You are on page 1of 278

‫تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة‬

‫(اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت)‬

‫الكتاب ‪ :‬الفِقْ ُه السلميّ وأدلّتُهُ‬


‫الشّامل للدلّة الشّرعيّة والراء المذهبيّة وأهمّ النّظريّات الفقهيّة وتحقيق الحاديث‬
‫النّبويّة وتخريجها‬
‫المؤلف ‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬وَهْبَة الزّحَيِْليّ‬
‫ي وأصوله‬
‫أستاذ ورئيس قسم الفقه السلم ّ‬
‫بجامعة دمشق ‪ -‬كلّيّة الشّريعة‬
‫الناشر ‪ :‬دار الفكر ‪ -‬سوريّة ‪ -‬دمشق‬
‫الطبعة ‪ :‬الطّبعة الرّابعة المنقّحة المعدّلة بالنّسبة لما سبقها‪ ،‬وهي الطّبعة الثّانية‬
‫عشرة لما تقدّمها من طبعات مصوّرة؛ لنّ الدّار النّاشرة دار الفكر بدمشق لتعتبر‬
‫التّصوير وحده مسوّغا لتعدّد الطّبعات مالم يكن هناك إضافات ملموسة‪.‬‬
‫عدد الجزاء ‪10 :‬‬
‫ـ الكتاب مقابل على المطبوع ومرقّم آليّا ترقيما غير موافق للمطبوع‪.‬‬
‫ـ مذيّل بالحواشي دون نقصان‪.‬‬
‫نال شرف فهرسته وإعداده للشّاملة‪ :‬أبو أكرم الحلبيّ من أعضاء ملتقى أهل الحديث‬
‫ل تنسونا من دعوة في ظهر الغيب ‪...‬‬

‫والمقصد الصلي للعقد في الشريعة ربما يلتقي في بعض الخصائص مع المفهوم التقليدي للسبب عند‬
‫القانونيين‪ ،‬وهو الذي لم تأخذ به قوانيننا العربية في سورية ومصر وليبيا وغيرها‪ .‬وهو المسمى‪:‬‬
‫السبب الفني لللتزام‪ :‬وهو السبب القريب المجرد الذي يكون واحدا في كل اللتزامات التي من نوع‬
‫واحد‪ ،‬وهو لزم لنشوء اللتزام ولستمراره‪.‬‬
‫فكل من المقصد الصلي والسبب الفني موضوعي وواحد في العقد‪ .‬ففي عقد البيع مثلً السبب الفني‬
‫للتزام البائع بنقل ملكية المبيع‪ :‬هو التزام المشتري بدفع الثمن‪ .‬والمقصد الصلي لعقد البيع‪ :‬هو نقل‬
‫الملكية بعوض‪ ،‬أي أن السبب الفني هو واحد في كل التزام بنقل الملكية‪ ،‬ل يختلف من التزام إلى‬
‫آخر بحسب اختلف الشخاص‪ .‬فسبب التزام البائع بنقل الملكية هو رغبته في الحصول على ثمن ما‬
‫باع‪ .‬وكذلك المقصد الصلي هو واحد كما عرفنا في النوع الواحد من العقود‪ ،‬ل يختلف إل باختلف‬
‫نوع العقد‪.‬‬
‫لكن الفرق بين السبب الفني والمقصد الصلي‪ :‬هو أن السبب الفني ملزم لرادة العاقد الخاصة‪ ،‬وإن‬
‫كان متميزا عنها‪ .‬أما المقصد الصلي فهو في الصل منفك عن الرادة الخاصة للعاقد‪ ،‬غير متلزم‬
‫معها‪ ،‬وإنما هو متلزم مع إرادة الشارع (‪. )1‬‬
‫فالسبب في الفقه السلمي هو المقصد الصلي للعقد (‪ ، )2‬أي أن السبب هو مجموع الثار المتولدة‪،‬‬
‫فإن كانت هذه الثار سليمة‪ ،‬ذات محل مشروع‪ ،‬كان العقد صحيحا‪ ،‬وإل كان العقد باطلً‪ .‬وهذه‬
‫الثار‪ :‬هي التي دفعت العاقد إلى التعاقد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬التعبير عن الرادة‪ ،‬للدكتور سوار‪ :‬ف ‪.534‬‬
‫(‪ )2‬المرجع السابق‪ :‬ف ‪.517‬‬

‫( ‪)4/539‬‬

‫والحقيقة‪ :‬أن التقاء المقصد الصلي في الشريعة مع السبب الفني في بعض الخصائص ل يعني أن‬
‫أحدهما هو بمعنى الخر؛ لن السبب الفني هو سبب اللتزام وسبب اللتزام يختلف عن سبب العقد‪.‬‬
‫ففي العقود التبادلية‪ :‬سبب التزام أحد المتعاقدين هو التزام المتعاقد الخر‪ ،‬فسبب التزام البائع بنقل‬
‫الملكية هو التزام المشتري بدفع الثمن‪ .‬وسبب التزام المشتري بدفع الثمن هو التزام البائع بنقل‬
‫الملكية‪.‬‬
‫وهذا المعنى للسبب المدني يختلف عن المقصد العام للعقد في الشريعة‪ ،‬المعتبر في جميع العقود التي‬
‫تبرم من نوع واحد‪ ،‬فالبيوع كلها مقصدها واحد هو المقصد العام لهذا النوع من العقد‪ .‬وهو يختلف‬
‫عن السبب الفني؛ لن الثاني خاضع لرادة العاقد‪ ،‬والمقصد النوعي خاضع لرادة الشرع‪.‬‬
‫والسبب الفني يختلف عن الباعث؛ لن الول‪ :‬هو الغرض الدافع والمباشر الذي التزم المدين من‬
‫أجله‪ .‬والباعث‪ :‬هو ما قبل ذلك من الدوافع (‪ . )1‬وإذا كان الفقه السلمي ل يعتد بالسبب الفني في‬
‫المفهوم التقليدي للسبب عند القانونيين فإنه يتوصل إلى الدور نفسه الذي يقوم به السبب الفني من‬
‫ناحيتين‪ :‬أولهما ـ من طريق تحديد شرائط العقد والمحل‪ ،‬كعنصر نشوء أو تكوين‪ ،‬وثانيهما ـ من‬
‫طريق فكرة «التعادل» في التبادل كعنصر تنفيذ (‪. )2‬‬
‫السبب في النظرية الحديثة عند القانونيين ‪:‬‬
‫السبب في القضاء اليوم والذي أخذت به القوانين المدنية العربية في سوريا (م ‪ )138 ،137‬وفي‬
‫مصر (م ‪:)136،137‬هو المسمى‪ :‬سبب العقد‪ ،‬أو السبب‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬موجز نظرية اللتزام‪ ،‬للدكتور حجازي‪ :‬ص ‪.104‬‬
‫(‪ )2‬التعبير عن الرادة‪ :‬المرجع السابق‪ :‬ف ‪ ،526‬النظرية العامة لللتزام‪ ،‬سوار‪ :‬ص ‪.154‬‬

‫( ‪)4/540‬‬

‫المصلحي أو سبب السبب وهو الباعث الذاتي أو الدافع البعيد الذي دفع العاقد إلى العقد‪ .‬والسبب بهذا‬
‫المعنى ليس عنصرا موضوعيا‪ ،‬وإنما يختلف في النوع الواحد من اللتزامات باختلف الشخاص‪،‬‬
‫فهو إذن عنصر شخصي‪ ،‬غير ثابت‪ ،‬بعكس السبب الفني الذي يعد عنصرا موضوعيا ثابتا في النوع‬
‫الواحد من اللتزام‪.‬‬
‫وإذا كانت وظيفة السبب الفني أو التقليدي‪ :‬هي سلمة اللتزام من الناحية الفنية‪ ،‬فوظيفة سبب العقد‬
‫أو السبب في النظرية الحديثة‪ :‬هي منع صحة عقد يبتغى بوسائل مشروعة للوصول إلى نتائج غير‬
‫مشروعة‪ ،‬فبه تتحقق مصلحة المجتمع‪ ،‬وهي حماية الخلق أو النظام العام‪ ،‬أي أن السبب المصلحي‬
‫يتضمن فكرة الجزاء على خطأ‪ :‬وهو إرادة المتعاقدين تحقيق غاية غير مشروعة‪.‬‬
‫موقف الفقهاء من نظرية السبب بالمعنى الحديث (الرادة الظاهرة والرادة الباطنة ) ‪ :‬في الفقه‬
‫السلمي حول نظرية السبب هذه اتجاهان (‪: )1‬‬
‫اتجاه تغلب فيه النظرة الموضوعية‪،‬واتجاه يلحظ فيه النوايا والبواعث الذاتية‪.‬‬
‫أما التجاه الول‪ :‬فهو مذهب الحنفية والشافعية (‪ )2‬الذين يأخذون بالرادة الظاهرة في العقود‪ ،‬ل‬
‫بالرادة الباطنة‪ ،‬أي أنهم حفاظا على مبدأ استقرار المعاملت ل يأخذون بنظرية السبب أو الباعث‪،‬‬
‫لن فقههم ذو نزعة موضوعية بارزة كالفقه الجرماني‪ ،‬والسبب أو الباعث الذي يختلف باختلف‬
‫الشخاص عنصر ذاتي داخلي قلق يهدد المعاملت‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مصادر الحق للسنهوري‪ 51/4 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع عند الحنفية مختصر الطحاوي ‪ :‬ص ‪ ،280‬تكملة فتح القدير‪ ،127/8 :‬البدائع‪،189/4 :‬‬
‫تبيين الحقائق‪ ،125/5 :‬وعند الشافعية‪ :‬الم‪ ،85/3 :‬المهذب‪ ،267/1 :‬مغني المحتاج‪ 37/2 :‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬الباجوري على ابن القاسم‪ ،353/1 :‬تحفة الطلب‪ :‬ص ‪.211 ،143‬‬

‫( ‪)4/541‬‬
‫ول تأثير للسبب أو الباعث على العقد إل إذا كان مصرحا به في صيغة التعاقد‪ ،‬أي تضمنته الرادة‬
‫الظاهرة كالستئجار على الغناء والنوح والملهي وغيرها من المعاصي‪ .‬فإذا لم يصرح به في صيغة‬
‫العقد بأن كانت الرادة الظاهرة ل تتضمن باعثا غير مشروع‪ ،‬فالعقد صحيح لشتماله على أركانه‬
‫الساسية من إيجاب وقبول وأهلية المحل لحكم العقد‪ ،‬ولنه قد ل تحصل المعصية بعد العقد ‪ ،‬ول‬
‫عبرة للسبب أو الباعث في إبطال العقد‪ ،‬أي أن العقد صحيح في الظاهر‪ ،‬دون بحث في النية أو‬
‫القصد غير المشروع‪ ،‬لكنه مكروه حرام‪ ،‬بسبب النية غير المشروعة‪.‬‬
‫وبناء عليه قال الحنفية والشافعية بصحة العقود التالية مع الكراهة التحريمية عند الحنفية والحرمة أو‬
‫الكراهة عند الشافعية‪:‬‬
‫‪ - 1‬بيع العينة‪( :‬أي البيع الصوري المتخذ وسيلة للربا) كبيع سلعة بثمن مؤجل إلى مدة بمئة ليرة‪ ،‬ثم‬
‫شراؤها في الحال بمئة وعشر‪ ،‬فيكون الفرق ربا (‪ . )1‬لكن أبا حنيفة استثناه من مبدئه في عدم النظر‬
‫إلى النية غير المشروعة‪ ،‬اعتبر هذا العقد فاسدا إن خل من توسط شخص ثالث بين المالك المقرض‬
‫والمشتري المقترض‪ .‬فيكون بيع العينة ممنوعا غير جائز عند مالك وأبي حنيفة وأحمد والهادوية من‬
‫الزيدية‪ .‬وجوز ذلك الشافعي وأصحابه مستدلين على الجواز في الظاهر بما وقع من ألفاظ البيع التي‬
‫ليراد بها حصول مضمونه‪.‬‬
‫‪ - 2‬بيع العنب لعاصر الخمر‪ ،‬أي لمن يعلم البائع أنه سيتخذه خمرا‪ ،‬أو يظنه ظنا غالبا‪ ،‬وهو حرام‬
‫عند الشافعية‪ ،‬فإن شك في اتخاذه خمرا أوتوهمه فالبيع مكروه في رأيهم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وسميت هذه المبايعة عينة لحصول النقد لصاحب العينة؛ لن العين‪ :‬هو المال الحاضر‪،‬‬
‫والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه من فوره‪ ،‬ليصل به إلى مقصوده‪.‬‬

‫( ‪)4/542‬‬

‫‪ - 3‬بيع السلح في الفتنة الداخلية أو لمن يقاتل به المسلمين أو لقطاع الطرق المحاربين ومثله بيع‬
‫أدوات القمار‪ ،‬وإيجار دار للدعارة أو للقمار‪ ،‬وبيع الخشب لمن يتخذ منه آلت الملهي والجارة على‬
‫حمل الخمر لمن يشربها ونحو ذلك‪ ،‬وهو بيع حرام عند الشافعية‪.‬‬
‫‪ - 4‬زواج المحلّل‪ :‬وهو الذي يعقد زواجه على امرأة مطلقة طلقا ثلثا (أي البائن بينونة كبرى)‬
‫بقصد تحليلها لزوجها الول بالدخول بها في ليلة واحدة مثلً ثم يطلقها ليصح لزوجها الول العقد‬
‫عليها من جديد‪ ،‬عملً بظاهر الية القرآنية‪{ :‬فإن طلقها فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره}‬
‫[البقرة‪ .]230/2:‬وهو مكروه عند الشافعية إذا لم يشرط في صلب العقد ما يخل بمقصوده الصلي‪،‬‬
‫فإن شرط ذلك كأن شرط أن يطلق بعد الوطء حرم وبطل‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن هذا التجاه ل يأخذ بالسبب أو الباعث إل إذا كان داخلً في صيغة العقد وتضمنه‬
‫التعبير عن الرادة ولو ضمنا‪ ،‬ول يعتد به إذا لم تتضمنه صيغة العقد‪.‬‬
‫وأما التجاه الثاني‪ :‬فهو مذهب المالكية والحنابلة والشيعة (‪ )1‬الذين ينظرون إلى القصد والنية أو‬
‫الباعث‪ ،‬فيبطلون التصرف المشتمل على باعث غير مشروع بشرط أن يعلم الطرف الخر بالسبب‬
‫غير المشروع‪ ،‬أو كان بإمكانه أن يعلم بذلك‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع عند المالكية‪ :‬بداية المجتهد‪ ،140/2 :‬الشرح الكبير للدردير مع الدسوقي‪ ،91/3 :‬مواهب‬
‫الجليل للحطاب‪ ،263 ،404/4 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 271 ،258‬ومابعدها‪ ،‬الموافقات‪،261/2 :‬‬
‫الفروق‪ 266/3 :‬ومابعدها‪ .‬وعند الحنابلة‪ :‬المغني‪ 174/4 :‬ومابعدها و ‪ ،222/4‬أعلم الموقعين‪:‬‬
‫‪ 121 ،108 ،106/3‬ومابعدها‪ ،148 ،131 ،‬غاية المنتهى‪ ،18/2 :‬وعند الشيعة الجعفرية‪ :‬المختصر‬
‫النافع في فقه المامية‪ :‬ص ‪ ،140‬وعند الزيدية‪ :‬المنتزع المختار‪ 19/3 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/543‬‬

‫بالظروف والقرائن التي تدل على القصد الخبيث كإهداء العدو هدية لقائد الجيش‪ ،‬والهداء للحكام‬
‫والموظفين‪ ،‬فذلك مقصود به الرشوة‪ ،‬فتكون للدولة‪ .‬وهبة المرأة مهرها لزوجها‪ ،‬يقصد به استدامة‬
‫الزواج‪ ،‬فإن طلقها بعدئذ‪ ،‬كان لها الرجوع فيما وهبت (‪. )1‬‬
‫هذا التجاه يأخذ تقريبا بنظرية السبب أو بمذهب الرادة الباطنة في الفقه اللتيني‪ ،‬مراعاة للعوامل‬
‫الدبية والخلقية والدينية‪ ،‬فإن كان الباعث مشروعا‪ ،‬فالعقد صحيح‪ ،‬وإن كان غير مشروع فالعقد‬
‫باطل حرام‪ ،‬لما فيه من العانة على الثم والعدوان‪ ،‬قال الشوكاني (‪ : )2‬ل خلف في تحريم بيع‬
‫العنب لمن يعصره خمرا في حال القصد وتعمد البيع إلى من يتخذه خمرا‪ .‬وأما مع عدم القصد‬
‫والتعمد للبيع فذهب جماعة من أهل العلم إلى جوازه مع الكراهة ما لم يعلم أنه يتخذه لذلك‪.‬‬
‫وبناء عليه قال المالكية والحنابلة ومن وافقهم ببطلن العقود السابقة‪ ،‬وأضاف لها المالكية أنهم ل‬
‫يجيزون بيع أرض بقصد بناء كنيسة‪ ،‬أو بيع خشب بقصد صنع صليب‪ ،‬أو شراء عبد بقصد أن يكون‬
‫مغنيا‪ ،‬أو استئجار كراريس فيها عبارات النوح‪ ،‬وبيع ثياب حرير ممن يلبسها (‪. )3‬‬
‫أما عدم صحة بيع العنب للخمار وبيع السلح للعداء ونحوهما فلنه إعانة على الحرام‪ ،‬أو عقد على‬
‫شيء لمعصية ال به فل يصح‪ .‬وأما فساد زواج المحلل فلنه يتنافى مع أغراض الزواج السامية‪:‬‬
‫وهو أنه عقد مؤبد قصد به تكوين أسرة دائمة‪ ،‬وهذا الزواج اتخذ لتحليل المطلقة ثلثا لزوجها الول‬
‫في وضع مؤقت‪ ،‬فهو حيلة لرفع تحريم مؤبد‪ ،‬وهو قصد غير مشروع‪ .‬وأما فساد بيع العينة (أو بيوع‬
‫الجال) فلنه اتخذ البيع حيلة لتحليل التعامل بالربا‪ ،‬ولم يكن الغرض الحق هو البيع والشراء‪ .‬فهو‬
‫وسيلة لعقد محرم غير مشروع‪ ،‬فيمنع سدا للذرائع المؤدية إلى الحرام‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن هذا التجاه يعتد بالمقاصد والنيات ولو لم تذكر في العقود بشرط أن يكون ذلك معلوما‬
‫للطرف الخر‪ ،‬أو كانت الظروف تحتم علمه؛ لن النية روح العمل ولبه‪ .‬ويكون هذا التجاه آخذا‬
‫بنظرية السبب‪ ،‬التي تتطلب أن يكون السبب مشروعا‪ ،‬فإن لم يكن سبب العقد مشروعا فل يصح‬
‫العقد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القواعد لبن رجب‪ :‬ص ‪.322‬‬
‫(‪ )2‬تيل الوطار‪. 154/5 :‬‬
‫(‪ )3‬مواهب الجليل للحطاب‪ ،254/4 :‬ط دار الفكر‪.‬‬

‫( ‪)4/544‬‬

‫المطلب الثالث ـ الرادة العقدية ‪:‬‬


‫الرادة هي القوة المولدة للعقد‪ ،‬والعقد كما تقدم‪ :‬هو توافق إرادتين على وجه ينتج أثره الشرعي‪ ،‬وهو‬
‫اللتزام المطلوب للمتعاقدين‪ .‬والكلم أو التعبير هو ترجمان الرادة‪ ،‬فينبغي أن يكون معبرا تماما عن‬
‫الرادة‪ .‬والرادة نوعان‪ :‬باطنة حقيقية‪ ،‬وظاهرة‪.‬‬
‫والرادة الباطنة‪ :‬هي النية أو القصد‪:‬‬
‫والرادة الظاهرة‪ :‬هي الصيغة التي تعبر عن الرادة الباطنة‪ ،‬أو ما يقوم مقامها كالتعاطي‪ ،‬فإذا‬
‫تطابقت الرادتان وجد العقد‪ .‬وإذا وجدت الرادة الظاهرة وحدها كالتعبير الصادر من الطفل غير‬
‫المميز أو النائم أو المجنون‪ ،‬لم تفد شيئا‪ ،‬كما أن التصرف ل يوجد بمجرد النية أو الرادة الباطنة‪،‬‬
‫فمن نوى الطلق أو الوقف ل يصبح بمجرد نيته مطلّقا أو واقفا‪ .‬وقد عرفنا في بحث صيغة التعاقد ما‬
‫تتحقق به الرادة الظاهرة‪.‬‬
‫وأما الرادة الباطنة فتتحقق بالرضا والختيار‪.‬‬

‫( ‪)4/545‬‬
‫والحنفية يقررون أن الرضا والختيار شيئان متغايران‪ .‬فالختيار‪ :‬هو القصد إلى النطق بالعبارة‬
‫المنشئة للعقد‪ ،‬سواء أكان ذلك عن رضا أم ل‪ .‬والرضا‪ :‬هو الرغبة في أثر العقد عند التلفظ بما يدل‬
‫على إنشائه‪ .‬فإذا وجد الرضا وجد الختيار‪ ،‬وإذا وجد الختيار ل يلزم وجود الرضا‪.‬‬
‫وغير الحنفية‪ :‬الرضا والختيار بمعنى واحد‪.‬‬
‫لكن في الحياة العملية‪ :‬قد توجد الرادة الظاهرة وحدها‪ ،‬ول توجد معها إرادة باطنة‪ ،‬فماحكم العقد؟‬
‫هذا ما يبحث في الفرع الول من هذا المطلب وهو صورية العقد‪ ،‬ويأتي بعده بحث الفرعين‬
‫الخرين‪ .‬فإذا لم توجد الرادة الباطنة الحقيقية كان العقد صوريا‪ .‬وإذا وقع الشك في وجود الرادة‬
‫الحقيقية‪ ،‬كان العقد معيبا بعيب من عيوب الرضا أو الرادة‪.‬‬
‫الفرع الول ـ صورية العقود ‪:‬‬
‫قد توجد الرادة الظاهرة وحدها‪ ،‬وتنعدم الرادة الباطنة‪ ،‬فيكون العقد صوريا‪ ،‬ويظهر ذلك في‬
‫الحوال التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬حالة السكر والنوم والجنون وعدم التمييز والغماء ‪:‬‬
‫إن العقود التي تصدر من النائم والمجنون وغير المميز ونحوهم ل أثر لها‪ ،‬لنعدام الرادة الحقيقية‬
‫في إنشاء العقد‪ .‬والسكران أيضا ليست له إرادة حقيقية في التصرف‪ ،‬لكن مع ذلك اختلف الفقهاء في‬
‫تصرفاته‪ ،‬كما تقدم سابقا‪.‬‬
‫فقال المام أحمد وبعض المالكية (‪ : )1‬ل تعتبر تصرفات السكران‪ ،‬لعدم توفر القصد الصحيح عنده‪،‬‬
‫فل يصح بيعه وشراؤه وعقوده وطلقه وسائر أقواله‪ .‬وبه أخذ قانون الحوال الشخصية في سوريا‬
‫ومصر‪ ،‬وهو الرأي الراجح والمعقول لدينا‪ .‬لكن المشهور في مذهب المالكية‪ :‬نفوذ طلق السكران‪.‬‬
‫وقال الحنفية والشافعية (‪ : )2‬إذا كان السكر بمباح كحالة البنج والضطرار والكراه ونحوها‪ ،‬فل‬
‫تعتبر أقواله وأفعاله‪ ،‬ول أثر لعبارته‪ ،‬لعدم تحقق القصد منه‪ .‬وإذا كان السكر بمحرم فيؤاخذ بأقواله‬
‫عقابا وزجرا له‪ ،‬فتصح عقوده كالبيع والزواج‪ ،‬وتصح تصرفاته كالطلق‪ ،‬وتترتب عليها آثارها‪.‬‬
‫‪ - 2‬عدم فهم العبارة ‪:‬‬
‫إذا لم يفهم الشخص عبارة غيره الذي نطق بعبارة تدل على الرضا بالتصرف لم ينعقد العقد‪ ،‬سواء‬
‫في اليجاب أو القبول؛ لن العبارة الصادرة منه ل تدل على قصد صحيح‪ ،‬ول تعبر عن إرادته‪،‬‬
‫والرادة أو القصد أساس الرضا‪.‬‬
‫لكن قال الحنفية (‪ : )3‬إذا كان التصرف مما يستوي فيه الجدل والهزل كالزواج والطلق‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،113/7 :‬الشرح الكبير‪ ،5/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،227‬وهذا رأي الكرخي والطحاوي‬
‫من الحنفية‪.‬‬
‫(‪ )2‬فتح القدير‪ ،40/3 :‬نهاية المحتاج‪.12/3 :‬‬
‫(‪ )3‬فتح القدير‪ ،249/2 :‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،367/2 :‬ط الميرية‪.‬‬

‫( ‪)4/546‬‬

‫والرجعة واليمين‪ ،‬وعلم العاقدان أن اللفظ المستخدم ينعقد به التصرف‪ ،‬وإن لم يعلما حقيقة معناه‪،‬‬
‫فينعقد به التصرف؛ لن فهم اللفظ أمر مطلوب لجل‬
‫القصد‪ ،‬وهذه التصرفات ل يشترط فيها القصد‪ ،‬فل يشترط في الناطق بما يدل عليها أن يكون فاهما‬
‫لمعناها‪ .‬لكن في هذا مغالة؛ لن عدم اشتراط القصد في هذه التصرفات يكون بعد فهم المعنى‪ .‬ول‬
‫يعقل ترتيب الثار على تصرف غير مفهوم المعنى‪.‬‬
‫‪ - 3‬حالة التعلم والتعليم والتمثيل ‪:‬‬
‫إذا ردد المتكلم عبارات التصرفات‪ ،‬ولكنه ل يريد إنشاء التزام أو عقد‪ ،‬بل يريد غرضا آخر كالتعلم‬
‫والتعليم والتمثيل‪ ،‬فل يترتب على عبارته أي أثر‪ .‬كما إذا ردد القارئ عبارة البيع أو الشراء أو‬
‫الطلق المسطرة في كتب الفقهاء بقصد تعلمها أو حفظها‪ ،‬أو بقصد تعليمها لغيره‪ ،‬فل يترتب على‬
‫كلمه أي أثر‪ .‬وكذلك ترديد الممثلين عبارات التمثيل وحكاية أقوال الخرين‪ ،‬مثل زوجيني نفسك‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬زوجتك نفسي‪ ،‬ل يترتب عليه أي أثر؛ لن المتكلم في هذه المثلة ل يقصد إنشاء العقد‪ ،‬بل‬
‫قصد غرضا آخر‪ ،‬وهو التمثيل أو الحفظ أو توضيح الحكم للتلميذ‪.‬‬

‫( ‪)4/547‬‬

‫‪ - 4‬الهزل أو الستهزاء‪ :‬الهزل ضد الجد‪ :‬وهو أن يراد بالشيء ما لم يوضع له ول ما يصلح اللفظ‬
‫له استعارة‪ .‬فإذا نطق الشخص بعبارة ل يريد بها إنشاء التصرف‪ ،‬وإنما قصد بها الهزل أو‬
‫الستهزاء والعبث‪ ،‬مستخدما صورية التصرف القولي أو العقد‪ ،‬كانت العبارة الصادرة من الهازل‬
‫عند الشافعية على الراجح (‪ )1‬صالحة لنشاء العقود وترتيب الثار عليها‪ ،‬سواء في المعاوضات‬
‫المالية كالبيع واليجار أم في الحوال الشخصية كالزواج والطلق‪ ،‬وذلك عملً بالرادة الظاهرة‪ ،‬ل‬
‫بالقصد الداخلي‪ ،‬وحفاظا على مبدأ استقرار العقود والمعاملت‪ ،‬ول يلتفت إلى دعوى الهزل‪.‬‬
‫وفصل الحنفية والحنابلة وأكثر المالكية (‪ )2‬بين عقود المبادلت المالية وغيرها‪ .‬فعقود المبادلت‬
‫المالية كالبيع أو التي محلها المال كالهبة والوديعة والعارية ل يترتب على عبارة الهازل بها أي أثر‬
‫لعدم تحقق الرضا أو القصد الذي تقوم عليه الرادة‪.‬‬
‫وأما التصرفات الخمسة التي سوى الشارع فيها بين الجد والهزل (وهي الزواج والطلق والرجعة‬
‫والعتاق واليمين) فصححوا عبارة الهازل فيها‪ ،‬ورتبوا عليها آثارها‪ ،‬أخذا بحديث نبوي سابق هو‪:‬‬
‫«ثلث جدهن جد‪ ،‬وهزلهن جد‪ :‬النكاح والطلق والعتاق» (‪ )3‬وفي رواية «الرجعة» وفي رواية‬
‫أخرى «اليمين» ‪ ،‬ولن هذه التصرفات خطيرة مشتملة على حق ل ‪ ،‬وهو ليس موضعا للهزل‬
‫والستهزاء‪.‬‬
‫‪ - 5‬الخطأ ‪:‬‬
‫الخطأ‪ :‬هو وقوع الفعل بدون قصد‪ ،‬كأن يقصد المتكلم النطق بكلمة فيسبق لسانه إلى كلمة أخرى‬
‫فيتلفظ بها‪ ،‬كأن يقول‪ :‬طلّقت‪ ،‬وهو يريد أن يقول‪ :‬بعت‪.‬‬
‫والمخطئ كالناسي أو المجنون عند الشافعية والمالكية والحنابلة (‪ )4‬ليترتب على عبارته أي عقد أو‬
‫ل بقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬إن ال تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما‬
‫التزام‪ ،‬عم ً‬
‫استكرهوا عليه» (‪. )5‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع المجموع شرح المهذب للنووي‪ ،184/9 :‬نهاية المحتاج‪.82/6 :‬‬
‫(‪ )2‬رد المحتار‪ ،367 ،363/2 :‬ط الميرية‪ ،7/4،255 :‬الشرح الكبير للدسوقي‪ ،4/3 :‬المغني‪:‬‬
‫‪ ،535/6‬كشاف القناع‪ 5/2 :‬ومابعدها‪ ،‬غاية المنتهى‪.17/3 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه الخمسة (أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه) إل النسائي عن أبي هريرة (نيل‬
‫الوطار‪ )234/6 :‬وقال الترمذي‪ :‬حديث حسن غريب‪.‬‬
‫(‪ )4‬الفروق للقرافي‪ ،149/2 :‬القواعد والفوائد الصولية لبن اللحام الحنبلي‪ :‬ص ‪ 30‬ومابعدها‪،‬‬
‫الشباه والنظائر للسيوطي‪.69 :‬‬
‫(‪ )5‬حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس‪.‬‬

‫( ‪)4/548‬‬

‫وقال الحنفية (‪ : )1‬المخطئ والناسي يترتب على عبارتهما أثرها في التصرفات والعقود؛ لن الرادة‬
‫أمر باطني خفي ل اطلع لنا عليه‪ ،‬فلو قبلنا دعوى الخطأ والنسيان في التصرفات لتزلزلت‬
‫المعاملت‪ ،‬وضاعت الحقوق‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن رأي الحنفية في الخطأ على عكس رأيهم في الهزل‪.‬‬
‫‪ - 6‬التلجئة أو المواضعة (‪: )2‬‬
‫هي أن يتظاهر أو يتواطأ شخصان على إبرام عقد صوري بينهما إما بقصد التخلص من اعتداء ظالم‬
‫على بعض الملكية‪ ،‬أو بإظهار مقدار بدل أكثر من البدل الحقيقي ابتغاء الشهرة والسمعة‪ ،‬أو لتغطية‬
‫اسم الشخص الذي يعمل لمصلحته باطنا (قضية السم المستعار) ‪.‬‬
‫أي أن المواضعة إما أن تكون في أصل العقد‪ ،‬أو في مقدار البدل‪ ،‬أو في الشخص‪.‬‬
‫مثال الحالة الولى‪ :‬أن يخاف إنسان اعتداء إنسان اعتداء ظالم على بعض ما يملك‪ ،‬فيتظاهر هو‬
‫ببيعه لثالث فرارا منه‪ ،‬ويتم العقد مستوفيا أرفانه وشرائطه‪ .‬ومثله بيع المدين أمواله لتهريبها من وجه‬
‫الدائنين‪ ،‬أوعقد قروض صورية لبعض الناس لمزاحمة الدائنين الحقيقيين‪ ،‬أو إقرار المورث لبعض‬
‫ورثته بدين لتفضيله في نصيب الرث‪.‬‬
‫ومثال الحالة الثانية‪ :‬إعلن زيادة في المهر في عقد الزواج بعد التفاق سرا على مقدار المهر‬
‫الحقيقي بقصد الرياء والسمعة والشهرة‪ .‬أو زيادة الثمن في عقد‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البحر الرائق‪ ،363/3 :‬التلويح على التوضيح‪ ،169/2 :‬الشباه والنظائر لبن نجيم‪،106/1 :‬‬
‫‪ ،135/2‬كشف السرار‪ :‬ص ‪ ،1396‬مرآة الصول‪.441/2 :‬‬
‫(‪ )2‬وتسمى عقد المانة أو التواطؤ‪.‬‬

‫( ‪)4/549‬‬

‫بيع العقار لمنع الشفيع من الخذ بالشفعة‪ .‬فل يجب في هذه الحالة إل المهر المتفق عليه سرا في عقد‬
‫الزواج‪ ،‬أو الثمن الحقيقي الذي تم به البيع‪ ،‬وكل من الزواج والبيع صحيح‪.‬‬
‫ومثال الحالة الثالثة‪ :‬تواطؤ اثنين على إخفاء وكالة سرية في عمل معين‪ ،‬والتظاهر بأن الوكيل يعمل‬
‫باسمه لمصلحته الشخصية أو أنه هو الصيل في العمل‪ ،‬ثم يعلن أن اسمه مستعار‪ ،‬كأن يقرر شخص‬
‫بأن الدكان أو السند أو الموال التي في يده هي لشخص آخر‪ ،‬فيعد قوله إقرارا بالحق لذلك الشخص‬
‫(راجع المجلة‪ :‬م ‪.)1593 - 1591‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء في حكم عقد التلجئة أي بالنسبة للحالة الولى‪:‬‬
‫فقال الحنفية والحنابلة (‪ : )1‬إنه عقد فاسد غير صحيح كحالة الهزل تماما؛ لن العاقدين ما قصدا‬
‫البيع‪ ،‬فلم يصح منها كالهازلين‪ .‬كما ليصح عقد القرض الصوري أو القرار كما في حالة الهزل (‬
‫‪. )2‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )3‬هو بيع صحيح؛ لن البيع تم بأركانه وشروطه‪ ،‬وأتي باللفظ مع قصد واختيار‬
‫خاليا عن مقارنة مفسد‪ ،‬أي أن رأيهم في هذه العقود كرأيهم في عقود الهازل‪.‬‬
‫‪ - 7‬الكراه ‪:‬‬
‫يقصد الشخص في حالة الكراه التلفظ بالعبارة مع فهمه لمعناها‪ ،‬ولكنه لم يرض بترتب الثار عليها‪.‬‬
‫فالكراه بنوعيه الملجىء وغير الملجئ يعدم الرضا‪ ،‬أي الرادة الحقيقية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رد المحتار والدر المختار‪ ،255/4 :‬المغني‪.189 ،214/4 :‬‬
‫(‪ )2‬الهزل أعم من التلجئة لنه يجوز أل يكون العاقد فيه مضطرا إليه وأن يكون الهزل سابقا للعقد‬
‫أو مقارنا له‪ ،‬والتلجئة إنما تكون عن اضطرار‪ ،‬ول تكون مقارنة‪ .‬هذا في قول‪ ،‬والظهر كما حقق‬
‫ابن عابدين أنهما سواء في الصطلح‪.‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،16/3 :‬المجموع للنووي‪.168/8 :‬‬

‫( ‪)4/550‬‬

‫وبما أن الكراه يعدم الرضا لم يترتب عند غير الحنفية (الجمهور) على عبارة المستكره أي أثر في‬
‫جميع العقود والتصرفات‪ ،‬للحديث السابق‪« :‬إن ال تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما‬
‫استكرهوا عليه» فل يصح طلقه وزواجه وغيرهما‪ ،‬كالسكران‪ .‬وبهذا أخذ قانون الحوال الشخصية‬
‫السوري في المادة (‪ )1( )89‬والقانون المصري‪.‬‬
‫إل أن الشافعية والحنابلة قالوا‪ :‬بيع المكره باطل (‪. )2‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬بيع المكره غير لزم‪ ،‬فيكون للعاقد المستكره الخيار بين فسخ العقد أو إمضائه‪ .‬وقال‬
‫ابن جزي المالكي‪ :‬بيع المكره وشراؤه باطلن (‪. )3‬‬
‫وأما الحنفية (‪ )4‬فاعتبروا الكراه كالهزل تماما‪ .‬فالعقود المالية كالبيع والجارة والرهن ونحوها‪ ،‬أو‬
‫التي محلها المال كالهبة والوديعة والعارة تكون موقوفة على إجازة المستكره بعد زوال ظرف‬
‫الكراه‪ ،‬فإن رضي بها وأجازها في مدة ثلثة أيام وبقي العاقد الخر راضيا نفذت‪ ،‬وإن لم يجزها‬
‫بطلت‪ .‬وهذا رأي زفر وهو الصح‪.‬‬
‫والتصرفات الخمسة التي ل فيهاحق (وهو الزواج والطلق والرجعة واليمين والعتاق) تكون صحيحة‬
‫كالهزل تماما؛ لن الشارع جعل العبارة فيها عند القصد إليها قائمة مقام الرادة‪ ،‬فيترتب عليها أثرها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نص المادة‪ - 1« :‬ل يقع طلق السكران ول المدهوش ول المكره‪.‬‬
‫‪ - 2‬المدهوش‪ :‬هو الذي فقد تمييزه من غضب أو غيره‪ ،‬فل يدري ما يقول» ‪.‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ 7/2 :‬ومابعدها‪ ،‬غاية المنتهى‪.5/2 :‬‬
‫(‪ )3‬الشرح الكبير وحاشية الدسوقي‪ ،6/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.246‬‬
‫(‪ )4‬مختصر الطحاوي‪ :‬ص ‪ ،408 ،191‬رد المحتار لبن عابدين‪ ،91-89/5 ، 255 ،4/4 :‬الفرائد‬
‫البهية في القواعد للشيخ محمود حمزة‪ :‬ص ‪.324‬‬

‫( ‪)4/551‬‬

‫‪ - 8‬القصد غير المشروع ‪:‬‬


‫إذا اتخذ العاقد عقدا مباحا وسيلة لتحقيق غرض غير مباح شرعا‪ ،‬أي كان الدافع له سببا غير‬
‫مشروع‪ ،‬فللفقهاء بالنسبة للعقد في حد ذاته رأيان‪ ،‬وذلك مثل بيع السلح لهل الفتنة‪ ،‬وبيع العصير‬
‫لمن يتخذه خمرا‪ ،‬وبيع العينة وزواج المحلل ونحوها‪.‬‬
‫قال المام الشافعي‪ :‬العقد صحيح‪ ،‬لتوافر ركنه وهو اليجاب والقبول والنية غير المشروعة متروك‬
‫أمرها ل عز وجل يعاقب صاحبها‪.‬‬
‫وقال الصاحبان وسائر الئمة الخرين‪ :‬العقد غير صحيح‪ ،‬وليس لليجاب والقبول أثر متى قام الدليل‬
‫على هذا القصد الثم‪.‬‬
‫وقد سبق بحث الرأيين في نظرية السبب عند الفقهاء‪.‬‬
‫الفرع الثاني ـ سلطان الرادة العقدية (أو مدى الحرية في العقود والشروط ) ‪:‬‬
‫يأخذ فقهاء القانون الحديث بمبدأ سلطان الرادة العقدية أي أن الرادة حرة في إنشاء العقود واشتراط‬
‫الشروط لتحديد التزامات التعاقد وآثاره المترتبة عليها‪ ،‬ولكن في حدود النظام العام (‪ : )1‬وهي‬
‫الحدود التي يضعها التشريع وفقا لمصالح الفرد والمجتمع ومقتضيات السياسة والقتصاد‪ ،‬فل يصح‬
‫مثلً الستئجار على ارتكاب جريمة أو على فعل ما ينافي الداب الجتماعية‪ ،‬أو النظام القتصادي‬
‫والسياسي‪.‬‬
‫ويعبر القانونيون عن حرية الشتراط وتحديد التزامات التعاقد بقاعدة مشهورة هي ( العقد شريعة‬
‫المتعاقدين ) أي أنه قانون ملزم لكل من الطرفين المتعاقدين فيما تقضي به بنوده وشروطه‪ .‬وقد نص‬
‫القانون المدني السوري على ذلك في المادة (‪.)1/148‬‬
‫وهذا يعني أن السلطان المطلق في إنشاء العقد وآثاره المترتبة عليه هو لرادة المتعاقدين‪ ،‬دون نظر‬
‫إلى فكرة التعادل في الغنم والغرم أي ما قد يكون من غبن فاحش على أحد المتعاقدين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬ل تعترف الشريعة بما يسمى بالنظام العام‪ ،‬وإنما بما حدّه ال ورسوله‪.‬‬

‫( ‪)4/552‬‬

‫كما أنه يمكن التفاق على أنواع جديدة من العقود بحسب ما تقتضيه المصالح القتصادية والتطورات‬
‫الزمنية‪ ،‬دون اقتصار على ما يعرف بالعقود المسماة وهي التي نظمها التشريع وحدد لها التزامات‬
‫معينة‪.‬‬
‫وسنعرف أن الفقه الحنبلي يلتقي مع مبدأ سلطان الرادة المعمول به في نطاق القوانين المدنية‬
‫المعاصرة‪.‬‬
‫وسأبحث هذا المبدأ في الفقه السلمي من ناحيتين‪:‬‬
‫الولى ـ حرية التعاقد ورضائيته‪.‬‬
‫والثانية ـ حرية الشتراط وترتيب آثار العقد‪.‬‬
‫الولى ـ حرية التعاقد ورضائيته ‪:‬‬
‫اتفقت الجتهادات السلمية على أن الرضا أساس العقود (‪ )1‬لقوله تعالى في المعاملت المالية‪{ :‬يا‬
‫أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راحع نظرية العقد لبن تيمية‪ :‬ص ‪ 152‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/553‬‬

‫تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء‪ ]29/4:‬وقوله سبحانه في استحقاق أخذ شيء من حقوق‬
‫الزوجات‪{ :‬فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} [النساء‪ ]4/4:‬وقال النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم «إنما البيع عن تراض» (‪« )1‬ل يحل مال امرئ مسلم إل عن طيب نفس منه» (‪. )2‬‬
‫وبناء عليه فإن مجرد التراضي هو الذي يولد العقد والتزاماته‪ ،‬دون حاجة لممارسة شكلية معينة‪ ،‬إل‬
‫عقد الزواج الذي يخضع لخطورته لشكلية العلن بالشهاد عليه‪ .‬والرادة حرة في إبرام العقد دون‬
‫خضوع لي نوع من أنواع الكراه العقدي‪ ،‬سواء في المعاملت المالية‪ ،‬أم في عقود الزواج‪ ،‬إل ما‬
‫توجبه قواعد العدالة ومصلحة الجماعة‪ ،‬كبيع القاضي أموال المدين المماطل جبرا عنه ليفاء ديونه‪،‬‬
‫وبيع الموال المحتكرة لصالح الجماعة‪ ،‬واستملك الراضي للمصالح العامة‪.‬‬
‫واختلفت الجتهادات السلمية على رأيين في مبدأ حرية إنشاء العقود (حرية التعاقد) أي اختيار نظام‬
‫معين ليكون عقدا بين طرفين‪ ،‬أو اختيار نوع معين من أنواع العقود الجديدة بالضافة إلى العقود‬
‫المتعارف عليها في الماضي‪ .‬وهذان الرأيان هما ما يأتي‪:‬‬
‫الرأي الول ـ للظاهرية ‪( :‬أتباع داود بن علي وابن حزم الندلسي) (‪ )3‬وهم المضيقون الذين‬
‫يقولون‪ :‬الصل في العقود المنع حتى يقوم دليل على الباحة‪ ،‬أي أن كل عقد أو شرط لم يثبت جوازه‬
‫بنص شرعي أو إجماع فهو باطل ممنوع (‪ . )4‬واستدلوا على رأيهم بأدلة ثلثة‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن الشريعة شاملة لكل شيء‪ ،‬وقد تكفلت ببيان ما يحقق مصالح المة‪ ،‬ومنها العقود‪ ،‬على أساس‬
‫من العدل‪ ،‬وليس من العدل ترك الحرية للناس في عقد مايريدون من العقود‪ ،‬وإل أدى ذلك إلى هدم‬
‫نظام الشريعة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حديث حسن رواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الدارقطني عن أنس‪ ،‬وفيه مجهول (نيل الوطار‪.)316/5 :‬‬
‫(‪ )3‬وليس لهم أتباع في العصر الحاضر‪.‬‬
‫(‪ )4‬فتاوى ابن تيمية‪ ،323/3 :‬الحكام في أصول الحكام لبن حزم‪ 593/5 :‬ومابعدها ط المام‪.‬‬

‫( ‪)4/554‬‬

‫‪ - 2‬يقول النبي صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من عمل عملً ليس عليه أمرنا فهو رد» (‪ )1‬فكل عقد أو‬
‫شرط لم يشرعه الشرع بنص أو إجماع يكون باطلً؛ لنه إذا تعاقد الناس بعقد لم يرد في الشريعة‬
‫وأصولها يكونون قد أحلوا أو حرموا غير ماشرع ال ‪ ،‬وليس لحد من المؤمنين سلطة التشريع‪ .‬قال‬
‫ابن حزم معلقا على هذا الحديث‪« :‬فصح بهذا النص بطلن كل عقد عقده النسان والتزمه‪ ،‬إل ما‬
‫صح أن يكون عقدا جاء النص أو الجماع بإلزامه باسمه أو بإباحة التزامه‬
‫بعينه» (‪. )2‬‬
‫‪ - 3‬يؤيده الحديث النبوي‪« :‬ما كان من شرط ليس في كتاب ال فهو باطل‪ ،‬وإن كان مئة شرط» (‪)3‬‬
‫أي أن الشرط غير المنصوص عليه باطل‪ ،‬فيقاس عليه العقد‪ ،‬غير المنصوص عليه‪.‬‬
‫الرأي الثاني ـ للحنابلة وبقية الفقهاء‪ :‬وهم الموسعون الذين يقولون‪ :‬الصل في العقود وما يتصل بها‬
‫من شروط الباحة ما لم يمنعها الشرع أو تخالف نصوص الشرع‪ .‬واستدلوا على رأيهم بما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن اليات القرآنية والحاديث النبوية السابق ذكرها لم تشترط لصحة العقد إل الرضا والختيار‪،‬‬
‫وكذلك آية {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة‪ ]1/5 :‬أوجبت الوفاء بكل عقد دون استثناء‪ ،‬أي‬
‫أنها نصت على مبدأ القوة اللزامية للعقد‪ ،‬وأوجبت على النسان الوفاء بعقده الذي باشره بإرادته‬
‫الحرة‪ ،‬فيصبح العقد ملزما له بنتائجه‪ ،‬ومقيدا لرادته حفظا على مبدأ استقرار التعامل‪ .‬وهذا يدل‬
‫على أن تحريم شيء من العقود أو الشروط التي يتعامل بها الناس تحقيقا لمصالحهم‪ ،‬بغير دليل‬
‫شرعي‪ ،‬تحريم لما لم يحرمه ال ‪،‬فيكون الصل في العقود والشروط هو الباحة‪.‬‬
‫‪ - 2‬هناك فرق بين العبادات والمعاملت‪ .‬أما العبادات فيجب ورود الشرع بها‪ ،‬وأما المعاملت‬
‫ومنها العقود فل تتطلب ورود الشرع بها‪ .‬فيكفي في صحتها أل تحرمها الشريعة استصحابا للمبدأ‬
‫الصولي وهو أن الصل في الفعال والقوال والشياء هو الباحة؛ لن القصد من المعاملت رعاية‬
‫مصالح الناس‪ ،‬فكل ما يحقق مصالحهم يكون مباحا‪ .‬ويصح التعامل بعقود جديدة لم تعرف سابقا من‬
‫طريق القياس أو الستحسان أو الجماع أو العرف الذي ل يصادم أصول الشريعة ومبادئها‪ .‬وهذه‬
‫المصادر ل بد لها من سند في الكتاب أو السنة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم عن عائشة‪ ،‬وفي لفظ البخاري‪« :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الحكام في أصول الحكام‪.615/5 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم عن عائشة بلفظ «ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب ال ‪ ،‬ما كان من‬
‫شرط ليس في كتاب ال فهو باطل‪ ،‬ولو كان مئة شرط‪ ،‬كتاب ال أوثق» ‪.‬‬

‫( ‪)4/555‬‬

‫‪ - 3‬يؤيد ذلك قوله عليه الصلة والسلم‪« :‬الصلح جائز بين المسلمين إل صلحا حرم حللً أو أحل‬
‫حراما‪ ،‬والمسلمون على شروطهم إل شرطا حرم حللً أو أحل حراما» (‪« )1‬الناس على شروطهم‬
‫ما وافقت الحق» ويقاس على الشروط الصحيحة كل عقد ل يصادم أصول الشريعة‪ ،‬ويحقق مصالح‬
‫الناس‪.‬‬
‫وهذا الرأي هو الصح‪ ،‬إذ لم نجد في الشرع ما يدل على أي حصر لنواع العقود وتقييد الناس بها‪،‬‬
‫فكل موضوع لم يمنعه الشرع ول تقتضي قواعد الشريعة وأصولها منعه جاز التعاقد عليه‪ ،‬على أن‬
‫تراعى شرائط انعقاد العقود كالهلية والصيغة وقابلية المحل لحكم العقد‪.‬‬
‫الثانية ـ حرية الشتراط وترتيب آثار العقود والقوة الملزمة للعقد ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أن العقد المستكمل لركانه وشرائطه يتمتع بالقوة اللزامية أي أن كل عقد باشره‬
‫النسان بإرادته الحرة ملزم له بنتائجه‪ ،‬ومقيد لرادته؛ لقوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}‬
‫[المائدة‪ ]1/5:‬وقوله‪{ :‬وأوفوا بالعهد‪ ،‬إن العهد كان مسؤولً} [السراء‪.]34/17:‬‬
‫واتفق الفقهاء أيضا على أن ترتيب آثار العقود هي في الصل من عمل الشارع‪ ،‬ل من عمل‬
‫المتعاقدين‪ .‬فإرادة المتعاقدين هي التي تنشئ العقد‪ ،‬ولكن الشريعة هي التي ترتب ما لكل عقد من حكم‬
‫وآثار‪ ،‬و يقول الفقهاء‪ :‬إن العقود أسباب «جعلية شرعية» لثارها‪ ،‬أي أن الرابطة بين العقد وآثاره‬
‫باعتبار أن أحدهما مسبب والخر سبب ليست رابطة آلية طبيعية عقلية‪ ،‬وإنما هي رابطة جعلها‬
‫الشارع بينهما‪ ،‬حتى ل يبغي بعض الناس على بعض بما يشترطون من شروط‪ ،‬وحتى يكون لكل‬
‫تصرف حكمه من المشرع الحكيم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي عن عمرو بن عوف‪ ،‬وقوله‪« :‬والمسلمون‪ »..‬من زيادة‬
‫رواية الترمذي‪ ،‬وقال عنه‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ .‬وقولهم «الناس على شروطهم» في معنى‬
‫«المسلمون على شروطهم‪...‬الحديث» ‪.‬‬

‫( ‪)4/556‬‬

‫فإرادة النسان مقصورة على إنشاء العقد فقط كعقد البيع‪ ،‬وأما ما يترتب على العقد من آثار كنقل‬
‫ملكية المبيع إلى المشتري واستحقاق الثمن في ذمة المشتري للبائع‪ ،‬فمتروك لتقدير الشرع‪.‬‬
‫وتستمد إرادة العاقدين سلطانها من الشرع بالحدود التي حددها لكل عقد‪ ،‬فقد تكون حدود الشرع‬
‫محققة لحاجةالعاقدين‪ ،‬فل يحتاجان إلى اشتراط شروط تنقص أو تزيد من آثار العقد المشروعة‪ ،‬فإن‬
‫لم تحقق حاجة العاقدين وغرضهما احتاجا إلى اشتراط شروط تحقق الغرض المطلوب‪.‬‬
‫فما مدى سلطة العاقدين على تعديل آثار العقود‪ ،‬أو ما صلحية الفقهاء في استنباط الحدود المقررة‬
‫في الشرع أو تعديل الثار الصلية للعقد عن طريق اشتراط العاقدين الشروط العقدية إما بالنقص من‬
‫تلك الثار‪ ،‬أو بإضافة التزامات على أحد العاقدين ل يستلزمها أصل العقد؟‪.‬‬
‫وحرية الشتراط‪ :‬هو مبدأ سلطان الرادة في تعديل آثار العقد المقرر في القوانين‪ ،‬علما بأن الشريعة‬
‫والقانون متفقان على أن تقرير آثار العقود وأحكامها هو من إرادة الشارع ل من عمل العاقد‪ ،‬والفارق‬
‫بينهما في مدى تفويض الشارع إلى العاقدين من السلطان على تعديل الحكام التي قررها التشريع‬
‫مبدئيا في كل عقد (‪. )1‬‬
‫للفقهاء الشرعيين رأيان في حرية الشتراط في العقود‪:‬‬
‫الرأي الول ـ للظاهرية‪ ،‬وهم القائلون بأن الصل في العقود المنع‪ ،‬قالوا‪ :‬إن الصل في الشروط‬
‫المنع‪ ،‬فكل شرط لم يقره الشرع في القرآن أو السنة فهو باطل‪.‬‬
‫الرأي الثاني ـ لسائر الفقهاء الخرين‪ :‬وهو أن الصل في العقود والشروط الباحة‪ ،‬لكن هؤلء‬
‫فريقان‪:‬‬
‫‪ - 1‬الحنابلة يقولون‪ :‬الصل في الشروط العقدية هو الطلق‪ ،‬فكل شرط لم يرد الشرع بتحريمه فهو‬
‫جائز‪.‬‬
‫‪ - 2‬غير الحنابلة يقولون‪ :‬الصل في الشروط العقدية هو التقييد‪ ،‬فكل شرط خالف الشرع أو مقتضى‬
‫العقد فهو باطل‪ ،‬وما عداه فهو صحيح‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المدخل الفقهي للزرقاء‪ :‬ف ‪ ،215‬وحاشية ف ‪ :217‬ص ‪.475‬‬

‫( ‪)4/557‬‬

‫وقد سبق ذكر أدلة المذهبين في بحث حرية التعاقد‪ .‬وفي رأيي أنه يؤخذ برأي الحنابلة في إطلق‬
‫حرية الشتراط للعاقدين في العقود المالية‪ ،‬تحقيقا لحاجات الناس ومصالحهم ومراعاة لما يطرأ من‬
‫تطورات وأعراف في إبرام عقود لغراض مشروعة‪ ،‬وإل لشلت حركة التجارة والنشاط القتصادي‬
‫الذي اتسع ميدانه في العقود والشروط على نحو لم يكن معروفا لدى الفقهاء‪.‬‬
‫ويؤخذ برأي غير ا لحنابلة في عقود الزواج حرصا على ما له من حرمة وقداسة ولما فيه من جانب‬
‫العبادة ولما تتطلبه السرة من استقرار ودوام‪ ،‬ينبغي من أجله عدم إفساح المجال لحرية الشتراط‬
‫التي تتأثر بالهواء‪ ،‬وتعصف بأغراض الزواج السامية‪ .‬وقد قال الفقهاء‪« :‬الصل في البضاع ـ أي‬
‫المتعة الجنسية ـ التحريم» ‪.‬‬
‫وأكتفي هنا ببيان مذهبي الحنفية والحنابلة في الشروط المقترنة بالعقد‪ .‬أما مذهب الشافعية فقريب من‬
‫مذهب الحنفية‪ ،‬ومذهب المالكية قريب من مذهب الحنابلة‪.‬‬
‫أولً ـ مذهب الحنفية في الشروط ‪:‬‬
‫قسم الحنفية الشروط إلى ثلثة أنواع‪ :‬الشرط الصحيح‪ ،‬والشرط الفاسد‪ ،‬والشرط الباطل (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع البدائع‪ ،172-168/5 :‬المبسوط‪ ،18-13/13 :‬فتح القدير‪ 214/5 :‬ومابعدها‪ ،‬رد المحتار‬
‫لبن عابدين‪ 126/4 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/558‬‬

‫الول ـ الشرط الصحيح‪ :‬هو ماكان موافقا لمقتضى العقد (‪ ، )1‬أو مؤكدا لمقتضاه‪ ،‬أو جاء به‬
‫الشرع‪ ،‬أو جرى به العرف‪.‬‬
‫مثال الشرط الذي يقتضيه العقد‪ :‬اشتراط البائع تسليم الثمن أو حبس المبيع حتى أداء جميع الثمن‪،‬‬
‫واشتراط المشتري تسليم المبيع‪ ،‬أو تملكه‪ .‬واشتراط الزوجة على زوجها أن ينفق عليها‪ ،‬واشتراطه‬
‫عليها تسليم نفسها إذا قبضت مهرها‪ .‬فهذه شروط تبين مقتضى العقد أوتوافق مقتضاه؛ لن مضمونها‬
‫واجب التحقق شرعا‪ ،‬حتى ولو لم يشترطها أحد العاقدين؛ لن ثبوت الملك والتسليم والتسلم وحبس‬
‫المبيع من مقتضى المعاوضات‪ ،‬والنفاق على الزوجة وزفافها من مقتضى الزواج‪.‬‬
‫ومثال الشرط المؤكد لمقتضى العقد‪ :‬اشتراط البائع تقديم كفيل أو رهن معينين بالثمن عن تأجيله‬
‫للمستقبل‪ ،‬فإن الكفالة والرهن استيثاق بالثمن‪ ،‬فيلئم البيع ويؤيد التسليم‪ .‬ومثله اشتراط كون والد‬
‫الزوج كفيلً بالمهر والنفقة‪.‬‬
‫والشرط الذي ورد به الشرع‪ :‬مثل اشتراط الخيار أو الجل لحد المتعاقدين‪ ،‬أو اشتراط الطلق إذا‬
‫طرأ سبب داع له‪ ،‬فذلك كله مشروع في الشرع‪.‬‬
‫والشرط الذي جرى به العرف‪ :‬مثل اشتراط المشتري على البائع التعهد بإصلح الشيء المشترى مدة‬
‫معينة من الزمان‪ ،‬كالساعة‪ ،‬والمذياع‪ ،‬والسيارة‪ ،‬والغسالة‪ ،‬والثلجة‪ ،‬واشتراط حمل البضاعة إلى‬
‫مكان المشتري‪ ،‬فهذا مما تعارفه الناس وإن كان فيه زيادة منفعة لحد العاقدين‪ ،‬فجاز استحسانا خلفا‬
‫لزفر من الحنفية‪ ،‬بدليل أن النبي اشترى في السفر من جابر بن عبد ال بعيرا‪ ،‬وشرط لجابر ركوبه‬
‫وحملنه عليه إلى المدينة‪.‬‬
‫وإقرار هذا الشرط عند الحنفية أدى إلى توسيع حرية الناس في الشتراط‪ ،‬بما يحقق لحد العاقدين‬
‫منفعة زائدة عن مقتضى العقد‪ .‬كما أدى إلى زوال الشرط الفاسد من معاملت الناس‪ .‬وأصبحت‬
‫الشروط كلها صحيحة بالعرف إل إذا كانت مصادمة لنص تشريعي‪ ،‬أو منافية لمبادئ الشريعة‬
‫ومقاصدها العامة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مقتضى العقد‪ :‬هو الحكام الساسية التي قررها الشرع لكل عقد‪ ،‬سواء بالنص عليها مباشرة أو‬
‫باستنباط المجتهدين‪ ،‬بقصد تحقيق التوازن في الحقوق بين العاقدين‪.‬‬

‫( ‪)4/559‬‬

‫الثاني ـ الشرط الفاسد‪ :‬هو مالم يكن أحد النواع الربعة السابقة في الشرط الصحيح‪ ،‬أي أنه الذي ل‬
‫يقتضيه العقد‪ ،‬ول يلئم المقتضى‪ ،‬ول ورد به الشرع‪ ،‬ولم يتعارفه الناس‪ ،‬وإنما فيه منفعة زائدة لحد‬
‫المتعاقدين‪ ،‬كشراء حنطة على أن يطحنها البائع‪ ،‬أو قماش على أن يخيطه البائع قميصا مثلً‪ ،‬أو‬
‫شراء بضاعة على أن يتركها في ملك البائع شهرا‪ ،‬أو بيع دار على أن يسكنها البائع شهرا أو أكثر‪،‬‬
‫أو شراء أرض على أن يزرعها البائع سنة‪ ،‬أو شراء سيارة على أن يركبها البائع مدة من الزمن‪ ،‬أو‬
‫على أن يقرضه قرضا أو يهب له هبة ونحو ذلك‪.‬‬
‫وفي الزواج‪ :‬اشتراط الزوجة أل تنتقل من بلدها التي تزوجت فيها‪ ،‬أو أل يتزوج عليها‪ ،‬أو أن يطلق‬
‫امرأته الولى‪ ،‬أو أل يطلقها أبدا‪.‬‬
‫ويختلف أثر الشرط الفاسد على العقود بحسب نوع العقد‪ .‬والقاعدة المقررة في ذلك هي‪ :‬أن الشرط‬
‫الفاسد في عقود المعاوضات المالية يفسدها‪ ،‬وفي غيرها ل يؤثر عليها (‪. )1‬‬
‫إن الشرط الفاسد في المعاوضات المالية كالبيع والجارة والقسمة والمزارعة والمساقاة والصلح عن‬
‫المال يفسدها (‪ )2‬؛ لما روي عن النبي صلّى ال عليه وسلم أنه‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبيين الحقائق‪.131/4 :‬‬
‫(‪ )2‬انفرد المام مالك من بين الفقهاء بأن الشرط الذي يفسد العقد إن لم يتمسك به مشترطه‪ ،‬ينقلب‬
‫العقد صحيحا لزوال سبب الفساد‪ ،‬لن العلة التي أوجدت الفساد زالت بزوال المانع من صحة العقد‬
‫وهو عدم تمسك صاحب الشرط به (نظرية العقد لبي زهرة‪ :‬ص ‪.)244‬‬

‫( ‪)4/560‬‬

‫«نهى عن بيع وشرط» (‪ )1‬ولن الشرط الفاسد يتنافى مع مبدأ التعادل الذي تقوم عليه المبادلت‬
‫المالية‪.‬‬
‫وأما العقود الخرى غير المبادلت المالية كالتبرعات (هبة أو إعارة) والتوثيقات (كفالة أو حوالة أو‬
‫رهن)‪ ،‬والزواج والطلق‪ ،‬والطلقات كالوكالة‪ ،‬فل يؤثر عليها الشرط الفاسد‪ ،‬ويبقى العقد صحيحا‪،‬‬
‫ويصير الشرط لغيا ل أثر له‪ ،‬لما ثبت في السنة النبوية من تصحيح هذه العقود وإلغاء الشروط‬
‫الفاسدة‪ ،‬كالحكم بصحة الهبة وبطلن شرط التأقيت مثلً‪.‬‬
‫الثالث ـ الشرط الباطل‪ :‬هو ما لم يكن أحد أنواع الصحيح‪ ،‬وليس فيه منفعة لحد المتعاقدين ول‬
‫لغيرهما‪ ،‬وإنما هو ما كان فيه ضرر لحد العاقدين‪ ،‬كاشتراط بائع البضاعة على المشتري أل يبيعها‬
‫أو ل يهبها لحد‪ ،‬واشتراط بائع الدار على المشتري أن يتركها من غير سكن مدة شهر في كل سنة‬
‫مثلً‪ ،‬واشتراط بائع سيارة أل يُركب المشتري فلنا فيها أو يضعها في مكان خاص‪.‬‬
‫العقد صحيح حينئذ‪ ،‬والشرط لغو باطل ل قيمة له‪ ،‬سواء في عقود المعاوضات‪ ،‬أم في العقود الخرى‬
‫كالزواج والكفالة والهبة‪.‬‬
‫ثانيا ـ مذهب الحنابلة في الشروط ‪:‬‬
‫مذهب الحنابلة وعلى التخصيص ابن تيمية وابن القيم أوسع المذاهب في الخذ بحرية الشتراط (‪، )2‬‬
‫فهم أقرب إلى الفقه القانوني الخذ بمبدأ سلطان الرادة‪ ،‬فهم يرون أن الصل في الشروط الباحة أو‬
‫الطلق‪ ،‬فيصح كل شرط فيه منفعة أو مصلحة لحد العاقدين‪ ،‬كاشتراط صفة معينة في المبيع أو في‬
‫أحد الزوجين‪ ،‬واشتراط منفعة في عقد البيع كسكنى الدار المبيعة بعد بيعها مدة معينة‪ ،‬وتوصيل‬
‫المبيع لدار المشتري‪ ،‬وخياطة الثوب للمشتري‪ ،‬واشتراط الزوجة على الزوج أل يتزوج عليها‪ ،‬أو أل‬
‫يسافر بها‪ ،‬أو أل ينقلها من منزلها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو حنيفة‪ ،‬وعبد الحق في أحكامه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‪.‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع‪ ،40/2 :‬غاية المنتهى‪ ،26-23/2 :‬أعلم الموقعين‪ ،402-401/3 :‬ط السعادة‪،‬‬
‫فتاوى ابن تيمية‪ 326/3 :‬ومابعدها‪ ،‬زاد المعاد‪ ،4/4 :‬نظرية العقد لبن تيمية‪ :‬ص ‪ 214‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/561‬‬

‫هذه شروط صحيحة يجب الوفاء بها‪ ،‬سواء في عقود المعاوضات المالية‪ ،‬أم في عقود التبرعات‪ ،‬أو‬
‫في التوثيقات (أو التأمينات بلغة العصر)‪ ،‬أو الزواج ونحوه‪ ،‬فإن لم يوف بها جاز للعاقد الخر فسخ‬
‫العقد‪.‬‬
‫وهذا رأي القاضي شريح (‪ ، )1‬وابن شُبرمة (‪ )2‬الكوفي‪ ،‬وابن أبي ليلى (‪ )3‬وجماعة من فقهاء‬
‫المالكية‪ ،‬بدليل أن جابرا باع النبي صلّى ال عليه وسلم بعيرا واشترط حملنه عليه إلى أهله وأقره‬
‫النبي على ذلك ودفع له الثمن (‪ . )4‬إن اشتراط الركوب على الجمل فيه منفعة للبائع‪ ،‬فهو شرط‬
‫فاسد‪ ،‬والفاسد ل يؤثر في العقد مطلقا‪.‬‬
‫ولم يستثن الحنابلة ومن وافقهم من الشروط الجائزة إل الشرط المنافي لمقتضى العقد‪ ،‬أو الذي ورد‬
‫النهي عنه‪.‬‬
‫‪ )1‬الشرط المنافي لمقتضى العقد‪ :‬كاشتراط البائع على المشتري أل يبيع الشيء المشترى مطلقا‪ ،‬أو‬
‫أل يقفه على جهة خير مثلً‪ ،‬أو أل يسكن فيه أحدا باليجار وغيره‪ ،‬العقد حينئذ صحيح والشرط لغ؛‬
‫لن في هذا الشرط حرمان العاقد من الستفادة مما يثبته العقد له من حقوق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬شريح القاضي ابن الحارث بن قيس‪ ،‬قاضي الكوفة والبصرة‪ ،‬استمر على القضاء في زمن عمر‬
‫وعثمان وعلي ومعاوية‪ ،‬واستعفى في أيام الحجاج‪ ،‬مات بالكوفة سنة ‪ 79‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )2‬عبد ال بن شبرمة‪ ،‬قاضي فقيه تابعي‪ ،‬عاصر أبا حنيفة‪ ،‬له مذهب فقهي اندثر‪ ،‬ولد سنة ‪ 72‬هـ‬
‫ومات سنة ‪ 144‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )3‬هو محمد بن عبد الرحمن قاضي الكوفة‪ ،‬فقيه عالم‪ ،‬مات سنة ‪ 148‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرج لفظه أحمد والشيخان عن جابر (نيل الوطار‪.)178/5 :‬‬

‫( ‪)4/562‬‬

‫‪ ) 2‬الشرط المنهي عنه أو المخالف لحكم ال ورسوله‪ ،‬كاجتماع صفقتين في عقد واحد‪ ،‬مثل اشتراط‬
‫البائع على المشتري إيجار الدار لفلن‪ ،‬أو أن يهبه شيئا‪ ،‬أو يبيع له شيئا أو يقرضه مبلغا من المال‪،‬‬
‫أو أل يبيع الناتج الزراعي كالقطن وغيره إل له واشتراط الزوجة أن يطلق امرأته الولى‪ .‬هذه‬
‫شروط فاسدة تفسد العقد؛ لن رسول ال صلّى ال عليه وسلم «نهى عن بيعتين في بيعة» أو «عن‬
‫صفقتين في صفقة» (‪ )1‬ولن ذلك يؤدي غالبا إلى النزاع بين المتعاقدين في العقد الخر المشروط‪،‬‬
‫فيسري النزاع إلى العقد الصلي‪.‬‬
‫رأي المتأخرين من الحنابلة‪ :‬أفاض ابن تيمية وابن القيم في بيان نظريتهما في أن الصل في العقود‬
‫والشروط الباحة أو الجواز والصحة حتى يقوم الدليل على المنع؛ لنها من العادات التي تراعى فيها‬
‫مصالح الناس‪ .‬فإن حرمنا ما يجري بين الناس من عقود وشروط‪ ،‬بغير دليل من الشارع‪،‬نكون قد‬
‫حرمنا ما لم يحرمه ال‪.‬‬
‫وال تعالى أمرنا بالوفاء بالعقود في قوله‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة‪ ،]1/5:‬وطالبنا‬
‫النبي عليه السلم بتنفيذ الشروط في قوله المتقدم‪« :‬والمسلمون على شروطهم‪ ،‬إل شرطا أحل حراما‪،‬‬
‫أو حرم حللً» ‪ .‬وقررت الشريعة أن الصل في العقود رضا المتعاقدين‪ ،‬وأثرها‪ :‬هو ما أوجباه على‬
‫نفسيهما بالتعاقد‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪ { :‬إل أن تكون تجارة عن تراض منكم } [النساء‪]29/4:‬‬
‫فالتراضي هو المبيح للتجارة ‪،‬وقوله تعالى‪{ :‬فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا}‬
‫[النساء‪ ]4/4:‬فإذا كان طيب النفس هو المبيح للصداق‪ ،‬فكذلك سائر التبرعات‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬اللفظ الول رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه عن أبي هريرة‪ .‬واللفظ الثاني رواه أحمد‬
‫عن ابن مسعود (نيل الوطار‪.)152/5 :‬‬

‫( ‪)4/563‬‬

‫أما استثناء الشرط أو العقد المناقض حكم ال ورسوله‪ ،‬فلقوله صلّى ال عليه وسلم في الحديث‬
‫المتقدم‪« :‬من أحدث في أمرنا ـ أو ديننا ـ هذا ما ليس منه فهو رد» وفي لفظ «من عمل عملً ليس‬
‫عليه أمرنا فهو رد» فكل شرط يناقض حكم ال ورسوله يكون باطلً باتفاق المسلمين‪ ،‬كاشتراط‬
‫التعامل بالربا أو التجار في الخمر ونحو ذلك‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬كل شرط ليس في‬
‫كتاب ال فهو باطل» والمقصود بالشرط الذي ليس في كتاب ال ‪ :‬هو ما فسره عمر بن الخطاب في‬
‫رسالته لبي موسى الشعري في القضاء‪« :‬والصلح جائز بين المسلمين إل صلحا أحل حراما‪ ،‬أو‬
‫حرم حللً» ‪.‬‬
‫وأما استثناء الشرط المنافي لمقصود العقد‪ ،‬كاشتراط عدم النتفاع بالمشترى ببيع أو إيجار‪ ،‬فلنه‬
‫جمع بين المتناقضين‪ ،‬أي بين إثبات المقصود ونفيه‪ ،‬فل يحصل شيء‪.‬‬
‫ويلحظ أن الحنابلة حصروا الشرط المنافي في المناقضة لمقصود العقد الصلي‪ .‬فلو شرط البائع‬
‫على المشتري أل يبيع ما اشتراه‪ ،‬فإنه يكون منافيا أو مبطلً للمقصود الصلي من العقد‪ ،‬وهو الملك‬
‫المبيح للتصرف‪ .‬أما إذا شرط البائع منفعة أخرى كسكنى الدار أو زراعة الرض‪ ،‬فإنه ل يكون‬
‫منافيا لمقتضى العقد‪ ،‬ويكون الشرط صحيحا‪ .‬وكذلك في الزواج لو شرط فيه أل تحل به المتعة‬
‫الزوجية يبطل العقد‪ ،‬لكن لو شرط فيه عدم ممارسة الستمتاع الزوجي يصح العقد ويلغو الشرط‪.‬‬
‫أما الحنفية فقد توسعوا في تفسير المنافاة‪ ،‬وقالوا‪ :‬كل ما يكون من الشروط فيه منفعة لحد‬
‫المتعاقدين‪ ،‬يكون منافيا لمقتضى العقد‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن الحنابلة وموافقيهم يرون أن الشريعة فوضت لرادة العاقدين تحديد مقتضيات العقود‪،‬‬
‫أو آثارها ضمن نطاق حقوقهما ومصالحهما في كل ما ل يصادم نصوص الشريعة أو أصولها الثابتة‪.‬‬
‫( ‪)4/564‬‬

‫وهذا التجاه لعمر وشريح وابن شبرمة والحنابلة يتفق تماما مع ما تقرره القوانين الحديثة من مبدأ‬
‫سلطان الرادة‪ ،‬وإعطاء الحرية للعاقدين في اشتراط أي شرط ل يخالف قواعد النظام العام أو الداب‬
‫أو النصوص القانونية الخاصة‪.‬‬
‫مزايا الفقه الحنبلي في الشروط ‪:‬‬
‫كان للجتهاد الحنبلي في حرية الشتراط العقدي مزايا مهمة فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ ً 1‬ـ الزواج ‪:‬‬
‫أجاز الحنبلية الخذ بمبدأ حرية الشتراط في الزواج‪ ،‬لما ثبت في الصحيحين عن النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم أنه قال‪« :‬إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» ولما للزواج من جانب‬
‫كبير من الخطورة والقدسية‪ ،‬إذ تقوم عليه أسرة تتطلب الحفاظ عليها‪ ،‬فتكون رعاية الشروط التي فيها‬
‫منفعة أوجب وألزم من العقود الخرى‪.‬‬
‫إنهم أجازوا خلفا للحنفية والشافعية والمالكية للزوجين اشتراط ما شاءا من الشروط التي فيها منفعة‬
‫مقصودة ل تتعارض مع موضوع الزواج ونصوص الشريعة‪.‬‬
‫وذلك كاشتراط المرأة أل يسافر بها زوجها‪ ،‬أو أل ينتقل بها من دارها ويسكن معها‪ ،‬أو أل يتزوج‬
‫عليها‪ ،‬أو أن يطلق امرأته الولى (‪ ، )1‬أو اشتراط أحد الزوجين كون الخر موسرا ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬اختلف الحنابلة في صحة هذا الشرط‪ ،‬فنص ابن قدامة صاحب المغني على عدم صحة هذا‬
‫الشرط‪ ،‬ولكن أكثر الحنابلة على القول بالصحة(المغني‪ ،560/6 :‬تصحيح الفروع‪.)56/3 :‬‬

‫( ‪)4/565‬‬

‫أما اشتراط توقيت الزواج‪ ،‬أو عدم المهر‪ ،‬أو عدم النفقة الزوجية أو عدم الستمتاع الزوجي ونحوه‪،‬‬
‫فل يصح لمصادمته أصول الزواج (‪. )1‬‬
‫وإذا لم يوف الزوج بالشرط كان الطرف الخر المشروط له مخيرا بين الستمرار وفسخ العقد بسبب‬
‫عدم الوفاء بالشرط‪.‬‬
‫‪ ً 2‬ـ التبرعات ‪:‬‬
‫أجاز الحنابلة للمتبرع استثناء بعض منافع الشيء المتبرع به‪ ،‬ولو لم تكن المنفعة معلومة‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى‪{ :‬ما على المحسنين من سبيل} [التوبة‪ ]91/9:‬فللواهب أو الواقف أو المتصدق أن يشترط لنفسه‬
‫منفعة من منافع الشيء مدة حياته‪ ،‬كأن يستثني غلة الوقف ما عاش الواقف‪ ،‬أو منفعة الدار الموهوبة‬
‫مدة الحياة‪.‬‬
‫‪ ً 3‬ـ المعاوضات ‪:‬‬
‫أجاز الحنابلة أيضا استثناء بعض منفعة الشيء المبيع بشرط أن تكون المنفعة معلومة‪ ،‬كأن يبيع الدار‬
‫على أن يظل ساكنا فيها مدة معينة‪ ،‬أو السيارة على أن يركبها مدة معينة‪ ،‬والسبب في اشتراط كون‬
‫المنفعة المستثناة معلومة في المعاوضات بعكس التبرعات‪ :‬هو بناء المعاوضات على التعادل بين‬
‫الطرفين‪ ،‬بحث ل يغبن أحدهما الخر غبنا فاحشا‪ ،‬فل بد من كون المنفعة معلومة حتى ل يقع نزاع‬
‫بين العاقدين‪ ،‬أما التبرع فل تعادل فيه‪ ،‬ول يتأتى النزاع فيه بين الطرفين‪.‬‬
‫وجوزوا استثناء بعض الحقوق كأن يكون البائع أحق بشراء المبيع إذا أراد المشتري بيعه لخر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نظرية العقد لبن تيمية‪ :‬ص ‪ 208‬ومابعدها‪ ،‬المغني‪ 548/6 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/566‬‬

‫ولم يمنعوا إيجاب بعض الواجبات على المالك كبيع العقار على أن يقفه المشتري‪ ،‬أو يتصدق به‪ ،‬أو‬
‫يقضي دين فلن أو يصل به رحمه (‪ . )1‬وهذا دليل على جواز الشتراط لمصلحة الغير‪.‬‬
‫وصحح جماعة من الحنابلة خلفا لبقية الفقهاء البيع بما ينقطع عليه السعر في المستقبل بتاريخ معين‬
‫من غير تقدير ثمن أو تحديده وقت العقد‪ ،‬لتعارف الناس وتعاملهم به في كل زمان ومكان (‪ ، )2‬كبيع‬
‫القطن بما يستقر عليه سعر السوق في بورصة القطان في الساعة السادسة من يوم كذا‪ .‬وهذا ما أخذ‬
‫به القانون المدني السوري في المادة (‪ )392‬وكذا أصله المصري‪.‬‬
‫وجعل الحنابلة خلفا لجمهور الفقهاء بيع العربون صحيحا مشروعا‪ :‬وهو أن يبيع الشخص شيئا‪،‬‬
‫ويأخذ من المشتري مبلغا من المال يسمى عربونا لتوثيق الرتباط بينهما‪ ،‬فإن تم البيع بينهما احتسب‬
‫العربون المدفوع من الثمن‪ ،‬وإن نكل المشتري كان العربون للبائع‪ ،‬هبة من المشتري له (‪ . )3‬أخذ‬
‫القانون المدني السوري في المادة (‪ )104‬بطريقة بيع العربون هذه‪ .‬وأصبحت طريقة البيع بالعربون‬
‫في عصرنا الحاضر أساسا للرتباط في التعامل التجاري الذي يتضمن التعهد بتعويض ضرر الغير‬
‫عن التعطل والنتظار‪ .‬ويسمى ضمان التعويض عن التعطل والنتظار في الفقه القانوني‪ :‬الشرط‬
‫الجزائي (‪ . )4‬وقد أقره القاضي شريح بقوله «من شرط على نفسه طائعا غير مكره عليه» (‪. )5‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتاوى ابن تيمية‪.347/3 :‬‬
‫(‪ )2‬أعلم الموقعين‪ 5/4 :‬ومابعدها‪ ،‬غاية المنتهى‪ ،14/2 :‬نظرية العقد لبن تيمية ص ‪.220‬‬
‫(‪ )3‬غاية المنتهى‪ ،26/2 :‬المغني‪ ،232/4 :‬وكذلك صحح الحنابلة الجارة بالعربون‪.‬‬
‫(‪ )4‬مصادر الحق للسنهوري‪ 96/3 :‬ومابعدها‪ ،‬المدخل الفقهي للستاذ الزرقاء‪ :‬ف ‪.234‬‬
‫(‪ )5‬أعلم الموقعين‪ ،400/3 :‬ط السعادة‪.‬‬

‫( ‪)4/567‬‬

‫وأجازه الحنابلة لتعارف الناس له‪ ،‬ولما ثبت في السنة‪« :‬أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم سئل عن‬
‫العربان في البيع فأحله» (‪ )1‬ويؤيده أثر عن عمر وهو‪« :‬أن نافع بن عبد الحارث العامل لعمر على‬
‫مكة‪ ،‬اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية بأربعة آلف درهم‪ ،‬فإن رضي عمر كان البيع‬
‫نافذا‪ ،‬وإن لم يرض فلصفوان أربع مئة درهم» وأقر عمر شرطه هذا (‪. )2‬‬
‫‪ ً 4‬ـ تعليق التصرفات مطلقا بشرط ‪:‬‬
‫أجاز الحنابلة تعليق التصرف بشرط معلق في جميع أنواع العقود والفسوخ والتبرعات واللتزامات‬
‫من بيع وإجارة وكفالة وإقالة وإبراء وزواج وغيرها‪ ،‬كأن يقول شخص‪ :‬إن وصلت بضاعتي‬
‫المستوردة اليوم فقد بعتكها بكذا‪ .‬أو تقول امرأة‪ :‬زوجتك نفسي على مهر كذا إن رضي أخي أوعمي‬
‫مثلً‪.‬‬
‫ودليلهم على الجواز إطلق الحديث النبوي المتقدم‪« :‬المسلمون عند شروطهم‪ ،‬إل شرطا أحل حراما‬
‫أو حرم حللً» ولن تعليق العقود وغيرها على شرط قد تدعو إليه الضرورة أو الحاجة أو المصلحة‬
‫( ‪. )3‬‬
‫ومنع جمهور الفقهاء التعليق في جميع العقود ول سيما التمليكات والزواج‪ ،‬واعتبروها باطلة‪.‬‬
‫وسوغوا فقط تعليق السقاطات كالطلق‪ .‬كما سوغ الحنفية تعليق عقود اللتزامات والطلقات‬
‫كالكفالة والوكالة بالشرط الملئم فقط‪ ،‬مثل إذا سافر مدينك فأنا كفيله‪ ،‬إذا وصلت بضاعتي من الحديد‬
‫مثلً فقد وكلتك ببيعها‪.‬‬
‫الفرع الثالث ـ عيوب الرادة أو عيوب الرضا ‪:‬‬
‫عيوب الرادة‪ :‬هي المور التي تحدث خللً في الرادة أو تزيل الرضا الكامل في إجراء العقد‪.‬‬
‫وتسمى قانونا عيوب الرضا‪ .‬وهي أربعة أنواع‪ :‬الكراه‪ ،‬الغلط‪ ،‬التدليس (أو التغرير)‪ ،‬الغبن مع‬
‫التغرير‪ .‬ويختلف تأثيرها على العقد‪ ،‬فقد تجعل العقد باطلً‪ ،‬كالغلط في محل العقد‪ ،‬وقد تجعله فاسدا‬
‫أو موقوفا كالكراه‪ ،‬وقد تجعله غير لزم كالغلط في الوصف‪ ،‬والتدليس‪ ،‬والغبن مع التغرير‪.‬‬
‫‪ - 1‬الكراه ‪:‬‬
‫الكراه في اللغة‪ :‬هو حمل الغير على أمر ل يرضاه‪ ،‬قهرا‪ .‬وفي اصطلح الفقهاء‪ :‬حمل الغير على‬
‫أن يفعل ما ل يرضاه‪ ،‬ول يختار مباشرته‪ ،‬لو ترك ونفسه‪.‬‬
‫والمقصود بالرادة‪ :‬مجرد اعتزام الفعل والتجاه إليه‪ ،‬فهي أعم الحوال‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حديث مرسل أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن زيد بن أسلم‪ ،‬وفي إسناده إبراهيم بن يحيى‪،‬‬
‫وهو ضعيف (نيل الوطار‪ )153/5 :‬وأبطله الجمهور بما رواه أحمد والنسائي وأبو داود ومالك في‬
‫الموطأ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‪« :‬نهى النبي صلّى ال عليه وسلم عن بيع‬
‫العُرْبان» وهو حديث منقطع‪ ،‬وفيه راو ضعيف ل يحتج به وهو حبيب كاتب المام مالك (المرجع‬
‫السابق)‪.‬‬
‫(‪ )2‬أعلم الموقعين‪.401/3 :‬‬
‫(‪ )3‬أعلم الموقعين‪.399/3 :‬‬

‫( ‪)4/568‬‬

‫والمقصود بالختيار‪ :‬ترجيح فعل الشيء على تركه أو العكس وهو أخص من الرادة‪.‬‬
‫والرضا‪ :‬هو الرتياح إلى فعل الشيء والرغبة به‪ ،‬وهو أخص من الختيار‪.‬‬
‫والكراه نوعان‪ :‬ملجئ أو كامل‪ ،‬وغير ملجئ أو ناقص (‪. )1‬‬
‫والكراه الملجئ أو التام‪ :‬هو الذي ل يبقى للشخص معه قدرة ول اختيار‪ ،‬بأن يهدده بالقتل‪ ،‬أو‬
‫بإتلف بعض العضاء‪ ،‬أو بالضرب الشديد الذي يخشى منه القتل أو تلف العضو‪ ،‬أو تلف جميع‬
‫المال‪.‬‬
‫وحكمه‪ :‬أنه يعدم الرضا ويفسد الختيار‪.‬‬
‫والكراه الناقص أو غير الملجئ‪ :‬هو التهديد بما ل يضر النفس أو العضو‪ ،‬كالتهديد بالضرب اليسير‬
‫أو بالحبس‪ ،‬أو بإتلف بعض المال‪ ،‬أو بإلحاق الظلم كمنع الترقية أو إنزال درجة الوظيفة‪.‬‬
‫وحكمه‪ :‬أنه يعدم الرضا‪ ،‬ول يفسد الختيار‪.‬‬
‫وهناك نوع ثالث ‪ :‬وهو الكراه الدبي‪ :‬وهو الذي يعدم تمام الرضا‪ ،‬ول يعدم الختيار‪ ،‬كالتهديد‬
‫بحبس أحد الصول أو الفروع‪ ،‬أو الخ أو الخت ونحوهم‪ ،‬وحكمه‪ :‬أنه إكراه شرعي استحسانا ل‬
‫قياسا‪ ،‬كما قرر الكمال بن الهمام من الحنفية‪ ،‬وهو رأي المالكية‪ ،‬ويترتب عليه عدم نفاذ التصرفات‬
‫المكره عليها‪.‬‬
‫ويرى الشافعي أن الكراه نوع واحد‪ ،‬وهو الكراه الملجىء‪ ،‬وأما غير الملجئ فل يسمى إكراها (‪)2‬‬
‫‪.‬‬
‫والكراه بأنواعه ل يزيل الهلية‪ ،‬وإنما يزيل الرضا‪ ،‬وقد يزيل الختيار وهو الملجئ عند الحنفية‪،‬‬
‫ويزيل الرضا والختيار معا عند غير الحنفية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،175/7 :‬تكملة فتح القدير‪ 292/7 :‬ومابعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ ،181/5 :‬درر الحكام‪:‬‬
‫‪ 269/2‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار‪ 88/5 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬تحفة الطلب للنصاري‪ :‬ص ‪1 .272‬‬

