You are on page 1of 183

‫بسم ال الرحن الرحيم‬

‫شبهات‬
‫حول السلم‬

‫تأليف الستاذ‬
‫ممد قطب‬
‫منب التوحيد والهاد‬

* * *
http://www.tawhed.ws
http://www.almaqdese.com
http://www.alsunnah.info
http://www.abu-qatada.com
‫شبهات حول السلم‬

‫مقدمة الطبعة الادية عشرة‬


‫لقد همت أكثر من مرة أن ألغي هذا الكتاب من قائمة كتب ول أعيد طبعه!‬

‫وإن لعلم أن هذا الكتاب بالذات هو أوسع كتب انتشارا‪ 5‬وأكثرها طباعة‪ ،‬سواء‬
‫ف طبع ته العربية أو ف ترجاته الت ترجم إليها‪ ،‬باللغة النليزية وبأكثر من لغة من لغات‬
‫العال السلمي‪ ،‬وسواء ف طبعاته الشروعة الت طبعت بإذن وعلمي‪ ،‬أو طبعاته الخرى‬
‫الت طبعت بغي إذن من ول علم!‬

‫وإن لعلم كذلك أن أكثر قراء هذا الكتاب هم من الشباب السلم التحمس‬
‫بالذات‪ ،‬لنم يدون فيه الرد على بعض الشبهات الت يثيها أعداء السلم ف طريقهم‪،‬‬
‫ول يدون ا لرد علي ها حا ضرا‪ 5‬ف أذ هانم‪ ،‬وأن الك تاب ‪ -‬لذا ‪ -‬كان من ب ي أ سلحة‬
‫الشباب السلم الت يوض با معركة الدل مع أولئك العداء‪.‬‬

‫ومع علمي بذا وذلك فقد همت أكثر من مرة أن ألغي الكتاب من قائمة كتب‬
‫ول أعيد إصداره!‬

‫ول يكن ذلك للنن غيت موقفي من " العلومات " الواردة فيه ‪ -‬فيما عدا‬
‫ت عديل‪ 5‬وا حد‪5‬ا ف ف صل " ال سلم وا لرق " ‪ -‬ول كن لنن غ يت موقفي من " من هج "‬
‫الكتاب ذاته‪.‬‬

‫إن النهج الذي يسي عليه الكتاب ف صورته الراهنة هو إيراد الشبهة الت يثيها‬
‫أ عداء ال سلم‪ ،‬ث ا لرد علي ها با يبطل ها‪ .‬وذ لك هو الن هج ا لذي تغ ي موقفي م نه‪،‬‬
‫فأصبحت أجد نفسي اليوم غي موافق عليه‪ .‬ذلك لنه يعطي الشبهة لونا من الهية ل‬
‫تستحقه‪ ،‬ولونا‪ 5‬من الشرعية يستوجب منا الحتفال والهتمام‪ .‬ث‪ ..‬كأنا دين ال النل‬
‫ف حاجة إل جهد منا ‪ -‬نن البشر ‪ -‬لثبات أنه بريء من العيوب!‬

‫وحقيقة أنن حي قمت بتأليف الكتاب على هذا النحو منذ أكثر من عشرين‬
‫عاما‪ 5‬كنت أستند ‪ -‬بين وبي نفسي ‪ -‬إل أن القرآن قد أورد شبهات الشركي وأهل‬
‫الك تاب في ما يتع لق بالقرآن وا لوحي والر سول صلى ال عل يه وسلم‪ ،‬بل با لذات الل ية‬

‫)‪(2‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫كذلك‪ ،‬ث رد عليها با يبطلها‪ ،‬دون أن يكون الرد قد أعطى لتلك الشبهات اعتبارا‪ 5‬ول‬
‫شرعية‪ ،‬ول أعطى شعورا‪ 5‬بأن السلم متهم يقف ف موقف الدفاع!‬

‫وحقيقة كذلك أن الكتاب ‪ -‬وإن أخذ من حيث الشكل صورة الدفاع ‪ -‬فإنه‬
‫ف الوا قع ل ي كن دفا عا‪ 5‬بالعن ال عروف‪ ،‬وإ نا كان ف مضمونه القيقي مها جة لت لك‬
‫الفكار الضالة الت تثي الشبهات حول السلم لهلها بقيقة السلم من جهة‪ ،‬ووقوعها‬
‫من جهة أخرى ف جاهلية فكرية وشعورية تزين لا الباطل النحرف الذي تعيش فيه‪ .‬وقد‬
‫كانت حقي قة ال جوم هذه ‪ -‬ل صور ا لدفاع ‪ -‬هي ا لت أ ثارت الست شرق العا صر "‬
‫ولفرد كانتول سيث " ف كتابه " السلم ف التاريخ الديث " فقال عن كتاب الشبهات‬
‫ومؤلفه ما قال من عبارات حانقة مصحوبة بالسباب! وما كان ليثور هذه الثورة لو أن‬
‫السألة مرد " دفاع " عن السلم! بل إنه هو ذاته قد أقر ف عبارة صرية بأن الذي يثيه‬
‫هو هجوم الؤلف على حضارة الغرب ومفاهيمه ف أثناء الديث عن القضايا الت يثيها‬
‫أعداء السلم‪.‬‬

‫ومع ذلك فإن تربت ف حقل الكتابة السلمية والدعوة السلمية خلل تلك‬
‫الفترة من الزمان‪ ،‬قد دلتن على أن الرد على الشبهات ليس هو النهج الصحيح ف الدعوة‬
‫ول ف الكتابة عن السلم‪.‬‬

‫إن النهج الصحيح هو عرض حقائق السلم ابتداء“ لتوضيحها للناس‪ ،‬ل ردا‪ 5‬على‬
‫شبهة‪ ،‬ول إجا بة ع لى ت ساؤل ف نفو سهم نو صلحيته أو إمكان ية ت طبيقه ف الع صر‬
‫الاضر‪ .‬وإنا من أجل " البيان " الواجب على الكت ت•اب والعلماء لكل جيل من أجيال‬
‫السلمي‪ .‬ث ل بأس ‪ -‬ف أثناء عرض هذه القائق ‪ -‬من الوقوف عند بعض النقاط الت‬
‫يساء فهمها أو يساء تأويلها من قبل العداء أو الصدقاء سواء! وف مثل هذا الو ف‬
‫القيقة كانت ترد ردود القرآن على شبهات الشركي وأهل الكتاب!‬

‫ث إن التجربة قد دلتن على شيء آخر‪ ..‬إن معركة الدل الت يوضها الشباب‬
‫السلم التحمس مع أعداء السلم‪ ،‬ل تستحق ف القيقة ما يبذل فيها من الهد!‬

‫إن الكثرة الغالبة من هؤلء الادلي ل تادل بثا‪ 5‬عن القيقة ول رغبة ف العرفة‪،‬‬
‫وإنا فقط لثارة الشبهات وماولة الفتنة‪.‬‬

‫)‪(3‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫والرد القيقي عليهم ليس هو الدخول ف معركة جدلية معهم‪ ،‬ولو أفحمهم الرد‬
‫ف لظتهم!‬

‫إنا الرد القيقي على خصوم السلم هو إخراج ناذج من السلمي تربت على‬
‫حقي قة ال سلم‪ ،‬فأ صبحت نوذ جا‪ 5‬تطبيق يا‪ 5‬واقع يا‪ 5‬لذه القي قة‪ ،‬يراه ال ناس فيح بونه‪،‬‬
‫ويسعون إل الكثار منه‪ ،‬وتوسيع رقعته ف واقع الياة‪.‬‬

‫هذا هو الذي " ينفع الناس فيمكث ف الرض "‪ ،‬وهذا هو مال الدعوة القيقية‬
‫للسلم‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫لذه الل سباب كلها همت أكثر من مرة أن ألغي الكتاب من قائمة كتب ول‬
‫أع يد إ صداره‪ ،‬ر غم ما أ عرف من إق بال ال شباب عل يه ف أ كثر من م كان ف ال عال‬
‫السلمي‪ ،‬وف أكثر من لغة من لغاته‪.‬‬

‫ولكن المر خرج من يدي بالنسبة لذا الكتاب! فإن أنا منعت طبعته الشروعة‪،‬‬
‫فلن آمن أن يطبع هنا وهناك بغي إذن من‪ ،‬وبغي علم!‬

‫لذلك أكتفي ببيان هذه القيقة للناس‪ ،‬وبيان النهج الصحيح الواجب التباع‪ ،‬ث‬
‫أعيد إصداره كما هو بغي تعديل‪ ،‬فيما عدا هذا التعديل الواحد الذي أشرت إليه ف فصل‬
‫" السلم والرق " تصحيحا‪ 5‬لبعض ما ورد فيه من مفاهيم‪.‬‬

‫وا ل أ سأل أن ينفع نا با نع مل و ما ن قول‪ ،‬وأن ي هدينا إ ل سواء ال سبيل‪ " .‬و ما‬
‫توفيقي إل بال‪ ،‬عليه توكلت وإليه أنيب "‪.‬‬

‫ممد قطب‬

‫)‪(4‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫مقدمة الكتاب‬
‫يعان كثي من " الثقفي " اليوم أزمة عنيفة بإزاء الدين‪.‬‬

‫هل الدين إحدى حقائق الياة؟ وإذا كان كذلك ف الاضي‪ ،‬أفما يزال كذلك‬
‫اليوم‪ ،‬وقد غي•ر العلم وجه الياة‪ ،‬ول يعد ف الرض مكان لغي العلم والقائق العلمية؟‬

‫هل الدين حاجة بشرية؟ أم هو " مزاج شخصي "‪ ،‬فمن شاء تدين‪ ،‬ومن شاء‬
‫ألد‪ ،‬وهذا وذاك سيان؟‬

‫ث هم ف أزمة عنيفة كذلك بشأن السلم‪.‬‬

‫إن د عاة ال سلم يقو لون لل ناس‪ :‬إن هذا ا لدين ن سيج و حده‪ .‬إ نه ل يس مرد‬
‫عقيدة‪ ،‬ليس مرد تذيب للروح‪ ،‬وتربية للفضائل‪ ،‬بل هو إل جانب ذلك نظام اقتصادي‬
‫عادل‪ ،‬ونظام اجتماعي متوازن‪ ،‬وتشريع مدن‪ ،‬وتشريع جنائي‪ ،‬وقانون دول‪ ،‬وتوجيه‬
‫فكري‪ ،‬وتربية بدنية‪ :‬كل أولئك على أساس من العقيدة‪ ،‬وف مزاج من التوجيه اللقي‬
‫والتهذيب الروحي‪.‬‬

‫و " الثقفون " ف أزمتهم حائرون‪ ،‬فقد كانوا ظنوا أن السلم قد انتهى واستنفد‬
‫أغراضه‪ ،‬ث ها هم أولء يفاجأون بأصحاب الدعوة السلمية يقولون لم‪ :‬إن هذا الدين‬
‫ليس شيئا‪ 5‬من تراث الاضي السحيق يوضع اليوم ف متحف الفكار والنظم والعقائد‪ ،‬إنا‬
‫هو كائن حي ف هذه اللحظة‪ ،‬ويلك من مقومات الياة ف الستقبل ما ل يلكه أي نظام‬
‫آخر عرفته البشرية حت اليوم‪ ،‬با ف ذلك الشتراكية والشيوعية‪.‬‬

‫ع ند ذ لك تز هم الفا جأة‪ ،‬فل يل كون أنف سهم‪ .‬وي صرخون‪ :‬أ هذا الن ظام ا لذي‬
‫أ باح ا لرق والق طاع والرأ سالية‪ ..‬الن ظام ا لذي ي عل ا لرأة ن صف الر جل ويب سها ف‬
‫دارها‪ .‬النظام الذي يعل عقوباته الرجم والقطع واللد‪ ..‬النظام الذي يترك أهله يعيشون‬
‫على الحسان‪ ،‬ويقسمهم طبقات بعضها يستغل بعضا‪ ،‬ول يلك الكادحون فيه ضمانات‬
‫العيش الكري‪ ..‬النظام الذي صنع كذا وكذا‪ ..‬أيكن أن يعيش اليوم‪ ،‬فضل عن الستقبل؟‬

‫)‪(5‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫أهو نظام يستطيع ف الصراع البار الذي يقوم اليوم بي النظم الجتماعية والقتصادية‬
‫القائمة على أسس " علمية! " أن يقف على رجليه‪ ،‬فضل عن الصارعة والكفاح؟!‬

‫وينب غي أولل ‪ 5‬أن ي عرف هذا ال لون من " الثقف ي " من أ ين جاءتم هذه‬
‫الشبهات‪ ،‬ليعرفوا إن كانوا وهم يرددونا أصلء ف التفكي‪ ،‬أم مقلدين‪ ،‬يرددون ما ل‬
‫يفهمون‪.‬‬

‫إ نا قط عاا‪ 5‬لي ست شبهاتم الا صة‪ ،‬ول هي نتي جة تفكي هم ا لذات‪ ،‬ولنر جع‬
‫خطوات إل الوراء لنعرف شيئاا‪ 5‬من التاريخ الديث‪.‬‬

‫ف العصور الوسطى قامت الروب الصليبية بي أوربا والعال السلمي‪ ،‬واستعر‬


‫أوارها‪ .‬ث سكتت بعد فترة من الزمان‪ ،‬ولكن يطئ من يظن أنا انتهت حينذاك‪ .‬فها هو‬
‫ذا اللورد ألنب يقول ف صراحة كاملة حي استول على بيت القدس ف الرب العظمى‬
‫الول‪) :‬الن انتهت الروب الصليبية(!!‬

‫وف القرني السابقي أخذت أوربا الستعمرة تزحف على العال السلمي‪ ،‬وف‬
‫سنة ‪ 1882‬دخل النليز مصر‪ ،‬بعد خيانة توفيق وتآمره مع جيش الحتلل ضد الثورة‬
‫ال شعبية بزعا مة عرا ب‪ .‬و ل ي كن بد ل لنليز من سيا سة يثب تون با أ قدامهم ف ال عال‬
‫السلمي‪ ،‬ويأمنون با الروح السلمية أن تشتد فتعصف بم ف يوم قريب‪ .‬وهنا ندع‬
‫م ستر جلد ستون رئ يس ا لوزارة البيطان ية ف ع هد الل كة فكتور يا يت حدث ف صراحة‬
‫ووضوح عن هذه السياسة‪ ،‬فيمسك بيده الصحف ويقول لعضاء ملس العموم‪ " :‬إنه ما‬
‫دام هذا الكتاب بي أيدي الصريي‪ ،‬فلن يقر لنا قرار ف تلك البلد "‪.‬‬

‫وإذن ف قد كانت السيا سة الطلو بة هي توهي ع‪́µ‬رى ا لدين‪ ،‬و نزع قدا سته من‬
‫نفوس أهله‪ ،‬وتشويه صورته ف أفكارهم وضمائرهم‪ ،‬لينسلخوا منه وينفروا من التمسك‬
‫بأحكامه وآدابه‪ ،‬حت يستطيع الستعمرون أن يستقروا ف هذه البلد!‬

‫وكذلك صنع النليز ف مصر‪ .‬فقد وضعوا سياسة تعليمية ل تدرس شيئاا‪ 5‬عن‬
‫حقيقة السلم‪ ،‬سوى أنه عبادات وصلوات‪ ،‬وأذكار ومسابح وطرق صوفية‪ ،‬وقرآن يقرأ‬
‫من أجل " البكة "‪ ،‬ودعوات نظرية إل مكارم الخلق! أما السلم كنظام اقتصادي‬
‫واجتماعي‪ ،‬أما السلم كنظام للحكم ودستور للسياسة الداخلية والارجية‪ ،‬أما السلم‬
‫كنظام للتربية والتعليم‪ ..‬أما السلم كحياة ومهيمن على الياة‪ ..‬فلم يدرس منه شيء‬

‫)‪(6‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫للطلب‪ ،‬وإ نا در ست لم بدلل ‪ 5‬م نه ال شبهات ا ل و ضعها الست شرقون وغي هم من‬
‫الصليبيي الوربيي‪1 .‬ليفتنوا با السلمي عن دينهم‪ ،‬تنفيذاا‪ 5‬لغرض الستعمار البيث‪.‬‬

‫وف مكان هذا كله درسوا لم أوربا‪.‬‬

‫النظم الجتماعية القة هي الت قامت ف أوربا‪ .‬والنظم القتصادية القة هي الت‬
‫اب تدعها الف كر ا لورب‪ .‬والن ظم الد ستورية ال صالة هي ا لت صقلتها تارب ا لوربيي‪.‬‬
‫حقوق النسان قررتا الثورة الفرنسية‪.‬‬

‫والديقراط ية قرر ها ال شعب ا لنليزي‪ .‬و " ال ضارة " و ضعت أس سها‬
‫المباطور ية الرومان ية‪ .‬وباخت صار‪ ،‬صورت لم أور با ع لى أ نا مارد ج بار ل ي قف ف‬
‫طريقه شيء‪ ،‬والشرق على أنه قزم ضئيل ل يرجى له قيام إل أن يكون خاضعا لوربا‪،‬‬
‫مستمدا كيانه كله من هناك‪.‬‬

‫وفع لت ت لك السيا سة فعل ها‪ .‬ون شأت أج يال من ال صريي ل تس لا و جوداا‬


‫ذاتيا‪5‬ا ول كياناا‪ 5‬خاصاا‪ .‬أجيال قد استعبدت لوربا‪ ،‬وغرقت ف العبودية إل آخر قرارها‪.‬‬
‫أجيال ل تبصر بعيونا ول تفكر بعقولا‪ ،‬ول ترى إل ما يراه لا الوربيون‪ ،‬ول تعتنق إل‬
‫ما يريدون لا من أفكار! والذي حدث ف مصر حدث مثله أو شبيه له ف كل قطر من‬
‫أقطار السلم‪.‬‬

‫و " الثقفون "‪ ،‬اليوم هم خلصة هذه السياسة الرسومة الت وضعها الستعمار‬
‫ف العال السلمي كله من اليط إل اليط!‬

‫إ نم ل يعر فون عن ال سلم إلل¸ ال شبهات‪ ،‬ول يعر فون عن ا لدين ك له إل ما‬
‫لقنهم الوربيون‪ .‬ولذلك فهم ينادون ‪ -‬كالوربيي ‪ -‬بفصل الدين عن الدولة‪ ،‬وفصل‬
‫العلم عن الدين‪.‬‬

‫وهم ينسون ‪ -‬ف غفلتهم ‪ -‬أن الدين الذي انسلخت منه أوربا شيء‪ ،‬والدين‬
‫ا لذي يدعو إل يه أ صحاب ا لدعوة ال سلمية شيء آ خر‪ .‬وأن اللب سات ا لت أ حاطت‬
‫بأوربا‪ ،‬وأدت با إل معاداة الدين والنفور منه‪ ،‬ملبسات خاصة بالقوم هناك‪ ،‬ل يدث‬
‫مثلها ف الشرق السلمي‪ ،‬ول يكن أن يدث‪ .‬فهم ف دعوتم إل نبذ الدين‪ ،‬أو تركه‬

‫)‪(7‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ف عز لة عن تدبي ال ياة وت صريف شئون الت مع والسيا سة والقت صاد‪ ،‬إ نا ي ستوردون‬
‫أفكاراا‪ 5‬جاهزة‪ ،‬ويرددون ما يردده القوم هناك‪.‬‬

‫لقد نشأ الصراع ف أوربا بي العلم والدين‪ ،‬لن الكنيسة هناك احتضنت أفكاراا‬
‫" علم ية " ونظر يات معي نة‪ ،‬و قالت إ نا ح قائق مقد سة‪ ،‬ل نا كل مة ال سماء! فل ما أث بت‬
‫العلم النظري والتجريب فساد هذه الفكار والنظريات‪ ،‬ل يكن بد من أن يؤمن الناس‬
‫بالعلم ويكفروا بالكنيسة‪ ،‬ويكفروا بالدين كما يصوره لم رجال الدين‪ .‬وزاد ف حدة‬
‫هذا الصراع والرغبة ف التحرر من " ربقة " الدين‪ ،‬أن الكنيسة ف أوربا فرضت لنفسها‬
‫سلطة إلية‪ ،‬واشتطت ف تطبيقها إل حد الدكتاتورية‪ ،‬فصارت غولل‪ 5‬بشعاا‪ 5‬يطارد الناس‬
‫ف يقظتهم ومنامهم‪ ،‬يفرض عليهم التاوات‪ ،‬والضوع الذل لرجال الدين‪ ،‬كما يفرض‬
‫عليهم الوهام والرافات‪ ،‬باسم كلمة ال!‬

‫ل ‪-‬‬‫و كان ت عذيب العل ماء وتريق هم بال نار‪ ،‬ل نم قالوا بكرو ية ا لرض ‪ -‬مثل ‪5‬‬
‫من البشاعة بيث يفرض على كل صاحب فكر حر‪ ،‬وضمي متحرر أن يساعد ف تطيم‬
‫هذا الغول البشع‪ ،‬أو تكبيله بيث ل يعود له على الناس سلطان‪ .‬وصار تريح الدين ‪-‬‬
‫كما صورته الكنيسة ‪ -‬وتلمس العيوب فيه‪ ،‬واجباا‪ 5‬مقدساا‪ 5‬هناك على الفكرين الحرار‪.‬‬

‫أما نن هنا ف الشرق السلمي فما بالنا؟ لاذا نفصل بي العلم والدين‪ ،‬ونقيم‬
‫بينه ما ال ناع وال صراع؟ أي حقي قة علم ية خال صة مردة من ا لوى ا صطدمت با لدين‬
‫والعقيدة؟ ومت وقع اضطهاد على العلماء ف ظل السلم؟ هذا هو التاريخ يشهد بقيام‬
‫علماء ف الطب والفلك والندسة والطبيعة والكيمياء‪ ،‬نبغوا ف ظل السلم‪ ،‬فلم يقم ف‬
‫نفوسهم الصراع بي العلم والعقيدة‪ ،‬ول قام بينهم وبي السلطات الاكمة ما يدعو إل‬
‫الرق والتعذيب‪.‬‬

‫ف ما ا لذي يدفع أولئك " الثقف ي " إ ل ف صل ا لدين عن الع لم‪ ،‬وتر يح ا لدين‪،‬‬
‫وتل مس الع يوب ف يه ‪ -‬دون و عي ول درا سة‪ ،‬و با ي شبه صراخ ال مومي ‪ -‬إل ال سم‬
‫الستعماري الذي ترعوه وهم ل يشعرون؟‬

‫هذا ال صنف من الثقف ي ل ي كن ف ح ساب ع لى أي حال وأ نا أك تب هذا‬


‫الكتاب‪ .‬فهم ل يفيئون إل صواب‪ ،‬حت يفيء الذين يقلدونم ف الغرب‪ ،‬بعد أن ييأسوا‬

‫)‪(8‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫من حضارتم الادية اللحدة‪ ،‬ويعرفوا أنا ليست طريق اللص‪ ،‬فيعودوا إل نظام مادي‬
‫روحان ف ذات الوقت‪ .‬نظام يشمل العقيدة والياة ف آن‪.‬‬

‫وإنا كان ف حساب طائفة أخرى من الشباب الخلص الفكر الستني‪ .‬شباب‬
‫صادق الرغبة ف الوصول إل القيقة‪ ،‬ولكن هذه الشبهات تعترض طريقه فل يعلم لا‬
‫رداا‪ ،5‬لن الستعمار الاكر قد حجب عن عيونه النور‪ ،‬وتركه حائراا‪ 5‬ف الظلمات‪ .‬ولن‬
‫عب يد ال ستعمار و شياطي ال شيوعية يع نون ف ت ضليله خ شية أن يه تدي إ ل الطر يق‬
‫الصحيح‪ ،‬طريق الرية والكرامة والستعلء‪ .‬فإل هذا الشباب الخلص الفكر أقدم هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬وأرجو ال أن يوفقن لزيل من طريقه الشبهات‪.‬‬

‫)‪(9‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫الدد‪6‬ين هل استنفد أغراضه؟‬


‫ظن كثي من الغربيي ف القرني الثامن عشر والتاسع عشر ف نشوة النتصارات‬
‫العلمية‪ ،‬أن الدين قد استنفد أغراضه‪ ،‬وأخلى مكانه للعلم!‬

‫وعلى هذا الظن معظم " علماء " الجتماع و " علماء " النفس ف العال الغرب‪.‬‬
‫ف هذا فرو يد مثلل ‪ 5‬يق سم ح ياة الب شرية إ ل ثلث مرا حل سيكلوجية‪ :‬ا لول مرح لة‬
‫الرافة‪ ،‬والثانية مرحلة التدين‪ ،‬والثالثة والخية هي مرحلة العلم!‬

‫وقد شرحنا ف القدمة السباب واللبسات الت أدت بعلماء أوربا إل اعتناق‬
‫هذه النظرة العادية للدين‪ ،‬النفرة منه‪ ،‬وقلنا أن الصراع الذي قام بي الكنيسة والعلماء قد‬
‫جعلهم يشعرون ‪ -‬بق ‪ -‬أن ما تقول الكنيسة رجعية وانطاط وتأخر وخرافة‪ .‬وأنه يب‬
‫أن يلي مكانه للعلم‪ ،‬حت يتاح للبشرية أن تتقدم ف طريق الدنية‪.‬‬

‫ث كانت عدوى التقليد ف الشرق السلمي الغلوب على أمره‪ ،‬هي الت خيلت‬
‫للمساكي من أهله‪ ،‬أن طريقهم الوحيد إل التقدم هو طريق أوربا الظافرة ‪ -‬لنا اليوم‬
‫ظافرة! ‪ -‬وأن عليهم أن ينبذوا دينهم‪ ،‬كما نبذت أوربا دينها‪ ،‬وإل فسيظلون سادرين ف‬
‫الرجعية والنطاط والتأخر والرافة!‬

‫ولكن علماء أوربا وكتابا مع ذلك ليسوا كلهم من أعداء الدين! وفيهم قوم‬
‫معقو لون تررت نفو سهم من ماد ية أور با الل حدة‪ ،‬وعر فوا ان العق يدة حا جة نف سية‬
‫وحا جة عقل ية ف ذات ا لوقت‪ .‬ومن أبرز أمثلتهم جي مس جي ن العال الفل كي ا لذي بدأ‬
‫حياته ملحدا‪5‬ا شاكاا‪ ،5‬ث انتهى عن طريق البحث العلمي إل أن مشكلت العلم الكبى ل‬
‫يل ها إل و جود إ له! وجي ن برج عال الجت ماع ال شهي ا لذي ي شيد با لدين ال سلمي‬
‫خاصة لمعه بي الادي والروحي ف فكرة واحدة ونظام واحد‪ .‬ث ها هو ذا الكاتب‬
‫الشهور سومرست موم يقول كلمته الصادقة البارعة‪ " :‬إن أوربا قد نبذت اليوم إلها‪،‬‬
‫وآمنت بإله جديد هو العلم‪ ،‬ولكن العلم كائن متقلب‪ ،‬فهو يثبت اليوم ما نفاه بالمس‪،‬‬
‫وهو ينفي غداا‪ 5‬ما يثبته اليوم‪ ،‬لذلك تد عب•اده ف قلق دائم‪ ،‬ل يستقرون "!‬

‫إنا حقيقة‪ .‬هذا القلق الدائم الذي يعيش فيه الغرب الضطرب‪ ،‬القلق الذي يفسد‬
‫أعصاب الناس هناك‪ ،‬ويصيبهم بختلف ا لمراض النفسية والعصبية‪ ،‬هو نتيجة الصراع‬

‫)‪(10‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫الدائم ف الرض‪ ،‬دون الستناد إل قوة ثابتة ف الرض أو السماء‪ .‬كل شيء من حولم‬
‫يتغ ي‪ .‬الن ظم القت صادية تتغ ي‪ .‬والن ظم السيا سية تتغ ي‪ .‬وعل قات ا لدول وا لفراد تتغ ي‪.‬‬
‫وحقائق العلم تتغي‪ .‬فإذا ل تكن هناك قوة ثابتة يستند إليها الفراد ف صراعهم البار مع‬
‫الياة والناس والشياء‪ ،‬فهناك نتيجة حتمية واحدة‪ :‬هي القلق والضطراب‪.‬‬

‫و لو ل ي كن للعق يدة مه مة تؤدي ها ف ح ياة الب شر إل هذا ا لمن ا لذي يده‬


‫الن سان ف ر حاب ا ل‪ ،‬و هو ي توجه إل يه بأع ماله‪ ،‬وي قاوم قوى ال شر والطغ يان ابت غاء‬
‫مر ضاته‪ ،‬وي كدح لتعم ي ا لرض تنف يذا‪5‬ا لرادته وانت ظاراا‪ 5‬ل ثوبته‪ ،‬لك فى ذ لك مبراا‬
‫للتمسك بالعقيدة‪ ،‬والتزود منها بي زاد‪.‬‬

‫وما النسان بغي عقيدة؟ ما هو بغي اليان بعال آخر خالد الياة؟‬

‫إنه ل بد أن يستول عليه شعور الفناء‪ .‬الشعور بقصر العمر وضآلته بالقياس إل‬
‫أحلم الفرد وآماله‪ .‬وعندئذ يندفع وراء شهواته‪ ،‬ليحقق ف حياته القصية أكب قدر من‬
‫التاع‪ .‬ويتكالب على الرض‪ ،‬ومنافع الرض‪ ،‬وصراع الرض الوحشي‪ ،‬ليحقق ف هذه‬
‫الفرصة الوحيدة التاحة له كل ما يقدر عليه من نفع قريب …‬

‫ويه بط ال ناس‪ .‬يهب طون ف أحاسي سهم وأف كارهم‪ ،‬ويهب طون ف ت صوراتم‬
‫لهداف الياة ووسائل تقيقها‪ .‬يهبطون إل عال الصراع البغيض الذي ل ينبض بآصرة‬
‫إن سانية رفي عة‪ ،‬ول ت طر ف يه خاطرة من ود أو ر حة أو ت عاون صادق‪ .‬ويهب طون إ ل‬
‫نزوات ال سد و ضرورات الغر يزة‪ ،‬فل يرتف عون ل ظة إ ل عاط فة نبي لة ول مع ن إن سان‬
‫كري‪.‬‬

‫ول شك أنم ‪ -‬ف الطريق‪ ،‬ف صراعهم البار ‪ -‬يققون شيئاا‪ 5‬من النفع‪ ،‬وشيئاا‬
‫من التاع‪ .‬ولكنهم يفسدون ذلك كله بالتكالب الذي يتكالبونه على النفع والتاع‪ .‬فأما‬
‫الفراد فإن الشهوات تتملكهم إل الد الذي يصبحون فيه عبيداا‪ 5‬لا‪ ،‬خاضعي لنواتا‪،‬‬
‫م كومي بت صرفاتا‪ ،‬ل يل كون أنف سهم من ها‪ ،‬ول يل صون من سلطانا‪ .‬وأ ما ا لمم‬
‫فمصيها إل الروب الدمرة الت تفسد التاع بالياة‪ ،‬وتول العلم ‪ -‬تلك الداة البارة‬
‫الطية ‪ -‬من نفع النسانية إل التحطيم الطلق‪ ،‬والدمار الرهيب‪.‬‬

‫ف لو ل ي كن للعق يدة مه مة تؤدي ها ف ح ياة الب شرية إل الف سحة ا لت تنح ها‬
‫للحياء‪ ،‬والمل ف حياة خالدة يققون فيها كل آمالم‪ ،‬ويستمتعون فيها بكل ما يطر‬

‫)‪(11‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ف نفو سهم من م تاع … و لو ل ي كن لذلك من نتي جة إل تف يف حدة ال صراع ف‬


‫ا لرض‪ ،‬وإتا حة الفر صة ل شاعر ا لب وا لودة والر حة وال خاء‪ ،‬لك فى ذ لك مبراا‬
‫للتمسك بالعقيدة والتزود منها بي زاد‪.‬‬

‫وأصحاب البادئ العليا والفكار النسانية والعقائد الرفيعة‪ ،‬من ذا الذي يهبهم‬
‫الصب على الكفاح‪ ،‬والصمود لقوى الشر والطغيان ف سبيل هذه البادئ والفكار؟ وما‬
‫النفع الذي ينتظرونه؟ لقد يقضي بعضهم ‪ -‬بل أغلبهم ‪ -‬حياته دون أن يصل على النفع‬
‫النشود‪ .‬ولن تفلح العقيدة البنية على النفع الشخصي إل ريثما يتحقق هدفها الصغي‪ ،‬ث‬
‫تكتسحها العاصي‪ ،‬لنا تقوم بغي جذور‪.‬‬

‫ليس النفع القريب إذن هو الدافع إل الصب والصمود‪.‬‬

‫حقي قة أن ب عض " ال صلحي " ي ستمدون ال قوة وال صب من الح قاد! أح قادهم‬
‫الشخ صية‪ ،‬أو أح قاد طائ فة من ال ناس‪ ،‬أو أح قاد ال يل ك له ا لذي يعي شون ف يه‪ .‬ول قد‬
‫ي صلون إ ل ب عض أ هدافهم ف " ال صلح "‪ .‬ول قد ت كون أح قادهم من ا لدة والع نف‬
‫بيث يتملون كل عذاب ف سبيل الدف الذي ينشدون‪ .‬ولكن العقائد البنية على القد‬
‫‪ -‬ل على الب ‪ -‬ل يكن أن تسي بالبشرية إل الي الق‪ .‬قد تل مشكلة موقوتة‪ .‬وقد‬
‫ترفع ظلما‪5‬ا واقعاا‪ .‬ولكنها لن تكون قط علجاا‪ 5‬صالاا‪ 5‬لكل ما تعانيه البشرية من اللم‪،‬‬
‫ول بد أن تنحرف ‪ -‬با فيها من أحقاد وسخائم ‪ -‬فتستبدل شراا‪ 5‬بشر‪ ،‬وظلماا‪ 5‬بظلم‪،‬‬
‫وهبوطاا‪ 5‬ببوط‪.‬‬

‫العق يدة ا لت ل ت قوم ع لى الن فع القر يب‪ ،‬وا لت ل ت ستمد غذاءها من ال سخائم‬
‫والحقاد‪ ،‬والت تستهدف الب النبيل والخاء الق‪ ،‬والت تارب الشرللنا تب للناس‬
‫الي‪ ..‬هذه العقيدة وحدها هي الت تنفع الناس‪ ،‬وتدفع بم إل المام ف ركب الدنية‪.‬‬

‫فكيف السبيل إليها بغي اليان " بالب " الكب النبثق من حب ال‪ ،‬و " الي‬
‫" الكب الوصول بال‪ ،‬و " الق " الكب الذي تقاس به حقائق الياة؟ وكيف السبيل‬
‫إليها بغي اليان بالعال الخر الذي ينفي عن الروح خاطر الفناء ف الرض ‪ ،‬وينحها‬
‫الحساس بالدوام واللود‪ ،‬وينفي عنها الحساس بضياع الهد بل ثرة‪ ،‬وضياع الشاعر‬
‫النبيلة بل جزاء؟‬

‫هذا عن العقيدة‪ ..‬كل عقيدة ف ال واليوم الخر‪.‬‬

‫)‪(12‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ولكن السلم له حساب آخر‪.‬‬

‫وا لذين ي طر ف بالم أن ال سلم قد ا ستنفد أغرا ضه‪ ،‬ل يعر فون لاذا جاء‬
‫السلم‪.‬‬

‫إنم ‪ -‬كما حفظوا ف دروس التاريخ الت وضعها الستعمار لتدرس ف الدارس‬
‫الصرية )‪ - (1‬يعرفون أن السلم قد نزل لنع عبادة الصنام وتوجيه الناس إل عبادة ال‬
‫الواحد‪ .‬وكان العرب يعيشون قبائل متفرقة متناحرة فألف بينهم‪ ،‬وجعلهم أمة واحدة‪.‬‬
‫و كانوا ي شربون ال مر‪ ،‬ويلع بون الي سر ويرتك بون الفا سد اللق ية‪ ،‬فن هاهم عن ذ لك‪،‬‬
‫وحرمه عليهم‪ .‬كما حرم عليهم بعض العادات السيئة‪ ،‬كالخذ بالثأر ووأد البنات و …‬
‫ال‪ .‬ودعا السلم الؤمني به لنشر الدعوة فقاموا بنشرها‪ ،‬وقامت الروب والغزوات الت‬
‫انتهت بانتشار السلم إل حدوده العروفة اليوم‪.‬‬

‫ف قط‪ .‬ت لك كانت مه مة ال سلم! وإذن ف هي مه مة تاري ية قد انت هت ال يوم‬


‫واستنفدت أغراضها‪ ..‬ليس ف العال السلمي اليوم من يعبد الصنام‪ .‬والقبائل قد ذابت‬
‫‪ -‬قليلل ‪ 5‬أو كثياا‪ - 5‬ف أمم وشعوب‪ .‬والمر واليسر والسائل اللقية متروك أمرها "‬
‫لتطور " التمع‪ .‬وقد وجدت رغم تري الديان لا‪ ،‬فل فائدة من الاولة‪ ..‬ونشر الدعوة‬
‫قد انت هى‪ ،‬و ل ي عد له م كان ف التار يخ ا لديث‪ ..‬وإذن ف قد ا ستنفد ال سلم أغرا ضه‪،‬‬
‫وعلينا اليوم أن نتجه إل " البادئ الديثة " ففيها وحدها الغناء‪.‬‬

‫ذ لك و حي الدرا سات ا لت ندر سها لبنائ نا ف الدارس‪ ،‬و هو كذلك و حي ما‬


‫ي سمونه " ا لمر الوا قع " ك ما يت بدى ف الذ هان ال ضعيفة والن فوس ال ستعبدة ل سلطان‬
‫الغرب‪.‬‬

‫ولكن هؤلء و‬

‫أولئك ل يدركون فيم نزل السلم‪.‬‬

‫‪ ()1‬تدثت ه نا عن التجر بة الصرية ل نا تر بة متكاملة ف ح س•ي ول كن مثلها قد حدث ب صورة أو‬


‫بأخرى ف متلف بلد العال السلمي‪.‬‬

‫)‪(13‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫إن ال سلم ف كل مة وا حدة هو " الت حرر "‪ .‬الت حرر من كل سلطان ع لى‬
‫)‪.(2‬‬
‫الرض‪ ،‬يقيد انطلق البشرية أو يقعد با عن التقدم الدائم ف سبيل الي‬

‫التحرر من سلطان الطغاة الذين يستعبدون البشر لنفسهم‪ ،‬ويستذلونم بالقهر‬


‫والتخويف‪ .‬فيفرضون عليهم ما يالف الق‪ ،‬ويسلبون كرامتهم أو أعراضهم أو أموالم‬
‫أو أنف سهم‪ .‬الت حرر من طغ يانم برد ال سلطان ك له إ ل ا ل و حده‪ ،‬وتقر ير ت لك القي قة‬
‫العظمى الت ينبغي أن تكون بديهية ف أذهان الناس وضمائرهم‪ ،‬وهي أن ال وحده مالك‬
‫اللك‪ ،‬وهو وحده القاهر فوق عباده‪ ،‬وكلهم عباده‪ ،‬ل يلكون لنفسهم نفعاا‪ 5‬ول ضراا‪،5‬‬
‫وكلهم آتيه يوم القيامة فرداا‪ .‬عند ذلك يتحرر الناس من خوف بشر مثلهم ل يلك من‬
‫أمر نفسه شيئاا‪ ،5‬وهو وإياهم خاضع لرادة الواحد القهار‪.‬‬

‫والتحرر من سلطان الشهوة ‪ -‬حت شهوة الياة ‪ -‬وهي السلح الذي يستخدمه‬
‫الط غاة عن ق صد أو عن غ ي ق صد ف ا ستذلل الب شر‪ .‬ف لول حرص ال ناس ع لى هذه‬
‫ال شهوات ما قب لوا ا لذل‪ ،‬ول ق عدوا عن مقاو مة الظ لم ا لذي ي قع علي هم‪ .‬و لذلك ع ن‬
‫السلم عناية شديدة بتحرير الناس منها‪ ،‬ليقفوا من الشر موقف القوي الاهد‪ ،‬ل موقف‬
‫ا لانع ال ستخذي‪ " :‬قل إن كان آ باؤكم وأب ناؤكم وإ خوانكم وأزواج كم وع شيتكم‬
‫وأموال اقترفتموها وتارة تشون كسادها ومساكن ترضونا أحب إليكم من ال ورسوله‬
‫وجهاد ف سبيله‪ ،‬فتربصوا حت يأت ال بأمره‪ ،‬وال ل يهدي القوم الفاسقي " )‪.(3‬‬

‫وبذلك يمع الشهوات كلها ف كفة‪ ،‬ويضع ف الكفة الخرى حب ال ‪ -‬الذي‬


‫يتمثل فيه الب والي والق ‪ -‬والهاد ف سبيل ال‪ ،‬وف سبيل هذه العان النبيلة كلها‪.‬‬
‫ث يعل حب ال راجحاا‪ 5‬لذه الشهوات‪ ،‬ويعل ذلك شرط اليان!‬

‫وليس التحرر من سلطان الشهوات مقصوداا‪ 5‬لقاومة الطغاة والبارين فحسب‪،‬‬


‫ولكنه إل جانب ذلك هدف شخصي لكل فرد‪ ،‬لينقذ نفسه من استعباد الغرائز والوقوع‬
‫تت سلطانا الائر الذل‪.‬‬

‫إن الذي يغرق ف شهواته يظن بادئ الل مر أنه يستمتع بلذائذ الياة أكثر ما‬
‫ي ستمتع غ يه‪ .‬ول كن هذا ال ظن ا لاطئ ي سلمه ب عد قل يل إ ل عبود ية ل خلص من ها‪،‬‬

‫‪ ()2‬انظر فصل " التحرر الوجدان " ف كتاب " العدالة الجتماعية ف السلم "‪.‬‬
‫‪ ()3‬سورة التوبة ]‪.[24‬‬

‫)‪(14‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وشقاء ل راحة فيه‪ .‬فالشهوة ل تشبع أبداا‪ 5‬بزيادة النكباب عليها‪ ،‬ولكنها تزداد تفتحاا‬
‫وا ستعاراا‪ ،5‬وت صبح ال شغل ال شاغل لن تل كه فل ي ستطيع التخ لص من ضغطها عل يه‪،‬‬
‫فضلل ‪ 5‬عن التفاهة الت يهبط إليها حي يصي هه كله أن يستجيب لصياح الشهوات‪.‬‬
‫وال ياة ل ي كن أن تت قدم‪ ،‬والب شرية ل ي كن أن ترت فع‪ ،‬إل ح ي تتخ لص من ضغط‬
‫الضرورة‪ ،‬لتعمل ف اليدان الطليق‪ .‬سواء كان عملها علما ييسر الياة‪ ،‬أو فنا يملها‪ ،‬أو‬
‫عقيدة ترتفع با إل آفاق الشاعر العليا‪.‬‬

‫ومن هنا كان حرص السلم الشديد على ترير البشر من شهواتم‪ ،‬ل بفرض‬
‫الرهب نة علي هم‪ ،‬ول بتحر ي ال ستمتاع بطي بات ال ياة‪ ،‬وإ نا بت هذيب ا ستجابتهم إلي ها‪،‬‬
‫وإتا حة الق سط الع قول من ال تاع‪ ،‬ا لذي ير ضي ال ضرورة ويط لق الطا قة اليو ية تع مل‬
‫لعلء كل مة ا ل ف ا لرض‪ .‬و كان ال سلم ف ذ لك ي هدف إ ل فائدة شخ صية لل فرد‬
‫بتحقيق قسط من التعة وراحة البال‪ ،‬وفائدة أخرى للمجتمع كله‪ ،‬يتوجيه طاقته إل الي‬
‫والتقدم والرتقاء‪ ،‬حسب نظريته الكبى ف التوفيق بي الفرد والتمع ف نظام)‪.(4‬‬

‫وترير العقل من الرافة‪ ..‬فقد كانت البشرية غارقة ف خرافات عدة‪ ،‬بعضها‬
‫صنعه البشر ونسبوه إل آلتهم الت صنعوها بأيديهم‪ ،‬وبعضها صنعه رجال الدين ونسبوه‬
‫إ ل ا ل! وكل ها ن شأ من الها لة ا لت كان يع يش في ها الع قل الب شري ف ط فولته‪ ،‬ف جاء‬
‫السلم ليخلص البشرية من الرافة مثلة ف اللة الزعومة‪ ،‬وف أساطي اليهود وخرافات‬
‫الكنيسة‪ ،‬ويردهم إل ال الق‪ ،‬ف صورة بسيطة يفهمها العقل ويدركها الس ويؤمن با‬
‫الضمي؛ ويدعوهم إل إعمال عقلهم لتفهم حقائق الياة‪ ،‬ولكن ف صورة فريدة ل تقيم‬
‫خصومة بي العقل والدين‪ ،‬ول بي الدين والعلم‪ .‬ل تضطر النسان إل اليان بالرافة‬
‫ليؤمن بال‪ ،‬ول تضطره إل الكفر بال ليؤمن بقائق العلم‪ .‬وإنا تقر ف ضميه ف استقامة‬
‫ووضوح أن ال قد سخر للناس ما ف الكون جيعاا‪ .‬وأن كل حقيقة علمية يهتدون إليها‪،‬‬
‫أو ن فع مادي ي صلون عل يه فإ نا هو توف يق من ا ل‪ ،‬ي ستحق أن ي شكروا ا ل من أج له‬
‫ويسنوا عبادته‪ ،‬وبذلك يعل العرفة جزءاا‪ 5‬من اليان‪ ،‬ل عنصرا‪5‬ا مالفاا‪ 5‬لليان‪.‬‬

‫وتلك كلها أهداف ل تستنفد أغراضها‪ ،‬ول يكن أن تستنفد أغراضها ما دام‬
‫البشر على الرض!‬

‫‪ ()4‬انظر بالتفصيل فصل "الفرد والتمع" ف كتاب " النسان بي الادية والسلم"‪.‬‬

‫)‪(15‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫فهل تلصت البشرية من الرافة؟ هل تلصت من سلطان الطغاة والبارين؟ هل‬


‫تلصت من ضغط السد وصراخ الشهوات؟‬

‫نصف سكان العال ما يزالون وثنيي يعبدون الصنام‪ ،‬ف الند والصي والقبائل‬
‫التفر قة ف أ ناء ا لرض‪ .‬و ما ي قرب من ن صفهم يع بدون خرا فة أ خرى ل ت قل انرا فاا‬
‫بال ناس عن ا لق‪ ،‬ول إف ساداا‪ 5‬ل ضمائرهم وم شاعرهم وعل قات بع ضهم ببعض‪ ،‬بل ر با‬
‫كانت أكثر انرافاا‪ 5‬وأشد خطراا‪ :‬تلك الرافة هي العلم!!‬

‫العلم أداة جبارة من أدوات العرفة‪ ،‬وقد خطا بالبشرية كلها خطوات واسعة ف‬
‫سبيل الت قدم والر قي‪ ،‬ول كن إ يان ال غرب به ع لى أ نه ا لله الو حد‪ ،‬وإغلق كل منا فذ‬
‫العرفة سواه‪ ،‬قد ضلل البشرية عن مقصدها‪ ،‬وضيق آفاقها وحصر مالا ف اليدان الذي‬
‫ي ستطيع الع لم التجر يب أن يع مل ف يه‪ ،‬و هو م يدان ا لواس‪ .‬ومه ما ي كن من سعة هذا‬
‫اليدان فهو ضيق بالنسبة لطاقات البشرية؛ ومهما يكن من رفعته فهو أدنن ما يستطيع‬
‫النسان أن يرتفع إليه‪ ،‬حي يرتفع بفكره وروحه جيعاا‪ ،5‬فيتصل بقيقة اللوهية ويقبس‬
‫من نور العرفة القة ببصره وبصيته ف آن‪ .‬وذلك فضلل ‪ 5‬عن الرافة الت تيل للمؤمني‬
‫با أن العلم يستطيع أن يصل بم إل كل أسرار الكون والياة‪ ،‬والت تيل لم أن ما يثبته‬
‫العلم هو وحده الق‪ ،‬وأن ما ل يستطيع إثباته هو الرافة! والعلم ما يزال ف طفولته‪ ،‬وما‬
‫يزال يضطرب ف كثي من القائق بي النفي والثبات‪ ،‬وما يزال عاجزاا‪ 5‬عن النفاذ إل‬
‫ح قائق ال شياء‪ ،‬يكت في بو صف مظاهر ها دون كنه ها‪ .‬ول كن عب ب•اده يتعج لون أمر هم‬
‫وأ مره‪ ،‬فين فون و جود ا لروح‪ ،‬وين فون قدرة هذا الخ لوق الب شري ا لدود ا لواس ع لى‬
‫تطي حواجز الادة‪ ،‬والتصال بالغيب الهول ف ومضة من ومضات التليباثي )‪ ،(5‬أو ف‬
‫رؤيا صادقة‪ ،‬ل لن هذا ليس حقيقة‪ ،‬ولكن لن العلم التجريب ل يستطع بعد إثباته! ولا‬
‫كان ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ل يضع للبحث التجريب فقد استغنوا عنه‪ ،‬وأعلن بعضهم أنه غي‬
‫موجود!!‬

‫فما أحوج العال اليوم إل السلم‪ ،‬كما كان متاجاا‪ 5‬إليه قبل ألف وثلثائة عام!‬
‫ما أ حوجه إل يه ين قذه من الرا فة‪ ،‬وير فع عق له ورو حه من ا لتردي في ها‪ ،‬سواء كانت‬

‫‪ ()5‬التليباثي هو التخاطر عن بعد‪ ،‬ومن أمثلته حادثة عمر الشهية الت خاطب فيها سارية‪ " :‬يا سارية‬
‫البل البل! " فسمعه على بعد مئات الميال‪ ،‬واناز بيشه إل البل‪ ،‬فنجا من الكمي‪ ،‬وانتصر‪ .‬وقد‬
‫تنازل العلم من عليائه فاضطر للعتراف بالتليباثي على أنه حقيقة علمية‪ ،‬ولكنه ما زال ياحك ف أمر‬
‫صلته بالروح‪ ،‬وياول تفسيه باسة سادسة مهولة!!‬

‫)‪(16‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫الرافة هي عبادة الل وثان‪ ،‬أو عبادة العلم على الصورة الزرية الت يارسها أهل الغرب "‬
‫التقدمون "‪ .‬بل ما أحوجه إليه يعيد السلم بي الدين والعلم‪ ،‬ليعيد الستقرار إل الكائن‬
‫الب شري ا لذي تز قه ع قائد ال غرب الفا سدة‪ ،‬فتف صل ب ي عق له وو جدانه‪ ،‬و تالف ب ي‬
‫حاجته إل العلم وحاجته إل ال!‬

‫ما أحوجه إليه يزيل بقية الروح الغريقية البيثة‪ ،‬الت ورثتها أوربا الديثة من‬
‫تاريها القدي ف عصر الحياء‪ ،‬والت كانت تصور العلقة بي البشر واللة علقة خصام‬
‫وصراع‪ ،‬وتعل كل سر من أسرار العرفة أو كل خي يتوصل إليه بشر‪ ،‬شيئا منتزعا من‬
‫ال لة ق سراا‪ 5‬عن هم‪ ،‬لو ا ستطاعوا لن عوه‪ ،‬و بذلك يع تب كل ك شف عل مي انت صاراا‪ 5‬ع لى‬
‫هؤلء اللة وتشفيا فيهم!‬

‫تلك الروح البيثة ما تزال ف العقل الباطن الورب والغرب عامة‪ ،‬تتبدى حيناا‪ 5‬ف‬
‫بعض تعبياتم مثل " قهر النسان للطبيعة " أو " العلم ينتزع السرار "‪ ..‬ال‪ .‬وتتبدى ف‬
‫طري قة إحسا سهم بال‪ ،‬و شعورهم بأن ع جز الن سان هو ‪ -‬و حده ‪ -‬ا لذي ي ضطره‬
‫للخضوع ل‪ ،‬فكل كشف علمي يتوصل له النسان يرفعه درجة‪ ،‬ويفض الله درجة‪،‬‬
‫وه كذا حت ي عرف الن سان كل أ سرار الع لم‪ ،‬وي لق ال ياة )و هو ال لم ا لذي يا يل "‬
‫للعلماء " اليوم( وعندئذ يتخلص نائيا من الضوع ل‪ ،‬ويصبح هو الله!‬

‫ما أ حوج ال عال لل سلم ال يوم‪ ،‬ين قذه من هذه ال ضللة‪ ،‬و يرد لرو حه ا لمن‬
‫والسلم‪ .‬ويشعره بعطف ال عليه ورحته‪ ،‬وأن كل معرفة يصل إليها أو خي يصيبه إنا‬
‫هو منحة من ال ينحها له‪ ،‬وهو راض عنه ‪ -‬مادام يستخدمها ف خي الموع ‪ -‬وأن ال‬
‫ف السلم ل يغضب على الناس حي " يعرفون " ول يشى منافستهم له سبحانه! وإنا‬
‫يغضب عليهم فقط حي يستغلون معرفتهم ف الضرر واليذاء‪.‬‬

‫و ما أ حوج ال ناس إ ل ال سلم ال يوم ين قذهم من الط غاة وال بارين ك ما كان‬
‫ينقذهم منهم قبل ألف وثلثمائة عام!‬

‫وال بارون ال يوم كثيون‪ ،‬بع ضهم م لوك‪ ،‬وبع ضهم أ باطرة‪ ،‬وبع ضهم رأ ساليون‬
‫يتصون دماء ال كادحي ويقهرو نم بذل الفقر والاجة‪ ،‬وبعضهم دك تاتوريون يك مون‬
‫بالديد والنار والتجسس‪ ،‬ويقولون‪ :‬إنم ينقذون إرادة الشعوب أو إرادة البوليتاريا!‬

‫)‪(17‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫والسلم ينقذ الناس من البابرة ف عال الواقع ل ف عال الحلم‪ .‬ولقد يطيب‬
‫لبعض الناس أن يسأل‪ :‬فما بال السلم ل ينقذ أهله من حكامه البابرة الذين ما يزالون‬
‫يكتمون أنفاسه ويتصون دماءه وينتهكون حرماته‪ ،‬باسم السلم؟‬

‫وا لواب أن ال سلم ل ي كم ف هذه البلد‪ ،‬وأن أهل ها لي سوا م سلمي إل‬
‫)‪(6‬‬
‫بالسم‪ ،‬ينطبق عليهم قوله تعال‪ " :‬ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون "‬
‫و قوله ت عال‪ " :‬فل ور بك ل يؤم نون حت يك موك في ما شجر بين هم‪ ،‬ث ل يدوا ف‬
‫أنفسهم حرجاا‪ 5‬ما قضيت ويسلموا تسليما " )‪.(7‬‬

‫والسلم الذي ندعو إليه ليس بطبيعة الال ذلك السلم الذي يزاوله الكام ف‬
‫ال شرق ال سلمي‪ ،‬ويالفون به كل شرائع ال‪ ،‬ويكمون بدساتي أور با مرة‪ ،‬وبنظرية‬
‫الق اللي مرة‪ ،‬ول يعدلون بي الناس ف هذا ول ذاك‪.‬‬

‫ال سلم ا لذي ندعوا إل يه هو ال سلم ا لذي ي هز ال عروش‪ ،‬ويط يح من فوق ها‬
‫ببابرتا‪ ،‬وينلم على حكمه أو ينفيهم من الرض‪ " :‬فأما الزبد فيذهب جفاء‪ ،‬وأما ما‬
‫)‪.(8‬‬
‫ينفع الناس فيمكث ف الرض "‬

‫وح ي ي كم هذا ال سلم ‪ -‬و هو ل بد حاكم بإذن ال وتأي يده ‪ -‬ف لن ي كون‬
‫جبار ف أرض السلم‪ ،‬لن السلم ل يقبل البابرة‪ ،‬ول يسمح لحد أن يكم بأمره ف‬
‫الرض‪ .‬وإنا بأمر ال ورسوله‪ .‬وال يأمر بالعدل والحسان‪.‬‬

‫وحي يكم هذا السلم‪ ،‬أي حي يترب جيل من الشباب يؤمن به وياهد ف‬
‫سبيله‪ ،‬لن يكون للحاكم إل تنفيذ شريعة ال‪ ،‬وإل فل طاعة له على الناس بصريح قول‬
‫الليفة الول‪ " :‬أطيعون ما أطعت ال فيكم‪ ،‬فإن عصيت ال فل طاعة ل عليكم "‪ .‬ولن‬
‫يكون للحاكم حق ف الال أو ف التشريع زائد على حقوق أي فرد من أفراد الشعب‪،‬‬
‫ولن يتول ذلك الاكم سلطانه إل بانتخاب الناس له انتخاباا‪ 5‬حرا‪5‬ا طليقاا‪ 5‬من كل قيد‪،‬‬
‫إل قيد الرشد والعدل والحسان‪.‬‬

‫‪ ()6‬سورة الائدة ]‪.[44‬‬


‫‪ ()7‬سورة النساء ]‪.[65‬‬
‫‪ ()8‬سورة الرعد ]‪.[17‬‬

‫)‪(18‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وحي يكم هذا السلم فلن يلص السلمي من البوت الداخلي فحسب‪ ،‬بل‬
‫يل صهم كذلك من الطغ يان ا لجنب ف صورة ا ستعمار أو تد يد بال ستعمار‪ .‬ذ لك أن‬
‫ال سلم د ين عزة ومن عة‪ ،‬يأب ال ضوع لذا ال ستعمار وي ستنكره‪ ،‬وي عل ح ساب ا ل‬
‫عسياا‪ 5‬على الرضا به أو النوع لسلطانه‪ .‬ويدعو لقاتلته بكل ما ف الطاقة من وسائل‬
‫الهاد‪.‬‬

‫ف ما أحوج نا إ ل ال سلم ال يوم‪ ،‬ن قف تت راي ته‪ ،‬فنط هر أر ضنا من د نس‬


‫الستعمار‪ ،‬ونستخلص من قبضته البيثة أرواحنا وأموالنا وأعراضنا وعقائدنا وأفكارنا‪،‬‬
‫لنصي جديرين باسم ال الذي نعبده‪ ،‬وبدينه الذي ارتضاه لنا يوم قال سبحانه‪ " :‬اليوم‬
‫أكملت لكم دينكم وأتمت عليكم نعمت ورضيت لكم السلم دينا " )‪.(9‬‬

‫ولكن دور السلم ل يقف عند هذا الد‪ ،‬فتحرير هذا الزء من العال من قبضة‬
‫الطغاة ف الداخل والارج ل يقتصر أثره على أهله فحسب‪ ،‬بل هو نعمة كبى للعال‬
‫كله‪ ،‬الثخن براح الرب‪ ،‬والذي تتهدده الرب القادمة بالفناء الدمر الرهيب‪.‬‬

‫فهذا العال اليوم قد انقسم كتلتي كبيتي‪ ،‬الكتلة الرأسالية من جانب‪ ،‬والكتلة‬
‫ال شيوعية من جانب‪ ،‬و ها تتناز عان الن فوذ وا لوارد والن قط ال ستراتيجية‪ ،‬ولكنه ما ف‬
‫الوا قع تتنازعان نا نن‪ ...‬نن هذا ال عال الم تد من ال يط للمح يط‪ ،‬الغ ن بالوارد الاد ية‬
‫والب شرية والن قط ال ستراتيجية‪ ،‬و ها تت صارعان علي نا‪ ،‬كأن نا ك م‪ Î‬مه مل ل ي سب له‬
‫حساب‪ ،‬وإنا ينقاد للظافر انقياد العبيد‪ ،‬وينتقل من ملكية سيد لسيد‪ ،‬كما ينتقل التاع‬
‫والشياء‪.‬‬

‫ولو استرد العال السلمي كيانه ‪ -‬وهو ف طريقه إل ذلك بإذن ال ‪ -‬لبطل‬
‫الصراع ال بار ا لذي يهدد ا لرض بالراب‪ ،‬و لبزت ف ال عال كت لة ثال ثة ت سك م يزان‬
‫ال قوة الدول ية من منت صفه‪ ،‬وت لك بوقف ها أن تر جح قوة هذه الكت لة أو ت لك‪ .‬ع ندئذ ل‬
‫تت صارع علي نا رو سيا وأمري كا ف وقا حة ك ما ت صنعان ال يوم‪ ،‬وإ نا تت سابق كلتا ها إ ل‬
‫استرضاء السلم والسلمي‪.‬‬

‫‪ ()9‬سورة الائدة ]‪.[3‬‬

‫)‪(19‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وإذن فال عال ال يوم ف حا جة إ ل انت صار ال سلم‪ ،‬و لو ل يؤمن به إل أه له‬
‫ال قائمون ال يوم؛ لن انت صاره ير يح ال عال من ا لوف ا لدائم من ا لرب‪ ،‬وال فزع الق لق‬
‫للعصاب‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وما أحوجه إليه ينقذه من سلطان الشهوات‪.‬‬

‫هذه هي أوربا قد غرقت ف شهواتا الدنسة ل تفيق منها‪ .‬فماذا كانت نتيجة‬
‫ذ لك ف العال كله؟ لقد تقدم العلم‪ ،‬نعم‪ ،‬ول كن الب شرية ل تتقدم‪ ،‬و ل يدث قط أن‬
‫تقدمت البشرية وهي مستعبدة لشهواتا‪ ،‬غارقة ف التاع السي الغليظ‪.‬‬

‫ولقد يبهر التقدم العلمي بعض الناس ف الشرق والغرب‪ ،‬فيحسبون أن الطائرة‬
‫ال صاروخية والقنب لة الذر ية وج هاز الراد يو والغ سالة الكهربائ ية هي الت قدم! ول كن ذ لك‬
‫ليس مقياسه الق‪ ،‬وإنا القياس الذي ل يطئ هو مقدار استعلء النسان على ضروراته‪:‬‬
‫فهو مرتفع كلما استطاع‪ ،‬وهو هابط كلما أخفق‪ ،‬مهما ارتقت علومه ومعارفه‪.‬‬

‫وليس هذا مقياسا‪ 5‬تكم يا‪ 5‬تضعه الديان‪ ،‬أو علم الخلق‪ ،‬بغي مبر ول رصيد‬
‫من الواقع‪ .‬فلنستعرض التاريخ‪ :‬كم أمة استطاعت أن تعيش قوية متماسكة‪ ،‬تعمل لي‬
‫البشرية وتقدمها‪ ،‬بينما أهلها مشغولون بالتاع الزائد عن الد؟ ما الذي حطم مد اليونان‬
‫القد ية؟ ورو ما القد ية؟ و فارس القد ية؟ ما ا لذي ح طم ال عال ال سلمي ف نا ية الع صر‬
‫العبا سي؟ وك يف صنعت فرن سا ا لداعرة ف ا لرب ا لخية؟ أ ل ت سلم ع ند أول ضربة‪،‬‬
‫لنا أمة مشغولة بباذلا وشهواتا عن الستعداد النفسي والادي للدفاع عن بلدها؟ أمة‬
‫تاف ع لى ع مائر باريس ومراق صها من تدمي القنا بل‪ ،‬أ كثر ما تاف ع لى كيا نا‬
‫وكرامتها " التاريية "؟!‬

‫وربا كانت أمريكا هي الثل الذي يايل للمستغفلي ف الشرق‪ ،‬فهي أمة غارقة‬
‫ف التاع الدنس‪ ،‬ومع ذلك فهي قوية مسيطرة ذات سلطان‪ ،‬وإنتاجها الادي هو أضخم‬
‫إنتاج ف الرض‪ .‬كل ذلك صحيح‪ .‬ولكن الذين تايل لم أمريكا ينسون أنا أمة فتية‬
‫مذخورة القوة ما تزال ف عنفوانا النفسي والسدي‪ .‬والشباب دائم‪5‬ا أقدر على احتمال‬
‫الرض‪،‬بيث يبدو من الظاهر كأنه ل يترك أثر‪5‬ا فيه‪ .‬ولكن عي البي تستطيع ‪ -‬مع ذلك‬

‫)‪(20‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫‪ -‬أن تبصر أعراض الرض من وراء مظاهر القوة الادعة‪ .‬ويكفي أن نذكر هذين البين‬
‫الصارخي اللذين وردا ف الصحف ليعرف الخدوعون أن سنة ال ف خلقه ل تتغي‪ .‬وأن‬
‫العلم بكل مترعاته ل يغي طبائع النفوس‪ ،‬ول طبائع الشياء‪ ،‬لنه هو ذاته جزء من سنة‬
‫ال " ولن تد لسنة ال تبديل "‪.‬‬

‫ا لب ا لول هو طرد ‪ 33‬موظ فا‪ 5‬من وزارة الارج ية المريك ية لنم م صابون‬
‫بالشذوذ النسي‪ ،‬ولنم بذه الصفة ل يؤتنون على أسرار الدولة!‬

‫والب الثان هو فرار مائة وعشرين ألفا‪ 5‬من التجنيد الجباري ف أمريكا‪ ،‬وهو‬
‫عدد ضخم بالنسبة لموع اليش المريكي‪ ،‬وبالنسبة لمة فتية تريد أن تكافح للسيادة‬
‫على العال!‬

‫والبق ية تأت‪ -‬ول بد أن تأت‪ -‬إذا ا ستمر ال قوم ع لى ال تاع ا لدنس ا لذي هم‬
‫غارقون فيه‪.‬‬

‫هذه واحدة‪ .‬والثانية أن إنتاج أمريكا الضخم هو إنتاج ف عال الادة وحدها‪.‬‬
‫ولكنها على ثرائها وفتوتا وعظم الطاقة الذخورة ف أرضها وناسها ل تنتج شيئا‪ 5‬يذكر ف‬
‫عال البادئ والقيم العليا‪ ،‬لنا غارقة ف انطلقة جسدية فارهة‪ ،‬ول ترتفع كثيا‪ 5‬عن ميط‬
‫ال يوان‪ ،‬وت بط كثيا‪ 5‬إ ل ما ي شبه ا ندفاعات ا للت! ويك في أن ت كون هي ال مة ا لت‬
‫تعا مل الز نوج ت لك العام لة الوح شية الب شعة‪ ،‬ل كي ن عرف م ستواها النف سي‪ ،‬وآفاق ها‬
‫البشرية‪.‬‬

‫كل! ل يرتفع العال بالبوط ف حأة الشهوات‪.‬‬

‫وما أحوج العال إل السلم اليوم‪ ،‬كما كان ف حاجة إليه قبل ألف وثلثائة‬
‫عام‪ ،‬لين قذه من العبود ية لل شهوة‪ ،‬ويط لق طاقته اليو ية إ ل آفاق ها العل يا‪ ،‬لتن شر ال ي‪،‬‬
‫وتصبح جديرة با كرمها ال!‬

‫ول يقولن أحد إنا ماولة فاشلة ميئوس من نتائجها! فمن قبل جربت النسانية‬
‫أنا تستطيع أن ترتفع ‪ ,‬وما حدث مرة يكن أن يدث مرة أخرى‪ .‬والناس هم الناس‪.‬‬
‫وقد كان العال قبل السلم مباشرة قد هبط إل درجة من العبودية للشهوات تشبه إل‬
‫حد كبي ما هبط إليه اليوم‪ ،‬بغي فارق سوى تغي أدوات التاع‪ .‬وكانت روما القدية ل‬

‫)‪(21‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫تقل دعارة عن باريس ولندن ومدن أمريكا‪ ،‬وكانت فارس القدية غارقة ف فوضى خلقية‬
‫كالت يصفون با العال الشيوعي‪ ،‬ث جاء السلم فبدل هذا كله إل حياة رفيعة فاضلة‬
‫ذا خرة بالن شاط والر كة‪ ،‬عام لة ع لى ال ي‪ ،‬مع مرة ل لرض‪ ،‬داف عة بالن سانية كل ها ف‬
‫الشرق والغرب إل التقدم الفكري والروحي‪ ،‬ول يستعص الشر الذي كان الناس يومئذ‬
‫غارقي فيه‪ ،‬على الصلح الذي عمل عليه السلم‪.‬‬

‫وظل العال السلمي مصدر النور والي والتقدم ف العال كله فترة طويلة ل‬
‫ي شعر خل لا أ نه م تاج إ ل الت بذل الل قي والفو ضى والباح ية‪ ،‬ل كي ي صل ع لى ال قوة‬
‫الادية والتقدم العلمي والفكري! وإنا كان أهله مثل‪ 5‬رفيعة ف كل ميدان‪ .‬حت هبط عن‬
‫أخلقه القياسية‪ ،‬واستعبدته الشهوات‪ ،‬فجرت عليه سنة ال‪.‬‬

‫والدف عة ال سلمية الد يدة ا لت تتج مع ال يوم لتت حرك‪ ،‬دف عة هائ لة ت ستمد من‬
‫ذخية الاضي‪ ،‬وتأخذ بأسباب القوة الاضرة‪ ،‬وتتطلع إل الستقبل‪ ،‬فتتوفر لا كل عوامل‬
‫النماء والقوة‪ .‬فهي كفيلة بأن تعيد العجزة الت قام با السلم أول مرة‪ ،‬فترفع الناس من‬
‫حضيض الشهوة إل مستوى النسانية الكرية الت تعمل ف الرض وهي تتطلع للسماء‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولكن السلم إل جانب هذا كله‪ ،‬أو بسبب من هذا كله‪ ،‬ل يكتف بأن يكون‬
‫عقيدة روحية‪ ،‬أو ماولة للتهذيب اللقي‪ ،‬أو دعوة للتجرد الفكري والتأمل ف ملكوت‬
‫ال‪ ،‬وإنا كان دينا‪ 5‬عمليا‪ 5‬ينظر ف شؤون الرض‪ ،‬فل تفوته كبية ول صغية ف علقات‬
‫الناس بعضهم ببعض‪ ،‬سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية إل اهتم با ووضع لا‬
‫ت شريعاتا وتطبيقا تا‪ ،‬ول كن ف صورة فر يدة تر بط ب ي ال فرد والت مع‪ ،‬ب ي الع قل‬
‫والوجدان‪ ،‬بي العمل والعبادة‪ ،‬بي الرض والسماء‪ ،‬وبي الدنيا والخرة كلها ف نظام‪.‬‬

‫ول يت سع هذا الف صل لل حديث الف صل عن الن ظام ال سلمي ف السيا سة‬
‫والقتصاد والجتماع‪ .‬والفصول التالية كلها عرض لبعض مظاهر هذا النظام من نواحيه‬
‫الختل فة‪ ،‬ف أث ناء مناق شة ال شبهات ا لت تثي ها أورو با وعب•اد ها ضد هذا ا لدين‪ .‬ولك نا‬
‫نكتفي هنا بالشارة إل القائق التالية‪:‬‬

‫)‪(22‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫أول‪ :5‬أن السلم ل يكن د عوة نظرية‪ .‬وإنا كان نظاما‪ 5‬عمل ي‪5‬ا يعرف حا جات‬
‫الناس القيقية ويعمل على تقيقها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :5‬أنه ف سبيل تقيق هذه الاجات يسعى إل التوازن الطلق بقدر ما تطيقه‬
‫طبائع البشر‪ ،‬فيوازن أول‪ 5‬ف نفس الفرد بي حاجات السد وحاجات العقل وحاجات‬
‫الروح‪ ،‬ول يترك جانبا‪ 5‬منها يطغى على جانب آخر‪ .‬فل يكبت الطاقة اليوية ف سبيل‬
‫الرتفاع بالروح‪ ،‬ول يبالغ ف الستجابة لشهوات السد إل الد الذي يهبط بالنسان‬
‫إل مستوى اليوان‪ ،‬ويمع بي ذلك كله ف نظام موحد ل يزق النفس الواحدة بي‬
‫ال شد وا لذب‪ ،‬ول يوجه ها وج هات شت متناق ضة‪ .‬ث يوازن ثان ي‪5‬ا ب ي م طالب ال فرد‬
‫ومطالب التمع‪ ،‬فل يطغى فرد على فرد‪ ،‬ول يطغى الفرد على التمع‪ ،‬ول التمع على‬
‫الفرد‪ ،‬ول طبقة على طبقة‪ ،‬ول أمة على أمة‪ .‬وإنا يقف السلم بي هؤلء جيعا‪ 5‬يجز‬
‫بين هم أن يت صادموا‪ ،‬و يدعوهم جي عا‪ 5‬إ ل الت عاون ف سبيل ال ي الن سان‪ .‬ث هو أخ يا‬
‫يوازن ف نظام التمع بي متلف القوى‪ :‬يوازن بي القوى الادية والقوة الروحية‪ ،‬وبي‬
‫العوا مل القت صادية والعوا مل " الن سانية "‪ .‬فل ي عترف ‪ -‬ك ما ت صنع ال شيوعية ‪ -‬بأن‬
‫العوامل القتصادية أو القوى الادية هي وحدها السيطرة على النسان‪ .‬ول يؤمن ‪ -‬كما‬
‫تصنع الدعوات الروحية الالصة أو الذاهب الثالية ‪ -‬بأن العوامل الروحية أو الثل العليا‬
‫تستطيع وحدها أن تنظم حياة البشر‪ .‬وإنا يؤمن بأن هذه جيعا‪ 5‬عناصر متلفة يتكون من‬
‫مموع ها " الن سان "‪ .‬وأن الن ظام الف ضل هو الن ظام ال شل‪ ،‬ا لذي ي ستجيب ل طالب‬
‫السد ومطالب العقل ومطالب الروح ف توازن واتساق‪.‬‬

