Professional Documents
Culture Documents
والمقصد الصلي للعقد في الشريعة ربما يلتقي في بعض الخصائص مع المفهوم التقليدي للسبب عند
القانونيين ،وهو الذي لم تأخذ به قوانيننا العربية في سورية ومصر وليبيا وغيرها .وهو المسمى:
السبب الفني لللتزام :وهو السبب القريب المجرد الذي يكون واحدا في كل اللتزامات التي من نوع
واحد ،وهو لزم لنشوء اللتزام ولستمراره.
فكل من المقصد الصلي والسبب الفني موضوعي وواحد في العقد .ففي عقد البيع مثلً السبب الفني
للتزام البائع بنقل ملكية المبيع :هو التزام المشتري بدفع الثمن .والمقصد الصلي لعقد البيع :هو نقل
الملكية بعوض ،أي أن السبب الفني هو واحد في كل التزام بنقل الملكية ،ل يختلف من التزام إلى
آخر بحسب اختلف الشخاص .فسبب التزام البائع بنقل الملكية هو رغبته في الحصول على ثمن ما
باع .وكذلك المقصد الصلي هو واحد كما عرفنا في النوع الواحد من العقود ،ل يختلف إل باختلف
نوع العقد.
لكن الفرق بين السبب الفني والمقصد الصلي :هو أن السبب الفني ملزم لرادة العاقد الخاصة ،وإن
كان متميزا عنها .أما المقصد الصلي فهو في الصل منفك عن الرادة الخاصة للعاقد ،غير متلزم
معها ،وإنما هو متلزم مع إرادة الشارع (. )1
فالسبب في الفقه السلمي هو المقصد الصلي للعقد ( ، )2أي أن السبب هو مجموع الثار المتولدة،
فإن كانت هذه الثار سليمة ،ذات محل مشروع ،كان العقد صحيحا ،وإل كان العقد باطلً .وهذه
الثار :هي التي دفعت العاقد إلى التعاقد.
-------------------------------
( )1التعبير عن الرادة ،للدكتور سوار :ف .534
( )2المرجع السابق :ف .517
( )4/539
والحقيقة :أن التقاء المقصد الصلي في الشريعة مع السبب الفني في بعض الخصائص ل يعني أن
أحدهما هو بمعنى الخر؛ لن السبب الفني هو سبب اللتزام وسبب اللتزام يختلف عن سبب العقد.
ففي العقود التبادلية :سبب التزام أحد المتعاقدين هو التزام المتعاقد الخر ،فسبب التزام البائع بنقل
الملكية هو التزام المشتري بدفع الثمن .وسبب التزام المشتري بدفع الثمن هو التزام البائع بنقل
الملكية.
وهذا المعنى للسبب المدني يختلف عن المقصد العام للعقد في الشريعة ،المعتبر في جميع العقود التي
تبرم من نوع واحد ،فالبيوع كلها مقصدها واحد هو المقصد العام لهذا النوع من العقد .وهو يختلف
عن السبب الفني؛ لن الثاني خاضع لرادة العاقد ،والمقصد النوعي خاضع لرادة الشرع.
والسبب الفني يختلف عن الباعث؛ لن الول :هو الغرض الدافع والمباشر الذي التزم المدين من
أجله .والباعث :هو ما قبل ذلك من الدوافع ( . )1وإذا كان الفقه السلمي ل يعتد بالسبب الفني في
المفهوم التقليدي للسبب عند القانونيين فإنه يتوصل إلى الدور نفسه الذي يقوم به السبب الفني من
ناحيتين :أولهما ـ من طريق تحديد شرائط العقد والمحل ،كعنصر نشوء أو تكوين ،وثانيهما ـ من
طريق فكرة «التعادل» في التبادل كعنصر تنفيذ (. )2
السبب في النظرية الحديثة عند القانونيين :
السبب في القضاء اليوم والذي أخذت به القوانين المدنية العربية في سوريا (م )138 ،137وفي
مصر (م :)136،137هو المسمى :سبب العقد ،أو السبب
-------------------------------
( )1موجز نظرية اللتزام ،للدكتور حجازي :ص .104
( )2التعبير عن الرادة :المرجع السابق :ف ،526النظرية العامة لللتزام ،سوار :ص .154
( )4/540
المصلحي أو سبب السبب وهو الباعث الذاتي أو الدافع البعيد الذي دفع العاقد إلى العقد .والسبب بهذا
المعنى ليس عنصرا موضوعيا ،وإنما يختلف في النوع الواحد من اللتزامات باختلف الشخاص،
فهو إذن عنصر شخصي ،غير ثابت ،بعكس السبب الفني الذي يعد عنصرا موضوعيا ثابتا في النوع
الواحد من اللتزام.
وإذا كانت وظيفة السبب الفني أو التقليدي :هي سلمة اللتزام من الناحية الفنية ،فوظيفة سبب العقد
أو السبب في النظرية الحديثة :هي منع صحة عقد يبتغى بوسائل مشروعة للوصول إلى نتائج غير
مشروعة ،فبه تتحقق مصلحة المجتمع ،وهي حماية الخلق أو النظام العام ،أي أن السبب المصلحي
يتضمن فكرة الجزاء على خطأ :وهو إرادة المتعاقدين تحقيق غاية غير مشروعة.
موقف الفقهاء من نظرية السبب بالمعنى الحديث (الرادة الظاهرة والرادة الباطنة ) :في الفقه
السلمي حول نظرية السبب هذه اتجاهان (: )1
اتجاه تغلب فيه النظرة الموضوعية،واتجاه يلحظ فيه النوايا والبواعث الذاتية.
أما التجاه الول :فهو مذهب الحنفية والشافعية ( )2الذين يأخذون بالرادة الظاهرة في العقود ،ل
بالرادة الباطنة ،أي أنهم حفاظا على مبدأ استقرار المعاملت ل يأخذون بنظرية السبب أو الباعث،
لن فقههم ذو نزعة موضوعية بارزة كالفقه الجرماني ،والسبب أو الباعث الذي يختلف باختلف
الشخاص عنصر ذاتي داخلي قلق يهدد المعاملت.
-------------------------------
( )1مصادر الحق للسنهوري 51/4 :ومابعدها.
( )2راجع عند الحنفية مختصر الطحاوي :ص ،280تكملة فتح القدير ،127/8 :البدائع،189/4 :
تبيين الحقائق ،125/5 :وعند الشافعية :الم ،85/3 :المهذب ،267/1 :مغني المحتاج 37/2 :وما
بعدها ،الباجوري على ابن القاسم ،353/1 :تحفة الطلب :ص .211 ،143
( )4/541
ول تأثير للسبب أو الباعث على العقد إل إذا كان مصرحا به في صيغة التعاقد ،أي تضمنته الرادة
الظاهرة كالستئجار على الغناء والنوح والملهي وغيرها من المعاصي .فإذا لم يصرح به في صيغة
العقد بأن كانت الرادة الظاهرة ل تتضمن باعثا غير مشروع ،فالعقد صحيح لشتماله على أركانه
الساسية من إيجاب وقبول وأهلية المحل لحكم العقد ،ولنه قد ل تحصل المعصية بعد العقد ،ول
عبرة للسبب أو الباعث في إبطال العقد ،أي أن العقد صحيح في الظاهر ،دون بحث في النية أو
القصد غير المشروع ،لكنه مكروه حرام ،بسبب النية غير المشروعة.
وبناء عليه قال الحنفية والشافعية بصحة العقود التالية مع الكراهة التحريمية عند الحنفية والحرمة أو
الكراهة عند الشافعية:
- 1بيع العينة( :أي البيع الصوري المتخذ وسيلة للربا) كبيع سلعة بثمن مؤجل إلى مدة بمئة ليرة ،ثم
شراؤها في الحال بمئة وعشر ،فيكون الفرق ربا ( . )1لكن أبا حنيفة استثناه من مبدئه في عدم النظر
إلى النية غير المشروعة ،اعتبر هذا العقد فاسدا إن خل من توسط شخص ثالث بين المالك المقرض
والمشتري المقترض .فيكون بيع العينة ممنوعا غير جائز عند مالك وأبي حنيفة وأحمد والهادوية من
الزيدية .وجوز ذلك الشافعي وأصحابه مستدلين على الجواز في الظاهر بما وقع من ألفاظ البيع التي
ليراد بها حصول مضمونه.
- 2بيع العنب لعاصر الخمر ،أي لمن يعلم البائع أنه سيتخذه خمرا ،أو يظنه ظنا غالبا ،وهو حرام
عند الشافعية ،فإن شك في اتخاذه خمرا أوتوهمه فالبيع مكروه في رأيهم.
-------------------------------
( )1وسميت هذه المبايعة عينة لحصول النقد لصاحب العينة؛ لن العين :هو المال الحاضر،
والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه من فوره ،ليصل به إلى مقصوده.
( )4/542
- 3بيع السلح في الفتنة الداخلية أو لمن يقاتل به المسلمين أو لقطاع الطرق المحاربين ومثله بيع
أدوات القمار ،وإيجار دار للدعارة أو للقمار ،وبيع الخشب لمن يتخذ منه آلت الملهي والجارة على
حمل الخمر لمن يشربها ونحو ذلك ،وهو بيع حرام عند الشافعية.
- 4زواج المحلّل :وهو الذي يعقد زواجه على امرأة مطلقة طلقا ثلثا (أي البائن بينونة كبرى)
بقصد تحليلها لزوجها الول بالدخول بها في ليلة واحدة مثلً ثم يطلقها ليصح لزوجها الول العقد
عليها من جديد ،عملً بظاهر الية القرآنية{ :فإن طلقها فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره}
[البقرة .]230/2:وهو مكروه عند الشافعية إذا لم يشرط في صلب العقد ما يخل بمقصوده الصلي،
فإن شرط ذلك كأن شرط أن يطلق بعد الوطء حرم وبطل.
والخلصة :أن هذا التجاه ل يأخذ بالسبب أو الباعث إل إذا كان داخلً في صيغة العقد وتضمنه
التعبير عن الرادة ولو ضمنا ،ول يعتد به إذا لم تتضمنه صيغة العقد.
وأما التجاه الثاني :فهو مذهب المالكية والحنابلة والشيعة ( )1الذين ينظرون إلى القصد والنية أو
الباعث ،فيبطلون التصرف المشتمل على باعث غير مشروع بشرط أن يعلم الطرف الخر بالسبب
غير المشروع ،أو كان بإمكانه أن يعلم بذلك
-------------------------------
( )1راجع عند المالكية :بداية المجتهد ،140/2 :الشرح الكبير للدردير مع الدسوقي ،91/3 :مواهب
الجليل للحطاب ،263 ،404/4 :القوانين الفقهية :ص 271 ،258ومابعدها ،الموافقات،261/2 :
الفروق 266/3 :ومابعدها .وعند الحنابلة :المغني 174/4 :ومابعدها و ،222/4أعلم الموقعين:
121 ،108 ،106/3ومابعدها ،148 ،131 ،غاية المنتهى ،18/2 :وعند الشيعة الجعفرية :المختصر
النافع في فقه المامية :ص ،140وعند الزيدية :المنتزع المختار 19/3 :ومابعدها.
( )4/543
بالظروف والقرائن التي تدل على القصد الخبيث كإهداء العدو هدية لقائد الجيش ،والهداء للحكام
والموظفين ،فذلك مقصود به الرشوة ،فتكون للدولة .وهبة المرأة مهرها لزوجها ،يقصد به استدامة
الزواج ،فإن طلقها بعدئذ ،كان لها الرجوع فيما وهبت (. )1
هذا التجاه يأخذ تقريبا بنظرية السبب أو بمذهب الرادة الباطنة في الفقه اللتيني ،مراعاة للعوامل
الدبية والخلقية والدينية ،فإن كان الباعث مشروعا ،فالعقد صحيح ،وإن كان غير مشروع فالعقد
باطل حرام ،لما فيه من العانة على الثم والعدوان ،قال الشوكاني ( : )2ل خلف في تحريم بيع
العنب لمن يعصره خمرا في حال القصد وتعمد البيع إلى من يتخذه خمرا .وأما مع عدم القصد
والتعمد للبيع فذهب جماعة من أهل العلم إلى جوازه مع الكراهة ما لم يعلم أنه يتخذه لذلك.
وبناء عليه قال المالكية والحنابلة ومن وافقهم ببطلن العقود السابقة ،وأضاف لها المالكية أنهم ل
يجيزون بيع أرض بقصد بناء كنيسة ،أو بيع خشب بقصد صنع صليب ،أو شراء عبد بقصد أن يكون
مغنيا ،أو استئجار كراريس فيها عبارات النوح ،وبيع ثياب حرير ممن يلبسها (. )3
أما عدم صحة بيع العنب للخمار وبيع السلح للعداء ونحوهما فلنه إعانة على الحرام ،أو عقد على
شيء لمعصية ال به فل يصح .وأما فساد زواج المحلل فلنه يتنافى مع أغراض الزواج السامية:
وهو أنه عقد مؤبد قصد به تكوين أسرة دائمة ،وهذا الزواج اتخذ لتحليل المطلقة ثلثا لزوجها الول
في وضع مؤقت ،فهو حيلة لرفع تحريم مؤبد ،وهو قصد غير مشروع .وأما فساد بيع العينة (أو بيوع
الجال) فلنه اتخذ البيع حيلة لتحليل التعامل بالربا ،ولم يكن الغرض الحق هو البيع والشراء .فهو
وسيلة لعقد محرم غير مشروع ،فيمنع سدا للذرائع المؤدية إلى الحرام.
والخلصة :أن هذا التجاه يعتد بالمقاصد والنيات ولو لم تذكر في العقود بشرط أن يكون ذلك معلوما
للطرف الخر ،أو كانت الظروف تحتم علمه؛ لن النية روح العمل ولبه .ويكون هذا التجاه آخذا
بنظرية السبب ،التي تتطلب أن يكون السبب مشروعا ،فإن لم يكن سبب العقد مشروعا فل يصح
العقد.
-------------------------------
( )1القواعد لبن رجب :ص .322
( )2تيل الوطار. 154/5 :
( )3مواهب الجليل للحطاب ،254/4 :ط دار الفكر.
( )4/544
( )4/545
والحنفية يقررون أن الرضا والختيار شيئان متغايران .فالختيار :هو القصد إلى النطق بالعبارة
المنشئة للعقد ،سواء أكان ذلك عن رضا أم ل .والرضا :هو الرغبة في أثر العقد عند التلفظ بما يدل
على إنشائه .فإذا وجد الرضا وجد الختيار ،وإذا وجد الختيار ل يلزم وجود الرضا.
وغير الحنفية :الرضا والختيار بمعنى واحد.
لكن في الحياة العملية :قد توجد الرادة الظاهرة وحدها ،ول توجد معها إرادة باطنة ،فماحكم العقد؟
هذا ما يبحث في الفرع الول من هذا المطلب وهو صورية العقد ،ويأتي بعده بحث الفرعين
الخرين .فإذا لم توجد الرادة الباطنة الحقيقية كان العقد صوريا .وإذا وقع الشك في وجود الرادة
الحقيقية ،كان العقد معيبا بعيب من عيوب الرضا أو الرادة.
الفرع الول ـ صورية العقود :
قد توجد الرادة الظاهرة وحدها ،وتنعدم الرادة الباطنة ،فيكون العقد صوريا ،ويظهر ذلك في
الحوال التالية:
-1حالة السكر والنوم والجنون وعدم التمييز والغماء :
إن العقود التي تصدر من النائم والمجنون وغير المميز ونحوهم ل أثر لها ،لنعدام الرادة الحقيقية
في إنشاء العقد .والسكران أيضا ليست له إرادة حقيقية في التصرف ،لكن مع ذلك اختلف الفقهاء في
تصرفاته ،كما تقدم سابقا.
فقال المام أحمد وبعض المالكية ( : )1ل تعتبر تصرفات السكران ،لعدم توفر القصد الصحيح عنده،
فل يصح بيعه وشراؤه وعقوده وطلقه وسائر أقواله .وبه أخذ قانون الحوال الشخصية في سوريا
ومصر ،وهو الرأي الراجح والمعقول لدينا .لكن المشهور في مذهب المالكية :نفوذ طلق السكران.
وقال الحنفية والشافعية ( : )2إذا كان السكر بمباح كحالة البنج والضطرار والكراه ونحوها ،فل
تعتبر أقواله وأفعاله ،ول أثر لعبارته ،لعدم تحقق القصد منه .وإذا كان السكر بمحرم فيؤاخذ بأقواله
عقابا وزجرا له ،فتصح عقوده كالبيع والزواج ،وتصح تصرفاته كالطلق ،وتترتب عليها آثارها.
- 2عدم فهم العبارة :
إذا لم يفهم الشخص عبارة غيره الذي نطق بعبارة تدل على الرضا بالتصرف لم ينعقد العقد ،سواء
في اليجاب أو القبول؛ لن العبارة الصادرة منه ل تدل على قصد صحيح ،ول تعبر عن إرادته،
والرادة أو القصد أساس الرضا.
لكن قال الحنفية ( : )3إذا كان التصرف مما يستوي فيه الجدل والهزل كالزواج والطلق
-------------------------------
( )1المغني ،113/7 :الشرح الكبير ،5/3 :القوانين الفقهية :ص ،227وهذا رأي الكرخي والطحاوي
من الحنفية.
( )2فتح القدير ،40/3 :نهاية المحتاج.12/3 :
( )3فتح القدير ،249/2 :الدر المختار ورد المحتار ،367/2 :ط الميرية.
( )4/546
والرجعة واليمين ،وعلم العاقدان أن اللفظ المستخدم ينعقد به التصرف ،وإن لم يعلما حقيقة معناه،
فينعقد به التصرف؛ لن فهم اللفظ أمر مطلوب لجل
القصد ،وهذه التصرفات ل يشترط فيها القصد ،فل يشترط في الناطق بما يدل عليها أن يكون فاهما
لمعناها .لكن في هذا مغالة؛ لن عدم اشتراط القصد في هذه التصرفات يكون بعد فهم المعنى .ول
يعقل ترتيب الثار على تصرف غير مفهوم المعنى.
- 3حالة التعلم والتعليم والتمثيل :
إذا ردد المتكلم عبارات التصرفات ،ولكنه ل يريد إنشاء التزام أو عقد ،بل يريد غرضا آخر كالتعلم
والتعليم والتمثيل ،فل يترتب على عبارته أي أثر .كما إذا ردد القارئ عبارة البيع أو الشراء أو
الطلق المسطرة في كتب الفقهاء بقصد تعلمها أو حفظها ،أو بقصد تعليمها لغيره ،فل يترتب على
كلمه أي أثر .وكذلك ترديد الممثلين عبارات التمثيل وحكاية أقوال الخرين ،مثل زوجيني نفسك،
فقالت :زوجتك نفسي ،ل يترتب عليه أي أثر؛ لن المتكلم في هذه المثلة ل يقصد إنشاء العقد ،بل
قصد غرضا آخر ،وهو التمثيل أو الحفظ أو توضيح الحكم للتلميذ.
( )4/547
- 4الهزل أو الستهزاء :الهزل ضد الجد :وهو أن يراد بالشيء ما لم يوضع له ول ما يصلح اللفظ
له استعارة .فإذا نطق الشخص بعبارة ل يريد بها إنشاء التصرف ،وإنما قصد بها الهزل أو
الستهزاء والعبث ،مستخدما صورية التصرف القولي أو العقد ،كانت العبارة الصادرة من الهازل
عند الشافعية على الراجح ( )1صالحة لنشاء العقود وترتيب الثار عليها ،سواء في المعاوضات
المالية كالبيع واليجار أم في الحوال الشخصية كالزواج والطلق ،وذلك عملً بالرادة الظاهرة ،ل
بالقصد الداخلي ،وحفاظا على مبدأ استقرار العقود والمعاملت ،ول يلتفت إلى دعوى الهزل.
وفصل الحنفية والحنابلة وأكثر المالكية ( )2بين عقود المبادلت المالية وغيرها .فعقود المبادلت
المالية كالبيع أو التي محلها المال كالهبة والوديعة والعارية ل يترتب على عبارة الهازل بها أي أثر
لعدم تحقق الرضا أو القصد الذي تقوم عليه الرادة.
وأما التصرفات الخمسة التي سوى الشارع فيها بين الجد والهزل (وهي الزواج والطلق والرجعة
والعتاق واليمين) فصححوا عبارة الهازل فيها ،ورتبوا عليها آثارها ،أخذا بحديث نبوي سابق هو:
«ثلث جدهن جد ،وهزلهن جد :النكاح والطلق والعتاق» ( )3وفي رواية «الرجعة» وفي رواية
أخرى «اليمين» ،ولن هذه التصرفات خطيرة مشتملة على حق ل ،وهو ليس موضعا للهزل
والستهزاء.
- 5الخطأ :
الخطأ :هو وقوع الفعل بدون قصد ،كأن يقصد المتكلم النطق بكلمة فيسبق لسانه إلى كلمة أخرى
فيتلفظ بها ،كأن يقول :طلّقت ،وهو يريد أن يقول :بعت.
والمخطئ كالناسي أو المجنون عند الشافعية والمالكية والحنابلة ( )4ليترتب على عبارته أي عقد أو
ل بقول النبي صلّى ال عليه وسلم « :إن ال تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما
التزام ،عم ً
استكرهوا عليه» (. )5
-------------------------------
( )1راجع المجموع شرح المهذب للنووي ،184/9 :نهاية المحتاج.82/6 :
( )2رد المحتار ،367 ،363/2 :ط الميرية ،7/4،255 :الشرح الكبير للدسوقي ،4/3 :المغني:
،535/6كشاف القناع 5/2 :ومابعدها ،غاية المنتهى.17/3 :
( )3رواه الخمسة (أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه) إل النسائي عن أبي هريرة (نيل
الوطار )234/6 :وقال الترمذي :حديث حسن غريب.
( )4الفروق للقرافي ،149/2 :القواعد والفوائد الصولية لبن اللحام الحنبلي :ص 30ومابعدها،
الشباه والنظائر للسيوطي.69 :
( )5حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس.
( )4/548
وقال الحنفية ( : )1المخطئ والناسي يترتب على عبارتهما أثرها في التصرفات والعقود؛ لن الرادة
أمر باطني خفي ل اطلع لنا عليه ،فلو قبلنا دعوى الخطأ والنسيان في التصرفات لتزلزلت
المعاملت ،وضاعت الحقوق.
والخلصة :أن رأي الحنفية في الخطأ على عكس رأيهم في الهزل.
- 6التلجئة أو المواضعة (: )2
هي أن يتظاهر أو يتواطأ شخصان على إبرام عقد صوري بينهما إما بقصد التخلص من اعتداء ظالم
على بعض الملكية ،أو بإظهار مقدار بدل أكثر من البدل الحقيقي ابتغاء الشهرة والسمعة ،أو لتغطية
اسم الشخص الذي يعمل لمصلحته باطنا (قضية السم المستعار) .
أي أن المواضعة إما أن تكون في أصل العقد ،أو في مقدار البدل ،أو في الشخص.
مثال الحالة الولى :أن يخاف إنسان اعتداء إنسان اعتداء ظالم على بعض ما يملك ،فيتظاهر هو
ببيعه لثالث فرارا منه ،ويتم العقد مستوفيا أرفانه وشرائطه .ومثله بيع المدين أمواله لتهريبها من وجه
الدائنين ،أوعقد قروض صورية لبعض الناس لمزاحمة الدائنين الحقيقيين ،أو إقرار المورث لبعض
ورثته بدين لتفضيله في نصيب الرث.
ومثال الحالة الثانية :إعلن زيادة في المهر في عقد الزواج بعد التفاق سرا على مقدار المهر
الحقيقي بقصد الرياء والسمعة والشهرة .أو زيادة الثمن في عقد
-------------------------------
( )1البحر الرائق ،363/3 :التلويح على التوضيح ،169/2 :الشباه والنظائر لبن نجيم،106/1 :
،135/2كشف السرار :ص ،1396مرآة الصول.441/2 :
( )2وتسمى عقد المانة أو التواطؤ.
( )4/549
بيع العقار لمنع الشفيع من الخذ بالشفعة .فل يجب في هذه الحالة إل المهر المتفق عليه سرا في عقد
الزواج ،أو الثمن الحقيقي الذي تم به البيع ،وكل من الزواج والبيع صحيح.
ومثال الحالة الثالثة :تواطؤ اثنين على إخفاء وكالة سرية في عمل معين ،والتظاهر بأن الوكيل يعمل
باسمه لمصلحته الشخصية أو أنه هو الصيل في العمل ،ثم يعلن أن اسمه مستعار ،كأن يقرر شخص
بأن الدكان أو السند أو الموال التي في يده هي لشخص آخر ،فيعد قوله إقرارا بالحق لذلك الشخص
(راجع المجلة :م .)1593 - 1591
وقد اختلف الفقهاء في حكم عقد التلجئة أي بالنسبة للحالة الولى:
فقال الحنفية والحنابلة ( : )1إنه عقد فاسد غير صحيح كحالة الهزل تماما؛ لن العاقدين ما قصدا
البيع ،فلم يصح منها كالهازلين .كما ليصح عقد القرض الصوري أو القرار كما في حالة الهزل (
. )2
وقال الشافعية ( : )3هو بيع صحيح؛ لن البيع تم بأركانه وشروطه ،وأتي باللفظ مع قصد واختيار
خاليا عن مقارنة مفسد ،أي أن رأيهم في هذه العقود كرأيهم في عقود الهازل.
- 7الكراه :
يقصد الشخص في حالة الكراه التلفظ بالعبارة مع فهمه لمعناها ،ولكنه لم يرض بترتب الثار عليها.
فالكراه بنوعيه الملجىء وغير الملجئ يعدم الرضا ،أي الرادة الحقيقية.
-------------------------------
( )1رد المحتار والدر المختار ،255/4 :المغني.189 ،214/4 :
( )2الهزل أعم من التلجئة لنه يجوز أل يكون العاقد فيه مضطرا إليه وأن يكون الهزل سابقا للعقد
أو مقارنا له ،والتلجئة إنما تكون عن اضطرار ،ول تكون مقارنة .هذا في قول ،والظهر كما حقق
ابن عابدين أنهما سواء في الصطلح.
( )3مغني المحتاج ،16/3 :المجموع للنووي.168/8 :
( )4/550
وبما أن الكراه يعدم الرضا لم يترتب عند غير الحنفية (الجمهور) على عبارة المستكره أي أثر في
جميع العقود والتصرفات ،للحديث السابق« :إن ال تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه» فل يصح طلقه وزواجه وغيرهما ،كالسكران .وبهذا أخذ قانون الحوال الشخصية
السوري في المادة ( )1( )89والقانون المصري.
إل أن الشافعية والحنابلة قالوا :بيع المكره باطل (. )2
وقال المالكية :بيع المكره غير لزم ،فيكون للعاقد المستكره الخيار بين فسخ العقد أو إمضائه .وقال
ابن جزي المالكي :بيع المكره وشراؤه باطلن (. )3
وأما الحنفية ( )4فاعتبروا الكراه كالهزل تماما .فالعقود المالية كالبيع والجارة والرهن ونحوها ،أو
التي محلها المال كالهبة والوديعة والعارة تكون موقوفة على إجازة المستكره بعد زوال ظرف
الكراه ،فإن رضي بها وأجازها في مدة ثلثة أيام وبقي العاقد الخر راضيا نفذت ،وإن لم يجزها
بطلت .وهذا رأي زفر وهو الصح.
والتصرفات الخمسة التي ل فيهاحق (وهو الزواج والطلق والرجعة واليمين والعتاق) تكون صحيحة
كالهزل تماما؛ لن الشارع جعل العبارة فيها عند القصد إليها قائمة مقام الرادة ،فيترتب عليها أثرها.
-------------------------------
( )1نص المادة - 1« :ل يقع طلق السكران ول المدهوش ول المكره.
- 2المدهوش :هو الذي فقد تمييزه من غضب أو غيره ،فل يدري ما يقول» .
( )2مغني المحتاج 7/2 :ومابعدها ،غاية المنتهى.5/2 :
( )3الشرح الكبير وحاشية الدسوقي ،6/3 :القوانين الفقهية :ص .246
( )4مختصر الطحاوي :ص ،408 ،191رد المحتار لبن عابدين ،91-89/5 ، 255 ،4/4 :الفرائد
البهية في القواعد للشيخ محمود حمزة :ص .324
( )4/551
( )4/552
كما أنه يمكن التفاق على أنواع جديدة من العقود بحسب ما تقتضيه المصالح القتصادية والتطورات
الزمنية ،دون اقتصار على ما يعرف بالعقود المسماة وهي التي نظمها التشريع وحدد لها التزامات
معينة.
وسنعرف أن الفقه الحنبلي يلتقي مع مبدأ سلطان الرادة المعمول به في نطاق القوانين المدنية
المعاصرة.
وسأبحث هذا المبدأ في الفقه السلمي من ناحيتين:
الولى ـ حرية التعاقد ورضائيته.
والثانية ـ حرية الشتراط وترتيب آثار العقد.
الولى ـ حرية التعاقد ورضائيته :
اتفقت الجتهادات السلمية على أن الرضا أساس العقود ( )1لقوله تعالى في المعاملت المالية{ :يا
أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن
-------------------------------
( )1راحع نظرية العقد لبن تيمية :ص 152ومابعدها.
( )4/553
تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء ]29/4:وقوله سبحانه في استحقاق أخذ شيء من حقوق
الزوجات{ :فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} [النساء ]4/4:وقال النبي صلّى ال
عليه وسلم «إنما البيع عن تراض» (« )1ل يحل مال امرئ مسلم إل عن طيب نفس منه» (. )2
وبناء عليه فإن مجرد التراضي هو الذي يولد العقد والتزاماته ،دون حاجة لممارسة شكلية معينة ،إل
عقد الزواج الذي يخضع لخطورته لشكلية العلن بالشهاد عليه .والرادة حرة في إبرام العقد دون
خضوع لي نوع من أنواع الكراه العقدي ،سواء في المعاملت المالية ،أم في عقود الزواج ،إل ما
توجبه قواعد العدالة ومصلحة الجماعة ،كبيع القاضي أموال المدين المماطل جبرا عنه ليفاء ديونه،
وبيع الموال المحتكرة لصالح الجماعة ،واستملك الراضي للمصالح العامة.
واختلفت الجتهادات السلمية على رأيين في مبدأ حرية إنشاء العقود (حرية التعاقد) أي اختيار نظام
معين ليكون عقدا بين طرفين ،أو اختيار نوع معين من أنواع العقود الجديدة بالضافة إلى العقود
المتعارف عليها في الماضي .وهذان الرأيان هما ما يأتي:
الرأي الول ـ للظاهرية ( :أتباع داود بن علي وابن حزم الندلسي) ( )3وهم المضيقون الذين
يقولون :الصل في العقود المنع حتى يقوم دليل على الباحة ،أي أن كل عقد أو شرط لم يثبت جوازه
بنص شرعي أو إجماع فهو باطل ممنوع ( . )4واستدلوا على رأيهم بأدلة ثلثة:
- 1إن الشريعة شاملة لكل شيء ،وقد تكفلت ببيان ما يحقق مصالح المة ،ومنها العقود ،على أساس
من العدل ،وليس من العدل ترك الحرية للناس في عقد مايريدون من العقود ،وإل أدى ذلك إلى هدم
نظام الشريعة.
-------------------------------
( )1حديث حسن رواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري.
( )2رواه الدارقطني عن أنس ،وفيه مجهول (نيل الوطار.)316/5 :
( )3وليس لهم أتباع في العصر الحاضر.
( )4فتاوى ابن تيمية ،323/3 :الحكام في أصول الحكام لبن حزم 593/5 :ومابعدها ط المام.
( )4/554
- 2يقول النبي صلّى ال عليه وسلم « :من عمل عملً ليس عليه أمرنا فهو رد» ( )1فكل عقد أو
شرط لم يشرعه الشرع بنص أو إجماع يكون باطلً؛ لنه إذا تعاقد الناس بعقد لم يرد في الشريعة
وأصولها يكونون قد أحلوا أو حرموا غير ماشرع ال ،وليس لحد من المؤمنين سلطة التشريع .قال
ابن حزم معلقا على هذا الحديث« :فصح بهذا النص بطلن كل عقد عقده النسان والتزمه ،إل ما
صح أن يكون عقدا جاء النص أو الجماع بإلزامه باسمه أو بإباحة التزامه
بعينه» (. )2
- 3يؤيده الحديث النبوي« :ما كان من شرط ليس في كتاب ال فهو باطل ،وإن كان مئة شرط» ()3
أي أن الشرط غير المنصوص عليه باطل ،فيقاس عليه العقد ،غير المنصوص عليه.
الرأي الثاني ـ للحنابلة وبقية الفقهاء :وهم الموسعون الذين يقولون :الصل في العقود وما يتصل بها
من شروط الباحة ما لم يمنعها الشرع أو تخالف نصوص الشرع .واستدلوا على رأيهم بما يأتي:
- 1إن اليات القرآنية والحاديث النبوية السابق ذكرها لم تشترط لصحة العقد إل الرضا والختيار،
وكذلك آية {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة ]1/5 :أوجبت الوفاء بكل عقد دون استثناء ،أي
أنها نصت على مبدأ القوة اللزامية للعقد ،وأوجبت على النسان الوفاء بعقده الذي باشره بإرادته
الحرة ،فيصبح العقد ملزما له بنتائجه ،ومقيدا لرادته حفظا على مبدأ استقرار التعامل .وهذا يدل
على أن تحريم شيء من العقود أو الشروط التي يتعامل بها الناس تحقيقا لمصالحهم ،بغير دليل
شرعي ،تحريم لما لم يحرمه ال ،فيكون الصل في العقود والشروط هو الباحة.
- 2هناك فرق بين العبادات والمعاملت .أما العبادات فيجب ورود الشرع بها ،وأما المعاملت
ومنها العقود فل تتطلب ورود الشرع بها .فيكفي في صحتها أل تحرمها الشريعة استصحابا للمبدأ
الصولي وهو أن الصل في الفعال والقوال والشياء هو الباحة؛ لن القصد من المعاملت رعاية
مصالح الناس ،فكل ما يحقق مصالحهم يكون مباحا .ويصح التعامل بعقود جديدة لم تعرف سابقا من
طريق القياس أو الستحسان أو الجماع أو العرف الذي ل يصادم أصول الشريعة ومبادئها .وهذه
المصادر ل بد لها من سند في الكتاب أو السنة.
-------------------------------
( )1رواه مسلم عن عائشة ،وفي لفظ البخاري« :من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» .
( )2الحكام في أصول الحكام.615/5 :
( )3رواه مسلم عن عائشة بلفظ «ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب ال ،ما كان من
شرط ليس في كتاب ال فهو باطل ،ولو كان مئة شرط ،كتاب ال أوثق» .
( )4/555
- 3يؤيد ذلك قوله عليه الصلة والسلم« :الصلح جائز بين المسلمين إل صلحا حرم حللً أو أحل
حراما ،والمسلمون على شروطهم إل شرطا حرم حللً أو أحل حراما» (« )1الناس على شروطهم
ما وافقت الحق» ويقاس على الشروط الصحيحة كل عقد ل يصادم أصول الشريعة ،ويحقق مصالح
الناس.
وهذا الرأي هو الصح ،إذ لم نجد في الشرع ما يدل على أي حصر لنواع العقود وتقييد الناس بها،
فكل موضوع لم يمنعه الشرع ول تقتضي قواعد الشريعة وأصولها منعه جاز التعاقد عليه ،على أن
تراعى شرائط انعقاد العقود كالهلية والصيغة وقابلية المحل لحكم العقد.
الثانية ـ حرية الشتراط وترتيب آثار العقود والقوة الملزمة للعقد :
اتفق الفقهاء على أن العقد المستكمل لركانه وشرائطه يتمتع بالقوة اللزامية أي أن كل عقد باشره
النسان بإرادته الحرة ملزم له بنتائجه ،ومقيد لرادته؛ لقوله تعالى{ :يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}
[المائدة ]1/5:وقوله{ :وأوفوا بالعهد ،إن العهد كان مسؤولً} [السراء.]34/17:
واتفق الفقهاء أيضا على أن ترتيب آثار العقود هي في الصل من عمل الشارع ،ل من عمل
المتعاقدين .فإرادة المتعاقدين هي التي تنشئ العقد ،ولكن الشريعة هي التي ترتب ما لكل عقد من حكم
وآثار ،و يقول الفقهاء :إن العقود أسباب «جعلية شرعية» لثارها ،أي أن الرابطة بين العقد وآثاره
باعتبار أن أحدهما مسبب والخر سبب ليست رابطة آلية طبيعية عقلية ،وإنما هي رابطة جعلها
الشارع بينهما ،حتى ل يبغي بعض الناس على بعض بما يشترطون من شروط ،وحتى يكون لكل
تصرف حكمه من المشرع الحكيم.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي عن عمرو بن عوف ،وقوله« :والمسلمون »..من زيادة
رواية الترمذي ،وقال عنه :هذا حديث حسن صحيح .وقولهم «الناس على شروطهم» في معنى
«المسلمون على شروطهم...الحديث» .
( )4/556
فإرادة النسان مقصورة على إنشاء العقد فقط كعقد البيع ،وأما ما يترتب على العقد من آثار كنقل
ملكية المبيع إلى المشتري واستحقاق الثمن في ذمة المشتري للبائع ،فمتروك لتقدير الشرع.
وتستمد إرادة العاقدين سلطانها من الشرع بالحدود التي حددها لكل عقد ،فقد تكون حدود الشرع
محققة لحاجةالعاقدين ،فل يحتاجان إلى اشتراط شروط تنقص أو تزيد من آثار العقد المشروعة ،فإن
لم تحقق حاجة العاقدين وغرضهما احتاجا إلى اشتراط شروط تحقق الغرض المطلوب.
فما مدى سلطة العاقدين على تعديل آثار العقود ،أو ما صلحية الفقهاء في استنباط الحدود المقررة
في الشرع أو تعديل الثار الصلية للعقد عن طريق اشتراط العاقدين الشروط العقدية إما بالنقص من
تلك الثار ،أو بإضافة التزامات على أحد العاقدين ل يستلزمها أصل العقد؟.
وحرية الشتراط :هو مبدأ سلطان الرادة في تعديل آثار العقد المقرر في القوانين ،علما بأن الشريعة
والقانون متفقان على أن تقرير آثار العقود وأحكامها هو من إرادة الشارع ل من عمل العاقد ،والفارق
بينهما في مدى تفويض الشارع إلى العاقدين من السلطان على تعديل الحكام التي قررها التشريع
مبدئيا في كل عقد (. )1
للفقهاء الشرعيين رأيان في حرية الشتراط في العقود:
الرأي الول ـ للظاهرية ،وهم القائلون بأن الصل في العقود المنع ،قالوا :إن الصل في الشروط
المنع ،فكل شرط لم يقره الشرع في القرآن أو السنة فهو باطل.
الرأي الثاني ـ لسائر الفقهاء الخرين :وهو أن الصل في العقود والشروط الباحة ،لكن هؤلء
فريقان:
- 1الحنابلة يقولون :الصل في الشروط العقدية هو الطلق ،فكل شرط لم يرد الشرع بتحريمه فهو
جائز.
- 2غير الحنابلة يقولون :الصل في الشروط العقدية هو التقييد ،فكل شرط خالف الشرع أو مقتضى
العقد فهو باطل ،وما عداه فهو صحيح.
-------------------------------
( )1المدخل الفقهي للزرقاء :ف ،215وحاشية ف :217ص .475
( )4/557
وقد سبق ذكر أدلة المذهبين في بحث حرية التعاقد .وفي رأيي أنه يؤخذ برأي الحنابلة في إطلق
حرية الشتراط للعاقدين في العقود المالية ،تحقيقا لحاجات الناس ومصالحهم ومراعاة لما يطرأ من
تطورات وأعراف في إبرام عقود لغراض مشروعة ،وإل لشلت حركة التجارة والنشاط القتصادي
الذي اتسع ميدانه في العقود والشروط على نحو لم يكن معروفا لدى الفقهاء.
ويؤخذ برأي غير ا لحنابلة في عقود الزواج حرصا على ما له من حرمة وقداسة ولما فيه من جانب
العبادة ولما تتطلبه السرة من استقرار ودوام ،ينبغي من أجله عدم إفساح المجال لحرية الشتراط
التي تتأثر بالهواء ،وتعصف بأغراض الزواج السامية .وقد قال الفقهاء« :الصل في البضاع ـ أي
المتعة الجنسية ـ التحريم» .
وأكتفي هنا ببيان مذهبي الحنفية والحنابلة في الشروط المقترنة بالعقد .أما مذهب الشافعية فقريب من
مذهب الحنفية ،ومذهب المالكية قريب من مذهب الحنابلة.
أولً ـ مذهب الحنفية في الشروط :
قسم الحنفية الشروط إلى ثلثة أنواع :الشرط الصحيح ،والشرط الفاسد ،والشرط الباطل (. )1
-------------------------------
( )1راجع البدائع ،172-168/5 :المبسوط ،18-13/13 :فتح القدير 214/5 :ومابعدها ،رد المحتار
لبن عابدين 126/4 :ومابعدها.
( )4/558
الول ـ الشرط الصحيح :هو ماكان موافقا لمقتضى العقد ( ، )1أو مؤكدا لمقتضاه ،أو جاء به
الشرع ،أو جرى به العرف.
مثال الشرط الذي يقتضيه العقد :اشتراط البائع تسليم الثمن أو حبس المبيع حتى أداء جميع الثمن،
واشتراط المشتري تسليم المبيع ،أو تملكه .واشتراط الزوجة على زوجها أن ينفق عليها ،واشتراطه
عليها تسليم نفسها إذا قبضت مهرها .فهذه شروط تبين مقتضى العقد أوتوافق مقتضاه؛ لن مضمونها
واجب التحقق شرعا ،حتى ولو لم يشترطها أحد العاقدين؛ لن ثبوت الملك والتسليم والتسلم وحبس
المبيع من مقتضى المعاوضات ،والنفاق على الزوجة وزفافها من مقتضى الزواج.
ومثال الشرط المؤكد لمقتضى العقد :اشتراط البائع تقديم كفيل أو رهن معينين بالثمن عن تأجيله
للمستقبل ،فإن الكفالة والرهن استيثاق بالثمن ،فيلئم البيع ويؤيد التسليم .ومثله اشتراط كون والد
الزوج كفيلً بالمهر والنفقة.
والشرط الذي ورد به الشرع :مثل اشتراط الخيار أو الجل لحد المتعاقدين ،أو اشتراط الطلق إذا
طرأ سبب داع له ،فذلك كله مشروع في الشرع.
والشرط الذي جرى به العرف :مثل اشتراط المشتري على البائع التعهد بإصلح الشيء المشترى مدة
معينة من الزمان ،كالساعة ،والمذياع ،والسيارة ،والغسالة ،والثلجة ،واشتراط حمل البضاعة إلى
مكان المشتري ،فهذا مما تعارفه الناس وإن كان فيه زيادة منفعة لحد العاقدين ،فجاز استحسانا خلفا
لزفر من الحنفية ،بدليل أن النبي اشترى في السفر من جابر بن عبد ال بعيرا ،وشرط لجابر ركوبه
وحملنه عليه إلى المدينة.
وإقرار هذا الشرط عند الحنفية أدى إلى توسيع حرية الناس في الشتراط ،بما يحقق لحد العاقدين
منفعة زائدة عن مقتضى العقد .كما أدى إلى زوال الشرط الفاسد من معاملت الناس .وأصبحت
الشروط كلها صحيحة بالعرف إل إذا كانت مصادمة لنص تشريعي ،أو منافية لمبادئ الشريعة
ومقاصدها العامة.
-------------------------------
( )1مقتضى العقد :هو الحكام الساسية التي قررها الشرع لكل عقد ،سواء بالنص عليها مباشرة أو
باستنباط المجتهدين ،بقصد تحقيق التوازن في الحقوق بين العاقدين.
( )4/559
الثاني ـ الشرط الفاسد :هو مالم يكن أحد النواع الربعة السابقة في الشرط الصحيح ،أي أنه الذي ل
يقتضيه العقد ،ول يلئم المقتضى ،ول ورد به الشرع ،ولم يتعارفه الناس ،وإنما فيه منفعة زائدة لحد
المتعاقدين ،كشراء حنطة على أن يطحنها البائع ،أو قماش على أن يخيطه البائع قميصا مثلً ،أو
شراء بضاعة على أن يتركها في ملك البائع شهرا ،أو بيع دار على أن يسكنها البائع شهرا أو أكثر،
أو شراء أرض على أن يزرعها البائع سنة ،أو شراء سيارة على أن يركبها البائع مدة من الزمن ،أو
على أن يقرضه قرضا أو يهب له هبة ونحو ذلك.
وفي الزواج :اشتراط الزوجة أل تنتقل من بلدها التي تزوجت فيها ،أو أل يتزوج عليها ،أو أن يطلق
امرأته الولى ،أو أل يطلقها أبدا.
ويختلف أثر الشرط الفاسد على العقود بحسب نوع العقد .والقاعدة المقررة في ذلك هي :أن الشرط
الفاسد في عقود المعاوضات المالية يفسدها ،وفي غيرها ل يؤثر عليها (. )1
إن الشرط الفاسد في المعاوضات المالية كالبيع والجارة والقسمة والمزارعة والمساقاة والصلح عن
المال يفسدها ( )2؛ لما روي عن النبي صلّى ال عليه وسلم أنه
-------------------------------
( )1تبيين الحقائق.131/4 :
( )2انفرد المام مالك من بين الفقهاء بأن الشرط الذي يفسد العقد إن لم يتمسك به مشترطه ،ينقلب
العقد صحيحا لزوال سبب الفساد ،لن العلة التي أوجدت الفساد زالت بزوال المانع من صحة العقد
وهو عدم تمسك صاحب الشرط به (نظرية العقد لبي زهرة :ص .)244
( )4/560
«نهى عن بيع وشرط» ( )1ولن الشرط الفاسد يتنافى مع مبدأ التعادل الذي تقوم عليه المبادلت
المالية.
وأما العقود الخرى غير المبادلت المالية كالتبرعات (هبة أو إعارة) والتوثيقات (كفالة أو حوالة أو
رهن) ،والزواج والطلق ،والطلقات كالوكالة ،فل يؤثر عليها الشرط الفاسد ،ويبقى العقد صحيحا،
ويصير الشرط لغيا ل أثر له ،لما ثبت في السنة النبوية من تصحيح هذه العقود وإلغاء الشروط
الفاسدة ،كالحكم بصحة الهبة وبطلن شرط التأقيت مثلً.
الثالث ـ الشرط الباطل :هو ما لم يكن أحد أنواع الصحيح ،وليس فيه منفعة لحد المتعاقدين ول
لغيرهما ،وإنما هو ما كان فيه ضرر لحد العاقدين ،كاشتراط بائع البضاعة على المشتري أل يبيعها
أو ل يهبها لحد ،واشتراط بائع الدار على المشتري أن يتركها من غير سكن مدة شهر في كل سنة
مثلً ،واشتراط بائع سيارة أل يُركب المشتري فلنا فيها أو يضعها في مكان خاص.
العقد صحيح حينئذ ،والشرط لغو باطل ل قيمة له ،سواء في عقود المعاوضات ،أم في العقود الخرى
كالزواج والكفالة والهبة.
ثانيا ـ مذهب الحنابلة في الشروط :
مذهب الحنابلة وعلى التخصيص ابن تيمية وابن القيم أوسع المذاهب في الخذ بحرية الشتراط (، )2
فهم أقرب إلى الفقه القانوني الخذ بمبدأ سلطان الرادة ،فهم يرون أن الصل في الشروط الباحة أو
الطلق ،فيصح كل شرط فيه منفعة أو مصلحة لحد العاقدين ،كاشتراط صفة معينة في المبيع أو في
أحد الزوجين ،واشتراط منفعة في عقد البيع كسكنى الدار المبيعة بعد بيعها مدة معينة ،وتوصيل
المبيع لدار المشتري ،وخياطة الثوب للمشتري ،واشتراط الزوجة على الزوج أل يتزوج عليها ،أو أل
يسافر بها ،أو أل ينقلها من منزلها.
-------------------------------
( )1رواه أبو حنيفة ،وعبد الحق في أحكامه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
( )2كشاف القناع ،40/2 :غاية المنتهى ،26-23/2 :أعلم الموقعين ،402-401/3 :ط السعادة،
فتاوى ابن تيمية 326/3 :ومابعدها ،زاد المعاد ،4/4 :نظرية العقد لبن تيمية :ص 214ومابعدها.
( )4/561
هذه شروط صحيحة يجب الوفاء بها ،سواء في عقود المعاوضات المالية ،أم في عقود التبرعات ،أو
في التوثيقات (أو التأمينات بلغة العصر) ،أو الزواج ونحوه ،فإن لم يوف بها جاز للعاقد الخر فسخ
العقد.
وهذا رأي القاضي شريح ( ، )1وابن شُبرمة ( )2الكوفي ،وابن أبي ليلى ( )3وجماعة من فقهاء
المالكية ،بدليل أن جابرا باع النبي صلّى ال عليه وسلم بعيرا واشترط حملنه عليه إلى أهله وأقره
النبي على ذلك ودفع له الثمن ( . )4إن اشتراط الركوب على الجمل فيه منفعة للبائع ،فهو شرط
فاسد ،والفاسد ل يؤثر في العقد مطلقا.
ولم يستثن الحنابلة ومن وافقهم من الشروط الجائزة إل الشرط المنافي لمقتضى العقد ،أو الذي ورد
النهي عنه.
)1الشرط المنافي لمقتضى العقد :كاشتراط البائع على المشتري أل يبيع الشيء المشترى مطلقا ،أو
أل يقفه على جهة خير مثلً ،أو أل يسكن فيه أحدا باليجار وغيره ،العقد حينئذ صحيح والشرط لغ؛
لن في هذا الشرط حرمان العاقد من الستفادة مما يثبته العقد له من حقوق.
-------------------------------
( )1شريح القاضي ابن الحارث بن قيس ،قاضي الكوفة والبصرة ،استمر على القضاء في زمن عمر
وعثمان وعلي ومعاوية ،واستعفى في أيام الحجاج ،مات بالكوفة سنة 79هـ.
( )2عبد ال بن شبرمة ،قاضي فقيه تابعي ،عاصر أبا حنيفة ،له مذهب فقهي اندثر ،ولد سنة 72هـ
ومات سنة 144هـ.
( )3هو محمد بن عبد الرحمن قاضي الكوفة ،فقيه عالم ،مات سنة 148هـ.
( )4أخرج لفظه أحمد والشيخان عن جابر (نيل الوطار.)178/5 :
( )4/562
) 2الشرط المنهي عنه أو المخالف لحكم ال ورسوله ،كاجتماع صفقتين في عقد واحد ،مثل اشتراط
البائع على المشتري إيجار الدار لفلن ،أو أن يهبه شيئا ،أو يبيع له شيئا أو يقرضه مبلغا من المال،
أو أل يبيع الناتج الزراعي كالقطن وغيره إل له واشتراط الزوجة أن يطلق امرأته الولى .هذه
شروط فاسدة تفسد العقد؛ لن رسول ال صلّى ال عليه وسلم «نهى عن بيعتين في بيعة» أو «عن
صفقتين في صفقة» ( )1ولن ذلك يؤدي غالبا إلى النزاع بين المتعاقدين في العقد الخر المشروط،
فيسري النزاع إلى العقد الصلي.
رأي المتأخرين من الحنابلة :أفاض ابن تيمية وابن القيم في بيان نظريتهما في أن الصل في العقود
والشروط الباحة أو الجواز والصحة حتى يقوم الدليل على المنع؛ لنها من العادات التي تراعى فيها
مصالح الناس .فإن حرمنا ما يجري بين الناس من عقود وشروط ،بغير دليل من الشارع،نكون قد
حرمنا ما لم يحرمه ال.
وال تعالى أمرنا بالوفاء بالعقود في قوله{ :يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة ،]1/5:وطالبنا
النبي عليه السلم بتنفيذ الشروط في قوله المتقدم« :والمسلمون على شروطهم ،إل شرطا أحل حراما،
أو حرم حللً» .وقررت الشريعة أن الصل في العقود رضا المتعاقدين ،وأثرها :هو ما أوجباه على
نفسيهما بالتعاقد ،وذلك في قوله تعالى { :إل أن تكون تجارة عن تراض منكم } [النساء]29/4:
فالتراضي هو المبيح للتجارة ،وقوله تعالى{ :فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا}
[النساء ]4/4:فإذا كان طيب النفس هو المبيح للصداق ،فكذلك سائر التبرعات.
-------------------------------
( )1اللفظ الول رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه عن أبي هريرة .واللفظ الثاني رواه أحمد
عن ابن مسعود (نيل الوطار.)152/5 :
( )4/563
أما استثناء الشرط أو العقد المناقض حكم ال ورسوله ،فلقوله صلّى ال عليه وسلم في الحديث
المتقدم« :من أحدث في أمرنا ـ أو ديننا ـ هذا ما ليس منه فهو رد» وفي لفظ «من عمل عملً ليس
عليه أمرنا فهو رد» فكل شرط يناقض حكم ال ورسوله يكون باطلً باتفاق المسلمين ،كاشتراط
التعامل بالربا أو التجار في الخمر ونحو ذلك ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :كل شرط ليس في
كتاب ال فهو باطل» والمقصود بالشرط الذي ليس في كتاب ال :هو ما فسره عمر بن الخطاب في
رسالته لبي موسى الشعري في القضاء« :والصلح جائز بين المسلمين إل صلحا أحل حراما ،أو
حرم حللً» .
وأما استثناء الشرط المنافي لمقصود العقد ،كاشتراط عدم النتفاع بالمشترى ببيع أو إيجار ،فلنه
جمع بين المتناقضين ،أي بين إثبات المقصود ونفيه ،فل يحصل شيء.
ويلحظ أن الحنابلة حصروا الشرط المنافي في المناقضة لمقصود العقد الصلي .فلو شرط البائع
على المشتري أل يبيع ما اشتراه ،فإنه يكون منافيا أو مبطلً للمقصود الصلي من العقد ،وهو الملك
المبيح للتصرف .أما إذا شرط البائع منفعة أخرى كسكنى الدار أو زراعة الرض ،فإنه ل يكون
منافيا لمقتضى العقد ،ويكون الشرط صحيحا .وكذلك في الزواج لو شرط فيه أل تحل به المتعة
الزوجية يبطل العقد ،لكن لو شرط فيه عدم ممارسة الستمتاع الزوجي يصح العقد ويلغو الشرط.
أما الحنفية فقد توسعوا في تفسير المنافاة ،وقالوا :كل ما يكون من الشروط فيه منفعة لحد
المتعاقدين ،يكون منافيا لمقتضى العقد.
والخلصة :إن الحنابلة وموافقيهم يرون أن الشريعة فوضت لرادة العاقدين تحديد مقتضيات العقود،
أو آثارها ضمن نطاق حقوقهما ومصالحهما في كل ما ل يصادم نصوص الشريعة أو أصولها الثابتة.
( )4/564
وهذا التجاه لعمر وشريح وابن شبرمة والحنابلة يتفق تماما مع ما تقرره القوانين الحديثة من مبدأ
سلطان الرادة ،وإعطاء الحرية للعاقدين في اشتراط أي شرط ل يخالف قواعد النظام العام أو الداب
أو النصوص القانونية الخاصة.
مزايا الفقه الحنبلي في الشروط :
كان للجتهاد الحنبلي في حرية الشتراط العقدي مزايا مهمة فيما يأتي:
ً 1ـ الزواج :
أجاز الحنبلية الخذ بمبدأ حرية الشتراط في الزواج ،لما ثبت في الصحيحين عن النبي صلّى ال
عليه وسلم أنه قال« :إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» ولما للزواج من جانب
كبير من الخطورة والقدسية ،إذ تقوم عليه أسرة تتطلب الحفاظ عليها ،فتكون رعاية الشروط التي فيها
منفعة أوجب وألزم من العقود الخرى.
إنهم أجازوا خلفا للحنفية والشافعية والمالكية للزوجين اشتراط ما شاءا من الشروط التي فيها منفعة
مقصودة ل تتعارض مع موضوع الزواج ونصوص الشريعة.
وذلك كاشتراط المرأة أل يسافر بها زوجها ،أو أل ينتقل بها من دارها ويسكن معها ،أو أل يتزوج
عليها ،أو أن يطلق امرأته الولى ( ، )1أو اشتراط أحد الزوجين كون الخر موسرا ونحو ذلك.
-------------------------------
( )1اختلف الحنابلة في صحة هذا الشرط ،فنص ابن قدامة صاحب المغني على عدم صحة هذا
الشرط ،ولكن أكثر الحنابلة على القول بالصحة(المغني ،560/6 :تصحيح الفروع.)56/3 :
( )4/565
أما اشتراط توقيت الزواج ،أو عدم المهر ،أو عدم النفقة الزوجية أو عدم الستمتاع الزوجي ونحوه،
فل يصح لمصادمته أصول الزواج (. )1
وإذا لم يوف الزوج بالشرط كان الطرف الخر المشروط له مخيرا بين الستمرار وفسخ العقد بسبب
عدم الوفاء بالشرط.
ً 2ـ التبرعات :
أجاز الحنابلة للمتبرع استثناء بعض منافع الشيء المتبرع به ،ولو لم تكن المنفعة معلومة ،لقوله
تعالى{ :ما على المحسنين من سبيل} [التوبة ]91/9:فللواهب أو الواقف أو المتصدق أن يشترط لنفسه
منفعة من منافع الشيء مدة حياته ،كأن يستثني غلة الوقف ما عاش الواقف ،أو منفعة الدار الموهوبة
مدة الحياة.
ً 3ـ المعاوضات :
أجاز الحنابلة أيضا استثناء بعض منفعة الشيء المبيع بشرط أن تكون المنفعة معلومة ،كأن يبيع الدار
على أن يظل ساكنا فيها مدة معينة ،أو السيارة على أن يركبها مدة معينة ،والسبب في اشتراط كون
المنفعة المستثناة معلومة في المعاوضات بعكس التبرعات :هو بناء المعاوضات على التعادل بين
الطرفين ،بحث ل يغبن أحدهما الخر غبنا فاحشا ،فل بد من كون المنفعة معلومة حتى ل يقع نزاع
بين العاقدين ،أما التبرع فل تعادل فيه ،ول يتأتى النزاع فيه بين الطرفين.
وجوزوا استثناء بعض الحقوق كأن يكون البائع أحق بشراء المبيع إذا أراد المشتري بيعه لخر.
-------------------------------
( )1نظرية العقد لبن تيمية :ص 208ومابعدها ،المغني 548/6 :وما بعدها.
( )4/566
ولم يمنعوا إيجاب بعض الواجبات على المالك كبيع العقار على أن يقفه المشتري ،أو يتصدق به ،أو
يقضي دين فلن أو يصل به رحمه ( . )1وهذا دليل على جواز الشتراط لمصلحة الغير.
وصحح جماعة من الحنابلة خلفا لبقية الفقهاء البيع بما ينقطع عليه السعر في المستقبل بتاريخ معين
من غير تقدير ثمن أو تحديده وقت العقد ،لتعارف الناس وتعاملهم به في كل زمان ومكان ( ، )2كبيع
القطن بما يستقر عليه سعر السوق في بورصة القطان في الساعة السادسة من يوم كذا .وهذا ما أخذ
به القانون المدني السوري في المادة ( )392وكذا أصله المصري.
وجعل الحنابلة خلفا لجمهور الفقهاء بيع العربون صحيحا مشروعا :وهو أن يبيع الشخص شيئا،
ويأخذ من المشتري مبلغا من المال يسمى عربونا لتوثيق الرتباط بينهما ،فإن تم البيع بينهما احتسب
العربون المدفوع من الثمن ،وإن نكل المشتري كان العربون للبائع ،هبة من المشتري له ( . )3أخذ
القانون المدني السوري في المادة ( )104بطريقة بيع العربون هذه .وأصبحت طريقة البيع بالعربون
في عصرنا الحاضر أساسا للرتباط في التعامل التجاري الذي يتضمن التعهد بتعويض ضرر الغير
عن التعطل والنتظار .ويسمى ضمان التعويض عن التعطل والنتظار في الفقه القانوني :الشرط
الجزائي ( . )4وقد أقره القاضي شريح بقوله «من شرط على نفسه طائعا غير مكره عليه» (. )5
-------------------------------
( )1فتاوى ابن تيمية.347/3 :
( )2أعلم الموقعين 5/4 :ومابعدها ،غاية المنتهى ،14/2 :نظرية العقد لبن تيمية ص .220
( )3غاية المنتهى ،26/2 :المغني ،232/4 :وكذلك صحح الحنابلة الجارة بالعربون.
( )4مصادر الحق للسنهوري 96/3 :ومابعدها ،المدخل الفقهي للستاذ الزرقاء :ف .234
( )5أعلم الموقعين ،400/3 :ط السعادة.
( )4/567
وأجازه الحنابلة لتعارف الناس له ،ولما ثبت في السنة« :أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم سئل عن
العربان في البيع فأحله» ( )1ويؤيده أثر عن عمر وهو« :أن نافع بن عبد الحارث العامل لعمر على
مكة ،اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية بأربعة آلف درهم ،فإن رضي عمر كان البيع
نافذا ،وإن لم يرض فلصفوان أربع مئة درهم» وأقر عمر شرطه هذا (. )2
ً 4ـ تعليق التصرفات مطلقا بشرط :
أجاز الحنابلة تعليق التصرف بشرط معلق في جميع أنواع العقود والفسوخ والتبرعات واللتزامات
من بيع وإجارة وكفالة وإقالة وإبراء وزواج وغيرها ،كأن يقول شخص :إن وصلت بضاعتي
المستوردة اليوم فقد بعتكها بكذا .أو تقول امرأة :زوجتك نفسي على مهر كذا إن رضي أخي أوعمي
مثلً.
ودليلهم على الجواز إطلق الحديث النبوي المتقدم« :المسلمون عند شروطهم ،إل شرطا أحل حراما
أو حرم حللً» ولن تعليق العقود وغيرها على شرط قد تدعو إليه الضرورة أو الحاجة أو المصلحة
( . )3
ومنع جمهور الفقهاء التعليق في جميع العقود ول سيما التمليكات والزواج ،واعتبروها باطلة.
وسوغوا فقط تعليق السقاطات كالطلق .كما سوغ الحنفية تعليق عقود اللتزامات والطلقات
كالكفالة والوكالة بالشرط الملئم فقط ،مثل إذا سافر مدينك فأنا كفيله ،إذا وصلت بضاعتي من الحديد
مثلً فقد وكلتك ببيعها.
الفرع الثالث ـ عيوب الرادة أو عيوب الرضا :
عيوب الرادة :هي المور التي تحدث خللً في الرادة أو تزيل الرضا الكامل في إجراء العقد.
وتسمى قانونا عيوب الرضا .وهي أربعة أنواع :الكراه ،الغلط ،التدليس (أو التغرير) ،الغبن مع
التغرير .ويختلف تأثيرها على العقد ،فقد تجعل العقد باطلً ،كالغلط في محل العقد ،وقد تجعله فاسدا
أو موقوفا كالكراه ،وقد تجعله غير لزم كالغلط في الوصف ،والتدليس ،والغبن مع التغرير.
- 1الكراه :
الكراه في اللغة :هو حمل الغير على أمر ل يرضاه ،قهرا .وفي اصطلح الفقهاء :حمل الغير على
أن يفعل ما ل يرضاه ،ول يختار مباشرته ،لو ترك ونفسه.
والمقصود بالرادة :مجرد اعتزام الفعل والتجاه إليه ،فهي أعم الحوال.
-------------------------------
( )1حديث مرسل أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن زيد بن أسلم ،وفي إسناده إبراهيم بن يحيى،
وهو ضعيف (نيل الوطار )153/5 :وأبطله الجمهور بما رواه أحمد والنسائي وأبو داود ومالك في
الموطأ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال« :نهى النبي صلّى ال عليه وسلم عن بيع
العُرْبان» وهو حديث منقطع ،وفيه راو ضعيف ل يحتج به وهو حبيب كاتب المام مالك (المرجع
السابق).
( )2أعلم الموقعين.401/3 :
( )3أعلم الموقعين.399/3 :
( )4/568
والمقصود بالختيار :ترجيح فعل الشيء على تركه أو العكس وهو أخص من الرادة.
والرضا :هو الرتياح إلى فعل الشيء والرغبة به ،وهو أخص من الختيار.
والكراه نوعان :ملجئ أو كامل ،وغير ملجئ أو ناقص (. )1
والكراه الملجئ أو التام :هو الذي ل يبقى للشخص معه قدرة ول اختيار ،بأن يهدده بالقتل ،أو
بإتلف بعض العضاء ،أو بالضرب الشديد الذي يخشى منه القتل أو تلف العضو ،أو تلف جميع
المال.
وحكمه :أنه يعدم الرضا ويفسد الختيار.
والكراه الناقص أو غير الملجئ :هو التهديد بما ل يضر النفس أو العضو ،كالتهديد بالضرب اليسير
أو بالحبس ،أو بإتلف بعض المال ،أو بإلحاق الظلم كمنع الترقية أو إنزال درجة الوظيفة.
وحكمه :أنه يعدم الرضا ،ول يفسد الختيار.
وهناك نوع ثالث :وهو الكراه الدبي :وهو الذي يعدم تمام الرضا ،ول يعدم الختيار ،كالتهديد
بحبس أحد الصول أو الفروع ،أو الخ أو الخت ونحوهم ،وحكمه :أنه إكراه شرعي استحسانا ل
قياسا ،كما قرر الكمال بن الهمام من الحنفية ،وهو رأي المالكية ،ويترتب عليه عدم نفاذ التصرفات
المكره عليها.
ويرى الشافعي أن الكراه نوع واحد ،وهو الكراه الملجىء ،وأما غير الملجئ فل يسمى إكراها ()2
.
والكراه بأنواعه ل يزيل الهلية ،وإنما يزيل الرضا ،وقد يزيل الختيار وهو الملجئ عند الحنفية،
ويزيل الرضا والختيار معا عند غير الحنفية.
-------------------------------
( )1البدائع ،175/7 :تكملة فتح القدير 292/7 :ومابعدها ،تبيين الحقائق ،181/5 :درر الحكام:
269/2ومابعدها ،الدر المختار 88/5 :ومابعدها.
( )2تحفة الطلب للنصاري :ص 1 .272
( )4/569
( )4/570
وقال الحنفية ( : )1يميز بين التصرفات المحتملة للفسخ ،والتصرفات غير المحتملة للفسخ .فإن كان
التصرف ل يقبل الفسخ كالزواج والطلق ،فيصح مع الكراه ويلزم ،لنه تصرف يستوي فيه الجد
والهزل ،والكراه في معنى الهزل لعدم القصد الصحيح للتصرف فيهما .بدليل الحديث النبوي« :كل
طلق جائز إل طلق الصبي والمجنون» ( )2وروي عن ابن عمر أنه أجاز طلق المكره.
وإن كان التصرف قابلً للفسخ كالبيع والجارة والهبة فل يصح مع الكراه .ويكون العقد فاسدا عند
جمهور الحنفية (أبي حنيفة وصاحبيه) أي أنه إذا زال الكراه وأصر المستكره على العقد مع الطرف
الخر ورضي به صار صحيحا ،فيكون للمستكره بعد زوال الكراه الخيار بين إمضاء التصرف
وفسخه.
وقال زفر من الحنفية والمالكية :يعتبر تصرف المستكره موقوفا على إجازته عند زوال الكراه عنه،
كتصرف الفضولي .وبما أن هذا التصرف ينفذ ويلزم بالجازة ،فهذا دليل على كون التصرف موقوفا
ل فاسدا ،لن التصرف الفاسد يفسخ فسخا ول يجاز إجازة.
-------------------------------
( )1البدائع 182/7 :ومابعدها ،186 ،تكملة فتح القدير ،303 ،293/7 :تبيين الحقائق،182/5 :
،188الدر المختار 89/5 :ومابعدها ،96 ،الكتاب مع اللباب ،108/4 :مجمع الضمانات :ص .206
( )2ذكر البخاري من قول علي« :كل الطلق جائز إل طلق المعتوه» وأما الحديث المذكور فهو
غريب كما قال الزيلعي (نيل الوطار ،235/6 :نصب الراية.)221/3 :
( )4/571
وهذا ينبئ أن رأي زفر أوجه وأقوى وأصح؛ لن جمهور الحنفية :قالوا :إن تصرف المستكره يقبل
الجازة بعد زوال الكراه ،فلو كان فاسدا لماصحت إجازته ،لن الفاسد ل يجوز بالجازة بل يجب
فسخه شرعا ،ويملك الشيء المعقود عليه بالقبض ،وهذا لينطبق على عقد المستكره .هذا ..وقد نص
القانون المدني السوري في المادتين ( )129 ،128على أن الكراه يجعل العقد قابلً للبطال أي كما
قال زفر من الحنفية.
- 2الغلط :
المراد به هنا هو الغلط الواقع في المعقود عليه ،في جنسه أو في وصفه .والغلط في ذات أو جنس
المعقود عليه :هو أن يظن العاقد أن المعقود عليه من جنس معين ،فإذا به من جنس آخر ،كأن يشتري
شخص حليا على أنها ذهب أو ماس ،ثم يتبين أنها من النحاس ،أو الزجاج .أو يشتري حنطة فإذا هو
شعير ،أو صوفا فإذا هو قطن ،أو يشتري دارا على أنها مبنية بالسمنت المسلح ،فإذا هي مبنية
باللبن.
وحكم هذا العقد المشتمل على غلط في جنس المعقود عليه :أنه باطل من أساسه ،لفوات محل العقد
الذي يريده المشتري ،فيكون عقدا على معدوم ،والعقد على المعدوم باطل (. )1
ويلحق به حالة اتحاد الجنس مع الختلف الكبير أو الفاحش في القيمة كشراء سيارة من جنس معين
ومصنوع في عام معين ،فإذا هي صنع أعوام غابرة.
وأما الغلط في وصف مرغوب فيه :فهو أن يظهر المعقود عليه كالوصف الذي أراده العاقد ،ثم يتبين
أنه مخالف للوصف المشروط صراحة أو دللة .كأن يشتري شيئا بلون أسود ،فإذا هو كحلي أو
رمادي ،أو شاة على أنها حلوب ،فإذا هي غير حلوب ،أو كتابا لمؤلف معين فإذا هو لمؤلف آخر ،أو
حقيبة على أنها من جلد فإذا هي من الكرتون المضغوط أو غيره.
-------------------------------
( )1تبيين الحقائق 52/4 :ومابعدها.
( )4/572
وحكم العقد المشتمل على غلط في الوصف :هو أنه غير لزم بالنسبة لمن وقع الغلط في جانبه ،أي
أن له الخيار بين إمضاء العقد وبين فسخه ،لفوات الوصف المرغوب فيه المؤدي إلى اختلل الرضا.
وهذا إذا كان العقد قابلً للفسخ كعقود المعاوضات المالية ونحوها.
ويلحق به الغلط في شخص العاقد ،كالتعاقد مع طبيب مشهور فإذا هو غيره ،يجعل العقد غير لزم.
أما العقود التي ل تقبل الفسخ كالزواج ،فإنه يقع العقد منها عند الحنفية لزما ،أي ل يجوز نقضه
بسبب فوات الوصف المرغوب.
وقال المام أحمد ( : )1يثبت خيار الفسخ بفوات الوصف المرغوب في عقد الزواج أيضا ،كمن
يتزوج امرأة جميلة فيظهر أنها دميمة ،أو على أنها متعلمة فإذا هي جاهلة ،أو على أنها بكر فإذا هي
ثيب فيثبت للزوج حق الفسخ ،ول مهر للمرأة إن حدث الفسخ قبل الدخول ،أو بعد الدخول وكان
التغرير من المرأة نفسها .فإن كان التغرير من غيرها رجع الزوج على ذلك الغير بما دفعه للمرأة.
أما القانون المدني السوري :فقد نص على حالة الغلط في المواد ( )125-121وجعل العقد قابلً
للبطال،سواء أكان الغلط في جنس المعقود عليه أم في الوصف المرغوب فيه ،فالجزاء واحد في
الحالتين ،خلفا لما قرره الفقهاء.
هذا ...ول عبرة في الفقه للغلط الباطني ،كأن يشتري سوارا على ظن أنه ذهب ،فإن هو نحاس؛ لن
العبرة في العقود للرادة الظاهرة ،كما ل عبرة للغلط في الحكم الشرعي كأن يبيع حصته من الميراث
على أنها الربع فإذا هي النصف ،إذ لعذر بالجهل بأحكام الشريعة.
- 3التدليس أو التغرير :
التدليس أو التغرير :هو إغراء العاقد وخديعته ليقدم على العقد ظانا أنه في مصلحته ،والواقع خلف
ذلك .وهو أنواع كثيرة منها :التدليس الفعلي ،والتدليس القولي ،والتدليس بكتمان الحقيقة.
-------------------------------
( )1المغني 526/6 :ومابعدها.
( )4/573
أما التدليس الفعلي :فهو إحداث فعل في المعقود عليه ليظهر بصورة ،غير ما هو عليه في الواقع ،أي
أنه تزوير الوصف في المعقود عليه أو تغييره بقصد اليهام ،كتوجيه البضاعة المعروضة للبيع،
بوضع الجيد في العلى ،وطلء الثاث والمفروشات القديمة ،والسيارات ،لتظهر أنها حديثة،
والتلعب بعداد السيارة ،لتظهر بأنها قليلة الستعمال.
ومن أشهر أمثلته الشاة المصراة :وهي التي يحبس اللبن في ضرعها بربط الثدي ،مدة يومين أو ثلثة
ليجتمع لبنها ويمتلئ ،إيهاما للمشتري بكبر ضرعها وغزارة لبنها .وحكم التصرية عند جمهور غير
الحنفية ( : )1ثبوت الخيار للمدلس عليه بين أمرين :إمساك المبيع دون طلب تعويض عن النقص أو
الغبن ،أو رده لصاحبه ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :ل تصروا ( )2البل والغنم ،فمن ابتاعها فهو
بخير النظرين بعد أن يحلبها ،إن شاء أمسكها ،وإن شاء ردها ،ورد معها صاعا من تمر» (. )3
وهذا هو الرأي الراجح.
وقال الحنفية ( : )4ليس للمشتري الحق في فسخ عقد البيع ،بل له فقط أن يرجع بالنقصان الذي
أصاب ما اشترى .ولم يأخذوا بالحديث السابق لمخالفته القياس :وهو أن ضمان العدوان يكون إما
بالمثل أو القيمة ،والتمر ليس منهما.
وأما التدليس القولي :فهو الكذب الصادر من أحد العاقدين أو ممن يعمل لحسابه حتى يحمل العاقد
الخر على التعاقد ولو بغبن ،كأن يقول البائع أو المؤجر للمشتري أو للمستأجر :هذا الشيء يساوي
أكثر ،ول مثيل له في السوق ،أو دفع لي فيه سعر كذا فلم أقبل .ونحو ذلك من المغريات الكاذبة.
وحكم هذا النوع :أنه منهي عنه شرعا؛ لنه غش وخداع ،ولكن ل يؤثر في العقد إل إذا صحبه غبن
فاحش لحد المتعاقدين ،فيجوز حينئذ للمغبون إبطال
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،264بداية المجتهد ،174/2 :نهاية المحتاج 136/3 :وما بعدها ،مغني
المحتاج 63/2 :ومابعدها ،غاية المنتهى.34/2 :
( )2التصرية :حبس اللبن في الثدي مدة معينة ليهام المشتري بأن الشاة ونحوها غزيرة اللبن.
( )3نيل الوطار ،214/5 :ط العثمانية .والصاع2751 :غم .والحكمة من رد الصاع من التمر :هو
التعويض عن اللبن الذي أخذه المشتري لنهاء النزاع بين العاقدين ،وقدر بالصاع لعدم معرفة مقدار
اللبن الذي يجب ضمانه للبائع بسبب اختلط الموجود قبل القبض بالطارئ بعد القبض ،وقدر بالتمر
لنه غالب قوت البلد في الماضي ،فإن لم يكن هو الغالب كان الواجب صاعا من غالب قوت البلد.