‫( ‪)4/569‬‬

‫شروط الكراه ‪:‬‬


‫يشترط لتحقق الكراه شروط وهي مايأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون المكره قادرا على تنفيذ ما هدد به‪ ،‬سواء أكان من الحكام أم من غيرهم‪ ،‬فإن لم يكن‬
‫قادرا على تنفيذ ما هدد به لعجزه أو لتمكن المستكره من الهرب‪ ،‬فل يتحقق الكراه‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يغلب على ظن المستكره إيقاع المكره ما هدد به في الحال إذا لم يمتثل‪ ،‬فإن لم يغلب على‬
‫ظنه وقوع ما هدد به ل يتحقق الكراه‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون الشيء المهدد به مما يشق على النفس تحمله‪ .‬وهذا يختلف باختلف الشخاص‪ ،‬فيجب‬
‫أن يبحث تأثيره في كل شخص على حدة‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يكون المهدد به عاجلً‪ :‬فلو كان آجلً في المستقبل لم يتحقق الكراه؛ لن بالتأجيل يتمكن‬
‫المستكره من الحتماء بالسلطات العامة‪.‬‬
‫وهذا شرط عند الحنفية والشافعية وبعض الحنابلة‪ .‬وقال المالكية‪ :‬ل يشترط أن يكون المهدد عاجلً‪،‬‬
‫وإنما الشرط أن يكون الخوف حالً‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن يكون الكراه بغير حق‪ ،‬أي ل يكون مشروعا‪ :‬وهو ما يقصد منه الوصول إلى غرض غير‬
‫مشروع‪ .‬فإن كان الكراه بحق‪ :‬وهو الذي يقصد منه تحقيق غرض مشروع‪ ،‬فل تأثير له على‬
‫التصرفات أصلً‪ ،‬كبيع مال المدين جبرا عنه لوفاء ديونه‪ ،‬واستملك الراضي جبرا عن أصحابها‬
‫للصالح العام كتوسيع مسجد أو طريق ونحوه‪.‬‬
‫أثر الكراه على التصرفات ‪:‬‬
‫إذا وقع الكراه على القيام بتصرف من التصرفات كالبيع واليجار والزواج فما أثر الكراه عليه؟‬
‫للفقهاء رأيان‪ :‬قال جمهور الفقهاء غير الحنفية (‪ : )1‬إن الكراه يؤثر في التصرفات فيجعلها باطلة‪،‬‬
‫سواء أكانت قابلة للفسخ كالبيع والجارة والهبة ونحوها‪ ،‬أم غير قابلة للفسخ كالزواج والطلق‬
‫واليمين والرجعة‪ ،‬فل يصح البيع أو اليجار الصادر من المستكره‪ ،‬ول يقع طلق المكره‪ ،‬ول يثبت‬
‫عقد الزواج بالكراه؛ لن الكراه يزيل الرضا‪ ،‬والرضا أساس التصرفات‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير للدردير‪ ،367/2 :‬مغني المحتاج‪ ،289/3 :‬المغني‪ ،118/7 :‬غاية المنتهى‪،5/2 :‬‬
‫القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،246‬المحلى‪ 383 ،380/8 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/570‬‬

‫وقال الحنفية (‪ : )1‬يميز بين التصرفات المحتملة للفسخ‪ ،‬والتصرفات غير المحتملة للفسخ‪ .‬فإن كان‬
‫التصرف ل يقبل الفسخ كالزواج والطلق‪ ،‬فيصح مع الكراه ويلزم‪ ،‬لنه تصرف يستوي فيه الجد‬
‫والهزل‪ ،‬والكراه في معنى الهزل لعدم القصد الصحيح للتصرف فيهما‪ .‬بدليل الحديث النبوي‪« :‬كل‬
‫طلق جائز إل طلق الصبي والمجنون» (‪ )2‬وروي عن ابن عمر أنه أجاز طلق المكره‪.‬‬
‫وإن كان التصرف قابلً للفسخ كالبيع والجارة والهبة فل يصح مع الكراه‪ .‬ويكون العقد فاسدا عند‬
‫جمهور الحنفية (أبي حنيفة وصاحبيه) أي أنه إذا زال الكراه وأصر المستكره على العقد مع الطرف‬
‫الخر ورضي به صار صحيحا‪ ،‬فيكون للمستكره بعد زوال الكراه الخيار بين إمضاء التصرف‬
‫وفسخه‪.‬‬
‫وقال زفر من الحنفية والمالكية‪ :‬يعتبر تصرف المستكره موقوفا على إجازته عند زوال الكراه عنه‪،‬‬
‫كتصرف الفضولي‪ .‬وبما أن هذا التصرف ينفذ ويلزم بالجازة‪ ،‬فهذا دليل على كون التصرف موقوفا‬
‫ل فاسدا‪ ،‬لن التصرف الفاسد يفسخ فسخا ول يجاز إجازة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 182/7 :‬ومابعدها‪ ،186 ،‬تكملة فتح القدير‪ ،303 ،293/7 :‬تبيين الحقائق‪،182/5 :‬‬
‫‪ ،188‬الدر المختار‪ 89/5 :‬ومابعدها‪ ،96 ،‬الكتاب مع اللباب‪ ،108/4 :‬مجمع الضمانات‪ :‬ص ‪.206‬‬
‫(‪ )2‬ذكر البخاري من قول علي‪« :‬كل الطلق جائز إل طلق المعتوه» وأما الحديث المذكور فهو‬
‫غريب كما قال الزيلعي (نيل الوطار‪ ،235/6 :‬نصب الراية‪.)221/3 :‬‬

‫( ‪)4/571‬‬

‫وهذا ينبئ أن رأي زفر أوجه وأقوى وأصح؛ لن جمهور الحنفية‪ :‬قالوا‪ :‬إن تصرف المستكره يقبل‬
‫الجازة بعد زوال الكراه‪ ،‬فلو كان فاسدا لماصحت إجازته‪ ،‬لن الفاسد ل يجوز بالجازة بل يجب‬
‫فسخه شرعا‪ ،‬ويملك الشيء المعقود عليه بالقبض‪ ،‬وهذا لينطبق على عقد المستكره‪ .‬هذا‪ ..‬وقد نص‬
‫القانون المدني السوري في المادتين (‪ )129 ،128‬على أن الكراه يجعل العقد قابلً للبطال أي كما‬
‫قال زفر من الحنفية‪.‬‬
‫‪ - 2‬الغلط ‪:‬‬
‫المراد به هنا هو الغلط الواقع في المعقود عليه‪ ،‬في جنسه أو في وصفه‪ .‬والغلط في ذات أو جنس‬
‫المعقود عليه‪ :‬هو أن يظن العاقد أن المعقود عليه من جنس معين‪ ،‬فإذا به من جنس آخر‪ ،‬كأن يشتري‬
‫شخص حليا على أنها ذهب أو ماس‪ ،‬ثم يتبين أنها من النحاس‪ ،‬أو الزجاج‪ .‬أو يشتري حنطة فإذا هو‬
‫شعير‪ ،‬أو صوفا فإذا هو قطن‪ ،‬أو يشتري دارا على أنها مبنية بالسمنت المسلح‪ ،‬فإذا هي مبنية‬
‫باللبن‪.‬‬
‫وحكم هذا العقد المشتمل على غلط في جنس المعقود عليه‪ :‬أنه باطل من أساسه‪ ،‬لفوات محل العقد‬
‫الذي يريده المشتري‪ ،‬فيكون عقدا على معدوم‪ ،‬والعقد على المعدوم باطل (‪. )1‬‬
‫ويلحق به حالة اتحاد الجنس مع الختلف الكبير أو الفاحش في القيمة كشراء سيارة من جنس معين‬
‫ومصنوع في عام معين‪ ،‬فإذا هي صنع أعوام غابرة‪.‬‬
‫وأما الغلط في وصف مرغوب فيه‪ :‬فهو أن يظهر المعقود عليه كالوصف الذي أراده العاقد‪ ،‬ثم يتبين‬
‫أنه مخالف للوصف المشروط صراحة أو دللة‪ .‬كأن يشتري شيئا بلون أسود‪ ،‬فإذا هو كحلي أو‬
‫رمادي‪ ،‬أو شاة على أنها حلوب‪ ،‬فإذا هي غير حلوب‪ ،‬أو كتابا لمؤلف معين فإذا هو لمؤلف آخر‪ ،‬أو‬
‫حقيبة على أنها من جلد فإذا هي من الكرتون المضغوط أو غيره‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبيين الحقائق‪ 52/4 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/572‬‬
‫وحكم العقد المشتمل على غلط في الوصف‪ :‬هو أنه غير لزم بالنسبة لمن وقع الغلط في جانبه‪ ،‬أي‬
‫أن له الخيار بين إمضاء العقد وبين فسخه‪ ،‬لفوات الوصف المرغوب فيه المؤدي إلى اختلل الرضا‪.‬‬
‫وهذا إذا كان العقد قابلً للفسخ كعقود المعاوضات المالية ونحوها‪.‬‬
‫ويلحق به الغلط في شخص العاقد‪ ،‬كالتعاقد مع طبيب مشهور فإذا هو غيره‪ ،‬يجعل العقد غير لزم‪.‬‬
‫أما العقود التي ل تقبل الفسخ كالزواج‪ ،‬فإنه يقع العقد منها عند الحنفية لزما‪ ،‬أي ل يجوز نقضه‬
‫بسبب فوات الوصف المرغوب‪.‬‬
‫وقال المام أحمد (‪ : )1‬يثبت خيار الفسخ بفوات الوصف المرغوب في عقد الزواج أيضا‪ ،‬كمن‬
‫يتزوج امرأة جميلة فيظهر أنها دميمة‪ ،‬أو على أنها متعلمة فإذا هي جاهلة‪ ،‬أو على أنها بكر فإذا هي‬
‫ثيب فيثبت للزوج حق الفسخ‪ ،‬ول مهر للمرأة إن حدث الفسخ قبل الدخول‪ ،‬أو بعد الدخول وكان‬
‫التغرير من المرأة نفسها‪ .‬فإن كان التغرير من غيرها رجع الزوج على ذلك الغير بما دفعه للمرأة‪.‬‬
‫أما القانون المدني السوري‪ :‬فقد نص على حالة الغلط في المواد (‪ )125-121‬وجعل العقد قابلً‬
‫للبطال‪،‬سواء أكان الغلط في جنس المعقود عليه أم في الوصف المرغوب فيه‪ ،‬فالجزاء واحد في‬
‫الحالتين‪ ،‬خلفا لما قرره الفقهاء‪.‬‬
‫هذا‪ ...‬ول عبرة في الفقه للغلط الباطني‪ ،‬كأن يشتري سوارا على ظن أنه ذهب‪ ،‬فإن هو نحاس؛ لن‬
‫العبرة في العقود للرادة الظاهرة‪ ،‬كما ل عبرة للغلط في الحكم الشرعي كأن يبيع حصته من الميراث‬
‫على أنها الربع فإذا هي النصف‪ ،‬إذ لعذر بالجهل بأحكام الشريعة‪.‬‬
‫‪ - 3‬التدليس أو التغرير ‪:‬‬
‫التدليس أو التغرير‪ :‬هو إغراء العاقد وخديعته ليقدم على العقد ظانا أنه في مصلحته‪ ،‬والواقع خلف‬
‫ذلك‪ .‬وهو أنواع كثيرة منها‪ :‬التدليس الفعلي‪ ،‬والتدليس القولي‪ ،‬والتدليس بكتمان الحقيقة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ 526/6 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/573‬‬

‫أما التدليس الفعلي‪ :‬فهو إحداث فعل في المعقود عليه ليظهر بصورة‪ ،‬غير ما هو عليه في الواقع‪ ،‬أي‬
‫أنه تزوير الوصف في المعقود عليه أو تغييره بقصد اليهام‪ ،‬كتوجيه البضاعة المعروضة للبيع‪،‬‬
‫بوضع الجيد في العلى‪ ،‬وطلء الثاث والمفروشات القديمة‪ ،‬والسيارات‪ ،‬لتظهر أنها حديثة‪،‬‬
‫والتلعب بعداد السيارة‪ ،‬لتظهر بأنها قليلة الستعمال‪.‬‬
‫ومن أشهر أمثلته الشاة المصراة‪ :‬وهي التي يحبس اللبن في ضرعها بربط الثدي‪ ،‬مدة يومين أو ثلثة‬
‫ليجتمع لبنها ويمتلئ‪ ،‬إيهاما للمشتري بكبر ضرعها وغزارة لبنها‪ .‬وحكم التصرية عند جمهور غير‬
‫الحنفية (‪ : )1‬ثبوت الخيار للمدلس عليه بين أمرين‪ :‬إمساك المبيع دون طلب تعويض عن النقص أو‬
‫الغبن‪ ،‬أو رده لصاحبه‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل تصروا (‪ )2‬البل والغنم‪ ،‬فمن ابتاعها فهو‬
‫بخير النظرين بعد أن يحلبها‪ ،‬إن شاء أمسكها‪ ،‬وإن شاء ردها‪ ،‬ورد معها صاعا من تمر» (‪. )3‬‬
‫وهذا هو الرأي الراجح‪.‬‬
‫وقال الحنفية (‪ : )4‬ليس للمشتري الحق في فسخ عقد البيع‪ ،‬بل له فقط أن يرجع بالنقصان الذي‬
‫أصاب ما اشترى‪ .‬ولم يأخذوا بالحديث السابق لمخالفته القياس‪ :‬وهو أن ضمان العدوان يكون إما‬
‫بالمثل أو القيمة‪ ،‬والتمر ليس منهما‪.‬‬
‫وأما التدليس القولي‪ :‬فهو الكذب الصادر من أحد العاقدين أو ممن يعمل لحسابه حتى يحمل العاقد‬
‫الخر على التعاقد ولو بغبن‪ ،‬كأن يقول البائع أو المؤجر للمشتري أو للمستأجر‪ :‬هذا الشيء يساوي‬
‫أكثر‪ ،‬ول مثيل له في السوق‪ ،‬أو دفع لي فيه سعر كذا فلم أقبل‪ .‬ونحو ذلك من المغريات الكاذبة‪.‬‬
‫وحكم هذا النوع‪ :‬أنه منهي عنه شرعا؛ لنه غش وخداع‪ ،‬ولكن ل يؤثر في العقد إل إذا صحبه غبن‬
‫فاحش لحد المتعاقدين‪ ،‬فيجوز حينئذ للمغبون إبطال‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،264‬بداية المجتهد‪ ،174/2 :‬نهاية المحتاج‪ 136/3 :‬وما بعدها‪ ،‬مغني‬
‫المحتاج‪ 63/2 :‬ومابعدها‪ ،‬غاية المنتهى‪.34/2 :‬‬
‫(‪ )2‬التصرية‪ :‬حبس اللبن في الثدي مدة معينة ليهام المشتري بأن الشاة ونحوها غزيرة اللبن‪.‬‬
‫(‪ )3‬نيل الوطار‪ ،214/5 :‬ط العثمانية‪ .‬والصاع‪2751 :‬غم‪ .‬والحكمة من رد الصاع من التمر‪ :‬هو‬
‫التعويض عن اللبن الذي أخذه المشتري لنهاء النزاع بين العاقدين‪ ،‬وقدر بالصاع لعدم معرفة مقدار‬
‫اللبن الذي يجب ضمانه للبائع بسبب اختلط الموجود قبل القبض بالطارئ بعد القبض‪ ،‬وقدر بالتمر‬
‫لنه غالب قوت البلد في الماضي‪ ،‬فإن لم يكن هو الغالب كان الواجب صاعا من غالب قوت البلد‪.‬‬
‫والحديث متفق عليه عن أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ )4‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،101/4 :‬ط البابي الحلبي‪.‬‬

‫( ‪)4/574‬‬
‫العقد‪ ،‬دفعا للضرر عنه‪ ،‬أي أنه يثبت له خيار الفسخ بسبب الغبن مع التغرير‪ ،‬كما سأبين في عيب‬
‫الغبن‪.‬‬
‫وأما التدليس بكتمان الحقيقة‪ ،‬وهو الصورة المشهورة في الفقه باسم (التدليس)‪ :‬فهو إخفاء عيب في‬
‫أحد العوضين‪ ،‬كأن يكتم البائع عيبا في المبيع‪ ،‬كتصدع في جدران الدار وطلئها بالدهان أو الجص‪،‬‬
‫وكسر في محرك السيارة‪ ،‬ومرض في الدابة المبيعة‪ ،‬أو يكتم المشتري عيبا في النقود ككون الورقة‬
‫النقدية باطلة التعامل‪ ،‬أو زائلة الرقم النقدي المسجل عليها‪ ،‬أو ذهب أكثر من خمسها‪.‬‬
‫وحكم هذا النوع‪ :‬أنه حرام شرعا باتفاق الفقهاء (‪ ، )1‬لقول النبي ‪« :‬المسلم أخو المسلم‪ ،‬ل يحل‬
‫لمسلم باع من أخيه بيعا‪ ،‬وفيه عيب‪ ،‬إل بينه له» وقوله عليه السلم‪« :‬من غشنا فليس منا» (‪. )2‬‬
‫ويثبت فيه للمدلس عليه ما يعرف بخيار العيب‪ :‬وهو إعطاؤه حق الخيار‪ :‬إن شاء فسخ العقد‪ ،‬وإن‬
‫شاء أمضاه‪ .‬كما سيتضح في بحث الخيارات‪.‬‬
‫ول فرق في التدليس الموجب للخيار بين أن يصدر من أحد العاقدين‪ ،‬أو من شخص آخر أجنبي‬
‫عنهما كالدلل ونحوه إذا كان بتواطؤ مع أحد العاقدين (‪. )3‬‬
‫ونص القانون المدني السوري في المادتين (‪ )127 ، 126‬على التدليس من أحد المتعاقدين أو من‬
‫غير المتعاقدين‪ ،‬وجعل التدليس موجبا لخيار المدلس عليه وإعطائه الحق في إبطال العقد إذا كانت‬
‫الحيل المستخدمة من الجسامة بحيث لولها‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬قال في الدر المختار‪« :103/4 :‬ل يحل كتمان العيب في مبيع أو ثمن لن الغش حرام» ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الحديث الول رواه ابن ماجه عن عتبة بن عامر‪ ،‬والحديث الثاني رواه الجماعة إل البخاري‬
‫والنسائي عن أبي هريرة (نيل الوطار‪.)212/5 :‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،167/4 :‬ط البابي الحلبي‪.‬‬

‫( ‪)4/575‬‬

‫لما أبرم الطرف الثاني العقد‪ .‬وكان العاقد صاحب المصلحة في حالة التدليس من غير العاقدين يعلم‬
‫بالتدليس أو من المفروض أن يعلم‪ .‬وهذا إجمالً يتفق مع الفقه السلمي كما تقدم‪.‬‬
‫‪ - 4‬الغبن مع التغرير ‪:‬‬
‫الغبن لغة‪ :‬النقص‪ .‬والتغرير‪ :‬الخداع‪ .‬وعند الفقهاء‪ :‬الغبن‪ :‬أن يكون أحد العوضين غير متعادل مع‬
‫الخر‪ ،‬بأن يكون أقل من قيمته أو أكثر منها‪ .‬والتغرير‪ :‬إيهام خلف الواقع بوسائل مغرية‪ ،‬وعرفته‬
‫المجلة (م ‪ )164‬بأنه وصف المبيع للمشتري بغير صفته الحقيقية‪.‬‬
‫والغبن نوعان‪ :‬يسير وفاحش (‪. )1‬‬
‫أما الغبن اليسير‪ :‬فهو ما يدخل تحت تقويم المقومين أي ما يتناوله تقدير الخبراء كشراء شيء‬
‫بعشرة‪،‬ثم يقدره خبير بثمانية أو تسعة أو عشرة مثلً‪ ،‬فهذا غبن يسير‪.‬‬
‫وأما الغبن الفاحش‪ :‬فهو مال يدخل تحت تقويم المقومين أو تقدير الخبراء العارفين بأسعار الشياء‪،‬‬
‫كما لو وقع البيع بعشرة مثلً‪ ،‬ثم إن بعض المقومين يقول‪ :‬إنه يساوي خمسة‪ ،‬وبعضهم ستة وبعضهم‬
‫سبعة‪ ،‬فهذا غبن فاحش‪ ،‬لنه لم يدخل تحت تقويم أحد‪ .‬وقدرته المجلة ( م ‪ ) 165‬عملً برأي نصر‬
‫بن يحيى بأنه نصف العشر أي ( ‪ ) %5‬في العروض التجارية‪ ،‬والعشر أي (‪ )%10‬في الحيوانات‪،‬‬
‫والخمس أي (‪ ) %20‬في العقار‪ ،‬أو زيادة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،30/6 :‬الدر المختار ورد المحتار‪.166/4 :‬‬

‫( ‪)4/576‬‬

‫أثر الغبن في العقد ‪:‬‬


‫الغبن اليسير‪ :‬ل أثر له على العقد فل يجيز الفسخ؛ لنه يصعب الحتراز عنه‪ ،‬ويكثر وقوعه في‬
‫الحياة العملية‪ ،‬ويتسامح الناس فيه عادة‪ .‬واستثنى الحنفية حالت ثلثا يجوز فيها فسخ العقد بسبب‬
‫الغبن اليسير للتهمة وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬تصرف المدين المحجور عليه بسبب دين مستغرق‪ :‬فإذا باع شيئا من ماله‪ ،‬أو اشترى ولو بغبن‬
‫يسير‪ ،‬كان للدائنين حق فسخ العقد إل إذا رضي العاقد الخر برفع الغبن؛ لن تصرف المدين موقوف‬
‫على إجازة الدائنين‪ ،‬فإن أجازوه نفذ‪ ،‬وإن لم يجيزوه بطل‪.‬‬
‫‪ - 2‬تصرف المريض مرض الموت‪ :‬إذا باع أو اشترى بغبن يسير جاز للدائنين أو للورثة بعد‬
‫الموت طلب فسخ التصرف‪ ،‬إل إذا رضي المتعاقد الخر برفع الغبن‪.‬‬
‫‪ - 3‬بيع الوصي شيئا من أموال اليتيم بغبن يسير لمن ل تجوز شهادته له كابنه وزوجته‪ ،‬فينقض‬
‫العقد‪.‬‬
‫وأما الغبن الفاحش‪ :‬فيؤثر في رضا العاقد فيزيله‪ ،‬ولكن هل له الحق في فسخ العقد؟ للفقهاء في ذلك‬
‫آراء ثلثة‪:‬‬
‫الرأي الول للحنفية (‪ : )1‬ليس للغبن الفاحش وحده في ظاهر الرواية أثر على العقد‪ ،‬فل يجيز رد‬
‫المعقود عليه أو فسخ العقد إل إذا انضم إليه تغرير (أي وصف المبيع بغير حقيقته) من أحد العاقدين‬
‫أو من شخص آخر كالدلل ونحوه وهذا ما أخذت به المجلة (م ‪ )357‬؛ لن الغبن المجرد عن كل‬
‫خديعة يدل على تقصير المغبون وعدم ترويه وسؤاله أهل الخبرة ول يدل على مكر العاقد الخر‪،‬‬
‫ولكل إنسان طلب المنفعة ما لم يضر الجماعة‪ ،‬كما في حالة الحتكار‪ .‬فإذا انضم إليه تغرير كان‬
‫المغبون معذورا؛ لن الرضا بالعقد كان على أساس عدم الغبن‪ ،‬فإذا ظهر الغبن لم يتوافر الرضا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ 166/4 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/577‬‬

‫واستثنى الحنفية ثلث حالت يجوز فيها الفسخ بالغبن الفاحش المجرد عن التغرير‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أموال بيت المال‪ ،‬وأموال الوقف‪ ،‬وأموال المحجور عليهم بسبب الصغر أو الجنون أو السفه‪ ،‬فإذا بيع‬
‫شيء من ذلك بغبن فاحش ولو من غير تغرير‪ ،‬نقض البيع (م‪ 356/‬مجلة)‪.‬‬
‫الرأي الثاني ـ للحنابلة (‪ : )1‬يؤثر الغبن الفاحش في العقد فيجعله غير لزم‪ ،‬سواء أكان بتغرير أم‬
‫بغير تغرير‪ ،‬ويعطى للمغبون حق فسخ العقد في حالت ثلث هي‪:‬‬
‫أ ـ تلقي الركبان‪ :‬وهو أن يتلقى شخص طائفة من الناس يحملون متاعا إلى بلد‪ ،‬فيشتريه منهم‪ ،‬قبل‬
‫قدومهم البلد ومعرفتهم بالسعر‪ .‬وهو حرام ومعصية‪ ،‬ويثبت لهم حق الفسخ إذا غبنوا غبنا فاحشا‪،‬‬
‫لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل تلقوا الركبان» (‪ . )2‬وهذا رأي الشافعية أيضا (‪ ، )3‬لثبوت الخيار‬
‫فيه بنص الحديث‪.‬‬
‫ب ـ النّجْش‪ :‬وهو زيادة ثمن السلعة المعروضة للبيع‪ ،‬ل لرغبة في شرائها‪ ،‬بل ليخدع غيره‪ .‬فيثبت‬
‫الخيار للمشتري إذا لم يعلم بأن الذي يزيد ل يريد الشراء‪ .‬وليس له الخيار في الصح عند الشافعية (‬
‫‪. )4‬‬
‫ج ـ المسترسل‪ :‬وهو الشخص الجاهل بقيمة الشياء‪ ،‬ول يحسن المساومة والفصال ويشتري مطمئنا‬
‫إلى أمانة البائع‪ ،‬ثم يتبين أنه غبن غبنا فاحشا‪ ،‬فيثبت له الخيار بفسخ البيع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬غاية المنتهى‪ ،33/2 :‬المغني‪ 218 ،212/4 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬عن طاوس عن ابن عباس رضي ال عنهما‪ ،‬قال‪ ،‬قال رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل‬
‫تلَقوا الركبان‪ ،‬ول يبع حاضر لِباد» ‪ ،‬قلت لبن عباس‪ :‬ما قوله‪ ،‬ول يبع حاضر لباد؟ قال‪« :‬ل يكون‬
‫له سمسارا» ‪ .‬متفق عليه واللفظ للبخاري (سبل السلم‪ 20/3 :‬ومابعدها)‪.‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،36/2 :‬المهذب‪.292/1 :‬‬
‫(‪ )4‬مغني المحتاج‪ ،37/2 :‬المهذب‪.291/1 :‬‬

‫( ‪)4/578‬‬

‫وقال المالكية‪ :‬هذه البيوع الثلثة صحيحة ولكنها حرام للنهي الثابت في السنة عنها شرعا‪ ،‬ويعطى‬
‫الخيار بالفسخ للمشتري في حالة بيع النجش دون غيره (‪. )1‬‬
‫الرأي الثالث ـ للشافعية (‪ : )2‬ل أثر للغبن الفاحش في التصرفات سواء رافقه تغرير أم ل؛ لن‬
‫الغبن ل يقع إل بتقصير من المغبون غالبا‪ ،‬فلو سأل أهل الخبرة‪ ،‬لما وقع في الغبن‪.‬‬
‫والقانون المدني السوري نص في المادة (‪ )130‬على حالة خاصة من حالت الغبن وهي الغبن‬
‫الستغللي‪ :‬وهي حالة انعدام تعادل الداءات المتقابلة الذي دفع إلى وجوده وجود طيش بيّن (خفة‬
‫ظاهرة) أو هوى جامح (الولع الشديد بشيء ل قبل له بدفعه) عند أحد المتعاقدين واستغلل المتعاقد‬
‫لتلك الحالة النفسية‪ .‬وقدر الغبن في بيع العقار في المادة (‪ )1/393‬بما زاد على الخمس‪ .‬وجعل‬
‫جزاءه قابلية العقد للبطال لطلب المغبون برفع الدعوى خلل سنة من تاريخ العقد‪ .‬وكل قابل‬
‫للبطال (البطلن النسبي) يقبل الجازة ممن تقرر البطال لمصلحته‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،264‬الشرح الكبير للدردير‪ ،70-67/3 :‬الشرح الصغير‪ .87/3:‬أما النهي‬
‫عن تلقي الركبان فهو عند البخاري ومسلم كما تقدم‪ ،‬وأما النهي عن النجش فهو عند أحمد والشيخين‬
‫عن ابن عمر‪« :‬نهى النبي صلّى ال عليه وسلم عن النّجْش» ‪.‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪.36/2 :‬‬

‫( ‪)4/579‬‬

‫المبحث الثالث ـ شروط العقد ‪:‬‬


‫عرفنا فيما مضى عناصر العقد الساسية الربعة‪ :‬وهي صيغة التعاقد‪ ،‬والعاقدان‪ ،‬والمحل المعقود‬
‫عليه‪ ،‬وموضوع العقد أو المقصد الصلي للعقد‪.‬‬
‫ويتطلب العقد بالضافة لعناصره توافر أربعة أنواع من الشروط‪:‬وهي شروط النعقاد‪ ،‬وشروط‬
‫الصحة‪ ،‬وشروط النفاذ‪ ،‬وشروط اللزوم‪.‬‬
‫والقصد من هذه الشروط في الجملةمنع وقوع المنازعات بين الناس‪ ،‬وحماية مصالح العاقدين‪ ،‬ونفي‬
‫الغرر (أي الحتمال) والبعد عن المخاطر بسبب الجهالة‪.‬‬
‫والمراد بالشرط‪ :‬هو ما يتوقف عليه وجود الشيء وكان خارجا عن حقيقته (‪ ، )1‬كالطهارة للصلة‬
‫شرط فيها وهي أمر خارج عن الحقيقة‪ ،‬وحضور الشاهدين في الزواج شرط فيه‪ ،‬وتعيين العوضين‬
‫في البيع أو قابلية المبيع للتمليك شرط فيه‪ ،‬والقدرة على تسليم المبيع أو أهلية العاقد شرط في البيع؛‬
‫لن كلً منها ليس من أجزاء العقد (‪. )2‬‬
‫ويقسم الفقهاء الشروط بحسب مصدرها إلى شرط شرعي وشرط جعلي‪.‬‬
‫الشرط الشرعي‪ :‬هو الذي يفرضه الشرع‪ ،‬فيصبح ل بد منه لتحقق العقد‪ ،‬ول يوجد إل به‪ .‬وهذا محل‬
‫البحث هنا‪ ،‬كاشتراط أهلية العاقد لنعقاد العقد‪.‬‬
‫والشرط الجعلي (‪ : )3‬هو الذي يشترطه العاقد بإرادته ليحقق له مقصدا خاصا في العقد‪ ،‬فيجعل‬
‫مقترنا بالعقد‪ ،‬أو معلقا عليه كتعليق الكفالة والطلق‪ ،‬مثل إن سافر مدينك اليوم فأنا كفيل بدينك‪ ،‬وإن‬
‫فعلتِ (مخاطبا زوجته) كذا فأنت طالق‪ ،‬وكسائر القيود واللتزامات التي يشترطها المتعاقدان على‬
‫أنفسهما‪.‬‬
‫وقد بحثت ذلك في بحث حرية العاقد في الشروط‪.‬‬
‫أولً ـ شرائط النعقاد‪ :‬هي ما يشترط تحققه لجعل العقد في ذاته منعقدا شرعا وإل كان باطلً‪ .‬وهي‬
‫نوعان‪ :‬عامة وخاصة‪.‬‬
‫فالشرائط العامة‪ :‬هي التي يجب توافرها في كل عقد‪.‬‬
‫والشرائط الخاصة‪ :‬هي التي يطلب وجودها في بعض العقود دون سواها‪ .‬كاشتراط الشهود في عقد‬
‫الزواج‪ ،‬فل ينعقد الزواج إل بحضور الشاهدين‪ ،‬وإل كان باطلً‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أما الركن كما عرفنا‪ :‬فهو عند الحنفية ما يتوقف عليه وجود الشيء وكان جزءا من حقيقته أو‬
‫ماهيته‪ .‬كالركوع ركن في الصلة لنه جزء منها‪ ،‬والقراءة في الصلة ركن؛ لنه جزء من حقيقة‬
‫الصلة‪ .‬واليجاب والقبول في العقد ركنان لنهما جزآن من حقيقة العقد‪.‬‬
‫(‪ )2‬مرآة الصول لمنل خسرو‪.339/2 :‬‬
‫(‪ )3‬سمي جعليا‪ :‬لن الشخص العاقد ل الشرع هو الذي جعله شرطا قيد به العقد أو علقت عليه في‬
‫أمر كان له الخيار في تنجيزه وتعليقه‪.‬‬

‫( ‪)4/580‬‬
‫وكاشتراط التسليم في العقود العينية (وهي الهبة والعارة واليداع والقرض والرهن) فل يتم انعقاده‬
‫إل بتسليم محل العقد وإل كان باطلً‪.‬‬
‫وكعدم تعليق العقد على شرط في المعاوضات والتمليكات كالبيع والهبة والبراء‪ ،‬فإن التعليق يبطلها‪.‬‬
‫والشرائط العامة للنعقاد‪ :‬هي الشروط المطلوبة في صيغة التعاقد وفي العاقد‪ ،‬وفي المحل المعقود‬
‫عليه‪ ،‬وأل يكون العقد ممنوعا شرعا‪ ،‬وأن يكون العقد مفيدا‪.‬‬
‫أما شروط الصيغة والعاقد ومحل العقد فقد ذكرت سابقا فل داعي لتكرارها هنا‪.‬‬
‫وأما كون العقد غير ممنوع شرعا‪ :‬فهو أل يوجد نص شرعي يقتضي بطلنه‪ ،‬مثل التبرع من مال‬
‫الصغير القاصر أو بيع شيء من ماله بغبن فاحش‪ ،‬فل تنعقد الهبة من مال القاصر من أي واحد‪،‬‬
‫سواء الولي أومن نفس الصغير‪ ،‬ويكون العقد باطلً‪ ،‬حتى ولو أجازه الصغير بعد بلوغه؛ لن الباطل‬
‫ل يقبل الجازة‪ .‬ومثل الستئجار على فعل المعاصي أو ارتكاب الجرائم أو بيع المخدرات‬
‫والمسكرات‪ .‬ومثل بيع الغرر (أي غرر الوجود) وهو بيع الشيء المحتمل للوجود والعدم‪ ،‬أي أن‬
‫المعقود عليه هو المحتمل للوجود والعدم كبيع اللبن في الضرع والصوف على الظهر‪ ،‬واللؤلؤ في‬
‫الصدف‪ ،‬والحمل في البطن‪ ،‬والسمك في الماء‪ ،‬والطير في الهواء قبل صيدهما‪ .‬ومنه بيع ضربة‬
‫القانص (وهو أن يقول البائع‪ :‬بعتك ما يخرج من إلقاء هذه الشبكة مرة بكذا)‪ ،‬وضربة الغائص (وهو‬
‫أن يقول البائع‪ :‬أغوص غوصة‪ ،‬فما أخرجته من الللئ فهو لك بكذا)‪.‬‬
‫ومنه بيع المضامين (ما في أصلب الذكور) والملقيح (ما في بطون الناث) وبيع الملمسة والمنابذة‬
‫وإلقاء الحصاة أو الحجر‪ :‬وهي أن المشتري أو البائع إذا لمس المبيع أو نبذه البائع للمشتري‪ ،‬أو ألقى‬
‫المشتري عليه حصاة أو حجرا‪ ،‬فقد لزم العقد‪ ،‬فالمبيع في هذه الحوال مجهول الذات أو المقدار‪ ،‬وقد‬
‫ثبت النهي عنها كما تقدم‪ ،‬وكانت بيوعا متعارفة في الجاهلية‪ ،‬فهي باطلة أي أن غرر الوجود مبطل‬
‫للبيع‪.‬‬

‫( ‪)4/581‬‬

‫والخلصة‪ :‬أن المنع الشرعي (‪ )1‬قد يكون بسبب طريقة العقد كبيع الغرر‪ ،‬أو بسبب محل العقد كبيع‬
‫المخدرات والستئجار على فعل المعاصي‪ ،‬أو بسبب موضوع العقد كهبة مال القاصر‪ ،‬والتعامل‬
‫بالذهب في سوريا ومصر (‪. )2‬‬
‫ل في مقابل المانة‬
‫وأما كون العقد مفيدا (‪ : )3‬فهو أن يحقق مصلحة معقولة‪ .‬فل ينعقد الرهن مث ً‬
‫كالوديعة؛ لن المرهون به يجب أن يكون مضمونا (‪ )4‬؛ لن قبض الرهن مضمون‪ ،‬فل بد أن يقابله‬
‫مضمون‪ ،‬والوديعة ونحوها أمانة غير مضمونة‪ .‬ول يصح التعاقد بين اثنين على عدم الشتغال في‬
‫التجارة مثلً؛ لن ذلك مصادم لمبدأ حرية النسان القتصادية‪ ،‬وحماية هذه الحرية من النظام العام‬
‫في السلم‪.‬‬
‫كما ل يصح التعاقد أيضا على أمر واجب على النسان شرعا‪ ،‬كالتفاق على المتناع من فعل‬
‫جريمة‪ ،‬والستئجار على فعل الواجبات الدينية كالصلة ومجرد قراءة القرآن (‪ ، )5‬واستئجار الزوجة‬
‫على القيام بأعمال المنزل أو على إرضاع طفلها؛ لن ذلك واجب عليها ديانة‪.‬‬
‫ثانيا ـ شرائط الصحة ‪:‬‬
‫وهي ما يشترط شرعا لترتيب آثار العقد‪ ،‬فإن فقدت كان العقد فاسدا‪ ،‬أي مختلً اختللً في ناحية‬
‫فرعية متممة غير أساسية‪ ،‬مع كونه منعقدا موجودا في حد ذاته‪.‬‬
‫وأغلب شرائط الصحة خاص بكل عقد على حدة‪ .‬ففي البيع مثلً يشترط‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬يلحظ أن النهي أو المنع الشرعي عند الحنفية قد يكون أثره البطلن أو عدم النعقاد وقد يكون‬
‫أثره الفساد أي النعقاد مع الخلل الفرعي‪.‬‬
‫(‪ )2‬المدخل الفقهي للستاذ الزرقاء‪ :‬ف ‪.167‬‬
‫(‪ )3‬المرجع السابق‪ :‬ف ‪.169‬‬
‫(‪ )4‬المانة‪ :‬هي التي ل تضمن إذا تلفت (أي ل يدفع بدلها) إل بالتعدي أو التقصير في الحفظ‪.‬‬
‫والمضمون‪ :‬هو الذي يضمن إذا تلف لي سبب كان التلف‪.‬‬
‫(‪ )5‬لكن أفتى متأخرو الفقهاء من الحنفية‪ ،‬والمالكية والشافعية بجواز أخذ الجرة على ممارسة‬
‫الشعائر الدينية مثل الذان والقامة والمامة في صلة الجمعة والجماعة‪ ،‬وعلى تعليم القرآن‬
‫للضرورة خشية أل يقوم بها أحد فتتعطل (تبيين الحقائق‪ ،124/5 :‬البدائع‪ 191/4 :‬ومابعدها‪ ،‬بداية‬
‫المجتهد‪ ،221/1 :‬مغني المحتاج‪ ،344/2 :‬المهذب‪.)398/1 :‬‬

‫( ‪)4/582‬‬

‫عند الحنفية خلوه من أحد العيوب الستة التية‪ :‬وهي الجهالة‪ ،‬والكراه‪ ،‬والتوقيت‪ ،‬والغرر (غرر‬
‫الوصف)‪ ،‬والضرر‪ ،‬والشرط الفاسد (‪. )1‬‬
‫أما الجهالة‪ :‬فهي الجهالة الفاحشة التي تفضي إلى نزاع يتعذر حله‪ ،‬وهو النزاع الذي تتساوى فيه‬
‫حجة الطرفين بالستناد إلى الجهالة‪ .‬وهي أربعة أنواع‪ :‬جهالة المبيع أو الثمن جنسا أو نوعا أو قدرا‪،‬‬
‫وجهالة أجل وفاء الثمن‪ ،‬أو مدة خيار الشرط‪ ،‬وجهالة وسائل التوثيق كتقديم كفيل أو رهن مجهولين‪.‬‬
‫وأما الكراه بنوعيه الملجئ والناقص فيفسد العقد عند جمهور الحنفية‪ ،‬ويجعل العقد موقوفا عند زفر‪،‬‬
‫على التفصيل الذي ذكرسابقا‪.‬‬
‫وأما التوقيت‪ :‬فهو تأقيت البيع بمدة شهر أوسنة‪ ،‬فيفسد؛ لن ملكية العين ل تقبل التأقيت ‪ .‬كذلك يفسد‬
‫الزواج في حال تأقيته بمدة معينة؛ لنه مشروع بصفة التأبيد‪.‬‬
‫وأما غرر الوصف‪ :‬فهو كبيع بقرة على أنها تحلب كذا رطلً‪ ،‬فهو بيع فاسد؛ لن المقدار المذكور من‬
‫الحليب موهوم التحقق‪ ،‬فقد ينقص‪ .‬وأما غرر الوجود‪ :‬وهو ماكان المبيع فيه محتملً للوجود والعدم‪،‬‬
‫ل كما تقدم‪.‬‬
‫فيجعل البيع باط ً‬
‫وأما الضرر‪ :‬فهو كبيع جذع معين من سقف مبني ل يمكن تسليمه إل بهدم ما حول الجذع‪ ،‬وكبيع‬
‫ذراع من ثوب يضره التبعيض‪.‬‬
‫وأما الشرط الفاسد عند الحنفية (‪ )2‬فهو كل شرط فيه نفع لحد المتبايعين‪ ،‬ولم يتعارفه الناس كبيع‬
‫سيارة على أن يستخدمها شهرا بعد البيع‪ ،‬أو دار على أن‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رد المحتار‪ ،6/4 :‬فتح القدير‪ ،219/5 :‬البدائع‪.188/7 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪.127/4 :‬‬

‫( ‪)4/583‬‬

‫يسكنها مدة معينة‪ ،‬أو كبيع بشرط إقراض مبلغ من المال‪ .‬وحكمه‪ :‬أنه يفسد البيع ونحوه من‬
‫المعاوضات المالية‪ ،‬ول يؤثر في غيرها كما بان سابقا في بحث حرية الشتراط‪.‬‬
‫كذلك يشترط في البيع المماثلة في الكمية بين البدلين والتقابض في العوضين في مبادلة الموال‬
‫الربوية كالنقدين (الذهب والفضة) والحبوب من حنطة وشعير ونحوهما‪.‬‬
‫ويشترط أيضا قبض المبيع المنقول قبل التصرف به من المشتري لشخص آخر‪.‬‬
‫ثالثا ـ شرائط النفاذ ‪:‬‬
‫يشترط لنفاذ العقد شرطان (‪: )1‬‬
‫ل ـ الملك أو الولية ‪ .‬أما الملك‪ :‬فهو حيازة الشيء متى كان الحائز له قادرا وحده على التصرف‬
‫أو ً‬
‫فيه عند عدم المانع الشرعي‪ ،‬أي أن المالك له حرية التصرف والستقلل بمنافع الشيء إل إذا وجد‬
‫مانع كالجنون أو السفه أو الطفولة أو عدم التمييز‪.‬‬
‫وأما الولية‪ :‬فهي سلطة شرعية بها ينعقد العقد وينفذ‪ ،‬وهي إما أصلية‪ :‬وهي أن يتولى النسان أمور‬
‫نفسه بنفسه‪ .‬أو نيابية‪ :‬وهي أن يتولى الشخص أمور غيره من ناقصي الهلية‪ ،‬إما بإنابة المالك‬
‫كالوكيل‪ ،‬أو بإنابة الشارع كالولياء (الب أو الجد) والوصياء (وصي الب أو الجد أو وصي‬
‫القاضي)‪.‬‬
‫ويترتب على هذا الشرط أن محل العقد ينبغي أن يكون مملوكا للعاقد‪ ،‬فإن لم يكن مملوكا له بأن كان‬
‫فضوليا‪ ،‬كان العقد غير نافذ أو موقوفا على إجازة المالك إذا باعه عن مالكه نفسه‪ ،‬أما إن باعه عن‬
‫نفسه هو‪ ،‬ل عن مالكه نفسه‪ ،‬كان البيع باطلً‪.‬‬
‫وقد جعل الشافعي وأحمد الملك أو الولية من شرائط النعقاد‪ ،‬فتعتبر تصرفات الفضولي باطلة‪ .‬كما‬
‫ذكر سابقا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،6/4،104 :‬البدائع‪.155/5 :‬‬

‫( ‪)4/584‬‬

‫ثانيا ـ أل يكون في محل العقد حق لغير العاقد‪ :‬فإن تعلق به حق الغير كان العقد موقوفا غير نافذ‪،‬‬
‫وتعلق حق الغير له ثلثة أوجه (‪. )1‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون حق الغير متعلقا بعين المحل المعقود عليه‪ ،‬كبيع ملك الغير وتبرع المريض مرض‬
‫الموت بما يزيد عن ثلث أمواله‪ ،‬يكون موقوفا على إجازة الورثة‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون متعلقا بمالية المحل المعقود عليه دون عينه‪ ،‬كتصرف المدين غير المحجور عليه بما‬
‫يضر حقوق الدائنين‪ ،‬تتعلق حقوقهم بمالية أموال المدين لستيفاء ديونهم‪ ،‬وليست حقوقهم متعلقة‬
‫بأعيان أمواله‪ ،‬فلو أتى المدين بمال آخر يفيهم به حقوقهم نفذت تصرفاته الموقوفة على إجازتهم‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون متعلقا بصلحية التصرف نفسه‪ ،‬ل بمحله المعقود عليه‪ ،‬كتصرف ناقص الهلية‬
‫المحجور عليه إما حجرا شرعيا بسبب الصغر كالمميز‪ ،‬أو حجرا قضائيا بسبب السفه أو الدين‬
‫المستغرق (المحيط بكل ماله)‪.‬‬
‫إن ناقص الهلية ل يملك التصرف في أمواله‪ ،‬ويكون تصرفه موقوفا على إجازة وليه الشرعي من‬
‫أب أو جد أو وصي‪ .‬فإن أجازه نفذ‪ ،‬وإن رده بطل‪.‬‬
‫وكما أن حق الغير (أي غير العاقدين) ما نع من نفاذ التصرف‪ ،‬هناك مانع آخر من النفاذ وهو‬
‫الكراه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪ ،146/4 :‬المدخل الفقهي للستاذ الزرقاء‪ :‬ف ‪.4/194‬‬

‫( ‪)4/585‬‬

‫رابعا ـ شرائط اللزوم‪ :‬الصل في العقود اللزوم‪ ،‬ويشترط للزوم العقد كالبيع واليجار خلوه من أحد‬
‫الخيارات التي تسوغ لحد المعاقدين فسخ العقد‪ ،‬والتي تثبت إما باشتراط العاقد أو بإيجاب الشرع (‪)1‬‬
‫‪ .‬فإن وجد في العقد خيار كخيار الشرط أو خيار العيب أو الرؤية منع لزوم العقد في حق من له‬
‫الخيار‪ ،‬فكان له أن يفسخ العقد أو أن يقبله‪ ،‬إل إذا حدث مانع من ذلك‪ ،‬كما سيتبين في بحث‬
‫الخيارات‪ .‬ويسمى العقد المشتمل على الخيار غير لزم‪.‬‬
‫المبحث الرابع ـ آثار العقد ‪:‬‬
‫لكل عقد أثر خاص وأثر عام (‪: )2‬‬
‫فالثر الخاص‪ :‬هو حكم العقد‪ ،‬وحكم العقد‪ :‬هو الثر الصلي (أو النوعي) للعقد أو الغاية الجوهرية‬
‫الساسية المقصودة من العقد كانتقال الملكية في عقد البيع والهبة‪ ،‬وتملك المنفعة في عقد اليجار‬
‫والعارة‪ ،‬وحل المتعة الزوجية في عقد الزواج‪ ،‬وحق احتباس المرهون في عقد الرهن‪ ،‬وتفويض‬
‫التصرف في عقد الوكالة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫ويقال للحكم الصلي للعقد موضوع العقد كما بان سابقا في بحث السبب‪.‬‬
‫و يفترق الحكم الصلي للعقد عن اللتزام‪ .‬فاللتزام هو كون الشخص مكلفا بفعل‪ ،‬أو بامتناع عن‬
‫فعل‪ .‬مثال الول‪ :‬تسليم المبيع وأداء الثمن‪ .‬ومثال الثاني‪ :‬عدم التعدي على نفس أو مال الغير‪ ،‬وعدم‬
‫استعمال الوديعة‪.‬‬
‫ومصدر اللتزام قد يكون هو الشرع كالنفاق على القارب‪ ،‬وقد يكون مصدره العقد‪ ،‬كاللتزامات‬
‫بدفع الجرة أو الثمن‪ ،‬وقد يكون مصدره غير العقد وهو الفعل الضار كضمان المتلفات‪.‬‬
‫وحكم العقد الصلي يتحقق آليا بتقدير الشرع بمجرد انعقاد العقد صحيحا‪ ،‬فل يحتاج إلى تنفيذ‪،‬‬
‫فبمجرد انعقاد البيع صحيحا تنتقل الملكية للمشتري‪ ،‬وهكذا سائر أحكام العقود‪.‬‬
‫أما اللتزام‪ :‬فيحتاج إلى تنفيذ؛ لنه تكليف على شخص لمصلحة آخر‪ ،‬فملكية المبيع وإن انتقلت إلى‬
‫المشتري بمجرد البيع‪ ،‬لكن ذلك الثر يحتاج إلى تنفيذ التزام البائع‪ :‬وهو القيام بتسليم المبيع إلى‬
‫المشتري‪.‬‬
‫واللتزامات قد يستلزمها العقد ذاته‪ :‬وهي التي نظمها الشرع آثارا للعقد المنشئ لها كاللتزام بتسليم‬
‫المبيع وضمان العيب‪ ،‬واللتزام بدفع الثمن أو الجرة‪.‬‬
‫وقد يشترطها العاقد كاستعمال المبيع مدة بعد البيع‪ ،‬وإيصال المبيع لبيت المشتري‪ ،‬ودفع الجرة سلفا‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫وأما الثر العام‪ :‬فهو ما تشترك فيه كل العقود أو معظمها من أحكام ونتائج‪ .‬وللعقود أثران عامان‬
‫هما‪ :‬النفاذ‪ ،‬واللزام واللزوم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حاشية ابن عابدين‪.6/4 :‬‬
‫(‪ )2‬راجع المدخل الفقهي للستاذ الزرقاء‪ :‬ف ‪ 193‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/586‬‬

‫والنفاذ‪ :‬معناه ثبوت حكم العقد الصلي منذ انعقاده‪ ،‬أي أن آثار العقد الخاصة ونتائجه المترتبة عليه‬
‫ل معناه انتقال ملكية المبيع والثمن بمجرد انعقاده‪ ،‬وإيجاب‬
‫تحدث فور انعقاد العقد‪ ،‬فنفاذ عقد البيع مث ً‬
‫تنفيذ اللتزامات على الطرفين‪ ،‬كتسليم المبيع وتسلم الثمن‪ ،‬وضمان العيب إن ظهر فيه عيب‪.‬‬
‫ونفاذ عقد الزواج معناه‪ :‬إحلل المتعة الزوجية بمجرد انعقاده‪ ،‬وإيجاب الحقوق واللتزامات التي‬
‫ينشئها العقد بينهما‪ ،‬كالتزام الرجل بالنفقة‪ ،‬ومسؤولية المرأة عن الطاعة المشروعة‪.‬‬
‫والنفاذ يقابله التوقف‪ ،‬فيقال‪ :‬عقد نافذ وعكسه موقوف‪.‬‬
‫وأهم أنواع العقد الموقوف سبعة هي‪:‬‬
‫عقد المكره‪ ،‬وعقد المميز‪ ،‬وعقد السفيه المحجور عليه‪ ،‬وعقد المدين بدين مستغرق‪ ،‬وتبرع المريض‬
‫مرض الموت‪ ،‬وعقد الفضولي‪ ،‬وتصرف المرتد عن السلم‪ ،‬فإن عقوده في حال ردته موقوفة عند‬
‫أبي حنيفة‪ ،‬فإذا عاد إلى السلم نفذت‪ ،‬وإن مات أو قتل أو لحق بدار الحرب وقضى القاضي بالتحاقه‬
‫بطلت‪.‬‬
‫واللزام‪ :‬معناه العام لغة هو إيجاب تنفيذ التزامات التعاقد‪ ،‬عملً بقوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫أوفوا بالعقود} [المائدة‪ ]1/5:‬ومعناه الخاص فقها‪ :‬هو إنشاء التزامات متقابلة معينة على العاقدين‪ ،‬كما‬
‫في البيع‪ ،‬أو إنشاء التزام معين على أحد العاقدين‪ ،‬كما في الوعد بجائزة‪ ،‬وهذا من آثار العقد‪.‬‬
‫و يختلف اللزام عن اللزوم‪ .‬فاللزوم ‪ :‬هو عدم استطاعة فسخ العقد إل بالتراضي‪ ،‬والتراضي على‬
‫فسخ العقد يسمى إقالة‪.‬‬
‫ويكتسب العقد صفة اللزوم عند الحنفية والمالكية بمجرد تمام العقد‪ .‬وهذا ما أخذ به القانون وجرى‬
‫عليه القضاء‪.‬‬
‫وعند الشافعية والحنابلة‪ :‬ل يكتسب العقد صفة اللزوم إل بعد انقضاء مجلس العقد‪ ،‬بتفرق العاقدين‬
‫بأبدانهما‪ ،‬عملً بخيار المجلس الثابت في السنة النبوية‪ ،‬على ما سيذكر في بحث الخيارات‪.‬‬

‫( ‪)4/587‬‬

‫المبحث الخامس ـ تصنيف العقود ‪:‬‬


‫للعقود أقسام متعددة باعتبارات مختلفة‪ ،‬أهمها النظر إلى العقد بحسب إقرار الشرع له وعدم إقراره‪،‬‬
‫أو بالنظر إلى كون العقود مسماة أو غير مسماة‪ ،‬أو بالنظر إلى غاية العقد وأغراضه‪ ،‬أو لكون العقد‬
‫عينيا أوغير عيني ‪ ،‬أو باعتبار اتصال الثر به وعدم اتصاله‪.‬‬
‫التقسيم الول ـ بحسب وصف العقد شرعاً ‪:‬‬
‫ينقسم العقد بحسب الوصف الذي يعطيه الشرع له بناء على مقدار استيفائه لركانه وشروطه إلى‬
‫صحيح تترتب عليه آثاره‪ ،‬وغير صحيح ل تترتب عليه آثاره‪.‬‬
‫العقد الصحيح ‪:‬‬
‫هو الذي استكمل عناصره الساسية من (صيغة وعاقدين ومحل عقد وموضوع عقد)‪ ،‬وشرائطه‬
‫الشرعية‪ .‬فيصبح صالحا لترتب حكمه وآثاره عليه‪ .‬ويعرفه الحنفية بقولهم‪ :‬هو ما كان مشروعا‬
‫بأصله ووصفه (‪. )1‬‬
‫وحكم العقد الصحيح‪ :‬ثبوت أثره في الحال‪ ،‬فالبيع الصادر من كامل الهلية على مال متقوم شرعا‪،‬‬
‫ولغاية مشروعة‪ ،‬يترتب عليه ثبوت ملك المبيع والثمن للمشتري والبائع فور انتهاء اليجاب والقبول‬
‫إذا لم يكن في البيع خيار‪.‬‬
‫العقد غير الصحيح ‪:‬‬
‫هو ما اختل فيه أحد عناصره الساسية أو شرط من شروطه ‪ .‬وحكمه أنه ل يترتب عليه أثر كبيع‬
‫الميتة والدم والخمر والخنزير‪ ،‬وكبيع فاقد الهلية‪ .‬ويشمل غير الصحيح عند جمهور الفقهاء غير‬
‫الحنفية‪ :‬الباطل والفاسد‪ ،‬وهما بمعنى واحد‪.‬‬
‫وأما الحنفية‪ :‬فيقسمون غير الصحيح إلى باطل وفاسد‪ .‬فلكل واحد معنى مختلف عن الخر‪ ،‬وتلك‬
‫القسمة محصورة في العقود الناقلة للملكية أو العقود التي توجب التزامات متقابلة من العاقدين‪ ،‬كالبيع‬
‫والجارة والهبة والقرض والحوالة والشركة والمزارعة والمساقاة والقسمة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أصل العقد أي ركنه ( اليجاب والقبول ) وعاقداه ومحله‪ .‬ووصف العقد‪ :‬هو ما كان خارجا عن‬
‫الركن والمحل كالشرط المخالف لمقتضى العقد‪ ،‬أو كون المبيع غير مقدور التسليم‪ ،‬وكالثمنية فإنها‬
‫صفة تابعة للعقد‪.‬‬

‫( ‪)4/588‬‬

‫أما العقود غير المالية كالوكالة والوصاية والزواج على الصح والعقود المالية التي ليس فيها‬
‫التزامات متقابلة كالعارة واليداع‪ ،‬والعبادات‪ ،‬والتصرفات المنفردة كالطلق والوقف والكفالة‬
‫والقرار ونحوها‪ ،‬فهذه ل فرق فيها بين الفاسد والباطل‪.‬‬
‫منشأ الخلف بين الحنفيةوالجمهور ‪:‬‬
‫أساس الخلف بين الحنفية وغيرهم راجع لقضية أصولية‪ :‬وهي فهم أثر النهي الصادر عن الشرع‪،‬‬
‫كالنهي عن شراء السمك في الماء‪ ،‬فإنه غرر‪ ،‬وعن بيعتين في بيعة‪ ،‬وكتحريم بيع الخمر والميتة‬
‫والخنزير ونحو ذلك‪ .‬فهل النهي يقتضي فساد المنهي عنه‪ ،‬أي عدم العتبار والوقوع في الثم معا أو‬
‫أنه يقتصر على إيجاب الثم وحده مع اعتباره أحيانا؟‬
‫ثم هل يستوي النهي عن ركن من أركان العقد مع النهي عن وصف عارض للعقد لزم له أو غير‬
‫لزم؟‬
‫قال جمهور الفقهاء (‪ : )1‬إن نهي الشارع عن عقد ما‪ :‬يعني عدم اعتباره أصلً‪ ،‬وإثم من يقدم عليه‪.‬‬
‫ول فرق بين النهي عن ركن من أركان العقد (الصيغة وأهلية العاقدين ومحل العقد) أو النهي عن‬
‫وصف عارض للعقد ملزم له أو مجاور‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم في الحديث المتقدم‪« :‬من عمل‬
‫عملً ليس عليه أمرنا فهو رد‪ ،‬ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» ‪.‬‬
‫وعليه إذا حدث عقد منهي عنه فهو باطل أو فاسد ل يترتب عليه أي أثر؛ لن نهي الشرع عنه يجعله‬
‫غير مشروع أو غير موجود‪ ،‬وإذا كان النهي لوصف فيسري إلى الموصوف‪.‬‬
‫وقال الحنفية (‪ : )2‬قد يكون نهي الشارع عن عقد‪ :‬معناه إثم من يرتكبه فقط‪ ،‬ل إبطاله‪ ،‬ويفرق بين‬
‫النهي الراجع لصل العقد (أي لخلل في الصيغة أو في العاقد أو في المحل) فيقتضي بطلن العقد‬
‫وعدم وجوده شرعا وعدم ترتب أي أثر عليه‪ ،‬وبين النهي العائد لمر آخر كوصف من أوصاف العقد‬
‫ملزم له‪ ،‬فيقتضي بطلن هذا الوصف فقط‪ ،‬ول يتعدى البطلن إلى أصل العقد‪ ،‬لنه استكمل‬
‫عناصره الساسية‪ ،‬فيكون العقد فاسدا فقط‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،166/2 :‬المستصفى‪ ،61/1 :‬الحكام للمدي‪ ،68/1 :‬شرح جمع الجوامع للمحلي‪:‬‬
‫‪ ،80/1‬المدخل إلى مذهب أحمد‪ :‬ص ‪ ،69‬البهاج‪.44/1 :‬‬
‫(‪ )2‬مرآة ا لصول‪ ،289/2 :‬كشف السرار‪:‬ص ‪ ،258‬رد المحتار لبن عابدين‪.104/4 :‬‬

‫( ‪)4/589‬‬

‫فالبيع الصادر عن عديم الهلية‪ ،‬وبيع غير المال كالميتة‪ ،‬وبيع مال غير متقوم كالخمر والخنزير‬
‫والسمك في الماء باطل؛ لن الخلل فيه راجع لصل العقد‪ .‬والبيع المؤقت أو المشتمل على جهالة في‬
‫الثمن أو المؤدي إلى النزاع في العقد كبيعتين في بيعة فاسد؛ لن الخلل راجع لوصف في العقد خارج‬
‫عن حقيقته وذاته وأركانه‪.‬‬
‫وإذا كان النهي بسبب أمر مجاور للعقد غير ملزم له وليس شرطا فيه‪ ،‬كان مقتضاه الكراهة للقدام‬
‫عليه في هذه الحال كالبيع وقت النداء لصلة الجمعة‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن غير الصحيح عند الحنفية نوعان‪ :‬باطل وفاسد‪.‬‬
‫أما العقد الباطل‪ :‬فهو ما اختل ركنه أو محله‪ ،‬أو ما لم يشرع بأصله ول بوصفه‪ ،‬كأن يكون أحد‬
‫العاقدين فاقد الهلية‪ ،‬كالمجنون وغير المميز‪ ،‬والمميز فيما يضره ضررا محضا‪ ،‬أو أن تكون‬
‫الصيغة غير سليمة‪ ،‬أو يكون محل العقد غير قابل لحكم العقد شرعا‪ ،‬كبيع ما ليس بمال‪ ،‬أو ما ليس‬
‫مالً متقوما كالخمر والخنزير والسمك في الماء‪ ،‬وكبيع شيء من الموال العامة كجزء من الطريق أو‬
‫من مشفى أو مسجد‪ ،‬وكالبيع الذي جعل الثمن فيه غير مال أصلً كالميتة (‪ ، )1‬أو الشيء المباح‪.‬‬
‫وفي الزواج كالعقد على إحدى المحارم أو التي لم تنته عدتها من مطلقها‪ ،‬أو المتزوجة بزوج آخر‪،‬‬
‫فكل هذه العقود باطلة‪.‬‬
‫وحكم الباطل‪ :‬أنه ل يعد منعقدا أصلً‪ ،‬وإن وجدت صورته في الظاهر‪ ،‬فل يترتب عليه أي أثر‬
‫شرعي‪ ،‬فل يفيد نقل الملكية أصلً‪ ،‬إذ ل يعد موجودا بحال‪.‬‬
‫وأما العقد الفاسد (‪ : )2‬فهو ما كان مشروعا بأصله دون وصفه‪ ،‬أي كان‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬إذا كان الفساد يرجع للمبيع فالبيع باطل كبيع الخمر والخنزير والميتة والدم‪ ،‬وإن كان الفساد‬
‫يرجع للثمن‪ :‬فإن كان الثمن مالً عند بعض الناس كالخمر والخنزير فالبيع فاسد‪ ،‬وإن كان الثمن ليس‬
‫مالً أصلً كالميتة والدم فالبيع باطل‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفساد مرتبة متوسطة بين البطلن والصحة‪ ،‬وليس له نظير في القوانين‪ .‬أما البطلن المطلق‬
‫فيقابل البطلن عند الشرعيين‪ ،‬وأما البطلن النسبي فيقابل العقد الموقوف أحيانا وذلك في حال نقص‬
‫الهلية أو العقد غير اللزم أحيانا وذلك في حالت عيوب الرضا؛ لن الباطل بطلنا نسبيا صحيح‬
‫إلى أن يقضي القاضي بإبطاله بناء على طلب صاحب المصلحة بإبطاله كالمدلس عليه‪ .‬ويمكن‬
‫لصاحب المصلحة إجازة الباطل نسبيا‪.‬‬
‫أما الفاسد في الفقه الحنفي فهو غير صحيح ول يترتب عليه أثر‪ ،‬ويجب فسخه إما بطلب أحد العاقدين‬
‫أو بواسطة القاضي بمجرد علمه‪ ،‬لنه يحمي أحكام الشريعة‪ .‬ول يملك أحد إجازة الفاسد‪.‬‬

‫( ‪)4/590‬‬

‫صادرا ممن هو أهل له‪ ،‬والمحل قابل لحكم العقد شرعا‪ ،‬والصيغة سليمة‪ ،‬ولكن صاحب ذلك وصف‬
‫منهي عنه شرعا‪ ،‬كبيع المجهول جهالة فاحشة تؤدي للنزاع‪ ،‬مثل بيع دار من دور أو سيارة من‬
‫سيارات دون تعيين‪ ،‬وكإبرام صفقتين في صفقة‪ ،‬كبيع دار على أن يبيعه سيارته‪ ،‬وكبيع مال متقوم‬
‫جعل ثمنه مالً غير متقوم كخمر مثلً‪ ،‬وكبيع بقرة على أنها حامل‪.‬‬
‫وحكم الفاسد‪ :‬ثبوت الملك فيه بالقبض بإذن المالك صراحة‪ ،‬أو دللة كأن يقبضه في مجلس العقد أمام‬
‫البائع‪ ،‬دون أن يعترض عليه‪.‬‬
‫والعقد الفاسد واجب الفسخ شرعا‪ ،‬إما من أحد العاقدين أو من القاضي إذا علم بذلك‪ ،‬لنه منهي عنه‬
‫شرعا‪ .‬وإمكان الفسخ مشروط بشرطين‪:‬‬
‫الول ـ بقاء المعقود عليه على ما كان قبل القبض‪ ،‬فلو تغير شكله بأن هلك أو استهلك‪ ،‬أو كان‬
‫غزلً فنسجه ‪،‬أو قمحا فطحنه‪ ،‬أو دقيقا فخبزه‪ ،‬امتنع الفسخ‪.‬‬
‫والثاني ـ عدم تعلق حق الغير به‪ ،‬فلو تصرف به المشتري لخر بالبيع أو بالهبة وتم قبضه من‬
‫الموهوب له‪ ،‬امتنع الفسخ‪.‬‬

‫( ‪)4/591‬‬

‫العقد المكروه تحريماً ‪:‬‬


‫العقد الباطل منهي عنه لمر أساسي فيه‪ ،‬والفاسد منهي عنه لوصف ملزم له‪ ،‬فإن كان النهي لوصف‬
‫غير لزم‪ ،‬أي مجاور للمنهي عنه‪ ،‬فهو مكروه كراهة تحريمية عند الحنفية‪ ،‬وحرام موجب للثم‬
‫والمعصية عند جمهور الفقهاء‪.‬‬
‫ومن أهم هذه العقود المكروهة (‪ )1‬أو المحرمة لما فيها من الضررأو الغرر مع أنها صحيحة ما يأتي‬
‫( ‪: )2‬‬
‫‪ - 1‬بيع النّجْش‪ :‬وهو أن يزيد الرجل في السلعة‪ ،‬وليس له حاجة بها‪ ،‬إل ليغلي ثمنها وينفع صاحبها‪.‬‬
‫وهو عند الحنفية مكروه تحريما‪ ،‬لنهي النبي صلّى ال عليه وسلم عن النجْش وقال‪ :‬ل تناجشوا (‪. )3‬‬
‫لكنهم قالوا‪ ،‬أي الحنفية‪ :‬ل يكره النجش إل إذا زاد المبيع عن قيمته الحقيقية‪ ،‬فإن لم يكن بلغ القيمة‬
‫فزاد ل يريد الشراء فجائز‪ ،‬ول بأس به لنه عون على العدالة‪ .‬ويقع البيع صحيحا عند الجمهور مع‬
‫الحرمة من غير خيار في رأي الشافعية‪ ،‬وللمشتري عند غيرهم رده إذا لم يوجد مانع‪ ،‬كتغير المبيع‬
‫وتعيبه‪ ،‬وقال الحنابلة بفساده‪.‬‬
‫وأما المزايدة أو البيع بالمزاد العلني‪ :‬وهو أن ينادي على السلعة‪ ،‬ويزيد الناس فيها بعضهم على‬
‫بعض حتى تقف على آخر زائد فيها فيأخذها‪ ،‬فهو بيع صحيح جائز ل ضرر فيه‪.‬‬
‫‪ - 2‬تلقي الركبان أو الجلب‪ :‬وهو مبادرة بعض أهل المدينة أو البلد لتلقي التين إليها‪ ،‬فيشتري منهم‬
‫ما معهم‪ ،‬ثم يبيع كما يرى لهل البلد‪ .‬وهذا حرام عند الشافعية‪ ،‬ومكروه تحريما عند الحنفية إن أضر‬
‫بالهالي‪ ،‬وإل فل يكره إذا لم يلبّس السعر على الواردين لنه إن فعل هذا كان فيه تغرير بهم‪ .‬وقد‬
‫نهى النبي صلّى ال عليه وسلم عن‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المكروه تحريما عند الحنفية‪ :‬ما ثبت بدليل ظني فيه شبهة‪ .‬وهو إلى الحرام أقرب‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر أحكام هذه البيوع في المذاهب‪ :‬عند الحنفية‪ :‬فتح القدير‪ 239/5 :‬ومابعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪:‬‬
‫‪ 67/4‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار‪ ،139/4 :‬وعند المالكية‪ :‬بداية المجتهد‪ ،168 ،166-164/2 :‬القوانين‬
‫الفقهية‪ :‬ص ‪ ،264 ،259‬الشرح الكبير للدردير‪ ،70-67/3 :‬وعند الشافعية‪ :‬نهاية المحتاج‪،74/2 :‬‬
‫مغني المحتاج‪ 36/2 :‬ومابعدها‪ ،‬تحفة الطلب للنصاري‪ :‬ص ‪ ،142‬الباجوري على ابن قاسم‪:‬‬
‫‪ ،353/1‬وعند الحنابلة‪ :‬غاية المنتهى‪ ،33 ،17/2 :‬المغني‪.218 -212/4 :‬‬
‫(‪ )3‬أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر قال‪« :‬نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن النّجْش»‬
‫وأخرجا أيضا عن أبي هريرة قال‪« :‬نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد‪ ،‬ول‬
‫تناجشوا» (سبل السلم‪.)22 ،18/3 :‬‬

‫( ‪)4/592‬‬

‫تلقي البيوع أو أن يتلقى الجلب (‪ . )1‬وسبب النهي الضرار بصاحب السلعة (البادي) لشراء الشيء‬
‫بأقل من سعره الغالب‪ ،‬والضرار بأهل البلد أيضا‪ .‬والبيع صحيح عند الئمة‪ ،‬لن النهي لمر خارج‬
‫عن البيع‪ ،‬لكن يثبت فيه عند الحنابلة والشافعية خيار الغبن‪ ،‬عملً بحديث البخاري‪.‬‬
‫‪ - 3‬بيع الحاضر للبادي‪ :‬وهو أل يبيع الواحد من أهل البلد (الحاضر) ما عنده من طعام ونحوه إل‬
‫لهل البادية‪ ،‬طمعا في زيادة الثمن‪ ،‬أو أن يتخصص شخص ببيع بضاعة الغريب على التدريج مع‬
‫حاجة أهل البلد‪ ،‬بسعر أغلى‪ ،‬مع أن الغريب كان يريد البيع بسعر اليوم‪ .‬وكراهة هذه البيوع إذا كانت‬
‫تضر بأهل البلد‪ ،‬وإل فل ضرر‪ ،‬وقد نهى النبي صلّى ال عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد (‪ . )2‬وقد‬
‫أجاز المالكية فسخ هذا البيع‪ ،‬كالنجش‪ .‬وهو حرام عند الشافعية‪ .‬وسبب النهي عنه‪ :‬الضرار بأهل‬
‫السوق لبيع السلعة بأكثر من ثمن المثل‪ ،‬أو من طريق السمسرة‪ ،‬ويفسخ عند المالكية إن لم يفت بتغير‬
‫أو تعيب أو تصرف‪ ،‬وهو صحيح عند الئمة الثلثة؛ لن النهي لمر خارج عن البيع‪ ،‬وهو الرفق‬
‫بأهل الحضر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس حديث «ل تلقوا الركبان‪ ،‬ول يبع حاضر لباد» (سبل‬
‫السلم‪ .)20/3 :‬وحديث البخاري‪« :‬ل تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق‪ ،‬فمن تلقاها فصاحب‬
‫السلعة بالخيار» ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر‪ ،‬وروى الجماعة إل البخاري عن جابر أن النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم قال‪« :‬ل يبيع حاضر لباد‪ ،‬دعوا الناس يرزق ال بعضهم من بعض» (نيل الوطار‪:‬‬
‫‪.)164/5‬‬

‫( ‪)4/593‬‬

‫‪ - 4‬البيع وقت النداء لصلة الجمعة‪ :‬عند الجمهور من حين صعود المام على المنبر إلى أن تنقضي‬
‫الصلة‪ ،‬وعند الحنفية‪ :‬من الذان الول‪ .‬وهذا البيع صحيح مكروه تحريما عند الحنفية‪ ،‬وصحيح‬
‫حرام عند الشافعية؛ لقوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلة من يوم الجمعة فاسعوا إلى‬
‫ذكر ال ‪ ،‬وذروا البيع} [الجمعة‪ ]9/36:‬ويلحق بالبيع سائر العقود والصناعات كلها لما فيها من شغل‬
‫عن السعي إلى الجمعة‪ .‬والنهي عنها لمر خارج عن حقيقة العقد‪.‬‬
‫وعد المالكية (‪ )1‬هذا البيع من البيوع الفاسدة‪ ،‬وقالوا‪ :‬إنه يفسخ على المشهور وقال عنه الحنابلة‪ :‬ل‬
‫يصح هذا البيع (‪. )2‬‬
‫أنواع العقد الصحيح ‪:‬‬
‫ينقسم العقد الصحيح عند الحنفية والمالكية إلى نافذ وموقوف‪:‬‬
‫النافذ‪ :‬هو ما صدر ممن له أهلية وولية على إصداره‪ ،‬كأغلب عقود الناس مثل العقد الصادر من‬
‫الرشيد في ماله‪ ،‬أو الولي أو الوصي للقاصر‪ ،‬أو الوكيل لموكله‪ .‬وحكمه‪ :‬أنه تترتب عليه آثاره فور‬
‫صدوره‪ ،‬من غير توقف على إجازة أحد‪.‬‬
‫والموقوف‪ :‬هو ما صدر من شخص له أهلية التعاقد‪ ،‬من غير أن يكون له ولية إصداره‪ .‬كعقد‬
‫الفضولي‪ ،‬وعقد الصغير المميز فيما يتردد بين الضرر والنفع‪ ،‬وحكمه ‪ :‬أنه ل تترتب عليه آثاره إل‬
‫إذا أجازه صاحب الشأن الذي يملك إصداره‪ ،‬فإن لم يجزه بطل العقد‪.‬‬
‫وهذا العقد عند الشافعية والحنابلة باطل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبصرة الحكام لبن فرحون بهامش فتح العلي‪.378/2 :‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع‪ 169/3 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/594‬‬

‫أنواع العقد النافذ ‪:‬‬


‫ينقسم العقد النافذ إلى لزم وغير لزم‪:‬‬
‫اللزم‪ :‬هو ما ليس لحد عاقديه فسخه دون رضا الخر‪ ،‬كالبيع والجارة‪.‬‬
‫والصل في العقود اللزوم؛ لن الوفاء بالعقود واجب شرعا لقوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا أوفوا‬
‫بالعقود} [المائدة‪.]1/5:‬‬
‫وتثبت صفة اللزوم عند الحنفية والمالكية بمجرد صدور العقد من العاقدين‪ .‬وعند الشافعية والحنابلة‪:‬‬
‫ل يلزم العقد إل بتفرق العاقدين بأبدانهما‪ ،‬أو إذا تخايرا‪ ،‬فاختارا لزومه‪ ،‬عملً بحديث خيار المجلس‪:‬‬
‫«البيعان بالخيار ما لم يتفرقا‪ ،‬أو يقول أحدهما للخر‪ :‬اختر» ‪.‬‬
‫وغير اللزم أو الجائز كما يسميه بعض الفقهاء‪ :‬هو ما يملك كل من طرفيه أو أحدهما فقط فسخه‬
‫دون رضا الخر‪ ،‬إما عملً بطبيعة العقد نفسه كالوكالة والعارة واليداع‪ ،‬أو لمصلحة العاقد كالعقد‬
‫المشتمل على الخيار‪.‬‬
‫والعقود بالنسبة إلى اللزوم وقابلية الفسخ وعدمه أربعة أنواع‪.‬‬
‫‪ ً 1‬ـ عقود لزمة ل تقبل الفسخ‪ :‬كالزواج ليقبل الفسخ ولو باتفاق العاقدين بطريق القالة أي ل‬
‫يقبل اللغاء التفاقي‪ .‬وإنما يقبل النهاء بطرق شرعية كالطلق والخلع (‪ )1‬والتفريق القضائي لعدم‬
‫النفاق أو للعيب أو للضرر وسوء العشرة أو للغيبة أو للحبس والعتقال ونحو ذلك‪.‬‬
‫وكل ما ل يقبل الفسخ ل يثبت فيه خيار؛ لن الخيار يعطي حق الفسخ لصاحبه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الطلق ليس فسخا للزواج‪ ،‬بل إنهاء له بوضع حد لحكمه وآثاره‪ .‬والخلع‪ :‬هو إنهاء الزواج لقاء‬
‫مال تدفعه الزوجة لزوجها‪ .‬والطلق أو الخلع أو التفريق ليست إلغاء للعقد‪ ،‬وإنما هي إنهاء بدليل بقاء‬
‫ل تبقى محرّمة على زوج ابنتها أبدا ولو‬
‫حرمة المصاهرة وثبوت النسب بعد النهاء‪ ،‬فأم الزوجة مث ً‬
‫طلق البنت‪.‬‬

‫( ‪)4/595‬‬

‫‪ ً 2‬ـ عقود لزمة تقبل الفسخ‪ :‬أي تقبل اللغاء بطريق القالة أي باتفاق العاقدين‪ .‬وهي عقود‬
‫المعاوضات المالية كالبيع واليجار والصلح والمزارعة والمساقاة ونحوها‪ .‬وهذه العقود تقبل الفسخ‬
‫بالخيار أيضا‪.‬‬
‫‪ ً 3‬ـ عقود لزمة لحد الطرفين‪ :‬كالرهن والكفالة‪ :‬فإنهما لزمان بالنسبة إلى الراهن والكفيل‪ ،‬وغير‬
‫لزمين بالنسبة للدائن المرتهن‪ ،‬والمكفول له؛ لن العقد لمصلحتهما الشخصية توثيقا للحق‪ ،‬فلهما‬
‫التنازل عنه‪.‬‬
‫‪ ً 4‬ـ عقود غير لزمة للطرفين‪ :‬وهي التي يملك كل من العاقدين فيها حق الفسخ والرجوع‪،‬‬
‫كاليداع والعارة والوكالة والشركة والمضاربة والوصية والهبة‪ ،‬فالعقود الخمسة الولى يجوز لكل‬
‫من العاقدين فسخ العقد متى شاء‪ .‬والوصية والهبة يصح للموصي والواهب الرجوع عنها‪ ،‬كما يصح‬
‫للموصى له والموهوب له ردها وإبطالها بعد وفاة الموصي‪ ،‬وفي حال حياة الواهب‪.‬‬
‫التقسيم الثاني ـ بالنظر إلى التسمية وعدمها ‪:‬‬
‫تقسم العقود إلى مسماة وغير مسماة‪:‬‬
‫أما العقود المسماة‪ :‬فهي ما وضع الشرع لها اسما خاصا بها‪ ،‬وبيّن أحكامها المترتبه عليها‪ ،‬كالبيع‬
‫والجارة والشركة والهبة‪ ،‬والكفالة والحوالة والوكالة والرهن‪ ،‬والقرض والصلح‪ ،‬والزواج والوصية‬
‫ونحوها‪.‬‬

‫( ‪)4/596‬‬

‫وأما العقود غير المسماة‪ :‬فهي التي لم يوضع لها اسم خاص في الشرع‪ ،‬ولم يرتب التشريع أحكاما‬
‫خاصة بها‪ ،‬وإنما استحدثها الناس تبعا لحاجة‪ .‬وهي كثيرة ل تنحصر‪ ،‬لنها تنشأ بحسب تجدد حاجات‬
‫الناس وتطور المجتمعات وتشابك المصالح‪ ،‬مثل عقد الستصناع‪ ،‬وبيع الوفاء‪ ،‬وبيع الستجرار‪،‬‬
‫والتحكير‪ ،‬وأنواع المقاولت‪ ،‬أي التعهدات واللتزامات الحديثة‪ ،‬وأنواع الشركات التي تمنح امتيازات‬
‫للتنقيب عن النفط والمعادن‪ ،‬وعقود النشر والعلن في الصحف والمجلت ونحوها‪.‬‬
‫أما الستصناع‪ :‬فهو التعاقد على صنع شيء معين (‪ )1‬كالحذية والنية والسيارات والبواخر‪،‬‬
‫والمفروشات ونحوها‪ .‬وقد تردد بين اعتبار كونه بيعا أو إجارة أو وعدا‪ ،‬ثم استقر على تسمية خاصة‬
‫به‪.‬‬
‫وأما بيع الوفاء‪ :‬فهو أن يبيع المحتاج إلى النقود عقارا على أنه متى وفى الثمن استرد العقار (‪. )2‬‬
‫تردد بين كونه بيعا أو رهنا‪،‬ثم استقر على هذا السم الخاص به‪.‬‬
‫وبيع الستجرار‪ :‬هو ما يستجره النسان من البياع‪ ،‬ثم يحاسبه على أثمانها بعد استهلكها (‪ . )3‬تردد‬
‫ل لمر الناس ودفعا‬
‫بين كونه بيعا أو ضمان متلفات بإذن مالكها عرفا‪ ،‬واستقر على هذا السم تسهي ً‬
‫للحرج‪.‬‬
‫والتحكير‪ :‬هو التفاق على النتفاع بأرض الوقف بالبناء والغرس لقاء أجرة معجلة تقارب قيمة‬
‫الرض‪ ،‬وأجرة سنوية ضئيلة‪ ،‬حددت في قانون الملكية العقاري السوري (باثنين ونصف في اللف)‬
‫من قيمة الرض المقدرة رسميا لجباية الضرائب العقارية (‪. )4‬‬
‫وقد عرفنا في بحث حرية التعاقد‪ :‬أن الرأي الغالب أو الراجح فقها هو جواز‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،2/5 :‬فتح القدير‪ ،354/5 :‬الفتاوى الهندية‪. 504/4 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،257/4 :‬وانظر المجلة في المواد (‪.)403-396‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار‪. 13/4 :‬‬
‫(‪ )4‬رد المحتار‪ ،428/3 :‬المدخل إلى نظرية اللتزام في الفقه للستاذ الزرقاء‪ :‬ص ‪ ،40‬المدخل‬
‫الفقهي للزرقاء‪ .‬حاشية ف ‪.295‬‬

‫( ‪)4/597‬‬

‫إحداث عقود جديدة ل تخالف نصوص الشريعة ومبادئها وقواعدها العامة‪ ،‬كما يقول الحنابلة وبخاصة‬
‫ابن تيمية وابن القيم‪ .‬أو من طريق القياس والستحسان والعرف والمصالح المرسلة وغيرها من أدلة‬
‫التشريع كما يقول الحنفية والمالكية والشافعية‪.‬‬
‫التقسيم الثالث ـ بالنظر إلى غاية العقد وأغراضه ‪:‬‬
‫تنقسم العقود بحسب أغراضها وغاياتها إلى مجموعات سبع‪ ،‬فقد تكون غاية العقد هي تمليك شيء‪ ،‬أو‬
‫الستيثاق‪ ،‬أو الحفظ‪ ،‬أو التفويض ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ - 1‬التمليكات‪ :‬وهي ما يقصد بها تمليك شيء‪ ،‬عين أو منفعة‪ ،‬فإن كان التمليك بعوض فهي عقود‬
‫المعاوضات كالبيع والجارة‪ ،‬والصرف والصلح‪ ،‬والقسمة‪ ،‬والستصناع‪ ،‬والمزارعة والمساقاة‪،‬‬
‫والزواج‪ ،‬ونحوها مما فيه معاوضة ومبادلة بين طرفين‪.‬‬
‫وإن كان التمليك مجانا بغير عوض فهي عقود التبرعات‪ ،‬كالهبة والصدقة والوقف والعارة وحوالة‬
‫الدين‪.‬‬
‫وقد يكون التبرع في ابتداء العقد كالقرض والكفالة بأمر المدين‪ ،‬والهبة بشرط العوض‪ ،‬ثم يلزم‬
‫الطرف الخر بدفع البدل‪ ،‬فهي تبرع ابتداءً‪ ،‬معاوضةٌ انتهاءً‪.‬‬
‫‪ - 2‬السقاطات‪ :‬وهي ما يقصد بها إسقاط حق من الحقوق‪ ،‬سواء ببدل‪ ،‬أم بدون بدل‪.‬‬
‫فإن كان السقاط بدون بدل من الطرف الخر فهو السقاط المحض‪ ،‬كالطلق المجرد عن المال‪،‬‬
‫والعفو عن القصاص‪ ،‬والبراء عن الدين‪ ،‬والتنازل عن حق الشفعة‪ .‬وإن كان السقاط ببدل أو‬
‫عوض من الطرف الخر‪ ،‬فهو إسقاط المعاوضة‪ ،‬كالطلق على مال‪ ،‬والعفو عن القصاص بالدية‪.‬‬
‫‪ - 3‬الطلقات‪ :‬وهي إطلق الشخص يد غيره في العمل‪ ،‬كالوكالة وتولية الولة والقضاء‪ ،‬والذن‬
‫للمحجور عليه بالتصرف أو للصغير المميز بالتجارة‪ ،‬واليصاء‪ :‬وهو أن يعهد شخص لخر في أن‬
‫يتولى شؤون أولده القصر بعد وفاته‪.‬‬