‫ثالث‪5‬ا‪ :‬أن للسلم فكرة اجتماعية ونظاما‪ 5‬اقتصاديا‪ 5‬قائما بذاته‪ ،‬قد تلتقي به ́ع́رضا‬
‫ب عض م ظاهر الرأ سالية أو ال شيوعية‪ ،‬ولك نه ع لى و جه التأك يد شيء آ خر غ ي الرأ سالية‬
‫والشيوعية‪ ،‬ي مع كل مزاياها دون أن يقع ف أخطائهما وانرافات ما‪ .‬نظام ل يبالغ ف‬
‫الفرد ية إ ل ا لد البغ يض ا لذي ي قوم ف ال غرب‪ ،‬وا لذي يع تب ال فرد هو ال ساس‪ ،‬و هو‬
‫الكائن القدس الذي تصان حرياته‪ ،‬ول يوز للمجتمع أن يقف ف سبيله‪ ..‬فتنشأ هناك‬
‫الرأ سالية القائ مة ع لى أ ساس حر ية ال فرد ف ا ستغلل ا لخرين‪ .‬ول ي بالغ ف ال تاه‬
‫ال ماعي ا لذي ي قوم ف شرق أورو با‪ ،‬ويع تب الت مع هو ال ساس‪ ،‬وال فرد ذرة تائ هة ل‬
‫ك يان له بفرده‪ ،‬ول و جود له إل ف دا خل القط يع‪ ،‬فالتمع و حده هو صاحب الرية‬
‫وصاحب السلطان‪ ،‬وليس للفرد أن يتج عليه أو يطالبه بقوقه‪ ..‬وهناك تنشأ الشيوعية‬
‫القائمة على سلطان الدولة الطلق ف تكييف حياة الفراد‪ .‬وإنا هو نظام وسط بي هذا‬
‫وذاك‪ ،‬يعترف بالفرد ويعترف بالتمع‪ ،‬ويوازن بينهما‪ .‬فيمنح الفرد قدرا‪ 5‬من الرية يقق‬

‫)‪(23‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫به كيانه ول يطغى به على كيان الخرين‪ ،‬وينح التمع ‪ -‬أو الدولة مثلة التمع ‪ -‬سلطة‬
‫وا سعة ف إ عادة تنظ يم العل قات الجتماع ية والقت صادية كل ما خر جت عن تواز نا‬
‫النشود‪ .‬وكل ذلك على أساس الب التبادل بي الفراد والطوائف‪ ،‬ل على أساس القد‬
‫والصراع الطبقي الذي تقيم عليه الشيوعية فلسفتها النظرية وتطبيقاتا العملية‪.‬‬

‫و هذا الن ظام الفر يد ل يئ به ال سلم تت ضغط الضرورات القتصادية‪ ،‬ول‬


‫نتيجة لحتكاك الصال التصارعة‪ ،‬وإنا أتى به تطوعا‪ 5‬وإنشاء“‪ ،‬ف وقت ل يكن العال كله‬
‫يقيم وزنا‪ 5‬للعمل القتصادي أو يعرف شيئا‪ 5‬حقيقيا‪ 5‬عن العدالة الجتماعية كما نفهمها‬
‫اليوم‪ .‬ول يزال هذا النظام إل هذه اللحظة نظاما‪ 5‬تقدمي‪5‬ا بالنسبة للرأسالية والشيوعية وها‬
‫آخر ما عرف العال الديث ف عال الجتماع والقتصاد‪ ..‬وإن " الطالب الساسية "‬
‫ا لت نادى با كارل ماركس واع تب الدو لة م سئولة عن تقيق ها‪ ،‬فأ حدث بذلك ثورة‬
‫عظمى ف التاريخ‪ :‬وهي الغذاء والسكن والشباع النسي‪ ،‬لي بعض ما قاله السلم من‬
‫قبل ألف وثلثائة عام! يقول نب السلم الكري‪ " :‬من كان لنا عامل‪ 5‬ول يكن له زوجة‬
‫فليتخذ زوجة‪ ،‬وليس له مسكن فليتخذ مسكنا “‪ ،‬وليس له خادم فليتخذ خادما “‪ ،‬وليس‬
‫له دابة فليتخذ دابة " فيلم• بكل " الطالب الساسية " الت نادى با ماركس ويزيد عليها‪،‬‬
‫ف غي ما أحقاد طبقية‪ ،‬ول ثورات دموية‪ ،‬ول إنكار لكل مقومات الياة النسانية الت‬
‫تتجاوز هذه الضروريات‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلك بعض الوانب البارزة ف النظام السلمي‪.‬‬

‫وإن دينا‪ 5‬تلك قواعده وأركانه‪ ،‬دينا‪ 5‬ييط بذا الدى الواسع من حياة البشر ف‬
‫حر كاتم‪ ،‬و سكناتم‪ ،‬ف أف كارهم وم شاعرهم‪ ،‬ف عمل هم وع بادتم‪ .‬ف اقت صادياتم‬
‫واجتماع ياتم‪ ،‬ف نز عاتم الفطر ية وأ شواقهم الروح ية‪ ،‬وي ضع لذلك ك له نظا ما‪ 5‬متواز نا‬
‫فريدا‪ 5‬ف التاريخ‪ ..‬هذا الدين ل يكن أن يستنفد أغراضه‪ ،‬لن أغراضه هي الياة كلها‪،‬‬
‫ما دامت الياة‪.‬‬

‫وإن ال عال بأحواله ا لت يع يش علي ها ال يوم‪ ،‬ل يس هو ا لذي ي ستغن عن و حي‬


‫السلم وتنظيم السلم‪.‬‬

‫)‪(24‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫العال الذي يصل فيه التعصب العنصري إل صورته الوحشية ف أمريكا وجنوب‬
‫أفريقيا ف القرن العشرين‪ ،‬ما زال يتاج إل وحي السلم الذي سوى قبل ثلثة عشر‬
‫قرنا‪ 5‬ف واقع الياة ل ف عال الثل والحلم بي السود والبيض والحر‪ ،‬ل فضل لحد‬
‫منهم على أحد إل بالتقوى‪.‬‬

‫وم نح العب يد ال سود‪ :‬ل ال ساواة ف الن سانية فح سب‪ ،‬بل أر فع ما يط مح إل يه‬
‫مسلم وهو ولية أمر السلمي! يقول الرسول الكري‪ :‬اسعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم‬
‫عبد حبشي كأن رأسه زبيبة‪ ،‬ما أقام فيكم كتاب ال تعال " )‪.(10‬‬

‫والعال الغارق ف الستعمار والستعباد‪ ،‬الذي يصل إل درجة الوحشية‪ ،‬ما يزال‬
‫يتاج إل وحي السلم الذي حرم الستعمار بقصد الستغلل‪ ،‬وعامل البلد الت فتحها‬
‫‪ -‬بقصد نشر الدعوة ‪ -‬معاملة ما تزال ف نظافتها وارتفاعها قمة ل تصل إليها أبصار‬
‫ا لقزام ف أورو با " التح ضرة "‪ .‬في قرر ع مر بن ال طاب ضرب ا بن ع مرو بن ال عاص‪،‬‬
‫وي كاد ي ضرب ́ع مر‪5‬ا نف سه‪ ،‬و هو ال قائد الظ فر وا لاكم الب جل‪ ،‬لن اب نه ضرب شابا‬
‫مصريا‪ 5‬قبطيا‪ 5‬بغي وجه حق!‬

‫والعال الغارق ف مفاسد الرأسالية‪ ،‬ما يزال يتاج إل نظام السلم الذي حرم‬
‫الربا والحتكار‪ ،‬وها الركنان اللذان تقوم عليهما الرأسالية‪ ،‬قبل القرن العشرين بثلثة‬
‫عشر من القرون!‬

‫والعال الذي غشيته الشيوعية الادية اللحدة ما يزال يتاج إل نظام السلم الذي‬
‫يقق أقصى حد للعدالة الجتماعية‪ ،‬دون أن يتاج إل تفيف النابع الروحية ف النسان‪،‬‬
‫ول حصر عاله ف اليدان الضيق الذي تدركه الواس‪ ،‬ودون أن يتاج إل فرض عقيدته‬
‫على الناس بالدكتاتورية‪ ،‬إنا يقول لم‪ " :‬ل إكراه ف الدين قد تبي الرشد من الغي "‪.‬‬

‫والعال الفزع من الرب ما يزال يتاج إل قيام السلم‪ ،‬لن ذلك وحده هو‬
‫سبيله الواقعي إل السلم‪ ،‬لفترة طويلة من الزمان‪.‬‬

‫كل! ل يستنفذ السلم أغراضه‪ .‬وإن دوره ف مستقبل البشرية ل يقل بال عن‬
‫دوره الائل الذي أنار به وجه الرض‪ ،‬حينما كانت أوروبا ما تزال ف عصر الظلمات‪.‬‬

‫‪ ()10‬أخرجه البخاري‪.‬‬

‫)‪(25‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫السلم‪ ..‬والرق‬
‫ربا كانت هذه الشبهة أخبث ما يلعب به الشيوعيون لزلزلة عقائد الشباب!‪ ..‬لو‬
‫كان السلم صالا‪ 5‬لكل عصر ‪ -‬كما يقول دعاته ‪ -‬لا أباح الرق‪ ..‬وإن إباحته للرق‪..‬‬
‫وإن إ باحته ل لرق لدليل قاطع ع لى أن ال سلم قد جاء ل فترة مدودة‪ ،‬وأ نه أدى مهم ته‬
‫وأصبح ف ذمة التاريخ!‬

‫وإن الشباب الؤمن ذاته لتساوره بعض الشكوك! كيف أباح السلم الرق؟ هذا‬
‫الدين الذي ل شك ف نزوله من عند ال‪ ،‬ول شك ف صدقه‪ ،‬وف أنه جاء لي البشرية‬
‫كلها ف جيع أجيالا‪ ..‬كيف أباح الرق؟ الدين الذي قام على الساواة الكاملة‪ .‬الذي رد‬
‫الناس جيعا‪ 5‬إل أصل واحد‪ ،‬وعاملهم على أساس هذه الساواة ف الصل الشترك‪ ..‬كيف‬
‫جعل ا لرق جزءا‪ 5‬من ن ظامه و شرع له؟ أأ‪Ô‬و‪Ô‬و´ ير يد ال لل ناس أن ينق سموا أ بدا‪ 5‬إ ل سادة‬
‫وعب يد؟ أأ‪Ô‬و‪́Ô‬و ت لك م شيئته ف ا لرض؟ أأ‪Ô‬و ير ضى ا ل للمخ لوق ا لذي أكر مه إذ قال‪" :‬‬
‫ولقد كرمنا بن آدم " أن يصي طائفة منه سلعة تباع وتشترى كما كان الال مع الرقيق؟‬
‫وإذا كان ال ل يرضى بذلك‪ ،‬فلماذا ل ينص كتابه الكري صراحة على إلغاء الرق كما‬
‫نص على تري المر واليسر والربا وغيها ما كرهه السلم؟‬

‫وإن ال شباب الؤمن ليعلم أن ال سلم د ين الق‪ ،‬ولك نه كإبراهيم‪ " :‬قال‪ :‬أو ل‬
‫تؤمن؟ قال بلى‪ ،‬ولكن ليطمئن قلب! "‪.‬‬

‫أما الشباب الذي أفسد الستعمار عقله وعقائده‪ ،‬فإنه ل يتلبث حت يتبي حقيقة‬
‫المر‪ ،‬وإنا ييل به الوى فيقرر دون مناقشة أن السلم نظام عتيق قد استنفد أغراضه!‬

‫وأما الشيوعيون خاصة فأصحاب دعاوى " علمية " مزيفة‪ ،‬يتلقونا من سادتم‬
‫هناك‪ ،‬فينتفشون با عجبا “‪ ،‬ويسبون أنم وقعوا على القيقة البدية الالدة الت ل مراء‬
‫فيها ول جدال‪ ،‬وهي الادية الدلية‪ ،‬الت تقسم الياة البشرية إل مراحل اقتصادية معينة‬
‫ل م عدى عن ها ول م يص‪ .‬و هي ال شيوعية ا لول‪ ،‬وا لرق‪ ،‬والق طاع‪ ،‬والرأ سالية‪،‬‬
‫والشيوعية الثانية )وهي ناية العال!( وأن كل ما عرفته البشرية من عقائد ونظم وأفكار‪،‬‬
‫إنا كانت انعكاسا‪ 5‬للحالة القتصادية‪ ،‬أو للطور القتصادي القائم حينئذ‪ ،‬وأنا صالة له‪،‬‬
‫متلئ مة مع ظرو فه‪ ،‬ولكن ها ل ت صلح للمرح لة التال ية ا لت ت قوم ع لى أ ساس اقت صادي‬
‫جد يد‪ .‬وأ نه ‪ -‬من ث ‪ -‬ل يوجد نظام واحد ي كن أن يصلح لكل الج يال‪ .‬وإذا كان‬

‫)‪(26‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ال سلم قد جاء وال عال نا ية فترة ا لرق وم بادئ فترة الق طاع‪ ،‬ف قد جاءت ت شريعاته‬
‫وعقائده ونظمه ملئمة لذا القدر من التطور‪ ،‬فاعترفت بالرق‪ ،‬وأباحت القطاع )‪!(11‬‬
‫ول يكن ف طوق السلم أن يسبق التطور القتصادي‪ ،‬أو يبشر بنظام جديد ل تتهيأ بعد‬
‫إمكانياته القتصادية! لن كارل ماركس قال إن هذا مستحيل!‬

‫ونريد هنا أن نضع السألة ف حقيقتها التاريية والجتماعية والنفسية‪ ،‬بعيد‪5‬ا عن‬
‫الغبار الذي يثيه هؤلء وأولئك‪ ،‬فإذا حصلنا على حقيقة موضوعية فل علينا حينئذ من‬
‫دعاوي النحرفي‪ ،‬و " العلماء " الزيفي!‬

‫نن ننظر اليوم إل الرق ف ظروف القرن العشرين‪ ،‬وننظر إله ف ضوء الشناعات‬
‫ا لت ارتك بت ف عال النخا سة‪ ،‬والعام لة الوح شية الب شعة ا لت سجلها التار يخ ف ال عال‬
‫الرومان خاصة‪ ،‬فنستفظع الرق‪ ،‬ول تطيق مشاعرنا أن يكون هذا اللون من العاملة أمرا‬
‫م شروعا‪ 5‬ي قره د ين أو ن ظام‪ .‬ث تغ لب علي نا انف عالت الستب شاع وال ستنكار فنع جب‬
‫ك يف أ باح ال سلم ا لرق‪ ،‬و كل توجيهاته وت شريعاته كانت ترمي إ ل تر ير الب شر من‬
‫العبودية ف جيع ألوانا وأشكالا‪ ،‬ونتمن ف حرارة النفعال أن لو كان السلم قد أراح‬
‫قلوبنا وعقولنا فنص على تريه بالقول الصريح‪.‬‬

‫وهنا وقفة عند حقائق التاريخ‪ .‬ففظائع الرق الرومان ف العال القدي ل يعرفها‬
‫قط تاريخ السلم‪ ،‬ومراجعة بسيطة للحالة الت كان يعيش عليها الرقاء ف المباطورية‬
‫الرومانية‪ ،‬كفيلة بأن ترينا النقلة الائلة الت نقلها السلم للرقيق‪ ،‬حت لو ل يكن عمل‬
‫على تريره ‪ -‬وهذا غي صحيح!‬

‫كان الرق يق ف عرف الرو مان " شيئا " ل ب شرا‪ .‬شيئا ل ح قوق له الب تة‪ ،‬وإن‬
‫كان عليه كل ثقيل من الواجبات‪ .‬ولنعلم أول من أين كان يأت هذا الرقيق‪ .‬كان يأت‬
‫من طريق الغزو‪ .‬ول يكن هذا الغزو لفكرة ول لبدأ‪.‬‬

‫وإنا كان سببه الوحيد شهوة استعباد الخرين وتسخيهم لصلحة الرومان‪.‬‬

‫فلكي يعيش الرومان عيشة البذخ والترف‪ ،‬يستمتع بالمامات الباردة والساخنة‪،‬‬
‫والثياب الفاخرة‪ ،‬وأطايب الطعام من كل لون‪ ،‬ويغرف ف التاع الفاجر من خر ونساء‬

‫‪ ()11‬سنناقش ف الفصل التال شبهة القطاع‪.‬‬

‫)‪(27‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ور قص وحفلت ومهرجا نات‪ ،‬كان ل بد ل كل هذا من ا ستعباد ال شعوب ا لخرى‬


‫وامتصاص دمائها‪ .‬ومصر مثل لذلك حي كانت ف قبضة الرومان‪ ،‬قبل أن يلصها من‬
‫نيهم السلم‪ .‬إذ كانت حقل قمح للمباطورية‪ ،‬وموردا للموال‪.‬‬

‫ف سبيل هذه الشهوة الفاجرة كان الستعمار الرومان‪ ،‬وكان الرق الذي نشأ‬
‫من ذلك الستعمار‪ .‬أما الرقيق فقد كانوا ‪ -‬كما ذكرنا ‪ -‬أشياء ليس لا كيان البشر ول‬
‫ح قوق الب شر‪ .‬كانوا يعم لون ف ال قول و هم م صفدون ف ا لغلل الثقي لة ا لت تك في‬
‫لنعهم من الفرار‪ .‬ول يكونوا ي‪µ‬ط‪́Ö‬عمون إل إبقاء على وجودهم ليعملوا‪ ،‬ل لن من حقهم‬
‫‪ -‬حت كالبهائم والشجار ‪ -‬أن يأخذوا حاجتهم من الغذاء‪ .‬وكانوا ‪ -‬ف أثناء العمل ‪-‬‬
‫يساقون بالسوط‪ ،‬لغي شيء إل اللذة الفاجرة الت يسها السيد أو وكيله ف تعذيب هذه‬
‫الخلوقات‪ .‬ث كانوا ينامون ف " زنزانات " مظلمة كريهة الرائحة تعيث فيها الشرات‬
‫والفئران‪ ،‬فيل قون في ها ع شرات ع شرات قد يبل غون خ سي ف الزانزا نة الوا حدة ‪-‬‬
‫بأصفادهم ‪ -‬فل يتاح لم حت الفراغ الذي يتاح بي بقرة وبقرة ف حظية اليوانات‪.‬‬

‫ول كن ال شناعة ال كبى كانت شيئ‪5‬ا أف ظع من كل ذ لك‪ ،‬وأدل ع لى الطبي عة‬


‫الوح شية ا لت ين طوي عليها ذ لك الرومان القدي‪ ،‬وا لت ورث ها ع نه ا لورب ا لديث ف‬
‫وسائل الستعمار والستغلل‪.‬‬

‫ت لك كانت حل قات ال بارزة بال سيف والر مح‪ ،‬و كانت من أ حب الهرجا نات‬
‫إليهم‪ ،‬فيجت مع إليها السادة وعلى رأسهم المباطور أحيانا‪ ،5‬ليشاهدوا الرقيق يتبارزون‬
‫مبارزة حقيقية‪ ،‬توجه فيها طعنات السيوف والرماح إل أي مكان ف السم بل ترز ول‬
‫احت ياط من الق تل‪ .‬بل كان ا لرح ي صل إ ل أق صاه‪ ،‬وترت فع ال ناجر بال تاف وا لكف‬
‫بالتصفيق‪ ،‬وتنطلق الضحكات السعيدة العميقة الالصة حي يقضي أحد التبارزين على‬
‫زميله قضاء كامل‪ ،5‬فيلقيه طريا‪ 5‬على الرض فاقد الياة!‬

‫ذلك كان الرقيق ف العال الرومان‪ .‬ول نتاج أن نقول شيئ‪5‬ا عن الوضع القانون‬
‫للرقيق عندئذ‪ ،‬وعن حق السيد الطلق ف قتله وتعذيبه واستغلله دون أن يكون له حق‬
‫الشكوى‪ ،‬ودون أن تكون هناك جهة تنظر ف هذه الشكوى أو تعترف با‪ ،‬فذلك لغو‬
‫بعد كل الذي سردناه‪.‬‬

‫)‪(28‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫و ل ت كن معام لة الرق يق ف فارس وال ند وغي ها‪ ،‬تت لف كثي‪5‬ا ع ما ذكر نا من‬
‫ح يث إ هدار إن سانية الرق يق إ هدارا‪ 5‬كامل “‪ ،‬وتمي له بأث قل الواج بات دون إع طائه ح قا‬
‫مقابلها‪ ،‬وإن كانت تتلف فيما بينها قليل‪ 5‬أو كثيا‪ 5‬ف مدى قسوتا وبشاعتها‪.‬‬

‫ث جاء السلم …‬

‫جاء ليد لؤلء البشر إنسانيتهم‪.‬جاء ليقول للسادة عن الرقيق‪:‬‬

‫" بعضكم من بعض " )‪ .(12‬جاء ليقول‪ " :‬من قتل عبده قتلناه‪ ،‬ومن جدع عبده‬
‫جدعناه‪ ،‬ومن أخصى عبده أخصيناه " )‪ .(13‬جاء ليقرر وحدة الصل والنشأ والصي‪" :‬‬
‫أنتم بنو آدم وآدم من تراب " )‪ ،(14‬وأنه ل فضل لسيد على عبد لرد أن هذا سيد وهذا‬
‫عبد‪ .‬وإنا الفضل للتقوى‪ " :‬أل ل فضل لعرب على أعجمي‪ ،‬ول لعجمي على عرب‪،‬‬
‫ول لسود على أحر‪ ،‬ول أحر على أسود إل بالتقوى " )‪.(15‬‬

‫جاء ليأمر السادة أمرا‪ 5‬أن يسنوا معاملتهم للرقيق‪ " :‬وبالوالدين إحساناا‪ ،5‬وبذي‬
‫القر ب والي تامى وال ساكي وا لار ذي القر ب‪ ،‬وا لار ال نب‪ ،‬وال صاحب بالنب‪ ،‬وا بن‬
‫السبيل‪ ،‬وما ملكت أيانكم إن ال ل يب من كان متال‪ 5‬فخورا " )‪ .(16‬وليقرر أن العلقة‬
‫بي السادة والرقيق ليست علقة الستعلء والستعباد‪ ،‬أو التسخي أو التحقي‪ ،‬وإنا هي‬
‫علقة القرب والخوة‪ .‬فالسادة " أهل " الارية ي‪µ‬ستأذنون ف زواجها‪ " :‬فمن ما ملكت‬
‫أ يانكم من فت ياتكم الؤم نات وا ل أع لم بإ يانكم‪ .‬بعضكم من بعض‪ ،‬فانكحوهن بإذن‬
‫أهلهن‪ ،‬وآتوهن أجورهن بالعروف " )‪ ،(17‬وهم إخوة للسادة‪ " :‬إخوانكم خولكم‪ ..‬فمن‬
‫كان " أخوه " تت يده فليطعمه ما يطعم‪ ،‬وليلبسه ما يلبس‪ ،‬ول تكلفوهم ما يغلبهم‪،‬‬
‫فإن كلفت موهم فأعينوهم " )‪ .(18‬وز يادة ف رعا ية م شاعر الرق يق ي قول الر سول الكر ي‬
‫‪ ()12‬سورة النساء ]‪.[25‬‬
‫‪ ()13‬حديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي‪.‬‬
‫‪ ()14‬حديث رواه مسلم وأبو داود‪..‬‬
‫‪ ()15‬أخرجه الطبي ف كتاب " آداب النفوس " " بإسناده عمن سع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بن "‪.‬‬
‫‪ ()16‬سورة النساء[‪.] 36‬‬
‫‪ ()17‬سورة النساء[ ‪.]25‬‬
‫‪ ()18‬حديث رواه البخاري‪.‬‬

‫)‪(29‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫)‪.(19‬‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ " :‬ليقل أحدكم‪ :‬هذا عبدي وهذه أمت‪ ،‬وليقل‪ :‬فتاي وفتات "‬
‫ويستند على ذلك أبو هريرة فيقول لرجل ركب وخلفه عبده يري‪ " :‬احله خلفك‪ ،‬فإنه‬
‫أخوك‪ ،‬وروحه مثل روحك "‪.‬‬

‫ول يكن ذلك كل شئ‪ .‬ولكن ينبغي قبل أن ننتقل إل الطوة التالية أن نسجل‬
‫القفزة الائلة الت قفزها السلم بالرقيق ف هذه الرحلة‪.‬‬

‫ل يعد الرقيق " شيئا "‪ .‬وإنا صار بشرا‪ 5‬له روح كروح السادة‪ .‬وقد كانت المم‬
‫الخرى كلها تعتبالرقيق جنس‪5‬ا آخر غي جنس السادة‪ ،‬خلق ليستعبد ويستذل‪ ،‬ومن هنا‬
‫ل ت كن ضمائرهم ت تأث من قت له وت عذيبه وك يه بال نار وت سخيه ف الع مال ال قذرة‬
‫والعمال الشاقة )‪ .(20‬ومن هنالك رفعه السلم إل مستوى الخوة الكرية‪ ،‬ل ف عال‬
‫الثل والحلم‪ ،‬بل ف عال الواقع‪ .‬ويشهد التاريخ ‪ -‬الذي ل ينكره أحد‪ ،‬حت التعصبون‬
‫من كتاب أوربا ‪ -‬بأن معاملة الرقيق ف صدر السلم بلغت حدا‪ 5‬من النسانية الرفيعة ل‬
‫تبلغه ف أي مكان آخر‪ .‬حد‪5‬ا جعل الرقيق الررين يأبون مغادرة سادتم السابقي ‪ -‬مع‬
‫أ نم يل كون ذ لك ب عد أن ترروا اقت صاديا‪ 5‬وت عودوا ع لى ت مل تب عات أنف سهم ‪ -‬لنم‬
‫أهل لم‪ ،‬يربطهم بم ما يشبه روابط الدم! وأصبح الرقيق كائنا‪ 5‬إنسانيا‪ 5‬له كرامة‬
‫يعتبونم ‪5‬‬
‫يميها القانون‪ ،‬ول يوز العتداء عليها بالقول ول بالفعل‪ .‬فأما القول فقد نى صلى ال‬
‫عليه وسلم السادة عن تذكي أرقائهم بأنم أرقاء‪ .‬وأمرهم أن ياطبوهم با يشعرهم بودة‬
‫ال هل وين في عن هم صفة العبود ية‪ ،‬و قال لم ف م عرض هذا ال توجيه‪ " :‬إن ا ل ملك كم‬
‫إياهم ولو شاء للكهم إياكم " )‪ (21‬فهي إذن مرد ملبسات عارضة جعلت هؤلء رقيقا‪،5‬‬
‫وكان من المكن أن يكونوا سادة لن هم اليوم سادة! وبذلك يغض من كبياء هؤلء‪،‬‬
‫ويرد هم إ ل ال صرة الب شرية ا لت تربط هم جي عا‪ ،5‬وا لودة ا لت ينب غي أن ت سود عل قات‬
‫بع ضهم ببعض‪ .‬وأ ما الع تداء ال سدي فعقوبته الصرية هي العام لة بال ثل‪ " :‬و من ق تل‬
‫ع بده قتل ناه‪ " ..‬و هو م بدأ صريح الدل لة ع لى ال ساواة الن سانية ب ي الرق يق وال سادة‪،‬‬

‫‪ ()19‬رواه أبو هريرة‪.‬‬


‫‪ ()20‬يعتقد النود أن الرقيق )النبوذين( خلقوا من قدم الله‪ ،‬ومن ث فهم بلقتهم حقراء مهينون‪ ،‬ول‬
‫يكن أن يرتفعوا عن هذا الوضع القسوم لم إل بتحمل الوان والعذاب‪ ،‬عسى أن تنسخ أرواحهم بعد‬
‫الوت ف ملوقات أفضل! وبذلك تضاف إل لعنة الوضع السي ي‪Û‬ئ الذي يعيشون فيه لعنة أخرى روحية‬
‫تقضي عليهم أن يرضوا بالذل ول يقاوموه‪.‬‬
‫‪ ()21‬ذكره المام الغزال ف إحياء علوم الدين ف الكلم عن حقوق الملوك ‪ ،‬ف حديث طويل قال إنه‬
‫آخر ما أوصى به الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫)‪(30‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وصريح ف بيان الضمانات الت ييط با حياة هذه الطائفة من البشر ‪ -‬الت ل يرجها‬
‫وضعها العارض عن صفتها البشرية الصيلة ‪ -‬وهي ضمانات كاملة ووافية‪ ،‬تبلغ حدا‬
‫عجيبا‪ 5‬ل يصل إليه قط تشريع آخرمن تشريعات الرقيق ف التاريخ كله‪ ،‬ل قبل السلم‬
‫ول بعده‪ ،‬إذ جعل مرد لطم العبد ف غي تأديب )وللتأديب حدود مرسومة ل يتعداها‬
‫ول يتجاوز على أي حال ما يؤدب به السيد أبناءه( مبرا‪ 5‬شرعيا‪ 5‬لتحرير الرقيق‪.‬‬

‫ث ننتقل إل الرحلة التالية‪ ،‬مرحلة التحرير الواقعي‪.‬‬

‫ل قد كانت ال طوة ال سابقة ف الوا قع تر ير‪5‬ا روح ي‪5‬ا للرق يق‪ ،‬برده إ ل الن سانية‬
‫ومعاملته ع لى أ نه ب شر كر ي ل يفترق عن ال سادة من ح يث الصل‪ ،‬وإنا هي ظروف‬
‫عارضة حدت من الرية الارجية للرقيق ف التعامل الباشر مع التمع‪ ،‬وفيما عدا هذه‬
‫النقطة كانت للرقيق كل حقوق الدميي‪.‬‬

‫ولكن السلم ل يكتف بذا‪ ،‬لن قاعدته الساسية العظمى هي الساواة الكاملة‬
‫ب ي الب شر‪ ،‬و هي التحر ير الكا مل ل كل الب شر‪ .‬و لذلك ع مل فعل‪ 5‬ع لى تر ير الر قاء‪،‬‬
‫بوسيلتي كبيتي‪ :‬ها العتق والكاتبة‪.‬‬

‫فأما العتق فهو التطوع من جانب السادة بتحرير من ف يدهم من الرقاء‪ ،‬وقد‬
‫شجع ال سلم ع لى ذ لك ت شجيعا‪ 5‬كبيا‪ ،5‬و كان الر سول الكر ي صلى ا ل عل يه و سلم‬
‫القدوة الول ف ذلك إذ أعتق من عنده من الرقاء‪ ،‬وتله ف هذا أصحابه‪ ،‬وكان أبو‬
‫بكر ينفق أموال‪ 5‬طائلة ف شراء العبيد من سادة قريش الكفار‪ ،‬ليعتقهم وينحهم الرية؛‬
‫وكان بيت الال يشتري العبيد من أصحابم ويررهم كلما بقيت لديه فضلة من مال‪.‬‬
‫قال يي بن سعيد‪ " :‬بعثن عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية‪ ،‬فجمعتها ث طلبت‬
‫فقراء نعطيها لم فلم ند فقي‪5‬ا ول ند من يأخذها منا‪ ،‬فقد أغن عمر بن عبد العزيز‬
‫الناس‪ ،‬فاشتريت با عبيد‪5‬ا فأعتقتهم"‪.‬‬

‫وكان النب صلى ال عليه وسلم يعتق من الرقاء من يعلم عشرة من السلمي‬
‫ال قراءة والكتا بة‪ ،‬أو يؤدي خد مة ماث لة للم سلمي‪ .‬و نص ال قرآن الكر ي ع لى أن ك فارة‬
‫بعض الذنوب هي عتق الرقاب‪ .‬كما كان النب صلى ال عليه وسلم يث على العتق‬
‫تكف يا‪ 5‬عن أي ذ نب يأتيه الن سان‪ ،‬وذ لك للع مل ع لى تر ير أ كب عدد م كن من هم‪،‬‬
‫فالذنوب ل تنقطع‪ ،‬وكل ابن آدم خطاء كما يقول الرسول‪ .‬ويسن هنا أن نشي إشارة‬

‫)‪(31‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫خاصة إل إحدى هذه الكفارات لدللتها الاصة ف نظرة السلم إل الرق‪ ،‬فقد جعل‬
‫كفارة القتل الطأ دية مسلمة إل أهل القتيل وترير رقبة‪ " :‬ومن قتل مؤمنا‪ 5‬خطأ فتحرير‬
‫رق بة مؤم نة ود ية م سل ل¸مة إ ل أه له " )‪ .(22‬والقت يل ا لذي ق تل خ طأ هو روح إن سانية قد‬
‫فقدها أهلها كما فقدها التمع دون وجه حق‪ ،‬لذلك يقرر السلم التعويض عنها من‬
‫جانبي‪ :‬الت عويض لهل ها بالد ية ال سلمة لم‪ ،‬والت عويض للمجت مع بتحر ير رق بة مؤم نة!‬
‫فكأن ترير الرقيق هو إحياء لنفس إنسانية تعوض النفس الت ذهبت بالقتل الطأ‪ .‬والرق‬
‫على ذلك هو موت أو شبيه بالوت ف نظر السلم‪ ،‬على الرغم من كل الضمانات الت‬
‫)‪!(23‬‬
‫أحاط با الرقيق‪ ،‬ولذلك فهو ينتهز كل فرصة " لحياء " الرقاء بتحريرهم من الرق‬

‫ويذكر التاريخ أن عددا‪ 5‬ضخما‪ 5‬من الرقاء قد حرر بطريق العتق‪ ،‬وأن هذا العدد‬
‫الضخم ل مثيل له ف تاريخ المم الخرى‪ ،‬ل قبل السلم‪ ،‬ول بعده بقرون عدة حت‬
‫مطلع العصر الديث‪ .‬كما أن عوامل عتقهم كانت إنسانية بتة‪ ،‬تنبع من ضمائر الناس‬
‫ابتغاء مرضاة ال‪ ،‬ولشيء غي مرضاة ال‪.‬‬

‫أما الكاتبة‪ ،‬فهي منح الرية للرقيق مت طلبها بنفسه‪ ،‬مقابل مبلغ من الال يتفق‬
‫عليه السيد والرقيق‪ .‬والعتق هنا إجباري ل يلك السيد رفضه ول تأجيله بعد أداء البلغ‬
‫التفق عل يه‪ .‬وإل تدخلت الدو لة )القا ضي أو ا لاكم( لتنف يذ الع تق بالقوة‪ ،‬وم نح الر ية‬
‫لطالبها‪.‬‬

‫وبتقر ير الكات بة‪ ،‬ف تح ف الوا قع باب التحر ير ف ال سلم‪ ،‬لن أ حس ف دا خل‬
‫نفسه برغبة التحرر‪ ،‬ول ينتظر أن يتطوع سيده بتحريره ف فرصة قد تسنح أو ل تسنح‬
‫على مر اليام‪.‬‬

‫ومنذ اللحظة الول الت يطلب فيها الكاتبة ‪ -‬والسيد ل يلك رفض الكاتبة مت‬
‫طلبها الرقيق‪ ،‬ول يكن ف تريره خطر على أمن الدولة السلمية ‪ -‬يصبح عمله عند‬
‫سيده بأجر‪ ،‬أو يتاح له ‪ -‬إذا رغب ‪ -‬أن يعمل ف الارج بأجر‪ ،‬حت يمع البلغ التفق‬
‫عليه‪.‬‬

‫‪ ()22‬سورة النساء [‪.]92‬‬


‫‪ ()23‬عن " العدالة الجتماعية ف السلم "‪.‬‬

‫)‪(32‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ومثل ذلك قد حدث ف أوربا ف القرن الرابع عشر ‪ -‬أي بعد تقرير السلم له‬
‫ب سبعة قرون ‪ -‬مع فارق كبي ل يو جد ف غ ي ال سلم‪ ،‬و هو كفا لة الدو لة للر قاء‬
‫الكاتبي ‪ -‬وذلك إل جانب مهود السلم الضخم ف عتق الرقاء تطوعا‪ 5‬بل مقابل‪،‬‬
‫تقربا‪ 5‬إل ال ووفاء بعبادته‪.‬‬

‫ت قول ال ية ا لت تبي م صارف الز كاة‪ " :‬إ نا ال صدقات للف قراء وال ساكي‬
‫والعاملي عليها‪ ...‬وف الرقاب … " )‪ (24‬فتقرر أن الزكاة تصرف من بيت الال ‪ -‬وهو‬
‫الزا نة العا مة ف ال عرف ا لديث ‪ -‬لعاو نة ال كاتبي من الر قاء لداء ثن التحر ير‪ ،‬إذا‬
‫عجزوا بكسبهم الاص عن أدائه‪.‬‬

‫وبذا وذاك يكون السلم قد خطا خطوات فعليه واسعة ف سبيل ترير الرقيق ‪،‬‬
‫وسبق با التطور التاريي كله بسبعة قرون على القل‪ ،‬وزاد على هذا التطور عناصر ‪-‬‬
‫كرعاية الدولة ‪ -‬ل يفىء إليها العال إل ف مطلع تاريه الديث‪ .‬وعناصر أخرى ل يفىء‬
‫إليها أبدا‪ ،5‬سواء ف حسن معاملة الرقيق‪ ،‬أو ف عتقه تطوعا‪ ،5‬بغي ضغط من التطورات‬
‫القتصادية أو السياسية الت اضطرت الغرب اضطرارا‪ 5‬لتحرير الرقيق كما سيجيء‪.‬‬

‫وبذا وذاك تسقط حذلقة الشيوعيون ودعاواهم " العلمية " الزائفة‪ ،‬الت تزعم‬
‫أن السلم حلقة من حلقات التطور القتصادي جاءت ف موعدها الطبيعي حسب سنة‬
‫الادية الدلية ‪ -‬فها هي ذي قد سبقت موعدها بسبعة قرون ‪ -‬والت تزعم أن كل نظام‬
‫‪ -‬با ف ذلك السلم ‪ -‬إن هو إل انعكاس للتطور القتصادي القائم وقت ظهوره‪ ،‬وأن‬
‫كل عقائده وأفكاره تلئم هذا التطور وتستجيب له‪ ،‬ولكنها ل تسبقه‪ ،‬ول تستطيع أن‬
‫تسبقه‪ ،‬كما قرر العقل الذي ل يطىء ول يأتيه الباطل من فوقه ول من تته‪ ،‬عقل كارل‬
‫مارس تقدست ذكراه! فها هو ذا السلم ل يعمل بوحي النظم القتصادية القائمة حينئذ‬
‫ف جزيرة العرب وف العال كله‪ ،‬ل ف شأن الرقيق‪ ،‬ول ف توزيع الثروة‪ ،‬ول ف علقة‬
‫الاكم بالكوم‪ ،‬أو الالك بالجي )‪ ،(25‬وإ نا كان ين شئ نظمه الجتماعية والقتصادية‬
‫تطوعا‪ 5‬وإنشاء على نو غي مسبوق‪ ،‬ول يزال ف كثي من أبوابه متفردا‪ 5‬ف التاريخ‪.‬‬

‫وهنا يطر السؤال الائر على الفكار والضمائر‪ :‬إذا كان السلم قد خطا هذه‬
‫الطوات كلها نو ترير الرقيق‪ ،‬وسبق با العال كله متطوعا‪ 5‬غي مضطر ول مضغوط‬

‫‪ ()24‬سورة التوبة]‪.[60‬‬
‫‪ ()25‬انظر الفصول التالية‪.‬‬

‫)‪(33‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫عليه‪ ،‬فلماذا ل يط الطوة الاسة الباقية‪ ،‬فيعلن ف صراحة كاملة إلغاء الرق من حيث‬
‫البدأ؟‬

‫وللجا بة ع لى هذا ال سؤال ينب غي أن ندرك ح قائق اجتماع ية ونف سية وسيا سية‬
‫أ حاطت بوضوع ا لرق‪ ،‬وجع لت ال سلم يضع ال بادئ الكفيلة بتحر ير الرق يق‪ ،‬و يدعها‬
‫تعمل عملها على الدى الطويل‪.‬‬

‫يب أن نذكر أول‪ 5‬أن الرية ل تنح وإنا تؤخذ‪ .‬وترير الرقيق بإصدار مرسوم‬
‫كما يتخيل البعض ل يكن ليحرر الرقيق! والتجربة المريكية ف ترير الرقيق برة قلم‬
‫على يد أبراهام لنكولن خي شاهد لا نقول‪ ،‬فالعبيد الذين حررهم لنكولن ‪ -‬من الارج‬
‫‪ -‬بالتشريع‪ ،‬ل يطيقوا الرية‪ ،‬وعادوا إل سادتم يرجونم أن يقبلوهم عبيدا‪ 5‬لديهم كما‬
‫كانوا‪ ،‬لنم ‪ -‬من الداخل ‪ -‬ل يكونوا قد ترروا بعد‪.‬‬

‫والسألة على غرابتها ليست غريبة حي ينظر إليها على ضوء القائق النفسية‪.‬‬
‫فال ياة عادة‪ .‬واللب سات ا لت يع يش في ها الن سان هي ا لت تك يف م شاعره وت صوغ‬
‫أحاسيسه وأجهزته النفسية )‪ .(26‬والكيان النفسي للعبد يتلف عن الكيان النفسي للحر‪،‬‬
‫ل لنه جنس آخر كما ظن القدماء‪ ،‬ولكن لن حياته ف ظل العبودية الدائمة جعلت‬
‫أجهز ته النف سية تتك يف بذه اللب سات‪ ،‬فتن مو أج هزة الطا عة إ ل أق صى حد‪ ،‬وت ضمر‬
‫أجهزة السؤولية واحتمال التبعات إل أقصى حد‪..‬‬

‫فالع بد ي سن الق يام ب كثي من ا لمور ح ي يأمره با سيده‪ ،‬فل ي كون عل يه إل‬
‫الطاعة والتنفيذ‪ .‬ولكنه ل يسن شيئ‪5‬ا تقع مسؤوليته على نفسه‪ ،‬ولو كان أبسط الشياء‪،‬‬
‫ل لن ج سمه يع جز عن الق يام با‪ ،‬ول لن ف كره ‪ -‬ف ج يع ا لحوال ‪ -‬يع جز عن‬
‫فهم ها؛ ول كن لن نف سه ل تط يق احت مال تبعا تا‪ ،‬فيتخ يل في ها أخ طارا‪ 5‬موهو مة‪،‬‬
‫ومشكلت ل حل لا‪ ،‬فيفر منها إبقاء على نفسه من الخطار!‬

‫ول عل ا لذين يع نون الن ظر ف ال ياة ال صرية ‪ -‬وال شرقية ‪ -‬ف الع هود ا لخية‬
‫يدركون أ ثر هذه العبود ية الف ية ا لت و ضعها ال ستعمار ا لبيث ف ن فوس ال شرقيي‬

‫‪ ()26‬يقول دعاة الذهب الادي إن اللبسات الارجية هي الت )تلق( الشاعر‪ .‬ونن ل نؤمن بذلك‬
‫لن فيه مغالطة صارخة‪ .‬فهناك رصيد نفسي سابق ف وجوده لذه اللبسات‪ ،‬واللبسات )تكيف(‬
‫هذا الرصيد‪ ،‬لكنها ل تلقه من العدم‪.‬‬

‫)‪(34‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ليستعبدهم للغرب‪ .‬يدركونا ف الشروعات العطلة الت ل يعطلها ‪ -‬ف كثي من الحيان‬
‫‪ -‬إل الب عن مواجهة نتائجها! والشروعات الدروسة الت ل تنفذها الكومات حت‬
‫تستقدم خبي‪5‬ا انليزيا‪ 5‬أو أمريكيا )‪ ..(27‬ال‪ .‬ليحتمل عنها مسؤولية الشروع ويصدر الذن‬
‫بالتنف يذ! وال شلل ا لروع ا لذي ي يم ع لى ا لوظفي ف ا لدواوين ويق يد إن تاجهم بالروتي‬
‫التحجر‪ ،‬لن أحد‪5‬ا من الوظفي ل يستطيع أن يصنع إل ما يأمره به " السيد " الوظف‬
‫الكبي‪ ،‬وهذا بدوره ل يلك إل إطاعة " السيد " الوزير‪ ،‬ل لن هؤلء جيعا‪ 5‬يعجزون عن‬
‫العمل‪ ،‬ولكن لن جهاز التبعات عندهم معطل وجهاز الطاعة عندهم متضخم‪ ،‬فهم أشبه‬
‫شيء بالعبيد‪ ،‬وإن كانوا رسيا‪ 5‬من الحرار!‬

‫هذا التك يف النف سي للع بد هو ا لذي ي ستعبده‪ .‬و هو نا شىء ف أ صله من‬
‫اللبسات الارجية بطبيعة الال‪ ،‬ولكنه يستقل عنها‪ ،‬ويصبح شيئا‪ 5‬قائم‪5‬ا بذاته كفرع‬
‫ال شجرة ا لذي ي تدل إ ل ا لرض‪ ،‬ث يد جذورا‪ 5‬خا صة به وي ستقل عن ال صل‪ .‬و هذا‬
‫التك يف النف سي ل يذهب به إعلن ت صدره الدو لة بإل غاء ا لرق‪ .‬بل ينب غي أن يغ ي من‬
‫الداخل‪ ،‬بوضع ملبسات جديدة تكيف الشاعر على نو آخر‪ ،‬وتنمي الجهزة الضامرة‬
‫ف نفس العبد‪ ،‬وتصنع كيانا‪ 5‬بشريا‪ 5‬سويا‪ 5‬من كيانه الشوه المسوخ‪.‬‬

‫وذلك ما صنعه السلم‬

‫فقد بدأ أول بالعاملة السنة للرقيق‪ .‬ول شيء كحسن العاملة يعيد توازن النفس‬
‫النحرفة‪ ،‬ويرد إليها اعتبارها‪ ،‬فتشعر بكيانا النسان‪ ،‬وكرامتها الذاتية‪ ،‬وحي ذلك تس‬
‫طعم الرية فتتذوقه‪ ،‬ول تنفر منه كما نفر عبيد أمريكا الررون‪.‬‬

‫و قد و صل ال سلم ف ح سن العام لة ورد العت بار الن سان للرق يق إ ل در جة‬


‫عجي بة ضربنا أمثلة منها من ق بل ف آيات القرآن وأ حاديث الر سول‪ ،‬ون سرد ه نا أمث لة‬
‫أخرى ف التطبيق الواقعي‪.‬‬

‫كان الرسول صلى ال عليه وسلم يؤاخي بي بعض الوال وبعض الحرار من‬
‫سادة العرب‪ .‬فآخى بي بلل بن رباح وخالد بن روية الثعمي‪ ،‬وبي موله زيد وعمه‬
‫حزة‪ ،‬وبي خارجة بن زيد وأب بكر‪ ،‬وكانت هذه الؤاخاة صلة حقيقية تعدل رابطة الدم‬
‫وتصل إل حد الشتراك ف الياث!‬

‫‪ ()27‬أو روسيا‪ 5‬ف بعض البلد الن!‬

‫)‪(35‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ول يكتف بذا الد …‬

‫فقد زوج بنت عمته زينب بنت جحش من موله زيد‪ .‬والزواج مسألة حساسة‬
‫جد‪5‬ا وخا صة من جانب ا لرأة‪ ،‬ف هي تق بل أن تتزوج من يف ضلها مقا ما‪ 5‬ولكن ها تأب أن‬
‫يكون زوجها دونا ف السب والنسب والثروة‪ ،‬وتس أن هذا يط من شأنا ويغض من‬
‫كبيائها‪ .‬ولكن الرسول صلى ال عليه وسلم كان يهدف إل معن أسى من كل ذلك‬
‫وهو رفع الرقيق من الوهدة الت دفعته إليها البشرية الظالة إل مستوى أعظم سادة العرب‬
‫من قريش‪.‬‬

‫ول يكتف كذلك بذا الد‪.‬‬

‫ف قد أر سل موله ز يدا‪ 5‬ع لى رأس ج يش ف يه الن صار وال هاجرون من سادات‬


‫العرب‪ ،‬فلما قتل ول ابنه أسامة بن زيد قيادة اليش‪ ،‬وفيه أبو بكر وعمر وزيرا الرسول‬
‫وخليفتاه من بعده‪ ،‬فلم يعط الول بذلك مرد الساواة النسانية‪ ،‬بل أعطاه حق القيادة‬
‫والرئاسة على " الحرار "‪ .‬ووصل ف ذلك إل أن يقول‪ " :‬اسعوا وأطيعوا ولو استعمل‬
‫عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة‪ ،‬ما أقام فيكم كتاب ال تبارك وتعال )‪ ." (28‬فأعطى‬
‫الوال بذلك الق ف أرفع مناصب الدولة‪ ،‬وهو ولية أمر السلمي‪ .‬وقد قال عمر وهو‬
‫يستخلف‪ " :‬لو كان سال مول أب حذيفة حيا‪ 5‬لوليته " فيسي على نفس البدأ الذي سنه‬
‫الر سول صلى ا ل عل يه و سلم‪ .‬وي ضرب ع مر مثل‪ 5‬آ خر من المث لة الرائ عة ع لى ا حترام‬
‫الوال؛ إذ يعارضه بلل بن رباح ف مسألة الفيء فيشتد ف معارضته‪ ،‬فل يد سبيل‪ 5‬ف‬
‫رده إل أن يقول‪ " :‬اللهم اكفن بلل‪ 5‬وأصحابه "! ذلك وهو الليفة الذي كان يلك ‪-‬‬
‫لو أراد ‪ -‬أن يأمر فيطاع!‬

‫هذه النماذج الت وضعها السلم كان القصود با ترير الرقيق من الداخل ‪-‬‬
‫ك ما قل نا ف م بدأ هذا الف صل ‪ -‬ل كي يس بك يانه فيط لب الر ية‪ ،‬و هذا هو ال ضمان‬
‫القيقي للتحرير‪.‬‬

‫وصحيح أنه شجع على العتق وحث عليه بكل الوسائل‪ ،‬ولكن هذا نفسه كان‬
‫جزءا‪ 5‬من الترب ية النف سية للرق يق‪ ،‬ل كي ي شعروا أن ف إم كانم أن ي صلوا ع لى الر ية‬
‫ويتمتعوا بكل ما يتمتع به السادة من حقوق‪ ،‬فتزداد رغبتهم ف الرية ويتقبلوا احتمال‬

‫‪ ()28‬رواه البخاري‪.‬‬

‫)‪(36‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫التبعات ف سبيلها‪ ،‬وهنا يسارع ف منحها لم‪ ،‬لنم حينئذ مستحقون لا‪ ،‬قادرون على‬
‫صيانتها‪.‬‬

‫وفرق كبي بي النظام الذي يشجع الناس على طلب الرية ويهيء لا الوسائل‪،‬‬
‫ث يعطي ها لم ف اللح ظة ا لت يطلبو نا بأنف سهم‪ ،‬وب ي الن ظم ا لت تدع ا لمور تتع قد‬
‫وتتحرج‪ ،‬حت تقوم الثورات القتصادية والجتماعية وتزهق الرواح بالئات واللوف‪ ،‬ث‬
‫ل تعطي الرية لطلبا إل مبة كارهة‪.‬‬

‫و قد كان من ف ضائل ال سلم ال كبى ف م سألة الرق يق‪ ،‬أ نه قد حرص ع لى‬
‫التحرير القيقي له من الداخل والارج‪ ،‬فلم يكتف بالنية الطيبة كما فعل لنكولن بإصدار‬
‫ت شريع ل ر صيد له ف دا خل الن فوس؛ ما يث بت ع مق إدراك ال سلم للطبي عة الب شرية‪،‬‬
‫وفطنته إل خي الوسائل لعالتها‪ .‬وهذا إل جانب تطوعه بإعطاء القوق لصحابا‪ ،‬مع‬
‫تربيتهم على التمسك با واحتمال تبعاتا ‪ -‬على أساس الب والودة بي جيع طوائف‬
‫التمع ‪ -‬قبل أن يتصارعوا من أجل هذه القوق‪ ،‬كما حدث ف أوربا‪ ،‬ذلك الصراع‬
‫البغيض الذي يفف الشاعر ويورث الحقاد‪ .‬فيفسد كل ما يكن أن تصيبه البشرية من‬
‫الي ف أثناء الطريق‪.‬‬

‫والن نتحدث عن العامل الكب الذي جعل السلم يضع الساس لتحرير الرقيق‬
‫ث يدعه يعمل عمله من خلل الجيال‪.‬‬

‫لقد جفف السلم منابع الرق القدية كلها‪ ،‬فيما عدا منبعا‪ 5‬واحدا‪ 5‬ل يكن يكن‬
‫أن يففه‪ ،‬وهو رق الرب‪ .‬ولنأخذ ف شيء من التفصيل‪.‬‬

‫كان العرف السائد يومئذ هو استرقاق أسرى الرب أو قتلهم )‪ .(29‬وكان هذا‬
‫العرف قديا‪ 5‬جدا‪ ،5‬موغل‪ 5‬ف ظلمات التاريخ‪ ،‬يكاد يرجع إل النسان الول‪ ،‬ولكنه ظل‬
‫ملزما‪ 5‬للنسانية ف شت أطوارها‪.‬‬

‫‪ ()29‬جاء ف الو سوعة التاري ية ال سماة " تار يخ ال عال‪ " Universal History of the World :‬ف ص‬
‫‪ 2273‬ما ترج ته‪ " :‬و ف سنة ‪ 599‬ر فض ا لمباطور )الرو مان( موريس ـ ب سبب رغب ته ف‬
‫القتصاد ـ أن يفتدي بضع ألوف من السرى وقعوا ف يد الوار فقتلهم خان الوار عن بكرة أبيهم‬
‫"‪.‬‬

‫)‪(37‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وجاء السلم والناس على هذا الال‪ .‬ووقعت بينه وبي أعداءه الروب‪ ،‬فكان‬
‫السرى السلمون يسترقون عند أعداء السلم‪ ،‬فتسلب حرياتم‪ ،‬ويعامل الرجال منهم‬
‫بالعسف والظلم الذي كان يري يومئذ على الرقيق‪ ،‬وتنتهك أعراض النساء لكل طالب‪،‬‬
‫يشترك ف الرأة الواحدة الرجل وأولده وأصدقاؤه من يبغي الستمتاع منهم‪ ،‬بل ضابط‬
‫ول نظام‪ ،‬ول احترام لنسانية أولئك النساء أبكارا‪ 5‬كن أم غي أبكار‪ .‬أما الطفال ‪ -‬إن‬
‫وقعوا أسرى ‪ -‬فكانوا ينشأون ف ذل العبودية البغيض‪.‬‬

‫عندئذ ل يكن جديرا‪ 5‬بالسلمي أن يطلقوا سراح من يقع ف أيديهم من أسرى‬


‫العداء‪ .‬فليس من حسن السياسة أن تشجع عدوك عل يك بإطلق أسراه‪ ،‬بينما أه لك‬
‫وعشيتك وأتباع دينك يسامون السف والعذاب عند هؤلء العداء‪ .‬والعاملة بالثل هنا‬
‫هي أعدل قانون تستطيع استخدامه‪ ،‬أو هي القانون الوحيد‪ .‬ومع ذلك فينبغي أن نلحظ‬
‫فروقا‪ 5‬عميقة بي السلم وغيه من النظم ف شأن الرب وأسرى الرب‪.‬‬

‫كانت ا لروب ‪ -‬و ما تزال ‪ -‬ف غ ي ال عال ال سلمي ل يق صد با إل ال غزو‬


‫والفتك والستعباد‪ .‬كانت تقوم على رغبة أمة ف قهر غيها من المم‪ ،‬وتوسيع رقعتها‬
‫ع لى ح سابا‪ ،‬أو ل ستغلل موارد ها وحر مان أهل ها من ها؛ أو ل شهوة شخ صية ت قوم ف‬
‫ن فس م لك أو قائد حر ب‪ ،‬لي ضي غروره الشخ صي وينت فش كب‪5‬ا وخيلء‪ ،‬أو ل شهوة‬
‫النتقام‪ ..‬أو ما إل ذلك من الهداف الرضية الابطة‪ .‬وكان السرى الذين يسترقون‪ ،‬ل‬
‫يسترقون للف ف عقيدة‪ ،‬ول لنم ف مستواهم اللقي أو النفسي أو الفكري أقل من‬
‫آسريهم‪ ،‬ولكن فقط لنم غلبوا ف الرب‪.‬‬

‫و كذلك ل ت كن لذه ا لرب تقال يد ت نع من ه تك ا لعراض أو تر يب ا لدن‬


‫السالة ‪ ,‬أو قتل النساء والطفال والشيوخ‪ ،‬وذلك منطقي مع قيامها لغي عقيدة ول مبدأ‬
‫ول هدف رفيع‪.‬‬

‫فلما جاء السلم أبطل ذلك كله‪ ،‬وحرم الروب كلها‪ .‬إل أن تكون جهادا‪ 5‬ف‬
‫سبيل ال‪ ..‬جهادا‪ 5‬لدفع اعتداء عن السلمي‪ ،‬أو لتحطيم القوى الباغية الت تفت الناس عن‬
‫دينهم بالقهر والعنف‪ .‬أو لزالة القوى الضالة الت تقف ف سبيل الدعوة وإبلغها للناس‬
‫ليوا الق ويسمعوه‪.‬‬

‫)‪(38‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫)وقاتلوا ف سبيل ال الذين يقاتلونكم‪ ،‬ول تعتدوا إن ال ل يب العتدين( )‪.(30‬‬


‫)وقاتلوهم حت ل تكون فتنة ويكون الدين كله ل( )‪.(31‬‬

‫فهي دعوة سلمية ل تكره أحدا‪) :5‬ل إكراه ف الدين قد تبي الرشد من الغي(‬
‫)‪ (32‬وبقاء اليهود والسيحيي ف العال السلمي على دينهم حت اللحظة برهان قاطع ل‬
‫يقبل الدل ول الماحكة‪ ،‬يثبت أن السلم ل يكره غيه على اعتناقه بقوة السيف )‪.(33‬‬

‫فاذا ق بل ال ناس ال سلم‪ ،‬واه تدوا إ ل د ين ا لق‪ ،‬فل حرب ول خ صومة ول‬
‫خضوع من أمة لمة‪ ،‬ول تييز بي مسلم ومسلم على وجه الرض‪ ،‬ول فضل لعرب على‬
‫عجمي إل بالتقوى‪.‬‬

‫ف من أ ب ال سلم وأراد أن يت فظ بعق يدته ف ظل الن ظام ال سلمي ‪ -‬مع إ يان‬


‫ل ‪ -‬فله ذلك دون إكراه ول ضغط ‪ ،‬على أن‬ ‫السلم بأنه خي من هذه العقيدة وأقوم سبي ‪5‬‬
‫يدفع الزية مقابل حاية السلم له‪ ،‬بيث تسقط الزية أو ترد إن عجز السلمون عن‬
‫حايته )‪ (34‬فإن أ بوا ال سلم والز ية ف هم إذن معا ندون متبج حون‪ ،‬ل ير يدون ل لدعوة‬
‫ال سلمية أن تأ خذ طريق ها‪ ،‬وإ نا ير يدون أن يق فوا بالقوة الاد ية ف طر يق ال نور الد يد‬
‫يجبونه عن عيون قوم ربا اهتدوا لو خلي بينهم وبي النور‪.‬‬

‫‪ ()30‬سورة البقرة ]‪.[190‬‬


‫‪ ()31‬سورة النفال ]‪.[39‬‬
‫‪ ()32‬سورة البقرة ]‪.[256‬‬
‫‪ ()33‬شهد بذلك مسيحي أورب هو السيت‪.‬و‪.‬أرنولد ف كتابه )الدعوة إل السلم(‪.‬‬
‫‪ ()34‬المثلة على ذلك كثية منها مثالن وردا ف كتاب )الدعوة إل السلم(‪:‬‬
‫قال ف صفحة ‪ " :58‬وكذلك حدث أن سجل ف العاهدة الت أبرمها مع بعض أهال الدن الاورة‬
‫للحية‪ :‬فإن منعناكم فلنا الزية وإل فل " وقال‪ " :‬فلما علم أبو عبيدة قائد العرب بذلك )بتجهيز‬
‫هرقل لهاجته( كتب إل عمال الدن الفتوحة ف الشام يأمرهم بأن يردوا عليهم ما جب من الزية من‬
‫هذه الدن‪ ،‬وكتب إل الناس يقول‪ " :‬إنا رددنا عليكم أموالكم لنه بلغنا ما جع لنا من الموع‪.‬‬
‫وإنكم قد اشترطتم علينا أن ننعكم وإنا ل نقدر على ذلك‪ .‬وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم ونن‬
‫لكم على الشرط وما كتبنا بيننا إن نصرنا ال عليهم "‬

‫)‪(39‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫عند ذلك فقط يقوم القتال‪ ،‬ولكنه ل يقوم بغي إنذار أو إعلن‪ ،‬لعطاء فرصة‬
‫أخية لقن الدماء ونشر السلم ف ربوع الرض‪) :‬وإن جنحوا للسلم فاجنح لا وتوكل‬
‫)‪.(35‬‬
‫على ال(‬

‫تلك هي الرب السلمية‪ ،‬ل تقوم على شهوة الفتح ول رغبة الستغلل‪ ،‬ول‬
‫دخل فيها لغرور قائد حرب أو ملك مستبد‪ ،‬فهي حرب ف سبيل ال وف سبيل هداية‬
‫البشرية‪ ،‬حي تفق الوسائل السلمية كلها ف هداية الناس‪.‬‬

‫ولا مع ذلك تقاليد؛ يقول الرسول صلى ال عليه وسلم ف وصيته‪" :‬اغزوا باسم‬
‫ال ف سبيل ال‪ .‬قاتلوا من كفر بال‪ .‬اغزوا ول تغدروا ول تثلوا ول تقتلوا وليدا" )‪.(36‬‬

‫فل قتل لغي الارب الذي يقف بالسلح يقاتل السلمي‪ ،‬ول تريب ول تدمي‬
‫ول هتك للعراض‪ ،‬ول إطلق لشهوة الشر والفساد‪) :‬إن ال ل يب الفسدين(‪.‬‬

‫و قد را عى ال سلمون تقال يدهم النبي لة هذه ف كل حرو بم‪ ،‬حت ف ا لروب‬


‫ال صليبية ال غادرة‪ ،‬ح ي انت صروا ع لى عدوهم ا لذي كان ف جو لة سابقة قد انت هك‬
‫الرمات واع تدى ع لى ال سجد القصى فهاجم التم ي ف يه ب مى ا ل ‪ -‬رب الم يع ‪-‬‬
‫وأسال دماءهم فيه أنارا‪ ،5‬فلم ينتقموا لنفسهم حي جاءهم النصر‪ ،‬وهم يلكون الذن‬
‫من الدين ذاته بالعاملة بالثل‪) :‬فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بثل ما اعتدى عليكم(‬
‫)‪ .(37‬ولكنهم ضربوا الثل العلى الذي يعجز عنه غي السلمي ف كل الرض حت العصر‬
‫الديث‪.‬‬

‫ذ لك فارق أسا سي ف أ هداف ا لرب وتقال يدها ب ي ال سلمي وغ ي ال سلمي‪.‬‬


‫وقد كان السلم يلك لو أراد ‪ -‬والق يسنده ف ذلك ‪ -‬أن يعتب من يقع ف يديه من‬
‫السرى ‪ -‬من يعاندون الدى ويصرون على وثنيتهم الابطة وشركهم الخرف ‪ -‬قوما‬
‫ناقصي الدمية‪ ،‬ويسترقهم بذا العن وحده‪ .‬فما يصر بشر على هذه الرافة ‪ -‬بعد إذ‬
‫يرى ال نور ‪ -‬إل أن ي كون ف نف سه ه بوط أو ف عق له ا نراف‪ ،‬ف هو ناقص ف ك يانه‬
‫البشري‪ ،‬غي جدير بكرامة الدميي‪ ،‬وحرية الحرار من بن النسان‪.‬‬

‫‪ ()35‬سورة النفال ]‪.[61‬‬


‫‪ ()36‬أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي‬
‫‪ ()37‬سورة البقرة ]‪.[194‬‬

‫)‪(40‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ومع ذلك فإن السلم لل يسترق السرى لرد اعتبار أنم ناقصون ف آدميتهم‪،‬‬
‫وإ نا لنم ‪ -‬و هذه حالم ‪ -‬قد جاءوا يع تدون ع لى حى ال سلم‪ ،‬أو وق فوا بالقوة‬
‫السلحة يولون بي الدى الربان وبي قلوب الناس‪.‬‬

‫وحت مع ذلك فلم يكن تقليد السلم الدائم هو استرقاق السرى‪ .‬فقد أطلق‬
‫الر سول صلى ا ل عل يه و سلم ب عض أ سرى بدر من ال شركي من ن‪à‬ا بغ ي فداء‪ ،‬وأط لق‬
‫بعضهم لقاء فدية‪ ،‬وأخذ من نصارى نران جزية ورد إليهم أسراهم‪ ،‬ليضرب بذلك الثل‬
‫لا يريد أن تتدي إليه البشرية ف مستقبلها‪.‬‬

‫وما هو جدير بالشارة هنا أن الية الوحيدة الت تعرضت لسرى الرب‪) :‬فإما‬
‫م ن•ا ب عد وإ ما فداء حت ت ضع ا لرب أوزار ها( )‪ (38‬ل تذكر ال سترقاق لل سرى‪ ،‬وإ نا‬
‫ذ كرت ال فداء وإطلق ال سراح دون مقا بل‪ ،‬حت ل ي كون ال سترقاق ت شريعا‪ 5‬دائ ما‬
‫للب شرية ول ضربة لزب‪ ،‬إ نا هو أ مر يل جأ إل يه ال يش ال سلمي ا لارب إذا اقت ضته‬
‫الظروف واللبسات‪.‬‬

‫يضاف إل ذلك أن السرى الذين كانوا يقعون ف يد السلم كانوا يعاملون‬


‫ت لك العام لة الكر ية ا لت و صفناها من ق بل‪ ،‬ول يل قون ا لوان والت عذيب‪ ،‬و كان يف تح‬
‫أمامهم باب التحرر حي تسعى نفوسهم إليه وتتمل تبعاته‪ ،‬وإن كان معظمهم ف الواقع‬
‫ل يكن حرا‪ 5‬قبل أسره‪ ،‬إنا كان من الرقيق الذي استرقه الفرس والرومان ودفعوه إل قتال‬
‫السلمي‪.‬‬

‫فكأن المر ف القيقة ل يكن استرقاقا‪ 5‬من أجل السترقاق‪ .‬ول كان الرق أصل‬
‫دائم‪5‬ا يهدف السلم إل الافظة عليه‪ ،‬فاتاه السلم إل ترير الرقيق هو التاه البارز‬
‫الذي تشي كل الدلئل إليه‪.‬‬

‫وإنا هو وضع موقوت يؤدي ف النهاية إل التحرير‪.‬‬

‫تقوم الرب بي السلمي وأعداء السلم فيقع بعض السرى من الكفار ف يد‬
‫السلمي‪ ،‬فيصبحون ‪ -‬ف بعض الالت‪ ،‬ل ف كل الالت ول بصورة حتمية ‪ -‬رقيق‬
‫حرب‪ ،‬فيعي شون فترة من الز من ف جو الت مع ال سلمي‪ ،‬يب صرون عن ك ثب صورة‬

‫‪ ()38‬سورة ممد ]‪.[4‬‬

‫)‪(41‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ال عدل الر بان مطب قا‪ 5‬ف وا قع ا لرض‪ ،‬وت شملهم روح ال سلم الرحي مة ب سن معاملت ها‬
‫واعتبارات تا الن سانية ‪ ،‬فتت شرب أرواح هم بشا شة ال سلم‪ ،‬وتتف تح ب صائرهم لل نور‪..‬‬
‫وعندئذ يررهم السلم بالعتق ف بعض الحيان‪ ،‬أو بالكاتبة إن تاقت نفوسهم إل الرية‬
‫وسعوا إليها‪.‬‬

‫وبذلك تصبح الفترة الت يقضونا ف الرق ف القيقة فترة علج نفسي وروحي‪،‬‬
‫قوامه إحسان العاملة لم‪ ،‬وإشعارهم بآدميتهم الهدرة‪ ،‬وتوجيه أرواحهم إل النور الربان‬
‫بغي إكراه‪ ..‬ث ف النهاية يكون التحرير‪..‬‬

‫وذ لك ك له ف حا لة ال سترقاق‪ .‬ولي ست هي ال سبيل الوح يد ا لذي ي سلكه‬


‫السلم‪ ،‬كما يتضح من آية التشريع‪ ،‬ومن السلوك العملي للرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫ف متلف الغزوات‪.‬‬

‫أما النساء فقد كرمهن ‪ -‬حت ف رقهن ‪ -‬عما كن يلقي ف غي بلد السلم‪.‬‬
‫فلم تعد أعراضهن نبا‪ 5‬مباحا‪ 5‬لكل طالب على طريقة البغاء )وكان هذا هو مصي أسيات‬
‫الروب ف أغلب الحيان( وإنا جعلهن ملكا‪ 5‬لصاحبهن وحده‪ ،‬ل يدخل عليهن أحد‬
‫غيه‪ ،‬وجعل من حقهن نيل الرية بالكاتبة‪ ،‬كما كانت ترر من ولدت لسيدها ولدا‬
‫ويرر معها ولدها‪ ،‬وكن يلقي من حسن العاملة ما أوصى به السلم‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلك قصة الرق ف السلم‪ :‬صفحة مشرفة ف تاريخ البشرية‪ .‬فالسلم ل يعل‬
‫الرق أصل‪ 5‬من أصوله‪ ،‬بدليل أنه سعى إل تر يره بشت الوسائل‪ ،‬وجفف منابعه كلها‬
‫لكي ل يتجدد‪ ،‬فيما عدا النبع الواحد الذي ذكرناه وهو رق الرب العلنة للجهاد ف‬
‫سبيل ال‪ .‬وقد رأينا أن الرق فيها ليس ضربة لزب‪ ،‬وأنه ‪ -‬إن حدث ‪ -‬فلفترة موقوتة‬
‫تؤدي ف النهاية إل التحرير‪..‬‬

‫أما ما حدث ف بعض العهود السلمية من الرق ف غي أسرى الروب الدينية‪،‬‬


‫ومن ناسة واختطاف وشراء لسلمي ل يوز استرقاقهم أصل‪ ،5‬فإن نسبته إل السلم‬
‫لي ست أ صدق ول أ عدل من ن سبة ح كام ال سلمي ال يوم إ ل ال سلم با يرتك بونه من‬
‫موبقات وآثام!‬

‫)‪(42‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وينبغي أن نعل بالنا إل عدة أمور ف هذا الوضوع‪.‬‬

‫الول‪ :‬هو تعدد منابع الرق عند الدول الخرى بغي ضرورة ملجئة سوى شهوة‬
‫الستعباد‪ ،‬من استرقاق أمة لمة‪ ،‬وجنس لنس‪ ،‬واسترقاق للفقر‪ .‬واسترقاق بالوراثة من‬
‫اليلد ف طبقة معينة‪ ،‬واسترقاق بسبب العمل ف الرض إل‪ ،‬وإلغاء هذه النابع كلها ف‬
‫السلم‪ ،‬فيما عدا النبع الوحيد الذي شرحنا ظروفه من قبل‪.‬‬

‫والثان‪ :‬أن أوربا مع تعدد موارد الرق فيها بغي ضرورة‪ ،‬ل تلغ الرق حي ألغته‬
‫متطو عة‪ ،‬وك تابم ي عترفون بأن ا لرق أل غي ح ي ضعف إن تاج الرق يق ‪ -‬ل سوء أ حوالم‬
‫العيشية وفقدان الرغبة أو القدرة على العمل ‪ -‬بيث أصبحت تكاليف العبد من إعاشة‬
‫وحرا سة أ كثر من إن تاجه!! ف هي إذن ح سبة اقت صادية ل غ ي‪ ،‬ي سب في ها الك سب‬
‫والسارة‪ ،‬ول ظل فيها لي معن من العان النسانية الت تشعر بكرامة النس البشري‪،‬‬
‫فتم نح الرق يق حري ته من أجل ها! هذا بال ضافة إ ل ال ثورات التتاب عة ا لت قام با الرق يق‬
‫فاستحال معها دوام استرقاقه‪.‬‬

‫ومع ذلك فإن أوربا حينئذ ل تنحه الرية‪ .‬ولكنها حولته من رقيق للسيد إل‬
‫رقيق للرض‪ ،‬يباع معها ويشترى‪ ،‬ويدم فيها‪ ،‬ول يوز له أن يغادرها‪ ،‬وإل اعتب آبقا‬
‫وأعيد إليها بقوة القانون مكبل‪ 5‬بالسلسل مكويا‪ 5‬بالنار‪ .‬وهذا اللون من الرق هو الذي‬
‫ب قي حت حرم ته ال ثورة الفرن سية ف ال قرن ال ثامن ع شر‪ ،‬أي ب عد أن قرر ال سلم م بدأ‬
‫التحرير با يزيد على ألف ومائة عام‪.‬‬

‫والمر الثالث‪ :‬أنه ل يوز أن تدعنا الساء‪ .‬فقد ألغت الثورة الفرنسية الرق ف‬
‫أوربا‪ ،‬وألغى لنكولن الرق ف أمريكا‪ ،‬ث اتفق العال على إبطال الرق‪ ..‬كل ذلك من‬
‫الظاهر‪ .‬وإل فأين هو الرق الذي ألغي؟ وما اسم ما يدث اليوم ف كل أناء العال؟ وما‬
‫اسم الذي كانت تصنعه فرنسا ف الغرب السلمي؟ وما اسم الذي تصنعه أمريكا ف‬
‫الزنوج‪ ،‬وانلترا ف اللوني ف جنوب افريقيا؟‬

‫أليس الرق ف حقيقته هو تبعية قوم لقوم آخرين‪ ،‬وحرمان طائفة من البشر من‬
‫القوق الباحة للخرين؟ أم هو شيء غي ذلك؟ وماذا يعن أن يكون هذا تت عنوان‬
‫ا لرق‪ ،‬أو تت ع نوان الر ية وال خاء وال ساواة؟ ماذا تدي الع ناوين البا قة إذا كانت‬
‫القائق الت وراءها هي أخبث ما عرفته البشرية من القائق ف تاريها الطويل؟‬