والحديث متفق عليه عن أبي هريرة.
( )4الدر المختار ورد المحتار ،101/4 :ط البابي الحلبي.
( )4/574
العقد ،دفعا للضرر عنه ،أي أنه يثبت له خيار الفسخ بسبب الغبن مع التغرير ،كما سأبين في عيب
الغبن.
وأما التدليس بكتمان الحقيقة ،وهو الصورة المشهورة في الفقه باسم (التدليس) :فهو إخفاء عيب في
أحد العوضين ،كأن يكتم البائع عيبا في المبيع ،كتصدع في جدران الدار وطلئها بالدهان أو الجص،
وكسر في محرك السيارة ،ومرض في الدابة المبيعة ،أو يكتم المشتري عيبا في النقود ككون الورقة
النقدية باطلة التعامل ،أو زائلة الرقم النقدي المسجل عليها ،أو ذهب أكثر من خمسها.
وحكم هذا النوع :أنه حرام شرعا باتفاق الفقهاء ( ، )1لقول النبي « :المسلم أخو المسلم ،ل يحل
لمسلم باع من أخيه بيعا ،وفيه عيب ،إل بينه له» وقوله عليه السلم« :من غشنا فليس منا» (. )2
ويثبت فيه للمدلس عليه ما يعرف بخيار العيب :وهو إعطاؤه حق الخيار :إن شاء فسخ العقد ،وإن
شاء أمضاه .كما سيتضح في بحث الخيارات.
ول فرق في التدليس الموجب للخيار بين أن يصدر من أحد العاقدين ،أو من شخص آخر أجنبي
عنهما كالدلل ونحوه إذا كان بتواطؤ مع أحد العاقدين (. )3
ونص القانون المدني السوري في المادتين ( )127 ، 126على التدليس من أحد المتعاقدين أو من
غير المتعاقدين ،وجعل التدليس موجبا لخيار المدلس عليه وإعطائه الحق في إبطال العقد إذا كانت
الحيل المستخدمة من الجسامة بحيث لولها
-------------------------------
( )1قال في الدر المختار« :103/4 :ل يحل كتمان العيب في مبيع أو ثمن لن الغش حرام» .
( )2الحديث الول رواه ابن ماجه عن عتبة بن عامر ،والحديث الثاني رواه الجماعة إل البخاري
والنسائي عن أبي هريرة (نيل الوطار.)212/5 :
( )3الدر المختار ورد المحتار ،167/4 :ط البابي الحلبي.
( )4/575
لما أبرم الطرف الثاني العقد .وكان العاقد صاحب المصلحة في حالة التدليس من غير العاقدين يعلم
بالتدليس أو من المفروض أن يعلم .وهذا إجمالً يتفق مع الفقه السلمي كما تقدم.
- 4الغبن مع التغرير :
الغبن لغة :النقص .والتغرير :الخداع .وعند الفقهاء :الغبن :أن يكون أحد العوضين غير متعادل مع
الخر ،بأن يكون أقل من قيمته أو أكثر منها .والتغرير :إيهام خلف الواقع بوسائل مغرية ،وعرفته
المجلة (م )164بأنه وصف المبيع للمشتري بغير صفته الحقيقية.
والغبن نوعان :يسير وفاحش (. )1
أما الغبن اليسير :فهو ما يدخل تحت تقويم المقومين أي ما يتناوله تقدير الخبراء كشراء شيء
بعشرة،ثم يقدره خبير بثمانية أو تسعة أو عشرة مثلً ،فهذا غبن يسير.
وأما الغبن الفاحش :فهو مال يدخل تحت تقويم المقومين أو تقدير الخبراء العارفين بأسعار الشياء،
كما لو وقع البيع بعشرة مثلً ،ثم إن بعض المقومين يقول :إنه يساوي خمسة ،وبعضهم ستة وبعضهم
سبعة ،فهذا غبن فاحش ،لنه لم يدخل تحت تقويم أحد .وقدرته المجلة ( م ) 165عملً برأي نصر
بن يحيى بأنه نصف العشر أي ( ) %5في العروض التجارية ،والعشر أي ( )%10في الحيوانات،
والخمس أي ( ) %20في العقار ،أو زيادة.
-------------------------------
( )1البدائع ،30/6 :الدر المختار ورد المحتار.166/4 :
( )4/576
( )4/577
واستثنى الحنفية ثلث حالت يجوز فيها الفسخ بالغبن الفاحش المجرد عن التغرير ،وهي:
أموال بيت المال ،وأموال الوقف ،وأموال المحجور عليهم بسبب الصغر أو الجنون أو السفه ،فإذا بيع
شيء من ذلك بغبن فاحش ولو من غير تغرير ،نقض البيع (م 356/مجلة).
الرأي الثاني ـ للحنابلة ( : )1يؤثر الغبن الفاحش في العقد فيجعله غير لزم ،سواء أكان بتغرير أم
بغير تغرير ،ويعطى للمغبون حق فسخ العقد في حالت ثلث هي:
أ ـ تلقي الركبان :وهو أن يتلقى شخص طائفة من الناس يحملون متاعا إلى بلد ،فيشتريه منهم ،قبل
قدومهم البلد ومعرفتهم بالسعر .وهو حرام ومعصية ،ويثبت لهم حق الفسخ إذا غبنوا غبنا فاحشا،
لقوله صلّى ال عليه وسلم « :ل تلقوا الركبان» ( . )2وهذا رأي الشافعية أيضا ( ، )3لثبوت الخيار
فيه بنص الحديث.
ب ـ النّجْش :وهو زيادة ثمن السلعة المعروضة للبيع ،ل لرغبة في شرائها ،بل ليخدع غيره .فيثبت
الخيار للمشتري إذا لم يعلم بأن الذي يزيد ل يريد الشراء .وليس له الخيار في الصح عند الشافعية (
. )4
ج ـ المسترسل :وهو الشخص الجاهل بقيمة الشياء ،ول يحسن المساومة والفصال ويشتري مطمئنا
إلى أمانة البائع ،ثم يتبين أنه غبن غبنا فاحشا ،فيثبت له الخيار بفسخ البيع.
-------------------------------
( )1غاية المنتهى ،33/2 :المغني 218 ،212/4 :ومابعدها.
( )2عن طاوس عن ابن عباس رضي ال عنهما ،قال ،قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم « :ل
تلَقوا الركبان ،ول يبع حاضر لِباد» ،قلت لبن عباس :ما قوله ،ول يبع حاضر لباد؟ قال« :ل يكون
له سمسارا» .متفق عليه واللفظ للبخاري (سبل السلم 20/3 :ومابعدها).
( )3مغني المحتاج ،36/2 :المهذب.292/1 :
( )4مغني المحتاج ،37/2 :المهذب.291/1 :
( )4/578
وقال المالكية :هذه البيوع الثلثة صحيحة ولكنها حرام للنهي الثابت في السنة عنها شرعا ،ويعطى
الخيار بالفسخ للمشتري في حالة بيع النجش دون غيره (. )1
الرأي الثالث ـ للشافعية ( : )2ل أثر للغبن الفاحش في التصرفات سواء رافقه تغرير أم ل؛ لن
الغبن ل يقع إل بتقصير من المغبون غالبا ،فلو سأل أهل الخبرة ،لما وقع في الغبن.
والقانون المدني السوري نص في المادة ( )130على حالة خاصة من حالت الغبن وهي الغبن
الستغللي :وهي حالة انعدام تعادل الداءات المتقابلة الذي دفع إلى وجوده وجود طيش بيّن (خفة
ظاهرة) أو هوى جامح (الولع الشديد بشيء ل قبل له بدفعه) عند أحد المتعاقدين واستغلل المتعاقد
لتلك الحالة النفسية .وقدر الغبن في بيع العقار في المادة ( )1/393بما زاد على الخمس .وجعل
جزاءه قابلية العقد للبطال لطلب المغبون برفع الدعوى خلل سنة من تاريخ العقد .وكل قابل
للبطال (البطلن النسبي) يقبل الجازة ممن تقرر البطال لمصلحته.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،264الشرح الكبير للدردير ،70-67/3 :الشرح الصغير .87/3:أما النهي
عن تلقي الركبان فهو عند البخاري ومسلم كما تقدم ،وأما النهي عن النجش فهو عند أحمد والشيخين
عن ابن عمر« :نهى النبي صلّى ال عليه وسلم عن النّجْش» .
( )2مغني المحتاج.36/2 :
( )4/579
( )4/580
وكاشتراط التسليم في العقود العينية (وهي الهبة والعارة واليداع والقرض والرهن) فل يتم انعقاده
إل بتسليم محل العقد وإل كان باطلً.
وكعدم تعليق العقد على شرط في المعاوضات والتمليكات كالبيع والهبة والبراء ،فإن التعليق يبطلها.
والشرائط العامة للنعقاد :هي الشروط المطلوبة في صيغة التعاقد وفي العاقد ،وفي المحل المعقود
عليه ،وأل يكون العقد ممنوعا شرعا ،وأن يكون العقد مفيدا.
أما شروط الصيغة والعاقد ومحل العقد فقد ذكرت سابقا فل داعي لتكرارها هنا.
وأما كون العقد غير ممنوع شرعا :فهو أل يوجد نص شرعي يقتضي بطلنه ،مثل التبرع من مال
الصغير القاصر أو بيع شيء من ماله بغبن فاحش ،فل تنعقد الهبة من مال القاصر من أي واحد،
سواء الولي أومن نفس الصغير ،ويكون العقد باطلً ،حتى ولو أجازه الصغير بعد بلوغه؛ لن الباطل
ل يقبل الجازة .ومثل الستئجار على فعل المعاصي أو ارتكاب الجرائم أو بيع المخدرات
والمسكرات .ومثل بيع الغرر (أي غرر الوجود) وهو بيع الشيء المحتمل للوجود والعدم ،أي أن
المعقود عليه هو المحتمل للوجود والعدم كبيع اللبن في الضرع والصوف على الظهر ،واللؤلؤ في
الصدف ،والحمل في البطن ،والسمك في الماء ،والطير في الهواء قبل صيدهما .ومنه بيع ضربة
القانص (وهو أن يقول البائع :بعتك ما يخرج من إلقاء هذه الشبكة مرة بكذا) ،وضربة الغائص (وهو
أن يقول البائع :أغوص غوصة ،فما أخرجته من الللئ فهو لك بكذا).
ومنه بيع المضامين (ما في أصلب الذكور) والملقيح (ما في بطون الناث) وبيع الملمسة والمنابذة
وإلقاء الحصاة أو الحجر :وهي أن المشتري أو البائع إذا لمس المبيع أو نبذه البائع للمشتري ،أو ألقى
المشتري عليه حصاة أو حجرا ،فقد لزم العقد ،فالمبيع في هذه الحوال مجهول الذات أو المقدار ،وقد
ثبت النهي عنها كما تقدم ،وكانت بيوعا متعارفة في الجاهلية ،فهي باطلة أي أن غرر الوجود مبطل
للبيع.
( )4/581
والخلصة :أن المنع الشرعي ( )1قد يكون بسبب طريقة العقد كبيع الغرر ،أو بسبب محل العقد كبيع
المخدرات والستئجار على فعل المعاصي ،أو بسبب موضوع العقد كهبة مال القاصر ،والتعامل
بالذهب في سوريا ومصر (. )2
ل في مقابل المانة
وأما كون العقد مفيدا ( : )3فهو أن يحقق مصلحة معقولة .فل ينعقد الرهن مث ً
كالوديعة؛ لن المرهون به يجب أن يكون مضمونا ( )4؛ لن قبض الرهن مضمون ،فل بد أن يقابله
مضمون ،والوديعة ونحوها أمانة غير مضمونة .ول يصح التعاقد بين اثنين على عدم الشتغال في
التجارة مثلً؛ لن ذلك مصادم لمبدأ حرية النسان القتصادية ،وحماية هذه الحرية من النظام العام
في السلم.
كما ل يصح التعاقد أيضا على أمر واجب على النسان شرعا ،كالتفاق على المتناع من فعل
جريمة ،والستئجار على فعل الواجبات الدينية كالصلة ومجرد قراءة القرآن ( ، )5واستئجار الزوجة
على القيام بأعمال المنزل أو على إرضاع طفلها؛ لن ذلك واجب عليها ديانة.
ثانيا ـ شرائط الصحة :
وهي ما يشترط شرعا لترتيب آثار العقد ،فإن فقدت كان العقد فاسدا ،أي مختلً اختللً في ناحية
فرعية متممة غير أساسية ،مع كونه منعقدا موجودا في حد ذاته.
وأغلب شرائط الصحة خاص بكل عقد على حدة .ففي البيع مثلً يشترط
-------------------------------
( )1يلحظ أن النهي أو المنع الشرعي عند الحنفية قد يكون أثره البطلن أو عدم النعقاد وقد يكون
أثره الفساد أي النعقاد مع الخلل الفرعي.
( )2المدخل الفقهي للستاذ الزرقاء :ف .167
( )3المرجع السابق :ف .169
( )4المانة :هي التي ل تضمن إذا تلفت (أي ل يدفع بدلها) إل بالتعدي أو التقصير في الحفظ.
والمضمون :هو الذي يضمن إذا تلف لي سبب كان التلف.
( )5لكن أفتى متأخرو الفقهاء من الحنفية ،والمالكية والشافعية بجواز أخذ الجرة على ممارسة
الشعائر الدينية مثل الذان والقامة والمامة في صلة الجمعة والجماعة ،وعلى تعليم القرآن
للضرورة خشية أل يقوم بها أحد فتتعطل (تبيين الحقائق ،124/5 :البدائع 191/4 :ومابعدها ،بداية
المجتهد ،221/1 :مغني المحتاج ،344/2 :المهذب.)398/1 :
( )4/582
عند الحنفية خلوه من أحد العيوب الستة التية :وهي الجهالة ،والكراه ،والتوقيت ،والغرر (غرر
الوصف) ،والضرر ،والشرط الفاسد (. )1
أما الجهالة :فهي الجهالة الفاحشة التي تفضي إلى نزاع يتعذر حله ،وهو النزاع الذي تتساوى فيه
حجة الطرفين بالستناد إلى الجهالة .وهي أربعة أنواع :جهالة المبيع أو الثمن جنسا أو نوعا أو قدرا،
وجهالة أجل وفاء الثمن ،أو مدة خيار الشرط ،وجهالة وسائل التوثيق كتقديم كفيل أو رهن مجهولين.
وأما الكراه بنوعيه الملجئ والناقص فيفسد العقد عند جمهور الحنفية ،ويجعل العقد موقوفا عند زفر،
على التفصيل الذي ذكرسابقا.
وأما التوقيت :فهو تأقيت البيع بمدة شهر أوسنة ،فيفسد؛ لن ملكية العين ل تقبل التأقيت .كذلك يفسد
الزواج في حال تأقيته بمدة معينة؛ لنه مشروع بصفة التأبيد.
وأما غرر الوصف :فهو كبيع بقرة على أنها تحلب كذا رطلً ،فهو بيع فاسد؛ لن المقدار المذكور من
الحليب موهوم التحقق ،فقد ينقص .وأما غرر الوجود :وهو ماكان المبيع فيه محتملً للوجود والعدم،
ل كما تقدم.
فيجعل البيع باط ً
وأما الضرر :فهو كبيع جذع معين من سقف مبني ل يمكن تسليمه إل بهدم ما حول الجذع ،وكبيع
ذراع من ثوب يضره التبعيض.
وأما الشرط الفاسد عند الحنفية ( )2فهو كل شرط فيه نفع لحد المتبايعين ،ولم يتعارفه الناس كبيع
سيارة على أن يستخدمها شهرا بعد البيع ،أو دار على أن
-------------------------------
( )1رد المحتار ،6/4 :فتح القدير ،219/5 :البدائع.188/7 :
( )2الدر المختار.127/4 :
( )4/583
يسكنها مدة معينة ،أو كبيع بشرط إقراض مبلغ من المال .وحكمه :أنه يفسد البيع ونحوه من
المعاوضات المالية ،ول يؤثر في غيرها كما بان سابقا في بحث حرية الشتراط.
كذلك يشترط في البيع المماثلة في الكمية بين البدلين والتقابض في العوضين في مبادلة الموال
الربوية كالنقدين (الذهب والفضة) والحبوب من حنطة وشعير ونحوهما.
ويشترط أيضا قبض المبيع المنقول قبل التصرف به من المشتري لشخص آخر.
ثالثا ـ شرائط النفاذ :
يشترط لنفاذ العقد شرطان (: )1
ل ـ الملك أو الولية .أما الملك :فهو حيازة الشيء متى كان الحائز له قادرا وحده على التصرف
أو ً
فيه عند عدم المانع الشرعي ،أي أن المالك له حرية التصرف والستقلل بمنافع الشيء إل إذا وجد
مانع كالجنون أو السفه أو الطفولة أو عدم التمييز.
وأما الولية :فهي سلطة شرعية بها ينعقد العقد وينفذ ،وهي إما أصلية :وهي أن يتولى النسان أمور
نفسه بنفسه .أو نيابية :وهي أن يتولى الشخص أمور غيره من ناقصي الهلية ،إما بإنابة المالك
كالوكيل ،أو بإنابة الشارع كالولياء (الب أو الجد) والوصياء (وصي الب أو الجد أو وصي
القاضي).
ويترتب على هذا الشرط أن محل العقد ينبغي أن يكون مملوكا للعاقد ،فإن لم يكن مملوكا له بأن كان
فضوليا ،كان العقد غير نافذ أو موقوفا على إجازة المالك إذا باعه عن مالكه نفسه ،أما إن باعه عن
نفسه هو ،ل عن مالكه نفسه ،كان البيع باطلً.
وقد جعل الشافعي وأحمد الملك أو الولية من شرائط النعقاد ،فتعتبر تصرفات الفضولي باطلة .كما
ذكر سابقا.
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار ،6/4،104 :البدائع.155/5 :
( )4/584
ثانيا ـ أل يكون في محل العقد حق لغير العاقد :فإن تعلق به حق الغير كان العقد موقوفا غير نافذ،
وتعلق حق الغير له ثلثة أوجه (. )1
- 1أن يكون حق الغير متعلقا بعين المحل المعقود عليه ،كبيع ملك الغير وتبرع المريض مرض
الموت بما يزيد عن ثلث أمواله ،يكون موقوفا على إجازة الورثة.
- 2أن يكون متعلقا بمالية المحل المعقود عليه دون عينه ،كتصرف المدين غير المحجور عليه بما
يضر حقوق الدائنين ،تتعلق حقوقهم بمالية أموال المدين لستيفاء ديونهم ،وليست حقوقهم متعلقة
بأعيان أمواله ،فلو أتى المدين بمال آخر يفيهم به حقوقهم نفذت تصرفاته الموقوفة على إجازتهم.
- 3أن يكون متعلقا بصلحية التصرف نفسه ،ل بمحله المعقود عليه ،كتصرف ناقص الهلية
المحجور عليه إما حجرا شرعيا بسبب الصغر كالمميز ،أو حجرا قضائيا بسبب السفه أو الدين
المستغرق (المحيط بكل ماله).
إن ناقص الهلية ل يملك التصرف في أمواله ،ويكون تصرفه موقوفا على إجازة وليه الشرعي من
أب أو جد أو وصي .فإن أجازه نفذ ،وإن رده بطل.
وكما أن حق الغير (أي غير العاقدين) ما نع من نفاذ التصرف ،هناك مانع آخر من النفاذ وهو
الكراه.
-------------------------------
( )1الدر المختار ،146/4 :المدخل الفقهي للستاذ الزرقاء :ف .4/194
( )4/585
رابعا ـ شرائط اللزوم :الصل في العقود اللزوم ،ويشترط للزوم العقد كالبيع واليجار خلوه من أحد
الخيارات التي تسوغ لحد المعاقدين فسخ العقد ،والتي تثبت إما باشتراط العاقد أو بإيجاب الشرع ()1
.فإن وجد في العقد خيار كخيار الشرط أو خيار العيب أو الرؤية منع لزوم العقد في حق من له
الخيار ،فكان له أن يفسخ العقد أو أن يقبله ،إل إذا حدث مانع من ذلك ،كما سيتبين في بحث
الخيارات .ويسمى العقد المشتمل على الخيار غير لزم.
المبحث الرابع ـ آثار العقد :
لكل عقد أثر خاص وأثر عام (: )2
فالثر الخاص :هو حكم العقد ،وحكم العقد :هو الثر الصلي (أو النوعي) للعقد أو الغاية الجوهرية
الساسية المقصودة من العقد كانتقال الملكية في عقد البيع والهبة ،وتملك المنفعة في عقد اليجار
والعارة ،وحل المتعة الزوجية في عقد الزواج ،وحق احتباس المرهون في عقد الرهن ،وتفويض
التصرف في عقد الوكالة ،ونحو ذلك.
ويقال للحكم الصلي للعقد موضوع العقد كما بان سابقا في بحث السبب.
و يفترق الحكم الصلي للعقد عن اللتزام .فاللتزام هو كون الشخص مكلفا بفعل ،أو بامتناع عن
فعل .مثال الول :تسليم المبيع وأداء الثمن .ومثال الثاني :عدم التعدي على نفس أو مال الغير ،وعدم
استعمال الوديعة.
ومصدر اللتزام قد يكون هو الشرع كالنفاق على القارب ،وقد يكون مصدره العقد ،كاللتزامات
بدفع الجرة أو الثمن ،وقد يكون مصدره غير العقد وهو الفعل الضار كضمان المتلفات.
وحكم العقد الصلي يتحقق آليا بتقدير الشرع بمجرد انعقاد العقد صحيحا ،فل يحتاج إلى تنفيذ،
فبمجرد انعقاد البيع صحيحا تنتقل الملكية للمشتري ،وهكذا سائر أحكام العقود.
أما اللتزام :فيحتاج إلى تنفيذ؛ لنه تكليف على شخص لمصلحة آخر ،فملكية المبيع وإن انتقلت إلى
المشتري بمجرد البيع ،لكن ذلك الثر يحتاج إلى تنفيذ التزام البائع :وهو القيام بتسليم المبيع إلى
المشتري.
واللتزامات قد يستلزمها العقد ذاته :وهي التي نظمها الشرع آثارا للعقد المنشئ لها كاللتزام بتسليم
المبيع وضمان العيب ،واللتزام بدفع الثمن أو الجرة.
وقد يشترطها العاقد كاستعمال المبيع مدة بعد البيع ،وإيصال المبيع لبيت المشتري ،ودفع الجرة سلفا،
ونحو ذلك.
وأما الثر العام :فهو ما تشترك فيه كل العقود أو معظمها من أحكام ونتائج .وللعقود أثران عامان
هما :النفاذ ،واللزام واللزوم.
-------------------------------
( )1حاشية ابن عابدين.6/4 :
( )2راجع المدخل الفقهي للستاذ الزرقاء :ف 193ومابعدها.
( )4/586
والنفاذ :معناه ثبوت حكم العقد الصلي منذ انعقاده ،أي أن آثار العقد الخاصة ونتائجه المترتبة عليه
ل معناه انتقال ملكية المبيع والثمن بمجرد انعقاده ،وإيجاب
تحدث فور انعقاد العقد ،فنفاذ عقد البيع مث ً
تنفيذ اللتزامات على الطرفين ،كتسليم المبيع وتسلم الثمن ،وضمان العيب إن ظهر فيه عيب.
ونفاذ عقد الزواج معناه :إحلل المتعة الزوجية بمجرد انعقاده ،وإيجاب الحقوق واللتزامات التي
ينشئها العقد بينهما ،كالتزام الرجل بالنفقة ،ومسؤولية المرأة عن الطاعة المشروعة.
والنفاذ يقابله التوقف ،فيقال :عقد نافذ وعكسه موقوف.
وأهم أنواع العقد الموقوف سبعة هي:
عقد المكره ،وعقد المميز ،وعقد السفيه المحجور عليه ،وعقد المدين بدين مستغرق ،وتبرع المريض
مرض الموت ،وعقد الفضولي ،وتصرف المرتد عن السلم ،فإن عقوده في حال ردته موقوفة عند
أبي حنيفة ،فإذا عاد إلى السلم نفذت ،وإن مات أو قتل أو لحق بدار الحرب وقضى القاضي بالتحاقه
بطلت.
واللزام :معناه العام لغة هو إيجاب تنفيذ التزامات التعاقد ،عملً بقوله تعالى{ :يا أيها الذين آمنوا
أوفوا بالعقود} [المائدة ]1/5:ومعناه الخاص فقها :هو إنشاء التزامات متقابلة معينة على العاقدين ،كما
في البيع ،أو إنشاء التزام معين على أحد العاقدين ،كما في الوعد بجائزة ،وهذا من آثار العقد.
و يختلف اللزام عن اللزوم .فاللزوم :هو عدم استطاعة فسخ العقد إل بالتراضي ،والتراضي على
فسخ العقد يسمى إقالة.
ويكتسب العقد صفة اللزوم عند الحنفية والمالكية بمجرد تمام العقد .وهذا ما أخذ به القانون وجرى
عليه القضاء.
وعند الشافعية والحنابلة :ل يكتسب العقد صفة اللزوم إل بعد انقضاء مجلس العقد ،بتفرق العاقدين
بأبدانهما ،عملً بخيار المجلس الثابت في السنة النبوية ،على ما سيذكر في بحث الخيارات.
( )4/587
( )4/588
أما العقود غير المالية كالوكالة والوصاية والزواج على الصح والعقود المالية التي ليس فيها
التزامات متقابلة كالعارة واليداع ،والعبادات ،والتصرفات المنفردة كالطلق والوقف والكفالة
والقرار ونحوها ،فهذه ل فرق فيها بين الفاسد والباطل.
منشأ الخلف بين الحنفيةوالجمهور :
أساس الخلف بين الحنفية وغيرهم راجع لقضية أصولية :وهي فهم أثر النهي الصادر عن الشرع،
كالنهي عن شراء السمك في الماء ،فإنه غرر ،وعن بيعتين في بيعة ،وكتحريم بيع الخمر والميتة
والخنزير ونحو ذلك .فهل النهي يقتضي فساد المنهي عنه ،أي عدم العتبار والوقوع في الثم معا أو
أنه يقتصر على إيجاب الثم وحده مع اعتباره أحيانا؟
ثم هل يستوي النهي عن ركن من أركان العقد مع النهي عن وصف عارض للعقد لزم له أو غير
لزم؟
قال جمهور الفقهاء ( : )1إن نهي الشارع عن عقد ما :يعني عدم اعتباره أصلً ،وإثم من يقدم عليه.
ول فرق بين النهي عن ركن من أركان العقد (الصيغة وأهلية العاقدين ومحل العقد) أو النهي عن
وصف عارض للعقد ملزم له أو مجاور ،لقوله عليه الصلة والسلم في الحديث المتقدم« :من عمل
عملً ليس عليه أمرنا فهو رد ،ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» .
وعليه إذا حدث عقد منهي عنه فهو باطل أو فاسد ل يترتب عليه أي أثر؛ لن نهي الشرع عنه يجعله
غير مشروع أو غير موجود ،وإذا كان النهي لوصف فيسري إلى الموصوف.
وقال الحنفية ( : )2قد يكون نهي الشارع عن عقد :معناه إثم من يرتكبه فقط ،ل إبطاله ،ويفرق بين
النهي الراجع لصل العقد (أي لخلل في الصيغة أو في العاقد أو في المحل) فيقتضي بطلن العقد
وعدم وجوده شرعا وعدم ترتب أي أثر عليه ،وبين النهي العائد لمر آخر كوصف من أوصاف العقد
ملزم له ،فيقتضي بطلن هذا الوصف فقط ،ول يتعدى البطلن إلى أصل العقد ،لنه استكمل
عناصره الساسية ،فيكون العقد فاسدا فقط.
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،166/2 :المستصفى ،61/1 :الحكام للمدي ،68/1 :شرح جمع الجوامع للمحلي:
،80/1المدخل إلى مذهب أحمد :ص ،69البهاج.44/1 :
( )2مرآة ا لصول ،289/2 :كشف السرار:ص ،258رد المحتار لبن عابدين.104/4 :
( )4/589
فالبيع الصادر عن عديم الهلية ،وبيع غير المال كالميتة ،وبيع مال غير متقوم كالخمر والخنزير
والسمك في الماء باطل؛ لن الخلل فيه راجع لصل العقد .والبيع المؤقت أو المشتمل على جهالة في
الثمن أو المؤدي إلى النزاع في العقد كبيعتين في بيعة فاسد؛ لن الخلل راجع لوصف في العقد خارج
عن حقيقته وذاته وأركانه.
وإذا كان النهي بسبب أمر مجاور للعقد غير ملزم له وليس شرطا فيه ،كان مقتضاه الكراهة للقدام
عليه في هذه الحال كالبيع وقت النداء لصلة الجمعة.
وعلى هذا فإن غير الصحيح عند الحنفية نوعان :باطل وفاسد.
أما العقد الباطل :فهو ما اختل ركنه أو محله ،أو ما لم يشرع بأصله ول بوصفه ،كأن يكون أحد
العاقدين فاقد الهلية ،كالمجنون وغير المميز ،والمميز فيما يضره ضررا محضا ،أو أن تكون
الصيغة غير سليمة ،أو يكون محل العقد غير قابل لحكم العقد شرعا ،كبيع ما ليس بمال ،أو ما ليس
مالً متقوما كالخمر والخنزير والسمك في الماء ،وكبيع شيء من الموال العامة كجزء من الطريق أو
من مشفى أو مسجد ،وكالبيع الذي جعل الثمن فيه غير مال أصلً كالميتة ( ، )1أو الشيء المباح.
وفي الزواج كالعقد على إحدى المحارم أو التي لم تنته عدتها من مطلقها ،أو المتزوجة بزوج آخر،
فكل هذه العقود باطلة.
وحكم الباطل :أنه ل يعد منعقدا أصلً ،وإن وجدت صورته في الظاهر ،فل يترتب عليه أي أثر
شرعي ،فل يفيد نقل الملكية أصلً ،إذ ل يعد موجودا بحال.
وأما العقد الفاسد ( : )2فهو ما كان مشروعا بأصله دون وصفه ،أي كان
-------------------------------
( )1إذا كان الفساد يرجع للمبيع فالبيع باطل كبيع الخمر والخنزير والميتة والدم ،وإن كان الفساد
يرجع للثمن :فإن كان الثمن مالً عند بعض الناس كالخمر والخنزير فالبيع فاسد ،وإن كان الثمن ليس
مالً أصلً كالميتة والدم فالبيع باطل.
( )2الفساد مرتبة متوسطة بين البطلن والصحة ،وليس له نظير في القوانين .أما البطلن المطلق
فيقابل البطلن عند الشرعيين ،وأما البطلن النسبي فيقابل العقد الموقوف أحيانا وذلك في حال نقص
الهلية أو العقد غير اللزم أحيانا وذلك في حالت عيوب الرضا؛ لن الباطل بطلنا نسبيا صحيح
إلى أن يقضي القاضي بإبطاله بناء على طلب صاحب المصلحة بإبطاله كالمدلس عليه .ويمكن
لصاحب المصلحة إجازة الباطل نسبيا.
أما الفاسد في الفقه الحنفي فهو غير صحيح ول يترتب عليه أثر ،ويجب فسخه إما بطلب أحد العاقدين
أو بواسطة القاضي بمجرد علمه ،لنه يحمي أحكام الشريعة .ول يملك أحد إجازة الفاسد.
( )4/590
صادرا ممن هو أهل له ،والمحل قابل لحكم العقد شرعا ،والصيغة سليمة ،ولكن صاحب ذلك وصف
منهي عنه شرعا ،كبيع المجهول جهالة فاحشة تؤدي للنزاع ،مثل بيع دار من دور أو سيارة من
سيارات دون تعيين ،وكإبرام صفقتين في صفقة ،كبيع دار على أن يبيعه سيارته ،وكبيع مال متقوم
جعل ثمنه مالً غير متقوم كخمر مثلً ،وكبيع بقرة على أنها حامل.
وحكم الفاسد :ثبوت الملك فيه بالقبض بإذن المالك صراحة ،أو دللة كأن يقبضه في مجلس العقد أمام
البائع ،دون أن يعترض عليه.
والعقد الفاسد واجب الفسخ شرعا ،إما من أحد العاقدين أو من القاضي إذا علم بذلك ،لنه منهي عنه
شرعا .وإمكان الفسخ مشروط بشرطين:
الول ـ بقاء المعقود عليه على ما كان قبل القبض ،فلو تغير شكله بأن هلك أو استهلك ،أو كان
غزلً فنسجه ،أو قمحا فطحنه ،أو دقيقا فخبزه ،امتنع الفسخ.
والثاني ـ عدم تعلق حق الغير به ،فلو تصرف به المشتري لخر بالبيع أو بالهبة وتم قبضه من
الموهوب له ،امتنع الفسخ.
( )4/591
( )4/592
تلقي البيوع أو أن يتلقى الجلب ( . )1وسبب النهي الضرار بصاحب السلعة (البادي) لشراء الشيء
بأقل من سعره الغالب ،والضرار بأهل البلد أيضا .والبيع صحيح عند الئمة ،لن النهي لمر خارج
عن البيع ،لكن يثبت فيه عند الحنابلة والشافعية خيار الغبن ،عملً بحديث البخاري.
- 3بيع الحاضر للبادي :وهو أل يبيع الواحد من أهل البلد (الحاضر) ما عنده من طعام ونحوه إل
لهل البادية ،طمعا في زيادة الثمن ،أو أن يتخصص شخص ببيع بضاعة الغريب على التدريج مع
حاجة أهل البلد ،بسعر أغلى ،مع أن الغريب كان يريد البيع بسعر اليوم .وكراهة هذه البيوع إذا كانت
تضر بأهل البلد ،وإل فل ضرر ،وقد نهى النبي صلّى ال عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد ( . )2وقد
أجاز المالكية فسخ هذا البيع ،كالنجش .وهو حرام عند الشافعية .وسبب النهي عنه :الضرار بأهل
السوق لبيع السلعة بأكثر من ثمن المثل ،أو من طريق السمسرة ،ويفسخ عند المالكية إن لم يفت بتغير
أو تعيب أو تصرف ،وهو صحيح عند الئمة الثلثة؛ لن النهي لمر خارج عن البيع ،وهو الرفق
بأهل الحضر.
-------------------------------
( )1أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس حديث «ل تلقوا الركبان ،ول يبع حاضر لباد» (سبل
السلم .)20/3 :وحديث البخاري« :ل تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق ،فمن تلقاها فصاحب
السلعة بالخيار» .
( )2رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر ،وروى الجماعة إل البخاري عن جابر أن النبي صلّى ال
عليه وسلم قال« :ل يبيع حاضر لباد ،دعوا الناس يرزق ال بعضهم من بعض» (نيل الوطار:
.)164/5
( )4/593
- 4البيع وقت النداء لصلة الجمعة :عند الجمهور من حين صعود المام على المنبر إلى أن تنقضي
الصلة ،وعند الحنفية :من الذان الول .وهذا البيع صحيح مكروه تحريما عند الحنفية ،وصحيح
حرام عند الشافعية؛ لقوله تعالى{ :يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلة من يوم الجمعة فاسعوا إلى
ذكر ال ،وذروا البيع} [الجمعة ]9/36:ويلحق بالبيع سائر العقود والصناعات كلها لما فيها من شغل
عن السعي إلى الجمعة .والنهي عنها لمر خارج عن حقيقة العقد.
وعد المالكية ( )1هذا البيع من البيوع الفاسدة ،وقالوا :إنه يفسخ على المشهور وقال عنه الحنابلة :ل
يصح هذا البيع (. )2
أنواع العقد الصحيح :
ينقسم العقد الصحيح عند الحنفية والمالكية إلى نافذ وموقوف:
النافذ :هو ما صدر ممن له أهلية وولية على إصداره ،كأغلب عقود الناس مثل العقد الصادر من
الرشيد في ماله ،أو الولي أو الوصي للقاصر ،أو الوكيل لموكله .وحكمه :أنه تترتب عليه آثاره فور
صدوره ،من غير توقف على إجازة أحد.
والموقوف :هو ما صدر من شخص له أهلية التعاقد ،من غير أن يكون له ولية إصداره .كعقد
الفضولي ،وعقد الصغير المميز فيما يتردد بين الضرر والنفع ،وحكمه :أنه ل تترتب عليه آثاره إل
إذا أجازه صاحب الشأن الذي يملك إصداره ،فإن لم يجزه بطل العقد.
وهذا العقد عند الشافعية والحنابلة باطل.
-------------------------------
( )1تبصرة الحكام لبن فرحون بهامش فتح العلي.378/2 :
( )2كشاف القناع 169/3 :ومابعدها.
( )4/594
( )4/595
ً 2ـ عقود لزمة تقبل الفسخ :أي تقبل اللغاء بطريق القالة أي باتفاق العاقدين .وهي عقود
المعاوضات المالية كالبيع واليجار والصلح والمزارعة والمساقاة ونحوها .وهذه العقود تقبل الفسخ
بالخيار أيضا.
ً 3ـ عقود لزمة لحد الطرفين :كالرهن والكفالة :فإنهما لزمان بالنسبة إلى الراهن والكفيل ،وغير
لزمين بالنسبة للدائن المرتهن ،والمكفول له؛ لن العقد لمصلحتهما الشخصية توثيقا للحق ،فلهما
التنازل عنه.
ً 4ـ عقود غير لزمة للطرفين :وهي التي يملك كل من العاقدين فيها حق الفسخ والرجوع،
كاليداع والعارة والوكالة والشركة والمضاربة والوصية والهبة ،فالعقود الخمسة الولى يجوز لكل
من العاقدين فسخ العقد متى شاء .والوصية والهبة يصح للموصي والواهب الرجوع عنها ،كما يصح
للموصى له والموهوب له ردها وإبطالها بعد وفاة الموصي ،وفي حال حياة الواهب.
التقسيم الثاني ـ بالنظر إلى التسمية وعدمها :
تقسم العقود إلى مسماة وغير مسماة:
أما العقود المسماة :فهي ما وضع الشرع لها اسما خاصا بها ،وبيّن أحكامها المترتبه عليها ،كالبيع
والجارة والشركة والهبة ،والكفالة والحوالة والوكالة والرهن ،والقرض والصلح ،والزواج والوصية
ونحوها.
( )4/596
وأما العقود غير المسماة :فهي التي لم يوضع لها اسم خاص في الشرع ،ولم يرتب التشريع أحكاما
خاصة بها ،وإنما استحدثها الناس تبعا لحاجة .وهي كثيرة ل تنحصر ،لنها تنشأ بحسب تجدد حاجات
الناس وتطور المجتمعات وتشابك المصالح ،مثل عقد الستصناع ،وبيع الوفاء ،وبيع الستجرار،
والتحكير ،وأنواع المقاولت ،أي التعهدات واللتزامات الحديثة ،وأنواع الشركات التي تمنح امتيازات
للتنقيب عن النفط والمعادن ،وعقود النشر والعلن في الصحف والمجلت ونحوها.
أما الستصناع :فهو التعاقد على صنع شيء معين ( )1كالحذية والنية والسيارات والبواخر،
والمفروشات ونحوها .وقد تردد بين اعتبار كونه بيعا أو إجارة أو وعدا ،ثم استقر على تسمية خاصة
به.
وأما بيع الوفاء :فهو أن يبيع المحتاج إلى النقود عقارا على أنه متى وفى الثمن استرد العقار (. )2
تردد بين كونه بيعا أو رهنا،ثم استقر على هذا السم الخاص به.
وبيع الستجرار :هو ما يستجره النسان من البياع ،ثم يحاسبه على أثمانها بعد استهلكها ( . )3تردد
ل لمر الناس ودفعا
بين كونه بيعا أو ضمان متلفات بإذن مالكها عرفا ،واستقر على هذا السم تسهي ً
للحرج.
والتحكير :هو التفاق على النتفاع بأرض الوقف بالبناء والغرس لقاء أجرة معجلة تقارب قيمة
الرض ،وأجرة سنوية ضئيلة ،حددت في قانون الملكية العقاري السوري (باثنين ونصف في اللف)
من قيمة الرض المقدرة رسميا لجباية الضرائب العقارية (. )4
وقد عرفنا في بحث حرية التعاقد :أن الرأي الغالب أو الراجح فقها هو جواز
-------------------------------
( )1البدائع ،2/5 :فتح القدير ،354/5 :الفتاوى الهندية. 504/4 :
( )2الدر المختار ورد المحتار ،257/4 :وانظر المجلة في المواد (.)403-396
( )3الدر المختار. 13/4 :
( )4رد المحتار ،428/3 :المدخل إلى نظرية اللتزام في الفقه للستاذ الزرقاء :ص ،40المدخل
الفقهي للزرقاء .حاشية ف .295
( )4/597
إحداث عقود جديدة ل تخالف نصوص الشريعة ومبادئها وقواعدها العامة ،كما يقول الحنابلة وبخاصة
ابن تيمية وابن القيم .أو من طريق القياس والستحسان والعرف والمصالح المرسلة وغيرها من أدلة
التشريع كما يقول الحنفية والمالكية والشافعية.
التقسيم الثالث ـ بالنظر إلى غاية العقد وأغراضه :
تنقسم العقود بحسب أغراضها وغاياتها إلى مجموعات سبع ،فقد تكون غاية العقد هي تمليك شيء ،أو
الستيثاق ،أو الحفظ ،أو التفويض ونحو ذلك.
- 1التمليكات :وهي ما يقصد بها تمليك شيء ،عين أو منفعة ،فإن كان التمليك بعوض فهي عقود
المعاوضات كالبيع والجارة ،والصرف والصلح ،والقسمة ،والستصناع ،والمزارعة والمساقاة،
والزواج ،ونحوها مما فيه معاوضة ومبادلة بين طرفين.
وإن كان التمليك مجانا بغير عوض فهي عقود التبرعات ،كالهبة والصدقة والوقف والعارة وحوالة
الدين.
وقد يكون التبرع في ابتداء العقد كالقرض والكفالة بأمر المدين ،والهبة بشرط العوض ،ثم يلزم
الطرف الخر بدفع البدل ،فهي تبرع ابتداءً ،معاوضةٌ انتهاءً.
- 2السقاطات :وهي ما يقصد بها إسقاط حق من الحقوق ،سواء ببدل ،أم بدون بدل.
فإن كان السقاط بدون بدل من الطرف الخر فهو السقاط المحض ،كالطلق المجرد عن المال،
والعفو عن القصاص ،والبراء عن الدين ،والتنازل عن حق الشفعة .وإن كان السقاط ببدل أو
عوض من الطرف الخر ،فهو إسقاط المعاوضة ،كالطلق على مال ،والعفو عن القصاص بالدية.
- 3الطلقات :وهي إطلق الشخص يد غيره في العمل ،كالوكالة وتولية الولة والقضاء ،والذن
للمحجور عليه بالتصرف أو للصغير المميز بالتجارة ،واليصاء :وهو أن يعهد شخص لخر في أن
يتولى شؤون أولده القصر بعد وفاته.
( )4/598
- 4التقييدات :وهي منع الشخص من التصرف ،كعزل الولة والقضاة ،ونظار الوقف ،والوصياء،
والقوام على المحجور عليهم ،والوكلء ،وحجر الشخص عن التصرف بسبب الجنون أو العته أو
السفه أو الصغر.
- 5التوثيقات( :أو التأمينات أوعقود الضمان) :وهي التي يقصد بها ضمان الديون لصحابها وتأمين
الدائن على دينه ،وهي الكفالة والحوالة والرهن.
- 6الشتراك :وهي التي يقصد بها المشاركة في العمل والربح ،كعقود الشركات بأنواعها ،ومنها
المضاربة :وهي أن يدفع شخص لخر مبلغا من المال ليتجر فيه على أن يشتركا في الربح،
والخسارة على رب العمل .ومنها المزارعة (تعهد الرض بالعناية) والمساقاة (تعهد الشجار بالسقي
ونحوه).
- 7الحفظ :وهي التي يراد منها حفظ المال لصاحبه ،كعقد اليداع ،وبعض خصائص الوكالة.
التقسيم الرابع ـ بالنظر إلى العينية وعدمها :
تنقسم العقود إلى عينية وغير عينية.
فالعقد العيني :هو الذي ل بد فيه لتمام انعقاده وترتيب أثره من تسليم الشيء المعقود عليه عينا .وهو
يشمل عقودا خمسة :هي الهبة والعارة واليداع والرهن والقرض ( . )1فهذه العقود ل بد لتمامها
وترتب أثرها عليها من قبض المعقود عليه؛ لن هذه العقود ما عدا الرهن من التبرعات ،والتبرع
إحسان ،فل بد له من شيء يؤكده ،وهو القبض .وأما الرهن أي الرهن الحيازي فإنه شرع موصوفا
بالقبض في قوله تعالى{ :فرهان مقبوضة} [البقرة ]283/2:والقبض عند الحنفية :يتم بالتخلية أي بأن
يخلي المالك بين المعقود عليه والطرف الخر ،برفع الحائل بينهما ،على وجه يتمكن الخر من
الحيازة والتصرف في الشيء (. )2
والعقد غير العيني :هو الذي يتم بمجرد الصيغة السليمة من العيوب ويترتب عليه أثره بدون حاجة
إلى القبض .وهذا يشمل جميع العقود ماعدا العقود الخمسة السابقة.
-------------------------------
( )1يشترط منعا من الوقوع في الربا والستغلل قبض كل من العوضين في مجلس العقد في مبادلة
الموال الربوية ببعضها ( وهي عند الحنفية كل ما يباع كيلً أو وزنا ) كبيع النقود ببعضها وهو عقد
الصرف ،وكبيع الحنطة بالحنطة أو الحنطة بالشعير .ويشترط أيضا قبض الثمن ( رأس مال السلم )
في عقد السلم :وهو بيع آجل بعاجل كبيع المنتجات الزراعية قبل حصادها في الموسم ،وذلك في
مجلس العقد ذاته.
( )2البدائع .244/5 :وقال المالكية والشافعية :قبض العقار كالرض والدور يتم بالتخلية ،وقبض
المنقول كالمتعة والدواب يتم بحسب العرف الجاري بين الناس ( الشرح الكبير للدردير،145/3 :
المجموع ،309-301/9:المهذب ) 263/1 :وقال الحنابلة :قبض كل شيء بحسبه ،ويرجع فيه إلى
العرف ( المغني 111/4 :ومابعدها ).
( )4/599
( )4/600
وحكمه :أنه ينعقد في الحال ،ولكن أثره ل يوجد إل في الوقت المحدد الذي أضيف إليه.
العقود بالنسبة للضافة :
العقود عند الحنفية بالنسبة لقبولها الضافة أو عدم قبولها ثلثة أنواع:
الول ـ عقود ل تكون إل مضافة بطبيعتها :وهي الوصية واليصاء كما تقدم ،سواء أكانت منجزة
مثل :أوصيت بكذا للفقراء أو لمسجد البلدة ،أم معلقة مثل :إن نجحت في المشروع الفلني فقد
أوصيت بمبلغ كذا للمشفى الفلني .فإذا تحقق النجاح ،لم يثبت حكم الوصية إل بعد الوفاة.
الثاني ـ عقود ل تقبل الضافة ،وإنما تكون دائما ناجزة :وهي عقود تمليكات العيان ،كالبيع والهبة
والصلح على مال والبراء عن الدين .ويلحق بها الزواج والشركة والقسمة والرجعة؛ لنها تتطلب
شرعا ثبوت آثارها في الحال ،فإذا أضيفت للمستقبل تأخرت آثارها عنها ،وذلك ينافي أصل وضعها
الشرعي .فالبيع يوجب نقل الملكية في الحال ،والزواج يفيد حل الستمتاع حالً ،فل يصح تأخير
الثر عنهما.
الثالث ـ عقود تصح منجزة ومضافة للمستقبل :فإذا كانت منجزة ترتب عليها أثرها في الحال ، ،وإن
كانت مضافة تأخر أثرها إلى زمن الضافة ،وهي (: )1
أولً ـ العقود الواردة على المنافع :كالجارة والعارة والمزارعة والمساقاة.
ثانيا ـ اللتزامات أو التوثيقات :كالكفالة والحوالة.
ثالثا ـ الطلقات :كالوكالة والقضاء والوظائف والدارات والذن بالتجارة.
رابعا ـ السقاطات :كالطلق والخلع من جانب الزوج ،والوقف.
- 3العقد المعلق على شرط :هو ما صدر معلقا وجوده على أمر آخر بأحد أدوات الشرط .مثل :إن
سافرت فأنت وكيلي .إذا قدم فلن من الحجاز فقد بعتك الشيء الفلني.
ويختلف المعلق على شرط عن المضاف للمستقبل في أن العقد المعلق ل ينعقد إل حين وجود الشرط
المعلق عليه .أما المضاف للمستقبل فهو منعقد في الحال ،ولكن آثاره ل يسري مفعولها إل في
المستقبل المضاف إليه.
-------------------------------
( )1تبيين الحقائق.134/4 :
( )4/601
( )4/602
والشرط الملئم :هو ماكان مناسبا لمقتضى العقد ،عرفا أو شرعا ،بأن يكون أساسا لوجوده ،أو سببا
لثبوت الحق ،مثل :إن أقرضت فلنا فأنا كفيله ،إن لم أدفع دينك بعد شهر فقد أحلتك به على فلن ،إن
أحسنت التجارة فقد أذنت لك بها.
أما غير الملئم فمثل :إن نزل المطر فقد كفلت فلنا ،أو أحلتك بدينك على فلن ،أو أذنت لك
بالتجارة ،وإن نجح ابني في شهادة كذا فقد كفلتك .فمثل هذه الشروط غير المفيدة أو التي ل يظهر
فيها غرض صحيح تعد نوعا من العبث أو الهزل واللهو ،ول تصح العقود مع الهزل.
المبحث السادس ـ الخيارات
عرفنا في المبحث السابق أن العقد اللزم :هو الخالي من أحد الخيارات التي تسوغ لحد العاقدين
فسخه وإبطاله.
ومعنى الخيار :أن يكون للمتعاقد الحق في إمضاء العقد أو فسخه ،إن كان الخيار خيار شرط أو رؤية
أو عيب .أو أن يختار أحد المبيعين إن كان الخيار خيار تعيين.
والخيارات سبعة عشر ،سأجمل هنا الكلم عن ستة منها فقط ،هي خيار المجلس ،وخيار التعيين،
وخيار الشرط ،وخيار العيب ،وخيار الرؤية .وقد شرعت الخيارات إما ضمانا لرضا العاقدين أو
حفظا لمصلحتهما ،أو دفعا للضرر الذي قد يلحق أحد العاقدين ،فهي مشروعة للضرورة أو للحاجة
إليها.
ومصدر الخيارات :إما اتفاق العاقدين كخيار الشرط وخيار التعيين .وإما حكم الشرع ،كخيار العيب
وخيار الرؤثة .وقد يعتبر خيار العيب ثابتا باشتراط المتعاقد ضمنا ل صراحة.
خيار المجلس عند الشافعية والحنابلة :
خيار المجلس :هو أن يكون لكل من العاقدين حق فسخ العقد ما داما في مجلس العقد ،لم يتفرقا
بأبدانهما ،أو يخير أحدهما الخر فيختار لزوم العقد.
( )4/603
ومعنى هذا أن العقد ل يلزم إل بإنهاء مجلس العقد بالتفرق أو بالتخيير .وليس ذلك في كل العقود
وإنما في العقود اللزمة من الجانبين فقط القابلة للفسخ وهي عقود المعاوضات المالية كالبيع بأنواعه
وصلح المعاوضة والجارة؛ لن الدليل المثبت له وهو الحديث ورد في البيع ،فيقاس عليه ما في
معناه من عقود المعاوضات (. )1
وقد انقسم الفقهاء في شأنه فريقين:
- 1فقال الحنفية والمالكية ( : )2يلزم العقد باليجاب والقبول ،ول يثبت فيه خيار المجلس؛ لن ال
أمر بالوفاء بالعقود في قوله تعالى{ :أوفوا بالعقود} [المائدة ]1/5:والخيار مناف لذلك ،فإن الراجع عن
العقد لم يف به ،ولن العقد يتم بمجرد التراضي ،بدليل قوله تعالى{ :إل أن تكون تجارة عن تراض
منكم} [النساء ]29/4:والتراضي يحصل بمجرد صدور اليجاب والقبول ،فيتحقق اللتزام من غير
انتظار لخر المجلس.
ولم يأخذوا بالحاديث الواردة في إثبات خيار المجلس لمنافاتها لعموم اليات القرآنية المذكورة .وتأول
الحنفية حديث خيار المجلس «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» بأنه وارد في مرحلة ما قبل تمام العقد.
فالبيعان :معناه المتساومان قبل العقد ،إن شاءا عقدا البيع ،وإن شاءا لم يعقداه ،والمراد بالتفرق :هو
التفرق بالقوال ل بالبدان ،أي أن للموجب أن يرجع عن إيجابه قبل قبول الخر ،وللخر الخيار ،إن
شاء قبل في المجلس ،وإن شاء رد ،وهذا هو خيار القبول أو الرجوع.
ولكن يلحظ أن هذا التأويل ل معنى له؛ لن كل عاقد قبل إبرام العقد حر في القبول وعدمه ،ويجعل
(أي هذا التأويل) الحديث عديم الفائدة ،فل حاجة للمشرع لثبات مبدأ حرية النسان فيما يلتزم ،فهو
أصل عام ،والصل في كل إنسان عدم اللتزام .فإذا لم يقبل الذي وجه له اليجاب ل يسمى ذلك
تفرقا وإنما اختلفا.
-------------------------------
( )1المجموع للنووي 186/9 :ومابعدها ،ط العاصمة.
( )2البدائع ،134/5 :فتح القدير ،78/5 :بداية المجتهد 169/2 :ومابعدها ،الشرح الكبير مع
الدسوقي ،81/3 :القوانين الفقهية :ص ،274المنتقى على الموطأ. 55/5 :
( )4/604
( )4/605
خيار التعيين:
خيار التعيين ( : )1هو أن يكون للعاقد حق تعيين أحد الشياء الثلثة المختلفة في الثمن والصفة التي
ذكرت في العقد .فإذا عين الواحد صار محل العقد معلوما بعد أن كان مجهولً بعض الجهالة.
وهو ل يثبت إل في عقود المعاوضات المالية التي تفيد نقل ملكية العيان كالبيع ،والهبة بعوض،
والقسمة ونحوها.
ول يثبت هذا الخيار إل للمشتري فقط ،على الرأي الراجح عند الحنفية.
وقد اختلف الفقهاء في مشروعيته ،فمنعه الشافعي وأحمد وزفر من الحنفية لجهالة المبيع ،والمبيع
يشترط أن يكون معلوما.
وأجازه أبو حنيفة وصاحباه استحسانا لحاجة الناس إليه ،إذ قد يكون الشخص غير خبير بأحوال
المشتريات ،فيحتاج إلى استشارة غيره ليأخذ الرفق والوفق له .وقد يحتاج الشخص إلى توكيل غيره
بالشراء ويرغب في رؤية الشيء المشترى ،ول يوافق التاجر على إخراج البضاعة من محله إل
بشراء واحد من اثنين أو ثلثة ( . )2وهذا معنى معقول وواقعي ،محقق لمصلحة التاجر لكي تصبح
البضاعة المقبوضة مضمونة ل مجرد أمانة ،ونافع للمشتري لتحقيق رغبته وميوله ،وليس في جهالة
المبيع خطورة ،لنها ل تفضي إلى النزاع ،لتعيين ثمن كل صنف على حدة.
-------------------------------
( )1راجع أحكام خيار التعيين في المواد ( ) 329 - 316من المجلة.
( )2تبيين الحقائق للزيلعي ،21/4 :البدائع.261/5 :
( )4/606
شروطه :
اشترط الحنفية القائلون بخيار التعيين شروطا ثلثة لصحته وهي (: )1
- 1أن يكون الخيار بين ثلثة أشياء على الكثر؛ لن أصناف الشياء تتراوح عادة بين الجيد
والوسط والرديء ،فما زاد عن الثلثة ل يصح فيه الخيار ،لعدم الحاجة إليه.
- 2أن تكون الشياء متفاوتة القيمة أو الوصف ،وثمن كل منها محدد معين ،فإن كانت الشياء
متحدة القيمة أو الوصف فل معنى للخيار بينها .وإذا كان الثمن غير محدد لكل منها ،كان مجهولً،
وجهالة الثمن تفسد البيع.
- 3أن تكون مدة الخيار معلومة ،ل تزيد عن ثلثة أيام عند أبي حنيفة كخيار الشرط ،فإن زادت
على ذلك فسد العقد.
وقال الصاحبان :يكفي أن تكون المدة معلومة ،وإن زادت عن ثلثة أيام.
أثر خيار التعيين :
إذا اقتصر المشتري على ذكر خيار التعيين بدون خيار الشرط ،كان العقد لزما تثبت به ملكية أحد
الشياء ،وينحصر دور المشتري في اختيار أحد الشياء التي اشتراها .وإن مات المشتري ورثه
ورثته في ممارسة حق الختيار.
فإن انضم إلى خيار التعيين خيار الشرط كان العقد غير لزم ،ول يورث حق الخيار حينئذ ،ويحق
للمشتري رد العقد بكامله (. )2
-------------------------------
( )1الزيلعي ،21/4 :البدائع ،261/5 :فتح القدير 130/5 :ومابعدها.
( )2البدائع ،268 ،261/5 :فتح القدير :المكان السابق ،و .133
( )4/607
( )4/608
بايعت فقل :ل خلبة ( ، )1ولي الخيار ثلثة أيام» فهذا الخيار شرع استثناء لدفع الغبن عن الناس،
فيقتصر فيه على مورد النص ،والنص جعل المدة ثلثة أيام ،فل يزاد عليها ،ولن الحاجة تتحقق
بالثلث غالبا.
فلو زاد عليها فسد العقد عند أبي حنيفة وزفر ،ويعود صحيحا عند أبي حنيفة إذا ارتفع سبب الفساد
بإجازة العقد في مدة اليام الثلثة ،وعند زفر :الفاسد من العقود ل يعود صحيحا بحال .ويبطل العقد
عند الشافعي.
- 2وقال الصاحبان والحنابلة ( : )2تكون مدة الخيار بحسب اتفاق العاقدين ،ولو كانت أكثر من
ثلثة أيام؛ لن الخيار شرع للتروي والمشورة ،وقد ل تكفي اليام الثلثة .والتحديد المذكور في
حديث حبان كان كافيا بالنسبة له بتقدير الرسول صلّى ال عليه وسلم .وما يكون كافيا لشخص قد ل
يكفي لغيره ،فل يكون هذا التحديد ما نعا من الزيادة على المدة المذكورة.
- 3وقال المالكية ( : )3يجوز الخيار بقدر ما تدعو إليه الحاجة ،ويختلف ذلك باختلف الحوال،
فالفاكهة ل يجوز الخيار فيها أكثر من يوم ،والثياب والدواب :ثلثة أيام ،والرض البعيدة :أكثر من
ثلثة أيام ،والدار ونحوها :شهر؛ لن المفهوم من الخيار هواختبار المبيع ،وإمكان الختبار يختلف
بحسب المبيعات ،تحقيقا لحاجة العقد.
وتبدأ مدة الخيار بعد العقد مباشرة.
أثر خيار الشرط :
لخيار الشرط أثران :أحدهما متفق عليه ،والخر مختلف فيه.
أما الثر المتفق عليه :فهوجعل العقد غير لزم بالنسبة لمن له الخيار .فيجوز له الفسخ في مدة
الخيار ،وإمضاء العقد ،وإذا مضت المدة بدون فسخ أو إمضاء سقط خياره ولزمه العقد.
ويصح الفسخ والمضاء بالقول الدال عليه مثل :أجزت العقد أو أمضيته ،أو رضيت به ،أو فسخته،
كما يصح بالفعل الدال علىه أو المتضمن له ،كالتصرف في المبيع بالبيع أو الجارة أو الرهن أو
العارة ،سواء من البائع إذا كان له الخيار ،أو من المشتري صاحب الخيار.
-------------------------------
( )1أي ل خديعة ول غبن أي ل يحل لك خديعتي ول تلزمني خديعتك ،والحديث رواه الحاكم
والبيهقي والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ومالك في الموطأ عن ابن عمر (سبل السلم،35/3 :
نيل الوطار.)182/5 :
( )2المبسوط ،41/13 :فتح القدير ،111/5 :البدائع ،174/5 :المغني ،585/3:غاية المنتهى.30/2 :
( )3بداية المجتهد ،207/2 :الشرح الكبير مع الدسوقي ،95 ،91/3 :القوانين الفقهية :ص .273
( )4/610
( )4/611
وإذا كان الخيار للمشتري وحده فل يخرج الثمن عن ملكه ،وأما المبيع فيخرج عن ملك البائع ول
يدخل في ملك المشتري عند أبي حنيفة ،ويدخل في ملكه عند الصاحبين.
وقرر المالكية :أن ملك المبيع للبائع زمن الخيار ،حتى ينقضي الخيار.
ووجهة هذا الفريق :أن من شرط الخيار لنفسه لم يتم رضاه بالعقد ،والثار ل توجد إل مع الرضا
التام.
وقال الشافعية والحنابلة في أظهر الرأيين عندهم ( : )1تترتب آثار العقد عليه في فترة الخيار ،وتنتقل
ملكية البدلين للطرفين المتعاقدين ،سواء أكان الخيار للعاقدين أم لحدهما؛ لن العقد نافذ ،فتترتب
أحكامه (آثاره) عليه .وأثر الخيار محصور في منع اللزوم فقط.
وتظهر ثمرة الخلف بين الفريقين في مؤونة (نفقة) المعقود عليه والزيادة فيه ،فعلى رأي الحنفية
والمالكية :تكون المؤونة في مدة الخيار على البائع والزيادة له .وعلى رأي الخرين :تكون المؤونة
على المشتري والزيادة له.
انتهاء خيار الشرط :
العقد المشتمل على الخيار غير لزم ،وبانتهاء الخيار إما أن يزول العقد ،أو يصبح لزما .وينتهي
الخيار بأحد المور التالية (: )2
- 1إمضاء العقد أو فسخه في مدة الخيار ،سواء أكان ذلك بالقول أم بالفعل كما تقدم.
- 2مضي مدة الخيار دون إجازة (إمضاء) أو فسخ.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،48/2 :المهذب ،259/1 :المغني ،571/3 :غاية المنتهى ،32/2 :القواعد لبن
رجب :ص .377
( )2البدائع ،272-267/5 :المبسوط ،44-42/13 :فتح القدير ،125 -117 :الدر المختار،52/4 :
.57
( )4/612
- 3هلك المعقود عليه أو تعيبه في يد صاحب الخيار ،فإن كان الخيار للبائع مثلً بطل البيع وسقط
الخيار ،وإن كان الخيار للمشتري ل يبطل البيع ،ولكن يسقط الخيار ،ويلزم البيع ،ويجب على
المشتري دفع الثمن ،سواء أكان الهلك أو التعيب بفعل المشتري أو بفعل البائع ،أو بآفة سماوية.
- 4زيادة المعقود عليه في يد المشتري إذا كان الخيار له :زيادة متصلة متولدة منه كسمن الحيوان،
أم غير متولدة منه كالبناء على الرض وصباغة الثوب .أو زيادة منفصلة متولدة منه كولد الحيوان
وثمرة البستان .أما الزيادة المنفصلة غير المتولدة منه كالجرة فل تبطل الخيار ول تمنع الرد.
- 5موت المشروط له الخيار عند الحنفية والحنابلة ( : )1لن خيار الشرط كخيار الرؤية ل يورث
عندهم لنه حق شخصي خاص بصاحبه ،ول يتصور انتقال ذلك من شخص إلى آخر.
وقال المالكية والشافعية ( : )2ل يسقط الخيار بالموت ،بل ينتقل إلى الورثة؛ لنه حق متعلق بالمال
وهو المعقود عليه ،وليس من الحقوق الشخصية ،والحقوق المالية يجري فيها الرث ،لقوله صلّى ال
عليه وسلم « :من ترك مالً أو حقا فلورثته» (. )3
-------------------------------
( )1المغني ،579/3 :غاية المنتهى.33/2 :
( )2بداية المجتهد ،209/2 :القوانين الفقهية :ص ،273المهذب ،259/1 :مغني المحتاج.45/2 :
( )3رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن المقدام بن معد يكرب بلفظ« :من ترك مالً فلورثته( »..نيل
الوطار.)62/6 :
( )4/613
خيار العيب
خيار العيب ( : )1هو أن يكون لحد العاقدين الحق في فسخ العقد أو إمضائه إذا وجد عيب في أحد
البدلين ،ولم يكن صاحبه عالما به وقت العقد.
فسبب هذا الخيار :هو ظهور عيب في المعقود عليه أو في بدله ينقص قيمته أو يخل بالغرض
المقصود منه ،ولم يكن صاحبه مطلعا على العيب عند التعاقد ،فسمي خيار العيب.
وثبوت هذا الخيار مشروط دللة أو ضمنا؛ لن سلمة المعقود عليه أو بدله مطلوبة للعاقد ،وإن لم
يشترطها صراحة .فإذا لم تتوافر السلمة اختل رضا العاقد بالعقد ،والرضا أساس العقود ،فشرع له
الخيار لتدارك الخلل الحادث.
وإذا لم تتوافر السلمة لم يتحقق أيضا مبدأ التعادل في التبادل الذي تقوم عليه عقود المعاوضات،
فشرع هذا الخيار حفاظا على مبدأ المساواة هذا.
وقد أثبت الشرع هذا الخيار لمن فوجئ بالعيب بأحاديث نبوية متعددة منها« :المسلم أخو المسلم ،ل
يحل لمسلم باع من أخيه بيعا ،وفيه عيب ،إل بيّنه له» ( ، )2ومر النبي صلّى ال عليه وسلم برجل
يبيع طعاما ،فأدخل يده فيه فإذا هو مبلول ،فقال« :من غشنا فليس منا» .
ويثبت خيار العيب وخيار الرؤية في العقود اللزمة التي تحتمل الفسخ ،كعقد البيع ،واليجار ،وقسمة
العيان والصلح على عوض عيني.
العيب الموجب للخيار :هو عند الحنفية والحنابلة ( : )3كل ما يخلو عنه أصل
-------------------------------
( )1راجع أحكام العيب في المواد ( )355 -336من المجلة.
( )2رواه ابن ماجه عن عقبة بن عامر (نيل الوطار.)211/5 :
( )3فتح القدير مع العناية ،153 ،151/5 :البدائع ،274/5 :الدر المختار وحاشيته ،74/4 :المغني:
،152/4غاية المنتهى.35/2 :
( )4/614
الفطرة السليمة ويوجب نقصان القيمة في عرف التجار نقصانا فاحشا أو يسيرا كالعمى والعور ،وهذا
التعريف ذو معيار مادي .وعند الشافعية ( )1ذو معيار شخصي ،وهو :كل ما ينقص القيمة أو يفوت
به غرض صحيح ،كجماح الدابة ،أو قطع شيء من أذن الشاة المشتراة للضحية ،أو ضيق الحذاء
المشترى.
شروط ثبوت خيار العيب :يشترط لثبوت خيار العيب بعد الطلع على العيب شروط وهي (: )2
- 1وجود العيب قبل العقد ،أو بعده قبل التسليم أي أن يكون قديما .فلو حدث العيب بعد التسليم،أو
عند المشتري ل يثبت الخيار.
- 2جهل المشتري بوجود العيب عند العقد والقبض .فإن كان عالما به عند أحدهما فل خيار له ،لنه
يكون راضيا به دللة.
- 3عدم اشتراط المالك البراءة عن العيوب في محل العقد ،فلو شرط ذلك فل خيار للمشتري ،لنه
إذا أبرأه فقد أسقط حق نفسه.
- 4أل يزول العيب قبل الفسخ.
هذا ويلحظ أن الحنفية صححوا البيع بشرط البراءة من كل عيب ،وإن لم تعين العيوب بتعداد
أسمائها ،سواء أكان المشترط جاهلً وجود العيب في المبيع أم عالما بعيب المبيع .وسواء أكان العيب
موجودا قبل البيع أم حادثا بعده قبل القبض .وهذا في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف.
وقال محمد ومالك والشافعي وهو المعمول به في قانوننا المدني :يشمل شرط
-------------------------------
( )1مغني المحتاج.51/2 :
( )2البدائع 275/5 :ومابعدها ،فتح القدير.153/5 :
( )4/615
البراءة :العيب الموجود عند العقد فقط ،ل الحادث بعد العقد وقبل القبض؛ لن البراءة تتناول الشيء
الثابت الموجود.
كذلك ل تصح البراءة عند المالكية والشافعية وفي رواية عند الحنابلة ( )1إل عن عيب ل يعلم به
البائع ،أما ما يعلم به فل تصح البراءة عنه.
وقت خيار العيب :يثبت خيار العيب متى ظهر العيب ولو بعد العقد بزمن طويل .أما فسخ العقد بعد
العلم بالعيب فورا أو على التراخي ففيه رأيان للفقهاء:
قال الحنفية والحنابلة ( : )2خيار الرد بالعيب على التراخي ،ول يشترط أن يكون رد المبيع بعد العلم
بالعيب على الفور .فمتى علم العيب فأخر الرد ،لم يبطل خياره حتى يوجد منه ما يدل على الرضا؛
لن هذا الخيار شرع لدفع الضرر ،فل يبطل بالتأخير؛ ولن الحقوق إذا ثبتت ل تسقط إل بإسقاطها
أوبانتهاء الوقت المحدد لها ،وليس لهذا الحق وقت محدد.
وقال المالكية والشافعية ( : )3يجب الفسخ على الفور بعد العلم بالعيب .والمراد بالفور :ما ل يعد
تراخيا في العادة ،فلو اشتغل بصلة أو أكل ونحوه ل يعد متراخيا .والسبب في اشتراط الفور :هو أل
يلحق العاقد الخر ضررمن التأخير ،فإذا تأخر في رد المعقود عليه بدون عذر سقط حقه ولزم العقد.
حكم العقد المشتمل على خيار عيب :
حكم العقد أو أثره حال وجود شيء معيب :هو ثبوت الملك للمتملك في
-------------------------------
( )1الشرح الكبير مع الدسوقي ،123/3 :القوانين الفقهية :ص ،265مغني المحتاج ،53/2 :المغني:
،178/4غاية المنتهى.27/2 :
( )2الدر المختار ،93/4 :المغني ،144/4 :غاية المنتهى.41/2 :
( )3مغني المحتاج ،56/2 :المهذب ،274/1 :الشرح الكبير مع الدسوقي.120/3 :
( )4/616
محل العقد للحال؛ لنه إذا لم تتوافر سلمة المعقود عليه تأثر العقد في لزومه ،ل في أصل حكمه،
بخلف خيار الشرط؛ لن الشرط المنصوص عليه ورد على أصل الحكم ،فمنع انعقاده بالنسبة للحكم
أو الثر في مدةالخيار (. )1
وأثر خيار العيب هو جعل العقد غير لزم بالنسبة لمن ثبت له الخيار ( ، )2فله إما الرضا بالمعقود
عليه كما هو ،وحينئذ يسقط الخيار ويلزم العقد ،وإما رده إلى مالكه الول ،وحينئذ يبطل العقد.
وهل له الحتفاظ بالمعقود عليه والمطالبة بفرق النقصان بسبب العيب؟
قرر الحنفية ( : )3أنه ليس للمتملك الرجوع بنقصان العيب أو الحط من ثمن المبيع ما دام الرد
ممكنا؛ لن المالك ل يلزم بدفع قيمة النقصان إل برضاه دفعا للضرر عنه.
فإن تعذر الرد كان لصاحب الخيار الرجوع بالنقصان بشرط أن يكون امتناع الرد بسبب ليس
لصاحب الخيار دخل فيه ،كهلك محل العقد ،أو تعيبه بعيب جديد ،أو تغير صورته بحيث أصبح له
اسم جديد ،أو زيادته زيادة منفصلة متولدة منه ،كالولد والثمرة ،وذلك دفعا للضرر بقدر المكان.
ويجوز الحط من قيمة المبيع لقاء العيب بتراضي الطرفين.
وطريقة معرفة النقصان :أن يقوّم المعقود عليه سليما من العيب ،ثم يقوّم على أنه معيب ،ويكون
الفرق بين القيمتين هو النقصان ،فيرجع به .فإذا كانت قيمته سليما ألفين ،وقيمته معيبا ألفا ،رجع
بنصف الثمن الذي تم به الشراء.
أما إذا كان امتناع الرد بسبب من جهة المشتري كأن باع الشيء أو وهبه أو وقفه لم يكن له الرجوع
بالنقصان.
وكذلك إن رضي بالعيب صراحة أو دللة ليس له الرجوع بالنقصان؛ لن الرضا بالعيب كما يمنع
الفسخ يمنع الرجوع بنقصان العيب ،إذ به يتبين أن السلمة من العيب لم تكن مطلوبة.
كيفية فسخ العقد ورد المعقود عليه :
إذا كان المعقود عليه ما يزال في يد صاحبه أي قبل قبضه من الخر ،فينفسخ العقد بقول العاقد
الخر( :رددت) ،ول يحتاج إلى قضاء القاضي ،ول إلى التراضي ،باتفاق الحنفية والشافعية.
وأما إن قبضه المتملك فل ينفسخ إل بالتراضي أو بقضاء القاضي عند الحنفية ( )4لرفع النزاع الذي
قد يقع بين العاقدين بسبب احتمال كون العيب جديدا عند القابض ،فل يوجب الرد ،أو كونه قديما عند
المالك الصلي ،فيوجب الرد.
وقال الشافعية والحنابلة ( : )5ينفسخ العقد بقول المتملك( :رددت) بغير حاجة إلى التراضي أو قضاء
القاضي ،كالفسخ بخيار الشرط أو خيار الرؤية؛ لن خيار العيب يجعل العقد غير لزم بالنسبة
لصاحب الخيار ،وغير اللزم يجوز فسخه بغير حاجة إلى رضا العاقد الخر ،ول إلى قضاء
القاضي.
-------------------------------
( )1البدائع.273/5 :
( )2البدائع.274/5 :
( )3فتح القدير 164 ،159/5 :ومابعدها ،الدر المختار ،94/4 :اللباب شرح الكتاب ،21/2 :تبيين
الحقائق 34/4 :ومابعدها ،البدائع.289/3 :
( )4البدائع.281/5 :
( )5مغني المحتاج ،57/2 :المهذب ،284/1 :غاية المنتهى.41/2 :
( )4/617
( )4/618
( )4/619
خيار الرؤية
خيار الرؤية( : )1هو أن يكون للمشتري الحق في إمضاء العقد أوفسخه عند رؤية المعقود عليه ،إذا
لم يكن رآه عند إنشاء العقد أو قبله بوقت ل يتغير فيه عادة.
فسبب هذا الخيار :عدم رؤية محل العقد حين التعاقد أو قبله ،فإذا كان قد رآه سقط خياره.
وثبت هذا الخيار عند القائلين به بحكم الشرع من غير حاجة لشتراطه في العقد ،بخلف خيار
الشرط والتعيين ،فإنهما مشروطان في العقد.
ويثبت كخيار العيب في العقود اللزمة التي تحتمل الفسخ كبيع الشيء المعين بالذات ،والجارة،
وقسمة الموال القيمية كالراضي والدواب ،والصلح على عين بعوض معين .أما بيع الشيء المعين
بالوصف كما في عقد السلم (بيع آجل بعاجل) فل يثبت فيه خيار الرؤية.