‫( ‪)4/598‬‬

‫‪ - 4‬التقييدات‪ :‬وهي منع الشخص من التصرف‪ ،‬كعزل الولة والقضاة‪ ،‬ونظار الوقف‪ ،‬والوصياء‪،‬‬
‫والقوام على المحجور عليهم‪ ،‬والوكلء‪ ،‬وحجر الشخص عن التصرف بسبب الجنون أو العته أو‬
‫السفه أو الصغر‪.‬‬
‫‪ - 5‬التوثيقات‪( :‬أو التأمينات أوعقود الضمان)‪ :‬وهي التي يقصد بها ضمان الديون لصحابها وتأمين‬
‫الدائن على دينه‪ ،‬وهي الكفالة والحوالة والرهن‪.‬‬
‫‪ - 6‬الشتراك‪ :‬وهي التي يقصد بها المشاركة في العمل والربح‪ ،‬كعقود الشركات بأنواعها‪ ،‬ومنها‬
‫المضاربة‪ :‬وهي أن يدفع شخص لخر مبلغا من المال ليتجر فيه على أن يشتركا في الربح‪،‬‬
‫والخسارة على رب العمل‪ .‬ومنها المزارعة (تعهد الرض بالعناية) والمساقاة (تعهد الشجار بالسقي‬
‫ونحوه)‪.‬‬
‫‪ - 7‬الحفظ‪ :‬وهي التي يراد منها حفظ المال لصاحبه‪ ،‬كعقد اليداع‪ ،‬وبعض خصائص الوكالة‪.‬‬
‫التقسيم الرابع ـ بالنظر إلى العينية وعدمها ‪:‬‬
‫تنقسم العقود إلى عينية وغير عينية‪.‬‬
‫فالعقد العيني‪ :‬هو الذي ل بد فيه لتمام انعقاده وترتيب أثره من تسليم الشيء المعقود عليه عينا‪ .‬وهو‬
‫يشمل عقودا خمسة‪ :‬هي الهبة والعارة واليداع والرهن والقرض (‪ . )1‬فهذه العقود ل بد لتمامها‬
‫وترتب أثرها عليها من قبض المعقود عليه؛ لن هذه العقود ما عدا الرهن من التبرعات‪ ،‬والتبرع‬
‫إحسان‪ ،‬فل بد له من شيء يؤكده‪ ،‬وهو القبض‪ .‬وأما الرهن أي الرهن الحيازي فإنه شرع موصوفا‬
‫بالقبض في قوله تعالى‪{ :‬فرهان مقبوضة} [البقرة‪ ]283/2:‬والقبض عند الحنفية‪ :‬يتم بالتخلية أي بأن‬
‫يخلي المالك بين المعقود عليه والطرف الخر‪ ،‬برفع الحائل بينهما‪ ،‬على وجه يتمكن الخر من‬
‫الحيازة والتصرف في الشيء (‪. )2‬‬
‫والعقد غير العيني‪ :‬هو الذي يتم بمجرد الصيغة السليمة من العيوب ويترتب عليه أثره بدون حاجة‬
‫إلى القبض‪ .‬وهذا يشمل جميع العقود ماعدا العقود الخمسة السابقة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬يشترط منعا من الوقوع في الربا والستغلل قبض كل من العوضين في مجلس العقد في مبادلة‬
‫الموال الربوية ببعضها ( وهي عند الحنفية كل ما يباع كيلً أو وزنا ) كبيع النقود ببعضها وهو عقد‬
‫الصرف‪ ،‬وكبيع الحنطة بالحنطة أو الحنطة بالشعير‪ .‬ويشترط أيضا قبض الثمن ( رأس مال السلم )‬
‫في عقد السلم‪ :‬وهو بيع آجل بعاجل كبيع المنتجات الزراعية قبل حصادها في الموسم‪ ،‬وذلك في‬
‫مجلس العقد ذاته‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ .244/5 :‬وقال المالكية والشافعية‪ :‬قبض العقار كالرض والدور يتم بالتخلية‪ ،‬وقبض‬
‫المنقول كالمتعة والدواب يتم بحسب العرف الجاري بين الناس ( الشرح الكبير للدردير‪،145/3 :‬‬
‫المجموع‪ ،309-301/9:‬المهذب‪ ) 263/1 :‬وقال الحنابلة‪ :‬قبض كل شيء بحسبه‪ ،‬ويرجع فيه إلى‬
‫العرف ( المغني‪ 111/4 :‬ومابعدها )‪.‬‬

‫( ‪)4/599‬‬

‫التقسيم الخامس ـ باعتبار اتصال الثر بالعقد وعدم اتصاله ‪:‬‬


‫ينقسم العقد بحسب ترتب أثره عليه بمجرد انعقاده وعدم ترتب أثره في الحال إلى أنواع ثلثة‪ :‬هي‬
‫منجز‪ ،‬ومضاف‪ ،‬ومعلق‪.‬‬
‫‪ - 1‬العقد المنجز‪ :‬وهو ما صدر بصيغة غير معلقة على شرط ول مضافة إلى المستقبل‪ .‬وحكمه‪:‬‬
‫ترتب الثار عليه في الحال ما دام مستوفيا لركانه وشروطه المطلوبة فيه‪ .‬مثل‪ :‬بعتك هذه الرض‬
‫بكذا‪ ،‬وقبل الخر‪ .‬يترتب على هذا البيع تحقق أثره عليه في الحال‪ :‬وهو انتقال الملكية في العوضين‪.‬‬
‫والصل في العقود التنجيز في الحال أي أن آثارها تترتب عليها فور إنشائها ما عدا الوصية‬
‫واليصاء‪ ،‬فل يمكن بطبيعتهما أن يكون ناجزين‪ ،‬لضافتهما حتما لما بعد وفاة الموصي‪ .‬أما‬
‫الوصية‪ :‬فهي تمليك مضاف لما بعد الموت بالتبرع بشيء لجهة أو شخص ما‪ .‬وأما اليصاء‪ :‬فهو‬
‫إقامة وصي على أبنائه القاصرين بعد وفاة الولي‪.‬‬
‫‪ - 2‬العقد المضاف للمستقبل‪ :‬ما صدر بصيغة أضيف فيها اليجاب إلى زمن مستقبل‪ .‬مثل‪ :‬آجرتك‬
‫داري لسنة من مطلع الشهر القادم‪ .‬أنتِ طالق غدا أو بعد أسبوع‪.‬‬

‫( ‪)4/600‬‬

‫وحكمه‪ :‬أنه ينعقد في الحال‪ ،‬ولكن أثره ل يوجد إل في الوقت المحدد الذي أضيف إليه‪.‬‬
‫العقود بالنسبة للضافة ‪:‬‬
‫العقود عند الحنفية بالنسبة لقبولها الضافة أو عدم قبولها ثلثة أنواع‪:‬‬
‫الول ـ عقود ل تكون إل مضافة بطبيعتها‪ :‬وهي الوصية واليصاء كما تقدم‪ ،‬سواء أكانت منجزة‬
‫مثل‪ :‬أوصيت بكذا للفقراء أو لمسجد البلدة‪ ،‬أم معلقة مثل‪ :‬إن نجحت في المشروع الفلني فقد‬
‫أوصيت بمبلغ كذا للمشفى الفلني‪ .‬فإذا تحقق النجاح‪ ،‬لم يثبت حكم الوصية إل بعد الوفاة‪.‬‬
‫الثاني ـ عقود ل تقبل الضافة‪ ،‬وإنما تكون دائما ناجزة‪ :‬وهي عقود تمليكات العيان‪ ،‬كالبيع والهبة‬
‫والصلح على مال والبراء عن الدين‪ .‬ويلحق بها الزواج والشركة والقسمة والرجعة؛ لنها تتطلب‬
‫شرعا ثبوت آثارها في الحال‪ ،‬فإذا أضيفت للمستقبل تأخرت آثارها عنها‪ ،‬وذلك ينافي أصل وضعها‬
‫الشرعي‪ .‬فالبيع يوجب نقل الملكية في الحال‪ ،‬والزواج يفيد حل الستمتاع حالً‪ ،‬فل يصح تأخير‬
‫الثر عنهما‪.‬‬
‫الثالث ـ عقود تصح منجزة ومضافة للمستقبل‪ :‬فإذا كانت منجزة ترتب عليها أثرها في الحال‪ ، ،‬وإن‬
‫كانت مضافة تأخر أثرها إلى زمن الضافة‪ ،‬وهي (‪: )1‬‬
‫أولً ـ العقود الواردة على المنافع‪ :‬كالجارة والعارة والمزارعة والمساقاة‪.‬‬
‫ثانيا ـ اللتزامات أو التوثيقات‪ :‬كالكفالة والحوالة‪.‬‬
‫ثالثا ـ الطلقات‪ :‬كالوكالة والقضاء والوظائف والدارات والذن بالتجارة‪.‬‬
‫رابعا ـ السقاطات‪ :‬كالطلق والخلع من جانب الزوج‪ ،‬والوقف‪.‬‬
‫‪ - 3‬العقد المعلق على شرط‪ :‬هو ما صدر معلقا وجوده على أمر آخر بأحد أدوات الشرط‪ .‬مثل‪ :‬إن‬
‫سافرت فأنت وكيلي‪ .‬إذا قدم فلن من الحجاز فقد بعتك الشيء الفلني‪.‬‬
‫ويختلف المعلق على شرط عن المضاف للمستقبل في أن العقد المعلق ل ينعقد إل حين وجود الشرط‬
‫المعلق عليه‪ .‬أما المضاف للمستقبل فهو منعقد في الحال‪ ،‬ولكن آثاره ل يسري مفعولها إل في‬
‫المستقبل المضاف إليه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبيين الحقائق‪.134/4 :‬‬

‫( ‪)4/601‬‬

‫العقود بالنسبة للتعليق عند الحنفية ‪:‬‬


‫تنقسم العقود من هذه الناحية إلى ثلثة أنواع هي (‪: )1‬‬
‫النوع الول ـ عقود ل تقبل التعليق وهي ‪:‬‬
‫أولً ـ التمليكات المالية ما عدا الوصية‪ ،‬سواء أكانت واردة على العيان كالبيع والبراء‪ ،‬أم على‬
‫المنافع كالجارة والعارة‪ ،‬بطريق المعاوضة أم بطريق التبرع كالهبة؛ ل يصح تعليقها على شرط‬
‫متردد بين الوجود والعدم؛ لن الملكية ل بد أن تكون مستقرة جازمة ل تردد فيها‪ ،‬وإل شابهت‬
‫القمار‪.‬‬
‫ثانيا ـ المبادلت غير المالية‪ :‬كالزواج والخلع ل يصح تعليقهما على شرط‪ ،‬مثل‪ :‬تزوجتك إن نجحت‬
‫في شهادة كذا‪ ،‬وخالعتك إن رضي أخي؛ لنه ل بد من تحقق أثرها في الحال‪.‬‬
‫ثالثا ـ التقييدات كالرجعة وعزل الوكيل والحجر على الصبي المأذون له في التجارة‪.‬‬
‫رابعا ـ الرهن والقالة (فسخ العقد بالتراضي)‪ :‬ل يصح تعليقهما‪ ،‬مثل‪ :‬رهنتك هذه الدار إن رضي‬
‫والدي‪ .‬أقلتك من البيع إن وجدت مشتريا بثمن أعلى‪.‬‬
‫وقد عرفنا سابقا في بحث حرية الشتراط أن ابن تيمية وابن القيم من الحنابلة قال‪ :‬يصح تعليق‬
‫العقود والفسوخ والتبرعات واللتزامات بالشروط ول يمنع منها إل ما ورد بالنهي عنه نص من‬
‫الشارع‪.‬‬
‫النوع الثاني ـ عقود يصح فيها التعليق بأي شرط ملئم أم غير ملئم وهي‪:‬‬
‫أولً ـ السقاطات المحضة‪ :‬كالطلق والتنازل عن حق الشفعة‪.‬‬
‫ثانيا ـ الوكالة والوصية واليصاء‪.‬‬
‫ثالثا ـ اللتزامات التي يراد منها تقوية إرادة الملتزم‪ ،‬كالنذر واليمين‪ ،‬مثل‪ :‬إن نجحت في المتحان‬
‫فلله علي صوم أسبوع ولتصدقن بمبلغ كذا‪ .‬ووال لفعلن كذا إن انتصرنا على العدو‪.‬‬
‫النوع الثالث ـ عقود يصح تعليقها بالشرط الملئم دون سواه‪ .‬وهي الكفالة والحوالة والذن للصبي‬
‫بالتجارة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ ،‬الدر المختار‪ ،277/4 :‬فتح القدير‪.404/5 :‬‬

‫( ‪)4/602‬‬

‫والشرط الملئم‪ :‬هو ماكان مناسبا لمقتضى العقد‪ ،‬عرفا أو شرعا‪ ،‬بأن يكون أساسا لوجوده‪ ،‬أو سببا‬
‫لثبوت الحق‪ ،‬مثل‪ :‬إن أقرضت فلنا فأنا كفيله‪ ،‬إن لم أدفع دينك بعد شهر فقد أحلتك به على فلن‪ ،‬إن‬
‫أحسنت التجارة فقد أذنت لك بها‪.‬‬
‫أما غير الملئم فمثل‪ :‬إن نزل المطر فقد كفلت فلنا‪ ،‬أو أحلتك بدينك على فلن‪ ،‬أو أذنت لك‬
‫بالتجارة‪ ،‬وإن نجح ابني في شهادة كذا فقد كفلتك‪ .‬فمثل هذه الشروط غير المفيدة أو التي ل يظهر‬
‫فيها غرض صحيح تعد نوعا من العبث أو الهزل واللهو‪ ،‬ول تصح العقود مع الهزل‪.‬‬
‫المبحث السادس ـ الخيارات‬
‫عرفنا في المبحث السابق أن العقد اللزم‪ :‬هو الخالي من أحد الخيارات التي تسوغ لحد العاقدين‬
‫فسخه وإبطاله‪.‬‬
‫ومعنى الخيار‪ :‬أن يكون للمتعاقد الحق في إمضاء العقد أو فسخه‪ ،‬إن كان الخيار خيار شرط أو رؤية‬
‫أو عيب‪ .‬أو أن يختار أحد المبيعين إن كان الخيار خيار تعيين‪.‬‬
‫والخيارات سبعة عشر‪ ،‬سأجمل هنا الكلم عن ستة منها فقط‪ ،‬هي خيار المجلس‪ ،‬وخيار التعيين‪،‬‬
‫وخيار الشرط‪ ،‬وخيار العيب‪ ،‬وخيار الرؤية‪ .‬وقد شرعت الخيارات إما ضمانا لرضا العاقدين أو‬
‫حفظا لمصلحتهما‪ ،‬أو دفعا للضرر الذي قد يلحق أحد العاقدين‪ ،‬فهي مشروعة للضرورة أو للحاجة‬
‫إليها‪.‬‬
‫ومصدر الخيارات‪ :‬إما اتفاق العاقدين كخيار الشرط وخيار التعيين‪ .‬وإما حكم الشرع‪ ،‬كخيار العيب‬
‫وخيار الرؤثة‪ .‬وقد يعتبر خيار العيب ثابتا باشتراط المتعاقد ضمنا ل صراحة‪.‬‬
‫خيار المجلس عند الشافعية والحنابلة ‪:‬‬
‫خيار المجلس‪ :‬هو أن يكون لكل من العاقدين حق فسخ العقد ما داما في مجلس العقد‪ ،‬لم يتفرقا‬
‫بأبدانهما‪ ،‬أو يخير أحدهما الخر فيختار لزوم العقد‪.‬‬

‫( ‪)4/603‬‬

‫ومعنى هذا أن العقد ل يلزم إل بإنهاء مجلس العقد بالتفرق أو بالتخيير‪ .‬وليس ذلك في كل العقود‬
‫وإنما في العقود اللزمة من الجانبين فقط القابلة للفسخ وهي عقود المعاوضات المالية كالبيع بأنواعه‬
‫وصلح المعاوضة والجارة؛ لن الدليل المثبت له وهو الحديث ورد في البيع‪ ،‬فيقاس عليه ما في‬
‫معناه من عقود المعاوضات (‪. )1‬‬
‫وقد انقسم الفقهاء في شأنه فريقين‪:‬‬
‫‪ - 1‬فقال الحنفية والمالكية (‪ : )2‬يلزم العقد باليجاب والقبول‪ ،‬ول يثبت فيه خيار المجلس؛ لن ال‬
‫أمر بالوفاء بالعقود في قوله تعالى‪{ :‬أوفوا بالعقود} [المائدة‪ ]1/5:‬والخيار مناف لذلك‪ ،‬فإن الراجع عن‬
‫العقد لم يف به‪ ،‬ولن العقد يتم بمجرد التراضي‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪{ :‬إل أن تكون تجارة عن تراض‬
‫منكم} [النساء‪ ]29/4:‬والتراضي يحصل بمجرد صدور اليجاب والقبول‪ ،‬فيتحقق اللتزام من غير‬
‫انتظار لخر المجلس‪.‬‬
‫ولم يأخذوا بالحاديث الواردة في إثبات خيار المجلس لمنافاتها لعموم اليات القرآنية المذكورة‪ .‬وتأول‬
‫الحنفية حديث خيار المجلس «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» بأنه وارد في مرحلة ما قبل تمام العقد‪.‬‬
‫فالبيعان‪ :‬معناه المتساومان قبل العقد‪ ،‬إن شاءا عقدا البيع‪ ،‬وإن شاءا لم يعقداه‪ ،‬والمراد بالتفرق‪ :‬هو‬
‫التفرق بالقوال ل بالبدان‪ ،‬أي أن للموجب أن يرجع عن إيجابه قبل قبول الخر‪ ،‬وللخر الخيار‪ ،‬إن‬
‫شاء قبل في المجلس‪ ،‬وإن شاء رد‪ ،‬وهذا هو خيار القبول أو الرجوع‪.‬‬
‫ولكن يلحظ أن هذا التأويل ل معنى له؛ لن كل عاقد قبل إبرام العقد حر في القبول وعدمه‪ ،‬ويجعل‬
‫(أي هذا التأويل) الحديث عديم الفائدة‪ ،‬فل حاجة للمشرع لثبات مبدأ حرية النسان فيما يلتزم‪ ،‬فهو‬
‫أصل عام‪ ،‬والصل في كل إنسان عدم اللتزام‪ .‬فإذا لم يقبل الذي وجه له اليجاب ل يسمى ذلك‬
‫تفرقا وإنما اختلفا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المجموع للنووي‪ 186/9 :‬ومابعدها‪ ،‬ط العاصمة‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،134/5 :‬فتح القدير‪ ،78/5 :‬بداية المجتهد‪ 169/2 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الكبير مع‬
‫الدسوقي‪ ،81/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،274‬المنتقى على الموطأ‪. 55/5 :‬‬
‫( ‪)4/604‬‬

‫وحديث خيار المجلس ل يعارض آية المر بالوفاء بالعقود؛ لن المراد‬


‫بالعقود هي الكاملة اللزمة التي ل خيار فيها‪ ،‬ول يعارض أيضا آية {تجارة عن تراض} [النساء‪:‬‬
‫‪]29/4‬؛ لن هذا الخيار مشروع للتأكد من تمام التراضي‪.‬‬
‫‪ - 2‬وقال الشافعية والحنابلة المثبتون لخيار المجلس (‪ : )1‬إذا انعقد العقد بتلقي اليجاب والقبول يقع‬
‫العقد جائزا أي غير لزم‪ ،‬ما دام المتعاقدان في مجلس العقد‪ .‬ويكون لكل من العاقدين الخيار في فسخ‬
‫العقد أو إمضائه‪ ،‬ما داما مجتمعين في المجلس لم يتفرقا بأبدانهما‪ ،‬أو يتخايرا‪ .‬ويحد طبيعة التفرق‪:‬‬
‫العرف الشائع بين الناس في التعامل (‪ ، )2‬وهذا هو خيار المجلس‪.‬‬
‫واستدلوا على مشروعيته بالحديث الصحيح الثابت برواية البخاري ومسلم وهو أنه صلّى ال عليه‬
‫وسلم قال‪« :‬البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا‪ ،‬أو يقول أحدهما للخر‪ :‬اختر» (‪ )3‬أي اختر اللزوم‪ .‬وأما‬
‫التفرق فهو أن يتفرقا بأبدانهما‪ ،‬فلو أقاما في ذلك المجلس مدة متطاولة كسنة أو أكثر‪ ،‬أو قاما وتماشيا‬
‫مسافة‪ ،‬فهما على خيارهما‪ ،‬كما قال النووي‪ .‬والرجوع في التفرق إلى العادة‪ ،‬فما عده الناس تفرقا‬
‫فهو تفرق ملزم للعقد‪ ،‬وما ل فل (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،45 ،43/2 :‬المهذب‪ ،257/1 :‬المغني‪ ،563/3 :‬المجموع‪ ،196/9 :‬ط العاصمة‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال الحنابلة والشافعية‪ :‬يكون التفرق إما بالمشي أو بالصعود أو بالنزول‪ ،‬أو بالخروج من المكان‬
‫( غاية المنتهى‪ ،30/2 :‬المجموع للنووي‪.) 192/9 :‬‬
‫(‪ )3‬سبل السلم‪ 3/33 :‬ومابعدها‪ .‬قال ابن رشد المالكي‪ :‬وهذا حديث إسناده عند الجميع من أوثق‬
‫السانيد وأصحها‪ .‬وأثبت ابن حزم في المحلى تواتره أي رواية جمع غفير له‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخذ على هذا الرأي كونه يزعزع من قوة العقد الملزمة‪ ،‬وهو مبدأ خطير من أهم المبادئ‬
‫القانونية (مصادر الحق للسنهوري‪.)37/2 :‬‬

‫( ‪)4/605‬‬

‫خيار التعيين‪:‬‬
‫خيار التعيين (‪ : )1‬هو أن يكون للعاقد حق تعيين أحد الشياء الثلثة المختلفة في الثمن والصفة التي‬
‫ذكرت في العقد‪ .‬فإذا عين الواحد صار محل العقد معلوما بعد أن كان مجهولً بعض الجهالة‪.‬‬
‫وهو ل يثبت إل في عقود المعاوضات المالية التي تفيد نقل ملكية العيان كالبيع‪ ،‬والهبة بعوض‪،‬‬
‫والقسمة ونحوها‪.‬‬
‫ول يثبت هذا الخيار إل للمشتري فقط‪ ،‬على الرأي الراجح عند الحنفية‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء في مشروعيته‪ ،‬فمنعه الشافعي وأحمد وزفر من الحنفية لجهالة المبيع‪ ،‬والمبيع‬
‫يشترط أن يكون معلوما‪.‬‬
‫وأجازه أبو حنيفة وصاحباه استحسانا لحاجة الناس إليه‪ ،‬إذ قد يكون الشخص غير خبير بأحوال‬
‫المشتريات‪ ،‬فيحتاج إلى استشارة غيره ليأخذ الرفق والوفق له‪ .‬وقد يحتاج الشخص إلى توكيل غيره‬
‫بالشراء ويرغب في رؤية الشيء المشترى‪ ،‬ول يوافق التاجر على إخراج البضاعة من محله إل‬
‫بشراء واحد من اثنين أو ثلثة (‪ . )2‬وهذا معنى معقول وواقعي‪ ،‬محقق لمصلحة التاجر لكي تصبح‬
‫البضاعة المقبوضة مضمونة ل مجرد أمانة‪ ،‬ونافع للمشتري لتحقيق رغبته وميوله‪ ،‬وليس في جهالة‬
‫المبيع خطورة‪ ،‬لنها ل تفضي إلى النزاع‪ ،‬لتعيين ثمن كل صنف على حدة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع أحكام خيار التعيين في المواد ( ‪ ) 329 - 316‬من المجلة‪.‬‬
‫(‪ )2‬تبيين الحقائق للزيلعي‪ ،21/4 :‬البدائع‪.261/5 :‬‬

‫( ‪)4/606‬‬

‫شروطه ‪:‬‬
‫اشترط الحنفية القائلون بخيار التعيين شروطا ثلثة لصحته وهي (‪: )1‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون الخيار بين ثلثة أشياء على الكثر؛ لن أصناف الشياء تتراوح عادة بين الجيد‬
‫والوسط والرديء‪ ،‬فما زاد عن الثلثة ل يصح فيه الخيار‪ ،‬لعدم الحاجة إليه‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن تكون الشياء متفاوتة القيمة أو الوصف‪ ،‬وثمن كل منها محدد معين‪ ،‬فإن كانت الشياء‬
‫متحدة القيمة أو الوصف فل معنى للخيار بينها‪ .‬وإذا كان الثمن غير محدد لكل منها‪ ،‬كان مجهولً‪،‬‬
‫وجهالة الثمن تفسد البيع‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن تكون مدة الخيار معلومة‪ ،‬ل تزيد عن ثلثة أيام عند أبي حنيفة كخيار الشرط‪ ،‬فإن زادت‬
‫على ذلك فسد العقد‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬يكفي أن تكون المدة معلومة‪ ،‬وإن زادت عن ثلثة أيام‪.‬‬
‫أثر خيار التعيين ‪:‬‬
‫إذا اقتصر المشتري على ذكر خيار التعيين بدون خيار الشرط‪ ،‬كان العقد لزما تثبت به ملكية أحد‬
‫الشياء‪ ،‬وينحصر دور المشتري في اختيار أحد الشياء التي اشتراها‪ .‬وإن مات المشتري ورثه‬
‫ورثته في ممارسة حق الختيار‪.‬‬
‫فإن انضم إلى خيار التعيين خيار الشرط كان العقد غير لزم‪ ،‬ول يورث حق الخيار حينئذ‪ ،‬ويحق‬
‫للمشتري رد العقد بكامله (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الزيلعي‪ ،21/4 :‬البدائع‪ ،261/5 :‬فتح القدير‪ 130/5 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،268 ،261/5 :‬فتح القدير‪ :‬المكان السابق‪ ،‬و ‪.133‬‬

‫( ‪)4/607‬‬

‫انتهاء خيار التعيين ‪:‬‬


‫ينتهي خيار التعيين إما صراحة أو دللة أو حكما‪ ،‬كأن يقول‪ :‬قبلت هذا الشيء دون غيره‪ ،‬أو‬
‫تصرف في أحد الشياء تصرفا يدل على أنه اختاره‪ .‬أو هلك أحد الشياء في يد المشتري بعد‬
‫القبض‪ ،‬فيتعين الهالك مبيعا‪ ،‬وعليه ثمنه‪ ،‬والخر يكون أمانة في يده يجب رده إلى صاحبه (‪. )1‬‬
‫خيار الشرط‬
‫خيار الشرط (‪ : )2‬هو أن يكون لحد العاقدين أو لكليها أو لغيرهما الحق في فسخ العقد أو إمضائه‬
‫خلل مدة معلومة‪ ،‬كأن يقول المشتري للبائع‪ :‬اشتريت منك هذا الشيء على أني بالخيار مدة يوم أو‬
‫ثلثة أيام‪.‬‬
‫وشرع للحاجة إليه لدفع الغبن عن العاقد في العقود‪.‬‬
‫ويثبت فقط في العقود اللزمة القابلة للفسخ بتراضي الطرفين‪ ،‬ولو كان لزومها من جانب واحد‪،‬‬
‫وذلك كالبيع والجارة‪ ،‬والمزارعة والمساقاة‪ ،‬والشركة ومنها المضاربة‪ ،‬والقسمة‪ ،‬والكفالة والحوالة‪،‬‬
‫والرهن إذا اشترطه الراهن للزوم العقد من جانبه‪ ،‬ول حاجة للمرتهن لشتراطه؛ لن العقد بالنسبة‬
‫إليه غير لزم‪.‬‬
‫أما العقود غير اللزمة كالوكالة والعارة واليداع والهبة والوصية فل حاجة فيها لشتراط الخيار‪،‬‬
‫لنها بطبيعتها غير لزمة‪.‬‬
‫وأما العقود اللزمة التي ل تقبل الفسخ كالزواج والخلع والطلق فل يصح اشتراط الخيار فيها‪ ،‬لنه‬
‫يتعذر فسخها‪.‬‬
‫كذلك ل يصح اشتراط الخيار في عقد ي السلم والصرف؛ لن السلم يشترط لصحته قبض رأس مال‬
‫السلم في مجلس العقد‪ ،‬والصرف يشترط فيه قبض البدلين في المجلس‪ .‬وخيار الشرط يقتضي تأخير‬
‫القبض عن المجلس وإذا تأخر القبض عن المجلس فسد العقد‪ ،‬فل يصح اشتراط‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 261/5 :‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير‪.132/5 :‬‬
‫(‪ )2‬راجع أحكام خيار الشرط في المواد ( ‪ )309-300‬من مجلة الحكام العدلية‪.‬‬

‫( ‪)4/608‬‬

‫خيار فيهما (‪. )1‬‬


‫مدة الخيار‪ :‬اتفق جمهور الفقهاء غير المالكية على أن مدة الخيار المشروط ينبغي أن تكون معلومة‪،‬‬
‫فإن لم تكن له مدة‪ ،‬أو كانت المدة مجهولة‪ ،‬أو كان الخيار مؤبدا لم يصح العقد‪ ،‬وكان فاسدا عند‬
‫الحنفية (‪ ، )2‬وباطلً عند الشافعية والحنابلة (‪. )3‬‬
‫وقال المام مالك‪ :‬يجوز الخيار المطلق بدون تحديد مدة‪ ،‬ويحدد الحاكم له مدة كمدة خيار مثله في‬
‫العادة؛ لن اختيار المبيع في مثله مقدر في العادة‪ ،‬فإذا أطلق الخيار حمل على المعتاد‪ .‬ويفسد العقد‬
‫باشتراط مدة زائدة على المعتاد بكثير أي بعد يوم‪ ،‬أو بشرط مدة مجهولة كإلى أن تمطر السماء (‪)4‬‬
‫‪.‬‬
‫ثم اختلف الفقهاء في مقدار مدة الخيار على ثلثة أقوال‪:‬‬
‫ل بمقتضى الحديث الذي‬
‫‪ - 1‬فقال أبو حنيفة وزفر والشافعي (‪ : )5‬إنها ل تزيد على ثلثة أيام‪ ،‬عم ً‬
‫ثبتت به مشروعية هذا الخيار‪ ،‬وهو حديث حَبّان بن مُ ْنقِذ الذي كان يغبن في البيع والشراء‪ ،‬فشكا أهله‬
‫إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪« :‬إذا‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار لبن عابدين‪ 50/4 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،174/5 :‬رد المحتار‪.49/4 :‬‬
‫(‪ )3‬المهذب‪ ،259/1 :‬المغني‪. 589/3 :‬‬
‫(‪ )4‬بداية المجتهد‪ ،108/2 :‬الشرح الكبير‪.95/3 :‬‬
‫(‪ )5‬المبسوط‪ 40/13 :‬ومابعدها‪ ،‬البدائع‪ ،174/5 :‬فتح القدير‪ 110/5 :‬ومابعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪ ،47/2‬المجموع‪.201/9:‬‬
‫( ‪)4/609‬‬

‫بايعت فقل‪ :‬ل خلبة (‪ ، )1‬ولي الخيار ثلثة أيام» فهذا الخيار شرع استثناء لدفع الغبن عن الناس‪،‬‬
‫فيقتصر فيه على مورد النص‪ ،‬والنص جعل المدة ثلثة أيام‪ ،‬فل يزاد عليها‪ ،‬ولن الحاجة تتحقق‬
‫بالثلث غالبا‪.‬‬
‫فلو زاد عليها فسد العقد عند أبي حنيفة وزفر‪ ،‬ويعود صحيحا عند أبي حنيفة إذا ارتفع سبب الفساد‬
‫بإجازة العقد في مدة اليام الثلثة‪ ،‬وعند زفر‪ :‬الفاسد من العقود ل يعود صحيحا بحال‪ .‬ويبطل العقد‬
‫عند الشافعي‪.‬‬
‫‪ - 2‬وقال الصاحبان والحنابلة (‪ : )2‬تكون مدة الخيار بحسب اتفاق العاقدين‪ ،‬ولو كانت أكثر من‬
‫ثلثة أيام؛ لن الخيار شرع للتروي والمشورة‪ ،‬وقد ل تكفي اليام الثلثة‪ .‬والتحديد المذكور في‬
‫حديث حبان كان كافيا بالنسبة له بتقدير الرسول صلّى ال عليه وسلم ‪ .‬وما يكون كافيا لشخص قد ل‬
‫يكفي لغيره‪ ،‬فل يكون هذا التحديد ما نعا من الزيادة على المدة المذكورة‪.‬‬
‫‪ - 3‬وقال المالكية (‪ : )3‬يجوز الخيار بقدر ما تدعو إليه الحاجة‪ ،‬ويختلف ذلك باختلف الحوال‪،‬‬
‫فالفاكهة ل يجوز الخيار فيها أكثر من يوم‪ ،‬والثياب والدواب‪ :‬ثلثة أيام‪ ،‬والرض البعيدة‪ :‬أكثر من‬
‫ثلثة أيام‪ ،‬والدار ونحوها‪ :‬شهر؛ لن المفهوم من الخيار هواختبار المبيع‪ ،‬وإمكان الختبار يختلف‬
‫بحسب المبيعات‪ ،‬تحقيقا لحاجة العقد‪.‬‬
‫وتبدأ مدة الخيار بعد العقد مباشرة‪.‬‬
‫أثر خيار الشرط ‪:‬‬
‫لخيار الشرط أثران‪ :‬أحدهما متفق عليه‪ ،‬والخر مختلف فيه‪.‬‬
‫أما الثر المتفق عليه‪ :‬فهوجعل العقد غير لزم بالنسبة لمن له الخيار‪ .‬فيجوز له الفسخ في مدة‬
‫الخيار‪ ،‬وإمضاء العقد‪ ،‬وإذا مضت المدة بدون فسخ أو إمضاء سقط خياره ولزمه العقد‪.‬‬
‫ويصح الفسخ والمضاء بالقول الدال عليه مثل‪ :‬أجزت العقد أو أمضيته‪ ،‬أو رضيت به‪ ،‬أو فسخته‪،‬‬
‫كما يصح بالفعل الدال علىه أو المتضمن له‪ ،‬كالتصرف في المبيع بالبيع أو الجارة أو الرهن أو‬
‫العارة‪ ،‬سواء من البائع إذا كان له الخيار‪ ،‬أو من المشتري صاحب الخيار‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أي ل خديعة ول غبن أي ل يحل لك خديعتي ول تلزمني خديعتك‪ ،‬والحديث رواه الحاكم‬
‫والبيهقي والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ومالك في الموطأ عن ابن عمر (سبل السلم‪،35/3 :‬‬
‫نيل الوطار‪.)182/5 :‬‬
‫(‪ )2‬المبسوط‪ ،41/13 :‬فتح القدير‪ ،111/5 :‬البدائع‪ ،174/5 :‬المغني‪ ،585/3:‬غاية المنتهى‪.30/2 :‬‬
‫(‪ )3‬بداية المجتهد‪ ،207/2 :‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪ ،95 ،91/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.273‬‬

‫( ‪)4/610‬‬

‫ويشترط لصحة الفسخ شرطان (‪: )1‬‬


‫‪ - 1‬أن يكون في مدة الخيار‪ ،‬لن العقد يلزم بمضي مدة الخيار بل فسخ من صاحب الخيار‪.‬‬
‫‪ - 2‬علم الطرف الخر بالفسخ إذا كان الفسخ قوليا عند أبي حنيفة ومحمد منعا من إلحاق الضرر به‪،‬‬
‫فإنه إذا كان بائعا قد يسكت عن البحث عن مشتر آخر‪ ،‬اعتمادا على أن المشتري لم يفسخ العقد‪ ،‬وفي‬
‫هذا ضرر به‪ ،‬وإذا كان مشتريا فقد يتصرف في المبيع ظنا منه أن البائع لم يفسخ العقد‪ ،‬فيلحقه‬
‫الضمان‪ ،‬وفي هذا ضرر به‪ ،‬وبالعلم بالفسخ يمتنع لحوق هذا الضرر‪.‬‬
‫أما الفسخ الفعلي فل يشترط فيه علم الطرف الخر به لنه أمر حكمي‪ ،‬ول يشترط العلم في الفسخ‬
‫الحكمي كعزل الوكيل والشريك والمضارب بارتداده ولحاقه بدار الحرب‪ ،‬أو جنونه جنونا مطبقا‪.‬‬
‫وليشترط علم الطرف الخر بإجازة العقد‪.‬‬
‫وقال أبو يوسف والحنابلة (‪ : )2‬ل يشترط علم الطرف الخر بالفسخ أيضا؛ لن القبول بالخيار يدل‬
‫على تسليط صاحب الخيار على الفسخ‪ ،‬سواء علم الخر أم لم يعلم‪.‬‬
‫وأما الثر المختلف فيه‪ :‬فهو عدم ترتب أثر العقد عليه‪.‬‬
‫وهذا عند الحنفية (‪ )3‬والمالكية (‪ )4‬فالخيار عند هؤلء مانع من ترتب آثار العقد‪ ،‬فل تنتقل الملكية‬
‫عند أبي حنيفة في كل البدلين إذا كان الخيار للعاقدين أثناء مدة الخيار‪ ،‬أي أنه ل يزول المبيع عن‬
‫ملك البائع ول يدخل في ملك المشتري‪ ،‬كما ل يزول الثمن عن ملك المشتري ول يدخل في ملك‬
‫البائع؛ لن الخيار موجود في جانبي البائع والمشتري‪.‬‬
‫وإذا كان الخيار للبائع وحده ل تنتقل ملكية المبيع عنه‪ ،‬ويخرج الثمن عن ملك المشتري؛ لن العقد‬
‫لزم في حقه‪ ،‬ولكن ل يدخل في ملك البائع‪ ،‬حتى ل يجتمع البدلن (المبيع والثمن) في يد واحدة‪،‬‬
‫لمنافاته لمبدأ التعادل بين العاقدين‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬يدخل الثمن في ملك البائع؛ لن الشيء ل يصح أن يكون بل مالك‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،273/5 :‬تبيين الحقائق‪.18/4 :‬‬
‫(‪ )2‬المرجعان السابقان‪ ،‬غاية المنتهى‪.31/2 :‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ 264/5 :‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير‪ 115/5 :‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار وحاشية ابن عابدين‪:‬‬
‫‪.51/4‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪ ،103/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.273‬‬

‫( ‪)4/611‬‬

‫وإذا كان الخيار للمشتري وحده فل يخرج الثمن عن ملكه‪ ،‬وأما المبيع فيخرج عن ملك البائع ول‬
‫يدخل في ملك المشتري عند أبي حنيفة‪ ،‬ويدخل في ملكه عند الصاحبين‪.‬‬
‫وقرر المالكية‪ :‬أن ملك المبيع للبائع زمن الخيار‪ ،‬حتى ينقضي الخيار‪.‬‬
‫ووجهة هذا الفريق‪ :‬أن من شرط الخيار لنفسه لم يتم رضاه بالعقد‪ ،‬والثار ل توجد إل مع الرضا‬
‫التام‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة في أظهر الرأيين عندهم (‪ : )1‬تترتب آثار العقد عليه في فترة الخيار‪ ،‬وتنتقل‬
‫ملكية البدلين للطرفين المتعاقدين‪ ،‬سواء أكان الخيار للعاقدين أم لحدهما؛ لن العقد نافذ‪ ،‬فتترتب‬
‫أحكامه (آثاره) عليه‪ .‬وأثر الخيار محصور في منع اللزوم فقط‪.‬‬
‫وتظهر ثمرة الخلف بين الفريقين في مؤونة (نفقة) المعقود عليه والزيادة فيه‪ ،‬فعلى رأي الحنفية‬
‫والمالكية‪ :‬تكون المؤونة في مدة الخيار على البائع والزيادة له‪ .‬وعلى رأي الخرين‪ :‬تكون المؤونة‬
‫على المشتري والزيادة له‪.‬‬
‫انتهاء خيار الشرط ‪:‬‬
‫العقد المشتمل على الخيار غير لزم‪ ،‬وبانتهاء الخيار إما أن يزول العقد‪ ،‬أو يصبح لزما‪ .‬وينتهي‬
‫الخيار بأحد المور التالية (‪: )2‬‬
‫‪ - 1‬إمضاء العقد أو فسخه في مدة الخيار‪ ،‬سواء أكان ذلك بالقول أم بالفعل كما تقدم‪.‬‬
‫‪ - 2‬مضي مدة الخيار دون إجازة (إمضاء) أو فسخ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،48/2 :‬المهذب‪ ،259/1 :‬المغني‪ ،571/3 :‬غاية المنتهى‪ ،32/2 :‬القواعد لبن‬
‫رجب‪ :‬ص ‪.377‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،272-267/5 :‬المبسوط‪ ،44-42/13 :‬فتح القدير‪ ،125 -117 :‬الدر المختار‪،52/4 :‬‬
‫‪.57‬‬

‫( ‪)4/612‬‬
‫‪ - 3‬هلك المعقود عليه أو تعيبه في يد صاحب الخيار‪ ،‬فإن كان الخيار للبائع مثلً بطل البيع وسقط‬
‫الخيار‪ ،‬وإن كان الخيار للمشتري ل يبطل البيع‪ ،‬ولكن يسقط الخيار‪ ،‬ويلزم البيع‪ ،‬ويجب على‬
‫المشتري دفع الثمن‪ ،‬سواء أكان الهلك أو التعيب بفعل المشتري أو بفعل البائع‪ ،‬أو بآفة سماوية‪.‬‬
‫‪ - 4‬زيادة المعقود عليه في يد المشتري إذا كان الخيار له‪ :‬زيادة متصلة متولدة منه كسمن الحيوان‪،‬‬
‫أم غير متولدة منه كالبناء على الرض وصباغة الثوب‪ .‬أو زيادة منفصلة متولدة منه كولد الحيوان‬
‫وثمرة البستان‪ .‬أما الزيادة المنفصلة غير المتولدة منه كالجرة فل تبطل الخيار ول تمنع الرد‪.‬‬
‫‪ - 5‬موت المشروط له الخيار عند الحنفية والحنابلة (‪ : )1‬لن خيار الشرط كخيار الرؤية ل يورث‬
‫عندهم لنه حق شخصي خاص بصاحبه‪ ،‬ول يتصور انتقال ذلك من شخص إلى آخر‪.‬‬
‫وقال المالكية والشافعية (‪ : )2‬ل يسقط الخيار بالموت‪ ،‬بل ينتقل إلى الورثة؛ لنه حق متعلق بالمال‬
‫وهو المعقود عليه‪ ،‬وليس من الحقوق الشخصية‪ ،‬والحقوق المالية يجري فيها الرث‪ ،‬لقوله صلّى ال‬
‫عليه وسلم ‪« :‬من ترك مالً أو حقا فلورثته» (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ ،579/3 :‬غاية المنتهى‪.33/2 :‬‬
‫(‪ )2‬بداية المجتهد‪ ،209/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،273‬المهذب‪ ،259/1 :‬مغني المحتاج‪.45/2 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن المقدام بن معد يكرب بلفظ‪« :‬من ترك مالً فلورثته‪( »..‬نيل‬
‫الوطار‪.)62/6 :‬‬

‫( ‪)4/613‬‬

‫خيار العيب‬
‫خيار العيب (‪ : )1‬هو أن يكون لحد العاقدين الحق في فسخ العقد أو إمضائه إذا وجد عيب في أحد‬
‫البدلين‪ ،‬ولم يكن صاحبه عالما به وقت العقد‪.‬‬
‫فسبب هذا الخيار‪ :‬هو ظهور عيب في المعقود عليه أو في بدله ينقص قيمته أو يخل بالغرض‬
‫المقصود منه‪ ،‬ولم يكن صاحبه مطلعا على العيب عند التعاقد‪ ،‬فسمي خيار العيب‪.‬‬
‫وثبوت هذا الخيار مشروط دللة أو ضمنا؛ لن سلمة المعقود عليه أو بدله مطلوبة للعاقد‪ ،‬وإن لم‬
‫يشترطها صراحة‪ .‬فإذا لم تتوافر السلمة اختل رضا العاقد بالعقد‪ ،‬والرضا أساس العقود‪ ،‬فشرع له‬
‫الخيار لتدارك الخلل الحادث‪.‬‬
‫وإذا لم تتوافر السلمة لم يتحقق أيضا مبدأ التعادل في التبادل الذي تقوم عليه عقود المعاوضات‪،‬‬
‫فشرع هذا الخيار حفاظا على مبدأ المساواة هذا‪.‬‬
‫وقد أثبت الشرع هذا الخيار لمن فوجئ بالعيب بأحاديث نبوية متعددة منها‪« :‬المسلم أخو المسلم‪ ،‬ل‬
‫يحل لمسلم باع من أخيه بيعا‪ ،‬وفيه عيب‪ ،‬إل بيّنه له» (‪ ، )2‬ومر النبي صلّى ال عليه وسلم برجل‬
‫يبيع طعاما‪ ،‬فأدخل يده فيه فإذا هو مبلول‪ ،‬فقال‪« :‬من غشنا فليس منا» ‪.‬‬
‫ويثبت خيار العيب وخيار الرؤية في العقود اللزمة التي تحتمل الفسخ‪ ،‬كعقد البيع‪ ،‬واليجار‪ ،‬وقسمة‬
‫العيان والصلح على عوض عيني‪.‬‬
‫العيب الموجب للخيار‪ :‬هو عند الحنفية والحنابلة (‪ : )3‬كل ما يخلو عنه أصل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع أحكام العيب في المواد (‪ )355 -336‬من المجلة‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن ماجه عن عقبة بن عامر (نيل الوطار‪.)211/5 :‬‬
‫(‪ )3‬فتح القدير مع العناية‪ ،153 ،151/5 :‬البدائع‪ ،274/5 :‬الدر المختار وحاشيته‪ ،74/4 :‬المغني‪:‬‬
‫‪ ،152/4‬غاية المنتهى‪.35/2 :‬‬

‫( ‪)4/614‬‬

‫الفطرة السليمة ويوجب نقصان القيمة في عرف التجار نقصانا فاحشا أو يسيرا كالعمى والعور‪ ،‬وهذا‬
‫التعريف ذو معيار مادي‪ .‬وعند الشافعية (‪ )1‬ذو معيار شخصي‪ ،‬وهو‪ :‬كل ما ينقص القيمة أو يفوت‬
‫به غرض صحيح‪ ،‬كجماح الدابة‪ ،‬أو قطع شيء من أذن الشاة المشتراة للضحية‪ ،‬أو ضيق الحذاء‬
‫المشترى‪.‬‬
‫شروط ثبوت خيار العيب‪ :‬يشترط لثبوت خيار العيب بعد الطلع على العيب شروط وهي (‪: )2‬‬
‫‪ - 1‬وجود العيب قبل العقد‪ ،‬أو بعده قبل التسليم أي أن يكون قديما‪ .‬فلو حدث العيب بعد التسليم‪،‬أو‬
‫عند المشتري ل يثبت الخيار‪.‬‬
‫‪ - 2‬جهل المشتري بوجود العيب عند العقد والقبض‪ .‬فإن كان عالما به عند أحدهما فل خيار له‪ ،‬لنه‬
‫يكون راضيا به دللة‪.‬‬
‫‪ - 3‬عدم اشتراط المالك البراءة عن العيوب في محل العقد‪ ،‬فلو شرط ذلك فل خيار للمشتري‪ ،‬لنه‬
‫إذا أبرأه فقد أسقط حق نفسه‪.‬‬
‫‪ - 4‬أل يزول العيب قبل الفسخ‪.‬‬
‫هذا ويلحظ أن الحنفية صححوا البيع بشرط البراءة من كل عيب‪ ،‬وإن لم تعين العيوب بتعداد‬
‫أسمائها‪ ،‬سواء أكان المشترط جاهلً وجود العيب في المبيع أم عالما بعيب المبيع‪ .‬وسواء أكان العيب‬
‫موجودا قبل البيع أم حادثا بعده قبل القبض‪ .‬وهذا في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف‪.‬‬
‫وقال محمد ومالك والشافعي وهو المعمول به في قانوننا المدني‪ :‬يشمل شرط‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪.51/2 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ 275/5 :‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير‪.153/5 :‬‬

‫( ‪)4/615‬‬

‫البراءة‪ :‬العيب الموجود عند العقد فقط‪ ،‬ل الحادث بعد العقد وقبل القبض؛ لن البراءة تتناول الشيء‬
‫الثابت الموجود‪.‬‬
‫كذلك ل تصح البراءة عند المالكية والشافعية وفي رواية عند الحنابلة (‪ )1‬إل عن عيب ل يعلم به‬
‫البائع‪ ،‬أما ما يعلم به فل تصح البراءة عنه‪.‬‬
‫وقت خيار العيب‪ :‬يثبت خيار العيب متى ظهر العيب ولو بعد العقد بزمن طويل‪ .‬أما فسخ العقد بعد‬
‫العلم بالعيب فورا أو على التراخي ففيه رأيان للفقهاء‪:‬‬
‫قال الحنفية والحنابلة (‪ : )2‬خيار الرد بالعيب على التراخي‪ ،‬ول يشترط أن يكون رد المبيع بعد العلم‬
‫بالعيب على الفور‪ .‬فمتى علم العيب فأخر الرد‪ ،‬لم يبطل خياره حتى يوجد منه ما يدل على الرضا؛‬
‫لن هذا الخيار شرع لدفع الضرر‪ ،‬فل يبطل بالتأخير؛ ولن الحقوق إذا ثبتت ل تسقط إل بإسقاطها‬
‫أوبانتهاء الوقت المحدد لها‪ ،‬وليس لهذا الحق وقت محدد‪.‬‬
‫وقال المالكية والشافعية (‪ : )3‬يجب الفسخ على الفور بعد العلم بالعيب‪ .‬والمراد بالفور‪ :‬ما ل يعد‬
‫تراخيا في العادة‪ ،‬فلو اشتغل بصلة أو أكل ونحوه ل يعد متراخيا‪ .‬والسبب في اشتراط الفور‪ :‬هو أل‬
‫يلحق العاقد الخر ضررمن التأخير‪ ،‬فإذا تأخر في رد المعقود عليه بدون عذر سقط حقه ولزم العقد‪.‬‬
‫حكم العقد المشتمل على خيار عيب ‪:‬‬
‫حكم العقد أو أثره حال وجود شيء معيب‪ :‬هو ثبوت الملك للمتملك في‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪ ،123/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،265‬مغني المحتاج‪ ،53/2 :‬المغني‪:‬‬
‫‪ ،178/4‬غاية المنتهى‪.27/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ ،93/4 :‬المغني‪ ،144/4 :‬غاية المنتهى‪.41/2 :‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،56/2 :‬المهذب‪ ،274/1 :‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪.120/3 :‬‬

‫( ‪)4/616‬‬

‫محل العقد للحال؛ لنه إذا لم تتوافر سلمة المعقود عليه تأثر العقد في لزومه‪ ،‬ل في أصل حكمه‪،‬‬
‫بخلف خيار الشرط؛ لن الشرط المنصوص عليه ورد على أصل الحكم‪ ،‬فمنع انعقاده بالنسبة للحكم‬
‫أو الثر في مدةالخيار (‪. )1‬‬
‫وأثر خيار العيب هو جعل العقد غير لزم بالنسبة لمن ثبت له الخيار (‪ ، )2‬فله إما الرضا بالمعقود‬
‫عليه كما هو‪ ،‬وحينئذ يسقط الخيار ويلزم العقد‪ ،‬وإما رده إلى مالكه الول‪ ،‬وحينئذ يبطل العقد‪.‬‬
‫وهل له الحتفاظ بالمعقود عليه والمطالبة بفرق النقصان بسبب العيب؟‬
‫قرر الحنفية (‪ : )3‬أنه ليس للمتملك الرجوع بنقصان العيب أو الحط من ثمن المبيع ما دام الرد‬
‫ممكنا؛ لن المالك ل يلزم بدفع قيمة النقصان إل برضاه دفعا للضرر عنه‪.‬‬
‫فإن تعذر الرد كان لصاحب الخيار الرجوع بالنقصان بشرط أن يكون امتناع الرد بسبب ليس‬
‫لصاحب الخيار دخل فيه‪ ،‬كهلك محل العقد‪ ،‬أو تعيبه بعيب جديد‪ ،‬أو تغير صورته بحيث أصبح له‬
‫اسم جديد‪ ،‬أو زيادته زيادة منفصلة متولدة منه‪ ،‬كالولد والثمرة‪ ،‬وذلك دفعا للضرر بقدر المكان‪.‬‬
‫ويجوز الحط من قيمة المبيع لقاء العيب بتراضي الطرفين‪.‬‬
‫وطريقة معرفة النقصان‪ :‬أن يقوّم المعقود عليه سليما من العيب‪ ،‬ثم يقوّم على أنه معيب‪ ،‬ويكون‬
‫الفرق بين القيمتين هو النقصان‪ ،‬فيرجع به‪ .‬فإذا كانت قيمته سليما ألفين‪ ،‬وقيمته معيبا ألفا‪ ،‬رجع‬
‫بنصف الثمن الذي تم به الشراء‪.‬‬
‫أما إذا كان امتناع الرد بسبب من جهة المشتري كأن باع الشيء أو وهبه أو وقفه لم يكن له الرجوع‬
‫بالنقصان‪.‬‬
‫وكذلك إن رضي بالعيب صراحة أو دللة ليس له الرجوع بالنقصان؛ لن الرضا بالعيب كما يمنع‬
‫الفسخ يمنع الرجوع بنقصان العيب‪ ،‬إذ به يتبين أن السلمة من العيب لم تكن مطلوبة‪.‬‬
‫كيفية فسخ العقد ورد المعقود عليه ‪:‬‬
‫إذا كان المعقود عليه ما يزال في يد صاحبه أي قبل قبضه من الخر‪ ،‬فينفسخ العقد بقول العاقد‬
‫الخر‪( :‬رددت)‪ ،‬ول يحتاج إلى قضاء القاضي‪ ،‬ول إلى التراضي‪ ،‬باتفاق الحنفية والشافعية‪.‬‬
‫وأما إن قبضه المتملك فل ينفسخ إل بالتراضي أو بقضاء القاضي عند الحنفية (‪ )4‬لرفع النزاع الذي‬
‫قد يقع بين العاقدين بسبب احتمال كون العيب جديدا عند القابض‪ ،‬فل يوجب الرد‪ ،‬أو كونه قديما عند‬
‫المالك الصلي‪ ،‬فيوجب الرد‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة (‪ : )5‬ينفسخ العقد بقول المتملك‪( :‬رددت) بغير حاجة إلى التراضي أو قضاء‬
‫القاضي‪ ،‬كالفسخ بخيار الشرط أو خيار الرؤية؛ لن خيار العيب يجعل العقد غير لزم بالنسبة‬
‫لصاحب الخيار‪ ،‬وغير اللزم يجوز فسخه بغير حاجة إلى رضا العاقد الخر‪ ،‬ول إلى قضاء‬
‫القاضي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.273/5 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪.274/5 :‬‬
‫(‪ )3‬فتح القدير‪ 164 ،159/5 :‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار‪ ،94/4 :‬اللباب شرح الكتاب‪ ،21/2 :‬تبيين‬
‫الحقائق‪ 34/4 :‬ومابعدها‪ ،‬البدائع‪.289/3 :‬‬
‫(‪ )4‬البدائع‪.281/5 :‬‬
‫(‪ )5‬مغني المحتاج‪ ،57/2 :‬المهذب‪ ،284/1 :‬غاية المنتهى‪.41/2 :‬‬

‫( ‪)4/617‬‬

‫موانع الرد بالعيب وسقوط الخيار ‪:‬‬


‫يمتنع الرد بالعيب ويسقط الخيار بعد ثبوته ويلزم العقد بأسباب وهي ما يأتي (‪: )1‬‬
‫‪ - 1‬الرضا بالعيب بعد العلم به‪ :‬إما صراحة كقوله‪ :‬رضيت بالعيب‪ ،‬أو أجزت العقد‪ ،‬أو دللة‬
‫كالتصرف في المعقود عليه تصرفا يدل على الرضا بالعيب‪ ،‬كبيعه أو هبته أو رهنه أو إيجاره‪ ،‬أو‬
‫استعماله بأي وجه كلبس وركوب‪ ،‬أو مداواته‪ ،‬أو صباغته وتفصيله شيئا آخر‪ ،‬أو البناء على‬
‫الرض‪ ،‬أو طحن الحنطة أو شيّ اللحم‪ ،‬أو وصول عوض العيب إليه‪ ،‬ونحو ذلك؛ لن الرضا بالعيب‬
‫بعد العلم به دليل على أن سلمة المعقود عليه ليست مقصودة له‪ ،‬فل يكون هناك معنى لثبات الخيار‬
‫له‪.‬‬
‫‪ - 2‬إسقاط الخيار‪ :‬صراحة كقوله‪ :‬أسقطت خياري‪ ،‬أو دللة كأن أبرأه من العيب الذي ظهر في‬
‫المعقود عليه؛ لن خيار العيب حقه فله أن يتنازل عنه‪.‬‬
‫‪ - 3‬هلك المعقود عليه‪ ،‬أو تعيبه بعيب جديد في يد صاحب الخيار‪ ،‬أو تغيره تغيرا تاما‪ ،‬كطحن‬
‫الحنطة‪ ،‬وخبز الدقيق‪ ،‬ونحوه‪.‬‬
‫‪ - 4‬زيادة المعقود عليه في يد صاحب الخيار زيادة متصلة غير متولدة من الصل كالبناء أو الغرس‬
‫على الرض‪ ،‬وصبغ الثوب‪ ،‬أو زيادة منفصلة متولدة من الصل كالولد والثمرة‪.‬‬
‫أما الزيادة المتصلة المتولدة من الصل كالسمن والكبر‪ ،‬والزيادة المنفصلة غير المتولدة كالغلة‬
‫والكسب‪ ،‬فل تمنع الرد بالعيب‪.‬‬
‫وامتناع الرد في الصورة الولى سببه تعذر فصل الزيادة‪ ،‬ول يرد معها لنها حق صانعها‪.‬‬
‫وامتناع الرد في الصورة الثانية‪ ،‬سببه أن المتملك لو ر ّد الصل دونها‪ ،‬تبقى له دون مقابل‪ ،‬وهو‬
‫ممنوع شرعا‪ ،‬لنه ربا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،291 ،284-282/5 :‬الدر المختار وحاشيته‪،103 ،101 ،99 ،94 ،89-85 ،82/4 :‬‬
‫مجمع الضمانات‪ :‬ص ‪ 219‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير‪.164/5 :‬‬

‫( ‪)4/618‬‬

‫إرث خيار العيب ‪:‬‬


‫اتفق الفقهاء على أنه يورث خيار العيب وخيار التعيين‪ ،‬لتعلق الحق بذات المعقود عليه‪ ،‬فلو مات‬
‫صاحب الخيار لم يسقط الخيار‪ ،‬وينتقل الحق لورثته؛ لن المورث استحق المعقود عليه سليما من‬
‫العيب‪ ،‬ولزمه أحد الشياء في خيار التعيين‪ ،‬فل يجبر الوارث على أخذه معيبا‪ ،‬وإنما يثبت له ما ثبت‬
‫لمورثه‪ .‬وفي خيار التعيين يلزم الوارث بما لزم المورث‪.‬‬
‫وأما خيار الشرط وخيار الرؤية فل يورثان عند الحنفية (‪ )1‬خلفا للمالكية والشافعية؛ لن الخيار‬
‫متعلق بإرادة العاقد ومشيئته‪ ،‬فهو من الحقوق الشخصية التي لتقبل النتقال من شخص لخر‬
‫بالوراثة (‪. )2‬‬
‫ومنشأ الخلف بين الحنفية والجمهور في إرث الخيار راجع إلى اختلفهم في إرث الحقوق‪.‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬الصل أن يورث المال دون الحقوق‪ ،‬إل ما قام دليله من إلحاق الحقوق بالموال‪.‬‬
‫وقال الجمهور‪ :‬الصل أن تورث الحقوق والموال‪ ،‬إل إذا قام دليل على وجود اختلف بين الحق‬
‫والمال بالنسبة للرث‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من ترك حقا أو مالً فلورثته» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬ويوافقهم الحنابلة في عدم إرث خيار الشرط كما تقدم‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،268/5 :‬بداية المجتهد‪ ،209/2 :‬المجموع للنووي‪ ،196/9 :‬حاشية الباجوري‪،160/1 :‬‬
‫غاية المنتهى‪ ،33 ،30/2 :‬المغني‪.579/3 :‬‬

‫( ‪)4/619‬‬

‫خيار الرؤية‬
‫خيار الرؤية(‪ : )1‬هو أن يكون للمشتري الحق في إمضاء العقد أوفسخه عند رؤية المعقود عليه‪ ،‬إذا‬
‫لم يكن رآه عند إنشاء العقد أو قبله بوقت ل يتغير فيه عادة‪.‬‬
‫فسبب هذا الخيار‪ :‬عدم رؤية محل العقد حين التعاقد أو قبله‪ ،‬فإذا كان قد رآه سقط خياره‪.‬‬
‫وثبت هذا الخيار عند القائلين به بحكم الشرع من غير حاجة لشتراطه في العقد‪ ،‬بخلف خيار‬
‫الشرط والتعيين‪ ،‬فإنهما مشروطان في العقد‪.‬‬
‫ويثبت كخيار العيب في العقود اللزمة التي تحتمل الفسخ كبيع الشيء المعين بالذات‪ ،‬والجارة‪،‬‬
‫وقسمة الموال القيمية كالراضي والدواب‪ ،‬والصلح على عين بعوض معين‪ .‬أما بيع الشيء المعين‬
‫بالوصف كما في عقد السلم (بيع آجل بعاجل) فل يثبت فيه خيار الرؤية‪.‬‬
‫مشروعيته ‪:‬‬
‫أجاز جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة والظاهرية) (‪ )2‬خيار الرؤية في بيع العين الغائبة أو‬
‫غير المرئية‪ ،‬بدليل ما يروى حديثا‪« :‬من اشترى شيئا لم‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع أحكام خيار الرؤية في المجلة في المواد (‪.)334-320‬‬
‫(‪ )2‬المبسوط‪ 69/13 :‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير مع العناية‪ ،140-137/5 :‬البدائع‪ ،292/5 :‬رد المحتار‪:‬‬
‫‪ ،68/4‬بداية المجتهد‪ ،154/2 :‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪ 25/3 :‬ومابعدها‪ .‬المغني‪580/3 :‬‬
‫ومابعدها‪ .‬المحلى‪.394/8 :‬‬

‫( ‪)4/620‬‬

‫يره‪ ،‬فهو بالخيار إذا رآه» (‪ )1‬ويؤيده أن عثمان بن عفان باع أرضا له بالبصرة لطلحة ابن عبد ال‬
‫رضي ال عنهما‪ ،‬ولم يكونا رأياها‪ ،‬فقيل لعثمان‪ :‬غبنت‪ ،‬فقال‪« :‬لي الخيار؛ لني بعت ما لم أره» ‪.‬‬
‫وقيل لطلحة إنك قد غبنت‪ ،‬فقال‪« :‬لي الخيار‪ ،‬لني اشتريت ما لم أره» (‪ )2‬فحكما في ذلك جبير بن‬
‫مطعم‪،‬فقضى بالخيار لطلحة‪.‬‬
‫وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي ال عنهم‪ ،‬ولم ينكر عليه أحد‪ ،‬فكان إقرارا منهم على شرعية‬
‫هذا الخيار‪.‬‬
‫واحتجوا أيضا بأن الشخص قد يحتاج إلى شراء شيء غائب عنه‪ ،‬يجعل له الخيار عند رؤيته دفعا‬
‫للضرر عنه حينما يجد المعقود عليه غير موافق لغرضه أو لمقصوده‪ ،‬وتحقيقا لرضاه المطلوب في‬
‫العقود‪.‬‬
‫وأما ما قد يكون من جهالة في المعقود عليه فل تؤثر في صحة العقد‪ ،‬لنها ل تفضي إلى النزاع‬
‫بسبب إعطاء الخيار لمن لم ير محل العقد‪.‬‬
‫وقال الشافعي في المذهب الجديد (‪ : )3‬ل ينعقد بيع الغائب أصلً‪ ،‬سواء أكان بالصفة‪ ،‬أم بغير‬
‫الصفة‪ ،‬ول يثبت خيار الرؤية؛ لن في العقد غررا وجهالة قد تفضي إلى النزاع بين العاقدين‪ ،‬وقد‬
‫نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن بيع الغرر (‪ . )4‬وأما حديث «من اشترى ما لم يره» فهو‬
‫حديث ضعيف كما قال البيهقي أو باطل كما قال الدارقطني‪.‬‬
‫من يثبت له خيار الرؤية ‪:‬‬
‫يثبت خيار الرؤية عند الحنفية والمالكية للمتملك‪ ،‬كالمشتري في البيع‪ ،‬والمستأجر في اليجار‪ ،‬أما‬
‫المملك فل يثبت له هذا الخيار‪ ،‬وهو البائع والمؤجر‪ ،‬عملً بما قضى به جبير بن مطعم بين عثمان‬
‫وطلحة‪ ،‬ولن المملك يعرف ما يملكه عادة‪ ،‬فل ضرورة لثبوت الخيار له‪ .‬فإذا باع ما لم يره‪ ،‬وهو‬
‫أمر نادر‪ ،‬كان مقصرا في حق نفسه‪ ،‬فل يستحق المطالبة بفسخ العقد‪ .‬أما المتملك فلم يتمكن من‬
‫رؤية محل العقد‪ ،‬ول سبيل إليه‪ ،‬فكان من المصلحة منحه الخيار‪.‬‬
‫وأثبت الحنابلة والظاهرية خيار الرؤية للمملك كالبائع إذا باع ما لم ير‪.‬‬
‫وقت ثبوت الخيار ‪:‬‬
‫يثبت الخيار للمشتري عند رؤية المعقود عليه‪ ،‬ل قبلها‪ ،‬فلو أجاز العقد قبل الرؤية‪ ،‬ل يلزم العقد‪ ،‬ول‬
‫يسقط الخيار‪ ،‬وله أن يرد المعقود عليه؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلم أثبت الخيار للمشتري بعد‬
‫الرؤية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬روي مسندا ومرسلً‪ ،‬فالمسند رواه الدارقطني عن أبي هريرة‪ ،‬والمرسل رواه ابن أبي شيبة‬
‫والدارقطني والبيهقي عن مكحول‪ ،‬وهو ضعيف (نصب الراية‪.)9/4 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطحاوي والبيهقي عن علقمة بن أبي وقاص (نصب الراية‪.)9/4 :‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ 18/2 :‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪.263/1 :‬‬
‫(‪ )4‬روى الجماعة إل البخاري عن أبي هريرة «أن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة‬
‫وعن بيع الغرر» (نيل الوطار‪.)147/5 :‬‬

‫( ‪)4/621‬‬

‫أما لو فسخ العقد قبل الرؤية صح الفسخ‪ ،‬ل من أجل الخيار‪ ،‬وإنما لن العقد غير لزم‪ ،‬وغير اللزم‬
‫يجوز فسخه كالعقد الذي فيه خيار العيب‪ ،‬وعقد العارة واليداع (‪. )1‬‬
‫شروط ثبوت الخيار‪ :‬يشترط لثبوت الخيار شروط‪ ،‬وإل كان العقد لزما وهي (‪: )2‬‬
‫‪ - 1‬عدم رؤية محل العقد عند إنشاء العقد أو قبله بزمن ل يتغير فيه‪ ،‬فإن كان قد رآه قبل العقد ل‬
‫يثبت له الخيار‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون محل العقد عينا معينة أو مشخصة من العيان كالرض والدار والدابة والسيارة‪ ،‬إذا‬
‫وصفت بما ينفي عنها الجهالة المفضية إلى النزاع؛ لن للناس أغراضا خاصة في العيان‪ ،‬فيثبت‬
‫الخيار لينظر المتملك هل يصلح له أو ل؟ ويظل له الخيار ولو وافق الوصف عند الحنفية‪.‬‬
‫أما المعين بالوصف ل بالذات بأن كان دينا موصوفا في الذمة كالمسلم فيه (المبيع المؤجل لموسم‬
‫الحصاد) فل يثبت فيه خيار الرؤية؛ لن المعقود عليه الموصوف إن وجد بأوصافه المتفق عليها لزم‬
‫العقد‪ ،‬وإن تخلف وصف منها لم يتحقق لعدم وجود محله‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون العقد مما يقبل الفسخ كما تقدم‪ ،‬كالبيع والجارة والقسمة والصلح عن دعوى المال‬
‫ونحوها؛ لن هذه العقود تنفسخ برد هذه الشياء‪ ،‬فيثبت فيهاخيار الرؤية‪.‬‬
‫أما ما ل يقبل الفسخ كالزواج والخلع والصلح عن دم العمد ونحوها‪ ،‬فل يثبت فيها خيار الرؤية بسبب‬
‫عدم رؤية المهر أو بدل الخلع أو عوض الصلح إذا كان شيئا معينا كدار وأرض معينة‪.‬‬
‫كيفية الرؤية ‪:‬‬
‫الرؤية قد تكون لجميع المعقود عليه‪ ،‬أو لبعضه (رؤية النموذج)‪ ،‬والضابط فيه‪ :‬أنه يكفي رؤية ما‬
‫يدل على المقصود‪ ،‬ويفيد المعرفة به (‪ . )3‬وذلك بأي حاسة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.295/5 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ 292/5 :‬ومابعدها‪ ،298 ،‬المبسوط‪ ،72/13،77 :‬فتح القدير‪ ،298/5 :‬الدر المختار‪:‬‬
‫‪.70/4‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،293/5 :‬الدر المختار وحاشيته‪.68/4 :‬‬

‫( ‪)4/622‬‬
‫من الحواس بحسب طبيعة محل العقد‪ ،‬فإن كان من المطعومات يكون العلم به بالذوق‪ ،‬وإن كان من‬
‫المشمومات كالروائح كانت معرفته بالشم‪ ،‬وإن كان من الملموسات كالقمشة كان العلم به باللمس‪.‬‬
‫وإن كان من المرئيات كالدور والراضي والحبوب كان العلم به بواسطة النظر بالنسبة للبصير‪.‬‬
‫أما العمى فهو كالبصير في غير المرئيات‪ ،‬وأما في المرئيات فيكتفى منه بوصف الشيء وصفا‬
‫كافيا‪ .‬ويجوز عند الحنفية للبصير والعمى التوكيل بالنظر والرؤية (‪. )1‬‬
‫وبناء عليه ل يكفي رؤية بعض حجُرات الدار‪ ،‬بل ل بد من رؤية بيوتها كلها‪ ،‬ورؤية كل الرض‬
‫والبستان ونحوهما‪ .‬ول يكفي رؤية شاة من قطيع‪ ،‬بل ل بد من رؤية القطيع كله‪.‬‬
‫وإذا كان الشيء يباع عدديا كالجوز والفجل والثياب فل تكفي رؤية البعض‪ ،‬بل لبد من رؤية الكل‪.‬‬
‫وإذا كان الشيء من المثليات التي تباع كيلً أو وزنا كالحبوب والقطان أو كان مغيبا في الرض‬
‫كالثوم والبصل‪ ،‬فيكتفى برؤية بعض الجزاء أو الوحدات‪ ،‬وهو المسمى بالبيع بالنموذج‪.‬‬
‫أثر خيار الرؤية ‪:‬‬
‫يكون العقد الوارد على العين الغائبة أو غير المرئية غير لزم لمن ثبت له الخيار‪ ،‬فيخير بين الفسخ‬
‫والجازة عند رؤية المعقود عليه؛ لن عدم الرؤية يمنع تمام الصفقة‪ ،‬ولن جهالة وصف المعقود‬
‫عليه تؤثر في رضا المتملك فيثبت له الخيار‪ ،‬سواء أكان المعقود عليه موافقا للوصف المتفق عليه‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،295/5 :‬فتح القدير‪.145/5 :‬‬

‫( ‪)4/623‬‬

‫أم مخالفا له‪ ،‬وهذا مذهب الحنفية (‪. )1‬‬


‫وقال الحنابلة والمالكية والشيعة المامية (‪ : )2‬العقد لزم للمتملك إذا وجد المعقود عليه مطابقا‬
‫للوصف المتفق عليه‪ ،‬فإن كان مخالفا لما وصف‪ ،‬ثبت له الخيار‪.‬‬
‫وأما حكم العقد أو أثر الخيار‪ :‬فل يمنع نقل الملكية في البدلين‪ ،‬أي ل أثر لخيار الرؤية على العقد‪،‬‬
‫فتنتقل ملكية المعقود عليه للمتملك‪ ،‬وملكية العوض للمالك فور تمام العقد باليجاب والقبول‪ .‬وبهذا‬
‫يختلف خيار الرؤية عن خيار الشرط عند الحنفية والمالكية‪ ،‬كما تقدم‪ .‬وسبب التفرقة بينهما أن العقد‬
‫في خيار الرؤية صدر مطلقا غير مقيد بشرط‪ ،‬وكان المفهوم أن يكون لزما‪ ،‬لكنه ثبت من جهة‬
‫الشرع‪ .‬أما خيار الشرط فقد ثبت باشتراط العاقدين‪ ،‬فكان له أثره في العقد يمنع استقرار حكمه في‬
‫الحال‪.‬‬
‫كيفية فسخ العقد ‪:‬‬
‫ل يتوقف الفسخ بخيار الرؤية على التراضي أو قضاء القاضي‪ ،‬ويكون بالقول وبالفعل صراحة أو‬
‫دللة‪ ،‬مثل فسخت العقد أو رددته‪ ،‬أو أن يتصرف بالمعقود عليه بالبيع أو الهبة ونحوهما‪ ،‬أو أن يهلك‬
‫المعقود عليه قبل القبض (‪. )3‬‬
‫ويشترط للفسخ شروط هي (‪: )4‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون الخيار موجودا‪ ،‬فإن سقط لزم العقد‪.‬‬
‫‪ - 2‬أل يترتب على الفسخ تفريق الصفقة على المالك‪ ،‬برد بعض المعقود عليه وإجازة العقد في‬
‫البعض الخر؛ لن في التفريق ضررا به‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يعلم المالك بالفسخ ليكون على بينة من أمره وأمر سلعته ليتصرف فيها كما يريد‪ .‬وهذا عند‬
‫أبي حنيفة ومحمد‪ ،‬وأما أبو يوسف فل يشترط ذلك‪ ،‬كما تقدم في خيار الشرط‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،292/5 :‬فتح القدير‪.137/5 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ ،582/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،256‬المختصر النافع‪ :‬ص ‪.146‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪.298/5 :‬‬
‫(‪ )4‬البدائع‪.298/5 :‬‬

‫( ‪)4/624‬‬

‫مدة خيار الرؤية ‪:‬‬


‫الصح عند الحنفية (‪ : )1‬أن خيار الرؤية يثبت مطلقا في جميع العمر إلى أن يوجد ما يسقطه‪ ،‬أي‬
‫أنه ل يتوقت بوقت‪ ،‬بل متى ثبت فإنه يستمر إلى أن يحدث ما يسقطه؛ لنه حق من الحقوق‪،‬‬
‫والحقوق ل تسقط إل بإسقاطها‪ ،‬أو بانتهاء المد المحدد لها‪ ،‬ولن سببه اختلل الرضا‪ ،‬والحكم يبقى‬
‫ما بقي سببه‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )2‬يكون خيار الرؤية على الفور‪.‬‬
‫مايسقط به خيار الرؤية ‪:‬‬
‫يسقط خيار الرؤية في الصل بما يسقط به خيار الشرط وخيار العيب وهو ما يأتي (‪: )3‬‬
‫‪ - 1‬ما يدل على الرضا بالعقد صراحة أو دللة‪ :‬فالصريح أن يقول‪ :‬أجزت العقد أو أمضيته أو‬
‫رضيت به ونحو ذلك‪ .‬والدللة على الرضا‪ :‬أن يتصرف في المعقود عليه بعد الرؤية ل قبلها تصرفا‬
‫يدل على الجازة والرضا بالعقد كقبض الشيء‪ ،‬والنتفاع به‪ ،‬وبيعه أو إجارته‪ ،‬أو رهنه أوهبته‪.‬‬
‫والسبب في اشتراط كون التصرف بعد الرؤية‪ :‬هو أن الخيار حق أثبته الشارع بعد الرؤية‪ ،‬والحقوق‬
‫ل تسقط قبل ثبوتها‪.‬‬
‫واستثناء من هذا المبدأ قالوا بسقوط الخيار ولو قبل الرؤية في البيع والجارة والوقف‪ ،‬والرهن والهبة‬
‫مع التسليم‪ ،‬ونحوها من التصرفات الباتة التي يترتب عليها حق للغير‪.‬‬
‫‪ - 2‬هلك محل العقد‪ ،‬أو تعيبه بعيب يمنع الرد‪ ،‬سواء أكان بفعل العاقد أم بفعل شخصي أجنبي عن‬
‫العقد‪ ،‬أم بآفة سماوية‪.‬‬
‫‪ - 3‬زيادة المعقود عليه بعد القبض زيادة تمنع الرد‪ ،‬وهي الزيادة المتصلة غير المتولدة من الصل‬
‫كالبناء وصبغ الشيء‪ ،‬والزيادة المنفصلة المتولدة منه كالولد واللبن والصوف‪.‬‬
‫أما الزيادة المتصلة المتولدة منه كالسمن والكبر‪ ،‬والزيادة المنفصلة غير المتولدة منه كالغلة‪ ،‬فإنها ل‬
‫تمنع الرد‪.‬‬
‫‪ - 4‬موت صاحب الخيار‪ ،‬سواء قبل الرؤية أم بعدها‪ .‬فل يورث خيار الرؤية عند الحنفية والحنابلة (‬
‫‪ )4‬كخيار الشرط؛ لن الخيار مجرد رغبة ومشيئة أو حق شخصي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،141/5 :‬البدائع‪ ،295/5 :‬الدر المختار ورد المحتار‪.67/4 :‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪.581/3 :‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،297 -295/5 :‬فتح القدير‪.149 ،141/5 :‬‬

‫(‪ )4‬تبيين الحقائق‪ ،30/4 :‬غاية المنتهى‪.33/2 :‬‬

‫( ‪)4/625‬‬

‫وقال مالك (‪ : )1‬يورث خيار الرؤية كما يورث خيار التعيين والعيب؛ لن الرث يثبت في الحقوق‬
‫والموال المملوكة على السواء‪.‬‬
‫وهذا أقرب إلى المنطق؛ لن الوارث يخلف المورث في كل ما ترك من مال وحقوق ومنها حق‬
‫الخيار (‪. )2‬‬
‫خيار النقد‬
‫خيار النقد (‪ : )3‬هو أن يتبايع اثنان على أنه إذا لم ينقد المشتري الثمن في مدة معينة‪ ،‬فل بيع بينهما‪،‬‬
‫فإذا نقد المشتري الثمن في المدة المحددة تم البيع‪ ،‬وإذا لم ينقده فيها كان البيع فاسدا‪.‬‬
‫ويصح أن يكون خيار النقد للبائع أيضا‪ ،‬كما لو تبايع اثنان وقبض البائع الثمن‪ ،‬وقال‪ :‬إذا رددت الثمن‬
‫في مدة ثلثة أيام‪ ،‬فل بيع بيننا‪ ،‬فإن رده فسد البيع‪ ،‬وإن لم يرده تم العقد‪.‬‬
‫وقد أجاز أبو حنيفة وصاحباه خلفا لزفر هذا الخيار استحسانا لحاجة الناس إليه‪ ،‬ولنه في الحقيقة‬
‫نوع من خيار الشرط‪ .‬ويؤيده أن ابن عمر أجازه (‪. )4‬‬
‫مدته‪ :‬قال أبو حنيفة‪ :‬أقصى مدة هذا الخيار ثلثة أيام‪ .‬وقال الصاحبان‪ :‬يجوز إلى أربعة أيام فأكثر‪.‬‬
‫ول يورث هذا الخيار عند الحنفية؛ لنه حق شخصي‪ .‬لكن إذا كان الختيار للبائع في رد الثمن‪،‬‬
‫فمات في أثناء المدة يلزم البيع بموته‪ ،‬لنه تحقق عدم الرد بموته‪.‬‬
‫وإن كان الخيار للمشتري في نقد الثمن فمات في مدة الخيار‪ ،‬بطل البيع بموته‪ ،‬لنه تحقق عدم نقد‬
‫الثمن بموته‪ ،‬فيبطل العقد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪.145/3 :‬‬
‫(‪ )2‬الموال ونظرية العقد لستاذنا المرحوم محمد يوسف موسى‪ :‬ص ‪.487 ،477‬‬
‫(‪ )3‬راجع أحكامه في المواد (‪ )315-313‬من مجلة الحكام العدلية‪.‬‬
‫(‪ )4‬فتح القدير‪ ،132/5 :‬الدر المختار ورد المحتار‪.51/4 :‬‬

‫( ‪)4/626‬‬

‫المبحث السابع ـ انتهاء العقد ‪:‬‬


‫ينتهي العقد إما بالفسخ‪ ،‬أو بالموت‪ ،‬أو بعدم الجازة في العقد الموقوف‪ ،‬وانتهاء العقد بالفسخ له‬
‫حالت‪ .‬وأما الموت فقد تنتهي به بعض العقود‪.‬‬
‫انتهاء العقد بالفسخ ‪:‬‬
‫فسخ العقد‪ :‬قد يكون برفعه من أصله كما في حالة الخيارات وهو اللغاء‪ ،‬وقد يكون بوضع نهاية له‬
‫بالنسبة للمستقبل كما في العارة والجارة‪ ،‬وهو الفسخ بالمعنى الشائع‪.‬‬
‫والفسخ في العقود غير اللزمة واضح‪ ،‬تقرره طبيعة العقد ذاته‪ ،‬سواء في العقود غير اللزمة من‬
‫الجانبين كاليداع والعارة والشركة والوكالة‪ ،‬فلكل من الطرفين الفسخ متى أراد‪ ،‬ما لم يتعلق‬
‫بالوكالة حق الغير‪ ،‬كما بان في بحث الوكالة‪ ،‬أم في العقود اللزمة من جانب‪ ،‬وغير اللزمة من‬
‫الجانب الخر‪ ،‬كالرهن والكفالة‪ ،‬فللمرتهن فسخ الرهن دون رضا الراهن‪ .‬وللمكفول له وهو الدائن‬
‫فسخ الكفالة دون رضا المدين‪.‬‬
‫وأما الفسخ في العقود اللزمة فله حالت وهي‪:‬‬
‫‪ ً 1‬ـ الفسخ بسبب فساد العقد‪ :‬إذا وقع العقد فاسدا كبيع المجهول أو البيع المؤقت بمدة‪ ،‬وجب فسخه‬
‫إما من طريق العاقدين‪ ،‬أو من طريق القاضي‪ ،‬إل إذا وجد مانع من الفسخ كأن يبيع المشتري ما‬
‫اشتراه أو يهبه‪ .‬وحينئذ يجب على المشتري دفع قيمة المبيع يوم قبضه‪ ،‬ل الثمن المتفق عليه‪.‬‬
‫ً‪ ً 2‬ـ بسبب الخيار‪ :‬يجوز لصاحب الخيار في خيار الشرط أو العيب أو الرؤية ونحوها فسخ العقد‬
‫بمحض إرادته‪ ،‬إل في خيار العيب بعد القبض عند الحنفية ل يجوز الفسخ فيه إل بالتراضي أو‬
‫بقضاء القاضي‪.‬‬
‫‪ ً 3‬ـ بالقالة‪ :‬القالة هي فسخ العقد بتراضي الطرفين‪ ،‬إذا ندم أحدهما وأراد الرجوع عن العقد‪.‬‬
‫وهي مندوبة لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من أقال نادما بيعته أقال ال عثرته يوم القيامة» (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه البيهقي عن أبي هريرة‪ ،‬ورواه أيضا ابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال‪:‬‬
‫صحيح على شرط الشيخين (نصب الراية‪.)30/4 :‬‬

‫( ‪)4/627‬‬

‫‪ ً 4‬ـ لعدم التنفيذ‪ :‬يجوز الفسخ لعدم تنفيذ الطرف الخر التزامه في حالة خيار النقد‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫ويجوز الفسخ بسبب استحالة التنفيذ لفة سماوية (قوة قاهرة أو ظروف طارئة بتعبير القانونيين) وذلك‬
‫في عقد البيع في حالة هلك المبيع قبل التسليم‪ .‬أي في يد البائع قبل أن يتسلمه المشتري‪ ،‬وفي عقد‬
‫الجارة في حالة طروء أعذار من جانب المؤجر أو المستأجر أو العين المؤجرة عند الحنفية‪ ،‬كلحوق‬
‫دين فادح بالمؤجر ل سبيل لوفائه إل ببيع المأجور وأداء الدين من ثمنه‪ ،‬وإفلس المستأجر‪ ،‬أو انتقاله‬
‫من حرفة إلى حرفة‪ ،‬وهجرة أهل القرية بعد استئجار حمام في قرية ليستغله المنتفع المستأجر‪.‬‬
‫‪ ً 5‬ـ لنتهاء مدة العقد أو تحقيق غرضه‪ :‬ينفسخ العقد من نفسه وينتهي بانتهاء مدته أو بتحقيق‬
‫الغرض المقصود من العقد‪ ،‬وذلك كانتهاء مدة عقد اليجار المعينة‪ ،‬وسداد الدين في عقدي الرهن‬
‫والكفالة‪ ،‬وتنفيذ الوكيل المهمة الموكل بها‪.‬‬
‫انتهاء العقد بالموت ‪:‬‬
‫تنتهي طائفة من العقود بموت أحد العاقدين‪ ،‬منها نماذج مما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الجارة‪ :‬تنتهي الجارة عند الحنفية (‪ )1‬بموت أحد العاقدين‪ ،‬بالرغم من أنها عقد لزم من‬
‫الطرفين‪ ،‬أي أن العقد ينفسخ من نفسه بالموت‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،222 ،201/4 :‬تبيين الحقائق‪ ،144/5 :‬تكملة فتح القدير‪.220/7 :‬‬

‫( ‪)4/628‬‬

‫وقال غير الحنفية (‪ : )2‬ل تنتهي الجارة أو ل تنفسخ بموت أحد العاقدين‪ .‬وسبب الخلف راجع‬
‫لتصور كيفية انعقاد الجارة‪ ،‬فعند الحنفية‪ :‬تنعقد الجارة في المنافع بحسب حدوثها شيئا فشيئا‪ ،‬أي أن‬
‫المستأجر يتملك المنفعة تدريجيا مع مضي المدة‪ ،‬فما يحدث من منفعة بعد موت المالك ل يكون‬
‫مملوكا له‪ ،‬فل يصح بقاء العقد عليه‪ .‬وعند غير الحنفية‪ :‬تعتبر المنفعة كأنها موجودة حال العقد‪،‬‬
‫ويتملك المستأجر المنافع بالعقد دفعة واحدة ملكا لزما‪ ،‬فيورث عنه‪ ،‬كما يورث الشيء المبيع‪ ،‬فتكون‬
‫الجارة كالبيع ل يبطل بموت أحد العاقدين‪ .‬وهذا ما أخذ به القانون المدني السوري في المادة (‬
‫‪.)568‬‬
‫‪ - 2‬الرهن والكفالة‪ :‬هما من العقود اللزمة من جانب واحد هو الدائن المرتهن أو المكفول له‪ .‬فإذا‬
‫مات الراهن بيع الرهن بواسطة وصيه وقضي منه دينه إن كان ورثته صغارا‪ .‬فإن كانوا كبارا خلفوا‬
‫الميت في المال‪ ،‬وكان عليهم تخليص الرهن بقضاء الدين (‪ . )3‬وأما الكفالة‪ :‬فإذا كانت كفالة بالدين‬
‫فل تنتهي بموت المدين الصيل‪ ،‬وإنما تنتهي بأحد أمرين‪ :‬أداء الدين إلى الدائن‪ ،‬أو البراء من‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،227/2 :‬الشرح الكبير للدردير‪ ،30/4 :‬المهدب‪ ،406/1 :‬المغني‪.456/5 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ ،369/5 :‬ط الحلبي‪.‬‬