‫)‪(43‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫لقد كان السلم صريا‪ 5‬مع نفسه ومع الناس فقال‪ :‬هذا رق‪ ،‬وسببه الوحيد هو‬
‫كذا‪ ،‬والطريق إل التحرر منه مفتوح‪.‬‬

‫أ ما ال ضارة الزائ فة ا لت نع يش ال يوم ف أح ضانا‪ ،‬فل تد ف نف سها هذه‬


‫ال صراحة‪ ،‬ف هي ت صرف براعت ها ف تزي يف ال قائق وطلء اللف تات البا قة‪ .‬فق تل مئات‬
‫ا للوف ف تونس وا لزائر وال غرب لغ ي شيء سوى أ نم ي طالبون بالر ية والكرا مة‬
‫الن سانية‪ :‬حريت هم ف أن يعي شوا ف بلد هم بل دخ يل‪ ،‬وأن يتكل موا لغت هم‪ ،‬ويعت قدوا‬
‫عق يدتم‪ ،‬ول يدموا إل أنف سهم‪ .‬وحريت هم ف التعا مل البا شر مع ال عال ف السيا سة‬
‫والقتصاد‪ ...‬قتل هؤلء البرياء وحبسهم ف السجون القذرة بل طعام ول ماء‪ ،‬وانتهاك‬
‫أعراضهم والسطو على نسائهم‪ ،‬وقتلهن بل مبر وشق بطونن للتراهن على نوع الني‪..‬‬
‫هذا اسه ف القرن العشرين حضارة ومدنية ونشر لبادئ الرية والخاء والساواة‪ .‬أما‬
‫العاملة الثالية الكرية الت كان ينحها السلم للرقيق قبل ثلثة عشر قرنا‪ ،5‬تطوعا‪ 5‬منه‬
‫وإكراما‪ 5‬للجنس البشري ف جيع حالته‪ ،‬مع إعلنه العملي بأن الرق وضع مؤقت وليس‬
‫حالة دائمة‪ ،‬فهذا اسه تأخر وانطاط وهجية‪.‬‬

‫وحي يضع المريكان على فنادقهم ونواديهم لفتات تقول‪ " :‬للبيض فقط " أو‬
‫تقول ف وقاحة كريهة‪ " :‬منوع دخول السود والكلب "‪ ،‬وحي يفتك جاعة من البيض‬
‫" التح ضرين " بوا حد من ال لوني‪ ،‬فيطر حونه أر ضا‪ 5‬وي ضربونه بأ حذيتهم حت ي سلم‬
‫الروح‪ ،‬ورجل الشرطة واقف ل يتحرك ول يتدخل‪ ،‬ول يهم لنجدة أخيه ف الوطن وف‬
‫الدين واللغة‬

‫‪ .‬فضل‪ 5‬عن الخوة ف البشرية‪ ،‬كل ذلك لنه ‪ -‬وهو ملون ‪ -‬ترأ فمشى إل‬
‫جانب فتاة أمريكية بيضاء ل عرض لا ‪ -‬وبإذنا ل كرها عنها ‪ -‬يكون هذا هو أقصى‬
‫ما وصل إليه القرن العشرون من التحضر والرتفاع‪.‬‬

‫أما حي يتهدد العبد الوسي عمر بالقتل‪ ،‬ويفهم عنه عمر ذلك‪ ،‬ث ل يبسه ول‬
‫ينفيه من الرض‪ ،‬ول نقول يقتله‪ ،‬وهو ملوق ناقص الدمية حقا لنه يعبد النار ويصر‬
‫على عبادتا تعصبا‪ 5‬منه للباطل بعد أن رأى الق بعينيه‪ ،‬فما أشد هجية عمر‪ ،‬وما أشد‬
‫ازدراءه لكرا مة ال نس الب شري لنه قال‪ " :‬تددن الع بد "! ث تر كه حرا‪ 5‬حت ارت كب‬
‫جريته فقتل خليفة السلمي‪ ،‬لنه ل يكن يلك عليه سلطانا‪ 5‬قبل أن يقترف الرية‪.‬‬

‫)‪(44‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وقصة اللوني ف أفريقيا‪ ،‬وحرمانم من حقوقهم البشرية وقتلهم أو " اصطيادهم‬


‫" حسب تعبي الرائد النليزية الوقحة‪ ،‬لنم ترأوا فأحسوا بكرامتهم وطالبوا بريتهم‪،‬‬
‫هذا هو العدل البيطان ف قمته‪ ،‬والضارة النسانية ف أوجها‪ ،‬والبادئ السامية الت تيز‬
‫لوربا الوصاية على العال‪ .‬أما السلم فهو هجي جدا‪ 5‬لنه ل يتعلم " اصطياد " البشر‪،‬‬
‫والتل هي بقتل هم لنم سود الب شرة‪ .‬بل و صل توغله ف ال تأخر والن طاط أن ي قول‪" :‬‬
‫اسعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة‪" ..‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أما الرأة فلها حساب آخر‪.‬‬

‫كان السلم قد أباح للسيد أن يكون عنده عدد من الواري من سب الرب‬


‫)‪ (39‬يستمتع بن وحده‪ ،‬ويتزوج منهن أحيانا‪ 5‬إذا شاء‪ .‬وأوربا تستنكر هذا اليوم وتتعفف‬
‫عن هذه اليوان ية الب شعة ا لت تع تب ا لواري متا عا‪ 5‬مبا حا‪ ،5‬وأج سادا‪ 5‬ل حر مة لا ول‬
‫كرا مة‪ ،‬كل مهمت ها ف ال ياة إ شباع لذة بيم ية بغي ضة‪ ،‬لر جل ل يرت فع عن م ستوى‬
‫اليوان‪.‬‬

‫وجر ية ال سلم القيق ية ف هذا ا لمر أ نه ل يب يح الب غاء! ف قد كانت أ سيات‬


‫الرب ف البلد الخرى يهوين إل حأة الرذيلة بكم أنه ل عائل لن‪ ،‬ولن سادتن ل‬
‫ي شعرن نوهن بم ية ال عرض‪ ،‬في شغلونن ف هذه اله مة البغي ضة‪ ،‬ويك سبون من هذه‬
‫التجارة القذرة‪ :‬تارة العراض‪ .‬ولكن السلم ‪ -‬التأخر ‪ -‬ل يقبل البغاء‪ ،‬وحرص على‬
‫ح فظ الت مع نظي فا‪ 5‬من الر ية‪ ،‬فق صر هؤلء ا لواري ع لى سيدهن‪ ،‬عل يه إط عامهن‬
‫وك سوتن وحفظ هن من الر ية‪ ،‬وإر ضاء حاجتهن الن سية ‪ -‬عر ضا‪ - 5‬و هو يق ضي‬
‫حاجته‪.‬‬

‫أما ضمي أوربا فل يطيق هذه اليوانية‪ ...‬ولذلك أباحت البغاء ومنحته رعاية‬
‫القانون وحايته! وراحت تنشره عامدة ف كل بلد وطئته أقدامها مستعمرة‪ .‬فما الذي‬
‫تغي من الرق حي تغي عنوانه؟ وأين كرامة البغي وهي ل تلك رد طالب ‪ -‬وما يطلبها‬

‫‪ ()39‬بذلك يرج من دائرة السلم كل ما كان يأت من الواري – أو العبيد – عن طريق الختطاف‬
‫من بلد إسلمية ويباع ويشترى ف سوق النخاسة‪.‬‬

‫)‪(45‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫أ حد إل ل قذر مع ن ي كن أن ت بط إل يه الب شرية‪ :‬دف عة ال سد الال صة ا لت ل تلطف ها‬


‫عاطفة‪ ،‬ول ترتفع با روح؟ وأين من هذه القذارة السية والعنوية ما كان بي السادة‬
‫والواري ف السلم؟‬

‫لقد كان السلم صريا‪ 5‬مع نفسه ومع الناس‪ ،‬فقال‪ :‬هذا رق‪ .‬وهؤلء جوار‪.‬‬
‫وحدود معملتهن هي كذا وكذا‪ .‬ولكن الضارة الزيفة ل تد ف نفسها هذه الصراحة‪،‬‬
‫فهي ل تسمي البغاء رقا‪ ،‬وإنا تقول عنه إنه " ضرورة اجتماعية "!‬

‫ولاذا هو ضرورة؟‬

‫لن الرجل الورب التحضر ل يريد أن يعول أحدا‪ :5‬ل زوجة ول أولدا‪ .5‬يريد‬
‫أن يستمتع دون أن يت مل تبعة‪ .‬يريد جسد امرأة يفرغ فيه شحنة النس‪ .‬ول يعنيه من‬
‫تكون هذه الرأة‪ ،‬ول تعنيه مشاعرها نوه ول مشاعره نوها‪ .‬فهو جسد ينو كالبهيمة‪،‬‬
‫وهي جسد يتلقى هذه النوة بل اختيار‪ ،‬ويتلقاها ل من واحد بعينه‪ ،‬ولكن من أي عابر‬
‫سبيل‪.‬‬

‫هذه هي " الضرورة " الجتماعية الت تبيح استرقاق النساء ف الغرب ف العصر‬
‫الديث‪ .‬وما هي بضرورة لو ارتفع الرجل الورب إل مستوى " النسانية " ول يعل‬
‫لنانيته كل هذا السلطان عليه‪.‬‬

‫والدول الت ألغت البغاء ف الغرب التحضر ل تلغه لل ن كرامتها أوجعتها‪ ،‬أو‬
‫لن مستواها اللقي والنفسي والروحي قد ارتفع عن الرية‪ .‬كل! ولكن لن الاويات‬
‫قد أغني عن الترفات‪ .‬ول تعد الدولة ف حاجة إل التدخل!‬

‫وبعد ذلك يد الغرب من التبجح ما يعيب به نظام الواري ف السلم‪ ،‬ذلك‬


‫النظام الذي كان قبل ألف وثلثمائة عام ‪ -‬وعلى أنه نظام غي مطلوب له الدوام ‪ -‬أكرم‬
‫بكثي وأنظف بكثي من النظام الذي يقوم اليوم ف القرن العشرين‪ ،‬وتعتبه الدنية نظاما‬
‫طبيعيا “‪ ،‬ل يستنكره أحد‪ ،‬ول يسعى ف تغييه أحد‪ ،‬ول يانع أحد ف أن يظل باقيا‪ 5‬إل‬
‫ناية الياة!‬

‫ول يقل قائل إن هؤلء " الاويات " يتطوعن دون إكراه من أحد وهن مالكات‬
‫لريت هن الكام لة‪ .‬فالعبة بالن ظام ا لذي يدفع ال ناس بأو ضاعه القت صادية والجتماع ية‬

‫)‪(46‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫والسيا سية والفكر ية والروح ية إ ل ق بول ا لرق أو الو قوع ف يه‪ .‬ول شك أن " ال ضارة "‬
‫الورب ية هي ا لت تدفع إ ل الب غاء وت قره‪ ،‬سواء كان الب غاء الر سي أو ب غاء التطو عات‬
‫الاويات!‬

‫ت لك ق صة ا لرق ف أور با حت ال قرن الع شرين‪ :‬رق الر جال والن ساء وا لمم‬
‫والجناس‪ .‬رق متعدد النابع متجدد الوارد‪ ،‬ف غي ضرورة ملجئة‪ ،‬اللهم إل خسة الغرب‬
‫وهبوطه عن الستوى اللئق لبن النسان‪.‬‬

‫ودع ع نك ا سترقاق الدو لة ال شيوعية لفراد شعبها حت ل ي لك أ حدهم حر ية‬


‫اختيار العمل الذي يريده‪ ،‬ول الكان الذي يعمل فيه‪ ،‬واسترقاق أصحاب رؤوس الموال‬
‫للعمال ف الغرب الرأسال حت ل يلك أحدهم سوى اختيار السيد الذي يستعبده‪.‬‬

‫دع ع نك هذا وذاك‪ ،‬ف قد تد ا لادلي ع نه وال نافحي‪ .‬ويك في ما سردناه من‬
‫ألوان الرق الصارخة الصرية‪ ،‬الت تتم باسم الدنية وباسم التقدم الجتماعي! ث انظر هل‬
‫ت قدمت الب شرية ف أرب عة ع شر قر نا‪ ،5‬بع يد‪5‬ا عن و حي ال سلم‪ ،‬أم إ نا ظ لت تن حدر‬
‫وتتأخر‪ ،‬حت لتحتاج اليوم إل قبس من هدي السلم‪ ،‬يرجها ما هي فيه من الظلم؟!‬

‫)‪(47‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫السلم‪ ...‬والقطاع‬
‫سعت أخيا‪ (40) 5‬أن طالبا‪ 5‬قدم للجامعة بثا‪ 5‬يثبت فيه أن السلم نظام إقطاعي‪،‬‬
‫وأنه نال على هذا البحث درجة الاجستي! وعجبت للطالب والساتذة ف آن واحد‪ .‬وقد‬
‫يكون الطالب جاهل‪،5‬أو قد يكون سي ي‪Û‬ء النية‪ .‬أما الساتذة العظام الجلء فما بالم؟‬
‫وكيف ينحدرون إل هذا الستوى ف فهم النظم الجتماعية والقتصادية‪ ،‬وفهم وقائع‬
‫التاريخ؟‬

‫ولكن العجب زال حي تذكرت من هم أولئك الساتذة الجلء‪ .‬أليس هؤلء‬


‫من اليل الذي صنعه الحتلل على عينه‪ ،‬ليفسدوا مم´ن´ن ‪ å‬بعدهم من الجيال؟ أليسوا هم‬
‫الذين عن بم دنلوب عناية خاصة‪ ،‬فحرص على إرسالم إل أوربا ليزدادوا " علما " أو‬
‫ليزدادوا ف القيقة بعدا‪ 5‬عن مقوماتم القيقية‪ ،‬ونفورا‪ 5‬من دينهم وتقاليدهم‪ ،‬واحتقارا‬
‫لذواتم وتاريهم وعقائدهم؟‬

‫بلى‪ ،‬إنم أولئك‪ .‬فل عجب ول استغراب!‬

‫ما هو القطاع أيها السادة الجلء‪ ،‬وما هي مقوماته؟‬

‫ننقل هنا وصفا‪ 5‬له‪ ،‬كتبه الدكتور راشد الباوي ف كتابه " النظام الشتراكي "‬
‫منقول‪ 5‬بطبيعة الال عن الصادر الوربية‪:‬‬

‫" ون ظام الق طاع ع بارة عن أ سلوب من الن تاج‪ ،‬ال صفة الم يزة له هي التبع ية‬
‫الدائمة ‪ serfdom‬ويعرفونه بأنه نظام ف ظله يلتزم النتج الباشر نو سيده أو موله بأداء‬
‫مطالب اقتصادية معينة‪ ،‬سواء أكانت تلك الطالب تؤدي على هيئة خدمات يقوم با‪ ،‬أم‬
‫على شكل مدفوعات " أو استحقاقات " يؤديها نقدا‪ 5‬أو عينا‪ .5‬ولتوضيح ذلك نقول‪ :‬إن‬
‫الت مع الق طاعي كان ينق سم إ ل طب قتي‪ :‬ا لول وت شمل ملك البعاد يات القطاع ية‪.‬‬
‫والثانية وتتكون من الزارعي على اختلف مراتبهم‪ ،‬فمنهم الفلحون والعمال الزراعيون‬
‫والعب يد‪ ،‬وإن كان عدد ا لخرين ظل يت ناقص باطراد و سرعة‪ .‬ف هؤلء الفل حون‪ ،‬أي‬
‫النتجون الباشرون‪ ،‬لم الق ف حيازة مساحة من الرض يعتمدون عليها بوسائلهم ف‬

‫‪ ()40‬صدرت الطبعة الول سنة ‪.1953‬‬

‫)‪(48‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫كسب معاشهم وإنتاج ما يلزم هم من أسباب العيش‪ ،‬كما يارسون ف بيوتم الصناعات‬
‫الب سيطة ا لت تت صل بالزرا عة‪ .‬ولكن هم مقا بل ذ لك يلز مون بأمور عدة م ثل الد مة‬
‫السبوعية ف أرض الشريف مع آلتم وماشيتهم‪ ،‬والدمة الضافية ف الواسم الزراعية‪،‬‬
‫وت قدي ا لدايا ف الع ياد والنا سبات الا صة‪ ،‬وعلي هم كذلك أن يطح نوا غل لم ف‬
‫الطاحن الت يقيمها الشريف وأن يعصروا كرومهم ف معصرته …‬

‫" وكان الشريف يارس أمور الكم والقضاء‪ ،‬أي أنه يشرف على تنظيم الياة‬
‫الجتماعية والسياسية بالنسبة إل أهل منطقته‪.‬‬

‫" … غي أن هذا النتج الباشر ف ظل النظام القطاعي ل يكن حر‪5‬ا بالعن الذي‬
‫نعر فه في ما ب عد‪ ،‬ف هو ل ي لك ا لرض ملك ية كام لة‪ ،‬ول ي ستطيع الت صرف في ها بالبيع‬
‫والتوريث أو البة‪ ،‬وكان يؤدي أعمال السخرة ف أرض الشريف الاصة رغما‪ 5‬عنه وضد‬
‫مصلحته‪ ،‬وعليه أن يؤدي ضريبة‪ -‬غي مدودة القدار‪ -‬اعترافا‪ 5‬بعلقة التبعية‪ ،‬وهو ينتقل‬
‫مع ا لرض إذا ما انتق لت هذه من يد إ ل أ خرى‪ .‬ولي ست له الر ية الطلقة ف مغادرة‬
‫مكان العمل أو ماولة اللتحاق بدمة سيد آخر‪ .‬فهو إذن يثل حلقة متوسط بي العبد ف‬
‫العصور القدية‪ ،‬والزارع الر ف العصر الديث‪.‬‬

‫"‪ ...‬فالالك هو الذي يدد مساحة الرض الت يهبها للفلح‪ ،‬وهو الذي يدد‬
‫م قدار ا لدمات ا لت يط لب من ا لجي أداء ها و هو ف قرارا ته هذه ل يتق يد بت صرفات‬
‫اللك الخرين‪ ،‬ول يستجيب لطالب الفلحي‪.‬‬

‫ث ي قول‪ " :‬وه نا بدأت ف ال قرن ال ثالث ع شر حر كة ه جرة غ ي م شروعة من‬


‫جانب العمال الزراعيي‪ ،‬وهي الركة العروفة باسم " فرار الفلحي "‪ .‬وحاول اللك‬
‫استرداد الفلحي الاربي‪ ،‬فعقدوا فيما بينهم اتفاقات تقضي بأن يقبض كل مالك على‬
‫العمال الذين يصلون إل إقطاعيته‪ ،‬غي أن عملية الفرار هذه كانت ظاهرة عامة‪ ،‬وشعر‬
‫كل ما لك باجته إ ل الع مال لزاو لة الزرا عة‪ ،‬ف بدأ الت حرر من هذه التفا قات‪ ،‬وه كذا‬
‫أخفقت ماولة التعاون بي اللك‪ ،‬وهنا رأى الخييون أنه ل بد من علج آخر ‪ ،‬فاته‬
‫التفكي إل إحلل الجور النقدية مل السخرة الجبارية‪.‬‬

‫" وتكن كثيون من الفلحي من تكوين فائض‪ .‬واستغلوا حاجة المراء واللك‬
‫القطاعيي‪ ،‬فاشتروا حريتهم الشخصية‪ .‬وإذا كانت هذه الظواهر ل تصبح تقاليد شائعة‬

‫)‪(49‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫حت ال قرن الرا بع ع شر‪ ،‬فالهم أن ال سس ا لت كان ي قوم علي ها الت مع الق طاعي قد‬
‫أخذت تتقوض‪ ،‬وهي عملية اطرد تقدمها ف القرون التالية )‪." (41‬‬

‫تلك مقومات القطاع‪ ،‬نقلناها بتفصيلتا لتتضح صورتا ف أذهاننا ول تتلط‬


‫علي نا بغي ها من ال ظاهر وال شكال‪ .‬ف مت وأ ين يا ترى حدث ف ال سلم م ثل هذا‬
‫القطاع؟‬

‫لعل الظهر الذي يشتبه على بعض الباحثي‪ ،‬أو الذي يستغله الغرضون ليقلوا منه‬
‫ال شبهات حول ال سلم‪ ،‬هو انق سام الت مع ال سلمي ل فترة من ا لوقت إ ل ملك‬
‫للبعاديات‪ ،‬وفلحي يعملون ف هذه البعاديات‪ .‬ولكن هذا مرد مظهر‪ ،‬وهو خال من‬
‫الدل لة الزائ فة ا لت يل صقها به هؤلء و هؤلء‪ .‬ولن عد إ ل القو مات السا سية للق طاع‬
‫لنوازن بينها وبي ما حدث ف التمع السلمي‪ .‬إنا‪:‬‬

‫‪.Serfdom‬‬ ‫أول‪ :5‬التبعية الدائمة‬

‫ثانيا‪ :5‬اللتزامات الت يلتزم با الفلح نو السيد‪ ،‬وتشمل‪:‬‬

‫أ( الدمة الانية الجبارية ف أرض الشريف يوما‪ 5‬كل أسبوع‪.‬‬

‫ب( الدمة الانية الجبارية ف الواسم‪.‬‬

‫ج( تقدي الدايا ف الدايا والناسبات )ويلحظ هنا أن الفلح الفقي هو الذي‬
‫يقدم الدايا للسيد الغن!(‬

‫د( ط حن الغلل ف مطح نة ال شريف )ون غض الن ظر عن ع صر ال كروم فالمر‬


‫مرمة ف السلم(‪.‬‬

‫ثال ث‪5‬ا‪ :‬تد يد ال شريف ‪ -‬ح سب هواه ‪ -‬ل قدار ا لرض المنو حة لرق يق ا لرض‬
‫والدمات والضرائب الطلوبة منه‪.‬‬

‫‪ ()41‬كتاب " النظام الشتراكي " بي ص ‪22‬وص ‪.33‬‬

‫)‪(50‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫رابعا‪ :5‬مار سة ال شريف لمور ال كم والقضاء حسبما يقضي به مزا جه ا لاص‬


‫لعدم وجود قانون عام‪.‬‬

‫خام سا‪ :5‬ا ضطرار الفلح ي إ ل شراء حريت هم با لال ح ي آذن هذا الن ظام‬
‫بالنيار‪..‬‬

‫وب عد ف هذا هو التار يخ ال سلمي مفتو حا‪ 5‬للجم يع‪ ،‬فليبح ثوا ف يه عن م ثل هذه‬
‫القومات!‬

‫أ ما التبع ية الدائ مة فم سألة ل يعرف ها ال سلم قط ف خارج دائرة ا لرق‪ ،‬و قد‬
‫شرحنا ف الف صل ال سابق أ صوله وأ سبابه وو سائل الت حرر م نه‪ .‬ول يس ف ال سلم رق‬
‫للرض‪ .‬وإنا كان الرقاء الذين جاءوا عن طريق الرب وهم قلة على أي حال بالنسبة‬
‫ل موع السكان‪ ،‬يعملون ف أرض السادة إذا كانوا ل يعتق لوا تطوعا‪ 5‬و ل يطل بوا الرية‬
‫مكاتبة‪ .‬ولكن هذا ليس القصود بالتبعية الدائمة ف القطاع الوروب‪ .‬وإنا القصود ‪-‬‬
‫إ ل جانب و جود الر قاء ‪ -‬تبع ية الفلح ي والع مال الزراعي ي جي عا‪ .5‬وهم لي سوا أر قاء‬
‫للسادة‪ ،‬ولكنهم أرقاء للرض‪ ،‬ل يلكون تركها ول التحرر من اللتزامات اللقاة على‬
‫عاتقهم لصحابا‪.‬‬

‫وهذا اللون من الرق أو التبعية هو الذي ل يوجد أبدا‪ 5‬ف السلم‪.‬‬

‫ذلك أن السلم ‪ -‬من حيث البدأ ‪ -‬ل يعترف بعبودية ول تبعية إل ل خالق‬
‫الياة‪ .‬أما التبعية لخلوقات ال فليست أصل‪ 5‬من أصوله‪ .‬وإذا كانت قد وجدت ف الرق‬
‫‪ -‬لظروف خاصة وعارضة ‪ -‬فهي حالة موقوتة يعمل السلم على إزالتها بكل الوسائل‪،‬‬
‫ويشجع الرقاء أنفسهم على التخلص منها‪ ،‬وينحهم معاونة الدولة ورعايتها‪.‬‬

‫ث إن السلم ‪ -‬من الوجهة القتصادية ‪ -‬ل يق يم بنيانه القتصادي على تبعية‬


‫إنسان لنسان‪ ،‬فيما عدا حالة الرق الت أشرنا إليها‪ ،‬والت ل يكن لا ملص اقتصادي ف‬
‫ذلك الي‪ ،‬حت تتحرر نفوس الرقاء من الداخل ويتملوا تبعة أنفسهم فيعملوا أحرارا “‪،‬‬
‫وعند ذلك ينحهم السلم حريتهم‪ .‬وإنا يقيم السلم بنيانه على أساس حرية العمل‪ ،‬مع‬
‫الت عاون ال تام وت بادل ا لدمات ب ي الم يع‪ .‬والدو لة دائ ما‪ 5‬مو جودة ت عول من تق صر به‬
‫موارده عن الياة الكرية‪ ،‬أو يعجز عن العمل لي سبب من السباب‪.‬‬

‫)‪(51‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وما دامت كفالة الدولة موجودة ومتاحة للجميع‪ ،‬فليس هناك ما يدفع أحدا‪ 5‬إل‬
‫استرقاق نفسه لصحاب الرض‪ ،‬وهو يلك الرية والكرامة ومطالب الياة الساسية عن‬
‫غي هذا الطريق‪.‬‬

‫ف من الوج هة الروح ية والوج هة القت صادية م عا‪ 5‬م نع ال سلم الق طاع ب صورته‬
‫العروفة‪ ،‬وأدرك الناس قبل أن يصبحوا رقيقا‪ 5‬للرض فحررهم من وبال القطاع‪.‬‬

‫وأما اللتزامات الت يلتزم با الفلح لصاحب الرض فلم يعرفها كذلك تاريخ‬
‫السلم‪ .‬ل يدث قط ‪ -‬والسلم إسلم ‪ -‬أن كان الفلح ملزما‪ 5‬بشيء تاه صاحب‬
‫الرض‪ ،‬وذلك لنتفاء التبعية‪ ،‬وقيام علقة حرة بي هذا وذاك‪.‬‬

‫كانت العل قة الوح يدة ا لت عرف ها ال سلم ب ي الفلح و صاحب ا لرض هي‬
‫ال يار أو الزار عة‪ .‬وبقت ضاها ي ستأجر الفلح جان با‪ 5‬من ا لرض قل أو كثر ب سب ما‬
‫تستطيع موارده‪ ،‬ويكون حرا‪ 5‬حرية كاملة ف زراعته على نفقته وجن مصوله كله لنفسه‪،‬‬
‫أو يشارك صاحب الرض‪ ،‬فيدفع الخي كل النفقات ويقدم الول جهده‪ ،‬ث يقتسمان‬
‫الناتج آخر العام‪.‬‬

‫وف كلتا الالتي ل توجد التزامات إجبارية نو " السيد " ول سخرة‪ ،‬ول أية‬
‫خد مة بل ثن‪ .‬وإ نا هو ا لتزام مت بادل ب ي طرف ي مت كافئي ف الر ية و ف ال قوق‬
‫والواجبات‪ .‬فالفلح حر أول‪ Ô‬ف اختيار الرض الت يستأجرها‪ ،‬أو الالك الذي يزارعه‪.‬‬
‫وحر ثانيا‪ 5‬ف التفاوض مع صاحب الرض على قيمة اليار‪ ،‬فإذا ل يدها صفقة كاسبة‬
‫ف له أل يع مل ف ا لرض‪ ،‬ول يس للما لك أن يلز مه ب شيء‪ .‬فإذا ارت ضى ن ظام الزار عة‬
‫فالتزاماته فيه مكافئة للتزامات الالك ومتوقفة عليها وربه كذلك مناصفة مع صاحب‬
‫الرض‪.‬‬

‫ث إننا ند ‪ -‬على العكس ما حدث ف القطاع ‪ -‬أن الالك الغن هو الذي يب‬
‫فلحيه بالدايا والعطايا الختلفة ف العياد والناسبات‪ ،‬وخاصة ف شهر رمضان‪ ،‬وهو‬
‫شهر ذو من لة خا صة ع ند ال سلمي‪ ،‬ي كثر ف يه ا لتزاور ع ند ال سلمي ب ي الح باب‬
‫والصدقاء‪ ،‬وتكثر الآدب الت تمع الشمل وتب التاجي‪ .‬وهذا هو المر النطقي الذي‬
‫يتلءم مع طبائع الشياء فالغن هو الذي ينفق وهو الذي يتحمل العطايا والدايا وليس‬
‫الفقي هو الكلف بإهداء الغن‪ ،‬كما اقتضت " إنسانية " أوروبا!‬

‫)‪(52‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫أما الطواحي فقد جرى العرف ف البلد السلمية أن يقوم با الفقراء‪ ،‬يكتسبون‬
‫عن طريقها‪ ،‬ول تكن ف أيدي اللك يفرضون استخدامها على الفلحي!‬

‫و من ه نا ند أن اللتزا مات ا لت تأ خذ صورة ال سخرة ل تو جد ف الن ظام‬


‫السلمي‪ .‬وإنا قامت مكانا علقة حرة مبنية على الحترام التبادل والساواة الكاملة ف‬
‫الكرا مة الن سانية‪ .‬أ ما " اللتزا مات " ا لت كان ي قوم با ال شريف ف أورو با من حا ية‬
‫فلحيه ورعايتهم‪ ،‬ويقتضي ثنها هذه السخرة الظالة والستعباد الذل‪ ،‬فقد كان الغنياء‬
‫ف السلم يقومون با تطوعاا‪ 5‬بدون مقابل‪ ،‬لنم يأخذون مقابلها التقرب إل ال ووفاء‬
‫حقه ف العبادة‪ ،‬وهذا فارق حاسم بي النظام الذي يقوم على عقيدة والنظام الذي يقوم‬
‫خواء منها‪ .‬ففي الول تصبح الدمات الجتماعية عبادة يتقرب با النسان إل ال‪ ،‬وف‬
‫ال ثان ت صبح عمل ية تار ية ياول كل طرف في ها أن يأ خذ أ كب ك سب و يدفع أ قل ما‬
‫يستطيع‪ ،‬وتصبح الغلبة ف النهاية للقوي ل لصاحب الق‪.‬‬

‫ث ننتقل إل السمة الثالثة من سات القطاع‪ ،‬وهي تديد السيد للقدر " المنوح‬
‫" من الرض‪ ،‬وتديده كذلك لل خدمات الطلوبة من الفلح‪ .‬وها أمران يتمشيان مع‬
‫السيادة والتبعية هناك‪ ،‬ول يكن لما وجود ف النظام السلمي الذي يقوم على أساس‬
‫آخر‪ ،‬غي سيادة الالك وتبعية الفلح‪ .‬فالقدر الذي يستأجره الفلح تدده مقدرته الالية‬
‫ورغبته الرة؛ وهنا تكون الدمة من الفلح وإليه‪ ،‬ول شأن للمالك با غي استيفاء قيمة‬
‫اليار‪ .‬أما ف الزارعة فمقدار الرض الت يزرعها الفلح يتوقف على مقدرته البدنية ‪،‬‬
‫وعدد اليدي العاملة الت يلكها )أولده ف الغالب(‪ ،‬والدمة الطلوبة هي ما تتاج إليه‬
‫هذه الرض الت تعتب مشتركة بي الفلح والالك حت تؤت ثارها‪ ،‬أما بقية أرض الالك‬
‫الت ل تدخل ف الزارعة فل شأن للفلح با‪ ،‬وليس مكلفاا‪ 5‬بأي خدمة فيها‪.‬‬

‫ول كن أ هم ما ي فرق ب ي الق طاع والن ظام ال سلمي ف الوا قع‪ ،‬هو مار سة‬
‫الشريف لمور الكم والقضاء ف نظام القطاع‪ ،‬أي إشرافه على تنظيم الياة الجتماعية‬
‫والسياسية بالنسبة لهل منطقته‪ ،‬وانتفاء ذلك من أساسه ف السلم‪.‬‬

‫ل يكن لدويلت أوربا قانون عام بالعن الفهوم‪ ،‬وحت القانون الرومان الذي‬
‫أصبح فيما بعد أساس التشريعات القانونية ف أوربا كلها‪ ،‬قد أباح للقطاعيي أن يكونوا‬
‫هم الكام الطلقي ف إقطاعياتم‪ ،‬يشرعون لا‪ ،‬ويكمون بي أهلها‪ ،‬وينفذون الحكام‬
‫بعرفتهم‪ ،‬فاجتمعت لم السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية ف آن واحد‪ ،‬وكان كل‬

‫)‪(53‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫منهم دولة داخل دولة‪ ،‬ل شأن للحكومة به ف داخل إقطاعيته طالا أنه يؤدي " التزاماته‬
‫" الالية والربية عند القتضاء‪.‬‬

‫ول يكن كذلك الال ف السلم‪ .‬فقد كانت هناك دولة مركزية ذات قانون‬
‫عام‪ ،‬تشرف على تنفيذه ف كل الرض التابعة لا‪ ،‬وتعي قضاة لكل منهم سلطته الستقلة‬
‫الستمدة من تعيي الاكم له‪ ،‬ليقوم بتنفيذ الشريعة ف حدود اختصاصه‪ ،‬وليس لحد‬
‫عليه من سلطان إل حي يطئ أو يسيء‪ .‬وحت حي فسدت صورة الكم فصار ملكاا‬
‫وراثيا‪5‬ا ل بيعةة‪ 5‬حرة‪ ،‬فقد بقيت القومات الخرى لنظام الكم السلمي قائمة راسخة‪،‬‬
‫فظلت الدولة تيمن على كل كبية وصغية داخل أجزائها‪ ،‬وظل القانون العام مرعياا‪ 5‬ف‬
‫كل م كان يت حاكم ال ناس إل يه ف م شارق ا لرض ومغاربا بطريقة واحدة ‪ -‬ف حدود‬
‫اختلف الفقهاء بطبيعة الال‪ ،‬وهو أمر يدث ف كل قانون على ظهر الرض ‪ -‬لذلك‬
‫ل يكن هوى الشريف ول مشيئته الاصة هي القانون الذي ينفذ على الفلحي‪ ،‬بل إرادة‬
‫ا ل‪ ،‬و شرعه ا لذي و ضعه لم يع ال ناس يط بق علي هم بال سوية وب صورة وا حدة‪ ،‬ل ب ي‬
‫الفلح وصاحب الرض فقط وكلها من الحرار‪ ،‬بل بي العبد والسيد‪ ،‬حت ف الالة‬
‫الستثنائية الت يكون فيها بشر ملكاا‪ 5‬لبشر آخر‪.‬‬

‫ول شك انه حدثت حالت قضى فيها قضاة با يالف ضميهم‪ ،‬وما يالف‬
‫ال شرع‪ ،‬إر ضاء ل صاحب ا لرض أو صاحب ال سلطان‪ .‬ول كن هذه المث لة ل يوز أن‬
‫تؤخذ على أنا القاعدة السارية‪ .‬لن الواقع التاريي ‪ -‬الذي اعترف به الوربيون أنفسهم‬
‫‪ -‬يالف ذلك‪ .‬كما أنه ل يوز أن تؤخذ وحدها وتمل تلك المثلة الرائعة ف تاريخ‬
‫البشرية كلها‪ ،‬حي كان القاضي يكم للرجل الفقي الذي ل حول له ول قوة‪ ،‬ل ضد‬
‫صاحب الرض‪ ،‬ول ضد الوال ول ضد واحد من الوزراء‪ .‬بل ضد الليفة نفسه صاحب‬
‫المر كله والسلطان‪ ..‬ث ل يعزل القاضي‪ ،‬ول ينتقم السلطان!‬

‫كذلك ل تدث حركة فرار بي الفلحي كما حدث ف أوربا‪ ،‬لن الفلحي‬
‫كانوا أحرارا ف النتقال ل من مزرعة إل مزرعة فحسب‪ ،‬بل من قطر إل قطر ف داخل‬
‫العال السلمي الواسع المتد من اليط إل اليط‪ ،‬ل يبسهم عن حرية التنقل شيء إل‬
‫أن يكون رغبتهم الاصة ف البقاء ف بقعة معينة من الرض‪ ،‬كما هي طبيعة الفلحي‬
‫ل ‪ .‬ولكن غيهم من الفلحي ف العال السلمي كانوا أقل شعوراا‪ 5‬برابطة‬ ‫الصريي مثل‬
‫الرض وأكثر قدرة على التنقل‪ ،‬فلم يقف ف سبيلهم مانع من الوانع الت وقفت ف سبيل‬
‫الفلحي الوربيي من تبعية والتزامات‪.‬‬

‫)‪(54‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وأ ما شراء الفلح ي لريت هم با لال فإنه ل يدث بطبي عة ا لال ف ال عال‬
‫السلمي‪ ،‬لسبب بسيط هو أنم كانوا أحراراا‪ 5‬بالفعل‪ ،‬فل حاجة بم إل شراء الرية‪.‬‬

‫ي ضاف إ ل ذ لك ك له‪ ،‬أن ال عال ال سلمي كان ي شتمل ع لى عدد كبي من‬
‫اللك يات ال صغية ا لت ي ستقل با أ صحابا ويك فون با حاجتهم‪ ،‬إ ل جانب الع مل ف‬
‫التجارة البية والبحرية‪ ،‬وف أنواع الرف الصناعية الت كانت معروفة ف ذلك الي‪ ،‬ما‬
‫ين في نف يا‪5‬ا با تاا‪ 5‬صورة الق طاع الظل مة الال كة ا لت خي مت ع لى أور با ف الع صور‬
‫الوسطى‪ ،‬وظلت تنشر معها الظلم الفكري والهالة الروحية‪ ،‬حت أنقذها منها التصال‬
‫بالعال السلمي ف الروب الصليبية مرة‪ ،‬وف الندلس مرة أخرى‪ ،‬فأفاقت من غشيتها‬
‫ف عصر النهضة‪ ،‬وبدأت ترج من الظلمات إل النور‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وهكذا ند أن القطاع ل يقم قط ف العال السلمي‪ ،‬طالا كان السلم هو‬
‫ا لذي ي كم الت مع‪ ،‬لنه بروحان ياته واقت صادياته‪ ،‬وع قائده وت شريعاته‪ ،‬ل ي سمح بق يام‬
‫القطاع‪ ،‬ول يسكت عن الوسائل الت تؤدي إليه‪ .‬وحت مظاهر القطاع الت كانت تف‬
‫بال سر الال كة من ب ن أم ية وب ن الع باس‪ ،‬فقد كانت مدودة الن طاق و ل ت كن تب لغ أن‬
‫تكون سة عامة للمجتمع‪ ،‬فضلل ‪ 5‬على كونا مالفة ف جوهرها لقيقة القطاع‪.‬‬

‫وإنا وجد القطاع حقاا‪ 5‬ف البلد السلمية ف العصر الديث ف أواخر الكم‬
‫العثمان‪ ،‬حي جفت ينابيع العقيدة ف النفوس‪ ،‬وتوال على الكم أقوام ل يعرفون من‬
‫السلم إل اسه‪ .‬من الباشوات العثمانيي‪ ،‬من أمثال ممد علي )الكبي!( وأبناءه ف مصر‪،‬‬
‫وا لبيوت الال كة ف شت البلد ال سلمية‪ ،‬وزاد ا لمر سوءاا‪ 5‬ح ي ط غت ا لروح الورب ية‬
‫الادية الاحدة على ربوع العال السلمي بتأثي الحتلل‪ ،‬فأفسدت روح الب والتكافل‬
‫ف التمع‪ ،‬وحولتها إل استغلل بشع من الغنياء‪ ،‬وذل وعبودية للفقراء‪ ،‬ف التفاتيش‬
‫اللكية وتفاتيش المراء وغيهم من كبار القطاعيي‪ ،‬وما يزال هذا القطاع يعيش بكل‬
‫مقوماته ‪ -‬الوربية ‪ -‬ف كل مكان ل تشمله روح الصلح‪ ،‬وهو ليس من السلم‪،‬‬
‫وليس السلم مسئولل ‪ 5‬عنه‪ ،‬لنه ل يكون مسئولل ‪ 5‬إل حي يكم‪ .‬والذي يكم اليوم‬
‫هو الدساتي الوروبية الت جاء با قوم من تلميذ الستعمار يتشبثون با كما يتشبث‬
‫العبيد بذل السترقاق!‬

‫)‪(55‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫و من هذا الب حث ن ستطيع أن ن ستخلص ج لة ح قائق تنفع نا و نن ن ستعرض‬
‫صراع البادئ والذاهب الذي يشتد أواره اليوم ف العال الديث‪.‬‬

‫من هذه القائق‪:‬‬

‫أول ‪ :‬انه ليست اللكية ف ذاتا هي الت تنشئ القطاع بطريقة حتمية ل‬ ‫ل‬
‫إرادة للن سان في ها‪ .‬و إ نا هي طري قة التم لك وطبي عة العل قة ب ي اللك وغ ي اللك‪.‬‬
‫و لذلك و جدت اللك ية ف ال عال ال سلمي و ل يو جد الق طاع‪ ،‬لن الن ظام ال سلمي‬
‫بنظرياته وتطبيقاته ينشئ بي الناس علقات ل تسمح بقيام القطاع‪.‬‬

‫ثانياا ‪ :‬أن أوربا حي وقعت ف القطاع تقع فيه لنه طور اقتصادي طبيعي‬
‫ل بد أن تر فيه البشرية أرادت أم ل ترد‪ ،‬وإنا هي اندرت إليه بسبب عدم وجود نظام‬
‫ول عقيدة تنظم مشاعر الناس وتنظم علقاتم‪ .‬ولو وجد النظام والعقيدة ‪ -‬كما حدث‬
‫ف السلم ‪ -‬لا استعصت العلقات القتصادية والجتماعية على التنظيم‪ ،‬ن ولا كان‬
‫التطور القتصادي قوة جبية على الفكار والشاعر تنع توجيهها إل حيث يراد لا من‬
‫التحرر والرتفاع‪.‬‬

‫ثالثاا ‪ :‬أن الطوار القتصادية الت ترسها نظرية الادية الدلية على أنا تاريخ‬
‫عام للبشرية‪ ،‬وهي‪ :‬الشيوعية الول‪ ،‬والرق‪ ،‬والقطاع‪ ،‬والرأسالية‪ ،‬والشيوعية الثانية‪ ،‬ل‬
‫تثل ف الواقع إل تاريخ أوربا فقط‪ ،‬ول تتقيد با إل أوربا‪ ،‬أما بقية العال فليس حتماا‪ 5‬أن‬
‫يسي ف هذه الطوار‪ -‬وقد رأينا أن العال السلمي ل ير بالقطاع ف دورة التاريي ‪-‬‬
‫وليس حتماا‪ 5‬كذلك أن يصل إل الشيوعية ف ناية الطاف!‬

‫)‪(56‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫السلم‪ ...‬والرأسالية‬
‫ل تنشأ الرأسالية ف العال السلمي لنا نشأت بعد اختراع اللة‪ .‬وهذا ت ‪-‬‬
‫كما نعلم ‪ -‬ف العال الغرب‪ .‬ول يكن ذلك حتما‪ ،5‬لنه كان يكن أن يدث ف الندلس‬
‫على يد العرب السلمي‪ ،‬لو استمرت الدولة السلمية قائمة هناك‪ ،‬ول يقتلها التعصب‬
‫ا لدين‪ ،‬و ماكم الت فتيش ا لت ت ثل أب شع ما حدث ف تار يخ ال عال من ا ضطهاد ب سبب‬
‫العقيدة‪ ،‬والت كانت موجهة ف حقيقتها إل السلمي‪.‬‬

‫نعم‪ .‬كانت الركة العلمية ف ال ندلس سائرة ف طريقها الطبيعي إل اختراع‬


‫اللة‪ ،‬ولكن الظروف السياسية الت طردت السلمي من هناك أخرت التقدم العلمي عن‬
‫مو عده ب ضعة قرون حت أ فاقت أور با من غ شيتها‪ ،‬وت سلمت ع لوم ال سلمي‪ ،‬وع لوم‬
‫ا لغريق ا لت كانت هي ا لخرى ف رعا ية الام عات ال سلمية‪ ،‬وانطل قت ‪ -‬من ث ‪-‬‬
‫تشق طريقها ف متدان الختراع‪.‬‬

‫وإنا انتقلت الرأسالية إل العال السلمي وهو مغلوب على آمره‪ ،‬واقع ف قبضة‬
‫الوربيي‪ ،‬غارق ف الفقر والهل والرض والتأخر‪ ،‬فسرت فيه بكم " التطور "‪ ،‬وظن‬
‫ب عض ال ناس ‪ -‬لذلك ‪ -‬أن ال سلم يق بل الرأ سالية بي ها و شرها‪ ،‬وا نه ل يس ف نظ مه‬
‫وتشريعاته ما يعارضها أو يقف دونا‪ ،‬لنه يبيح اللكية الفردية‪ ،‬وهذه قد صارت بكم‬
‫الت طور القت صادي ال عالي إ ل ملك ية رأ سالية‪ .‬و ما دام ال سلم يب يح ال صل ف هو يب يح‬
‫النتائج بطبيعة الال!‬

‫و كان يك في ل لرد ع لى هؤلء أن نذكر بديه ية صغية يعرف ها كل من درس‬


‫القتصاد‪ .‬وهي أن الرأسالية ل يكن أن تقوم وتأخذ صورتا الواسعة الت هي عليها اليوم‬
‫بغي الربا والحتكار‪ ،‬والسلم قد حرمهما كليهما قبل نشوء الرأسالية بأكثر من ألف‬
‫عام!‬

‫ولكنا ل نريد أن نتعجل الرد على أولئك البطلي‪ ،‬ونريد أن نفترض أن اختراع‬
‫ال لة قد ن شأ ف ال عال ال سلمي ‪ -‬ك ما كان ي كن أن يدث ‪ -‬فك يف كان ال سلم‬
‫سيواجه التطور القتصادي الذي سينشأ ل مالة نتيجة اختراع اللة‪ ،‬وكيف كان سينظم‬
‫علقات العمل والنتاج ف ظل نظمه وتشريعاته؟‬

‫)‪(57‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ي مع ك تاب القت صاد حت ال عادون من هم للرأ سالية ‪ -‬وع لى رأ سهم كارل‬


‫ماركس ع لى أن الرأ سالية ف ن شأتا كانت خ طوة تقدم ية ج بارة‪ ،‬وأ نا أدت خدمات‬
‫هائلة للبشرية ف شت مناحي الياة‪ ،‬فقد زادت النتاج‪ ،‬وأصلحت وسائل الواصلت‪،‬‬
‫واستغلت موارد الطبية على نطاق واسع ل يكن متاحا من قبل‪ ،‬ورفعت مستوى الياة‬
‫بالنسبة لطبقة العمال عما كانوا عليه ف عهد العتماد الكلي أو الرئيسي على الزراعة‪.‬‬

‫ولكن هذه الصفحة الشرقة ل تدم طويلل‪ ،5‬لن الرأسالية ‪ -‬بتطورها الطبيعي‬
‫كما يقولون ‪ -‬قد أدت إل تكدس الثروات ف أيدي أصحاب رؤوس الموال‪ ،‬وتضاؤلا‬
‫الن سب التزا يد ف أ يدي الع مال‪ .‬ف صار صاحب رأس ا لال ي شغل العا مل ‪ -‬و هو و حده‬
‫النتج القيقي ف نظر الشيوعية ‪ -‬لنتاج أ كب قدر من النتجات‪ ،‬ويعطيه أجرا‪ 5‬ضئيل‪ 5‬ل‬
‫يفي بالياة الكرية لمهور العمال ‪ -‬الكادحي ‪ -‬مستخلصاا‪ 5‬لنفسه " فائض القيمة " ف‬
‫صورة أرباح فاحشة يعيش با حياة ترف فاجرة ل تقف عند حد‪.‬‬

‫هذا فضل‪ 5‬على حقيقة أخرى‪ :‬وهي أن ضآلة أجر العامل تنعه من استهلك كل‬
‫إنتاج الصانع ف البلد الرأسالية‪ ،‬لنه لو أخذ من الجر ما يكفي لستهلك الناتج كله أو‬
‫معظمه لنتفى ربح رأس الال أو لتضاءل إل أقصى حد‪ .‬وهذا ما ل تسمح به الرأسالية‬
‫لنا تنتج للربح أول‪ 5‬قبل كل شيء‪ .‬ومن هنا تتكدس البضائع سنة بعد سنة‪ ،‬وتبحث‬
‫الدول الرأسالية عن أسواق جديدة لتصريف بضائعها‪ .‬فينشأ الستعمار‪ ،‬وما يتلوه من‬
‫تطاحن على السواق وعلى موارد الواد الامة ينتهي بالروب الدمرة‪..‬‬

‫و مع ذ لك ك له فل بد أن تدث ف ظل الن ظام الرأ سال أز مات دور ية نتي جة‬


‫النكماش الذي ينشأ من ضآلة الجور وضآلة الستهلك العالي بالنسبة للنتاج التزايد‪..‬‬

‫وب غض الن ظر عن التفك ي العج يب ا لذي ي عل د عاة الاد ية وا لؤمني بب ية‬


‫القتصاد يقولون‪ :‬إن هذا كله ل ينشأ عن سوء نية أصحاب رؤوس الموال ول رغبتهم‬
‫الذاتية ف الستغلل‪ ،‬وإنا هذا من طبيعة رأس الال!! بغض النظر عن هذا التفكي الساذج‬
‫العجيب الذي يعل النسان كله بأفكاره ومشاعره ملوقا‪ 5‬سلبيا‪ 5‬ل حول له ول قوة أمام‬
‫قوة القت صاد‪ ..‬فإن نا ن عود إ ل ال فرض ا لذي افتر ضناه‪ .‬و هو ن شأة الرأ سالية ف ال عال‬
‫السلمي‪.‬‬

‫)‪(58‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫فأما الطوات الولل الت يمع كتاب القتصاد با فيهم كارل ماركس على‬
‫أنا كانت خيا‪ 5‬عميم‪5‬ا للبشرية‪ ،‬أو على القل كان الي فيها غالبا‪ 5‬على الشر فان السلم‬
‫ل يكن ليقف ف سبيلها‪ ،‬لنه ل يكره الي للبشرية‪ ،‬بل مهمته الدائمة هي نشر الي ف‬
‫ربوع الرض‪.‬‬

‫ومع ذلك فهو ل يكن ليتركها وشأنا بدون تشريع ينظم علقاتا‪ ،‬وينع ما قد‬
‫يصاحبها من سوء استغلل‪ ،‬سواء كان ناشئا‪ 5‬من نية خبيثة عند صاحب رأس الال‪ ،‬أو‬
‫كان من طبيعة رأس الال ذاته دون دخل لصاحبه فيه! ‍‬

‫وال بدأ الت شريعي ا لذي و ضعه الف قه ال سلمي ف هذا ال باب ‪ -‬و سبق به كل‬
‫ا لدول الرأ سالية ع لى ا لطلق ‪ -‬هو اعت بار العا مل شريكا‪ 5‬ف الر بح مع صاحب رأس‬
‫الال‪ .‬وذهب بعض فقهاء الذهب الالكي إل حد تديد الشركة بالنصف‪ ،‬على أن يدفع‬
‫صاحب الال جيع التكاليف‪ ،‬ويستقل العامل بعمل يده‪ ،‬فجعل جهد صاحب الال ف‬
‫إنتاج الال مساوياا‪ 5‬لهد العامل ف صناعة النتاج‪ ،‬وساوى بي نصيبهما ف الربح على‬
‫هذا الساس‪.‬‬

‫وأول ما يبدو هنا ف هذا البدأ هو حرص السلم العجيب على العدالة‪ ،‬وسبقه‬
‫ف التفكي فيها والعمل عليها‪ ،‬تطوعاا‪ 5‬منه وإنشاء‪ ،‬ل خضوعا‪ 5‬للضرورات القتصادية ‪-‬‬
‫الت ل تكن قد وجدت بعد بصورة فعالة يس بضغطها الفقهاء ‪ -‬ول نتيجة للصراع‬
‫الطب قي ا لذي يز عم ب عض د عاة ا لذاهب القت صادية أ نه العا مل الوح يد الف عال ف ت طور‬
‫العلقات القتصادية!‬

‫وقد كانت الصناعة ف مبدأ عهدها صناعة يدوية بسيطة‪ ،‬يشتغل فيها القليل من‬
‫العمال ف مصانع بسيطة‪ ،‬فكان هذا التشريع الذي أشرنا إليه كفيل‪ 5‬بإقامة العلقات بي‬
‫العمل ورأس الال على أساس من العدالة ل تلم با أوربا ف تاريها الطويل‪.‬‬

‫ولكن الفقه السلمي وقف عند هذا الد ‪ -‬هو حد رفيع ف ذاته ‪ -‬لن العال‬
‫السلمي بعد ذلك تناوشته الصائب من كل صوب‪ ،‬من التتار مرة‪ ،‬ومن الكام البابرة‬
‫مرة‪ ،‬ومن نكبة الندلس‪ ،‬ومن النازعات الداخلية الت صرفت طاقة السلمي عن التقدم‪،‬‬
‫وحولتها إل بلدة ذهنية وروحية وحسية ظل يعان آثارها إل وقت قريب‪.‬‬

‫)‪(59‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫و ف أث ناء و قوف الف قه ال سلمي كان ال عال يت طور ب سرعة ب عد ا ختراع ال لة‬
‫اليكانيك ية‪ ،‬و كانت ت ستجد كل يوم أ حداث جد يدة‪ ،‬وعل قات جد يدة ب ي طوائف‬
‫البشر‪ ،‬ل يشترك فيها العال السلمي‪ ،‬ول يضع لا من الفقه ما يناسب تطورها‪.‬‬

‫ولكن الفقه شيء والشريعة شيء آخر‪ ،‬الشريعة هي الصدر الثابت الذي يتوي‬
‫البادئ العامة )ويتوي أحيانا‪ 5‬تفصيلت دقيقة كذلك(‪.‬‬

‫أما الفقه فهو التطبيق التطور الذي يستمد من الشريعة ما يناسب كل عصر‪،‬‬
‫وهو عنصر متجدد ل يقف عند عصر ول جيل‪.‬‬

‫على أننا إزاء تطور الرأسالية ل نكن ف حاجة إل تعب كبي ف استنباط التطبيق‬
‫الفقهي من الشريعة‪ ،‬لنا أمدتنا ببادئ صرية واضحة ل تتمل التأويل‪.‬‬

‫يقول مؤرخو القتصاد إن الرأسالية ف أثناء تطورها من صورتا البسيطة الية‬


‫ا لت كانت علي ها ف م بدأ ا لمر‪ ،‬إ ل صورتا الفاح شة ا لت و صلت إلي ها ال يوم‪ ،‬أ خذت‬
‫تعتمد رويدا‪ 5‬رويد‪5‬ا على الديون الهلية‪ ،‬ومن هذه نشأ نظام الصارف الت تنظم العمليات‬
‫الرأسالية الكبى‪ ،‬وتقرضها ما تتاج إليه من الموال لتشغيلها ف مقابل ما تأخذه من "‬
‫الفوائد " والرباح‪.‬‬

‫ول نتاج هنا أن ندخل ف تفصيلت اقتصادية معقدة‪ ،‬فهذه حقيقة مسلم با‪،‬‬
‫وليجع لكتب القتصاد من يرغب ف الل طلع على التفصيلت‪ .‬وإنا يهمنا أن نشي‬
‫إل أن هذه القروض‪ ،‬وجلة من أعمال الصارف‪ ،‬قائمة على الربا وهو مرم تريا‪ 5‬صريا‬
‫ف السلم‪.‬‬

‫كذلك يقول القتصاديون ‪ -‬وهو أمر مشاهد ف الوقت الاضر ‪ -‬إن النافسة‬
‫الرأسالية العنيفة تؤدي ف النهاية إل تطيم الشركات الصغية‪ ،‬أو اندماجها بعضها ف‬
‫بعض لتأسيس شركة كبية‪ ،‬وهذا وذلك يؤديان حتما‪ 5‬إل الحتكار ف ناية الطاف‪.‬‬
‫)‪(42‬‬
‫والحتكار حرام ف السلم بنص أحاديث الرسول القاطعة بشأنه‪.‬‬

‫‪ ()42‬الحاديث ف تري الحتكار كثية نتار منها أخصرها وأشلها‪ " :‬من احتكر فهو خاطئ " رواه‬
‫مسلم وأبو داود والترمذي‪.‬‬

‫)‪(60‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وع لى ذ لك ف لم ي كن من الم كن أن تت طور الرأ سالية ‪ -‬لو ن شأت ف أح ضان‬


‫السلم ‪ -‬إل صورتا الفاحشة الت وصلت إليها اليوم‪ ،‬والت تؤدي إل سوء الستغلل‪،‬‬
‫وال ستعمار وا لروب‪ .‬وإذن فك يف كان يك تب لا أن ت سي؟ هل ت قف ع ند حد‬
‫الصناعات البسيطة الت وصل إليها الفقه السلمي أم تتخذ طريقا‪ 5‬أخر يكون فيه الي‬
‫ول يقع الشر الرهوب؟‬

‫أ ما و قف ال صناعة ف هو عمل ية ل ي شي با ال سلم‪ ،‬ول بد لل ختراع أن يأ خذ‬


‫طريقه‪ ،‬ويؤثر حتما‪ 5‬ف وسائل النتاج الكبي )‪ (Mass Production‬ف النهاية‪.‬‬

‫وأما تطور علقات النتاج بصورة أخرى غي ما حدث ف أوربا خلل القرني‬
‫التاسع عشر والعشرين‪ ،‬فهذا هو الذي كان يكن أن يكون‪ ،‬بتنمية التشريعات القتصادية‬
‫وفق نظريات السلم الاصة‪ ،‬كما سبق السلم بسألة نصف الربح ف موضوع الجور‪.‬‬

‫و بذا كان ال سلم يت فادى أمر ين ف و قت وا حد‪ :‬يت فادى الل جوء إ ل الر با‬
‫والحتكار اللذين ترمهما شريعته‪ ،‬ويتفادى الظلم الشنيع الذي يقع على العمال حي‬
‫يتركون فريسة لصحاب رؤوس الموال يستغلونم أبشع استغلل ويتصون دماءهم‪ ،‬ث‬
‫يتركونم ف حأة الفقر الدقع والياة الذلة لكبياء النسان‪ .‬وهو أمر ل يستطيع أن يقره‬
‫السلم‪.‬‬

‫ول يقولنن• أحد إنه ل يكن من المكن أن يطفر السلم إل ذلك دفعة واحدة‬
‫قبل أن ير بالتجارب القاسية والصراع الطبقي والضغط القتصادي الذي يلجئه إل تعديل‬
‫تشريعاته‪ ،‬فها قد ثبت لدينا بديل قاطع أن السلم قد سبق تطور البشرية ف مسألة الرق‬
‫والرأ سالية الب سيطة متطو عا‪ 5‬غ ي خا ضع ل ضغط‪ ،‬وإ نا مدفوعا‪ 5‬بفكر ته الذات ية عن ا لق‬
‫والعدل الزليي اللذين يسخر بما فردريك إنلز وغيه من الشيوعيي‪ .‬كما ثبت أيضا‪ 5‬أن‬
‫روسيا ذاتا قد انتقلت طفرة من القطاع إل الشيوعية ول تر بالرحلة الرأسالية‪ ،‬فكانت‬
‫‪ -‬وهي الدولة الت اعتنقت آراء كارل ماركس ‪ -‬أكب مكذب عملي لنظرية ماركس ف‬
‫تديد الراحل التطورية الت " ينبغي " أن تر فيها البشرية‪.‬‬

‫أما الستعمار والروب واستغلل الشعوب وكل ما صاحب الرأسالية من شرور‬


‫عالية‪ .‬فهو خارج من حساب السلم أصل‪ 5‬بطبيعة الال‪.‬‬

‫)‪(61‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫فليس من مبادئه أن يستعمر أو يشن حربا‪ 5‬للستغلل‪ ،‬لن الرب الوحيدة الت‬
‫يقرها هي الرب لدفع العدوان أو لنشر الدعوة حي تقف القوة السلحة ف سبيل الدعوة‬
‫السلمية‪ .‬ول مال ف السلم لا يقوله الشيوعيون وإضرابم من أن الستعمار كان مرحلة‬
‫حتمية ف حياة البشرية ل يكن أن تقف ف سبيله البادئ ول قضايا الخلق‪ ،‬لنه مسألة‬
‫اقت صادية نا شئة من ت كدس الب ضائع ف البلد النت جة والا جة إ ل أ سواق خارج ية‬
‫لتصريفها‪ ..‬ل مال لذا الراء كله لنم هم أنفسهم يقولون ‪ -‬أو على القل يزعمون ‪-‬‬
‫أن روسيا ستتصرف ف هذه الشكلة بطريقة أخرى‪ ،‬هي زيادة نصيب العمال من النتاج‬
‫أو تفيض ساعات العمل‪ ،‬بيث ل يتبقى فائض يتاج ف تصريفه إل استعمار‪ .‬والذي‬
‫تز عم ال شيوعية أ نا اه تدت إل يه ل يس وق فا‪ 5‬علي ها و حدها‪ .‬ع لى أن التار يخ ي شهد أن‬
‫الستعمار نزعة قدية ف البشرية‪ ،‬ول ينتج من الرأسالية‪ ،‬وإنا الرأسالية زادته حدة ف‬
‫العصر الديث با تلك من وسائل جديدة للتخريب‪ ،‬ولكنه كان ف عهد الرومان ل يقل‬
‫ب شاعة ع ما هو ال يوم من ح يث ال بدأ‪ ،‬و من ح يث ا ستغلل ال غالب للمغ لوب‪ .‬وي شهد‬
‫التاريخ كذلك أن أنظف نظام ف هذا الباب هو النظام السلمي‪ ،‬لن حروبه ‪ -‬فما عدا‬
‫قلة نادرة ل تسب عليه ‪ -‬كانت بريئة من الستغلل والستذلل‪ ،‬فكان هو أول النظم‬
‫‪ -‬لو ن شأت ف يه ال صناعات ال كبى ‪-‬أن يل جأ لل م شكلة ال فائض من الن تاج بغ ي‬
‫ال ستعمار وا لروب‪ .‬ع لى أن م شكلة ال فائض من الن تاج ذا تا إ نا هي إ فراز للن ظام‬
‫الرأسال بصورته هذه‪ .‬فلو تغيت أسسه ما وجدت الشكلة )‪.(43‬‬

‫هذا كله من ناحية‪ .‬ومن ناحية أخرى فإن ول المر ف السلم ل يقف عاجزا‬
‫أ مام م شكلة ت ضخم ا لموال ف يد فئة قلي لة من ال ناس‪،‬وب قاء ال ل موع ف حا لة من‬
‫الشظف والرمان‪ .‬فهذا مالف لبادئه الصرية الت تتم توزيع الال بي الميع‪ " :‬كيل‬
‫يكون دولة بي الغنياء منكم " )‪ (44‬وول المر مكلف بتنفيذ الشريعة بكل طريقة يرى‬
‫أنا توصله إل ذلك ما دام ل يقع فيها ل ظلم ول ضرر‪ .‬وف يده سلطة واسعة لذا الشأن‬
‫ل حدود لا إل طاعة ال‪ .‬على أن مموعة النظمة السلمية ف ذاتا تنع ابتداء من هذا‬
‫التضخم‪ .‬ونشي هنا إل نظام الرث وتفتيته للثروة على رأس كل جيل‪ .‬وإل نظام الزكاة‬
‫واقتطاعه واحدا‪ 5‬من أربعي من رأس الال وربه ف كل عام‪ .‬ونظام التكافل الذي يبيح ف‬
‫بعض الالت التوظيف ف رؤوس الموال بالقدر الذي يتاج إليه بيت الال للضرورات‪.‬‬
‫ث تري كن الال‪ .‬وتري الربا الذي هو العامل الول والساسي لتضخم رؤوس الموال‪.‬‬
‫ث طبيعة العلقات بي أفراد التمع السلم وقيامها على التكافل العام‪.‬‬

‫‪ ()43‬انظر بالتفصيل كتاب " الربا " للستاذ أبو العلى الودودي‬
‫‪ ()44‬سورة الشر ]‪.[9‬‬

‫)‪(62‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ث أن الضمانات الت كفلها الرسول الكري لوظفي الدولة مشتملة على الطالب‬
‫الساسية للنسان‪ " :‬من ول لنا عمل‪ 5‬وليس له منل فليتخذ منل‪ ،5‬أو ليست له زوجة‬
‫)‪(45‬‬
‫فليتخذ زوجة‪ ،‬أو ليس له خادم فليتخذ له خادما‪ ،5‬أو ليست له دابة فليتخذ دابة "‬
‫هذه ال ضمانات ل ي كن عقل‪ 5‬أن ت كون وق فا‪ 5‬ع لى موظفي الدو لة‪ .‬وإ نا هي ال طالب‬
‫السا سية ا لت ي تاج إلي ها كل شخص وينا لا بو سيلة من الو سائل مقا بل الع مل ا لذي‬
‫يؤديه‪ ،‬سواء كان للدولة مباشرة‪ ،‬أو ف حرفة يترفها ويعود النفع منها على التمع‪ .‬وإذا‬
‫كانت الدولة قد تعهدت لوظفيها بكفالة هذه الطالب‪ ،‬فهي مكلفة كذلك أن تضمنها‬
‫لكل فرد يعمل ف أي عمل ف الدولة‪ .‬يؤ يدنا ف ذلك أن بيت الال يكفل العاجزين عن‬
‫العمل لسبب من السباب ‪ -‬كالرض أو الشيخوخة أو الطفولة‪ ..‬ال ‪ -‬ويكمل الاجات‬
‫الساسية لن تقصر بم مواردهم الاصة عن بلوغها‪ .‬كل ذلك يدل دللة واضحة على‬
‫مسئولية الدولة ف أن تكفل لعمال الصانع هذه الطالب الساسية الت ذكرها الرسول ف‬
‫حديثه‪ ،‬بوسيلة من الوسائل‪ .‬فليست الوسيلة هي الهمة ‪ -‬وهذه يددها كل عصر با‬
‫يراه ‪ -‬وإنا الهم هو البدأ الذي يكفل توزيع الغان والغارم على طوائف المة‪ .‬وحي‬
‫يك فل ال سلم هذه ال طالب للع مال ي كون قد حاهم من ال ستغلل ال سيئ وك فل لم‬
‫الياة الرة الكرية‪.‬‬

‫على أي حال ل يكن يكن أن يسمح السلم بقيام الرأسالية ف صورتا البشعة‬
‫الت نراها اليوم ف الغرب " التحضر " وكانت تشريعاته‪ ،‬الوجود منها مباشرة ف صلب‬
‫الشريعة‪ ،‬والستحدث منها لواجهة الظروف التطورة ف حدود البادئ العامة للشريعة‪،‬‬
‫كانت هذه التشريعات وتلك ستقف ف سبيل شرور الرأسالية‪ ،‬ل تسمح لا با ترتكبه‬
‫اليوم من استغلل لعرق الكادحي ودمائهم‪ ،‬ومن استعمار وحروب واسترقاق للشعوب‪.‬‬

‫ول كن ال سلم ‪ -‬ك عادته ‪ -‬ل ي كن ليكت في بالت شريعات القت صادية وغ ي‬
‫القت صادية‪ .‬ف هو يل جأ كذلك إ ل ا لدعوة اللق ية والروح ية‪ ،‬ا لت ي سخر با ال شيوعيون‬
‫لنم يرو نا ‪ -‬ف أور با ‪ -‬معلقة ف الف ضاء‪ ،‬غ ي قائ مة ع لى أ ساس عم لي‪ .‬ولكنها ف‬
‫ال سلم لي ست كذلك‪ .‬ف هذا الن ظام العج يب ل يوجه د عوة ل لروح وأ خرى للتنظ يم‬
‫القتصادي منفصلة هذه عن تلك‪ ،‬ولكنه يزج بطريقته الفريدة بي تذيب الروح وتنظيم‬
‫التمع‪ ،‬فيوفق بي هذا وذاك‪ ،‬ول يترك الفرد تائها حائرا‪ 5‬ياول التوفيق بي الواقع والثال‬
‫فل يه تدي ول ي ستطيع‪ .‬إ نه يق يم الت شريع ع لى أ ساس خل قي‪ ،‬وي عل ا لدعوة اللق ية‬

‫‪ ()45‬رواه أحد وأبو داود‪.‬‬

‫)‪(63‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫متمشية مع الت شريع‪ ،‬فيلتقي الان بان ف ن ظام واحد‪ ،‬ويصبح كل منه ما مكمل‪ 5‬للخر‬
‫موصل‪ 5‬إليه‪ ،‬بل تعارض ول انفصال‪.‬‬

‫والدعوة اللقية هنا ترم الترف وتاربه‪ .‬وهل ينشأ من تضخم الرباح ف يد فئة‬
‫قليلة من الناس إل الترف البغيض والتاع السي الغليظ؟ وترم ظلم الجي وعدم توفيته‬
‫أجره‪،‬وهل ينشأ تضخم الرباح إل من ظلم الل جراء؟ وتدعوا إل إنفاق الال ف سبيل‬
‫ال ‪ -‬ولو خرج النسان عن كل ماله‪ .‬وهل ينشأ الفقر الذي يعيش فيه أغلب الشعب إل‬
‫لن الغنياء ينفقون أموالم على أنفسهم‪ ،‬ول ينفقونا ف سبيل ال )‪(46‬؟‬

‫والدعوة الروحية تربط النسان بال‪ ،‬وتزهده ف كل مغان الرض وملذاتا ف‬


‫سبيل مرضاة ال‪ ،‬وانتظاراا‪ 5‬لثوابه ف الخرة‪ ..‬وهل يتكالب النسان على تكديس الال‬
‫ويسلك إل ذلك سبيل الظلم والستغلل وبينه وبي ال رابطة‪ ،‬أو ف قلبه إيان باليوم‬
‫الخر وما فيه من نعيم وعذاب؟‬

‫وهكذا تكون مهمة الدعوة اللقية والروحية أن تهد للتشريعات القتصادية الت‬
‫تقف ف سبيل الرأسالية‪ ،‬حت إذا جاءت هذه التشريعات ل تكن طاعتها ناشئة من خوف‬
‫القانون‪ ،‬وإنا تنبعث هذه الطاعة كذلك عن رغبة ف داخل الضمي‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أ ما الرأ سالية ا لت ت قوم ال يوم ف ال عال ال سلمي بأب شع مظاهر ها‪ ،‬فلي ست من‬
‫السلم‪ ،‬والسلم ليس مسؤول‪ 5‬عنها‪ .‬لن الناس ل يكمون السلم ف حياتم ف قليل‬
‫ول كثيي !‬

‫‪ ()46‬ليس القصود أن " يتصدق " أصحاب الصانع على العمال‪ ..‬فاكتفاؤهم بأقل الربح إنفاق ف سبيل‬
‫ال‪ ،‬وإنشاؤهم للمدارس والستشفيات إنفاق ف سبيل ال‪ .‬انظر فصل " السلم والصدقات "‪.‬‬

‫)‪(64‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫السلم‪ ...‬واللكية الفردية‬


‫هل اللكية الفردية نزعة فطرية؟‬

‫يصر الشيوعيون وأضرابم على أنا ليست كذلك‪ .‬ويقولون إنه ف التمع الول‬
‫ح يث كانت ت سود ال شيوعية ا لول‪ ،‬ل ي كن ه ناك م لك خاص ل حد‪ ،‬وإنا كان كل‬
‫شيء ملكا‪ 5‬للجميع‪ ،‬وكانت تسود الميع روح البة والتعاون والخاء‪ .‬ولكن هذه الفترة‬
‫اللئك ية ل تدم طويل‪ 5‬مع ال سف‪ ،‬فم نذ اكت شفت الزرا عة دب اللف ع لى ا لرض‬
‫النرعة وعلى وسائل النتاج‪ .‬وبدأت الروب‪ ..‬وصار البشر إل ما هو عليه اليوم من‬
‫حب للملك ية الفرد ية وت طاحن علي ها‪ .‬ول خلص لم من هذا ال شر ال ستطي إل أن‬
‫يرجعوا إل حالتهم الول‪ ،‬حيث ل يكون هناك ملك خاص لحد‪ ،‬وإنا يلك الميع‪،‬‬
‫وتعود روح البة والوئام فتسيطر على البشر!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫و نترك ال شيوعيي هني هة‪ ،‬فن جد عل ماء الن فس والجت ماع متلف ي في ما بين هم‬
‫اختل فاا‪ 5‬شديدا‪ 5‬ف تد يد ما هو ف طري وما هو مكت سب ف سلوك الن سان وم شاعره‬
‫وأفكاره‪ .‬وهم متلفون بطبيعة الال ف أمر اللكية الفردية‪ :‬هل هي نزعة فطرية يولد با‬
‫النسان بصرف النظر عن الظروف اليطة به‪ ،‬أم أنا من أثر البيئة‪ ،‬أي أن الذي يدفع‬
‫الطفل إل التشبت بلعبة وأشيائه هو عدم كفايتها‪ ،‬وماولة غيه أخذها منه‪ ،‬فحي يوجد‬
‫عشرة أطفال ولعبة واحدة ل بد أن يتنازعوا عليها‪ ،‬ولكن حي يكون للطفال العشرة‬
‫عشرة لعب يكتفي كل واحد بلعبته ويبطل الناع‪..‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولنا على هؤلء وهؤلء بعض اللحظات‪:‬‬