مشروعيته :
أجاز جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة والظاهرية) ( )2خيار الرؤية في بيع العين الغائبة أو
غير المرئية ،بدليل ما يروى حديثا« :من اشترى شيئا لم
-------------------------------
( )1راجع أحكام خيار الرؤية في المجلة في المواد (.)334-320
( )2المبسوط 69/13 :ومابعدها ،فتح القدير مع العناية ،140-137/5 :البدائع ،292/5 :رد المحتار:
،68/4بداية المجتهد ،154/2 :الشرح الكبير مع الدسوقي 25/3 :ومابعدها .المغني580/3 :
ومابعدها .المحلى.394/8 :
( )4/620
يره ،فهو بالخيار إذا رآه» ( )1ويؤيده أن عثمان بن عفان باع أرضا له بالبصرة لطلحة ابن عبد ال
رضي ال عنهما ،ولم يكونا رأياها ،فقيل لعثمان :غبنت ،فقال« :لي الخيار؛ لني بعت ما لم أره» .
وقيل لطلحة إنك قد غبنت ،فقال« :لي الخيار ،لني اشتريت ما لم أره» ( )2فحكما في ذلك جبير بن
مطعم،فقضى بالخيار لطلحة.
وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي ال عنهم ،ولم ينكر عليه أحد ،فكان إقرارا منهم على شرعية
هذا الخيار.
واحتجوا أيضا بأن الشخص قد يحتاج إلى شراء شيء غائب عنه ،يجعل له الخيار عند رؤيته دفعا
للضرر عنه حينما يجد المعقود عليه غير موافق لغرضه أو لمقصوده ،وتحقيقا لرضاه المطلوب في
العقود.
وأما ما قد يكون من جهالة في المعقود عليه فل تؤثر في صحة العقد ،لنها ل تفضي إلى النزاع
بسبب إعطاء الخيار لمن لم ير محل العقد.
وقال الشافعي في المذهب الجديد ( : )3ل ينعقد بيع الغائب أصلً ،سواء أكان بالصفة ،أم بغير
الصفة ،ول يثبت خيار الرؤية؛ لن في العقد غررا وجهالة قد تفضي إلى النزاع بين العاقدين ،وقد
نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن بيع الغرر ( . )4وأما حديث «من اشترى ما لم يره» فهو
حديث ضعيف كما قال البيهقي أو باطل كما قال الدارقطني.
من يثبت له خيار الرؤية :
يثبت خيار الرؤية عند الحنفية والمالكية للمتملك ،كالمشتري في البيع ،والمستأجر في اليجار ،أما
المملك فل يثبت له هذا الخيار ،وهو البائع والمؤجر ،عملً بما قضى به جبير بن مطعم بين عثمان
وطلحة ،ولن المملك يعرف ما يملكه عادة ،فل ضرورة لثبوت الخيار له .فإذا باع ما لم يره ،وهو
أمر نادر ،كان مقصرا في حق نفسه ،فل يستحق المطالبة بفسخ العقد .أما المتملك فلم يتمكن من
رؤية محل العقد ،ول سبيل إليه ،فكان من المصلحة منحه الخيار.
وأثبت الحنابلة والظاهرية خيار الرؤية للمملك كالبائع إذا باع ما لم ير.
وقت ثبوت الخيار :
يثبت الخيار للمشتري عند رؤية المعقود عليه ،ل قبلها ،فلو أجاز العقد قبل الرؤية ،ل يلزم العقد ،ول
يسقط الخيار ،وله أن يرد المعقود عليه؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم أثبت الخيار للمشتري بعد
الرؤية.
-------------------------------
( )1روي مسندا ومرسلً ،فالمسند رواه الدارقطني عن أبي هريرة ،والمرسل رواه ابن أبي شيبة
والدارقطني والبيهقي عن مكحول ،وهو ضعيف (نصب الراية.)9/4 :
( )2أخرجه الطحاوي والبيهقي عن علقمة بن أبي وقاص (نصب الراية.)9/4 :
( )3مغني المحتاج 18/2 :ومابعدها ،المهذب.263/1 :
( )4روى الجماعة إل البخاري عن أبي هريرة «أن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة
وعن بيع الغرر» (نيل الوطار.)147/5 :
( )4/621
أما لو فسخ العقد قبل الرؤية صح الفسخ ،ل من أجل الخيار ،وإنما لن العقد غير لزم ،وغير اللزم
يجوز فسخه كالعقد الذي فيه خيار العيب ،وعقد العارة واليداع (. )1
شروط ثبوت الخيار :يشترط لثبوت الخيار شروط ،وإل كان العقد لزما وهي (: )2
- 1عدم رؤية محل العقد عند إنشاء العقد أو قبله بزمن ل يتغير فيه ،فإن كان قد رآه قبل العقد ل
يثبت له الخيار.
- 2أن يكون محل العقد عينا معينة أو مشخصة من العيان كالرض والدار والدابة والسيارة ،إذا
وصفت بما ينفي عنها الجهالة المفضية إلى النزاع؛ لن للناس أغراضا خاصة في العيان ،فيثبت
الخيار لينظر المتملك هل يصلح له أو ل؟ ويظل له الخيار ولو وافق الوصف عند الحنفية.
أما المعين بالوصف ل بالذات بأن كان دينا موصوفا في الذمة كالمسلم فيه (المبيع المؤجل لموسم
الحصاد) فل يثبت فيه خيار الرؤية؛ لن المعقود عليه الموصوف إن وجد بأوصافه المتفق عليها لزم
العقد ،وإن تخلف وصف منها لم يتحقق لعدم وجود محله.
- 3أن يكون العقد مما يقبل الفسخ كما تقدم ،كالبيع والجارة والقسمة والصلح عن دعوى المال
ونحوها؛ لن هذه العقود تنفسخ برد هذه الشياء ،فيثبت فيهاخيار الرؤية.
أما ما ل يقبل الفسخ كالزواج والخلع والصلح عن دم العمد ونحوها ،فل يثبت فيها خيار الرؤية بسبب
عدم رؤية المهر أو بدل الخلع أو عوض الصلح إذا كان شيئا معينا كدار وأرض معينة.
كيفية الرؤية :
الرؤية قد تكون لجميع المعقود عليه ،أو لبعضه (رؤية النموذج) ،والضابط فيه :أنه يكفي رؤية ما
يدل على المقصود ،ويفيد المعرفة به ( . )3وذلك بأي حاسة
-------------------------------
( )1البدائع.295/5 :
( )2البدائع 292/5 :ومابعدها ،298 ،المبسوط ،72/13،77 :فتح القدير ،298/5 :الدر المختار:
.70/4
( )3البدائع ،293/5 :الدر المختار وحاشيته.68/4 :
( )4/622
من الحواس بحسب طبيعة محل العقد ،فإن كان من المطعومات يكون العلم به بالذوق ،وإن كان من
المشمومات كالروائح كانت معرفته بالشم ،وإن كان من الملموسات كالقمشة كان العلم به باللمس.
وإن كان من المرئيات كالدور والراضي والحبوب كان العلم به بواسطة النظر بالنسبة للبصير.
أما العمى فهو كالبصير في غير المرئيات ،وأما في المرئيات فيكتفى منه بوصف الشيء وصفا
كافيا .ويجوز عند الحنفية للبصير والعمى التوكيل بالنظر والرؤية (. )1
وبناء عليه ل يكفي رؤية بعض حجُرات الدار ،بل ل بد من رؤية بيوتها كلها ،ورؤية كل الرض
والبستان ونحوهما .ول يكفي رؤية شاة من قطيع ،بل ل بد من رؤية القطيع كله.
وإذا كان الشيء يباع عدديا كالجوز والفجل والثياب فل تكفي رؤية البعض ،بل لبد من رؤية الكل.
وإذا كان الشيء من المثليات التي تباع كيلً أو وزنا كالحبوب والقطان أو كان مغيبا في الرض
كالثوم والبصل ،فيكتفى برؤية بعض الجزاء أو الوحدات ،وهو المسمى بالبيع بالنموذج.
أثر خيار الرؤية :
يكون العقد الوارد على العين الغائبة أو غير المرئية غير لزم لمن ثبت له الخيار ،فيخير بين الفسخ
والجازة عند رؤية المعقود عليه؛ لن عدم الرؤية يمنع تمام الصفقة ،ولن جهالة وصف المعقود
عليه تؤثر في رضا المتملك فيثبت له الخيار ،سواء أكان المعقود عليه موافقا للوصف المتفق عليه
-------------------------------
( )1البدائع ،295/5 :فتح القدير.145/5 :
( )4/623
( )4/624
( )4/625
وقال مالك ( : )1يورث خيار الرؤية كما يورث خيار التعيين والعيب؛ لن الرث يثبت في الحقوق
والموال المملوكة على السواء.
وهذا أقرب إلى المنطق؛ لن الوارث يخلف المورث في كل ما ترك من مال وحقوق ومنها حق
الخيار (. )2
خيار النقد
خيار النقد ( : )3هو أن يتبايع اثنان على أنه إذا لم ينقد المشتري الثمن في مدة معينة ،فل بيع بينهما،
فإذا نقد المشتري الثمن في المدة المحددة تم البيع ،وإذا لم ينقده فيها كان البيع فاسدا.
ويصح أن يكون خيار النقد للبائع أيضا ،كما لو تبايع اثنان وقبض البائع الثمن ،وقال :إذا رددت الثمن
في مدة ثلثة أيام ،فل بيع بيننا ،فإن رده فسد البيع ،وإن لم يرده تم العقد.
وقد أجاز أبو حنيفة وصاحباه خلفا لزفر هذا الخيار استحسانا لحاجة الناس إليه ،ولنه في الحقيقة
نوع من خيار الشرط .ويؤيده أن ابن عمر أجازه (. )4
مدته :قال أبو حنيفة :أقصى مدة هذا الخيار ثلثة أيام .وقال الصاحبان :يجوز إلى أربعة أيام فأكثر.
ول يورث هذا الخيار عند الحنفية؛ لنه حق شخصي .لكن إذا كان الختيار للبائع في رد الثمن،
فمات في أثناء المدة يلزم البيع بموته ،لنه تحقق عدم الرد بموته.
وإن كان الخيار للمشتري في نقد الثمن فمات في مدة الخيار ،بطل البيع بموته ،لنه تحقق عدم نقد
الثمن بموته ،فيبطل العقد.
-------------------------------
( )1الشرح الصغير.145/3 :
( )2الموال ونظرية العقد لستاذنا المرحوم محمد يوسف موسى :ص .487 ،477
( )3راجع أحكامه في المواد ( )315-313من مجلة الحكام العدلية.
( )4فتح القدير ،132/5 :الدر المختار ورد المحتار.51/4 :
( )4/626
( )4/627
ً 4ـ لعدم التنفيذ :يجوز الفسخ لعدم تنفيذ الطرف الخر التزامه في حالة خيار النقد ،كما تقدم.
ويجوز الفسخ بسبب استحالة التنفيذ لفة سماوية (قوة قاهرة أو ظروف طارئة بتعبير القانونيين) وذلك
في عقد البيع في حالة هلك المبيع قبل التسليم .أي في يد البائع قبل أن يتسلمه المشتري ،وفي عقد
الجارة في حالة طروء أعذار من جانب المؤجر أو المستأجر أو العين المؤجرة عند الحنفية ،كلحوق
دين فادح بالمؤجر ل سبيل لوفائه إل ببيع المأجور وأداء الدين من ثمنه ،وإفلس المستأجر ،أو انتقاله
من حرفة إلى حرفة ،وهجرة أهل القرية بعد استئجار حمام في قرية ليستغله المنتفع المستأجر.
ً 5ـ لنتهاء مدة العقد أو تحقيق غرضه :ينفسخ العقد من نفسه وينتهي بانتهاء مدته أو بتحقيق
الغرض المقصود من العقد ،وذلك كانتهاء مدة عقد اليجار المعينة ،وسداد الدين في عقدي الرهن
والكفالة ،وتنفيذ الوكيل المهمة الموكل بها.
انتهاء العقد بالموت :
تنتهي طائفة من العقود بموت أحد العاقدين ،منها نماذج مما يأتي:
- 1الجارة :تنتهي الجارة عند الحنفية ( )1بموت أحد العاقدين ،بالرغم من أنها عقد لزم من
الطرفين ،أي أن العقد ينفسخ من نفسه بالموت.
-------------------------------
( )1البدائع ،222 ،201/4 :تبيين الحقائق ،144/5 :تكملة فتح القدير.220/7 :
( )4/628
وقال غير الحنفية ( : )2ل تنتهي الجارة أو ل تنفسخ بموت أحد العاقدين .وسبب الخلف راجع
لتصور كيفية انعقاد الجارة ،فعند الحنفية :تنعقد الجارة في المنافع بحسب حدوثها شيئا فشيئا ،أي أن
المستأجر يتملك المنفعة تدريجيا مع مضي المدة ،فما يحدث من منفعة بعد موت المالك ل يكون
مملوكا له ،فل يصح بقاء العقد عليه .وعند غير الحنفية :تعتبر المنفعة كأنها موجودة حال العقد،
ويتملك المستأجر المنافع بالعقد دفعة واحدة ملكا لزما ،فيورث عنه ،كما يورث الشيء المبيع ،فتكون
الجارة كالبيع ل يبطل بموت أحد العاقدين .وهذا ما أخذ به القانون المدني السوري في المادة (
.)568
- 2الرهن والكفالة :هما من العقود اللزمة من جانب واحد هو الدائن المرتهن أو المكفول له .فإذا
مات الراهن بيع الرهن بواسطة وصيه وقضي منه دينه إن كان ورثته صغارا .فإن كانوا كبارا خلفوا
الميت في المال ،وكان عليهم تخليص الرهن بقضاء الدين ( . )3وأما الكفالة :فإذا كانت كفالة بالدين
فل تنتهي بموت المدين الصيل ،وإنما تنتهي بأحد أمرين :أداء الدين إلى الدائن ،أو البراء من
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،227/2 :الشرح الكبير للدردير ،30/4 :المهدب ،406/1 :المغني.456/5 :
( )2الدر المختار ،369/5 :ط الحلبي.
( )4/629
الدين .وإذا مات الكفيل يؤخذ الدين من تركته .وإن كانت كفالة بالنفس فتنتهي بموت الصيل المكفول
بنفسه ،وبموت الكفيل ،للعجز عن إحضار المكفول عنه (. )1
- 3الشركة والوكالة :هما من العقود غير اللزمة من الجانبين .وينتهيان بالموت ،فالشركة تنفسخ
بموت أحد الشريكين ،سواء علم الخر بالموت أم لم يعلم ( . )2وكذلك الوكالة تنفسخ بموت الوكيل
أو الموكل ،سواء علم الطرف الخر بموت صاحبه أم لم يعلم (. )3
- 4المزارعة والمساقاة ( : )4عقدان غير لزمين من الجانبين ،لم يجزهما أبو حنيفة ،وأجاز
الشافعية المساقاة ،والمزارعة تبعا للمساقاة ،وأجازهما المالكية بشروط منها المساواة بين المالك
والعامل في الربح.
وأجازهما الحنابلة والصاحبان مطلقا .وعلى هذا الرأي ينفسخ العقد بموت صاحب الرض أو العامل
(المزارع أوالمساقي) ،سواء قبل العمل والزراعة أم بعدهما ،وسواء أكان الزرع أو الثمر قد آن
حصاده وجنيه أم ل ( . )5لكن إذا مات صاحب الرض قبل نضج الزرع تترك الرض بيد المزارع
إلى الحصاد مراعاة لمصلحة الطرفين .وإذا مات العامل فلورثته المضي في العمل إلى الحصاد.
انتهاء العقد بعدم إجازة الموقوف :
ينتهي العقد الموقوف إذا لم يجزه صاحب الشأن ،كما بان في بحث عقد الفضولي ول تصح الجازة
كما عرفنا إذا مات الفضولي أو من تعاقد معه ،فينتهي العقد حينئذ قبل الجازة .وللفضولي نفسه فسخ
العقد قبل الجازة دفعا للعهدة عن نفسه (. )6
-------------------------------
( )1البدائع 11/6 :ومابعدها ،13 ،الدر المختار.285 ،261/4 :
( )2البدائع ،78/6 :المبسوط ،212/11 :فتح القدير.34/5 :
( )3البدائع ،38/6 :تكملة فتح القدير والعناية 126/6 :ومابعدها ،المبسوط.13/19 :
( )4المزارعة :عقد على زرع الرض بنسبة معين شائعة من المحصول .والمساقاة :عقد على العناية
بأشجار الفاكهة بنسبة معلومة شائعة من الناتج.
( )5البدائع ،185/6 :الهداية ،48 ،45/4 :ط الخيرية ،غاية المنتهى.184/2 :
( )6البدائع. 151 ،148/5 :
( )4/630
( )4/631
( )4/632
وكذلك يترتب على الزواج الباطل بعض الثار الضرورية إذا أعقبه دخول :وهي ثبوت نسب الولد،
وإيجاب العدة على المرأة ،واستحقاق المرأة المهر .فيختلف بذلك عن الزنى.
أما الفاسد :فيترتب عليه بعض آثار العقد الصحيح إذا تم التنفيد أي القبض أو التسليم ،فتنتقل الملكية
في العوضين في البيع الفاسد بالقبض .ويتملك المستأجر المنفعة في الجارة الفاسدة وتلزمه الجرة
باستيفاء المنفعة فعلً .لكن البيع الفاسد ل يلزم المشتري بدفع الثمن المسمى المتفق عليه ،وإنما ثمن
المثل أي قيمة المبيع في السوق يوم القبض .وفي الجارة الفاسدة يلزم المستأجر بدفع أجر المثل ،ل
الجر المسمى في العقد (. )1
ويلحظ أن هذا الثر يرتبه الفقه على تنفيذ العقد ،ل على العقد نفسه.
- 3استحقاق الفسخ :الباطل ل يحتاج إلى فسخ؛ لنه معدوم لم يوجد ،والفسخ يرد على عقد قائم
كالعقد المشتمل على أحد الخيارات.
وأما الفاسد :فيستحق الفسخ رعاية لحكام الشرع إما بإرادة أحد العاقدين ،أو بإرادة القاضي؛ لن
إزالة الفساد واجب شرعا ،وبالفسخ يرتفع الفساد (. )2
ويبقى حق الفسخ قائما ولو بعد التنفيذ حتى يزول سببه إل إذا وجد أحد موانع الفسخ وهي (: )3
أ ـ هلك المعقود عليه أو استهلكه أو تغيير شكله واسمه كطحن القمح وخبز الدقيق.
ب ـ الزيادة المتصلة غير المتولدة من الصل كخلط الدقيق بالسمن أو العسل والبناء على الرض
وصبغ الثوب .أما أنواع الزيادات الخرى وهي الزيادة المتصلة المتولدة كالسمن والجمل ،والزيادة
المنفصلة المتولدة كالولد والثمرة أو غير المتولدة كالكسب والغلة فل تمنع الفسخ والرد.
ج ـ التصرف بالشيء المقبوض بعقد فاسد من قبل القابض كالبيع والهبة والرهن والوقف.
-------------------------------
( )1يلزم دفع أجر المثل على أل يتجاوز الجر المسمى ،إل إذا كان فساد الجارة ناشئا عن جهالة
الجرة فيجب عندئذ أجر المثل بالغا ما بلغ.
( )2البدائع.200/5 :
( )3البدائع ،302-300/5 :فتح القدير ،302 ،231/5 :رد المحتار ،137/4 :مجمع الضمانات :ص
.216
( )4/633
ويلحظ أن حق الفسخ بسبب الفساد يورث ،فلو مات أحد العاقدين جاز لورثته أو للعاقد الخر فسخ
العقد بعد الموت.
- 4عموم الثر وخصوصه :البطلن يمكن أن يصيب كل أنواع التصرفات القولية والفعلية ،العقدية
وغير العقدية ،كالبيع واليجار والهبة ،والقرار والدعوى ،وإحراز المباح وقبض الثمن والموهوب.
وأما الفساد فل يجري إل في العقود المالية المنشئة التزامات متقابلة أو ناقلة للملكية ( ، )1فل يجري
الفساد في العبادات والتصرفات الفعلية،والعقود غير المالية كالزواج والوصاية والتحكيم ،والعقود
المالية التي ل تنشئ التزامات متقابلة ول تنقل الملكية كاليداع والعارة ،وتصرفات الرادة المنفردة
كالطلق والوقف والبراء .فهذه التصرفات ل تكون إل صحيحة أو باطلة.
وأما أوجه الشبه بين الباطل والفاسد فأهمها ما يأتي:
أ ـ الباطل ل يقبل الجازة لنه معدوم .وكذلك الفاسد ل يرتفع فساده بالجازة؛ لن العاقد ل يملك
مخالفة نظام الشريعة ،وليس له إقرار المخالفة ،وإنما ينبغي إزالة الفساد احتراما لحكم الشرع ،إل إذا
زال سبب فساده كتعيين المجهول.
ب ـ الباطل ل يسري عليه التقادم (مرور الزمان) ويمكن التمسك ببطلن العقد مهما طالت المدة؛
لن الباطل معدوم .وكذلك الفاسد ل يسري عليه التقادم ،وإنما يظل مستحق الفسخ شرعا مهما طال
المد ،إل إذا وجد مانع من موانع الفسخ التي سبق بيانها.
-------------------------------
( )1المدخل الفقهي للستاذ الزرقاء :ف .268
( )4/634
( )4/635
الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر ،ورتب على كل جناية ما يناسبها من العقوبة .وجعل هذه
العقوبات دائرة على ستة أصول :قتل ،وقطع ،وجلد ،ونفي ،وتغريم مال ،وتعزير.
والجرائم الموجبة للعقوبة البدنية هي ثلث عشرة جريمة وهي:
القتل ،والجرح ،والزنا ،والقذف ،وشرب الخمر ،والسرقة ،والبغي ( ، )1والحرابة ،والردة ،والزندقة،
وسب ال وسب النبياء والملئكة ،وعمل السحر ،وترك الصلة والصيام.
وليس في هذه العقوبات قسوة أو تنكيل وتعذيب للمجرم كما يزعم بعض الناس؛ لن هذه الجرائم
الموجبة لها خطيرة تهز كيان المجتمع ،ولنها أنسب عقوبة لزجر المجرم وأمثاله ،وأقمع للجريمة
ومطاردة المجرمين ،وأدعى لتحقيق أمن المجتمع واستقراره.
وحققت العقوبات الشرعية أمنا في السعودية ل يماثله أمن بلد في العالم تطبق فيه العقوبات الوضعية
من حبس أو سجن ونحوهما.
والتخلص من ضرر مجرم يتباكى عليه الزاعمون حب النسانية والنسان أوجب من تهديد أمن
المجتمع بكامله ،عن طريق ترويع المجرمين أمن البيوت والنساء والطفال ،وما يعقبه من العديد من
الجرائم والمنكرات.
ولقد أثبت التاريخ أن المجتمع السلمي عندما طبق الحدود الشرعية ،عاش آمنا مطمئنا على أمواله
وأعراضه ونظامه ،حتى إن المجرم نفسه كان يسعى لقامة الحد عليه ،رغبة في تطهير نفسه،
والتكفير عن ذنبه.
-------------------------------
( )1البغي :الخروج في حال الشوكة والمنعة على جماعة المسلمين بتأويل نص في حكم شرعي
للتوصل إلى حق أو ولية ،والتحصن في بلد ما ،وتنظيم ثورة مسلحة على غيرهم ،وتطبيق أحكامهم
فيما بينهم كالخوارج .وأما الحرابة :فهي قطع الطريق على المارة ،بقصد أخذ أموالهم قهرا عنهم أو
قتلهم علنية دون اعتماد على تأويل سائغ.
( )4/636
هذا مع العلم بأن تطبيق القصاص والحدود يتطلب تشددا كبيرا في شروط إثبات الجريمة ( ، )1مما
ل نكاد نجد له مثيلً عند القانونيين ،بل إن الحدود ومنها القصاص تسقط بالشبهات عملً بالحديث
النبوي« :ادرؤوا الحدود بالشبهات» وقد توسع الفقهاء في بيان ما هو شبهة مسقطة للحد توسعا كبيرا،
حتى إن مجرد ادعاء الشبهة كادعاء الزوجية في حال الوطء من المتهم يسقط الحد ،وكذا هرب
المحدود أثناء إقامة الحد يسقط الحد (. )2
إن القسوة على المجرم رحمة عامة للمجتمع في مجموعه ،حتى يتخلص من الجريمة وخطرها
الوبيل ،والتضحية بعدد محدود من المجرمين أهون كثيرا من ترك الجريمة تفتك بآلف البرياء.
والشريعة السلمية هي شريعة الرحمة الحقة بالناس ،وال سبحانه أدرى بما يعالج به خطر بعض
المجرمين وهو أرحم بهم.
ل في
وقد أدى كل هذا إلى أن يكون تطبيق الحد نادرا جدا في المجتمع السلمي ،فقطع اليد مث ً
السعودية ل يزيد عن حالة واحدة أو حالتين طوال العام.
وأما العقوبات غير المقدرة أو التعزيرات :فهي العقوبات المشروعة على كل معصية أو منكر أو
إيذاء ل حد فيه ،سواء بالقول أو بالفعل أو بالشارة ،وسواء أكانت الجريمة انتهاكا للحرمات الدينية
والجتماعية كالكل في نهار رمضان بغير عذر ،وترك الصلة ،وطرح النجاسة في طريق الناس،
والستهزاء بالدين ،والخلل بالداب العامة ،أو كانت اعتداء على حق شخصي كأنواع السب والشتم
والضرب واليذاء بأي وجه ،والغش والتزوير والحتيال ونحوها.
-------------------------------
( )1ففي السرقة مثلً يشترط ما يزيد على 12شرطا .وفي الزنا :يشترط لثباته بالشهادة شهادة أربعة
رجال أحرار عدول يرون الجريمة رؤية بصرية كاملة ل شبهة فيها .وفي القتل يشترط عدة شرائط
لتطبيق القصاص منها أن يكون القتل بسلح ونحوه.
( )2الدر المختار 158/3 :ومابعدها.
( )4/637
والتعزير يكون إما بالضرب أو بالحبس أو الجلد أو النفي أو التوبيخ أو التغريم المالي ،ونحو ذلك مما
يراه الحاكم رادعا للشخص بحسب اختلف حالت الناس ،حتى القتل سياسة كما قرر فقهاء الحنفية
والمالكية.
والتعزير مفوض للدولة في كل زمان ومكان،فإنها تضع للقضاة أنظمة يطبقونها بحسب المصلحة.
وأغلب العقوبات الوضعية الحديثة تدخل في نطاق التعزير .ول مانع شرعا من تقنين العقوبات
التعزيرية بجانب الحدود والقصاص على النحو المعروف الن .ويعد التعزير قاعدة مرنة صالحة
للتطبيق في كل عصر بما يحقق المصلحة أوالمقصود من العقوبة .وما وضْع حدين للعقوبة قانونا
أدنى وأقصى ،أو الحكم مع وقف التنفيذ إل لون من ألوان المرونة أو العفو عن العقوبة المقررين في
التعزيرات.
والشريعة أساس الحكم على الجريمة والعقاب ،وقد سبق الفقهاء المسلمون إلى معرفة قاعدة ( :ل
جريمة ولعقوبة إل بنص ) لتقريرهم القاعدتين التاليتين:
( - 1ل حكم لفعال العقلء قبل ورود النص ).
( - 2الصل في الفعال والقوال والشياء الباحة ).
ومصدر هاتين القاعدتين قول اِل تعالى{ :وما كنا معذبين حتى نبعث رسول} [السراء ]15/17:وقوله
سبحانه{ :وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولً يتلو عليهم آياتنا} [القصص]59/28:
وقوله جل شأنه{ :رسلً مبشرين ومنذرين لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل} [النساء:
.]165/4
فهذه النصوص قاطعة بأن ل جريمة إل بعد بيان ،ول عقوبة إل بعد إنذار .ومن هنا كانت فترة
الجاهلية ل عقاب فيها على الجرائم التي حدثت أثناءها ،سواء أكانت الجريمة إراقة دم حرام أم
غيرها.
وقد تضافر القرآن الكريم والسنة النبوية وكتب الفقهاء على بيان المعاصي والمنكرات وتفصيل
العقوبات المقررة في الدنيا على الشخاص .ول يقبل شرعا من أي مسلم أومسلمة العتذار بالجهل
بأحكام الشريعة ،وعليه أن يتعلم القدر الضروري منها لقوله عليه السلم« :طلب العلم فريضة على
كل مسلم» ويعد التقصير في التعليم والتعلم جريمة مستوجبة التعزير.
والعمل بأحكام الشريعة في النطاقين الجزائي والمدني وغيرهما واجب على الدولة والفراد ،ويعد
التخلي عن الشريعة إثما كبيرا وجرما عظيما .وليس تطبيق أحكام الشريعة أمرا صعبا أو غير متفق
مع ظروف العصر الحديث ،وإنما العراض عن ذلك نوع من الوهم وفقدان الثقة بالذات وافتتان
بأنظمة العصر ويعد جائرا عن الشرع.
ول شك بأن أحكام الشريعة تتطلب إقامة مجتمع إسلمي متكامل في العقيدة والعبادة والسلوك
الخلقي ،وينبغي أن تتجه أنظمة الدولة الدستورية والدارية والتعليمية والعلمية إلى العمل بروح
السلم وأنظمته وآدابه ،حتى يسهل تقبل الحكم الشرعي اللهي عن عقيدة واقتناع وحب واحترام.
( )4/638
( )4/639
( )4/640
من أصله ( ، )1كما في الفسخ بسبب أحد الخيارات ،وتستعمل أيضا بمعنى رفع العقد بالنسبة
للمستقبل ،كما في أحوال فسخ العقود الجائزة أو غير اللزمة .فإذا انعقد العقد لم يتطرق إليه الفسخ
إل في أحوال سأذكرها ،مثل الخيارات ،والقالة ،وهلك المبيع قبل القبض ،وكون العقد غير لزم،
ويتم ذلك بإرادة العاقد أو غيره ،ويعود العاقدان إلى الحالة الصلية التي كانا عليها قبل التعاقد ،ففي
البيع مثلً يعود المبيع إلى ملك البائع ،والثمن إلى ملك المشتري ،وإذا فسخ الزواج بحكم القاضي
زالت رابطة العقد بين الزوجين وصار كل منهما أجنبيا بالنسبة للخر.
قال السيوطي :يغتفر في الفسوخ ما ل يغتفر في العقود ،ومن ثم لم يحتج إلى قبول ،وقبلت الفسوخ
التعليقات دون العقود (. )2
ألفاظ ذات صلة :انفساخ ،خلع ،طلق ،إبطال ،فساد :
( )3ـ النفساخ :إن انحلل العقد (وهو زوال الرابطة التي تربط المتعاقدين) يشمل كلً من الفسخ
والنفساخ ،إل أن الفسخ ينشأ تارة عن الرادة ،أو الرضا ،وقد يحدث جبرا عن أحدهما بحكم
القاضي ،فهو يحدث بالتراضي أو بالتقاضي .أما النفساخ :فيحدث بسبب حادث طبيعي وهو استحالة
التنفيذ ،كهلك أحد العوضيين.
فينفسخ كل عقد من تلقاء نفسه إذا استحال تنفيذه،وينفسخ العقد المستمر أو عقد المدة ( )3كعقد الجارة
إذا فقد ما يعتمد عليه بقاؤه ،فعقد البيع ينفسخ بهلك
-------------------------------
( )1تبيين الحقائق للزيلعي.197/4 :
( )2الشباه والنظائر للسيوطي :ص .318
( )3العقود المستمرة :هي التي يستغرق تنفيذها مدة من الزمن ،بحيث يكون الزمن عنصرا أساسيا في
تنفيذها كالجارة والعارة وشركة العقد والوكالة (المدخل الفقهي للستاذ الزرقاء :ف )247أو هي
العقود التي يكون الزمن عنصرا جوهريا فيها بحيث يكون المقياس الذي يقدر به محل العقد (الوسيط
للسنهوري/1 :ف 65ص .)166
( )4/641
المبيع هلكا كليا قبل استلمه ،لستحالة تنفيذ العقد بالتسليم بعد هلك محله .وفي الهلك الجزئي
يصبح العقد قابلً للفسخ ،وعقود الشركة والمضاربة والمزارعة والمساقاة تنفسخ بموت أحد العاقدين،
لن هذه العقود تنشئ التزامات عملية ذات آثار متجددة ،فيها استمرار يعتمد بقاؤه بقاء العقد؛ لن
للعتبار الشخصي فيها أثرا ملحوظا ،كما يعتمد بقاء المحل ( . )1والجارة تنفسخ بموت أحد
العاقدين في مذهب الحنفية ،ول تنفسخ بموت أحدهما في مذهب الجمهور الئمة الخرين ،لنها عقد
لزم كالبيع.
( )4ـ وقد عبّر القرافي عن هذا الفرق المذكور من الفسخ والنفساخ بقوله :الفسخ :قلب كل واحد
من العوضين لصاحبه ،والنفساخ :انقلب كل واحد من العوضين لصاحبه ،فالول :فعل المتعاقدين
أو الحاكم إذا ظفروا بالعقود المحرّمة ،والثاني :صفة العوضين ،فالول :سبب شرعي ،والثاني حكم
شرعي ( . )2وبه يتضح أن الفسخ يشمل الفسخ التفاقي والقضائي ،والنفساخ هو تحمل التبعة عن
الهلك ،أي ضمان التلف.
( )5ـ الخلع :الخلع لغة :النزع والزالة ،وعرفا بضم الخاء :إزالة الزوجية ،واصطلحا أو فقها :هو
إزالة ملك النكاح المتوقفة على قبول المرأة ،بلفظ الخلع أو ما في معناه ( . )3ول يحتاج الخلع إلى
حاكم ،ويكفي تلفظ الزوج به ،كأن يقول للمرأة :خالعتك على كذا ،فتقبل .والخلع طلق بائن عند
الجمهور ،وله تفصيل في المعتمد عند الحنابلة :إن وقع بلفظ الخلع والمفاداة ونحوهما ،أو بكنايات
-------------------------------
( )1المدخل الفقهي العام للستاذ مصطفى الزرقاء :ف .303
( )2الفروق -في الفرق الخامس والتسعين والمئة بين قاعدة الفسخ وقاعدة النفساخ. 269/3 :
( )3هذا تعريف الحنفية ( الدر المختار ،766/2 :فتح القدير ) 199/3 :وهناك تعاريف أخرى
للمذاهب :ر :خلع.
( )4/642
الطلق ،ونوى به الطلق ،كان طلقا ،فإن وقع بصيغته الصريحة وهي لفظ خلعت وفسخت وفاديت،
أو الكناية :وهي لفظ بارأتك وأبرأتك وأبنتك ،ولم ينو طلقا ،فهو فسخ ،ل ينقص به عدد الطلق.
الخلع خاص بحل الرابطة الزوجية ،وهو طلق أو فسخ على التفصيل والخلف السابق ،أما الفسخ:
فهو أعم ،وهو حل ارتباط العقد ،كما تقدم ،أيا كان العقد بيعا أو زواجا أوغيرهما .والخلع يحدث
بالتراضي ،أما الفسخ فيمكن أن يتم بالتراضي أو بقضاء القاضي.
( )6الطلق :الطلق لغة :رفع القيد مطلقا ،يقال :أطلق الفرس :إذا خله ،وفي الشريعة :رفع القيد
الثابت بالنكاح ( . )1وفرقة الزواج نوعان :فرقة فسخ وفرقة طلق .والفسخ :إما أن يكون بتراضي
الزوجين وهو المخالعة أو الخلع ،أو بواسطة القاضي.
والتفريق القضائي قد يكون طلقا :وهو التفريق بسبب عدم النفاق أو اليلء أو للعدل أو للشقاق بين
الزوجين أو للغيبة أو للحبس أو للتعسف ،وقد يكون فسخا للعقد من أصله ،كما هو حال التفريق في
العقد الفاسد ،كالتفريق بسبب الردة وإسلم أحد الزوجين ،والتفريق بسبب العسار عند الشافعية
والحنابلة.
( - )7والفرق بين الطلق والفسخ في رأي الحنفية :أن الطلق :هو إنهاء الزواج وتقرير الحقوق
السابقة من المهر ونحوه ،ويحتسب من الطلقات الثلث التي يملكها الرجل على امرأته ،وهو ل يكون
إل في العقد الصحيح.
-------------------------------
( )1أنيس الفقهاء في تعريفات اللفاظ المتداولة بين الفقهاء للشيخ قاسم القونوي :ص .155
( )4/643
وأما الفسخ :فهو نقض العقد من أصله ،أو منع استمراره ،ول يحتسب من عدد الطلق ،ويكون غالبا
في العقد الفاسد أو غير اللزم.
وبه يتبين أن الفسخ يفترق عن الطلق من ثلثة أوجه:
الول :ـ حقيقة كل منهما :فالفسخ :نقض للعقد من أساسه ،وإزالة للحل الذي يترتب عليه ،أما
الطلق :فهو إنهاء للعقد ،ول يزول الحل إل بعد البينونة الكبرى (الطلق الثلث).
الثاني :ـ أسباب كل منهما :الفسخ يكون إما بسبب حالت طارئة على العقد تنافي الزواج ،أو
حالت مقارنة للعقد تقتضي عدم لزومه من الصل .فمن أمثلة الحالت الطارئة :ردة الزوجة أو
إباؤها السلم أو التصال الجنسي بين الزوج وأم زوجته أو بنتها .ومن أمثلة الحالت المقارنة:
أحوال خيار البلوغ لحد الزوجين ،وخيار أولياء المرأة التي تزوجت من غير كفء أو بأقل من مهر
المثل ،ففيها كان العقد غير لزم.
أما الطلق فل يكون إل بناء على عقد صحيح لزم ،وهو من حقوق الزوج ،فليس فيه مايتنافى مع
عقد الزواج أو يكون بسبب عدم لزومه.
الثالث :ـ أثر كل منهما :الفسخ :ل ينقص عدد الطلقات التي يملكها الرجل ،أما الطلق فينقص به
عدد الطلقات.
( )4/644
وكذلك فرقة الفسخ ل يقع في عدتها طلق ،إل إذا كانت بسبب الردة أو الباء عن السلم ،فيقع فيهما
عند الحنفية طلق زجرا وعقوبة .أما عدة الطلق فيقع فيها طلق آخر ،ويستمر فيها كثير من أحكام
الزواج .ثم إن الفسخ قبل الدخول ل يوجب للمرأة شيئا من المهر ،أما الطلق قبل الدخول فيوجب
نصف المهر المسمى ،فإن لم يكن المهر مسمى استحقت المتعة (تعويض بمثابة هدية).
( )8ـ إبطال :الباطل لغة ضد الحق ،والبطال اصطلحا :هو الحكم بكون العقد باطلً ،لختلل
ركنه أو محله ،والعقد الباطل :هو ما اختل ركنه أو محله ،أو ما ليكون مشروعا بأصله ول بوصفه
( . )1ول يفيد الملك ،كأن يكون أحد العاقدين فاقد الهلية ،كالمجنون وغير المميز ،والمميز فيما
يضره ضررا محضا ،أو أن تكون الصيغة غير سليمة ،أو يكون محل العقد غير قابل لحكم العقد
شرعا ،كبيع ما ليس بمال ،أو ما ليس مالً متقوما ،كالخمر والخنزير والسمك في الماء ،وكبيع شيء
من الموال العامة ،كجزء من الطريق العام ،أو من مشفى أو من مسجد ،وكالبيع الذي جعل الثمن فيه
غير مال أصلً كالميتة ،أو الشيء المباح للناس جميعا ،وفي الزواج كالعقد على إحدى المحارم أو لم
تكتمل عدتها من مطلقها ،أو المتزوجة بزوج آخر ،فكل هذه العقود باطلة ،لن النهي في الشرع عنها
عائد لصل العقد أي لخلل في الصيغة أو في العاقد أو في المحل.
( )9ـ وحكم الباطل :أنه ل يعد منعقدا أصلً ،وإن وجدت صورته في الظاهر ،فل يترتب عليه أي
أثر شرعي ،فل يفيد نقل الملكية أصلً ،إذ ل يعد موجودا بحال ،ول ينقلب صحيحا أبدا ،لن
البطلن المطلق ينجم عن فقدان أحد أركان تكوين العقد.
أما الفسخ :فيرد على عقد صحيح منعقد حقيقة ،وقد انتقلت فيه الملكية بين الطرفين المتعاقدين.
ويشترك البطال والفسخ في إعادة العاقدين إلى الحالة الصلية التي كانا عليها قبل التعاقد ،ويميز بين
فسخ العقد وإبطاله من ناحيتين:
-------------------------------
( )1المراد بأصل العقد :ما يتعلق بالركن (وهو الصيغة) والهلية أو المحل المعقود عليه ،والمراد
بالوصف :ما يتصل بالعقد اتصالً غير جوهري كالعلم بالمعقود عليه أو بالثمن ،أو هو الوصف
العارض الطارئ للعقد الملزم له أو المجاور ،ولكنه منهي عنه شرعا ،كجهالة المبيع أو الثمن ،وعدم
تقوم الثمن.
( )4/645
- 1إن سبب الفسخ هو عدم قيام أحد العاقدين بتنفيذ التزامه ،بينما سبب البطال بوجه عام :هو
نقص الهلية أو عيب الرادة ،لذا ينشأ العقد القابل للفسخ صحيحا ،أما العقد القابل للبطال فل ينشأ
صحيحا ،فتقوم قابلية البطال عند تكوين العقد ،بينما قابلية الفسخ تكون عند تنفيذه.
- 2فسخ العقد خاضع لتقدير القاضي ،أما إذا توافر سبب البطال فليس للقاضي سلطة تقديرية ،ول
يملك إل البطال.
( )10ـ إفساد :لغة :ضد إصلح ،واصطلحا :هو الحكم بكون العقد فاسدا.
والفساد والبطلن عند الجمهور مترادفان بمعنى واحد ( ، )1وعند الحنفية :الفساد :اختلل في العقد
في صفة عارضة طارئة غير جوهرية فيه ،لذا كان مرتبة متوسطة بين البطلن والصحة ،والعقد
الفاسد :هو ماكان مشروعا بأصله (ركنه ومحله وأهلية عاقديه) دون صفته ،أي كان صادرا ممن هو
أهل له ،والمحل قابل لحكم العقد شرعا ،والصيغة سليمة ،ولكن صاحب ذلك وصف منهي عنه
شرعا ،كبيع المجهول جهالة فاحشة تؤدي للنزاع ،مثل بيع دار من دور ،أو سيارة من سيارات دون
تعيين ذات المبيع ،وكإبرام صفقتين في صفقة ،كبيع دار على أن يبيعه سيارته ،وكبيع مال متقوم
(يباح النتفاع به شرعا) جعل ثمنه مالً غير متقوم (ل يباح النتفاع به شرعا ) كخمر وخنزير
وكلب ،وكبيع بقرة على أنها حامل.
وأسباب الفساد عند الحنفية ستة :الجهالة ،والكراه ،والتوقيت ،وغرر الوصف ،والضرر ،والشرط
الفاسد.
-------------------------------
( )1الباطل والفاسد عند الشافعية مترادفان إل في الكتابة والخلع والعارية والوكالة والشركة والقرض،
وفي العبادات في الحج (الشباه والنظائر للسيوطي :ص .)312
( )4/646
والباطل والفاسد عند الحنفيةفي العبادات وفي الزواج مترادفان ،وفي المعاملت كالبيع والشركة
واليجار متباينان (. )1
( )11ـ وحكم الفاسد :ثبوت الملك فيه بالقبض بإذن المالك صراحة،أو دللة كأن يقبضه في مجلس
العقد أمام البائع ،دون أن يعترض عليه ،لن النهي الشرعي عنه بسبب أمر ملزم للعقد يقتضي
بطلن الوصف دون أصل العقد ،لنه استكمل عناصره الساسية ،فيكون العقد فاسدا فقط .ويصبح
الفاسد صحيحا بزوال صفة الفساد.
والعقد الفاسد واجب الفسخ شرعا ،إما من أحد العاقدين أو من القاضي إذا علم بذلك ،لنه منهي عنه
شرعا .قال السيوطي :تعاطي العقود الفاسدة حرام إل المضطر إذا لم يجد الطعام إل بزيادة على ثمن
المثل ( . )2ويزال الفساد بطلب العاقدين معا أو بطلب أحدهما.
وإمكان فسخ العقد الفاسد عند الحنفية مشروط بشرطين.
أحدهما ـ بقاء المعقود عليه على ما كان قبل القبض :فلو تغير شكله ،بأن هلك أواستهلك ،أو كان
غزلً فنسجه ،أو قمحا فطحنه ،أو دقيقا فخبزه ،امتنع الفسخ.
الثاني ـ عدم تعلق حق الغير به :فلو تصرف به المشتري لخر بالبيع أو بالهبة مثلً ،وتم قبضه من
الموهوب له ،امتنع الفسخ.
( )12ـ والفرق بين الفسخ والفساد :أن الفسخ يرد على عقد صحيح منعقد مكتمل الركان
والشروط ،أما الفساد فيقع على عقد غير صحيح بسبب الخلل الذي صحبه أو قارنه في صفة طارئة
غير جوهرية فيه.
-------------------------------
( )1الشباه والنظائر لبن نجيم :ص ،337أنيس الفقهاء :ص .209
( )2الشباه والنظائر :ص .312
( )4/647
والعقد الصحيح قبل الفسخ يثبت به الملك الطيب الحلل ،وأما الفاسد فيفيد الملك الخبيث شرعا
بالقبض ،فإذا فسخ العقد الفاسد تساوى الفساد والفسخ في الثر وهو زوال الرابطة العقدية التي كانت
بين العاقدين.
( - )13ول يشترط القضاء في فسخ العقد الفاسد أو العقد الباطل :لن «الواجب شرعا ل يحتاج إلى
القضاء» ( ، )1ولكن ذلك عند عدم النزاع بين المتعاقدين ،فإذا حصل النزاع وجب اللجوء إلى
القضاء .أما الفسخ فيتم إما بالتراضي أو بقضاء القاضي.
والخلصة :أن البطلن أو الفساد يعاصر العقد ،ول يتراخى إلى ما بعد انعقاده صحيحا ،أما الفسخ
فيكون بعد وجود العقد ل محالة ( . )2هذه هي التفرقة الدقيقة بين المصطلحات الثلثة ،وإن كان
الفقهاء في الغالب ل يلتزمون هذه التفرقة ،فيعبرون عن الفسخ بالبطلن أو الفساد ،فمثلً حالة فساد
العقد بفوات القبض المستحق بالعقد ( ، )3المقصود :هو الفسخ وليس الفساد (. )4
الحكم الجمالي للفسخ ودليله :
( )14ـ الفسخ :إما واجب أو جائز ،فيجب رعاية لحق الشرع ،كفسخ العقد الفاسد لزالة سبب الفساد
واحترام ضوابط الشرع أو شرائطه التي قررها في العقود ،حماية للمصلحة العامة أو الخاصة ،ودفعا
للضرر ،ومنعا للمنازعات التي تحدث بسب مخالفة الشروط الشرعية.
-------------------------------
( )1درر الحكام.175/2 :
( )2حاشية الشلبي على الزيلعي.143/5 :
( )3المبسوط.26/13 :
( )4سبب اللتزام وشرعيته في الفقه السلمي للدكتور جمال الدين محمود :ص 441ومابعدها.
( )4/648
ويجوز الفسخ إعمالً لرادة العاقد ،كالفسخ بسبب الخيار في العقود غير اللزمة ،والفسخ بالتراضي
والتفاق كالقالة .وقد جاء الشرع بأدلة كثيرة في مشروعية الخيارات والقالة ( ، )1وقال عليه
الصلة والسلم« :المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق من ذلك» ( )2وهذا دليل على أن حق
الفسخ في الشريعة مستمد من فكرة اللزوم الذي يقوم عليه العقد .قال ال تعالى{ :يا أيها الذين آمنوا
أوفوا بالعقود} [المائدة ]1/5:وقال النبي صلّى ال عليه وسلم فيما يرويه ابن ماجه عن أبي سعيد:
«إنما البيع عن تراض» .
والفسخ القضائي جائز إما رعاية لحق الشرع ،وإما إحقاقا للحق ورفع الظلم الذي يقع على أحد
المتعاقدين بسبب إضرار العاقد الخر ،وإصراره على منع غيره من ممارسة حقه في الفسخ ،لوجود
عيب في المبيع أو استحقاق المبيع أو الثمن مثلً .وحق القاضي في الفسخ ناشئ من وليته العامة
على الناس ،أو لنه يجب عليه رقابة تنفيذ أحكام الشرع.
وحينئذ يكون الفسخ إما شرعا أو قضاء أو بالرضا.
ملحظات ثلث:
( )15ـ الولى ـ الصل في العقود اللزوم :يصون الفقه السلمي العقود عن الفسخ قدر المكان؛
لن الصل توافر القوة الملزمة للعقد لقوله تعالى{ :ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة]1/5:
{وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئول} [السراء]34/17:
-------------------------------
( )1ر :خيار ،وإقالة ،وسيأتي قريبا دليل القالة.
( )2أخرجه الحاكم عن أنس وعائشة ،وهو صحيح.
( )4/649
قال القرافي :واعلم أن الصل في العقود اللزوم؛ لن العقود أسباب لتحصيل المقاصد من العيان،
والصل ترتب المسببات على أسبابها (. )1
فإذا استأجر شخص عاملً ،فهرب العامل قبل تمام العمل ،استأجر صاحب العمل من يعمل عليه ،وله
أن يفسخ العقد إذا عجز ،ويسلم إلى العامل أجره قبل هربه ( . )2وفوات المنفعة بالكلية موجب
للفسخ ،أما فوات المنفعة الجزئية فليوجب الفسخ (. )3
( )16ـ ليست الخيارات موهنة للقوة الملزمة للتعاقد ،سواء كانت تعاقدية ،كخيار الشرط ،والتعيين،
والنقد ،أو شرعية ،كخيار العيب والتدليس ،والتغرير ،وفوات الوصف ،وتفرّق الصفقة ،لن الولى
نشأت بإرادة المتعاقدين ،ولن الثانية تخل بإرادة العاقد ورضاه ،كإعطاء حق البطال وحق الجازة
في القوانين الحديثة لمن كانت إرادته معيبة بعيب من عيوب الرضا من إكراه أوغلط ،أو تدليس أو
استغلل.
( )17ـ الثانية ـ ليس في الفقه السلمي نظرية عامة للفسخ تطبق على جميع العقود في أحوال
معينة تقتضي الفسخ ،ول يعرف الفقه أيضا نظام الفسخ القانوني أي باعتباره جزاء يترتب لمصلحة
الدائن على إخلل المدين بالتزامه ،ويقوم على فكرة الرتباط بين اللتزامات المتقابلة .ولكن يعرف
الفسخ باعتباره نتيجة لعمال شرط يتضمنه العقد عند الخلل باللتزام.
-------------------------------
( )1الفروق.269/3 :
( )2الوجيز للغزالي.229/1 :
( )3المرجع السابق :ص .238
( )4/650
( )18ـ الثالثة ـ يرى بعض الكاتبين الجدد أن أساس حق الفسخ في الشريعة هو ركن الرضا،
والرضا مرتبط بالمحل المعقود عليه طوال حياة اللتزام ،فإذا انعدمت الصلة بينهما حتى بعد نشوء
العقد كان العقد قابلً للفسخ ( . )1والدق أن يقال :إن أساس حق الفسخ في الفقه السلمي هو فكرة
المعاوضة المعتبرة شرعا التي يشترط فيها أن تؤدي إلى التوازن في مضمون العقد ،ليس فقط عند
لحظة انعقاد العقد ،بل حتى عند تنفيذ العقد ،فإذا اختلت المعاوضة أو التوازن العقدي ،كان لمن اختلت
المعاوضة في جانبه حق طلب الفسخ (. )2
شروط فسخ العقد :
يشترط لجواز فسخ العقد شروط ثلثة:
( )19ـ الول :أن يكون العقد ملزما للجانبين أي عقد معاوضة :فل يرد الفسخ إل على العقود
الملزمة للجانبين كالبيع واليجار ،لن الفسخ يقوم شرعا كما بينت على فكرة المعاوضة المعتبرة
شرعا .أما العقد الملزم لجانب واحد كالوديعة والكفالة وهبة ا لتبرع ،فل يتصور الفسخ فيه ،لن
الملتزم طرف واحد ،وليس هناك معاوضة أو مبادلة ،حتى يلجأ الطرف الخر إلى الفسخ لحماية
مصلحته ،وتسويغ امتناعه من تنفيذ التزامه.
( )20ـ الثاني :أن يخالف العاقد شرطا صريحا أو ضمنيا أو حكما في العقد :فإذا خالف أحد العاقدين
ما اشترطه عليه العاقد الخر صراحة ،أو كان الشرط مفهوما ضمنا ،أو كان اللتزام مقررا بمقتضى
العقد ،جاز للطرف الخر طلب فسخ العقد ،لستحالة تنفيذ اللتزام المطلوب ،كما في حالة هلك
العين المؤجرة ،وإعسار المشتري بالثمن في البيع.
( )21ـ الثالث ـ انعدام الرضا الصحيح :فإذا لم يرض العاقد بالخلل الحاصل أو كان رضاه مشوبا
بعيب من عيوب الرادة أو الرضا وهي الغلط والكراه والتدليس ،كان له حق المطالبة بفسخ العقد
بالتراضي أو بالتقاضي .أما إن رضي بما آل إليه أمر المعقود عليه من هلك كلي أو جزئي ،فيسقط
حقه في الفسخ.
-------------------------------
( )1النظرية العامة للفسخ للدكتور علي حسن دنون :ص .73
( )2سبب اللتزام وشرعيته في الفقه السلمي للدكتو جمال الدين محمود :ص .452
( )4/651
وقد ذكرت سابقا ( )1شروط فسخ العقد الفاسد ،أما فسخ العقد بسبب الخيار أو بسبب كون العقد غير
لزم ،أو حال القالة (الفسخ التفاقي) فمحله موضع بحث هذه المور.
أسباب الفسخ :
( )22ـ أسباب الفسخ خمسة :إما التفاق أو التراضي ومنه القالة ،وإما الخيار ،وإما عدم اللزوم،
وإما استحالة تنفيذ أحد التزامات العقد المتقابلة ،وإما الفساد.
( )23ـ 1ـ التفاق :يفسخ العقد بالتراضي بين العاقدين بشرط صريح في العقد ،والقالة :نوع من
الفسخ التفاقي ،وهي الرفع والزالة ،أو هي «رجوع كل من العوضين لصاحبه ،فيرجع الثمن
للمشتري والمثمون للبائع ،وأكثر استعمالها قبل قبض المبيع» ( )2وقال ابن عرفة :القالة :ترك
المبيع لبائعه بثمنه .وهي عند الحنفية بالتفاق بيع جديد في حق غير العاقدين ،سواء قبل القبض أو
بعده ،وفسخ في حق العاقدين بعد القبض في رأي أبي حنيفة ،لنها رفع لغة وشرعا ،ورفع الشيء:
فسخه ،ويرى أبو يوسف :أن القالة بيع جديد في حق العاقدين وغيرهما ،إل أن يتعذر جعلها بيعا ،
فتجعل فسخا ،كأن تقع القالة قبل القبض في مبيع منقول ،لن بيع المنقول قبل القبض ل يجوز ،لن
معنى البيع هو مبادلة المال بالمال ،وهو أخذ بدل وإعطاء بدل ،وقد وجد ،فكانت القالة بيعا لوجود
معنى البيع فيها ،والعبرة للمعنى ل للصورة.
ويرى محمد :أن القالة فسخ إل إذا تعذر جعلها فسخا ،فتجعل بيعا للضرورة ،لن الصل في القالة
الفسخ ،لنها عبارة عن رفع الشيء لغة وشرعا (. )3
( )24ـ وذهب زفر والشافعية والحنابلة إلى أن القالة فسخ في حق الناس كافة ،لن القالة هي
الرفع والزالة ،ولن المبيع عاد إلى البائع بلفظ ل ينعقد به البيع ،فكان فسخا (. )4
( . )25وذهب المالكية إلى أن القالة بيع ثان يشترط فيها ما يشترط فيه ،ويمنعها ما يمنعه؛ لن
المبيع عاد إلى البائع على الجهة التي خرج عليه منه ،فهي تتم بتراضي الطرفين ،يجوز فيها ما
يجوز في البيوع ،ويحرم فيها ما يحرم في البيوع ،ولكنهم استثنوا ثلثة أشياء:
-------------------------------
( )1راجع ف 11/وانظر ف 51/التية.
( )2زاد المعاد لبن القيم.76/1 :
( )3البدائع ،306/5 :فتح القدير ،247/5 :الدر المختار ورد المحتار.154/4 :
( )4الشباه والنظائر للسيوطي:ص ،152القواعد لبن رجب:ص ،379المغني 121/4 :ومابعدها.
( )4/652
أولً ـ طعام المعاوضة قبل قبضه ،أي القالة من بيع الطعام قبل قبضه ،فالقالة فيه حل أو فسخ
للبيع ،فلذلك جازت قبل قبض المشتري لها من البائع إن وقعت القالة بالثمن عينه ،ل بأقل منه ول
بأكثر ول بغيره ،وإل لزم بيع طعام المعاوضة قبل قبضه.
ثانيا ـ الشفعة :ليست الشفعة بيعا ،ول حلّ بيع أي فسخه ،بل هي لغية للبيع ،فمن باع نصيبه من
عقار ،ثم أقال المشتري منه ،فالشفعة ثابتة للشريك بما وقعت به القالة ،وعهدة الشفيع على المشتري.
ثالثا :المرابحة :هي حل البيع ،فمن باع بمرابحة ،ثم تقايل مع المشتري ،فل يجوز له أن يبيعها
مرابحة على الثمن الذي وقعت القالة به إذا وقعت بزيادة.
( )26ـ ودليل جواز القالة ( : )1قوله صلّى ال عليه وسلم « :من أقال نادما أقاله ال يوم القيامة»
( )2وفي رواية « :من أقال مسلما ،أقال ال عثرته» (. )3
ول يجوز فسخ العقود اللزمة بحق الطرفين إل بإرادتهما وذلك عن طريق القالة ،ول تجوز القالة
في الزواج ،بل يجوز الطلق.
ويلحظ أن القالة تحدث غالبا مع أنه ل خلل في المعاوضة بالنسبة للمتقايلين ،وقد تحدث؛ لن العاقد
اكتشف في نفسه شيئا من عدم الرضا بعد انعقاد العقد صحيحا.
والخلصة :أن الفسخ في القالة يختلف عن الفسوخ الخرى ،حيث ل يشترط في سائر الفسوخ رضا
المتعاقدين ،بل تصح من طرف واحد ،أما القالة فل تصح إل برضا المتعاقدين ،كما أن القالة ل
تتأثر بالشروط الفاسدة عند الحنفية (. )4
-------------------------------
( )1الشرح الصغير 209/2 :ومابعدها ،القوانين الفقهية :ص .272
( )2أخرجه البيهقي عن أبي هريرة.
( )3أخرجه أبو داود ،وكذا ابن ماجه وزاد ( يوم القيامة ) وأخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه
والحاكم في المستدرك ،وقال :صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
( )4البدائع ،3397/7 :مطبعة المام بالقاهرة ،مغني المحتاج ،65/2 :المغني.93/4 :
( )4/653
( )27ـ 2ـ الخيار :هو الذي يتمثل فيه الفسخ بسبب شرط صريح أو ضمني ،وهو أن يكون
للمتعاقد الحق في الختيار بين المضاء وعدم إمضائه بفسخه إن كان المر أمر خيار شرط أو رؤية
أو عيب ،أو أن يختار أحد المبيعين إن كان المر أمر خيار التعيين (. )1
يفسخ العقد بسبب وجود خلل في تكوين العقد ،وبخاصة فيما يتعلق بالمعقود عليه ،كما في خيار
الوصف أوخيار الرؤية ،وخيار العيب ،وخيار الغبن والتغرير ،وحينئذ يختلط الفسخ بالبطال ،ويفسخ
بسبب تضمن العقد شرطا يمنح أحد العاقدين أو كليهما رخصة فسخ العقد ،كما في خيار الشرط
وخيار النقد .وقد اعتبر الفقهاء استحقاق المبيع عيبا في العقد .والعيب يشمل كل ما من شأنه الحط من
قيمة الشيء أو تفويت غرض من أغراضه.
كما يفسخ بسب تجزؤ الشيء في خيار تفرق الصفقة ،أو تغير شكله قبل التسليم ،أو وجد المشتري
نقصا في المقادير والكميات .وقد يفسخ العقد أيضا بسبب الخلل في الرضا ،فإذا شاب الرضا بعض
العيوب كالغبن التدليسي والغلط ،والكراه ،جاز الفسخ.
( - 3 - )28عدم لزوم العقد بطبيعته :إنه يجعل للعاقد الحق في الفسخ من الصل ،فيجوز لحد
العاقدين أو لكليهما بحسب العقد المسمى أن يستقل بالفسخ ،مثل العارية والقرض والوديعة والشركة
والوكالة ،كلها عقود غير لزمة يجوز فسخها متى شاء أحد الطرفين المتعاقدين ،بشرط إعلم الطرف
الخر بالفسخ في رأي الحنفية ،ليكون على بيّنة من أمره ،فعلم الطرف الخر بالفسخ مشروط دائما.
وقال ابن رجب :عقود المشاركات كالشركة والمضاربة،المشهور
-------------------------------
( )1الدر المختار.47/4 :
( )4/654
أنها تنفسخ قبل العلم كالوكالة ،وكذا الوديعة للوديع فسخها قبل علم المودع بالفسخ ،وتبقى في يده
أمانة ،وكذا الطلق والخلع يصح دون علم الخر (. )1
( - 4 - )29استحالة تنفيذ أحد اللتزامين المتقابلين :سواء أكانت هذه الستحالة ناشئة عن فعل
الملتزم أم ل؛ إن هذه الستحالة تجيز فسخ العقد أحيانا؛ لن اللتزام المقابل يصبح بل سبب .وعلى
هذا إذا هلك الشيء المؤجر بعينه أو لم يستطع المستأجر النتفاع بالعين المؤجرة ،سقط التزامه بدفع
الجرة ،وفسخت الجارة ،لستحالة استيفاء المنفعة المتعاقد عليها .أما إذا كانت الجارة في الذمة
كتعهد نقل الحمل إلى مكان معين على أية دابة أو سيارة ثم تعبت الدابة أو تعطلت السيارة ،فل يفسخ
العقد ،بل يطلب التنفيذ العيني ،أي الستبدال بها غيرها .والقاعدة في البيع :أنه إذا كان الثمن دينا،
أجبر البائع على تسليم المبيع ،ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن إن كان حاضرا ،فإن كان الثمن
غائبا أو بعيدا أو كان المشتري معسرا ،فللبائع الفسخ (. )2
( - 5 - )30الفسخ للفساد عند الحنفية القائلين به في المعاملت :يفسخ العقد للفساد بحكم الشرع
لزالة سبب فساد العقد كما تقدم ،كجهالة المبيع أو الثمن أو الجل أو وسائل التوثيق من كفالة أو
رهن جهالة فاحشة وهي التي تفضي إلى المنازعة ،وتعليق المبيع على شرط ،وإضافته للمستقبل،
واشتمال البيع على الثمن المحرّم شرعا كالخمر والخنزير ،ووجود بيعتين في بيعة أو شرطين في بيع
واحد ،والضرار بالمبيع كبيع جذع من سقف ،وكون البيع فيه غرر النفساخ بهلك المعقود عليه،
أي احتمال الهلك ،كبيع الشيء المنقول المملوك قبل قبضه،
-------------------------------
( )1القواعد :ص .115
( )2المدخل الفقهي العام للستاذ مصطفى الزرقاء :ص .240-239
( )4/655
ووجود شرط فاسد أو مفسد في العقد وهو ما ل يقتضيه العقد ول يلئمه ول ورد به الشرع ول
يتعارفه الناس ،وإنما فيه منفعة لحد المتعاقدين .ويمكن حصر أسباب الفساد كما تقدم في ستة:
الكراه ،والغرر (غرر الوصف) ،والجهالة ،والتوقيت ،والضرر الذي يصحب التسليم ،والشرط
الفاسد ،ومنه الربا ،أما فساد بيع المنقول قبل قبضه فيرجع للضرر (. )1
وبه يتضح أن أسباب انحلل العقد في الفقه السلمي ثلثة:
- 1كون العقد غير لزم.
- 2الفسخ.
- 3القالة (. )2
أنواع الفسخ :
- 1الفسخ التفاقي (أوالقالة) والفسخ بحكم القضاء ،والفسخ بحكم الشرع :
( - )31الفسخ التفاقي كما تقدم :هو إنهاء العقد باتفاق العاقدين ،إذ إن فسخ العقد يكون بالوسيلة
نفسها التي عقد بها العقد ،فكما نشأ العقد بإيجاب وقبول متطابقين على إنشائه ،كذلك يزول بإيجاب
وقبول متوافقين على إلغائه ،فالعقد :اتفاق ينشئ اللتزام ،أما القالة فهي اتفاق يقضيه .ومحل القالة:
إلغاء اللتزامات التي نشأت من العقد الذي أقيل ،وسببها :هو الباعث الذي دفع المتقايلين إلى هذا
اللغاء.
وقد تتم القالة بإرادة منفردة إذا اتفق عليها بإرادتين سابقتين ،وعلى أي حال فإن القالة التي هي فسخ
اتفاقي ل تخل بالمعاوضة لي من العاقدين ،وإنما تدل على أن الرضا الكامل بالعقد غير متوافر.
-------------------------------
( )1راجع المبسوط.10-9/13 :
( )2مصادر الحق للسنهوري.190/6 :
( )4/656
( )32ـ ويقرب من القالة :الرجوع في الهبة إذا تم بالتراضي ،فهذه إقالة من الهبة ،وقد يتم الرجوع
في الهبة بغير القالة ،وذلك بطريق القضاء إذا لم يقبل الموهوب له القالة ،واستند الطلب إلى عذر
مقبول ،ولم يوجد مانع من الرجوع ( . )1والعذ ر المقبول مثل إخلل الموهوب له بما يجب نحو
الواهب ،أو عجز الواهب عن توفير أسباب المعيشة لنفسه أو أن يرزق ولدا بعد الهبة ،وموانع
الرجوع في الهبة هي الزوجية والقرابة والتصرف في الموهوب ،والزيادة المتصلة في الموهوب أو
تغييره على وجه تبدل فيه اسمه ،كخياطة القماش ثوبا ،وموت أحد العاقدين ،وهلك الموهوب أو
استهلكه ،والعوض في الهبة ،وحال كون الهبة صدقة لفقير أو جهة بر ،وهبة الدين للمدين .ويلحظ
أن الزواج يقبل الفسخ قبل التمام ل بعده ،فل تصح إقالته (. )2
( - )33وأما الفسخ بحكم القضاء أو الفسخ الجبري :فيكون إذا لم يحدث الفسخ بالتراضي ،أو لرفع
فساد العقد .ففي البيع المشتمل على خيار العيب ،وفي حالة الهلك غير الكلي حيث يكون العقد في
حاجة إلى فسخ ،يرى الحنفية أن المبيع إذا كان في يد البائع ،فينفسخ البيع بقول المشتري :رددت ،ول
يحتاج إلى قضاء القاضي ،ول إلى التراضي باتفاق الحنفية والشافعية.
وأما إن كان المبيع في يد المشتري ،فل ينفسخ إل بقضاء القاضي أو بالتراضي
-------------------------------
( )1مصادر الحق للسنهوري.246-244/6 :
( )2الشباه والنظائر لبن نجيم :ص .177
( )4/657
عند الحنفية؛ لن الفسخ بعد القبض يكون على حسب العقد؛ لنه يرفع العقد ،وبما أن العقد ل ينعقد
بأحد العاقدين ،فل ينفسخ بأحدهما من غير رضا الخر،ومن غير قضاء القاضي ،بخلف الفسخ قبل
القبض؛ لن الصفقة ليست تامة حينئذ ،بل تمامها بالقبض ،فكان بمنزلة القبض ( . )1أما في خيار
الرؤية فيرد المشتري المبيع بمحض إرادته دون حاجة إلى التراضي أو التقاضي ،سواء كان ذلك قبل
قبض المبيع أو كان بعد القبض .فإذا رد من له الخيار ،ولو بعد قبض المبيع ،رد بمحض إرادته دون
حاجة إلى التراضي أو التقاضي.
ويرى الجمهور أن العقد ينفسخ بقول المشتري :رددت ،بغير حاجة إلى قضاء ،ول إلى رضا البائع؛
لن الفسخ ل تفتقر صحته إلى القضاء ،ول إلى الرضا كالفسخ بخيار الشرط بالتفاق ،وبخيار الرؤية
على أصل الحنفية (. )2
( - )34ويفسخ القاضي العقد عند الطلع على فساده ورفع المر إليه ،كفسخ البيع الفاسد عند
الحنفية إذا وجد فيه أحد أسباب الفساد الستة المتقدمة وهي الكراه ،والغرر ،والجهالة،والتوقيت،
والضرر الذي يصحب التسليم ،والشرط الفاسد ،والربا.
ول يشترط أن يحكم القاضي بالفسخ ،ما لم يكن الفسخ بسبب عيب في المبيع ،وكان المشتري قد
قبض المبيع.
وأسباب الفسخ القضائي أو حالته :هي استحالة التنفيذ ،وعدم التنفيذ ،والعذار في العقود المستمرة،
والشرط الفاسخ الصريح أو الخيارات التفاقية.
( - )35وأما الفسخ بحكم الشرع :فيكون بسبب الخلل الحاصل في العقد في شرط من شروط الشرع،
كفسخ الزواج عند تبين الرضاع بين الزوجين ،وفسخ البيع حالة فساده كما تقدم.
-------------------------------
( )1البدائع.298 ،281/5 :
( )2مغني المحتاج ،57/2 :المهذب ،284/1 :حاشية الدسوقي على الشرح الكبير،138 ،121/3 :
المغني.109/4 :
( )4/658
والفرق بين الفسخ التفاقي والفسخ أو النفساخ بحكم الشرع والفسخ القضائي :أن الحكم في النوعين
الولين يكون كاشفا عن الفسخ وليس منشئا له ،أما الفسخ بحكم القضاء فالحكم فيه منشئ للفسخ.
- 2الفسخ باعتباره جزاء لعدم تنفيذ العاقد الخر التزامه :
( . -)36ل يجيز الفقه السلمي للعاقد أن يطلب الفسخ إذا لم ينفذ العاقد الخر التزامه ،فإذا لم يسلم
البائع المبيع أو لم يدفع المشتري الثمن عند حلول الجل ،أجبر العاقد على تنفيذ اللتزام ما دام تنفيذ ه
عينا ممكنا؛ لن مهمة القاضي هي إيصال ذوي الحقوق إلى حقوقهم ،فل موجب للفسخ.
( . - )37وتكون القاعدة أن العقد ل يفسخ إذا أخل المدين بالتزامه ،بل يبقى العقد قائما في هذه
الحالة ،فإذا كان الثمن دينا أجبر البائع في رأى الحنفية وغيرهم على تسليم المبيع ،ثم يجبر المشتري
على تسليم الثمن إن كان حاضرا ،وإن كان الثمن غائبا أو بعيدا أو كان المشتري معسرا ،فللبائع
الفسخ.
وإذا أخل المرتهن بالتزامه ،لم يملك الراهن فسخ الرهن ،بل يقتصر على مطالبة المرتهن بتنفيذ
التزامه ،أو مطالبته بالضمان إذا هلك المرهون.
وإذا لم يقم أحد العاقدين في الصلح بتنفيذ ما التزم به بموجب العقد ،فليس للمتعاقد الخرأن يفسخ
الصلح ،بل يطالب المدين بأن يقوم بتنفيذ التزامه (. )1
-------------------------------
( )1المدخل الفقهي العام للستاذ مصطفى الزرقاء :ص ،240- 239مصادر الحق للسنهوري:
.230/6
( )4/659
أحدهما للخر :اختر» ( )1أي اختر اللزوم ،فهذا الحديث ل يعارض آية المر بالوفاء بالعقود؛ لن
المراد بالعقود هي الكاملة اللزمة التي ل خيار فيها ،ول يعارض أيضا آية {تجارة عن تراض منكم}
[النساء ]29/4:لن هذا الخيار مشروع للتأكد من تمام الرضا.
وللعقود غير اللزمة في الفقه السلمي نظائر في القوانين الوضعية الحديثة ،مثل العقود الزمنية غير
المعينة المدة التي يجوز لحد العاقدين فيها أن يستقل بنقضها بإرادته المنفردة (. )2
والخلصة :أن الفسخ حق ضعيف ،وهو خروج على القاعدة العامة التي تقضي بلزوم العقد،
ووجوب الوفاء به.
- 4الفسخ للعذار الطارئة :
يفسخ العقد للعذر أو لحوادث طارئة إذا كان عقد إيجار ونحوه ،أو عقد بيع للثمار بسبب الجوائح.
( - )40أجاز فقهاء الحنفية ( )3دون غيرهم فسخ عقد الجارة وعقد المزارعة بالعذار الطارئة؛ لن
الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر؛ لنه لو لزم
-------------------------------
( )1أخرجه أحمد في مسنده ومالك والشيخان وأصحاب السنن إل ابن ماجه عن حكيم بن حزام،
وأثبت ابن حزم تواتره ،وقال ابن رشد عنه :وهذا حديث إسناده عند الجميع من أوثق السانيد
وأصحها .لكن أجاب القرافي في الفروق )273-270/3( :عن هذا الحديث بعشرة أجوبة ،منها
مخالفته عمل أهل المدينة ،وهو مقدم على خبر الواحد -في رأيه ومنها حديث أبي داود والدارقطني:
«المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ،ما لم يفترقا إل أن يكون صفقة خيار ،ول يحل له أن يفارق
صاحبه خشية أن يستقيله» .
( )2التعبير عن الرادة في الفقه السلمي للدكتور وحيد سوار :ف .618 ،615
( )3المبسوط 2/16 :ومابعدها ،البدائع 197/4 :ومابعدها ،تبيين الحقائق 145/5 :وما بعدها،
مختصر الطحاوي :ص ،130الدر المختار ورد المحتار 54/5 :ومابعدها.
( )4/661
العقد عند تحقق العذر ،للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد .والعذر :هو ما يكون عارضا
يتضرر به العاقد مع بقاء العقد ،ول يندفع بدون الفسخ .قال ابن عابدين :كل عذر ل يمكن معه
استيفاء المعقود عليه إل بضرر يلحقه في نفسه أو ماله ،يثبت له حق الفسخ (. )1
( )41ـ والعذار ثلثة أنواع :
- 1عذر من جانب المستأجر :كإفلسه أو انتقاله من حرفة إلى أخرى؛ لن المفلس أو الذي بدل
الحرفة ل ينتفع بالعقد إل بضرر ،وكذا سفره عن البلد؛ لن في إبقاء العقد مع السفر ضررا به.
- 2عذر من جانب المؤجر :كلحوق دين فادح به ل يجد طريقا لقضائه إل ببيع الشيء المأجور
وأدائه من ثمنه ،هذا إذا ثبت الدين قبل الجارة بالبينة أو بالقرار .ومثل إطلع المؤجر على عيب
في المأجور.
- 3عذر راجع للعين المؤجرة :كأن يستأجر شخص حماما في قرية ليستغله مدة معلومة ،ثم يهاجر
أهل القرية ،فل يجب عليه الجر للمؤجر.
وقد نص قانون المعاملت المدنية في دولة المارات (م )892المستمد من الفقه السلمي على أنه
إذا حدث عذر يحول دون تنفيذ عقد المقاولة ( )2أو إتمام تنفيذه ،جاز لحد عاقديه أن يطلب فسخه أو
إنهاءه حسب الحوال ،كما تفسخ الجارة في مذهب الحنفية بالعذار الطارئة .ونصت المادة (م
)895على أنه إذا
-------------------------------
( )1رد المحتار.55/5 :
( )2المقاولة :عقد يتعهد أحد طرفيه بمقتضاه بأن يصنع شيئا أو يؤدي عملً لقاء بدل يتعهد به الطرف
الخر وهو عقد عرف حديثا في القوانين الوضعية ،وقد استقيت أحكامه في القانون المدني الردني
وفي قانون المارات من أحكام عقد الستصناع وعقد الجير المشترك العام.