‫( ‪)4/629‬‬

‫الدين‪ .‬وإذا مات الكفيل يؤخذ الدين من تركته‪ .‬وإن كانت كفالة بالنفس فتنتهي بموت الصيل المكفول‬
‫بنفسه‪ ،‬وبموت الكفيل‪ ،‬للعجز عن إحضار المكفول عنه (‪. )1‬‬
‫‪ - 3‬الشركة والوكالة‪ :‬هما من العقود غير اللزمة من الجانبين‪ .‬وينتهيان بالموت‪ ،‬فالشركة تنفسخ‬
‫بموت أحد الشريكين‪ ،‬سواء علم الخر بالموت أم لم يعلم (‪ . )2‬وكذلك الوكالة تنفسخ بموت الوكيل‬
‫أو الموكل‪ ،‬سواء علم الطرف الخر بموت صاحبه أم لم يعلم (‪. )3‬‬
‫‪ - 4‬المزارعة والمساقاة (‪ : )4‬عقدان غير لزمين من الجانبين‪ ،‬لم يجزهما أبو حنيفة‪ ،‬وأجاز‬
‫الشافعية المساقاة‪ ،‬والمزارعة تبعا للمساقاة‪ ،‬وأجازهما المالكية بشروط منها المساواة بين المالك‬
‫والعامل في الربح‪.‬‬
‫وأجازهما الحنابلة والصاحبان مطلقا‪ .‬وعلى هذا الرأي ينفسخ العقد بموت صاحب الرض أو العامل‬
‫(المزارع أوالمساقي) ‪ ،‬سواء قبل العمل والزراعة أم بعدهما‪ ،‬وسواء أكان الزرع أو الثمر قد آن‬
‫حصاده وجنيه أم ل (‪ . )5‬لكن إذا مات صاحب الرض قبل نضج الزرع تترك الرض بيد المزارع‬
‫إلى الحصاد مراعاة لمصلحة الطرفين‪ .‬وإذا مات العامل فلورثته المضي في العمل إلى الحصاد‪.‬‬
‫انتهاء العقد بعدم إجازة الموقوف ‪:‬‬
‫ينتهي العقد الموقوف إذا لم يجزه صاحب الشأن‪ ،‬كما بان في بحث عقد الفضولي ول تصح الجازة‬
‫كما عرفنا إذا مات الفضولي أو من تعاقد معه‪ ،‬فينتهي العقد حينئذ قبل الجازة‪ .‬وللفضولي نفسه فسخ‬
‫العقد قبل الجازة دفعا للعهدة عن نفسه (‪. )6‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 11/6 :‬ومابعدها‪ ،13 ،‬الدر المختار‪.285 ،261/4 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،78/6 :‬المبسوط‪ ،212/11 :‬فتح القدير‪.34/5 :‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،38/6 :‬تكملة فتح القدير والعناية‪ 126/6 :‬ومابعدها‪ ،‬المبسوط‪.13/19 :‬‬
‫(‪ )4‬المزارعة‪ :‬عقد على زرع الرض بنسبة معين شائعة من المحصول‪ .‬والمساقاة‪ :‬عقد على العناية‬
‫بأشجار الفاكهة بنسبة معلومة شائعة من الناتج‪.‬‬
‫(‪ )5‬البدائع‪ ،185/6 :‬الهداية‪ ،48 ،45/4 :‬ط الخيرية‪ ،‬غاية المنتهى‪.184/2 :‬‬
‫(‪ )6‬البدائع‪. 151 ،148/5 :‬‬

‫( ‪)4/630‬‬

‫صلُ الخامس‪ :‬المؤيّدَات الشّرعية‬


‫ال َف ْ‬
‫المؤيدات الشرعية‪ :‬هي الحكام أو التدابير التي شرعت ل لتنظيم علقات الناس‪ ،‬وإنما لحمل الناس‬
‫على طاعة أحكام الشريعةالصلية (‪. )1‬‬
‫فالحكام الصلية‪ :‬هي التي تنظم علقات الناس بوضع الواجبات وبيان المحظورات‪ .‬فهي غاية‬
‫التشريع لقامة مجتمع أخلقي متضامن قوي سعيد‪ .‬وضمانا لحترام تلك الحكام الصلية شرعت‬
‫المؤيدات‪ :‬وهي الحكام الموضوعة لحماية الحكام الصلية‪.‬‬
‫وهذه المؤيدات إما ترغيبية أو ترهيبية‪.‬‬
‫فالترغيبية‪ :‬هي التي وضعت لترغيب الناس بتطبيق أحكام الشريعة كالمكافآت التشجيعية لمن يقدم‬
‫للجماعة عونا في أمر حربي يحقق النصر‪.‬‬
‫والترهيبية‪ :‬هي التي وضعت لمنع الناس من مخالفة أوامر ونواهي الشريعة‪ .‬وهذه نوعان‪ :‬إما‬
‫مؤيدات مدنية أو مؤيدات تأديبية‪ .‬والمؤيد المدني أقوى تأثيرا من المؤيد التأديبي‪ ،‬وأشد منعا للمخالفة‬
‫بسلب التصرف نتائجه‪ ،‬واعتباره ملغى‪ .‬أما المؤيد التأديبي فبالرغم من تأثيره الزاجر القامع للجريمة‬
‫قد يتجرأ الناس على نظامه‪ ،‬فيقترفون الجريمة ويرضون بالعقوبة‪.‬‬
‫أولً ـ المؤيدات المدنية ‪:‬‬
‫يتمثل دور المؤيدات المدنية في إلغاء التصرف المخالف لنظام الشريعة‪ ،‬إما إلغاءً كليا وهو البطلن‪،‬‬
‫وإما إلغاءً فرعيا وهو الفساد‪ ،‬وإما وضعه في طريق اللغاء‪ :‬وهو التوقف حماية لمصلحة الغير‪ ،‬أو‬
‫التخيير لسلب اللزوم عن العقد حماية لمبدأ التعادل أو التوازن‪ ،‬أو لتوفير الرضا السليم‪.‬‬
‫وقد سبق بحث هذه المؤيدات الربعة (البطلن‪ ،‬الفساد‪ ،‬التوقف‪ ،‬التخيير)‪.‬‬
‫وأكتفي هنا ببيان أهم الفروق وأوجه التشابه بين البطلن والفساد‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المدخل الفقهي للستاذ الزرقاء‪ :‬ف ‪. 310 ، 309‬‬

‫( ‪)4/631‬‬

‫أهم الفروق بين البطلن والفساد ‪:‬‬


‫تظهر الفوارق بين الباطل والفاسد فيما يأتي (‪: )1‬‬
‫‪ - 1‬السبب‪ :‬إن سبب البطلن هو وجود مخالفة لنظام الشريعة في ناحية جوهرية كالخلل الذي‬
‫يصيب أحد مقومات العقد الساسية (العاقد‪ ،‬والمعقود عليه‪ ،‬والصيغة) أو أحد شرائط النعقاد‪،‬‬
‫كصدور العقد من عديم الهلية بسبب الصغر أو الجنون وعدم قابلية المحل المعقود عليه للتصرف‬
‫كبيع الموال العامة والوقاف‪ ،‬والزواج بالمحارم‪ ،‬وعدم الشهاد في عقد الزواج‪ ،‬وعدم تسليم‬
‫المعقود عليه في العقود العينية كالهبة ونحوها‪.‬‬
‫أما سبب الفساد‪ ،‬فهو مخالفة العقد لنظامه الشرعي في ناحية فرعية متممة‪.‬‬
‫وقد تبين أن أسباب الفساد ستة يمكن إيجازها في أربعة‪ :‬وهي الجهالة الفاحشة‪ ،‬كبيع شاة من قطيع‪،‬‬
‫وغرر الوصف كبيع بقرة على أنها حامل أو تحلب كذا رطلً‪ ،‬والكراه على رأي جمهور الحنفية‬
‫(عدا زفر) الذين يعتبرونه مفسدا للعقد‪.‬وأما زفر فيعتبره موقفا للعقد‪ ،‬ورأيه أوجه وأصح‪ .‬والشرط‬
‫المفسد في المعاوضات المالية كالبيع واليجار والشركة‪ :‬وهو الشرط التقييدي الممنوع شرعا‬
‫كالتوقيت في البيع‪ ،‬وعدم التقابض في عقد الصرف‪ ،‬والضرر الذي يلحق البائع بتسليم محل العقد‬
‫كبيع جذع من سقف وذراع من ثوب يضره التبعيض‪.‬‬
‫‪ - 2‬الحكم أو الثر‪ :‬ل يترتب على الباطل أي أثر أصلً‪ ،‬فهوكالمعدوم سواء‪ ،‬فل تنتقل الملكية في‬
‫العوضين في عقد البيع مثلً‪ ،‬ول يترتب على الزواج الباطل حل الستمتاع والنفقة والتوارث‪.‬‬
‫لكن استثناء من ذلك‪ :‬يعتبر المبيع المقبوض في البيع الباطل مضمونا بالمثل أو بالقيمة إذا تلف أيا‬
‫كان سبب التلف‪ ،‬وليس مجرد أمانة ل تضمن حال التلف إل بالتعدي أو بالتقصير في الحفظ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع المبسوط‪ ،23/13 :‬البدائع‪ ،304 ،299/5 :‬فتح القدير مع العناية‪ 185/5 :‬ومابعدها‪277 ،‬‬
‫وما بعدها‪ ،‬رد المحتار لبن عابدين‪ ،136 ،104/4 :‬مجمع الضمانات‪:‬ص ‪ 215‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/632‬‬

‫وكذلك يترتب على الزواج الباطل بعض الثار الضرورية إذا أعقبه دخول‪ :‬وهي ثبوت نسب الولد‪،‬‬
‫وإيجاب العدة على المرأة‪ ،‬واستحقاق المرأة المهر‪ .‬فيختلف بذلك عن الزنى‪.‬‬
‫أما الفاسد‪ :‬فيترتب عليه بعض آثار العقد الصحيح إذا تم التنفيد أي القبض أو التسليم‪ ،‬فتنتقل الملكية‬
‫في العوضين في البيع الفاسد بالقبض‪ .‬ويتملك المستأجر المنفعة في الجارة الفاسدة وتلزمه الجرة‬
‫باستيفاء المنفعة فعلً‪ .‬لكن البيع الفاسد ل يلزم المشتري بدفع الثمن المسمى المتفق عليه‪ ،‬وإنما ثمن‬
‫المثل أي قيمة المبيع في السوق يوم القبض‪ .‬وفي الجارة الفاسدة يلزم المستأجر بدفع أجر المثل‪ ،‬ل‬
‫الجر المسمى في العقد (‪. )1‬‬
‫ويلحظ أن هذا الثر يرتبه الفقه على تنفيذ العقد‪ ،‬ل على العقد نفسه‪.‬‬
‫‪ - 3‬استحقاق الفسخ‪ :‬الباطل ل يحتاج إلى فسخ؛ لنه معدوم لم يوجد‪ ،‬والفسخ يرد على عقد قائم‬
‫كالعقد المشتمل على أحد الخيارات‪.‬‬
‫وأما الفاسد‪ :‬فيستحق الفسخ رعاية لحكام الشرع إما بإرادة أحد العاقدين‪ ،‬أو بإرادة القاضي؛ لن‬
‫إزالة الفساد واجب شرعا‪ ،‬وبالفسخ يرتفع الفساد (‪. )2‬‬
‫ويبقى حق الفسخ قائما ولو بعد التنفيذ حتى يزول سببه إل إذا وجد أحد موانع الفسخ وهي (‪: )3‬‬
‫أ ـ هلك المعقود عليه أو استهلكه أو تغيير شكله واسمه كطحن القمح وخبز الدقيق‪.‬‬
‫ب ـ الزيادة المتصلة غير المتولدة من الصل كخلط الدقيق بالسمن أو العسل والبناء على الرض‬
‫وصبغ الثوب‪ .‬أما أنواع الزيادات الخرى وهي الزيادة المتصلة المتولدة كالسمن والجمل‪ ،‬والزيادة‬
‫المنفصلة المتولدة كالولد والثمرة أو غير المتولدة كالكسب والغلة فل تمنع الفسخ والرد‪.‬‬
‫ج ـ التصرف بالشيء المقبوض بعقد فاسد من قبل القابض كالبيع والهبة والرهن والوقف‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬يلزم دفع أجر المثل على أل يتجاوز الجر المسمى‪ ،‬إل إذا كان فساد الجارة ناشئا عن جهالة‬
‫الجرة فيجب عندئذ أجر المثل بالغا ما بلغ‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪.200/5 :‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،302-300/5 :‬فتح القدير‪ ،302 ،231/5 :‬رد المحتار‪ ،137/4 :‬مجمع الضمانات‪ :‬ص‬
‫‪.216‬‬

‫( ‪)4/633‬‬

‫ويلحظ أن حق الفسخ بسبب الفساد يورث‪ ،‬فلو مات أحد العاقدين جاز لورثته أو للعاقد الخر فسخ‬
‫العقد بعد الموت‪.‬‬
‫‪ - 4‬عموم الثر وخصوصه‪ :‬البطلن يمكن أن يصيب كل أنواع التصرفات القولية والفعلية‪ ،‬العقدية‬
‫وغير العقدية‪ ،‬كالبيع واليجار والهبة‪ ،‬والقرار والدعوى‪ ،‬وإحراز المباح وقبض الثمن والموهوب‪.‬‬
‫وأما الفساد فل يجري إل في العقود المالية المنشئة التزامات متقابلة أو ناقلة للملكية (‪ ، )1‬فل يجري‬
‫الفساد في العبادات والتصرفات الفعلية‪،‬والعقود غير المالية كالزواج والوصاية والتحكيم‪ ،‬والعقود‬
‫المالية التي ل تنشئ التزامات متقابلة ول تنقل الملكية كاليداع والعارة‪ ،‬وتصرفات الرادة المنفردة‬
‫كالطلق والوقف والبراء‪ .‬فهذه التصرفات ل تكون إل صحيحة أو باطلة‪.‬‬
‫وأما أوجه الشبه بين الباطل والفاسد فأهمها ما يأتي‪:‬‬
‫أ ـ الباطل ل يقبل الجازة لنه معدوم‪ .‬وكذلك الفاسد ل يرتفع فساده بالجازة؛ لن العاقد ل يملك‬
‫مخالفة نظام الشريعة‪ ،‬وليس له إقرار المخالفة‪ ،‬وإنما ينبغي إزالة الفساد احتراما لحكم الشرع‪ ،‬إل إذا‬
‫زال سبب فساده كتعيين المجهول‪.‬‬
‫ب ـ الباطل ل يسري عليه التقادم (مرور الزمان) ويمكن التمسك ببطلن العقد مهما طالت المدة؛‬
‫لن الباطل معدوم‪ .‬وكذلك الفاسد ل يسري عليه التقادم‪ ،‬وإنما يظل مستحق الفسخ شرعا مهما طال‬
‫المد‪ ،‬إل إذا وجد مانع من موانع الفسخ التي سبق بيانها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المدخل الفقهي للستاذ الزرقاء‪ :‬ف ‪.268‬‬

‫( ‪)4/634‬‬

‫ثانيا ـ المؤيدات التأديبية (أو العقوبات )‬


‫إن مخالفة أحكام الشريعة وارتكاب المعاصي والمنكرات التي حرمتها الشريعة تستوجب عقابا أخرويا‬
‫ودنيويا‪ .‬والعقوبات الدنيوية نوعان‪:‬‬
‫‪ - 1‬عقوبات مقدرة‪ :‬وهي التي قدر لها الشرع نوعا ومقدارا معينا وهي القصاص‪ ،‬والحدود الخمسة‬
‫(وهي حد الزنا‪ ،‬وحد القذف‪ ،‬وحد السرقة‪ ،‬وحد الحرابة‪ ،‬وحد شرب الخمر والمسكرات) (‪. )1‬‬
‫‪ - 2‬عقوبات غير مقدرة وهي التعزيرات‪ :‬وهي التي لم يحدد لها الشرع نوعا ول مقدارا معينا‪ ،‬وإنما‬
‫فوضها إلى تقدير الحكام لتطبيق ما يرونه محققا للمصلحة بحسب ظروف الجاني والجناية‪.‬‬
‫والحكمة من تشريع الحدود أو العقوبات عامة‪ :‬هو زجر الناس وردعهم عن اقتراف الجرائم الموجبة‬
‫لها‪ ،‬وصيانة المجتمع عن الفساد‪ ،‬وتخليص النسان من آثار الخطيئة‪ ،‬وإصلح الجاني‪.‬‬
‫قال ابن تيمية (‪ )2‬وابن القيم (‪ : )3‬كان من حكمة اِل سبحانه وتعالى ورحمته أن شرع العقوبات في‬
‫الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض في النفوس والبدان والعراض والموال كالقتل‬
‫والجرح والقذف والسرقة‪ ،‬فأحكم سبحانه وتعالى وجوه الزجر الرادعة عن الجنايات غاية الحكام‪،‬‬
‫وشرعها على أكمل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القصاص‪ :‬هو عقوبة العدام بتعبير العصر‪ ،‬وحد القذف وشرب الخمر‪ :‬ثمانون جلدة بسوط ل‬
‫عقدة له مفرقة على أجزاء الجسد ما عدا المقاتل‪ ،‬وحد الزنا‪ :‬مئة جلدة لغير المتزوج‪ ،‬والرجم بالنسبة‬
‫للمحصن المتزوج‪ ،‬وحد السرقة‪ :‬قطع اليد من الرسغ‪ ،‬وحد الحرابة‪ :‬هو القتل أو الصلب أو قطع اليد‬
‫والرجل من خلف‪ ،‬أو النفي‪ ،‬وتطبق العقوبة بحسب ما يناسب جريمة المحارب‪.‬‬
‫(‪ )2‬رسالته في القياس‪ :‬ص ‪ ،85‬السياسة الشرعية له‪ :‬ص ‪.98‬‬
‫(‪ )3‬أعلم الموقعين‪ 107 ،95/2 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/635‬‬
‫الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر‪ ،‬ورتب على كل جناية ما يناسبها من العقوبة‪ .‬وجعل هذه‬
‫العقوبات دائرة على ستة أصول‪ :‬قتل‪ ،‬وقطع‪ ،‬وجلد‪ ،‬ونفي‪ ،‬وتغريم مال‪ ،‬وتعزير‪.‬‬
‫والجرائم الموجبة للعقوبة البدنية هي ثلث عشرة جريمة وهي‪:‬‬
‫القتل‪ ،‬والجرح‪ ،‬والزنا‪ ،‬والقذف‪ ،‬وشرب الخمر‪ ،‬والسرقة‪ ،‬والبغي (‪ ، )1‬والحرابة‪ ،‬والردة‪ ،‬والزندقة‪،‬‬
‫وسب ال وسب النبياء والملئكة‪ ،‬وعمل السحر‪ ،‬وترك الصلة والصيام‪.‬‬
‫وليس في هذه العقوبات قسوة أو تنكيل وتعذيب للمجرم كما يزعم بعض الناس؛ لن هذه الجرائم‬
‫الموجبة لها خطيرة تهز كيان المجتمع‪ ،‬ولنها أنسب عقوبة لزجر المجرم وأمثاله‪ ،‬وأقمع للجريمة‬
‫ومطاردة المجرمين‪ ،‬وأدعى لتحقيق أمن المجتمع واستقراره‪.‬‬
‫وحققت العقوبات الشرعية أمنا في السعودية ل يماثله أمن بلد في العالم تطبق فيه العقوبات الوضعية‬
‫من حبس أو سجن ونحوهما‪.‬‬
‫والتخلص من ضرر مجرم يتباكى عليه الزاعمون حب النسانية والنسان أوجب من تهديد أمن‬
‫المجتمع بكامله‪ ،‬عن طريق ترويع المجرمين أمن البيوت والنساء والطفال‪ ،‬وما يعقبه من العديد من‬
‫الجرائم والمنكرات‪.‬‬
‫ولقد أثبت التاريخ أن المجتمع السلمي عندما طبق الحدود الشرعية‪ ،‬عاش آمنا مطمئنا على أمواله‬
‫وأعراضه ونظامه‪ ،‬حتى إن المجرم نفسه كان يسعى لقامة الحد عليه‪ ،‬رغبة في تطهير نفسه‪،‬‬
‫والتكفير عن ذنبه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البغي‪ :‬الخروج في حال الشوكة والمنعة على جماعة المسلمين بتأويل نص في حكم شرعي‬
‫للتوصل إلى حق أو ولية‪ ،‬والتحصن في بلد ما‪ ،‬وتنظيم ثورة مسلحة على غيرهم‪ ،‬وتطبيق أحكامهم‬
‫فيما بينهم كالخوارج‪ .‬وأما الحرابة‪ :‬فهي قطع الطريق على المارة‪ ،‬بقصد أخذ أموالهم قهرا عنهم أو‬
‫قتلهم علنية دون اعتماد على تأويل سائغ‪.‬‬

‫( ‪)4/636‬‬

‫هذا مع العلم بأن تطبيق القصاص والحدود يتطلب تشددا كبيرا في شروط إثبات الجريمة (‪ ، )1‬مما‬
‫ل نكاد نجد له مثيلً عند القانونيين‪ ،‬بل إن الحدود ومنها القصاص تسقط بالشبهات عملً بالحديث‬
‫النبوي‪« :‬ادرؤوا الحدود بالشبهات» وقد توسع الفقهاء في بيان ما هو شبهة مسقطة للحد توسعا كبيرا‪،‬‬
‫حتى إن مجرد ادعاء الشبهة كادعاء الزوجية في حال الوطء من المتهم يسقط الحد‪ ،‬وكذا هرب‬
‫المحدود أثناء إقامة الحد يسقط الحد (‪. )2‬‬
‫إن القسوة على المجرم رحمة عامة للمجتمع في مجموعه‪ ،‬حتى يتخلص من الجريمة وخطرها‬
‫الوبيل‪ ،‬والتضحية بعدد محدود من المجرمين أهون كثيرا من ترك الجريمة تفتك بآلف البرياء‪.‬‬
‫والشريعة السلمية هي شريعة الرحمة الحقة بالناس‪ ،‬وال سبحانه أدرى بما يعالج به خطر بعض‬
‫المجرمين وهو أرحم بهم‪.‬‬
‫ل في‬
‫وقد أدى كل هذا إلى أن يكون تطبيق الحد نادرا جدا في المجتمع السلمي‪ ،‬فقطع اليد مث ً‬
‫السعودية ل يزيد عن حالة واحدة أو حالتين طوال العام‪.‬‬
‫وأما العقوبات غير المقدرة أو التعزيرات‪ :‬فهي العقوبات المشروعة على كل معصية أو منكر أو‬
‫إيذاء ل حد فيه‪ ،‬سواء بالقول أو بالفعل أو بالشارة‪ ،‬وسواء أكانت الجريمة انتهاكا للحرمات الدينية‬
‫والجتماعية كالكل في نهار رمضان بغير عذر‪ ،‬وترك الصلة‪ ،‬وطرح النجاسة في طريق الناس‪،‬‬
‫والستهزاء بالدين‪ ،‬والخلل بالداب العامة‪ ،‬أو كانت اعتداء على حق شخصي كأنواع السب والشتم‬
‫والضرب واليذاء بأي وجه‪ ،‬والغش والتزوير والحتيال ونحوها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬ففي السرقة مثلً يشترط ما يزيد على ‪12‬شرطا‪ .‬وفي الزنا‪ :‬يشترط لثباته بالشهادة شهادة أربعة‬
‫رجال أحرار عدول يرون الجريمة رؤية بصرية كاملة ل شبهة فيها‪ .‬وفي القتل يشترط عدة شرائط‬
‫لتطبيق القصاص منها أن يكون القتل بسلح ونحوه‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ 158/3 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/637‬‬

‫والتعزير يكون إما بالضرب أو بالحبس أو الجلد أو النفي أو التوبيخ أو التغريم المالي‪ ،‬ونحو ذلك مما‬
‫يراه الحاكم رادعا للشخص بحسب اختلف حالت الناس‪ ،‬حتى القتل سياسة كما قرر فقهاء الحنفية‬
‫والمالكية‪.‬‬
‫والتعزير مفوض للدولة في كل زمان ومكان‪،‬فإنها تضع للقضاة أنظمة يطبقونها بحسب المصلحة‪.‬‬
‫وأغلب العقوبات الوضعية الحديثة تدخل في نطاق التعزير‪ .‬ول مانع شرعا من تقنين العقوبات‬
‫التعزيرية بجانب الحدود والقصاص على النحو المعروف الن‪ .‬ويعد التعزير قاعدة مرنة صالحة‬
‫للتطبيق في كل عصر بما يحقق المصلحة أوالمقصود من العقوبة‪ .‬وما وضْع حدين للعقوبة قانونا‬
‫أدنى وأقصى‪ ،‬أو الحكم مع وقف التنفيذ إل لون من ألوان المرونة أو العفو عن العقوبة المقررين في‬
‫التعزيرات‪.‬‬
‫والشريعة أساس الحكم على الجريمة والعقاب‪ ،‬وقد سبق الفقهاء المسلمون إلى معرفة قاعدة‪ ( :‬ل‬
‫جريمة ولعقوبة إل بنص ) لتقريرهم القاعدتين التاليتين‪:‬‬
‫‪( - 1‬ل حكم لفعال العقلء قبل ورود النص )‪.‬‬
‫‪( - 2‬الصل في الفعال والقوال والشياء الباحة )‪.‬‬
‫ومصدر هاتين القاعدتين قول اِل تعالى‪{ :‬وما كنا معذبين حتى نبعث رسول} [السراء‪ ]15/17:‬وقوله‬
‫سبحانه‪{ :‬وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولً يتلو عليهم آياتنا} [القصص‪]59/28:‬‬
‫وقوله جل شأنه‪{ :‬رسلً مبشرين ومنذرين لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل} [النساء‪:‬‬
‫‪.]165/4‬‬
‫فهذه النصوص قاطعة بأن ل جريمة إل بعد بيان‪ ،‬ول عقوبة إل بعد إنذار‪ .‬ومن هنا كانت فترة‬
‫الجاهلية ل عقاب فيها على الجرائم التي حدثت أثناءها‪ ،‬سواء أكانت الجريمة إراقة دم حرام أم‬
‫غيرها‪.‬‬
‫وقد تضافر القرآن الكريم والسنة النبوية وكتب الفقهاء على بيان المعاصي والمنكرات وتفصيل‬
‫العقوبات المقررة في الدنيا على الشخاص‪ .‬ول يقبل شرعا من أي مسلم أومسلمة العتذار بالجهل‬
‫بأحكام الشريعة‪ ،‬وعليه أن يتعلم القدر الضروري منها لقوله عليه السلم‪« :‬طلب العلم فريضة على‬
‫كل مسلم» ويعد التقصير في التعليم والتعلم جريمة مستوجبة التعزير‪.‬‬
‫والعمل بأحكام الشريعة في النطاقين الجزائي والمدني وغيرهما واجب على الدولة والفراد‪ ،‬ويعد‬
‫التخلي عن الشريعة إثما كبيرا وجرما عظيما‪ .‬وليس تطبيق أحكام الشريعة أمرا صعبا أو غير متفق‬
‫مع ظروف العصر الحديث‪ ،‬وإنما العراض عن ذلك نوع من الوهم وفقدان الثقة بالذات وافتتان‬
‫بأنظمة العصر ويعد جائرا عن الشرع‪.‬‬
‫ول شك بأن أحكام الشريعة تتطلب إقامة مجتمع إسلمي متكامل في العقيدة والعبادة والسلوك‬
‫الخلقي‪ ،‬وينبغي أن تتجه أنظمة الدولة الدستورية والدارية والتعليمية والعلمية إلى العمل بروح‬
‫السلم وأنظمته وآدابه‪ ،‬حتى يسهل تقبل الحكم الشرعي اللهي عن عقيدة واقتناع وحب واحترام‪.‬‬

‫( ‪)4/638‬‬

‫صلُ السّادس‪ :‬نظريّة الفَسخ‬


‫ال َف ْ‬
‫ـ تعريف الفسخ لغة واصطلحا‪.‬‬
‫ـ ألفاظ ذات صلة‪ :‬انفساخ‪ ،‬خلع‪ ،‬طلق‪ ،‬إبطال‪ ،‬فساد‪.‬‬
‫ـ حكمه الجمالي ودليله‪.‬‬
‫ـ شروط فسخ العقد‪.‬‬
‫ـ أسباب الفسخ‪.‬‬
‫ـ أنواع الفسخ‪.‬‬
‫‪ - 1‬الفسخ التفاقي (القالة) والفسخ بحكم القضاء‪ ،‬والفسخ بحكم الشرع‪.‬‬
‫‪ - 2‬الفسخ باعتباره جزاء لعدم تنفيذ العاقد الخر التزامه‪.‬‬
‫‪ - 3‬الفسخ بسبب الخيار (الفسخ والقوة الملزمة للعقد)‪.‬‬
‫‪ - 4‬الفسخ للعذار الطارئة‪.‬‬
‫‪ - 5‬الفسخ لستحالة التنفيذ (الفسخ وتحمل تبعة الهلك)‪.‬‬
‫‪ - 6‬الفسخ للفلس والعسار والمماطلة‪.‬‬
‫‪ - 7‬الفسخ بسبب البطلن أو الفساد أو الردة في الزواج‪.‬‬
‫‪ - 8‬الفسخ الرضائي والفسخ الجبري بطريق القضاء‪.‬‬
‫‪ - 9‬الفسخ لعدم إجازة العقد الموقوف‪.‬‬
‫‪ - 10‬الفسخ بسبب الستحقاق‪.‬‬
‫ـ ما يقبل الفسخ وما ل يقبل‪.‬‬
‫‪ - 1‬العقود اللزمة للطرفين‪ ،‬كالبيع واليجار والرهن والصلح والزواج‪.‬‬
‫‪ - 2‬العقود الجائزة غير اللزمة للطرفين‪ ،‬كالعارة والقرض واليداع‪ ،‬والوكالة‪ ،‬والشركة‪،‬‬
‫والمقاولة‪ ،‬والهبة عند الحنفية‪.‬‬
‫‪ - 3‬العقد اللزم لطرف دون آخر‪ ،‬كالكفالة والحوالة‪.‬‬
‫‪ - 4‬تصرفات الرادة المنفردة‪ ،‬كالوصية والجعالة‪.‬‬
‫ـ حالت فسخ العقود وحالت عدم الفسخ‪.‬‬
‫ـ فروق بين الفسخ وغيره‪.‬‬
‫‪ - 1‬الفرق بين الفسخ والنفساخ‪.‬‬
‫‪ - 2‬الفرق بين الفسخ (انحلل العقد) وانقضاء اللتزام‪.‬‬
‫‪ - 3‬الفرق بين الفسخ والبطال والبطلن والفساد‪.‬‬
‫‪ - 4‬الفسخ وشرط اللغاء الصريح أو الضمني‪.‬‬
‫‪ - 5‬الفرق بين الشرط الموقف (الواقف) والشرط الفاسخ‪.‬‬
‫‪ - 6‬الفرق بين الفسخ والطلق‪ ،‬وهل يتوقف فسخ الزواج على القضاء؟‬
‫ـ بعض أسباب الفسخ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الخلل باللتزام‪.‬‬
‫‪ - 2‬عدم تنفيذ العقد‪ ،‬ومتى يجوز؟‬
‫ـ آثار الفسخ (أحكامه)‪:‬‬
‫‪ - 1‬انتهاء العقد بالفسخ‪.‬‬
‫‪ - 2‬أثر الفسخ في الماضي (الثر المستند والمقتصر) والمستقبل‪.‬‬

‫( ‪)4/639‬‬

‫تعريف الفسخ لغة واصطلحاً ‪:‬‬


‫فقرة (‪ )1‬ـ المراد بالفسخ هنا لغة‪ :‬هو النقص أو التفريق ‪ ،‬وجاء في تاج العروس شرح القاموس‬
‫للزبيدي (‪ : )1‬الفسخ‪ :‬الضعف في العقل والبدن‪ ،‬والجهل‪ ،‬والطرح‪ ،‬وإفساد الرأي‪ ،‬والفسخ‪ :‬النقض‪،‬‬
‫فسخ الشيء يفسخه فسخا فانفسخ‪ :‬نقضه فانتقض‪ ،‬والفسخ‪ :‬التفريق‪ ،‬وقد فسخ الشيء‪ :‬إذا فرقه‪ .‬ومن‬
‫المجاز‪ :‬انفسخ العزم والبيع والنكاح‪ :‬انتقض‪ ،‬وقد فسخه‪ :‬إذا نقضه‪ ،‬وفي الحديث‪ :‬كان فسخ الحج‬
‫رخصة لصحاب النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ :‬وهو أن يكون نوى الحج أولً‪ ،‬ثم يبطله وينقضه‪،‬‬
‫ويجعله عمرة‪ ،‬ويحل‪ ،‬ثم يعود يحرم بحجة‪ ،‬وهو التمتع أو قريب منه‪.‬‬
‫فقرة (‪ )2‬ـ والفسخ اصطلحا‪ :‬حل ارتباط العقد (‪ ، )2‬أو هو ارتفاع حكم العقد من الصل كأن لم‬
‫يكن (‪ ، )3‬فتستعمل كلمة الفسخ أحيانا بمعنى رفع العقد‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تاج العروس‪.273/2 :‬‬
‫(‪ )2‬الشباه والنظائر لبن نجيم‪ :‬ص ‪ ،833‬الشباه والنظائر للسيوطي‪ :‬ص ‪.313‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪.182/5 :‬‬

‫( ‪)4/640‬‬

‫من أصله (‪ ، )1‬كما في الفسخ بسبب أحد الخيارات‪ ،‬وتستعمل أيضا بمعنى رفع العقد بالنسبة‬
‫للمستقبل‪ ،‬كما في أحوال فسخ العقود الجائزة أو غير اللزمة‪ .‬فإذا انعقد العقد لم يتطرق إليه الفسخ‬
‫إل في أحوال سأذكرها‪ ،‬مثل الخيارات ‪ ،‬والقالة‪ ،‬وهلك المبيع قبل القبض‪ ،‬وكون العقد غير لزم‪،‬‬
‫ويتم ذلك بإرادة العاقد أو غيره‪ ،‬ويعود العاقدان إلى الحالة الصلية التي كانا عليها قبل التعاقد‪ ،‬ففي‬
‫البيع مثلً يعود المبيع إلى ملك البائع‪ ،‬والثمن إلى ملك المشتري‪ ،‬وإذا فسخ الزواج بحكم القاضي‬
‫زالت رابطة العقد بين الزوجين وصار كل منهما أجنبيا بالنسبة للخر‪.‬‬
‫قال السيوطي‪ :‬يغتفر في الفسوخ ما ل يغتفر في العقود‪ ،‬ومن ثم لم يحتج إلى قبول‪ ،‬وقبلت الفسوخ‬
‫التعليقات دون العقود (‪. )2‬‬
‫ألفاظ ذات صلة‪ :‬انفساخ‪ ،‬خلع‪ ،‬طلق‪ ،‬إبطال‪ ،‬فساد ‪:‬‬
‫(‪ )3‬ـ النفساخ‪ :‬إن انحلل العقد (وهو زوال الرابطة التي تربط المتعاقدين) يشمل كلً من الفسخ‬
‫والنفساخ‪ ،‬إل أن الفسخ ينشأ تارة عن الرادة‪ ،‬أو الرضا‪ ،‬وقد يحدث جبرا عن أحدهما بحكم‬
‫القاضي‪ ،‬فهو يحدث بالتراضي أو بالتقاضي‪ .‬أما النفساخ‪ :‬فيحدث بسبب حادث طبيعي وهو استحالة‬
‫التنفيذ‪ ،‬كهلك أحد العوضيين‪.‬‬
‫فينفسخ كل عقد من تلقاء نفسه إذا استحال تنفيذه‪،‬وينفسخ العقد المستمر أو عقد المدة (‪ )3‬كعقد الجارة‬
‫إذا فقد ما يعتمد عليه بقاؤه‪ ،‬فعقد البيع ينفسخ بهلك‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبيين الحقائق للزيلعي‪.197/4 :‬‬
‫(‪ )2‬الشباه والنظائر للسيوطي‪ :‬ص ‪.318‬‬
‫(‪ )3‬العقود المستمرة‪ :‬هي التي يستغرق تنفيذها مدة من الزمن‪ ،‬بحيث يكون الزمن عنصرا أساسيا في‬
‫تنفيذها كالجارة والعارة وشركة العقد والوكالة (المدخل الفقهي للستاذ الزرقاء‪ :‬ف ‪ )247‬أو هي‬
‫العقود التي يكون الزمن عنصرا جوهريا فيها بحيث يكون المقياس الذي يقدر به محل العقد (الوسيط‬
‫للسنهوري‪/1 :‬ف ‪ 65‬ص ‪.)166‬‬

‫( ‪)4/641‬‬

‫المبيع هلكا كليا قبل استلمه‪ ،‬لستحالة تنفيذ العقد بالتسليم بعد هلك محله‪ .‬وفي الهلك الجزئي‬
‫يصبح العقد قابلً للفسخ‪ ،‬وعقود الشركة والمضاربة والمزارعة والمساقاة تنفسخ بموت أحد العاقدين‪،‬‬
‫لن هذه العقود تنشئ التزامات عملية ذات آثار متجددة‪ ،‬فيها استمرار يعتمد بقاؤه بقاء العقد؛ لن‬
‫للعتبار الشخصي فيها أثرا ملحوظا‪ ،‬كما يعتمد بقاء المحل (‪ . )1‬والجارة تنفسخ بموت أحد‬
‫العاقدين في مذهب الحنفية‪ ،‬ول تنفسخ بموت أحدهما في مذهب الجمهور الئمة الخرين‪ ،‬لنها عقد‬
‫لزم كالبيع‪.‬‬
‫(‪ )4‬ـ وقد عبّر القرافي عن هذا الفرق المذكور من الفسخ والنفساخ بقوله‪ :‬الفسخ‪ :‬قلب كل واحد‬
‫من العوضين لصاحبه‪ ،‬والنفساخ‪ :‬انقلب كل واحد من العوضين لصاحبه‪ ،‬فالول‪ :‬فعل المتعاقدين‬
‫أو الحاكم إذا ظفروا بالعقود المحرّمة‪ ،‬والثاني‪ :‬صفة العوضين‪ ،‬فالول‪ :‬سبب شرعي‪ ،‬والثاني حكم‬
‫شرعي (‪ . )2‬وبه يتضح أن الفسخ يشمل الفسخ التفاقي والقضائي‪ ،‬والنفساخ هو تحمل التبعة عن‬
‫الهلك‪ ،‬أي ضمان التلف‪.‬‬
‫(‪ )5‬ـ الخلع‪ :‬الخلع لغة‪ :‬النزع والزالة‪ ،‬وعرفا بضم الخاء‪ :‬إزالة الزوجية‪ ،‬واصطلحا أو فقها‪ :‬هو‬
‫إزالة ملك النكاح المتوقفة على قبول المرأة‪ ،‬بلفظ الخلع أو ما في معناه (‪ . )3‬ول يحتاج الخلع إلى‬
‫حاكم‪ ،‬ويكفي تلفظ الزوج به‪ ،‬كأن يقول للمرأة‪ :‬خالعتك على كذا‪ ،‬فتقبل‪ .‬والخلع طلق بائن عند‬
‫الجمهور‪ ،‬وله تفصيل في المعتمد عند الحنابلة‪ :‬إن وقع بلفظ الخلع والمفاداة ونحوهما‪ ،‬أو بكنايات‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المدخل الفقهي العام للستاذ مصطفى الزرقاء‪ :‬ف ‪.303‬‬
‫(‪ )2‬الفروق ‪ -‬في الفرق الخامس والتسعين والمئة بين قاعدة الفسخ وقاعدة النفساخ‪. 269/3 :‬‬
‫(‪ )3‬هذا تعريف الحنفية ( الدر المختار‪ ،766/2 :‬فتح القدير‪ ) 199/3 :‬وهناك تعاريف أخرى‬
‫للمذاهب‪ :‬ر‪ :‬خلع‪.‬‬

‫( ‪)4/642‬‬

‫الطلق‪ ،‬ونوى به الطلق‪ ،‬كان طلقا‪ ،‬فإن وقع بصيغته الصريحة وهي لفظ خلعت وفسخت وفاديت‪،‬‬
‫أو الكناية‪ :‬وهي لفظ بارأتك وأبرأتك وأبنتك‪ ،‬ولم ينو طلقا‪ ،‬فهو فسخ‪ ،‬ل ينقص به عدد الطلق‪.‬‬
‫الخلع خاص بحل الرابطة الزوجية‪ ،‬وهو طلق أو فسخ على التفصيل والخلف السابق‪ ،‬أما الفسخ‪:‬‬
‫فهو أعم‪ ،‬وهو حل ارتباط العقد‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬أيا كان العقد بيعا أو زواجا أوغيرهما‪ .‬والخلع يحدث‬
‫بالتراضي‪ ،‬أما الفسخ فيمكن أن يتم بالتراضي أو بقضاء القاضي‪.‬‬
‫(‪ )6‬الطلق‪ :‬الطلق لغة‪ :‬رفع القيد مطلقا‪ ،‬يقال‪ :‬أطلق الفرس‪ :‬إذا خله‪ ،‬وفي الشريعة‪ :‬رفع القيد‬
‫الثابت بالنكاح (‪ . )1‬وفرقة الزواج نوعان‪ :‬فرقة فسخ وفرقة طلق‪ .‬والفسخ‪ :‬إما أن يكون بتراضي‬
‫الزوجين وهو المخالعة أو الخلع‪ ،‬أو بواسطة القاضي‪.‬‬
‫والتفريق القضائي قد يكون طلقا‪ :‬وهو التفريق بسبب عدم النفاق أو اليلء أو للعدل أو للشقاق بين‬
‫الزوجين أو للغيبة أو للحبس أو للتعسف‪ ،‬وقد يكون فسخا للعقد من أصله‪ ،‬كما هو حال التفريق في‬
‫العقد الفاسد‪ ،‬كالتفريق بسبب الردة وإسلم أحد الزوجين‪ ،‬والتفريق بسبب العسار عند الشافعية‬
‫والحنابلة‪.‬‬
‫(‪ - )7‬والفرق بين الطلق والفسخ في رأي الحنفية‪ :‬أن الطلق‪ :‬هو إنهاء الزواج وتقرير الحقوق‬
‫السابقة من المهر ونحوه‪ ،‬ويحتسب من الطلقات الثلث التي يملكها الرجل على امرأته‪ ،‬وهو ل يكون‬
‫إل في العقد الصحيح‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أنيس الفقهاء في تعريفات اللفاظ المتداولة بين الفقهاء للشيخ قاسم القونوي‪ :‬ص ‪.155‬‬

‫( ‪)4/643‬‬

‫وأما الفسخ‪ :‬فهو نقض العقد من أصله‪ ،‬أو منع استمراره‪ ،‬ول يحتسب من عدد الطلق‪ ،‬ويكون غالبا‬
‫في العقد الفاسد أو غير اللزم‪.‬‬
‫وبه يتبين أن الفسخ يفترق عن الطلق من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬ـ حقيقة كل منهما‪ :‬فالفسخ‪ :‬نقض للعقد من أساسه‪ ،‬وإزالة للحل الذي يترتب عليه‪ ،‬أما‬
‫الطلق‪ :‬فهو إنهاء للعقد‪ ،‬ول يزول الحل إل بعد البينونة الكبرى (الطلق الثلث)‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬ـ أسباب كل منهما‪ :‬الفسخ يكون إما بسبب حالت طارئة على العقد تنافي الزواج‪ ،‬أو‬
‫حالت مقارنة للعقد تقتضي عدم لزومه من الصل‪ .‬فمن أمثلة الحالت الطارئة‪ :‬ردة الزوجة أو‬
‫إباؤها السلم أو التصال الجنسي بين الزوج وأم زوجته أو بنتها‪ .‬ومن أمثلة الحالت المقارنة‪:‬‬
‫أحوال خيار البلوغ لحد الزوجين‪ ،‬وخيار أولياء المرأة التي تزوجت من غير كفء أو بأقل من مهر‬
‫المثل‪ ،‬ففيها كان العقد غير لزم‪.‬‬
‫أما الطلق فل يكون إل بناء على عقد صحيح لزم‪ ،‬وهو من حقوق الزوج‪ ،‬فليس فيه مايتنافى مع‬
‫عقد الزواج أو يكون بسبب عدم لزومه‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬ـ أثر كل منهما‪ :‬الفسخ‪ :‬ل ينقص عدد الطلقات التي يملكها الرجل‪ ،‬أما الطلق فينقص به‬
‫عدد الطلقات‪.‬‬

‫( ‪)4/644‬‬

‫وكذلك فرقة الفسخ ل يقع في عدتها طلق‪ ،‬إل إذا كانت بسبب الردة أو الباء عن السلم‪ ،‬فيقع فيهما‬
‫عند الحنفية طلق زجرا وعقوبة‪ .‬أما عدة الطلق فيقع فيها طلق آخر‪ ،‬ويستمر فيها كثير من أحكام‬
‫الزواج‪ .‬ثم إن الفسخ قبل الدخول ل يوجب للمرأة شيئا من المهر‪ ،‬أما الطلق قبل الدخول فيوجب‬
‫نصف المهر المسمى‪ ،‬فإن لم يكن المهر مسمى استحقت المتعة (تعويض بمثابة هدية)‪.‬‬
‫(‪ )8‬ـ إبطال‪ :‬الباطل لغة ضد الحق‪ ،‬والبطال اصطلحا‪ :‬هو الحكم بكون العقد باطلً‪ ،‬لختلل‬
‫ركنه أو محله‪ ،‬والعقد الباطل‪ :‬هو ما اختل ركنه أو محله‪ ،‬أو ما ليكون مشروعا بأصله ول بوصفه‬
‫(‪ . )1‬ول يفيد الملك‪ ،‬كأن يكون أحد العاقدين فاقد الهلية‪ ،‬كالمجنون وغير المميز‪ ،‬والمميز فيما‬
‫يضره ضررا محضا‪ ،‬أو أن تكون الصيغة غير سليمة‪ ،‬أو يكون محل العقد غير قابل لحكم العقد‬
‫شرعا‪ ،‬كبيع ما ليس بمال‪ ،‬أو ما ليس مالً متقوما‪ ،‬كالخمر والخنزير والسمك في الماء‪ ،‬وكبيع شيء‬
‫من الموال العامة‪ ،‬كجزء من الطريق العام‪ ،‬أو من مشفى أو من مسجد‪ ،‬وكالبيع الذي جعل الثمن فيه‬
‫غير مال أصلً كالميتة ‪ ،‬أو الشيء المباح للناس جميعا‪ ،‬وفي الزواج كالعقد على إحدى المحارم أو لم‬
‫تكتمل عدتها من مطلقها‪ ،‬أو المتزوجة بزوج آخر‪ ،‬فكل هذه العقود باطلة‪ ،‬لن النهي في الشرع عنها‬
‫عائد لصل العقد أي لخلل في الصيغة أو في العاقد أو في المحل‪.‬‬
‫(‪ )9‬ـ وحكم الباطل‪ :‬أنه ل يعد منعقدا أصلً‪ ،‬وإن وجدت صورته في الظاهر‪ ،‬فل يترتب عليه أي‬
‫أثر شرعي‪ ،‬فل يفيد نقل الملكية أصلً‪ ،‬إذ ل يعد موجودا بحال ‪ ،‬ول ينقلب صحيحا أبدا‪ ،‬لن‬
‫البطلن المطلق ينجم عن فقدان أحد أركان تكوين العقد‪.‬‬
‫أما الفسخ‪ :‬فيرد على عقد صحيح منعقد حقيقة‪ ،‬وقد انتقلت فيه الملكية بين الطرفين المتعاقدين‪.‬‬
‫ويشترك البطال والفسخ في إعادة العاقدين إلى الحالة الصلية التي كانا عليها قبل التعاقد‪ ،‬ويميز بين‬
‫فسخ العقد وإبطاله من ناحيتين‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المراد بأصل العقد‪ :‬ما يتعلق بالركن (وهو الصيغة) والهلية أو المحل المعقود عليه‪ ،‬والمراد‬
‫بالوصف‪ :‬ما يتصل بالعقد اتصالً غير جوهري كالعلم بالمعقود عليه أو بالثمن‪ ،‬أو هو الوصف‬
‫العارض الطارئ للعقد الملزم له أو المجاور‪ ،‬ولكنه منهي عنه شرعا‪ ،‬كجهالة المبيع أو الثمن‪ ،‬وعدم‬
‫تقوم الثمن‪.‬‬

‫( ‪)4/645‬‬

‫‪ - 1‬إن سبب الفسخ هو عدم قيام أحد العاقدين بتنفيذ التزامه‪ ،‬بينما سبب البطال بوجه عام‪ :‬هو‬
‫نقص الهلية أو عيب الرادة‪ ،‬لذا ينشأ العقد القابل للفسخ صحيحا‪ ،‬أما العقد القابل للبطال فل ينشأ‬
‫صحيحا‪ ،‬فتقوم قابلية البطال عند تكوين العقد‪ ،‬بينما قابلية الفسخ تكون عند تنفيذه‪.‬‬
‫‪ - 2‬فسخ العقد خاضع لتقدير القاضي‪ ،‬أما إذا توافر سبب البطال فليس للقاضي سلطة تقديرية‪ ،‬ول‬
‫يملك إل البطال‪.‬‬
‫(‪ )10‬ـ إفساد‪ :‬لغة‪ :‬ضد إصلح‪ ،‬واصطلحا‪ :‬هو الحكم بكون العقد فاسدا‪.‬‬
‫والفساد والبطلن عند الجمهور مترادفان بمعنى واحد (‪ ، )1‬وعند الحنفية‪ :‬الفساد‪ :‬اختلل في العقد‬
‫في صفة عارضة طارئة غير جوهرية فيه‪ ،‬لذا كان مرتبة متوسطة بين البطلن والصحة‪ ،‬والعقد‬
‫الفاسد‪ :‬هو ماكان مشروعا بأصله (ركنه ومحله وأهلية عاقديه) دون صفته‪ ،‬أي كان صادرا ممن هو‬
‫أهل له‪ ،‬والمحل قابل لحكم العقد شرعا‪ ،‬والصيغة سليمة‪ ،‬ولكن صاحب ذلك وصف منهي عنه‬
‫شرعا‪ ،‬كبيع المجهول جهالة فاحشة تؤدي للنزاع‪ ،‬مثل بيع دار من دور‪ ،‬أو سيارة من سيارات دون‬
‫تعيين ذات المبيع‪ ،‬وكإبرام صفقتين في صفقة‪ ،‬كبيع دار على أن يبيعه سيارته‪ ،‬وكبيع مال متقوم‬
‫(يباح النتفاع به شرعا) جعل ثمنه مالً غير متقوم (ل يباح النتفاع به شرعا ) كخمر وخنزير‬
‫وكلب‪ ،‬وكبيع بقرة على أنها حامل‪.‬‬
‫وأسباب الفساد عند الحنفية ستة‪ :‬الجهالة‪ ،‬والكراه‪ ،‬والتوقيت‪ ،‬وغرر الوصف‪ ،‬والضرر‪ ،‬والشرط‬
‫الفاسد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الباطل والفاسد عند الشافعية مترادفان إل في الكتابة والخلع والعارية والوكالة والشركة والقرض‪،‬‬
‫وفي العبادات في الحج (الشباه والنظائر للسيوطي‪ :‬ص ‪.)312‬‬

‫( ‪)4/646‬‬

‫والباطل والفاسد عند الحنفيةفي العبادات وفي الزواج مترادفان‪ ،‬وفي المعاملت كالبيع والشركة‬
‫واليجار متباينان (‪. )1‬‬
‫(‪ )11‬ـ وحكم الفاسد‪ :‬ثبوت الملك فيه بالقبض بإذن المالك صراحة‪،‬أو دللة كأن يقبضه في مجلس‬
‫العقد أمام البائع‪ ،‬دون أن يعترض عليه‪ ،‬لن النهي الشرعي عنه بسبب أمر ملزم للعقد يقتضي‬
‫بطلن الوصف دون أصل العقد‪ ،‬لنه استكمل عناصره الساسية‪ ،‬فيكون العقد فاسدا فقط‪ .‬ويصبح‬
‫الفاسد صحيحا بزوال صفة الفساد‪.‬‬
‫والعقد الفاسد واجب الفسخ شرعا‪ ،‬إما من أحد العاقدين أو من القاضي إذا علم بذلك‪ ،‬لنه منهي عنه‬
‫شرعا‪ .‬قال السيوطي‪ :‬تعاطي العقود الفاسدة حرام إل المضطر إذا لم يجد الطعام إل بزيادة على ثمن‬
‫المثل (‪ . )2‬ويزال الفساد بطلب العاقدين معا أو بطلب أحدهما‪.‬‬
‫وإمكان فسخ العقد الفاسد عند الحنفية مشروط بشرطين‪.‬‬
‫أحدهما ـ بقاء المعقود عليه على ما كان قبل القبض‪ :‬فلو تغير شكله‪ ،‬بأن هلك أواستهلك‪ ،‬أو كان‬
‫غزلً فنسجه‪ ،‬أو قمحا فطحنه‪ ،‬أو دقيقا فخبزه‪ ،‬امتنع الفسخ‪.‬‬
‫الثاني ـ عدم تعلق حق الغير به‪ :‬فلو تصرف به المشتري لخر بالبيع أو بالهبة مثلً‪ ،‬وتم قبضه من‬
‫الموهوب له‪ ،‬امتنع الفسخ‪.‬‬
‫(‪ )12‬ـ والفرق بين الفسخ والفساد‪ :‬أن الفسخ يرد على عقد صحيح منعقد مكتمل الركان‬
‫والشروط‪ ،‬أما الفساد فيقع على عقد غير صحيح بسبب الخلل الذي صحبه أو قارنه في صفة طارئة‬
‫غير جوهرية فيه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشباه والنظائر لبن نجيم‪ :‬ص ‪ ،337‬أنيس الفقهاء‪ :‬ص ‪.209‬‬
‫(‪ )2‬الشباه والنظائر‪ :‬ص ‪.312‬‬

‫( ‪)4/647‬‬

‫والعقد الصحيح قبل الفسخ يثبت به الملك الطيب الحلل‪ ،‬وأما الفاسد فيفيد الملك الخبيث شرعا‬
‫بالقبض‪ ،‬فإذا فسخ العقد الفاسد تساوى الفساد والفسخ في الثر وهو زوال الرابطة العقدية التي كانت‬
‫بين العاقدين‪.‬‬
‫(‪ - )13‬ول يشترط القضاء في فسخ العقد الفاسد أو العقد الباطل‪ :‬لن «الواجب شرعا ل يحتاج إلى‬
‫القضاء» (‪ ، )1‬ولكن ذلك عند عدم النزاع بين المتعاقدين‪ ،‬فإذا حصل النزاع وجب اللجوء إلى‬
‫القضاء‪ .‬أما الفسخ فيتم إما بالتراضي أو بقضاء القاضي‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن البطلن أو الفساد يعاصر العقد‪ ،‬ول يتراخى إلى ما بعد انعقاده صحيحا‪ ،‬أما الفسخ‬
‫فيكون بعد وجود العقد ل محالة (‪ . )2‬هذه هي التفرقة الدقيقة بين المصطلحات الثلثة‪ ،‬وإن كان‬
‫الفقهاء في الغالب ل يلتزمون هذه التفرقة‪ ،‬فيعبرون عن الفسخ بالبطلن أو الفساد‪ ،‬فمثلً حالة فساد‬
‫العقد بفوات القبض المستحق بالعقد (‪ ، )3‬المقصود‪ :‬هو الفسخ وليس الفساد (‪. )4‬‬
‫الحكم الجمالي للفسخ ودليله ‪:‬‬
‫(‪ )14‬ـ الفسخ‪ :‬إما واجب أو جائز‪ ،‬فيجب رعاية لحق الشرع‪ ،‬كفسخ العقد الفاسد لزالة سبب الفساد‬
‫واحترام ضوابط الشرع أو شرائطه التي قررها في العقود‪ ،‬حماية للمصلحة العامة أو الخاصة‪ ،‬ودفعا‬
‫للضرر‪ ،‬ومنعا للمنازعات التي تحدث بسب مخالفة الشروط الشرعية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬درر الحكام‪.175/2 :‬‬
‫(‪ )2‬حاشية الشلبي على الزيلعي‪.143/5 :‬‬
‫(‪ )3‬المبسوط‪.26/13 :‬‬
‫(‪ )4‬سبب اللتزام وشرعيته في الفقه السلمي للدكتور جمال الدين محمود‪ :‬ص ‪ 441‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/648‬‬

‫ويجوز الفسخ إعمالً لرادة العاقد‪ ،‬كالفسخ بسبب الخيار في العقود غير اللزمة‪ ،‬والفسخ بالتراضي‬
‫والتفاق كالقالة‪ .‬وقد جاء الشرع بأدلة كثيرة في مشروعية الخيارات والقالة (‪ ، )1‬وقال عليه‬
‫الصلة والسلم‪« :‬المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق من ذلك» (‪ )2‬وهذا دليل على أن حق‬
‫الفسخ في الشريعة مستمد من فكرة اللزوم الذي يقوم عليه العقد‪ .‬قال ال تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫أوفوا بالعقود} [المائدة‪ ]1/5:‬وقال النبي صلّى ال عليه وسلم فيما يرويه ابن ماجه عن أبي سعيد‪:‬‬
‫«إنما البيع عن تراض» ‪.‬‬
‫والفسخ القضائي جائز إما رعاية لحق الشرع‪ ،‬وإما إحقاقا للحق ورفع الظلم الذي يقع على أحد‬
‫المتعاقدين بسبب إضرار العاقد الخر‪ ،‬وإصراره على منع غيره من ممارسة حقه في الفسخ‪ ،‬لوجود‬
‫عيب في المبيع أو استحقاق المبيع أو الثمن مثلً‪ .‬وحق القاضي في الفسخ ناشئ من وليته العامة‬
‫على الناس‪ ،‬أو لنه يجب عليه رقابة تنفيذ أحكام الشرع‪.‬‬
‫وحينئذ يكون الفسخ إما شرعا أو قضاء أو بالرضا‪.‬‬
‫ملحظات ثلث‪:‬‬
‫(‪ )15‬ـ الولى ـ الصل في العقود اللزوم‪ :‬يصون الفقه السلمي العقود عن الفسخ قدر المكان؛‬
‫لن الصل توافر القوة الملزمة للعقد لقوله تعالى‪{ :‬ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة‪]1/5:‬‬
‫{وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئول} [السراء‪]34/17:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬ر‪ :‬خيار‪ ،‬وإقالة‪ ،‬وسيأتي قريبا دليل القالة‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الحاكم عن أنس وعائشة‪ ،‬وهو صحيح‪.‬‬

‫( ‪)4/649‬‬
‫قال القرافي‪ :‬واعلم أن الصل في العقود اللزوم؛ لن العقود أسباب لتحصيل المقاصد من العيان‪،‬‬
‫والصل ترتب المسببات على أسبابها (‪. )1‬‬
‫فإذا استأجر شخص عاملً‪ ،‬فهرب العامل قبل تمام العمل‪ ،‬استأجر صاحب العمل من يعمل عليه‪ ،‬وله‬
‫أن يفسخ العقد إذا عجز‪ ،‬ويسلم إلى العامل أجره قبل هربه (‪ . )2‬وفوات المنفعة بالكلية موجب‬
‫للفسخ‪ ،‬أما فوات المنفعة الجزئية فليوجب الفسخ (‪. )3‬‬
‫(‪ )16‬ـ ليست الخيارات موهنة للقوة الملزمة للتعاقد‪ ،‬سواء كانت تعاقدية‪ ،‬كخيار الشرط‪ ،‬والتعيين‪،‬‬
‫والنقد‪ ،‬أو شرعية‪ ،‬كخيار العيب والتدليس‪ ،‬والتغرير‪ ،‬وفوات الوصف‪ ،‬وتفرّق الصفقة‪ ،‬لن الولى‬
‫نشأت بإرادة المتعاقدين‪ ،‬ولن الثانية تخل بإرادة العاقد ورضاه‪ ،‬كإعطاء حق البطال وحق الجازة‬
‫في القوانين الحديثة لمن كانت إرادته معيبة بعيب من عيوب الرضا من إكراه أوغلط‪ ،‬أو تدليس أو‬
‫استغلل‪.‬‬
‫(‪ )17‬ـ الثانية ـ ليس في الفقه السلمي نظرية عامة للفسخ تطبق على جميع العقود في أحوال‬
‫معينة تقتضي الفسخ‪ ،‬ول يعرف الفقه أيضا نظام الفسخ القانوني أي باعتباره جزاء يترتب لمصلحة‬
‫الدائن على إخلل المدين بالتزامه‪ ،‬ويقوم على فكرة الرتباط بين اللتزامات المتقابلة‪ .‬ولكن يعرف‬
‫الفسخ باعتباره نتيجة لعمال شرط يتضمنه العقد عند الخلل باللتزام‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الفروق‪.269/3 :‬‬
‫(‪ )2‬الوجيز للغزالي‪.229/1 :‬‬
‫(‪ )3‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪.238‬‬

‫( ‪)4/650‬‬

‫(‪ )18‬ـ الثالثة ـ يرى بعض الكاتبين الجدد أن أساس حق الفسخ في الشريعة هو ركن الرضا‪،‬‬
‫والرضا مرتبط بالمحل المعقود عليه طوال حياة اللتزام‪ ،‬فإذا انعدمت الصلة بينهما حتى بعد نشوء‬
‫العقد كان العقد قابلً للفسخ (‪ . )1‬والدق أن يقال‪ :‬إن أساس حق الفسخ في الفقه السلمي هو فكرة‬
‫المعاوضة المعتبرة شرعا التي يشترط فيها أن تؤدي إلى التوازن في مضمون العقد‪ ،‬ليس فقط عند‬
‫لحظة انعقاد العقد‪ ،‬بل حتى عند تنفيذ العقد‪ ،‬فإذا اختلت المعاوضة أو التوازن العقدي‪ ،‬كان لمن اختلت‬
‫المعاوضة في جانبه حق طلب الفسخ (‪. )2‬‬
‫شروط فسخ العقد ‪:‬‬
‫يشترط لجواز فسخ العقد شروط ثلثة‪:‬‬
‫(‪ )19‬ـ الول‪ :‬أن يكون العقد ملزما للجانبين أي عقد معاوضة‪ :‬فل يرد الفسخ إل على العقود‬
‫الملزمة للجانبين كالبيع واليجار‪ ،‬لن الفسخ يقوم شرعا كما بينت على فكرة المعاوضة المعتبرة‬
‫شرعا‪ .‬أما العقد الملزم لجانب واحد كالوديعة والكفالة وهبة ا لتبرع‪ ،‬فل يتصور الفسخ فيه‪ ،‬لن‬
‫الملتزم طرف واحد‪ ،‬وليس هناك معاوضة أو مبادلة‪ ،‬حتى يلجأ الطرف الخر إلى الفسخ لحماية‬
‫مصلحته‪ ،‬وتسويغ امتناعه من تنفيذ التزامه‪.‬‬
‫(‪ )20‬ـ الثاني‪ :‬أن يخالف العاقد شرطا صريحا أو ضمنيا أو حكما في العقد‪ :‬فإذا خالف أحد العاقدين‬
‫ما اشترطه عليه العاقد الخر صراحة‪ ،‬أو كان الشرط مفهوما ضمنا‪ ،‬أو كان اللتزام مقررا بمقتضى‬
‫العقد‪ ،‬جاز للطرف الخر طلب فسخ العقد‪ ،‬لستحالة تنفيذ اللتزام المطلوب‪ ،‬كما في حالة هلك‬
‫العين المؤجرة‪ ،‬وإعسار المشتري بالثمن في البيع‪.‬‬
‫(‪ )21‬ـ الثالث ـ انعدام الرضا الصحيح‪ :‬فإذا لم يرض العاقد بالخلل الحاصل أو كان رضاه مشوبا‬
‫بعيب من عيوب الرادة أو الرضا وهي الغلط والكراه والتدليس‪ ،‬كان له حق المطالبة بفسخ العقد‬
‫بالتراضي أو بالتقاضي‪ .‬أما إن رضي بما آل إليه أمر المعقود عليه من هلك كلي أو جزئي‪ ،‬فيسقط‬
‫حقه في الفسخ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬النظرية العامة للفسخ للدكتور علي حسن دنون‪ :‬ص ‪.73‬‬
‫(‪ )2‬سبب اللتزام وشرعيته في الفقه السلمي للدكتو جمال الدين محمود‪ :‬ص ‪.452‬‬

‫( ‪)4/651‬‬

‫وقد ذكرت سابقا (‪ )1‬شروط فسخ العقد الفاسد‪ ،‬أما فسخ العقد بسبب الخيار أو بسبب كون العقد غير‬
‫لزم‪ ،‬أو حال القالة (الفسخ التفاقي) فمحله موضع بحث هذه المور‪.‬‬
‫أسباب الفسخ ‪:‬‬
‫(‪ )22‬ـ أسباب الفسخ خمسة‪ :‬إما التفاق أو التراضي ومنه القالة‪ ،‬وإما الخيار‪ ،‬وإما عدم اللزوم‪،‬‬
‫وإما استحالة تنفيذ أحد التزامات العقد المتقابلة‪ ،‬وإما الفساد‪.‬‬
‫(‪ )23‬ـ ‪ 1‬ـ التفاق‪ :‬يفسخ العقد بالتراضي بين العاقدين بشرط صريح في العقد‪ ،‬والقالة‪ :‬نوع من‬
‫الفسخ التفاقي‪ ،‬وهي الرفع والزالة‪ ،‬أو هي «رجوع كل من العوضين لصاحبه‪ ،‬فيرجع الثمن‬
‫للمشتري والمثمون للبائع‪ ،‬وأكثر استعمالها قبل قبض المبيع» (‪ )2‬وقال ابن عرفة‪ :‬القالة‪ :‬ترك‬
‫المبيع لبائعه بثمنه‪ .‬وهي عند الحنفية بالتفاق بيع جديد في حق غير العاقدين‪ ،‬سواء قبل القبض أو‬
‫بعده‪ ،‬وفسخ في حق العاقدين بعد القبض في رأي أبي حنيفة‪ ،‬لنها رفع لغة وشرعا‪ ،‬ورفع الشيء‪:‬‬
‫فسخه‪ ،‬ويرى أبو يوسف‪ :‬أن القالة بيع جديد في حق العاقدين وغيرهما‪ ،‬إل أن يتعذر جعلها بيعا ‪،‬‬
‫فتجعل فسخا‪ ،‬كأن تقع القالة قبل القبض في مبيع منقول‪ ،‬لن بيع المنقول قبل القبض ل يجوز‪ ،‬لن‬
‫معنى البيع هو مبادلة المال بالمال‪ ،‬وهو أخذ بدل وإعطاء بدل‪ ،‬وقد وجد‪ ،‬فكانت القالة بيعا لوجود‬
‫معنى البيع فيها‪ ،‬والعبرة للمعنى ل للصورة‪.‬‬
‫ويرى محمد‪ :‬أن القالة فسخ إل إذا تعذر جعلها فسخا‪ ،‬فتجعل بيعا للضرورة‪ ،‬لن الصل في القالة‬
‫الفسخ‪ ،‬لنها عبارة عن رفع الشيء لغة وشرعا (‪. )3‬‬
‫(‪ )24‬ـ وذهب زفر والشافعية والحنابلة إلى أن القالة فسخ في حق الناس كافة‪ ،‬لن القالة هي‬
‫الرفع والزالة‪ ،‬ولن المبيع عاد إلى البائع بلفظ ل ينعقد به البيع‪ ،‬فكان فسخا (‪. )4‬‬
‫(‪ . )25‬وذهب المالكية إلى أن القالة بيع ثان يشترط فيها ما يشترط فيه‪ ،‬ويمنعها ما يمنعه؛ لن‬
‫المبيع عاد إلى البائع على الجهة التي خرج عليه منه‪ ،‬فهي تتم بتراضي الطرفين‪ ،‬يجوز فيها ما‬
‫يجوز في البيوع‪ ،‬ويحرم فيها ما يحرم في البيوع‪ ،‬ولكنهم استثنوا ثلثة أشياء‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع ف ‪ 11/‬وانظر ف‪ 51/‬التية‪.‬‬
‫(‪ )2‬زاد المعاد لبن القيم‪.76/1 :‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،306/5 :‬فتح القدير‪ ،247/5 :‬الدر المختار ورد المحتار‪.154/4 :‬‬
‫(‪ )4‬الشباه والنظائر للسيوطي‪:‬ص ‪ ،152‬القواعد لبن رجب‪:‬ص ‪ ،379‬المغني‪ 121/4 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/652‬‬

‫أولً ـ طعام المعاوضة قبل قبضه‪ ،‬أي القالة من بيع الطعام قبل قبضه‪ ،‬فالقالة فيه حل أو فسخ‬
‫للبيع‪ ،‬فلذلك جازت قبل قبض المشتري لها من البائع إن وقعت القالة بالثمن عينه‪ ،‬ل بأقل منه ول‬
‫بأكثر ول بغيره‪ ،‬وإل لزم بيع طعام المعاوضة قبل قبضه‪.‬‬
‫ثانيا ـ الشفعة‪ :‬ليست الشفعة بيعا‪ ،‬ول حلّ بيع أي فسخه‪ ،‬بل هي لغية للبيع‪ ،‬فمن باع نصيبه من‬
‫عقار‪ ،‬ثم أقال المشتري منه‪ ،‬فالشفعة ثابتة للشريك بما وقعت به القالة‪ ،‬وعهدة الشفيع على المشتري‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬المرابحة‪ :‬هي حل البيع‪ ،‬فمن باع بمرابحة‪ ،‬ثم تقايل مع المشتري‪ ،‬فل يجوز له أن يبيعها‬
‫مرابحة على الثمن الذي وقعت القالة به إذا وقعت بزيادة‪.‬‬
‫(‪ )26‬ـ ودليل جواز القالة (‪ : )1‬قوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬من أقال نادما أقاله ال يوم القيامة»‬
‫(‪ )2‬وفي رواية ‪« :‬من أقال مسلما‪ ،‬أقال ال عثرته» (‪. )3‬‬
‫ول يجوز فسخ العقود اللزمة بحق الطرفين إل بإرادتهما وذلك عن طريق القالة‪ ،‬ول تجوز القالة‬
‫في الزواج‪ ،‬بل يجوز الطلق‪.‬‬
‫ويلحظ أن القالة تحدث غالبا مع أنه ل خلل في المعاوضة بالنسبة للمتقايلين‪ ،‬وقد تحدث؛ لن العاقد‬
‫اكتشف في نفسه شيئا من عدم الرضا بعد انعقاد العقد صحيحا‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن الفسخ في القالة يختلف عن الفسوخ الخرى‪ ،‬حيث ل يشترط في سائر الفسوخ رضا‬
‫المتعاقدين‪ ،‬بل تصح من طرف واحد‪ ،‬أما القالة فل تصح إل برضا المتعاقدين‪ ،‬كما أن القالة ل‬
‫تتأثر بالشروط الفاسدة عند الحنفية (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشرح الصغير‪ 209/2 :‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.272‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البيهقي عن أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود‪ ،‬وكذا ابن ماجه وزاد ( يوم القيامة ) وأخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه‬
‫والحاكم في المستدرك‪ ،‬وقال‪ :‬صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه‪.‬‬
‫(‪ )4‬البدائع‪ ،3397/7 :‬مطبعة المام بالقاهرة‪ ،‬مغني المحتاج‪ ،65/2 :‬المغني‪.93/4 :‬‬

‫( ‪)4/653‬‬

‫(‪ )27‬ـ ‪ 2‬ـ الخيار‪ :‬هو الذي يتمثل فيه الفسخ بسبب شرط صريح أو ضمني‪ ،‬وهو أن يكون‬
‫للمتعاقد الحق في الختيار بين المضاء وعدم إمضائه بفسخه إن كان المر أمر خيار شرط أو رؤية‬
‫أو عيب‪ ،‬أو أن يختار أحد المبيعين إن كان المر أمر خيار التعيين (‪. )1‬‬
‫يفسخ العقد بسبب وجود خلل في تكوين العقد‪ ،‬وبخاصة فيما يتعلق بالمعقود عليه‪ ،‬كما في خيار‬
‫الوصف أوخيار الرؤية‪ ،‬وخيار العيب‪ ،‬وخيار الغبن والتغرير‪ ،‬وحينئذ يختلط الفسخ بالبطال‪ ،‬ويفسخ‬
‫بسبب تضمن العقد شرطا يمنح أحد العاقدين أو كليهما رخصة فسخ العقد‪ ،‬كما في خيار الشرط‬
‫وخيار النقد‪ .‬وقد اعتبر الفقهاء استحقاق المبيع عيبا في العقد‪ .‬والعيب يشمل كل ما من شأنه الحط من‬
‫قيمة الشيء أو تفويت غرض من أغراضه‪.‬‬
‫كما يفسخ بسب تجزؤ الشيء في خيار تفرق الصفقة‪ ،‬أو تغير شكله قبل التسليم‪ ،‬أو وجد المشتري‬
‫نقصا في المقادير والكميات‪ .‬وقد يفسخ العقد أيضا بسبب الخلل في الرضا‪ ،‬فإذا شاب الرضا بعض‬
‫العيوب كالغبن التدليسي والغلط‪ ،‬والكراه‪ ،‬جاز الفسخ‪.‬‬
‫(‪ - 3 - )28‬عدم لزوم العقد بطبيعته‪ :‬إنه يجعل للعاقد الحق في الفسخ من الصل‪ ،‬فيجوز لحد‬
‫العاقدين أو لكليهما بحسب العقد المسمى أن يستقل بالفسخ‪ ،‬مثل العارية والقرض والوديعة والشركة‬
‫والوكالة‪ ،‬كلها عقود غير لزمة يجوز فسخها متى شاء أحد الطرفين المتعاقدين‪ ،‬بشرط إعلم الطرف‬
‫الخر بالفسخ في رأي الحنفية‪ ،‬ليكون على بيّنة من أمره‪ ،‬فعلم الطرف الخر بالفسخ مشروط دائما‪.‬‬
‫وقال ابن رجب‪ :‬عقود المشاركات كالشركة والمضاربة‪،‬المشهور‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار‪.47/4 :‬‬

‫( ‪)4/654‬‬

‫أنها تنفسخ قبل العلم كالوكالة‪ ،‬وكذا الوديعة للوديع فسخها قبل علم المودع بالفسخ‪ ،‬وتبقى في يده‬
‫أمانة‪ ،‬وكذا الطلق والخلع يصح دون علم الخر (‪. )1‬‬
‫(‪ - 4 - )29‬استحالة تنفيذ أحد اللتزامين المتقابلين‪ :‬سواء أكانت هذه الستحالة ناشئة عن فعل‬
‫الملتزم أم ل؛ إن هذه الستحالة تجيز فسخ العقد أحيانا؛ لن اللتزام المقابل يصبح بل سبب‪ .‬وعلى‬
‫هذا إذا هلك الشيء المؤجر بعينه أو لم يستطع المستأجر النتفاع بالعين المؤجرة‪ ،‬سقط التزامه بدفع‬
‫الجرة‪ ،‬وفسخت الجارة‪ ،‬لستحالة استيفاء المنفعة المتعاقد عليها‪ .‬أما إذا كانت الجارة في الذمة‬
‫كتعهد نقل الحمل إلى مكان معين على أية دابة أو سيارة ثم تعبت الدابة أو تعطلت السيارة‪ ،‬فل يفسخ‬
‫العقد‪ ،‬بل يطلب التنفيذ العيني‪ ،‬أي الستبدال بها غيرها‪ .‬والقاعدة في البيع‪ :‬أنه إذا كان الثمن دينا‪،‬‬
‫أجبر البائع على تسليم المبيع‪ ،‬ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن إن كان حاضرا‪ ،‬فإن كان الثمن‬
‫غائبا أو بعيدا أو كان المشتري معسرا‪ ،‬فللبائع الفسخ (‪. )2‬‬
‫(‪ - 5 - )30‬الفسخ للفساد عند الحنفية القائلين به في المعاملت‪ :‬يفسخ العقد للفساد بحكم الشرع‬
‫لزالة سبب فساد العقد كما تقدم‪ ،‬كجهالة المبيع أو الثمن أو الجل أو وسائل التوثيق من كفالة أو‬
‫رهن جهالة فاحشة وهي التي تفضي إلى المنازعة‪ ،‬وتعليق المبيع على شرط‪ ،‬وإضافته للمستقبل‪،‬‬
‫واشتمال البيع على الثمن المحرّم شرعا كالخمر والخنزير‪ ،‬ووجود بيعتين في بيعة أو شرطين في بيع‬
‫واحد‪ ،‬والضرار بالمبيع كبيع جذع من سقف‪ ،‬وكون البيع فيه غرر النفساخ بهلك المعقود عليه‪،‬‬
‫أي احتمال الهلك‪ ،‬كبيع الشيء المنقول المملوك قبل قبضه‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القواعد‪ :‬ص ‪.115‬‬
‫(‪ )2‬المدخل الفقهي العام للستاذ مصطفى الزرقاء‪ :‬ص ‪.240-239‬‬

‫( ‪)4/655‬‬

‫ووجود شرط فاسد أو مفسد في العقد وهو ما ل يقتضيه العقد ول يلئمه ول ورد به الشرع ول‬
‫يتعارفه الناس‪ ،‬وإنما فيه منفعة لحد المتعاقدين‪ .‬ويمكن حصر أسباب الفساد كما تقدم في ستة‪:‬‬
‫الكراه‪ ،‬والغرر (غرر الوصف)‪ ،‬والجهالة‪ ،‬والتوقيت‪ ،‬والضرر الذي يصحب التسليم‪ ،‬والشرط‬
‫الفاسد‪ ،‬ومنه الربا‪ ،‬أما فساد بيع المنقول قبل قبضه فيرجع للضرر (‪. )1‬‬
‫وبه يتضح أن أسباب انحلل العقد في الفقه السلمي ثلثة‪:‬‬
‫‪ - 1‬كون العقد غير لزم‪.‬‬
‫‪ - 2‬الفسخ‪.‬‬
‫‪ - 3‬القالة (‪. )2‬‬
‫أنواع الفسخ ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الفسخ التفاقي (أوالقالة) والفسخ بحكم القضاء‪ ،‬والفسخ بحكم الشرع ‪:‬‬
‫(‪ - )31‬الفسخ التفاقي كما تقدم‪ :‬هو إنهاء العقد باتفاق العاقدين‪ ،‬إذ إن فسخ العقد يكون بالوسيلة‬
‫نفسها التي عقد بها العقد‪ ،‬فكما نشأ العقد بإيجاب وقبول متطابقين على إنشائه‪ ،‬كذلك يزول بإيجاب‬
‫وقبول متوافقين على إلغائه‪ ،‬فالعقد‪ :‬اتفاق ينشئ اللتزام‪ ،‬أما القالة فهي اتفاق يقضيه‪ .‬ومحل القالة‪:‬‬
‫إلغاء اللتزامات التي نشأت من العقد الذي أقيل‪ ،‬وسببها‪ :‬هو الباعث الذي دفع المتقايلين إلى هذا‬
‫اللغاء‪.‬‬
‫وقد تتم القالة بإرادة منفردة إذا اتفق عليها بإرادتين سابقتين‪ ،‬وعلى أي حال فإن القالة التي هي فسخ‬
‫اتفاقي ل تخل بالمعاوضة لي من العاقدين‪ ،‬وإنما تدل على أن الرضا الكامل بالعقد غير متوافر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع المبسوط‪.10-9/13 :‬‬
‫(‪ )2‬مصادر الحق للسنهوري‪.190/6 :‬‬

‫( ‪)4/656‬‬
‫(‪ )32‬ـ ويقرب من القالة‪ :‬الرجوع في الهبة إذا تم بالتراضي‪ ،‬فهذه إقالة من الهبة‪ ،‬وقد يتم الرجوع‬
‫في الهبة بغير القالة‪ ،‬وذلك بطريق القضاء إذا لم يقبل الموهوب له القالة‪ ،‬واستند الطلب إلى عذر‬
‫مقبول‪ ،‬ولم يوجد مانع من الرجوع (‪ . )1‬والعذ ر المقبول مثل إخلل الموهوب له بما يجب نحو‬
‫الواهب‪ ،‬أو عجز الواهب عن توفير أسباب المعيشة لنفسه أو أن يرزق ولدا بعد الهبة‪ ،‬وموانع‬
‫الرجوع في الهبة هي الزوجية والقرابة والتصرف في الموهوب‪ ،‬والزيادة المتصلة في الموهوب أو‬
‫تغييره على وجه تبدل فيه اسمه‪ ،‬كخياطة القماش ثوبا‪ ،‬وموت أحد العاقدين‪ ،‬وهلك الموهوب أو‬
‫استهلكه‪ ،‬والعوض في الهبة‪ ،‬وحال كون الهبة صدقة لفقير أو جهة بر‪ ،‬وهبة الدين للمدين‪ .‬ويلحظ‬
‫أن الزواج يقبل الفسخ قبل التمام ل بعده‪ ،‬فل تصح إقالته (‪. )2‬‬
‫(‪ - )33‬وأما الفسخ بحكم القضاء أو الفسخ الجبري‪ :‬فيكون إذا لم يحدث الفسخ بالتراضي‪ ،‬أو لرفع‬
‫فساد العقد‪ .‬ففي البيع المشتمل على خيار العيب‪ ،‬وفي حالة الهلك غير الكلي حيث يكون العقد في‬
‫حاجة إلى فسخ‪ ،‬يرى الحنفية أن المبيع إذا كان في يد البائع‪ ،‬فينفسخ البيع بقول المشتري‪ :‬رددت‪ ،‬ول‬
‫يحتاج إلى قضاء القاضي‪ ،‬ول إلى التراضي باتفاق الحنفية والشافعية‪.‬‬
‫وأما إن كان المبيع في يد المشتري‪ ،‬فل ينفسخ إل بقضاء القاضي أو بالتراضي‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مصادر الحق للسنهوري‪.246-244/6 :‬‬
‫(‪ )2‬الشباه والنظائر لبن نجيم‪ :‬ص ‪.177‬‬

‫( ‪)4/657‬‬

‫عند الحنفية؛ لن الفسخ بعد القبض يكون على حسب العقد؛ لنه يرفع العقد‪ ،‬وبما أن العقد ل ينعقد‬
‫بأحد العاقدين‪ ،‬فل ينفسخ بأحدهما من غير رضا الخر‪،‬ومن غير قضاء القاضي‪ ،‬بخلف الفسخ قبل‬
‫القبض؛ لن الصفقة ليست تامة حينئذ‪ ،‬بل تمامها بالقبض‪ ،‬فكان بمنزلة القبض (‪ . )1‬أما في خيار‬
‫الرؤية فيرد المشتري المبيع بمحض إرادته دون حاجة إلى التراضي أو التقاضي‪ ،‬سواء كان ذلك قبل‬
‫قبض المبيع أو كان بعد القبض‪ .‬فإذا رد من له الخيار‪ ،‬ولو بعد قبض المبيع‪ ،‬رد بمحض إرادته دون‬
‫حاجة إلى التراضي أو التقاضي‪.‬‬
‫ويرى الجمهور أن العقد ينفسخ بقول المشتري‪ :‬رددت‪ ،‬بغير حاجة إلى قضاء‪ ،‬ول إلى رضا البائع؛‬
‫لن الفسخ ل تفتقر صحته إلى القضاء‪ ،‬ول إلى الرضا كالفسخ بخيار الشرط بالتفاق‪ ،‬وبخيار الرؤية‬
‫على أصل الحنفية (‪. )2‬‬
‫(‪ - )34‬ويفسخ القاضي العقد عند الطلع على فساده ورفع المر إليه‪ ،‬كفسخ البيع الفاسد عند‬
‫الحنفية إذا وجد فيه أحد أسباب الفساد الستة المتقدمة وهي الكراه‪ ،‬والغرر‪ ،‬والجهالة‪،‬والتوقيت‪،‬‬
‫والضرر الذي يصحب التسليم‪ ،‬والشرط الفاسد‪ ،‬والربا‪.‬‬
‫ول يشترط أن يحكم القاضي بالفسخ‪ ،‬ما لم يكن الفسخ بسبب عيب في المبيع‪ ،‬وكان المشتري قد‬
‫قبض المبيع‪.‬‬
‫وأسباب الفسخ القضائي أو حالته‪ :‬هي استحالة التنفيذ‪ ،‬وعدم التنفيذ‪ ،‬والعذار في العقود المستمرة‪،‬‬
‫والشرط الفاسخ الصريح أو الخيارات التفاقية‪.‬‬
‫(‪ - )35‬وأما الفسخ بحكم الشرع‪ :‬فيكون بسبب الخلل الحاصل في العقد في شرط من شروط الشرع‪،‬‬
‫كفسخ الزواج عند تبين الرضاع بين الزوجين‪ ،‬وفسخ البيع حالة فساده كما تقدم‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.298 ،281/5 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،57/2 :‬المهذب‪ ،284/1 :‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪،138 ،121/3 :‬‬
‫المغني‪.109/4 :‬‬

