You are on page 1of 16

‫‪cmyk‬‬

‫العدد ‪846‬‬
‫األحد ‪ 25‬أيار ‪2008‬‬

‫في انـتـظـ ــار الحـ ــل!‬

‫ج ـ ّنـ ـت ـنـا‬
‫هـ ـنـا‬

‫ثالثة‬
‫مثقفين‬
‫في ّ‬
‫مهب‬
‫حداثة‬
‫القرن التاسع عشر‬
‫‪12‬‬
‫ورد الـخ ـ ـلــد‬
‫في انتظار الحل!‬
‫ُ‬
‫هل اتفقوا‪ ،‬أم أخذوا الى اتفاق الضرورة اإلقليمية؟ وهل انتهت الحرب عبر ً"اتفاق الدوحة"؟ وهل يكون‬
‫انتخاب العماد ميشال سليمان في الخامسة من بعد ظهر اليوم األحد بداية لمسيرة عودة المؤسسات‬
‫الدستورية الى االضطالع بدورها؟ ولماذا لم يستطع زعماء لبنان االتفاق في بيروت قبل أن يسيل الدم‬
‫في الشوارع؟ أم أن الدم بات رخيصا بحيث ال يبالي أحد به؟‬
‫هذه هي األسئلة التي يجب أن يعالجها اللبنانيون بأنفسهم‪ ،‬وأن يجدوا لها األجوبة التاريخية المناسبة‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ارتياح‬ ‫ّ‬
‫األول‪ ،‬من أن نشير الى االرتياح الذي عم جميع فئات المجتمع اللبناني‪ ،‬وهو ّ‬ ‫ّ‬ ‫لكن ال بد‪ ،‬في المقام‬
‫مشوب ب��األس��ى‪ .‬ال تصدقوا المنتصرين‪ ،‬أو الذين يتكلمون عن انتصارات وهمية لطوائفهم‪ .‬كلهم‬
‫خربت هذه المواجهات الدموية الحمقاء في‬ ‫ُهزموا‪ ،‬وال أحد منهم يجرؤ على النظر في عيون الناس الذين ّ‬
‫بيروت والجبل والشمال قلوبهم وعقولهم وبيوتهم‪.‬‬
‫شيء من الكوميديا الدموية‪ ،‬وكثير من الحزن‪.‬‬
‫غير أن الجانب األساسي في احتضان الناس لـ"اتفاق الدوحة"‪ ،‬انه أوقف‪ ،‬وإن في شكل ملتبس وغير‬
‫�ذري‪ ،‬اح� �ت� �م ��االت الحرب‬ ‫ج���� ّ‬
‫األهلية ّالتي اعلنها االنقالب‬
‫الذي نفذه "حزب الله" في‬
‫ب�ي��روت‪ ،‬مما يسمح لنا‪ ،‬أي‬ ‫يصدر عن‬
‫للمواطنين ّالمدنيين‪ ،‬بأن‬ ‫"النهار"‬
‫نعارضهم ك��ل�ه��م‪ ،‬ونتحمل‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ ،11 /226‬بيروت‬
‫هاتف‪:‬‬
‫مسؤولياتنا ف��ي المساهمة‬ ‫‪01 /994888‬‬
‫في بناء مجتمع لبناني مدني‬ ‫فاكس‬
‫خ��ارج الطوائف وهواجسها‬ ‫‪01 /963595‬‬
‫وارتهاناتها االقليمية‪ ،‬التي‬
‫تهين العقل والكرامة‪.‬‬ ‫رئيس التحرير‬
‫المدير المسؤول‬
‫ال‪ ،‬ل � ��م ت� �ن� �ت ��ه احتماالت‬ ‫الياس خوري‬
‫الحرب األهلية‪ .‬فلبنان في‬
‫دائ ��رة ال�ح��رب منذ استيالء‬ ‫مدير التحرير‬
‫الطوائف على السياسة‪.‬‬ ‫عقل العويط‬
‫هذه الهدنة التي نأمل لها‬ ‫أمين التحرير‬
‫بأن تتحول سالمًا دائمًا‪ ،‬هي‬ ‫بالل خبيز‬
‫إنتاج الحاجة اإلقليمية الى‬
‫وق ��ف ال �ت��ده��ور ف��ي انتظار‬ ‫االخراج‬
‫إع ��ادة ت��رت�ي��ب االوراق‪ .‬وها‬ ‫عبر حامد‬
‫ه��ي االوراق ي�ع��اد ترتيبها‪،‬‬ ‫الغالف‪:‬‬
‫م��ن ال �م �ف��اوض��ات السورية‬ ‫من أعمال ماليريا ماردر‪.‬‬
‫ِّ‬
‫‪ -‬االسرائيلية‪ ،‬ال��ى الصراع‬ ‫منمنمة سعدي محدثا الفتى أمام‬
‫االيراني ‪ -‬االميركي‪.‬‬ ‫مسجد مدينة كاشغر‪.‬‬
‫ال �م �س��اح��ة ال �س �ل �م �ي��ة التي‬
‫أت��اح �ه��ا "ات � �ف ��اق الدوحة"‬
‫مرهونة بنا‪ ،‬اي بالمواطنين‪.‬‬ ‫بريشة‬
‫الطبقة السياسية الطائفية‬ ‫جميل‬
‫ستتقاسم السلطة في انتظار ما يجري على المستوى اإلقليمي‪ .‬أما نحن فواجبنا أن نمنع الحرب‪ ،‬وننتج‬ ‫مالعب‪.‬‬

‫ُ َ‬ ‫ثقافة الحرية‪.‬‬
‫سيقفل على‬ ‫صحيح أن قانون االنتخاب الذي سيتم إقراره هو عودة الى وراء الوراء‪ّ ،‬وأن مجلس النواب‬
‫المخيبة أن ترتب على المجتمع المدني واجب‬ ‫ِّ‬ ‫الطوائف والعشائر‪ ،‬لكن من شأن هذه العودة التراجعية‬
‫بناء سلطة اخالقية واجتماعية موازية‪.‬‬
‫األس��اس��ي ال�ي��وم ه��و ع��ودة المجتمع المدني بما فيه م��ن مؤسسات ون�ق��اب��ات وجمعيات ال��ى إداء دوره‪،‬‬
‫واستعادة الثقافة زمام المبادرة‪.‬‬
‫المجتمع هو أمام التحدي‪ .‬ولم يعد من الجائز وضع المسؤولية على اآلخرين‪ ،‬فإما أن نصير شعبا وإما أن‬
‫الطائفية التي تأخذنا الى الخوف والجنون والهجرة‪.‬‬ ‫نبقى في دائرة التهلكة‬
‫تهيبت الحرب وخافت منها وم��ن نتائجها‬ ‫"اتفاق ال��دوح��ة" ليس ح ً�لا لبنانيًا اال ألن القوى السياسية ّ‬
‫الكارثية‪.‬‬
‫جر لبنان‬‫هذه هي النقطة االيجابية االساسية فيه‪ .‬في المرة المقبلة يجب أن ال يكون في استطاعة أحد ّ‬
‫جر الشعب الى الفتنة الطائفية والمذهبية‪ .‬هذا ال‬ ‫الى خدمة المصالح االقليمية التي تريده "ساحة"‪ ،‬او ّ‬
‫يعني عزل لبنان عن قضايا المنطقة‪ ،‬بل يعني أن يحدد لبنان دوره انطالقًا من مصالحه‪ ،‬ومن المصلحة‬
‫ً‬ ‫العربية‪.‬‬
‫ليس حال‪ .‬لقد توقفنا عن شراء األوهام‪ ،‬وعلينا نحن أن نصنع الحل بمعزل عن الطبقة‬ ‫الدوحة" ّ‬ ‫"اتفاق‬
‫ضدها‪.‬‬ ‫الحاكمة‪ ،‬وربما‬
‫"الملحق"‬
‫األحد ‪ 25‬أيار ‪2008‬‬ ‫‪2‬‬
‫لـكـــــم دولــتـــــكـم‪...‬‬

‫االستقاللية‪ ،‬س��وى ه��ذا الضحك‬ ‫اللبنانية وروح �ه��ا‬ ‫القضية‬ ‫تحسر‪ ،‬بل وق��ت تفكير في المآل‬ ‫ليس الوقت بالطبع وق��ت ّ‬ ‫عقل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بنا من قتل وتدمير وإلغاء‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يحل‬ ‫ما‬ ‫ّ‬ ‫وسوى‬ ‫ي‪،‬‬ ‫المتشف‬ ‫العاهر‬ ‫والمصير‪ :‬كيف يمكننا أن نعيد بناء فكرة ال��دول��ة المدنية‪،‬‬
‫عليه‪ ،‬ونتشفى منه‪ ،‬إال بانتصار جوهر القضية‬ ‫وال ننتصر‬ ‫والمواطن الفرد‪ ،‬تحت سقف هذا "اإلسطبل" الدموي‪ ،‬وفي‬ ‫العويط‬
‫ً‬
‫اللبنانية‪ ،‬متمثلة بتحقيق فكرة الدولة المدنية‪ .‬وهي فكرة‬ ‫رح��اب��ه ال�ق��ات�ل��ة؟ وه��ل ي�م�ك��ن "ال �ت �ع��اي��ش" ب�ي��ن ف �ك��رة الدولة‬
‫الحرية‪.‬‬ ‫المدنية وواقع "دولة اإلسطبل"؟‬
‫ل �ك��ن ال �م �س��أل��ة ل �ي �س��ت ف �ق��ط م �س��أل��ة اص� �ط� �ف ��اف‪ .‬إن �ه��ا قبل‬ ‫نعرف أننا نستخدم كلمة "إسطبل" استخدامًا مجازيًا خاطئًا‪،‬‬
‫االصطفافات كلها‪ ،‬وأثناءها‪ ،‬وبعدها‪ ،‬مسألة َمن يمشي في‬ ‫ور ّب�م��ا مهينًا‪ ،‬لكننا ال نقصد اإله��ان��ة‪ .‬ال نقصد إه��ان��ة أحد‪.‬‬
‫وم��ن ال يمشي‪.‬‬ ‫رك��اب إلغاء جوهر وج��ود لبنان‪ ،‬ودول��ة لبنان‪َ ،‬‬ ‫البتة‪ .‬نعلم أن "الغابة" هي الموضع الطبيعي الذي يقيم فيه‬
‫ون�ق��ول للذين ّي��ري��دون ل�ب�ن��ان‪ :‬ال ش��يء‪ ،‬ال أح��د‪ ،‬يستحق أن‬ ‫سون‪ .‬لكن المزاوجة بين اإلسطبل والغابة قد تكون‬ ‫المفتر ً‬
‫ِ‬
‫ن �ك��ون م�ص�ط��ف�ي��ن‪ .‬وال ش� ��يء‪ ،‬وال أح� ��د‪ ،‬ي�س�ت�ح��ق أن يكون‬ ‫مالءمة لوصف الحال‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْأكثر‬
‫موضوعًا للبحث في إسطبل ‪ -‬غابة‪.‬‬ ‫�ش‪ .‬ونحن نقول كلمتنا ولن نمشي‪ .‬ذلك أننا‬ ‫ِ‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫وا‬ ‫كلمتك‬ ‫قل‬ ‫ّ‬
‫ال قوانين انتخاب‪ ،‬ال حكومات‪ ،‬ال أرقام‪ ،‬ال مقاعد‪ ،‬ال مجالس‪،‬‬ ‫كلما أصخنا الى ما جرى على األرض هنا‪ ،‬وفي األروق��ة هناك‪،‬‬
‫ال مناصب‪ ،‬ال أك�ث��ري��ات‪ ،‬ال أق�ل�ي��ات‪ ،‬ال رؤس ��اء‪ ،‬ال ط��وائ��ف‪ ،‬ال‬ ‫تراءى لنا هول ما ّنحن فيه‪ ،‬وسيتراءى‬
‫مذاهب‪ ،‬ال أح��زاب‪ ،‬ال تيارات‪ ،‬وال‪ ...‬قضايا‪ ،‬وال أيضًا مصائر‬ ‫أك �ث��ر ف��أك �ث��ر ك� ��ل م ��ا س �ي �ج��ري وفق‬
‫أوطان‪.‬‬ ‫م�ن�ط��ق "ال �ت �ع��اي��ش" ال��رخ �ي��ص الذي‬ ‫هجرناه‪،‬‬ ‫ونهجر َمن ّ‬ ‫ّ‬ ‫هل كان علينا أن نقتل َمن قتلناه‪،‬‬
‫لكن "الجميع"‪" ،‬الجميع" تقريبًا‪ ،‬وحصرًا‪ ،‬والغون‪ ،‬غارقون‪ ،‬في‬ ‫ت��م ال �ت��وص��ل ال ��ى ت�ن�ظ�ي��م "الحلول"‬
‫�دم��ر ما‬‫ون�ح�ت��ل م��ا اح�ت�ل�ل�ن��اه‪ ،‬ون�خ�س��ر م��ا خ�س��رن��اه‪ ،‬ون� ّ‬
‫اإلسطبل ‪ -‬الغابة‪ ،‬وهم جميعًا مقيمون خ��ارج جوهر القضية‬ ‫إلدارته‪.‬‬ ‫ّ‬
‫اللبنانية‪.‬‬ ‫اللبنانية‪ ،‬وخارج روح الحركة االستقاللية‬ ‫توصل اليه "المتحاورون"‪،‬‬ ‫أيًا يكن ما ّ‬ ‫دمرناه‪ ،‬ونيأس ما يئسناه‪ ،‬ما دام متاحًا التوصل الى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نقول "الجميع"‪ ،‬ونعني ك��ل ه��ؤالء ال��ذي��ن يستلذون اإلقامة‬ ‫أي��ًا يكن ما يمكن أن يتوصلوا اليه‪،‬‬ ‫"ح �ل��ول"‪ ...‬بواسطة آخ��ري��ن؟! فقد ك��ان يمكن أن ال‬
‫ف��ي اإلس�ط�ب��ل ‪ -‬ال�غ��اب��ة‪ ،‬وي�ت�ن��ات�ش��ون "ح �ق��وق" ه��ذه اإلقامة‪،‬‬ ‫�وص �ل��وا اليه‪،‬‬ ‫ف��ي م��ا ب �ع��د‪ ،‬وم ��ا ل��ن ي �ت� ّ‬
‫ومراكمتها‪ ،‬ويسعون الى تأصيلها وتأبيدها‪.‬‬ ‫فعلينا في آخر المطاف‪ ،‬كما في ّأوله‪،‬‬ ‫يحصل شيء مما حصل من ك��وارث طوال هذه األيام‬
‫ف��ي ه��ذا ال�م�ع�ن��ى‪ ،‬خ ��ارج ه��ذا ّ"ال�ج�م��ع" ل�ي��س ث�م��ة س��وى قلة‪.‬‬ ‫خلفيات م��ا تخفيه القوى‬ ‫ّ‬ ‫أن ن�ع��رف‬ ‫والسنوات الفائتة‪ ،‬لو أن طوائفنا ومذاهبنا وقبائلنا‬
‫وهؤالء‪ ،‬وإن بدوا مشاركين‪ ،‬إال أنهم يقيمون في "الخارج"‪ .‬أي‬ ‫اإلقليمية‪ ،‬وما تخطط له‪ ،‬وما تبتغيه‪،‬‬ ‫وقطعاننا وجماهيرنا وأحزابنا وقادتنا ّ‬
‫حركتها االستقاللية‪.‬‬ ‫في جوهر القضية اللبنانية وروح‬ ‫�دو اإلس��رائ �ي �ل��ي‪ ،‬ال ��ى سوريا‬ ‫م��ن ال �ع� ّ‬ ‫قرروا فقط أن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫لبنان وحيدًا‪ .‬لبنان متروكًا‪ .‬لبنان منتهكًا‪ .‬ولبنان مفترسًا‬
‫وغاباتييه وقطعانه المحلية‪ ،‬وإن ّ‬
‫وإيران‪ .‬ولن ننسى أميركا بالطبع‪ ،‬من‬
‫أول المطاف الى آخره‪ْ .‬‬ ‫يخطوا خطوات متواضعة في اتجاه بناء ال��دول��ة‪ ،‬من‬
‫توصل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إسطبلييه‬ ‫بأنياب‬ ‫لكن‪ ،‬لنذهب‬
‫ّ‬
‫ين – الغاباتيين‬ ‫ّ‬
‫اإلسطبلي‬ ‫شأن‬ ‫هؤالء‪،‬‬ ‫شأن‬ ‫"حلول"‪.‬‬ ‫الى‬ ‫هؤالء‬ ‫ال��ى موضوع آخ��ر‪ .‬فالموضوع الراهن‬
‫خالل االنتماء الى جوهر فكرة لبنان‪.‬‬
‫ٌّ‬
‫المفترسين اإلقليميين والدوليين‪ .‬فكل يؤدي الدور‬ ‫اآلخرين‪،‬‬ ‫ي�ج�ع�ل�ن��ا ن�ن�ت�م��ي ب��ال �ق��وة‪ ،‬ب �ق��وة األمر‬
‫غاباتي مهيب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫إسطبلي –‬ ‫بتناغم‬ ‫ال��واق��ع‪ ،‬ال��ى عالم القطعان البشرية‪،‬‬
‫ٍّ‬
‫نبرئ أحدًا‪" .‬الجميع" يعني "الجميع"‪ .‬وإن على درجات‪ .‬وال‬ ‫ال‬ ‫ون �ح��ن ال ن��ري��د االن �ت �م��اء ال ال ��ى األمر‬
‫استثناء‪.‬‬ ‫الواقع وال الى عالم القطعان البشرية‪.‬‬
‫لهذا السبب‪ ،‬فلنذهب‪ ،‬في موازاة ما يجري‪ ،‬الى موضوع آخر‪.‬‬ ‫فلنذهب الى الحرية‪ ،‬حرية العقل والمكان والليل‪ ،‬الى هباءات‬
‫فلنذهب ال��ى المكان‪ .‬فلننشئ مكانًا افتراضيًا‪ ،‬من أج��ل أن‬ ‫ال�ح��ري��ة الممعنة ف��ي ت��وس�ي��ع األرض‪ ،‬وف��ي ن�ق��ر ص�خ��ر الخلق‬
‫بالحلم والوهم حكومة‬ ‫ً‬ ‫يصير‪ ،‬يومًا ما‪ ،‬مكانًا حقيقيًا‪ ،‬ولننتخب‬ ‫والوهم والحلم واألمل والتمرد والرفض واللذة والجمال‪ ،‬يكن‬
‫افتراضية ونوابًا افتراضيين وقوانين وحلوال افتراضية‪ .‬وإن‬ ‫ذلك أجمل للحرية‪ ،‬لحرية العقل والمكان والليل‪ ،‬وللهباءات‬
‫في منفى المكان‪.‬‬ ‫مطلقًا‪ ،‬ولنا‪ ،‬وللحرية ولألرض وللكلمات‪.‬‬
‫نحن ف��ي المنفى‪ .‬ال�م�ك��ان االف�ت��راض��ي ه��و بديلنا ال��وح�ي��د من‬ ‫فلنذهب الى لبنان‪ ،‬الى بلدنا بالذات‪ ،‬ال الى آكليه‪ ،‬يكن ذلك‬
‫ه��ذا اإلسطبل ‪ -‬ال�غ��اب��ة‪ .‬وليكن معلومًا م��ن "الجميع" أن هذا‬ ‫مشرفًا م��ن واق��ع اإلسطبل – الغابة ال��ى فكرة‬ ‫خ��روج��ًا بطوليًا ِّ‬
‫المكان االفتراضي هو الحرية‪ .‬حرية العقل والمكان والليل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الدولة ‪ -‬المكان‪.‬‬
‫هذه الحرية هي جوهر القضية اللبنانية‪.‬‬ ‫بيننا وب�ي��ن ال��دول��ة ‪ -‬ال�م�ك��ان‪ ،‬ش��رط ال �خ��روج م��ن اإلس�ط�ب��ل ‪-‬‬
‫في هذا الزمن التاريخي المفصلي‪ ،‬ليس أمامنا سوى االختيار‪.‬‬ ‫الغابة‪ ،‬ومن أهل اإلسطبل ‪ -‬الغابة‪ .‬فال احتمال للمكان بدون‬
‫االختيار لن يكون فحسب بين "دولة اإلسطبل ‪ -‬الغابة" وفكرة‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫الخروج‪ٌ .‬‬ ‫هذا ٌ‬
‫الملغى راهنًا و‪ ...‬لبنان‬ ‫الدولة ‪ -‬المكان‪ .‬بل سيكون بين لبنان ُ‬ ‫إسطبل – غ��اب��ة ّ هنا‪ ،‬إسطبل – غ��اب��ة ه�ن��اك‪ ،‬وع�ب��ث بالعبث‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫المدنية‪.‬‬ ‫– الدولة الديموقراطية العلمانية ُ‬ ‫وقتل بالقتل كل هذه اإلقامة في اإلسطبل ‪ -‬الغابة‪ ...‬بهدف‬
‫فإذا كان ثمة فائدة إيجابية وعملية ترجى من هذا االتفاق‪ ،‬الى‬ ‫االستيالء على اإلسطبل َ– الغابة وإلغاء لبنان‪.‬‬
‫وقف الرعب والسفك‪ ،‬فأن يكون بابًا نخرج من تحت قنطرته‬ ‫ال نساوي بين الذين ُيقتلون والذين يتفرجون على القتل‪،‬‬
‫ِّ‬
‫المشرفة‬ ‫من واقع اإلسطبل – الغابة الى فكرة الدولة ّ‬
‫السيدة‪،‬‬ ‫وال بين الذين يطالبون بدولة ذات سيادة وك��رام��ة‪ ،‬والذين‬
‫حبذا! ¶‬ ‫تحولها واقعًا ملموسًا‪ّ .‬‬ ‫والمرجو ّ‬ ‫ّ‬ ‫حقًا‪،‬‬ ‫ي�ت�غ��اف�ل��ون ع��ن ذل ��ك‪ .‬ف�ن�ح��ن م��ع ال�ق�ت�ل��ى ف��ي م��واج �ه��ة الذين‬
‫َيقتلون‪ ،‬وفي مواجهة الذين يتفرجون على القتل‪ .‬لكن فكرة‬
‫لبنان إذا أري��د لها أن تعيش فلن تعيش ف��ي رح��اب "دولة‬
‫وتعايشاتها الكاذبة‪.‬‬ ‫الغابة" ّ‬ ‫اإلسطبل ‪-‬‬
‫يحددوا مفاهيمهم ومواقفهم‪ ،‬نقول ما يأتي‪:‬‬ ‫للذين يريدون أن‬
‫خارج جوهر القضية اللبنانية‪ ،‬خارج روح الحركة االستقاللية‬
‫سوى اإلسطبل ‪ -‬الغابة‪.‬‬ ‫اللبنانية‪ّ ،‬ليس ثمة ّ‬
‫ف�ل�ي�ص� ّط��ف ال �م �ص �ط��ف��ون م ��ع ال �م �ح��ور ال� �س ��وري – اإليراني‪،‬‬
‫وليصطف واه�م��و التأييد األم�ي��رك��ي (ال�س�ع��ودي – المصري)‬
‫�دون��ا اإلسرائيلي‬ ‫المسموم والمستفيقون م�ن��ه‪ .‬وليضحك ع� ّ‬
‫منا‪ ،‬ال يشفيه من جوهر‬ ‫العدو ّ‬
‫ّ‬ ‫البغيض بابتهاج‪ .‬ال يشفي هذا‬

‫‪3‬‬ ‫األحد ‪ 25‬أيار ‪2008‬‬


‫أخـطـــــاء إعــــــالمــــــيــة قـــــاتــــــلــة‬ ‫محمد علي األتاسي‬

‫كثر الحديث في اآلونة األخيرة‪ ،‬عن انبعاث ذاكرة الحرب األهلية من جديد وعودة معظم ممارساتها إلى شوارع بيروت بعدما ظن البعض‬
‫وقطع‬
‫ً‬ ‫أمام روايات من مثل الخطف والقتل والتنكيل بالجثث‬‫جديد ّ‬ ‫عمل الذاكرة أنهاها! فها نحن من‬
‫أن النسيان طواها‪ ،‬حتى ال نقول إن ّ‬
‫وصوال‬ ‫العزل واالعتداء على حرمات البيوت وكرامات الناس‪،‬‬ ‫الشوارع والحواجز الطيارة والرجال المقنعين وحرق المنازل وتهجير الناس‬
‫الخفي لحركة الدخول اليها‬
‫ّ‬ ‫إلى اقتطاع زواريب وطرق وتكريسها ممالك حزبية مستقلة وتحديدها باألعالم والبراميل والشعارات والضبط‬
‫والخروج منها‪ .‬لكن الشيء الجديد الذي طرأ على هذه الحرب األهلية المتجددة‪ ،‬هو دخول القنوات التلفزيونية بتعدد مشاربها وأهوائها إلى‬
‫(والحربي في أحيان كثيرة) وكناقلة مباشرة له إلى غرف جلوس العائالت اللبنانية‪ ،‬وكمساهم‬
‫ً‬ ‫"ساحة القتال" كصانعة للحدث التلفزيوني‬
‫على تسريع األحداث وزيادة رقعة انتشارها‬
‫ً‬ ‫المباشر‬ ‫البث‬ ‫خالل‬ ‫من‬ ‫الفائقة‬ ‫قدرتها‬ ‫إلى‬ ‫وصوال‬ ‫المشاعر‪،‬‬ ‫رئيسي في الحشد والتعبئة وتأجيج‬
‫ومدى خطورتها‪ ،‬بحيث بتنا مهددين في أن نعيش في أيام معدودة أهوال حرب أهلية تمتد عادة سنوات طويلة‪.‬‬