‫أول‪ :E‬أن أ حد‪5‬ا من أولئك العلماء ل ي ستطع أن يزم بأن اللك ية الفرد ية لي ست‬
‫نزعة فطرية‪ ،‬وكل ما قاله اليساريون منهم هو أنه ل يوجد دليل قاطع على أنا نزعة‬

‫)‪(65‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫فطرية‪ .‬وفرق بي هذا وبي النفي البات‪ ،‬ولو قد وجدوا دليل‪ 5‬يقينا‪ 5‬ينفيها ما ترددوا ف‬
‫نفيها‪ ،‬لنم بعواطفهم ينفرون منها‪.‬‬

‫ثان يا‪ :E‬أن ال ثل ا لذي يضربونه ‪ -‬م ثل الط فال واللعب ‪ -‬لي ست له الدل لة ا لت‬
‫ير يدون أن ي ستخرجوها م نه‪ .‬فح ي يو جد ع شرة أط فال وع شر ل عب ث يب طل ال ناع‬
‫بينهم‪ ،‬ل يدل ذلك على عدم وجود نزعة فطرية للملكية‪ ،‬وإنا يدل فقط على أن هذه‬
‫النعة ‪ -‬ف الالت السوية ‪ -‬يكن أن ترضي بالساواة الطلقة بي الميع‪ .‬وهذا ل ينفي‬
‫أصلها‪ ،‬وإنا يدد مداها‪ .‬على أن الشاهد ف مثل هذه الالة أن الكثيين من الطفال‬
‫ياولون الصول ع لى أ كثر ما ف أ يديهم بسلب زملئهم ا لخرين لعبهم‪ ،‬ما ل يكن‬
‫هنالك مانع خارج عن إرادتم!‬

‫ثالثا ً‪ :‬أن الفترة اللئكية الت يفترض الشيوعيون وجودها ف التمع الول )ونن‬
‫ل يقينيا‪ 5‬عليها( ل تكن فيها وسائل إنتاج‪ ،‬فكيف كان يكن أن يقوم الناع‬ ‫ل نلك دلي ‪5‬‬
‫على شيء غي موجود؟ كانت الشجار تدهم بالغذاء مباشرة وبل جهد‪ ،‬وكان الصيد‬
‫ا لذي ي صطادونه ي تاج ب طبيعته إ ل ال شتراك ف يه خو ف‪5‬ا من ا فتراس الو حوش لن يرج‬
‫بفرده )ومع ذلك فنحن ل نستطيع أن نزم بأن أفراد‪5‬ا من الشجعان ل يكونوا يرجون‬
‫للصيد بفردهم إثباتا‪ 5‬لشجاعتهم وتيزهم‪ ،‬وهذه مسألة مهمة جد‪5‬ا سنعود إليها بعد لظة(‬
‫ول يكن ف المكان تزين الصيد لنه ينت‪ ،‬فل بد من الجهاز عليه ف ساعته‪ .‬فعدم‬
‫التنازع هنا ل يدل بذاته على عدم وجود النعة للملكية الفردية‪ ،‬وقد يكون نات‪5‬ا من‬
‫عدم و جود ما يت نازع عل يه‪ ،‬بدليل أ نه م نذ اكت شفت الزراعة بدأ الصراع‪ ،‬أي تر كت‬
‫النعة الكامنة الت ل تكن تد من قبل دافعا‪ 5‬للتحرك‪.‬‬

‫رابعا‪ :E‬أن أحدا‪ 5‬ل ينف لنا قيام الصراع بي الرجال ف ذلك الي على " امتلك‬
‫" امرأة‪ .‬فعلى الرغم من وجود " الشيوعية النسية " ف تلك الفترة كما يزعم الشيوعيون‬
‫فإن أحدا‪ 5‬ل يزعم أنا كانت سائدة مائة ف الائة ف هذا التمع الول ‪ ،‬ول ينع وجودها‬
‫من قيام العارك على امرأة بعينها لنا أجل من غيها ف نظر التعاركي‪ .‬وهنا إحدى‬
‫العقد الت نبحث عنها‪ ،‬والت نعتقد أن لا أهيتها العظمى ف الوضوع‪ .‬فحيث تكون كل‬
‫الشياء متشابة ومتساوية قد يبطل الصراع‪ .‬أما حي تتلف القيم والشياء علوا‪ 5‬وسفل‬
‫ف ن ظر ال ناس‪ ،‬فه نا ين شأ ال صراع وال عراك حت ف الت مع اللئ كي ا لذي يت صوره‬
‫الشيوعيون‪ ،‬ويبنون على وجوده كل أحلمهم عن الستقبل البعيد‪.‬‬

‫)‪(66‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫خامسا‪ :E‬وأخيا‪ 5‬أن أحدا‪ 5‬ل ينف وجود الرغبة ف التميز ف ذ لك التمع الول‪.‬‬
‫التميز بالشجاعة أو بالقوة أو بالصب أو بأي صفة من الصفات‪ .‬وهذه هي بعض القبائل‬
‫الت تعيش اليوم ف حالتها البدائية‪ ،‬والت يقيس عليها الشيوعيون التمع الشيوعي الول‪،‬‬
‫تأب تزو يج بنا تا إل لن يت مل مائة ج لدة بال سوط دون أن ي ضعف أو ي تأوه‪ .‬فل ماذا؟‬
‫ولي سبب يقبل الشاب على هذا المتحان ويرغبون ف إثبات التميز؟ وإذا كان كل‬
‫شيء يسي على مبدأ الساواة الطلقة‪ ،‬فما الذي يدفع إنسانا‪ 5‬أن يقول‪ :‬أنا لست مساويا‬
‫للخرين‪ ،‬بل أفضل منهم؟ هنا عقدة أخرى من العقد الت نبحث عنها ونعتقد بأهيتها‪.‬‬
‫فع لى فرض أن اللك ية الفرد ية لي ست نز عة فطر ية ف ذا تا‪ ،‬ف قد ارتب طت بن عة فطر ية‬
‫أخرى هي حب التميز‪ ،‬ارتباطاا‪ 5‬ل تنج منه منذ أول عصور البشرية‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ونترك هذه الباحث النظرية لنتحدث عن اللكية الفردية ف السلم‪.‬‬

‫يقول الشيوعيون إن اللكية الفردية قد صاحبها الظلم على مدار التاريخ‪ ،‬وإنه ل‬
‫بد من إلغائها إذا أريد للبشرية أن تستقر وتدأ من الصراع‪ .‬وبصرف النظر عن إغفال‬
‫الشيوعيون لثر النعات الفردية ف تقدم البشرية‪ ،‬وإغفالم لقيقة أخرى هي أن البشرية‬
‫ل تت قدم ف فترة ال شيوعية ا لول‪ ،‬وإ نا بدأت تت قدم ب عد ال ناع ع لى اللك ية‪ ،‬أي أن‬
‫الصراع ليس شرا‪ 5‬خالصا‪ ،5‬وأن وجوده ‪ -‬ولكن ف حدود معقولة ‪ (47) -‬ضرورة نفسية‬
‫واجتماعية واقتصادية‪.‬‬

‫بصرف النظر عن هذا وذاك‪ ..‬فإن السلم ل يسلم بأن اللكية الفردية ف ذاتا‬
‫هي منشأ الظلم الذي حل بالبشرية‪.‬‬

‫وإنا نشأ الظلم الذي صاحب اللكية ف أوربا أو ف غي العال السلمي عامة من‬
‫أن " الطب قة " الال كة ه ناك هي ا لت ت شرع وت كم‪ .‬ف كان من ال طبيعي أن ت كم ل صال‬
‫نفسها‪ ،‬وأن تضع التشريعات الت تمي مصالها وت تور على مصال الخرين ‪ .‬أما ف‬

‫‪ ()47‬يرى الل سلم أن التنافس ليس شرا ف ذاته‪ ،‬وإنا هو شر حي يكون ف سبيل الشر‪ ،‬أما ف سبيل‬
‫الي فيقول‪ " :‬وف ذلك فليتنافس التنافسون " ويقول كذلك‪ " :‬ولول دفع ال الناس بعضهم ببعض‬
‫لفسدت الرض "‪.‬‬

‫)‪(67‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫السلم فل يوجد طبقة حاكمة‪ ،‬والقانون ليس من صنع طبقة معينة من طبقات الشعب‪،‬‬
‫وإنا هو من صنع ال خالق الميع‪ .‬والناس سواسية ف عرف السلم ل يتفاضلون فيما‬
‫بين هم إل بالتقوى‪ ،‬ولكن هم ل يتفا ضلون أ مام الت شريع ا لذي يط بق ب صورة وا حدة ع لى‬
‫الميع‪ (48) .‬والاكم ف السلم رجل ينتخب انتخاباا‪ 5‬حر‪5‬ا من المة السلمة‪ ،‬فليست له‬
‫مزية " طبقية " ترشحه للحكم‪ .‬ث هو بعد وليته للمر ل يلك إل تنفيذ الشريعة الت ل‬
‫يضعها هو وإنا وضعها ال‪ .‬وسلطته على الكومي مستمدة من قيامه بتنفيذ الشريعة ل‬
‫أكثر‪ .‬يقول أبو بكر الليفة الول‪ " :‬أطيعون ما أطعت ال فيكم‪ ،‬فإن عصيت ال فل‬
‫طاعة ل عليكم "‪ .‬فليس لشخصه مزية قانونية ينح با نفسه أو غيه امتيازا‪ 5‬ف التشريع‪.‬‬
‫ومن ث فهو ل يلك أن ييز طبقة من الشعب على طبقة‪ ،‬ول أن يضع للنفوذ السياسي‬
‫للملك‪ ،‬فبضع لم تشريعات تمي مصالهم بالور على مصال غي اللك‪ .‬ونن هنا‬
‫نتحدث عن الفترة الت طبق فيه السلم على حقيقته‪ ،‬ول ننظر إل الفساد الذي دخل‬
‫عليه بعد توه إل ملك عضوض‪ .‬لن ذلك ليس إسلما‪ ،5‬ول يكن أن يكون السلم‬
‫مسئول‪ 5‬عنه‪ .‬وقصر الفترة الت طبق فيها السلم بكل عدالته ومثاليته ل تعن أنه نظام‬
‫خيال غي قابل للتطبيق ف الواقع‪ ،‬فالذي حدث مرة يكن أن يدث مرة أخرى‪ .‬والناس‬
‫م طالبون با ستعادة ت لك ال فترة‪ .‬و هي ال يوم أ قرب إ ل التحق يق ما كانت ع لى أ يدي‬
‫أجدادهم فيما مضى من التاريخ )‪.(49‬‬

‫ف النظام السلمي إذن ل يشرع اللك لنفسهم‪ ،‬وإنا يضعون كغيهم لشريعة‬
‫عامة تسوي بي الميع ف القوق النسانية والكرامة البشرية‪ .‬فأما حي يدث اختلف‬
‫ف تفسي نص من النصوص ‪ -‬كما يدث ف كل قانون على وجه الرض ‪ -‬فالفقهاء هم‬
‫أصحاب الرأي فيه )‪ .(50‬ويشهد التاريخ أن فقهاء السلم الكبار ل يشرعوا لطبقة اللك‬
‫ع لى ح ساب ال كادحي‪ ،‬وإ نا كانوا دائ ما‪ 5‬أ قرب إ ل توف ية ح قوق هؤلء ال كادحي‪،‬‬
‫وتقيق مطالبهم الساسية‪ .‬والثال الذي ذكرناه ف الفصل السابق ‪ -‬والذي يعل العامل‬
‫شريك‪5‬ا بالنصف مع صاحب العمل ‪ -‬صريح فيما نقصد إليه‪.‬‬

‫‪ ()48‬إذا كان ال سبحانه وتعال يقول‪ " :‬وال فضل بعضكم على بعض ف الرزق " فهذا موضوع أخر‬
‫سنعرض له ف الفصل التال‪ .‬إنا الذي نقصده هنا هو وضع الناس بالنسبة للتشريع وهو الذي حرص‬
‫السلم فيه على الساواة الطلقة‪.‬‬
‫‪ ()49‬انظر بعد ذلك فصل " السلم والثالية "‪.‬‬
‫‪ ()50‬ذلك فيما ل يرد فيه نص صريح ل خلف عليه‪.‬‬

‫)‪(68‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫والسلم ل يسوء ظنه بالطبيعة البشرية إل الد الذي يسلم فيه بأن اللكية دائما‬
‫تعن الظلم والستبداد‪ .‬وقد بلغ ف تربيته للنفس النسانية حدا‪ 5‬رفيعا‪ 5‬جعل بعض الناس‬
‫يلكون ومع ذلك " ل يدون ف صدورهم حاجة ما أوتوا‪ ،‬و يؤثرون على أنفسهم ولو‬
‫كان بم خصاصة " )‪ (51‬فيشركون معهم غيهم ف كل ما يلكونه دون ثن ول مقابل‪،‬‬
‫ول انتظار لشيء إل رجاء عفو ال ومثوبته‪.‬‬

‫و هذه المثلة النبيلة ‪ -‬ع لى ندرتا ‪ -‬ل يوز إ سقاطها من ال ساب لنا ق بس‬
‫النور الذي يشي إل الستقبل‪ ،‬والذي يبشر با يكن أن ت صل إليه النسانية ف يوم من‬
‫اليام‪ .‬وإن كان السلم ‪ -‬مع ذلك ‪ -‬ل يغرق ف الحلم‪ ،‬ول يرع مصال المة رهنا‬
‫بالنوا يا الطي بة ا لت قد تو جد أو ل تو جد‪ ،‬وإ نا هو مع ع نايته البال غة بت هذيب الن فوس‬
‫وتطهي ها يؤمن بالواقع العم لي‪ ،‬وي ضع الت شريعات الكفي لة بتوز يع ا لثروة توزي عا‪ 5‬عادل‬
‫في ضمن ا لمر من جانبيه‪ ،‬م صدقا‪ 5‬ل قول عث مان‪" :‬إن ا ل يزع بال سلطان ما ل يزع‬
‫بالقرآن"‪.‬‬

‫وقد وجدت اللكية فعل‪ 5‬ف التاريخ ول يصحبها الظلم‪.‬‬

‫وقد ضربنا ف الفصلي السابقي مثالي من تاريخ السلم‪ ،‬أحدها عن اللكية‬


‫الزراع ية‪ ،‬ورأي نا أ نا ل تؤد ف ال عال ال سلمي إ ل الق طاع ا لذي أدت إل يه ف أور با‪،‬‬
‫لو جود الت شريعات القت صادية والجتماع ية ا لت من عت الق طاع‪ ،‬وكف لت لغ ي ا لالكي‬
‫حياة كرية تعلهم بنأى عن الضوع لستغلل الالكي‪.‬‬

‫وا لخر عن اللك ية الرأ سالية‪ .‬و قد رأي نا ف يه أن ال سلم ‪ -‬ع لى فرض ن شوء‬
‫الرأسالية ف ربوعه ‪ -‬كان سيبيح منها القدر الذي يغلب ف يه الي‪ ،‬وكان سيقف دون‬
‫الطغ يان وال ستغلل بكل ما لديه من وسائل الت شريع والتهذيب‪ ،‬فل تؤدي اللكية إ ل‬
‫نتائج ها ال سيئة ا لت يعاني ها ال غرب الرأ سال ال يوم‪ .‬ث أ نه كذلك ل ي بح اللك ية ع لى‬
‫إطلق ها‪ ،‬ف قد نص ع لى أن ا لوارد العا مة م لك م شترك للجم يع‪ .‬ف حرم اللك ية الفرد ية‬
‫حيثما كانت العدالة تقتضي تريها‪ ،‬وأباحها حيث أمن الظلم واستذلل بشر لبشر‪.‬‬

‫ونضرب هنا مثل‪ 5‬ثالثا‪ 5‬من غي العال السلمي‪ ،‬هو دول الشمال ف أوربا‪ .‬فقد‬
‫شهد ا لنليز والمري كان والفرن سيون ‪ -‬و هم أ كثر شعوب ا لرض تبج حا‪ 5‬بالتميز‬

‫‪ ()51‬سورة الشر ]‪.[9‬‬

‫)‪(69‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫العنصري والقومي ‪ -‬أ نا أرقى دول العال وأكثرها توازنا‪ 5‬ومودة‪ .‬وهي مع ذلك ل تلغ‬
‫اللكية الفردية‪ .‬وكل ما صنعته هو ضمان توزيع الثروة توزيعا‪ 5‬عادل‪ 5‬يقرب الفجوة بي‬
‫طبقات الشعب‪ ،‬ويعادل بقدر المكان بي ميزان الهد والزاء‪ .‬فهي ف هذا الشأن أكثر‬
‫دول العال تقيقا‪ 5‬لانب من فكرة السلم‪.‬‬

‫ث إنه ل يكن الفصل بي نظام اقتصادي وبي الفلسفة الفكرية والجتماعية الت‬
‫ت قوم وراءه‪ .‬فإذا استعر ضنا الن ظم الثل ثة ا لت يدعو لا ا لدعاة ال يوم‪ ،‬و هي الرأ سالية‬
‫والشيوعية والسلم‪ ،‬وجدنا نظمها القتصادية وفكرة اللكية فيها مرتبطة ارتباطا وثيقا‬
‫بفكرتا الجتماعية‪ .‬فالرأسالية ‪ -‬كما قلنا من قبل ‪ -‬تقوم على أساس أن الفرد كائن‬
‫م قدس ل يوز للمجت مع أن ي جر ع لى حري ته‪ ،‬و من ث ت باح ه ناك اللك ية الفرد ية بل‬
‫حدود‪ (52) .‬والشيوعية تقوم على أساس أن التمع هو الصل‪ ،‬والفرد ل كيان له بفرده‪،‬‬
‫فهي تضع اللكية ف يد الدولة مثلة التمع‪ ،‬وترم منها الفراد‪.‬‬

‫أما السلم فله فكرة أخرى‪ ،‬ومن ث فله اقتصاد آخر‪.‬‬

‫فأما فكرة السلم عن الفرد والماعة فهي ترى أن الفرد كائن ذو صفتي ف‬
‫وقت واحد‪ :‬صفته كفرد مستقل‪ ،‬وصفته كعضو ف جاعة‪ .‬وأ نه يستجيب أحيانا‪ 5‬لذه‬
‫الصفة أو تلك بصورة بارزة‪ ،‬ولكنه ف النهاية مشتمل عليهما معا‪ 5‬ومستجيب لما معا‪.‬‬

‫وأ ما فكر ته الجتماع ية ال ستمدة من ت لك الف كرة‪ ،‬ف هي ل تف صل ب ي ال فرد‬


‫والماعة‪ ،‬ول تضعهما ف موضع التقابل كمعسكرين متصارعي ياول أحدها أن يغتال‬
‫الخر‪ .‬وما دام كل فرد ف ذات الوقت فرد‪5‬ا مستقل‪ 5‬وعضوا‪ 5‬ف جاعة‪ ،‬فإن التشريع الذي‬
‫يتمشى مع الفطرة يوازن بي النعة الفردية والنعة الماعية‪ ،‬ويوازن بي مصال كل فرد‬
‫وغ يه من ا لفراد ا لذين يت كون من هم الت مع‪ ،‬دون أن يف ن إ حدى الن عتي ل ساب‬
‫الخرى‪ ،‬ودون أن يسحق الفرد لساب التمع أو يفكك التمع لساب فرد أو أفراد‪..‬‬

‫ومن ث فاقتصادياته تثل هذه النظرة التوازنة‪ ،‬الت تقع بي الرأسالية والشيوعية‪،‬‬
‫وت قق أف ضل ما ف الن ظامي دون أن ت قع ف انرافات ما‪ .‬ف هي تب يح اللك ية الفرد ية من‬
‫حيث البدأ‪ .‬ولكنها تضع لا الدود الت تنع با الضرر‪ .‬وتبيح للمجتمع ‪ -‬أو ول المر‬

‫‪ ()52‬إل أخيا‪5‬ا جداا‪ ،5‬وبتأثي الوف من الشيوعية‪ .‬وقد كانت الناجم – وهي من الوارد العامة – ملكا‬
‫للفراد ف انلترا إل ما قبل سنوات قليلة وما تزال ملكاا‪ 5‬للفراد ف أمريكا‪.‬‬

‫)‪(70‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫م ثل الت مع ‪ -‬أن ين ظم هذه اللك ية أو ي عدلا ك ما ظ هر له أن ذ لك ي قق م صلحة‬


‫للمجموع‪.‬‬

‫لذلك ل يضيق السلم باللكية الفردية ما دام يلك أن يزيل بشت الوسائل ما قد‬
‫ينتج عنها من أضرار‪ .‬وإن إبقاء اللكية من حيث البدأ مع تقرير حق الماعة ف تنظيمها‬
‫وتقييدها‪ ،‬خي ف معاملة النفوس من إلغائها بتاتا‪ ،5‬على أساس غي صحيح‪ :‬وهو أن اللكية‬
‫لي ست نز عة فطر ية ول ضرورة ب شرية‪ .‬وإن ا ضطرار رو سيا أخ يا‪ 5‬إ ل إبا حة أ لوان من‬
‫اللكية ف حدود معينة لبهان قوي على أن من الي الستجابة إل الفطرة البشرية‪ :‬خي‬
‫للفرد وللمجموع على السواء‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫على أننا ن عود فنسأل‪ :‬لاذا نلغي اللكية الفردية؟ ولي هدف نطالب السلم‬
‫بإلغائها؟‬

‫تقول الشيوعية إن إلغاءها هو السبيل الوحيد للتسوية بي البشر‪ ،‬وإبطال النعة‬


‫إل السيطرة والسلطان‪ .‬وقد ألغت روسيا ملكية وسائل النتاج‪ ..‬فهل وصلت إل الدف‬
‫الذي تنشده من وراء ذلك؟‬

‫أل تضطر روسيا على يد ستالي إل إباحة العمل بعد الوحدة الجبارية الول‬
‫لن يد ف نفسه وفرة من النشاط والهد مقابل أجور إضافية‪ ،‬فنشأ بذلك تفاوت ف‬
‫الجور بي العمال أنفسهم؟‬

‫ث هل تتساوى أجور الناس جيعا‪ 5‬ف التاد السوفييت؟ هل يأخد الهندس أجرا‬
‫كالعامل؟ وهل يأخذ الطبيب أجرا‪ 5‬كالمرض؟ إن دعاة الشيوعية أنفسهم ليعلنون أن أعلى‬
‫أ جر ف رو سيا هو أ جر اله ندس‪ ،‬وأن الف ناني هم أ كثر ال ناس دخل‪ 5‬ه ناك‪ .‬في عترفون‬
‫بتفاوت الجور بي طوائف الشعب الروسي‪ ،‬فضلل ‪ 5‬عن تفاوت الطبقة الواحدة كما‬
‫حدث بي العمال‪.‬‬

‫)‪(71‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وأخيا‪ 5‬هل بطلت النعة إل السيطرة والرغبة ف التمييز عن الخرين؟ فكيف إذن‬
‫يتار رؤساء النقابات ورؤساء الصانع ورؤساء الدارات والقوميسيات؟ وكيف ييز بي‬
‫العضو النشيط وغي النشيط ف الزب الشيوعي الذي يكم روسيا؟‬

‫أوو´ ليس إذن ف بنية النسانية هذا النوع إل السيطرة والتميز بصرف النظر عن‬
‫إبقاء اللكية الفردية أو إلغائها؟‬

‫فإذا كان إلغاء اللكية ل يلص البشرية ما تعتبه الشيوعية شرا‪ 5‬مستطيا‪ 5‬ل يوز‬
‫ال سكوت عل يه‪ ،‬ف ما الذي يدفعنا يا ترى إ ل مصادمة الف طرة والتضييق عليها ف سبيل‬
‫هدف يأب أن يتحقق من أي سبيل؟‬

‫أم يقو لون إن ال فوارق ف رو سيا ب ي طائ فة وطائ فة‪ ،‬أو ب ي فرد و فرد‪ ،‬فوارق‬
‫قريبة ل تصل إل حد الترف من جانب والرمان من جانب؟‬

‫فنقول لم‪ :‬نعم! والسلم كذلك ‪ -‬ومن قبل الشيوعية بألف وثلثائة عام ‪-‬‬
‫يعل من مبادئه تقريب الفوارق بي الناس‪ ،‬وتري الترف والقضاء على الرمان! ولكنه ل‬
‫ي كل هذا إ ل الت شريعات القانون ية و حدها‪ ،‬إ نا يك له كذلك إ ل عق يدة ال ناس ف ا ل‬
‫وحبهم للخي‪ ،‬بانب القواني والتشريعات‪.‬‬

‫)‪(72‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫السلم‪ ...‬ونظام الطبقات‬


‫)‪(53‬‬
‫" وال فضل بعضكم على بعض ف الرزق‪" ..‬‬
‫)‪(54‬‬
‫" ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات‪" ..‬‬

‫أليس هذا واردا‪ 5‬ف القرآن أيها السلمون؟ فكيف تزعمون بعد هذا‬

‫أن السلم ليعترف بنظام الطبقات؟‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫نتاج أول‪ 5‬أن نعرف ما هو نظام الطبقات‪ ،‬لنعرف إن كان السلم يبيحه أم ل‬
‫يبيحه‪.‬‬

‫فإذا استعر ضنا تار يخ أور با ف الع صور الو سطى مثل‪ 5‬و جدنا طب قات النبلء أو‬
‫ال شراف‪ ،‬ور جال ا لدين‪ ،‬وال شعب‪،‬طب قات متم يزة مد د‪é‬دة ال عال يت لف بع ضها عن‬
‫بعض‪ ،‬بيث ل يطئ النسان معرفتها بجرد النظر‪.‬‬

‫فرجال الدين لم ثيابم الاصة الت تيزهم‪ .‬وكان لم ف تلك العصور سطوة‬
‫كبى‪ ،‬فكان البابا سلطة مناوئة للملوك والباطرة‪ ،‬يريد أن يزعم أنه هو الذي ينحهم‬
‫السلطان على الشعوب‪ ،‬ويريدون هم أن ينسلخوا من سلطته ويستقلوا بأنفسهم‪ .‬وكانت‬
‫لم كذلك أ موال طائ لة من الو قاف ا لت وقف ها علي هم ال تدينون‪ ،‬و من ال تاوات ا لت‬
‫يفرضونا هم على الناس‪ .‬بل كانت للكنيسة جيوش كاملة ف بعض الحيان‪.‬‬

‫‪ ()53‬سورة النحل ]‪.[71‬‬


‫‪ ()54‬سورة الزخرف ]‪.[32‬‬

‫)‪(73‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫أما الشراف فكانوا طبقة تتوارث الشرف بعضها عن بعض‪ .‬بيث يولد الطفل‬
‫فإذا هو شريف منذ مولده‪ ،‬ويظل شريفا‪ 5‬حت يـموت‪ ،‬بصرف النظر عن العمال الت‬
‫يقوم با ف حياته‪ ،‬وقر با أو بعدها من هذا الشرف الزعوم!‬

‫ما امتيازاتم فكانت ف عهد القطاع سلطان‪5‬ا مطلقا‪ 5‬على " الشعب " الوجود ف‬
‫القطاعية‪ .‬كانوا هم السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية‪ ،‬وكانت أهواؤهم ونزواتم‬
‫هي ال قانون ا لذي ين فذ ع لى ال شعب‪ .‬و كانت تت كون من هم ا لالس النياب ية ا لت ت شرع‬
‫للبلد‪ ،‬ف كانت ت شريعاتم بطبي عة ا لال تدف إ ل حايتهم والحت فاظ لم بامت يازاتم‬
‫وإضفاء صفة القداسة عليها‪.‬‬

‫أما الشعب فهو ذلك المل الذي لحقوق له ول امتيازات‪ ،‬وإنا عليه الواجبات‬
‫كل الواجبات‪ .‬وكان يتوارث الذل والفقر والعبودية جيل‪ 5‬بعد جيل‪.‬‬

‫ث حدثت تطورات اقتصادية هامة ف أوربا أنشأت طبقة جديدة تنازع الشراف‬
‫امتيازاتم ومكانتهم‪ ،‬هي الطبقة البجوازية‪ .‬وبقيادة هذه الطبقة وعلى أكتاف الشعب‪،‬‬
‫قامت ال ثورة الفرن سية ا لت أل غت ‪ -‬ف ال ظاهر ‪ -‬ن ظام الطب قات‪ ،‬وأعل نت ‪ -‬نظر يا‪- 5‬‬
‫مبادئ الرية والخاء والساواة‪.‬‬

‫و ف الع صر ا لديث قامت هذه الطب قة الرأ سالية م قام طب قة ال شراف القد ية‬
‫ول كن من وراء ستار‪ ،‬و مع ب عض الت عديلت ا لت اقت ضاها الت طور القت صادي‪ .‬ول كن‬
‫الوهر ل يتغي‪ ،‬فهي طبقة تلك الال والسلطان والقوة الت تسي ب با دفة الكم‪ .‬وعلى‬
‫الر غم من م ظاهر الر ية ا لت تتم ثل ف النتخا بات " الديقراط ية " فإن الرأ سالية ت عرف‬
‫طريقها إل البلانات ودواوين الكومات‪ ،‬وتنفذ بوسائلها اللتوية ما تريد تنفيذه تت‬
‫متلف العنوانات‪.‬‬

‫بل ما يزال ف إنلترا ‪ -‬أم الديقراطية كما كان يقال لنا ‪ -‬ملس يسمى بصفة‬
‫ر سية " م لس ال لوردات "‪ .‬و ما زال في ها قانون إق طاعي يق ضي بأن يرم ج يع الب ناء‬
‫والبنات من الياث فيما عدا البن الكب‪ ،‬منعا‪ 5‬لتفتيت الثروة‪ ،‬أي مافظة على ثروات "‬
‫السر " لكي تبقى قائمة ل تزول‪ ،‬ويظل لا كيانا الوروث كما كانت طبقة القطاعيي‬
‫ف العصور الوسطى‪.‬‬

‫)‪(74‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫هذا هو نظام الطبقات‪ ،‬يتلخص ف حقيقة أساسية هي أن الطبقة الت تلك الال‬
‫ت لك ال سلطان‪ .‬ت لك و سائل الت شريع بطري قة مبا شرة أو غ ي مبا شرة‪ ،‬فت شرع لما ية‬
‫نفسها‪ ،‬ولبقاء الشعب خاضعا‪ 5‬لسلطانا‪ ،‬مروما‪ 5‬من كثي من حقوقه إرضاء لشهوات‬
‫الطبقة الاكمة‪.‬‬

‫فإذا أدرك نا ذ لك فهم نا ع لى ال فور أ نه لل يو جد ن ظام طب قات ف ال سلم‪.‬‬


‫فلي ست ه ناك أول‪ 5‬مزا يا تؤ خذ بالياث ك ما كان ا لال ف طب قة ال شراف ف أور با‪.‬‬
‫ونرج من حسابنا بطبيعة الال وراثة العرش بغي بيعة حرة وقيام " طبقة " من المراء‬
‫والنبلء فذلك ك له ل يس بإ سلم‪ .‬وو جوده ف ال سلم ل يز يد ع لى و جود م سلمي‬
‫يشربون المر أو يلعبون اليسر أو يتعاملون بالربا‪ .‬ومع ذلك ل يكن أن يزعم أحد أن‬
‫السلم أباح المر واليسر والربا ف يوم من اليام‪.‬‬

‫وليس هناك ثانيا‪ 5‬قواني تتفظ بالثروة ف يد قوم معيني يتوارثونا ول ترج من‬
‫أيديهم‪ .‬فقد كره السلم ذلك وقال صراحة‪ " :‬كيل يكون دولة بي الغنياء منكم "‪.‬‬
‫وو ضع من ج هة أ خرى قواني لت فتيت ا لثروة ب صفة دائ مة‪ ،‬وإ عادة توزيع ها ف الت مع‬
‫بنسب جديدة على الدوام‪ ،‬تلك هي قواني الياث الت توزع الثروة على عدد كبي من‬
‫الشخاص فل ير جيل حت تكون قد تفرقت بي الناس‪ .‬والالت النادرة الت يرث فيها‬
‫الثروة كلها ولد واحد ل إخوة له ول أقرباء حالت شاذة ل يوز الكم با ول اعتبارها‬
‫قاعدة ينتقد النظام كله من أجلها‪ .‬ومع ذلك فإن السلم ل يتركها تر اعتباطا‪ ،5‬فقد‬
‫جعل ف التركة نصيبا‪ 5‬للمحرومي من غي أول القرب يشبه ضريبة التركات ف العصر‬
‫الديث‪ " :‬وإذا حضر القسمة أولو القرب واليتامى والساكي فارزقوهم منه وقولوا لم‬
‫قول‪ 5‬معروفا‪.(55) " 5‬‬

‫و بذه الطري قة يعا ل تك تل ا لثروات‪ ،‬وي عل أ صحاب ا لثروات أ فرادا‪ 5‬ل طب قة‪.‬‬
‫أفرادا‪ 5‬ل يلبثون أن يتمعوا حت يتفرقوا‪ ،‬بكم توزع الثروة على نسب جديدة‪ .‬والتاريخ‬
‫الواقعي يشهد أن الثروات كانت دائمة النتقال ف التمع السلمي‪ ،‬وأن الغن اليوم قد‬
‫يفتقر غدا‪ ،5‬والفقي اليوم قد تبط عليه الثروة من أي سبيل‪ ،‬فل تقوم الواجز الصطنعة‬
‫بي أي شخص وبي الغن أو الفقر حسب تصرفه الاص وملبسات حياته الاصة‪.‬‬

‫‪ ()55‬سورة النساء ]‪.[8‬‬

‫)‪(75‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وأ هم ما يعني نا إث باته ه نا هو ما ألع نا إل يه ف الف صل ال سابق من أن الت شريع‬


‫ال سلمي ل يس مل ك‪5‬ا لطب قة معي نة‪ .‬ول ي لك أ حد أن ي شرع ع لى مزا جه ف الدو لة‬
‫السلمية‪ ،‬لن الشريعة السماوية النلة هي الت تكم الميع بل ماباة لحد ول ظلم‬
‫ل حد‪ .‬و من ه نا ينت في بتا تا‪ 5‬و جود طب قات ف ال سلم‪ ،‬لل ن و جود الطب قات مرت بط‬
‫ارتباطا‪ 5‬ل ينفصم بزية التشريع‪ .‬فإذا بطلت هذه الزية‪ ،‬ول يكن ف وسع أحد أن يصنع‬
‫لنف سه قانو نا‪ 5‬ي مي به م صاله ع لى ح ساب شخص آ خر‪ ،‬ف ماذا ب قي من ن ظام‬
‫الطبقــات؟‬

‫وإذا‪ 5‬فما معن اليتي اللتي أثبتناها ف مقدمة هذا الفصل؟‬

‫إنما ل تزيدان على إثبات المر الواقع ف كل الرض‪ ،‬ف ظل السلم وف غي‬
‫ال سلم‪ :‬أن ال ناس مت فاوتون ف الرا تب وا لرزاق‪ .‬وإل فلنأ خذ رو سيا مثل‪ .5‬هل ج يع‬
‫ال ناس يت ناولون أ جر‪5‬ا وا حدا‪ ،5‬أم إن بع ضهم مف ضل ع لى بعض ف ا لرزق؟ و هل جيع هم‬
‫ه ناك رؤ ساء أم جيع هم مرؤو سون؟ أو هل جيع هم ضباط أو جيع هم ج نود؟ أم إن‬
‫بعضهم قد رفع درجات فوق بعض؟ إن هذا أمر ل معدي عنه‪ ،‬وهو حقيقة واقعة ف كل‬
‫مكان‪ ،‬واليتان ل تشرحان سبب‪5‬ا معينا‪ 5‬للتفضيل‪ ،‬ول تقيدان الناس كذلك بسبب معي‪.‬‬
‫فهما ل تقولن إن التفضيل بسبب الرأسالية أو بسبب الشيوعية أو بسبب السلم‪ .‬ول‬
‫ت قولن إن آ ثاره ت كون دائ م‪5‬ا عاد لة بق ياس ا لرض أو ت كون ظا لة‪ ..‬ل شيء من ذ لك‬
‫ك له‪ .‬إن ما ف قط ت قولن إن هذا هو ا لمر الوا قع ف كل م كان‪ .‬و كل ما ع لى ا لرض‬
‫بطبي عة ا لال دا خل ف إرادة ا ل‪ .‬وإل هل يعت قد ال شيوعيون أن ن فوذ ا ل ‪ -‬سبحانه ‪-‬‬
‫مدود بال عال ال سلمي‪ ،‬ك ما كان ب نو إ سرائيل يعت قدون ف سذاجة غب ية أن ن فوذ ا ل‬
‫مدود بصر وفلسطي‪ ،‬وأن ما يقع ف بقية الرض خارج عن نفوذ ال وإرادة ال؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫شيء واحد من نظام الطبقات كان ف السلم بتصريح القرآن‪ ،‬هو وجود طبقة‬
‫الرقاء‪ .‬ولكنا تدثنا عنهم با فيه الكفاية‪ ،‬وقلنا إن الرق كله كان نظاما‪ 5‬اقتضته ظروف‬
‫وملب سات معي نة‪ ،‬ول كن ال سلم ل يس حريصا‪ 5‬ع لى إب قائه‪ ،‬فهو ل يس أصل‪ 5‬من أ صول‬
‫التمع السلمي‪ ،‬ولكنه يوجد بصورة عارضة‪ ،‬ث يسعى السلم دائم‪5‬ا إل تريره‪.‬‬

‫ومع ذلك فكيف كان يعامل السلم الرقيق؟‬

‫)‪(76‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫لسنا ف حاجة إل تكرار ما قلناه ف فصل الرق‪ ،‬ولكنا نذكر الادثة الشهية‬
‫الت وضع با عمر أساس " الطبقات " ف السلم!‬

‫تلك قصة ال شريف الذي ذهب للحج‪ ،‬ير أذيال الكب‪ ،‬ويتيه على عباد ال ف‬
‫عنجه ية جاهل ية ل يط هره من ها د خوله ‪ -‬بال سم ‪ -‬ف ال سلم‪ " :‬قل ل تؤم نوا ول كن‬
‫قولوا أسلمنا ولا يدخل اليان ف قلوبكم "‪ .‬وف أثناء الطواف وقعت قدم " عبد " على‬
‫طرف ثوبه الطويل الذي تتمثل فيه العنجهية والكبياء‪ ،‬فما كان من الشريف إل أن لطم‬
‫العبد على وجهه جزاء وقاحته! فذهب العبد إل عمر يشكو له فعل الشريف‪ .‬فهل قال له‬
‫عمر‪ :‬ل عليك! فهذا شريف وأنت عبد‪ ،‬هو من طبقة وأنت من طبقة! هو يلك من‬
‫القوق ما ل تلك! هل استصدر عمر تشريعا‪ 5‬يمي به طبقة الشراف من أن يدوس على‬
‫ثيابا العبيد‪ ،‬أو تشريعا‪ 5‬يلزم العبيد بقبول لطمات السادة؟‬

‫كل‪ .‬إن ما حدث معروف ف التاريخ‪ ،‬فقد أصر عمر على القصاص‪ .‬على أن‬
‫يل طم الع بد هذا ال شريف الت كب ل يده إ ل شريعة ا ل ا لت ل ت فرق ب ي ب شر وب شر ف‬
‫التشريع‪ ،‬حت حي يتفاوتان ف الرزق أو ف الوضع الجتماعي لسبب من السباب‪.‬‬

‫وعلم الشريف فكبت عليه نفسه‪ .‬وأخذته العزة بالث‪ ،‬وظل ياول أن ينجو من‬
‫حكم الشريعة الصارم الذي يسوي بينه وبي كل نفس آدمية ف الوجود‪ .‬فلما يئس فر‬
‫من وجه عمر‪ .‬وارتد ف النهاية عن السلم!!‬

‫هذا هو السلم‪ .‬ل طبقات ول مزايا تشريعية للطبقات‪.‬‬

‫أ ما ا لثروة واختلف ال ناس في ها فمو ضوع آ خر ل يوز أن يت لط ف أذهان نا‬


‫ب سألة الطب قات‪ ،‬ما دا مت ل تر تب لالكي ها حقو ق‪5‬ا ت شريعية أو ق ضائية لي ست لبق ية‬
‫طوائف ال شعب‪ .‬و ما دا مت ال شريعة ‪ -‬ف وا قع ا لمر ل ف ال ثل وال يالت ‪ -‬تط بق‬
‫بطريقة واحدة على جيع الناس‪.‬‬

‫وقد رأينا أن اللكية الزراعية ل ترتب للملك ف السلم حقوق‪5‬ا يستعبدون با‬
‫الخرين أو يستغلونم‪ ،‬وكذلك الال ف اللكية الرأسالية لو وجدت ف متمع إسلمي‬
‫صحيح‪ ،‬ذلك أن الاكم ل يستمد نفوذه من تأييد طبقة اللك‪ ،‬وإنا من انتخاب المة له‬
‫وقيامه بتنفيذ شريعة ال‪.‬‬

‫)‪(77‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫يضاف إل ذلك كله ما ذكرناه من قبل من أنه ل يوجد متمع ف الرض كلها‬
‫قد تساوت الثروة فيه بي جيع السكان‪ ،‬حت التمع الشيوعي الذي يقول ‪ -‬صادق‪5‬ا أو‬
‫كاذبا‪ - 5‬إنه ألغى نظام الطبقات‪ ،‬وأبقى طبقة واحدة هي الت تلك وتكم‪ ،‬وتفن غيها‬
‫من الطبقات!‬

‫)‪(78‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫السلم‪ ...‬والصدقات‬
‫أ‪́Ô‬وهذه هي العدالة الجتماعية الت تنوننا با يا دعاة السلم؟ أن يعيش الشعب‬
‫عالة ع لى الصدقات ا لت يدفعها ال سنون من الغن ياء؟ وت سمون هذه عدالة؟ وترضون‬
‫لكرامة الناس هذا الوان؟‬

‫كذلك يقول لك الشيوعيون والذين استعبد الستعمار أرواحهم وأفكارهم فلم‬


‫يعودوا يفقهون ما يقولون‪ .‬وأبرز خطئهم وأخطره هو ظنهم أن الزكاة صدقة يتفضل با‬
‫الغنياء على الفقراء‪ .‬ول يكن أن يتصور السألة على هذا الوضع إنسان له عقل سليم‬
‫يرى المور ف واقع ها‪ ،‬ل كما يريد له السادة الذين يركونه كما ترك لعبة " الراجوز‬
‫"! فأب سط قدر من الن طق كف يل بأن يقنع هم أن الح سان ت طوع ل يفر ضه حاكم ول‬
‫تشريع‪ .‬والزكاة فريضة يقررها الشرع وتقاتل عليها الدولة المتنعي عن أدائها‪ ،‬وتقتلهم‬
‫إذا أ صروا ع لى امت ناعهم‪ ،‬لنم حينئذ يع تبون مر تدين‪ .‬ف هل ي كن أن يدث شيء من‬
‫ذلك ف الحسان التروك لدافع الضمي؟!‬

‫إن الز كاة ‪ -‬من جانب ها الال ‪ -‬هي أول ضريبة نظام ية ف تار يخ القت صاد ف‬
‫العال‪ .‬فقد كانت الضرائب قبل ذلك تفرض حسب هوى الكام وبقدر حاجتهم إل‬
‫الموال لتنفيذ مآربم الشخصية‪ ،‬وكان حلها يقع دائما‪ 5‬على الفقراء أكثر ما يقع على‬
‫الغنياء‪ ،‬أو عليهم وحدهم دون الغنياء‪.‬‬

‫و جاء ال سلم فن ظم جبا ية ا لموال‪ ،‬فج عل لا ن سبة معي نة ل تتجاوز ها ‪ -‬ف‬


‫الحوال العادية ‪ -‬وجعل حلها على الغنياء والتوسطي وأعفى منها الفقراء‪.‬‬

‫هذه هي القيقة الول الت ينبغي أن تقر ف أذهاننا بشأن الزكاة‪ .‬وهي بديهية ل‬
‫تتاج ف الواقع إل جدل ول برهان‪.‬‬

‫والقي قة الثان ية أن ا لذي يوزع ح صيلة الز كاة ع لى الف قراء هو الدو لة ذا تا ل‬
‫الغنياء بأشخاصهم‪ .‬الدولة هي الت تمعها وهي الت توزعها‪ .‬وليس بيت الال إل وزارة‬
‫الال ية ا لت ت مع اليزان ية العا مة ث تع يد توزيع ها ع لى مت لف مرا فق الدو لة‪ .‬فإذا كانت‬
‫الدو لة ت قوم بكفا لة ال تاجي ‪ -‬ب سبب عجز هم الكا مل عن الك سب‪ ،‬أو عدم كفا ية‬
‫مواردهم للح ياة الكر ية ‪ -‬فل يس هذا تف ضل‪ 5‬وإح سانا‪ ،5‬ول يس ف يه ما ي غض من كرا مة‬

‫)‪(79‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫التاجي‪ .‬وهل يس الوظفون الذين تنحهم الدولة معاشا‪ 5‬أو العمال الذين تصرف لم‬
‫تأمي نا‪ 5‬أ نم مت سولون يعي شون ع لى ح ساب الغن ياء؟ والط فال وال شيوخ ال عاجزون عن‬
‫الكسب‪ ..‬هل يدش كرامتهم أن تنفق الدولة عليهم من مالا ما دامت تقوم بذلك أداء‬
‫لواجبها؟ إن مبدأ كفالة الدولة هوأحدث البادئ الت اهتدت إليها البشرية بعد تارب‬
‫كثية‪ ،‬وبعد تبط طويل ف الظلم الجتماعي‪ .‬فمن مفاخر السلم أنه قرره ف وقت‬
‫كانت أوربا تعيش ف الظلمات‪ .‬أم إن النظام يصبح جيل‪ 5‬وبراقا‪ 5‬حي يأتينا من الغرب أو‬
‫الشرق‪ ،‬ولكنه تأخر وانطاط حي ينادي به السلم؟‬

‫والقيقة الثالثة أنه إذا كانت حياة الناس ف صدر السلم قد اقتضت أو تقبلت‬
‫أن يأخذ الفقراء الزكاة نقدا‪ 5‬أوعين‪5‬ا ف أيديهم‪ ،‬فليس ف السلم ما ينص على أن هذه هي‬
‫الطري قة الوح يدة لتوز يع الز كاة‪ .‬ول يس ه ناك ما ي نع من إعطائ ها ل ستحقيها ف صورة‬
‫مدارس مانية يعلمون فيها أبناءهم‪ ،‬ومستشفيات مانية يتداوون فيها‪ ،‬وجعيات تعاونية‬
‫تسهل لم وسائل العيش‪ ،‬ومصانع أو مؤسسات يرتزقون منها رزقا‪ 5‬دائما‪ .‬إل آخر ما‬
‫يوحيه العصر الديث من وسائل الدمة الجتماعية‪ .‬فل تعطى الزكاة نقدا‪ 5‬إل للعاجزين‬
‫بسبب الرض أو الشيخوخة أو الطفولة‪.‬‬

‫ويأخذها غيهم ف صورة عمل وخدمات تقق قوله تعال‪ " :‬وف سبيل ال "‪.‬‬

‫والقيقة الرابعة أنه ليس أصل‪ 5‬من أصول التمع السلمي أن يكون فيه فقراء‬
‫يعيشون من أموال الزكاة‪ .‬وقد وصل التمع السلمي إل صورته الثالية ف عهد عمر بن‬
‫عبد العزيز حيث كانت الزكاة تب فل يد عمالا فقراء يوزعونا عليهم أو أحدا‪ 5‬يقبلها‬
‫منهم‪ ،‬وف ذلك يقول يي‬

‫ابن سعيد‪ " :‬بعثت عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية فاقتضيتها‪ ،‬وطلبت‬
‫فقراء نعطيها لم‪ ،‬فلم ند فقيا‪ 5‬ول ند من يأخذها منا‪ ،‬فقد أغن عمر بن عبد العزيز‬
‫الناس "‪.‬‬

‫وإنا الفقر أو الاجة أمر يعرض لكل متمع‪ ،‬فل بد من تشريع لواجهته؛ وقد‬
‫كان السلم يضم إليه باستمرار متمعات جديدة غي متوازنة الثروة‪ ،‬فكان ل بد من هذا‬
‫التشريع حت يصل بذه التمعات رويدا‪ 5‬رويدا‪ 5‬إل حالتها الثالية الت وصلت إليها ف عهد‬
‫عمر بن عبد العزيز‪.‬‬

‫)‪(80‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ذلك شأن الزكاة‪ .‬أما " الصدقات " القيقية‪ ،‬أي الموال الت يرجها الغنياء‬
‫تبعا‪ 5‬وإحسانا‪ ،5‬فقد أقرها السلم فعل‪ 5‬ودعا إليها وجعل لا صوراا‪ 5‬شت‪ .‬فمن إنفاق على‬
‫الوا لدين وا لقربي‪ ،‬إ ل إن فاق ع لى ال تاجي عا مة‪ ،‬إ ل ت صدق بالع مل الط يب والكل مة‬
‫الطيبة‪.‬‬

‫ول يقول أحد إن النسان حي يكرم أهله يكون مسيئا‪ 5‬لشاعرهم‪ ،‬مقرا‪ 5‬لم‪،‬‬
‫وإنا هو الود والتعاطف وجع الشمل وتأليف القلوب‪ .‬وحي تعطي أخاك هدية أو تول‬
‫لقاربك وليمة تييهم فيها وتقوم على خدمتهم‪ ،‬فلن تستثي بذلك حقدهم وكراهيتهم‪،‬‬
‫أو شعورهم بالذلة والنكسار‪.‬‬

‫أ ما إع طاء ال ساكي ه بة عين ية‪ ،‬ف شأنه شأن الز كاة ف صدر ال سلم‪ ،‬كانت‬
‫ال ياة تتقب له ف ذ لك ال ي كو سيلة كر ية لغا ثة ال تاج وإعا نة ال كروب‪ .‬ولك نه ل يس‬
‫سبيل‪ 5‬واحدة مكتوبة فل تبديل لا ول فرار منها‪ ،‬وإنا السبل إليه شت‪ .‬ويكن أن يأخذ‬
‫شكل هبات للجمعيات أو الؤسسات الت تقوم بدمة اجتماعية‪ ،‬ويكن أن يساعد الدولة‬
‫السلمة ف كل ما تتاج إليه من أموال لتنفيذ مشروعاتا‪.‬‬

‫ث إن شأنه شأن الز كاة ف ناح ية أ خرى‪ .‬ف ما دام ف الت مع ف قراء فل بد من‬
‫إ عانتهم ب كل ال سبل لل ستمتاع بال ياة‪ .‬ول كن ل يس ال فروض ف الت مع ال سلمي أن‬
‫ي كون ف يه ف قراء‪ .‬فح ي ي صل إ ل حالته الثال ية في ستغن ‪ -‬ك ما حدث من ق بل ‪ -‬عن‬
‫الزكاة‪ ،‬فهو يستغن كذلك عن الحسان‪ ،‬وتبقى لذا وتلك مصارف مدودة ل يستغن‬
‫عنها أي متمع ف الرض‪ ،‬وهي كفالة العاجزين عن العمل لي سبب من السباب‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وإنا القيقة الكبى الت يب أن نذكرها هي أن السلم ل يعل حياة أهله قط‬
‫قائ مة ع لى الح سان‪ .‬و قد ذكر نا م بدأ كفالة الدو لة للعاجزين‪ ،‬وارتفاعه عن أن ي كون‬
‫تف ضل‪ 5‬وإح سانا‪ .‬و نذكر كذلك أن الدو لة ف ال سلم مكل فة بإ ياد ع مل ل كل قادر‪.‬‬
‫ذهب رجل إل الرسول صلى ال عليه وسلم يسأله ما يعيش به فأعطاه فأسا‪ 5‬وحبل‪ 5‬وأمره‬

‫)‪(81‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫أن يذهب فيحتطب‪ ،‬فيبيع ما احتطبه ويعيش منه‪ ،‬وأمره أن يعود إليه فيخبه با صنع‪.‬‬
‫وقد يسب الذين ل يرون المور إل بصورتا ف القرن العشرين أن هذا مثال فردي ل‬
‫دللة له‪،‬فضل‪ 5‬عن أن كل مشتمللته أته هي فأس وحبل ورجل واحد‪ ،‬بينما الياة‬
‫ال يوم م صانع هائ لة‪ ،‬وملي ي من الع مال التعطل ي‪ ،‬ودو لة منظ مة ذات فروع متل فة‬
‫الختصاص! وهذا تفكي ساذج‪ .‬فلم يكن مطلوبا‪ 5‬من الرسول أن يتحدث عن الصانع أو‬
‫يشرع لا قبل نشأتا بأكثر من ألف عام‪ ،‬ولو فعل ذلك لا فهم عنه أحد‪ .‬إنا حسبه أن‬
‫يضع السس العامة للتشريع‪ ،‬ويترك لكل جيل أن يستنبط التطبيقات الناسبة له ف حدود‬
‫هذه السس‪ .‬وف الثال الذي ذكرناه أسس صرية‪ :‬هي تقرير الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم أن ول المر من واجبه إياد عمل لن يتاج إليه‪،‬وقد أك ك ̧‪Ô‬د الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم هذه السئولية بقيامه بإياد العمل لذلك الرجل ‪ -‬حسب طبيعة البيئة يومئذ ‪-‬‬
‫وبطل به م نه ال عودة إل يه وإخ باره باله‪ .‬و هذه ال سئولية هي ا لت اه تدت إلي ها أ حدث‬
‫النظريات ف السياسة والجتماع‪ .‬فأما حي تعجز الدولة عن إياد العمل لسبب خارج‬
‫عن إرادتا‪ ،‬فهناك بيت الال تكفل منه التاجي حت تذهب الاجة عنهم‪ ،‬وهم كرماء‬
‫على أنفسهم وعلى الدولة وعلى الناس‪.‬‬

‫)‪(82‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫السلم‪ ...‬والرأة‬
‫ف ال شرق ال يوم " هي جة " ت سمى ح قوق ا لرأة! والطال بة بال ساواة الكام لة مع‬
‫الرجل‪.‬‬

‫وف وسط هذه " اليجة " الت تشبه المى‪ ،‬يهذي بعض المومي والمومات‬
‫با سم ال سلم‪ .‬بع ضهم ‪ -‬لل توريط ‪ -‬ي قول إن ال سلم قد سوى ب ي الن سي ف كل‬
‫شيء‪ ،‬وبع ضهم ‪ -‬جهل‪ 5‬م نه أو غف لة ‪ -‬ي قول إن ال سلم عدو لل مرأة ينت قص كرامت ها‬
‫ويهي كبياءها‪ ،‬ويطم شعورها بذاتيتها‪ ،‬ويدعها ف مرتبة أقرب للحيوانية‪ ،‬متاعا‪ 5‬حسيا‬
‫للرجل وأداة للنسل ليس غي‪ ..‬وهي ف هذا ف موضع التابع من الرجل يسيطر عليها ف‬
‫كل شيء‪ ،‬ويفضلها ف كل شيء‪.‬‬

‫وهؤلء وأولئك ل يعرفون حقيقة السلم‪ ،‬أو يعرفونا ث يلبسون الق بالباطل‬
‫ابتغاء الفتنة ونشرا‪ 5‬للفساد ف التمع‪ ،‬ليسهل الصيد لن يريد الصيد ف القذار‪.‬‬

‫وقبل أن نبي حقيقة وضع الرأة ف السلم‪ ،‬يدر بنا أن نلم إلامة سريعة بتاريخ‬
‫قضية الرأة ف أوربا‪ ،‬فهي منبع الفتنة الت فتنت الشرق عن طريق التقليد‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ل ل يسب له حساب‪ .‬كان " العلماء "‬ ‫كانت الرأة ف أوربا وف العال كله ه ‪5‬‬
‫والفلسفة يتجادلون ف أمرها‪ .‬هل لا روح أم ليس لا ورح؟ وإذا كان لا روح فهل هي‬
‫روح إنسانية أم حيوانية! وعلى فرض أنا ذات روح إنسانية فهل وضعها الجتماعي و"‬
‫النسان " بالنسبة للرجل هو وضع الرقيق‪ ،‬أم هو شيء أرفع قليل‪ 5‬من الرقيق!‬

‫و حت ف ال فترات القلي لة ا لت ا ستمعت في ها ا لرأة بر كز " اجت ماعي " مر موق‬


‫سواء ف اليونان أو ف المباطورية الرومانية‪ ،‬فلم يكن ذلك مزية للمرأة كجنس وإنا‬
‫كان لنساء معدودات‪ ،‬بصفتهن الشخصية‪ ،‬أو لنساء العاصمة بوصفهن زينة للمجالس‪،‬‬
‫وأدوات من أدوات ا لترف ا لت يرص الغن ياء وا لترفون ع لى إبراز ها ز هوا‪ 5‬وعج با‪،5‬‬

‫)‪(83‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ولكنها ل تكن قط موضع الحترام القيقي كمخلوق إنسان جدير بذاته أن يكون له‬
‫كرامة بصرف النظر عن الشهوات الت تببه لنفس الرجل‪.‬‬

‫وظل الوضع كذلك ف عهود الرق والقطاع ف أوربا‪ ،‬والرأة ف جهالتها‪ ،‬تدلل‬
‫حي ن‪5‬ا تدليل ا لترف وال شهوة‪ ،‬وت مل حي نا‪ 5‬كاليوا نات ا لت تأ كل وت شرب وت مل وت لد‬
‫وتعمل ليل نار‪.‬‬

‫حت جاءت ال ثورة ال صناعية ف كانت الكار ثة ا لت ل ت صب ا لرأة ب شر من ها ف‬


‫تاريها الطويل‪.‬‬

‫لقد كانت الطبيعة الوربية ف جيع عهودها كزة جاحدة‪ ،‬ل تسخو ول ترتفع‬
‫إل مستوى التطوع النبيل الذي يكلف جهدا‪ 5‬ول يفيد مال أو نفعا‪ 5‬قريبا‪ 5‬أو غي قريب‪.‬‬
‫ولكن الوضاع القتصادية ف عهدي الرق والقطاع‪ ،‬والتكتل الذي كانا يستلزمانه ف‬
‫البيئة الزراعية‪ ،‬جعل تكليف الرجل إعالة الرأة هو المر الطبيعي الذي تقتضيه الظروف‪،‬‬
‫ف ضل‪ 5‬عن أن ا لرأة كانت " تع مل " ف ال نل ف ال صناعات الب سيطة ا لت تتيح ها ا لبيئة‬
‫الزراعية‪ ،‬فكانت تدفع ثن إعالتها بذا العمل!‬

‫ولكن الثورة الصناعية قلبت الوضاع كلها ف الريف والدينة على السواء‪ .‬فقد‬
‫حطمت كيان السرة وح لت روابطها بتشغيل الن ساء والطفال ف الصانع‪ .‬فضل‪ 5‬عن‬
‫استدراج العمال من بيئتهم الريفية القائمة على التكافل والتعاون‪ ،‬إل الدينة الت ل يعرف‬
‫في ها أ حد‪ ì‬أ حدا‪ ،5‬ول ي عول أ حد أ حدا‪ ،5‬وإ نا ي ستقل كل إن سان بعم له ومتع ته؛ وح يث‬
‫ي سهل ال صول ع لى الت عة الن سية من طريق ها ا لرم‪ ،‬فته بط الرغ بة ف ا لزواج وكفا لة‬
‫)‪.(56‬‬
‫السرة‪ ،‬أو تتأخر سنوات طويلة على القل‬

‫‪ ()56‬من هنا يقول دعاة الفكر الادية وهواة التفسي القتصادي للتاريخ إن الوضاع القتصادية هي الت‬
‫تنشئ الوضاع الجتماعية وتدد العلقات بي البشر‪ .‬وما ينكر أحد قوة العامل القتصادي ف حياة‬
‫البشرية‪ ،‬ولكن الذي ننكره بشدة أنه العامل الوح يد السيطر‪ ،‬وأن له جب ية على الفكار والشاعر‬
‫والسلوك‪ .‬وإنا كان له كل هذا الثر ف الياة الوربية للوها من عقيدة عليا ترفع الشاعر وتنظف‬
‫النفس وتقيم العلقات القتصادية على أساس إنسان‪ ،‬ولو وجدت هذه العقيدة ‪ -‬كما وجدت ف‬
‫العال السلمي – لستطاعت ‪ -‬على القل ‪ -‬أن تلطف من قسوة الضرورة القتصادية‪ ،‬وتنفذ الناس‬
‫من إسارها‪.‬‬

‫)‪(84‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ول يس ه نا ه نا ا ستعراض تار يخ أور با‪ .‬ولك نا ن ستعرض العوا مل ا لت أ ثرت ف‬


‫حياة الرأة فحسب‪.‬‬

‫قلنا إن الثورة الصناعية شغ•لت النساء والطفال‪ .‬فحطمت روابط السرة وحلت‬
‫كيانا‪ .‬ولكن الرأة هي الت دفعت أفدح الثمن من جهدها وكرامتها‪ ،‬وحاجاتا النفسية‬
‫والادية‪ .‬فقد نكل الرجل عن إعالتها من ناحية‪ ،‬وفرض عليها أن تعمل لتعول نفسها حت‬
‫لو كانت زو جة وأ ما! وا ستغلتها ال صانع أ سوأ ا ستغلل من ناح ية أ خرى‪ ،‬ف شغلتها‬
‫ساعات طويلة من العمل‪ ،‬وأعطتها أجر‪5‬ا أقل من الرجل الذي يقوم معها بنفس العمل ف‬
‫نفس الصنع‪.‬‬

‫ول نسأل لاذا حدث ذ لك‪ ،‬فهكذا هي أور با‪ ،‬جاحدة كزة ك نود‪ ،‬ل تعترف‬
‫بالكرامة للنسان من حيث هو إنسان‪ ،‬ول تتطوع بالي حيث تستطيع أن تعمل الشر‬
‫وهي آمنة‪.‬‬

‫تلك طبيعتها على مدار التاريخ‪ ،‬ف الاضي والاضر والستقبل إل أن يشاء ال لا‬
‫الداية والرتفاع‪.‬‬

‫وإذ كان النساء والطفال ضعافا‪ ،5‬فما الذي ينع من استغللما والقسوة عليهما‬
‫إل أقصى حد؟ إن الذي ينع شيء واحد فقط‪ ،‬هو الضمي‪ .‬ومت كان لوربا ضمي!؟‬

‫و مع ذ لك ف قد و جدت ق لوب إن سانية ح ية ل تط يق الظ لم‪ .‬فه بت تدافع عن‬


‫الست ضعفي من الط فال‪ .‬ن عم الط فال‪ .‬ف قط! فراح ال صلحون الجت ماعيون ي نددون‬
‫بتشغيلهم ف سن مبكرة‪ ،‬وتميلهم من العمال مال تطيقه بنيتهم الغضة الت ل تستكمل‬
‫ن صيبها من الن مو‪ ،‬و ضآلة أ جورهم بالن سبة للج هد العن يف ا لذي ي بذلونه‪ .‬ون حت‬
‫الملت‪ ،‬فرفعت رويدا‪ 5‬رويد‪5‬ا سن التشغيل‪ ،‬ورفعت الجور وخفضت ساعات العمل‪.‬‬

‫أما الرأة فلم يكن لا نصي‪ .‬فنصرة الرأة تتاج إل قدر من ارتفاع الشاعر ل‬
‫تطيقه أوربا! لذلك ظلت ف منتها تنهك نفسها ف العمل ‪ -‬مضطرة لعالة نفسها ‪-‬‬
‫وتتناول أجر‪5‬ا أقل من أجر الرجل‪ ،‬مع اتاد النتاج والهد البذول‪.‬‬

‫و جاءت ا لرب العظ مى ا لول‪ .‬وق تل ع شرة ملي ي من ال شباب ا لوربيي‬


‫والمريكان‪ .‬وواجهت الرأة قسوة النة بكل بشاعتها‪ .‬فقد وجدت مليي من النساء بل‬

‫)‪(85‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫عائل‪ .‬إما لن عائلهن قد قتل ف الرب‪ ،‬أو شوه‪ ،‬أو فسدت أعصابه من الوف والذعر‬
‫وال غازات ال سامة الان قة‪ ،‬وإ ما لنه خارج من ح بس ال سنوات ا لربع ير يد أن ي ستمتع‬
‫ويرفه عن أعصابه‪ ،‬ول يريد أن يتزوج ويعول أسرة تكلفه جهدا‪ 5‬من الال والعصاب‪.‬‬

‫و من ج هة أ خرى ل ت كن ه ناك أ يد عام لة من الر جال تك في ل عادة ت شغيل‬


‫الصانع لتعمي ما خربته الرب‪ .‬فكان حتما‪ 5‬على الرأة أن تعمل وإلل ‪ í‬تعرضت للجوع‬
‫هي ومن تعول من العجائز والطفال‪ .‬وكان حتم‪5‬ا عليها كذلك أن تتنازل عن أخلقها‪.‬‬
‫فقد كانت أخلقها قيدا‪ 5‬حقيقيا‪ 5‬ينع عنها الطعام! إن صاحب الصنع وموظفيه ل يريدون‬
‫مرد اليدي العاملة‪ ،‬فهم يدون فرصة سانة‪ ،‬والطي يسقط من نفسه ‪ -‬جائعا ‪ -‬ليلتقط‬
‫الب‪ .‬فما الذي ينع من الصيد؟ ألعله الضمي!؟ وما دامت قد وجدت ‪ -‬بدافع الضرورة‬
‫‪ -‬امرأة تبذل نفسها لتعمل‪ ،‬فلن يتاح العمل إل للت تبذل نفسها للراغبي‪.‬‬

‫ول تكن السألة مسألة الوع إل الطعام فحسب‪.‬‬

‫فالنس حاجة بشرية طبيعية ل بد لا من إشباع‪ .‬ول يكن ف وسع الفتيات أن‬
‫يشبعن حاجتهن الطبيعية ولو تزوج كل من بقي حي‪5‬ا من الرجال‪ ،‬بسبب النقص الائل‬
‫الذي حدث ف عدد الرجال نتيجة الرب‪ .‬ول تكن عقائد أوربا وديانتها تسمح بالل‬
‫ا لذي وضعه ال سلم ل ثل هذه الا لة ال طارئة‪ ،‬و هو تعدد الزو جات‪ .‬لذلك ل ي كن بد‬
‫لل مرأة أن ت سقط راضية أو كار هة لتحصل ع لى حا جة الطعام وحاجة ال نس‪ ،‬وترضي‬
‫شهوتا إل اللبس الفاخرة‪ ،‬وأدوات الزينة‪ ،‬وسائر ما تشتهيه الرأة من أشياء‪.‬‬

‫و سارت ا لرأة ف طريق ها ال توم‪ ،‬ت بذل نف سها للرا غبي‪ ،‬وتع مل ف ال صنع‬
‫والتجر‪ ،‬وتشبع رغائبها عن هذا الطريق أو ذاك‪ ،‬ولكن قضيتها زادت حدة‪ .‬فقد استغلت‬
‫ال صانع حا جة ا لرأة إ ل الع مل‪ ،‬وا ستمرت ف معاملت ها الظا لة ا لت ل يبر ها ع قل ول‬
‫ضمي‪ ،‬فظلت تنحها أجرا‪ 5‬أقل من أجر الرجل الذي يؤدي نفس العمل ف نفس الكان‪.‬‬

‫ول يكن بد من ثورة‪ .‬ثورة جامة تطم ظلم أجيال طويلة وقرون‪.‬‬

‫وماذا بقي للمرأة؟ لقد بذلت نفسها وكبياءها وأنوثتها‪ ،‬وحرمت من حاجتها‬
‫الطبيعية إل أسرة‪ î‬وأولد‪ î‬تسس • بكيانا فيهم‪ ،‬وتضم حيواتم إل حياتا‪ ،‬فتشعر بالسعادة‬
‫والمتلء‪ .‬أفل ت نال مقا بل ذ لك ‪ -‬ع لى ال قل ‪ -‬ال ساواة ف ا لجر مع الر جل‪ :‬حق ها‬
‫الطبيعي الذي تقرره أبسط البديهيات؟‬

‫)‪(86‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ول يتنازل الرجل الورب عن سلطانه بسهولة‪ .‬أو قل ل يتنازل عن أنانيته الت‬
‫فطر عليها‪ .‬وكان ل بد من احتدام العركة‪ ،‬واستخدام جيع السلحة الصالة للعراك‪.‬‬

‫ا ستخدمت ا لرأة ال ضراب والت ظاهر‪ .‬وا ستخدمت الطا بة ف التم عات‪.‬‬
‫واستخدمت الصحافة‪ .‬ث بدا لا أنا ل بد أن تشارك ف التشريع لتمنع الظلم من منبعه‪،‬‬
‫ف طالبت أول‪ 5‬بق النت خاب‪ ،‬ث بالق ا لذي ي لي ذ لك ب كم ط بائع ال شياء‪ ،‬و هو حق‬
‫التمثيل ف البلان‪ .‬وتعلمت على نفس الطريقة الت يتعلم با الرجل‪ ،‬لنا صارت تؤدي‬
‫نفس العمل‪ ،‬وطالبت كنتيجة منطقية لذلك أن تدخل وظائف الدولة كالرجل‪ ،‬ما داما‬
‫قد أعدا بطريقة واحدة‪ ،‬ونال دراسة واحدة‪.‬‬

‫تلك قصة " كفاح الرأة لنيل حقوقها " ف أوربا‪ .‬قصة مسلسلة‪ ،‬كل خطوة فيها‬
‫ل بد أن تؤدي إ ل ال طوة التال ية‪ ،‬ر ضي الر جل أو كره‪ ،‬بل ر ضيت ا لرأة أو كر هت‪،‬‬
‫)‪.(57‬‬
‫فهي ذاتا ل تعد تلك أمرها ف هذا التمع الابط النحل الذي أفلت منه الزمام‬

‫ومع ذلك كله فقد تعجب حي تعلم أن انلترا ‪ -‬أم الديقراطية ‪ -‬ما تزال إل‬
‫هذه اللحظة تنح الرأة أجرا‪ 5‬أقل من أجر الرجل ف وظائف الدولة‪ ،‬رغم أن ف ملس‬
‫العموم نائبات مترمات!!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ونعود إل وضع الرأة ف السلم‪ ،‬لنعرف إن كانت ظروفنا التاريية والغرافية‬
‫والقت صادية والعقيد ية والت شريعية‪ ،‬ت عل لل مرأة " ق ضية " تكا فح من أجل ها‪ ،‬ك ما كان‬
‫للمرأة الغربية قضية‪ ،‬أم إنا شهوة التقليد الالصة‪ ،‬والعبودية الفية للغرب ‪ -‬الت تعلنا ل‬

‫‪ ()57‬هنا أيضا‪ 5‬يقول دعاة الذاهب القتصادية‪ :‬إن العامل القتصادي هو كل شيء ف الياة‪ ،‬وهو الذي‬
‫جعل من قضية الرأة ما صارت إليه‪ .‬ومرة أخرى ل نريد أن نقلل من قيمة العامل القتصادي ف حياة‬
‫البشر‪ ،‬ولكننا نقول إنه ل يكن حتما‪ 5‬أن تسي المور على هذا الوضع ‪ ،‬لو كانت هناك عقيدة ونظام‬
‫– كالسلم ‪ -‬يفرض كفالة الرجل للمرأة ف ج يع الحوال‪ ،‬ويعطي الرأة ‪ -‬حي تعمل ‪ -‬حقها‬
‫ال طبيعي ف ال ساواة بالر جل ف ا لجر‪ ،‬ويب يح ‪ -‬ف حا لة ال طوارئ ‪ -‬ت عدد الزو جات‪ ،‬في حل أز مة‬
‫ل نظي فا‪ 5‬ف أع قاب ا لروب‪ ،‬فل ت ضطر ا لرأة للت بذل ال صريح‪ ،‬أو ن يل حاجت ها خل سة ف‬
‫ال نس ح ‪5‬‬
‫الظلم‪.‬‬

‫)‪(87‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫نبصر الشياء بعيوننا‪ ،‬ول نراها ف حقيقتها ‪ -‬هي الت تل الو بذا الضجيج الزائف ف‬
‫مؤترات النساء؟!‬

‫من ال بديهيات ال سلمية ا لت ل ت تاج إ ل ذ كر ول إ عادة‪ ،‬أن ا لرأة ف عرف‬


‫السلم كائن إنسان‪ ،‬له روح إنسانية من نفس " النوع " الذي منه روح الرجل‪ " :‬يا‬
‫أيها ال ناس اتقوا ربكم الذي خلق كم من نفس واحدة وخلق منها زوجها و بث منهما‬
‫رجال‪ 5‬كثيا‪ 5‬ونساء )‪ " (58‬فهي إذن الوحدة الكاملة ف الصل والنشأ والصي‪ ،‬والساواة‬
‫الكاملة ف الكيان البشري‪ ،‬تترتب عليها كل القوق التصلة مباشرة بذا الكيان‪ ،‬فحرمة‬
‫ا لدم أو ال عرض وا لال‪ ،‬والكرا مة ا لت ل يوز أن تل مز مواج هة أو تغ تاب‪ ،‬ول يوز أن‬
‫يتجسس عليها أو تقتحم الدور‪ ..‬كلها حقوق مشتركة ل تييز فيها بي جنس وجنس‪.‬‬
‫وا لوامر والت شريعات في ها عا مة للجم يع‪ " :‬يا أي ها ا لذين آم نوا ل ي سخر قوم من قوم‬
‫ع سى أن يكو نوا خ يا‪ 5‬من هم ول ن ساء من ن ساء ع سى أن ي كن خ يا‪ 5‬من هن‪ ،‬ول تل مزوا‬
‫أنفسكم ول تنابزوا باللقاب )‪ " .." (59‬ول تسسوا‪ ،‬ول يغتب بعضكم بعضا )‪" .." (60‬‬
‫يا أيها الذين آمنوا ل تدخلوا بيوتا‪ 5‬غي بيوتكم حت تستأنسوا وتسلموا على أهلها )‪.." (61‬‬
‫" كل السلم على السلم حرام؛ دمه وعرضه وماله )‪." (62‬‬

