪ %‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ك‪#‬ف‪#‬ر‪-‬وا م) ن‪ 4‬ب‪ %‬ن)ي إ) س‪4‬رائيل‪ #‬ع‪ %‬ل‪#‬ى )لس‪%‬ان) د‪%‬او‪-‬د‪ %‬و‪%‬ع)ي س‪%‬ى اب‪ 4‬ن) م‪%‬ر‪4‬ي‪ %‬م‪ %‬ذ‪#‬ل)ك‬
‫)بم‪%‬ا ع‪%‬ص‪%‬و‪4‬ا و‪%‬ك‪#‬ان‪-‬وا ‪%‬يع‪4‬ت‪%‬د‪-‬ون‪ ،#‬ك‪#‬ان‪-‬وا ل ‪%‬يت‪%‬ن‪%‬اه‪%‬و‪4‬ن‪ #‬ع‪%‬ن‪ 4‬م‪-‬ن‪4‬ك‪#‬ر‪ p‬ف‪#‬ع‪%‬ل‪/‬وه‪ -‬ل‪#‬ب)ئ‪.‬س‪ %‬م‪%‬ا ك‪#‬ان‪-‬وا ‪%‬يف‪.‬ع‪%‬ل‪/‬ون(‪.‬‬
‫]سورة الائدة اليتان ‪.[79 - 78‬‬

‫وما بنا من حاجة إل مناقشة مزاعمهم الت يبنون عليها وجودهم كله وتطيطهم‬
‫كله‪.‬‬

‫ولكن ل بد مع ذلك من كلمات تقال‪..‬‬

‫فأ ما أ نم م ضطهدون خلل التار يخ فذلك حق ف ع مومه )‪ ،(54‬وأ ما أ نم‬


‫م ضطهدون بغ ي ذ نب فمغال طة ل ي سندها التار يخ‪ .‬إ نا يكره هم ال ناس ل سوء خ صالم‬
‫و سوء أف عالم‪ .‬من أكل هم الر با‪ ،‬وأكل هم أ موال ال ناس بالبا طل‪ ،‬وم سارعتهم ف ا لث‬
‫وال عدوان‪ ،‬ون شرهم الفاح شة ف ا لرض‪ ،‬و سعيهم إ ل إ يذاء ال ناس و لو أح سنوا إلي هم‪،‬‬
‫ونشرهم الضطراب ف كل مكان حلوا فيه‪ ،‬ونكرانم الميل‪ ..‬وخصال أخرى كثية‬
‫منفرة‪.‬‬

‫ول قد ا ضطهدهم الن صارى ف أور با ب سبب اعت قادهم أ نم صلبوا ال سيح عل يه‬
‫ال سلم )‪ ،(55‬و ل يدوا لم صدرا‪ X‬حنو نا‪ X‬إل ف ال عال ال سلمي‪ ،‬ف فروا من ال ضطهاد‬

‫‪ ()54‬إل فيما يتعلق بالعال السلمي‪ ،‬فقد أمر السلم بالحسان إ ل الذميي من أ هل الك تاب ونفذ‬
‫السلمون المر‪.‬‬
‫‪ ()55‬نعلم نن السلمي أن السيح عليه السلم ل يصلب‪ ،‬ولكن هذا ل ينفي عن اليهود جهدهم الذي‬
‫بذلوه ف تريض الاكم الرومان على صلبه‪ ،‬حت أمر بصلبه بالفعل‪ ،‬لول أن ال رفعه إليه وناه من‬

‫)‪(70‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫الورب إل الندلس السلمية يتمون فيها من الظلم‪ ،‬وينعمون بالعدل والرية والمن‪،‬‬
‫ويارسون نشاطهم كله مطمئني‪.‬‬

‫و لا قامت ال صليبية ب طاردة ال سلمي وإخراج هم من ال ندلس‪ ،‬هاجروا إ ل‬


‫الغرب‪ ،‬فهاجر اليهود معهم فرار‪X‬ا من الضطهاد الكنسي‪ ،‬وسعيا‪ X‬وراء المن والطمأنينة‬
‫ف ربوع السلم‪ .‬كذلك أووا إل الدولة العثمانية‪ ،‬وعاشوا ف متلف البلد السلمية‬
‫الا ضعة للح كم العث مان آمن ي مطمئن ي‪ ،‬ناجي من ال ضطهاد ا لورب‪ ..‬فك يف كان‬
‫عرفانم بالميل؟! لقد سعوا إل تدمي الدولة العثمانية‪ ،‬والقضاء على الكم السلمي ف‬
‫ا لرض‪ ،‬و كان سلوكهم ف فل سطي خا صة هو تذب يح ال سلمي‪ :‬ن سائهم وأط فالم‬
‫وشيوخهم‪ ،‬والساءة إل القدسات السلمية والعدوان على السجد القصى‪ ..‬وهو أمر‬
‫واضح الدللة على عمق الشر ف نفوسهم‪ ،‬فهم ل يستطيعون أن يزعموا أن السلمي قد‬
‫أ ساءوا لم خلل معي شتهم ف ظل ال كم ال سلمي‪ ،‬ول أ نم ي ثأرون من ظ لم وا قع‬
‫علي هم‪ .‬إ نا هم ا لذين ي بدأون بال عدون ا لجرامي‪ ،‬فإذا كره هم ال ناس من أ جل أع مالم‬
‫العدوانية‪ ،‬أو قذارة سلوكهم‪ ،‬تصايوا بأنم مظلومون مضطهدون بغي ذنب جنوه!‬

‫وحادثة اليهود الربعة الذين ذبوا أحد " الميي " ف عهد ممد علي‪ ،‬ليعجنوا‬
‫بدمه فطية عيد الفصح‪ ،‬مشهورة معروفة‪ ،‬فقد كان لا دوي ف العال كله‪ ،‬بعد اعتراف‬
‫الرمي بريتهم‪ ،‬واستنكار العال كله لا‪ ..‬ومع ذلك فهم ل يتأثون!‬

‫* أ ما زعم هم ا لخر بأنم ‪ -‬بذواتم أو بن سهم أو بدمهم أو بن سبهم ‪ -‬ذوو‬


‫خصائص معينة تؤهلهم لكم العال كله‪ ،‬فزعم يشتمل على قليل من الق‪ ،‬وكثي من‬
‫الباطل‪.‬‬

‫فأما أن منهم نابغي ف مالت متلفة فصحيح‪) ..‬وصحيح كذلك ف القابل أن‬
‫ف بعضهم بلهة شديدة معروفة ف الطب باسم " العته اليهودي "(‪.‬‬

‫وأ ما أن ن بوغهم را جع إ ل امت ياز خاص ت يزوا به عن ال عالي فز عم ل ي سنده‬


‫الواقع!‬

‫كيد اليهود‪.‬‬

‫)‪(71‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فدعوى نقاء الدم السرائيلي ل تزيد على أن تكون أسطورة! واليهود ذوو العيون‬
‫الزرق والشعر الشقر شاهد ل يكذب على أنه ليس كل اليهود من بن إسرائيل‪ ،‬فبنو‬
‫إسرائيل من النس السامي‪ ،‬ول يعرف عن النس السامي زرقة العيون ول شقرة الشعر!‬
‫ومعظم يهود أوربا ‪ -‬والبولنديي خاصة ‪ -‬وكثي من يهود أمريكا ليسوا من بن إسرائيل‪،‬‬
‫إنا هم من نسل يهود دولة الزر الت تودت بكاملها ف القرن الثامن اليلدي‪ ،‬ث تفرقت‬
‫ف بلد أوربا إثر عدوان كاسح وقع عليها ف القرن الثالث عشر‪ ،‬وكلهم ل يكونوا من‬
‫بن إ سرائيل‪ ،‬إنا دخ لوا ف الدين اليهودي ف فترة كانت ا لدعوة اليهود ية فيها قد‬
‫ن شطت‪ ،‬ق بل أن ي قرر الي هود و قف ا لدعوة‪ ،‬وا عتزال ال عال‪ ،‬والن في الخت ياري ف "‬
‫اليتو " )‪.(56‬‬

‫إنا يرجع النبوغ ف بعض أفرادهم من طبيعة كونم أقلية مضطهدة‪ ،‬بصرف النظر‬
‫عن سبب اضطهادهم‪ ،‬فالقلية الضطهدة ف كل مكان ف الرض تكون دائما‪ X‬مشحوذة‬
‫المة لقاومة الضغط الواقع عليها لفنائها أو سحقها‪ ..‬فيصل الشحذ عند بعض الفراد‬
‫إل النبوغ‪ ،‬ويكون عند مموع الناس باعثا‪ X‬إل النشاط والركة والنتاج‪ ..‬ول علقة لذا‬
‫بالدم أو النس أو النسب أو غيها ما يتشدق به بنو إسرائيل!‬

‫ول يوز أن ننسى عامل‪ X‬أساسيا‪ X‬ف القضية ل تفهم القضية بدونه‪ ،‬هو تقدير ال‬
‫أن يب قى هذا ال شعب ول يف ن تت ال ضطهاد ك ما ف ن غ يه من القل يات التاري ية‪،‬‬
‫لكمة يريدها ال‪ ،‬قد تظهر بعض جوانبها عند استعراض واقعهم العاصر‪.‬‬

‫ومن ث اجتمعت ثلثة عوامل تؤدي ف مموعها إل نبوغ بعض الفراد‪ ،‬وبث‬
‫النشاط الدءوب ف الموع‪ .‬فهم أول‪ W‬أقلية ل أمل لا أن تصبح أغلبية عددية ف أي يوم‬
‫من اليام‪ .‬وهم ثانيا‪ W‬أقلية مضطهدة لن ال كتب عليهم هذا الضطهاد عقابا‪ X‬لم على‬
‫سجاياهم الرديئة وأعمالم السيئة‪ .‬وهم ثالثا‪ W‬أقلية قدر ال لا أن تبقى‪ ،‬فأودع ف نفسها‬
‫إرادة قوية للبقاء‪ ،‬وعزية قوية لقاومة عوامل الفناء‪ ..‬ول شيء من هذه العوامل الثلثة‬
‫يرجع إل النس أو العنصر أو الدم أو النسب‪ ..‬إنا هو قدر ربان‪ ،‬وسنن ربانية جارية‬
‫كالعادلت الكيماوية‪ ،‬حيثما وجدت ظروفها أدت إل نتائجها بقدر من ال‪.‬‬

‫‪ ()56‬را جع ك تاب " الي هود لي سوا ي هودا " تأليف بن يامي فر يدمان وتر جة ز هدي الفا تح‪ ،‬ط بع دار‬
‫النفائس ببيوت الطبعة الثانية ‪ 1403‬ه ‪ 1984 /‬م‪.‬‬

‫)‪(72‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ول سنا ه نا ع لى أي حال معني ي بتفن يد مزا عم الي هود‪ ،‬ب قدر ما نن معن يون‬
‫بالتعرف على مططاتم‪ ،‬والدوافع الت تدفعهم إليها‪ ،‬والوسائل الت يتخذونا لتحقيقها‪.‬‬

‫وقد خلص لنا من العرض السابق أن الخطط ف جلته يسعى لفساد عقائد "‬
‫ا لميي " وأخلق هم‪ ،‬باعت بار أن هذا أ نع الو سائل وآ كدها ل ستحمار أولئك ا لميي‬
‫وتسخيهم لشعب ال الختار!‬

‫و ف بث نا هذا سنحاول ‪ -‬ب شيء من التف صيل ‪ -‬إبراز أ هم أع مال الف ساد ا لت‬
‫قاموا با ف القرن ي ا لخيين با لذات‪ ،‬باعتبار ها القرن ي ال لذين برزت فيه ما ال سيطرة‬
‫الالية لليهود‪ .‬ولكن هذا ل ينعنا من إشارة سريعة إل أبرز أعمال الفساد الت قاموا با‬
‫ف التاريخ الاضي لتحقيق ذات الهداف الشريرة الت يسعون إليها‪ ،‬ونكتفي بنبذة سريعة‬
‫متصرة عما قام به " شاول " لفساد النصرانية‪ ،‬وما قام به " عبد ال بن سبأ " لاولة‬
‫فتنة السلمي عن دينهم‪ ،‬ونبذة كذلك سريعة متصرة عن تبنيهم لعمال البغاء وإشاعة‬
‫الفاحشة ف الرض‪.‬‬

‫فأ ما شاول ‪ -‬ا لذي سي بولس في ما ب عد ‪ -‬فلن ستمع ف يه إ ل قو لة الفيل سوف‬


‫الفرنسي رينان‪:‬‬

‫" إنه ينبغي لفهم تعليم يسوع السيح القيقي كما كان يفهمه هو أن نبحث ف‬
‫ت لك التفا سي وال شروح الكاذ بة ا لت شوهت و جه التعل يم ال سيحي حت أخف ته عن‬
‫البصار تت طبقة كثيفة من الظلم‪ .‬ويرجع بثنا إل أيام بولس الذي ل يفهم تعليم‬
‫السيح‪ ،‬بل حله على ممل آخر‪ ،‬ث مزجه بكثي من تقاليد الفريسيي وتعاليم العهد القدي‬
‫)‪ .(57‬وبولس كما ل يفى كان رسول‪ X‬للمم‪ ،‬أو رسول الدال والنازعات الدينية‪ ،‬وكان‬
‫ييل إل الظاهر الارجية الدينية كالتان وغيه‪ ،‬فأدخل أمياله هذه على الدين السيحي‬
‫فأفسده )‪ .(58‬وف عهد بولس ظهر التلمود العروف بتعاليم الكنائس‪ .‬وأما تعليم السيح‬
‫ال صلي القي قي فخ سر صفته الل ية الكمال ية‪ ..‬وإن أولئك ال شراح والف سرين يدعون‬

‫‪ ()57‬نشك كثيا‪ X‬ف أن الفساد الذي أحدثه بولس ف النصرانية كان نتيجة " عدم الفهم " كما يقول‬
‫رينان!‪.‬‬

‫)‪(73‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫السيح إلا دون أن يقيموا على ذلك الجة‪ ،‬ويستندون ف دعواهم على أقوال وردت ف‬
‫خسة أسفار‪ :‬موسى والزبور وأعمال الرسل ورسائلهم وتآليف آباء الكنيسة‪ .‬مع أن تلك‬
‫القوال ل تدل أقل دللة على أن السيح هو ال )‪.(59‬‬

‫ويقول الؤرخ النليزي ويلز‪:‬‬

‫" وظهر للوقت معلم آخر عظيم )‪ (60‬يعده كثي من الثقات العصريي الؤسس‬
‫القيقي للمسيحية‪ ،‬وهو شاول الطرسوسي أو بولس‪ .‬والراجح أنه كان يهودي الولد‪،‬‬
‫وإن كان بعض الكتاب اليهود ينكرون ذلك )‪ .(61‬ول مراء ف أنه تعلم على أساتذة من‬
‫الي هود‪ ،‬ب يد أ نه كان متب حرا‪ X‬ف لهوت يات ال سكندرية اللين ية‪ ..‬ويت ضح ل كل من ي قرأ‬
‫رسائله التنوعة جنبا‪ X‬إل جنب مع الناجيل أن ذهنه كان مشبعا‪ X‬بفكرة ل تظهر قط بارزة‬
‫قوية فيما نقل عن يسوع من أقوال وتعاليم‪ ،‬أل وهي فكرة الشخص الضحية الذي يقدم‬
‫قربانا‪ X‬ل كفارة عن الطيئة‪ .‬فما بشر به يسوع كان ميلدا‪ X‬جديدا‪ X‬للروح النسانية )‪.(62‬‬
‫أما ما علمه بولس فهو الديانة القدية‪ :‬ديانة الكاهن والذبح وسفك الدماء لسترضاء الله‬
‫" )‪.(63‬‬

‫أما شاول هذا ‪ -‬أو بولس كما سي فيما بعد ‪ -‬فيوى عنه أنه كان ف مبدأ‬
‫حياته من أشد أعداء النصرانية‪ ،‬ومن أشد العاملي على إيذاء الؤمني با‪ ،‬والتنكيل بم‪،‬‬
‫كما يروي هو عن نفسه ف الصحاح الثان والعشرين من سفر أعمال الرسل‪ " :‬كنت‬

‫‪ ()58‬ل يكن الفساد الذي أحدثه بولس ف النصرانية مصورا‪ X‬ف قضية التان كما يذكر رينان ف هذا‬
‫الوضع – وإن كان هذا من الفساد التعمد الذي أحدثه ف دين ال – ولكن الفساد الكب كان ف‬
‫تأليه عيسى كما ذكر رينان ف ناية كلمه‪.‬‬
‫‪ ()59‬عن كتاب " ماضرات ف النصرانية " للشيخ ممد أبو زهرة‪ ،‬طبع الرئاسة العامة لدارة البحوث‬
‫العلمية والفتاء والدعوة والرشاد بالرياض‪ ،‬سنة ‪ 1404‬ه‪ ،‬ص ‪.230‬‬
‫‪ ()60‬و صف وي لز ل شاول بالعظ مة هو إ قرار ف قط ب قوة تأثيه‪ ،‬وبراع ته ف ن شر د عوته‪ .‬وإل ف قد أ قر‬
‫صراحة بأنه بدل دين السيح‪ ،‬ونشر ديانة جديدة من صناعته الاصة!‬
‫‪ ()61‬ل قيمة لذا النكار ولدينا اعترافه هو عن نفسه ف سفر " أعمال الرسل "‪.‬‬
‫‪ ()62‬لنه كان وحي‪X‬ا صادقا‪ X‬عن ال‪ ،‬أما ما علمه بولس فهو الديانة الوثنية القدية‪.‬‬
‫‪ " ()63‬معال تاريخ النسانية " سبقت الشارة إليه ج ‪ ،3‬ص ‪ 705‬من الترجة العربية‪.‬‬

‫)‪(74‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫غيورا‪ X‬ل ‪ -‬كما أنتم جيعكم اليوم )‪ - (64‬واضطهدت هذا الطريق )‪ (65‬حت الوت‪ ،‬مقيدا‬
‫ومسلما‪ X‬إل السجون رجال‪ X‬ونساء‪ ،‬كما يشهد ل أيضا‪ X‬رئيس الكهنة وجيع الشيخة‪،‬‬
‫الذين إذا اخذت منهم رسائل للخوة ف دمشق‪ ،‬ذهبت لت بالذين هناك إل أورشليم‬
‫مقيدين لكي يعاقبوا " )‪.(66‬‬

‫ولكن سفر العمال يروي عنه ف الصحاح التاسع قصة طريفة‪ ،‬مفادها أنه " ف‬
‫ذهابه حدث أنه اقترب إل دمشق‪ ،‬فبغتة أبرق حوله نور من السماء‪ ،‬فسقط على الرض‪،‬‬
‫وسع صوتا‪ X‬قائل‪ X‬له‪ :‬شاول‪ ،‬شاول‪ :‬لاذا تضطهدن؟ فقال‪ :‬من أنت يا سيدي؟ قال‪ :‬أنا‬
‫يسوع الذي تضطهده‪ ،‬صعب عليك أن ترفس مناخس‪ ،‬فقال وهو مرتعد متحي‪ :‬يا رب!‬
‫ماذا تريد أن أفعل؟ فقال له الرب‪ :‬قم وادخل الدينة‪ ،‬فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل "‬
‫)‪.!(67‬‬

‫ومن لظتها صار مؤمنا‪ " X‬بالرب " متحمسا‪ X‬لتأليه عيسى‪ ،‬ونشر دعوى ألوهيته‬
‫بي الناس!‬

‫يقول ال جل شأنه‪:‬‬

‫) ‪%‬وإ)ذ‪ .‬ق‪#‬ال‪ #‬الل‪X‬ه‪ -‬ي‪%‬ا ع)يس‪%‬ى ا‪4‬بن‪ %‬م‪%‬ر‪4‬ي‪%‬م‪# %‬أأ‪#‬ن‪4‬ت‪ %‬ق‪/‬ل‪.‬ت‪ %‬ل)لن‪H‬اس) ا‪H‬تخ)ذ‪/‬ون)ي و‪%‬أ‪/‬م‪s‬ي‪ %‬إ)‪#‬له‪%‬ي‪4‬ن) م)ن‬
‫د‪-‬ون) الل‪X‬ه) ق‪#‬ال‪ #‬س‪-‬ب‪4‬ح‪%‬ان‪%‬ك‪ %‬م‪%‬ا ي‪%‬ك‪/‬ون‪ /‬ل)ي أ‪#‬ن‪# .‬أق‪/‬ول‪ #‬م‪%‬ا ل‪#‬ي‪4‬س‪ %‬ل)ي )بح‪%‬ق‪ Õ‬إ)ن‪ .‬ك‪/‬ن‪4‬ت‪ -‬ق‪/‬ل‪.‬ت‪-‬ه‪ -‬ف‪#‬ق‪#‬د‪ 4‬ع‪%‬ل)م‪4‬ت‪%‬ه‬
‫‪%‬تع‪4‬ل‪#‬م‪ -‬م‪%‬ا ف)ي ‪%‬نف‪.‬س)ي و‪%‬ل أ‪#‬ع‪4‬ل‪#‬م‪ -‬م‪%‬ا ف)ي ‪%‬نف‪.‬س)ك‪) %‬إن‪H‬ك‪# %‬أن‪4‬ت‪ %‬ع‪%‬ل‪X‬ام‪ -‬ا‪.‬لغ‪-‬ي‪-‬وب)‪ ،‬م‪%‬ا ق‪/‬ل‪.‬ت‪# -‬له‪-‬م‪ 4‬إ)ل‪X‬ا م‪%‬ا‬
‫‪#‬أم‪%‬ر‪4‬ت‪%‬ن)ي ب)ه) ‪#‬أن) اع‪4‬ب‪-‬د‪-‬وا الل‪X‬ه‪ %‬ر‪%‬ب‪s‬ي و‪%‬ر‪%‬ب‪H‬ك‪/‬م‪ 4‬و‪%‬ك‪/‬ن‪4‬ت‪ -‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه)م‪ 4‬ش‪%‬ه)يدا‪ W‬م‪%‬ا د‪-‬م‪4‬ت‪ -‬ف)يه)م‪ 4‬ف‪#‬ل‪#‬م‪H‬ا ت‪%‬و‪%‬ف‪X‬ي‪4‬ت‪%‬ن)ي‬
‫ك‪/‬ن‪4‬ت‪ %‬أ‪#‬ن‪4‬ت‪ %‬الر‪H‬ق)يب‪ %‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه)م‪ 4‬و‪#%‬أن‪4‬ت‪ %‬ع‪%‬ل‪#‬ى ك‪/‬ل‪ +‬ش‪%‬ي‪4‬ء‪ p‬ش‪%‬ه)يد(‪] .‬سورة الائدة‪ ،‬اليتان ‪- 116‬‬
‫‪.[117‬‬

‫ول ندري نن ما الذي حدا بالنصارى إل تصديق تلك القصة الفتعلة الت رواها‬
‫بولس عن ت لي " ا لرب " له و هو ف طري قه إ ل دم شق لي قاع ال عذاب بالؤمني‬
‫بالنصرانية‪ .‬فإن كانت شهادة برنابا له ‪ -‬وهو من حواريي السيح عليه السلم ‪ -‬وماولة‬
‫‪ ()64‬ياطب اليهود‪.‬‬
‫‪ ()65‬طريق النصرانية‪.‬‬
‫‪ ()66‬عن كتاب " ماضرات ف النصرانية " ص ‪.88‬‬
‫‪ ()67‬الرجع السابق‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬

‫)‪(75‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫إقناع الواريي بصدق إيانه‪ ،‬فإن برنابا قد اختلف معه فيما بعد لا تبي له زيف دعواه‪،‬‬
‫وكانت نقطة الفتراق بينهما هي قضية تأليه عيسى كما يتبي من إنيل برنابا نفسه‪.‬‬

‫ومه ما ي كن من أ مر الن صارى ح يال بولس‪ ،‬فا لذي نراه نن ‪ -‬من منظور نا‬
‫السلمي ‪ -‬أنا قصة اخترعها ذلك اليهودي ليغطي على الؤامرة الت اعتزم تنفيذها‪ ،‬وهي‬
‫التظاهر بالدخول ف الدين الديد ليكيد له من الداخل‪ ،‬ويصرفه عن حقيقته الربانية‬
‫ا لت نزل با‪ ،‬إ ل دين آ خر مرف‪ ،‬ف ماو لة له لب طال مفعول هذا ا لدين ف تصحيح‬
‫عقائد " الميي " وتعبيدهم ل وحده ل شريك له‪ ،‬لا يعلم من مقاومة الدين القيقي‬
‫لخططات اليهود الشريرة الت يسعون با إل نشر الفساد ف الرض‪.‬‬

‫والذي يشجعنا على هذا الظن أن لذا اليهودي أخا‪ X‬آخر ف اليهودية‪ ،‬جاء بعده‬
‫بقرابة سبعة قرون‪ ،‬ياول ذات الاولة مع السلم‪ ،‬فيتظاهر بالدخول ف الدين الديد‬
‫ليكيد له من الداخل‪ ،‬وياول صرفه عن حقيقته الربانية إل دين آخر مرف‪ ،‬يؤله فيه‬
‫واحد من البشر هو علي‪ A‬بن أب طالب كرم ال وجهه‪ ،‬ليكون إل‪X‬ا مع ال!‬

‫* ذلكم هو عبد ال بن سبأ‪.‬‬

‫" يرد ف تاريخ الطبي ويتابعه ابن الثي ف أحداث سنة ‪ 35‬ه أن ابن سبأ كان‬
‫يهودي¾ا من أهل صنعاء‪ ،‬وأنه أسلم زمن عثمان‪ ،‬وأخذ ينتقل ف بلدان السلمي من قطر‬
‫لخر ماول‪ X‬ضللتهم‪ ،‬فابتدأ بالجاز‪ ،‬ث البصرة‪ ،‬فالكوفة‪ ،‬ث الشام‪ ،‬فلم يقدر على شيء‬
‫فيها‪ ،‬فأتى مصر واستقر با‪ ،‬وطابت له أجواؤها " )‪.(68‬‬

‫ولقد كاد اليهود للسلم منذ مقدم رسول ال صلى ال عليه وسلم إل الدينة ‪-‬‬
‫بل قبل ذلك ‪ -‬وحاولوا بكل قوتم أن يقفوا نوه‪ ،‬ويفتنوا الناس عنه بالتشكيك ف صدق‬
‫نبوته صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والتشكيك ف صدق الوحي‪ ،‬والتفريق بي الؤمني‪ ،‬ونشر‬
‫الراجيف ف الدينة‪ ،‬بل حاولوا قتل الرسول صلى ال عليه وسلم بدس السم له ف ذراع‬
‫ال شاة مرة‪ ،‬وماو لة إل قاء ال جر عل يه مرة‪ ..‬و حالفوا ال شركي وال نافقي وأل‪ m‬بوهم ع لى‬
‫السلمي‪ ..‬ونقضوا العهود ليخذلوا السلمي‪ ..‬فلما م ك‪m‬ن ال لدينه على الرغم من كل‬
‫ماولتم‪ ،‬سكتوا ظاهرا‪ W‬وهم يضمرون القد ف قلوبم‪ ،‬ث لأوا إل التظاهر بلسلم‬

‫‪ ()68‬عن كتاب " عبد ال بن سبأ وأثره ف إحداث الفتنة ف صدر السلم " تأليف سليمان بن حد‬
‫العودة‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬بالرياض‪ ،‬ص ‪.46‬‬

‫)‪(76‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ليك يدوا له من ا لداخل‪ ..‬و كان ع بد ا ل بن سبأ وا حدا‪ X‬من أولئك ا لذين ت ظاهروا‬
‫بالسلم من أجل الفتنة والتخريب على الؤمني‪.‬‬

‫و قد كان له دور بارز ف فت نة عث مان‪ ،‬إذ حرض عل يه أ هل الم صار‪ ،‬وزور‬


‫الك تب‪ ،‬ون شر ا لراجيف‪ ،‬و تآمر مع الا قدين والو تورين حت أدت الفت نة إ ل مق تل‬
‫عثمان رضي ال عنه‪ .‬ث نشط ف إحداث الفتنة الت أدت إل الروج على علي كر‪A‬م ال‬
‫وج هه‪ ،‬و ف وق عة ال مل ب صفة خا صة‪ ،‬ح يث تآمر ع لى إ حداث البلب لة ف صفوف‬
‫الؤمني بعد أن كانوا قد اتفقوا على الصالة وحقن الدماء فما شعروا إل وبعضهم‬
‫يباغت بعضا‪ W‬بالقتال )‪!(69‬‬

‫وف الخي ند ابن سبأ يؤله علي¾ا ويدعو الناس إل تأليهه!‬

‫ما أشبه ا بن سبأ بأخيه شاول! وإن كانت الن تائج ا لت توصل إليها كل منه ما‬
‫تتلف عن الخر!‬

‫ول يرجع الفارق ف النتائج إل اختلف الدف أو اختلف النهج!‬

‫إنا يرجع إل أن الدين الذي سعى شاول إل تزييفه ل يكن له كتاب مفوظ‬
‫ير جع إل يه‪ ،‬بينما الدين الذي حاول ابن سبأ إفساده كان له كتاب مفوظ‪ ،‬تكفل ال‬
‫بفظه‪:‬‬

‫)إ)ن‪H‬ا ‪%‬نح‪4‬ن‪ -‬ن‪%‬ز‪H‬ل‪.‬ن‪%‬ا الذ‪+‬ك‪.‬ر‪ %‬و‪%‬إ)ن‪H‬ا ‪#‬له‪# -‬لح‪%‬اف)ظ‪/‬ون‪] .(#‬سورة الجر‪ ،‬الية ‪.[9‬‬

‫ومن ث ل يستطع ابن سبأ ‪ -‬برغم كل الكيد البيث الذي قام به ‪ -‬أن يفسد‬
‫أ صل ا لدين‪ ،‬وإن كان قد جر إل يه عددا‪ X‬من ال فرق ال ضالة ما زا لت تتب عه حت ال يوم‪،‬‬
‫ولكنها قلة قليلة بالنسبة لموع السلمي الذين يؤمنون بالتوحيد‪ ،‬بينما استطاع شاول أن‬
‫ينسي الناس حقيقة التوحيد ف دين ال النل على عيسى عليه السلم‪ ،‬ويستبدل به دينا‬
‫يقبل التعدد ف ذات الله‪ ،‬وإن حاول أن يضفي عليه ثوب التوحيد‪.‬‬

‫‪ ()69‬راجع ف هذا الشأن الرجع السابق لسليمان العودة وهو من أجود ما ك”تب ف الوضوع‪.‬‬

‫)‪(77‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫* أما دورهم ف نشر الفاحشة ف الرض فربا كان خي مرجع فيه هو كتابم "‬
‫القدس! " الذي حوى من ألوان الفحش ما يتقزز منه الشخص العادي‪ ،‬وما يعاب على‬
‫الكتاب الابطي أن يهبطوا لثله‪ ،‬والنكى من ذلك نسبتهم كل ألوان الرائم الفاحشة‬
‫إ ل أنب يائهم! حت تكت سب ت لك ا لرائم صفة " ال شرعية " وت صبح جزءا‪ W‬من من هج‬
‫حياتم!‬

‫فإذا أضيف إل ذلك ما جاء ف التلمود من النظر إل " الميي " على أنم دواب‬
‫ف صورة بشرية‪ ،‬وليسوا بشرا‪ X‬حقيقيي‪ ،‬وأن ارتكاب الفاحشة مع المية ل يدخل ف‬
‫باب الظور أصل‪ (!) X‬استطعنا أن نفهم " مذهبهم " ف نشر الفاحشة وطريقتهم كذلك!‬
‫فاليهودية يكن أن ت‪-‬ف‪Å‬س–د– إذا كان وراء ذلك " مصلحة " لشعب ال الختار‪ ،‬والمية يكن‬
‫أن تفسد بل حرج لتحقيق " الصلحة " كذلك لشعب ال الختار‪..‬‬

‫ولفترة طويلة من التاريخ كان اليهود يتبنون البغاء ف الدن الوربية‪ ،‬يتذبون‬
‫إليه الغنياء من الريف‪ ،‬سواء‪ õ‬أمراء القطاع أو من حولم‪ ،‬لينفقوا الموال الرام فيما‬
‫حرم ال من ال ثام‪ ،‬لتنتقل ت لك ا لموال من جيوب أولئك الغنياء الفساق إ ل ج يوب‬
‫الراب ي الي هود‪ ..‬حت إذا اح تاجوا إ ل مز يد من ا لال أقر ضوهم بالر با‪ ،‬و سلبوهم بذلك‬
‫أرضهم وأموالم بالضافة إل ما يسلبونه من " الخلق "!‬

‫ومع ذلك كله فقد ظل كيد اليهود قرونا‪ X‬طويلة مدود الثر ف إفساد " الميي "‬
‫حت جاء العصر الديث!‬

‫)‪(78‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ثانيا‪ :‬كيف سيطر اليهود؟‬


‫ف القرني الخيين بصفة خاصة برزت السيطرة العالية لليهود‪ ..‬وقد يكون‬
‫من الصعب تديد سنة بعينها أو حدث بعينه لبدء الرحلة الالية الت سيطر فيها اليهود‬
‫على نطاق واسع من الرض‪ ،‬ونطاق واسع من الحداث‪ ،‬فالتاريخ نر مستمر‪ ،‬تري‬
‫الحداث فيه جريانا‪ X‬متصل‪ ،X‬يؤثر بعضها ف بعض‪ ،‬ويتأثر بعضها ببعض‪ ،‬دون أن تتوقف‬
‫لظة ليتم فيها التأثي والتأثر‪ ..‬إنا يري كل ذلك ف أثناء انسياب التيار ف مرى النهر‪،‬‬
‫وامتزاج منابعه بعضها ببعض‪.‬‬

‫و مع ذ لك فإنه ما ل شك ف يه أن ه ناك أ حداثا‪ W‬بارزة ف مرى التار يخ‪،‬‬


‫ومنحنيات واضحة يتغي على إثرها اتاه التيار‪.‬‬

‫فإذا أردنا أن ندد تلك الحداث البارزة والنحنيات الواضحة بالنسبة لسيطرة‬
‫اليهود الالية‪ ،‬فسنجد بادئ ذي بدء حالة النفور من الدين‪ ،‬الت أحدثها طغيان الكنيسة‬
‫ورجال الدين )مع سد الطريق أمام التأثي السلمي الذي كان وشيكا‪ W‬أن ي‪-‬د‪) 4‬خل‪ #‬أوربا‬
‫ف السلم(‪ ،‬وسنجد بعد ذلك أحداث الثورة الفرنسية‪ ،‬والثورة الصناعية‪ ،‬وما يكن‬
‫أن نطلق عليه الثورة الداروينية‪ ..‬وكلها أحداث استغلها اليهود على نطاق واسع لتنفيذ‬
‫الخطط الشرير‪.‬‬

‫إن اليهود يزعمون أنم هم صانعو أحداث التاريخ! ويكاد " وليم كار " صاحب‬
‫كتاب " أحجار على رقعة الشطرنج " أن يقع ف هذا الوهم‪ ،‬من شدة فزعه من التأثي‬
‫اليهودي والسيطرة اليهودية!‬

‫ولكنا نعلم ‪ -‬يقين‪X‬ا ‪ -‬أن ال سبحانه وتعال هو الذي ‪-‬يج‪5‬ر‪Æ‬ي كل شيء ف الكون‬
‫بقدر منه‪:‬‬

‫)إ)ن‪H‬ا ك‪X /‬ل ش‪%‬ي‪4‬ء‪ p‬خ‪%‬ل‪#‬ق‪.‬ن‪%‬اه‪) -‬بق‪#‬د‪%‬ر‪] .(p‬سورة القمر‪ ،‬الية ‪.[49‬‬

‫)و‪%‬ك‪ /‬ل‪ Í‬ش‪%‬ي‪4‬ء‪ p‬ع) ن‪4‬د‪%‬ه‪) -‬بم) ق‪.‬د‪%‬ار‪ ،p‬ع‪%‬ال)م‪ -‬ا‪.‬لغ‪%‬ي‪ 4‬ب) و‪%‬ال ش‪H‬ه‪%‬اد‪%‬ة) ال‪.‬ك‪#‬ب) ي‪ -‬ا‪.‬لم‪-‬ت‪ %‬ع‪%‬ال)(‪ ] .‬سورة‬
‫الرعد‪ ،‬اليتان ‪.[9 - 8‬‬

‫)‪(79‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ول ينع هذا ‪ -‬ف التصور السلمي ‪ -‬أن يكون للنسان فاعلية‪ ،‬فقدر ال ذاته‬
‫هو الذي قضى بأن تكون للنسان فاعلية ف الياة الدنيا‪ ،‬ليبتليه ال من خللا‪:‬‬

‫)إ) ن‪H‬ا خ‪%‬ل‪#‬ق‪ .‬ن‪%‬ا ا‪.‬لأ)ن‪ 4‬س‪%‬ان‪ #‬م) ن‪- 4‬نط‪ .‬ف‪#‬ة‪ p‬أ‪#‬م‪ 4‬ش‪%‬اج‪ p‬ن‪%‬ب‪4‬ت‪%‬ل)ي ه) ف‪#‬ج‪%‬ع‪%‬ل‪ .‬ن‪%‬اه‪ -‬س‪%‬م)يعا‪% W‬ب ص)يا‪ ] .(W‬سورة‬
‫النسان‪ ،‬الية ‪.[2‬‬

‫) ‪%‬وإ)ذ‪ .‬ق‪#‬ال‪ #‬ر‪%‬ب_ ك‪ %‬ل)ل‪.‬م‪%‬لئ) ك‪#‬ة) )إ ن‪s‬ي ج‪%‬اع)ل‪ I‬ف)ي ال‪.‬أ‪4 #‬ر ض) خ‪%‬ل)ي ف‪#‬ة‪ ] .(W‬سورة البقرة‪ ،‬الية‬
‫‪.[30‬‬

‫) ‪-‬هو‪# %‬أن‪4‬ش‪%‬أ‪#‬ك‪/‬م‪ 4‬م)ن‪ %‬ال‪.‬أ‪#‬ر‪4‬ض) و‪%‬اس‪4‬ت‪%‬ع‪4‬م‪%‬ر‪%‬ك‪/‬م‪ 4‬ف)يه‪%‬ا(‪] .‬سورة هود‪ ،‬الية ‪.[61‬‬

‫) ‪%‬و س‪%‬خ‪H‬ر‪ %‬ل‪#‬ك‪ /‬م‪ 4‬م‪%‬ا ف)ي ال س‪H‬م‪%‬او‪%‬ات) و‪ %‬م‪%‬ا ف)ي ال‪.‬أ‪#‬ر‪ 4‬ض) ج‪%‬م)يعا‪ W‬م)ن‪ 4‬ه‪ ] .(-‬سورة الاث ية‪،‬‬
‫الية ‪.[13‬‬

‫واليهود بشر من أولئك البشر الذين خلقهم ال‪ ،‬لم قدر من الفاعلية‪ ،‬يزيد أو‬
‫ينقص عن غيهم من البشر‪ ،‬ولكنهم قط ل ينشئون الحداث إنشاء بقوتم الذاتية كما‬
‫يزعمون لنفسهم‪ ،‬وكما يقع ف وهم الفزعي من مططاتم الشيطانية ف العصر الخي‬
‫خاصة‪.‬‬

‫ول أدل على هذه القيقة من أنم يططون ويدبرون منذ أكثر من عشرين قرنا‪،X‬‬
‫ولكن ناحهم ف مططاتم كان دائما‪ X‬ناحا‪ X‬جزئيا‪ X‬خلل التاريخ‪ ،‬وكانوا يرجون من‬
‫أكثر أعمالم خاسرين‪ ،‬كما خرجوا ف عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم **** )‪،(70‬‬
‫الذي وصل إل حد السيطرة العالية لظروف معينة قدرها ال‪ ،‬سنشرحها ف هذا الزء من‬
‫الفصل‪ ،‬ل يكن دور اليهود فيها هو النشاء‪ ،‬إنا كان هو استغللا لصالهم إل أقصى‬
‫حدود الستغلل‪.‬‬

‫إن القي قة ا لت ل شك في ها أن الي هود ي سنون انت هاز ال فرص وا ستغلل‬


‫الحداث‪.‬‬

‫‪ ()70‬كلم مذوف من الصل )الناشر(‪.‬‬

‫)‪(80‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ول يرجع هذا إل مزية عنصرية اختصوا با‪ ،‬إنا هو نتيجة العادلة الثلثية الت‬
‫أشرنا إليها من قبل‪ ،‬والت تشكل حياتم ودوافعهم ووسائلهم‪ .‬كونم أقلية مقهورة كتب‬
‫لا أن تبقى ول تفن تت الضغط لكمة ربانية‪.‬‬

‫إنم كالوحش الصور داخل الحر‪ ،‬عيناه دائما‪ X‬على الارس الذي ينع خروجه‬
‫من ال سر‪ ،‬فإذا آ نس غف لة من ا لارس انط لق ب كل قوته‪ ،‬منت هز‪X‬ا فر صة هذه الغف لة‪،‬‬
‫ومستغل‪ X‬لا إل أقصى حد‪ ،‬قبل أن يفيق الارس من غفلته ويعيده إل السر من جديد‪.‬‬

‫وهذه خلصة تاريهم سواء ف الاضي أو ف الاضر‪ ..‬أما الستقبل فغيب ل‬


‫يعل مه إل ا ل‪ ،‬وإن ك نا ناول أن ن ستكنه ما ك شف ل نا من ذ لك الغ يب ف ك تاب ا ل‬
‫النل‪ ،‬وف سنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫اللصة هي التربص الدائم من جانبهم‪ ،‬والغفلة ‪ -‬أو اليقظة ‪ -‬من جانب "‬
‫الميي "‪.‬‬

‫والقرنان الخيان بصفة خاصة كانا فترة غفلة عظيمة من جانب الميي‪ ،‬لذلك‬
‫كانت فترة ناح هائل من جانب اليهود!‬

‫بدأت الغفلة ‪ -‬ف أوربا ‪ -‬بالنفور من الدين بسبب فظائع الكنيسة وجرائمها‪.‬‬

‫والن سان إذا ت لى عن دي نه ف هو ف غف لة ت سهل ع لى ال شيطان وأ عوانه أن‬


‫يستغلوه‪.‬‬

‫)ل‪#‬ه‪-‬م‪ 4‬ق‪/‬ل‪/‬وب= ل ي‪%‬ف‪.‬ق‪#‬ه‪-‬ون‪) #‬به‪%‬ا و‪%‬ل‪#‬ه‪-‬م‪# 4‬أع‪4‬ي‪-‬ن= ل ‪-‬يب‪4‬ص)ر‪-‬ون‪) #‬به‪%‬ا و‪%‬ل‪#‬ه‪-‬م‪ 4‬آذ‪#‬ان‪ I‬ل ‪%‬يس‪4‬م‪%‬ع‪-‬ون‬
‫)به‪%‬ا أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ك‪#‬ال‪.‬أ‪#‬ن‪4‬ع‪%‬ام) ‪%‬بل‪ .‬ه‪-‬م‪# 4‬أض‪Í %‬ل أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ه‪-‬م‪ -‬ال‪.‬غ‪%‬اف)ل‪/‬ون(‪] .‬سورة العراف‪ ،‬الية ‪.[179‬‬

‫)إ) ن‪ .‬ي‪%‬د‪4‬ع‪-‬ون‪ #‬م) ن‪ 4‬د‪-‬ون) ه) )إل‪X‬ا )إن‪%‬ا ثا‪% W‬وإ) ن‪ .‬ي‪%‬د‪4‬ع‪-‬ون‪) #‬إل‪X‬ا ش‪%‬ي‪4‬ط‪#‬انا‪ W‬م‪%‬ر) يدا‪# ،W‬لع‪%‬ن‪ %‬ه‪ -‬الل‪ X‬ه‪ -‬و‪ %‬ق‪#‬ال‬
‫‪#‬لأ‪#‬ت‪H‬خ)ذ‪#‬ن‪ X‬م)ن‪ 4‬ع)ب‪%‬اد)ك‪ %‬ن‪%‬ص)يبا‪ W‬م‪%‬ف‪.‬ر‪-‬وضا‪ ،W‬و‪%‬ل‪#‬أ‪/‬ض)ل‪X‬ن‪H‬ه‪-‬م‪ 4‬و‪%‬ل‪#‬أ‪/‬م‪%‬ن‪s‬ي‪%‬ن‪H‬ه‪-‬م‪ 4‬و‪%‬ل‪#‬آم‪-‬ر‪%‬ن‪H‬ه‪-‬م‪ 4‬ف‪#‬ل‪#‬ي‪-‬ب‪%‬ت‪/ s‬كن‪ H‬آذ‪#‬ان‪ #‬ال‪.‬أ‪#‬ن‪4‬ع‪%‬ام‬
‫و‪%‬ل‪#‬آم‪-‬ر‪%‬ن‪H‬ه‪-‬م‪ 4‬ف‪#‬ل‪#‬ي‪-‬غ‪%‬ي‪s‬ر‪-‬ن‪ X‬خ‪%‬ل‪.‬ق‪ %‬الل‪X‬ه) و‪%‬م‪%‬ن‪ 4‬ي‪H%‬تخ)ذ) الش‪H‬ي‪4‬ط‪#‬ان‪ #‬و‪)%‬لي‪m‬ا‪ W‬م)ن‪ 4‬د‪-‬ون) الل‪X‬ه) ف‪#‬ق‪#‬د‪ 4‬خ‪%‬س)ر‪- %‬خس‪4‬ر‪%‬انا‬
‫م‪-‬ب)ينا‪ ،W‬ي‪%‬ع)د‪-‬ه‪-‬م‪ 4‬و‪%‬ي‪% -‬من‪s‬يه)م‪ 4‬و‪%‬م‪%‬ا ي‪%‬ع)د‪-‬ه‪-‬م‪ -‬الش‪H‬ي‪4‬ط‪#‬ان‪ /‬إ)ل‪X‬ا غ‪/‬ر‪-‬ورا(‪] .‬سورة النساء‪ ،‬اليات ‪- 117‬‬
‫‪.[120‬‬

‫)‪(81‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫)ف‪#‬إ)ذ‪#‬ا ق‪#‬ر‪%‬أ‪.‬ت‪ %‬ال‪.‬ق‪/‬ر‪4‬آن‪ #‬ف‪#‬اس‪4‬ت‪%‬ع)ذ‪ .‬ب)الل‪X‬ه) م)ن‪ %‬الش‪H‬ي‪4‬ط‪#‬ان) الر‪H‬ج)يم)‪ ،‬إ)ن‪H‬ه‪# -‬لي‪4‬س‪ %‬ل‪#‬ه‪ -‬س‪-‬ل‪.‬ط‪#‬ان‪ I‬ع‪%‬ل‪#‬ى‬
‫ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬آم‪ %‬ن‪-‬وا و‪%‬ع‪ %‬ل‪#‬ى ر‪%‬ب‪s‬ه) م‪% 4‬يت‪%‬و‪%‬ك‪ X‬ل‪/‬ون‪) ،#‬إن‪ H‬م‪%‬ا س‪-‬ل‪.‬ط‪#‬ان‪-‬ه‪ -‬ع‪ %‬ل‪#‬ى ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ي‪%‬ت‪%‬و‪ %‬ل‪X‬و‪4‬ن‪%‬ه‪ -‬و‪%‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ه‪ -‬م‪ 4‬ب)ه‬
‫م‪-‬ش‪4‬ر)ك‪/‬ون(‪] .‬سورة النحل‪ ،‬اليات ‪.[100 - 98‬‬

‫وقد أشرنا ف الفصل السابق إل بعض اللبسات الت أحاطت بأوربا فنفرتا من‬
‫دينها‪ ،‬وسدت الطريق ف الوقت ذاته أمام التأثي السلمي‪ ،‬ومنعت أوربا من الدخول ف‬
‫السلم‪.‬‬

‫ولسنا نتحدث هنا عن مسئولية الوربيي إزاء هذه اللبسات‪ ،‬فقد كانوا على‬
‫حق كامل ف نفورهم من الدين الرف الذي قدمته لم الكنيسة‪ ،‬ومن الطغيان البشع‬
‫ا لذي مار سته علي هم با سم ذ لك ا لدين‪ .‬ولكن هم ل يكو نوا ع لى حق ف ن فورهم من‬
‫السلم ‪ -‬وإن كانت الكنيسة قد شوهته ف حسهم ‪ -‬فهم يزعمون أن نضتهم قامت‬
‫ع لى أ ساس ترر " الع قل " من الق يود ا لت كبل ته با الكني سة‪ ،‬والنطلق إ ل الب حث‬
‫التحرر من القيود‪ .‬ولو فعلوا ذلك حقا‪ X‬لكشفوا زيف ما شنعت به الكنيسة على السلم‪،‬‬
‫ولعر فوا حقيق ته ودخ لوا ف يه‪ .‬ول كن " ترر هم " ل يكن تررا‪ X‬حقيق̈يا‪ ،‬إنا هو رد فعل‬
‫متطرف لعمال الكنيسة‪ ،‬نافر من الدين جلة‪ ،‬غي راغب ف التريث لعرفة الق‪.‬‬

‫كذلك ل نتحدث هنا عن مسئولية السلمي ف هذا الشأن‪ ،‬فقد أرجأنا الديث‬
‫عن ال سلمي إ ل الف صل ال قادم‪ .‬وإن ك نا ن قول ف هذه العجا لة إن م سئوليتهم هي‬
‫ال سئولية ا لول سواء ف بروز الاهل ية العا صرة أو ف سيطرة الي هود العال ية‪ ،‬ك ما‬
‫سنبي ف الفصل الاص بواقع السلمي‪.‬‬

‫إنا نكتفي هنا بسرد العوامل الت أدت إل سيطرة اليهود‪.‬‬

‫وأولا ‪ -‬كما قلنا ‪ -‬هو نفور الناس ف أوربا من الدين‪ ..‬وأي فرصة يكن أن‬
‫تسنح لليهود أكب من هذه الفرصة؟!‬

‫إن أقصى ما يتمناه اليهود ‪ -‬ويسعون إليه ‪ -‬أن يتخلى الميون عن دينهم! فإذا‬
‫كان الميون ‪ -‬لي سبب من السباب ‪ -‬قد تلوا عن دينهم من ذات أنفسهم‪ ،‬ودون‬
‫ج هد من جانب الي هود‪ ،‬أفل ت كون هذه فر صة عظي مة لم‪ ،‬ي ستغلونا ‪ -‬ك عادتم ف‬
‫استغلل الفرص الت يغفل فيها الميون ‪ -‬فيذهبوا با إل أقصى الدى؟!‬

‫)‪(82‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ولقد حدث ذلك بالفعل‪..‬‬

‫وا ستغلوا الفر صة التا حة‪ ،‬ا لت أتاح ها لم ن فور ا لوربيي من دين هم‪ ،‬فأ سرعوا‬
‫بركوب المر الستنفرة‪ ،‬الت فرت من قسورة! إن هدفهم الدائم هو استحمار الميي‬
‫وتسخيهم لصالهم‪ .‬وهاهم أولء الميون النصارى قد استحمروا أنفسهم بأنفسهم‪،‬‬
‫أفل يركب شعب ال الختار؟!‬

‫وسنحت أول فرصة ‪ -‬عظيمة ‪ -‬للركوب ف الثورة الفرنسية‪.‬‬

‫ويزعم اليهود ‪ -‬ويطاوعهم ف هذا الزعم " وليم كار " ف كتاب " أحجار على‬
‫رقعة ال شطرنج " ‪ -‬أ نم هم ا لذين أ شعلوا ال ثورة الفرن سية‪ .‬و هو قول ي مل ن صيب‪X‬ا من‬
‫ا لق‪ ،‬و قدرا‪ W‬كبيا‪ W‬من الغال طة! وال صوب أن ن قول إ نم ا ستغلوا ال ثورة الفرن سية‬
‫استغلل‪ X‬جيد‪X‬ا لتنفيذ مططاتم وتقيق مصالهم‪.‬‬

‫إنم هم الذين أشعلوا الثورة الفرنسية ‪ -‬بطبائهم والليا الاسونية النبثة حينئذ‬
‫ف أرجاء فرنسا ‪ -‬بعن أنم وضعوا النار ف الوقد القابل للشتعال‪ .‬ولكنهم ليسوا هم‬
‫الذين صنعوا الوقود‪ ..‬إنا الذي صنع الوقود هو اللبسات الت مرت با فرنسا ‪ -‬وغيها‬
‫‪ -‬من ظ لم الق طاع وطغ يان ر جال ا لدين‪ ..‬و لول ذ لك ‪ -‬لول و جود الو قود ا لاهز‬
‫للشتعال ‪ -‬ما استطاع اليهود أن يصنعوا شيئ‪X‬ا مهما أشعلوا من النيان! بل كانت النار‬
‫الت يشعلونا قمينة أن تأكلهم هم أول الأكولي!‬

‫كان الق طاع قد ث قل ح له ع لى ال شعب‪ ،‬ي توجه ال لك لويس ال سادس ع شر‬


‫والل كة ماري ان طوانيت‪ ،‬ويز يدان من ثقل ته وإر هاقه لكا هل ال شعب‪ ،‬و كان الطغ يان‬
‫الكنسي قد بلغ مداه‪ ،‬بساندة القطاع وماولة ترسيخه من جهة‪ ،‬ونشاط ماكم التفتيش‬
‫ف مطاردة الناس وإرعابم من جهة أخرى‪.‬‬

‫و ل ي كن الع جب أن ي ثور ال ناس ضد هذا الطغ يان وذاك‪ ،‬إ نا كان الع جب أن‬
‫يرضخوا لكل الطغياني كل هذه القرون! ومهما يكن من مفاجأة الثورة للطغاة أنفسهم‪،‬‬
‫الذين ظنوا ‪ -‬كما يظن الطغاة دائما‪ - X‬أنم قابضون على ناصية المر‪ ،‬وأن المر ل يكن‬
‫أن يرج من أيديهم أبدا‪ ،X‬ومهما يكن كذلك من مفاجأة الثورة لبلد أوربا الخرى‪ ،‬فقد‬

‫)‪(83‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫كان كل ذي ن ظر ثاقب يتوقع أن يدث النف جار ف أ ية ل ظة‪ ،‬و كان ا لنليز بصفة‬
‫خاصة يرقبون المور ف حذر وإشفاق‪..‬‬

‫وهنا جاء دور اليهود‪ ..‬بطبائهم الذين ألبوا حاسة الماهي‪ ،‬ونشاطهم السري‬
‫ف الليا الاسونية‪ ،‬ليشعلوا النار ف ذلك الوقود الاهز للشتعال‪.‬‬

‫وكان لليهود مأرب واضح ف إشعال الثورة‪.‬‬

‫فف ضل‪ X‬عن حب الي هود للف ت وال ثورات عا مة ‪ -‬أي ا لالت ا لت ت عم في ها‬
‫الفو ضى ‪ -‬ل سهولة الع مل ف و سطها‪ ،‬و تدمي ما ير يدون من تدميه من م بادئ وق يم‬
‫وعقائد ف ظل الضطراب الوار الذي يصاحب الثورات‪ ،‬بأيسر كثيا‪ X‬ما لو كانت المور‬
‫مستقرة وهادئة‪.‬‬

‫ف ضل‪ X‬عن ذ لك‪ ،‬ف قد كانت لم أ هداف مبا شرة‪ ،‬يقق ها لم النف جار ا لذي‬
‫أشعل الثورة‪.‬‬

‫كانت الثورة موجهة ضد جهتي بالذات‪ ،‬رجال الدين‪ ،‬ورجال القطاع‪.‬‬

‫وم صلحة الي هود ف إ ضعاف ن فوذ ر جال ا لدين أو ضح من أن ت تاج إ ل ب يان‪.‬‬
‫فزوال الدين ‪ -‬بصفة عامة ‪ -‬ييسر استحمار الميي‪ ،‬الذي يسعى إليه الخطط اليهودي‪،‬‬
‫وزوال الدين السيحي بصفة خاصة ييسر التخلص من الضطهاد الذي يعانيه اليهود من‬
‫رجال الدين‪ ،‬ومن التديني النصارى عموما‪ ،X‬بسبب اعتقادهم أن اليهود تسببوا ف صلب‬
‫السيح‪.‬‬

‫* أما مصلحتهم ف تطيم القطاع فربا تتاج إل بيان‪.‬‬

‫كانت الثورة الصناعية تدق أبواب أوربا‪ ..‬بأيد كليلة ف مبدأ المر! فلم يكن‬
‫ال ناس مقبل ي ول م ستروحي لل ثورة ال صناعية ف م بدأ أمر ها! و كانوا يتوج سون من ها‬

‫)‪(84‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ويتوقعون من جانبها الشر‪ ..‬وأ قل الشر مق البكة من حياتم‪ ،‬لن اللة با مس من‬
‫الشيطان )‪!(71‬‬

‫ولكن اليهود كانوا مقبلي على تلك الثورة بعيون متطلعة‪ ،‬وقلوب ‪ -‬أو جيوب‬
‫‪ -‬تتلمظ لمع الال! فقد كانوا هم الذين مولوا الثورة الصناعية ‪ -‬كما سيجيء بيانه ‪-‬‬
‫وهم الذين يتوقعون الرباح!‬

‫وكان من أكب العقبات أما الثورة الصناعية نظام القطاع‪ ،‬الذي يبس " العمال‬
‫" عن مراكز العمل ف الدن‪ ،‬وهم عبيد للرض ف إقطاعيات أمراء القطاع‪.‬‬

‫و كان ل بد للي هود من تط يم الق طاع أول‪ ،X‬حت يرر عب يد ا لرض‪ ،‬و تد‬
‫الصناعة حاجتها من العمال‪ ،‬ينحون إل الدينة بعد أن يتحرروا من القيود‪ ،‬وينالوا " حق‬
‫النتقال " )‪.(72‬‬

‫و ل ي كن عجي با‪ X‬والا لة هذه أن ي ضعوا كل ثقل هم ف إ شعال الو قود ا لاهز‬
‫للشتعال‪ ،‬الوجه ضد نظام القطاع‪ ،‬والذي يؤذن بانياره إذا نحت ثورة " الماهي "!‬

‫ومع وضوح هذه القائق بالنسبة للثورة الفرنسية‪ ،‬ومصلحة اليهود ف إشعالا‪،‬‬
‫فإن ب عض الف توني " بالديقراط ية " ع ندنا ‪ -‬و هي الن ظام ا لذي انب ثق عن ال ثورة ‪-‬‬
‫يستبعدون ‪ -‬أو ل يصدقون أصل‪ - X‬أن يكون لليهود مصلحة ف ذلك النظام‪ ،‬الذي حرر‬
‫العب يد ‪ -‬ف ت صورهم ‪ -‬بدافع الن سانية البح تة‪ ،‬وا لذي م نح ال شعوب ال ستعبدة كرا مة‬
‫النسان!‬

‫‪ ()71‬كان توجس الناس على حق – رغم سذاجته – فقد مقت الثورة الصناعية البكة من حياة الناس‪،‬‬
‫ل بسبب التقدم الصناعي ف ذاته‪ ،‬ولكن بسبب قيام هذا التقدم على قاعدة منحرفة من الصل‪ ،‬هي‬
‫التمرد على ال‪ ،‬وعبادة الشيطان‪.‬‬
‫‪ ()72‬ل يكن لعبيد الرض حق النتقال ول حت من القطاعية إل القطاعية الاورة لا إل بإذن من‬
‫السيد‪ ،‬وإذا انتقل بغي إذن السيد اعتب عبدا‪ X‬آبقا‪ ،X‬وأعيد إل سيده مكبل‪ X‬بالغلل!‬

‫)‪(85‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وهؤلء نقول لم‪ :‬إن الديقراطية أعطت الشعوب بالفعل حقوقا‪ X‬وضمانات ل‬
‫تكن لم من قبل‪ ،‬وإن هذه القوق والضمانات تقق جانبا‪ X‬من الكرامة النسانية‪ ،‬وتعتب‬
‫من أفضل ما تشتمل عليه الاهلية العاصرة من نواحي الي )‪.(73‬‬

‫ولكن نقول لم مع ذلك إننا يب أن نعل بالنا إل ثلث حقائق ف هذا الشأن‪:‬‬

‫القي قة ا لول‪ :‬أن ما نالته ال شعوب من ح قوق و ضمانات قد نالته ب هدها‬


‫ودمائها وتضحياتا‪ ،‬ل بفضل اليهود!‬

‫والقي قة الثان ية‪ :‬أ نه ل ي كن بد‪ -‬للي هود من أن يتركوا ال شعوب ت نال هذه‬
‫القوق والضمانات ‪ -‬سواء استراحت نفوسهم إليها أم ل تسترح ‪ -‬ف مقابل الكاسب‬
‫الضخمة الت كسبوها من وراء تطيم نفوذ رجال الدين وتطيم القطاع ما يعد مكسب‬
‫الشعوب إل جانبها شيئا‪ X‬تافها‪ X‬ل يذكر!‬

‫والقيقة الثالثة‪ :‬أن هذه القوق والضمانات ذاتا ‪ -‬بل مسرحية الديقراطية‬
‫كلها با فيها من حر يات وضمانات وتث يل برلان‪ ..‬ال ‪ -‬قد ركب اليهود موجتها‪،‬‬
‫ووجهوها ف النهاية لسابم الاص‪ ،‬وجعلوها جزء‪õ‬ا من مططهم الشرير )‪!(74‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ركب اليهود الثورة الفرنسية‪ ،‬ورفعوا عليها شعارهم الاسون‪ :‬الرية والخاء‬
‫وال ساواة‪ ،‬ووجهو ها الوجهة ا لت ير يدونا هم‪ ،‬بصرف الن ظر عن كونا تقق ‪ -‬أو ل‬
‫تقق ‪ -‬مصال الثوار أنفسهم!‬

‫كانت الثورة ف أصلها قائمة ضد رجال الدين لطغيانم وإذللم لكيان البشر‪،‬‬
‫سواء طغ يانم الرو حي أو ا لال أو العق لي‪ ..‬وم ساندتم ل ظال الق طاع ب كم أ نم هم‬
‫أنفسهم من كبار القطاعيي! وكان تطيم هذا الطغيان ضروريا‪ X‬لتنطلق الياة ف مسارها‬

‫‪ ()73‬قلنا ف الفصل السابق إن الاهليات ل تلو من جوانب خية‪ ،‬ولكن هذا الي الزئي فيها ل ينفي‬
‫عنها جاهليتها‪ ،‬ول يميها من الدمار‪.‬‬
‫‪ ()74‬راجع – إن شئت – فصل " الديقراطية " من كتاب " مذاهب فكرية معاصرة "‪.‬‬

‫)‪(86‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫الطبيعي‪ ،‬ولتتقدم الياة وتترقى حي تفك عنها الغلل الت فرضتها الكنيسة وقام على‬
‫حراستها رجال الدين‪.‬‬

‫وكانت فرصة سانة لتصحيح " الدين " بعد إزاحة رجاله الترفي من الطريق‪،‬‬
‫وهم الذين يأمرون الناس بالب وينسون أنفسهم‪ ،‬ويدعون الناس للزهد وهم غارقون ف‬
‫ترف فاجر يعف عنه الرجل العادي ولو كان من غي التديني!‬

‫ولكن اليهود ما كانوا يريدون للناس أن يصححوا دينهم! فهم على العكس من‬
‫ذلك يكرهون أن يكون للناس دين‪ ،‬فضل‪ X‬عن أن يكون هو الدين الصحيح‪ ،‬الذي يأمر‬
‫الناس بالعروف وينهاهم عن النكر ويرم عليهم الفساد ف الرض‪ .‬والدين عامة‪ ،‬والدين‬
‫الصحيح خاصة‪ ،‬عدوهم الول والكب‪ ،‬الذي يسعون إل إفساده وتدميه‪ ،‬لينهار الاجز‬
‫الكب الذي يول بينهم وبي تنفيذ مططاتم الشريرة من أول التاريخ إل آخر التاريخ!‬

‫لذلك أسرع اليهود بركوب موجة الثورة ليوجهوها حيث يريدون هم‪ ،‬وحيث‬
‫تقتضي " مصالهم "‪ ..‬فوجهوها ضد الدين ذاته ل ضد رجاله فحسب! وقامت ف أوربا‬
‫أول دولة علمانية ل تعل الدين قاعدة لياتا‪ ..‬وكانت خطوة " إل المام " ف تنفيذ‬
‫الخ طط ال شرير‪ ،‬ما كانوا ليحل موا با بالي سر ا لذي تت به ف ح‪ -‬م*ى ال ثورة‪ ،‬وال ناس‬
‫مندفعون ف حاسة النتقام‪ ،‬ل يلوون على أحد ول يبقون على شيء!‬

‫وأصبحت فرنسا من بعد نوذجا‪ X‬يتذى‪ ..‬وكسبت اليهودية معركة من معاركها‬


‫الاسة مع " الدين "!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ث جاءت الثورة الصناعية بطوفانا‪..‬‬

‫وقد أشرنا من قبل إشارة عابرة إل أن اليهود كانت لم " مصال " ف الثورة‬
‫الصناعية‪ ،‬دعتهم إل الشاركة ف تطيم القطاع‪ ،‬لتحرير عبيد الرض‪ ،‬وتوجيههم إل‬
‫العمل ف الدن ف الصانع‪.‬‬

‫)‪(87‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فالن نفصل هذه الشارة شيئا‪ X‬من التفصيل‪.‬‬

‫لقد كانت الصناعة ف حاجة إل تويل‪ ..‬وكان الال الوفي الذي يكن أن يو‪A‬ل‬
‫الصناعة ف يد فئتي رئيسيتي‪ :‬رجال القطاع‪ ،‬والرابي اليهود‪.‬‬

‫فأما رجال القطاع فقد رفضوا أن يدخلوا اليدان الديد لسباب عديدة‪ .‬منها‬
‫أنم " فلحون " وإن كانوا ل يعملون بأيدهم! والفلح ل يب أن يغامر باستخدام ماله‬
‫ف غي الدورة الزراعية الألوفة عنده‪ ،‬العلومة لديه بكل تفصيلتا‪ ،‬وكل خطواتا الرتيبة‬
‫الوروثة من آلف السني‪ .‬فإذا أضفنا إل ذلك أن كثيا‪ X‬من الصناعات ل يكن يربح ف‬
‫أول المر‪ ،‬بل كان كثي منها يسر ويفلس‪ ،‬لسوء الواصلت وقتئذ‪ ،‬وقلة إقبال الناس‬
‫على على الصنوعات اللية خوفا‪ X‬من مق البكة‪ ،‬وعدم وجود أدوات للعلن ترغب‬
‫الناس ف الشراء‪ ..‬وغي ذلك من السباب‪ ..‬إذا أضفنا هذه اللبسات فهمنا لاذا أحجم‬
‫القطاعيون عن التحول من الزراعة إل الصناعة‪ ،‬وبقوا يتفرجون على الثورة الصناعية من‬
‫بعيد‪.‬‬

‫وأ ما الرا بون الي هود ف قد أقب لوا ب صدور من شرحة وأ يد‪ p‬مدودة‪ ..‬ف قد كانت‬
‫بالنسبة إليهم فرصة مواتية‪ ،‬ل يغيون فيها شيئا‪ X‬من ديدنم الذي اعتادوا عليه‪ ،‬بل تتسع‬
‫دائرة أعمالم اتساعا‪ X‬هائل‪ X‬على نفس الور الذي يدورون حوله‪ ،‬وهو القراض بالربا!‬

‫إ نم ل ي شاركوا بأنف سهم ول بأموالم الا صة ) ف م بدأ ا لمر( إ نا ا شتركوا‬


‫بالتمويل ف صورة قروض ربوية يقرضونا للراغبي مقابل ضمانات‪ ،‬فأما القترض فهو‬
‫الذي يواجه الغامرة وحده‪ ..‬يكسب أو يسر‪ ،‬أو حت يفلس‪ ..‬وأما اليهودي فل يسر‬
‫شيئا! فبالضمانات الت أخذها على القترض يسترد أمواله كاملة‪ ،‬مضافا‪ X‬إليها الال الرام‬
‫ا لذي ين يه بالفوائد الربو ية‪ ..‬وذ لك ف ضل‪ X‬عن أن ا لال ا لذي أقر ضه ل ي كن ماله ف‬
‫القيقة! إنا هو مال الودعي الذين أودعوا عنده الال مقابل شيء من الربح‪ .‬فهو يقرضه‬
‫للمحتاجي‪ ،‬ويفرض عليهم ما شاء من الربا‪ ،‬فيعطي صاحب الوديعة جانبا‪ X‬منه ويضع‬
‫الباقي ف جيبه وهو القسم الكب‪ ،‬وهو ل يصنع شيئ‪X‬ا ف القيقة أكثر من نقل الال من‬
‫مكان إل مكان‪ ،‬وهو جالس آمن مستريح!‬

‫) ‪%‬وأ‪#‬خ‪4‬ذ)ه)م‪ -‬الر‪s‬با و‪%‬ق‪#‬د‪ 4‬ن‪-‬ه‪-‬وا ع‪%‬ن‪4‬ه‪ -‬و‪%‬أ‪#‬ك‪.‬ل)ه)م‪ 4‬أ‪#‬م‪4‬و‪%‬ال‪ #‬الن‪H‬اس) ب)ال‪.‬ب‪%‬اط)ل) و‪%‬أ‪#‬ع‪4‬ت‪%‬د‪4‬ن‪%‬ا ل)ل‪.‬ك‪#‬اف)ر)ين‬
‫م)ن‪4‬ه‪-‬م‪% 4‬عذ‪#‬ابا‪# W‬أل)يما(‪] .‬سورة النساء‪ ،‬الية ‪.[161‬‬

‫)‪(88‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫أقبل اليهود الرابون على تويل الثورة الصناعية كما قلنا بصدور منشرحة وأيد‬
‫مدودة‪ ،‬تسبا‪ X‬للرباح الضخمة الت سيدرها الربا الصناعي عليهم بعد أن كان الربا ف‬
‫ال يط ال فردي هو سندهم ا لكب‪ .‬وبالف عل ا نالت ا لموال وت ضخمت ال يوب و سعى‬
‫اليهود إ ل جع ا لذهب‪ ،‬مع بودهم ال قدي الت جدد )‪ ،(75‬و سيطروا من ث سيطرة وا سعة‬
‫ع لى ال ياة القت صادية ف ال غرب‪ ،‬ما أ تاح لم ال سيطرة ع لى و سائل ا لعلم العال ية‪،‬‬
‫وعلى السياسة العالية كذلك!‬

‫ولسنا هنا بصدد ذكر التفاصيل‪ ،‬بل نكتفي برءوس السائل الت توضح لنا أحوال‬
‫العال العاصر‪ ،‬ومن بينها ‪ -‬أو قل من أبرزها ‪ -‬السيطرة العالية لليهود‪.‬‬

‫ل قد ت ضخمت ثروا تم عن طر يق الر با ا لرم‪ ..‬و لا ت صايت الكني سة بأن الر با‬
‫حرام‪ ،‬صاح اليهود ف وجهها ‪ -‬ومعهم " الميون " الستحمرون الذين بدأوا يدورون‬
‫مغمضي العي ف دوامة اليهود ‪ -‬إن الصناعة ل تسي إل بذه الطريقة‪ ،‬وتلك مسألة‬
‫اقتصادية‪ ،‬ول علقة للدين بالقتصاد!‬

‫وأصبح من البديهيات ‪ -‬ف حس هؤلء " الميي " ‪ -‬أن الربا هو عماد الياة‬
‫القت صادية ا لذي ل ي كن أن ت سي بغ يه‪ ،‬ول يت صور أن ي كون له بديل! وأن من‬
‫يعترض على الربا ‪ -‬الذي هو أساس التقدم القتصادي كله ف وههم ‪ -‬فهو يريد أن‬
‫يعطل دورة النتاج‪ ،‬ويطم التقدم القتصادي‪ ،‬ويقعد بالناس عند حدود العصر الزراعي‬
‫ال تأخر‪ ،‬وير يد لنف سه وبلده الف قر‪ ..‬وذ لك فوق ارت كابه جرية أ صلية‪ ،‬هي انطل قه ف‬
‫تفكيه من منطلق " الدين "‪ ..‬الدين النبوذ الذي ثرنا عليه وحطمناه‪ ،‬وانفلتنا من أغلله‬
‫الائرة!!‬

‫وانفتحت لليهود ‪ -‬من خلل الثورة الصناعية ‪ -‬أبواب جديدة للشر‪ ،‬ل يتوانوا‬
‫ف استغللا‪ ،‬وقد اطمأنوا إل " الغفلة " الت وقع فيها الراس‪ ،‬حي ألقوا الدين جانبا‪ ،X‬بل‬
‫فروا منه فرار‪X‬ا )ك‪#‬أ‪#‬ن‪H‬ه‪-‬م‪ 4‬ح‪-‬م‪-‬ر= م‪-‬س‪4‬ت‪%‬ن‪4‬ف)ر‪%‬ة‪ ،I‬ف‪#‬ر‪H‬ت‪ 4‬م)ن‪ 4‬ق‪#‬س‪4‬و‪%‬ر‪%‬ة‪] .(p‬سورة الدثر‪ ،‬اليتان ‪- 50‬‬
‫‪.[51‬‬

‫سهل عليهم أول‪ W‬السيطرة على وسائل العلم‪ ،‬والصحافة بصفة خاصة‪.‬‬

‫‪ ()75‬عبد اليهود العجل الذهب الذي صنعه لم السامري‪ ،‬ث تاب من تاب منهم ف حينها‪ ،‬وبقيت‬
‫عبادة الذهب ل تبارح أجيالم التعاقبة!‬

‫)‪(89‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فالصحيفة تتكلف كثيا‪ X‬ف ورقها وطباعتها والجور الت تدفعها لتكوين مادتا‬
‫الصحفية سواء كانت إخبارية أو أدبية أو علمية أو ترفيهية‪ ..‬ال‪ .‬ولو بيعت بالسعر الذي‬
‫يغطي تكاليفها‪ ،‬ويوفر بعد ذلك ربا‪ X‬لصحابا‪ ،‬لغل ثنها وقل توزيعها وضعف أثرها‪.‬‬
‫إنا تستمد تأثيها الواسع من رخص ثنها‪ ،‬وقدرة جهور عريض من الناس على شرائها‬
‫وقراء تا‪ .‬وال باب الوح يد ا لذي يغ طي هذه النف قات‪ ،‬و يوفر ب عدها أربا حا‪ X‬طائ لة‪ ،‬هو‬
‫العلنات‪..‬‬

‫وأ̈يا كان الفكر الذي فكر ف هذا الباب‪ ،‬يهود̈يا أو أم̈يا‪ ،‬فقد أتاح للرأسالية ‪-‬‬
‫ا لت يديرها الي هود مبا شرة أو من طر يق غ ي مبا شر )‪ - (76‬أن ت سيطر ع لى ال صحافة‪،‬‬
‫وتيطها بأغلل ل قبل لا با‪ ..‬فإما أن " تستقيم " على الدرب الراد لا‪ ،‬وإما أن تنع‬
‫عنها العلنات فتسقط على الفور!‬

‫وف لعبة الديقراطية ‪ -‬الت انبثقت عن الثورة الفرنسية‪ ،‬والت يعجب الستعبدون‬
‫للغرب حي نقول إن اليهود لم فيها مآرب متعددة ‪ -‬ف تلك اللعبة تستخدم " الماهي‬
‫" أداة سياسية تنفذ عن طريقها مصال الرأسالية )‪ (77‬دون وعي من تلك " الماهي " الت‬
‫ل ت لك من الثقاا فة ول من ا لبة ول من ال قدرة ع لى التحل يل والت قوي ول من الن ظر‬
‫الثاقب ما تؤدي به الهمة القيقية النوطة با ‪ -‬نظر̈يا ‪ -‬ف الديقراطية‪ ،‬وهي " حكم‬
‫ال شعب بوا سطة ال شعب " أو " من ال شعب إ ل ال شعب بوا سطة ال شعب " ك ما ي عب‬
‫أصحاب الديقراط ية أحيا نا! ومن ث فع مادهم ا لول ف ت كوين أف كارهم ومواقفهم هو‬
‫وسائل العلم الختلفة‪ ،‬والصحافة ف أولا‪..‬‬

‫وإذ كان اليهود هم الذين يسيطرون على وسائل العلم بطريق مباشر أو غي‬
‫مباشر‪ ،‬فهم ‪ -‬من ث ‪ -‬الذين يصنعون فكر " الماهي " أو فكر ذلك الذي يسمونه "‬
‫ر جل ال شارع " ‪ -‬ع ماد الديقراط ية! ‪ -‬و هي ت سمية واقع ية جد‪X‬ا ودقي قة جدا‪ ..X‬ف هو‬
‫شخص ليس له موقف ذات‪ ،‬ول عقيدة تبصره بقائق المور‪ ..‬يأخذ فكره وموقفه من "‬
‫الشارع " الذي تصنعه وتسيطر عليه وسائل العلم‪..‬‬

‫وعن طريق لعبة " الماهي " تري لعبة " السياسة "‪ ..‬ويديرها اليهود!‬

‫‪ ()76‬عن طريق " البنوك " الت تقرض الؤسسات الصناعية قروض‪X‬ا ربوية‪.‬‬
‫‪ ()77‬راجع إن شئت فصل " الديقراطية " ف كتاب " مذاهب فكرية معاصرة "‪.‬‬

‫)‪(90‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫إن الديقراط ية ‪ -‬ك ما ق لت ف ك تاب " مذاهب فكر ية معا صرة " ‪ -‬م سرحية‬
‫جيلة‪ ،‬تتوهم الماهي من خللا أنا ذات وزن حقيقي‪ ،‬وأنا هي الت تسند هذا الزب‬
‫أو ذاك لي صل إ ل ال كم‪ .‬بين ما ا لحزاب كل ها ‪ -‬را ضية أو كار هة ‪ -‬تدور ف ر حى‬
‫الرأسالية‪ ،‬وتنفذ لا أغراضها‪ ،‬وتقق لا مصالها‪ ،‬ول يتلف حزب عن حزب إل ف‬
‫طريقة التنفيذ!‬

‫وليست " الماهي " وحدها بطبيعة الال هي الوسيلة الوحيدة الت يستخدمها‬
‫الي هود ل توجيه " لع بة السيا سة "‪ ،‬إ نا قد ت كون هي " أ شرف " الو سائل ال ستخدمة!‬
‫فالذهب ‪ -‬لشراء الضمائر ‪ -‬وسيلة‪ ،‬والنساء وسيلة‪ ،‬والتهديد الفي والعلن وسيلة‪،‬‬
‫واستغلل الشهوات الريضة ‪ -‬ومنها شهوة السلطة ‪ -‬وسيلة‪ ..‬وكلها ف النهاية خيوط‬
‫تسك با اليد الشريرة‪ ،‬لتحرك با سياسة الرض‪ ..‬أرض " الميي " الستغفلي!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫و من خلل ال ثورة ال صناعية انف تح باب كبي لل شر‪ ،‬أط لق عل يه ا سم " ق ضية‬
‫الرأة"!‬

‫وقد قصصت قصة هذه القضية ف أكثر من كتاب‪ ،‬ولكن ل بد هنا من تلخيصها‬
‫ف سطور لتكتمل ف ذهن القارئ صورة السيطرة الالية لليهود ف كل الرض‪ ..‬إل ما‬
‫رحم ربك‪..‬‬

‫ح ي " ترر " عب يد ا لرض بتحط يم الق طاع‪ ،‬واج تذبتهم ال ثورة ال صناعية إ ل‬
‫الدي نة‪ ،‬فر حوا ف م بدأ ا لمر بالر ية والنطلق‪ ،‬ولكن هم و جدوا أنف سهم ف عبود ية‬
‫جد يدة ل صحاب رؤوس ا لموال‪ ،‬ي شغ‪A‬لونم فوق طاقتهم‪ ،‬ويع طونم من ا لجور مال‬
‫ي قوم بأودهم‪ ،‬ف ضل‪ X‬عن أن يكو‪ A‬نوا به أ سرة‪ ،‬أو ينف قوا ع لى أ سرهم ا لت تركو ها ف‬
‫الريف‪ ،‬ومن ث وجدت نساء ف الريف بل عائل‪ ،‬ف متمع جاهلي ل يكم با أنزل ال‪،‬‬
‫وليس فيه ‪ -‬شرعا‪ - X‬من يكفل الراة ف جيع أحوالا‪ ،‬أما‪ X‬أو أختا‪ X‬أو بنتا‪ X‬أو زوجة )‪.(78‬‬

‫‪ ()78‬ف النظام الربان يوجد دائما‪ X‬كفيل يكفل الرأة ف جيع أحوالا لكي ل تتعرض لا تعرضت له الرأة‬
‫الوروبية " التحررة "! وحي ل يوجد كافل من أقربائها يكفلها بيت الال‪.‬‬

‫)‪(91‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وا ضطرت الرأة الترو كة بل عائل أن تقت في خ طى الر جل إ ل الدي نة‪ ،‬لتخصل‬
‫على لقمة العيش‪ ،‬وإل تعرضت لن توت جوعا!‬

‫وهناك استغلها الرجل الاهلي الوجود ف الدينة أسوأ استغلل‪ ،‬فشغ‪A‬لها نفس‬
‫ساعات العمل وأعطاها نصف الجر! فضل‪ W‬عن مساومتها على شرفها لتحصل على‬
‫العمل الذي يوصلها إل لقمة البز‪.‬‬

‫وصارت قضية! قضية الساواة بي الرأة والرجل ف الجر ما داما يشتغلن معا‬
‫ف نفس العمل ونفس القدر من الساعات‪.‬‬

‫وكان هذا مطلبا‪ X‬عادل‪ X‬ول شك‪ ،‬وإن كانت القضية كلها إفراز‪X‬ا جاهل̈يا ل يكن‬
‫أن ينب ثق من ن ظام ر بان يط بق شريعة ا ل‪ ،‬ف في ال شريعة الربان ية الن لة من ع ند العل يم‬
‫الكيم‪ ،‬يوجد دائما‪ X‬علج للزمات ل يؤدي إل الظلم‪ ،‬ول يؤدي إل فساد الخلق‪.‬‬

‫و ل ي ستجب الر جل ا لاهلي ل صراخ ا لرأة بط لب ال ساواة ف ا لجر‪ ،‬فان تدب‬


‫أن‪5‬ف” س–هم لا مامون يدافعون عن " ق ضية ا لرأة " من الك تاب والط باء وال صحفيي‬
‫وغي هم‪ ..‬بع ضهم ح سن الن ية بل شك‪ ،‬ل ير ضى ضميه بالظلم‪ ،‬وبعضهم يصطاد ف‬
‫الاء العكر‪ ..‬لمر يراد‪.‬‬

‫ون صحت ا لرأة أن الظ لم الوا قع علي ها سببه جهل ها وجلو سها ف بيت ها‪،‬‬
‫وخضوعها لقوامة الر جل‪ ،‬و عدم ا شتغالا بالقضايا العامة‪ ،‬و عدم مشاركتها ف أمور‬
‫التمع‪ ..‬فل بد من إزالة هذه السباب كلها لرفع ذلك الظلم‪.‬‬

‫وتو سعت الق ضية وت عددت أبعاد ها‪ ..‬و طولب لا ‪ -‬ع لى ال توال ‪ -‬بق ها ف‬
‫التعليم‪ ،‬وحقها ف وظائف الدولة‪ ،‬وحقها ف النتحاب‪ ،‬وحقها ف الترشيح للبلان‪،‬‬
‫وحقها ف " الولية " العامة‪.‬‬

‫ومن خلل التعليم ‪ -‬التعليم الامعي بصفة خاصة ‪ -‬ولدت قضية الحتلط‪.‬‬

‫)‪(92‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وسواء أكانت داخلة ف التخطيط ف أذهان الخططي من مبدأ المر أم جاءت‬


‫ف الطريق‪ ،‬فقد استغلها الخططون أسوأ استغلل مكن‪ ،‬وجعلوها الداة الكبى لفساد‬
‫التمع كله من أيسر سبيل!‬

‫الفساد هو الطلوب‪..‬‬

‫وقد تول متمع الثورة الصناعية إل طبقات ثلث‪ ،‬بعد أن كان التمع الزراعي‬
‫طبقتي اثنتي )‪ - (79‬فكان هناك طبقة الرأساليي )الطبقة الرستقراطية( وطبقة العمال‪،‬‬
‫وطب قة جد يدة تو لدت من ال ظروف الد يدة أط لق علي ها ا سم الطب قة الو سطى‪ ،‬تت كون‬
‫أساسا‪ X‬من أصحاب الرف وخريي الدارس والامعات وموظفي الدولة‪ ،‬الذين ل تصل‬
‫دخولم أن ترفعهم إل مستوى الرستقراطية‪ ،‬ول هم ف الوقت ذاته من الفقراء الكادحي‬
‫الذين يعملون بأيديهم‪.‬‬

‫وكان الطلوب هو إفساد الطبقات جيعا‪ ،W‬لفساد التمع كله‪..‬‬

‫فأ ما الطب قة الرأ سالية ‪ -‬ا لت ور ثت الق طاع ‪ -‬ف هي فا سدة ب كم ا لترف‬
‫والتر هل و سهولة ال صول ع لى ا لال ا لوفي‪ ،‬و قد أ عد الي هود لا ما يلزمها من ف نون‬
‫البغاء " الرستقراطي " الذي يصل معظم ماله ف النهاية إل جيوبم‪ ،‬كما أعدوا لا من‬
‫أدوات الترف والزينة و " الستمتاع "‪ ،‬ما يتص أموالم ويولا إل جيوب اليهود من‬
‫جهة ويتص آدميتهم من جهة أخرى‪ ،‬ويعلهم حيا‪ X‬طيعة لشعب الشيطان‪.‬‬

‫وأما طبقة العمال ‪ -‬الذين كانوا ف أصلهم فلحي مافظي شديدي الافظة ‪-‬‬
‫ف قد أف سدوا ف الدي نة بر مانم من فرص ا لزواج النظ يف من ج هة‪ ،‬لق لة أ جورهم‪،‬‬
‫وعجزهم عن إعالة أسرة ف الدينة الغالية التكاليف‪ ،‬وبتيسي البغاء الرخيص من جهة‬
‫أ خرى‪ ،‬من بي العاملت ال لوات سقطن ف حبائل الر جل الاهلي ليحصلن ع لى لقمة‬
‫العيش‪..‬‬

‫وبقيت الطبقة الوسطى‪ ،‬وهي أحد أعمدة " السياسة " ف لعبة الديقراطية‪ .‬ول‬
‫يكن بد من إفسادها هي الخرى لكي يتم للشيطان ما يريد‪.‬‬

‫‪ ()79‬ها طبقة رجال القطاع )ومعها رجال الدين( وطبقة الشعب‪.‬‬

‫)‪(93‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وو جد ال شيطان و سيلته ال سهلة الي سرة لف ساد هذه الطب قة ع لى م بدأ ال تدرج‬
‫البط يء الك يد الف عول‪ Slow but sure :‬و كانت ت لك الو سيلة الي سرة هي الختلط ف‬
‫معاهد التعليم‪ ،‬الذي يؤدي بدوره إل الختلط ف التمع الكبي‪.‬‬

‫وما بنا أن نعيد الكلم ف قصة الختلط فهي معروفة )‪ (80‬اختلط " بريء " ف‬
‫م بدأ ا لمر‪ ،‬ينق لب مع الز من إ ل ف ساد غ ي بر يء‪ ..‬وين ظر الت مع إ ل الف ساد بع ي‬
‫الستنكار ف مبدأ المر‪ ،‬وخاصة فساد الرأة‪ ،‬ولكن العصاب حي تتبلد‪ ،‬وتلحق الرأة‬
‫الرجل ف كل شيء‪ ،‬بدعوى " الساواة "‪ ،‬فإذا ت فساد الرجل وأصبح أمرا‪ X‬متعارفا‪ X‬عليه‪،‬‬
‫طالبت ا لرأة بق الف ساد مث له تت ع نواني متدر جة‪ ،‬ت بدأ بق ل غ بار عل يه‪ ،‬هو حق‬
‫اختيار الزوج‪ ،‬وتنتهي بق اختيار العشيق )‪ ،(81‬أو " حق الرأة ف أن تب نفسها لن‬
‫تشاء "‪ ..‬وتصبح " الخلق " الت كانت من قبل مبدأ متفقا‪ X‬عليه‪ ،‬أمرا‪ X‬مستهجنا‪ X‬من‬
‫الميع‪ ،‬ل ينادي به إل الرجعيون التزمتون‪ ،‬وتذهب صيحاتم ‪ -‬إن فكروا أن يصيحوا‬
‫‪ -‬أدراج الرياح!‬