‫ق��ررت فيها قناة "المنار" بث الصور المروعة‬ ‫ع�ن��وان "كيف خطت المعارضة نحو إسقاط‬ ‫الواحد‪ ،‬وعدم احترام الكثير من بنود المادة‬ ‫إذا ك��ان يحلو للبعض أن يجهد ف��ي تحديد‬
‫لمجزرة حلبا‪ ،‬واحدة من اللحظات األخطر التي‬ ‫سمته أح��د قادة‬ ‫عمن ّ‬ ‫ال�م��واالة" ونقلت فيه ّ‬ ‫السابعة من قانون المرئي والمسموع للعام‬ ‫ال �ح��دث األب � ��رز ف��ي ال ��زم ��ان وال �م �ك��ان لتأريخ‬
‫ت��م فيها ك�س��ر آخ��ر ال �ح��واج��ز المتبقية التي‬ ‫ال�م�ع��ارض��ة ال�خ�ب��ر اآلت� ��ي‪" :‬م ��ع س��اع��ات الليل‬ ‫‪ ،1994‬سواء من حيث "التزام المؤسسة عدم‬ ‫ي ��وم ال �ب��داي��ة ال�ف�ع�ل�ي��ة ل �ه��ذه ال �ح��رب األهلية‬
‫تفصل بين العنف على الشاشة والعنف في‬ ‫األول ��ى وص��ف أح��د ال �ق��ادة ف��ي ال�م�ع��ارض��ة ما‬ ‫الحصول على أي كسب مالي غير ناجم عن‬ ‫والمذهبية المتقطعة التي تشهدها الشوارع‬
‫ال��واق��ع‪ .‬وك��م ك��ان أج��دى لو أن ه��ذه األشرطة‬ ‫ح �ص��ل ف ��ي ال �ح �م ��راء ب�ـ�ف�ي�ل��م أم �ي��رك��ي حيث‬ ‫عمل مرتبط مباشرة أو غير مباشرة بطبيعة‬ ‫واألزق��ة في بيروت وبقية المناطق اللبنانية‬
‫للمجزرة ال�م��روع��ة‪ ،‬وال�ت��ي تظهر بالتفاصيل‬ ‫ظهرت آل�ي��ات تحمل م��داف��ع رش��اش��ة مضادة‬ ‫عملها" أو من حيث "التزام المؤسسة احترام‬ ‫م�ن��ذ م��ا ي �ق��ارب ال�س�ن�ت�ي��ن‪ ،‬ف��إن م��ا ي�ف��وت��ه أن‬
‫ك�ي��ف ج��رى التنكيل ب��أج�س��اد ال�ض�ح��اي��ا وهم‬ ‫ل �ل �ط��ائ��رات م ��ن ع �ي ��ار ‪ 23‬م �ل ��م‪ ،‬خ ��ارج ��ة من‬ ‫الشخصية اإلنسانية وح��ري��ة الغير وحقوقه‬ ‫هناك حربًا أهلية حقيقية ومستمرة وفاعلة‬
‫يلفظون أنفاسهم األخ �ي��رة‪ ،‬ق��د ت��م وضعها‬ ‫شاحنات واكتسحت المنطقة‪ ،‬وس��ارت نحو‬ ‫والطابع التعددي للتعبير عن األفكار واآلراء‬ ‫ومنفلتة العقال‪ ،‬لم تتوقف ال يومًا وال ساعة‬
‫في تصرف القضاء من أجل توقيف المجرمين‬ ‫نهاية ال�ح�م��راء‪ ،‬كما ج��رى التقدم م��ن محاور‬ ‫وموضوعية بث األخبار واألحداث والمحافظة‬ ‫وال ث��ان�ي��ة م�ن��ذ ان ��دالع ال �ن��زاع ال�س�ي��اس��ي بين‬
‫القتلة وسوقهم إلى العدالة مهما عال شأنهم‪،‬‬ ‫عدة نحو تلفزيون أخبار "المستقبل" في برج‬ ‫على ال�ن�ظ��ام ال�ع��ام وح��اج��ات ال��دف��اع الوطني‬ ‫ال �م��واالة وال�م�ع��ارض��ة‪ ،‬وأع �ن��ي ال �ح��رب األهلية‬
‫�دال م��ن اس�ت�ث�م��اره��ا سياسيًا وع��رض�ه��ا أمام‬ ‫ب� ً‬ ‫ً‬
‫مقاتال من‬ ‫المر‪ ،‬حيث كان يتمركز زهاء ‪420‬‬ ‫ومقتضيات المصلحة العامة"‪.‬‬ ‫اإلعالمية التي تشهدها الشاشات اللبنانية‪،‬‬
‫ماليين المشاهدين بصغارهم وكبارهم‪ ،‬ومن‬ ‫"ال�م�س�ت�ق�ب��ل"‪ ،‬وم��ع رف��ض تسليم المنطقة‬ ‫الحقيقة أنه يجدر التوقف أم��ام هذه الفقرة‬ ‫وال �ت��ي ت�س�ت�خ��دم ف�ي�ه��ا ج�م�ي��ع أن� ��واع أسلحة‬
‫دون أن يؤخذ رأي أهالي الضحايا ومن دون أن‬ ‫ج��رى ال�ت�ع��ام��ل ب��ال�ن�ي��ران م�ع�ه��ا‪ .‬وف��ي منطقة‬ ‫من المادة السابعة‪ ،‬ألن الكثير من الممارسات‬ ‫البروباغندا م��ن ق��دح وذم وتشهير وتخوين‬
‫تراعى مشاعر األمهات واألخ��وات اللواتي من‬ ‫عين المريسة‪ ،‬ك��ان ه�ن��اك ت�خ� ّ�وف م��ن حشد‬ ‫اإلع�لام �ي��ة ال �س��ائ��دة ت�ن�ت�ه��ك ي��وم�ي��ًا وبإصرار‬ ‫وبث للشائعات وإثارة للغرائز وتحريض على‬
‫الممكن أن تقع أعينهن على مشاهد أوالدهن‬ ‫"مستقبلي"‪ ،‬ف��أرس�ل��ت ت�ع��زي��زات م��ن القوى‬ ‫نصت عليه ه��ذه الفقرة‪ .‬فاحترام‬ ‫مخيف م��ا ّ‬ ‫الكراهية وتحوير للحقائق‪ .‬المفجع أن هذه‬
‫ُيقتلن بهذه الطريقة‪.‬‬ ‫النظامية لـ"حزب الله" وأسقطت المنطقة‪،‬‬ ‫الشخصية اإلنسانية وحرية الغير باتا في خبر‬ ‫الحرب األهلية اإلعالمية لم تتوقف عن حشد‬
‫مقدم نشرة األخبار في قناة "المنار"‬ ‫أما ما فعله ّ‬ ‫وس��ارت المجموعات العسكرية بالتوازي من‬ ‫كان‪ ،‬وتعدد اآلراء شبه معدوم في الكثير من‬ ‫ال �ن��اس بعضهم ض��د ال�ب�ع��ض‪ ،‬ب��ل تجاوزتها‬
‫قبل ب��ث ال�ص��ور المروعة فهو ق��راء ت��ه عبارات‬ ‫مناطق عين المريسة والحمراء وفردان‪ ،‬حيث‬ ‫ال�ب��رام��ج ال�ح��واري��ة‪ ،‬وال�م�ق��دم��ات ف��ي النشرات‬ ‫لتحريض وس��ائ��ل إع�ل�ام ع�ل��ى ب�ع��ض وسائل‬
‫التأسف اآلتية‪" :‬مع االعتذار المسبق لقسوة‬ ‫ك��ان��ت ت�خ�ت��رق ال� �ش ��وارع ال��داخ �ل �ي��ة وتسقط‬ ‫األخ�ب��اري��ة ك� ّ�ارث��ة إع�لام�ي��ة وأخ�لاق�ي��ة فادحة‪،‬‬ ‫إع�ل�ام م �غ��اي��رة‪ ،‬وص � ً‬
‫�وال إل��ى ق ��رار األم ��ر الواقع‬
‫الصور‪ ،‬ونرجو تجنيب األطفال وذوي القلوب‬ ‫المراكز المستقبلية واالشتراكية"‪.‬‬ ‫حدث عنها وال حرج‪.‬‬ ‫وموضوعية بث األخبار ِّ‬ ‫بوقف بث إعالم "المستقبل" وحرق واحد من‬
‫الضعيفة مشاهدتها‪ ،‬ومع االعتذار أيضًا من‬ ‫السؤال الذي يطرح نفسه هنا‪ ،‬هو اآلتي‪ :‬أين‬ ‫أم ��ا ال�م�ح��اف�ظ��ة ع�ل��ى ال �ن �ظ��ام ال �ع��ام وحاجات‬ ‫ً‬
‫فضال عن‬ ‫مباني تلفزيون "المستقبل"‪ .‬هذا‬
‫أه��ال��ي ال�ض�ح��اي��ا"‪ .‬األك �ي��د أن��ه ح�ت��ى أصحاب‬ ‫صور هذه الشاحنات واآلليات التي خرجت منها‬ ‫الدفاع الوطني ومقتضيات المصلحة العامة‪،‬‬ ‫النظرة الخطرة والشائعة في أوساط الناس‪،‬‬
‫القلوب القوية‪ ،‬مات شيء من إنسانيتهم وهم‬ ‫وهي تحمل مدافع رشاشة مضادة للطائرات‬ ‫فيكفي أن نتمعن في الكيفية التي يتم فيها‬ ‫التي تماهي بين الصحافي ووسيلته اإلعالمية‪،‬‬
‫يشاهدون هذه الصور البشعة‪.‬‬ ‫و"اكتسحت" بها ش��ارع ال�ح�م��راء؟ وأي��ن صور‬ ‫البث المباشر والتغطية على ال�ه��واء للعراك‬ ‫حيث ُتتحمل جزءًا رئيسيًا من المسؤولية عنها‬
‫أما الزميل عماد مرمل‪ ،‬والذي أعاد في برنامجه‬ ‫"ال �ق��وى ال�ن�ظ��ام�ي��ة ل �ح��زب ال �ل��ه" ال �ت��ي سارت‬ ‫وال�ش�ت��ائ��م وال �ق �ت��ال ف��ي ال �ش ��وارع البيروتية‬ ‫اإلدارة الخاطئة والمنحازة للكثير من الوسائل‬
‫"المنار" بث أشرطة الفيديو نفسها‬ ‫ّ‬
‫على قناة ّ‬ ‫ب��ال�ت��وازي م��ن مناطق عين المريسة والحمراء‬ ‫ل �ن��درك ك�ي��ف تستبيح ال�ش��اش��ة مقتضيات‬
‫المصلحة العامة وتنتهك النظام العام ّ‬
‫وتضيق‬ ‫اإلعالمية‪ ،‬التي ال تؤمن بتعدد اآلراء‬
‫للمجزرة وتلقى مكالمات تلفونية من بعض‬ ‫وف ��ردان؟ وه��ل علينا ف��ي مثل ه��ذه ال�ح��ال أن‬ ‫وتفرط‬ ‫على كل هامش من اإلستقاللية والموضوعية‬
‫أهالي الضحايا‪ ،‬فإنه بادر السيدة التي فقدت‬ ‫نقول إن أيا من هذه األمور لم يحدث‪ ،‬ال لشيء‬ ‫في حاجات الدفاع الوطني‪.‬‬ ‫لدى العاملين لديها‪.‬‬
‫ابنها ال�ش��اب ف��ي ه��ذه ال�م�ج��زرة‪ ،‬ب��ال�ق��ول "أنا‬ ‫سوى ألنه ال وجود لصور توثق هذا الحدث؟!‬
‫ب �ص��راح��ة أخ �ج��ل م��ن ط ��رح أي س� ��ؤال عليك‪.‬‬ ‫العودة الى مثالب البث المباشر وأخطاره‪،‬‬ ‫كذبة البث المباشر‬ ‫قوانين مستباحة‬
‫في ّ‬
‫الهواء لك اآلن وفيك تقولي الذي تريدينه"‪.‬‬ ‫أال يحق لنا أن نتساءل عن مسؤولية القنوات‬ ‫إن إح��دى أك�ب��ر األك��اذي��ب اإلع�لام�ي��ة الرائجة‬ ‫اللبناني عن بقية اإلعالم‬
‫ً‬ ‫يتميز الحقل اإلعالمي‬
‫للقارئ أن يتخيل ماذا يمكن األم الثكلى أن‬ ‫ال�ت�ل�ف��زي��ون�ي��ة م��ن دون اس �ت �ث �ن��اء‪ ،‬وخصوصًا‬
‫بين جمهور المتلقين والمشاهدين وحتى‬ ‫ال�ع��رب��ي بكونه األع ��رق ت�ج��رب��ة واألوس ��ع حرية‬
‫تقول من ع�ب��ارات مؤثرة للتعبير عن غضبها‬ ‫الحوارية منها‪ ،‬في فتح شاشاتها على‬ ‫البرامج‬
‫ُاإلعالميين هي كذبة البث المباشر التي باتت‬
‫ً‬ ‫واألك�ث��ر تنوعًا وذخ �رًا ب��ال�ك�ف��اءات اإلعالمية‪.‬‬
‫وفاجعتها‪.‬‬ ‫التلفونية اآلتية‬
‫ّ‬ ‫�االت‬‫�‬ ‫ص‬ ‫�‬ ‫ت‬ ‫لإ‬
‫�‬ ‫ل‬ ‫�رة‬ ‫�‬ ‫ش‬ ‫�ا‬
‫�‬ ‫ب‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫ال�ه��واء‬
‫تعتبر الحقيقة المنزلة التي ال ج��دال فيها‪.‬‬ ‫لكنه في الوقت نفسه الحقل الذي تستبيحه‬
‫ك ��ان ي�م�ك��ن األم� ��ر أن ي �ق��ف ع �ن��د ه ��ذا الحد‪،‬‬ ‫من طرف المواطنين‪ ،‬وذلك في أدق لحظات‬ ‫في حين أن "أل��ف ب��اء" العمل اإلعالمي يبين‬ ‫ال� �ق ��وى ال �س �ي��اس �ي��ة وال �ح��زب �ي��ة المتصارعة‬
‫وخ �ص��وص��ًا أن ال �س �ي��دة ال �م �ش��ار ال �ي �ه��ا نالت‬ ‫الهيجان الطائفي والمذهبي وانفالت العنف‬ ‫أن ما تظهره عدسة الكاميرا‪ ،‬مهما تكن زاوية‬ ‫وتستخدمه من دون أي رادع لتحقيق مآربها‪،‬‬
‫تعاطف الكثيرين بكلمتها المؤثرة والصادقة‬ ‫األع �م��ى‪ ،‬ل�ي�ع� ّ�ب��روا م��ن خ�لال�ه��ا ع��ن آرائ �ه��م‪ ،‬أو‬
‫إن�ف��راج�ه��ا وش�خ�ص�ي��ة ح��ام�ل�ه��ا وموضوعيته‪،‬‬ ‫فيتجاوز فيه االس�ت�ث�م��ار ال�م��ال��ي والسياسي‬
‫والنابعة من القلب‪ ،‬لوال أن الحس الصحافي‬ ‫ليصبوا فيها جام غضبهم على الطرف‬ ‫ّ‬ ‫باألحرى‬
‫ليس س��وى ج��زء ضئيل وم�ج�ت��زأ م��ن حقيقة‬ ‫والطوائفي حاجة هذا البلد وطاقة ناسه وبناه‬
‫عند الزميل استيقظ في أبشع صوره‪ ،‬فانقلب‬ ‫اآلخ��ر ب�ع�ب��ارات طائفية ومذهبية ف�ج��ة‪ ،‬ومن‬
‫المشهد الكامل‪ .‬يكفي ف��ي ه��ذا المجال أن‬ ‫االجتماعية على االحتمال‪ ،‬وتصل فيه المادة‬
‫ع �ل��ى م ��ا ق��ال��ه ف ��ي ال� �ب ��داي ��ة‪ ،‬وب� � ��ادر السيدة‬ ‫مقدم البرنامج دوره في ضبط‬ ‫دون أن يمارس ّ‬
‫ن�ن�ع��م ال�ن�ظ��ر ف��ي ال � ّص��ور ال �ت��ي راج ��ت للعمل‬ ‫حد التخمة‪ .‬ناهيك بأن هذا‬ ‫المروجة ّ‬‫اإلعالمية ّ‬
‫المفجوعة في نهاية كلمتها المؤثرة بالسؤال‬ ‫أكذوبة "على الهواء مباشرة" ومنع التحريض‬ ‫ال�ع�س�ك��ري ال ��ذي ن��ف��ذه م�ق��ات�ل��و "ح ��زب الله"‬ ‫الحقل الغني بتنوعه وطاقاته‪ ،‬ال يرعاه قانون‬
‫اآلت��ي‪" :‬عندك معلومات عن كيفية التنكيل‬ ‫الطائفي والمذهبي من أن يصل إلى ماليين‬ ‫في بيروت‪ ،‬لنجد أنها تخلو بالكامل من أي‬ ‫وال تصونه تشريعات وال ت�ح� ّ�د م��ن جموحه‬
‫بأجساد ال�ش�ه��داء وكيف ص��ارت العملية؟"‪.‬‬ ‫المشاهدين؟! الطامة الكبرى في هذا السياق‪،‬‬ ‫صورة لمقاتلي الحزب من فرق الكومندوس‬ ‫ضوابط مهنية ومواثيق شرف صحافية‪.‬‬
‫فما ك��ان من األم الثكلى التي تهدج صوتها‬ ‫أن م�ث��ل ه ��ذا ال �خ �ط��اب ال�ط��ائ�ف��ي والمذهبي‬
‫المددجين بالسالح وبالعتاد الحربي الكامل‪،‬‬ ‫ف ��إذا ن�ظ��رن��ا ال��ى ق��ان��ون ال�م�ط�ب��وع��ات وقانون‬
‫إال أن قالت في جمل غير مترابطة‪" :‬يا حبيبي‬ ‫الفج‪ ،‬يأتي أحيانًا من داخل اإلستديو وعلى‬ ‫مع أن الكثير من سكان رأس بيروت رأوهم‬ ‫المرئي والمسموع‪ ،‬وهما القانونان المفترض‬
‫الشهداء اللي ماتو بالمكتب‪ ...‬بالمتنفذية‪...‬‬ ‫لسان بعض الضيوف من محللين وصحافيين‬ ‫بالعيون المجردة في شوراعهم ساعة الهجوم‬ ‫فيهما‪ ،‬على رغ��م كل مثالبهما‪ ،‬تنظيم عمل‬
‫م� ��دري ش��و إس �م ��ا‪ ..‬م��ا ب �ق��ى ف �ي ��ي‪ ...‬م��ا بقى‬ ‫أف �ق��ده��م غ�ض�ب�ه��م م �س��ؤول �ي��ة ال�ك�ل�م��ة الحرة‬
‫العسكري ليلة الخميس‪ -‬الجمعة‪ .‬لكن الكثير‬ ‫وسائل اإلعالم في لبنان‪ ،‬نجد أن ما يجمع بين‬
‫ف �ي��ي"‪ ،‬ول��م تستطع إك �م��ال ك�لام�ه��ا وأعطت‬ ‫يدعون اإلنتساب إليها‪ .‬وهو األمر الذي‬ ‫التي ّ‬
‫م��ن ال�س�ك��ان والصحافيين‪ُ ،‬م�ن��ع م��ن التقاط‬ ‫كل الفرقاء هو إنتهاكهم المتعمد والمستمر‬
‫سماعة الهاتف إلى إبنتها التي أكملت عنها‬ ‫ت�ك��رر م ��رارًا م��ع بعض ض�ي��وف ق�ن��اة "اخبارية‬
‫صور لهؤالء المقاتلين‪ ،‬أو لم يجرؤ على القيام‬ ‫لبنود هذين القانونين في العديد من النقاط‪،‬‬
‫الحديث!‬ ‫المستقبل" ل��دى معاودتها البث بعد غلقها‬ ‫بذلك‪ .‬فأين هي الحقيقة من الصورة في هذا‬ ‫من مثل قضايا القدح والذم واحتكار تيارات‬
‫ال شيء غير هذه العبارة "ما بقى فيي"‪ ،‬يمكننا‬ ‫والمدان‪.‬‬ ‫القسري ُ‬ ‫المجال؟‬ ‫س�ي��اس�ي��ة وم��ذه�ب�ي��ة ف��ي ع�ي�ن�ه��ا ل�ل�ع��دي��د من‬
‫أن نقوله لكل وسائل اإلعالم اللبنانية الغارقة‬ ‫مثال آخر في اإلطار ذاته‪ ،‬يتعلق بما أوردته‬ ‫ال��وس��ائ��ل اإلع�لام�ي��ة وت �ج��اوز نسبة ال �ـ ‪ 10‬في‬
‫حتى النخاع في حروبها األهلية‪ ،‬عساها ترحم‬ ‫حرمة الموت‬ ‫المقربة م��ن المعارضة في‬ ‫ّ‬ ‫ج��ري��دة "األخ �ب��ار"‬ ‫كحد أقصى لنسبة‬ ‫المشرع ّ‬‫ّ‬ ‫المئة التي وضعها‬
‫قليال جمهورها ¶‬ ‫ً‬ ‫ع��دده��ا ال�ص��ادر بتاريخ ‪ 19‬أي��ار ‪ 2008‬تحت م��ن دون مبالغة‪ ،‬يمكن اعتبار اللحظة التي‬ ‫ال�ت�م�ل��ك ف��ي ال�م��ؤس�س��ة اإلع�لام �ي��ة للشخص‬
‫األحد ‪ 25‬أيار ‪2008‬‬ ‫‪4‬‬
‫تــــدويــــر اإلســــتــحــاالت‬ ‫شادي عالء الدين‬

‫ً‬
‫لم نعد في الحرب أو في الحقد‪ .‬لقد أصبحنا مباشرة‪ ،‬مع هذا الحوار الجاري‪ ،‬في البشرى وفي العيد‪ .‬هذا اإلنتقال المفاجئ من الدم إلى‬
‫السالم‪ ،‬ال يبدو عصيًا على الفهم فحسب بل يقع أيضًا خارج العقل وخارج التصديق‪ ،‬مع انه الموضوع الدائم للرغبات العامة‪.‬‬