( )4/662
تضرر أحد العاقدين من الفسخ ،فللمتضرر أن يطالب الطرف الخر بتعويضه في الحدود التي يقرها
العرف.
( . - )42وقال جمهور العلماء (غير الحنفية) ( : )1الجارة عقد لزم ،فل تفسخ كسائر العقود
اللزمة من أي عاقد بل موجب ،كوجود عيب أو ذهاب محل استيفاء المنفعة ،فإذا فات المعقود عليه
وهو المنفعة ،كانهدام الدار ،وموت الدابة والجير المعينين ،جاز الفسخ ،ويكون بالنسبة للمستقبل ل
في الماضي ،وإذا وجد عيب في الشيء المؤجر ،مثل جموح الدابة أو نفورها ،أو كونها عضوضا ،أو
تعثر الظهر في الشيء ،أو طرأ عرج أو ضعف بصر أو جذام أو برص ،جاز الفسخ أيضا.
وتفصيل الحكم في هذه المذاهب :أن المالكية يجيزون فسخ اليجار للعذر الذي يمنع استيفاء المنفعة
شرعا ،كسكون ألم السن المستأجر على قلعها ،أو العفو عن القصاص المستأجر على استيفائه،
وتنفسخ الجارة بحمل الظئر؛ لنه يخاف على الولد من لبنها ،وتنفسخ الجارة أيضا إن انقطع الماء
عن الرحى المستأجرة.
ويجيز الشافعية فسخ الجارة لعذر إذا أوجب خللً في المعقود عليه أو كان عيبا فيه تنقص به
المنفعة ،أو تعذر استيفاء المنفعة تعذرا شرعيا ،كتعثر ظهر الدابة في المشي ،والعرج الذي تتأخر به
عن القافلة ،وضعف البصر في المستأجر للخدمة ،وانهدام الحائط في الدار ،وانقطاع الماء في البئر
والعين والرحى وغير ذلك مما يوجب خللً في المعقود عليه ترد به العين للعيب .وتنفسخ الجارة
لقلع السن إن زال اللم للتعذر الشرعي.
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،227/2 :مواهب الجليل للحطاب 432/5 :ومابعدها ،مغني المحتاج355/2 :
ومابعدها ،المهذب 405/1 :ومابعدها ،المغني ،418/5 :غاية ا لمنتهى.209/2 :
( )4/663
وكذلك قال الحنابلة :ل تنفسخ الجارة بالعذر إل إذا أوجب خللً أو عيبا في المعقود عليه تنقص به
المنفعة أو تعذر استيفاء المنفعة تعذرا شرعيا ،فإن تعذر الزرع بسبب غرق الرض أو انقطاع مائها
فللمستأجر الفسخ.
وأجاز المالكية والحنابلة فسخ البيع في بيع الثمار بسبب الجوائح إذا تلفت الثمرة كلها ،وإنقاص الثمن
في تلف بعض الثمار ،كما سيأتي في حالت فسخ العقود (عقد البيع) ف.75/
- 5الفسخ لستحالة التنفيذ (الفسخ وتحمل تبعة الهلك ) :
( . - )43عرفنا سابقا أنه ليس في الفقه السلمي نظرية عامة للفسخ ،وهذا حسن؛ لنه يضيق من
نطاق الفسخ في العقود على غرار القانون الروماني ،ويوفر لها القوة الملزمة في التعاقد؛ أي أن حله
بعد عقده أمر خطير ،فوجب الحتراز منه ،والتضييق فيه ما أمكن.
ولذا يجيز الفقه السلمي الفسخ في حالة استحالة التنفيذ لحد التزامات العقد ،سواء أكان ذلك بفعل
الملتزم أم ل؛ لن اللتزام المقابل يصبح بل سبب ،وبناء عليه ،يمكن القول بأن هلك الشيء في
جميع الحوال قبل القبض يؤدي إلى فسخ العقد باتفاق المذاهب .وتقع تبعة الهلك على عاتق الملتزم،
كهلك المبيع قبل القبض ،وكما إذا لم يستطع المستأجر النتفاع بالعين المؤجرة ،فإن التزامه بدفع
الجرة يسقط ( . )1ويسقط حق الفسخ إذا هلك الشيء أو تغير شكله بعد قبض المشتري له.
-------------------------------
( )1النظرية العامة لللتزامات في الشريعة السلمية للدكتور شفيق شحاته :ص .167
( )4/664
هذا ..وقد نص فقهاء الحنابلة على أنه إذا تعذر على البائع تسليم المبيع ،فللمشتري الفسخ (. )1
( - )44وإذا نص على التزام ما صراحة أو ضمنا في العقد ،فإن عدم الوفاء به ،يؤدي كذلك إلى
الفسخ ،مثال الصريح :ما لو تعهد المشتري بتقديم رهن أو كفيل بالثمن ،ولم يفعل ،فإن عقد البيع
يفسخ .ومثال الشرط الضمني :ما إذا وجد المشتري في العين المبيعة عيبا ،فله الفسخ ،لن سلمة
المبيع من العيوب شرط ضمني في عقد البيع ،وكذلك في عقد الجارة .وقد اعتبروا استحقاق المبيع
عيبا.
( - )45ويفسخ العقد أيضا إذا تجزأ الشيء أو تغير شكله قبل التسليم ،وكذلك إذا وجد المشتري نقصا
في المقادير؛ لتعيب رضا المشتري الذي لم يتوصل إلى وزن متفق عليه.
وقد يفسخ العقد أيضا كما تقدم إذا شاب الرضا بعض العيوب ،كالغبن التدليسي والخطأ (الغلط)
والكراه ،ويفسخ أيضا في حال بيع العين الغائبة ،أو غير المرئية ،فللمشتري الذي لم ير المبيع حق
الفسخ أيضا؛ لن الغلط حينئذ كثير الحتمال ( ، )2وبه يتبين أن الفسخ بالمعنى الصحيح ل يكون إل
في الحوال التي يصيب فيها رضا العاقد عيب ،أو يختل هذا الرضا ،لعد تحقق الشرط الذي توقعه
العاقد عند التعاقد.
( - )46وأساس الفسخ في جميع الحوال مخالفة شرط صريح أو ضمني في العقد ،ويكون الفسخ
نتيجة لعمال شرط يتضمنه العقد عند الخلل باللتزام.
-------------------------------
( )1شرح منتهى الرادات ،187/2 :الطبعة الجديدة ،مجلة الحكام الشرعية على مذهب المام أحمد
للقاضي أحمد القاري ( م .)472
( )2شفيق شحاته ،المرجع السابق :ص 168ومابعدها.
( )4/665
وأساس المسؤولية المدنية في الشريعة السلمية عن الهلك الكلي أو الجزئي هو نظرية تحمل التبعة،
أي أن كل شخص يتحمل مسؤولية الضرر الذي يحدثه بفعله مباشرة أو تسببا ،فأساس المسؤولية هو
الضرر ،وليس عنصر الخطأ (. )1
( - )47وأساس تحمل تبعة الهلك في الفقه السلمي ليس كما يرى بعضهم هو طبيعة العقد الملزم
للجانبين ( ، )2وإنما هو المعاوضة أو المبادلة التي تقتضي إنشاء التزامات متقابلة ،وتحقق فكر
المساواة التي تقوم عليها العقود ،وتحقيق المساواة بين المتعاقدين يقتضي أل يجبر أحدهما على تنفيذ
التزامه ،بينما الخر لم يقم بتنفيذ اللتزام المقابل ،وإل كان في ذلك إخلل بالمساواة المقصودة (. )3
قال الكاساني« :ولن المعاوضات مبناها على المساواة عادة وحقيقة» ( )4وقال أيضا« :ولن
المساواة في العقود المطلقة مطلوب العاقدين (. » )5
وتظهر سلمة هذا التأصيل في حالة الهلك الجزئي بنحو أوضح ،فاللتزام الذي انقضى جانب من
محله بالهلك ،لم ينقض بسببه اللتزام تماما ،ومع ذلك فإنه يسقط من اللتزام المقابل ما يساوي قيمة
الجزء الهالك من التزام العاقد الخر ،أي الجزء الذي أصبح فيه اللتزام مستحيلً.
- 6الفسخ للفلس والعسار والمماطلة :
( - )48إذا كان المدين معسرا أمهل إلى وقت اليسار ،عملً بنظرة الميسرة { وإن كان ذو عسرة،
فنظِرة إلى ميسرة } [البقرة ]280/2:وإذا كان موسرا مماطلً في الوفاء ،وله مال يفي
-------------------------------
( )1مسؤولية النسان عن حوادث الحيوان والجماد للدكتور فاضل يوسف دبو :ص .156
( )2نظرية تحمل التبعة في الفقه السلمي للدكتور محمد زكي عبد البر.141/1 :
( )3مصادر الحق للسنهوري ،243/6 :سبب اللتزام وشرعيته في الفقه السلمي للدكتور جمال
الدين محمود :ص 449ومابعدها.
( )4البدائع.249/5 :
( )5المرجع السابق .201/4 :القرآنية:
( )4/666
( )4/667
«من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به ،ويتبع البيّع -أي البائع -من باعه» (. )1
فلو أفلس المشتري بعد تسليم المبيع وقبل دفع الثمن ،فللبائع خيار الفسخ واسترداد المبيع إذا كان هذا
المبيع ل يزال بعينه في يد المشتري ،عملً بالحديث المتقدم ،ولن العجز عن إيفاء الثمن يوجب حق
الفسخ قياسا على العجز عن إيفاء المبيع؛ لن المبيع عقد معاوضة يتطلب المساواة.
وليس خيار الفسخ مختصا بعقد البيع عند الجمهور ،بل هو ثابت أيضا في كل عقود المعاوضات
كالجارة والقرض ،فللمؤجر فسخ الجارة إذا أفلس المستأجر قبل دفع الجرة ،وللمقرض الرجوع
على المقترض إذا أفلس وكان عين ماله قائما.
وأضاف المام الشافعي لجواز الرجوع والسترداد في حال إفلس المدين الحي حال وفاة المدين إذا
تبين أنه مفلس (. )2
( - )50أما الحنفية فلم يجيزوا الفسخ حال الفلس وغيره ،جاء في المجلة (م « :)592إذا قبض
المشتري المبيع ،ثم مات مفلسا قبل أداء الثمن ،ليس للبائع استرداد المبيع ،بل يكون مثل الغرماء
» (وذلك لن الثمن دين في الذمة ) ،وهذا مانع من الفسخ ،ولقوله صلّى ال عليه وسلم فيما رواه
الخصاف« :أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده متاعه ،فهو أسوة غرمائه فيه» وأوّلوا حديث أبي هريرة
الذي استند إليه الجمهور بأنه خاص بحالة شرط خيار الفسخ للبائع ،وقبضه المشتري بشرط الخيار
-------------------------------
( )1رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن سمرة بن جندب.
( )2شرح الخرشي ،193-191/4 :بداية المجتهد ،240-237/2 :المهذب ،327-323/1 :فتح
العزيز ،243-133/10المغني ،505 ،460-456/4 :النظرية العامة للموجبات والعقود ،محمصاني:
.496-494/1
( )4/668
للبائع ( ، )1ولكن هذا التأويل ضعيف واهن؛ لن الحديث صحيح وعبارته عامة مطلقة ،فل ينقض
بحديث ضعيف.
وأجاز الجمهورفسخ الزواج للعسار أو العجز عن النفقة ،والفرقة طلق عند المالكية ،فسخ عند
الشافعية والحنابلة ل تجوز إل بحكم القاضي ،وجوازها لدفع الضرر عن الزوجة .ولم يجز الحنفية
التفريق بسبب العسار؛ لن ال تعالى أوجب أنظار المعسر بالدين في قوله تعالى{ :وإن كان ذو
عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة. )2( ]280/2:
- 7الفسخ بسبب البطلن أو الفساد أو الردة في الزواج :
( - )51هناك فوارق بين البطلن والفساد منها :استحقاق الفسخ (: )3
فالباطل ل يحتاج إلى فسخ؛ لنه معدوم لم يوجد ،والفسخ يرد على عقد قائم كالعقد المشتمل على أحد
الخيارات ،وغير ذلك مما ذكر في أسباب الفسخ.
وأما الفاسد :فيستحق الفسخ رعاية لحكام الشرع ،إما بإرادة أحد العاقدين ،أو بإرادة القاضي لن
إزالة الفساد واجب شرعا ،وبالفسخ يرتفع الفساد (. )4
ويبقى حق الفسخ قائما ،ولو بعد التنفيذ حتى يزول سببه إل إذا وجد أحد موانع الفسخ وهي (: )5
- 1هلك المعقود عليه أو استهلكه أو تغيير شكله واسمه كطحن القمح ،وخبز الدقيق.
- 2الزيادة المتصلة غير المتولدة من الصل ،كخلط الدقيق بالسمن أو العسل ،والبناء على الرض،
وصبغ الثوب .أما أنواع الزيادات الخرى وهي الزيادة المتصلة المتولدة كالسمن والجمال ،والزيادة
المنفصلة المتولدة كالولد والثمرة ،أو غير المتولدة كالكسب والغلة ،فل تمنع الفسخ والرد.
- 3التصرف بالشيء المقبوض بعقد فاسد من قبل القابض ،كالبيع والهبة والرهن والوقف.
ويلحظ أن حق الفسخ بسبب الفساد يورث ،فلو مات أحد العاقدين ،جاز لورثته أو للعاقد الخر فسخ
العقد بعد الموت.
( - )52ويفسخ الزواج باتفاق المذاهب بسبب ردة أحد الزوجين ( ، )6لن الردة تتضمن تبييت الغدر
والحقد والعداوة للمسلمين ،فل يناسبها بقاء الحياة الزوجية التي ينبغي أن تقوم على الوفاء والصفاء
والحبّ والوئام والسلم ،وقد قال ال تعالى في كتابه العزيز{ :ول تَنكحوا المشركات حتى يؤمن،
ولمة مؤمنة خير من مشركة ،ولو أعجبتكم ،ول تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ،ولعبد مؤمن خير
-------------------------------
( )1تكملة فتح القدير مع العناية ،331-330/7 :طبع التجارية ،تكملة فتح القدير ،279/9 :طبع دار
الفكر -بيروت.
( )2الدر المختار ،903/2 :الفروق ،145/3 :الشرح الصغير ،745/2 :مغني المحتاج،442/3 :
المغني.573/7 :
( )3سيأتي بحث الموضوع في عقد البيع.
( )4البدائع.300/5 :
( )5البدائع ،302-300/5 :فتح القدير ،302 ،231/5 :رد المحتار ،137/4 :مجمع الضمانات :ص
.216
( )6فتح القدير ،21/3 :بداية المجتهد ،70/2 :تحفة الطلب للنصاري :ص ،326المغني56/7 :
ومابعدها.
( )4/669
من مشرك ،ولو أعجبكم[ }..البقرة ]221/2:وقال سبحانه{ :ول تمسكوا بعصم الكوافر[ }..الممتحنة:
]10/60وتكون الفرقة بالردة فسخا عند الجمهور ،وطلقا في مشهور المذهب عند المالكية.
- 8الفسخ الرضائي والفسخ الجبري بطريق القضاء :
( - )53الفسخ الرضائي :هو الذي يتم بتراضي الطرفين المتعاقدين ،أو بإرادة أحدهما وهو الصل
في الفسخ ،فالجارة مثلً ل بد لصحة فسخها من الرضا أو القضاء ،أما المزارعة فيجوز على
الرواية الراجحة فسخها ،ولو بل قضاء وتراض.
والفسخ الجبري بطريق القضاء :هو الذي يكون بحكم القاضي ،ويلجأ إليه استثناء من الصل إذا تعذر
التراضي ،أو إذا لم يراع العاقدان أحكام الشرع في تجنب أسباب الفساد ،أو مصادمة نصوص
الشريعة.
وقد أشرت لهذا سابقا في النوع الول من أنواع الفسخ .وأخصص البحث هنا لبيان آراء المذاهب
بإيجاز في أحوال كون الفرقة الزوجيةفسخا ،وما يتوقف من الفرق على القضاء وما ل يتوقف على
القضاء.
( - )54يرى الحنفية ( : )1أن الفرقة تكون فسخا فيما يأتي:
- 1تفريق القاضي بين الزوجين بسبب إباء الزوجة السلم ،بعدما أسلم زوجها المشرك أو
المجوسي فإن كان الباء من الزوج ،فتكون الفرقة طلقا عند أبي حنيفة ومحمد ،وفسخا عند أبي
يوسف.
- 2ردة أحد الزوجين.
- 3تباين الدارين حقيقة وحكما :بأن خرج أحد الزوجين إلى دار السلم مسلما أو ذميا ،وترك
الخر كافرا في دار الحرب ،قياسا على الردة ،لعدم التمكين من النتفاع عادة .وقال الجمهور :ل تقع
الفرقة باختلف الدارين.
- 4خيار بلوغ الصغير أو الصغيرة ،ول تقع الفرقة حينئذ إل بتفريق القاضي.
-------------------------------
( )1فتح القدير ،21/3 :البدائع 336/2 :ومابعدها ،الدر المختار ورد المحتار.571/2 :
( )4/670
- 5خيار العتق :بأن تعتق المة ويبقى زوجها عبدا ،فلها الخيار بالبقاء أو إنهاء الزواج ،وتثبت
الفرقة بنفس الختيار.
- 6التفريق لعدم الكفاءة أو لنقصان المهر ،ول تكون إل عند القاضي .وما عدا ذلك من أنواع الفُرَق
يكون طلقا ،ومنها الخلع .وضابط ما يتميز به الفسخ عن الطلق في رأي أبي حنيفة ومحمد :هو أن
كل فرقة بسبب من جانب المرأة تكون فسخا ،وكل فرقة من جانب الرجل أو بسبب منه مختص
بالزوج فهي طلق ،إل الردة فهي فسخ ،وكذا الفرقة بالموت تكون فسخا.
( - )55ويرى المالكية ( : )1أن الفرقة تكون فسخا فيما يأتي:
- 1إذا وقع العقد غير صحيح ،كالزواج بإحدى المحارم ،والزواج بزوجة الغير أو معتدته.
- 2إذا طرأ على الزواج مايوجب الحرمة المؤبدة ،كالتصال الجنسي بشبهة من أحد الزوجين
بأصول الخر أو فروعه ،مما يوجب المصاهرة ()2
- 3الفرقة بسبب اللعان :لترتب الحرمة المؤبدة عليه ،لحديث« :المتلعنان ليجتمعان أبدا»- 4 .
الفرقة بسبب إباء الزوج السلم بعد أن أسلمت زوجته ،أو إباء الزوجة غير الكتابية السلم بعد
إسلم زوجها؛ لن ذلك في معنى طروء مفسد على الزواج.
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،70/2 :الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه.364/2 :
( )2رواه الدارقطني عن ابن عباس.
( )4/671
( - )56ومذهب الشافعية ( : )1أن الفسخ أنواع سبعة عشر :فرقة إعسار مهر ،وإعسار نفقة أو
كسوة أو مسكن بعد إمهال الزوج ثلثة أيام ،وفرقة لعان ،وفرقة خيار عتيقة ،وفرقة عيوب بعد رفع
المر إلى الحاكم وثبوت العيب .ووطء شبهة كوطء أم زوجته أو ابنتها ،وسبي الزوجين أو أحدهما
قبل الدخول أو بعده؛ لن الرق أزال الملك عن النفس ،فعن العصمة أولى ،وفرقة إسلم أحد
الزوجين ،أو ردته ،وإسلم الزوج على أختين أو أكثر من أربع ،أو أمتين ،وملك أحد الزوجين
الخر ،وعدم الكفاءة ،وانتقال من دين إلى آخر كالنتقال من اليهودية إلى النصرانية ،وفرقة رضاع
بشرط كونه خمس رضعات متفرقات قبل مضي حولين.
( - )57وقال الحنابلة( : ) 2يكون الفسخ في حالت ،منها ما يأتي:
- 1الخلع إذا كان بغير لفظ الطلق ،أو بغير نية الطلق.
- 2ردة أحد الزوجين.
- 3الفرقة لعيب مشترك ،وهو الجنون والصرع ،أو مختص بالمرأة كالرتق والقرن والبخر والقروح
السيالة وانخراق ما بين السبيلين ،أو مختص بالرجل كالجب والعُنّة ،ول يفسخ الزواج إل حاكم.
- 4إسلم أحد الزوجين.
- 5الفرقة بسبب اليلء بواسطة القاضي ،إن انقضت المدة وهي أربعة أشهر ،ولم يطأ الزوج
زوجته ،ولم يطلق بعد أن يأمره الحاكم بالطلق.
- 6الفرقة بسبب اللعان؛ لن اللعان يوجب التحريم المؤبد بين الزوجين ،كما تقدم ،ولو لم يحكم به
القاضي.
ويلحظ أن هذه الفرقة توجب حرمة مؤبدة عند الجمهور وأبي يوسف ،وتوجب حرمة مؤقتة عند أبي
حنيفة ومحمد إذا خرج أحد الزوجين عن أهلية اللعان ،أو كذب الرجل نفسه فيما قذف به المرأة.
-------------------------------
( )1حاشية الشرقاوي ،296-294/2 :تحفة الطلب :ص .236
( )2المغني 56/7 :ومابعدها ،غاية المنتهى.103 ،57-56 ،46/3 :
( )4/672
وفرقة الفسخ :منها ما يتوقف على القضاء ،ومنها ما ل يتوقف عليه (: )1
( - )58أما فرق الفسخ المتوقفة على القضاء فهي :
- 1الفرقة بسبب عدم الكفاءة.
- 2الفرقة بسبب نقصان المهر عن مهر المثل.
- 3الفرقة بسبب إباء أحد الزوجين السلم إذا أسلم الخر ،لكن الفرقة بسبب إباء الزوجة متفق
عليه ،أما بسبب إباء الزوج فهو متفق عليه في رأي الجمهور ،وأبي يوسف الذي يرى أن الفرقة
فسخ .وخالف في ذلك أبو حنيفة ومحمد ،فلم يريا توقفها على القضاء؛ لن الفرقة حينئذ طلق في
رأيهما.
- 4الفرقة بسبب خيار البلوغ لحد الزوجين عند الحنفية إذا زوجهمافي الصغر غير الب والجد.
- 5الفرقة بسبب خيار الفاقة من الجنون عند الحنفية إذا زوج أحد الزوجين في الصغر غير الب
والجد والبن.
( - )59وأما فرق الفسخ غير المتوقفة على القضاء فهي :
- 1الفسخ بسبب فساد العقد في أصله ،كالزواج بغير شهود ،والزواج بالخت.
- 2الفسخ بسبب اتصال أحد الزوجين بأصول الخر أو فروعه اتصالً يوجب حرمة المصاهرة.
- 3الفسخ بسبب ردة الزوج في رأي أبي حنيفة وأبي يوسف ،فإن ارتد الزوجان فل يفرق بينهما
بمجرد الردة في الراجح عند الحنفية.
- 4الفسخ بسبب خيار العتق للزوجة.
- 5الفسخ بسبب ملك أحد الزوجين للخر.
- 9الفسخ لعدم إجازة العقد الموقوف :
( - )60العقد عند الحنفية والمالكية إما نافذ أو موقوف ،والنافذ :هو ما صدر ممن له أهلية وولية
على إصداره ،كالعقد الصادر من الرشيد في ماله ،أو الولي أو الوصي عن القاصر ،أو الوكيل عن
موكله ،وحكمه :أنه تترتب عليه آثاره فور صدوره من غير توقف على إجازة أحد.
-------------------------------
( )1المراجع السابقة.
( )4/673
والموقوف :هو ما صدر من شخص له أهلية التعاقد ،من غير أن يكون له ولية إصداره ،كعقد
الفضولي ،وعقد الصغير المميز في التصرفات المترددة بين الضرر والنفع كالبيع ونحوه ،والتصرف
من الراهن أو المرتهن في الشيء المرهون ،والوصية وتبرعات المريض مرض الموت فيما يزيد
عن ثلث المال .وحكمه :أنه ل تترتب عليه آثاره إل إذا أجازه صاحب الشأن أو الحق الذي يملك
إصداره ،فإن لم يجزه ،بطل العقد .أما الشافعية والحنابلة فقالوا :إنه باطل من الصل.
( - )61وعدم إجازة العقد الموقوف ممن له ولية أو ملك والذي يتوقف نفاذ العقد على رضاه يعد
من أسباب انحلل العقد أو فسخه عند القائلين بانعقاده (. )1
إن عقود الفضولي ( )2تكون موقوفة على إجازة صاحب الحق ،فإن أجازه نفذ ،وإل فسخ واعتبر كأن
لم يكن ،وعقد الصغير المميز غير المأذون له في التجارة ،فيما يتردد بين الضرر والنفع موقوف
على إجازة وليه ،فإن أجازه نفذ وإل بطل ،وتصرف المدين المحجور عليه أو المدين المفلس موقوف
على إجازة الدائنين ،وتبرع المريض مرض الموت من هبة أو صدقة فيما زاد عن ثلث تركته
موقوف على إجازة الورثة ،والوصية من الصحيح فيما يزيد عن ثلث التركة
موقوفة على إجازة الورثة ،وتصرفات السفيه والمغفل المترددة بين الضرر والنفع ،كالبيع والشراء
والقرض موقوفة على إجازة الولي.
فإن لم يجز هؤلء أصحاب الحق التصرف انحل وعدّ كأن لم يكن.
-------------------------------
( )1الدر المختار رد المحتار ،104 ،6-5/4 :البدائع ،155 ،150-148/5 :بداية المجتهد،171/2 :
فتح القدير مع العناية بهامشه 309/5 :ومابعدها ،وسيأتي في عقد البيع بحث الموضوع.
( )2الفضولي في الصل :من يشتغل بما ل يعنيه أو يعمل عملً ليس من شأنه ،واصطلحا :من
يتصرف في شيء أو يعقد عقدا من العقود ،دون أن يكون له ولية ما على القيام به ،كبيع ملك الغير
أو إجارته.
( )4/674
( )4/675
( . - )64وتطبيقا لذلك ،إذا استحق بعض المبيع المعقود عليه قبل القبض ،ولم يجز المستحق ،بطل
العقد في القدر المستحق؛ لنه تبين أن ذلك القدر لم يكن ملك البائع ،ولم توجد الجازة من المالك،
وللمشتري الخيار في الباقي ،إن شاء رضي به بحصته من الثمن ،وإن شاء رده ،سواء أحدث عيبا
في الباقي أم ل.
وإن أثبت المستحق ملكيته المبيع كله بالبينة ،فقضي له به ،ل ينفسخ البيع ،بل يصبح متوقفا على
إجازة المستحق ،فإن أجاز البيع بقي المبيع للمشتري ،ويأخذ المستحق الثمن من البائع ،ويصبح البائع
كوكيل عنه بالبيع؛ لن الجازة اللحقة كالوكالة السابقة .وإن لم يجز المستحق البيع ،بل اختار أخذ
المبيع ،ينفسخ البيع السابق بالفسخ ،أ ي بالتراضي عليه -في ظاهر الرواية -ويكون البائع ملتزما
للمشتري برد الثمن.
ما يقبل الفسخ وما ل يقبل :
( - )65تنقسم العقود من حيث قابليتها للفسخ من كل الطرفين المتعاقدين أو من طرف واحد إلى
أربع فئات :عقود لزمة للطرفين ،وغير لزمة لهما ،ولزمة لطرف دون آخر ،والتصرف بالرادة
المنفردة.
- 1العقود اللزمة للطرفين :
( - )66العقد النافذ إما لزم أو غير لزم ،واللزم :هو ما ليس لحد عاقديه فسخه دون رضا الخر،
كالبيع والجارة .والصل في العقود اللزوم كما تقدم؛ لن الوفاء بالعقود واجب شرعا ،لقوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة ]1/5:وغير اللزم أو الجائز :هو ما يملك كل من طرفيه
أو أحدهما فقط فسخه دون رضا الخر ،إما عملً بطبيعة العقد نفسه كالوكالة والعارة واليداع ،أو
لمصلحة العاقد كالعقد المشتمل على الخيار.
والعقد اللزم للطرفين :هو ما ل يمكن فسخه كعقده إل باتفاق الطرفين ،كالبيع ،والجارة ،والصلح،
والرهن والزواج ،وهو نوعان:
( )4/676
أ -عقد لزم ل يقبل الفسخ :كالزواج ،ولو باتفاق الطرفين بطريق القالة ،أي ل يقبل اللغاء
التفاقي ،وإنما يقبل النهاء بطرق شرعية كالطلق والخلع ( )1والتفريق القضائي لعدم النفاق ،أو
للعيب ،أو للضرر وسوء العشرة ،أو للغيبة ،أو للحبس والعتقال ونحو ذلك .وكل ما ل يقبل الفسخ ل
يثبت فيه خيار؛ لن الخيار يعطي حق الفسخ لصاحبه.
ب -عقد لزم يقبل الفسخ :أي يقبل اللغاء بطريق القالة ،التي هي اتفاق العاقدين على إنهاء العقد،
وهي عقود المعاوضات المالية ،كالبيع واليجار والصلح والمزارعة والمساقاة والمغارسة
ونحوها،ويسمى الفسخ عندئذ إقالة .وهذه العقود تقبل الفسخ بالخيار أيضا ،إذا طرأ عليها عيب من
عيوب الرضا الذي يسلخ عنها صفة اللزوم في حق أحد الطرفين ،كخيار العيب وغيره.
- 2العقود الجائزة غير اللزمة للطرفين :
( - )67وهي التي يملك كل من العاقدين فيها حق الفسخ والرجوع ،فتفسخ بإرادة كل منهما ،ما لم
يتعلق ببقائها حق للغير ،كاليداع والعارة والوكالة والشركة والمضاربة والهبة عند الحنفية،
والوصية ،والمقاولة ،فالعقود الخمسة الولى يجوز لكل من العاقدين فيها فسخ العقد متى شاء.
والوصية والهبة يصح للموصى والواهب الرجوع عنها ،كما يصح للموصى له والموهوب له ردها
وإبطالها بعد وفاة الموصي ،وفي حال حياة الواهب .والمقاولة يجوز لكل من صاحب العمل والمقاول
التفاق على فسخها أو إنهائها بالتراضي ،فإن لم يتفقا على ذلك جاز الفسخ قضاء بطلب أحد
الطرفين.
فإن تعلق ببقاء العقد حق للغير ،كالوكالة ببيع الرهن ،ليجوز للراهن المدين عزل الدائن المرتهن
الموكل بالبيع عن الوكالة ،أي فسخ وكالته إل بموافقة المرتهن منعا من إلحاق الضرر به.
-------------------------------
( )1الطلق ليس فسخا ،بل انهاء له بوضع حد لحكمه وآثاره .والخلع :هو إنهاء الزواج لقاء مال
تدفعه الزوجة لزوجها.
( )4/677
( - )68ويلحظ أن الهبة عند الحنفية عقد غير لزم ،فيصح الرجوع عنه والفسخ؛ لقوله عليه الصلة
والسلم« :الواهب أحق بهبته ما لم يُثَب منها» ( )1أي يعوض ،فإنه عليه السلم جعل الواهب أحق
بهبته ما لم يصل إليه العوض ،فيصح الرجوع ما لم يحصل تعويض ،وإن تم القبض ،فالعوض مانع
من الرجوع ،وموانع الرجوع سبعة :هي العوض المالي ،والعوض المعنوي وهو ثلثة أنواع:
(الثواب من ال تعالى ،وصلة الرحم ،وصلة الزوجية) والزيادة المتصلة في نفس الموهوب ،وخروج
الموهوب عن ملك الموهوب له بالبيع أو الهبة ونحوهما ،وموت أحد العاقدين ،وهلك الموهوب أو
استهلكه) (. )2
وقال الجمهور :الهبة عقد لزم بالقبض ،ل يجوز الرجوع فيه إل الوالد فيما أعطى ولده؛ لقوله صلّى
ال عليه وسلم « :ليس لنا مثل السوء ،العائد في هبته ،كالكلب يعود في قيئه » ( )3وقوله عليه
السلم« :ليس لحد أن يعطي عطية ،فيرجع فيها إل الوالد فيما يعطي ولده» ( )4وسائر الصول
كالوالد عند الشافعية (. )5
- 3العقد اللزم لطرف دون آخر :
( . - )69وهو اللزم لحد الطرفين ،كالرهن والكفالة ،فإنهما لزمان بالنسبة إلى الراهن والكفيل،
غير لزمين بالنسبة للدائن المرتهن والمكفول؛ لن العقد لمصلحتهما الشخصية توثيقا للحق ،فلهما
التنازل عنه ،أي أن العقد يفسخ بإرادة من ليس لزما بحقه ،وهو المرتهن والمكفول له.
- 4تصرفات الرادة المنفردة :
( . - )70وهي التي تنعقد بإرادة واحدة ،وتفسخ بإرادة منشئها ،كالوصية
-------------------------------
( )1أخرجه ابن ماجه والدارقطني عن أبي هريرة ،وفيه ضعيف ،وأخرجه الطبراني والدارقطني عن
ابن عباس وأخرجه الحاكم وصححه عن ابن عمر.
( )2البدائع ،127/6 :تكملة فتح القدير ،129/7 :مجمع الضمانات :ص .338
( )3أخرجه أبو داود عن عبد ال بن عمرو بن العاص.
( )4أخرجه أصحاب السنن الربعة عن ابن عمر وابن عباس بلفظ« :ل يحل لرجل أن يعطي عطية،
أو يهب هبة ثم يرجع فيها إل الوالد فيما يعطي ولده ،ومثل الذي يرجع في عطيته أو هبته كالكلب
يأكل ،فإذا شبع قاء ،ثم عاد في قيئه» .
( )5الشرح الكبير مع الدسوقي ،110/4 :المنتقى على الموطأ ،133/6 :مغني المحتاج،401/2 :
المهذب ،447/1 :المغني.621/5 :
( )4/678
لجهة خيرية ،فإنها تفسخ بإرادة الموصي نفسه ،وكالجعالة ( )1التي هي التزام بإرادة واحدة ،وهي
عقد جائز غير لزم ،يجوز فسخه بإرادة الجاعل ،فمن أعلن عن مكافأة لمن يعثر على شيء ضائع،،
أو لمن يكتشف علجا لمرض معين ،أو لمن يتفوق في مسابقة معينة أو امتحان ما ،له أن يعدل عن
إعلنه أو وعده قبل تحقق الشيء المعلن ،فهنا انعقد العقد لمجرد اليجاب ،وقبل قبول الملتزم له،
فيجوز نقض الىجاب؛ لن للموجب أن يرجع عن إيجابه دائما قبل القبول .وإذا ما أبدى الملتزم له
صراحة رفضه للعقد ،سقط العقد في جميع الحوال.
حالت فسخ العقود وحالت عدم الفسخ :
( . - )71القاعدة المقررة في الفقه السلمي كما تقدم أنه ل يجوز في العقود الملزمة للجانبين أو
عقود المعاوضة فسخ العقد إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه ،وإنما يحق له مطالبة المدين بتنفيذ التزامه
على أن ينفذ هو ما في ذمته من التزام .لكن يجوز فسخ العقد استثناء إذا تعذر على أحد المتعاقدين
القيام بالتزامه ،كأن هلك المعقود عليه ،أو صار في حكم الهالك ،أو فاتت منفعته المقصودة (. )2
وبناء عليه ،أذكر هنا حالت فسخ العقود وحالت عدم الفسخ.
-------------------------------
( )1الجعالة :التزام عوض معلوم على عمل معين أو مجهول عسر علمه (الشرح الصغير،79/4 :
مغني المحتاج ،429/2 :كشاف القناع.)225/4 :
( )2مصادر الحق للسنهوري ،217/6،225:المحمصاني ،المرجع السابق ،498/1 :شفيق شحاته،
المرجع السابق :ص .167
( )4/679
حالت فسخ العقود :يفسخ العقد استثناء في أحوال خاصة في عقد البيع واليجار.
فسخ عقد البيع :يفسخ عقد البيع ،ويكون الضمان على البائع في أحوال خمسة هي:
( -1 - )72ضمان هلك المبيع :يضمن البائع المبيع وينفسخ عقد البيع إذا هلك المبيع كله قبل
القبض بآفة سماوية ،أو بفعل المبيع نفسه ،أو بفعل البائع ويرجع المشتري على البائع بالثمن إذا كان
البائع قد قبضه.
أما إذا هلك المبيع بفعل المشتري فل ينفسخ البيع ،وعليه الثمن .وإذا هلك المبيع بفعل أجنبي ل ينفسخ
البيع أيضا ،ويكون المشتري بالخيار :إن شاء فسخ البيع ،وإن شاء أمضاه ودفع الثمن ،وطالب
الجنبي بالضمان (. )1
وكذلك يضمن البائع للمشتري مقدار المبيع إذا ظهر أنه ناقص في الكيل أو الوزن ،أو الذرع فيما
ليس في تبعيضه ضرر ،أو كان من العدديات المتقاربة مع شرائها بجملة ثمنها أو قدر الثمن على
أساس ثمن الوحدة .ويكون المشتري بالخيار بين فسخ البيع أو أخذ المقدار الموجود بحصته من
الثمن ،كما يكون له الخيار في بيع الموزونات أو المذروعات التي في تبعيضها ضرر بين فسخ البيع
أو أخذ المقدار الموجود بجميع الثمن المسمى.
أما إذا بيعت مجموعة من العدديات المتفاوتة بجملة من الثمن ،وظهر المبيع ناقصا أو زائدا ،كان
البيع فاسدا (. )2
هذا تفصيل الحنفية ،ويوافقهم الشافعية في الجملة في فسخ البيع بهلك المبيع بآفة سماوية ،أما المالكية
والحنابلة فقالوا :ل ينفسخ البيع ،بل للمشتري أن يجبر
-------------------------------
( )1المبسوط ،9/13 :البدائع 238/5 :ومابعدها ،رد المحتار ،4/44 :المجلة (م )294 ،293مرشد
الحيران (م .)465 ،462 ،460
( )2مرشد الحيران( :م .)452-448
( )4/680
البائع على تسليم ما يماثل المبيع إن كان من المثليات ،وعلى دفع قيمته إن كان من القيميات ،وله عند
الحنابلة أن يفسخ البيع إذا شاء،وأن يسترد الثمن من البائع (. )1
( - 2 - )73ضمان استحقاق المبيع :يضمن البائع للمشتري أيضا استحقاق المبيع ،ويكون المشتري
مخيرا بين أخذ المبيع وفسخ البيع السابق بالتراضي عليه في ظاهر الرواية ،ويلزم البائع برد الثمن
للمشتري ،وبين إجازة البيع ،وبقاء المبيع للمشتري ،وأخذ المستحق الثمن من البائع ،ويصبح البائع
كوكيل عنه بالبيع؛ لن الجازة اللحقة كالوكالة السابقة (. )2
( - 3 - )74ضمان العيب في المبيع :يضمن البائع عيب المبيع ،ويكون المشتري بالخيار (خيار
العيب) بين فسخ البيع ورد المبيع واسترداد الثمن ،وبين إمساك المبيع إن رضيه ،إذا ثبت كون العيب
موجودا عند البيع أو بعده قبل التسليم ،وعند المشتري ،وجهل المشتري بوجود العيب عند العقد
والقبض ،ولم يشترط البائع السلمة عن العيب في المبيع ،وأن تكون السلمة من العيب غالبة في مثل
المبيع المعيب ،وأل يزول العيب قبل الفسخ.
وهذا رأي جمهور الفقهاء ومنهم أبو يوسف ،وقال أبو حنيفة ومحمد :يرجع المشتري بنقصان العيب
فقط إن شاء (. )3
( - 4 - )75ضمان جوائح الثمار المبيعة :يرى المالكية والحنابلة أن الجوائح ( )4التي تصيب الثمار
من ضمان البائع ،وأن للمشتري أن يرجع بما أحدثته من التلف .ويرى الحنفية والشافعية أن هلك
الثمار من ضمان المشتري ،ول رجوع له بشيء على البائع.
-------------------------------
( )1مواهب الجليل للحطاب ،482/4 :شرح الخرشي ،73-72/4 :المغني.218/4 :
( )2البدائع 288/5 :ومابعدها ،فتح القدير 175/5 :ومابعدها.
( )3البدائع ،276-273/5 :فتح القدير ،153/5 :رد المحتار.74/4 :
( )4الجوائح :جمع جائحة :وهي الفة التي تصيب الثمار ،فتهلكها ،كالبرد والقحط والعطش والعفن
وأمراض النباتات والزروع ونحوها من الفات السماوية .أو هي كل آفة ل صنع للدمي فهيا كالريح
والبرد والجراد والعطش.
( )4/681
أما المالكية فقالوا في الرجح عندهم :يضمن البائع ما تتلفه الجائحة في الثمار والبقول ،سواء القليل
والكثير ،وفي رأي مالك :يكون مقدار نقص الثمن إذا أصابت الجائحة الثلث فأكثر في الثمار والبقول.
ويحسب الثلث بالكيل عند ابن القاسم ،وبالقيمة عند أشهب .وكذلك قال الحنابلة في ظاهر المذهب :ل
فرق بين قليل الجائحة وكثيرها ،إل أن ما جرت العادة بتلف مثله ،كالشيء اليسير الذي ل ينضبط،
فل يلتفت إليه (. )1
ودليلهم« :أن النبي صلّى ال عليه وسلم وضع الجوائح» ( )2وفي لفظ لمسلم« :أمر بوضع الجوائح»
وفي لفظ« :إن بعت من أخيك ثمرا ،فأصابته جائحة ،فل يحل لك أن تأخذمنه شيئا ،بم تأخذ مال أخيك
بغير حق» (. )3
- 5ضمان الخيانة أو فسخ عقود المرابحة بسبب الخيانة :يرى الحنفية أنه إذا ظهرت الخيانة في
المرابحة بإقرار البائع ،أوببرهان عليها أو بنكوله عن اليمين ،كان للمشتري الخيار :إن شاء أخذ
المبيع ،وإن شاء رده؛ لن المرابحة عقد مبني على المانة؛ لن المشتري اعتمد على أمانة البائع في
الخبار عن الثمن الول ،فكانت صيانة البيع الثاني عن الخيانة مشروطة دللة أو ضمنا ،فإذا لم
يتحقق الشرط ثبت الخيار ،كما في حالة عدم تحقق سلمة المبيع عن العيب (. )4
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،184/2 :القوانين الفقهية لبن جزي :ص ،262المنتقى على الموطأ،231/4 :
الشرح الكبير للدردير ،182/3 :المغني ،104/4 :أعلم الموقعين ،337/2 :مختصر الطحاوي :ص
،78نيل الوطار.178/5 :
( )2رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن جابر.
( )3رواه مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه.
( )4المبسوط،86/3 :البدائع ،225/5 :فتح القدير.256/5 :
( )4/682
( )4/683
وفي الجارة على العمال قال الحنفية :إن كان لعمل الجير المشترك كالخياط والصباغ والحداد أثر
ظاهر في العين المؤجرة ،ثم هلكت سقط الجر ،وأما إن لم يكن لعمل الجير أثر ظاهر في العين
المؤجرة كالحمال والملح ،فيجب الجر بمجرد انتهاء العمل ،ول يسقط الجر بهلك العين بعدئذ ()2
.
حالت عدم الفسخ :
( - )78ل يفسخ العقد في غير الحوال المتقدمة ،كما يبين من المثلة التالية في عقود البيع واليجار
ونحوه ،والرهن والصلح.
عقد البيع :ل يفسخ إذا لم يقم المشتري بدفع الثمن عند استحقاقه ،فإن كان الثمن حال الداء أي
معجلً ،وجب أداؤه فورا ،وإن كان الثمن مؤجلً إلى أجل معلوم ،لزم أداؤه عند حلول أجله ،وإن كان
مقسطا أدى كل قسط في ميعاده.
ول يفسخ البيع عند عدم استيفاء الثمن إل إذا اشترط البائع لنفسه صراحة في العقد ما يعرف بخيار
النقد ،فيفسخ العقد حينئذ بسبب الخيار الذي يجعل البيع غير لزم (. )3
-------------------------------
( )1خيار النقد :هو فرع عن خيار الشرط ،وهو أن يشترط المتبايعان في عقد البيع لجل أن
المشتري إذا لم يدفع الثمن في الجل المعين كثلثة أيام ،فل بيع بينهما.
( )2البدائع ،204/4 :تبيين الحقائق ،109/5 :الدر المختار ورد المحتار.12/5 :
( )3المبسوط ،50/13 :فتح القدير :مع العناية ،114/5 :الدر المختار ورد المحتار ،51/4 :المجلة
(م )313مرشد الحيران (م .)484-418
( )4/684
وإذا مات المشتري مفلسا بعد قبض المبيع وقبل نقد الثمن ،فالبائع ـ عند الحنفية خلفا للشافعية كما
تقدم في الفسخ للفلس -أسوة الغرماء ،ولو وجد متاعه باقيا بعينه فل يكون أحق به من غيره من
أرباب الحقوق الذين لهم حق على المشتري (. )1
( - )79وعقد اليجار :ل يفسخ إن استأجر شخص دابة بغير عينها أي إجارة ذمة ،ويكون له الحق
في أن يطالب بدابة أخرى؛ لنه تعاقد على نقل الحمل إلى مكان معين على أية دابة ،فإذا تلفت الدابة
أو تعبت ،يستبدل بها غيرها ،أي يطلب التنفيذ العيني ،وليس له فسخ العقد.
لكن إن كانت الدابة مستأجرة بعينها ،فتلفت ،فسخت الجارة ،وإن تعبت كان المستأجر بالخيار بين
نقض الجارة أو النتظار حتى تقوى الدابة ،وليس له أن يطالب بدابة أخرى (. )2
وقال في لسان الحكام :لو أظهر المستأجر في الدار شرا ،كشرب الخمر وأكل الربا والزنا واللواطة
يؤمر بالمعروف ،وليس للمؤجر وجيرانه أن يخرجوه ،فذلك ل يصير عذرا في الفسخ ،ول خلف فيه
للئمة الربعة .
( - )80وعقد المزارعة الذي هو نوع من اليجار :ليس لصاحب الرض فسخه إن قصر المزارع
في سقي الرض حتى هلك الزرع أو يبس ،أو أخر السقي تأخيرا غير معتاد ،أو ترك حفظ الزرع
حتى أكلته الدواب ،أو لم يمنع الجراد حتى أكل الزرع كله .ولكن يجوز فسخها بالقالة ،ويكون
المحصول لصاحب البذر ،فإن كان صاحب البذر هو صاحب الرض ،استحق المزارع أجر مثل
عمله ،وإن كان صاحب البذر هو المزارع ،استحق صاحب الرض أجر مثل الرض .كذلك يجوز
للمستحق فسخ المزارعة إذا استحقت الرض ،وله قلع الزرع إن كان العاقدان س ّييّء النية ،وله على
من قدم الرض أجر المثل إن كان العاقدان حسني النية ،وعليه أجر المثل للمزارع
-------------------------------
( )1مرشد الحيران (م .)463
( )2مرشد الحيران (م )598المجلة (م .)538
( )4/685
إن كان حسن النية ،وكان من قدم الرض س ّييّء النية (. )1
( - )81وعقد المساقاة :الذي هو أيضا نوع من اليجار :ل يجوز فسخه إل بالتراضي (أي بالقالة)
وليس لحد العاقدين طلب الفسخ ،حتى ولو أخل المتعاقد الخر بالتزاماته ،وإنما له مطالبته بتنفيذ
التزامه.
وهو يفسخ كاليجار كما تقدم بالعذر ،كما إذا عجز العامل عن العمل أو كان غير مأمون على الثمر،
على صاحب الشجر أجر مثل عمل المساقي قبل الفسخ .ويفسخ أيضا باتفاق المذاهب باستحقاق الشجر
أو الثمر ،أو الزرع في رأي المالكية الذين يجيزونه على زروع ذات أصول غير ثابتة ،كالمقاثي،
وبعض الزروع ،كالقصب الحلو والبصل والباذنجان والحمص والفاصوليا.
وليس للمساقي عند الحنفية خلفا للمالكية أن يساقي غيره دون إذن صاحب الشجر ،فإن فعل ،كان
صاحب الشجر بالخيار بين أن يأخذ الغلة كلها ،ويعطي من قام بالعمل أجر مثله ،وبين أن يترك الغلة
لهما ،ويرجع على المساقي الول بأجر مثل محل المساقاة ،وضمنه ما لحق به من ضرر بسبب فعله
( . )2
( - )82وعقد الرهن أي الرهن الحيازي وكذا الرسمي والتأميني :
ل ينفسخ لعدم تنفيذ أحد المتعاقدين التزاماته؛ لنه عقد ملزم للجانبين ،وإنما للعاقد الخر المطالبة
بالتنفيذ ،فإذا أخل الراهن بالتزامه وباع المرهون بل إذن المرتهن ،لم يفسخ العقد ،ولم ينفذ البيع إل
بإجازة المرتهن ،لكن إن هلك المرهون في يد المشتري ،كان للمرتهن الخيار :إن شاء ضمن
المشتري قيمته يوم هلكه ،وإن شاء ضمنها الراهن.
-------------------------------
( )1المجلة (م )1438 ،96 ،19 ،13مرشد الحيران (.)730-729 ،724 - 721
( )2مرشد الحيران (م .)738 ،736 ،734
( )4/686
وإذا أخل المرتهن بالتزاماته ،بقي الرهن قائما ولم يفسخ ،فإن تعدى المرتهن وباع المرهون بل إذن
الراهن ،لم ينفذ البيع ،ويبقى الرهن قائما ل يفسخ ،فإن هلك المرهون في يد المشتري ،كان للراهن
الخيار في تضمين المشتري أو المرتهن .وإن رهن المرتهن المرهون بل إذن الراهن ،لم ينفذ الرهن
الثاني ،ويبقى الرهن الول قائما ل يفسخ .وإن باع المرتهن ثمار العين المرهونة بل إذن الراهن أو
القاضي ،فل يفسخ الرهن ،بل يبقى قائما ،ويضمن المرتهن قيمة الثمار ( . )1وإن هلك المرهون في
يد الدائن المرتهن ،ضمن القل من قيمته ومن الدين عند الحنفية ،ول يضمنه في مذهب الجمهور إل
بالتعدي أو التقصير ( . )2وإذا شرط المرتهن تملك المرهون في مقابل دينه إن لم يؤده الراهن في
الجل ،كان الشرط باطلً لمنافاته الحديث« :ل يَغلَق الرهن من صاحبه الذي رهنه ،له غنمه وعليه
غرمه» (. )3
والخلصة :أن الرهن ل يفسخ لخلل الراهن أو المرتهن بالتزامه ،والعلج إما عدم نفاذ التصرف،
أو الجبار على التنفيذ ،أو الضمان عند الهلك ( . )4وعدم نفاذ التصرف كتصرف الفضولي هو
رأي الحنفية والمالكية ،وأما الشافعية والحنابلة فيرون أن التصرف باطل
-------------------------------
( )1تبيين الحقائق 81/6 :ومابعدها.
( )2البدائع ،160/6 :الشرح الكبير للدردير ،344/3 :مغني المحتاج ،137/2 :المغني.396/4 :
( )3رواه الشافعي والدارقطني وقال :هذا إسناد حسن متصل .وغلق الرهن :استحقاق المرتهن إياه
لعجز الراهن عن فكاكه ،فمعنى ( ل يغلق ) ل ينفك ملك الرهن عن صاحبه ول يستحقه المرتهن ،إذا
لم يفتكه الراهن في الوقت المشروط.
( )4مصادر الحق للسنهوري 222/6 :ومابعدها.
( )4/687
- )83(.وعقد الصلح أيضا ملزم للطرفين بعد وقوعه ،ول يسوغ ليهما أو لورثته من بعده الرجوع
فيه ،ويلتزم كل واحد من المتصالحين بما التزم به نحو الخر ،ول يفسخ إذا كان في حكم المعاوضة،
بأخذ شيء عن آخر إل بالقالة أي بتراضي الطرفين ،ولتجوز إقالة الصلح إذا تضمن إسقاطا لبعض
الحقوق .ول يفسخ الصلح بمعنى المعاوضة (وهو الصلح عن إقرار على بدل معين يدفعه المقر) لعدم
تنفيذ أحد المتعاقدين التزامه ،حتى ولو ضاع بدل الصلح أو استحق ،وكان مما ل يتعين بالتعيين
كالنقود ،ويلزم من التزم به بمثل ما ضاع أواستحق .أما إذا كان البدل مما يتعين بالتعيين ،فل بد من
فسخ الصلح؛ لهلك المحل .ويرجع المدعي في الصلح عن إقرار على المدعى عليه بالمدعى به كله
أو بعضه ،فإن كان الصلح عن إنكار يرجع المدعي إلى المخاصمة (. )1
وذهب المالكية إلى أنه إذاكان الصلح عن إنكار (وهو الصلح الواقع مع إنكار المدعى عليه) ،فللمظلوم
من المتصالحين نقض الصلح في الحوال التية؛ لنه كالمغلوب على أمره في قبول الصلح:
- 1إذا أقر الظالم بعد الصلح بظلمه للخر :بأن يقر المدعى عليه بأن دعوى المدعي حق ،أو بأن
يقر المدعي ببطلن دعواه.
- 2إذا شهدت للمظلوم بعد الصلح بينة لم يكن يعلمها وقت الصلح ،وحلف على عدم علمه بها.
-------------------------------
( )1مرشد الحيران (م .)1049 ،1048
( )4/688
- 3إذا كانت له بينة غائبة بعيدة يتعذر إحضارها وقت الخصومة ،وأشهد عند الصلح أنه يقوم بها
إذا حضرت.
- 4إذا وجدت وثيقة الحق عند المدعي بعد الصلح (. )1
( - )84وكذلك عقد الشركة :ل يفسخ لخلل أحد الشركاء بالتزامه،
بل يجب على المخل بالتزامه الضمان ( )2أي حتى ولو كانت الشركة عقدا غير لزم يجوز فسخه
في رأي جمهور العلماء إذا أريد بقاء الشركة ،وقرر المالكية أن الشركة عقد لزم ،فتكون كالبيع
واليجار والرهن؛ لن العقد شريعة المتعاقدين.
فروق بين الفسخ وغيره :
لقد سبق بيان الفروق بين الفسخ وغيره ،وأوجزها هنا مقتصرا على بيان الفروق فقط فيما سبق
ذكره ،وأوضح ما لم يذكر سابقا.
- 1الفرق بين الفسخ والنفساخ :
( - )85ينحصر الفرق بين الفسخ والنفساخ في طريق نشوئه ،فالفسخ :إما أن ينشأ عن الرضا أو
الرادة ،أو جبرا عن المتعاقدين أو عن أحدهما بحكم القاضي .أما النفساخ فينشأ عن حادث طبيعي
وهو استحالة تنفيذ مقتضى العقد ،كهلك أحد البدلين ،وينفسخ العقد المستمر كعقد اليجار إذا فقد ما
يعتمد عليه بقاؤه.
فينفسخ البيع بهلك المبيع قبل قبضه ،لستحالة تنفيذ العقد بالتسليم بعد هلك محله ول ينفسخ بموت
البائع ،بل يطالب الوارث بالتسليم ،لثبوت آثار العقد الفوري عقب حدوثه دون توقف على بقاء العاقد.
وتنفسخ الشركة والمضاربة والمزارعة والمساقاة بموت أحد العاقدين في مذهب الحنفية خلفا
للجمهور؛ لن هذه العقود تنشئ التزامات عملية ذات آثار متجددة ،فيها انسحاب واستمرار يعتمد
بقاؤه بقاء العاقد ،علوة على بقاء المحل (. )3
- 2الفرق بين الفسخ (انحلل العقد) وانقضاء اللتزام :
( . - )86هناك فرق واضح بين الفسخ أو انحلل العقد ،وبين انقضاء اللتزام ،فالفسخ :يؤدي إلى
حل الرابطة التي كانت بين المتعاقدين ،ويلغي اللتزامات القائمة بينهما .فهذا الفسخ يستلزم انقضاء
اللتزامات التي كانت ناشئة بذلك العقد المنحل ،ففسخ البيع مثلً ينهي التزام المشتري بدفع الثمن،
والتزام البائع بتسليم المبيع.
أما انقضاء اللتزام :فيحصل إما بتنفيذ اللتزام ووصول كل ذي حق إلى حقه ،وإما بسقوط عهدة
التنفيذ؛ لزوال ما أوجبها.
-------------------------------
( )1التقنين المالكي (م )255الذي صدر عن مجمع البحوث السلمية بالزهر ،الشرح الصغير:
.414/3
( )2المجلة (م .)1387
( )3المدخل الفقهي ،للستاذ الزرقاء :ف .303 ،302/
( )4/689
فكل انحلل للعقد تنقضي به التزاماته السابقة ،ول عكس ،أي ل يلزم من انقضاء اللتزام انحلل
العقد الذي أنشأه؛ إذ قد يكون النقضاء بتنفيذ اللتزام الذي أوجبه ،ل بسقوط العقد الموجب .وعلى
هذا فتقابض العاقدين في المبيع والثمن هو انقضاء لللتزام بتنفيذ العقد ،وليس هو فسخا أو انحللً
للعقد (. )1
وإنجاز المقاول العمل المتفق عليه هو انقضاء لللتزام أو انقضاء للمقاولة ،أما فسخ المقاولة
بالتراضي أو بالقضاء لسبب ما ،أو لعذر طارئ يحول دون تنفيذ العقد أو إتمام تنفيذه ،فهو انحلل
للعقد وانقضاء لللتزام معا تبعا للنحلل.
- 3الفرق بين الفسخ والبطال والبطلن والفساد :
( - )87الفسخ :حل ارتباط العقد المنعقد لعدم التنفيذ ،أو للخلل باللتزام ،أولعدم توافر الرضا التام
ويحدث بالتراضي أو بالقضاء ( . )2أما البطال :فهو الحكم بكون الشيء باطلً من أساسه لفقد ركنه
أو محله أو لنقص في أهلية العاقد ،ول حاجة فيه لقضاء الحاكم ،والبطلن أثر ذلك الحكم اللزم
للشيء بعد نقضه بسبب الخلل الجوهري الذي صاحب العقد منذ نشوئه .وأما الفساد :فهو عند القائلين
به في المعاملت وهم الحنفية اختلل في صفة عارضة طارئة على العقد ،غير جوهرية فيه.
فإذا هلك المبيع قبل القبض تعذر تسليمه وفسخ البيع ،وإذا صدر العقد من عديم الهلية ،كالمجنون
والمعتوه ،كان باطلً ،وإذا كان المبيع أو الثمن مجهولً ،فسد العقد ،ووجب إزالة الفساد شرعا ،فإن لم
يزل الفساد ،انتقل الملك بالقبض خبيثا غير طيب في تقدير الشرع ،ويأثم العاقد.
- 4الفسخ وشرط اللغاء الصريح أو الضمني :
-------------------------------
( )1المرجع السابق :ف.306 ،305/
( )2المحمصاني ،المرجع السابق :ص .496-492
( )4/690
( - )88أثبت جمهور الحنفية وجمهور العلماء استحسانا حق الفسخ حال الشرط الصريح بإلغاء العقد،
وهو ما يسمى بخيار النقد :وهو كما تقدم أن يشترط البائع على المشتري أداء الثمن في مدة معينة،
وإل لغا البيع بينهما ،أو يشترط البائع
أنه إذا رد الثمن للمشتري في المدة المعينة ،يفسخ البيع ،وذلك منعا لمماطلة المشتري بدفع الثمن.
لكن اختلف المجيزون له في المدة ،فحددها أبو حنيفة بثلثة أيام كخيار الشرط ،وحددها غيره بحسب
الحاجة ،وتركها محمد بن الحسن بدون تحديد ،وبرأيه أخذت المجلة ،لكن الصل في خيار الشرط
اللزوم ،فإذا انتهت المدة المشروطة دون فسخ لزم العقد ،والصل في خيار النقد عدم اللزوم ،فإذا لم
ينقد الثمن في المدة فسد البيع ول ينفسخ.
ولم يجز الشافعي وزفر خيار النقد وقالوا بعدم صحته مطلقا (. )1
( - )89وأما عند عدم الشرط الصريح فلم يقرّ الفقه السلمي كمبدأ عام حق إلغاء العقد بسبب عدم
التنفيذ ،بل إنما أقر الفسخ في بعض الحالت المذكورة سابقا في بحث أسباب الفسخ لوجود شرط
ضمني بجواز الفسخ أو اللغاء ،ومن تلك الحالت:
أولً -أن حق الفسخ مقرر في بعض أحوال استحالة التنفيذ ،كعجز البائع عن تسليم المبيع بسبب
هلكه ،يكون للمشتري خيار الفسخ ،وكبيع السّلم (بيع آجل بعاجل) إذا تعذر تسليم المبيع عند حلول
الجل ،لعدم وجوده ،يكون المشتري بالخيار بين فسخ السّلم واسترداد الثمن ،أو انتظار وجوده إلى
العام المقبل ( . )2وكعقد الجارة إذا لم يستطع المستأجر النتفاع بالعين المؤجرة ،فإن التزامه بدفع
الجرة يسقط.
-------------------------------
( )1البحر الرائق ،7-6/6 :المجلة (م )315-313الشرح الكبير للدردير ،59/4 :الميزان الكبرى
للشعراني ،92/2 :كشاف القناع.184/3 :
( )2الدر المختار ،269/4 :القوانين الفقهية :ص .270
( )4/691
ثانيا -أجاز الحنفية باستحسان المصلحة ما يسمى بخيار الوصف أو خيار فوات الوصف المرغوب
فيه (وهو أن يكون المشتري مخيرا بين أن يقبل بكل الثمن المسمى أو أن يفسخ البيع حيث فات
وصف مرغوب فيه ،في بيع شيء غائب عن مجلس العقد) أي أنه يثبت حق الفسخ للعاقد الذي
اشترطه إذا لم يوجد الوصف المطلوب ،كأن يشتري جوهرة على أنها أصلية أو بقرة على أنها حلوب
أوشيئا يحتاج لتجربة ،ثم يظهر العكس ،فيكون المشتري مخيرا إن شاء فسخ البيع ،وإن شاء أخذ
المبيع بجميع الثمن المسمى؛ لن هذا وصف مرغوب فيه ،يستحق في العقد بالشرط ،فإذا فات ،وجب
التخيير ،لعدم توافر الرضا بدونه (. )1
ومثل ذلك في عقد الستصناع :إذا لم يكن المصنوع على الوصف المطلوب؛ كان المستصنع مخيرا (
. )2
ثالثا :يجوز عند جمهور الفقهاء غير الحنفية الفسخ في عقود المعاوضة بسبب الفلس حال وفاة
المدين واسترداد المبيع الموجود ،كما تقدم .كذلك أجاز المام الشافعي أيضا خلفا للجمهور حق
الرجوع والسترداد في حال وفاة المدين إذا تبين أنه مفلس.
رابعا :أثبت الفقهاء بالتفاق خيار العيب ،فيجوز الفسخ بسببه ،والشرط ليس صريحا بل هو ضمني،
كما إذا وجد المشتري بالمبيع عيبا ،فإنهم قالوا :إن سلمة المبيع من العيوب شرط ضمني في عقد
البيع ،وكذلك في الجارة ،فإنها تنفسخ بخيار عيب حاصل قبل العقد أو بعده بعد القبض يفوت به
النفع ،كخراب الدار ،وانقطاع ماء الرحى وانقطاع ماء الرض (. )3
-------------------------------
( )1رد المحتار ،49/4 :فتح القدير ،135/5 :المجلة (م .)312-310
( )2المجلة (م .)392
( )3الدر المختار ورد المحتار.77/6 :
( )4/692
( )4/693
القاعدة المقررة في الفقه السلمي أنه ل ارتباط بين اللتزامات المتقابلة في العقد الملزم للجانبين،
وإنما كل التزام مستقل عن اللتزام المقابل له ،فالتزام المشتري بدفع الثمن في مقابل التزام البائع
بتسليم المبيع وضمانه ،ل يرتبط أحدهما بالخر .وكذا التزام المستأجر بدفع الجرة ل يتعلق بتسليم
المؤجر العين المؤجرة.
( - )93وبناء عليه ،ضاقت نظرية الفسخ في الفقه ،إسهاما في دعم القوة الملزمة للعقد ،وأضحى
الصل أن العقد الملزم للجانبين أو عقد المعاوضة ل يفسخ لخلل أحد العاقدين بتنفيذ التزامه ،وليس
للدائن إل أن يطالب المدين بالتنفيذ أو بالضمان على حسب الحوال .فإذا لم يدفع المشتري الثمن ،لم
يفسخ البائع البيع ،بل له مطالبة المشتري بالثمن ،وإذا لم يدفع المتصالح في الصلح بدل الصلح ،فليس
للخر فسخ العقد ،وإذا أساء الدائن المرتهن استعمال الشيء المرهون فأخل بالتزامه بالحفاظ عليه،
فليس للراهن فسخ الرهن ،وإنما له الحق في طلب وضع المرهون تحت يد عدل ( ، )1دفعا للضرر
عن نفسه ،وإذا هلك المرهون ،ضمن المرتهن في مذهب الحنفية القل من قيمته ومن الدين.
( . - )94ولكن يجوز استثناء فسخ العقد للخلل باللتزام في أمرين (: )2
الول -انعدام محل العقد أو فوات منفعته المقصودة ،فإذا هلك المبيع أو المأجور أو تعيب أو نقص
مقداره أو تعذر استيفاء المنفعة المقصودة منه ،أصبح العقد قابلً للفسخ.
الثاني -الخلل باللتزام في العقود المستمرة أو عقود المدة :كاليجار وعقد التوريد ،فإذا أخل العاقد
بالمنفعة ،أو بالعمل في عقد الجارة ،أو أخل المورّد بالتزامه ،فلم ينفذ المطلوب ،توقف العاقد الخر
من تقديم المنفعة ،وأمسك العامل عن العمل حتى يستوفي الجر ،وامتنع المورّد له من دفع الثمن،
وهذا كفسخ للعقد.
-------------------------------
( )1العدل :شخص آخر غير العاقدين يؤتمن على حيازة المرهون .وأجاز الحنابلة (القواعد لبن
رجب :ص )65للراهن فسخ عقد الرهن إذا لم يقم الدائن المرتهن بتنفيذالتزامه.
( )2مصادر الحق للسنهوري 230/6 :ومابعدها.
( )4/694
( )4/695
وعليه ،فإن للبائع حق حبس المبيع لستيفاء جميع الثمن الحالّ ،فإن كان الثمن مؤجلً أو مقسطا،
لزمه تسليم المبيع في الحال .ويسقط حق الحبس بالحوالة بالثمن في رأي أبي يوسف ،ول يسقط حق
الحبس إذا قدم المشتري رهنا أو كفيلً بالثمن؛ لن الرهن والكفالة ل يسقطان الثمن عن ذمة
المشتري.
وحق البائع في المبيع حق عيني يمنحه حق امتياز عليه ،فإذا مات المشتري مفلسا قبل قبض المبيع
ودفع الثمن ،فالبائع أحق بحبسه إلى أن يستوفي الثمن من تركة المشتري أو يبيعه القاضي.
وليس للمشتري حق حبس الثمن إل إذا استحق المبيع في يده بالبينة ،وفسخ البيع قبل أداء الثمن .وله
أيضا أن يحبس الثمن إذا استحق المبيع قبل قبضه من المشتري ،وله حق الفسخ واسترداد الثمن إذا
كان قد دفعه للبائع.
( - )98وقال الشافعية والحنابلة ( : )1يجبر البائع على تسليم المبيع أولً ،ثم يجبر المشتري على
تسليم الثمن؛ لن حق المشتري في عين المبيع ،وحق البائع في الذمة ،فيقدم ما يتعلق بالعين .وعليه،
ليس للبائع حبس المبيع على قبض الثمن؛ لن التسليم من مقتضيات العقد.
لكن قال الشافعية :للبائع حبس المبيع حتى يقبض الثمن إن خاف فوته ،وكذا للمشتري حبس الثمن إن
خاف فوت المبيع.
( - )99وأما في عقد اليجار :فيرى الحنفية والمالكية ( )2أن المستأجر يدفع الجرة أولً إذا
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،75/2:المغني.198/4 :
( )2البدائع ،211 ،204 ،201/4 :تبيين الحقائق 110/5 :ومابعدها ،تكملة فتح القدير،207/7 :
المجلة (م )483-482بداية المجتهد ،230 ،226/ :الشرح الكبير مع الدسوقي ،28 ،4/4 :القوانين
الفقهية :ص 275وما بعدها ،المدونة الكبرى.414/3 :
( )4/696
كانت معجلة ،ثم يسلم المؤجر العين المؤجرة .وتجب الجرة وتملك بأحد أمور ثلثة :اشتراط تعجيلها
في العقد ،وتعجيلها من غير شرط استيفاء المعقود عليه وهو المنافع شيئا فشيئا ،ول تجب الجرة ول
تملك بنفس العقد ،وإنما تلزم جزءا فجزءا بحسب ما يقبض من المنافع ،فل يستحق المؤجر المطالبة
بالجرة
إل تدريجيا يوما فيوما؛ لنه إذا لم يثبت الملك في أحد العوضين ل يثبت في العوض الخر ،عملً
بالمساواة التي تقوم عليها العقود.
وللمؤجر الحق في حبس العين المؤجرة في يده أو المتناع عن تسليم الشيء المؤجر ،حتى يستوفي
الجر المعجل ،كما أن له الحق في فسخ الجارة.
وأما في الجارة على العمال :فيستحق الجير الخاص أجره كما ذكر الحنفية بمجرد تسليم نفسه
للخدمة ،سواء خدم أو لم يخدم ،ويجوز له اشتراط تعجيل الجر قبل أن يسلم الجير نفسه للعمل .وأما
الجير المشترك أو العام كالخياط والحمال ،فله أن يحبس المستأجر فيه حتى يستوفي أجرته إن كان
لعمله أثر ظاهر (أي مجرد ما يعاين ويرى) في العين المؤجرة كالخياط والصباغ ،إن لم يشترط
تأجيلها .وليس له أن يحبس المستأجر فيه ،إن لم يكن لعمله أثر ظاهر فيه كالحمال والملح .أما
المالكية فقالوا :للجير إذا عمل للناس ،سواء أكان عاما أم خاصا حبس المستأجر فيه حتى يقبض
حقه.
( )4/697
( - )100وذهب الشافعية والحنابلة( ) 1إلى أن على المؤجر تسليم العين المؤجرة ،ثم يسلم المستأجر
الجرة ،وتجب الجرة وتملك بمجرد العقد؛ لن الجارة عقد معاوضة ،والمعاوضة إذا كانت مطلقة
عن الشرط تقتضي الملك في العوضين عقد العقد ،كما يملك البائع الثمن بالبيع .وليس للمؤجر حبس
العين المؤجرة حتى يستوفي الجرة.
( - )101وأما في عقد الوكالة :فإن الحنفية ذكروا أن للوكيل بالشراء حق حبس المال المشترى في
يده إلى أن يقبض الثمن من الموكل ،وإن لم يكن قد أعطاه إلى البائع (. )2
( . - )102وأما في عقد الزواج :فاتفقت المذاهب ( )3على أن للمرأة قبل دخول زوجها بها أن تمنع
الزوج عن الدخول بها أو عن النتقال إلى بيت الزوجية ،حتى يعطيها جميع المهر المعجل .ويثبت
لها أيضا هذا الحق في حبس نفسها عن زوجها ومنع نفسها من الستمتاع بها حتى بعد الدخول بها أو
الخلوة بها أو النتقال إلى بيت زوجها .وهذا رأي أبي حنيفة.
أما الصاحبان وبقية الفقهاء فقرروا أنه ليس لها أن تمنع نفسها بعد الدخول بها ،حتى تقبض معجل
مهرها؛ لن رضاها بالدخول إسقاط لحقها في طلب المهر ،فإذا امتنعت كانت ناشزة ،فيسقط حقها في
النفقة.
متى يجوز عدم تنفيذ العقد أو ما هي شروط الدفع بعدم التنفيذ؟
( - )103يشترط للدفع بعدم تنفيذ العقد شرطان (: )4
- 1أن يكون العقد ملزما للجانبين ،أي عقد معاوضة :ففي هذا النوع من العقود يمكن التمسك بعدم
تنفيذ العقد ،أو بالحق في الحبس الذي هو أوسع بكثير من نطاق الدفع بعدم التنفيذ ،وأمثلة ذلك :أن
للملتقط حق حبس اللقطة عنده بما أنفق عليها ،وللغاصب حبس المغصوب حتى يستوفي ما زاده فيه
من بناء أو
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،234/2 :المهذب ،399/1 :المغني ،406/5 :غاية المنتهى.116/2 :
( )2المجلة (م )1491مرشد الحيران ( م .)937
( )3البدائع ،289-288/2 :الشرح الكبير للدردير 297/2 :ومابعدها ،الشرح الصغير،434/2 :
القوانين الفقهية :ص ،434مغني المحتاج 222/3 :ومابعدها ،كشاف القناع.183-181/5 :
( )4مصادر الحق للسنهوري.241/6 :
( )4/698
غراس ،ولصاحب الملك المشترك أو لصاحب حق العلو إذا انهدم البناء أن يمنع شريكه أو صاحب
السفل الذي امتنع من إعادة البناء من النتفاع ببنائه حتى يؤدي ما يخص حصته من المصروفات ()1
.
- 2أن يكون اللتزام المحبوس أو الممنوع عن الخر التزاما يتأخر تنفيذه عن تنفيذ اللتزام المقابل:
فللبائع حبس المبيع لديه حتى يستوفي الثمن ،وليس العكس ،كما تقدم ،وللمؤجر حبس المأجور إلى
استيفاء الجرة إذا كانت الجرة معجلة.
آثار الفسخ (أحكامه ) :
( . - )104تظهر آثار الفسخ في شيئين :انتهاء العقد ،وسريانه على الماضي والمستقبل.
- 1انتهاء العقد بالفسخ :ينتهي العقد بالفسخ ،ويكون له آثار فيما بين الطرفين المتعاقدين وبالنسبة
لغيرهما.
أولً -أثر الفسخ فيما بين الطرفين المتعاقدين :يظل العقد قائما إلى حين الفسخ ،وينتج جميع آثاره،
فتنتقل مثلً ملكية المبيع إلى المشتري ،وللطرفين إجازة العقد صراحة قبل الفسخ ،أو ضمنيا ،وحق
الفسخ محصور فقط في المتضرر من المتعاقدين دون المتعاقد الخر.
فإذا فسخ العقد انحل واعتبر كأن لم يكن بالنسبة للطرفين ،وتجب إعادة كل شيء إلى ما كان عليه قبل
العقد ،ويعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد ،فإذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض،
سواء كان الفسخ بحكم القاضي أو بحكم التفاق أو بحكم الشرع.