‫و من خلل ق ضية " الختلط "‪ ،‬وق ضية " تر ير ا لرأة " وق ضية " ال ساواة "‪،‬‬
‫وق ضايا أ خرى ماث لة‪ ،‬انفت حت أ مام الخطط ي أ بواب كثية من ال شر‪ ،‬تولت و سائل‬
‫ا لعلم ‪ -‬ا لت يلكها اليهود ‪ -‬الترو يج لا‪ ،‬وا لدفاع عنها‪ ،‬وت قديها لل ناس ع لى أنا "‬
‫أخلقيات " العصر الصناعي " التطور "‪.‬‬

‫ول نر يد أن ن سبق ا لديث عن " ال ثورة الداروين ية " وا ستغلل الي هود لا ف‬
‫إفساد التمع الورب‪ ،‬فسيأت الكلم عنها بعد قليل‪ ،‬ولكنا نريد هنا فقط أن نثبت دور‬
‫و سائل ا لعلم ‪ -‬وال صحافة خا صة ‪ -‬ف الترو يج لبواب ال شر ا لت انبث قت عن‬
‫الختلط وترير الرأة‪ ،‬وتقديها للناس ل على أنا شرور وافدة‪ ،‬بل على أنا " تطور‬
‫حضاري " و" حسنات " ينبغي الرص عليها والستزادة منها!‬

‫‪ ()80‬إقرأ إن شئت عن هذه القصة فصل " دور اليهود ف إفساد أوربا " من كتاب " مذاهب فكرية‬
‫معاصرة "‪.‬‬
‫‪ ()81‬هذا هو الع ن القي قي من وراء ما ي سمونه " ال صداقة " و " ال صديق " و " ال صديقة "‪ ..‬ولف ظه‬
‫الصحيح ف اللغة هو " الخادنة " كما ف قوله تعال‪) :‬غ‪ã‬ي‪5‬ر– م‪-‬س–اف‪Æ‬ح‪Æ‬ي– و–ل م‪-‬ت*خ‪Æ‬ذ‪Æ‬ي ‪ã‬أخ‪5‬د–ان‡(‪ ] .‬سورة‬
‫الائدة‪ ،‬الية ‪.[ 5‬‬

‫)‪(94‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫‪Enjoy‬‬‫لقد تول التمع إل فتنة موارة‪ ..‬كل إنسان فيها يبحث عن " التاع "!‬
‫‪.yourself‬‬

‫والرغبة ف التاع الزائد عن الد كما أشرنا من قبل مياث كريه ورثته الاهلية‬
‫العاصرة من كلتا الاهليتي الغريقية والرومانية‪ ،‬والرومانية خاصة‪ ،‬ولكن اليهود عمقوا‬
‫هذه الرغبة لسابم الاص‪ ،‬حت حولوا التمع إل ماخور كبي يعج بالفساد‪ ،‬تفوح منه‬
‫رائحة الدنس النت‪ ،‬ومع ذلك تظل " الديدان البشرية " تسرح فيه وتروح‪ ،‬غي شاعرة‬
‫بالنت‪ ،‬بل مستعذبة إياه!‬

‫وكان لليهود مأربان مباشران على القل من هذا الدنس ال تول إليه التمع‬
‫الغرب‪.‬‬

‫ا لول تط يم حاجز " ا لخلق " و هو أ حد ا لواجز الواق ية للن سان من أن "‬
‫‪-‬ي س‪5‬ت–ح‪5‬مر " ويرك به الشيطان‪ .‬و كان تطي مه ‪ -‬بعد تطيم الدين ‪ -‬من أعز المان ا لت‬
‫يسعى إليها " شعب ال الختار "‪.‬‬

‫وال ثان ترويج " الز ياء " وأدوات الزي نة لل مرأة التب جة الت تر يد أن تتجمل‬
‫لتل فت أن ظار الر جل ال باحث عن الت عة‪ ،‬ليغر قا م عا‪ X‬ف ال تاع ا لدنس‪ ،‬و يذهب ا لال إ ل‬
‫اليهود‪ ،‬فهم أصحاب بيوت الزينة الكبى وبيوت الزياء!‬

‫ولكن الشر الذي نتج عن هذه الفتنة كان أوسع بكثي ما يطر على البال‬
‫لول وهلة‪.‬‬

‫فمن عادة الس البشري أن يتبلد على أنواع التاع الت يعتادها‪ ،‬فيبحث دائما‬
‫عن الديد‪.‬‬

‫وحي يكون النسان كما خلقه ال " ف أحسن تقوي " يكون مشغول‪ - X‬إل‬
‫جانب التاع السي ‪ -‬بقيم عليا تستنفد الطاقة الفائضة وتستعلي با إل آفاق رحبة‪،‬‬
‫تغن نفسه عن طلب التنويع ف متع الس القريبة‪ ،‬وتعله يقنع منها بالضرورات‪ .‬أما حي‬
‫ين سى قي مه العل يا‪ ،‬وي ستغرق ف م تاع ا لس‪ ،‬و يوجه إل يه هه ك له أو ج له‪ ،‬فإنه ي صبح‬

‫)‪(95‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫منهو ما‪ W‬ل ي شبع‪ ،‬وي تاج ف ا لوقت نف سه إ ل التنو يع ال ستمر ل يذهب عن نف سه ملل‬
‫التكرار!‬

‫وحي هبط اليهود بالميي إل هذا الدرك ‪ -‬أو ف القليل عمقوا فيهم ما كانوا‬
‫قد ورثوه من استعدادات ‪ -‬فقد أسرعوا يلبون " حاجتهم " إل التنويع‪ ..‬وهم الكاسبون‬
‫دائم‪X‬ا من وراء كل تنويع! وتول التمع ‪ -‬على أيديهم ‪ -‬إل ملهاة كبى‪ ،‬إل جانب‬
‫توله إ ل ماخور كبي‪ ..‬فإل جانب ج نون " ا لودة " )ج نون الز ياء( وج نون الزي نة‬
‫)التبج( أوجدوا جنون السينما وجنون التليفزيون‪ ،‬وجنون الفيديو‪ ،‬وجنون الكرة‪،‬‬
‫وجنون العري‪ ،‬ومسابقات المال‪ ..‬ومئات أخرى من فنون اللهو العابث الت ل تليق‬
‫بالبشر السوياء‪ ،‬ول ينغمس فيها " إنسان " يعي حقيقة إنسانيته‪ ،‬ويدرك غاية الوجود‬
‫البشري ف الرض‪.‬‬

‫و صحيح أن هؤلء ال قوم ي بذلون ف ساعات الع مل ج هدا‪ W‬جادا‪ W‬ل هزل ف يه‪،‬‬
‫وينتجون إنتاج© ضخما‪ X‬بذلك الهد‪ ،‬ولكن ل ينبغي أن يغيب عن بالنا أنه إنتاج مادي ف‬
‫معظ مه‪ ،‬ل يق يم ‪ -‬و حده ‪ -‬ح ضارة‪ ،‬ول ي لب ‪ -‬و حده ‪ -‬حا جات الن سان الفطر ية‪،‬‬
‫الكون من جسد وعقل وروح‪ ،‬لكل منها متطلباتا‪ ،‬ولكل منها غذاؤها الذي يب أن‬
‫يقدم لا لتنمو وترتقي‪.‬‬

‫ول يغيب عن بالنا كذلك أن الخططي الشرار ل مصلحة لم ‪ -‬حت الن ‪-‬‬
‫ف تدمي ذلك النتاج‪ ،‬ول تدمي الهد الاد الذي يبذل فيه‪ ،‬لن جزء‪õ‬ا كبيا‪ X‬من أرباحه‬
‫يدخل ف النهاية ف جيوبم‪ ،‬ولن جزء‪õ‬ا غي قليل منه ينفق ف إنتاج اللهيات الت يله‪A‬ون‬
‫با الميي!‬

‫إنا نن ننظر إل " النسان " ف النهاية‪ ..‬أين هو؟‬

‫يعمل ف جد صارم سحابة يومه ف النتاج الادي‪ ،‬وينفلت بعد ساعات العمل‬
‫إل اللهاة الكبى والاخور الكبي‪ ،‬فل هو يقق إنسانيته وهو يعمل ف الصباح كاللة‪،‬‬
‫ول هو يققها ح ي ينف لت إ ل اللهو والف جور ف الل يل أو ف أ يام العط لة‪ ..‬إنا هو ف‬
‫مموعه آلة حيوانية‪ ،‬أو حيوان آل‪ ..‬سهل التسخي للشعب الشرير!‬

‫)‪(96‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وكان من أعقاب تلك الفتنة كذلك تطيم السرة‪..‬‬

‫وال سرة هي الضن الطبيعي الذي أوجده ال ف الف طرة لتنشئة أطفال أسوياء‬
‫يع مر بم و جه ا لرض‪ .‬و هي ذات ت كاليف‪ :‬نف سية وع صبية ومال ية واجتماع ية‪ ..‬ول كن‬
‫الناس ي‪-‬ق‪Å‬ب‪Æ‬لون ‪ -‬بالفطرة ‪ -‬على أداء هذه التكاليف حي يكونون على فطرتم السوية‪،‬‬
‫لن ال الالق البدع أودع ذلك ف فطرتم‪.‬‬

‫أ ما ح ي تنت كس ت لك الف طرة‪ ،‬وي كون " ال ستمتاع " هو ه ها ا لكب‪ ،‬فإ نا‬
‫تستثقل هذه التكاليف لنا تد من الستمتاع أو تقلص حجمه‪ ،‬فينفر الناس من الزواج‬
‫والسرة ويفضلون عليها الدنس النت الذي يسمونه " الصداقة "‪ ..‬وحت إذا تزوجوا ‪-‬‬
‫بعد فترة غي قصية من الدنس واللهو ‪ -‬فإنه ل يكون ذلك الزواج الادئ الستقر الأنوس‬
‫الدافئ بالعواطف‪ ،‬الذي يتعلم فيه الطفل البشري معن بشريته )‪!(82‬‬

‫وبالنسبة للمرأة بالذات تكالبت عدة عوامل لتنفيها من البيت‪ ،‬ومن وظيفتها‬
‫الفطرية الت هيأها ال لا جسدا‪ X‬وقلبا‪ X‬وروحا‪ X‬وكيان‪X‬ا شامل‪ ..‬وكانت تلك العوامل إما من‬
‫تطيط الشعب الشرير‪ ،‬وإما ما استغله الشريرون لفساد البشرية‪.‬‬

‫لقد كان ما نفرها من البيت تعيي الاهلية لا ‪ -‬ف فترة الظلم الذي كان واقعا‬
‫عليها ‪ -‬بأنا قعيدة البيت‪ ،‬تمل وتلد وترضع‪ ،‬ول شأن لا ول دراية بالياة العامة الت‬
‫يتص با الرجل‪ .‬وكان رد الفعل ‪ -‬الاهلي ‪ -‬ف نفسها هو كراهية البيت والنفور من‬
‫البقاء فيه!‬

‫وكل الو ضعي إ فراز جاهلي م تل‪ ،‬سواء تعي ي الر جل لل مرأة بوظيفت ها‪ ،‬أو رد‬
‫الفعل النافر من الوظيفة الفطرية‪.‬‬

‫‪ ()82‬سبق أن أشرنا ف الفصل السابق إل منهج التربية الذي تارسه الاهلية العاصرة‪ ،‬وأنه يرج إنسانا‬
‫مدا‪ X‬عامل‪ X‬مثابرا‪ X‬جلدا‪ X‬ذا طبيعة عملية ورؤية واقعية‪ ..‬ال‪ .‬ولكنه يقف عند حدود الياة الدنيا فيختل‬
‫توازنه‪ ،‬ث يضاف إليه حرية اللهو والون وحرية اللاد فتفسد بشريته‪.‬‬

‫)‪(97‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وتصحيح الختلل الول ‪ -‬الذي أفرزته الاهلية ‪ -‬ل يكن يقتضي بالضرورة‬
‫إياد اختلل مقابل! ولكن هكذا تصنع الاهلية دائما‪ W‬ف غيبة النهج الربان‪ :‬تصحح‬
‫اختلل‪ X‬باختلل مقابل‪ ،‬وتنتقل من طرف إل الطرف الخر‪ ،‬دون أن تتوقف عند نقطة‬
‫الوسط الوزونة الت يتوازن عندها كيان النسان‪ .‬وييء دور اليهود دائما‪ X‬بتعميق اللل‬
‫الذي تفرزه الاهلية‪ ،‬وإبعاد الناس عن الرؤية الصحيحة والنهج الصحيح )‪ ،(83‬لئل يسترد‬
‫البشر بشريتهم‪ ،‬فيتمردوا على " شعب ال الختار "!‬

‫وكان من أدوات التعميق الت استخدمها الخططون " ترجيل الرأة " من خلل‬
‫مناهج التعليم‪ ،‬الت تعلم الرأة على منهج الرجل‪ ،‬العد أصل‪ X‬ليناسب احتياجاته ووظيفته‪،‬‬
‫ل احتيا جات ا لرأة ووظيفت ها‪ .‬و كذلك من خلل ت شغيل ا لرأة ف ج يع ا لالت ا لت‬
‫يعمل فيها الرجل بجة الساواة التامة ف كل شيء‪ .‬وحي تسترجل الرأة فإنا تصبح‬
‫مثله‪ ،‬ل تطيق البقاء ف البيت إل ريثما تستريح وتستعد لولة جديدة من العمل والنتاج‪.‬‬

‫و كان من أدوات التعم يق كذلك بث روح " الزما لة " ف أث ناء الدرا سة ‪-‬‬
‫والدرا سة الامع ية خا صة ‪ -‬ب ي ال فت والف تاة ع لى أ ساس ف كرة ال ساواة التا مة ف كل‬
‫شيء‪ .‬فإذا قضت سنوات الدراسة " زميلة " للفت " وصديقة له " أو " خدينة "‪ ..‬ث جاء‬
‫يتزوج ها ‪ -‬إن ع ن‪ A‬ل ما أن يتزو جا ‪ -‬فأي مفا جأة " سخيفة " يفاجئ ها با ح ي يط لب‬
‫منها ‪ -‬فجأة ‪ -‬أن يكون قيما‪ W‬عليها‪ ،‬وقد قضت معه تلك السنوات كلها بل قوامة؟!‬
‫وما الفرق بي ما كان من علقة بينهما )‪ ،(84‬وبي تلك العلقة الديدة الت يطلق عليها‬
‫اسم " الزواج "؟ كل! إنه ل قوامة للرجل عليها‪ ،‬ول ميل ف نفسها للبيت‪ ،‬إذا كان معن‬
‫البيت هو قوامة الرجل عليها!‬

‫ث إنا ل تكن زميلته ف الدراسة وصديقته وخدينته فحسب‪ ،‬بل إنا تتكسب‬
‫كذلك‪ ،‬وتنفق من كسبها على البيت " الشترك "‪ ..‬فليكن البيت الديث إذا‪ X‬بل قوامة‪،‬‬
‫وإل فل ضرورة للبيت على الطلق!‬

‫‪ ()83‬لا ك تب ألك سيس كار يل ك تابه ال يد " الن سان‪ ،‬ذ لك ال هول " و تدث ف يه عن أنو ثة ا لرأة‬
‫ووظيفتها الفطرية‪ ،‬قالت الاهلية عنه إنه منون!! ونبذت دعوته‪.‬‬
‫‪ ()84‬ل نقصد هنا علقة فرد معي من الرجال بفرد معي من النساء‪ .‬إنا نقصد علقة جنس الرجال‬
‫بنس النساء‪.‬‬

‫)‪(98‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وان صب ذ لك ك له ع لى ال سرة فحطم ها‪ .‬ون سب ا لمر إ ل ال ثورة ال صناعية!‬


‫والق أنه من نتاج الخطط الشرير!‬

‫وحي كسب اليهود معركتهم ضد " السرة " ‪ -‬وهي كالدين والخلق من‬
‫أ لد أ عدائهم‪ ،‬ل نا من ا لواجز ا لت ت نع ا ستحمار الب شر وت سخيهم ‪ -‬ام تد ال شر إ ل‬
‫جوانب جد يدة‪ ،‬ر با ل ت كن ف ذ هن الخطط ي من أول ا لمر‪ ،‬ولكن ها جاءت ف‬
‫الطريق‪..‬‬

‫ف ظاهرة ت شرد الط فال‪ ،‬وج نوح ال حداث‪ ،‬وانت شار ال خدرات ب ي الط فال‬
‫والراهقي‪ ،‬جاءت كلها نتيجة غياب " الم التفرغة " من البيت‪ ،‬وغياب سيطرة الب‬
‫على السرة )أي غياب قوامة الرجل( كما تقول دراساتم هم أنفسهم بعبارات مباشرة‬
‫أو ملفوفة‪ .‬فإذا أضيف إليها تزايد ظاهرة الشذوذ ‪ -‬وهي إفراز جاهلي تتسبب فيه عدة‬
‫عوامل‪ ،‬من أبرزها ترجيل الرأة وإلغاء قوامة الرجل وتييع رجولته )‪ - (85‬فقد ارتسمت‬
‫صورة كئيبة للمجتمع‪ ،‬مآلا التمي إل الدمار!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وليس الصغار وحدهم بطبيعة الال هم الذي أصابم ما أصابم بسبب تفكك‬
‫السرة‪ ،‬وفقدان السكن والسكينة الت من‪ A‬ال با على عباده‪:‬‬

‫) ‪%‬وم)ن‪ 4‬آي‪%‬ات)ه) أ‪#‬ن‪ .‬خ‪%‬ل‪#‬ق‪# %‬لك‪/‬م‪ 4‬م)ن‪# 4‬أن‪4‬ف‪/‬س)ك‪/‬م‪ 4‬أ‪#‬ز‪4‬و‪%‬اجا‪) W‬لت‪%‬س‪4‬ك‪/‬ن‪-‬وا )إل‪#‬ي‪4‬ه‪%‬ا و‪%‬ج‪%‬ع‪%‬ل‪ #‬ب‪%‬ي‪4‬ن‪/ %‬كم‪ 4‬م‪%‬و‪%‬د‪H‬ة‬
‫و‪%‬ر‪%‬ح‪4‬م‪%‬ة‪ W‬إ)ن‪ X‬ف)ي ذ‪#‬ل)ك‪ %‬ل‪#‬آيات‪) p‬لق‪#‬و‪4‬م‪ p‬ي‪%‬ت‪%‬ف‪#‬ك‪X‬ر‪-‬ون( ]سورة الروم‪ ،‬الية ‪.[21‬‬

‫فا لالت ا لت أ شرنا إلي ها ف الفصل ال سابق‪ :‬حالت الق لق والنت حار وال نون‬
‫المراض النفسية والعصبية‪ ،‬والمر والخدرات والرية‪ ،‬الت تؤكد إحصاءاتم أنا تتزايد‬
‫باستمرار‪ ،‬هي ن تاج مشترك لعدة عوامل ف و قت وا حد‪ ،‬ولكنها م تأثرة اب تداء بفقدان‬
‫ال سكينة ف دا خل ال سرة‪ ،‬وال شقاء ا لذي ي سه الر جل وا لرأة كل ها سواء بق يا ف‬
‫عل قات " حرة " بغ ي زواج‪ ،‬أو تزو جا ودارت بينه ما ال عارك الف ية أو العل نة ع لى "‬

‫‪ ()85‬من العوامل الخرى الترف والترهل والرغبة ف " التنويع "‪ ..‬ولكن العامل الرئيسي هو ترجيل الرأة‬
‫واستئناث الرجل‪.‬‬

‫)‪(99‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫السيادة "‪ ،‬أو تزوجا وأحسا باللل ف بيت الزوجية بعد الياة الصاخبة الت عاشها كل‬
‫منهما وهو " يستمتع " بل حدود‪ ،‬فيحن كل منهما إل هجر البيت والعودة إل حياة‬
‫التاع! )‪.(86‬‬

‫ول تكت مل صورة الف ساد ا لذي ب ثه الخط طون ال شرار دون أن ن ضيف إل يه‬
‫عامل‪ X‬قد يبدو اقتصاديا‪ X‬بتا‪ X‬ف ظاهر المر‪ ،‬ولكنه ‪ -‬ككل شيء ‪ -‬اقتصادي اجتماعي‬
‫أخلقي نفسي فكري ف ذات الوقت!‬

‫ذ لك هو ال بوط ال ستمر ف أ سعار العم لة والغلء التزا يد ف أ سعار ال شياء‪،‬‬


‫والتزايد الستمر ف الشياء الت تبدأ كماليات‪ ،‬ث تتحول مع الزمن إل ضروريات‪.‬‬

‫إن هذا ل يدث بصورة تلقائية‪ ..‬إنا هو مطط‪ ..‬ومطط على يد الشرار! ولم‬
‫فيه مآرب شت!‬

‫فمن مآربم شغل الناس مشغلة دائمة بأمور الياة اليومية‪ ،‬وبالانب الادي من‬
‫حياتم بصفة خاصة بيث ل يفيقون من الدوامة‪ ،‬ول يتنبهون لا يري حولم ول ما يراد‬
‫بم‪ " ،‬فالغفلة " هي الالة الطلوبة ف الميي‪ ،‬لكي ينفذ " شعب ال الختار " مططه‬
‫و هو آ من‪ .‬و جزء من الغف لة الطلو بة ي تم ف الا نات وا لواخي وع لب الل يل وو سائل "‬
‫ا لترفيه " وو سائل الل هو ال عابث‪ ،‬و جزء آ خر ي تم ف ساعات " اليق ظة "! ح ي ت صحو‬
‫ع قولم فتف كر‪ ،‬في شغلونا بالتفكي ف م طالب ال ياة وغلء ال سعار وان فاض ال قوة‬
‫الشرائية للعملة‪ ،‬والبحث الدائم عن موارد جديدة لزيادة الدخل‪ ..‬فإذا ارتفع الدخل‬
‫‪ -‬مع الكد التواصل ‪ -‬التهمت الزيادة‪ ã‬مستحدثات‪ Y‬جديدة ما ينل ف السوق‪ ،‬ما يبدو‬
‫كمال̈يا ف مبدأ المر ث يتحول إل أمر ضروري! ويعمل " العلن " عمله ف إغراء الناس‬
‫بالشراء‪ ،‬وإيهامهم أن راحتهم لن تتم حت يشتروا هذا أو ذاك‪:‬‬

‫والنفس راغبة إذا رغ‪m‬بتها وإذا ترد إل قليل تقنع!‬

‫والقناعة ف الميي ليست من مصلحة الشعب الختار‪ ..‬لذلك ل بد من الترغيب‬


‫الذي يصل إل درجة الم القعد القيم!‬

‫‪ ()86‬اقرأ وصفا‪ X‬دقيقا‪ X‬لذه الحوال ف كتاب " مباهج الفلسفة " للكاتب المريكي " ول ديورانت "‬
‫ص ‪ – 126‬ص ‪ 236‬من الترجة العربية‪.‬‬

‫)‪(100‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ومن مآربم كذلك تشغيل الرأة لكي تنصرف عن السرة والبيت!‬

‫فإنه كلما ارتفعت تكاليف الياة أصبح دخل الرجل وحده غي كاف‡‪ ،‬وأصبح‬
‫من الضروري أن تعاونه الرأة لسد العجز‪ .‬فكيف تستطيع معاونته إل بالعمل؟!‬

‫وهكذا يبدو عمل الرأة " ضرورة "! ويبدو عدم قيامها لذه الضرورة نكول‪ X‬عن‬
‫واجب!! ويتجه بث الرجل ‪ -‬حي يريد أن يتزوج ‪ -‬إل الرأة العاملة ذات الدخل‪،‬‬
‫ومن جانبها تد فرصة الزواج أيسر حي تكون عاملة! فإن ل تكن عاملة فقد ل تد‬
‫الزوج أبدا‪ ..‬وعندئذ يتعي عليها أن تعمل لكي تعيش‪ ،‬لنه ل عائل لا ول كفيل!‬

‫وح ي تع مل الرأة‪ ،‬ويصبح عملها ف نظر ها ون ظر الت مع ك له ضرورة‪ ،‬تنف تح‬


‫أبواب الشر الت ألنا إليها من قبل‪ .‬تترك التفرغ للمومة ورعاية النشء‪ ،‬فيتشرد الطفال‬
‫نف س̈يا مهما أغدق عليهم من الال‪ ،‬ومهما وضعوا ف الاضن للرعاية نيابة عن الم )‪،(87‬‬
‫وينفق مزيد من الال لشراء الدوات الت تعوض عدم وجود الم العاملة ف البيت‪ ،‬وقد‬
‫كان وجودها ف البيت قمينا‪ X‬أن يوفر جانبا‪ X‬من هذا الال‪ ،‬كما ينفق جانب منه ف أدوات‬
‫الزينة وشراء اللبس التمشية مع " الودة "‪ ،‬وهي دائمة التغي‪ ،‬بجة أن الرأة تشتري من‬
‫كد‪A‬ها ا لاص‪ ،‬ف من حق ها أن ت شتري ك ما ت شاء‪ ..‬فين فق ا لال‪ ،‬وت تبج ا لرأة‪ ،‬وير بح‬
‫اليهود!‬

‫وإذا كان هذا ال قدر ك له من ال شر قد " ك سبه " الي هود من ا ستغلل ال ثورة‬
‫الصناعية‪ ،‬فنحن ل نتحدث بعد عن " مكاسبهم " من استغلل " الثورة الداروينية "!‬

‫وإذا كانت الر كة ال صناعية قد سيت " ثورة " ب سبب ع نف التغي يات ا لت‬
‫أحدثتها ف حياة البشر‪ ،‬وهي ل تسفك دما‪ X‬ول تطلق طلقة‪ ،‬فأحرى بالنظرية الداروينية‬
‫أن تسمى ثورة كذلك‪ ،‬لن آثارها ف الفكر الورب والياة الوربية أشد من أي ثورة‬
‫حقيقية با ف ذلك الثورة الفرنسية‪.‬‬

‫بل إن أعنف ثورة ف التاريخ الديث ‪ -‬وهي الثورة الشيوعية ف روسيا ‪ -‬إن‬
‫هي إل وا حدة من آ ثار ال ثورة الداروين ية ب عد أن ا ستغلها الي هود‪ ،‬و صنعوا من ها مادة‬
‫متفجرة قادرة على تطيم كل شيء‪.‬‬

‫‪ ()87‬اقرأ ف هذ االشأن كتاب " أطفال بل أسر " من تأليف أن‪A‬ا فرويد‪.‬‬

‫)‪(101‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ول قد تدثنا ف غ ي هذا الك تاب عن الداروين ية وإياءا تا وآثار ها‪ ،‬وا ستغلل‬
‫اليهود لا )‪ ،(88‬ولكنا مضطرون إل ذكرها هنا مرة أخرى ملخصة‪ ،‬لكي ل نشغل القارئ‬
‫عن متابعة البحث الاضر بإرجاعه إل بث آخر سابق‪.‬‬

‫ن شر دارون نظري ته ف الن صف ال ثان من ال قرن التا سع ع شر‪ ،‬وخل صتها أن‬
‫الكائنات الية تدرجت من الكائن الوحيد اللية إل النسان‪ ،‬عب مراحل " تطورية "‬
‫مت عددة‪ ،‬ف كانت ط حالب ث نبا تات‪ ،‬ث نبا تات شبيهة باليوان )كال يدرا( ث حيوا نات‬
‫شبيهة بالنبات كالرجان‪ ،‬ث حيوانات ل فقارية )كالديدان والشرات( ث فقاريات دنيا‬
‫)كالساك والطيور والزواحف( ث ثدييات دنيا ث ثدييات عليا‪ ،‬ث قردة‪ ،‬ث قردة عليا‪ ،‬ث‬
‫تأت حلقة مفقودة )هي النسان القرد( ث ييء النسان‪..‬‬

‫وتشتمل النظرية ‪ -‬وهي ف القيقة مرد فرض ل يرتق لن يكون نظرية ‪ -‬على‬
‫ممو عة من ال قررات‪ ،‬كالقول بأن " الطبي عة " ت لق كل شيء ول حد ل قدرتا ع لى‬
‫اللق‪ ،‬وأنا مع ذلك تبط خبط عشواء‪ ،‬وأن خلق اللية الية من الماد ت بطريق "‬
‫اللق الذات " دون تدخل من الرادة اللية‪ ،‬وأن التطور يهدف دائما‪ X‬إل ترقية الكائن‬
‫الي‪ ،‬وأن الياة كلها صراع بي الكائنات‪ ،‬وأن البقاء ف هذا الصراع للصلح‪ ،‬بعن‬
‫الن سب لل ظروف القائ مة من حوله‪ ،‬أي ل لبيئة الاد ية ا لت ت قرر و حدها شكل الت طور‬
‫وحجمه ووجهته‪ ،‬بطريقة حتمية ل إرادة فيها للكائن الي‪.‬‬

‫وما بنا هنا أن نناقش شيئا‪ X‬من مقررات النظرية ول حت إياءاتا‪ .‬إنا نن هنا‬
‫معنيون بشيء واحد‪ :‬هو استغلل اليهود لذه النظرية على نطاق واسع لتنفيذ مططاتم‬
‫الاصة‪.‬‬

‫تقول البوتوكولت‪ " :‬نن رتبنا ناح دارون ونيتشه‪ .‬وإن تأثي أفكارها على‬
‫عقائد الميي واضح لنا بكل تأكيد " )‪.(89‬‬

‫وبصرف النظر عن مدى حجية كتاب البوتوكولت من الناحية الوثائقية‪ ،‬وهل‬


‫هو بالفعل يتوي على أقوال اليهود بنصها‪ ،‬أم إنه ترجة لفكار اليهود ومططاتم كتبها‬

‫‪ ()88‬راجع إن شئت كتاب " مذاهب فكرية معاصرة " فصل " دور اليهود ف إفساد أوربا "‪.‬‬
‫‪ ()89‬البوتوكول رقم )‪ (2‬من بروتوكولت حكماء صهيون‪ .‬راجع الترجة العربية لمد خليفة التونسي‬
‫ص ‪.113‬‬

‫)‪(102‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫أحد العالي بأحوالم ونسبها إليهم‪ ..‬بصرف النظر عن ذلك فنحن نعتبه معب‪A‬را‪ X‬بصدق‬
‫عن الخططات اليهودية‪ ،‬لن كل ما جاء فيه بلسان الستقبل‪ :‬سنفعل كذاو نفعل كذا‪،‬‬
‫)‪(90‬‬
‫قد فعلوه بالفعل وت تنفيذه!‬

‫قالوا‪ :‬سننشر اللاد‪ ،‬ونشروه‪ .‬وقالوا‪ :‬سننشر الفساد اللقي ونشروه‪ .‬وقالوا‬
‫سنستول على الصحافة العالية ونوجهها كما نشاء وفعلوا‪ ..‬ال‪.‬‬

‫و من ه نا نن ظر إ ل تروي هم لف كار دارون ع لى أ نه حقي قة‪ .‬ويك في أن ت كون‬


‫نظريته تدرس ف كل بلد العال ل على أنا فرض علمي ‪ -‬كما هي ف القيقة ‪ -‬ول‬
‫حت على أنا نظرية تتمل الطأ والصواب‪ ،‬ولكن على أنا حقيقة علمية‪ ،‬على الرغم من‬
‫كل الراء العارضة لا على ألسنة علماء متخصصي ف علوم الياة!‬

‫لقد وجد فيها اليهود سندا‪ X‬ضخما‪ X‬لكل ما يريدون تقيقه من الشر!‬

‫ووجدوا فيها ‪ -‬ببساطة ‪ -‬سندا‪ X‬لتثبيت كل ما أحدثوا من الفساد ف التمع‬


‫الورب‪ ،‬ل على أنه " فساد " ولكنه على أنه " تطور "! تطور " حتمي " كان ل بد أن‬
‫يقع‪ ،‬ول قبل لحد بوقفه أو تغيي وجهته!‬

‫كما وجدوا فيها ‪ -‬بنفس البساطة ‪ -‬سندا‪ X‬لكل ما يكن أن يدثوه من الفساد‬
‫ف الستقبل‪ ،‬على نفس القاعدة‪ :‬أنه تطور حتمي!‬

‫ول شك أنا عملية بارعة‪ ..‬ولكنها براعة شريرة!‬

‫ما يتندر به أن رجل‪ X‬جاء يعرض على أحد اللفاء العباسيي لعبة بارعة‪ ،‬أن يثبت‬
‫إبرة ف الرض‪ ،‬ث يرمي وهو واقف إبرة أخرى فيدخل سنها ف فتحة البرة الثبتة ف‬
‫الرض‪ ،‬ث يرمي أخرى وثانية وثالثة حت الائة‪ ،‬كل إبرة تدخل ف فتحة سابقتها! فلما‬
‫قام بالتجربة بنجاح أمر له الليفة بائة دينار ومائة جلدة! فلما سأل مفزوعا‪ X‬عن السبب‪،‬‬
‫قال له‪ :‬مائة دينار لباعتك‪ ،‬ومائة جلدة لستخدام هذه الباعة فيما ل طائل وراءه!‬

‫‪ ()90‬صدرت أول طبعة من البوتوكولت سنة ‪ 1902‬م وكل ما جاء فيها بصيغة الستقبل ت تنفيذه‬
‫خلل السنوات التالية‪.‬‬

‫)‪(103‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فإذا كان ذلك الرجل قد استحق مائة جلدة على استخدام براعته ف أمر ل طائل‬
‫وراءه ولكن ل ضرر منه‪ ..‬فكم جلدة يستحق اليهود على استخدام براعتهم ف نشر‬
‫الشر وتثبيته على أوسع نطاق ف الرض؟!‬

‫لقد برز ثل ثة من " ع باقرتم " كل وا حد ينهش نشة من الداروين ية وي كون‬


‫منها ف مال بثه نظرية خاصة‪ ،‬والنظريات الثلث كلها موجهة لدم الدين والخلق‪،‬‬
‫والتقاليد الستمدة من الدين‪ ،‬العداء الثلثة اللداء لشعب ال الختار!‬

‫ماركس‪ ..‬وفرويد‪ ..‬ودوركاي‪..‬‬

‫الول أحدث نظرية اقتصادية اجتماعية سياسية فلسفية هي الادية الدلية الت‬
‫انبثق عنها التفسي الادي للتاريخ‪ ،‬وانبثقت عنها الشيوعية‪.‬‬

‫والثان أحدث نظرية نفسية يكن أن نطلق عليها‪ " :‬التفسي النسي للسلوك‬
‫البشري "‪.‬‬

‫والثالث أحدث نظرية ف علم الجتماع أبرز ما فيها " العقل المعي " الذي‬
‫يرك الفراد من خارج كيانم بصورة حتمية‪ ،‬والذي هو ف الوقت ذاته دائم التقلب ل‬
‫يثبت على حال‪.‬‬

‫ولن نناقش هنا نظرياتم‪ ،‬فقد ناقشناها ف كتب أخرى )‪.(91‬‬

‫إ نا نتزئ ه نا بنق طة وا حدة معي نة ت م‪A‬ع علي ها " الع باقرة " الثل ثة‪ ،‬ك ل÷ من‬
‫موقعه‪ ،‬كأنه مدفع ية ضاربة‪ ،‬يدق ت لك القلع الثلث‪ :‬ا لدين‪ ،‬وا لخلق‪ ،‬والتقال يد‬
‫الستمدة من الدين‪.‬‬

‫قال فرويد إن الطاقة اليوية ف النسان هي طاقة جنسية بصفة رئيسية‪ ،‬تولد مع‬
‫الط فل‪ ،‬في ضع ب لذة جن سية‪ ،‬و يص إ بامه ب لذة جن سية‪ ،‬و يرك أع ضاءه ب لذة جن سية‪،‬‬
‫ويتبول ويتبز بلذة جنسية‪ ،‬ويس الولد ‪ -‬الذكر ‪ -‬بعشق جنسي نو الم‪ ،‬ث " يكبته "‬

‫‪ ()91‬انظر إن شئت كتاب " مذاهب فكرية معاصرة " فصل " دور اليهود ف إفساد أوربا " أو كتاب "‬
‫جاهلية القرن العشرين " فصل " اليهود الثلثة "‪.‬‬

‫)‪(104‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫بسبب الوف من الب‪ ،‬فتنشأ ف نفسه " عقدة " تسمى عقدة أوديب‪ ،‬هي منشأ الدين‬
‫والخلق والتقاليد‪ ،‬ومنشأ الضمي )وتقابلها عقدة " إليكترا " عند الطفلة( )‪ (92‬وأن هذه‬
‫الع قدة ت سبب ع ند الراهق ي وال شباب أمرا ضا‪ X‬نف سية وع صبية من شؤها الك بت الن سي‪،‬‬
‫وعلجها النفلت من قيود الدين والخلق والتقاليد والضمي!‬

‫وا لدف وا ضح من هذه " النظر ية " ا لت ل تعت مد ع لى أ ساس عل مي ع لى‬


‫الطلق! فإن ل يكن الدف واضحا‪ X‬فلنرجع إل البوتوكولت!‬

‫يقول البوتوكول الرابع‪ :‬إن فرويد منا‪ ،‬وسيظل يعرض أمور النس ف وضح‬
‫الشمس حت ل يجل الشباب من نشاطه النسي‪.‬‬

‫مفهوم‪..‬؟‬

‫وهنا قد يقول قائل " رجعي " إن هذا فساد ل يليق بالكائن النسان‪..‬‬

‫ع ندئذ ي سرع إل يه ماركس في قول‪ :‬إن هذا ل يس ف سادا‪ X‬ولك نه ت طور‪ ..‬ت طور‬
‫حتمي!‬

‫ويز يد ا لمر شرحا‪ X‬في قول‪ :‬إن " الب ناء ال فوقي " من ع قائد وأف كار ون ظم‬
‫ومؤس سات إن هو إل انع كاس لل طور ا لادي ا لذي ي كون ف يه الن سان‪ .‬وال طور ا لادي‬
‫يت طور ب صورة حتم ية‪ ،‬و من ث يتغ ي الب ناء ال فوقي تب عا‪ X‬لذلك‪ .‬فتتغ ي الع قائد والف كار‬
‫والخلقيات والتقاليد ويستبدل با غيها ما يكون مناسبا‪ X‬للطور الديد‪ .‬ول يكن من‬
‫ث أن يكون هناك ثبات ف العقائد ول الفكار ول الخلق‪.‬‬

‫ث يركز على أخلقيات النس بالذات‪ ،‬فيقول إن العصر الزراعي ‪ -‬التأخر ‪-‬‬
‫كانت ق ضية الع فة ف يه ذات شأن كبي‪ ،‬لنه كان ع صر سيطرة الر جل‪ ،‬بو صفه هو‬
‫التكسب الذي ينفق‪ .‬أما الن فقد تررت الرأة اقتصاديا‪ X‬ففقدت قضية العفة قيمتها الت‬
‫كانت لا ف العصر الزراعي‪ ،‬إذ ل يصبح للرجل سيطرة على الرأة‪ ،‬وأصبح من حقها ‪-‬‬

‫‪ ()92‬عقدة عشق الب‪.‬‬

‫)‪(105‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ب عد الت حرر القت صادي ‪ -‬أن تب نف سها لن ت شاء‪ ..‬فن شأت " أخلق يات " جد يدة‬
‫)‪(93‬‬
‫تناسب العصر الصناعي التطور‪ ..‬قائمة على " العلقات الرة " بي الرجل والرأة!‬

‫أرأيت‪..‬؟!‬

‫ث يأت دوركاي فيساند القضية من جانب آخر‪.‬‬

‫يقول ف كتابه " قواعد النهج ف علم الجتماع "‪ " :‬ومن هذا القبيل )أي من‬
‫قب يل تف سي ال سلوك الب شري بأنه ف طري( أن ب عض العل ماء ي قول بو جود عاط فة دين ية‬
‫فطرية لدى النسان‪ ،‬وبأن هذا الخي مزود بد أدن من الغية النسية والب بالوالدين‬
‫وم بة الب ناء‪ ،‬وغ ي ذ لك من العوا طف‪ .‬و قد أراد بع ضهم تف سي ن شأة كل من ا لدين‬
‫وا لزواج والسرة على هذا النحو‪ .‬ولكن التاريخ يوقف نا ع لى أن هذه النعات ليست‬
‫فطرية ف النسان " )‪!!(94‬‬

‫وهكذا تلتقي النظريات الثلث وتتساند‪ ..‬تلتقي كلها عند ضرب العداء اللداء‬
‫للمخ طط الي هودي‪ :‬ا لدين‪ ،‬وا لخلق‪ ،‬والتقال يد ال ستمدة من ا لدين‪ ،‬و هي ت شمل في ما‬
‫تشمل‪ :‬الزواج والسرة وأخلقيات النس!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫لقد كان استغلل اليهود لقضية التطور‪ ،‬وقضية التفسي اليوان للنسان‪ ،‬الذي‬
‫تضمنته نظرية دارون‪ ،‬بارعا‪ W‬إل أقصى حد‪ ،‬وماكرا‪ W‬كذلك إل أقصى حد‪.‬‬

‫لقد استغلوا كلتا القضيتي ف هدم كل العان " النسانية "‪ ،‬وهدم كل القيم "‬
‫الثابتة " ف حياة البشرية‪ ،‬كما استغلوها ف تثبيت الواقع الفاسد الذي أحدثوه من خلل‬
‫ال ثورة ال صناعية‪ ،‬و سنده بنظر يات " علم ية " ل تع له مست ساغا‪ X‬فح سب‪ ،‬بل تع له هو‬

‫‪ ()93‬راجع فصل " الشيوعية " من كتاب " مذاهب فكرية معاصرة "‪.‬‬
‫‪ ()94‬إم يل دور كاي‪ ،‬قوا عد الن هج ف ع لم الجت ماع‪ ،‬تر جة ا لدكتور م مود قا سم ومراج عة ا لدكتور‬
‫السيد ممد بدوي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية ص ‪.3‬‬

‫)‪(106‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫الشيء الواجب الوجود‪ ،‬وغيه ‪ -‬ما يمل شيئا‪ X‬من القيم النسانية أو الخلقية ‪ -‬أمرا‬
‫مستنكرا‪ ،X‬رجع̈يا‪ ،‬واجب الزوال!!‬

‫أي براعة ف الشر! وأي غفلة من جانب الميي؟!‬

‫وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬فكيف بك إذا أصبح العروف منكرا‬
‫والنكر معروفا‪W‬؟! " )‪.(95‬‬

‫لقد كان الفكر الكنسي السائد ف أوربا من قبل ييل إل تثبيت كل شيء‪ :‬القيم‬
‫والنظم والخلق والتقاليد والوضاع السياسية والجتماعية والقتصادية والفكرية‪ .‬وكان‬
‫هذا خطأ ول شك‪ .‬ففي الياة دائما‪ X‬ثواتب ومتغيات‪ .‬أو قل إن شئت أصول ثابتة تدور‬
‫حولا صور متغية )‪.(96‬‬

‫وجاء اليهود ‪ -‬مستغلي الفكر الداروين ‪ -‬لينقلوا كل شيء على الط التغي‪..‬‬
‫ل الصور وحدها‪ ،‬ولكن الصول كذلك‪ .‬وكان هذا خطأ أخطر من الول‪ ..‬ففي الول‬
‫–تج‪5‬م‪-‬د‪ -‬الياة وتأ‪Å‬س©ن ولكنها ف الثان ‪ -‬حي تفقد أصولا الثابتة ‪ -‬تنهار! وهل ف أمان‬
‫الشعب الختار أمنية أعز‪ A‬من هدم حياة الميي من أساسها‪ ،‬وهدم إنسانيتهم الت تقف‬
‫حاجزا‪ X‬أمام الستحمار؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫بذه الو سائل متم عة‪ ..‬با ستغلل ال ثورات الثلث‪ :‬ال ثورة الفرن سية‪ ،‬وال ثورة‬
‫الصناعية‪ ،‬والثورة الداروينية‪ ،‬سيطر اليهود سيطرتم العالية الت يارسونا اليوم‪.‬‬

‫فأ ما ال سيطرة العال ية فوا قع م شهود‪ .‬ف هم ا لذين ي قررون من ي فوز برئا سة‬
‫الوليات التحدة‪ ،‬وهم الذين يدفعون أعضاء اللجنة الركزية العليا ف الزب الشيوعي‬

‫‪ ()95‬رواه أبو يعلى الوصلي ف مسنده ‪ – 6389‬ج ‪ 6‬ص ‪.50‬‬


‫‪ ()96‬إ قرأ إن شئت ف صل " ال ثابت والت طور ف ح ياة الب شرية " من ك تاب " حول التف سي ال سلمي‬
‫للتاريخ "‪.‬‬

‫)‪(107‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫الرو سي إ ل ال سلطة‪ .‬و من خلل أمري كا ورو سيا ي كم الي هود ا لرض‪ .‬هذا ف عال‬
‫السياسة‪.‬‬

‫أ ما ف عال القت صاد ف هم أ صحاب رءوس ا لموال ال ضخمة‪ ،‬و هم أ صحاب‬


‫الب نوك ال كبى‪ ،‬و هم ا لذين ف حوزتم ا لذهب ا لذي يتحك مون به ف أ سعار العملت‬
‫العالية‪.‬‬

‫و ف دن يا ا لعلم هم ا لذين ي سيطرون ع لى و سائل ا لعلم العال ية فيب ثون من‬


‫خللا ما يريدون من أفكار وأخبار‪ ،‬وعقائد ومناهج حياة‪ ،‬كلها تعمل ف النهاية على‬
‫إفساد الميي وتسخيهم لصال اليهود‪.‬‬

‫و هم تار ال سلح ال عاليون و مثيو ا لروب كذلك ل ستهلك ال سلح ا لذي‬


‫يصنعونه ويبيعونه للميي ليقتل بعضهم بعضا‪.‬‬

‫وهم صانعو أزياء الرأة‪ ،‬وهم تار أدوات الزينة الت تتبج با النساء‪.‬‬

‫و هم تار الب غاء ال عاليون ا لذين ي صطادون به من ل تك فه كل و سائل ا لدنس‬


‫العروضة ف السواق‪.‬‬

‫باخت صار‪ ،‬هم اذل ي ي صوغون ل لميي ع قائدهم‪ ،‬وأف كارهم‪ ،‬وأ ناط ح ياتم‪،‬‬
‫وأساليب جدهم ولوهم‪ ..‬وكل شيء ف حياتم‪ ..‬إل من رحم ربك‪ ..‬من كان له قلب‬
‫أو ألقى السمع وهو شهيد‪.‬‬

‫و ف عام ‪ 1789‬م أل قى الرئ يس بن جامي فرنكل ي خطا با‪ X‬ع ند و ضع د ستور‬


‫الوليات التحدة جاء فيه ما يلي‪:‬‬

‫" هناك خطر عظيم يتهدد الوليات التحدة المريكية‪ ،‬وذلك الطر العظيم هو‬
‫خطر اليهود‪.‬‬

‫)‪(108‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫أيها السادة‪ :‬ف كل أرض حل‪ Û‬با اليهود أطاحوا بالستوى اللقي وأفسدوا الذمة‬
‫التجارية فيها‪ ،‬ول يزالوا منعزلي ل يندمون بغيهم‪ ،‬وقد أدى بم الضطهاد إل العمل‬
‫على خنق الشعوب ماليا‪ ،X‬كما هو الال ف البتغال وأسبانيا‪.‬‬

‫منذ أكثر من ‪ 1700‬عام وهم يندبون حظهم السيف‪ ،‬ويعنون بذلك أنم قد‬
‫طردوا من ديار آبائهم ولكنهم أيها السادة‪ ،‬لن يلبثوا إذا ر*دت إليهم الدول اليوم فلسطي‪،‬‬
‫أن يدوا أسبابا‪ X‬تملهم على أل يعودوا إليها‪ ،‬لاذا؟ لنم طفيليات ل يعيش بعضهم على‬
‫بعض‪ ،‬ول بد لم من العيش بي السيحيي وغيهم من ل ينتمون إل عرقهم‪.‬‬

‫إذا ل ‪-‬يب‪5‬ع–د هؤلء عن الوليات التحدة )بنص دستورها( فإن سيلهم سيتدفق إل‬
‫الوليات التحدة ف غضون مائة سنة إل حد‪ A‬يقدرون معه على أن يكموا شعبنا ويدمروه‬
‫ويغي‪A‬روا شكل الكم الذي بذلنا ف سبيله وضح‪A‬ينا له بأرواحنا ومتلكاتنا وحرياتنا الفردية‪.‬‬

‫و لن ت ضي مئ تا سنة حت ي كون م صي أحفاد نا أن يعم لوا ف ال قول لط عام‬


‫اليهود‪ ،‬على حي يظل اليهود ف البيوتات الالية يفركون أيديهم مغتبطي‪.‬‬

‫وإن ن أ حذركم أي ها ال سادة‪ ،‬أن كم إل تب عدوا الي هود نائ يا‪ ،X‬فل سوف يلعن كم‬
‫أبناؤكم وأحفادكم ف قبوركم‪ ،‬إن اليهود لن يتخذوا م‪-‬ث”ل‪ã‬نا العليا ولو عاشوا بي ظهرانينا‬
‫عشرة أجيال‪ ،‬فإن الفهد ل يستطيع إبدال جلده الرقط‪.‬‬

‫إن الي هود خ طر ع لى هذه البلد إذا ما سح لم بر ية ا لدخول‪ ،‬إ نم سيق ضون‬
‫على مؤسساتنا‪ ،‬وعلى ذلك ل بد من أن ي‪-‬ستب‪5‬ع–د‪-‬وا بنص الدستور " اه )‪.(97‬‬

‫ول قد بذل الي هود دون شك ج هودا‪ X‬ج بارة مكث فة للو صول إ ل هذه ال سيطرة‬
‫العالية‪ ..‬ولكن جهدهم كله‪ ،‬ومكرهم كله‪ ،‬ل يكن ليفعل شيئا‪ W‬لول غفلة الميي‪.‬‬

‫ولننظر ف بعض الظروف الت مكنت لليهود‪ ،‬ولنتصور أن حال الميي فيها كان‬
‫غي الال‪ ..‬فهل كان اليهود يسيطرون!‬

‫‪ ()97‬عن ك تاب " غزوة ب ن قري ظة " تأليف م مد أ حد با شيل‪ ،‬ص ‪ 32 – 30‬جدة‪ 1386 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪ 1966‬م‪.‬‬

‫)‪(109‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫لو كانت أوربا ل تنفر من دينها بسبب حاقات الكنيسة‪ ،‬هل كان اليهود يدون‬
‫الفرصة السانة لنشر اللاد ف الرض؟‬

‫وهل كانوا يدون الفرصة السانة لتفكيك التمع الورب ونشر الفساد اللقي‬
‫فيه؟‬

‫لو كانت أوربا مو*لت الثورة الصناعية عن غي طريق الرابي اليهود‪..‬‬

‫لو كانت أوربا تطبق شريعة ربانية تكفل الرأة ول توجها إل العمل لتأكل‪..‬‬

‫وق بل كل شيء‪ ،‬و فوق كل شيء‪ ،‬لو أن ال مة ال سلمة ل ت كن تقاع ست‬


‫ونك لت عن ر سالتها‪ .‬هل كان الي هود ي صلون إ ل سيطرتم الال ية مه ما بذلوا من‬
‫جهد‪ ،‬ومهما كان لديهم من عبقرية الشر؟!‬

‫ونترك الجابة عن السؤال الخي خاصة حت نعرض لواقع السلمي‪..‬‬

‫)‪(110‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ثالثا‪ :W‬أحوال اليهود بي الكتاب والسنة‬


‫ووعد ال ووعيده‬
‫يعجب كثي من الناس‪ ،‬من يؤمنون بال واليوم الخر‪ ،‬ويؤمنون بالكتاب الن‪m‬ل‬
‫ع لى ر سوله صلى ا ل عل يه و سلم‪ ،‬ك يف و صل الي هود إ ل هذه ال سيطرة العجي بة بين ما‬
‫كتب ال عليهم الذل والسكنة والغضب واللعنة البدية‪.‬‬

‫) ‪%‬و ض‪-‬ر)ب‪%‬ت‪ 4‬ع‪%‬ل‪4 #‬يه) م‪ -‬الذ‪ +‬ل‪X‬ة‪ /‬و‪%‬ال‪.‬م‪ %‬س‪4‬ك‪#‬ن‪%‬ة‪ /‬و‪ %‬ب‪%‬اء®وا )بغ‪ %‬ض‪%‬ب‪ p‬م) ن‪ %‬الل‪ X‬ه) ذ‪#‬ل) ك‪ %‬ب)أ‪#‬ن‪H‬ه‪-‬م‪ 4‬ك‪#‬ان‪-‬وا‬
‫حق‪ s‬ذ‪)#‬لك‪) %‬بم‪%‬ا ع‪%‬ص‪%‬و‪4‬ا و‪%‬ك‪#‬ان‪-‬وا ي‪%‬ع‪4‬ت‪%‬د‪-‬ون( ]سورة‬ ‫‪%‬يك‪.‬ف‪/‬ر‪-‬ون‪ #‬بآي‪%‬ات) الل‪X‬ه) و‪%%‬يق‪.‬ت‪-‬ل‪/‬ون‪ #‬الن‪H‬ب)ي‪s‬ي‪ %‬ب)غ‪%‬ي‪4‬ر) ال‪% .‬‬
‫البقرة‪ ،‬الية ‪.[61‬‬

‫) ‪#‬كي‪ 4‬ف‪ %‬ي‪ %‬ه‪4‬د)ي الل‪X‬ه‪ -‬ق‪#‬و‪4‬ما‪ W‬ك‪#‬ف‪#‬ر‪-‬وا ب‪%‬ع‪4‬د‪) %‬إي‪%‬ان)ه)م‪ 4‬و‪ %‬ش‪%‬ه)د‪-‬وا ‪#‬أن‪ X‬الر‪ H‬س‪-‬ول‪ #‬ح‪ %‬ق‪ -‬و‪ %‬ج‪%‬ا̀ءه‪-‬م‬
‫ال‪.‬ب‪%‬ي‪s‬ن‪%‬ات‪ -‬و‪%‬الل‪X‬ه‪ -‬ل ي‪%‬ه‪4‬د)ي ا‪.‬لق‪#‬و‪4‬م‪ %‬الظ‪X‬ال)م)ي‪ ،%‬أ‪/‬ول‪)#‬ئك‪ %‬ج‪%‬ز‪%‬اؤ‪-‬ه‪-‬م‪ 4‬أ‪#‬ن‪ X‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه)م‪ 4‬ل‪#‬ع‪4‬ن‪%‬ة‪ #‬الل‪X‬ه) و‪%‬ال‪.‬م‪%‬لئ)ك‪#‬ة‬
‫و‪%‬الن‪H‬ا س) أ‪4 #‬جم‪%‬ع) ي‪ ،%‬خ‪%‬ا ل)د)ين‪ %‬ف)ي ه‪%‬ا ل ‪-‬يخ‪%‬ف‪ X‬ف‪ -‬ع‪%‬ن‪4‬ه‪ -‬م‪ -‬ا‪.‬ل ع‪%‬ذ‪#‬اب‪ -‬و‪%‬ل ه‪ -‬م‪ 4‬ي‪-‬ن‪4‬ظ‪#‬ر‪-‬ون(‪] .‬سورة آل‬
‫عمران‪ ،‬اليات ‪.[88 - 86‬‬

‫ويقف بعضهم خاصة عند قوله تعال‪:‬‬

‫) ‪%‬وإ)ذ‪ .‬ت‪%‬أ‪#‬ذ‪X‬ن‪ #‬ر‪%‬ب_ ك‪# %‬لي‪%‬ب‪4‬ع‪%‬ث‪ #‬ن‪ H‬ع‪%‬ل‪4 #‬يه) م‪ 4‬إ) ل‪#‬ى ي‪%‬و‪4‬م) ال‪.‬ق)ي‪%‬ا م‪%‬ة) م‪ %‬ن‪% 4‬ي س‪-‬وم‪-‬ه‪-‬م‪ 4‬س‪-‬و̀ء ال‪ .‬ع‪%‬ذ‪#‬اب)(‪.‬‬
‫]سورة العراف‪ ،‬الية ‪.[167‬‬

‫ويهجس ف نفوس بعضهم خاطر‪ ،‬ولو ل يعلنوه‪ :‬هل توقف وعد ال ووعيده؟‬
‫هل تغيت السنن الربانية؟ هل كانت كلها خاصة بالاضي الذي حكى عنه القرآن‪،‬‬
‫ولكنها ل تشمل الاضر ول الستقبل؟!‬

‫ون قول‪ :‬حا شا ل أن ي قع شيء ف هذا ال كون ك له مال فا‪ X‬لل سنن الربان ية‪ ،‬أو‬
‫خار جا‪ X‬عن و عد ا ل ووع يده‪ .‬ول كن ال ناس قد ين ظرون إ ل بعض ال سنن ويغف لون عن‬
‫بعضها الخر‪ ،‬أو ينظرون إل بعض الوعد والوعيد وي‪-‬غ‪5‬فل”ون سائره‪.‬‬

‫)‪(111‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫لقد ضرب ال الذلة والسكنة على اليهود‪ ،‬وتوعدهم أن يبعث عليهم إل يوم‬
‫القيامة من يسومهم سوء العذاب‪ .‬ولكنه استثن من ذلك فترة من الزمن أو فترات‪ ،‬بعبارة‬
‫صرية ل تتمل اللبس‪.‬‬

‫)ض‪-‬ر)ب‪%‬ت‪ 4‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه)م‪ -‬الذ‪+‬ل‪X‬ة‪# /‬أي‪4‬ن‪ %‬م‪%‬ا ‪/‬ثق)ف‪/‬وا )إل‪X‬ا ب)ح‪4 %‬بل‪ p‬م)ن‪ %‬الل‪X‬ه) و‪%‬ح‪4 %‬بل‪ p‬م)ن‪ %‬الن‪H‬اس)(‪] .‬سورة‬
‫آل عمران‪ ،‬الية ‪.[112‬‬

‫ومعن ذلك أن الصل الدائم بالنسبة لم هو ضرب الذلة عليهم ف كل أرجاء‬


‫ا لرض‪ ،‬وال ستثناء ‪ -‬الن صوص عل يه نص©ا صريا‪ X‬ف ال ية ‪ -‬أن يك نوا ف ا لرض‬
‫ويكونوا مسيطرين‪) :‬ببل من ال وحبل من الناس(‪.‬‬

‫وهم الن ف قمة الستثناء!‬

‫وب صرف الن ظر عن كون هذا ال ستثناء يدث مرة وا حدة أو يت كرر ‪ -‬وذ لك‬
‫غيب ل يعلمه إل ال ‪ -‬فلننظر ف السباب الت ت من خللا الستثناء‪ ،‬والوسائل الت‬
‫حققت وقوعه‪ ،‬فإن ال الذي يقدر القادير قد جعل لقدره أسبابا‪ ،X‬وجعل أعمال البشر من‬
‫بي تلك السباب )‪.(98‬‬

‫ل قد ك لف ا ل فئت ي من الب شر أن يكو نوا حرا سا‪ X‬ع لى الي هود‪ ،‬ين عونم من أن‬
‫يعيثوا فساد‪X‬ا ف الرض‪ ،‬ويققوا مططاتم الشريرة ف إضلل البشرية‪.‬‬

‫فأما الفئة الول فهي النصارى‪.‬‬

‫ي قول ت عال‪)) :‬إذ‪ .‬ق‪#‬ال‪ #‬الل‪ X‬ه‪ -‬ي‪%‬ا ع)ي س‪%‬ى )إ ن‪s‬ي م‪ -‬ت‪%‬و‪%‬ف‪+‬يك‪ %‬و‪%‬ر‪%‬اف)ع‪ -‬ك‪) %‬إل‪ #‬ي‪ H‬و‪%‬م‪-‬ط‪#‬ه‪s‬ر‪ -‬ك‪ %‬م)ن‬
‫ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ك‪ #‬ف‪#‬ر‪-‬وا و‪ %‬ج‪%‬اع) ‪/‬ل ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ا‪H‬تب‪ %‬ع‪-‬وك‪ %‬ف‪#‬و‪4‬ق‪ %‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ك‪ #‬ف‪#‬ر‪-‬وا )إ ل‪#‬ى ي‪%‬و‪4‬م) ال‪.‬ق)ي‪%‬ا م‪%‬ة(‪ ] .‬سورة آل‬
‫عمران‪ ،‬الية ‪.[55‬‬

‫ومعن ذلك أن النصارى مكلفون بالراسة الدائمة على اليهود إل يوم القيامة‪،‬‬
‫ينعونم من الروج من قبضة أيديهم‪ ،‬با أنم " فوقهم " أي مسيطرون عليهم‪.‬‬

‫‪ ()98‬راجع إن شئت فصل " النسان وقدر ال " من كتاب " حول التفسي السلمي للتاريخ "‪.‬‬

‫)‪(112‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وأ ما الفئة الثان ية ف قد كل فت بالرا سة ع لى الفريق ي م عا‪ :‬الي هود والن صارى‪..‬‬
‫وت لك هي ال مة ال سلمة‪) :‬و‪ %‬ك‪#‬ذ‪#‬ل)ك‪ %‬ج‪%‬ع‪%‬ل‪ .‬ن‪%‬اك‪/‬م‪/ 4‬أ م‪H‬ة‪ W‬و‪ %‬س‪%‬طا‪ W‬ل)ت‪%‬ك‪/‬و ن‪-‬وا ش‪-‬ه‪%‬د‪%‬ا̀ء ع‪ %‬ل‪#‬ى الن‪H‬اس‬
‫و‪%%‬يك‪/‬ون‪ #‬الر‪H‬س‪-‬ول‪ /‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬ش‪%‬ه)يدا(‪] .‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.[143‬‬

‫فكيف صنع الراس ف ذلك التكليف‪ ..‬وهو تكليف ربان؟!‬

‫فأما الارس الول فقد نكل عن الراسة منذ خرج من دينه ول يدخل ف دين‬
‫ال الصحيح‪.‬‬

‫وأما الارس الثان ‪ -‬الكلف بالراسة على الفريقي معا‪ - X‬فقد نسي رسالته‬
‫للبشرية ونكل عنها‪ ،‬ث ل يقف به المر عند هذا الد‪ ،‬فنسي رسالته نو نفسه‪ ،‬وفرط‬
‫فيها أي تفريط )‪!(99‬‬

‫فماذا يتوقع من الوحش الصور ف داخل الحر حي يغيب الراس؟!‬

‫هل يتوقع منه إل أن ينفلت من الحر مستغل‪ X‬غفلة الراس؟!‬

‫وهكذا ت المر‪) ..‬ببل من ال وحبل من الناس(‪.‬‬

‫فأما حبل ال فهو قدره ومشيئته‪ ،‬ومدده وإرادته‪ ،‬فإنه ل شيء يدث ف الكون‬
‫كله إل بقدر من ال ومشيئة‪ ،‬وإرادة من ال وإمداد‪.‬‬

‫وأما البل من الناس فلننظر ف تفاصيله القائمة اليوم‪.‬‬

‫إنه ليس فقط أمريكا وما تد به إسرائيل من العون‪ :‬الال والسياسي والعسكري‬
‫وا لدب‪ ،‬و كل أ نواع ال عون‪ ..‬ول يس ف قط رو سيا‪ ،‬و ما تد به إ سرائيل من ال عون‬
‫السياسي‪ ،‬بسرحية التصايح الفارغ كلما ارتكبت إسرائيل جرية من جرائمها الوحشية‬
‫البشعة‪ ،‬دون أن تفعل شيئا‪ X‬لنع العدوان أو رده‪ ..‬والعون التكنولوجي بسماحها بجرة‬
‫اليهود التكنولوجيي إل إسرائيل‪ .‬والعون الدب بتصرياتا الدائمة بأنا تعترف بالوجود‬
‫السرائيلي ف النطقة ولكن بشرط العتراف بقوق العرب )وهو نفس الكلم الذي صدر‬

‫‪ ()99‬انظر الفصل التال‪.‬‬

‫)‪(113‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫به وعد بلفور سنة ‪ 1917‬م!( وهي ترى جيد‪X‬ا أن هذا الشرط ل يتحقق أبدا‪ ،X‬ومع ذلك‬
‫ل تسحب اعترافها بإسرائيل ول حت تدد بسحبه مرد تديد!‬

‫إن ال بل من ال ناس ل يقت صر ع لى هذا ا لدد من " هؤلء ال ناس "‪ :‬ا لروس‬
‫والمريكان!‬

‫إنه يأت من كل الناس‪ ..‬كل سكان الرض‪ ..‬إل من رحم ربك!‬

‫ولنضرب بعض المثلة الت توضح ما نقول‪:‬‬

‫السينما مؤسسة يهودية مال‪ X‬وفكرا‪ X‬وتطيطا‪ X‬وتنفيذا‪ ..‬وهدفها الول هو إفساد‬
‫ا لولد والب نات با ت عرض من صور ال ياة العاب ثة الله ية‪ ،‬القائ مة ع لى العل قات ا لت‬
‫حرم ها ا ل ور سله‪ ،‬ف أو ضاع جذا بة خل بة مؤثرة بال صوت وال صورة والر كة‪ ،‬فتف ت‬
‫)‪(100‬‬
‫أل باب ا لولد والب نات‪ ،‬ح ي يت صورون أنف سهم ف م كان " الب طل! " والبط لة! "‬
‫يارسون ما يرون هؤلء يارسونه أمامهم على الشاشة‪ ..‬فيفسدون! )‪.(101‬‬

‫و كل و لد أو ب نت ف ا لرض كل ها أ صابه " ج نون ال سينما " ف هو ح بل من‬


‫الناس يد اليهود! يدهم بالال الذي ينفقه ف السينما من جهة‪ ،‬وبالفساد ف ذات نفسه‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬لنه يقق ف ذات نفسه جزء‪õ‬ا من الخطط اليهودي الذي يهدف إل‬
‫إفساد أخلق الميي لتيسي استحمارهم‪ ،‬واستغللم لتنفيذ مصال الشعب الشيطان!‬

‫وكذلك جنون التليفزيون والفيديو‪ ،‬فهما يسيان على ذات الدرب‪ ،‬أ̈يا كان‬
‫الخرج والنتج و " الفنان "!‬

‫‪ ()100‬من شر البلية الذي يضحك أن يسم*ى الولد الذي يقوم بالتمثيل ف الفيلم " بطل‪ !" X‬والفتاة الت‬
‫تتما يل ي نة ويسارا‪ X‬ف تك سر وت لع " بطلة "! فته بط " البطو لة " ف حس ا لولد والب نات إ ل هذا‬
‫الستوى الدنس‪ ،‬وينسون صور البطولة القة الت ترفع البشر من حأة الطي وترتقي بم ف الفاق!‬
‫‪ ()101‬ه ناك ول شك أفلم ت ثل م عان عال ية‪ ،‬وموا قف إن سانية حقيق ية‪ ،‬ولكن ها ق لة نادرة ب ي أ لوف‬
‫الفلم التافهة النحلة الت تل الساحة‪ .‬والعبة بالفساد الذي تدثه الكثرة الكاثرة‪ ،‬ل بتلك اللفتات‬
‫العابرة بي الي والي‪.‬‬

‫)‪(114‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫)‪(102‬‬
‫وبيوت الزياء الكبى يهودية‪ ،‬وكذلك بيوت الزينة‬

‫و كل ب نت ف ا لرض أ صابا ج نون " ا لودة " وج نون الزي نة ف هي ح بل من‬


‫الناس‪ .‬تد اليهود بالال‪ ،‬وتدهم بالفساد ف ذات نفسها وف التمع كله‪ ،‬حي يتحول‬
‫الت مع إ ل فت نة هائ جة ت تاح ا لولد والب نات ع لى ال سواء وت قرب ال شرار من تق يق‬
‫هدفهم الشرير‪.‬‬

‫وج نون الريا ضة عا مة وج نون ال كرة خا صة‪ ،‬لون من ال نون يب ثه الي هود ف‬
‫)‪(103‬‬
‫الرض من خلل وسائل العلم الت يسيطرون عليها ويوجهونا‬

‫وكل فت ‪ -‬أو فتاة ‪ -‬أصابه جنون الرياضة أو جنون الكرة )‪ ،(104‬فهو حبل‬
‫من الناس يد اليهود بتفاهة اهتماماته‪ ،‬والوقت الي الذي يقتله ف الهتمامات الفارغة‪،‬‬
‫بعيدا‪ X‬عن الرشد‪ ،‬بعيد‪X‬ا عن الوعي‪ ،‬بعيدا‪ X‬عن رحة ال‪.‬‬

‫وجنون‪ ..‬وجنون‪ ..‬وجنون‪..‬‬

‫وترجيل الرأة ‪ -‬بقضية الساواة وغيها من الوسائل ‪ -‬هدف يهودي تدثنا عنه‬
‫من قبل‪ ..‬وكل فتاة أصابتها ح‪m‬ى الساواة‪ ،‬وطلب الختلط الر‪ ،‬وغشيان " التمع "‪،‬‬
‫وهجرت بيتها ووظيفتها الطبيعية‪ ،‬واستنكرت أنوثتها‪ ،‬واعتقدت أن وظيفتها الول أن‬
‫تعمل خارج البيت‪ ..‬هي حبل من الناس‪ ،‬يقق أمنية من أعز أمان الشعب الشيطان!‬

‫هذا‪ ،‬ول نتحدث عن كل سياسي خضع لتوجيهات اليهود وأوامرهم‬

‫وكل اقتصادي أدار الموال بالربا‪.‬‬

‫‪ ()102‬يكاد اليهود يتكرون ثلث صناعات عالية‪ :‬صناعة السلحة‪ ،‬وصناعة الدوية‪ ،‬وصناعة أدوات‬
‫الزينة‪ ،‬لنا تدر أرباحا‪ X‬خيالية بالنسبة لتكاليفها القيقية‪ ،‬فضل‪ X‬عن أهداف أخرى يققها الشيطان‪.‬‬
‫‪ ()103‬ل يرم السلم الرياضة ول الكرة‪ ،‬بل يدعو دعوة صرية إل تقوية الجسام بالرياضة‪ ،‬ولكنه‬
‫ين كر ال نون ا لذي أ صاب ال ناس ف متاب عة ال سابقات الريا ضية والكرو ية‪ ،‬فل هم أنف سهم مار سوا‬
‫الرياضة‪ ،‬ول صانوا وقتهم وعقولم!‬
‫‪ ()104‬من البلء فتنة البنات أيضا بالكرة وهن ل يارسنها!‬

‫)‪(115‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫و كل " كاتب " أو " مف كر " أو " ف نان " د عا إ ل تط يم القد سات‪ ،‬و سى‬
‫)‪(105‬‬
‫الدين رجعية‪ ،‬والخلق الفاضلة تزمتا‪ ،W‬والقيم النسانية مثالية جوفاء‬

‫ل نتحدث عن هؤلء وأمثالم‪ ،‬لنم ل يتاجون إل حديث‪ ..‬وكلهم حبل من‬


‫الناس يد اليهود!‬

‫نعم‪ ..‬هكذا ت التمكي لليهود ف الرض استثناء من القاعدة العامة بشأنم‪ .‬ول‬
‫يكن ذلك بسبب من عبقريتهم الفذة‪ ،‬ول بتراكم التخطيط كما يزعمون لنفسهم‪ ،‬ول‬
‫ك ما يز عم لم الفز عون من ا لميي من هم‪ ،‬ك ما يز عم " ول يم كار " وغ يه من ا لذين‬
‫يكت بون أحيا نا‪ X‬عن الخط طات اليهود ية‪ .‬إ نا كان ذ لك أسا سا‪ X‬ب سبب غف لة ا لميي‪ ،‬أو‬
‫بعبارة أخرى بسبب غفلة الراس الذين كلفهم ال أن يكونوا يقظي دائما‪ W‬ف مراقبتهم‬
‫لليهود‪ ،‬لنعهم من الفساد ف الرض‪.‬‬

‫بل ل يقف المر عند حد الغفلة من جانب الراس‪ ،‬فقد تكن الشعب الشرير ‪-‬‬
‫حي اطمأن تاما‪ X‬إل غفلة الراس ‪ -‬أن ينو‪A‬مهم‪ ،‬ث يسخرهم خدما‪ W‬لصاله‪ ،‬بوعي منهم‬
‫أو بغ ي و عي‪ ..‬ف صاروا يدورون ف الل قة ا لت ر سها لم ال شياطي‪ ،‬ويظ لون يدورون‬
‫ويدورون حت يستنفدوا جهدهم‪ ،‬ويتساقطوا لهثي عند أرجلهم ف ناية الطاف!‬

‫و قديا‪ X‬قال ال شيطان ك ما ح كى ع نه رب ال عالي‪% ) :‬ول‪#‬أ‪ /‬ض)ل‪X‬ن‪H‬ه‪-‬م‪ 4‬و‪ %‬ل‪#‬أ‪/‬م‪%‬ن‪s‬ي‪%‬ن‪H‬ه‪-‬م‬


‫و‪%‬ل‪#‬آم‪-‬ر‪%‬ن‪H‬ه‪-‬م‪] (..‬سورة النساء‪ ،‬الية ‪.[119‬‬

‫فهو يبدأ بإضللم‪ ،‬ث ينيهم بأن طريق الضلل الذي سلكوه هو الذي سيوصلهم‬
‫لتحق يق مآربم‪ ،‬فإذا و قع من هم هذا وذاك ر كب ال شيطان ظ هورهم وأ صبح هو ا لمر‬
‫الطاع!‬

‫وهم السئولون عما يدث لم!‬

‫فلو أن النصارى كانوا نصارى ‪ -‬على كل ما ف دينهم من انرافات أحدثها‬


‫الي هودي شاول في ما م ضى من الز مان ‪ -‬ما قب لوا أن يكو نوا عب يد‪X‬ا للي هود ي ثون ع ند‬

‫‪ ()105‬ي ستخدم " الثق فون " كل مة الثال ية ل لذم ل لل مدح! بع ن الق يم النظر ية ا لت ل تتح قق ف عال‬
‫الواقع‪ ،‬ومن ث ل تستحق بذل الهد فيها ول التعب‪.‬‬

‫)‪(116‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫أقدامهم ‪ -‬سواء ف ذلك أمريكا أو روسيا أو دول أوربا ‪ -‬ولكانت لم اليد العليا عليهم‪،‬‬
‫كما كان المر خلل أربعة عشر قرنا‪ X‬من القرن الرابع إل القرن الثامن عشر اليلدي‪.‬‬

‫ولو أن السلمي كانوا على إسلم صحيح‪ ،‬ما ترأ اليهود عليهم هذه الرأة‪،‬‬
‫حت ينهشوا جزء‪õ‬ا من جسدهم الي ‪ -‬فلسطي ‪ -‬ث يرهبوهم بكل وسائل الرهاب حت‬
‫يكمنوا ويستكينوا!‬

‫كل! إن السئول عن خروج الوحش من جحره‪ ،‬وعيثه فساد‪X‬ا ف الرض‪ ،‬إنا هم‬
‫أولئك الراس الذين نسوا ال فأنساهم أنفسهم‪ .‬والسئول الول والكب ف هذا الشأن‬
‫هو المة السلمية‪ ،‬لنا هي الكلفة بالشهادة على كل البشرية با فيها من اليهود‪ ..‬فلما‬
‫نكلت أصابا ما أصابا بقدر من ال‪ ،‬وحسب سنة ال‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ويتساءل بعض الناس‪ :‬ما الكمة من تكي اليهود اليوم‪ ،‬وهم يملون ف قلوبم‬
‫هذا الشر كله‪ ،‬ويسعون إل هذا الفساد كله؟!‬

‫) ‪%‬وي‪ %‬س‪4‬ع‪%‬و‪4‬ن‪ #‬ف)ي ال‪.‬أ‪#‬ر‪ 4‬ض) ف‪ #‬س‪%‬ادا‪ W‬و‪%‬الل‪ X‬ه‪ -‬ل ي‪-‬ح) ب_ ال‪.‬م‪-‬ف‪ .‬س)د)ين‪] .(%‬سورة الائدة‪ ،‬الية‬
‫‪.[64‬‬

‫) ‪%‬وق‪#‬ال‪/‬وا ق‪/‬ل‪/‬وب‪-‬ن‪%‬ا ‪/‬غل‪.‬ف= ب‪%‬ل‪ .‬ل‪#‬ع‪%‬ن‪%‬ه‪-‬م‪ -‬الل‪X‬ه‪ -‬ب)ك‪/‬ف‪.‬ر)ه)م‪ 4‬ف‪#‬ق‪#‬ل)يل‪ W‬م‪%‬ا ي‪-‬ؤ‪4‬م)ن‪-‬ون‪] .(#‬سورة البقرة‪،‬‬
‫الية ‪.[88‬‬

‫وما نزعم أننا ‪ -‬ول غينا من البشر ‪ -‬نلم بكمة ال على سبيل القطع‪ ،‬حي ل‬
‫يرد ذكر الكمة ف كتاب ال أو ف سنة رسوله صلى ال عليه وسلم على سبيل القطع‪.‬‬

‫ول يرد ف كتاب ال ول ف سنة رسوله صلى ال عليه وسلم بيان عن حكمة‬
‫الستثناء الوارد ف آية سورة آل عمران‪) :‬ض‪-‬ر)ب‪%‬ت‪% 4‬عل‪#‬ي‪4‬ه)م‪ -‬الذ‪+‬ل‪X‬ة‪ /‬أ‪4#‬ين‪ %‬م‪%‬ا ث‪/‬ق)ف‪/‬وا )إل‪X‬ا ب)ح‪4 %‬بل‪ p‬م)ن‬
‫الل‪X‬ه) و‪%‬ح‪4 %‬بل‪ p‬م)ن‪ %‬الن‪H‬اس(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[112‬‬

‫)‪(117‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فكل ما نقوله عنه ظن ل يبلغ اليقي‪ ..‬وما نظنه ف هذا الشأن أن ال يعاقب‬
‫البشرية على كفرها اليوم بتسليط اليهود عليها‪.‬‬

‫إن ال قد توعد الكافرين حي يصرون على الكفر بقوله تعال‪) :‬ق‪/‬ل‪ .‬ه‪-‬و‪ %‬ا‪.‬لق‪#‬اد)ر‬
‫ع‪%‬ل‪#‬ى أ‪#‬ن‪ .‬ي‪%‬ب‪4‬ع‪%‬ث‪ #‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬ع‪%‬ذ‪#‬ابا‪ W‬م)ن‪ 4‬ف‪#‬و‪4‬ق)ك‪/‬م‪ 4‬أ‪#‬و‪ 4‬م)ن‪% 4‬تح‪4‬ت) أ‪#‬ر‪4‬ج‪-‬ل)ك‪/‬م‪# 4‬أو‪ 4‬ي‪%‬ل‪.‬ب)س‪%‬ك‪/‬م‪ 4‬ش)ي‪%‬عا‪% W‬وي‪-‬ذ)يق‬
‫‪%‬بع‪4‬ض‪%‬ك‪/‬م‪ 4‬ب‪%‬أ‪.‬س‪% %‬بع‪4‬ض(‪] .‬سورة النعام‪ ،‬الية ‪.[65‬‬

‫وقد كفرت البشرية اليوم كفرا‪ X‬ل تكفره ف تاريها كله‪ ،‬وتبجحت بالكفر كما‬
‫ل تتبجح به ف تاريها كله‪ ،‬فأنكرت ال جهرة‪ ،‬ونفت هيمنته وسيطرته وتدبيه‪ .‬فقال‬
‫قائل منهم‪ " :‬ل إله‪ .‬والكون مادة " )‪ .(106‬وقال قائل منهم‪ " :‬الطبيعة تلق كل شيء‬
‫ول حد ل قدرتا ع لى ال لق " )‪ .(107‬و قال قائل من هم‪ " :‬ل قد خ ضع الن سان ل ف‬
‫الاضي بسبب عجزه وجهله‪ ،‬والن وقد تعلم وسيطر على البيئة‪ ،‬فقد آن له أن يمل‬
‫على عاتق نفسه ما كان يلقيه من قبل ف عصر العجز والهل على عاتق ال‪ ،‬ومن ث‬
‫يصبح هو ال " )‪.(108‬‬

‫ول تعد تلك عقيدة فرد أو أفراد‪ ،‬إنا أصبحت عقائد الكثرة من البشر‪ ،‬سواء‬
‫قهروا عليها بالديد والنار والاسوسية كما كان المر ف العال الشيوعي‪ ،‬أو " ه‪-‬د‪-‬وا "‬
‫إليها بفعل مناهج التعليم ووسائل العلم ف العال " الر! "‪.‬‬

‫وحقق ال وعيده‪ ،‬فلبسهم شيعا‪ W‬وأذاق بعضهم بأس بعض‪..‬‬

‫واقت ضت حكم ته سبحانه أن يذيق الب شرية ال كافرة التبج حة بالكفر بأس شر‬
‫اللق الذي خلقهم ال‪ ،‬وهم أولئك اليهود‪ ..‬جزاء وفاقا‪ X‬على ذلك الكفر الذي هو أسوأ‬
‫كفر مر بالناس‪.‬‬

‫ولقائل أن يقول‪ :‬ولكن " السلمي " ل يصلوا إل ما وصل إليه الغرب الكافر‬
‫اللحد‪ ،‬إل أقلية منهم ل تكاد ت‪-‬ذكر‪ ،‬وما زال القوم يؤمنون بوجود ال!‬

‫‪ ()106‬هذه قولة الشيوعيي‪.‬‬


‫‪ ()107‬هذه قولة دارون‪.‬‬
‫‪ ()108‬هذه قولة جوليان هكسلي‪.‬‬

‫)‪(118‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫نعم! ولكنهم فرطوا ف مقتضيات ل إله إل ال )‪ (109‬وفرطوا ف رسالتهم الت‬


‫ندبم ال لا‪ ،‬وهي الشهادة على البشرية‪ ،‬وفرطوا ف أمر ال لم أن يعدوا ما استطاعوا‬
‫من قوة‪:‬‬

‫) ‪%‬وأ‪ #‬ع)د_وا ل‪#‬ه‪ -‬م‪ 4‬م‪%‬ا ا س‪4‬ت‪%‬ط‪#‬ع‪4‬ت‪-‬م‪ 4‬م) ن‪ 4‬ق‪/‬و‪H‬ة‪ p‬و‪%‬م) ن‪ 4‬ر) ب‪%‬اط) ا‪.‬لخ‪%‬ي‪ 4‬ل) ت‪-‬ر‪4‬ه) ب‪-‬ون‪) #‬ب ه) ع‪%‬د‪-‬و‪ H‬الل‪X‬ه‬
‫و‪%‬ع‪%‬د‪-‬و‪H‬ك‪/‬م‪ 4‬و‪%‬آخ‪%‬ر)ين‪ %‬م)ن‪ 4‬د‪-‬ون)ه)م‪ 4‬ل ‪%‬تع‪4‬ل‪#‬م‪-‬ون‪%‬ه‪-‬م‪ -‬الل‪X‬ه‪ -‬ي‪%‬ع‪4‬ل‪#‬م‪-‬ه‪-‬م( ]سورة النفال‪ ،‬الية ‪.[60‬‬

‫فرطوا فأصابم النذير‪:‬‬

‫" يوشك أن تداعى عليكم المم كما تداعى الكلة إل قصعتها‪ .‬قالوا‪ :‬أمن‬
‫قلة نن يومئذ يا رسول ال؟ قال‪ :‬بل أنتم يومئذ كثي‪ ،‬ولكنكم غثاء كغثاء السيل‪.‬‬
‫ولينعن ال الهابة من صدور أعدائكم‪ ،‬وليقذفن ف قلوبكم الوهن‪ .‬قالوا‪ :‬وما الوهن‬
‫يا رسول ال؟ قال‪ :‬حب الدنيا وكراهية الوت " )‪.(110‬‬

‫و كان من ب ي ا لمم ا لت تداعت ع لى ال مة ال سلمة شر أ مة ف ا لرض‪ ،‬أ مة‬


‫اليهود‪..‬‬

‫ث تقق ف الرض كلها نذير آخر من نذر ال‪:‬‬

‫)ظ‪ #‬ه‪%‬ر‪ %‬ال‪.‬ف‪ #‬س‪%‬اد‪ -‬ف)ي ال‪.‬ب‪%‬ر‪ s‬و‪%‬ال‪.‬ب‪ %‬ح‪4‬ر) ب) م‪%‬ا ك‪ #‬س‪%‬ب‪%‬ت‪# 4‬أ ي‪4‬د)ي الن‪H‬ا س) )ل ي‪-‬ذ)يق‪#‬ه‪-‬م‪ 4‬ب‪%‬ع‪ 4‬ض‪ %‬ا ل‪X‬ذ)ي‬
‫ع‪%‬م)ل‪/‬وا ل‪#‬ع‪%‬ل‪X‬ه‪-‬م‪ 4‬ي‪%‬ر‪4‬ج)ع‪-‬ون( ]سورة الروم‪ ،‬الية ‪.[41‬‬

‫واختار ال شر الفسدين من اللق‪ ،‬ليظهر على أيديهم الفساد ف الرض‪ ..‬لعل‬


‫الناس يرجعون!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪ ()109‬انظر الفصل التال‪.‬‬


‫‪ ()110‬أخرجه أحد وأبو داود بسند صحيح‪.‬‬

‫)‪(119‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ويتساءل بعض الناس ‪ -‬ولم الق ‪ -‬أو ليس اليهود هم أفسد أهل الرض‪ ،‬ل ف‬
‫الاضر وحده ولكن ف التاريخ كله؟!‬

‫فكيف ل تصيبهم سيئات ما عملوا‪ ،‬وكيف ل يدمر ال عليهم بفسادهم؟!‬

‫ونقول‪ :‬بلى ول شك!‪ ..‬إنم اليوم أشد الناس فسادا‪ X‬ف الرض‪ ..‬وما هم بناجي‬
‫من سنة ال الت كتبت الدمار على الفسدين‪..‬‬

‫ول كن ت ظل حك مة ا ل قائ مة ف التمك ي لم ال يوم )ب بل من ا ل وح بل من‬


‫الناس(‪.‬‬

‫فمع كونم فاسدين إل أقصى حد يتصوره العقل‪ ،‬فهم أشد من ف الرض اليوم‬
‫تمعا‪ X‬لدف مدد يصبون إل تقيقه‪ ،‬ويتشدون لبلوغه‪ ،‬بينما " الميون " ‪ -‬مهما تكن‬
‫در جة تمع هم‪ ،‬و بذلم للج هد ف سبيل تق يق أ هدافهم ‪ -‬هم أ قل من الي هود احت شادا‬
‫وتمعا‪ X‬وعزية‪ ،‬وتنيد‪X‬ا لنفسهم من أجل تقيق تلك الهداف‪.‬‬

‫ث هناك جانب آخر من القضية‪ ..‬فاليهود فاسدون‪ ،‬وف رأسهم هدف معي هو‬
‫إفساد الميي‪ .‬بينما الميون فاسدون من أجل الفساد فحسب!‬

‫فالفتاة اليهودية تفسد‪ ،‬والفتاة المية تفسد‪ ،‬ولكن تتلف النتائج!‬

‫تفسد المية من أجل الفساد وحده‪ ،‬الذي يسمونه " الستمتاع "‪.‬‬

‫أ ما اليهود ية ف هي تف سد‪ ،‬وت غوي بف سادها رجل‪ X‬من ا لميي‪ ،‬فينت فع بف ساده‬
‫الشعب الشيطان‪ .‬سواء كان النتفاع مال‪ X‬يكتسب‪ ،‬أو مصلحة سياسية تتحقق‪ ،‬أو فسادا‬
‫عاما‪ X‬يسهل " استحمار " الميي‪.‬‬

‫ومن أجل ذلك ‪ -‬بسنن ربانية ‪ -‬يتفوق صاحب الدف على الذين ل أهداف‬
‫لم‪ ،‬ويت فوق صاحب ا لدف الب عد ع لى صاحب ا لدف القر يب‪ ..‬وإن كانوا كل هم‬
‫فاسدين‪..‬‬

‫)‪(120‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وكل ذلك إل حي‪ ..‬ث تأت سنة الدمار‪.‬‬

‫) ‪%‬و ك‪#‬أ‪#‬ي‪s‬ن‪ 4‬م‪ %‬ن‪ 4‬ق‪#‬ر‪ 4‬ي‪%‬ة‪# p‬أم‪4‬ل‪#‬ي‪ 4‬ت‪# -‬ل ه‪%‬ا و‪%‬ه) ي‪ %‬ظ‪#‬ال) م‪%‬ة‪/ I‬ث م‪ H‬أ‪ #‬خ‪%‬ذ‪.‬ت‪-‬ه‪%‬ا و‪%‬إ)ل‪ #‬ي‪ H‬ا‪.‬لم‪ %‬ص)ي‪ ] .(-‬سورة‬
‫الج‪ ،‬الية ‪.[48‬‬

‫وظاهر كذلك من آية آل عمران أنه تكي إل حي‪ ..‬لنه استثناء من القاعدة‪،‬‬
‫وليس هو أصل القاعدة‪ ،‬والستثناء ‪ -‬بطبيعته ‪ -‬ينتهي‪ ،‬والصل يدوم‪.‬‬