‫إل��ى ال�ق�ب��ول ب��أن ي�ت�ح��ول اإلع�ل�ام إل��ى إعالم‬ ‫ال �ح �ق��ائ��ق ل �ت �ك��ون ح �ق��ائ��ق ب��دي �ل��ة قابلة‬ ‫تقدمها أوس��ع بما ال ي�ق��اس من‬ ‫األم ��ان ال�ت��ي ّ‬ ‫ل �ق��د ج � ّ�رت� �ن ��ا ه � ��ذه ال ��رغ� �ب ��ات إل � ��ى صناعة‬
‫ح��رب��ي‪ ،‬وب��ذل��ك ال يكون إع�لام��ا حقيقيا بل‬ ‫للتكذيب وللتنصل منها في كل لحظة؟‬ ‫مسموحا‬
‫ّ‬ ‫كل الضمانات األخرى‪ .‬ليس الخروج‬ ‫ص ��ورة إع�لام �ي��ة م�س�ت�ح�ي�ل��ة‪ ،‬ك�م��ا ه��ي عادة‬
‫م �ج��رد تكملة ملطفة ل�م��ا ح ��دث ف �ع ً�لا في‬ ‫ترافق الحوار مع حالة تفاؤل عالية سرعان‬ ‫بل يكون العقاب قاسيا‪ ،‬وليس النفي اقل‬ ‫ال�ت�ل�ف��زي��ون ف��ي ص�ن��اع��ة ال �ص ��ورة‪ .‬ف�ن�ح��ن ال‬
‫الشارع‪ ،‬والذي يحاول الحوار القول ببساطة‬ ‫م��ا انتشرت وف��رض��ت معالمها بقوة وظلت‬ ‫أن ��واع ال�ع�ق��اب‪ .‬فلقد شهدنا هجومًا مسلحًا‬ ‫نصدق ما ننتظره‬ ‫نصدق التلفزيون لكننا ّ‬ ‫ّ‬
‫إنه لم يحدث البتة‪.‬‬ ‫مسيطرة على رغ��م األخبار المتصاعدة من‬ ‫على مؤسسة اإلفتاء الجعفري في صور وعلى‬ ‫منه فقط‪ .‬ف��إذا كانت شحنة التفاؤل هي‬
‫من هو إذًا اإلعالمي الذي يستطيع أن يعرف‬ ‫ه�ن��ا وه �ن��اك وم �ف��اده��ا أن ه �ن��اك صعوبات‬ ‫المفتي علي األمين ومن معه على أيدي عناصر‬ ‫ال�ط��اغ�ي��ة ف��إن�ه��ا ت�س�ي�ط��ر ف�ق��ط ع�ل��ى الخبر‬
‫خبرًا صحيحًا وأن يناقشه؟ من هو اإلعالمي‬ ‫ج�م��ة ت �ح��ول دون ال �ت��وص��ل إل ��ى تسويات‬ ‫تابعة لتنظيم شيعي‪ ،‬مما يعني أن الطوائف‬ ‫لكنها ال تقترب من المفاهيم التي يقع كل‬
‫الذي يستطيع أن يقول شيئًا عن الحوار؟‬ ‫نهائية‪ ،‬وأن كثيرا من المشكالت الكبرى‬ ‫لم تعد تستطيع إحتواء الخارجين عليها‪ ،‬وأن‬ ‫خبر‪ ،‬مهما كبر‪ ،‬في دائرتها‪ .‬هكذا كانت‬
‫ال�ك�لام يقوله السياسيون‪ ،‬وال مجال أمام‬ ‫مرشحة للتأجيل إلى ما بعد انتخاب رئيس‬ ‫ال بد من عمليات تطهير كاملة يبدو أن الحرب‬ ‫التهم بالتعطيل متبادلة‪ ،‬كما أننا شهدنا‬
‫اإلع�لام��ي إال إع��ادة صوغه وتقديمه جاهزا‬ ‫الجمهورية وتشكيل الحكومة التوافقية‪.‬‬ ‫األخيرة قد دفعت إلى إنجاز بعضها على أكمل‬ ‫ع��ودة إل��ى األط��روح��ات التعجيزية من قبيل‬
‫لصالح الجهة التي يعمل لصالحها‪.‬‬ ‫تقول روح التفاؤل هذه جملة أشياء‪ ،‬فإذا‬ ‫وجه‪.‬‬ ‫الثلث المعطل وحكومة ال��وح��دة الوطنية‬
‫ن�ح��ن إذًا ح�ي��ال ن��وع م��ن ال �ع �م��اء‪ ،‬ول�ع��ل من‬ ‫كانت ال�ب�لاد الماثلة ف��ي قلب أزم��ات حادة‬ ‫من هنا‪ ،‬يكون الحوار الذي ينشأ من عودة‬ ‫وق��ان��ون ‪ 1960‬االن �ت �خ��اب��ي‪ ،‬وال �ت��ي صارت‬
‫الطريف التنبيه إلى أن التفاؤل الذي ساد‬ ‫أس� �ف ��رت ع ��ن إن� �ت ��اج ع� � ��داوات راس� �خ ��ة بين‬ ‫الطوائف‬
‫ّ‬ ‫إل��ى السياسة نقصًا ال تستطيع‬ ‫حقيقة واقعية‪.‬‬
‫تفاؤال عامًا باإلضافة‬‫ً‬ ‫لبعض اللحظات‪ ،‬كان‬ ‫األف��راد والجماعات وال�ط��وائ��ف‪ ،‬ق��ادرة على‬ ‫احتماله فعليا لكنها مستعدة ألن تنظم‬ ‫يمكن أن نتساءل عن طبيعة طرح الموضوع‬
‫وليس في االص��ل‪ ،‬وه��و يقوم على أن كالً‬ ‫ح ��ل م �ش �ك�لات �ه��ا ب� �ه ��ذه ال �ب �س��اط��ة وبهذه‬ ‫نفسها داخل معطياته‪ ،‬التي وإن أسفرت‬ ‫ال��رئ �ي �س��ي ال� ��ذي ي�م�ث��ل ل � ّ�ب ال�م�ش�ك�ل��ة في‬
‫من الطرفين متفائل لينسب التعطيل إلى‬ ‫السرعة‪ ،‬التي ليس أدل عليها م��ن تأكيد‬ ‫ع��ن تحقيق م��ا ك��ان ي�ب��دو مستعصيا فلن‬ ‫اآلن‪ ،‬وه��و م��وض��وع ال �س�لاح ال ��ذي ن�ع�ل��م ان‬
‫الطرف اآلخر‪.‬‬ ‫ان�ت�خ��اب ال��رئ�ي��س‪ ،‬ف��إن ه��ذا كله يعني أنه‬ ‫ت �س �ت �ط �ي��ع إل � �غ ��اء أو ح �ت��ى ت �ع��دي��ل طابع‬ ‫كفيال تدمير كل طاولة‬ ‫ً‬ ‫طرحه الجدي كان‬
‫ال يكون التفاؤل هنا صيغة عامة بل نتيجة‬ ‫علينا أن نغمض عيوننا ونمتنع عن النظر‬ ‫ال� �ت� �ك ��ري ��س ال� �ط ��ائ� �ف ��ي ال �م �ط �ل��ق للنظام‬ ‫الحوار من أساساتها‪ .‬نحن إذًا حيال صيغة‬
‫لمشهد حاضر ف��ي الجانبين‪ ،‬لكنه يسير‬ ‫ف��ي واق��ع االم ��ور وم��آل�ه��ا‪ ،‬باعتبار أن ك��ل ما‬ ‫اللبناني‪ ،‬لغة وكيانا وإدارة‪.‬‬ ‫م��ن ال�ت�ع��اي��ش ال�ق�س��ري‪ ،‬وال ت�ح�ت��اج صيغة‬
‫بشكل متواز مع تهم التعطيل‪ .‬هكذا يكون‬ ‫نعرفه ون�ش��اه��ده وك��ل م��ا عشناه ونعيشه‬ ‫ت �ح��ول��ت ال �ع�ل�اق��ات ب �ي��ن ال� �ن ��اس ف ��ي هذه‬ ‫العيش إل��ى ش��رح كثير‪ .‬فهي بنية تفاهم‬
‫عندنا ت�ف��اؤالن وات�ه��ام��ان‪ ،‬ف��إذا جمعناهما‬ ‫من تناحرات وصدامات لم يكن إال إبنًا لوهم‬ ‫ال��رق �ع��ة ال �م��أه��ول��ة ب �ك��ل أن � ��واع المجازات‪،‬‬ ‫بين متنافرين إن لم نشأ القول بين أعداء‪.‬‬
‫معًا فسوف نحصل على كوكتيل لذيذ من‬ ‫صممناه بأنفسنا وأبينا إال أن نعيش فيه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إل��ى ما يمكن وصفه وصفًا مخففًا بالحالة‬ ‫ال �ح��رب ال �ت��ي ان��دل �ع��ت ف��ي األي� ��ام الماضية‬
‫الالمعنى والالتحديد‪.‬‬ ‫هذا يعني ان الجنازات وحاالت الحداد التي‬ ‫اإلستشراقية‪ .‬هناك ه��وة كبيرة انفتحت‬ ‫كانت ال�ح��وار الحقيقي والفعلي‪ ،‬وم��ا جرى‬
‫ل��م تعمد وس��ائ��ل اإلع�ل�ام إل��ى ال�ت��راج��ع عن‬ ‫تعم العديد من البيوت‪ ،‬هي طقوس وثنية‬ ‫ّ‬ ‫داخ ��ل ال�ق�ل��وب وداخ ��ل ال�ب�ي��وت والشوارع‬ ‫في الدوحة ليس إال محاولة لمسرحة ذلك‬
‫ح� ��دة اإلش� �ت� �ب ��اك ��ات ال� �ت ��ي ك ��ان ��ت سائدة‬ ‫يجترحها أصحابها ألس�ب��اب غ��ام�ض��ة‪ ،‬وأن‬ ‫واألمكنة‪ ،‬وص��ار أبناء كل طائفة ينظرون‬ ‫الحوار األصلي‪ ،‬الذي حين يقع فإنه ّ‬
‫يحول‬
‫قبل انطالق الحوار‪ ،‬وال ت��زال تسميات من‬ ‫الكالم الذي نسمعه يوميا من الناس‪ ،‬عامة‬ ‫إلى أبناء الطائفة األخرى على غرار ما كان‬ ‫كل ما عداه إلى ظالل باهتة له‪.‬‬
‫مثل غ��زوة "ح��زب ال�ل��ه" والحكومة الفاقدة‬ ‫أكانوا أم خاصة‪ ،‬هو كالم مسرحي ال شأن‬ ‫الكثير م��ن المستشرقين يفعلون عندما‬
‫ال�ش��رع�ي��ة وت �ه��م ال�خ�ي��ان��ة وال �ع �م��ال��ة‪ ،‬الخبز‬ ‫له على أرض الواقع‪ ،‬وأن الحقيقة والسعادة‬ ‫ك ��ان ��وا ي �ن �ظ��رون إل� ��ى ه� ��ذه ال� �ب�ل�اد بعيون‬
‫اليومي لإلعالم‪.‬‬ ‫هما في ما سيأتي به الحوار العتيد من الخير‬ ‫متوجسة وخائفة وقلقة‪ .‬مثل هذه العيون‬ ‫تنظيم اإلستحاالت‬
‫والفائض‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العميم‬ ‫لن تستطيع أن ترصد سوى صورة يتيمة‪،‬‬ ‫عملت طاولة الحوار على تنظيم اإلستحاالت‬
‫ماذا أنتج الحوار إذًا؟‬ ‫هنا يجب أن ن��ذك��ر ب��أن ال�غ��زوة األخ�ي��رة لم‬ ‫ه��ي ف��ي المحصلة األخ �ي��رة ص ��ورة الغريب‬ ‫ودفعها إل��ى الكمون ألط��ول فترة ممكنة‪،‬‬
‫ق��د ن �ك��ون أم ��ام م �ش��روع ه��دن��ة رب �م��ا تكون‬ ‫معين من‬ ‫تكن تناحرًا عابرًا أسفر عنه عدد ّ‬ ‫إلسقاطات‬
‫غير القابل في معناه ووصفه إال ّ‬ ‫ألن ال أحد يحتمل الحرب اآلن‪ ،‬وليس ألن‬
‫ط��وي �ل��ة ول �ك �ن �ه��ا ل �ي �س��ت ح �ل� ً�ا‪ .‬إن �ه��ا مجرد‬ ‫القتلى والجرحى كما كانت الحال في كل‬ ‫ف�ك��رة ال�ع��دو وم��ا ينتج منها م��ن س��ل��م قيم‬ ‫ال أحد يريدها‪ .‬فالحرب هي شهوة الجميع‬
‫ه��دن��ة‪ .‬م�خ�ط��ئ م��ن ي�ظ��ن أن ال �ه��دن��ة تقع‬ ‫الغزوات السابقة‪ ،‬ولكنها كانت حربًا ّ‬
‫أصر‬ ‫ومنظومة أفكار‪.‬‬ ‫غير أن المسألة تقع في أن ال أحد يستطيع‬
‫فعال ف��ي قلبها‪ .‬إنها‬ ‫خ��ارج ال�ح��رب‪ ،‬إذ ه��ي ً‬ ‫المشاركون فيها على تحميلها ما امكن من‬ ‫أن ي�ض�م��ن ف�ي�ه��ا ان �ت �ص��ارا ح��اس�م��ا‪ .‬أثبتت‬
‫ن ��وع م��ن ال�ت�ن�ظ�ي��م ال� ��ذي ت� ّح�ت��اج��ه الحرب‬ ‫بنية رمزية في حدودها القصوى‪.‬‬ ‫ماذا يستطاع إعالميًا في "عيد الحوار"؟‬ ‫األح� ��داث األخ �ي��رة ان ط��رف��ًا ط��ائ�ف�ي��ًا‪ ،‬مهما‬
‫لتلتقط أنفاسها ولكي ينظم المتحاربون‬ ‫مشهد التمثيل البشع وغير االخالقي بالجثث‬ ‫نحيا اآلن في عيد الحوار‪ ،‬ولكن هل يستطيع‬ ‫يكن تعاظم حضوره العسكري‪ ،‬ال يستطيع‬
‫ش��ؤون�ه��م بطريقة أف �ض��ل‪ .‬وال �ح��روب التي‬ ‫لم يكن مجرد رسالة نافرة يتقاذفها األطراف‬ ‫ال �ح��وار ان يجعل ال �م��اء ي�ت��دف��ق م��ن صخرة‬ ‫ض��رب أي طائفة أخ ��رى‪ ،‬كبيرة أك��ان��ت أم‬
‫ت�ق��ع ب�ع��د ه��دن��ة ط��وي�ل��ة ه��ي ال �ح��روب التي‬ ‫ف��ي م��ا ب�ي�ن�ه��م‪ ،‬ل�ك�ن��ه ك ��ان ص�ي�غ��ة راسخة‬ ‫ال �ط��وائ��ف ال�ص�ل�ب��ة؟ وه ��ل ي �ك��ون م��ا ينتج‬ ‫صغيرة‪ ،‬إذا ق��ررت ه��ذه الطائفة محاربته‪.‬‬
‫ال تحتمل العناوين الجزئية‪ .‬إنها ببساطة‬ ‫وج ��دت ال �م �ج��ال م�ت��اح��ا ل�ظ�ه��وره��ا فأعلنت‬ ‫م�ن��ه ق��اب�لا للتنفيذ ف�ع�لا؟ وه��ل ينتج منه‬ ‫ال��دخ��ول ال�ف��ات��ح ال��وح�ي��د ل �ـ"ح��زب ال�ل��ه" في‬
‫الحروب المطلقة‪.‬‬ ‫نفسها دفعة واحدة وبال كنايات‪ .‬هنا نسأل‪:‬‬ ‫ص��وغ جديد للغة اإلع�لام ودوره وخصوصًا‬ ‫غ��زوت��ه األخ �ي��رة ك��ان إل��ى ب �ي��روت‪ ،‬المدينة‬
‫ّ‬
‫ن� �ب � ّ�رد اس �ت �ح��االت �ن��ا ون �ج �ع �ل �ه��ا م �ج��م��دة إلى‬ ‫هل أدرج الحوار على جدول أعماله‪ ،‬ولو في‬ ‫أن ع�ن��وان ال �غ��زوة األخ �ي��رة ك��ان استهداف‬ ‫المنتصرة بامتناعها عن الحرب‪ ،‬وبإصرارها‬
‫انتخاب‬ ‫ّ‬ ‫على نفي ال��واح��دي��ة الطائفية عنها ً‬
‫ح �ي��ن ن �س �ت �ع��د ل �ب �ع �ث �ه��ا‪ .‬ي �ص �ي��ر ُ َ‬ ‫مناقشة جانبية رمزية‪ ،‬التمثيل بالجثث وما‬ ‫اإلعالم بشكل خاص؟‬ ‫ّ‬ ‫فعال‪.‬‬
‫ّ‬
‫رئ �ي��س ال �ج �م �ه��وري��ة م �م �ك �ن��ًا ح �ي��ن يحكم‬ ‫يفرضه هذا المشهد من صعوبات وقراءات‬ ‫ن��ظ��م ال� �ح ��وار ن�ف�س��ه ع �ل��ى أن ��ه ب �س �ت��ان آراء‬ ‫للسنة‪ ،‬لكان "حزب‬ ‫ولو كانت مجرد مدينة‬
‫ح �ص��ار ال��رئ �ي��س ب�ح�م��ل ث�ق�ي��ل م��ن ضرورة‬ ‫وما يترتب عليه من استجابات طويلة االمد‬ ‫ون�ق��اش��ات مغلقة وك��ان اإلت �ف��اق األب ��رز هو‬ ‫الله" فشل في دخولها‪.‬‬
‫رع��اي��ة ت��وازن��ات ال�ط��وائ��ف ومصالحها‪ ،‬مما‬ ‫تحتاج إلى قيام ورش عمل ج��ادة للحد من‬ ‫المتعلق بالسرية‪ .‬أهمية الموضوعات التي‬ ‫ه� �ك ��ذا ك � ��ان ال �ج �ب��ل ال� � � ��درزي م �ن �ي �ع��ًا على‬
‫ي�ج�ع��ل إم �ك��ان إط�ل�اق��ه زم� ��ام ال �م �ب��ادرة في‬ ‫أضراره وتفاعالته؟‬ ‫ت� ّ�م��ت م�ن��اق�ش�ت�ه��ا‪ ،‬ف��رض��ت ن�ف�س�ه��ا بقوة‬ ‫السني كذلك‪ .‬وبذلك‬ ‫ّ‬ ‫ّاإلخ�ت��راق‪ ،‬والشمال‬
‫بعض القضايا ال�ك�ب��رى صعبًا‪ ،‬إن ل��م نقل‬ ‫التمثيل بالجثث يشكل دعوة الى التذكر‬ ‫على اإلع�ل�ام مما جعل التسريبات‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫فائقة ً‬ ‫أكدت الطوائف حضورها في توحدها الذي‬
‫مستحيال ‪.‬‬ ‫الدائم‪ ،‬في حين ان كل مشروع للحل يبدأ‬ ‫التي ع��ادة ما تكون صيغة ناقصة وخاصة‬ ‫ي��رت�ف��ع ف��ي ل�ح�ظ��ة ال�خ�ط��ر ف��وق السياسة‪.‬‬
‫مسألة السالح تصبح قابلة للطرح حين ال‬ ‫م��ن مالمسة النسيان أو م�ح��اول��ة ممارسته‬ ‫حيز الخبر كله‪ .‬هكذا كانت‬ ‫ومبتورة‪ ،‬تحتل ّ‬ ‫ه �ك��ذا أي �ض��ًا ش��اه��دن��ا ت�ف��وي�ض��ًا عجيبًا من‬
‫يعود ال�خ��وف م��ن استعمال ه��ذا ال�س�لاح إال‬ ‫م�م��ارس��ة مقننة مخففة‪ .‬إذًا‪ ،‬كيف يمكن‬ ‫هناك حروب لتسريبات متبادلة‪ ،‬لكن ال خبر‬ ‫ول�ي��د ج�ن�ب�لاط ال��ى م�ن��اف�س��ه ال� ��درزي االبرز‬
‫نكتة وي�ت��م ال�ن�ق��اش فقط ح��ول ضمانات‬ ‫ّ‬ ‫ال� �ن� �س� �ي ��ان‪ ،‬ال � � ��ذي ي� �ف� �ت ��رض ان يؤسس‬ ‫في اللحظة التي انتظر فيها اللبنانيون ما‬ ‫طالل أرسالن في إدارة الحوار مع المعارضة‪،‬‬
‫موثقة بعدم استخدامه مجددا‪ .‬لقد طرح‬ ‫ل �ل �غ �ف��ران‪ ،‬أن ي �ت �ح �ق��ق ام � ��ام ه� ��ول صورة‬ ‫يرشح من الحوار كون فشله ال يعني عودة‬ ‫وق��ال��ت م �ص��ادر ك�ث�ي��رة إن ع�ن��اص��ر الحزب‬
‫ال �س�ل�اح اس �ت �ث �م��ارات��ه ف��ي س ��وق السياسة‬ ‫مصممة اساسا لتنحفر في الذاكرة؟‬ ‫إلى ما كانت األم��ور عليه فقط إنما دفعها‬ ‫ال��دي�م��وق��راط��ي ل��م ي�ت�ص��رف��وا ف��ي األحداث‬
‫م �ب��اش��رة ب �ع��دم��ا ك ��ان ح��ام�ل ً�ا ل�ث�ق��ل داللي‪،‬‬ ‫إزاء ق�س��وة التناحر ال�ت��ي ي� ّ�دع��ي ال �ح��وار أن‬ ‫ل �ت �ب �ل��غ ح� � ��دودا غ �ي��ر م �س �ب��وق��ة‪ .‬وخصوصًا‬ ‫األخيرة كمعارضة بل كدروز‪.‬‬
‫لذلك بقي غيبًا يدير شؤون العباد في هذه‬ ‫في جعبته حلوال لها‪ ،‬ال يمكن الحديث عن‬ ‫أن ك��ل م��ا تحتاجه األزم ��ة م��ن م ��واد‪ّ ،‬‬
‫مؤمن‬ ‫ل�ل�ش�م��ال م�ش�ه��ده ال�م�م��اث��ل ف��ي ه ��ذا اإلطار‪،‬‬
‫الرقعة من دون ان يستطيع الحوار تحويله‬ ‫إع�ل�ام وإع�لام�ي�ي��ن‪ .‬فنحن إم��ا أن ن�ك��ون إزاء‬ ‫ع �ل��ى ال �م �س �ت��وي��ات اإلع�لام �ي��ة والسياسية‬ ‫يعبر ع��ن اإلنحياز‬ ‫فقد سمعنا ك�لام��ا واض�ح��ا ّ‬
‫إلى مادة صالحة للنقاش‪.‬‬ ‫إع�لام حربي عام يهتم بعرض ما يرشح من‬ ‫والعاطفية واألخالقية حتى‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ال��ى الطائفة بلسان عمر ك��رام��ي‪ .‬إذًا‪ ،‬ضمت‬
‫ه��ل ي�س�ت�ط�ي��ع ال �ح ��وار ت��دب �ي��ر استحاالتنا‬ ‫نقص الخبر على أنه سجال مطلق‪ ،‬وإما لن‬ ‫كيف استطعنا الولوج إذًا إلى قلب الحوار‬ ‫الطوائف أبناءها بقوة وص��ار الفكاك من هذا‬
‫يبردها فقط؟ ¶‬ ‫وتدويرها‪ ،‬ام أنه سوف ّ‬ ‫أي خبر‪ .‬لذا فنحن مضطرون‬ ‫يكون لنا أبدًا ً‬ ‫ب� �س ��وى ال �ت �خ �م �ي �ن��ات ال� �ت ��ي دف �ع �ه��ا غياب‬ ‫األسر مستحيال ألن الطوائف تثبت أن شبكة‬

‫‪5‬‬ ‫األحد ‪ 25‬أيار ‪2008‬‬


‫لم تنته الحرب‬ ‫شوقي نجم‬

‫من قال إن الحرب انتهت؟ يعكس هذا السؤال حجم ال��دالالت والرموز واألخطار "الحربية" التي "تحتل" المشهد اللبناني الراهن‪ ،‬وتطبعه بطابعها‬
‫يقول إن ًالحرب لم تنته‪ .‬في المقابل يمكن الواحد منا أن يأمل‪ .‬أن يتبجح‪ .‬أن يكابر‪ .‬أن يطمس‪ .‬أن يجامل‪ .‬أن‬ ‫المقيت‪ ،‬حتى ليستطيع الواحد منا أن‬
‫الوقائع‪ً ،‬‬
‫فعال وقوال وعيشًا وذكريات‪ ،‬ربما تأخذنا جميعًا الى أن نؤكد أن الحرب مقيمة في كل واحد منا وبيننا حقًا‪.‬‬ ‫يراوغ‪ .‬أن يوحي العكس‪ .‬لكن‬