‫والزاء ف الخرة واحد للجنسي‪ " :‬فاستجاب لم ربم أن ل أضيع عمل عامل‬
‫منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض )‪." (63‬‬

‫وتقيق الكيان البشري ف الرض متاح للجنسي‪ :‬الهلية للملك والتصرف فيه‬
‫بم يع أ نواع الت صرف من ر هن وإ جارة وو قف وب يع و شراء وا ستغلل‪ ..‬إ ل " للر جال‬

‫‪ ()58‬سورة النساء ]‪.[1‬‬


‫‪ ()59‬سورة الجرات ]‪.[11‬‬
‫‪ ()60‬سورة الجرات ]‪.[12‬‬
‫‪ ()61‬سورة النور ]‪.[27‬‬
‫‪ ()62‬رواه الشيخان‪.‬‬
‫‪ ()63‬سورة آل عمران ]‪.[195‬‬

‫)‪(88‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ن صيب ما ترك الوا لدان وا لقربون وللن ساء ن صيب ما ترك الوا لدان وا لقربون )‪" " (64‬‬
‫للرجال نصيب ما اكتسبوا وللنساء نصيب ما اكتسب )‪." (65‬‬

‫ول بد ه نا من وق فة ع ند أمر ين ب شأن حق اللك ية والت صرف والنت فاع‪ .‬ف قد‬
‫كانت شرائع أوربا " التحضرة " ترم الرأة من كل هذه القوق إل عهد قريب‪ ،‬وتعل‬
‫سبيلها الوحيد إليها عن طريق الرجل زوجا‪ 5‬كان أو أبا‪ 5‬أو ول أمر‪ .‬أي أن الرأة الوربية‬
‫ظلت أكثر من اثن عشر قرن‪5‬ا بعد السلم ل تلك من القوق ما أعطاها السلم‪ .‬ث هي‬
‫حي ملكتها ل تأخذها سهلة ول احتفظت بأخلقها وعرضها وكرامتها‪ ،‬وإنا احتاجت‬
‫لن ت بذل كل ذ لك‪ ،‬وتتح مل ال عرق وا لدماء وا لدموع‪ ،‬لتح صل ع لى شيء ما من حه‬
‫السلم ‪ -‬كعادته ‪ -‬تطوعا‪ 5‬وإنشاء‪ ،‬ل خضوعا‪ 5‬لضرورة اقتصادية‪ ،‬ول إذعانا‪ 5‬للصراع‬
‫الدائر بي البشر‪ ،‬ولكن تقريرا‪ 5‬منه للحق والعدل الزليي‪ .‬وتطبيقا‪ 5‬لما ف واقع المر ل‬
‫ف عال الثل والحلم‪.‬‬

‫وا لمر ال ثان أن ال شيوعية خا صة‪ ،‬وال غرب عا مة‪ ،‬يع تبون الك يان الب شري هو‬
‫الكيان القتصادي‪ .‬ويقولون صراحة إن الرأة ل يكن لا كيان‪ ،‬لنا ل تكن تلك‪ ،‬أو ل‬
‫يكن لا حق التصرف فيما تلك‪ ،‬وإنا صارت ملوقا‪ 5‬آدميا‪ 5‬فقط حي استقلت اقتصاديا‪،5‬‬
‫أي حي صار لا ملك خاص مستقل عن الرجل‪ ،‬تستطيع أن تعيش منه وتتصرف فيه‪.‬‬

‫وبغض النظر عن إنكارنا لتحديد الكيان البشري بذه الدود الضيقة‪ ،‬والبوط به‬
‫حت يصبح عرضا‪ 5‬اقتصاديا‪ 5‬ل غي‪ ،‬فإننا نوافقهم ‪ -‬من حيث البدأ‪ -‬على أن الستقلل‬
‫القتصادي له أثره ف تكوين الشاعر وتنمية الشعور بالذات‪.‬‬

‫وهنا يق للسلم أن يفخر با أعطى الرأة من كيان اقتصادي مستقل‪ ،‬فصارت‬


‫تلك وتتصرف وتنتفع‪ ،‬بشخصها مباشرة بل وكالة‪ ،‬وتعامل التمع بل وسيط‪.‬‬

‫و ل يك تف ال سلم بتحق يق ك يان ا لرأة ف م سألة اللك ية‪ ،‬بل حق قه ف أخ طر‬


‫السائل التعلقة بياتا وهي مسألة الزواج‪ .‬فل يوز أن تتزوج بغي إذنا‪ ،‬ول يتم العقد‬

‫‪ ()64‬سورة النساء ]‪.[7‬‬


‫‪ ()65‬سورة النساء ]‪.[32‬‬

‫)‪(89‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫حت تع طي ا لذن‪ " :‬ل تزوج ا لثيب حت ت ستأمر ول تزوج الب كر حت ت ستأذن وإذ نا‬
‫صماتا )‪ " (66‬ويصبح العقد باطل‪ 5‬إذا أعلنت أنا ل توافق عليه‪.‬‬

‫وقد كانت الرأة ‪ -‬ف غي السلم ‪ -‬تتاج إل سلوك طرق ملتوية لتهرب من‬
‫زواج ل تريده‪ ،‬لنا ل تلك شرعا‪ 5‬ول عرفا‪ 5‬أن ترفض‪ .‬ولكن السلم أعطاها هذا الق‬
‫الصريح‪ ،‬تستخدمه مت أرادت )‪ ،(67‬بل أعطاها أن تطب لنفسها‪ ،‬وهو آخر ما وصلت‬
‫إليه أوربا ف القرن العشرين‪ ،‬وحسبته انتصارا‪ 5‬هائل‪ 5‬على التقاليد البالية العتيقة!‬

‫ويب لغ من ت قدير ال سلم لقو مات الك يان الب شري ‪ -‬ف ع صور كان يغ شيها‬
‫الهل والظلم ‪ -‬أن اعتب العلم والتعلم ضرورة بشرية‪ ،‬ضرورة لزمة لكل فرد ل لطائفة‬
‫مدودة من الناس‪ ،‬فقرر للمليي حق التعلم‪ ،‬بل جعله فريضة وركنا‪ 5‬من اليان بال على‬
‫طريقة السلم‪ .‬وهنا كذلك يق له أن يفخر بأنه أول نظام ف التاريخ نظر إل الرأة على‬
‫أ نا كائن ب شري‪ ،‬ل ي ستكمل مقو مات ب شريته حت يتع لم‪ ،‬شأنا شأن الر جل سواء‬
‫بسواء‪ ،‬فجعل العلم فريضة عليها كما هو فريضة على الرجل‪ ،‬ودعاها أن ترتفع بعقلها‪،‬‬
‫كما ترتفع بسدها وروحها عن مستوى اليوان‪ ،‬بينما ظلت أوروبا تنكر هذا الق إل‬
‫عهد قريب‪ .‬ول تستجب إليه إل خضوعا‪ 5‬للضرورات‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إل هذا الد وصل تكري السلم للمرأة‪ .‬ول يستطيع أحد مهما أوت القدرة‬
‫على التبجح‪ ،‬أن يقول إن فكرة السلم ف كل هذه المور قائمة على أن الرأة ملوق‬
‫ثانوي‪ ،‬أو تابع ف وجوده لخلوق آخر‪ ،‬أو إن دورها ف الياة دور ضئيل ل يؤبه له‪ .‬فلو‬
‫كان ا لمر كذلك ما ع ن بتعليم ها‪ .‬والتعل يم با لذات م سألة لا دل لة خا صة‪ ،‬وتك في‬
‫وحدها ‪ -‬دون حاجة إل السائل الخرى ‪ -‬لتقرير الوضع القيقي للمرأة ف السلم‪،‬‬
‫وهو وضع كري عند ال وعند الناس‪.‬‬
‫‪ ()66‬رواه الشيخان‪.‬‬
‫‪ ()67‬قد ي بدو لول وه لة أن هذا ا لق خ يال ف ال ظروف القت صادية والجتماع ية الال ية ‪ ،‬و ف جو‬
‫التقاليد الذي نعيش فيه‪ ،‬ولكن السلم ليس مسئول‪ 5‬عن كل ما يالف نظامه أو يعطل أحكامه‪ ،‬وقد‬
‫ا ستخدمت ا لرأة هذا ا لق ف صدر ال سلم‪ ،‬ب عد أن قرره الر سول صلى ا ل عل يه و سلم‪ ،‬فن حن‬
‫مطالبون اليوم بتنفيذه‪ ،‬وإزالة ما يعترض هذا التنفيذ‪ ،‬سواء كان وضعا‪ 5‬اقتصاديا‪ 5‬أو اجتماعيا‪ 5‬أو تقليدا‬
‫غي إسلمي‪ .‬انظر كتاب " معركة التقاليد "‪.‬‬

‫)‪(90‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ولكن السلم بعد هذا ‪ -‬بعد تقرير الساواة الكاملة ف النسانية‪ ،‬والساواة ف‬
‫جيع القوق الت تتصل مباشرة بالكيان البشري الشترك بي الميع ‪ -‬يفرق بي الرجل‬
‫وا لرأة ف ب عض ال قوق وب عض الواج بات‪ .‬وه نا ال ضجة ال كبى ا لت تثي ها ن ساء‬
‫الؤترات‪ ،‬ويثيها معهن كتاب و " مصلحون " وشباب‪ ،‬يعلم ال كم يريدون بدعوتم‬
‫وجه الصلح‪ ،‬وكم يريدون با أن يدوا الرأة سهلة التناول ف التمع وف الطريق!‬

‫وقبل الدخول ف تفصيل هذه الواضع الت يفرق فيها السلم بي الرجل والرأة‪،‬‬
‫ينبغي أول‪ 5‬أن نرد السألة إل جوهرها القيقي‪ ،‬إل أصولا الوظيفية‪ ،‬السمية والنفسية‪،‬‬
‫ث نستعرض بعد ذلك رأي السلم‪.‬‬

‫هل ها جنس واحد أو جنسان؟ وهل هي وظيفة واحدة أم وظيفتان؟ تلك عقدة‬
‫الوضوع‪ .‬فإن أرادت نساء الؤترات وكتابن ومصلحوهن وشبابن أن يقولوا‪ :‬ليس بي‬
‫الرأة والرجل خلف ف التكوين السدي والكيان الوجدان ووظائف الياة البيولوجية‪،‬‬
‫ف ما ع سى أن يرد به علي هم!؟ وإن أ قروا بو جود هذا اللف فه ناك إذن أ ساس صال‬
‫لناقشة الوضوع‪.‬‬

‫وقد ناقشت مسألة الساواة بي النسي ف كتاب " النسان بي الادية والسلم‬
‫" ف فصل طويل عن " الشكلة النسية " ل أرى بأسا‪ 5‬ف أن أنقل منه هنا بضع فقرات‪:‬‬

‫"‪ ..‬وتب عا‪ 5‬لذا الختلف الا سم ف اله مة وال هداف اختل فت طبي عة الر جل‬
‫وا لرأة‪ ،‬ل يواجه كل منه ما م طالبه السا سية و قد زود ته ال ياة ب كل التي سيات المك نة‪،‬‬
‫ومنحته التكييف اللئم لوظيفته‪.‬‬

‫" لذلك ل أرى ك يف تست ساغ هذه ا لثرثرة الفار غة عن ال ساواة الل ية ب ي‬
‫الن سي! إن ال ساواة ف الن سانية أ مر طبيعي ومط لب مع قول‪ .‬فالرأة والر جل ها شقا‬
‫الن سانية‪ ،‬و شقا الن فس الوا حدة‪ .‬أ ما ال ساواة ف و ظائف ال ياة وطرائق ها فك يف ي كن‬
‫تنفيذها؛ ولو أرادتا كل نساء الرض وعقدت من أجلها الؤترات وأصدرت القرارات؟‬

‫" هل ف وسع هذه الؤترات وقراراتا الطية أن تبدل طبائع الشياء‪ ،‬فتجعل‬
‫الرجل يشارك الرأة ف المل والولدة والرضاع؟‬

‫)‪(91‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫" وهل يكن أن تكون هناك وظيفة بيولوجية من غي تكييف نفسي وجسدي‬
‫خاص؟ هل اختصاص أحد النسي بالمل والرضاعة ل يستتبعه أن تكون مشاعر هذا‬
‫النس وعواطفه وأفكاره مهيأة بطريقة خاصة لستقبال هذا الادث الضخم‪ ،‬والتمشي‬
‫مع مطالبه الدائمة؟‬

‫" إن المومة‪ ،‬بكل ما تويه من مشاعر نبيلة‪ ،‬وأعمال رفيعة‪ ،‬وصب على الهد‬
‫التواصل‪ ،‬ودقة متناهية ف اللحظة وف الداء‪ ..‬هي التكييف النفسي والعصب والفكري‬
‫الذي يقابل التكييف السدي للحمل والرضاع‪ .‬كلها متمم للخر متناسق معه‪ ،‬بيث‬
‫يكون عجيبا‪ 5‬أن يوجد أحدها ف غيبة من الخر‪.‬‬

‫" وهذه الرقة اللطيفة ف العاطفة‪ ،‬والنفعال السريع ف الوجدان‪ ،‬والثورة القوية‬
‫ف ال شاعر‪ ،‬ا لت ت عل ا لانب ال عاطفي‪ ،‬ل الف كري‪ ،‬هو الن بع ال ستعد أ بد‪5‬ا بالفيض‪،‬‬
‫ال ستجاش أ بد‪5‬ا بأول ل سة‪ ،‬كل ذ لك من م ستلزمات المو مة‪ ،‬لن م طالب الطفو لة ل‬
‫تتاج إل التفكي‪ ،‬الذي قد يسرع أو يبطئ‪ ،‬وقد يستجيب أول يستجيب‪ ،‬وإنا تتاج‬
‫إل عاطفة مشبوبة ل تفكر‪ ،‬بل تلب الداعي بل تراخ ول إبطاء‪.‬‬

‫" ف هذا ك له هو الو ضع ال صحيح لل مرأة ح ي ت لب وظيفت ها ال صيلة و هدفها‬


‫الرسوم‪.‬‬

‫" والرجل من جانب آخر مكلف بوظيفة أخرى‪ ،‬ومهيأ لا على طريقة أخرى‪.‬‬

‫" مك لف بصراع ال ياة ف ا لارج‪ .‬سواء كان الصراع هو مابة الو حوش ف‬
‫الغابة‪ ،‬أو قوى الطبيعة ف السماء والرض‪ ،‬أو نظام الكومة وقواني القتصاد … كل‬
‫ذلك لستخلص القوت‪ ،‬ولماية ذاته وزوجه وأولده من العدوان‪.‬‬

‫" هذه الوظيفة ل تتاج أن تكون العاطفة هي النبع الستجاش‪ ،‬بل ذلك يضرها‬
‫ول ينفع ها‪ .‬فالعاط فة تنق لب ف ل ظات من النق يض إ ل النق يض‪ .‬ول ت صب ع لى ا تاه‬
‫واحد إل فترة‪ ،‬تتجه بعدها إل هدف جديد‪ .‬وهذا يصلح لطالب المومة التغية التقلبة‪،‬‬
‫ولكنه ل يصلح لعمل خطة مرسومة تتاج ف تنفيذها إل الثبات على وضع واحد لفترة‬
‫طوي لة من ا لوقت‪ .‬وإ نا ي صلح لذلك الف كر‪ .‬ف هو ب طبيعته أ قدر ع لى ال تدبي وح ساب‬
‫ال قدمات والن تائج ق بل التنف يذ‪ .‬و هو أب طأ عمل‪ 5‬من العاط فة اليا شة التف جرة‪ .‬ول يس‬
‫الط لوب م نه هو ال سرعة‪ ،‬ب قدر ما هو ت قدير الحت مالت وال عواقب‪ ،‬وتيئة أح سن‬

‫)‪(92‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫الساليب للوصول إل الدف النشود‪ .‬وسواء كان القصود هو صيد فريسة‪ ،‬أو اختراع‬
‫آلة‪ ،‬أو وضع خطة اقتصادية‪ ،‬أو سياسة حكم‪ ،‬أو إشعال حرب‪ ،‬أو تدبي سلم‪ ،‬فكلها‬
‫أمور تتاج إل إعمال الفكر‪ ،‬ويفسدها تقلب العاطفة‪.‬‬

‫" ولذلك فالرجل ف وضعه الصحيح حي يؤدي هدفه الصحيح‪.‬‬

‫" و هذا يف سر كثيا‪ 5‬من أو جه اللف ب ي الر جل وا لرأة‪ .‬ف هو يف سر مثل‪ 5‬لاذا‬
‫ي ستقر الر جل ف عم له‪ ،‬وين حه ا لانب ا لكب من نف سه وتفك يه بين ما هو ف ال يدان‬
‫ال عاطفي متن قل كالط فال‪ .‬ف ح ي أن ا لرأة ت ستقر ف علقا تا العاطف ية تاه الر جل‪،‬‬
‫وحينما تتجه إليه فكأنا كيانا كله يتحرك ويدبر الطط ويرتب اللبسات‪ ،‬وهي ف هذا‬
‫الشأن أبعد ما تكون نظرا‪ 5‬وأشد ما تكون دقة‪ .‬ترسم أهدافها لسافات بعيدة‪ ،‬وتعمل‬
‫دائبة على تقيق أغراضها‪ .‬بينما هي ل تستقر ف العمل إل أن يكون فيه ما يلب جزء‪5‬ا من‬
‫طبيعتها النثوية كالتمريض أو التدريس أو الضانة‪ .‬أما حي تعمل ف التجر فهي تلب‬
‫كذلك جزءا‪ 5‬من عاطفتها بثا‪ 5‬عن الرجل هناك‪ .‬ولكن هذه العمال كلها بديل ل يغن‬
‫عن ال صل‪ ،‬و هو ال صول ع لى ر جل وب يت وأ سرة وأولد‪ .‬و ما إن ت عرض الفر صة‬
‫للوظيفة الول حت تترك الرأة عملها لتهب نفسها لبيتها‪ .‬إل أن يول دون ذلك عائق‬
‫قهري كحاجتها إل الال‪.‬‬

‫" ولكن هذا ليس معناه الفصل الاسم القاطع بي النسي‪ ،‬ول معناه أن كل‬
‫منهما ل يصلح أية صلحية لعمل الخر‪.‬‬

‫"‪ ..‬النسان إذن خليط‪ ،‬وعلى نسب متفاوتة‪ ،‬فإذا وجدت امرأة تصلح للحكم‬
‫أو الق ضاء أو حل الث قال أو ا لرب والق تال‪ ..‬وإذا و جد ر جل ي صلح للط هي وإدارة‬
‫ا لبيوت أو ال شراف ا لدقيق ع لى الط فال أو ال نان ا لنثوي‪ ،‬أو كان سريع التق لب‬
‫ب عواطفه ينت قل ف ل ظة من النق يض للنق يض‪ ،‬ف كل ذ لك أ مر طبيعي‪ ،‬ونتي جة صحيحة‬
‫لختلط النسي ف كيان كل جنس‪ .‬ولكنه خلو من الدللة الزيفة الت يريد أن يلصقها‬
‫به شذاذ الفاق ف الغرب النحل والشرق التفكك سواء‪.‬‬

‫فالسألة ف وضعها الصحيح ينبغي أن توضع على هذه الصورة‪ :‬هل كل هذه‬
‫الع مال ا لت ت صلح لا ا لرأة زائدة ع لى وظيفت ها الطبيع ية‪ ،‬تغني ها عن هذه الوظي فة‬
‫الصيلة؟ تغنيها عن ط لب البيت وا لولد وال سرة؟ وتغنيها عن ط لب الر جل قبل هذا‬

‫)‪(93‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وب عد ذ لك لي كون ف ا لبيت ر جل! ب صرف الن ظر عن شهوة ال نس وجو عة ال سد؟ "‬
‫…‪.‬‬

‫والن وقد استعرضنا حقيقة اللف بي طبيعة الرجل والرأة‪ ،‬نعود إل مواضع‬
‫التفرقة بينهما ف السلم‪.‬‬

‫إن مز ية ال سلم ال كبى أ نه ن ظام واق عي‪ ،‬يرا عي الف طرة الب شرية دائ ما‪ 5‬ول‬
‫ي صادمها أو ي يد با عن طبيعت ها‪ .‬و هو يدعو ال ناس لت هذيب ط بائعهم والرت فاع با‪،‬‬
‫ويصل ف ذلك إل ناذج تقرب من اليالت والحلم‪ ،‬ولكنه ف تذيبه ل يدعو لتغيي‬
‫الطبائع‪ ،‬ول يضع ف حسابه أن هذا التغيي مكن‪ ،‬أو مفيد لياة البشرية حت إذا أمكن!‬
‫وإنا يؤمن بأن أفضل ما تستطيع البشرية أن تصل إليه من الي‪ ،‬هو ما ييئ متمشيا‪ 5‬مع‬
‫الفطرة بعد تذيبها‪ ،‬والرتفاع با من مستوى الضرورة إل مستوى التطوع النبيل‪.‬‬

‫و هو ي سي ف م سألة الر جل وا لرأة ع لى طريق ته الواقع ية الدر كة لف طرة الب شر‪،‬‬


‫في سوي بينه ما ح يث ت كون الت سوية هي منطق الف طرة الصحيح‪ ،‬ويفرق بينهما كذلك‬
‫حيث تكون التفرقة هي منطق الفطرة الصحيح‪ .‬فلننظر أهم مواضع التفرقة‪ :‬تقسيم الرث‬
‫ومسألة القوامة‪.‬‬

‫يقول السلم ف الرث‪ " :‬للذكر مثل حظ النثيي "‪ .‬ذلك حق‪ .‬لكنه يعل‬
‫الرجل هو الكلف بالنفاق‪ .‬ول يتطلب من الرأة أن تنفق شيئا‪ 5‬من مالا على غي نفسها‬
‫وزينت ها )إل ح يث ت كون ال عائل الوح يد ل سرتا و هي حالت نادرة ف ظل الن ظام‬
‫السلمي‪ ،‬لن أي عاصب من الرجال مكلف بالنفاق ولو بعدت درجته( فأين الظلم‬
‫الذي يزعمه دعاة الساواة الطلقة؟ إن السألة مسألة حساب‪ ،‬ل عواطف ول ادعاء‪ .‬تأخذ‬
‫الرأة ‪ -‬كمجموعة ‪ -‬ثلث الثروة الوروثة لتنفقها على نفسها‪ ،‬ويأخذ الرجل ثلثي الثروة‬
‫لينفق ها أول‪ 5‬ع لى زو جة ‪ -‬أي ع لى ا مرأة ‪ -‬وثان يا‪ 5‬ع لى أ سرة وأولد ‪ -‬فأيه ما ي صيب‬
‫أكثر من الخر بنطق الساب والرقام؟ وإذا كانت هناك حالت شاذة لرجال ينفقون‬
‫كل ثروا تم ع لى أنف سهم ول يتزوجون ول يب نون أ سرة‪ ،‬فت لك أمثلة نادرة‪ ،‬وإنا ا لمر‬
‫الطبيعي أن ينفق الرجل ثروته على بناء أسرة فيها امرأة بطبيعة الال هي الزوجة‪ .‬وهو‬
‫ينفق عليها ل تطوعا‪ 5‬منه بل تكليفا‪ .‬ومهما كانت ثروتا الاصة فل يق له أن يأخذ منها‬
‫شيئ‪5‬ا البتة إل بالتراضي الكامل بينهما‪ .‬وعليه أن ينفق عليها كأنا ل تلك شيئا‪ ،5‬ولا أن‬
‫تشكوه إذا امتنع عن النفاق‪ ،‬أو قتر فيه بالنسبة لا يلك‪ ،‬ويكم لا الشرع بالنفقة أو‬

‫)‪(94‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫بالنف صال‪ .‬ف هل بق يت ب عد ذ لك شبهة ف ال قدر القي قي ا لذي ت ناله ا لرأة من م موع‬
‫الثروة؟وهل هو امتياز حقيقي ف حساب القتصاد أن يكون للرجل مثل حظ اللنث يي‬
‫وهو مكلف مال تكلفه النثى؟‬

‫ع لى أن هذه الن سبة إ نا ت كون ف الال ا لوروث بل ت عب‪ ،‬ف هو يق سم بقتضى‬


‫العدل الربان الذي يعطي " لكل حسب حاجته "‪ .‬ومقياس الاجة هو التكاليف النوطة‬
‫بن يملها‪ .‬أما الال الكتسب فل تفرقة فيه بي الرجل والرأة‪ ،‬ل ف الجر على العمل‪،‬‬
‫ول ف ربح التجارة ول ريع الرض إل‪ .‬لنه يتبع مقياسا‪ 5‬آخر هو الساواة بي الهد‬
‫والزاء‪ .‬وإذن فل ظلم ول شبهة ف ظلم‪ ،‬وليس وضع السألة أن قيمة الرأة هي نصف‬
‫قيمة الرجل ف حساب السلم‪ ،‬كما يفهم العوام من السلمي‪ ،‬وكما يقول الشنعون من‬
‫أعداء السلم‪ .‬وقد رأينا بساب الرقام أن ذلك غي صحيح‪.‬‬

‫ول يس اعت بار شهادة امرأت ي ب شهادة ر جل وا حد دليل‪ 5‬كذلك ع لى أن ا لرأة‬


‫تساوي نصف رجل‪ .‬إنا هذا إجراء روعي فيه توفي كل الضمانات ف الشهادة‪ ،‬سواء‬
‫كانت الشهادة لصال التهم أو ضده‪ ،‬ولا كانت الرأة بطبيعتها العاطفية التدفقة السريعة‬
‫النفعال‪ ،‬مظنة أن تتأثر بلبسات القضية " فتضل " عن القيقة‪ ،‬روعي أن تكون معها‬
‫امرأة أخرى " أن تضل إحداها فتذكر إحداها الخرى " وقد يكون الشهود له أو عليه‬
‫امرأة جيلة تثي غية الشاهدة‪ ،‬أو يكون فت يثي كوامن الغريزة أو عطف المومة‪ ..‬إل‬
‫آخر هذه العواطف الت تدفع إل الضلل بوعي أو بغي وعي‪ .‬ولكن من النادر جدا‪ 5‬حي‬
‫تضر امرأتان ف مال واحد‪ ،‬أن تتفقا على تزييف واحد‪ ،‬دون أن تكشف إحداها خبايا‬
‫الخرى فتظهر القيقة! على أن شهادة الواحدة تعتب فيما تعد الرأة خبية فيه أو متصة‬
‫به من شؤون النساء‪.‬‬

‫أما مسألة القوامة‪ :‬فالضرورة تقضي أن يكون هناك قيم توكل إليه الدارة العامة‬
‫لذه الشركة القائمة بي الرجل والرأة‪ ،‬وما ينتج عنها من نسل‪ ،‬وما تستتبعه من تبعات‪.‬‬
‫وقد اهتدى الناس ف كل تنظيماتم إل أنه ل بد من رئيس مسئول‪ ،‬وإل ضربت الفوضى‬
‫أطنابا‪ ،‬وعادت السارة على الميع‪ .‬وهناك ثلثة أوضاع يكن أن تفترض بشأن القوامة‬
‫ف السرة‪ :‬فإما أن يكون الرجل هو القيم‪ ،‬أو تكون الرأة هي القيم‪ .‬أو يكونا معا‪ 5‬قيمي‪.‬‬

‫ونستبعد الفرض الثالث منذ البدء‪ ،‬لن التجربة أثبتت أن وجود رئيسي للعمل‬
‫الوا حد أد عى إ ل الف ساد من ترك ا لمر فو ضى بل رئ يس‪ .‬وال قرآن ي قول عن ال سماء‬

‫)‪(95‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وا لرض‪ " :‬لو كان فيه ما آ لة إل ا ل لف سدتا "‪ " ..‬إذ‪5‬ا لذهب كل إ له با خ لق ولعل‬
‫بع ضهم ع لى ب عض "‪ .‬فإذا كان ه كذا ا لمر ب ي ال لة ال توهي فك يف هو ب ي الب شر‬
‫العاديي؟‬

‫وعلم النفس يقرر أن الطفال الذين يتربون ف ظل أبوين يتنازعان على السيادة‪،‬‬
‫تكون عواطفهم متلة‪ ،‬وتكثر ف نفوسهم العقد والضطرابات‪.‬‬

‫بقي الفرضان الولن‪ .‬وقبل أن نوض ف بثهما نسأل هذا السؤال‪ :‬أيهما أجدر‬
‫أن تكون وظيفته القوامة‪ ،‬با فيها من تبعات‪ :‬الفكر أم العاطفة؟ فإذا كان الواب البديهي‬
‫هو الفكر‪ ،‬لنه هو الذي يدبر المور ف غيبة عن النفعال الاد الذي كثي‪5‬ا ما يلتوي‬
‫بالتفكي فيحيد به عن الطريق الباشر الستقيم‪ ،‬فقد انلت السألة دون حاجة إل جدال‬
‫كثي‪.‬‬

‫فالر جل ب طبيعته الف كرة ل النفع لة‪ ،‬و با ي توي ك يانه من قدرة ع لى ال صراع‬
‫واحتمال أعصابه لنتائجه وتبعاته‪ ،‬أصلح من الرأة ف أمر القوامة على البيت‪ .‬بل إن الرأة‬
‫ذا تا ل تترم الر جل ا لذي ت سيه فيخ ضع لرغبا تا بل تت قره بفطر تا ول تق يم له أي‬
‫اعتبار‪ .‬فإذا كان هذا من أثر التربية القدية الت تترك طابعها ف اللشعور‪ ،‬وتكيف مشاعر‬
‫ا لرأة دون و عي من ها‪ ،‬فهذه هي الرأة المريك ية بعد أن ساوت الر جل م ساواة كام لة‪،‬‬
‫وصار لا كيان ذات مستقل‪ ،‬عادت فاستعبدت نفسها للرجل‪ .‬فأصبحت هي الت تغازله‬
‫وتتل طف له لي ضى! وتتح سس ع ضلته الفتو لة و صدره العر يض‪ ،‬ث تل قي بنف سها ب ي‬
‫أحضانه حي تطمئن إل قوته بالقياس إل ضعفها!‬

‫على أن الرأة إذا تطلعت " للسيادة " ف أول عهدها بالزواج وهي فارغة البال‬
‫من الولد وتكاليف تربيتهم الت ترهق البدن والعصاب‪ ،‬فسرعان ما تنصرف عنها حي‬
‫تأت الشاغل‪ ،‬وهي آتية بطبيعة الال‪ ،‬فحينذاك ل تد ف رصيدها العصب والفكري ما‬
‫تتمل به مزيد‪5‬ا من التبعات‪.‬‬

‫وليس مؤدى ذلك أن يستبد الرجل بالرأة‪ ،‬أو بإدارة البيت‪ .‬فالرئاسة الت تقابل‬
‫التبعة ل تنفي الشاورة ول العاونة‪ .‬بل العكس هو الصحيح‪ .‬فالرئاسة الناجحة هي الت‬
‫تقوم على التفاهم الكامل والتعاطف الستمر‪ .‬وكل توجيهات السلم تدف إل إياد‬
‫هذه ا لروح دا خل ال سرة‪ ،‬وإ ل تغل يب ا لب والت فاهم ع لى ال ناع وال شقاق‪ .‬فالقرآن‬

‫)‪(96‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ي قول‪ " :‬وعا شروهن بالعروف )‪ " (68‬والر سول ي قول‪ " :‬خي كم خي كم لهله )‪" (69‬‬
‫فيجعل ميزان الي ف الرجل هو طريقة معاملته لزوجته‪ ،‬وهو ميزان صادق الدللة‪ ،‬فما‬
‫يسيء رجل معاملة شريكته ف الياة إل أن تكون نفسه من الداخل منطوية على انرافات‬
‫شت‪ ،‬تفسد معي الي أو تعطله عن النطلق )‪.(70‬‬

‫ول كن العل قات " الر سية " ف دا خل ال سرة مو ضع شبهات كثية ت تاج إ ل‬
‫بيان‪.‬‬

‫بعض هذه الشبهات خاص بالتزامات الرأة نو الرجل‪ ،‬وبعضها خاص بوضوع‬
‫الطلق وموضوع تعدد الزوجات‪.‬‬

‫وأ نا أعت قد أن ا لزواج م سألة شخ صية إ ل حد كبي‪ ،‬وأ نه ك كل تعا مل ب ي‬


‫شخ صي‪ ،‬يعت مد ق بل كل شيء ع لى الم يزات الشخ صية وال صائص النف سية والعقل ية‬
‫والسمية لكل من الطرفي‪ ،‬بيث يصعب جدا‪ 5‬أن يكمه " قانون " عام‪ .‬فإذا وجدت‬
‫حالة يسودها الوفاق والوئام فليس من الضروري أن يكون ذلك لن الزوجي يراعيان "‬
‫الصول " الزوجية كل نو الخر‪ .‬وكثيا‪ 5‬ما نسمع عن أزواج ل يشتد بينهم النسجام‬
‫وال بة إل ب عد شجار عن يف قد يت جاوز ال يد والل سان! وإذا و جدت حا لة من ال شقاق‬
‫واللف فليس من الضروري أن يكون السبب غلطة الزوج أو نشوز الزوجة‪ .‬وكثيا‪ 5‬ما‬
‫نسمع عن زوجي كل منهما ف ذاته مثال كري للنسان‪ ،‬ولكن " مزاجهما " ل يتفق‪،‬‬
‫وقد يبكيان حسرة على عدم إمكان التفاهم بينهما‪ ،‬ولكنهما مع ذلك ل يتفاهان‪.‬‬

‫ورغم ذلك فل بد من قانون عام يكم أمر الزواج؛ فل يستطيع نظام أن يعلن‬
‫إ حاطته الكام لة ب ياة الب شر دون أن ي شرع لذه ال سألة السا سة‪ ،‬ت شريعا‪ 5‬ي ضع ‪ -‬ع لى‬
‫القل ‪ -‬الدود العامة الت ل ينبغي تاوزها‪ ،‬ث يترك التفاعل الشخصي ليحكم ما بي‬
‫هذه الدود‪.‬‬

‫وطبيعي أننا ل نلجأ إل القانون ونن متحابون متفاهون‪.‬‬

‫‪ ()68‬سورة النساء ]‪.[19‬‬


‫‪ ()69‬رواه الترمذي‪.‬‬
‫‪ ()70‬عن كتاب " النسان بي الادية والسلم "‪.‬‬

‫)‪(97‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫فالزواج الوفق ل يلجأ إل نصوص القانون ول يتكم إليها‪ .‬ول يقول كل من‬
‫الزوجي لنفسه إن القانون يقتضين كذا فلصنعه وإل صرت مالفا‪ 5‬لوامره‪ .‬وإنا ينشأ‬
‫التوف يق ‪ -‬ف ال غالب ك ما قل نا ‪ -‬من الت قاء ا لزاج‪ ،‬من الت قاء شطري الن فس الوا حدة‬
‫وتعشق أحدها بالخر‪ .‬ينشا من الب الذي يمع القلبي على صورة من الصور‪ ،‬قد ل‬
‫تكون " عادلة " بالنسبة لحد الطرفي‪ ،‬ولكنها مع ذلك مستقرة وافية بالغرض الطلوب‪.‬‬

‫ولك نا ح يننت لف نب حث عن ال قانون ‪ ،‬ونت كم إ ل نصو صه لعل ها ت سم‬


‫اللف‪.‬‬

‫والط لوب من ال قانون أن ي كون عادل‪ 5‬ل ياب أ حد ال صمي ع لى ح ساب‬


‫الخر‪ ،‬وأن ياول بقدر المكان أن يشمل ميطا‪ 5‬واسعا‪ 5‬من الالت‪ ،‬وإن كنت أكرر أنه‬
‫ل يكن لي قانون أن يشمل كل حالة‪ ،‬أو أن يكون تطبيقه الرف صالا‪ 5‬أو عادل‪ 5‬ف‬
‫كل حالة‪.‬‬

‫فلننظر ف القانون السلمي من جهة التزامات الزوجة‪ ،‬لنا هي موضع الشكوى‬


‫ومثار الشبهات‪ .‬ويهمن بشأنا ثلثة أمور‪:‬‬

‫هل هي التزامات قاسية ف ذاتا؟‬

‫وهل هي التزامات من جانب واحد بل مقابل؟‬

‫وهل هي التزامات " مؤبدة " ل تلك الرأة الفكاك منها حي تريد؟‬

‫تلتزم الرأة بثلثة أمور رئيسية‪ :‬أن تطيع زوجها ف الفراش كلما دعاها إليه‪ ،‬وأل‬
‫توطئ فراشه من يكره‪ ،‬وأن تفظ غيبته‪.‬‬

‫أما السألة الول‪ ،‬فهي ف حاجة إل قدر من الصراحة لتجليتها‪ .‬والكمة فيها‬
‫واضحة‪ .‬فطبيعة الرجل الثمانية تعله ف حاجة إل إفراغ الشحنة النسية كلما تمعت‬
‫وأ لت‪ ،‬ل كي ي فرغ لوظيفته ا لخرى من الع مل والن تاج‪ ،‬ومواج هة م شكلت ال ياة‬
‫بأعصاب ل يرهقها القلق والضطراب‪ .‬وقد يكون ‪ -‬ف فترة الشباب على القل ‪ -‬أكثر‬
‫طلبا‪ 5‬للجنس‪ ،‬ف عدد الرات فقط‪ ،‬وإن كانت الرأة أعمق منه استجابة للجنس‪ ،‬وأشد‬
‫ا شتغال‪ 5‬به بج موع نف سها وج سدها وروح ها ف مع ناه ال شامل ل ف صورته ال سدية‬

‫)‪(98‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫فحسب )‪ .(71‬والزواج منظور فيه بطبيعة الال إل تلبية الاجات النسية بانب العان‬
‫الخرى الروحية والنفسية والجتماعية والقتصادية‪ ..‬فإذا كان الزوج ل يد زوجته ملبية‬
‫حي يلح عليه خاطر النس ويشغل أعصابه‪ ،‬فأي شيء يصنع؟ يلجأ إل الرية ف خارج‬
‫ا لبيت؟ ل الت مع ينب غي أن ي سمح‪ ،‬ول الزو جة ذا تا تر ضى أن يت جه زوج ها بنف سه أو‬
‫جسده إل امرأة أخرى‪ ،‬هي غرية لا مهما تكن الوضاع‪.‬‬

‫ولن يرج موقف الزوجة إذا دعاها زوجها دون رغبة منها عن حالة من ثلث‪:‬‬
‫أن تكون كارهة لزوجها ل تطيق التصال به‪ ،‬أو تكون مبة له ولكنها تكره التصال‬
‫النسي عامة وتنفر منه‪ ،‬وتلك حالة نفسية منحرفة ولكنها موجودة ف واقع الياة‪ .‬أو‬
‫تكون مبة له غي نافرة من التصال به‪ ،‬ولكنها ل تريد ‪ -‬الن‪.‬‬

‫أما الالة الول فهي دائمة ل تتعلق بوقت معي‪ ،‬ول بعمل معي‪ ،‬وهي حالة ل‬
‫يرجى فيها البقاء على الرابطة الزوجية‪ ،‬فيحسن أن تأخذ طريقها الطبيعي إل النفصال‪.‬‬
‫والرأة تلك هذا من أكثر من طريق كما سيجيء بعد قليل‪.‬‬

‫والالة الثانية أيضا‪ 5‬دائمة‪ ،‬ل تنشأ من إلاح الزوج ف الطلب‪ .‬وينبغي علجها‬
‫بالتفاق التام الصريح من مبدأ المر‪ ،‬فإما أن يقبل الزوج المتناع عن تلبية حاجته مهما‬
‫كل فه ذ لك من م شقة‪ ،‬وإ ما أن تق بل الزو جة ت مل ال شقة ل نا تب زوج ها ول تر يد‬
‫النفصال عنه‪ .‬أو ينفصلن ‪ -‬بالعروف ‪ -‬إذا ل يكن التوفيق‪ .‬أما الشرع فهو يلزم الرأة‬
‫بالطاعة إذا أصر الزوج‪ ،‬ل تكم‪5‬ا وإعتسافا‪ 5‬ولكن لن المر الطبيعي ف الزواج أن يشمل‬
‫العل قة الن سية‪ .‬و لن امت ناع الزو جة ك ما قل نا يل جئ ا لزوج إ ل الرية اللق ية )أو إ ل‬
‫الزواج بامرأة أخرى وهو ما تكرهه الزوجة(‪ .‬ولكنه ل يلزمها أن تقبل هذا الوضع إذا‬
‫رأت أنا ل تطيقه‪ ،‬وأن حبها لزوجها قد تلشى بسبب هذا المر وانقلب إل فتور‪ ،‬فهنا‬
‫تنفصل بسبب الكراهية‪.‬‬

‫أما الالة الثالثة فهي مؤقتة وعلجها ميسور‪ .‬إن هذا النفور الوقت من التصال‬
‫النسي قد ينشأ من تعب أو ملل أو انشغال بال‪ .‬ولكن قدرا‪ 5‬من التهيئة النفسية والسمية‬
‫كف يل بإزالته‪ .‬و لذلك اه تم الر سول ب توجيه ن ظر الر جال إ ل الداع بة اللطي فة وال خذ‬
‫والعطاء قبل العمل ذاته‪ ،‬أول‪ 5‬ليفع هذه العلقة عن بيمية السد الالصة ويعلها ألفة‬
‫نفس وامتزاج روح‪ ،‬ث ليزيل مثل هذا العارض الذي قد يسبب النفور‪.‬‬

‫‪ ()71‬راجع بالتفصيل فصل " الشكلة النسية " ف كتاب " النسان بي الادية والسلم "‪.‬‬

‫)‪(99‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫أما حي تكون الزوجة هي الراغبة والزوج منصرف لسبب من السباب‪ ،‬وهذا‬


‫نادر الوقوع ف فترة شباب الزوج على القل‪ ،‬فالرأة ل تعدم الوسيلة‪ ..‬ولكنا نقرر أن‬
‫القانون الذي دعا الرأة لطاعة زوجها‪ ،‬قد اهتم برغبتها وأحلها مكانا الق‪ ،‬وألزم الزوج‬
‫بأداء " واجبه الزوجي " إذا طلبت الزوجة‪ .‬فإذا عجز الزوج وقع النفصال‪ .‬وهكذا نرى‬
‫أن اللتزام واقع من الناحيتي‪ ،‬وليس فيه تعسف بالزوجة ول إهدار لكيانا الشخصي‪.‬‬

‫واللتزام الثان هو أل توطئ الزوجة فراش زوجها من يكره‪ ،‬أي ل تدخل بيته‬
‫أحدا‪ 5‬يكرهه )وليس القصود الفاحشة فهذه مرمة حت لو رضي با الزوج( وحكمة هذا‬
‫اللتزام أنه كثيا‪ 5‬ما تنشأ النازعات ف البيت نتيجة دخول أحد بي الزوجي بالسعاية أو‬
‫الثارة وسوء التوجيه‪ .‬فإذا لظ الزوج ذلك وطلب من زوجته أن تنع شخصا‪ 5‬معينا‪ 5‬من‬
‫د خول بي ته‪ ،‬ف ماذا يدث ح ي ت عارض الزو جة؟ ي ستمر من بع الفت نة وي ستحيل الو فاق‪.‬‬
‫فاللزام هنا لصال الشركة القائمة بي الزوجي وما ينتج عنها من أطفال يتاجون إل‬
‫الرعا ية وإ ل جو من الودة ل يف سده ال شجار وال شقاق‪ ،‬حت ل ين شأ الط فال منحر ف‬
‫النفوس والفكار‪.‬‬

‫ول عل ال قائل أن ي قول‪ :‬و لاذا ل ي لزم ال قانون ا لزوج أي ضا‪ 5‬بأل يدخل بي ته من‬
‫تكر هه زوج ته؟ و طبيعي أ نه ف حا لة ا لب وا لودة‪ ،‬و ف حا لة الت هذيب والرت فاع من‬
‫الانبي‪ ،‬يكن التفاهم على جيع المور فل تصل إل درجة الحتكاك‪ .‬ولكنا نفترض أن‬
‫الشقاق واقع والتفاهم مستحيل‪ ،‬ولذلك نلجأ إل حكم القانون‪ .‬وهنا يب أن نذكر أن‬
‫انف عالت ا لرأة لي ست ف غالب ا لحوال منطق ية‪ ،‬وأن الغ ية الشخ صية البح تة ‪ -‬ل‬
‫الصلحة ‪ -‬قد تكون هي الت تنفر الزوجة من أم الزوج أو أخته أو إحدى قريباته‪ .‬فإلزام‬
‫الزوج ف هذه الالة بإطاعة زوجته ف إبعاد من تكره‪ ،‬لن يكون إلزاما‪ 5‬للمصلحة‪ ،‬ولكن‬
‫لثورة عاطفية قد ل تلبث أن تتحول‪ ،‬أو تكون قائمة على غي أساس‪.‬‬

‫ولست أعن من ذلك أن الزوج دائم‪5‬ا على حق فيما يصنع‪ ،‬فقد ينقلب طفل‪ 5‬ف‬
‫كثي من الالت‪ ،‬ويولع بالكا يدة‪ .‬ول أعن كذلك أن الزوجة دائم‪5‬ا مطئة‪ ،‬فقد تكون‬
‫مقة ف النفور من شخص بعينه‪ ،‬وقد يكون هذا الشخص من يعملون فعل‪ 5‬على هدم‬
‫روابط الزوجية لي سبب‪ ،‬ولكن القانون موكل بالنسبة الغالبة‪ ،‬ومتمش مع الفطرة الت‬
‫تفترض أن الرجل أكثر انقيادا‪ 5‬لعقله‪ ،‬والرأة أكثر انقيادا‪ 5‬لنفعالتا العاطفية‪ ،‬ث إن الباب‬
‫مف توح أ مام ا لرأة ف كل حا لة تد أ نا ل ت ستطيع ال ستمرار ع لى احتما لا‪ ،‬فتنهي ها‬
‫بالنفصال‪.‬‬

‫)‪(100‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫أما مافظة الزوجة على عرض زوجها وماله ف غيبته فهو التزام طبيعي ومنطقي‬
‫ل أحسب أحدا‪ 5‬يادل فيه‪ .‬وهو التزام مشترك يشمل الرجل والرأة على السواء‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وننتقل الن إل حالة النشوز من جانب الزوجة أو من جانب الزوج‪:‬‬

‫يتفرع عن قوامة الرجل على الرأة حق الزوج ف تأديب زوجته الناشزة‪ ،‬وهو‬
‫الق الذي تبينه هذه الية‪ " :‬واللت تافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن ف الضاجع‬
‫ل‪." (72) 5‬‬
‫واضربوهن‪ ،‬فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن سبيل‬

‫ويلحظ أن الية تدرجت ف بيان وسائل التأديب حت وصلت إل الضرب ‪-‬‬


‫غ ي البح ‪ -‬ف نا ية ال طاف‪ .‬ول سنا ه نا بصدد ا لالت ا لت ي ساء فيها ا ستخدام هذا‬
‫ا لق‪ ،‬ف كل حق ف ا لدنيا ي كن أن ي ساء ا ستخدامه‪ ،‬ول ي كن اليلو لة دون ذ لك إل‬
‫بالتهذيب اللقي والرتفاع الروحي‪ ،‬وهي مسألة ل يهملها السلم‪ ،‬ول ين عن توجيه‬
‫العناية إليها )‪ (73‬ولكننا بصدد مشروعية هذا الق وضرورته ف صيانة كيان السرة ومنعها‬
‫من التفكك والنلل‪.‬‬

‫كل قانون أو نظام ف الدنيا تلزمه السلطة الت تؤدب الارجي عليه‪ ،‬وإل أصبح‬
‫حب‪5‬ا على ورق‪ .‬وانتفت الفائدة القصودة من وجوده‪.‬‬

‫والزوجية نظام قائم لصال التمع وصال الزوج والزوجة على السواء‪ ،‬والفروض‬
‫فيه أن يقق أقصى ما يكن من الصال للجميع‪ .‬وحي يكون الوئام والوفاق سائدين فيه‬
‫تتحقق جيع الصال بغي تدخل القانون‪ .‬ولكن حي يدث الشقاق ينجم الضرر الذي ل‬
‫ي قف ع ند شخصي الزوج ي‪ ،‬بل يت عداها إ ل الطفال‪ ،‬و هؤلء نواة الت مع القب لة ا لت‬
‫يب إحاطتها بي وسائل التنمية والتهذيب‪.‬‬

‫‪ ()72‬النساء ]‪.[34‬‬
‫‪ ()73‬نن نتكلم عن السلم ف أصوله‪ ،‬وأما الواقع السيء الوجود اليوم باسم السلم فنتكلم عنه ف‬
‫مكان آخر من هذا الفصل‬

‫)‪(101‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫فح ي تت سبب الزو جة ف هذا ال ضرر ف من ا لذي ي تول رد ها إ ل ال صواب؟‬


‫الك مة؟ إن تدخل الك مة ف خصو صيات العل قة ب ي الزوج ي إد عى إ ل تو سيع هوة‬
‫اللف ‪ -‬الذي قد يكون هنيا‪ 5‬وموقوتا ‪ -‬وأدعى إل إفساد هذه العلقة لنه يس كرامة‬
‫هذا ال طرف أو ذاك علن ية‪ ،‬فتأ خذه ال عزة با لث ويت شبث بوقفه‪ .‬فالك مة ل يوز أن‬
‫تتدخل إل ف كبيات السائل الت تفشل فيها كل ماولة للتوفيق‪.‬‬

‫ث إنه ليس من العقل أن نلجأ إل الكمة ف حوادث الياة اليومية التافهة الت‬
‫تتجدد كل دقيقة‪ ،‬وتنتهي من نفسها كل دقيقة‪ ،‬فذلك خبال ل يقدم عليه العقلء‪ ،‬فضل‬
‫عن أنه يتاج إل إقامة مكمة ف كل بيت تعمل ليل نار!‬

‫ل بد إذن من سلطة مل ية ت قوم بذا ال تأديب‪ ،‬هي سلطة الر جل ال سؤول ف‬


‫النهاية عن أمر هذا البيت وتبعاته‪ .‬وهي تبدأ بالوعظ الميل الذي يرد الشارد عن غيه ول‬
‫ي يرح كبياءه‪ ،‬فإن أفلحت هذه الطريقة كان خي‪ ،‬وإل فهناك درجة أخرى أعنف من‬
‫السابقة‪ ،‬هي الجر ف الضاجع‪ ،‬وهي لفتة نفسية عميقة من السلم لطبيعة الرأة الت تعتز‬
‫بمالا وفتنتها‪ ،‬وتدل بما‪ ،‬حت يؤدي ذلك أحيانا‪ 5‬إل النشوز‪ .‬والجر ف الضاجع معناه‬
‫عدم الضوع لذه الفتنة‪ ،‬ما يطامن من كبياء الزوجة الامة ويردها إل الصواب‪ .‬فإذا‬
‫ل تفلح جيع الوسائل‪ ،‬فنحن أمام حالة من الموح العنيف ل يصلح لا إل إجراء عنيف‬
‫هو الضرب‪ ،‬بغي قصد اليذاء‪ ،‬وإنا بقصد التأديب‪ .‬لذلك نص التشريع على أنه ضرب‬
‫غي مبح‪.‬‬

‫وهنا شبهة الهانة لكبياء الرأة‪ ،‬والفظاظة ف معاملتها‪ ،‬ولكن ينبغي أن نذكر‬
‫من ج هة أن ال سلح الحت ياطي ل ي ستعمل إل ح ي ت فق كل الو سائل " ال سلمية "‬
‫الخرى‪ .‬ومن جهة ثانية أن هناك حالت انراف نفسي ل تدي معه إل هذه الوسيلة‪.‬‬

‫أما ف الالت العادية الت ل تصل إل حد الرض‪ ،‬فالضرب ل ضرورة له‪ .‬وهو‬
‫سلح احتياطي ل غي‪ ،‬ل يوز البادرة إليه ول البتداء به‪ ،‬والية بترتيب درجاتا تشي‬
‫إ ل ذ لك‪ ،‬والر سول الكر ي ين هي الر جال عن ا ستعمال هذا ا لق ‪ -‬إل ف ال ضرورة‬
‫القصوى الت ل يفلح فيها شيء ‪ -‬ويقول لم موبا‪ " :5‬ل يلد أحدكم امرأته جلد العي‬
‫ث يامعها ف آخر اليوم )‪." (74‬‬

‫‪ ()74‬رواه البخاري‪.‬‬

‫)‪(102‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫أما حي ينشز الزوج فالقانون متلف‪ " :‬وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا‪ 5‬أو‬
‫إعراضا‪ 5‬فل جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا‪ ،5‬والصلح خي )‪." (75‬‬

‫وقد يطيب لبعض الناس لول وهلة أن يطالب بالساواة الكاملة! ولكن السألة‬
‫هنا هي مسألة الواقع العملي والفطرة البشرية‪ ،‬ل مسألة عدالة نظرية مثالية ل تقوم على‬
‫أ ساس‪ .‬أي ا مرأة سوية ف ا لرض كل ها ت ضرب زوج ها ث يب قى له ف نف سها ا حترام‪،‬‬
‫وتق بل أن تع يش م عه ب عد ذ لك؟ و ف أي ب لد ف ال غرب " التح ضر " أو ال شرق ال تأخر‬
‫طالبت النساء بضرب أزواجهن؟‬

‫ول كن ال هم أن ال شرع ل يلزم ها بق بول ن شوز ا لزوج واحت ماله‪ ،‬فأ باح لا‬
‫النفصال حي ل تطيق‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ف جيع الالت السابقة رأينا‪:‬‬

‫أول‪ :5‬أن التزا مات ا لرأة نو الر جل لي ست تكم ية‪ ،‬وإ نا ن ظر في ها للم صلحة‬
‫العامة الت تشمل الزوجة أيضا‪ 5‬بطريق مباشر أو غي مباشر‪.‬‬

‫ثانيا‪ :5‬أن معظم هذه اللتزامات له مقابل من نفس النوع عند الزوج‪ .‬أما الالت‬
‫القليلة الت اختص فيها الرجل بلون من السلطة ليس للمرأة‪ ،‬فقد روعي فيها فطرة الرجل‬
‫والرأة كليهما‪ ،‬ول يقصد با إذلل الرأة ول إهانتها‪.‬‬

‫ثالث‪5‬ا‪ :‬أنه ف مقابل هذه السلطة منحت الرأة الق ف رفضها إذا كانت نفسها ل‬
‫تقبلها‪ ،‬أو أحست بأن ف قبولا ظلما‪ 5‬لا‪.‬‬

‫أ ما النف صال ا لذي أ شرنا إل يه مرارا‪ 5‬من ق بل‪ ،‬وا لذي هو طر يق ا لرأة العم لي‬
‫لرفض ما ل تطيق من اللتزامات‪ ،‬فله ثلث سبل متلفة‪:‬‬

‫‪ ()75‬سورة النساء ]‪.[128‬‬

‫)‪(103‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫أن تعل الرأة عصمتها ف يدها‪ ،‬وقد صرح بذلك الشرع وإن كان ل يتمسك‬
‫به إل القليلت من النساء‪ ،‬ولكنه حق لا إذا شاءت أن تستخدمه‪.‬‬

‫أو تط لب الطلق ل نا كار هة لزوج ها غ ي مطي قة معا شرته‪ .‬و قد سعت أن‬
‫ا لاكم ل تأ خذ بذا ال بدأ‪ .‬ولك نه م بدأ صريح أ قره الر سول وع مل به‪ ،‬ف هو جزء من‬
‫التشريع‪ ،‬وشرطه الوحيد أن تتنازل الرأة عما تلكته بطريق الزواج‪ ،‬وهو شرط عادل‪.‬‬
‫لن ا لزوج ح ي يط لق زوج ته يف قد كل ما مل كه إيا ها بالزواج‪ ،‬أي أن ال طرف ا لذي‬
‫يت سبب ف الطلق ‪ -‬سواء كان الر جل أو ا لرأة ‪ -‬يت مل خ سارة ماد ية مقا بل ف صمه‬
‫لعرى الزوجية‪.‬‬

‫والطريق الثالث أن تطلب الطلق ‪ -‬مع الحتفاظ بتاعها وأخذ النفقة ‪ -‬على‬
‫أ ساس سوء العام لة أو الضرار‪ .‬إذا ا ستطاعت أن تث بت ذ لك‪ .‬وا لاكم ت شدد ف ذ لك‬
‫لعلمها أن كثيا‪ 5‬من القضايا الت تعرض أمامها ترجع إل الكايدة‪ .‬ولكنها تكم بالطلق‬
‫عند ثبوت المر‪.‬‬

‫تلك أسلحة الرأة مقابل سلطة الرجل عليها‪ ،‬وها ف النهاية متكافئان‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وذلك يرنا إل الديث عن الطلق…‬

‫و نن ن سمع كثيا‪ 5‬من الق صص عن الآ سي ا لت تن جم عن الطلق‪ ،‬من ت شريد‬


‫للزوجة والطفال‪ ،‬ومنازعات ف الاكم ل تكاد تنتهي حت تبدأ من جديد‪.‬‬

‫تكون الرأة ف بيتها هادئة مستقرة‪ ،‬بل مكدودة ناصبة‪ ،‬ترضع طفل‪ 5‬وتنظر ف‬
‫طلبات طفل آخر‪ ،‬وتعمل مع هذا وذاك على تيئة راحة الزوج‪ ،‬فإذا هي تفاجأ دون إنذار‬
‫سابق بوثيقة الطلق على يد الأذون‪ .‬لاذا؟ لن نزوة طارئة خطرت ف نفس الزوج‪ :‬رأى‬
‫امرأة أخرى ظنها أجل‪ ،‬أو مل " الروتي " الزوجي فرغب ف التغيي‪ ،‬أو لنه طلب من‬
‫زوجته أن " تسقيه " فرفضت أو تكاسلت لنا متعبة‪!..‬‬

‫)‪(104‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫أما من طريق لتحطيم هذا السلح الطر الذي يلهو به الرجل ف لطة غادرة‬
‫بكيان امرأة صابرة وعش هادئ ومستقبل سعيد كان ينتظر أفراخه الصغار؟‬

‫ول شك ف وجود هذه الآسي الكثية الت يتحدث با الناس‪ .‬ولكن ما السبيل؟‬

‫هل نلغي الطلق؟ وكيف نصنع ف الآسي الخرى الت تنجم من تري الطلق؟‬
‫تلك الآسي الت تعرفها جيدا‪ 5‬الدول الكاثوليكية الت ل تأخذ ببدأ الباحة؟ وهل يصي‬
‫البيت بيتا‪ 5‬وأحد الطرفي أو كلها يكره الخر ول يطيق عشرته‪ ،‬ومع ذلك فالقيد مؤبد‬
‫واللص مستحيل؟ أأ‪Ô‬و‪́Ô‬و ليس هذا يؤدي إل الرية؟ يتخذ الزوج عشيقة يلب معها دوافع‬
‫النس‪ ،‬والزوجة النبوذة تتخذ نفس الطريق؟ وهل ينفع الطفال أن ينشأوا ف مثل هذا‬
‫الو الكاب اللبد بالغيوم؟ ليس الهم هو مرد حياتم ف كنف الوالدين‪ .‬ولكن الهم هو‬
‫ا لو ا لذي يعي شون ف يه‪ .‬وإل ف ما أ كثر النحرف ي والنحر فات ا لذين جاء انراف هم من‬
‫حياتم مع أبوين متخاصمي ل ينتهي لما خصام‪.‬‬

‫يقولون‪ :‬نقيد حق الرجل ف الطلق‪.‬‬

‫يعن ماذا؟ يعن أنه ل يقع الطلق بجرد إلقاء الرجل لكلمة الطلق‪ ،‬وإنا يقع ف‬
‫الكمة‪ .‬والكمة ترسل ف طلب حكم من أهله وحكم من أهلها‪ ،‬ويبحثون الوضوع‪،‬‬
‫ويراج عون ا لزوج‪ ،‬ويع ظونه و ياولون ال صلح‪ ،‬فل عل ذ لك ك له أن يرد الر جل عن غ يه‬
‫ويبقي على السرة وروابط الزوجية‪ ،‬فإذا ل تد الاولة فعند ذلك فقط ينفذ الطلق على‬
‫يد القاضي ل على يد الزوج‪.‬‬

‫ولست أجد على أي حال مانعا‪ 5‬من هذا الجراء الذي ينفذ ف جزء منه وصية‬
‫ال شرع ف مراج عة ال هل وماو لة التوف يق‪ ،‬وإن ك نت ل أو من بدواه ف كثي‪،‬‬
‫فالحتيا طات ا لت ير يدها هؤلء ال صلحون مو جودة بالف عل دون حا جة إ ل مك مة‪.‬‬
‫ولن فرض أ نه طلق ها وو قع الطلق ب نص ال شرع ف هل ي نع ذ لك أن ي قوم أه له وأهل ها‬
‫بالتوفيق فترد إليه ف الال بدون إجراء جديد؟ فإذا كانت الرة الثانية ووقع الطلق أيضا‬
‫فهل يتعذر التوفيق إذا كانت هناك رغبة فيه أو فائدة ف إتامه؟ مع تأديب الزوج بعمل‬
‫إجراءات جديدة ومهر جديد؟‬

‫إن الرغ بة ف التوف يق ‪ -‬ح ي تو جد ‪ -‬ل تتو قف ع لى تدخل الك مة‪ ،‬وح ي‬
‫تكون عقيمة فماذا يلك القاضي أكثر ما يلك الهل والصدقاء؟‬

‫)‪(105‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وهناك أمم " متحضرة! " ل تعيش على التشريع السلمي‪ ،‬ول يتم الطلق فيها‬
‫إل ف الكمة‪ ،‬وبعد تقدي الواعظ والرشادات وماولة التوفيق‪ ،‬فكم بلغت نسبة الطلق‬
‫هناك؟ لقد وصلت ف أمريكا إل ‪ %40‬وهي أعلى نسبة ف العال كله‪ ،‬با فيه مصر الت‬
‫يتهم أهلها بأنم من هواة الزواج والطلق!‬

‫أما التطرفون والتطرفات‪ ،‬الذين يريدون أل يكم القاضي للرجل بالطلق إل إذا‬
‫ثبت ثبوتا‪ 5‬قاطعا‪ 5‬أن الزوجة هي الخطئة‪ ،‬وأن الياة معها ‪ -‬ف نظر القاضي‪ -‬مستحيلة‪..‬‬
‫فأ ية كرا مة ير يدونا لل مرأة من هذا ال سبيل؟ أ ية كرا مة لا ف أن تب قى ف ب يت ر جل‬
‫يكرهها ول يريدها ف بيته؟ ويذكرها صباح ومساء بأنه ل يرغب فيها ول مل لا ف‬
‫قلبه‪ ،‬وينبذها ويتصل بغيها وهي تعلم؟‬

‫أتبقى هناك للمكايدة؟ وهل هذا هدف يطلب من التشريع أن يقره؟ أو هل سبيل‬
‫الكايدة الوحيد أن تبقى معه وهو راغم‪ ،‬وهي مسلوبة الكرامة والسلطان؟‬

‫أم تب قى لترب ية ا لولد؟ أ كرم ل لولد وأ قوم لتربيتهم أن يكو نوا منف صلي مع‬
‫أمهم‪ ،‬من أن يكونوا ليل نار ف هذا الو الظلم الكريه‪.‬‬

‫كل! ليس هؤلء التطرفون على شيء من التوفيق‪.‬‬

‫وإن الشكلة ل تل بتغيي التشريع‪ ،‬الذي وضع للضرورة‪ ،‬ووجدت البشرية ‪-‬‬
‫ف غي السلم ‪ -‬أنه ل معدى لا عنه ول فكاك‪.‬‬

‫إ نا تل بالترب ية‪ ،‬بر فع ال ستوى الث قاف والنف سي والرو حي ل موع ال شعب‪.‬‬
‫بتهذيب الشاعر حت يكون الي هو الغالب‪ ،‬وتكون الودة هي الصل ف الياة‪ .‬بتعويد‬
‫الرجل أن ينظر إل علقته الزوجية على أنا رباط مقدس ل ينبغي الخلل بأمنه لتفه‬
‫النوات‪.‬‬

‫والتربية طريق طويل وبطيء يتاج إل متمع يعيش بالسلم ويكم شريعة ال‬
‫ف أ مره ك له‪ ،‬وي تاج إ ل ج هد دائم ف ا لبيت والدر سة وال سينما والذا عة وال صحافة‬
‫والكتب والسجد والطريق‪ ..‬ولكنها مع ذلك هي الطريق الوحيد الضمون‪.‬‬

‫)‪(106‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫أ ما الت شريع فح سبه عدا لة أن يع طي ا لق للطرف ي‪ ،‬فيع طي ا لرأة كذلك حق‬


‫النفصال حي ترى حياتا مع الرجل ل تؤدي إل الوفاق النشود‪.‬‬

‫والطلق ‪ -‬بعد ‪ -‬هو أبغض اللل إل ال‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أما تعدد الزوجات فتشريع للطوارئ‪ ،‬وليس هو الصل ف السلم‪ " .‬فانكحوا‬
‫ما طاب لكم من النساء مثن وثلث ورباع‪ ،‬فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة )‪." (76‬‬

‫الطلوب إذن هو القسط والعدل‪ ،‬وهو غي مضمون التحقيق‪ .‬وعلى ذلك يكون‬
‫الصل ف السلم هو وحدانية الزوج‪ .‬ولكن هناك حالت تكون فيها الوحدانية ظلما‪ 5‬ل‬
‫عدالة فيه‪ .‬وعند ذلك يلجأ إل تشريع الضرورة‪ ،‬مع علمه أنن‪ í‬العدالة الطلقة فيه غي‬
‫مضمونة‪ ،‬ليتقي ضررا‪ 5‬أكب بضرر أخف‪.‬‬

‫وأهم الالت الت يتاج التمع فيها إل هذا التشريع هي حالت الروب الت‬
‫تفن عددا‪ 5‬كبيا‪ 5‬من الشباب‪ ،‬فيختل اليزان ويزيد عدد النساء على عدد الرجال‪ .‬وعند‬
‫ذلك يكون تعدد الزوجات ضرورة لتقاء الفساد اللقي والفوضى الجتماعية الت تنشأ‬
‫ل مالة عن و جود ن ساء بل ر جل‪ .‬و قد تع مل الرأة لتعول نف سها وأهلها‪ ،‬نعم‪ ،‬ول كن‬
‫حاجتها الطبيعية إل النس كيف تقضيها؟ وما ل تكن هذه الرأة قديسة أو ملكا‪ 5‬فهل‬
‫أمامها سبيل إل الرتاء ف أحضان الرجال لظات خاطفة ف ليل أو نار؟ ث حاجتها إل‬
‫ا لولد‪ ..‬ك يف ت شبعها؟ والن سل شهوة ب شرية ل ين جو من ها أ حد‪ ،‬ولكن ها لدى ا لرأة‬
‫أعمق بكثي منها عند الرجل‪.‬‬

‫إنا كيانا الصيل الذي ل تشعر دونه بطعم الياة‪.‬‬

‫فهل من سبيل إل قضاء تلك الاجات كلها بالنسبة للمرأة ذاتا ‪ -‬بصرف النظر‬
‫عن حاجة التمع إل أخلق نظيفة تفظه من التحلل الذي أصاب دول‪ 5‬كثية فأزالا من‬
‫قائمة الدول الت لا دور ف التاريخ ‪ -‬هل من سبيل إل ذلك بغي اشتراك أكثر من امرأة‬

‫‪ ()76‬سورة النساء ]‪.[3‬‬

‫)‪(107‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ف ر جل وا حد‪ ،‬علن ية وبت صريح من ال قانون‪ ،‬ع لى أن ت كون كل من هن أ صيلة ذات‬


‫ح قوق مت ساوية ف كل شيء )إل عوا طف الق لب ال ضمرة ف هذه ل يس ل حد علي ها‬
‫سلطان(؟‬

‫ذلك بعض هدف السلم من هذا التشريع‪ .‬وما يقول أحد إن اشتراك امرأة ف‬
‫رجل مع امرأة أخرى فضل‪ 5‬عن اثنتي أو ثلث‪ ،‬يريح نفسها وينحها السعادة الت تفو‬
‫إليها‪ .‬ولكنها ضرورة‪ .‬ولول أنا تد ف هذا الشتراك ضررا‪ 5‬أخف من بقائها عاطلة بل‬
‫رجل ما قبلت القدام على ما فيه من منغصات‪.‬‬

‫وشبيه بالة الرب كل حالة يتل فيها التوازن لسبب من السباب‪ .‬فالرجال‬
‫أ كثر تعر ضا‪ 5‬لوادث الع مل و حوادث الطر يق‪ ،‬ولل موت ف ا لوبئة لنم أ قل منا عة‬
‫بالطبي عة من الن ساء‪ .‬أ ما ح ي يت ساوى ال عدد فل ي كن ‪ -‬ح سابيا ‪ -‬أن ي قوم ت عدد‬
‫الزوجات‪ .‬ول يدث ف أي وقت أن أراد شاب أن يتزوج فلم يد‪ ،‬لن غيه من الرجال‬
‫قد استول على نصيبه ف النساء!‬

‫وهناك حالت فردية معروفة لدى الفقهاء يكون تعدد الزوجات فيها ضرورة‪،‬‬
‫منها الطاقة النسية الادد•ة الت ل تكتفي بواحدة ول يكن لصاحبها الصب عليها‪ .‬فهذه‬
‫إ ما أن تأ خذ طريق ها ال شروع إ ل زو جة ثان ية‪ ،‬وإ ما أن تت خذ الليلت ف ال سر‪ ،‬و هو‬
‫وضع ل يسمح التمع النظيف بوجوده‪.‬‬

‫ومن ها حالت ع قم الزو جة‪ .‬والن سل ك ما قل نا رغ بة ب شرية عميقة‪ ،‬و هي رغ بة‬


‫رفيعة ل حطة فيها ول عيب ف اشتهائها‪ .‬وصحيح أنه ل ذنب للزوجة العقيم ف عقمها‪،‬‬
‫ولكن من يقول إنه من العدالة حرمان الزوج ‪ -‬كرها‪ 5‬عنه ‪ -‬من حقه الشروع ف إناب‬
‫الط فال؟ فإذا ر ضيت الزو جة ا لول ال شتراك مع غي ها كان با‪ ،‬وإل فأمام ها طر يق‬
‫النفصال إذا كانت ل تطيق‪.‬‬

‫أو حالت الرض الدائم الذي ينع التصال‪ .‬ول يقولن أحد إن الرغبة النسية‬
‫دنيئة ف ذاتا )‪ (77‬ول يوز أن تكون سببا‪ 5‬ف هدم سعادة امرأة‪ .‬ليست السألة مسألة دناءة‬

‫‪ ()77‬يع تب ال سلم كل الن عات الفطر ية ا لت تؤدي وظي فة حيو ية نظي فة ف ذا تا وكر ية و جديرة‬
‫بالشباع‪ .‬إنا يستنكرها فقط حي تؤدي إل الرية‪ .‬انظر فصل " نظرة السلم " ف كتاب " النسان‬
‫بي الادية والسلم "‪.‬‬

‫)‪(108‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫أو ارت فاع‪ .‬إ نا ضرورة ل حي لة ل حد في ها‪ .‬فإذا ارت فع الر جل علي ها تطو عا‪ ،5‬ومرا عاة‬
‫لاطر الزو جة‪ ،‬فذلك ن بل م شكور‪ ،‬ول كن ا ل ل يك لف نف س‪5‬ا إل و سعها‪ ،‬وال عتراف‬
‫بالمر الواقع خي من التظاهر بالنبل مع اليانة ف الظلم‪ ،‬كما يدث ف الدول الت ل‬
‫تبيح تعدد الزوجات‪.‬‬

‫أو حالت النفور الت ل يلك النسان دفعها ول السيطرة عليها‪.‬‬

‫ويلحظ ف جيع هذه الالت أن الزوج يبقى على زوجته الول كراهة منه أن‬
‫يطلق ها‪ ،‬وو فاء لع شرته الطوي لة مع ها أن تنت هي بالطلق‪ ،‬و هو شعور كر ي وإن كان ل‬
‫يؤدي إل سعادة الزوجة‪ .‬أما إذا كان يسك با ضررا‪ 5‬ومكايدة‪ ،‬فذلك حرام عليه عند‬
‫ال‪ ،‬وسبب موجب للطلق حي تطلبه الزوجة‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ونستمر ف استعراض الشبهات‪ ،‬فنتحدث عن حق العمل‪.‬‬