‫أما الدى الدد لذلك الستثناء فهو غيب ل يعلمه إل ال‪.‬‬

‫ولكنا نقول ‪ -‬حسب سنة ال ‪ -‬إنه يزول حي تزول السباب الت أدت إليه‬
‫ف تقدير ال‪ .‬أي حي يستيقظ الميون من غفلتهم ويعودون إل ال‪.‬‬

‫وتظل المة السلمية هي السئولة عن كل ما يري ف الرض من الحداث‪،‬‬


‫لن ال نصبها لتكون مسئولة عن إزالة النكر ف كل الرض‪:‬‬

‫) ‪%‬و ك‪#‬ذ‪#‬ل)ك‪% %‬جع‪%‬ل‪ .‬ن‪%‬اك‪/‬م‪ 4‬أ‪ /‬م‪H‬ة‪ W‬و‪ %‬س‪%‬طا‪) W‬لت‪%‬ك‪/‬و ن‪-‬وا ش‪-‬ه‪%‬د‪%‬ا̀ء ع‪ %‬ل‪#‬ى الن‪H‬ا س) ‪%‬وي‪ %‬ك‪/‬ون‪ #‬الر‪ H‬س‪-‬ول‬
‫ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬ش‪%‬ه)يدا(‪] .‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.[143‬‬

‫) ‪/‬كن‪4‬ت‪ -‬م‪ 4‬خ‪ %‬ي‪4‬ر‪ %‬أ‪ /‬م‪H‬ة‪ p‬أ‪/‬خ‪4‬ر)ج‪ %‬ت‪ 4‬ل)لن‪H‬ا س) ت‪%‬أ‪.‬م‪-‬ر‪-‬ون‪ #‬ب)ال‪.‬م‪%‬ع‪4‬ر‪-‬وف) و‪%‬ت‪%‬ن‪ 4‬ه‪%‬و‪4‬ن‪ #‬ع‪ %‬ن) ا‪.‬لم‪-‬ن‪ 4‬ك‪#‬ر‬
‫و‪-%‬تؤ‪4‬م)ن‪-‬ون‪ #‬ب)الل‪X‬ه(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[110‬‬

‫)‪(121‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫أمة التوحيد‬
‫بي الاضي والاضر‬
‫ح ي تدثنا ف الف صلي ال سابقي عن الوا قع العا صر لل مة الن صرانية وال مة‬
‫اليهود ية‪ ،‬احتج نا أن نت عرف ع لى ا لذور التاري ية ل كل منه ما‪ ،‬ل كي ن قرأ الا ضر ع لى‬
‫ضوء تلك الذور‪ ،‬ونعرف من خلل السية التاريية لكل منهما أي عوامل أثرت ف‬
‫كيا نا حت و صلت با إ ل واقع ها العا صر‪ ،‬ث بي نا أ ثر هذا الا ضر ف أ حوال ال عال‬
‫العاصرة‪.‬‬

‫ونن مع المة السلمية كذلك‪..‬‬

‫ل ن ستطيع أن ن قرأ حا ضرها حت نت عرف أول‪ W‬ع لى ر سالتها ا لت أ”خر جت من‬


‫أجلها‪ ،‬والصورة الصحيحة لداء هذه الرسالة ف عال الواقع‪ ،‬كما بدت من خلل فترة‬
‫غي قصية من السية التاريية ؛ ث نتعرف على العوامل الت أثرت فيها فحو‪A‬لت مسيتا‪،‬‬
‫وأوصلتها إل واقعها العاصر ؛ ث نستعرض أثر هذا الاضر ف أحوال البشرية العاصرة‪..‬‬

‫)‪(122‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫أول‪ :‬تهيد ف رسالة المة السلمة‬


‫لقد أخرج ال هذه المة لتؤدي رسالة خاصة ل ت‪-‬كل‪Û‬ف با أمة من قبل‪ ،‬ول تتهيأ‬
‫لا أمة ف التاريخ‪.‬‬

‫فأما المم السابقة كلها فقد ك”لفت أن تستقيم ل ف ذات نفسها فحسب‪:‬‬

‫) ‪%‬و م‪%‬ا أ‪ /‬م)ر‪-‬وا )إل‪X‬ا ل)ي‪%‬ع‪ 4‬ب‪-‬د‪-‬وا الل‪ X‬ه‪ %‬م‪-‬خ‪4‬ل) ص)ي‪ %‬ل‪ #‬ه‪ -‬الد‪s‬ين‪ %‬ح‪-‬ن‪ %‬ف‪#‬ا̀ء و‪%‬ي‪-‬ق)ي م‪-‬وا ال ص‪H‬لة‪ #‬و‪-%‬يؤ‪ 4‬ت‪-‬وا‬
‫الز‪H‬ك‪#‬اة‪ #‬و‪%‬ذ‪#‬ل)ك‪ %‬د)ين‪ -‬ا‪.‬لق‪#‬ي‪s‬م‪%‬ة(‪] .‬سورة البينة‪ ،‬الية ‪.[5‬‬

‫وكذلك كلفت هذه المة ذات التكليف‪:‬‬

‫)و‪%‬اع‪4‬ب‪-‬د‪-‬وا الل‪X‬ه‪ %‬و‪%‬ل ت‪-‬ش‪4‬ر)ك‪/‬وا ب)ه) ش‪%‬ي‪4‬ئا‪] .(W‬سورة النساء‪ ،‬الية ‪.[36‬‬

‫)ف‪#‬اد‪4‬ع‪-‬وا الل‪X‬ه‪ %‬م‪-‬خ‪4‬ل)ص)ي‪ %‬ل‪#‬ه‪ -‬الد‪s‬ين‪] .(%‬سورة غافر‪ ،‬الية ‪.[14‬‬

‫)ف‪#‬أ‪#‬ق)يم‪-‬وا الص‪H‬لة‪ #‬و‪%‬آت‪-‬وا الز‪H‬ك‪#‬اة‪ #‬و‪%‬اع‪4‬ت‪%‬ص)م‪-‬وا ب)الل‪X‬ه) ه‪-‬و‪ %‬م‪%‬و‪4‬لك‪/‬م‪ 4‬ف‪#‬ن)ع‪4‬م‪ %‬ال‪.‬م‪%‬و‪4‬ل‪#‬ى و‪)%‬نع‪4‬م‬
‫الن‪H‬ص)ي(‪] .‬سورة الج‪ ،‬الية ‪.[78‬‬

‫ولكن ها ‪ -‬إ ل جانب هذا التكل يف السا سي ا لذي ل ي قوم بغ يه ب ناء إن سان‬
‫صحيح ‪ -‬ك”ل‪Ý‬فت أن تكون هادية لكل البشرية‪ ،‬وشاهدة على كل البشرية‪:‬‬

‫) ‪%‬و ك‪#‬ذ‪#‬ل)ك‪% %‬جع‪%‬ل‪ .‬ن‪%‬اك‪/‬م‪ 4‬أ‪ /‬م‪H‬ة‪ W‬و‪ %‬س‪%‬طا‪) W‬لت‪%‬ك‪/‬و ن‪-‬وا ش‪-‬ه‪%‬د‪%‬ا̀ء ع‪ %‬ل‪#‬ى الن‪H‬ا س) ‪%‬وي‪ %‬ك‪/‬ون‪ #‬الر‪ H‬س‪-‬ول‬
‫ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬ش‪%‬ه)يدا(‪] .‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.[143‬‬

‫وهذا هو التكليف الاص الذي من أجله أ‪/‬خرجت هذه المة للناس‪:‬‬

‫) ‪/‬كن‪4‬ت‪ -‬م‪ 4‬خ‪ %‬ي‪4‬ر‪ %‬أ‪ /‬م‪H‬ة‪ p‬أ‪/‬خ‪4‬ر)ج‪ %‬ت‪ 4‬ل)لن‪H‬ا س) ت‪%‬أ‪.‬م‪-‬ر‪-‬ون‪ #‬ب)ال‪.‬م‪%‬ع‪4‬ر‪-‬وف) و‪%‬ت‪%‬ن‪ 4‬ه‪%‬و‪4‬ن‪ #‬ع‪ %‬ن) ا‪.‬لم‪-‬ن‪ 4‬ك‪#‬ر‬
‫و‪-%‬تؤ‪4‬م)ن‪-‬ون‪ #‬ب)الل‪X‬ه(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[110‬‬

‫)‪(123‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وواضح من كلتا اليتي اللتي تصفان هذه المة وتددان مهمتها أن هناك تكليفا‬
‫خاص¾ا ك‪/‬لفت به هذه المة ل من أجل نفسها ولكن لناس‪..‬‬

‫كان التكليف الول لكل المم ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬هو " التوحيد "‪ .‬هو عبادة ال‬
‫وحده بل شريك‪:‬‬

‫) ‪%‬ول‪ #‬ق‪#‬د‪ 4‬أ‪#‬ر‪ 4‬س‪%‬ل‪.‬ن‪%‬ا ن‪-‬و حا‪) W‬إ ل‪#‬ى ق‪#‬و‪4‬م)ه) إ) ن‪s‬ي ل‪#‬ك‪ /‬م‪ 4‬ن‪%‬ذ)ير= م‪-‬ب) ي=‪ ،‬أ‪ #‬ن‪ .‬ل ‪%‬تع‪ 4‬ب‪-‬د‪-‬وا )إل‪X‬ا الل‪ X‬ه‪ %‬إ) ن‪s‬ي‬
‫‪#‬أخ‪%‬اف‪ -‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬ع‪%‬ذ‪#‬اب‪ %‬ي‪%‬و‪4‬م‪# p‬أل)يم(‪] .‬سورة هود‪ ،‬اليتان‪.[26 - 25 :‬‬

‫) ‪%‬وإ)ل‪#‬ى ع‪%‬اد‪ p‬أ‪#‬خ‪%‬اه‪-‬م‪ 4‬ه‪-‬ودا‪ W‬ق‪#‬ال‪ #‬ي‪%‬ا ق‪#‬و‪4‬م) اع‪4‬ب‪-‬د‪-‬وا الل‪X‬ه‪ %‬م‪%‬ا ل‪#‬ك‪/‬م‪ 4‬م)ن‪ 4‬إ)‪#‬له‪ p‬غ‪#‬ي‪4‬ر‪-‬ه‪] .(-‬سورة‬
‫هود‪ ،‬الية ‪.[50‬‬

‫) ‪%‬وإ) ل‪#‬ى ث‪ #‬م‪-‬ود‪ %‬أ‪ #‬خ‪%‬اه‪-‬م‪ 4‬ص‪%‬ال)حا‪ W‬ق‪#‬ال‪ #‬ي‪%‬ا ق‪#‬و‪4‬م) اع‪ 4‬ب‪-‬د‪-‬وا الل‪ X‬ه‪ %‬م‪%‬ا ‪#‬لك‪ /‬م‪ 4‬م) ن‪) 4‬إل‪ #‬ه‪ p‬غ‪#‬ي‪4‬ر‪ -‬ه‪. (-‬‬
‫]سورة هود‪ ،‬الية ‪.[61‬‬

‫) ‪%‬وإ)ل‪#‬ى م‪%‬د‪4‬ي‪%‬ن‪# %‬أخ‪%‬اه‪-‬م‪ 4‬ش‪-‬ع‪%‬ي‪4‬با‪ W‬ق‪#‬ال‪ #‬ي‪%‬ا ق‪#‬و‪4‬م) اع‪4‬ب‪-‬د‪-‬وا الل‪X‬ه‪ %‬م‪%‬ا ل‪#‬ك‪/‬م‪ 4‬م)ن‪ 4‬إ)‪#‬له‪ p‬غ‪#‬ي‪4‬ر‪-‬ه‪] .(-‬سورة‬
‫هود‪ ،‬الية ‪.[84‬‬

‫كذلك جاء المر لذه المة‪:‬‬

‫)و‪%‬اع‪4‬ب‪-‬د‪-‬وا الل‪X‬ه‪ %‬و‪%‬ل ت‪-‬ش‪4‬ر)ك‪/‬وا ب)ه) ش‪%‬ي‪4‬ئا‪] .(W‬سورة النساء‪ ،‬الية ‪.[36‬‬

‫فما حقيقة التوحيد الذي ب‪-‬عث به الرسل جيعا‪ ،X‬وعلى رأسهم خات النبياء صلى‬
‫ال عليه وسلم؟‬

‫أهو كلمة ينطقها الناس بأفواههم ‪ã‬في‪-‬صبحوا بجرد نطقها مؤمني؟‬

‫أهو مرد العتقاد بأن ال واحد ف ذاته وصفاته؟‬

‫أهو وجدان مستسر ف الضمي؟!‬

‫)‪(124‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫كل! إنا هو الكلمة الت تنطق بالفواه‪ ،‬والعتقاد الراسخ ف القلوب‪ ،‬والوجدان‬
‫الستسر ف الضمائر‪ ،‬مترجا‪ W‬ذلك كله إل واقع شعوري وواقع سلوكي‪ ،‬يتوجه بالعبادة‬
‫إل ال وحده بل شريك‪ ،‬ويلتزم بشريعة ال وحدها دون غيها من الشرائع‪ ،‬وإل فهو‬
‫الشرك الذي روى ال عنه على لسان الشركي‪:‬‬

‫) ‪%‬وق‪#‬ال‪ #‬ال‪X‬ذ)ين‪ %‬أ‪#‬ش‪4‬ر‪%‬ك‪/‬وا ل‪#‬و‪ 4‬ش‪%‬ا̀ء الل‪X‬ه‪ -‬م‪%‬ا ‪%‬عب‪%‬د‪4‬ن‪%‬ا م)ن‪ 4‬د‪-‬ون)ه) م)ن‪ 4‬ش‪%‬ي‪4‬ء‪ p‬ن‪%‬ح‪4‬ن‪ -‬و‪%‬ل آب‪%‬اؤ‪-‬ن‪%‬ا‬
‫و‪%‬ل ح‪%‬ر‪H‬م‪4‬ن‪%‬ا م)ن‪ 4‬د‪-‬ون)ه) م)ن‪ 4‬ش‪%‬ي‪4‬ء(‪] .‬سورة النحل‪ ،‬الية ‪.[35‬‬

‫وا لذي قال ا ل ع نه‪) :‬و‪ %‬م‪%‬ا ي‪-‬ؤ‪4‬م)ن‪# -‬أك‪.‬ث‪#‬ر‪-‬ه‪ -‬م‪ 4‬ب)الل‪X‬ه) )إل‪X‬ا و‪%‬ه‪ -‬م‪ 4‬م‪ -‬ش‪4‬ر)ك‪/‬ون‪ ] .(#‬سورة‬
‫يوسف الية ‪.[106‬‬

‫إن الطلوب من الناس لكي ي‪-‬صبحوا مؤمني‪ ،‬أن يعبدوا ال " ملصي له الدين "‬
‫وليس مرد أن يعرفوا أن لم ر̈با‪ ،‬أو أن ربم واحد‪ ،‬فقد كان الشيطان يعرف ذلك!‬

‫) ق‪#‬ال‪ #‬ر‪ %‬ب‪) s‬ب م‪%‬ا أ‪ #‬غ‪.‬و‪4%‬يت‪%‬ن)ي ل‪#‬أ‪/‬ز‪%‬ي‪%s‬نن‪# H‬له‪ -‬م‪ 4‬ف)ي ا‪.‬لأ‪#‬ر‪ 4‬ض) و‪ %‬ل‪#‬أ‪/‬غ‪.‬و)ي‪%‬ن‪H‬ه‪-‬م‪# 4‬أج‪4‬م‪%‬ع) ي‪) ،%‬إل‪X‬ا ع) ب‪%‬اد‪%‬ك‬
‫خل‪#‬ص)ي(‪] .‬سورة الجر‪ ،‬اليتان ‪.[40 - 39‬‬ ‫م)ن‪4‬ه‪-‬م‪ -‬ال‪.‬م‪4 -‬‬

‫والخلص ‪ -‬الذي هو الشرط الطلوب لكي تصح العباة وت‪-‬صبح مقبولة عند ال‬
‫‪ -‬ت شتمل ع لى أ مور ثل ثة‪ ،‬بين ها ا ل ف ك تابه ال نل‪ ،‬و ف سنة ر سوله صلى ا ل عل يه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫العتقاد الراسخ بأن ال واحد متفرد ف ذاته وصفاته وأسائه وأفعاله‪ ،‬ل شريك‬
‫له ف شيء من ذلك‪.‬‬

‫والتوجه بالعبادة إليه وحده دون شريك‪.‬‬

‫والتحاكم إل شريعته وحدها دون غيها من الشرائع‪.‬‬

‫والثل ثة كل ها هي القت ضى البا شر لل إ له إل ا ل‪ ،‬ون قض أي وا حد من ها هو‬


‫نقض " للخلص " الذي ل تقبل بدونه عبادة‪ ،‬ول ي‪-‬عتب أحد بدونه مؤمنا‪ ،X‬وإن صل‪m‬ى‬
‫وصام وزعم أنه مسلم!‬

‫)‪(125‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وا لخلص م له الق لب‪ ،‬ن عم‪ ،‬ول كن له شواهد تدل عل يه‪ ،‬أو تدل ع لى نق ضه‬
‫حي ينتقض‪ .‬فمن اعتقد أن مع ال من يلق أو يرزق‪ ،‬أو ي‪-‬حيي أو ي‪-‬ميت‪ ،‬أو يضر أو‬
‫ينفع‪ ،‬أو ي‪-‬دبر المر فقد أشرك‪.‬‬

‫ومن توجه بشيء من شعائر العبادة لغي ال ‪ -‬معه أو من دونه ‪ -‬فقد أشرك‪.‬‬

‫ومن تاكم راضيا‪ X‬مريدا‪ X‬عالا‪ X‬إل شريعة غي شريعة ال فقد أشرك‪.‬‬

‫وق ضية الت شريع با لذات‪ ،‬وكو نا مت ضمنة ت ضمن‪X‬ا مبا شرا‪ X‬ف ل إ له إل ا ل ‪-‬‬
‫بالنسبة للمم الؤمنة جيعا‪ - X‬قد تتاج إل شيء من البيان‪ ،‬إذا اعتبنا أن قضية العتقاد‬
‫وقضية العبادة من السلمات الت ل يادل فيها إنسان‪.‬‬

‫لقد أمر ال اليهود والنصارى بتطبيق ما أنزل إليهم من الشرائع‪ ،‬وشدد ف ذلك‬
‫المر حت ربط ذلك التطبيق باليان‪ ،‬وجعل عدم الكم با أنزل ال ناقضا‪ X‬لل إله إل‬
‫ال‪ ،‬ومرج‪X‬ا لصحابه من دائرة اليان‪.‬‬

‫يقول تعال ف شأن اليهود‪:‬‬

‫)إ) ن‪H‬ا ‪#‬أن‪4‬ز‪%‬ل‪ .‬ن‪%‬ا ال ت‪H‬و‪4‬ر‪%‬ا ‪#‬ة ف)ي ه‪%‬ا ه‪-‬دى‪ J‬و‪ %‬ن‪-‬ور= ‪%‬يح‪4‬ك‪ /‬م‪) -‬ب ه‪%‬ا الن‪)H‬ب ي_ون‪ #‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬أ‪ #‬س‪4‬ل‪#‬م‪-‬وا )ل ل‪X‬ذ)ين‬
‫ه‪%‬اد‪-‬وا و‪%‬الر‪ H‬ب‪H‬ان)ي_ون‪ #‬و‪%‬ال‪.‬أ‪#‬ح‪ 4‬ب‪%‬ار‪) -‬ب م‪%‬ا ا س‪4‬ت‪-‬ح‪4‬ف)ظ‪/‬وا م) ن‪ 4‬ك) ت‪%‬اب) الل‪ X‬ه) و‪ %‬ك‪#‬ان‪-‬وا ع‪%‬ل‪#‬ي‪ 4‬ه) ش‪-‬ه‪%‬د‪%‬ا̀ء ف‪#‬ل‬
‫‪%‬تخ‪ 4‬ش‪%‬و‪-‬ا الن‪H‬ا س‪ %‬و‪%‬اخ‪ 4‬ش‪%‬و‪4‬ن) و‪%‬ل ‪%‬ت ش‪4‬ت‪%‬ر‪-‬وا ب)آ ي‪%‬ات)ي ث‪% #‬م نا‪ W‬ق‪#‬ل)يل‪ W‬و‪%‬م‪ %‬ن‪# 4‬ل م‪ 4‬ي‪%‬ح‪4‬ك‪ /‬م‪) 4‬ب م‪%‬ا ‪#‬أن‪4‬ز‪ %‬ل‪ #‬الل‪X‬ه‬
‫ف‪#‬أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ه‪-‬م‪ -‬ال‪.‬ك‪#‬اف)ر‪-‬ون(‪] .‬سورة الائدة‪ ،‬الية ‪.[44‬‬

‫ويقول جل شأنه عن النصارى‪:‬‬

‫) ‪%‬ول‪.‬ي‪%‬ح‪4‬ك‪/‬م‪# 4‬أه‪4‬ل‪ /‬ال‪.‬أ)ن‪4‬ج)يل) )بم‪%‬ا أ‪#‬ن‪4‬ز‪%‬ل‪ #‬الل‪X‬ه‪ -‬ف)يه) و‪%‬م‪%‬ن‪ 4‬ل‪#‬م‪% 4‬يح‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬ب)م‪%‬ا ‪#‬أن‪4‬ز‪%‬ل‪ #‬الل‪X‬ه‪ -‬ف‪#‬أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‬
‫ه‪-‬م‪ -‬ا‪.‬لف‪#‬اس)ق‪/‬ون(‪] .‬سورة الائدة‪ ،‬الية ‪.[47‬‬

‫فبي ت عال بذلك أ نه أمر هم أ مرا‪ X‬صريا‪ - X‬بل شدد علي هم ‪ -‬ف الت حاكم إ ل‬
‫الشريعة الربانية النلة إليهم ف حينها‪ ،‬وجعل ذلك مكا‪ X‬ليانم‪ .‬ومع ذلك فحي حدد‬
‫ال ما أمرهم به فقد حصر المر حصرا‪ X‬ف هذه المور الثلثة‪:‬‬

‫)‪(126‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫) ‪%‬و م‪%‬ا أ‪ /‬م)ر‪-‬وا )إل‪X‬ا ل)ي‪%‬ع‪ 4‬ب‪-‬د‪-‬وا الل‪ X‬ه‪ %‬م‪-‬خ‪4‬ل) ص)ي‪ %‬ل‪ #‬ه‪ -‬الد‪s‬ين‪ %‬ح‪-‬ن‪ %‬ف‪#‬ا̀ء و‪%‬ي‪-‬ق)ي م‪-‬وا ال ص‪H‬لة‪ #‬و‪-%‬يؤ‪ 4‬ت‪-‬وا‬
‫الز‪H‬ك‪#‬اة‪ #‬و‪%‬ذ‪#‬ل)ك‪ %‬د)ين‪ -‬ا‪.‬لق‪#‬ي‪s‬م‪%‬ة(‪] .‬سورة البينة‪ ،‬الية ‪.[5‬‬

‫ون فى ا ل ف ت لك ال ية الك مة أ نه أمر هم ب شيء خلف ذ لك‪ ،‬فدل ذ لك ‪-‬‬


‫بالضرورة ‪ -‬على أن كل ما أمرهم به من التكاليف ‪ -‬ومن بينها تكيم شريعة ال ‪ -‬ل‬
‫ل ف واحد من هذه الثلثة ومتضمنا‪ W‬فيه‪ .‬فأين يا ترى يدخل المر‬ ‫بد أن يكون داخ ‪W‬‬
‫بتحكيم الشريعة؟ أيدخل ف إقامة الصلة؟ أم ف إيتاء الزكاة؟ أم إنه ‪ -‬بداهة ‪ -‬ل بد أن‬
‫ي كون مت ضمنا‪ W‬ف أ صل الع بادة‪ ،‬أي ف أ مر ا ل لم أن يع بدوا ا ل مل صي له ا لدين‬
‫حنفاء؟! ومن أجل ارتباطه الباشر بأمر العبادة ‪ -‬بأمر اليان ‪ -‬قال سبحانه‪) :‬و‪%‬م‪ %‬ن‪ 4‬ل‪#‬م‬
‫‪%‬يح‪4‬ك‪ /‬م‪) 4‬ب م‪%‬ا ‪#‬أن‪4‬ز‪ %‬ل‪ #‬الل‪ X‬ه‪ -‬ف‪#‬أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ه‪ -‬م‪ -‬ا‪.‬ل ك‪#‬اف)ر‪-‬ون(‪ ) .‬ف‪#‬أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ه‪ -‬م‪ -‬ال ظ‪X‬ال)م‪-‬ون‪ ) .(#‬ف‪#‬أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ه‪-‬م‬
‫ال‪.‬ف‪#‬اس)ق‪/‬ون( )‪.(111‬‬

‫و كذلك ا لال بالن سبة لل مة ا لخية‪ ..‬ف قد قال أ ناس بأفواههم ل إ له إل ا ل‬


‫ممد رسول ال‪ ،‬بل زعموا فوق ذلك أنم مطيعون ل ورسوله‪ ،‬ث دعوا إل ال ورسوله‬
‫ليحكم بينهم فأعرضوا عن شريعة ال‪ ،‬فنفى ال عنهم اليان‪:‬‬

‫) ‪%‬وي‪%‬ق‪/‬ول‪/‬ون‪ #‬آ ‪%‬من‪H‬ا ب)الل‪X‬ه) ‪%‬وب)الر‪H‬س‪-‬ول) و‪#%‬أط‪#‬ع‪4‬ن‪%‬ا ث‪/‬م‪% H‬يت‪%‬و‪%‬ل‪X‬ى ف‪#‬ر)يق= م)ن‪4‬ه‪-‬م‪ 4‬م)ن‪ 4‬ب‪%‬ع‪4‬د) ذ‪#‬ل)ك‪ %‬و‪%‬م‪%‬ا‬
‫أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ب)ال‪.‬م‪-‬ؤ‪4‬م)ن)ي‪ ،%‬و‪%‬إ)ذ‪#‬ا د‪-‬ع‪-‬وا إ)ل‪#‬ى الل‪X‬ه) و‪%‬ر‪%‬س‪-‬و)له) ل)‪%‬يح‪4‬ك‪/‬م‪% %‬بي‪4‬ن‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬إ)ذ‪#‬ا ف‪#‬ر)يق= م)ن‪4‬ه‪-‬م‪ 4‬م‪-‬ع‪4‬ر)ض‪-‬ون(‪.‬‬
‫]سورة النور‪ ،‬اليتان ‪.[48 ،47‬‬

‫وبي‪A‬ن تعال أنم ل يؤمنون حت ي‪-‬حك‪m‬موا شريعة ال‪.‬‬

‫)ف‪#‬ل و‪%‬ر‪%‬ب‪s‬ك‪ %‬ل ي‪-‬ؤ‪4‬م) ن‪-‬ون‪ #‬ح‪%‬ت‪H‬ى ي‪-‬ح‪+ %‬ك م‪-‬وك‪ %‬ف)ي م‪%‬ا ش‪%‬ج‪%‬ر‪ %‬ب‪%‬ي‪4‬ن‪%‬ه‪ -‬م‪ 4‬ث‪/‬م‪ H‬ل ‪%‬ي ج)د‪-‬وا ف)ي‬
‫‪#‬أن‪4‬ف‪/‬س)ه)م‪ 4‬ح‪%‬ر‪%‬جا‪ W‬م)م‪H‬ا ق‪#‬ض‪%‬ي‪4‬ت‪ %‬و‪%‬ي‪-‬س‪%‬ل‪+‬م‪-‬وا ت‪%‬س‪4‬ل)يما(‪] .‬سورة النساء‪ ،‬الية ‪.[65‬‬

‫وهكذا تتبي طبيعة التكليف العام الذي كلفه ال للمؤمني جيعا‪ X‬من كل المم‪،‬‬
‫با فيهم المة الخية‪ ،‬وأنه يشمل العقيدة والشعية والشريعة كلها ف آن واحد‪ .‬كلها‬

‫‪ ()111‬الكافرون والظالون والفاسقون ف اليات الثلث من سورة الائدة )‪ (47 ،45 ،44‬كلها وصف‬
‫لن ل يكم با أنزل ال‪ ،‬فهم كافرون‪ ،‬وهم ف الوقت نفسه ظالون وفاسقون‪ .‬وهذا أول من القول‬
‫بأنا درجات متلفة ف الكم على العمل الواحد‪.‬‬

‫)‪(127‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫هي " العبادة " الطلوبة من الؤمني‪ .‬ل يزئ بعضها عن بعض‪ ،‬ول يؤدي واحد منها‬
‫بفرده إل اتصاف النسان باليان‪ ،‬ونقض أي‪ á‬منها نقص لملة اليان‪.‬‬

‫أما التكليف الذي اختصت به المة الخية‪ ،‬الت أرسل إليها الرسول الات صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬فله حكمته عند ال‪.‬‬

‫لقد كان الرسل السابقون صلوات ال وسلمه عليهم‪ ،‬ي‪-‬رسل كل واحد منهم‬
‫لقوم معيني ولفترة من الزمن مدودة‪ ،‬حت كان خات النبيي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬الذي‬
‫أرسل إل البشر كافة إل قيام الساعة‪ ،‬بالرسالة الت اكتمل با الدين‪ ،‬وتت با النعمة‬
‫الربانية‪:‬‬

‫)ا‪.‬ل ي‪%‬و‪4‬م‪# %‬أك‪.‬م‪%‬ل‪ .‬ت‪# -‬لك‪ /‬م‪ 4‬د)ين‪%‬ك‪ /‬م‪ 4‬و‪%‬أ‪4#‬تم‪%‬م‪ 4‬ت‪ -‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ك‪ /‬م‪) 4‬نع‪4‬م‪ %‬ت)ي و‪%‬ر‪ %‬ض)يت‪# -‬لك‪ /‬م‪ -‬ا‪.‬لأ) س‪4‬لم‬
‫د)ينا(‪] .‬سورة الائدة‪ ،‬الية ‪.[3‬‬

‫اللبنة الت اكتمل با البناء‪..‬‬

‫" مثلي ومثل النبياء من قبلي كمثل رجل بن بنيانا‪ W‬فأحسنه وأجله‪ ،‬إل موضع‬
‫لب نة من زاو ية من زوا ياه‪ ،‬فج عل ال ناس يطو فون به‪ ،‬ويعج بون له‪ ،‬ويقو لون‪ :‬هل‬
‫وضعت اللبنة؟ فأنا اللبنة وأنا خات النبياء " )‪.(112‬‬

‫وإذا كانت أمة كل رسول قد ك”ل‪m‬فت أن تمل رسالة رسولا من بعده حت يأتيها‬
‫ر سول آ خر م صدق لل إ له إل ا ل‪ ،‬فتتب عه و تؤازره‪% ) :‬وإ)ذ‪ .‬أ‪ #‬خ‪%‬ذ‪ #‬الل‪ X‬ه‪ -‬م)ي ث‪#‬اق‪ %‬ال‪H‬نب)ي‪ s‬ي‪ %‬ل‪ #‬م‪%‬ا‬
‫آت‪%‬ي‪4‬ت‪/ -‬كم‪ 4‬م)ن‪ 4‬ك)ت‪%‬اب‪ p‬و‪%‬ح)ك‪.‬م‪%‬ة‪ p‬ث‪/‬م‪ H‬ج‪%‬ا̀ءك‪/‬م‪ 4‬ر‪%‬س‪-‬ول‪ I‬م‪-‬ص‪%‬د‪s‬ق= ل)م‪%‬ا م‪%‬ع‪%‬ك‪/‬م‪ 4‬ل‪#‬ت‪-‬ؤ‪4‬م)ن‪-‬ن‪) H‬به) و‪%‬ل‪#‬ت‪4 %‬نص‪-‬ر‪-‬ن‪H‬ه(‪.‬‬
‫]سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[81‬‬

‫فقد كلفت المة الخية كذلك أن تمل رسالة رسولا من بعده‪ ،‬ولكن مع‬
‫فارق أساسي‪ ،‬أو فارقي ف القيقة‪.‬‬

‫الفارق الول‪ :‬أن هذه المة تمل رسالة رسولا من بعده حت ي‪%‬ر)ث‪ #‬ال الرض‬
‫ومن عليها‪ ،‬لنه ل نب بعده صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول رسالة بعد رسالته‪.‬‬

‫‪ ()112‬أخرجه مسلم‪.‬‬

‫)‪(128‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫والفارق الثان‪ :‬أن رسالة الرسول الات صلى ال عليه وسلم‪ ،‬هي للناس كافة‪،‬‬
‫وليست لقوم معيني‪ ،‬ومن ث ‪-‬حم×ل‪ã‬ت‪ 5‬أمته رسالته من بعده للناس كافة‪ ،‬وجاء النص على‬
‫الناس صريا‪ X‬سواء ف وصف المة أو تديد رسالتها‪:‬‬

‫) ‪/‬كن‪4‬ت‪-‬م‪ 4‬خ‪%‬ي‪4‬ر‪ %‬أ‪/‬م‪H‬ة‪/ p‬أخ‪4‬ر)ج‪%‬ت‪ 4‬ل)لن‪H‬اس)(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[110‬‬

‫) ‪%‬وك‪#‬ذ‪#‬ل)ك‪% %‬جع‪%‬ل‪.‬ن‪%‬اك‪/‬م‪ 4‬أ‪/‬م‪H‬ة‪ W‬و‪%‬س‪%‬طا‪) W‬لت‪%‬ك‪/‬ون‪-‬وا ش‪-‬ه‪%‬د‪%‬ا̀ء ع‪%‬ل‪#‬ى الن‪H‬اس)(‪] .‬سورة البقرة‪ ،‬الية‬
‫‪.[143‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ما طبيعة هذا التكليف الاص؟‬

‫أشرنا فيما سبق إل أن الصوصية ف التكليف ناشئة من أن هذه المة هي أمة‬


‫الر سول ا لات صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬ا لذي اكت مل به ا لدين‪ ،‬وا لذي أر سل إ ل الب شرية‬
‫كافة‪ ،‬والذي ل نب بعده‪.‬‬

‫و من ث تت حدد مه مة هذه ال مة بأن تو صل الر سالة إ ل كل ف جاج ا لرض‬


‫الع مورة‪ ،‬وأن تبلغ ها لل ناس ك ما تلقت ها عن ر سول ا ل صلى ا ل عل يه و سلم )‪،(113‬‬
‫وبالطريقة الت تلقتها با عن رسول ال صلى ال عليه وسلم )‪ ،(114‬وتتحمل ما يقتضيه‬
‫التبل يغ من جهاد ف سبيل ال ك ما جا هد الر سول صلى ا ل عل يه و سلم‪ ،‬ث أن ت كون‬
‫شاهدة على كل البشرية‪.‬‬

‫وق بل أن ن شرح حدود هذا التكل يف وو سيلته‪ ،‬ن‪-‬ح ب‪ A‬أن ن‪ -‬كرر ال شارة إ ل أن‬
‫رسالة المة السلمية وتكاليفها هي رسالة نبيها صلى ال عليه وسلم وسلمذاتا‪ ،‬وما‬
‫ك”لف من التكاليف‪.‬‬

‫فالرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أمر بالدعوة والتبليغ‪.‬‬

‫‪ ()113‬أي دون تريف فيها ول زيادة ول نقص‪.‬‬


‫‪ ()114‬أي بالقدوة العملية أساسا‪ X‬كما سيأت بيانه‪.‬‬

‫)‪(129‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫)اد‪ 4‬ع‪) -‬إ ل‪#‬ى س‪%‬ب)يل) ر‪s%‬ب ك‪ %‬ب)ال‪.‬ح)ك‪ .‬م‪%‬ة) و‪%‬ال‪.‬م‪%‬و‪4‬ع) ظ‪#‬ة) ال‪.‬ح‪ %‬س‪%‬ن‪%‬ة)(‪ ] .‬سورة الن حل‪ ،‬ال ية‬
‫‪.[125‬‬

‫)ي‪%‬ا أ‪_#‬يه‪%‬ا الر‪H‬س‪-‬ول‪ /‬ب‪%‬ل‪+‬غ‪ .‬م‪%‬ا ‪/‬أن‪4‬ز)ل‪) #‬إل‪#‬ي‪4‬ك‪ %‬م)ن‪ 4‬ر‪%‬ب‪s‬ك‪ %‬و‪%‬إ)ن‪ .‬ل‪#‬م‪% 4‬تف‪.‬ع‪%‬ل‪ .‬ف‪#‬م‪%‬ا ‪%‬بل‪X‬غ‪4‬ت‪ %‬ر)س‪%‬ال‪#‬ت‪%‬ه‪. (-‬‬
‫]سورة الائدة‪ ،‬الية ‪.[67‬‬

‫وأمر بالهاد‪..‬‬

‫) ي‪%‬ا أ‪_#‬ي ه‪%‬ا الن‪H‬ب) ي_ ج‪%‬ا ه)د) ا‪.‬لك‪ /‬ف‪X‬ار‪ %‬و‪%‬ال‪.‬م‪ -‬ن‪%‬اف)ق)ي‪ %‬و‪%‬اغ‪.‬ل‪ /‬ظ‪ .‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه) م‪ 4‬و‪ %‬م‪%‬أ‪.‬و‪%‬اه‪-‬م‪ 4‬ج‪%‬ه‪%‬ن‪ H‬م‪ -‬و‪%‬ب)ئ‪.‬س‬
‫ال‪.‬م‪%‬ص)ي(‪] .‬سورة التحري‪ ،‬الية ‪.[9‬‬

‫وأ”رسل شاهدا‪ W‬على الناس‪..‬‬

‫) ي‪%‬ا ‪#‬أي_ ه‪%‬ا الن‪H‬ب) ي_ إ) ن‪H‬ا أ‪#‬ر‪ 4‬س‪%‬ل‪.‬ن‪%‬اك‪ %‬ش‪%‬اه)دا‪ W‬و‪%‬م‪-‬ب‪ %‬ش‪s‬را‪ W‬و‪ %‬ن‪%‬ذ)يرا‪ ] .(W‬سورة ا لحزاب‪ ،‬ال ية‬
‫‪.[45‬‬

‫والمة كلفت التكاليف ذاتا‪:‬‬

‫) ‪%‬ول‪.‬ت‪%‬ك‪/‬ن‪ 4‬م)ن‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬أ‪/‬م‪H‬ة‪ I‬ي‪%‬د‪4‬ع‪-‬ون‪ #‬إ)ل‪#‬ى ا‪.‬لخ‪%‬ي‪4‬ر) و‪%‬ي‪%‬أ‪.‬م‪-‬ر‪-‬ون‪ #‬ب)ال‪.‬م‪%‬ع‪4‬ر‪-‬وف) و‪%%‬ين‪4‬ه‪%‬و‪4‬ن‪ #‬ع‪%‬ن) ال‪.‬م‪-‬ن‪4‬ك‪#‬ر)(‪.‬‬
‫]سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[104‬‬

‫" بلغوا عن ولو آية " )‪.(115‬‬

‫) ‪%‬وج‪%‬اه)د‪-‬وا ف)ي الل‪X‬ه) ح‪%‬ق‪ H‬ج)ه‪%‬اد)ه)(‪] .‬سورة الج‪ ،‬الية ‪.[78‬‬

‫) ‪%‬وك‪#‬ذ‪#‬ل)ك‪% %‬جع‪%‬ل‪.‬ن‪%‬اك‪/‬م‪ 4‬أ‪/‬م‪H‬ة‪ W‬و‪%‬س‪%‬طا‪) W‬لت‪%‬ك‪/‬ون‪-‬وا ش‪-‬ه‪%‬د‪%‬ا̀ء ع‪%‬ل‪#‬ى الن‪H‬اس)(‪] .‬سورة البقرة‪ ،‬الية‬
‫‪.[143‬‬

‫‪ ()115‬أخرجه البخاري‪.‬‬

‫)‪(130‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وتلك الهداف النصوص عليها ف كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫هي أ هداف ذات اعت بار‪ ،‬سواء ف حك مة " إ خراج " هذه المة‪ ،‬أو ف تقر ير خييتها‬
‫كذلك‪.‬‬

‫) ‪/‬كن‪4‬ت‪ -‬م‪ 4‬خ‪ %‬ي‪4‬ر‪ %‬أ‪ /‬م‪H‬ة‪ p‬أ‪/‬خ‪4‬ر)ج‪ %‬ت‪ 4‬ل)لن‪H‬ا س) ت‪%‬أ‪.‬م‪-‬ر‪-‬ون‪ #‬ب)ال‪.‬م‪%‬ع‪4‬ر‪-‬وف) و‪%‬ت‪%‬ن‪ 4‬ه‪%‬و‪4‬ن‪ #‬ع‪ %‬ن) ا‪.‬لم‪-‬ن‪ 4‬ك‪#‬ر‬
‫و‪-%‬تؤ‪4‬م)ن‪-‬ون‪ #‬ب)الل‪X‬ه(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[110‬‬

‫ونقف قليل‪ X‬عند قضية " اليية " الت وصفت با هذه المة‪:‬‬

‫ما ال فرق بين ها وب ي د عوى اليهود أ نم شعب ا ل الخ تار إ ل هذه اللح ظة‪،‬‬
‫الفضل على العالي إل البد‪ ،‬ودعوى كل قومية أنا أفضل المم جيعا‪ W‬وأرقاها؟‬

‫هناك عدة فوارق‪ ،‬تنطلق كلها من فارق أساسي‪ :‬أن خيية هذه المم ليست‬
‫خيية عنصرية ول عرقية كدعوى بن إسرائيل‪ ،‬وليست منبثقة من عصبية جنس ول‬
‫انتماء لرض معينة كعصبية القومية المقاء‪.‬‬

‫إنا خيية أعمال‪ ..‬خيية مبادئ‪ ..‬خيية قيم‪ ..‬خيية سلوك‪ ،‬ناشئة من اليان‬
‫بال‪ ،‬والمر بالعروف والنهي عن النكر‪ .‬ولذلك فهي ليست حكر‪W‬ا على شعب معي‬
‫ول عنصر معي ول دم معي‪ ،‬إنا هي ملك لكل مسلم آمن بال وملئكته وكتبه ورسله‬
‫واليوم الخر والقدر خيه وشره‪ ،‬وعمل بقتضى إيانه‪ ،‬أ̈يا كان جنسه أو لغته أو أرضه‬
‫أو من شؤه‪ ،‬ك ما كانت مل ك‪X‬ا لبلل الب شي‪ ،‬وصهيب الرومي‪ ،‬وسلمان الفار سي‪ ،‬ع لى‬
‫الستوى نفسه الذي كانت فيه ملكا‪ X‬للمؤمني من قريش‪ .‬وإنا يتفاضل الناس فيما بينهم‬
‫بالتقوى‪:‬‬

‫" ل فضل لعرب على عجمي‪ ،‬ول لبيض على أحر إل بالتقوى " )‪.(116‬‬

‫و لذلك أي ضا‪ X‬ل ت كن صفة ل صقة ب شخص مع ي ول شعب مع ي ول عن صر‬


‫معي‪ ،‬مهما يعمل من السيئات‪ ،‬ومهما يقع منه من انرافات‪ ،‬كدعوى بن إسرائيل أنم‬
‫ما زالوا شعب ال الختار‪ ،‬وقد كفروا بال ورسله‪ ،‬وارتكبوا من الوبقات ما ارتكبوا‪،‬‬
‫و كدعوى كل قوم ية أ نا أف ضل ا لمم‪ ،‬مه ما ارتك بت من ا لرائم‪ ،‬ومار ست من‬

‫‪ ()116‬رواه أحد ف مسنده‪.‬‬

‫)‪(131‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫الماقات‪ .‬بل تذهب اليية عن المم ‪ -‬كما هو حال المة السلمة اليوم ‪ -‬إن هي‬
‫نكلت عن رسالتها ول تقم بتكاليفها‪ ،‬ول تسترد استحقاقها لا حت تعود إل العمل‬
‫بقتضياتا‪.‬‬

‫تلك هي الفوارق‪..‬‬

‫فهي ليست " عصبية " لقوم ل ولنس ول لرض ول لشعار‪..‬‬

‫" ليس منا من دعا إل عصبية‪ ،‬وليس منا من قاتل على عصبية‪ ،‬وليس منا من‬
‫مات على عصبية " )‪.(117‬‬

‫وليست كذلك دعوى بل دليل‪ .‬إنا هي قيم ومبادئ وعمل وسلوك‪ ،‬إن وجدت‬
‫و جدت مع ها الي ية‪ ،‬وإن زا لت زا لت الي ية‪ ،‬وإن ب قي ال ناس ا لذين يم لون أ ساء‬
‫إسلمية‪ ،‬ويقولون بأفواههم ل إله إل ال‪ ،‬ممد رسول ال!‬

‫وما أعظم الفارق ف واقع الرض‪ ،‬وعند ال ف اليوم الخر‪ ،‬بي دعوى تمل‬
‫ر صيدا‪ X‬من ا لق‪ ،‬ود عوى ت مل الر صيد‪) :‬ل‪#‬ي‪ 4‬س‪) %‬بأ‪ #‬م‪%‬ان)ي‪s‬ك‪/‬م‪ 4‬و‪%‬ل أ‪ #‬م‪%‬ان)ي‪ s‬أ‪#‬ه‪ 4‬ل) ال‪.‬ك) ت‪%‬اب) م‪%‬ن‬
‫‪%‬يع‪4‬م‪ %‬ل‪ .‬س‪-‬وءا‪- W‬ي ج‪4‬ز‪ %‬ب) ه) و‪%‬ل ي‪ %‬ج)د‪ 4‬ل‪ #‬ه‪ -‬م) ن‪ 4‬د‪-‬و ن) الل‪ X‬ه) و‪)%‬ل ي‪m‬ا‪ W‬و‪%‬ل ‪%‬ن ص)يا‪ ،W‬و‪%‬م‪ %‬ن‪ 4‬ي‪%‬ع‪4‬م‪ %‬ل‪ .‬م) ن‬
‫ال ص‪H‬ال)ح‪%‬ات) م) ن‪ 4‬ذ‪ #‬ك‪#‬ر‪# p‬أو‪ 4‬أ‪/‬ن‪ 4‬ث‪#‬ى و‪ %‬ه‪-‬و‪ %‬م‪-‬ؤ‪4‬م)ن= ف‪#‬أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ي‪%‬د‪4‬خ‪-‬ل‪/‬ون‪ #‬ا‪.‬لج‪ %‬ن‪H‬ة‪ #‬و‪%‬ل ‪-‬يظ‪.‬ل‪ #‬م‪-‬ون‪ #‬ن‪%‬ق)يا(‪.‬‬
‫]سورة النساء‪ ،‬اليتان ‪.[124 - 123‬‬

‫ونعود إل رسالة المة السلمة‪..‬‬

‫إن ل إله إل ال‪ ،‬الت جاء با كل رسول من لدن آدم إل ممد صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬هي الساس الذي يقوم عليه البناء اليان‪ ،‬اللب للفطرة‪ ،‬والذي يصبح به النسان‬
‫ف أحسن تقوي كما خلقه ال‪:‬‬

‫)ل‪#‬ق‪#‬د‪% 4‬خل‪#‬ق‪.‬ن‪%‬ا ا‪.‬لأ)ن‪4‬س‪%‬ان‪ #‬ف)ي ‪#‬أح‪4‬س‪%‬ن) ت‪%‬ق‪.‬و)ي‪] .(p‬سورة التي‪ ،‬الية ‪.[4‬‬

‫‪ ()117‬رواه أبو داود‪.‬‬

‫)‪(132‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫)ف)ط‪.‬ر‪%‬ت‪ %‬الل‪X‬ه) ا‪X‬لت)ي ف‪#‬ط‪#‬ر‪ %‬الن‪H‬اس‪ %‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه‪%‬ا ل ‪%‬تب‪4‬د)يل‪) #‬لخ‪%‬ل‪.‬ق) الل‪X‬ه) ذ‪#‬ل)ك‪ %‬الد‪s‬ين‪ -‬ال‪.‬ق‪#‬ي‪s‬م‪ -‬و‪%‬ل‪#‬ك)ن‬
‫‪#‬أك‪.‬ث‪#‬ر‪ %‬الن‪H‬اس) ل ي‪%‬ع‪4‬ل‪#‬م‪-‬ون(‪] .‬سورة الروم‪ ،‬الية ‪.[30‬‬

‫" كل مولود يولد على الفطرة " )‪.(118‬‬

‫ولكن نوع الساس وحجمه وطبيعته تتناسب دائما‪ X‬مع حجم البناء القام فوقه‬
‫ونوعه وطبيعته‪.‬‬

‫والبناء الذي أخرجت هذه المة لتقيمه هو أعظم بناء ف تاريخ البشرية‪ :‬هو‬
‫تقيق النهج الربان ف عال الواقع‪ ،‬ف مواجهة الاهلية العالية ف كل الرض‪ ..‬لذلك‬
‫ح‪-‬ق‪ m‬للساس الذي يقوم عليه ذلك البناء أن يكون أمت أساس وضع ف تاريخ البشرية‪.‬‬

‫لقد ظل ال قرآن الكر ي يت نل ثل ثة ع شر عاما‪ X‬ف م كة ف مو ضوع وا حد‪ ،‬هو‬


‫العق يدة ومقت ضياتا‪ ،‬ل نا هي ال ساس ا لذي سيقوم عل يه ذ لك الب ناء ال ضخم‪ .‬وأن فق‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثلثة عشر عاما‪ X‬ف مكة‪ ،‬هه الول تأسيس الساس‬
‫وتكينه وترسيخه ليحمل البناء من بعد‪ ..‬ولا بدأ البناء بالفعل ‪ -‬ف الدينة ‪ -‬فإنه شخ ف‬
‫سنوات قلئل‪ ،‬بسرعة وتك‪Ë‬ن‪ ،‬لنه كان راسخ الساس‪.‬‬

‫كان أساسه ف النفوس‪ .‬ف قلوب تلك العصبة الؤمنة‪ ،‬القليلة العدد‪ ،‬نعم‪ ،‬ولكنها‬
‫ت ثل أ ضعاف أ ضعاف حجم ها ال عددي‪ ،‬ل نا ت مل طا قة مر كزة من ال يان ال صاف‬
‫التجرد ل‪ ،‬تكفي لضاءة الساحة الواسعة بإشعاعها‪ ..‬ل ساحة الدينة النورة وحدها‪،‬‬
‫ول ساحة الزيرة العربية وحدها‪ ،‬ولكن ساحة البشرية‪.‬‬

‫إن أصفى بيان للتوحيد‪ ،‬وأكمل بيان وأشل بيان‪ ،‬هو الذي نزل به القرآن الكري‬
‫وبينته السنة النبوية الطهرة‪ ،‬لن ال كان ‪-‬يع‪Æ‬د‪ ¥‬بذا البيان‪ " ،‬خي أمة أخرجت للناس "‪.‬‬
‫المة الت ك”ل‪m‬فت أن تكون شاهدة على كل البشرية‪.‬‬

‫وما نقول إنا المة الوحيدة الت تردت ل‪ ،‬أو ترد " الواريون " الذين تمعوا‬
‫حول نبيها ل‪ ..‬كل! فحول كل نب أرسل إل الناس تمعت قلوب صافية‪ ،‬باعت الدنيا‪،‬‬

‫‪ ()118‬متفق عليه‪ ،‬البخاري ‪ ،1385‬مسلم ‪.2658‬‬

‫)‪(133‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وتردت للحق الذي آمنت به‪ ،‬ورضيت بال ر̈با‪ ،‬وبنبيها رسول‪ ،X‬وبالخرة عوضا‪ X‬عن‬
‫الدنيا‪..‬‬

‫ولكن‪m‬ا نضع ف حسابنا أمرا‪ W‬آخر‪..‬‬

‫إن الركة باليان ليست كمجرد اليان مهما كان راسخا‪ ..X‬فمن شأن الركة‬
‫أن تدث اهتزازات ف الكيان التحرك‪ ،‬فيحتاج إل تكي الساس أكثر‪ ،‬لكي ل تؤثر‬
‫الركة ف ثباته واستقراره‪ .‬وكلما كانت الركة أوسع مدى وأشد م–و‪5‬را‪ X‬احتاج المر‬
‫إل تكي الساس أكثر‪ ،‬لكي يظل متماسكا‪ X‬على الرغم من الراكة الوارة‬

‫ولقد كانت حركة هذه المة بإيانا ف مالت الياة الختلفة أعظم حركة ف‬
‫التار يخ‪ ،‬ف لزم ‪ -‬ف ع لم ال ‪ -‬أن ي كون ال ساس ا لذي ي قوم عل يه بناؤها أر سخ أ ساس‬
‫وأعمق أساس‪ ..‬فنل القرآن ثلثة عشر عاما‪ X‬كاملة‪ ،‬يبي حقيقة التوحيد الشاملة‪ ،‬ويدخل‬
‫با كل مسارب النفس البشرية ومنحنياتا‪ ،‬ليستقر هناك عميقا‪ X‬ف حنايا النفوس‪ .‬وبقي‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه وسلم‪ ،‬ثلثة ع شر عاما‪ X‬كام لة‪ X‬ير كز جهده ا لعظم ف تربية‬
‫هاتيك النفوس‪ ،‬لتحمل أكب طاقة إيانية يتسع لا القلب البشري‪ .‬وكان هذا كله عنصرا‬
‫ملحوظا‪ X‬من عناصر خيية هذا المة‪.‬‬

‫) ‪/‬كن‪4‬ت‪ -‬م‪ 4‬خ‪ %‬ي‪4‬ر‪ %‬أ‪ /‬م‪H‬ة‪ p‬أ‪/‬خ‪4‬ر)ج‪ %‬ت‪ 4‬ل)لن‪H‬ا س) ت‪%‬أ‪.‬م‪-‬ر‪-‬ون‪ #‬ب)ال‪.‬م‪%‬ع‪4‬ر‪-‬وف) و‪%‬ت‪%‬ن‪ 4‬ه‪%‬و‪4‬ن‪ #‬ع‪ %‬ن) ا‪.‬لم‪-‬ن‪ 4‬ك‪#‬ر‬
‫و‪-%‬تؤ‪4‬م)ن‪-‬ون‪ #‬ب)الل‪X‬ه(‪] .‬آل عمران‪ ،‬الية‪.[110 :‬‬

‫و لو كان ا لمر مرد ال يان فل و جه لي ية هذه ال مة ف يه‪ ،‬ف قد آم نت قبل ها‬


‫أمم‪ ..‬ولكنها الركة الواسعة باليان‪ ،‬التمثلة ف المر بالعروف والنهي عن النكر على‬
‫نطاق شامل‪ ،‬هي الت جعلت المة اليية ف مال اليان ذاته‪ ،‬كما نصت الية الكرية‬

‫وذلك فضل ال يؤتيه من يشاء‪.‬‬

‫وحي قام بناء المة ف الدينة النورة ‪ -‬بالهاجرين والنصار ‪ -‬تتابعت التكاليف‬
‫واتسع نطاقها حت شلت الياة كلها ف كل جوانبها السياسية والقتصادية والجتماعية‬
‫والفكر ية والخلق ية‪ ..‬الت صورية وال سلوكية‪ ،‬الداخل ية والارج ية‪ ..‬حت اكت مل ا لدين‬
‫وتت النعمة‪:‬‬

‫)‪(134‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫)ا‪.‬ل ي‪%‬و‪4‬م‪# %‬أك‪.‬م‪%‬ل‪ .‬ت‪# -‬لك‪ /‬م‪ 4‬د)ين‪%‬ك‪ /‬م‪ 4‬و‪%‬أ‪4#‬تم‪%‬م‪ 4‬ت‪ -‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ك‪ /‬م‪) 4‬نع‪4‬م‪ %‬ت)ي و‪%‬ر‪ %‬ض)يت‪# -‬لك‪ /‬م‪ -‬ا‪.‬لأ) س‪4‬لم‬
‫د)ينا(‪] .‬سورة الائدة‪ ،‬الية ‪.[3‬‬

‫وكانت هذه التكاليف ت‪-‬ع‪Æ‬د‪ ¥‬المة لدفي ف آن واحد‪:‬‬

‫الدف الول أن تستقيم هذه المة لربا ف ذات نفسها ‪ -‬وهو الدف الشترك‬
‫بين ها وب ي ا لمم الؤم نة ال سابقة كل ها ‪ -‬ول كن ع لى أو سع م ساحة عرفت ها الب شرية‪:‬‬
‫تشمل الفرد والماعة‪ ،‬الرجل والرأة‪ .‬الصغار والكبار‪ .‬التعامل مع الصدقاء والعداء‪.‬‬
‫ا لؤمني وغ ي ا لؤمني‪ ،‬ا لاربي وال سالي‪ ،‬ك ما ت شمل كل ت صرف سلوكي‪ ،‬و كل‬
‫تصرف فكري‪ ،‬وكل هاجسة تطر ف داخل النفس ل يراها الناس‪ ،‬ولكن يطلع عليها من‬
‫يعلم خائنة العي وما ‪-‬تخ‪5‬ف‪Æ‬ي الص‪¥‬دور‪.‬‬

‫والدف الثان‪ :‬أن تقوم هذه المة بالشهادة على كل البشرية‪..‬‬

‫وإ نا لتقوم بالتكليفي معا‪ X‬ع لى أ ساس وا حد‪ ،‬هو ل إ له إل ال‪ ،‬م مد ر سول‬
‫ال‪.‬‬

‫إنا ل تصطنع شيئا‪ X‬خاص¨ا من أجل الشهادة على البشرية غي الذي تقوم به لذات‬
‫نفسها‪ ..‬اللهم إل الدعوة وتكاليفها‪ ..‬ولكنه الساس ذاته‪ ،‬والنهج ذاته‪ ،‬والتوجه ذاته‪..‬‬

‫إنا تتحرك ‪ -‬با استقامت لربا ف ذات نفسها ‪ -‬لتعرض على الناس السلم من‬
‫خلل سلوكها العملي بالنهج الربان‪ ،‬وتدعوهم ‪ -‬من خلل القدوة العملية ‪ -‬للدخول‬
‫فيه‪ .‬ث تبلغهم أن هذا الدين هو العتمد عند ال‪ ،‬الناسخ لكل ما سواه‪ ،‬وأنا مكلفة من‬
‫قبل ربا أن تدعوهم إليه‪ ،‬وأن تزيل كل الواجز الت تجب الق عن النفوس‪ ،‬وتجز‬
‫الن فوس عن ا لق‪ ،‬ليخ تار ال ناس لنف سهم ما ي تارون غ ي م ضغوط علي هم ول م ضللي‬
‫)‪.(119‬‬

‫وهكذا ند أن الساس القيقي للتكليف الاص الذي كلفت به هذه المة من‬
‫دعوة وشهادة وجهاد‪ ،‬هو الساس ذاته الذي يقوم به إسلمها‪ .‬فهي تتحرك حركتها‬

‫‪ ()119‬سنتكلم فيما بعد عن مهمة الهاد السلمي ف حياة المة وف حياة البشرية‪.‬‬

‫)‪(135‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫الطبيعية الذاتية بذا الدين‪ ،‬ومن خلل حركتها تدعو‪ ،‬ومن خلل حركتها تشهد‪ ،‬ومن‬
‫خلل حركتها تقوم با تستلزمه الدعوة والشهادة من الهاد‪.‬‬

‫ف ما هي الر كة الذات ية لذه ال مة بذا ا لدين؟ وك يف قام با ال يل ا لول‬


‫الفريد؟‬

‫ليس هنا مال التفصيل‪..‬‬

‫إنا نتزئ هنا بالطوط العريضة ج̈دا لذه الركة‪.‬‬

‫إنا صدق اليان بال واليوم الخر‪ ،‬وجدية الخذ من الكتاب والسنة ف كل‬
‫أمر يعرض ف حياة الناس‪ ،‬وصدق الهاد ف سبيل ال‪.‬‬

‫و هي تق يق مع ن " ال مة " بالعن ال سلمي ال صحيح ال قائم ع لى العق يدة‪ ،‬ل‬


‫تدخل فيه عصبية النس ول اللون ول اللغة ول الرض‪ ..‬إنا هي الخوة ف السلم‪.‬‬

‫وهي تقيق التكافل الذي يربط بناء المة‪ ،‬ويعل القادرين يملون غي القادرين‬
‫با أفاء ال عليهم من فضله‪.‬‬

‫وهي تقيق العدل الربان ف واقع الرض‪.‬‬

‫وهي تقيق أخلقيات ل إله إل ال‪.‬‬

‫وهي الوفاء بالواثيق )‪.(120‬‬

‫ث هي حركة علمية منبثقة من العقيدة‪.‬‬

‫وحركة حضارية منبثقة من هذا الدين )‪.(121‬‬

‫‪ ()120‬الوفاء بالواثيق هو من أخلقيات ل إله إل ال‪ ،‬ولكنا أفردناه لهيته الاصة ف التوجيه الربان‬
‫لذه المة‪.‬‬

‫)‪(136‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إن هذه ‪ -‬ك ما ق لت ف ف صل " ن ظرة إ ل ال يل الفر يد " من ك تاب " واقع نا‬
‫العاصر " ‪ -‬ليست مثاليات ط”ول‪Æ‬ب– با اليل الول وحده‪ ،‬وقام با على الوجه الكمل‪.‬‬
‫إنا هي السمات الدائمة للمة السلمة‪ ،‬الكلف با كل جيل من أجيالا إل قيام الساعة‪،‬‬
‫والت تعتب المة م‪-‬ق ص‪A‬رة ف الدنيا والخرة إن هي ن–ك‪ãã‬ل ت‪ 5‬عن القيام با ف حدها الدن‬
‫الفروض‪.‬‬

‫إنا كان الذي تفرد به اليل الول هو الدرجة العجيبة الت وصل إليها ف تقيق‬
‫ت لك ال سمات ف أع لى آفاق ها‪ ،‬و تاوز با ا لد ا لدن ال فروض‪ ،‬إ ل ا لد ا لعلى‬
‫الرغوب‪ ،‬تطوعا‪ X‬منه‪ ،‬ورغبة ف مرضاة ال‪.‬‬

‫أما تلك السمات ذاتا فهي هي كيان المة الصيل‪ ،‬من أجلها أخرجت هذه‬
‫المة‪ ،‬ومن أجلها كانت خييتها‪ .‬ولن يتحقق لا كيانا السلمي القيقي ‪ -‬فضل‪ W‬عن‬
‫اليية النوطة با ‪ -‬حت تقوم با‪ ،‬وتاهد ف سبيلها‪ ،‬وتنحها عزيتها الصادقة‪ .‬ول‬
‫تكون قد أدت رسالتها سواء لنفسها أو للناس‪ ،‬إن هي اكتفت من كل ذلك بالمان‬
‫الفارغة والحلم الميلة‪.‬‬

‫إن هذه السمات ‪ -‬بالنسبة لذه المة ‪ -‬هي مقتضيات ل إله إل ال‪ ،‬ذلك أنا‬
‫‪ -‬كلها ‪ -‬تكليف ربان‪ ،‬وكل تكليف ربان داخل ‪ -‬بالضرورة ‪ -‬ف مقتضيات ل إله‬
‫إل ال‪.‬‬

‫ومن ث كانت ل إله إل ال ف حياة هذه المة أمت أساس قام عليه بناء ف تاريخ‬
‫أية أمة‪ ،‬وأوسع أساس‪ ،‬وأشل أساس‪.‬‬

‫إنه منهج حياة كامل‪ ،‬يشمل كل جزئيات الياة‪ ،‬ويربطها بعضها ببعض برباط‬
‫اليان )‪.(122‬‬

‫‪ ()121‬تدثت عن هذه السمات بتفصيل كاف ف فصل " نظرة إل اليل الفريد " من كتاب " واقعنا‬
‫العاصر "‪.‬‬

‫)‪(137‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ثانيا‪ :‬لات من التاريخ‬


‫ل يس الق صد ه نا هو ا ستعراض تار يخ ال مة ال سلمية‪ ،‬ول حت أبرز ملم ها‪،‬‬
‫فذلك أمر يطول‪ ،‬وتتص به الدراسات التاريية التخصصة‪ .‬إنا القصد هو إعطاء لات‬
‫‪ -‬مرد لات ‪ -‬من ذلك التاريخ‪ ،‬تبز شيئ‪X‬ا ما منحته للبشرية تلك المة الت أخرجت‬
‫للناس‪ ،‬ف الفترة الت كانت قائمة فيها برسالتها على استقامة كاملة‪ ،‬أو حت على استقامة‬
‫نسبية مشوبة بشيء من النراف‪ ،‬فقد مضت عليها فترة غي قصية كانت فيها دائمة‬
‫العطاء للبشرية‪ ،‬حت وهي واقعة ف شيء من النراف!‬

‫ول نقصد من هذه اللمحات أن تغطي كل جوانب العطاء الذي قدمته هذه المة‬
‫للبشرية‪ ،‬فهذا أيضا‪ X‬أمر يطول‪ ،‬وتتص به الدراسات التاريية التخصصة‪ .‬إنا هي مرد‬
‫لقطات متفرقة‪ ،‬بقدر ما يسمح به القام ف كتيب كهذا ياول أن ي‪-‬عطي صورة سريعة‬
‫لحوال العال العا صر من زاوية الرصد السلمية‪ .‬ومن أمانينا أن يتفرغ لبحث هذه‬
‫الوانب باحثون متخصصون‪ ،‬يتوفرون على دراسة ذلك العطاء الضخم الذي تتنكر له‬
‫البشرية اليوم‪ ،‬بدافع الغفلة من جانب المة‪ ،‬ودافع التعصب القيت من جانب العداء!‬

‫)‪(1‬‬
‫كانت الداية إل التوحيد هي قمة العطاء الربان لذه المة‪ .‬وهي كذلك قمة‬
‫العطاء الذي قدمته هذه المة للبشرية‪:‬‬

‫)ل‪#‬ق‪#‬د‪ 4‬م‪%‬ن‪ H‬الل‪X‬ه‪ -‬ع‪%‬ل‪#‬ى ال‪.‬م‪-‬ؤ‪4‬م)ن)ي‪ %‬إ)ذ‪ .‬ب‪%‬ع‪%‬ث‪ #‬ف)يه)م‪ 4‬ر‪%‬س‪-‬ول‪ W‬م)ن‪ 4‬أ‪4#‬نف‪/‬س)ه)م‪% 4‬يت‪4‬ل‪/‬و ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه)م‪ 4‬آي‪%‬ات)ه‬
‫و‪-%‬يز‪%‬ك‪+‬يه)م‪ 4‬و‪%‬ي‪-‬ع‪%‬ل‪+‬م‪-‬ه‪-‬م‪ -‬ال‪.‬ك)ت‪%‬اب‪ %‬و‪%‬ال‪.‬ح)ك‪.‬م‪%‬ة‪% #‬وإ)ن‪ .‬ك‪#‬ان‪-‬وا م)ن‪ 4‬ق‪#‬ب‪4‬ل‪ /‬ل‪#‬ف)ي ض‪%‬ل ‪p‬ل م‪-‬ب)ي(‪] .‬سورة آل‬
‫عمران‪ ،‬الية ‪.[164‬‬

‫) ‪/‬كن‪4‬ت‪ -‬م‪ 4‬خ‪ %‬ي‪4‬ر‪ %‬أ‪ /‬م‪H‬ة‪ p‬أ‪/‬خ‪4‬ر)ج‪ %‬ت‪ 4‬ل)لن‪H‬ا س) ت‪%‬أ‪.‬م‪-‬ر‪-‬ون‪ #‬ب)ال‪.‬م‪%‬ع‪4‬ر‪-‬وف) و‪%‬ت‪%‬ن‪ 4‬ه‪%‬و‪4‬ن‪ #‬ع‪ %‬ن) ا‪.‬لم‪-‬ن‪ 4‬ك‪#‬ر‬
‫و‪-%‬تؤ‪4‬م)ن‪-‬ون‪ #‬ب)الل‪X‬ه(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[110‬‬

‫‪ ()122‬تتلف مواضع التكاليف من قضية اليان‪ ،‬فبعضها إن نقض ينقض أصل اليان‪ ،‬وبعضها إن نقض‬
‫ينقص من اليان ول ينقض أصله‪ ،‬ولكنها كلها مرتبطة بل إله إل ال‪.‬‬

‫)‪(138‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫) ‪%‬ول‪.‬ت‪%‬ك‪/‬ن‪ 4‬م)ن‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬أ‪/‬م‪H‬ة‪ I‬ي‪%‬د‪4‬ع‪-‬ون‪ #‬إ)ل‪#‬ى ا‪.‬لخ‪%‬ي‪4‬ر) و‪%‬ي‪%‬أ‪.‬م‪-‬ر‪-‬ون‪ #‬ب)ال‪.‬م‪%‬ع‪4‬ر‪-‬وف) و‪%%‬ين‪4‬ه‪%‬و‪4‬ن‪ #‬ع‪%‬ن) ال‪.‬م‪-‬ن‪4‬ك‪#‬ر)(‪.‬‬
‫]سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[104‬‬

‫وإذا كانت الاهلية العاصرة بالذات تصغر من قيمة اليان‪ ،‬ومن قيمة التوحيد‪،‬‬
‫حت تعله مزاجا‪ X‬شخص̈يا يتخذ كل إنسان موقفه منه على هواه بل فارق‪ ،‬وتستوي الياة‬
‫بال يان ك ما ت ستوي بالكفر‪ ،‬سواء ال ياة السيا سية أو الق صادية أو الجتماع ية‪ ..‬ا ل‪،‬‬
‫ويظل الدين صلة شخصية بي العبد والرب‪ ،‬ملها القلب‪ ،‬ول علقة لا بواقع الياة‪..‬‬

‫إذا كان هذه مو قف الاهل ية العا صرة با لذات‪ ،‬فإن قي مة التوح يد‪ ،‬و ضرورته‬
‫للح ياة الن سانية‪ ،‬م ستمدة من طبي عة الن سان ذا ته‪ ،‬ل من طبي عة ا لبيئة ول من طبي عة‬
‫الظروف‪..‬‬

‫فالنسان عابد بفطرته‪ ،‬ول يوجد ف القيقة من ل ي–ع‪5‬ب‪-‬د!‬

‫وليس الفارق بي إنسان وإنسان أن هذا يعبد وذاك ل يعبد‪ ..‬إنا يفترق إنسان‬
‫عن إنسان ف " العبود "‪ ،‬الذي يتوجه إليها بالعبادة‪ ،‬ل ف مبدأ التوجه بالعبادة إل معبود‬
‫ما‪.‬‬

‫وال فارق الرئي سي ب ي ال ناس ع لى ن طاق الب شرية كل ها‪ ،‬أن ه ناك من يع بد ا ل‬
‫وحده بل شريك‪ ،‬وهناك من يعبد غي ال‪ ،‬معه أو من دونه‪ ،‬ومن ث ينقسم الناس كما‬
‫أخب عنهم خالقهم إل فريقي اثني‪:‬‬

‫) ‪-‬هو‪ %‬ال‪X‬ذ)ي خ‪%‬ل‪#‬ق‪#‬ك‪/‬م‪ 4‬ف‪#‬م)ن‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬ك‪#‬اف)ر= و‪%‬م)ن‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬م‪-‬ؤ‪4‬م)ن=(‪] .‬سورة التغابن‪ ،‬الية ‪.[2‬‬

‫وتنقسم العبادة إل عبادتي اثنتي‪ :‬إما عبادة ال وإما عبادة الشيطان‪:‬‬

‫)أ‪##‬ل م‪ 4‬أ‪#‬ع‪ 4‬ه‪%‬د‪) 4‬إل‪#‬ي‪4‬ك‪ /‬م‪ 4‬ي‪%‬ا ‪%‬ب ن)ي آد‪ %‬م‪ %‬أ‪ #‬ن‪ .‬ل ت‪%‬ع‪ 4‬ب‪-‬د‪-‬وا ال ش‪H‬ي‪4‬ط‪#‬ان‪ #‬إ)‪H‬ن ه‪ -‬ل‪#‬ك‪ /‬م‪ 4‬ع‪%‬د‪-‬و‪ -‬م‪-‬ب) ي=‪ ،‬و‪%‬أ‪#‬ن‬
‫صر‪%‬اط‪ I‬م‪-‬س‪4‬ت‪%‬ق)يم(‪] .‬سورة ي‪A‬س‪ ،‬اليتان ‪.[61 ،60‬‬ ‫اع‪4‬ب‪-‬د‪-‬ون)ي ه‪%‬ذ‪#‬ا )‬

‫أما الذي يسب أنه ل يعبد شيئا‪ X‬على الطلق فذلك من الذين قال ال عنهم‪:‬‬

‫)‪(139‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫)أ‪#‬ف‪#‬ر‪%‬أ‪#‬ي‪4‬ت‪ %‬م‪%‬ن) ات‪H‬خ‪%‬ذ‪) #‬إل‪#‬ه‪%‬ه‪ -‬ه‪%‬و‪%‬اه‪] .(-‬سورة الاثية‪ ،‬الية ‪.[23‬‬

‫وعبادة الوى ل ترج ف النهاية عن كونا عبادة للشيطان‪ ،‬لنه هو الذي يركها‬
‫ف النفوس‪.‬‬

‫)أ‪##‬ل م‪ 4‬ت‪%‬ر‪# %‬أ ن‪H‬ا أ‪#‬ر‪ 4‬س‪%‬ل‪.‬ن‪%‬ا ال ش‪H‬ي‪%‬اط)ي‪ %‬ع‪ %‬ل‪#‬ى ال‪ .‬ك‪#‬اف)ر)ين‪ %‬ت‪%‬ؤ‪-‬ز_ه‪-‬م‪# 4‬أز‪m‬ا‪ ] .(W‬سورة مر ي‪ ،‬ال ية‬
‫‪.[83‬‬

‫والقضية الكبى ف حياة النسان‪ :‬القضية الت تقرر مصيه ف الدنيا والخرة‪،‬‬
‫والت تقرر له منهج حياته‪ ،‬وتصوراته وسلوكه‪ ،‬هي هذه القضية‪ :‬أيهما أول بالعبادة؟ آل‬
‫أم ما يشركون؟ وأي الوضعي أكرم للنسان وأليق بكيانه‪ :‬حي يكون عابدا‪ X‬ل الق؟ أم‬
‫حي يكون عابدا‪ X‬لللة الزيفة فيكون عابد‪X‬ا للشيطان؟‬

‫)آلل‪X‬ه‪ -‬خ‪%‬ي‪4‬ر= أ‪#‬م‪H‬ا ي‪-‬ش‪4‬ر)ك‪/‬ون‪(#‬؟! ]سورة النمل‪ ،‬الية ‪.[59‬‬

‫)أ‪#‬ف‪#‬م‪%‬ن‪ 4‬ي‪%‬م‪4‬ش)ي م‪-‬ك)ب‪m‬ا‪ W‬ع‪%‬ل‪#‬ى و‪%‬ج‪4‬ه)ه) أ‪#‬ه‪4‬د‪%‬ى ‪#‬أم‪H‬ن‪% 4‬ي ‪4‬مش)ي س‪%‬و)ي‪m‬ا‪ W‬ع‪%‬ل‪#‬ى ص)ر‪%‬اط‪ p‬م‪-‬س‪4‬ت‪%‬ق)يم‪.(p‬‬
‫]سورة اللك‪ ،‬الية ‪.[22‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫التوحيد هو رسالة الرسل جيعا‪ ،W‬ولكنه جاء أصفى ما يكون‪ ،‬وآكد ما يكون‬
‫ف رسالة ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫وكل المم الت آمنت برسولا آمنت بالتوحيد‪ ،‬ولكن ما من أمة حافظت على‬
‫التوحيد أطول مدى ول أشد صفاء من أمة ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫ل قد جاء كل الر سل ليقو لوا لقوامهم‪ ) :‬ي‪%‬ا ق‪#‬و‪4‬م) اع‪ 4‬ب‪-‬د‪-‬وا الل‪ X‬ه‪ %‬م‪%‬ا ‪#‬لك‪ /‬م‪ 4‬م) ن‪) 4‬إل‪#‬ه‬
‫غ‪#‬ي‪4‬ر‪-‬ه(‪] .‬سورة هود‪ ،‬الية ‪.[50‬‬

‫)‪(140‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫قا لا نوح ل قومه‪ ،‬وقا لا هود و صال و شعيب لقوامهم‪ ،‬وقا لا إبراه يم عل يه‬
‫السلم‪ ،‬وقالا موسى وعيسى وممد صلوات ال وسلمه عليهم جيعا‪.‬‬

‫) ‪%‬ور‪ -‬س‪-‬ل‪ W‬ق‪#‬د‪ 4‬ق‪#‬ص‪ %‬ص‪4‬ن‪%‬اه‪-‬م‪ 4‬ع‪%‬ل‪4 #‬ي ك‪ %‬م) ن‪ 4‬ق‪#‬ب‪ 4‬ل‪ /‬و‪%‬ر‪ -‬س‪-‬ل‪# W‬ل م‪ 4‬ن‪%‬ق‪.‬ص‪ -‬ص‪4‬ه‪-‬م‪ 4‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪ 4‬ك‪ ] .(%‬سورة‬
‫النساء‪ ،‬الية ‪.[164‬‬

‫) ‪%‬و م‪%‬ا أ‪#‬ر‪ 4‬س‪%‬ل‪.‬ن‪%‬ا م) ن‪ 4‬ق‪#‬ب‪4‬ل) ك‪ %‬م) ن‪ 4‬ر‪ %‬س‪-‬ول‪) p‬إل‪X‬ا ن‪-‬وح)ي )إل‪#‬ي‪ 4‬ه) أ‪#‬ن‪ H‬ه‪ -‬ل )إل‪ #‬ه‪) %‬إل‪X‬ا ‪#‬أ ن‪%‬ا ف‪#‬اع‪ 4‬ب‪-‬د‪-‬ون)(‪.‬‬
‫]سورة النبياء‪ ،‬الية ‪.[25‬‬

‫ول كن ال جم ا لذي ا ستغرقته ق ضية التوح يد ف الك تاب ال نل ع لى ر سول ا ل‬


‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وضح الدللة‪ ..‬لقد كان مقصودا‪ X‬تأصيل هذه القضية بكل أبعادها‬
‫ف ‪Æ‬حس× المة الت ستحمل الدى للبشرية كلها على مدى الزمان‪.‬‬

‫وفرق ‪ -‬ف العداد والتوجيه ‪ -‬بي من ي‪-‬راد له أن يتعلم لذات نفسه فحسب‪،‬‬
‫ومن يراد له أن يتعلم ليكون معلم‪X‬ا لغيه‪.‬‬

‫ث فرق آخر ‪ -‬ف العداد والتوجيه كذلك ‪ -‬بي من يراد له أن يكون معلما‬
‫لقوم مدودي العدد ف بقعة معينة من الرض وظرف معي من الزمان‪ ،‬وبي من يراد له‬
‫أن يكون معلما‪ W‬للناس كافة على مدى الزمان كله‪..‬‬

‫وقد كان ذلك كله منظورا‪ X‬إليه ف خيية هذه المة!‬

‫) ‪/‬كن‪4‬ت‪ -‬م‪ 4‬خ‪ %‬ي‪4‬ر‪ %‬أ‪ /‬م‪H‬ة‪ p‬أ‪/‬خ‪4‬ر)ج‪ %‬ت‪ 4‬ل)لن‪H‬ا س) ت‪%‬أ‪.‬م‪-‬ر‪-‬ون‪ #‬ب)ال‪.‬م‪%‬ع‪4‬ر‪-‬وف) و‪%‬ت‪%‬ن‪ 4‬ه‪%‬و‪4‬ن‪ #‬ع‪ %‬ن) ا‪.‬لم‪-‬ن‪ 4‬ك‪#‬ر‬
‫و‪-%‬تؤ‪4‬م)ن‪-‬ون‪ #‬ب)الل‪X‬ه(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[110‬‬

‫ونظرة واحدة ف كتاب ال ترينا كم كانت قضية التوحيد هي القضية الول‬


‫وال كبى ف ذ لك الك تاب‪ ،‬و كم ت ناولت من آ فاق‪ ،‬و كم و‪Ý-‬ث قت توثيقا‪ X‬عميقا‪ X‬مع كل‬
‫خ طرة ن فس ت طر ف ق لوب الب شر‪ ،‬و مع كل حدث من أ حداث ال كون ا لادي‪ ،‬و كل‬
‫حدث ف حياة البشر ف دنياهم وآخرتم سواء‪.‬‬

‫)‪(141‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ل ي كن ال سبب ‪ -‬ك ما أ لت إ ل ذ لك ف ك تاب " درا سات قرآن ية " ‪ -‬أن‬


‫ال خاطبي ا لول بذا الك تاب كانوا م شركي‪ ،‬ف لزم ف ت قدير ا ل أن تو ثق الق ضية لم‬
‫ليخرجوا من شركهم ويؤمنوا‪ ..‬فقد خوطبوا بالطاب ذاته ‪ -‬خطاب التوحيد ‪ -‬وهم‬
‫مؤمنون ماهدون ف سبيل ال بأموالم وأنفسهم‪:‬‬

‫) ي‪%‬ا أ‪_#‬ي ه‪%‬ا ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬آم‪ %‬ن‪-‬وا آم) ن‪-‬وا ب)الل‪X‬ه) و‪%‬ر‪ %‬س‪-‬ول)ه) و‪%‬ال‪.‬ك) ت‪%‬اب) ا ل‪X‬ذ)ي ‪%‬نز‪ H‬ل‪ #‬ع‪ %‬ل‪#‬ى ر‪ %‬س‪-‬ول)ه‬
‫و‪%‬ال‪.‬ك)ت‪%‬اب) ال‪X‬ذ)ي ‪#‬أن‪4‬ز‪%‬ل‪ #‬م)ن‪ 4‬ق‪#‬ب‪4‬ل(‪] .‬سورة النساء‪ ،‬الية ‪.[136‬‬

‫ولعمق ال توجيه الربان ف كتابه النل ‪ -‬مع تكفل رب العالي بفظ ك تابه ‪-‬‬
‫بق يت هذه ال مة ‪Æ -‬ب ق‪ã‬در‪ Æ‬ا ل وم شيئته ‪ -‬تافظ ع لى صفاء توح يدها فترة طوي لة من‬
‫الوقت‪ ،‬وتنشره ف الفاق‪ ،‬بينما المة اليهودية الت نزل لا كتاب توحيد من قبل حرفته‬
‫بتصوراتا الوثنية الابطة )‪ ،(123‬والمة النصرانية تقبلت تريف شاول اليهودي‪ ،‬وتسكت‬
‫من بعده بعقيدة أبعد ما تكون عن التوحيد! )‪.(124‬‬

‫ول تكن قضية التوحيد مرد تصديق عقلي بأن ال واحد ل شريك له ف ذاته‬
‫ول ف أسائه وصفاته‪ ،‬ول مرد وجدان مستسر ف الضمي‪ ..‬فقد صحب هذا التصديق‬
‫العقلي وهذا الوجدان القلب منذ البدء " أعمال " معينة‪ ،‬سواء كانت من أعمال القلب أو‬
‫من أع مال ا لوراح‪ ،‬شكلت ف مموع ها " من هج ح ياة " كا مل‪ ،‬ي شمل كل م ناحي‬
‫الياة‪.‬‬

‫لقد كان القتضى الول للتوحيد ف ح س‪ m‬المة السلمة هو التلقي من عند‬


‫ا ل‪ ،‬ل من أي م صدر سواه‪ .‬ومن هج التل قي هو م فرق الطر يق ب ي الاهل ية وب ي‬
‫ال سلم‪ .‬و ف ال سلم يتل قى ال ناس من ر بم‪ ،‬و هذا مع ن إ سلم وجه هم ل‪ ،‬و ف‬
‫الاهلية يتلقى الناس من عند غي ال ‪ -‬معه أو من دونه‪.‬‬

‫‪ ()123‬تصور التوراة الله جل وعل ف صورة زرية ل تليق حت بإنسان عادي‪ .‬انظر على سبيل الثال ف‬
‫سفر التكوين قصة الله مع آدم وحواء بعد أن ذاقا الشجرة فبدت لما سوآتما‪ ،‬إذ شعرا بأن الله‬
‫قادم فاخت بآ م نه‪ .‬ف ظل يب حث عنه ما – ت عال ا ل عن ذ لك ع ل̈وا كبي‪X‬ا – حت و جدها! و ف ق صة‬
‫إسرائيل مع ال إذ تشاجر إسرائيل مع ال التخفي ف صورة إنسان فكسر إسرائيل حقوه – نستغفر ال‬
‫– وأمسك به ل يريد أن يفلته من قبضته حت تعهد له ال أن ينحه العهد فأطلق سراحه!!‬
‫‪ ()124‬ل يستحي الستشرقون بعد ذلك أن يزعموا أن ممدا‪ X‬صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قد أخذ فكرة التوحيد‬
‫عن اليهود والنصارى!!‬

‫)‪(142‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫و ما ي سب لذه ال مة ‪ -‬ف التار يخ ‪ -‬أ نا ر س‪A‬خت مع ن التوح يد ف صورته‬


‫القيقية ‪ -‬صورة التلقي من عند ال ‪ -‬وأنشأت على أساسه حضارة هائلة متشعبة ألوان‬
‫النشاط‪ ،‬وحركة علمية ف شت فروع العلم )‪ ،(125‬فكانت المة الفريدة ف التاريخ الت‬
‫طبقت النهج الربان ف واقع الرض‪ ،‬وعرضته للبشرية رائقا‪ X‬صافيا‪ ،X‬تسري فيه أعمال‬
‫البشر مصبوغة بصبغة ال‪:‬‬

‫)ص)ب‪4‬غ‪%‬ة‪ #‬الل‪X‬ه) و‪%‬م‪%‬ن‪# 4‬أح‪4‬س‪%‬ن‪ -‬م)ن‪ %‬الل‪X‬ه) ص)ب‪4‬غ‪%‬ة‪ W‬و‪%‬ن‪%‬ح‪4‬ن‪# -‬له‪ -‬ع‪%‬اب)د‪-‬ون‪] .(#‬سورة البقرة‪ ،‬الية‬
‫‪.[138‬‬

‫بينما المة اليهودية غيت صبغة ال الرائقة الصافية ‪ -‬بتحريفها للتوراة ‪ -‬إل‬
‫أنانية وص–ل‪ã‬ف وجحود وعدوان وجشع مادي وبلدة روحية وقسوة قلب‪ ،‬كما خاطبهم‬
‫ال تعال ف كتابه النل‪:‬‬

‫)ث‪ /‬م‪ H‬ق‪ #‬س‪%‬ت‪ 4‬ق‪ /‬ل‪/‬وب‪-‬ك‪/‬م‪ 4‬م) ن‪% 4‬ب ع‪4‬د) ذ‪)#‬ل ك‪ %‬ف‪#‬ه) ي‪ %‬ك‪#‬ال‪.‬ح) ج‪%‬ار‪%‬ة) أ‪#‬و‪ 4‬أ‪ #‬ش‪%‬د_ ق‪ #‬س‪4‬و‪%‬ة‪ W‬و‪%‬إ) ن‪ X‬م)ن‬
‫ال‪.‬ح) ج‪%‬ار‪) %‬ة ‪#‬ل م‪%‬ا ي‪%‬ت‪%‬ف‪ #‬ج‪H‬ر‪ -‬م)ن‪ 4‬ه‪ -‬ا‪.‬لأ‪#‬ن‪ 4‬ه‪%‬ار‪% -‬وإ) ن‪ X‬م)ن‪ 4‬ه‪%‬ا ل‪ #‬م‪%‬ا ‪%‬ي ش‪H‬ق‪X‬ق‪ -‬ف‪#‬ي‪%‬خ‪4‬ر‪ -‬ج‪ -‬م)ن‪ 4‬ه‪ -‬ال‪ .‬م‪%‬اء® ‪%‬وإ) ن‪ X‬م)ن‪ 4‬ه‪%‬ا ‪#‬ل م‪%‬ا‬
‫‪%‬يه‪4‬ب)ط‪ /‬م)ن‪ 4‬خ‪%‬ش‪4‬ي‪%‬ة) الل‪X‬ه) و‪%‬م‪%‬ا الل‪X‬ه‪ -‬ب)غ‪%‬اف)ل‪ p‬ع‪%‬م‪H‬ا ‪%‬تع‪4‬م‪%‬ل‪/‬ون(‪] .‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.[74‬‬