‫ف�ق��د ن �ش��رت م�ج�ل��ة "ت��اي��م" االم �ي��رك �ي��ة تقريرا‬ ‫عملية حربية من طرف واحد‪.‬‬ ‫إن�ه��ا "اه �ل �ي��ة" او "ع�ب�ث�ي��ة" او "اق�ل�ي�م�ي��ة"‪ .‬انها‬ ‫الح��ظ اكثر من صحافي وم��راق��ب في طرابلس‪،‬‬
‫يتحدث عن طريقة تجنيد "حزب الله" لالطفال‬ ‫ل��م تنته ال�ح��رب حتى تبدأ م��ن ج��دي��د‪ .‬ه��ذا ما‬ ‫الحرب وه��ي ال ت��زال بيننا‪ .‬ان��ه التكرار نفسه‪.‬‬ ‫انه الى البؤس والحرمان في منطقة باب التبانة‬
‫منذ س��ن السابعة فما ف��وق‪ .‬وك�ي��ف ان بعض‬ ‫تقوله سلوكيات "حزب الله"‪ .‬ونحن إذ نكتب‬ ‫فليسكت م��ن يتحدث بلغة أخ��رى‪ .‬ال�ح��رب لم‬ ‫ال�ش�م��ال�ي��ة‪ ،‬ف��آث��ار ال �ق��ذائ��ف وال ��رص ��اص بادية‬
‫ال�ت�لام�ي��ذ ف��ي ال �م��دارس ي�ت��م ارس��ال �ه��م لتلقي‬ ‫ع�ن��ه‪ ،‬ن�خ��اف م�ن��ه ألن��ه ي�ب��دو ان��ه اي�ض��ا ال يوفر‬
‫تنته وإن تكن بأشكال مختلفة‪ ،‬وربما بسبب‬ ‫على مبانيها منذ منتصف الثمنينات من القرن‬
‫بعض ال��دروس الخاصة بمنظمتهم‪ .‬فضال عن‬ ‫االخضر واليابس‪ ،‬فليس لديه خطوط ّحمر‪.‬‬ ‫المشكلة نفسها‪ .‬فالمقاومة الفلسطينية‪ ،‬قبل‬ ‫الماضي‪ .‬مرت حروب كثيرة على تلك المنطقة‪،‬‬
‫خوضهم بعض التدريبات العسكرية‪ ،‬في حين‬ ‫"مقدس" وما لغيره "مدنس"‬ ‫هكذا يقول‪ .‬ما له ّ‬ ‫مقاومة "ح��زب ال�ل��ه"‪ ،‬نشأت للحدود وانتهت‬ ‫وال يزال جرحها القديم ينزف‪ .‬ربما قبل ان نترقب‬
‫يتم ارسال المتميزين منهم للتدريب في ايران‪،‬‬ ‫او مباح‪ .‬انه على طريقة "شعب الله المختار"‪ ،‬او‬ ‫افتتحت "ح��رب السنتين"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫في ال��داخ��ل‪ ،‬وبها‬ ‫واقعها الراهن وتوتراتها ولجوء اهلها الى حمل‬
‫وت �ق��ول "ت��اي��م" ان "ح ��زب ال �ل��ه" ي�ب��دأ باختيار‬ ‫لنقل على طريقة اسرائيل‪ .‬كتبت دالل البرزي‬ ‫ان �ه��ا ال �ح��رب اي �ه��ا ال �س��ذج‪ .‬ال �ي��وم ب�ع��دم��ا اعلن‬ ‫السالح خوفا من شبح الماضي‪ ،‬علينا ان نستذكر‬
‫تالميذ في المدارس المختلفة في انحاء لبنان‪،‬‬ ‫مقاال عنوانه "حان وقت المقاومة"‪ ،‬استعملت‬ ‫االمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله‬ ‫تراكمات ما حصل على يد النظام ال�س��وري‪ .‬اذ‬
‫ويتم ارسالهم ال��ى معسكرات ت��دري��ب‪ ،‬وقبل‬ ‫ف�ي��ه ع �ب��ارة لنيتشه ت�ق��ول "ل�ك�ث��رة مصارعتك‬ ‫ان األداة‪ ،‬اي السالح‪ ،‬امست تتقدم على أمن‬ ‫انه وفي زمن فتوحاته واحتالله المدن اللبنانية‪،‬‬
‫ضمهم ال��ى المنظمة‪ ،‬يتم اختيار المتميزين‬ ‫الوحش‪ ،‬ينتهي بك االم��ر ان تشبهه"‪" .‬حزب‬ ‫ال�م��واط��ن‪ ،‬ف��إن��ه ال م��ن وض��ع االط ��ار العقائدي‬ ‫قتل اكثر من ‪ 800‬شاب في منطقة باب التبانة‪،‬‬
‫يرسل‬‫منهم للتدريب على القيادة‪ ،‬ومنهم من َ‬ ‫الله" متعايش وجوديا مع اسرائيل‪ ،‬مبني على‬ ‫لـ"حزب الله" موضوع نقاش وطني‪ .‬اي لبنان‬ ‫واذا كان الجيش السوري غادر لبنان فهو ترك‬
‫الى ايران‪.‬‬ ‫م��ا ه��و مبني عليه نظامها‪ :‬دوام ال�ح��رب‪ ،‬الذي‬ ‫ي��ري��ده م��واط �ن��وه‪ ،‬ل�ب�ن��ان ال �م��واج �ه��ة ام لبنان‬ ‫ً‬
‫متمثال في‬ ‫اشباحه هنا‪ .‬ترك الجمر تحت الرماد‪،‬‬
‫والحال ان "حزب الله" يدأب على تنشئة االطفال‬ ‫هو مزيج من الصالفة والمظلومية‪ .‬المظلومية‬ ‫االس�ت�ق��رار؟ لبنان ال�س�لاح ام لبنان االنسان؟‬ ‫العداء بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن‪.‬‬
‫على النحو ال��ذي تريده "والي��ة الفقيه"‪ ،‬فروح‬ ‫ت��اري�خ�ي��ة‪ ،‬وق��د ص��ارت اآلن قميص عثمانها‪.‬‬ ‫السالح في خدمة االنسان ام االنسان في خدمة‬ ‫سلوكية النظام السوري كانت كافية لتعميق‬
‫الثورة والسالح هما اللذان يتفتح عليهما تفكير‬ ‫مثل اس��رائ�ي��ل‪ ،‬يقول "ح��زب ال�ل��ه" إن عدوانه‬ ‫السالح؟ هل يتذكر "حزب الله" ما فعله السالح‬ ‫الجرح بين المنطقتين وابناء الجماعتين‪ ،‬ونظام‬
‫الطفل‪ ،‬وق��د أن�ش��أ ال�ح��زب "كشافة المهدي"‬ ‫االخير على المدينة‪ ،‬انما هو من "ب��اب الدفاع‬ ‫الفلسطيني ف��ي ال�ج�ن��وب اذ ج�ع��ل مواطنين‬ ‫ما بعد الطائف في لبنان كان مستخفا بكل جروح‬
‫ل �ت �ك��ون ب �م �ث��اب��ة ج �ي��ش ص �غ �ي��ر‪ ،‬وي �ت �ض��ح من‬ ‫عن النفس"‪ .‬إنها الحرب‪ ،‬ولم تنته‪.‬‬ ‫�رح �ب ��ون" ب��ال�ج�ي��ش االسرائيلي‬ ‫ج�ن��وب�ي�ي��ن "ي � ّ‬ ‫الماضي‪ ،‬فلم يعمد الى اجراء مصالحات‪ ،‬بل كان‬
‫شعار الكشافة ابتعادها عن المبادئ الكشفية‬ ‫وينثرون عليه األرز؟! ما سر الهذيان السالحي‪،‬‬ ‫هم الزعماء عقد الصفقات قبل كل شيء‪.‬‬
‫واقترابها من المبادئ العسكرية‪ .‬شعار "كشافة‬ ‫يحبون بقاء‬‫أليس هذا الضعف بذاته‪ ،‬ام انهم ّ‬ ‫"لم تنته الحرب"‪ .‬هذا ما تقوله االغنية‪ ،‬وهذا‬
‫ال �م �ه��دي"‪ ،‬اوراق ال��زن �ب��ق‪ ،‬وه ��و ش �ع��ار حركة‬ ‫أطفال "حزب الله"‬ ‫البربرية؟‬ ‫لبنان في زمن‬ ‫ما يقوله الواقع‪ .‬بل هذا ما تقوله ج��دران باب‬
‫ّ‬
‫الكشافة العالمية غير ان كل منظمة كشفية‬ ‫انها الحرب ايها ال�س��ذج‪ ،‬هل علمتم وذقتم؟! على شاشة اح��دى المحطات‪ ،‬كان المراهقون‬ ‫التبانة وبناية بركات في السوديكو‪ .‬بل هذا‬
‫تستعمل الشعار تضيف عناصر خاصة بها‪.‬‬ ‫ربما ه��ذه المسألة ال تعني "ام��ة ال�ح��رب" النها ال�م�ق� ّ�ن�ع��ون ي �ص��رخ��ون ف��ي وج ��وه البيروتيين‬ ‫م��ا ت�ق��ول��ه ال�ك�ل�م��ات واألي� ��دي ال�ق��ات�ل��ة‪ .‬ه��ذا ما‬
‫وفي حالة كشافة االمام المهدي‪ ،‬تمت اضافة‬ ‫ت�ع� ّ�ودت تحقيق المكاسب من خ�لال الغزوات ال�غ��اض�ب�ي��ن ل�ك��رام�ت�ه��م وح �ي��ات �ه��م "اذا كانت‬ ‫تقوله الطوائف‪ ،‬جميع الطوائف‪ .‬هذا ما يقوله‬
‫سيفين ويد مرفوعة‪ ،‬كداللة على البيعة‪ .‬وفي‬ ‫تعودت "امة الحرب" ان تجتاح بيروت اسرائيل نفسها‪ ...‬اق��وى جيش في العالم لم‬ ‫الحربية‪ّ .‬‬ ‫األط��راف‪ ،‬جميع األط��راف‪ .‬هذا ما يقوله األمين‬
‫اسفل الشعار تظهر كلمة "واطيعوا"‪ ،‬وينطوي‬ ‫النها تظن ان مسالمة اب�ن��اء المدن تنزع منا سالحنا‪ ،‬انتم ايها‪ ...‬ستقدرون؟!"‪.‬‬ ‫المسالمة ّ‬ ‫ال �ع��ام ل �ـ"ح ��زب ال �ل��ه" ح�س��ن ن �ص��رال �ل��ه‪ .‬ه ��ذا ما‬
‫الشعار بصورة واضحة على مفاهيم قتالية الى‬ ‫تجعلهم "يسلمون بالعشرة" للغزاة‪.‬‬ ‫تقوله يده وتهديداته‪ ،‬وهذا ما يقوله مقاتلو‬
‫جانب مفهومي الطاعة وااللتزام‪.‬‬ ‫هذا ما تقوله الوقائع‪ ،‬وهذا ما تقوله‬ ‫حركة "ام��ل" ال��ذي استعادوا مشاهد ماضيهم‬
‫"كشافة ال�م�ه��دي" التي اسسها "ح��زب الله"‬ ‫مرحلة الثمانينات‪ .‬انها الحرب ايها‬ ‫ّ‬ ‫ف��ي ال �غ��زوات وال�ت�ش�ب�ي��ح وال�ت�ك�س�ي��ر والقنص‬
‫ع ��ام ‪ 1985‬ه��ي ع �م��اد ب��رن��ام��ج ال �ح��زب لضبط‬ ‫السذج‪ ،‬وليس من بريء فيها‪ ،‬وقد‬ ‫وال�ق�ص��ف وال�م��ذه�ب�ي��ة‪ .‬ل��م ت�ن�ت��ه ال �ح��رب‪ .‬هذا‬
‫ح��رك��ة االط� �ف ��ال ال �ف �ك��ري��ة وال �س �ي �ط��رة عليها‬ ‫الح��ظ اح��د الصحافيين ان الذين‬ ‫م��ا نعرفه م��ن مقاتلي ال�ح��زب ال�س��وري القومي‬
‫تمهيدا لحصرها في اط��ار ال��دائ��رة الجهادية‪.‬‬ ‫شبان وطالب‬ ‫شاركوا في القتال هم ّ‬ ‫االج�ت�م��اع��ي ال ��ذي اص��اب�ه��م الحنين ال��ى شارع‬
‫تعلن هذه الحركة على موقعها االكتروني ان‬ ‫ج��ام�ع��ات ول��دي�ه��م متعة للمشاركة‬ ‫ج��ان��دراك‪ .‬ه��ذا م��ا تقوله اع�ل�ام "المرابطون"‪.‬‬
‫م��ن ض�م��ن اه��داف�ه��ا ب�ن��اء ج�ي��ل اس�لام��ي صالح‬ ‫ويحبون ّ"االكشن"‪.‬‬ ‫في الحرب‪ّ ،‬‬ ‫ه��ذا ما يقوله ال��زج��اج وتقوله الحرائق‪ .‬ه��ذا ما‬
‫ع�ل��ى منهج "والي ��ة ال�ف�ق�ي��ه" واالع� ��داد لنصرة‬ ‫انها الحرب ايها السذج‪ ،‬واخطر ما‬ ‫تقوله االع��دم��ات ال�ت��ي حصلت م��ن الطرفين‪.‬‬
‫تعرف الكشافة نفسها بأنها‬ ‫االم��ام المهدي‪ّ .‬‬ ‫تواجهه الجمهورية اللبنانية هو او‬ ‫هذا ما تقوله االسلحة‪ .‬هذا ما يقوله االطفال‬
‫جمعية تربي الكشفيين على ثقافة المقاومة‬ ‫ان ت�ت�غ�ل��ل ال�ت�ن�ظ�ي�م��ات االصولية‬ ‫واالم �ه��ات‪ .‬ه��ذا م��ا تقوله نفوسنا المحترقة‪.‬‬
‫والفداء‪ .‬وسبق ان نشرت مجلة "روز اليوسف"‬ ‫"ال�ق��اع��دي��ة" ف��ي رب��وع�ن��ا وق��د بدأت‬ ‫وكتابها وشعراؤها‬ ‫هذا ما تقوله وجوه المدينة ّ‬
‫المصري تحقيقا عنوانه "ميليشيات االطفال‬ ‫التصريحات والتسريبات عن هذه‬ ‫وجدرانها‪ .‬هذا ما تقوله بنادق "المقاومة"‪ .‬هذا‬
‫ف��ي ح��زب ال �ل��ه" (‪ 8‬أي ��ار ‪ ،)2006‬ن�ق�ل��ت فيه‬ ‫التنظيمات التي ال توفر "االخضر‬ ‫ما تقوله طموحات النائب ميشال عون‪ .‬هذا ما‬
‫حديثًا ادلى به الشيخ نعيم قاسم الى "اذاعة‬ ‫وال� �ي ��اب ��س"‪ ،‬ت �ح��رق ك ��ل ش ��يء في‬ ‫تقوله هجرة بعض المثقفين من شارع الحمراء‪.‬‬
‫رادي��و ك�ن��دا" يقول فيه "ان أم��ه تملك اوالدا‬ ‫سبيل العدم والهباء‪ .‬وليس غريبا‬ ‫السنة من المستقبل‬ ‫هذا ما تقوله هجرة بعض ّ‬
‫م�س�ت�ع��دي��ن للتضحية ب��أن�ف�س�ه��م ف��ي سبيل‬ ‫ان ت ��أت ��ي ال �ت �ن �ظ �ي �م��ات االرهابية‬ ‫ال��ى التنظيمات السلفية‪ .‬ه��ذا ما تقوله ابواق‬
‫ال �ل��ه ام ��ة م �ن �ت �ص��رة"‪ .‬ع �ل��ى ان ث �ق��اف��ة كشافة‬ ‫ال��ى ل�ب�ن��ان‪ ،‬ذل��ك ألن ت�ج��رب��ة "فتح‬ ‫التنظيمات ال�س�ل�ف�ي��ة‪ .‬ه��ذا م��ا ي�ق��ول��ه الشيخ‬
‫"حزب الله" مختلفة عن الثقافة العامة‪ ،‬فبدل‬ ‫االسالم" لم تنته فصولها بعد‪ ،‬ولم‬ ‫نعيم قاسم‪ .‬هذا ما تقوله الفتنة‪ .‬هذا ما يقوله‬
‫ساندريال االميرة النائمة هناك شارون الشرير‪،‬‬ ‫ت��دم��ل ال �ج ��راح ال �ت��ي ت�س�ب�ب��ت بها‪.‬‬ ‫سكان الطبقة الواحدة‪ ،‬سكان المبنى الواحد‪،‬‬
‫وع��وض الكتب ي�ق��رأون سير الشهداء‪ ،‬وبدل‬ ‫ايضًا‪ ،‬اخطر ما تواجهه الجمهورية‬ ‫سكان الحي الواحد‪ ،‬سكان المدينة الواحدة‪.‬‬
‫النشيد الوطني هناك نشيد "والي��ة الفقيه"‪.‬‬ ‫اللبنانية غلبة "التكليف الشرعي"‬ ‫هذا ما تقوله حرب السالح من اجل السالح‪ ،‬إذ‬
‫وامعانا في االدلجة‪ ،‬فان المسابقات الثقافية‬ ‫و"الفتاوى" على القوانين واالعراف‬ ‫تربي الحقد بين أفراد االسرة الواحدة‪ .‬هذه هي‬
‫الموجهة الى االوالد والتي تعنى بالمعلومات‬ ‫بريشة جميل مالعب‪.‬‬ ‫ال�ل�ب�ن��ان�ي��ة‪ .‬ف�ح�ي��ن ن �ق��ول منظومة‬ ‫بطوالت المقاومة االخيرة‪ .‬لم تنته الحرب‪ .‬هذا‬
‫العامة‪ ،‬تحولت الى مسابقات تتعلق بالمعارك‬ ‫"ح��زب الله" االيديولوجية‪ ،‬نعرف‬ ‫ما يقوله الذين يحكموننا‪ .‬ق��ادة الحرب هؤالء‬
‫وال �ق �ت��ال‪ ،‬ت�ط�ب�ي�ق��ا ل�م��ا ت �ق��ول ال�ك�ش��اف��ة على‬ ‫انها ال تعترف بكل النظم المرعية‪.‬‬ ‫يستطيعون اش�ع��ال ال�ح��رب‪ ،‬طالما ان لديهم‬
‫موقعها انها تقوم به‪ ،‬وهو"غرس ثقافة وروح‬ ‫ّ‬
‫"حزب الله" يحسب نفسه انه يمتلك الشرعية سمى احد اعالميي "حزب الله" هؤالء المراهقين‬ ‫يحبون ان يكونوا‬ ‫ال��وق��ود‪ ،‬وطالما ان الشبان ّ‬
‫المقاومة عبر التربية التي تنعكس على الفرد‬ ‫المطلقة في كل شيء‪ ،‬ويعتبر "والية الفقيه" "كشافة الحزب"‪ ،‬وذلك تلويحا منه بأن هناك‬ ‫وقودا للعبث وللموت‪ .‬كأن "عشاق" الحرب لم‬
‫في كل حياته المستقبلية"‪.‬‬ ‫هي الشرعية وما عداها شيطاني‪" .‬حزب الله" طبعا من هم اقوى واشد تدريبا! ربما ألن "حزب‬ ‫يعلموا بشاعة الحرب‪.‬‬
‫ان �ه��ا ال� �ح ��رب ول ��م ت �ن �ت��ه‪ .‬ه �ك��ذا ت �ق��ول تربية‬ ‫ي ��زدري ك��ل ق��وان�ي��ن ال��دول��ة‪ ،‬وي �ق� ّ�دس ك��ل ما الله" يحب دوام الحرب‪ ،‬فهو اوال حزب عسكري‬ ‫ل��م ت�ن�ت��ه ال �ح��رب ح �ت��ى ت �ب��دأ م��ن ج��دي��د‪ ،‬وإن‬
‫الكشافة‪ .‬ربما من هنا يجب بدء الحوار‪ .‬فالخالف‬ ‫يتعلق به‪ ،‬من حرب تموز التي سلب فيها قرار لديه ملحق سياسي‪ ،‬ول�ه��ذا يؤسس مجتمعا‬ ‫عشنا فصول الحرب بالتقسيط‪ ،‬او بالقطعة‬
‫يكمن ف��ي ال �ج��ذور ول�ي��س ف��ي ال�ن�ت��ائ��ج‪ ،‬وثمة‬ ‫وصوال الى عسكريا بامتياز‪ ،‬س��واء من خالل ترويج ثقافة‬ ‫ً‬ ‫حق الدولة في قرار الحرب والسلم‪،‬‬ ‫او بالتوظيف‪ ،‬س��واء ف��ي ج�ن��وب لبنان او في‬
‫ح��اج��ة ملحة ل�ل�خ��روج م��ن ال��دائ��رة القبلية ومن‬ ‫ما هو اس��وأ من خ�لال اجتياح ب�ي��روت‪ .‬حصلت االستشهاد او من خالل التدريبات العسكرية‬ ‫بيروت‪ ،‬أو في الجبل‪ ،‬أو في منطقة الضنية‪.‬‬
‫ثقافة االحتراب والمواجهة والنار ¶‬ ‫ال�ح��رب بزعم ال��دف��اع ع��ن ال�س�لاح‪ ،‬لكنها كانت للطالب وال�ش�ب��اب وح�ت��ى "كشافة المهدي"‪.‬‬ ‫انها الحرب وإن تعددت تفسيراتها‪ ،‬وإن قالوا‬
‫األحد ‪ 25‬أيار ‪2008‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪cmyk‬‬

‫ريمون جبارة‬ ‫في االستباحة وأشياء أخرى‬ ‫زياد ماجد‬

‫مشاهد متخيلة من مخيلة‬ ‫فالحزب بما يصيب االج�ت�م��اع السياسي اللبناني من‬
‫المنطقة‪.‬‬ ‫يصعب وصف األداء السياسي لـ"حزب الله" خارج البحث‬
‫في معنى االستباحة‪.‬‬
‫َمقاتل‪ ،‬ال ُي� َ�ر ّد عليه بالشحن الطائفي (ول��و ّ‬
‫صحتها جيدة على عكس‬ ‫تسبب هو‬
‫في ّجزء منه)‪ ،‬وال بالرهانات التبسيطية على "الخارج"‬
‫االستباحة لمعاني التعاقد بين الناس على العيش ّفي‬
‫رقعة واحدة واللجوء الى نظام سياسي يختارونه لينظم‬
‫صاحبها‬ ‫للتخلص منه أو م��ن ضغطه (وض�غ��ط ع� ّ�ر َاب�ي��ه اإليراني‬
‫سلوكه‬ ‫وال �س��وري)‪ .‬كما ال ُي � َ�ر ّد عليه بتمكين سمات‬
‫وتطبق السلطة‬‫ّ‬ ‫شؤونهم‪،‬‬
‫تفض نزاعاتهم‪.‬‬ ‫وضعية ّ‬ ‫أمورهم‪ ،‬وترعى مؤسساته‬
‫القضائية فيه قوانين‬
‫ّ‬
‫ال�ت�خ��وي�ن��ي وق�س�م�ت��ه ال �ن��اس ف�س�ط��اط�ي��ن م��ن التسلل‬ ‫االستباحة لمفهوم الحق العام‪ ،‬لمعنى المواطنة ولفكرة‬
‫بادعاء مقابل للحقيقة‬ ‫الى النفوس المقهورة منه‪ ،‬وال ّ‬ ‫الدولة‪ ،‬من خالل فرض جغرافيات أمنية‪ ،‬وتطوير أجهزة‬
‫المكان بهو فندق الشيراتون في الدوحة‪.‬‬ ‫المطلقة وما في ثناياها من عنف رم��زي ضد االختالف‬ ‫مخابراتية‪ ،‬وتكديس أسلحة‪ ،‬وإمساك ب�ق��رارات حرب‬
‫الشخصيات خليط من ‪ 8‬و‪ 14‬آذار‪.‬‬ ‫وال �ت � ّم��اي��ز‪ ،‬وال ب��ال�م�ك��اب��رة ورف ��ض االع� �ت ��راف باألخطاء‬ ‫وسلم‪ ،‬وتحديد بوصلة سياسات خارجية‪ّ ،‬‬
‫وادع��اء حق‬
‫مالحظة‪ :‬كل شبه بين شخصيات حقيقية وشخصيات هذه‬ ‫يمد االستباحة بزاد‬ ‫والتقلب السريع بين المواقف الذي ّ‬ ‫في تصنيف الشركاء في التعاقد الوطني (االفتراضي)‬
‫المشاهد هو محض صدفة (وهو مقصود لمن يرغب)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫غير قليل‪.‬‬ ‫بين خائن وعميل وق��ات��ل‪ ،‬وش��ري��ف وم�س��ؤول ووطني‬
‫ذل��ك أن ثمة أزم��ة معقدة ف��ي لبنان سابقة على قيام‬ ‫ّ‬
‫و"رجال"‪.‬‬
‫عمقها هذا الحزب وأضفى عليها أبعادًا‬ ‫ّ‬
‫مشهد أول‬ ‫ّ‬ ‫"حزب الله"‪ ،‬ولو ّ‬ ‫يصعب وصف السلوك الخطابي واإلعالمي لـ"حزب الله"‬
‫غير مسبوقة‪ .‬تتطلب هذه االزمة خطابًا متجددًا وخطة‬ ‫خ ��ارج ال�ب�ح��ث أي�ض��ًا ف��ي معنى االس�ت�ب��اح��ة‪ .‬ف��ي معنى‬
‫‪( 1-‬مصافحًا زم�ي ً�لا ل��ه ف��ي األوت �ي��ل)‪ :‬انشالله نمت منيح من‬ ‫إصالحية بنفس طويل‪ ،‬وبموقف صلب يمنع االستباحة‬ ‫التحريض على العنف البدائي الحاسم للخالفات في‬
‫دون كوابيس؟‬ ‫م��ن ال�ت�م��ادي‪ ،‬ويجهد لمنع قيام ح��االت تشابهها في‬ ‫ح�ق�ب��ات ه��ي ع ��ادة س��اب�ق��ة ع�ل��ى ن�ش��وء ال� ��دول‪ ،‬أو على‬
‫‪ 2-‬الحقيقة‪ ،‬الكوابيس ع��م بشوفا بالنهار‪ .‬بالليل غرفتي‬ ‫االجسام الطائفية االخرى‪.‬‬ ‫ق �ي��ام "ال �م �ج �ت �م �ع��ات"‪ .‬ف �م��ن ال �ت �ه��دي��د ب�ق�ط��ع األيادي‬
‫بتطل ع��ا ال�ب�ح��ر‪ ،‬وع�ن��دي تخت م��ري��ح وت�ل�ف��زي��ون وب � ّ�راد ّ‬
‫زغير‬ ‫وه ��ي أزم� ��ة ال ي�م�ك��ن ال �ت��رك �ي��ز ع �ل��ى ش��أن �ه��ا الداخلي‬ ‫وال��رؤوس وسحب األرواح‪ ،‬الى التهديد برمي الخصوم‬
‫ُ‬ ‫بفتحو وباخود ّ‬
‫منو شو ما ّبدي‪ .‬شو ك َرما بقطر‪.‬‬ ‫ال�ت�ك��وي�ن��ي ل�ل��وط��ن م��ن دون ق ��رار ص��ري��ح بالسعي الى‬ ‫في البحر‪ ،‬يرسم المستبيح مشهدًا يمزج فيه البداوة‬
‫ّ‬
‫‪ 1-‬صحتين‪ ،‬عا شو ما بدك‪ ،‬بس هودي عادة بيدفعن الزبون‬ ‫فصله كوحدة سياسية عن االرتباط بالمحاور اإلقليمية‬ ‫وق �س��اوة سيوفها ال �ع��اري��ة‪ ،‬بالقرصنة ورم ��ي الضحايا‬
‫هوي وعم بيحاسب ّلمن بيترك االوتيل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫المتصارعة م��ن ح��ول��ه‪ .‬فصل ق��د ال ينجح ف��ي حمايته‬ ‫الى أسماك البحر ومياهه الهائجة‪ .‬ي��زاوج قطع األيدي‬
‫ضيف‪ .‬سألت االستاذ شو؟ هيدا‬ ‫‪ 2-‬بس أنا مش زب��ون‪ ،‬أنا‬ ‫ت�م��ام��ًا ف��ي ظ��ل اس�ت�م��رار ال��ري��اح ال�ع��ات�ي��ة ب��ال�ه�ب��وب من‬ ‫ودفنها بالتراب‪ ،‬بقطع األعناق ورميها في البحر‪ .‬ذلك‬
‫هني ما‬‫يما بمصاري؟ ّقلي شو فارقا معك‪ ،‬اذا ّ‬ ‫البراد ضيافة ّ‬ ‫ّ‬
‫التمدد‬ ‫يحد من شرور‬ ‫المنطقة وعليها‪ .‬لكنه فصل قد ّ‬ ‫أن األي ��ادي واألع �ن��اق‪ ،‬ف��ي ع��رف��ه‪ ،‬تفاصيل إن قورنت‬
‫دفعوا أنا بدفع‪.‬‬ ‫اإلي��ران��ي دف��اع��ًا ع��ن برنامج ن��ووي‪ ،‬وم��ن ض��راوة اإلجرام‬ ‫يقدس السيوف والبنادق‪ ،‬ليس‬ ‫بالسالح‪ .‬فـ"حزب الله" ّ‬
‫وطمنت حكومة قطر الشقيقة‪.‬‬ ‫طمنتني ّ‬ ‫‪ّ 1-‬‬ ‫البعثي استجالبًا لعروض على محكمة دولية‪ .‬وفصل‬ ‫"لتزيينها الرجال" فحسب‪ ،‬بل "لهالتها الدينية" أيضًا‪.‬‬
‫في خالل الحوار يمر "الطنبوز"‪.‬‬ ‫ق��د ي�ب�ع��ده ع��ن اه �ت��راء "االع� �ت ��دال ال �ع��رب��ي" وأنظمته‬ ‫يحولها م��ن مصنوعات حربية تقتنيها الجيوش‬ ‫وه��و ّ‬
‫‪( 2-‬وق��د اس�ت��اء م��ن تصرف الطنبوز)‪ :‬وال�ل��ه بفهم م��ا يحكي‬ ‫يجنبه الدخول في حسابات إدارة‬ ‫البالية‪ ،‬وفصل قد ّ‬ ‫لحاالت الطوارئ الى كائنات غيبية لفرض السياسات‬
‫معكن بس ما يحكي معنا‪ ،‬مش عارف شو السبب؟!‬ ‫أميركية ضائعة بين حكم المصالح التقليدي لدولة‬ ‫يسميه (في استباحة بالغية) "عمليات‬ ‫والحصص عبر ما ّ‬
‫‪ 1-‬بلكي حاسس حالو مغبون‪.‬‬ ‫عظمى واندفاعة االيديولوجيا ّالحربية لنخبة مصابة‬ ‫يشن ّ الغارات أو الغزوات "للدفاع عن السالح‬ ‫موضعية"! ّ‬
‫منا أكتر من غبنكن إلو؟‬ ‫‪ 2-‬مغبون ّ‬ ‫بجنون العظمة‪ .‬وف�ص��ل ق��د يقلص ت�س� ّ�رب التيارات‬ ‫بالسالح"‪ ،‬فيتسلط على مناطق وأحياء مدينية "إستباقًا‬
‫تعود عا غبنا من زمان‪ ،‬إنتو سفقتو ياه‪ ،‬هون بقطر‬ ‫ّ‬ ‫‪ 1-‬نحنا ّ‬ ‫ال�ظ�لام�ي��ة "ال�س�ل�ف�ي��ة – ال�ج�ه��ادي��ة" ال��ى ع�ق��ول بعض‬ ‫عده ضد سالحه"‪.‬‬ ‫لما ُت ّ‬
‫(يلمحان كاميرا تلفزيونية‪ ،‬يتعانقان بابتسامة واسعة جدًا‬ ‫المهمشين ومخادعهم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أبنائه‬ ‫¶¶¶‬
‫تشطشط أطرافها على ضفتي التلفزيون في منازلنا)‪.‬‬ ‫وهي أزمة ال يمكن التركيز عليها أيضًا من دون اعتماد‬
‫"الطريق النمسوي" (ف��ي ال�ح��رب ال�ب��اردة) ف��ي التعامل‬ ‫يستبيح "حزب الله" بيروت‪ ،‬عاصمة السياسة وموقعها‬
‫مع القضية الفلسطينية‪ ،‬أي طريق دعم هذه القضية‬ ‫محتال شوارعها بشعارات حربية وعراضات‬ ‫ً‬ ‫في لبنان‪،‬‬
‫مشهد ‪2‬‬ ‫التحول‬ ‫ّ‬ ‫ديبلوماسيًا وسياسيًا وثقافيًا وإعالميًا من دون‬ ‫وخيم ومظاهر ال تشي بانتماء ال��ى المكان أو الزمان‪،‬‬
‫‪( 1-‬غير الواحد االول)‪ :‬متفائل؟‬ ‫ميدانًا للقتال ال��ذي غالبًا م��ا ي��رف��ع شعاراتها ألسباب‬ ‫ب �ق��در م��ا ت�ش��ي ب �غ��رور ق ��وة ري �ف� ّ�ي وث ��أر م��ن م��دي�ن��ة لم‬
‫كمان قالوا لكن‪ .‬ما‬
‫ّ‬ ‫أنتو‬ ‫وبفتكر‬ ‫‪ 2-‬قالوا لنا نكون متفائلين‪،‬‬ ‫ال ت�م� ّ�ت ال�ي�ه��ا ب�ص�ل��ة‪ ،‬أو ال ��ذي ال ي �ق� ّ�دم وال ي��ؤخ��ر في‬ ‫ينتسب إليها ولو عاش على ضفافها – ضواحيها‪ .‬ذلك‬
‫كان فينا نكون متفائلين ببيروت قبل ما نعذب كل العرب‬ ‫شأنها‪.‬‬ ‫أنه في قوله وسلوكه إنتاج ما سميناه في مقال سابق‬
‫بقضيتنا؟‬ ‫¶¶¶‬ ‫في "الملحق" (في تموز ‪ )2002‬ب�ـ"األوزع��ة" (نسبة الى‬
‫كنا ببيروت‪ ،‬كانت راح��ت علينا الدوحة‪.‬‬ ‫‪ 1-‬لو تفاءلنا ّلمن ّ‬ ‫منطقة االوزاعي)‪ .‬ريف ينزح قسرًا الى المدينة فيحتل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قد يكون ما ُذكر ٌ‬
‫ّّبدك الدغري‪ ،‬وهلق بعد ما صار في خبز وملح بيناتنا‪ّ ،‬بدي‬ ‫كالم غير قابل للتحقق اليوم‪ .‬المطلوب‬ ‫مساحات على تخومها‪ .‬يعيد تشكيل هذه المساحات‬
‫سر‪ :‬شخصيًا ما عدت متحمس للتفاؤل الدائم ألن بتروح‬ ‫قلك ّ‬ ‫راهنًا اتفاق على الحد األدن��ى الضروري لتهدئة األمور‬ ‫ويبتني له دي��ارًا فوقها‪ ،‬شكلها موقت‪ .‬لكن الموقت‬
‫ّ‬
‫علينا شم ّات الهوا ببالش‪.‬‬ ‫وهذا الى حد بعيد صحيح‪ .‬فأن‬ ‫ّ‬
‫فتتحول ال��دي��ار ال��ى أح�ي��اء‪ ،‬واألح �ي��اء ال��ى ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نشكل حكومة جديدة‪ ،‬وأن نعدّ‬ ‫ومنع االنفجار الكبير‪ّ .‬‬ ‫حيز‬ ‫ي�ط��ول‪،‬‬
‫‪ 2-‬م��ا تعتل ه� ّ�م‪ ،‬اللبناني بيضل ي��دب��ر ح��ال��و‪ .‬يمكن الحوار‬ ‫ننتخب رئيسًا‪ ،‬وأن‬ ‫هجين ال ه��و ال��ري��ف ال�م�ه�ج��ور‪ ،‬وال ه��و تقليد للمدينة‬
‫ال�ج��اي��ي ي�ك��ون بمدينة ت�ي��زي أوزو‪ .‬أهلنا ب��ال�ج��زائ��ر ّ‬
‫بيحبونا‬ ‫النتخابات مقبلة‪ ،‬وأن نقيم الحوار حول تسليم السالح‬ ‫المشتهاة‪ .‬ث��م تتغير األح ��وال‪ ،‬فيعود ال �ن��ازح المقيم‬
‫كمان‪.‬‬ ‫ال��ى ال��دول��ة وتحصينها لتحمي جميع أبنائها م��ن كل‬ ‫على تخوم المدينة الى ريفه‪ ،‬عودة َ هي بدورها موقتة‪،‬‬
‫عتمة‬ ‫تهديد‪ ،‬جميعها أولويات‪.‬‬ ‫يبتني فيه ف��وق أن�ق��اض القديم شبه مبناه الهجين‪،‬‬
‫للمستقبل‬ ‫ً‬ ‫�س‬ ‫�‬ ‫ي‬ ‫�‬ ‫س‬ ‫�أ‬‫�‬ ‫ت‬ ‫�‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫أن‬ ‫�و‬ ‫ل �ك��ن ال �ص �ح �ي��ح أي �ض��ًا ه �‬ ‫لتصبح ال�ه�ج��ان��ة س�م�ت��ه وأس� ��اس ح��اج�ت��ه للبحث عن‬
‫ينبغي أن يترافق معها‪ .‬والتأسيس يبدأ ع��ادة بكالم‪.‬‬ ‫ّ‬
‫"المقدس"‪،‬‬ ‫"أصالة" وعنصر تماسك ال يجدهما ّفي غير‬
‫مشهد ثالث‬ ‫ببضع أف�ك��ار‪ ،‬بتجريد‪ ،‬بنصوص‪ ،‬بقيم‪ ،‬ثم يصبح مع‬ ‫فيعوض بواسطته عن تيهه‪ ،‬ويتسلط به على الناس‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الصحافي مراسل احدى المحطات اللبنانية‪ ،‬يلتقي بشخصية‬ ‫التناقح والتعديل والتطوير والممارسة والتراكم ثقافة‬ ‫ه��ي "األوزع ��ة" إذًا للمدينة وللريف على ال �س��واء‪ .‬وهي‬
‫من الصف االول وال هي محسوبة‬ ‫تشارك في المؤتمر‪ ،‬ال هي ّ‬ ‫سياسية‪ .‬يصبح مع الوقت إعالء لفكرة الدولة‪ ،‬لفكرة‬ ‫س�م��ة ت �ش��ارك األوزاع � ��ي وأه �ل��ه فيها م�ن��اط��ق وطوائف‬
‫فعال على أي فريق‪ ،‬ولكنها حشورة تبحث عن دور ولو بالقوة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫المواطن الفرد‪ ،‬لفكرة الجماعة وعقدها االجتماعي غير‬ ‫أخرى على امتداد الخريطة اللبنانية (والعربية)‪ ،‬لكنها‬
‫شو استاذ‪ ،‬حضرتك مشارك بصفتك ‪ 8‬أو ‪ 14‬آذار؟‬ ‫المقدس (وغير الطائفي)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تردنا من جديد الى االستباحة‪.‬‬ ‫في الحال الحزب إلهية ّ‬
‫االس �ت��اذ ال�ش�خ�ص�ي��ة‪ :‬أن ��ا ع��م أس ��س ت �ي��ار ج��دي��د إس �م��و اول‬ ‫عندذاك فقط‪ ،‬نقع على ال��رد الفعلي والمستدام على‬‫ّ‬ ‫الى ّتجسيد النزوع المعنوي للعنف وممارسته من أجل‬
‫نيسان‪.‬‬ ‫"حزب الله"‪ ،‬وعلى االستباحة اآلتية منه (أو من سواه)‪.‬‬ ‫بالحيز العمراني فحسب‪ ،‬ب��ل وبالمجال‬ ‫ّ‬ ‫التحكم ليس‬
‫الصحافي‪ :‬بس ما حدا من أنصارك هون طالما بعدو ّتيارك‬ ‫أما أن يبقى الكالم اجترارًا سقيمًا ينشد ما ثبت بالتجربة‬ ‫السياسي – األمني لمحيطه أيضًا‪.‬‬
‫بمرحلة التأسيس‪.‬‬ ‫ف�ش�ل��ه‪ ،‬وأن ت�ك��ون مصطلحاته ف�ض�ف��اض��ة ال تدقيق‬
‫االس�ت��اذ (مشيرًا ال��ى المجتمعين في ه��ول الفندق)‪ :‬ول��و‪ ،‬ما‬ ‫فيها‪ ،‬وأن ي�ك��ون العمل المنطلق منه ت�ه��وي ً�لا حائرًا‬ ‫في ّ‬
‫هالجماعة من ّتيار أول نيسان‪ ،‬وفهمك كفايي‪.‬‬ ‫نص‬‫ّ‬ ‫واتهامات عاجزة‪ ،‬فالمدينة ستكون مقبلة على المزيد‬ ‫الرد على االستباحة‬
‫ُ‬
‫مالحظة‪ :‬كتبت هذه المشاهد قبل اعالن االتفاق‪.‬‬ ‫من الغزوات‪ ،‬والبلد على المزيد من "األوزع��ة"‪ ،‬وحدود‬ ‫على أن ال��رد على "ح��زب الله" واستباحته يحيلنا على‬
‫الكيان السيادية على المزيد من التهتك ¶‬ ‫األزم ��ة الكيانية ف��ي ل�ب�ن��ان وع�ل��ى م��وق��ع ه��ذا ال�ب�ل��د في‬