‫و هو حق ل شبهة ف يه‪ ،‬و كانت الن ساء ف صدر ال سلم يعم لن ح يث تقت ضي‬
‫الظروف منهن العمل‪ .‬ولكن السألة ليست مسألة تقرير الق ف ذاته‪ ،‬فالواقع أن السلم‬
‫ل يستريح لروج الرأة تعمل ف غي العمال الضرورية الت تقتضيها حاجة التمع من‬
‫ناحية أو حاجة امرأة بعينها من ناحية أخرى‪ .‬فتعليم البنات‪ ،‬والتمريض‪ ،‬وتطبيب النساء‪،‬‬
‫وما إل ذلك أمور ينبغي أن تقوم با الرأة‪ .‬فهي إذن وظائف يتم التمع أن يشتغل با‬
‫النساء‪ ،‬ويلك أن يندهن لا‪ ،‬كما يند الرجال للحرب سواء بسواء‪ .‬وحاجة الرأة إل‬
‫العمل لعدم وجود عائل لا‪ ،‬أو عدم كفاية ما يعولا به عائلها‪ ،‬حاجة تقرر حق الرأة ف‬
‫العمل لن ذلك أصون لا من البتذال ف سبيل العيش‪.‬‬

‫ول كن هذه وت لك ضرورة‪ .‬وال سلم يبيح ها ع لى هذا الو ضع‪ .‬أ ما أن ي كون‬
‫الصل ف التمع أن ترج الرأة لتعمل ‪ -‬كما ترى دول الغرب والدول الشيوعية سواء‬
‫‪ -‬فهي حاقة ل يقرها السلم‪ ،‬لنا ترج بالرأة عن وظيفتها الول‪ ،‬وتنشئ من الفاسد‬
‫النفسية والجتماعية واللقية أكب ما تنتج من الي‪.‬‬

‫)‪(109‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ول يستطيع أحد ف الدنيا كلها أن يزعم أن الرأة بتكوينها السدي والفكري‬
‫والو جدان لي ست مه يأة لوظي فة معي نة هي المو مة‪ .‬فإذا ل ت قم با فذلك إ هدار لطا قة‬
‫حيو ية مر صودة ل غرض مع ي‪ ،‬وتو يل لا عن سبيلها ال صيل‪ .‬وح ي تقت ضي ال ضرورة‬
‫ذلك فل اعتراض‪ .‬أما اللجوء إليه بغي ضرورة ملحة‪ ،‬ومرد استجابة لنوة حقاء أصيب‬
‫با جيل من البشرية‪ ،‬يريد أن يستمتع بغي حد‪ ،‬وليأت من بعده الطوفان‪ ،‬فأمر ل يطلب‬
‫من السلم قبوله‪ ،‬ولو استجاب له لتخلى عن مزيته العظمى‪ ،‬وهي النظر إل النسانية‬
‫كلها على أنا كيان متصل ل ينقطع عند جيل من الجيال‪.‬‬

‫وي قال إن ا لرأة ت ستطيع أن ت كون أ ما‪ 5‬وت كون عام لة‪ ،‬والب كة ف الا ضن تل‬
‫مشكلة الطفال‪.‬‬

‫كلم فارغ ل يثبت عند التمحيص‪.‬‬

‫تستطيع الاضن أن تد الطفل بكل رعاية جسدية‪ ،‬وبكل توجيه عقلي ونفسي‬
‫علمي‪ ،‬ولكنها ل تستطيع أن تده بالعنصر الواحد الذي ل تقوم الياة بدونه ول تستقيم‬
‫بغيه الوضاع‪ .‬ذلك هو الب‪ .‬رعاية الم‪ .‬والم بالذات دون غيها من النساء‪.‬‬

‫وليس ف طوق الدينة النونة أو الشيوعية المقاء أن تغي طبائع البشر‪ .‬فالطفل‬
‫ي تاج إ ل أم كام لة ل ي شركه فيها أ حد ‪ -‬ف ال سنتي ا لوليي ع لى ال قل ‪ -‬و لو كان‬
‫أ خاه ال شقيق‪ .‬أم م‪ Î‬ي شغلها ت شغيل‪ 5‬كامل‪ 5‬ف إجا بة م طالبه‪ ،‬ومنا غاته‪ ،‬وإ حاطته بالرعا ية‬
‫والمن ف حضنها وبي ذراعيها‪ ،‬وبغي ذلك تل نفسه العقد والضطرابات‪ .‬فأين له الم‬
‫ف ال ضن‪ ،‬وع شرة أط فال أو ع شرون ي شتركون ف " أم " صناعية وا حدة‪ ،‬يت صارعون‬
‫في ما بين هم ع لى تلك ها‪ ،‬فين شأون و قد غل بت ع لى عواطفهم شهوة ال صراع‪ ،‬وتتح جر‬
‫قلوبم فل تنبت فيها الودة والخاء‪..‬؟‬

‫الاضن للطفال ‪ -‬كالعمل للمرأة ‪ -‬ضرورة تقضي با الاجة‪ .‬أما أن تكون‬


‫هي الصل بغي ضرورة ملجئة فهو جنون ل يلجأ إليه العقلء‪.‬‬

‫وأي جدوى للب شرية من أن تز يد إنتاج ها ا لادي و هي ت عرض الن تاج الب شري‬
‫للتلف والبوار؟‬

‫)‪(110‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫و قد ي كون لل غرب ال نون عذره من ظرو فه التاري ية والغراف ية والسيا سية‬


‫والقتصادية‪ .‬أما نن ف منطقة الشرق السلمي فما عذرنا؟ هل استنفدنا كل اليدي‬
‫العاملة من الرجال فوجدنا العمل ما زال ف حاجة إل مزيد؟ هل نكل الرجل السلم‪ ،‬أبا‬
‫كان أو أخا‪ 5‬أو زوجا‪ 5‬أو قريبا‪ ،5‬عن إعالة الرأة وتركها تعمل لكي تعيش؟‬

‫يقولون إن العمل يعطي الرأة كيان‪5‬ا اقتصاديا‪ 5‬مستقل‪ 5‬فتحصل على كرامتها‪ .‬فهل‬
‫السلم حرم الرأة من الكيان القتصادي الستقل؟ إن الشكلة ف الشرق السلمي ليست‬
‫م شكلة الن ظام‪ ،‬وإ نا هي م شكلة الف قر ال شامل ا لذي ل ي عل لل مرأة ‪ -‬ول للر جل ‪-‬‬
‫موارد كر ية للع يش‪ .‬وعلج ذ لك ز يادة طا قة الن تاج حت يغ ن ال شعب ك له بر جاله‬
‫ونسائه‪ ،‬فل يكون فيه فقراء‪ ،‬وليس علجه أن تزاحم الرأة الرجل على وسائل الياة!‬

‫ويقولون إن اشتراك إيرادين ف إقامة أسرة أكفل لا من إيراد واحد‪.‬‬

‫وقد يكون هذا حقا‪ 5‬ف أحوال فردية‪ .‬ولكن إذا كانت كل امرأة تعمل ف غي‬
‫الو ظائف الن سوية تع طل رجل‪ 5‬عن الع مل‪ ،‬فتع طل إقا مة أ سرة جد يدة‪ ،‬وتز يد من فترة‬
‫التعطل النسي الذي يؤدي إل الرية‪ ،‬فأي عقل اقتصادي أو اجتماعي أو خلقي يؤيد‬
‫هذا الضطرابات؟‬

‫لقد كان السلم يلحظ الفطرة البشرية وحاجات التمع معا‪ ،5‬حي خصص الرأة‬
‫لوظيفتها الول الت خلقت من أجلها‪ ،‬ووهبت العبقرية فيها‪ ،‬وجعل كفالتها واجبا‪ 5‬على‬
‫الر جل ل ي لك الن كول ع نه‪ ،‬لي فرغ با لا من الق لق ع لى الع يش‪ ،‬وتت جه ب كل ج هدها‬
‫وطاقتها لرعاية النتاج البشري الثمي‪ .‬كما أحاطها ‪ -‬ف هذه الوظيفة ‪ -‬بالرعاية الكاملة‬
‫وال حترام ال شامل‪ ،‬حت إن أ حد ال ناس لي سأل الر سول صلى ا ل عل يه و سلم‪ :‬من أو ل‬
‫الناس ب سن صحابت؟ فيقول‪ " :‬أأ‪ð‬مك " قال‪ :‬ث من؟ قال‪ " :‬ث أأ‪ð‬مك " قال‪ :‬ث من؟‬
‫)‪(78‬‬
‫قال‪ " :‬ث أأ‪ð‬مك " قال‪ :‬ث من؟ قال‪ " :‬ث أبوك "‬

‫وبعد فأين هي " القضية " الت تشتغل با الرأة السلمة؟ وأي هدف بقي لا ف‬
‫الياة ل يققه السلم‪ ،‬لتسعى إل استخلصه عن طريق حق النتخاب وحق التمثيل ف‬
‫البلان؟‬

‫‪ ()78‬رواه الشيخان‪.‬‬

‫)‪(111‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫تر يد ال ساواة الن سانية مع الر جل؟ ن عم‪ .‬ويعطي ها ال سلم هذه ال ساواة نظر يا‬
‫وعملي‪5‬ا أمام القانون‪.‬‬

‫تر يد ال ستقلل القت صادي وحر ية التعا مل البا شر مع الت مع؟ ن عم‪ ،‬و كان‬
‫السلم أول من قرر لا هذه القوق‪.‬‬

‫تريد حق العليم؟ نعم‪ ،‬وقد منحها السلم هذا الق‪ ،‬بل جعله فريضة عليها‪.‬‬

‫تريد أل تتزوج بغي إذنا بل أن تطب لنفسها؟‬

‫وأن تعامل معاملة كرية ما دامت تقوم بدورها الزوجي كما ينبغي؟‬

‫وأن يكون لا حق النفصال حي ل تد العاملة بالعروف؟‬

‫نعم‪ ..‬ويعطيها السلم كل ذلك حق‪5‬ا مفروضا‪ 5‬على الرجال‪.‬‬

‫تريد حق العمل؟ نعم‪ ،‬ولا ذلك ف السلم‪.‬‬

‫أم تر يد حر ية الته تك والب تذال؟ ت لك هي الر ية الوح يدة ا لت حرم ها إيا ها‬
‫السلم‪ ،‬ولكنه كذلك حرم الرجل منها على قدم الساواة‪ .‬وحت تقرير هذه الرية ل‬
‫يتاج إل دخول البلان‪ ،‬وإنا يتاج فقط إل حل روابط التمع وتقاليده‪ ،‬وحينئذ يتبذل‬
‫من يريد ويطلق له العنان!‬

‫إن دخول البلان ليس هدفا‪ 5‬ف ذاته كما يفهم الغفلون‪ ،‬وكما تفهم الشاردات‬
‫الفارغات من نساء الؤترات‪ .‬ولكنه وسيلة لدف آخر‪ .‬فإذا تققت الهداف فما الاجة‬
‫إل هذه الوسيلة إل التقليد العمى للغرب الفتون‪ ،‬وظروفنا غي ظروفه‪ ،‬وقيم الياة ف‬
‫نظرنا غيها هناك؟‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(112‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ولكن قوما‪ 5‬سيقولون‪ :‬ما لنا وما للظروف الختلفة والقيم التباينة؟ إن وضع الرأة‬
‫ف ال شرق و ضع سي•ىء ل ي كن ال سكوت عل يه‪ .‬و قد تررت ا لرأة ف ال غرب و نالت‬
‫مكانتها‪ ،‬فعلى الرأة الشرقية أن تسلك سبيلها وتقلدها للحصول على حقوقها السلوبة‪.‬‬

‫و هذا كلم ف يه حق‪ :‬فالرأة ف البلد ال سلمية عا مة جاه لة م تأخرة مهي نة ل‬


‫كرامة لا‪ ،‬تع يش ك ما يع يش ال يوان‪ ،‬مغل فة بال قذارة ال سية والعنو ية‪ ،‬ت شقى أ كثر ما‬
‫تسعد‪ ،‬وتعطي أكثر ما تأخذ‪ ،‬ل ترتفع كثيا‪ 5‬عن عال الغريزة ول يتاح لا الرتفاع‪.‬‬

‫هذه حقيقة‪ .‬ولكن من السئول عن هذه القيقة؟ أهو السلم وتعاليم السلم؟‬

‫إن الو ضع ال سيء ا لذي ت عانيه ا لرأة ال شرقية ير جع إ ل ظروف اقت صادية‬
‫واجتماعية وسياسية ونفسية ينبغي أن نلم با‪ ،‬لنعلم من أين تأتينا هذه الفاسد‪ ،‬ونكون‬
‫على هدى ونن ناول الصلح‪.‬‬

‫هذا الفقر البشع الذي يعانيه الشرق منذ أجيال عدة‪ .‬هذا الظلم الجتماعي الذي‬
‫يعل قوما‪ 5‬يغرقون ف الترف الفاجر والتاع الغليظ‪ ،‬وغيهم ل يد لقمة البز والثوب‬
‫الذي يكسو به العورات‪ .‬هذا الكبت السياسي الذي يعل من الكام طبقة غي طبقة‬
‫ال كومي ‪ -‬طب قة لا كل ال قوق ول يس علي ها واج بات‪ ،‬والكو مون يدفعون ج يع‬
‫التكاليف بل مقابل‪ .‬وهذا الظلم التعس والرهاق العصب الذي يعيش فيه سواد الشعب‬
‫نتيجة هذه الظروف‪ ..‬هذا كله هو السئول عما تعيش فيه الرأة من الذل والضطهاد‪.‬‬

‫إن ما تتاج إليه الرأة هو " عواطف " الحترام والودة بينها وبي الرجل‪ .‬وأين‬
‫تنبت هذه العواطف ف الفقر الدقع والكبت الرهق للجميع؟‬

‫ليست الرأة وحدها هي الضحية ولكنه الرجل كذلك‪ ،‬وإن بدا أنه ف وضع خي‬
‫منها‪.‬‬

‫الرجل يعامل امرأته بالعسف والضطهاد لنه يريد أن يقق كيانه السلوب ف‬
‫الارج‪ :‬كيانه الذي يهينه الفي والعمدة وصاحب الرض‪ .‬أو يهينه عسكري البوليس و‬
‫" الف ندي " و صاحب ال صنع‪ .‬أو يهي نه الرئ يس ف ال صلحة‪ .‬ك يانه ا لذي ي هدده ا لذل‬
‫والاجة‪ ،‬والوضاع الظالة الت ل يلك مواجهتها ول التغلب عليها‪ " ،‬فيسقط " غضبه‬
‫الكظوم على زوجته وأولده ومن يلوذ به من الهلي‪.‬‬

‫)‪(113‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وهذا الفقر الكافر الذي يشمل التمع‪ ،‬والذي يشغل جهد الرجل ويستنفد طاقته‬
‫النف سية والعصبية‪ ،‬فل يعود ف نف سه ت لك ال سعة الت تن شأ فيها عوا طف ال بة والعام لة‬
‫الكرية للخرين‪ ،‬ول ف أعصابه تلك الطاقة الت تتمل أخطاء الناس التافهة وتصب عليها‬
‫أو تصفح عنها‪.‬‬

‫هذا الفقر ذاته هو الذي يستعبد الرأة للرجل‪ ،‬ويعلها تتمل ظلمه وعسفه لنه‬
‫خي من الياة بل عائل‪ .‬هو الذي يغل يدها عن استخدام حقوقها الشرعية الخولة لا‪،‬‬
‫والت كان يكن أن توقف الرجل عند حده لو لأت إليها‪ .‬فهي ف خوف دائم من أن‬
‫يطلقها زوجها‪ ،‬وع ندئذ ماذا تصنع؟ الولد قد يكفل هم أ بوهم‪ .‬أما هي؟ من يكفل ها؟‬
‫أهلها الفقراء الرهقون؟ إنم لضيقهم بتكاليف الياة ل يرحبون بانفصالا عن زوجها لئل‬
‫تزيد ف أعبائهم‪ ،‬فينصحونا باحتمال الذل الهي‪.‬‬

‫هذه واحدة …‬

‫وف التمع التأخر ‪ -‬والشرق اليوم متأخر ول شك‪ ،‬لنه فقد أهدافه وفقد نفسه‬
‫وأ غرق ف الظل مات ‪ -‬ف الت مع ال تأخر ت بط الق يم الن سانية كل ها‪ ،‬وت صبح الف ضيلة‬
‫الوحيدة هي القوة ف جيع صورها وأشكالا‪ .‬ويصبح الضعف مبر‪5‬ا للمهانة والتحقي‪.‬‬

‫وإذ كان الرجل أقوى من الرأة فهو يتقرها‪ ،‬لنه هو هابط ل يستطيع الرتفاع‬
‫إل الستوى النسان الذي يي‪µ‬حترم فيه النسان لنه إنسان‪ .‬إل أن يكون لا ملك! فحينئذ‬
‫تترم لنا تلك وسيلة من وسائل القوة والسلطان!‬

‫وف التمع التأخر كذلك يهبط الناس إل غرائزهم أو قريبا‪ 5‬منها‪ .‬وتستول على‬
‫الناس شهوة النس خاصة فيون الياة من خللا وف حدود دائرتا‪ .‬عندئذ تصبح الرأة‬
‫ف حس الرجل متاعا‪ 5‬ليس غي )‪ ،(79‬ول يد فضلة نفسية أو عقلية أو روحية يضفي با‬
‫عليها معان النسانية الكرية الت تولد الحترام‪ .‬وإذ كان التصال النسي ف عال البهائم‬
‫يثل لون‪5‬ا من سيطرة الذكر على النثى‪ ،‬فهنا يتمع مزيج من شعورين هابطي‪ :‬شعور‬
‫السيطرة وقت العمل‪ ،‬والهال بعد النتهاء‪.‬‬

‫‪ ()79‬وكذلك يصبح الرجل ف حس الرأة‪ .‬ولكنه بكم عمله ووظيفته وقيامه بالنفاق يأخذ ف نفسها‬
‫حيز‪5‬ا أكب من النس‪.‬‬

‫)‪(114‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وف البيئة التأخرة تمل التربية‪ ،‬لنا تبدو ‪ -‬ف وسط الهل والسغبة ‪ -‬ترفا‪ 5‬ل‬
‫تتطلع إليه العيون‪ .‬والتربية هي الوسيلة الوحيدة الت تعل من النسان إنسانا‪ ،5‬وترفعه عن‬
‫مستوى اليوان‪ .‬وحي ل توجد التربية‪ ،‬أو توجد ف صورة فاسدة‪ ،‬فالناس على غرائزهم‬
‫من عبادة القوة وقياس الياة بقياس الشهوات‪.‬‬

‫و ف هذه ا لبيئة تع مل ا لم ‪ -‬بغ ي و عي من ها ‪ -‬ع لى إف ساد م شاعر الر جل نو‬


‫الرأة وصبغها بالدكتاتورية والتحكم الستبد‪ .‬ذلك أن الم الت تدلل طفلها‪ ،‬ول توقفه‬
‫ع ند حد مع قول‪ ،‬ت عوده أن ت كون كلم ته هي ا لمر ال طاع سواء كان ع لى خ طأ أو‬
‫صواب‪ ،‬وتعوده كذلك أل يضبط شهواته ونزعاته‪ ،‬فإذا أوامره الت يريد أن يفرضها على‬
‫ا لخرين هي و حي هذه ال شهوات والن عات‪ ،‬فإن و قف الت مع ا لارجي با ف يه من‬
‫اضطراب وكبت وحرمان دون تقيق الكيان السوي‪ ،‬بله النحرف‪ ،‬عاد الرجل يصب‬
‫سوءاته كلها على من دونه من رجال ونساء وأطفال‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ت لك أبرز عوا مل الف ساد ف الت مع ال شرقي‪ .‬و هي ا لت تن شيء م شكلة ا لرأة‪،‬‬
‫وتضعها ف وضعها الشي‪ .‬فأي تلك العوامل قد نشأ من السلم وأيها يتمشى مع روح‬
‫السلم؟‬

‫آلفقر؟!‬

‫أليس السلم هو الذي رفع التمع إل الدرجة الت ل يوجد فيها فقي يطلب‬
‫الزكاة أو يقبلها ف عهد عمر بن عبد العزيز؟ هذا هو السلم الذي طبق ف واقع الرض‪،‬‬
‫والذي نطلب تطبيقه اليوم‪ .‬إنه النظام الذي يوزع الال توزيعا‪ 5‬عادل‪ 5‬بي طوائف المة "‬
‫كيل ي كون دو لة ب ي الغن ياء من كم " وي قرب ب ي م ستويات ال ناس لنه ي كره ا لترف‬
‫ويرمه‪ ،‬ويكره الفقر ويعمل على إزالته‪.‬‬

‫والفقر هو العامل ا لول ف م شكلة الرأة ال شرقية‪ ،‬فإذا زال فقد ان لت العقدة‬
‫الكبى ووجدت الرأة كرامتها‪ .‬وليس من الضروري أن تعمل الرأة لتكسب ‪ -‬وإن كان‬
‫ذلك حقا‪ 5‬مباحا‪ 5‬لا ‪ -‬ولكن ارتفاع مستوى الثروة لموع الشعب يعل نصيب الرأة من‬

‫)‪(115‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫الياث ‪ -‬وهو نصيب ل تعول منه أحدا‪ 5‬إل نفسها ‪ -‬كفيل‪ 5‬باحترام الرجل لا‪ ،‬ومشجعا‬
‫لا على التمسك بقوقها الت تتخلى عنها خوفا‪ 5‬من مواجهة الفقر‪.‬‬

‫آلظلم السياسي الذي يكبت الرجل فينفس عن حقده البيس ف النل؟!‬

‫و هل كان ال سلم إل ثورة ع لى الظ لم ود عوة إ ل مقاو مة ال ظالي؟ أل يس هو‬


‫الذي وصل ف تربيته للبشر حكاما‪ 5‬ومكومي أن يقول عمر‪ " :‬اسعوا وأطيعوا " فيقول له‬
‫رجل من السلمي‪ :‬ل سع لك علينا ول طاعة حت تبنا من أين لك هذا البد الذي‬
‫ائ تزرت به! فل يغضب ع مر‪ ،‬بل يقر ال سائل ع لى سؤاله وي شرح له حقيقة ا لمر حت‬
‫يقت نع وي قول‪ " :‬ا لن مر‪ ،‬ن سمع ون طع "! هذا هو ال سلم ا لذي عرف ته ا لرض مرة‪،‬‬
‫والذي نطلبه اليوم مرة أخرى‪ .‬وحي يطبق لن يد الناس الكبت الذي يقع عليهم من‬
‫أعلى فيضطرهم إل التنفيس القلوب‪ .‬وستكون معاملة الاكم للمحكوم نباسا‪ 5‬يتذيه‬
‫كل شخص ف معاملة كل شخص‪ ،‬ويتذيه الرجل ف معاملته لزوجته وأطفاله بالعدل‬
‫والسن‪ ،‬والودة والخاء‪.‬‬

‫آلقيم النسانية الابطة؟!‬

‫و هل جاء ال سلم إل لي فع ال ناس عن ال بوط‪ ،‬وي ضع لم الق يم القي قة ا لت‬


‫يصبحون با آدميي؟ " إن أكرمكم عند ال أتقاكم " ل أغناكم ول أقواكم ول أكثركم‬
‫سلطانا‪ .‬وحي ترتفع القيم البشرية إل هذا الستوى ل يكون هناك مال لزدراء الرأة‬
‫لضعفها‪ ،‬بل يكون مقياس النسانية هو حسن معاملة الرجل للمرأة وهو القياس الذي‬
‫وضعه الرسول صراحة حي قال‪ " :‬خيكم خيكم لهله وأنا خيكم لهلي " )‪ (80‬يقصد‬
‫زوجته بتعبي العرب‪ .‬وكان بذه الكلمات‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‪ ،‬عميق الدراك لقائق‬
‫النفوس‪ ،‬فما يعامل أحد إنسانا‪ 5‬تت كفالته بالسوء إل وف نفسه عقد واضطربات تبط‬
‫به ف مقياس الدميي‪.‬‬

‫آلبوط إل عال الغرائز؟!‬

‫‪ ()80‬رواه الترمذي‪.‬‬

‫)‪(116‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ومت أباح السلم للناس أن يعيشوا على غرائزهم بغي تذيب؟ إنه يعترف با‬
‫اعترافا‪ 5‬صريا‪ .‬نعم‪ .‬ولكنه ل يسايرها ف هبوطها ول يقبل أن تستبد بالناس حت تصبح‬
‫هي الكوة الت ينظرون منها إل الياة‪.‬‬

‫ول يس إلزا مه لل مرأة والر جل أن ي قوم كل منه ما بق ضاء حا جة ا لخر هبو طا‬
‫بالن سان إ ل م ستوى الغر يزة‪ .‬وإ نا يق صد ال سلم من ذ لك إ ل إطلق ال ناس من‬
‫ضروراتم‪ ،‬فل تشغل هذه الضرورات بالم وأعصابم‪ ،‬فتمنعهم من توجيه طاقتهم إل‬
‫ميادين النتاج العليا‪ ،‬سواء ف عمل أو فن أو عبادة‪ ،‬أو تلجئهم إل الرية حي يتعذر‬
‫إشباعها بالطريق الشروع‪ .‬ولكنه ل يدع الناس قط إل أن تستغرقهم شهواتم ويشغلهم‬
‫الستمتاع با عن الياة النسانية الرفيعة‪ ،‬فشغل الرجل بالهاد ف سبيل ال‪ ،‬جهادا‪ 5‬دائما‬
‫ل ينقطع‪ ،‬وشغل الرأة بالهاد ف تربية أطفالا ورعاية منلا‪ ،‬حت تصبح لكليهما أهداف‬
‫ل تقف عند حدود الضرورات والشهوات‪.‬‬

‫أم سوء التربية؟!‬

‫لعل أ حد‪5‬ا ل يرؤ أن يقول ذ لك عن ال سلم‪ ،‬والقرآن ك له وال حاديث كلها‬


‫دعوة لتهذيب النفوس وتربيتها على ضبط النفس والتزام العدل واحترام الخرين وحبب•هم‬
‫كما يب النسان نفسه‪.‬‬

‫أ ما التقال يد ا لت يز عم ك تاب ال يوم أ نا هي ا لت تؤخر ا لرأة وتغلف ها بغلف‬


‫اليوانية والمود وضيق الفق والهالة فما هي ف حقيقتها؟‬

‫التقاليد الت ل تنع العلم‪ ،‬ول تنع العمل‪ ،‬ول تنع التعامل النظيف مع التمع ما‬
‫)‪(81‬‬
‫عيبها وما الضرر منها؟‬

‫إ نا ت نع الت بذل الل قي والرقا عة والتفا هة وا لروج إ ل ال شارع لن شر الفت نة‬


‫والنلل‪ .‬فهل بذه الوسائل وحدها تتقدم الرأة وتنال كرامتها؟‬

‫‪ ()81‬نقصد التقاليد السلمية القة ل الدخيل عليها‪ .‬والكتاب الذين يهاجون التقاليد ل يفرقون بي‬
‫هذه وتلك ول يستثنون‪ .‬انظر كتاب " معركة التقاليد "‬

‫)‪(117‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫من ذا ا لذي ي قول إن الطر يق الوح يد ل صقل شخ صية ا لرأة وتزو يدها بالبة‬
‫والتجربة هو أن ترج إل مهاوي الفتنة‪ ،‬فتبذل نفسها لحد الشبان ث تكتشف بعد أن‬
‫تبذل نفسها‪ ،‬أنه شاب وضيع ل يريدها إل للمتاع السدي‪ ،‬ول يترم كيانا كامرأة‪،‬‬
‫فتنصرف عنه إل شاب جديد‪ .‬كما تصنع فتيات الغرب التحضرات الصقولت؟!‬

‫من ي قول ذ لك إل ا لذين يودون أن ت شيع الفاح شة ف الت مع ليح صلوا ع لى‬
‫رغباتم الابطة من أيسر طريق‪ ،‬دون أن تول دونم " التقاليد "؟!‬

‫والتعليم ما وظيفته؟ أو ليس يعطي البة النظرية على القل بشئون الياة؟‬

‫والزواج؟ أليس هو تربة عملية نظيفة تنضج النفوس وتزود العقول بالتجارب؟‬

‫وف مصر كاتب غي مسلم كان يكتب كل أسبوع ف صحيفة أسبوعية ليتناول‬
‫السلم بالغمز والتجريح بالتلميح أو التصريح‪ ،‬ول يفتأ يقول للنساء‪ :‬انبذن تقاليدكن "‬
‫البالية " واخرجن واختلطن بالرجال ف جرأة‪ ،‬واقتحمن الصانع والتاجر للعمل‪ ،‬ل دفعا‬
‫للضرورة‪ ،‬ولكن فقط تديا‪ 5‬للتقاليد الت تتجزكن للمومة ورعاية النتاج البشري!‬

‫و كان هذا ال كاتب يقول إن الرأة تسي ف ال شارع خافضة البصر لنا ل ت ثق‬
‫بكيانا‪ ،‬ويغمرها الوف من الرجل ومن التمع! ولكنها حي " تصقلها التجربة " ترفع‬
‫رأسها متحدية‪ ،‬وتنظر إل الرجال بعيني ثابتتي)‪.(82‬‬

‫وي قول التار يخ إن عائ شة‪ ،‬ا لت ا شتركت ف السيا سة العا مة ف صدر ال سلم‬
‫وقادت اليوش‪ ،‬وخاضت العارك‪ ،‬كانت تكلم الناس من وراء حجاب!‬

‫و ل ي كن غض البصر خلق‪5‬ا ي تص بالن ساء فقط‪ ،‬فإن التار يخ يروي كذلك أن‬
‫ممدا‪ ،5‬صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كان أشد حياء من العذراء‪ .‬ألعله ل يكن يثق بكيانه‪ ،‬ول‬
‫يعرف حقيقة رسالته للبشرية؟!‬

‫‪()82‬هذا الكاتب هو سلمة موسى الذي عاش حياة كاملة هه الول ف كل ما كتب هو غمز السلم !‬
‫شأنه شأن كاتب مسيحي آخر هو جورجي زيدان‪ .‬وقد كان كل منهما طليعة حلة تشتد ف طريقها‬
‫الن!‬

‫)‪(118‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫أل مت يرتفع الكتاب التافهون عن مثل هذه التفاهات؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إن الرأة ف وضع سيء دون شك‪ ،‬ولكن طريقها لتصحيح وضعها ليس طريق‬
‫الرأة الغربية الت لا ظروفها الاصة وانرافاتا الاصة‪.‬‬

‫إن طريقنا لصلح الطأ ف حياة الرأة والرجل على السواء هو العودة إل نظام‬
‫السلم‪ .‬طريقنا أن ندعو جيعا‪ 5‬رجال‪ 5‬ونساء وشبانا‪ 5‬وفتيات إل حكم السلم وشريعة‬
‫ال سلم‪ ،‬وأن نؤمن بذه الق ضية‪ ،‬وننح ها ج هدنا وتفكي نا وعواطف نا‪ .‬وحينئذ‪ ..‬ح ي‬
‫نؤمن ونعمل لتنفيذ ما نؤمن به‪ ،‬يكم السلم‪ ،‬ويرد كل شيء إل مكان الصحيح بل‬
‫ظلم ول طغيان‪.‬‬

‫)‪(119‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫السلم‪ ...‬والعقوبات‬
‫هل يكن أن تطبق اليوم تلك العقوبات المجية الت كانت تطبق ف الصحراء ؟‬
‫هل يوز أن تقطع يد ف ربع دينار؟ اليوم ف القرن العشرين الذي يعتب الرم فيه ضحية‬
‫من ضحايا التمع‪ ،‬ينبغي علجه ول يوز أن تتد إليه يد بالعقاب؟‬

‫إن ال قرن الع شرين ي يز لك مثل‪ 5‬أن تق تل أربع ي أل فا‪ 5‬ف ال شمال ا لفريقي ف‬
‫مزرة واحدة لنم أبرياء‪ ،‬ولكن كيف ييز لك أن تعاقب فردا‪ 5‬واحد‪5‬ا لنه مرم أثيم؟‬

‫ويل للناس من اللفاظ‪ ..‬كم تدعهم عن القيقة؟!‬

‫فلنترك حضارة القرن العشرين تتخبط ف آثامها‪ ،‬ولنبسط فكرة الرية والعقاب‬
‫ف السلم‪.‬‬

‫الرية ف الغالب اعتداء موجه من الفرد إل الماعة )‪ .(83‬ولذلك كانت فكرة‬


‫الرية والعقاب وثيقة الصلة بنظرة المم لطبيعة العلقة بي الفرد والتمع‪.‬‬

‫فالمم الفردية ‪ -‬كدول الغرب الرأسالية ‪ -‬تبالغ ف تقديس الفرد وتعله مور‬
‫الياة الجتماعية كلها‪ ،‬كما تبالغ ف التحريج على حق التمع ف فرض القيود على حرية‬
‫الفرد‪ .‬وتتد هذه النظرة إل الرية والعقاب‪ ،‬فتعطف هذه الدول على الرم عطفا‪ 5‬بالغا‪،5‬‬
‫وتدللـه باعتباره ضحية أوضاع فاسدة أو عقد نفسية أو اضطرابات عصبية ل يكن يلك‬
‫التغلب عليها‪ ،‬ومن ث تاول تفيف العقوبة عنه بقدر المكان‪ ،‬وتظل تففها ف الرائم‬
‫اللقية خاصة حت تكاد ترج با من دائرة العقاب‪.‬‬

‫وهنا يتدخل علم النفس التحليلي ليبر الرية‪.‬‬

‫وقد كان فرويد بطل هذا النقلب التاريي ف النظر إل الرم على انه ضحية‬
‫العقد النسية الت تنتج من كبت التمع والخلق والدين والتقاليد للطاقة النسية الت‬
‫‪ ()83‬كان السلم أول نظام ف الرض اعتب الماعة مرمة ف حق الفرد إذا ل تضمن حياته ‪ ،‬ورتب‬
‫على ذلك حق الفرد ف مقاتلتها لنيل حقوقه‪ .‬انظر فصل " الرية والعقاب " ف كتاب " النسان بي‬
‫الادية والسلم "‪.‬‬

‫)‪(120‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫يب أن تد منصرفها الطليق! ث تبعته مدارس التحليل النفسي سواء اعترفت مثله بأن‬
‫الطاقة النسية هي مركز الياة أم ل تعترف‪ .‬والرم ف نظرها جيعا‪ 5‬ملوق سلب ل يلك‬
‫أمره من تأثي البيئة العامة والظروف الاصة الت نشأ فيها وهو طفل صغي‪ .‬فهم يؤمنون‬
‫با نسميه " البية النفسية " أي أن النسان ل إرادة له ول تصرف ف الطاقة النفسية الت‬
‫تتصرف بطرقة جبية‪.‬‬

‫والمم الماعية على العكس من ذلك تؤمن بأن التمع هو الكائن القدس الذي‬
‫ل ينبغي لفرد أن يرج عليه‪ ،‬ومن هنا تشتد ف عقوبة الفرد الارج على الدولة إل حد‬
‫القتل والتعذيب‪.‬‬

‫وال شيوعية خا صة تؤمن بأن ا لرائم كل ها تن شا من أ سباب اقت صادية‪ ،‬ل من‬
‫أسباب نفسية أصيلة كما يؤمن فرو يد وغيه من العل ماء التحليليي‪ .‬ففي الت مع ا لذي‬
‫ت تل اقت صادياته ل ي كن أن ت‪ñ‬ن شأ الف ضائل‪ ،‬ول يوز أي ضا‪ 5‬معاق بة ا لرم‪ ،‬أ ما ف رو سيا‬
‫ح يث ي سي القت صاد بالعدا لة الطل قة فل ست أدري ل تن شأ ا لرائم‪ ،‬و لاذا ت قام ه ناك‬
‫الاكم والسجون!‬

‫ل ريب على أي حال ف أن كلتا النظرتي تشتمل على شيء من الق وشيء من‬
‫البالغة‪ .‬فالظروف اليطة بالفرد ذات أثر بعيد ف تكوينه‪ ،‬والعقد اللشعورية تدفع أحيانا‬
‫إل الرية‪ .‬ولكن النسان مع ذلك ليس كائن‪5‬ا سلبيا‪ 5‬بتا‪ 5‬بإزاء الظروف‪ .‬إن عيب الللي‬
‫النفسي أنم ‪ -‬بطبيعة عملهم ‪ -‬ينظرون إل الطاقة الركة ف النسان ‪ -‬إل " الدينامو "‬
‫‪ -‬ول ينظرون إل الطاقة الضابطة ‪ -‬إل الفرامل ‪ -‬مع انا جزء أصيل من كيان النفس‬
‫الب شرية غ ي م فروض علي ها من ا لارج‪ .‬إن الطا قة ا لت ت عل الط فل ي ضبط إفرازا ته فل‬
‫يتبول ف فراشه بعد سن معينة ‪ -‬حت ولو ل يدربه أحد ‪ -‬لي ذاتا ‪ -‬أو شبيهة با ‪-‬‬
‫الطاقة الت تضبط انفعالته وتصرفاته فل ينساق دائم‪5‬ا وراء الشهوة الامة أو وراء النوة‬
‫الطارئة‪.‬‬

‫و من جانب آ خر فإن ال ظروف القت صادية ذات أ ثر ف ت كوين م شاعر ا لفراد‬


‫وأعمالم‪ .‬والوع يدفع إل الرية كما يدفع إل السقوط اللقي‪ ،‬با يفكك من كيان‬
‫النفس وما ينمي فيها من الحقاد‪ .‬ولكن القول بأن العامل القتصادي هو الوحيد الذي‬
‫يؤثر ف سلوك البشر قول مبالغ فيه تكذبه وقائع الياة‪ ،‬ويكذبه قيام الرائم ف التاد‬
‫السوفييت ذاته الذي يقول دعاته إنه قضى على الفقر والوع‪.‬‬

‫)‪(121‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫بقي أن نسأل‪ :‬ما مدى مسئولية الرم إذن عن جريته‪ ،‬لكي نوقع ‪ -‬أو ل نوقع‬
‫‪ -‬عليه العقوبات؟‬

‫ومن هذا الانب يأخذ السلم مسألة الرية والعقاب‪.‬‬

‫إنه ل يقرر العقوبات جزافا‪ ،5‬ول ينفذها كذلك بل حساب‪ .‬وله ف ذلك نظرة‬
‫ينفرد با بي كل نظم الرض‪ ،‬نظرة تلتقي حينا‪ 5‬برأي الدول الفردية‪ ،‬وحينا‪ 5‬برأي الدولة‬
‫الماعية‪ ،‬ولكنها تسك بيزان العدالة من منتصفه‪ ،‬وتيط بالظروف واللبسات كلها ف‬
‫وقت واحد‪ ،‬وتنظر إل الرية ف آن واحد بعي الفرد الذي ارتكبها‪ ،‬وعي التمع الذي‬
‫وقعت عليه‪ ،‬ث تقرر الزاء العادل الذي ل ييل مع النظريات النحرفة ول شهوات المم‬
‫والفراد‪.‬‬

‫يقرر السلم عقوبات رادعة قد تبدو قاسية فظة لن يأخذها أخذا‪ 5‬سطحي‪5‬ا بل‬
‫تعن ول تفكي‪ ،‬ولكنه ل يطبقها أبدا‪ 5‬حت يضمن أول‪ 5‬أن الفرد الذي ارتكب الرية قد‬
‫ارتكبها دون مبر ول شبهة اضطرار‪.‬‬

‫فهو يقرر قطع يد السارق‪ ،‬ولكنه ل يقطعها أبدا‪ 5‬وهناك شبهة بأن السرقة نشأت‬
‫من الوع‪.‬‬

‫وهو يقرر رجم الزان والزانية‪ ،‬ولكنه ل يرجهما إل أن يكونا مصني‪ ،‬وإل أن‬
‫يشهد عليهما أربعة شهود بالرؤية القاطعة‪ .‬أي حي يتبجحان بالدعارة حت لياها كل‬
‫هؤلء الشهود‪ ،‬وها متزوجان‪.‬‬

‫وهكذا وهكذا ف جيع العقوبات الت قررها السلم‪.‬‬

‫ونن نأخذ هذا من مبدأ صريح قرره عمر بن الطاب‪ ،‬وهو من أبرز الفقهاء ف‬
‫السلم‪ ،‬وهو فوق ذلك رجل شديد التزمت ف تنفيذ الشريعة‪ ،‬فل يكن اتامه بالبحبحة‬
‫ف التطبيق‪.‬‬

‫وعمر ل ينفذ حد السرقة ف عام الرمادة‪ ،‬عام الوع‪ ،‬حيث كانت الشبهة قائمة‬
‫ف اضطرار الناس للسرقة بسبب الوع‪.‬‬

‫)‪(122‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫والادثة التالية أبلغ ف الدللة وأصرح ف تقرير البدأ الذي نشي إليه‪:‬‬

‫" روى أن غلمانا‪ 5‬لل بن حاطب بن أب بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مزينة‪ ،‬فأتى‬
‫بم عمر‪ ،‬فأقروا‪ ،‬فأمر كثي بن الصلت بقطع أيديهم‪ .‬فلما ول رده ث قال‪ :‬أما وال لول‬
‫أن أعلم أنكم تستعملونم وتيعونم حت إن أحدهم لو أكل ما حرم ال عليه لل له‪،‬‬
‫لقطعت أيديهم‪ .‬ث وجه القول لبن حاطب بن أب بلتعة فقال‪ :‬وأي ال إذ ل أفعل ذلك‬
‫لغرمنك غرامة توجعك! ث قال يا مزن‪ ،‬بكم أريدت منك ناقتك؟ قال‪ :‬بأربعمائة قال‬
‫عمر لبن حاطب‪ :‬اذهب فأعطه ثانائة "‬

‫فه نا م بدأ صريح ل يت مل التأو يل‪ ،‬هو أن ق يام ظروف تدفع إ ل الر ية ي نع‬
‫تطبيق الدود‪ ،‬عمل‪ 5‬بديث الرسول صلى ال عليه وسلم‪ " :‬ادرأوا الدود بالشبهات "‬
‫)‪.(84‬‬

‫فإذا استعرضنا سيا سة ال سلم ف ج يع العقو بات الت قررها‪ ،‬و جدنا أ نه يل جأ‬
‫أول‪ 5‬إل وقاية التمع من السباب الت تؤدي إل الرية‪ ،‬وبعد ذلك ل قبله يقرر عقوبته‬
‫الراد عة وهو مطمئن إل عدالة هذه العقوبة‪ ،‬بالنسبة لشخص ل يدفعه إل جري ته مبر‬
‫معقول‪ .‬فإذا عجز التمع لسبب من السباب عن منع مبرات الرية‪ ،‬أو قامت الشبهة‬
‫عليها ف صورة من الصور‪ ،‬فهنا يسقط الد بسبب هذه الظروف الخففة‪ ،‬ويلجأ ول‬
‫ا لمر إ ل إطلق سراح ا لرم أو توق يع عقو بات التعز ير ‪ -‬كال ضرب وال بس ‪ -‬ب سب‬
‫درجة الضطرار أو درجة السئولية عن الرية‪.‬‬

‫فهو مثل‪ 5‬يسعى إل توزيع الثروة توزيعا‪ 5‬عادل‪ ،5‬وقد وصل ف عهد عمر بن عبد‬
‫العزيز إل إلغاء الفقر من التمع‪ .‬ويعتب الدولة مسئولة عن كفالة كل فرد فيها بصرف‬
‫النظر عن دينه وجنسه ولغته ولونه ومكانه ف الياة الجتماعية‪ .‬والدولة تكفل أفرادها‬
‫بإياد العمل الكري لم‪ .‬أو من بيت الال إذا ل يوجد عمل‪ ،‬أو عجز عنه فرد من الفراد‪.‬‬
‫وبذلك ينع السلم الدوافع العقولة للسرقة‪ .‬ومع ذلك يقق ف كل جرية تقع‪ ،‬ليتأكد‬
‫قبل توقيع العقوبة أن مرتكبها ل يرتكبها بدافع الضطرار‪.‬‬

‫وهو يعترف بقوة الدافع النسي وعنف إلاحه على البشر‪ .‬ولكنه يعمل على‬
‫إشباع هذا الدافع بالطريق الشروع‪ :‬طريق الزواج‪ ،‬فيدعو إل الزواج البكر‪ ،‬ويعي على‬

‫‪()84‬رواه عبد ال بن عباس‪ .‬انظر فصل‪ 5‬بذا العنوان ف كتاب " قبسات من الرسول "‬

‫)‪(123‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫إتامه من بيت الال إذا حالت الظروف الاصة دون إتامه‪ .‬ويرص كذلك على تنظيف‬
‫التمع من كل وسائل الغراء الت تثي الشهوة‪ ،‬وعلى وضع الهداف العليا الت تستنفد‬
‫الطاقة اليوية الفائضة وتوجهها ف سبيل الي‪ ،‬وعلى شغل أوقات الفراغ ف التقرب إل‬
‫ال‪ ،‬وبذلك كله ينع الدوافع الت تبر الرية‪ .‬ومع ذلك فهو ل يبادر بتوقيع العقوبة حت‬
‫يكون مرتكبها قد تبجح با استهتارا‪ 5‬بتقاليد التمع وإمعانا‪ 5‬ف البوط اليوان حت لياه‬
‫أربعة شهود‪.‬‬

‫وأول ما يت بادر إ ل ا لذهن هو أن ا لحوال القت صادية والجتماع ية واللق ية‬


‫الوجودة اليوم‪ ،‬كلها تباعد بي الشباب وبي الزواج‪ ،‬وتقرب بينهم وبي الرية‪ .‬وذلك‬
‫صحيح‪ .‬وال سلم ينب غي أن يؤ خذ ك له وإل ف هو غ ي م سؤول عن انرا فات الاهل ية‪.‬‬
‫وحي يكم السلم فلن تكون هذه الثيات النونية الت تدفع الشباب دفعا‪ 5‬إل البوط‪.‬‬
‫لن تكون السينما العارية والصحافة الليعة والل غان البتذلة والفتنة الائجة ف الطريق‪.‬‬
‫ولن يكون الفقر الذي ينع الناس من الزواج‪ .‬وعندئذ فقط يطالب الناس بالفضيلة وهم‬
‫قادرون عليها وتوقع عليهم العقوبة وهم غي معذورين‪.‬‬

‫وهكذا شان السلم ف بقية العقوبات‪ .‬يعمل على وقاية التمع أول‪ 5‬من دوافع‬
‫الرية‪ ،‬ث يدرأ الدود بالشبهات زيادة ف الحتياط‪ .‬فأي نظام ف الدنيا كلها يبلغ هذه‬
‫العدالة؟‬

‫وإن " الفرنج " الذين يشى السلمون تشنيعهم على السلم بسبب تطبيق هذه‬
‫العقوبات ليستفظعونا ويرون فيها إهدارا‪ 5‬لكيان الفرد واستهتارا‪ 5‬بشأنه‪ ،‬لنم ل يدرسوا‬
‫ن ظرة ال سلم للجر ية والع قاب ع لى حقيقت ها‪ .‬و لنم يت صورون خ طأ أ نا كعقو باتم "‬
‫الدن ية " ستطبق كل يوم‪ ،‬فيتصورون ف التمع السلمي مزرة هائلة‪ :‬هذا يلد وهذا‬
‫يقطع وهذا يرجم‪ .‬ولكن الواقع أن هذه العقوبات الرادعة ل تكاد تنفذ‪.‬‬

‫ويكفي أن نعلم أن حد السرقة ل ينفذ إل ست مرات ف أربعمائة سنة لنعرف‬


‫أنا عقوبات قصد با التخويف الذي ينع وقوعها ابتداء‪ .‬كما أن معرفتنا بطريقة السلم‬
‫ف وقاية التمع من أسباب الرية قبل توق يع العقوبة تعلنا ف اطمئنان تام إل العدالة ف‬
‫الالت النادرة الت توقع فيها هذه الدود‪.‬‬

‫)‪(124‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ولن يد هؤلء " الفرنج " أو غيهم ما يشونه من تطبيق الكم السلمي إل‬
‫أن يكون كلهم مرمي بالطبع‪ ،‬مصرين على الجرام رغم انتفاء البرات الت تدفعهم إل‬
‫الرية!‬

‫وربا خيل لبعض الناس أنا إذن عقوبات صورية ل قيمة لا ف الواقع‪ .‬وهذا غي‬
‫صحيح‪ .‬فهي موجودة لتخويف بعض الفراد الذين ل يلجئهم إل الرية دافع معقول‪،‬‬
‫ولكنهم مع ذلك يسون ميل‪ 5‬إليها وإقبال‪ 5‬على ارتكابا‪ ،‬فمهما تكن أسباب هذا الدافع‬
‫فسوف يراجع هؤلء الفراد أنفسهم مرات عديدة قبل ارتكاب الرية خوفا‪ 5‬من العقاب ‪.‬‬
‫وإن من حق التمع ما دام يعمل ف سبيل الي‪ ،‬ويرعى الميع بعنايته‪ ،‬أن يطمئن على‬
‫أرواحه وأعراضه وأمواله أن تتد إليها يد العدوان‪ .‬ث إن السلم ل يتنع عن علج هؤلء‬
‫الناعي إل الرية بغي مبر واضح‪ ،‬ول يتركهم ‪ -‬إذا اكتشفهم ‪ -‬فريسة لا ينطوون‬
‫عليه من انراف‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلك عقوبات السلم الت يي شاها الشباب " الثقف " والت ينفر منها بعض‬
‫فق هاء ال قانون لئل ي صمهم الفر نج بالمج ية والن طاط! أل من يعل ل‪í‬م هؤلء و هؤلء‬
‫حكمة هذا التشريع السلمي الرفيع!‬

‫)‪(125‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫السلم‪ ...‬والضارة‬
‫أتريدون أن ترجعوا بنا ألف سنة إل الوراء‪ ..‬إل عهد اليام؟‬

‫ل قد كان ال سلم صالا‪ 5‬لولئك ال فاة ال فاة من ا لل عراب ق بل أ لف عام‪.‬‬


‫وكانت سذاجته وبدائيته مناسبة للبيئة البدوية الت نشأ فيها‪ .‬أما اليوم فهل يصلح ف عهد‬
‫الدن ية وال ضارة الل ية؟ ع صر ال طائرات ال صاروخية والقنا بل اليدروجين ية وناط حات‬
‫السحاب والسينما السمة؟!‬

‫إنه دين جامد ل يتفاعل مع الضارة الديثة‪ ،‬ول مناص من نبذه إذا أردنا أن‬
‫نتحضر كبقية خلق ال!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫شبهة غب ية ل ي قول با أ حد درس تار يخ هذا ا لدين‪ .‬وإل فأين و مت و قف‬
‫السلم ف طريق الضارة؟‬

‫لقد نزل السلم ‪ -‬فيما نزل ‪ -‬ف قوم نصفهم من العراب‪ ،‬بلغ من جفوتم‬
‫وغل ظة ق لوبم أن ي قول في هم ال قرآن‪ " :‬ا لعراب أ شد ك فرا‪ 5‬ونفا قا‪ 5‬وأ جدر أل يعل موا‬
‫حدود ما أ نزل ا ل ع لى ر سوله " ف كانت معجز ته العظ مى أن ج عل من هؤلء الغلظ‬
‫الفاة أمة من الدميي‪ ،‬ل يكتفون بأنم اهتدوا بدى ال فارتفعوا من حيوانيتهم إل آفاق‬
‫الن سانية الرفي عة‪ ،‬بل أ صبحوا هم أنف سهم هداة الب شرية يدعونا إ ل هدى ا ل‪ .‬وذ لك‬
‫وحده برهان على ما ف هذا الدين من قدرة عجيبة على تضي الناس وتذيب النفوس‪.‬‬

‫ولكن السلم ل يكتف بذا العمل البار ف داخل النفوس‪ .‬وهو العملية القيقية‬
‫ا لت ت ستأهل ال هد وت ستحق الت سجيل‪ ،‬ل نا ا لدف ا لخي من كل ا لدنيات‬
‫والضارات‪ ..‬ل يكتف السلم بذا التهذيب العميق للفكار والشاعر‪ ،‬بل ضم إليه كل‬
‫مظاهر الدنية الت يهتم با الناس اليوم ويسبونا لباب الياة‪ ،‬فتبن ن•ى كل الضارات الت‬
‫و جدها ف البلد الفتو حة ف مصر و فارس وبلد ا لروم‪ ،‬ما دامت ل تالف عق يدته ف‬

‫)‪(126‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وحدانية ال ول تصرف الناس عن الي الواجب لعباد ال‪ .‬ث تبن ن•ى كل الركة العلمية‬
‫الت كانت لدى اليونان من طب وفلك ورياضة وطبيعة وكيمياء وفلسفة‪ ،‬ث أضاف إليها‬
‫صفحات جديدة تشهد بتعمق السلمي ف البحث‪ ،‬واشتغالم الدي بالعلم‪ ،‬حت كانت‬
‫خلصة ذلك كله ف الندلس هي الت قامت عليها نضة أوربا الديثة وفتوحاتا ف العلم‬
‫والختراع‪.‬‬

‫فمت؟ مت وقف السلم ف وجه حضارة نافعة للناس؟‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أما موقف السلم من الضارة الغربية السائدة اليوم فهو موقفه من كل حضارة‬
‫سابقة‪ .‬يتقبل كل ما تستطيع أن تنحه من خي‪ ،‬ويرفض ما فيها من شرور‪ .‬فهو ل يدعو‬
‫‪ -‬و ل يدع قط ‪ -‬إ ل عز لة علم ية أو ماد ية‪ ،‬ول ي عادي ال ضارات ا لخرى م عاداة‬
‫شخصية أو عنصرية‪ ،‬ليانه بوحدة البشرية واتصال الوشائج بي البشر من جيع الجناس‬
‫وجيع التاهات‪.‬‬

‫وإذن فل خوف من أن ت قف ا لدعوة ال سلمية دون ا ستخدام ثار ال ضارة‬


‫الدي ثة ك ما يف هم ب عض البل هاء من الثقف ي‪ .‬و لن ي شترط ال سلمون أن ت كون ا لدوات‬
‫وا للت مكتو با‪ 5‬علي ها " ب سم ا ل الر حن الرح يم " حت يقب لوا ا ستخدامها ف م نازلم‬
‫ومصانعهم ومزارعهم ومتلف مرافق حياتم! وإنا يكفي أن يستخدموها هم باسم ال‬
‫و ف سبيل ا ل‪ .‬وال لة ف ذا تا ل ي كن أن ي كون لا د ين ول ج نس ول و طن‪ .‬ول كن‬
‫الدف من استخدامها هو الذي يتأثر بأولئك جيعا‪ .‬فالدفع ف ذاته إنتاج بشري ل عنوان‬
‫له‪ ،‬ولك نك ح ي ت ستخدمه ل ت كون م سلما‪ 5‬إذا ا ستخدمته ف الع تداء ع لى ا لخرين‪،‬‬
‫ف شرط ا ستخدامه ف ال سلم أن ي كون دف عا‪ 5‬ل عدوان أو إحقا ق‪5‬ا لكل مة ا ل ف ا لرض‪.‬‬
‫وال سينما ف ذا تا إن تاج ب شري كذلك‪ .‬وت ستطيع أن ت كون م سلما‪ 5‬ح ي ت ستخدمها ف‬
‫عرض العوا طف النظي فة والن سانية الرفي عة و صراع الح ياء ف سبيل ال ي‪ ،‬ولك نك ل‬
‫ت كون م سلما‪ 5‬وأ نت ت ستخدمها ل عرض الج ساد العار ية وال شهوات العار ية والن سانية‬
‫الابطة ف حأة الرذيلة‪ .‬الرذيلة من كل نوع‪ .‬خلقية كانت أم فكرية أم روحية‪ .‬فليس‬
‫عيب الفلم التافهة الت تغرق السواق هو مرد استثارة الغرائز الدنيا‪ ،‬ولكنه توين الياة‬
‫وحصرها ف أهداف تافهة رخيصة ل يكن أن تكون غذاء“ لبشرية صالة‪.‬‬

‫)‪(127‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وكذلك ل تقف الدعوة السلمية دون التفاعل مع التجارب العلمية الت تنتجها‬
‫الب شرية ف أي م كان ع لى ا لرض‪ .‬ف كل تر بة ب شرية صالة هي غذاء يب أن ير به‬
‫ال سلمون‪ ،‬و قد قال الر سول صلى ا ل عل يه و سلم‪ " :‬ط لب الع لم فري ضة " واع لم ح ي‬
‫يطلق هكذا يشمل كل علم‪ ،‬وقد كانت دعوة الرسول إل العلم كافة‪ ،‬ومن كل سبيل‪.‬‬

‫كل! ل خوف من وقوف السلم ف وجه الضارة ما دامت نفعا‪ 5‬للبشرية‪ .‬أما‬
‫إذا كانت ال ضارة هي ال مر والي سر‪ ،‬وا لدعارة اللق ية‪ ،‬وال ستعمار ا لدنء‪ ،‬وا ستعباد‬
‫الب شر تت مت لف العنوا نات‪ ،‬فحي نذاك ي قف ال سلم ح قا‪ 5‬ف و جه هذه " ال ضارة "‬
‫الزعومة‪ ،‬ويقيم نفسه حاجزا‪ 5‬بي الناس وبي التردي ف مهاوي اللك‪.‬‬

‫)‪(128‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫السلم‪ ...‬والرجعع‪V‬ية‬
‫وتريدون أن نجز أفكارنا ومشاعرنا فنقف عند أوضاع ل تعد اليوم مقبولة ول‬
‫منطق ية مع ال ياة الد يدة‪ ،‬وتقال يد و ضعت لج يال غ ي هذه الج يال‪ ،‬وا ستنفدت‬
‫أغراضها‪ ،‬وأصبحت اليوم رجعية تعوق التقدم وقيدا‪ 5‬يعوق النطلق؟‬

‫أما تزالون تصر ر‪ò‬ون على تري الربا‪ ،‬وهو ضرورة اقتصادية ل غن عنها ف العال‬
‫الديث؟‬

‫وتصرون على جع الزكاة وتوزيعها ف مل جبايتها؛ وهي بدائية ل تتفق مع مع‬


‫نظام الدولة الديثة‪ ،‬فضل‪ 5‬عن أنا تشعر الفقراء من أهل القرية أو الدينة أن فلنا‪ 5‬من‬
‫الثرياء هو الذي يسن إليهم‪ ،‬فيظلون أذلء له خاضعي لسلطانه؟‬

‫وت صرون ع لى تر ي ال مر والي سر والختلط ب ي الن سي والر قص ال شترك‬


‫وا تاذ الليلت واللن‪ ،‬وذ لك ك له ضرورة اجتماع ية ف الع صر ا لديث ل ي كن‬
‫الستغناء عنها ول وقفها لنا " تطور " ل بد• أن يأخذ طريقه؟‬

‫أف لكم! أية رجعية تنادون با أيها السلمون!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وهذا الذي يقولونه صحيح من جانب‪ ،‬وخطأ ومغالطة من جانب آخر‪.‬‬

‫صحيح أن ال سلم يرم الر با‪ .‬ولكن ل يس صحيحا‪ 5‬أن الربا ضرورة اقتصادية‪.‬‬
‫وف العال اليوم نظريتان اقتصاديتان ل تقومان على الربا‪ :‬ها النظرية السلمية والنظرية‬
‫الشيوعية على اختلف ما بينهما ف الصل والتاه‪ .‬كل السألة أن الشيوعية قد وجدت‬
‫القوة الت تنفذ با نظامها واقتصادياتا‪ ،‬والسلم ل يمع قوته بعد؛ ولكنه ف طريقه إل‬
‫القوة‪ .‬وهو صائر إليها بكم طبائع الشياء‪ ،‬وبكم جيع الدللت الكامنة ف الصراع‬
‫القائم اليوم ف متلف بلد العال‪ ،‬وهي دللت توحي كلها ببعث إسلمي جديد‪.‬‬

‫)‪(129‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وحي يكم السلم فسوف يقيم اقتصادياته على غي الربا‪ ،‬فل تعجزه ضرورة‬
‫اقتصادية‪ .‬كما أقامت الشيوعية نظامها على غي الربا فلم تعجزها هذه الضرورة الوهية‪.‬‬

‫ليس الربا إذن ضرورة ل مناص منها للعال الديث‪ .‬وإنا هو ضرورة فقط ف‬
‫العال الرأسال‪ ،‬لن الرأسالية ل يكن أن تقوم بدونه‪ .‬ومع ذلك فكبار القتصاديي ف‬
‫الغرب الرأسال من أمثال الدكتور شاخت ينددون بنظام الربا ويقولون إن نتيجته التمية‬
‫على مر الجيال هي تركيز الثروة ف أيدي فئة قليلة من الناس‪ ،‬وحرمان الموع منها‬
‫رويدا‪ 5‬رويدا‪ ،5‬ووقوع الليي ‪ -‬تبعا‪ 5‬لذلك ‪ -‬ف العبودية لذه الفئة الصغية الالكة للثروة‪.‬‬
‫ونن نرى مصداق ذلك ف الرأسالية الالية بغي حاجة إل تعمق ف دراسة القتصاد ‪ .‬وقد‬
‫كان من معجزات النظام السلمي أنه حرم الربا والحتكار ‪ -‬وها دعامتا الرأسالية ‪-‬‬
‫قبل ظهور الرأسالية با يقرب من ألف عام‪ ،‬لن ال الذي نز•ل هذا الدين يرى الجيال‬
‫كلها ف وقت واحد‪ ،‬ويعلم ‪ -‬وهو العليم البي ‪ -‬ما يؤدي إليه الربا من كوارث ف عال‬
‫القتصاد‪ ،‬فضل‪ 5‬عما يثيه بي طوائف المة من الحن والحقاد‪.‬‬

‫وإن من أع جب الع جب أن كات ب‪5‬ا " مكاف حا‪ " !5‬ف إ حدى ال صحف ال سبوعية‬
‫ي ندد بال سلم ل صراره ع لى تر ي الر با‪ ،‬ف ا لوقت ا لذي يعت نق هذا ال كاتب م بادئ‬
‫الشتراكية الت تقوم على غي أساس الربا‪ ،‬وف الوقت الذي بدأت الرأسالية ذاتا تتنصل‬
‫من عواقب الربا وتتحول رويد‪5‬ا رويدا‪ 5‬إل الشتراكية! فليست السألة إذن مبادئ يعتنقها‬
‫صاحبها عن فهم وإيان‪ .‬وإنا هي مرد شهوة ف التهجم على السلم!‬

‫و من الع جب كذلك أن وز يراا " م سلما‪5‬ا " ق ضى شبابه منتم ياا‪ 5‬إ ل هيئة دين ية‪،‬‬
‫ياول ‪ -‬إرضاء لرؤوس الموال الجنبية ‪ -‬أن يتطوع فينفي عن السلم تمة المود )!(‬
‫فيقول إ نه آن الوان لراجعة تشريع الربا ف السلم‪ " ،‬لنتطور " به تبعا‪ 5‬للظروف القائمة‬
‫ال يوم! في شتري ر ضاء ال سادة أ صحاب رؤوس ا لموال بغ ضب ا ل‪ ،‬ويتم سح بالتطور‬
‫القتصادي وهو أجهل الناس به إن كان يقصد حقا‪ 5‬ما يقول! وكذلك فعل شيخ للزهر‬
‫يرف الكلم عن مواضعه‪ ،‬بعدما كان له رأي سابق ‪ -‬قبل الشيخة ‪ -‬يرم فيه الربا بتاتا‪،5‬‬
‫ويقول الق فيه!‬

‫إن الربا ضرورة مذلة بالنسبة إلينا اليوم‪ ،‬لن اقتصادياتنا ما زالت معتمدة على‬
‫العون الارجي‪ .‬ولكن الضوع لذه الضرورة حت تنتهي شيء‪ ،‬والتطور الزعوم شيء‬
‫آخر‪ .‬وف اليوم الذي تستقل فيه اقتصادياتنا ف العال السلمي بأجعه وتستطيع الوقوف‬

‫)‪(130‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫على قدميها‪ ،‬وتكون علقتنا مع العال على أساس التبادل الر ل على أساس الضوع‪..‬‬
‫ف ذلك اليوم نقيم اقتصادياتنا على قواعد السلم‪ ،‬ونرم الربا‪ ،‬فنكون بالنسبة للعال كله‬
‫تقدميي متطورين!‬

‫أما الزكاة فقد تدثنا عنها قي فصل سابق با ل يدع مال‪ 5‬للشك ف صفتها‪،‬‬
‫وهل هي إحسان منوح للفقراء‪ ،‬أم حق تؤديه الدولة بتكليف من ال من‪í‬ل التشريع‪.‬‬

‫ولكن الشبهة هنا هي ملية الزكاة‪ .‬أي توزيعها ف مكان جبايتها‪.‬‬

‫ويضحك النسان من بلهة " الثقفي " حي يرون النظام الواحد يأت من الغرب‬
‫" التحضر " فيفتحون أفواههم عجبا‪ 5‬وإعجاب‪5‬ا بآخر " تطورات " الضارة‪ ،‬والنظام ذاته‬
‫يأت من طريق السلم فيكون رمز التأخر والنطاط والمود!‬

‫آخر تطورات النظام الداري ف أمريكا هو اللمركزية الكاملة‪ .‬فالقرية وحدة‬


‫اقتصادية وسياسية واجتماعية مستقلة‪ ،‬ف حدود ترابطها بالدينة وبالولية‪ ،‬ث بالكومة‬
‫الركزية للوليات التحدة‪ .‬وف هذه الوحدة الستقلة تب الضرائب الت يفرضها اللس‬
‫ال قروي بن سب معي نة‪ .‬ث تن فق ف ذات القر ية‪ ،‬ف شئون تعليم ها و صحتها وو سائل‬
‫مواصلتا وخدماتا الجتماعية‪ ..‬ال‪ .‬فإذا فضلت منها فضلة أرسلتها " الكومة " الدينة‬
‫أو الولية‪ .‬أما إذا احتاجت فهي تستمد من هناك‪ .‬وهو نظام جيل ف ذاته لنه يوزع‬
‫الع مل ول يث قل به كا هل الكو مة الركز ية ا لت ل ي كن أن ت عرف حا جات الو حدات‬
‫الصغية أو تقوم با‪ ،‬كما يعرفها ويقوم با أهلها الليون‪.‬‬

‫والثقفون هنا يهللون لذا النظام ويكبون‪..‬‬

‫والسلم التأخر قد اهتدى إل هذا النظام قبل ألف وثلثمائة عام‪.‬‬

‫فجعل جباية الضرائب ملية‪ ،‬وجعل صرفها ملياا‪ 5‬كذلك‪ ،‬فإذا فضلت منها فضلة‬
‫أرسلت إل بيت الال العام‪ ،‬وإذا قصرت أخذ لا من بيت الال‪.‬‬

‫هذا هو البدأ الذي قرره السلم لسن توزيع العمل وإقامة اللمركزية ف نظام‬
‫الكم‪ .‬وهو الذي يندد الثقفون لنه تأخر وانطاط!‬

‫)‪(131‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫أما طريقة توزيع الزكاة فقد أسلفنا الديث عنها‪ .‬وقلنا إنه ليس ف السلم ما‬
‫ي تم صرفها ن قدا‪ 5‬وعي نا‪ 5‬فح سب‪ ،‬ول يس ما ي نع من توزيع ها ف صورة مدارس‬
‫ومستشفيات وخدمات اجتماعية‪ ،‬بالضافة إل النفاق الباشر على العاجزين عن العمل‬
‫بسبب الضعف والشيخوخة والطفولة‪ ..‬إل‪.‬‬

‫فإذا طبقنا السلم ف التمع الاضر‪ ،‬فلن نصنع أكثر من إقامة وحدات صغية‬
‫تقوم بشئون نفسها ف حدود ارتباطها براكزها القليمية‪ ،‬وبالدولة‪ ،‬وبالعال السلمي‪،‬‬
‫وبالعال الواسع ك له ف ناية الطاف‪ .‬ونكون بذلك تقدميي سابقي ف التطور لكل أمم‬
‫الرض الت تعجب الثقفي‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أما المر واليسر والختلط بي النسي فحقيقة يرمها السلم‪ ،‬ويصر على‬
‫تريها مهما ندد به التقدميون والتقدميات!‬

‫والدل ف أمرها قد يطول‪ .‬ولكنا نأخذ السألة من أقرب طريق‪ .‬ويكفي من أمر‬
‫المر أن تقوم ف فرنسا الداعراة الت ل تفيق‪ ..‬امرأة ‪ -‬نائبة ف البلان ‪ -‬تطالب بتحري‬
‫المر!! يكفي ذلك للرد على الخمورين والخمورات ف عصر الدنية الديثة!‬

‫ولست أجد ف نفسي ف الواقع احتراما‪ 5‬للخمر‪ .‬ولكن أعلم أنا انعكاس متمع‬
‫مر يض ف ن فس فرد مر يض‪ .‬فالتمع ا لذي ت شتد ف يه فوارق الطب قات فتع يش طب قة ف‬
‫الترف الفاجر الذي يبلد الس فيحتاج إل منشطات صناعية‪ ..‬وطبقة ف الرمان الكافر‬
‫الذي يتاج إل " مغيبات " يهرب با النسان من الواقع السيئ الذي يعيش فيه‪ .‬والتمع‬
‫الذي يسوده الرهاب والجز على الراء والفكار‪ .‬والتمع الذي يجر مشاعره الصراع‬
‫ع لى لق مة الع يش‪ ،‬أو ي ضفي عل يه الكآ بة طن ي ا للت الز عج ال كرر ا لوتية‪ ،‬والل سة‬
‫الطويلة الملة على الكاتب وراء الدران‪..‬‬

‫هذا التمع يلجأ للخمر وغيها من الخدرات‪ ،‬ليخلق لنفسه ف الحلم عالا‬
‫آخر خالي‪5‬ا من الشقاء‪.‬‬

‫ولكن هذا كله ل يبر وجودها‪.‬‬

‫)‪(132‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫إن وجودها دليل على الرض‪ ،‬وداع إل إزالة أسبابه‪ .‬وحي حرر‪é‬م السلم المر‬
‫ل يسقط من حسابه " البرات " الت تدفع إليها‪ ،‬بل عمل على إزالة هذه البرات أول‪،5‬‬
‫ث جاء التحري بعد ذلك‪ .‬فلتتعلم الدن ية الديثة من السلم كيف يعال أمراض النفوس‬
‫بالتنظيم القتصادي والجتماعي والسياسي والفكري والروحي والسدي‪ ..‬قبل أن تفتح‬
‫فمها بانتقاد السلم‪.‬‬

‫واليسر ل يرضى عنه أحد إل الفارغون والفارغات من التافهي‪ .‬فل يتاج منها‬
‫إل إطالة الديث‪.‬‬

‫أما الذي يثور بشأنه الدل فهو مسألة الختلط‪.‬‬

‫إل مت سنظل متأخرين؟ إل مت سنقف ف سبيل الدنية والتقدم؟! " يا سلم "‬
‫على مدنية فرنسا؟ هناك يقف العاشقان ف الطريق العام متعانقي متشابكي‪ ،‬مستغرقي ف‬
‫قبلة عميقة لذيذة‪ ،‬فل يكدر صفوها النطاع من دعاة الفضيلة‪ ،‬ويقف رجل البوليس‬
‫يميه ما من حر كة ا لرور أن تزعجه ما ق بل النت هاء من هذا " ال بوز " الف ن الم يل‪.‬‬
‫والويل كل الويل لن ينظر إليهما نظرة استنكار‪ ،‬فإنه يبوء وحده بالزدراء والحتقار!‬

‫" ويا سلم " على مدنية أمريكا! القوم هناك صرحاء مع أنفسهم‪ ،‬ل يدورون‬
‫ول ي نافقون‪ .‬عر فوا أن ال نس ضرورة بيولوج ية فاعترفوا بال ضرورة‪ ،‬وي سروا سبلها‪،‬‬
‫ومنحو ها رعا ية الت مع واهت مامه‪ .‬فل كل فت صديقة ول كل ف تاة صديق‪ ،‬ير جان م عاا‬
‫ويدخلن معا‪ ،5‬ويتنهان معا‪ 5‬نزهات خلوية يقضيان فيها الضرورة‪ ،‬ويتخلصان من ثقلها‬
‫على السم والنفس والعصاب‪ .‬فينطلقان ف الغداة نشيطي مقبلي على عملهما بالبشر‬
‫والنشراح‪ ،‬فينتجان‪ ،‬وينجحان‪ ،‬وتتقدم المة كلها إل المام‪.‬‬

‫نعم!‬

‫وفرن سا هي ا لت خرر‪é‬ت راك عة ذلي لة ع ند أول ضربة وجه ها إلي ها ال لان‪ .‬ل‬
‫لن قص م عداتا وا ستعدادها الر ب ف قط‪ ،‬ول كن ل نا أ مة ل كرا مة لا تذود عن ها‪ .‬أ مة‬
‫غرقت ف الشهوات الابطة‪ ،‬واستغرقها التاع السي‪ ،‬فخافت على عمائر باريس الفاخرة‬
‫ومراق صها ال فاجرة أن تطم ها القنا بل و يدمرها الق تال‪ .‬ف هل هذا هو ا لذي يدعونا إل يه‬
‫الثقفون؟ أم أنم قوم مدوعون‪ ،‬ل يفقهون ما يقولون؟‬

‫)‪(133‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وأمريكا الت تايل للمستغفلي ف الشرق‪..‬‬

‫أأ‪ð‬جري إحصاء ف إحدى الدن هناك فظهر أن ‪ %38‬من فتيات الدارس الثانوية‬
‫حبال! وتقل النسبة بي طالبات الامعة لنن أكثر تربة وأخب باستخدام موانع المل!‬