‫وبينما المة النصرانية انصرفت ‪ -‬منذ البدء ‪ -‬عن ماولة تطبيق النهج الربان ف‬
‫وا قع ا لرض‪ ،‬اعت قادا‪ X‬خاطئ‪X‬ا ‪ -‬مر‪ A‬فا‪ - X‬من ج هة‡ أ نه يك في الب شر أن ي‪-‬ك ف‪m‬ر ا ل عن هم‬
‫سيئاتم ب صلب و لده الوح يد ‪ -‬عي سى عل يه ال سلم ‪ -‬فيعفي هم بذلك من الع مل ا لذات‬
‫لتحقيق النهج الربان ف الياة الدنيا‪ ،‬واعتقادا‪ X‬خاطئا‪ X‬كذلك أنه ل فائدة ترجى من ماولة‬
‫تطبيق النهج الربان ف واقع الرض لن النسان خاطئ بطبعه‪ ،‬ول طريق للخلص من‬
‫الطيئة إل بكبت السد وإهاله‪ ،‬والزهد ف متاع الياة الدنيا جلة‪ ،‬وإهال واقع الرض‬
‫)‪!(126‬‬

‫) ‪%‬ور‪%‬ه‪4‬ب‪%‬ان) ي‪H‬ة‪ W‬اب‪ 4‬ت‪%‬د‪%‬ع‪-‬وه‪%‬ا م‪%‬ا ك‪%#‬تب‪4‬ن‪%‬ا ه‪%‬ا ع‪%‬ل‪4 #‬يه) م‪) 4‬إل‪X‬ا اب‪)4‬ت غ‪%‬ا̀ء ر) ض‪4‬و‪%‬ان) الل‪ X‬ه) ف‪ #‬م‪%‬ا ر‪%‬ع‪%‬و‪ 4‬ه‪%‬ا ح‪%‬ق‬
‫ر)ع‪%‬اي‪)%‬ت ه‪%‬ا ف‪#‬آت‪%‬ي‪ 4‬ن‪%‬ا ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬آ ‪%‬م ن‪-‬وا م)ن‪4‬ه‪ -‬م‪# 4‬أج‪4‬ر‪%‬ه‪ -‬م‪ 4‬و‪%‬ك‪#‬ث) ي= م)ن‪4‬ه‪ -‬م‪ 4‬ف‪#‬ا س)ق‪/‬ون(‪ ] .‬سورة الد يد‪ ،‬ال ية‬
‫‪.[27‬‬

‫‪ ()125‬سنتكلم فيما يلي من الفصل عن الركة العلمية السلمية والركة الضارية السلمية‪.‬‬
‫‪ ()126‬ان ظر ف هذا الع ن ول فرد كانتول سيث – الست شرق الك ندي العا صر – ف مقد مة ك تابه "‬
‫السلم ف التاريخ الديث " الطبعة الول‪ ،‬مطبعة جامعة أكسفورد‪ ،‬ص ‪ 21‬من الصل النليزي‪.‬‬

‫)‪(143‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ومنذ البدء اقترن باليان بال اليان باليوم الخر‪ ،‬سواء ف حالة النفي أو ف‬
‫حالة الثبات‪.‬‬

‫فالؤمنون يوصفون بأنم‪) ،‬ي‪-‬ؤ‪4‬م)ن‪-‬ون‪ #‬ب)الل‪X‬ه) و‪%‬ا‪.‬لي‪%‬و‪4‬م) ال‪.‬آخ)ر)(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‬
‫‪ .[114‬والكافرون يوصفون بأنم‪) ،‬ل ي‪-‬ؤ‪4‬م) ن‪-‬ون‪ #‬ب)الل‪X‬ه) و‪%‬ل ب)ال‪.‬ي‪%‬و‪4‬م) ا ل‪.‬آخ)ر)(‪] .‬سورة التوبة‪،‬‬
‫الية ‪ .[29‬وصار اليان باليوم الخر جزءا‪ X‬ل يتجزا‪ X‬من عقيدة التوحيد‪.‬‬

‫ول يكن اليان باليوم الخر مرد معرفة ذهنية بأن هناك يوما‪ X‬يبعث فيه الناس‬
‫من أ جداثهم ‪Æ‬لي‪-‬ح–ا سبوا‪ ،‬ول مرد و جدان مست سر ف ال ضمي‪ .‬ف هذا ك له ل ي كو‪A‬ن إيا نا‬
‫باليوم الخر‪ .‬وقد روى التاريخ أن الصريي القدامى‪ ،‬كانوا يعرفون تفاصيل كثية عن‬
‫ال يوم ا لخر ‪ -‬ك ما وردت ع ندهم ف " ك تاب ا لوتى "‪ ،‬ا لذي عثر عل يه مكتو با‪ X‬ع لى‬
‫أوراق البدى )‪ - (127‬ومع ذلك فإن نب ال يوسف يقول عنهم ‪ -‬با علمه ال ‪)) -‬إن‪s‬ي‬
‫‪%‬تر‪%‬ك‪.‬ت‪ -‬م)ل‪X‬ة‪ #‬ق‪#‬و‪4‬م‪ p‬ل ‪-‬يؤ‪4‬م)ن‪-‬ون‪ #‬ب)الل‪X‬ه) و‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬ب)ال‪.‬آخ)ر‪) %‬ة ه‪-‬م‪ 4‬ك‪#‬اف)ر‪-‬ون‪ ،#‬و‪%‬ا‪H‬تب‪%‬ع‪4‬ت‪ -‬م)ل‪X‬ة‪ #‬آب‪%‬ائي )إب‪4‬ر‪%‬اه)يم‬
‫و‪)%‬إس‪4‬ح‪%‬اق‪ %‬و‪%‬ي‪%‬ع‪4‬ق‪/‬وب(‪] .‬سورة يوسف‪ ،‬اليتان ‪ .[38 ،37‬وذلك لنم ‪ -‬مع " علمهم "‬
‫بذا ‪ -‬كانوا يعتقدون أن هناك إجابة مفوظة يكن أن تنجي النسان من الساب مهما‬
‫كانت أعماله ف الياة الدنيا!‬

‫إنا اليان ‪ -‬سواء اليان بال أو اليان باليوم الخر ‪ -‬هو التصديق‪ ،‬والعمل‬
‫بقتضى التصديق‪ ..‬وهذا الذي آمنت به أمة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ونشرت اليان‬
‫به ف ربوع الرض‪.‬‬

‫ولقد آمنت كل من المتي السابقتي باليوم الخر‪ ،‬ولكن ما أبعد الفرق بي‬
‫إيان كل منهما وإيان المة السلمية!‬

‫فأما اليهود فقد قالوا‪) :‬ل‪#‬ن‪% 4‬تم‪ %‬س‪H‬ن‪%‬ا الن‪H‬ار‪) -‬إل‪X‬ا ‪#‬أي‪H‬اما‪ W‬م‪%‬ع‪4‬د‪-‬ود‪%‬ة‪] .(W‬سورة البقرة‪ ،‬الية‬
‫‪ .[80‬و بذك خف وزن ال يوم ا لخر ف ح سهم كثي‪X‬ا و ل ي عد راد عا‪ X‬لم عن شيء‪..‬‬
‫وارتكبوا موبقاتم كلها باستخفاف استنادا‪ X‬إل ذلك الوهم!‬

‫‪ ()127‬ترجح هذه التفاصيل أن الصريي القدامى قد بعث إليهم رسول من عند ال‪ ،‬فبقيت من تعاليمه‬
‫هذه العلومات‪ ،‬ث حرفت كما حرفت كل جاهلية تعاليم رسولا من بعده‪.‬‬

‫)‪(144‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫)ف‪#‬خ‪%‬ل‪#‬ف‪ %‬م)ن‪ 4‬ب‪%‬ع‪4‬د)ه)م‪ 4‬خ‪%‬ل‪.‬ف= و‪%‬ر)ث‪/‬وا ال‪.‬ك)ت‪%‬اب‪ %‬ي‪%‬أ‪.‬خ‪-‬ذ‪/‬ون‪ #‬ع‪%‬ر‪%‬ض‪ %‬ه‪%‬ذ‪#‬ا ال‪.‬أ‪#‬د‪4‬ن‪%‬ى و‪%%‬يق‪/‬ول‪/‬ون‬
‫س‪%‬ي‪-‬غ‪4‬ف‪#‬ر‪ -‬ل‪#‬ن‪%‬ا و‪%‬إ)ن‪ .‬ي‪%‬أ‪).‬ته)م‪ 4‬ع‪%‬ر‪%‬ض= م)ث‪.‬ل‪/‬ه‪ -‬ي‪%‬أ‪.‬خ‪-‬ذ‪/‬وه‪# -‬أل‪#‬م‪ 4‬ي‪-‬ؤ‪4‬خ‪%‬ذ‪ .‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه)م‪ 4‬م)يث‪#‬اق‪ -‬ال‪.‬ك)ت‪%‬اب) أ‪#‬ن‪ .‬ل ي‪%‬ق‪/‬ول‪/‬وا‬
‫ع‪ %‬ل‪#‬ى الل‪ X‬ه) )إل‪X‬ا ال‪.‬ح‪ %‬ق‪ H‬و‪%‬د‪%‬ر‪ %‬س‪-‬وا م‪%‬ا ف)ي ه) و‪%‬ا لد‪H‬ار‪ -‬ا ل‪.‬آخ)ر‪%‬ة‪ /‬خ‪ %‬ي‪4‬ر= )ل ل‪X‬ذ)ين‪% %‬يت‪ H‬ق‪/‬ون‪ #‬أ‪#‬ف‪#‬ل ‪%‬تع‪4‬ق) ل‪/‬ون(‪.‬‬
‫]سورة العراف‪ ،‬الية ‪.[169‬‬

‫وأما النصارى فقد خيلوا لنفسهم‪ ،‬أو خيل لم شاول اليهودي‪ ،‬أن مرد اليان‬
‫بالرب ‪ -‬أي عيسى عليه السلم ف وههم ‪ -‬كف يل بأن يعل النسان يلس عن يي‬
‫الرب يوم القيامة‪ ،‬وتغفر له ذنوبه‪ ،‬خاصة وأن الب قد ضحى بابنه الوحيد تكفيا‪ X‬عن‬
‫خطيئة آدم‪ ،‬فأصبح الناس مغفوري الطيئة بجرد اليان بتلك القصة الزعومة!‬

‫ول شك أن أتقياءهم كانوا يافون ال‪ ،‬ويقومون بأعمال الي ابتغاء مرضاته ‪-‬‬
‫وهذا فرق واضح بينهم وبي اليهود ‪ -‬ولكن العدوى ذاتا سرت إليهم‪:‬‬

‫) ‪%‬وق‪#‬ال‪#‬ت) ال‪%.‬يه‪-‬ود‪ -‬و‪%‬الن‪H‬ص‪%‬ار‪%‬ى ‪%‬نح‪4‬ن‪# -‬أب‪4‬ن‪%‬اء® الل‪X‬ه) و‪%‬أ‪#‬ح)ب‪H‬اؤ‪-‬ه‪ -‬ق‪/‬ل‪ .‬ف‪#‬ل)م‪- %‬يع‪%‬ذ‪+‬ب‪-‬ك‪/‬م‪ 4‬ب)ذ‪/‬ن‪-‬وب)ك‪/‬م‪.(4‬‬
‫]سورة الائدة‪ ،‬الية ‪.[18‬‬

‫إن العق يدة الصحيحة ف ال يوم الخر مبنية ع لى أن ال ل يظ لم أحدا‪ X‬ول ياب‬
‫أحدا‪ X‬كذلك‪:‬‬

‫) ‪%‬ون‪%‬ض‪%‬ع‪ -‬ا‪.‬لم‪%‬و‪%‬از)ين‪ %‬ا‪.‬لق)س‪4‬ط‪ #‬ل)ي‪%‬و‪4‬م) ال‪.‬ق)ي‪%‬ام‪%‬ة) ف‪#‬ل ‪-‬تظ‪.‬ل‪#‬م‪ -‬ن‪%‬ف‪.‬س= ش‪%‬ي‪4‬ئا‪ W‬و‪%‬إ)ن‪ .‬ك‪#‬ان‪ #‬م)ث‪.‬ق‪#‬ال‪% #‬حب‪H‬ة‬
‫م)ن‪ 4‬خ‪%‬ر‪4‬د‪%‬ل‪# p‬أت‪%‬ي‪4‬ن‪%‬ا )به‪%‬ا و‪%‬ك‪#‬ف‪#‬ى ب)ن‪%‬ا ح‪%‬اس)ب)ي(‪] .‬سورة النبياء‪ ،‬الية ‪.[47‬‬

‫)ف‪#‬م‪ %‬ن‪ 4‬ي‪%‬ع‪4‬م‪ %‬ل‪ .‬م)ث‪ .‬ق‪#‬ال‪ #‬ذ‪#‬ر‪H‬ة‪ p‬خ‪ %‬ي‪4‬را‪ W‬ي‪%‬ر‪ %‬ه‪ ،-‬و‪%‬م‪ %‬ن‪ 4‬ي‪%‬ع‪4‬م‪ %‬ل‪ .‬م)ث‪ .‬ق‪#‬ال‪ #‬ذ‪#‬ر‪H‬ة‪ p‬ش‪%‬ر‪m‬ا‪ W‬ي‪%‬ر‪ %‬ه‪ ] .(-‬سورة‬
‫الزلزلة‪ ،‬اليتان‪.[8 ،7 :‬‬

‫ومن هنا تكون فعاليتها ف النفس الؤمنة‪..‬‬

‫فقد خلق ال ف النسان دوافع عميقة لكمة يريدها‪:‬‬

‫)‪(145‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫) ‪-‬زي‪s‬ن‪ %‬ل)لن‪H‬اس) ح‪-‬ب_ الش‪H‬ه‪%‬و‪%‬ات) م)ن‪ %‬الن‪s‬س‪%‬اء) و‪%‬ال‪.‬ب‪)%‬ني‪ %‬و‪%‬ال‪.‬ق‪#‬ن‪%‬اط)ي) ال‪.‬م‪-‬ق‪#‬ن‪4‬ط‪#‬ر‪%‬ة) م)ن‪ %‬الذ‪X‬ه‪%‬ب‬
‫خي‪ 4‬ل) ا‪.‬لم‪ -‬س‪%‬و‪H‬م‪%‬ة) و‪%‬ال‪#.‬أن‪ 4‬ع‪%‬ام) و‪%‬ا‪.‬لح‪%‬ر‪ 4‬ث) ذ‪#‬ل) ك‪ %‬م‪ %‬ت‪%‬اع‪ -‬ال‪.‬ح‪ %‬ي‪%‬ا )ة ا ل _دن‪4‬ي‪%‬ا(‪ ] .‬سورة آل‬
‫و‪%‬ال‪.‬ف) ض‪H‬ة) و‪%‬ال‪% .‬‬
‫عمران‪ ،‬الية ‪.[14‬‬

‫بعض الكمة أن تكون هذه الدوافع مركات تدفع النسان للعمل‪ ،‬للقيام بهمة‬
‫اللفة وعمارة الرض‪..‬‬

‫وبعض الكمة أن تكون موضع ابتلء للنسان‪ :‬هل يقف ف تناول هذا التاع‬
‫عند الدود الت رسها ال؟ أم يتجاوزها طمعا‪ X‬ف مزيد من متاع الياة الدنيا فتفسد حياته‬
‫ف الدنيا ويذوق العذاب ف الخرة؟‬

‫ول شيء يق نع الن سان أن ي قف ع ند ا لدود ا لت ر سها ا ل إل إ يانه بأن ما‬


‫يفتقده ف ال ياة ا لدنيا ‪ -‬طا عة ل واحت سابا‪ - X‬ل يس ضائعا‪ W‬ف القيقة‪ ،‬إنا هو رصيد‬
‫مذخور‪ ،‬يت سلمه أ ضعافا‪ X‬م ضاعفة يوم القيا مة‪ ،‬يه نأ به وي ستمتع‪ ،‬بين ما ا لذين غر قوا ف‬
‫التاع الرام مرومون!‬

‫بل ترتقي نفسه درجات فوق ذلك‪ ..‬فل يعود حد‪ A‬الباح هو الذي يجزه عن‬
‫التجاوز‪ .‬إنا يشعر ‪ -‬قانعا‪ - X‬أنه ل يتاج لن يصل إل آخر الد الباح! فقبل‪ã‬ه ‪ -‬بقليل‬
‫أو كثي ‪ -‬تنت هي رغ باته‪ ،‬ويز هد حت ف ال تاع ال باح! لن نف سه قد ماتت و ل ت عد‬
‫ترغب! كل! فما يريد السلم أن يقتل رغائب النفس‪ ،‬وقد خلقها ال لعمارة الرض‪.‬‬
‫ولكن لن رغباته قد اتهت وجهة أخرى أرحب وأعمق‪ ،‬وأعلى وأشف‪:‬‬

‫) ‪-‬زي‪s‬ن‪ %‬ل)لن‪H‬اس) ح‪-‬ب_ الش‪H‬ه‪%‬و‪%‬ات) م)ن‪ %‬الن‪s‬س‪%‬اء) و‪%‬ال‪.‬ب‪)%‬ني‪ %‬و‪%‬ال‪.‬ق‪#‬ن‪%‬اط)ي) ال‪.‬م‪-‬ق‪#‬ن‪4‬ط‪#‬ر‪%‬ة) م)ن‪ %‬الذ‪X‬ه‪%‬ب‬
‫و‪%‬ال‪.‬ف)ض‪H‬ة) و‪%‬ال‪.‬خ‪%‬ي‪4‬ل) ا‪.‬لم‪-‬س‪%‬و‪H‬م‪%‬ة) و‪%‬ال‪.‬أ‪#‬ن‪4‬ع‪%‬ام) و‪%‬ا‪.‬لح‪%‬ر‪4‬ث) ذ‪)#‬لك‪ %‬م‪%‬ت‪%‬اع‪ -‬ا‪.‬لح‪%‬ي‪%‬ا )ة الد_ن‪4‬ي‪%‬ا و‪%‬الل‪X‬ه‪ -‬ع)ن‪4‬د‪%‬ه‪ -‬ح‪-‬س‪4‬ن‬
‫ال‪ .‬م‪%‬آب)‪ ،‬ق‪ /‬ل‪ .‬أ‪#‬ؤ‪%-‬نب‪s‬ئ‪/‬ك‪ /‬م‪) 4‬بخ‪ %‬ي‪4‬ر‪ p‬م) ن‪ 4‬ذ‪#‬ل)ك‪ /‬م‪ 4‬ل) ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ات‪ H‬ق‪#‬و‪4‬ا ع) ن‪4‬د‪ %‬ر‪%‬ب‪s‬ه) م‪% 4‬ج ن‪H‬ات= ت‪ %‬ج‪4‬ر)ي م) ن‪ 4‬ت‪%‬ح‪4‬ت) ه‪%‬ا‬
‫ال‪.‬أ‪#‬ن‪4‬ه‪%‬ار‪ -‬خ‪%‬ال)د)ين‪ %‬ف)يه‪%‬ا ‪%‬وأ‪#‬ز‪4‬و‪%‬اج= م‪-‬ط‪#‬ه‪H‬ر‪%‬ة‪ I‬و‪%‬ر)ض‪4‬و‪%‬ان‪ I‬م)ن‪ %‬الل‪X‬ه) و‪%‬الل‪X‬ه‪% -‬بص)ي= ب)ال‪.‬ع)ب‪%‬اد)‪ ،‬ا‪X‬لذ)ين‪ %‬ي‪%‬ق‪/‬ول‪/‬ون‬
‫ر‪%‬ب‪ H‬ن‪%‬ا )إن‪ H‬ن‪%‬ا آم‪ %‬ن‪H‬ا ف‪#‬اغ‪.‬ف)ر‪ 4‬ل‪ #‬ن‪%‬ا ذ‪/‬ن‪-‬وب‪ %‬ن‪%‬ا و‪%‬ق) ن‪%‬ا ع‪%‬ذ‪#‬اب‪ %‬ال ن‪H‬ار)‪ ،‬ال ص‪H‬ا)بر)ين‪ %‬و‪%‬ال ص‪H‬اد)ق)ي‪ %‬و‪%‬ال‪ .‬ق‪#‬ان)ت)ي‬
‫و‪%‬ال‪.‬م‪-‬ن‪4‬ف)ق)ي‪ %‬و‪%‬ال‪.‬م‪-‬س‪%4‬تغ‪4‬ف)ر)ين‪ %‬ب)ال‪.‬أ‪#‬س‪4‬ح‪%‬ار(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬اليات ‪.[17 - 14‬‬

‫)‪(146‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وهكذا تتوجه الطاقة الية إل عال أرفع من عال الس‪ ،‬إل " عال القيم "‪ ،‬الت‬
‫تعل حياة النسان كرية عالية رفيعة‪ ،‬لئقة " بالنسان "‪ ،‬الذي أسجد ال له اللئكة‬
‫وكر‪A‬مه وفضله على كثي من خلق‪:‬‬

‫) ‪%‬ول‪#‬ق‪#‬د‪ 4‬ك‪#‬ر‪H‬م‪4‬ن‪%‬ا ب‪%‬ن)ي آد‪%‬م‪ %‬و‪%‬ح‪%‬م‪%‬ل‪.‬ن‪%‬اه‪-‬م‪ 4‬ف)ي ال‪.‬ب‪%‬ر‪ s‬و‪%‬ال‪.‬ب‪ %‬ح‪4‬ر) و‪%‬ر‪%‬ز‪%‬ق‪ .‬ن‪%‬اه‪-‬م‪ 4‬م) ن‪ %‬الط‪X‬ي‪ s‬ب‪%‬ات‬
‫ي م)م‪H‬ن‪ 4‬خ‪%‬ل‪#‬ق‪.‬ن‪%‬ا ت‪%‬ف‪.‬ض)يل(‪] .‬سورة السراء‪ ،‬الية ‪.[70‬‬ ‫و‪%‬ف‪#‬ض‪H‬ل‪.‬ن‪%‬اه‪-‬م‪ 4‬ع‪%‬ل‪#‬ى ك‪#‬ث) ‪p‬‬

‫ذلك أثر اليان باليوم الخر حي يصدق اليان‪ .‬ولكن المم السابقة ل تثبت‬
‫على اليان‪..‬‬

‫فأما اليهود ‪ -‬كما قلنا ‪ -‬فقد استخفوا باليوم الخر أي‪A‬ما استخفاف‪ ،‬فغرقت‬
‫حياتم ف ألوان من الرائم ل يصيها العد‪ ،A‬وفسدوا وأفسدوا‪ ،‬حت صاروا عنوانا‪ X‬على‬
‫الفساد‪ ،‬وانطوا بالبشرية كلها إل الد‪m‬ر‪4‬ك) السفل‪ ..‬إل من رحم ربك‪.‬‬

‫وأما النصارى فقد زاولوا الوف من اليوم الخر زمنا‪ X‬ل يطل كثيا‪ ،X‬ث بدأوا‬
‫يتكلون على أنم أبناء ال وأحباؤه‪ ..‬ث جاءت مهزلة صكوك الغفران الت ذهبت بكل‬
‫الدية الت يملها اليان بالخرة‪ ،‬والنة والنار )‪ ..(128‬ث جاءت الفترة الت أنكروا فيها‬
‫عال الغيب كله‪ ،‬وأخلدوا إل الرض وغرقوا ف الشهوات‪.‬‬

‫وظ لت ال مة ال سلمية أ طول فترة تؤمن بال وال يوم ا لخر‪ ،‬وتر سخ ال يان‬
‫بالبعث والن شور والساب والزاء‪ ،‬وتترجم إيا نا بذلك ك له أع مال‪ X‬م شهودة ف وا قع‬
‫الرض‪.‬‬

‫ولعل من أبرز هذه العمال الهاد ف سبيل ال‪ .‬فقد اقترن الهاد ف حس هذه‬
‫المة بالشهادة‪:‬‬

‫)ق‪/‬ل‪% .‬هل‪ .‬ت‪%‬ر‪%‬ب‪H‬ص‪-‬ون‪ #‬ب)ن‪%‬ا )إل‪X‬ا إ)ح‪4‬د‪%‬ى ال‪.‬ح‪-‬س‪4‬ن‪%‬ي‪4 %‬ين)(‪] .‬سورة التوبة‪ ،‬الية ‪ .[52‬الشهادة‬
‫أو النصر!‬

‫‪ ()128‬راجع ف مهزلة صكوك الغفران " ماضرات ف النصرانية " للشيخ ممد أبو زهرة‪ ،‬إصدار الرئاسة‬
‫العامة لدارات البحوث العلمية والفتاء والدعوة والرشاد بالرياض‪ ،‬ط ‪ 4‬سنة ‪ 1404‬ه‪ ،‬ص ‪.210‬‬

‫)‪(147‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫)ف‪#‬ل‪.‬ي‪ -‬ق‪#‬ات)ل‪ .‬ف)ي س‪%‬ب)يل) الل‪ X‬ه) ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ي‪ %‬ش‪4‬ر‪-‬ون‪ #‬ا‪.‬لح‪ %‬ي‪%‬اة‪ #‬الد_ن‪4‬ي‪%‬ا ب)ا ل‪.‬آخ)ر‪%‬ة)(‪] .‬سورة النساء‪،‬‬
‫الية ‪.[74‬‬

‫)و‪%‬ل ت‪%‬ح‪ 4‬س‪%‬ب‪%‬ن‪ H‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ق‪/‬ت) ل‪/‬وا ف)ي س‪%‬ب)يل) الل‪ X‬ه) أ‪#‬م‪4‬و‪%‬اتا‪% W‬ب ل‪ .‬أ‪#‬ح‪ 4‬ي‪%‬اء‪ Ý‬ع) ن‪4‬د‪ %‬ر‪%‬ب‪s‬ه) م‪- 4‬ير‪4‬ز‪ %‬ق‪/‬ون‪،#‬‬
‫ف‪#‬ر)ح) ي‪) %‬ب م‪%‬ا آ ت‪%‬اه‪-‬م‪ -‬الل‪ X‬ه‪ -‬م) ن‪ 4‬ف‪ #‬ض‪4‬ل)ه) و‪%‬ي‪%‬س‪4‬ت‪%‬ب‪ 4‬ش)ر‪-‬ون‪ #‬ب)ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ل‪ #‬م‪ 4‬ي‪%‬ل‪.‬ح‪ %‬ق‪/‬وا )به) م‪ 4‬م) ن‪ 4‬خ‪%‬ل‪.‬ف)ه) م‪# 4‬أل‪X‬ا‬
‫خ‪%‬و‪4‬ف= ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه) م‪ 4‬و‪%‬ل ه‪ -‬م‪ 4‬ي‪%‬ح‪4‬ز‪ %‬ن‪-‬ون‪% ،#‬يس‪4‬ت‪%‬ب‪ 4‬ش)ر‪-‬ون‪ #‬ب))نع‪ 4‬م‪%‬ة‪ p‬م) ن‪ %‬الل‪ X‬ه) و‪%‬ف‪ #‬ض‪4‬ل‪ p‬و‪%‬أ‪ #‬ن‪ X‬الل‪ X‬ه‪ %‬ل ‪-‬ي ض)يع‬
‫‪#‬أج‪4‬ر‪ %‬ال‪.‬م‪-‬ؤ‪4‬م)ن)ي(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬اليات ‪.[171 - 169‬‬

‫)إ) ن‪ X‬الل‪ X‬ه‪ %‬ا ش‪%4‬تر‪%‬ى م) ن‪ %‬ال‪ .‬م‪-‬ؤ‪4‬م)ن)ي‪# %‬أن‪4‬ف‪ /‬س‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬و‪#%‬أ م‪4‬و‪%‬ال‪#‬ه‪-‬م‪ 4‬ب)أ‪#‬ن‪ X‬ل‪#‬ه‪ -‬م‪ -‬ال‪.‬ج‪ %‬ن‪H‬ة‪- #‬ي ق‪#‬ات)ل‪/‬ون‪ #‬ف)ي‬
‫س‪%‬ب)يل) الل‪ X‬ه) ف‪#‬ي‪%‬ق‪.‬ت‪ -‬ل‪/‬ون‪% #‬وي‪-‬ق‪.‬ت‪ %‬ل‪/‬ون‪ #‬و‪ %‬ع‪4‬د‪W‬ا ‪%‬عل‪#‬ي‪ 4‬ه) ح‪%‬ق‪€‬ا‪ W‬ف)ي ال ت‪H‬و‪4‬ر‪%‬ا )ة و‪%‬ا ل‪).‬أن‪4‬ج)يل) و‪%‬ال‪.‬ق‪/‬ر‪4‬آ ن) و‪%‬م‪ %‬ن‪# 4‬أ ‪4‬وف‪#‬ى‬
‫)بع‪ %‬ه‪4‬د)ه) م) ن‪ %‬الل‪ X‬ه) ف‪#‬اس‪4‬ت‪%‬ب‪ 4‬ش)ر‪-‬وا ب)ب‪%‬ي‪4‬ع)ك‪ /‬م‪ -‬ا ل‪X‬ذ)ي ب‪%‬اي‪%‬ع‪4‬ت‪-‬م‪ 4‬ب) ه) و‪%‬ذ‪#‬ل) ك‪ %‬ه‪-‬و‪ %‬ال‪ .‬ف‪#‬و‪4‬ز‪ -‬ال‪.‬ع‪%‬ظ)يم(‪ ] .‬سورة‬
‫التوبة‪ ،‬الية ‪.[111‬‬

‫وجاهدت هذه المة جهادا‪ X‬متواصل‪ X‬لقرون عدة متوالية من أجل نشر الدعوة‪،‬‬
‫وصد العدوان عن السلم‪ ،‬وتوغلت بالسلم ف قارات الدنيا الثلث الت كانت معروفة‬
‫يومئذ‪ ،‬يدوها اليان بال واليوم الخر‪ ،‬والرغبة ف النة‪ ،‬وحب الشهادة ف سبيل ال‪.‬‬

‫وما زالت جذوة الهاد تشتعل بعدما خدت فترة من الزمن‪ ،‬فرأيناها ف الهاد‬
‫الفغان حيث استشهد مليون ونصف مليون شهيد‪ ،‬وهزوا بهادهم أعت نظام وحشي‬
‫عرفه الناس ف العصر الديث )‪ ،(129‬ورأيناها ف الهاد الفلسطين الذي ياهد تت راية‬
‫ل إله إل ال‪ ،‬والهاد الفلبين‪ ،‬والهاد ف جامو وكشمي‪ ..‬وغدا‪ W‬تتوهج الشعلة لنقاذ‬
‫العال السلمي ما هو واقع فيه‪..‬‬

‫ول يكن الهاد ف سبيل ال هو اليدان الوحيد الذي حداهم إل خوضه اليان‬
‫باليوم ا لخر والرغ بة ف ج نة ال لد‪ .‬ف كثي من أع مال ا لب‪ A‬كان ا لدافع إلي ها هو ا لدافع‬
‫ذاته‪..‬‬

‫من ذلك " الوقاف " الت وقفها السلمون لعمال الي‪ ،‬زهد‪X‬ا ف متاع الياة‬
‫الدنيا‪ ،‬أو رغبة ف بذل شيء من مالم " للصال العام " ابتغاء مرضاة ال‪.‬‬

‫‪ ()129‬إقرأ – إن شئت – فصل " الهاد الفغان " ف كتاب " الهاد الفغان ودللته "‪.‬‬

‫)‪(148‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ومن هذه الوقاف أنشئت الدارس لتعليم الطلب بالان من أول مكاتب تفيظ‬
‫ال قرآن الكر ي إ ل آ خر در جات التخ صص العل مي‪ ،‬بل ل يقت صر ا لمر ع لى تعليم هم‬
‫بالان‪ ،‬وإنا شل كفالتهم طيلة فترة الدراسة ليتفرغوا لطلب العلم غي مشغولي بطلب‬
‫العاش‪ .‬فعرفت المة السلمية التعليم الان قبل أن تعرفه البشرية بعدة قرون‪.‬‬

‫ومنها أنشئت الستشفيات )البيمارستانات( لعلج الرضى بالان فعرفت المة‬


‫السلمية العلج الان قبل أن تعرفه البشرية بعدة قرون‪.‬‬

‫ومن ها أن شئت دور رعا ية الي تام والع جزة والنقطع ي‪ ..‬ودور للعنا ية باليوا نات‬
‫التاجة إل الرعاية‪ ..‬قبل أن تعرف البشرية شيئا‪ W‬من ذلك بعدة قرون‪.‬‬

‫وفوق ذلك كله كانت روح من التقوى ومافة ال تظلل حياة الناس‪ ،‬وتنحها‬
‫من الب كة والطمأني نة ما تفت قده الاهل يات ا لت ل تؤمن ب عال الغ يب‪ ،‬ول تؤمن إل با‬
‫تدركه الواس‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وارتبطت قضية التوح يد كذلك بتطبيق شريعة ال‪ ،‬فأصبح مك اليان هو‬
‫التحاكم إل شريعة ال‪ ،‬ومن آيات الكفر الكم بغي ما أنزل ال‪ ،‬والنافقون ‪ -‬الذين‬
‫هم ف ا لدرك ال سفل من ال نار ‪ -‬هم ا لذين يت ظاهرون بال سلم ث يعر ضون عن‬
‫التحاكم إل شريعة ال‪ ،‬يريدون التحاكم إل الطاغوت‪.‬‬

‫)أ‪##‬ل م‪ 4‬ت‪%‬ر‪) %‬إ ل‪#‬ى ا ل‪X‬ذ)ين‪% %‬يز‪4‬ع‪ -‬م‪-‬ون‪# #‬أن‪H‬ه‪ -‬م‪ 4‬آم‪ %‬ن‪-‬وا ب) م‪%‬ا أ‪/‬ن‪4‬ز) ل‪ #‬إ)ل‪4 #‬ي ك‪ %‬و‪ %‬م‪%‬ا ‪/‬أن‪4‬ز) ل‪ #‬م) ن‪ 4‬ق‪#‬ب‪4‬ل)ك‬
‫‪-‬ير) يد‪-‬ون‪ #‬أ‪ #‬ن‪ .‬ي‪%%‬ت ح‪%‬اك‪#‬م‪-‬وا )إ ل‪#‬ى ال ط‪X‬اغ‪/‬وت) و‪ %‬ق‪#‬د‪/ 4‬أ م)ر‪-‬وا ‪#‬أ ن‪ .‬ي‪%‬ك‪ .‬ف‪/‬ر‪-‬وا ب) ه) و‪%‬ي‪-‬ر) يد‪ -‬ال ش‪H‬ي‪4‬ط‪#‬ان‪ /‬أ‪#‬ن‬
‫‪-‬يض)ل‪X‬ه‪-‬م‪ 4‬ض‪%‬لل‪% W‬بع)يدا(‪] .‬سورة النساء‪ ،‬الية ‪) .[60‬ف‪#‬ل و‪%‬ر‪s%‬بك‪ %‬ل ي‪-‬ؤ‪4‬م)ن‪-‬ون‪ #‬ح‪%‬ت‪H‬ى ي‪-‬ح‪+ %‬كم‪-‬وك‬
‫ف)يم‪%‬ا ش‪%‬ج‪%‬ر‪ %‬ب‪%‬ي‪4‬ن‪%‬ه‪-‬م‪/ 4‬ثم‪ H‬ل ‪%‬يج)د‪-‬وا ف)ي ‪#‬أن‪4‬ف‪/‬س)ه)م‪ 4‬ح‪%‬ر‪%‬جا‪ W‬م)م‪H‬ا ق‪#‬ض‪%‬ي‪4‬ت‪ %‬و‪-%‬يس‪%‬ل‪+‬م‪-‬وا ‪%‬تس‪4‬ل)يما(‪] .‬سورة‬
‫النساء‪ ،‬الية ‪.[65‬‬

‫) ‪%‬وي‪%‬ق‪/‬ول‪/‬ون‪ #‬آ ‪%‬من‪H‬ا ب)الل‪X‬ه) ‪%‬وب)الر‪H‬س‪-‬ول) و‪#%‬أط‪#‬ع‪4‬ن‪%‬ا ث‪/‬م‪% H‬يت‪%‬و‪%‬ل‪X‬ى ف‪#‬ر)يق= م)ن‪4‬ه‪-‬م‪ 4‬م)ن‪ 4‬ب‪%‬ع‪4‬د) ذ‪#‬ل)ك‪ %‬و‪%‬م‪%‬ا‬
‫أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ب)ال‪.‬م‪-‬ؤ‪4‬م)ن)ي‪ ،%‬و‪%‬إ)ذ‪#‬ا د‪-‬ع‪-‬وا إ)ل‪#‬ى الل‪X‬ه) و‪%‬ر‪%‬س‪-‬و)له) ل)‪%‬يح‪4‬ك‪/‬م‪% %‬بي‪4‬ن‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬إ)ذ‪#‬ا ف‪#‬ر)يق= م)ن‪4‬ه‪-‬م‪ 4‬م‪-‬ع‪4‬ر)ض‪-‬ون(‪.‬‬

‫)‪(149‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫]سورة النور‪ ،‬اليتان ‪) .[48 ،47‬إ)‪H‬نم‪%‬ا ك‪#‬ان‪ #‬ق‪#‬و‪4‬ل‪ #‬ال‪ .‬م‪-‬ؤ‪4‬م)ن)ي‪ %‬إ)ذ‪#‬ا د‪ -‬ع‪-‬وا إ) ل‪#‬ى الل‪X‬ه) و‪%‬ر‪ %‬س‪-‬ول)ه‬
‫)لي‪%‬ح‪4‬ك‪ /‬م‪ %‬ب‪%‬ي‪%4‬نه‪ -‬م‪ 4‬أ‪ #‬ن‪% .‬يق‪/‬و ل‪/‬وا س‪%‬م)ع‪4‬ن‪%‬ا و‪%‬أ‪#‬ط‪#‬ع‪ 4‬ن‪%‬ا ‪%‬وأ‪/‬ول‪#‬ئ) ك‪ %‬ه‪ -‬م‪ -‬ال‪.‬م‪-‬ف‪.‬ل) ح‪-‬ون(‪ ] .‬سورة ال نور‪ ،‬ال ية‬
‫‪.[51‬‬

‫) ‪%‬وم‪ %‬ن‪# 4‬ل م‪% 4‬يح‪4‬ك‪ /‬م‪ 4‬ب) م‪%‬ا ‪#‬أن‪4‬ز‪ %‬ل‪ #‬الل‪ X‬ه‪ -‬ف‪#‬أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ه‪ -‬م‪ -‬ا‪.‬ل ك‪#‬اف)ر‪-‬ون‪ ] .(#‬سورة ا لائدة‪ ،‬ال ية‬
‫‪.[44‬‬

‫ذلك هو ارتباط قضية التشريع بأصل اليان‬

‫وقد ظل تكيم شريعة ال ف حس هذه المة مرتبطا‪ X‬ارتباطا‪ X‬وثيقا‪ X‬بقضية التوحيد‬
‫ثلثة عشر قرنا‪ X‬متوالية من تاريها‪ ،‬ل يالها شك ف أمره‪ ،‬ول ترضى بديل‪ X‬عنه‪ ،‬حت‬
‫غلبتها الاهلية العاصرة على دينها ف القرن الخي‪.‬‬

‫وحي حدث ‪ -‬مرة واحدة ‪ -‬ف تاريها الاضي أن حكم التتار أجزاء من العال‬
‫ال سلمي بغ ي شريعة ا ل‪ ،‬فحك موا " باليا سق " ا لذي كان ي شمل أحكا ما‪ X‬من ال توراة‬
‫وأحكاما‪ X‬من النيل وأحكاما‪ X‬من القرآن بالضافة إل أعراف التتار النتشرة بينهم يومئذ‪،‬‬
‫أ جع عل ماء ال مة ع لى أ نه ك فر بواح‪ ،‬ي قاتلون عل يه حت ي عودوا إ ل شريعة ا ل‪ ،‬ل‬
‫‪-‬يح–ك‪Ý‬م‪-‬ون غيها ف كثي ول قليل )‪.(130‬‬

‫وما أبعد الفرق بي تكيم شريعة ال وتكيم شرائع الاهلية‪:‬‬

‫)أ‪#‬ف‪#‬ح‪-‬ك‪ .‬م‪ %‬ا‪.‬لج‪%‬اه)ل) ي‪H‬ة) ي‪4 %‬ب غ‪-‬ون‪ #‬و‪%‬م‪ %‬ن‪ 4‬أ‪#‬ح‪ 4‬س‪%‬ن‪ -‬م) ن‪ %‬الل‪ X‬ه) ح‪-‬ك‪ .‬ما‪ W‬ل) ق‪#‬و‪4‬م‪ p‬ي‪-‬وق) ن‪-‬ون‪ ] .(#‬سورة‬
‫الائدة‪ ،‬الية ‪.[50‬‬

‫‪ ()130‬قال المام ابن كثي ف تفسي قوله تعال )أ‪ã‬ف‪ã‬ح‪-‬ك‪Å‬م– ال‪Å‬ج–اه‪Æ‬ل‪Æ‬ي*ة‪ Æ‬ي–ب‪5‬غ‪-‬ون‪ ã‬و–م–ن‪ 5‬أ‪ã‬ح‪5‬س–ن‪ -‬م‪Æ‬ن– الل‪Û‬ه‪ Æ‬ح‪-‬ك‪Å‬ما‪ X‬ل‪Æ‬ق‪ã‬و‪5‬م‬
‫ي‪-‬وق‪Æ‬ن‪-‬ون(‪ " :‬ينكر ال تعال على من خرج عن حكم ال الشتمل على كل خي‪ ،‬الناهي عن كل شر‪،‬‬
‫وع–د–ل‪ ã‬إل ما سواه من الراء والصطلحات الت وضعها الرجال بل مستند من شريعة ال‪ ،‬كما كان‬
‫أ هل الاهل ية يكمون به من الضللت والهالت ما يضعونا بأهوائهم وآرائهم‪ ،‬وكما ي كم به‬
‫التتار من السياسات اللكية الأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لم الياسق‪ ،‬وهو عبارة عن‬
‫كتاب مموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شت من اليهودية والنصرانية واللة السلمية وغيها‪،‬‬
‫وفيها كثي من الحكام أخذها بجرد نظره وهواه‪ ،‬فصارت ف بنيه شرعا‪ X‬متبعا‪ ،X‬يقدمونه على الكم‬
‫بكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪ .‬فمن فعل ذلك منهم فهو كافر‪ ،‬يب قتاله حت يرجع‬
‫إل حكم ال ورسوله‪ ،‬فل يكم سواه ف قليل ول كثي " تفسي ابن كثي ج ‪ 2‬ص ‪.68‬‬

‫)‪(150‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وحينما كان يكم الرض طغاة " مقدسون "‪ ،‬يكمون بأهوائهم‪ ،‬على أساس "‬
‫ا لق ا للي ال قدس " أو غ يه من ال سس الفا سدة‪ ،‬كانت ا لرض ال سلمية مكو مة‬
‫بشريعة ال ‪ -‬على الرغم من النرافات الت لقت بالتطبيق من جور الكام فيما يتص‬
‫بصالهم ‪ -‬فعرفت المة السلمية معن التحاكم إل شريعة موحدة‪ ،‬ل يصنعها الغنياء‬
‫لصالهم )‪ ،(131‬ول صاغها الفقراء انتقاما‪ X‬لنفسهم من ظلم الغنياء )‪ ،(132‬إنا أنزلا ال‬
‫رب الغن ياء والف قراء ))لي‪ %‬ق‪/‬وم‪ %‬الن‪H‬ا س‪ -‬ب)ال‪.‬ق) س‪4‬ط)(‪ ] .‬سورة الد يد‪ ،‬ال ية ‪ .[25‬ويت حاكموا‬
‫بينهم بالعدل‪ ،‬وحال تكيم شريعة ال دون كثي من الشر الذي وقع ف الاهليات عن‬
‫شال وعن يي‪.‬‬

‫ول قد كان ت طبيق ال شريعة ال سلمية ف م ساحة وا سعة من ا لرض‪ ،‬وم ساحة‬
‫واسعة من التاريخ‪ ،‬هو ذاته من العطاء الذي من‪ m‬ال به على هذه المة‪ ،‬وجاهدت المة‬
‫لتوصيله إل الناس ف ربوع الرض الواسعة‪ ،‬فحقق ال على يديها ذلك الي‪ ..‬لول مرة‬
‫ف التاريخ‪.‬‬

‫فقد كانت شريعة موسى شاملة لتطلبات الياة اليانية ف وقتها‪ ،‬ولكنها كانت‬
‫خاصة ببن إسرائيل وحدهم‪ ،‬ول تكن مفتوحة " للميي "‪ ..‬فظلت مصورة ف نظاقهم‪،‬‬
‫فضل‪ X‬عن التحريف البشع الذي نالا على أيدي " حكماء بن إسرائيل "‪ ،‬الذين قال ال‬
‫فيهم‪) :‬ف‪#‬و‪%‬ي‪4‬ل‪ I‬ل) ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ي‪%‬ك‪.‬ت‪ -‬ب‪-‬ون‪ #‬ال‪.‬ك) ت‪%‬اب‪ %‬ب)أ‪ #‬ي‪4‬د)يه)م‪ 4‬ث‪ /‬م‪ H‬ي‪%‬ق‪/‬و ل‪/‬ون‪ #‬ه‪%‬ذ‪#‬ا م) ن‪ 4‬ع) ن‪4‬د) الل‪ X‬ه) )لي‪ %‬ش‪4‬ت‪%‬ر‪-‬وا ب)ه‬
‫‪#‬ثم‪%‬نا‪ W‬ق‪#‬ل)يل‪ W‬ف‪#‬و‪%‬ي‪I 4‬ل ‪#‬له‪ -‬م‪ 4‬م) م‪H‬ا ك‪#‬ت‪%‬ب‪ %‬ت‪# 4‬أي‪4‬د)يه)م‪ 4‬و‪%‬و‪4%‬يل‪# I‬له‪ -‬م‪ 4‬م) م‪H‬ا ي‪%‬ك‪.‬س)ب‪-‬ون(‪] .‬سورة البقرة‪ ،‬الية‬
‫‪ .[79‬أولئك ا لذين أح ل‪m‬وا الر با‪ ،‬واح تالوا ل يأكلوا أ موال ال ناس بالبا طل‪ ،‬وع ‪m‬ط لوا ح كم‬
‫الرجم للزان الصن‪ ،‬وأفسدوا سي النبياء فاتموهم بكل كبية من أجل إباحة ارتكاب‬
‫هذه الكبائر " لشعب ال الختار "!‬

‫وجاء عيسى عليه السلم‪ ،‬ليقول لبن إسرائيل‪:‬‬

‫) ‪%‬وم‪ -‬ص‪%‬د‪s‬قا‪) W‬ل م‪%‬ا ‪%‬بي‪ 4‬ن‪ %‬ي‪%‬د‪%‬ي‪ H‬م) ن‪ %‬ال ت‪H‬و‪4‬ر‪%‬اة) و‪ %‬ل)أ‪/‬ح)ل‪# X‬لك‪ /‬م‪ 4‬ب‪%‬ع‪ 4‬ض‪ %‬ا ل‪X‬ذ)ي ح‪-‬ر‪ s‬م‪ %‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ك‪ /‬م‪.(4‬‬
‫]سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[50‬‬

‫‪ ()131‬كما هو الال ف الديقراطية‪.‬‬


‫‪ ()132‬كما هو الال ف الشتراكية‪.‬‬

‫)‪(151‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فكان الفروض ف النصارى أن يكموا با جاء ف النيل م‪-‬صد×قا‪ X‬لحكام التوراة‬


‫بصفة عامة ومعدل‪ X‬لبعضها على الصوص‪:‬‬

‫) ‪%‬ول‪.‬ي‪%‬ح‪4‬ك‪/‬م‪# 4‬أه‪4‬ل‪ /‬ال‪.‬أ)ن‪4‬ج)يل) )بم‪%‬ا أ‪#‬ن‪4‬ز‪%‬ل‪ #‬الل‪X‬ه‪ -‬ف)يه) و‪%‬م‪%‬ن‪ 4‬ل‪#‬م‪% 4‬يح‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬ب)م‪%‬ا ‪#‬أن‪4‬ز‪%‬ل‪ #‬الل‪X‬ه‪ -‬ف‪#‬أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‬
‫ه‪-‬م‪ -‬ا‪.‬لف‪#‬اس)ق‪/‬ون(‪] .‬سورة الائدة‪ ،‬الية ‪.[47‬‬

‫ولكن أهل النيل ل يكموا با أنزل ال فيه‪ ،‬بل جاء بولس فحر‪A‬م عليهم التان‬
‫وقد أمرهم ال به‪ ،‬وجاء غيه فأحل لم المر والنير‪ ،‬وقد حرمهما ال‪ ،‬فاتبعوهم ف‬
‫ذلك كله فوقعوا ف الشرك الذي قال ال فيه‪:‬‬

‫)ا‪H‬تخ‪%‬ذ‪/‬وا أ‪#‬ح‪4‬ب‪%‬ار‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬و‪%‬ر‪-‬ه‪4‬ب‪%‬ان‪%‬ه‪-‬م‪# 4‬أر‪4‬ب‪%‬ابا‪ W‬م)ن‪ 4‬د‪-‬ون) ال ‪X‬له)(‪] .‬سورة التوبة‪ ،‬الية ‪.[31‬‬

‫وبي‪A‬ن رسول ال وجه الشرك ف ذلك حي قال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لعدي بن‬
‫حات‪ " :‬أ ل ي لوا لم ا لرام وير موا علي هم اللل فاتبعوهم؟ فت لك ع بادتم إ ياهم "‬
‫)‪.(133‬‬

‫بل كانت الطامة أن الشريعة بكاملها ل تطبق‪ ،‬بل بقيت " وصايا " خلقية يلتزم‬
‫با التقياء تقربا‪ X‬إل ال ولكنها ل تكم واقع الرض‪ ،‬إنا يكم القانون الرومان ذلك‬
‫الواقع‪ ،‬على أساس قول مدخول اعتبته الكنيسة ف إبان ضعفها‪ ،‬ول ترجع عن اعتباره‬
‫حي أصبح ف أيديها السلطان الكاف للزام الكام بتطبيق الشريعة‪ ،‬ذلك ما نسب إل‬
‫السيد السيح من أنه قال‪ " :‬أد‪ A‬ما لقيصر لقيصر وما ل ل "!‬

‫وهكذا فإن الرض الواسعة الت انتشرت فيها ديانة بولس ‪ -‬باسم النصرانية ‪ -‬ل‬
‫تطبق فيها الشريعة الربانية أبدا‪ ،W‬ول تعرف كيف يكون اللتزام با أنزل ال ف التشريع‪.‬‬
‫و حت ح ي كانت تكمها " الكومة الثيوقراط ية "‪ ،‬ك ما ي سمونا ف لم ت كن ت كم با‬
‫أنزل ال‪ ،‬إنا كانت تكم بأهواء رجال الدين باسم الدين‪.‬‬

‫وهكذا انتقلت أوربا ف قضية التشريع من جاهلية إل جاهلية‪ ،‬حت دخلت ف‬


‫حكم الاهلية العاصرة الت أباحت من الظال والفاسد ما ل تبحه شريعة ف التاريخ‪.‬‬

‫‪ ()133‬رواه أحد والترمذي وحسنه‪.‬‬

‫)‪(152‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وال مة ال سلمية ‪ -‬و حدها ‪ -‬هي ا لت طب قت ال شريعة الربان ية بإخلص غ ي‬


‫مسبوق‪ ،‬ف مساحة واسعة من الرض‪ ،‬ومساحة واسعة من التاريخ‪ ،‬إل أن أجليت عنها‬
‫ف الستضعاف الخي‪.‬‬

‫وح ي ت كم شريعة ا ل تف الب كة والطمأني نة لرض‪ ،‬وح ي ت كم الاهل ية‬


‫يظهر ف الرض الفساد‪..‬‬

‫ويك في من بر كة ت طبيق ال شريعة أن ا لرض ال سلمية ل ت عرف ن ظام الق طاع‬


‫الورب‪ ،‬الذي عاث ف أوربا فساد‪X‬ا ما ل يقل‪ m‬عن ألف عام‪ ،‬والذي كان القطاعي فيه‬
‫يمع ف شخصه السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية كلها ف آن واحد‪،‬‬
‫ويفرض على الناس ‪ -‬عبيد الرض ‪ -‬ما يعن‪ A‬له أن يفرض من الهواء والظال‪ ،‬الت ربا‬
‫كان من أ شدها دن سا‪ " X‬حق اللي لة ا لول "‪ ،‬ا لذي يب يح لل سيد اغت صاب من شاء من‬
‫زوجات " العبيد " من " الشعب "‪ ،‬فل تصل إل زوجها إل وقد دنسها الشيطان‪.‬‬

‫ويك في من بر كة ت طبيق ال شريعة الربان ية أن ا لرض ال سلمية كانت ‪ -‬ل فترة‬


‫طويلة ‪ -‬أطهر أرض من الفاحشة‪ ،‬وأطهر أرض من المر وموبقاتا‪ ،‬وأطهر أرض من‬
‫الربا‪ ،‬وأقل بلد الرض جرائم‪.‬‬

‫وليس معن ذلك أن الناس كانوا ملئكة أطهارا‪ ،X‬فمجتمع الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬نفسه ل يكن متمعا‪ X‬من اللئكة‪ ،‬إنا كان تطبيق النهج الربان ف واقع الرض‬
‫ي صر الر ية ف أ ضيق ن طاق م كن‪ ،‬فت قع ‪ -‬ح ي ت قع ‪ -‬شذوذا‪ X‬ي ستنكر‪ ،‬وتو قع ع لى‬
‫مرتكبها العقوبة الرادعة‪ ،‬فل تتبلد عليها حواس الناس‪.‬‬

‫إن من مزية التشريع الربان أنه يعمل على اليلولة دون وقوع الرية قبل أن‬
‫يعمل على عقاب مرتكبها‪ .‬والعقوبة الرادعة ف هذه الشريعة هي ذاتا لون من ألوان‬
‫الوقاية من انتشار الرية ف الرض‪.‬‬

‫لقد كان الزواج الباكر يغن عن ارتكاب الفاحشة‪ .‬وكانت تقوى ال والطمأنينة‬
‫بذكره تغ ن عن ال مر‪ .‬و كانت قنا عة ال ناس بالر بح اللل والع يش اللل تول بين هم‬
‫وبي الربا‪ .‬وكانت الودة التبادلة بي الناس تقلل من حجم الرية‪ ،‬فكان الناس ف ريف‬
‫السلم الواسع ل يعرفون البواب الغلقة على بيوتم لستتباب المن فيه‪.‬‬

‫)‪(153‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫و كانت الدي نة بالطبع غ ي الر يف‪ ..‬في ها أ ماكن لرت كاب الفاح شة‪ ،‬وأ ماكن‬
‫لشرب المر‪ ،‬وأماكن للمجون واللهو‪ ،‬وعلى أطرافها يقبع قطاع الطريق و " الشطار "‬
‫)‪ ..(134‬ومع ذلك كله فقد كانت بالنسبة لغيها من الدن ف خارج العال السلمي أمنا‬
‫وسلما‪ X‬وطمأنينة وبركة‪ ،‬وكان التجار يتركون حوانيتهم مفتوحة ليذهبوا إل الصلة ف‬
‫السجد فل يسطو عليها شذاذ الفاق!‬

‫وقدم علماء المة وفقهاؤها ثروة " إنسانية " ثر‪A‬ة ل تزال تثل زاد‪X‬ا نافعا‪ X‬للبشرية‬
‫إل هذه اللحظة‪ ،‬سواء ف علم الصول‪ ،‬لوضع قواعد الستدلل وقواعد الستنباط من‬
‫نصوص الشريعة‪ ،‬أو علم الفقه لوضع الحكام التفصيلية لا يد‪ A‬ف حياة الناس من أمور‪،‬‬
‫أو ف التربية لتهذيب النفس النسانية على هدى التنيل الربان‪ ،‬وسنة رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬أو غي ذلك من العلوم النافعة للناس ف دينهم ودنياهم‪ ،‬وانتشر هذا العلم‬
‫ف ربوع العال السلمي عن طريق الدارس وحلقات العلم ف الساجد‪ ،‬ف وقت كانت‬
‫أوربا تعيش فيه ف الظلمات‪..‬‬

‫وارت بط هذا ك له ف حس ال ناس و ف وا قع ا لمر بق ضية التوح يد‪ ،‬وأ صبح لذه‬
‫القضية واقع عملي ف حياتم‪ ،‬يثل منهج حياة متكامل‪ ،‬يشمل الياة كلها‪ ،‬لن الشريعة‬
‫الربان ية شلت كل جوانب ال ياة‪ :‬السيا سية والقت صادية والجتماع ية والفكر ية‬
‫والخلق ية‪ ..‬ك ما شلت ال ثابت ا لذي ير يد ا ل له أن يث بت‪ ،‬والتغ ي ا لذي أذن ا ل ف يه‬
‫بالجتهاد الدائم لواكبة ما يد من أمور الياة‪ ،‬وربطه بالصول الثابتة ف هذا الدين‪ ،‬الت‬
‫أطلق عليها العلماء " مقاصد الشريعة "‪.‬‬

‫وهكذا صارت قضية التوحيد هي منهج الياة‪:‬‬

‫)ق‪ /‬ل‪ .‬إ) ن‪ X‬ص‪%‬لت)ي ‪%‬ون‪ -‬س‪-‬ك)ي و‪%‬م‪%‬ح‪ 4‬ي‪%‬اي‪ %‬و‪%‬م‪ %‬م‪%‬ات)ي ل)ل‪ X‬ه) ر‪ %‬ب‪ s‬ال‪ .‬ع‪%‬ال‪#‬م)ي‪ ،%‬ل ش‪%‬ر)يك‪# %‬ل ه‪.(-‬‬
‫]سورة النعام‪ ،‬اليتان ‪.[163 ،162‬‬

‫وكانت أكب عطاء م ن‪ m‬ال به على هذه المة‪ ،‬وأكب عطاء أهدته هذه المة‬
‫للناس‪..‬‬

‫‪ ()134‬الشطار – ف الصل – هم قطاع الطرق والنشالون‪ ،‬لنم يشطرون جيوب الناس – أي يشقونا‬
‫– ليسرقوا ما فيها‪ .‬ث تطور استخدام اللفظ حت شل معن الحتيال الذكي لنهب أموال الناس بغي‬
‫استخدام العنف‪ ،‬ث تطور مرة أخرى فأصبح يعن الهارة بصرف النظر عن الوسيلة والهداف!‬

‫)‪(154‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫)‪(2‬‬
‫كان السلم ميلدا‪ X‬جديدا‪ X‬للنسان‪ ،‬كما كانت كل رسالة ساوية أنزلت من‬
‫عند ال‪.‬‬

‫كانت كل ها تر يرا‪ X‬للن سان من خرا فاته وأو هامه وت صوراته الفا سدة عن ا ل‬
‫والكون والياة والنسان‪ ،‬وترير‪X‬ا له من عبودياته الزائفة‪ ،‬سواء عبوديته لللة الزعومة‪،‬‬
‫أو لشهواته‪ ،‬أو للعراف النحرفة‪ ،‬أو عبودية البشر بعضهم لبعض ف صورة أشخاص لم‬
‫قداسة‪ ،‬أو ف صورة مشرعي من عند أنفسهم بغي ما أنزل ال‪.‬‬

‫ول كن الر سالت ال سابقة كل ها ‪-‬حر‪ A‬فت‪ ،‬فأف سدت " اليلد الد يد " للن سان‪،‬‬
‫وأعادته ‪ -‬كما كان ف جاهليته ‪ -‬عبد‪X‬ا لغي ال‪.‬‬

‫وبقي " اليلد الديد " الذي أحدثه السلم أطول فترة من التاريخ يثل التحرير‬
‫القيقي للنسان‪ ..‬لقد كان شيئا‪ X‬ضخما‪ X‬ج̈دا ف الواقع‪.‬‬

‫كان صفاء " التوح يد " ك ما بي نه ا ل ف ك تابه ال نل‪ ،‬وك ما عل مه ر سول ا ل‬


‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لصحابه‪ ،‬من النصاعة والقوة‪ ،‬والعمق والصالة‪ ،‬بيث أحدث ف‬
‫واقع الرض تلك الدفعة الائلة الت ل مثيل لا ف التاريخ‪ ،‬سواء ف عظمة الشخصيات‬
‫الت أبرزتا‪ ،‬أو ف صلبة القاعدة الت أسستها‪ ،‬أو ف متانة التمع الذي صاغته‪ ،‬أو ف‬
‫النسياح الواسع ف أرجاء الرض‪.‬‬

‫كان تر يرا‪ X‬للر جل وا لرأة ع لى ال سواء‪ ..‬ل ف عال النظر يات ول كن ف عال‬
‫الواقع‪.‬‬

‫وف تربتي سابقتي أخفق الب شر ف مارسة ذلك الت حرر على ال ستوى اللئم‬
‫للنسان‪..‬‬

‫)‪(155‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ف التجر بة اليهود ية أخ لدوا إ ل ا لرض‪ ،‬واتب عوا أ هواءهم و شهواتم‪ ،‬وتر كوا‬
‫عال القيم جفاء‪ õ‬واستهتار‪X‬ا وتردا‪ X‬على أوامر ال‪ ،‬وتبجحا‪ X‬ف الوقت ذاته بأنم هم الناس‬
‫ومن عداهم دواب!‬

‫و ف التجر بة الن صرانية تر كوا م تاع ا لرض‪ ،‬ل كي يق قوا الق يم العل يا ف عال‬
‫الروح النعتقة من أغلل السد‪ ،‬ف رهبانيتهم الت ابتدعوها‪ ،‬فما ر–ع–و‪5‬ها حق رعايتها‪،‬‬
‫وانقلب أكثرهم فاسقي!‬

‫وف التجربة السلمية أفلح البشر فيما أخفقوا فيه من قبل‪.‬‬

‫عا شوا ح ياتم الر ضية الواقع ية ع لى ضوء الق يم ا لت آم نوا با‪ ..‬فالتقى الوا قع‬
‫بالثال!‬

‫انط لق الر جال ي شون ف م ناكب ا لرض يبت غون من ف ضل ا ل‪ ،‬و يتزو‪A‬جون‬
‫وين سلون‪ ،‬ويأ خذون ق سطهم من ال تاع ال باح‪ ،‬و ف ا لوقت ذا ته يا هدون ف سبيل ا ل‬
‫بأموالم وأنفسهم‪ ،‬ويرتفعون على متاع الرض كله ف لظة حي يدعو إل ذلك داعي‬
‫الهاد‪ ،‬دون أن يفقدوا توازنم‪ ،‬أو يرجوا عن بشريتهم‪ ،‬أو يكبتوا دوافعهم‪..‬‬

‫وانطلقت الرأة بكل " إنسانيتها " تبن‪ ..‬تبن متمعا‪ X‬ل مثيل له ف التاريخ‪..‬‬

‫لقد تررت‪ ..‬تررت من أوضاعها الذل‪m‬ة الت عاشتها ف الاهلية‪ ..‬وتررت من‬
‫نظرة التمع لا‪ ،‬ونظرتا لنفسها ف حدود عال الس القريب‪ ،‬الت كثي‪X‬ا ما تقترب من‬
‫عال اليوان!‬

‫تررت فشعرت أنا " إنسانة "‪ ،‬وأنا تعيش لدف " إنسان " ضخم‪ ،‬هو بناء‬
‫متمع ذي عقيدة‪ ،‬متمع ذي قيم عليا‪ ،‬متمع ذي فضائل‪ ،‬هي ركن أساسي فيه‪ ،‬وهي‬
‫البان الساسي فيه‪ ..‬ف الوقت ذاته الذي تعيش فيه حياتا الواقعية تاما‪ ..X‬تتزوج‪ ،‬وتمل‬
‫وت لد‪ ،‬وت قوم بأع باء ا لبيت وأع باء الزوج ية‪ ،‬ولكن ها ف كل ذ لك إن سانة ذات آ فاق‬
‫إسلمية‪ ،‬ونظرة إسلمية للمور‪ ،‬واهتمامات إسلمية بالدعوة وبأحوال التمع‪.‬‬

‫)‪(156‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وكان أبدع ما ف ذلك التحرر النسان أ ن‪ m‬تررها ل يدفعها إل التمرد على‬


‫أنوثتها‪ ،‬بل هي تعيش كيانا النثوي الكامل‪ ،‬وتارس إنسانيتها من خلله‪ ..‬كما أنا ‪-‬‬
‫كالرجل سواء ‪ -‬تعيش ف ظل القيم الخلقية السلمية‪ ،‬الت تفرض قيودا‪ X‬كثية على‬
‫شهوات النفس‪ ،‬ولكنها قيود " النسان "‪ ،‬الت ارتفع با عن عال اليوان!‬

‫)‪(3‬‬
‫كانت حر كة التو سع ال سلمي حر كة فر يدة ف التار يخ من ح يث م ضمونا‬
‫وأهدافها‪.‬‬

‫ولقد يكفينا ف شرح أهدافها تلك الكلمات القلئل الت قالا ربعي بن عامر حي‬
‫سأله رستم قائد الفرس‪ :‬ما الذي أتى بكم إل بلدنا؟! قال‪ " :‬ال ابتعثنا لنخرج من شاء‬
‫من عبادة العبادة إل عبادة ال‪ ،‬ومن جور الديان إل عدل لسلم‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إل‬
‫سعة الدنيا والخرة "!‬

‫ولقد يكفينا ف شرح مضمونا قصة الشاب القبطي الذي ضربه ابن عمرو بن‬
‫العاص بالعصا حي تسابقا ففاز عليه الشاب القبطي فضربه وقال له‪ " :‬خذها وأنا ابن‬
‫ا لكرمي "! ف لم ي طق ال شاب ‪ -‬أو أ بوه ‪ -‬ضربة الع صا‪ ،‬و هم ا لذين كان الرو مان‬
‫ي لدونم بال سياط فل يدون مل جأ من الظ لم ول باع ثا‪ X‬لل شكوى‪ ..‬فار تل إ ل الدي نة‬
‫يشكو ضربة العصا إل عمر بن الطاب ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬فأعطاه عمر ‪ -‬رضي ال عه‬
‫‪ -‬در‪ A‬ته لي ضرب با " ا بن ا لكرمي "! و قال لع مرو قولته ال شهورة‪ " :‬يا ع مرو! مت‬
‫استعبدت الناس وقد ولدتم أمهاتم أحرارا! " وف هذه القولة الختصرة يكمن الفارق‬
‫بي حركة التوسع السلمي‪ ،‬وحركات التوسع الخرى ف التاريخ‪ ،‬فهذه كانت تستعبد‬
‫الحرار‪ ،‬بينما التوسع السلمي كان يرر العبيد‪..‬‬

‫نعم‪ ..‬إن كل حر كات التو سع ت ستخدم ال قوة لتتو سع‪ ،‬ولقد ا ستخدم ال سلم‬
‫القوة ف حركته التوسعية‪ ،‬وكان استخدام القوة بأمر من ال‪:‬‬

‫) ‪%‬وأ‪#‬ع)د_وا ‪#‬له‪-‬م‪ 4‬م‪%‬ا ا ‪4‬ست‪%‬ط‪#‬ع‪4‬ت‪-‬م‪ 4‬م)ن‪ 4‬ق‪/‬و‪H‬ة‪] (p‬سورة النفال‪ ،‬الية ‪.[60‬‬

‫)‪(157‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫)ي‪%‬ا أ‪_#‬يه‪%‬ا ال‪X‬ذ)ين‪ %‬آم‪%‬ن‪-‬وا ق‪#‬ات)ل‪/‬وا ال‪X‬ذ)ين‪ %‬ي‪%‬ل‪/‬ون‪%‬ك‪/‬م‪ 4‬م)ن‪ %‬ا‪.‬لك‪/‬ف‪X‬ار) و‪%‬ل‪.‬ي‪%‬ج)د‪-‬وا ف)يك‪/‬م‪ 4‬غ)ل‪.‬ظ‪#‬ة‪.(..W‬‬
‫]سورة التوبة‪ ،‬الية ‪.[123‬‬

‫ول كن ف يم ي ستخدم ال سلم ال قوة؟ ألل ستيلء ع لى ا لرض؟ ألل ستيلء ع لى‬
‫الثروات؟ ألذلل الناس واستعبادهم؟ ألرواء شهوة الفتح والتوسع؟ ألرضاء غرور طاغية‬
‫متعجرف أو قائد حرب معجب بنفسه؟!!‬

‫إن هذه ‪ -‬وأمثالا ‪ -‬هي الهداف الت استخدمت القوة من أجلها على مدار‬
‫التاريخ‪ ،‬وكونت بواسطتها المباطوريات ف التاريخ‪ ،‬قديه وحديثه سواء‪.‬‬

‫والسلم ل يستخدم القوة لشيء من هذا كله‬

‫ول كذلك ليفرض العقيدة على الناس بالكراه‪ ،‬كما زعم الستشرقون وغيهم‬
‫من أعداء هذا الدين‪:‬‬

‫)ل إ)ك‪.‬ر‪%‬ا ‪%‬ه ف)ي الد‪s‬ين) ق‪#‬د‪ 4‬ت‪%‬ب‪%‬ي‪H‬ن‪ %‬الر_ش‪4‬د‪ -‬م)ن‪ %‬ال‪.‬غ‪%‬ي‪] .(s‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.[256‬‬

‫وإنا يستخدم السلم القوة ‪ -‬بأمر من ال ‪ -‬لزالة العقبات الت تقف بي الناس‬
‫وبي التعرف على الق ف صورته القيقية‪ ،‬مثلة هذه العقبات ف نظم جاهلية‪ ،‬تقوم على‬
‫رأسها حكومات جاهلية‪ ،‬وتميها جيوش جاهلية‪ ،‬فإذا أزيلت العقبات فالناس أحرار بعد‬
‫ذلك‪ ،‬يتارون لنفسهم ما يشاءون‪ ،‬دون ضغط من السلمي ول إكراه‪.‬‬

‫ولقد أحاط بذه القضية كثي من الغبش ل من قبل الستشرقي وحدهم‪ ،‬ولكن‬
‫من قبل تلميذهم من يملون أساء إسلمية‪ ،‬ومن قبل النهزمي أمام " الضارة " الغربية‪،‬‬
‫الذين يقولون إن هذا أمر قد انتهى بانتهاء ظروفه التاريية‪ ،‬ول يعد له مكان اليوم‪ .‬وقد‬
‫أتيحت للدعاة حرية الدعوة‪ ،‬واستخدام كل الوسائل العلمية التاحة من كتاب وصحيفة‬
‫وإذاعة وتلفاز!‬

‫ونقول لؤلء ‪ -‬كما قلنا ف كتاب " الهاد الفغان ودللته " ‪ -‬إن القضية‬
‫ليست قضية الوسائل العلمية‪ ،‬ول قضية " إقناع " الناس بالق عن طريق عرض القائق‬
‫ل ج̈دا من الناس هم الذين يتعاملون مع "‬
‫على عقول الناس لتتأملها وتتدبرها‪ ،‬فإن قلي ‪X‬‬

‫)‪(158‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫القائق الردة " أو مع " الشيء ف ذاته "‪ .‬إن‪A‬ما الغالبية العظمى من الناس يرون الشياء‬
‫من خلل اللبسات الواقعية اليطة با‪ ،‬أو بعبارة أخرى من خلل " القوة " الت تيط‬
‫با‪.‬‬

‫ونضرب مثالي من الواقع القريب يبينان هذه القيقة‪..‬‬

‫إن‪ m‬أعداء السلم من يهود ونصارى‪ ،‬يريدون القضاء على هذا الدين ول شك‪:‬‬

‫) ‪%‬ول‪#‬ن‪% 4‬تر‪4‬ض‪%‬ى ع‪%‬ن‪4‬ك‪ %‬ا‪.‬لي‪%‬ه‪-‬ود‪ -‬و‪%‬ل الن‪H‬ص‪%‬ار‪%‬ى ح‪%‬ت‪H‬ى ‪%‬تت‪H‬ب)ع‪ %‬م)ل‪X‬ت‪%‬ه‪-‬م‪] .(4‬سورة البقرة‪ ،‬الية‬
‫‪.[120‬‬

‫) ‪%‬ود‪ H‬ك‪)#‬ثي= م)ن‪# 4‬أه‪4‬ل) ا‪.‬لك)ت‪%‬اب) ل‪#‬و‪ 4‬ي‪%‬ر‪-‬د_ون‪%‬ك‪/‬م‪ 4‬م)ن‪% 4‬بع‪4‬د) إ)ي‪%‬ان)ك‪/‬م‪ 4‬ك‪/‬ف‪X‬ارا‪ W‬ح‪%‬س‪%‬دا‪ W‬م)ن‪ 4‬ع)ن‪4‬د‬
‫‪#‬أن‪4‬ف‪/‬س)ه)م‪ 4‬م)ن‪ 4‬ب‪%‬ع‪4‬د) م‪%‬ا ت‪%‬ب‪%‬ي‪H‬ن‪# %‬له‪-‬م‪ -‬ال‪.‬ح‪%‬ق(‪] .‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.[109‬‬

‫فلما ل يكتفوا ‪ -‬ف القدي أو الديث ‪ -‬بالدعاية ضد السلم‪ ،‬وتشويه صورته‬


‫ف ن فوس ال ناس؟ لاذا حاربوا " دو لة ال سلم " وعم لوا ‪ -‬ف الع صر ا لخي ‪ -‬ع لى‬
‫إزالتها من الوجود أمل‪ X‬ف القضاء على السلم ذاته؟‬

‫أليس لنم يعلمون جيدا‪ X‬أن السلم مع وجود دولة تميه‪ ،‬غي السلم الرد‬
‫الذي ل دولة له ول حاية ول جيوش؟ )‪.(135‬‬

‫أما الثال الثان فهو الشيوعية بعد أن تلت عنها روسيا! أتراها هي هي كما‬
‫كانت تمي ها رو سيا ب كل قو تا وت قف ل عدائها بالر صاد؟ أم ب طل سحرها ف الن فوس‬
‫وتغيت نظرة الناس إليها مع أن مبادئها ل تتغي‪ ،‬و " حقائقها! " ف الكتب ما زالت على‬
‫ما كانت عليه!!‬

‫إن الناس ل يرون القائق الردة ول يتعاملون معها ‪ -‬إل القلة النادرة منهم ‪-‬‬
‫إنا تكون " القوة " ف حسهم مناطق جذب ترف مسار الفكر‪ ،‬وترف مسار الشعور!‬

‫‪ ()135‬ل شك أن إزالة دولة اللفة – الذي خطط له اليهود والنصارى – كان عامل‪ X‬مه̈ما ف الضعف‬
‫الزري والضياع الذي آل إليه السلمون ف العصر الاضر‪ .‬ولول أن ال قيض لذه المة من يدد لا‬
‫أمر دينها لتحقق هدف العداء كامل‪ .‬انظر الفصل القادم‪.‬‬

‫)‪(159‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وحي تكون القوة ميطة بالباطل فإنا تزينه ف قلوب الناس فيحسبونه حق‪Ü‬ا ويؤمنون به‬
‫ويدافعون عنه‪ ،‬بينما يتغي الوقف تاما‪ X‬ف نفوس الناس لو زالت القوة الت تيط به‪ ،‬فيونه‬
‫باطل‪ - X‬على حقيقته ‪ -‬ويتخلون عنه‪..‬‬

‫وهذا هو الذي أمر ال السلمي أن يفعلوه‪ ..‬أن يزيلوا القوة الت تيط بالباطل‬
‫فتزينه ف قلوب الناس‪ ،‬فيحسبونه حق‪c‬ا ويتشبثون به‪ ..‬فإذا أزيلت هذه القوة فل إكراه‬
‫ف الدين‪..‬‬

‫بل إن المر ل يبدأ بالقتال‪ ،‬إنا يبدأ بعرض السلم على الناس‪ ،‬فإن قبلوه فقد‬
‫انتهى المر‪ ،‬وصار الداخلون ف ال سلم إخوة ف ا لدين‪ ،‬وصاروا جزءا‪ X‬من المة الت‬
‫وصفها ال باليية‪ ،‬ل يتفاضلون بينهم إل بالتقوى‪.‬‬

‫فإن رفضوا السلم فقد أمر ال بفرض الزية عليهم للهدف ذاته الذي فرض‬
‫من أجله القتال‪ ،‬ولكن بأسلوب سلمي يقن الدماء‪ ..‬فالطلوب هو أل تقف القوة اليطة‬
‫بالباطل عقبة ف سبيل رؤية الناس للحق على حقيقته‪ ،‬وأل تكون منطقة جذب ترف‬
‫مسار الفكار والشاعر‪ ..‬وأداؤها للجزية يفيد هذا العن من غي قتال‪ .‬فالقوة الت ت‪-‬ف‪Å‬ر–ض‬
‫عليها الزية ل تعود ف ح س‪ A‬الناس قوة‪ ،‬ول تقوى على تريف مسار الق حت ينظر‬
‫الناس إليه على أنه باطل!‬

‫فأما إن أبوا السلم وأبوا الزية فعندئذ فقط يقع القتال‪ ..‬ويقع للهدف الذي‬
‫شرحناه من قبل‪ ،‬ل لفرض السلم على الناس!‬

‫ومه ما ي كن من أ مر فن حن ل نت حدث عن الو ضاع الا ضرة ا لت ع جز‬


‫السلمون فيها حت عن الدفاع عن أنفسهم‪ ،‬إنا نتحدث عن التاريخ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫توسع السلم ف الرض‪ ..‬فماذا فعل بالناس؟‬

‫)‪(160‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ف”تحت مصر فكان من أمرها ما رأينا ف قصة الشاب القبطي‪ ،‬ول يقع إكراه على‬
‫القباط أن يدخلوا ف السلم‪ ،‬ول ‪-‬يج‪5‬ل‪ã‬وا من أرضهم‪ ،‬ول يطردوا من بيوتم‪ ،‬ول تر‪A‬ق‬
‫قراهم‪ ،‬ل تنهب أموالم‪ ..‬والدليل أنه ما زال ف مصر بعد الفتح السلمي بأربعة عشر‬
‫قرنا‪ X‬أقباط يتزايد عددهم‪ ،‬يستمتعون بأمنهم وطمأنينتهم‪ ،‬وديارهم وأموالم‪ ،‬ي‪-‬مارسون‬
‫دينهم ف حرية كاملة تت رعاية السلمي وحايتهم‪.‬‬

‫قارن هذا با وقع للمسلمي ف الندلس‪ ،‬وما وقع لم ‪ -‬مثل‪ - W‬ف الفلبي‪.‬‬

‫كيف فعل النصارى بالسلمي حي تكنوا منهم ف الندلس؟ لقد أبادوا منهم‬
‫مئات اللوف ف مازر رهيبة تعترف ببشاعتها الراجع الوربية ذاتا‪ ،‬ث أجلوهم إجلء‬
‫كامل‪ X‬من البلد الت حكموها ‪ -‬بالعدل ‪ -‬ثانية قرون‪ ،‬والت كانت النارة الت علمت‬
‫أوربا‪ ،‬وأخرجتها من ظلمات قرونا الوسطى إل النور‪.‬‬

‫وك يف ف عل الن صارى كذلك بال سلمي ح ي غزوا الف لبي؟ ل قد طردو هم من‬
‫أرضهم‪ ،‬وحر‪A‬قوا عليهم قراهم‪ ،‬وظلوا يزحزحونم من أراضيهم الصبة ويستولون عليها‬
‫قسرا‪ ،X‬ويدفعونم دفعا‪ X‬إل الرض الرداء الت ل تثمر‪ .‬ومع ذلك ل يتركونم هناك ف‬
‫سلم‪ ،‬بل تستمر عمليات البادة الماعية حت هذه اللحظة تت سع العال وبصره‪..‬‬
‫وتتم تع الف لبي برعا ية خا صة من أمري كا ت ستعي با ع لى سحق ما ب قي من ك يان‬
‫السلمي‪.‬‬

‫وفت حت ال شام‪ ..‬ف كان من أمر ها أ نم ا شترطوا ع لى أ ب عب يدة بن ا لراح أن‬


‫يميهم من بطش الروم وطغيانم مقابل دفع الزية للمسلمي‪ ،‬فقبل أبو عبيدة الشرط‪.‬‬

‫ث سع أبو عبيدة أن هرقل ي‪-‬عد‪ A‬جيش‪X‬ا ضخما‪ X‬لسترداد الشام من السلمي‪ .‬فقام‬
‫بعمل ل مثيل له ف التار يخ ك له‪ ..‬إذ رد‪ A‬الزية ل هل ال شام‪ ،‬وقال لم‪ :‬لقد اشترطتم‬
‫علي نا أن نمي كم‪ .‬ول قد سعتم با ي هز ل نا‪ .‬وإ نا ل ن قدر ع لى ذ لك )أي ع لى حايتكم‬
‫حسب العهد بيننا وبينكم(‪ ،‬ونن لكم على الشرط إن نصرنا ال عليهم‪ ..‬فلما نصره ال‬
‫عليهم عاد أهل الشام يدفعون الزية عن رضى وهم يقولون‪ " :‬أنتم ‪ -‬ولستم على ديننا‬
‫‪ -‬أح ب‪ A‬إلينا وأرأف بنا من أهل ديننا " )‪ ..(136‬ث دخلوا ف دين ال أفواجا‪ X‬بعد ذلك‪،‬‬

‫‪ ()136‬انظر ت‪ .‬و‪ .‬آرنولد " الدعوة إل السلم " ترجة حسن إبراهيم حسن وزميليه‪ ،‬ص ‪.53‬‬

‫)‪(161‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وبقي من بقي منهم على نصرانيته‪ ،‬يستمتع بالماية والمن وحرية العبادة ف ظل الكم‬
‫السلمي‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وامتد الفتح ف سنوات قليلة فشمل مساحة واسعة من الرض ل مثيل لا فيما‬
‫عرف من حركات التوسع ف التاريخ‪.‬‬

‫و كان ل شجاعة الفاتي وروحهم القتالية العال ية أثرها ف سرعة هذا الفتح ول‬
‫شك‪ .‬فقد جعل ال قوة الؤمن القاتل عشرة أضعاف عدوه الكافر‪ ،‬ول تقل عن ضعفه ف‬
‫حالة الستضعاف‪:‬‬

‫) ي‪%‬ا ‪#‬أي_ ه‪%‬ا الن‪H‬ب) ي_ ح‪%‬ر‪ s‬ض) ا‪.‬ل م‪-‬ؤ‪4‬م)ن)ي‪ %‬ع‪ %‬ل‪#‬ى ا‪.‬لق) ت‪%‬ال) إ) ن‪ .‬ي‪%‬ك‪ /‬ن‪ 4‬م)ن‪4‬ك‪ /‬م‪ 4‬ع) ش‪4‬ر‪-‬ون‪ #‬ص‪%‬اب)ر‪-‬ون‬
‫‪%‬يغ‪4‬ل) ب‪-‬وا م)ائ‪#‬ت‪%‬ي‪4‬ن) و‪%‬إ) ن‪% .‬يك‪ /‬ن‪ 4‬م)ن‪4‬ك‪ /‬م‪ 4‬م)ائ‪#‬ة‪% I‬يغ‪4‬ل) ب‪-‬وا ‪#‬أل‪.‬فا‪ W‬م) ن‪ %‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ك‪#‬ف‪#‬ر‪-‬وا ب)أ‪H#‬نه‪-‬م‪ 4‬ق‪#‬و‪4‬م= ل ي‪%‬ف‪.‬ق‪#‬ه‪-‬ون‪،#‬‬
‫ال‪.‬آن‪ #‬خ‪%‬ف‪X‬ف‪ %‬الل‪X‬ه‪ -‬ع‪%‬ن‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬و‪%‬ع‪%‬ل)م‪# %‬أن‪ X‬ف)يك‪/‬م‪ 4‬ض‪%‬ع‪4‬فا‪ W‬ف‪#‬إ)ن‪% .‬يك‪/‬ن‪ 4‬م)ن‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬م)ائ‪#‬ة‪ I‬ص‪%‬اب)ر‪%‬ة‪% I‬يغ‪4‬ل)ب‪-‬وا م)ائ‪#‬ت‪%‬ي‪4‬ن‬
‫و‪)%‬إن‪ .‬ي‪%‬ك‪/‬ن‪ 4‬م)ن‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬أ‪#‬ل‪.‬ف= ‪%‬يغ‪4‬ل)ب‪-‬وا ‪#‬أل‪.‬ف‪#‬ي‪4‬ن) ب)إ)ذ‪.‬ن) الل‪X‬ه) و‪%‬الل‪X‬ه‪ -‬م‪%‬ع‪ %‬الص‪H‬اب)ر)ين(‪] .‬سورة النفال‪ ،‬اليتان‬
‫‪.[66 ،65‬‬

‫ول كن الق ضية ا لت تل فت الن ظر لي ست هي ق ضية " ا لرض " ا لت فت حت بذه‬


‫السرعة الذهلة‪ ،‬وإنا قضية " القلوب "!‬

‫لقد فتح الفتح السلمي مليي من القلوب دخلت ف الدين الديد‪ ،‬بغي ضغط‬
‫ول إكراه‪ ،‬سواء ف مصر والشام‪ ،‬أو ف العراق وفارس‪ ،‬أو ف الشمال الفريقي‪ ،‬أو ف‬
‫بلد السند أو غيها من البلد‪.‬‬

‫بل حدثت عجيبة أخرى ل مثيل لا ف التاريخ‪ ..‬أن كثيا‪ X‬من الشعوب الفتوحة‬
‫نسيت لغتها تاما‪ ،W‬حت أولئك الذين بقوا من أهلها على دينهم ول يدخلوا ف السلم‪،‬‬
‫ف صارت العرب ية ‪ -‬ل غة ال سلم ‪ -‬هي لغت هم‪ ،‬و صار الن صارى من هم يؤدون ع بادتم‬
‫بالعرب ية‪ ،‬ل بالقبط ية ول بال سريانية ول غي ها من الل غات ا لت كانت لم ق بل الف تح‬
‫السلمي‪ ،‬مع أنه ل يقع عمل واحد من أعمال الكراه لتغيي لغات الناس‪ ،‬كالذي فعلته‬

‫)‪(162‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فرنسا ف الشمال الفريقي مثل‪ ،X‬إذ ل يرو التاريخ حادثة واحدة ف هذا الشأن ؛ إنا تعلم‬
‫الناس العربية عن رضا ورغبة دون إكراه‪.‬‬

‫هذه الق لوب ل يفتح ها ال سيف! فال سيف قد يف تح ا لرض‪ ،‬ولك نه ل يف تح‬
‫القلوب!‬

‫إنا فتحتها العقيدة الديدة مثلة ف سلوك واقعي من الفاتي‪.‬‬

‫وذ لك من ب ي ما ت فردت به حر كة التو سع ال سلمي عن حر كات التو سع‬


‫التاريية ف القدي والديث‪.‬‬

‫ففي القدي كان القهر والذلل والستعباد هو السلوك الواقعي للغزاة‪ ،‬بغي غطاء‬
‫من الشعارات الزائفة‪.‬‬

‫و ف ا لديث رف عت ال شعارات الزائ فة للت ضليل‪ ،‬وب قي الق هر وا لذلل‬


‫والستعباد هو السلوك الواقعي للغزاة‪.‬‬

‫أما ف الف تح ال سلمي فقد كان ال شعار الر فوع هو ال سلم‪ ،‬و كان ال سلوك‬
‫الواقعي للفاتي هو مصداق انتمائهم لذا الدين‪ ..‬فأحب* الناس هذا الدين‪ ،‬الذي يرج‬
‫هذه النماذج اللقية والنسانية الرفيعة‪ ..‬فأصبحوا مسلمي‪.‬‬

‫وأما الذين رغ بوا ف البقاء ع لى دينهم فقد كفل لم الف تح ال سلمي عق يدتم‬
‫وحريتهم وأمنهم وطمأنينتهم‪ ،‬فاستقروا ف ظله آمني‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إن الت سامح ا لدين من أبرز صفات الف تح ال سلمي‪ ،‬ا لت أفرد ته عن كل‬
‫حركات التوسع ف التاريخ )‪.(137‬‬

‫‪ ()137‬إقرأ عن التسامح الدين عند السلمي كتاب الستشرق ت‪ .‬و‪ .‬آرنولد‪ " :‬الدعوة إل السلم "‪،‬‬
‫سبقت الشارة إليه‪.‬‬

‫)‪(163‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فاليهود الضطهدون ف أوربا على يد النصارى ‪ -‬بسبب اعتقاد النصارى أنم‬


‫ت سببوا ف صلب ال سيح‪ ،‬ل يدوا لم ب لد‪X‬ا يؤويهم ويعي شون ف يه مطمئني إل ال ندلس‬
‫السلمية‪ .‬فلما طرد السلمون من الندلس نزح اليهود معهم إل الغرب حيث ما زالوا‬
‫يعيشون حت اليوم‪.‬‬

‫ث كان ملجأهم الخر هو الدولة العثمانية‪ ،‬حيث عاشوا ف إسلم وأمن ف ظل‬
‫الكم السلمي‪ ،‬وإن كانوا لبث طويتهم قد دبروا لزالة الكم السلمي الذي نعموا‬
‫تت ظله بالسلم والمن‪.‬‬

