Professional Documents
Culture Documents
1
للمان والستقلل أو بدافع الحيطة اتقاء للطوارئ أو لزمات
متوقعة أو ممكنة .وليس بأمر نادر الحدوث أو مستهجن
اجتماعيا ً أن ُيرى أفراد معينون يحتفظون بأموال نقدية سائلة
ويحبسونها عن التداول والستثمار مؤثرين جاهزية سيولتها
على أرباح توظيفها وذلك لمواجهة نوائب الحياة أو مفاجآتها،
بيد أنه يلحظ أن هذه الفئة من الناس ل تستمر عادة بالكتناز
وحبس المال بعد نقطة معينة تؤّلف بنظرها حدا ً للمان وضمانا ً
لستقلل اتخاذ قرار معين .كذلك فمن المألوف أن يؤثر بعض
الفراد والمؤسسات تجميد المال وحبسه سائل ً رغبة
بالمضاربة أو بحافز ترقب ربح مستقبلي ،فيكتنزون استعدادا ً
لقتناص الفرص الستثمارية أو التجارية التي قد تبرز فجأة
والتي يتطلب العمل فيها جاهزية في رأس المال ،أو يكتنزون
ترقبا ً لركود اقتصادي ممكن حين تهبط أسعار السلع والصول
المالية ،المر الذي يرفع القيمة الشرائية للمال المكتنز .غير
أنه إذا كان كل ذلك يقع في بوتقة الحالة الخاصة للكتناز التي
يمكن تحليلها اقتصاديا ً والتي ل تعدو كونها اكتنازا ً مؤقتا ً أو حالة
توسع في اقتناء رأس المال الجاهز ترقبا ً لنفاق مستقبلي،
فإن الحالة العامة للكتناز مجردا ً تبقى ظاهرة سلبية لما عليها
من مآخذ اقتصادية واجتماعية.
المنظور التاريخي وموقف السلم من الكتناز
من الثابت أن النسان مارس الكتناز منذ أقدم العصور.
وقد كشفت التنقيبات عن الوابد والدراسات النثروبولوجية
قرائن يستدل منها على أن الكتناز كان ممارسا ً في معظم
الحضارات القديمة المعروفة ،حتى إنه كان يدخل في طقوس
ديانات بعض منها .وإنه لبدهي أن يلجأ الفراد في المجتمعات
البدائية إلى اكتناز المؤن والحاجات الضرورية وإخفائها من وجه
العداء ومن قساوة الطبيعة ومخلوقاتها المتنوعة .وكان
النشاط القتصادي في المشاعة البدائية نشاطا ً استهلكيا ً
يعتمد على أعطيات بر الطبيعة وبحرها ،ثم تطور إلى النتاج
كون نتيجة لما فرضتهالرعوي وبدأت المدنيات العمرانية تت ّ
الزراعة من توضع واستقرار .وإذا كانت أداة التبادل ومعيار
الثروة قد تمّثل لدى شعوب الداخل في أزمنة معينة بحجوم
2
المحصولت وبأعداد أليف الحيوان وبكميات الجلود والنتاج،
فإن شعوب الساحل قد اعتمدت الصداف والمرجان و الللئ
والملح .ومع تطور أصول التبادل التجاري بين المجتمعات
وتوسع الستفادة من المعادن ظهرت خصائص الذهب والفضة
ومحاسن استعمالهما فاكتسبا علة الثمنية ،أي بدأت السلع
والرزاق تثمن بهما ،وتقلصت ظاهرة المقايضة فأصبحا أساس
النقد حتى إنه عند ظهور السلم ذكر الذهب والفضة من دون
غيرهما مثال ً للكتناز.