‫فهل هذا ما يدعو إليه الثقفون؟ أم إنم مدوعون‪ ،‬يقولون ما ل يفقهون؟‬

‫إن التخلص من ثقلة النس على العصاب هدف صحيح‪ ،‬والسلم يوليه أكب‬
‫ع نايته‪ ،‬لنه يع لم ‪ -‬ق بل أن يكت شف المري كان ذ لك ‪ -‬أن ا شتغال الروم ي ب سائل‬
‫النس يعطلهم عن قدر من النتاج‪ ،‬ويبسهم ف ميدان الضرورة فل يرتفعون إل ريثما‬
‫يعودون فيهبطون‪ .‬ولكن الدف الصحيح ينبغي أن تتخذ له الوسائل الصحيحة‪ .‬وتلويث‬
‫الت مع ك له‪ ،‬وإطلق فت يانه وفت ياته كالب هائم ي نو بع ضهم ع لى ب عض ل يس هو الطر يق‬
‫ال صحيح‪ .‬فإذا كان الن تاج ا لمريكي ال ضخم نا تا‪ - 5‬ك ما يف هم الغف لون ‪ -‬من هذه‬
‫الفوضى النسية‪ ،‬فليعلموا أول‪ 5‬أنه إنتاج مادي بت‪ ،‬يكن أن يغن فيه النسان الل عما‬
‫قريب عن النسان الي‪ .‬أما ف عال الفكار والبادئ فأمريكا هي الت تسترق الزنوج‬
‫أبشع استرقاق عرفته البشرية ف تاريها الديث‪ ،‬وهي الت تؤيد كل قضية استعمار على‬
‫ظهر الرض‪.‬ول يكن الفصل بيي البوط النفسي التمثل ف حيوانية الغريزة‪ ،‬والبوط‬
‫النف سي التم ثل ف ال سترقاق وال ستعمار‪ ،‬فكل ها ا ندار ل ي كن أن يل جأ إل يه "‬
‫التحضرون "‪.‬‬

‫أما البهجة الت تشمل التمع حي ترج إليه الرأة متبجة خفيفة رشيقة ترف من‬
‫حولا الشواق وتفو إليها النظار والقلوب … هذه البهجة حقيقة واقعة دون شك‪.‬‬
‫فالصحاف الختلفة من الطعام أشهى بل ريب من اللون الواحد الكرور‪.‬‬

‫ولك نا ف حا جة أول‪ 5‬إ ل تد يد ال هداف‪ .‬هل مهمت نا ف ال ياة أن نأ خذ أ كب‬


‫نصيب من البهجة والسرور بصرف النظر عن بقية الهداف؟ وهل أنكر أحد ف القدي أو‬
‫الديث أن الشهوات لذيذة مببة إل الناس؟ ولاذا إذن سيت " ملذات "؟ إن هذه البهجة‬
‫ليست اكتشافا‪ 5‬حديثا‪ 5‬يعثر عليه الغرب ف القرن العشرين‪ ،‬فقد عرفتها اليونان من قبل‬
‫و فارس ورو ما وغر قت في ها إ ل الذ قان‪ .‬ث ماذا؟ ث دا لت كل دو لة من هؤلء ح ي‬
‫ا ستغرقت ف شهواتا الر مة‪ ،‬ف شغلتها ف نا ية ا لمر عن الع مل والن تاج‪ ،‬و عن الن ظرة‬

‫)‪(134‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫الدية إل الياة‪ ،‬كما حدث ف فرنسا‪ ،‬وكما حدث ف كل مكان على مدار التاريخ‪:‬‬
‫سنة ال ف الرض " ولن تد لسنة ال تبديل "‪.‬‬

‫والغرب كان يلك القوة الادية منذ العصر الديث ‪ -‬قوة العلم والتكالب على‬
‫العع´مل والد ف النتاج ‪ -‬فظلت هذه الشهوات تنخر فيه حت تاوى بعضه والباقي ف‬
‫الطريق‪ .‬أما نن فل نلك القوة‪ ،‬لن الظروف الجتماعية والسياسية الت أحاطت بنا ف‬
‫القرني الخيين على القل ل تكن ف صالنا‪ ،‬فماذا نفيد من النكباب على الشهوات‬
‫باسم التحضر والدنية‪ ،‬أو نفورا‪ 5‬من تمة الرجعية والمود؟ لن يفيدنا شيئا‪ 5‬إل أن يصيبنا‬
‫المار والدوار‪ ،‬فكلما انطلقنا ف سبيلنا كبونا من جديد‪ .‬وكل كاتب أو " مفكر حر! "‬
‫يدعو إل التحلل من التقاليد‪ ،‬مهما يكن العنوان الذي يدعو تته‪ ،‬وهو رسول من رسل‬
‫الستعمار قصد أم ل يقصد‪ .‬والستعمار يعرف هؤلء الكتاب والفكرين‪ ،‬ويعرف مدى‬
‫الد مة ا لت يؤدو نا له بل ل‪ ó‬أخلق ال مة‪ ،‬و شغل شبابا بالبحث عن " البه جة "‬
‫وال سرور‪ ،‬و لذلك ي سن مكا فأتم ح سب نوع الد مة ا لت يل كون أداء ها ف ال صحف‬
‫والكتب والذاعة ودواوين الكم‪ ،‬وهم ماكرون أو مستغفلون!‬

‫ويقو لون أن ظر إ ل ا لرأة ه ناك‪ ..‬ل قد ارتف عت من أ نثى إ ل ا مرأة! ان صقلت‬


‫وصارت ملوقا‪ 5‬بشريا‪ 5‬له دور يؤديه ف التمع‪.‬‬

‫وقد تدثنا عن هذا " النصقال " ف فصل السلم والرأة‪ .‬ونزيد هنا أن خروج‬
‫الرأة للعمل وانبثاثها ف التمع‪ .‬قد درب فيها دون شك جوانب ل تكن تنال هذه الدربة‬
‫و هي عاك فة ع لى مه مة الن تاج الب شري ور عايته‪ .‬ولك نا ن سأل أول‪ :5‬هل أ ضافت هذه‬
‫الدر بة إ ل ك يان ا لرأة ذا ته؟ أم إ نا زادت عل يه ف جانب لتن قص م نه ف جانب آ خر ؟‬
‫ونسأل ثانيا‪ :‬هل أضافت هذه الدربة إل الكيان البشري كله؟ أم إنا كذلك زادت عليه‬
‫ف جانب لتنقص منه ف جانب آخر؟!‬

‫لقد صارت الرأة ف الغرب " صديقة " صالة‪ ،‬تصادق الرجل‪ ،‬وتتلقى مغازلته‬
‫وضروراته النسية‪ ،‬وتشترك معه ف بعض مشكلته‪ ،‬ولكنها ل تعد تستطيع أن تكون‬
‫زوجة صالة وأأ‪ð‬م‪ð‬م•ا‪ 5‬صالة‪ .‬وليس يدي ف إنكار ذلك صياح المومي هنا والمومات‪.‬‬
‫فهذه حقائق الرقام تؤيد ما نقول‪ ،‬فقد ارتفعت نسبة الطلق ف أمريكا إل ‪ %40‬وهي‬
‫ن سبة ب شعة خط ية الدل لة‪ .‬أ ما أور با ف قد ت كون ن سبة الطلق في ها أ قل‪ .‬ول كن ا تاذ‬
‫الع شيقات وال خدان أ مر شائع ه ناك وم عروف ب ي التزوجي‪ .‬و لو كانت ا لرأة زو جة‬

‫)‪(135‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫صالة بع ن أ نا قادرة ع لى ال ستقرار ف أ سرة وإعطائ ها كل رعايت ها‪ ،‬لا حدث هذا‬
‫الطلق فف أمريكا أو ما يشبهه من الروب من البيت والزوجية ف أوربا‪ .‬أما المومة‬
‫ف قد سبق ا لديث عن ها‪ ،‬ح ي قل نا إن ا شتغال ا لرأة بالع مل ‪ -‬و هو ا لذي يدرب ا لرأة‬
‫الدي ثة ‪ -‬ل يت يح لا الفر صة الزمن ية ول النف سية لل شتغال بالمو مة‪ .‬فالرأة ال كدودة‬
‫النهو كة من الع مل ل تد ف أع صابا طا قة للمو مة ال قة‪ ،‬ول ف نف سها ف سحة‬
‫لل ستقبال مزيد من التبعات‪.‬‬

‫أما الموع البشري فماذا استفاد‪ ،‬بصرف النظر عن البهجة والنشراح؟! وهل‬
‫حل مشاكل العال هذا البضع من النساء ف برلانات العال ووزاراته ودواوينه‪ ،‬أم هذه‬
‫اللوف والليي ف مصانعه ومتاجره وحاناته ومواخيه؟ وهل ل يكون للمرأة دور تؤديه‬
‫ف الت مع إل أن ت قف بنف سها ت طب ف الب لان‪ ،‬أو ت ضي بنف سها قرارا‪ 5‬من قرارات‬
‫ا لوظفي؟‪ ..‬وح ي تر ب أبناء ها ر جال‪ 5‬ون ساء ترب ية ذات هدف مع ي‪ ،‬فت خرج من هم‬
‫مواطني صالي‪ ،‬وبشر‪5‬ا أسوياء ل تفسدهم الضطرابات والنرافات‪ ..‬ل يكون لا دور‬
‫ف الت مع؟ ل قد تأ خذها الن شوة و هي تتل قى الت صفيق ف الب لان‪ ،‬أو الع جاب ف "‬
‫الصالون " أو الطريق العام‪ .‬ولكن هذه النشوة الوقوتة ما قيمتها ف حياة البشرية إذا كان‬
‫يصحبها إخراج أجيال من البشرية بل أمهات؟! أجيال ينقصها عنصر الب الذي يوازن‬
‫شهوة ال صراع ف ن فوس الب شر‪ ،‬وا لذي ل ي كن أن ت بذره ف الن فوس إل أم ت نح كيا نا‬
‫وعبقريتها لنتاج البشر‪.‬‬

‫وليس بنا أن نقسو على الرأة ونرمها متع الياة وتقيق كيانا الشخصي‪ ،‬ولكن‬
‫مت كانت الياة تتركنا ‪ -‬رجال‪ 5‬أو نساء ‪ -‬نستمتع كما نريد‪ ،‬ونقق كياننا كما نريد؟‬
‫وحي تتملكنا النانية فنفضل أن نستمتع بذواتنا بغي حد‪ ،‬فما الذي يدث؟ أليس يدث‬
‫أن تلفنا ع لى الرض أج يال شقية‪ ،‬ت شقى ب سبب أنانيت نا نن وانراف نا نن؟ أو لي ست‬
‫هذه الج يال ال شقية ت شمل الر جال والن ساء؟ ف هل ين فع ق ضية ا لرأة كج نس دائم ع لى‬
‫الرض أن يستمتع بعض أفراده متعة زائدة ف جيل من الجيال‪ ،‬ليشقى بقية أفراده ف‬
‫مقتبل الجيال؟‬

‫و هل ي عاب ع لى ال سلم أ نه ين ظر إ ل الب شرية كل ها باعتبار ها سل سلة مت صلة‬


‫اللقات ل تنتهي ع ند جيل مع ي‪ ،‬ول ينفصل منها ج يل عن جيل‪ ،‬فيع مل لا ف يه نفع‬
‫الجيال كلها‪ ،‬ول تستهويه شهوة جيل بعينه‪ ،‬فينساق معه على حساب بقية الجيال؟‬

‫)‪(136‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫إنا كان يعاب عليه لو أنه يرم التاع ف جيع صوره وأشكاله‪ ،‬ويقف ف طريق‬
‫النعات الفطرية فيكبتها وينع إشباعها‪.‬‬

‫فهل ذلك ما يصنعه السلم حقا‪5‬؟‬

‫ردنا على ذلك ف الفصل القادم‪ " :‬الدين‪ ..‬والكبت "‪.‬‬

‫)‪(137‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫الدين‪ ...‬والكبت‬
‫انظروا ماذا قال علماء النفس الغربيون عن الدين؟‬

‫قالوا إنه يكبت النشاط اليوي للنسان‪ ،‬ويظل ينكك ‪í‬د عليه حياته نتيجة الشعور‬
‫بالث‪ ،‬ذلك الشعور ا لذي يستول على التديني خاصة فيخ يل لم أن كل ما يصنعونه‬
‫خطايا ل يطهرها إل المتناع عن ملذات الياة‪ .‬وقد ظلت أوربا غارقة ف الظلم طيلة‬
‫تسكها بالدين‪ ،‬فلما نبذت قيود الدين السخيفة‪ ،‬تررت مشاعرها من الداخل‪ ،‬وانطلقت‬
‫ف عال العمل والنتاج‪.‬‬

‫أفتر يدون إذن أن تعودوا إ ل ا لدين؟ تر يدون أن تكب لوا ال شاعر الت أطلقناها ‪-‬‬
‫نن التقدميي ‪ -‬وتنكدوا على الشباب التدفق بقولكم‪ :‬هذا حرام وهذا حلل؟‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ونترك أوربا تقول ف دينها ما تشاء‪ .‬ول يعنينا هنا أن نصدقه أو نكذبه‪ ،‬لننا ل‬
‫نتحدث عن الدين عامة‪ ،‬وإنا نتحدث عن السلم‪.‬‬

‫وقبل أن نذكر شيئ‪5‬ا عن كبت السلم للنشاط اليوي أو عدم كبته له‪ ،‬ينبغي‬
‫أول‪ 5‬أن نعرف ما هو الكبت‪ ،‬لن هذه اللفظة كثيا‪ 5‬ما يساء فهمها واستخدامها ف كلم‬
‫الثقفي أنفسهم‪ ،‬فضل‪ 5‬عن العوام والقلدين‪.‬‬

‫ليس الكبت هو المتناع عن إتيان العمل الغريزي كما ييل للكثيين‪ .‬إنا ينشأ‬
‫الكبت من استقذار الدافع الغريزي ف ذاته‪ ،‬وعدم اعتراف النسان بينه وبي نفسه أن‬
‫هذا الدافع يوز أن يطر ف باله أو يشغل تفكيه‪ .‬والكبت بذا العن مسألة ل شعورية‪.‬‬
‫وقد ل يعالها إتيان العمل الغريزي‪ .‬فالذي يأت هذا العمل وف شعوره أنه يرتكب قذارة‬
‫ل تليق به‪ ،‬شخص يعان الكبت حت ولو " ارتكب " هذا العمل عشرين مرة كل يوم‪.‬‬
‫لن الصراع سيقوم ف داخل نفسه كل مرة بي ما عمله وما كان يب أن يعمله‪ .‬وهذا‬
‫الشد والذب ف الشعور وف اللشعور هو الذي ينشئ العقد والضطرابات النفسية‪.‬‬

‫)‪(138‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ونن ل نأت بذا التفسي لكلمة الكبت من عندنا‪ ،‬بل هو تفسي فرويد نفسه‬
‫الذي أنفق حياته العلمية كلها ف هذه الباحث‪ ،‬وف التنديد بالدين الذي يكبت نشاط‬
‫البشرية‪ .‬فهو يقول ف ص ‪ 82‬من كتاب ‪:" " Three Contributions to the Sexual Theory‬‬
‫" ويب أن نفرق تفريقا‪ 5‬حاسا‪ 5‬بي هذا " الكبت الشعوري " وبي عدم التيان بالعمل‬
‫الغريزي‪ ،‬فهذا مرد " تعليق للعمل "‪.‬‬

‫والن وقد عرفنا أن الكبت هو استقذار الدافع الغريزي وليس تعليق التنفيذ إل‬
‫أجل معي‪ ،‬نتحدث عن الكبت ف السلم!‬

‫ل يس ف أد يان ال عال ونظ مه ما هو أ صرح من ال سلم ف ال عتراف با لدوافع‬


‫الفطرية‪ ،‬وتنظيف مكانا ف الفكر والشعور‪ .‬يقول القرآن‪ " :‬زز‪µ‬ين للناس حب الشهوات‬
‫من النساء والبني والقناطي القنطرة من الذهب والفضة واليل السو و‪é‬مة والنعام والرث‬
‫)‪ " (85‬فيجمع ف هذه الية شهوات الرض ويقرر أنا أمر واقع مزين للناس‪ ،‬ل اعتراض‬
‫عليه ف ذاته‪ ،‬ول إنكار على من يس بذه الشهوات‪.‬‬

‫صحيح أنه ل يبيح للناس أن ينساقوا مع هذه الشهوات إل الدى الذي يصبحون‬
‫ف يه م ستعبدين لا‪ ،‬ل يل كون أمر هم من ها‪ .‬فال ياة ل ت ستقيم بذا الو ضع‪ .‬والب شرية ل‬
‫تستطيع أن تقق طبيعتها الت تدف إل التطور الدائم نو الرتفاع‪ ،‬إذا هي ظلت عاكفة‬
‫على ملذاتا تستنفد فيها كل طاقتها‪ ،‬وتتعود فيها على البوط والنتكاس نو اليوانية‪.‬‬

‫نعم ل يبيح السلم للناس أن يهبطوا لعال اليوان‪ .‬ولكن هناك فرقا‪ 5‬هائل‪ 5‬بي‬
‫هذا وبي الكبت اللشعوري‪ ،‬بعن استقذار هذه الشهوات ف ذاتا‪ ،‬وماولة المتناع عن‬
‫الحساس با رغبة ف التطهر والرتفاع‪.‬‬

‫وطريقة السلم ف معاملة النفس النسانية هي العتراف بالدوافع الفطرية كلها‬


‫من حيث البدأ وعدم كبتها ف اللشعور‪ ،‬ث إباحة التنفيذ العملي لا ف الدود الت تعطي‬
‫قسطا‪ 5‬معقول‪ 5‬من التاع‪ ،‬وتنع وقوع الضرر سواء على فرد بعينه أو على الموع كله‪.‬‬

‫‪ ()85‬سورة آل عمران ]‪.[14‬‬

‫)‪(139‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫والضرر الذي يدث للفرد من استغراقه ف الشهوات‪ ،‬هو إفناء طاقته اليوية قبل‬
‫مو عدها الطبيعي‪ ،‬واستعباد الشهوات له ب يث تصبح شغله الشاغل وهه القعد القيم‪،‬‬
‫فتصبح بعد فترة عذابا‪ 5‬دائما‪ 5‬ل يهدأ‪ ،‬وجوعة دائمة ل تشبع ول تستقر‪.‬‬

‫أ ما ال ضرر ا لذي يدث للمجت مع ف هو ا ستنفاد الطا قة اليو ية ا لت خلق ها ا ل‬


‫لهداف شت‪ ،‬ف هدف واحد قريب‪ ،‬وإهال الهداف الخرى الديرة بالتحقيق‪ .‬فضل‬
‫عن تطيم كيان السرة‪ ،‬وفك روابط التمع‪ ،‬وتويله إل جاعات متفرقة ل يمعها رابط‬
‫ول هدف م شترك‪ " :‬ت سبهم جي عا‪ 5‬وق لوبم شت " ما ي سهل ع لى غي هم غزو هم‬
‫وتطيمهم كما حدث لفرنسا‪.‬‬

‫وف هذه الدود ‪ -‬الت تنع الضرر ‪ -‬يبيح السلم الستمتاع بطيبات الياة‪ ،‬بل‬
‫يدعو إل يه د عوة صرية في قول م ستنكرا‪ " :‬قل‪ :‬من حرر•م زي نة ا ل ا لت أ خرج لع باده‬
‫والطيبات من الرزق )‪" (86‬؟ ويقول‪ " :‬ول تنس نصيبك من الدنيا )‪ " (87‬ويقول‪ " :‬كلوا‬
‫من طيبات ما رزقناكم )‪ " " (88‬وكلوا واشربوا ول تسرفوا )‪" (89‬‬

‫بل ي صل ف صراحته ف ال عتراف بالح ساس الن سي خا صة ‪ -‬و هو مدار‬


‫الديث عن الكبت ف الديان ‪ -‬أن يقول الرسول الكري‪ ":‬حح‪µ‬ب‪µ‬ب‪Û‬ب‪Û‬ب´ إلل ¸ من دنياكم‬
‫الطيب والنساء‪ ،‬وجعلت قرة عين ف الصلة " )‪ .(90‬فيفع الحساس النسي إل درجة‬
‫الط يب أز كى رائ حة ف ا لرض‪ ،‬ويقر نا إ ل ال صلة أز كى ما يت قرب به الن سان ل‪.‬‬
‫ويقول ف صراحة كذلك‪ :‬إن الرجل يثاب على العمل النسي يأتيه مع زوجته‪ .‬فإذا قال‬
‫ال سلمون متع جبي‪ " :‬يا ر سول ا ل أ يأت أ حدنا شهوته وي كون له في ها أ جر؟ " قال‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم‪ " :‬أرأيتم لو وضعها ف حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك‬
‫إذا وضعها ف اللل كان له أجر " )‪!(91‬‬

‫‪ ()86‬سورة العراف ] ‪.[32‬‬


‫‪ ()87‬سورة القصص ]‪.[77‬‬
‫‪ ()88‬سورة العراف ]‪.[160‬‬
‫‪ ()89‬سورة العراف ]‪.[31‬‬
‫‪ ()90‬ذكره ابن كثي ف التفسي‪.‬‬
‫‪ ()91‬رواه مسلم‪.‬‬

‫)‪(140‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫و من ه نا ل ين شأ الك بت إطل قا‪ 5‬ف ظل ال سلم‪ .‬فإذا أ حس ال شباب بالرغ بة‬


‫النسية الدافقة فليس ف ذلك منكر‪ ،‬ول يوجد داع لستقذار هذا الحساس والنفور منه‪.‬‬

‫وإنا يطلب السلم من هذا الشباب أن " يضبط " هذه الشهوات فقط دون أن‬
‫يكبت ها‪ .‬ي ضبطها ف وع يه و بإرادته‪ ،‬ول يس ف ل شعوره‪ ،‬أي يع لق تنف يذها إ ل ا لوقت‬
‫الناسب‪ .‬وليس تعليق التنفيذ كبتا‪ 5‬باعتراف فرويد‪ ،‬وليس فيه من إرهاق العصاب ما ف‬
‫الكبت‪ ،‬وليس يؤدي مثله إل العقد والضطرابات النفسية‪.‬‬

‫وليست هذه الدعوة إل ضبط الشهوات تكم‪5‬ا يقصد به السلم حرمان الناس‬
‫من التاع‪ .‬فهذا هو التاريخ ف السلم وف غي السلم يقرر أنه ما من أأ‪ð‬مة استطاعت أن‬
‫تافظ ع لى كيا نا و هي عاجزة عن ضبط شهواتا‪ ،‬والمت ناع بإراد تا عن بعض ال تاع‬
‫الباح‪ .‬كما يقرر من الانب الخر أنه ما من أأ‪ð‬مة ثبتت ف الصراع الدول إل كان أهلها‬
‫مدربي على احتمال الشقات‪ ،‬قادرين على إرجاء ملذاتم ‪ -‬أو تعليقها ‪ -‬حي تقتضي‬
‫الضرورة ساعات أو أياما‪ 5‬أو سنوات‪.‬‬

‫ومن هنا كانت حكمة الصوم ف السلم‪.‬‬

‫والتحللون اليوم من التقدميي والتقدميات‪ ،‬يسبون أنفسهم قد اكتشفوا حقيقة‬


‫هائلة حي يقولون‪ :‬ما هذا السخف الذي يدعو إل تعذيب البدان بالوع والعطش‪،‬‬
‫وحرمان النفس ما تتوق إليه من طعام وشراب ومتاع‪ ..‬ف سبيل ل شيء‪ ،‬وإطاعة لوامر‬
‫تكمية ل حكمة لا ول غاية؟‬

‫ول كن‪ ..‬ما الن سان بل ضوابط؟ وك يف ي صبح إن سان‪5‬ا و هو ل يط يق المت ناع‬
‫سويعات عما يريد؟ وكيف يصب على جهاد الشر ف الرض‪ ،‬وهذا الهاد يتطلب منه‬
‫حرمان نفسه من كثي؟‬

‫وهل كان الشيوعيون ‪ -‬الذين يسخر دعاتم ف الشرق السلمي بالصيام وغيه‬
‫من " ال ضوابط " ا لت تدرب الن فوس ‪ -‬هل كانوا ي ستطيعون ال صمود ك ما صمدوا ف‬
‫ستالنجراد‪ ،‬لو انم ل يدربوا على احتمال الشقات العنيفة الت تعذب البدان والنفوس‪،‬‬
‫أم إنم " ي ل‪í‬ونه عاما‪ 5‬ويرمونه عاما "؟ ي ل‪í‬ونه حي يصدر المر به من " الدولة " لنا‬
‫سلطة مرئية تلك العقاب السريع‪ ،‬ويرمونه ‪ -‬هو ذاته ‪ -‬حي يصدر المر به من ال‬
‫خالق الدول والحياء!‬

‫)‪(141‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وماذا ف السلم من العبادات غي الصيام؟ الصلة؟ كم تستغرق من وقت السلم‬


‫الت قي؟ هل ت ستغرق ف ال سبوع ك له أ كثر ما ت ستغرق ز يارة وا حدة لل سينما ف كل‬
‫أ سبوع؟ و هل ي ضحي الن سان بذه الفر صة التا حة للت صال بال‪ ،‬وتلق ق‪ó‬ي العو نة م نه‪،‬‬
‫والطمئنان إليه‪ ،‬واسترواح الراحة ف رحابه‪ ،‬إل وف قلبه مرض وف نفسه انراف؟‬

‫أما ما يقال من تنكيد الدين على أتباعه‪ ،‬ومطاردتم بشبح الطيئة ف يقظتهم‬
‫ومنامهم فما أبعد السلم عنه‪ ،‬وهو الذي ينح الغفرة قبل أن يذكر العذاب!‬

‫إن الطيئة ف ال سلم لي ست غول‪ 5‬ي طارد ال ناس‪ ،‬ول ظل ما‪ 5‬دائ ما‪ 5‬ل ينق شع‪.‬‬
‫خطيئة آدم الكبى ليست سيفا‪ 5‬مصلتا‪ 5‬على كل البشر‪ ،‬ول تتاج إل فداء ول تطهي‪" :‬‬
‫فتلق ق¸ى آدم من ربه كلمات فتاب عليه )‪ ." (92‬هكذا ف بساطة ودون أي ي‪é‬ة إجراءات‪.‬‬

‫وأبناء آدم كأبيهم ليسوا خارجي من رحة ال حي يطئون‪ .‬فال يعلم طبيعتهم‬
‫فل يكلف هم إل و سعهم‪ ،‬ول يا سبهم إل ف حدود طاقتهم‪ " :‬ل يك لف ا ل نف سا‪ 5‬إل‬
‫وسعها )‪ " " (93‬كل بن آدم خطاء وخي الطائي التوابون )‪." (94‬‬

‫وآ يات الر حة والغ فرة والتو بة عن الع باد كثية ف ال قرآن‪ .‬ولك نا ن تار من ها‬
‫واحدة فقط لعمق دللتها على رحة ال الواسعة الت وسعت كل شيء‪ " :‬وسارعوا إل‬
‫مغ فرة من رب كم وج نة عر ضها ال سماوات وا لرض أأ‪ ð‬عدت للمتق ي ا لذين ينف قون ف‬
‫السراء والضراء والكاظمي الغيظ والعافي عن الناس وال يب السني‪ .‬والذين إذا فعلوا‬
‫فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا ال فاستغفروا لذنوبم ‪ -‬ومن يغفر الذنوب إل ال؟ ‪-‬‬
‫ول يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون‪ .‬أولئك جزاؤهم مغفرة من ربم وجنات تري من‬
‫تتها النار خالدين فيها ونعم أجر العاملي " )‪.(95‬‬

‫يا ال‪ ،‬ما أشد رحتك بعبادك! إن النسان ل يلك نفسه من ال تأثر وهو يرى‬
‫ر حة ا ل بال ناس‪ .‬و مت؟ و هم يفع لون الفاح شة! إ نه ل يق بل من هم التو بة فح سب‪ .‬ول‬
‫يقيلهم من ذنبهم فحسب‪ ،‬بل ينحهم رضاءه ورحته‪ ،‬ويرفعهم إل درجة التقي!!‬

‫‪ ()92‬سورة البقرة ]‪.[37‬‬


‫‪ ()93‬سورة البقرة ]‪.[286‬‬
‫‪ ()94‬حديث رواه الترمذي‪.‬‬
‫‪ ()95‬سورة آل عمران ] ‪.[136-133‬‬

‫)‪(142‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫فهل بعد ذلك شك ف عفو ال ومغفرته؟ وأين يطارد العذاب نفوس الناس وال‬
‫يلقاهم بذا العطف والترحيب‪ ،‬بكلمة واحدة صادقة يقولونا‪ :‬التوبة؟!‬

‫لسنا نتاج إل نصوص أخرى تؤيد ما نقول‪ .‬ولكنا مع ذلك نذكر هذا الديث‬
‫من أحاديث الرسول فهو شاهد عجيب‪ " :‬والذي نفسي بيده لو ل تذنبوا لذهب ال بكم‬
‫وجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لم )‪." (96‬‬

‫إنا إذن إرادة ذاتية ل أن يغفر للناس ويتجاوز عن سيئاتم‪.‬‬

‫وهذه الية العجيبة‪ " :‬ما يفعل ال بعذابكم إن شكرت وآمنتم؟ وكان ال شاكرا‬
‫عليما‪"(97) 5‬‬

‫نعم؟ ما يفعل ال بتعذيب الناس؟ وهو الذي يب أن ينحهم الرحة والغفران!؟!‬

‫‪ ()96‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ ()97‬سورة النساء ]‪.[147‬‬

‫)‪(143‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫السلم‪ ...‬وحرية الفكر‬


‫قال ل أحدهم وهو يادلن‪ :‬أنت لست حر الفكر!‬

‫قلت‪ :‬لاذا؟‬

‫قال‪ :‬هل تؤمن بوجود إله؟‬

‫قلت‪ :‬نعم‪.‬‬

‫قال‪ :‬وتصلي له وتصوم؟‬

‫قلت‪ :‬نعم‪.‬‬

‫قال‪ :‬إذن فلست حر الفكر!!‬

‫قلت مرة أخرى‪ :‬ولاذا؟‬

‫قال‪ :‬لنك تؤمن برافة ل وجود لا!‬

‫قلت‪ :‬وأنتم؟ باذا تؤمنون؟ من الذي خلق الكون والياة؟‬

‫قال‪ :‬الطبيعة!‬

‫قلت‪ :‬وما الطبيعة؟!‬

‫قال‪ :‬قوة خفية ليس لا حدود‪ ،‬ولكن لا مظاهر يكن أن تدركها الواس‪.‬‬

‫قلت‪ :‬أنا أفهم أن تنعن من اليان بقوة خفية لتعطين بدل‪ 5‬منها قوة مسوسة ‪,‬‬
‫ولكن إذا كانت السألة قوة خفية بقوة خفية‪ ،‬فلماذا تأ خذ من إلي ا لذي أجد المن‬

‫)‪(144‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫والراحة والسلم ف اليان به‪ ،‬لتعطين بدل‪ 5‬منه إلا‪ 5‬آخر ل يستجيب ل ول يسمع من‬
‫الدعاء؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلك هي قضية حرية الفكر لدى التقدميي! حرية الفكر تعن اللاد! وإذ كان‬
‫السلم ل يبيح اللاد‪ ،‬فهو إذن ل يبيح حرية الفكر!‬

‫وتسأل هؤلء القرود أو هؤلء الببغاوات‪ :‬ما ضرورة اللاد ف ظلل‪ í‬السلم؟!‬

‫لقد كان اللاد ضرورة ف أوربا لسباب ملية ليس من الضروري أن تتكرر ف‬
‫كل م كان‪ .‬فال صورة ا لت أعطت ها الكني سة الورب ية للعق يدة ال سيحية من ج هة‪ ،‬وخ نق‬
‫الكنيسة لركة العلم‪ ،‬وتريق العلماء وتعذيبهم‪ ،‬وفرض الرافات والكاذيب على الناس‬
‫باسم كلمة السماء من جهة أخرى‪ ..‬كل ذلك قد فرض اللاد فرضا‪ 5‬على أحرار الفكر‬
‫من ا لوربيي‪ ،‬و مزق سائرهم ب ي ال تاه الب شري ال طبيعي لل يان بال‪ ،‬وب ي ال يان‬
‫بالقائق العلمية من نظرية وتريبية‪.‬‬

‫وكانت فكرة الطبيعية مهربا‪ 5‬يلص به الناس من هذا الشكال شيئ‪5‬ا من اللص‪.‬‬
‫ف كأن ا لوربيي يقو لون للكني سة‪ :‬خذي إ لك ا لذي ت ستعبديننا با سه‪ ،‬وتفر ضي علي نا‬
‫التاوات الرهقة والدكتاتورية الطاغية‪ ،‬والوهام والرافات‪ ،‬والذي يقتضينا اليان به أن‬
‫نتن سك ونتع بد و نترهب‪ ..‬و سوف نؤمن بإله جد يد‪ ،‬له مع ظم خ صائص ا لله ا لول‪،‬‬
‫ولك نه إ له ل يس له كني سة ت ستعبد ال ناس‪ ،‬ول يس له علي هم التزا مات خلق ية أو فكر ية أو‬
‫مادية‪ ،‬فهم ف رحابه طلقاء من كل القيود‪.‬‬

‫أما نن ف السلم فما حاجتنا إل اللاد؟‬

‫ل يس ف العق يدة إ شكال ي ي ا لذهن‪ .‬إ له وا حد هو ا لذي خ لق الكائ نات كل ها‬


‫وحده‪ ،‬وإليه مرجعها وحده ل شريك له ول معقب لكلماته‪ .‬فكرة بسيطة واضحة ل‬
‫يتلف عليها أحد ول ينبغي أن يتلف عليها عاقل!‬

‫)‪(145‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وليس ف السلم " رجال دين " كالذين كانوا ف أوربا‪ :‬فالدين ملك للجميع‪.‬‬
‫ينهلون منه‪ ،‬كل على قدر ما تطيقه طبيعته ومؤهلته الفكرية والروحية‪ ،‬والميع مسلمون‬
‫" ول كل در جات ما عم لوا " وأ كرم ال ناس ع ند ا ل أت قاهم‪ ،‬سواء كانت وظيف ته أ نه‬
‫مهندس أو مدرس أو عامل أو صانع‪ .‬وليس الدين حرفة من بي هذه الرف‪ .‬فالعبادات‬
‫كلها تتم بغي وساطة رجال الدين‪ .‬أما الانب الفقهي والتشريعي ف السلم فطبيعي أن‬
‫يتخصص ف أناس باعتباره الدستور الذي يقوم عليه الكم‪ .‬ولكن موقفهم هو موقف‬
‫كل التخصصي ف الفقه الدستوري والتشريعي ف كل بلد من البلد‪ ،‬ل يلكون بصفتهم‬
‫هذه سلطة على الناس ول امتياز‪5‬ا " طبقيا " عليهم‪ .‬وإنا هم مستشارو الدولة وفقهاؤها‬
‫فحسب‪ .‬والذين يسمون أنفسهم " هيئة كبار العلماء " أحرار ف أن يتسموا بذا السم‬
‫أو غيه‪ .‬ولكن ليس لم سلطان على أحد‪ .‬ول يلكون من أمر الناس شيئ‪5‬ا إل ف حدود‬
‫الشريعة‪ .‬والزهر معهد علمي دين‪ .‬ولكنه ليس سلطة ترق العلماء أو تعذبم‪ ،‬وكل ما‬
‫يلكه أن يطعن ف فهم أحد الناس للدين ويطط ‪ó‬ئ رأيه‪ .‬وهو حر ف ذلك‪ ،‬لن الناس‬
‫أي ضا‪ 5‬يل كون أن يطع نوا ف ف هم ر جال ا لزهر ل لدين ويطئوا آراء هم‪ .‬لن ا لدين ل يس‬
‫حكرا‪ 5‬لحد ول هيئة‪ ،‬وإنا هو لن يسن فهمه وتطبيقه‪.‬‬

‫وحي يقوم الكم السلمي لن ينتشر " علماء الدين " ف الدواوين‪ ،‬ولن يتغي‬
‫ف نظام الكم شيء إل قيامه على الشريعة السلمية‪ .‬ولكن شئون الندسة تظل ف يد‬
‫الهندسي‪ ،‬وشئون الطب ف يد الطباء‪ ،‬وشئون القتصاد ف يد القتصاديي )على شرط‬
‫أن ي كون القت صاد ال سلمي هو ا لذي ي كم الت مع( وه كذا وه كذا ف كل شئون‬
‫الكم‪.‬‬

‫وليس ف العقيدة السلمية ول النظام السلمي ما يقف ف طريق العلم بنظرياته‬


‫وتطبيقاته‪ ،‬ووقائع التاريخ هي الكم ف هذا الشأن‪ .‬فلم نسمع بأن عالا‪ 5‬حرق أو عذب‬
‫لنه اكتشف حقيقة علمية‪ .‬والعلم الصحيح ل يتعارض مع عقيدة السلم ف أن ال هو‬
‫ا لذي خ لق كل شيء‪ .‬ول يت عارض مع د عوة ال سلم لل ناس أن ين ظروا ف ال سموات‬
‫والرض ويتفكروا ف خلقها ليهتدوا إل ال‪ .‬وقد اهتدى إل ال كثي من علماء الغرب‬
‫اللحدين أنفسهم عن طريق البحث العلمي الصحيح‪.‬‬

‫أي شيء إذن ف السلم يدعو إل اللاد؟ إل أن تكون شهوة التقليد العمى‬
‫للسادة الستعمرين؟‬

‫)‪(146‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫يقولون إنم يريدون أن يكونوا أحرارا‪ 5‬ف أن يكتبوا ضد العقائد والعبادات‪ ،‬وأن‬
‫يسخفوها للناس ويدعوهم إل التحلل منها دون أن يقعوا تت طائلة القانون‪.‬‬

‫نعم‪ .‬ولكن لاذا؟ إن هذا ليس كما يفهم المقى هدفا‪ 5‬ف ذاته‪ ،‬وإنا هو كان ف‬
‫أوربا وسيلة لدف آخر هو ترير الفكر من الرافة‪ ،‬وترير الناس من الطغيان‪ .‬فإذا كانوا‬
‫يلكون هذه الرية وتلك ف ظل اليان‪ ،‬فما الدف الذي يريدون تقيقه؟‬

‫يريدون النلل اللقي والفوضى النسية بغي رادع‪ ،‬تلك هي حقيقة السألة‪.‬‬
‫وليس الانب الفكري إل ستارا‪ 5‬يغطون به عبوديتهم للشهوات‪ ،‬ث يزعمون أنم أحرار‬
‫الفكر‪ .‬وليس السلم مكلفا‪ 5‬أن يطيع العبيد وهو يدعو إل التحرر من كل سلطان با ف‬
‫ذلك سلطان الشهوات‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ويقولون إن نظام الكم ف السلم دكتاتوري بطبعه‪ .‬لن الدولة فيه تلك سلطة‬
‫واسعة‪ ،‬ويزيد المر سوءا‪ 5‬أنا تلكها باسم الدين‪ ،‬باسم شيء مقدس له على نفوس الناس‬
‫سلطان‪ .‬فما أسهل ما يغري هذا السلطان بالدكتاتورية‪ ،‬وما أسهل ما تستنيم لا الدهاء‪.‬‬
‫وبذا تتنق حرية الرأي‪ ،‬ويصبح الارج على الاكم عرضة للتام بالروج على الدين‪.‬‬

‫فمن أين جاءوا بذا القول الغريب على الدين؟‬

‫أمن قول ال عز •ز وجلل ‪ " :‬وأمرهم شورى بينهم " )‪(98‬؟ وقوله‪ " :‬وإذا حكمتم‬
‫)‪.(99‬‬
‫بي الناس أن تكموا بالعدل "‬

‫أم من قول أب بكر‪ .." :‬فإذا عصيت ال ورسوله فل طاعة ل عليكم "؟‬

‫‪ ()98‬سورة الشورى]‪.[38‬‬
‫‪ ()99‬سورة النساء ]‪.[58‬‬

‫)‪(147‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫أم من قول ع مر‪ " :‬فإن و جدت ف‪ í‬اعوجا جا‪ 5‬فقو موه " في قول له ر جل من‬
‫ال سلمي‪ " :‬وا ل لو و جدنا ف يك اعوجا جا‪ 5‬لقوم ناه بد ال سيف " فيغت بط ع مر وير ضى‬
‫ويمد ال على ذلك؟!‬

‫نعم وجد الطغيان باسم الدين ف التاريخ‪ ،‬ويكن أن يقوم ف أي وقت‪ .‬ولكن‬
‫من ذا الذي يقول إن الدين وحده هو ستار الطغيان ف الرض؟ وهتلر؟ هل كان يطغى‬
‫باسم الدين؟ وستالي؟ لقد اعترفت الصحافة الروسية ذاتا بدكتاتورية ستالي ‪ -‬بعد موته‬
‫‪ -‬وقالت إ نه كان يكم روسيا حكما‪ 5‬بوليسيا‪ 5‬فظ‪5‬ا ل يوز أن يتكرر! وفرانكو؟ ومالن‬
‫ف ج نوب افريق يا؟ و شان كاي شك ف ال صي الوطن ية؟ وماوت سي تو نج ف ال صي‬
‫الشيوعية؟ كل هؤلء يطغون باسم الدين؟! لقد رأى هذا القرن " التحرر " من سلطان‬
‫الدين أبشع دكتاتوريات التاريخ‪ ،‬بعنوانات أخرى لمعة ل تقل قداسة ف نفوس أتباعها‬
‫عن قداسة الدين ف نفوس الؤمني‪.‬‬

‫وما يدافع أحد عن الدكتاتورية‪ ،‬وما يرضاها إنسان حر الفكر والضمي‪ .‬ولكن‬
‫ا ستقامة الط بع والف كر تقت ضي ا لقرار بالق ا لالص دون م يل مع ا لوى وال شهوات‪.‬‬
‫وا لق أن كل مع ن ج يل ي كن ا ستغلله والت ستر وراءه لق ضاء ا لآرب الشخ صية و قد‬
‫ارتكبت باسم الرية أفظع الرائم ف الثورة الفرنسية‪ .‬فهل نلغي الرية؟ وباسم الدستور‬
‫سجن البر ياء و عذبوا وقت لوا‪ ،‬ف هل نل غي الد ساتي؟ وبا سم ا لدين قام الطغ يان ح قا‪ 5‬ف‬
‫الرض فهل يبر ذلك أن نلغي الدين؟ كان هذا يكون مطلب‪5‬ا معقول‪ 5‬لو أن الدين ف ذاته‪،‬‬
‫بتعاليمه ونظمه يؤدي إل الظلم والطغيان‪ .‬فهل يصدق ذلك على السلم الذي ضرب‬
‫من أمثلة العدل الطلق ‪ -‬ل بي السلمي وحدهم‪ ،‬بل بي السلمي وأعدائهم من الاربي‬
‫‪ -‬ما أقر به حت أولئك العداء ف أكثر من حادث وأكثر من فترة على مدار التاريخ؟‬

‫إنا علج الطغيان أن ننشئ شعبا‪ 5‬مؤمنا‪ 5‬يقدر الرية الت ينادي با الدين ويرص‬
‫عليها‪ ،‬فيصد الاكم عن الظلم‪ ،‬ويقف به عند حده الرسوم‪ .‬ولست أحسب أن نظاما‬
‫يهدف إل ذلك مثل النظام الذي جعل من واجب الشعب تقوي الاكم الظال‪ .‬فيقول‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم‪ " :‬من رأى منكم منكرا‪ 5‬فليغيه‪ " (100) ..‬ويقول‪ " :‬إن من‬
‫أعظم الهاد عند ال كلمة حق عند إمام جائر )‪.." (101‬‬

‫‪ ()100‬متفق عليه‪.‬‬
‫‪ ()101‬رواه أبو داود والترمذي‪.‬‬

‫)‪(148‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫طريقكم إذن للتحرر أيها التقدميون ليس إلغاء الدين‪ .‬وإنا هو تعليم الناس هذه‬
‫الروح الثائرة الت تنفر من الظلم وتقوو•م الظالي‪ .‬وإنا ف صميمها لروح هذا الدين‪.‬‬

‫)‪(149‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫الدين أفيون الشعب‬


‫تلك قولة كارل ماركس …‬

‫ودعاة الشيوعية ف الشرق السلمي يرددونا وراءه‪ .‬ويريدون تطبيقها كذلك‬


‫على السلم‪.‬‬

‫و كارل ماركس أو غ يه من ا لدعاة ا لولي لل شيوعية ر با كانوا م عذورين ف‬


‫ثورتم ع لى ا لدين ور جاله‪ .‬ب سبب اللب سات الا صة ا لت واجهت هم ه ناك‪ .‬ف قد كان‬
‫القطاع يثل أبشع أدواره ف أوربا‪ ،‬وف روسيا بوجه خاص‪ ،‬حيث يوت اللوف جوعا‬
‫كل عام‪ ،‬ويوت الليي بالسل وغيه من المراض‪ ،‬والصقيع يقضي على عدد ماثل‪..‬‬
‫كل ذ لك والق طاعيون يل غون ف د ماء أولئك ال كادحي‪ ،‬ويعي شون ف ترف فاجر‬
‫يستمتعون فيه بكل ما يطر على القلب من ألوان التاع‪ .‬فإذا خطر للكادحي أن يرفعوا‬
‫رؤو سهم‪ ،‬بل إذا خ طر لم أن ي سوا مرد إح ساس بالظلم ا لذين يعي شون ف يه‪ ،‬أ سرع‬
‫رجال الدين يقولون لم‪ " :‬من ضربك على خدك الين فأدر له اليسر‪ ،‬ومن أخذ رداءك‬
‫فاترك له الثوب أيضا " وذهبوا يدرونم عن ثورتم أو عن إحساسهم بالل‪ ،‬با ينونم‬
‫به من نعيم الخرة الذي أأ‪ð‬عد للصابرين على الظلم‪ ،‬والراضي بالشقاء‪.‬‬

‫فإذا ل تف لح ال مان البع يدة فليف لح التهد يد‪ .‬ف من ع صي سيده الق طاعي ف هو‬
‫عاص ل وللكنيسة ولرجال الدين‪ .‬ولنذكر أن الكنيسة ذاتا كانت من ذوات القطاع‪،‬‬
‫وكان لا مليي من رقيق الرض تستعبدهم لسابا الاص‪ ،‬فكان طبيعيا‪ 5‬أن تقف ف‬
‫صف القي صر وال شراف ضد ال شعب الكا فح‪ .‬لن اللك جي عا‪ 5‬مع سكر وا حد ضد‬
‫الكافحي‪ ،‬ولن الثورة ‪ -‬يوم تقوم ‪ -‬لن تعفي أحدا‪ 5‬من مصاصي الدماء سواء كانوا من‬
‫الشراف أو من رجال الدين‪.‬‬

‫ل ع لى ال ثائرين‪ ،‬ولتو قع‬


‫فإذا ل تف لح ال مان والتهد يد م عا‪ 5‬فلتو قع العقو بات فع ‪5‬‬
‫باسم تأديب الارجي على الدين واللحدين بآيات ال‪.‬‬

‫ومن هنا كان الدين عدو‪5‬ا حقيقيا‪ 5‬لل شعب هناك‪ .‬وكانت قولة ف ملها تلك الت‬
‫قالا كارل ماركس‪ " :‬الدين أفيون الشعب "‪..‬هناك!‬

‫)‪(150‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ول كن ال شيوعييي ف ال شرق ال سلمي ي شيون إ ل م سلك " ر جال ا لدين‬


‫الترفي " ف استرضاء ذوي السلطان على حساب الكادحي من الشعب‪ ،‬وتنية هؤلء‬
‫بالنة الت أعدت للصابرين‪ ،‬ليضوا عما هم فيه من هوان وظلم‪ ،‬ويستمتع الرمون وهم‬
‫آمنون‪ .‬ويستشهدون مثل‪ 5‬با كان من بعض رجال الزهر ف عهد فاروق‪ ،‬كانوا يقب ب•لون‬
‫يده ويلقبونه باللك الصال‪ ،‬ويدعون له‪ ،‬ويؤولون آيات القرآن على مزاجهم‪ ،‬ويزيفون‬
‫معال السلم ليستخرجوا من هذه وتلك ما يثب ب•ت سلطانه‪ ،‬وينع الشعب الكافح من‬
‫الثورة عليه‪ ،‬وإل اعتبوا خارجي على أوامر ال الت توجب الطاعة " لول المر منكم‬
‫"!‬

‫ث يلط الشيوعيون بذه القيقة شبهةة‪ 5‬مؤداها أن السلم ذاته يأمر بذا الفحش‬
‫إذ يقول‪ " :‬ول تتمنوا ما فضل ال به بعضكم على بعض )‪ " (102‬أو يقول‪ " :‬ول تدن‬
‫عينيك إل ما متعنا به أزواجا‪ 5‬منهم زهرة الياة الدنيا لنفتنهم فيه‪ .‬ورزق ربك خي وأبقى‬
‫)‪ " (103‬فالسلم إذن ككل دين‪ ،‬أفيون يدر الكافحي‪ .‬وهنا الشبهة الت نريد أن نتناولا‬
‫بالديث‪.‬‬

‫نريد أن نبحث هل هذا السلوك الشائن من رجال الدين الل ترفي قد أوحى به‬
‫الدين ذاته‪ ،‬أم هو فسوق منهم عن أمر الدين الصحيح‪ ،‬ومثلهم فيه كمثل كل فاسق من‬
‫ال شعراء و الك تاب وال صحفيي ا لذين ع فروا ج باههم بالتراب‪ ،‬ومر غوا كرامت هم ف‬
‫الدنس‪ ،‬ليستمتعوا بشيء من التاع الزائل فضل‪ 5‬عن أنه متاع حرام‪.‬‬

‫وأنا مقتنع أشد القتناع بأن جرية رجال الدين هؤلء أكب وأفحش من جرية‬
‫الفساق من الشعراء والكتاب والصحفيي الرتزقي‪ ،‬لن ف أيديهم كتاب ال‪ ،‬وهم يتلون‬
‫ل و ما‬
‫آ ياته‪ ،‬ويعر فون حقي قة ا لدين‪ ،‬وحقي قة موقفهم و هم ي شترون بآ يات ا ل ث ن‪5‬ا قلي ‪5‬‬
‫يأكلون ف بطونم إل النار‪ ،‬ولكن أعود فأكرر أنه ليس ف السلم رجال دين‪ .‬وأن كل‬
‫ما يقولونه ليس حجة على السلم‪ .‬وأن مصيبة هذا الشعب جاءته من الهل بقيقة دينه‬
‫‪ -‬وليس الهل من أوامر السلم للناس! ‪ -‬وأنه يكفي لدحض تمة التخدير عن الدين‬
‫السلمي أن الركة الت ثارت ضد الطاغية هي ف حقيقتها الركة الدينية‪ ،‬الت أحس‬
‫ال لك ال سابق خطر ها ع لى و جوده فق تل داعيت ها وف تح العتقلت لك تم أنفا سها ق بل أن‬
‫تقضي عليه‪ .‬ولكن ال أراد غي ما كان يريد‪.‬‬

‫‪ ()102‬سورة النساء ]‪.[32‬‬


‫‪ ()103‬سورة طه ]‪.[131‬‬

‫)‪(151‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫يك في هذا لدحض ال شبهة الاه لة‪ .‬ك ما يك في كذلك أن نذكر أن ج يع‬
‫الركات التحريرية ف الشرق السلمي كانت من وحي الدين‪ .‬حركة الشعب الصري‬
‫ضد الحتلل الفرن سي كانت حر كة عل ماء ا لدين‪ .‬وال ثورة ع لى ظ لم م مد ع لي كان‬
‫رائدها السيد عمر مكرم الزعيم الدين‪.‬‬

‫والثورة على النليز ف السودان كان زعيمها الهدي الكبي وهو زعيم دين‪.‬‬
‫وال ثورة ع لى الطل يان ف ليب يا‪ ،‬وع لى الفرن سيي ف الغرب كلها حر كات دين ية‪ .‬و ثورة‬
‫الندونيسيي على هولندا كانت ثورة باسم الدين وعلى أساس الدين‪.‬‬

‫ف كل م كان ثورة ت شهد بأن هذا ا لدين قوة ترير ية‪ .‬ل د عوة لل ستخذاء‬
‫والرضى بالظلم والوان‪ .‬ولكنا ل نكتفي بذه القيقة الواقعة الواضحة الدللة‪ ،‬بل نضي‬
‫ف مناق شة ال شبهة الاه لة ا لت تتع لق بت خدير ال كادحي عن ط لب العدا لة الجتماع ية‬
‫والتوزيع القتصادي العادل‪ ،‬وهي أهم ما تلوكه ألسنة الشيوعيي‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫يقول الفسرون ف آية‪ " :‬ول تتمنوا ما فضل ال به بعضكم على بعض " إنا‬
‫نزلت بشأن إمرأة قالت‪ :‬لاذا يتص الرجال بالهاد ف سبيل ال وترم من ذلك النساء؟‬
‫وق يل إ نا ني عن التم ن ال فارغ مع الق عود عن الع مل‪ ،‬لنه يؤدي إ ل ال سد ‪ -‬و هو‬
‫شعور منحرف ‪ -‬دون إنتاج عملي يفيد منه الموع‪ .‬أي أنا دعوة للناس أن يعملوا ما‬
‫ينالون به الفضل‪ ،‬بدل أن يتمنوا وهم قاعدون‪.‬‬

‫أم•ا الية الخرى‪ " :‬ول تدن عينيك إل ما متعنا به أزواجا‪ 5‬منهم‪ " ..‬فهي دعوة‬
‫إل الستعلء ع لى القيم الادية‪ ،‬الت قد تدعو إل إكبار أصحابا ف أعي الرومي منها‪.‬‬
‫وال طاب في ها ع لى الر جح موجه إ ل الر سول صلى ا ل عل يه و سلم ل صغار شأن‬
‫الكافرين الذين ف أيديهم من متاع الياة الشيء الكثي‪ ،‬ولكنه هو أعلى منهم با معه من‬
‫الق القوي‪ .‬فهي ف واد آخر غي ما يفهمه منها السطحيون!‬

‫ويظهر أن هؤلء الفسرين ف صدر السلم كانوا يعلمون أن الشيوعية ستظهر‬


‫بعد ألف عام‪ ،‬وأن دعاتا سيتهمون السلم‪ ،‬فقاموا ينفون عنه التهمة‪ ،‬وينتحلو ن التفاسي‬

‫)‪(152‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫الت تول الق عن وجهته‪ ،‬فأبدوا هذه الراء الت تمل الرد الكاف على الشيوعيي وغي‬
‫الشيوعيي!‬

‫ومع ذلك فنحن نفترض جدل‪ 5‬أن هذه اليات وأشباهها تدعو للرضى بالواقع‬
‫وعدم التطلع إل ما ف يد الخرين‪ .‬فمت تصح هذه الدعوة؟ ومت تتعي إطاعتها؟‬

‫إن السلم ينبغي أن يؤخذ كله‪ ،‬ول يعل أجزاء وتفاريق يؤخذ بعضها ويترك‬
‫البعض الخر‪.‬‬

‫وهذه الدعوة للفقراء والرومي أن يصبوا ول يتطلعوا إل ما عند الغنياء‪ ،‬هي‬


‫إحدى كفت اليزان‪ .‬وتقابلها من الانب الخر دعوة مثلها أو أشد منها إل الغنياء أل‬
‫يستأثروا بأموالم‪ ،‬بل ينفقوها ف سبيل ال؛ وتديد لم شديد با ينالم من العقاب ف‬
‫الخرة على هذه الثرة البغيضة‪.‬‬

‫فإذا نظر نا إ ل ال سألة ع لى هذا الو ضع فالكف تان متوازن تان‪ :‬إن فاق ف جانب‬
‫واحتفاظ بالكرامة عن ذل التطلع‪ ،‬وبنظافة النفس من القد ف جانب‪ î‬آخر‪ .‬وبذا وذاك‬
‫يع يش الت مع ف سلمم‪ î‬نف سي يتم شى مع ال سلم القت صادي ا لذي يوزع ا لثروة ع لى‬
‫الميع‪ ،‬فل يوجد مترف هنا ومروم هناك‪ .‬وقد تدثنا من قبل عن " النفاق " وصوره‬
‫التعددة الت يكن أن تنفذ ف العصر الديث با ينفي عنها صفة الحسان‪ ،‬ويدخلها ف‬
‫باب الت عاون الن سان الكر ي‪ .‬فل ن تاج إ ل ال عودة إ ل هذه ال سألة من جد يد‪ ،‬ولك نا‬
‫نقول‪ :‬إنه حي يعيش التمع على هذه الصورة فلن يكون هناك ظلم يطلب من الظلومي‬
‫الرضاء به‪ ،‬أو حرمان اقتصادي يؤمرون بالضوع له‪.‬‬

‫أ ما ح ي ين كل الغن ياء عن واجب هم ف الن فاق‪ ،‬وت مل ت كاليف الد مة‬


‫الجتماعية لموع الشعب‪ ،‬فمن ذا الذي يدعو الفقراء والرومي إل الرضى با هم فيـه‬
‫من حرمان؟!‬

‫السلم يصنع ذلك؟‬

‫ال سلم ا لذي ي هدد الرا ضي بالظلم‪ ،‬القا عدين عن م كافحته‪ ،‬ب سوء ال صي ف‬
‫الدنيا والخرة؟‬

‫)‪(153‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫" إن الذين توفاهم اللئكة ظالي أنفسهم‪ :‬قالوا فيم كنتم؟ قالوا‪ :‬كنا مستضعفي‬
‫ف الرض‪ .‬قالوا‪ :‬أل تكن أرض ال واسعة فتهاجروا فيها؟ فأولئك مأواهم جهنم وساءت‬
‫م صيا‪ .‬إل الست ضعفي من الر جال والن ساء والو لدان ل ي ستطيعون حي لة ول يه تدون‬
‫سبيل‪5‬؛ فأولئك عسى ال أن يعفو عنهم‪ ،‬وكان ال عفوا‪ 5‬غفورا‪." (104) 5‬‬

‫إ نا إذن جر ية ل ين فع في ها اع تذار‪ .‬جر ية أن ير ضى الن سان بالظلم ب جة أ نه‬


‫ضعيف ف الرض‪ .‬والقرآن يسميهم ظالي أنفسهم‪ ،‬حي رضوا لا غي الوضع الكري‬
‫الذي أراده ال للناس‪ ،‬ودعاهم إل تقيقه بكل ما يستطيعون من جهد‪.‬‬

‫وا لدعوة إ ل ال جرة كانت لنا سبة خا صة ولي ست هي ال سبيل الوح يد لواج هة‬
‫الظلم‪ .‬فللجماعات سبل أأ‪ð‬خرى سيأت بيانا‪ .‬إنا نريد هنا أن نؤكد استفظاع السلم‬
‫للر ضى بالظلم‪ ،‬إ ل حد أن ت كون ع قوبته هي جه نم‪ ،‬ول ين جو من ها إل الست ضعفون‬
‫حقيقة‪ ،‬الذين ل يستطيعون حيلة ول يهتدون سبيل‪ .‬وذلك لكي ل يقعد عن الهاد أحد‬
‫يلك ذرة من القدرة على الهاد‪.‬‬

‫أ ما الست ضعفون حقي قة فلي سوا متروكي لمرهم‪ ،‬يتم لون الظ لم بل ن صي‪.‬‬
‫فالل ‪ õ‬مة ال سلمية كل ها مدعوة للج هد ف سبيلهم ود فع ال عدوان عن هم‪ " :‬و ما ل كم ل‬
‫ت قاتلون ف سبيل ا ل والست ضعفي من الر جال والن ساء والو لدان‪ ،‬ا لذين يقو لون رب نا‬
‫أخرجنا من هذه القرية الظال أهلها )‪." (105‬‬

‫فالظلم ل يقع على طائفة من الناس أو على كثرتم ث يسكتون عنه فيضى ال‬
‫عنهم ولن يرضى ال عنهم حت يكافحوا الظلم ويردوه عن الظلومي‪.‬‬

‫وربا ظن البعض أن هذه اليات خاصة بالعقيدة فحسب‪ ،‬أي بوجود مسلمي ف‬
‫وسط مشركي يبونم على الشرك بال وعدم القيام بشعائر العبادة السلمية‪.‬‬

‫ول كن ال سلم ل ي فرق ب ي شعائر الع بادة وب ي تنف يذ الن ظم الجتماع ية‬
‫والقتصادية والسياسية التفرعة عن هذه العقيدة‪ .‬ول يفرق بي أن يكون الذين ينعون‬

‫‪ ()104‬سورة النساء ]‪.[99-97‬‬


‫‪ ()105‬سورة النساء ]‪.[75‬‬

‫)‪(154‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫تنفيذها كفارا‪ 5‬بالسم والفعل‪ .‬أو مسلمي بالسم وكفارا‪ 5‬ف واقع المر‪ " :‬ومن ل يكم‬
‫با أنزل ال فأولئك هم الكافرون " )‪.(106‬‬

‫وال سلم يأمر بأل ي كون ا لال " دو لة ب ي الغن ياء " و يأمر بأن تك فل الدو لة‬
‫رعاياها بكل الطرق المكنة‪ :‬إما بإياد العمل الكري لم‪ ،‬وإما بالنفاق الباشر عليهم من‬
‫بيت الال ف حالة العجز عن العمل‪ .‬ويأمر نب السلم بضمانات معينة ‪ -‬ذكرناها من‬
‫قبل ‪ -‬بالنسبة لوظفي الدولة‪ ،‬وهي تنطبق بالقياس على كل من يؤدي عمل‪ 5‬ف مؤسسة‬
‫خاصة أو عامة‪ ..‬وكل ذلك جزء من هذا الدين ل يتم إيان الناس حت يقر•وا به ويسعوا‬
‫إل تنفيذه‪ .‬وعليه تنطبق اليات السالفة الذكر الت تذكر الظلم وحكم " ظالي أنفسهم "‬
‫الذين يقبلون هذا ول يكافحونه‪.‬‬

‫ونفرض أن الناس قد قعدوا عن مكافحة الظلم الجتماعي إطاعة للمعن التوهم‬


‫من اليات الت تقول‪ " :‬ول تت´ت´ت´م´م´ن´ن‪é‬وا ما فضل ال به بعضكم على بعض " أو " ول تدن‬
‫عينيك إل ما متعنا به أزواجا‪ 5‬منهم " فما الذي يدث عند ذاك؟‬

‫يدث أن تت كدس ا لموال ف يد فئة خا صة من ال ناس ي تداولونا في ما بين هم‬


‫ويرمون منها ال موع " ك ما يدث ف الق طاع والرأ سالية " وذ لك من كر لنه مالف‬
‫لمر ال‪ " :‬كيل يكون دولة بي الغنياء "‪.‬‬

‫ويدث أن يبس الغنياء هذه الموال‪ ،‬أو ينفقوها على أنفسهم ف صورة ترف‬
‫وملذات‪ .‬فإن كان الول فهي منكر‪ " :‬والذين يكنون الذهب والفضة ول ينفقونا ف‬
‫سبيل ال فبشرهم بعذاب أليم " )‪ (107‬ول عذاب إل على منكر ل يرضي ال‪ .‬وإن كانت‬
‫الثان ية ف هي من كر كذلك وال يات ا لت ترم ا لترف كثية جدا‪ 5‬ف ال قرآن‪ ،‬كل ها ت صم‬
‫الترفي بالكفر والفسوق‪ " :‬وما أرسلنا ف قرية من نذير إل قال مترفوها إنن‪é‬ا با أرسلتم به‬
‫كافرون )‪ " … " (108‬وإذا أرد نا أن ن لك قر ية أمر نا مم‪µ‬ت‪µ‬ت‪å‬ر‪å‬ر´ف´ف‪ñ‬يه ه´ا فف سقوا في ها فحقق‬

‫‪ ()106‬سورة الائدة ]‪.[44‬‬


‫‪ ()107‬سورة التوبه ]‪.[24‬‬
‫‪ ()108‬سورة سبأ ]‪.[34‬‬

‫)‪(155‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫عليها القول فدمرناها تدمياا )‪ " .." (109‬وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال‪ :‬ف سوم‬
‫وحيم‪ ،‬وظل من يموم‪ ،‬ل بارد ول كري‪ ،‬إنم كانوا قبل ذلك مترفي " )‪.(110‬‬

‫ل يكن إذن أن ينتج من قعود الناس عن مكافحة الظلم الجتماعي إل منكر‪.‬‬


‫فكيف يتهم السلم بأنه يدعو الناس إل الرضا بالنكر والسكوت عليه ابتغاء مرضاة ال !‬
‫وال يقول‪ " :‬لعن الذين كفروا من بن إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مري ذلك با‬
‫)‪(111‬‬
‫عصوا وكانوا يعتدون‪ .‬كانوا ل يتناهون عن منكر فعلوه‪ ،‬لبئس ما كانوا يفعلون "‬
‫فيجعل السكوت على النكر وعدم التناهي عنه علمة من علمات الكفر بال تستوجب‬
‫غ ضبه ولعن ته وع قابه؟! والر سول ي قول‪ " :‬من رأى من كم من كرا‪ 5‬فليغ يه "‪ .‬وي قول‪" :‬‬
‫أفضل الهاد عند ال كلمة حق عند إمام جائر "‪ .‬و لن تدث هذه النكرات ف التمع‬
‫ويرضى عنها الاكم أو يتسبب فيها إل كان إماما‪ 5‬جائر‪ ö‬تب مقاومته جهادا‪ 5‬ف سبيل ال‬
‫وابتغاء مرضاة ال؟!‬

‫أي ع قل ذ لك ا لذي ي يز ف هم ال سلم ع لى أ نه يأمر بالر ضى عن الظ لم‬


‫والسكوت على الرمان‪ ،‬إل عقل منحرف ل يستطيع أن يفهم ول يستطيع التخلص من‬
‫الوى والشهوات؟‬

‫إ نا تن صرف ال يات ا لت أوردنا ها ف أول الف صل إ ل الن هي عن التم ن ال فارغ‬


‫ا لذي ل ي صحبه ع مل من تج؛ وإ ل الر ضى با ل ي ستطيع أ حد ف ا لرض أن يغ يه‪ :‬ل‬
‫الدولة ول التمع ول أحد من الناس‪.‬‬

‫فلنفرض أن إنسانا‪ 5‬وهب موهبة حازت له الشهرة وإعجاب الناس‪ ،‬وآخر يتحرق‬
‫شوقا‪ 5‬إل م ثل هذه الشهرة وهو ل ي لك م ثل موهبته‪ .‬ف ما الذي تصنعه الدولة يا ترى‬
‫لرضاء هذا الشوق‪ ،‬ومنعه أن يتحول إل حقد مريض؟ هل "تصنع" الدولة له موهبة ف‬
‫أحد مصانعها!؟‬

‫‪ ()109‬سورة السراء ]‪.[16‬‬


‫‪ ()110‬سورة الواقعه ]‪.[45-41‬‬
‫‪ ()111‬سورة الائدة ]‪.[79-78‬‬

‫)‪(156‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ولنفرض أن إنسانة جيلة تفو لا الفئدة وتتبعها العيون‪ .‬وأأ‪ð‬خرى ليس لا جالا‬
‫ولكنها تتلهف إل العجاب وتتطلع إل المال‪ ،‬فما الذي يسع الدولة أن تقدمه إليها‬
‫لتمنحها " الساواة" الت تنشدها؟‬

‫ولنفرض أن زوجي يتمتعان فيما بينهما بالب‪ ،‬أو ينجبان من الطفال ما تقر به‬
‫عينه ما وت سعد نف سهما‪ ،‬وآخر ين ل يك تب ل ما الو فاق‪ ،‬أو ل ينج با الط فال ر غم‬
‫ماولت الطب الديث‪ ،‬فماذا تصنع قوى الرض كلها لتعويضهما عما يفقدانه ف هذا‬
‫الباب؟‬

‫أن هذا وأمثاله كثي جدا‪ 5‬ف الياة‪ .‬ولن تله اللول القتصادية ول نشر العدالة‬
‫الجتماعية‪ ،‬لنه يتعلق ف جوهره بقيم غي اقتصادية‪ .‬فمن ذا الذي يله إذن إل الدعوة‬
‫إل الرضى‪ ،‬والطمئنان إل رزق ال الواسع الذي يقدر الناس بقاييس أخرى غي مقاييس‬
‫الرض‪ ،‬ويزي حرمان الرض بنعيم السماء؟!‬

‫بل ف اليدان القتصادي والجتماعي ذاته‪ ..‬من الذي يقول إن الساواة الطلقة‬
‫قد أمكن أن تطبق ف واقع الرض؟ ف أي بلد من بلد العال كله تساوت جيع الجور‬
‫أو تساوت جيع الناصب؟ فلنفرض أن عامل‪ 5‬ف التاد السوفييت شديد الطموح عظيم‬
‫التوق‪ .‬فهو تواق لن يكون مهندسا‪ ،5‬ولكن مواهبه العقلية تول دون ذلك رغم إعطائه‬
‫ج يع ال فرص العاد لة‪ .‬أو أن عامل‪ 5‬ل يد ف ج سمه طا قة ب عد و حدة الع مل الجبار ية‬
‫الول ليقوم بعمل إضاف يأخذ عليه أجر‪5‬ا إضافيا‪ ،5‬ولكنه مع ذلك يتحرق شوقا‪ 5‬إل ما‬
‫يناله الخر القوي من أجر زائد ينفقه ف متع الياة‪ .‬ما الذي تلكه الدولة لذا وذلك؟‬
‫وكيف يستطيع أن يسعد بياته وهي مشوبة بالقلق الستمر والتطلع الدائم والقد الرير؟‬
‫وكيف ‪ -‬بغي التطلع إل رحة ال ونشدان الراحة ف رحابا ‪ -‬يستطيع أن يؤدي عمله‬
‫ف ك ما ينب غي‪ ،‬لي ستفيد من ج هده ال موع؟ أبالد يد وال نار خ ي‪ ،‬أم بدافع داخ لي من‬
‫الرضا والقبال؟‬

‫هذه هي دعوة السلم‪ .‬العمل لتحقيق الرغبات الشروعة‪ ،‬والرضا با ل يستطيع‬


‫تغيييه أ حد ‪ .‬أ ما ح ي يو جد الظ لم ا لذي ي كن تغ يه‪ ،‬ف لن يرضى ا ل عن ال ناس حت‬
‫يزيلوا هذا الظلم بالثورة عليه وتطيمه‪ " :‬ومن يقاتل ف سبيل ال فيقتل أو يغلب فسوف‬
‫نؤتيه أجرا‪ 5‬عظيم‪5‬ا )‪." (112‬‬

‫‪ ()112‬سورة النساء ]‪.[74‬‬

‫)‪(157‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫فإذا كان ف ا لدنيا كل ها د ين يصلح أن ي كون أفيو نا‪ 5‬لل شعب‪ ،‬ف لن ي كون هذا‬
‫الدين هو السلم‪ ،‬الذي يكافح الظلم بميع صوره وألوانه‪ ،‬وينذر الذين يقبلون الظلم‬
‫بشر العقاب‪.‬‬

‫)‪(158‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫السلم‪ ...‬والطائفية‬
‫مو قف ال طوائف غ ي ال سلمة من ح كم ال سلم م سألة ي قال عن ها دائ ماا‪ 5‬إ نا‬
‫شائكة ودقي قة‪ ،‬ويتج نب ال ناس ا لديث في ها ما فة و قوع الفت نة ب ي ال سلمي وغ ي‬
‫السلمي‪.‬‬

‫ولك ن شخص ت عودت ع لى ال صراحة الكام لة بي ن وبيي نف سي ‪ ،‬وبي ن وب ي‬


‫الناس‪ ،‬وبذه الصراحة الكاملة أحب أن أسأل السيحيي ف الشرق السلمي‪ :‬ما الذي‬
‫يشون من حكم السلم؟ هل يشون النصوص أم يشون التطبيقات؟‬

‫أ ما الن صوص فت قول‪ " :‬ل ين هاكم ا ل عن ا لذين ل ي قاتلوكم ف ا لدين و ل‬


‫يرجوكم من دياركم أن تبب‪ò‬وهم وتقسطوا إليهم‪ .‬إن ال يب القسطي )‪." (113‬‬

‫وتقول‪ " :‬وطعام الذين أتوا الكتاب حلل÷ لكم وطعامكم حلل ÷ لم‪ ،‬والصنات‬
‫من الؤمنات‪ ،‬والصنات من الذين أوتو الكتاب )‪." (114‬‬

‫والبدأ الفقهي العام‪ " :‬لم ما لنا وعليهم ما علينا "‪.‬‬

‫ف هي تأمر بالب بم وال عدل ف م عاملتهم‪ ،‬وال ساواة بين هم وب ي ال سلمي ف‬


‫ال قوق والواج بات ا لت ل تتع لق بع بادة أو فري ضة‪ ،‬إ نا تتع لق بن ظام الت مع وح قوق‬
‫الواطني فيه‪ .‬وتزيد على ذلك أن تسعى إل توثيق الروابط بينهم وبيي السلمي بالتزاور‬
‫والؤاك لة وال شاربة‪ ،‬و هي ل ت كون إل بيي ال صدقاء الت حابي ‪ ،‬وت توج ذ لك بر باط‬
‫الزواج وهو أوثق رباط‪.‬‬

‫أ ما التطبي قات‪ ،‬فيح سن أن نترك ا لديث في ها لر جل م سيحي أور ب ل يت هم‬


‫بالتحيز للسلم‪.‬‬

‫‪ ()113‬سورة المتحنة ]‪.[8‬‬


‫‪ ()114‬سورة الائدة ]‪.[5‬‬

‫)‪(159‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫يقول سيت‪ .‬و‪ .‬أرنولد ف صفحة ‪ 48‬من كتابه " الدعوة إل السلم " ترجة‬
‫حسن إبراهيم حسن وعبد اليد عابدين وإساعيل النحراوي‪:‬‬