‫وأما النصارى فقد حاهم الكم السلمي من اضطهاد بعضهم لبعض‪ ،‬حيث‬
‫كان هذا الضطهاد قائما‪ X‬ف كل الرض الت تالف عقائدها عقيدة الدولة الم‪ .‬كما‬
‫أم‪A‬نهم وكفل لم الستقرار الروحي والادي فعاشوا أربعة عشر قرنا‪ X‬آمني‪.‬‬

‫وإن هذا التسامح الدين ليكشف عن حقيقة تفردت با هذه المة‪ ،‬وتفردت با‬
‫حركة التوسع السلمي‪.‬‬

‫إن هذه المة قد أعدت إعدادا‪ X‬خاص¨ا من لدن ربا تبارك وتعال لقيادة البشرية‪،‬‬
‫بينما ل تكن هناك أمة أخرى أعدت لذه القيادة أو ص”لح–ت لا خلل التاريخ‪.‬‬

‫إن ال هو الذي أخرج هذه المة إل الوجود‪ ،‬وهو الذي أعدها لتكون شاهدة‬
‫ورائدة للبشرية‪ .‬لذلك جعل فيها من الصفات ما يؤهلها لذه الرسالة فرباها على العدل‬
‫حت مع الذين أساءوا إليها‪:‬‬

‫)ي‪%‬ا ‪#‬أي_ه‪%‬ا ال‪X‬ذ)ين‪ %‬آم‪%‬ن‪-‬وا ك‪/‬ون‪-‬وا ق‪#‬و‪H‬ام)ي‪) %‬لل‪X‬ه) ش‪-‬ه‪%‬د‪%‬ا̀ء ب)ال‪.‬ق)س‪4‬ط) و‪%‬ل ‪%‬يج‪4‬ر)م‪%‬ن‪H‬ك‪/‬م‪ 4‬ش‪%‬ن‪%‬آن‪ /‬ق‪#‬و‪4‬م‬
‫ع‪%‬ل‪#‬ى ‪#‬أل‪X‬ا ت‪%‬ع‪4‬د)ل‪/‬وا اع‪4‬د)ل‪/‬وا ه‪-‬و‪ %‬أ‪#‬ق‪.‬ر‪%‬ب‪ -‬ل)لت‪H‬ق‪.‬و‪%‬ى(‪] .‬سورة الائدة‪ ،‬الية ‪.[8‬‬

‫)إ) ن‪ X‬الل‪ X‬ه‪ %‬ي‪%‬أ‪.‬م‪-‬ر‪-‬ك‪/‬م‪ 4‬أ‪ #‬ن‪ .‬ت‪-‬ؤ‪%‬د_وا ال‪.‬أ‪#‬م‪%‬ا ن‪%‬ات) )إ ل‪#‬ى ‪#‬أه‪4‬ل) ه‪%‬ا و‪%‬إ)ذ‪#‬ا ح‪# %‬كم‪4‬ت‪ -‬م‪ 4‬ب‪%‬ي‪ 4‬ن‪ %‬الن‪H‬ا س) أ‪#‬ن‬
‫‪%‬تح‪4‬ك‪/‬م‪-‬وا ب)ال‪.‬ع‪%‬د‪4‬ل(‪] .‬سورة النساء‪ ،‬الية ‪.[58‬‬

‫ووجه رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ليقول لهل الكتاب‪:‬‬

‫)‪(164‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫)آم‪%‬ن‪4‬ت‪ -‬ب)م‪%‬ا أ‪4#‬نز‪%‬ل‪ #‬الل‪X‬ه‪ -‬م)ن‪ 4‬ك)ت‪%‬اب‪ p‬و‪%‬أ‪/‬م)ر‪4‬ت‪ -‬ل)أ‪#‬ع‪4‬د)ل‪ #‬ب‪4 %‬ين‪%‬ك‪/‬م‪] .(-‬سورة الشورى‪ ،‬الية‬
‫‪.[15‬‬

‫وجعل اليان با أنزل على الرسل السابقي جزءا‪ X‬من عقيدة المة‪:‬‬

‫)ال‪ ،‬ذ‪#‬ل)ك‪ %‬ا‪.‬لك)ت‪%‬اب‪ -‬ل ر‪4%‬يب‪ %‬ف)يه) ه‪-‬دى‪) J‬لل‪.‬م‪-‬ت‪H‬ق)ي‪ ،%‬ال‪X‬ذ)ين‪- %‬يؤ‪4‬م)ن‪-‬ون‪ #‬ب)ال‪.‬غ‪%‬ي‪4‬ب) و‪-%‬يق)يم‪-‬ون‬
‫ال ص‪H‬لة‪ #‬و‪%‬م) م‪H‬ا ر‪%‬ز‪%‬ق‪ .‬ن‪%‬اه‪-‬م‪- 4‬ين‪4‬ف) ق‪/‬ون‪ ،#‬و‪%‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ي‪-‬ؤ‪4‬م) ن‪-‬ون‪ #‬ب) م‪%‬ا أ‪4/‬نز) ل‪) #‬إل‪#‬ي‪ 4‬ك‪ %‬و‪ %‬م‪%‬ا ‪/‬أن‪4‬ز) ل‪ #‬م) ن‪ 4‬ق‪#‬ب‪4‬ل)ك‬
‫و‪%‬ب)ال‪.‬آخ)ر‪%‬ة) ه‪-‬م‪ 4‬ي‪-‬وق)ن‪-‬ون(‪] .‬سورة البقرة‪ ،‬اليات ‪.[4 - 1‬‬

‫وهذه النقطة الخية لا أهية خاصة‪ .‬فجزء كبي من العداء الذي وقع بي المم‬
‫السابقة كان مرجعه إيان كل أمة برسولا‪ ،‬وكفرها بن بعده‪ .‬فقد آمن اليهود بوسى‬
‫عليه السلم‪ ،‬وكفروا بعيسى‪ ،‬فاضطهدوا أتباع عيسى اضطهادا‪ X‬بشعا‪ ،X‬وحر‪A‬ضوا الدولة‬
‫الرومان ية ع لى إ يذائهم وم طاردتم‪ ،‬بل حر‪ A‬ضوا ا لاكم الرو مان بيل طس ع لى صلب‬
‫عيسى نفسه عليه السلم‪ ،‬لول أن ال ناه من كيدهم ورفعه إليه‪.‬‬

‫وآ من الن صارى بعي سى عل يه ال سلم‪ ،‬و ل يؤم نوا بح مد صلى ا ل عل يه و سلم‪،‬‬
‫فاضطهدوا أتباعه اضطهادا‪ X‬ب شعا‪ X‬حيث ما وقعوا ف قبضتهم خلل التاريخ ك له‪ ،‬سواء ف‬
‫الندلس‪ ،‬أو ف الروب الصليبية الول‪ ،‬أو ف الروب الصليبية الثانية‪ ،‬الت نعيشها إل‬
‫هذه اللح ظة ف كل ا لرض بدرجات متفاو تة وو سائل متفاو تة‪ ،‬تتراوح ب ي ا لرب‬
‫القتصادية لسلب أقوات السلمي وإفقارهم‪ ،‬والرب الفكرية لاولة إجلء السلمي‬
‫عن عقيدتم‪ ،‬والرب الدموية ف الذابح الت تقام للمسلمي ف آسيا وأفريقيا‪ ،‬فضل‬
‫عن التحالف مع كل أعداء السلم لعانتهم على إبادة السلمي‪ ،‬كما يدث ف الند‬
‫وجامو وكشمي‪ ،‬وف فلسطي‪ ،‬وف أرتييا وغيها من بلد الرض‪.‬‬

‫تلك الرب الت قال عنها اللنب حي دخل القدس سنة ‪ 1917‬م‪ " :‬الن انتهت‬
‫الروب الصليبية! " وما انتهت بعد ف القيقة‪.‬‬

‫وقال عنها النرال غورو الفرنسي وهو يضع قدمه على قب صلح الدين‪ " :‬ها‬
‫قد عدنا يا صلح الدين! نن أبناء الصليبيي! ومن أعجبه حكمنا فليبق‪ ،‬ومن ل يعجبه‬
‫حكمنا فليغادر البلد! "‪.‬‬

‫)‪(165‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وقال عنها السئول الفرنسي ف المعية الوطنية الفرنسية‪ ،‬حي تقدم بعض النواب‬
‫با ستجواب للحكو مة لو قف ا لرب ف ال شمال ا لفريقي‪ ،‬ا لت كانت ت ستنف ا لموال‬
‫والدماء ول يبدو أنا ستؤدي إل نصر حاسم‪ ..‬قال‪ " :‬إن هذه حرب اللل والصليب‪،‬‬
‫وينبغي أن ينتصر الصليب! "‪.‬‬

‫و قال عن ها نيك سون الرئ يس ا لمريكي ال سبق‪ ،‬ح ي عاد من جو لة قام با ف‬


‫أفغانستان لدراسة الحوال هناك‪ ،‬فسأله الصحفيون‪ :‬ماذا وجدت هناك؟ قال‪ :‬وجدت أن‬
‫الطر هو السلم! ويب أن نصفي خلفاتنا مع روسيا ف أقرب وقت‪ ،‬فروسيا على أي‬
‫حال بلد أور ب! واللف بين نا وبينها قا بل للت سوية‪ ،‬أما اللف ا لذي ل يق بل الت سوية‬
‫فهو اللف بيننا وبي السلم "!!‬

‫أما هذه المة فقد أعفاها ال من أن يكون ف قلبها غل‪ ß‬لحد‪ ..‬فأرسل إليها‬
‫الرسول الات صلى ال عليه وسلم‪ ،‬الذي ل نب بعده‪ ،‬وجعل جزءا‪ X‬من عقيدتا اليان‬
‫بالر سل ال سابقي ور سالتم‪ .‬فخ لص قلب ها‪ ،‬وا ستعدت لل قاء الب شرية كل ها ب سماحة‬
‫السلم‪ ،‬بل أحقاد ول عقد ول ضغائن‪ .‬فكان ذلك جزءا‪ X‬من إعدادها لرسالتها‪ ،‬وجزءا‬
‫كذلك من خييتها‪.‬‬

‫وبذا العداد النفسي التصل مباشرة بأصل العقيدة‪ ،‬مضت هذه المة تتوسع ف‬
‫الرض‪ ،‬بإذن ربا وأمره‪ ،‬لت‪-‬خرج الناس من عبادة العباد إل عبادة ال‪ ،‬ومن ج–و‪5‬ر الديان‬
‫إل عدل السلم‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إل سعة الدنيا والخرة‪ .‬بينما تركت القوى العالية‬
‫الخرى خلل التاريخ من أجل استعباد الناس وإذللم‪ ،‬ونب أقواتم‪ ،‬وإلاقهم خ‪-‬داما‬
‫يدمون مصالهم علنية أو من وراء ستار‪.‬‬

‫ث تكو‪m‬ن من البلد الفتوحة تمع فريد ف التاريخ‪..‬‬

‫ل ي كن ذ لك التج مع إمباطور ية كالمباطور ية الرومان ية أو الغريق ية أو‬


‫الفرعونية ف القدي‪ ،‬أو البيطانية أو الفرنسية أو المريكية أو الروسية ف الديث‪..‬‬

‫إنا كان " أمة "‪..‬‬

‫)‪(166‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫أ مة ت مل ال سمات القيق ية لل مة لول مرة ؛ بل ر با لل مرة الوح يدة ف‬


‫التاريخ‪..‬‬

‫أمة تمعها العقيدة‪ ..‬وتكو‪A‬ن العقيدة رابطتها الول ورابطتها القوى‪ ،‬ل الرض‪،‬‬
‫ول اللغة ول النس ول القوم‪ ،‬ول أي عصبية من تلك العصبيات الاهلية الت قال عنها‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬دعوها فإنا منتنة " )‪ .(138‬وقال عنها صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ " :‬ليس منا من دعا إل عصبية‪ ،‬وليس منا من قاتل على عصبية‪ ،‬وليس منا من‬
‫مات على عصبية " )‪.(139‬‬

‫أمة يتمع فيها بلل البشي‪ ،‬وص‪-‬هيب الرومي‪ ،‬وسلمان الفارسي‪ ،‬على مستوى‬
‫الق مة من سادات قر يش‪ ..‬بل ي قول ع مر بن ال طاب ‪ -‬ر ضي ا ل ع نه ‪ " :-‬أ بو ب كر‬
‫سيدنا وأعتق سيدنا! " إشارة إل بلل ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬ويقول رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ " :‬سلمان منا آل البيت " )‪.(140‬‬

‫ويت مع ف هذه ال مة ا لبيض وال سود‪ ،‬وال مر وال صفر‪ " :‬ل ف ضل لعر ب ع لى‬
‫عجمي ول لبيض على أسود‪ %‬إل بالتقوى " )‪.(141‬‬

‫ويت مع العر ب من الز يرة‪ ،‬بال شامي‪ ،‬بال صري‪ ،‬بالعجمي‪ ،‬بال ندي‪،‬‬
‫بالندونيسي‪ ،‬بالزني‪ ..‬إخوانا‪ X‬ف ال‪ ،‬إخوانا‪ X‬ف السلم‪ ،‬إخوانا‪ X‬ف التجمع الواحد الذي‬
‫تشكله " المة السلمة "‪.‬‬

‫و يدخل ذ لك ف ن طاق عال ية هذه ال مة وعال ية ر سالتها‪ ..‬و يدخل كذلك ف‬


‫حساب خييتها الت أخرجها با رب العالي‪ ،‬بينما التجمعات العالية التاريية ل تل قط‬
‫من الروح المباطورية‪ ،‬الت ي‪-‬شك‪m‬لها وجود " الدولة الم "‪ ،‬والدول الهزومة الغلوبة على‬
‫أمرها أمام القوة الساحقة للدولة الطاغية‪.‬‬

‫‪ ()138‬أخرجه البخاري‪.‬‬
‫‪ ()139‬رواه أبو داود‪.‬‬
‫‪ ()140‬أخرجه الاكم ف الستدرك‪.‬‬
‫‪ ()141‬رواه أحد ف مسنده‪.‬‬

‫)‪(167‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫)‪(4‬‬
‫قامت على يد هذه المة حركة علمية واسعة‪..‬‬

‫و ل ت كن هذه ال مة ق بل إ سلمها أ مة ع لم‪ ،‬ول كانت لا اتا هات " علم ية "‬
‫مددة‪ .‬ولكنها صارت كذلك بعد السلم‪ .‬وما من شك ف أن توجيهات السلم كان‬
‫لا الثر الباشر ف تويل المة إل البحث العلمي ف شت مالته‪.‬‬

‫بعض هذه التوجيهات كانت توجه النظر إل ملكوت السموات والرض للنظر‬
‫ف إبداع الالق تبارك وتعال‪ ،‬للتيقن من تفرده سبحانه بالببوبية واللوهية‪:‬‬

‫)إ)ن‪ X‬الل‪X‬ه‪ %‬ف‪#‬ال)ق‪ -‬ال‪.‬ح‪%‬ب‪ s‬و‪%‬الن‪H‬و‪%‬ى ي‪-‬خ‪4‬ر)ج‪ -‬ال‪.‬ح‪%‬ي‪ H‬م)ن‪ %‬ا‪.‬لم‪%‬ي‪s‬ت) و‪%‬م‪-‬خ‪4‬ر)ج‪ -‬ال‪.‬م‪%‬ي‪s‬ت) م)ن‪ %‬ال‪.‬ح‪%‬ي‬
‫ذ‪#‬ل)ك‪ /‬م‪ -‬الل‪ X‬ه‪ -‬ف‪#‬أ‪#‬ن‪H‬ى ‪-‬تؤ‪4‬ف‪ #‬ك‪/‬ون‪ ،#‬ف‪#‬ال)ق‪ -‬ال‪.‬إ) ص‪4‬ب‪%‬اح) و‪%‬ج‪%‬ع‪ %‬ل‪ #‬الل‪4 X‬ي ل‪ #‬س‪%‬ك‪#‬نا‪ W‬و‪%‬الش‪H‬م‪ 4‬س‪ %‬و‪%‬ال‪.‬ق‪ #‬م‪%‬ر‪ %‬ح‪ -‬س‪4‬ب‪%‬انا‬
‫ذ‪#‬ل) ك‪ %‬ت‪ %‬ق‪.‬د)ير‪ -‬ا‪.‬لع‪%‬ز)يز) ال‪.‬ع‪%‬ل)ي م)‪ ،‬و‪ %‬ه‪-‬و‪ %‬ا ل‪X‬ذ)ي ج‪%‬ع‪ %‬ل‪# #‬لك‪ /‬م‪ -‬ال_ن ج‪-‬وم‪) %‬لت‪%‬ه‪ 4‬ت‪%‬د‪-‬وا ب) ه‪%‬ا ف)ي ظ‪/‬ل‪ /‬م‪%‬ات) ال‪.‬ب‪%‬ر‬
‫و‪%‬ال‪.‬ب‪%‬ح‪4‬ر) ق‪#‬د‪ 4‬ف‪#‬ص‪H‬ل‪.‬ن‪%‬ا ال‪.‬آيات) ل)ق‪#‬و‪4‬م‪ p‬ي‪%‬ع‪4‬ل‪#‬م‪-‬ون‪ ،#‬و‪ %‬ه‪-‬و‪ %‬ال‪X‬ذ)ي ‪#‬أن‪4‬ش‪%‬أ‪#‬ك‪/‬م‪ 4‬م) ن‪% 4‬نف‪.‬س‪ p‬و‪%‬اح)د‪%‬ة‪ p‬ف‪#‬م‪-‬س‪4‬ت‪%‬ق‪#‬ر‬
‫و‪%‬م‪-‬س‪4‬ت‪%‬و‪4‬د‪%‬ع= ق‪#‬د‪ 4‬ف‪#‬ص‪H‬ل‪.‬ن‪%‬ا ال‪.‬آيات) )لق‪#‬و‪4‬م‪% p‬يف‪.‬ق‪#‬ه‪-‬ون‪ ،#‬و‪%‬ه‪-‬و‪ %‬ال‪X‬ذ)ي ‪#‬أن‪4‬ز‪%‬ل‪ #‬م)ن‪ %‬الس‪H‬م‪%‬اء) م‪%‬اء· ف‪#‬أ‪#‬خ‪4‬ر‪%‬ج‪4‬ن‪%‬ا ب)ه‬
‫‪%‬ن ب‪%‬ات‪ %‬ك‪ /‬ل‪ +‬ش‪%‬ي‪4‬ء‪ p‬ف‪#‬أ‪#‬خ‪4‬ر‪%‬ج‪ 4‬ن‪%‬ا م)ن‪ 4‬ه‪ -‬خ‪ %‬ض)را‪- W‬نخ‪4‬ر) ج‪ -‬م)ن‪ 4‬ه‪ -‬ح‪ %‬ب‪m‬ا‪ W‬م‪-‬ت‪%‬ر‪%‬اك) با‪ W‬و‪%‬م) ن‪ %‬الن‪H‬خ‪ 4‬ل) م) ن‪ 4‬ط‪#‬ل‪.‬ع) ه‪%‬ا‬
‫ق)ن‪4‬و‪%‬ان‪ I‬د‪%‬ان)ي‪%‬ة‪ I‬و‪%‬ج‪%‬ن‪H‬ات‪ p‬م)ن‪ 4‬أ‪#‬ع‪4‬ن‪%‬اب‪ p‬و‪%‬الز‪H‬ي‪4‬ت‪-‬ون‪ #‬و‪%‬الر_م‪H‬ان‪ #‬م‪-‬ش‪4‬ت‪%‬ب)ها‪ W‬و‪%‬غ‪#‬ي‪4‬ر‪ %‬م‪-‬ت‪%‬ش‪%‬اب)ه‪ p‬ان‪4‬ظ‪/‬ر‪-‬وا )إل‪#‬ى ث‪#‬م‪%‬ر)ه‬
‫)إذ‪#‬ا أ‪.#‬ثم‪%‬ر‪ %‬و‪%%‬ين‪4‬ع)ه) إ)ن‪ X‬ف)ي ذ‪#‬ل)ك‪/‬م‪ 4‬ل‪#‬آيات‪ p‬ل)ق‪#‬و‪4‬م‪- p‬يؤ‪4‬م)ن‪-‬ون(‪] .‬سورة النعام‪ ،‬اليات ‪.[99 - 95‬‬

‫ولكن التوجيه ‪ -‬وإن كان القصود به أساسا‪ X‬تقرير الوحدانية‪ ،‬ونفي الشركاء عن‬
‫ا ل )‪ - (142‬فإن‪ m‬ا لس الب شري ل ي لك مع تأ مل هذه ال يات أل يلت فت إ ل ا لانب "‬
‫العلمي " فيها‪ ..‬فكلها " ظواهر طبيعية "‪ .‬تلفت النظر‪ .‬والقرآن الكري يشد النتباه إليها‬
‫ش̈دا ليتأملها النسان ويتدبرها‪ .‬وف أثناء تدبرها ل عجب أن يبحث ف " السنن الربانية‬
‫"‪ ،‬ا لت ي‪ -‬جري ا ل با هذه " ال ظواهر الطبيع ية "‪ ،‬والب حث عن هذه ال سنن‪ ،‬وماو لة‬
‫التعرف عليها هي " الروح العلمية "‪ ،‬القيقية الت يتقدم با البحث العلمي‪ ،‬ويكشف‬
‫الهول‪.‬‬

‫وبعض هذه التوجيهات كان مباشرا‪:‬‬

‫‪ ()142‬جاء ف الية التالية مباشرة‪) :‬وجعلوا ل شركاء الن(‪.‬‬

‫)‪(168‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫)ي‪ %‬س‪4‬أ‪#‬لو‪%‬نك‪ %‬ع‪ %‬ن) ال‪.‬أ‪#‬ه) ل‪X‬ة) ق‪ /‬ل‪ .‬ه) ي‪ %‬م‪%‬و‪%‬اق)يت‪ -‬ل)لن‪H‬ا س) و‪%‬ا‪.‬لح‪ %‬ج‪ ) .(s‬سورة الب قرة‪ ،‬ال ية‬
‫‪.[189‬‬

‫) ‪%‬وج‪%‬ع‪%‬ل‪.‬ن‪%‬ا الل‪4 X‬يل‪ #‬و‪%‬الن‪H‬ه‪%‬ار‪ %‬آ‪%‬يت‪%‬ي‪4‬ن) ف‪#‬م‪%‬ح‪%‬و‪4‬ن‪%‬ا آي‪%‬ة‪ #‬الل‪X‬ي‪4‬ل) و‪%‬ج‪%‬ع‪%‬ل‪.‬ن‪%‬ا آي‪%‬ة‪ #‬الن‪H‬ه‪%‬ار) م‪-‬ب‪4‬ص)ر‪%‬ة‪) W‬لت‪%‬ب‪4‬ت‪%‬غ‪-‬وا‬
‫سن)ي‪ %‬و‪%‬ال‪.‬ح)س‪%‬اب(‪] .‬سورة السراء‪ ،‬الية ‪.[12‬‬ ‫ف‪#‬ض‪4‬ل‪ W‬م)ن‪ 4‬ر‪%‬ب‪s‬ك‪/‬م‪ 4‬و‪%‬ل)‪%‬تع‪4‬ل‪#‬م‪-‬وا ع‪%‬د‪%‬د‪ %‬ال ‪s‬‬

‫وبعضها كان يعمق حاسة اللحظة والتابعة الدقيقة‪:‬‬

‫شم‪4‬س‪ %‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه‬
‫)أ‪##‬لم‪ 4‬ت‪%‬ر‪) %‬إل‪#‬ى ر‪%‬ب‪s‬ك‪ %‬ك‪#‬ي‪4‬ف‪ %‬م‪%‬د‪ H‬الظ‪+‬ل‪ X‬و‪%‬ل‪#‬و‪ 4‬ش‪%‬ا̀ء ل‪#‬ج‪%‬ع‪%‬ل‪#‬ه‪ -‬س‪%‬اك)نا‪ W‬ث‪/‬م‪ H‬ج‪%‬ع‪%‬ل‪.‬ن‪%‬ا ال ‪H‬‬
‫د‪%‬ل)يل‪/ ،W‬ثم‪ H‬ق‪#‬ب‪%‬ض‪4‬ن‪%‬اه‪) -‬إل‪#‬ي‪4‬ن‪%‬ا ق‪#‬ب‪4‬ضا‪ W‬ي‪%‬س)يا(‪] .‬سورة الفرقان‪ ،‬اليتان‪.[46 ،45 :‬‬

‫) ‪%‬وأ‪#‬و‪ 4‬ح‪%‬ى ر‪%‬ب_ ك‪ %‬إ) ل‪#‬ى الن‪H‬ح‪ 4‬ل) أ‪ #‬ن) ا‪H‬ت خ)ذ)ي م) ن‪ %‬ال‪.‬ج) ب‪%‬ال) ب‪-‬ي‪-‬و تا‪ W‬و‪%‬م) ن‪ %‬ال ش‪H‬ج‪%‬ر) و‪%‬م) م‪H‬ا‬
‫ل ي‪%‬خ‪4‬ر‪-‬ج‪ -‬م)ن‪ 4‬ب‪-‬ط‪/‬ون)ه‪%‬ا ش‪%‬ر‪%‬اب‬ ‫‪%‬يع‪4‬ر)ش‪-‬ون‪ ،#‬ث‪/‬م‪ H‬ك‪/‬ل)ي م)ن‪ 4‬ك‪/‬ل‪ +‬الث‪X‬م‪%‬ر‪%‬ات) ف‪#‬اس‪4‬ل‪/‬ك)ي س‪-‬ب‪-‬ل‪ #‬ر‪%‬ب‪s‬ك) ذ‪/‬ل‪W /‬‬
‫م‪-‬خ‪4‬ت‪%‬ل) ف= أ‪ #‬ل‪.‬و‪%‬ان‪-‬ه‪ -‬ف)ي ه) ش)ف‪#‬اء‪ Ý‬ل)لن‪H‬ا س) إ) ن‪ X‬ف)ي ذ‪#‬ل) ك‪ %‬ل‪#‬آ ي‪%‬ة‪ W‬ل) ق‪#‬و‪4‬م‪% p‬يت‪%‬ف‪#‬ك‪X‬ر‪-‬ون(‪ ] .‬سورة الن حل‪،‬‬
‫اليتان‪.[69 ،68 :‬‬

‫ومن هذه التوجيهات ‪ -‬وكثي غيها ف الكتاب والسنة ‪ -‬توج‪A‬ه السلمون لطلب‬
‫العلم‪.‬‬

‫و ل ي كن لديهم ر صيد سابق يرجعون إل يه‪ ،‬إ نا كان الع لم الو جود ف ا لرض‬
‫يومئذ هو العلم الغريقي‪ .‬فتعل‪m‬م السلمون اللغة الغريقية )واللتينية( )‪ ،(143‬ليحص×لوا ما‬
‫كان موجودا‪ X‬من العلم يومئذ‪ ،‬وي‪-‬شبعوا هذه الر‪A‬غبة الت تولدت عندهم ف التعرف على‬
‫السنن الربانية الت ي‪-‬جري ال با " ظواهر الطبيعة "‪.‬‬

‫وكان العلم لدى الغريق " نظريات " علمية‪ ،‬وفلسفية‪ ،‬ل تتجه إل التجريب‪.‬‬
‫إ نا يك في أن ت عرض ع لى " الع قل " فإن أقر ها ‪ -‬ب صورة من ال صور ‪ -‬ف هي صحيحة‬
‫بصرف النظر عن واقعها العملي‪ ،‬وإن ل يقر‪A‬ها فهي غي صحيحة بصرف النظر كذلك‬
‫عن واقعها العملي‪.‬‬

‫‪ ()143‬كان كثي من العلم مترجا‪ X‬إل اللغة اللتينية باعتبارها اللغة الرسية للمباطورية الرومانية الغربية‪.‬‬

‫)‪(169‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ولكن اتاه السلمي ‪ -‬الذي اكتسبوه من توجيهات الكتاب والسنة ‪ -‬ل يكن‬
‫كذلك‪ .‬إنا كان اتاها‪ X‬علم̈يا من جهة‪ ،‬ومبن̈يا على اللحظة الدقيقة من جهة أخرى‪.‬‬

‫ومن ث بدأ السلمون " يربون " ما تلقوه من علوم الغريق‪ .‬وكان من بي ما‬
‫أرادوا تريبه للتثبت منه " حجر الفلسفة "‪ ،‬الذي زعم الغريق أنه ي‪-‬ضاف إل العادن‬
‫السيسة فتتحول إل ذهب وفضة!‬

‫وف العمل التجريب أخذ السلمون يصهرون الديد والنحاس وغيها من العادن‬
‫" السي سة " وي ضيفون إلي ها مواد أ خرى لعل ها تت حول إ ل ذ هب وف ضة! و ل تت حول‬
‫بالطبع! ولكن التجربة جعلت السلمي يتقدمون تقدما‪ X‬هائل‪ X‬ف علمي الفيزياء والكيمياء‪،‬‬
‫ويتعر فون ع لى كثي من خواص الادة ا لت كانت نواة لنطل قة علمية هائ لة ف مت لف‬
‫التاهات!‬

‫و ف الطر يق صحح ال سلمون ب عض أخ طاء الع لم ا لغريقي‪ ،‬و كان من ب ي ما‬


‫صححوه تصورهم أن البصار يتم بروج شعاع من العي ي سقط على الرئ يات فتراها‬
‫العي‪ ،‬فأثبتوا أن العكس هو الصحيح‪ ،‬وأن الشعاع يسقط من الرئيات على العي فتدرك‬
‫وجودها‪.‬‬

‫واكتشف السلمون الدورة الدموية‪ ،‬وتقدموا ف علم الطب‪.‬‬

‫واخترعوا علم الب الر لل السائل الرياضية العقدة‪.‬‬

‫وتقدموا ف علم الضوء تقدما‪ X‬هائل‪ X‬كان هو نواة علوم الفلك وأساس صناعة‬
‫الناظي الفلكية‪.‬‬

‫ولكن هذا كله ليس أروع ما اتسمت به تلك الركة العلمية‪.‬‬

‫ي قول الن صفون من ك تاب ال غرب‪ :‬إن أور با تدين للم سلمي بإ ياد الن هج‬
‫التجريب ف البحث العلمي‪ ،‬الذي هو أساس كل التقدم الذي حدث ف العلوم الديثة‬
‫على أيدي السلمي أول‪ ،X‬ث على أيدي الوربيي الذين تتلمذوا على علم السلمي بعد‬
‫ذلك‪.‬‬

‫)‪(170‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫يقول بريفولت ف النص الذي سبق أن استشهدنا به ف فصل‪ " :‬الاهلية العاصرة‬
‫"‪ ،‬ونعيده هنا للتذكرة به‪:‬‬

‫" فال عال ال قدي ‪ -‬ك ما رأي نا ‪ -‬ل ي كن للع لم ف يه و جود‪ .‬وع لم الن جوم ع ند‬
‫اليو نان وريا ضياتم كانت علو ما‪ X‬أجنب ية ا ستجلبوها من خارج بلد هم وأ خذوها عن‬
‫سواهم‪ ،‬و ل ت تأقلم ف يوم من ال يام فت متزج امتزا جا‪ X‬كل̈يا بالثقا فة اليونان ية‪ .‬و قد ن ظم‬
‫اليونان الذاهب‪ ،‬وعمموا الحكام‪ ،‬ووضعوا النظريات‪ .‬ولكن أساليب البحث ف دأب‬
‫وأ ناة‪ ،‬و جع العلو مات الياب ية وتركيز ها‪ ،‬والنا هج التف صيلية للع لم واللح ظة الدقي قة‬
‫الستمرة‪ ،‬والبحث التجريب‪ ،‬كل ذلك كان غريبا‪ X‬تاما‪ X‬عن الزاج اليونان‪.‬‬

‫أما ما ندعوه " العلم " فقد ظهر نتيجة لروح من البحث جديدة‪ ،‬ولطرق من‬
‫الستق صاء م ستحدثة‪ ،‬من طرق التجر بة‪ ،‬واللح ظة وال قاييس‪ ،‬ولت طور الريا ضيات إ ل‬
‫صورة ل يعرفها اليونان‪ ..‬وهذه الروح وتلك الناهج العلمية‪ ،‬أدخلها العرب إل العال‬
‫الورب "‪.‬‬

‫ولكنا نقول‪ :‬إن هذا ‪ -‬على أهيته البالغة ‪ -‬ليس أهم ما اتسمت به الركة‬
‫العلمية السلمية‪.‬‬

‫إن أهم ما تتسم به هذه الركة ‪ -‬من منظورنا السلمي ‪ -‬أنا كانت حركة‬
‫منبثقة من العقيدة‪ ،‬غي معادية لا‪ ،‬ول متعارضة معها‪.‬‬

‫ولكي نعرف هذه النعمة ونقدرها حق‪ A‬قدرها‪ ،‬فلننظر إل الركة العلمية القائمة‬
‫اليوم ف ظل الاهلية العاصرة‪.‬‬

‫إنا ‪ -‬من حيث الجم‪ ،‬ومن حيث ما كشفت من أسرار الكون‪ ،‬ومن حيث ما‬
‫سخرت من طاقات السموات والرض ‪ -‬أكب حركة علمية ف التاريخ‪.‬‬
‫)‪(144‬‬
‫ولكن ضريبتها ف الوقت نفسه ضريبة فادحة‪ ..‬وأفدح ما فيها هو اللاد‬

‫‪ ()144‬هناك ثغرات أخرى ف الركة العلمية العاصرة سنشي إليها فيما بعد‪.‬‬

‫)‪(171‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وما نريد أن نكرر الديث عن السباب الت أدت إل افتراق طريق العلم والدين‬
‫ف أوربا‪ ،‬وعن جناية الكنيسة الوربية ف هذا الشأن‪ ،‬ولكنا نتحدث عن المر الواقع أ̈يا‬
‫كانت أسبابه‪.‬‬

‫إن افتراق الطريق بي الدين والعلم ليس أمرا‪ W‬هي‪m‬نا‪ ،W‬ول هامشي¾ا‪ ،‬كما تنظر إليه‬
‫الاهلية العاصرة‪.‬‬

‫إ نه يزق الن فس الب شرية ب ي نز عتي فطر يتي‪ ،‬كلتا ها أ صيلة‪ ،‬وكلتا ها لز مة‬
‫لصحة النفس وتوازنا وتناسقها‪ :‬نزعة التوجه إل ال بالعبادة‪ ،‬ونزعة التعرف على الكون‬
‫ا لادي‪ ،‬وع لى خواص ا لادة‪ ،‬لت سخي هذه العر فة ف ت صنيع خا مات " الطبي عة "‪،‬‬
‫وتسينها‪ ،‬وتميلها با يلئم حياة النسان‪.‬‬

‫والنسان ‪ -‬كما خلقه ال ‪ -‬يشتمل على النعتي معا‪ ،X‬ف تناسق وتوازن وترابط‬
‫وتكامل‪:‬‬

‫) ‪%‬وإ)ذ‪ .‬أ‪ #‬خ‪%‬ذ‪ #‬ر‪_%‬ب ك‪ %‬م) ن‪ 4‬ب‪ %‬ن)ي آد‪ %‬م‪ %‬م) ن‪ 4‬ظ‪ /‬ه‪-‬ور)ه)م‪ 4‬ذ‪/‬ر‪s‬ي‪H‬ت‪%‬ه‪ -‬م‪ 4‬و‪%‬أ‪ #‬ش‪4‬ه‪%‬د‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬ع‪ %‬ل‪#‬ى أ‪#‬ن‪4‬ف‪ /‬س)ه)م‬
‫‪#‬أل‪#‬س‪4‬ت‪ -‬ب)ر‪%‬ب‪s‬ك‪/‬م‪ 4‬ق‪#‬ال‪/‬وا ب‪%‬ل‪#‬ى ش‪%‬ه)د‪4‬ن‪%‬ا(‪] .‬سورة العراف‪ ،‬الية ‪.[172‬‬

‫) ‪%‬وع‪%‬ل‪X‬م‪ %‬آد‪%‬م‪ %‬ال‪.‬أ‪#‬س‪4‬م‪%‬ا̀ء ‪/‬كل‪X‬ه‪%‬ا(‪] .‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.[31‬‬

‫)ل)ت‪%‬ب‪%4‬تغ‪-‬وا ف‪#‬ض‪4‬ل‪ W‬م)ن‪ 4‬ر‪%‬ب‪/ s‬كم‪] .(4‬سورة السراء‪ ،‬الية ‪.[12‬‬

‫) ‪%‬و س‪%‬خ‪H‬ر‪ %‬ل‪#‬ك‪ /‬م‪ 4‬م‪%‬ا ف)ي ال س‪H‬م‪%‬او‪%‬ات) و‪ %‬م‪%‬ا ف)ي ال‪.‬أ‪4 #‬ر ض) ج‪%‬م)يعا‪ W‬م)ن‪ 4‬ه‪ ] .(-‬سورة الاث ية‪،‬‬
‫الية ‪.[13‬‬

‫ي ل)ت‪%‬ر‪4‬ك‪#‬ب‪-‬وه‪%‬ا و‪%‬ز)ين‪%‬ة‪] .(W‬سورة النحل‪ ،‬الية ‪.[8‬‬


‫)و‪%‬ا‪.‬لخ‪%‬ي‪4‬ل‪ #‬و‪%‬ال‪.‬ب)غ‪%‬ال‪ #‬و‪%‬ال‪.‬ح‪%‬م) ‪%‬‬

‫صن‪4‬ع‪%‬ة‪ #‬ل‪#‬ب‪-‬وس‪ p‬ل‪#‬ك‪/‬م‪) 4‬لت‪-‬ح‪4‬ص)ن‪%‬ك‪/‬م‪ 4‬م)ن‪ 4‬ب‪%‬أ‪.‬س)ك‪/‬م‪] .(4‬سورة النبياء‪ ،‬الية ‪.[80‬‬
‫) ‪%‬وع‪%‬ل‪X‬م‪4‬ن‪%‬اه‪% -‬‬

‫)ا ق‪.‬ر‪%‬أ‪ .‬و‪%‬ر‪%‬ب_ ك‪ %‬ا ل‪.‬أ‪#‬ك‪.‬ر‪%‬م‪ ،-‬ا ل‪X‬ذ)ي ع‪%‬ل‪ X‬م‪ %‬ب)ال‪.‬ق‪#‬ل‪#‬م)‪ ،‬ع‪%‬ل‪ X‬م‪ %‬ا‪.‬لأ)ن‪ 4‬س‪%‬ان‪ #‬م‪%‬ا ل‪ #‬م‪% 4‬يع‪4‬ل‪ #‬م‪ ] .(4‬سورة‬
‫العلق‪ ،‬اليات ‪.[5 - 3‬‬

‫)‪(172‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وباتي النعتي معا‪ X‬يقوم النسان بدور اللفة ف الرض‪ ،‬ا لت تشتمل على‬
‫عمارة الرض بقتضى النهج الربان‪ ،‬والت هي المانة الت حلها النسان بينما أشفقت‬
‫من حلها السموات والرض والبال‪ ..‬والت من أجلها خلق ال النسان ونفخ فيه من‬
‫روحه‪ ،‬وأسجد له اللئكة‪.‬‬

‫ولقد ع لم ال ‪ -‬و قد خ لق الن سان له مة معي نة ‪ -‬أ نه ي تاج إ ل كلتا النعتي‬


‫فركبهما ف فطرته‪ ،‬فجعله عابدا‪ X‬بفطرته‪ ،‬وراغبا‪ X‬ف التعلم بفطرته‪ ،‬وجعل هاتي النعتي‬
‫معا‪ X‬ها أداته للقيام باللفة الراشدة وعمارة الرض‪.‬‬

‫وحي يكون النسان على فطرته السوية الت فطره ال عليها يعمل بالنعتي معا‬
‫بل تناقض بينهما ول خصام‪ ،‬فيعبد ال‪ ،‬وف الوقت ذاته يسعى إل التعرف على أسرار‬
‫الكون‪ ،‬لي‪-‬حق‪m‬ق ما سخر ال له من طاقات السموات والرض‪.‬‬

‫و هو ت سخي ي تم من ع ند ا ل اب تداء‪ ،õ‬ولك نه ل يتح قق ف عال الب شر إل ب هد‬


‫يبذلونه‪ ،‬ككل شيء ف حياة البشر‪ :‬يقدره ال ابتداء‪ ،‬ويص‪A‬لونه هم بالهد الذي يقومون‬
‫به‪ ،‬لن ال قد‪A‬ر ‪ -‬حي خلق النسان ‪ -‬أن يعله كادحا‪ ،X‬وأن يعله ي‪-‬حقق ما ي‪-‬حقق عن‬
‫طريق الكدح‪.‬‬

‫)ي‪%‬ا ‪#‬أي_ه‪%‬ا ال‪.‬أ)ن‪4‬س‪%‬ان‪ /‬إ)ن‪H‬ك‪ %‬ك‪#‬اد)ح= إ)ل‪#‬ى ر‪%‬ب‪s‬ك‪ %‬ك‪#‬د‪4‬حا‪ W‬ف‪#‬م‪-‬لق)يه)(‪] .‬سورة النشقاق‪ ،‬الية‬
‫‪.[6‬‬

‫)ل‪#‬ق‪#‬د‪% 4‬خل‪#‬ق‪.‬ن‪%‬ا ا‪.‬لأ)ن‪4‬س‪%‬ان‪ #‬ف)ي ك‪%#‬بد‪] .(p‬سورة البلد‪ ،‬الية ‪.[4‬‬

‫وحي يارس النسان الياة بكيانه الكامل التناسق فإنه ي‪-‬حقق ذاته بطريقة سوية‪،‬‬
‫و يط طري قه ف ال ياة ب طى ثاب تة ون فس مطمئ نة‪ ،‬وذ لك ما حقق ته الر كة العلم ية‬
‫السلمية ف أجل صورة‪.‬‬

‫أ ما ح ي ت فترق النع تان‪ ،‬وتتخا صمان بف عل الاهل ية‪ ،‬فإنه يدث انف صام ف‬
‫الشخصية‪ ،‬يؤدي إل اللل والضطراب‪ ،‬سواء ف داخل النفس أو ف واقع الياة‪.‬‬

‫)‪(173‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ف في دا خل الن فس ي قوم ال صراع ب ي نز عتي توأ متي‪ ،‬ال صل فيه ما التوا فق‬
‫والتنا سق وو حدة ال تاه‪ .‬ول يس لذا ال صراع نتي جة إل ا لرض النف سي‪ ،‬سواء كب تت‬
‫إحدى النعتي‪ ،‬أو ظلتا معا‪ - X‬على السطح ‪ -‬متصارعتي‪.‬‬

‫وأما ف واقع الياة فماذا يتوقع من اجتماع النفوس الريضة إل مزيد من الرض‬
‫ومزيد من الضطراب؟!‬

‫و ف ال صورة القاب لة‪ ،‬ا لت حققت ها ال مة ال سلمية حال ازدهار ها‪ ،‬الت قى الع لم‬
‫وال يان‪ ،‬وات سقت الشخ صية التكام لة التراب طة الو حدة ال تاه‪ ،‬ف لم ين شأ عن الت قدم‬
‫العلمي فساد ف العقيدة‪ ،‬ول نشأ عن اليان بال توقف ف الد العلمي الذي شل كل‬
‫جوانب الب حث‪ ،‬الن ظري والعم لي ع لى ال سواء‪ .‬إ نا كان كل ف تح جد يد ف باب من‬
‫أبواب العلم مدعاة لزيد من التقر‪A‬ب إل ال والخبات إليه‪:‬‬

‫)إ)‪H‬نم‪%‬ا ‪%‬يخ‪4‬ش‪%‬ى الل‪X‬ه‪ %‬م)ن‪ 4‬ع)ب‪%‬اد)ه) ا‪.‬لع‪-‬ل‪#‬م‪%‬اء®(‪] .‬سورة فاطر‪ ،‬الية ‪.[28‬‬

‫)‪(5‬‬
‫وقامت على يد هذه المة حركة حضارية ضخمة‪..‬‬

‫وت بدي الكات بة اللان ية زير يد هونكه إعجا با ال شديد بال ضارة ال سلمية ف‬
‫كتابا‪ " :‬شس ال تشرق على الغرب "‪ ،‬كما يتحدث كثي من الستشرقي والؤرخي‬
‫الغربيي عن ازدهار تلك الضارة ف بلد الندلس وبلد الشرق ف الوقت الذي كانت‬
‫أوربا تعيش قرونا الوسطى الظلمة )‪ .(145‬وتركز زيريد هونكه بصفة خاصة على أثر‬
‫ال ضارة ال سلمية ف ن ضة أور با‪ ،‬ك ما يؤ كد ذ لك بري فولت ف ك تابه ‪Making of‬‬
‫‪ Humanity‬الذي سبقت الشارة إليه‪.‬‬

‫ول يس ه نا مال حديث مف صل عن ت لك ال ضارة و شولا كل جوانب ال ياة‪:‬‬


‫السياسية والقتصادية والجتماعية والعلمية والفكرية والفنية والادية‪ ،‬وعنايتها بكل ألوان‬

‫‪ ()145‬راجع آدم متز " حضارة السلم ف القرن الثالث الجري "‪ ،‬وجرونيباوم " حضارة السلم "‪ ،‬و‬
‫" قصة الضارة " لول ديورانت وغيهم‪.‬‬

‫)‪(174‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫النشاط البشري‪ ،‬من تنظيم " للدولة " وتديد اختصاصاتا ووظائفها‪ ،‬وتنظيم لعلقات‬
‫الت مع‪ ،‬و عاداته وتقال يده‪ ،‬وتنظ يم لدور التعل يم‪ ،‬وتنظ يم لل حرب وال سلم و شئونما‪،‬‬
‫وتنظ يم للت جارة وال صناعة‪ ،‬وتنظ يم للع مران‪ ..‬ا ل‪ ..‬ا ل‪ ،‬فم جال ذ لك ك ما قل نا هو‬
‫البحوث التخصصة‪.‬‬

‫إنا نن معنيون هنا ‪ -‬كما عنينا ف الفقرة السابقة الت تكلمنا فيها عن الركة‬
‫العلمية السلمية ‪ -‬بنقطة معينة‪ ،‬نراها هي الو‪5‬ل بالبراز ف هذا البحث بصفة خاصة‪،‬‬
‫هي انطلق الر كة ال ضارية ال سلمية من العق يدة‪ ،‬دون ت ناقض ول ت عارض ول‬
‫خصام‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫كانت الز يرة العرب ية تع يش ع لى هامش ال عال فترة من حيا تا غ ي ق صية‪.‬‬
‫و كانت " ال ضارات " ت قوم ع لى أطراف ها ف ال شمال وال نوب‪ ،‬وي تك ال عرب با ف‬
‫حركتهم التجارية الدائبة ف رحلة الشتاء والصيف‪ ،‬ولكنهم ظلوا عازفي عن تغيي معهود‬
‫حياتم‪ ،‬مشغولي بالثارات القبلية الستمرة عن تشكيل دولة ذات حكومة مركزية‪ ،‬تتوحد‬
‫فيها القبائل‪ ،‬وينشأ عنها حضارة مستقلة‪.‬‬

‫وحي جاء السلم حدث ذلك كله‪:‬‬

‫)ه‪-‬و‪ %‬ال‪X‬ذ)ي ‪#‬أي‪H‬د‪%‬ك‪ %‬ب)ن‪%‬ص‪4‬ر)ه) و‪%‬ب)ا‪.‬لم‪-‬ؤ‪4‬م)ن)ي‪ ،%‬و‪#%‬أل‪X‬ف‪% %‬بي‪4‬ن‪ %‬ق‪/‬ل‪/‬وب)ه)م‪ 4‬ل‪#‬و‪ 4‬أ‪4#‬نف‪#‬ق‪.‬ت‪ %‬م‪%‬ا ف)ي ا‪.‬لأ‪#‬ر‪4‬ض‬
‫ج‪%‬م)يعا‪ W‬م‪%‬ا ‪#‬أل‪X‬ف‪ .‬ت‪% %‬بي‪ 4‬ن‪ %‬ق‪ /‬ل‪/‬وب)ه)م‪ 4‬و‪%‬ل‪#‬ك) ن‪ H‬الل‪ X‬ه‪ %‬أ‪#‬ل‪ X‬ف‪% %‬بي‪4‬ن‪%‬ه‪ -‬م‪) 4‬إ‪H‬ن ه‪ -‬ع‪%‬ز)يز= ح‪%‬ك)يم(‪] .‬سورة النفال‪،‬‬
‫اليتان‪.[63 ،62 :‬‬

‫)و‪%‬اذ‪ .‬ك‪/‬ر‪-‬وا )نع‪4‬م‪ %‬ت‪ %‬الل‪ X‬ه) ع‪%‬ل‪#‬ي‪/ 4‬ك م‪ 4‬إ)ذ‪ .‬ك‪/‬ن‪4‬ت‪ -‬م‪ 4‬أ‪ #‬ع‪4‬د‪%‬اء· ف‪#‬أ‪#‬ل‪X‬ف‪% %‬بي‪ 4‬ن‪ %‬ق‪ /‬ل‪/‬وب)ك‪/‬م‪ 4‬ف‪#‬أ‪ #‬ص‪4‬ب‪%‬ح‪4‬ت‪-‬م‬
‫)بن)ع‪4‬م‪%‬ت)ه) )إخ‪4‬و‪%‬انا(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[103‬‬

‫وو جدت الدو لة ذات الكو مة الركز ية‪ ،‬ا لت تت مع ف ظل ها الق بائل الت ناحرة‬
‫فتكو‪A‬ن أمة‪ ،‬والت تقوم ف ظلها حضارة‪ ،‬وغن عن البيان أن تلك الضارة قد ولدت ف‬

‫)‪(175‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ظل العقيدة السلمية‪ ،‬بل انبثقت انبثاقا‪ W‬من تلك العقيدة‪ ،‬فقبلها ل يكن " للمة " الت‬
‫تنشئ الضارة وجود‪.‬‬

‫ونقطة العظمة ف هذه الضارة أنا حي بدأت تنمو وتزدهر ل ترج من ظل‬
‫هذه العقيدة‪ ..‬إل حي أصابا الترف والنراف‪ ..‬وحت حينئذ ل تنسلخ انسلخا‪ X‬كامل‬
‫من العقيدة‪ ،‬إنا أصابا ما أصاب المة كلها من انراف )‪.(146‬‬

‫ومرة أخرى نقول‪ :‬إنه لكي نعرف هذه النعمة ونقد‪A‬رها حق قدرها فلننظر إل‬
‫الضارة القائمة اليوم ف ظل الاهلية العاصرة‪.‬‬

‫إنا من حيث حجمها‪ ،‬وسعة مالتا‪ ،‬ومن حيث عمارتا الادية للرض‪ ،‬ومن‬
‫حيث ما قد‪A‬مت مترعات تمل العبء عن كاهل النسان وتم‪A‬له لللة‪ ،‬قد بلغت ذروة‬
‫ل تبلغها حضارة ف التاريخ‪.‬‬

‫ولكن ها من ح يث تقيق ها " لن سانية الن سان "‪ ،‬قد ت كون أ سوأ ح ضارة ف‬
‫التاريخ‪.‬‬

‫والقضية ف جوهرها هي قضية‪ :‬ما النسان؟ وما غاية وجوده؟‬

‫والضارات ل تت لف فيما بينها بعدد ما أن شأت من ال طرق الع بدة‪ ،‬وعدد ما‬
‫أنشأت من الدن‪ ،‬وعدد ما أنشأت من الؤسسات ف داخل هذه الدن‪ ..‬وإن كان هذا‬
‫كله داخل‪ X‬ف الساب‪ .‬وإنا تتلف ‪ -‬قبل ذلك‪ ،‬وأهم من ذلك ‪ -‬ف مدى تقيقها لغاية‬
‫الوجود النسان‪ ،‬ومدى تقيقها لنسانية النسان‪.‬‬

‫القضية هي تديد العايي الت يوزن با الناز البشري‪.‬‬

‫ول شك أن من مزايا النسان الت اختصه ال با‪ ،‬وفض‪A‬له على كثي من خلق‪،‬‬
‫أ نه ل يت ناول ما حوله من مو جودات " الطبي عة " ع لى حالت ها الا مة‪ ،‬إ نا هو مدفوع‬
‫بفطر ته إ ل ت صنيع ت لك الا مات لين شئ با لنف سه عا لا‪ X‬جد يدا‪ X‬غ ي ا لذي أل فى نف سه‬
‫مو جودا‪ X‬ف يه‪ .‬ث ل يكت في بذلك الت صنيع‪ ،‬إ نا هو ي سعى دائ ما‪ X‬إ ل ت سي أ حواله ا لت‬

‫‪ ()146‬انظر ما يلي من هذا الفصل‪.‬‬

‫)‪(176‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫أوجدها لنفسه بتصنيع خامات الطبيعة‪ ،‬وياول أن يصل بذه الحوال إل درجة المال‬
‫)‪.(147‬‬

‫وهذه الراحل الثلث‪ :‬التصنيع‪ ،‬والتحسي‪ ،‬والتجميل‪ ،‬هي‪" :‬الظهر الضاري"‬


‫لياة النسان ف الرض‪ ،‬الذي ييزه عن غيه من الكائنات‪.‬‬

‫نعم! ولكن هذا جانب واحد من جوانب وجوده‪ ،‬وغاية واحدة من غايات ذلك‬
‫الوجود‪ ،‬ل تصلح وحدها أن تكون مقياسا‪ X‬للناز البشري‪.‬‬

‫إن النسان ي‪-‬مارس حياته بكل كيانه‪ ،‬ويكون ف أحسن تقوي حي ي‪-‬مارس الياة‬
‫بكيانه كله متجمعا‪ X‬متناسقا‪ X‬متوازنا‪ X‬مترابطا‪ X‬كما خلقه ال‪:‬‬

‫)إ)ذ‪ .‬ق‪#‬ال‪ #‬ر‪%‬ب_ك‪ %‬ل)ل‪.‬م‪%‬لئ)ك‪#‬ة) إ)ن‪s‬ي خ‪%‬ال)ق= ب‪%‬ش‪%‬را‪ W‬م)ن‪ 4‬ط)ي‪ ،p‬ف‪#‬إ)ذ‪#‬ا س‪%‬و‪H‬ي‪4‬ت‪-‬ه‪ -‬و‪%‬ن‪%‬ف‪#‬خ‪4‬ت‪ -‬ف)يه) م)ن‬
‫ر‪-‬وح)ي ف‪#‬ق‪#‬ع‪-‬وا ل‪#‬ه‪ -‬س‪%‬اج)د)ين(‪] .‬سورة ص‪ ،‬اليتان ‪.[72 ،71‬‬

‫ومقتضى ذلك التكوين أن للنسان جانبي ف آن واحد‪ :‬جانب مادي‪ A‬حسي‪،A‬‬


‫وجانب روحي معنوي‪ ،‬مترابطي معا‪ X‬غي منفصلي‪ ،‬وغي متناقضي ول متخاصمي ول‬
‫متعاديي‪.‬‬

‫وحي يكون النسان على فطرته الت فطره ال عليها فإنه ينشئ حضارة متوازنة‬
‫بي مطالب السد ومطالب الروح‪ ،‬تقق كيانه النسان‪ ،‬وتققه ف أحسن تقوي‪.‬‬

‫ولقد كانت الزية الكبى للحضارة السلمية أنا أخذت النسان كله‪ ،‬بكل‬
‫جوانبه‪ ،‬فكانت حضارة " إنسانية " حق‪c‬ا‪ ،‬شاملة لكل الالت الت يتحقق با كيان "‬
‫النسان "‪.‬‬

‫فأما الانب الادي من الضارة‪ :‬جانب التصنيع‪ ،‬والتح سي‪ ،‬والتجميل‪ ،‬فقد‬
‫برع السلمون فيه با يثبت أصالتهم‪ ،‬وتفوقهم على عال زمانم‪ .‬ولكن هذا ل يكن ههم‬
‫الكب‪ ،‬وما ينبغي أن يكون‪.‬‬

‫‪ ()147‬أو درجة الكمال‪ .‬والكمال البشري قضية نسبية ف جيع الحوال‪.‬‬

‫)‪(177‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫لقد كان منهجهم هو " منهج العبادة "‪ ..‬العبادة بعناها الشامل الواسع‪ ،‬الذي‬
‫يعن ف النهاية عمارة الرض بقتضى النهج الربان‪:‬‬

‫)ق‪ /‬ل‪ .‬إ) ن‪ X‬ص‪%‬لت)ي ‪%‬ون‪ -‬س‪-‬ك)ي و‪%‬م‪%‬ح‪ 4‬ي‪%‬اي‪ %‬و‪%‬م‪ %‬م‪%‬ات)ي ل)ل‪ X‬ه) ر‪ %‬ب‪ s‬ال‪ .‬ع‪%‬ال‪#‬م)ي‪ ،%‬ل ش‪%‬ر)يك‪# %‬ل ه‪.(-‬‬
‫]سورة النعام‪ ،‬اليتان ‪.[163 ،162‬‬

‫) ‪%‬وإ)ذ‪ .‬ق‪#‬ال‪ #‬ر‪%‬ب_ ك‪ %‬ل)ل‪.‬م‪%‬لئ) ك‪#‬ة) )إ ن‪s‬ي ج‪%‬اع)ل‪ I‬ف)ي ال‪.‬أ‪#‬ر‪ 4‬ض) خ‪%‬ل)ي ف‪#‬ة‪ ] .(W‬سورة البقرة‪ ،‬الية‬
‫‪.[30‬‬

‫) ‪-‬هو‪# %‬أن‪4‬ش‪%‬أ‪#‬ك‪/‬م‪ 4‬م)ن‪ %‬ال‪.‬أ‪#‬ر‪4‬ض) و‪%‬اس‪4‬ت‪%‬ع‪4‬م‪%‬ر‪%‬ك‪/‬م‪ 4‬ف)يه‪%‬ا(‪] .‬سورة هود‪ ،‬الية ‪.[61‬‬

‫ومن ث تصبح " العمارة " وتصبح " الضارة " مزيا‪ X‬من الناز الادي‪ ،‬والناز‬
‫الروحي ف ذات الوقت‪ ،‬أو بعبارة أخرى‪ :‬إناز مادي مكوم بالقيم العليا الت ي‪-‬قر‪m‬رها‬
‫السلم‪.‬‬

‫ونظرة سريعة إل الدينة السلمية " تكشف عن هذه القيقة‪ .‬فلقد كان مركز‬
‫الدينة ‪ -‬الذي تتفرع منه‪ ،‬وتتفرع عنه الطرق والناشط ‪ -‬هو السجد‪ .‬ف السجد ي‪-‬ؤدي‬
‫ال ناس صلتم ‪ -‬صلة ال صبح ‪ -‬ث ينطل قون إ ل أع مالم ف الت جارة وال صناعة وط لب‬
‫الع لم‪ ،‬و سواها من النا شط‪ .‬وإ ل ال سجد ي عودون ف أو قات ال صلة‪ ،‬يتزودون بالزاد‬
‫الروحي الذي ي‪-‬عينهم على مسيتم الت قال ال فيها‪:‬‬

‫)ه‪-‬و‪ %‬ال‪X‬ذ)ي ج‪%‬ع‪%‬ل‪ #‬ل‪#‬ك‪/‬م‪ -‬ال‪.‬أ‪#‬ر‪4‬ض‪ %‬ذ‪#‬ل‪/‬ول‪ W‬ف‪#‬ام‪4‬ش‪-‬وا ف)ي م‪%‬ن‪%‬اك)ب)ه‪%‬ا و‪%‬ك‪/‬ل‪/‬وا م)ن‪ 4‬ر)ز‪4‬ق)ه) و‪)%‬إل‪#‬ي‪4‬ه‬
‫الن_ش‪-‬ور(‪] .‬سورة اللك‪ ،‬الية ‪.[15‬‬

‫وقال عن الزاد الذي يتزودون به ف مسيتم‪:‬‬

‫)ف‪#‬إ)ذ‪#‬ا ق‪/‬ض)ي‪%‬ت) الص‪H‬ل ‪/‬ة ف‪#‬ان‪4‬ت‪%‬ش)ر‪-‬وا ف)ي ال‪.‬أ‪#‬ر‪4‬ض) و‪%‬ا‪4‬بت‪%‬غ‪-‬وا م)ن‪ 4‬ف‪#‬ض‪4‬ل) الل‪X‬ه) و‪%‬اذ‪.‬ك‪/‬ر‪-‬وا الل‪X‬ه‬
‫ك‪#‬ث)يا‪# W‬لع‪%‬ل‪X‬ك‪/‬م‪ 4‬ت‪-‬ف‪.‬ل)ح‪-‬ون(‪] .‬سورة المعة‪ ،‬الية ‪.[10‬‬

‫ونظرة أخرى سريعة إل " البيت السلمي "‪ ،‬تكشف عن هذه القيقة‪ .‬ففي‬
‫البيت " حرم مصون "‪ .‬وقد صمم البيت بيث يتيح لسكانه قسطا‪ X‬معقول‪ X‬من الشمس‬

‫)‪(178‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وا لواء والف سحة‪ ،‬دون أن ينك شف أه له لع ي ا لجنب ا لذي ل يوز له أن ي ‪m‬ط لع ع لى‬
‫عورات البيوت!!‬

‫وقارن هذا ببيت الاهلية العاصرة الت ت‪-‬صر‪ A‬على أن تكون حجرة النوم هي "‬
‫أكشف " غرفة ف البيت‪ ،‬بجة الصول على أكب قسط من الشمس والواء! كما ت‪-‬صر‬
‫على أن تكون الساكنة ف البيت هي " أكشف " من فيه!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫لقد كانت الضارة السلمية حضارة روحية مادية ف الوقت ذاته‪ .‬حضارة‬
‫ملتزمة با أنزل ال‪ .‬تارس نشاطها النسان ف التاهات كافة دون أن تتاج ‪ -‬لتحقيق‬
‫ذلك ‪ -‬أن تكفر بال‪ ،‬ول أن تنبذ أخلقها وتقاليدها‪ ،‬ول أن تول جزءا‪ X‬من حياتا إل‬
‫آلية رتيبة‪ ،‬وجزء‪õ‬ا آخر إل مون حيوان صاخب خليع‪ ،‬كما تصنع الاهلية العاصرة بجة‬
‫التحضر والتقدم والر‪¥‬قي‪.‬‬

‫لقد كانت المة السلمية ت‪-‬مارس الرقي القيقي ‪ -‬بميع القاييس ‪ -‬منطلقة من‬
‫عقيدتا السلمية‪ ،‬م‪-‬طبقة لنهجها الربان‪ ،‬سيدة ف الرض‪ ،‬م‪-‬مكنة حسب وعد ال لا‪:‬‬

‫) ‪%‬وع‪%‬د‪ %‬الل‪X‬ه‪ -‬ال‪X‬ذ)ين‪ %‬آم‪%‬ن‪-‬وا م)ن‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬و‪%‬ع‪%‬م)ل‪/‬وا الص‪H‬ال)ح‪%‬ات) ‪#‬لي‪%‬س‪4‬ت‪%‬خ‪4‬ل)ف‪#‬ن‪H‬ه‪-‬م‪ 4‬ف)ي ا‪.‬لأ‪#‬ر‪4‬ض) ك‪#‬م‪%‬ا‬
‫ا س‪4‬ت‪%‬خ‪4‬ل‪#‬ف‪ %‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬م) ن‪ 4‬ق‪#‬ب‪4‬ل)ه) م‪% 4‬ول‪#‬ي‪-‬م‪%‬ك‪+‬ن‪ %‬ن‪# H‬له‪ -‬م‪ 4‬د)ين‪%‬ه‪ -‬م‪ -‬ا ل‪X‬ذ)ي ار‪4‬ت‪ %‬ض‪%‬ى ل‪#‬ه‪ -‬م‪ 4‬و‪%‬ل‪#‬ي‪ -‬ب‪%‬د‪s‬ل‪#‬ن‪H‬ه‪-‬م‪ 4‬م) ن‪ 4‬ب‪ %‬ع‪4‬د‬
‫خ‪%‬و‪4‬ف)ه)م‪# 4‬أم‪4‬نا‪% W‬يع‪4‬ب‪-‬د‪-‬ون‪%‬ن)ي ل ي‪-‬ش‪4‬ر)ك‪/‬ون‪ #‬ب)ي ش‪%‬ي‪4‬ئا(‪] .‬سورة النور‪ ،‬الية ‪.[55‬‬

‫وكان أجل ما ف هذه الضارات ذلك التوازن الدقيق ف داخل الكيان النسان‪،‬‬
‫وف واقع الياة‪.‬‬

‫)‪(6‬‬
‫ما يلفت النظر ف تاريخ هذه المة تأثي السلم ف جوانب كثية من حياتا ف‬
‫اتاه مغاير لتأثي البيئة‪.‬‬

‫)‪(179‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فقد كان العرب ف الاهلية قبائل متناحرة ل تلتقي ف أمة‪ ،‬على الرغم من كل‬
‫عوامل اللقاء الت تلتقي على مثلها شعوب أخرى‪ ،‬كوحدة الرض‪ ،‬ووحدة اللغة‪ ،‬ووحدة‬
‫ال عادات والتقال يد‪ ،‬وو حدة العت قدات‪ ،‬وو حدة ا لتراث‪ ،‬وموا سم ا لج ا لت تلت قي في ها‬
‫القبائل من كل أناء الزيرة‪ ،‬ومواسم الشعر الت يلتقي فيها الشعراء والنقاد‪ ..‬ال‪.‬‬

‫ل قد كانت الن عرات القبل ية وال ثارات القبل ية أ قوى أ ثرا‪ X‬من كل هذه العوا مل‬
‫متمعة‪ ،‬فحالت ‪ -‬لدة ل يعلمها إل ال ‪ -‬دون التقاء هذه القبائل ف أمة واحدة‪ ..‬حت‬
‫جاء السلم فمن‪ m‬ال عليها باللتقاء واللفة‪ ،‬ول تتكون منها م‪-‬جر‪A‬د أمة‪ ،‬بل تكو‪m‬ن منها‬
‫بقدر من ال خي أمة أخرجت للناس‪.‬‬

‫وأشارت آية سورة النفال ‪ -‬الت استشهدنا با من قبل ‪ -‬إل أن هذا اللقاء ل‬
‫يكن مكنا‪ X‬لول فضل ال ومشيئته‪:‬‬

‫)ل‪#‬و‪# 4‬أن‪4‬ف‪#‬ق‪.‬ت‪ %‬م‪%‬ا ف)ي ال‪.‬أ‪#‬ر‪4‬ض) ج‪%‬م)يعا‪ W‬م‪%‬ا أ‪X#‬لف‪.‬ت‪ %‬ب‪%‬ي‪4‬ن‪ %‬ق‪/‬ل‪/‬وب)ه)م‪ 4‬و‪%‬ل‪#‬ك)ن‪ H‬الل‪X‬ه‪# %‬أل‪X‬ف‪ %‬ب‪%‬ي‪4‬ن‪%‬ه‪-‬م‪) 4‬إن‪H‬ه‬
‫ع‪%‬ز)يز= ح‪%‬ك)يم(‪] .‬سورة النفال‪ ،‬الية ‪.[63‬‬

‫وحي ي‪-‬ريد ال شيئا‪ X‬فإنا يقول له كن‪ ،‬فيكون‪ .‬ولكن ال يعل لشيئته أسبابا‬
‫تتحقق من خللا‪ .‬وكان السبب الذي جعله ال لتحقيق هذه اللفة هو السلم‪ .‬فكان‬
‫ال سلم هو الغالب ع لى كل آ ثار ا لبيئة ا لت حالت دون تق يق الو حدة من ق بل‪ ،‬و قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬للمؤمني‪ " :‬إن ال أذهب عنكم ع‪-‬بي‪m‬ة الاهلية وفخرها‬
‫بالنساب‪ .(148) " ..‬والديث واضح الدللة ف أن عبية الاهلية وفخرها بالنساب ل‬
‫تذهب من ذات نفسها‪ ،‬كما يدعي الذين يزعمون أن العرب كانوا على وشك التجمع‬
‫من ذوات أنفسهم‪ ،‬وكانوا ينتظرون " الزعيم " الذي ي‪-‬وحدهم‪ ،‬فلما جاء ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬اتذوه زعيما‪ X‬لم وتوحدوا!‬

‫وهو قول بالغ التهافت‪ ،‬يرد‪ A‬عليه قول ال تبارك وتعال‪ :‬إن الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ل يكن من ذات نفسه‪ ،‬ليؤلف بي هذه القلوب‪ ،‬ل بشخصه‪ ،‬ول بإنفاق ما‬
‫ف الرض جيعا‪ ..‬لول مشيئة ال‪ ،‬واتاذ ال السبب لتحقيق هذه الشيئة وهو السلم‪.‬‬
‫ك ما يرد‪ A‬عل يه أن ال عرب حاربت الر جل ا لذي تت ع لى يده الو حدة ‪ -‬ب قدر من ا ل‬
‫وم شيئته ‪ -‬حر با‪ X‬ل هوادة في ها ثل ثة ع شر عا ما‪ X‬كام لة ف م كة‪ ،‬و سنوات أ خرى ب عد‬

‫‪ ()148‬رواه أبو داود وأخرجه الترمذي وقال " حسن صحيح "‪.‬‬

‫)‪(180‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫هجرته صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إل الدينة‪ ،‬حت دخلوا ف السلم‪ ،‬فجعل ال السلم سببا‬
‫ف الوحدة وتأليف القلوب‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وانت شر ال سلم ف بق عة وا سعة من ا لرض‪ ،‬ف حدثت في ها ع جائب ت شبه‬
‫الع جزات‪ ،‬أ شرنا إ ل بع ضها من ق بل‪ ،‬من سرعة انت شار ال سلم ف ا لرض الفتو حة‪،‬‬
‫واتاذ العربية لغة ف كثي منها ‪-‬تن‪5‬س‪Æ‬ي أهلها لغتهم الصلية حت الذين ل يدخلوا منهم ف‬
‫السلم‪..‬‬

‫ونشي هنا إل عجيبة أخرى تلفت النظر‪..‬‬

‫إن البيئة الت انتشر فيها السلم ‪ -‬بقدر من ال ‪ -‬يقع معظمها ف النطقة الارة‪،‬‬
‫والنطقة العتدلة الارة‪ ،‬والقليل منها هو الذي يقع ف النطقة العتدلة الباردة‪.‬‬

‫والل حوظ ف أ هل هذه ا لبيئة أنم ‪ -‬ب تأثي البيئة ‪ -‬فو ضويون يكرهون الن ظام!‬
‫عفويون يكرهون التخطيط! قصيو النفس‪ ،‬يشتعلون بسرعة وتنطفئ حاستهم بسرعة‬
‫)‪ ،(149‬أميل إل الكسل منهم إل الد‪ A‬والنساط والركة!‬

‫وربا كان السبب ف هذه الصال أن هذه البيئة سهلة ف عمومها‪ ،‬فل أحد فيها‬
‫يوت من البد‪ ،‬ول أحد يوت من الر‪ ،A‬ول أحد يوت من الوع ف الحوال العادية‪،‬‬
‫ويستطيع النسان بأبسط الهد أن يقيم أو–د–ه‪ ،-‬وأن يؤدي مطالب الياة القهرية دون عناء‬
‫كبي‪.‬‬

‫و ف م ثل هذه ال ظروف ي بدو الن ظام أ مرا‪ X‬ل ضرورة له! فإن ا لمور ي كن أن‬
‫تق ضى بغ ي حا جة إ ل تنظ يم! وع ندئذ ي كون الن ظام عبئا‪ X‬ع لى الع صاب‪ ،‬ل مبر له‪،‬‬
‫وتكون الفوضى أمرا‪ X‬مستساغا‪ X‬لنا أيسر على العصاب!‬

‫‪ ()149‬ذكرت هذه الشارة من قبل ف كتاب " واقعنا العاصر "‪.‬‬

‫)‪(181‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫كما يبدو التخطيط أمرا‪ X‬ل ضرورة له كذلك! فحي تأت الشكلة تل‪ !m‬والنحو‬
‫الذي تل به يوم تيء هو النحو ذاته الذي تل به الن لو برزت ف هذه اللحظة! فلماذا‬
‫التخطيط السبق‪ ،‬ما دام التفكي اللحظي السريع عند حلول الشكلة يكن أن يلها؟!‬

‫وأ ما ق صر الن فس فر با كان من شؤه أن ا لمور ي كن أن ت‪-‬ح ل‪ m‬بولت ق صية‬


‫مر كزة تغ ي الو ضاع ‪ -‬و لو إ ل ح ي ‪ -‬وتت جدد كل ما أر يد إ حداث تغي ي‪ ..‬دون أن‬
‫يتاج المر إل جولة طويلة منظمة مططة تتاج إل متابعة مستمرة‪.‬‬

‫وأ̈يا كانت السباب الت تتويها البيئة‪ ،‬وتؤدي إل وجود هذه الصال ف نفوس‬
‫أهلها‪ ،‬فقد تسلم السلم أهل هذه البيئة ‪ -‬على أوضاعهم تلك ‪ -‬فأخرج منهم خي أمة‬
‫أخرجت للناس!‬

‫ولقد بذل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬جهد‪X‬ا تربو̈يا ضخم‪X‬ا ف هذا السبيل‪،‬‬
‫روت منه كتب السية أنه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كان يصف‪ ¥‬الؤمني للصلة كما يصفهم‬
‫للقتال! وكان ير بيده الكرية على أكتاف الرجال يسويها‪ ،‬ويأمرهم أن ياذوا بعضهم‬
‫بعضا‪ X‬بأقدامهم‪ ،‬ول يبدأ الصلة صلى ال عليه وسلم‪ ،‬حت يستقيم الصف‪.‬‬

‫والسلم كله مواقيت منظمة‪..‬‬

‫فالصلة مواقيت‪ ،‬والزكاة مواقيت‪ ،‬والصوم مواقيت‪ ،‬والج مواقيت‪ ،‬والشهر‬


‫الرم مواقيت‪..‬‬

‫ث إن ال سلم ع ل‪m‬م ال سلمي أن ي‪-‬خط طوا ل لدعوة‪ ،‬ولل سلم وا لرب‪ ،‬ولواج هة‬
‫ال عداء‪ ،‬ول تأليف الق لوب‪ ،‬لنم واج هوا ‪ -‬بال سلم ‪ -‬ظرو فا‪ X‬جد يدة ل ت صلح في ها‬
‫العفوية الت تدير البيئة با المور‪.‬‬

‫وكذلك فإن السلم أخرجهم من النظرة القريبة الت كانت تنتهي إليها مصالهم‬
‫ف ا لرض‪ ،‬إ ل ن ظرة بع يدة بع يدة‪ ..‬أب عد من أي مدى ي كن أن يع يش له الن سان ف‬
‫الرض‪ ،‬لنه يتجاوز الزمان كله‪ ،‬والكان كله‪ ،‬إل ما وراء الزمان والكان‪ ..‬إل اليوم‬
‫الخر‪ ،‬الذي ل يعرف أحد موقعه من الزمان والكان‪ ،‬ولكنه واقع ل ريب فيه‪ ،‬تؤمن به‬

‫)‪(182‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫هذه الق لوب‪ ،‬وتع مل له و هي ف واقع ها الر ضي‪ ،‬فتخ طو خطوا تا ع لى ا لرض و هي‬
‫معقلة بذلك المد الذي ل تده الواس‪.‬‬

‫وتغيت بكل ذلك طبائع الناس‪ ..‬وتكو‪A‬نت منهم خي أمة أخرجت للناس‪.‬‬

‫وحي خف‪m‬ت قبضة السلم على النفوس ف واقعها العاصر‪ ،‬عاد الناس إل تأثي‬
‫ا لبيئة! فو ضويي يكر هون الن ظام‪ ،‬ع فويي يكر هون التخط يط‪ ،‬ق صار الن فس‪ ،‬ي شتعلون‬
‫بسرعة وينطفئون بسرعة‪.‬‬

‫والعب الستفادة من هذه اللمحة من لات التاريخ أن كل التفسي الادي للتاريخ‬


‫الذي يعل للبيئة الادية السيطرة الكاملة على النسان‪ ،‬وكل التفسي الداروين اليوان‬
‫للنسان‪ ،‬الذي يعل النسان حيوان‪X‬ا متطورا‪ X‬تطور جسده وعقله فحسب‪ ،‬وكل تفسي‬
‫يغفل أثر العقيدة‪ ..‬إنا هي تفسيات جاهلية‪ ،‬ل تصلح لتفسي حقيقة " النسان "‪.‬‬

‫وال عبة ال ستفادة من ج هة أ خرى أن ه ناك شيئ‪X‬ا وا حدا‪ X‬ي فوق تأثيه أ ثر ا لبيئة‪.‬‬
‫ذلك هو العقيدة الصحيحة ف ال‪ ،‬التضمنة تقيق النهج الربان ف واقع الياة‪.‬‬

‫وأ نه ح ي ي‪-‬ك تب التار يخ‪ ،‬وح ي ت‪-‬ر ب الما عات‪ ،‬وح ي ت‪-‬ن شأ ا لدول‪ ،‬وح ي‬
‫ت‪-‬مارس الياة‪ ،‬فينبغي أن يكون العتبار الول ف كل ذلك للعقيدة الصحيحة‪ ،‬الت‬
‫تقف ‪ -‬وحدها ‪ -‬لكل تأثي البيئة‪ ،‬وتستطيع ‪ -‬وحدها ‪ -‬أن ت‪-‬صح‪m‬ح كل انرافات‬
‫البيئة‪ ،‬حي تصل ف نفوس أصحابا إل درجة التوهج والنطلق!‬

‫)‪(183‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ثالثا‪ :‬الواقع العاصر‬


‫ل يتاج النسان إل كبي جهد لي‪-‬درك أن الواقع العاصر للمسلمي هو أسوأ‬
‫ما مر بم ف تاريهم كله‪.‬‬

‫ول ي تاج إ ل كبي ج هد كذلك ل يدرك أن أو ضاع ال سلمي من ال سوء ب يث‬


‫تعلهم أ سوأ كثيا‪ X‬حت من الاهل ية الي طة بم‪ ،‬بل ت بدو الاهل ية العا صرة ق مة شامة‬
‫يعيش " السلمون " إل جوارها ف الضيض‪.‬‬

‫فإل جانب التخلف الزري ف كل جوانب الياة السياسية والربية والقتصادية‬


‫والجتماعية والعلمية والفكرية واللقية‪ ،‬يوجد الضعف الزري ل أمام " القوى العالية "‬
‫وحدها‪ ،‬بل أمام أصغر القوى وأضألا ف الدويلت السيوية والفريقية‪ ،‬التخلفة ف ذاتا‪،‬‬
‫الضعيفة ف كيانا‪ ،‬ولكنها تستأسد على السلمي‪ ،‬فتقيم لم الذابح بي الي والي‪،‬‬
‫وتتاح أرضهم‪ ،‬وترب ديارهم‪ ،‬وتنتهك أعراضهم‪ ،‬وكأنم حى© مباح لكل معتد أثيم‪.‬‬

‫وإل جانب هذا وذلك‪ ،‬الضياع الفكري والروحي الذي جعل المة السلمية‬
‫‪ -‬لول مرة ف تاريها ‪ -‬تنظر إل الاهلية على أنا أفضل منها‪ ،‬وتنظر إل السلم على‬
‫أنه رجعية وتلف ينبغي النسلخ منه واتباع الاهلية!‬

‫ولقد تدثت‪ -‬بتفصيل كاف عن هذا الواقع العاصر وأسبابه ونتائجه ف كتاب "‬
‫واقعنا العاصر "‪ ،‬ما ل أحتاج معه إل إعادة الديث‪ .‬ولكن ل بد مع ذلك من سطور‬
‫قلئل ف وصف هذا الواقع‪ ،‬ليتبدى الفرق الائل الذهل بي ماضي المة وحاضرها‪ ،‬حت‬
‫لكأنما متلفتان ل يربط بينهما رباط!‬

‫كيف اندرت المة من مستواها الرفيع الذي أشرنا إل لات منه‪ ،‬حت صارت‬
‫ذلك الغثاء الذي أخب عنه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬ي‪-‬وشك أن ت‪%‬داعى عليكم‬
‫المم كما تداعى الك‪#‬ل‪#‬ة إل قصعتها‪ .‬قالوا‪ :‬أمن قل‪€‬ة نن يومئذ يا رسول ال؟ قال‪ :‬بل‬
‫أن تم يومئذ كثي ولكن كم غ ثاء كغ ثاء ال سيل‪ .‬ولين عن ا ل م هابتكم من صدور‬

‫)‪(184‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫أعدائكم‪ ،‬وليقذفن ف قلويكم الو‪%‬ه‪4‬ن‪ .‬قالوا‪ :‬وما الوهن يا رسول ال؟ قال‪ :‬حب_ الدنيا‬
‫وكراهية الوت " )‪.(150‬‬

‫ولقد خيل لبعض الستضعفي‪ ،‬النهزمي أمام الضارة الغربية‪ ،‬الذين استعبد الغزو‬
‫الف كري ق لوبم وأرواح هم ‪ -‬وخا صة ع بدة التف سي ا لادي للتار يخ من هم ‪ -‬أن ضعف‬
‫السلمي وتأخرهم كان نتيجة حتمية لتمسكهم بالسلم!!‬

‫وأن السلم كان حركة تقدمية يوما‪ X‬ما! أي بالنسبة لوقته! وأنه فعل ما فعل ف‬
‫النفوس بسبب أنه كان بالنسبة لوقته حركة تقدمية‪ ،‬فدفع الياة كلها إل المام‪ .‬ولكن‬
‫دوره انتهى كحركة تاريية وموقف تقدمي‪ ،‬لنه بقي مكانه فسبقه " التطور "‪ ،‬فأصبح‬
‫من ث حركة رجعية! ول يعد صالا‪ X‬لواكبة التطور الديث‪ ،‬بل صار معوقا‪ X‬ينبغي طرحه‬
‫والبحث عن بديل منه‪ ،‬والبديل هو الضارة الغربية!‬

‫وي‪-‬ل ح‪ ¥‬الست شرقون وتل مذتم ع لى هذا الع ن ف كتا باتم ا لت ي هدفون با إ ل‬
‫تسميم قلوب السلمي وأفكارهم ليتخلوا عن دينهم‪ ،‬كما يثل الواقع السيئ الذي يعيشه‬
‫ال سلمون نق طة " ت شويش " ‪-‬ت حر‪A‬ف م سار ا لق‪ ،‬فتج عل ال ناس ي‪ -‬صدقون هذه الباط يل‬
‫كأنا حقيقة‪ ،‬وينظرون إل القائق كأنا أساطي!‬

‫إن الذي تلف ل يكن هو السلم‪ ..‬إنا هم " السلمون "!‬

‫وقد تلفوا ل لتمسكهم بالسلم‪ ،‬ولكن لتخليهم عنه‪ ،‬وتفريطهم فيه‪.‬‬

‫أما السلم فما زال هو الدين الق‪ ،‬وما زال هو الطريق الواصل‪ ،‬وما زال هو‬
‫الطريق الستقيم‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلف السمون لبعدهم عن حقيقة السلم‪ ،‬وإن بقيت لم بعض مظاهره‪..‬‬

‫‪ ()150‬أخرجه أحد وأبو داود‪.‬‬

‫)‪(185‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫لقد بقي لم أنم ينطقون بأفواههم ل إله إل ال ممد رسول ال‪ .‬فهل يعون‬
‫معناها أو يعرفون مقتضياتا؟‬

‫وبقي لم أنم يؤدون بعض العبادات‪ ،‬فهل أدركوا القصود با‪ ،‬أو رعوها حق‬
‫رعايتها؟‬

‫وبقي لم بعض " التقال يد " ال سلمية‪ ،‬فهل تصمد التقال يد الاوية من ا لروح‬
‫للمعركة الضارية الت توجه إل الدين عامة والسلم على وجه الصوص؟‬

‫وبقي لم تنيات بأن ينصر ال دينه‪ ،‬ويعيد إليه أماده‪ ،‬فهل تكفي التمنيات لتغيي‬
‫الواقع السيئ وإنشاء البديل؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫نستطيع أن نقول ببساطة إن كل مفاهيم السلم قد فسدت ف حس الجيال‬
‫التأخرة من السلمي )‪.(151‬‬

‫تولت ل إله إل ال من منهج حياة كامل‪ ،‬إل الكلمة الت ت‪-‬نطق بالفواه‪.‬‬

‫وتولت العبادة ‪ -‬بعد أن انصرت ف الشعائر التعبدية وخرجت منها العمال‬


‫والخلق ‪ -‬إل أداء آل تقليدي خاو‪ p‬من الروح‪.‬‬

‫وتولت عقيدة القضاء والقدر من قوة دافعة إل النشاط والركة مع التوكل على‬
‫ال‪ ،‬إل قعود عن النشاط والركة مع تواكل سلب مريض‪.‬‬

‫و تول ال توازن الم يل ب ي الع مل ل لدنيا والع مل ل لخرة‪ ،‬إ ل إ هال ل لدنيا من‬
‫أجل اللص ف الخرة‪ ،‬فأهلت عمارة الرض‪ ،‬وطلب العلم‪ ،‬وطلب التمكي والقوة‪،‬‬
‫وع م‪ A‬ال هل والف قر وا لرض‪ ،‬ور ضي ال ناس بذلك ك له ع لى أ نه قدر ر بان ل ق بل لم‬
‫بتغييه‪ ،‬بل ل يوز العمل على تغيي خوفا‪ X‬من الوقوع ف خطيئة التمرد على قدر ال!‬

‫‪ ()151‬راجع – إن شئت – كتاب " مفاهيم ينبغي أن ت‪-‬صحح "‪.‬‬

‫)‪(186‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫أهذا هو السلم؟! أم هذه صورة مناقضة لقيقة السلم؟‬

‫وهل يكن أن يؤدي الشيء ونقيضه إل نتيجة واحدة؟!‬

‫إذا كان ال سلم يؤدي ف ح ياة ال ناس إ ل التم كن وال قوة والنظا فة ون قاء‬
‫ا لخلق‪ ،‬والت قدم العل مي والت قدم ال ضاري‪ ،‬ومقاو مة انرا فات ا لبيئة والتغ لب علي ها‪..‬‬
‫فهل يكن للصورة البديلة أن تؤدي إل النتائج ذاتا؟‬

‫أم إنا ل بد أن تؤدي إل الضعف والتخلف والضوع لنرافات البيئة والعجز‬


‫عن تقويها؟‬

‫وهذا الذي حدث بالفعل‪ ..‬فجاء العداء من كل ح–د–ب وص–و‪5‬ب يتلون أرض‬
‫السلم‪ ،‬يزقو نا تزيقا‪ ،X‬و ي‪-‬ذلون أهلها‪ ،‬وينحون شريعة ال عن ال كم‪ ،‬وين شرون فيها‬
‫الفساد‪ ،‬ويقتلون كل ما بقي من قيم ف حياة السلمي‪ ..‬ث جاء الغزو الفكري ليقول‬
‫لناس‪ :‬إن السبب ف كل ما حل بم هو تسكهم بالسلم!!‬

‫أي إسلم هذا الذي كانوا يتمسكون به؟!‬

‫حقي قة إ نم كانوا " متم سكي " ب شيء ما! وإ نم كانوا يتو هون أن ما هم‬
‫متمسكون به هو " السلم "! ولكن مت كان الوهم يغن عن القيقة‪ ،‬أو يؤدي ف عال‬
‫الواقع ما تؤديه القيقة؟!‬

‫مثل الوهم الذي كانوا متمسكي به والقيقة كمثل ورقة النقد الزائفة يسبها‬
‫الخدوع با ورقة حقيقية‪ ،‬حت إذا ذهب با إل السوق ل يستطع أن يصل با على شيء‬
‫ما يريد‪ ،‬وعاد باليبة والسرة‪ ،‬إن ل يتعرض للقاء القبض عليه وتوقيع العقوبة عليه!‬

‫ولقد كان السلمون متمسكي بأوهام يسبونا حقيقة‪.‬‬

‫أول هذه الو هام أن ال يان هو الت صديق وا لقرار‪ ،‬وأن الع مل ل يس داخل‪ X‬ف‬
‫مسمى اليان!!‬

‫)‪(187‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وبذا الوهم حسبوا أنفسهم مؤمني وهم ل يعملون بقتضى اليان!‬

‫وتو هوا أ نم ح ي يؤدون الرك عات الفرو ضة بأ ية صورة‪ ،‬وي صومون ال يام‬
‫الفرو ضة ع لى أ ية صورة‪ ،‬و يؤدون الز كاة الفرو ضة‪ ،‬وي جون ال جة الفرو ضة ‪ -‬من‬
‫ل ‪ -‬فقد أدوا كل العبادة الفروضة‪.‬‬
‫استطاع إليها سبي ‪X‬‬