عالج السلم ظاهرة الكتناز من ثلث زوايا .فمن الناحية
الولى نهى عن الكتناز وأنذر المكتنزين بعقاب أليم .فقد جاء
فُقون ََها ة ،ول ُين ِ ض َب والِف ّ ن الذ ّهَ َ ن يك ِْنزو َ في سورة التوبة{ :والذي َ
حمى عََليَها في َناِر َ هم ب ِعَ َ ل اللهَ ،فب ّ
م يُ ْم .ي َوْ َ
ب أِلي ٍ ذا ٍ شر ُ سبي ِ في َ
ذا ماك ََنزت ُ ْ
م هم .هَ َ جُنوب ُُهم وظ ُُهوُر ُ جَباهُُهم و ُ وى بها ِ م ،فَت ُك ْ َ جهَن ّ َ
َ
كنُتم ت َك ِْنزُون} )التوبة 34و .(35ومن ما ُ ذوُقوا َ كم ،فَ ُ س ُ لنُف ِ
الناحية الثانية حض السلم على إنفاق المال وبشر الذين
ينفقونه من غير هدر وتبذير بالجنة التي أعدت للمتقين ،وقد
ورد في القرآن الكريم بضع عشرة آية حثت على النفاق
المشروع للمال؛ منها ما جاء في سورة آل عمران{ :لن
ه
ن الل َ شيٍء َفإ ّ من َ فُقوا ِ ن وما ُتن ِ حّبو َما ت ُ ِ م ّ
فُقوا ِ حّتى ُتن ِ تَناُلوا البّر َ
م} )آل عمران .(92كذلك ما جاء في سورة البقرة { ب ِهِ عَِلي ٌ
هم جُر ُ ة فَل َه َ سّرا ً و َ ال ّذين ينفُقو َ
مأ ْ ُ ْ علن ِي َ ً ل والن َّهار ِ والهم ِباللي ْ ِ م َنأ ْ َ ِ َ ُ ِ
ن} )البقرة .(274بيد حَزُنو َ هم ي َ ْ م ول ُ ف عََليهِ ْ خو ْ ٌ م ول َ عند َ َرِبه ْ ِ
أن السلم ،الذي رغب عن الكتناز وحض على النفاق ،قد
فرق بدقة بين النفاق المشروع على المور الستهلكية
والنتاجية وبين النفاق على البذخ وتبذير المال .فقد جاء في
سِبيل ن ال ّ ن واب ْ َ كي َ مس ِ ه وال ِ حّق ُ ذا الُقْرَبى َ ت َ قوله تعالى{ :وآ ِ
ذيرا ً} )السراء .(26أما الناحية الثالثة التي عالج ولت ُب َذ ّْر ت َب ْ ِ
السلم فيها مسألة الكتناز فقد جاءت عن طريق أحكام أحد
أركان السلم وهو الزكاة .وقد ورد ذكر الزكاة في اثنين
وثلثين موضعا ً من القرآن الكريم ،وهي تؤلف آلية تعمل تلقائيا ً
على تقليص المال المكتنز وإذابته كليًا ،إذ توجب على المكتنز
دفع نصاب محدد سنويا ً زكاة ماله ]ر .الزكاة[ ،وتحفز صاحب
3
المال على استغلله لجعل أعماله رابحة وثروته نامية ،هذا
إضافة إلى أن أحكام الزكاة تخول أولياء المر إنفاق حصيلة
الزكاة في أوجه مشروعة متعددة فتعاد هذه الموال لتدخل
أقنية العجلة القتصادية من جديد فينتفع من حركتها واستثمارها
المجتمع كله.
الكتناز وأثره السلبي في النشاط القتصادي
ونمو بلدان العالم الثالث
يقسم الدخل وفق العتبارات القتصادية إلى قسمين،
قسم ينفق على المتطلبات الستهلكية والخر المتبقي يذهب
إلى الدخار .وإذا ما افترض أن الدخل ،ولسيما في المدى
القريب ،يكون ثابتًا ،فإن الفرد ل يستطيع أن يزيد ادخاره إل
عن طريق القلل من نفقاته الستهلكية .وبالمفهوم القتصادي
ل يخرج المال المدخر من حلقة التداول ،لن ما يدخر في مدة
قصيرة كشهر من الشهر مثل ً يعاد ليوظف في الشهر التالي
في نشاطات ذات فائدة أو ينفق على استثمارات منتجة .لذلك،
فعند إجراء حساب الدخل العام ،وفق شروط ومفهومات
اقتصادية معينةُ ،يعد ّ مجمل الدخار في عام من العوام
مساويا ً لمجمل الستثمار .ولما كانت عملية توسيع المستوى
العام للطاقة النتاجية القائمة في أي مجتمع ل تتم إل
بوساطة الفائض النتاجي المتاح للستثمار ،ولما كانت هناك
علقة ارتباط مباشرة بين تزايد الستثمار وتزايد مجمل
الدخل مما يبقي استمرار العلقة قائما ً نتيجة تفاعل الظاهرتين
المعروفتين في علم القتصاد الحديث »بالمسّرع« accelerator
و»المضاعف« ،multiplierوترابط قواهما مما يؤدي إلى زيادة
النمو القتصادي العام؛ لما كان المر كذلك فإن الكتناز
ده تجميدا ً لقسم من الدخار هو في الواقع إنقاص لمجمل بع ّ
الستثمار أي لجم حركة نماء الدخل العام وتعويق للنشاط
القتصادي بوجه عام.