‫‪7‬‬ ‫األحد ‪ 25‬أيار ‪2008‬‬


‫‪cmyk‬‬
‫من أعمال‬
‫كاتي‬
‫غرانان‪.‬‬

‫نخـ ـتــرع أسـ ـ ـبــاب وجـ ـ ــودن ــا ونـحــن ن ـن ـظ ــر إلى ص ـ ــورن ــا الـشـ ـ ـخـصـ ـيــة‬
‫ّ‬ ‫فاروق‬

‫جـــنــــتـــنـا هــــنـا‬ ‫يوسف‬

‫حين انفتح الفن على اليومي‪ ،‬العابر والمهمل من حياة نعيشها باعتبارها لحظة زوال‪ ،‬عثر الفنانون على خزانة‪ ،‬هي أشبه بالمتحف الذي يضم‬
‫مقتنيات جمالية ن��ادرة‪ .‬وجد الفنانون أن في إمكانهم أن يضعوا صورهم الشخصية موضع الموناليزا ويكون لصور أحبائهم تأثير حراس‬
‫رامبرانت الليليين‪" .‬لقد هبطت اآللهة إلى األرض"‪ ،‬يمكننا قول ذلك ونحن نرى في الصور الشخصية نوعا من اإللهام المتمرد‪ .‬غادرت الروائع‬
‫الفنية المتاحف‪ ،‬فصارت تأتينا من خلفنا ومن أمامنا‪ .‬كل الينابيع صارت بين أيادينا كما لو أننا انتقلنا فجأة إلى عصر الجمال المطلق‪ ،‬حيث‬
‫يكون لكل واقعة مهما تكن صغيرة إيحاؤها الجمالي‪ .‬هناك اليوم جيل جديد من الفنانين والفنانات في العالم يصنع فنا من مادة حياته‬
‫المباشرة‪ ،‬وهي مادة ال تزال نزقة وهشة وزلقة‪ ،‬غير أن تلك المادة‪ ،‬بحسب وجهة نظر رعاة الفن اليوم‪ ،‬كافية إلحداث تحول فني‪ ،‬هو الينبوع‬
‫الذي يصدر عنه كل شعور بوالدة جمال جديد‪.‬‬

‫تتمرد على الواقع‪ .‬هناك حياة عبثية تتلصص‬ ‫تقيم غ��ران��ان ف��ي ال�م�س��اف��ة ال�ت��ي تفصل بين‬ ‫العاديين الذين هم مادتها من اإلقامة في مكان‬ ‫"م��وج��ودة ألن��ي أرى"‪ ،‬ه��ذا ما يمكن أن تقوله‬
‫ايروتيكا‬ ‫تغصان بالشبق‪.‬‬ ‫عليها غرانان بعينين ّ‬ ‫الواقع والحقيقة‪ ،‬في الكذبة التي قد ّ‬
‫نصدقها‪،‬‬ ‫ف��ي ع�ي�ن��ه إل ��ى ال�م�ط�ل��ق ال ��ذي ال تتبعه سوى‬ ‫ك��ات��ي غ��ران��ان ال �ت��ي ي �ق��ال إن �ه��ا ت ��رى بطريقة‬
‫ٌ‬
‫ال تحتاج إل��ى الفعل الجنسي ال�م�ب��اش��ر‪ .‬ترف‬ ‫في الخيال ال��ذي ال يرحم ُ حين يكون فاجعًا‪.‬‬ ‫األسئلة ال�ح��ائ��رة‪ .‬بشر‪ ،‬تعرفهم ه��ي‪ ،‬نعرفهم‬ ‫مختلفة‪.‬‬
‫ي�ع��دن��ا ب�م��ا ال ن�ت��وق�ع��ه م��ن اك�ت�ش��اف��ات تخترق‬ ‫المرأة التي صارت صورها تعرض في الصاالت‬ ‫ن�ح��ن‪ ،‬غير أن نظرتها تحررهم م��ن أجسادهم‬
‫أج�س��ادن��ا لتتصل عميقا ب��ال��روح‪ .‬ه�ن��اك حيث‬ ‫إل ��ى ج��ان��ب أع �م��ال ول �ي��م دي ك��ون�ي�ن��غ واندي‬ ‫الصامتة والمنفية‪ ،‬مثلما تفعل ي��د الساحر‪.‬‬ ‫منفيون عن أجسادنا‬
‫ي�ج��ب علينا أن ن�ن�ظ��ر ب�ط��ري�ق��ة م�خ�ت�ل�ف��ة‪ ،‬هي‬ ‫واره ��ول وم��ارك دي سيفيرو وس��ام فرنسيس‬ ‫الشواطئ‪،‬‬
‫تراهم بفتنتهم وقد امتزجوا برمل ّ‬ ‫"ال � �غ� ��ران � �ي� ��ات"‪ ،‬م �ص �ط �ل��ح دأب ال �ن �ق ��اد على‬
‫الطريقة عينها التي تنظر غ��ران��ان من خاللها‬ ‫وفرانك ستيال وهانز هوفمان واليزورث كيلي‬ ‫بماء البحيرات‪ ،‬ب��أوراق الخريف‪ ،‬بما تبقى من‬ ‫استعماله وهم يشيرون إلى ُ طريقة كاتي غرانان‬
‫إلى إحساسها الذي يتشبه بالنبوءة‪" .‬ال شيء‬ ‫وروبرت روشنبرغ‪ ،‬تنظر بعيني مصير عاصف‬ ‫يمحي من سنواتهم‪ .‬هم هناك‬ ‫زهرة فنيت‪ ،‬بما ّ‬ ‫الغامضة في النظر‪ ،‬والتي تكتشف بيسر حين‬
‫مما يمكن أن يقع ال يمكن تخيله"‪ ،‬ربما تقول‪،‬‬ ‫إل ��ى أب�ط��ال�ه��ا ال��ذي��ن ص � ��اروا ج� ��زءا م��ن خيالها‬ ‫كما رأتهم‪ ،‬وألنها رأتهم فقد كانوا موجودين‬ ‫النظر إلى صورها‪ .‬لدى هذه الفنانة األميركية‬
‫سنصدقها‪ .‬فمن ينظر إلى صورها ال بد‬ ‫ّ‬ ‫وربما‬ ‫يهمها أن تكون موجودة في لحظة‬ ‫البصري‪ّ .‬‬ ‫فعال‪ .‬في كل ص��ورة من صورها يتسرب إلينا‬ ‫ال�ت��ي ول��دت ع��ام ‪ ،1969‬م��ا يكفي لكي ينتج‬
‫أن يكون في طريقه الخ�ت��راع حياة ألبطالها‪.‬‬ ‫ال �س��ؤال ال�م�ص�ي��ري ال ��ذي ت�ق��ول��ه ص��وره��ا وهي‬ ‫سؤالهم ال �ج��ارح‪" :‬ه��ل كنا م��وج��ودي��ن حقا؟"‪.‬‬ ‫فن جديد عن كل ما ت��راه‪ .‬فن ينتقل بالناس‬
‫األحد ‪ 25‬أيار ‪2008‬‬ ‫‪8‬‬
‫من أعمال‬
‫ماليريا‬
‫ماردر‪.‬‬

‫بل ومشتهاة‪ .‬ماردر ال ترى إلى جسدها الذي‬ ‫ن ��ار خ�ف�ي��ة ت�ح��ت األرض ال �ت��ي ت�م�ش��ي عليها‬ ‫التوتر الذي تنطوي عليه تلك الصور‪ ،‬ال يخفي لم أكن أشعر بلذة ذلك الوجود"‪ ،‬يقول أحدهم‬
‫تظهره صورها‪ ،‬كونه ذريعة لقول شيء آخر‬ ‫أق� � ��دام ذاه� �ل ��ة ع ��ن وج� ��وده� ��ا‪ .‬ال �ج �م��ال الذي‬ ‫الحكاية وح��ده��ا‪ ،‬بل يتستر على كل موعظة وه ��و ي ��رى ب�ع�ي�ن�ي��ن ح��اس��دت�ي��ن إل ��ى م��ا فعلته‬
‫يتجاوزه‪ .‬لم يعد الجسد ل��دى م�ص� ّ�وري اليوم‬ ‫تشبعه م��اردر تقشفًا وزه �دًا وتشذيبًا‪ ،‬يأخذ‬ ‫من شأنها أن تعيدنا إلى لحظة البدء‪ .‬غرانان غرانان بجسدها‪.‬‬
‫ذريعة بل صار هدفا نسعى إلى الوصول إليه‬ ‫طابعا متشنجا‪ .‬إلى وقت قريب كانت الحياة‬ ‫ال ت�ه�ت��م إال ب��ذل��ك األث ��ر ال ��ذي ي�ح��دث��ه مرورنا‬
‫مأخوذين بوجوده مستقال‪" .‬ال نحتاج إال جسدًا‬ ‫الشخصية بالنسبة الى المصورين مرجأة‪ ،‬إلى‬ ‫عريها يسبقها إلى العائلة‬ ‫ع�ل��ى ال��رغ��م م��ن أن�ه��ا ال ت �ص��وره‪ .‬ت�ع�ث��ر غرانان‬
‫ّ‬
‫واحدًا نكون من خالله ما نحن عليه"‪ .‬ال تقنعك‬ ‫أن حلت تسعينات القرن الماضي فصارت تلك‬ ‫ع�ل��ى ل�ق��ى اس�ت�ث�ن��ائ�ي��ة‪ ،‬لتصنع م�ن�ه��ا مصائد شهوانية ماليريا م��اردر تصنع تاريخا للعائلة‬
‫يجرك الجمال ال��ذي تنطوي‬ ‫المرآة بذلك‪ ،‬بل ّ‬ ‫الحياة بمثابة الخزانة التي تصدر عنها معجزات‬ ‫نصدق ما يجري واألص��دق��اء‪ .‬في فيلمها "ف��ي السكون"‪ ،‬كان‬ ‫تأملية‪" .‬لنكون معا علينا أن ّ‬
‫عليه تلك الصور الطالعة من دفاتر اليوميات‬ ‫الجمال المفاجئة‪ .‬روح االعتراف هذه لم تستثن‬ ‫ل�ن��ا"‪ .‬ننظر م��ن ال �خ��ارج غير أن�ن��ا ف��ي الحقيقة الجميع ع��راة‪ .‬ث�لاث عشرة دقيقة م��ن العري‪.‬‬
‫إل��ى مناطق هشة‪ ،‬يكون فيها االع�ت��راف نوعا‬ ‫ّ‬
‫واألسرة وخزانات‬ ‫مكانا من عصفها‪ .‬من الغرف‬ ‫نعيش هناك‪ ،‬في ال��داخ��ل ال��ذي يجري النظر لقاءات على الفراش‪ ،‬أطفال عراة على وسادات‬
‫من القوة‪ .‬ماردر هي ابنة العائلة التي ال تخون‬ ‫ّ‬
‫ال �م�لاب��س وال �م �ط��اب��خ وال �ح��م��ام��ات والحقائب‬ ‫إل �ي��ه‪ .‬ص��ورت�ه��ا الشخصية وه��ي ج��ال�س��ة على ال �ن��وم‪ ،‬ن�س��اء ف��ي ال �ح� ّ�م��ام‪ .‬ل�ق��د وص�ل��ت ماردر‬
‫م��ن ح��ول�ه��ا ب�ق��در م��ا تسعى إل��ى التفكير في‬ ‫والمناديل وسواها من األشياء الصغيرة‪ ،‬إلى‬ ‫أرض المطبخ‪ ،‬تفصح عن أسرار تلك المعادلة‪ .‬بحواسها المتوترة إلى ذروة الهيجان الحسي‬
‫أسباب جمالهم‪ .‬وهي من خالل ذلك التفكير‪،‬‬ ‫ال�ج�س��د ف��ي ن�ش��وت��ه وش�ب�ق��ه وس �م� ّ�وه ويأسه‬ ‫ال�س��ؤال ال��ذي ه��و ف��ي حجم العينين‪ ،‬ال يقول ال�ص��اف��ي ل�ي�ك��ون ال�ج�ن��س م��ن ب�ع��ده��ا ممكنا‪،‬‬
‫إن�م��ا تستعمل وع�ي�ه��ا ال�ش�ق��ي م�ي��زان��ا لمعرفة‬ ‫طوق مثل‬ ‫وانكساره‪ ،‬امتد خيط العزلة الذي ّ‬ ‫سوى أشياء مختصرة تتعقبها الفنانة كما لو تعبيرا عن لحظة عيش ال تتكرر‪ .‬ن��ادرة هذه‬
‫الحقيقة والتبشير بها‪ .‬كانت مصائد غرانان‬ ‫سلسلة م��ن ال��ذه��ب حياة منتشية بأسلوبها‬ ‫أنها تذهب ال��ى مستقبلها‪" :‬لقد ح��دث م��ا ال الفنانة برقتها وهي تسعى إلى استلهام كل‬
‫التأملية مفتوحة دائ�م��ا على أس��ى ال يمكن‬ ‫ال�ف��ري��د ف��ي ال�ع�ي��ش‪ .‬لقد تحولت غ��رف النوم‬ ‫يمكن ت�ف��ادي��ه"‪ .‬اخ�ت��ارت غ��ران��ان أن تلجأ إلى لحظة نظر‪ .‬يكمن وعدها الحقيقي في خزانة‬
‫تقدم فعل النظر‬ ‫توقع حجمه‪ ،‬أما ماردر فإنها ّ‬ ‫إلى معابد وصار األصدقاء قديسين يليق بهم‬ ‫الطبيعة ألنها تدرك أن الصدع الذي وقع بين روحية يستعير الجسد منها أقنعته المختلفة‪.‬‬
‫باعتباره المعجزة الوحيدة التي في إمكانها أن‬ ‫أن يذهبوا إلى األيقونات‪ .‬ماردر التي ظهرت‬ ‫اإلن�س��ان وحياته ال يمكن ع�لاج��ه‪ .‬ف��ي واحدة ماردر‪ ،‬األميركية المولودة عام ‪ ،1971‬تتماهى‬
‫تصنع معنى لكل واق�ع��ة حسية‪ .‬وه��و معنى‬ ‫في النصف الثاني من التسعينات‪ ،‬هي ابنة‬ ‫من أكثر صورها تأثيرا‪ ،‬نراها عارية وهي تنظر م��ع ص��ورت�ه��ا الشخصية لتقبض ع�ل��ى معنى‬
‫ي�ظ��ل ره�ي��ن فتنة ت�ل��ك ال��واق �ع��ة‪ .‬ه�ن��اك حوار‬ ‫هذا التحول‪ ،‬بل من أهم صانعيه‪ .‬وإذا ما كانت‬ ‫إلى عدسة التصوير كما لو أنها تجد أمال في وجودها‪ ،‬عارية‪ّ ،‬وكل أفراد عائلتها وأصدقائها‬
‫مستمر بين الواقعة وصورتها‪ ،‬قد يغرينا رجعه‬ ‫لغتها مستلهمة من التأوهات المتقاطعة التي‬ ‫العين التي ترى والتي هي ليست سوى عينها‪ .‬عراة‪ .‬ما الذي تبقى إذًا؟ بعكس غرانان‪ ،‬تظهر‬
‫مهاو رمزية‪ ،‬ال تحسن‬ ‫بالذهاب بالواقعة إلى ٍ‬ ‫تلهب األس� ّ�رة بجمراتها‪ ،‬فإنها نجحت في أن‬ ‫في هذه الصورة بالذات تمتحن غرانان إرادتها ماردر كائناتها وهي تحتفي بأماكنها الحميمة‪،‬‬
‫ماردر استعمالها‪ ،‬بل ال تفضل االشتباك بها‪.‬‬ ‫تصنع ص��ورا ه��ي أش�ب��ه بلحظة ال� ��ذروة‪ ،‬التي‬ ‫ف��ي ال��وج��ود‪" .‬ن�ح��ن منفيون ح�ت��ى ع��ن سبب التي استولت بسبب المعاشرة على الكثير من‬
‫فهي مثل كل أفراد جيلها‪ ،‬تخوض في اليومي‬ ‫يتحدث عنها ماريو فارغاس يوسا في روايته‬ ‫وجودنا"‪ .‬الجمال الذي تنطق به صورها‪ ،‬يضعنا األس��رار‪ .‬صورتها الشخصية لن تكون غريبة‬
‫العابر لتستخرج منه روائ ��ع ج�م��ال كفيلة أن‬ ‫"م��دي��ح زوج��ة األب"‪ :‬مزيج إلهامي م��ن الفكر‬ ‫ف��ي قلب ال �س��ؤال ال�م�ص�ي��ري‪ :‬كيف يمكن أن وسط هذه الوجوه التي تعرفها وتأنس إليها‪.‬‬
‫ترتفع بحياتنا إلى مصاف النبوءة‪.‬‬ ‫والحس‪ .‬وهو مزيج ال يذهب في اتجاه الحياة‬ ‫يعوق شعورنا بالمتعة انهيار أسباب العيش؟ تصنع ماردر ألبومًا للعائلة وألصدقائها‪ ،‬مادته‬
‫"ج� ّ�ن�ت�ن��ا ه �ن��ا"‪ ،‬ه��ذه ال�ج�م�ل��ة ال ترتجلها صور‬ ‫المباشرة بخفة م��ن أج��ل أن يستعيد موقعه‬ ‫سؤال وجودي من هذا النوع‪ ،‬في إمكان النظر ب ��راءة ممزوجة بالشهوة‪ .‬التوتر ال��ذي تصنع‬
‫ماردر بل تقولها كل عين ترى إلى تلك الصور‬ ‫الذي فارقه هناك‪ ،‬بقدر ما يسعى إلى التقاط‬ ‫إلى صور كاتي غرانان أن يعيدنا إلى جذوره‪ .‬م��ن خالله ص��وره��ا‪ ،‬يجعلها تنظر إل��ى أجساد‬
‫بإنصاف ¶‬ ‫العناصر التي تجعل تلك الحياة واقعة ممكنة‪،‬‬ ‫قدت من لهب‪ .‬هناك‬ ‫"كنت موجودا في جسدي كل الوقت غير أني شخصياتها كما لو أنها ّ‬

‫‪9‬‬ ‫األحد ‪ 25‬أيار ‪2008‬‬


‫ورد الـخـــــلــد‬ ‫محمود الزيباوي‬

‫ّ‬
‫وفقًا للتقليد المتبع‪ ،‬استهل سعدي ديوان "روضة الورد"‬
‫مسجع ُر ّصع بأبيات من الشعر‬ ‫بالدعاء والتسبيح‪ ،‬في نسج ّ‬
‫ج��اء بعضها بالعربية‪ .‬ف��ي القسم األول م��ن ه��ذه المقدمة‬
‫ال �ط��وي �ل��ة‪ ،‬ت �ح� ّ�دث ال �ش��اع��ر ع��ن ع � ��ارف‪ ،‬م��ن "ب �ع��ض أرباب‬
‫القلوب"‪ ،‬انصرف إلى التأمل والمراقبة حتى "غرق في بحر‬
‫المكاشفة"‪ ،‬ولما أف��اق من استغراقه‪ ،‬سأله أح��د أصحابه‪:‬‬
‫"أي تحفة جلبتها لنا من ذل��ك البستان ال��ذي كنت تتنزه‬
‫به؟" فأجابه‪" :‬خطر ببالي أنني متى وصلت إلى شجرة الورد‬
‫أمأل ذيل ثوبي هدية لألصحاب‪ ،‬ولما وصلت وجمعت الورد‬
‫أسكرتني رائحته الذكية‪ ،‬فوقع ذيل ثوبي من ي��دي"‪ .‬في‬
‫ال�ق�س��م األخ �ي��ر م��ن ه��ذا ال�م��دخ��ل‪ ،‬يستعيد س�ع��دي ذكرى‬
‫إقامته في بستان مزهر "يأخذ بمجامع القلوب"‪ ،‬وهو "روضة‬
‫ماء نهرها سلسبيل"‪ ،‬و"دوحة سجع طيرها موزون"‪ .‬في هذا‬
‫البستان‪ ،‬قرر شاعر شيراز تأليف ديوانه‪ ،‬وقد عزم على ذلك‬
‫حين رأى صديقه يمأل "ذيل ثوبه بالورد والريحان والسنبل‬ ‫ّ‬
‫والضيمران" ليجعل منها باقة يحملها إلى المدينة‪.‬‬
‫قال سعدي لصاحبه‪" :‬ورد البستان كما تعلم ليس له بقاء‪،‬‬ ‫ِّ ً‬
‫محدثا‬ ‫سعدي‬
‫والروض كذلك ليس له وفاء‪ ،‬وقد قالت الحكماء‪ :‬كل شيء‬ ‫صديقته عن‬
‫ليس له ثبات ال يليق بالقلب أن يتعلق به"‪ .‬وأضاف‪" :‬ألجل‬ ‫"روضة الورد"‪،‬‬
‫أصنف كتاب‬ ‫نزهة النواظر وارتياح الخواطر باستطاعتي أن ّ‬ ‫"گلستان"‪،‬‬
‫ّ‬
‫گلستان ال��ذي ال تستطيع عواصف الخريف أن تمد يدها‬ ‫منمنمة هندية‬
‫إلى أرواقه‪ ،‬وال تقدر زعازع الدهر بطيش الخريف أن ّ‬ ‫من القرن السابع‬
‫تكدر‬ ‫عشر‪" ،‬مجموعة‬
‫صفو ربيعه وشبابه‪.‬‬ ‫تراست"‪،‬‬
‫عبأت الطبق‬‫بروضتي ورد ندي بالورق‪ /‬فلم من البستان ّ‬ ‫هيوستن‪.‬‬