‫ومن ث خرجت أخلقيات ل إله إل ال من دائرة العبادة‪ ،‬وأصبح من الستساغ‬


‫ع ند كثي منهم أن يؤدوا الركعات الفروضة ف السجد ث يرجوا ليكذبوا ع لى الناس‬
‫ويغ شوهم و يدعوهم‪ ،‬وي‪-‬خل فوا و عودهم مع هم‪ ،‬ول ي‪-‬خل صوا ف عمل هم‪ ،‬ول يتق نوا‬
‫حرفت هم‪ ،‬ول يأمروا بالعروف ول ين هوا عن الن كر‪ ،‬ول يعم لوا ع لى وقا ية أنف سهم‬
‫وأهليهم من النار باجتناب ما حرم ال‪ ،‬ول يعاشروا زوجاتم بالعروف‪ ،‬ول يهتموا بأمر‬
‫السلمي‪ ،‬ول ياهدوا بأموالم وأنفسهم ف سبيل ال‪ ..‬وف حسهم أنم أدوا " العبادة‬
‫"!‬
‫)‪.(152‬‬
‫هل كانت مثل تلك " العبادة " تصلح زادا‪ X‬للدنيا أو للخرة؟!‬

‫و من الو هام كذلك أ نم تو هوا أ نم ما دا موا " م سلمي " فسين صرهم ا ل‪،‬‬
‫وسيوفقهم‪ ،‬وسيقضي لم حوائجهم وي‪-‬ن ج‪A‬ح مقاصدهم‪ ،‬مهما يكن حالم‪ ،‬ومهما تكن‬
‫حقيقة أعمالم!!‬

‫غفلة كاملة عن السنن الربانية!‬

‫لقد قال ال للمؤمني‪) " :‬ي‪%‬ا أ‪#‬ي_ه‪%‬ا ال‪X‬ذ)ين‪ %‬آم‪%‬ن‪-‬وا إ)ن‪ .‬ت‪%‬ن‪4‬ص‪-‬ر‪-‬وا الل‪X‬ه‪% %‬ين‪4‬ص‪-‬ر‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬و‪%‬ي‪-‬ث‪#‬ب‪s‬ت‬
‫‪#‬أق‪.‬د‪%‬ام‪%‬ك‪/‬م(‪] .‬سورة ممد‪ ،‬الية ‪.[7‬‬

‫ول يقل لم‪ :‬ما دمتم مؤمني فسأنصركم‪ ،‬وأثبت أقدامكم مهما تكن أحوالكم‪،‬‬
‫وأوضاعكم وأعمالكم!‬

‫‪ ()152‬حي تؤدى العبادات الفروضة على هذه الصورة يسقط وزرها‪ ،‬ولكن ل يثاب النسان عليها‪ ،‬إنا‬
‫يكون الثواب ف الخرة على قدر ما ف العبادة من صدق‪ .‬أما ف الدنيا فل يكون لا أثر حقيقي‪،‬‬
‫لذلك قال ال‪) :‬ف‪ã‬و–ي‪5‬ل‪ ú‬ل‪Æ‬ل‪Å‬م‪-‬ص–ل‪Ý‬ي–‪ ،‬ال‪Û‬ذ‪Æ‬ين– ه‪-‬م‪ 5‬ع–ن‪ 5‬ص–لت‪Æ‬ه‪Æ‬م‪ 5‬س–اه‪-‬ون‪.(ã‬‬

‫)‪(188‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ولقد ه‪-‬زم الؤم نون ‪ -‬وفيهم ر سول ا ل صلى ا ل عل يه و سلم ‪ -‬ف وقعة أ حد‬
‫حي عصوا أمر الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫وه‪-‬ز موا يوم حن ي ‪ -‬وفي هم ر سول ا ل صلى ا ل عل يه و سلم‪ ،‬كذلك ‪ -‬ح ي‬


‫أعجبتهم كثرتم فلم تغن عنهم شيئا‪ X‬و هم خي القرون‪ ..‬فكيف بات يك القرون التفلتة‬
‫الغارقة ف البدع والعاصي؟! أفكان ال ناصرهم وهم ل ينصرونه؟! لرد دعواهم أنم‬
‫مؤم نون؟ أف كان ا ل موفقهم و هم يع صونه‪ ،‬ول يقو مون بواجبهم نوه؟ أف كان من جح‬
‫مقاصدهم‪ ،‬وقلوبم مشغولة عن ذكره‪ ،‬غافلة عن أمره ونيه؟!‬

‫)إ) ن‪ X‬الل‪ X‬ه‪ %‬ل ‪%‬يظ‪.‬ل) م‪ -‬م)ث‪ .‬ق‪#‬ال‪ #‬ذ‪#‬ر‪H‬ة‪ p‬و‪%‬إ) ن‪ .‬ت‪ %‬ك‪ -‬ح‪ %‬س‪%‬ن‪%‬ة‪ W‬ي‪ -‬ض‪%‬اع)ف‪.‬ه‪%‬ا و‪ %‬ي‪-‬ؤ‪4‬ت) م) ن‪ 4‬ل‪#‬د‪4-‬نه‪ -‬أ‪ #‬ج‪4‬را‬
‫ع‪%‬ظ)يما(‪] .‬سورة النساء‪ ،‬الية ‪.[40‬‬

‫كيف فسدت مفاهيم السلم ف حس تلك القرون التأخرة؟‬

‫ل شك أن ه ناك أ سبابا‪ X‬كثية ت ضافرت حت زحز حت ال سلمي عن حقي قة‬


‫دين هم‪ ،‬و هم ي سبون ع لى ا لدوام أ نم " متم سكون " با لدين! و حت إن أدر كوا أ نم‬
‫مقصرون ‪ -‬ول بد أن ي‪-‬دركوا ذلك بي الي والي ‪ -‬أسرع إليهم من ي‪-‬وههم أنم ف‬
‫مغفرة ال مهما فعلوا‪ ،‬حت وقعوا فيما وقعت فيه بنو إسرائيل‪:‬‬

‫)ف‪#‬خ‪%‬ل‪#‬ف‪ %‬م)ن‪ 4‬ب‪%‬ع‪4‬د)ه)م‪ 4‬خ‪%‬ل‪.‬ف= و‪%‬ر)ث‪/‬وا ال‪.‬ك)ت‪%‬اب‪ %‬ي‪%‬أ‪.‬خ‪-‬ذ‪/‬ون‪ #‬ع‪%‬ر‪%‬ض‪ %‬ه‪%‬ذ‪#‬ا ال‪.‬أ‪#‬د‪4‬ن‪%‬ى و‪%%‬يق‪/‬ول‪/‬ون‬
‫س‪%‬ي‪-‬غ‪4‬ف‪#‬ر‪# -‬لن‪%‬ا(‪] .‬سورة العراف‪ ،‬الية ‪.[169‬‬

‫" ورثوا الكتاب "! أي أخذوه وراثة واتذوه تراثا‪ !X‬ول يشعروا أنه كتابم هم‪،‬‬
‫ال نل إلي هم ليعم لوا بقت ضاه! إ نا هو ك تاب ال باء وال جداد‪ ،‬و هم مرد ور ثة له‪ ،‬غ ي‬
‫مكلفي بالعمل با جاء فيه!!‬

‫لقد كانت هناك زحزحة مستمرة ‪ -‬استمرت من عمر المة عدة قرون ‪ -‬تبعد‬
‫الناس رويدا‪ X‬رويدا‪ X‬عن حقيقة الدين‪ ،‬وتأت صحوات عابرة‪ ،‬على أيدي العلماء والدعاة‬

‫)‪(189‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫والصلحي‪ ،‬ث تعود المة إل غ‪ã‬ف‪Å‬وتا أكثر انرافا‪ X‬من ذي قبل‪ ،‬وأكثر بعدا‪ X‬عن حقيقة‬
‫الدين )‪.(153‬‬

‫وف النهاية تقق النذير‪ :‬تداعت عليهم المم كما تداعى الكلة إل قصعتها‪،‬‬
‫بينما هم كثي كثي‪ ..‬ألف مليون من البشر‪ ..‬أكب عدد وصلوا إليه ف التاريخ‪..‬‬

‫وف القرني الخيين كانت الكارثة الت ل تزال تعيش المة عقابيلها إل هذه‬
‫اللحظة‪.‬‬

‫ظلت الصليبية الصه‪5‬يونية تتآمر على الدولة العثمانية حت قضت عليها ف النهاية‬
‫وأسقطتها‪ .‬وفتتت العال السلمي إل دويلت صغية هزيلة ضعيفة‪ ،‬تتصارع فيما بينها‬
‫وتتشاحن با ي‪-‬حقق مصال العداء دائما‪ ،X‬ويقق لم السيطرة على مقد‪A‬رات السلمي!‬

‫وانتزعت فلسطي‪ ،‬واستول العداء على " بيت القدس "‪ ،‬الت ثارت من أجلها‬
‫الروب الصليبية الول‪ ،‬وتركت من أجلها الروب الصليبية الثانية‪ ،‬ولكنها أعطيت ف‬
‫هذه الرة للشعب الشيطان‪ ،‬واكتفت الصليبية بإرواء حقدها بنعها من يد السلمي!‬

‫ون‪-‬ح يت ال شريعة ال سلمية عن ال كم ف كل البلد ا لت دن ستها أ قدام‬


‫ال صليبيي‪ ،‬ت شف̈يا وح قد‪X‬ا من ناح ية‪ ،‬وزعز عة ل لدين من أ صوله من ناح ية أ خرى‪ .‬ف هم‬
‫يعر فون أ نم ح ي ينق ضون ع‪-‬روة ال كم ت‪-‬ن قض ب عدها بق ية ال عرى‪ ،‬ك ما أ خب ال صادق‬
‫الصدوق صلى ال عليه وسلم‪ " :‬لتنقضن عرى هذا الدين عروة عروة‪ ،‬كلما نقضت‬
‫عروة تسك الناس بالت بعدها‪ ،‬فأولن نقضا‪ W‬الكم وأخرهن نقضا‪ W‬الصلة " )‪.(154‬‬

‫و ل يك تف ال عداء بتنح ية ال شريعة عن ال كم‪ ..‬ف قد كانوا أخ بث من ذ لك‬


‫وأنكى عداوة‪ ،‬فقد أقاموا التاريس الت تنع عودتا إل الكم مرة أخرة‪ ،‬من الجيال‬
‫الت ربوها على الغزو الفكري ‪ -‬عن طريق مناهج التعليم ووسائل العلم ‪ -‬أجيال ل‬
‫تعرف السلم على حقيقته‪ ،‬بل هي نافرة منه منسلخة عنه‪ ،‬م‪-‬سممة الفكار تاهه‪ ،‬تدعو‬
‫بدعوات الغرب‪ ،‬وتعتنق أفكاره‪ ،‬وترفض أن ‪-‬تح‪5‬ك‪ã‬م بشريعة ال بعد أن قيل لا إنا رجعية‬

‫‪ ()153‬انظر تفصيل الديث ف ذلك ف كتاب " واقعنا العاصر "‪ ،‬فصل " خط النراف "‪ ،‬وفصل "‬
‫آثار النراف "‪.‬‬
‫‪ ()154‬أخرجه أحد‪.‬‬

‫)‪(190‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وجود وتأخر! وتقف للدعوة السلمية بالرصاد‪ ..‬سواء منها الكام‪ ،‬و " الفكرون "!‬
‫و " الكتاب "! والسينمائيون‪ ،‬والذاعيون‪ ،‬والتلفزيونيون‪ ،‬والقصاصون‪ ،‬والسرحيون‬
‫و " الفنانات "‪ ،‬و " الفنانون "‪ ..‬والولد والبنات " التقدميون "‪ ،‬النحلو الخلق‪.‬‬

‫وكانت الطامة ‪ -‬ف الولة الخية ‪ -‬ف طائفة من الكام العسكريي‪ ،‬جيء‬
‫بم ليسحقوا السلم سحقا‪ ،X‬وأضفيت عليهم البطولت الكاذبة‪ ،‬وهم ي‪-‬ذب‪A‬حون السلمي‬
‫وتق طر د ماؤهم من أ يديهم‪ ،‬وي‪-‬ع ب‪A‬دون شعوبم ل صال ال صليبية ال صهيوني‪A‬ة ل قاء شهوة‬
‫ال سلطة و شهوة الطغ يان‪ ..‬وي‪-‬ف قرون شعوبم وي ستنفون طاقا تا‪ ،‬فتركب ها ا لديون وت بط‬
‫عمل تا‪ ،‬ويز يد ت كم ال عداء في ها‪ ،‬و هم جال سون بغ لظ أك بادهم يت سلون ب صائب‬
‫شعوبم!‬

‫وف كل حي تجم الصليبية هجمة أو تجم الصهيونية هجمة‪ ،‬فيعيدون تفتيت‬


‫الدويلت الت فتتوها من قبل‪ ،‬ليحيلوها إل تراب تسحقه أقدامهم! ويفتعلون الزمات‬
‫لتحق يق أ هدافهم‪ ،‬و " الب طال " جال سون ع لى مقا عدهم‪ ،‬ي كذبون ع لى شعوبم‬
‫ويو‪ m‬هون علي ها‪ ،‬ف ظل " الب طولت " الزعو مة‪ ..‬حت تن فذ أ غراض ال سادة‪ ،‬فيك لوا‬
‫الب طال الزائف ي بأ قدامهم وي ستهلكوهم‪ ،‬ول يع تب من هم أ حد يا ”ف عل بن سبقه من "‬
‫البطال "!‬

‫) ‪%‬وس‪%‬ك‪#‬ن‪4‬ت‪-‬م‪ 4‬ف)ي م‪%‬س‪%‬اك)ن) ا‪X‬لذ)ين‪ %‬ظ‪#‬ل‪#‬م‪-‬وا ‪#‬أن‪4‬ف‪/‬س‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬و‪%‬ت‪%‬ب‪%‬ي‪H‬ن‪# %‬لك‪/‬م‪ 4‬ك‪#‬ي‪4‬ف‪ %‬ف‪#‬ع‪%‬ل‪.‬ن‪%‬ا ب)ه)م‪ 4‬و‪%‬ض‪%‬ر‪%‬ب‪4‬ن‪%‬ا‬
‫‪#‬لك‪/‬م‪ -‬ال‪.‬أ‪#‬م‪4‬ث‪#‬ال‪ ،#‬و‪%‬ق‪#‬د‪ 4‬م‪%‬ك‪#‬ر‪-‬وا م‪%‬ك‪.‬ر‪%‬ه‪-‬م(‪] .‬سورة إبراهيم‪ ،‬اليتان‪.[46 ،45 :‬‬

‫تلك نبذة سريعة عن مأساة المة ف القرون الخية‪ ،‬الت ل تزال تعيش عقابيلها‬
‫حت هذه اللحظة‪ ..‬وما أبعد الش‪¥‬قة بي الجيال الت شهد لا خالقها بقوله تعال‪:‬‬

‫) ‪/‬كن‪4‬ت‪ -‬م‪ 4‬خ‪ %‬ي‪4‬ر‪ %‬أ‪ /‬م‪H‬ة‪ p‬أ‪/‬خ‪4‬ر)ج‪ %‬ت‪ 4‬ل)لن‪H‬ا س) ت‪%‬أ‪.‬م‪-‬ر‪-‬ون‪ #‬ب)ال‪.‬م‪%‬ع‪4‬ر‪-‬وف) و‪%‬ت‪%‬ن‪ 4‬ه‪%‬و‪4‬ن‪ #‬ع‪ %‬ن) ا‪.‬لم‪-‬ن‪ 4‬ك‪#‬ر‬
‫و‪-%‬تؤ‪4‬م)ن‪-‬ون‪ #‬ب)الل‪X‬ه(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[110‬‬

‫والجيال الت حذ‪m‬ر منها رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ " :‬غثاء كغثاء السيل "‬
‫)‪.(155‬‬

‫‪ ()155‬من حديث‪ " :‬يوشك أن تداعى عليكم المم كما تداعى الكلة على قصعتها "‪ .‬سبقت الشارة‬
‫إليه‪.‬‬

‫)‪(191‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وس‪-‬نة ال ل تتبدل ول تتحول‪ ،‬ول تاب أحدا‪ X‬من اللق‪:‬‬

‫)ذ‪#‬ل)ك‪ %‬ب)أ‪#‬ن‪ X‬الل‪X‬ه‪ %‬ل‪#‬م‪ 4‬ي‪%‬ك‪ -‬م‪-‬غ‪%‬ي‪s‬را‪) W‬نع‪4‬م‪%‬ة‪# W‬أن‪4‬ع‪%‬م‪%‬ه‪%‬ا ع‪%‬ل‪#‬ى ق‪#‬و‪4‬م‪ p‬ح‪%‬ت‪H‬ى ‪-‬يغ‪%‬ي‪s‬ر‪-‬وا م‪%‬ا ب)أ‪#‬ن‪4‬ف‪/‬س)ه)م‪.(4‬‬
‫]سورة النفال‪ ،‬الية ‪.[53‬‬

‫)ظ‪ #‬ه‪%‬ر‪ %‬ال‪.‬ف‪ #‬س‪%‬اد‪ -‬ف)ي ال‪.‬ب‪%‬ر‪ s‬و‪%‬ال‪.‬ب‪ %‬ح‪4‬ر) ب) م‪%‬ا ك‪ #‬س‪%‬ب‪%‬ت‪# 4‬أ ي‪4‬د)ي الن‪H‬ا س) )ل ي‪-‬ذ)يق‪#‬ه‪-‬م‪ 4‬ب‪%‬ع‪ 4‬ض‪ %‬ا ل‪X‬ذ)ي‬
‫ع‪%‬م)ل‪/‬وا ل‪#‬ع‪%‬ل‪X‬ه‪-‬م‪ 4‬ي‪%‬ر‪4‬ج)ع‪-‬ون(‪] .‬سورة الروم‪ ،‬الية ‪.[41‬‬

‫)‪(192‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫رابعا‪ :‬ماذا خسر العال بانطاط السلمي؟‬


‫نستعي هنا عنوان الكتاب الذي ألفه السيد أبو السن الندوي‪ ،‬لننا نده خي ما‬
‫ي‪-‬عب عن العن الذي قصدنا إليه ف هذه الفقرة‪.‬‬

‫فلم تكن السارة الت نتجت من انطاط السلمي مقصورة عليهم وحدهم‪ ،‬إنا‬
‫كانت خسارة شاملة‪ ،‬شلت العال كله‪.‬‬

‫ذلك أن ال ‪ -‬منذ أخرجه هذه المة إل الوجود‪ ،‬وح‪A‬لها رسالة الرسول الات‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ -‬جعل مقادير البشرية كلها مرتبطة بأحوال هذه المة‪ ،‬إن خيا‬
‫فخي‪ ،‬وإن ش̈را فشر‪ ..‬وذلك من مقتضى كون هذه المة أخرجت لتكون شاهدة على‬
‫كل البشرية‪:‬‬

‫) ‪%‬و ك‪#‬ذ‪#‬ل)ك‪% %‬جع‪%‬ل‪ .‬ن‪%‬اك‪/‬م‪ 4‬أ‪ /‬م‪H‬ة‪ W‬و‪ %‬س‪%‬طا‪) W‬لت‪%‬ك‪/‬و ن‪-‬وا ش‪-‬ه‪%‬د‪%‬ا̀ء ع‪ %‬ل‪#‬ى الن‪H‬ا س) ‪%‬وي‪ %‬ك‪/‬ون‪ #‬الر‪ H‬س‪-‬ول‬
‫ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬ش‪%‬ه)يدا(‪] .‬البقرة‪ ،‬الية‪.[143 :‬‬

‫وحي نفص‪A‬ل مقدار الشر‪ A‬الذي أصاب البشرية من جراء غياب المة السلمية‬
‫عن الساحة‪ ،‬سيتبي لنا م‪-‬جددا‪ X‬مدى السئولية اللقاة على عاتق هذه المة‪ ،‬ومدى الوزر‬
‫الذي ارتكبته ف حق نفسها‪ ،‬وحق البشر جيعا‪ ،X‬حي فرطت ف مسئوليتها‪.‬‬

‫ولن نعيد الكلم هنا عن السارة الت لقت بالمة السلمية بالذات‪ ،‬فهذا واقع‬
‫تعي شه المة بالفعل‪ ،‬وتعان آلمه‪ ،‬وإن ل ت كن دائ ما‪ X‬تدرك أ سبابه‪ .‬فقد ق يل لا إن ما‬
‫ت عانيه هو نتي جة التخ لف العل مي وا لادي والسيا سي والر ب والقت صادي وال ضاري‪،‬‬
‫وأن عليها أن تابه هذا كله وتتغلب عليه‪ .‬وهذا حق ولكنه ليس كل الق‪ .‬والوقوف‬
‫عنده مضلل للمة عن معرفة حقيقة دائها وحقيقة دوائها‪.‬‬

‫وإنا الذي ينبغي أن ت‪-‬ب ص‪A‬ر به المة جيدا‪ X‬أن التخلف العلمي والادي والسياسي‬
‫والرب والقتصادي والضاري قد أصابا حي تلت عن معي قوتا‪ ،‬الذي أعطاها القوة‬
‫من قبل ف هذه اليادين كلها‪ ،‬وما هو أبعد منها أيضا‪ ،X‬وأنه ل علج لا إل أن تعود إل‬
‫العي ذاته‪.‬‬

‫)‪(193‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫أما إن حاولت أن تعال كل أنواع التخلف السالفة بغي العودة إل ذلك العي‪،‬‬
‫فسيظل جهدها قاصرا‪ ،X‬ول يؤدي إل ثرة‪ .‬وتربة قرن كامل من الزمان ‪ -‬أو أكثر من‬
‫قرن ف ب عض بلد ال عال ال سلمي ‪ -‬كفي لة بب يان هذه القي قة‪ .‬ف قد بذلت بلد ال عال‬
‫السلمي جهد‪X‬ا ف " اللحاق " بركب " الضارة " ‪ -‬أو ف اللهاث وراء الغرب ف الواقع‬
‫‪ -‬ف كانت النتي جة ق شرة ح ضارية زائ فة ل تعا ل شيئا‪ X‬ف القي قة‪ ،‬ومز يد‪X‬ا من ال ضعف‬
‫السياسي والرب والقتصادي‪ ..‬وف جيع اليادين‪.‬‬

‫والعلج " الو ضوعي " ل كل أ نواع التخ لف وا جب م فروض ع لى ال مة‪ ،‬إن‬
‫أرادت أن ت‪-‬صلح أحوالا‪ ،‬ولكنه ‪ -‬وحده ‪ -‬لن يل شيئا‪ ،X‬ما ل يقم على أساس حقيقي‪:‬‬

‫)أ‪#‬ف‪#‬م‪%‬ن‪# 4‬أس‪H‬س‪ %‬ب‪-‬ن‪4‬ي‪%‬ان‪%‬ه‪ -‬ع‪%‬ل‪#‬ى ‪%‬تق‪.‬و‪%‬ى م)ن‪ %‬الل‪X‬ه) و‪%‬ر)ض‪4‬و‪%‬ان‪ p‬خ‪%‬ي‪4‬ر= ‪#‬أم‪ 4‬م‪%‬ن‪ 4‬أ‪#‬س‪H‬س‪- %‬بن‪4‬ي‪%‬ا‪%‬نه‪ -‬ع‪%‬ل‪#‬ى‬
‫ش‪%‬ف‪#‬ا ج‪-‬ر‪-‬ف‪ p‬ه‪%‬ار‪ p‬ف‪#‬ان‪4‬ه‪%‬ار‪ %‬ب)ه) ف)ي ن‪%‬ار) ج‪%‬ه‪%‬ن‪H‬م‪ %‬و‪%‬الل‪X‬ه‪ -‬ل ي‪%‬ه‪4‬د)ي ال‪.‬ق‪#‬و‪4‬م‪ %‬الظ‪X‬ا)لم)ي(‪] .‬سورة التوبة‪،‬‬
‫الية ‪.[109‬‬

‫ذلك ما ينبغي أن ت‪-‬بص‪A‬ر به المة إن أريد لا أي صلح حقيقي‪..‬‬

‫ولكنا هنا ف هذه الفقرة ل نتحدث عن المة السلمية بالذات‪ ..‬إنا نتحدث‬
‫على مستوى العال كله‪ ،‬لنعرف ماذا خسر العال بانطاط السلمي‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫يكن أن نلخص السارة الكبى بأنا غياب النموذج الصحيح‪ ،‬الذي ترتب‬
‫على غيابه بروز النموذج الفاسد وتثبيته وسيطرته على الساحة‪ ،‬ونشر الفساد منه إل‬
‫كل الرض‪.‬‬

‫وما نقول إن بقاء المة ال سلمية وقيامها بر سالتها ‪ -‬أو با لحرى ر سالتيها ‪-‬‬
‫)‪ (156‬كان سيمنع الفساد كلية من الرض! فقد سبقت كلمة ربك أل تتمع البشرية ف‬
‫أمة واحدة‪ ،‬ول تكون كلها صالة‪:‬‬

‫‪ ()156‬راجع " رسالة المة السلمة " ف أول هذا الفصل‪.‬‬

‫)‪(194‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫) ‪%‬و ل‪#‬و‪ 4‬ش‪%‬ا̀ء ر‪_%‬ب ك‪# %‬لج‪%‬ع‪ %‬ل‪ #‬الن‪H‬ا س‪ %‬أ‪ /‬م‪H‬ة‪ W‬و‪%‬ا ح)د‪%‬ة‪ W‬و‪%‬ل ي‪%‬ز‪%‬ا ل‪/‬ون‪ #‬م‪-‬خ‪4‬ت‪%‬ل)ف) ي‪) ،%‬إل‪X‬ا م‪ %‬ن‪ 4‬ر‪%‬ح)م‬
‫ر‪%‬ب_ك‪ %‬و‪%‬ل)ذ‪)#‬لك‪ %‬خ‪%‬ل‪#‬ق‪#‬ه‪-‬م(‪] .‬سورة هود‪ ،‬اليتان ‪.[119 ،118‬‬

‫وقد وقفت الكنيسة بعناد وحشي تارب تأثر أوربا بالسلم‪ ،‬الذي كان وشيكا‬
‫أن ينشر السلم فيها على نطاق واسع‪ ،‬كما قال ويلز ف كتاب " معال تاريخ النسانية "‬
‫)‪ ،(157‬واستخدمت الكنيسة ف ذلك ماكم التفتيش من بي ما استخدمت من الوسائل‪.‬‬

‫فل نزعم أن استمرار قيام المة السلمية برسالتها كان سيغي موقف الكنيسة‬
‫ويلي‪A‬ن عنادها الوحشي‪.‬‬

‫ولكنا نقول مع ذلك‪ :‬إن نتائج متلفة تاما‪ X‬عما هو حادث اليوم كانت قمينة أن‬
‫ترج إل الوجود بسب السنن الربانية ووعد ال ووعيده‪.‬‬

‫ونفص‪m‬ل الكلم بعض الشيء‪.‬‬

‫لقد قامت الكنيسة بدور كبي ف تنفي أوربا من الدين‪ ،‬ودفعها إل النسلخ‬
‫منه‪ ،‬وكانت الصورة الت قدمتها عن الدين ‪ -‬كما أشرنا مرارا‪ - X‬صورة منف‪€‬ره بالفعل‪،‬‬
‫فضل‪ X‬عن الطغيان البشع الذي مارسته الكنيسة باسم الدين ف متلف التاهات‪.‬‬

‫وبرز ف أور با نوذج من ال ياة يبتعد رويد‪X‬ا رو يد‪X‬ا عن ا لدين‪ ،‬حت انسلخ منه‬
‫اسنلخ‪X‬ا كامل‪ X‬ف العهد الخي‪ ،‬ورأت أوربا ف عملها هذا أنه هو الصواب الذي ينبغي‬
‫عمله‪ ،‬وأن كل تصرف يؤدي إل إبقاء سلطان الدين ‪ -‬فضل‪ X‬عن توسيع سلطانه ‪ -‬هو‬
‫عمل ضد الشعوب! وضد الضارة! وضد العلم! وضد إنسانية النسان!‬

‫وكما قلنا مرارا‪ X‬فإن أوربا معذورة ف أن تقف من دينها هذا الوقف‪ ،‬فقد كان‬
‫ذلك الدين بالفعل معوقا‪ X‬عن الياة‪ ،‬ومفسد‪X‬ا لا ف كل اتاه‪.‬‬

‫ولكن انتقال أوربا من السخط على دينها وكنيستها‪ ،‬إل السخط على الدين ف‬
‫ذاته‪ ،‬وكل مقرراته‪ ،‬مع سيطرة أوربا على العال‪ ،‬كان هو سبب الكارثة الت وقعت فيها‬
‫البشرية ف ظل الاهلية العاصرة‪.‬‬

‫‪ ()157‬سبقت الشارة إليه‪.‬‬

‫)‪(195‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وه نا ي بدو ا لثر ال ضخم ا لذي خل‪ €‬فه غ ياب ال مة ال سلمية عن ال ساحة‪،‬‬
‫ون‪-‬كولا عن رسالتها‪.‬‬

‫فلنت صور جدل‪ X‬أن ال مة ال سلمية ظ لت قائ مة بر سالتها‪ ،‬م‪-‬مك نة ف ا لرض‬


‫حسب وعد ال لا‪ ،‬حي تعبده ل تشرك به شيئا‪ .‬فما الذي كان قمينا‪ X‬أن يدث؟!‬

‫كان يكن ‪ -‬ف أسوأ الحوال ‪ -‬أن تكفر أوربا وحدها ول ي‪-‬ؤثر كفرها على‬
‫بق ية ا لرض‪ ..‬فإن ت ضخم أور با ع لى ال صورة ا لت و صلت إلي ها‪ ،‬وات ساع سلطانا‪،‬‬
‫وسيطرتا سيا س̈يا واقتصاد̈يا وحرب̈يا وثقاف̈يا ل يدث إل بسبب ضعف المة السلمية‪.‬‬
‫وإل فأين كانت أور با؟ وك يف كانت‪ ،‬ح ي كانت بق ية من ال قوة ف حوزة ال مة‬
‫السلمية؟!‬

‫و هل ت ضخمت أور با‪ ،‬وبل غت قو تا ما بل غت‪ ،‬وب لغ سلطانا ما ب لغ‪ ،‬إل ح ي‬


‫استعمرت العال السلمي ونبت خياته؟!‬

‫إن هناك وها‪ " X‬تاري̈يا " يعشش ف أذهان كثي من الناس‪ ،‬مؤداه أن أوربا من‬
‫ذات نف سها‪ ،‬بقو تا الذات ية‪ ،‬وبنوع ية شعوبا‪ ،‬قد صارت إ ل ما صارت إل يه‪ ،‬وب سطت‬
‫سلطانا على العال‪ ..‬وأن هذا المر كان ف طريقه أن يقع مهما كانت أوضاع العال من‬
‫حول أوربا‪ ،‬ومهما كانت نسبة القوى العالية بعضها إل بعض‪!..‬‬

‫والذي ثب‪A‬ت هذا الوهم ف أذهان الناس دون شك هو كونه واقعا‪ X‬حدث بالفعل!‬
‫وللواقع دائما‪ X‬ثقل ف حس‪ A‬الناس! ولكن هذا الواقع قد حدث لسباب! والسبب الكب‬
‫ف يه هو ضعف ال عال ال سلمي! وإل فلنت صور ف قط أن الدو لة العثمان ية ‪ -‬و هي الرح لة‬
‫الخية من مراحل القوة السلمية ‪ -‬قد بقيت على قوتا‪ ،‬فهل كانت ترؤ أوربا على‬
‫استعمار العال السلمي؟!‬

‫ي قول أ حد الب شرين ف بدايات ال قرن الع شرين اليلدي ‪ -‬قب يل ان يار الدو لة‬
‫العثمان ية ‪ -‬إن أور با كانت ت شى الر جل الر يض )و هو مر يض!!( لن وراءه ثلث مائة‬
‫مليون من البشر على استعداد للقتال بإشارة من أصبعه!‬

‫)‪(196‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فإذا كان هذا مو قف أور با من الر جل الر يض‪ ،‬فك يف كان موقف ها م نه و هو‬
‫قوي؟! ولنتصور فقط أن اليوش العثمانية الت حاصرت بطرسبج )لننجراد حال̈يا( من‬
‫سنة ‪ 1707‬م إ ل سنة ‪ 1711‬م قد دخلت ها‪ ،‬وأن ال يوش ا لت حا صرت في نا ف ا لرة‬
‫الول سنة ‪ 1529‬أو الرة الثانية سنة ‪ 1683‬م قد دخلتها‪ ..‬فماذا كان يكون موقف‬
‫أوربا من العال السلمي‪ ،‬وكيف يتصور ترؤها على استعماره؟!‬

‫و نن ل نت حدث عن الدو لة العثمان ية ف ا لوقت ا لذي حا صرت ف يه بطر سبج‬


‫وفينا على أنا هي النموذج الذي نعنيه حي نتصور المة السلمية مافظة على رسالتها‪..‬‬
‫ف قد كان الدو لة العثمان ية ‪ -‬ف و قت ازدهار ها وتكن ها ‪ -‬ت ثل قوة سيا سية وع سكرية‬
‫هائلة‪ ،‬وتثل كذلك رغبة ملصة ف خدمة السلم ونشره ف الرض‪ ،‬ولكنها ل تكن تثل‬
‫الصورة العلمية والضارية الصحيحة للمة السلمية‪ .‬وإنا الذي نعنيه هو صورة المة‬
‫السلمية حي كانت مافظة على رسالتها ف جيع جوانبها كما كانت بالفعل ف فترة‬
‫من تاري ها‪ .‬و هو أ مر كان ف إم كان ت لك المة ‪ -‬ما دامت قد بلغ ته بالفعل ‪ -‬لول‬
‫النرافات الت وقعت فيها‪ ،‬والت هي مسئولة عنها ف الدنيا والخرة‪ ،‬والت تسببت ‪-‬‬
‫بتراكم ها ع لى مدى الز من ‪ -‬ف زوال الن موذج ال صحيح‪ ،‬وبروز الن موذج الن حرف‪،‬‬
‫وتثبيته ف الرض‪ ،‬وإيهام الناس أنه نوذج صحيح‪ ،‬بل أنه هو النموذج الصحيح الذي‬
‫ينبغي أن يبقى ف الرض!‬

‫وهذه مسئولية المة السلمية الت نتحدث عنها ف هذه الفقرة‪ ،‬والت استعرنا لا‬
‫العنوان الذي عنون‪A‬اها به‪..‬‬

‫ونعود إل متابعة الحداث‪..‬‬

‫إن ضعف العال السلمي هو الذي أغرى أوربا باستعماره‪ .‬ولئن كانت القوة‬
‫الربية والسياسية للدولة العثمانية قد زجرت أوربا مدة أربعة قرون متوالية عن أن تتجه‬
‫ف حروبا الصليبية الديثة نو الشرق مباشرة‪ ،‬كما فعلت ف الرة الول للستيلء على‬
‫القدس‪ ،‬فإنا ل تستطع ‪ -‬بسبب ضعفها ال تدريي ‪ -‬أن ت نع أوربا من اللتفاف حول‬
‫العال السلمي من جهة الغرب‪ ،‬وحول رأس الرجاء الصال نو الشرق ‪ -‬على هدى‬
‫الرائط السلمية!! ‪ -‬لتلتهم الجزاء الضعيفة من العال السلمي تباعا‪ ،X‬حت إذا كانت‬
‫ناية القرن التاسع عشر اليلدي ل يكن قد بقي من العال السلمي ل ي‪-‬ستعمر إل تركيا‬
‫ذاتا‪ ،‬وأجزاء من الزيرة العربية!!‬

‫)‪(197‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ومن نب خيات العال السلمي تضخمت أوربا‪ ،‬وصارت إل ما صارت إليه‪.‬‬

‫فإذا تصورنا أن المة السلمية ل تكن تاونت‪ ،‬ول تراجعت‪ ،‬ول انرفت‪ ،‬ول‬
‫فرطت‪ ،‬فإن أوربا ‪ -‬الت استيقظت من سباتا وخرجت من عصورها الوسطى الظلمة با‬
‫اكت سبته من ع لوم ال سلمي وح ضارتم ‪ -‬كانت قمي نة أن ت سعى إ ل ال قوة والع لم‬
‫وال ضارة‪ ،‬ول كن ف ا لدود ا لت ي سمح لا با كيا نا‪ ،‬مه ما ي كن من تدفق رغبا تا‪،‬‬
‫وحاستها‪ ،‬وبذلا الهد لتحقيق أهدافها!‬

‫إن الوهم " التاريي " الذي أشرنا إليه آنفا‪ ،X‬ي‪-‬خي×ل لكثي من الناس أن الشعوب‬
‫الورب ية شعوب عبقر ية بفطر تا‪ ،‬ح ضارية بفطر تا‪ ،‬عظي مة بفطر تا‪ ،‬متغل بة بفطر تا‪ ،‬ل‬
‫تقف ف طريقها عقبة‪ ،‬ول يجزها حاجز!!‬

‫فنحيل هؤلء إل حقائق التاريخ!‬

‫ت قول الروا يات التاري ية‪ :‬إن فا سكو داجا ما ا لذي نز عم لبنائ نا أ نه هو ا لذي‬
‫اكتشف طريق رأس الرجاء الصال )‪ ،(158‬التقى بالبحار العرب السلم " ابن ماجد "‪ ،‬بعد‬
‫اكت شافه ذ لك الطر يق‪ ،‬ف عرض عل يه ب عض ا للت البحر ية ا لت يلك ها )ال صطرلب‬
‫والبوصلة ونوها(‪ ،‬فاستمهله ابن ماجد قليل‪ ،X‬ودخل حجرته ث عاد ومعه من الجوات‬
‫ما ذهل له فاسكو داجاما! فعرض عليه أن يكون هو قائد رحلته إل جزر الند الشرقية‪.‬‬

‫وتقول الروايات التاريية‪ :‬إن أوربا ‪ -‬حت القرن السابع عشر ‪ -‬ل تكن تعرف‬
‫الما مات الا صة دا خل ا لبيوت! إ نا كانوا ي ستخدمون الما مات العا مة‪ .‬إ نا كانت‬
‫المامات الاصة داخل البيوت سة إسلمية‪ ،‬تعلمتها أوربا من السلمي ف الندلس‪ ،‬ث‬
‫أخذوا يطبقونا رويد‪X‬ا رويد‪X‬ا مع ارتفاع مستوى معيشتهم التدريي‪ ،‬نتيجة الستعمار من‬
‫ج هة وال ثورة ال صناعية من ج هة أ خرى‪ .‬وأ نه ف أث ناء ق يام ماكم الت فتيش ف ال ندلس‬
‫بالبحث عن السلمي التنصرين ظاهرا‪ X‬للفتك بم والقضاء عليهم‪ ،‬كانوا يعرفون بيوت‬
‫السلمي بعلمة ميزة ل تطئ‪ ،‬وهي وجود حام خاص ف النل!‬

‫‪ ()158‬اكتشفه لنفسه ولوربا‪ ،‬أما السلمون كانوا يعرفون الطريق ويرتادونه ف رحلتم التجارية قبل‬
‫ذلك بقرون‪.‬‬

‫)‪(198‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫والي اللتين ف باريس ‪ -‬الذي اح‪5‬ت‪-‬فظ به للذكرى‪ ،‬والذي يتغن عب‪A‬اد باريس‬
‫بأزقته الضيقة‪ ،‬ويتغنون أحيانا‪ X‬بقذارة رواده! ‪ -‬هو نوذج لا كانت عليه باريس كلها إل‬
‫و قت ق يام ال ثورة الفرن سية )‪ 1789‬م(‪ .‬وا قرأ إن شئت و صفا‪ X‬لا كانت عل يه ال شوارع‬
‫قبيل الثورة من القذارة‪ ،‬ومن الوحل اللزب حي ينل الطر على التربة التراكمة‪ ،‬ف "‬
‫قصة الدينتي " الت كتبها الروائي شارلز دك ن‪ ،‬الذي اشتهر بدقته وواقعي ته ف وصف‬
‫الشاهد الت يرسها‪.‬‬

‫كل! إ نا ا لذي صنع أور با الدي ثة الغن ية التعال ية هو ضعف ال عال ال سلمي‪،‬‬
‫وعدوان أوربا عليه ونب خياته!‬

‫ولو بقي العال السلمي على صورته الت كان ينبغي أن يبقى عليها‪ ،‬فقد كانت‬
‫أوربا ستتعلم‪ ،‬وترتقي‪ ،‬وتتقوى‪ ،‬وتتحضر‪ ،‬ولكن ف الدود التاحة لا‪ ،‬الت تتيحها لا‬
‫قوتا بإزاء قوة العال السلمي‪.‬‬

‫ونفترض جد ‪X‬ل أنا آثرت الكفر بسبب أفاعيل الكنيسة‪ ،‬ول تدخل ف السلم‪،‬‬
‫على الرغم من إشارة ويلز إل أن العال كله كان عرضة لن يدخل ف السلم ف بدايات‬
‫القرن السادس عشر‪ ،‬فماذ كان يكن أن يدث؟‬

‫لقد كان النموذج النحرف الذي اختارته أوربا لنفسها‪ ،‬العادي للدين‪ ،‬أو البتعد‬
‫عنه ف أقل تقدير‪ ،‬سيظل مصورا‪ W‬ف حدود أوربا‪ ،‬ل يتجاوزه إل العال الواسع‪ ،‬بسبب‬
‫وجود النموذج السوي ف رقعة واسعة من الرض‪ ،‬م‪-‬م–ك‪Û‬نا قو̈يا‪ ،‬مستعليا‪ X‬بإيانه‪ ،‬وجذابا‬
‫ف ا لوقت نف سه با ي شتمل عل يه الن موذج ال سلمي ال صحيح من توازن ورف عة ونظا فة‬
‫وشول وطمأنينة وبركة‪.‬‬

‫وفضل‪ X‬عن ذلك فإن النموذج الورب النحرف ‪ -‬حت ولو ملك القوة الادية‬
‫والعلمية ‪ -‬كان سيظل موضع الستنكار من يارسون السلوب الصحيح‪ ،‬ومن يقفون‬
‫موقف التفرج بي النهج النحرف والنهج الصحيح‪ .‬وما يدل على ذلك أن الوثنيي ف‬
‫الند ‪ -‬الذين حكمهم السلمون ثانية قرون دون أن ي‪-‬كرهوهم على اعتناق السلم ‪-‬‬
‫كانوا ف مبدأ المر أميل إل الكم السلمي منهم إل الستعمر البيطان‪ ،‬وذلك قبل أن‬
‫يستميلهم النليز بشت الطرق إليهم‪ ،‬وي‪-‬حر‪A‬ضوهم على تذبيح السلمي وتقتيلهم‪ ،‬على‬
‫طريقة النليز الشهية‪ " :‬فرق تسد "!‬

‫)‪(199‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫كانت أور با ال كافرة ستم ضي قدما‪ X‬ف " ح ضارتا " الاد ية‪ ،‬و ف صراعاتا‬
‫الداخلية الت كان من ناذجها " الرب اليطالية " الت استغرقت من عام ‪ 1494‬إل عام‬
‫‪ 1559‬م‪ ،‬وشهدت انتقال السلطة من دولة إل دولة أكثر من مرة )‪ ،(159‬دون أن تسري‬
‫عدوى ذلك التحضر الكافر إل بقية بلد العال‪ ،‬ودون أن ي‪-‬نظر إل الكفر على أنه ضرورة‬
‫من ضرورات التحضر! ول إل الدين ف ذاته على أنه عقبة ف طريق التقدم‪ ،‬إل آخر ما‬
‫سمت به " ال ضارة الورب ية " أف كار اللي ي ف شت ب قاع ا لرض‪ ،‬و توهت ت لك‬
‫الليي أنه حقيقة بسبب غياب النموذج الصحيح‪.‬‬

‫و كانت أور با ال كافرة ستتقدم ف الع لم‪ ،‬با تعل مت من ع لوم ال سلمي‪ ،‬وع لى‬
‫هدي الن هج التجر يب خا صة‪ ،‬ا لذي اب تدعه ال سلمون ونقل ته أور با عن هم‪ .‬ول كن هذا‬
‫النموذج النحرف‪ ،‬الذي يي‪A‬ر الناس بي العلم وبي اليان بال‪ ،‬ويعجز عن التوفيق بي‬
‫أمرين ل تعارض بينهما ف الفطرة السوية‪ ،‬ل يكن ليفت البشرية كما فتنها اليوم‪ ،‬لن‬
‫الن موذج ال سوي*‪ ،‬ا لذي يت قدم ف الب حث العل مي و هو م‪-‬ؤمن‪ ،‬وي‪ -‬مارس هذه النع مة‬
‫الكبى‪ :‬نعمة التوافق والتناسق والتوازن‪ ،‬مع تقيق مكاسب العلم ف الوقت ذاته‪ ،‬كان‬
‫هو الذي سيجذب الناس إليه‪ ،‬لنه يثل وضع الفطرة السوية‪.‬‬

‫وح ي يرى ال ناس الن موذجي الختلف ي‪ :‬أ حدها يت قدم ف الع لم و هو عا بد ل‬
‫شاكر لنعمه‪ ،‬متخ لق بأخلق ال يان‪ ،‬مافظ ع لى رواب طه ال سرية‪ ،‬م‪-‬طمئن النفس من‬
‫الق لق وال نون وا لمراض النف سية والع صبية‪ ،‬عازف عن ال مر و ما شابها ما ي‪-‬ذهب‬
‫الوعي‪ ،‬م‪-‬طمئن لعرضه‪ ،‬م‪-‬طمئن لطهارة ماله‪ ،‬شاعر أنه يعيش من أجل قيم عليا ي‪-‬جاهد ف‬
‫سبيلها‪..‬‬

‫وا لخر يت قدم ف الع لم‪ ،‬ول كن بي نه وب ي ا ل ج– ف‪Å‬وة‪ ،‬رواب طه ال سرية م‪-‬فك كة‪،‬‬
‫ورواب طه الجتماع ية مفك كة‪ ،‬ي ل متم عه الق لق وال نون وا لمراض النف سية والع صبية‬
‫والمر والخدرات والرية ؛ الفوضى النسية أصل فيه‪ ،‬والط‪Ë‬هر شذوذ مستنكر )‪.(160‬‬

‫‪ ()159‬من الراجع اليدة ف هذا كتاب " أوربا ف مطلع العصور الديثة " للدكتور عبد العزيز ممد‬
‫الشناوي‪.‬‬
‫‪ ()160‬لقد قال قوم لوط من قبل‪) :‬أخرجوهم من قريتكم إنم أناس يتطهرون(!! والتمع الغرب يعتب‬
‫الفتاة الت بلغت الرابعة عشرة وليس لا " صديق " حالة شاذة تتاج إل الطبيب النفسان ليعالها!‬

‫)‪(200‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫حي يرى ال ناس الن موذجي‪ ،‬فأيه ما ي كون أ حب إليهم؟ وأي نوذج ي تارون‬
‫لنفسهم؟‬

‫وهب أن أوربا لسبب من السباب تفو‪A‬قت ف بعض ميادين العلم أكثر من العال‬
‫ال سلمي‪ ،‬واح تاج ال ناس إ ل ما ب ي أ يديها من ع لم ت فردت به‪ ،‬فإن و جود الن موذج‬
‫السوي‪ ،‬الشتمل على نضة علمية ولو كانت ل ت‪-‬غطي كل اليادين‪ ،‬ستظل‪ €‬له جاذبيته‪،‬‬
‫وسيظل الناس ‪ -‬وإن احتاجوا إل ما عند أوربا ف بعض ما يلزمهم ‪ -‬ل ينحازون إل‬
‫الن موذج الفا سد‪ ،‬ول يف ضلونه ع لى الن موذج ال سوي‪ ،‬ول يأ خذون ال عدوى م نه‪ ،‬ول‬
‫يتصورون أن الفوة بي الدين والعلم هي من طبائع الشياء!‬

‫ون ضرب مثل‪ X‬مع ال فارق‪ ..‬فإن اليا بان ال يوم متقد مة ف ب عض م يادين الع لم ‪-‬‬
‫الليكترون خاصة ‪ -‬إل درجة تعجز أوربا وأمريكا عن اللحاق با فيها‪ .‬ومع ذلك فلم‬
‫يفكر أحد وهو يستورد من اليابان ما يتاج إليه من النتجات‪ ،‬أن يعبد ما تعبده اليابان‪،‬‬
‫أو يتخذ التقاليد اليابانية ف حياته‪ .‬فكذلك لو افترضنا أن أوربا تفوقت على السلمي ‪-‬‬
‫المارسي لدينهم على صورته الصحيحة ‪ -‬ف بعض ميادين العلم‪ ،‬فلم يكن ذلك ليؤدي‬
‫إل أن يترك الناس عبادة ال من أجل حاجتهم إل علم أوربا ف بعض اليادين‪.‬‬

‫ع لى أن هذا ال فرض نفر ضه من باب ا لدل فح سب‪ .‬فل يس ا لوربيون أذ كى‬


‫بالطبيعة من غيهم من الشعوب‪ ،‬وليس السلمون بالطبيعة أقل ذكاء منهم‪ ،‬حت نفترض‬
‫أن أوربا كانت ستتفو‪A‬ق عليهم ف حال التزامهم بنهج ربم الذي دفعهم إل العلم دفعا‪،X‬‬
‫وجعلهم ‪ -‬لقرون ‪ -‬سادة العلم ف الرض‪.‬‬

‫إنا العلم ‪ -‬والعلم الديث خاصة ‪ -‬ذكاء من جهة‪ ،‬وإمكانات بث وتريب‬


‫ينفق عليها بسخاء من جهة أخرى‪.‬‬

‫وا لذي ج عل أور با تت فوق ف الع لم ف الع صر ا لديث ل ي كن بال ضرورة هو‬
‫الذكاء العبقري بقدار ما كان إمكانات البحث والتجريب الت ينفق عليها بسخاء‪.‬‬

‫ولسنا ننفي وجود عبقريات فذة لديهم‪ ،‬ولكننا ننفي تفردهم بالعبقرية‪ ..‬ولنذكر‬
‫‪ -‬على سبيل الثال فقط ‪ -‬أن أول من تنبأ بإمكان عمل قنبلة ذرية كان العال الصري‬
‫السلم الدكتور مصطفى مشرفة‪ ،‬وكان مقعدا‪ X‬بسبب إصابته بشلل الطفال! ولكنه كان‬

‫)‪(201‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫عبقر̈يا‪ ،‬و كان ي‪ -‬قال ع نه ف وق ته إ نه أ حد أرب عة ف ال عال ك له ا ستوعبوا نظر ية أين شتي‬
‫استيعابا‪ X‬علم̈يا كامل! وقج تنبأ بإمكان صنع القنبلة الذرية ‪ -‬بعد دراسته لنظرية إينشتي‬
‫‪ -‬ف وقت مبكر ف مبادئ الثلثينيات من القرن العشرين‪ ،‬ف وقت ل يكن أحد بعد قد‬
‫ف كر ف ذ لك الو ضوع‪ .‬ولك نه كان مرو ما‪ X‬من المكان يات العمل ية ا لت تت يح له تر بة‬
‫فكرته ف داخل العمل‪.‬‬

‫ولنذكر أيضا‪ X‬أن قاعدة إطلق الصواريخ ف أمريكا تضم عالا‪ X‬مصر̈يا مسلما‪ X‬يعتب‬
‫من كبار الختصي ف هذا العلم‪.‬‬

‫و ف ال عال ال سلمي بخت لف شعوبه عبقر يات علم ية ف مالت مت عددة‪" ،‬‬
‫ت شتريها " أمري كا وغي ها من ا لدول الغنية‪ ،‬أو توت ك مدا‪ X‬من الهال والضطهاد ف‬
‫بلدها! وذلك مع كل ما أصاب العال السلمي من قعود وتلف وانصراف عن العلم‪..‬‬
‫فكيف لو تصورناه على صورته الت كان عليها وقت ازدهاره؟!‬

‫وقضية التقدم العلمي بالذات لا أوجه متعددة‪ ،‬وكلها تؤكد مدى السارة الت‬
‫خسرها العال بانطاط السلمي‪.‬‬

‫فلو أن المة السلمية حافظت على تقدمها العلمي الذي كانت سابقة فيه لكل‬
‫بلد الرض‪ ،‬وعلى منهجها التجريب الذي أنشأته بتوجيه السلم لا‪ ..‬فأين كان يتوقع‬
‫أن تبدأ " الثورة الصناعية "؟‬

‫إن مكانا الطبيعي ‪ -‬دون شك ‪ -‬كان هو العال السلمي‪ .‬فقد كانت الثورة‬
‫ال صناعية تطبي قا‪ " X‬تكنولوج̈يا " لث مار الت قدم العل مي‪ .‬لذلك فإن ال مة ا لت ت لك الت قدم‬
‫العلمي كانت قمينة أن تكون هي الت تترع اللة‪ ،‬وهي الت تبدأ الثورة الصناعية‪.‬‬

‫ولو نشأت الركة الصناعية الديثة ف العال السلمي‪ ،‬لكان لا ‪ -‬من جيع‬
‫الوجه ‪ -‬شأن آخر غي الذي صار لا حي نشأت ف أوربا‪ ،‬النافرة من دينها‪ ،‬العادية‬
‫لتعاليمه‪..‬‬

‫وأول وجه كانت ستختلف فيه عن الركة الصناعية الوربية أنا ل تكن لتقوم‬
‫على الربا‪ ،‬ول لتسمح به‪.‬‬

‫)‪(202‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وهذا المر وحده على جانب كبي من الطورة ف أزمة البشرية الالية‪.‬‬

‫ف لو أن الر كة ال صناعية قامت ع لى غ ي الر با لنت فت بادئ ذي بدء ت لك‬


‫السطورة الت زعمت للناس أنه ل بد من مالفة أوامر ال من أجل الصول على التقدم‬
‫الصناعي! وأنه ل سبيل إل تقدم البشرية صناع̈يا إذا التزمت بأوامر ال!‬

‫و هي فت نة جائ حة أف سدت ع قائد ال ناس‪ ،‬وأخلق هم‪ ،‬وأف كارهم‪ ،‬وم شاعرهم‪،‬‬
‫بدعوى أن هذا الفساد كان من مستلزمات التقدم‪ ،‬ث زعمت لم بعد ذلك أن هذا ل‬
‫يكن فسادا‪ ،X‬بل " تطورا‪ " W‬حتم̈يا‪ ،‬وأن العقائد والخلق والقيم هي الت كانت ل بد أن‬
‫تبدل لتناسب " العصر الصناعي "!! وأن التطور الادي هو الذي يكم حياة الناس!!‬

‫بع بارة أ خرى ل ت كن أباط يل التف سي الادي للتار يخ لت جد مكا نا‪ X‬لا ف الف كر‬
‫البشري‪ ،‬وإن وجدت ف أذهان بعض الناس فلم تكن لتنتشر انتشارها الائح الذي حطم‬
‫كل القيم الثابتة الت ل غن عنها ف حياة البشر السوياء‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى فلو أن الركة الصناعية قامت على غي الربا فمن أين كانت‬
‫تأت السيطرة الالية للشعب الشيطان؟ الت أتاحت له أن يفسد ف الرض ما ل يقدر‬
‫على إفساده خلل أكثر من عشرين قرنا‪ X‬من الزمان على الرغم من الهد التواصل و "‬
‫النية السبقة " و " العزية " الندة للفساد!‬

‫لقد كان تويل الركة الصناعية ف أوربا عن طريق القراض بالربا هو الذي أتاح‬
‫لليهود كل ما أتيح لم من قوة شيطانية‪ ،‬حي جعوا الذهب ف أيديهم‪ ،‬واستطاعوا أن "‬
‫يشتروا " به الفكار والضمائر و " الدمات " اللزمة لتنفيذ مططاتم‪.‬‬

‫وإذا كانت " الضرورة " الواقعية هي الت ألأت أوربا إل العتماد على اليهود‬
‫ف تويل ال ثورة الصناعية )‪ ،(161‬فلم ت كن ت لك الضرورة قائمة ف العال ال سلمي‪ .‬فقد‬

‫‪ ()161‬ل ت كن ضرورة ف القي قة‪ .‬ف قد ن شأت ت لك " ال ضرورة " الوه ية من أن ا لال ا لوفي ل ي كن‬
‫م توافرا‪ X‬إل ف يد أ مراء الق طاع والراب ي الي هود‪ ،‬فل ما امت نع الق طاعيون عن تو يل ال ثورة ال صناعية‬
‫للظروف الت بيناها ف فصل " السيطرة العالية لليهود "‪ ،‬انفتح الباب على مصراعيه للمرابي‪ ..‬ولكن‬
‫هذا الوضع القطاعي ذاته كان نتيجة لعدم تكيم شريعة ال ف أوربا‪ ،‬وتكيم القانون الرومان بدل‬
‫منها‪ ،‬وسكوت الكنيسة على هذا الوضع‪ ،‬بل تشجيعه كذلك!‬

‫)‪(203‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫كان الال ف يد التجار السلمي وفيا‪ ،X‬وكانوا هم الجدر بتحويل رؤوس أموالم ‪ -‬أو‬
‫جزء منها ‪ -‬لتمويل الركة الصناعية دون ربا ول فساد ف الرض‪ ..‬وعندئذ كان يتغي‬
‫وجه التاريخ!‬

‫و هذه النق طة و حدها تبي ل نا كم كانت ج سامة ا لوزر ا لذي ارتكب ته ال مة‬
‫السلمية بتفريطها وتاونا ف أمر دينها‪ .‬وكم كانت السارة الت عادت على العال كله‬
‫من جراء هذا التفريط والتهاون‪ ،‬فضل‪ X‬عن الضرر الذي عاد على المة كلها فيما بعد‪،‬‬
‫من ضياع مكانتها‪ ،‬وضياعها هي ذاتا‪ ،‬وضياع فلسطي واقتطاعها من جسد المة الي‪،‬‬
‫ليلتهمها اليهود‪.‬‬

‫حق‪Ü‬ا! ما أب عد ال ش‪¥‬قة ب ي ق يام الر كة ال صناعية ف أور با‪ ،‬و ما لب سها من‬
‫ملبسات‪ ،‬وبي أن تكون قامت ف العال السلمي‪ ،‬الذي كان جدير‪X‬ا أن تقوم فيه‪ ،‬لو‬
‫بقي على صراط ال الستقيم‪.‬‬

‫ول تكن الباءة من الربا ‪ -‬الذي جر‪ A‬سيطرة اليهود العالية ‪ -‬هي الي الوحيد‬
‫ا لذي كان ال عال جديرا‪ X‬أن يكت سبه من ق يام الر كة ال صناعية ف ال عال ال سلمي‪ .‬بل‬
‫كانت معها النجاة من شرور كثية أخرى وقعت ف الرض‪.‬‬

‫وخذ فقط " قضية الرأة "‪.‬‬

‫ل قد ن شأت الق ضية ك ما شرحنا ف هذا الك تاب ‪ -‬و ف غ يه من ق بل ‪ -‬من‬


‫اضطرار الرأة الوربية للعمل حي نزح كافلها من الريف إل الدينة للعمل وتركها بل‬
‫عائل‪ ،‬فتبعته إل الدينة لتعمل لتسد جوعتها‪ ،‬فاستغلها أصحاب الصانع استغلل‪ X‬رديئا‪،X‬‬
‫إذ ساوموها على شرفها من جهة‪ ،‬وأعطوها نصف أجر الرجل الذي تعمل معه ف الصنع‬
‫نفسه وتؤدي القدر ذاته من ساعات العمل‪ .‬فأصبحت لا " قضية "‪ ،‬هي قضية " الساواة‬
‫مع الرجل ف الجر "‪ ،‬ث تطورت حت صارت " الساواة مع الرجل ف كل شيء "‪،‬‬
‫وكان من بي " كل شيء " حق الفساد الذي يسمونه حق " الستمتاع بالياة! " ‪Enjoy‬‬
‫‪.yourself‬‬

‫فهل كان شيء من ذلك كله يكن أن يدث لو قامت الركة الصناعية ف‬
‫العال السلمي؟!‬

‫)‪(204‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ل قد ك فل ال سلم لل مرأة من يكفل ها ف ج يع أحوا لا‪ ،‬ب يث ل ت تاج ‪ -‬ف‬


‫الحوال العادية ‪ -‬للعمل‪ ،‬ويكفلها بيت الال حي ل يكون لا أي كافل من أسرتا‪ .‬ث‬
‫إذا اضطرت إل العمل فإن عدالة السلم تسوي بي الجر والهد البذول‪ ،‬ومن ث ل‬
‫تكن لتوجد للمرأة قضية أصل‪ ،X‬ول يكن ليتاح للشياطي أن يستخدموا تلك القضية كما‬
‫استخدموها بالفعل لفساد التمع البشري كله )‪.(162‬‬

‫ول قائل أن ي قول‪ :‬إن ا لرأة كانت مظلو مة ف الت مع ا لورب و كان ل بد من‬
‫إنصافها‪ ،‬فنقول‪ :‬نعم! كان ل بد! ولكن بغي هذا الفساد الائل الذي حل‪ m‬بالرض من‬
‫جراء تطيم الدين والخلق والتقاليد‪ ،‬وإطلق الولد والبنات بل حواجز ول ضوابط‬
‫حت كضوابط اليوان!‬

‫ولقائل آخر أن يقول‪ :‬إن الرأة ف التمع السلمي ذاته كانت مظلومة وكان ل‬
‫بد من إنصافها‪ ،‬فنقول‪ :‬نعم! كان ل بد! ولكن الذي ظلمها ل يكن السلم! إنا كانت‬
‫ر‪Æ‬د*ة جاهلية من السلمي ف نظرتم إل الرأة ومعاملتهم لا‪ ،‬فكان التصحيح هو الرجوع‬
‫إل السلم الصحيح!‬

‫و ف ج يع ا لحوال ل ت كن لت تاح لل شعب ال شيطان ت لك الفر صة " الذهب ية "‬


‫لفساد الميي‪ ،‬واستحمارهم‪ ،‬لتنفيذ مططاته الشيطانية‪..‬‬

‫وخذ كذلك " النظريات العلمية " الزائفة الت أفسدت الفكر الورب‪ ،‬ومن ث‬
‫الفكر العالي كله‪ :‬نظريات ماركس وفرويد ودوركاي وفريزر )‪ (163‬ودارون وغيهم من‬
‫" العباقرة "!‬

‫فلو ل يكن لليهود السيطرة الت أحدثها لم قبضهم على ناصية الثورة الصناعية‬
‫وامتلك ا لذهب‪ ،‬ف هل كان يتو قع لذه النظر يات " العلم ية " أن تنت شر ف ا لرض‪،‬‬
‫وت‪-‬حدث ما أحدثت من الفساد؟!‬

‫‪ ()162‬يفرق السلم بي الرجل والرأة ف الال الوروث باعتبار التكاليف اللقاة على عاتق كل منهما‪.‬‬
‫فالر جل ي نال م ثل حظ ا لنثيي وي‪-‬ك لف ف ا لوقت ذا ته بالن فاق ع لى ال سرة‪ ،‬وا لرأة تأ خذ ن صف‬
‫نصيب الرجل ول ت‪-‬كلف بالنفاق‪ .‬أما الال الكتسب فل تفريق فيه‪.‬‬
‫‪ ()163‬فريزر " عال " بريطان تصص ف دراسة القبائل البدائية‪ ،‬ث زعم أن الدين الذي نقول عنه إنه‬
‫ساوي‪ ،‬إن هو إل " تطور " للديانات البدائية الوثنية!!‬

‫)‪(205‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ل ي كن دارون أول قائل بنظر ية الت طور‪ ..‬ف قد سبقه ل مارك‪ ،‬و ماتت نظر ية‬
‫لمارك ف مهدها‪ ،‬لنا ل تد البيئة الصالة للنتشار‪ .‬وكانت نظرية دارون قمينة أن‬
‫توت كما ماتت نظرية لمارك‪ ،‬أو تنحصر ف النطاق العلمي العملي وحده‪ ،‬ي‪-‬صدقها من‬
‫ي‪-‬صدقها‪ ،‬وي‪-‬عارضها من ي‪-‬عارضها بالد ل‪m‬ة العلمية‪ ،‬دون أن تتد إل ميدان العقائد والقيم‬
‫وا لخلق ك ما م‪-‬د‪A‬دت ع مدا‪ ،X‬ع لى يد ماركس وفرو يد ودور كاي‪ ،‬لتحط يم ا لدين‬
‫)‪(164‬‬
‫والخلق والتقاليد‪ ،‬العداء اللداء لليهود‬

‫و كان التف سي الادي للتار يخ ا لذي اب تدعه ماركس‪ ،‬والتف سي الن سي لل سلوك‬
‫الذي ابتدعه فرويد‪ ،‬والتفسي المعي للسلوك الفردي الذي ابتدعه دوركاي على أساس‬
‫نظرية " القطيع " أو " العقل المعي "‪ ..‬كانت كلها يكن أن تظل " نظريات " تناقش‬
‫على مستوى العلماء‪ ،‬ي‪-‬وافق عليها من ي‪-‬وافق‪ ،‬وي‪-‬عارضها من ي‪-‬عارض‪ ،‬دون أن يتد ليبها‬
‫إل الياة الواقعية لتلتهم مقد‪A‬سات البشر وق‪Æ‬ي–مهم العليا‪ ،‬وتلبس الق‪ A‬بالباطل على طريقة‬
‫اليهود‪:‬‬

‫ح ق‪% H‬وأ‪#‬ن‪4‬ت‪ -‬م‪% 4‬تع‪4‬ل‪ #‬م‪-‬ون‪.(#‬‬


‫) ي‪%‬ا أ‪#‬ه‪ 4‬ل‪ #‬ال‪.‬ك) ت‪%‬اب) ل) م‪ %‬ت‪%‬ل‪.‬ب) س‪-‬ون‪ #‬ال‪.‬ح‪ %‬ق‪ H‬ب)ال‪ .‬ب‪%‬اط)ل) و‪%‬ت‪%‬ك‪-.‬ت م‪-‬ون‪ #‬ال‪% .‬‬
‫]سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[71‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ما أبعد ال ش‪A‬قة بي قيام الركة الصناعية ف العال السلمي التنور‪ ،‬وقيامها ف‬
‫أوربا الت ترج من جاهلية إل جاهلية‪ ،‬تتخب‪A‬ط فيها كما يتخبط الذي مس‪A‬ته الشياطي‪.‬‬

‫وقد قال تعال عن الربا‪:‬‬

‫)ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ي‪%‬أ‪.‬ك‪/‬ل‪/‬ون‪ #‬ال ‪s‬ر با ل ي‪%‬ق‪/‬وم‪-‬ون‪) #‬إل‪X‬ا ك‪#‬م‪%‬ا ي‪ %‬ق‪/‬وم‪ -‬ال‪X‬ذ)ي ي‪%%‬تخ‪%‬ب‪H‬ط‪ /‬ه‪ -‬الش‪H‬ي‪4‬ط‪#‬ان‪ /‬م)ن‬
‫ال‪.‬م‪%‬س(‪] .‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.[275‬‬

‫فك يف با لذين يأكلون الر با وي‪-‬مار سون ال فواحش وي شربون ال مر و ي‪-‬دمنون‬


‫الخدرات ويتعمدون مالفة أمر ال ف الكبية والصغية ليطيعوا أمر الشيطان؟!‬

‫‪ ()164‬إقرأ – إن شئت – فصل " دور اليهود ف إفساد أوربا " من كتاب " مذاهب فكرية معاصرة "‪.‬‬

‫)‪(206‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ل قد ت قدمت أور با ت قدما‪ X‬هائل‪ X‬ف الع لوم النظر ية والتطبيق ية والع مارة الاد ية‬
‫للرض‪ ..‬ولكن هذا كله جاء على حساب " النسان "‪ ،‬كما قال ألكسيس كاريل بق‬
‫ف كتابه اليد " النسان‪ ..‬ذلك الهول "‪.‬‬

‫ل يكن مقتضى التقدم العلمي والادي ‪ -‬والسياسي والرب والقتصادي ‪ -‬أن‬


‫يرج الناس من دينهم وأخلقهم وإنسانيتهم‪ ،‬ول كان مقتضى مافظة الناس على دينهم‬
‫وأخلق هم وإن سانيتهم‪ ،‬أن يق عدوا عن الت قدم العل مي وا لادي والسيا سي والر ب‬
‫والقت صادي‪ ،‬ك ما تي لت أور با ف جاهليت ها العا صرة‪ ،‬وك ما خ‪A‬ي لت لل ناس من خلل‬
‫سيطرتا على العال‪.‬‬

‫إ نا كان ذ لك ك له لنرا فات مل ية ف أور با من ناح ية‪ ،‬ولغ ياب الن موذج‬
‫الصحيح من ناحية أخرى‪.‬‬

‫ففي أوربا كانت الكنيسة ومفاسدها وتريفها للدين‪ ،‬وف العال السلمي كان‬
‫التراجع والنسار والضعف‪ ،‬نتيجة التفريط ف دين ال‪ ،‬وف النهج الربان الذي أنزله ال‬
‫لتستقيم به حياة الناس ف الرض‪:‬‬

‫)د)ينا‪ W‬ق)ي‪%‬ما‪ W‬م) ل‪X‬ة‪) #‬إب‪4‬ر‪%‬اه)ي م‪ %‬ح‪%‬ن)يفا‪ W‬و‪ %‬م‪%‬ا ك‪#‬ان‪ #‬م) ن‪ %‬ا‪.‬لم‪ -‬ش‪4‬ر)ك)ي‪] .(%‬سورة النعام‪ ،‬الية‬
‫‪.[161‬‬

‫كلتا الم‪A‬تي وقعت ف الوزر‪ .‬ولكن الوزر الكب والثقل ل شك‪ A‬هو وزر المة‬
‫الت أخرجها ال لتكون خي أمة‪ ،‬ولتكون شاهدة على كل البشرية‪.‬‬

‫كنقص القادرين على التمام‬ ‫ول أر ف عيوب الناس عيبا‪X‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولكن قائل‪ X‬قد يقول ‪ -‬وقد قرأ التفسي الادي للتاريخ وتأثر به ‪ -‬ما قيمة " لو "‬
‫ف عال الواقع؟‬

‫)‪(207‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫إن الذي حدث بالفعل أن السلمي عجزوا ف عال الواقع عن تقيق السلم ف‬
‫صورته " الثال ية "‪ ،‬وان سروا و ض–عفوا وت–راج عوا‪ ،‬وأن أور با ت قدمت وت ضرت وت قو‪A‬ت‬
‫حي نبذت الدين‪ .‬فموت الدين إذن كان " حتمية تاريية "‪ ،‬كما أنه كان أمرا‪ X‬لزما‪ X‬من‬
‫أجل تقدم البشرية و " تطورها "‪.‬‬

‫وكل المرين غي صحيح‪..‬‬

‫فأما بالنسبة لوربا فلم يكن حتم‪X‬ا أن تري المور فيها على النحو الذي وقعت‬
‫به‪.‬‬

‫ل قد كان ن بذ أور با لدين بولس ضرور̈يا لا بالف عل‪ ،‬ل كي تنع تق من أغل له‬
‫وأوهامه وانرافاته‪ ،‬وتنطلق نو القوة والعلم والتمكي ف الرض‪ .‬أما نبذ الدين جلة‪،‬‬
‫وإقامة الياة على أسس معادية للدين فلم يكن ضرورة‪ ،‬إنا هي حاقة جديدة ارتكبتها‬
‫الكنيسة بحاربتها للثر الذي أحدثته الثقافة السلمية ف ربوع أوربا‪ ،‬ث استغل اليهود‬
‫تلك الماقة لسابم الاص‪.‬‬

‫وأما التمكي الادي الذي حصلت عليه أوربا بعد نبذها لدين بولس ث نبذها‬
‫للدين عامة‪ ،‬فهو حقيقة واقعة‪ ،‬ولكنه ل يمل الدللة الت ت‪-‬لصق دائم‪X‬ا به‪ ..‬لنه ل يمل‬
‫ف طياته شهادة " الصلحية " بالقياس النسان الصحيح‪ .‬فلقد حقق جوانب من الكيان‬
‫النسان ول شك‪ ،‬ولكنه عجز عن تقيق الانب العلى والكرم والثن ف النسان‪،‬‬
‫وهو " القيم العليا " الت خلق النسان من أجلها‪ ،‬ومن أجلها أسجدت له اللئكة‪.‬‬

‫ول قد مر ب نا ف ال سنن الربان ية أن التمك ي ف ا لرض يعط يه ا ل لل مؤمني‬


‫والكافرين‪ ،‬للمصلحي والفسدين‪:‬‬

‫) ‪/‬كل‪€‬ا‪- W‬ن م)د_ ه‪%‬ؤ‪-‬لء) و‪ %‬ه‪%‬ؤ‪-‬لء) م) ن‪ 4‬ع‪ %‬ط‪#‬اء) ر‪%‬ب‪ s‬ك‪ %‬و‪ %‬م‪%‬ا ك‪#‬ان‪ #‬ع‪ %‬ط‪#‬اء® ر‪%‬ب‪ s‬ك‪ %‬م‪%‬ح‪ 4‬ظ‪/‬ورا‪.(W‬‬
‫]سورة السراء‪ ،‬الية ‪.[20‬‬

‫)ف‪#‬ل‪#‬م‪H‬ا ن‪%‬س‪-‬وا م‪%‬ا ذ‪/‬ك‪+‬ر‪-‬وا ب)ه) ف‪#‬ت‪%‬ح‪4‬ن‪%‬ا ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه)م‪ 4‬أ‪#‬ب‪4‬و‪%‬اب‪ %‬ك‪/‬ل‪ +‬ش‪%‬ي‪4‬ء‪] .(p‬سورة النعام‪ ،‬الية‬
‫‪.[44‬‬

‫)‪(208‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فليس هذا التمكي ف ذاته دليل‪ X‬على صلحية القائمي عليه! ول دليل‪ X‬على أن‬
‫الياة بل دين هي النظام الصلح‪ ،‬الذي يكتب له البقاء ف الرض‪ ،‬والذي يثل تقدما‪ X‬ف‬
‫حياة البشر!‬

‫ومه ما ي كن من أ مر فل ندع أور با ت قول ف دين ها وأحوا لا ما ت شاء! ول ندع‬


‫الفتوني بأوربا‪ ،‬النهزمي أمام سيطرتا‪ ،‬يقولوا نيابة عنها ما شاءت لم هزيتهم!‬

‫أما بالنسبة للسلم‪ ،‬فإن القول بأن " موت الدين " كان حتمية تاريية‪ ،‬قول‬
‫مردود بيقي‪.‬‬

‫وأبلغ رد‪ m‬يبي فساد تلك القولة وبعدها عن الواقع‪ ..‬هو الصحوة السلمية!‬

‫و قد أبقي نا ا لديث عن ال صحوة ال سلمية‪ ،‬إ ل الف صل ال قادم‪ " ..‬توق عات‬
‫الستقبل "‪.‬‬

‫)‪(209‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫توقعات الستقبل‬
‫استعرضنا ف الفصول الثلثة الاضية أحوال القوى الثلث الرئيسية الت تؤثر اليوم‬
‫ف مرى الحداث‪ :‬النصارى واليهود والسلمي‪.‬‬

‫والصورة الت استخلصناها من هذا العرض هي سيطرة الاهلية العاصرة على‬


‫ر بوع ا لرض ‪ -‬إل ما ر حم ر بك ‪ -‬وال سيطرة اليهود ية ع لى ك ل‪ m‬ر بوع ا لرض ا لت‬
‫تسيطر عليها الاهلية العاصرة‪ ،‬لكون اليهود هم الذين يرسون لتلك الاهلية أفكار–ها‬
‫وتصوراتا وسياستها واقتصادها‪ ،‬ل عن جبوت ذات فيهم‪ ،‬ولكن لغفلة الراس الذين‬
‫كل‪m‬ف هم ا ل بق مع ت لك ال قوة ال شريرة والق يام بالرا سة علي ها‪ ..‬وع لى ا لانب ال سلمي‬
‫يوجد الضعف الزري‪ ،‬والضياع والتخلف‪ ،‬والوان والذ‪€‬ل‪.‬‬

‫والن ييء السؤال‪ :‬هل التوقع لذه الوضاع أن تستمر على ما هي عليه؟ أم‬
‫أنا بدأت تتحول بالفعل؟ وف أي اتاه يكون التحول التوقع ف تلك الوضاع؟ وإل مت‬
‫تظل كلتا الاهليتي اليهودية والنصرانية ف وضع السيطرة والستعلء؟‬

‫ف صورة الا ضر ب عض ال طوط ا لت ي كن أن تعين نا ف ماو لة ا ستخلص‬


‫صورة للمستقبل‪:‬‬

‫• انيار الشيوعية‪.‬‬
‫• عوامل التفسخ ف التمعات العاصرة‪.‬‬
‫• الكتل التصارعة داخل العسكر الاهلي‪.‬‬
‫• الصحوة السلمية‪.‬‬

‫تلك خطوط عامة يتاج الديث عنها إل شيء من البيان‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(210‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫كثي من ال ناس ت ستهويه ال حداث السيا سية‪ ،‬وتت بع صراعات الك تل الت صارعة‬
‫على سطح الرض اليوم‪ ،‬لعتقاده أن الط السياسي هو الذي ي‪-‬قر‪A‬ر مصاير المور‪ ،‬فضل‬
‫عن كون حديث السياسة " هواية " خاصة عند كثي من الناس‪.‬‬

‫ولك نا نعت قد أن ا لط السيا سي ‪ -‬مه ما ي كن من تأثيه ف مرى ال حداث ‪-‬‬


‫ليس هو الذي ي‪-‬قر‪m‬ر ‪ -‬ف قدر ال ‪ -‬مصاير المور‪ ..‬ول كذلك الحوال القتصادية‬
‫ا لت يرى ب عض ال ناس أ نا أ شد‪ A‬فاعل ية ف تقر ير م صاير ا لمور من ا لط السيا سي‪ ،‬إذا‬
‫يعتبون الوضاع السياسية إن هي إل حصيلة الوضاع القتصادية ف ناية المر‪.‬‬

‫وا لذي نعت قده أن ا لذي ي‪ -‬قر‪A‬ر ال صي هو " الن هج " ا لذي ي كم ال ياة كل ها‪،‬‬
‫بوانبها جيعا‪ :‬السياسية والقتصادية والجتماعية والفكرية واللقية‪ ،‬والذي ي‪-‬حد‪A‬د وضع‬
‫" النسان " وأحواله مع ربه‪ ،‬وأحواله مع نفسه‪ ،‬وأحواله مع الخرين‪.‬‬

‫و صحيح أن من سنة ا ل ‪ -‬ك ما أ سلفنا ال قول ‪ -‬أن ي‪-‬م كن ل صحاب الن هج‬
‫الفاسد‪ ،‬بل قد يزيدهم تكينا‪ X‬كلما أمعنوا ف الفساد‪:‬‬

‫) ‪/‬كل‪€‬ا‪- W‬ن م)د_ ه‪%‬ؤ‪-‬لء) و‪ %‬ه‪%‬ؤ‪-‬لء) م) ن‪ 4‬ع‪ %‬ط‪#‬اء) ر‪%‬ب‪ s‬ك‪ %‬و‪ %‬م‪%‬ا ك‪#‬ان‪ #‬ع‪ %‬ط‪#‬اء® ر‪%‬ب‪ s‬ك‪ %‬م‪%‬ح‪ 4‬ظ‪/‬ورا‪.(W‬‬
‫]سورة السراء‪ ،‬الية ‪.[20‬‬

‫)ف‪#‬ل‪#‬م‪H‬ا ن‪%‬س‪-‬وا م‪%‬ا ذ‪/‬ك‪+‬ر‪-‬وا ب)ه) ف‪#‬ت‪%‬ح‪4‬ن‪%‬ا ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه)م‪ 4‬أ‪#‬ب‪4‬و‪%‬اب‪ %‬ك‪/‬ل‪ +‬ش‪%‬ي‪4‬ء‪] .(p‬سورة النعام‪ ،‬الية‬
‫‪.[44‬‬

‫ولكن سنة ال تقول‪ :‬إنه تكي موقوت مهما طال‪ ،‬وإن هناك علمات يكن أن‬
‫يستشف منها بوادر التدمي‪:‬‬

‫)ف‪#‬ل‪ #‬م‪H‬ا ن‪ %‬س‪-‬وا م‪%‬ا ذ‪ /‬ك‪+‬ر‪-‬وا ب) ه) ف‪#‬ت‪%‬ح‪ 4‬ن‪%‬ا ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه) م‪# 4‬أ ب‪4‬و‪%‬اب‪ %‬ك‪ /‬ل‪ +‬ش‪%‬ي‪4‬ء‪ p‬ح‪ %‬ت‪H‬ى )إذ‪#‬ا ف‪#‬ر) ح‪-‬وا )ب م‪%‬ا‬
‫أ‪/‬وت‪-‬وا ‪#‬أخ‪%‬ذ‪.‬ن‪%‬اه‪-‬م‪% 4‬بغ‪4‬ت‪%‬ة‪ W‬ف‪#‬إ)ذ‪#‬ا ه‪-‬م‪ 4‬م‪-‬ب‪4‬ل)س‪-‬ون‪ ،#‬ف‪#‬ق‪/‬ط)ع‪ %‬د‪%‬اب)ر‪ -‬ال‪.‬ق‪#‬و‪4‬م) ال‪X‬ذ)ين‪ %‬ظ‪#‬ل‪#‬م‪-‬وا و‪%‬ا‪.‬لح‪%‬م‪4‬د‪) -‬لل‪X‬ه) ر‪%‬ب‬
‫ال‪.‬ع‪%‬ال‪#‬م)ي(‪] .‬سورة النعام‪ ،‬اليتان ‪.[45 ،44‬‬

‫وليست البغتة هي الصورة الوحيدة للخذ ف سنة ال‪:‬‬

‫)‪(211‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫)أ‪#‬ف‪#‬أ‪#‬م)ن‪ %‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬م‪ %‬ك‪#‬ر‪-‬وا ال س‪H‬ي‪s‬ئ‪#‬ات) ‪#‬أن‪ .‬ي‪%‬خ‪ 4‬س)ف‪ %‬الل‪ X‬ه‪ -‬ب)ه) م‪ -‬ا‪.‬لأ‪#‬ر‪ 4‬ض‪# %‬أو‪ 4‬ي‪%‬أ‪.‬ت)ي‪%‬ه‪-‬م‪ -‬ا‪.‬لع‪%‬ذ‪#‬اب‬
‫م) ن‪ 4‬ح‪%‬ي‪ 4‬ث‪ /‬ل ي‪ %‬ش‪4‬ع‪-‬ر‪-‬ون‪# ،#‬أو‪% 4‬يأ‪ .‬خ‪-‬ذ‪#‬ه‪-‬م‪ 4‬ف)ي ت‪%‬ق‪#‬ل‪Í‬ب)ه) م‪ 4‬ف‪ #‬م‪%‬ا ه‪ -‬م‪ 4‬ب)م‪-‬ع‪4‬ج)ز)ي ن‪# ،%‬أو‪ 4‬ي‪%‬أ‪ .‬خ‪-‬ذ‪#‬ه‪-‬م‪ 4‬ع‪ %‬ل‪#‬ى‬
‫‪%‬تخ‪%‬و_ف‪ p‬ف‪#‬إ)ن‪ X‬ر‪%‬ب‪H‬ك‪/‬م‪ 4‬ل‪#‬ر‪%‬ؤ‪-‬وف= ر‪%‬ح)يم(‪] .‬سورة النحل‪ ،‬اليات ‪.[47 - 45‬‬

‫ولكنه ف جيع الحوال يأخذهم‪!..‬‬

‫و من ه نا فإن أ حد ال طوط الوا ضحة ف توق عات ال ستقبل أن يأ خذ ا ل هذه‬


‫الاهلية بصورة من الصور إن هي أصر‪m‬ت على الضي فيما هي فيه‪ ،‬ول تغي حالا مع‬
‫ال‪.‬‬

‫أما صورة الخذ وموعده فهما معلقان بشيئة الالق الدب‪A‬ر‪ ،‬وهي مشيئة طليقة ل‬
‫ت‪-‬حد‪A‬ها حدود ول قيود‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫نقطة اللل الوهرية ف هذه الاهلية هي النهج الذي اختارته لتعيش عليه‪ ..‬وهو‬
‫منهج غي صال للستمرار‪ ..‬ومن ث فإن صراعات الكتل التصارعة ف داخل العسكر‬
‫الاهلي ليست هي الت نركز انتباهنا عليها ف هذه الاهلية‪ ،‬وإن كنا نشي إليها من باب‬
‫تسجيل الواقع فحسب‪.‬‬

‫هناك صراعات متعددة ف داخل العسكر الاهلي‪.‬‬

‫وقد كان الصراع الكب ‪ -‬ف ظاهر المر ‪ -‬هو الصراع بي العسكر الشيوعي‬
‫والعسكر الرأسال‪.‬‬

‫ول يكن الناس ي‪-‬صد‪A‬قون حي نقول لم‪ :‬إنه صراع غي جوهري‪ ،‬لنه ل يوجد‬
‫فارق حقيقي ف القاعدة الت ينطلق منها كل من العسكرين‪ ،‬وإن اليهود هم الذين يثيون‬
‫هذا ال صراع ل صلحتهم الا صة‪ .‬و كان ال ناس يقو لون ل نا‪ :‬أف كل شيء تن سبونه إ ل‬
‫اليهود؟!‬

‫)‪(212‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫والقضية ‪ -‬كما أشرنا إليها بوضوح ف هذا الكتاب ‪ -‬ليست قوة اليهود‪ ،‬إنا‬
‫هي غفلة الميي!‬

‫إن لعبة " العسكرين "‪ ،‬و " الصراع بي العسكرين "‪ ،‬الذي قد يصل إل حد‬
‫الرب أحيانا‪ ،X‬لعبة قدية كان اليهود يلعبونا ف الدينة )يثرب(‪ ،‬قبل السلم بي الوس‬
‫والزرج‪ ،‬أكب قبيلتي يومئذ ف يثرب‪ .‬فكان اليهود يدخلون ف الوس‪ ،‬ويدخلون ف‬
‫الزرج‪ ،‬ويثيون الصراع بينهما من الداخل حت تقع بينهما الرب الت قد يقتل فيها‬
‫أفراد من اليهود من الهتي‪ .‬ولكن يظل لليهود مصلحة " عليا " بل أكثر من مصلحة ف‬
‫تلك الروب الت يفقدون فيها بعض الفراد‪.‬‬

‫فأول مصلحة يققونا أل تأتلف القبيلتان فتكون لما الزعامة ف الدينة ويفقد‬
‫اليهود مركزهم التميز فيها‪.‬‬

‫وال صلحة الثان ية‪ :‬ان إ ثارة حا لة ا لرب الدائ مة ب ي القبي لتي تن شط سوق‬
‫السلح‪ ،‬واليهود هم الكاسبون من ذلك لنم هم تار السلح ف الدينة!‬

‫و قد ند‪A‬د ا ل بأف عالم ت لك ف قوله ت عال‪% ) :‬وإ)ذ‪ .‬أ‪ #‬خ‪%‬ذ‪.‬ن‪%‬ا م)ي ث‪#‬اق‪#‬ك‪/‬م‪ 4‬ل ‪%‬ت س‪4‬ف)ك‪/‬ون‬
‫د)م‪%‬ا̀ءك‪/‬م‪ 4‬و‪%‬ل ‪-‬تخ‪4‬ر) ج‪-‬ون‪# #‬أن‪4‬ف‪ /‬س‪%‬ك‪/‬م‪ 4‬م) ن‪ 4‬د) ي‪%‬ار)ك‪/‬م‪ 4‬ث‪/‬م‪ H‬أ‪#‬ق‪.‬ر‪%‬ر‪4‬ت‪ -‬م‪ 4‬و‪%‬أ‪4#‬نت‪ -‬م‪ 4‬ت‪%‬ش‪4‬ه‪%‬د‪-‬ون‪ ،#‬ث‪/‬م‪ H‬أ‪#‬ن‪-4‬تم‪ 4‬ه‪%‬ؤ‪-‬لء‬
‫‪%‬تق‪.‬ت‪ -‬ل‪/‬ون‪ #‬أ‪4#‬نف‪ /‬س‪%‬ك‪/‬م‪ (165) 4‬و‪%‬ت‪-‬خ‪4‬ر) ج‪-‬ون‪ #‬ف‪#‬ر)ي قا‪ W‬م)ن‪4‬ك‪ /‬م‪ 4‬م) ن‪ 4‬د) ي‪%‬ار)ه)م‪ 4‬ت‪ %‬ظ‪#‬اه‪%‬ر‪-‬ون‪% #‬عل‪#‬ي‪4‬ه) م‪ 4‬ب)ا ل‪.‬أ)ث‪.‬م‬
‫و‪%‬ال‪ .‬ع‪-‬د‪4‬و‪%‬ان) )‪ (166‬و‪%‬إ) ن‪ .‬ي‪%‬أ‪.‬ت‪-‬وك‪/‬م‪ 4‬أ‪ /‬س‪%‬ار‪%‬ى ت‪ -‬ف‪#‬اد‪-‬وه‪-‬م‪ (167) 4‬و‪ %‬ه‪-‬و‪ %‬م‪-‬ح‪%‬ر‪ H‬م= ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ك‪ /‬م‪) 4‬إخ‪4‬ر‪%‬اج‪-‬ه‪ -‬م‬
‫‪#‬أف‪#‬ت‪-‬ؤ‪4‬م)ن‪-‬ون‪ #‬ب)‪%‬بع‪4‬ض) ال‪.‬ك)ت‪%‬اب) و‪%‬ت‪%‬ك‪.‬ف‪/‬ر‪-‬ون‪) #‬بب‪%‬ع‪4‬ض‪ p‬ف‪#‬م‪%‬ا ج‪%‬ز‪%‬اء® م‪%‬ن‪% 4‬يف‪.‬ع‪%‬ل‪ /‬ذ‪#‬ل)ك‪ %‬م)ن‪4‬ك‪/‬م‪) 4‬إل‪X‬ا خ)ز‪4‬ي= ف)ي‬
‫ال‪.‬ح‪%‬ي‪%‬ا )ة ال _دن‪4‬ي‪%‬ا و‪%‬ي‪%‬و‪4‬م‪ %‬ال‪.‬ق)ي‪%‬ام‪%‬ة) ي‪-‬ر‪%‬د_ون‪ #‬إ)ل‪#‬ى أ‪#‬ش‪%‬د‪ s‬ا‪.‬لع‪%‬ذ‪#‬اب) و‪%‬م‪%‬ا الل‪X‬ه‪ -‬ب)غ‪%‬اف)ل‪ p‬ع‪%‬م‪H‬ا ت‪%‬ع‪4‬م‪%‬ل‪/‬ون(‪] .‬سورة‬
‫البقرة‪ ،‬اليتان‪.[85 - 84 ،‬‬