ومشكلة الكتناز هي أكثر تعقيدا ً في البلدان النامية مما
هي عليه في البلدان الصناعية التي هي أكثر تقدمًا .فالكتناز
أكثر شيوعا ً في المجتمعات المتخلفة ،وإن واقع انتشاره هو
4
بحد ذاته أمر عائق لعملية التنمية اللزمة لتطوير بلدان العالم
الثالث والنهوض بها اقتصاديا ً واجتماعيًا.
وأما ما يتصل بدور الكتناز ،فبادئ ذي بدء يجب أل ّ ينسى
أنه ل يتجمع لدى الفرد الفقير عادةً فائض يفوق متطلباته
الستهلكية؛ بل إنه غالبا ً ما يعيش بمستوى الكفاف ،لذلك
فقلما يدخر أو يكتنز .وهكذا هي الحال في كثير من بلدان
العالم الثالث ،فالدخل العام لهذه البلدان غالبا ً ما يكون
منخفضا ً إلى مستوى يصبح معه عاجزا ً عن مواجهة مجمل
الستهلك .ثم إنه في الحالت التي يزيد فيها دخل البلدان
النامية على استهلكها يلحظ أن نسبة الكتناز من هذا الفائض
أعلى مما تكون عليه في البلدان المتقدمة .وقد يعود سبب
ذلك إلى التخلف الثقافي وإلى المعطيات الجتماعية السائدة
في البلدان النامية عامة ،كتأصل بعض العادات الخاصة ورسوخ
القيم الموروثة .وعلى سبيل المثال ،فإن تقاليد الزواج في
بعض المجتمعات تفرض على المرء البدء بالكتناز منذ أوائل
حياته النتاجية استعدادا ً لدفع مهر الزوجة الذي ل يتداول
معظمه إل مرة واحدة وذلك عند شراء الحلي الثمينة للعروس،
تلك الحلي التي غالبا ً ما تبقى مجمدة معها طوال حياتها أي
مجرد تحويل عملية الكتناز .ثم إن ظاهرة تزين النساء بقطع
النقود الذهبية هي أكثر انتشارا ً في البلدان النامية منها في
المجتمعات الصناعية المتقدمة على الرغم من أن معدل الدخل
ومستوى الثراء هو أعلى في الثانية منه في الولى .وإن بعض
التقديرات تشير إلى أن بعض الفراد في الهند مثل ً يقتنون أكبر
كتلة من الذهب المكتنز لدى الفراد في العالم ،في حين أن
القتصاد الهندي يرزح تحت ضغوط اقتصادية مختلفة منها تلك
الناجمة عن نقص في موجودات الدولة من القطع الجنبي
والذهب .وإضافة إلى الوضاع الجتماعية للدول النامية ،فإن
محدودية السواق المالية]ر[ وضآلة فعالية أقنية الدخار
مع القطاع المصرفي في المدن الكبرى وقلة والستثمار وتج ّ
انتشار فروعه خارجها ،كل ذلك من بين السباب الكثيرة التي
تدفع الفراد في تلك البلدان إلى الكتناز بدل ً من الدخار.
5
لذلك كله ،فإن الكتناز في البلدان النامية هو في الواقع
من أسباب التخلف ونتائجه في آن واحد ،وهذا يولد حلقة
مفرغة ذات قوى معاكسة لحركة التنمية القتصادية
والجتماعية .فمعطيات التخلف توسع ظاهرة الكتناز ،وتوسع
الكتناز يؤدي إلى تقليص في حجم الدخار اليجابي ،أي إلى
تقليص في مجمل الستثمار ،المر الذي يحد ّ من نماء الدخل
العام ومن حركة التنمية القتصادية والجتماعية اللزمة لتطوير
بلدان العالم الثالث.
محمد بشار كبارة
?http://www.arab-ency.com/index.php
=module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=470&vid
6