-------------------------------
( )1تبيين الحقائق 306/3،308 :وما بعدها ،231/5 ،المجلة ( م .)1216
( )4/699
( - )105ثانيا -أثر الفسخ بالنسبة للغير :يصبح العقد بالفسخ بالنسبة لغير المتعاقدين أيضا كأن لم
يكن ،إل أن التصرف في العين للغير من قبل المشتري كالبيع أو الهبة أو الصلح ما نع من حق
الفسخ ،أي يطهر العين المبيعة من حق الفسخ ،فل يتمكن المشتري الول أن يفسخ البيع بينه وبين
بائعه؛ لنه قد تعلق بالمبيع حق مالك جديد ،أنشأه المشتري نفسه (. )1
( . - )106وكذلك للقالة التي هي عبارة عن فسخ العقد الذي يربط المتعاقدين آثار بالنسبة للعاقدين
وبالنسبة إلى الغير ،فهي كما تقدم في رأي أبي حنيفة وزفر تعد فسخا في حق العاقدين ،وليست اتفاقا
جديدا ،فملكية المبيع ل تنتقل من جديد إلى البائع ،بل يعتبر المبيع كأنه لم يخرج أبدا من ملك البائع (
. )2
وكذلك قال الشافعية والحنابلة :القالة فسخ ،كالرد بالعيب ( . )3أما المالكية والظاهرية فذهبوا إلى أن
القالة اتفاق أو بيع جديد؛ لتمامها بتراض جديد بين العاقدين ،فيجوز فيها ما يجوز في البيوع،
ويحرم منها ما يحرم في البيوع (. )4
وأما أثر القالة بالنسبة للغير وهو الشخص الثالث غير العاقدين :فهو أنها ليست فسخا ،بل هي بيع
جديد في رأي أبي حنيفة وأبي يوسف والمالكية
-------------------------------
( )1عقد البيع للستاذ مصطفى الزرقاء :ص .111
( )2البدائع ،306/5 :فتح القدير ،247/5 :الدر المختار ورد المحتار.154/4 :
( )3مغني المحتاج ،96/2 :المغني ،121/4 :غاية المنتهى ،52/2 :القواعد لبن رجب :ص -379
.381
( )4القوانين الفقهية :ص ،272المحلى ،7/9 :الشرح الصغير.210/2 :
( )4/700
والظاهرية؛ لنها في الواقع مبادلة جديدة ،فيأخذ كل واحد من المتعاقدين رأس ماله ببدل ،وعلى ذلك
تعتبر الملكية بالنسبة للغير أنها انتقلت من جديد إلى البائع بالقالة ،فمن اشترى دارا ولها شفيع ،فلم
يطلب الشفعة بعد علمه بالبيع ،ثم أقال العاقدان البيع ،فيثبت للشفيع حق طلب الشفعة ثانيا؛ لن القالة
عقد جديد في حقه.
وذهب زفر ومحمد والشافعية وأكثر الحنابلة إلى أن القالة بالنسبة للغير فسخ كما هو الشأن بالنسبة
للعاقدين؛ لن القالة هي الرفع والزالة ،ولن المبيع عاد إلى البائع بلفظ ل ينعقد به البيع ،فكان
التفاق فسخا كالرد بالعيب.
- 2أثر الفسخ في الماضي (الثر المستند والمقتصر) والمستقبل :
( . - )107للفسخ أثر مستند ،أي أثر رجعي منسحب على الماضي ،في العقود الفورية كالبيع
والمقايضة ،فيوجب التراجع فيما نفذ من التزامات ،ففسخ البيع يوجب التراد في المبيع والثمن ،وكذا
انفساخه بهلك المبيع قبل التسليم يوجب رد الثمن المقبوض؛ لن اللتزام فيه يصبح بل سبب .وعلى
ذلك ل يمكن طلب الشفعة عند الفسخ.
وينحصر الثر الرجعي بالعاقدين وورثتهما عند الجمهور غير الحنفية القائلين بانتقال الخيار بالوراثة.
أما غير المتعاقدين إذا اكتسب حقا على العين المبيعة فل يتأثر برجعية الفسخ ،بل يمتنع الفسخ ،وتلزم
المتعاقدين الصفقة دفعا للضرر عن الغير (. )1
وأما العقود المستمرة أو عقود المدة التي يستمر تنفيذها مع توالي الزمن كعقد
-------------------------------
( )1النظرية العامة للفسخ د :الذنون :ص .363
( )4/701
اليجار أو الشركة ،فإن الفسخ يكون مقتصرا ،أي ليس له أثر رجعي ،وإنما يسري على المستقبل
فقط ،وما مضى يكون على حكم العقد ،فالفسخ أو النفساخ يقطعان تأثير هذه العقود بالنسبة إلى
المستقبل ،ويظل ما مضى على حكم العقد .وكذلك انحلل الوكالة بالعزل ل ينقض تصرفات الوكيل
السابقة (. )1
( . - )108وكذلك للقالة أثر رجعي كالفسخ ،بشرط وجود محل العقد عند القالة ،ووحدة الزمان،
وتطابق اليجاب والقبول ،أي رضا المتقايلين وتوافق الرادتين؛ لن القالة رفع العقد ،والمبيع محله،
فإن كان هالكا كله وقت القالة ،لم تصح ،وإن هلك بعضه ،لم تصح القالة بقدره ،ولن القالة عند
الجمهور فسخ العقد ،والعقد وقع بتراضي العاقدين ،فكذا فسخه ،أما قيام الثمن وقت القالة فليس
بشرط (. )2
( . - )109هذا وقد بحث السيوطي أثر الفسخ بالنسبة للماضي بعنوان :هل يرفع الفسخ العقد من
أصله أو من حينه؟ فقال:
- 1فسخ البيع بخيار المجلس أو الشرط :الصح أنه من حينه.
- 2الفسخ بخيار العيب والتصرية ( ربط ثدي الشاة لتجمع اللبن ) :الصح من حينه.
- 3تلف المبيع قبل القبض :الصح النفساخ من حين التلف.
- 4الفسخ بالتخالف بين البائع والمشتري :الصح من حينه.
- 5السلم :يرجع الفسخ إلى عين رأس المال.
- 6الفسخ بالفلس :من حينه.
- 7الرجوع في الهبة :من حينه قطعا.
- 8فسخ النكاح بأحد العيوب :الصح من حينه.
- 9القالة على القول بأنها فسخ :الصح من حينه (. )3
ويلحظ أن أغلب حالت الفسخ في رأي الشافعية ليس لها أثر رجعي.
وذكر ابن رجب الحنبلي خلفا في الفسخ بالعيب المستند إلى مقارن للعقد ،هل هو رفع للعقد من
أصله أو من حينه (. )4
وذهب المالكية إلى أن فسخ البيع بسبب العيب إما بحكم الحاكم أو بتراضي المتبايعين رفع للعقد من
حينه .وليس له أثر على الماضي ،فتكون غلة المردود بعيب للمشتري من وقت عقد البيع وقبض
المشتري له ،وتثبت الشفعة للشريك بما وقعت به القالة (. )5
-------------------------------
( )1المدخل الفقهي العام للستاذ الزرقاء :ف .304
( )2البدائع 308/5 :ومابعدها ،فتح القدير 250/5 :ومابعدها ،الدر المختار.157/4 :
( )3الشباه والنظائر :ص .317
( )4القواعد :ص .116
( )5الشرح الصغير.210 ،186/2 :
( )4/702
( )4/703
لقد اعترف الفقيه الكبير الدكتور عبد الرزاق السنهوري واضع القانون المدني المصري وغيره في
البلد العربية بأن الفقه والقضاء المصري ضيفان على القضاء الفرنسي ،ولكن آن للضيف أن يعود
إلى بيته ،وطالب بتمصير الفقه ،وجعله فقها مصريا خالصا نرى فيه طابع قوميتنا ونحس أثر عقليتنا،
ففقهنا حتى اليوم ل يزال يحتله الجنبي ،الحتلل هنا فرنسي ،وهو احتلل ليس بأخف وطأة ول أقل
عنتا من أي احتلل آخر .لذلك كانت أمنية من أغلى الماني العراض وأعزها لدينا أن يصدر قانون
مدني وغير مدني مستمد كله من أحكام الشريعة السلمية .قال الدكتور السنهوري ( : )1أما جعل
الشريعة السلمية هي الساس الول الذي يبنى عليه تشريعنا المدني ،فل يزال أمنية من أعز
الماني التي تختلج بها الصدور ،وتنطوي عليها الجوانح .ولكن قبل أن تصبح هذه المنية حقيقة
واقعة ،ينبغي أن تقوم نهضة علمية قوية لدراسة الشريعة السلمية في ضوء القانون المقارن.
ومن بدهي القول إعلن أن الشريعة السلمية ذات المصدر السماوي اللهي المستقل ل تزال شريعة
حية صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان ،أكد ذلك فقهاء القانون في الغرب والشرق ،وعمداء
الحقوق في البلد العربية والجنبية ،ومؤتمرات القانون المقارن والمحامين الدولية في العصر الحديث
( . )2
قال الدكتور السنهوري (« : )3ول أريد القتصار على شهادة الفقهاء المنصفين من علماء الغرب،
كالفقيه اللماني كوهلر والستاذ اليطالي دلفيشيو والعميد المريكي ويجمور وكثيرين غيرهم،
يشهدون بما انطوت عليه الشريعة السلمية من مرونة وقابلية للتطور ،ويضعونها إلى جانب القانون
الروماني والقانون النكليزي إحدى الشرائع الساسية الثلث التي سادت ول تزال تسود العالم .وقد
أشار الستاذ ل مبير الفقيه الفرنسي المعروف في المؤتمر الدولي للقانون
-------------------------------
( )1راجع كتابه الوسيط في شرح القانون المدني الجديد :حاشية ص .48
( )2انظر قرار مؤتمر القانون المقارن في لهاي سنة 1938م ،ومؤتمر المحامين الدولي في لهاي
سنة ،1948وتوصيات ندوة عمداء كليات الحقوق والقانون والشريعة بالجامعات العربية بجامعة
بيروت العربية ،عام 1973م ،وبجامعة بغداد عام 1974م ،وتوصيات ندوة التشريع السلمي في
مدينة البيضاء ،ليبيا عام 1972م ،وتوصيات مؤتمر الفقه السلمي بالرياض عام 1976م.
( )3بحث الدكتور السنهوري في مجلة نقابة المحامين بدمشق -السنة الولى -العدد السابع :ص
. 506
( )4/704
المقارن ،الذي انعقد في مدينة ل هاي في سنة (1932م) إلى هذا التقدير الكبير للشريعة السلمية،
الذي بدأ يسود بين فقهاء أوروبا وأمريكا في العصر الحاضر.
ولكني أرجع للشريعة نفسها لثبت صحة ما قررته .ففي هذه الشريعة عناصر لو تولتها يد الصياغة،
فأحسنت صياغتها ،لصنعت منها نظريات ومبادئ ل تقل في الرقي وفي الشمول وفي مسايرة التطور
عن أخطر النظريات الفقهية التي نتلقاها اليوم عن الفقه الغربي الحديث.
وآتي بأمثلة أربعة اضطررت إلى القتصار عليها لضيق المقام :يدرك كل مطلع على فقه الغرب أن
من أحدث نظرياته في القرن العشرين :نظرية التعسف في استعمال الحق ،ونظرية الظروف الطارئة،
ونظرية تحمل التبعة ،ومسؤولية عديم التمييز .ولكل نظرية من هذه النظريات الربع أساس في
الشريعة السلمية ل يحتاج إل للصياغة والبناء ليقوم على أركان قوية ،ويسامت نظريات الفقه
الحديث» .
وقد أحدثت هذه الصيحة بالعتراف بالحق دويا في نفوس واضعي القوانين العربية ،ولم يعد مقبولً
بحال ترك مصادرنا الفقهية السلمية ،وأخذ قانون مترجم ترجمة حرفية عن القانون المدني
الفرنسي.
( )4/705
وأثمر هذا الدوي القوي في أفكار القانونيين ،فصدر في دنيا العرب قانونان مدنيان مستمدان من الفقه
السلمي ،وهما القانون المدني العراقي عام (1951م) ،والقانون المدني الردني عام (1976م)،
وصدر في ليبيا ـ الثورة إلغاء صريح فوري لكل مواد القانون المدني المعارضة للشريعة ،وبدئ
بوضع قانون جديد مستمد من الفقه السلمي ،كما بدئ في مصر بوضع مشاريع قوانين مدنية
وجزائية مستمدة من أحكام الشريعة السلمية ،غير الملتزمة مذهبا فقهيا معينا ،وإنما تأخذ من
مجموع أحكام المذاهب السلمية ـ السنية والشيعية ما يناسب ظروف العصر ،وبدأت لجان منبثقة
من قرارات وزراء العدل العرب بوضع قانون مدني وآخر جزائي مستمد من الشريعة السلمية منذ
عام (1980م) وكذا قانون موحد للحوال الشخصية ،وتم إنجاز مشروعات هذه القوانين الثلثة.
وقد جاء في السباب الموجبة للئحة القانون المدني العراقي المكون من 1383مادة ما يلي :إن
قواعد القانون المدني العراقي استمدت من مصادر متباينة ،فبعضها أخذ من الفقه السلمي مباشرة،
وبعضها نقل عن الفقه السلمي مقننا في المجلة ،والبعض الخر هو بقية من القوانين العثمانية
العتيقة ،وهذه القوانين بدورها قد اشتقت أحكامها بوجه خاص من القانون الفرنسي والعرف المحلي.
والكثرة الغالبة من أحكام القانون العراقي قد خرّجت على الفقه السلمي في مذاهبه المختلفة دون
تقيد بمذهب معين ،واستطاع مشروع هذا القانون أن يجد في غير عناء مادة خصبة في الفقه
السلمي يصوغ منها طائفة العقود المسماة ،سواء وقع العقد على الملكية كالبيع والهبة والشركة
والقرض ،أم وقع على المنفعة كاليجار والعارة ،أو وقع على العمل كالمقاولة وعقد العمل والوكالة
والوديعة.
وجاء في نص البيان الصحفي الذي أعلن به مشروع القانون المدني الردني سنة 1976م المكون من
( ) 1449مادة ما يلي:
اعتمدت لجنة واضعيه على المراجع والمصادر التالية:
( )4/706
( )4/707
( )4/708
- 2في عقد اليجار (إيجار الراضي الزراعية ،غرس الشجار في العين المؤجرة ،هلك الزرع
في العين المؤجرة ،المزارعة ،انقضاء اليجار بموت المستأجر وفسخه للعذر ،إيجار الوقف).
- 3حقوق الرتفاق( :حق العلو والسفل ،الحائط المشترك).
ل وموضوعا (تكوين العقد ،محل العقد ،الرجوع في الهبة).
- 4أحكام عقد الهبة ـ شك ً
- 5تصرف المريض مرض الموت.
- 6أحكام متفرقة (مدة التقادم ،البراء من الدين بإرادة الدائن وحده).
بيان أهم المبادئ والنظريات المقتبسة من الفقه السلمي :
- 1النزعة الموضوعية :
أخذ القانونان المصري والسوري بالنزعة الموضوعية التي تخللت كثيرا من النصوص ( . )1وهذه
هي نزعة الفقه السلمي والقوانين الجرمانية ،آثرها التقنين على النزعة الذاتية التي هي طابع
القوانين اللتينية ،وجعل الفقه السلمي عمدته في الترجيح .فأخذ بالرادة الظاهرة وبالموضوعية
معا ،ولكن بقدر متفاوت ،إذ أقلّ من الخذ بالرادة الظاهرة ،وأكثر من الخذ بالموضوعية ،إلى حد
أنه حينما كان في بعض المسائل يتخذ معايير ذاتية لم يتخذها ذاتية محضة ،بل رسم لها ضوابط
موضوعية ليضفي عليها شيئا من الثبات والستقرار.
ومن أمثلة المعايير الموضوعية ( عناية الشخص المعتاد ) أي أن الشخص مطالب بأن يبذل من
العناية في حفظ مال الغير كالوديعة مثلً ما يبذله عادة في حفظ ماله الخاص.
-------------------------------
( )1الوسيط للسنهوري :ص .96 ،93 ،47
( )4/709
انظر القانون المدني السوري (المواد 1/212في اللتزام بعمل 2/489 ،في آثار الشركة 1/551 ،في
استعمال العين المؤجرة 1/607 ،التزام المستعير 1/651 ،التزام العامل 2/670 ،التزام الوكيل686 ،
التزام الوديع 1/700 ،التزام الحارس 1/193 ،التزام الفضولي 1/130 ،إبطال العقد بسبب الغبن،
147انتقال اللتزام إلى الخلف الخاص 179 ،مسؤولية حارس الشياء 222 ،تعويض الضرر،
1/415التزام البائع بضمان العيوب الخفية 1/580 ،استغلل المستأجر الراضي الزراعية).
وهذا المعيار الموضوعي مقرر في الفقه السلمي في الحوال السابقة ،فقد قرر فقهاؤنا أنه يجب
على المين أن يحفظ المانة ،كما يحفظ ماله على النحو الذي جرت به عادة الناس في كيفية حفظ
أموالهم (. )1
أما الفقه السلمي فيقرر مسؤولية الصبي غير المميز والمجنون مطلقا عن التلفات ،قال الحنفية:
«الصبي المحجور عليه مؤاخذ بأفعاله ،فيضمن ما أتلفه من المال» (« )2لو أن طفلً ابن يوم انقلب
على قارورة فكسرها ،لزمه الضمان» ( )3وقال المالكية« :إن تقويم المتلفات ل يختلف باختلف
الناس ،إنما باختلف البلد والزمان» (. )4
ونصت المجلة على ذلك فيما يأتي....« :يلزم الضمان على الصبي إذا أتلف مال الغير ،وإن كان
غير مميز» (م « :)960إذا أتلف صبي مال غيره يلزم الضمان من ماله ،وإن لم يكن له مال ينتظر
إلى حال يساره ،ول يضمن وليه» (م ( )916م .)912
ولكن ل يكون غير المميز مسؤولً مسؤولية جنائية عن حوادث القتل ،فل ينفّذ في حقه القصاص،
وإنما يقتصر على تعزيره بالحبس أو بالتوبيخ ونحوهما.
- 2أحكام الهلية ومسؤولية عديم التمييز :
إن أحكام الهلية (المواد )129-109 ،50-46مستمدة من الفقه السلمي ( ، )5سواء فيما
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،307/2 :وانظر كتابنا نظرية الضمان :ص .183-177
( )2الشباه والنظائر لبن نجيم ،78/2 :درر الحكام.273/2 :
( )3مجمع الضمانات :ص ،165 ،161 ،154-146جامع الفصولين ،124 ،113/2 :الشباه
والنظائر لبن نجيم.99/2 :
( )4الفروق للقرافي.31/4 :
( )5نظرية العقد للسنهوري 322/1 :ومابعدها.
( )4/710
يتعلق بأهلية التملك أو بمباشرة التصرفات والعقود ،ووجود الحاجة أحيانا إلى النائب الشرعي عن
الغير ،والحكم ببطلن التصرف بسبب انعدام الهلية ،إل أن القانون في حالة وجود عيب من عيوب
الرضا كالكراه والتدليس والغلط يجعل العقد قابلً للبطال ،أي أن العقد قائم وموجود ،لكنه عرضة
للبطال من طريق القاضي بناء على طلب صاحب المصلحة
في حماية حقه الخاص .وأما في الفقه فيسمى العقد حينئذ غير لزم أي يجوز فسخه من صاحب الحق
بمحض إرادته من غير قضاء إل في حالة وجود التدليس المتضمن إخفاء عيب (خيار العيب) فيحتاج
إلى القضاء لتقدير وجود العيب .وقد يسمى العقد المعيب بعيب (كما في حالة الكراه) غير نافذ أو
موقوفا على الجازة كما في حالة تجاوز العاقد حدود النيابة المتعارف عليها ،إل أن العقد الموقوف ل
ينتج أي أثر ،أما العقد القابل للبطال فهوعقد صحيح منتج لثاره.
( )4/711
وكذلك أخذ القانون المدني بمبدأ مسؤولية عديم التمييز عن أعماله غير المشروعة التي تسبب ضررا
للغير ،مسايرة لمبادئ الشريعة السلمية التي توجب تعويض الضرر الواقع باعتباره واقعة مادية،
ولو لم يتوفر عنصر الخطأ أحد أركان المسؤولية المدنية التقصيرية ،وهو ما تقرره نظرية تحمل
التبعة التي ل تقيم المسؤولية على أساس فكرة الخطأ ،وإنما تكتفي بمراعاة مبدأ «الغرم بالغنم» .وقد
نص القانون المدني السوري على ذلك في المادة (« :)2/165ومع ذلك إذا وقع الضرر من شخص
غير مميز ،ولم يكن هناك من هو مسؤول عنه ،أو تعذر الحصول على تعويض من المسؤول ،جاز
للقاضي أن يلزم من وقع منه الضرر بتعويض عادل ،مراعيا في ذلك مركز الخصوم» أي أن هذه
المسؤولية لغير المميز تتميز بأنها مشروطة ،ومسؤولية مخففة أي في حدود التعويض العادل (. )1
وبهذا يكون ولي القاصر بصفة عامة هو المسؤول عن عمل القاصر أو المجنون على أساس الخطأ
المفترض أو التقصير في الرقابة (راجع المادة .)174
وسألقي الضوء إجمالً على هذه المبادئ والنظريات والحكام التفصيلية المستمدة من الفقه السلمي،
تاركا الشرح لفقهاء القانون المدني الذين يبينون عادة منشأ هذه الحكام ،وموطن استمداد المشرع لها.
- 3نظرية التعسف في استعمال الحق :
ليس حق الملكية حقا مطلقا ،وإنما هو مقيد بعدم إلحاق الضرر بالغير ،فإذا ترتب على استعمال الحق
إحداث ضرر بالغير نتيجة إساءة استعمال هذا الحق ،كان محدث الضرر مسؤولً.
ونص القانون المدني السوري على هذا المبدأ في المادتين (« )6 ،5من استعمل حقه استعمالً
مشروعا ل يكون مسؤولً عما ينشأ عن ذلك من ضرر» (م .)5
يكون استعمال الحق غير مشروع في الحوال التية:
« أ ـ إذا لم يقصد به سوى الضرار بالغير.
-------------------------------
( )1الوسيط للسنهوري :ص ،63النظرية العامة لللتزام للدكتور وحيد سوار.70/2 :
( )4/712
ب ـ إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الهمية ،بحيث ل تتناسب البتة مع ما يصيب
الغير من ضرر» .
ج ـ إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة (م )6وقد حرص واضعو القانون ـ
لدى صياغة النص الذي أورد في هذه النظرية ـ على الستفادة من القواعد التي استقرت في الفقه
السلمي ( )1ومن أهمها« :تصرف النسان في خالص حقه إنما يصح إذا لم يتضرر به غيره» فهذه
القاعدة أساس واضح لنظرية منع التعسف في استعمال الحق ،وهي القاعدة المنظمة لحقوق الجوار (
. )2
أما نص المادة ( )5فمأخوذ من المبدأ المقرر في الشريعة المعبر عنه في القاعدة الفقهية الكلية القائلة:
( الجواز الشرعي ينافي الضمان ) أي أن الفعل المباح شرعا ل يستوجب الضمان أو تعويض
الضرر الذي قد يحدث.
وأما نص المادة ( )6فمستمد من حيث المبدأ من الحديث النبوي المتقدم« :ل ضرر ول ضرار في
السلم» الذي يقضي بمنع الضرر في حالتين:
الولى ـ استعمال الحق بقصد الضرار.
الثانية ـ أن يترتب على استعمال الحق المشروع إضرار الخرين ،سواء أكان الستعمال على وجه
معتاد ،أم على غير الوجه المعتاد.
وفي كلتا الحالتين توجب قواعد السلم إزالة الضرر عينا ،سواء أكان ماديا أم معنويا؛ لن الراجح
أن المنافع أموال متقومة ،فإن تعذر ذلك يجب الحكم بتعويض مالي عادل لرفع آثار الضرر ومنع
بقائه أو تجدده في المستقبل.
-------------------------------
( )1الوسيط للسنهوري ،836/1 :النظرية العامة لللتزام للدكتور سوار :ص ،96الحقوق العينية
الصلية للدكتور سوار :ص .311
( )2راجع تطبيقات القاعدة في نظرية الضمان للمؤلف :ص .207
( )4/713
ويلحظ أن القانون قصر التعسف على حالت الستعمال غيرالمشروع (. )1
أما الحالة الولى قانونا فتقابل الحالة الولى المفهومة من الحديث ،والحالة الثانية تقابل الحالة الثانية
المأخوذة من الحديث ،وتتفق مع ما أخذت به المجلة (المادة )20 ،19ويقتضيه الستحسان الفقهي.
وأما الحالة الثالثة في القانون فهي مستقاة من مجموع ما تقرره المذاهب السلمية وتقتضيه روح
التشريع السلمي في محاربة العمال غير المشروعة ،أو المعاصي والمنكرات الضارة بمصلحة
المجتمع ،وأنه يتحمل الضرر الخاص لمنع الضرر العام ونحو ذلك من كل ما يجعل للحق صلة
اجتماعية في السلم.
وقد ذكرت المادة ( )1199من المجلة مبدأ نظرية التعسف :ل يمنع أحد من التصرف في ملكه أبدا إل
إذا كان ضرره لغيره فاحشا ،كما يأتي تفصيله في الفصل الثان وفي هذا الفصل وضع معيار الضرر
الفاحش (في المادة )1199وفي المادة ( )1200ذكرت أمثلة عديدة عن الضرار.
-------------------------------
( )1راجع كتابنا نظرية الضمان :ص 53ومابعدها.
( )4/714
( )4/715
الحوادث الطارئة وقت هذا التنفيذ تقابل نظريتي الستغلل والذعان وقت تكوين العقد.
أخذ القانون المدني بهذه النظرية استنادا إلى نظرية الضرورة في الشريعة السلمية ،وهي ـ كما
قال الدكتور السنهوري ( )1ـ نظرية فسيحة المدى ،خصبة النتائج ،تتسع لنظرية الظروف الطارئة؛
لن الضرورة توجب إزالة الضرر ،ولها تطبيقات كثيرة منها نظرية العذر في فسخ اليجار ،وإنقاص
الثمن بسبب الجوائح في بيع الثمار.
أما فسخ الجارة بالعذار ،فقد أجازه فقهاء الحنفية كما تقدم ،فقالوا :تفسخ الجارة بالعذار؛ لن
الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر؛ لنه لو لزم العقد عند تحقق العذر للزم صاحب العذر ضرر لم
يلتزمه بالعقد .والعذر :هو كل ما يكون أمرا عارضا ،يتضرر به العاقد في نفسه أو ماله مع بقاء
العقد ،ول يندفع بدون الفسخ .والعذار ثلثة أنواع (: )2
أ ـ عذر من جانب المستأجر :كإفلسه أو انتقاله من حرفة إلى أخرى؛ لن المفلس أو المنتقل من
عمل ل ينتفع به إل بضرر ،فل يجبر على البقاء في الحرفة الولى مثلً.
ب ـ عذر من جانب المؤجر :كأن يلحقه دين فادح ل يجد طريقا لوفائه إل ببيع الشيء المأجور
وأدائه من ثمنه ،بشرط أن يثبت الدين بالبينة أو القرار.
ج ـ عذر راجع للعين المؤجرة أو الشيء المأجور :كأن يستأجر شخص حماما في قرية ليستغله مدة
معلومة ،ثم يهاجر أهل القرية ،فل يجب عليه الجر للمؤجر .ومثل استئجار مرضع لرضاع طفل،
ثم يأبى الصبي لبنها ،أو إمساك الثدي ،أو تمرض هي ،أو يريد أهل الصبي السفر ،فامتنعت ،كان هذا
عذرا في فسخ الجارة.
وأما إنقاص الثمن بسبب الجوائح ( )3في بيع الثمار :فقد قرره فقهاء المالكية والحنابلة ( )4؛ لن
«النبي صلّى ال عليه وسلم وضع الجوائح» أو «أمر بوضع الجوائح» وفي رواية« :إن بعت من
أخيك تمرا فأصابتها جائحة ،فل يحل لك أن تأخذ منه شيئا ،بم تأخذ مال أخيك بغير حق» (. )5
ومجمل القول :إن فسخ الجارة بالعذار ،وإنقاص الثمن بالجوائح في بيع الثمار ونحوهما من
الحوادث الطارئة عند فقهاء السلم مثل كساد الوراق النقدية ،أو انقطاعها المستوجب لبطلن البيع،
تعتبر أمثلة حية لنظرية الظروف الطارئة في الفقه السلمي ،تطبيقا لمبدأ العدالة ،ومراعاة لما يجب
من توفر التعادل والتوازن في اللتزامات وتنفيذها (. )6
-------------------------------
( )1الوسيط :ص ،81 ،47نظرية العقد ،969/1 :مصادر الحق ،96/6 :مجلة القانون والقتصاد
عام ،1936السنة السادسة ،للسنهوري.
( )2المبسوط للسرخسي ،16/2:مختصر الطحاوي :ص ،130البدائع ،197/4 :الفتاوى الهندية:
،463 ،458 ،198/4تبيين الحقائق ،145/5 :رد المحتار.55/5 :
( )3الجوائح :ي الفات التي تصيب الثمار ،فتهلكها ،مثل البرد والقحط والعطش والعفن وأمراض
النباتات والزرع ونحوها من الفات السماوية.
( )4بداية المجتهد ،184/2 :القوانين الفقهية :ص ،262المنتقى على الموطأ ،231/4 :الشرح الكبير
للدردير ، :المغني ،104/4 :أعلم الموقعين 337/2 :ومابعدها.
( )5الحديث الول رواه أحمد والنسائي وأبو داود عن جابر ،والمر بوضع الجوائح رواية مسلم،
والرواية الثالثة عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه (نيل الوطار ،178/5 :موطأ مالك:
،126/3سنن أبي داود .)248/2 :
( )6كتابنا نظرية الضرورة الشرعية :ص .324
( )4/716
( )4/717
ليحمله على الوفاء بالتزامه .ول يجوز للدائن أن يمارس شيئا من هذه الضغوط على المدين بسلطته
الشخصية وإنما من طريق القضاء (. )1
والتقنين المدني المصري والسوري وقف موقف العتدال في النظرية الشخصية والنظرية المادية
لللتزام ،فلم يغرق في الخذ بالمذهب المادي ،ولكنه من جهة أخرى سجل ما تم فعلً من تطور نحو
هذا المذهب بحكم تأثر النظريات اللتينية بالنظريات الجرمانية ( . )2وهذا هو اتجاه الفقه السلمي.
وحوالة الدين عند فقهاء الحنفية :هي نقل المطالبة من ذمة المدين إلى ذمةالملتزم ( . )3وعرفها غير
فقهاء الحنفية بأنها عقد يقتضي نقل دين من ذمة إلى ذمة ( . )4فالحوالة عند الحنفية يترتب عليها
براءة مؤقتة من الدين ،ويجوز للمحال العودة إلى مطالبة المحيل بالدين في حال إفلس المحال عليه
في رأي صاحبي أبي حنيفة ،أوفي حال موت المحال عليه مفلسا ،أوعند جحوده أو إنكاره الحوالة.
وعند غير الحنفية يبرأ المحيل براءة نهائية بالحوالة ،إل إذا وجد تغرير كالحالة على مفلس ،فيجوز
عند المالكية الرجوع على المحيل .كما يجوز الرجوع عندهم حال اشتراط يسار المحال عليه.
وتنعقد الحوالة عند الحنفية :بإيجاب وقبول ،إيجاب من المحيل ،وقبول من المحال والمحال عليه ،أي
أنه ل بد من رضا المحيل والمحال عليه .أما رضا المحيل فمطلوب؛ لن ذوي المروءات قد يأنفون
بتحمل غيرهم ما عليهم من الدين .وأما رضا المحال فل بد منه ،لن الدين حقه ،وهو في ذمة
-------------------------------
( )1المدخل إلى نظرية اللتزام في الفقه السلمي للستاذ الزرقاء :ص /55ف .28
( )2الوسيط للسنهوري :ص .28
( )3فتح القدير مع العناية ،443/5 :الدر المختار ،300/4 :مجمع الضمانات :ص .282
( )4الشرح الكبير للدردير ،325/3 :مغني المحتاج ،193/2 :المغني.528/4 :
( )4/718
المحيل ،والدين هو الذي ينتقل بالحوالة ،والذمم متفاوتة في حسن القضاء والمطل ،فل بد من رضاه،
وإل لزم الضرر بإلزامه اتباع من ل يوفيه.
وأما رضا المحال عليه فضروري لنه الذي يلزمه الدين ،ول لزوم إل بالتزامه ،وكونه مدينا ل يمنع
من تغير صفة اللتزام؛ لن الناس يتفاوتون في اقتضاء الدين سهولة ويسرا ،أو صعوبة وعسرا.
وقال الحنابلة والظاهرية :يشترط رضا المحيل فقط ،وأما المحال والمحال عليه فيلزمهما قبول
ل بالمر الوارد في الحديث النبوي المفيد للوجوب ،وهو قوله عليه الصلة والسلم:
الحوالة ،عم ً
«مطل الغني ظلم ،وإذا اتبع أحدكم على مليء فليتْبَع» ( )1وفي رواية« :ومن أحيل على مليء
فليحتل» .
وقال المالكية في المشهور عندهم ،والشافعية في الصح عندهم :يشترط لصحة الحوالة رضا المحيل
والمحال فقط؛ لن للمحيل إيفاء الحق من حيث شاء ،فل يلزم بجهة معينة .وحق المحال في ذمة
المحيل ،فل ينتقل إل برضاه؛ لن الذمم تتفاوت في الداء والقضاء.
وليشترط عند هؤلء رضا المحال عليه ،لنه محل الحق والتصرف ،ولن الحق للمحيل فله أن
يستوفيه بغيره ،والمر هو مجرد تفويض بالقبض فل يعتبر رضا من عليه ،كما لو وكل إنسان غيره
بقبض دينه (. )2
والخلصة :أن رضا المحيل مشروط في كل المذاهب ،وأما رضا المحال والمحال عليه ،ففيه اختلف
اجتهادي بين المذاهب.
-------------------------------
( )1المطل بالدين :المماطلة به ،والمليء :الغني ،وأصله الواسع الطويل ،والحديث رواه الجماعة عن
أبي هريرة .والرواية الثانية «فليحتل» عند أحمد (نيل الوطار.)236/5:
( )2سيأتي تفصيل القول في بحث الحوالة.
( )4/719
نوعا الحوالة :الحوالة نوعان متميزان بحسب صفة المحيل ،فإن كان المحيل هو الدائن فهي حوالة
حق ،وإن كان المحيل هو المدين فهي حوالة دين.
حوالة الحق :هي نقل الحق من دائن إلى دائن ،أو حلول دائن محل دائن بالنسبة للمدين .فإذا تبدل
دائن بدائن في حق مالي متعلق بالذمة ،ل بعين ،كانت الحوالة حوالة حق .والدائن فيها هو المحيل ،إذ
هو يحيل غيره ليستوفي حقه.
وحوالة الدين :هي تبدل المدين بالنسبة للدائن أي تبدل مدين بمدين ،والمحيل فيها هو المدين ،إذ هو
إنما يحيل على غيره لوفاء دينه ،وهي مشروعة باتفاق العلماء ،عملً بالحديث النبوي المار ذكره.
وحوالة الحق جائزة أيضا باتفاق المذاهب الربعة ،وليس فقط عند غير الحنفية ،كما فهم بعض أساتذة
القانون والشريعة ( )1؛ لن حوالة الدين عند الحنفية والشيعة نوعان :مطلقة ومقيدة .وأما غير
الحنفية فلم يتصوروا غير الحوالة المقيدة.
أما الحوالة المطلقة :فهي أن يحيل شخص غيره بالدين على فلن ،ول يقيده بالدين الذي عليه ،ويقبل
المحال عليه .نصت المادة ( )679من المجلة على ذلك بقولها« :الحوالة المطلقة :هي التي لم تقيد بأن
تعطى من مال المحيل الذي هو عند المحال عليه» .
وأما الحوالة المقيدة :فهي أن يحيل شخص غيره على آخر ،ليستوفي منه دينه ،ويقيده بالدين الذي له
عليه .جاء في المادة ( )678من المجلة« :الحوالة المقيدة :هي الحوالة التي قيدت بأن تعطى من مال
المحيل الذي هو في ذمة المحال عليه ،و في يده» .
والحوالة المقيدة المشروعة باتفاق الفقهاء تتضمن حوالة حق ،إذ يكون النسان فيها مدينا لشخص،
ودائنا لخر ،فيحيل دائنه على مدينه ليقبض ذلك الدائن المحال دين المحيل من مدينه المحال عليه،
فهي حوالة حق ودين في وقت واحد.
-------------------------------
( )1انظر الوسيط للسنهوري :ص .64 ،61
( )4/720
أما الحوالة المطلقة فهي حوالة دين فقط ،إذ يحيل بها المدين دائنه على آخر ،فيتبدل فيها المدين،
ويبقى الدائن هو نفسه.
ومن صور حوالة الحق ضمن الحوالة المقيدة :أن يحيل البائع دائنه على المشتري بالثمن ،ويحيل
المرتهن على الراهن بالدين ،وتحيل الزوجة على زوجها بالمهر .ويحيل صاحب الحق في ريع
الوقف دائنه على ناظر الوقف في حقه من الغلة بعد حصولها في يد الناظر .ويحيل الغانم حقه من
الغنيمة المحرزة على المام .ففي كل هذه المثلة حل دائن جديد ـ وهو المحال ـ محل الدائن
الصلي ،وهو البائع ،أو المرتهن ،أو الزوجة ،أو مستحق غلة الوقف ،أو الغانم.
هذا ويرجع في أحكام الحوالة الخرى من أهلية وتنظيم علقات أطراف الحوالة إلى كتب الفقه
السلمي ،فهي غنية بالمراد.
- 6ل تركة إل بعد سداد الدين :
وضع التقنين المدني السوري وأصله المصري نظاما لتصفية التركة مؤلفا من ( )39مادة (المواد
)875-836مستمدا من أحكام الفقه السلمي ( ، )1حتى يتسلم الورثة تركة المتوفى خالية من
الديون ،ما دامت التركة لتنتقل إليهم إل بعد سدادها (. )2
وأصل هذه القاعدة الول ما تضمنته آيات المواريث في أربعة مواطن في اليتين ( )12-11من
سورة النساء{ :مِنْ َبعْد َوصِيَةٍ يُوصِي بِها أوْ دَيْن} أي أن توزيع الرث بين المستحقين على النحو
الذي وضعه القرآن الكريم يكون عقب إيفاء الديون المتعلقة بالتركة ،وتنفيذ الوصايا المشروعة.
-------------------------------
( )1الوسيط للسنهوري :ص ،62مصادر الحق للسنهوري.87/5 :
( )2ونص قانون الحوال الشخصية السوري الجديد على نظام المواريث في المواد .308-260
( )4/721
وقد رتب الفقهاء الحقوق المتعلقة بالتركة على النحو التالي (: )1
- 1نفقات التكفين والتجهيز للدفن بل تبذير ول تقتير.
- 2قضاء ديون المدين من جميع مال التركة.
- 3تنفيذ الوصايا الموصى بها قبل الموت من ثلث التركة.
- 4توزيع الباقي من المال بين الورثة الذين ثبت إرثهم بالقرآن والسنة وإجماع المة.
أما قانون الحوال الشخصية السوري ،فإنه عدل عن هذا الترتيب إلى ما ذهب إليه المام أحمد بن
حنبل والظاهرية وجماعة كما نصت المادة (:)262
- 1يؤدى من التركة بحسب الترتيب التي:
أ ـ ما يكفي لتجهيز الميت ومن تلزمه نفقته من الموت إلى الدفن بالقدر المشروع.
ب ـ ديون الميت.
جـ ـ الوصية الواجبة.
د ـ الوصية الختيارية.
هـ ـ المواريث بحسب ترتيبها في هذا القانون.
- 2إذا لم توجد ورثة قضي من التركة بالترتيب التي:
أ ـ استحقاق من أقر له الميت بنسب على غيره.
ب ـ ما أوصي به فيما زاد على الحد الذي تنفذ فيه الوصية.
- 3إذا لم يوجد أحد من هؤلء آلت التركة ،أو ما بقي منها إلى الخزانة العامة ،وبما أن قانون
الحوال الشخصية هو المعمول به في سورية ،فتطبق على التركة أحكام الشريعة السلمية فيما
يتعلق بتعيين الورثة ،وتقدير أنصبتهم ،وبيان وقت انتقال التركة إلى الورثة .وقد أخذ التقنين المدني
فيما نص عليه بالمبادئ الساسية المعمول بها في الفقه السلمي في مذاهبه المختلفة وذلك في انتقال
أموال التركة إلى الورثة ،وفي حق الورثة في التصرف في هذه الموال ،وفي حقوق الدائنين المتعلقة
بالتركة وكيفية سداد الديون ،فنصت المادة ( )836من القانون المدني على ذلك« :أ ـ تعيين الورثة
وتحديد أنصبائهم في الرث وانتقال أموال التركة إليهم تسري في شأنها أحكام الشريعة السلمية
والقوانين الصادرة في شأن الرث والنتقال» .
لكن متى يتم انتقال التركة إلى الورثة؟ هل يكون وقت موت المورث ،أو تبقى التركة على ملك الميت
حتى تسدد الديون؟
-------------------------------
( )1شرح السراجية :ص ،7-3نظام المواريث للشيخ عبد العظيم فياض :ص 38ومابعدها ،أحكام
المواريث للشيخ عيسوي :ص 11ومابعدها.
( )4/722
أخذ التقنين المدني بالمبدأ الفقهي السلمي الذي يقرر أن أموال التركة تنتقل إلى الورثة بمجرد موت
المورث ،مع تعلق حقوق الدائنين بها ،فتنتقل هذه الموال مثقلة بحق عيني هو أقرب إلى أن يكون
حق رهن ،ولكنه رهن مصدره القانون ( . )1وهذا هو مذهب الشافعية.
وللفقهاء آراء ثلثة في هذا الموضوع أي تحديد وقت انتقال التركة إلى الورثة أو بيان المراد من ( ل
تركة إل بعد سداد الدين ).
الرأي الول للمالكية :تبقى أموال التركة على ملك الميت بعد موته إلى أن يسدد الدين ،سواء أكان
الدين مستغرقا للتركة ،أم لم يكن مستغرقا لها ،عملً بقوله تعالى{ :من بعد وصية يوصي بها أو دين}
[النساء .]11/4:وعليه يكون نماء أعيان التركة بزيادتها المتولدة منها ملكا للميت ،كما أن نفقات أعيان
التركة من حفظ وصيانة ومصروفات حمل ونقل وطعام حيوان تكون على التركة.
الرأي الثاني للشافعية ،والحنابلة ( في أشهر الروايتين) :تنتقل أموال التركة إلى ملك الورثة فورا
بموت المورث ،مع تعلق الدين بها ،كما يتعلق الرهن ،سواء أكان الدين مستغرقا للتركة أم غير
مستغرق لها .وعليه يكون نماء أعيان التركة للورثة ،وعليهم ما تحتاجه من نفقات ،عملً بالحديث
النبوي« :من ترك مالً أو حقا فلورثته» .
الرأي الثالث للحنفية :يميز بين ما إذا كانت مستغرقة بالدين ،أو كانت غير مستغرقة (أي محاطة)
بالدين .فإذا استغرق الدين أموال التركة ،تبقى أموال التركة على ملك الميت ،ول تنتقل إلى ملك
الورثة .وأما إن كان الدين غير مستغرق ،فالرأي الراجح أن أموال التركة تنتقل إلى الورثة بمجرد
موت المورث مع تعلق الدين بهذه الموال.
فالحتمال الول من مذهب الحنفية يوافق مذهب المالكية ،والحتمال الثاني يوافق مذهبي الشافعية
والحنابلة.
-------------------------------
( )1مصادر الحق للسنهوري ،88/5 :ط ثالثة.
( )4/723
وأما تصرف الورثة في أعيان التركة قبل سداد الدين :فإنه يجوز في القانون المدني ،ولكن التصرف
خاضع لحقوق الدائنين ،فلهم تتبع العين المتصرف فيها في يد الغير ،بعد تأشيرهم بالدين أمام اسم
المورث في سجل عام تدون فيه أسماء المورثين ،وإخضاع التركة لنظام التصفية المنصوص عليه في
القانون ،يقوم مقام التأشير بالدين.
وللفقهاء آراء في تصرف الورثة:
قال الحنفية والشافعية ،والمالكية (في رأي عندهم) :يكون تصرف الوارث في أموال التركة المدينة
باطلً .والرأي الثاني عند المالكية يجيز تصرف الوارث في التركة المدينة قبل أداء الدين إذا لم
يتضرر الدائن به.
وقال الحنابلة (في أشهر الروايتين) :يصح تصرف الورثة في التركة قبل سداد الدين ،ولزمهم أداء
الدين ،فإن أدوه نفذ ،وإن لم يؤدوه فسخ.
بيان بعض الحكام المأخوذة من الفقه السلمي :
أخذ التقنين المدني السوري والمصري طائفة من الحكام من الفقه السلمي ،دون تقيد بمذهب معين،
وهذا صنيع حسن ،إذ الخذ بأي مذهب إسلمي أفضل بكثير من أخذه من أي مصدر أجنبي .وسأذكر
بعض هذه الحكام:
أولً ـ في عقد البيع :
وردت أحكام كثيرة في تنظيم عقد البيع في التقنين المدني مستمدة من الفقه السلمي ،منها- 1 :
أحكام مجلس العقد :
نصت المادة ( )95على ما يلي - 1« :إذا صدر اليجاب في مجلس العقد ،دون أن يعين ميعاد
للقبول ،فإن الموجب يتحلل من إيجابه إذا لم يصدر القبول فورا ،وكذلك الحال إذا صدر اليجاب من
شخص إلى آخر بطريق التلفون أو بأي طريق مماثل.
- 2ومع ذلك يتم العقد ،ولو لم يصدر القبول فورا ،إذا لم يوجد ما يدل على أن الموجب قد عدل عن
إيجابه في الفترة ما بين اليجاب والقبول ،وكان القبول قد صدرقبل أن ينفض مجلس العقد» .
( )4/724
دلت هذه المادة على أحكام تتعلق بمجلس العقد :وهي جواز الرجوع عن اليجاب الموجه قبل صدور
القبول الفوري من القابل .ول يشترط القبول الفوري ،وإنما يكفي حدوثه ما دام مجلس العقد قائما بأن
لم يحدث إعراض عنه أو انشغال بغيره .وهذه الحكام تتفق مع ما عرفناه من مذهب الحنفية في
تكوين العقد.
قال الدكتور السنهوري :ول شك في أن الوضع على هذا الساس المستمد من الشريعة السلمية قد
أصبح وضعا عمليا معقولً ،ولم تعد الفورية في القبول لزمة ،بل يجوز فيه التراخي مدة معقولة ل
ينشغل فيها المتعاقدان بغير العقد ،ويبقى فيها الموجب على إيجابه .وهذا هو في نظرنا خير تفسير
لقواعد الفقه السلمي في مجلس العقد (. )1
- 2البيع بالصفة أو بالعينة (النموذج ) :
أجاز القانون المدني البيع بالصفة ،إذا ذكرت أوصاف المبيع الساسية ،فنصت المادة ( )387على ما
يلي - 1« :يجب أن يكون المشتري عالما بالمبيع علماَ كافيا .ويعتبر العلم كافيا إذا اشتمل العقد على
بيان المبيع وأوصافه الساسية بيانا يمكن من تعرفه» .ونصت المادة ( )388على جواز البيع
بالنموذج« :إذا كان البيع (بالعينة) وجب أن يكون المبيع مطابقا لها» .
وهذا مأخوذ من الفقه السلمي الذي يشترط أن يكون محل العقد معروفا لطرفيه ومعينا ،بحيث ل
يكون فيه جهالة تؤدي إلى الغرر والنزاع بين المتعاقدين .وهذا شرط متفق عليه بين الفقهاء (. )2
وتحصل المعرفة برؤية المبيع حال العقد ،أو رؤية بعضه (رؤية النموذج) أو بيان أوصافه الساسية.
وقد أجاز البيع بالصفة فقهاء الحنفية والمالكية ،والشافعية (في الظهر) والظاهرية ،والزيدية والمامية
وفي قول عند الباضية (. )3
جاء في المادة ( )320من المجلة« :من اشترى شيئا ولم يره ،كان له الخيار إلى أن يراه ،فإذا رآه:
إن شاء قبله ،وإن شاء فسخ البيع ،ويقال لهذا الخيار :خيار الرؤية» .
-------------------------------
( )1الوسيط للسنهوري :ص .215
( )2الموال ونظرية العقد في الفقه لستاذنا الدكتور محمد يوسف موسى :ص 311ومابعدها.
( )3سيأتي مزيد بحث لذاك في عقد البيع.
( )4/725
وفي المادة (« : )324الشياء التي تباع على مقتضى أنموذجها تكفي رؤية النموذج منها فقط» .
ويثبت للمشتري عند فقهائنا حق خيار الوصف بعد رؤية المبيع ،فإن شاء أنفذ
البيع ،وإن شاء رده ،سواء أكان موافقا للصفة أم ل ،وهذا ل يتفق مع القانون .وقال المالكية ورأيهم
هو المتفق مع القانون ( : )1إذا جاء المبيع على الصفة صار العقد لزما .لكن القانون على الرغم من
محاولته التوفيق بين خيار الرؤية المقرر في الشريعة وبين مبادئ القانون العامة ،فقد خالف الفقه
الحنفي في الكتفاء بوصف المبيع وصفا كافيا ،وفي إسقاط حق المشتري إذا ذكر أنه عالم بالمبيع،
وفي حصر حق المشتري بإبطال البيع عن طريق القاضي ،ل فسخه بدون تقاض أو تراض.
- 3تبعة هلك المبيع :
يتحمل البائع تبعة هلك المبيع إذا كان الهلك بسبب أجنبي ل يد للبائع فيه .وينفسخ البيع حالة الهلك
الكلي .ويجوز للمشتري طلب فسخ البيع حالة الهلك الجزئي .وهذا هو المنصوص عليه في المادتين
( )406 ،405من القانون المدني.
نصت المادة ( )405على ما يلي« :إذا هلك المبيع قبل التسليم لسبب ل يد للبائع فيه ،انفسخ البيع،
واسترد المشتري الثمن إل إذا كان الهلك بعد إعذار المشتري لتسلم المبيع» .
ونص المادة ( )406هو« :إذا نقصت قيمة المبيع قبل التسلم لتلف أصابه ،جاز للمشتري إما أن يطلب
فسخ البيع إذا كان النقص جسيما بحيث لو طرأ قبل العقد لما تم البيع ،وإما أن يبقى البيع مع إنقاص
الثمن» .
وهذه الحكام في جملتها مستقاة من الفقه السلمي ،فقد قرر فقهاء الحنفية أن المبيع إذا هلك كله أو
بعضه قبل التسليم ،فإن البائع (أي المدين) الذي استحال
-------------------------------
( )1قال فقهاء القانون :البيع بالعينة :هو بيع بات من الوقت الذي اتفق فيه المتعاقدان على النموذج
الذي تم البيع على أساسه ،راجع العقود المسماة للدكتور عبد المنعم البدراوي :ص ،161ط أولى.
( )4/726
عليه الوفاء بالتزامه بالتسليم هو الذي يتحمل تبعة الهلك ،وينفسخ البيع في حالة الهلك الكلي أو فيما
يقابل الجزء التالف في حالة الهلك الجزئي .وقد نصت على ذلك المادة ( )392من مجلة الحكام
العدلية ونصها« :المبيع إذا هلك في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري يكون من مال البائع ول شيء
على المشتري» .
وإذا كان ذلك هو المقرر في عقد البيع ،وهو أيضا المقرر في عقد اليجار بأن الهلك على المدين
(المؤجر في إجارة المنافع ،والجير في إجارة العمال) ،فإن الفقه السلمي يكون قد أخذ بنظرية
تحمل التبعة المعروفة لدى القانونيين (. )1
- 4حق البائع في حبس المبيع :
أجاز القانون المدني للبائع أن يمتنع عن تسليم المبيع إلى المشتري ،على الرغم من حلول أجله ،إذا لم
يقم المشتري بدفع الثمن كله أو بعضه ،وذلك هو الحق في حبس المبيع ،نصت المادة ( )427على
ذلك فيما يأتي« :إذا كان الثمن كله أو بعضه مستحق الدفع في الحال ،فللبائع أن يحبس المبيع حتى
يستوفي ما هو مستحق له ،ولو قدم المشتري رهنا أو كفالة ،هذا ما لم يمنح البائع المشتري أجلً بعد
البيع» .
وإعطاء البائع حق الحبس مبدأ مقرر في الفقه السلمي ،قال الحنفية :يثبت للبائع حق حبس المبيع
عن المشتري إلى أن يستوفي ما وجب تعجيله ،سواء أكان كل الثمن أم بعضه .ول يسقط حق الحبس
حتى ولو قدم المشتري رهنا أو كفيلً بالثمن (. )2
-------------------------------
( )1راجع رسالة (نظرية تحمل التبعة في الفقه السلمي) للدكتور زكي عبد البر :ص 144
ومابعدها ،وكتابنا نظرية الضمان :ص ،169 ،165 ،148العقود المسماة للدكتور 422/1البدراوي:
ومابعدها.
( )2المبسوط ،192/13:البدائع ،249/5 :رد المحتار ،44/4 :عقد البيع للستاذ الزرقاء :ص ،77
العقود المسماة للبدراوي.420/1 :
( )4/727
وذكرت المجلة المواد المتعلقة بحبس المبيع (من ،)284-278نصت المادة ( )278على ما يلي:
«في البيع بالثمن الحال أعني غير المؤجل ،للبائع أن يحبس المبيع إلى أن يؤدي المشتري جميع
الثمن» .
- 5الغبن في بيع عقار القاصر :
إذا اشتمل بيع عقار لغير كامل الهلية بسبب الصغر أو الجنون مثلً على غبن فاحش يزيد على
الخمس ،جاز للبائع طلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل ،بأن صدر البيع من ناقص الهلية
نفسه ( ، )1وهذا نص المادة ( 393مدني):
« -1إذا بيع عقار مملوك لشخص ل تتوافر فيه الهلية وكان في البيع غبن يزيد على الخمس،
فللبائع أن يطلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل.
- 2ويجب لتقدير ما إذا كان الغبن يزيد على الخمس أن يقوّم العقار بحسب قيمته وقت البيع» .
أخذ هذا الحكم من الفقه السلمي ( ، )2فقد أجاز فقهاء الحنفية فسخ البيع بسبب الغبن الفاحش وحده
بدون أن ينضم إليه تغرير ،وذلك في أحوال هي« :حقوق اليتيم والوقف ،وبيت المال» .
وضابط التمييز بين الغبن اليسير أو القليل وبين الغبن الفاحش أو الكثير هو أن الغبن اليسير :ما يدخل
تحت تقويم المقومين .والغبن الفاحش :هو ما ل يدخل تحت تقويم المقومين (. )3
لكن المادة ( )165من المجلة قدرت الغبن بما يأتي ،وهو رأي متأخري فقهاء الحنفية« :الغبن الفاحش
غبن على قدر نصف العشر في العروض ،والعشر في الحيوانات ،والخمس في العقار أو زيادة» .
ول مانع فقها من تقدير الغبن الفاحش بما أخذ به القانون أي بما يزيد عن الخمس وهو
-------------------------------
( )1راجع العقود المسماة للدكتور البدراوي 218/1 :ومابعدها.
( )2الوسيط للسنهوري :ص .46
( )3البدائع.30/6 :
( )4/728
( )4/729
أما المادة ( )415فهي -1 « :يكون البائع ملزما بالضمان إذا لم يتوافر في المبيع وقت التسليم
الصفات التي كفل المشتري وجودها فيه ،أو إذا كان بالمبيع عيب ينقص من قيمته أو من نفعه بحسب
الغاية المقصودة مستفادة مما هو مبين في العقد ،أو مما هو ظاهر من طبيعة الشيء أو الغرض الذي
أعد له ،ويضمن البائع هذا العيب ،ولو لم يكن عالما بوجوده.
- 2ومع ذلك ل يضمن البائع العيوب التي كان المشتري يعرفها وقت البيع ،أو كان يستطيع أن
يتبينها بنفسه لو أنه فحص المبيع بعناية الرجل العادي ،إل إذا أثبت المشتري أن البائع قد أكد له خلو
المبيع من هذا العيب ،أو أثبت أن البائع قد تعمد إخفاء العيب غشا منه» .
وقد نصت المواد ( )355-336من مجلة الحكام العدلية على أحكام ضمان العيوب الخفية تحت
عنوان (خيار العيب) .أما المادة ( )336فهي « :البيع المطلق يقتضي سلمة المبيع من العيوب يعني
أن بيع المال بدون البراءة من العيوب وبل ذكر أنه معيب أو سالم ،يقتضي أن يكون المبيع سالما
خاليا من العيب» .
ونص المادة ( )337هو« :ما بيع بيعا مطلقا إذا ظهر به عيب قديم ،يكون المشتري مخيرا :إن شاء
رده ،وإن شاء قبله بثمنه المسمى ،وليس له أن يمسك المبيع ،ويأخذ ما نقصه العيب ،وهذا يقال له
خيار العيب» .
وأما المادة ( )407مدني التي تنص على مبدأ ضمان تعرض الغير في النتفاع فهي« :يضمن البائع
عدم التعرض للمشتري في النتفاع بالمبيع كله أو بعضه ،سواء كان التعرض من فعله هو ،أو من
فعل أجنبي يكون له وقت البيع حق على المبيع يحتج به على المشتري ويكون البائع ملزما بالضمان
ولو كان الجنبي قد ثبت حقه بعد البيع ،إذا كان هذا الحق قد آل إليه من البائع نفسه» .
ونصت المادة ( )408على التزام البائع المزدوج أي المكون من التزامين في حال استحقاق المبيع:
-------------------------------
( )1راجع العقود المسماة للدكتور البدراوي 433/1 :ومابعدها
( )4/730
الول :التزام الدفاع عن المشتري في الدعوى القائمة بينه وبين الغير .والثاني :التزامه بتعويض
المشتري إذا لم يمكن توقي الستحقاق .واللتزام بالضمان :التزام بعمل ،والصل أنه يجب تنفيذه عينا
ما دام التنفيذ العيني ممكنا .فإذا لم يمكن التنفيذ العيني لم يكن أمام البائع سوى التنفيذ بطريق
التعويض.
ثانيا ـ في عقد اليجار :
اقتبس التقنين المدني من الفقه السلمي أحكام بعض أنواع اليجار ،وبعض أحكام إجارة المنافع،
منها مايأتي:
- 1إيجار الراضي الزراعية :
ورد النص على إيجار الراضي الزراعية في المواد التالية ( )585-577حدد فيها التزامات المؤجر
بتسليم أدوات الزراعة لقامة المباني والتزام المستأجر لستغلل الرض طبقا لمقتضيات الستغلل
المألوف ،وبالقيام بإجراءات الصلح التي يقتضيها النتفاع المألوف بالرض المؤجرة وتحديد مدة
اليجار بالدورة الزراعية السنوية وبقاء المستأجر في العين المؤجرة عند انتهاء اليجار بسبب قاهر
حتى تنضج الغلة بالجر المناسب .وهذا النوع من العقود إجارة بالنقود في الذمة أو معينة.
وهي أحكام مقررة في الفقه السلمي ،وجاء النص على بعضها في المجلة ،نصت المادة ()524
مجلة على ضرورة تعيين نوع الزرع« :من استأجر أرضا ولم يعين ما يزرعه فيها ولم يعمم على أن
يزرع ما شاء ،فإجارته فاسدة ،ولكن لو عين قبل الفسخ ،ورضي الخر تنقلب إلى الصحة» .
ونصت المادة ( )525على الدورة الزراعية« :من استأجر أرضا على أن يزرعها ما شاء فله أن
يزرعها مكررا في ظرف السنة صيفيا وشتائيا» .
ونصت المادة ( )526على بقاء المستأجر في الرض بعد انتهاء العقد« :لو انقضت مدة اليجار قبل
إدراك الزرع فللمستأجر أن يبقى الزرع في الرض إلى إدراكه ،ويعطي أجرة المثل» .
- 2هلك الزرع في العين المؤجرة :
نصت المادة ( )583مدني على أن هلك الزرع يسوغ طلب إسقاط الجرة:
( )4/731
« -1إذا بذر المستأجر الرض ،ثم هلك الزرع كله قبل حصاده بسبب قوة قاهرة جاز للمستأجر أن
يطلب إسقاط الجرة.
- 2أما إذا لم يهلك إل بعض الزرع ،ولكن ترتب على الهلك نقص كبير في ريع الرض كان
للمستأجر أن يطلب إنقاص الجرة.
- 3وليس للمستأجر أن يطلب إسقاط الجرة أو إنقاصها إذا كان قد عوض عما أصابه من ضرر بما
عاد عليه من أرباح في مدة الجارة كلها أو بما حصل عليه من طريق التأمين أو من طريق آخر» .
وهذا النص تطبيق لثر القوة القاهرة (الفة السماوية) المبني على نظرية الضرورة الشرعية والذي
يترتب عليه سقوط اللتزام بدفع المقابل (الجرة أو الثمن) إذا تلف الشيء المعقود عليه .قال الحنفية:
إذا انقطع الماء عن الطاحون مدة شهر مثلً ،يسقط عن المستأجر أجر المدة ( ، )1وجاء في الحديث
النبوي« :أرأيت إن منع ال الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه» (. )2
- 3غرس الشجار في العين المؤجرة :
ورد النص على هذه القضية في المادة ( )559مستمدا من الفقه السلمي ،حيث تضمنت الفقرة
الولى إلزام المؤجر نفقة ما ترتب على البناء أو الغرس من تحسينات إذأ 0حدآ شلك بموافقته أي
المؤجر ،وتضمنت الفقرة الثانية ما يلي:
« - 2فإذا كانت تلك التحسينات قد استحدثت دون موافقة المؤجر ،كان له أيضا أن يطلب من
المستأجر إزالتها ،وله أن يطلب فوق ذلك تعويضا عن الضرر الذي يصيب العقار من هذه الزالة،
إن كان للتعويض مقتض» .
وهذا الحكم مقتبس من الفقه السلمي ،فقد ألزم فقهاء الحنفية المستأجر بعد انقضاء مدة اليجار بقلع
الغراس وتسليم الرض فارغة ( . )3وجاء في المادة
-------------------------------
( )1راجع كتابنا نظرية الظمان :ص ،164وكتابنا نظرية الضرورة الشرعية :ص 328ومابعدها.
( )2أخرجه البخاري ومسلم عن أنس بلفظ« :إذا منع ال الثمرة ،فبِمَ تستحل مال أخيك» (نيل
الوطار.)173/5 :
( )4/732
( )3اللباب في شرح الكتاب للميداني )531( .90/2 :من المجلة ما يؤيده« :لو أحدث المستأجر بناء
في العقار المأجور أو غرس شجرة ،فالجر مخير عند انقضاء مدة الجارة إن شاء قلع البناء
والشجرة ،وإن شاء أبقاهما ،وأعطى قيمتها كثيرة كانت أو قليلة» .ونصت المادة ( )532بعدها على
ضمان الضرر« :إزالة التراب والزبل الذي يتراكم في مدة الجارة والتطهير عنهما على المستأجر»
.
- 4المزارعة :
المزارعة عبارة عن عقد الزراعة ،ببعض الناتج ،وهو إجارة الرض ببعض ماخرج منها .وهو عقد
مقرر في الفقه السلمي ،أخذت منه أحكامه المعمول بها في القانون المدني (في المواد .)594-586
ونص المادة ( )586هو ما يلي« :يجوز أن تعطى الرض الزراعية والرض المغروسة بالشجار
مزارعة للمستأجر في مقابل أخذ المؤجر جزءا معينا من المحصول» .
قال الحنفية ( : )1يصح استئجار الرضين للزراعة على أي مدة كانت طالت أو قصرت ،لن المدة
إذا كانت معلومة كان قدر المنفعة فيها معلوما.
- 5انقضاء اليجار بموت المستأجر :
ورد النص على انتهاء عقد اليجار بالموت في المادة ( )568مدني ومابعدها:
« - 1ل ينتهي اليجار بموت المؤجر ول بموت المستأجر.
- 2ومع ذلك إذا مات المستأجرجاز لورثته أن يطلبوا إنهاء العقد إذا أثبتوا أنه بسبب موت مورثهم
أصبحت أعباء العقد أثقل من أن تتحملها مواردهم ،أو أصبح اليجار مجاوزا حدود حاجتهم .وفي هذه
الحالة يجب أن تراعى مواعيد التنبيه بالخلء المبينة في المادة ( ،)531وأن يكون طلب إنهاء العقد
في مدة ستة أشهر على الكثر من وقت موت المستأجر» .
ونص المادة ( )569هو« :إذا لم يعقد اليجار إل بسبب حرفة المستأجر أو لعتبارات أخرى تتعلق
بشخصه ثم مات ،جاز لورثته أو للمؤجر أن يطلبوا إنهاء العقد» .
-------------------------------
( )1اللباب في شرح الكتاب.88/2 :
( )4/733
دل النص على أنه ل ينتهي عقد اليجار بموت المؤجر أو المستأجر عملً بما قرره جمهور فقهاء
السلم غير الحنفية ،واستثنى النص حالتين ينقضي بهما اليجار بموت المستأجر وهما:
- 1حالة صيرورة أعباء العقد أثقل من أن تتحملها موارد ورثة المستأجر ،أو أن اليجار أصبح
يجاوز حدود حاجتهم.
- 2إذا كان اليجار قد عقد بسبب حرفة المستأجر كعيادة طبيب أو صيدلية.
ويمكن تسويغهما بما قرره الحنفية من انتهاء الجارة بموت أحد العاقدين.
- 6انتهاء اليجار للعذر :
أخذ المشرع المدني عن الفقه السلمي فكرة فسخ اليجار للعذر ،فنص في المادة ( )575على أنه:
« -1إذا كان اليجار معين المدة ،جاز لكل من المتعاقدين أن يطلب إنهاء العقد قبل انقضاء مدته إذا
جدّت ظروف خطيرة غير متوقعة من شأنها أن تجعل تنفيذ اليجار من مبدأ المر ،أو في أثناء
سريانه مرهقا ،على أن يراعي من يطلب إنهاء العقد مواعيد التنبيه بالخلء المبينة بالمادة (،)531
وعلى أن يعوض الطرف الخر تعويضا عادلً.
وهذا النص يشير إلى عذر خاص بالمستأجر ،أو المؤجر ،يجيز طلب فسخ اليجار بسبب العذر
بشرطين:
- 1أن تكون الجارة معينة المدة ،فإن لم تكن معينة جاز لي طرف إنهاؤها قبل نهاية أي فترة
دفعت أجرتها.
- 2أن يطرأ ظرف خطير من شأنه أن يجعل التنفيذ مرهقا لحد الطرفين ،كأن يترك المحامي الذي
استأجر مكتبا مهنته لمرض أو منع قانوني من ممارسة المهنة .أو تطرأ ظروف غير متوقعة تجعل
القيام ببناء التزم المؤجر بإقامته مرهقا له.
وقد عرفنا سابقا أن الحنفية أجازوا فسخ الجارة بالعذار ،وإن وقعت الجارة صحيحة لزمة (. )1
-------------------------------
( )1تحفة الفقهاء.533/2 :
( )4/734
( )4/735
- 2فإذا امتنع عن القيام بهذه الترميمات جاز للقاضي أن يأمر ببيع السفل .ويجوز في كل حال
لقاضي المور المستعجلة أن يأمر بإجراء الترميمات العاجلة» .ونصت المادة ( )415على التزام
صاحب السفل بإعادة بناء سفله إذا انهدم فإن امتنع جاز لصاحب العلو إعادة البناء على نفقة صاحبه،
ولصاحب العلو منع صاحب السفل من السكنى والنتفاع حتى يؤدي ما في ذمته .ومضمون هاتين
المادتين مستمد من الفقه السلمي (. )1
والقانون المدني بالضافة إلى المعايير الثلثة السابقة لبيان حد المشروعية في استعمال الحقوق
(التعسف في استعمال الحق م 5و )6أقر معيارا آخر لمضار الجوار غير المألوفة لبيان حد
المشروعية في استعمال حق الملكية ( )2ومنه حق العلو والسفل ،في المادة ( )776ونصها ما يأتي:
« -1على المالك أل يغلو في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار.
- 2وليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي ل يمكن تجنبها ،وإنما له أن
يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف ،على أن يراعى في ذلك العرف ،وطبيعة
العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى الخر ،والغرض الذي خصصت له ،ول يحول الترخيص
الصادر من الجهات المختصة دون استعمال هذا الحق» .وهذا النص تطبيق لنظرية التعسف ،وأقرب
إلى تكييف الفقه السلمي الذي اعتمد عليه القانون المدني في صياغة نظرية عامة للتعسف.
ونصت المجلة على مضار الجوار غير المألوفة في المواد ( )1212-1198ونص المادة ( )1198هو
ما يلي« :كل أحد له التعلي على حائط الملك وبناء ما يريد ،وليس لجاره منعه ما لم يكن ضرره
فاحشا» .وحددت المادة ( )1199الضرر الفاحش بقولها« :والضرر الفاحش :كل ما يمنع الحوائج
الصلية ،يعني المنفعة الصلية المقصودة من البناء كالسكنى ،أو يضر البناء أي يجلب عليه وهنا
ويكون سبب انهدامه» .
-------------------------------
( )1تحفة الفقهاء 314/2 :ومابعدها ،الموال ونظرية العقد ،يوسف موسى :ص .182
( )2الحقوق العينية الصلية للستاذ الدكتور وحيد سوار :ص 314ومابعدها.
( )4/736
وأما الحائط المشترك :فإن القانون المدني نص على أحكامه أثناء بيان أحوال الرتفاق القانوني،
فوضع قيودا على المالك في استعمال أجزاء أرضه ،ففي الحائط المشترك ليس لحد الجارين أن يفتح
فيه مطلت أو مناور؛ لن هذا يتعارض مع الغرض الذي أعد له الحائط ،وهو ستر كل من العقارين
اللذين يفصل بينهما .ويستعمل الحائط المشترك بحسب الغرض الذي أعد له ،وبالقدر الذي يحتمله
كالستناد المألوف عليه (انظر المادة ،974و 970وما بعدها).
وهذا كله من الفقه السلمي عملً بقاعدة« :الضرر يزال» ( )1نصت المادة ( )1202من المجلة
على ذلك فيما يأتي« :رؤية المحل الذي هو مقر النساء كصحن الدار أو المطبخ والبئر يعد ضررا
فاحشا ،فإذا أحدث رجل في داره شباكا أو بناءً مجددا وجعل له شباكا مطلً على المحل الذي هو مقر
نساء جاره الملصق أو الفاصل بينهما طريق ،فإنه يؤمر برفع الضرر ،ويصير ذلك الرجل مجبورا
لدفع هذا الضرر بصورة تمنع وقوع النظر إما ببناء حائط أو وضع طبلة (حاجز خشبي) ،لكن ليجبر
على سد الشباك بالكلية ،كما إذا عمل ساترا من الغصان التي يرى من بينها مقر نساء جاره ،فإنه
يؤمر بسد محلت النظر ،ول يجبر على هدمه ،وبناء حائط محله ،انظر المادة ( )22وهي
«الضرورات تقدر بقدرها» .
-------------------------------
( )1كتابنا نظرية الضمان :ص .205
( )4/737
( )4/738
لكن على الرغم من أن رسمية الهبة تتعلق بالنظام العام ،ويكون جزاؤها البطلن ،فقد اعتبر القانون
التنفيذ الختياري بديلً عاما عن الرسمية .نصت المادة ( )457على أنه« :إذا قام الواهب أو ورثته
مختارين بتنفيذ هبة باطلة لعيب في الشكل ،فل يجوز لهم أن يستردوه ما سلموه» ويتضح من هذا
النص أن التنفيذ الختياري للهبة من جانب الواهب أو ورثته يحقق النتيجة نفسها التي تحققها
الرسمية .وهذا يدل على أن القانون أوجد نوعا جديدا ذا صبغة عامة من الشكلية هو التنفيذ
الختياري ،وهو أكثر حماية للواهب من الرسمية .والتنفيذ الختياري يشمل هبة العقار وهبة المنقول،
غير أن المشرع القانوني قد نص على أهم تطبيقاته وأكثرها شيوعا في الحياة العملية ،وهو هبة
المنقول المادي التي تتم بالقبض أو الهبة اليدوية.
كذلك أجاز القانون (في المادة )456استثناء من اشتراط الرسمية أن تتم الهبة تحت ستار عقد من
عقود المعاوضة على سبيل الصورية ،فتصح الهبة المستترة دون حاجة لسند رسمي.
وأما موقف الفقهاء المسلمين من الجانب الشكلي للهبة ففيه اتجاهان:
التجاه الول ( )1ـ هو مذهب المالكية ،والحنابلة في غير المكيل والموزون :وهو يرى الكتفاء
بمبدأ الرضائية في الهبات ،فتصبح صحيحة ناقلة للملكية بمجرد قبول الموهوب له .أما القبض (أو
الحيازة) فهو شرط عند المالكية لتمام ولزوم الهبة ،فإن لم يحصل القبض لم تلزم الهبة ،وإن كانت
صحيحة.
-------------------------------
( )1سيأتي بحث الموضوع في عقد الهبة.
( )4/739
والتجاه الثاني -هو مذهب الحنفية والشافعية ،والمام أحمد في هبة المكيل والموزون :وهو يعنى
بشكل الهبة ،ول يرتّب على مجرد التراضي أثرا شرعيا ،والهبة وإن كانت تنعقد باليجاب والقبول،
فإنها ل تلزم الواهب ول تنقل الملكية إل بالقبض .أي أنه يعتبر التنفيذ الختياري من جانب الواهب
هو روح الهبة في هذا التجاه ،أما مجرد تلقي إرادة الطرفين فل ينشئ الهبة بمعناها الصحيح ،بل
مجرد وعد بالهبة ،ل يلزم الواهب .وإذا تم تنفيذ هذا الوعد اختيارا من جانب الواهب تقوم الهبة
وتنتج آثارها وأهمها انتقال الملكية إلى الموهوب له.
والدافع إلى هذا التجاه هو الحرص على احترام الطابع التبرعي للهبة الذي يجب أن يميزها عن
سائر التمليكات.
وأما الحكام الموضوعية للهبة التي تضمنها القانون المدني والتي استمدها من الفقه السلمي فهي
مايأتي:
- 1تعريف الهبة :الهبة عقد تصرّف بمقتضاه الواهب في مال له دون عوض (م )454وعرف
الفقهاء الهبة بقولهم :عقد يفيد التمليك بل عوض حال الحياة تطوعا.
لكن نصت الفقرة ( ) 2من هذه المادة على أنه يجوز للواهب دون أن يتجرد عن نيةالتبرع أن
يفرض على الموهوب له القيام بالتزام معين ،كإلزام الموهوب له أن يعوله حتى موته ،أو بأن يدفع له
إيرادا مرتبا مدى الحياة.
و نصت المادة ( )855من المجلة على أنه «تصح الهبة بشرط عوض »...لكن المام الشافعي يرى
أن اشتراط العوض صراحة يبطل العقد ،لنه شرط مخالف لمقتضاه.
- 2ركن الهبة :نصت المادة ( )455على أن الهبة تتم باليجاب والقبول .وعلى أنه ينوب ولي
القاصر عنه بقبول الهبة وبقبض الشيء الموهوب إذا كان الواهب هو ولي الموهوب أو وصيه.
( )4/740
وهذا هو المقرر ذاته في الفقه ،نصت المادة ( )837من المجلة على أنه «تنعقد الهبة باليجاب
والقبول وتتم بالقبض» .وذكر الفقهاء أن الولي ينوب مناب القاصر في القبض ،فلو وهب أحد
الولياء للصغير شيئا ،والمال في أيديهم صحت الهبة ،ويصيرون قابضين للصغير (. )1
- 3الشروط الموضوعية للهبة :
لم يورد القانون المدني شروطا خاصة بالهبة من حيث تلقي اليجاب والقبول ،فيجب تطبيق القواعد
العامة ،فيشترط الرضا لصحة العقد وتطبق القواعد العامة في أحكام عيوب الرضا ،وتتميز الهبة بأن
الغلط في الشخص يجعل الهبة قابلة للبطال.
كذلك يشترط في الواهب أن يكون كامل الهلية؛ لن الهبة من التصرفات الضارة بالواهب ضررا
محضا .أما الموهوب له فيكفي فيه أن يكون مميزا ،لن الهبة من التصرفات النافعة للموهوب له نفعا
محضا.