‫فلما جاء السلم ائتلفت القبيلتان‪ ،‬وآخى بينهما سول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وفقد اليهود كل شيء هناك!‬

‫‪ ()165‬بدخول الرب الثارة بي الوس والزرج‪ ،‬فريق مع الوس وفريق مع الزرج!‬


‫‪ ()166‬بتحريض الوس والزرج على الرب فيما بينهما‬
‫‪ ()167‬كانوا يفدون السرى من الانبي اتباع‪X‬ا – ف زعمهم – لوامر ال ف التوراة! بينما ال أمرهم‬
‫أيضا‪ X‬أل يقتلوا أنفسهم ول يعرضوا أنفسهم للقتل‪ .‬فلماذا يطيعون أمر ال ف فداء السرى ول يطيعونه‬
‫ف عدم تعريض أنفسهم للقتل؟!‬

‫)‪(213‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ودار الزمن دورته‪ ،‬وغفل الراس‪ ،‬فخرج اليهود يعيثون فسادا‪ X‬ف الرض‪ ،‬ولعبوا‬
‫لعبتهم القدية لذات الهداف‪ ،‬وإن يكن على مساحة من الرض أوسع‪ ،‬ومساحة من‬
‫البشر أوسع‪ ..‬من بي الميي الستغفلي‪ ..‬فصارت الرض معسكرين‪ ،‬بدل‪ X‬من قبيلت‬
‫الوس والزرج ف يثرب‪ ،‬ودخل اليهود ف العسكرين يديرونما من الداخل‪ ،‬ويثيون‬
‫بينهما الصراع‪ ،‬حت تظل السيطرة لم ف النهاية‪ ،‬وحت ت‪-‬ر–و‪A‬ج صناعة السلح‪ ..‬وهم هم‬
‫تار السلح!‬

‫ث حي بدت لليهود مصلحة ف اتاه آخر أداروا الدف‪€‬ة وقر‪m‬بوا بي العسكرين‬


‫التنازعي!!‬

‫والتقارب الواضح بي روسيا وأمريكا له أكثر من سبب ف القيقة‪ ،‬وإن كان‬


‫ا لذي تلقف الك سب ا لول من ورائه هم اليهود‪ ،‬بإطلق الليي من اليهود ا لروس "‬
‫التكنولوجيي " كما يصفونم‪ ،‬ليستوطنوا الضفة الغربية تهيدا‪ X‬لنشاء إسرائيل الكبى‪،‬‬
‫ك ما قال شامي علن ية‪ ،‬وت عامت كل من رو سيا وأمري كا عن ت صريه‪ ،‬و سكتت عن‬
‫الكلم الباح!‬

‫لقد كان من أسباب انيار الشيوعية ف روسيا‪ ،‬والتقارب بي روسيا وأمريكا‪،‬‬


‫النيار القتصادي ف روسيا ف ظل النظام الشيوعي‪ ،‬الذي بدأ مبكرا‪ X‬من أيام ستالي‪،‬‬
‫ف حاول ستالي أن يتغ لب عل يه بإ حداث ك سر م بدئي ف ال بادئ ال شيوعية ا لت تق ضي‬
‫بالساواة بي العمال ف الجور )‪ .(168‬فأعلن ستالي أن هناك وحدة عمل إجبارية تكفل‬
‫للعامل الياة ف أدن درجات الكفاف‪ .‬ومن وجد ف نفسه فضلة من جهد فإنه يستطيع‬
‫أن يؤدي و حدة ع مل ثانية إضافية‪ ،‬ي نال مقابلها شيئا‪ X‬ما يع تب كمال يات‪ ،‬وإن كان ف‬
‫القيقة من الضروريات!‬

‫ث اشتدت الزمة أيام خروشوف‪ ،‬ف النتاج الزراعي خاصة‪ ،‬فحاول مواجهته‬
‫بإ حداث ك سر آ خر ف ال بادئ ال شيوعية‪ ،‬ا لت تق ضي بإل غاء اللك ية الفرد ية إل غاء‪ õ‬با تا‪،X‬‬
‫وج عل اللك ية الماع ية بديل‪ X‬عن ها‪ ،‬ف سمح خرو شوف للفلح ي بلك ية ع شر ال صول‬
‫لذوات أنف سهم‪ ،‬وامتلك ا لدار ا لت ي سكنونا و ما في ها من أدوات‪ ،‬و كان قد و ضح‬

‫‪ ()168‬كان ماركس ي نادي بو جوب ال ساواة ف أ جور ج يع " ا لواطني " ما دا موا يؤدون " م قدارا‪" X‬‬
‫واحدا‪ X‬من العمل بصرف النظر عن نوع العمل‪ ،‬ولكن عند التطبيق على يد ليني وجد أن هذا غي‬
‫معقول‪ ،‬فاكتفى بتوحيد الجور بي العمال‪.‬‬

‫)‪(214‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫لرو شوف ج يدا‪ X‬أ نه إن كان الن تاج ال صناعي ي كن ال سيطرة عل يه بالد يد وال نار‬
‫والتج سس )‪ ،(169‬فالن تاج الزرا عي ل ي كن ضبطه بذه الو سائل إل إذا ع ي ل كل فلح‬
‫مراقب أو جاسوس! فلجأ إل تشجيع النتاج بإعادة الافز الفردي ف صورة من صور‬
‫التملك‪.‬‬

‫ومع ذلك فقد ظ ل‪ m‬النتاج يتناقص باستمرار لضعف الوافز على العمل‪ ،‬حت‬
‫تولت روسيا من مصد‪A‬ر عالي للقمح‪ ،‬إل بلد يتسول القمح من أعدائه اليديولوجيي!‬

‫ع ندئذ اه تدى جوربات شوف ‪ -‬أو ه‪-‬د‪Æ‬ي– ‪ -‬إ ل تط يم الن ظام ال شيوعي لن قاذ‬
‫روسيا ولو إل حي!!‬

‫ولكن ثت سبب‪X‬ا آخر جوهر̈يا لنيار الشيوعية ل تذكره الصادر الغربية‪ ،‬كراهية‬
‫منها أن تذكره‪ ،‬هو تأثي الهاد الفغان‪.‬‬

‫فإن صمود دو لة صغية شبه عزلء أ مام وح شية ا لد‪A‬ب‪ A‬الرو سي ع شر سنوات‬
‫متوالية‪ ،‬واضطرار روسيا ف ناية المر إل سحب قواتا من أفغانستان‪ ،‬قد أثر دون شك‬
‫ف زلزلة النظام من قواعده‪ ،‬وهو الذي كان الناس ينظرون إليه على أنه نظام جبار قاهر‬
‫ل يغلب!‬

‫أما التقارب بي روسيا وأمريكا‪ ،‬الذي تل انيار الشيوعية‪ ،‬بل سبقه بقليل‪ ،‬فإنا‬
‫ند تفسيه واضحا‪ X‬ف كلم نيكسون الذي أشرنا إليه من قبل‪ ،‬والذي قال فيه‪ :‬إنه ل بد‬
‫من تصفية اللفات بي روسيا وأمريكا لواجهة الطر الشترك‪ ،‬وهو السلم!‬

‫وسواء كان التقارب قد حدث من جانب روسيا أو من جانب أمريكا أو من‬


‫جانبه ما م عا‪ X‬ف ا لوقت ذا ته ب توجيه " الق يادة العل يا " ل كل منه ما‪ ،‬ا لت تع ي رئ يس‬
‫المهورية المريكية على هواها ))وتقتله إن عصى!( )‪ ،(170‬وتتحكم كذلك ف اختيار "‬

‫‪ ()169‬ف النتاج الصناعي الديث يقوم كل عامل بزء مدد من العمل فعند الراجعة يكن معرفة العامل‬
‫القصر‪ ،‬وعندئذ يقوم لاكمة فورية‪ ،‬ويكم عليه بالعدام بتهمة التخريب‪ ،‬وينفذ الكم أمام بقية‬
‫العمال للرهاب‪.‬‬
‫‪ ()170‬كما قتل جون كنيدي عام ‪ 1963‬م حي وقف ف وجه مصال اليهود‪ ،‬على الرغم من أنه – من‬
‫وجهة نظره – كان يريد خدمة الصال القومية المريكية!‬

‫)‪(215‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫الزع يم الو حد " ف رو سيا‪ ..‬ف قد كان ا لدف وا حدا‪ X‬و هو التك تل لواج هة ال سلم!‬
‫وهذا أحد الطوط البارزة ف صحيفة الاضر‪ ،‬وصحيفة التوقعات بالنسبة للمستقبل!‬

‫وأ̈يا ما كان ا لمر ف قد هب طت حد‪A‬ة ال صراع بي ما كان ي‪ -‬سمى " الع سكرين‬
‫الشرقي والغرب "‪ ،‬وبرزت صراعات جديدة‪.‬‬

‫فالتكتل الورب التمحور حول السوق الوربية الشتركة‪ ،‬هو ماولة للحد‪ m‬من‬
‫السيطرة المريكية‪ ،‬بإبراز كتلة أوربية ف مواجهتها‪ ،‬يكون لا ثقل معي‪ ،‬لكي ل تنفر‬
‫أمريكا باتذا القرار‪ .‬وإن كان هذا التكتل ف الوقت ذاته م‪-‬وج‪A‬ها‪ X‬ضد‪ " A‬العال الثالث "‬
‫أي ضد ال سلمي! فال سلمون هم أ كثر سكان ال عال ال ثالث! والق صود من ال سوق‬
‫الوربية الشتركة هو الضغط القتصادي‪ ،‬أو قل‪ :‬القهر القتصادي للعال الثالث‪ ،‬بيث‬
‫ي‪-‬كره على بيع خاماته بأرخص السعار‪ ،‬ث يشتريها ‪ -‬مصنعة ‪ -‬بأغلى السعار!‬

‫وع لى الر غم من ات فاق م صلحة هذا التك تل ع لى إبراز و جود أور ب يوازن‬
‫ال سيطرة المريك ية‪ ،‬ف هو ي مل صراعاته الداخل ية ب ي ألان يا الو حدة و كل من فرن سا‬
‫وبريطانيا‪ ،‬وبي فرنسا التشددة تاه أمريكا وبريطانيا التساهلة معها‪ ،‬السائرة ف ركابا‬
‫من أجل الصول على بعض الساعدات القتصادية منها!‬

‫ولكن هذه الصراعات كلها ‪ -‬وإن اشتدت بي الي والي إل درجة التأزم ‪-‬‬
‫ل ينبغي أن تكون هي الت تشغلنا‪ ،‬أو الت نعلق آمالنا عليها!‬

‫صحيح أن بعض الثغرات قد يستفيد منها السلمون أحيانا‪ .X‬ولكن لنتذكر دائما‬
‫أن هذه الدول مهما تصارعت فيما بينها‪ ،‬ومهما اشتد الصراع بينها ف بعض الحيان ‪-‬‬
‫فكل ها ت قف مو قف ال عداء من ال سلم وال سلمي! وكل ها ت قف مع إ سرائيل ب كم‬
‫العبودية لليهود‪ ،‬الت تسيطر على أوربا وأمريكا! ومن كان ف شك‪ A‬من ذلك فلينظر إل‬
‫قضية فلسطي كيف عالتها هيئة المم وغيها من " الافل الدولية "‪ ،‬خلل أربعي سنة‬
‫كاملة!! وكيف أن الاولت الزعومة للستفادة من الثغرات القائمة بي الكتل الدولية من‬
‫أ جل صال " الق ضية "‪ ،‬ل ين تج عن ها أي ت قدم خلل ت لك ال فترة الد يدة!! إ نا ظ لت‬
‫إسرائيل تتوسع وتتوسع‪ ،‬وتطرد العرب وتقتلهم وتعتدي على مقدساتم‪ ،‬و " الدبلوماسية‬
‫" ف ماولتها الفارغة للستفادة من الوضاع الدولية تدور وتدور‪ ،‬ول تصل من دورانا‬
‫إل شيء!‬

‫)‪(216‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫و من كان ف شك كذلك‪ ،‬فلين ظر ك يف عالت " الا فل الدول ية " ق ضية‬


‫كشمي!! الت قال عنها نرو ف تبجح ل مثيل له‪ " :‬إن حق تقرير الصي حق وعدل إل‬
‫ف ك شمي!! " وك يف عالت ت لك الا فل ق ضية الف لبي‪ ،‬وق ضية أريتر يا‪ ،‬وق ضايا‬
‫السلمي الذي ي‪-‬حرقون أحياء ف الند‪ ،‬ويطردون من مساجدهم لتقام فيها معابد وثنية‪..‬‬
‫بل فلينظر كيف عولت قضية سلمان رشدي ف بريطانيا!! وتي‪A‬ل مثل‪ X‬أن كاتبا‪ X‬مسلما‬
‫ك تب كتا ب‪X‬ا بالنليز ية ف بريطان يا ضد الي هود‪ ..‬ك يف كان ي كون مو قف " ال سيدة‬
‫الديد ية " ا لت أعل نت حايت ها لذلك الر تد‪ ،‬و قالت‪ :‬إن هذه قوانين نا‪ ..‬و من ل تعج به‬
‫قوانيننا فليغادر بلدنا!!‬

‫كل‪ !X‬من كان ي‪-‬ع ل‪€‬ق آ ماله ع لى صراعات الك تل الت صارعة ف سينتظر كثيا‪،W‬‬
‫وسيحصل قليل‪ ،W‬إن حص‪m‬ل شيئا‪ W‬على الطلق!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ال صحوة ال سلمية هي أبرز خ طوط الا ضر‪ ،‬و هي كذلك ‪ -‬في ما نتو قع ‪-‬‬
‫أبرز خطوط الستقبل‪.‬‬

‫ول نقول هذا من باب إلقاء الكلم على عواهنه‪ ،‬ول من باب تصديق المان‪،‬‬
‫ول من باب إعطاء الركات السلمية القائمة اليوم أكثر من حجمها القيقي‪.‬‬

‫إنا نقول ذلك‪ :‬تتبعا‪ W‬للسنن الربانية‪ ،‬ووعد ال ووعيده‪.‬‬

‫إن الفساد القائم ف الغرب اليوم ليس مصورا‪ X‬ف دولة معينة‪ ،‬إنا هو فساد ف‬
‫أصل " النهج " كما بين‪A‬ا‪.‬‬

‫وانت قال ال سلطة ‪ -‬أو مرا كز الث قل ‪ -‬من منط قة إ ل منط قة ف دا خل الع سكر‬
‫الاهلي لن يل‪ €‬مشكلة النهج‪ ،‬فكلهم يعيشون منهجا‪ X‬واحدا‪ X‬أو مناهج متقاربة‪.‬‬

‫بل إن ما كان يبدو من صراع " أيديولوجي " بي العسرك الشرقي والعسكر‬
‫الغرب ل يكن صراعا‪ X‬جوهر̈يا ف حقيقته‪ .‬فالفرق ليس كبي‪X‬ا بي ما كان يدين به العسكر‬

‫)‪(217‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫الشيوعي وما يدين به العسكر الرأسال من حيث سيطرة القيم الادية ف كليهما‪ ،‬ومن‬
‫حيث بعدها عن النهج الربان‪ ،‬ونفورها من الخذ به ف واقع الياة‪ ...‬إنا كان الفارق‬
‫ف الدرجة ل ف النوع! ف الصورة ل ف الوهر‪ .‬أما التصورات‪ ،‬والقيم‪ ،‬وقاعدة الياة‪،‬‬
‫وغاية الوجود‪ ..‬فالفارق فيها بي العسكرين ضئيل ل يكاد ي‪-‬حس‪!A‬‬

‫واليوم على أي حال قد انارت الشيوعية‪ ،‬واقترب " العسكران " حت كادا‬
‫يصبحان معسكرا‪ W‬واحدا!‬

‫وسواء كان هذا النيار نائ̈يا ‪ -‬وهو ما يبدو لنا أنه الرجح ‪ -‬بالنسبة لنظام‬
‫و صل ف م صادمته للف طرة إ ل أق صى ا لدى ف سقط‪ .‬أم كانت ال شيوعية ست سعى إ ل‬
‫ا ستعادة ما ف قدته من ا لرض ‪ -‬و هو احت مل ضعيف ‪ -‬فلي ست ال شكلة كام نة في من‬
‫تكون له السيطرة ف العسكر الاهلي‪ :‬روسيا‪ ،‬أم أمريكا‪ ،‬أم ألانيا‪ ،‬أم اليابان‪ ،‬أم الصي‪.‬‬
‫أم يتنازعون السيطرة فيما بينهم‪ ..‬إنا الشكلة أن النهد الذي تعيش عليه الاهلية كلها‬
‫قد تر‪m‬أ ول يعد قادرا‪ W‬على الستمرار إل أمد طويل‪.‬‬

‫ولسنا نقول مع الالي‪ :‬إن الاهلية السيطرة اليوم ستسقط ف الغد القريب‪)) .‬إل‪X‬ا‬
‫‪#‬أ ن‪% .‬ي ش‪%‬ا̀ء ر‪ %‬ب‪s‬ي ش‪%‬ي‪4‬ئا‪ W‬و‪ %‬س)ع‪ %‬ر‪ %‬ب‪s‬ي ك‪ /‬ل‪ X‬ش‪%‬ي‪4‬ء‪ p‬ع)ل‪.‬ما(‪] .‬سورة النعام‪ ،‬الية ‪ .[80‬كما جاء‬
‫على لسان إبراهيم ف القرآن الكري‪.‬‬

‫إنا نقول فقط‪ :‬إنه مقضي عليها بالسقوط حسب سنة ال‪ ،‬لا تشتمل عليه من‬
‫الف ساد‪ .‬أ ما سرعة الن يار أو ب طؤه فأمر متع لق ب شيئة ا ل‪ ،‬وإن كان ا ستقراء ال سنة‬
‫الارية‪ ،‬والسباب القائمة ف الرض اليوم ي‪-‬وحي بأن انيارها قد يكون بطيئا‪ ،W‬لسببي‬
‫اثني على القل‪:‬‬
‫)‪(171‬‬
‫السبب الول‪ :‬أن فيها إيابيات غي قليلة‬

‫والسبب الثان‪ :‬أن البديل ل ينضج بعد‪.‬‬

‫ولقد ينتقل مركز الثقل ف العسكر الاهلي أكثر من مرة ف أثناء النيار‪ ،‬كما‬
‫انتقل ف الاهلية الول أكثر من مرة بي فارس والروم‪ .‬وألانيا هي إحدى الراكز الت‬
‫‪ ()171‬تكلمنا عن هذه اليابيات من قبل ف فصل " الاهلية العاصرة "‪.‬‬

‫)‪(218‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫يكن أن ينتقل الثقل إليها‪ ،‬والصي واليابان من الراكز التملة كذلك‪ .‬ولكن هذا لن ي‪-‬غي‪A‬ر‬
‫النتيجة ف النهاية‪ ..‬فالنهاية هي النيار‪..‬‬

‫والن فلننظر ف أسباب النيار وعلماته‪ ..‬ولننظر ف أمر البديل‪.‬‬

‫تدث كثي من مف كري الغرب عن بوادر ان يار الضارة الغربية‪ ..‬كل يرصد‬
‫المر من زاوية نظره الاصة‪ .‬فالفيلسوف البيطان " برتراند رسل " يقول‪ " :‬لقد انتهى‬
‫العصر الذي يسود فيه الرجل البيض‪ .‬وبقاء تلك السيادة إل البد ليس قانونا‪ X‬من قواني‬
‫الطبيعة‪ " ..‬ث ي‪-‬علل المر بأن الرجل البيض ل يعد لديه ما ي‪-‬عطيه!‬

‫والعال الفرنسي " ألكسيس كاريل " يتحدث ف كتابه‪ " :‬النسان ذلك الهول‬
‫" عن مظاهر النيار ف الضارة الغربية‪ ،‬ث ي‪-‬عل‪m‬لها بأن تلك الضارة قد أنشئت دون أية‬
‫معرفة بطبيعة " النسان " الذي أنشئت من أجله!‬

‫ويتحدث‪ " :‬جون فوستر دالس "‪ ،‬وزير الارجية المريكية السبق ف كتابه "‬
‫حرب أم سلم "‪ ،‬عن إفلس الضارة الغربية فيد‪A‬ه إل نقص اليان‪ ،‬والية القائمة ف‬
‫عقول الناس‪ ،‬والتآكل الوجود ف أرواحهم )‪.(172‬‬

‫وثلثت هم ‪ -‬ك ما ترى ‪ -‬يؤ كدون ان يار ال ضارة القائ مة ال يوم‪ ،‬وإن اختل فت‬
‫السباب الت يعزون إليها النيار‪ .‬كما أن جاهي الناس ف الغرب قد أخذت تشعر بلذع‬
‫الضياع والية‪ ،‬وتبحث ف لفة عن البديل‪.‬‬

‫ونقول نن ‪ -‬من زاوية رصدنا السلمية ‪ -‬إن الفساد الكب ف النهج الغرب‬
‫هو الستكبار عن عبادة ال‪ ،‬واتاذ آلة أخرى أندادا‪ W‬ل‪ ..‬وهو الداء ذاته التكرر ف‬
‫الاهليات كلها منذ بدء النراف البشري‪.‬‬

‫ويظن بعض البهورين بوضع الغرب السيطر‪ ،‬أن هذا الوصف إن جاز ف حق‬
‫الاهل يات البدائ ية القد ية فل يوز ف حق " ال ضارة الغرب ية العا صرة "‪ ،‬لنه و صف‬
‫متلزم مع ال سذاجة وق لة الع لم وق صور الت صورات‪ ،‬و هذا ك له منت ف‡ بال ضرورة عن‬
‫الذين سخروا طاقة الذرة‪ ،‬ووصلوا عن طريق العقول الليكترونية إل عجائب كانت تعتب‬

‫‪ ()172‬انظر تصرياتم ف كتاب " الستقبل لذا الدين "‪.‬‬

‫)‪(219‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ف الا ضي من الع جزات‪ ..‬وا لذي يل كون من أدوات ال تدمي ما يك في ل تدمي و جه‬
‫الرض!‬

‫ويسن بنا أن نعود مرة أخرى إل التاريخ‪ ،‬لنتتبع جذور النراف الذي أدى ف‬
‫النهاية إل استكبار الاهلية العاصرة عن عبادة ال‪ ،‬واتاذ آلة أخرى أنداد‪X‬ا ل‪ ..‬فربا‬
‫كان العرض التاريي أكثر إقناعا‪ X‬للمبهورين بقوة الغرب الادية‪ ،‬وأ ع‪5‬ون لم على إزالة‬
‫الغشاوة الت تغشى على تفكيهم‪ .‬فقد مر‪ A‬الفكر الورب بجموعة من الختللت ‪ -‬أو‬
‫الشطحات ‪ -‬جعلته يعجز عن التوفيق بي مموعة من " الوافقات " الكائنة ف الفطرة‪،‬‬
‫وينظر إليها على أنا " متناقضات " ل يكن المع بينها‪ ،‬إنا يأخذ النسان مكانه منها‬
‫ع لى أ حد الطرف ي التناق ضي‪ ،‬و يترتب ع لى ال طرف ا لذي ي تاره من ب ي " النقي ضي "‬
‫موقفه من قضايا الوجود كلها‪ ،‬بدءا‪ X‬من موقفه من قضية اللوهية‪ ،‬إل قضية اللق‪ ،‬إل‬
‫ق ضية ا لخلق‪ ،‬إ ل ق ضية الت شريع‪ ،‬إ ل ق ضية الع لم‪ ،‬إ ل ق ضية السيا سة‪ ،‬إ ل ق ضية‬
‫القتصاد‪ ،‬إل قضية الفن‪ ..‬ال‪ ..‬ال‪ ..‬ال‪.‬‬

‫ونتار من بي هذه الختللت الت وقع فيها الفكر الغرب أربعة بالذات‪ ،‬كان‬
‫لا الثر الكب ف تشكيل فكر الاهلية العاصرة وسلوكها وأخلقها‪ ،‬ول يعن هذا أنا‬
‫الختللت الوحيدة ف ذلك الفكر‪ ،‬فهي كثية كثية‪ ،‬ولكن ربا كانت كلها ف النهاية‬
‫راجعة إل الختلت الربعة الكبى الت اخترناها للحديث‪.‬‬

‫أول هذه الختللت‪ :‬ع جز الف كر الغر ب عن التوف يق ب ي فاعل ية قدر ا ل‬


‫وفاعلية النسان‪.‬‬

‫ف في ال فترة الكن سية آ من ال ناس ‪ -‬ب تأثي ال توجيه الكن سي ‪ -‬بفاعل ية قدر ا ل‬
‫الطلقة‪ ،‬على حساب فاعلية النسان‪ .‬فال هو الفعال لا ي‪-‬ريد‪ ،‬وقدره هو النافذ‪ ،‬والكون‬
‫جيعا‪ X‬مسخ‪A‬ر بأمره‪ ،‬والنسان كذلك م‪-‬سخ‪A‬ر بأمر ال‪ ،‬ل يلك من أمر نفسه شيئا‪ ،X‬ول‬
‫من أمر غيه‪ .‬فهو السلبية الكاملة إزاء اليابية الطلقة‪.‬‬

‫ول شك أن فاعلية قدر ال حقيقة أزلية كبى‪ ،‬ل يصح‪ A‬دون التسليم با إيان‪،‬‬
‫ول تسلم عقيدة‪ ،‬ول يستقيم فكر‪ .‬وأي تصور يالف هذه القيقة هو شرك صريح‪.‬‬

‫)‪(220‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ولكن اليان بفاعلية قدر ال ل يكن يتقضي بالضرورة اليان بسلبية النسان‪،‬‬
‫على النحو الذي قدمته الكنيسة ف " عصر اليان "!‬

‫ولقد آمن السلمون إيانا‪ X‬ح̈يا صادقا‪ X‬بفاعلية قدر ال‪ ،‬بل ربا كانوا أصدق المم‬
‫إيانا‪ X‬بذه القيقة‪ ،‬من شدة ما ر‪ -‬ك‪Ý‬ز– عليها ف كتاب ال الكري سواء ف مال اللق أو‬
‫الر‪A‬زق أو إجراء الحداث‪ ،‬أو الحياء والماتة‪ ،‬أو البعث والنشور والساب والزاء‪.‬‬

‫ول كن ال سلمي آم نوا ف ا لوقت ذا ته بفاعل ية النسان! و ل ي كن إيانم بذه‬


‫القيقة من عند أنفسهم‪ ،‬بل بوحي من توجيهات دينهم‪ ..‬ول تناقض بي المرين‪.‬‬

‫فال هو الذي خلق كل شيء وقدر كل شيء‪ ..‬ومن خلق ال وتقديره أنه جعل‬
‫للنسان قدرا‪ X‬من الفاعلية يتار به بي الدى والضلل‪ ،‬ويكون ماسبا‪ X‬على اختياره يوم‬
‫الساب‪:‬‬

‫) ‪%‬ون‪%‬ف‪.‬س‪ p‬و‪%‬م‪%‬ا س‪%‬و‪H‬اه‪%‬ا‪ ،‬ف‪#‬أ‪#‬ل‪.‬ه‪%‬م‪%‬ه‪%‬ا ف‪/‬ج‪-‬ور‪%‬ه‪%‬ا و‪%%‬تق‪.‬و‪%‬اه‪%‬ا‪ ،‬ق‪#‬د‪ 4‬أ‪#‬ف‪.‬ل‪#‬ح‪ %‬م‪%‬ن‪ 4‬ز‪%‬ك‪X‬اه‪%‬ا‪ ،‬و‪%‬ق‪#‬د‪ 4‬خ‪%‬اب‬
‫م‪%‬ن‪ 4‬د‪%‬س‪H‬اه‪%‬ا(‪] .‬سورة الشمس‪ ،‬اليات ‪.[10 - 7‬‬

‫) ‪%‬وق‪ /‬ل) ال‪.‬ح‪ %‬ق_ م) ن‪ 4‬ر‪%‬ب‪s‬ك‪ /‬م‪ 4‬ف‪#‬م‪ %‬ن‪ 4‬ش‪%‬ا̀ء ف‪#‬ل‪ .‬ي‪-‬ؤ‪4‬م)ن‪ 4‬و‪%‬م‪ %‬ن‪ 4‬ش‪%‬ا̀ء ف‪#‬ل‪.‬ي‪%‬ك‪ .‬ف‪/‬ر‪] .(4‬سورة الكهف‪،‬‬
‫الية ‪.[29‬‬

‫) ق‪#‬د‪ 4‬ج‪%‬ا̀ءك‪/‬م‪% 4‬ب ص‪%‬ائ)ر‪ -‬م) ن‪ 4‬ر‪%‬ب‪s‬ك‪ /‬م‪ 4‬ف‪#‬م‪ %‬ن‪ 4‬أ‪#‬ب‪ 4‬ص‪%‬ر‪ %‬ف‪#‬ل)ن‪%‬ف‪ .‬س)ه) و‪%‬م‪ %‬ن‪ 4‬ع‪%‬م) ي‪ %‬ف‪#‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪ 4‬ه‪%‬ا و‪ %‬م‪%‬ا ‪#‬أ ن‪%‬ا‬
‫ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ك‪/‬م‪) 4‬بح‪%‬ف)يظ(‪] .‬سورة النعام‪ ،‬الية ‪.[104‬‬

‫وتاور اليان بفاعلية قدر ال مع اليان بفاعلية النسان ف قلوب السلمي بل‬
‫تعارض ول تناقض )ودع عنك كلم التكلمي ف قضية الب والختيار الت كانت من‬
‫آ ثار ال غزو الف كري وا لغريقي الب كر ف ح ياة ال سلمي‪ ،‬و كانت " كل ما‪ " X‬معل قا‪ X‬ف‬
‫البراج العاجية ل ينل إل واقع الناس(‪ ،‬وانطلق السلمون انطلقتهم الكبى ف الرض‬
‫ف ج يع ال يادين‪ ،‬من ج هاد لن شر ا لدعوة‪ ،‬إ ل ع لم‪ ،‬إ ل سيا سة داخل ية وخارج ية‪ ،‬إ ل‬
‫تارة‪ ،‬إ ل صناعة‪ ،‬إ ل ح ضارة مت عددة ا لوانب‪ ،‬يؤم نون بفاعل ية الن سان ف ا لرض‪،‬‬
‫ويؤمنون ف الوقت ذاته بأن المر كله ل‪ ،‬فيضربون ف الرض‪ ،‬ويأكلون من رزق ال ‪-‬‬
‫كما أمرهم ال ‪ -‬مطمئني ف الوقت ذاته إل قدر ال‪:‬‬

‫)‪(221‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫)ه‪-‬و‪ %‬ال‪X‬ذ)ي ج‪%‬ع‪%‬ل‪ #‬ل‪#‬ك‪/‬م‪ -‬ال‪.‬أ‪#‬ر‪4‬ض‪ %‬ذ‪#‬ل‪/‬ول‪ W‬ف‪#‬ام‪4‬ش‪-‬وا ف)ي م‪%‬ن‪%‬اك)ب)ه‪%‬ا و‪%‬ك‪/‬ل‪/‬وا م)ن‪ 4‬ر)ز‪4‬ق)ه) و‪)%‬إل‪#‬ي‪4‬ه‬
‫الن_ش‪-‬ور(‪] .‬سورة اللك‪ ،‬الية ‪.[15‬‬

‫)ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬آم‪%‬ن‪-‬وا و‪%%‬تط‪.‬م‪%‬ئ)ن_ ق‪/‬ل‪/‬وب‪-‬ه‪-‬م‪ 4‬ب)ذ)ك‪.‬ر) الل‪X‬ه) أ‪#‬ل ب)ذ)ك‪.‬ر) الل‪ X‬ه) ت‪. %‬طم‪%‬ئ)ن_ ا‪.‬لق‪ /‬ل‪/‬وب‪.(-‬‬
‫]سورة الرعد‪ ،‬الية ‪.[28‬‬

‫" واعلم أن ما أصابك ل يكن ليفوتك وأن ما فاتك ل يكن ليصيبك " )‪.(173‬‬

‫و من هذا ال توازن الم يل ف العت قاد‪ ،‬ت قق توازن ج يل ف وا قع ا لرض‪،‬‬


‫فخرجت حضارة تعمل بأقصى طاقتها وفاعليتها ف تعمي الرض‪ ،‬وهي مؤمنة بال‪.‬‬

‫ولكن الفكر الغرب عجز عن الهتداء إل هذا التوافق الميل التوازن‪ ،‬سواء ف‬
‫عهده الكنسي‪ ،‬أو ف عهده التمر‪A‬د على الكنيسة‪..‬‬

‫ف العهد الكنسي كما رأينا آمن بفاعلية قدر ال على حساب فاعلية النسان‪..‬‬
‫فلما احتك الوربيون بالسلمي ف الروب الصليبية وف مال العلم والضارة ف الندلس‬
‫وغيها‪ ،‬انبعثت فيهم الرغبة الياشة ف الياة‪ ،‬وف تعمي الرض‪ ،‬وف كشف ماهيلها‪،‬‬
‫وف مارسة النشاط الذي حر‪A‬مته الرهبانية من قبل‪ ..‬فوجدوا دينهم عائقا‪ X‬عن ذلك كله‪،‬‬
‫فانقلبوا عليه انقلبة كاملة من أقصى اليمي إل أقصى اليسار‪.‬‬

‫من ال يان بفاعل ية قدر ا ل ع لى ح ساب فاعل ية الن سان‪ ،‬إ ل ال يان بفاعل ية‬
‫النسان على حساب فاعلية قدر ال!‬

‫خلل واضح ف كلتا الالتي‪..‬‬

‫والركة " النسانية " الت تولدت عنها " العلوم النسانية " )‪ (174‬ف أوربا هي‬
‫الواقع العملي لذا النقلب ف الفكر الورب‪ ..‬الذي ظل يتزايد ‪ -‬ول يتراجع ‪ -‬إل هذه‬
‫اللحظة‪.‬‬

‫‪ ()173‬أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس‪.‬‬


‫‪ ()174‬ل تقصد أوربا بالعلوم النسانية العلوم التعلقة بالنسان كما نقلناها خطأ ف جامعاتنا! إنا تقصد‬
‫العلوم الت ل يرجع فيها إل الوحي الربان‪ ،‬إنا يرجع فيها إل معلومات النسان وتصورات النسان‪.‬‬

‫)‪(222‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫هي إيان بفاعلية النسان ونبذ لليان بقدر ال! نشأت عنه " حضارة " واسعة‬
‫الطراف‪ ،‬ولكنها كافرة جاحدة بال!‬

‫وهكذا انتقلت أوربا من دين بل حضارة إل حضارة بل دين!‬

‫وكان جوهر اللل الذي وقعت فيه هو اتاذ النسان نفسه ن̈دا ل‪ ،‬واتاذه هواه‬
‫إلا‪ X‬من دون ال!‬

‫) ‪%‬وج‪%‬ع‪%‬ل‪/‬وا )لل‪X‬ه) ‪#‬أن‪4‬د‪%‬اد‪W‬ا )لي‪-‬ض)ل‪Í‬وا ع‪%‬ن‪ 4‬س‪%‬ب)يل)ه)(‪] .‬سورة إبراهيم‪ ،‬الية ‪.[30‬‬

‫)أ‪#‬ف‪#‬ر‪%‬أ‪#‬ي‪4‬ت‪ %‬م‪%‬ن) ات‪H‬خ‪%‬ذ‪) #‬إل‪#‬ه‪%‬ه‪ -‬ه‪%‬و‪%‬اه‪] .(-‬سورة الاثية‪ ،‬الية ‪.[23‬‬

‫وذ لك هو جوهر الاهل ية‪ ،‬سواء الاهل ية البدائ ية ال ساذجة‪ ،‬أو جاهل ية‬
‫"العلم"‪ ،‬و " التمكن "‪ ،‬ف القرن العشرين!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫واللل الثان ف الاهلية العاصرة‪ :‬هو العجز عن التوفيق بي الدنيا والخرة‪،‬‬
‫وبي الادي والروحي ف كيان النسان‪.‬‬

‫ففي الفترة الكنسية آمنت أوربا بالخرة على حساب الدنيا‪ ..‬ونشأت عن ذلك‬
‫الرهبانية وإهال الياة الدنيا‪ ..‬كما آمنت بالانب الروحان من النسان على حساب‬
‫الانب الادي‪.‬‬

‫ول شك أن تعاليم السيح عليه السلم‪ ،‬كانت تثل دفعة روحانية هائلة‪ ،‬وأنا‬
‫كانت تركز الهتمام على لخرة‪.‬‬

‫وهذا أمر منطقي ف كل رسالة ساوية‪ ،‬لن النسان ‪ -‬ف الع تاد ‪ -‬يؤتى من‬
‫استحباب الدنيا على الخرة‪ ،‬وانرافه مع دفعة الشهوات حت تنسيه ربه وآخرته فيجيء‬

‫)‪(223‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫الرسل صلوات ال وسلمه عليهم‪ ،‬لي‪-‬بي‪A‬نوا للناس أن الياة الدنيا متاع الغرور‪ ،‬وأن الخرة‬
‫خي وأبقى‪ ،‬وليدعوا الناس ف الوقت ذاته‪ ،‬إل الرتفاع على ثقلة الشهوات‪.‬‬

‫ولئن كان هذا أ مرا‪ X‬منطق̈يا مع كل ر سالة ساوية‪ ،‬ف قد كان أو جب وأ لزم ف‬
‫رسالة السيح عليه السلم إل اليهود‪.‬‬

‫ذ لك أن الي هود من ب ي كل ا لمم ا لت أر سل إلي ها ر سل من ع ند ا ل‪ ،‬كانوا‬


‫أ شد‪A‬ها ماد ية وق ساوة ق لب وانغما س‪X‬ا ف ح ب‪ A‬ا لدنيا وإ هال ا لخرة‪ ،‬فقد ع بدوا الع جل‬
‫ا لذهب ‪ -‬و ل تزايل هم ع بادة ا لذهب إ ل هذه اللح ظة ‪ -‬وأ ساءوا ا لدب ف حق ا ل‬
‫سبحانه وتعال‪ ،‬فقالوا‪)) :‬إن‪ X‬الل‪X‬ه‪ %‬ف‪#‬ق) ي= ‪%‬ون‪%‬ح‪ 4‬ن‪ -‬أ‪#‬غ‪.‬ن) ي‪%‬اء®(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[181‬‬
‫وتعجرفوا على عباد ال‪ ،‬حت وصفوهم بأنم هم المي الذين خلقهم ال ليكبهم شعب‬
‫ال الختار‪ ،‬وحرصوا على الياة أشد‪ A‬الرص‪% ) :‬ول‪#‬ت‪ %‬ج)د‪%‬ن‪H‬ه‪-‬م‪ 4‬أ‪#‬ح‪4‬ر‪ %‬ص‪ %‬الن‪H‬ا س) ع‪ %‬ل‪#‬ى ح‪ %‬ي‪%‬اة‪.(p‬‬
‫] سورة الب قرة‪ ،‬ال ية ‪ .[96‬وحر‪ A‬فوا ال توراة و س‪Æ‬ي–ر النب ياء ل يبيحوا لنف سهم كل رذي لة‪،‬‬
‫وقالوا‪#) :‬لن‪ 4‬ت‪%‬م‪%‬س‪H‬ن‪%‬ا الن‪H‬ار‪) -‬إل‪X‬ا ‪#‬أي‪H‬اما‪ W‬م‪%‬ع‪4‬د‪-‬ود‪%‬ات‪] .(p‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[24‬‬

‫فلزم لم ‪ -‬ف علم ال ‪ -‬جرعة روحية هائلة‪ ،‬توازن ماديتهم الت غرقوا فيها‪،‬‬
‫وتوجيه‪ Y‬مرك‪m‬ز إل الخرة ليوازن اشتغالم الشديد بالياة الدنيا‪.‬‬

‫ول كن الن صارى ‪ -‬لمر ما ‪ " -‬تاوزوا ال قدار " ف لم ي ستخدموا العلج ف‬
‫م كانه‪ ،‬وبال قدر ا لذي ين شئ ال سلمة وال توازن‪ ،‬وإ نا جن حوا إ ل الر‪A‬وحان ية وإ ل ال عال‬
‫الخر جنوحا‪ X‬أدى بم إل الرهبانية‪ ،‬وإهال مطالب السد وكبتها‪ ،‬وإهال الدنيا وعمارة‬
‫الرض‪.‬‬

‫ونشأن من ذلك اختلل ف حياتم‪ ،‬تثل ف فضائح الديرة‪ ،‬وما حدث فيها من‬
‫الفاسد‪ ،‬وتثل ف التخلف العلمي والادي والضاري‪.‬‬

‫) ‪%‬ور‪%‬ه‪4‬ب‪%‬ان) ي‪H‬ة‪ W‬اب‪ 4‬ت‪%‬د‪%‬ع‪-‬وه‪%‬ا م‪%‬ا ك‪%#‬تب‪4‬ن‪%‬ا ه‪%‬ا ع‪%‬ل‪4 #‬يه) م‪) 4‬إل‪X‬ا اب‪)4‬ت غ‪%‬ا̀ء ر) ض‪4‬و‪%‬ان) الل‪ X‬ه) ف‪ #‬م‪%‬ا ر‪%‬ع‪%‬و‪ 4‬ه‪%‬ا ح‪%‬ق‬
‫ر)ع‪%‬اي‪)%‬ت ه‪%‬ا ف‪#‬آت‪%‬ي‪ 4‬ن‪%‬ا ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬آ ‪%‬م ن‪-‬وا م)ن‪4‬ه‪ -‬م‪# 4‬أج‪4‬ر‪%‬ه‪ -‬م‪ 4‬و‪%‬ك‪#‬ث) ي= م)ن‪4‬ه‪ -‬م‪ 4‬ف‪#‬ا س)ق‪/‬ون(‪ ] .‬سورة الد يد‪ ،‬ال ية‬
‫‪.[27‬‬

‫)‪(224‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وحي احتك النصارى بالسلمي‪ ،‬شهدوا ما كان عليه السلمون يومئذ من نشاط‬
‫موار ف كل التاهات‪ ،‬فتاقت أنفسهم إل مارسة الياة ف عال الواقع‪ ،‬فانقلبوا انقلبة‬
‫كام لة من أقصى اليم ي إ ل أق صى ال شمال! من إ هال ا لدنيا إ ل الفت نة با‪ ،‬ومن إ هال‬
‫السد وكبت رغبائه إل الغراق ف التاع السي‪ ،‬وإهال عال الروح‪.‬‬

‫وف الالي كان هناك خلل ي‪-‬فسد الياة‪.‬‬

‫ولقد تلقى السلمون ف كتاب ربم توجيهات ماثلة لا تلقاه بنو إسرائيل على‬
‫لسان السيح عليه السلم‪ ،‬ولكنهم قط‪ m‬ل ينحوا إل الرهبانية‪ ،‬لنم نوا عنها‪ ،‬و ه‪-‬دوا‬
‫إل الوسطية التوازنة الت ل تنح هنا ول تنح هناك‪.‬‬

‫فلما جاء الر‪A‬هط الثلثة‪ ،‬فقال أحدهم‪ :‬إن أصوم الدهر ول أطر‪ ،‬وقال الخر‪:‬‬
‫إن أقوم الليل ول أنام‪ ،‬وقال الثالث‪ ،‬وأنا ل أتزوج النساء‪ ،‬قال لم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ " :‬أل إن أعبدكم ل )أو قال أتقاكم(‪ ،‬ولكن أصوم وأفطر‪ ،‬وأقوم وأنام‪،‬‬
‫وأتزوج النساء‪ ،‬فمن رغب عن سنت فليس من " )‪.(175‬‬

‫و ه‪-‬دي ال سلمون إ ل ذ لك ال توازن الم يل ب ي ا لدنيا وا لخرة‪ ،‬وب ي الهت مام‬


‫بطالب السد‪ ،‬والهتمام بطالب الروح‪ ،‬فنشأت على أيديهم تلك الضارة الؤمنة الت‬
‫أشرنا إليها مرات عدة‪ ،‬بينما انتقلت أوربا كما أسلفنا‪ ،‬من دين بل حضارة‪ ،‬إل حضارة‬
‫بل دين!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ال لل ال ثالث‪ :‬هو ع جز الف كر الغر ب عن التوف يق ب ي عال الغ يب و عال‬
‫الشهادة‪:‬‬

‫ف الفترة الكنسية‪ ،‬كان اليان بعال الغيب هو " الو العام "‪ ،‬الذي تعيش فيه‬
‫النصرانية‪ :‬اليان بال وملئكته‪ ،‬والوحي والرسالة‪ ،‬واليوم الخر‪ ..‬وما حول ذلك من‬
‫العان‪ ،‬ولكن على حساب الهتمام بعال الشهادة وإدراك أسراره أو الهتمام با‪.‬‬

‫‪ ()175‬أخرجه الشيخان‪.‬‬

‫)‪(225‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫و كل ر سالة ساوية‪ ،‬قد عن يت بالتركيز ع لى عال الغ يب‪ .‬ول غرا بة ف ذ لك‪.‬‬
‫فالبشر عرضة ‪ -‬بسبب ما ركب ف طبائعهم من شهوات ومطالب جسدية ‪ -‬أن ينشغلوا‬
‫ب عال ال شهادة‪ ،‬ا لذي تتح قق ف يه ت لك ال شهوات‪ ،‬وي‪-‬هم لوا عال الغ يب‪ ،‬ا لذي ينح هم "‬
‫النهج "‪ ،‬الذي ينظمون به حياتم‪ ،‬ويترفعون بتطبيقه إل الستوى اللئق بالنسان‪.‬‬

‫ولقد ر كز ال سلم كثيا‪ X‬ع لى عال الغ يب‪ .‬ومن بي المث لة ع لى هذا ا لتركيز‬
‫وصف " التق ي "‪ ،‬ف أول سورة البقرة بأنم )ا ل‪X‬ذ)ين‪- %‬يؤ‪4‬م) ن‪-‬ون‪ #‬ب)ال‪.‬غ‪%‬ي‪4‬ب)(‪ ] .‬سورة البقرة‪،‬‬
‫الية ‪ .[3‬قبل أي وصف آخر‪ ..‬كأن هذه هي صفتهم الول والكبى‪ .‬وإنا لكذلك‬
‫بالفعل فعن طريق اليان بالغيب يؤمنون " بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر‬
‫وال قدر خ يه و شره "‪ - .‬ك ما جاء ف حديث جب يل عل يه ال سلم ‪ -‬و هي القو مات‬
‫الرئيسية لليان‪ ،‬كما أنه عن طريق اليان بالغيب يتلقون منهج حياتم‪ ،‬بميع تفصيلته‪:‬‬

‫)أ‪#‬ف‪#‬م‪ %‬ن‪ 4‬ي‪%‬ع‪4‬ل‪ #‬م‪# -‬أن‪ H‬م‪%‬ا ‪/‬أن‪4‬ز) ل‪ #‬إ)ل‪4 #‬ي ك‪ %‬م) ن‪ 4‬ر‪%‬ب‪ s‬ك‪ %‬ال‪.‬ح‪ %‬ق_ ك‪#‬م‪ %‬ن‪ 4‬ه‪-‬و‪# %‬أع‪ 4‬م‪%‬ى إ)‪H‬نم‪%‬ا ‪%‬يت‪%‬ذ‪#‬ك‪X‬ر‪ -‬أ‪/‬و ل‪/‬و‬
‫ال‪.‬أ‪#‬ل‪.‬ب‪%‬اب)‪ ،‬ال‪X‬ذ)ين‪ %‬ي‪-‬وف‪/‬ون‪) #‬بع‪%‬ه‪4‬د) الل‪X‬ه) و‪%‬ل ي‪%‬ن‪4‬ق‪/‬ض‪-‬ون‪ #‬ال‪.‬م)يث‪#‬اق‪ ،%‬و‪%‬ال‪X‬ذ)ين‪ %‬ي‪%‬ص)ل‪/‬ون‪ #‬م‪%‬ا ‪#‬أم‪%‬ر‪ %‬الل‪X‬ه‪) -‬به) أ‪#‬ن‬
‫ي‪-‬و ص‪%‬ل‪ #‬و‪%%‬يخ‪ 4‬ش‪%‬و‪4‬ن‪ #‬ر‪%‬ب‪H‬ه‪ -‬م‪ 4‬و‪%%‬ي خ‪%‬اف‪/‬ون‪ #‬س‪-‬و̀ء ا‪.‬لح) س‪%‬اب)‪ ،‬و‪%‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬ص‪%‬ب‪%‬ر‪-‬وا اب‪4‬ت) غ‪%‬ا̀ء و‪%‬ج‪ 4‬ه) ر‪%‬ب‪s‬ه)م‬
‫و‪#%‬أق‪#‬ام‪-‬وا الص‪H‬ل ‪#‬ة و‪%‬أ‪4#‬نف‪#‬ق‪/‬وا م)م‪H‬ا ر‪%‬ز‪%‬ق‪.‬ن‪%‬اه‪-‬م‪ 4‬س)ر‪Wm‬ا و‪%‬ع‪%‬لن)ي‪%‬ة‪ W‬و‪%‬ي‪%‬د‪4‬ر‪%‬أ‪/‬ون‪ #‬ب)ال‪.‬ح‪%‬س‪%‬ن‪%‬ة) الس‪H‬ي‪#s‬ئة‪ #‬أ‪/‬ول‪#‬ئ)ك‪ %‬ل‪#‬ه‪-‬م‬
‫ع‪-‬ق‪.‬ب‪%‬ى الد‪H‬ار(‪] .‬سورة الرعد‪ ،‬اليات ‪.[22 - 19‬‬

‫ولكن إ يان السلمي بالغيب‪ ،‬وتع مق هذا اليان ف ك يانم‪ ،‬ب تأثي التوجيهات‬
‫القرآنية‪ ،‬وتوجيهات الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ل ي نع السلمي من الهت مام بعال‬
‫الشهادة‪ ،‬والنطلق فيه بأقصى ما يلك البشر من نشاط‪.‬‬

‫ذ لك لن ال سلم وجه هم إ ل أن مه مة الن سان هي ع مارة ا لرض بقت ضى‬


‫النهج الر بان‪ ،‬وا لمر بالعروف‪ ،‬والنهي عن الن كر‪ ،‬والهاد ف سبيل ا ل‪ ،‬وال شي ف‬
‫م ناكب ا لرض‪ ،‬وال كل من رزق ا ل‪ ،‬وابت غاء ف ضل ا ل ف ا لب والب حر‪ ،‬والن ظر ف‬
‫ملوقات ال )ان‪4‬ظ‪/‬ر‪-‬وا إ)ل‪#‬ى ث‪#‬م‪%‬ر)ه) )إذ‪#‬ا أ‪.#‬ثم‪%‬ر‪ %‬و‪%‬ي‪%‬ن‪4‬ع)ه)(‪] .‬سورة النعام‪ ،‬الية ‪ .[99‬والتدب‪A‬ر ف‬
‫مل كوت ا ل‪ ،‬وال تدبر ف ك تاب ا ل‪#) :‬أف‪#‬ل ‪%‬ي ت‪%‬د‪%‬ب‪H‬ر‪-‬ون‪ #‬ا‪.‬لق‪/‬ر‪4‬آ ن‪# #‬أ م‪% 4‬ع ل‪#‬ى ق‪ /‬ل‪/‬وب‪# p‬أق‪.‬ف‪#‬ال‪ /‬ه‪%‬ا(‪.‬‬
‫]سورة ممد‪ ،‬الية ‪) .[24‬أ‪#‬ف‪#‬ل ي‪%‬ت‪%‬د‪%‬ب‪H‬ر‪-‬ون‪ #‬ا‪.‬لق‪/‬ر‪4‬آن‪ #‬و‪%‬ل‪#‬و‪ 4‬ك‪#‬ان‪ #‬م)ن‪ 4‬ع)ن‪4‬د) غ‪#‬ي‪4‬ر) الل‪X‬ه) ل‪#‬و‪%‬ج‪%‬د‪-‬وا ف)يه‬
‫ا ‪4‬خت)لفا‪ W‬ك‪#‬ث)يا(‪] .‬سورة النساء‪ ،‬الية ‪ .[82‬وإعداد القوة لعداء ال‪ ،‬والجتهاد فيما يد‬
‫من أمور ف حياة الناس‪ ..‬وكل ذلك عمل دائب ف عال الشهادة‪.‬‬

‫)‪(226‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫كما أن السلم من جهة أخرى وجه السلمي إل تدبر السنن الت يري ال با‬
‫أ حداث ال كون ا لادي‪ ،‬وأ حداث ال ياة الب شرية‪ ،‬و هذه ال سنن ف القي قة هي " هزة‬
‫الوصل " بي عال الغيب‪ ،‬وعال الشهادة‪ .‬فال يدب‪A‬ر أمر الكون من عال الغيب‪ ،‬سواء أمر‬
‫ال سموات وا لرض‪ ،‬والن جوم‪ ،‬وال شجر‪ ،‬وا لدواب‪ ..‬أو ح ياة الب شر أ فرادا‪ X‬وجا عات‪،‬‬
‫ولك نه سبحانه وتعال‪ ،‬يدب‪A‬ر أمر ها بقتضى سنن معي نة ثبتها سبحانه‪ ،‬وهو القدير ع لى‬
‫تغيي ها إذا شاء‪ ،‬و خرق معتاد ها إذا شاء‪ .‬وو جه ا ل أن ظار ال سلمي ل تدبر ت لك ال سنن‬
‫ليت‪A‬بوا حياتم بقتضاها‪ .‬ومن ث صارت قلوبم موصولة بعال الغيب‪ ،‬ونشاطهم العملي ‪-‬‬
‫العقلي والسدي ‪ -‬منطلق ف عال الشهادة‪ ،‬ف توازن دقيق جيل أخاذ‪.‬‬

‫ل ينع هم إ يانم ب عال الغ يب من ا تاذ ال سباب‪ ) ،‬بل أ مروا بذلك أ مرا‪ ،(X‬و ل‬
‫تفتنهم السباب الظاهرة‪ ،‬والتعامل الباشر معها‪ ،‬عن اليان بسبب السباب‪.‬‬

‫لذلك أنشأوا ‪ -‬كما سبق القول ‪ -‬حضارتم العمرانية ف جو إيان‪ ،‬وأنشأوا‬


‫حركتهم العلمية كذلك ف جو إيان‪ ،‬بل تكلف ف أيهما‪ ،‬إنا انطلقا‪ X‬من ذلك التوافق‬
‫الباطن الذي يسونه ف أنفسهم بي اليان بعال الغيب‪ ،‬والعمل ف عال الشهادة‪.‬‬

‫ولكن الفكر الغرب عجز عن إياد ذلك التوافق الميل ف جيع أحواله‪.‬‬

‫ف الفترة الكنسية آمن بعال الغيب‪ ،‬وأهل البحث ف عال الشهادة‪ ،‬واكتفى با‬
‫قدمته له الكنيسة من تفسي كل شيء ف عال الشهادة‪ ،‬بأنه ت بشيئة ال وقدره‪ .‬وهو‬
‫قول حق ف ذا ته‪ ،‬ولك نه ل ي شرح لل ناس ال سنن ا لت يري با ا ل ما يدث ف عال‬
‫الشهادة‪ ،‬ول يقول لم‪ :‬إنا سنن ثابتة‪ ،‬ثبتها ال بشيئته الطلقة‪ ،‬بيث يستطيع الناس أن‬
‫يتعرفوا عليها‪ ،‬ويستثمروها‪ ،‬ويرتبوا حياتم عليها‪.‬‬

‫فلما اكتشف نيوتن " قانون السببية "‪ ،‬حدث انقلب كامل ف الفكر الورب‪،‬‬
‫من النقيض إل النقيض‪.‬‬

‫ل قد ك شف " قانون ال سببية " ك ما س‪A‬ته أور با ‪ -‬و كان ال جدر أن ت سميه "‬
‫السنن الكونية " ‪ -‬عن حقائق علمية كانت مهولة لوربا من قبل‪ ،‬وشرح كثي‪X‬ا من "‬
‫الظواهر الطبيعية " ل تكن أوربا تعلم عنها أكثر من أنا تتم بشيئة ال‪ .‬وعندئذ اندفعت‬
‫أوربا ف الطريق الديد‪ ،‬الذي انفتح أمامها‪ ،‬حت نسيت مسبب السباب أو تنكرت له!‬

‫)‪(227‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫يقول جرين برنتون ف كتاب " منشأ الفكر الديث "‪) ،‬ص ‪ 151‬من الترجة‬
‫العربية لعبد الرحن مراد(‪.‬‬

‫" الله ف عرف نيوتن أشبه بصانع الساعة‪ .‬ولكن صانع هذه الساعة الكونية ‪-‬‬
‫ونعن با الكون ‪ -‬ل يلبث أن شد على رباطها إل البد‪ .‬فبإمكانه أن يعلها تعمل حت‬
‫البد‪ .‬أما الرجال على هذه الرض‪ ،‬فقد صممهم الله كأجزاء من آلته الضخمة ليجروا‬
‫عليها‪ .‬وإنه ليبدو أن ليس ثة داع أو فائدة من الصلة إل الله صانع هذه الساعة الكونية‬
‫الضخمة‪ ،‬الذي ل يستطيع ‪ -‬إذا ما أراد ‪ -‬التدخل ف شئون عمله "!!‬

‫وواضح من كلم برنتون‪ ،‬أن أوربا قد اتذت من السبب البا شر بديل‪ W‬من‬
‫مسبب السباب! ومن " الطبيعة " ند¾ا ل!‬

‫ومن النهج التجريب ف البحث العلمي‪ ،‬الذي تعلمته أوربا من السلمي‪ ،‬ومن‬
‫اكت شاف ال سنن الكون ية‪ ،‬ن شأت ف أور با حر كة علم ية ضخمة‪ ،‬ولكن ها ن شأت كافرة‬
‫جاحدة‪ ،‬لعجز أوربا عن التوفيق بي عال الغيب وعال الشهادة‪ .‬وأصبح اليان بالغيب‬
‫ف نظر هم م‪-‬عو‪ A‬قا‪ X‬عن الب حث العل مي‪ ،‬بل م‪-‬ف سد‪X‬ا لروح الب حث! وأ صبح الع لم هو "‬
‫الخ ل‪€‬ص " من جهالة اليان بالغيب‪ ،‬الت ل يتمسك با إل السذج التأخرون‪ ،‬الذين ل‬
‫يرتقوا إل اتاذ روح البحث العلمي!!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫اللل الرابع‪ :‬هو عجز الفكر الغرب عن إياد التوازن بي الثابت والتغي‪.‬‬

‫ف ال فترة الكن سية آم نت أور با بالث بات ف كل شيء‪ :‬ا ل وال كون‪ ،‬وال ياة‬
‫والنسان‪ .‬فال سبحانه وتعال‪ ،‬أزل ل يتغي‪ ،‬والكون منذ خلقه ال على حاله الذي خلق‬
‫عليه‪ .‬والكائنات الية منذ خ‪-‬لقت ل يطرأ عليها تغيي‪ .‬وأوضاع الناس ف الرض حك‪m‬اما‬
‫وم كومي ثاب تة ل تتغ ي‪ .‬الق طاعيون ف ترف هم وتتع هم‪ ،‬وال شعب ف ف قره وع بوديته‪،‬‬
‫وانسحاقه وشقوته‪ ،‬يذهب الفراد وييئون‪ ،‬والوضاع ل تتغي‪ ،‬لنا جزء من قدر ال‬
‫الثابت‪.‬‬

‫)‪(228‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فلما جاءت الداروينية كانت مفاجأة حادة لفكرة الثبات الت آمن الناس با قرونا‬
‫بعد قرون‪.‬‬

‫وأن كر ال ناس النظر ية ف م بدأ ا لمر‪ ،‬وقاومو ها مقاو مة شديدة‪ ،‬خا صة وأ نا‬
‫سلبتهم كرامتهم " النسانية "‪ ،‬الت يعتزون با‪ ،‬وقالت لم‪ :‬إنم قردة متطورة بل زيادة!‬

‫ولكن الدعاية الضخمة الت قام با اليهود للنظرية‪ ،‬والدافع الستمر لا‪ ،‬ل ي‪-‬ثب‪A‬ت‬
‫النظرية ف أذهان الناس فحسب‪ ،‬بل جعلتهم يؤمنون با كأنا حقائق علمية نائية‪ ،‬ل مرد‬
‫" فرض علمي "‪ ،‬ول حت " نظرية علمية "‪ ،‬كما قدمها صاحبها نفسه!‬

‫وانقلب الف كر الورب انقلبة كاملة من أقصى اليمي إ ل أقصى اليسار‪ ،‬كما‬
‫حدث ف كل مرة! فبعد أن كان الثبات هو الصورة الدائمة للشياء‪ ،‬أصبح " التطور "‬
‫هو ال صورة الدائ مة لل شياء‪ ،‬و ل ي عد ه ناك شيء ثابت ع لى ا لطلق ل ال كون‪ ،‬ول‬
‫الياة‪ ،‬ول النسان‪ ،‬ول الدين‪ ،‬ول الخلق‪ ،‬ول فكرة النسان عن ال!‬

‫فالكون الادي تطو‪A‬ر من سدي إل نوم‪ ،‬والياة تطو‪A‬رت من كائن وحيد اللية‬
‫إل نبات إل حيوان إل إنسان‪ .‬والنسان تطو‪A‬ر من كائن شبيه بالقردة يشي على أربع‪،‬‬
‫إل قرد إنسان مستقيم القامة‪ ،‬إل إنسان متوحش‪ ،‬إل إنسان مستأنس‪ .‬والدين تطور من‬
‫ع بادة ا لب إ ل ع بادة ال طوطم‪ ،‬إ ل ع بادة قوى الطبي عة‪ ،‬إ ل ع بادة ا لفلك‪ ،‬إ ل ع بادة‬
‫الصنام‪ ،‬إل عبادة ال الواحد‪ ..‬إل‪ ..‬إل اللاد‪ ،‬والتحول بالكلية عن الدين! والخلق‬
‫ت طورت من أخلق خ شنة عني فة ع ند ال بدائيي‪ ،‬إ ل أخلق " ح ضارية "‪ ،‬حول ود يان‬
‫النار مع تول الناس للزراعة والستقرار ‪ -‬مع حرص شديد على قضية العفة وسيطرة‬
‫الرجل ‪ -‬إل تاون شديد ف قضية العفة وزوال سيطرة الرجل‪ ..‬ث وقفت هناك )‪!(176‬‬

‫وهكذا‪ ..‬وهكذا‪ ..‬ل شيء ثابت على الطلق!‬

‫ول يستطع الفكر الغرب ق ط‪ m‬أن يهتدي إل التوازن الميل الدقيق الذي هدى‬
‫السلم إليه السلمي ف هذه القضية‪ .‬أن ف النفس البشرية وف الياة البشرية أمورا‪ W‬ثابتة‬
‫ل تتغي‪ ،‬ول ي‪-‬ريد ال لا أن تتغي‪ ،‬لنا متعلقة بقائق أزلية كوجود ال سبحانه وتعال‪،‬‬
‫وألوهيته وربوبيته‪ ،‬وتفرده باللوهية والربوبية‪ ،‬أو بأصول ثابتة ف الفطرة‪ ،‬وكل تغيي فيها‬

‫‪ ()176‬نن هنا نتصر مراحل " التطور " الزعومة لن القام ليس مقام التفصيل!‬

‫)‪(229‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫يؤدي إل الفساد‪ ،‬وأمورا‪ W‬أخرى متغية‪ ،‬لنا تتعلق بدى ما ي‪-‬حق‪m‬ق النسان بهده العقلي‬
‫وال بدن من ت سخي لطا قات ال سموات وا لرض‪ ،‬ال سخرة للن سان أصل‪ X‬بقدر من ال‪،‬‬
‫ول كن تق يق الت سخي ي تاج إ ل ع لم‪ ،‬وإ ل ا ستثمار للع لم ف ت صنيع خا مات الطبي عة‬
‫وتسينها وتميلها‪ ..‬وهذه أمور أذن ال فيها بالتغيي لكي ل تمد الياة وتأسن‪.‬‬

‫ولكن " الصول الثابتة " هي الت تكم " الصور " التغية‪ ،‬وليست التغيات‬
‫هي ا لت ت كم ال ثوابت‪ .‬وت لك هي الف كرة الرئيسية ف " الجتهاد "‪ ،‬ل ستنباط أح كام‬
‫متجددة من الصول الواردة ف الشريعة‪ ،‬لواجهة ما يد‪ A‬ف حياة الناس من أمور‪ .‬وبذا‬
‫تنطلق الياة ف تدد دائم‪ ،‬ونو مستمر‪ ،‬دون أن تفقد ارتباطها بالصول الثابتة ف حقائق‬
‫الزل وفطرة النسان )‪.(177‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ت لك أبرز الختلت ف الف كر ا لورب‪ ،‬و هي ك ما ترى اختللت ف العق يدة‪،‬‬
‫وف مقتضيات ل إله إل ال‪ ..‬نشأ عنها فساد ف الفترة الكنسية أدى إل الهل والظلم‬
‫والمود والتخلف‪ ،‬ث نشأت عنها فيما بعد ردود فعل ل تقل فساد‪X‬ا أو ربا كانت أشد‪،A‬‬
‫أدت إل الستكبار عن عبادة ال‪ ،‬واتاذ آلة أخرى أندادا‪ X‬ل‪.‬‬

‫وذلك هو " النهج " الفاسد الذي أفسد حياة الغرب‪ ،‬على الرغم من كل التفوق‬
‫العل مي‪ ،‬والتكنو لوجي‪ ،‬والر ب‪ ،‬والسيا سي‪ ،‬والقت صادي‪ ،‬ا لذي أ حرزه ال غرب أث ناء‬
‫كفره‪ ،‬بسب سنة من سنن ال‪:‬‬

‫)ف‪#‬ل‪#‬م‪H‬ا ن‪%‬س‪-‬وا م‪%‬ا ذ‪/‬ك‪+‬ر‪-‬وا ب)ه) ف‪#‬ت‪%‬ح‪4‬ن‪%‬ا ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه)م‪ 4‬أ‪#‬ب‪4‬و‪%‬اب‪ %‬ك‪/‬ل‪ +‬ش‪%‬ي‪4‬ء‪] .(p‬سورة النعام‪ ،‬الية‬
‫‪.[44‬‬

‫ولكن الفساد اتسعت رقعته فأصبح م‪-‬ؤذنا‪ W‬بالنيار‪ ،‬حسب شهادتم هم على‬
‫أنفسهم‪ .‬ومهما يكن من بطء النيار للسباب الت ألنا إليها‪ ،‬فهو واقع ل مالة لنه‬
‫سنة من سنن ال‪:‬‬

‫‪ ()177‬ي قول " الع لم " ال يوم‪ :‬إن ال كون ا لادي ذا ته " يت طور " بال صورة نف سها‪ ،‬أي أ نه صور متغ ية‬
‫مكومة بقواني ثابتة!‬

‫)‪(230‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫) ‪%‬و ك‪#‬أ‪#‬ي‪s‬ن‪ 4‬م‪ %‬ن‪ 4‬ق‪#‬ر‪ 4‬ي‪%‬ة‪# p‬أم‪4‬ل‪#‬ي‪ 4‬ت‪# -‬ل ه‪%‬ا و‪%‬ه) ي‪ %‬ظ‪#‬ال) م‪%‬ة‪/ I‬ث م‪ H‬أ‪ #‬خ‪%‬ذ‪.‬ت‪-‬ه‪%‬ا و‪%‬إ)ل‪ #‬ي‪ H‬ا‪.‬لم‪ %‬ص)ي‪ ] .(-‬سورة‬
‫الج‪ ،‬الية ‪.[48‬‬

‫) ‪%‬حت‪H‬ى إ)ذ‪#‬ا ف‪#‬ر) ح‪-‬وا )بم‪%‬ا أ‪/‬و ت‪-‬وا ‪#‬أخ‪%‬ذ‪.‬ن‪%‬اه‪-‬م‪ 4‬ب‪%‬غ‪ 4‬ت‪%‬ة‪ W‬ف‪#‬إ)ذ‪#‬ا ه‪ -‬م‪ 4‬م‪-‬ب‪4‬ل) س‪-‬ون‪ ،#‬ف‪#‬ق‪/‬ط) ع‪ %‬د‪%‬اب)ر‪ -‬ا‪.‬لق‪#‬و‪4‬م‬
‫ال‪X‬ذ)ين‪ %‬ظ‪#‬ل‪#‬م‪-‬وا و‪%‬ال‪.‬ح‪%‬م‪4‬د‪) -‬لل‪X‬ه) ر‪%‬ب‪ s‬ال‪.‬ع‪%‬ال‪#‬م)ي(‪] .‬سورة النعام‪ ،‬اليتان ‪.[45 ،44‬‬

‫وليس الذي سينهار دولة بعينها أو شعبا‪ X‬بعينه‪ ،‬حت تأخذ مكانا دولة أخرى أو‬
‫شعب آخر )‪.(178‬‬

‫إ نا ا لذي ف طري قه للن يار هو " الن هج "‪ ..‬من هج ال ستكبار عن ع بادة ا ل‪،‬‬
‫واتاذ آلة أخرى أنداد‪W‬ا ل‪.‬‬

‫ول بد من منهج بديل‪ ..‬فإن الاهلية الاضرة الت فسدت وأفسدت ل تلك‬
‫ل جذر̈يا لشكلتا‪ ،‬لنا تفكر ف ال ل‪ m‬وهي واقعة ف الختللت الت أشرنا إليها‪،‬‬
‫ح‪Ü‬‬
‫فتخرج حلوها مصابة بالختللت ذاتا!‬

‫وال سلم هو الن هج ال بديل‪ ..‬لنه هو الن هج ا لذي أنز له ا ل لي صلح ف ساد‬
‫الاهلية‪:‬‬

‫)الر ك)ت‪%‬اب= أ‪4#‬نز‪%‬ل‪.‬ن‪%‬ا ‪-‬ه إ)‪#‬لي‪4‬ك‪ %‬ل)ت‪-‬خ‪4‬ر)ج‪ %‬الن‪H‬اس‪ %‬م)ن‪ %‬ال ‪Í‬ظل‪/‬م‪%‬ات) )إل‪#‬ى الن_ور) ب)إ)ذ‪.‬ن) ر‪s%‬به)م‪ 4‬إ)ل‪#‬ى‬
‫صر‪%‬اط) ال‪.‬ع‪%‬ز)يز) ال‪.‬ح‪%‬م)يد(‪] .‬سورة ابراهيم‪ ،‬الية ‪.[1‬‬ ‫)‬

‫كل اختللت الاهل ية العا صرة علج ها ف ال سلم‪ ..‬بل ل علج لا إل ف‬


‫السلم‪.‬‬

‫الستكبار عن عبادة ال‪ ،‬واتاذ آلة أخرى أندادا‪ X‬ل ‪ -‬وهو جوهر الفساد كله‬
‫ف الاهلية العاصرة ‪ -‬علجه عبادة ال وحده بل شريك‪ ،‬وهو جوهر السلم‪.‬‬

‫‪ ()178‬قلنا‪ :‬إنه قد يدث انتقال ف مراكز القوة ف أثناء انيار الاهلية‪ ،‬ولكن العبة ف انيار النهج ف‬
‫النهاية‪.‬‬

‫)‪(231‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ال لل ا لذي ن شأ من الع جز عن التوف يق ب ي ال يان بفاعل ية قدر ا ل‪ ،‬وفاعل ية‬


‫الن سان‪ ،‬وا لذي ن شأت ع نه " ال ضارة " ال كافرة‪ ،‬عل جه ذ لك التنا سق ا لدقيق الم يل‬
‫الذي أخرج ف السلم حضارة مؤمنة بال‪.‬‬

‫اللل الذي أنشأه العجز عن التوفيق بي العمل للدنيا والعمل للخرة علجه ف‬
‫هذا التوجيه السلمي‪:‬‬

‫)و‪%‬اب‪%4‬ت غ) ف)ي م‪%‬ا آ ت‪%‬ا ‪%‬ك الل‪ X‬ه‪ -‬ا لد‪H‬ار‪ %‬ا ل‪.‬آخ)ر‪%‬ة‪ #‬و‪%‬ل ت‪%‬ن‪ 4‬س‪% %‬ن ص)يب‪%‬ك‪ %‬م) ن‪ %‬ا لد_ن‪4‬ي‪%‬ا(‪ ] .‬سورة‬
‫القصص‪ ،‬الية ‪.[77‬‬

‫)ه‪-‬و‪ %‬ال‪X‬ذ)ي ج‪%‬ع‪%‬ل‪ #‬ل‪#‬ك‪/‬م‪ -‬ال‪.‬أ‪#‬ر‪4‬ض‪ %‬ذ‪#‬ل‪/‬ول‪ W‬ف‪#‬ام‪4‬ش‪-‬وا ف)ي م‪%‬ن‪%‬اك)ب)ه‪%‬ا و‪%‬ك‪/‬ل‪/‬وا م)ن‪ 4‬ر)ز‪4‬ق)ه) و‪)%‬إل‪#‬ي‪4‬ه‬
‫الن_ش‪-‬ور(‪] .‬سورة اللك‪ ،‬الية ‪.[15‬‬

‫ال لل ا لذي أن شأه الع جز عن التوف يق ب ي عال الغ يب و عال ال شهادة‪ ،‬وا لذي‬
‫نشأت عنه حركة علمية كافرة‪ ،‬علجه ذلك التناسق الذي ت على أيدي السلمي فأنشأوا‬
‫به حركة علمية مؤمنة‪.‬‬

‫واللل ف التوفيق بي الثابت والتغي علجه أن " يتعقل " الناس حي يب‪5‬صرون‬
‫بنور ال‪ ،‬فتذهب عن عقولم لوثة التطور‪ ،‬ويظلون على الرغم من ذلك متحركي وهم‬
‫مستمسكون بالعروة الوثقى‪ ،‬ل انفصام لا‪ ،‬ومهتدون بالنور اللي‪:‬‬

‫)الل‪ X‬ه‪ -‬ن‪-‬ور‪ -‬ال س‪H‬م‪%‬او‪%‬ات) و‪%‬ال‪.‬أ‪#‬ر‪ 4‬ض) م‪%‬ث‪ #‬ل‪ /‬ن‪-‬ور)ه) ك‪#‬م) ش‪4‬ك‪#‬ا ‪p‬ة ف)ي ه‪%‬ا م) ص‪4‬ب‪%‬اح= ال‪.‬م) ص‪4‬ب‪%‬اح‪ -‬ف)ي‬
‫ز‪-‬ج‪%‬ا ج‪%‬ة‪ p‬الز_ج‪%‬ا ج‪%‬ة‪ /‬ك‪#‬أ‪#‬ن‪ H‬ه‪%‬ا ك‪#‬و‪4‬ك‪#‬ب= د‪-‬ر‪ s‬ي‪ -‬ي‪-‬و ق‪#‬د‪ -‬م) ن‪ 4‬ش‪%‬ج‪%‬ر‪p %‬ة م‪-‬ب‪%‬ار‪ %‬ك‪#‬ة‪ p‬ز‪%‬ي‪4‬ت‪-‬و ن‪%‬ة‪ p‬ل ش‪%‬ر‪4‬ق)ي‪H‬ة‪ p‬و‪%‬ل‬
‫غ‪#‬ر‪)4‬بي‪H‬ة‪% p‬يك‪#‬اد‪ -‬ز‪%‬ي‪-4‬ته‪%‬ا ي‪-‬ض)يء® و‪%‬ل‪#‬و‪ 4‬ل‪#‬م‪% 4‬تم‪4‬س‪%‬س‪4‬ه‪ -‬ن‪%‬ار= ن‪-‬ور= ع‪%‬ل‪#‬ى ن‪-‬ور‪ p‬ي‪%‬ه‪4‬د)ي الل‪X‬ه‪ -‬ل)ن‪-‬ور)ه) م‪%‬ن‪ 4‬ي‪%‬ش‪%‬اء‬
‫و‪%%‬يض‪4‬ر)ب‪ -‬الل‪X‬ه‪ -‬ال‪.‬أ‪#‬م‪4‬ث‪#‬ال‪ #‬ل)لن‪H‬اس) و‪%‬الل‪X‬ه‪ -‬ب)ك‪+ /‬ل ش‪%‬ي‪4‬ء‪ p‬ع‪%‬ل)يم(‪] .‬سورة النور‪ ،‬الية ‪.[35‬‬

‫)ف‪#‬م‪ %‬ن‪% 4‬يك‪ .‬ف‪/‬ر‪ 4‬ب)ال ط‪X‬اغ‪/‬وت) و‪ %‬ي‪-‬ؤ‪4‬م)ن‪ 4‬ب)الل‪X‬ه) ف‪ #‬ق‪#‬د) اس‪%4‬تم‪ 4‬س‪%‬ك‪ %‬ب)ال‪.‬ع‪-‬ر‪4‬و‪%‬ة) ا ل‪.‬و‪.-‬ثق‪#‬ى ل ان‪4‬ف) ص‪%‬ام‬
‫خر)ج‪-‬ه‪-‬م‪ 4‬م)ن‪ %‬الظ‪Í‬ل‪/‬م‪%‬ات) إ)ل‪#‬ى الن_ور) و‪%‬ال‪X‬ذ)ين‬ ‫‪#‬له‪%‬ا و‪%‬الل‪X‬ه‪ -‬س‪%‬م)يع= ‪%‬عل)يم=‪ ،‬الل‪X‬ه‪ -‬و‪%‬ل)ي_ ال‪X‬ذ)ين‪ %‬آ ‪%‬من‪-‬وا ي‪4 -‬‬
‫خر)ج‪-‬ون‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬م)ن‪ %‬الن_ور) )إل‪#‬ى الظ‪Í‬ل‪/‬م‪%‬ات(‪] .‬سورة البقرة‪ ،‬اليتان‬ ‫ك‪#‬ف‪#‬ر‪-‬وا ‪#‬أو‪4‬ل)ي‪%‬اؤ‪-‬ه‪-‬م‪ -‬الط‪X‬اغ‪/‬وت‪ -‬ي‪4 -‬‬
‫‪.[257 ،256‬‬

‫)‪(232‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وهكذا‪ ،‬ل يوجد بديل من النهج الفاسد إل النهج الربان التمثل ف السلم‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ول خطر من السلم على " الضارة "!‬

‫إن السلم لن يارب التقدم العلمي والتكنولوجي ول ثار الضارة الادية‪.‬‬

‫ولكنه عن يقي سيغي ما بأنفس الناس‪ ،‬وسيغي نظرتم إل الشياء‪.‬‬

‫فأما إيابيات هذه الضارة الاهلية فسيبقيها السلم‪ ،‬ولكنه سيصحح قاعدتا‪،‬‬
‫كما استبقى السلم ما كان ف الاهلية العربية من فضائل‪ ،‬ولكنه ف الوقت ذاته صحح‬
‫قاعدته‪.‬‬

‫ل قد كان ع ند ال عرب ف الاهل ية كرم و شجاعة‪ ،‬ول كن الاهل ية كانت قد‬


‫أف سدت قا عدتما‪ ،‬فجع لت ال كرم إنفا قا‪ X‬لل مال رئاء ال ناس‪ ،‬وجع لت ال شجاعة ح ية‬
‫جاهل ية‪ .‬فأبقى ال سلم ال كرم وال شجاعة‪ ،‬لن ما من أخلق ياته ال صيلة‪ ،‬ث صحح‬
‫قاعدتما لي‪-‬صبح الكرم إنفاقا‪ X‬ف سبيل ال‪ ،‬والشجاعة جهادا‪ X‬لتكون كلمة ال هي العليا‪.‬‬

‫وكذلك يفعل السلم بفضائل الاهلية العاصرة‪ :‬اللد على العمل‪ ،‬وعبقرية‬
‫التنظ يم‪ ،‬وا لروح العلم ية ف ت ناول ال شكلت‪ ،‬وماو لة إ ياد ال لول العمل ية لا‪ ..‬كل‬
‫ذ لك يافظ عل يه ال سلم‪ ،‬لنه مت فق مع أ صول د عوته‪ ،‬ولك نه س‪-‬ي صحح قا عدته فل‬
‫يكون المر لتاع الياة الدنيا وحده‪ ،‬وعلى غي أسس " أخلقية "‪ .‬إنا يكون عبادة ل‪،‬‬
‫وعمارة للرض بقتضى منهج ال‪ ،‬فيتوافر فيه من الي والبكة أضعاف ما هو حاصل‬
‫اليوم ف الرض‪.‬‬

‫وأما الفساد فل يتقبله السلم‪ .‬سواء كان الفساد كفرا‪ X‬بال وجحودا‪ X‬بآياته‪ ،‬أو‬
‫تلل‪ X‬خلق̈يا‪ ،‬أو ظل ما سيا س̈يا أو اجتماع̈يا أو اقت صاد̈يا نا شئا‪ X‬ك له من تك يم شرائع غ ي‬
‫شريعة ال‪ ،‬أو فكر̈يا أو فن̈يا ناشئا‪ X‬من اتباع الوى الذي يضل عن سبيل ال‪:‬‬

‫)‪(233‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫)و‪%‬ل ت‪%‬ت‪H‬ب)ع) ال‪.‬ه‪%‬و‪%‬ى ف‪#‬ي‪-‬ض)ل‪X‬ك‪ %‬ع‪%‬ن‪ 4‬س‪%‬ب)يل) الل‪X‬ه) إ)ن‪ X‬ال‪X‬ذ)ين‪ %‬ي‪%‬ض)ل‪Í‬ون‪ #‬ع‪%‬ن‪ 4‬س‪%‬ب)يل) الل‪X‬ه) ل‪#‬ه‪-‬م‬
‫ع‪%‬ذ‪#‬اب= ش‪%‬د)يد= )بم‪%‬ا ‪%‬نس‪-‬وا ي‪%‬و‪4‬م‪ %‬ا‪.‬لح)س‪%‬اب(‪] .‬سورة ص‪ ،‬الية ‪.[26‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫السلم هو النهج البديل‪ ،‬الذي ي‪-‬صحح انرافات الاهلية‪..‬‬

‫ولكنه ل ي–ب ل”غ إل الناس على حقيقته حت يمله قوم يعيشون به‪ ،‬ويعيشون له‪،‬‬
‫ويعرضونه على الناس من خلل قوة واقعية‪ ،‬ومن خلل واقع مك‪€‬ن ف الرض‪.‬‬

‫صحيح أن بضعة ألوف‪ ،‬أو بضعة مئات من اللوف ف أوربا وأمريكا قد دخلوا‬
‫ف السلم‪ ،‬فرارا‪ X‬إليه من لذع الضياع والية‪ ،‬الذي يأكل حياة الناس ف الغرب‪ ،‬ويكاد‬
‫يسلمهم إل النون‪.‬‬

‫ولكن الذين يبحثون عن الق‪ ،‬ويهتدون إليه من ذوات أنفسهم‪ ،‬قلة دائما‪ X‬ف‬
‫التاريخ‪.‬‬

‫و لو و جد ال ناس ف ال غرب ال يوم ‪ -‬ف حي تم و عذابم ‪ -‬نوذ جا‪ W‬إ سلمي¾ا‬


‫صحيحا‪ W‬م‪-‬مك‪€‬نا‪ W‬ف الرض‪ ،‬لكان الفروض أن يدخلوا فيه بالليي بدل‪ X‬من اللوف‪.‬‬

‫ولكن الذي يصد‪A‬هم عن الق هو الواقع السيئ الذي يعيشه السلمون اليوم‬
‫نتيجة بعدهم عن السلم وتفريطهم فيه‪ ،‬والصورة النفرة الت يعطيها ذلك الواقع‪.‬‬

‫من أجل ذلك نفرح بالصحوة السلمية‪ ،‬ونراها خط‪Ü‬ا بارزا‪ X‬من خطوط الاضر‪،‬‬
‫وخط‪Ü‬ا بارزا‪ X‬من خطوط الستقبل التوقع كذلك‪.‬‬

‫ونرى ف الوقت ذاته أن هذا الوضع يفرض على الصحوة تبعات جسيمة‪ ،‬ل بد‬
‫أن ت كون كفئا‪ X‬لا‪ ،‬لت قوم باله مة الطلو بة من ها‪ ،‬ل ع لى ن طاق ال عال ال سلمي و حده‪،‬‬
‫ولكن على نطاق الرض كلها‪ ..‬الرض الت أفسدتا الاهلية‪.‬‬

‫)‪(234‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فأما كون الصحوة السلمية خط‪Ü‬ا بارزا‪ X‬من خطوط الاضر‪ ،‬فلن العداء كانوا‬
‫قد فعلوا كل ما ف وسعهم للقضاء على السلم‪ ،‬من غزو عسكري‪ ،‬وضغط سياسي‬
‫واقت صادي‪ ،‬و غزو ف كري‪ ،‬وإ ثارة للن عرات القوم ية والوطن ية لت فتيت و حدة ال سلمي‪،‬‬
‫وتقطيع أوصالم‪ ،‬وتربية أجيال من السلمي ل تعرف شيئ‪X‬ا عن السلم إل الشبهات الت‬
‫يثيها البشرون والستشرقون وتلميذهم من " الفكرين السلميي!! "‪.‬‬

‫ث كانت الفاجأة لم ‪ -‬وللعال كله ‪ -‬بعد هذا الهد البذول كله هي الصحوة‬
‫السلمية! )‪.(179‬‬

‫لذلك ننظر إليها على أنا قدر ال الغالب‪:‬‬

‫)و‪%‬الل‪ X‬ه‪ -‬غ‪#‬ال)ب= ع‪ %‬ل‪#‬ى ‪#‬أم‪4‬ر) ه) و‪%‬ل‪#‬ك) ن‪ H‬أ‪#‬ك‪ .‬ث‪#‬ر‪ %‬الن‪H‬ا س) ل ‪%‬يع‪4‬ل‪ #‬م‪-‬ون‪] .(#‬سورة يوسف‪ ،‬الية‬
‫‪.[21‬‬

‫و كذلك نتط لع إلي ها ف ث قة بأ نا ستكون بإذن ا ل من ال طوط ال بارزة ف‬


‫الستقبل الواقع‪ ،‬لنا برزت إل الوجود ف الوقت الذي بدأ عوار الاهلية يظهر للعيون‪،‬‬
‫وبدأ الناس يلتفتون حولم باحثي عن منهج بديل! فهي إذن حركة ذات دللة تاريية‪،‬‬
‫وليست مرد حركة ملية ف بلد من البلدان‪.‬‬

‫ول يغيب عن بالنا على أي حال أن مرد فساد النهج القائم اليوم ف الرض‪،‬‬
‫ومرد وجود البديل الصحيح‪ ،‬ل يؤدي بذاته إل أن ينبذ الناس النهج الفاسد ويتجهوا إل‬
‫النهج الصحيح!‬

‫كل! حت يم له قوم يعي شون به ويعي شون له‪ ،‬فيقن عون به و جدان ال ناس ل‬
‫عقولم فحسب‪ ،‬ويذبونم إليه جذب‪X‬ا من خلل النموذج الواقعي‪ ،‬كما فعل السلمون‬
‫الوائل حي كان السلم غريبا‪ X‬ف الرض أول مرة‪:‬‬