‫فالورد عمره قصير األمد‪ /‬وروضتي تزهو ألخرى األبد"‪ّ .‬‬


‫عند سماعه هذا الكالم‪ ،‬ألقى الرجل الزهر من ذيل ثوبه وتعلق‬
‫بذيل سعدي وقال له بلهفة‪" :‬الكريم إذا وعد وفى"‪.‬‬
‫شذى الروح‬
‫تنقل هذه المقدمة ثالث حاالت من أحوال أرباب القلوب‪.‬‬

‫ترك سعدي الشيرازي مجموعة من اآلثار األدبية أشهرها منظومته الحكمية "بوستان" وديوانه‬
‫المنثور "گلستان"‪ .‬يتكون العنوان األول من كلمة "بو"‪ ،‬أي الشذى‪ ،‬و"ستان"‪ ،‬وهي الحقة تشير‬
‫ُإلى المكانية كما هو معروف‪ .‬في المقابل‪ ،‬يتألف العنوان الثاني من "گل"‪ ،‬أي الورد‪ ،‬والالحقة التي‬
‫وعرف "الگلستان" بـ"روضة‬ ‫تحول "البوستان" إلى "البستان"‪ُ ،‬‬
‫تفيد معنى المكان‪ .‬في العربية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ال��ورد"‪ .‬يوحي العنوانان ّأن الشاعر تغنى بالطبيعة والجنان‪ ،‬غير أن مطالعة أعماله تكشف عن‬
‫ّ‬
‫سعدي ِّ‬ ‫توق إلى ورد الخلد وشذى العرفان‪.‬‬
‫محدثا الفتى أمام مسجد مدينة كاشغر‪" ،‬گلستان"‪ ،‬بخارى‪ ،‬منتصف‬
‫القرن السادس عشر‪ ،‬المكتبة الوطنية الفرنسية‪.‬‬

‫األحد ‪ 25‬أيار ‪2008‬‬ ‫‪10‬‬


‫ً‬
‫األولى هي حال َمن أوقع الورد سكرة بعطره‪ ،‬والثانية حال‬
‫َمن جمع الورد من البستان وحمله معه ليتمتع به في المدينة‬
‫لفترة‪ ،‬والثالثة حال َمن زهد بالورد وعطره وتاق إلى روضة‬
‫تزهر أبدًا‪ .‬تغلب الحالة األخيرة على إنتاج سعدي األدبي‪،‬‬
‫وتتجلى بأحلى ص��وره��ا ف��ي ع�ش��رات القصص التي رواها‬
‫شعرًا‪ ،‬غير أن هذه الغلبة ليست كاملة‪ .‬يستنبط الشاعر‬
‫ال�م�ع��ان��ي وي�ت�ف��وق ف��ي ب��اب ال�ح�ك�م��ة وال�م��وع�ظ��ة ع�ل��ى كل‬
‫أقرانه من شعراء ف��ارس الذين ج��اؤوا من قبله ومن بعده‪،‬‬
‫لكن "مثاليته" هذه ال تمنعه من التمتع بالورد الذي يزهر‬
‫حينًا وال�ش��ذى ال��ذي ي�ف��وح ث��م يمضي م��ن دون أن يترك‬
‫أث�رًا‪ ،‬وفي هذه "المتعة" العابرة ما يثري تجربته الخاصة‪.‬‬
‫على مر العصور‪ ،‬اشتهر شاعر شيراز بنصائحه األخالقية‬
‫واالجتماعية التي صاغها ف��ي قصص وأم�ث��ال تجمع بين‬
‫النثر والشعر‪ ،‬وساهمت هذه الشهرة في تكريس صورة‬ ‫ّ‬
‫المعلم والمصلح والحكيم على حساب الشاعر والصوفي‬
‫والعرفاني‪ .‬غير أن هذه الصورة ال تشكل سوى وجه من‬
‫وجوه سعدي‪ .‬تتحرر شعرية األديب من قالب الحكمة في‬
‫مجموعة الغزليات التي ابتكرها‪ ،‬وفيها بلغ ما لم يبلغه من‬
‫تخضر الطبيعة بعناصرها‬ ‫ّ‬ ‫بعده س��وى حافظ ال�ش�ي��رازي‪.‬‬
‫وتتأنسن‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وحللها الفردوسية‬
‫"في تلك الروضة التي حل بها الحبيب المتألق كالوردة‪/‬‬
‫انتصبت شجرة السرو الباسقة أمامه وانبرت لخدمته‬
‫كيف للوردة الحمراء أن تتفتح أمام جمال الحبيب‪ /‬وكيف‬
‫لشجرة الصنوبر أن تشمخ أمام قامته الرعناء‬
‫يوم أمس جلس الحبيب متكلفا بجانب سعدي‪ ،‬فهدأت‬
‫الفتنة بجلوسه‪ /‬وقامت القيامة بقيامته"‪.‬‬
‫سعدي في جامع كاشغر‪" ،‬گلستان"‪ ،‬بخارى‪ ،1547 ،‬مجموعة مارتن بودمر‪ ،‬سويسرا‪.‬‬
‫تتكرر ال�م�ف��ردات بين قصيدة وأخ ��رى‪ .‬يستعيد الشاعر‬
‫ص��ور الطبيعة ويجعل منها م��رآة ألح��وال النفس والروح‪.‬‬
‫ي�ق��ول ل�ش�ج��رة ال �س��رو‪" :‬أن��ت ال تخرجين ث �م �رًا"‪ ،‬فتجيبه‪:‬‬
‫"إن األحرار عادة ال يملكون شيئا"‪ .‬يبوح بالعشق‪ ،‬وقلبه‬
‫عندك م��ن أق��وال س�ع��دي؟"‪ .‬يستمر الشاعر ف��ي الحديث وجودك ال أستطيع أن أشير إلى اسمي"‪.‬‬ ‫النير "ك��أص��داف البحر‪ ،‬ي�ح� ّ�ول م��ا يدخله م��ن ق�ط��رات إلى‬ ‫ّ‬
‫من دون أن يكشف عن هويته‪ ،‬وال ُيدرك الفتى أن صاحبه‬ ‫آلل��ئ"‪ .‬ينتشي بعبق النسيم وي�ش��دو م��ع البالبل الثملة‪.‬‬
‫تراب األعزاء‬ ‫هو نفسه سعدي إال في اليوم الذي عزم فيه الكاتب على‬ ‫يغرد"‪ .‬ينسى‬ ‫"عبث أن نطلب في الربيع من العندليب أال ّ‬
‫المزوقة الخاصة‬ ‫ّ‬ ‫السفر‪ .‬يسأل الفتى صاحبه الشيخ ساعة ال��وداع‪" :‬لماذا يظهر سعدي في الكثير من المخطوطات‬ ‫نفسه ويستسلم للسكرة‪" .‬فالبلبل عندما يحظى بوصال‬
‫كل هذه األيام لم تقل أنك السعدي كي أفي بحق الخدمة بأعماله‪ .‬نراه مع صديقه الذي ألقى الورد من ذيل ثوبه في‬ ‫الورود‪ ،‬ينسى كل رفاقه اآلخرين"‪ .‬يترك النصائح والحكم‬
‫وأشد حزامي لشكر قدوم العظماء؟"‪ ،‬فيجيبه العارف‪" :‬مع نسخة من "الگلستان" من محفوظات "مجموعة تراست للفن‬ ‫ّ‬ ‫ويخاطب نفسه‪:‬‬
‫والتاريخ" الخاصة بعائلة سودافار في هيوستن‪ .‬تعود هذه‬ ‫"إن ن�ص�ح��ك أح ��د ب �ت��رك ال �ع �ش��ق‪ /‬ف��اس�م��ع م�ن��ي وال تقبل‬
‫النسخة إل��ى ع� ُ�ام ‪ 873‬ه�ـ‪ ،‬ومصدرها ه��رات‪ ،‬وتحتوي على‬ ‫نصيحة‬
‫ست منمنمات أنجزت في الهند بعد ما يقارب القرنين من‬ ‫إن سعدي يسدي النصح إلى اآلخرين باستمرار‪ /‬لكنه ال‬
‫الزمن‪ .‬يتبع الرسام النص بأمانة بالغة ويصور الشاعر وهو‬ ‫يصغي إلى أي نصح كان"‪.‬‬
‫يحدث صاحبه عن الروضة التي ال يدركها الخريف‪ .‬يمسك‬ ‫ّ‬ ‫في هذا "الروض العابق بشذى الروح"‪ ،‬يسكر الشاعر وجدًا‪،‬‬
‫الرجل بطرف عباءة سعدي ويقول له بلهفة‪" :‬الكريم إذا وعد‬ ‫ثم يصحو من سكرته ويقول‪:‬‬
‫وفى"‪.‬‬ ‫قيض لنا الخلود‪ ،‬ولكنه بضعة أيام ال‬ ‫"ما أحسن العمر لو ّ‬
‫ُ‬ ‫ُي ّ‬
‫ف��ي نسخة أخ ��رى م��ن "ال�گ�ل�س�ت��ان" أن �ج��زت ف��ي ب �خ��ارى في‬ ‫عول عليها‬
‫منتصف القرن ال�س��ادس عشر‪ ،‬يظهر سعدي وه��و ّ‬
‫يحدث‬ ‫إن شجرة ق��د اإلن�س��ان النضرة الباسقة‪ ،‬سرعان ما تفقد‬ ‫ّ‬
‫الفتى ال��ذي التقى ب��ه عند ب��اب مسجد مدينة كاشغر في‬ ‫بهاءها وشبابها‬
‫ت��رك �س �ت��ان‪ .‬ي�ت�ك��رر ال�م�ش�ه��د ف��ي م�خ�ط��وط م��ن محفوظات‬ ‫العمر زه��رة عطرة صارخة النضارة والجمال‪ ،‬ولكن عمرها‬
‫مؤسسة مارتن بودمر السويسرية يعود الى الحقبة نفسها‪.‬‬ ‫قصير وبقاءها قصير كما تعلم‬
‫يتقدم الشيخ من الفتى الذي يقف أمام باب المسجد‪ ،‬ويرفع‬ ‫هبت رياح الربيع في اآلفاق‪ ،‬ولم تعقبها نكبة الخريف‬ ‫متى ّ‬
‫يده في اتجاهه في حركة ترمز إلى المخاطبة‪ .‬على الصفحة‬ ‫وشحوبه؟‬
‫المقابلة‪ ،‬يظهر سعدي متربعا داخل الجامع أمام ّالفتى الذي‬ ‫أن تكون ملكا على كل ممالك الكون‪ ،‬ال يساوي مهلة يوم‬
‫جلس يصغي إل�ي��ه ف��ي ح�ض��ور ث�لاث��ة م��ن المصلين‪ .‬تعيد‬ ‫ُيضاف إلى عمرك"‪.‬‬
‫الصورة إلى الذهن "حكاية الشبان والشيخ" في "البستان"‪.‬‬ ‫تأخذ هذه الوقفة طابعا قصصيا في حكايتين من أشهر‬
‫ي �ق��ارن ال��رج��ل ال�م�س� ّ�ن ب�ي��ن ح��ال��ه وح ��ال ال�ش�ب��ان‪ ،‬وي �ق� ّ�ر بأن‬ ‫ال �ح �ك��اي��ات ال �ت��ي ص��اغ�ه��ا س �ع��دي ش �ع��را‪ .‬وردت الحكاية‬
‫اص�ف��رار وجهه ي��ؤذن بقرب رحيله‪" ،‬وإذا اص�ف� ّ�رت الشمس‬ ‫األول��ى في الباب التاسع من "البستان"‪ ،‬وهو الباب الذي‬
‫غربت"‪.‬‬ ‫وقت األصيل َ‬ ‫وضعه حكيم شيراز "في التوبة وطريق ال�ص��واب"‪ .‬يجمع‬
‫تاق سعدي إلى ورد األزل غير أن عطشه لم يمنعه من التحسر‬ ‫شبان "ناضري الوجوه مثل الورد" وشيخ جلس‬ ‫الراوي بين ّ‬
‫ع�ل��ى ورد األرض ال�ف��ان�ي��ة‪ ،‬وأب �ل��غ م��ا ق�ي��ل ف��ي ه��ذه الحسرة‬ ‫"متألما في ركن الحسرة"‪ .‬يلهو الفتيان في الروض الزاهر‬
‫أبيات ختم بها الشاعر باب "التواضع" في "البستان"‪ ،‬وفيها‬ ‫المسن صامتا‪ .‬يسألونه‬‫ّ‬ ‫وتعلو أصواتهم بينما يبقى الرجل‬
‫يقول‪:‬‬ ‫عن حاله فيجيب‪:‬‬
‫تمر على ترابنا‪ ،‬أستحلفك بتراب األعزاء أن تذكر‬ ‫"أال يا من ّ‬ ‫"إنما يتجلى الطاووس صاحب الجمال‪ ،‬فما تريد من البازي‬
‫فأي غم؟ لقد كان في حياته أيضا‬ ‫أنه إذا صار السعدي ترابا ّ‬ ‫المنزوع الجناح؟‬
‫ترابًا‬ ‫مضت وانقضت ط��راوة ونضارة حديقة وردن��ا‪ ،‬فمن يحزم‬
‫أسلم جسده بمسكنة للتراب‪ ،‬ولو أنه طلع وظهر حول العالم‬ ‫باقة ورد إذا ذبل الورد؟"‪.‬‬
‫مثل الريح‬ ‫تأتي الحكاية الثانية في الباب الخامس "الگلستان"‪ ،‬وهو‬
‫وال يمضي كثير حتى يأكله التراب‪ ،‬ويحمله الريح مرة أخرى‬ ‫"في العشق والشباب"‪ .‬تجري األحداث في مدينة كاشغر‬
‫حول العالم‬ ‫ال�ت��رك�س�ت��ان�ي��ة‪ ،‬ف��ي أق�ص��ى غ��رب ال�ص�ي��ن‪ .‬ي��دخ��ل سعدي‬
‫ّ‬
‫لعله مذ تفتح روض المعنى‪ ،‬لم يغرد عليه أي بلبل تغريدا‬ ‫ّ‬ ‫ال�ج��ام��ع وي�ل�ت�ق��ي "ص�ب�ي��ا م�لاح�ت��ه ب�غ��اي��ة االع �ت��دال ونهاية‬
‫جميال هكذا‬ ‫الجمال"‪.‬‬
‫عجيب إذا مات بلبل كهذا‪ ،‬فال تنبت على عظامه وردة" ¶‬ ‫سعدي في جلسة أنس‪" ،‬كليات"‪ ،‬إيران‪ ،1460 ،‬المكتبة البريطانية‪.‬‬ ‫يقول ال��رج��ل للفتى إن��ه م��ن أرض ش�ي��راز‪ ،‬فيسأله‪" :‬ماذا‬

‫‪11‬‬ ‫األحد ‪ 25‬أيار ‪2008‬‬


‫ثالثة مثقفين في ّ‬
‫مهب حداثة القرن التاسع عشر‬ ‫يوسف معوض‬

‫القرن الذي نحن في صدده هو القرن التاسع عشر‪ ،‬قرن شهد لجبروت العالم الغربي الذي فرض شروطه على المشرق في شتى ميادين التبادل‪ ،‬أي على مستوى‬
‫األفكار والسلع االستهالكية والسياسات العامة‪ .‬االمبراطورية العثمانية في حالة رثة‪ .‬فهي اعطتنا على الرغم من بعض محاوالت اإلصالح‪ ،‬صورة لعالم هرم‬
‫رفض أوروبا ولكنه لم يستطع االستغناء عنها‪.‬‬

‫واستغل وجوده في بريطانيا لمتابعة دراسته في الطب‪ .‬أصدر‬ ‫العادات كما في الذهنية‪ .‬نسمع طبعًا ان التماهي ال يتعدى‬ ‫"كل شي فرنجي برنجي"‬
‫عام ‪ 1847‬كتابًا يروي سيرته الذاتية باللغة اإلنكليزية تحت‬ ‫القشرة وال يمس اللباب‪ ،‬فالمشرقي يبقى مشرقيًا‪ .‬نعم هذا‬
‫عنوان "صوت من لبنان"‪ .‬انطالقًا من هذا التاريخ وحتى وفاته‬ ‫صحيح‪ ،‬فالذهنيات ال تتعدل وال تتغير ّإال على المدى الطويل‬ ‫تعتبر معظم مدارس التأريخ غزو بونابرت لمصر عام ‪ 1798‬نقطة‬
‫ً‬
‫قنصال لبريطانيا في مدينة يافا‪.‬‬ ‫عام ‪ 1865‬عمل‬ ‫وال ت�ن��زل بها ال�ت�ح��والت الخطيرة بشكل آن ��ي‪ .‬إن�م��ا يبقى أن‬ ‫انطالق األزمنة الحديثة في منطقة الشرق األوسط‪ .‬لم يكن أبناء‬
‫ّ‬ ‫"الموضة" حتى في الشكل الخارجي تشكل موجة ‪vecteur‬‬ ‫الشرق يتمتعون بمناعة تقف حاجزًا في وجه هذا الغزو األوروبي‬
‫جمهور الكتاب الثالثة‬ ‫فتبني تقاليد اإلفرنج ليس موقفًا بريئًا بل يعطي وإن‬ ‫حداثية‪ّ .‬‬ ‫المتعدد الوجه‪ .‬كانت خياراتهم معدودة‪ .‬منهم من رضخ للواقع‬
‫ان يكتب المرء وأن ينشر‪ ،‬فهذا أيضًا يشكل اقتناصًا لفرصة‬ ‫بأسلوب غير متكامل‪ ،‬صورة عن أشكال التحديث المستقبلية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫فتحصن‬ ‫الجديد مرغمًا‪ ،‬ومنهم من رفض االعتراف بالتحوالت‬
‫تؤمنها الحداثة الغربية‪ .‬أن يبدي‬ ‫ً‬
‫واستغالال لحرية التعبير التي ّ‬ ‫فالحداثة في الشرق هي ابنة التماهي‪ ،‬وهي تاليًا ابنة سفاح‪.‬‬ ‫رح��ب بالحداثة الغربية على‬ ‫بالتقليد والسلفية‪ ،‬ومنهم م��ن ّ‬
‫ُ‬
‫المرء رأي��ه وأن يسمع صوته أو أن يقول عاليًا في أوروب��ا ما ال‬ ‫ف��ي ه��ذا المعنى تعطينا م��ؤل�ف��ات ال�ك� ّ�ت��اب ال�ث�لاث��ة ص��ورة عن‬ ‫وتبنى بحماسة النموذج األوروبي واحتذى به‪.‬‬ ‫أشكالها ّ‬
‫يجرؤ أبناء جلدته أن يفصحوا عنه في بلد المنشأ‪ ،‬فهذا كله‬ ‫تفرنج ال�ع��ادات في بعض أوس��اط النخب المسيحية وابتعاد‬ ‫م��اذا نعني بالحداثة الغربية ال�ت��ي عصفت ف��ي العالم العربي‬
‫يشكل مبادرات تنتهزها الشخصيات البارزة للتعبير عن نفسها‬ ‫ه��ذه األوس ��اط ع��ن النموذج اإلس�لام��ي العربي‪ ،‬وذل��ك قبل أن‬ ‫والعثماني؟ أه��ي انتصار للعقالنية وتدمير للنظم القديمة‬
‫وعما تختلجه الصدور‪ .‬المطران نقوال مراد نشر عام ‪ 1844‬كتابه‬ ‫تشمل موجة التفرنج هذه مواطنيهم المسلمين وتدفعهم إلى‬ ‫وإعادة النظر في التقليد الموروث والعالقات األولية من دينية‬
‫في فرنسا وباللغة الفرنسية كما أن أسعد خياط أصدر كتابًا‬ ‫ً‬
‫إجماال‪.‬‬ ‫االلتحاق بالتيارات الغربية‬ ‫ومذهبية وعائلية فحسب؟ أال يمكننا مقاربة الحداثة على أنها‬
‫باإلنكليزية عام ‪ .1849‬ال شيء ُيجعلهما يخشيان المالحقات‬ ‫كان المسيحيون أول من احتذى بالنموذج الغربي على رغم أن‬ ‫بزوغ أفراد وشخصيات تفرض نفسها في السجال الدائر؟‬
‫التي ستكون م��ن نصيبهما ل��و نشر المؤلفان باللغة العربية‬ ‫المسيحي المشرقي كثيرًا ما ك��ان محط إزدراء اإلفرنج الذين‬ ‫لقيام الحكم المصري في ب�لاد الشام بين ‪ 1831‬و‪1840‬‬ ‫ك��ان ّ‬
‫وف��ي أرض ال��وط��ن‪ .‬ه��ا ه��ي ال�ح��داث��ة‪ ،‬أن ت��زول م��ن وج��ه الفرد‬ ‫ك��ان يخالطهم على ما نعلم‪ .‬ال ننسى كيف نظرت الجاليات‬ ‫ّ‬
‫صدى رنان في مدونات نخبة رجال ذاك الزمان المثقفة‪ ،‬ومنهم‬
‫الحواجز أكانت وهمية أم فعلية‪ .‬نقوال مراد وأسعد خياط‪ ،‬هما‬ ‫البروتستانتية إلى نصارى الشرق‪ ،‬فهم مسيحيون باالسم أو‬ ‫ميخائيل مشاقة وأسعد خياط‪ .‬أم��ا المطران نقوال م��راد الذي‬
‫شخصان أعتقتهما روح الحرية‪ ،‬فراحا يكتبان من دون مواربة‪،‬‬ ‫مسيحيون بالحد األدن��ى‪ .‬وكثيرًا ما كانت المراسالت الغربية‬ ‫ك��ان مقيمًا ف��ي أوروب� ��ا ف��ي ت�ل��ك األث �ن��اء‪ ،‬ف�ل��م يتحسس عمق‬
‫تحملهما الجرأة إلى أقصى الحدود إلبداء الرأي‪ .‬هل كانا يعلمان‬ ‫مشرفة عن بعض المسيحيين المحليين‪ .‬فهل‬ ‫تعطي صورة غير ّ‬ ‫التغييرات ّإال بقدر ما كان الندحار جيش إبرهيم باشا من أثر‬
‫وهما ينشران أفكارهما في الغرب أنهما كانا يحطمان األغالل‬ ‫لنا أن نتساءل كيف تصور ه��ؤالء المسيحيون العرب الثالثة‬ ‫في إنهاء حكم األمير بشير الثاني‪ .‬كان أسعد خياط ّ‬
‫يصرح بأن‬
‫ويتجاوزان السدود النفسية؟!‬ ‫العالم ال��ذي كانوا يعيشون فيه وهو عالم بأكثريته الساحقة‬ ‫الحكم المصري لسوريا كان أفضل حكم عرفته المنطقة ألن‬
‫الجديد ف��ي العمل ليس الكتابة فحسب ب��ل النشر والتوزيع‬ ‫مسلم والسلطة فيه تستند إلى الشريعة‪ ،‬وحيث كل مسيحي‬ ‫الجميع صاروا متساوين أمام القانون‪ .‬كما أن ميخائيل مشاقة‬
‫على الجمهور الواسع‪ .‬في أربعينات القرن التاسع عشر‪ ،‬قليل‬ ‫ذمي في واقع حاله ّإال في بعض أنحاء جبل لبنان وذلك في‬ ‫هو ّ‬ ‫أعلن رض��اه عن اإلدارة المصرية‪ ،‬وإن تذمر بعض الشيء من‬
‫من الكتب نسبيًا كان ينشر ويوزع باللغة العربية في المشرق‬ ‫زمن اإلصالحات العثمانية‪ ،‬أي ما عرف بالتنظيمات؟‬ ‫قسوة العدالة وم��ن تصاعد الضرائب‪ .‬أم��ا المطران نقوال مراد‬
‫العربي‪ .‬ه��ذا هو الجديد‪ ،‬أن يبلغ المنادي صوته للناصتين‪.‬‬ ‫الغائب عن مسرح األح��داث‪ ،‬فكان يشكو في بعض مراسالته‬
‫الكتاب الموارنة كانوا يكتبون بالكرشوني ليتهربوا‬ ‫لنتذكر ان ّ‬ ‫من تصرف العسكر المصري مع أهالي جبل لبنان‪.‬‬
‫من الرقابة‪ ،‬فيخفون آراءهم‪ .‬وفي شتى األحوال فإن المخطوط ال‬ ‫سير‬
‫والنساخ ال يسعهم أن يسرعوا‬ ‫يوزع بالسرعة نفسها كالمطبوع‪ّ .‬‬ ‫المطران نقوال مراد‬ ‫ثالثة أفراد يبرزون‬
‫ف��ي النقل ب�ق��در م��ا ت�س��رع آل��ة ال�ط�ب��اع��ة‪ .‬ه��ذا ال�ك�لام تحصيل‬ ‫ول��د المطران نقوال م��راد ع��ام ‪ 1796‬في ك�س��روان‪ .‬رس��م كاهنًا‬ ‫ع��اش ال��رج��ال ال�ث�لاث��ة ال��ذي��ن نحن ف��ي ص��دده��م ف�ت��رة انطالق‬
‫حاصل إنما يعطينا فكرة عن عامل السرعة الذي دخل في كل‬ ‫ً‬
‫ممثال للبطريرك‬ ‫في ‪ 1826‬وغادر جبل لبنان إلى إيطاليا‪ .‬عين‬ ‫الحداثة م��ع ك��ل ال�ه��زات والخضات التي ت��راف��ق ك��ل قفزة إلى‬
‫العالقات والمبادالت‪ ،‬فساهم في انهيار األطر التقليدية وفي‬ ‫الماروني في روما عام ‪ ،1836‬وبهذه الصفة صار على اتصال‬ ‫األم ��ام‪ .‬أع�ط��وا انطباعاتهم وه��م ي��واك�ب��ون التغيير‪ .‬ع� ّ�ب��روا عن‬
‫اجتياز الحواجز الذهنية‪ .‬فزعزعت أس��س كيان قيل إن��ه غير‬ ‫مباشر مع األوساط الكاثوليكية الرومانية‪ .‬مداخالته واتصاالته‬ ‫آرائهم بلغات مختلفة‪ ،‬واحد منهم بالفرنسية والثاني بالعربية‬
‫قابل للتغيير‪.‬‬ ‫بالسفارات الغربية تفيدنا عن ال��دور البارز الذي كان يريد أن‬ ‫وال �ث��ال��ث ب��اإلن�ك�ل�ي��زي��ة‪ .‬أول �ه��م ال �م �ط��ران ن �ق��وال م ��راد الماروني‬
‫عند نشر "ال�ن�ب��ذة ال�ت��اري�خ�ي��ة" ف��ي ب��اري��س ع��ام ‪ ، 1844‬كان‬ ‫يلعبه عندما دخلت جيوش إبرهيم باشا بالد الشام عام ‪.1831‬‬ ‫وثانيهم الملكي الكاثوليكي ميخائيل مشاقة ال��ذي تحول‬
‫المطران نقوال مراد يتوجه إلى جمهور من الفرنسيين وتحديدًا‬ ‫زيارته لباريس في ‪ّ 1839‬أمنت له التعرف إلى الملك لويس‬ ‫إلى البروتستانتية‪ ،‬وثالثهم األرثوذكسي أسعد خياط الذي‬
‫إلى الكاثوليك والملتزمين منهم‪ .‬وكانت أوروبا ّعلى عتبة الولوج‬ ‫‪ -‬فيليب‪ ،‬فنسج عالقات صداقة مع الملكة ماري ‪ -‬أميلي‪ .‬نشر‬ ‫تقرب ب��دوره من البروتستانتية‪ .‬الثالثة ول��دوا وعاشوا أو كان‬
‫في المغامرات االستعمارية‪ ،‬والمطران مراد يذكر القراء بأخبار‬ ‫مؤلفه "نبذة تاريخية في أصل األمة المارونية وعالقتها بفرنسا‬ ‫لهم مصالح في جبل لبنان أو في بيروت المدينة المتاخمة في‬
‫القرون الوسطى‪ ،‬فيجعل قلوب الناس تخفق عند ذكر الحمالت‬ ‫وباألمة الدرزية وسائر شعوب جبل لبنان" في حزيران ‪.1844‬‬ ‫الفترة التي نحن في صددها‪ .‬ثالثتهم من الرعيل األول‪ ،‬ممن‬
‫الصليبية‪ ،‬مما يفسر التطرق الى شخصية الملك لويس التاسع‬ ‫كانت تحركاته وكتاباته تسعى إلى دفع فرنسا إلى التدخل من‬ ‫نالتهم المثاقفة ‪ .acculturation‬فهم أفراد نجدهم يبرزون‬
‫المحببة ومنها ذك��ر ال��رس��ال��ة المزعومة التي وجهها إل��ى أمير‬ ‫أجل موارنة جبل لبنان‪.‬‬ ‫من دون حياء وال مواربة‪ ،‬ينتمون إلى رهط الذين اقتنعوا بأن‬
‫الموارنة وبطريركهم‪ .‬كان المطران مراد يدغدغ مشاعر قرائه‬ ‫ال�غ��رب سيد اللعبة على مستوى األف �ك��ار واإلن �ت��اج والتبادل‬
‫ويختار كلماته على ه��ذا األس ��اس‪ .‬ف��ال�ق��ارئ ه��و المستهدف‬ ‫التجاري‪ٌ .‬ثالثتهم مسيحيون ينتمون إلى العالم اإلسالمي العربي‬
‫ونقوال م��راد يحاول جهده الستمالته‪ .‬عملية اجتذاب القارئ‬ ‫ميخائيل مشاقة‬ ‫األوسع‪ .‬كل يحاول على طريقته وانطالقًا من موقعه الخاص أن‬
‫هذه عنصر جديد مرتبط بجو الحداثة المهيمن‪.‬‬ ‫ولد ميخائيل مشاقة في رشميا عام ‪ .1800‬تنتمي أسرته إلى‬ ‫يندمج بمجتمع آخر ومتمايز يمثله التجار الغربيون واإلرساليات‬
‫أسعد خياط من جهته توجه إلى الجمهور البريطاني بشكل عام‬ ‫طائفة الروم الكاثوليك‪ .‬انتقل عام ‪ 1817‬إلى جوار عمه المقيم‬ ‫األجنبية‪ ،‬من دون أن يتخلى عن أسلوب حياته الشرقي‪ .‬واقع‬
‫ولم يتردد في تبني األعراف البريطانية التي تقضي بالتعريف‬ ‫ف��ي دم�ي��اط‪ .‬ع��اش س�ن��وات ف��ي مصر ف��ي مجتمع "ليفنتيني"‬ ‫فالمشرقي‪ ،‬والمسيحي‬ ‫ال مجال لتخطيه‪ :‬اإلفرنجي هو النموذج‪ّ .‬‬
‫عن النفس‪ ،‬فهو يقول‪English society is chiefly based :‬‬ ‫ي��زاول التجارة ويتصل باألوروبيين‪ .‬عاد إلى جبل لبنان وكان‬ ‫المشرقي تحديدًا‪ ،‬راح يقلد األوروب��ي أقله من ناحية الشكل‬
‫‪ .on introduction‬وي�ض�ي��ف أن آالف األش �خ��اص الذين‬ ‫شاهدًا على التقلبات التي أدخلتها الحملة المصرية على بالد‬ ‫والمظهر الخارجي‪ .‬أما التغيير في العقلية فسيأتي بشكل أبطأ‬
‫استمعوا ال��ى محاضراته الدينية ال يعلمون من هو شخصيًا‪.‬‬ ‫الشام‪ .‬تحول إلى شيعة البروتستانتية عام ‪ .1848‬تورط في‬ ‫ويتأخر عن التغييرات التي تنال من أسلوب التصرف‪ .‬يعود‬
‫ي�ق��ول ه��ذا ليخلق ال�ح��اج��ة‪ ،‬وان�ط�لاق��ًا م��ن ه��ذا ال�ت�س��اؤل يسرد‬ ‫سجال علني مع بطريرك الروم الكاثوليك مكسيموس مظلوم‬ ‫ذلك الى المقاومة التي تتبلور بشكل صريح أو من خالل الالوعي‬
‫تاريخ تنقالته بين الشرق والغرب‪ ،‬ومراحل حياته الشخصية‬ ‫وكتب مذكراته "الجواب على اقتراح األحباب" عن عمر يناهز‬ ‫في وجه كل جديد‪ .‬في فترة تالية شكل استبدال الطربوش‬
‫المتقلبة‪ .‬هذا الكاتب لم يبد أي حياء عندما تكلم عن المنفعة‬ ‫الثالثة والسبعين‪.‬‬ ‫بالقبعة الغربية مؤشرًا الى تحوالت ما‪ ،‬و"الموضة" مهما قيل‬
‫التي تدفعه إلى القيام بأعماله واألخبار التي رواه��ا تؤكد أنه‬ ‫عنها‪ ،‬فانها تحمل الحداثة‪ .‬رسم أسعد خياط بالزي الشرقي في‬
‫يبحث عن مصلحته الشخصية‪ .‬مع ذل��ك فإنه لم يتردد كلما‬ ‫أسعد خياط‬ ‫غير هندامه بالتأكيد أو أقله بعض‬ ‫مطلع كتابه لن يخدعنا‪ ،‬فهو ّ‬
‫دعت الحاجة في الدفاع عن كنيسته األرثوذكسية ومهاجمة‬ ‫ولد في بيروت عام ‪ 1811‬في عائلة من الروم األرثوذكس‪ .‬عمل‬ ‫بريطانيا وأخ��رى‪ .‬اعتماد النساء‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫مكونات لباسه بين رحلة إلى ّ‬
‫إجماال‪ ،‬بهدف إيجاد‬ ‫اإلرساليات اليسوعية والبدع الكاثوليكية‬ ‫وهو يافع مترجمًا لدى التجار الوافدين إلى مدينة بيروت‪ .‬في‬ ‫لألزياء األجنبية‪ ،‬كما الرجال‪ ،‬شكل نوعًا من التفرنج الذي كان‬
‫قاسم مشترك بينه وبين الجمهور البروتستانتي اإلنكليزي‬ ‫ح��وال��ى ع��ام ‪ 1833‬ع� ِّ�ي��ن ترجمانًا ل��دى القنصلية البريطانية‬ ‫موضع سخرية بطرس البستاني‪.‬‬
‫ال��ذي توجه إل�ي��ه‪ .‬ك��ان أسعد خياط يحسن تسويق سلعته‪،‬‬ ‫العامة في دمشق‪ ،‬ومن ثم عمل كترجمان لثالثة أمراء من أقارب‬ ‫إال أن ه��ذا التفرنج ل��م يكن مجرد ّتغيير ف��ي الشكل فحسب‬
‫إذ ك��ان يعمل مسؤوال عن المبيعات‪ ،‬وق��ادرًا على القيام بأي‬ ‫شاه فارس‪ ،‬فواكبهم إلى إنكلترا عام ‪ .1836‬توجه إلى إنكلترا‬ ‫كما يحلو للبعض أن يعتقد‪ ،‬بل شكل تسلل الحداثة الغربية‬
‫شيء لبلوغ غرضه ّإال التنازل عن إيمانه األرثوذكسي‪ .‬وصلت به‬ ‫ثانية في عام ‪ 1839‬وعندها اتصل بشيعة الكويكرز ‪quakers‬‬ ‫بطريقة خبيثة إلى الصميم الشرقي‪ ،‬وقد دفع إلى تعديل في‬
‫األحد ‪ 25‬أيار ‪2008‬‬ ‫‪12‬‬
‫المطران نقوال مراد‪.‬‬ ‫ميخائيل مشاقة‪.‬‬ ‫أسعد خياط‪.‬‬