‫( ‪)4/658‬‬

‫والفرق بين الفسخ التفاقي والفسخ أو النفساخ بحكم الشرع والفسخ القضائي‪ :‬أن الحكم في النوعين‬
‫الولين يكون كاشفا عن الفسخ وليس منشئا له‪ ،‬أما الفسخ بحكم القضاء فالحكم فيه منشئ للفسخ‪.‬‬
‫‪ - 2‬الفسخ باعتباره جزاء لعدم تنفيذ العاقد الخر التزامه ‪:‬‬
‫(‪ . -)36‬ل يجيز الفقه السلمي للعاقد أن يطلب الفسخ إذا لم ينفذ العاقد الخر التزامه‪ ،‬فإذا لم يسلم‬
‫البائع المبيع أو لم يدفع المشتري الثمن عند حلول الجل‪ ،‬أجبر العاقد على تنفيذ اللتزام ما دام تنفيذ ه‬
‫عينا ممكنا؛ لن مهمة القاضي هي إيصال ذوي الحقوق إلى حقوقهم‪ ،‬فل موجب للفسخ‪.‬‬
‫(‪ . - )37‬وتكون القاعدة أن العقد ل يفسخ إذا أخل المدين بالتزامه‪ ،‬بل يبقى العقد قائما في هذه‬
‫الحالة‪ ،‬فإذا كان الثمن دينا أجبر البائع في رأى الحنفية وغيرهم على تسليم المبيع‪ ،‬ثم يجبر المشتري‬
‫على تسليم الثمن إن كان حاضرا‪ ،‬وإن كان الثمن غائبا أو بعيدا أو كان المشتري معسرا‪ ،‬فللبائع‬
‫الفسخ‪.‬‬
‫وإذا أخل المرتهن بالتزامه‪ ،‬لم يملك الراهن فسخ الرهن‪ ،‬بل يقتصر على مطالبة المرتهن بتنفيذ‬
‫التزامه‪ ،‬أو مطالبته بالضمان إذا هلك المرهون‪.‬‬
‫وإذا لم يقم أحد العاقدين في الصلح بتنفيذ ما التزم به بموجب العقد‪ ،‬فليس للمتعاقد الخرأن يفسخ‬
‫الصلح‪ ،‬بل يطالب المدين بأن يقوم بتنفيذ التزامه (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المدخل الفقهي العام للستاذ مصطفى الزرقاء‪ :‬ص ‪ ،240- 239‬مصادر الحق للسنهوري‪:‬‬
‫‪.230/6‬‬

‫( ‪)4/659‬‬

‫‪ - 3‬الفسخ بسبب الخيار (الفسخ والقوة الملزمة للعقد)‪:‬‬


‫(‪ . - )38‬عرفنا سابقا أن الصل في العقود اللزوم‪ ،‬فيلزم العقد باليجاب والقبول‪ ،‬إل إذا كان فيه‬
‫خيار أو كان العقد بطبيعته غير لزم‪ ،‬وحينئذ يجوز فسخ العقد إما لكل العاقدين برضاهما أو لحدهما‬
‫بدون تراض‪ ،‬ففي العقد غير اللزم يثبت خيار الفسخ للعاقدين‪ ،‬وفي العقد المشتمل على الخيار يثبت‬
‫حق الفسخ لكل العاقدين في خيار المجلس (‪ )1‬عند القائلين به وهم الشافعية والحنابلة والمامية‪ ،‬وكذا‬
‫في خيار الشرط إن كان مشروطا للعاقدين‪ ،‬فإن كان مشروطا لحدهما انحصر فيه حق الفسخ‪.‬‬
‫ويكون حق الفسخ لحد العاقدين أيضا في الخيارات الناجمة عن وجود شائبة أو عيب في رضا أحد‬
‫المتعاقدين كالغلط والغبن والتغرير والكراه‪ ،‬وهذا يشمل خيار العيب‪ ،‬وخيار الغبن والتغرير‪ ،‬وخيار‬
‫تلقي الركبان‪ ،‬وخيار تفرق الصفقة‪ ،‬وخيار الرؤية‪ ،‬وخيار فقد الوصف المشروط في العقد‪ ،‬وفي حال‬
‫استحقاق (‪ )2‬أحد العوضين‪ .‬وهذا يعني أن صاحب الخيار يقدر على إمضاء العقد أو على حله كيفما‬
‫شاء دون رضا الخر‪ ،‬وإن خياره هذا يسقط بالجازة الصريحة أو الضمنية‪ ،‬أي بكل مايدل على‬
‫رضاه بإمضاء العقد بعد علمه بزوال سبب الخيار‪ ،‬وإذا أمضاه يصبح بعدئذ لزما (‪. )3‬‬
‫(‪ . - )39‬ووجود هذه الخيارات ل يضعف القوة الملزمة للتعاقد؛ لن العقد نشأ غير لزم باتفاق‬
‫إرادتي العاقدين‪ ،‬كما في خيار الشرط ونحوه‪ ،‬أو بحكم الشرع‪ ،‬كما في خيار المجلس‪ ،‬لقوله صلّى ال‬
‫عليه وسلم ‪« :‬البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا‪ ،‬أو يقول‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬خيار المجلس‪ :‬هو أن يكون لكل من العاقدين حق فسخ العقد‪ ،‬ما داما في مجلس العقد‪ ،‬لم يتفرقا‬
‫بأبدانهما‪ ،‬أو يخير أحدهما الخر‪ ،‬فيختار لزوم العقد‪.‬‬
‫(‪ )2‬الستحقاق‪ :‬أن يدعي شخص ملكية شيء‪ ،‬ويثبت ذلك بالبينة‪ ،‬ويقضي القاضي له بملكيته‪.‬‬
‫(‪ )3‬النظرية العامة للموجبات والعقود للدكتور صبحي محمصاني‪.289/1 :‬‬
‫( ‪)4/660‬‬

‫أحدهما للخر‪ :‬اختر» (‪ )1‬أي اختر اللزوم‪ ،‬فهذا الحديث ل يعارض آية المر بالوفاء بالعقود؛ لن‬
‫المراد بالعقود هي الكاملة اللزمة التي ل خيار فيها‪ ،‬ول يعارض أيضا آية {تجارة عن تراض منكم}‬
‫[النساء‪ ]29/4:‬لن هذا الخيار مشروع للتأكد من تمام الرضا‪.‬‬
‫وللعقود غير اللزمة في الفقه السلمي نظائر في القوانين الوضعية الحديثة‪ ،‬مثل العقود الزمنية غير‬
‫المعينة المدة التي يجوز لحد العاقدين فيها أن يستقل بنقضها بإرادته المنفردة (‪. )2‬‬
‫والخلصة ‪ :‬أن الفسخ حق ضعيف‪ ،‬وهو خروج على القاعدة العامة التي تقضي بلزوم العقد‪،‬‬
‫ووجوب الوفاء به‪.‬‬
‫‪ - 4‬الفسخ للعذار الطارئة ‪:‬‬
‫يفسخ العقد للعذر أو لحوادث طارئة إذا كان عقد إيجار ونحوه‪ ،‬أو عقد بيع للثمار بسبب الجوائح‪.‬‬
‫(‪ - )40‬أجاز فقهاء الحنفية (‪ )3‬دون غيرهم فسخ عقد الجارة وعقد المزارعة بالعذار الطارئة؛ لن‬
‫الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر؛ لنه لو لزم‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد في مسنده ومالك والشيخان وأصحاب السنن إل ابن ماجه عن حكيم بن حزام‪،‬‬
‫وأثبت ابن حزم تواتره‪ ،‬وقال ابن رشد عنه‪ :‬وهذا حديث إسناده عند الجميع من أوثق السانيد‬
‫وأصحها‪ .‬لكن أجاب القرافي في الفروق‪ )273-270/3( :‬عن هذا الحديث بعشرة أجوبة‪ ،‬منها‬
‫مخالفته عمل أهل المدينة‪ ،‬وهو مقدم على خبر الواحد ‪ -‬في رأيه ومنها حديث أبي داود والدارقطني‪:‬‬
‫«المتبايعان كل واحد منهما بالخيار‪ ،‬ما لم يفترقا إل أن يكون صفقة خيار‪ ،‬ول يحل له أن يفارق‬
‫صاحبه خشية أن يستقيله» ‪.‬‬
‫(‪ )2‬التعبير عن الرادة في الفقه السلمي للدكتور وحيد سوار‪ :‬ف ‪.618 ،615‬‬
‫(‪ )3‬المبسوط‪ 2/16 :‬ومابعدها ‪ ،‬البدائع‪ 197/4 :‬ومابعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪ 145/5 :‬وما بعدها‪،‬‬
‫مختصر الطحاوي‪ :‬ص ‪ ،130‬الدر المختار ورد المحتار‪ 54/5 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/661‬‬

‫العقد عند تحقق العذر‪ ،‬للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد‪ .‬والعذر‪ :‬هو ما يكون عارضا‬
‫يتضرر به العاقد مع بقاء العقد‪ ،‬ول يندفع بدون الفسخ‪ .‬قال ابن عابدين‪ :‬كل عذر ل يمكن معه‬
‫استيفاء المعقود عليه إل بضرر يلحقه في نفسه أو ماله‪ ،‬يثبت له حق الفسخ (‪. )1‬‬
‫(‪ )41‬ـ والعذار ثلثة أنواع ‪:‬‬
‫‪ - 1‬عذر من جانب المستأجر‪ :‬كإفلسه أو انتقاله من حرفة إلى أخرى؛ لن المفلس أو الذي بدل‬
‫الحرفة ل ينتفع بالعقد إل بضرر‪ ،‬وكذا سفره عن البلد؛ لن في إبقاء العقد مع السفر ضررا به‪.‬‬
‫‪ - 2‬عذر من جانب المؤجر‪ :‬كلحوق دين فادح به ل يجد طريقا لقضائه إل ببيع الشيء المأجور‬
‫وأدائه من ثمنه‪ ،‬هذا إذا ثبت الدين قبل الجارة بالبينة أو بالقرار‪ .‬ومثل إطلع المؤجر على عيب‬
‫في المأجور‪.‬‬
‫‪ - 3‬عذر راجع للعين المؤجرة‪ :‬كأن يستأجر شخص حماما في قرية ليستغله مدة معلومة‪ ،‬ثم يهاجر‬
‫أهل القرية‪ ،‬فل يجب عليه الجر للمؤجر‪.‬‬
‫وقد نص قانون المعاملت المدنية في دولة المارات (م ‪ )892‬المستمد من الفقه السلمي على أنه‬
‫إذا حدث عذر يحول دون تنفيذ عقد المقاولة (‪ )2‬أو إتمام تنفيذه‪ ،‬جاز لحد عاقديه أن يطلب فسخه أو‬
‫إنهاءه حسب الحوال‪ ،‬كما تفسخ الجارة في مذهب الحنفية بالعذار الطارئة‪ .‬ونصت المادة (م‬
‫‪ )895‬على أنه إذا‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رد المحتار‪.55/5 :‬‬
‫(‪ )2‬المقاولة‪ :‬عقد يتعهد أحد طرفيه بمقتضاه بأن يصنع شيئا أو يؤدي عملً لقاء بدل يتعهد به الطرف‬
‫الخر وهو عقد عرف حديثا في القوانين الوضعية‪ ،‬وقد استقيت أحكامه في القانون المدني الردني‬
‫وفي قانون المارات من أحكام عقد الستصناع وعقد الجير المشترك العام‪.‬‬

‫( ‪)4/662‬‬

‫تضرر أحد العاقدين من الفسخ‪ ،‬فللمتضرر أن يطالب الطرف الخر بتعويضه في الحدود التي يقرها‬
‫العرف‪.‬‬
‫(‪ . - )42‬وقال جمهور العلماء (غير الحنفية) (‪ : )1‬الجارة عقد لزم‪ ،‬فل تفسخ كسائر العقود‬
‫اللزمة من أي عاقد بل موجب‪ ،‬كوجود عيب أو ذهاب محل استيفاء المنفعة‪ ،‬فإذا فات المعقود عليه‬
‫وهو المنفعة‪ ،‬كانهدام الدار‪ ،‬وموت الدابة والجير المعينين‪ ،‬جاز الفسخ‪ ،‬ويكون بالنسبة للمستقبل ل‬
‫في الماضي‪ ،‬وإذا وجد عيب في الشيء المؤجر‪ ،‬مثل جموح الدابة أو نفورها‪ ،‬أو كونها عضوضا‪ ،‬أو‬
‫تعثر الظهر في الشيء‪ ،‬أو طرأ عرج أو ضعف بصر أو جذام أو برص‪ ،‬جاز الفسخ أيضا‪.‬‬
‫وتفصيل الحكم في هذه المذاهب‪ :‬أن المالكية يجيزون فسخ اليجار للعذر الذي يمنع استيفاء المنفعة‬
‫شرعا‪ ،‬كسكون ألم السن المستأجر على قلعها‪ ،‬أو العفو عن القصاص المستأجر على استيفائه‪،‬‬
‫وتنفسخ الجارة بحمل الظئر؛ لنه يخاف على الولد من لبنها‪ ،‬وتنفسخ الجارة أيضا إن انقطع الماء‬
‫عن الرحى المستأجرة‪.‬‬
‫ويجيز الشافعية فسخ الجارة لعذر إذا أوجب خللً في المعقود عليه أو كان عيبا فيه تنقص به‬
‫المنفعة‪ ،‬أو تعذر استيفاء المنفعة تعذرا شرعيا‪ ،‬كتعثر ظهر الدابة في المشي‪ ،‬والعرج الذي تتأخر به‬
‫عن القافلة‪ ،‬وضعف البصر في المستأجر للخدمة‪ ،‬وانهدام الحائط في الدار‪ ،‬وانقطاع الماء في البئر‬
‫والعين والرحى وغير ذلك مما يوجب خللً في المعقود عليه ترد به العين للعيب‪ .‬وتنفسخ الجارة‬
‫لقلع السن إن زال اللم للتعذر الشرعي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،227/2 :‬مواهب الجليل للحطاب‪ 432/5 :‬ومابعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪355/2 :‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬المهذب‪ 405/1 :‬ومابعدها‪ ،‬المغني‪ ،418/5 :‬غاية ا لمنتهى‪.209/2 :‬‬

‫( ‪)4/663‬‬

‫وكذلك قال الحنابلة‪ :‬ل تنفسخ الجارة بالعذر إل إذا أوجب خللً أو عيبا في المعقود عليه تنقص به‬
‫المنفعة أو تعذر استيفاء المنفعة تعذرا شرعيا‪ ،‬فإن تعذر الزرع بسبب غرق الرض أو انقطاع مائها‬
‫فللمستأجر الفسخ‪.‬‬
‫وأجاز المالكية والحنابلة فسخ البيع في بيع الثمار بسبب الجوائح إذا تلفت الثمرة كلها‪ ،‬وإنقاص الثمن‬
‫في تلف بعض الثمار‪ ،‬كما سيأتي في حالت فسخ العقود (عقد البيع) ف‪.75/‬‬
‫‪ - 5‬الفسخ لستحالة التنفيذ (الفسخ وتحمل تبعة الهلك ) ‪:‬‬
‫(‪ . - )43‬عرفنا سابقا أنه ليس في الفقه السلمي نظرية عامة للفسخ‪ ،‬وهذا حسن؛ لنه يضيق من‬
‫نطاق الفسخ في العقود على غرار القانون الروماني‪ ،‬ويوفر لها القوة الملزمة في التعاقد؛ أي أن حله‬
‫بعد عقده أمر خطير‪ ،‬فوجب الحتراز منه‪ ،‬والتضييق فيه ما أمكن‪.‬‬
‫ولذا يجيز الفقه السلمي الفسخ في حالة استحالة التنفيذ لحد التزامات العقد‪ ،‬سواء أكان ذلك بفعل‬
‫الملتزم أم ل؛ لن اللتزام المقابل يصبح بل سبب‪ ،‬وبناء عليه ‪ ،‬يمكن القول بأن هلك الشيء في‬
‫جميع الحوال قبل القبض يؤدي إلى فسخ العقد باتفاق المذاهب‪ .‬وتقع تبعة الهلك على عاتق الملتزم‪،‬‬
‫كهلك المبيع قبل القبض‪ ،‬وكما إذا لم يستطع المستأجر النتفاع بالعين المؤجرة‪ ،‬فإن التزامه بدفع‬
‫الجرة يسقط (‪ . )1‬ويسقط حق الفسخ إذا هلك الشيء أو تغير شكله بعد قبض المشتري له‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬النظرية العامة لللتزامات في الشريعة السلمية للدكتور شفيق شحاته‪ :‬ص ‪.167‬‬

‫( ‪)4/664‬‬

‫هذا ‪ ..‬وقد نص فقهاء الحنابلة على أنه إذا تعذر على البائع تسليم المبيع‪ ،‬فللمشتري الفسخ (‪. )1‬‬
‫(‪ - )44‬وإذا نص على التزام ما صراحة أو ضمنا في العقد‪ ،‬فإن عدم الوفاء به‪ ،‬يؤدي كذلك إلى‬
‫الفسخ‪ ،‬مثال الصريح‪ :‬ما لو تعهد المشتري بتقديم رهن أو كفيل بالثمن‪ ،‬ولم يفعل‪ ،‬فإن عقد البيع‬
‫يفسخ‪ .‬ومثال الشرط الضمني‪ :‬ما إذا وجد المشتري في العين المبيعة عيبا‪ ،‬فله الفسخ‪ ،‬لن سلمة‬
‫المبيع من العيوب شرط ضمني في عقد البيع‪ ،‬وكذلك في عقد الجارة‪ .‬وقد اعتبروا استحقاق المبيع‬
‫عيبا‪.‬‬
‫(‪ - )45‬ويفسخ العقد أيضا إذا تجزأ الشيء أو تغير شكله قبل التسليم‪ ،‬وكذلك إذا وجد المشتري نقصا‬
‫في المقادير؛ لتعيب رضا المشتري الذي لم يتوصل إلى وزن متفق عليه‪.‬‬
‫وقد يفسخ العقد أيضا كما تقدم إذا شاب الرضا بعض العيوب‪ ،‬كالغبن التدليسي والخطأ (الغلط)‬
‫والكراه‪ ،‬ويفسخ أيضا في حال بيع العين الغائبة‪ ،‬أو غير المرئية‪ ،‬فللمشتري الذي لم ير المبيع حق‬
‫الفسخ أيضا؛ لن الغلط حينئذ كثير الحتمال (‪ ، )2‬وبه يتبين أن الفسخ بالمعنى الصحيح ل يكون إل‬
‫في الحوال التي يصيب فيها رضا العاقد عيب‪ ،‬أو يختل هذا الرضا‪ ،‬لعد تحقق الشرط الذي توقعه‬
‫العاقد عند التعاقد‪.‬‬
‫(‪ - )46‬وأساس الفسخ في جميع الحوال مخالفة شرط صريح أو ضمني في العقد‪ ،‬ويكون الفسخ‬
‫نتيجة لعمال شرط يتضمنه العقد عند الخلل باللتزام‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬شرح منتهى الرادات‪ ،187/2 :‬الطبعة الجديدة‪ ،‬مجلة الحكام الشرعية على مذهب المام أحمد‬
‫للقاضي أحمد القاري ( م ‪.)472‬‬
‫(‪ )2‬شفيق شحاته‪ ،‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪ 168‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/665‬‬
‫وأساس المسؤولية المدنية في الشريعة السلمية عن الهلك الكلي أو الجزئي هو نظرية تحمل التبعة‪،‬‬
‫أي أن كل شخص يتحمل مسؤولية الضرر الذي يحدثه بفعله مباشرة أو تسببا‪ ،‬فأساس المسؤولية هو‬
‫الضرر‪ ،‬وليس عنصر الخطأ (‪. )1‬‬
‫(‪ - )47‬وأساس تحمل تبعة الهلك في الفقه السلمي ليس كما يرى بعضهم هو طبيعة العقد الملزم‬
‫للجانبين (‪ ، )2‬وإنما هو المعاوضة أو المبادلة التي تقتضي إنشاء التزامات متقابلة‪ ،‬وتحقق فكر‬
‫المساواة التي تقوم عليها العقود ‪ ،‬وتحقيق المساواة بين المتعاقدين يقتضي أل يجبر أحدهما على تنفيذ‬
‫التزامه‪ ،‬بينما الخر لم يقم بتنفيذ اللتزام المقابل‪ ،‬وإل كان في ذلك إخلل بالمساواة المقصودة (‪. )3‬‬
‫قال الكاساني‪« :‬ولن المعاوضات مبناها على المساواة عادة وحقيقة» (‪ )4‬وقال أيضا‪« :‬ولن‬
‫المساواة في العقود المطلقة مطلوب العاقدين (‪. » )5‬‬
‫وتظهر سلمة هذا التأصيل في حالة الهلك الجزئي بنحو أوضح‪ ،‬فاللتزام الذي انقضى جانب من‬
‫محله بالهلك‪ ،‬لم ينقض بسببه اللتزام تماما‪ ،‬ومع ذلك فإنه يسقط من اللتزام المقابل ما يساوي قيمة‬
‫الجزء الهالك من التزام العاقد الخر‪ ،‬أي الجزء الذي أصبح فيه اللتزام مستحيلً‪.‬‬
‫‪ - 6‬الفسخ للفلس والعسار والمماطلة ‪:‬‬
‫(‪ - )48‬إذا كان المدين معسرا أمهل إلى وقت اليسار‪ ،‬عملً بنظرة الميسرة { وإن كان ذو عسرة‪،‬‬
‫فنظِرة إلى ميسرة } [البقرة‪ ]280/2:‬وإذا كان موسرا مماطلً في الوفاء‪ ،‬وله مال يفي‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مسؤولية النسان عن حوادث الحيوان والجماد للدكتور فاضل يوسف دبو‪ :‬ص ‪.156‬‬
‫(‪ )2‬نظرية تحمل التبعة في الفقه السلمي للدكتور محمد زكي عبد البر‪.141/1 :‬‬
‫(‪ )3‬مصادر الحق للسنهوري‪ ،243/6 :‬سبب اللتزام وشرعيته في الفقه السلمي للدكتور جمال‬
‫الدين محمود‪ :‬ص ‪ 449‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )4‬البدائع‪.249/5 :‬‬
‫(‪ )5‬المرجع السابق‪ .201/4 :‬القرآنية‪:‬‬

‫( ‪)4/666‬‬

‫بدينه للحال‪ ،‬جاز للقاضي حبسه باتفاق المذاهب (‪. )1‬‬


‫وأضاف الحنابلة أنه إذا ظهر المشتري مفلسا أو معسرا‪ ،‬ولو ببعض الثمن‪ ،‬فللبائع خيار ا لفسخ‪،‬‬
‫والرجوع بعين ماله‪ ،‬ول يلزمه أن ينظره‪.‬‬
‫وإذا كان المشتري موسرا مماطلً‪ ،‬فللبائع الفسخ‪.‬‬
‫وإذا هرب المشتري قبل نقد الثمن‪ ،‬وهو معسر‪ ،‬فللبائع الفسخ‪ ،‬وإذا كان موسرا‪ ،‬قضاه الحاكم من‬
‫ماله‪ ،‬وإل باع ا لمبيع‪ ،‬وقضى ثمنه منه‪.‬‬
‫وأما إذا كان الثمن حالً غائبا عن المجلس دون مسافة القصر‪ ،‬فل فسخ‪ ،‬ويحجر الحاكم المبيع وبقية‬
‫ماله حتى يحضر الثمن (‪. )2‬‬
‫والفسخ في هذه الحوال يدخل تحت ما يسمى بخيار تعذر تحصيل الثمن أو المبيع‪ ،‬ذلك الخيار الذي‬
‫يثبت على التراضي‪.‬‬
‫(‪ - )49‬ووافق المالكية والشافعية مذهب الحنابلة في جواز الفسخ حال الفلس‪ ،‬فيكون رأي جمهور‬
‫الفقهاء إعطاء خيار الفسخ في عقود المعاوضة للعاقد الذي سلّم شيئا معينا إلى آخر‪ ،‬بأن يسترده منه‬
‫ل بقوله صلّى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫بحالة إفلسه‪ ،‬إذا كان هذا الشيء ل يزال موجودا عنده بعينه‪ ،‬عم ً‬
‫«من أدرك ماله بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس‪ ،‬فهو أحق به من غيره» (‪ )3‬وقوله عليه السلم‬
‫أيضا‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬سيأتي بحث ذلك في باب الفلس‪.‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع‪ ،240/3 :‬طبع مكة‪ ،‬شرح منتهى الرادات‪ ،178/2 :‬الطبعة الجديدة‪ ،‬مجلة الحكام‬
‫الشرعية على مذهب المام أحد للقاضي أحمد القاري (م ‪.)471-467‬‬
‫(‪ )3‬روي في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة‪.‬‬

‫( ‪)4/667‬‬

‫«من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به‪ ،‬ويتبع البيّع ‪ -‬أي البائع ‪ -‬من باعه» (‪. )1‬‬
‫فلو أفلس المشتري بعد تسليم المبيع وقبل دفع الثمن‪ ،‬فللبائع خيار الفسخ واسترداد المبيع إذا كان هذا‬
‫المبيع ل يزال بعينه في يد المشتري‪ ،‬عملً بالحديث المتقدم‪ ،‬ولن العجز عن إيفاء الثمن يوجب حق‬
‫الفسخ قياسا على العجز عن إيفاء المبيع؛ لن المبيع عقد معاوضة يتطلب المساواة‪.‬‬
‫وليس خيار الفسخ مختصا بعقد البيع عند الجمهور‪ ،‬بل هو ثابت أيضا في كل عقود المعاوضات‬
‫كالجارة والقرض‪ ،‬فللمؤجر فسخ الجارة إذا أفلس المستأجر قبل دفع الجرة‪ ،‬وللمقرض الرجوع‬
‫على المقترض إذا أفلس وكان عين ماله قائما‪.‬‬
‫وأضاف المام الشافعي لجواز الرجوع والسترداد في حال إفلس المدين الحي حال وفاة المدين إذا‬
‫تبين أنه مفلس (‪. )2‬‬
‫(‪ - )50‬أما الحنفية فلم يجيزوا الفسخ حال الفلس وغيره‪ ،‬جاء في المجلة (م ‪ « :)592‬إذا قبض‬
‫المشتري المبيع‪ ،‬ثم مات مفلسا قبل أداء الثمن‪ ،‬ليس للبائع استرداد المبيع‪ ،‬بل يكون مثل الغرماء‬
‫» (وذلك لن الثمن دين في الذمة )‪ ،‬وهذا مانع من الفسخ‪ ،‬ولقوله صلّى ال عليه وسلم فيما رواه‬
‫الخصاف‪« :‬أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده متاعه‪ ،‬فهو أسوة غرمائه فيه» وأوّلوا حديث أبي هريرة‬
‫الذي استند إليه الجمهور بأنه خاص بحالة شرط خيار الفسخ للبائع‪ ،‬وقبضه المشتري بشرط الخيار‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن سمرة بن جندب‪.‬‬
‫(‪ )2‬شرح الخرشي‪ ،193-191/4 :‬بداية المجتهد‪ ،240-237/2 :‬المهذب‪ ،327-323/1 :‬فتح‬
‫العزيز ‪ ،243-133/10‬المغني‪ ،505 ،460-456/4 :‬النظرية العامة للموجبات والعقود‪ ،‬محمصاني‪:‬‬
‫‪.496-494/1‬‬

‫( ‪)4/668‬‬

‫للبائع (‪ ، )1‬ولكن هذا التأويل ضعيف واهن؛ لن الحديث صحيح وعبارته عامة مطلقة‪ ،‬فل ينقض‬
‫بحديث ضعيف‪.‬‬
‫وأجاز الجمهورفسخ الزواج للعسار أو العجز عن النفقة‪ ،‬والفرقة طلق عند المالكية‪ ،‬فسخ عند‬
‫الشافعية والحنابلة ل تجوز إل بحكم القاضي‪ ،‬وجوازها لدفع الضرر عن الزوجة‪ .‬ولم يجز الحنفية‬
‫التفريق بسبب العسار؛ لن ال تعالى أوجب أنظار المعسر بالدين في قوله تعالى‪{ :‬وإن كان ذو‬
‫عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة‪. )2( ]280/2:‬‬
‫‪ - 7‬الفسخ بسبب البطلن أو الفساد أو الردة في الزواج ‪:‬‬
‫(‪ - )51‬هناك فوارق بين البطلن والفساد منها‪ :‬استحقاق الفسخ (‪: )3‬‬
‫فالباطل ل يحتاج إلى فسخ؛ لنه معدوم لم يوجد‪ ،‬والفسخ يرد على عقد قائم كالعقد المشتمل على أحد‬
‫الخيارات‪ ،‬وغير ذلك مما ذكر في أسباب الفسخ‪.‬‬
‫وأما الفاسد‪ :‬فيستحق الفسخ رعاية لحكام الشرع‪ ،‬إما بإرادة أحد العاقدين‪ ،‬أو بإرادة القاضي لن‬
‫إزالة الفساد واجب شرعا‪ ،‬وبالفسخ يرتفع الفساد (‪. )4‬‬
‫ويبقى حق الفسخ قائما‪ ،‬ولو بعد التنفيذ حتى يزول سببه إل إذا وجد أحد موانع الفسخ وهي (‪: )5‬‬
‫‪ - 1‬هلك المعقود عليه أو استهلكه أو تغيير شكله واسمه كطحن القمح‪ ،‬وخبز الدقيق‪.‬‬
‫‪ - 2‬الزيادة المتصلة غير المتولدة من الصل‪ ،‬كخلط الدقيق بالسمن أو العسل‪ ،‬والبناء على الرض‪،‬‬
‫وصبغ الثوب‪ .‬أما أنواع الزيادات الخرى وهي الزيادة المتصلة المتولدة كالسمن والجمال‪ ،‬والزيادة‬
‫المنفصلة المتولدة كالولد والثمرة‪ ،‬أو غير المتولدة كالكسب والغلة‪ ،‬فل تمنع الفسخ والرد‪.‬‬
‫‪ - 3‬التصرف بالشيء المقبوض بعقد فاسد من قبل القابض‪ ،‬كالبيع والهبة والرهن والوقف‪.‬‬
‫ويلحظ أن حق الفسخ بسبب الفساد يورث‪ ،‬فلو مات أحد العاقدين‪ ،‬جاز لورثته أو للعاقد الخر فسخ‬
‫العقد بعد الموت‪.‬‬
‫(‪ - )52‬ويفسخ الزواج باتفاق المذاهب بسبب ردة أحد الزوجين (‪ ، )6‬لن الردة تتضمن تبييت الغدر‬
‫والحقد والعداوة للمسلمين‪ ،‬فل يناسبها بقاء الحياة الزوجية التي ينبغي أن تقوم على الوفاء والصفاء‬
‫والحبّ والوئام والسلم‪ ،‬وقد قال ال تعالى في كتابه العزيز‪{ :‬ول تَنكحوا المشركات حتى يؤمن‪،‬‬
‫ولمة مؤمنة خير من مشركة‪ ،‬ولو أعجبتكم‪ ،‬ول تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا‪ ،‬ولعبد مؤمن خير‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تكملة فتح القدير مع العناية‪ ،331-330/7 :‬طبع التجارية‪ ،‬تكملة فتح القدير‪ ،279/9 :‬طبع دار‬
‫الفكر‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ ،903/2 :‬الفروق‪ ،145/3 :‬الشرح الصغير‪ ،745/2 :‬مغني المحتاج‪،442/3 :‬‬
‫المغني‪.573/7 :‬‬
‫(‪ )3‬سيأتي بحث الموضوع في عقد البيع‪.‬‬
‫(‪ )4‬البدائع‪.300/5 :‬‬
‫(‪ )5‬البدائع‪ ،302-300/5 :‬فتح القدير‪ ،302 ،231/5 :‬رد المحتار‪ ،137/4 :‬مجمع الضمانات‪ :‬ص‬
‫‪.216‬‬
‫(‪ )6‬فتح القدير‪ ،21/3 :‬بداية المجتهد‪ ،70/2 :‬تحفة الطلب للنصاري‪ :‬ص ‪ ،326‬المغني‪56/7 :‬‬
‫ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/669‬‬

‫من مشرك‪ ،‬ولو أعجبكم‪[ }..‬البقرة‪ ]221/2:‬وقال سبحانه‪{ :‬ول تمسكوا بعصم الكوافر‪[ }..‬الممتحنة‪:‬‬
‫‪ ]10/60‬وتكون الفرقة بالردة فسخا عند الجمهور‪ ،‬وطلقا في مشهور المذهب عند المالكية‪.‬‬
‫‪ - 8‬الفسخ الرضائي والفسخ الجبري بطريق القضاء ‪:‬‬
‫(‪ - )53‬الفسخ الرضائي‪ :‬هو الذي يتم بتراضي الطرفين المتعاقدين‪ ،‬أو بإرادة أحدهما وهو الصل‬
‫في الفسخ‪ ،‬فالجارة مثلً ل بد لصحة فسخها من الرضا أو القضاء‪ ،‬أما المزارعة فيجوز على‬
‫الرواية الراجحة فسخها‪ ،‬ولو بل قضاء وتراض‪.‬‬
‫والفسخ الجبري بطريق القضاء‪ :‬هو الذي يكون بحكم القاضي‪ ،‬ويلجأ إليه استثناء من الصل إذا تعذر‬
‫التراضي‪ ،‬أو إذا لم يراع العاقدان أحكام الشرع في تجنب أسباب الفساد‪ ،‬أو مصادمة نصوص‬
‫الشريعة‪.‬‬
‫وقد أشرت لهذا سابقا في النوع الول من أنواع الفسخ‪ .‬وأخصص البحث هنا لبيان آراء المذاهب‬
‫بإيجاز في أحوال كون الفرقة الزوجيةفسخا‪ ،‬وما يتوقف من الفرق على القضاء وما ل يتوقف على‬
‫القضاء‪.‬‬
‫(‪ - )54‬يرى الحنفية (‪ : )1‬أن الفرقة تكون فسخا فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬تفريق القاضي بين الزوجين بسبب إباء الزوجة السلم‪ ،‬بعدما أسلم زوجها المشرك أو‬
‫المجوسي فإن كان الباء من الزوج‪ ،‬فتكون الفرقة طلقا عند أبي حنيفة ومحمد‪ ،‬وفسخا عند أبي‬
‫يوسف‪.‬‬
‫‪ - 2‬ردة أحد الزوجين‪.‬‬
‫‪ - 3‬تباين الدارين حقيقة وحكما‪ :‬بأن خرج أحد الزوجين إلى دار السلم مسلما أو ذميا‪ ،‬وترك‬
‫الخر كافرا في دار الحرب‪ ،‬قياسا على الردة‪ ،‬لعدم التمكين من النتفاع عادة‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬ل تقع‬
‫الفرقة باختلف الدارين‪.‬‬
‫‪ - 4‬خيار بلوغ الصغير أو الصغيرة‪ ،‬ول تقع الفرقة حينئذ إل بتفريق القاضي‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فتح القدير‪ ،21/3 :‬البدائع‪ 336/2 :‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار ورد المحتار‪.571/2 :‬‬

‫( ‪)4/670‬‬

‫‪ - 5‬خيار العتق‪ :‬بأن تعتق المة ويبقى زوجها عبدا‪ ،‬فلها الخيار بالبقاء أو إنهاء الزواج‪ ،‬وتثبت‬
‫الفرقة بنفس الختيار‪.‬‬
‫‪ - 6‬التفريق لعدم الكفاءة أو لنقصان المهر‪ ،‬ول تكون إل عند القاضي‪ .‬وما عدا ذلك من أنواع الفُرَق‬
‫يكون طلقا‪ ،‬ومنها الخلع‪ .‬وضابط ما يتميز به الفسخ عن الطلق في رأي أبي حنيفة ومحمد‪ :‬هو أن‬
‫كل فرقة بسبب من جانب المرأة تكون فسخا‪ ،‬وكل فرقة من جانب الرجل أو بسبب منه مختص‬
‫بالزوج فهي طلق‪ ،‬إل الردة فهي فسخ‪ ،‬وكذا الفرقة بالموت تكون فسخا‪.‬‬
‫(‪ - )55‬ويرى المالكية (‪ : )1‬أن الفرقة تكون فسخا فيما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا وقع العقد غير صحيح‪ ،‬كالزواج بإحدى المحارم‪ ،‬والزواج بزوجة الغير أو معتدته‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا طرأ على الزواج مايوجب الحرمة المؤبدة‪ ،‬كالتصال الجنسي بشبهة من أحد الزوجين‬
‫بأصول الخر أو فروعه‪ ،‬مما يوجب المصاهرة (‪)2‬‬
‫‪ - 3‬الفرقة بسبب اللعان‪ :‬لترتب الحرمة المؤبدة عليه‪ ،‬لحديث‪« :‬المتلعنان ليجتمعان أبدا»‪- 4 .‬‬
‫الفرقة بسبب إباء الزوج السلم بعد أن أسلمت زوجته‪ ،‬أو إباء الزوجة غير الكتابية السلم بعد‬
‫إسلم زوجها؛ لن ذلك في معنى طروء مفسد على الزواج‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،70/2 :‬الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه‪.364/2 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه الدارقطني عن ابن عباس‪.‬‬

‫( ‪)4/671‬‬

‫(‪ - )56‬ومذهب الشافعية (‪ : )1‬أن الفسخ أنواع سبعة عشر‪ :‬فرقة إعسار مهر‪ ،‬وإعسار نفقة أو‬
‫كسوة أو مسكن بعد إمهال الزوج ثلثة أيام‪ ،‬وفرقة لعان‪ ،‬وفرقة خيار عتيقة‪ ،‬وفرقة عيوب بعد رفع‬
‫المر إلى الحاكم وثبوت العيب‪ .‬ووطء شبهة كوطء أم زوجته أو ابنتها‪ ،‬وسبي الزوجين أو أحدهما‬
‫قبل الدخول أو بعده؛ لن الرق أزال الملك عن النفس‪ ،‬فعن العصمة أولى‪ ،‬وفرقة إسلم أحد‬
‫الزوجين‪ ،‬أو ردته‪ ،‬وإسلم الزوج على أختين أو أكثر من أربع‪ ،‬أو أمتين‪ ،‬وملك أحد الزوجين‬
‫الخر‪ ،‬وعدم الكفاءة‪ ،‬وانتقال من دين إلى آخر كالنتقال من اليهودية إلى النصرانية‪ ،‬وفرقة رضاع‬
‫بشرط كونه خمس رضعات متفرقات قبل مضي حولين‪.‬‬
‫(‪ - )57‬وقال الحنابلة(‪ : ) 2‬يكون الفسخ في حالت‪ ،‬منها ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الخلع إذا كان بغير لفظ الطلق‪ ،‬أو بغير نية الطلق‪.‬‬
‫‪ - 2‬ردة أحد الزوجين‪.‬‬
‫‪ - 3‬الفرقة لعيب مشترك‪ ،‬وهو الجنون والصرع‪ ،‬أو مختص بالمرأة كالرتق والقرن والبخر والقروح‬
‫السيالة وانخراق ما بين السبيلين‪ ،‬أو مختص بالرجل كالجب والعُنّة‪ ،‬ول يفسخ الزواج إل حاكم‪.‬‬
‫‪ - 4‬إسلم أحد الزوجين‪.‬‬
‫‪ - 5‬الفرقة بسبب اليلء بواسطة القاضي‪ ،‬إن انقضت المدة وهي أربعة أشهر‪ ،‬ولم يطأ الزوج‬
‫زوجته‪ ،‬ولم يطلق بعد أن يأمره الحاكم بالطلق‪.‬‬
‫‪ - 6‬الفرقة بسبب اللعان؛ لن اللعان يوجب التحريم المؤبد بين الزوجين‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬ولو لم يحكم به‬
‫القاضي‪.‬‬
‫ويلحظ أن هذه الفرقة توجب حرمة مؤبدة عند الجمهور وأبي يوسف‪ ،‬وتوجب حرمة مؤقتة عند أبي‬
‫حنيفة ومحمد إذا خرج أحد الزوجين عن أهلية اللعان‪ ،‬أو كذب الرجل نفسه فيما قذف به المرأة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حاشية الشرقاوي‪ ،296-294/2 :‬تحفة الطلب‪ :‬ص ‪.236‬‬
‫(‪ )2‬المغني‪ 56/7 :‬ومابعدها‪ ،‬غاية المنتهى‪.103 ،57-56 ،46/3 :‬‬

‫( ‪)4/672‬‬

‫وفرقة الفسخ‪ :‬منها ما يتوقف على القضاء‪ ،‬ومنها ما ل يتوقف عليه (‪: )1‬‬
‫(‪ - )58‬أما فرق الفسخ المتوقفة على القضاء فهي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الفرقة بسبب عدم الكفاءة‪.‬‬
‫‪ - 2‬الفرقة بسبب نقصان المهر عن مهر المثل‪.‬‬
‫‪ - 3‬الفرقة بسبب إباء أحد الزوجين السلم إذا أسلم الخر‪ ،‬لكن الفرقة بسبب إباء الزوجة متفق‬
‫عليه‪ ،‬أما بسبب إباء الزوج فهو متفق عليه في رأي الجمهور‪ ،‬وأبي يوسف الذي يرى أن الفرقة‬
‫فسخ‪ .‬وخالف في ذلك أبو حنيفة ومحمد‪ ،‬فلم يريا توقفها على القضاء؛ لن الفرقة حينئذ طلق في‬
‫رأيهما‪.‬‬
‫‪ - 4‬الفرقة بسبب خيار البلوغ لحد الزوجين عند الحنفية إذا زوجهمافي الصغر غير الب والجد‪.‬‬
‫‪ - 5‬الفرقة بسبب خيار الفاقة من الجنون عند الحنفية إذا زوج أحد الزوجين في الصغر غير الب‬
‫والجد والبن‪.‬‬
‫(‪ - )59‬وأما فرق الفسخ غير المتوقفة على القضاء فهي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الفسخ بسبب فساد العقد في أصله‪ ،‬كالزواج بغير شهود‪ ،‬والزواج بالخت‪.‬‬
‫‪ - 2‬الفسخ بسبب اتصال أحد الزوجين بأصول الخر أو فروعه اتصالً يوجب حرمة المصاهرة‪.‬‬
‫‪ - 3‬الفسخ بسبب ردة الزوج في رأي أبي حنيفة وأبي يوسف‪ ،‬فإن ارتد الزوجان فل يفرق بينهما‬
‫بمجرد الردة في الراجح عند الحنفية‪.‬‬
‫‪ - 4‬الفسخ بسبب خيار العتق للزوجة‪.‬‬
‫‪ - 5‬الفسخ بسبب ملك أحد الزوجين للخر‪.‬‬
‫‪ - 9‬الفسخ لعدم إجازة العقد الموقوف ‪:‬‬
‫(‪ - )60‬العقد عند الحنفية والمالكية إما نافذ أو موقوف ‪ ،‬والنافذ‪ :‬هو ما صدر ممن له أهلية وولية‬
‫على إصداره‪ ،‬كالعقد الصادر من الرشيد في ماله‪ ،‬أو الولي أو الوصي عن القاصر‪ ،‬أو الوكيل عن‬
‫موكله‪ ،‬وحكمه‪ :‬أنه تترتب عليه آثاره فور صدوره من غير توقف على إجازة أحد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المراجع السابقة‪.‬‬

‫( ‪)4/673‬‬

‫والموقوف‪ :‬هو ما صدر من شخص له أهلية التعاقد‪ ،‬من غير أن يكون له ولية إصداره‪ ،‬كعقد‬
‫الفضولي‪ ،‬وعقد الصغير المميز في التصرفات المترددة بين الضرر والنفع كالبيع ونحوه‪ ،‬والتصرف‬
‫من الراهن أو المرتهن في الشيء المرهون‪ ،‬والوصية وتبرعات المريض مرض الموت فيما يزيد‬
‫عن ثلث المال‪ .‬وحكمه‪ :‬أنه ل تترتب عليه آثاره إل إذا أجازه صاحب الشأن أو الحق الذي يملك‬
‫إصداره‪ ،‬فإن لم يجزه‪ ،‬بطل العقد‪ .‬أما الشافعية والحنابلة فقالوا‪ :‬إنه باطل من الصل‪.‬‬
‫(‪ - )61‬وعدم إجازة العقد الموقوف ممن له ولية أو ملك والذي يتوقف نفاذ العقد على رضاه يعد‬
‫من أسباب انحلل العقد أو فسخه عند القائلين بانعقاده (‪. )1‬‬
‫إن عقود الفضولي (‪ )2‬تكون موقوفة على إجازة صاحب الحق‪ ،‬فإن أجازه نفذ‪ ،‬وإل فسخ واعتبر كأن‬
‫لم يكن‪ ،‬وعقد الصغير المميز غير المأذون له في التجارة‪ ،‬فيما يتردد بين الضرر والنفع موقوف‬
‫على إجازة وليه‪ ،‬فإن أجازه نفذ وإل بطل‪ ،‬وتصرف المدين المحجور عليه أو المدين المفلس موقوف‬
‫على إجازة الدائنين‪ ،‬وتبرع المريض مرض الموت من هبة أو صدقة فيما زاد عن ثلث تركته‬
‫موقوف على إجازة الورثة‪ ،‬والوصية من الصحيح فيما يزيد عن ثلث التركة‬
‫موقوفة على إجازة الورثة‪ ،‬وتصرفات السفيه والمغفل المترددة بين الضرر والنفع‪ ،‬كالبيع والشراء‬
‫والقرض موقوفة على إجازة الولي‪.‬‬
‫فإن لم يجز هؤلء أصحاب الحق التصرف انحل وعدّ كأن لم يكن‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار رد المحتار‪ ،104 ،6-5/4 :‬البدائع‪ ،155 ،150-148/5 :‬بداية المجتهد‪،171/2 :‬‬
‫فتح القدير مع العناية بهامشه‪ 309/5 :‬ومابعدها‪ ،‬وسيأتي في عقد البيع بحث الموضوع‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفضولي في الصل‪ :‬من يشتغل بما ل يعنيه أو يعمل عملً ليس من شأنه‪ ،‬واصطلحا‪ :‬من‬
‫يتصرف في شيء أو يعقد عقدا من العقود‪ ،‬دون أن يكون له ولية ما على القيام به‪ ،‬كبيع ملك الغير‬
‫أو إجارته‪.‬‬

‫( ‪)4/674‬‬

‫‪ - 10‬الفسخ بسبب الستحقاق ‪:‬‬


‫(‪ - )62‬الستحقاق لغة‪ :‬طلب الحق‪ ،‬وفقها‪ :‬ظهور كون الشيء حقا واجبا للغير‪ ،‬أوهو أن يدعي‬
‫شخص ملكية شيء‪ ،‬ويثبت دعواه ويقضي له القاضي بملكيته‪ ،‬وانتزاعه من يد حائزه‪ .‬وعرفه‬
‫المالكية بقولهم‪ :‬هو رفع ملك شيء بثبوت ملك قبله‪ .‬فهو يجيز للمستحق طلب فسخ التصرف أو‬
‫إمضاءه كالخيار‪ ،‬وتصرف الفضولي‪.‬‬
‫(‪ - )63‬والستحقاق بالنسبة لفسخ العقد نوعان (‪: )1‬‬
‫‪ - 1‬مبطل للملك بالكلية‪ :‬بحيث ل يبقى لحد عليه غير المدعي حق التملك‪ ،‬كالعتق والحرية‬
‫الصلية‪ ،‬وحكمه‪ :‬أنه يوجب فسخ العقد بل حاجة لحكم القاضي‪ ،‬ولكل واحد من الباعة الرجوع على‬
‫بائعه بالثمن‪ ،‬فلو أقام العبد بينة أنه حر الصل‪ ،‬أو أنه كان عبدا لفلن‪ ،‬فأعتقه‪ ،‬فكل واحد‪ ،‬وإن لم‬
‫يرجع عليه‪ ،‬أن يرجع على بائعه قبل القضاء عليه‪ ،‬ويرجع هو أيضا على بائعه الول‪.‬‬
‫‪ - 2‬وناقل للملك من شخص إلى آخر‪ :‬وهذا هو الغالب‪ ،‬كأن ادعى زيد على خالد أن مافي يده من‬
‫المتاع ملك له‪ ،‬وبرهن على ادعائه‪ .‬وحكمه‪ :‬أنه ل يوجب فسخ العقد؛ لنه ل يوجب بطلن ملك‬
‫المشتري‪ ،‬وإنما يتوقف على إجازة المستحق أو فسخه‪ .‬والصحيح عند الحنفية أن العقد ل ينفسخ ما لم‬
‫يرجع المشتري على بائعه بالثمن‪ ،‬ويفسخ العقد ‪ -‬في الصح من ظاهر الرواية ‪ -‬بالفسخ‪ ،‬أي‬
‫بالتراضي‪ ،‬ل بمجرد القضاء بالستحقاق‪.‬‬
‫وليس لحد من المشترين أن يرجع على بائعه بالثمن‪ ،‬ما لم يرجع عليه‪ ،‬لئل يجتمع الثمنان في ملك‬
‫واحد‪ ،‬أي فليس للمشتري الوسط أن يرجع على بائعه قبل أن يرجع عليه المشتري الخير‪.‬‬
‫والحكم بالستحقاق يشمل الحائز ذا اليد‪ ،‬فيؤخذ المدعى به من يده‪ ،‬ويشمل أيضا كل من تلقى ذو اليد‬
‫الملك عنه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪.199/4 :‬‬

‫( ‪)4/675‬‬
‫(‪ . - )64‬وتطبيقا لذلك‪ ،‬إذا استحق بعض المبيع المعقود عليه قبل القبض‪ ،‬ولم يجز المستحق‪ ،‬بطل‬
‫العقد في القدر المستحق؛ لنه تبين أن ذلك القدر لم يكن ملك البائع‪ ،‬ولم توجد الجازة من المالك‪،‬‬
‫وللمشتري الخيار في الباقي‪ ،‬إن شاء رضي به بحصته من الثمن‪ ،‬وإن شاء رده‪ ،‬سواء أحدث عيبا‬
‫في الباقي أم ل‪.‬‬
‫وإن أثبت المستحق ملكيته المبيع كله بالبينة‪ ،‬فقضي له به‪ ،‬ل ينفسخ البيع‪ ،‬بل يصبح متوقفا على‬
‫إجازة المستحق‪ ،‬فإن أجاز البيع بقي المبيع للمشتري‪ ،‬ويأخذ المستحق الثمن من البائع‪ ،‬ويصبح البائع‬
‫كوكيل عنه بالبيع؛ لن الجازة اللحقة كالوكالة السابقة‪ .‬وإن لم يجز المستحق البيع‪ ،‬بل اختار أخذ‬
‫المبيع‪ ،‬ينفسخ البيع السابق بالفسخ‪ ،‬أ ي بالتراضي عليه ‪ -‬في ظاهر الرواية‪ -‬ويكون البائع ملتزما‬
‫للمشتري برد الثمن‪.‬‬
‫ما يقبل الفسخ وما ل يقبل ‪:‬‬
‫(‪ - )65‬تنقسم العقود من حيث قابليتها للفسخ من كل الطرفين المتعاقدين أو من طرف واحد إلى‬
‫أربع فئات‪ :‬عقود لزمة للطرفين‪ ،‬وغير لزمة لهما‪ ،‬ولزمة لطرف دون آخر‪ ،‬والتصرف بالرادة‬
‫المنفردة‪.‬‬
‫‪ - 1‬العقود اللزمة للطرفين ‪:‬‬
‫(‪ - )66‬العقد النافذ إما لزم أو غير لزم‪ ،‬واللزم‪ :‬هو ما ليس لحد عاقديه فسخه دون رضا الخر‪،‬‬
‫كالبيع والجارة‪ .‬والصل في العقود اللزوم كما تقدم؛ لن الوفاء بالعقود واجب شرعا‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫{يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة‪ ]1/5:‬وغير اللزم أو الجائز‪ :‬هو ما يملك كل من طرفيه‬
‫أو أحدهما فقط فسخه دون رضا الخر‪ ،‬إما عملً بطبيعة العقد نفسه كالوكالة والعارة واليداع‪ ،‬أو‬
‫لمصلحة العاقد كالعقد المشتمل على الخيار‪.‬‬
‫والعقد اللزم للطرفين‪ :‬هو ما ل يمكن فسخه كعقده إل باتفاق الطرفين‪ ،‬كالبيع‪ ،‬والجارة‪ ،‬والصلح‪،‬‬
‫والرهن والزواج‪ ،‬وهو نوعان‪:‬‬

‫( ‪)4/676‬‬

‫أ ‪ -‬عقد لزم ل يقبل الفسخ‪ :‬كالزواج‪ ،‬ولو باتفاق الطرفين بطريق القالة‪ ،‬أي ل يقبل اللغاء‬
‫التفاقي‪ ،‬وإنما يقبل النهاء بطرق شرعية كالطلق والخلع (‪ )1‬والتفريق القضائي لعدم النفاق‪ ،‬أو‬
‫للعيب‪ ،‬أو للضرر وسوء العشرة‪ ،‬أو للغيبة‪ ،‬أو للحبس والعتقال ونحو ذلك‪ .‬وكل ما ل يقبل الفسخ ل‬
‫يثبت فيه خيار؛ لن الخيار يعطي حق الفسخ لصاحبه‪.‬‬
‫ب ‪ -‬عقد لزم يقبل الفسخ‪ :‬أي يقبل اللغاء بطريق القالة‪ ،‬التي هي اتفاق العاقدين على إنهاء العقد‪،‬‬
‫وهي عقود المعاوضات المالية‪ ،‬كالبيع واليجار والصلح والمزارعة والمساقاة والمغارسة‬
‫ونحوها‪،‬ويسمى الفسخ عندئذ إقالة‪ .‬وهذه العقود تقبل الفسخ بالخيار أيضا‪ ،‬إذا طرأ عليها عيب من‬
‫عيوب الرضا الذي يسلخ عنها صفة اللزوم في حق أحد الطرفين‪ ،‬كخيار العيب وغيره‪.‬‬
‫‪ - 2‬العقود الجائزة غير اللزمة للطرفين ‪:‬‬
‫(‪ - )67‬وهي التي يملك كل من العاقدين فيها حق الفسخ والرجوع‪ ،‬فتفسخ بإرادة كل منهما‪ ،‬ما لم‬
‫يتعلق ببقائها حق للغير‪ ،‬كاليداع والعارة والوكالة والشركة والمضاربة والهبة عند الحنفية‪،‬‬
‫والوصية‪ ،‬والمقاولة‪ ،‬فالعقود الخمسة الولى يجوز لكل من العاقدين فيها فسخ العقد متى شاء‪.‬‬
‫والوصية والهبة يصح للموصى والواهب الرجوع عنها‪ ،‬كما يصح للموصى له والموهوب له ردها‬
‫وإبطالها بعد وفاة الموصي‪ ،‬وفي حال حياة الواهب‪ .‬والمقاولة يجوز لكل من صاحب العمل والمقاول‬
‫التفاق على فسخها أو إنهائها بالتراضي‪ ،‬فإن لم يتفقا على ذلك جاز الفسخ قضاء بطلب أحد‬
‫الطرفين‪.‬‬
‫فإن تعلق ببقاء العقد حق للغير‪ ،‬كالوكالة ببيع الرهن‪ ،‬ليجوز للراهن المدين عزل الدائن المرتهن‬
‫الموكل بالبيع عن الوكالة‪ ،‬أي فسخ وكالته إل بموافقة المرتهن منعا من إلحاق الضرر به‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الطلق ليس فسخا‪ ،‬بل انهاء له بوضع حد لحكمه وآثاره‪ .‬والخلع‪ :‬هو إنهاء الزواج لقاء مال‬
‫تدفعه الزوجة لزوجها‪.‬‬

‫( ‪)4/677‬‬

‫(‪ - )68‬ويلحظ أن الهبة عند الحنفية عقد غير لزم‪ ،‬فيصح الرجوع عنه والفسخ؛ لقوله عليه الصلة‬
‫والسلم‪« :‬الواهب أحق بهبته ما لم يُثَب منها» (‪ )1‬أي يعوض‪ ،‬فإنه عليه السلم جعل الواهب أحق‬
‫بهبته ما لم يصل إليه العوض‪ ،‬فيصح الرجوع ما لم يحصل تعويض‪ ،‬وإن تم القبض‪ ،‬فالعوض مانع‬
‫من الرجوع‪ ،‬وموانع الرجوع سبعة‪ :‬هي العوض المالي‪ ،‬والعوض المعنوي وهو ثلثة أنواع‪:‬‬
‫(الثواب من ال تعالى‪ ،‬وصلة الرحم‪ ،‬وصلة الزوجية) والزيادة المتصلة في نفس الموهوب‪ ،‬وخروج‬
‫الموهوب عن ملك الموهوب له بالبيع أو الهبة ونحوهما‪ ،‬وموت أحد العاقدين‪ ،‬وهلك الموهوب أو‬
‫استهلكه) (‪. )2‬‬
‫وقال الجمهور‪ :‬الهبة عقد لزم بالقبض‪ ،‬ل يجوز الرجوع فيه إل الوالد فيما أعطى ولده؛ لقوله صلّى‬
‫ال عليه وسلم ‪« :‬ليس لنا مثل السوء‪ ،‬العائد في هبته‪ ،‬كالكلب يعود في قيئه » (‪ )3‬وقوله عليه‬
‫السلم‪« :‬ليس لحد أن يعطي عطية‪ ،‬فيرجع فيها إل الوالد فيما يعطي ولده» (‪ )4‬وسائر الصول‬
‫كالوالد عند الشافعية (‪. )5‬‬
‫‪ - 3‬العقد اللزم لطرف دون آخر ‪:‬‬
‫(‪ . - )69‬وهو اللزم لحد الطرفين‪ ،‬كالرهن والكفالة‪ ،‬فإنهما لزمان بالنسبة إلى الراهن والكفيل‪،‬‬
‫غير لزمين بالنسبة للدائن المرتهن والمكفول؛ لن العقد لمصلحتهما الشخصية توثيقا للحق‪ ،‬فلهما‬
‫التنازل عنه‪ ،‬أي أن العقد يفسخ بإرادة من ليس لزما بحقه‪ ،‬وهو المرتهن والمكفول له‪.‬‬
‫‪ - 4‬تصرفات الرادة المنفردة ‪:‬‬
‫(‪ . - )70‬وهي التي تنعقد بإرادة واحدة‪ ،‬وتفسخ بإرادة منشئها‪ ،‬كالوصية‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن ماجه والدارقطني عن أبي هريرة‪ ،‬وفيه ضعيف‪ ،‬وأخرجه الطبراني والدارقطني عن‬
‫ابن عباس وأخرجه الحاكم وصححه عن ابن عمر‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،127/6 :‬تكملة فتح القدير‪ ،129/7 :‬مجمع الضمانات‪ :‬ص ‪.338‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود عن عبد ال بن عمرو بن العاص‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أصحاب السنن الربعة عن ابن عمر وابن عباس بلفظ‪« :‬ل يحل لرجل أن يعطي عطية‪،‬‬
‫أو يهب هبة ثم يرجع فيها إل الوالد فيما يعطي ولده‪ ،‬ومثل الذي يرجع في عطيته أو هبته كالكلب‬
‫يأكل‪ ،‬فإذا شبع قاء‪ ،‬ثم عاد في قيئه» ‪.‬‬
‫(‪ )5‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪ ،110/4 :‬المنتقى على الموطأ‪ ،133/6 :‬مغني المحتاج‪،401/2 :‬‬
‫المهذب‪ ،447/1 :‬المغني‪.621/5 :‬‬

‫( ‪)4/678‬‬

‫لجهة خيرية‪ ،‬فإنها تفسخ بإرادة الموصي نفسه‪ ،‬وكالجعالة (‪ )1‬التي هي التزام بإرادة واحدة‪ ،‬وهي‬
‫عقد جائز غير لزم‪ ،‬يجوز فسخه بإرادة الجاعل‪ ،‬فمن أعلن عن مكافأة لمن يعثر على شيء ضائع‪،،‬‬
‫أو لمن يكتشف علجا لمرض معين‪ ،‬أو لمن يتفوق في مسابقة معينة أو امتحان ما‪ ،‬له أن يعدل عن‬
‫إعلنه أو وعده قبل تحقق الشيء المعلن‪ ،‬فهنا انعقد العقد لمجرد اليجاب‪ ،‬وقبل قبول الملتزم له‪،‬‬
‫فيجوز نقض الىجاب؛ لن للموجب أن يرجع عن إيجابه دائما قبل القبول‪ .‬وإذا ما أبدى الملتزم له‬
‫صراحة رفضه للعقد‪ ،‬سقط العقد في جميع الحوال‪.‬‬
‫حالت فسخ العقود وحالت عدم الفسخ ‪:‬‬
‫(‪ . - )71‬القاعدة المقررة في الفقه السلمي كما تقدم أنه ل يجوز في العقود الملزمة للجانبين أو‬
‫عقود المعاوضة فسخ العقد إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه‪ ،‬وإنما يحق له مطالبة المدين بتنفيذ التزامه‬
‫على أن ينفذ هو ما في ذمته من التزام‪ .‬لكن يجوز فسخ العقد استثناء إذا تعذر على أحد المتعاقدين‬
‫القيام بالتزامه‪ ،‬كأن هلك المعقود عليه‪ ،‬أو صار في حكم الهالك‪ ،‬أو فاتت منفعته المقصودة (‪. )2‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬أذكر هنا حالت فسخ العقود وحالت عدم الفسخ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الجعالة‪ :‬التزام عوض معلوم على عمل معين أو مجهول عسر علمه (الشرح الصغير‪،79/4 :‬‬
‫مغني المحتاج‪ ،429/2 :‬كشاف القناع‪.)225/4 :‬‬
‫(‪ )2‬مصادر الحق للسنهوري‪ ،217/6،225:‬المحمصاني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،498/1 :‬شفيق شحاته‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ :‬ص ‪.167‬‬

‫( ‪)4/679‬‬

‫حالت فسخ العقود‪ :‬يفسخ العقد استثناء في أحوال خاصة في عقد البيع واليجار‪.‬‬
‫فسخ عقد البيع‪ :‬يفسخ عقد البيع‪ ،‬ويكون الضمان على البائع في أحوال خمسة هي‪:‬‬
‫(‪ -1 - )72‬ضمان هلك المبيع‪ :‬يضمن البائع المبيع وينفسخ عقد البيع إذا هلك المبيع كله قبل‬
‫القبض بآفة سماوية‪ ،‬أو بفعل المبيع نفسه‪ ،‬أو بفعل البائع ويرجع المشتري على البائع بالثمن إذا كان‬
‫البائع قد قبضه‪.‬‬
‫أما إذا هلك المبيع بفعل المشتري فل ينفسخ البيع‪ ،‬وعليه الثمن‪ .‬وإذا هلك المبيع بفعل أجنبي ل ينفسخ‬
‫البيع أيضا‪ ،‬ويكون المشتري بالخيار‪ :‬إن شاء فسخ البيع‪ ،‬وإن شاء أمضاه ودفع الثمن‪ ،‬وطالب‬
‫الجنبي بالضمان (‪. )1‬‬
‫وكذلك يضمن البائع للمشتري مقدار المبيع إذا ظهر أنه ناقص في الكيل أو الوزن‪ ،‬أو الذرع فيما‬
‫ليس في تبعيضه ضرر‪ ،‬أو كان من العدديات المتقاربة مع شرائها بجملة ثمنها أو قدر الثمن على‬
‫أساس ثمن الوحدة‪ .‬ويكون المشتري بالخيار بين فسخ البيع أو أخذ المقدار الموجود بحصته من‬
‫الثمن‪ ،‬كما يكون له الخيار في بيع الموزونات أو المذروعات التي في تبعيضها ضرر بين فسخ البيع‬
‫أو أخذ المقدار الموجود بجميع الثمن المسمى‪.‬‬
‫أما إذا بيعت مجموعة من العدديات المتفاوتة بجملة من الثمن‪ ،‬وظهر المبيع ناقصا أو زائدا‪ ،‬كان‬
‫البيع فاسدا (‪. )2‬‬
‫هذا تفصيل الحنفية‪ ،‬ويوافقهم الشافعية في الجملة في فسخ البيع بهلك المبيع بآفة سماوية‪ ،‬أما المالكية‬
‫والحنابلة فقالوا‪ :‬ل ينفسخ البيع‪ ،‬بل للمشتري أن يجبر‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المبسوط‪ ،9/13 :‬البدائع‪ 238/5 :‬ومابعدها‪ ،‬رد المحتار‪ ،4/44 :‬المجلة (م ‪ )294 ،293‬مرشد‬
‫الحيران (م ‪.)465 ،462 ،460‬‬
‫(‪ )2‬مرشد الحيران‪( :‬م ‪.)452-448‬‬

‫( ‪)4/680‬‬

‫البائع على تسليم ما يماثل المبيع إن كان من المثليات‪ ،‬وعلى دفع قيمته إن كان من القيميات‪ ،‬وله عند‬
‫الحنابلة أن يفسخ البيع إذا شاء‪،‬وأن يسترد الثمن من البائع (‪. )1‬‬
‫(‪ - 2 - )73‬ضمان استحقاق المبيع‪ :‬يضمن البائع للمشتري أيضا استحقاق المبيع‪ ،‬ويكون المشتري‬
‫مخيرا بين أخذ المبيع وفسخ البيع السابق بالتراضي عليه في ظاهر الرواية‪ ،‬ويلزم البائع برد الثمن‬
‫للمشتري‪ ،‬وبين إجازة البيع‪ ،‬وبقاء المبيع للمشتري‪ ،‬وأخذ المستحق الثمن من البائع‪ ،‬ويصبح البائع‬
‫كوكيل عنه بالبيع؛ لن الجازة اللحقة كالوكالة السابقة (‪. )2‬‬
‫(‪ - 3 - )74‬ضمان العيب في المبيع‪ :‬يضمن البائع عيب المبيع‪ ،‬ويكون المشتري بالخيار (خيار‬
‫العيب) بين فسخ البيع ورد المبيع واسترداد الثمن‪ ،‬وبين إمساك المبيع إن رضيه‪ ،‬إذا ثبت كون العيب‬
‫موجودا عند البيع أو بعده قبل التسليم‪ ،‬وعند المشتري‪ ،‬وجهل المشتري بوجود العيب عند العقد‬
‫والقبض‪ ،‬ولم يشترط البائع السلمة عن العيب في المبيع‪ ،‬وأن تكون السلمة من العيب غالبة في مثل‬
‫المبيع المعيب‪ ،‬وأل يزول العيب قبل الفسخ‪.‬‬
‫وهذا رأي جمهور الفقهاء ومنهم أبو يوسف‪ ،‬وقال أبو حنيفة ومحمد‪ :‬يرجع المشتري بنقصان العيب‬
‫فقط إن شاء (‪. )3‬‬
‫(‪ - 4 - )75‬ضمان جوائح الثمار المبيعة‪ :‬يرى المالكية والحنابلة أن الجوائح (‪ )4‬التي تصيب الثمار‬
‫من ضمان البائع‪ ،‬وأن للمشتري أن يرجع بما أحدثته من التلف‪ .‬ويرى الحنفية والشافعية أن هلك‬
‫الثمار من ضمان المشتري‪ ،‬ول رجوع له بشيء على البائع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مواهب الجليل للحطاب‪ ،482/4 :‬شرح الخرشي‪ ،73-72/4 :‬المغني‪.218/4 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ 288/5 :‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير‪ 175/5 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،276-273/5 :‬فتح القدير‪ ،153/5 :‬رد المحتار‪.74/4 :‬‬
‫(‪ )4‬الجوائح‪ :‬جمع جائحة‪ :‬وهي الفة التي تصيب الثمار‪ ،‬فتهلكها‪ ،‬كالبرد والقحط والعطش والعفن‬
‫وأمراض النباتات والزروع ونحوها من الفات السماوية‪ .‬أو هي كل آفة ل صنع للدمي فهيا كالريح‬
‫والبرد والجراد والعطش‪.‬‬

‫( ‪)4/681‬‬

‫أما المالكية فقالوا في الرجح عندهم‪ :‬يضمن البائع ما تتلفه الجائحة في الثمار والبقول‪ ،‬سواء القليل‬
‫والكثير‪ ،‬وفي رأي مالك‪ :‬يكون مقدار نقص الثمن إذا أصابت الجائحة الثلث فأكثر في الثمار والبقول‪.‬‬
‫ويحسب الثلث بالكيل عند ابن القاسم‪ ،‬وبالقيمة عند أشهب‪ .‬وكذلك قال الحنابلة في ظاهر المذهب‪ :‬ل‬
‫فرق بين قليل الجائحة وكثيرها‪ ،‬إل أن ما جرت العادة بتلف مثله‪ ،‬كالشيء اليسير الذي ل ينضبط‪،‬‬
‫فل يلتفت إليه (‪. )1‬‬
‫ودليلهم‪« :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم وضع الجوائح» (‪ )2‬وفي لفظ لمسلم‪« :‬أمر بوضع الجوائح»‬
‫وفي لفظ‪« :‬إن بعت من أخيك ثمرا‪ ،‬فأصابته جائحة‪ ،‬فل يحل لك أن تأخذمنه شيئا‪ ،‬بم تأخذ مال أخيك‬
‫بغير حق» (‪. )3‬‬
‫‪ - 5‬ضمان الخيانة أو فسخ عقود المرابحة بسبب الخيانة‪ :‬يرى الحنفية أنه إذا ظهرت الخيانة في‬
‫المرابحة بإقرار البائع‪ ،‬أوببرهان عليها أو بنكوله عن اليمين‪ ،‬كان للمشتري الخيار‪ :‬إن شاء أخذ‬
‫المبيع‪ ،‬وإن شاء رده؛ لن المرابحة عقد مبني على المانة؛ لن المشتري اعتمد على أمانة البائع في‬
‫الخبار عن الثمن الول‪ ،‬فكانت صيانة البيع الثاني عن الخيانة مشروطة دللة أو ضمنا‪ ،‬فإذا لم‬
‫يتحقق الشرط ثبت الخيار‪ ،‬كما في حالة عدم تحقق سلمة المبيع عن العيب (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،184/2 :‬القوانين الفقهية لبن جزي‪ :‬ص ‪ ،262‬المنتقى على الموطأ‪،231/4 :‬‬
‫الشرح الكبير للدردير‪ ،182/3 :‬المغني‪ ،104/4 :‬أعلم الموقعين‪ ،337/2 :‬مختصر الطحاوي‪ :‬ص‬
‫‪ ،78‬نيل الوطار‪.178/5 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن جابر‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه‪.‬‬
‫(‪ )4‬المبسوط‪،86/3 :‬البدائع‪ ،225/5 :‬فتح القدير‪.256/5 :‬‬
‫( ‪)4/682‬‬

‫فسخ عقد اليجار ‪:‬‬


‫(‪ . - )76‬عرفنا سابقا في بحث الفسخ للعذار الطارئة أن الحنفية (‪ )1‬خلفا لجمهور العلماء أجازوا‬
‫فسخ الجارة بالعذار الطارئة‪ ،‬كمرض المستأجر أو سفره أو إفلسه أو سرقة ماله‪ ،‬أو احتراق‬
‫بضاعته‪ ،‬أو لحوق دين فادح بالمؤجر ل يجد طريقا لقضائه إل ببيع المأجور وأدائه من ثمنه‪ ،‬كما‬
‫أجازوا فسخ الجارة لموت أحد العاقدين‪ ،‬وذلك ليس تطبيقا لقاعدة فسخ العقد لعدم تنفيذه‪.‬‬
‫كذلك قرروا فسخ الجارة لسبب يرجع إلى العين المؤجرة أو إلى الجرة‪ .‬أما فسخها لسبب يرجع إلى‬
‫العين المؤجرة‪ :‬فيكون إذا هلكت العين أو استحقت أو حدث بها عيب أو طرأ عليها ما يمنع استيفاء‬
‫المنفعة المقصودة منها‪.‬‬
‫(‪ . - )77‬فللمستأجر فسخ العقد إذا حدث بالدابة المؤجرة مرض أو عرج‪ .‬وللمستأجر فسخ الجارة‬
‫إذا تغيرت الدار المؤجرة بفعل المؤجر أو بفعل غيره تغيرا يخل بالسكنى‪ ،‬أو إذا لم يقم المؤجر‬
‫بترميم ما اختل من بنائها‪ ،‬أو خربت الدار أو انهدم جزء منها‪ ،‬أو ترتب على العمارة الضرورية‬
‫للدار ما يضر بالسكنى أو يخل بالمنفعة المقصودة‪ .‬كما أن لمستأجر الرض فسخ الجارة إذا صارت‬
‫سبخة أو غمرت بالماء ولم يمكن زراعتها أو انقطع الماء عنها‪ ،‬فلم يمكن ريها‪.‬‬
‫وللمستأجر الفسخ بحدوث تفرق الصفقة في المنافع‪ ،‬كأن يستأجر دارين‪ ،‬فتسقط إحداهما‪ ،‬أو يستأجر‬
‫دارا فيمتنع المؤجر عن تسليم بيت منها‪.‬‬
‫وأما فسخ الجارة بسبب الجرة‪ :‬فيكون إذا لم يستوف المؤجر الجرة‪ ،‬وهذا بخلف البيع‪ ،‬فل يفسخ‬
‫لعدم دفع الثمن إل إذا اشترط البائع خيار النقد (‪ )1‬كما سيأتي‪ .‬وكذلك تفسخ الجارة إذا استأجر رجل‬
‫حماما في قرية‪ ،‬ليستغله مدة معلومة‪ ،‬ثم يهاجر أهل القرية‪ ،‬ول يجب على المستأجر الجرة للمؤجر‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المبسوط‪ 2/16 :‬ومابعدها‪ ،‬البدائع‪ ،198-194/4 :‬تكملة فتح القدير‪ ،223-220/7 :‬تبيين‬
‫الحقائق‪ ،146-143/5 :‬رد المحتار‪ ،56-54/5 :‬المجلة (م ‪ )514‬مرشد الحيران (م ‪.)584-583‬‬

‫( ‪)4/683‬‬

‫وفي الجارة على العمال قال الحنفية‪ :‬إن كان لعمل الجير المشترك كالخياط والصباغ والحداد أثر‬
‫ظاهر في العين المؤجرة‪ ،‬ثم هلكت سقط الجر‪ ،‬وأما إن لم يكن لعمل الجير أثر ظاهر في العين‬
‫المؤجرة كالحمال والملح‪ ،‬فيجب الجر بمجرد انتهاء العمل‪ ،‬ول يسقط الجر بهلك العين بعدئذ (‪)2‬‬
‫‪.‬‬
‫حالت عدم الفسخ ‪:‬‬
‫(‪ - )78‬ل يفسخ العقد في غير الحوال المتقدمة‪ ،‬كما يبين من المثلة التالية في عقود البيع واليجار‬
‫ونحوه‪ ،‬والرهن والصلح‪.‬‬
‫عقد البيع‪ :‬ل يفسخ إذا لم يقم المشتري بدفع الثمن عند استحقاقه‪ ،‬فإن كان الثمن حال الداء أي‬
‫معجلً‪ ،‬وجب أداؤه فورا‪ ،‬وإن كان الثمن مؤجلً إلى أجل معلوم‪ ،‬لزم أداؤه عند حلول أجله‪ ،‬وإن كان‬
‫مقسطا أدى كل قسط في ميعاده‪.‬‬
‫ول يفسخ البيع عند عدم استيفاء الثمن إل إذا اشترط البائع لنفسه صراحة في العقد ما يعرف بخيار‬
‫النقد‪ ،‬فيفسخ العقد حينئذ بسبب الخيار الذي يجعل البيع غير لزم (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬خيار النقد‪ :‬هو فرع عن خيار الشرط‪ ،‬وهو أن يشترط المتبايعان في عقد البيع لجل أن‬
‫المشتري إذا لم يدفع الثمن في الجل المعين كثلثة أيام‪ ،‬فل بيع بينهما‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،204/4 :‬تبيين الحقائق‪ ،109/5 :‬الدر المختار ورد المحتار‪.12/5 :‬‬
‫(‪ )3‬المبسوط‪ ،50/13 :‬فتح القدير‪ :‬مع العناية‪ ،114/5 :‬الدر المختار ورد المحتار ‪ ،51/4 :‬المجلة‬
‫(م ‪ )313‬مرشد الحيران (م ‪.)484-418‬‬

‫( ‪)4/684‬‬

‫وإذا مات المشتري مفلسا بعد قبض المبيع وقبل نقد الثمن‪ ،‬فالبائع ـ عند الحنفية خلفا للشافعية كما‬
‫تقدم في الفسخ للفلس ‪ -‬أسوة الغرماء‪ ،‬ولو وجد متاعه باقيا بعينه فل يكون أحق به من غيره من‬
‫أرباب الحقوق الذين لهم حق على المشتري (‪. )1‬‬
‫(‪ - )79‬وعقد اليجار‪ :‬ل يفسخ إن استأجر شخص دابة بغير عينها أي إجارة ذمة‪ ،‬ويكون له الحق‬
‫في أن يطالب بدابة أخرى؛ لنه تعاقد على نقل الحمل إلى مكان معين على أية دابة‪ ،‬فإذا تلفت الدابة‬
‫أو تعبت‪ ،‬يستبدل بها غيرها‪ ،‬أي يطلب التنفيذ العيني‪ ،‬وليس له فسخ العقد‪.‬‬
‫لكن إن كانت الدابة مستأجرة بعينها‪ ،‬فتلفت‪ ،‬فسخت الجارة‪ ،‬وإن تعبت كان المستأجر بالخيار بين‬
‫نقض الجارة أو النتظار حتى تقوى الدابة‪ ،‬وليس له أن يطالب بدابة أخرى (‪. )2‬‬
‫وقال في لسان الحكام‪ :‬لو أظهر المستأجر في الدار شرا‪ ،‬كشرب الخمر وأكل الربا والزنا واللواطة‬
‫يؤمر بالمعروف‪ ،‬وليس للمؤجر وجيرانه أن يخرجوه‪ ،‬فذلك ل يصير عذرا في الفسخ‪ ،‬ول خلف فيه‬
‫للئمة الربعة ‪.‬‬
‫(‪ - )80‬وعقد المزارعة الذي هو نوع من اليجار‪ :‬ليس لصاحب الرض فسخه إن قصر المزارع‬
‫في سقي الرض حتى هلك الزرع أو يبس‪ ،‬أو أخر السقي تأخيرا غير معتاد‪ ،‬أو ترك حفظ الزرع‬
‫حتى أكلته الدواب‪ ،‬أو لم يمنع الجراد حتى أكل الزرع كله‪ .‬ولكن يجوز فسخها بالقالة‪ ،‬ويكون‬
‫المحصول لصاحب البذر‪ ،‬فإن كان صاحب البذر هو صاحب الرض‪ ،‬استحق المزارع أجر مثل‬
‫عمله‪ ،‬وإن كان صاحب البذر هو المزارع‪ ،‬استحق صاحب الرض أجر مثل الرض‪ .‬كذلك يجوز‬
‫للمستحق فسخ المزارعة إذا استحقت الرض‪ ،‬وله قلع الزرع إن كان العاقدان س ّييّء النية‪ ،‬وله على‬
‫من قدم الرض أجر المثل إن كان العاقدان حسني النية‪ ،‬وعليه أجر المثل للمزارع‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مرشد الحيران (م ‪.)463‬‬
‫(‪ )2‬مرشد الحيران (م ‪ )598‬المجلة (م ‪.)538‬‬

‫( ‪)4/685‬‬

‫إن كان حسن النية‪ ،‬وكان من قدم الرض س ّييّء النية (‪. )1‬‬
‫(‪ - )81‬وعقد المساقاة‪ :‬الذي هو أيضا نوع من اليجار‪ :‬ل يجوز فسخه إل بالتراضي (أي بالقالة)‬
‫وليس لحد العاقدين طلب الفسخ‪ ،‬حتى ولو أخل المتعاقد الخر بالتزاماته‪ ،‬وإنما له مطالبته بتنفيذ‬
‫التزامه‪.‬‬
‫وهو يفسخ كاليجار كما تقدم بالعذر‪ ،‬كما إذا عجز العامل عن العمل أو كان غير مأمون على الثمر‪،‬‬
‫على صاحب الشجر أجر مثل عمل المساقي قبل الفسخ‪ .‬ويفسخ أيضا باتفاق المذاهب باستحقاق الشجر‬
‫أو الثمر‪ ،‬أو الزرع في رأي المالكية الذين يجيزونه على زروع ذات أصول غير ثابتة‪ ،‬كالمقاثي‪،‬‬
‫وبعض الزروع‪ ،‬كالقصب الحلو والبصل والباذنجان والحمص والفاصوليا‪.‬‬
‫وليس للمساقي عند الحنفية خلفا للمالكية أن يساقي غيره دون إذن صاحب الشجر‪ ،‬فإن فعل‪ ،‬كان‬
‫صاحب الشجر بالخيار بين أن يأخذ الغلة كلها‪ ،‬ويعطي من قام بالعمل أجر مثله‪ ،‬وبين أن يترك الغلة‬
‫لهما‪ ،‬ويرجع على المساقي الول بأجر مثل محل المساقاة‪ ،‬وضمنه ما لحق به من ضرر بسبب فعله‬
‫( ‪. )2‬‬
‫(‪ - )82‬وعقد الرهن أي الرهن الحيازي وكذا الرسمي والتأميني ‪:‬‬
‫ل ينفسخ لعدم تنفيذ أحد المتعاقدين التزاماته؛ لنه عقد ملزم للجانبين‪ ،‬وإنما للعاقد الخر المطالبة‬
‫بالتنفيذ‪ ،‬فإذا أخل الراهن بالتزامه وباع المرهون بل إذن المرتهن‪ ،‬لم يفسخ العقد‪ ،‬ولم ينفذ البيع إل‬
‫بإجازة المرتهن‪ ،‬لكن إن هلك المرهون في يد المشتري‪ ،‬كان للمرتهن الخيار‪ :‬إن شاء ضمن‬
‫المشتري قيمته يوم هلكه‪ ،‬وإن شاء ضمنها الراهن‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المجلة (م ‪ )1438 ،96 ،19 ،13‬مرشد الحيران (‪.)730-729 ،724 - 721‬‬
‫(‪ )2‬مرشد الحيران (م ‪.)738 ،736 ،734‬‬

‫( ‪)4/686‬‬

‫وإذا أخل المرتهن بالتزاماته‪ ،‬بقي الرهن قائما ولم يفسخ‪ ،‬فإن تعدى المرتهن وباع المرهون بل إذن‬
‫الراهن‪ ،‬لم ينفذ البيع‪ ،‬ويبقى الرهن قائما ل يفسخ‪ ،‬فإن هلك المرهون في يد المشتري‪ ،‬كان للراهن‬
‫الخيار في تضمين المشتري أو المرتهن‪ .‬وإن رهن المرتهن المرهون بل إذن الراهن‪ ،‬لم ينفذ الرهن‬
‫الثاني‪ ،‬ويبقى الرهن الول قائما ل يفسخ‪ .‬وإن باع المرتهن ثمار العين المرهونة بل إذن الراهن أو‬
‫القاضي‪ ،‬فل يفسخ الرهن‪ ،‬بل يبقى قائما‪ ،‬ويضمن المرتهن قيمة الثمار (‪ . )1‬وإن هلك المرهون في‬
‫يد الدائن المرتهن‪ ،‬ضمن القل من قيمته ومن الدين عند الحنفية‪ ،‬ول يضمنه في مذهب الجمهور إل‬
‫بالتعدي أو التقصير (‪ . )2‬وإذا شرط المرتهن تملك المرهون في مقابل دينه إن لم يؤده الراهن في‬
‫الجل‪ ،‬كان الشرط باطلً لمنافاته الحديث‪« :‬ل يَغلَق الرهن من صاحبه الذي رهنه‪ ،‬له غنمه وعليه‬
‫غرمه» (‪. )3‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن الرهن ل يفسخ لخلل الراهن أو المرتهن بالتزامه‪ ،‬والعلج إما عدم نفاذ التصرف‪،‬‬
‫أو الجبار على التنفيذ‪ ،‬أو الضمان عند الهلك (‪ . )4‬وعدم نفاذ التصرف كتصرف الفضولي هو‬
‫رأي الحنفية والمالكية‪ ،‬وأما الشافعية والحنابلة فيرون أن التصرف باطل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبيين الحقائق‪ 81/6 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،160/6 :‬الشرح الكبير للدردير‪ ،344/3 :‬مغني المحتاج‪ ،137/2 :‬المغني‪.396/4 :‬‬
‫(‪ )3‬رواه الشافعي والدارقطني وقال‪ :‬هذا إسناد حسن متصل‪ .‬وغلق الرهن‪ :‬استحقاق المرتهن إياه‬
‫لعجز الراهن عن فكاكه‪ ،‬فمعنى ( ل يغلق ) ل ينفك ملك الرهن عن صاحبه ول يستحقه المرتهن‪ ،‬إذا‬
‫لم يفتكه الراهن في الوقت المشروط‪.‬‬
‫(‪ )4‬مصادر الحق للسنهوري‪ 222/6 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/687‬‬

‫‪ - )83(.‬وعقد الصلح أيضا ملزم للطرفين بعد وقوعه‪ ،‬ول يسوغ ليهما أو لورثته من بعده الرجوع‬
‫فيه‪ ،‬ويلتزم كل واحد من المتصالحين بما التزم به نحو الخر‪ ،‬ول يفسخ إذا كان في حكم المعاوضة‪،‬‬
‫بأخذ شيء عن آخر إل بالقالة أي بتراضي الطرفين‪ ،‬ولتجوز إقالة الصلح إذا تضمن إسقاطا لبعض‬
‫الحقوق‪ .‬ول يفسخ الصلح بمعنى المعاوضة (وهو الصلح عن إقرار على بدل معين يدفعه المقر) لعدم‬
‫تنفيذ أحد المتعاقدين التزامه‪ ،‬حتى ولو ضاع بدل الصلح أو استحق‪ ،‬وكان مما ل يتعين بالتعيين‬
‫كالنقود‪ ،‬ويلزم من التزم به بمثل ما ضاع أواستحق‪ .‬أما إذا كان البدل مما يتعين بالتعيين‪ ،‬فل بد من‬
‫فسخ الصلح؛ لهلك المحل‪ .‬ويرجع المدعي في الصلح عن إقرار على المدعى عليه بالمدعى به كله‬
‫أو بعضه‪ ،‬فإن كان الصلح عن إنكار يرجع المدعي إلى المخاصمة (‪. )1‬‬
‫وذهب المالكية إلى أنه إذاكان الصلح عن إنكار (وهو الصلح الواقع مع إنكار المدعى عليه)‪ ،‬فللمظلوم‬
‫من المتصالحين نقض الصلح في الحوال التية؛ لنه كالمغلوب على أمره في قبول الصلح‪:‬‬
‫‪ - 1‬إذا أقر الظالم بعد الصلح بظلمه للخر‪ :‬بأن يقر المدعى عليه بأن دعوى المدعي حق‪ ،‬أو بأن‬
‫يقر المدعي ببطلن دعواه‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا شهدت للمظلوم بعد الصلح بينة لم يكن يعلمها وقت الصلح‪ ،‬وحلف على عدم علمه بها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مرشد الحيران (م ‪.)1049 ،1048‬‬