‫" بدأ السلم غريبا‪ ،W‬وسيعود غريبا‪ W‬كما بدأ‪ ،‬فطوب للغرباء " )‪.(180‬‬

‫‪ ()179‬انظر – إن شئت – فصل " الصحوة السلمية " من كتاب " واقعنا العاصر "‪.‬‬
‫‪ ()180‬أخرجه مسلم‪.‬‬

‫)‪(235‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫والغربة الثانية هي الت يعانيها السلم ف الرض اليوم‪ ،‬وهي ف حاجة إل جهد‬
‫شبيه بالهد الول‪ ،‬يزيل الغربة بإذن ال‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وهنا يتساءل كثي من الناس‪ :‬هل تعي الصحوة السلمية مهمتها؟ وهل هي‬
‫سائرة ف الطريق الذي يوصلها؟ هل لديها " خطة " لاضرها أو مستقبلها؟ أم تعيش ‪-‬‬
‫كما تعيش بقية المة ف الوقت الاضر ‪ -‬ارتال‪ X‬عفويا‪ X‬ليست له أهداف واضحة ول‬
‫خطة مرسومة؟!‬

‫وما نريد أن نتعجل الجابة على هذه السئلة‪ ،‬وما نريد كذلك أن نتحدث عن‬
‫جا عة بعين ها من الما عات ال سلمية العام لة ف ح قل ا لدعوة‪ ،‬بل نوجه ا لديث إ ل‬
‫الم يع‪ ،‬لن تدارس م عا‪ X‬ما هو مط لوب م ن‪A‬ا ف الا ضر و ف ال ستقبل‪ ،‬و ما يواجه نا من‬
‫عقبات‪.‬‬

‫يقول تعال مبي×نا‪ X‬أدب الدخول إل بيوت الناس‪:‬‬

‫) ف‪#‬إ)ذ‪#‬ا د‪%‬خ‪%‬ل‪.‬ت‪ -‬م‪ 4‬ب‪-‬ي‪-‬و تا‪ W‬ف‪ #‬س‪%‬ل‪+‬م‪-‬وا ع‪ %‬ل‪#‬ى ‪#‬أن‪4‬ف‪ /‬س)ك‪/‬م‪% 4‬تح) ي‪H‬ة‪ W‬م) ن‪ 4‬ع) ن‪4‬د) الل‪ X‬ه) م‪-‬ب‪%‬ار‪ %‬ك‪#‬ة‪ W‬ط‪s#‬ي ب‪%‬ة‬
‫ك‪#‬ذ‪)#‬لك‪ %‬ي‪%-‬بي‪s‬ن‪ -‬الل‪X‬ه‪ -‬ل‪#‬ك‪/‬م‪ -‬ال‪.‬آيات) ل‪#‬ع‪%‬ل‪X‬ك‪/‬م‪% 4‬تع‪4‬ق)ل‪/‬ون(‪] .‬سورة النور‪ ،‬الية ‪.[61‬‬

‫والقصود بطبيعة الال‪ :‬فسلموا على أ هل البيت الذي تدخلونه‪ .‬ولكن التعبي‬
‫بأنف سكم ت عبي ج يل موح‡‪ ،‬يوحي بالو حدة النف سية وال شعورية‪ ،‬ا لت ت مع ا لداخلي‬
‫والدخول إليهم‪ ،‬فحي ي‪-‬سل‪m‬م النسان على " غيه " فكأنا يسل‪m‬م على " نفسه " من شدة‬
‫القرب‪ ،‬ومن وحدة الطريق‪.‬‬

‫ونر يد ‪ -‬بذه ا لروح ‪ -‬أن نت حدث إ ل أنف سنا‪ ،‬لنت عرف ع لى مه مة ال صحوة‬
‫السلمية‪ ،‬والصورة الت ينبغي أن تكون عليها‪.‬‬

‫إننا حي نقول‪ :‬إنه ل بد لنجاح العمل السلمي من تربية قاعدة صلبة مؤمنة‬
‫ماهدة واعية‪ ،‬يتضجر بعض الناس ويقولون‪ :‬إنكم تطالبون مثاليات ل تقبل التحقيق ف‬

‫)‪(236‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫الوضع الراهن‪ ،‬فكأنكم تدعون إل تعطيل العمل السلمي حي تعلقونه على هذا الطلب‬
‫الصعب! كما أنكم تذ‪m‬لون العاملي ف حقل الدعوة وتيئسونم من الوصول إل تقيق‬
‫أهدافهم!‬

‫ف حي أن الذي ن‪-‬نادي به ضرورة ل غن عنها على الطلق!‬

‫ون بدأ بت صحيح ف كرة تن شأ ع ند ب عض ال ناس ح ي ي سمعون هذه الكل مات‪ ،‬إذ‬
‫يظ نون أن الط لوب هو ترب ية كل النت سبي إ ل ا لدعوة ع لى هذا ال ستوى‪ ،‬ا لذي يرو نه‬
‫مثال̈يا غي قابل للتحقيق!‬

‫ونسارع فنقول‪ :‬إن هذا مستحيل!‬

‫فمجتمع الرسول صلى ال عليه وسلم نفسه ل يكن كله على مستوى القاعدة‬
‫الت تربت ف بيت ابن الرقم ف مكة‪ ،‬والت ترب عليها النصار بعد ذلك ف الدينة‪ ،‬فقد‬
‫كان فيهم ‪ -‬كما قلنا ف غي هذا الكتاب )‪ - (181‬ضعاف اليان‪ ،‬والث‪m‬اقلون والعوقون‪،‬‬
‫والبطئون‪ ،‬والنافقون‪ ،‬وغيهم من الفئات الت تارس السلم على عوج‪.‬‬

‫ول كن القا عدة ا لت ربا ها الر سول صلى ا ل عل يه و سلم‪ ،‬كانت من ال قوة‬
‫والصلبة بيث حلت هؤلء جيعا‪ W‬وسارت بم إل الدف القصود‪.‬‬

‫والذي نريده اليوم وننادي به هو تربية " القاعدة "‪ ،‬الت تمل ضعاف اليان‬
‫والث‪m‬اقلي والعوقي والبطئي والنافقي‪ ،‬وتتحرك بم نو الدف‪ ،‬وهذا المر ليس " مثال̈يا‬
‫" ول هو غي قابل للتحقيق‪ ..‬وإذا ثبت أنه غي قابل للتحقيق فعل‪ ،X‬فمعن ذلك أن العمل‬
‫السلمي ذاته هو كذلك غي قابل لتحقيق أهدافه!! وحاشا ل أن يكون ذلك كذلك!‬

‫كيف نطمع ف دعوة الناس إل السلم إذا كنا نن ‪ -‬الدعاة ‪ -‬غي مطبقي‬
‫له ف ذوات أنفسنا؟‬

‫كيف ندعو الناس إل أخلقيات ل إله إل ال إذا كنا نن أنفسنا غي متخلقي‬


‫با؟‬

‫‪ ()181‬ف كتاب " مفاهيم ينبغي أن ت‪-‬صحح "‪.‬‬

‫)‪(237‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫كيف ندعوهم إل الثبات إذا كنا نن ل نثبت؟ وكيف ندعوهم إل الصدق إذا‬
‫سوغنا لنف سنا أن ن كذب؟ ك يف ندعوهم إ ل الت جرد ل إذا كانت ذوات نا هي مور‬
‫تركنا؟ ومصالنا الذاتية هي الت ت‪-‬حدد مواقفنا وأعمالنا؟‬

‫أو ليست هذه بديهية من بديهيات العمل السلمي؟! أفإن نادينا بضرورة التربية‬
‫لتلف هذه السلبيات نكون منادين بثاليات غي قابلة للتحقيق؟!‬

‫)ي‪%‬ا أ‪_#‬يه‪%‬ا ال‪X‬ذ)ين‪ %‬آم‪%‬ن‪-‬وا ل)م‪ %‬ت‪%‬ق‪/‬ول‪/‬ون‪ #‬م‪%‬ا ل ‪%‬تف‪.‬ع‪%‬ل‪/‬ون‪ ،#‬ك‪-#‬بر‪ %‬م‪%‬ق‪.‬تا‪ W‬ع)ن‪4‬د‪ %‬الل‪X‬ه) أ‪#‬ن‪ .‬ت‪%‬ق‪/‬ول‪/‬وا م‪%‬ا‬
‫ل ‪%‬تف‪.‬ع‪%‬ل‪/‬ون(‪] .‬سورة الصف‪ ،‬اليتان‪.[3 ،2 :‬‬

‫كب مقتا‪ X‬لنه يكون صد¾ا عن سبيل ال‪ ،‬بدل‪ X‬من أن يكون دعوة إل ال!‬

‫والشاعر يقول‪:‬‬

‫ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالا تفى على الناس تعلم )‪!(182‬‬

‫ن ستطيع أن ن‪-‬خ في حقي قة أنف سنا ف خط بة حا سية بلي غة‪ ،‬أو موع ظة مؤثرة‪ ،‬أو‬
‫ماضرة " قيمة "‪ ،‬أو كتاب نؤلفه‪.‬‬

‫ولكن الدعوة ليست خطبا‪ X‬ول مواعظ ول ماضرات ول كتبا‪ - X‬وإن كانت هذه‬
‫كل ها أدوات ناف عة مطلو بة ل لدعوة ‪ -‬إ نا ا لدعوة قدوة و صحبة وترب ية‪ ..‬ه كذا عل‪m‬م نا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهكذا ينبغي أن يكون فهمنا لقيقة الدعوة )‪.(183‬‬

‫وف الصحبة الطويلة الت تقتضيها عملية الدعوة ‪ -‬أي تقتضيها عملية التربية ‪-‬‬
‫ي ستحيل علي نا أن ن في حقي قة أنف سنا‪ ،‬ول بد أن " ننك شف " أ مام ا لذين يتل قون م نا‪.‬‬
‫فكيف إذا اكتشفوا ذات يوم أننا كنا " ندعهم "‪ ..‬أننا كنا ندثهم بعان نفتقدها نن‪،‬‬
‫أو نشتمل على أضدادها؟ كيف تكون الصدمة؟ وكيف تكون النتيجة؟‬

‫‪ ()182‬هو زهي بن أب سلمى‪.‬‬


‫‪ ()183‬ف النية إصدار بث بعنوان " كيف ندعو الناس "‪.‬‬

‫)‪(238‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫إن ترب ية " القا عدة " ع لى أخلق يات ل إ له إل ال‪ ،‬أ مر بالغ اله ية حت ف‬
‫مرحلة الدعوة قبل أن يكون لنا تكي ف الرض‪.‬‬

‫بل ربا كانت ف تلك الرحلة ألزم‪ ،‬لنا هي الت تعل نو " الماعة " يسي ف‬
‫خطه الصحيح‪ .‬وإل فلنتصور إقبال الشباب على الدعوة ‪ -‬كما هو حادث اليوم ‪ -‬بغي‬
‫دعاة يستقبلونم‪ ،‬ويقومون على تربيتهم وتوجيههم وترشيدهم وهدايتهم‪ ..‬كيف يكون‬
‫الال؟ تتضخم الماعة ولكن على خواء! أو تتضخم ولكن على عوج! وعندئذ تكون‬
‫عبئا‪ X‬معو‪A‬قا‪ X‬أكثر ما تكون قوة دافعة!‬

‫و " الدعاة " الذين يستقبلون الشباب القبل على الدعوة‪ ،‬هم " القاعدة " الت‬
‫نتحدث عن ضرورة العناية با‪ ،‬وإنشائها على أساس متي من اليان والوعي والتجرد ل‬
‫والصدق مع ال‪ ،‬والستعداد للبذل ف سبيل ال‪ .‬أفإن نادينا بضرورة تربية تلك القاعدة‬
‫على أعلى مستوى يقال‪ :‬إننا ننادي بثاليات غي قابلة للتحقيق؟!‬

‫* ولنضرب بعض المثلة من بعيد‪ ..‬دون أن نوض ف تفصيل طويل ل مال له‬
‫ف هذا البحث‪..‬‬

‫كان ر سول ا ل صلى ا ل عل يه و سلم‪ ،‬ي‪-‬ر ب‪m‬ي أ صحابه ليكو نوا ج نودا‪ X‬مل صي‪،‬‬
‫وليكو نوا ف ا لوقت ذا ته قادة إذا و ضعوا ف ال كان ا لذي ي تاج إ ل الق يادة وت مل‬
‫السئولية‪.‬‬

‫وكان صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وهو أعظم مر ب‡ ف تاريخ البشرية ‪ -‬ي ك‪m‬ن لذا‬
‫الدف الزدوج‪ ،‬بأن يؤكد على ضرورة السمع والطاعة ف النشط والكره‪ ،‬ومهما تكن‬
‫الواقف الذاتية والفكار الاصة‪ ،‬وف الوقت ذاته كان عليه الصلة والسلم‪ ،‬يكثر من‬
‫استشارة أصحابه ‪ -‬وهو النب اللهم الذي يتنل عليه الوحي ‪ -‬ل لاجته إل الستشارة‬
‫‪ -‬والوحي يلهمه بالعمل الطلوب‪ ،‬ويصحح مسار التصرف إن وقع على خلف الول‪،‬‬
‫كما حدث مع العمى )ابن أم مكتوم(‪ ،‬وكما حدث ف قضية السرى ف بدر ‪ -‬ولكنه‬
‫كان يهدف بكثرة استشارة أصحابه إل تربية شخصياتم‪ ،‬وإعدادهم ليكونوا " صف‪c‬ا‬
‫ثانيا‪ " W‬للدعوة‪ ،‬وقادة يعتمد عليهم ف الواقف‪ ..‬وكذلك كان صحابة رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬من بعده‪.‬‬

‫)‪(239‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فهل نتبع نن ‪ -‬ف الماعات القائمة بالعمل ف حقل الدعوة ‪ -‬هذا الدي‬
‫الن بوي؟ أم إن نا ‪ -‬ل ظروف خا صة تف سر ول تبر ‪ -‬نت كئ ع لى م بدأ ال سمع والطا عة‪،‬‬
‫ونمل عملية الشورى أو نصرها ف أضيق نطاق؟!‬

‫وأي دو لة ندف ‪ -‬ف أذهان نا ‪ -‬إ ل إن شائها بذا ال لون من التربية؟ أهي دولة‬
‫ال شورى ال سلمية ا لت أبرزت أروع ناذج ها ف الل فة الرا شدة؟ أم دو لة ال ستبداد‬
‫السياسي الت تريد أن تأمر فتطاع‪ ،‬والت تضيق بالنصيحة الت أمر ال المة بتقديها لول‬
‫المر فيها؟ وبعبارة أخرى‪ :‬هل نريد أن ننشئ حكومة راشدة أم نريد أن نضيف ط”غاة‬
‫جددا‪ X‬إل السلسلة الطويلة من الطغاة؟!‬

‫وهذا مرد مثال‪..‬‬

‫وهذا مثال آخر ف مال بعيد تاما‪ X‬عن الول‪ ،‬يسبه كثي من الناس أمرا‪ X‬ثانو̈يا‬
‫هام ش̈يا ل ي ستحق اللت فات إل يه ف و سط جديات ا لمور!! ون قول نن‪ :‬لو كان أ مرا‬
‫ثانو̈يا هام ش̈يا ما أوله رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬العناية الت تتحدث عنها كتب‬
‫السية!‬

‫أشرنا من قبل إل أن البيئة الت انتشر فيها السلم ‪ -‬بقدر من ال ‪ -‬يقع معظمها‬
‫ف النطقة الارة والنطقة العتدلة الارة‪ ،‬وأن من صفات هذه البيئة أنا فوضوية تكره‬
‫النظام‪ ،‬عفوية تكره التخطيط‪ ،‬قصية النفس‪ ،‬تشتعل بسرعة وتنطفئ بسرعة‪ ،‬وأن السلم‬
‫تسلم أبناء هذه البيئة ‪ -‬بأحوالم تلك ‪ -‬فأخرج منهم ‪ -‬على يدي رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ -‬خي أمة أخرجت للناس‪ .‬وأنه لا خفت قبضة السلم على النفوس رجع‬
‫أ هل هذه ا لبيئة إ ل تأثراتم البيئ ية‪ ،‬ف عادوا فو ضويي ار تاليي ق صيي الن فس سريعي‬
‫الماسة سريعي النطفاء‪.‬‬

‫واليوم يقال‪ :‬إن هذه عيوب " حضارية " تتسم با البلد التخلفة‪ ،‬وإنه ل بد من‬
‫القضاء عليها إن أردنا أن يكون لنا مكان بي الشعوب " التحضرة "!‬

‫وأ̈يا ت كن الن ظرة إليها فهي ع يوب حقيقية تتاج إل " ترب ية " للقضاء عليها‪.‬‬
‫وقد فشلت الحزاب السياسية‪ ،‬سواء " الليبالية "‪ ،‬أو الشتراكية‪ ،‬ف القيام بذه الهمة‬

‫)‪(240‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫خلل قرن كامل من الزمان إن ل يكن أكثر‪ ..‬وبقيت الماعات السلمية هي المل‬
‫الذي يكن أن ي‪-‬لجأ إليه‪.‬‬

‫ف هل عم لت الما عات ال سلمية ح سابا‪ W‬لذا ا لمر ف من هج تربيت ها‪ ..‬ع لى‬
‫القل ف " القاعدة " الت تر‪m‬ج الدعاة؟!‬

‫فأ ما الما عات ا لت أن شأت تنظي مات " ع سكرية "‪ ،‬ف قد ر كزت ع لى ا لانب‬
‫التنظيمي دون شك‪ .‬ولكن ليس هذا هو الذي نقصده‪ .‬إنا نقصد أن يكون الفرد العادي‬
‫من الدعاة منظما‪ W‬مرتبا‪ .‬ينظم وقت عبادته ووقت عمله ووقت راحته‪ ،‬ووقت اطلعه‪،‬‬
‫ووقت زياراته‪ ،‬ووقت رياضته‪ ،‬وينظم ملبسه‪ ،‬وأدواته‪ ،‬ويضبط مواعيده فل يعطي وعدا‬
‫ويلفه‪ ،‬ول يذهب لزيارة الناس دون أن يستوثق من مناسبة الوقت الذي اختاره للزيارة‪،‬‬
‫ويضبط كلمه فل يقول إل ما هو متثبت منه‪ ،‬وما يعتقد أنه حق‪ .‬وينظم تفكيه فل يقفز‬
‫إ ل نتي جة ل يؤ يدها دل يل‪ ،‬ول ي عل هوى نف سه ي شوش ع لى تفك يه‪ .‬ويت عود التاب عة‬
‫والثابرة فل يندفع اليوم وتمد حاسته غدا‪.‬‬

‫هل جعلنا هذا ف حسابنا ف تربية القاعدة الت يفترض فيها غدا‪ W‬أن ترب بقية‬
‫المة؟!‬

‫وهل هذه مثاليات غي قابلة للتحقيق؟ فكيف إذن ترب الاهلية العاصرة أبناءها‬
‫عليها حت ت‪-‬صبح جزء‪õ‬ا عاد̈يا من كيانا؟ ولاذا نستكثر على أنفسنا أن نبذل الهد ف‬
‫تربية القاعدة على هذه الخلقيات الت كانت ف حس السلمي الوائل وثيقة الصلة بل‬
‫إله إل ال؟ وكان قدوتم فيها هو رسول ال؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وننتقل خطوة أخرى‪..‬‬

‫كيف نطمع ف إقامة " حكم إسلمي "‪ ،‬إن ل نرب مثل هذه القاعدة؟!‬

‫)‪(241‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫يقو لون‪ :‬إن شذاذ ال فاق يقو مون بانقل بات ع سكرية ناج حة‪ ،‬وي صلون إ ل‬
‫ال كم و هم ل أخلق لم‪ ،‬ول خبة ول قوا عد شعبية‪ ،‬فل ماذا ي شترط علي نا و حدنا أن‬
‫نكون ذوي أخلق معينة‪ ،‬أو على مستوى معي من صلبة التكوين؟!‬

‫فن قول‪ :‬أول‪ ،W‬إن هؤلء ل ينج حون ف انقل باتم ب صائص ذات ية في هم‪ ،‬إ نا‬
‫ينجحون بسند من " القوى العظمى "‪ ،‬الت تضعهم على رأس السلطة‪.‬‬

‫و هذه " القوى العال ية "‪ ،‬ا لت تتح كم ف العال ال يوم‪ ،‬و ف ال عال ال ثالث بصفة‬
‫خا صة‪ ،‬ل تب ال سلم ول تؤ يده‪ ،‬بل ت قف م نه مو قف ال عداوة ال صرية أو الف ية‪،‬‬
‫وتعمل على خذلنه وإضعاف أهله‪ ،‬فل ينتظر منها أن تساند حكما‪ X‬إسلم̈يا ف أي مكان‬
‫ف الرض‪.‬‬

‫ون قول‪ :‬ثان يا‪ ،W‬إن هؤلء ل ي شترطون ع لى أنف سهم‪ ،‬ول ي شترط علي هم سادتم‬
‫الذين يضعونم ف أماكنهم ويساندونم أن يكونوا ذوي أخلق‪ ،‬ول أن يسلكوا سلوكا‬
‫نظيفا‪ X‬ف حكم شعوبم‪ ،‬بل العكس هو الحب لؤلء السادة‪ ،‬لييسر لم هؤلء الكام‬
‫بأخلقهم النحرفة مهمة إذلل الشعوب السلمية‪ ،‬وسحق الركات السلمية فيها‪.‬‬

‫أما الركة السلمية فليس هدفها أن تصل إل السلطة بأية صورة‪ ،‬ول أن تقدم‬
‫حكما‪ X‬من أي نوع‪ ،‬وبالذات ذلك النوع الذي يقاومه السلميون‪ ،‬ويقولون عن القائمي‬
‫عل يه إ نم عملء ومر بون! وإل ف ما ا لذي ي غري ال ناس أن يتركوا هؤلء وينا صروا‬
‫أولئك إذا كانوا من نوع واحد؟‬

‫بعبارة أخرى إن الطلوب من الصحوة السلمية أن تقدم للناس " حكما‪ W‬إسلمي¾ا‬
‫"‪ ،‬ل حكما‪ W‬جاهلي¾ا باسم السلم!‬

‫وإنه لي للناس‪ ،‬وللحركة السلمية ذاتا‪ ،‬أن يتأخر الكم السلمي مائة عام‬
‫ث يقوم على أسس إسلمية صحيحة‪ ،‬ويعطي الناس الصورة الصحيحة للحكم السلمي‪،‬‬
‫من أن ي قوم غدا‪ X‬ح كم ي مل ا سم ال سلم‪ ،‬و هو غ ي قادر ع لى ت طبيقه ف عال الوا قع‬
‫لنقص‡ ف تربيته‪ ،‬أو نقص ف خبته‪ ،‬أو نقص ف كفاءته!‬

‫)‪(242‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ف الا لة ا لول‪ ،‬سيتأخر ال كم ال سلمي ول كن ي ظل ال ناس متعلق ي به‪،‬‬


‫متشوفي إل تقيقه‪ ،‬وف الالة ثانية‪ ،‬ستنتكس الدعوة من خيبة المل الت ت‪-‬صيب الناس‪،‬‬
‫ول يعود الناس يستمعون إليها‪ ،‬ولو ظلت تدعوهم مائة عام!‬

‫كيف إذا جاءت جاعة إسلمية إل الكم ‪ -‬بأي صورة من الصور ‪ -‬فقامت‬
‫تعتقل معارضيها من الماعات السلمية الخرى لنم يناوئونا ‪ -‬أو كانوا يناوئونا ‪-‬‬
‫ف مسألة من مسائل اللف؟‬

‫أي صورة ي قدمون ع ندئذ للح كم ال سلمي؟! و هل ي كون ذ لك ف صال‬


‫الدعوة أم ضد مسيتا؟‬

‫وكيف إذا جاءت جاعة إسلمية إل الكم بصورة من الصور فاستغل أشخاصها‬
‫سلطتهم ف تقريب أحبائهم ومؤيديهم من غي ذوي الكفاءة‪ ،‬وإقصاء الذين ل يبونم‬
‫ولو كانت فيهم البة الطلوبة؟‬

‫أي صورة يقدمون عندئذ للحكم السلمي؟!‬

‫وم يف إذا جاءت جا عة إ سلمية إ ل ال كم ب صورة من ال صور فع جزت عن‬


‫إدارة ا لمور لق لة خب تا أو ق لة كفاء تا‪ ،‬فانفرط ع قد ال كم‪ ،‬واضطرب دول به‪ ،‬بين ما‬
‫الذين كانوا قبلهم من العلمانيي والعملء كانوا أمهر منهم ف الدارة وأكثر منهم كفاءة‬
‫وخبة؟‬

‫أي صورة يقدمون عندئذ للحكم السلمي؟!‬

‫وقد يقول قائل‪ :‬إن حكم أي جاعة إسلمية سيكون على أقل تقدير أفضل من‬
‫حكم شذاذ الفاق‪.‬‬

‫وحت إن سلمنا جدل‪ X‬بذلك‪ ،‬لنه منطق غي سليم‪.‬‬

‫إن الناس ل يتقبلون من الكم السلمي أن تكون كل مزيته أنه أفضل من حكم‬
‫شذاذ الفاق! فهذا ‪ -‬ف ذاته ‪ -‬ليس فضل‪ X‬ول مزية! كما يقول الشاعر‪:‬‬

‫)‪(243‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫أل تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا؟!‬

‫إنا يتوقع الناس أن يكون الكم السلمي هو النقذ والخ ل‪m‬ص‪ ،‬الذي يل‪m‬صهم‬
‫من أدران الفساد الواقع ف حياتم بسبب عدم تكيم السلم‪ .‬ويتوقعون ‪ -‬من ث ‪ -‬أن‬
‫تكون فيه الزايا الصيلة الوجودة ف السلم‪ ،‬من عدل وإنصاف ونظافة وتعاون على‬
‫الب والتقوى‪ ،‬وتضافر على الصلح‪ ،‬وترد ل‪ ،‬وليس مرد أفضلية نسبية عن الفساد!‬

‫وهذا كله يقتضي أمرا‪ X‬واحدا‪ X‬مؤكدا‪ :X‬هو التركيز على تربية " القاعدة "‪ ،‬قبل‬
‫التعرض لي أمر من المور السام!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫فإذا كان هذا مطلو با‪ X‬ع لى الستوى ال لي‪ ،‬أي بالن سبة للدعوة ف دا خل العال‬
‫السلمي‪ ،‬فكيف إذا وضعنا ف حسابنا الرسالة العالية للصحوة السلمية؟!‬

‫وربا يهجس هاجس ف حس بعض الناس أن يقولوا‪ :‬دعونا بربكم من الحلم!‬


‫إذا كنا حت الن ل نصل إل الستوى الطلوب ف الدعوة على مستوى العال السلمي‪،‬‬
‫ول نك‪m‬ن بعد ف بلدنا‪ ،‬أفل يكون من ال‪ã‬ر–ق التفكي ف عالية الدعوة ف الوقت الاضر‪،‬‬
‫وف رسالة الصحوة السلمية إل سائر البشرية؟!‬

‫ون قول ف اطمئ نان‪ :‬كل‪ !m‬ل سنا حالي! ول يس من ا لرق التفك ي ف ال ستقبل‬
‫العالي للدعوة‪.‬‬

‫إن العال اليوم ف حاجة إل السلم‪ ..‬ومئات اللوف الذين دخلوا ف السلم‬
‫من أوربا وأمريكا ‪ -‬وفيهم الطباء والهندسون والفكرون وغيهم من ذوي اليثيات ف‬
‫بلدهم ‪ -‬هم إشارة على الطريق‪ ..‬إشارة إل الستقبل‪.‬‬

‫كل ما ف المر أننا نعتقد أن الدعوة ف الغرب ل تثمر على نطاق واسع‪ ،‬قبل أن‬
‫تنضج وتتبلور ف بلدها الصلية‪ ،‬وتعطي النموذج الطلوب‪.‬‬

‫)‪(244‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫أما حي يتم ذلك‪ ،‬ويبز إل الوجود نوذج إسلمي ناضج‪ ،‬تثلت فيه حقيقة‬
‫ال سلم‪ ،‬فل يس من التو قع أن يدخل الغرب يون ف ال سلم بئات ا للوف ف قط‪ ..‬بل‬
‫بالليي‪.‬‬

‫إن ح جم ال ضياع ا لذي يعي شه ال ناس ف ال غرب ‪ -‬وال شباب خا صة ‪ -‬ر با‬
‫كان أكب شيء من نوعه ف التاريخ‪.‬‬

‫وقوى الشر الت تسك بالتمع الغرب ل تريد له أن يفيق من الدوامة الت يدور‬
‫فيها‪ ،‬لن دورانه فيها ي‪-‬حقق لتلك القوى الشريرة أعز‪ A‬أمانيها الت ظلت تسعى إل تقيقها‬
‫منذ قرون!‬

‫وك‪m‬ل ما ه م‪ A‬ذ لك الت مع أن يف يق ا خترعت له قوى ال شر من " ال خدرات " ما‬


‫يعله يغرق ف الدوامة أكثر ول يفيق‪ ..‬ويكفي جنون الكرة نوذجا‪ W‬لا نقول‪.‬‬

‫ومع ذلك كله فإن بواكي اليقظة قد بدأت تظهر على الدى البعيد‪.‬‬

‫بواكي اليق ظة هم أولئك ال باحثون عن طر يق اللص‪ ..‬ا لذين يدخلون ف‬


‫السلم‪.‬‬

‫فمن لؤلء يرشدهم إل الطريق؟!‬

‫وهل تلك الصحوة السلمية أن تمل هذا الباب الذي يتوقع أن يتدفق منه مدد‬
‫جديد للسلم؟!‬

‫ول أ تدث ا لن عن أي برنا مج مدد ت قوم به ال صحوة من أ جل ا لدعوة ف‬


‫الغرب‪ ..‬إنا الذي أريد التركيز عليه أمر واحد‪ :‬هل نستطيع أن نقوم بأية خدمة حقيقية‬
‫لذا الدد التوقع إن ل نقم بتربية " القاعدة " على الستوى الطلوب؟!‬

‫خل صة ا لمر أن ترب ية هذه القا عدة لي ست عمل‪ X‬هام ش̈يا توجه إل يه العنا ية ف‬
‫أو قات ال فراغ! ولي ست مثال يات غ ي قاب لة للتحق يق‪ ،‬ولي ست ال ناداة با تذيل‪ X‬للع مل‬
‫السلمي ول تيئيسا‪ X‬للعاملي ف حقل الدعوة‪.‬‬

‫)‪(245‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫إنا ضرورة ل غن عنها للعمل السلمي‪.‬‬

‫وأ̈يا كانت ال طة ا لت تر يد الر كة ال سلمية أن تنتهج ها ف حركت ها‪ ،‬فترب ية‬


‫القاعدة أمر ل مفر‪ A‬منه ول غن عنه لنجاح أي ترك تقوم به‪ ..‬وبدونه لن تثبت حركة‬
‫على الطريق‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫بقيت ف بثنا نقطة أخية‪..‬‬

‫ما الذي يتوقع من أمر الصحوة السلمية ف صراعاتا الداخلية والارجية ف‬


‫ال ستقبل القر يب‪ ،‬ث ف ال ستقبل البع يد؟ و ما ا لذي تلق يه توق عات ال ستقبل من‬
‫مسئوليات على عاتق الصحوة السلمية؟‬

‫والديث ف هذا المر يتاج إل توضيح بعض النقاط‪.‬‬

‫يب أن ي كون مفهوما‪ X‬أن الصليبية العالية والصهيون̈ية العال ية ل يكرهان شيئا‪،X‬‬
‫ول ينعجان من شيء‪ ،‬بقدر ما يكرهان الصحوة السلمية‪ ،‬وينعجان منها‪.‬‬

‫وأن ح نق ال صليبية وال صهيونية‪ ،‬يزداد مع كل تو سع جد يد يدث ف ن طاق‬


‫الدعوة‪.‬‬

‫وأ نه من ال طط الدائ مة الثاب تة ع ندها الع مل ع لى ضرب الر كة ال سلمية‬


‫وخنقها ما وسعتهما اليلة وما وسعهما الهد‪.‬‬

‫وإذا أردنا أن نستيقن من حجم هذه القائق فلنجعل بالنا إل عدة أمور‪.‬‬

‫ل قد عم لت ال صليبية وال صهيونية م عا‪ ،X‬يدا‪ X‬ب يد‪ ،‬للق ضاء ع لى الدو لة العثمان ية‪،‬‬
‫وتقطيع أوصال العال السلمي‪ ،‬وتويله إل مزق ضئيلة يسهل ازدرادها‪ ،‬على أن تكون‬
‫فلسطي من نصيب الصهيونية لتقيم فيها دولتها‪ ،‬ث تتوسع منها إل ما تسميه " إسرائيل‬

‫)‪(246‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫الكبى "‪ ،‬وأن يكون بقية العال السلمي نب‪X‬ا مباحا‪ X‬للصليبية والصهيونية معا‪ X‬ف الوقت‬
‫ذاته‪ ،‬يأكل منه كل بقدر ما تتسع معدته‪ ،‬أو بقدر ما ي‪-‬ريد‪.‬‬

‫ومن أجل الوصول إل هذا الدف وضعت تطيطات مشتركة سياسية وحربية‬
‫واقتصادية‪ ..‬ال ربا يكفي للتعرف عليها قراءة " تقرير لورد كامبل " الشهي‪ ،‬الذي نشر‬
‫ف عام ‪ 1907‬م والذي جاء فيه‪:‬‬

‫" هناك شعب واحد متصل يسكن من اليط إل الليج )‪ ،(184‬لغته واحدة‪ ،‬ودينه‬
‫واحد‪ ،‬وأرضه متصلة‪ ،‬وماضيه مشترك‪ ،‬وآماله واحدة‪ ،‬وهو اليوم ف قبضة أيدينا‪ ،‬ولكنه‬
‫أخذ يتململ‪ ،‬فماذا يدث لنا )‪ (185‬غد‪W‬ا إذا استيقظ العملق؟! "‪.‬‬

‫ث رد‪ A‬على التساؤل وأعطى الل الطلوب‪:‬‬

‫" يب علينا أن نقطع اتصال هذا الشعب‪ ،‬بإياد دولة دخيلة تكون صديقة لنا‬
‫وعدوة لهل النطقة‪ ،‬وتكون بثابة الشوكة تز العملق كلما أراد أن ينهض " )‪.(186‬‬

‫هذه خلصة الؤامرة الصليبية الصهيونية الت أنتجت إسرائيل‪.‬‬

‫ول كن إن شاء إ سرائيل سنة ‪ 1948‬م نت جت ع نه مفا جأة حاد‪A‬ة للمخطط ي من‬
‫كل الطرفي‪ ،‬هي دخول الفدائيي السلمي إل ساحة العركة ف فلسطي‪.‬‬

‫وأ̈يا كانت الظروف الت أحاطت بدخولم فقد تنبه العدو الصليب الصهيون إل‬
‫وجود قوة خطرة يب القضاء عليها من أجل استقرار إسرائيل أول‪ ،X‬ث توسعها ثانيا‪ ،X‬ومن‬
‫أجل " مصال " الغرب الصليب بعد ذلك‪ .‬ومن " مصاله " تنصي ما يكن تنصيه من‬
‫بلد أفريقيا وآسيا‪ ،‬وإقامة دويلت غي إسلمية على الرض السلمية‪.‬‬

‫‪ ()184‬يتكلم عن النطقة العربية من العال السلمي‪.‬‬


‫‪ ()185‬الضمي ف العبارة عائد على الدول الستعمارية‪ ،‬فقد كانت تلك الدول قد طلبت من بريطانيا –‬
‫زعيمة الستعمار يومئذ – أن تدرس لا مشكلة بدء اليقظة ف النطقة‪ ،‬فانتدبت اللورد كامبل لعمل‬
‫الدراسة الطلوبة وتقدي تقرير با للجهات الختصة‪ ،‬فهو يتحدث بالنيابة عنهم جيعا‪.‬‬
‫‪ ()186‬انظر تقرير اللورد كامبل ف كتاب " اليهودية " من سلسلة مقارنة الديان الدكتور أحد شلب ص‬
‫‪.99‬‬

‫)‪(247‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وو‪-‬زع– العال السلمي بجموعة من " العسكر " مهمتهم الول إبادة الركات‬
‫ال سلمية‪ ،‬وتطو يع النطقة للمصال الصهيونية الصليبية الشتركة‪ ،‬تت أي اسم من‬
‫الساء‪ ،‬الوطنية أو القومية أو الجتماعية‪.‬‬

‫ودون الوض ف تفصيلت معادة )‪ (187‬فإن نتيجة السعي الصليب الصهيون ف‬


‫النهاية كانت اتساع الركة السلمية‪ ،‬وتوغلها ف حياة المة السلمية!! وهذا قدر ال‬
‫ال غالب ا لذي قال ا ل ع نه‪) :‬و‪%‬الل‪ X‬ه‪ -‬غ‪#‬ال)ب= ع‪ %‬ل‪#‬ى أ‪#‬م‪4‬ر) ه) ‪%‬ول‪#‬ك) ن‪# H‬أك‪ .‬ث‪#‬ر‪ %‬الن‪H‬ا س) ل ي‪%‬ع‪4‬ل‪ #‬م‪-‬ون‪.(#‬‬
‫]سورة يوسف‪ ،‬الية ‪.[21‬‬

‫و من ال طبيعي أن يثي هذا ح نق ال صليبية ال صهيونية‪ ،‬ويز يد من أحقاد ها تاه‬


‫السلم‪.‬‬

‫ول يقف المر عند هذا الد‪ ..‬فقد دخلت اليوش الروسية أفغانستان للقضاء‬
‫على " التمرد " السلمي ضد العميل الشيوعي الذي كانوا قد زرعوه ف منصبه ذلك‬
‫لي نوب عنهم ف إبعاد ال شعب الفغان عن ال سلم‪ .‬و كان مفهو ما‪ X‬ع ند ا لدنيا كلها أن‬
‫القوات الروسية ستسحق التمرد السلمي ف أيام‪ ،‬أو على أكثر تقدير ف أسابيع!‬

‫كان هذا أول ترد ع لى ا لدب الرو سي ب عد الت مرد ع لى الت مرد ا لري عام‬
‫‪ 1956‬م‪ ،‬وقد أخد التمرد الري ف أيام‪ ،‬وبوحشية بالغة ليكون عبة لي دولة ت‪-‬ريد‬
‫أن " تت حرر " من قب ضة ا لوحش الرو سي‪ .‬فل ما ترك الف غان أ سرعت رو سيا ل تأديبهم‬
‫بدافعي اثني ل دافع واحد كما كان المر مع التحرك الري‪.‬‬

‫الدافع الول‪ :‬هو البقاء على هيبة الدب‪ ،‬إرهابا‪ X‬لكل من تدثه نفسه بالروج‬
‫عليه‪ ،‬والدافع الثان ‪ -‬ول يقل عنه قوة ‪ -‬إرهاب السلمي ف التاد السوفييت لكي ل‬
‫يفكروا ف رفع رؤوسهم ول الطالبة بشيء من التحسي لوضاعهم الظالة الت تعاملهم‬
‫با روسيا م نذ عهد لين ي وستالي‪ ،‬فقد ق تل ستالي و حده أربعة مليي من ال سملي‪،‬‬
‫و شردهم ف سيبييا‪ ،‬وو طن غ ي ال سلمي ف الول يات ال سلمية ليم نع عن هم ال شعور‬
‫بالوحدة ف أوطانم السلوبة الغلوبة على أمرها‪.‬‬

‫‪ ()187‬انظر فصل " الصحوة السلمية " من كتاب " واقعنا العاصر "‪.‬‬

‫)‪(248‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وف مبدأ المر أرسل الروس بعض " السلمي الروس " ‪ -‬كما يسمونم ‪ -‬من‬
‫ا لذين و لدوا ف ال شيوعية ون شأوا في ها لق ناع ال شعب الف غان بتق بل ال شيوعية و عدم‬
‫مقاومة الكم الشيوعي العميل ف أفغانستان‪ ،‬ففوجئوا بم يسلمون أسلحتهم لخوانم‬
‫السلمي الفغان‪ ،‬وينضم بعضهم للجهاد معهم!! فسحبوهم على عجل‪ ،‬وأرسلوا جيوشا‬
‫رو سية صميمة‪ ،‬و شيوعية صميمة‪ ،‬وزودو هم بأف تك ال سلحة‪ ،‬وبالقنا بل الار قة‪،‬‬
‫وبالغازات السامة‪ ،‬وبكل " الرمات " التفق على تريها حت بي الوحوش البشرية‪.‬‬

‫ومرت سنة وسنتان وثلث سنوات‪ ..‬وامتدت إل عشر سنوات!‬

‫وكانت النتيجة الذهلة ‪ -‬لول مرة ف تاريخ " المباطورية الروسية الشيوعية "‬
‫أن اضطرت اليوش الروسية إل النسحاب‪ ،‬بينما تقدم الاهدون الفغان!‬

‫و كانت " كار ثة " هزت ال شيوعية ف موطن ها ال صلي‪ ،‬و حدث من جرائ ها‬
‫الذور الذي كانت تشاه روسيا أشد الشية‪ ،‬إذ تركت الوليات السلمية لول مرة‬
‫منذ قهرتا الشيوعية تطالب بالكم الذات!!‬

‫وزادت الكار ثة من ح نق ال صليبية ال صهيونية‪ ،‬وأزي لت ا لواجز ب ي رو سيا‬


‫وأمريكا ليدخل معا‪ W‬ف تكتل مشترك ضد السلم!‬

‫ول يقف المر عند هذا الد‪.‬‬

‫فقد كانت الصليبية الصهيونية قد نحت ف تويل قضية فلسطي من قضية "‬
‫إسلمية " إل " قضية عربية "‪ ،‬ث نحت مرة أخرى ف تويلها من قضية عربية شاملة‬
‫إ ل ق ضية للفل سطينيي خا صة! وذ لك ب عد أن ن حت ف إ ياد " زعا مات " فل سطينية‬
‫ترضى بتحويل القضية إل " قضية سياسية "‪ ،‬ي‪-‬تفاوض من أجلها‪ ،‬وتعرض على " الافل‬
‫الدول ية "‪ ،‬و يدور أهل ها ف الدوا مة )أ‪#‬ر‪4‬ب‪%‬ع) ي‪ %‬س‪%‬ن‪%‬ة‪ W‬ي‪%‬ت)ي ه‪-‬ون‪ #‬ف)ي ا‪.‬لأ‪#‬ر‪ 4‬ض)(‪ ] (188) .‬سورة‬
‫الائدة‪ ،‬الية ‪.[26‬‬

‫‪ ()188‬نزلت هذه الية ف بن إسرائيل حي رفضوا الهاد من أجل دخول الرض القدسة‪ ،‬وقد صارت‬
‫تنطبق على " السلمي "‪ ،‬الذين حولوا حركة الهاد إل مفاوضات سياسية مع " الافل الدولية "!‬

‫)‪(249‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وفجأة انبعثت حركة جهادية إسلمية ف الرض الفلسطينية‪ ،‬أزعجت الصليبية‬


‫الصهيونية إزعاجا‪ X‬حا̈دا‪ ،‬وسببت لا من التاعب ما كانت قد ظنت أنا تلصت منه إل‬
‫غي عودة‪.‬‬

‫وما يدري أحد ما يسفر عنه الغد!‬

‫كل ذلك يؤجج حقد الصليبية الصهيونية‪ ،‬حت لتعجز عن كتمان حقدها‪:‬‬

‫)ق‪#‬د‪ 4‬ب‪%‬د‪%‬ت) ا‪.‬لب‪%‬غ‪4‬ض‪%‬اء® م)ن‪ 4‬أ‪#‬ف‪.‬و‪%‬اه)ه)م‪ 4‬و‪%‬م‪%‬ا ت‪-‬خ‪4‬ف)ي ص‪-‬د‪-‬ور‪-‬ه‪-‬م‪ 4‬أ‪#‬ك‪.‬ب‪%‬ر‪] .(-‬سورة آل عمران‪،‬‬
‫الية ‪.[118‬‬

‫ف قد توالت الت صريات الر سية وغ ي الر سية ت نادي كل ها ب ضرورة مواج هة "‬
‫الركات الصولية " بالسم‪ ،‬والقضاء على أخطارها التوقعة!‬

‫هذه هي الظروف الت تواجه الصحوة السلمية من قبل الصليبية الصهيونية ومن‬
‫يتبع ها من " الع سكر "‪ ،‬العين ي ف ال عال ال سلمي‪ ،‬لينو بوا عن ها ف ضرب الر كات‬
‫السلمية‪.‬‬

‫أما ف الداخل فتواجه الركة السلمية التفرق والتشرذم والصام بي الفصائل‬


‫الختلفة العاملة ف حقل الدعوة‪ ،‬الذي يصل أحيانا‪ X‬إل حد‪ A‬الصدام بي بعضها وبعض‪،‬‬
‫مع اختلف مناهج العمل‪ ،‬واختلف أساليبه‪ ،‬وعدم وجود قيادة كبية تمع ما تشرذم‬
‫من الماعات وتضمها ف صف‪ á‬واحد‪ ،‬مع النقص القائم ف التربية ف الوقت الاضر‪.‬‬

‫وبعض ال ناس ‪ -‬ح ي يصلون إ ل هذه الرؤ ية ‪ -‬يتوج سون خيفة ع لى م ستقبل‬
‫الصحوة‪ ،‬بل يصل بعضهم إل حد الشك ف قدرتا على الستمرار مع وجود كل هذه‬
‫العوقات من الداخل ومن الارج سواء‪.‬‬

‫و نن نت لف مع الت شككي والتوج سي ‪ -‬ل ف رؤ ية العو قات ‪ -‬ول كن ف‬


‫تقدير النسبة بي العوقات وبي البشرات! أي‪A‬هما أثقل‪ ،‬وأي‪A‬هما يكون ف النهاية صاحب‬
‫التأثي‪.‬‬

‫)‪(250‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فن حن نرى ‪ -‬مع و جود كل هذه العو قات ‪ -‬أن الب شرات أث قل وز نا‪ W‬من‬
‫العوقات‪ ،‬وأجدر أن تكون هي صاحبة الكلمة الخية بإذن ال!‬

‫فأما الرب على الدعوة‪ ،‬فقد رأينا بالفعل أنا ل تؤثر على سي الدعوة‪ ،‬بل زادتا‬
‫حجم‪X‬ا وقوة واتساع‪X‬ا ف الرض! وخذ ف الساب حركة الهاد الفغان‪ ،‬وحركة الهاد‬
‫الفلسطين وغيها من الركات‪ ،‬أوليست هذه كلها حقائق واقعة؟ أوليست كلها من‬
‫ن تائج ال صحوة ال سلمية؟ أولي ست هذه كل ها قد وق عت ع لى الر غم من كل ا لرب‬
‫النصوبة ضد السلم؟!‬

‫فلماذا تفزعنا الرب‪ ،‬ونسب أنا ستقف الد السلمي؟‬

‫وأما التشرذم والصام والفرقة ونقص التربية فهي أمراض حقيقية تعيق الدعوة‪،‬‬
‫ولكن ها ل تنع ها من الر كة‪ ،‬أو هي ل تنع ها حت ا لن من الر كة‪ ،‬و ندعو ا ل ع لى‬
‫الدوام أن ينقذ الركة السلمية من آثارها‪.‬‬

‫أما البشرات فكثية‪.‬‬

‫من بين ها أن الرغ بة ف ال سلم قد أ صبحت ت يارا‪ W‬ذات ي¾ا ع ند ال شباب ل يتع لق‬
‫بماعة معينة‪ ،‬بل ل يتعلق أحيانا‪ X‬بأي جاعة على الطلق‪.‬‬

‫وح ي كان الع مل منح صرا‪ X‬ف جا عة معي نة كان من ال سهل ع لى " ال هات‬
‫الختصة " أن تضرب تلك الماعة‪ ،‬فتعطل العمل السلمي‪.‬‬

‫أما الن فلم يعد ضرب جاعة معينة ‪ -‬ول حت الماعات كلها ‪ -‬يقتل العمل‬
‫السلمي‪ ،‬الذي " ينبثق " دائما‪ X‬ف تشكيلت جديدة‪ ،‬بعد ضرب التشكيلت القائمة ف‬
‫الساحة!‬

‫ومن بينها ‪ -‬كما أشرت ف كتاب " واقعنا العاصر " ‪ -‬فشل النظم الستوردة‬
‫و " الزعا مات " ال صنوعة ع لى ع ي ال غرب ف حل أي م شكلة من م شكلت ال عال‬
‫ال سلمي‪ ،‬مع ت شدقها بذلك‪ ،‬و مع كل " الب طولت " ا لت ت ضفي علي ها من و سائل‬
‫العلم العالية‪ ،‬ليهام شعوبا بأنا تتحرك من عند نفسها‪ ،‬وتعمل لصال بلدها! وكل‬

‫)‪(251‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فشل يدث ف هذه الالت هو مدد للحركة السلمية‪ ،‬إذ هي اللجأ الذي يلجأ إليه‬
‫الناس بشاعرهم وتطلعاتم‪ ،‬كلما عانوا الفشل على يد تلك النظمة‪ ،‬وتلك الزعامات‬
‫)‪.(189‬‬

‫ومن بينها الوجود السرائيلي ذاته‪ ،‬الذي قصد به أن يكون " بثابة الشوكة‪،‬‬
‫تز العملق كلما أراد أن ينهض "!‬

‫وهي اليوم قائمة بعملية الوخز على أبشع صورة‪ ..‬ولكن ما الثر التوقع حي‬
‫يشتد الوخز؟ إن الذي ي‪-‬توقع هو أن يهب‪ m‬العملق ‪ -‬من شدة الل الذي يدثه الوخز‬
‫‪ -‬ليكيل الضربة لن يزه‪ ،‬وذلك حي ي‪-‬صبح الل أشد من الحتمال‪ ،‬وي‪-‬صبح خطر‬
‫التعرض للموت أهون عند صاحبه من استمرار اللم!‬

‫إن اليهود يتصرفون اليوم ‪ -‬بماقة ‪ -‬ضد صالهم! وهذا أمر مشهور عنهم ف‬
‫التاريخ‪ :‬أنم يظلون يتمادون ف صلفهم وعجرفتهم حت ي‪-‬ضيعوا ما بأيديهم! وهم اليوم‬
‫يلعبون بالنار ف النطقة‪ ،‬ويعملون على إثارة الروح السلمية الت جيء بم لخادها!‬
‫وقد قال ال عنهم ف مكم التنيل‪) :‬الل‪X‬ه‪ -‬ي‪%‬س‪4‬ت‪%‬ه‪4‬ز)ئ‪) -‬به)م‪ 4‬و‪%%‬يم‪-‬د_ه‪-‬م‪ 4‬ف)ي ط‪/‬غ‪4‬ي‪%‬ان)ه)م‪ 4‬ي‪%‬ع‪4‬م‪%‬ه‪-‬ون‪.(#‬‬
‫]سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.[15‬‬

‫ث‪ ..‬هل نستطيع أن نسقط من البشرات انيار الشيوعية؟‬

‫حقيقة إن الدولة الت كانت تمل الشيوعية ل تزال قائمة‪ ،‬ول تزال تعمل ضد‬
‫السلم كما كانت تعمل وهي تمل الشيوعية‪ ،‬وأوضح أعمالا ‪ -‬بعد انيار الشيوعية ‪-‬‬
‫فتح ها باب ال جرة ع لى م صراعيه للي هود " التكنو لوجيي "‪ ،‬ليحت لوا قط عة من أرض‬
‫السلم‪ ،‬وينعوها من جسم المة السلمية‪.‬‬

‫ومع ذلك فإن انيار الذهب الشيوعي ف ذاته ل بد أن يوضع ف البشرات‪ .‬فقد‬
‫كانت ال شيوعية فت نة ل كثي من ال شباب ف ال عال ال سلمي‪ ،‬بل كانت أمري كا ذا تا‬
‫ت ستخدم ال شيوعية ‪ -‬ف م ناطق نفوذ ها ‪ -‬لت حارب لا ال سلم! و كانت ت ضع و سائل‬
‫ا لعلم ف أ يدي ال شيوعيي لي شوهوا صورة ال سلم ف ن فوس ال شباب ويفت نوهم ع نه‪.‬‬
‫ومهما يكن ف جعبة اليهود ‪ -‬مبتدعي الشيوعية ‪ -‬من بدائل لفتنة الناس عن الدين‪ ،‬فإن‬

‫‪ ()189‬راجع – إن شئت – فصل " نظرة إل الستقبل " ف كتاب " واقعنا العاصر "‪.‬‬

‫)‪(252‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫انيار النظام الذي كان قائما‪ X‬على اللاد‪ ،‬هو دفعة للتاه الدين ف الرض كلها‪ ،‬ودفعة‬
‫للتيار السلمي ف أرض السلم‪.‬‬

‫وي يء ف ق مة الب شرات‪ ،‬حديث الر سول صلى ا ل عل يه و سلم‪ " :‬ل ت قوم‬
‫ال ساعة حت يقاتل ال سلمون اليهود فيقتلهم السلمون حت ي تبئ اليهودي من وراء‬
‫الجر والشجر‪ ،‬فيقول الجر والشجر‪ :‬يا مسلم يا عبد ال! هذا يهودي خلفي فتعال‬
‫فاقتله " )‪.(190‬‬

‫و هذا ا لديث و حده دون أ ية مب شرات أ خرى يك في لب عث اليق ي ف ن فوس‬


‫السلمي‪ ،‬أن هناك جولة جديدة للسلم‪ ،‬مكنة ف الرض بإذن ال‪.‬‬

‫فإذا أضيف إليه الديث الخر‪ " :‬تكون النبوة فيكم ما شاء ال أن تكون‪ ،‬ث‬
‫يرفعها ال إذا شاء أن يرفعها‪ .‬ث تكون خلفة على منهاج النبوة‪ ،‬فتكون ما شاء ال أن‬
‫تكون‪ ،‬ث يرفعها ال إذا شاء أن يرفعها‪ .‬ث تكون ملكا‪ W‬عا ض¾ا فتكون ما شاء ال أن‬
‫تكون‪ ،‬ث يرفعها إذا شاء ال أن يرفعها‪ .‬ث تكون ملكا‪ W‬جب ي¾ا فتكون ما شاء ال أن‬
‫تكون‪ ،‬ث يرفعها ال إذا شاء أن يرفعها‪ .‬ث تكون خلفة على منهاج النبوة " )‪..(191‬‬
‫فما عاد لحد أن يشك ف الولة الديدة النتصرة‪ ،‬المكنة ف الرض بإذن ال‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولكن الصحوة ينبغي أن تتوقع مزيدا‪ W‬من الرب‪ ..‬بكل وسائل الرب‪.‬‬

‫ينبغي أن تتوقع مزيدا‪ W‬من البطش الدموي حي يبلغ النق مبلغه لدى الطغاة‪ ،‬أو‬
‫لدى الذين يزرعون الطغاة ف الرض السلمية‪.‬‬

‫ومزيدا‪ W‬من الؤمرات لشغل الركة السلمية عن مهمتها‪ ،‬بقضايا فرعية أو قضايا‬
‫هام شية أو ق ضايا خلف ية ت ستهلك في ها طاقت ها بدل‪ X‬من توفي ها للترب ية الطلو بة لن شاء‬
‫القاعدة وتثبيتها ث توسيعها‪.‬‬
‫‪ ()190‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪ ()191‬رواه المام أحد عن حذيفة بن اليمان‪.‬‬

‫)‪(253‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫بل قد تستدرج بعض الماعات من رغبتها ف نفي تمة التطرف عن نفسها‬


‫لتكون سندا‪ W‬للطغاة ف ضرب الماعات الت توصم بالتطرف!‬

‫بل قد ت ستدرج ب عض الما عات لل شتراك ف ال كم مع العل مانيي‪ ،‬أو‬


‫الشتراك معهم ف ر سم السياسة العامة‪ ،‬لت شترك ف حل ا لوزار الت ترتكبها النظ مة‬
‫الافية للسلم‪ ،‬لكي ل ينفرد العلمانيون بمل الوزار وتظل الماعات السلمية نظيفة‬
‫ف نظر الناس!‬

‫أنواع كثية من الرب يكن أن يتعرض لا العمل السلمي ف الستقبل القريب‪.‬‬

‫ويب على الصحوة أن تكون هي الطول نفسا‪ W‬ف هذه الرب‪.‬‬

‫يب عليها أل تستهلك طاقتها ف صراع مبكر مع السلطات‪ ،‬تسر فيه أكثر‬
‫ما تك سب‪ .‬فق بل أن ي تبي ال ناس حقي قة العر كة وأبعاد ها تت حول الق ضية ب سبب هذا‬
‫ال صراع ‪ -‬ك ما ق لت ف ك تاب " واقع نا العا صر "‪ ،‬وك تاب " الهاد الفغان " ‪ -‬إ ل‬
‫ضارب ومضروب‪ ،‬وغالب ومغلوب‪ ،‬وتضيع القضية الساسية الت يقوم حولا الصراع‪:‬‬
‫قضية ل إله إل ال‪ ،‬ومقتضياتا القيقية ف حياة المة السلمة‪.‬‬

‫إن المر الربان بكف اليدي حت تتبي حقيقة اليان وحقيقة الكفر‪) :‬ل)ي‪%‬ه‪4‬ل)ك‬
‫م‪ %‬ن‪ 4‬ه‪%‬ل‪ #‬ك‪ %‬ع‪ %‬ن‪ 4‬ب‪%‬ي‪ s‬ن‪%‬ة‪ p‬و‪%%‬يح‪ 4‬ي‪%‬ى م‪ %‬ن‪% 4‬ح ي‪ H‬ع‪ %‬ن‪ 4‬ب‪%‬ي‪ s‬ن‪%‬ة(‪] .‬سورة النفال‪ ،‬الية ‪ .[42‬ل يتنل إل‬
‫لكمة يعلمها " الكيم البي "‪.‬‬

‫و يب ع لى الصحوة كذلك أل ت ستدرج إ ل قضايا " استهلكية "‪ ،‬كالعارك‬


‫الت تثار حول السائل اللفية‪ ،‬وتستهلك فيها طاقات " الفكرين "‪ ،‬و " الدعاة " بغي‬
‫حصيلة حقيقية‪ ،‬تفيد الدعوة إل ال‪.‬‬

‫ول تستدرج إل " مؤترات " منصوبة خصيصا‪ X‬لتشتيت النتباه وتييع القضية‪،‬‬
‫كمؤتر السلميي والعلمانيي )‪ (192‬الذي ما كان للمسلمي أن يشاركوا فيه‪ ،‬لن مرد‬
‫قبولم الشاركة فيه معناه إعطاء شرعية للعلمانية على قدم الساواة مع السلم! وتويل‬

‫‪ ()192‬عقد ف القاهرة الفترة من ‪ 27 – 25‬سبتمب ‪ 1989‬م‪.‬‬

‫)‪(254‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫السلم إل " وجهة نظر "‪ ،‬تعرض إل جانب وجهة نظر أخرى مالفة )الرأي والرأي‬
‫الخر كما قالوا!( والناس مدعوون للمقارنة بي وجهت النظر واختيار إحداها!‬

‫فأي مهانة لدين ال أن يتحول على يد الؤترين ‪ -‬أو التآمرين ‪ -‬إل وجهة نظر‬
‫ترفض من قبل العلمانيي‪ ،‬ويعترض عليها ونن قعود معهم‪ ،‬بجة استمالتهم للسلم‬
‫وتلي ي معار ضتهم لت طبيق ال شريعة! وا ل ي قول ل نبيه صلى ا ل عل يه و سلم‪) :‬و‪%‬ل ت‪%‬ت‪H‬ب)ع‬
‫‪#‬أه‪4‬و‪%‬ا̀ءه‪-‬م‪ 4‬و‪%‬اح‪4‬ذ‪#‬ر‪4‬ه‪-‬م‪ 4‬أ‪#‬ن‪ .‬ي‪%‬ف‪.‬ت)ن‪-‬وك‪ %‬ع‪%‬ن‪% 4‬بع‪4‬ض) م‪%‬ا أ‪#‬ن‪4‬ز‪%‬ل‪ #‬الل‪X‬ه‪) -‬إل‪#‬ي‪4‬ك‪ %‬ف‪#‬إ)ن‪% .‬تو‪%‬ل‪X‬و‪4‬ا ف‪#‬اع‪4‬ل‪#‬م‪ 4‬أ‪#‬ن‪H‬م‪%‬ا ي‪-‬ر)يد‬
‫الل‪X‬ه‪# -‬أن‪ .‬ي‪-‬ص)يب‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬ب)ب‪%‬ع‪4‬ض) ذ‪/‬ن‪-‬وب)ه)م‪ 4‬و‪%‬إ)ن‪ X‬ك‪#‬ث)يا‪ W‬م)ن‪ %‬الن‪H‬اس) ل‪#‬ف‪#‬اس)ق‪/‬ون‪ ،#‬أ‪#‬ف‪#‬ح‪-‬ك‪.‬م‪ %‬ا‪.‬لج‪%‬اه)ل)ي‪H‬ة) ‪%‬يب‪4‬غ‪-‬ون‬
‫و‪%‬م‪ %‬ن‪# 4‬أح‪ 4‬س‪%‬ن‪ -‬م) ن‪ %‬الل‪ X‬ه) ح‪-‬ك‪.‬ما‪) W‬ل ق‪#‬و‪4‬م‪ p‬ي‪-‬وق) ن‪-‬ون(‪] .‬سورة الائدة‪ ،‬اليتان ‪ .[50 ،49‬ويقول‬
‫للمؤمني‪) :‬و‪%‬ق‪#‬د‪ 4‬ن‪%‬ز‪ H‬ل‪ #‬ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ك‪ /‬م‪ 4‬ف)ي ال‪.‬ك) ت‪%‬اب) ‪#‬أ ن‪ .‬إ)ذ‪#‬ا س‪%‬م)ع‪4‬ت‪-‬م‪ 4‬آ ي‪%‬ات) الل‪ X‬ه) ‪-‬يك‪ .‬ف‪#‬ر‪) -‬ب ه‪%‬ا و‪%‬ي‪ -‬س‪4‬ت‪%‬ه‪4‬ز‪%‬أ‬
‫)به‪%‬ا ف‪#‬ل ت‪%‬ق‪.‬ع‪-‬د‪-‬وا م‪%‬ع‪%‬ه‪-‬م‪ 4‬ح‪%‬ت‪H‬ى ‪%‬يخ‪-‬وض‪-‬وا ف)ي ح‪%‬د)يث‪ p‬غ‪#‬ي‪4‬ر)ه) إ)ن‪H‬ك‪/‬م‪ 4‬إ)ذا‪ W‬م)ث‪.‬ل‪/‬ه‪-‬م(‪] .‬سورة النساء‪،‬‬
‫الية ‪ .[140‬ويقول ف قضية " الرأي والرأي الخر "‪) :‬و‪%‬م‪%‬ا ك‪#‬ان‪) #‬لم‪-‬ؤ‪4‬م)ن‪ p‬و‪%‬ل م‪-‬ؤ‪4‬م)ن‪%‬ة‪ p‬إ)ذ‪#‬ا‬
‫ق‪ #‬ض‪%‬ى الل‪ X‬ه‪ -‬و‪%‬ر‪ %‬س‪-‬ول‪/‬ه‪ -‬أ‪ #‬م‪4‬را‪# W‬أ ن‪% .‬ي ك‪/‬ون‪# #‬له‪ -‬م‪ -‬ا‪.‬لخ) ي‪%‬ر‪/ %‬ة م) ن‪# 4‬أم‪4‬ر)ه)م(‪ ] .‬سورة ا لحزاب‪ ،‬ال ية‬
‫‪.[36‬‬

‫إنا كان على السلميي إن أرادوا أن يضروا مؤترا‪ X‬كهذا أن يضعوا النقط على‬
‫ا لروف من أول ل ظة‪ ،‬وأن يطل بوا من العل مانيي أن ‪-‬ي حد‪A‬دوا موقفهم بو ضوح‪،‬‬
‫في سألوهم‪ " :‬أتر يديون ‪ -‬أم ل تر يدون ‪ -‬أن تكو نوا م سلمي؟! " فإن قالوا‪ - :‬ك ما‬
‫سيقولون بالطبع ‪ -‬إ نا نن م سلمون بالف عل ومستم سكون بال سلم‪ ،‬في قال لم‪ :‬إن‬
‫السلمي يقتضي تكيم شريعة ال ‪ -‬كما قضى الكتاب والسنة‪ ،‬وإجاع الفقهاء ‪ -‬فهل‬
‫تريدون ‪ -‬أم ل تريدون ‪ -‬تطبيق الشريعة؟! فإن قالوا‪ :‬نريد فقد انتهت القضية‪ ،‬وإن‬
‫قالوا‪ :‬ل نريد! فقد انتهت القضية كذلك ول يعد هناك مال لديث‪ ..‬وينتهي " الوار "‬
‫بعد افتتاحه بدقائق معدودات!‬

‫ولو علم الؤترون أن السلميي لديهم هذا الوضوح وهذا السم ما جرءوا أن‬
‫يدعوا لثل هذا الؤتر من مبدأ المر!‬

‫ويب على الصحوة كذلك‪ ،‬أن تذر أن ت‪-‬ستدرج لعطاء سند للطغاة لتذبيح‬
‫بعض الماعات العاملة ف حقل الدعوة الت توصم بالتطرف‪.‬‬

‫)‪(255‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫إن التطرف أمر مقيت‪ ،‬يسيء إل الدعوة كل الساءة ول ينفعها ف شيء‪ ،‬ولكن‬
‫ا لذي يزرع الت طرف وينم يه هو الكو مات ا لت ل ت كم با أ نزل ا ل‪ ،‬وتب طش بط شا‬
‫وح ش̈يا بالشباب ا لذي ي‪-‬طالب بتحك يم ال شريعة‪ ،‬بين ما ت سمح للمل حدين والعلمانيي أن‬
‫يعرضوا أفكارهم على الناس بل حرج ول خوف‪ ،‬وتسمح للفساد أن يستعلن بالفاحشة‬
‫ف الت مع‪ ..‬فإن كانت الكو مات راغ بة ح ق‪Ü‬ا ف الق ضاء ع لى الت طرف فلت قض ع لى‬
‫أسبابه‪ ،‬وهي تلك ذلك ‪ -‬ول شك ‪ -‬لو صدقت مع ال‪.‬‬

‫وعلى الصحوة كذلك أن تذر أن تستدرج للشتراك ف الكم مع العلمانيي‬


‫بجة العمل على إصلح أحوال المة! إن الحوال أسوأ بكثي من أن ي‪-‬صلحها اشتراك‬
‫بضعة نفر من السلميي ف الكم‪ ،‬بينما الوزار ستلطخ الميع! والدف القيقي من‬
‫ا ستدراجهم للح كم ل يس هو الرغ بة ف إ صلح ا لحوال! إ نا هو الرغ بة ف تلطيخ هم‬
‫بالوزار‪ ،‬وإظهارهم بظهر العاجز عن الصلح!‬

‫وعليها كذلك أن تذر أن تستهلك جهدها ف الرد على تديات أعدائها لا‬
‫بقولم‪ :‬أعطونا حلول‪ X‬عملية!‬

‫فال عداء ل ير يدون حقي قة أن ي صلوا إ ل ح لول عمل ية‪ ،‬إ نا ير يدون ف قط أن‬
‫يشغلوا الركة السلمية عن مهمتها ف الدعوة‪ ،‬ومهمتها الكبى ف تربية القاعدة الؤمنة‬
‫الاهدة الواعية‪ ،‬الت هي الطر القيقي الذي يشونه ويذرونه‪.‬‬

‫ولو عرضنا عليهم اللول العملية فمن ينفذها؟!‬

‫ل عمل̈يا لزمة الغذاء ف مصر والسودان‪.‬‬


‫ها نن أولء نعرض عليهم ح ‪Ü‬‬

‫إن ف السودان قطعة أرض من أخصب بلد الرض‪ ،‬يقول الباء‪ :‬إنا لو ز‪-‬رعت‬
‫قمحا‪ X‬لكفت أفريقيا كلها ل مصر والسودان فحسب‪ ،‬ولكنها تتاج إل تنفيذ مشروع‬
‫هندسي‪ ،‬مدروس دراسة فنية وافية‪ ،‬وإل قوة بشرية تعمل ف الزراعة ف تلك البقعة من‬
‫الرض‪ ،‬وهي موجودة ومتوافرة ف مصر‪.‬‬

‫ول كن ال شروع ي تاج ق بل ذ لك إ ل ح كم إ سلمي ف م صر وال سودان م عا‬


‫يوحدها ف دولة واحدة‪ ،‬حت تنتقل القوة البشرية الفائضة ف مصر‪ ،‬إل حيث تعمل ف‬

‫)‪(256‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫الرض الستصلحة ف السودان بغي حرج ول حساسيات‪ ،‬ول نعرات جاهلية وطنية أو‬
‫إقليمية‪ ،‬فتنتج من القمح ما يكفي أفريقيا كلها‪ ،‬ويقيها تكم البابرة ف أقواتا!‬

‫هذا حل عملي للزمة الغذائية الستحكمة ف كل من مصر والسودان‪ ،‬وهي من‬


‫أكب الزمات الت تواجههما‪ ..‬فمن ينفذه؟‬

‫كل‪ !€‬إنم ل يطلبون اللول العملية لتنفيذها‪ ،‬إنا لشغل الركة السلمية عن‬
‫مهمتها القيقية‪ ،‬وإ حراج صدرها دائما‪ W‬بالسئلة الت ل جواب لا ف ظل أوضاعهم‬
‫الفا سدة‪ ،‬ل لن ال سلم عاجز عن ت قدي ا لل‪ ،‬ول كن لنه ل يو جد من ين فذ ا لل‬
‫ال سلمي ف غي بة ال كم ال سلمي! ث يرو حون يقو لون للناس ان ظروا إنم ل يل كون‬
‫حلول‪ W‬عملية!‬

‫ولتحذر الماعات السلمية أخي‪W‬ا ما هي فيه من تشرذم وتفرق وخصام‪..‬‬


‫ولتتعلم كيف تتلف دون أن تفترق وتتخاصم‪ ،‬فإنا مأكولة كلها إن بقيت على ما‬
‫هي فيه من فرقة‪ ،‬ل يستفيد منها إل العداء‪.‬‬

‫و كأن أ لح سؤال‪ X‬يرد ع لى شفت سائل ي سأل‪ :‬و ما الل إذا ظ لت الما عات‬
‫ال سلمية ف صراعاتا‪ ،‬و ل ت ستطع أن تلت قي ع لى إ طار عام ي‪-‬ؤ لف بين ها‪ ،‬حت وإن ل‬
‫يمعها ف كيان واحد؟ وما الل إذا ل تتدارك الماعات السلمية جوانب النقص ف‬
‫تربيتها؟‬

‫والل قرره رب العالي من فوق سبع سوات‪:‬‬

‫)و‪%‬ل ت‪%‬ن‪%‬از‪%‬ع‪-‬وا ف‪#‬ت‪%‬ف‪.‬ش‪%‬ل‪/‬وا و‪%‬ت‪%‬ذ‪.‬ه‪%‬ب‪ %‬ر)ي‪-‬ك‪/‬م‪] .(4‬سورة النفال‪ ،‬الية ‪.[46‬‬

‫) ‪%‬وإ) ن‪ .‬ت‪%%‬تو‪ %‬ل‪X‬و‪4‬ا ‪%‬يس‪4‬ت‪%‬ب‪4‬د)ل‪ .‬ق‪#‬و‪4‬ما‪ W‬غ‪#‬ي‪4‬ر‪%‬ك‪ /‬م‪/ 4‬ثم‪ H‬ل ي‪%‬ك‪/‬و ن‪-‬وا أ‪#‬م‪ 4‬ث‪#‬ال‪#‬ك‪/‬م‪] .(4‬سورة ممد‪ ،‬الية‬
‫‪.[38‬‬

‫إن الب شر ل يع جزون ا ل‪) ..‬و‪%‬الل‪ X‬ه‪ -‬غ‪#‬ال)ب= ع‪ %‬ل‪#‬ى أ‪#‬م‪4‬ر) ه) و‪%‬ل‪#‬ك) ن‪# H‬أك‪ .‬ث‪#‬ر‪ %‬الن‪H‬ا س) ل‬
‫‪%‬يع‪4‬ل‪#‬م‪-‬ون(‪] .‬سورة يوسف‪ ،‬الية ‪.[21‬‬

‫)‪(257‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وكل شيء ف أحوال الناس يوحي بأن هناك جولة جديدة للسلم بإذن ال‪ ،‬يغي‬
‫ال با الواقع الكال الذي يكم الرض اليوم‪ ،‬ويستبدل به صفحة مشرقة‪ ،‬يعيش الناس ف‬
‫ظلها إل حي‪ ،‬وت‪-‬مل الرض عدل‪ X‬كما ملئت جور‪X‬ا من قبل‪ ،‬وال الفعال لا ي‪-‬ريد‪ ،‬هو‬
‫الذي يلق السباب لتحقيق ما يريد‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وحي يتحقق وعد ال‪ ،‬وتقع العركة الفاصلة الت أخب عنها رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬بي السلمي واليهود‪ ،‬تنتهي ‪ -‬على الرجح ‪ -‬الفترة الستثنائية الت م ك‪m‬ن‬
‫ا ل في ها للي هود )ب)ح‪4 %‬ب ل‪ p‬م) ن‪ %‬الل‪ X‬ه) و‪%‬ح‪4 %‬ب ل‪ p‬م) ن‪ %‬الن‪H‬ا س)(‪ ] .‬سورة آل ع مران‪ ،‬ال ية ‪.[112‬‬
‫ويعود اليهود إل وضعهم الطبيعي الذي كتبه ال عليهم‪..‬‬

‫أما الاهلية العاصرة فلن تذوب كلها‪ ،‬ولن تتفي من وجه الرض‪ ،‬فقد سبقت‬
‫كلمة ربك أل يتمع الناس كلهم ف أمة واحدة‪:‬‬

‫) ‪%‬و ل‪#‬و‪ 4‬ش‪%‬ا̀ء ر‪_%‬ب ك‪# %‬لج‪%‬ع‪ %‬ل‪ #‬الن‪H‬ا س‪ %‬أ‪ /‬م‪H‬ة‪ W‬و‪%‬ا ح)د‪%‬ة‪ W‬و‪%‬ل ي‪%‬ز‪%‬ا ل‪/‬ون‪ #‬م‪-‬خ‪4‬ت‪%‬ل)ف) ي‪) ،%‬إل‪X‬ا م‪ %‬ن‪ 4‬ر‪%‬ح)م‬
‫ر‪%‬ب_ك‪ %‬و‪%‬ل)ذ‪)#‬لك‪ %‬خ‪%‬ل‪#‬ق‪#‬ه‪-‬م(‪] .‬سورة هود‪ ،‬اليتان ‪.[119 ،118‬‬

‫ولقد كانت للسلم ف الاضي أكثر من جولة مكنة ف الرض‪ ،‬فلم تقض على‬
‫كل الاهلية‪ ،‬وظل الصراع سجال‪ X‬بي السلم وبي الاهلية عدة قرون‪.‬‬

‫وقولنا إننا نتوقع للسلم جولة جديدة مكنة ف الرض‪ ،‬ل يعن أن تزول كل‬
‫الاهلية‪ ،‬وتدين الرض كلها للسلم‪ .‬ولكن يتلف الوضع قطعا‪ X‬بي وجود كيان مكن‬
‫للسلم‪ ،‬وبي انفراد الاهلية وحدها بالسلطان‪.‬‬

‫يتلف الوضع من طرفيه جيعا‪ ..X‬بالنسبة للمسلمي من ناحية‪ ،‬وبالنسبة للجاهلية‬


‫ذاتا من ناحية أخرى‪.‬‬

‫)‪(258‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫فأ ما بالن سبة للم سلمي فا لمر وا ضح‪ ..‬فح ي يكو نون هم أ صحاب ا لمر ف‬
‫بلد هم‪ ،‬يتعاملون مع بقية ا لرض تعامل‪ X‬ح̈را ل قهر فيه عليهم‪ ،‬فع ندئذ يستطيعون أن‬
‫يققوا منهج ربم بل تدخل من قوى قاهرة تنعهم‪ ،‬وعندئذ يتحقق لم وعد ربم‪:‬‬

‫) ‪%‬وع‪%‬د‪ %‬الل‪X‬ه‪ -‬ال‪X‬ذ)ين‪ %‬آم‪%‬ن‪-‬وا م)ن‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬و‪%‬ع‪%‬م)ل‪/‬وا الص‪H‬ال)ح‪%‬ات) ‪#‬لي‪%‬س‪4‬ت‪%‬خ‪4‬ل)ف‪#‬ن‪H‬ه‪-‬م‪ 4‬ف)ي ا‪.‬لأ‪#‬ر‪4‬ض) ك‪#‬م‪%‬ا‬
‫ا س‪4‬ت‪%‬خ‪4‬ل‪#‬ف‪ %‬ا ل‪X‬ذ)ين‪ %‬م) ن‪ 4‬ق‪#‬ب‪4‬ل)ه) م‪% 4‬ول‪#‬ي‪-‬م‪%‬ك‪+‬ن‪ %‬ن‪# H‬له‪ -‬م‪ 4‬د)ين‪%‬ه‪ -‬م‪ -‬ا ل‪X‬ذ)ي ار‪4‬ت‪ %‬ض‪%‬ى ل‪#‬ه‪ -‬م‪ 4‬و‪%‬ل‪#‬ي‪ -‬ب‪%‬د‪s‬ل‪#‬ن‪H‬ه‪-‬م‪ 4‬م) ن‪ 4‬ب‪ %‬ع‪4‬د‬
‫خ‪%‬و‪4‬ف)ه)م‪# 4‬أم‪4‬نا‪% W‬يع‪4‬ب‪-‬د‪-‬ون‪%‬ن)ي ل ي‪-‬ش‪4‬ر)ك‪/‬ون‪ #‬ب)ي ش‪%‬ي‪4‬ئا(‪] .‬سورة النور‪ ،‬الية ‪.[55‬‬

‫) ‪%‬ول‪#‬و‪ 4‬أ‪#‬ن‪# X‬أه‪4‬ل‪ #‬ا‪.‬لق‪/‬ر‪%‬ى آم‪%‬ن‪-‬وا و‪%‬ات‪H‬ق‪#‬و‪4‬ا ‪#‬لف‪#‬ت‪%‬ح‪4‬ن‪%‬ا ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ه)م‪% 4‬بر‪%‬ك‪#‬ات‪ p‬م)ن‪ %‬الس‪H‬م‪%‬اء) و‪%‬ال‪.‬أ‪#‬ر‪4‬ض)(‪.‬‬
‫]سورة العراف‪ ،‬الية ‪.[96‬‬

‫وإن الرض الت انتشر فيها السلم لي بفضل ال أغن بقعة ف الرض‪ ،‬بياتا‬
‫الختلفة‪ ،‬ومعادنا وركازها‪ ،‬ومواردها الائية وخصوبة أرضها‪ ،‬وطاقتها البشرية‪ ..‬ولكنها‬
‫اليوم أفقر بقاع الرض بقدر ما فرط أهلها ف دينهم ومنهجهم‪ ،‬فإذا ر‪-‬د‪A‬ت إليهم سيطرتم‬
‫على أرضهم وخياتم فذلك فضل من ال عميم‪.‬‬

‫أ ما بالن سبة للجاهل ية‪ ،‬فالتوقع أن يدخل من أفراد ها ف ال سلم كثي‪ ،‬ك ما‬
‫دخلوا ف حركات الد السلمي السابقة‪ .‬ومن بقي منهم على دينه وأب أن يدخل ف‬
‫دين ال‪ ،‬فإن وجود النموذج الصحيح‪ ،‬التمثل ف الواقع السلمي‪ ،‬سيصحح دون شك‬
‫كثيا‪ X‬من انرا فات الاهل ية العا صرة‪ ،‬ك ما أ ثر ف أور با مرة من ق بل‪ ،‬فأخرج ها من‬
‫عصورها الوسطى الظلمة‪ ،‬وإن ل تدخل ف دين ال‪ ..‬وف أقل القليل سيمنع الاهلية‬
‫من فتنة السلمي عن دينهم‪ ،‬كما فعلت ف القرني السابقي!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلك توقعات الستقبل كما نراها ف ضوء السنن الربانية‪ ،‬ووعد ال ووعيده‪.‬‬

‫وهي كما قلنا من قبل‪ :‬اجتهادات تطئ وت‪-‬صيب‪ ،‬ولكن فيها شيئا” واحدا‪ X‬ثابتا‬
‫على القل‪ ،‬هو حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬عن معركة السلمي واليهود‪،‬‬

‫)‪(259‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫وحديثه عن عودة اللفة الراشدة مرة أخرى ف الرض‪ ،‬وكفى بذين أمل‪ X‬للمسلمي‪،‬‬
‫وأمل‪ X‬لكل البشرية!‬

‫وإن هذه الرؤ ية ال سلمية لحوال ال عال العا صر‪ ،‬لت فرض ع لى ال سلمي ‪-‬‬
‫وعلى الصحوة السلمية بصفة خاصة ‪ -‬تبعة هائلة‪ ..‬أن يعودوا إل حل المانة الت‬
‫ألقو ها عن عاتقهم فترة من الز من‪ ،‬ف ضلوا و ضلت مع هم الب شرية‪ .‬وأن ي عودوا إ ل‬
‫رسالتهم الت نبذوها وراء ظهورهم‪:‬‬

‫) ‪/‬كن‪4‬ت‪ -‬م‪ 4‬خ‪ %‬ي‪4‬ر‪ %‬أ‪ /‬م‪H‬ة‪ p‬أ‪/‬خ‪4‬ر)ج‪ %‬ت‪ 4‬ل)لن‪H‬ا س) ت‪%‬أ‪.‬م‪-‬ر‪-‬ون‪ #‬ب)ال‪.‬م‪%‬ع‪4‬ر‪-‬وف) و‪%‬ت‪%‬ن‪ 4‬ه‪%‬و‪4‬ن‪ #‬ع‪ %‬ن) ا‪.‬لم‪-‬ن‪ 4‬ك‪#‬ر‬
‫و‪-%‬تؤ‪4‬م)ن‪-‬ون‪ #‬ب)الل‪X‬ه(‪] .‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.[110‬‬

‫) ‪%‬و ك‪#‬ذ‪#‬ل)ك‪% %‬جع‪%‬ل‪ .‬ن‪%‬اك‪/‬م‪ 4‬أ‪ /‬م‪H‬ة‪ W‬و‪ %‬س‪%‬طا‪) W‬لت‪%‬ك‪/‬و ن‪-‬وا ش‪-‬ه‪%‬د‪%‬ا̀ء ع‪ %‬ل‪#‬ى الن‪H‬ا س) ‪%‬وي‪ %‬ك‪/‬ون‪ #‬الر‪ H‬س‪-‬ول‬
‫ع‪%‬ل‪#‬ي‪4‬ك‪/‬م‪ 4‬ش‪%‬ه)يدا(‪] .‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.[143‬‬

‫وإنه لهد أي جهد‪..‬‬

‫ولكن له ف الوقت ذاته جزاء أي جزاء!‬

‫)ذ‪#‬ل)ك‪ %‬ب)أ‪#‬ن‪H‬ه‪-‬م‪ 4‬ل ي‪-‬ص)يب‪-‬ه‪-‬م‪ 4‬ظ‪#‬م‪%‬أ‪ I‬و‪%‬ل ن‪%‬ص‪%‬ب= و‪%‬ل م‪%‬خ‪4‬م‪%‬ص‪%‬ة‪ I‬ف)ي س‪%‬ب)يل) الل‪X‬ه) و‪%‬ل ي‪%‬ط‪#‬أ‪/‬ون‬
‫م‪%‬و‪4‬ط)ئا‪ W‬ي‪-‬غ)ي ظ‪ /‬ا‪.‬لك‪ /‬ف‪X‬ار‪ %‬و‪%‬ل ‪%‬ي ن‪%‬ال‪/‬ون‪ #‬م) ن‪ 4‬ع‪%‬د‪-‬و‪ Õ‬ن‪4 %‬يل‪ W‬إ)ل‪X‬ا ك‪/‬ت) ب‪ %‬ل‪#‬ه‪ -‬م‪ 4‬ب) ه) ‪%‬عم‪ %‬ل‪ I‬ص‪%‬ا)لح= إ) ن‪ X‬الل‪ X‬ه‪ %‬ل‬
‫‪-‬يض)يع‪# -‬أج‪4‬ر‪ %‬ال‪.‬م‪-‬ح‪4‬س)ن)ي(‪] .‬سورة التوبة‪ ،‬الية ‪.[120‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬

‫***‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫)‪(260‬‬ ‫منب التوحيد والهاد ‪http://www.almaqdese.com‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬
‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬
‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫الفهرست‬
‫‪ -‬مقدمة‬

‫‪ -‬الاهلية العاصرة‬
‫أول‪ :‬تهيد ف معن الاهلية‬
‫ثانيا‪ :‬جذور الاهلية العاصرة ومكوناتا‬
‫ثالثا‪ :‬خصائص الاهلية العاصرة‬
‫رابعا‪ :‬السنن الربانية الت تكم أوضاع الاهلية العاصرة‬

‫‪ -‬السيطرة العالية لليهود‬


‫أول‪ :‬تهيد ف الخططات اليهودية‬
‫ثانيا‪ :‬كيف سيطر اليهود؟‬
‫ثالثا‪ :‬أحوال اليهود بي الكتاب والسنة ووعد ال ووعيده‬

‫‪ -‬أمة التوحيد بي الاضي والاضر‬


‫أول‪ :‬تهيد ف رسالة المة السلمة‬

‫)‪(261‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫رؤية إسلمية لحوال العال العاصر‬

‫ثانيا‪ :‬لات من التاريخ‬


‫ثالثا‪ :‬الواقع العاصر‬
‫رابعا‪ :‬ماذا خسر العال بانطاط السلمي؟‬

‫‪ -‬توقعات الستقبل‬

‫منب التوحيد والهاد‬

‫***‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.com‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬
‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬

‫)‪(262‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫هذه دعوتنا‬
‫‪ -‬دعوة ال الجرة إل ال بتجريد التوحيد‪ ،‬والباءة من الشرك والتنديد‪ ،‬والجرة‬
‫إل رسوله صلى ال عليه وسلم بتجريد التابعة له‪.‬‬

‫‪ -‬د عوة إ ل إظ هار التوح يد‪ ،‬بإعلن أو ثق عرى ال يان‪ ،‬وال صدع ب لة الليل ي‬
‫م م‪A‬د وإبراهيم عليهما السلم‪ ،‬وإظهار موالة التوحيد وأهله‪ ،‬وإبداء الباءة من الشرك‬
‫وأهله‪.‬‬

‫‪ -‬د عوة إ ل تق يق التوح يد ب هاد ال طواغيت كل ال طواغيت بالل سان وال سنان‪،‬‬
‫لخراج العباد من عبادة العباد إل عبادة رب العباد‪ ،‬ومن جور الناهج والقواني والديان‬
‫إل عدل ونور السلم‪.‬‬

‫‪ -‬د عوة إ ل ط لب الع لم ال شرعي من معي نه ال صاف‪ ،‬وك سر صنمي‪A‬ة عل ماء‬


‫الكومات‪ ،‬بنبذ تقليد الحبار والرهبان الذين أفسدوا الدين‪ ،‬ولب‪A‬سوا على السلمي‪...‬‬

‫وأحبار سوء ورهبانا‬ ‫وهل أفسد الدين إل اللوك‬

‫‪ -‬د عوة إ ل الب صية ف الوا قع‪ ،‬وإ ل ا ستبانة سبيل الرم ي‪ ،‬كل الرم ي ع لى‬
‫اختلف مللهم ونلهم‪} ،‬قل هذه سبيلي أدعو إل ال على بصية أنا ومن اتبعن وسبحان‬
‫ال وما أنا من الشركي{‪.‬‬

‫‪ -‬دعوة إل العداد الاد على كافة الصعدة للجهاد ف سبيل ال‪ ،‬والسعي ف‬
‫قتال الطواغيت وأنصارهم‪ ،‬واليهود وأحلفهم‪ ،‬لتحرير السلمي وديارهم من قيد أسرهم‬
‫واحتللم‪.‬‬

‫‪ -‬ودعوة إل اللحاق بركب الطائفة الظاهرة القائمة بدين ال‪ ،‬الذين ل يضرهم‬
‫من خالفهم ول من خذلم حت يأت أمر ال‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬


‫* * *‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.com‬‬
‫موقعنا على الشبكة‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬
‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.com‬‬
‫منب التوحيد والهاد‬
‫‪www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬ ‫‪www.almaqdese.com‬‬
‫‪www.alsunnah.info‬‬
‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬ ‫‪www.abu-qatada.com‬‬

You might also like