‫بالنصين اآلخرين وهما أقرب إلى السيرة الذاتية؟ من المفيد‬ ‫ّإال أننا نستدرك ونضيف أن هذه العالقة بالدين مرتبطة بصفاء‬ ‫األمور إلى دفع غيره من األرثوذكس إلى إشهار بروتستانتيتهم‬
‫أن نبحث عن التمايز في الرأي بين األطراف الثالثة‪ ،‬وكل منهم‬ ‫العقيدة بقدر ما تشير إلى االنتماء الطائفي وتهب الفرد هوية‬ ‫يغير إيمانه وال‬‫ّإال أنه‪ ،‬هو بالذات‪ ،‬وإن تأقلم مع الظروف‪ ،‬لم ّ‬
‫ع��اش على طريقته التحوالت الطارئة على العالم التقليدي‪،‬‬ ‫وتفرض على الكاتب خطابه وشعاراته‪ .‬فاالنتماء الديني ينبئ‬ ‫استبدل انتماءه في الصميم‪.‬‬
‫وك��ل منهم ك��ان ي�س��اه��م ف��ي القطيعة م��ع ال�ع�ه��د ال�ق��دي��م أو‬ ‫عن هوية الشخص‪ .‬فالمرء مسيحي من الناحية السوسيولوجية‪،‬‬ ‫اذا ك��ان المطران نقوال م��راد راف��ع باسم طائفته المارونية عن‬
‫يكيف هذا القديم مع إرهاصات الجديد‪ .‬كل‬ ‫يحاول جاهدًا أن ّ‬ ‫�ؤم��ن شبكات‬ ‫أم ��ارس ال�ع�ب��ادات أم ل��م ي�م��ارس�ه��ا‪ .‬وال�ط��ائ�ف��ة ت� ّ‬ ‫ح�ق��وق م�ه�ض��وم��ة‪ ،‬ف��أس�ع��د خ�ي��اط ل��م ي�خ��ض غ�م��ار السجاالت‬
‫منهم ح��اول التمكن من المستجد انطالقًا من بيئته الفكرية‬ ‫ت�ض��ام��ن خ��اص��ة ب�ه��ا وت�ت�ج��اوز ال�ق��اع��دة الضيقة ال�ت��ي تمثلها‬ ‫كنيسته‬
‫ّ‬ ‫إال دفاعًا عن مصلحته الذاتية‪ ،‬وعرضًا عن مصلحة‬
‫واالجتماعية‪ ،‬فسعى إل��ى ق��راءة كل جديد على ض��وء تجربته‬ ‫القبيلة أو العائلة أو القرية‪ .‬كان اسطفان الدويهي في النصف‬ ‫الشرقية‪ .‬في الحالتين الحظنا الموقف المجامل للغرب‪ ،‬والتملق‬
‫وأوهامه‪ّ .‬إال أنه وعلى رغم بعض االقدام واالبتكارات والقفزات‬ ‫الثاني من القرن السابع عشر وقبل أن يصير مطرانًا وبطريركًا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ود القراء األجانب وإن كانت محاولة أسعد خياط أكثر‬ ‫لخطب ّ‬
‫النوعية‪ ،‬ما برح الثالثة في نظرنا من إنتاج المجتمع التقليدي‪.‬‬ ‫يوقع رسائله الموجهة إلى روما "إسطفان اإلهدني‪ ،‬ماروني"‪.‬‬ ‫شخصية من مسعى نقوال مراد الذي هو ايديولوجي بامتياز‪.‬‬
‫في العودة إلى المطران نقوال مراد الذي كان ينتمي إلى فريق‬ ‫والحق أن الديانة مع األس��رة أو القبيلة من الركائز األساسية‬ ‫لذا ال يمكننا أن نتصور أيًا من الكاتبين ينشر باللغة العربية‬
‫من رجال الدين الموارنة ما انفكوا يكتبون تاريخ طائفتهم على‬ ‫لهوية المشرقي‪ّ .‬إال أن تطورًا طرأ على الذهنيات‪ ،‬فالمطران‬ ‫في بالد الشرق‪ .‬فالموضوع دونه محاذير‪ .‬اعطت أوروبا واللغات‬
‫أن��ه تاريخ ديني‪ ،‬فقد عمل مثلما عمل من سبقه على إثبات‬ ‫يعرف عن نفسه بأنه‬ ‫م��راد ال��ذي ع��اش في فترة الحقة‪ ،‬ك��ان ّ‬ ‫األجنبية الكاتبين هامشًا م��ن الحرية ليس م�ت��واف�رًا ف��ي بالد‬
‫بتكديس الحجج على مدى التاريخ‬ ‫إيمان طائفته المستقيم‬ ‫ماروني من جبل لبنان‪ ،‬على عكس الدويهي الذي كان مارونيًا‬ ‫ً‬
‫إجماال‪.‬‬ ‫الشام أو المشرق العربي‬
‫ّ‬
‫وال�ح�ق�ب��ات‪ّ .‬إال أن��ه األول ال��ذي رك��ز على ال ��دور الفرنسي في‬ ‫من قرية محددة‪ .‬انطلقت في القرن التاسع عشر عملية تحديد‬ ‫عبرا عن رأيهما باللغات‬ ‫خالفًا لنقوال مراد وأسعد خياط اللذين ّ‬
‫التاريخ الماروني ودور فرنسا الملكية والكاثوليكية بالطبع‪.‬‬ ‫الهوية الجديدة‪ ،‬فالتضامن المذهبي حل شيئًا فشيئًا محل‬ ‫األجنبية‪ ،‬هوذا ميخائيل مشاقة كتب باللغة العربية ولم يحاول‬
‫فالمطران مراد ال يفك الغل الديني وال يقطع العالقات بعاصمة‬ ‫العالقات الثابتة في زمن اإلقطاع بين العامة والمقاطعجين‪ .‬ألم‬ ‫نشر مؤلفه‪ .‬ل��م َ‬
‫يسع وراء النجاح األدب��ي وال ال�م��ردود المالي‪.‬‬
‫الكثلكة بل يجمع بين روما وباريس‪ ،‬بين الحبر األعظم والتاج‬ ‫ينتقد ميخائيل مشاقة هذا التحول؟ ألم يوح خطابه أن االنتماء‬ ‫دون عند طلب أقربائه‪ ،‬سيرته الذاتية وأخبار أسرته وتاريخ‬ ‫ّ‬
‫الفرنسي‪ .‬إال أنه يخرج على القاعدة بمحاولة فصل أخبار الموارنة‬ ‫الطائفي كان يحمل بذور الفتنة بين أبناء الوطن الواحد؟‬ ‫المنطقة التي عاش فيها‪ .‬ثالثة مستويات يتداخل الواحد منها‬
‫فصال من التاريخ الفرنسي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عن تاريخ العرب واإلسالم وجعلها‬ ‫للمرء أكثر من هوية واح��دة وثمة هوية قد تخفي أختها‪ .‬هل‬ ‫باآلخر‪ .‬والحال أننا ال نجد في نص ميخائيل مشاقة التماسك‬
‫تالعب نقوال مراد بالحقائق التاريخية وجعل الصداقة المارونية‬ ‫يعرف عن نفسه بأنه لبناني؟ بالطبع ال‪،‬‬ ‫كان إبراهيم مشاقة ّ‬ ‫الذي نجده في المؤلفين األخيرين اللذين كتبا لخدمة هدفهما‪.‬‬
‫الفرنسية تعود إلى الملك القديس لويس التاسع‪ ،‬إلثبات أن‬ ‫بل كان "شاميًا" في أرض مصر‪ .‬إنما في جبل لبنان لم يكن‬ ‫يبد رأيًا أو يوجه انتقادًا‬
‫وهذا ما يميزهما عن مشاقة الذي لم ِ‬
‫الموارنة كانوا من دون انقطاع جماعة فرنسا في هذا الشرق‪.‬‬ ‫سوى من الروم الكاثوليك قبل تحوله إلى البروتستانتية‪ .‬وما‬ ‫بهدف الترويج لقضية أو لفكرة‪ ،‬وإن ك��ان‪ ،‬مثل ك��ل كاتب‬
‫وانطالقًا من هذه الوقائع المزعومة طالب المطران نقوال مراد‬ ‫كانت هوية أسعد خياط األرثوذكسي البيروتي في بريطانيا؟‬ ‫لسيرته الذاتية‪ ،‬يأخذ منحى الحفاظ على سمعته‪ .‬ذل��ك أن‬
‫بتدخل فرنسي أوسع لحساب موارنة جبل لبنان‪ .‬أليس الموارنة‬ ‫هو يخبرنا أنه عندما زار إنكلترا كان البعض ينظر إليه على أنه‬ ‫عد للتوزيع على الجمهور األوسع‪.‬‬ ‫كتاب مشاقة لم ُي ّ‬
‫في نظره فرنسيي ما وراء البحار؟‬ ‫أمير أو زعيم قبيلة‪ ،‬والبعض اآلخر كان يعتبره يهوديًا وبعضهم‬
‫أما أسعد خياط فوقف في موقع مخالف‪ .‬لم يحاول تجنيس أبناء‬ ‫اعتبره تركيًا‪.‬‬ ‫ماذا عن هويتهم؟‬
‫طائفته األرثوذكسية ولم يزعم انهم بريطانيون منذ القدم‪ .‬في‬ ‫يبقى ال �س��ؤال‪ :‬م��ن ك��ان ه��ؤالء ال�ك�ت��اب ال�ث�لاث��ة؟ كيف كانوا‬
‫ال يتردد دومينيك شوفاليه في القول ان الشعوب القاطنة ما‬
‫نظره هناك عالمان ال يتداخالن‪ :‬من جهة عالم شرقي ومن جهة‬ ‫يعرفون عن أنفسهم أو باألحرى كيف كان اآلخ��رون ينظرون‬ ‫ّ‬
‫بين المتوسط وب�لاد ما بين النهرين أسست حضاراتها على‬
‫أخرى عالم غربي‪ .‬هذا البيروتي الحذق القادر على التملص من‬ ‫إليهم؟ فنظرة ال�م��رء إل��ى ذات��ه كما ن�ظ��رة الغير إل�ي��ه تتأثران‬
‫األسرة البطريركية والزراعة والمدينة والتبادل والله‪ .‬والحال ان‬
‫كل المشاكل وعلى الوصول إلى ما يبتغيه‪ ،‬لم يعش في األحالم‬ ‫الواحدة باألخرى‪ .‬كله يعود إلى بيئة اإلنسان‪ .‬قلنا إن مخائيل‬
‫فكرة الله موجودة بامتياز في المؤلفات الثالثة التي نحن في‬
‫وال ح��اول أن يغرر بقرائه‪ .‬ك��ان على اقتناع ب��أن ال�ش��رق شرق‬ ‫مشاقة كان شاميًا في وادي النيل‪ ،‬والمطران مراد كان في نظر‬
‫صددها‪ .‬نحن لم نزل بعيدين كل البعد عن موقف أديب اسحق‬
‫والغرب غرب‪ ،‬وسعى جهده ضمن حدود هذا التمييز لتحقيق‬ ‫اإليطاليين صنفًا من أصناف األتراك‪ ،‬مثله مثل أسعد خياط في‬
‫ال��ذي رف��ض إت�م��ام واج�ب��ات��ه الدينية وه��و على ف��راش الموت‪.‬‬
‫مصالحه‪.‬‬ ‫نظر اإلنكليز‪ .‬وما هم إن اعتبر كل من مراد وخياط أنه مشرقي‬
‫نحن لم نزل في فترة لم تتسرب فيها العلمنة بعد إلى أذهان‬
‫من المفارقة أنه عند هذا الحد ال يختلف كثيرًا عن المؤرخين‬ ‫كان كل منهما يعتبر نفسه منتميًا إلى‬ ‫في بالد أوروبا في حين ّ‬
‫المثقفين‪ .‬ه��وذا المطران نقوال م��راد راف��ع إلثبات أن الموارنة‬
‫ال�م��وارن��ة وه��و ي��داف��ع ع��ن كنيسته األرث��وذك�س�ي��ة‪ .‬وإن�م��ا خالفًا‬ ‫مجموعة طائفية‪ ،‬أي إلى ملة! وحده ميخائيل مشاقة خرج على‬
‫كانوا على م��دى العصور مستقيمي ال��رأي وأنهم لم يتلطخوا‬
‫ذميته من فصل‬ ‫للمطران الماروني فإن أسعد خياط كشف عن ّ‬ ‫هذه القاعدة‪ .‬أهذا لكونه مخلصًا للسلطات القائمة ولشرعية‬
‫بأي هرطقة‪ .‬هوذا أسعد خياط األرثوذكسي سعى جهده إلى‬
‫إلى آخر واستفاض في نقل أخبار الهوان ال��ذي نزل بنصارى‬ ‫الحكم القائم‪ ،‬أم لكون الشيعة البروتستانتي التي انتمى إليها‬
‫التعامل مع البروتستانتيين اإلنكليز من دون أن يكف عن الدفاع‬
‫الشرق على يد المسلمين‪.‬‬ ‫بفعل إرادي لم تكن تثبت قواعد االنتماء الطائفي الصارم؟‬
‫عن أصالة كنيسته األرثوذكسية‪ .‬وم��اذا نقول عن ميخائيل‬
‫ً‬
‫أما ميخائيل مشاقة فهو بين الثالثة األقل اتصاال باألجانب‪ ،‬إذ‬ ‫تحول والد جده من‬‫مشاقة وهو يروي السجاالت الدينية وكيف ّ‬
‫لم ينتقل إلى أوروبا‪ .‬ولم يكن همه أن يبهر الناس مثل أسعد‬ ‫الذات واآلخرون‬ ‫األرثوذكسية إلى الكاثوليكية‪ ،‬وكيف انه هو الذي نشأ في جو‬
‫خياط ولم يحاول أن يثبت نظريته اإليديولوجية مثل المطران‬ ‫هل يسعنا مقارنة نص إيديولوجي مثل "النبذة التاريخية"‬ ‫من الروم الكاثوليك تحول إلى البروتستانتية؟‬