‫( ‪)4/688‬‬

‫‪ - 3‬إذا كانت له بينة غائبة بعيدة يتعذر إحضارها وقت الخصومة‪ ،‬وأشهد عند الصلح أنه يقوم بها‬
‫إذا حضرت‪.‬‬
‫‪ - 4‬إذا وجدت وثيقة الحق عند المدعي بعد الصلح (‪. )1‬‬
‫(‪ - )84‬وكذلك عقد الشركة‪ :‬ل يفسخ لخلل أحد الشركاء بالتزامه‪،‬‬
‫بل يجب على المخل بالتزامه الضمان (‪ )2‬أي حتى ولو كانت الشركة عقدا غير لزم يجوز فسخه‬
‫في رأي جمهور العلماء إذا أريد بقاء الشركة‪ ،‬وقرر المالكية أن الشركة عقد لزم‪ ،‬فتكون كالبيع‬
‫واليجار والرهن؛ لن العقد شريعة المتعاقدين‪.‬‬
‫فروق بين الفسخ وغيره ‪:‬‬
‫لقد سبق بيان الفروق بين الفسخ وغيره‪ ،‬وأوجزها هنا مقتصرا على بيان الفروق فقط فيما سبق‬
‫ذكره‪ ،‬وأوضح ما لم يذكر سابقا‪.‬‬
‫‪ - 1‬الفرق بين الفسخ والنفساخ ‪:‬‬
‫(‪ - )85‬ينحصر الفرق بين الفسخ والنفساخ في طريق نشوئه‪ ،‬فالفسخ‪ :‬إما أن ينشأ عن الرضا أو‬
‫الرادة‪ ،‬أو جبرا عن المتعاقدين أو عن أحدهما بحكم القاضي‪ .‬أما النفساخ فينشأ عن حادث طبيعي‬
‫وهو استحالة تنفيذ مقتضى العقد‪ ،‬كهلك أحد البدلين‪ ،‬وينفسخ العقد المستمر كعقد اليجار إذا فقد ما‬
‫يعتمد عليه بقاؤه‪.‬‬
‫فينفسخ البيع بهلك المبيع قبل قبضه‪ ،‬لستحالة تنفيذ العقد بالتسليم بعد هلك محله ول ينفسخ بموت‬
‫البائع‪ ،‬بل يطالب الوارث بالتسليم‪ ،‬لثبوت آثار العقد الفوري عقب حدوثه دون توقف على بقاء العاقد‪.‬‬
‫وتنفسخ الشركة والمضاربة والمزارعة والمساقاة بموت أحد العاقدين في مذهب الحنفية خلفا‬
‫للجمهور؛ لن هذه العقود تنشئ التزامات عملية ذات آثار متجددة‪ ،‬فيها انسحاب واستمرار يعتمد‬
‫بقاؤه بقاء العاقد‪ ،‬علوة على بقاء المحل (‪. )3‬‬
‫‪ - 2‬الفرق بين الفسخ (انحلل العقد) وانقضاء اللتزام ‪:‬‬
‫(‪ . - )86‬هناك فرق واضح بين الفسخ أو انحلل العقد‪ ،‬وبين انقضاء اللتزام‪ ،‬فالفسخ‪ :‬يؤدي إلى‬
‫حل الرابطة التي كانت بين المتعاقدين‪ ،‬ويلغي اللتزامات القائمة بينهما‪ .‬فهذا الفسخ يستلزم انقضاء‬
‫اللتزامات التي كانت ناشئة بذلك العقد المنحل‪ ،‬ففسخ البيع مثلً ينهي التزام المشتري بدفع الثمن‪،‬‬
‫والتزام البائع بتسليم المبيع‪.‬‬
‫أما انقضاء اللتزام‪ :‬فيحصل إما بتنفيذ اللتزام ووصول كل ذي حق إلى حقه‪ ،‬وإما بسقوط عهدة‬
‫التنفيذ؛ لزوال ما أوجبها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬التقنين المالكي (م ‪ )255‬الذي صدر عن مجمع البحوث السلمية بالزهر‪ ،‬الشرح الصغير‪:‬‬
‫‪.414/3‬‬
‫(‪ )2‬المجلة (م ‪.)1387‬‬
‫(‪ )3‬المدخل الفقهي‪ ،‬للستاذ الزرقاء‪ :‬ف ‪.303 ،302/‬‬

‫( ‪)4/689‬‬
‫فكل انحلل للعقد تنقضي به التزاماته السابقة‪ ،‬ول عكس‪ ،‬أي ل يلزم من انقضاء اللتزام انحلل‬
‫العقد الذي أنشأه؛ إذ قد يكون النقضاء بتنفيذ اللتزام الذي أوجبه‪ ،‬ل بسقوط العقد الموجب‪ .‬وعلى‬
‫هذا فتقابض العاقدين في المبيع والثمن هو انقضاء لللتزام بتنفيذ العقد‪ ،‬وليس هو فسخا أو انحللً‬
‫للعقد (‪. )1‬‬
‫وإنجاز المقاول العمل المتفق عليه هو انقضاء لللتزام أو انقضاء للمقاولة‪ ،‬أما فسخ المقاولة‬
‫بالتراضي أو بالقضاء لسبب ما‪ ،‬أو لعذر طارئ يحول دون تنفيذ العقد أو إتمام تنفيذه‪ ،‬فهو انحلل‬
‫للعقد وانقضاء لللتزام معا تبعا للنحلل‪.‬‬
‫‪ - 3‬الفرق بين الفسخ والبطال والبطلن والفساد ‪:‬‬
‫(‪ - )87‬الفسخ‪ :‬حل ارتباط العقد المنعقد لعدم التنفيذ‪ ،‬أو للخلل باللتزام‪ ،‬أولعدم توافر الرضا التام‬
‫ويحدث بالتراضي أو بالقضاء (‪ . )2‬أما البطال‪ :‬فهو الحكم بكون الشيء باطلً من أساسه لفقد ركنه‬
‫أو محله أو لنقص في أهلية العاقد‪ ،‬ول حاجة فيه لقضاء الحاكم‪ ،‬والبطلن أثر ذلك الحكم اللزم‬
‫للشيء بعد نقضه بسبب الخلل الجوهري الذي صاحب العقد منذ نشوئه‪ .‬وأما الفساد‪ :‬فهو عند القائلين‬
‫به في المعاملت وهم الحنفية اختلل في صفة عارضة طارئة على العقد‪ ،‬غير جوهرية فيه‪.‬‬
‫فإذا هلك المبيع قبل القبض تعذر تسليمه وفسخ البيع‪ ،‬وإذا صدر العقد من عديم الهلية‪ ،‬كالمجنون‬
‫والمعتوه‪ ،‬كان باطلً‪ ،‬وإذا كان المبيع أو الثمن مجهولً‪ ،‬فسد العقد‪ ،‬ووجب إزالة الفساد شرعا‪ ،‬فإن لم‬
‫يزل الفساد‪ ،‬انتقل الملك بالقبض خبيثا غير طيب في تقدير الشرع‪ ،‬ويأثم العاقد‪.‬‬
‫‪ - 4‬الفسخ وشرط اللغاء الصريح أو الضمني ‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المرجع السابق‪ :‬ف‪.306 ،305/‬‬
‫(‪ )2‬المحمصاني‪ ،‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪.496-492‬‬

‫( ‪)4/690‬‬

‫(‪ - )88‬أثبت جمهور الحنفية وجمهور العلماء استحسانا حق الفسخ حال الشرط الصريح بإلغاء العقد‪،‬‬
‫وهو ما يسمى بخيار النقد‪ :‬وهو كما تقدم أن يشترط البائع على المشتري أداء الثمن في مدة معينة‪،‬‬
‫وإل لغا البيع بينهما‪ ،‬أو يشترط البائع‬
‫أنه إذا رد الثمن للمشتري في المدة المعينة‪ ،‬يفسخ البيع‪ ،‬وذلك منعا لمماطلة المشتري بدفع الثمن‪.‬‬
‫لكن اختلف المجيزون له في المدة‪ ،‬فحددها أبو حنيفة بثلثة أيام كخيار الشرط‪ ،‬وحددها غيره بحسب‬
‫الحاجة‪ ،‬وتركها محمد بن الحسن بدون تحديد‪ ،‬وبرأيه أخذت المجلة‪ ،‬لكن الصل في خيار الشرط‬
‫اللزوم‪ ،‬فإذا انتهت المدة المشروطة دون فسخ لزم العقد‪ ،‬والصل في خيار النقد عدم اللزوم‪ ،‬فإذا لم‬
‫ينقد الثمن في المدة فسد البيع ول ينفسخ‪.‬‬
‫ولم يجز الشافعي وزفر خيار النقد وقالوا بعدم صحته مطلقا (‪. )1‬‬
‫(‪ - )89‬وأما عند عدم الشرط الصريح فلم يقرّ الفقه السلمي كمبدأ عام حق إلغاء العقد بسبب عدم‬
‫التنفيذ‪ ،‬بل إنما أقر الفسخ في بعض الحالت المذكورة سابقا في بحث أسباب الفسخ لوجود شرط‬
‫ضمني بجواز الفسخ أو اللغاء‪ ،‬ومن تلك الحالت‪:‬‬
‫أولً ‪ -‬أن حق الفسخ مقرر في بعض أحوال استحالة التنفيذ‪ ،‬كعجز البائع عن تسليم المبيع بسبب‬
‫هلكه‪ ،‬يكون للمشتري خيار الفسخ‪ ،‬وكبيع السّلم (بيع آجل بعاجل) إذا تعذر تسليم المبيع عند حلول‬
‫الجل‪ ،‬لعدم وجوده‪ ،‬يكون المشتري بالخيار بين فسخ السّلم واسترداد الثمن‪ ،‬أو انتظار وجوده إلى‬
‫العام المقبل (‪ . )2‬وكعقد الجارة إذا لم يستطع المستأجر النتفاع بالعين المؤجرة‪ ،‬فإن التزامه بدفع‬
‫الجرة يسقط‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البحر الرائق‪ ،7-6/6 :‬المجلة (م ‪ )315-313‬الشرح الكبير للدردير‪ ،59/4 :‬الميزان الكبرى‬
‫للشعراني‪ ،92/2 :‬كشاف القناع‪.184/3 :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار‪ ،269/4 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.270‬‬

‫( ‪)4/691‬‬

‫ثانيا ‪ -‬أجاز الحنفية باستحسان المصلحة ما يسمى بخيار الوصف أو خيار فوات الوصف المرغوب‬
‫فيه (وهو أن يكون المشتري مخيرا بين أن يقبل بكل الثمن المسمى أو أن يفسخ البيع حيث فات‬
‫وصف مرغوب فيه‪ ،‬في بيع شيء غائب عن مجلس العقد) أي أنه يثبت حق الفسخ للعاقد الذي‬
‫اشترطه إذا لم يوجد الوصف المطلوب‪ ،‬كأن يشتري جوهرة على أنها أصلية أو بقرة على أنها حلوب‬
‫أوشيئا يحتاج لتجربة‪ ،‬ثم يظهر العكس‪ ،‬فيكون المشتري مخيرا إن شاء فسخ البيع‪ ،‬وإن شاء أخذ‬
‫المبيع بجميع الثمن المسمى؛ لن هذا وصف مرغوب فيه‪ ،‬يستحق في العقد بالشرط‪ ،‬فإذا فات‪ ،‬وجب‬
‫التخيير‪ ،‬لعدم توافر الرضا بدونه (‪. )1‬‬
‫ومثل ذلك في عقد الستصناع‪ :‬إذا لم يكن المصنوع على الوصف المطلوب؛ كان المستصنع مخيرا (‬
‫‪. )2‬‬
‫ثالثا‪ :‬يجوز عند جمهور الفقهاء غير الحنفية الفسخ في عقود المعاوضة بسبب الفلس حال وفاة‬
‫المدين واسترداد المبيع الموجود‪ ،‬كما تقدم‪ .‬كذلك أجاز المام الشافعي أيضا خلفا للجمهور حق‬
‫الرجوع والسترداد في حال وفاة المدين إذا تبين أنه مفلس‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أثبت الفقهاء بالتفاق خيار العيب‪ ،‬فيجوز الفسخ بسببه‪ ،‬والشرط ليس صريحا بل هو ضمني‪،‬‬
‫كما إذا وجد المشتري بالمبيع عيبا‪ ،‬فإنهم قالوا‪ :‬إن سلمة المبيع من العيوب شرط ضمني في عقد‬
‫البيع‪ ،‬وكذلك في الجارة‪ ،‬فإنها تنفسخ بخيار عيب حاصل قبل العقد أو بعده بعد القبض يفوت به‬
‫النفع‪ ،‬كخراب الدار‪ ،‬وانقطاع ماء الرحى وانقطاع ماء الرض (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رد المحتار‪ ،49/4 :‬فتح القدير‪ ،135/5 :‬المجلة (م ‪.)312-310‬‬
‫(‪ )2‬المجلة (م ‪.)392‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار ورد المحتار‪.77/6 :‬‬

‫( ‪)4/692‬‬

‫‪ - 5‬الفرق بين الشرط الموقف (الواقف) والشرط الفاسخ ‪:‬‬


‫(‪ - )90‬تبين لدينا أن الفسخ في الفقه السلمي منوط بشرط اللغاء الصريح أو الضمني‪ ،‬وكل‬
‫الشرطين من قبيل تعليق الفسخ بشرط فهو شرط تعليقي في اصطلح الفقه‪ .‬وهناك في الفقه الغربي‬
‫القانوني تقسيم لهذا الشرط إلى نوعين‪ :‬شرط موقف (أو واقف) وشرط فاسخ‪.‬‬
‫أما الشرط الموقف ‪ :‬فهو الذي يعلق نشوء اللتزام‪ ،‬ويجعله متوقفا على أمر مستقبل محتمل‪ ،‬مثل‬
‫آجرتك داري هذه سنة بكذا إن نقلت وظيفتي إلى بلد آخر‪.‬ويلحظ أن تعليق الجارة على هذا الشرط‬
‫يفسد العقد عند فقهاء الحنفية وغيرهم؛ لن عقود المعاوضات ل تقبل التعليق على شرط متردد بين‬
‫الوجود والعدم؛ لن ملكية العين أو المنفعة ل بد أن تكون مستقرة جازمة ل تردد فيها‪ ،‬وإل شابهت‬
‫القمار (‪. )1‬‬
‫وأما الشرط الفاسخ‪ :‬فهو الذي يرتب على وقوعه اللتزام القائم‪ ،‬مثل‪ :‬استأجرت دارك على شرط‬
‫أنني إذا نقلت وظيفتي إلى بلد آخر‪ ،‬انفسخت الجارة‪ .‬وهذا ل مانع منه في فقهنا‪ ،‬وهو الذي يشمل‬
‫شرط اللغاء الصريح والضمني المتقدم‪.‬‬
‫والفارق الساسي عند القانونيين‪ .‬بين النوعين في الحكم‪ :‬هو أن اللتزام في الشرط الموقف معدوم‪،‬‬
‫محتمل الوجود‪ ،‬وفي الفاسخ موجود محتمل الزوال (‪. )2‬‬
‫‪ - 6‬الفرق بين الفسخ والطلق‪ ،‬وهل يتوقف فسخ الزواج على القضاء؟‬
‫(‪ . - )91‬سبق بيان الفَرْق بين الفسخ والطلق في ف‪ ،7/‬كما سبق بيان الفَُرَق التي تكون فسخا‬
‫للزواج في ف‪ ،57-54/‬وما يتوقف منها على القضاء في ف‪.58/‬‬
‫بعض أسباب الفسخ ‪:‬‬
‫(‪ - )92‬سبق الكلم عن أسباب الفسخ الجائزة في فقهنا‪ ،‬ويجدر بنا بيان بعض أسباب الفسخ الجائزة‬
‫وغير الجائزة‪ ،‬وهي الخلل باللتزام‪ ،‬واستحالة التنفيذ‪ ،‬وعدم تنفيذ العقد‪:‬‬
‫‪ - 1‬الخلل باللتزام‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬سيأتي التفصيل في بحث عقد البيع‪.‬‬
‫(‪ )2‬الستاذ الزرقاء‪ ،‬المرجع السابق‪ :‬ف ‪.298/‬‬

‫( ‪)4/693‬‬

‫القاعدة المقررة في الفقه السلمي أنه ل ارتباط بين اللتزامات المتقابلة في العقد الملزم للجانبين‪،‬‬
‫وإنما كل التزام مستقل عن اللتزام المقابل له‪ ،‬فالتزام المشتري بدفع الثمن في مقابل التزام البائع‬
‫بتسليم المبيع وضمانه‪ ،‬ل يرتبط أحدهما بالخر‪ .‬وكذا التزام المستأجر بدفع الجرة ل يتعلق بتسليم‬
‫المؤجر العين المؤجرة‪.‬‬
‫(‪ - )93‬وبناء عليه‪ ،‬ضاقت نظرية الفسخ في الفقه‪ ،‬إسهاما في دعم القوة الملزمة للعقد‪ ،‬وأضحى‬
‫الصل أن العقد الملزم للجانبين أو عقد المعاوضة ل يفسخ لخلل أحد العاقدين بتنفيذ التزامه‪ ،‬وليس‬
‫للدائن إل أن يطالب المدين بالتنفيذ أو بالضمان على حسب الحوال‪ .‬فإذا لم يدفع المشتري الثمن‪ ،‬لم‬
‫يفسخ البائع البيع‪ ،‬بل له مطالبة المشتري بالثمن‪ ،‬وإذا لم يدفع المتصالح في الصلح بدل الصلح‪ ،‬فليس‬
‫للخر فسخ العقد‪ ،‬وإذا أساء الدائن المرتهن استعمال الشيء المرهون فأخل بالتزامه بالحفاظ عليه‪،‬‬
‫فليس للراهن فسخ الرهن‪ ،‬وإنما له الحق في طلب وضع المرهون تحت يد عدل (‪ ، )1‬دفعا للضرر‬
‫عن نفسه‪ ،‬وإذا هلك المرهون‪ ،‬ضمن المرتهن في مذهب الحنفية القل من قيمته ومن الدين‪.‬‬
‫(‪ . - )94‬ولكن يجوز استثناء فسخ العقد للخلل باللتزام في أمرين (‪: )2‬‬
‫الول ‪ -‬انعدام محل العقد أو فوات منفعته المقصودة‪ ،‬فإذا هلك المبيع أو المأجور أو تعيب أو نقص‬
‫مقداره أو تعذر استيفاء المنفعة المقصودة منه‪ ،‬أصبح العقد قابلً للفسخ‪.‬‬
‫الثاني ‪ -‬الخلل باللتزام في العقود المستمرة أو عقود المدة‪ :‬كاليجار وعقد التوريد‪ ،‬فإذا أخل العاقد‬
‫بالمنفعة‪ ،‬أو بالعمل في عقد الجارة‪ ،‬أو أخل المورّد بالتزامه‪ ،‬فلم ينفذ المطلوب‪ ،‬توقف العاقد الخر‬
‫من تقديم المنفعة‪ ،‬وأمسك العامل عن العمل حتى يستوفي الجر‪ ،‬وامتنع المورّد له من دفع الثمن‪،‬‬
‫وهذا كفسخ للعقد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬العدل‪ :‬شخص آخر غير العاقدين يؤتمن على حيازة المرهون‪ .‬وأجاز الحنابلة (القواعد لبن‬
‫رجب‪ :‬ص ‪ )65‬للراهن فسخ عقد الرهن إذا لم يقم الدائن المرتهن بتنفيذالتزامه‪.‬‬
‫(‪ )2‬مصادر الحق للسنهوري‪ 230/6 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/694‬‬

‫‪ - 2‬استحالة تنفيذ العقد ‪:‬‬


‫(‪ . - )95‬تبين مما تقدم أنه يفسخ العقد أحيانا لستحالة تنفيذه‪ ،‬وهو ما يسمى في فقهنا بالفة‬
‫السماوية‪ ،‬ويسمى عند النكليز بالحادث اللهي‪ ،‬وعند الفرنسيين بالقوة القاهرة أو الظروف أو‬
‫الحوال الطارئة‪ ،‬فيفسخ البيع كما تبين بهلك المبيع قبل تسليمه‪ ،‬لستحالة تنفيذ العقد بعد هلك‬
‫محله‪ ،‬كما ينفسخ عقد اليجار بخراب الدار المؤجرة أو بالخلل بالمنفعة كانهدام جزء منها يؤثر‬
‫هدمه‬
‫على المنفعة المقصودة منها (‪ ، )1‬كما ينفسخ بيع الثمار بهلكها كلها بجائحة‪ ،‬وينقص من الثمن‬
‫بمقدار ما تصيبه الجائحة إن بلغ المجاح الثلث فأكثر في رأي المام مالك‪ ،‬وسواء أكان قليلً أم كثيرا‬
‫في مذهب الحنابلة والراجح عند المالكية‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫‪ - 3‬عدم تنفيذ العقد ومتى يجوز؟‬
‫(‪ . - )96‬إذا كان الفقه السلمي قد ضيق من نطاق الفسخ؛ لن فسخ العقد أمر خطير‪ ،‬فوجب‬
‫الحتراز عنه‪ ،‬فإنه وسع فيما يسمى بالدفع بعدم تنفيذ العقد‪ ،‬على أنه ليس فسخا‪ ،‬وإنما هو وقف لتنفيذ‬
‫العقد‪ ،‬ويظهر ذلك في أمثلة كثيرة‪ ،‬منها العقود التالية‪ :‬عقد البيع واليجار والوكالة والزواج (‪. )2‬‬
‫(‪ . - )97‬أما في عقد البيع (بيع سلعة بنقد أو عين بدين) فإنه يجب في مذهبي الحنفية والمالكية (‪)3‬‬
‫على المشتري أن يدفع الثمن أولً ما لم يكن مؤجلً أو مقسطا عدا القسط الول للحديث النبوي‪:‬‬
‫«الدين مقضي» (‪ )4‬فإن كان العقد مقايضة أو صرفا وجب تسليم المبيع والثمن معا في وقت واحد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مرشد الحيران (م ‪.)646‬‬
‫(‪ )2‬مصادر الحق للسنهوري‪.241-234 ،215/6 :‬‬
‫(‪ )3‬المبسوط‪ ،195 ،192/12 :‬البدائع‪ ،250 ،244/5 :‬فتح القدير‪ ،109/5 :‬رد المحتار‪-43/4 :‬‬
‫‪ ،44‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.247‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه ابن عدي وأصحاب السنن إل النسائي عن ابن عباس‪ ،‬وفيه ضعيف‪.‬‬

‫( ‪)4/695‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإن للبائع حق حبس المبيع لستيفاء جميع الثمن الحالّ‪ ،‬فإن كان الثمن مؤجلً أو مقسطا‪،‬‬
‫لزمه تسليم المبيع في الحال‪ .‬ويسقط حق الحبس بالحوالة بالثمن في رأي أبي يوسف‪ ،‬ول يسقط حق‬
‫الحبس إذا قدم المشتري رهنا أو كفيلً بالثمن؛ لن الرهن والكفالة ل يسقطان الثمن عن ذمة‬
‫المشتري‪.‬‬
‫وحق البائع في المبيع حق عيني يمنحه حق امتياز عليه‪ ،‬فإذا مات المشتري مفلسا قبل قبض المبيع‬
‫ودفع الثمن‪ ،‬فالبائع أحق بحبسه إلى أن يستوفي الثمن من تركة المشتري أو يبيعه القاضي‪.‬‬
‫وليس للمشتري حق حبس الثمن إل إذا استحق المبيع في يده بالبينة‪ ،‬وفسخ البيع قبل أداء الثمن‪ .‬وله‬
‫أيضا أن يحبس الثمن إذا استحق المبيع قبل قبضه من المشتري‪ ،‬وله حق الفسخ واسترداد الثمن إذا‬
‫كان قد دفعه للبائع‪.‬‬
‫(‪ - )98‬وقال الشافعية والحنابلة (‪ : )1‬يجبر البائع على تسليم المبيع أولً‪ ،‬ثم يجبر المشتري على‬
‫تسليم الثمن؛ لن حق المشتري في عين المبيع‪ ،‬وحق البائع في الذمة‪ ،‬فيقدم ما يتعلق بالعين‪ .‬وعليه‪،‬‬
‫ليس للبائع حبس المبيع على قبض الثمن؛ لن التسليم من مقتضيات العقد‪.‬‬
‫لكن قال الشافعية‪ :‬للبائع حبس المبيع حتى يقبض الثمن إن خاف فوته‪ ،‬وكذا للمشتري حبس الثمن إن‬
‫خاف فوت المبيع‪.‬‬
‫(‪ - )99‬وأما في عقد اليجار‪ :‬فيرى الحنفية والمالكية (‪ )2‬أن المستأجر يدفع الجرة أولً إذا‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،75/2:‬المغني‪.198/4 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،211 ،204 ،201/4 :‬تبيين الحقائق‪ 110/5 :‬ومابعدها‪ ،‬تكملة فتح القدير‪،207/7 :‬‬
‫المجلة (م ‪ )483-482‬بداية المجتهد‪ ،230 ،226/ :‬الشرح الكبير مع الدسوقي‪ ،28 ،4/4 :‬القوانين‬
‫الفقهية‪ :‬ص ‪ 275‬وما بعدها‪ ،‬المدونة الكبرى‪.414/3 :‬‬

‫( ‪)4/696‬‬
‫كانت معجلة‪ ،‬ثم يسلم المؤجر العين المؤجرة‪ .‬وتجب الجرة وتملك بأحد أمور ثلثة‪ :‬اشتراط تعجيلها‬
‫في العقد‪ ،‬وتعجيلها من غير شرط استيفاء المعقود عليه وهو المنافع شيئا فشيئا‪ ،‬ول تجب الجرة ول‬
‫تملك بنفس العقد‪ ،‬وإنما تلزم جزءا فجزءا بحسب ما يقبض من المنافع‪ ،‬فل يستحق المؤجر المطالبة‬
‫بالجرة‬
‫إل تدريجيا يوما فيوما؛ لنه إذا لم يثبت الملك في أحد العوضين ل يثبت في العوض الخر‪ ،‬عملً‬
‫بالمساواة التي تقوم عليها العقود‪.‬‬
‫وللمؤجر الحق في حبس العين المؤجرة في يده أو المتناع عن تسليم الشيء المؤجر‪ ،‬حتى يستوفي‬
‫الجر المعجل‪ ،‬كما أن له الحق في فسخ الجارة‪.‬‬
‫وأما في الجارة على العمال‪ :‬فيستحق الجير الخاص أجره كما ذكر الحنفية بمجرد تسليم نفسه‬
‫للخدمة‪ ،‬سواء خدم أو لم يخدم‪ ،‬ويجوز له اشتراط تعجيل الجر قبل أن يسلم الجير نفسه للعمل‪ .‬وأما‬
‫الجير المشترك أو العام كالخياط والحمال‪ ،‬فله أن يحبس المستأجر فيه حتى يستوفي أجرته إن كان‬
‫لعمله أثر ظاهر (أي مجرد ما يعاين ويرى) في العين المؤجرة كالخياط والصباغ‪ ،‬إن لم يشترط‬
‫تأجيلها‪ .‬وليس له أن يحبس المستأجر فيه‪ ،‬إن لم يكن لعمله أثر ظاهر فيه كالحمال والملح‪ .‬أما‬
‫المالكية فقالوا‪ :‬للجير إذا عمل للناس‪ ،‬سواء أكان عاما أم خاصا حبس المستأجر فيه حتى يقبض‬
‫حقه‪.‬‬

‫( ‪)4/697‬‬

‫(‪ - )100‬وذهب الشافعية والحنابلة(‪ ) 1‬إلى أن على المؤجر تسليم العين المؤجرة‪ ،‬ثم يسلم المستأجر‬
‫الجرة‪ ،‬وتجب الجرة وتملك بمجرد العقد؛ لن الجارة عقد معاوضة‪ ،‬والمعاوضة إذا كانت مطلقة‬
‫عن الشرط تقتضي الملك في العوضين عقد العقد‪ ،‬كما يملك البائع الثمن بالبيع‪ .‬وليس للمؤجر حبس‬
‫العين المؤجرة حتى يستوفي الجرة‪.‬‬
‫(‪ - )101‬وأما في عقد الوكالة‪ :‬فإن الحنفية ذكروا أن للوكيل بالشراء حق حبس المال المشترى في‬
‫يده إلى أن يقبض الثمن من الموكل‪ ،‬وإن لم يكن قد أعطاه إلى البائع (‪. )2‬‬
‫(‪ . - )102‬وأما في عقد الزواج‪ :‬فاتفقت المذاهب (‪ )3‬على أن للمرأة قبل دخول زوجها بها أن تمنع‬
‫الزوج عن الدخول بها أو عن النتقال إلى بيت الزوجية‪ ،‬حتى يعطيها جميع المهر المعجل‪ .‬ويثبت‬
‫لها أيضا هذا الحق في حبس نفسها عن زوجها ومنع نفسها من الستمتاع بها حتى بعد الدخول بها أو‬
‫الخلوة بها أو النتقال إلى بيت زوجها‪ .‬وهذا رأي أبي حنيفة‪.‬‬
‫أما الصاحبان وبقية الفقهاء فقرروا أنه ليس لها أن تمنع نفسها بعد الدخول بها‪ ،‬حتى تقبض معجل‬
‫مهرها؛ لن رضاها بالدخول إسقاط لحقها في طلب المهر‪ ،‬فإذا امتنعت كانت ناشزة‪ ،‬فيسقط حقها في‬
‫النفقة‪.‬‬
‫متى يجوز عدم تنفيذ العقد أو ما هي شروط الدفع بعدم التنفيذ؟‬
‫(‪ - )103‬يشترط للدفع بعدم تنفيذ العقد شرطان (‪: )4‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون العقد ملزما للجانبين‪ ،‬أي عقد معاوضة‪ :‬ففي هذا النوع من العقود يمكن التمسك بعدم‬
‫تنفيذ العقد‪ ،‬أو بالحق في الحبس الذي هو أوسع بكثير من نطاق الدفع بعدم التنفيذ‪ ،‬وأمثلة ذلك‪ :‬أن‬
‫للملتقط حق حبس اللقطة عنده بما أنفق عليها‪ ،‬وللغاصب حبس المغصوب حتى يستوفي ما زاده فيه‬
‫من بناء أو‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،234/2 :‬المهذب‪ ،399/1 :‬المغني‪ ،406/5 :‬غاية المنتهى‪.116/2 :‬‬
‫(‪ )2‬المجلة (م ‪ )1491‬مرشد الحيران ( م ‪.)937‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،289-288/2 :‬الشرح الكبير للدردير‪ 297/2 :‬ومابعدها‪ ،‬الشرح الصغير‪،434/2 :‬‬
‫القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،434‬مغني المحتاج‪ 222/3 :‬ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪.183-181/5 :‬‬
‫(‪ )4‬مصادر الحق للسنهوري‪.241/6 :‬‬

‫( ‪)4/698‬‬

‫غراس‪ ،‬ولصاحب الملك المشترك أو لصاحب حق العلو إذا انهدم البناء أن يمنع شريكه أو صاحب‬
‫السفل الذي امتنع من إعادة البناء من النتفاع ببنائه حتى يؤدي ما يخص حصته من المصروفات (‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون اللتزام المحبوس أو الممنوع عن الخر التزاما يتأخر تنفيذه عن تنفيذ اللتزام المقابل‪:‬‬
‫فللبائع حبس المبيع لديه حتى يستوفي الثمن‪ ،‬وليس العكس‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬وللمؤجر حبس المأجور إلى‬
‫استيفاء الجرة إذا كانت الجرة معجلة‪.‬‬
‫آثار الفسخ (أحكامه ) ‪:‬‬
‫(‪ . - )104‬تظهر آثار الفسخ في شيئين‪ :‬انتهاء العقد‪ ،‬وسريانه على الماضي والمستقبل‪.‬‬
‫‪ - 1‬انتهاء العقد بالفسخ‪ :‬ينتهي العقد بالفسخ‪ ،‬ويكون له آثار فيما بين الطرفين المتعاقدين وبالنسبة‬
‫لغيرهما‪.‬‬
‫أولً‪ -‬أثر الفسخ فيما بين الطرفين المتعاقدين‪ :‬يظل العقد قائما إلى حين الفسخ‪ ،‬وينتج جميع آثاره‪،‬‬
‫فتنتقل مثلً ملكية المبيع إلى المشتري‪ ،‬وللطرفين إجازة العقد صراحة قبل الفسخ‪ ،‬أو ضمنيا‪ ،‬وحق‬
‫الفسخ محصور فقط في المتضرر من المتعاقدين دون المتعاقد الخر‪.‬‬
‫فإذا فسخ العقد انحل واعتبر كأن لم يكن بالنسبة للطرفين‪ ،‬وتجب إعادة كل شيء إلى ما كان عليه قبل‬
‫العقد‪ ،‬ويعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد‪ ،‬فإذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض‪،‬‬
‫سواء كان الفسخ بحكم القاضي أو بحكم التفاق أو بحكم الشرع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تبيين الحقائق‪ 306/3،308 :‬وما بعدها‪ ،231/5 ،‬المجلة ( م ‪.)1216‬‬

‫( ‪)4/699‬‬

‫(‪ - )105‬ثانيا ‪ -‬أثر الفسخ بالنسبة للغير‪ :‬يصبح العقد بالفسخ بالنسبة لغير المتعاقدين أيضا كأن لم‬
‫يكن‪ ،‬إل أن التصرف في العين للغير من قبل المشتري كالبيع أو الهبة أو الصلح ما نع من حق‬
‫الفسخ‪ ،‬أي يطهر العين المبيعة من حق الفسخ‪ ،‬فل يتمكن المشتري الول أن يفسخ البيع بينه وبين‬
‫بائعه؛ لنه قد تعلق بالمبيع حق مالك جديد‪ ،‬أنشأه المشتري نفسه (‪. )1‬‬
‫(‪ . - )106‬وكذلك للقالة التي هي عبارة عن فسخ العقد الذي يربط المتعاقدين آثار بالنسبة للعاقدين‬
‫وبالنسبة إلى الغير‪ ،‬فهي كما تقدم في رأي أبي حنيفة وزفر تعد فسخا في حق العاقدين‪ ،‬وليست اتفاقا‬
‫جديدا‪ ،‬فملكية المبيع ل تنتقل من جديد إلى البائع‪ ،‬بل يعتبر المبيع كأنه لم يخرج أبدا من ملك البائع (‬
‫‪. )2‬‬
‫وكذلك قال الشافعية والحنابلة‪ :‬القالة فسخ‪ ،‬كالرد بالعيب (‪ . )3‬أما المالكية والظاهرية فذهبوا إلى أن‬
‫القالة اتفاق أو بيع جديد؛ لتمامها بتراض جديد بين العاقدين‪ ،‬فيجوز فيها ما يجوز في البيوع‪،‬‬
‫ويحرم منها ما يحرم في البيوع (‪. )4‬‬
‫وأما أثر القالة بالنسبة للغير وهو الشخص الثالث غير العاقدين‪ :‬فهو أنها ليست فسخا‪ ،‬بل هي بيع‬
‫جديد في رأي أبي حنيفة وأبي يوسف والمالكية‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬عقد البيع للستاذ مصطفى الزرقاء‪ :‬ص ‪.111‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،306/5 :‬فتح القدير‪ ،247/5 :‬الدر المختار ورد المحتار‪.154/4 :‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،96/2 :‬المغني‪ ،121/4 :‬غاية المنتهى‪ ،52/2 :‬القواعد لبن رجب‪ :‬ص ‪-379‬‬
‫‪.381‬‬
‫(‪ )4‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،272‬المحلى‪ ،7/9 :‬الشرح الصغير‪.210/2 :‬‬

‫( ‪)4/700‬‬

‫والظاهرية؛ لنها في الواقع مبادلة جديدة‪ ،‬فيأخذ كل واحد من المتعاقدين رأس ماله ببدل‪ ،‬وعلى ذلك‬
‫تعتبر الملكية بالنسبة للغير أنها انتقلت من جديد إلى البائع بالقالة‪ ،‬فمن اشترى دارا ولها شفيع‪ ،‬فلم‬
‫يطلب الشفعة بعد علمه بالبيع‪ ،‬ثم أقال العاقدان البيع‪ ،‬فيثبت للشفيع حق طلب الشفعة ثانيا؛ لن القالة‬
‫عقد جديد في حقه‪.‬‬
‫وذهب زفر ومحمد والشافعية وأكثر الحنابلة إلى أن القالة بالنسبة للغير فسخ كما هو الشأن بالنسبة‬
‫للعاقدين؛ لن القالة هي الرفع والزالة‪ ،‬ولن المبيع عاد إلى البائع بلفظ ل ينعقد به البيع‪ ،‬فكان‬
‫التفاق فسخا كالرد بالعيب‪.‬‬
‫‪ - 2‬أثر الفسخ في الماضي (الثر المستند والمقتصر) والمستقبل ‪:‬‬
‫(‪ . - )107‬للفسخ أثر مستند‪ ،‬أي أثر رجعي منسحب على الماضي‪ ،‬في العقود الفورية كالبيع‬
‫والمقايضة‪ ،‬فيوجب التراجع فيما نفذ من التزامات‪ ،‬ففسخ البيع يوجب التراد في المبيع والثمن‪ ،‬وكذا‬
‫انفساخه بهلك المبيع قبل التسليم يوجب رد الثمن المقبوض؛ لن اللتزام فيه يصبح بل سبب‪ .‬وعلى‬
‫ذلك ل يمكن طلب الشفعة عند الفسخ‪.‬‬
‫وينحصر الثر الرجعي بالعاقدين وورثتهما عند الجمهور غير الحنفية القائلين بانتقال الخيار بالوراثة‪.‬‬
‫أما غير المتعاقدين إذا اكتسب حقا على العين المبيعة فل يتأثر برجعية الفسخ‪ ،‬بل يمتنع الفسخ‪ ،‬وتلزم‬
‫المتعاقدين الصفقة دفعا للضرر عن الغير (‪. )1‬‬
‫وأما العقود المستمرة أو عقود المدة التي يستمر تنفيذها مع توالي الزمن كعقد‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬النظرية العامة للفسخ د‪ :‬الذنون‪ :‬ص ‪.363‬‬

‫( ‪)4/701‬‬

‫اليجار أو الشركة‪ ،‬فإن الفسخ يكون مقتصرا‪ ،‬أي ليس له أثر رجعي‪ ،‬وإنما يسري على المستقبل‬
‫فقط‪ ،‬وما مضى يكون على حكم العقد‪ ،‬فالفسخ أو النفساخ يقطعان تأثير هذه العقود بالنسبة إلى‬
‫المستقبل‪ ،‬ويظل ما مضى على حكم العقد‪ .‬وكذلك انحلل الوكالة بالعزل ل ينقض تصرفات الوكيل‬
‫السابقة (‪. )1‬‬
‫(‪ . - )108‬وكذلك للقالة أثر رجعي كالفسخ‪ ،‬بشرط وجود محل العقد عند القالة‪ ،‬ووحدة الزمان‪،‬‬
‫وتطابق اليجاب والقبول‪ ،‬أي رضا المتقايلين وتوافق الرادتين؛ لن القالة رفع العقد‪ ،‬والمبيع محله‪،‬‬
‫فإن كان هالكا كله وقت القالة‪ ،‬لم تصح‪ ،‬وإن هلك بعضه‪ ،‬لم تصح القالة بقدره‪ ،‬ولن القالة عند‬
‫الجمهور فسخ العقد‪ ،‬والعقد وقع بتراضي العاقدين‪ ،‬فكذا فسخه‪ ،‬أما قيام الثمن وقت القالة فليس‬
‫بشرط (‪. )2‬‬
‫(‪ . - )109‬هذا وقد بحث السيوطي أثر الفسخ بالنسبة للماضي بعنوان‪ :‬هل يرفع الفسخ العقد من‬
‫أصله أو من حينه؟ فقال‪:‬‬
‫‪ - 1‬فسخ البيع بخيار المجلس أو الشرط‪ :‬الصح أنه من حينه‪.‬‬
‫‪ - 2‬الفسخ بخيار العيب والتصرية ( ربط ثدي الشاة لتجمع اللبن )‪ :‬الصح من حينه‪.‬‬
‫‪ - 3‬تلف المبيع قبل القبض‪ :‬الصح النفساخ من حين التلف‪.‬‬
‫‪ - 4‬الفسخ بالتخالف بين البائع والمشتري‪ :‬الصح من حينه‪.‬‬
‫‪ - 5‬السلم‪ :‬يرجع الفسخ إلى عين رأس المال‪.‬‬
‫‪ - 6‬الفسخ بالفلس‪ :‬من حينه‪.‬‬
‫‪ - 7‬الرجوع في الهبة‪ :‬من حينه قطعا‪.‬‬
‫‪ - 8‬فسخ النكاح بأحد العيوب‪ :‬الصح من حينه‪.‬‬
‫‪ - 9‬القالة على القول بأنها فسخ‪ :‬الصح من حينه (‪. )3‬‬
‫ويلحظ أن أغلب حالت الفسخ في رأي الشافعية ليس لها أثر رجعي‪.‬‬
‫وذكر ابن رجب الحنبلي خلفا في الفسخ بالعيب المستند إلى مقارن للعقد‪ ،‬هل هو رفع للعقد من‬
‫أصله أو من حينه (‪. )4‬‬
‫وذهب المالكية إلى أن فسخ البيع بسبب العيب إما بحكم الحاكم أو بتراضي المتبايعين رفع للعقد من‬
‫حينه‪ .‬وليس له أثر على الماضي‪ ،‬فتكون غلة المردود بعيب للمشتري من وقت عقد البيع وقبض‬
‫المشتري له‪ ،‬وتثبت الشفعة للشريك بما وقعت به القالة (‪. )5‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المدخل الفقهي العام للستاذ الزرقاء‪ :‬ف ‪.304‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ 308/5 :‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير‪ 250/5 :‬ومابعدها‪ ،‬الدر المختار‪.157/4 :‬‬
‫(‪ )3‬الشباه والنظائر‪ :‬ص ‪.317‬‬
‫(‪ )4‬القواعد‪ :‬ص ‪.116‬‬
‫(‪ )5‬الشرح الصغير‪.210 ،186/2 :‬‬

‫( ‪)4/702‬‬

‫ي المعاصِر من الفِقه السلميّ‬


‫مُلحَق‪ :‬ما اقتبسه القانون المدن ّ‬
‫ل تتبوأ المة مكانتها وتنعم بعزتها بغير الستقلل الكامل المادي والمعنوي الذي ل أثر فيه للتبعية‬
‫الفكرية والثقافية والقانونية لية دولة أخرى‪.‬‬
‫ول يكمل الستقلل الوطني ول تتحقق أو تنمو ذاتية البلد المطلقة ول تخطو خطوات بنائه نحو التقدم‬
‫والمستقبل المشرق‪ ،‬محطمة قيود التخلف إل بالتخلص من كل آثار الستعمار ورواسبه البعيدة المدى‪.‬‬
‫ومن أولى مهام الحكم المستقل الوطني في سبيل تحقيق تلك الغاية العتماد في التقنين في مختلف‬
‫أنواعه على التراث القومي النابع من البيئة‪ ،‬والمتجاوب مع تطلعات أبناء البلد وأهدافهم وعقيدتهم‪.‬‬

‫( ‪)4/703‬‬

‫لقد اعترف الفقيه الكبير الدكتور عبد الرزاق السنهوري واضع القانون المدني المصري وغيره في‬
‫البلد العربية بأن الفقه والقضاء المصري ضيفان على القضاء الفرنسي‪ ،‬ولكن آن للضيف أن يعود‬
‫إلى بيته‪ ،‬وطالب بتمصير الفقه‪ ،‬وجعله فقها مصريا خالصا نرى فيه طابع قوميتنا ونحس أثر عقليتنا‪،‬‬
‫ففقهنا حتى اليوم ل يزال يحتله الجنبي‪ ،‬الحتلل هنا فرنسي‪ ،‬وهو احتلل ليس بأخف وطأة ول أقل‬
‫عنتا من أي احتلل آخر‪ .‬لذلك كانت أمنية من أغلى الماني العراض وأعزها لدينا أن يصدر قانون‬
‫مدني وغير مدني مستمد كله من أحكام الشريعة السلمية‪ .‬قال الدكتور السنهوري (‪ : )1‬أما جعل‬
‫الشريعة السلمية هي الساس الول الذي يبنى عليه تشريعنا المدني‪ ،‬فل يزال أمنية من أعز‬
‫الماني التي تختلج بها الصدور‪ ،‬وتنطوي عليها الجوانح‪ .‬ولكن قبل أن تصبح هذه المنية حقيقة‬
‫واقعة‪ ،‬ينبغي أن تقوم نهضة علمية قوية لدراسة الشريعة السلمية في ضوء القانون المقارن‪.‬‬
‫ومن بدهي القول إعلن أن الشريعة السلمية ذات المصدر السماوي اللهي المستقل ل تزال شريعة‬
‫حية صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان‪ ،‬أكد ذلك فقهاء القانون في الغرب والشرق‪ ،‬وعمداء‬
‫الحقوق في البلد العربية والجنبية‪ ،‬ومؤتمرات القانون المقارن والمحامين الدولية في العصر الحديث‬
‫( ‪. )2‬‬
‫قال الدكتور السنهوري (‪« : )3‬ول أريد القتصار على شهادة الفقهاء المنصفين من علماء الغرب‪،‬‬
‫كالفقيه اللماني كوهلر والستاذ اليطالي دلفيشيو والعميد المريكي ويجمور وكثيرين غيرهم‪،‬‬
‫يشهدون بما انطوت عليه الشريعة السلمية من مرونة وقابلية للتطور‪ ،‬ويضعونها إلى جانب القانون‬
‫الروماني والقانون النكليزي إحدى الشرائع الساسية الثلث التي سادت ول تزال تسود العالم‪ .‬وقد‬
‫أشار الستاذ ل مبير الفقيه الفرنسي المعروف في المؤتمر الدولي للقانون‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع كتابه الوسيط في شرح القانون المدني الجديد‪ :‬حاشية ص ‪.48‬‬
‫(‪ )2‬انظر قرار مؤتمر القانون المقارن في لهاي سنة ‪1938‬م‪ ،‬ومؤتمر المحامين الدولي في لهاي‬
‫سنة ‪ ،1948‬وتوصيات ندوة عمداء كليات الحقوق والقانون والشريعة بالجامعات العربية بجامعة‬
‫بيروت العربية‪ ،‬عام ‪1973‬م‪ ،‬وبجامعة بغداد عام ‪1974‬م‪ ،‬وتوصيات ندوة التشريع السلمي في‬
‫مدينة البيضاء‪ ،‬ليبيا عام ‪1972‬م‪ ،‬وتوصيات مؤتمر الفقه السلمي بالرياض عام ‪1976‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬بحث الدكتور السنهوري في مجلة نقابة المحامين بدمشق ‪ -‬السنة الولى ‪ -‬العدد السابع‪ :‬ص‬
‫‪. 506‬‬

‫( ‪)4/704‬‬

‫المقارن‪ ،‬الذي انعقد في مدينة ل هاي في سنة (‪1932‬م) إلى هذا التقدير الكبير للشريعة السلمية‪،‬‬
‫الذي بدأ يسود بين فقهاء أوروبا وأمريكا في العصر الحاضر‪.‬‬
‫ولكني أرجع للشريعة نفسها لثبت صحة ما قررته‪ .‬ففي هذه الشريعة عناصر لو تولتها يد الصياغة‪،‬‬
‫فأحسنت صياغتها‪ ،‬لصنعت منها نظريات ومبادئ ل تقل في الرقي وفي الشمول وفي مسايرة التطور‬
‫عن أخطر النظريات الفقهية التي نتلقاها اليوم عن الفقه الغربي الحديث‪.‬‬
‫وآتي بأمثلة أربعة اضطررت إلى القتصار عليها لضيق المقام‪ :‬يدرك كل مطلع على فقه الغرب أن‬
‫من أحدث نظرياته في القرن العشرين‪ :‬نظرية التعسف في استعمال الحق‪ ،‬ونظرية الظروف الطارئة‪،‬‬
‫ونظرية تحمل التبعة‪ ،‬ومسؤولية عديم التمييز‪ .‬ولكل نظرية من هذه النظريات الربع أساس في‬
‫الشريعة السلمية ل يحتاج إل للصياغة والبناء ليقوم على أركان قوية‪ ،‬ويسامت نظريات الفقه‬
‫الحديث» ‪.‬‬
‫وقد أحدثت هذه الصيحة بالعتراف بالحق دويا في نفوس واضعي القوانين العربية‪ ،‬ولم يعد مقبولً‬
‫بحال ترك مصادرنا الفقهية السلمية‪ ،‬وأخذ قانون مترجم ترجمة حرفية عن القانون المدني‬
‫الفرنسي‪.‬‬

‫( ‪)4/705‬‬
‫وأثمر هذا الدوي القوي في أفكار القانونيين‪ ،‬فصدر في دنيا العرب قانونان مدنيان مستمدان من الفقه‬
‫السلمي‪ ،‬وهما القانون المدني العراقي عام (‪1951‬م)‪ ،‬والقانون المدني الردني عام (‪1976‬م)‪،‬‬
‫وصدر في ليبيا ـ الثورة إلغاء صريح فوري لكل مواد القانون المدني المعارضة للشريعة‪ ،‬وبدئ‬
‫بوضع قانون جديد مستمد من الفقه السلمي‪ ،‬كما بدئ في مصر بوضع مشاريع قوانين مدنية‬
‫وجزائية مستمدة من أحكام الشريعة السلمية‪ ،‬غير الملتزمة مذهبا فقهيا معينا‪ ،‬وإنما تأخذ من‬
‫مجموع أحكام المذاهب السلمية ـ السنية والشيعية ما يناسب ظروف العصر‪ ،‬وبدأت لجان منبثقة‬
‫من قرارات وزراء العدل العرب بوضع قانون مدني وآخر جزائي مستمد من الشريعة السلمية منذ‬
‫عام (‪1980‬م) وكذا قانون موحد للحوال الشخصية‪ ،‬وتم إنجاز مشروعات هذه القوانين الثلثة‪.‬‬
‫وقد جاء في السباب الموجبة للئحة القانون المدني العراقي المكون من ‪ 1383‬مادة ما يلي‪ :‬إن‬
‫قواعد القانون المدني العراقي استمدت من مصادر متباينة‪ ،‬فبعضها أخذ من الفقه السلمي مباشرة‪،‬‬
‫وبعضها نقل عن الفقه السلمي مقننا في المجلة‪ ،‬والبعض الخر هو بقية من القوانين العثمانية‬
‫العتيقة‪ ،‬وهذه القوانين بدورها قد اشتقت أحكامها بوجه خاص من القانون الفرنسي والعرف المحلي‪.‬‬
‫والكثرة الغالبة من أحكام القانون العراقي قد خرّجت على الفقه السلمي في مذاهبه المختلفة دون‬
‫تقيد بمذهب معين‪ ،‬واستطاع مشروع هذا القانون أن يجد في غير عناء مادة خصبة في الفقه‬
‫السلمي يصوغ منها طائفة العقود المسماة‪ ،‬سواء وقع العقد على الملكية كالبيع والهبة والشركة‬
‫والقرض‪ ،‬أم وقع على المنفعة كاليجار والعارة‪ ،‬أو وقع على العمل كالمقاولة وعقد العمل والوكالة‬
‫والوديعة‪.‬‬
‫وجاء في نص البيان الصحفي الذي أعلن به مشروع القانون المدني الردني سنة ‪1976‬م المكون من‬
‫( ‪ ) 1449‬مادة ما يلي‪:‬‬
‫اعتمدت لجنة واضعيه على المراجع والمصادر التالية‪:‬‬

‫( ‪)4/706‬‬

‫‪ - 1‬مجلة الحكام العدلية والفقه السلمي بجميع مذاهبه‪.‬‬


‫‪ -2‬التشريعات والقوانين الردنية المعمول بها‪.‬‬
‫‪ - 3‬مشروع القانون المدني الموجود حاليا في مجلس العيان‪.‬‬
‫‪ - 4‬كافة التشريعات والقوانين المعاصرة والمستمدة من الفقه السلمي‪.‬‬
‫وتناول المشروع أحكام المعاملت مستمدة من الفقه السلمي بأحكامه الواسعة المتفتحة على الحياة‬
‫وقواعده المتطورة دائما مع متطلبات العصر والصالحة للغد ولتبدل الزمان‪ .‬وهو مشروع رائد‬
‫ينتظره العرب والمسلمون بفارغ الصبر‪ ،‬وهو يحقق رغبة طالما تمناها كثير من رجال القضاء‬
‫والقانون وعلى رأسهم المرحوم الدكتور عبد الرزاق السنهوري‪.‬‬
‫ويقع المشروع في نحو (‪ )140‬مادة‪ ،‬وتستند كل مادة من مواده إلى مآخذها ونظائرها في القوانين‬
‫المعاصرة ومرجعها الفقهي في مذكرات إيضاحية تقع في نحو (‪ )1500‬صفحة‪ ،‬وهي شروح وافية‬
‫لكل مادة وثروة قانونية لقضائنا ورجال القانون‪.‬‬
‫فمن المقطوع به أن كل نص تشريعي أو مادة قانونية ينبغي أن تعيش في البيئة التي تطبق فيها والبلد‬
‫الذي تنفذ فيه‪ ،‬مهما كان مصدرها‪ ،‬لكن يلحظ أن القانون الردني وكذا الكويتي لم يجز الفوائد‬
‫الربوية‪ ،‬على عكس القانون العراقي الذي أباح التفاق على الفائدة بنسبة ‪.%7‬‬

‫( ‪)4/707‬‬

‫مدى العتماد على الشريعة في القانونين المصري والسوري ‪:‬‬


‫القانون المدني السوري الصادر عام (‪1949‬م)وأصله القانون المصري الصادر عام (‪1948‬م) ما‬
‫يزالن قائمين على أساس من القانون المدني الفرنسي‪ ،‬إل أنهما جعل الفقه السلمي (م ‪)2/1‬‬
‫مصدرا رسميا للقانون يأتي في المرتبة الثانية بعد نصوص القانون في قانوننا السوري (ومثله القانون‬
‫الجزائري الصادر عام ‪ )1975‬وفي المرتبة الثالثة بعد نصوص القانون والعرف والعادة في القانون‬
‫المصري‪ .‬وفي تقديري أن اعتبار الفقه السلمي مصدرا رسميا احتياطيا في كل القانونين ليس له‬
‫فائدة عملية كبيرة؛ لن القاضي ل يلجأ إليه إل إذا استحال عليه الوصول إلى الحكم القانوني من‬
‫نصوص التشريع‪ ،‬وهذا احتمال نادر‪ ،‬لكنه ل شك يزيد كثيرا في أهمية الشريعة السلمية‪ ،‬ويجعل‬
‫دراستها دراسة عملية في ضوء القانون المقارن أمرا ضروريا ل من الناحية النظرية الفقهية فحسب‪،‬‬
‫بل كذلك من الناحية العملية التطبيقية‪.‬‬
‫فكل من الفقيه والقاضي أصبح الن مطالبا أن يستكمل أحكام القانون المدني‪ ،‬فيما لم يرد فيه نص‬
‫بالرجوع إلى أحكام الفقه السلمي (‪. )1‬‬
‫ولكن المفيد التعرف على الحكام التي استمدها القانون المدني السوري (وأصله المصري) من الفقه‬
‫السلمي‪ .‬وبعض هذه الحكام هي مبادئ عامة‪ ،‬وبعضها مسائل تفصيلية (‪: )2‬‬
‫بعض المبادئ والنظريات العامة المقتبسة من الفقه السلمي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬النزعة الموضوعية‬
‫‪ - 2‬الهلية‪ ،‬ومسؤولية عديم التمييز‬
‫‪ - 3‬نظرية التعسف في استعمال الحق‬
‫‪ - 4‬نظرية الظروف الطارئة‬
‫‪ - 5‬حوالة الدين‬
‫‪ - 6‬ل تركة إل بعد سداد الدين‬
‫بعض الحكام التفصيلية المستقاة من الفقه السلمي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬في عقد البيع (أحكام مجلس العقد‪ ،‬البيع بالصفة‪ ،‬تبعة الهلك في البيع ـ نظرية تحمل التبعة‪،‬‬
‫حق الحبس‪ ،‬الغبن في بيع القاصر‪ ،‬ضمان العيوب الخفية وضمان التعرض والستحقاق)‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الوسيط للسنهوري‪ :‬ص ‪.48‬‬
‫(‪ )2‬الوسيط للسنهوري‪ :‬ص ‪.47 ،46‬‬

‫( ‪)4/708‬‬

‫‪ - 2‬في عقد اليجار (إيجار الراضي الزراعية‪ ،‬غرس الشجار في العين المؤجرة‪ ،‬هلك الزرع‬
‫في العين المؤجرة‪ ،‬المزارعة‪ ،‬انقضاء اليجار بموت المستأجر وفسخه للعذر‪ ،‬إيجار الوقف)‪.‬‬
‫‪ - 3‬حقوق الرتفاق‪( :‬حق العلو والسفل‪ ،‬الحائط المشترك)‪.‬‬
‫ل وموضوعا (تكوين العقد‪ ،‬محل العقد‪ ،‬الرجوع في الهبة)‪.‬‬
‫‪ - 4‬أحكام عقد الهبة ـ شك ً‬
‫‪ - 5‬تصرف المريض مرض الموت‪.‬‬
‫‪ - 6‬أحكام متفرقة (مدة التقادم‪ ،‬البراء من الدين بإرادة الدائن وحده)‪.‬‬
‫بيان أهم المبادئ والنظريات المقتبسة من الفقه السلمي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬النزعة الموضوعية ‪:‬‬
‫أخذ القانونان المصري والسوري بالنزعة الموضوعية التي تخللت كثيرا من النصوص (‪ . )1‬وهذه‬
‫هي نزعة الفقه السلمي والقوانين الجرمانية‪ ،‬آثرها التقنين على النزعة الذاتية التي هي طابع‬
‫القوانين اللتينية‪ ،‬وجعل الفقه السلمي عمدته في الترجيح‪ .‬فأخذ بالرادة الظاهرة وبالموضوعية‬
‫معا‪ ،‬ولكن بقدر متفاوت‪ ،‬إذ أقلّ من الخذ بالرادة الظاهرة‪ ،‬وأكثر من الخذ بالموضوعية‪ ،‬إلى حد‬
‫أنه حينما كان في بعض المسائل يتخذ معايير ذاتية لم يتخذها ذاتية محضة‪ ،‬بل رسم لها ضوابط‬
‫موضوعية ليضفي عليها شيئا من الثبات والستقرار‪.‬‬
‫ومن أمثلة المعايير الموضوعية ( عناية الشخص المعتاد ) أي أن الشخص مطالب بأن يبذل من‬
‫العناية في حفظ مال الغير كالوديعة مثلً ما يبذله عادة في حفظ ماله الخاص‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الوسيط للسنهوري‪ :‬ص ‪.96 ،93 ،47‬‬

‫( ‪)4/709‬‬

‫انظر القانون المدني السوري (المواد ‪ 1/212‬في اللتزام بعمل‪ 2/489 ،‬في آثار الشركة‪ 1/551 ،‬في‬
‫استعمال العين المؤجرة‪ 1/607 ،‬التزام المستعير‪ 1/651 ،‬التزام العامل‪ 2/670 ،‬التزام الوكيل‪686 ،‬‬
‫التزام الوديع‪ 1/700 ،‬التزام الحارس‪ 1/193 ،‬التزام الفضولي‪ 1/130 ،‬إبطال العقد بسبب الغبن‪،‬‬
‫‪ 147‬انتقال اللتزام إلى الخلف الخاص‪ 179 ،‬مسؤولية حارس الشياء‪ 222 ،‬تعويض الضرر‪،‬‬
‫‪ 1/415‬التزام البائع بضمان العيوب الخفية‪ 1/580 ،‬استغلل المستأجر الراضي الزراعية)‪.‬‬
‫وهذا المعيار الموضوعي مقرر في الفقه السلمي في الحوال السابقة‪ ،‬فقد قرر فقهاؤنا أنه يجب‬
‫على المين أن يحفظ المانة‪ ،‬كما يحفظ ماله على النحو الذي جرت به عادة الناس في كيفية حفظ‬
‫أموالهم (‪. )1‬‬
‫أما الفقه السلمي فيقرر مسؤولية الصبي غير المميز والمجنون مطلقا عن التلفات‪ ،‬قال الحنفية‪:‬‬
‫«الصبي المحجور عليه مؤاخذ بأفعاله‪ ،‬فيضمن ما أتلفه من المال» (‪« )2‬لو أن طفلً ابن يوم انقلب‬
‫على قارورة فكسرها‪ ،‬لزمه الضمان» (‪ )3‬وقال المالكية‪« :‬إن تقويم المتلفات ل يختلف باختلف‬
‫الناس‪ ،‬إنما باختلف البلد والزمان» (‪. )4‬‬
‫ونصت المجلة على ذلك فيما يأتي‪....« :‬يلزم الضمان على الصبي إذا أتلف مال الغير‪ ،‬وإن كان‬
‫غير مميز» (م ‪« :)960‬إذا أتلف صبي مال غيره يلزم الضمان من ماله‪ ،‬وإن لم يكن له مال ينتظر‬
‫إلى حال يساره‪ ،‬ول يضمن وليه» (م ‪( )916‬م ‪.)912‬‬
‫ولكن ل يكون غير المميز مسؤولً مسؤولية جنائية عن حوادث القتل‪ ،‬فل ينفّذ في حقه القصاص‪،‬‬
‫وإنما يقتصر على تعزيره بالحبس أو بالتوبيخ ونحوهما‪.‬‬
‫‪ - 2‬أحكام الهلية ومسؤولية عديم التمييز ‪:‬‬
‫إن أحكام الهلية (المواد ‪ )129-109 ،50-46‬مستمدة من الفقه السلمي (‪ ، )5‬سواء فيما‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،307/2 :‬وانظر كتابنا نظرية الضمان‪ :‬ص ‪.183-177‬‬
‫(‪ )2‬الشباه والنظائر لبن نجيم‪ ،78/2 :‬درر الحكام‪.273/2 :‬‬
‫(‪ )3‬مجمع الضمانات‪ :‬ص ‪ ،165 ،161 ،154-146‬جامع الفصولين‪ ،124 ،113/2 :‬الشباه‬
‫والنظائر لبن نجيم‪.99/2 :‬‬
‫(‪ )4‬الفروق للقرافي‪.31/4 :‬‬
‫(‪ )5‬نظرية العقد للسنهوري‪ 322/1 :‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/710‬‬

‫يتعلق بأهلية التملك أو بمباشرة التصرفات والعقود‪ ،‬ووجود الحاجة أحيانا إلى النائب الشرعي عن‬
‫الغير‪ ،‬والحكم ببطلن التصرف بسبب انعدام الهلية‪ ،‬إل أن القانون في حالة وجود عيب من عيوب‬
‫الرضا كالكراه والتدليس والغلط يجعل العقد قابلً للبطال‪ ،‬أي أن العقد قائم وموجود‪ ،‬لكنه عرضة‬
‫للبطال من طريق القاضي بناء على طلب صاحب المصلحة‬
‫في حماية حقه الخاص‪ .‬وأما في الفقه فيسمى العقد حينئذ غير لزم أي يجوز فسخه من صاحب الحق‬
‫بمحض إرادته من غير قضاء إل في حالة وجود التدليس المتضمن إخفاء عيب (خيار العيب) فيحتاج‬
‫إلى القضاء لتقدير وجود العيب‪ .‬وقد يسمى العقد المعيب بعيب (كما في حالة الكراه) غير نافذ أو‬
‫موقوفا على الجازة كما في حالة تجاوز العاقد حدود النيابة المتعارف عليها‪ ،‬إل أن العقد الموقوف ل‬
‫ينتج أي أثر‪ ،‬أما العقد القابل للبطال فهوعقد صحيح منتج لثاره‪.‬‬

‫( ‪)4/711‬‬

‫وكذلك أخذ القانون المدني بمبدأ مسؤولية عديم التمييز عن أعماله غير المشروعة التي تسبب ضررا‬
‫للغير‪ ،‬مسايرة لمبادئ الشريعة السلمية التي توجب تعويض الضرر الواقع باعتباره واقعة مادية‪،‬‬
‫ولو لم يتوفر عنصر الخطأ أحد أركان المسؤولية المدنية التقصيرية‪ ،‬وهو ما تقرره نظرية تحمل‬
‫التبعة التي ل تقيم المسؤولية على أساس فكرة الخطأ‪ ،‬وإنما تكتفي بمراعاة مبدأ «الغرم بالغنم» ‪ .‬وقد‬
‫نص القانون المدني السوري على ذلك في المادة (‪« :)2/165‬ومع ذلك إذا وقع الضرر من شخص‬
‫غير مميز‪ ،‬ولم يكن هناك من هو مسؤول عنه‪ ،‬أو تعذر الحصول على تعويض من المسؤول‪ ،‬جاز‬
‫للقاضي أن يلزم من وقع منه الضرر بتعويض عادل‪ ،‬مراعيا في ذلك مركز الخصوم» أي أن هذه‬
‫المسؤولية لغير المميز تتميز بأنها مشروطة‪ ،‬ومسؤولية مخففة أي في حدود التعويض العادل (‪. )1‬‬
‫وبهذا يكون ولي القاصر بصفة عامة هو المسؤول عن عمل القاصر أو المجنون على أساس الخطأ‬
‫المفترض أو التقصير في الرقابة (راجع المادة ‪.)174‬‬
‫وسألقي الضوء إجمالً على هذه المبادئ والنظريات والحكام التفصيلية المستمدة من الفقه السلمي‪،‬‬
‫تاركا الشرح لفقهاء القانون المدني الذين يبينون عادة منشأ هذه الحكام‪ ،‬وموطن استمداد المشرع لها‪.‬‬
‫‪ - 3‬نظرية التعسف في استعمال الحق ‪:‬‬
‫ليس حق الملكية حقا مطلقا‪ ،‬وإنما هو مقيد بعدم إلحاق الضرر بالغير‪ ،‬فإذا ترتب على استعمال الحق‬
‫إحداث ضرر بالغير نتيجة إساءة استعمال هذا الحق‪ ،‬كان محدث الضرر مسؤولً‪.‬‬
‫ونص القانون المدني السوري على هذا المبدأ في المادتين (‪« )6 ،5‬من استعمل حقه استعمالً‬
‫مشروعا ل يكون مسؤولً عما ينشأ عن ذلك من ضرر» (م ‪.)5‬‬
‫يكون استعمال الحق غير مشروع في الحوال التية‪:‬‬
‫« أ ـ إذا لم يقصد به سوى الضرار بالغير‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الوسيط للسنهوري‪ :‬ص ‪ ،63‬النظرية العامة لللتزام للدكتور وحيد سوار‪.70/2 :‬‬

‫( ‪)4/712‬‬

‫ب ـ إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الهمية‪ ،‬بحيث ل تتناسب البتة مع ما يصيب‬
‫الغير من ضرر» ‪.‬‬
‫ج ـ إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة (م ‪ )6‬وقد حرص واضعو القانون ـ‬
‫لدى صياغة النص الذي أورد في هذه النظرية ـ على الستفادة من القواعد التي استقرت في الفقه‬
‫السلمي (‪ )1‬ومن أهمها‪« :‬تصرف النسان في خالص حقه إنما يصح إذا لم يتضرر به غيره» فهذه‬
‫القاعدة أساس واضح لنظرية منع التعسف في استعمال الحق‪ ،‬وهي القاعدة المنظمة لحقوق الجوار (‬
‫‪. )2‬‬
‫أما نص المادة (‪ )5‬فمأخوذ من المبدأ المقرر في الشريعة المعبر عنه في القاعدة الفقهية الكلية القائلة‪:‬‬
‫( الجواز الشرعي ينافي الضمان ) أي أن الفعل المباح شرعا ل يستوجب الضمان أو تعويض‬
‫الضرر الذي قد يحدث‪.‬‬
‫وأما نص المادة (‪ )6‬فمستمد من حيث المبدأ من الحديث النبوي المتقدم‪« :‬ل ضرر ول ضرار في‬
‫السلم» الذي يقضي بمنع الضرر في حالتين‪:‬‬
‫الولى ـ استعمال الحق بقصد الضرار‪.‬‬
‫الثانية ـ أن يترتب على استعمال الحق المشروع إضرار الخرين‪ ،‬سواء أكان الستعمال على وجه‬
‫معتاد‪ ،‬أم على غير الوجه المعتاد‪.‬‬
‫وفي كلتا الحالتين توجب قواعد السلم إزالة الضرر عينا‪ ،‬سواء أكان ماديا أم معنويا؛ لن الراجح‬
‫أن المنافع أموال متقومة‪ ،‬فإن تعذر ذلك يجب الحكم بتعويض مالي عادل لرفع آثار الضرر ومنع‬
‫بقائه أو تجدده في المستقبل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الوسيط للسنهوري‪ ،836/1 :‬النظرية العامة لللتزام للدكتور سوار‪ :‬ص ‪ ،96‬الحقوق العينية‬
‫الصلية للدكتور سوار‪ :‬ص ‪.311‬‬
‫(‪ )2‬راجع تطبيقات القاعدة في نظرية الضمان للمؤلف‪ :‬ص ‪.207‬‬

‫( ‪)4/713‬‬

‫ويلحظ أن القانون قصر التعسف على حالت الستعمال غيرالمشروع (‪. )1‬‬
‫أما الحالة الولى قانونا فتقابل الحالة الولى المفهومة من الحديث‪ ،‬والحالة الثانية تقابل الحالة الثانية‬
‫المأخوذة من الحديث‪ ،‬وتتفق مع ما أخذت به المجلة (المادة ‪ )20 ،19‬ويقتضيه الستحسان الفقهي‪.‬‬
‫وأما الحالة الثالثة في القانون فهي مستقاة من مجموع ما تقرره المذاهب السلمية وتقتضيه روح‬
‫التشريع السلمي في محاربة العمال غير المشروعة‪ ،‬أو المعاصي والمنكرات الضارة بمصلحة‬
‫المجتمع‪ ،‬وأنه يتحمل الضرر الخاص لمنع الضرر العام ونحو ذلك من كل ما يجعل للحق صلة‬
‫اجتماعية في السلم‪.‬‬
‫وقد ذكرت المادة (‪ )1199‬من المجلة مبدأ نظرية التعسف‪ :‬ل يمنع أحد من التصرف في ملكه أبدا إل‬
‫إذا كان ضرره لغيره فاحشا‪ ،‬كما يأتي تفصيله في الفصل الثان وفي هذا الفصل وضع معيار الضرر‬
‫الفاحش (في المادة ‪ )1199‬وفي المادة (‪ )1200‬ذكرت أمثلة عديدة عن الضرار‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع كتابنا نظرية الضمان ‪ :‬ص ‪ 53‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/714‬‬

‫‪ - 4‬نظرية الظروف الطارئة ‪:‬‬


‫لقد نشأت هذه النظرية في نطاق القضاء الداري‪ ،‬ثم تسللت إلى ميدان الحقوق الخاصة‪ .‬وهي في‬
‫أصلها تقوم على فكرة إسعاف المتعاقد المنكوب الذي اختل توازن عقده اقتصاديا مما قد يجره إلى‬
‫الهلك‪ ،‬فهي تهدف إلى تحقيق العدالة في العقود ورفع الغبن منها (‪ . )1‬والمصدر الساسي لهذه‬
‫النظرية هو مبدأ العدالة الذي يقضي بإزالة الرهاق عن المدين‪ ،‬بسبب ظرف طارئ‪ ،‬لم يكن يتوقعه‬
‫عند إبرام العقد (‪. )2‬‬
‫وأخذ بهذه النظرية القانون المدني السوري‪ ،‬فنص في المادة (‪ )1/148‬على ما يلي‪« :‬العقد شريعة‬
‫المتعاقدين‪ ،‬فل يجوز نقضه ول تعديله إل باتفاق الطرفين‪ ،‬أو للسباب التي يقررها القانون» ‪.‬‬
‫وأردفتها الفقرة الثانية من هذه المادة ‪ ،‬فقررت «ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن‬
‫في الوسع توقعها‪ ،‬وترتب على حدوثها أن تنفيذ اللتزام التعاقدي‪ ،‬وإن لم يصبح مستحيلً‪ ،‬صار‬
‫مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة‪ ،‬جاز للقاضي تبعا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة‬
‫الطرفين‪ ،‬أن يرد اللتزام المرهق إلى الحد المعقول‪ ،‬ويقع باطلً كل اتفاق على خلف ذلك» ‪.‬‬
‫النص الثاني يدل على أنه‪ ،‬وإن كان الصل العام في القواعد المدنية التقليدية شريعةالمتعاقدين (أو أن‬
‫المتعاقد عبد عقده) ‪ ،‬وأنه ليس للقاضي أن يعدل في العقد‪ ،‬فإن وجود الظرف الطارئ يجيز للقاضي‬
‫إجراء هذا التعديل‪.‬‬
‫وبهذا النص قيد القانون من سلطان الرادة عند تنفيذ العقد‪ ،‬فجعل نظرية‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع كتابنا نظرية الضرورة الشرعية‪ :‬ص ‪ 310‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬نظرية الظروف الطارئة للدكتور الترمانيني‪ :‬ص ‪.106‬‬

‫( ‪)4/715‬‬

‫الحوادث الطارئة وقت هذا التنفيذ تقابل نظريتي الستغلل والذعان وقت تكوين العقد‪.‬‬
‫أخذ القانون المدني بهذه النظرية استنادا إلى نظرية الضرورة في الشريعة السلمية‪ ،‬وهي ـ كما‬
‫قال الدكتور السنهوري (‪ )1‬ـ نظرية فسيحة المدى‪ ،‬خصبة النتائج‪ ،‬تتسع لنظرية الظروف الطارئة؛‬
‫لن الضرورة توجب إزالة الضرر‪ ،‬ولها تطبيقات كثيرة منها نظرية العذر في فسخ اليجار‪ ،‬وإنقاص‬
‫الثمن بسبب الجوائح في بيع الثمار‪.‬‬
‫أما فسخ الجارة بالعذار‪ ،‬فقد أجازه فقهاء الحنفية كما تقدم‪ ،‬فقالوا‪ :‬تفسخ الجارة بالعذار؛ لن‬
‫الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر؛ لنه لو لزم العقد عند تحقق العذر للزم صاحب العذر ضرر لم‬
‫يلتزمه بالعقد‪ .‬والعذر‪ :‬هو كل ما يكون أمرا عارضا‪ ،‬يتضرر به العاقد في نفسه أو ماله مع بقاء‬
‫العقد‪ ،‬ول يندفع بدون الفسخ‪ .‬والعذار ثلثة أنواع (‪: )2‬‬
‫أ ـ عذر من جانب المستأجر‪ :‬كإفلسه أو انتقاله من حرفة إلى أخرى؛ لن المفلس أو المنتقل من‬
‫عمل ل ينتفع به إل بضرر‪ ،‬فل يجبر على البقاء في الحرفة الولى مثلً‪.‬‬
‫ب ـ عذر من جانب المؤجر‪ :‬كأن يلحقه دين فادح ل يجد طريقا لوفائه إل ببيع الشيء المأجور‬
‫وأدائه من ثمنه‪ ،‬بشرط أن يثبت الدين بالبينة أو القرار‪.‬‬
‫ج ـ عذر راجع للعين المؤجرة أو الشيء المأجور‪ :‬كأن يستأجر شخص حماما في قرية ليستغله مدة‬
‫معلومة‪ ،‬ثم يهاجر أهل القرية‪ ،‬فل يجب عليه الجر للمؤجر‪ .‬ومثل استئجار مرضع لرضاع طفل‪،‬‬
‫ثم يأبى الصبي لبنها‪ ،‬أو إمساك الثدي‪ ،‬أو تمرض هي‪ ،‬أو يريد أهل الصبي السفر‪ ،‬فامتنعت‪ ،‬كان هذا‬
‫عذرا في فسخ الجارة‪.‬‬
‫وأما إنقاص الثمن بسبب الجوائح (‪ )3‬في بيع الثمار‪ :‬فقد قرره فقهاء المالكية والحنابلة (‪ )4‬؛ لن‬
‫«النبي صلّى ال عليه وسلم وضع الجوائح» أو «أمر بوضع الجوائح» وفي رواية‪« :‬إن بعت من‬
‫أخيك تمرا فأصابتها جائحة‪ ،‬فل يحل لك أن تأخذ منه شيئا‪ ،‬بم تأخذ مال أخيك بغير حق» (‪. )5‬‬
‫ومجمل القول‪ :‬إن فسخ الجارة بالعذار‪ ،‬وإنقاص الثمن بالجوائح في بيع الثمار ونحوهما من‬
‫الحوادث الطارئة عند فقهاء السلم مثل كساد الوراق النقدية‪ ،‬أو انقطاعها المستوجب لبطلن البيع‪،‬‬
‫تعتبر أمثلة حية لنظرية الظروف الطارئة في الفقه السلمي‪ ،‬تطبيقا لمبدأ العدالة‪ ،‬ومراعاة لما يجب‬
‫من توفر التعادل والتوازن في اللتزامات وتنفيذها (‪. )6‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الوسيط‪ :‬ص ‪ ،81 ،47‬نظرية العقد‪ ،969/1 :‬مصادر الحق‪ ،96/6 :‬مجلة القانون والقتصاد‬
‫عام ‪ ،1936‬السنة السادسة‪ ،‬للسنهوري‪.‬‬
‫(‪ )2‬المبسوط للسرخسي‪ ،16/2:‬مختصر الطحاوي‪ :‬ص ‪ ،130‬البدائع‪ ،197/4 :‬الفتاوى الهندية‪:‬‬
‫‪ ،463 ،458 ،198/4‬تبيين الحقائق‪ ،145/5 :‬رد المحتار‪.55/5 :‬‬
‫(‪ )3‬الجوائح‪ :‬ي الفات التي تصيب الثمار‪ ،‬فتهلكها‪ ،‬مثل البرد والقحط والعطش والعفن وأمراض‬
‫النباتات والزرع ونحوها من الفات السماوية‪.‬‬
‫(‪ )4‬بداية المجتهد‪ ،184/2 :‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،262‬المنتقى على الموطأ‪ ،231/4 :‬الشرح الكبير‬
‫للدردير‪ ، :‬المغني‪ ،104/4 :‬أعلم الموقعين‪ 337/2 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )5‬الحديث الول رواه أحمد والنسائي وأبو داود عن جابر‪ ،‬والمر بوضع الجوائح رواية مسلم‪،‬‬
‫والرواية الثالثة عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه (نيل الوطار‪ ،178/5 :‬موطأ مالك‪:‬‬
‫‪ ،126/3‬سنن أبي داود ‪.)248/2 :‬‬
‫(‪ )6‬كتابنا نظرية الضرورة الشرعية‪ :‬ص ‪.324‬‬

‫( ‪)4/716‬‬

‫‪ - 5‬حوالة الدين ‪:‬‬


‫أخذ القانون المدني (في المواد ‪ )321-315‬بمبدأ حوالة الدين جريا على سنن التقنينات الحديثةوالفقه‬
‫السلمي الذي نظم حوالة الدين تنظيما محكما دقيقا (‪. )1‬‬
‫وتتم حوالة الدين قانوناإما باتفاق بين المدين وشخص آخر يتحمل عنه الدين‪ ،‬دون حاجة إلى قبول‬
‫الدائن‪ ،‬وإما باتفاق بين الدائن وشخص آخر يتحمل قبله الدين من دون حاجة إلى قبول المدين‪ .‬فإذا‬
‫تمت الحوالة‪ ،‬جاز للمدين الجديد أن يتمسك قِبَل الدائن بالدفوع التي كان للمدين الصلي أن يتمسك‬
‫بها‪ ،‬ويضمن المدين الصلي للدائن أن يكون المدين الجديد موسرا وقت إقرار الدائن للحوالة‪.‬‬
‫ولم يجز التشريع الروماني حوالة الدين وحوالة الحق‪ ،‬لتأثره بالنظرية الشخصية في طبيعة اللتزام‪،‬‬
‫ومقتضاها أن لحد الطرفين سلطة شخصية على الخر‪ ،‬يحق للدائن بموجبها إجبار المدين على إيفاء‬
‫دينه بالكراه البدني كالحبس والمضايقة‪.‬‬
‫ثم اتجه التشريع اللماني إلى الخذ بالنظرية المادية التي تعتبر اللتزام علقة مادية بحتة‪ ،‬فل تجيز‬
‫الجبار‪ ،‬وإنما يبحث الدائن عن مال المدين‪ ،‬فإن عثر عليه‪ ،‬أمكن استيفاء الحق منه بواسطة القضاء‪.‬‬
‫أما التشريع السلمي‪ ،‬فإنه جعل اللتزام في ذاته علقة مادية إما بمال المكلف كما في المدين‪ ،‬وإما‬
‫بعمله كما في الجير‪ ،‬ولكن يرافق هذا اللتزام سلطة شخصية تأييدا لتنفيذه‪ ،‬منعا من قيام المكلف‬
‫بإخفاء ماله‪ ،‬أو امتناعه عن عمله‪ .‬ويجوز للقاضي الحكم بحبس المدين أو الجير تعزيرا بناءً على‬
‫طلب الدائن‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الوسيط للسنهوري‪ :‬ص ‪.61‬‬

‫( ‪)4/717‬‬

‫ليحمله على الوفاء بالتزامه‪ .‬ول يجوز للدائن أن يمارس شيئا من هذه الضغوط على المدين بسلطته‬
‫الشخصية وإنما من طريق القضاء (‪. )1‬‬
‫والتقنين المدني المصري والسوري وقف موقف العتدال في النظرية الشخصية والنظرية المادية‬
‫لللتزام‪ ،‬فلم يغرق في الخذ بالمذهب المادي‪ ،‬ولكنه من جهة أخرى سجل ما تم فعلً من تطور نحو‬
‫هذا المذهب بحكم تأثر النظريات اللتينية بالنظريات الجرمانية (‪ . )2‬وهذا هو اتجاه الفقه السلمي‪.‬‬
‫وحوالة الدين عند فقهاء الحنفية‪ :‬هي نقل المطالبة من ذمة المدين إلى ذمةالملتزم (‪ . )3‬وعرفها غير‬
‫فقهاء الحنفية بأنها عقد يقتضي نقل دين من ذمة إلى ذمة (‪ . )4‬فالحوالة عند الحنفية يترتب عليها‬
‫براءة مؤقتة من الدين‪ ،‬ويجوز للمحال العودة إلى مطالبة المحيل بالدين في حال إفلس المحال عليه‬
‫في رأي صاحبي أبي حنيفة‪ ،‬أوفي حال موت المحال عليه مفلسا‪ ،‬أوعند جحوده أو إنكاره الحوالة‪.‬‬
‫وعند غير الحنفية يبرأ المحيل براءة نهائية بالحوالة‪ ،‬إل إذا وجد تغرير كالحالة على مفلس‪ ،‬فيجوز‬
‫عند المالكية الرجوع على المحيل‪ .‬كما يجوز الرجوع عندهم حال اشتراط يسار المحال عليه‪.‬‬
‫وتنعقد الحوالة عند الحنفية‪ :‬بإيجاب وقبول‪ ،‬إيجاب من المحيل‪ ،‬وقبول من المحال والمحال عليه‪ ،‬أي‬
‫أنه ل بد من رضا المحيل والمحال عليه‪ .‬أما رضا المحيل فمطلوب؛ لن ذوي المروءات قد يأنفون‬
‫بتحمل غيرهم ما عليهم من الدين‪ .‬وأما رضا المحال فل بد منه‪ ،‬لن الدين حقه‪ ،‬وهو في ذمة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المدخل إلى نظرية اللتزام في الفقه السلمي للستاذ الزرقاء‪ :‬ص ‪/55‬ف ‪.28‬‬
‫(‪ )2‬الوسيط للسنهوري‪ :‬ص ‪.28‬‬
‫(‪ )3‬فتح القدير مع العناية‪ ،443/5 :‬الدر المختار‪ ،300/4 :‬مجمع الضمانات‪ :‬ص ‪.282‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الكبير للدردير‪ ،325/3 :‬مغني المحتاج‪ ،193/2 :‬المغني‪.528/4 :‬‬

‫( ‪)4/718‬‬

‫المحيل‪ ،‬والدين هو الذي ينتقل بالحوالة‪ ،‬والذمم متفاوتة في حسن القضاء والمطل‪ ،‬فل بد من رضاه‪،‬‬
‫وإل لزم الضرر بإلزامه اتباع من ل يوفيه‪.‬‬
‫وأما رضا المحال عليه فضروري لنه الذي يلزمه الدين‪ ،‬ول لزوم إل بالتزامه‪ ،‬وكونه مدينا ل يمنع‬
‫من تغير صفة اللتزام؛ لن الناس يتفاوتون في اقتضاء الدين سهولة ويسرا‪ ،‬أو صعوبة وعسرا‪.‬‬
‫وقال الحنابلة والظاهرية‪ :‬يشترط رضا المحيل فقط‪ ،‬وأما المحال والمحال عليه فيلزمهما قبول‬
‫ل بالمر الوارد في الحديث النبوي المفيد للوجوب‪ ،‬وهو قوله عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫الحوالة‪ ،‬عم ً‬
‫«مطل الغني ظلم‪ ،‬وإذا اتبع أحدكم على مليء فليتْبَع» (‪ )1‬وفي رواية‪« :‬ومن أحيل على مليء‬
‫فليحتل» ‪.‬‬
‫وقال المالكية في المشهور عندهم‪ ،‬والشافعية في الصح عندهم‪ :‬يشترط لصحة الحوالة رضا المحيل‬
‫والمحال فقط؛ لن للمحيل إيفاء الحق من حيث شاء‪ ،‬فل يلزم بجهة معينة‪ .‬وحق المحال في ذمة‬
‫المحيل‪ ،‬فل ينتقل إل برضاه؛ لن الذمم تتفاوت في الداء والقضاء‪.‬‬
‫وليشترط عند هؤلء رضا المحال عليه‪ ،‬لنه محل الحق والتصرف‪ ،‬ولن الحق للمحيل فله أن‬
‫يستوفيه بغيره‪ ،‬والمر هو مجرد تفويض بالقبض فل يعتبر رضا من عليه‪ ،‬كما لو وكل إنسان غيره‬
‫بقبض دينه (‪. )2‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن رضا المحيل مشروط في كل المذاهب‪ ،‬وأما رضا المحال والمحال عليه‪ ،‬ففيه اختلف‬
‫اجتهادي بين المذاهب‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المطل بالدين‪ :‬المماطلة به‪ ،‬والمليء‪ :‬الغني‪ ،‬وأصله الواسع الطويل‪ ،‬والحديث رواه الجماعة عن‬
‫أبي هريرة‪ .‬والرواية الثانية «فليحتل» عند أحمد (نيل الوطار‪.)236/5:‬‬
‫(‪ )2‬سيأتي تفصيل القول في بحث الحوالة‪.‬‬