‫" ويكننا أن نكم من الصص ‪Û‬لت الودية الت قامت بي السيحيي والسلمي من‬
‫العرب بأن القوة ل تكن عامل‪ 5‬حاسا‪ 5‬ف تويل الناس إل السلم‪ .‬فمحمد نفسه قد عقد‬
‫حل فا‪ 5‬مع ب عض الق بائل ال سيحية‪ ،‬وأ خذ ع لى عاتقه حايتهم ومنح هم الر ية ف إقا مة‬
‫شعائرهم الدينية‪ .‬كما أتاح لرجال الكنيسة أن ينعموا بقوقهم ونفوذهم القدي ف أمن‬
‫وطمأنينة "‪.‬‬

‫ويقول ف صفحة ‪ " :51‬ومن هذه المثلة الت قدمناها آنفا‪ 5‬عن ذلك التسامح‬
‫ا لذي ب سطه ال سلمون ال ظافرون ع لى ال عرب ال سيحيي ف ال قرن ا لول من ال جرة‪،‬‬
‫وا ستمر ف الج يال التعاق بة‪ ،‬ن ستطيع أن ن ستخلص بق أن هذه الق بائل ال سيحية ا لت‬
‫اعتنقت ال سلم‪ ،‬إ نا فع لت ذ لك عن اختيار وإرادة حرة‪ .‬وإن العرب السيحيي الذين‬
‫يعيشون ف وقتنا هذا بي جاعات مسلمة لشاهد على هذا التسامح "‪.‬‬

‫ويقول ف صفحة ‪ " :53‬ولا بلغ اليش السلمي وادي الردن‪ ،‬وعسكر أبو‬
‫عب يدة ف ف حل‪ ،‬ك تب ال هال ال سيحيون ف هذه البلد إ ل ال عرب يقو لون‪ :‬يا مع شر‬
‫السلمي أنتم أحب إلينا من الروم‪ ،‬وإن كانوا على ديننا‪ .‬أنتم أوف لنا وأرأف بنا وأكف‬
‫عن ظلمنا وأحسن ولية علينا "‪.‬‬

‫وف صفحة ‪ " :54‬وهكذا كانت حالة الشعور ف بلد الشام إ بان الغزوة الت‬
‫وق عت ب ي سنت ‪639 ،633‬م وا لت طرد في ها ال عرب ج يش ا لروم من هذه الول ية‬
‫تدريا‪ .‬و لا ضربت دم شق ال ثل ف ع قد صلح مع ال عرب سنة ‪637‬م‪ ،‬وأم نت بذلك‬
‫السلب والنهب‪ ،‬كما ضمنت شروطا‪ 5‬أخرى ملئمة‪ ،‬ل تتوان سائر مدن الشام ف أن‬
‫تن سج ع لى منوا لا فأبرمت حص ومن بج وب عض ا لدن ا لخرى معا هدات أ صبحت‬
‫بقتضاها تابعة للعرب‪ ،‬بل سلم بطريق بيت القدس هذه الدينة بشروط ماثلة‪ .‬وإن خوف‬
‫الروم من أن يكرههم المباطور الارج على الدين على إتباع مذهبه‪ ،‬قد جعل الوعد‬
‫الذي قطعه السلمون على أنفسهم بنحهم الرية الدينية أحب إل نفوسهم من ارتباطهم‬
‫بالدولة الرومانية وبأية حكومة مسيحية‪ .‬ول تكد الخاوف الول الت أثارها نزول جيش‬
‫فاتح ف بلدهم تتبدد حت أعقبها تمس قوي لصلحة الفاتي "‪.‬‬

‫)‪(160‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ت لك شهادة ر جل م سيحي عن ال سلم‪ .‬ف ما ا لذي ي شاه ال سيحيون إذن من‬


‫الكم السلمي؟‬

‫لعل هم ي شون تع صب ال سلمي ضدهم‪ .‬فيظ هر إذن أ نم ل يعر فون مع ن‬


‫التعصب‪ .‬فلنضرب لم أمثلة منه على مدار التاريخ‪.‬‬

‫كانت ماكم الت فتيش ف أ سبانيا مق صودا‪ 5‬با الق ضاء ع لى ال سلمي ق بل كل‬
‫شيء‪ .‬وقد استخدمت فيها أبشع ألوان التعذيب الت عرفت ف التاريخ‪ ،‬من إحراق الناس‬
‫أحياء‪ ،‬ونزع أظافرهم وسل عيونم وتقطيع أوصالم‪ ،‬لكراههم على ترك دينهم واتباع‬
‫مذهب م سيحي مع ي‪ .‬ف هل ل قي ال سيحيون ف ال شرق ال سلمي شيئا‪ 5‬من ذ لك طول‬
‫مقامهم هناك؟‬

‫وا لازر ت قام للم سلمي ف كل ب لد أور ب أو وا قع تت سيطرة ا لوربيي ف‬


‫يوغوسلفيا وألبانيا وروسيا‪ ،‬وف الشمال الفريقي والصومال وكينيا وزنبار‪ ،‬وف الند‬
‫والليو‪ ،‬مرة باسم تطهي الصفوف ومرة باسم إقرار المن والسلم!‬

‫ولكنا نترك كل هذا ونأخذ مثل‪ 5‬واحد‪5‬ا له دللته الاصة وهو البشة‪ ،‬فهي بلد‬
‫تربطنا به منذ القدم روابط تاريية وجغرافية وثقافية ودينية‪ .‬فالبشة ‪ -‬كما هو معلوم ‪-‬‬
‫تابعة للكنيسة الصرية‪ .‬وسكانا خليط من السلمي والسيحيي‪ ،‬وأقل الناس تقديرا‪ 5‬يقدر‬
‫السلمي بـ ‪ %55‬من مموع السكان‪ .‬بينما يقدرهم آخرون بـ ‪ !%65‬فلنأخذ أقل‬
‫التقديرين!‬

‫ل يس ف الب شة مدر سة وا حدة حكوم ية تدرس ا لدين ال سلمي لتلم يذها‬


‫السلمي‪ .‬ول مدرسة واحدة تعلم اللغة العربية‪ .‬أما الدارس الت يفتحها السلمون على‬
‫نفقتهم فإن الكومة تظل تفرض عليها من الضرائب والضايقات ما يؤدي إل إغلقها ف‬
‫آخر المر وتيئيس غيهم من القيام بحاولة جديدة‪ .‬وهكذا يقتصر المر هناك بالنسبة‬
‫للمسلمي على الكتاتيب‪.‬‬

‫وإل عهد قريب ‪ -‬إل ما قبل الغزو اليطال ‪ -‬كان السلم الذي يستدين من‬
‫م سيحي حب شي ويع جز عن الو فاء بدينه ي صبح رقي قا‪ 5‬للحب شي ي شترى وي باع وي عذب‬
‫بعرفة الدولة‪.‬‬

‫)‪(161‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وبطبيعة الال ليس ف وظائف الكومة ول وزاراتا واحد مسلم ليقوم بتمثيل‬
‫أكثر من نصف السكان‪ .‬و هذا ك له والكنيسة الصرية هي ال شرفة على ال توجيه الدين‬
‫هناك!!‬

‫فهل رأى السيحيون ف العال السلمي شيئا‪ 5‬من ذلك ف تاريهم؟ أم يرضون‬
‫العاملة بالثل مع هذا القطر الذي تربطنا به روابط الطبيعة وروابط الدين؟!‬

‫ذلك هو التعصب الق‪ .‬أما ف مصر مثل‪ 5‬فماذا يشون!‬

‫والشيوعيون يقولون إن الكيان القيقي للنسان هو كيانه القتصادي‪ .‬فهل حرم‬


‫السيحيون ف السلم من حق اللك أو التصرف أو تميع الثروات؟‬

‫هذا بشري حنا عندما زار اللك فؤاد الصعيد قد اقتلع من مزرعته من أشجار‬
‫البتقال الملة بالثمار ما زرعه على طول ‪ 25‬كيلو مترا‪ 5‬من الانبي ف طريق اللك!‬
‫فمن أين له ذلك لو ل يكن له حق اللكية بغي حد؟‬

‫وحق التعليم؟ وحق التوظيف؟وحق الترقية فف الوظيفة؟ هل يدخل فيه العنصر‬


‫الدين؟‬

‫على أننا ل نوافق الشيوعيي ف أن كيان النسان هو كيانه القتصادي فحسب‪.‬‬


‫ونضيف إليه كيانه العنوي والروحي‪.‬‬

‫فهل حدث اضطهاد ف العبادة ‪ -‬إل المثلة النادرة الت كان الستعمرون النليز‬
‫دائم‪5‬ا من ورائها ليثيوا الفتنه الت تكن لم ف الرض؟‬

‫ويقو لون إن ه ناك تي يزا‪ 5‬ف م سألة الز ية‪ .‬ف نرد علي هم ب قول سي أرنو لد ا لذي‬
‫است شهدنا به من ق بل‪ ،‬إذ ي قول ف ص ‪ " :58‬و قد فر ضت الز ية ك ما ذكر نا ع لى‬
‫ال قادرين من ا لذكور ف مقا بل الد مة الع سكرية ا لت كانوا ي طالبون بأدائ ها لو كانوا‬
‫مسلمي‪ .‬ومن الواضح أن أي جاعة مسيحية كانت تعفى من أداء الضريبة إذا ما دخلت‬
‫ف خدمة اليش السلمي‪ .‬وكان الال على هذا النحو مع قبيلة الراجة‪ ،‬وهي قبيلة‬
‫مسيحية كانت تقيم بوار أنطاكية وسالت السلمي وتعهدت أن تكون عونا‪ 5‬لم وأن‬
‫تقاتل معهم ف مغازيهم على شريطة أل تؤخذ بالزية‪ ،‬وأن تعطى نصيبها من الغنائم "‪.‬‬

‫)‪(162‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وف ص ‪ " :59‬ومن جهة أخرى أعفي الفلحون الصريون من الدمة العسكرية‬
‫على الرغم من أنم كانوا على السلم‪ .‬وفرضت عليهم الزية نظي ذلك كما فرضت‬
‫على السيحيي "‪.‬‬

‫ليست السألة إذن تفرقة طائفية‪ .‬وإنا هي الدمة العسكرية من أداها أعفي من‬
‫الزية‪ ،‬ومن ل يؤدها فعليه الزية بل تفرقة بي دين ودين‪.‬‬

‫أ ما ال نص ا لذي ي قول‪ " :‬قاتلوا ا لذين ل يؤم نون بال ول باليوم ا لخر‪ ،‬ول‬
‫يرمون ما حرم ال ورسوله‪ ،‬ول يدينون دين الق من الذين أوتوا الكتاب حت يعطوا‬
‫الزية عن يد وهم صاغرون "‪ ] .‬سورة التوبة‪.[ 29 :‬‬

‫فهو نص خاص بالاربي لدار السلم من أهل الكتاب كما لو حاربنا النليز‬
‫أو الفرنسيي‪ ،‬وليس ينصرف إل القيمي ف الوطن السلمي‪.‬‬

‫ولكن أعلم أن شياطي الشيوعية ينبثون ف كل طائفة فيمنونا بأمنية خاصة‪.‬‬

‫ف هم ينب ثون ب ي الع مال فيقو لون لم‪ " :‬اتبعو نا و سنملككم ال صانع "‪ .‬وب ي‬
‫الفلحي فيقولون لم‪ " :‬اتبعونا وسنملككم الرض "‪ .‬وبي خريي الامعات والدارس‬
‫التعطل ي فيقو لون لم " اتبعو نا و سنمنحكم عمل‪ 5‬يوازي مؤهلتكم "‪ .‬وب ي ال شباب‬
‫الروم من النس‪ ،‬فيقولون لم‪ " :‬اتبعونا وسننشئ لكم متمعا‪ " 5‬حرا " يصنع فيه من‬
‫يشاء ما يشاء بل تدخل من القانون ول اعتراض من التقاليد "‪.‬‬

‫ث ي لون بال سيحيي فيقو لون لم‪ " :‬اتبعو نا و سنحطم ل كم هذا ال سلم ا لذي‬
‫ي فرق ب ي ال ناس ع لى أ ساس العق يدة "‪ .‬كبت كل مة ترج من أ فواههم إن يقو لون إل‬
‫كذباا‪ .‬ليس السلم هو الذي يفرق ف نظامه ومعاملته بي الناس على أساس العقيدة ‪،‬‬
‫و هو ا لذي ينح هم كل ال قوق اليو ية بل تفر يق‪ .‬وإ نا هو ي مع بين هم ع لى أ ساس‬
‫الن سانية‪ ،‬ث يترك لم ب عد ذ لك كا مل الر ية ف اعت ناق العق يدة ا لت ير يدونا‪ ،‬بر ضاء‬
‫السلم‪ ،‬بل بمايته وتت رعايته‪.‬‬

‫وإن لعلم كذلك أن السيحيي ف الشرق‪ ،‬أحرص على روابطهم التاريية مع‬
‫السلمي‪ ،‬وأحرص على مصالهم التشابكة‪ ،‬من أن يستمتعوا لدس الدساسي أو وسوسة‬
‫الشياطي‪.‬‬

‫)‪(163‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫السلم‪ ...‬والثالية‬
‫أين هو السلم الذي تدثوننا عنه أيها السلمون؟ ومت طبق ف وضعه الصحيح؟‬
‫إنكم دائما‪ 5‬تدثوننا عن نظام مثال رائع ف ذاته‪ ،‬ولكنه ل يوجد بالصورة الت تصفونا ف‬
‫واقع الرض‪.‬فإذا سألناكم عن التطبيق العملي ل تدوا إلل فترة قصية ف حياة الرسول‬
‫والل فاء الرا شدين‪ ،‬أو با لحرى اللي فتي ا لولي‪ .‬ورح تم تت شبثون بع مر بن ال طاب‬
‫خا صة ت لون ف شخ صه صورة ال سلم‪ ،‬وتعر ضونا باهرة تتل ل ف الع يون‪ ،‬حت إذا‬
‫فتشنا حولا ل ند إلل ظلمات بعضها فوق بعض‪ ،‬من إقطاع وظلم واستبداد وتأخر‬
‫ورجعية‪.‬‬

‫تت حدثون عن حق ال شعب ف تأديب ح كامه‪ ،‬ف مت ‪ -‬ف غ ي ع هد الل فاء‬


‫الراشدين ‪ -‬أتيح للشعب أن يتار حكامه فضل‪ 5‬عن تأديبهم؟‬

‫وتت حدثون عن حق ال شعب ف تأديب ح كامه‪ ،‬ف مت ‪ -‬ف غ ي ع هد الل فاء‬


‫الراشدين ‪ -‬أتيح للشعب أن يتار حكامه فضل‪ 5‬عن تأديبهم؟‬

‫وتتحدثون عن التوزيع القتصادي العادل ف السلم‪ ،‬فمت تقاربت الفوارق بي‬


‫الناس حت ف عهد اللفاء الراشدين أنفسهم؟‬

‫وتت حدثون عن وا جب الدو لة ف إ ياد ع مل ل كل مواطن‪ .‬ف ما بال ا للوف‬


‫والليي من التعطلي الذين يعيشون على التسول حينا‪ ،5‬وعلى البؤس والرمان أبدا‪5‬؟‬

‫وتتحدثون عن حقوق الرأة ف السلم فمت نالت هذه القوق بالفعل‪ ،‬ومت‬
‫مكنتها التقاليد الظالة أو الوضاع الجتماعية والقتصادية من استعمال هذه القوق؟‬

‫وتتحدثون عن التربية السلمية الت تذب النفوس وتودع فيها تقوى ال‪ ،‬فتقوم‬
‫العلقات بي الكام والكومي وبي طوائف المة الختلفة على التعاون ف سبيل الي ‪،‬‬
‫فمت حدث ذلك إل ف تلك الفترات النادرة الت تتمثلون با‪ ،‬ومت منعت تقوى ال من‬
‫أ كل ح قوق الف قراء وا لور علي هم وا ستئثار ال كام بال نافع وك بت الر يات وإذلل‬
‫الشعوب؟‬

‫)‪(164‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫إنكم تدثوننا عن أحلم ل رصيد لا من الواقع‪ ،‬إل هذا الرصيد الضئيل الذي ل‬
‫يؤلف نظاما‪ 5‬واضح العال‪ ،‬وإنا هو أمثلة شخصية ل تتكرر ف التاريخ‪.‬‬

‫تلك دعوى الشيوعيي وأشباههم‪ ،‬بل هي شبهة قوية ف نفوس السلمي أنفسهم‬
‫الذين ل يدرسوا التاريخ السلمي إل على أيدي الستعمرين‪.‬‬

‫وهنا يب أن نفرق تفريقا‪ 5‬حاسا‪ 5‬بي أمرين‪ :‬مثالية النظام ذاته‪ ،‬ومثالية التطبيق‪.‬‬

‫ف هل ال سلم ب طبيعته ن ظام م ثال ل يق بل الت طبيق العم لي ف وا قع ا لرض‪،‬‬


‫لعت ماده ع لى عنا صر خيال ية أو م ستحيلة‪ .‬أم هو ن ظام عمل ية ولك نه ل يط بق ب صورته‬
‫الكاملة على مدار الجيال؟‬

‫والفرق بي الوضعي كبي‪..‬‬

‫فحي يكون نظاما‪ 5‬مثاليا‪ 5‬ف ذاته‪ ،‬فل أمل ف تطبيقه أبد‪5‬ا مهما تبدلت الحوال‬
‫والظروف‪.‬‬

‫وإذا كان نظا ما‪ 5‬واقع يا‪ ،5‬ول كن ظرو ف‪5‬ا بعين ها قد حالت دون ت طبيقه‪ .‬فا لمر‬
‫متلف‪ ،‬والمل ف التطبيق قائم مت زالت هذه الظروف‪.‬‬

‫فأي الوضعي ينطبق على السلم؟‬

‫نسب أن المر من الوضوح بيث ل يتلف ف أمره أحد‪ .‬فمجرد تطبيقه مرة‬
‫وا حدة ف تار يخ الب شرية يث بت بدليل قاطع أ نه ن ظام قا بل للت طبيق‪ ،‬وأ نه ل يعت مد ع لى‬
‫عناصر خيالية ول مستحيلة‪ .‬أم يريد التقدميون أن يقولوا إن الناس ف صدر السلم قد‬
‫ارتفعوا إل مستوى تعجز البشرية عن العودة إليه؟ إن ذلك على أي حال مالف لرأيهم‬
‫ف مسألة التطور الذي يدفع بالبشرية دائما‪ 5‬إل المام!‬

‫أما لاذا ل يتكرر عهد اللفاء الرا شدين مرة أأ‪ð‬خرى إل ف فترات خاطفة من‬
‫التاريخ كعهد عمر بن عبد العزيز مثل‪ 5‬فسؤال وجيه‪ ،‬ورده موجود ف ملبسات التاريخ‪،‬‬
‫سواء منها ما كان مليا‪ 5‬ف الرقعة السلمية أو عاما‪ 5‬ف حياة البشرية‪.‬‬

‫)‪(165‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫فيجب أن نعل بالنا إل أمرين‪:‬‬

‫الول‪ :‬إن القفزة الت قفزها السلم بالبشرية من وهدتا الت كانت فيها‪ ،‬إل‬
‫مستواها الرفيع الذي تقق ف عهد اللفاء الراشدين‪ ،‬ل تكن قفزة عادية‪ .‬فهي معجزة من‬
‫معجزات السلم حققها ف واقع الرض‪ ،‬ولكنها كانت ف حاجة إل إعداد طويل وتربية‬
‫شخصية للبطال الذين حققوا العجزة ف أشخاصهم وأعمالم جيعا‪.‬‬

‫ول كن ال سلم انت شر ب سرعة خاط فة ل مث يل لا من ق بل ول من ب عد ف كل‬


‫حركات التاريخ‪ .‬وتلك معجزة أأ‪ð‬خرى من معجزات السلم ل تفسرها كل التفسيات‬
‫الادية والقتصادية الت يفسر با الاديون والشيوعيون تاريخ البشرية‪ .‬ولكن هذه السرعة‬
‫ذاتا قد جلبت إل السلم أقواما‪ 5‬متعددين ليسوا كلهم قد تشربوا روح السلم‪ ،‬ول‬
‫فهموا حقيقة نظمه الجتماعية والقتصادية والسياسية‪ ،‬ول يكن ف الوسع تربيتهم جيعا‬
‫بالصورة الت ترب عليها السلمون الوائل ف الزيرة العربية‪ .‬وكان من جراء دخول هذه‬
‫القوام ف السلم وحسبانا من تعداد السلمي‪ ،‬أن اتسعت رقعة السلم ولكن مبادئه ل‬
‫تتغلغل ف نفوس الناس فسهل النراف عنها‪ ،‬واللعب با على أيدي الكام الظالي من‬
‫بن أمية والعباسيي والتراك والماليك وغيهم من ل يستوفوا خصائص السلم‪.‬‬

‫وا لمر ال ثان‪ :‬أن هذه الق فزة ال سلمية ل ت كن طبيع ية بالن سبة " للت طور "‬
‫البشري‪ ،‬فقد رفعت الناس طفرة من الرق إل صورة من العدل الجتماعي ل تزال تعتب‬
‫خطوة تقدمية بالنسبة لكل النظم الت جربتها البشرية‪ ،‬كما رفعتهم من حضيضهم النفسي‬
‫الغارق ف شهوات الرض إل قمة تزهى با النسانية ف جيع عصورها‪.‬‬

‫و قد أ طاق ال ناس وقت ها هذا الرت فاع ال شاهق ال فاجىء‪ ،‬لن الدف عة الروح ية‬
‫المثلة ف الرسول وأصحابه كانت كقوة السحر الت ترفع النسان فوق طاقاته العادية‬
‫وتعله يصنع ما يشبه العجزات‪ .‬فلما انسرت هذه الدفعة الائلة ارتد الناس عن آفاقهم‬
‫العليا‪ ،‬وإن كانوا ‪ -‬مع ذلك ‪ -‬قد احتفظوا بقبسة لمعة من روح السلم سنتحدث بعد‬
‫هنيهة عن آثارها العملية ف تاريخ البشر‪ .‬ولكن هذا ليس معناه كما يقول الزيفون أننا ف‬
‫حاجة دائمة إل وجود الرسول والصحابة بأشخاصهم لنحقق ما حققه الناس ف صدر‬
‫السلم ف الانب العملي على القل‪ .‬فالذي كان يعد معجزة قبل ألف وثلثمائة عام ف‬
‫سياسة الكم ونظام القتصاد وعلقات التمع‪ ،‬أصبح بعد مرور هذه القب الطويلة‪،‬‬
‫وب عد الت جارب ا لت مرت با الب شرية ‪ -‬و ف أو لا التجر بة ال سلمية ذا تا ‪ -‬ف حدود‬

‫)‪(166‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ال ستطاع ال يوم ف كثي من ر بوع ا لرض‪ .‬فإذا أرد نا أن نط بق ال سلم ال يوم ف وا قع‬
‫الياة‪ ،‬بصرف النظر عن مثله الخلقية الرفيعة ‪ -‬وإن كان السلم يعن با عناية خاصة‬
‫ول يفصل بينها وبي التطبيق العملي ‪ -‬فلن نقفز قفزات معجزة كتلك الت قفزها العرب‬
‫ف صدر السلم‪ ،‬لن التجارب والسوابق قربتنا من تلك القمة العالية‪ ،‬فصارت النقلة‬
‫أقرب‪ ،‬وصار الهد الطلوب أيسر من ذي قبل‪.‬‬

‫ولنضرب بعض المثلة لا نقول‪:‬‬

‫فالمم الت تعيي•ن حكامها اليوم بالنتخاب العام‪ ،‬وتعزلم حي تراهم انرفوا عن‬
‫سواء ال سبيل‪ ،‬ل تز يد ع لى أن تط بق ال صورة ال سلمية للح كم ف صدر ال سلم من‬
‫جانبها العملي‪ .‬وقد كان هذا معجزة ف عصر أب بكر وعمر‪ .‬ولكنه اليوم ف متناولنا‬
‫حي نريد‪ ،‬أي حي يصي لدينا الوعي الذي تلكه هذه المم‪ .‬فإذا كنا نلك ذلك بتقليد‬
‫ان لترا أو أمري كا فل ماذا نع جز ع نه إذا طلب ناه با سم ال سلم و هو مو جود ف ال سلم؟‬
‫وضمان الطالب الساسية لوظفي الدولة ‪ -‬ومن ف حكمهم من العمال ف الؤسسات‬
‫العامة والاصة ‪ -‬ت شريع صريح من ت شريعات ال سلم‪ .‬و قد طبق ته ال شيوعية ف القرن‬
‫الع شرين )وإن كانت قد طبق ته ف مقا بل دكتاتور ية الدو لة وال سلم أراده حرا‪ 5‬من‬
‫الدكتاتور ية( فإذا رغب نا ف تنف يذه ال يوم ف هو ف مت ناول يدنا‪ .‬ول كن لاذا نأ خذه من‬
‫الشيوعية ول نأخذه من السلم؟‬

‫وهكذا وهكذا ف كل باب‪.‬‬

‫فت جارب البشرية قد قربت نا اليوم مسافة هائلة من ن ظم السلم‪ .‬وإن كانت ل‬
‫تصل إليها كاملة حت اليوم‪ .‬فلماذا تصبح هذه النظم واقعية عملية حي تاولا أوربا‪،‬‬
‫وتصبح خيالية مثالية حي يريدها السلم؟!‬

‫إن الق ضية ف جوهر ها يب أن تو ضع ع لى هذا الن حو‪ :‬هل ت لك الن ظم‬
‫الل جتماعية والقتصادية والسياسية مكنة ف ذاتا أم غي مكنة؟ فما دامت مكنة ف أي‬
‫مكان وف أي نظام‪ ،‬فكيف ل تكون مكنة ف السلم وهو أول نظام طبقها بالفعل على‬
‫ظهر الرض؟!‬

‫ول عبة بالوهم ا لذي يثيه ال شيوعيون وأ ضرابم‪ ،‬من أن الن ظم الدي ثة قائ مة‬
‫ع لى أ سس علم ية! وال سلم قائم ع لى العوا طف والنوا يا الطي بة! فا لانب الت شريعي ف‬

‫)‪(167‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫السلم ليس عواطف‪ .‬واللفاء الراشدون حي كانوا يتشاورون ف تطبيقه ويضعون له‬
‫التفسيات الفقهية ل يكونوا حالي ول معتمدين على حسن نوايا الناس‪ .‬كل السألة أن‬
‫السلم ل يب أن يعتمد على القانون وحده‪ ،‬فهو يضع التشريع‪ ،‬ولكنه يهذب النفوس‬
‫وينظف ها حت تت طوع با فوق ا لواجب ال فروض‪ ،‬وتن فذه ‪ -‬ح ي تن فذه ‪ -‬بدافع من‬
‫الداخل ل خوفا‪ 5‬من سطوة الاكم فحسب‪ ،‬وهذه أبرع سياسة يكن أن تطبق ف عال‬
‫الناس‪ .‬ولكن القانون موجود دائما‪ 5‬وينفذ دائما‪ 5‬بصرف النظر عن نوايا الناس‪ ،‬على حد‬
‫قول عثمان‪ " :‬يزع ال بالسلطان ما ل يزع بالقرآن "‪.‬‬

‫وب عض الك تاب ي سبون أ نم يوق عون ال سلمي ف حرج ما ب عده حرج ‪ ،‬ح ي‬
‫يقولون لصحاب الدعوة السلمية‪ :‬ل تاجونا بعمر‪ ،‬فعمر ل يتكرر ف التاريخ!‬

‫وهي تفاهة ف التفكي‪،‬فنحن ل ناجج • الناس بشخص عمر ‪ -‬وإن كان عمر‬
‫بل شك من صنع ال سلم‪ ،‬ونوذ جا‪ 5‬لا ت صنعه الترب ية ال سلمية ف تذيب الن فوس ‪-‬‬
‫ولكننا ناجهم بتطبيقاته العملية‪ .‬فحي يقرر عمر أن يد السارق ل تقطع إذا كانت هناك‬
‫شبهة ف أنه اضطر لرتكاب جريته نتيجة اضطراب اقتصادي أو اجتماعي‪ ،‬فهذا تطبيق‬
‫ل ي تاج ل شخص ع مر لتنف يذه‪ ،‬فع مر إ نا ا ستمده من أصل ثابت ف ال سلم‪ " :‬ادرأوا‬
‫الدود بالشبهات "‪ .‬وحي ننفذه اليوم فلن ند قوة خفية أو ظاهرة تسك يدنا وتقول‬
‫لنا‪ :‬كيف تنفذونه وعمر غي موجود! وحي يقرر عمر حق المام ف أخذ فضول أموال‬
‫الغنياء وردها على الفقراء ‪ -‬كما قررت انلترا ف الضرائب التصاعدية ‪ -‬فهذا تطبيق‬
‫ينفذ اليوم بصفته اجتهادا‪ 5‬فقهيا‪ 5‬ل بصفته نزعة شخصية لعمر‪ ،‬فعمر إنا استمده من أصل‬
‫ثابت ف السلم‪ " :‬كي ل يكون دولة بي الغنياء منكم " ولن نتاج إل شخص عمر‬
‫لينفذه‪ ،‬وقد نفذته انلترا دون أن يكون لديها عمر! وحي يقرر عمر مبدأ ماكمة الولة‬
‫وسؤالم‪ :‬من أين لك هذا؟ ليتبي إن كان من مالم أم من مال الناس‪ ،‬فهذا مبدأ قانون‬
‫ينفذ ف كل وقت‪ ،‬وف غيبة عن شخص عمر! وحي يقرر عمر أن الطفل اللقيط ينفق‬
‫عليه من بيت الال لنه ل ذنب له ف جرية أبوية ‪ -‬وهو تشريع عرفته أوربا وأمريكا ف‬
‫القرن العشرين فقط ‪ -‬فلن نتاج ف تنفيذه إل أكثر من إقراره ف صلب القانون!‬

‫وه كذا مع ظم احتجاج نا بع مر‪ ،‬بو صفه من أبرز الت هدين ف صدر ال سلم‬
‫وأفهمهم للروح السلمية ف تصرفاته‪ ،‬ل بصفته الشخصية الفذة‪ ،‬وإن كان كلم هؤلء‬
‫الكتاب لن ينعنا أن نكرر التمثل بعمر حت ف تصرفاته الشخصية الثالية الت تطوع فيها‬
‫با ل يلزمه به أحد‪ ،‬ليبقى مثل‪ 5‬أعلى ياول السلمون على مر الجيال أن يصلوا إليه أو‬

‫)‪(168‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ي قتربوا م نه‪ .‬فإن و صلوا ف هو ال ي ل كل الب شرية‪ ،‬وإن ل ي قدر لم‪ ،‬فبح سبهم تطبي قاته‬
‫العمل ية الواقع ية يطبقو نا‪ ،‬بدل الت سول ع لى أ بواب ا لدول وا ستمداد د ساتيها وترقيعها‬
‫لستخراج " دستور " منها!!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ع لى أن ه ناك مغال طة كبى تز عم أن ال سلم ل يو جد إل ف ع هد الل فاء‬
‫الراشدين! وهي شبهة يؤمن با كثي من السلمي‪.‬‬

‫إن الصورة الكاملة للل سلم ل تنفذ بعد اللفاء الراشدين إل ف فترة خاطفة ف‬
‫عهد عمر بن عبد العزيز‪ .‬هذا حق‪ .‬ولكنه ل يعن أن السلم قد انتهى بعد ذلك‪ .‬فقد‬
‫ف سدت الكو مة و حدها ف سادا‪ 5‬جزئ يا‪ 5‬أو كاملل ‪ .‬وب قي الت مع ‪ -‬ف غ ي العا صمة ‪-‬‬
‫إسلميا‪ 5‬حقا‪ ،5‬يعيش بروح السلم التعاونة التكافلة‪ ،‬الت ل تقسم الالكي وغي الالكي‬
‫إل أسياد وعبيد‪ ،‬بل تعل منهم إخوة مترابطي مشتركي ف الهد وف الزاء‪.‬‬

‫وبقيت الشريعة السلمية هي الت تكم ف كل جزء من أجزاء العال السلمي ‪.‬‬
‫و ل ت قم ماكم خا صة ع لى هوى الق طاعيي ك ما حدث ف أور با ف ن فس ال فترة مع‬
‫التاريخ‪.‬‬

‫وبق يت التقال يد ال سلمية سارية ف حروب ال سلم مع أ عدائه‪ ،‬با شهد به‬
‫الصليبيون أنفسهم وخاصة ف عهد صلح الدين‪.‬‬

‫وبقي وفاء السلمي بتعهداتم مضرب الثل بي أمم الرض‬

‫وب قي حب ال سلمي للع لم وإخل صهم للثقا فة‪ ،‬ما ج عل ال عال ال سلمي ف‬
‫الندلس وغي الندلس كعبة التعلمي ف متلف الفنون‪.‬‬

‫وف اختصار بقي السلم هو الشعلة الضيئة الت تتعلم منها أوربا‪ ،‬وتستمد منها‬
‫النظم‪ ،‬وتاول بكل جهدها أن ترتقي إليها‪ ،‬وإن كانت بعد ذلك قد أدركتها خستها‬
‫الصيلة‪ ،‬فأطفأت شعلة السلم ف الندلس ومضت بعد نضتها الستمدة من السلم‪،‬‬
‫تاول تطيمه وتشويه صورته ف الفاق‪.‬‬

‫)‪(169‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ليس السلم إذن نظاما‪ 5‬مثاليا‪ 5‬بالعن السيء للمثالية‪ .‬وإنا هو نظام عملي بت‪،‬‬
‫طبقته البشرية مرة‪ ،‬وهي اليوم أقدر على تطبيقه ما كانت قبل ألف وثلثمائة عام‪ ،‬لن‬
‫تاربا الطويلة قربت ما بينها وبينه من آفاق‪.‬‬

‫وإنا أول بتهمة الثالية أن توجه إل الشيوعية! فالقوم يقولون إنم ل يصلوا بعد‬
‫إل الشيوعية القيقية‪ ،‬وإنا هم ما يزالون ف طور الشتراكية‪ ،‬وحي يصل النتاج إل‬
‫ذرو ته‪ ،‬ويتوحد العال تت حكومة عالية موحدة‪ ،‬فحينذاك تطبق الشيوعية البنية على‬
‫اكت فاء الب شرية‪ ،‬وكف ها ‪ -‬إ ل ال بد ‪ -‬عن ال صراع ا لرذول الو جود ال يوم ب سبب عدم‬
‫كفاية النتاج!‬

‫وهي مثالية ل تتحقق أبد‪5‬ا لنا تقوم على عناصر خيالية أو مستحيلة‪ .‬تقوم على‬
‫تصور أن البشر يكن أن يكتفوا ف يوم من اليام! بينما هم خلقوا هكذا! لو كفيتهم كل‬
‫مطالبهم اليوم لقاموا منذ الغد يتطلعون إل جديد! وتقوم على تصور أن كفاية النتاج ‪-‬‬
‫على فرض تققها ‪ -‬ستبطل الصراع على التميز والبوز‪ ،‬وأن هذا ‪ -‬لو ت ‪ -‬يكون ف‬
‫صال البشرية! مع أن البشرية ل تتقدم إل من طريق الصراع على التميز والبوز!‬

‫تلك هي الثالية المقاء تنبع من قلب الادية الواقعية‪ ،‬القائمة على نظريات العلم‬
‫وحقائقه التجريبية!!‬

‫)‪(170‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫السلم‪ ...‬والشيوعية‬
‫سلمنا ل كم بأن ال سلم ي شتمل ع لى ج يع ال سس ال صالة للح ياة‪ ،‬وأ نه د ين‬
‫الجيال كافة والتمعات كافة‪ ،‬ولكن الفقه السلمي ف السائل القتصادية قد تعطل ف‬
‫القرون الربعة الخية بسبب انكماش العال السلمي‪ .‬فلماذا ل نأخذ السلم عقيدة‬
‫تذب الضمائر وتنظف الفكار‪ ،‬ونأحذ الشيوعية نظاما‪ 5‬اقتصاديا‪ 5‬بتا‪ 5‬ل صلة له بأي شيء‬
‫آ خر ف ن ظام الدو لة وك يان الت مع‪ ،‬فن كون بذلك قد حافظ نا ع لى أخلق نا وتقال يدنا‬
‫وعاداتنا‪ ،‬وأخذنا بأحدث النظم ف عال القتصاد؟‬

‫شبهة خبيثة يلعب با الشيوعيون منذ عهد بعيد‪ .‬فقد كانوا بدأوا نشاطهم ف‬
‫الشرق بحاربة السلم جهرة‪ ،‬وإذاعة الشبهات حوله‪ ،‬فلما وجدوا ذلك قد زاد السلمي‬
‫تسكا‪ 5‬بإسلمهم لأوا إل هذا الباب الاكر فقالوا‪ :‬إن الشيوعية ل تتعارض مع السلم‪،‬‬
‫ف هي ف صميمها عدا لة اجتماع ية‪ ،‬وكفا لة من الدو لة ل كل أ فراد ال شعب‪ ،‬ف هل ي كره‬
‫السلم العدالة الجتماعية؟!‬

‫نفس الطريقة الاكرة الت اتبعها الستعمار الغرب من قبل‪ .‬بدأوا بهاجة السلم‪،‬‬
‫فتنبه السلمون وتيقظوا‪ .‬ول يكن ذلك هو الطلوب‪ .‬فلجأوا إل الطريق الخر‪ ،‬وقالوا‬
‫لل ناس إن ال غرب ل يه مه سوى إد خال " ال ضارة " ف ال شرق‪ .‬ف هل ال سلم ي كره‬
‫الضارة وهو أبو الضارة؟!‬

‫تستطيعون أن تظلوا مسلمي ‪ -‬أي تصلوا وتصوموا وتقيمون الذكار والطرق‬


‫الصوفية ‪ -‬وتأخذوا ف ذات الوقت بالضارة الغربية‪ .‬وكانوا يعلمون علم اليقي أنه حي‬
‫يأ خذ ال سلمون بذه الضارة ف لن يظ لوا م سلمي‪ ،‬و ستطويهم ت لك الضارة الزائفة ف‬
‫أجيال قليلة فإذا هم على غي وعي منهم مستعبدون‪ .‬وكذلك كان … ونشأت أجيال ل‬
‫تعرف السلم بل تنفر منه بغي علم ول هدى ول كتاب مني‪.‬‬

‫وال يوم ي كرر ال شيوعيون ن فس الد عة‪ .‬فلتظ لوا أي ها ال سلمون ف إ سلمكم ‪-‬‬
‫تصلون وتصومون وتقيمون الذكار والطرق الصوفية ‪ -‬ولن نتعرض لعقائدكم‪ .‬كل هنا‬
‫هو إدخال الشيوعية القتصادية‪ ،‬وهي قطعة من صميم السلم تبلورت على يد علماء‬
‫أور با و شعوبا فلتتقبلو ها مطمئن ي! وإ نم ليعل مون ع لم اليق ي أن ال سلمي إن أ خذوا‬

‫)‪(171‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫بال شيوعية ف لن يظ لوا م سلمي‪ ،‬و ستطويهم ال شيوعية ف سنوات قلي لة )فن حن ف ع صر‬
‫السرعة( فإذا هم على غي وعي منهم منحرفون عن السلم منسلخون‪.‬‬

‫ومع ذلك فكثي من " السلمي " تستهويهم هذه الدعة الاكرة‪ .‬لنا تثل لم‬
‫حل‪ 5‬مر يا‪ 5‬ين قذهم من ال شاكل‪ ،‬ويري هم من الب حث وال ستنباط وج هد الب ناء‪ ،‬و هم‬
‫قاعدون يلمون‪ ،‬كما يلم السابون ف اللكوت على دخان الشيش وانسجام الفيون!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ونب أن نقرر من حيث البدأ أن الصول السلمية العامة تقبل أن ينشأ على‬
‫أساسها أي نظام تطبيقي يلب الاجات التجددة للجماعة السلمية ما دام ل يالف هذه‬
‫الصول‪.‬‬

‫ولكن المر الواقع أن الشيوعية ل تلتقي مع الصول السلمية وإن التقت معها‬
‫عرضا‪ 5‬ف بعض جزئياتا‪ ،‬وأنه ل يستطيع متمع مسلم‪ ،‬يلك النظام الفضل‪ ،‬وأن يعدل‬
‫عنه إل الشيوعية أو غيها من النظم كالرأسالية أو الشتراكية الادية‪ ،‬ولو شابته ف بعض‬
‫التف صيلت‪ ،‬لن ا ل ي قول له صراحة‪ " :‬و من ل ي كم با أ نزل ا ل فأولئك هم‬
‫الكافرون"‪.‬‬

‫ول يقل‪ :‬ومن ل يكم بثل ما أنزل ال أو بشبيه با أنزل ال!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وهل نستطيع حقا‪ 5‬أن نكون شيوعيي ث نظل مسلمي؟‬

‫إن نا إذا طبق نا ال شيوعية ‪ -‬القت صادية ك ما ي سمونا ‪ -‬فل بد أن ت صطدم مع‬
‫السلم من الوجهة التصورية والوجهة العملية كلتيهما‪ ،‬ول مناص من هذا الصطدام‪.‬‬

‫فأما من الوجهة التصورية فهناك عدة أمور‪:‬‬

‫)‪(172‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ا لمر ا لول‪ :‬أن ال شيوعية قائ مة ع لى فل سفة ماد ية ب تة‪ .‬ل تؤمن إل با تراه‬
‫ا لواس ف قط‪ .‬و كل مال تدركه ا لواس ف هو خرا فة ل و جود لا‪ ،‬أو ع لى ال قل شيء‬
‫ساقط من الساب‪ .‬يقول انلز " إن حقيقة العال تنحصر ف ماديته " ويقول الاديون‪" :‬‬
‫إن العقل ما هو إل مادة تعكس الظواهر الارجية " ويقولون كذلك إن ما يسمونه الروح‬
‫" ليست جوهرا‪ 5‬مستقل‪ 5‬وإنا هي من نتاج الادة "‪ .‬وهكذا نعيش مع الشيوعية ف جو‬
‫مادي خالص يسخر بالروحانيات ويعتبها حقائق غي علمية! والعقيدة السلمية تأب أن‬
‫تنحصر ف هذا اليط الضيق الذي يهبط بكرامة النسان‪ ،‬و يوله من كائن رفيع يسي‬
‫على الرض بسمه وهو يتطلع إل السماء بروحه وفكره‪ ،‬إل ملوق مادي حيوان كل‬
‫هه إشباع " الطالب الساسية " الت حددها كارل ماركس بالغذاء والسكن والشباع‬
‫النسي!ول يقولنن• أحد‪ :‬إننا غي مقيدين بذه الفكرة الادية‪ ،‬ول ملزمي با إذا أخذنا‬
‫القتصاد الشيوعي‪ ،‬إذ ستظل لنا عقائد نا‪ ،‬وإل نا ورسلنا‪ ،‬وروحانياتنا‪ ،‬والقتصاد كيان‬
‫منف صل عن كل هؤلء‪ .‬ل يقولن ذ لك أ حد‪ ،‬لن ال شيوعيي أنف سهم هم ا لذين قرروا‬
‫استحالة‪ ،‬إذا ربطوا ربطا‪ 5‬وثيقا‪ 5‬بي النظام القتصادي وبي العقائد والفكار والفلسفات‬
‫ال صاحبة له‪ ،‬ع لى أ ساس أن الن ظام القت صادي هو ا لذي ين شىء الع قائد والف كار‬
‫والفل سفات‪ ،‬وإذن فل ي كن لن ظام اقت صادي قائم ع لى فل سفة ماد ية صرية )ك ما ي قرر‬
‫إنلز وماركس( أن ينشىء فلسفة روحية أو ينسجم مع فلسفة روحية‪.‬‬

‫والشيوعيون ‪ -‬مثل ‪ -‬يؤمنون بالادية الدلية‪ ،‬وبأن صراع التناقضات هو وحده‬


‫العن صر ال كامن وراء الت طور القت صادي والب شري‪ ،‬من ال شيوعية ا لول إ ل ا لرق إ ل‬
‫الق طاع إ ل الرأ سالية إ ل ال شيوعية الثان ية وا لخية‪ ،‬ويقر نون ق يام ال شيوعية القت صادية‬
‫بصحة هذا النطق الدل‪ ،‬ويربطون ربطا " علميا " بي هذا وذاك‪ .‬وهذه الادية الدلية‬
‫ل مكان فيها لتدخل ال ف خط سي البشرية‪ ،‬ول مكان للرسل و رسالتم‪ .‬لن هذه‬
‫الرسالت ‪ -‬ف وههم ‪ -‬ل يكن أن تيء سابقة للتطور القتصادي ول منشئة له‪ ،‬وإنا‬
‫هي تيء فقط ف مكانا الرسوم من هذا التطور‪ ،‬وبذا تفقد قيمتها التوجيهية من وجهة‬
‫النظر السلمية‪ .‬وفضل‪ 5‬عن ذلك فهذه الادية الدلية الت تصر أسباب كل التطورات‬
‫البشرية ف تغي وسائل النتاج تعجز عن تفسي ظهور السلم ذاته‪ .‬فأي شيء كان قد‬
‫تغيي•ر ف وسائل النتاج ف الزيرة العربية أو ف العال أجع قبل السلم‪ ،‬فكان من نتيجته‬
‫بعثة ممد صلى ال عليه وسلم بنظامه الديد؟!‬

‫كيف إذن يكن التوف يق بي هذه النظرة وتلك؟ وكيف ل تتأثر عقائد السلمي‬
‫الذين يؤمنون برعاية ال للقه‪ ،‬وإرشاده لم على يد رسله‪ ،‬وبأن السلم ل يكن خاضعا‬

‫)‪(173‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫للضرورات القتصادية‪ ..‬كيف ل تتأثر عقائدهم حي نأخذ بنظام اقتصادي نقول ف كل‬
‫مرحلة من مراحل تطوره إ نه يتطور حسب صراع التناقضات الذي ل مال فيه ل‪ ،‬ول‬
‫مرك له غي الضرورات القتصادية؟!‬

‫والمر الثان‪ :‬أن النسان ف عرف الفلسفة الشيوعية كائن سلب ل إرادة له إزاء‬
‫قوة ا لادة و قوة القت صاد‪ .‬ي قول كارل ماركس‪ " :‬ف الن تاج الجت ماعي ا لذي يزاو له‬
‫الناس تراهم يقيمون علقات مدودة ل غن عنها‪ .‬وهي مستقلة عن إرادتم‪ .‬ليس شعور‬
‫الناس هو الذي يعي وجودهم‪ ،‬ولكن وجودهم هو الذي يعي مشاعرهم "‪.‬‬

‫والنسان ف عرف السلم كائن إياب له إرادة ‪ -‬خاضعة بطبيعة الال لرادة‬
‫ا ل ‪ -‬ي قول ال قرآن‪ " :‬و سخر ل كم ما ف ال سماوات و ما ف ا لرض جي عاا‪ 5‬م نه )‪" (115‬‬
‫في قرر أن الن سان هو ال قوة العل يا ف ا لرض‪ ،‬وأن ال قوى الاد ية والقت صادية م سخرة‬
‫لرادته‪ ،‬وليس هو السخر لرادتا‪ .‬ومصداق ذلك هو السلم ذاته‪ .‬فهو ل يسي حسب‬
‫الت طور الت مي الذي ير سه م بدأ الاد ية الدلية‪ .‬وحي كان ال ناس مسلمي ‪ -‬ف صدر‬
‫السلم ‪ -‬ل يشعروا أن التطور القتصادي قوة جبية تضعهم لا وهي " مستقلة عن‬
‫إرادتم " كما يقول ماركس‪ .‬وإنا أحسوا أنم هم يصنعون القتصاد كما وجههم ال‬
‫على يد رسوله‪ ،‬وهم ينشئون العلقات الجتماعية على هدي السلم‪ ،‬فيحررون الرقيق‬
‫بغي موجب اقتصادي يتم عليهم تريره ويولون دون القطاع مع أنه ظل قائما‪ 5‬مئات‬
‫السني ف أوربا وف غي العال السلمي‪.‬‬

‫وحي نأخذ القتصاد الشيوعي‪ ،‬فسنأخذ معه ‪ -‬حتما ‪ -‬تلك الفلسفة الت تعل‬
‫النسان مترقبا‪ 5‬للتطور القتصادي يأخذ سبيله " مستقل‪ 5‬عن إرادة الناس " ول يسعى ول‬
‫يفكر ف تغييه بإرادته ‪ -‬أو بإرادة السلم ‪ -‬لن هذا مستحيل!‬

‫والمر الثالث هو ما أسلفناه ف فصل " اللكية الفردية " من إستحالة الفصل بي‬
‫أي نظام اقتصادي والفلسفة الجتماعية الكامنة وراءه‪ .‬فحي نأخذ القتصاد الشيوعي ل‬
‫بد أن نأخذ معه الفلسفة الجتماعية الت تقوم على أساس أن التمع هو الصل والفرد ل‬
‫كيان له إل باعتباره فردا‪ 5‬ف القطيع‪ .‬وذلك مالف ف أساسه للتربية السلمية الت تعن‬
‫عناية شديدة بالفرد‪ ،‬وتكل إليه ‪ -‬بعد تذيب ضميه ‪ -‬القيام بتبعات التمع وهو شاعر‬
‫أنه جزء حي مريد موجه‪ ،‬يتار عمله بنفسه‪ ،‬ويتار الكان الذي يعمل فيه‪ ،‬ويلك حرية‬

‫‪ ()115‬سورة الاثية ]‪.[13‬‬

‫)‪(174‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫توجيه الاكم والروج عليه إذا خرج هذا الاكم عن شرع ال‪ .‬والسلم ‪ -‬بذه التربية‬
‫الفرد ية دا خل رقا بة الت مع ‪ -‬يق يم من كل فرد حار سا‪ 5‬أخلق يا‪ 5‬ير عى أخلق الت مع‬
‫ويول دون وقوع النكر فيه‪ .‬وهو مال يكن ‪ -‬نفسيا‪ 5‬وعمليا ‪ -‬أن يدث حي يصبح‬
‫الفرد ذرة تائهة ف كيان التمع‪ ،‬يطيع الدولة ف شئون القتصاد‪ ،‬ث يطيعها ‪ -‬تبعا‪ 5‬لذلك‬
‫‪ -‬ف جيع المور‪.‬‬

‫والمر الخي أن الفلسفة الشيوعية قائمة على أن العامل القتصادي هو الوحيد‪،‬‬


‫أو هو على القل صاحب الولوية الطلقة ف تصريف شئون التمع وإقامة علقاته‪.‬‬

‫والعقلية السلمية ل تنكر أهية القتصاد‪ ،‬ول ضرورة إقامة التمع على أسس‬
‫اقتصادية سليمة‪ ،‬ليمكن إقامة الفضائل اللقية والجتماعية فيه ولكنها مع ذلك ل تؤمن‬
‫بأن الياة كلها اقتصاد‪ .‬ول أن اللول القتصادية تل كل مشاكل التمع‪.‬‬

‫فهذان ‪ -‬مثل ‪ -‬شابان قد سوينا بينهما ف الوضع القتصادي‪ .‬ولكن أحدها‬


‫غارق ‪ -‬بطبي عة مزا جه ‪ -‬ف ال شهوات ل ي كاد يف يق من ها‪ ،‬ول ي لك من ها ق ياد نف سه‪،‬‬
‫والخر مترفع يأخذ نصيبه العقول من التاع وينفق ما تبقى من طاقة ف الفاق العليا من‬
‫علم أو فن أوعقيدة‪ .‬هل يستويان مثل‪5‬؟ وهل تستقيم الياة بذا كما تستقيم بذاك؟‬

‫و هذا ر جل له شخ صية‪ ،‬ي قول في ستمع له ال ناس وين فذون توجي هاته‪ ،‬وآ خر ل‬
‫شخ صية له هو سخرية أ صحابه‪ .‬هل يل القت صاد م شكلة هذا ا لخي؟ و هل ت ستقيم‬
‫الياة بذا كما تستقيم بذاك؟‬

‫وهذه امرأة جيلة وأأ‪ð‬خرى عاطلة من المال‪ .‬هل يل القتصاد مشكلتها؟ وهل‬
‫تستقبل الياة كما تستقبلها الخرى؟‬

‫ومن هنا تتم العقلية السلمية بالقيم الخرى ‪ -‬غي القتصادية ‪ -‬وخاصة القيم‬
‫اللقية‪ ،‬ليانا بأن ف الياة قيما‪ 5‬غي اقتصادية ف جوهرها‪ ،‬وأنا تتاج إل مهود إياب‬
‫لتنظيمها ل يقل عن ال هود ا لوجه لتنظ يم القت صاد‪ .‬وت تم بإ ياد صلة دائ مة بي الع بد‬
‫والرب‪ ،‬لن هذه هي الوسيلة الثلى لتثبيت القيم اللقية‪ ،‬ورفع الناس من عال الضرورة‬
‫وما يدور فيه من خصومات وأحقاد‪ ،‬إل عال طليق يغلب فيه الي والودة‪.‬‬

‫)‪(175‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫ومن جهة أخرى تؤمن العقلية السلمية بأن الطاقة الروحية ف النسان طاقة ثينة‬
‫كبية الثر ف الياة البشرية‪ ،‬وأنا حي توجه إليها العناية ويبذل الهد ف تربيتها‪ ،‬ل تقل‬
‫أ ثرا‪ 5‬عن العوا مل ا لخرى متم عة‪ ،‬با في ها العا مل القت صادي‪ .‬بل قد ت كون أحيا نا‪ 5‬من‬
‫الضخامة بيث ترجح تلك القوى جيعا‪ .‬ويد السلمون ف تاريهم مصداق هذه القيقة‬
‫ف مو قف ر جل م ثل أ ب ب كر من ا لردة‪ ،‬ف قد و قف و حده م صرا‪ 5‬ع لى ق تال الر تدين‪،‬‬
‫والسلمون جيعا‪ 5‬با فيهم عمر بن الطاب ذاته ل يؤيدونه ف موقفه‪ .‬فعلى أية قوة كان‬
‫يعتمد؟ القوة الادية؟ قوة القتصاد؟ القوة البشرية ذاتا؟ كل ذلك يذله عن القتال‪ .‬ولكن‬
‫القوة الروحية العجيبة الت وصلت روح أب بكر بالقه فاستمد منه العون والعزم‪ ،‬هي‬
‫و حدها ا لت حولت الت خاذلي إ ل متحم سي‪ ،‬و حولت قوة ال شاعر إ ل قوة ماد ية‬
‫واقتصادية ل مثيل لا ف التاريخ! كما يدون مصداقها ف موقف رجل مثل عمر بن عبد‬
‫العزيز من الظلم السياسي والجتماعي الذي بدأه بنو أمية‪ ،‬فقد وقف ف وجه هذا الظلم‬
‫ورد ا لمور إ ل ن صابا ك ما ينب غي أن ت كون ف الت مع ال سلم‪ ،‬حت حدثت ف ع هده‬
‫معجزة اقتصادية تاريية‪ ،‬هي وجود متمع ليس فيه فقراء‪.‬‬

‫لذلك تتم العقلية السلمية بالطاقة الروحية لنا ل تب أن تضيع على البشرية‬
‫فرصة الستفادة من معجزا تا‪ ،‬وإن كانت ف الوقت ذا ته ل تنفض يدها من الع مل ف‬
‫حدود الطا قة " الواقع ية " انت ظارا‪ 5‬لت لك الع جزات‪ .‬وإ نا ي كون شعارها دائ ما‪ " :5‬إن ا ل‬
‫يزع بالسلطان ما ل يزع بالقرآن "‪.‬‬

‫وليس ف طوق النسان أن يصرف اهتمامه إل الشئون القتصادية على الطريقة‬


‫الشيوعية‪ ،‬ث تبقى لديه الطاقة أو الهتمام الذي يوجهه للقيم اللقية والوانب الروحية‪.‬‬
‫لن " الت ضخم القت صادي " ا لذي تعن يه ال شيوعية‪ ،‬هو كالت ضخم ا لذي ي صيب ب عض‬
‫أجزاء السم كالقلب أو الكبد‪ .‬فل العضو التضخم يؤدي وظيفته كاملة‪ ،‬ول هو يدع‬
‫بقية العضاء تؤدي وظيفتها على الوجه الصحيح‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وأنا أعلم أن البعض قد ضجروا من هذا العرض الذي قدمناه للجانب الفكري‬
‫من السلم والشيوعية‪ ،‬لنم ل يؤمنون بالسائل النظرية‪ ،‬ويسبونا " دردشة " فارغة‪،‬‬
‫أو ي سبون أن ال سائل العمل ية و حدها هي ا لتت ت ستحق العنا ية‪ ،‬وأن كل شيء ي كن‬

‫)‪(176‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫تسويته إذا أمكن التطبيق العملي‪ ،‬ولذلك فهم يتلهفون إل معرفة الصطدام العملي بي‬
‫السلم والشيوعية‪.‬‬

‫ونن ل نقرهم على الستهانة بالانب النظري أو التصوري‪ ،‬لنه ل انفصال بينه‬
‫وبي الانب العملي‪ ،‬ولكنا مع ذلك نيبهم إل ذكر أوجه اللف العملية‪ .‬وهي كذلك‬
‫تشتمل على عدة أمور‪.‬‬

‫المر الول‪ :‬أن السلم يعتب الوظيفة الول للمرأة هي رعاية النتاج البشري‪.‬‬
‫ول ي ستريح إ ل خروج ها من ملكت ها إ ل ال صانع وا لزارع إل ف حا لة ال ضرورة‪.‬‬
‫والضرورة هي عدم وجود عائل يكفلها سواء أكان أبا‪ 5‬أم أخا‪ 5‬أم زوجا‪ 5‬أم قريبا‪.‬‬

‫ول كن ال شيوعية ‪ -‬القت صادية ‪ -‬ت تم ا شتغال ا لرأة ساعات كام لة كالر جل‬
‫سواء‪ .‬وبصرف النظر عن حاقة الفلسفة الشيوعية ف هذا الباب‪ ،‬وإنكارها للتفرقة بي‬
‫الرجل والرأة ف الوظيفة والكيان النفسي‪ ،‬فإن القتصاد الشيوعي ذاته قائم على أساس‬
‫زيادة النتاج الادي إل الد القصى‪ ،‬وهذا ل يتوفر إل باشتغال جيع أفراد الشعب ف‬
‫ال صانع والعا مل وا لزارع‪ ،‬و عدم احت جاز ا لرأة عن الع مل إل ف شهور ا لولدة ف قط‪.‬‬
‫والا ضن ب عد ذ لك ت تول ال شراف ع لى الط فال ع لى طري قة الن تاج ال كبي ‪Mass‬‬
‫‪.(116) Production‬‬

‫فإذا طبق نا ال شيوعية القت صادية ف ستخرج ا لرأة ‪ -‬كل ا مرأة ‪ -‬للع مل‪ .‬و نرج‬
‫بذلك عن ركن ركي من التصور السلمي الذي يقيم كل نظامه الجتماعي واللقي ‪-‬‬
‫والقت صادي أي ضا‪ - 5‬ع لى أ ساس اخت صاص ا لرأة ب شئون ال سرة الداخل ية‪ ،‬وإخت صاص‬
‫الرجل بشئونا الارجية‪ ،‬توزيعا‪ 5‬للعمل ومراعاة للختصاص )‪ .(117‬فإذا قال قائل‪ :‬ليس‬
‫من الضروري أن تعمل الرأة ف الصنع‪ ،‬فقد خرج إذن من الشيوعية )والذي يقول ذلك‬
‫هم الشيوعيون أنفسهم ل نن( وأصبحت السألة مرد زيادة النتاج‪ ،‬وهو هدف حيوي‬
‫أصيل دون شك‪ ،‬ولكنه ل يتاج إل اعتناق الشيوعية ‪ -‬القتصادية ‪ -‬لن الشيوعية ذاتا‬
‫قد تعلمت زيادة النتاج من أوربا الرأسالية )‪ .(118‬وقيام حكم إسلمي لن ينع استخدام‬
‫أحدث الوسائل لزيادة النتاج الزراعي والصناعي دون حاجة إل عمل الرأة ف الصنع‪.‬‬

‫‪ ()116‬تكلمنا ف فصل " السلم والرأة " عن مسألة الاضن‪.‬‬


‫‪ ()117‬هذا ل ينفي التعاون داخل السرة بطبيعة الال‪ ،‬كما أن توزيع الختصاصات ف التمع ل ينع‬
‫من التعاون بي الزارع والصانع والهندس والطبيب ال …‬

‫)‪(177‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫شبهات حول السلم‬

‫وا لمر ال ثان‪ :‬أن الن ظام القت صادي ال شيوعي قائم ع لى الدكتاتور ية الكام لة‪.‬‬
‫فالدولة هي الت تعي العمال‪ ،‬وتوزع عليها العمال حسبما ترى هي بصرف النظر عن‬
‫رغبة العامل ف نوع العمل أو الكان الذي يشتغل فيه‪ ،‬وهي الت ترسم السياسة العامة‬
‫و تب ال ناس ع لى تنف يذها‪ ،‬ول ي تم هذا إل بأن تصبح الدو لة هي ال شرف الوح يد ع لى‬
‫ج يع الع مال والف كار والقوال والجتماعات والتوجيهات‪ ،‬لن الرية لو تركت ف‬
‫جانب‪ ،‬فستصل حتما‪ 5‬إل حرية نقد النظام أو نقد الاكم وهو ما ل تسمح به الدولة‬
‫بال‪ .‬ويب أن نفرق هنا بي دكتاتورية الاكم ودكتاتورية الدولة‪ .‬فقد يكون الاكم‬
‫ذاته رجل‪ 5‬متواضعا‪ 5‬ل يستبد بالرأي‪ ،‬ولكن هذا ل علقة له بدكتاتورية الدولة ف تسيي‬
‫النظام القتصادي والشراف عليه بالقوة‪ .‬وهو ما تعترف به الشيوعية صراحة ف تسميتها‬
‫نظام الكم " بدكتاتورية البوليتاريا "‪.‬‬

‫يضاف إل هذا كله أن الشيوعية نظام ل يزال يتخبط‪ .‬فقد بدأ بإلغاء اللكيات‬
‫جيعا‪ 5‬وتسوية الجور بي العمال جيعا‪ .‬ث وجد تت ضغط الواقع أنه يسن السماح‬
‫بقدر معي من اللكية الفردية‪ ،‬وقدر من التفاوت ف الجور حسب هة العمال‪ .‬فارتد‬
‫بذلك عن مبدأين أساسيي من مبادئ ماركس‪ ،‬واقترب خطوتي من التصور السلمي!‬
‫فك يف يوز ل نا أن نترك ال صل ا لذي تر جع إل يه الب شرية كل ما جر بت تر بة جد يدة ‪،‬‬
‫لنلحق بقطار متخبط‪ ،‬مهما تكن السرعة الاطفة الت ينهب با الطريق؟‬

‫ل يصنع هذا شخص ف رأسه عقل ول ف نفسه ثقة بكيانه‪ .‬إنا الزية الداخلية‬
‫تتخذ صورا‪ 5‬شت ومبرات شت‪ .‬ولكنها هزية ل يقدم عليها إل الضعفاء والائرون‪.‬‬

‫‪ ()118‬كانت روسيا ف بدء الركة الشيوعية متأخرة جدا‪ 5‬من الناحية الصناعية فاستعارت كل وسائل‬
‫النتاج الادي من أوربا‪.‬‬

‫)‪(178‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫بيان ف الث على القاطعة‬

‫كيف السبيل؟!‬
‫كيف السبيل إل تقيق السلم؟‬

‫آمنن•ا بأن السلم خي نظام على الرض‪ .‬وبأن موقعنا التاريي والغراف والدول‬
‫ي عل ال سلم هو طريق نا الوح يد إ ل ال عزة والكرا مة والعدا لة الجتماع ية‪ .‬ول كن ك يف‬
‫ال سبيل إ ل تق يق ال سلم ال يوم ف عال م عاد ل لدعوة ال سلمية‪ ،‬و ف ح كم ط غاة من‬
‫الكام ياربون السلم ف الداخل كما ياربه أعداؤه ف الارج أوهم أشد قسوة؟!‬

‫" كيف السبيل "؟؟‬

‫إنه لن توجد إل سبيل واحدة لكل دعوة على الرض… اليان!‬

‫لن يصلح آخر هذا الدين إل با صلح به أوله …‬

‫إن نا نواجه ال يوم ن فس الو قف ا لذي كان يواجهه ال سلمون ا لوائل ف صدر‬
‫السلم‪ .‬كان السلمون حفنة قليلة‪ ،‬وكانوا يواجهون أكب إمباطوريتي ف ذلك التاريخ‪:‬‬
‫المباطور ية الرومان ية عن شال‪ ،‬والمباطور ية الفار سية عن ي ي‪ .‬و كانت موارد‬
‫المباطوريتي من الرجال والعتاد والموال والفنون الربية والبة العسكرية والسياسية‬
‫أضعاف ما يقدر عليه السلمون‪.‬‬

‫ومع ذلك فقد وقعت العجزة‪.‬‬

‫وكانت أعجب معجزة ف التاريخ‪ .‬فقد تغلبت هذه الفنة القليلة من السلمي‬
‫على إمباطوريت كسرى وقيصر‪ ،‬وقضت عليهما تاما‪ 5‬ف أقل من نصف قرن‪ ،‬وورثت‬
‫ملكهما‪ ،‬وبسطت يدها على عال يتد من اليط إل اليط!‬

‫فكيف حدث ذلك؟‬

‫)‪(179‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫بيان ف الث على القاطعة‬

‫لن ت ستطيع كل التف سيات الاد ية والقت صادية للتار يخ أن تف سر ك يف حدث‬


‫ذلك‪ .‬ولكن شيئ‪5‬ا واحدا‪ 5‬يكن أن يفسره‪ ..‬اليان‪.‬‬

‫اليان الذي كان يدفع الرجل من أولئك أن يقول‪ :‬أليس بين وبي النة إل أن‬
‫أقتل هذا الرجل أو يقتلن؟ ث يندفع إل القتال كأنه مقبل على عرس‪ .‬أو يقول‪ " :‬هل‬
‫تربصون بنا إل إحدى السنيي؟ " الشهادة أو النصر؟ ث يلقي بنفسه ف العركة ليلقى‬
‫إحدى السنيي‪.‬‬

‫تلك هي السبيل‪ .‬ول سبيل غيها لكل دعوة على الرض‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وإن قو ما‪ 5‬ليقو لون و هم مل صون‪ ،‬أو يقو لون و هم مت خاذلون‪ :‬ال سلح! أ ين‬
‫السلح؟‬

‫ن عم ن تاج إ ل سلح‪ .‬ول كن يب أل يفوت نا أن حاجت نا ا لول لي ست إ ل‬


‫السلح‪ ،‬وأن السلح وحده ل يغن‪ .‬لقد كان الطليان ف الرب السابقة يلكون أسرع‬
‫السلحة وأفتكها‪ ،‬ومع ذلك ل ينتصروا أبدا‪ 5‬ول يصمدوا ف معركة‪ .‬كانوا يتسابقون إل‬
‫الفرار‪ ،‬وينحون أسلحتهم لن ينحهم نعمة الوقوع ف السر!‬

‫ل يكن ينقصهم السلح وإنا كان ينقصهم اليان‪ ،‬والروح العنوية‪.‬‬

‫ولنذكر أيضا‪ 5‬أن بضعة من الفدائيي ف القنال ل يكن يزيد عددهم على مائة‪ ،‬ول‬
‫ي كن ي نل ف أي لي لة من هم أ كثر من خ سة أو ستة‪ ،‬قد أزع جوا المباطور ية الع جوز‪،‬‬
‫فلجأت إل الرحيل‪.‬‬

‫ل يكو نوا يل كون أ سلحة فتا كة‪ .‬ل مدافع ثقي لة ول ط يارات ول دبا بات‪ .‬بل‬
‫مسد سات وب نادق و مدافع سريعة الطل قات‪ .‬ولكن هم كانوا يل كون ما هو أف تك من‬
‫ال سلح‪ .‬كانوا يل كون ال يان‪ .‬كانوا يعي شون بروح ت لك الف نة القلي لة من ال سلمي‬
‫الوائل‪ .‬يقاتلون ف سبيل ال فيقتلون ويقتلون‪ .‬ولذلك أزعجوا المباطورية العجوز‪.‬‬

‫)‪(180‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫بيان ف الث على القاطعة‬

‫وما يقول أحد إن الطريق أمامنا مفروش بالزهور‪.‬‬

‫كل‪ .‬إن أمامنا العرق والدماء والدموع‪ .‬ول بد لكل دعوة من تضحية‪ .‬ول بد‬
‫للن صر من ت ضحيات‪ .‬وإن ا لدف ا لذي نن صبه أمام نا‪ :‬هدف ال عزة والكرا مة والعدا لة‬
‫الجتماعية‪ ،‬لدير بأن تبذل ف سبيله التضحيات‪.‬‬

‫وهي على أي حال لن تزيد على التضحيات الت نبذلا‪ ،‬والت يطلب منا أن نبذلا‬
‫ف الوان والفقر والتعاسة والتشريد‪.‬‬

‫كم بذلت شعوب هذه النطقة ف الرب السابقة؟ كم ألفا‪ 5‬قتلوا تت سيارات‬
‫الرمي من جنود اللفاء؟ كم عرضا‪ 5‬انتهك؟ كم من الؤن والقوات سلب بل مقابل؟‪..‬‬
‫ث؟ ث طلع علينا تشرشل يقول‪ :‬حيناكم فادفعوا ثن الماية‪.‬‬

‫وبالمس كان الغرب يريد أن تدخل هذه الشعوب ف حلف للدفاع الشترك‪.‬‬
‫يريد أن يند منها نصف مليون لتجرب فيه السلحة الفتاكة قبل أن تصل إل " الرجل‬
‫البيض " من المريكان والنليز‪ .‬ويسلبوا أقواتا ويعتدوا على أعرضها‪ .‬ث؟ ث يركلوها‬
‫بأقدامهم ف ناية العركة سواء كسبوا أو كانوا من الاسرين‪.‬‬

‫فإذا ل يكن من الوت بد‪ ،‬فلماذا يوت الناس ف سبيل الذل والوان؟‬

‫نصف مليون يوت ف سبيل " اللفاء "…‬

‫حي يوت نصف مليون ف سبيل ال سلم‪ ،‬فلن يبقى طاغية وا حد ف الرض‬
‫القدسة‪ ،‬ولن يبقى استعمار صليب على وجه الرض‪.‬‬

‫تلك هي السبيل …‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وإن قوماا‪ 5‬لينعجون على السلم من انتشار الشيوعية‪ ..‬فما الذي يزعجهم؟‬

‫)‪(181‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫بيان ف الث على القاطعة‬

‫إن الوضع لن يتغي بالنسبة إل السلم‪ .‬فالعال الذي تكتسحه الشيوعية اليوم هو‬
‫العال الصليب‪ ،‬الذي كان دائما‪ 5‬يناصب السلم العداء‪.‬‬

‫روسيا ذاتا الت بدأت فيها الشيوعية هي الت كانت من قبل تؤلب الطوائف على‬
‫الدولة السلمة لتوقع فيها الفت والضطرابات‪ ،‬فما الذي تغي؟ وأوربا هي مهد الصليبية‬
‫الول وما تزال‪ .‬فما الذي تغي؟‬

‫كل! ل يتغي شيء‪.‬‬

‫وإن موقف نا ال يوم لو ذا ته مو قف ال سلمي ا لوائل من ا لمباطوريتي ال كبيتي‬


‫عن شال وعن يي‪.‬‬

‫أما الكام الطغاة ف داخل العال السلمي فمآلم إل الزوال …‬

‫من كان يصدق أن فاروق الطاغية سيخلع عن العرش؟‬

‫وما حدث مرة يكن أن يدث مرة ومرة‪..‬‬

‫وهذا الوعي السلمي الذي يطلب العدالة الجتماعية عن طريق السلم‪ ،‬ول‬
‫يطلبها عن طريق التبعية والذوبان ف الكتلة الشرقية أو الغربية ليس عبثا‪.‬‬

‫والسلم سائر ف طريق القوة ‪ -‬على الرغم من الضربات الوحشية الت تكال له‬
‫ف كل مكان ‪ -‬لن طبائع الشياء كلها تؤذن بولد السلم من جديد‪ ،‬لن له اليوم دورا‬
‫ف حياة البشرية ل يقل ضخامة ول قوة عن دوره الول ف صدر السلم‪.‬‬

‫دور التبشي بعال جديد ل تكمه الادة ول يستعبده الناع على القتصاد‪ ،‬عال‬
‫يكمه مزيج من الادة والروح يتمعان ف نظام‪ .‬وإن العال الذي أغرق ف الادة فلم تشبع‬
‫روحه‪ ،‬ول تبعث الستقرار إل نفسه‪ ،‬بل أوقعته ف صراع دائم مرير … ل بد أن يفيء‬
‫ذات يوم إ ل ن ظام ل يه مل عال ا لادة ولك نه ل يغ فل عال ا لروح‪ .‬ل بد أن يف يء إ ل‬
‫السلم‪.‬‬

‫)‪(182‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫بيان ف الث على القاطعة‬

‫أما نن فلن يكون طريقنا مفروشا‪ 5‬بالزهور‪ .‬ولبد من تضحيات كثية كتلك‬
‫ا لت بذلا ال سلمون ا لوائل ليقن عوا ال عال با ف ال سلم من خ ي ‪ .‬ولكن ها ت ضحيات‬
‫مضمونة ف الرض والسماء‪ " :‬ولينصرن ال من ينصره إن ال لقوي عزيز " صدق ال‬
‫العظيم‪.‬‬

‫منب التوحيد والهاد‬

‫* * *‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.com‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬
‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬

‫)‪(183‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬

You might also like