ويستطيع الولي أو الوصي أن يهبا للصغير وينوبا عنه في قبول الهبة وقبض الشيء الموهوب كما
تقدم (المادة .)2/455ول يستطيع الولي أن يتبرع بمال القاصر إل بإذن القاضي بعد تحقق المسوغ،
كما نصت المادة ( )2/172من قانون الحوال الشخصية السوري .وكذلك يعدّ تبرع الوصي في مال
القاصر باطلً (المادة 180من قانون الحوال الشخصية السوري) .ويجوز للمتبرع استبعاد الولية
على مال التبرع ،بدليل النص في القانون السوري (في المادة )171على أنه «إذا اشترط بدليل وجود
النص في هذا المتبرع بمال للقاصر عدم تصرف وليه به تعين المحكمة وصيا خاصا على هذا المال»
.
ويشترط في الموهوب أن يكون مملوكا للواهب وموجودا ومعينا ومشروعا ،وعلى ذلك يكون حكم
هبة ملك الغير كحكم بيع ملك الغير :وهو البطلن النسبي (القابلية للبطال) لمصلحة الموهوب له،
وعدم النفاذ في حق المالك الحقيقي (المواد .)435 ،434 ،459
-------------------------------
( )1سيأتي تفصيل الكلم في ذلك في بحث عقد الهبة.
( )4/741
و نصت المادة ( )460على أنه «تقع هبة الموال المستقبلة باطلة» وذلك استثناء من القواعد العامة
في القانون التي تجيز أن يكون محل اللتزام شيئا مستقبلً ،وهذا الحكم المستثنى مأخوذ من الشريعة
السلمية التي تشترط وجود محل العقد وقت انعقاده في كل العقود.
ويلحظ أن هذه الشروط المطلوبة لنعقاد الهبة قانونا مستقاة من أحكام الفقه السلمي .ففي هذا الفقه
يشترط اتحاد مجلس اليجاب والقبول في كل عقود التمليكات ،وتوفر الرضا والختيار ،وهذا ما
نصت عليه المادة ( )860من المجلة ،وأن يكون للواهب أهلية التبرع أو كمال الهلية؛ لن الهبة
تبرع ،وهو ما نصت عليه المادة » ( )859من المجلة ،وأل تصدر الهبة منه في مرض موته ،وإل
أخذت حكم الوصية فل تنفذ إل في حدود ثلث التركة ،وأل يكون مدينا بديون مستغرقة ،ولو لم يحجر
عليه ،وإل توقفت على إجازة الدائنين .جاء النص على هذه الحكام في المواد ( )880-879من
المجلة.
ويشترط في الموهوب له أن يكون حيا ،فل تجوز الهبة للجنين ول للمعدوم ،وأجازها المالكية،ويحسن
الخذ قانونا بمبدأ إجازة الهبة للجنين.
كما يشترط أن يكون محل الهبة موجودا وقت العقد ،وهو شرط عام في كل عقود التمليكات في
الحال ،صونا للعقد عن اللغاء عند فوات المحل.
و نصت المادة ( )856من المجلة على ذلك.
ويجب أن يكون الشيء مملوكا للواهب ،فإن كان الموهوب ليس مالً للواهب ،كانت هبة الفضولي،
وهي موقوفة على إجازة المالك.
و نصت المادة ( )857من المجلة على ذلك.
ويلزم أن يكون الموهوب معلوما ومعينا ،وهو ما نصت عليه المادة ( )858من المجلة.
أما هبة الحصة الشائعة فيما يقبل القسمة كالدار والبيت الكبير ،فأجازها جمهور الفقهاء ،كبيع المشاع.
ولم يجزها الحنفية إل بقسمتها وقبضها مفرزة عن غيرها (. )1
-------------------------------
( )1المراجع تأتي في بحث الهبة .
( )4/742
( )4/743
يلحظ أن المادة ( )445من القانون المدني السوري المتعلقة ببيع المريض مرض الموت منقولة عن
القانون المدني المصري الذي يجيز بدوره الوصية للوارث ولغيره في حدود الثلث (في المادة 73من
قانون الوصية المصري) وتنفذ من غير إجازة الورثة خلفا لما يقرره فقهاء المذاهب الربعة
وجمهور فقهاء المسلمين،
ولكن عملً برأي بعض أئمة الشيعة الزيدية ،وبعض أئمة الشيعة المامية (الجعفرية) ،والسماعيلية.
وتنص هذه المادة ( )445التي تعتبر المحاباة بحكم الوصية على ما يلي:
« - 1إذا باع المريض مرض الموت لوارث أو لغير وارث بثمن يقل عن قيمة المبيع وقت الموت
فإن البيع يسري في حق الورثة ،إذا كانت زيادة قيمةالمبيع على الثمن ل تتجاوز ثلث التركة داخلً
فيها المبيع ذاته.
- 2إذا كانت هذه الزيادة تجاوز ثلث التركة ،فإن البيع فيما يجاوز الثلث ل يسري في حق الورثة
إلإذا أقروه ،أو رد المشتري للتركة ما بقي بتكملة الثلثين.
- 3ويسري على بيع المريض مرض الموت أحكام المادة ( .)877وبناء على هذه المادة إذا كان
البيع بالمحاباة خاضعا لحكام الوصية فإنه ينفذ من المريض مرض الموت إذا كانت زيادة قيمة المبيع
على الثمن في حدود ثلث التركة» .
والدليل على أن تصرف المريض مرض الموت تطبق عليه أحكام الوصية هو ما نصت عليه المادة (
)877التالي نصها:
- 1كل عمل قانوني يصدر من شخص في مرض الموت ،ويكون مقصودا به التبرع ،يعتبر تصرفا
مضافا إلى ما بعد الموت ،وتسري عليه أحكام الوصية أيا كانت التسمية التي تعطى لهذا التصرف.
- 2وعلى ورثة من تصرف أن يثبتوا أن العمل القانوني قد صدر من مورثهم وهو في مرض
الموت ،ولهم إثبات ذلك بجميع الطرق ،ول يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ
ثابتا.
( )4/744
- 3وإذا أثبت الورثة أن التصرف صدر من مورثهم في مرض الموت ،اعتبر التصرف صادرا
على سبيل التبرع ،ما لم يثبت من صدر له التصرف عكس ذلك .كل هذا ما لم توجد أحكام خاصة
تخالفه .وبما أن الوصية خاضعة لحكام الشريعة السلمي بنص المادة ( )876من القانون
السوري،فإن أحكام الشريعة المعمول بها في سورية خلفا لمصر هي المقررة في قانون الحوال
الشخصية السوري الصادر عام ( )1953والتي بموجبها ل تجوز الوصية لوارث .نصت المادة (
)238من هذا القانون على ما يلي:
« - 1تنفذ الوصية لغير وارث بثلث ما يبقى من التركة بعد وفاء الدين من غير إجازة الورثة.
- 2ل تنفذ للوارث ول بما زاد على الثلث إل إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصي ،وكان المجيز
كامل الهلية.
- 3ل تنفذ فيما يستغرقه دين إل بإجازة الدائن الكامل الهلية أو بسقوط الدين.
- 4تنفذ وصية من ل دين عليه ول وارث له بكل ما له من غير توقف على إجازة أحد» .
يتبين مما ذكر أن النص الوارد في المادة ( )445مدني سوري الذي يجيز للمريض البيع بالمحاباة
ل بمقتضى
للوارث في حدود ثلث التركة معطل المفعول ،ويكون البيع موقوفا على إجازة الورثة عم ً
الحوال الشخصية السوري الذي ل يجيز الوصية للوارث إل بإجازة الورثة.
هذا وقد نصت المجلة على أحكام بيع المريض في المواد ( )395-393كما نصت المادة ()1595
على تعريف مرض الموت بقولها:
«مرض الموت :هو الذي يخاف فيه الموت في الكثر ،الذي يعجز المريض عن رؤية مصالحه
الخارجة عن داره إن كان من الذكور ،ويعجزه عن رؤية المصالح الداخلة في داره إن كان من
الناث ،ويموت على ذلك الحال قبل مرور سنة ،صاحب فراش كان أو لم يكن .وإن امتد مرضه
دائما على حال ،ومضى عليه سنة يكون في حكم الصحيح ،وتكون تصرفاته كتصرفات الصحيح ،ما
لم يشتد مرضه ويتغير حاله ،ولكن لو اشتد مرضه وتغير حاله ومات يعد حاله من وقت التغير إلى
الوفاة مرض موت» .
( )4/745
( )4/746
التقادم :ل يعتبر التقادم (أو مضي المدة ومرور الزمن أو وضع اليد) في الشريعة السلمية سببا
صحيحا من أسباب كسب الحقوق أو إسقاطها ديانة إذ «ل يجوز لحد أن يأخذ مال أحد بل سبب
شرعي» ولن الحق أبدي ل يزول إل بمسوغ شرعي مقبول .وإنما التقادم ما نع فقط للقاضي من
سماع الدعوى بالحق القديم الذي أهمل صاحبه الدعاء به زمنا طويلً معينا بل عذر .وذلك للشك في
أصل الحق وفي إثباته بعد هذه المدة الطويلة ،وحماية لمبدأ الستقرار في الوضاع الحقوقية ،وتجنبا
لثارة المشكلت في الثبات ونحوه؛ لن القضاء في السلم مظهر للحق ل مثبت له ،والحقوق
الثابتة ل يؤثر فيها ديانة مرور الزمان وتقادم العهد .إل أن القضاء مع هذا يقبل التخصيص بالزمان
والمكان والخصومة ،ويقبل التعليق بالشرط .وبناء عليه يصح للدولة منع القاضي من سماع دعوى
على شخص مضى على وضع يده خمس عشر سنة مثلً ،فيعتبر قضاؤه بعدئذ غير نافذ (. )1
ويمكن تسويغ ذلك بنظرية المصالح المرسلة التي تجيز للحاكم اتخاذ التدابير القضائية المناسبة لقرار
الحقوق والهتمام بها ،وإبعاد القضاء عن المشكلت المعقدة في إثبات حقوق قديمة .وهذا المعنى هو
أساس الخذ بفكرة التقادم قانونا ،فإن القانونيين قالوا :إن التقادم يقوم على أساس اعتبارات ذات طابع
عام أي متصلة بالصالح العام للمجتمع كله ،ل على أساس اعتبارات فردية ،فالضرورات الجتماعية
هي التي أدت إلى إقرار هذا النظام.
أخذ القانون من الفقه السلمي تقدير مدة التقادم المسقط،حيث نصت المادة ( )372مدني سوري على
أنه «يتقادم اللتزام بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الحالت التي ورد عنها نص خاص في
القانون ،وفيما عدا الستثناءات التالية» .
وكذلك في التقادم المكسب نصت المادة ( )919على ما يلي:
-------------------------------
( )1راجع كتابنا نظرية الضمان :ص .101
( )4/747
« يُكتسب حق تسجيل التصرف في الراضي الميرية غير الخاضعة لدارة أملك الدولة ،بمرور
عشر سنوات من تاريخ الحيازة بسند أو بغير سند ،بشرط أن يكون الحائز قائما بزراعة الرض» .
وتقدير المدة في الحالتين مأخوذ من الفقه السلمي ،حيث ذكر الفقهاء أن التقادم يسري على الحقوق
الخاصة ،ومدته العادية خمس عشرة سنة ،فإذا مرت مرورا معتبرا دون ادعاء بالمال من قبل صاحبه
ل تسمع دعواه بعدها (. )1
وأما الموال العامة فل تسمع الدعوى فيها بعد مضي ( ) 33سنة في الوقف والرث ،وبعد ( ) 36
سنة في أموال بيت المال ،وبعد عشر سنوات في الراضي الميرية.
وأما المجلة فأخذت في المادة ( )1662بمدة ( )15سنة في جميع الحقوق غير الوقف فهي ( )36سنة،
والراضي الميرية فهي عشر سنين.
وتبتدئ المدة من وقت ظهور واضع اليد على الشيء بمظهر المالك لها ،وعدم المانع الشرعي من
إقامة دعواه كالصغر والجنون والعته .وهذا ما نصت عليه المادة ( )1663من المجلة.
كما نصت المادة ( )379على حالت وقف التقادم بقولها - 1« :ل يسري التقادم كلما وجد مانع
يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ،ولو كان المانع أدبيا ،وكذلك ليسري التقادم فيما بين الصيل
والنائب.
- 2ول يسري التقادم الذي تزيد مدته على خمس سنوات في حق من ل تتوافر فيه الهلية أو في
حق الغائب ،أو في حق المحكوم عليه بعقوبة جنائية إذا لم يكن له نائب يمثله قانونا» .
-------------------------------
( )1المدخل إلى نظرية اللتزام في الفقه للستاذ مصطفى الزرقاء :ف 156ص .230
( )4/748
خاتمة
في آخر هذا البحث أؤكد ضرورة العودة إلى تطبيق الشريعة السلمية واستمداد القوانين منها ،ما
دمنا نعمنا ول الحمد بالستقلل ،وقد أوضحت هذا القسم من الحكام الذي استمده القانون المدني من
الفقه ليكون عنوانا مشرقا وبرهانا ساطعا على أن في شريعتنا الغراء كنوزا خالدة ل تحتاج إل إلى
صياغة جديدة بروح العصر ومفاهيمه على منوال التقنينات الجديدة.
قال الدكتور السنهوري :على أننا ل نريد بتقليد التقنينات الحديثة أن نذهب في ذلك إلى مدى أبعد مما
ينبغي .وإذا كنا نقول بالستفادة دون تحفظ من التقنينات الغربية من ناحية الشكل والصياغة ،ففي
المادة والموضوع نتحفظ كثيرا في هذا القول.
ثم علق على قرار وزارة العدل العراقية باتخاذ الشريعة السلمية أساسا للتقنين قبل صدوره ،فقال:
ولما كان القرار خطيرا ،وهو يؤذن بعهد جديد للفقه السلمي ،يجاري فيه الزمن ،ويساير التطور،
كان من الواجب أن نقف عنده حتى نمعن في مراميه.
فأول أثر لهذا القرار أن يرد لهذه الشريعة السمحاء مكانتها بعد أن كادت تضيع ،فقد رأينا أن البلد
الشرقية ( أي العربية شرق المتوسط ) التي راجعت تقنيناتها المدنية عدلت عن الشريعة السلمية
إلى القوانين الغربية ،وبقيت القاعدة مطردة من النصف الثاني للقرن التاسع عشر إلى الوقت الحاضر،
فمصر تلتها تونس ومراكش وتركيا ولبنان ،وكل هذه بلد كانت تطبق الشريعة السلمية .ثم أعادت
النظر في تقنيناتها ،فقلبتها رأسا على عقب ،إما باختيارها أو تحت تأثير نفوذ سياسي،وهجرت
الشريعة السلمية إلى القوانين الغربية .أما العراق فهو أول بلد عربي اعتز بتراث أجداده ،وحرص
عليه من الضياع .فالعراق يرفع صوته عاليا بأن الشريعة السلمية ل تزال نظاما قانونيا حيا صالحا
للتطبيق ،وليس لسائر القطار العربية إل أن تقتفي أثر العراق.
( )4/749
وهناك فرق جوهري بين أن نجعل مصدر الحكام الصالحة التقنينات الغربية ،وبين أن نجعل
مصدرها الشريعة السلمية ،ففي الحالة الولى نكون قد قطعنا كل صلة بالقديم ،وبدأنا حياة قانونية
جديدة ،نكون فيها عالة على فقه الغرب وجهوده ،نأخذ منه ول نعطيه .أما في الحالة الثانية فنكون قد
احتفظنا بصلة الماضي ،وجعلنا من هذه الصلة أساسا يقوم عليه المستقبل ،واحتفظنا باستقللنا
القانوني ،فل نكون عالة على فقه الغرب ،وفي الوقت ذاته نكون قد استفدنا من هذا الفقه إلى أبعد
مدى ،إذ تصبح الحكام التي اخترناها وخرّجناها على أحكام الشريعة السلمية متفقة مع أحدث
الحكام القانونية الغربية وأرقاها (. )1
انتهى الجزء الرابع
ويليه الجزء الخامس ـ العقود (التصرفات المدنية المالية )
-------------------------------
( )1راجع مقال الدكتور السنهوري في مجلة المحامين بدمشق ،العددان السادس والسابع ،من السنة
الولى :ص .508-505
( )4/750
( )5/1
( )5/2
واصطلحا عند الحنفية :مبادلة مال بمال على وجه مخصوص أو هو مبادلة شيء مرغوب فيه بمثله
على وجه مفيد مخصوص أي بإيجاب أو تعاطٍ .وخرج بقيد( :مفيد) ما ل يفيد كبيع درهم بدرهم.
وغير المرغوب :مثل الميتة والدم والتراب (. )1
وقال النووي في المجموع :البيع :مقابلة مال بمال تمليكا (. )2
وعرفه ابن قدامة في المغني ( : )3مبادلة المال بالمال تمليكا وتملكا.
وهو مشتق من الباع؛ لن كل واحد من المتعاقدين يمد باعه للخذ والعطاء ،ويحتمل أن كل واحد
منهما كان يبايع صاحبه ،أي يصافحه عند البيع ،فسمي البيع صفقة (. )4
والمراد بالمال عند الحنفية :ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة ،والمالية تثبت بتمول
الناس كافة أو بعضهم .وقد انتقد الستاذ الزرقاء هذا التعريف ،واستبدل به تعريفا آخر ،فقال :المال
هو كل عين ذات قيمة مادية بين الناس ( . )5وعليه ل تعتبر المنافع والحقوق المحضة ما لً عند
ل متقوما؛ لن المقصود من العيان منافعها.
الحنفية .أما جمهور الفقهاء فقد اعتبروها ما ً
والمقصود من البيع هنا :هو العقد المركب من اليجاب والقبول.
مشروعية البيع :
البيع جائز بأدلة من القرآن والسنة والجماع (. )6
أما القرآن :فقوله تعالى{ :وأحل ال البيع} [البقرة ]2/275:وقوله سبحانه{ :وأشهدوا إذا تبايعتم}
[البقرة ]282/2:وقوله عز وجل{ :إل أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم} [النساء ]29/4:وقوله جل
جلله{ :ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلً من ربكم} [البقرة.]198/2:
وأما السنة فأحاديث ،منها :سئل النبي صلّى ال عليه وسلم :أي الكسب أطيب؟ فقال« :عمل الرجل
بيده ،وكل بيع مبرور» ( )7أي ل غش فيه ول خيانة ،ومنها حديث« :إنما البيع عن تراض» ()8
وقد بعث الرسول صلّى ال عليه وسلم والناس يتبايعون فأقرهم عليه،
-------------------------------
( )1البدائع 5 :ص ،133فتح القدير 5 :ص ،73حاشية ابن عابدين 4 :ص 3ومابعدها.
( )2مغني المحتاج 2 :ص .2
( )3انظر ج 3ص .559
( )4المرجع السابق.
( )5راجع المدخل إلى نظرية اللتزام العامة في الفقه السلمي له :ص .118-114
( )6المراجع السابقة ،المبسوط 2 :ص ،108المهذب 1 :ص .257
( )7رواه البزار وصححه الحاكم عن رفاعة بن رافع ،وذكره ابن حجر في التلخيص الحبير عن رافع
بن خديج وعزاه لحمد ،وذكره السيوطي في الجامع الصغير عن رافع ( سبل السلم 3 :ص .) 4
( )8هذا حديث طويل رواه البيهقي وابن ماجه وصححه ابن حبان عن أبي سعيد الخدري أن رسول
ال صلّى ال عليه وسلم قال « :للقين ال من قبل أن أعطي أحدا من مال أحد شيئا بغير طيب نفسه،
إنما البيع عن تراض» ورواه عبد الرزاق في الجامع عن عبد ال بن أبي أوفى بلفظ « :البيع عن
تراض والتخيير بعد صفقة» الجامع عن عبد ال بن أبي أوفى بلفظ « :البيع عن تراض والتخيير بعد
صفقة» ( الجامع الصغير1 :ص ،102كنز الدقائق2 :ص ،212شرح المجموع للنووي 9 :ص
)158وروى الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة حديثا بمعناه بلفظ «ليفترق اثنان إل عن تراض»
( جامع الصول2 :ص ،9مجموع الزوائد 4 :ص .)100
( )5/3
وقال « :التاجر الصدوق المين مع النبيين ،والصديقين ،والشهداء» قال الترمذي« :هذا حديث حسن»
.
وأجمع المسلمون على جواز البيع ،والحكمة تقتضيه؛ لن حاجة النسان تتعلق بما في يد صاحبه،
وصاحبه ل يبذله بغير عوض ،ففي تشريع البيع طريق إلى تحقيق كل واحد غرضه ودفع حاجته،
والنسان مدني بالطبع ،ليستطيع العيش بدون التعاون مع الخرين.
والصل في البيوع الباحة ،قال المام الشافعي« :فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين
الجائزي المر فيما تبايعا ،إل ما نهى عنه رسول ال صلّى ال عليه وسلم منها ،وما كان في معنى ما
نهى عنه رسول ال صلّى ال عليه وسلم محرم بإذنه داخل في المعنى المنهي عنه ،وما فارق ذلك
أبحناه بماوصفنا من إباحة البيع في كتاب ال تعالى» أي في قوله سبحانه{ :وأحل ال البيع} [البقرة:
]275/2وقوله{ :إل أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء.]29/4:
( )5/4
( )5/5
- 6كتابة الدين والشهاد عليه :تستحب كتابة العقد ومقدار الدين المؤجل ،ويندب الشهاد على البيع
نسيئةً (لجل) وعلى كتابة الدين ،لقوله تعالى{ :يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى
فاكتبوه} { ..واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [البقرة.]2/282:
المطلب الثاني -ركن البيع أو كيفية انعقاده
ركن ( )1البيع عند الحنفية :هو اليجاب والقبول الدالن على التبادل أو ما يقوم مقامهما من التعاطي.
فركنه بعبارة أخرى :الفعل الدال على الرضا بتبادل الملكين من قول أو فعل ( ، )2وهذا قولهم في
العقود.
وللبيع عند الجمهور أركان أربعة :وهي البائع والمشتري والصيغة والمعقود عليه وهذا رأيهم في كل
العقود.
واليجاب عند الحنفية :إثبات الفعل الخاص الدال على الرضا الواقع أولً من كلم أحد المتعاقدين،
سواء وقع من البائع كبعت ،أو من المشتري كأن يبتدئ المشتري فيقول :اشتريت بكذا.
والقبول :ما ذكر ثانيا من كلم أحد المتعاقدين ( . )3فالمعتبر إذن أولية الصدور وثانويته فقط سواء
أكان من جهة البائع أم من جهة المشتري.
وعند الجمهور :اليجاب :هو ما صدر ممن يكون منه التمليك وإن جاء متأخرا .والقبول :هو ما
صدر ممن يصير له الملك وإن صدر أولً (. )4
وأركان البيع عند الجمهور غير الحنفية ثلثة أو أربعة ( : )5عاقد (بائع ومشتر) ومعقود عليه (ثمن
ومثمن) وصيغة (إيجاب وقبول).
-------------------------------
( )1الركن عند الحنفية :هو مايتوقف عليه وجود الشيء وكان جزءا منه ،وعند الجمهور :هو
مايتوقف عليه وجود الشيء وتصوره في العقل سواء أكان جزءا منه ،أم كان مختصا به وليس جزءا
منه .وأما الشرط فهو مايتوقف عليه وجود الشيء وليس جزءا منه.
( )2فتح القدير 5 :ص ،74البدائع 5 :ص ،133حاشية ابن عابدين4 :ص 5ومابعدها.
( )3المراجع السابقة.
( )4شرح المنهج للشيخ زكريا النصاري 2 :ص 180ومابعدها ،كشاف القناع 2 :ص .3
( )5الشرح الكبير ،2/3 :مغني المحتاج ،3/2 :كشاف القناع.135/3 :
( )5/6
( )5/7
الفرق بين البيع والزواج :البيع بخلف عقد النكاح ،فإنه يصح بلفظ الستدعاء ،مثل أن يقول:
( زوجني ) لنه في هذه الحالة يكون قوله ( :زوجني ) توكيلً بالزواج ،فإن زوجه امتثل أمره ،ولبى
طلبه فيكون المزّوج وليا من طرف ووكيلً من طرف ،والشخص الواحد :يتولى طرفي عقد النكاح،
بخلف البيع ،فإنه ل يجوز أن يتولى الواحد طرفي العقد في البيع إل الب يشتري مال ابنه لنفسه أو
يبيع ماله منه ،وكذلك الوصي عند أبي حنيفة إذا اشترى لليتيم من نفسه أو لنفسه منه.
وهناك فرق آخر بين البيع والنكاح :وهو أن لفظ المر للمساومة حقيقة ،فل تكون صيغته إيجابا
وقبولً حقيقة ،بل هي طلب اليجاب والقبول ،فل بد لليجاب والقبول من لفظ آخر يدل عليهما ،ول
يمكن حمل هذه الصيغة على المساومة في النكاح؛ لن المساومة ل توجد فيه عادة؛ لنه مبني على
مقدمة الخطبة ،فتحمل هذه الصيغة على اليجاب والقبول .أما البيع فل يكون مسبوقا بمثل ذلك ،فكان
المر فيه مساومة ،عملً بحقيقة لفظ المر ،ول يعدل عن الحقيقة إلى شيء آخر إل بدليل ،ولم يوجد
في البيع ،بخلف النكاح كما تقدم.
والخلصة :أن صيغة البيع عند الحنفية إما أن تكون بلفظين من غير نية ،وذلك بصيغة الماضي ،مثل
بعت واشتريت ،وهذه الصيغة وإن كانت للماضي وضعا ،لكنها جعلت إيجابا للحال في عرف أهل
اللغة والشرع ،والعرف قاض على اللغة .أو بلفظين مع النية للحال ،وذلك بصيغة المضارع؛ لن
المضارع يحتمل الحال أو الستقبال ،فتكون النية لدفع المحتمل :وهو أن يراد الوعد بالبيع في
المستقبل ،فتكون نية اليجاب للحال مانعة من إرادة المستقبل.
( )5/8
أو بثلثة ألفاظ ،وذلك بلفظ الستفهام :بأن قال المشتري (:أتبيع مني هذا الشيء؟ ) أو بلفظ المر بأن
قال البائع ( :اشتر مني هذا الثوب ) أو قال المشتري ( :بع مني هذا الثوب ) ل ينعقد في هذه المثلة
ما لم ينضم إليها لفظ ثالث ،فيقول المشتري في المثال الول ( :اشتريت ) لن لفظ الستفهام ل
يستعمل للحال حقيقة ،ويقول البائع في المثال الثاني ( :بعت ) ويقول المشتري في المثال الثالث:
(اشتريت).
وعلى هذا ،ل يصح أصلً البيع بلفظ المر مجردا سواء نوى ،أو لم ينو إل إذا دل على الحال مثل:
(خذه بكذا) كما ل يصح أصلً بالمضارع المقترن بالسين أو سوف ،مثل( :سأبيعك) لن ذكر السين
يناقض إرادة الحال (. )1
وقال المالكية ،والشافعية في الظهر ،والحنابلة :ينعقد العقد سواء أكان بيعا أم نكاحا بلفظ الستدعاء
مثل« :بعني» أو «اشتر مني» فيقول الخر« :بعت» أو «اشتريت» لن أساس العقد هو التراضي،
ولفظ اليجاب والقبول وجد منهما على وجه تحصل منه الدللة على تراضيهما به عرفا ،فصح كما
لو تقدم اليجاب ،وبه يحصل الغرض بكون المستدعي بائعا أو مشتريا (. )2
بيع المعاطاة :
بيع المعاطاة أو بيع المراوضة :هو أن يتفق المتعاقدان على ثمن ومثمن ،ويعطيا من غير إيجاب ول
قبول ،وقد يوجد لفظ من أحدهما.
مثل :أن يأخذ المشتري المبيع ،ويدفع للبائع الثمن ،أو يدفع البائع المبيع ،فيدفع له الخر ثمنه من غير
تكلم ول إشارة ،سواء أكان المبيع حقيرا أم نفيسا .وقد اختلف الفقهاء في حكمه.
-------------------------------
( )1البدائع 5 :ص 133ومابعدها ،فتح القدير مع العناية 5 :ص 75ومابعدها ،حاشية ابن عابدين:
4ص 9ومابعدها.
( )2بداية المجتهد 2 :ص ،168حاشية الدسوقي 3 :ص ،3الميزان 2 :ص ،63مغني المحتاج:
2ص ،4المغني 3 :ص ،560كشاف القناع.136/3 :
( )5/9
فقال الحنفية والمالكية والحنابلة في الرجح عندهم :يصح بيع المعاطاة متى كان هذا معتادا دالً على
الرضا ومعبرا تماما عن إرادة كل من المتعاقدين ،والبيع يصح بكل ما يدل على الرضا ،ولن الناس
يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كل عصر ،ولم ينقل إنكاره عن أحد ،فكان ذلك إجماعا ،فالقرينة
كافية هنا في الدللة على الرضا (. )1
وقال الشافعية :يشترط أن يقع العقد باللفاظ الصريحة أو الكنائية ،باليجاب والقبول ،فل يصح بيع
المعاطاة ،سواء أكان المبيع نفيسا أم حقيرا؛ لن الرسول عليه الصلة والسلم قال« :إنما البيع عن
تراض» ( )2والرضا أمر خفي ،فاعتبر ما يدل عليه من اللفظ ،ل سيما عند إثبات العقد حالة التنازع،
فل تقبل شهادة الشهود لدى الحاكم إل بما سمعوه من اللفظ.
وقد اختار جماعة من الشافعية منهم النووي والبغوي والمتولي صحة انعقاد بيع المعاطاة في كل ما
يعده الناس بها بيعا ،لنه لم يثبت اشتراط لفظ ،فيرجع للعرف كسائر اللفاظ المطلقة ،قال النووي:
وهذا هو المختار للفتوى .وبعض الشافعية كابن سريج والروياني خصص جواز بيع المعاطاة
بالمحقرات أي غير النفيسة :وهي ما جرت العادة فيها بالمعاطاة كرطل خبز وحزمة بقل
-------------------------------
( )1البدائع 5 :ص ،134فتح القدير 5 :ص ،77بداية المجتهد 2 :ص ،161المغني 3 :ص .561
( )2صححه ابن حبان.
( )5/10
( )5/11
والمراد به التفرق بالبدان ،وهو التفرق حقيقة .وهو الذي يكون لذكره في الحديث فائدة ،لنه معلوم
لكل واحد أن المتعاقدين بالخيار إذا لم يقع بينهما عقد بالقول.
وهذا هو خيار المجلس الثابت في أنواع البيع ،لما روى الشيخان أنه صلّى ال عليه وسلم قال:
«البيّعان بالخيار ،ما لم يتفرقا ،أو يقول أحدهما للخر :اختر» ( )1أي اختر اللزوم .قال ابن رشد:
وهذا حديث إسناده عند الجميع من أوثق السانيد ،وأصحها .وقد أثبت ابن حزم في المحلى تواتره.
و ردوا على المالكية والحنفية بأن اللفظ الوارد في هذا الحديث ل يحتمل ما قالوه (أي التفرق
بالقوال) إذ ليس بين المتبايعين تفرق بلفظ ول اعتقاد ،إنما بينهما اتفاق على الثمن والمبيع ،بعد
الختلف فيهما .وتأويلهم يبطل فائدة الحديث ،لنه من المعلوم أنهما بالخيار قبل العقد في إنشائه،
وإتمامه ،أو تركه ،ومعنى قول عمر السابق« :البيع صفقة أو خيار» هو أن البيع ينقسم إلى بيع شرط
فيه الخيار ،وبيع لم يشترط فيه الخيار ،وقد سماه صفقة لقصر مدة الخيار فيه.
إل أنه أخذ على هذا الرأي كونه يهدر أو يزعزع القوة الملزمة للعقد ،وهو مبدأ خطير من أهم
المبادئ القانونية ( . )2لكنني رددت على هذا التهام في بحث نظرية الفسخ السابقة.
-------------------------------
( )1سبل السلم 3 :ص 33وما بعدها .وهذا هو بيع الخيار عند الشافعي :وهو أن يقول أحد
المتعاقدين للخر بعدما تم اليجاب والقبول وقبل التفرق :اختر :إن شئت فدع ،وإن شئت فخذ .
فإذا أخذ لزم البيع وقام الخيار مقام التفرق بالبدان .
( )2راجع مصادر الحق للسنهوري 2 :ص 37وما بعدها .
( )5/12
( )5/13
وقبول الهبة والصدقة والوصية والكفالة بالدين ،فهذه التصرفات تصح من الصبي العاقل دون إذن ول
إجازة من الولي ،لنها لنفعة التام.
ب ـ التصرفات الضارة ضررا محضا :كالطلق والهبة والصدقة والقراض وكفالته لغيره بالدين أو
بالنفس ،فهذه ل تصح من الصبي العاقل ،ول تنفذ ،ولو أجازها وليه؛ لن الولي ل يملك إجازة هذه
التصرفات لما فيها من الضرر.
ج ـ التصرفات الدائرة بين الضرر والنفع :كالبيع والشراء واليجار والستئجار والزواج والمزارعة
والمساقاة والشركات ونحوها .فهذه التصرفات تصح من الصبي المميز ،ولكنها تكون موقوفة على
إذن الولي أو إجازته ما دام صغيرا ،أو على إجازته بنفسه بعد البلوغ؛ لن للمميز جانبا من الدراك
غير قليل (. )1
- 2أن يكون العاقد متعدداً :فل ينعقد البيع بواسطة وكيل من الجانبين إل في الب ووصيه
والقاضي والرسول من الجانبين ،بخلف الوكيل في عقد النكاح ،فإنه يصح أن يعقد النكاحَ وكيل من
الجانبين.
والفرق بين البيع والنكاح :هو أن للبيع حقوقا متضادة مثل التسليم والتسلم والمطالبة بتسليم المبيع
وقبض ا لثمن والرد بالعيب والخيارات .ويستحيل أن يكون الشخص الواحد في زمان واحد مسلّما
ومتسلما ،طالبا ومطالبا ،وهذا محال .وبما أن حقوق العقد مقتصرة على العاقد فل يصير كلم العاقد
كلم الشخصين .وأما الوكيل في النكاح فإن حقوق العقد ل ترجع إليه ،وإنما ترجع إلى الموكل فكان
سفيرا محضا بمنزلة الرسول.
-------------------------------
( )1انظر كتب الصول عند الحنفية مثل التلويح على التوضيح 2 :ص 165ومابعدها.
( )5/14
وقد استثني الب فيما يبيع مال نفسه من ابنه الصغير ،بمثل قيمته أو بما يتغابن الناس فيه عادة ،أو
يشتري مال الصغير لنفسه ،لنه حينئذ اقترب من مال اليتيم بالتي هي أحسن ،لكمال شفقته ووفرة
رعايته بحكم طبيعة الحال.
والوصي مثل الب عند أبي حنيفة وأبي يوسف إذا تصرف بما فيه نفع ظاهر لليتيم أو بمثل القيمة،
لنه مرضي الب ،والظاهر ما رضي به إل لوفور شفقته على الصغير.وقال محمد :ل يجوز
تصرف الوصي بمال الصبي لنفسه بمثل القيمة؛ لن القياس يأبى جوازه أصلً من الب والوصي
جميعا .والتساهل في الب لكمال شفقته بخلف الوصي.
والقاضي ل ترجع إليه حقوق العقد ،فكان بمنزلة الرسول ،والرسول ل تلزمه حقوق العقد ،لنه معبر
وسفير ،فجاز لكل من القاضي والرسول تولي العقد عن الجانبين.
وأجاز جمهور الحنفية بخلف الشافعي وزفر للشخص الواحد أن يتولى طرفي عقد النكاح بإيجاب
يقوم مقام القبول في خمس صور:
إذا كان وليا أو وكيلً من الجانبين كأن يقول شخص :زوجت ابني ببنت أخي ،أو زوجت موكلي فلنا
موكلتي فلنة ،أو أصيلً من جانب ووكيلً من جانب آخر كما لو وكلت امرأة شخصا في أن يزوجها
من نفسه ،أو أصيلً من جانب ووليا من جانب كأن يتزوج بنت عمه الصغيرة ،أو وليا من جانب
ووكيلً من جانب :مثل زوجت بنتي من موكلي .أما صورة الصيل من الجانبين فهي مستحيلة عقلً
( . )1
-------------------------------
( )1البدائع 5 :ص ،136مجمع الضمانات :ص ،410الفرائد البهية في القواعد الفقهية للشيخ
محمود حمزة :ص .139
( )5/15
وأما ما يشترط في نفس العقد فهو شرط واحد :وهو أن يكون القبول موافقا لليجاب ( )1كما سيأتي
تفصيله.
وأما ما يشترط في مكان العقد :فهو شرط واحد أيضا وهو اتحاد مجلس اليجاب والقبول كما سيذكر
تفصيله .ومجلس البيع :هو الجتماع الواقع لعقد البيع (م 181مجلة).
وأما ما يشترط في المعقود عليه أي المبيع فهو أربعة شروط (: )2
- 1أن يكون المبيع موجوداً :فل ينعقد بيع المعدوم قبل وجوده وماله خطر العدم .من أمثلة الول:
بيع نتاج النتاج أي ولد ولد هذه الناقة مثلً ،وبيع الثمر قبل انعقاد شيء منه على الشجرة .ومن أمثلة
الثاني :بيع الحمل ،وبيع اللبن في الضرع ،فكل من الحمل واللبن متردد بين الوجود وعدم الوجود
فهما على خطر العدم.
ودليله في الجملة :أنه صلّى ال عليه وسلم نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلحها ( . )3ويلحق به بيع
ياقوتة فإذا هي زجاج ،ففي هذا غلط في الجنس فل ينعقد البيع ،لن المبيع معدوم.
ويستثنى بيع السلم والستصناع وبيع الثمر على الشجر بعد ظهور بعضه في رأي بعض الحنفية.
- 2أن يكون المبيع مالً متقوما :
والمال عند الحنفية كما عرفنا سابقا :ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة .وبعبارة أخرى:
هو كل ما يمكن أن يملكه النسان وينتفع به على وجه معتاد .والصح أنه هو كل عين ذات قيمة
مادية بين الناس .والمتقوم :ما يمكن ادخاره مع إباحته شرعا .وبعبارة أخرى :هو ما
-------------------------------
( )1البدائع ،المرجع السابق :ص .137
( )2المرجع السابق :ص .148-138
( )3نص الحديث رواه الشيخان عن ابن عمر رضي ال عنهما قال« :نهى رسول ال صلّى ال عليه
وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلحها ،نهى البائع والمبتاع» (انظر جامع الصول.)389 / 1 :
( )5/16
كان محرزا فعلً ويجوز النتفاع به في حالة الختيار ( ، )1فل ينعقد بيع ما ليس بمال كالنسان
الحر والميتة والدم ،ول بيع مال غير متقوم كالخمر والخنزير في حق مسلم ،ويجوز بيع آلت
الملهي عند أبي حنيفة لمكان النتفاع بالدوات المركبة منها ،وعند الصاحبين وبقية الئمة :ل ينعقد
بيع هذه الشياء ،لنها معدة للفساد.
- 3أن يكون مملوكا في نفسه :أي محرزا وهو ما دخل تحت حيازة مالك خاص .فل ينعقد بيع ما
ليس بمملوك لحد من الناس مثل بيع الكل ولو في أرض مملوكة ،والماء ( )2غير المحرز،
والحطب ،والحشيش ،والصيود التي في البراري ،وتراب الصحراء ومعادنها ،وأشعة الشمس
والهواء ،ولقطات البحر وحيوانات البر في البراري.
أما كون المبيع مملوكا للبائع ،فليس شرط انعقاد ،وإنما هو شرط نفاذ كما سيأتي.
- 4أن يكون مقدور التسليم عند العقد :
فل ينعقد بيع معجوز التسليم ،وإن كان مملوكا للبائع ،مثل الحيوان الشارد والطير في الهواء ،والسمك
في البحر بعد أن كان في يده.
شروط اليجاب والقبول :
يفهم مما ذكر من شرائط النعقاد أنه يشترط في اليجاب والقبول ثلثة شروط:
- 1الهلية :هي عند الحنفية أن يكون كل من الموجب والقابل عاقلً مميزا يدرك ما يقول ويعينه
حقا ( ، )3فهو في الحقيقة شرط في العاقد ل في الصيغة ،إل بالنظر لصدورها من العاقدين .والتمييز
مقدر عند الحنفية بتمام السنوات السبع وعند غيرهم ببلوغ السبع سنوات ،فل ينعقد بيع المجنون
والصبي غير المميز؛ لن العقد ارتباط بين إرادتي طرفيه.
والكلم ونحوه كالكتابة والشارة دليل على هاتين الرادتين ،فكان ل بد من أن يكون هذا الدليل
صادرا من مميز عاقل.
-------------------------------
( )1حاشية ابن عابدين 4 :ص ،150 ،3الموال ونظرية العقد للدكتور محمد يوسف موسى :ص
.164 ،162
( )2ل يجوز عند جمهور الفقهاء بيع الماء غير المحرز كمياه البحار والنهار ونحوها ،لنها مباحة
لجميع الناس ،ل يختص بها أحد دون غيره ،فل يجوز بيعها ما دامت في مقرها ،ويجوز بيع الماء
المحرز كماء البئر أو العين ونحوهما المملوك لشخص ما .وقال فقهاء الظاهرية :ل يجوز بيع الماء
ما لم يكن تابعا للبئر أو العين المملوكة.
( )3البدائع 5 :ص ،135الموال ونظرية العقد للدكتور محمد يوسف موسى :ص .255
( )5/17
والبلوغ والختيار ليسا من شروط النعقاد عند الحنفية ،لذا كان من الضروري الكلم في بيع الصبي
والمكره عند فقهاء المذاهب.
بيع الصبي المميز :
قال الحنفية والمالكية والحنابلة :ينعقد تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء فيما أذن له الولي ،وإل
كان موقوفا على إجازة وليه .ودليلهم أن المدار في التصرف
على إذن الولي ،ل على الصبي ،فصح البيع؛ لن الصبي حينئذ كالدلل ،والعاقد غيره ،ولن دفع
المال إلى الصبي بعد رشده متوقف على اختباره بالبيع والشراء ،وأنه يغبن أم ل ،فكان ل بد من
القول بصحة تصرفاته وعقوده ،ولكن بإذن الولي لتحصيل المصلحة وحفظ أمواله (. )1
وقال الشافعية ( : )2ل ينعقد بيع الصبي لعدم أهليته ،وشرط العاقد بائعا أو مشتريا :أن يكون راشدا:
وهو أن يتصف بالبلوغ وصلح الدين والمال ،ودليلهم قوله تعالى{ :ول تؤتوا السفهاء أموالكم التي
جعل ال لكم قياما} [النساء ]5/4:والتصرف بالبيع والشراء في معنى إعطاء السفهاء المال لستلزام
البيع والشراء لبذل المال ،والجامع بينهما نقص العقل المؤدي بكل منهما لضاعة المال في غير
طريقه الشرعي (. )3
بيع المكره وبيع التلجئة:
بيع المكره :
قال جمهور الحنفية :إن عقود البيع والشراء واليجار ونحوها من المكره إكراها ملجئا أو غير ملجئ
تكون فاسدة؛ لن الكراه يزيل الرضا الذي هو شرط في صحة هذه العقود ،لقوله تعالى{ :يا أيها
الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء]92/4:
وحينئذ يحق
-------------------------------
( )1البدائع 5 :ص ،135بداية المجتهد 2 :ص ،278حاشية الدسوقي 3 :ص ،5المغني 4 :ص
.246
( )2مغني المحتاج 2 :ص .7
( )3قال الشافعية (تحفة المحتاج وغيرها من شروح المنهاج) :ل ينعقد بيع أربعة وهم :الصبي مميزا
أو غير مميز ،والمجنون ،والعبد ولو كان مكلفا ،والعمى ،ويقع بيعهم باطلً.
( )5/18
للمستكره فسخ ما عقد أو إمضاؤه .ويثبت الملك للمشتري عند القبض كبقية العقود الفاسدة ،ويلزم
العقد بقبض المستكره الثمن ،أو تسليم المبيع طوعا ،إل أنه يخالف البيع الفاسد في صور منها :أنه
يجوز بالجازة القولية والفعلية ،ويزول الفساد بخلف غيره من البيوع الفاسدة ل تجوز ،وإن أجيزت؛
لن الفساد فيها لحق الشرع ،والفساد هنا إنما كان صيانة لمصلحة خاصة ل لمصلحة شرعية عامة،
وبه يشبه المكره البيع الموقوف ،ومن هنا قالوا :إنه بيع فاسد موقوف.
لذا قال زفر :إن الكراه يجعل العقد غير نافذ ،فهو كعقد الفضولي صحيح موقوف بالنسبة إلى
المستكره ،فيتوقف على إجازته بعد زوال الكراه؛ لن الكراه إنمايخل بحق المستكره ومصلحته،
فيكفي لحمايته جعل العقد موقوف النفاذ على رضاه بعد زوال الكراه ،ورأي زفر أقوى دليلً (. )1
وقال الشافعية والحنابلة :يشترط أن يكون العاقد مختارا طائعا في بيع متاع نفسه ،فل ينعقد بيع المكره
في ماله بغير حق ،لقوله تعالى{ :إل أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء ]92/4:ولقوله عليه
الصلة والسلم« :رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (. )2
وأما الكراه بحق فل يمنع من انعقاد العقد ،إقامة لرضا الشرع مقام رضاه،
-------------------------------
( )1حاشية ابن عابدين 4 :ص 5 ،4ص ،91-89الموال ونظرية العقد للدكتور يوسف موسى:
ص ،398مختصر الطحاوي :ص ،408المدخل الفقهي للستاذ الزرقاء :ف 185في الحاشية،
الفرائد البهية في القواعد الفقهية للشيخ محمود حمزة :ص .324
( )2أخرجه الطبراني عن ثوبان بلفظ «إن ال تجاوز» قال النووي :حديث حسن ،وتعقبه الهيثمي بأن
فيه يزيد بن ربيعة الرحبي ،وهو ضعيف ،ورواه ابن ماجه وابن حبان ،والدارقطني والطبراني
والبيهقي والحاكم في المستدرك من حديث الوزاعي ،واختلف عليه :فقيل :عن ابن عساكر بلفظ «إن
ال وضع» وللحاكم والدارقطني والطبراني« :تجاوز» (انظر التلخيص الحبير ،109/1 :مجمع
الزوائد.)250/6 :
( )5/19
مثل الجبار على بيع الدار لتوسعة المسجد أو الطريق أو المقبرة ،أو على بيع سلعة لوفاء دين أو
لنفقة زوجة أو ولد أو البوين ،أو لجل وفاء ما عليه من الخراج الحق.
وقال المالكية :بيع المكره غير لزم ،فيكون للعاقد المستكره الخيار بين فسخ العقد أو إمضائه .هذا ما
وجدته في مختصر خليل وشراحه ،لكن قال ابن جزي :يشترط في البائع والمشتري أن يكونا طائعين،
فإن بيع المكره وشراءه باطلن (. )1
بيع المضطر :أن يضطر شخص إلى بيع شيء من ماله ،ولم يرض المشتري إل بشرائه بدون ثمن
المثل بغبن فاحش .مثاله :أن يلزم القاضي شخصا ببيع ماله ليفاء دينه ،أو ألزم الذمي بائعا ببيع
مصحف أو عبد مسلم ونحو ذلك .وحكمه عند الحنفية كما قالوا :بيع المضطر وشراؤه فاسد (. )2
وأجازه فقهاء آخرون للضرورة.
بيع التلجئة :صورة بيع التلجئة أو بيع المانة :أن يخاف إنسان اعتداء ظالم على بعض ما يملك،
فيتظاهر هو ببيعه لثالث فرارا منه ،ويتم العقد مستوفيا أركانه وشرائطه .واختلف العلماء في شأنه.
فقال الحنابلة :إنه عقد باطل غير صحيح ،لن العاقدين ماقصدا البيع ،فلم يصح منهما كالهازلين ()3
.
وقال الحنفية والشافعي :هو بيع صحيح ،لن البيع تم بأركانه وشروطه،
-------------------------------
( )1الميزان ،62/2حاشية الدسوقي ،6/3 :مغني المحتاج 7/2 :ومابعدها ،القوانين الفقهية :ص
،246غاية المنتهى.5/2 :
( )2حاشية ابن عابدين ،255 ،111/4 :المغني.214/4 :
( )3المغني.214/4 :
( )5/20
وأتي باللفظ مع قصد واختيار خاليا عن مقارنة مفسد ،فصح كما لو اتفقا على شرط فاسد ،ثم عقد
البيع بغير شرط .وأما عدم رضاه بوقوعه فهو كظنه أنه ل يقع ،ل أثر له لخطأ ظنه (. )1
بيع السمسرة :السمسرة :هي الوساطة بين البائع والمشتري لجراء البيع .والسمسرة جائزة ،والجر
الذي يأخذه السمسار حلل؛ لنه أجر على عمل وجهد معقول ،لكن قال الشافعية :ل يصح استئجار
بيّاع على كلمة ل تتعب ،وإن روّجت السلعة؛ إذ ل قيمة لها ( . )2ول بأس أن يقول شخص لخر:
بع هذا الشيء بكذا ،وما زاد فهو لك ،أو بيني وبينك ،لما رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن أبي
هريرة« :المسلمون على شروطهم» .
- 2الشرط الثاني ـ من شروط صيغة البيع :أن يكون القبول موافقا لليجاب :بأن يرد على كل ما
أوجبه البائع وبما أوجبه ( )3فإذا قال إنسان لخر :بعتك هذين الثوبين بألف ليرة ،فقال المشتري:
قبلت في هذا الثوب ،وأشار إلى واحد منهما ،ل ينعقد البيع .وإذا قال لخر :بعتك هذه الدار بما فيها
من مفروشات بألفي ليرة ،فقال المشتري :قبلت شراءها دون ما فيها بألف ليرة مثلً ،لم ينعقد العقد
أيضا ،لتفريق الصفقة على البائع ،والمشتري ل يملك تفريقها؛ لن من عادة التجار ضم الرديء إلى
الجيد ،ترويجا للرديء بواسطة الجيد.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج.16/2 :
( )2مغني المحتاج 335/2 :وفي الحياء للغزالي :ل يجوز أخذ عوض على كلمة يقولها طبيب بدواء
ينفرد به بمعرفته ،إذ ل مشقة عليه في التلفظ به ،بخلف ما لو عرف الصيقل الماهر إزالة اعوجاج
السيف والمرآة بضربة واحدة ،فإن له أخذ العوض وإن كثر؛ لن هذه صناعات يتعب في تعليمها
ليكتسب بها ،ويخفف عن نفسه التعب .وأفتى القفال بأنه ل يصح استئجار له ،وهذا هو الظاهر ،وإن
قال الذرعي :المختار ما قاله الغزالي.
( )3البدائع ،137-136/5 :مغني المحتاج 5/2 :ومابعدها ،كشاف القناع ،136/3 :الموال ونظرية
العقد ،يوسف موسى.256 :
( )5/21
فلو قبل المشتري بأكثر مما طلب ،انعقد البيع؛ لن القابل بالكثر قابل بالقل طبعا ،غير أنه ل يكون
ملزما إل بالثمن الذي طلبه البائع.
ولو قبل بأقل مما ذكر البائع ،ل ينعقد العقد.
وكذا لو خالف في وصف الثمن ل في قدره ،كأن أوجب البائع البيع بثمن حالّ ،فقبل المشتري بثمن
مؤجل ،أو أوجب بأجل إلى شهر معين فقبل المشتري بأجل أبعد منه ،فل ينعقد البيع في الحالتين،
لعدم تطابق القبول مع اليجاب.
- 3أن يتحد مجلس العقد :بأن يكون اليجاب والقبول في مجلس واحد ،بأن كان الطرفان حاضرين
معا ،أو في مجلس علم الطرف الغائب باليجاب ( . )1ونتائج هذا الشرط ما يلي:
لو أوجب أحد الطرفين البيع فقام الخر عن المجلس قبل القبول ،أو اشتغل بعمل آخر يوجب اختلف
المجلس ،ثم قبل ،ل ينعقد البيع .ولكن ل يشترط الفور في القبول؛ لن القابل يحتاج إلى التأمل ،ولو
اقتصر على الفور ل يمكنه التأمل ،واعتبر المجلس الواحد جمعا للمتفرقات للضرورة.
وكذلك قال المالكية ( : )2ل يضر في البيع الفصل بين اليجاب والقبول إل أن يخرج عن البيع لغيره
عرفا.
وقال الشافعية والحنابلة ( : )3يشترط أن يكون القبول بعد اليجاب بأل يفصل بينهما فاصل كثير:
وهو ما أشعر بالعراض عن القبول .ول يضر الفصل اليسير لعدم إشعاره بالعراض عن القبول.
ويضر تخلل كلم أجنبي عن العقد ولو يسيرا بين اليجاب والقبول.
-------------------------------
( )1البدائع 137/5 :ومابعدها ،فتح القدير ،80/5 :الموال للدكتور يوسف موسى.257 :
( )2حاشية الصاوي على الشرح الصغير.17/3 :
( )3مغني المحتاج ،6 - 5/2 :كشاف القناع.163/3 :
( )5/22
التعاقد حالة المشي أو الركوب :إذا تبايعا وهما يمشيان أو يسيران على دابة واحدة أو دابتين :فإن
اتصل اليجاب والقبول من غير فصل بينهما ،انعقد العقد ،حتى ولو مشيا خطوة أو خطوتين جاز،
فإن كان بين القبول واليجاب فصل وسكوت ،وإن قل ،ل ينعقد العقد؛ لن المجلس تبدل بالمشي
والسير ،وقاسوا ذلك على قراءة آية السجدة وخيار المخيرة ( . )1فلو قرأ آية سجدة وهو يمشي على
الرض ،أو يسير على دابة ل يصلى عليها ،يلزمه لكل قراءة سجدة ،وكذا لو خير امرأته في المجلس
بأن تطلق نفسها منه وهي تمشي على الرض أو تسير على دابة ل يصلى عليها ،فمشت أو سارت:
يبطل خيارها لتبدل المجلس ،لن «التفويض يقتصر على المجلس بخلف الوكالة فإنها ل تقتصر
عليها» وتوكيل الرجل زوجته بتطليق نفسها يقتصر على المجلس (. )2
ولو تبايعا وهما واقفان ،انعقد البيع ،لتحاد المجلس.
ولو أوجب أحدهما البيع وهما واقفان ،فسار الخر قبل القبول أو سارا جميعا أو سار البائع قبل
القبول ،ثم قبل المشتري بعدئذ ل ينعقد ،لنه لما سار أحدهما أو سارا ،فقد تبدل المجلس قبل القبول،
ويجعل السير دليلً على العراض.
أما لو وقف الزوج ،فخير امرأته ،ثم سار وهي واقفة ،فلها الخيار .ولو سارت هي والزوج واقف
بطل خيارها ،فالعبرة إذن لمجلسها ل لمجلس الزوج ،فما دامت في مجلسها ،لم يوجد منها دليل
العراض ،فيظل لها الخيار .وأما الزوج فل يبطل كلمه بالعراض؛ لن التخيير من قبله لزم ،أما
في البيع فيعتبر مجلسهما جميعا.
-------------------------------
( )1خيار المخيرة :هو أن يخير الرجل امرأته في المجلس بأن تطلق نفسها منه بأن يقول لها :طلقي
نفسك إن شئت.
( )2القواعد الفقهية للشيخ محمود حمزة.24 :
( )5/23
التعاقد على ظهر سفينة أو طائرة :لو تبايع الطرفان على سفينة أو طائرة أوقطار ،انعقد العقد ،سواء
كانت هذه الوسائل واقفة أم جارية ،بخلف المشي على الرض والسير على الدابة؛ لن الشخص ل
يستطع إيقاف تلك الوسائل ،فاعتبر المجلس فيها مجلسا واحدا ،وإن طال ،أما الدابة ،فإنه يستطيع
إيقافها.
التعاقد مع غائب :إذا أوجب أحد المتعاقدين البيع أو الشراء والخر غائب ،فبلغه اليجاب ،فقبل ،ل
ينعقد البيع ،كأن يقول« :بعت هذه البضاعة من فلن الغائب» فبلغه الخبر ،فقبل :ل يصح ،لن
القاعدة الصلية في هذا :أن أحد شطري العقد الصادر من أحد العاقدين في البيع يتوقف على الخر
في مجلس العقد ( أي يظل قائما ساري المفعول ضمن المجلس ل بعده ) ول يتوقف على الشطر
الخر من العاقد الخر فيما وراء المجلس بالتفاق ،إل إذا كان عنه قابل (أي وكيل) أو كان بالرسالة
أو الكتابة (. )1
التعاقد بواسطة رسول :أما الرسالة :فهي أن يرسل أحد المتعاقدين رسولً إلى رجل فيقول المتعاقد
الخر ( :إني بعت هذا الثوب من فلن الغائب بكذا) فاذهب إلىه ،وقل له ( :إن فلنا باع ثوبه منك
بكذا ) فجاء الرسول ،وأخبره بما قال ،فقال المشتري في مجلس أداء الرسالة ( :اشتريت ) أو ( قبلت
) :تم البيع بينهما؛ لن الرسول سفير ومعبر عن كلم المرسل ،فكأنه حضر بنفسه وخوطب
بالىجاب فقبل ،فينعقد العقد.
التعاقد بالمراسلة :أما الكتابة :فهي أن يكتب رجل إلى آخر ( :أما بعد ،فقد بعت فرسي منك بكذا )
فبلغه الكتاب ،فقال في مجلسه ( أي مجلس بلوغ الكتاب) ( :اشتريت أو قبلت ) .ينعقد البيع لن
خطاب الغائب كتابة يجعله كأنه حضر بنفسه ،وخوطب باليجاب فقبل في المجلس ،فإن تأخر القبول
إلى مجلس ثان لم ينعقد البيع.
-------------------------------
( )1البدائع 137/5 :ومابعدها ،فتح القدير.79/5 :
( )5/24
وللكاتب أن يرجع عن إيجابه أمام شهود بشرط أن يكون قبل قبول الخر ووصول الرسالة .ويرى
جمهور المالكية أنه ليس للموجب الرجوع قبل أن يترك فرصة للقابل يقرر العرف مداها.
واتحاد المجلس شرط للنعقاد أيضا في الجارة والهبة ،على التفصيل السابق في البيع.
وأما الخلع فإن شطر العقد الصادر من الزوج يتوقف (أي يظل ساري المفعول) على قبول الخر
وراء المجلس بالتفاق ،كأن يقول :خالعت امرأتي الغائبة على كذا ،فبلغها الخبر ،فقبلت ،جاز.
وأما النكاح فهو كالبيع عند أبي حنيفة ومحمد ،ل يتوقف شطر العقد فيه (أي ل يسري مفعوله) إل إذا
كان عن الغائب قابل ،فإذا قال رجل للشهود( :اشهدوا أني قد تزوجت فلنة بكذا) وبلغها الخبر
فأجازت أو قالت امرأة( :اشهدوا أني زوجت نفسي من فلن بكذا) فبلغه ،فأجازها ،ل ينعقد العقد في
الحالتين عند أبي حنيفة ومحمد إل إذا كان عن الغائب قابل.
وعند أبي يوسف :يتوقف شطر العقد في النكاح على قبول الخر فيما وراء المجلس ،فينعقد العقد في
هذين المثالين بقبول الغائب ،وإن لم يقبل عنه أحد في مجلس العقد.
مبدأ وحدة الصفقة وتفرقها :
الصفقة :ضرب اليد على اليد في البيع ،والبيعة للمام ،ثم جعلت عبارة عن العقد نفسه ( . )1قال
النووي :الصفقة :هي عقد البيع ،لنه كان من عادتهم أن يضرب كل واحد من المتعاقدين يده على يد
صاحبه عند تمام العقد (. )2
والعقد يحتاج في تكوينه كما هو معلوم إلى مبيع ،وثمن ،وبائع ،ومشتر ،وبيع وشراء .وباتحاد بعض
هذه الشياء مع بعض وتفرقها ،يحصل اتحاد الصفقة ،وتفريقها (. )3
وقد اتفق العلماء على ضرورة اتحاد الصفقة من حيث المبدأ ،لن من شرائط انعقاد البيع الشرط
المذكور قريبا :وهو أن يكون القبول موافقا لليجاب ،إل أن هناك اختلفات جزئية في تحقيق هذا
المبدأ أو عدم تحقيقه أي تفريق الصفقة.
فقال الحنفية ( : )4ل بد من معرفة ما يوجب اتحاد الصفقة وتفريقها ،وذلك إما بسبب العاقدين أو
بسبب المبيع.
-------------------------------
( )1العناية بهامش فتح القدير 5 :ص .80
( )2المجموع للنووي 9 :ص .425
( )3العناية ،المكان السابق ،المجموع 9 :ص 432ومابعدها.
( )4فتح القدير ،80/5 :البدائع 136/5 :ومابعدها ،رد المحتار لبن عابدين.20/4 :
( )5/25
أ ـ أما بالنسبة للعاقدين :فإن اتحد شخص الموجب سواء أكان بائعا ،أم مشتريا ،وتعدد القابل
المخاطب ،لم يجز للقابلين تفريق الصفقة بأن يقبل أحدهما البيع دون الخر .وإن انعكس المر فتعدد
الموجب واتحد القابل ،لم يجز للقابل القبول في حصة أحد الموجبين دون الخر .مثل الحالة الولى:
أن يقول البائع لمشتريين :بعتكما هذه السلعة بألف ليرة ،فقال أحدهما :اشتريت ،ولم يقبل
الخر ،كانت الصفقة متعددة ،فلم ينعقد العقد إل باتفاق جديد .ومثل الحالة الثانية :أن يقول شخص
لمالكي سلعة :اشتريت منكما هذه السلعة بألف ليرة مثلً ،فباعه أحدهما دون الخر ،فإن الصفقة تتعدد
في هذه الحالة ،فل ينعقد العقد.
ب ـ وأما بالنسبة للمبيع :فإن اتحد العاقدان ،وقبل أحدهما في بعض المبيع دون بعض ،لم يصح
العقد ،لتفرق الصفقة.
وإن اتحد العاقدان ،وتعدد المبيع ،فإما أن يكون المبيع مثليين أو مثليا وقيميا وفي كلتا الحالتين ليجوز
للمشتري أن يقبل في أحد المبيعين ،ويرفض الخر ،فإن فعل ،تعددت الصفقة ،وحينئذ ل يتم البيع إل
برضا جديد من البائع بما قبل به المشتري ،فيصبح القبول إيجابا ،والرضا قبولً ،ويبطل اليجاب
الول.
( )5/26
غير أن هناك فرقا بين الحالتين :وذلك في قسمة الثمن على أجزاء المبيع وفي وحدة الصفقة وتعددها.
فإذا كان المبيع مثليين كقفيزين من أرز أو كمدين من حنطة أو رطلين من حديد ،وقبل المشتري في
أحدهما ،انقسم الثمن بنسبة أجزاء المبيع ،فيكون ثمن الجزء الذي تم فيه المبيع في هذا المثال نصف
الثمن الصلي المذكور لجزئي المبيع؛ لن الثمن في المثليات ينقسم على المبيع باعتبار الجزاء،
فكانت حصة كل جزء من الثمن معلوما .وتكون الصفقة عندئذ واحدة .ويشبه المثليات (المكيل
والموزون) في قسمة الثمن عليه بالجزاء ما إذا كان المبيع شيئا واحدا كحيوان واحد.
وإذا كان المبيع من غير المثليات أي القيميات كثوبين ودابتين ،ل ينقسم الثمن على المبيع باعتبار
الجزاء ،لعدم تماثل الجزاء ،وإذا لم ينقسم الثمن في هذه الحالة ،بقيت حصة كل واحد من جزئي
المبيع من الثمن مجهولة ،وجهالة الثمن تمنع صحة البيع .فإن أريد تصحيح الصفقة فل بد من أحد
أمرين:
إما أن يكرر البائع لفظ البيع بأن يقول :بعتك هذين الثوبين ،بعتك هذا بألف ،وبعتك هذا بألف ،أو
اشتريت منك هذين المتاعين ،اشتريت هذا بمئة ،واشتريت هذا بمئة ،فيصح العقد ،ويصبح هنا
صفقتان.
وإما أن يفرق الثمن على أجزاء المبيع ،بأن يقول البائع :بعتك هذين الكتابين ،هذا بمئة ،وهذا
بخمسين،فقبل المشتري في أحدهما ،جاز البيع لنعدام تفريق الصفقة الواحدة من المشتري ،بل البائع
هو الذي فرق الصفقة ،حيث سمى لكل واحد من المبيعين ثمنا على حدة ،فكانت هذه الحالة صفقات
معنى ،وإل لو كان غرض البائع أل يبيع المبيعين للمشتري إل جملة واحدة ،لم تكن هناك فائدة لتعيين
ثمن كل منهما على انفراد.
( )5/27
وإذا تطابق اليجاب والقبول ،لزم البيع ،ول خيار لواحد من العاقدين إل بسبب وجود عيب أو عدم
رؤية للمبيع .نصت المادة ( )351من المجلة على ما يأتي« :ما بيع صفقة واحدة إذا ظهر بعضه
معيبا :فإن كان قبل القبض ،كان المشتري مخيرا :إن شاء رد مجموعه ،وإن شاء قبله بجميع الثمن،
وليس له أن يرد المعيب وحده ،ويمسك الباقي .وإ ن كان بعد القبض :فإذا لم يكن في التفريق ضرر،
كان له أن يرد المعيب بحصته من الثمن سالما ،وليس له أن يرد الجميع حينئذ مالم يرضَ البائع .وأما
إذا كان في تفريقه ضرر ،رد الجميع ،أو قبل الجميع بكل الثمن ،مثلً :لو اشترى قلنسوتين بأربعين
قرشا ،فظهرت إحداهما معيبة قبل القبض ،يردهما معا ،وإن كان بعد القبض يرد المعيبة وحدها
بحصتها من الثمن سالمة ،ويمسك الثانية بما بقي من الثمن .أما لو اشترى زوجي خف ،فظهر أحدهما
معيبا بعد القبض ،كان له ردهما معا للبائع ،وأخذ ثمنهما منه» .
وقال أبو حنيفة والمالكية ( : )1إذا اشتملت الصفقة على حلل وحرام ،كالعقد على سلعة متقومة
وخمر ،أو خنزير ،أو غيرهما ،فالصفقة كلها باطلة .وقال الصاحبان :يصح العقد في الصحيح ،ويفسد
في الفاسد .ومنشأ الخلف بين أبي حنيفة وصاحبيه هو :أن الصفقة إذا اشتملت على الصحيح والفاسد
يتعدى الفساد إلى الكل عند أبي حنيفة .وأما عند الصاحبين فل يتعدى الى الصحيح ،وإنما يقتصر أثر
الفساد على الفاسد.
ولو باع الرجل ملكه وملك غيره في صفقة واحدة ،صح البيع فيهما ،ويلزم البيع فيما يملكه المالك،
ويتوقف اللزوم في ملك الغير على إجازته ،وهذا باتفاق الحنفية والمالكية ،لنهم يصححون العقد
الموقوف أو عقد الفضولي ،كما سنعلم.
وقال الشافعية والحنابلة في الرجح عندهم ( : )2تفريق الصفقة معناه :أن يبيع ما يجوز بيعه ،وما ل
يجوز بيعه صفقة واحدة بثمن واحد ،وهو ثلثة أقسام:
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،260البدائع.217/5 :
( )2المجموع ،437-425/9 :المهذب ،269/1 :المغني 236/4 :وما بعدها ،القواعد لبن رجب:
ص ،421الشباه والنظائر للسيوطي :ص ،98غاية المنتهى.16/2 :
( )5/28
أحدها ـ أن يبيع معلوما ومجهولً بثمن واحد ،لقوله :بعتك هذا الكتاب وكتابا آخر ،وهما ملك له بمئة
ليرة مثلً ،لم يصح البيع فيهما؛ لن المجهول ل يصح بيعه لجهالته ،والمعلوم مجهول الثمن ،ول
سبيل إلى معرفته ،لن معرفته إنما تكون بتقسيط الثمن عليهما ،والمجهول ل يمكن تقويمه ،فيتعذر
التقسيط.
الثاني ـ أن يكون المبيعان مما ينقسم عليهما بالجزاء ،كشيء مشترك بين اثنين ،فباعه كله أحدهما
بغير إذن شريكه ،وكشيئين من المثليات مثل قفيزين من صبرة واحدة باعهما من ل يملك إل
بعضهما ،فالصح أن يصح البيع فيما يملكه
بقسطه من الثمن ،ويفسد فيما ل يملكه؛ لن لكل واحد منهما حكما مستقلً حالة إفراده بالبيع ،فإذا
جمع مع غيره ثبت لكل واحد منهما حكمه الخاص به ،كما لو باع رجل شقصا ( )1وسيفا فإنه تثبت
الشفعة في الشقص بل خلف ،كما لو أفرده.
الثالث ـ أن يكون المبيعان معلومين مما ل ينقسم الثمن عليهما بالجزاء ،أي أن تشتمل الصفقة على
حلل وحرام كخل وخمر وشاة وخنزير ،وميتة وشاة مذكاة ،ونحوهما من القيميات ،فأصح القولين
عند الشافعي وفي رواية عند الحنابلة عن أحمد أن البيع يصح في الحلل ويبطل في الحرام (. )2
وفي كيفية توزيع الثمن على المبيعين باعتبار الجزاء ،فيقدر الخمر خلً ،والخنزير شاة ،والميتة
مذكاة .وهذا ما قاله أنصار هذه الرواية الولى عن أحمد.
ورجح ابن قدامة الحنبلي الرواية الثانية عن أحمد :وهو أنه يفسد البيع في المبيعين جميعا.
-------------------------------
( )1الشقص :الطائفة من الشيء ،والمراد به هنا قطعة من أرض أو دار.
( )2وهكذا يعرف المقصود من عبارة يتردد ذكرها عند الشافعية وهي «قول تفريق الصفقة» الشهر
عند الشافعية :أنها تفرق الصفقة ،فيبطل البيع فيما ل يجوز ،ويصح فيما يجوز ،لنه ليس إبطاله فيهما
بأولى من تصحيحه فيهما .والقول الثاني :أن الصفقة ل تفرق فيبطل العقد فيهما.
( )5/29
فإن كانت الصفقة مشتملة على مال للبائع ومال لغيره ل ينقسم الثمن عليهما بالجزاء ،فالصح عند
الشافعية أيضا أن البيع يصح فيما يملكه ،ويبطل فيما ل يملكه ،ويوزع الثمن بحسب القيمة لكل منهما،
وعند الحنابلة :الصح أنه يبطل البيع في المبيعين جميعا.
وقال الحنابلة والشافعية فيما يتعلق بخيار تفرق الصفقة :متى صح البيع في بعض الصفقة :فإن كان
المشتري عالما بالحال كأن يعلم أن المبيع مما ينقسم الثمن عليه بالجزاء كما ذكر ،فل خيار له ،لنه
اشترى على بصيرة .وإن لم يعلم بالحال ،مثل أن يشتري رجل متاعا يظنه كله للبائع ،فبان أنه ل
يملك إل نصفه ،أو متاعين فتبين أنه ل يملك البائع إل أحدهما ،فله الخيار بين الفسخ والمساك ،لن
الصفقة تبعضت عليه .وأما البائع عند إمساك المشتري جزء المبيع ،فل خيار له في الصح؛ لنه
رضي بزوال ملكه عما يجوز بيعه بقسطه من الثمن.
فإن تلف أحد المبيعين صفقة واحدة قبل القبض ،فينفسخ العقد في التالف بل خلف .وأما الباقي
فللمشتري الخيار فيه بين إمساكه بحصته من الثمن ،وبين الفسخ ،لتبعض الصفقة عليه.
وقال الظاهرية ( : )1كل صفقة جمعت حراما وحللً ،فهي باطل كلها ،ل يصح منها شيء ،مثل أن
يكون بعض المبيع مغصوبا ،أو غير مملوك للبائع ،أو آل إليه بعقد فاسد.
والخلصة :أن جمهور العلماء يبطلون الصفقة المشتملة على حلل وحرام أو مملوك وغير مملوك.
وقال الشافعية كما رجح النووي :يصح العقد فيما يجوز ،ويبطل فيما ل يجوز.
-------------------------------
( )1المحلى.20/9 :
( )5/30
( )5/31
وليس فاسدا ،وهذا هو الصحيح عند الحنفية؛ لن ركن البيع صدر من أهله مضافا إلى مال متقوم
مملوك له مقدرو على التسليم ،من غير ضرر يلزمه ( . )1ويثبت حينئذ للمشتري الخيار بين إمضاء
البيع أو فسخه .أما المستأجر أو المرتهن أو المزارع ،فإن أجاز العقد نفذ ،فلو لم يجز المستأجر حتى
انفسخت الجارة ،نفذ البيع السابق ،وكذا المرتهن إذا قضى دينه ،ول حاجة لتجديد العقد ،وهو
الصحيح كما قال ابن عابدين .وعليه يكون حكم بيع الفضولي أحد البيوع الجائزة هو قبول الجازة
من المالك .والفسخ من المشتري ل الجازة .كما أن للفضولي فسخ البيع دون النكاح.
وذكر الستاذ مصطفى الزرقاء :أن الرأي الراجح فقها :أنه ل يكون البيع موقوفا على إجازة المرتهن
أو المستأجر وإن كانا أصحاب حق في المبيع ،إذ الجازة لتكون شرعا إل لمالك أو ذي ولية ،بل
البيع نافذ ،ولكن ل يسلم المبيع إلى المشتري دون رضا المرتهن أو المستأجر صيانة لحقهما ،بل يمنح
المشتري الخيار في أن يفسخ البيع أو ينتظر إلى فكاك الرهن أو إلى انقضاء مدة الجارة ليتسلم المبيع
( . )2
تقسيم البيع من حيث النفاذ والوقف :
يترتب على ما ذكر من شروط النفاذ عند الحنفية أن البيع قسمان :نافذ وموقوف.
أما البيع النافذ :فهو أن يتوافر فيه ركن العقد مع وجود شرائط النعقاد والنفاذ.
وأما البيع الموقوف :فهو أن يوجد فيه ركن العقد مع وجود شرائط النعقاد ،ولكن لم يوجد فيه شرط
النفاذ :وهو الملك أو الولية.
واختلل شرط النفاذ :يكون إما في المبيع كما في بيع الفضولي شيئا لغيره ،وإما في التصرف كما في
بيع الصغير المميز أو المعتوه أو شرائهما.
-------------------------------
( )1البدائع ،155/5 :حاشية ابن عابدين.148-145 ،6/4 :
( )2عقد البيع :ص ،31رد المحتار لبن عابدين.361/5 :
( )5/32
آراء العلماء في تصرف الفضولي :
الفضولي في الصل :من يشتغل بما ل يعنيه أو يعمل عملً ليس من شأنه ،ومنه سمي فضوليا :من
يتصرف في شيء أو يعقد عقدا من العقود ،دون أن يكون له ولية ما على القيام به ،كمن يبيع أو
يشتري للغير ،أو يؤجر أو يستأجر لغيره ،دون وكالة أو وصاية أو ولية على العقد ،وبدون إذن من
الغير ( . )1وبيع النسان ملك غيره دون إذن منه شائع في الحياة العملية كما في بيع الزواج ملك
زوجاتهم أو بيع الفراد ملك الحكومة أو ملك من تغيب حتى طالت غيبته.
ويلحظ أن الفضولي :هو من يتصرف فيما تظهر ملكية غيره له ،وإل كان تصرفه من بيع ما ل
يملك ،وهو منهي عنه.
ومحل البحث :أن يبيع الرجل مال غيره بشرط :إن رضي به صاحب المال أمضي البيع ،وإن لم
يرض فسخ ،أو يشتري الرجل للرجل بغير إذنه على أنه إن رضي المشتري ،صح الشراء وإل لم
يصح ( ، )2فالفضولي :هو المتصرف للغير بغير إذنه.
وقد اختلف الفقهاء في حكم تصرف الفضولي.