‫( ‪)4/719‬‬

‫نوعا الحوالة ‪ :‬الحوالة نوعان متميزان بحسب صفة المحيل‪ ،‬فإن كان المحيل هو الدائن فهي حوالة‬
‫حق‪ ،‬وإن كان المحيل هو المدين فهي حوالة دين‪.‬‬
‫حوالة الحق‪ :‬هي نقل الحق من دائن إلى دائن‪ ،‬أو حلول دائن محل دائن بالنسبة للمدين‪ .‬فإذا تبدل‬
‫دائن بدائن في حق مالي متعلق بالذمة‪ ،‬ل بعين‪ ،‬كانت الحوالة حوالة حق‪ .‬والدائن فيها هو المحيل‪ ،‬إذ‬
‫هو يحيل غيره ليستوفي حقه‪.‬‬
‫وحوالة الدين‪ :‬هي تبدل المدين بالنسبة للدائن أي تبدل مدين بمدين‪ ،‬والمحيل فيها هو المدين‪ ،‬إذ هو‬
‫إنما يحيل على غيره لوفاء دينه‪ ،‬وهي مشروعة باتفاق العلماء‪ ،‬عملً بالحديث النبوي المار ذكره‪.‬‬
‫وحوالة الحق جائزة أيضا باتفاق المذاهب الربعة‪ ،‬وليس فقط عند غير الحنفية‪ ،‬كما فهم بعض أساتذة‬
‫القانون والشريعة (‪ )1‬؛ لن حوالة الدين عند الحنفية والشيعة نوعان‪ :‬مطلقة ومقيدة‪ .‬وأما غير‬
‫الحنفية فلم يتصوروا غير الحوالة المقيدة‪.‬‬
‫أما الحوالة المطلقة‪ :‬فهي أن يحيل شخص غيره بالدين على فلن‪ ،‬ول يقيده بالدين الذي عليه‪ ،‬ويقبل‬
‫المحال عليه‪ .‬نصت المادة (‪ )679‬من المجلة على ذلك بقولها‪« :‬الحوالة المطلقة‪ :‬هي التي لم تقيد بأن‬
‫تعطى من مال المحيل الذي هو عند المحال عليه» ‪.‬‬
‫وأما الحوالة المقيدة‪ :‬فهي أن يحيل شخص غيره على آخر‪ ،‬ليستوفي منه دينه‪ ،‬ويقيده بالدين الذي له‬
‫عليه‪ .‬جاء في المادة (‪ )678‬من المجلة‪« :‬الحوالة المقيدة‪ :‬هي الحوالة التي قيدت بأن تعطى من مال‬
‫المحيل الذي هو في ذمة المحال عليه‪ ،‬و في يده» ‪.‬‬
‫والحوالة المقيدة المشروعة باتفاق الفقهاء تتضمن حوالة حق‪ ،‬إذ يكون النسان فيها مدينا لشخص‪،‬‬
‫ودائنا لخر‪ ،‬فيحيل دائنه على مدينه ليقبض ذلك الدائن المحال دين المحيل من مدينه المحال عليه‪،‬‬
‫فهي حوالة حق ودين في وقت واحد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر الوسيط للسنهوري‪ :‬ص ‪.64 ،61‬‬

‫( ‪)4/720‬‬

‫أما الحوالة المطلقة فهي حوالة دين فقط‪ ،‬إذ يحيل بها المدين دائنه على آخر‪ ،‬فيتبدل فيها المدين‪،‬‬
‫ويبقى الدائن هو نفسه‪.‬‬
‫ومن صور حوالة الحق ضمن الحوالة المقيدة‪ :‬أن يحيل البائع دائنه على المشتري بالثمن‪ ،‬ويحيل‬
‫المرتهن على الراهن بالدين‪ ،‬وتحيل الزوجة على زوجها بالمهر‪ .‬ويحيل صاحب الحق في ريع‬
‫الوقف دائنه على ناظر الوقف في حقه من الغلة بعد حصولها في يد الناظر‪ .‬ويحيل الغانم حقه من‬
‫الغنيمة المحرزة على المام‪ .‬ففي كل هذه المثلة حل دائن جديد ـ وهو المحال ـ محل الدائن‬
‫الصلي‪ ،‬وهو البائع‪ ،‬أو المرتهن‪ ،‬أو الزوجة‪ ،‬أو مستحق غلة الوقف‪ ،‬أو الغانم‪.‬‬
‫هذا ويرجع في أحكام الحوالة الخرى من أهلية وتنظيم علقات أطراف الحوالة إلى كتب الفقه‬
‫السلمي‪ ،‬فهي غنية بالمراد‪.‬‬
‫‪ - 6‬ل تركة إل بعد سداد الدين ‪:‬‬
‫وضع التقنين المدني السوري وأصله المصري نظاما لتصفية التركة مؤلفا من (‪ )39‬مادة (المواد‬
‫‪ )875-836‬مستمدا من أحكام الفقه السلمي (‪ ، )1‬حتى يتسلم الورثة تركة المتوفى خالية من‬
‫الديون‪ ،‬ما دامت التركة لتنتقل إليهم إل بعد سدادها (‪. )2‬‬
‫وأصل هذه القاعدة الول ما تضمنته آيات المواريث في أربعة مواطن في اليتين (‪ )12-11‬من‬
‫سورة النساء‪{ :‬مِنْ َبعْد َوصِيَةٍ يُوصِي بِها أوْ دَيْن} أي أن توزيع الرث بين المستحقين على النحو‬
‫الذي وضعه القرآن الكريم يكون عقب إيفاء الديون المتعلقة بالتركة‪ ،‬وتنفيذ الوصايا المشروعة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الوسيط للسنهوري‪ :‬ص ‪ ،62‬مصادر الحق للسنهوري‪.87/5 :‬‬
‫(‪ )2‬ونص قانون الحوال الشخصية السوري الجديد على نظام المواريث في المواد ‪.308-260‬‬
‫( ‪)4/721‬‬

‫وقد رتب الفقهاء الحقوق المتعلقة بالتركة على النحو التالي (‪: )1‬‬
‫‪ - 1‬نفقات التكفين والتجهيز للدفن بل تبذير ول تقتير‪.‬‬
‫‪ - 2‬قضاء ديون المدين من جميع مال التركة‪.‬‬
‫‪ - 3‬تنفيذ الوصايا الموصى بها قبل الموت من ثلث التركة‪.‬‬
‫‪ - 4‬توزيع الباقي من المال بين الورثة الذين ثبت إرثهم بالقرآن والسنة وإجماع المة‪.‬‬
‫أما قانون الحوال الشخصية السوري‪ ،‬فإنه عدل عن هذا الترتيب إلى ما ذهب إليه المام أحمد بن‬
‫حنبل والظاهرية وجماعة كما نصت المادة (‪:)262‬‬
‫‪ - 1‬يؤدى من التركة بحسب الترتيب التي‪:‬‬
‫أ ـ ما يكفي لتجهيز الميت ومن تلزمه نفقته من الموت إلى الدفن بالقدر المشروع‪.‬‬
‫ب ـ ديون الميت‪.‬‬
‫جـ ـ الوصية الواجبة‪.‬‬
‫د ـ الوصية الختيارية‪.‬‬
‫هـ ـ المواريث بحسب ترتيبها في هذا القانون‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا لم توجد ورثة قضي من التركة بالترتيب التي‪:‬‬
‫أ ـ استحقاق من أقر له الميت بنسب على غيره‪.‬‬
‫ب ـ ما أوصي به فيما زاد على الحد الذي تنفذ فيه الوصية‪.‬‬
‫‪ - 3‬إذا لم يوجد أحد من هؤلء آلت التركة‪ ،‬أو ما بقي منها إلى الخزانة العامة‪ ،‬وبما أن قانون‬
‫الحوال الشخصية هو المعمول به في سورية ‪ ،‬فتطبق على التركة أحكام الشريعة السلمية فيما‬
‫يتعلق بتعيين الورثة‪ ،‬وتقدير أنصبتهم‪ ،‬وبيان وقت انتقال التركة إلى الورثة‪ .‬وقد أخذ التقنين المدني‬
‫فيما نص عليه بالمبادئ الساسية المعمول بها في الفقه السلمي في مذاهبه المختلفة وذلك في انتقال‬
‫أموال التركة إلى الورثة‪ ،‬وفي حق الورثة في التصرف في هذه الموال‪ ،‬وفي حقوق الدائنين المتعلقة‬
‫بالتركة وكيفية سداد الديون‪ ،‬فنصت المادة (‪ )836‬من القانون المدني على ذلك‪« :‬أ ـ تعيين الورثة‬
‫وتحديد أنصبائهم في الرث وانتقال أموال التركة إليهم تسري في شأنها أحكام الشريعة السلمية‬
‫والقوانين الصادرة في شأن الرث والنتقال» ‪.‬‬
‫لكن متى يتم انتقال التركة إلى الورثة؟ هل يكون وقت موت المورث‪ ،‬أو تبقى التركة على ملك الميت‬
‫حتى تسدد الديون؟‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬شرح السراجية‪ :‬ص ‪ ،7-3‬نظام المواريث للشيخ عبد العظيم فياض‪ :‬ص ‪ 38‬ومابعدها‪ ،‬أحكام‬
‫المواريث للشيخ عيسوي‪ :‬ص ‪ 11‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/722‬‬

‫أخذ التقنين المدني بالمبدأ الفقهي السلمي الذي يقرر أن أموال التركة تنتقل إلى الورثة بمجرد موت‬
‫المورث‪ ،‬مع تعلق حقوق الدائنين بها‪ ،‬فتنتقل هذه الموال مثقلة بحق عيني هو أقرب إلى أن يكون‬
‫حق رهن‪ ،‬ولكنه رهن مصدره القانون (‪ . )1‬وهذا هو مذهب الشافعية‪.‬‬
‫وللفقهاء آراء ثلثة في هذا الموضوع أي تحديد وقت انتقال التركة إلى الورثة أو بيان المراد من ( ل‬
‫تركة إل بعد سداد الدين )‪.‬‬
‫الرأي الول للمالكية‪ :‬تبقى أموال التركة على ملك الميت بعد موته إلى أن يسدد الدين‪ ،‬سواء أكان‬
‫الدين مستغرقا للتركة‪ ،‬أم لم يكن مستغرقا لها‪ ،‬عملً بقوله تعالى‪{ :‬من بعد وصية يوصي بها أو دين}‬
‫[النساء‪ .]11/4:‬وعليه يكون نماء أعيان التركة بزيادتها المتولدة منها ملكا للميت‪ ،‬كما أن نفقات أعيان‬
‫التركة من حفظ وصيانة ومصروفات حمل ونقل وطعام حيوان تكون على التركة‪.‬‬
‫الرأي الثاني للشافعية‪ ،‬والحنابلة ( في أشهر الروايتين)‪ :‬تنتقل أموال التركة إلى ملك الورثة فورا‬
‫بموت المورث‪ ،‬مع تعلق الدين بها‪ ،‬كما يتعلق الرهن‪ ،‬سواء أكان الدين مستغرقا للتركة أم غير‬
‫مستغرق لها‪ .‬وعليه يكون نماء أعيان التركة للورثة‪ ،‬وعليهم ما تحتاجه من نفقات‪ ،‬عملً بالحديث‬
‫النبوي‪« :‬من ترك مالً أو حقا فلورثته» ‪.‬‬
‫الرأي الثالث للحنفية‪ :‬يميز بين ما إذا كانت مستغرقة بالدين‪ ،‬أو كانت غير مستغرقة (أي محاطة)‬
‫بالدين‪ .‬فإذا استغرق الدين أموال التركة‪ ،‬تبقى أموال التركة على ملك الميت‪ ،‬ول تنتقل إلى ملك‬
‫الورثة‪ .‬وأما إن كان الدين غير مستغرق‪ ،‬فالرأي الراجح أن أموال التركة تنتقل إلى الورثة بمجرد‬
‫موت المورث مع تعلق الدين بهذه الموال‪.‬‬
‫فالحتمال الول من مذهب الحنفية يوافق مذهب المالكية‪ ،‬والحتمال الثاني يوافق مذهبي الشافعية‬
‫والحنابلة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مصادر الحق للسنهوري‪ ،88/5 :‬ط ثالثة‪.‬‬

‫( ‪)4/723‬‬
‫وأما تصرف الورثة في أعيان التركة قبل سداد الدين‪ :‬فإنه يجوز في القانون المدني‪ ،‬ولكن التصرف‬
‫خاضع لحقوق الدائنين‪ ،‬فلهم تتبع العين المتصرف فيها في يد الغير‪ ،‬بعد تأشيرهم بالدين أمام اسم‬
‫المورث في سجل عام تدون فيه أسماء المورثين‪ ،‬وإخضاع التركة لنظام التصفية المنصوص عليه في‬
‫القانون‪ ،‬يقوم مقام التأشير بالدين‪.‬‬
‫وللفقهاء آراء في تصرف الورثة‪:‬‬
‫قال الحنفية والشافعية‪ ،‬والمالكية (في رأي عندهم)‪ :‬يكون تصرف الوارث في أموال التركة المدينة‬
‫باطلً‪ .‬والرأي الثاني عند المالكية يجيز تصرف الوارث في التركة المدينة قبل أداء الدين إذا لم‬
‫يتضرر الدائن به‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (في أشهر الروايتين)‪ :‬يصح تصرف الورثة في التركة قبل سداد الدين‪ ،‬ولزمهم أداء‬
‫الدين‪ ،‬فإن أدوه نفذ‪ ،‬وإن لم يؤدوه فسخ‪.‬‬
‫بيان بعض الحكام المأخوذة من الفقه السلمي ‪:‬‬
‫أخذ التقنين المدني السوري والمصري طائفة من الحكام من الفقه السلمي‪ ،‬دون تقيد بمذهب معين‪،‬‬
‫وهذا صنيع حسن‪ ،‬إذ الخذ بأي مذهب إسلمي أفضل بكثير من أخذه من أي مصدر أجنبي‪ .‬وسأذكر‬
‫بعض هذه الحكام‪:‬‬
‫أولً ـ في عقد البيع ‪:‬‬
‫وردت أحكام كثيرة في تنظيم عقد البيع في التقنين المدني مستمدة من الفقه السلمي‪ ،‬منها‪- 1 :‬‬
‫أحكام مجلس العقد ‪:‬‬
‫نصت المادة (‪ )95‬على ما يلي‪ - 1« :‬إذا صدر اليجاب في مجلس العقد‪ ،‬دون أن يعين ميعاد‬
‫للقبول‪ ،‬فإن الموجب يتحلل من إيجابه إذا لم يصدر القبول فورا‪ ،‬وكذلك الحال إذا صدر اليجاب من‬
‫شخص إلى آخر بطريق التلفون أو بأي طريق مماثل‪.‬‬
‫‪ - 2‬ومع ذلك يتم العقد‪ ،‬ولو لم يصدر القبول فورا‪ ،‬إذا لم يوجد ما يدل على أن الموجب قد عدل عن‬
‫إيجابه في الفترة ما بين اليجاب والقبول‪ ،‬وكان القبول قد صدرقبل أن ينفض مجلس العقد» ‪.‬‬

‫( ‪)4/724‬‬

‫دلت هذه المادة على أحكام تتعلق بمجلس العقد‪ :‬وهي جواز الرجوع عن اليجاب الموجه قبل صدور‬
‫القبول الفوري من القابل‪ .‬ول يشترط القبول الفوري‪ ،‬وإنما يكفي حدوثه ما دام مجلس العقد قائما بأن‬
‫لم يحدث إعراض عنه أو انشغال بغيره‪ .‬وهذه الحكام تتفق مع ما عرفناه من مذهب الحنفية في‬
‫تكوين العقد‪.‬‬
‫قال الدكتور السنهوري‪ :‬ول شك في أن الوضع على هذا الساس المستمد من الشريعة السلمية قد‬
‫أصبح وضعا عمليا معقولً‪ ،‬ولم تعد الفورية في القبول لزمة‪ ،‬بل يجوز فيه التراخي مدة معقولة ل‬
‫ينشغل فيها المتعاقدان بغير العقد‪ ،‬ويبقى فيها الموجب على إيجابه‪ .‬وهذا هو في نظرنا خير تفسير‬
‫لقواعد الفقه السلمي في مجلس العقد (‪. )1‬‬
‫‪ - 2‬البيع بالصفة أو بالعينة (النموذج ) ‪:‬‬
‫أجاز القانون المدني البيع بالصفة‪ ،‬إذا ذكرت أوصاف المبيع الساسية‪ ،‬فنصت المادة (‪ )387‬على ما‬
‫يلي‪ - 1« :‬يجب أن يكون المشتري عالما بالمبيع علماَ كافيا‪ .‬ويعتبر العلم كافيا إذا اشتمل العقد على‬
‫بيان المبيع وأوصافه الساسية بيانا يمكن من تعرفه» ‪ .‬ونصت المادة (‪ )388‬على جواز البيع‬
‫بالنموذج‪« :‬إذا كان البيع (بالعينة) وجب أن يكون المبيع مطابقا لها» ‪.‬‬
‫وهذا مأخوذ من الفقه السلمي الذي يشترط أن يكون محل العقد معروفا لطرفيه ومعينا‪ ،‬بحيث ل‬
‫يكون فيه جهالة تؤدي إلى الغرر والنزاع بين المتعاقدين‪ .‬وهذا شرط متفق عليه بين الفقهاء (‪. )2‬‬
‫وتحصل المعرفة برؤية المبيع حال العقد‪ ،‬أو رؤية بعضه (رؤية النموذج) أو بيان أوصافه الساسية‪.‬‬
‫وقد أجاز البيع بالصفة فقهاء الحنفية والمالكية‪ ،‬والشافعية (في الظهر) والظاهرية‪ ،‬والزيدية والمامية‬
‫وفي قول عند الباضية (‪. )3‬‬
‫جاء في المادة (‪ )320‬من المجلة‪« :‬من اشترى شيئا ولم يره‪ ،‬كان له الخيار إلى أن يراه‪ ،‬فإذا رآه‪:‬‬
‫إن شاء قبله‪ ،‬وإن شاء فسخ البيع‪ ،‬ويقال لهذا الخيار‪ :‬خيار الرؤية» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الوسيط للسنهوري‪ :‬ص ‪.215‬‬
‫(‪ )2‬الموال ونظرية العقد في الفقه لستاذنا الدكتور محمد يوسف موسى‪ :‬ص ‪ 311‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬سيأتي مزيد بحث لذاك في عقد البيع‪.‬‬

‫( ‪)4/725‬‬

‫وفي المادة (‪« : )324‬الشياء التي تباع على مقتضى أنموذجها تكفي رؤية النموذج منها فقط» ‪.‬‬
‫ويثبت للمشتري عند فقهائنا حق خيار الوصف بعد رؤية المبيع‪ ،‬فإن شاء أنفذ‬
‫البيع‪ ،‬وإن شاء رده‪ ،‬سواء أكان موافقا للصفة أم ل‪ ،‬وهذا ل يتفق مع القانون‪ .‬وقال المالكية ورأيهم‬
‫هو المتفق مع القانون (‪ : )1‬إذا جاء المبيع على الصفة صار العقد لزما‪ .‬لكن القانون على الرغم من‬
‫محاولته التوفيق بين خيار الرؤية المقرر في الشريعة وبين مبادئ القانون العامة‪ ،‬فقد خالف الفقه‬
‫الحنفي في الكتفاء بوصف المبيع وصفا كافيا‪ ،‬وفي إسقاط حق المشتري إذا ذكر أنه عالم بالمبيع‪،‬‬
‫وفي حصر حق المشتري بإبطال البيع عن طريق القاضي‪ ،‬ل فسخه بدون تقاض أو تراض‪.‬‬
‫‪ - 3‬تبعة هلك المبيع ‪:‬‬
‫يتحمل البائع تبعة هلك المبيع إذا كان الهلك بسبب أجنبي ل يد للبائع فيه‪ .‬وينفسخ البيع حالة الهلك‬
‫الكلي‪ .‬ويجوز للمشتري طلب فسخ البيع حالة الهلك الجزئي‪ .‬وهذا هو المنصوص عليه في المادتين‬
‫(‪ )406 ،405‬من القانون المدني‪.‬‬
‫نصت المادة (‪ )405‬على ما يلي‪« :‬إذا هلك المبيع قبل التسليم لسبب ل يد للبائع فيه‪ ،‬انفسخ البيع‪،‬‬
‫واسترد المشتري الثمن إل إذا كان الهلك بعد إعذار المشتري لتسلم المبيع» ‪.‬‬
‫ونص المادة (‪ )406‬هو‪« :‬إذا نقصت قيمة المبيع قبل التسلم لتلف أصابه‪ ،‬جاز للمشتري إما أن يطلب‬
‫فسخ البيع إذا كان النقص جسيما بحيث لو طرأ قبل العقد لما تم البيع‪ ،‬وإما أن يبقى البيع مع إنقاص‬
‫الثمن» ‪.‬‬
‫وهذه الحكام في جملتها مستقاة من الفقه السلمي‪ ،‬فقد قرر فقهاء الحنفية أن المبيع إذا هلك كله أو‬
‫بعضه قبل التسليم‪ ،‬فإن البائع (أي المدين) الذي استحال‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬قال فقهاء القانون‪ :‬البيع بالعينة‪ :‬هو بيع بات من الوقت الذي اتفق فيه المتعاقدان على النموذج‬
‫الذي تم البيع على أساسه‪ ،‬راجع العقود المسماة للدكتور عبد المنعم البدراوي‪ :‬ص ‪ ،161‬ط أولى‪.‬‬

‫( ‪)4/726‬‬

‫عليه الوفاء بالتزامه بالتسليم هو الذي يتحمل تبعة الهلك‪ ،‬وينفسخ البيع في حالة الهلك الكلي أو فيما‬
‫يقابل الجزء التالف في حالة الهلك الجزئي‪ .‬وقد نصت على ذلك المادة (‪ )392‬من مجلة الحكام‬
‫العدلية ونصها‪« :‬المبيع إذا هلك في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري يكون من مال البائع ول شيء‬
‫على المشتري» ‪.‬‬
‫وإذا كان ذلك هو المقرر في عقد البيع‪ ،‬وهو أيضا المقرر في عقد اليجار بأن الهلك على المدين‬
‫(المؤجر في إجارة المنافع‪ ،‬والجير في إجارة العمال)‪ ،‬فإن الفقه السلمي يكون قد أخذ بنظرية‬
‫تحمل التبعة المعروفة لدى القانونيين (‪. )1‬‬
‫‪ - 4‬حق البائع في حبس المبيع ‪:‬‬
‫أجاز القانون المدني للبائع أن يمتنع عن تسليم المبيع إلى المشتري‪ ،‬على الرغم من حلول أجله‪ ،‬إذا لم‬
‫يقم المشتري بدفع الثمن كله أو بعضه‪ ،‬وذلك هو الحق في حبس المبيع‪ ،‬نصت المادة (‪ )427‬على‬
‫ذلك فيما يأتي‪« :‬إذا كان الثمن كله أو بعضه مستحق الدفع في الحال‪ ،‬فللبائع أن يحبس المبيع حتى‬
‫يستوفي ما هو مستحق له‪ ،‬ولو قدم المشتري رهنا أو كفالة‪ ،‬هذا ما لم يمنح البائع المشتري أجلً بعد‬
‫البيع» ‪.‬‬
‫وإعطاء البائع حق الحبس مبدأ مقرر في الفقه السلمي‪ ،‬قال الحنفية‪ :‬يثبت للبائع حق حبس المبيع‬
‫عن المشتري إلى أن يستوفي ما وجب تعجيله‪ ،‬سواء أكان كل الثمن أم بعضه‪ .‬ول يسقط حق الحبس‬
‫حتى ولو قدم المشتري رهنا أو كفيلً بالثمن (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع رسالة (نظرية تحمل التبعة في الفقه السلمي) للدكتور زكي عبد البر‪ :‬ص ‪144‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬وكتابنا نظرية الضمان‪ :‬ص ‪ ،169 ،165 ،148‬العقود المسماة للدكتور ‪ 422/1‬البدراوي‪:‬‬
‫ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬المبسوط‪ ،192/13:‬البدائع‪ ،249/5 :‬رد المحتار‪ ،44/4 :‬عقد البيع للستاذ الزرقاء‪ :‬ص ‪،77‬‬
‫العقود المسماة للبدراوي‪.420/1 :‬‬

‫( ‪)4/727‬‬

‫وذكرت المجلة المواد المتعلقة بحبس المبيع (من ‪ ،)284-278‬نصت المادة (‪ )278‬على ما يلي‪:‬‬
‫«في البيع بالثمن الحال أعني غير المؤجل‪ ،‬للبائع أن يحبس المبيع إلى أن يؤدي المشتري جميع‬
‫الثمن» ‪.‬‬
‫‪ - 5‬الغبن في بيع عقار القاصر ‪:‬‬
‫إذا اشتمل بيع عقار لغير كامل الهلية بسبب الصغر أو الجنون مثلً على غبن فاحش يزيد على‬
‫الخمس‪ ،‬جاز للبائع طلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل‪ ،‬بأن صدر البيع من ناقص الهلية‬
‫نفسه (‪ ، )1‬وهذا نص المادة (‪ 393‬مدني)‪:‬‬
‫« ‪ -1‬إذا بيع عقار مملوك لشخص ل تتوافر فيه الهلية وكان في البيع غبن يزيد على الخمس‪،‬‬
‫فللبائع أن يطلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل‪.‬‬
‫‪ - 2‬ويجب لتقدير ما إذا كان الغبن يزيد على الخمس أن يقوّم العقار بحسب قيمته وقت البيع» ‪.‬‬
‫أخذ هذا الحكم من الفقه السلمي (‪ ، )2‬فقد أجاز فقهاء الحنفية فسخ البيع بسبب الغبن الفاحش وحده‬
‫بدون أن ينضم إليه تغرير‪ ،‬وذلك في أحوال هي‪« :‬حقوق اليتيم والوقف‪ ،‬وبيت المال» ‪.‬‬
‫وضابط التمييز بين الغبن اليسير أو القليل وبين الغبن الفاحش أو الكثير هو أن الغبن اليسير‪ :‬ما يدخل‬
‫تحت تقويم المقومين‪ .‬والغبن الفاحش‪ :‬هو ما ل يدخل تحت تقويم المقومين (‪. )3‬‬
‫لكن المادة (‪ )165‬من المجلة قدرت الغبن بما يأتي‪ ،‬وهو رأي متأخري فقهاء الحنفية‪« :‬الغبن الفاحش‬
‫غبن على قدر نصف العشر في العروض‪ ،‬والعشر في الحيوانات‪ ،‬والخمس في العقار أو زيادة» ‪.‬‬
‫ول مانع فقها من تقدير الغبن الفاحش بما أخذ به القانون أي بما يزيد عن الخمس وهو‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع العقود المسماة للدكتور البدراوي‪ 218/1 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الوسيط للسنهوري‪ :‬ص ‪.46‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪.30/6 :‬‬

‫( ‪)4/728‬‬

‫رأي نصر بن يحيى من الحنفية (‪. )1‬‬


‫‪ - 6‬ضمان العيوب الخفية‪ ،‬وضمان التعرض والستحقاق ‪:‬‬
‫يلتزم البائع بضمان العيب القديم الذي قد يوجد في المبيع‪ ،‬لن عقد البيع يقتضي بذاته سلمة المبيع‬
‫من العيوب‪ ،‬وسلمته من حقوق الغير (ضمان الدّرَك (‪ )2‬أو ضمان التعرض والستحقاق)‪ ،‬دون‬
‫حاجة إلى شرط؛ لن العيب ضرر ليقتضيه العقد‪ ،‬والضرر مرفوع‪ ،‬عملً بالحديث النبوي‪« :‬ل‬
‫ضرر ول ضرار» ولن المفروض في البيع سلمة المبيع من كل علقة للغير به‪.‬‬
‫فإذا وجد عيب في المبيع جاز فسخ العقد‪ ،‬فيتخير المشتري بين أمرين‪ :‬إن شاء فسخ البيع ورد المبيع‪،‬‬
‫وإن شاء أمسكه بكل الثمن‪ ،‬وليس له إسقاط شيء من الثمن دون رضا البائع‪.‬‬
‫وإذا ظهر كون المبيع مستحقا لغير البائع أصبح البيع متوقفا على إجازة المستحق‪ ،‬فإن أجاز البيع بقي‬
‫المبيع للمشتري‪ ،‬ويأخذ المستحق الثمن من البائع‪ .‬وإن لم يجز المستحق البيع انفسخ البيع السابق‪،‬‬
‫ويلتزم البائع للمشتري رد الثمن (‪. )3‬‬
‫أخذ القانون المدني أحكام ضمان العيوب الخفية‪ ،‬من الفقه السلمي‪ ،‬كما أنه من حيث المبدأ أخذ‬
‫أحكام ضمان التعرض والستحقاق من هذا الفقه أيضا (‪ )1‬مع مراعاة المبادئ القانونية التي تجيز‬
‫الفوائد عن قيمة المبيع وقت الستحقاق‪ ،‬وتوجب تعويض المشتري عما لحقه من خسارة أو فاته من‬
‫كسب بسبب استحقاق المبيع‪.‬‬
‫ونصت المواد (‪ )419-415‬مدني على ضمان العيوب الخفية‪ ،‬كما نصت المواد (‪ )414-407‬على‬
‫ضمان التعرض والستحقاق‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ :‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )2‬ضمان الدّر َك‪ :‬هو التزام سلمة المبيع مما يمكن أن يلحقه ويدركه من حقوق لغير البائع في‬
‫عينه‪ ،‬وتحمل تبعة الستحقاق عند ظهور حق فيه لحد‪.‬‬
‫(‪ )3‬عقد البيع للستاذ الزرقاء‪ :‬ص ‪.116-97‬‬

‫( ‪)4/729‬‬

‫أما المادة (‪ )415‬فهي‪ -1 « :‬يكون البائع ملزما بالضمان إذا لم يتوافر في المبيع وقت التسليم‬
‫الصفات التي كفل المشتري وجودها فيه‪ ،‬أو إذا كان بالمبيع عيب ينقص من قيمته أو من نفعه بحسب‬
‫الغاية المقصودة مستفادة مما هو مبين في العقد‪ ،‬أو مما هو ظاهر من طبيعة الشيء أو الغرض الذي‬
‫أعد له‪ ،‬ويضمن البائع هذا العيب‪ ،‬ولو لم يكن عالما بوجوده‪.‬‬
‫‪ - 2‬ومع ذلك ل يضمن البائع العيوب التي كان المشتري يعرفها وقت البيع‪ ،‬أو كان يستطيع أن‬
‫يتبينها بنفسه لو أنه فحص المبيع بعناية الرجل العادي‪ ،‬إل إذا أثبت المشتري أن البائع قد أكد له خلو‬
‫المبيع من هذا العيب‪ ،‬أو أثبت أن البائع قد تعمد إخفاء العيب غشا منه» ‪.‬‬
‫وقد نصت المواد (‪ )355-336‬من مجلة الحكام العدلية على أحكام ضمان العيوب الخفية تحت‬
‫عنوان (خيار العيب)‪ .‬أما المادة (‪ )336‬فهي‪ « :‬البيع المطلق يقتضي سلمة المبيع من العيوب يعني‬
‫أن بيع المال بدون البراءة من العيوب وبل ذكر أنه معيب أو سالم‪ ،‬يقتضي أن يكون المبيع سالما‬
‫خاليا من العيب» ‪.‬‬
‫ونص المادة (‪ )337‬هو‪« :‬ما بيع بيعا مطلقا إذا ظهر به عيب قديم‪ ،‬يكون المشتري مخيرا‪ :‬إن شاء‬
‫رده‪ ،‬وإن شاء قبله بثمنه المسمى‪ ،‬وليس له أن يمسك المبيع‪ ،‬ويأخذ ما نقصه العيب‪ ،‬وهذا يقال له‬
‫خيار العيب» ‪.‬‬
‫وأما المادة (‪ )407‬مدني التي تنص على مبدأ ضمان تعرض الغير في النتفاع فهي‪« :‬يضمن البائع‬
‫عدم التعرض للمشتري في النتفاع بالمبيع كله أو بعضه‪ ،‬سواء كان التعرض من فعله هو‪ ،‬أو من‬
‫فعل أجنبي يكون له وقت البيع حق على المبيع يحتج به على المشتري ويكون البائع ملزما بالضمان‬
‫ولو كان الجنبي قد ثبت حقه بعد البيع‪ ،‬إذا كان هذا الحق قد آل إليه من البائع نفسه» ‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )408‬على التزام البائع المزدوج أي المكون من التزامين في حال استحقاق المبيع‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع العقود المسماة للدكتور البدراوي‪ 433/1 :‬ومابعدها‬

‫( ‪)4/730‬‬

‫الول‪ :‬التزام الدفاع عن المشتري في الدعوى القائمة بينه وبين الغير‪ .‬والثاني‪ :‬التزامه بتعويض‬
‫المشتري إذا لم يمكن توقي الستحقاق‪ .‬واللتزام بالضمان‪ :‬التزام بعمل‪ ،‬والصل أنه يجب تنفيذه عينا‬
‫ما دام التنفيذ العيني ممكنا‪ .‬فإذا لم يمكن التنفيذ العيني لم يكن أمام البائع سوى التنفيذ بطريق‬
‫التعويض‪.‬‬
‫ثانيا ـ في عقد اليجار ‪:‬‬
‫اقتبس التقنين المدني من الفقه السلمي أحكام بعض أنواع اليجار‪ ،‬وبعض أحكام إجارة المنافع‪،‬‬
‫منها مايأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬إيجار الراضي الزراعية ‪:‬‬
‫ورد النص على إيجار الراضي الزراعية في المواد التالية (‪ )585-577‬حدد فيها التزامات المؤجر‬
‫بتسليم أدوات الزراعة لقامة المباني والتزام المستأجر لستغلل الرض طبقا لمقتضيات الستغلل‬
‫المألوف‪ ،‬وبالقيام بإجراءات الصلح التي يقتضيها النتفاع المألوف بالرض المؤجرة وتحديد مدة‬
‫اليجار بالدورة الزراعية السنوية وبقاء المستأجر في العين المؤجرة عند انتهاء اليجار بسبب قاهر‬
‫حتى تنضج الغلة بالجر المناسب‪ .‬وهذا النوع من العقود إجارة بالنقود في الذمة أو معينة‪.‬‬
‫وهي أحكام مقررة في الفقه السلمي ‪ ،‬وجاء النص على بعضها في المجلة‪ ،‬نصت المادة (‪)524‬‬
‫مجلة على ضرورة تعيين نوع الزرع‪« :‬من استأجر أرضا ولم يعين ما يزرعه فيها ولم يعمم على أن‬
‫يزرع ما شاء‪ ،‬فإجارته فاسدة‪ ،‬ولكن لو عين قبل الفسخ‪ ،‬ورضي الخر تنقلب إلى الصحة» ‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )525‬على الدورة الزراعية‪« :‬من استأجر أرضا على أن يزرعها ما شاء فله أن‬
‫يزرعها مكررا في ظرف السنة صيفيا وشتائيا» ‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )526‬على بقاء المستأجر في الرض بعد انتهاء العقد‪« :‬لو انقضت مدة اليجار قبل‬
‫إدراك الزرع فللمستأجر أن يبقى الزرع في الرض إلى إدراكه‪ ،‬ويعطي أجرة المثل» ‪.‬‬
‫‪ - 2‬هلك الزرع في العين المؤجرة ‪:‬‬
‫نصت المادة (‪ )583‬مدني على أن هلك الزرع يسوغ طلب إسقاط الجرة‪:‬‬
‫( ‪)4/731‬‬

‫« ‪ -1‬إذا بذر المستأجر الرض‪ ،‬ثم هلك الزرع كله قبل حصاده بسبب قوة قاهرة جاز للمستأجر أن‬
‫يطلب إسقاط الجرة‪.‬‬
‫‪ - 2‬أما إذا لم يهلك إل بعض الزرع‪ ،‬ولكن ترتب على الهلك نقص كبير في ريع الرض كان‬
‫للمستأجر أن يطلب إنقاص الجرة‪.‬‬
‫‪ - 3‬وليس للمستأجر أن يطلب إسقاط الجرة أو إنقاصها إذا كان قد عوض عما أصابه من ضرر بما‬
‫عاد عليه من أرباح في مدة الجارة كلها أو بما حصل عليه من طريق التأمين أو من طريق آخر» ‪.‬‬
‫وهذا النص تطبيق لثر القوة القاهرة (الفة السماوية) المبني على نظرية الضرورة الشرعية والذي‬
‫يترتب عليه سقوط اللتزام بدفع المقابل (الجرة أو الثمن) إذا تلف الشيء المعقود عليه‪ .‬قال الحنفية‪:‬‬
‫إذا انقطع الماء عن الطاحون مدة شهر مثلً‪ ،‬يسقط عن المستأجر أجر المدة (‪ ، )1‬وجاء في الحديث‬
‫النبوي‪« :‬أرأيت إن منع ال الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه» (‪. )2‬‬
‫‪ - 3‬غرس الشجار في العين المؤجرة ‪:‬‬
‫ورد النص على هذه القضية في المادة (‪ )559‬مستمدا من الفقه السلمي‪ ،‬حيث تضمنت الفقرة‬
‫الولى إلزام المؤجر نفقة ما ترتب على البناء أو الغرس من تحسينات إذأ ‪0‬حدآ شلك بموافقته أي‬
‫المؤجر‪ ،‬وتضمنت الفقرة الثانية ما يلي‪:‬‬
‫«‪ - 2‬فإذا كانت تلك التحسينات قد استحدثت دون موافقة المؤجر‪ ،‬كان له أيضا أن يطلب من‬
‫المستأجر إزالتها‪ ،‬وله أن يطلب فوق ذلك تعويضا عن الضرر الذي يصيب العقار من هذه الزالة‪،‬‬
‫إن كان للتعويض مقتض» ‪.‬‬
‫وهذا الحكم مقتبس من الفقه السلمي‪ ،‬فقد ألزم فقهاء الحنفية المستأجر بعد انقضاء مدة اليجار بقلع‬
‫الغراس وتسليم الرض فارغة (‪ . )3‬وجاء في المادة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع كتابنا نظرية الظمان‪ :‬ص ‪ ،164‬وكتابنا نظرية الضرورة الشرعية‪ :‬ص ‪ 328‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري ومسلم عن أنس بلفظ‪« :‬إذا منع ال الثمرة‪ ،‬فبِمَ تستحل مال أخيك» (نيل‬
‫الوطار‪.)173/5 :‬‬

‫( ‪)4/732‬‬
‫(‪ )3‬اللباب في شرح الكتاب للميداني‪ )531( .90/2 :‬من المجلة ما يؤيده‪« :‬لو أحدث المستأجر بناء‬
‫في العقار المأجور أو غرس شجرة‪ ،‬فالجر مخير عند انقضاء مدة الجارة إن شاء قلع البناء‬
‫والشجرة‪ ،‬وإن شاء أبقاهما‪ ،‬وأعطى قيمتها كثيرة كانت أو قليلة» ‪ .‬ونصت المادة (‪ )532‬بعدها على‬
‫ضمان الضرر‪« :‬إزالة التراب والزبل الذي يتراكم في مدة الجارة والتطهير عنهما على المستأجر»‬
‫‪.‬‬
‫‪ - 4‬المزارعة ‪:‬‬
‫المزارعة عبارة عن عقد الزراعة‪ ،‬ببعض الناتج‪ ،‬وهو إجارة الرض ببعض ماخرج منها‪ .‬وهو عقد‬
‫مقرر في الفقه السلمي‪ ،‬أخذت منه أحكامه المعمول بها في القانون المدني (في المواد ‪.)594-586‬‬
‫ونص المادة (‪ )586‬هو ما يلي‪« :‬يجوز أن تعطى الرض الزراعية والرض المغروسة بالشجار‬
‫مزارعة للمستأجر في مقابل أخذ المؤجر جزءا معينا من المحصول» ‪.‬‬
‫قال الحنفية (‪ : )1‬يصح استئجار الرضين للزراعة على أي مدة كانت طالت أو قصرت‪ ،‬لن المدة‬
‫إذا كانت معلومة كان قدر المنفعة فيها معلوما‪.‬‬
‫‪ - 5‬انقضاء اليجار بموت المستأجر ‪:‬‬
‫ورد النص على انتهاء عقد اليجار بالموت في المادة (‪ )568‬مدني ومابعدها‪:‬‬
‫«‪ - 1‬ل ينتهي اليجار بموت المؤجر ول بموت المستأجر‪.‬‬
‫‪ - 2‬ومع ذلك إذا مات المستأجرجاز لورثته أن يطلبوا إنهاء العقد إذا أثبتوا أنه بسبب موت مورثهم‬
‫أصبحت أعباء العقد أثقل من أن تتحملها مواردهم‪ ،‬أو أصبح اليجار مجاوزا حدود حاجتهم‪ .‬وفي هذه‬
‫الحالة يجب أن تراعى مواعيد التنبيه بالخلء المبينة في المادة (‪ ،)531‬وأن يكون طلب إنهاء العقد‬
‫في مدة ستة أشهر على الكثر من وقت موت المستأجر» ‪.‬‬
‫ونص المادة (‪ )569‬هو‪« :‬إذا لم يعقد اليجار إل بسبب حرفة المستأجر أو لعتبارات أخرى تتعلق‬
‫بشخصه ثم مات‪ ،‬جاز لورثته أو للمؤجر أن يطلبوا إنهاء العقد» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬اللباب في شرح الكتاب‪.88/2 :‬‬

‫( ‪)4/733‬‬

‫دل النص على أنه ل ينتهي عقد اليجار بموت المؤجر أو المستأجر عملً بما قرره جمهور فقهاء‬
‫السلم غير الحنفية‪ ،‬واستثنى النص حالتين ينقضي بهما اليجار بموت المستأجر وهما‪:‬‬
‫‪ - 1‬حالة صيرورة أعباء العقد أثقل من أن تتحملها موارد ورثة المستأجر‪ ،‬أو أن اليجار أصبح‬
‫يجاوز حدود حاجتهم‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا كان اليجار قد عقد بسبب حرفة المستأجر كعيادة طبيب أو صيدلية‪.‬‬
‫ويمكن تسويغهما بما قرره الحنفية من انتهاء الجارة بموت أحد العاقدين‪.‬‬
‫‪ - 6‬انتهاء اليجار للعذر ‪:‬‬
‫أخذ المشرع المدني عن الفقه السلمي فكرة فسخ اليجار للعذر‪ ،‬فنص في المادة (‪ )575‬على أنه‪:‬‬
‫« ‪ -1‬إذا كان اليجار معين المدة‪ ،‬جاز لكل من المتعاقدين أن يطلب إنهاء العقد قبل انقضاء مدته إذا‬
‫جدّت ظروف خطيرة غير متوقعة من شأنها أن تجعل تنفيذ اليجار من مبدأ المر‪ ،‬أو في أثناء‬
‫سريانه مرهقا‪ ،‬على أن يراعي من يطلب إنهاء العقد مواعيد التنبيه بالخلء المبينة بالمادة (‪،)531‬‬
‫وعلى أن يعوض الطرف الخر تعويضا عادلً‪.‬‬
‫وهذا النص يشير إلى عذر خاص بالمستأجر‪ ،‬أو المؤجر‪ ،‬يجيز طلب فسخ اليجار بسبب العذر‬
‫بشرطين‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن تكون الجارة معينة المدة‪ ،‬فإن لم تكن معينة جاز لي طرف إنهاؤها قبل نهاية أي فترة‬
‫دفعت أجرتها‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يطرأ ظرف خطير من شأنه أن يجعل التنفيذ مرهقا لحد الطرفين‪ ،‬كأن يترك المحامي الذي‬
‫استأجر مكتبا مهنته لمرض أو منع قانوني من ممارسة المهنة‪ .‬أو تطرأ ظروف غير متوقعة تجعل‬
‫القيام ببناء التزم المؤجر بإقامته مرهقا له‪.‬‬
‫وقد عرفنا سابقا أن الحنفية أجازوا فسخ الجارة بالعذار‪ ،‬وإن وقعت الجارة صحيحة لزمة (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تحفة الفقهاء‪.533/2 :‬‬

‫( ‪)4/734‬‬

‫‪ - 7‬إيجار الوقف ‪:‬‬


‫نص القانون المدني في المواد (‪ )601-595‬على أحكام إيجار الوقف مستمدة من الفقه السلمي‪،‬‬
‫ومن أخصها ما نصت عليه المادة (‪« :)598‬ل تصح إجارة الوقف بالغبن الفاحش إل إذا كان المؤجر‬
‫هو المستحق الوحيد الذي له ولية التصرف في الوقف‪ ،‬فتجوز إجارته بالغبن الفاحش في حق نفسه‪،‬‬
‫ل في حق من يليه من المستحقين» ‪.‬‬
‫وقد نصت المادة (‪ )256‬من المجلة على مبدأ الفسخ بسبب الغبن‪« :‬إذا وجد غبن فاحش في البيع‪ ،‬ولم‬
‫يوجد تغرير‪ ،‬فليس للمغبون أن يفسخ البيع‪ ،‬إل أنه إذا وجد الغبن وحده في مال اليتيم ل يصح البيع‪،‬‬
‫ومال الوقف وبيت المال حكمه حكم مال اليتيم» ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ -‬حقوق الرتفاق ‪:‬‬
‫حق الرتفاق‪ :‬هو تكليف مفروض على عقار معين لمنفعة عقار معين جارٍ في ملكية شخص غير‬
‫مالك العقار الول (م ‪ )960‬مدني‪ .‬وهو أحد الحقوق العينية المتفرعة عن حق الملكية‪ .‬والرتفاقات‬
‫تختلف فيما بينها من حيث موضوعها‪ .‬فهناك ارتفاق بالمجرى‪،‬وارتفاق بالمرور‪ ،‬وارتفاق بالصرف‪،‬‬
‫وارتفاق بالمطل‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬والرتفاق إما أن يكون طبيعيا‪ ،‬أو قانونيا أي يقرره القانون‪ ،‬كحق‬
‫الشّرب وحق المجرى وحق المسيل وحق المرور‪.‬‬
‫أخذ القانون المدني طائفة من أحكام الرتفاق من الفقه السلمي من أهمها حق العلو والسفل‪ ،‬وأحكام‬
‫الحائط المشترك‪.‬‬
‫ففي حق العلو والسفل نصت المادة (‪ )963‬مدني على حق إسالة الماء سيلً طبيعيا من الراضي‬
‫العالية‪ .‬وأوجب القانون بعض التزامات على صاحب السفل وصاحب العلو في ضمن القيود الواردة‬
‫على حق الملكية ‪ -‬ملكية الطبقات‪ ،‬نصت على ذلك المادة (‪:)814‬‬
‫« ‪ -1‬على صاحب السفل أن يقوم بالعمال والترميمات اللزمة لمنع سقوط العلو‪.‬‬

‫( ‪)4/735‬‬

‫‪ - 2‬فإذا امتنع عن القيام بهذه الترميمات جاز للقاضي أن يأمر ببيع السفل‪ .‬ويجوز في كل حال‬
‫لقاضي المور المستعجلة أن يأمر بإجراء الترميمات العاجلة» ‪ .‬ونصت المادة (‪ )415‬على التزام‬
‫صاحب السفل بإعادة بناء سفله إذا انهدم فإن امتنع جاز لصاحب العلو إعادة البناء على نفقة صاحبه‪،‬‬
‫ولصاحب العلو منع صاحب السفل من السكنى والنتفاع حتى يؤدي ما في ذمته‪ .‬ومضمون هاتين‬
‫المادتين مستمد من الفقه السلمي (‪. )1‬‬
‫والقانون المدني بالضافة إلى المعايير الثلثة السابقة لبيان حد المشروعية في استعمال الحقوق‬
‫(التعسف في استعمال الحق م ‪5‬و ‪ )6‬أقر معيارا آخر لمضار الجوار غير المألوفة لبيان حد‬
‫المشروعية في استعمال حق الملكية (‪ )2‬ومنه حق العلو والسفل‪ ،‬في المادة (‪ )776‬ونصها ما يأتي‪:‬‬
‫« ‪ -1‬على المالك أل يغلو في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار‪.‬‬
‫‪ - 2‬وليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي ل يمكن تجنبها‪ ،‬وإنما له أن‬
‫يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف‪ ،‬على أن يراعى في ذلك العرف‪ ،‬وطبيعة‬
‫العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى الخر‪ ،‬والغرض الذي خصصت له‪ ،‬ول يحول الترخيص‬
‫الصادر من الجهات المختصة دون استعمال هذا الحق» ‪ .‬وهذا النص تطبيق لنظرية التعسف‪ ،‬وأقرب‬
‫إلى تكييف الفقه السلمي الذي اعتمد عليه القانون المدني في صياغة نظرية عامة للتعسف‪.‬‬
‫ونصت المجلة على مضار الجوار غير المألوفة في المواد (‪ )1212-1198‬ونص المادة (‪ )1198‬هو‬
‫ما يلي‪« :‬كل أحد له التعلي على حائط الملك وبناء ما يريد‪ ،‬وليس لجاره منعه ما لم يكن ضرره‬
‫فاحشا» ‪ .‬وحددت المادة (‪ )1199‬الضرر الفاحش بقولها‪« :‬والضرر الفاحش‪ :‬كل ما يمنع الحوائج‬
‫الصلية‪ ،‬يعني المنفعة الصلية المقصودة من البناء كالسكنى‪ ،‬أو يضر البناء أي يجلب عليه وهنا‬
‫ويكون سبب انهدامه» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تحفة الفقهاء‪ 314/2 :‬ومابعدها‪ ،‬الموال ونظرية العقد‪ ،‬يوسف موسى‪ :‬ص ‪.182‬‬
‫(‪ )2‬الحقوق العينية الصلية للستاذ الدكتور وحيد سوار‪ :‬ص ‪ 314‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)4/736‬‬

‫وأما الحائط المشترك‪ :‬فإن القانون المدني نص على أحكامه أثناء بيان أحوال الرتفاق القانوني‪،‬‬
‫فوضع قيودا على المالك في استعمال أجزاء أرضه‪ ،‬ففي الحائط المشترك ليس لحد الجارين أن يفتح‬
‫فيه مطلت أو مناور؛ لن هذا يتعارض مع الغرض الذي أعد له الحائط‪ ،‬وهو ستر كل من العقارين‬
‫اللذين يفصل بينهما‪ .‬ويستعمل الحائط المشترك بحسب الغرض الذي أعد له‪ ،‬وبالقدر الذي يحتمله‬
‫كالستناد المألوف عليه (انظر المادة ‪ ،974‬و ‪ 970‬وما بعدها)‪.‬‬
‫وهذا كله من الفقه السلمي عملً بقاعدة‪« :‬الضرر يزال» (‪ )1‬نصت المادة (‪ )1202‬من المجلة‬
‫على ذلك فيما يأتي‪« :‬رؤية المحل الذي هو مقر النساء كصحن الدار أو المطبخ والبئر يعد ضررا‬
‫فاحشا‪ ،‬فإذا أحدث رجل في داره شباكا أو بناءً مجددا وجعل له شباكا مطلً على المحل الذي هو مقر‬
‫نساء جاره الملصق أو الفاصل بينهما طريق‪ ،‬فإنه يؤمر برفع الضرر‪ ،‬ويصير ذلك الرجل مجبورا‬
‫لدفع هذا الضرر بصورة تمنع وقوع النظر إما ببناء حائط أو وضع طبلة (حاجز خشبي)‪ ،‬لكن ليجبر‬
‫على سد الشباك بالكلية‪ ،‬كما إذا عمل ساترا من الغصان التي يرى من بينها مقر نساء جاره‪ ،‬فإنه‬
‫يؤمر بسد محلت النظر‪ ،‬ول يجبر على هدمه‪ ،‬وبناء حائط محله‪ ،‬انظر المادة (‪ )22‬وهي‬
‫«الضرورات تقدر بقدرها» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬كتابنا نظرية الضمان‪ :‬ص ‪.205‬‬

‫( ‪)4/737‬‬

‫رابعا ـ عقد الهبة ‪:‬‬


‫استمد التقنين المدني في المواد (‪ )472-454‬الحكام الموضوعية لعقد الهبة من الفقه السلمي‪،‬‬
‫وعلى التخصيص من كتاب الحوال الشخصية لقدري باشا حيث قننت هذه الحكام‪ .‬ولكن التقنين‬
‫أدخل تعديلً جوهريا على أحكام الفقه السلمي فيما يتعلق بالرجوع في الهبة إذ قيد هذا الحق بقيام‬
‫عذر مقبول( المادة ‪ ،)468‬وضرب أمثلة على العذر المقبول من التقنينات الجنبية ( المادة ‪.)469‬‬
‫وذلك مع نقل أحكام موانع الرجوع في الهبة عن الفقه الحنفي (‪( )1‬المادة ‪ )470‬وبذلك أكسب عقد‬
‫الهبة صلبة وقوة في اللزام‪ ،‬على النحو الذي يقرره جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة)‬
‫الذين يعدون عقد الهبة لزما ل يجوز الرجوع فيه إل في هبة الوالد لولده‪ ،‬بعكس الحنفية الذين‬
‫يعتبرون الهبة عقدا غير لزم‪ ،‬يجوز فسخه والرجوع عنه (‪. )2‬‬
‫شكلية الهبة‪ :‬في الناحية الشكلية اشترط القانون لصحة الهبة كونها بسند رسمي‪ ،‬نصت المادة (‪)456‬‬
‫على ما يأتي‪:‬‬
‫«ً‪ - 1‬تكون الهبة بسند رسمي‪ ،‬وإل وقعت باطلة ما لم تتم تحت ستار عقد آخر‪.‬‬
‫‪ - 2‬ومع ذلك يجوز في المنقول أن تتم الهبة بالقبض‪ ،‬دون حاجة إلى سند رسمي» ‪ .‬والسبب في‬
‫اشتراط الرسمية هو تنبيه الواهب إلى خطورة تصرفه‪ ،‬وتوفير أسباب الحرية له في عقد ينزل به عن‬
‫ماله دون مقابل‪.‬‬
‫كذلك اشترطت المادة (‪ )458‬الرسمية في الوعد بالهبة فقررت‪« :‬الوعد بالهبة ل ينعقد إل إذا كان‬
‫بسند رسمي» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬دروس في العقود المدنية لستاذنا الدكتور أكثم الخولي‪ :‬ص ‪.9‬‬
‫(‪ )2‬سيأتي تفصيل القول في حكم الهبة‪.‬‬

‫( ‪)4/738‬‬
‫لكن على الرغم من أن رسمية الهبة تتعلق بالنظام العام‪ ،‬ويكون جزاؤها البطلن‪ ،‬فقد اعتبر القانون‬
‫التنفيذ الختياري بديلً عاما عن الرسمية‪ .‬نصت المادة (‪ )457‬على أنه‪« :‬إذا قام الواهب أو ورثته‬
‫مختارين بتنفيذ هبة باطلة لعيب في الشكل‪ ،‬فل يجوز لهم أن يستردوه ما سلموه» ويتضح من هذا‬
‫النص أن التنفيذ الختياري للهبة من جانب الواهب أو ورثته يحقق النتيجة نفسها التي تحققها‬
‫الرسمية‪ .‬وهذا يدل على أن القانون أوجد نوعا جديدا ذا صبغة عامة من الشكلية هو التنفيذ‬
‫الختياري‪ ،‬وهو أكثر حماية للواهب من الرسمية‪ .‬والتنفيذ الختياري يشمل هبة العقار وهبة المنقول‪،‬‬
‫غير أن المشرع القانوني قد نص على أهم تطبيقاته وأكثرها شيوعا في الحياة العملية‪ ،‬وهو هبة‬
‫المنقول المادي التي تتم بالقبض أو الهبة اليدوية‪.‬‬
‫كذلك أجاز القانون (في المادة ‪ )456‬استثناء من اشتراط الرسمية أن تتم الهبة تحت ستار عقد من‬
‫عقود المعاوضة على سبيل الصورية‪ ،‬فتصح الهبة المستترة دون حاجة لسند رسمي‪.‬‬
‫وأما موقف الفقهاء المسلمين من الجانب الشكلي للهبة ففيه اتجاهان‪:‬‬
‫التجاه الول (‪ )1‬ـ هو مذهب المالكية‪ ،‬والحنابلة في غير المكيل والموزون‪ :‬وهو يرى الكتفاء‬
‫بمبدأ الرضائية في الهبات‪ ،‬فتصبح صحيحة ناقلة للملكية بمجرد قبول الموهوب له‪ .‬أما القبض (أو‬
‫الحيازة) فهو شرط عند المالكية لتمام ولزوم الهبة‪ ،‬فإن لم يحصل القبض لم تلزم الهبة‪ ،‬وإن كانت‬
‫صحيحة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬سيأتي بحث الموضوع في عقد الهبة‪.‬‬

‫( ‪)4/739‬‬

‫والتجاه الثاني ‪ -‬هو مذهب الحنفية والشافعية‪ ،‬والمام أحمد في هبة المكيل والموزون‪ :‬وهو يعنى‬
‫بشكل الهبة‪ ،‬ول يرتّب على مجرد التراضي أثرا شرعيا‪ ،‬والهبة وإن كانت تنعقد باليجاب والقبول‪،‬‬
‫فإنها ل تلزم الواهب ول تنقل الملكية إل بالقبض‪ .‬أي أنه يعتبر التنفيذ الختياري من جانب الواهب‬
‫هو روح الهبة في هذا التجاه‪ ،‬أما مجرد تلقي إرادة الطرفين فل ينشئ الهبة بمعناها الصحيح‪ ،‬بل‬
‫مجرد وعد بالهبة‪ ،‬ل يلزم الواهب‪ .‬وإذا تم تنفيذ هذا الوعد اختيارا من جانب الواهب تقوم الهبة‬
‫وتنتج آثارها وأهمها انتقال الملكية إلى الموهوب له‪.‬‬
‫والدافع إلى هذا التجاه هو الحرص على احترام الطابع التبرعي للهبة الذي يجب أن يميزها عن‬
‫سائر التمليكات‪.‬‬
‫وأما الحكام الموضوعية للهبة التي تضمنها القانون المدني والتي استمدها من الفقه السلمي فهي‬
‫مايأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬تعريف الهبة‪ :‬الهبة عقد تصرّف بمقتضاه الواهب في مال له دون عوض (م ‪ )454‬وعرف‬
‫الفقهاء الهبة بقولهم‪ :‬عقد يفيد التمليك بل عوض حال الحياة تطوعا‪.‬‬
‫لكن نصت الفقرة ( ‪ ) 2‬من هذه المادة على أنه يجوز للواهب دون أن يتجرد عن نيةالتبرع أن‬
‫يفرض على الموهوب له القيام بالتزام معين‪ ،‬كإلزام الموهوب له أن يعوله حتى موته‪ ،‬أو بأن يدفع له‬
‫إيرادا مرتبا مدى الحياة‪.‬‬
‫و نصت المادة (‪ )855‬من المجلة على أنه «تصح الهبة بشرط عوض‪ »...‬لكن المام الشافعي يرى‬
‫أن اشتراط العوض صراحة يبطل العقد‪ ،‬لنه شرط مخالف لمقتضاه‪.‬‬
‫‪ - 2‬ركن الهبة‪ :‬نصت المادة (‪ )455‬على أن الهبة تتم باليجاب والقبول‪ .‬وعلى أنه ينوب ولي‬
‫القاصر عنه بقبول الهبة وبقبض الشيء الموهوب إذا كان الواهب هو ولي الموهوب أو وصيه‪.‬‬

‫( ‪)4/740‬‬

‫وهذا هو المقرر ذاته في الفقه‪ ،‬نصت المادة (‪ )837‬من المجلة على أنه «تنعقد الهبة باليجاب‬
‫والقبول وتتم بالقبض» ‪ .‬وذكر الفقهاء أن الولي ينوب مناب القاصر في القبض‪ ،‬فلو وهب أحد‬
‫الولياء للصغير شيئا‪ ،‬والمال في أيديهم صحت الهبة‪ ،‬ويصيرون قابضين للصغير (‪. )1‬‬
‫‪ - 3‬الشروط الموضوعية للهبة ‪:‬‬
‫لم يورد القانون المدني شروطا خاصة بالهبة من حيث تلقي اليجاب والقبول‪ ،‬فيجب تطبيق القواعد‬
‫العامة‪ ،‬فيشترط الرضا لصحة العقد وتطبق القواعد العامة في أحكام عيوب الرضا‪ ،‬وتتميز الهبة بأن‬
‫الغلط في الشخص يجعل الهبة قابلة للبطال‪.‬‬
‫كذلك يشترط في الواهب أن يكون كامل الهلية؛ لن الهبة من التصرفات الضارة بالواهب ضررا‬
‫محضا‪ .‬أما الموهوب له فيكفي فيه أن يكون مميزا‪ ،‬لن الهبة من التصرفات النافعة للموهوب له نفعا‬
‫محضا‪.‬‬
‫ويستطيع الولي أو الوصي أن يهبا للصغير وينوبا عنه في قبول الهبة وقبض الشيء الموهوب كما‬
‫تقدم (المادة ‪ .)2/455‬ول يستطيع الولي أن يتبرع بمال القاصر إل بإذن القاضي بعد تحقق المسوغ‪،‬‬
‫كما نصت المادة (‪ )2/172‬من قانون الحوال الشخصية السوري‪ .‬وكذلك يعدّ تبرع الوصي في مال‬
‫القاصر باطلً (المادة ‪ 180‬من قانون الحوال الشخصية السوري)‪ .‬ويجوز للمتبرع استبعاد الولية‬
‫على مال التبرع‪ ،‬بدليل النص في القانون السوري (في المادة ‪ )171‬على أنه «إذا اشترط بدليل وجود‬
‫النص في هذا المتبرع بمال للقاصر عدم تصرف وليه به تعين المحكمة وصيا خاصا على هذا المال»‬
‫‪.‬‬
‫ويشترط في الموهوب أن يكون مملوكا للواهب وموجودا ومعينا ومشروعا‪ ،‬وعلى ذلك يكون حكم‬
‫هبة ملك الغير كحكم بيع ملك الغير‪ :‬وهو البطلن النسبي (القابلية للبطال) لمصلحة الموهوب له‪،‬‬
‫وعدم النفاذ في حق المالك الحقيقي (المواد ‪.)435 ،434 ،459‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬سيأتي تفصيل الكلم في ذلك في بحث عقد الهبة‪.‬‬

‫( ‪)4/741‬‬

‫و نصت المادة (‪ )460‬على أنه «تقع هبة الموال المستقبلة باطلة» وذلك استثناء من القواعد العامة‬
‫في القانون التي تجيز أن يكون محل اللتزام شيئا مستقبلً‪ ،‬وهذا الحكم المستثنى مأخوذ من الشريعة‬
‫السلمية التي تشترط وجود محل العقد وقت انعقاده في كل العقود‪.‬‬
‫ويلحظ أن هذه الشروط المطلوبة لنعقاد الهبة قانونا مستقاة من أحكام الفقه السلمي‪ .‬ففي هذا الفقه‬
‫يشترط اتحاد مجلس اليجاب والقبول في كل عقود التمليكات‪ ،‬وتوفر الرضا والختيار‪ ،‬وهذا ما‬
‫نصت عليه المادة (‪ )860‬من المجلة‪ ،‬وأن يكون للواهب أهلية التبرع أو كمال الهلية؛ لن الهبة‬
‫تبرع‪ ،‬وهو ما نصت عليه المادة » (‪ )859‬من المجلة‪ ،‬وأل تصدر الهبة منه في مرض موته‪ ،‬وإل‬
‫أخذت حكم الوصية فل تنفذ إل في حدود ثلث التركة‪ ،‬وأل يكون مدينا بديون مستغرقة‪ ،‬ولو لم يحجر‬
‫عليه‪ ،‬وإل توقفت على إجازة الدائنين‪ .‬جاء النص على هذه الحكام في المواد (‪ )880-879‬من‬
‫المجلة‪.‬‬
‫ويشترط في الموهوب له أن يكون حيا‪ ،‬فل تجوز الهبة للجنين ول للمعدوم‪ ،‬وأجازها المالكية‪،‬ويحسن‬
‫الخذ قانونا بمبدأ إجازة الهبة للجنين‪.‬‬
‫كما يشترط أن يكون محل الهبة موجودا وقت العقد‪ ،‬وهو شرط عام في كل عقود التمليكات في‬
‫الحال‪ ،‬صونا للعقد عن اللغاء عند فوات المحل‪.‬‬
‫و نصت المادة (‪ )856‬من المجلة على ذلك‪.‬‬
‫ويجب أن يكون الشيء مملوكا للواهب‪ ،‬فإن كان الموهوب ليس مالً للواهب‪ ،‬كانت هبة الفضولي‪،‬‬
‫وهي موقوفة على إجازة المالك‪.‬‬
‫و نصت المادة (‪ )857‬من المجلة على ذلك‪.‬‬
‫ويلزم أن يكون الموهوب معلوما ومعينا‪ ،‬وهو ما نصت عليه المادة (‪ )858‬من المجلة‪.‬‬
‫أما هبة الحصة الشائعة فيما يقبل القسمة كالدار والبيت الكبير‪ ،‬فأجازها جمهور الفقهاء‪ ،‬كبيع المشاع‪.‬‬
‫ولم يجزها الحنفية إل بقسمتها وقبضها مفرزة عن غيرها (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المراجع تأتي في بحث الهبة ‪.‬‬

‫( ‪)4/742‬‬

‫‪ - 4‬الرجوع في الهبة ‪:‬‬


‫نصت المادة (‪ )472-468‬على مبدأ جواز الرجوع في الهبة‪ ،‬وعلى الحالت التي يجوز فيها‬
‫الرجوع‪ ،‬بشرط وجود عذر مقبول للرجوع‪ .‬وهذه الحكام ما عدا اشتراط وجود العذر مستمدة من‬
‫الفقه الحنفي الذي يعتبر الرجوع مكروها لنه من باب الدناءة‪ ،‬وللموهوب له أن يمتنع عن الرد‪ ،‬ول‬
‫يصح الرجوع إل بالتراضي أو‬
‫بقضاء القاضي؛ لن الرجوع فسخ للعقد‪ .‬ول يجوز الرجوع عند وجود أحد موانع الرجوع السبعة‬
‫وهي (العوض‪ ،‬أو تقديم بدل عن الهبة‪ ،‬والزيادة المتصلة كالبناء والغرس‪ ،‬وتصرف الموهوب له في‬
‫الموهوب‪ ،‬وموت أحد العاقدين‪ ،‬وهلك الموهوب في يد الموهوب له أو استهلكه‪ ،‬وكون الهبة من‬
‫أجل الثواب من ال تعالى كالصدقة‪ ،‬أو من أجل صلة الرحم‪ ،‬أو صلة الزوجية) وهذه الحالت نص‬
‫عليها القانون في المادة (‪ ،)470‬ونصت عليها المجلة في المواد (‪.)874-866‬‬
‫خامسا ـ تصرف المريض مرض الموت ‪:‬‬
‫استقى التقنين المدني من الفقه السلمي أحكام بيع المريض مرض الموت (‪ ، )1‬فاعتبر بيعه في حكم‬
‫الوصية‪ ،‬كما اعتبر البيع لحد الورثة بالمحاباة خاضعا لحكام الوصية‪ .‬فل يجوز بيع المريض‬
‫مرض الموت محاباة إل إذا أجازه الورثة إذا كان مقدار المحاباة يجاوز ثلث التركة‪ ،‬وإذا كان مدينا‬
‫بدين مستغرق كان بيعه المشتمل على الغبن الفاحش موقوفا على إجازة الدائنين‪ .‬فإن لم يكن مدينا‪،‬‬
‫وكان البيع بالمحاباة لغير الوارث أي بأقل من ثمن المثل نفذ بيعه من ثلث التركة‪ .‬وإن لم يشتمل البيع‬
‫على المحاباة بأن كان بثمن المثل صح البيع ونفذ‪.‬‬
‫أما البيع لوارث ولو بثمن المثل أي بدون غبن فهو موقوف عند أبي حنيفة وفي المجلة على إجازة‬
‫الورثة لتعلق حقهم بعين التركة‪.‬‬
‫لكن هل للمريض مرض الموت التصرف لوارث في حدود ثلث التركة؟‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الوسيط للسنهوري‪ :‬ص ‪.46‬‬

‫( ‪)4/743‬‬

‫يلحظ أن المادة (‪ )445‬من القانون المدني السوري المتعلقة ببيع المريض مرض الموت منقولة عن‬
‫القانون المدني المصري الذي يجيز بدوره الوصية للوارث ولغيره في حدود الثلث (في المادة ‪ 73‬من‬
‫قانون الوصية المصري) وتنفذ من غير إجازة الورثة خلفا لما يقرره فقهاء المذاهب الربعة‬
‫وجمهور فقهاء المسلمين‪،‬‬
‫ولكن عملً برأي بعض أئمة الشيعة الزيدية‪ ،‬وبعض أئمة الشيعة المامية (الجعفرية)‪ ،‬والسماعيلية‪.‬‬
‫وتنص هذه المادة (‪ )445‬التي تعتبر المحاباة بحكم الوصية على ما يلي‪:‬‬
‫« ‪ - 1‬إذا باع المريض مرض الموت لوارث أو لغير وارث بثمن يقل عن قيمة المبيع وقت الموت‬
‫فإن البيع يسري في حق الورثة‪ ،‬إذا كانت زيادة قيمةالمبيع على الثمن ل تتجاوز ثلث التركة داخلً‬
‫فيها المبيع ذاته‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا كانت هذه الزيادة تجاوز ثلث التركة‪ ،‬فإن البيع فيما يجاوز الثلث ل يسري في حق الورثة‬
‫إلإذا أقروه‪ ،‬أو رد المشتري للتركة ما بقي بتكملة الثلثين‪.‬‬
‫‪ - 3‬ويسري على بيع المريض مرض الموت أحكام المادة (‪ .)877‬وبناء على هذه المادة إذا كان‬
‫البيع بالمحاباة خاضعا لحكام الوصية فإنه ينفذ من المريض مرض الموت إذا كانت زيادة قيمة المبيع‬
‫على الثمن في حدود ثلث التركة» ‪.‬‬
‫والدليل على أن تصرف المريض مرض الموت تطبق عليه أحكام الوصية هو ما نصت عليه المادة (‬
‫‪ )877‬التالي نصها‪:‬‬
‫‪ - 1‬كل عمل قانوني يصدر من شخص في مرض الموت‪ ،‬ويكون مقصودا به التبرع‪ ،‬يعتبر تصرفا‬
‫مضافا إلى ما بعد الموت‪ ،‬وتسري عليه أحكام الوصية أيا كانت التسمية التي تعطى لهذا التصرف‪.‬‬
‫‪ - 2‬وعلى ورثة من تصرف أن يثبتوا أن العمل القانوني قد صدر من مورثهم وهو في مرض‬
‫الموت‪ ،‬ولهم إثبات ذلك بجميع الطرق‪ ،‬ول يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ‬
‫ثابتا‪.‬‬

‫( ‪)4/744‬‬
‫‪ - 3‬وإذا أثبت الورثة أن التصرف صدر من مورثهم في مرض الموت‪ ،‬اعتبر التصرف صادرا‬
‫على سبيل التبرع‪ ،‬ما لم يثبت من صدر له التصرف عكس ذلك‪ .‬كل هذا ما لم توجد أحكام خاصة‬
‫تخالفه‪ .‬وبما أن الوصية خاضعة لحكام الشريعة السلمي بنص المادة (‪ )876‬من القانون‬
‫السوري‪،‬فإن أحكام الشريعة المعمول بها في سورية خلفا لمصر هي المقررة في قانون الحوال‬
‫الشخصية السوري الصادر عام ( ‪ )1953‬والتي بموجبها ل تجوز الوصية لوارث‪ .‬نصت المادة (‬
‫‪ )238‬من هذا القانون على ما يلي‪:‬‬
‫« ‪ - 1‬تنفذ الوصية لغير وارث بثلث ما يبقى من التركة بعد وفاء الدين من غير إجازة الورثة‪.‬‬
‫‪ - 2‬ل تنفذ للوارث ول بما زاد على الثلث إل إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصي‪ ،‬وكان المجيز‬
‫كامل الهلية‪.‬‬
‫‪ - 3‬ل تنفذ فيما يستغرقه دين إل بإجازة الدائن الكامل الهلية أو بسقوط الدين‪.‬‬
‫‪ - 4‬تنفذ وصية من ل دين عليه ول وارث له بكل ما له من غير توقف على إجازة أحد» ‪.‬‬
‫يتبين مما ذكر أن النص الوارد في المادة (‪ )445‬مدني سوري الذي يجيز للمريض البيع بالمحاباة‬
‫ل بمقتضى‬
‫للوارث في حدود ثلث التركة معطل المفعول‪ ،‬ويكون البيع موقوفا على إجازة الورثة عم ً‬
‫الحوال الشخصية السوري الذي ل يجيز الوصية للوارث إل بإجازة الورثة‪.‬‬
‫هذا وقد نصت المجلة على أحكام بيع المريض في المواد (‪ )395-393‬كما نصت المادة (‪)1595‬‬
‫على تعريف مرض الموت بقولها‪:‬‬
‫«مرض الموت‪ :‬هو الذي يخاف فيه الموت في الكثر‪ ،‬الذي يعجز المريض عن رؤية مصالحه‬
‫الخارجة عن داره إن كان من الذكور‪ ،‬ويعجزه عن رؤية المصالح الداخلة في داره إن كان من‬
‫الناث‪ ،‬ويموت على ذلك الحال قبل مرور سنة‪ ،‬صاحب فراش كان أو لم يكن‪ .‬وإن امتد مرضه‬
‫دائما على حال‪ ،‬ومضى عليه سنة يكون في حكم الصحيح‪ ،‬وتكون تصرفاته كتصرفات الصحيح‪ ،‬ما‬
‫لم يشتد مرضه ويتغير حاله‪ ،‬ولكن لو اشتد مرضه وتغير حاله ومات يعد حاله من وقت التغير إلى‬
‫الوفاة مرض موت» ‪.‬‬

‫( ‪)4/745‬‬

‫سادسا ‪ -‬أحكام متفرقة (البراء‪ ،‬مدة التقادم ) ‪:‬‬


‫استمد القانون المدني طائفة من الحكام في مناسبات مختلفة من الفقه السلمي‪ ،‬كانقضاء اللتزام‬
‫دون الوفاء به‪ ،‬إما بالبراء من الدين بإرادة الدائن وحده‪ ،‬وإما بالتقادم المسقط لمضي مدة خمس‬
‫عشرة سنة في الحقوق الخاصة‪.‬‬
‫هذا فضلً عن أن كثيرا من الحكام المقررة في القانون المدني يمكن تخريجها أو تسويغها بمبدأ من‬
‫مبادئ الشريعة كالستصلح والستحسان والعرف‪ ،‬أو حملها على مجموعة آراء فقهية من مذاهب‬
‫مختلفة‪ ،‬كما أنه قد يكون لها شبه أو تطابق تام بينها وبين رأي فقهي معين‪ .‬لكن مع كل ماسبق يظل‬
‫القانون المدني السوري وأصله المصري غربي الطراز والتصور والحكام‪ ،‬فل يعفى المشرع من‬
‫عودة حميدة لرياض الفقه السلمي الصالح لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫البراء‪ :‬إسقاط الدائن ماله في ذمة المدين من دين كثمن مبيع أو دين قرض‪ ،‬ويترتب عليه انتهاء‬
‫التزام الدين كله أوبعضه بحسب البراء‪ ،‬وتفرغ منه ذمته‪ .‬وهو عند الحنفية ل يحتاج إلى قبول وإنما‬
‫يصح بإرادة الدائن وحده‪ ،‬وإنما يرتد بالرد؛ لنه من قبيل السقاط كالطلق‪ ،‬والسقاط ل يتوقف على‬
‫القبول‪ .‬نصت المادة (‪ )8651‬من المجلة على أنه‪« :‬ليتوقف البراء على القبول‪ .‬ولكن يكون بالرد‬
‫مردودا‪ ،‬لنه إذا أبرأ أحد آخر فل يشترط قبوله‪ ،‬ولكن إذا رد البراء في ذلك المجلس بقوله‪ :‬ل أقبل‪،‬‬
‫يكون ذلك البراء مردودا يعني ل يبقى له حكم‪ ،‬لكن لورده بعد قبول البراء ل يكون البراء‬
‫مردودا‪ .‬وأيضا إذا أبرأ المحال له المحال عليه أو صاحب الطلب الكفيل‪ ،‬ورد ذلك المحال عليه أو‬
‫الكفيل ل يكون البراء مردودا» ‪ .‬و أخذ القانون المدني بمبدأ صحة البراء بإرادة الدائن وحده وهو‬
‫المقرر في الفقه الحنفي‪ .‬نصت المادة (‪ )369‬منه على ما يأتي‪« :‬ينقضي اللتزام إذا أبرأ الدائن مدنيه‬
‫مختارا‪ ،‬ويتم البراء متى وصل إلى علم المدين‪ ،‬ويرتد برده» ‪.‬‬

‫( ‪)4/746‬‬

‫التقادم‪ :‬ل يعتبر التقادم (أو مضي المدة ومرور الزمن أو وضع اليد) في الشريعة السلمية سببا‬
‫صحيحا من أسباب كسب الحقوق أو إسقاطها ديانة إذ «ل يجوز لحد أن يأخذ مال أحد بل سبب‬
‫شرعي» ولن الحق أبدي ل يزول إل بمسوغ شرعي مقبول‪ .‬وإنما التقادم ما نع فقط للقاضي من‬
‫سماع الدعوى بالحق القديم الذي أهمل صاحبه الدعاء به زمنا طويلً معينا بل عذر‪ .‬وذلك للشك في‬
‫أصل الحق وفي إثباته بعد هذه المدة الطويلة‪ ،‬وحماية لمبدأ الستقرار في الوضاع الحقوقية‪ ،‬وتجنبا‬
‫لثارة المشكلت في الثبات ونحوه؛ لن القضاء في السلم مظهر للحق ل مثبت له‪ ،‬والحقوق‬
‫الثابتة ل يؤثر فيها ديانة مرور الزمان وتقادم العهد‪ .‬إل أن القضاء مع هذا يقبل التخصيص بالزمان‬
‫والمكان والخصومة‪ ،‬ويقبل التعليق بالشرط‪ .‬وبناء عليه يصح للدولة منع القاضي من سماع دعوى‬
‫على شخص مضى على وضع يده خمس عشر سنة مثلً‪ ،‬فيعتبر قضاؤه بعدئذ غير نافذ (‪. )1‬‬
‫ويمكن تسويغ ذلك بنظرية المصالح المرسلة التي تجيز للحاكم اتخاذ التدابير القضائية المناسبة لقرار‬
‫الحقوق والهتمام بها‪ ،‬وإبعاد القضاء عن المشكلت المعقدة في إثبات حقوق قديمة‪ .‬وهذا المعنى هو‬
‫أساس الخذ بفكرة التقادم قانونا‪ ،‬فإن القانونيين قالوا‪ :‬إن التقادم يقوم على أساس اعتبارات ذات طابع‬
‫عام أي متصلة بالصالح العام للمجتمع كله‪ ،‬ل على أساس اعتبارات فردية‪ ،‬فالضرورات الجتماعية‬
‫هي التي أدت إلى إقرار هذا النظام‪.‬‬
‫أخذ القانون من الفقه السلمي تقدير مدة التقادم المسقط‪،‬حيث نصت المادة (‪ )372‬مدني سوري على‬
‫أنه «يتقادم اللتزام بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الحالت التي ورد عنها نص خاص في‬
‫القانون‪ ،‬وفيما عدا الستثناءات التالية» ‪.‬‬
‫وكذلك في التقادم المكسب نصت المادة (‪ )919‬على ما يلي‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع كتابنا نظرية الضمان ‪:‬ص ‪.101‬‬

‫( ‪)4/747‬‬

‫« يُكتسب حق تسجيل التصرف في الراضي الميرية غير الخاضعة لدارة أملك الدولة‪ ،‬بمرور‬
‫عشر سنوات من تاريخ الحيازة بسند أو بغير سند‪ ،‬بشرط أن يكون الحائز قائما بزراعة الرض» ‪.‬‬
‫وتقدير المدة في الحالتين مأخوذ من الفقه السلمي‪ ،‬حيث ذكر الفقهاء أن التقادم يسري على الحقوق‬
‫الخاصة‪ ،‬ومدته العادية خمس عشرة سنة‪ ،‬فإذا مرت مرورا معتبرا دون ادعاء بالمال من قبل صاحبه‬
‫ل تسمع دعواه بعدها (‪. )1‬‬
‫وأما الموال العامة فل تسمع الدعوى فيها بعد مضي ( ‪ ) 33‬سنة في الوقف والرث‪ ،‬وبعد ( ‪) 36‬‬
‫سنة في أموال بيت المال‪ ،‬وبعد عشر سنوات في الراضي الميرية‪.‬‬
‫وأما المجلة فأخذت في المادة (‪ )1662‬بمدة (‪ )15‬سنة في جميع الحقوق غير الوقف فهي (‪ )36‬سنة‪،‬‬
‫والراضي الميرية فهي عشر سنين‪.‬‬
‫وتبتدئ المدة من وقت ظهور واضع اليد على الشيء بمظهر المالك لها‪ ،‬وعدم المانع الشرعي من‬
‫إقامة دعواه كالصغر والجنون والعته‪ .‬وهذا ما نصت عليه المادة (‪ )1663‬من المجلة‪.‬‬
‫كما نصت المادة (‪ )379‬على حالت وقف التقادم بقولها‪ - 1« :‬ل يسري التقادم كلما وجد مانع‬
‫يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه‪ ،‬ولو كان المانع أدبيا‪ ،‬وكذلك ليسري التقادم فيما بين الصيل‬
‫والنائب‪.‬‬
‫‪ - 2‬ول يسري التقادم الذي تزيد مدته على خمس سنوات في حق من ل تتوافر فيه الهلية أو في‬
‫حق الغائب‪ ،‬أو في حق المحكوم عليه بعقوبة جنائية إذا لم يكن له نائب يمثله قانونا» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المدخل إلى نظرية اللتزام في الفقه للستاذ مصطفى الزرقاء‪ :‬ف ‪ 156‬ص ‪.230‬‬

‫( ‪)4/748‬‬

‫خاتمة‬
‫في آخر هذا البحث أؤكد ضرورة العودة إلى تطبيق الشريعة السلمية واستمداد القوانين منها‪ ،‬ما‬
‫دمنا نعمنا ول الحمد بالستقلل‪ ،‬وقد أوضحت هذا القسم من الحكام الذي استمده القانون المدني من‬
‫الفقه ليكون عنوانا مشرقا وبرهانا ساطعا على أن في شريعتنا الغراء كنوزا خالدة ل تحتاج إل إلى‬
‫صياغة جديدة بروح العصر ومفاهيمه على منوال التقنينات الجديدة‪.‬‬
‫قال الدكتور السنهوري‪ :‬على أننا ل نريد بتقليد التقنينات الحديثة أن نذهب في ذلك إلى مدى أبعد مما‬
‫ينبغي‪ .‬وإذا كنا نقول بالستفادة دون تحفظ من التقنينات الغربية من ناحية الشكل والصياغة‪ ،‬ففي‬
‫المادة والموضوع نتحفظ كثيرا في هذا القول‪.‬‬
‫ثم علق على قرار وزارة العدل العراقية باتخاذ الشريعة السلمية أساسا للتقنين قبل صدوره‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ولما كان القرار خطيرا‪ ،‬وهو يؤذن بعهد جديد للفقه السلمي‪ ،‬يجاري فيه الزمن‪ ،‬ويساير التطور‪،‬‬
‫كان من الواجب أن نقف عنده حتى نمعن في مراميه‪.‬‬
‫فأول أثر لهذا القرار أن يرد لهذه الشريعة السمحاء مكانتها بعد أن كادت تضيع‪ ،‬فقد رأينا أن البلد‬
‫الشرقية ( أي العربية شرق المتوسط ) التي راجعت تقنيناتها المدنية عدلت عن الشريعة السلمية‬
‫إلى القوانين الغربية‪ ،‬وبقيت القاعدة مطردة من النصف الثاني للقرن التاسع عشر إلى الوقت الحاضر‪،‬‬
‫فمصر تلتها تونس ومراكش وتركيا ولبنان‪ ،‬وكل هذه بلد كانت تطبق الشريعة السلمية‪ .‬ثم أعادت‬
‫النظر في تقنيناتها‪ ،‬فقلبتها رأسا على عقب‪ ،‬إما باختيارها أو تحت تأثير نفوذ سياسي‪،‬وهجرت‬
‫الشريعة السلمية إلى القوانين الغربية‪ .‬أما العراق فهو أول بلد عربي اعتز بتراث أجداده‪ ،‬وحرص‬
‫عليه من الضياع‪ .‬فالعراق يرفع صوته عاليا بأن الشريعة السلمية ل تزال نظاما قانونيا حيا صالحا‬
‫للتطبيق‪ ،‬وليس لسائر القطار العربية إل أن تقتفي أثر العراق‪.‬‬

‫( ‪)4/749‬‬
‫وهناك فرق جوهري بين أن نجعل مصدر الحكام الصالحة التقنينات الغربية‪ ،‬وبين أن نجعل‬
‫مصدرها الشريعة السلمية‪ ،‬ففي الحالة الولى نكون قد قطعنا كل صلة بالقديم‪ ،‬وبدأنا حياة قانونية‬
‫جديدة‪ ،‬نكون فيها عالة على فقه الغرب وجهوده‪ ،‬نأخذ منه ول نعطيه‪ .‬أما في الحالة الثانية فنكون قد‬
‫احتفظنا بصلة الماضي‪ ،‬وجعلنا من هذه الصلة أساسا يقوم عليه المستقبل‪ ،‬واحتفظنا باستقللنا‬
‫القانوني‪ ،‬فل نكون عالة على فقه الغرب‪ ،‬وفي الوقت ذاته نكون قد استفدنا من هذا الفقه إلى أبعد‬
‫مدى‪ ،‬إذ تصبح الحكام التي اخترناها وخرّجناها على أحكام الشريعة السلمية متفقة مع أحدث‬
‫الحكام القانونية الغربية وأرقاها (‪. )1‬‬
‫انتهى الجزء الرابع‬
‫ويليه الجزء الخامس ـ العقود (التصرفات المدنية المالية )‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع مقال الدكتور السنهوري في مجلة المحامين بدمشق‪ ،‬العددان السادس والسابع‪ ،‬من السنة‬
‫الولى‪ :‬ص ‪.508-505‬‬

‫( ‪)4/750‬‬

‫‪.......................................‬ال ِفقْهُ السلميّ وأدلُّتهُ‪...............................‬‬