‫‪13‬‬ ‫األحد ‪ 25‬أيار ‪2008‬‬


‫بيروت خط أخضر‬ ‫سناء الجاك‬
‫مراد‪ ،‬وكان تاليا أكثر صدقًا‪.‬‬
‫مخائيل مشاقة رج��ل م��وزون وحكيم كتب وق��د طعن ف��ي السن كما‬
‫ذك��رن��ا‪ .‬ل��م يتكل على دع��م األج��ان��ب مثل ن�ق��وال م��راد لترويج أفكاره‬
‫السياسية أو مثل أسعد خياط من أجل مصلحته الشخصية‪ .‬ال شك انه‬
‫اهتم بتاريخ جبل لبنان‪ ،‬إنما فعل ذلك ضمن اإلطار األوسع للسلطنة‬
‫ام��ا ان��ا فقد تمت االستهانة بحصتي االنتخابية‬ ‫لم يحصل‬ ‫العثمانية‪ ،‬في حين ان اآلخرين لم يهتم كل منهما إال بطائفته الخاصة‪.‬‬
‫في الباشورة‪ .‬لذا سأعترض وأطالب بحقي في‬ ‫ك��ل م��ا ح�صُ��ل ف��ي ب �ي��روت وال�ج�ب��ل وال �ش �م��ال لم‬ ‫طريقتان في التعاطي طبعتا تاريخ الشرق حيث السؤال كيف يتجاوز‬
‫ان�ت�خ��اب أك�ب��ر ع��دد ممكن م��ن ج�م��اع��ة الالغالب‬ ‫يحصل‪ .‬لم تقتحم بيروت ولم يتم اصطياد أنفار‬ ‫ال�م��رء العالقات األول�ي��ة المفروضة عند ال ��والدة ف��ي األس��رة والطائفة‬
‫وال�ل�ام �غ �ل��وب‪ .‬ارب �ع ��ة ن� ��واب ال ي �ش �ب �ع��ون غليلي‬ ‫بالكاد يحملون بنادق‪ ،‬بـ"الهاون" وقذائف الـ"بي‬ ‫لينطلق في المجال األوس��ع؟ هذا ما دفع هنري لورنس إلى القول إن‬
‫لممارسة الديموقراطية‪ .‬بئس المحاصصة التي‬ ‫سفن"‪ .‬لم تتم ابادة عائلة بكاملها او ينزف شاب‬ ‫تؤت‬
‫الحميد لم ِ‬ ‫عملية انعتاق غير المسلمين في زمن السلطان عبد‬
‫ثمارها إذ سارعت في تشكيل الطوائف ومأسستها ً‬
‫حرمتني برستيج زوار كل اربع سنوات مرة‪.‬‬ ‫حتى الموت في عتمة منزله‪ .‬لم تغلب الغرائزية‬ ‫بدال من أن تحرر‬
‫ودمها الفائر آدمية شباب من عكار او الجبل‪ .‬لم‬ ‫األفراد‪ .‬والحال أن ميخائيل مشاقة لم يخف صعوبة كونه مسيحيًا إن‬
‫يسقط ‪ 67‬ضحية و‪ 188‬جريحا بحسب االرقام‬ ‫في بالد الدروز أو في المحيط السني لمدينة دمشق‪ .‬فهو اشتكى من‬
‫تعايش‬ ‫الرسمية‪ .‬والله أدرى باالرقام الحقيقية‪ .‬ال ّ‬
‫يهم‪.‬‬ ‫مشايخ أبي نكد الدروز الذين كانت تربطه بهم أوطد العالقات‪ ،‬فهم لم‬
‫أعلنت محطة "المنار" ان االزهر الشريف في مصر‬ ‫قادتنا اتفقوا‪ .‬لكن الثمن الحقيقي التفاقهم‬ ‫يؤمنوا له الحماية المرجوة عندما وقعت حوادث دير القمر‪ .‬كذلك فهو‬
‫ثمن "ال��دور ال�م�ق��اوم" ل�ـ"ح��زب ال�ل��ه" ف��ي اجتماع‬ ‫ّ‬ ‫كان يجب ان ُيحسب بالدم‪ .‬بعد هذا االتفاق من‬ ‫شجب المجازر التي فتكت بمسيحيي دمشق عام ‪ 1860‬وكاد أن يقع‬
‫ط��ارئ ون��اق��ش المسألة اللبنانية‪ .‬االزه ��ر سارع‬ ‫يعيد القتلى الى أهاليهم؟‬ ‫ضحيتها هو بالذات‪ .‬وبالتالي فإنه وجه أصابع االتهام إلى السلطات‬
‫ال��ى نفي الخبر وق��ال ان المجتمعين ف��ي جلسة‬ ‫ل ��م ي �ح �ص��ل ش � ��يء‪ .‬ال ل � ��زوم ل� �ل� �ع ��ودة ال � ��ى هذه‬ ‫المحلية في دمشق التي دبرت األمر في نظره‪ّ .‬إال أن ميخائيل مشاقة‬
‫عادية دع��وا ال��ى وح��دة اللبنانيين ونبذ الخالف‬ ‫ال �ت �ف��اص �ي��ل‪ .‬ال ل � ��زوم ل �ب �ح��ث اس� �ب ��اب استباحة‬ ‫اعتبر المسيحيين مسؤولين ولو بنسبة ما عن المأساة التي نزلت بهم‬
‫ودرء الفتنة‪ .‬المحطة لم تبث النفي‪ ،‬وتاليًا فإن‬ ‫ش��وارع وم�ن��ازل ومحطات اع�لام وم� ّج�لات‪ .‬المهم‬ ‫إثر المجازر هذه‪ .‬فهو ذكر أن تنامي غطرسة النصارى هي التي دفعتهم‬
‫يعني ان الخبر‬ ‫الترويج ما ّ‬
‫جمهور "المنار" لن يعرف بذلك‪،‬‬ ‫بحث مصير مقعد ارمني او ثلث معطل او تعويم‬ ‫إلى الهاوية وأن انعتاقهم في القرن التاسع عشر جعلهم يتشاوفون في‬
‫للسنة الالهثين‬ ‫المفبرك حقق غايته من‬ ‫حليف مفلس او متابعة المراوغة وفبركة الوقائع‬ ‫محيطهم‪ .‬لم يعد النصارى يلتزمون مكانهم وراحوا يلوذون بالسلطات‬
‫خلف التعايش‪ .‬في االط��ار ذات��ه ب��دأت المحطة‬ ‫ال �م �غ �ل��وط��ة‪ .‬ل ��م ي �ح �م��ل ح� ��رس م �ج �ل��س النواب‬ ‫األجنبية‪ ،‬وف��ي النتيجة أخ�ط��أوا وف�ق��دوا تواضعهم بعدما ت�ح��رروا من‬
‫بث فواصل اعالنية عن "شعب النارجيلة" ّالذين‬ ‫ببذاتهم العسكرية سالحهم ويطلقوا قذائفهم‬ ‫مذلتهم‪ .‬ه��ذا م��ا قاله ميخائيل مشاقة ال��ذي استمر م��ؤي�دًا للشرعية‬
‫سني او‬ ‫ال يرغبون م��ن الدنيا بغير ح��ذف كلمة‬ ‫على الطريق الجديدة‪ .‬لم تتم مواجهة بندقية‬ ‫مطيعًا ألولياء األمر‪ .‬لم تخطر بباله فكرة تعديل األحكام والنظام القائم‬
‫شيعي م��ن ال�م�ع��ادل��ة البيروتية‪ .‬كما استعانت‬ ‫غاشمة بمدافع وشبكة ات�ص��االت ووح��دة اعالم‬ ‫مثلما خطرت ببال نقوال مراد أو أسعد خياط اللذين حاوال انتهاز فرص‬
‫بخدمات أح��د رج��ال ال��دي��ن ال��ذي أعطى التبرير‬ ‫ح��رب��ي واط �ف��ال ي�ع�م�ل��ون م�خ�ب��ري��ن ح�ت��ى يحظوا‬ ‫تدخل األجنبي للعب األدوار أو ترويج األفكار‪ .‬وبالفعل كان ميخائيل‬
‫مشاقة ً‬
‫ال�ش��رع��ي لتكليف "ح��زب ال�ل��ه" مقاتليه الدفاع‬ ‫بشرف المقاومة‪.‬‬ ‫رجال مترفعًا ومنصفًا‪ .‬وفي آخر صفحات كتابه شهد على أن‬
‫عن شرف السالح واحباط مؤامرة من أصبح اليوم‬ ‫لم يحصل هذا كله‪ .‬لكنه بالتأكيد سيتكرر‪.‬‬ ‫الدولة العثمانية لم تكن مسؤولة عن مجازر دمشق ‪ ،1860‬خالفًا لما‬
‫شريكهم‪.‬‬ ‫ُو ِّجه إليها من اتهامات‪ .‬في نظره فإن الطاعة وإخالص الرعايا ضمان‬
‫بالطبع لم يمر اعتراض أحد البيروتيين على ما‬ ‫للطمأنينة‪ ،‬والتدبير اإللهي هو الذي جعل رجال الدولة رعاة للقطيع‪.‬‬
‫ج��رى اال ف��ي حيز واج��ب "ح��زب ال�ل��ه" استيعاب‬ ‫يا محاسن الصدف‬ ‫يفوت‬‫على عكس ميخائيل مشاقة الذي أبى التجريح بالمسلمين لم ّ‬
‫ال�م�س�ي�ئ�ي��ن ال� �ي ��ه‪ ،‬وم� ��ن دون وض� ��ع االم � ��ور في‬ ‫أخيرا أعلنت سوريا رسميا انها تجري مباحثات‬ ‫أس�ع��د خ�ي��اط ف��رص��ة إال ون ��دب فيها ح��ظ مسيحيي ال �ش��رق ف��ي ظل‬
‫نصابها كما ي��راه��ا السيد حسن م��ن قبل صبية‬ ‫سالم غير مباشرة مع إسرائيل من خالل تركيا‪،‬‬ ‫اإلس�ل�ام‪ ،‬واألمثلة على م��دى الصفحات‪ .‬منذ الفصول األول��ى اخبرنا‬
‫تنسب نفسها الى بيروت مع إصرارها على البقاء‬ ‫مؤكدة ما أعلنته اسرائيل في وقت سابق‪ .‬وجاء‬ ‫أسعد خياط ع��ن تصميمه على م�غ��ادرة ب�ي��روت ألن المسلمين كانوا‬
‫شيعية وجنوبية ومعارضة على "سن ورم��ح"‪ .‬ما‬ ‫ف��ي ب�ي��ان ل ��وزارة ال�خ��ارج�ي��ة ال�س��وري��ة أن�ه��ا بدأت‬ ‫يتهددون "المسيحيين المساكين" ‪ poor chirstians‬إب��ان حرب‬
‫حصل ك��ان يجب ان يحصل‪ .‬وعلى اآلخ��ري��ن ان‬ ‫محادثات السالم غير المباشرة مع اسرائيل في‬ ‫االستقالل اليونانية‪ .‬ث��م روى وض��ع مسيحيي دمشق ال��ذي��ن تحملوا‬
‫يفهموا واال‪ ...‬ال بأس بمتابعة بعض الفواصل‬ ‫رعاية تركية‪ .‬وقال البيان إن الجانبين أعربا عن‬ ‫بصبر اإلهانة تلو األخرى‪ ،‬فلم يحق لهم ارتداء سوى اللباس األسود كما‬
‫التعايشية التي يبثها االعالم الديني على ظهر‬ ‫رغبتهما ف��ي إج��راء المباحثات بنية طيبة وقررا‬ ‫حظر عليهم ركوب الخيل‪ .‬وكم كان يبتهل عندما اخبرنا ان القنصل‬
‫دبابة‪.‬‬ ‫مواصلة الحوار بجدية لتحقيق سالم شامل‪.‬‬ ‫العام البريطاني كان أول مسيحي يدخل الشام راكبًا مطيته منذ ألف‬
‫لم يقل الجانب السوري ان الشروط االسرائيلية‬ ‫ومئتي سنة! ال شيء من هذا القبيل نجده عند ميخائيل مشاقة الذي‬
‫ال�م�م�ه��دة إلن �ط�لاق ال�م�ف��اوض��ات ك��ان��ت تتمحور‬ ‫استقر في دمشق‪ ،‬فهو لم يلحظ المذالت المزعومة التي كانت من‬
‫ما بعد بعد الدوحة‬ ‫ح��ول اق �ف��ال دم�ش��ق م�ك��ات��ب االره��اب�ي�ي��ن عندها‬ ‫نصيب النصارى بحسب أسعد خياط‪.‬‬
‫بعد السفير السعودي عبد العزيز خوجة والوزير‬ ‫ومنع تسرب العمليات االرهابية الى العراق وعدم‬ ‫أما المطران نقوال مراد فتعاطى مع الموضوع على مستوى آخر ّ‬
‫وهمه‬
‫الفرنسي برنار كوشنير واالم�ي��ن العام للجامعة‬ ‫ال �س �م��اح ل�ل�إم ��دادات ال�ع�س�ك��ري��ة ب��ال��وص��ول الى‬ ‫تأمين دعم فرنسي لموارنة جبل لبنان‪ ،‬والطريقة التي تطلع بها إلى‬
‫ال�ع��رب�ي��ة ع �م��رو م��وس��ى ج ��اء دور رئ �ي��س مجلس‬ ‫"حزب الله"‪.‬‬ ‫سائر طوائف جبل لبنان تنم عن نيته اإليديولوجية‪ .‬ففي نظره أن‬
‫ال��وزراء القطري ووزي��ر الخارجية الشيخ حمد بن‬ ‫اس ��رائ� �ي ��ل ذك� � ��رت ذل� � ��ك‪ ،‬ف ��ي ح �ي��ن ق � ��ال وزير‬ ‫الموارنة والدروز وحدهما يشكالن أمة خالفًا لباقي الطوائف التي تقطن‬
‫الى حقبة ما بعد بعد الدوحة‪.‬‬ ‫جاسم لينقلنا ِّ‬ ‫الخارجية السوري وليد المعلم ان بالده حصلت‬ ‫جبل لبنان‪ .‬وهذه ال تمثل في نظره سوى جماعات مختلفة ‪diverses‬‬
‫ال ن�ع��رف كيف رت�ب��ت ظ��روف النقلة‪ .‬ق��د يكون‬ ‫في المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل التي‬ ‫‪ populations‬ال تستحق تسمية أمة ‪.nation‬‬
‫ال�س�ب��ب ف��ي ال�ت�ح��ال�ف��ات االق�ل�ي�م�ي��ة ال �ت��ي بدأت‬ ‫تتم عبر وساطة تركية‪ ،‬على التزامات بانسحاب‬
‫ت�ت�ب��رع��م وت�ظ�ه��ر ان ال �ع��رب ف��ي ال ��ود واح ��د‪ .‬قد‬ ‫من الجوالن "حتى خط الرابع من حزيران‪/‬يونيو‬ ‫خالصة‬
‫يكون الدافع رفض العرب السماح إليران بإقفال‬ ‫‪."1967‬‬ ‫كتاب ولن نستخلص من دراستنا عبرًا‬ ‫َمن نحن في صددهم هم ثالثة ّ‬
‫النافذة الشرقية للبحر المتوسط على الخليج‪.‬‬ ‫ال اس��رائ �ي��ل وال س��وري��ا ت�ط��رق�ت��ا ال��ى االلتزامات‬ ‫حول أج��واء البالد العامة‪ .‬كانت مقاربات عصر النهضة مضللة بعض‬
‫واتفاقهم تاليًا على ال� ُ�م� ّ�رة حتى ال يذوقوا ّ‬
‫االمر‬ ‫ال �ف �ع �ل �ي��ة ال� �ت ��ي ق � ِّ�دم ��ت ال� ��ى ال �ش �ق �ي �ق��ة مقابل‬ ‫ال�ش��يء إذ ّروج��ت فكرة أن ه��ذه النهضة كانت العصر الذهبي الذي‬
‫ّ‬ ‫منها‪.‬‬ ‫التزاماتها‪ .‬ماذا عن المحكمة الدولية؟ ماذا عن‬ ‫استعاده العرب‪ .‬ورحنا نعتقد أن شرائح المجتمع ساهمت في تقبل‬
‫قد تكون ضربة معلم من السعودية التي انسحبت‬ ‫محاسن الصدف التي قاطعت اتفاق الدوحة مع‬ ‫الحداثة بالحماسة التي أبدتها بعض أوس��اط المثقفين‪ .‬إال أن هذه‬
‫وسحبت معها ال�س��وري�ي��ن وت��رك��ت الشيخ حمد‬ ‫المفاوضات السورية ‪ -‬االسرائيلية؟ وم��اذا عن‬ ‫الفكرة مغايرة للواقع إذ ال تأخذ في االعتبار مقاومة الحداثة وممانعة‬
‫الذي كان فضله سابقا على رقبة الحزب وحليفه‬ ‫هدنة اسرائيل و"حماس"؟‬ ‫التجديد في أكثر من محفل وطبقة وموقع‪ .‬أخطأ من اعتقد ان المجتمع‬
‫تمول وفتح تلفزيونه بالبركات القطرية‪.‬‬ ‫الذي ّ‬ ‫حول‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫رح��ب باإلنتاج األدب��ي الجديد أو بنماذج التربية المستوردة‬ ‫بكامله ّ‬
‫ق��د وق��د‪ ،‬وعلى ق��در ال�ع��زم تأتي ال�ع��زائ��م‪ .‬المهم‬ ‫من أوروب��ا‪ .‬ليتنا نذكر أن تلك الفترة عرفت الكثير من الحذر حيال‬
‫ان�ن��ا ف��ي م��رح�ل��ة م��ا ب�ع��د ب�ع��د ال��دوح��ة‪ .‬وي �ب��دو ان‬ ‫األفكار المستوردة‪ .‬والدليل تبلور أكثر من موقف اصطفائي انتقائي‪،‬‬
‫اللبنانيين قبلوا هذه المرة ايضا بالحد االدنى‪.‬‬ ‫ال غالب وال مغلوب‬ ‫والكثير من المحاوالت التوفيقية التي تحاشت القطيعة مع االقتناعات‬
‫عين‬‫لم يفوزوا برئيس في معركة انتخابية وانما ِّ‬ ‫الحصص كانت جوهر المعركة في حوار الدوحة‪:‬‬ ‫ال�م��وروث��ة‪ .‬ارت ��اب كثر م��ن مضمون األط��روح��ات ال�ج��دي��دة واألساليب‬
‫لهم تعيينا‪ .‬ول��م يحظوا بإصالح فعلي للقانون‬ ‫بيروت على قياس تحالف سعد الحريري ووليد‬ ‫المستحدثة في التعبير حتى في عالم األدب‪ .‬فتاريخ تلك الفترة التي‬
‫االنتخابي‪ .‬وال يزال زعماؤهم يحاربون في معارك‬ ‫جنبالط‪ ،‬وكذلك راشيا والبقاع الغربي‪ .‬بعلبك‬ ‫تنطلق بحسب ألبرت حوراني مع غزو بونابرت لمصر‪ ،‬هو تاريخ مقاومة‬
‫غيرهم ويصرفون من كيس غيرهم‪ .‬وق��د علمنا‬ ‫والهرمل فداء للسيد حسن‪ ،‬ومثلهما مرجعيون‬ ‫الحداثة أكثر مما هو تاريخ التماهي مع الغرب‪ ،‬إنما هذا التاريخ لم يكتب‬
‫وعلمتم ان الجنرال عون لم يكن لينتحر اذا كان‬ ‫وح ��اص� �ب� �ي ��ا‪ .‬م ��ا ع � ��دا ذل � ��ك ه� ��و ف ��ي ذم � ��ة الحلم‬ ‫بعد‪.‬‬
‫غادر الدوحة من دون اتفاق‪ .‬وبين ما بعد حيفا‬ ‫المستحيل‪ .‬ي��ا ضيعان ش�ب��اب االح ��زاب العابرة‬ ‫في هذا السباق نحو الحداثة انطلق المسيحيون قبل المسلمين‪ ،‬إنما‬
‫وما بعد الدوحة‪ ،‬ثبت بالوجه الشرعي أن بيروت‬ ‫للطوائف‪ .‬المهم المحافظة على صيغة "ال غالب‬ ‫كل المجموعات الطائفية دون تمييز كانت في نهاية المطاف ستؤدي‬
‫خط أخضر ¶‬ ‫وال مغلوب"‪.‬‬ ‫تحية إجالل للنموذج الغربي ¶‬
‫األحد ‪ 25‬أيار ‪2008‬‬ ‫‪14‬‬
‫على األقل‬
‫الياس خوري‬

‫فــشـــــالن ال يــصـــــنـــعــان حــــــالً‬


‫ّ‬
‫دفعها اليه‪ ،‬وكشرت الحرب األهلية عن انيابها‪ ،‬بحيث عاد لبنان "ساحة"‬ ‫اعلن مؤتمر الدوحة فشل الثورة االستقاللية‪ ،‬او تراجعها‪ ،‬لكنه اعلن‬
‫لصراعات اقليمية ال تتقن طوائفه سوى ان تكون غطاءها المحلي‪ ،‬مهما‬ ‫ايضا فشل انقالب ‪ 8‬و‪ 9‬ايار العسكري‪ .‬المنتصر مهزوم في لبنان‪ ،‬ألن‬
‫كانت الشعارات‪ ،‬التي ال تعدو كونها مجرد شعائر طقوسية‪ ،‬قيمتها في‬ ‫ال منتصر في هذا النظام السياسي واالجتماعي اللبناني‪.‬‬
‫داللتها الخفية التي ال اسم لها سوى مصالح القبيلة‪.‬‬ ‫انتفاضة االستقالل تهاوت تحت ضربات متعددة‪ :‬اغتياالت وشحن‬
‫انتصرت زواري��ب السياسة اللبنانية على القضايا الكبرى‪ ،‬وقضى من‬ ‫مذهبي وعجز عن تجاوز الجدار الذي بناه التحالف الشيعي‪ ،‬وتآكل في‬
‫قضى‪ ،‬وغ��رق مؤتمر قطر ف��ي المماحكات االنتخابية‪ .‬ك��أن السياسة‬ ‫الوسط المسيحي انتج ظاهرة عونية ج��دي��دة‪ .‬ووص��ل األم��ر ال��ى بداية‬
‫هي سوق للمفاصلة والمفاضلة‪ ،‬و"تنزيل" االسعار‪ُ .‬دفن مشروع لجنة‬ ‫النهاية بعد ح��رب تموز عندما استنجدت بخيار مذهبي لمنع اسقاط‬
‫فؤاد بطرس الذي ادخل النظام النسبي على قانون االنتخاب‪ ،‬مفسحًا‬ ‫الحكومة في الشارع وتحت ضربات مخيم رياض الصلح‪.‬‬
‫السياسة اللبنانية‪ ،‬وانتصرت محادل‬ ‫الى عبر ّ‬ ‫في المجال لدخول دم جديد‬ ‫غير ان جذر الفشل‪ ،‬هو في عجز قوى المجتمع المدني عن انتاج قيادات‬
‫تبني ق��ان��ون ‪ ،1960‬م��ع تعديل‬ ‫ال�ط��وائ��ف وال��زع��ام��ات العشائرية‬ ‫موازية للقيادة الطائفية التقليدية التي تصدرت االنتفاضة‪ .‬فوجد‬
‫بيروتي صغير‪.‬‬ ‫ع �ش��رات االل ��وف م��ن ال��ذي��ن ن��زل��وا ال��ى ش ��ارع ال�ح��ري��ة اللبناني انفسهم‬
‫ال فسحة في النظام االنتخابي القديم الجديد لتمثيل القوى العلمانية‬ ‫مهمشين‪ ،‬وعاجزين عن الفعل‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الطوائف النادي عليهم وعلى اتباعهم‪،‬‬ ‫وغير الطائفية‪ .‬لقد اقفل زعماء‬ ‫ّ‬
‫ام��ا االن�ق�لاب‪ ،‬ال��ذي تجبر بالقوة العسكرية‪ ،‬التي اكتسبت شرعيتها‬
‫ّ‬ ‫كي يبقى لبنان وطنا ّ‬
‫معلقا على صليب الطوائف التي ال‬ ‫ُ‬ ‫وشعبا‬ ‫مؤجال‪،‬‬ ‫من مقاومة اسرائيل‪ ،‬فقد نسي ان المدينة التي قاومت االسرائيليين‬
‫ّ‬ ‫تتورع عن رهنه للقوى االقليمية متى طلب منها ذلك‪.‬‬ ‫وطردتهم م��ن ش��وارع�ه��ا‪ ،‬ث��م اج�ب��رت انتفاضتها الجيش ال�س��وري على‬
‫التسوية القطرية هي مجرد تسوية‪ ،‬ألنها تركت للزمن ان يحل القضايا‬ ‫االنسحاب‪ ،‬ال تؤخذ عنوة‪ ،‬وال يستطيع احد اجبارها على الركوع‪.‬‬
‫والتموضع‬
‫ّ‬ ‫الشائكة‪ ،‬وخصوصا قضية السالح ّواالستراتيجيا الدفاعية‬ ‫ح��اول��ت االنتفاضة ت�ج��اوز ال�ح��رب األه�ل�ي��ة‪ ،‬لكنها ل��م تستطع ان تبني‬
‫االقليمي للبنان‪ .‬وال��زم��ن‪ ،‬مثلما يعلمنا تاريخ لبنان الحديث‪ ،‬ال يحل‬ ‫ال��دول��ة ال�م��دن�ي��ة‪ ،‬ف�ف�ش�ل��ت‪ .‬ام��ا االن �ق�لاب ف�ق��د ح ��اول ان�ط�لاق��ا م��ن ارث‬
‫شيئا‪ ،‬بل يساهم في تعقيد القضايا ودفعها الى االنفجار‪.‬‬ ‫المقاومة ف��رض ام��ر واق��ع جديد مستندا ال��ى عصبية طائفية‪ ،‬ففشل‬
‫السؤال ال��ذي يصفع وج��وه الناس الذين صنعوا انتفاضة االستقالل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫هو ايضا‪.‬‬
‫وخ��رج��وا ال��ى ال�ش��ارع في محاولة لاليحاء ال��ذات��ي أن الشعب هو نقيض‬ ‫مؤتمر قطر اعلن هذين الفشلين في شكل واضح‪ ،‬فهل تبنى الدولة‬
‫الطوائف‪ ،‬وأن االستقالل ُيصنع في الشارع‪ ،‬السؤال الذي يطرحه هؤالء‬ ‫م��ن فشلين؟ ل��ن اع��ود ال��ى س��ؤال ج��ورج نقاش ع��ن النفيين اللذين ال‬
‫هو َمن يمثلنا في الحياة السياسية اللبنانية؟ فبعدما اقفلت الطوائف‬ ‫يصنعان وطنا‪ ،‬لكننا في وضع اكثر سوءا بكثير من اللحظة االستقاللية‬
‫ابواب مجلس النواب امام العلمانيين وغير الطائفيين‪ ،‬عدنا الى حيث‬ ‫التي املت على نقاش مالحظته‪ .‬نحن في فشلين ال يشيران الى المأزق‬
‫كنا‪ ،‬اي الى ّ الهامش السياسي‪ ،‬حيث ال صوت لنا‪ ،‬وال قدرة على ايصال‬ ‫اللبناني فقط‪ ،‬بل ال��ى م��أزق المنطقة العربية‪ ،‬التي تتآكل بين طرح‬
‫تطلعاتنا اال من خارج الدائرة السياسية المقفلة‪.‬‬ ‫عربي معتدل ال يفصله عن االستسالم سوى رفض اسرائيل الستسالمه‬
‫لكن المسألة األقليمية ال تزال غامضة جدا‪ ،‬في هذا االتفاق‪ ،‬وخصوصا‬ ‫بسبب عنصريتها‪ ،‬وبين طرح راديكالي يريد حماية المشروع النووي‬
‫الموقف ال�س��وري‪ .‬صحيح ان دول��ة قطر تشكل نقاط تقاطع اقليمية‬ ‫االي��ران��ي ب��أي ثمن‪ ،‬ويبني تحالفا ال يحمل في داخله س��وى احتماالت‬
‫ودول �ي��ة م��ذه �ل��ة‪ ،‬م��ن اي� ��ران ال ��ى ال ��والي ��ات ال�م�ت�ح��دة‪ ،‬وم ��ن س��وري��ا الى‬ ‫التفكك المذهبي في المنطقة‪.‬‬
‫اسرائيل‪ ،‬غير ان هذا ال يكفي لصنع سالم الطوائف اللبنانية الذي لم‬ ‫ف�ش�لان ال يصنعان وط�ن��ًا وال س�لام��ًا‪ ،‬لكنهما يصنعان ه��دن��ة طويلة‪.‬‬
‫يقم اال في ظل توازن اقليمي ودولي‪ .‬من الواضح ان هذا التوازن ليس‬ ‫بل يمكن ان يصنعا اكثر من هدنة‪ ،‬شرط ان يحاول المجتمع المدني‬
‫متوافرا اآلن‪ ،‬فهناك مرحلة انتقالية اميركية يتمنى جميع العقالء في‬ ‫لعب دوره في استعادة ال��روح الديموقراطية االستقاللية التي يحاول‬
‫العالم ان تنهي ثمانية اع��وام من العته االجرامي الذي تميزت به ادارة‬ ‫الطائفيونُ واسيادهم في الخارج وأد احتماالتها‪.‬‬
‫ج��ورج ب��وش‪ .‬هل هذا االتفاق هو محطة في انتظار الرئيس االميركي‬ ‫في قطر طويت الحرب األهلية‪ ،‬وول��د س�لام لبناني ناقص‪ ،‬على يدي‬
‫الجديد؟ ام هو فسحة في انتظار المفاوضات السورية ‪ -‬االسرائلية؟ ام‬ ‫القابلة الخليجية‪ ،‬ول��م يكن ه�ن��اك م�ف� ّ�ر م��ن ه��ذه التسوية‪ .‬والتسوية‬
‫هو تأجيل في انتظار المعركة حول القنبلة االيرانية؟‬ ‫غامضة المالمح‪ ،‬ومع ذلك فهي افضل من الحرب األهلية‪ ،‬اذ ال يوجد‬
‫نأمل ان تكون كل هذه االحتماالت خاطئة‪ ،‬وان تكون الهدنة اعالنا‬ ‫م��ا ه��و اس��وأ م��ن ال�ح��رب‪ ،‬حيث تنفلت العصبيات م��ن عقالها‪ ،‬ويصير‬
‫ب�ن�ه��اي��ة خ �ي��ار ال �ح��رب األه �ل �ي��ة‪ ،‬ال �ت��ي ت��رف�ض�ه��ا األك �ث��ري��ة ال�س��اح�ق��ة من‬ ‫االنسان اللبناني عبدًا للعبيد‪.‬‬
‫اللبنانيين‪.‬‬ ‫بعد االجتياح العسكري لبيروت‪ ،‬ومحاولة اجتياح الجبل‪ ،‬وال ّ��دم الذي‬
‫لكن كيف نحتفظ باألمل؟ وكيف نبني فسحة مدنية علمانية استقاللية‬ ‫سال في كل لبنان‪ ،‬كان ال ّبد مما ليس منه ّبد‪ .‬الثلث المعطل ضمنه‬
‫تصنع الوطن وتستعيد لغة النهضة العربية؟‬ ‫"ال �س�لاح ال ��ذي ي��داف��ع ع��ن ال �س�ل�اح"‪ ،‬بحسب تعبير زع�ي��م "ح ��زب الله"‪،‬‬
‫فشالن يصنعان هدنة‪ ،‬لكن الوطن يبقى مؤجال‪.‬‬ ‫انجرت و‪/‬أو ّ‬
‫تم‬ ‫واالكثرية وجدت نفسها امام ضرورة دفع ثمن الخطأ الذي ّ‬

‫‪15‬‬ ‫األحد ‪ 25‬أيار ‪2008‬‬

You might also like