فأما الحنفية :فقد فرقوا بين البيع والشراء ،ففي حالة البيع ينعقد تصرف الفضولي صحيحا موقوفا،
سواء أضاف الفضولي العقد إلى نفسه أم إلى المالك ،لنه ل يمكن نفاذ العقد على العاقد.
وفي حالة الشراء :إن أضاف الفضولي الشراء لنفسه ،مع أنه يريد في نيته الشراء لغيره ،كان الشراء
له هو نفسه إن صح أن ينفذ عليه؛ لن الصل أن يكون تصرف النسان لنفسه ل لغيره.
وأما إن أضاف الشراء لغيره أو لم يجد عقد الشراء نفاذا على الفضولي بأن كان صبيا أو محجورا
عن التصرف ،انعقد الشراء صحيحا موقوفا على إجازة الغير ،أو من اشتري له ،فإن أجازه نفذ عليه،
واعتبر الفضولي وكيلً ترجع إلىه حقوق العقد.
-------------------------------
( )1بداية المجتهد ،171/2 :الموال ونظرية العقد :ص ،380أصول البيع الممنوعة للستاذ عبد
السميع :ص .134
( )2بداية المجتهد.171/2 :
( )5/33
وفي الجملة :إن تصرفات الفضولي جائزة موقوفة على إجازة صاحب الشأن عند الحنفية (، )1
وتصرفات الفضولي مثل بيع المسلم فيه والمغصوب وبيع الوكيل ( )2هي من الحالت المستثناة من
بيع ما ليس مملوكا للنسان.
وقال المالكية :تعتبر تصرفات الفضولي وعقوده بصفة عامة في حالة البيع وحالة الشراء منعقدة
موقوفة على إجازة صاحب الشأن .فإن أجازها جازت ونفذت وإل بطلت؛ لن الجازة اللحقة كالذن
أو الوكالة السابقة (. )3
استدل الحنفية والمالكية بآيات البيع التي وردت عامة لم يستثن منها كون العاقد فضوليا ،مثل قوله
تعالى{ :وأحلّ ال ُ البَيْعَ} [البقرة ]275/2:وقوله سبحانه{ :يا أيّها الّذينَ آمَنُوا ل تَ ْأكُلوا أمْوالكُمْ بَي َنكُمْ
طلِ ،إل أنْ تكونَ تِجارَة عَن تَراضٍ مَنكُم} [النساء ]29/4:وقوله { :فَإذا قُضيت الصلة فان َتشِروا
بِالبا ِ
ضلِ ال} [الجمعة.]10/62:
في ال ْرضِ وابْتَغوا منْ َف ْ
-------------------------------
( )1البدائع ،150-148/5 :فتح القدير مع العناية بهامشه 309/5 :ومابعدها ،رد المحتار لبن
عابدين.6-5/4 :
( )2يصح بيع المسلم فيه وإن لم يكن مملوكا للبائع وقت العقد ،وأما المغصوب فيصح بيعه من
الغاصب ويضمن قيمته ،وبيع الوكيل نافذ.
( )3بداية المجتهد ،المرجع السابق ،حاشية الدسوقي ،12/3 :القوانين الفقهية :س .245
( )5/34
والفضولي كامل الهلية ،فإعمال عقده أولى من إهماله ،وربما كان في العقد مصلحة للمالك ،وليس
فيه أي ضرر بأحد؛ لن المالك له أل يجيز العقد ،إن لم يجد فيه فائدته .وقد ثبت أن الرسول صلّى
ال عليه وسلم فيما يرويه البخاري وغيره :أعطى عروة البارقي دينارا ليشتري له به شاة فاشترى له
به شاتين ،فباع إحداهما بدينار ،وجاءه بدينار وشاة ،فقال« :بارك ال لك في صفقة يمينك» .وروى
الترمذي وأبو داود عن حكيم بن حزام :أن النبي صلّى ال عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري به شاة
يضحيها ،فاشترى شاتين بالدينار ،وباع إحداهما بدينار جاء به هو الشاة للرسول صلّى ال عليه وسلم
،فأثنى عليه ،ودعا له بالبركة قائلً« :بارك ال لك في صفقتك» ( )1فالنبي عليه السلم لم يأمر في
الحالتين في الشاة الثانية ل بالشراء ول بالبيع.
وقال الحنابلة ( : )2ل يصح تصرف فضولي مطلقا أي ببيع أو شراء أو غيرهما ،ولو أجيز تصرفه
بعد وقوعه إل إن اشترى الفضولي في ذمته ،ونوى الشراء لشخص لم يسمه ،فيصح ،أو اشترى بنقد
حاضر ونوى لشخص لم يسمه ،فيصح ،ثم إن أجاز الشراء من اشتري له ،ملكه من حين الشراء،
وإن لم يجزه وقع الشراء للمشتري ولزمه حكمه .وقال ابن رجب :تصرف الفضولي جائز موقوف
على الجازة إذا دعت الحاجة إلى التصرف في مال الغير أو حقه ،وتعذر استئذانه إما للجهل بعينه أو
لغيبته ومشقة انتظاره.
ونصت المادة ( )13من مشروع تقنين الشريعة على مذهب أحمد« :تصرف الفضولي باطل ،ولو
أجيز بعد ،إل إذا اشترى في ذمته ونوى الشراء لشخص لم يسمه ،فيصح البيع» .
-------------------------------
( )1انظر سبل السلم.31/3 :
( )2كشاف القناع 11/2 :ومابعدها ،القواعد لبن رجب :ص ،417غاية المنتهى ،8/2 :مطالب أولي
النهى في شرح غاية المنتهى.18/3 :
( )5/35
وقال الشافعية والظاهرية :يشترط في المبيع أن يكون مملوكا لمن له العقد ،فبيع الفضولي باطل من
أساسه لينعقد أصلً فل تلحقه إجازة صاحب الشأن ،ودليلهم مارواه أبو داود والترمذي ـ وقال :إنه
حسن ـ عن النبي صلّى ال عليه وسلم قال « :لبيع إل فيما تملك » .وصح أيضا النهي عن بيع
ماليس عند النسان ( )1أي ماليس مملوكا للبائع ،وذلك للغرر الناشئ عن عدم القدرة على التسليم
وقت العقد ،ومايترتب عليه من النزاع .وقالوا عن حديث عروة البارقي أو حكيم بن حزام :إنه
محمول على أنه كان وكيلً مطلقا عن النبي صلّى ال عليه وسلم ،ويدل عليه أنه باع الشاة وسلمها (
، )2فهي وكالة خالف فيها الوكيل إلى خير فينفذ تصرفه .وأما شراء الفضولي في رأي هؤلء
فيعتبر شراء لنفسه ،ويلزمه هو وحده ولينتقل الملك عنه إلى غيره إل بعقد جديد كما هو رأي
الحنفية.
شروط إجازة تصرف الفضولي :
اشترط الحنفية لجازة عقد الفضولي شروطا (: )3
- 1أن يكون للعقد مجيز حالة العقد :أي من كان يستطيع إصدار العقد بنفسه ،لن ما له مجيز
متصور منه الذن بإتمام العقد للحال ،وبعد صدور التصرف.
-------------------------------
( )1نص الحديث رواه أحمد وأصحاب السنن الربعة عن حكيم بن حزام ،وهو أن النبي صلّى ال
عليه وسلم قال له « :لتبع ماليس عندك » حسنه الترمذي ( انظر نصب الراية ،45/4 :نيل الوطار:
. )155/5
( )2مغني المحتاج ،15/2 :المجموع للنووي 284 ،281/9 :ومابعدها.
( )3البدائع ،151-149/5 :فتح القدير ،311/5 :الدر المختار ورد المحتار.142/4 :
( )5/36
وأما ما ل مجيز له فل يتصور منه الذن للحال ،والذن في المستقبل قد يحدث وقد ل يحدث .وعلى
هذا :إذا طلق فضولي امرأة زوج بالغ ،أو وهب ماله ،أو تصدق به ،انعقد التصرف موقوفا على
الجازة؛ لن صاحب الشأن كان يستطيع أن يصدر هذه العقود بنفسه ،فيستطيع لهذا أن يجيزها بعد
وقوعها ،فكان للتصرف مجيز حال العقد .أما لو فعل فضولي شيئا مما ذكر بالنسبة لصغير ،فل ينعقد
العقد؛ لن الصبي ليس من أهل هذه التصرفات بنفسه ،فلم يكن لها مجيز حين العقد ،وكذلك ولي
الصبي ل قيمة لجازته؛ لنه ل يملك هذه التصرفات بنفسه.
- 2أن تكون الجازة حين وجود البائع ،والمشتري ،والمالك ،والمبيع ،فلو حصلت الجازة بعد هلك
أحد هؤلء ،بطل العقد ولم تفد الجازة شيئا؛ لن الجازة تصرف في العقد ،فل بد من قيام العقد،
وقيامه بقيام العاقدين والمعقود عليه.
- 3أل يمكن تنفيذ العقد على الفضولي عند رفض صاحب الشأن ،على ما تبين سابقا.
فسخ عقد الفضولي وإجازته :
فسخ العقد الصادر من الفضولي كبيع مثلً :قد يكون من صاحب الشأن المالك للمبيع كما هو واضح،
وقد يكون من الفضولي البائع قبل إجازة المالك ،حتى يدفع عن نفسه الحقوق التي تلزمه لو أجاز
المالك ،وقد يكون من المشتري ليدفع عن نفسه ما قد يلحقه من ضرر بشرائه من غير صاحب الشأن.
أما في عقد الزواج :فليس للفضولي فسخه ،لنه عقد ترجع فيه الحقوق إلى الصيل صاحب الشأن (
. )1
أما إجازة عقد الفضولي فمقصورة على المالك (مالك المال) أو الغير الذي تعلق له حق بالمبيع ،وذلك
إذا كان البائع والمشتري والمبيع قائما ،بأن ليتغير المبيع بحيث يعد شيئا آخر؛ لن إجازته كالبيع
حكما ،وكذا يشترط قيام الثمن إذا كان عرضا معينا؛ لنه مبيع من وجه ،فيكون ملكا للفضولي ،فإذا
هلك هلك عليه (. )2
-------------------------------
( )1البدائع ،151/5 :فتح القدير.312-309/ :
( )2الدر المختار ورد المحتار 146/4 :وما بعدها.
( )5/37
( )5/38
صحيحة شرعا .وهي إجمالً أن يخلو عقد البيع من العيوب الستة ،وهي :الجهالة ،والكراه،
والتوقيت ،والغرر ،والضرر ،والشروط المفسدة.
الول ـ الجهالة :يراد بها الجهالة الفاحشة أو التي تفضي إلى نزاع يتعذر حله وهو النزاع الذي
تتساوى فيه حجة الطرفين بالستناد إلى الجهالة ،كما لو باع إنسان شاة من قطيع .وهذه الجهالة أربعة
أنواع:
- 1جهالة المبيع جنسا أو نوعا أو قدرا بالنسبة إلى المشتري.
- 2جهالة الثمن كذلك :فل يصح بيع الشيء بثمن مثله ،أو بما سيستقر عليه السعر.
- 3جهالة الجال ،كما في الثمن المؤجل ،أو في خيار الشرط ،فيجب أن تكون المدة معلومة وإل
فسد العقد .ويلحظ أن الذي يجوز تأجيله لجل معلوم في عقد البيع هو الثمن أو المبيع إذا كان كل
منها دينا ثابتا في الذمة ،فإن كان الثمن أو المبيع عينا ،فل يجوز تأجيله باتفاق العلماء ،فلو باع
شخص سلعة معينة على أن يسلمها بعد شهر ،أو اشترى شخص بثمن عين ( أي ذات معينة غير دين
) على أن يدفع الثمن بعد شهر ،فالبيع فاسد ،ولو كان الجل معلوما؛ لن الجل شرع ترفيها ليتمكن
العاقد من الحصول على العوض أثناءه ،وهذا أمر يليق بالديون لنها ليست معينة في البيع ،ول يليق
بالعيان المعينة لن العين معين حاضر ،فيكون تأخير تسليمه ملحقا ضررا من غير فائدة أو تحصيلً
لحاصل (. )1
-------------------------------
( )1راجع فتح القدير ،219/5 :المجموع ،373/9 :بداية المجتهد.155/2 :
( )5/39
- 4الجهالة في وسائل التوثيق ،كما لو اشترط البائع تقديم كفيل أو رهن بالثمن المؤجل ،فيجب أن
يكونا معينين وإل فسد العقد.
الثاني ـ الكراه :هو حمل المستكره على أمر يفعله وهو نوعان:
- 1إكراه ملجئ أو تام :وهو الذي يجد المستكره نفسه مضطرا به لفعل المر المكره عليه ،وذلك
كالتهديد بالقتل أو الضرب الذي يخشى منه ضياع عضو.
- 2إكراه غير ملجئ أو ناقص :كالتهديد بالحبس أو الضرب أو إيقاع الظلم به كمنع ترقيته في
وظيفته أو إنزاله درجة.
والكراه بنوعيه يؤثر في البيع ،فيجعله فاسدا عند جمهور الحنفية وموقوفا عند زفر .فيملك المشتري
المبيع بالقبض إذا اعتبر فاسدا ،ول يملكه مطلقا بالقبض إذا اعتبر موقوفا ،والرجح اعتبار عقد
المكره موقوفا ،لنه باتفاق الحنفية إذا أجازه المستكره بعد زوال الكراه يجوز ويلزم في حقه ،وهذا
هو حكم العقد الموقوف ل الفاسد (. )1
الثالث ـ التوقيت :هو أن يوقت البيع بمدة كما لو قال :بعتك هذا الثوب شهرا أو سنة ،فيكون البيع
فاسدا ،لن ملكية العين لتقبل التأقيت.
الرابع ـ الغرر :المراد به غرر الوصف ،كما لو باع بقرة على أنها تحلب كذا رطلً ،لنه موهوم
التحقق فقد ينقص.
أما لو باعها على أنها حلوب دون تحديد مقدار ،فإنه شرط صحيح .وأما غرر الوجود فهو مبطل
للبيع لنهي النبي صلّى ال عليه وسلم عن بيع الغرر ( : )2وهو ماكان المبيع فيه محتمل ً للوجود
والعدم ،كبيع نتاج النتاج ،وبيع الحمل الموجود.
-------------------------------
( )1انظر البدائع ،188/7 :المدخل الفقهي للستاذ الزرقاء 364/1 :في الحاشية ف .185
( )2رواه مسلم وأحمد وأصحاب السنن الربعة عن أبي هريرة رضي ال عنه (انظر جامع الصول:
،441/1مجمع الزوائد .)80/4 :
( )5/40
الخامس ـ الضرر :يراد به ما إذا كان تسليم المبيع ل يمكن إل بإدخال ضرر على البائع ،فيما سوى
المبيع من ماله ،كما لو باع جذعا معينا في سقف مبني ،أو ذراعا من ثوب يضره التبعيض ،فإن
التنفيذ يقضي بهدم ما حول الجذع وتعطيل الثوب.
وبما أن الفساد هنا لصيانة حق شخصي ،ل لحق الشرع ،قرر الفقهاء أن البائع لو نفذ الضرر على
نفسه ،بأن قلع الجذع أو قطع الثوب وسلمه إلى المشتري ،انقلب البيع صحيحا.
السادس ـ الشرط المفسد :هو كل شرط فيه نفع لحد المتبايعين ،إذا لم يكن قد ورد به الشرع ،أو
جرى به العرف ،أو يقتضيه العقد ،أو يلئم مقتضاه ،مثل أن يبيع سيارة على أن يستخدمها شهرا بعد
البيع ،أو دارا على أن يظل مقيما بها مدة معينة ،أو أن يشترط المشتري على البائع في صلب العقد
أن يقرضه مبلغا من المال.
والشرط الفاسد إذا وجد في عقد من عقود المعاوضات المالية كالبيع والجارة والقسمة مثلً أفسده،
ولكنه يكون لغوا في العقود الخرى ،مثل التبرعات والتوثيقات والزواج ،وتكون هذه العقود حينئذ
صحيحة (. )1
وقد علق الستاذ مصطفى الزرقاء على ذلك ،فقال :وبما أن عرف الناس مصحح للشروط في نظر
الفقهاء ،فكل شرط فاسد في الصل ينقلب صحيحا ملزما إذا تعارفه الناس ،وشاع بينهم اشتراطه.
وعندئذ يمكن القول :بأن الشرط الفاسد قد زال فقهيا من معاملت الناس بمفعول الزمن ،وأصبحت
الشروط في هذا العصر كلها صحيحة بمقتضى قواعد الجتهاد الحنفي نفسه (. )2
-------------------------------
( )1الموال ونظرية العقد لستاذنا المرحوم محمد يوسف موسى :ص .423
( )2عقد البيع :ص .28
( )5/41
وأما الشروط الخاصة :فهي التي تخص بعض أنواع البيع دون بعض وهي كما يأتي:
- 1القبض في بيع المنقولت :أي أنه إذا باع شخص شيئا من المنقولت التي كان قد اشتراها،
فيشترط لصحة بيعه :أن يكون قد قبضها من بائعها الول ،لن المنقول يكثر هلكه ،فيكون في بيعه
ثانية قبل قبضه غرر ،أما إذا كان عقارا فيجوز بيعه قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف كما
سيأتي.
- 2معرفة الثمن الول في بيوع المانة ،أي إذا كان البيع مرابحة أو تولية أو وضيعة أو إشراكا.
وسيأتي تفسيرها.
- 3التقابض في البدلين قبل الفتراق إذا كان البيع صرفا.
- 4توافر شروط السلم التي سيأتي ذكرها إذا كان البيع سلما.
- 5المماثلة في البدلين إذا كان المال ربويا والخلو عن شبهة الربا.
- 6القبض في الديون الثابتة في الذمة ،كالمسلم فيه ،ورأس مال السلم ،وبيع شيء بدين على غير
البائع ،فل يصح بيعها من غير من عليه الدين إل بعد قبضها .مثاله :ل يصح لرب السلَم أي
(المشتري) أن يبيع المال المسلم فيه قبل قبضه من المسلم إلىه (البائع) ،ول يصح للدائن أن يشتري
بدينه شيئا من غير المدين قبل قبضه.
رابعا ـ شروط لزوم البيع :
شرائط اللزوم تأتي بعد شرائط النعقاد والنفاذ ،فيشترط للزوم البيع :خلوه من أحد الخيارات التي
تسوغ لحد العاقدين فسخ العقد :مثل خيار الشرط والوصف والنقد والتعيين ،والرؤية ،والعيب،
والغبن مع التغرير .فإذا وجد في البيع شيء من هذه الخيارات منع لزومه في حق من له الخيار،
فكان له أن يفسخ البيع أو أن يقبله ،إل إذا حدث ما نع من ذلك ،كما سيأتي في مباحث الخيارات ()1
.
ويلحظ أن النعقاد يقابله البطلن ،والصحة يقابلها الفساد ،والنفاذ يقابله التوقف ،واللزوم يقابله عدم
اللزوم أي التخيير.
-------------------------------
( )1حاشية ابن عابدين ،6/4 :عقد البيع للستاذ الزرقاء :ص .32
( )5/42
خلصة أنواع شروط البيع في المذاهب وبيان التفاق والختلف فيها :
اختلف الفقهاء في أنواع شروط البيع ،فهي عند الحنفية ثلثة وعشرون شرطا ،وفي مذهب المالكية
أحد عشر شرطا ،ولدى الشافعية اثنان وعشرون شرطا ،وفي رأي الحنابلة أحد عشر شرطا.
الشروط في مذهب الحنفية :
شروط البيع عند الحنفية أربعة أقسام :شروط النعقاد ،وشروط الصحة ،وشروط النفاذ ،وشروط
اللزوم ،وجملتها ثلثة وعشرون شرطا (. )1
أما شروط النعقاد ،فهي أربعة أنواع:
النوع الول ـ شروط العاقد :يشترط في العاقد ،سواء أكان بائعا أم مشتريا شرطان هما:
ل أو مميزا :فل ينعقد بيع المجنون ول شراؤه ،ومثله الصغير غير المميز.
ً - 1أن يكون عاق ً
ً - 2أن يكون متعددا :فل ينعقد البيع بشخص واحد ،بل يلزم أن يكون اليجاب من شخص ،والقبول
من شخص آخر ،إل الب ووصيه والقاضي والرسول من الجانبين ،يكون كل منهم بائعا ومشتريا
بنفسه.
النوع الثاني ـ شروط الصيغة :يشترط في صيغة العقد من اليجاب والقبول ثلثة شروط هي:
ً - 1سماع الصيغة :فل ينعقد البيع إل إذا سمع كل واحد من العاقدين كلم صاحبه.
ً - 2توافق اليجاب والقبول :بأن يقبل المشتري كل ما أوجبه البائع وبما أوجبه من الثمن ،فإذا
اختلف القبول مع اليجاب ،ل ينعقد البيع ،إل إذا كانت المخالفة إلى خير ،بأن يقبل المشتري زيادة
عن الثمن الموجب به.
ً - 3اتحاد مجلس العقد :بأن يكون اليجاب والقبول في مجلس واحد ،دون فاصل ،فإن اختلف
المجلس ل ينعقد البيع ،وإن تخلل انقطاع أجنبي عن العقد بأن يقوم أحدهما عن المجلس قبل القبول،
أو يشتغل بعمل آخر ،لم ينعقد البيع .واعتبر المجلس الواحد جمعا للمتفرقات بحسب التعاقد وعادة
الناس .ول يشترط الفور في القبول؛ لن القابل يحتاج إلى التأمل.
-------------------------------
( )1البدائع.155 ،148-135/5 :
( )5/43
وفي التعاقد بين غائبين بطريق المراسلة يعتبر مجلس بلوغ الرسالة من العاقد الول إلى الثاني هو
مجلس التعاقد.
النوع الثالث ـ شروط المعقود عليه :يشترط في المعقود عليه خمسة شروط هي:
ً - 1أن يكون المبيع مالً :وهو ما يمكن النتفاع به في العادة ،فل ينعقد بيع الميتة وبيع اليسير من
المال كحبة حنطة؛ لنه ليس بمال.
ً - 2أن يكون متقوما :وهو ما يباح النتفاع به شرعا ،فل ينعقد بيع الخمر والخنزير؛ إذ ل يباح
النتفاع بهما شرعا .وقد جمعت هذين الشرطين سابقا في شرط واحد.
ً - 3أن يكون محرزا ،أي مملوكا في نفسه :وهو ما دخل تحت حيازة ملك خاص ،فل ينعقد بيع ما
ليس بمملوك لحد من الناس ،كالعشب المباح ولو في أرض مملوكة.
ً - 4أن يكون المعقود عليه موجودا حين التعاقد :فل ينعقد بيع المعدوم كنتاج النتاج(ولد الولد) ،ول
ماله خطر العدم واحتمال الوجود كالحمل في البطن ،واللبن في الضرع.
ً - 5أن يكون مقدور التسليم حين العقد :فل ينعقد بيع السمك في الماء والطير في الهواء.
النوع الرابع ـ شرط البدل :
ل متقوما كالخمر
ل متقوما قائما ،فل ينعقد البيع بثمن ل يعد ما ً
وهو شرط واحد وهو أن يكون ما ً
والخنزير.
وأما شروط الصحة :فهي قسمان :عامة وخاصة.
أما العامة :فهي المتعلقة بكل أنواع البيع ،وهي جميع شروط النعقاد المذكورة آنفا؛ لن كل عقد ل
ينعقد ،فل يصح أيضا ،ويزاد عليها شروط أربعة هي:
ً - 1أن يكون المبيع معلوما والثمن معلوما علما يمنع من المنازعة :فل يصح بيع المجهول كشاة من
قطيع غنم ،ول أن يبيع شيئا بثمن مجهول غير معين ،كأن يبيع شيئا بقيمته ،أو بما في يده أو جيبه.
ً - 2أل يكون البيع مؤقتا :فإن أقته بوقت ل يصح؛ لن مقتضى البيع هو إفادة نقل الملكية في البدلين
(المبيع والثمن) أبديا على الدوام.
ً - 3أن يكون للبيع فائدة :فل يصح بيع درهم بدرهم مساوٍ له.
( )5/44
ً - 4أن يخلو عن الشرط المفسد :وهو كل شرط فيه منفعة زائدة لحد المتعاقدين ،إذ لم يرد به
الشرع ،ولم يجز به العرف ،ول يلئم مقتضى العقد ،كاشتراط أن تكون الدابة حاملً ،أو أن ينتفع
بالمبيع مدة بعد البيع ،أو أن يقرض المشتري البائع مبلغا من المال.
وأما الشروط الخاصة ببعض أنواع البيوع فهي خمسة:
ً - 1القبض في بيع المنقول والعقار الذي يخشى هلكه :فإن اشترى شخص شيئا ،لم يصح بيعه
لخر قبل قبضه للنهي عن بيع مالم يقبض.أما العقار الذي ل يخشى هلكه ،فيجوز بيعه قبل القبض
في رأي الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف.
ً - 2أن يكون الثمن الول معلوما في بيوع المانة :وهي بيع المرابحة والتولية والوضيعة.
ً - 3التقابض والتساوي في البدلين المتحدي الجنس وكانا مما يكال أو يوزن ،وهذا شرط في بيع
الموال الربوية.
ً - 4توافر شروط السلم الخاصة به مثل قبض رأس مال السلم كله في مجلس العقد.
ً - 5أل يكون أحد البدلين دَيْنا في بيع الدين إلى غير المدين.
وأما شروط النفاذ :فهي اثنان:
ً - 1أن يكون المبيع مملوكا للبائع ،أو له عليه ولية :فل ينفذ بيع غير المملوك للبائع وهو بيع ملك
الغير أو بيع الفضولي ،إل في عقد السلم ،فإنه يصح بيع ما سيملكه بعد العقد.
ً - 2أل يكون في المبيع حق لغير البائع :فل ينفذ بيع المرهون والمأجور؛ لنه وإن كان مملوكا له،
ولكن للغير حق فيه.
وأما ما يشترط في لزوم العقد؛ فهو شرط واحد:
وهو خلو البيع من الخيار ،فل يلزم البيع المشتمل على الخيار ،ويجوز فسخه.
شروط البيع في مذهب المالكية :
اشترط المالكية شروطا في العاقد وفي الصيغة وفي المعقود عليه ،وجملتها أحد عشر شرطا (. )1
أما شروط العاقد بائعا أو مشتريا فهي ثلثة ،يزاد عليها رابع في البائع:
ً - 1أن يكون كل من البائع والمشتري مميزا :فل ينعقد بيع الصبي غير
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص 245وما بعدها ،بداية المجتهد.171-168 ،127-125/2 :
( )5/45
المميز ،والمجنون والمغمى عليه والسكران .أما بيع المميز فل يلزم وإن كان صحيحا إل إذا كان
ل عن مكلف ،فإن بيعه يلزم.
وكي ً
ً - 2أن يكون كلهما مالكين ،أو وكيلين لمالكين ،أو ناظرين عليهما :فينعقد بيع الفضولي:
وهوالشراء لحد بغير إذنه أو البيع عليه بغير إذنه ،ويتوقف على إذن المالك.
ً - 3أن يكونا طائعين :فبيع المكره وشراؤه باطلن .والمعتمد لدى المالكية أن بيع المكره غير لزم.
ً - 4أن يكون البائع رشيدا :فل ينفذ بيع السفيه والمحجور ،وشراؤه موقوف على إجازة وليه.
ول يشترط السلم في العاقد إل في شراء العبد المسلم ،وفي شراء المصحف ،لكن يكون البيع
صحيحا نافذا ،ويجبر المشتري الكافر على إخراج المبيع من ملكه؛ لن في تملكه العبد المسلم أو
المصحف إهانة ،ويصح بيع العمى وشراؤه.
وأما شروط الصيغة فهي اثنان :
ً - 1أن يتحد المجلس :بأن يكون القبول مع اليجاب في مجلس واحد :فلو قال البائع للمشتري :بعتك
الكتاب بكذا ،فلم يجبه ،ثم تفرقا عن المجلس ،لم ينعقد البيع.
ً - 2أل يفصل بين اليجاب والقبول فاصل يدل على العراض عن البيع عرفا :فإن وجد فاصل يدل
على العراض عرفا ،لم ينعقد البيع.
وأما شروط الثمن والمثمن فهي خمسة:
ً - 1أن يكون غير منهي عنه شرعا :فل ينعقد بيع الميتة والدم وما لم يقبض.
ً - 2أن يكون طاهرا :فل يجوز بيع النجس كالخمر والخنزير ،والمشهور منع بيع العاج والزبل
والزيت النجس مطلقا .وأجاز ابن وهب ذلك البيع ،فمن رأى أن عاج الفيل ناب جعله كالميتة ،ومن
رأى أنه قرن معكوس جعل حكمه حكم القرن.
ً - 3أن يكون منتفعا به شرعا :فل يجوز بيع ما ل منفعة فيه كالكلب والخشاش (الحشرات) وآلت
اللهو ،واختلف المالكية في بيع الكلب للصيد وحراسة الغنم على رأيين.
ً - 4أن يكون معلوما للعاقدين :فل يجوز بيع المجهول.
( )5/46
ً - 5أن يكون مقدورا على تسليمه :فل ينعقد بيع معجوز التسليم كالسمك في الماء.
شروط البيع في مذهب الشافعية :
اشترط الشافعية اثنين وعشرين شرطا وهي إما في العاقد ،وإما في الصيغة ،وإما في المعقود عليه (
. )1
أما شروط العاقد فهي أربعة:
ً - 1الرشد :وهو أن يكون بالغا عاقلً ،مصلحا لدينه وماله :فل ينعقد بيع صبي وإن قصد اختباره،
ول من مجنون ،ول من محجور عليه بسفه .لكن لو تعاقد الصبي و أتلف عنده ما ابتاع أو ما اقترض
من رشيد ،وأقبضه له ،لم يضمن؛ لن المُقبض أو المُسلّم هو المضيع لماله ،هذا في الظاهر ،أما في
الباطن ،فيغرم بعد البلوغ ،كما نص عليه الشافعي في الم في باب القرار .أما إن تسلم المبيع من
صبي مثله ،ولم يأذن الوليان لهما ،ضمن كل منهما ما قبض من الخر .فإن كان التسليم بإذن الوليين،
فالضمان عليهما فقط ،لوجود التسليط منهما.
وعلى البائع للصبي رد الثمن إلى وليه ،فلو رده إلى الصبي ،ولو بإذن الولي ،وهو ملك الصبي ،لم
يبرأ منه .وإن رده للولي برئ منه .هذا أي عدم البراءة ما إذا لم يكن المبيع في مصلحة تتعلق ببدن
الصبي من مأكل أو مشرب ونحوهما ،وإل برئ.
ً - 2عدم الكراه بغير حق :فل يصح عقد مكره في ماله بغير حق ،لقوله تعالى{ :إل أن تكون
تجارة عن تراض منكم} [النساء.]29/4:
ول أثر لقول المكره بغير حق إل في الصلة ،فتبطل به في الصح ،ول لفعله إل في الرضاع
والحدث والتحول عن القبلة وترك القيام في الفريضة مع القدرة ،وكذا القتل ونحوه في الصح.
أما الكراه بحق :فيصح ،إقامة لرضا الشرع مقام رضاه ،كمن توجه عليه دين ،وامتنع من الوفاء
والبيع ،فإن شاء القاضي ،باع ماله بغير إذنه ،لوفاء دينه ،وإن شاء عزره وحبسه إلى أن يبيعه.
-------------------------------
( )1مغني المحتاج ،16-5/2 :تحفة الطلب :ص .145-141
( )5/47
ً - 3إسلم من يشترى له مصحف ونحوه من كتب حديث وآثار سلف وكتب فقه فيها شيء من
القرآن والحديث وآثار السلف ،لما في ذلك من الهانة لها :فليصح شراء الكافر المصحف ونحوه
مما ذكر ،ول شراء الكافر العبد المسلم في الظهر ،لما فيه من إذلل المسلم ،ولقوله تعالى{ :ولن
يجعل ال للكافرين على المؤمنين سبيلً} [النساء.]141/4:
ً - 4أل يكون المشتري حربيا محاربا في بيع آلت الحرب كسيف ورمح ونحوهما ،لتقوي الحربيين
عدّة الحرب ،ولو مما يصنع منه كالحديد،
بهما على المسلمين ،واستعانتهم بذلك على قتالنا .أما غير ُ
فيجوز بيعه للحربي؛ إذ ل يتعين جعله عدة حرب .والذمي في دار الحرب كالحربي.
وأما شروط الصيغة فهي ثلثة عشر:
ً - 1الخطاب :بأن يخاطب كل من العاقدين صاحبه ،كأن يقول له :بعتك كذا ،فلو قال :بعت لزيد،
فل يصح.
ً - 2أن يقع الخطاب على جملة المخاطب :كأن يقول له :بعتك ،أما لو قال له :بعت يدك أو رأسك
مثلً ،فل يصح.
ً - 3أن يكون القبول ممن صدر معه الخطاب :فلو وجه اليجاب ،فقبل عنه آخر ليس وكيلً عنه،
فل يصح البيع .ولو مات المخاطب به قبل قبوله ،فقبل وارثه ،لم ينعقد البيع ،وكذا لو قبل وكيله أو
موكله.
ً - 4أن يذكر البادئ بالكلم الثمن والمثمن :كأن يقول :بعتك هذا الشيء بكذا ،أو اشتريت منك هذا
الشيء بكذا.
ً - 5أن يقصد كل العاقدين معنى اللفظ الذي ينطق به :فإذا جرى على لسانه لفظ اليجاب أو القبول،
أو كان هازلً ،دون أن يقصد التمليك والتملك ،ل يصح البيع.
ً - 6أن يصر البادئ على ما أتى به من اليجاب إلى القبول ،وأن تستمر أهلية العاقدين إلى تمام
القبول :فلو قال :بعتك ،ثم جن أو أغمي عليه قبل قبول الخر ،بطل العقد .ولو أوجب بمؤجل أو
شرط الخيار ،ثم أسقط الجل أو الخيار ،لم يصح العقد ،لضعف اليجاب وحده ،في الحالتين.
( )5/48
ً - 7أل يطول الفصل بين لفظي اليجاب والقبول ،ولو بكتابة أو إشارة أخرس بسكوت طويل.
والفاصل الطويل :هو ما أشعر بإعراضه عن القبول .أما الفصل اليسير بالسكوت فل يضر ،لعدم
إشعاره بالعراض عن القبول.
ً - 8أل يتخلل بين اليجاب والقبول كلم أجنبي عن العقد ،ولو يسيرا ،فيضر الفصل اليسير بالكلم
الجنبي؛ وإن لم يتفرقا عن المجلس؛ لن فيه إعراضا عن القبول ،بخلف السكوت اليسير ،وبخلف
يسير الكلم الجنبي في الخلع؛ لن فيه من جانب الزوج شائبة التعليق ،ومن جانب الزوجة شائبة
جعالة ،وكل منهما موسع فيه محتمل للجهالة ،بخلف البيع.
ً - 9أل يغير الموجب كلمه قبل قبول الخر :فإذا قال :بعتك بخمسة ،ثم قال :بعشرة ،قبل أن يقبل
الخر ،لم يصح العقد.
ً - 10سماع الصيغة :بأن يسمع كل عاقد ومن بقربه من الحاضرين كلم الخر ،فإن لم يسمعه من
كان قريبا لم ينعقد العقد.
ً - 11أن يتوافق اليجاب والقبول تماما :فلو اختلفا ،لم يصح العقد.
ً - 12أل يعلق الصيغة بشيء ل يقتضيه العقد :مثل إن جاء فلن فقد بعتك كذا ،أو بعتك هذه الدار
إن شاء فلن أو إن شاء ال ؛ لن البيع يقتضي التنجيز .أما إن علق بما يقتضيه العقد ،كقوله :بعتك
هذا بكذا إن شئت ،فقال :اشتريت ،صح العقد؛ لن هذا التعليق ل ينافي العقد ،وهو تصريح بمقتضى
العقد.
ً - 13أل يكون العقد مؤقتا :فلو قال :بعتك الدار بألف شهرا مثلً ،لم يصح؛ لن البيع يقتضي
التأبيد.
وأما شروط المعقود عليه فهي خمسة:
ً - 1أن يكون المعقود عليه طاهرا :فل يصح بيع الكلب والخمر ،والمتنجس الذي ل يمكن تطهيره
كالخل واللبن والدبس وكذا الدهن في الصح.
( )5/49
ً - 2أن يكون منتفعا به شرعا :فل يصح بيع الحشرات التي ل نفع فيها ،ول يصح بيع كل سبع أو
طير ل ينفع كالسد والذئب والحدأة والغراب غير المأكول .ول يصح بيع آلة اللهو كالطنبور والصنج
والمزمار والعود والصنام والصور وإن اتخذت من نقد ،للحرمة ،ولنه ل نفع بها شرعا .ول يصح
بيع حبتي حنطة ونحوها ،لعدم المالية .ويمكن أن يشمل هذين الشرطين كون المعقود عليه غير منهي
عنه شرعا .ويصح بيع الماء المحرز على الشط ،والحجر عند الجبل والتراب بالصحراء ممن
حازها ،في الصح ،لظهور المنفعة فيها.
ً - 3أن يكون مقدور التسليم :فل يصح بيع الطير في الهواء ول السمك في الماء ،ول بيع الضالّ
والبق والمغصوب ،لكن إن باعه لقادر على انتزاعه من الغاصب ،أو باع البق لقادر على رده،
صح على الصحيح ،نظرا إلى وصوله إليهما ،إل إن احتاج إلى مؤنة ،فالظاهر البطلن.
ً - 4أن يكون مملوكا للعاقد أو له عليه ولية :فبيع الفضولي (وهو البائع مال غيره بغير إذنه ول
ولية له) باطل ،لقوله صلّى ال عليه وسلم « :ل بيع إل فيما تملك» (. )1
ً - 5أن يكون معلوما للعاقدين عينا وقدرا وصفة :فبيع أحد الثوبين ونحوهما باطل للغرر أو الجهالة.
ويصح بيع صاع من صُبرة ( وهي الكومة من الطعام ) لتساوي أجزائهما ،وتغتفر جهالة المبيع هنا،
فإنه ينزل على صاع مبهم ،لتعذر الشاعة .أما بيع شيء من أشياء متفاوتة الجزاء كبيع شاة من هذه
الشياه ،فل يصح ،لتفاوت الجزاء.
-------------------------------
( )1رواه أبو داود والترمذي ،وقال :إنه حسن.
( )5/50
( )5/51
ً - 1أن يكون مالً :وهو ما يباح النتفاع به شرعا مطلقا في غير حاجة ول ضرورة؛ لن البيع
مبادلة مال بمال ،فل يصح بيع ما ل نفع فيه أصلً
كالحشرات ،وما فيه منفعة محرّمة كالخمر ،وما فيه منفعة مباحة للحاجة كالكلب ،وما فيه منفعة تباح
للضرورة كالميتة حال الضطرار أو المخمصة ،والخمر لدفع لقمة غص بها.
ويصح بيع جلد ميتة دبغ وكان اقتناؤه بل حاجة ،ويجوز بيع بغل وحمار ودود قز ونحل منفردا
بشرط كونه مقدورا عليه ،أو مع كوّارته إذا شوهد داخلً فيها؛ لن فيه منافع للناس ،ويصح بيع ما
يصاد عليه من الطيور ،وديدان لصيد سمك ،وسباع بهائم وجوارح طير للصطياد ،ل لغيره ،ويصح
بيع علق لمص دم.
ويصح بيع طير لقصد صوته كبلبل وهزار؛ لن فيه نفعا مباحا ،وكذا يصح بيع ببغاء وهي الدّرة
ونحوها كقُمري.
ويجوز إهداء الكلب المباح والثابة عليه ،ل على وجه البيع.
ول يجوز بيع سموم قاتلة كسم الفاعي ،لخلوها من نفع مباح ،وكذا ليجوز بيع سم الحشائش
والنبات ،إل ما ينتفع به وأمكن التداوي بيسيره كالسقمونيا ونحوها.
ويحرم بيع المصحف لمسلم أو لكافر ،لن تعظيمه واجب ،وفي بيعه ابتذال له وترك لتعظيمه ،ولن
الكافر يمنع من استدامة ملك المصحف ،فيمنع من ابتدائه.
( )5/52
ول يصح بيع آلة لهو كمزمار وطنبور ونرد وشطرنج ،ول بيع حشرات كخنافس وفأر وحيات
وعقارب وصراصر ونحوها ،ول بيع ميتة ولو لمضطر ول بيع دم وخنزير وصنم .ول يصح بيع
سرجين نجس (زبل) ،ول بيع أدهان نجسة العين من شحوم الميتة وغيرها ،لحديث البخاري ومسلم:
«إن ال إذا حرم شيئا حرم ثمنه» ول يحل النتفاع بالدهان النجسة باستصباح ول غيره ،فقد حرمه
النبي صلّى ال عليه وسلم في حديث جابر المتفق عليه .ول يصح بيع أدهان متنجسة كزيت لقى
نجاسة ،ولو لكافر للحديث السابق« :إن ال تعالى إذا حرم شيئا حرم ثمنه» ويجوز الستصباح في
الدهان المتنجسة في غير مسجد؛ لنه أمكن النتفاع بها من غير ضرر.
ول يصح بيع الحر ،لحديث البخاري ومسلم« :ثلثة أنا خصمهم يوم القيامة ،ومنهم :ورجل باع حرا
وأكل ثمنه» .ول يصح بيع ما ليس بمملوك من المباحات من نحو كل وماء ومعدن قبل حيازتها
وتملكها ،لفقد الشرط التي:
ً - 2أن يكون المبيع مملوكا لبائعه ملكا تاما ،لقوله صلّى ال عليه وسلم لحكيم بن حزام« :ل تبع ما
ليس عندك» ( ، )1فل يصح تصرف فضولي مطلقا ولو أجيز بعد.
ول يصح بيع ما ل يملكه النسان كحر ومباح قبل حيازته ،ول بيع أرض موقوفة مما فتح عنوة ولم
تقسم كمصر والشام ،ويصح بيع إمام لها لمصلحة كوقفه وإقطاعه تمليكا ،أو غير إمام وحكم به من
يرى صحته .ول يصح بيع ول إجارة رباع مكة والحرم :وهي المنازل ،وكذا بقاع المناسك كالمسعى
والمرمى والموقف ونحوها ،لنها كالمساجد لعموم نفعها ،ولن مكة فتحت عنوة .ول يصح بيع ما
ليس مملوكا ملكا تاما كالمبيع وقت الخيار.
ً - 3أن يكون المبيع مقدورا على تسليمه حال العقد :لن ما ل يقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم،
والمعدوم ل يصح بيعه ،فكذا ما أشبهه.
-------------------------------
( )1رواه ابن ماجه والترمذي وصححه
( )5/53
.فل يصح بيع نصف معين من نحو إناء وسيف وحيوان ،ودين لغير مدين ،ول آبق وشارد ولو
لقادر على تحصيلهما .لحديث «نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن شراء العبد وهو آبق» ()1
ول يصح بيع سمك بماء إل مرئيا بمحجوز يسهل أخذه منه ،ول يصح بيع طائر يصعب أخذه ،أو في
الهواء وألف الرجوع إل في مكان مغلق؛ لنه غير مقدور على تسليمه.
ول يصح بيع مغصوب إل لغاصبه أو قادر على أخذه ،وله الفسخ إن عجز.
ً - 4أن يكون المبيع معلوما للبائع والمشتري برؤية تحصل بها معرفته ،عند العقد أو قبله بزمن ل
يتغير فيه المبيع يقينا أو ظاهرا.
ويصح بيع العمى وشراؤه بما يمكنه معرفة ما يبيعه أو يشتريه بغير حاسة البصر كشم ولمس
وذوق ،لحصول العلم بحقيقة المبيع .ويصح بيع قفيز من صُبرة ( كومة طعام وغيره ).
ول يصح بيع الُنموذج :وهو ما يدل على صفة الشيء ،كأن يريه صاعا مثلً من صبرة ،ويبيعه
الصبرة على أنها من جنسه ،لعدم رؤية المبيع وقت العقد.
حمْل ببطن وهو بيع المضامين ،ول بيع لبن بضرع ،ونوى بتمر ،وصوف على ظهر
ول يصح بيع َ
إل تبعا ،كبعتك هذه البهيمة وحملها ،أو بعتك الرض وما فيها من بذر.
ول يصح بيع عَسْب فحل ،أو نتاج نتاج ،أو ما تحمل هذه الشجرة أو الدابة ،ول مسك في فأرته
(صوانه) ،ولفت وبصل ونحوه قبل قلعه ،ول ثوب مطوي ،أو نسج بعضه على أن ينسج بقيته.
ول يصح بيع الملمسة ،مثل بعتك ثوبي هذا على أنك متى لمسته أو إن لمسته أو أي ثوب لمسته،
فعليك بكذا.
ول يصح بيع المنابذة ،مثل متى أو إن نبذت هذا أو أي ثوب نبذته فلك بكذا.
ول يصح بيع الحصاة مثل :ارمها فعلى أي ثوب تقع ،فلك بكذا.
ول يصح بيع ما لم يعين أي بيع المجهول ،كشاة من قطيع ،وشجرة من بستان ،ولو تساوت قيمتها.
-------------------------------
( )1رواه أحمد عن أبي سعيد.
( )5/54
ً - 5أن يكون الثمن معروفا للعاقدين حال العقد أو قبله :فل يصح بيع برقم مجهول ،ول بما باع زيد
إل إن علم به العاقدان ،ول بما ينقطع به السعر ،خلفا للمتأخرين من الحنابلة ،ول كما يبيع الناس.
ً - 6خلو الثمن والمثمن والمتعاقدين عن موانع الصحة كالربا ،أو الشتراط أو غيرهما :فل يصح
بيع أضحية وهدي واجبين إل بخير منهما ،ول يصح بيع موقوف بل مسوغ ،ول بيع مرهون بل إذن
مرتهن ،ول يصح بيع ماء وسترة لمصل عادم غيرهما ،ول بيع مصحف ،ول بعد نداء جمعة.
أوجه التفاق والختلف في شروط البيع :
يظهر مما تقدم بيانه ما يلي:
ً - 1في العاقد :التمييز شرط متفق عليه ،وأما البلوغ فهو شرط مختلف فيه ،فهو شرط نفاذ عند
المالكية والحنفية ،وشرط انعقاد عند الشافعية والحنابلة.
وأما الختيار أو الطواعية فهو شرط انعقاد عند الجمهور ،وشرط نفاذ عند الحنفية ،فبيع المكره باطل
عند الجمهور ،فاسد أو موقوف غير نافذ عند الحنفية ،غير لزم في المعتمد عند المالكية - 2ً .في
الصيغة :اتحاد المجلس دون فاصل بين القبول واليجاب ،وتطابق اليجاب والقبول ،وسماع الصيغة
والتنجير أو عدم التعليق ،وعدم التأقيت ،كلها شروط متفق عليها ،وإن ذكر بعضها بعض الفقهاء دون
غيرهم.
ً - 3في المعقود عليه :كون المعقود عليه مالً متقوما يباح النتفاع به شرعا أو طاهرا غير نجس،
موجودا ،مقدور التسليم ،معلوما غير مجهول ،كلها شروط متفق عليها؛ إلأن الجهالة تفسد البيع عند
الحنفية ،وتبطله عند الجمهور .أما كون المبيع مملوكا للبائع فهو شرط نفاذ عند الحنفية والمالكية،
وشرط انعقاد عند الشافعية والحنابلة ،فبيع الفضولي وشراؤه موقوف عند الولين ،باطل عند
الخرين.
وأما شرط أل يتعلق بالمبيع حق لغير البائع كبيع المرهون والمأجور ،فهو شرط نفاذ عند الحنفية
والمالكية .وشرط انعقاد عند الحنابلة والشافعية ،فبيع المرهون والمأجور موقوف على الرأي الول،
باطل على الرأي الثاني.
( )5/55
( )5/56
حقوق البيع التابعة للحكم :هي كل تابع للمبيع من الحقوق التي ل بد له منه ول يقصد إل لجله
كالطريق والشرب للرض ،وهي التي تسمى بالمرافق ،والقاعدة فيها أو الصل :أن كل ما كان من
الدار متصلً بها يدخل في بيعها تبعا بل
ذكر ،وما ل فل يدخل بل ذكر إل ما جرى العرف أن البائع ل يمنعه عن المشتري ،فيدخل المفتاح
استحسانا للعرف بعدم منعه بخلف القفل ومفتاحه والسّلّم غير المتصل بالبناء ،وأما الدرج (السلم) في
بنايات الطبقات فتدخل عرفا ،وتفصيل ذلك ما يأتي (: )1
أ ـ من اشترى بيتا فوقه آخر ل يدخل فيه العلو؛ لن الشيء ل يستتبع مثله.
ب ـ يدخل في المبيع ما هو من حقوقه أو مرافقه الخاصة التابعة له كطريق ومطبخ ومتوضأ
ونحوها ،لنها توابع له .فيدخل في بيع الدار الطريق الداخلي فيها أو النافذ إلى سكة أو طريق عام،
والكنيف (وهو المستراح أو بيت الماء) وبئر الماء ،والشجار التي في صحنها ،والحديقة التابعة لها
والبستان الذي هو أصغر منها ،وإن لم يصرح بذلك .أما الحديقة أو البستان الخارج عن الدار وكان
مثل الدار أو أكبر ،فل يدخل في البيع .ويدخل الباب الصلي للدار ،والباب الخارجي المجاور للشارع
وهو المسمى بالباب العظم؛ لنه من مرافقها.
-------------------------------
( )1الدر المختار ورد المحتار.199-197/4 :
( )5/57
ول تدخل الظلة في بيع الدار لبنائها على الطريق ،فتأخذ حكمه ول يدخل الطريق والمسيل والشّرب
غير الخاص بالدار إل بالتصريح بها؛ لنها خارج الحدود ،كأن يشتريها بكل حق هو لها أو بمرافقها
أو بكل قليل وكثير .وذلك بخلف الجارة والرهن والوقف ،تدخل فيها كل هذه المرافق بل حاجة
لذكرها لنها تعقد للنتفاع بها ل غير .هذا رأي الحنفية القديم ،والمعول عليه في ذلك هو العرف
السائد في كل إقليم وعصر.
والقرار بالدار والصلح عليها والوصية بها والهبة والنكاح والخلع على مال كالبيع في دخول الطريق
ونحوه.
المطلب الثاني ـ الثمن والمبيع :
الكلم عن الثمن والمبيع في موضعين:
أولً ـ في تعريف المبيع والثمن.
ثانيا ـ في الحكام المتعلقة بهما.
تعريف المبيع والثمن :
المبيع والثمن عند جمهور الحنفية من السماء المتباينة الواقعة على معانٍ مختلفة .فالمبيع في الغالب:
ما يتعين بالتعيين ( ، )1والثمن في الغالب :ما ل يتعين بالتعيين.
وهذا الصل العام الغالب يحتمل تغيره في الحالتين بعارض من العوارض ،فيصير ما ل يحتمل
التعيين مبيعا كالمسلم فيه ،وما يحتمل التعيين ثمنا كرأس مال السلم ،إذا كان عينا من العيان .وعلى
هذا فاعتبار الثمن دينا في الذمة هو الغلب ،وذلك عندما يكون الثمن نقودا أو أموالً أخرى مثلية
ملتزمة بل تعيين بالذات كالقمح والزيت ونحوهما من كل مكيل أو موزون أو ذَرْعي أو عددي
متقارب.
ويمكن أيضا أن يكون الثمن أعيانا قيمية كالحيوان والثياب ونحوهما ،كما لو بيعت كمية من السكر
إلى أجل بشيء من القيميات ،فالسكر مبيع والعين القيمية ثمن ،ويكون البيع سلما ،لنه بيع مؤجل
بمعجل.
-------------------------------
( )1قال القرافي :أجمع الناس على أن العروض (أي السلع التجارية) تتعين بالتعيين ،وكذلك الحيوان
والطعام لن لهذه الشياء من الخصوصيات والوصاف ما تتعلق به الغراض الصحيحة ،وتميل إليه
العقول السليمة والنفوس الخاصة ،لما في تلك المعينات من الهداف الخاصة بكل إنسان (الفروق4 :
ص .)7
( )5/58
قال ابن الهمام وغيره :إن الثياب كما تثبت مبيعا في الذمة بطريق السلم تثبت دينا مؤجلً في الذمة،
على أنها ثمن ،وحينئذ يشترط الجل ل لنها ثمن ،بل لتصير ملحقة بالسلم في كونها دينا في الذمة،
فإذا قلنا :إذا باع كتابا بثوب موصوف في الذمة إلى أجل جاز ،ويكون بيعا بالنسبة للكتاب ،حتى ل
يشترط قبضه في المجلس ،بخلف ما لو أسلم الدراهم في الثوب ،وإنما ظهرت أحكام المسلم فيه في
الثوب ،حتى شرط فيه الجل ،وامتنع بيعه قبل قبضه للحاقه بالمسلم فيه (. )1
وقال الشافعي وزفر :المبيع والثمن من السماء المترادفة الواقعة على مسمى واحد ،وإنما يتميز
أحدهما عن الخر في الحكام بحرف الباء.
ولكل من الفريقين دليله ( )2والقضية اصطلحية.
تعيين المبيع :
التعيين :هو التمييز عما سوى الشيء في الوجود الخارجي ،ويتعين المبيع إذا كان معينا في العقد،
سواء أكان حاضرا في مجلس البيع ،أم غائبا عنه .فإذا كان المبيع غير معين في العقد ،فإنه ل يتعين
إل بالتسليم (. )3
الفرق بين الثمن والقيمة والدين :
الثمن :ل يتحقق إل في عقد ،فهو ما يتراضى عليه المتبايعان ،سواء أكان أكثر من القيمة أم أقل أم
مساويا.
وقيمة الشيء :هي ما يساويه بين الناس.
والثمن :هو ما تراضى عليه المتبايعان مقابلً للمبيع.
-------------------------------
( )1رد المحتار لبن عابدين 4 :ص .26
( )2انظر البدائع 5 :ص .233
( )3انظر عقد البيع للستاذ الزرقاء :ص .34
( )5/59
أما الدين :فهو كل ما ثبت في الذمة من الموال القابلة للثبوت فيها بأي سبب من أسباب اللتزام،
كالتلف والغصب والكفالة والقرض والبيع ،ونحوها (. )1
التمييز بين الثمن والمبيع :
القاعدة المقررة في الصل :أن كل ما أمكن أن يكون مبيعا أمكن أن يكون ثمنا ول عكس ،وأن الثمن
كما تقدم في تعريفه ربما ل يكون متعلقا بالذمة ،بل قد يتعين أحيانا ،فيكون من العيان القيمية
كالحيوان والثياب ونحوها ،كما يتعين المبيع.
لهذا كان واجبا أن نميز بين الثمن والمبيع لما يترتب على التفرقة من أحكام ،والتمييز يكون في أموال
المعاوضات :وهي النقود والعيان القيمية والمثليات (. )2
- 1فالنقود عامة من ذهب أو فضة أو فلوس رائجة ( )3إذا كانت عوضا في المبيع ،تعتبر هي
الثمن .ومقابلها أي السلعة هو المبيع مطلقا سواء دخل عليها حرف الباء .أو دخل على مقابلها ،مثل:
بعتك هذا بدينار ،أو بعتك دينارا بهذا.
-------------------------------
( )1عقد البيع ،المرجع السابق :ص 56ومابعدها ،رد المحتار 4 :ص .173 ،53
( )2انظر البدائع 5 :ص 233ومابعدها ،حاشية ابن عابدين 4 :ص ،23عقد البيع للستاذ الزرقاء:
ص 59ومابعدها.
( )3وهي القطع المعدنية المسكوكة المصطلح على ثمنيتها ،ويلحق بها الوراق النقدية المتعامل بها
في العصر الحاضر.
( )5/60
قرر جمهور الحنفية أن النقود المسكوكة من ذهب أو فضة أو فلوس معدنية ل تتعين في عقود
المعاوضات بالتعيين في حق الستحقاق لذات العملة النقدية ،فلو قال :بعتك هذا الثوب بهذه الدراهم أو
بهذه الدنانير ،فللمشتري أن يمسك المشار إليه ويبدله بمثله ،ول يحق للبائع أن يطلب ذات المشار
إليه؛ لن الثمن النقدي محله في الذمة ،وما يثبت في الذمة ل ينحصر ببعض أفراده الخارجية ،فل
فائدة في استحقاق عينها في المعاوضات؛ لن المثل يقوم مقامها في كل عوض ،وإنما يتعين فقط
بالنسبة لضمان الجنس والنوع والصفة والقدر ،حتى إنه يجب على المشتري رد مثل المشار إليه في
الوصاف المذكورة ،فلو كان الواجب عليه ألف درهم جيدة ،فيجب عليه رد ألف درهم بتلك الصفة؛
لن في تعيين الجنس والقدر والصفة فائدة ،وعلى هذا فلو هلك المشار إليه ل يبطل العقد.
وقال الشافعية وزفر :تتعين النقود بالتعيين ،ويستحق البائع على المشتري ذات الدراهم المشار إليها،
كما في سائر العيان ،لنه قد يكون للشخص غرض فيها ،والثمن المعين كالمبيع في تعلق الحق
بالعين.
فلو هلك المشار إليه قبل القبض يبطل العقد ،كما لو هلك سائر العيان.
فإن لم يكن الثمن من المسكوكات ،فإنه بالتفاق كسائر السلع يقبل التعيين.
- 2إن العيان القيمية أي ( التي ليست من ذوات المثال ) إذا قوبلت بالمثليات المعينة تعتبر هي
المبيع ،والمثلي هو الثمن مطلقا ،دون نظر إلى اقتران حرف الباء ،لن المثلي أليق بالثمنية من حيث
قابليته للثبوت في الذمم كالنقود.
( )5/61
من أمثلة القيميات :الثياب والدور والعقارات والعدديات المتفاوتة ( أي التي تفاوتت آحادها ) كالغنم
وسائر الدواب والبطيخ إذا بيع بالعدد ل بالوزن .وأما إذا قوبلت العيان القيمية بالموال غير المعينة
أي ( الملتزمة في الذمم ) فالعبرة في الثمنية لمقارنة حرف الباء ،فما دخل عليه حرف الباء كان ثمنا،
والخر مبيعا .فلو قال :بعتك هذا المتاع بقنطار من السكر ،فالسكر :هو الثمن .ولو قال بعتك قنطارا
من السكر بهذا المتاع .كان السكر مبيعا ،والمتاع ثمنا ،ويكون العقد بيع سلم.
- 3المثليات إذا كان في مقابلتها النقود فهي مبيعة ،كما ذكرت أولً ،وإن كان في مقابلتها أمثالها مثل
بيع قمح بزيت ،فما كان منها معينا يكون مبيعا ،وكل ما كان موصوفا في الذمة يكون ثمنا.
وإن كان كل واحد منهما موصوفا في الذمة فما صحبه حرف الباء يكون ثمنا ،والخر يكون مبيعا.
ـ والمثليات :إما مكيلت وهي التي تباع بالكيل كالقمح والشعير ،وكبعض السوائل التي تباع اليوم
باللتر كالبترول والبنزين.
ـ أو موزونات :وهي التي تباع بالوزن كالسمن والزيت والسكر.
ـ أو ذَرْعيات :وهي التي تباع بالذراع كالقطع الكبرى من المنسوجات الصوفية أو القطنية أو
الحريرية ،وكالراضي.
ـ أو عدديات متقاربة :وهي التي ل تتفاوت آحادها إل تفاوتا بسيطا كالبيض والجوز ،وكالمصنوعات
المتماثلة من صنع المعامل كالكؤوس وصحون الخزف والبلّور ونحوها (. )1
- 4إذا بيعت القيميات ببعضها يعتبر كل من العوضين مبيعا من وجه ،وثمنا من وجه آخر.
أحكام المبيع والثمن أو نتائج التمييز بينهما
يترتب على التمييز بين المبيع والثمن أحكام أذكر ستة منها بإيجاز ،وأفصل الكلم في ثلثة أخرى.
ل متقوما ول يشترط ذلك في الثمن.
- 1يشترط لنعقاد البيع أن يكون المبيع ما ً
-------------------------------
( )1انظر عقد البيع للستاذ الزرقاء :ص ،50رد المحتار ،173/4 :مغني المحتاج.281/2 :
( )5/62
- 2يشترط لنفاذ البيع أن يكون المبيع موجودا في ملك البائع وليشترط ذلك في الثمن.
- 3ل يجوز تأجيل الثمن في بيع السلم ،ويجب تأجيل المبيع.
- 4مؤونة تسليم الثمن أي ( كلفته ) على المشتري ،ومؤونة تسليم المبيع على البائع.
- 5البيع مع عدم تسمية الثمن فاسد ،أما مع عدم تسمية المبيع نحو :بعتك بعشرة دنانير ،فباطل غير
منعقد.
- 6هلك المبيع بعد التقابض يمنع إقالة البيع ،ول يمنع ذلك هلك الثمن.
- 7هلك المبيع قبل التسليم مبطل للبيع ،ول يبطله هلك الثمن.
- 8ل يجوز تصرف المشتري في المبيع المنقول قبل قبضه ،ويصح تصرف البائع في الثمن قبل
قبضه - 9 .على المشتري تسليم الثمن أولً ليحق له استلم المبيع ،ما لم يرض البائع ( )1وأفصل
الكلم في الثلثة الخيرة.
حكم هلك المبيع ،وهلك الثمن وكساده
هلك المبيع :
المبيع إما أن يهلك كله أو بعضه قبل القبض أو بعده (. )2
آ -إذا هلك المبيع كله قبل القبض :
- 1فإذا هلك بآفة سماوية أو بفعل المبيع نفسه ،أو بفعل البائع ،ينفسخ عقد البيع.
- 2إذا هلك بفعل المشتري ،فل ينفسخ البيع وعليه الثمن.
- 3إذا هلك بفعل أجنبي ،ل ينفسخ البيع ،ويكون المشتري بالخيار :إن شاء فسخ البيع ،وإن شاء
أمضاه ودفع الثمن ،وطالب الجنبي بالضمان.
ب ـ إذا هلك المبيع كله بعد القبض :
- 1إن كان بآفة سماوية أو بفعل المشتري أو بفعل المبيع أو بفعل أجنبي فل ينفسخ البيع ،ويكون
هلكه على ضمان المشتري؛ لن المبيع خرج عن ضمان البائع بقبض المشتري ،فتقرر الثمن عليه،
ويرجع بالضمان على الجنبي حال كون العتداء منه.
- 2إذا هلك بفعل البائع فينظر في حالتين:
-------------------------------
( )1انظرعقد البيع للستاذ الزرقاء :ص .61
( )2انظر التفصيل في البدائع 238/5 :ومابعدها ،المبسوط ،9/13 :حاشية ابن عابدين ،44/4 :عقد
البيع ،المرجع السابق :ص .92
( )5/63
أولً ـ إذا كان المشتري قد قبضه بإذن البائع أو بدون إذنه ،لكنه قد نقد الثمن ،أو كان الثمن مؤجلً،
فيكون هلكه من قبل البائع ،كهلكه من قبل الجنبي ،فعليه ضمانه.
ل غير منقود ( أي غير
ثانيا ـ أما إذا كان المشتري قد قبض المبيع بدون إذن البائع ،والثمن حا ّ
معطى إلى البائع ) فيتوجب فسخ البيع ،ويكون البائع باعتدائه مستردا للمبيع ،وعليه ضمانه.
وقال المالكية ( : )1الضمان ينتقل إلى المشتري بنفس العقد في كل بيع إل في خمسة مواضع:
الول ـ بيع الغائب على الصفة ،وكان المبيع غير عقار ،فإن كان المبيع عقارا ،فضمانه على
المشتري.
الثاني ـ ما بيع على الخيار.
الثالث ـ ما بيع من الثمار قبل كمال طيبها.
الرابع ـ ما فيه حق توفية من كيل أو وزن أو عدّ.
الخامس ـ البيع الفاسد ،فالضمان في هذه الخمسة من البائع حتى يقبضه المشتري.
وقال الشافعية ( : )2كل مبيع من ضمان البائع حتى يقبضه المشتري.
-------------------------------
( )1القوانين الفقهية :ص ،247الشرح الصغير.45/3 :
( )2مغني المحتاج.65/2 :
( )5/64
وقال الحنابلة ( : )1إذا كان المبيع مكيلً أو موزونا أو معدودا فتلف قبل قبضه ،فهو من مال البائع،
وما عداه فل يحتاج فيه إلى قبض ،وإن تلف فهو من مال المشتري.
ج ـ إذا هلك بعض المبيع قبل القبض ينظر عند الحنفية :
- 1فإن كان بآفة سماوية ففيه تفصيل :إن كان النقصان نقصان قدر بأن كان مكيلً أو موزونا أو
معدودا ،فهلك بعضه :ينفسخ العقد بقدر الهالك ،وتسقط حصته من الثمن ،ثم يكون المشتري بالخيار
في الباقي لتفرق الصفقة عليه :إن شاء أخذه بحصته ،وإن شاء فسخ البيع.
وإن كان النقصان نقصان وصف ( وهو كل ما يدخل في البيع من غير تسمية كالشجر والبناء في
الرض والجودة في المكيل والموزون ) فل ينفسخ البيع أصلً ،ول يسقط عن المشتري شيء من
الثمن؛ لن الوصاف ل حصة لها من الثمن؛ ويكون المشتري بالخيار :إن شاء أخذه بجميع الثمن،
وإن شاء تركه لتعيب المبيع.
- 2وإن كان الهلك بفعل المبيع نفسه كحيوان جرح نفسه ،فل ينفسخ البيع ،ول يسقط شيء من
الثمن ،والمشتري بالخيار :إن شاء أخذ الباقي بجميع الثمن ،وإن شاء فسخ العقد.
- 3وإن كان الهلك بفعل البائع فيبطل البيع بقدره ،ويسقط عن المشتري حصة الهالك من الثمن،
سواء أكان النقصان نقصان قدر ،أم نقصان وصف؛ لن الوصاف لها حصة من الثمن عند ورود
الجناية عليها ،والمشتري بالخيار في الباقي بحصته من الثمن.
- 4وإن كان الهلك بفعل المشتري فل يبطل البيع ،ول يسقط عنه شيء من الثمن ،لنه صار قابضا
لكل المبيع بإتلف بعضه.
د ـ إذا هلك بعض المبيع بعد القبض :
- 1فإن كان الهلك بآفة سماوية أو بفعل المشتري أو المبيع نفسه أو بفعل أجنبي ،فالهلك على
المشتري.
- 2وإن كان بفعل البائع ينظر:
إذا كان القبض بإذنه ،أو كان الثمن منقودا أو مؤجلً ،فحكمه كالجنبي .وإن كان القبض بغير إذنه،
والثمن حالّ غير منقود ،ينفسخ البيع في قدر الشيء التالف ،ويسقط عن المشتري حصته.
هلك الثمن عند الحنفية :
إذا هلك الثمن في مجلس العقد قبل القبض:
- 1فإن كان عينا مثليا :ل ينفسخ العقد ،لنه يمكن تسليم مثله بخلف المبيع لنه عين ،وللناس
أغراض في العيان.
- 2وأما إذا هلك وليس له مثل في الحال :بأن كان شيئا مما ينقطع عن أيدي الناس ،وقد كان
موجودا وقت العقد ،ثم انقطع قبل القبض ،فقال أبو حنيفة :ينفسخ العقد.
-------------------------------
( )1المغني.110/4 :
( )5/65
وقال الصاحبان :ل ينفسخ ( . )1وسيأتي في بحث كساد الثمن التي بيان الدلة.
كساد الثمن عند الحنفية :إذا اشترى شخص بفلوس رائجة ،ثم كسدت قبل القبض بضرب فلوس
جديدة ،انفسخ العقد عند أبي حنيفة ،وعلى المشتري رد المبيع إن كان قائما ،وقيمته أو مثله إن كان
هالكا؛ لن الفلوس بالكساد خرجت عن كونها ثمنا ،ول بيع بل ثمن ،فينفسخ البيع ضرورة ،فهو قد
اعتبر الكساد كالهلك.
وقال الصاحبان :ل ينفسخ البيع ،ولكن يخير البائع :إن شاء فسخ البيع ،وإن شاء أخذ قيمة الفلوس؛
لن الفلوس ثابتة في الذمة ،وما يثبت في الذمة ليحتمل الهلك ،فل يكون الكساد هلكا ،بل يكون
عيبا فيها ،فيوجب الخيار للبائع ،كما إذا كان الثمن رطبا ،فانقطع قبل القبض ،فهما اعتبرا الكساد
كالعيب.
واتفقوا على أنه لو لم تكسد الفلوس ،ولكنها رخصت قيمتها ،أو غلت ،لينفسخ البيع؛ لن الرخص أو
الغلء ل يوجب بطلن الثمنية.
ثم اختلف أبو يوسف ومحمد فيما بينهما في وقت اعتبار قيمة الفلوس :فقال أبو يوسف :تعتبر قيمتها
وقت العقد؛ لن الثمن يجب عند العقد ،فيضمن قيمته حينئذ.
وقال محمد :تعتبر قيمتها وقت الكساد ،وهو آخر يوم ترك الناس التعامل بها؛ لنه وقت العجز عن
التسليم (. )2
-------------------------------
( )1تحفة الفقهاء ،الطبعة القديمة.54/2 :
( )2انظر البدائع ،242/5 :حاشية ابن عابدين.25/4 :
( )5/66
( )5/67
بدليل ما روي عن سيدنا عمر أنه قال« :يا رسول ال :إنا نبيع البل بالبقيع ،ونأخذ مكان الدراهم
الدنانير ،ومكان الدنانير الدراهم ،فقال عليه السلم :لبأس إذا كان بسعر يومهما ،وافترقتما وليس
بينكما شيء» ( )1فهذا يدل على جواز استبدال ثمن المبيع .وأما المراد من حديث ( النهي عما ل
يقبض ) فهو بالنسبة للعين ،ل بالنسبة للدين؛ لن المبيع شيء يحتمل القبض ،والدين ل يحتمل القبض
حقيقة ،لنه مال حكمي في الذمة ،فيكون قبضه بقبض بدله.
وقد استثنوا من جواز التصرف في الثمن قبل القبض عقدي الصرف والسلم .أما الصرف :فلن كلً
من بدلي الصرف مبيع من وجه وثمن من وجه ،فباعتبار كونه مبيعا ل يجوز التصرف فيه ،وقد
رجحت جانب الحرمة احتياطا.
وأما السلم :فالمسلم فيه ل يجوز التصرف فيه لنه مبيع ،ورأس المال ( أي الثمن ) ألحق بالمبيع
العين في حرمة الستبدال شرعا (. )2
هذا ..ويلحظ أن التصرف في الثمان والديون جائز بالبيع والهبة والجارة والوصية أي بعوض أو
بغير عوض ،سواء مما ل يتعين كالنقود ،أو مما يتعين كالمكيل والموزون ،وذلك ممن عليه الدين
كأن يشتري البائع من المشتري شيئا بالثمن الذي له عليه ،أو يستأجر بالثمن دارا للمشتري ،أو أن
يهبه الثمن.
ول يجوز تمليك الدين من غير من عليه الدين كأن يشتري إنسان فرس زيد مثلً بمئة ليرة على
عمرو ،لنه ل يقدر على تسليمه إل في ثلث صور (. )3
-------------------------------
( )1أخرجه أحمد وأصحاب السنن الربعة عن ابن عمر (انظر جامع الصول 1 :ص ،469نصب
الراية 4 :ص .)33
( )2البدائع 5 :ص ،234فتح القدير 5 :ص 269ومابعدها ،رد المحتار 4 :ص 173ومابعدها.
( )3رد المحتار 4 :ص ،173مغني المحتاج 2 :ص .71
( )5/68
الولى ـ إذا سلطه على قبضه ،فيكون وكيلً قابضا للموكل ثم لنفسه.
الثانية ـ الحوالة.
الثالثة ـ الوصية.
تسليم ( )1المبيع والثمن :
إن تسليم المبيع إلى المشتري هو من التزامات البائع الناشئة من عقد البيع ،كما أن تسليم الثمن إلى
البائع هو من التزامات المشتري الناشئة من البيع أيضا؛ لن تسليم البدلين واجب على العاقدين،
لتحقق الملك لكل منهما في البدلين.
فمن الذي يجب عليه التسليم أولً ،وهل للبائع حق حبس المبيع حتى يستوفي جميع الثمن ،وكيف يتم
التسليم أو القبض؟
أما من يجب عليه التسليم أولً :فيختلف بحسب نوع البدلين:
فإذا كان بيع عين بعين ،فإنه يجب على العاقدين التسليم معا ،تحقيقا للمساواة في المعاوضة المقتضية
للمساواة عادة المطلوبة بين العاقدين ،إذ ليس أحدهما بالتقديم أولى من الخر.
وكذلك إن تبايعا دينا بدين ،كما في عقد الصرف ،لما ذكرت.
وأما إن كان بيع عين بدين ( )2فيراعى فيه الترتيب عند الحنفية :فيجب على
-------------------------------
( )1التسليم :هو التخلية أي أن يخلي البائع بين المشتري والمبيع بحيث يستطيع المشتري أخذه
والتصرف فيه.
( )2الدين :ما يصح أن ثبت في الذمة ،سواء أكان نقدا أو غيره .والعين :ما ل يصح أن يثبت دينا في
الذمة (رد المحتار لبن عابدين 4 :ص .)26
( )5/69
المشتري تسليم الثمن( أي الدين ) أولً إذا طالبه البائع حتى يتعين ،ولقوله عليه السلم« :الدين
مقضي» ( )1فلو تأخر تسليم الثمن عن تسليم المبيع لم يكن هذا الدين مقضيا .ثم يجب على البائع
تسليم المبيع ،إذا طالبه المشتري ،حتى يتحقق التساوي بينهما .واستثنوا من ذلك أمرين أولهما ـ
المسلم فيه ،لنه دين مؤجل ،والثاني ـ الثمن المؤجل فلو كان الثمن مؤجلً ،يجب تسليم المبيع للحال،
لن البائع أسقط حق نفسه في التأجيل (. )2
وقال المالكية ( )3كالحنفية :يجب على المشتري تسليم الثمن ،وعلى البائع تسليم المبيع (المثمون)،
فإن قال أحدهما :ل أسلم ما بيدي حتى أقبض ما عاوضت عليه ،أجبر المشتري على تسليم الثمن ،ثم
أخذ المبيع من البائع .وقال مالك :للبائع أن يتمسك بالمبيع حتى يقبض الثمن .ودليل المالكية والحنفية:
أن للبائع حبس المبيع على تسليم الثمن ،ومن استحق ذلك لم يكن عليه التسليم قبل الستيفاء
كالمرتهن.
وقال الشافعية والحنابلة ( : )4إن اختلف في التسليم ،وكان الثمن في الذمة ،فقال البائع :ل أسلم المبيع
حتى أقبض ثمنه ،وقال المشتري في الثمن مثله ،أجبر البائع على تسليم المبيع ،ثم أجبر المشتري
على تسليم الثمن؛ لن حق المشتري في عين المبيع ،وحق البائع في الذمة ،فيقدم ما يتعلق بالعين،
فمن سلم أجبر صاحبه على التسليم؛ لن كلً منهما ثبت له إيفاء واستيفاء ،ول سبيل إلى تكليف
اليفاء .لكن قيد الشافعية هذا الحكم بما إذا لم يخف البائع فوت الثمن ،وتنازع البائع والمشتري في
مجرد البتداء ،فإن خاف البائع فوت الثمن فله حق حبس المبيع حتى يقبض الثمن .وكذا للمشتري
حق حبس الثمن إن خاف فوت المبيع.
-------------------------------
( )1أخرجه ابن عدي في الكامل عن ابن عباس ونصه :أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال« :الزعيم
غارم والدين مقضي ،والعارية مؤادة ،والمنحة مردودة» وأعله بإسماعيل بن زياد السكوني ،وقال :إنه
منكر الحديث ،ل يتابع على عامة ما يرويه (انظر نصب الراية 4 :ص )58وأخرجه أحمد وأصحاب
السنن إل النسائي وفيه إسماعيل بن عياش (انظر التلخيص الحبير :ص .)250
( )2المبسوط للسرخسي 13 :ص ،192البدائع 5 :ص ،244فتح القدير 5 :ص ،109رد المحتار:
4ص 43ومابعدها.
( )3القوانين الفقهية :ص .247
( )4مغني المحتاج ،74/2 :المغني.198/4 :
( )5/70
( )5/71
وقال الحنابلة ( : )1ليس للبائع حبس المبيع على قبض الثمن؛ لن التسليم من مقتضيات العقد ،فإن
اختلف العاقدان في التسليم ،فقال البائع :ل أسلم المبيع حتى أقبض الثمن ،وقال المشتري :ل أسلم
الثمن حتى أقبض المبيع ،والثمن في الذمة ،أجبر البائع على تسليم المبيع ،ثم أجبر المشتري على
تسليم الثمن.
وقال الشافعية ( : )2للبائع حبس المبيع حتى يقبض الثمن إن خاف فوته ،وكذا للمشتري حبس الثمن
إن خاف فوت المبيع.
ما يسقط حق الحبس وما ل يسقطه :
لو قدم المشتري رهنا أو كفيلً بالثمن ل يسقط حق الحبس ،لن الرهن والكفالة ل يسقطان الثمن عن
ذمة المشتري ،ول حق المطالبة به ،فيبقى حق الحبس لستيفاء الثمن ،وكل ما في المر أن الرهن
والكفالة وثيقة بالثمن.
وأما الحوالة بالثمن فتسقط حق الحبس عند أبي يوسف سواء أحال البائع رجلً على المشتري بالثمن
وقبل ،أم أحال المشتري البائع على رجل؛ لن البائع حينئذ في حكم المستوفي ،لن حق الحبس
مرتبط ببقاء الدين في ذمة المشتري ،وذمته برئت من دين المحيل بالحوالة فيبطل حق الحبس ،ولذا
ينقطع حقه في مطالبة المشتري بالثمن ،وينحصر حق المطالبة بالشخص المحال عليه.
وقال محمد :إن كانت الحوالة من المشتري ل تبطل حق الحبس ،وللبائع أن يحبس المبيع حتى
يستوفي من المحال عليه.وإن كانت من البائع :فإن كانت الحوالة مطلقة ل تبطل حق الحبس أيضا،
وإن كانت مقيدة بأن أحال غريما له على المشتري
-------------------------------
( )1المغني.198/4 :
( )2مغني المحتاج.75/2 :
( )5/72
ليقبض الدين الذي له عليه ،تبطل الحوالة حق الحبس ،دليله :أن حق البائع بمطالبة المشتري بأداء
الثمن لم يبطل بحوالة المشتري ،أو بحوالته المطلقة ،فلم يبطل حق الحبس ،وأما في الحوالة المقيدة
فيبطل حق المطالبة من البائع للمشتري بهذه الحوالة ،فيسقط حق الحبس (. )1
قال الكاساني« :والصحيح اعتبار قول محمد ،لن حق الحبس في الشرع يدور مع حق المطالبة
بالثمن ،ل مع قيام الثمن في ذاته» (. )2
والخلصة :إن حق الحبس يسقط بحوالة البائع على المشتري بالثمن اتفاقا ،وكذا بحوالة المشتري
البائع به على رجل عند أبي يوسف .وعند محمد :فيه روايتان ،أرجحهما ما ذكر.
ولو أعار البائع المبيع للمشتري أو أودعه عنده ،سقط حق الحبس ،حتى ل يملك استرداده في ظاهر
الرواية؛ لن العارة واليداع أمانة في يد المشتري ،وهو ل يصلح نائبا عن البائع في وضع يده لنه
أصل في ملك الشيء ،فكان أصلً في وضع اليد ،فإذا ثبتت يد المشتري على المبيع ،كانت يده يد
ملك ،ويد الملك لزمة ،فل يملك أحد إبطالها بالسترداد (. )3
ولو أودع المشتري المبيع عند البائع أو أعاره منه أو آجره ،لم يسقط حق الحبس؛ لن هذه التصرفات
لم تصح من المشتري؛ لن يد الحبس بطريق الصالة ثابتة للبائع ،فل يصح أن يصير نائبا عن غيره
( . )4
ولو جنى رجل أجنبي على المبيع ،فاختار المشتري اتباع الجاني بالضمان سقط حق الحبس عند أبي
يوسف ( . )5وسيأتي التفصيل في بحث القبض التي مباشرة.
ولو قبض المشتري المبيع بإذن البائع ،سقط حق الحبس ،حتى ل يملك البائع السترداد ،لنه أبطل
حقه بالذن بالقبض.
ولو قبض المشتري المبيع بغير إذن البائع بعد وفاء الثمن ،سقط حق الحبس ،فليس له استرداده ،لنه
استوفى حقه بإيفاء الثمن ،فيكون قبضا بحق.
أما لو قبض المشتري المبيع بغير إذن البائع قبل وفاء الثمن ،فل يسقط حق الحبس ،وللبائع استرداده؛
لن له حق الحبس ،حتى يستوفي الثمن ،وحق النسان ل يجوز إبطاله عليه من غير رضاه.
فإن كان المشتري تصرف في المبيع في الحالة الخيرة نظر في ذلك (: )6
إن كان تصرفا يحتمل الفسخ كالبيع والهبة والجارة والرهن ونحوها ،فسخه البائع ،واسترده ،لنه
تعلق به حقه.
وإن كان تصرفا ل يحتمل الفسخ كالعتاق والتدبير ( أي التحرر بعد موت السيد ) والستيلد ( أي
جعل المَةَ مستولدة أي حاملً ،فتصبح حرة بعد موت سيدها ) فإنه ل يسترده ،لنه ل فائدة في بقاء
حق الحبس ،لن حبس الحر ،أو الذي سيؤول إلى الحرية ل يجوز.
معنى التسليم أو القبض وكيفية تحققه :
التسليم أو القبض معناه عند الحنفية :هو التخلية أو التخلي ،وهو أن يخلي
-------------------------------
( )1المبسوط 13 :ص ،195البدائع 5 :ص 250ومابعدها ،رد المحتار 4 :ص .44
( )2البدائع ،المرجع السابق :ص .251
( )3البدائع 5 :ص ،250حاشية ابن عابدين 4 :ص .44
( )4البدائع ،المرجع السابق نفسه 5 :ص .246
( )5البدائع 5 :ص .246
( )6البدائع.251/5 :
( )5/73
البائع بين المبيع وبين المشتري ،برفع الحائل بينهما ،على وجه يتمكن المشتري من التصرف فيه،
فيجعل البائع مسلّما للمبيع ،والمشتري قابضا له (. )1
وكذلك تسليم الثمن من المشتري إلى البائع:
والقبض يتم بطرق:
- 1التخلية :وهي أن يتمكن المشتري من المبيع بل مانع (أي أن يكون مفرزا) ول حائل (أي في
حضرة البائع) مع الذن له بالقبض ،فلو اشترى إنسان حنطة في بيت ،ودفع البائع المفتاح إليه ،وقال:
خليت بينك وبينها (أي أذنت) فهو قبض ( . )2وإن دفع المفتاح إلىه ،ولم يقل شيئا ل يكون قبضا،
وتسليم الدار أو الرض يتم بأن يقف المشتري في داخلها أو قريبا منها بحيث يرى جانب الرض أو
يقدر على إغلق باب الدار فورا ،فإن كان بعيدا عنها بغير هذه الحالة ،لم يكن قبضا ( . )3وعلى هذا
ل إل المكيل والموزون فإن
فإن القبض عند الحنفية يكون بالتخلية ،سواء أكان المبيع عقارا أم منقو ً
قبضه يكون باستيفاء قدره أي بكيله أو وزنه.
وقال المالكية والشافعية :قبض العقار كالرض والبناء ونحوهما يكون بالتخلية بين المبيع وبين
المشتري وتمكينه من التصرف فيه بتسليم المفاتيح إن وجدت .وقبض المنقول كالمتعة والنعام
والدواب بحسب العرف الجاري بين الناس ( . )4والعرف يقضي إما بتناول الشيء باليد كالثوب
والكتاب ،وإما بالنقل من مكان لخر كالسيارة والدابة.
-------------------------------
( )1البدائع 5 :ص .244
( )2من قواعد الحنفية« :التخلية بين المشتري وبين المبيع قبض» فيعد ذلك قبضا ،وإن لم يتم القبض
حقيقة ،فإذا هلك المبيع يهلك على المشتري (راجع الفرائد البهية في القواعد الفقهية للشيخ محمود
حمزة :ص .)63
( )3البدائع ،المرجع السابق ،رد المحتار 4 :ص ،44عقد البيع للستاذ الزرقاء :ص .86
( )4الشرح الكبير للدردير 3 :ص ،145المجموع 9 :ص ،309-301المهذب1 :ص .263
( )5/74
ل أو موزونا فقبضه بكيله ووزنه ،أي أنه يجب
وقال الحنابلة :قبض كل شيء بحسبه ،فإن كان مكي ً
الرجوع في القبض إلى العرف (. )1
- 2التلف :لو أتلف المشتري المبيع في يد البائع صار قابضا للمبيع ،وتقرر عليه الثمن؛ لن
التخلية تمكين من التصرف في المبيع والتلف تصرف فيه حقيقة.
والتعييب مثل التلف :وهو أن يحدث المشتري في المبيع عيبا ،كأن يقطع يده أو يشج رأسه ،أو أن
ينقص منه شيئا.
وكذا لو أمر المشتري البائع بالتلف ففعل ،أو أمره بطحن الحنطة فطحن ( ، )2لن فعل البائع بأمر
المشتري بمنزلة فعل المشتري بنفسه.
- 3إيداع المبيع عند المشتري أو إعارته منه :لو أودع البائع المبيع عند المشتري أو أعاره منه،
يصير المشتري بذلك قابضا؛ لن اليداع والعارة للمالك ليصح ،كما ذكر قريبا.
وكذا لو أودع المشتري المبيع عند أجنبي أو أعاره ،وطلب من البائع تسليمه إليه ،يصير قابضا؛ لن
العارة واليداع عند آخر عمل صحيح ،فقد أثبت يد النيابة لغيره ،ويد أمينه كيده ،فصار قابضا.
أما لو أودع المشتري من البائع أو أعاره له أو آجره ،لم يكن ذلك قبضا؛ لن هذه التصرفات لم تصح
من المشتري؛ لن يد الحبس بطريق الصالة ثابتة للبائع ،فل يتصور إثبات يد النيابة له (. )3
- 4اتباع المشتري الجانيَ بالجناية على المبيع:
لو جنى أجنبي على المبيع فاختار المشتري اتباع الجاني بالضمان ،كان اختياره بمنزلة القبض عند
أبي يوسف ،حتى لو هلك المبيع يكون الهلك على المشتري ،ويتقرر عليه الثمن ،ول يبطل البيع.
-------------------------------
( )1المغني 4 :ص 111ومابعدها.
( )2البدائع ،المرجع السابق ،رد المحتار ،المرجع السابق.
( )3البدائع 5 :ص .246
( )5/75
وقال محمد :ل يصير قابضا ويبقى البيع في ضمان البائع ،ويؤمر بالتسليم إليه ،ويكون الهلك على
البائع ،ويبطل البيع ويسقط الثمن عن المشتري.
دليل أبي يوسف :أن جناية الجنبي حصلت بإذن المشتري وأمره ضمنا ،فيصير قابضا ،كما لو
ارتكب الجناية بنفسه .وبيانه :أن اختيار المشتري اتباع الجاني بالضمان تمليك من الشيء المضمون
المجني عليه؛ لن المضمونات تملك باختيار الضمان بأثر رجعي يستند إلى وقت حدوث سبب
الضمان ،فيصير كأن الجناية حصلت بأمر المشتري.
ودليل محمد :أن الضمان متعلق بالعين لن قيمة العين قائمة مقامها ،والعين لو كانت قائمة فهلكت قبل
القبض ،كان الهلك على البائع ،فكذا القيمة (. )1
- 5القبض السابق :كل ماسبق فيما إذا كان المبيع في يد البائع ،فإن كان في يد المشتري بقبض
سابق ،ثم باعه المالك له ،فهل يعتبر قابضا بمجرد الشراء أو ل بد من تجديد القبض ليتم التسليم؟ فيه
تفصيل:
قسم الفقهاء القبض من حيث قوة أثره وضعفه إلى قسمين :قبض الضمان وقبض المانة.
ل عن المقبوض تجاه الغير ،فيضمنه ،إذا هلك عنده،
قبض الضمان :هو ما كان فيه القابض مسؤو ً
ولو بآفة سماوية ،كالمغصوب في يد الغاصب ،والمبيع في يد المشتري.
وقبض المانة :هو ماكان فيه القابض غير مسؤول عن المقبوض إل بالتعدي ،أو التقصير في الحفظ
كالوديعة أو العارية أو المأجور أو مال الشركة في يد الوديع ،أو المستعير ،أو المستأجر ،أو الشريك.
وجعلوا قبض الضمان أقوى من قبض المانة بسبب الضمان المترتب.
والمبدأ العام:أن القبض السابق ينوب عن القبض اللزم في البيع إذا كانا متجانسين في الضمان
وعدمه ،أو كان السابق أقوى بخلف ما إذا كان أضعف .فقبض الضمان ينوب عن قبض المانة
وعن قبض الضمان ،وأما قبض المانة فل ينوب إل عن قبض المانة فقط ،ول ينوب عن قبض
-------------------------------
( )1البدائع ،المرجع السابق.
( )5/76
( )5/77
( )5/78
النهي عن أمر آخر كوصف من أوصاف العقد ،فيوجب فساد العقد فقط ( ، )1لن المعاملت ينظر
فيها إلى جانب مصالح العباد ،فإذا كانت مخالفة العمل راجعة إلى حقيقته كبيع المعدوم ،لم تتحقق به
مصلحة أصلً ،فكان باطلً.
وأما إذا تحققت بالعمل مصلحة على وجه ما ،ترتب أثر العمل عليه ،ويتدارك النقص بإزالة سببه،
وهذا يتحقق فيما لو كانت مخالفة العمل راجعة إلى وصفه مع سلمة حقيقته ،بوجود ركنه وطرفيه
ومحله ،فيسمى فاسدا.
أما العبادات فإن البطلن والفساد فيها مترادفان ،فمخالفة أمر الشارع فيها يجعلها موصوفة بالفساد
والبطلن ،سواء أكان الخلل في ناحية جوهرية أم في ناحية فرعية متممة؛ لن العبادة ينظر فيها إلى
تحقيق المتثال والطاعة التامة ،ول يحصل ذلك إل بزوال كل مخالفة فيها.
وعلى هذا الساس نعرف أن أنواع البيوع عند الحنفية بحسب وصف الشارع لها ثلثة :صحيح،
وباطل ،وفاسد.
البيع الصحيح :هو ما كان مشروعا بأصله ووصفه ( )2ولم يتعلق به حق الغير ،ول خيار فيه،
وحكمه :أنه يثبت أثره في الحال .وأثر البيع الصحيح هو تبادل الملكية في العوضين ،فيثبت ملك
المبيع للمشتري ،وملك الثمن للبائع فور انتهاء اليجاب والقبول إذا لم يكن في البيع خيار.
-------------------------------
( )1انظر الموال ونظرية العقد للدكتور محمد يوسف موسى :ص 436ومابعدها .والذي يترجح أن
أثر النهي المتوجه إلى الوصف كأثر النهي المتوجه إلى ما تتوقف عليه حقيقة الشيء ،سواء في
اعتبار الشرع ،وأن البيع الفاسد والباطل سيان ل يترتب عليه حكم من الحكام (راجع أصول البيوع
الممنوعة للستاذ عبد السميع إمام ،وهي رسالة دكتوراه من الزهر :ص .)147
( )2أصل العقد أي ركنه ومحله ،والركن :اليجاب والقبول ،والمحل :محل العقد :ومعنى كون الركن
مشروعا :أل يعرض له خلل كأن يصدر اليجاب والقبول من مجنون أو صبي ل يعقل .ومعنى كون
المحل مشروعا :أن يكون مالً متقوما .وأما وصف العقد :فهو ما كان خارجا عن الركن والمحل
كالشرط المخالف لمقتضى العقد ،أو كون المبيع غير مقدور التسليم ،وكالثمنية فإنها صفة تابعة للعقد.
( )5/79
والبيع الباطل :هو ما اختل ركنه أو محله ،أو هو ما ل يكون مشروعا بأصله ول بوصفه ،أي أن
يكون العاقد ليس أهلً للعقد ،أو أن يكون محل العقد ليس قابلً له .وحكمه :أنه ل يعتبر منعقدا فعلً،
وإن وجدت صورته في الخارج فل يفيد الملك أصلً .مثل عقد الطفل أو المجنون أو بيع ما ليس بمال
كالميتة ،أو ما ليس بمتقوم كالخمر والخنزير.
وإذا كان البيع الباطل ل يفيد الملك بالقبض ،فلو هلك المبيع في يد المشتري فيطبق عليه حكم هلك
المانات؛ لن العقد غير معتبر فبقي القبض بإذن المالك .قيل :وهو قول أبي حنيفة .وعند البعض:
ل من المقبوض على سوم الشراء .قيل :وهو قول الصاحبين.
يكون مضمونا لنه ل يكون أدنى حا ً
وأما الثمن المقبوض ببيع باطل فالصحيح أنه مضمون كالمقبوض ببيع فاسد.
والبيع الفاسد :هو ما كان مشروعا بأصله دون وصفه ،أي أن يصدر من أهل له في محل قابل للبيع،
ولكن عرض له أمر أو وصف غير مشروع .مثل بيع المجهول جهالة تؤدي للنزاع كبيع دار من
الدور أو سيارة من السيارات المملوكة لشخص ،دون تعيين ،وكإبرام صفقتين في صفقة كبيع دار
على أن يبيعه سيارته مثلً :وسأذكر أمثلة أخرى بالتفصيل .وحكمه :أنه يثبت فيه الملك بالقبض بإذن
المالك صراحة أو دللة ،كأن يقبضه في مجلس العقد أمام البائع دون أن يعترض عليه ،خلفا
لجمهور الفقهاء الذين يقررون أنه ل يفيد الملك أصلً كالبيع الباطل (. )1
-------------------------------
( )1انظر فتح القدير مع العناية 5 :ص 185وما بعدها ،البدائع 5 :ص ،299رد المحتار لبن
عابدين 4 :ص ،104مجمع الضمانات :ص 215وما بعدها ،الموال ونظرية العقد للدكتور يوسف
موسى :ص 440وما بعدها.
( )5/80
( )5/81
وقد ميزت بين أمثلة نوعي البيع المذكورين منعا للبهام أو الشكال ،على عكس ما يوجد في أغلب
ل وهو المنهي عنه
كتب الحنفية التي تذكر باب البيع الفاسد .وتريد به العم من كونه فاسدا أو باط ً
الممنوع شرعا ( )1بل إنهم قد يطلقون لفظ الفاسد ويريدون به الباطل ،ويفهم المقصود إما بالقرائن
أحيانا أو بما يشعر بأن البيع باطل كقولهم :ل ينقلب العقد صحيحا ،وفي البيع الفاسد بالعكس :يعود
العقد صحيحا.
المطلب الول ـ أنواع البيع الباطل
أهم أنواع البيع الباطل ما يأتي:
- 1بيع المعدوم :
اتفق أئمة المذاهب على أنه ل ينعقد بيع المعدوم وما له خطر العدم ،كبيع نتاج النتاج بأن قال :بعت
ولد ولد هذه الناقة ،وبيع الحمل الموجود لنه على خطر الوجود ،وبيع الثمر والزرع قبل ظهوره ؛
لن النبي صلّى ال عليه وسلم «نهى عن بيع حبل الحبلة» ( )2أي نتاج النتاج .ونهى أيضا عن بيع
المضامين والملقيح (( )3والمضامين :ما
-------------------------------
( )1انظر فتح القدير 5 :ص ،185رد المحتار 4 :ص .104
( )2رواه البخاري ومسلم وأحمد والموطأ وأبو داود والنسائي والترمذي عن ابن عمر أن رسول ال
صلّى ال عليه وسلم «نهى عن بيع حبل الحبلة» (انظر جامع الصول 1 :ص ،441نيل الوطار5 :
ص .)147
( )3فيه عدة روايات:منها ما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن عمر عن النبي صلّى ال عليه
وسلم أنه نهى عن المضامين ،والملقيح ،وحبل الحبلة :قال :والمضامين :ما في أصل ب البل،
والملقيح ،ما في بطونها ،وحبل الحبلة :ولد ولد هذه الناقة ،وقيل :إن المبيع هو ولد الناقة (انظر
نصب الراية 4 :ص )10والخلصة أن المضامين :ما في ظهر الفحل بمعنى أن يحمل البائع الفحل
على ناقته ،فما أنتجته كان للمشتري ،أو بيع ما يضربه الفحل مدة عام أو عامين .والملقيح :بيع
الجنين في بطن أمه ،أو ما في البطن من المني قبل أن يطلق عليه اسم الحمل ،وهذه البيوع كانت
متعارفة في الجاهلية.
( )5/82
في أصلب الذكور ،والملقيح :ما في بطون الناث) ونهى كذلك عن بيع الثمر قبل بدو صلحه ،كما
سيأتي.
ومن الملحق بالمعدوم :بيع لؤلؤ في صدف ،وبيع اللبن في الضرع وبيع الصوف على ظهر الغنم،
ومثله بيع الكتاب قبل طبعه ،فإن بيع ذلك باطل عند الشافعية والحنابلة؛ لن محل العقد غير موجود
بالتأكيد ،ولما روي عن ابن عباس رضي ال صلّى ال عليه وسلم عنهما أنه قال« :نهى رسول ال
صلّى ال عليه وسلم أن تباع ثمرة حتى تطعم ( ، )1ول يباع صوف على ظهر ول لبن في ضرع»
( )2ولن بيع اللبن في الضرع مجهول الصفة والمقدار .وجهالة مقداره ،لنه قد يرى امتلء الضرع
من السمن ،فيظن أنه من اللبن .وجهالة الصفة :لنه قد يكون اللبن صافيا ،وقد يكون كدرا فأشبه
الحمل ،لنه بيع عين لم تخلق ،فلم يجز كبيع ما تحمل الناقة ،والعادة في ذلك تختلف .وفيه علة أخرى
وهي :أنه معجوز التسليم ،لن اللبن ل يجتمع في الضرع دفعة واحدة ،بل شيئا فشيئا ،فيختلط المبيع
بغيره على وجه يتعذر التمييزبينهما.
وأما لبن الظئر (أي المرضع) فيجوز بيعه للحضانة ،للحاجة.
( )5/83
وقال الحنفية ما عدا أبا يوسف :بيع اللبن في الضرع واللؤلؤ في الصدف والصوف على ظهر الغنم
فاسد؛ للجهالة وللنهي عنه ،ولن الصوف ينمو من أسفل ،فيختلط المبيع بغيره ،ويصعب التمييز
بينهما ،فيفسد لذلك (. )3
وقال أبو يوسف :يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم والصلح عليه؛ لنه يجوز جزه قبل الذبح،
فيجوز بيعه كبيع القصيل في الرض.
وأما سبب بطلن بيع الصوف على ظهر الغنم عند القائلين بالبطلن ،فلنه يقع الختلف في موضع
القطع من الحيوان ،فيقع الضرار به فكان مشتملً على الغرر ،وفيه علة أخرى :وهي أنه معجوز
التسليم ،لن الصوف ينمو ساعة فساعة ،فيختلط الموجود عند العقد بالحادث بعده على وجه ل يمكن
التمييز بينهما.
وخالف المام مالك في الحالتين ،فقال :يجوز بيع اللبن في الضرع في الغنم السائمة التي ل يختلف
لبنها ،ل في الشاة الواحدة ،أياما معلومة ،إذا عرف قدر حلبها ،لسقي الصبي ،كلبن الظئر ،لتسامح
غالب الناس به أياما معلومة غالبا ،بل رأينا من يسامح بلبن بقرته الشهر وأكثر بطريق الباحة أو
الهبة .وقال أيضا :يصح بيع الصوف على ظهر الغنم ،لنه مشاهد يمكن تسليمه.
وهناك رواية عند الحنابلة تقرر مثل هذا الحكم وهو أنه يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم ،بشرط
جزّه في الحال ،لنه معلوم يمكن تسليمه .وكذلك الظاهرية أجازوا بيع الصوف على
-------------------------------
( )1تطعم ـ بكسر العين أي يبدو صلحها.
( )2حديث مرفوع مسند رواه الطبراني في معجمه عن ابن عباس ،وأخرجه الدارقطني والبيهقي في
سننيهما (انظر نصب الراية 4 :ص ،11نيل الوطار 5 :ص .)149
( )3الدر المختار ورد المحتار ،113/4 :البدائع ،148/5 :وعبر الكاساني بأن البيع ل ينعقد في ظاهر
الرواية ،ومراده أنه فاسد.
( )5/84
( )5/85
فإن كان الطائريذهب ويعود كالحمام الهلي ،ففي ظاهر الرواية :ل يجوز أيضا بيعه لعدم القدرة على
التسليم في الحال ،وقال بعض الحنفية :إن كان الطائر داجنا يعود إلى بيته ويقدر على أخذه بل تكلف
جاز بيعه ،وإل فل.
وكذا يبطل العقد إذا جعل معجوز التسليم ثمنا؛ لن الثمن إذا كان عينا ،فهو مبيع في حق صاحبه ()1
.
-------------------------------
( )1وذكر الكرخي رحمه ال أنه ينعقد بيع البق ،حتى لو ظهر وسلم يجوز وليحتاج إلى تجديد
البيع ،ودليله :أن الباق ليوجب زوال الملك ،أل ترى أنه لم ينفذ للحال للعجز عن التسليم ،فإن سلم
زال المانع ،فينفذ ،كبيع المغصوب الذي في يد الغاصب إذا باعه المالك لغيره ،فإنه ينعقد موقوفا على
التسليم.
ووجه ظاهر الرواية :هو أن القدرة على التسليم شرط انعقاد العقد ،لنه لينعقد إل لفائدة ،وليفيد إذا
لم يكن قادرا على التسليم ،والعجز عن التسليم ثابت حالة العقد ،وفي حصول القدرة بعد ذلك شك،
واحتمال قد يحصل وقد ليحصل .ومالم يكن منعقدا بيقين لينعقد لفائدة محتملة ،بخلف بيع
المغصوب من غير الغاصب ،فإنه ينعقد موقوفا على التسليم ،حتى لو سلم ينفذ ،لن المالك هنا قادر
على التسليم بقدرة السلطان والقاضي وجماعة المسلمين إل أنه لم ينفذ للحال ،لوجود يد الغاصب
صورة ،فإذا سلم زال المانع ،فينفذ ،بخلف البق ،لنه معجوز التسليم على الطلق ،فأشبه بيع البق
بيع الطير في الهواء ،والسمك في الماء ( البدائع 5 :ص 147ومابعدها ،فتح القدير 5 :ص ،199
رد المحتار4 :ص ،112مختصر الطحاوي :ص ،82الموال ونظرية العقد لستاذنا محمد يوسف
موسى :ص .) 314
وقال المالكية :ليجوز ( أي لينعقد ) بيع البق حال إباقه ،إذا لم يعلم موضعه أو علم أنه عند من
ليسهل خلصه منه أو عند من يسهل خلصه منه ،ولم تعلم صفته فإذا كان معلوم الصفة ،معلوم
الموضع عند البائع والمشتري جاز ،قال ابن رشد :وأظنه ( أي المام مالك ) اشترط أن يكون معلوم
الباق ،ويتواضعان الثمن أي ليقبضه البائع حتى يقبض المشتري المبيع ( بداية المجتهد 2 :ص
،156الشرح الكبير للدردير 3 :ص ) 11وقد ذكرت حكم العبد البق لمجرد الطلع من الناحية
التاريخية.
( )5/86
وقال المالكية :ل ينعقد بيع البعير الشارد والبقرة المتوحشة والمغصوب إل أن يبيعه من غاصبه.
وقال الشافعية والحنابلة :ل يجوز (أي ل ينعقد) بيع ما ل يقدر على تسليمه كالطير في الهواء أو
السمك في الماء والجمل الشارد ،والفرس العائر (أي الهائم على وجهه) والمال المغصوب في يد
الغاصب والعبد البق ،سواء علم مكانه أو جهل ،ومثله بيع الدار أو الرض تحت يد العدو ( )1؛لن
النبي صلّى ال عليه وسلم نهى عن بيع
-------------------------------
( )2المهذب 1 :ص ،263المغني 4 :ص 200ومابعدها ،غاية المنتهى 2 :ص .10
( )5/87
الحصاة ،وعن بيع الغرر ( ، )1وهذا غرر ،وعن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه أن رسول ال
صلّى ال عليه وسلم نهى عن شراء العبد البق ،وعن شراء ما في بطون النعام حتى تضع وعن
شراء ما في ضروعها ،وعن شراء الغنائم حتى تقسم ( . )2وعن ابن مسعود أن رسول ال صلّى ال
عليه وسلم قال« :ل تشتروا السمك في الماء فإنه غرر» ( )3علل النهي عن بيع السمك بأنه غرر،
فدل على أن الغرر :ما ل يقدر على تسليمه .والمراد بالماء الذي ليجوز بيع السمك فيه هو الماء
غير المحصور كماء البحر والنهر ،فإن كان الماء محصورا كماء البركة ،فقال الحنفية والشافعية
والحنابلة في الجملة :يجوز بيع السمك فيه إذا كان يمكن أخذه بدون اصطياد وحيلة .ولكن للمشتري
خيار الرؤية عند الحنفية .ومنع المالكية بيع السمك في الغدير أو البركة (. )4
والخلصة :أن المذاهب الربعة متفقة على بطلن بيع ما ل يقدر على تسليمه ،مع الخلف في بعض
القيود أحيانا أو مع أقوال ضعيفة في المذهب.
وذهب الظاهرية إلى أنه ل يشترط في صحة البيع أن يكون المعقود عليه مقدور التسليم ،وإنما
الواجب أل يحول البائع بين المشتري وبين ما اشتراه (. )5
-------------------------------
( )1رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة « أن النبي صلّى ال
عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر » وقد سبق تخريجه .وبيع الحصاة مثل أن يقول:
بعتك من هذه الثواب ماوقعت عليه هذه الحصاة ثم يرمي الحصاة (انظر جامع الصول1 :ص ،441
نيل الوطار 5 :ص .) 147
( )2رواه أحمد وابن ماجه عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد الخدري ونصه « :نهى النبي صلّى ال
عليه وسلم عن شراء مافي بطون النعام حتى تضع ،وعن بيع مافي ضروعها إل بكيل ،وعن شراء
المغانم حتى تقسم ،وعن شراء الصدقات حتى تقبض ،وعن ضربة الغائص » ( انظر نيل الوطار:
5ص .) 149
( )3رواه أحمد موقوفا ومرفوعا والطبراني في الكبير كذلك ،ورجال الموقوف رجال الصحيح (انظر
مجمع الزوائد 4 :ص .) 80
( )4البدائع 5 :ص ،295بداية المجتهد 2 :ص ،156المهذب 1 :ص ،263المغني 4 :ص .202
( )5المحلى 8 :ص 449وما بعدها ،أصول البيوع الممنوعة :ص .130
( )5/88
( )5/89
ومثال بيع الدين لغير المدين :أن يقول رجل لغيره :بعتك العشرين مدا من القمح التي لي عند فلن
بكذا تدفعها لي بعد شهر ( ، )1أو بسلعة حاضرة (عين) لم يصح البيع ،لعدم القدرة على تسليم المبيع.
وبيع الدين نقدا في الحال :اختلف الفقهاء في شأنه على التفصيل التي:
أولً ـ بيع الدين للمدين :أجاز جمهور الفقهاء أئمة المذاهب الربعة بيع الدين لمن عليه الدين أو هبته
له؛ لن المانع من صحة بيع الدين بالدين هو العجز عن التسليم ،ول حاجة إلى التسليم ههنا ،فما في
ذمة المدين مسلم له ( . )2ومثاله :أن يبيع الدائن للمدين دينا له في ذمته بدين آخر من غير جنسه،
فيسقط الدين المبيع ،ويجب عوضه،لنه في معنى الصلح ،وهو جائز ،،ويدل ما أخرجه الخمسة
(أحمد وأصحاب السنن) عن عبد ال بن عمر رضي ال عنهما قال« :أتيت النبي صلّى ال عليه وسلم
فقلت :إني أبيع البل بالبقيع ،فأبيع الدنانير وآخذ الدراهم ،وأبيع بالدراهم وأخذ الدنانير؟ فقال :ل بأس
أن تأخذ بسعر يومها ،ما لم تفترقا وبينكما شيء» فهذا البيع بين الدنانير والدراهم بيع للدين بعين ممن
عليه الدين ،لنه قوله« :أبيع بالدنانير» أي دينا؛ لنه لم يقبضهما ،ثم يستبدل بها دراهم يقبضها.
وقال الظاهرية :ل يجوز بيع الدين إلى المدين لوجود الغرر فيه ،قال ابن حزم :لنه بيع مجهول ،وما
ل يدرى عينه ،وهذا هو أكل مال بالباطل (. )3
-------------------------------
( )1راجع سبل السلم 3 :ص ،45نيل الوطار 5 :ص ،156الشرح الكبير والدسوقي 3 :ص 61
ومابعدها ،الغرر وأثره في العقود للدكتور الصدّيق :ص 311ومابعدها ،غاية المنتهى 2 :ص ،58
المهذب 1 :ص .262
( )2البدائع 5 :ص ،148تكملة ابن عابدين ،326/2 :الفتاوى الهندية ،365/4 :أصول البيوع
الممنوعة :ص ،111المغني 4 :ص .120
( )3المحلى 9 :ص 7ومابعدها ،أصول البيوع ،المكان السابق.
( )5/90
ثانيا ـ بيع الدين لغير المدين :قال الحنفية والظاهرية :بما أنه ل يجوز بيع معجوز التسليم ،فل ينعقد
بيع الدين من غير من عليه الدين ،لن الدين غير مقدور التسليم إل للمدين نفسه في حق البائع؛ لن
الدين عبارة عن مال حكمي في الذمة ،أو عبارة عن فعل تمليك المال وتسليمه ،وكل ذلك غير مقدور
التسليم من البائع .ولو شرط التسليم على المدين ل يصح البيع أيضا؛ لن البائع شرط التسليم على
غيره ،فيكون شرطا فاسدا ،فيفسد البيع ( ، )1لعدم القدرة على تسليم المبيع.
وقال بعض الشافعية ( : )2يجوز بيع الدين المستقر ( )3للمدين ولغير المدين قبل القبض ،لن الظاهر
القدرة على التسليم من غير منع ول جحود ،ومثال الدين المستقر :قيمة المتلفات ،والمال الموجود عند
المقترض.
وأما إن كان الدين غير مستقر :فإن كان مسلَما فيه في عقد السلم ،فل يجوز التصرف فيه قبل قبضه،
لعموم النهي عن بيع مالم يقبض ،ولن الملك في المسلم فيه غير مستقر ،لنه ربما تعذر تسليمه
لفقدانه ،فانفسخ البيع فيه.
-------------------------------
( )1البدائع ،في المكانين السابقين.
( )2المهذب 1 :ص 262وما بعدها.
( )3الدين المستقر :هو الثابت استيفاؤه والذي يكون الملك عليه لزما مستحقا لصاحبه دون أن يكون
هناك أي احتمال آخر لسقوطه.
( )5/91
وإن كان الدين ثمنا في بيع ،ففي قول للشافعي :يجوز التصرف فيه قبل قبضه لخبر ابن عمر في هذا
الشأن عن الرسول صلّى ال عليه وسلم « :لبأس مالم تتفرقا ،وبينكما شيء » ( )1ولنه ليخشى
انفساخ العقد فيه بالهلك ،فصار ذلك مثل المبيع بعد القبض.هذا وليصح اتفاقا بيع الدين بالدين إلى
أجل كما تقدم في النقود والمطعومات وغيرها من أموال الربا ،وليصح لحد أن يعتمد على هذا
القول وغيره فيما يخالف الحكام المقررة قطعا .قال النووي في المنهاج :وبيع الدين لغير من هو
عليه الدين باطل في الظهر.
وقال الحنابلة :يصح في الصحيح من المذهب بيع الدين المستقر للمدين كبدل قرض ومهر بعد
الدخول .وليصح بيع الدين لغير المدين ،كما لتصح هبة الدين لغير من هو في ذمته؛ لن الهبة
تقتضي وجود معين ،وهو منتفٍ هنا .كما ليصح بيع الدين غير المستقر كأجرة عقار قبل مضي مدة
اليجار ،ومهر قبل دخول بالمرأة ،ومسلم فيه قبل القبض ،إل أن ابن القيم أجاز بيع الدين
-------------------------------
( )1رواه الترمذي وغيره ،وصححه الحاكم على شرط مسلم ،والقصة معروفة وهي أن ابن عمر
قال« :كنت أبيع البل بالبقيع بالدنانير ،فآخذ الدراهم ،وأبيع بالدراهم ،فآخذ الدنانير ،فقال رسول ال
صلّى ال عليه وسلم « :لبأس مالم تتفرقا وبينكما شيء » .
( )5/92
( )5/93
( )5/94
وقال القرافي من المالكية :أصل الغرر :هو الذي ل يدرى هل يحصل أم ل كالطير في الهواء
والسمك في الماء (. )1
وقال الشيرازي الشافعي :الغرر :ما انطوى عنه أمره وخفي عليه عاقبته (. )2
وقال السنوي الشافعي :الغرر :هو ما تردد بين شيئين أغلبهما أخوفهما (. )3
وقال ابن تيمية :الغرر هو المجهول العاقبة .وقال ابن القيم :هو ما ل يقدر على تسليمه ،سواء أكان
موجودا أو معدوما كبيع العبد البق ،والبعير الشارد ،وإن كان موجودا (. )4
وقال ابن حزم:ما ل يدري المشتري ما اشترى ،أو البائع ما باع (. )5
والخلصة :أن بيع الغرر :هو البيع الذي يتضمن خطرا يلحق أحد المتعاقدين ،فيؤدي إلى ضياع ماله
( . )6وعرفه الستاذ الزرقاء فقال :هو بيع الشياء الحتمالية غير المحققة الوجود أو الحدود ،لما فيه
من مغامرة وتغريريجعله أشبه بالقمار .والغرر الذي يبطل البيع :هو غرر الوجود :وهوكل ما كان
المبيع فيه محتملً للوجود والعدم .أما غرر الوصف فمفسد للبيع ( ، )7كما عرفنا في شرائط الصحة.
الغرر إذن :هو الخطر بمعنى أن وجوده غير متحقق ،فقد يوجد وقد ل يوجد .وبيع الغرر :بيع ما ل
يعلم وجوده وعدمه ،أو ل تعلم قلته وكثرته ،أو ل يقدر على تسليمه.
-------------------------------
( )1الفروق 3 :ص .265
( )2المهذب 1 :ص .262
( )3نهاية السول شرح منهاج الصول 2 :ص .89
( )4أعلم الموقعين 2 :ص ،9الفتاوى لبن تيمية 3 :ص .275
( )5المحلى.396/8 :
( )6أصول البيوع الممنوعة :ص .130
( )7المدخل الفقهي العام له 1 :ص ،97عقد البيع له أيضا ،حاشية ص .20
( )5/95
ملحظات على التعاريف :قصر الظاهرية الغرر على المجهول ،وقصره بعض الحنفية على ما ل
يدرى حصوله ،وأخرجوا عنه المجهول ،والراجح عند أكثر الفقهاء أن الغرر يشمل ما ل يدرى
حصوله ،والمجهول ( ، )1فيكون تعريف السرخسي للغرر هو أرجح التعاريف :وهو ماكان مستور
العاقبة.
حكم بيع الغرر :قال المام النووي :النهي عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل
كثيرة جدا .ويستثنى من بيع الغرر أمران:
أحدهما ـ ما يدخل في المبيع تبعاً ،بحيث لو أفرد ،لم يصح بيعه كبيع أساس البناء تبعا للبناء ،واللبن
في الضرع تبعا للدابة.
والثاني ـ ما يتسامح بمثله عادة ،إما لحقارته ،أو للمشقة في تمييزه أو تعيينه ،كدخول الحمام بالجر،
مع اختلف الناس في الزمان ،ومقدار الماء المستعمل ،وكالشرب من الماء المحرز ،وكالجبة
المحشوة قطنا (. )2
اتفق الفقهاء على عدم صحة بيع الغرر ،مثل بيع اللبن في الضرع ،والصوف على الظهر ،واللؤلؤ
في الصدف ،والحمل في البطن ،والسمك في الماء ،والطير في الهواء قبل صيدهما ،وبيع مال الغير
على أن يشتريه فيسلمه ،أي بيع ما سيملكه قبل ملكه له ،لن البائع باع ما ليس بمملوك له في الحال،
سواء أكان السمك في البحر ،أم في النهر ،أم في حظيرة ل يؤخذ منها إل باصطياد ،وسواء أكان
الغرر في المبيع أم في الثمن.
-------------------------------
( )1راجع رسالة الغرر وأثره في العقود :ص 33ومابعدها.
( )2المجموع 9 :ص 280ومابعدها ،نيل الوطار 5 :ص ،148قواعد الحكام للعز بن عبد السلم:
.76/2
( )5/96
ومن البيوع غير الصحيحة بسبب الغرر :بيع المضامين والملقيح ،وبيع الملمسة والمنابذة والحصاة
( ، )1وبيع ضربة القانص (بأن يقول البائع :بعتك ما يخرج من إلقاء هذه الشبكة مرة
-------------------------------
( )1سبق شرح المضامين والملقيح ،وأما بيع الملمسة :فهو مثل بعتك ثوبي هذا على أنك متى
لمسته ،أو إن لمسته ،أو أي ثوب من هذه الثواب لمسته ،فهو لك .وبيع المنابذة مثل :إن أو متى
نبذت هذا ،أو أي ثوب نبذته لك (أي طرحته) فهو لك بكذا .وبيع الحصاة الذي يشبه بيع اليانصيب
اليوم ،كأن يقول :ارم بهذه الحصاة ،فعلى أي ثوب وقعت فهو لك ،أو بعتك من هذه الرض ما انتهت
إليه الحصاة في الرمي .ولفظ الغرر يشملها ،إل أنها أفردت في الحديث بالنهي كما سنلحظ ،لكونها
كانت مما يبتاعها أهل الجاهلية( .سبل السلم 3 :ص ،15غاية المنتهى 2 :ص )11وفسر الحنفية
هذه البيوع الثلثة تفسيرا يشعر بأن اللمس أمارة على لزوم البيع ،سواء أكان المشتري عالما بالمبيع
أم جاهلً به ،في حين أن مفهوم بيع الملمسة عند المحدثين هو أن اللمس يقوم مقام نظر السلعة إذا
احتاج المر إلى ذلك كالثوب ،قال المرغيناني :هي أن يتراوض الرجلن على سلعة (أي يتساومان)
فإذا لمسها المشتري ،أو نبذها إليه البائع ،أو وضع المشتري عليها حصاة ،لزم المبيع ،فالول بيع
الملمسة ،والثاني :المنابذة ،والثالث :إلقاء الحجر أي بيع الحصاة (راجع فتح القدير 5 :ص .)196
( )5/97
بكذا) وضربة الغائص (بأن يقول :أغوص غوصة ،فما أخرجته من الللئ ،فهو لك بكذا) ( )2فالمبيع
في النواع الخمسة الخيرة مجهول الذات أو المقدار ،وقد ثبت النهي عنها ،وهي من بيوع الجاهلية.
ومنها بيع المزابنة :وهو بيع الرطب أو العنب على النخل أو الكرمة بتمر مقطوع ،أوزبيب مثل كيله
خرصا أي بتقديره حَزْرا أو تخمينا .وبيع المحاقلة :أي بيع الحنطة في سنبلها بحنطة مثل كيلها
خرصا ،لن النبي صلّى ال عليه وسلم «نهى عن المزابنة والمحاقلة» ( )3لما في ذلك من الربا
لجهالة مقدار المبيع ،إذ أنه كما هو معلوم يشترط
-------------------------------
( )2الصائد باللة هو القانص سواء في البر أو البحر .وأما من يغوص في البحر لستخراج الللئ
ل فهو الغائص ،وقد ورد النهي عن ضربة الغائص في حديث أبي سعيد الخدري (نيل الوطار:
مث ً
.)148/5
( )3أخرجه البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد ال وأبي سعيد الخدري ،وأخرجه البخاري أيضا
من حديث ابن عباس ،وأنس .وأخرجه مسلم أيضا من حديث أنس (راجع نصب الراية 4 :ص 12
ومابعدها ،نيل الوطار 5 :ص 198ومابعدها).
( )5/98
التماثل حقيقة في بيع الموال الربوية .لكن للحاجة رخص الشافعية والحنابلة والظاهرية ،وفي الراجح
عند المالكية بيع العرايا ( : )1وهو عند الشافعية بيع الرطب على النخل خرصا بتمر في الرض
كيلً ،أو بيع العنب على الشجر خرصا بزبيب في الرض كيلً ،فيما دون خمس أوسق ( )2بشرط
التقابض في المجلس عند الفقهاء ما عدا المالكية ،لن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى عن بيع الثمر
بالتمر ،ورخص في العرايا ( . )3وأما الحنفية فقد أجازوا بيع العرايا للضرورة فقط ،وذكر الشوكاني
أن أبا حنيفة منع صور بيع العرايا كلها ،وقصر العرية على الهبة :وهي أن يهب صاحب البستان
لرجل ثمر نخلت معلومة من بستانه ،ثم يتضرر بدخوله عليه ،فيخرصها ،ويشتري رطبها منه بقدر
خرصه بتمر معجل أي بقدر ما وهبه له من الرطب بما يساويه تخمينا من التمر (. )4
ويلحظ أن هذه البيوع غير الصحيحة بسبب الغرر ،منها الباطل ،ومنها الفاسد في اصطلح الحنفية،
والفاسد منها فقط :هو بيع ضربة القانص والغائص والمزابنة والمحاقلة والملمسة والمنابذة وبيع
الحصاة ،وبيع ثوب من أثواب ونحوها
-------------------------------
( )1العرايا :جمع عَرِيّة ،والعرية :النخلة المعراة والتي أكل ما عليها ،وهي في الصل :عطية ثمر
النخل دون الرقبة ،وقال الجوهري :هي النخلة التي يعريها (أي يعطيها) صاحبها رجلً محتاجا بأن
يجعل له ثمرها عاما ،من عراه :إذا قصده .وتكون العرية في اللغة :هي الشجرة التي يفردها مالكها
للكل ،سميت بذلك لنها عريت عن حكم جميع أشجار البستان.
( )2الوسق :ستون صاعا بصاع النبي صلّى ال عليه وسلم والخمسة أوسق تساوي 257رطلً شاميا
أي قنطارين ونصف تقريبا أو 653كغ .وقد قصر الحنابلة والظاهرية بيع العرايا على ثمر النخل
دون العنب ،وأجازه مالك في كل ماييبس ويدخر كالجوز واللوز والتين.
( )3أخرجه البخاري ومسلم من حديث سهل بن أبي حثمة ،وأخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة
أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق (شك من الراوي)
والمقصود من بيع الثمر بالتمر أي بيع ثمر النخلة الجديد بالتمر القديم (راجع نصب الراية 4 :ص
،13نيل الوطار 5 :ص .)200
( )4نيل الوطار5 :ص ،201مختصر الطحاوي :ص .78
( )5/99
مما فيه جهالة .وأما ما عداها فهو باطل ( . )1فبيع الملقيح والمضامين وحبل الحبلة باطل ،لنهيه
صلّى ال عليه وسلم عنه ،ولما فيه من الغرر ،كما تقدم في بحث بيع المعدوم.
والدليل على عدم صحة بيع الغرر في الجملة :هو أن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى عن بيع
الحصاة ،وعن بيع الغرر .وعن ابن مسعود أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال « :لتشتروا السمك في
الماء ،فإنه غرر » ( ، )2ولنه غير مقدور على تسليمه ،وفيه جهالة فاحشة بمحل العقد أو بمقدار
المبيع ،ولنه غير مملوك للبائع محل العقد.
الغرر اليسير :الغرر والجهالة ثلثة أقسام ( : )3كثير ممتنع إجماعا كالطير في الهواء .وقليل جائز
إجماعا كأساس الدار وقطن الجبة .ومتوسط اختلف فيه :هل يلحق بالول أو بالثاني ،فلرتفاعه عن
القليل ألحق بالكثير ،ولنحطاطه عن الكثير ،ألحق بالقليل .أجاز الحنفية بيع مايشتمل على غرر
يسير ،كالشياء التي تختفي في قشرها كالجوز واللوز والفستق والباقلء ( )4الخضر ،والرز
والسمسم في قشرها العلى ،والحنطة في سنبلها ،والبطيخ والرمان على أن يكون للمشتري خيار
الرؤية كما سيأتي بيانه في بحث هذا الخيار.
-------------------------------
( )1التبس على بعض المؤلفين أن بيع الطير في الهواء والسمك في الماء قبل الصطياد بيع فاسد
عند الحنفية ،والتحقيق أنه باطل ،لنه بيع شيء غير مملوك في الحال ( راجع رد المحتار4 :ص
111ومابعدها ،وقارن اللباب شرح الكتاب2 :ص ،25الغرر وأثره في العقود :ص .) 347
( )2سبق قريبا تخريج هذين الحديثين.
( )3الفروق.265/3 :
( )4هو الفول الخضر أي ونحوه.
( )5/100
أما المالكية والحنابلة :فأجازوا مطلقا كل مافيه غرر يسير ،أو التي تدعو إليه الضرورة ،كهذه الشياء
التي ذكرت.
وأما الشافعية :فإنهم أجازوا بيع هذه الشياء في قشرها السفل .أما بيعها بقشرها العلى فاختلفوا فيه
على رأيين مشهورين في المذهب ،رجح النووي والبغوي والشيرازي عدم الصحة .وقال إمام
الحرمين والغزالي :الصح صحته؛ لن الشافعي رضي ال عنه أمر أن يشترى له الباقلء الرطب،
ولتعارف ذلك في جميع البلدان من غير إنكار (. )1
وإني أرجح جواز بيع هذه الشياء مطلقا كما رأى المالكية والحنابلة لتعارف الناس هذه البيوع ،فإذا
وجد فيها عيب أمكن فسخ العقد بمقتضى خيار العيب.
حكم التأمين مع شركات التأمين في السلم
التأمين حديث النشأة ،فقد ظهر بمعناه الحقيقي في القرن الرابع عشر الميلدي في إيطاليا في صورة
التأمين البحري .والتأمين ( أو السوكرة ) نوعان :تأمين تعاوني وتأمين بقسط ثابت (. )2
أما التأمين التعاوني :فهو أن يتفق عدة أشخاص على أن يدفع كل منهم اشتراكا معينا ،لتعويض
الضرار التي قد تصيب أحدهم إذا تحقق خطر معين .وهو قليل التطبيق في الحياة العملية.
-------------------------------
( )1راجع مذاهب الفقهاء في الغرر :المبسوط 12 :ص 194ومابعدها ،تبيين الحقائق4 :ص 45
ومابعدها ،فتح القدير 5 :ص 191 ،106ومابعدها ،البدائع 5 :ص 147ومابعدها ،294 ،رد
المحتار والدر المختار 4 :ص ،114-111المنتقى على الموطأ5 :ص ،41بداية المجتهد 2 :ص
،158 ،156 ،151الشرح الكبير للدردير3 :ص ،60-55القوانين الفقهية :ص 256ومابعدها،
الفروق للقرافي1 :ص 150ومابعدها ،مغني المحتاج2 :ص ،93 ،90 ،31المهذب 1 :ص 263
ومابعدها ،المجموع9 :ص ،335 ،374 ،281المغني4 :ص ،201 ،92 ،56تنوير الحوالك شرح
الموطأ2 :ص 125ومابعدها ،نيل الوطار5 :ص 200 ،147ومابعدها ،سبل السلم3 :ص .15
( )2التأمين في القانون المصري والمقارن للدكتور عبد المنعم البدراوي :ص 36ومابعدها.
( )5/101
وأما التأمين بقسط ثابت :فهو أن يلتزم المؤمّن له بدفع قسط محدد إلى المؤمّن :وهو شركة التأمين
المكونة من أفراد المساهمين ،يتعهد ( أي المؤمن ) بمقتضاه دفع أداء معين عند تحقق خطر معين.
وهو النوع السائد الن .ويدفع العوض إما إلى مستفيد معين أو إلى شخص المؤمن أو إلى ورثته ،فهو
عقد معاوضة ملزم للطرفين.
والفرق بين النوعين :أن الذي يتولى التأمين التعاوني ليس هيئة مستقلة عن المؤمن لهم ،وليسعى
أعضاؤه إلى تحقيق ربح ،وإنما يسعون إلى تخفيف الخسائر التي تلحق بعض العضاء .أما التأمين
بقسط ثابت فيتوله المؤمن ( أي الشركة المساهمة ) الذي يهدف إلى تحقيق ربح ،على حساب
المشتركين المؤمن لهم .وكون المؤمن له قد ليأخذ شيئا في بعض الحيان ليخرج التأمين من عقود
المعاوضات ،لن من طبيعة العقد الحتمالي أل يحصل فيه أحد العاقدين على العوض أحيانا.
( )5/102
حكم التأمين التعاوني :لشك في جواز التأمين التعاوني في السلم ،لنه يدخل في عقود التبرعات،
ومن قبيل التعاون على البر؛ لن كل مشترك يدفع اشتراكه بطيب نفس لتخفيف آثار المخاطر وترميم
الضرار التي تصيب أحد المشتركين ،أيا كان نوع الضرر ،سواء في التأمين على الحياة ،أو
الحوادث الجسمانية ،أو على الشياء (بسبب الحريق أو السرقة أو موت الحيوان) أو ضد المسؤولية
من حوادث السير ،أو حوادث العمل ( ، )1ويجوز أيضا للمؤمن له التأمين اللزامي كالتأمين
المفروض على السيارات ضد الغير ،وتجوز التأمينات الجتماعية ضد العجز والشيخوخة والمرض
والتقاعد .
التأمين بقسط ثابت ـ فتوى ابن عابدين :أفتى ابن عابدين بحرمة التأمين البحري ( ، )2لضمان ما قد
يهلك من البضائع المستوردة بطريق النقل البحري ،بالمراكب ،فل يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من
مال المؤمّن لسباب ثلثة:
- 1إن هذا العقد التزام ما ل يلزم ،لعدم وجود سبب شرعي من أسباب الضمان الربعة وهي
العدوان من قتل وهدم وإحراق ونحوها ،وتسبب التلف كحفر بئر بدون ترخيص في الطريق العام،
ووضع اليد غير المؤتمنة كالغصب والسرقة وبقاء المبيع في يد البائع ،والكفالة .وليس المؤمّن متعديا،
ول متسببا في التلف ،ول واضع يد على المؤمن عليه ،وليس في التأمين مكفول معين.
- 2ليس التأمين من قبيل تضمين الوديع إذا أخذ أجرا على الوديعة إذا هلكت :لن المال ليس في يد
المؤمن ،بل في يد صاحب المركب ،ولو كان صاحب المركب هو المؤمن ،فإنه يكون أجيرا مشتركا،
ل وديعا ،وكل من الوديع والجير المشترك ل يضمن ما ل يمكن الحتراز عنه ،كالموت والغرق
والحرق الغالب.
-------------------------------
( )1انظر الغرر وأثره في العقود للدكتور الصدّيق محمد المين الضرير :ص 521وما بعدها.
( )2رد المحتار 273/3 :ومابعدها ـ فصل في استئمان الكافر الحربي.
( )5/103
- 3ليس التأمين من قبيل تضمين التغرير :لن الغارّ ل بد من أن يكون عالما بالخطر ،وأن يكون
المغرور جاهلً به غير عالم .والمؤمن (شركة التأمين أو الضمان) ل يقصد تغرير التجار (المؤمن
ل ـ هل يكون أو ل ،أي ل يعلم :هل تغرق المركب أو
لهم) ،ول يعلم بحصول الخطر ـ الغرق مث ً
ل؟
أما في حال العلم بالخطر من المؤمن والتاجر كالخطر من اللصوص قطاع الطرق ،فيجوز الضمان،
ولكن ليس التأمين منطبقا عليها .فلو قال شخص لخر :اسلك هذا الطريق ،فإن كان مخوفا وأخذ
مالك ،فأنا ضامن :ضمن.
وأضاف ابن عابدين :أنه إن جرى عقد التأمين الفاسد في بلد الحرب بين المؤمّن وشريك حربي غير
مسلم للمؤمن له ،أو بين التاجر المؤمن له الموجود في دار الحرب وبين المؤمّن ،وأخذ بدل الهالك،
وأرسله في الحالة الولى إلى التاجر المسلم ،أو قبض التاجر البدل في بلدنا في الحالة الثانية،
فالظاهر أنه يحل للتاجر أخذه؛ لن العقد الفاسد جرى بين حربيين في بلد الحرب ،وقد وصل إلى
التاجر مالهم برضاهم ،فل مانع من أخذه .أما إن كان العقد في بلدنا ،والقبض في بلد الحرب ،فل
يحل أخذ البدل ،ولو برضا الحربي ،لنبنائه على العقد الفاسد الصادر في بلد السلم.
ول يصح اعتبار التأمين من قبيل شركة المضاربة التي هي مال من طرف وعمل من طرف آخر،
لسببين :أولهما ـ أن القساط التي يدفعها المؤمّن له تدخل في ملك شركة التأمين (المؤمّن) ،وهي
مطلقة اليد في أن تتصرف بها كيفما تشاء .ويخسرها المؤمن له إن لم يقع الحادث.
( )5/104
ثانيهما ـ أن شرط صحة المضاربة أن يكون الربح بين صاحب المال والقائم بالعمل شائعا بالنسبة
كالربع أو الثلث ،وفي التأمين يشترط للمشترك المؤمن له قدر معين في الربح %3أو %4فتكون
هذه المضاربة غير صحيحة .ولو تجاوز العاقد هذا السبب ،يظل السبب الول ،كما أنه في حال موت
المؤمن له قد ل يذهب المبلغ المؤمن عليه للورثة مطلقا وإنما للمستفيد ،بخلف حال موت رب المال
في المضاربة.
ول يصح اعتبار التأمين من قبيل الضمان أو الكفالة ،لنه ليس واحدا من أسباب الضمان الربعة
المشروعة المتقدمة ،كما أنه في كثير من صور عقد التأمين ل يوجد فيه ما يمكن أن يعتبر مكفولً،
وإن وجد المكفول كما في التأمين من حوادث السيارات ،فهو مجهول.
والحقيقة أن عقد التأمين من عقود الغرر ـ العقود الحتمالية المترددة بين وجود المعقود عليه
وعدمه ،وقد نهى الرسول صلّى ال عليه وسلم عن بيع الغرر .ويقاس عليه عقود المعاوضات المالية،
فيؤثر الغرر فيها كما يؤثر في عقد البيع .وعقد التأمين مع الشركات من عقود المعاوضات المالية،
فيؤثر فيه الغرر ،كما يؤثر في سائر عقود المعاوضات المالية .وقد وضعه رجال القانون تحت عنوان
«عقود الغرر» ؛ لن التأمين ل يكون إل من حادث مستقبل غير محقق الوقوع ،أو غير معروف
وقوعه ،فالغرر عنصر لزم لعقد التأمين.
والغرر في التأمين كثير ،ل يسير ،ول متوسط ،لن من أركان التأمين« :الخطر» والخطر هو حادث
محتمل ل يتوقف على إرادة العاقدين (. )1
والحاجة التي من أجلها يجوز العقد المشتمل على الغرر ولو كان كثيرا( :وهي أن يصل المرء إلى
حالة بحيث لو لم يتناول الممنوع يكون في جهد ومشقة ،ولكنه ل يهلك) ( )2يشترط فيها أن تكون
عامة ،أو خاصة بفئة ،وأن تكون متعينة.
والحاجة العامة :هي ما يكون الحتياج فيها شاملً لجميع الناس .والحاجة الخاصة :هي ما يكون
الحتياج فيها خاصا بطائفة من الناس كأهل بلد ،أو حرفة.
-------------------------------
( )1انظر الغرر وأثره في العقود للدكتور الصدّيق محمد المين الضرير :ص .661 ،656
( )2الشباه والنظائر للسيوطي :ص ،77القاعدة الرابعة.
( )5/105
ومعنى كون الحاجة متعينة :أن تسد جميع الطرق المشروعة للوصول للغرض ،سوى ذلك العقد الذي
فيه الغرر.
ولو سلمنا بوجود حاجة عامة للتأمين في الوقت الحاضر ،فإن الحاجة إليه غير متعينة ،إذ يمكن
تحقيق الهدف منه بطريق التأمين التعاوني القائم على التبرع ،وإلغاء الوسيط المستغل لحاجة الناس
الذي يسعى إلى الربح ،وهو شركة الضمان .فيكون التأمين عقد معاوضة مشتملً على غرر كثير من
غير حاجة ،فيمنع في السلم.
وبناء عليه ل يحل للتاجر وغيره من المستأمنين أخذ بدل الهالك من مال السوكرة؛ لنه مال ل يلزم
من التزم به ،ولن اشتراط الضمان على المين باطل.
التأمين وإعادة التأمين
تعريف عقد التأمين :عرّف القانون المصري (م )747والقانون السوري (م )713وغيرهما التأمين
بأنه «عقد يلتزم المؤمّن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمّن له ـ المستأمن ـ أو إلى المستفيد الذي اشترط
التأمين لصالحه مبلغا من المال ،أو إيرادا مرتبا ،أو أي عوض مالي آخر ،في حالة وقوع الحادث ،أو
تحقق خطر مبين في العقد ،وذلك في مقابل قسط ،أو أية دفعة أخرى يؤديها المؤمّن له إلى المؤمّن» .
يظهر من هذا التعريف اتجاهه إلى بيان عقد التأمين التجاري التبادلي الذي يقوم بين عاقدين :المؤمّن
وهو شركة التأمين ،والمستأمن وهو المتعامل مع الشركة ،مقابل قسط ثابت هو قسط التأمين وأخذ
عوض هو عوض التأمين عند حصول الخطر أو الحادث المؤمن عليه ،وهو من العقود الحتمالية
وعقود المعاوضات المالية .لكن ليلزم في العقد الحتمالي الحصول على العوض أحيانا ،وليس
العوض تبرعا من المؤمن.
( )5/106
ويتبين من التعريف أيضا أن التأمين من عقود الغرر ،إذ ل يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي كل من
العاقدين أو يأخذ ،فقد يدفع المستأمن قسطا واحدا من القساط ،ثم يقع الحادث ،وقد يدفع جميع
القساط ،ول يقع الحادث.
وهو كذلك عقد من عقود التراضي ،وملزم للطرفين ،ومن عقود المدة ،فل بد من زمن لتنفيذ
التزامات الطرفين ،وعقد من عقود الذعان؛ لن المستأمن يخضع لشروط وقيود محددة سلفا من قبل
شركات التأمين.
أنواع التأمين :
التأمين من حيث الشكل نوعان:
ً - 1تأمين تعاوني :وهوأن يشترك مجموعة من الشخاص بدفع مبلغ معين ،ثم يؤدى من
الشتراكات تعويض لمن يصيبه ضرر.
ً - 2تأمين تجاري أو التأمين ذو القسط الثابت ،وهو المراد عادة عند إطلق كلمة التأمين ،وفيه يلتزم
المستأمن بدفع قسط معين إلى شركة التأمين القائمة على المساهمة ،على أن يتحمل المؤمّن (الشركة)
تعويض الضرر الذي يصيب المؤمّن له أو المستأمن .فإن لم يقع الحادث َفقَد المستأمن حقه في
القساط ،وصارت حقا للمؤمّن.
وهذا النوع ينقسم من حيث موضوعه إلى:
ً - 1تأمين الضرار :وهو يتناول المخاطر التي تؤثر في ذمة المؤمّن له ،لتعويضه عن الخسارة
التي تلحقه .وهذا يشمل:
التأمين من المسؤولية :وهو ضمان المؤمّن له ضد مسؤوليته عن الغير الذي أصيب بضرر ،مثل
حوادث السير ،والعمل.
والتأمين على الشياء :وهو تعويض المؤمّن له عن الخسارة التي تلحقه في ماله ،بسبب السرقة أو
الحريق أو الفيضان ،أو الفات الزراعية ونحو ذلك.
ً - 2وتأمين الشخاص :وهو يشمل:
التأمين على الحياة :وهو أن يلتزم المؤمّن بدفع مبلغ لشخص المستأمن أو للورثة عند الوفاة ،أو
الشيخوخة ،أو المرض أو العاهة ،بحسب مقدار الصابة .والتأمين من الحوادث الجسمانية :وهو أن
يلتزم المؤمّن بدفع مبلغ معين إلى المؤمن له في حالة إصابته أثناء المدة المؤمن فيها بحادث جسماني،
أو إلى مستفيد آخر إذا مات المستأمن.
( )5/107
( )5/108
أما التأمين التجاري أو التأمين ذو القسط الثابت :فهو غير جائز شرعا ،وهو رأي أكثر فقهاء العصر،
وهو ما قرره المؤتمر العالمي الولي للقتصاد السلمي في مكة المكرمة عام ( 1396هـ/
1976م ) ،وسبب عدم الجواز يكاد ينحصر في أمرين :هما الغرر والربا.
أما الربا :فل يستطيع أحد إنكاره ؛ لن عوض التأمين ناشئ من مصدر مشبوه قطعا؛لن كل شركات
التأمين تستثمر أموالها في الربا ،وقد تعطي المستأمن (المؤمّن له) في التأمين على الحياة جزءا من
الفائدة ،والربا حرام قطعا في السلم.
والقائلون بجواز عقد التأمين يرفضون صراحة استثمار شركات التأمين في معاملت ربوية ،ول
يقرون للمستأمن أن يقبض شيئا من الفوائد التي تدفعها شركة التأمين.
والربا واضح بين العاقدين :المؤمّن والمستأمن ،لنه ل تعادل ول مساواة بين أقساط التأمين وعوض
التأمين ،فما تدفعه الشركة قد يكون أقل أو أكثر ،أو مساويا للقساط ،وهذا نادر .والدفع متأخر في
المستقبل .فإن كان التعويض أكثر من القساط ،كان فيه ربا فضل وربا نسيئة ،وإن كان مساويا ففيه
ربا نسيئة ،وكلهما حرام.
فإن قيل :إن التأمين التعاقدي قائم على أساس التعاون لجبر الضرر وترميم الضرار والمصائب ،فل
يكون فيه ربا أو شبهة ربا ،أجيب بأن المستأمن يقصد أحيانا المراباة ،ويبقى الربا قائما في عوض
التأمين؛ لنه حصيلة الفوائد والمعاملت الربوية.
أما الغرر :فواضح في التأمين؛ لنه من عقود الغرر :وهي العقود الحتمالية المترددة بين وجود
المعقود عليه وعدمه ،وقد ثبت في السنة حديث صحيح ،رواه الثقات عن جمع من الصحابة« :أن
رسول ال صلّى ال عليه وسلم نهى عن بيع الغرر» ( . )1ويقاس على البيع عقود المعاوضات
المالية ،فيؤثر الغرر فيها ،كما يؤثر في عقد البيع.
-------------------------------
( )1رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي ال عنه.
( )5/109
وعقد التأمين مع الشركات من عقود المعاوضات المالية ،ل التبرعات ،فيؤثر فيه الغرر ،كما يؤثر في
سائر عقود المعاوضات المالية ،وقد وضعه رجال القانون تحت عنوان (عقود الغرر) لن التأمين ل
يكون إل من حادث مستقبل غير محقق الوقوع ،أو غير معروف وقوعه ،فالغرر عنصر لزم لعقد
التأمين.
والغرر في التأمين في الواقع كثير ،ل يسير ،ول متوسط؛ لن من أركان التأمين :الخطر ،والخطر
حادث محتمل ل يتوقف على إرادة العاقدين .والمؤمّن له ل يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما
يعطي ،أو يأخذ ،فقد يدفع قسطا واحدا ،ويقع الخطر ،فيستحق جميع ما التزم به المؤمّن ،وقد يدفع
جميع القساط ،ول يقع الخطر ،فل يأخذ شيئا.
وكذلك حال المؤمّن ،ل يعرف عند العقد مقدار ما يأخذ ،أو ما يعطي ،وإن كان يستطيع إلى حد كبير
معرفة كل ذلك بالنسبة لجميع المؤمن لهم ،بالستعانة بقواعد الحصاء الدقيق وبحث الحوال
الجتماعية لشخص المستأمن وظروفه وأوضاعه.
وما قد يقال من اعتماد شركة التأمين على حسابات دقيقة تنتفي معها صفة الحتمال والغرر والغبن
في الظروف العادية ،ل يبيح التأمين؛ لن انتفاء الغرر بالنسبة للمؤمّن وحده ل يكفي لنتفاء الغرر
عن عقد التأمين ،فل بد من انتفائه بالنسبة للمستأمن أيضا .والفقه السلمي ل ينظر إلى مجموع
العقود التي تبرمها شركات التأمين ،وإنما ينظر في الحكم على العقد صحة وفسادا إلى كل عقد على
حدة.
( )5/110
والقول بأنه ل غرر ول احتمال بالنسبة للمستأمن؛ لن محل العقد في التأمين هو المان دون توقف
على الخطر ،وقد حصل عليه عند دفع القسط الول ،هو قول باطل؛ لن المان هو الباعث على عقد
التأمين .وليس هو محل العقد ،ومحل العقد :هو ما يدفعه كل من العاقدين :المؤمن والمستأمن ،أو ما
يدفعه أحدهما .ولو قلنا :إن المان هو المحل ،لكان عقد التأمين باطلً؛ لن المحل يلزم أن يكون
ممكنا غير مستحيل ،والمان يستحيل اللتزام به.
ومحل عقد المعاوضة ،كما تدل الحاديث الناهية عن بيع الثمرة حتى يبدو صلحها ،وتأمن العاهة،
يجب أن يكون موجودا وقت التعاقد ،وأن يكون في حال يمكن معها النتفاع منه على الوجه المقصود
في العقد أو المعتاد ،فإن لم يكن كذلك أو كان معدوما،ولو محتمل الوجود في المستقبل ،فل يجوز
شرعا ،ومحل التأمين احتمالي الوجود؛ إذ هو ما يدفعه كل العاقدين ،أو ما يدفعه أحدهما كالتعويض
الذي يدفعه المؤمن (شركات التأمين) حين وقوع الضرر أو الموت بحسب شروط العقد.
والحاجة التي من أجلها يجوز العقد المشتمل على الغرر ،ولو كان كثيرا(:وهي أن يصل المرء إلى
حالة بحيث لولم يتناول الممنوع يكون في جهد ومشقة ،ولكنه ليهلك ) يشترط فيها أن تكون عامة أو
خاصةبفئة معينة ،وأن تكون متعينة.
أما الحاجة العامة :فهي ما يكون الحتياج فيها شاملً لجميع الناس .وأما الحاجة الخاصة :فهي ما
يكون الحتياج فيها خاصا بطائفة من الناس كأهل بلد أو حرفة كما تقدم.
ومعنى كون الحاجة متعينة :أن تنسد جميع الطرق المشروعة للوصول إلى الغرض ،سوى ذلك العقد
الذي فيه الغرر.
( )5/111
ولو سلمنا بوجود الحاجة للتأمين في الوقت الحاضر ،فإن الحاجة إلىه غير متعينة؛ إذ يمكن تحقيق
الهدف منه بطريق التأمين التعاوني القائم على التبرع ،وإلغاء الوسيط المستغل لحاجة الناس ،والذي
يسعى إلى الربح ،وهو شركة الضمان ،فيكون التأمين عقد معاوضة مشتملً على غرر كثير من غير
حاجة متعينة في السلم ،فيمنع.
وإذا سلّمنا بكون الحاجة متعينة ،جاز التأمين بالقدر الذي يزيل الحاجة فقط ،عملً بالقاعدة الشرعية( :
الحاجة تقدر بقدرها ).
ومما يدل على فساد التأمين :أن الغرر المفسد للعقد يشترط فيه أن يكون المعقود عليه أصالة ،وهذا
متحقق في عقد التأمين التجاري .ويفهم من اشتمال التأمين على الغرر اشتماله أيضا على الجهالة،
والجهالة في البدلين بارزة في التأمين ،وهي جهالة مقدار ما يدفعه كل من طرفي العقد (المؤمّن
والمستأمن) للخر ،وهو قابل للكثرة والقلة ،بل إن ما يدفعه المؤمن بدلً أو عوضا عن الضرر أو
الهلك على خطر الوجود ،والخطر الذي هو مسوغ العقد قد يقع وقد ل يقع ،وكل هذا يجعل الجهالة
فاحشة كثيرة تؤدي إلى إبطال العقد.
ويكون عقد التأمين ممنوعا شرعا لشتماله على فاحش الغرر والجهالة .وليؤبه بالعلم بمبلغ كل قسط
عند حلول ميعاده ،فهو صحيح أنه مبلغ معلوم ،لكن كمية القساط هي التي فيها الجهالة ،ورضا
المؤمن بدفع التعويض عند وفاة المستأمن أو حدوث حادث له ،ضمن مدة محددة بالعقد ،مهما بلغ عدد
القساط قلة وكثرة ،ل قيمة له؛ لنه رضا مخالف لقواعد الشرع ونصوصه المانعة من الغرر،
كالرضا في القمار أو الزنى ل يحل واحدا منهما.
( )5/112
وكون الجهالة فاحشة فإنها توثر في العقد وتبطله ،ولو لم تفض إلى المنازعة ،أما الجهالة اليسيرة
غير المفضية إلى النزاع فهي المغتفرة .والجهالة في التأمين أفحش مما صوره الفقهاء للجهالة
الفاحشة المفضية إلى النزاع وإفساد عقد البيع مثلً ،كبيع الفجل والجزر في الرض ،فهذان موجودان
في الرض ،ولكنهما مجهولن على طريق الظهور والعلم ،أما في التأمين فبدل الهلك أو عوض
التأمين مرجوح الوجود ،قد يحدث وقد ل يحدث ،وهذا احتمال يضعف مشروعية العقد.
لكل ما سبق وغيره من الموانع ل يحل للتاجر وغيره من المستأمنين أخذ بدل الهالك من مال
(السوكرة) أو التأمين؛ لنه مال ل يلزم من التزم به ،كما قال ابن عابدين :ولن اشتراط الضمان على
المين باطل كما قرر فقهاء الحنفية.
والخلصة :يشتمل التأمين ذي القسط الثابت على خمسة أسباب تجعله حراماً (: )1
- ً 1الربا :ففي عوض التأمين زيادة على القساط المدفوعة بل عوض ،وهو ربا ،وتستثمر شركات
التأمين أموالها في أنشطة ربوية ،وتحتسب فائدة على المستأمن إذا تأخر في سداد القساط المستحقة.
- ً 2الغرر :إن مقابل التأمين يكون على أمر احتمالي غير ثابت ول محقق الوجود وهذا غرر .وقد
تغرم شركات التأمين مبلغا كبيرا دون مقابل ،بناء على الغرر.
- ً 3الغبن :يشتمل التأمين على غبن لعدم وضوح محل العقد ،والعلم بالمحل شرط لصحة العقد.
- ً 4القمار :في التأمين مخاطرة لتعريض النفس والمال لفرصة مجهولة ،وهذا هو القمار بعينه،
والمستأمن يبذل اليسير من المال في انتظار أخذ مبلغ كبير ،وهذا قمار.
- ً 5الجهالة :ما يدفعه المستأمن مجهول القدر لكل من العاقدين كما هو واضح في التأمين على
الحياة ،ويتعامل العاقدان بموجب عقد ل يعرف ما يحققه من الربح أو الخسارة.
( )5/113
( )5/114