‫‪..........................................‬الجزء الخامس‪....................................‬‬
‫سمُ الثّالثُ‪ :‬العقودُ أو التّصرّفات المدنيّة الماليّة‬
‫الق ْ‬
‫وبحثها في ثمانية عشر فصلً‪:‬‬
‫‪- 1‬البيع وأنواعه (السلم‪ ،‬والستصناع‪ ،‬الصرف‪ ،‬الجزاف‪ ،‬الربا‪ ،‬بيوع المانة‪ :‬المرابحة‪ ،‬والتولية‬
‫والوضيعة‪ ،‬القالة)‪.‬‬
‫‪ - 2‬القرض‬
‫‪ - 3‬اليجار‬
‫‪ - 4‬الجعالة‬
‫‪ - 5‬الشركة‬
‫‪ - 6‬الهبة‬
‫‪ - 7‬اليداع‬
‫‪ - 8‬العارة‬
‫‪ - 9‬الوكالة‬
‫‪ - 10‬الكفالة‬
‫‪ - 11‬الحوالة‬
‫‪ - 12‬الرهن‬
‫‪ - 13‬الصلح‬
‫ويلحق بها فصول خمسة في البراء والستحقاق والمقاصة والكراه والحجر‪ ،‬وأما باقي العقود‬
‫فالكلم عنها في بحث الملكية والحوال الشخصية‪ ،‬فتكون العقود المشروعة في الشريعة السلمية‬
‫واحدا وعشرين عقدا‪.‬‬
‫عقْدُ البَيعِ‬
‫صلُ الوّل‪َ :‬‬
‫ال َف ْ‬
‫خطة الموضوع ‪:‬‬
‫نظرا لتعدد أنواع البيع وأهميتها بحيث يكون كل منها وضعا قائما بذاته نرى الفقهاء يترجمون لعقد‬
‫البيع بعنوان ( كتاب البيوع ) بصيغة الجمع (‪ . )1‬وقد آثرت العنوان بعقد البيع تمشيا مع صنيع‬
‫شراح القانون المدني؛ لن إضافة كلمة (عقد) إلى ( البيع ) تفيد العموم‪ ،‬لقول النحويين‪ :‬إنه مفرد‬
‫مضاف فيعم‪ .‬والكلم عن عقد البيع يتناول المباحث الستة التية‪:‬‬
‫المبحث الول ‪ -‬في تكوين عقد البيع‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ -‬شروط البيع‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ -‬حكم البيع والكلم في المبيع والثمن‪.‬‬
‫المبحث الرابع ‪ -‬البيع الباطل والبيع الفاسد‪.‬‬
‫المبحث الخامس ‪ -‬الخيارات‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ -‬أنواع البيع‪:‬‬
‫‪ - 1‬السلم أو السلف‬
‫‪ - 2‬الستصناع‬
‫‪ - 3‬الصرف‬
‫‪ - 4‬بيع الجزاف‬
‫‪- 5‬الربا‬
‫‪- 6‬بيوع المانة (المرابحة والتولية والوضيعة)‬
‫‪ - 7‬القالة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬عقد البيع للستاذ مصطفى أحمد الزرقاء‪ :‬ص ‪.5،21‬‬

‫( ‪)5/1‬‬

‫المبحث الول ‪ -‬تكوين عقد البيع‬


‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫المطلب الول ‪ -‬تعريف البيع ومشروعيته وآدابه‬
‫المطلب الثاني ‪ -‬ركن البيع أو كيفية انعقاده‬
‫المطلب الول ‪ -‬تعريف البيع ومشروعيته وآدابه ‪:‬‬
‫تعريف البيع ‪:‬‬
‫البيع لغة‪ :‬مقابلة شيء بشيء‪ ،‬وهو من أسماء ال ضداد أي التي تطلق على الشيء وعلى ضده‪ ،‬مثل‬
‫الشراء (‪ )1‬كما في قوله تعالى‪{ :‬وشروه بثمن بخس} [يوسف‪ ]20/12:‬أي باعوه‪ ،‬وقوله سبحانه‪:‬‬
‫{ولبئس ما شروا به أنفسهم} [البقرة‪ ]102/2:‬ويقال لكل من المتعاقدين‪ :‬بائع وبيّع‪ ،‬ومشتر وشار‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬ومثل القرء والجون‪ :‬يطلق على الشيء وضده‪ .‬قال المعلّق على نيل الوطار‪ 5 :‬ص ‪ :142‬للبيع‬
‫تفسير لغة وشرعا وركن وشرط ومحل وحكم وحكمة‪ .‬أما معناه لغة‪ :‬فمطلق المبادلة‪ ،‬وهو والشراء‬
‫ضدان‪ ،‬ويطلق البيع على الشراء أيضا‪ ،‬فلفظ البيع والشراء يطلق كل منهما على مايطلق عليه الخر‪،‬‬
‫فهما من اللفاظ المشتركة بين المعاني المتضادة‪ .‬وشرعا هو مبادلة مال بمال على سبيل التراضي‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وأما ركنه فإيجاب وقبول‪ .‬وأما شرطه‪ :‬فأهلية العاقدين‪ .‬وأما محله فهو المال‪ .‬وأما حكمه‪:‬‬
‫فهو ثبوت الملك للمشتري في المبيع‪ ،‬وللبائع في الثمن إذا كان تاما‪ ،‬وعند الجازة إذا كان موقوفا‪،‬‬
‫وأما حكمته على ماذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري‪ :‬أن حاجة النسان تتعلق بما في يد صاحبه‬
‫غالبا‪ ،‬وصاحبه قد ليبذله‪ ،‬ففي شرعيةالبيع وسيلة إلى بلوغ الغرض من غير حرج‪ .‬ثم ذكر صاحب‬
‫التعليق حكما أخرى‪.‬‬

‫( ‪)5/2‬‬

‫واصطلحا عند الحنفية‪ :‬مبادلة مال بمال على وجه مخصوص أو هو مبادلة شيء مرغوب فيه بمثله‬
‫على وجه مفيد مخصوص أي بإيجاب أو تعاطٍ‪ .‬وخرج بقيد‪( :‬مفيد) ما ل يفيد كبيع درهم بدرهم‪.‬‬
‫وغير المرغوب‪ :‬مثل الميتة والدم والتراب (‪. )1‬‬
‫وقال النووي في المجموع‪ :‬البيع‪ :‬مقابلة مال بمال تمليكا (‪. )2‬‬
‫وعرفه ابن قدامة في المغني (‪ : )3‬مبادلة المال بالمال تمليكا وتملكا‪.‬‬
‫وهو مشتق من الباع؛ لن كل واحد من المتعاقدين يمد باعه للخذ والعطاء‪ ،‬ويحتمل أن كل واحد‬
‫منهما كان يبايع صاحبه‪ ،‬أي يصافحه عند البيع‪ ،‬فسمي البيع صفقة (‪. )4‬‬
‫والمراد بالمال عند الحنفية‪ :‬ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة‪ ،‬والمالية تثبت بتمول‬
‫الناس كافة أو بعضهم‪ .‬وقد انتقد الستاذ الزرقاء هذا التعريف‪ ،‬واستبدل به تعريفا آخر‪ ،‬فقال‪ :‬المال‬
‫هو كل عين ذات قيمة مادية بين الناس (‪ . )5‬وعليه ل تعتبر المنافع والحقوق المحضة ما لً عند‬
‫ل متقوما؛ لن المقصود من العيان منافعها‪.‬‬
‫الحنفية‪ .‬أما جمهور الفقهاء فقد اعتبروها ما ً‬
‫والمقصود من البيع هنا‪ :‬هو العقد المركب من اليجاب والقبول‪.‬‬
‫مشروعية البيع ‪:‬‬
‫البيع جائز بأدلة من القرآن والسنة والجماع (‪. )6‬‬
‫أما القرآن‪ :‬فقوله تعالى‪{ :‬وأحل ال البيع} [البقرة‪ ]2/275:‬وقوله سبحانه‪{ :‬وأشهدوا إذا تبايعتم}‬
‫[البقرة‪ ]282/2:‬وقوله عز وجل‪{ :‬إل أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم} [النساء‪ ]29/4:‬وقوله جل‬
‫جلله‪{ :‬ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلً من ربكم} [البقرة‪.]198/2:‬‬
‫وأما السنة فأحاديث‪ ،‬منها‪ :‬سئل النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ :‬أي الكسب أطيب؟ فقال‪« :‬عمل الرجل‬
‫بيده‪ ،‬وكل بيع مبرور» (‪ )7‬أي ل غش فيه ول خيانة‪ ،‬ومنها حديث‪« :‬إنما البيع عن تراض» (‪)8‬‬
‫وقد بعث الرسول صلّى ال عليه وسلم والناس يتبايعون فأقرهم عليه‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ ،133‬فتح القدير‪ 5 :‬ص ‪ ،73‬حاشية ابن عابدين‪ 4 :‬ص ‪ 3‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ 2 :‬ص ‪.2‬‬
‫(‪ )3‬انظر ج ‪ 3‬ص ‪.559‬‬
‫(‪ )4‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )5‬راجع المدخل إلى نظرية اللتزام العامة في الفقه السلمي له‪ :‬ص ‪.118-114‬‬
‫(‪ )6‬المراجع السابقة‪ ،‬المبسوط‪ 2 :‬ص ‪ ،108‬المهذب‪ 1 :‬ص ‪.257‬‬
‫(‪ )7‬رواه البزار وصححه الحاكم عن رفاعة بن رافع‪ ،‬وذكره ابن حجر في التلخيص الحبير عن رافع‬
‫بن خديج وعزاه لحمد‪ ،‬وذكره السيوطي في الجامع الصغير عن رافع ( سبل السلم‪ 3 :‬ص ‪.) 4‬‬
‫(‪ )8‬هذا حديث طويل رواه البيهقي وابن ماجه وصححه ابن حبان عن أبي سعيد الخدري أن رسول‬
‫ال صلّى ال عليه وسلم قال‪ « :‬للقين ال من قبل أن أعطي أحدا من مال أحد شيئا بغير طيب نفسه‪،‬‬
‫إنما البيع عن تراض» ورواه عبد الرزاق في الجامع عن عبد ال بن أبي أوفى بلفظ‪ « :‬البيع عن‬
‫تراض والتخيير بعد صفقة» الجامع عن عبد ال بن أبي أوفى بلفظ‪ « :‬البيع عن تراض والتخيير بعد‬
‫صفقة» ( الجامع الصغير‪1 :‬ص ‪ ،102‬كنز الدقائق‪2 :‬ص ‪ ،212‬شرح المجموع للنووي‪ 9 :‬ص‬
‫‪ )158‬وروى الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة حديثا بمعناه بلفظ «ليفترق اثنان إل عن تراض»‬
‫( جامع الصول‪2 :‬ص ‪ ،9‬مجموع الزوائد‪ 4 :‬ص ‪.)100‬‬

‫( ‪)5/3‬‬

‫وقال‪ « :‬التاجر الصدوق المين مع النبيين‪ ،‬والصديقين‪ ،‬والشهداء» قال الترمذي‪« :‬هذا حديث حسن»‬
‫‪.‬‬
‫وأجمع المسلمون على جواز البيع‪ ،‬والحكمة تقتضيه؛ لن حاجة النسان تتعلق بما في يد صاحبه‪،‬‬
‫وصاحبه ل يبذله بغير عوض‪ ،‬ففي تشريع البيع طريق إلى تحقيق كل واحد غرضه ودفع حاجته‪،‬‬
‫والنسان مدني بالطبع‪ ،‬ليستطيع العيش بدون التعاون مع الخرين‪.‬‬
‫والصل في البيوع الباحة‪ ،‬قال المام الشافعي‪« :‬فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين‬
‫الجائزي المر فيما تبايعا‪ ،‬إل ما نهى عنه رسول ال صلّى ال عليه وسلم منها‪ ،‬وما كان في معنى ما‬
‫نهى عنه رسول ال صلّى ال عليه وسلم محرم بإذنه داخل في المعنى المنهي عنه‪ ،‬وما فارق ذلك‬
‫أبحناه بماوصفنا من إباحة البيع في كتاب ال تعالى» أي في قوله سبحانه‪{ :‬وأحل ال البيع} [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]275/2‬وقوله‪{ :‬إل أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء‪.]29/4:‬‬

‫( ‪)5/4‬‬

‫آداب البيع‪ :‬للبيع آداب كثيرة منها‪:‬‬


‫‪ - 1‬عدم المغالة في الربح‪ :‬إن الغبن الفاحش في الدنيا ممنوع بإجماع الشرائع‪ ،‬إذ هو من باب‬
‫الخداع المحرّم شرعا في كل ملة‪ ،‬لكن اليسير منه الذي ل يمكن الحتراز عنه لحد أمر جائز‪ ،‬إذ لو‬
‫حكمنا برده ما نفذ بيع أبدا‪ ،‬لنه ل يخلو منه بيع عادة‪ .‬فإن كان الغبن كثيرا أمكن الحتراز منه‪،‬‬
‫فوجب رد البيع به‪ .‬وقدر علماء المالكية الغبن الكثير بالثلث فأكثر؛ لنه المشروع في الوصية‬
‫وغيرها (‪ ، )1‬فيكون الربح الطيب المبارك فيه ما كان بقدر الثلث فأكثر‪.‬‬
‫‪ - 2‬صدق المعاملة‪ :‬بأن يصف البضاعة بوصفها الحقيقي‪ ،‬دون كذب في الخبار عن نوعها وجنسها‬
‫ومصدرها وتكاليفها‪ ،‬أخرج الترمذي عن رفاعة حديثا‪« :‬إن التجار يبعثون يوم القيامة فجّارا إل من‬
‫اتقى ال وبرّ وصَدَق» والبر‪ :‬الحسان في المعاملة‪ .‬وأخرج الترمذي الحديث السابق عن الخدري‪:‬‬
‫«التاجر الصدوق‪. »..‬‬
‫‪ - 3‬السماحة في المعاملة‪ :‬بأن يتساهل البائع في الثمن فينقص منه‪ ،‬والمشتري في المبيع فل يتشدد‬
‫في شروط البيع ويزيد في الثمن‪ ،‬أخرج البخاري عن جابر حديثا‪« :‬رحم ال رجلً سمحا إذا باع‪،‬‬
‫وإذا اشترى‪ ،‬وإذا اقتضى بدينه» أي طالب به‪.‬‬
‫‪ - 4‬اجتناب الحلف ولو كان التاجرصادقا‪ :‬يندب المتناع عن الحلف بال مطلقا في البيع‪ ،‬لنه‬
‫امتحان ل سم ال تعالى‪ ،‬قال سبحانه‪« :‬ول تجعلوا عرضة ليمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين‬
‫الناس» وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة حديثا‪« :‬الحلف مَ ْنفَقة للسلعة‪َ ،‬ممْحَقة للبركة» ‪.‬‬
‫‪ - 5‬كثرة الصدقات‪ :‬يندب للتاجر كثرة التصدق تكفيرا لما يقع فيه من حلف أوغش أو كتمان عيب‬
‫أو غبن في السعر أو سوء خلق ونحو ذلك‪ ،‬أخرج الترمذي وأبو داود وابن ماجه عن قيس بن أبي‬
‫غرزة حديثا‪« :‬يا معشر التجار‪ ،‬إن الشيطان والثم يحضران البيع‪ ،‬فشوبوا بيعكم بالصدقة» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أحكام القرآن لبن العربي ‪.1804/4‬‬

‫( ‪)5/5‬‬

‫‪ - 6‬كتابة الدين والشهاد عليه‪ :‬تستحب كتابة العقد ومقدار الدين المؤجل‪ ،‬ويندب الشهاد على البيع‬
‫نسيئةً (لجل) وعلى كتابة الدين‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى‬
‫فاكتبوه} ‪{ ..‬واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [البقرة‪.]2/282:‬‬
‫المطلب الثاني ‪ -‬ركن البيع أو كيفية انعقاده‬
‫ركن (‪ )1‬البيع عند الحنفية‪ :‬هو اليجاب والقبول الدالن على التبادل أو ما يقوم مقامهما من التعاطي‪.‬‬
‫فركنه بعبارة أخرى‪ :‬الفعل الدال على الرضا بتبادل الملكين من قول أو فعل (‪ ، )2‬وهذا قولهم في‬
‫العقود‪.‬‬
‫وللبيع عند الجمهور أركان أربعة‪ :‬وهي البائع والمشتري والصيغة والمعقود عليه وهذا رأيهم في كل‬
‫العقود‪.‬‬
‫واليجاب عند الحنفية‪ :‬إثبات الفعل الخاص الدال على الرضا الواقع أولً من كلم أحد المتعاقدين‪،‬‬
‫سواء وقع من البائع كبعت‪ ،‬أو من المشتري كأن يبتدئ المشتري فيقول‪ :‬اشتريت بكذا‪.‬‬
‫والقبول‪ :‬ما ذكر ثانيا من كلم أحد المتعاقدين (‪ . )3‬فالمعتبر إذن أولية الصدور وثانويته فقط سواء‬
‫أكان من جهة البائع أم من جهة المشتري‪.‬‬
‫وعند الجمهور‪ :‬اليجاب‪ :‬هو ما صدر ممن يكون منه التمليك وإن جاء متأخرا‪ .‬والقبول‪ :‬هو ما‬
‫صدر ممن يصير له الملك وإن صدر أولً (‪. )4‬‬
‫وأركان البيع عند الجمهور غير الحنفية ثلثة أو أربعة (‪ : )5‬عاقد (بائع ومشتر) ومعقود عليه (ثمن‬
‫ومثمن) وصيغة (إيجاب وقبول)‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الركن عند الحنفية‪ :‬هو مايتوقف عليه وجود الشيء وكان جزءا منه‪ ،‬وعند الجمهور‪ :‬هو‬
‫مايتوقف عليه وجود الشيء وتصوره في العقل سواء أكان جزءا منه‪ ،‬أم كان مختصا به وليس جزءا‬
‫منه‪ .‬وأما الشرط فهو مايتوقف عليه وجود الشيء وليس جزءا منه‪.‬‬
‫(‪ )2‬فتح القدير‪ 5 :‬ص ‪ ،74‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ ،133‬حاشية ابن عابدين‪4 :‬ص ‪ 5‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬المراجع السابقة‪.‬‬
‫(‪ )4‬شرح المنهج للشيخ زكريا النصاري‪ 2 :‬ص ‪ 180‬ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ 2 :‬ص ‪.3‬‬
‫(‪ )5‬الشرح الكبير‪ ،2/3 :‬مغني المحتاج‪ ،3/2 :‬كشاف القناع‪.135/3 :‬‬

‫( ‪)5/6‬‬

‫والكلم في اليجاب والقبول في موضعين‪:‬‬


‫أحدهما ـ في صيغة اليجاب والقبول‪.‬‬
‫والثاني ـ في صفة اليجاب والقبول‪.‬‬
‫‪ - 1‬صيغة اليجاب والقبول‬
‫صيغة العقد‪ :‬هي صورته التي يقوم بها من إيجاب وقبول إن كان العقد التزاما بين طرفين‪ ،‬أو إيجاب‬
‫فقط إن كان التزاما من جانب واحد‪.‬‬
‫اتفقت الشرائع على أن مدار وجود العقد وتحققه هو صدور ما يدل على التراضي من كل الجانبين‬
‫بإنشاء التزام بينهما‪ .‬وهذا هو ما يعرف عند العلماء (بصيغة العقد) وهو ما يسمى عند القانونيين‬
‫( التعبير عن الرادة ) ويشترط في صيغة العقد أن يكون صدورها من المتعاقدين بطريق يعتبره‬
‫الشارع‪ ،‬وطريق اعتبار الشارع عند الحنفية‪ :‬هو أن البيع ينعقد بكل لفظ يدل على التراضي بتبادل‬
‫الملك في الموال بحسب عرف الناس وعاداتهم (‪. )1‬‬
‫فقالوا (‪ : )2‬ينعقد البيع بصيغة الماضي مثل‪ :‬بعت‪ ،‬واشتريت‪ .‬وبصيغة الحال مع النية مثل‪ :‬أبيع‬
‫وأشتري‪.‬‬
‫أما البيع بلفظ الستدعاء الذي يعبر به عن المستقبل‪ ،‬فل ينعقد به البيع عند الحنفية كأن يقول‪ ( :‬بعني‬
‫أو اشتر مني ) ما لم يقل المشتري مرة ثانية في المثال الول‪ :‬اشتريت‪ ،‬وفي المثال الثاني‪ :‬يقول‬
‫البائع ثانية‪ ( :‬بعت ) لن طالب البيع أو الشراء وهو المستدعي‪ ،‬ينسب إلى الغش والتدليس في‬
‫العادة‪ ،‬فربما فهم الناس منه أنه لو لم يكن في البيع عيب‪ ،‬لما كان يسأل غيره في أخذه‪ ،‬وإنما غيره‬
‫هو الذي يطلبه‪ ،‬كما هو المعروف في السواق‪ ،‬ثم إنه لو تأخر القبول عن اليجاب لم يصح به البيع‪،‬‬
‫فلم يصح إذا تقدم‪ ،‬ولنه عقد خل عن القبول‪ ،‬فلم ينعقد كما لو لم يطلب البيع أو الشراء‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أصول البيوع الممنوعة في الشريعة والقانون للستاذ الشيخ عبد السميع إمام‪ :‬ص (‪.)18 ،16‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪. 133/5 :‬‬

‫( ‪)5/7‬‬

‫الفرق بين البيع والزواج‪ :‬البيع بخلف عقد النكاح‪ ،‬فإنه يصح بلفظ الستدعاء‪ ،‬مثل أن يقول‪:‬‬
‫( زوجني ) لنه في هذه الحالة يكون قوله‪ ( :‬زوجني ) توكيلً بالزواج‪ ،‬فإن زوجه امتثل أمره‪ ،‬ولبى‬
‫طلبه فيكون المزّوج وليا من طرف ووكيلً من طرف‪ ،‬والشخص الواحد‪ :‬يتولى طرفي عقد النكاح‪،‬‬
‫بخلف البيع‪ ،‬فإنه ل يجوز أن يتولى الواحد طرفي العقد في البيع إل الب يشتري مال ابنه لنفسه أو‬
‫يبيع ماله منه‪ ،‬وكذلك الوصي عند أبي حنيفة إذا اشترى لليتيم من نفسه أو لنفسه منه‪.‬‬
‫وهناك فرق آخر بين البيع والنكاح‪ :‬وهو أن لفظ المر للمساومة حقيقة‪ ،‬فل تكون صيغته إيجابا‬
‫وقبولً حقيقة‪ ،‬بل هي طلب اليجاب والقبول‪ ،‬فل بد لليجاب والقبول من لفظ آخر يدل عليهما‪ ،‬ول‬
‫يمكن حمل هذه الصيغة على المساومة في النكاح؛ لن المساومة ل توجد فيه عادة؛ لنه مبني على‬
‫مقدمة الخطبة‪ ،‬فتحمل هذه الصيغة على اليجاب والقبول‪ .‬أما البيع فل يكون مسبوقا بمثل ذلك‪ ،‬فكان‬
‫المر فيه مساومة‪ ،‬عملً بحقيقة لفظ المر‪ ،‬ول يعدل عن الحقيقة إلى شيء آخر إل بدليل‪ ،‬ولم يوجد‬
‫في البيع‪ ،‬بخلف النكاح كما تقدم‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن صيغة البيع عند الحنفية إما أن تكون بلفظين من غير نية‪ ،‬وذلك بصيغة الماضي‪ ،‬مثل‬
‫بعت واشتريت‪ ،‬وهذه الصيغة وإن كانت للماضي وضعا‪ ،‬لكنها جعلت إيجابا للحال في عرف أهل‬
‫اللغة والشرع‪ ،‬والعرف قاض على اللغة‪ .‬أو بلفظين مع النية للحال‪ ،‬وذلك بصيغة المضارع؛ لن‬
‫المضارع يحتمل الحال أو الستقبال‪ ،‬فتكون النية لدفع المحتمل‪ :‬وهو أن يراد الوعد بالبيع في‬
‫المستقبل‪ ،‬فتكون نية اليجاب للحال مانعة من إرادة المستقبل‪.‬‬

‫تعليق المستخدم ‪:‬الفرق بين البيع والنكاح انظر أيضا‪:‬‬


‫‪5/14‬‬
‫* أبو أكرم الحلبي‬

‫( ‪)5/8‬‬

‫أو بثلثة ألفاظ‪ ،‬وذلك بلفظ الستفهام‪ :‬بأن قال المشتري‪ (:‬أتبيع مني هذا الشيء؟ ) أو بلفظ المر بأن‬
‫قال البائع‪ ( :‬اشتر مني هذا الثوب ) أو قال المشتري‪ ( :‬بع مني هذا الثوب ) ل ينعقد في هذه المثلة‬
‫ما لم ينضم إليها لفظ ثالث‪ ،‬فيقول المشتري في المثال الول‪ ( :‬اشتريت ) لن لفظ الستفهام ل‬
‫يستعمل للحال حقيقة‪ ،‬ويقول البائع في المثال الثاني‪ ( :‬بعت ) ويقول المشتري في المثال الثالث‪:‬‬
‫(اشتريت)‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ ،‬ل يصح أصلً البيع بلفظ المر مجردا سواء نوى‪ ،‬أو لم ينو إل إذا دل على الحال مثل‪:‬‬
‫(خذه بكذا) كما ل يصح أصلً بالمضارع المقترن بالسين أو سوف‪ ،‬مثل‪( :‬سأبيعك) لن ذكر السين‬
‫يناقض إرادة الحال (‪. )1‬‬
‫وقال المالكية‪ ،‬والشافعية في الظهر‪ ،‬والحنابلة‪ :‬ينعقد العقد سواء أكان بيعا أم نكاحا بلفظ الستدعاء‬
‫مثل‪« :‬بعني» أو «اشتر مني» فيقول الخر‪« :‬بعت» أو «اشتريت» لن أساس العقد هو التراضي‪،‬‬
‫ولفظ اليجاب والقبول وجد منهما على وجه تحصل منه الدللة على تراضيهما به عرفا‪ ،‬فصح كما‬
‫لو تقدم اليجاب‪ ،‬وبه يحصل الغرض بكون المستدعي بائعا أو مشتريا (‪. )2‬‬
‫بيع المعاطاة ‪:‬‬
‫بيع المعاطاة أو بيع المراوضة‪ :‬هو أن يتفق المتعاقدان على ثمن ومثمن‪ ،‬ويعطيا من غير إيجاب ول‬
‫قبول‪ ،‬وقد يوجد لفظ من أحدهما‪.‬‬
‫مثل‪ :‬أن يأخذ المشتري المبيع‪ ،‬ويدفع للبائع الثمن‪ ،‬أو يدفع البائع المبيع‪ ،‬فيدفع له الخر ثمنه من غير‬
‫تكلم ول إشارة‪ ،‬سواء أكان المبيع حقيرا أم نفيسا‪ .‬وقد اختلف الفقهاء في حكمه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ 133‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير مع العناية‪ 5 :‬ص ‪ 75‬ومابعدها‪ ،‬حاشية ابن عابدين‪:‬‬
‫‪4‬ص ‪ 9‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬بداية المجتهد‪ 2 :‬ص ‪ ،168‬حاشية الدسوقي‪ 3 :‬ص ‪ ،3‬الميزان‪ 2 :‬ص ‪ ،63‬مغني المحتاج‪:‬‬
‫‪2‬ص ‪ ،4‬المغني‪ 3 :‬ص ‪ ،560‬كشاف القناع‪.136/3 :‬‬

‫( ‪)5/9‬‬

‫فقال الحنفية والمالكية والحنابلة في الرجح عندهم‪ :‬يصح بيع المعاطاة متى كان هذا معتادا دالً على‬
‫الرضا ومعبرا تماما عن إرادة كل من المتعاقدين‪ ،‬والبيع يصح بكل ما يدل على الرضا‪ ،‬ولن الناس‬
‫يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كل عصر‪ ،‬ولم ينقل إنكاره عن أحد‪ ،‬فكان ذلك إجماعا‪ ،‬فالقرينة‬
‫كافية هنا في الدللة على الرضا (‪. )1‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬يشترط أن يقع العقد باللفاظ الصريحة أو الكنائية‪ ،‬باليجاب والقبول‪ ،‬فل يصح بيع‬
‫المعاطاة‪ ،‬سواء أكان المبيع نفيسا أم حقيرا؛ لن الرسول عليه الصلة والسلم قال‪« :‬إنما البيع عن‬
‫تراض» (‪ )2‬والرضا أمر خفي‪ ،‬فاعتبر ما يدل عليه من اللفظ‪ ،‬ل سيما عند إثبات العقد حالة التنازع‪،‬‬
‫فل تقبل شهادة الشهود لدى الحاكم إل بما سمعوه من اللفظ‪.‬‬
‫وقد اختار جماعة من الشافعية منهم النووي والبغوي والمتولي صحة انعقاد بيع المعاطاة في كل ما‬
‫يعده الناس بها بيعا‪ ،‬لنه لم يثبت اشتراط لفظ‪ ،‬فيرجع للعرف كسائر اللفاظ المطلقة‪ ،‬قال النووي‪:‬‬
‫وهذا هو المختار للفتوى‪ .‬وبعض الشافعية كابن سريج والروياني خصص جواز بيع المعاطاة‬
‫بالمحقرات أي غير النفيسة‪ :‬وهي ما جرت العادة فيها بالمعاطاة كرطل خبز وحزمة بقل‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ ،134‬فتح القدير‪ 5 :‬ص ‪ ،77‬بداية المجتهد‪ 2 :‬ص ‪ ،161‬المغني‪ 3 :‬ص ‪.561‬‬
‫(‪ )2‬صححه ابن حبان‪.‬‬

‫( ‪)5/10‬‬

‫ونحوها (‪. )1‬‬


‫ويلحظ أن الفقهاء أجمعوا على أن الزواج ل ينعقد بالفعل‪ ،‬بل ل بد من القول للقادر عليه لخطره‪،‬‬
‫فكان ل بد من الحتياط له‪ ،‬وإتمامه بأقوى الدللت على الرادة‪ :‬وهو القول‪.‬‬
‫‪ - 2‬صفة اليجاب والقبول ـ الكلم في خيار المجلس ‪:‬‬
‫ل يكون كل من اليجاب والقبول لزما قبل وجود الخر‪ ،‬فإذا وجد أحدهما ل يلزم قبل وجود الشطر‬
‫الخر‪ ،‬ويكون لكل من المتعاقدين حينئذ خيار القبول والرجوع‪ ،‬فإذا تم اليجاب والقبول‪ ،‬فهل يكون‬
‫لحد العاقدين في مجلس العقد خيار الرجوع؟‬
‫اختلف العلماء فيه‪.‬‬
‫فقال الحنفية والمالكية والفقهاء السبعة بالمدينة (‪ : )2‬يلزم العقد باليجاب والقبول؛ لن البيع عقد‬
‫معاوضة‪ ،‬يلزم بمجرد تمام لفظ البيع والشراء‪ ،‬ول يحتاج إلى خيار مجلس‪ ،‬ولقول عمر رضي ال‬
‫عنه‪« :‬البيع صفقة أو خيار» ‪.‬‬
‫وقالوا عن حديث «البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا» ‪ :‬المراد بالمتبايعين‪ :‬هما المتساومان والمتشاغلن‬
‫بأمر البيع‪ ،‬والمراد بالتفرق التفرق بالقوال‪ :‬وهو أن يقول الخر بعد اليجاب‪ :‬ل أشتري‪ ،‬أو يرجع‬
‫الموجب قبل القبول‪ ،‬فالخيار قبل القبول ثابت‪ .‬ورد بعضهم هذا الحديث لمعارضته لية {إل أن تكون‬
‫تجارة عن تراض منكم} [النساء‪ ]29/4:‬وآية {أوفوا بالعقود} [المائدة‪ ]1/5:‬وقال بعضهم‪ :‬إنه منسوخ‪.‬‬
‫يظهر من هذا أن خيار المجلس مقصور عند هؤلء على ما قبل تمام العقد‪ ،‬فإذا أوجب أحد‬
‫المتعاقدين‪ ،‬فالخر بالخيار‪ :‬إن شاء قبل في المجلس‪ ،‬وإن شاء رد‪ ،‬وهذا هو خيار القبول (‪ )3‬وخيار‬
‫الرجوع‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة وسفيان الثوري وإسحاق‪ :‬إذا انعقد البيع بتلقي اليجاب والقبول‪ ،‬يقع العقد‬
‫جائزا أي غير لزم‪ ،‬ما دام المتعاقدان في المجلس‪ ،‬ويكون لكل من المتبايعين الخيار في فسخ البيع‬
‫أو إمضائه ما دام مجتمعين لم يتفرقا أو يتخايرا‪ ،‬والمحكّم في التفرق‪ :‬العرف (‪ : )4‬وهو أن يتفرقا‬
‫عن مقامهما الذي تبايعا فيه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ 2 :‬ص ‪ 3‬ومابعدها‪ ،‬المهذب‪ 1 :‬ص ‪ ،257‬الشباه والنظائر للسيوطي‪ :‬ص ‪،89‬‬
‫ط التجارية‪.‬‬
‫(‪ )2‬فقهاء المدينة السبعة هم‪ :‬سعيد بن المسيب ( توفي ‪ 94‬هـ )‪ ،‬عروة بن الزبير ( ‪ 94‬هـ )‪،‬‬
‫القاسم بن محمد ( ‪106‬هـ )‪ ،‬أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (‪94‬هـ )‪ ،‬عبيد ال بن‬
‫عتبة بن مسعود (‪98‬هـ )‪ ،‬سليمان بن يسار (‪107‬هـ )‪ ،‬خارجة بن زيد بن ثابت (‪99‬هـ)‪.‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ ،134‬فتح القدير‪ 5 :‬ص ‪ ،78‬بداية المجتهد‪ 2 :‬ص ‪ 169‬ومابعدها‪ ،‬حاشية‬
‫الدسوقي‪ 3 :‬ص ‪،81‬المنتقى على الموطأ‪ 5 :‬ص ‪ ،55‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،274‬كشاف القناع‪:‬‬
‫‪ ،187/3‬ط مكة‪.‬‬
‫(‪ )4‬مغني المحتاج‪ 2 :‬ص ‪ ،45 ،43‬المغني‪ 3 :‬ص ‪ ،563‬المهذب‪ 1 :‬ص ‪ .257‬قال بعض‬
‫الحنابلة‪ :‬يختلف العرف في التفرق باختلف مواضع البيع‪ : :‬ففي فضاء واسع أو سوق ‪ :‬يكون‬
‫التفرق بمشي أحد العاقدين مستدبرا لصاحبه خطوات بحيث ل يسمع كلمه المعتاد ‪ ،‬وفي السفينة‬
‫بصعود أحدهما لعلها ‪ ،‬أونزوله لسفلها ‪ ،‬وفي قارب صغير بخروج أحدهما منه ويمشي ‪ ،‬وفي‬
‫دار كبيرة بخروجه من بيت أو مجلس لخر ‪ ،‬وفي دار صغيرة بصعود أحدهما السطح أو خروجه‬
‫منها ‪ .‬ول يحصل التفرق ببناء حائط بين العاقدين ‪ ،‬ول إن ناما أو مشيا جميعا ( راجع غاية المنتهى‬
‫‪ 2 :‬ص ‪. ) 30‬‬

‫( ‪)5/11‬‬

‫والمراد به التفرق بالبدان‪ ،‬وهو التفرق حقيقة‪ .‬وهو الذي يكون لذكره في الحديث فائدة‪ ،‬لنه معلوم‬
‫لكل واحد أن المتعاقدين بالخيار إذا لم يقع بينهما عقد بالقول‪.‬‬
‫وهذا هو خيار المجلس الثابت في أنواع البيع‪ ،‬لما روى الشيخان أنه صلّى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫«البيّعان بالخيار‪ ،‬ما لم يتفرقا‪ ،‬أو يقول أحدهما للخر‪ :‬اختر» (‪ )1‬أي اختر اللزوم‪ .‬قال ابن رشد‪:‬‬
‫وهذا حديث إسناده عند الجميع من أوثق السانيد‪ ،‬وأصحها‪ .‬وقد أثبت ابن حزم في المحلى تواتره‪.‬‬
‫و ردوا على المالكية والحنفية بأن اللفظ الوارد في هذا الحديث ل يحتمل ما قالوه (أي التفرق‬
‫بالقوال) إذ ليس بين المتبايعين تفرق بلفظ ول اعتقاد‪ ،‬إنما بينهما اتفاق على الثمن والمبيع‪ ،‬بعد‬
‫الختلف فيهما‪ .‬وتأويلهم يبطل فائدة الحديث‪ ،‬لنه من المعلوم أنهما بالخيار قبل العقد في إنشائه‪،‬‬
‫وإتمامه‪ ،‬أو تركه‪ ،‬ومعنى قول عمر السابق‪« :‬البيع صفقة أو خيار» هو أن البيع ينقسم إلى بيع شرط‬
‫فيه الخيار‪ ،‬وبيع لم يشترط فيه الخيار‪ ،‬وقد سماه صفقة لقصر مدة الخيار فيه‪.‬‬
‫إل أنه أخذ على هذا الرأي كونه يهدر أو يزعزع القوة الملزمة للعقد‪ ،‬وهو مبدأ خطير من أهم‬
‫المبادئ القانونية (‪ . )2‬لكنني رددت على هذا التهام في بحث نظرية الفسخ السابقة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬سبل السلم ‪ 3 :‬ص ‪ 33‬وما بعدها ‪ .‬وهذا هو بيع الخيار عند الشافعي ‪ :‬وهو أن يقول أحد‬
‫المتعاقدين للخر بعدما تم اليجاب والقبول وقبل التفرق ‪ :‬اختر ‪ :‬إن شئت فدع ‪ ،‬وإن شئت فخذ ‪.‬‬
‫فإذا أخذ لزم البيع وقام الخيار مقام التفرق بالبدان ‪.‬‬
‫(‪ )2‬راجع مصادر الحق للسنهوري ‪ 2 :‬ص ‪ 37‬وما بعدها ‪.‬‬

‫( ‪)5/12‬‬

‫المبحث الثاني ـ شروط البيع‬


‫يجب أن يتوافر في عقد البيع أربعة أنواع من الشروط وهي‪ :‬شروط انعقاد‪ ،‬وشروط صحة‪ ،‬وشروط‬
‫نفاذ‪ ،‬وشروط لزوم (‪ ، )1‬والقصد من هذه الشروط في الجملة منع وقوع المنازعات بين الناس‪،‬‬
‫وحماية مصالح العاقدين‪ ،‬ونفي الغرر (أي الحتمال) والبعد عن المخاطر بسبب الجهالة‪ ،‬فإذا اختل‬
‫شرط النعقاد كان العقد باطلً‪ ،‬وإذا اختل شرط الصحة كان العقد عند الحنفية فاسدا‪ ،‬وإذا لم يتوافر‬
‫شرط النفاذ كان العقد موقوفا على الجازة ول تنتقل به الملكية إل بالجازة‪ ،‬وإذا انعدم شرط اللزوم‬
‫كان العقد مخيرا فيه أي مشتملً على خيار المضاء أو البطال‪.‬‬
‫أولً ‪ -‬شرائط النعقاد‪ :‬وهي ما يشترط تحققه لعتبار العقد منعقدا شرعا‪ ،‬وإل كان باطلً‪ .‬وقد‬
‫اشترط الحنفية لنعقاد البيع أربعة أنواع من الشروط‪ :‬في العاقد‪ ،‬وفي نفس العقد‪ ،‬وفي مكانه‪ ،‬وفي‬
‫المعقود عليه (‪. )2‬‬
‫أما ما يشترط في العاقد فهو شرطان‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون العاقد عاقلً أي مميزا‪ ،‬فل ينعقد بيع المجنون والصبي غير العاقل‪.‬‬
‫ول يشترط البلوغ عند الحنفية‪ ،‬فيصح تصرف الصبي المميز البالغ من العمر سبع سنوات كما سيأتي‬
‫تفصيله‪ ،‬وفي الجملة‪ :‬إن تصرفات الصبي المميز العاقل تنقسم عند الحنفية إلى ثلثة أقسام‪:‬‬
‫آ ـ التصرفات النافعة نفعا محضا‪ :‬كالحتطاب والحتشاش والصطياد‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع التفصيل في حاشية ابن عابدين‪ 4 :‬ص ‪ 5‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر أيضا البدائع‪ 5 :‬ص ‪ 135‬ومابعدها‪ 2 ،‬ص ‪ ،332‬حاشية ابن عابدين‪ 2 :‬ص ‪.448‬‬

‫( ‪)5/13‬‬

‫وقبول الهبة والصدقة والوصية والكفالة بالدين‪ ،‬فهذه التصرفات تصح من الصبي العاقل دون إذن ول‬
‫إجازة من الولي‪ ،‬لنها لنفعة التام‪.‬‬
‫ب ـ التصرفات الضارة ضررا محضا‪ :‬كالطلق والهبة والصدقة والقراض وكفالته لغيره بالدين أو‬
‫بالنفس‪ ،‬فهذه ل تصح من الصبي العاقل‪ ،‬ول تنفذ‪ ،‬ولو أجازها وليه؛ لن الولي ل يملك إجازة هذه‬
‫التصرفات لما فيها من الضرر‪.‬‬
‫ج ـ التصرفات الدائرة بين الضرر والنفع‪ :‬كالبيع والشراء واليجار والستئجار والزواج والمزارعة‬
‫والمساقاة والشركات ونحوها‪ .‬فهذه التصرفات تصح من الصبي المميز‪ ،‬ولكنها تكون موقوفة على‬
‫إذن الولي أو إجازته ما دام صغيرا‪ ،‬أو على إجازته بنفسه بعد البلوغ؛ لن للمميز جانبا من الدراك‬
‫غير قليل (‪. )1‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون العاقد متعدداً‪ :‬فل ينعقد البيع بواسطة وكيل من الجانبين إل في الب ووصيه‬
‫والقاضي والرسول من الجانبين‪ ،‬بخلف الوكيل في عقد النكاح‪ ،‬فإنه يصح أن يعقد النكاحَ وكيل من‬
‫الجانبين‪.‬‬
‫والفرق بين البيع والنكاح‪ :‬هو أن للبيع حقوقا متضادة مثل التسليم والتسلم والمطالبة بتسليم المبيع‬
‫وقبض ا لثمن والرد بالعيب والخيارات‪ .‬ويستحيل أن يكون الشخص الواحد في زمان واحد مسلّما‬
‫ومتسلما‪ ،‬طالبا ومطالبا‪ ،‬وهذا محال‪ .‬وبما أن حقوق العقد مقتصرة على العاقد فل يصير كلم العاقد‬
‫كلم الشخصين‪ .‬وأما الوكيل في النكاح فإن حقوق العقد ل ترجع إليه‪ ،‬وإنما ترجع إلى الموكل فكان‬
‫سفيرا محضا بمنزلة الرسول‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر كتب الصول عند الحنفية مثل التلويح على التوضيح‪ 2 :‬ص ‪ 165‬ومابعدها‪.‬‬

‫تعليق المستخدم ‪:‬الفرق بين البيع والنكاح انظر أيضا‪:‬‬


‫‪5/8‬‬
‫* أبو أكرم الحلبي‬

‫( ‪)5/14‬‬

‫وقد استثني الب فيما يبيع مال نفسه من ابنه الصغير‪ ،‬بمثل قيمته أو بما يتغابن الناس فيه عادة‪ ،‬أو‬
‫يشتري مال الصغير لنفسه‪ ،‬لنه حينئذ اقترب من مال اليتيم بالتي هي أحسن‪ ،‬لكمال شفقته ووفرة‬
‫رعايته بحكم طبيعة الحال‪.‬‬
‫والوصي مثل الب عند أبي حنيفة وأبي يوسف إذا تصرف بما فيه نفع ظاهر لليتيم أو بمثل القيمة‪،‬‬
‫لنه مرضي الب‪ ،‬والظاهر ما رضي به إل لوفور شفقته على الصغير‪.‬وقال محمد‪ :‬ل يجوز‬
‫تصرف الوصي بمال الصبي لنفسه بمثل القيمة؛ لن القياس يأبى جوازه أصلً من الب والوصي‬
‫جميعا‪ .‬والتساهل في الب لكمال شفقته بخلف الوصي‪.‬‬
‫والقاضي ل ترجع إليه حقوق العقد‪ ،‬فكان بمنزلة الرسول‪ ،‬والرسول ل تلزمه حقوق العقد‪ ،‬لنه معبر‬
‫وسفير‪ ،‬فجاز لكل من القاضي والرسول تولي العقد عن الجانبين‪.‬‬
‫وأجاز جمهور الحنفية بخلف الشافعي وزفر للشخص الواحد أن يتولى طرفي عقد النكاح بإيجاب‬
‫يقوم مقام القبول في خمس صور‪:‬‬
‫إذا كان وليا أو وكيلً من الجانبين كأن يقول شخص‪ :‬زوجت ابني ببنت أخي‪ ،‬أو زوجت موكلي فلنا‬
‫موكلتي فلنة‪ ،‬أو أصيلً من جانب ووكيلً من جانب آخر كما لو وكلت امرأة شخصا في أن يزوجها‬
‫من نفسه‪ ،‬أو أصيلً من جانب ووليا من جانب كأن يتزوج بنت عمه الصغيرة‪ ،‬أو وليا من جانب‬
‫ووكيلً من جانب‪ :‬مثل زوجت بنتي من موكلي‪ .‬أما صورة الصيل من الجانبين فهي مستحيلة عقلً‬
‫( ‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ ،136‬مجمع الضمانات‪ :‬ص ‪ ،410‬الفرائد البهية في القواعد الفقهية للشيخ‬
‫محمود حمزة‪ :‬ص ‪.139‬‬

‫( ‪)5/15‬‬

‫وأما ما يشترط في نفس العقد فهو شرط واحد‪ :‬وهو أن يكون القبول موافقا لليجاب (‪ )1‬كما سيأتي‬
‫تفصيله‪.‬‬
‫وأما ما يشترط في مكان العقد‪ :‬فهو شرط واحد أيضا وهو اتحاد مجلس اليجاب والقبول كما سيذكر‬
‫تفصيله‪ .‬ومجلس البيع‪ :‬هو الجتماع الواقع لعقد البيع (م ‪ 181‬مجلة)‪.‬‬
‫وأما ما يشترط في المعقود عليه أي المبيع فهو أربعة شروط (‪: )2‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون المبيع موجوداً‪ :‬فل ينعقد بيع المعدوم قبل وجوده وماله خطر العدم‪ .‬من أمثلة الول‪:‬‬
‫بيع نتاج النتاج أي ولد ولد هذه الناقة مثلً‪ ،‬وبيع الثمر قبل انعقاد شيء منه على الشجرة‪ .‬ومن أمثلة‬
‫الثاني‪ :‬بيع الحمل‪ ،‬وبيع اللبن في الضرع‪ ،‬فكل من الحمل واللبن متردد بين الوجود وعدم الوجود‬
‫فهما على خطر العدم‪.‬‬
‫ودليله في الجملة‪ :‬أنه صلّى ال عليه وسلم نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلحها (‪ . )3‬ويلحق به بيع‬
‫ياقوتة فإذا هي زجاج‪ ،‬ففي هذا غلط في الجنس فل ينعقد البيع‪ ،‬لن المبيع معدوم‪.‬‬
‫ويستثنى بيع السلم والستصناع وبيع الثمر على الشجر بعد ظهور بعضه في رأي بعض الحنفية‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون المبيع مالً متقوما ‪:‬‬
‫والمال عند الحنفية كما عرفنا سابقا‪ :‬ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة‪ .‬وبعبارة أخرى‪:‬‬
‫هو كل ما يمكن أن يملكه النسان وينتفع به على وجه معتاد‪ .‬والصح أنه هو كل عين ذات قيمة‬
‫مادية بين الناس‪ .‬والمتقوم‪ :‬ما يمكن ادخاره مع إباحته شرعا‪ .‬وبعبارة أخرى‪ :‬هو ما‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪.137‬‬
‫(‪ )2‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪.148-138‬‬
‫(‪ )3‬نص الحديث رواه الشيخان عن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪« :‬نهى رسول ال صلّى ال عليه‬
‫وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلحها‪ ،‬نهى البائع والمبتاع» (انظر جامع الصول‪.)389 / 1 :‬‬

‫( ‪)5/16‬‬

‫كان محرزا فعلً ويجوز النتفاع به في حالة الختيار (‪ ، )1‬فل ينعقد بيع ما ليس بمال كالنسان‬
‫الحر والميتة والدم‪ ،‬ول بيع مال غير متقوم كالخمر والخنزير في حق مسلم‪ ،‬ويجوز بيع آلت‬
‫الملهي عند أبي حنيفة لمكان النتفاع بالدوات المركبة منها‪ ،‬وعند الصاحبين وبقية الئمة‪ :‬ل ينعقد‬
‫بيع هذه الشياء‪ ،‬لنها معدة للفساد‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون مملوكا في نفسه‪ :‬أي محرزا وهو ما دخل تحت حيازة مالك خاص‪ .‬فل ينعقد بيع ما‬
‫ليس بمملوك لحد من الناس مثل بيع الكل ولو في أرض مملوكة‪ ،‬والماء (‪ )2‬غير المحرز‪،‬‬
‫والحطب‪ ،‬والحشيش‪ ،‬والصيود التي في البراري‪ ،‬وتراب الصحراء ومعادنها‪ ،‬وأشعة الشمس‬
‫والهواء‪ ،‬ولقطات البحر وحيوانات البر في البراري‪.‬‬
‫أما كون المبيع مملوكا للبائع‪ ،‬فليس شرط انعقاد‪ ،‬وإنما هو شرط نفاذ كما سيأتي‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن يكون مقدور التسليم عند العقد ‪:‬‬
‫فل ينعقد بيع معجوز التسليم‪ ،‬وإن كان مملوكا للبائع‪ ،‬مثل الحيوان الشارد والطير في الهواء‪ ،‬والسمك‬
‫في البحر بعد أن كان في يده‪.‬‬
‫شروط اليجاب والقبول ‪:‬‬
‫يفهم مما ذكر من شرائط النعقاد أنه يشترط في اليجاب والقبول ثلثة شروط‪:‬‬
‫‪ - 1‬الهلية‪ :‬هي عند الحنفية أن يكون كل من الموجب والقابل عاقلً مميزا يدرك ما يقول ويعينه‬
‫حقا (‪ ، )3‬فهو في الحقيقة شرط في العاقد ل في الصيغة‪ ،‬إل بالنظر لصدورها من العاقدين‪ .‬والتمييز‬
‫مقدر عند الحنفية بتمام السنوات السبع وعند غيرهم ببلوغ السبع سنوات‪ ،‬فل ينعقد بيع المجنون‬
‫والصبي غير المميز؛ لن العقد ارتباط بين إرادتي طرفيه‪.‬‬
‫والكلم ونحوه كالكتابة والشارة دليل على هاتين الرادتين‪ ،‬فكان ل بد من أن يكون هذا الدليل‬
‫صادرا من مميز عاقل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حاشية ابن عابدين‪ 4 :‬ص ‪ ،150 ،3‬الموال ونظرية العقد للدكتور محمد يوسف موسى‪ :‬ص‬
‫‪.164 ،162‬‬
‫(‪ )2‬ل يجوز عند جمهور الفقهاء بيع الماء غير المحرز كمياه البحار والنهار ونحوها‪ ،‬لنها مباحة‬
‫لجميع الناس‪ ،‬ل يختص بها أحد دون غيره‪ ،‬فل يجوز بيعها ما دامت في مقرها‪ ،‬ويجوز بيع الماء‬
‫المحرز كماء البئر أو العين ونحوهما المملوك لشخص ما‪ .‬وقال فقهاء الظاهرية‪ :‬ل يجوز بيع الماء‬
‫ما لم يكن تابعا للبئر أو العين المملوكة‪.‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ ،135‬الموال ونظرية العقد للدكتور محمد يوسف موسى‪ :‬ص ‪.255‬‬

‫( ‪)5/17‬‬

‫والبلوغ والختيار ليسا من شروط النعقاد عند الحنفية‪ ،‬لذا كان من الضروري الكلم في بيع الصبي‬
‫والمكره عند فقهاء المذاهب‪.‬‬
‫بيع الصبي المميز ‪:‬‬
‫قال الحنفية والمالكية والحنابلة‪ :‬ينعقد تصرف الصبي المميز بالبيع والشراء فيما أذن له الولي‪ ،‬وإل‬
‫كان موقوفا على إجازة وليه‪ .‬ودليلهم أن المدار في التصرف‬
‫على إذن الولي‪ ،‬ل على الصبي‪ ،‬فصح البيع؛ لن الصبي حينئذ كالدلل‪ ،‬والعاقد غيره‪ ،‬ولن دفع‬
‫المال إلى الصبي بعد رشده متوقف على اختباره بالبيع والشراء‪ ،‬وأنه يغبن أم ل‪ ،‬فكان ل بد من‬
‫القول بصحة تصرفاته وعقوده‪ ،‬ولكن بإذن الولي لتحصيل المصلحة وحفظ أمواله (‪. )1‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )2‬ل ينعقد بيع الصبي لعدم أهليته‪ ،‬وشرط العاقد بائعا أو مشتريا‪ :‬أن يكون راشدا‪:‬‬
‫وهو أن يتصف بالبلوغ وصلح الدين والمال‪ ،‬ودليلهم قوله تعالى‪{ :‬ول تؤتوا السفهاء أموالكم التي‬
‫جعل ال لكم قياما} [النساء‪ ]5/4:‬والتصرف بالبيع والشراء في معنى إعطاء السفهاء المال لستلزام‬
‫البيع والشراء لبذل المال‪ ،‬والجامع بينهما نقص العقل المؤدي بكل منهما لضاعة المال في غير‬
‫طريقه الشرعي (‪. )3‬‬
‫بيع المكره وبيع التلجئة‪:‬‬
‫بيع المكره ‪:‬‬
‫قال جمهور الحنفية‪ :‬إن عقود البيع والشراء واليجار ونحوها من المكره إكراها ملجئا أو غير ملجئ‬
‫تكون فاسدة؛ لن الكراه يزيل الرضا الذي هو شرط في صحة هذه العقود‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء‪]92/4:‬‬
‫وحينئذ يحق‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ ،135‬بداية المجتهد‪ 2 :‬ص ‪ ،278‬حاشية الدسوقي‪ 3 :‬ص ‪ ،5‬المغني‪ 4 :‬ص‬
‫‪.246‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ 2 :‬ص ‪.7‬‬
‫(‪ )3‬قال الشافعية (تحفة المحتاج وغيرها من شروح المنهاج)‪ :‬ل ينعقد بيع أربعة وهم‪ :‬الصبي مميزا‬
‫أو غير مميز‪ ،‬والمجنون‪ ،‬والعبد ولو كان مكلفا‪ ،‬والعمى‪ ،‬ويقع بيعهم باطلً‪.‬‬

‫( ‪)5/18‬‬

‫للمستكره فسخ ما عقد أو إمضاؤه‪ .‬ويثبت الملك للمشتري عند القبض كبقية العقود الفاسدة‪ ،‬ويلزم‬
‫العقد بقبض المستكره الثمن‪ ،‬أو تسليم المبيع طوعا‪ ،‬إل أنه يخالف البيع الفاسد في صور منها‪ :‬أنه‬
‫يجوز بالجازة القولية والفعلية‪ ،‬ويزول الفساد بخلف غيره من البيوع الفاسدة ل تجوز‪ ،‬وإن أجيزت؛‬
‫لن الفساد فيها لحق الشرع‪ ،‬والفساد هنا إنما كان صيانة لمصلحة خاصة ل لمصلحة شرعية عامة‪،‬‬
‫وبه يشبه المكره البيع الموقوف‪ ،‬ومن هنا قالوا‪ :‬إنه بيع فاسد موقوف‪.‬‬
‫لذا قال زفر‪ :‬إن الكراه يجعل العقد غير نافذ‪ ،‬فهو كعقد الفضولي صحيح موقوف بالنسبة إلى‬
‫المستكره‪ ،‬فيتوقف على إجازته بعد زوال الكراه؛ لن الكراه إنمايخل بحق المستكره ومصلحته‪،‬‬
‫فيكفي لحمايته جعل العقد موقوف النفاذ على رضاه بعد زوال الكراه‪ ،‬ورأي زفر أقوى دليلً (‪. )1‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة‪ :‬يشترط أن يكون العاقد مختارا طائعا في بيع متاع نفسه‪ ،‬فل ينعقد بيع المكره‬
‫في ماله بغير حق‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬إل أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء‪ ]92/4:‬ولقوله عليه‬
‫الصلة والسلم‪« :‬رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (‪. )2‬‬
‫وأما الكراه بحق فل يمنع من انعقاد العقد‪ ،‬إقامة لرضا الشرع مقام رضاه‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حاشية ابن عابدين‪ 4 :‬ص ‪ 5 ،4‬ص ‪ ،91-89‬الموال ونظرية العقد للدكتور يوسف موسى‪:‬‬
‫ص ‪ ،398‬مختصر الطحاوي‪ :‬ص ‪ ،408‬المدخل الفقهي للستاذ الزرقاء‪ :‬ف ‪ 185‬في الحاشية‪،‬‬
‫الفرائد البهية في القواعد الفقهية للشيخ محمود حمزة‪ :‬ص ‪.324‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني عن ثوبان بلفظ «إن ال تجاوز» قال النووي‪ :‬حديث حسن‪ ،‬وتعقبه الهيثمي بأن‬
‫فيه يزيد بن ربيعة الرحبي‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬ورواه ابن ماجه وابن حبان‪ ،‬والدارقطني والطبراني‬
‫والبيهقي والحاكم في المستدرك من حديث الوزاعي‪ ،‬واختلف عليه‪ :‬فقيل‪ :‬عن ابن عساكر بلفظ «إن‬
‫ال وضع» وللحاكم والدارقطني والطبراني‪« :‬تجاوز» (انظر التلخيص الحبير‪ ،109/1 :‬مجمع‬
‫الزوائد‪.)250/6 :‬‬

‫( ‪)5/19‬‬

‫مثل الجبار على بيع الدار لتوسعة المسجد أو الطريق أو المقبرة‪ ،‬أو على بيع سلعة لوفاء دين أو‬
‫لنفقة زوجة أو ولد أو البوين‪ ،‬أو لجل وفاء ما عليه من الخراج الحق‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬بيع المكره غير لزم‪ ،‬فيكون للعاقد المستكره الخيار بين فسخ العقد أو إمضائه‪ .‬هذا ما‬
‫وجدته في مختصر خليل وشراحه‪ ،‬لكن قال ابن جزي‪ :‬يشترط في البائع والمشتري أن يكونا طائعين‪،‬‬
‫فإن بيع المكره وشراءه باطلن (‪. )1‬‬
‫بيع المضطر‪ :‬أن يضطر شخص إلى بيع شيء من ماله‪ ،‬ولم يرض المشتري إل بشرائه بدون ثمن‬
‫المثل بغبن فاحش‪ .‬مثاله‪ :‬أن يلزم القاضي شخصا ببيع ماله ليفاء دينه‪ ،‬أو ألزم الذمي بائعا ببيع‬
‫مصحف أو عبد مسلم ونحو ذلك‪ .‬وحكمه عند الحنفية كما قالوا‪ :‬بيع المضطر وشراؤه فاسد (‪. )2‬‬
‫وأجازه فقهاء آخرون للضرورة‪.‬‬
‫بيع التلجئة‪ :‬صورة بيع التلجئة أو بيع المانة‪ :‬أن يخاف إنسان اعتداء ظالم على بعض ما يملك‪،‬‬
‫فيتظاهر هو ببيعه لثالث فرارا منه‪ ،‬ويتم العقد مستوفيا أركانه وشرائطه‪ .‬واختلف العلماء في شأنه‪.‬‬
‫فقال الحنابلة‪ :‬إنه عقد باطل غير صحيح‪ ،‬لن العاقدين ماقصدا البيع‪ ،‬فلم يصح منهما كالهازلين (‪)3‬‬
‫‪.‬‬
‫وقال الحنفية والشافعي‪ :‬هو بيع صحيح‪ ،‬لن البيع تم بأركانه وشروطه‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الميزان ‪ ،62/2‬حاشية الدسوقي‪ ،6/3 :‬مغني المحتاج‪ 7/2 :‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص‬
‫‪ ،246‬غاية المنتهى‪.5/2 :‬‬
‫(‪ )2‬حاشية ابن عابدين‪ ،255 ،111/4 :‬المغني‪.214/4 :‬‬
‫(‪ )3‬المغني‪.214/4 :‬‬

‫( ‪)5/20‬‬

‫وأتي باللفظ مع قصد واختيار خاليا عن مقارنة مفسد‪ ،‬فصح كما لو اتفقا على شرط فاسد‪ ،‬ثم عقد‬
‫البيع بغير شرط‪ .‬وأما عدم رضاه بوقوعه فهو كظنه أنه ل يقع‪ ،‬ل أثر له لخطأ ظنه (‪. )1‬‬
‫بيع السمسرة‪ :‬السمسرة‪ :‬هي الوساطة بين البائع والمشتري لجراء البيع‪ .‬والسمسرة جائزة‪ ،‬والجر‬
‫الذي يأخذه السمسار حلل؛ لنه أجر على عمل وجهد معقول‪ ،‬لكن قال الشافعية‪ :‬ل يصح استئجار‬
‫بيّاع على كلمة ل تتعب‪ ،‬وإن روّجت السلعة؛ إذ ل قيمة لها (‪ . )2‬ول بأس أن يقول شخص لخر‪:‬‬
‫بع هذا الشيء بكذا‪ ،‬وما زاد فهو لك‪ ،‬أو بيني وبينك‪ ،‬لما رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن أبي‬
‫هريرة‪« :‬المسلمون على شروطهم» ‪.‬‬
‫‪ - 2‬الشرط الثاني ـ من شروط صيغة البيع‪ :‬أن يكون القبول موافقا لليجاب‪ :‬بأن يرد على كل ما‬
‫أوجبه البائع وبما أوجبه (‪ )3‬فإذا قال إنسان لخر‪ :‬بعتك هذين الثوبين بألف ليرة‪ ،‬فقال المشتري‪:‬‬
‫قبلت في هذا الثوب‪ ،‬وأشار إلى واحد منهما‪ ،‬ل ينعقد البيع‪ .‬وإذا قال لخر‪ :‬بعتك هذه الدار بما فيها‬
‫من مفروشات بألفي ليرة‪ ،‬فقال المشتري‪ :‬قبلت شراءها دون ما فيها بألف ليرة مثلً‪ ،‬لم ينعقد العقد‬
‫أيضا‪ ،‬لتفريق الصفقة على البائع‪ ،‬والمشتري ل يملك تفريقها؛ لن من عادة التجار ضم الرديء إلى‬
‫الجيد‪ ،‬ترويجا للرديء بواسطة الجيد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪.16/2 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ 335/2 :‬وفي الحياء للغزالي‪ :‬ل يجوز أخذ عوض على كلمة يقولها طبيب بدواء‬
‫ينفرد به بمعرفته‪ ،‬إذ ل مشقة عليه في التلفظ به‪ ،‬بخلف ما لو عرف الصيقل الماهر إزالة اعوجاج‬
‫السيف والمرآة بضربة واحدة‪ ،‬فإن له أخذ العوض وإن كثر؛ لن هذه صناعات يتعب في تعليمها‬
‫ليكتسب بها‪ ،‬ويخفف عن نفسه التعب‪ .‬وأفتى القفال بأنه ل يصح استئجار له‪ ،‬وهذا هو الظاهر‪ ،‬وإن‬
‫قال الذرعي‪ :‬المختار ما قاله الغزالي‪.‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،137-136/5 :‬مغني المحتاج‪ 5/2 :‬ومابعدها‪ ،‬كشاف القناع‪ ،136/3 :‬الموال ونظرية‬
‫العقد ‪ ،‬يوسف موسى‪.256 :‬‬

‫( ‪)5/21‬‬

‫فلو قبل المشتري بأكثر مما طلب‪ ،‬انعقد البيع؛ لن القابل بالكثر قابل بالقل طبعا‪ ،‬غير أنه ل يكون‬
‫ملزما إل بالثمن الذي طلبه البائع‪.‬‬
‫ولو قبل بأقل مما ذكر البائع‪ ،‬ل ينعقد العقد‪.‬‬
‫وكذا لو خالف في وصف الثمن ل في قدره‪ ،‬كأن أوجب البائع البيع بثمن حالّ‪ ،‬فقبل المشتري بثمن‬
‫مؤجل‪ ،‬أو أوجب بأجل إلى شهر معين فقبل المشتري بأجل أبعد منه‪ ،‬فل ينعقد البيع في الحالتين‪،‬‬
‫لعدم تطابق القبول مع اليجاب‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يتحد مجلس العقد‪ :‬بأن يكون اليجاب والقبول في مجلس واحد‪ ،‬بأن كان الطرفان حاضرين‬
‫معا‪ ،‬أو في مجلس علم الطرف الغائب باليجاب (‪ . )1‬ونتائج هذا الشرط ما يلي‪:‬‬
‫لو أوجب أحد الطرفين البيع فقام الخر عن المجلس قبل القبول‪ ،‬أو اشتغل بعمل آخر يوجب اختلف‬
‫المجلس‪ ،‬ثم قبل‪ ،‬ل ينعقد البيع‪ .‬ولكن ل يشترط الفور في القبول؛ لن القابل يحتاج إلى التأمل‪ ،‬ولو‬
‫اقتصر على الفور ل يمكنه التأمل‪ ،‬واعتبر المجلس الواحد جمعا للمتفرقات للضرورة‪.‬‬
‫وكذلك قال المالكية (‪ : )2‬ل يضر في البيع الفصل بين اليجاب والقبول إل أن يخرج عن البيع لغيره‬
‫عرفا‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة (‪ : )3‬يشترط أن يكون القبول بعد اليجاب بأل يفصل بينهما فاصل كثير‪:‬‬
‫وهو ما أشعر بالعراض عن القبول‪ .‬ول يضر الفصل اليسير لعدم إشعاره بالعراض عن القبول‪.‬‬
‫ويضر تخلل كلم أجنبي عن العقد ولو يسيرا بين اليجاب والقبول‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 137/5 :‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير‪ ،80/5 :‬الموال للدكتور يوسف موسى‪.257 :‬‬
‫(‪ )2‬حاشية الصاوي على الشرح الصغير‪.17/3 :‬‬
‫(‪ )3‬مغني المحتاج‪ ،6 - 5/2 :‬كشاف القناع‪.163/3 :‬‬

‫( ‪)5/22‬‬

‫التعاقد حالة المشي أو الركوب‪ :‬إذا تبايعا وهما يمشيان أو يسيران على دابة واحدة أو دابتين‪ :‬فإن‬
‫اتصل اليجاب والقبول من غير فصل بينهما‪ ،‬انعقد العقد‪ ،‬حتى ولو مشيا خطوة أو خطوتين جاز‪،‬‬
‫فإن كان بين القبول واليجاب فصل وسكوت‪ ،‬وإن قل‪ ،‬ل ينعقد العقد؛ لن المجلس تبدل بالمشي‬
‫والسير‪ ،‬وقاسوا ذلك على قراءة آية السجدة وخيار المخيرة (‪ . )1‬فلو قرأ آية سجدة وهو يمشي على‬
‫الرض‪ ،‬أو يسير على دابة ل يصلى عليها‪ ،‬يلزمه لكل قراءة سجدة‪ ،‬وكذا لو خير امرأته في المجلس‬
‫بأن تطلق نفسها منه وهي تمشي على الرض أو تسير على دابة ل يصلى عليها‪ ،‬فمشت أو سارت‪:‬‬
‫يبطل خيارها لتبدل المجلس‪ ،‬لن «التفويض يقتصر على المجلس بخلف الوكالة فإنها ل تقتصر‬
‫عليها» وتوكيل الرجل زوجته بتطليق نفسها يقتصر على المجلس (‪. )2‬‬
‫ولو تبايعا وهما واقفان‪ ،‬انعقد البيع‪ ،‬لتحاد المجلس‪.‬‬
‫ولو أوجب أحدهما البيع وهما واقفان‪ ،‬فسار الخر قبل القبول أو سارا جميعا أو سار البائع قبل‬
‫القبول‪ ،‬ثم قبل المشتري بعدئذ ل ينعقد‪ ،‬لنه لما سار أحدهما أو سارا‪ ،‬فقد تبدل المجلس قبل القبول‪،‬‬
‫ويجعل السير دليلً على العراض‪.‬‬
‫أما لو وقف الزوج‪ ،‬فخير امرأته‪ ،‬ثم سار وهي واقفة‪ ،‬فلها الخيار‪ .‬ولو سارت هي والزوج واقف‬
‫بطل خيارها‪ ،‬فالعبرة إذن لمجلسها ل لمجلس الزوج‪ ،‬فما دامت في مجلسها‪ ،‬لم يوجد منها دليل‬
‫العراض‪ ،‬فيظل لها الخيار‪ .‬وأما الزوج فل يبطل كلمه بالعراض؛ لن التخيير من قبله لزم‪ ،‬أما‬
‫في البيع فيعتبر مجلسهما جميعا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬خيار المخيرة‪ :‬هو أن يخير الرجل امرأته في المجلس بأن تطلق نفسها منه بأن يقول لها‪ :‬طلقي‬
‫نفسك إن شئت‪.‬‬
‫(‪ )2‬القواعد الفقهية للشيخ محمود حمزة‪.24 :‬‬

‫( ‪)5/23‬‬

‫التعاقد على ظهر سفينة أو طائرة‪ :‬لو تبايع الطرفان على سفينة أو طائرة أوقطار‪ ،‬انعقد العقد‪ ،‬سواء‬
‫كانت هذه الوسائل واقفة أم جارية‪ ،‬بخلف المشي على الرض والسير على الدابة؛ لن الشخص ل‬
‫يستطع إيقاف تلك الوسائل‪ ،‬فاعتبر المجلس فيها مجلسا واحدا‪ ،‬وإن طال‪ ،‬أما الدابة‪ ،‬فإنه يستطيع‬
‫إيقافها‪.‬‬
‫التعاقد مع غائب‪ :‬إذا أوجب أحد المتعاقدين البيع أو الشراء والخر غائب‪ ،‬فبلغه اليجاب‪ ،‬فقبل‪ ،‬ل‬
‫ينعقد البيع‪ ،‬كأن يقول‪« :‬بعت هذه البضاعة من فلن الغائب» فبلغه الخبر‪ ،‬فقبل‪ :‬ل يصح‪ ،‬لن‬
‫القاعدة الصلية في هذا‪ :‬أن أحد شطري العقد الصادر من أحد العاقدين في البيع يتوقف على الخر‬
‫في مجلس العقد ( أي يظل قائما ساري المفعول ضمن المجلس ل بعده ) ول يتوقف على الشطر‬
‫الخر من العاقد الخر فيما وراء المجلس بالتفاق‪ ،‬إل إذا كان عنه قابل (أي وكيل) أو كان بالرسالة‬
‫أو الكتابة (‪. )1‬‬
‫التعاقد بواسطة رسول‪ :‬أما الرسالة‪ :‬فهي أن يرسل أحد المتعاقدين رسولً إلى رجل فيقول المتعاقد‬
‫الخر‪ ( :‬إني بعت هذا الثوب من فلن الغائب بكذا) فاذهب إلىه‪ ،‬وقل له‪ ( :‬إن فلنا باع ثوبه منك‬
‫بكذا ) فجاء الرسول‪ ،‬وأخبره بما قال‪ ،‬فقال المشتري في مجلس أداء الرسالة‪ ( :‬اشتريت ) أو ( قبلت‬
‫)‪ :‬تم البيع بينهما؛ لن الرسول سفير ومعبر عن كلم المرسل‪ ،‬فكأنه حضر بنفسه وخوطب‬
‫بالىجاب فقبل‪ ،‬فينعقد العقد‪.‬‬
‫التعاقد بالمراسلة‪ :‬أما الكتابة‪ :‬فهي أن يكتب رجل إلى آخر‪ ( :‬أما بعد‪ ،‬فقد بعت فرسي منك بكذا )‬
‫فبلغه الكتاب‪ ،‬فقال في مجلسه ( أي مجلس بلوغ الكتاب)‪ ( :‬اشتريت أو قبلت )‪ .‬ينعقد البيع لن‬
‫خطاب الغائب كتابة يجعله كأنه حضر بنفسه‪ ،‬وخوطب باليجاب فقبل في المجلس‪ ،‬فإن تأخر القبول‬
‫إلى مجلس ثان لم ينعقد البيع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 137/5 :‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير‪.79/5 :‬‬

‫( ‪)5/24‬‬

‫وللكاتب أن يرجع عن إيجابه أمام شهود بشرط أن يكون قبل قبول الخر ووصول الرسالة‪ .‬ويرى‬
‫جمهور المالكية أنه ليس للموجب الرجوع قبل أن يترك فرصة للقابل يقرر العرف مداها‪.‬‬
‫واتحاد المجلس شرط للنعقاد أيضا في الجارة والهبة‪ ،‬على التفصيل السابق في البيع‪.‬‬
‫وأما الخلع فإن شطر العقد الصادر من الزوج يتوقف (أي يظل ساري المفعول) على قبول الخر‬
‫وراء المجلس بالتفاق‪ ،‬كأن يقول‪ :‬خالعت امرأتي الغائبة على كذا ‪ ،‬فبلغها الخبر‪ ،‬فقبلت‪ ،‬جاز‪.‬‬
‫وأما النكاح فهو كالبيع عند أبي حنيفة ومحمد‪ ،‬ل يتوقف شطر العقد فيه (أي ل يسري مفعوله) إل إذا‬
‫كان عن الغائب قابل‪ ،‬فإذا قال رجل للشهود‪( :‬اشهدوا أني قد تزوجت فلنة بكذا) وبلغها الخبر‬
‫فأجازت أو قالت امرأة‪( :‬اشهدوا أني زوجت نفسي من فلن بكذا) فبلغه‪ ،‬فأجازها‪ ،‬ل ينعقد العقد في‬
‫الحالتين عند أبي حنيفة ومحمد إل إذا كان عن الغائب قابل‪.‬‬
‫وعند أبي يوسف‪ :‬يتوقف شطر العقد في النكاح على قبول الخر فيما وراء المجلس‪ ،‬فينعقد العقد في‬
‫هذين المثالين بقبول الغائب‪ ،‬وإن لم يقبل عنه أحد في مجلس العقد‪.‬‬
‫مبدأ وحدة الصفقة وتفرقها ‪:‬‬
‫الصفقة‪ :‬ضرب اليد على اليد في البيع‪ ،‬والبيعة للمام‪ ،‬ثم جعلت عبارة عن العقد نفسه (‪ . )1‬قال‬
‫النووي‪ :‬الصفقة‪ :‬هي عقد البيع‪ ،‬لنه كان من عادتهم أن يضرب كل واحد من المتعاقدين يده على يد‬
‫صاحبه عند تمام العقد (‪. )2‬‬
‫والعقد يحتاج في تكوينه كما هو معلوم إلى مبيع‪ ،‬وثمن‪ ،‬وبائع‪ ،‬ومشتر‪ ،‬وبيع وشراء‪ .‬وباتحاد بعض‬
‫هذه الشياء مع بعض وتفرقها‪ ،‬يحصل اتحاد الصفقة‪ ،‬وتفريقها (‪. )3‬‬
‫وقد اتفق العلماء على ضرورة اتحاد الصفقة من حيث المبدأ‪ ،‬لن من شرائط انعقاد البيع الشرط‬
‫المذكور قريبا‪ :‬وهو أن يكون القبول موافقا لليجاب‪ ،‬إل أن هناك اختلفات جزئية في تحقيق هذا‬
‫المبدأ أو عدم تحقيقه أي تفريق الصفقة‪.‬‬
‫فقال الحنفية (‪ : )4‬ل بد من معرفة ما يوجب اتحاد الصفقة وتفريقها‪ ،‬وذلك إما بسبب العاقدين أو‬
‫بسبب المبيع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬العناية بهامش فتح القدير‪ 5 :‬ص ‪.80‬‬
‫(‪ )2‬المجموع للنووي‪ 9 :‬ص ‪.425‬‬
‫(‪ )3‬العناية‪ ،‬المكان السابق‪ ،‬المجموع‪ 9 :‬ص ‪ 432‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )4‬فتح القدير‪ ،80/5 :‬البدائع‪ 136/5 :‬ومابعدها‪ ،‬رد المحتار لبن عابدين‪.20/4 :‬‬

‫( ‪)5/25‬‬

‫أ ـ أما بالنسبة للعاقدين‪ :‬فإن اتحد شخص الموجب سواء أكان بائعا‪ ،‬أم مشتريا‪ ،‬وتعدد القابل‬
‫المخاطب‪ ،‬لم يجز للقابلين تفريق الصفقة بأن يقبل أحدهما البيع دون الخر‪ .‬وإن انعكس المر فتعدد‬
‫الموجب واتحد القابل‪ ،‬لم يجز للقابل القبول في حصة أحد الموجبين دون الخر‪ .‬مثل الحالة الولى‪:‬‬
‫أن يقول البائع لمشتريين‪ :‬بعتكما هذه السلعة بألف ليرة‪ ،‬فقال أحدهما‪ :‬اشتريت‪ ،‬ولم يقبل‬
‫الخر‪ ،‬كانت الصفقة متعددة‪ ،‬فلم ينعقد العقد إل باتفاق جديد‪ .‬ومثل الحالة الثانية‪ :‬أن يقول شخص‬
‫لمالكي سلعة‪ :‬اشتريت منكما هذه السلعة بألف ليرة مثلً‪ ،‬فباعه أحدهما دون الخر‪ ،‬فإن الصفقة تتعدد‬
‫في هذه الحالة‪ ،‬فل ينعقد العقد‪.‬‬
‫ب ـ وأما بالنسبة للمبيع‪ :‬فإن اتحد العاقدان‪ ،‬وقبل أحدهما في بعض المبيع دون بعض‪ ،‬لم يصح‬
‫العقد‪ ،‬لتفرق الصفقة‪.‬‬
‫وإن اتحد العاقدان‪ ،‬وتعدد المبيع‪ ،‬فإما أن يكون المبيع مثليين أو مثليا وقيميا وفي كلتا الحالتين ليجوز‬
‫للمشتري أن يقبل في أحد المبيعين‪ ،‬ويرفض الخر‪ ،‬فإن فعل‪ ،‬تعددت الصفقة‪ ،‬وحينئذ ل يتم البيع إل‬
‫برضا جديد من البائع بما قبل به المشتري‪ ،‬فيصبح القبول إيجابا‪ ،‬والرضا قبولً‪ ،‬ويبطل اليجاب‬
‫الول‪.‬‬

‫( ‪)5/26‬‬

‫غير أن هناك فرقا بين الحالتين‪ :‬وذلك في قسمة الثمن على أجزاء المبيع وفي وحدة الصفقة وتعددها‪.‬‬
‫فإذا كان المبيع مثليين كقفيزين من أرز أو كمدين من حنطة أو رطلين من حديد‪ ،‬وقبل المشتري في‬
‫أحدهما‪ ،‬انقسم الثمن بنسبة أجزاء المبيع‪ ،‬فيكون ثمن الجزء الذي تم فيه المبيع في هذا المثال نصف‬
‫الثمن الصلي المذكور لجزئي المبيع؛ لن الثمن في المثليات ينقسم على المبيع باعتبار الجزاء‪،‬‬
‫فكانت حصة كل جزء من الثمن معلوما‪ .‬وتكون الصفقة عندئذ واحدة‪ .‬ويشبه المثليات (المكيل‬
‫والموزون) في قسمة الثمن عليه بالجزاء ما إذا كان المبيع شيئا واحدا كحيوان واحد‪.‬‬
‫وإذا كان المبيع من غير المثليات أي القيميات كثوبين ودابتين‪ ،‬ل ينقسم الثمن على المبيع باعتبار‬
‫الجزاء‪ ،‬لعدم تماثل الجزاء‪ ،‬وإذا لم ينقسم الثمن في هذه الحالة‪ ،‬بقيت حصة كل واحد من جزئي‬
‫المبيع من الثمن مجهولة‪ ،‬وجهالة الثمن تمنع صحة البيع‪ .‬فإن أريد تصحيح الصفقة فل بد من أحد‬
‫أمرين‪:‬‬
‫إما أن يكرر البائع لفظ البيع بأن يقول‪ :‬بعتك هذين الثوبين‪ ،‬بعتك هذا بألف‪ ،‬وبعتك هذا بألف‪ ،‬أو‬
‫اشتريت منك هذين المتاعين‪ ،‬اشتريت هذا بمئة‪ ،‬واشتريت هذا بمئة‪ ،‬فيصح العقد‪ ،‬ويصبح هنا‬
‫صفقتان‪.‬‬
‫وإما أن يفرق الثمن على أجزاء المبيع‪ ،‬بأن يقول البائع‪ :‬بعتك هذين الكتابين‪ ،‬هذا بمئة‪ ،‬وهذا‬
‫بخمسين‪،‬فقبل المشتري في أحدهما‪ ،‬جاز البيع لنعدام تفريق الصفقة الواحدة من المشتري‪ ،‬بل البائع‬
‫هو الذي فرق الصفقة‪ ،‬حيث سمى لكل واحد من المبيعين ثمنا على حدة‪ ،‬فكانت هذه الحالة صفقات‬
‫معنى‪ ،‬وإل لو كان غرض البائع أل يبيع المبيعين للمشتري إل جملة واحدة‪ ،‬لم تكن هناك فائدة لتعيين‬
‫ثمن كل منهما على انفراد‪.‬‬

‫( ‪)5/27‬‬

‫وإذا تطابق اليجاب والقبول‪ ،‬لزم البيع‪ ،‬ول خيار لواحد من العاقدين إل بسبب وجود عيب أو عدم‬
‫رؤية للمبيع‪ .‬نصت المادة (‪ )351‬من المجلة على ما يأتي‪« :‬ما بيع صفقة واحدة إذا ظهر بعضه‬
‫معيبا‪ :‬فإن كان قبل القبض‪ ،‬كان المشتري مخيرا‪ :‬إن شاء رد مجموعه‪ ،‬وإن شاء قبله بجميع الثمن‪،‬‬
‫وليس له أن يرد المعيب وحده‪ ،‬ويمسك الباقي‪ .‬وإ ن كان بعد القبض‪ :‬فإذا لم يكن في التفريق ضرر‪،‬‬
‫كان له أن يرد المعيب بحصته من الثمن سالما‪ ،‬وليس له أن يرد الجميع حينئذ مالم يرضَ البائع‪ .‬وأما‬
‫إذا كان في تفريقه ضرر‪ ،‬رد الجميع‪ ،‬أو قبل الجميع بكل الثمن‪ ،‬مثلً‪ :‬لو اشترى قلنسوتين بأربعين‬
‫قرشا‪ ،‬فظهرت إحداهما معيبة قبل القبض‪ ،‬يردهما معا‪ ،‬وإن كان بعد القبض يرد المعيبة وحدها‬
‫بحصتها من الثمن سالمة‪ ،‬ويمسك الثانية بما بقي من الثمن‪ .‬أما لو اشترى زوجي خف‪ ،‬فظهر أحدهما‬
‫معيبا بعد القبض‪ ،‬كان له ردهما معا للبائع‪ ،‬وأخذ ثمنهما منه» ‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة والمالكية (‪ : )1‬إذا اشتملت الصفقة على حلل وحرام‪ ،‬كالعقد على سلعة متقومة‬
‫وخمر‪ ،‬أو خنزير‪ ،‬أو غيرهما‪ ،‬فالصفقة كلها باطلة‪ .‬وقال الصاحبان‪ :‬يصح العقد في الصحيح‪ ،‬ويفسد‬
‫في الفاسد‪ .‬ومنشأ الخلف بين أبي حنيفة وصاحبيه هو‪ :‬أن الصفقة إذا اشتملت على الصحيح والفاسد‬
‫يتعدى الفساد إلى الكل عند أبي حنيفة‪ .‬وأما عند الصاحبين فل يتعدى الى الصحيح‪ ،‬وإنما يقتصر أثر‬
‫الفساد على الفاسد‪.‬‬
‫ولو باع الرجل ملكه وملك غيره في صفقة واحدة‪ ،‬صح البيع فيهما‪ ،‬ويلزم البيع فيما يملكه المالك‪،‬‬
‫ويتوقف اللزوم في ملك الغير على إجازته‪ ،‬وهذا باتفاق الحنفية والمالكية‪ ،‬لنهم يصححون العقد‬
‫الموقوف أو عقد الفضولي‪ ،‬كما سنعلم‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة في الرجح عندهم (‪ : )2‬تفريق الصفقة معناه‪ :‬أن يبيع ما يجوز بيعه‪ ،‬وما ل‬
‫يجوز بيعه صفقة واحدة بثمن واحد‪ ،‬وهو ثلثة أقسام‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،260‬البدائع‪.217/5 :‬‬
‫(‪ )2‬المجموع‪ ،437-425/9 :‬المهذب‪ ،269/1 :‬المغني‪ 236/4 :‬وما بعدها‪ ،‬القواعد لبن رجب‪:‬‬
‫ص ‪ ،421‬الشباه والنظائر للسيوطي‪ :‬ص ‪ ،98‬غاية المنتهى‪.16/2 :‬‬

‫( ‪)5/28‬‬

‫أحدها ـ أن يبيع معلوما ومجهولً بثمن واحد‪ ،‬لقوله‪ :‬بعتك هذا الكتاب وكتابا آخر‪ ،‬وهما ملك له بمئة‬
‫ليرة مثلً‪ ،‬لم يصح البيع فيهما؛ لن المجهول ل يصح بيعه لجهالته‪ ،‬والمعلوم مجهول الثمن‪ ،‬ول‬
‫سبيل إلى معرفته‪ ،‬لن معرفته إنما تكون بتقسيط الثمن عليهما‪ ،‬والمجهول ل يمكن تقويمه‪ ،‬فيتعذر‬
‫التقسيط‪.‬‬
‫الثاني ـ أن يكون المبيعان مما ينقسم عليهما بالجزاء‪ ،‬كشيء مشترك بين اثنين‪ ،‬فباعه كله أحدهما‬
‫بغير إذن شريكه‪ ،‬وكشيئين من المثليات مثل قفيزين من صبرة واحدة باعهما من ل يملك إل‬
‫بعضهما‪ ،‬فالصح أن يصح البيع فيما يملكه‬
‫بقسطه من الثمن‪ ،‬ويفسد فيما ل يملكه؛ لن لكل واحد منهما حكما مستقلً حالة إفراده بالبيع‪ ،‬فإذا‬
‫جمع مع غيره ثبت لكل واحد منهما حكمه الخاص به‪ ،‬كما لو باع رجل شقصا (‪ )1‬وسيفا فإنه تثبت‬
‫الشفعة في الشقص بل خلف‪ ،‬كما لو أفرده‪.‬‬
‫الثالث ـ أن يكون المبيعان معلومين مما ل ينقسم الثمن عليهما بالجزاء‪ ،‬أي أن تشتمل الصفقة على‬
‫حلل وحرام كخل وخمر وشاة وخنزير‪ ،‬وميتة وشاة مذكاة‪ ،‬ونحوهما من القيميات‪ ،‬فأصح القولين‬
‫عند الشافعي وفي رواية عند الحنابلة عن أحمد أن البيع يصح في الحلل ويبطل في الحرام (‪. )2‬‬
‫وفي كيفية توزيع الثمن على المبيعين باعتبار الجزاء‪ ،‬فيقدر الخمر خلً‪ ،‬والخنزير شاة‪ ،‬والميتة‬
‫مذكاة‪ .‬وهذا ما قاله أنصار هذه الرواية الولى عن أحمد‪.‬‬
‫ورجح ابن قدامة الحنبلي الرواية الثانية عن أحمد‪ :‬وهو أنه يفسد البيع في المبيعين جميعا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الشقص‪ :‬الطائفة من الشيء‪ ،‬والمراد به هنا قطعة من أرض أو دار‪.‬‬
‫(‪ )2‬وهكذا يعرف المقصود من عبارة يتردد ذكرها عند الشافعية وهي «قول تفريق الصفقة» الشهر‬
‫عند الشافعية‪ :‬أنها تفرق الصفقة‪ ،‬فيبطل البيع فيما ل يجوز‪ ،‬ويصح فيما يجوز‪ ،‬لنه ليس إبطاله فيهما‬
‫بأولى من تصحيحه فيهما‪ .‬والقول الثاني‪ :‬أن الصفقة ل تفرق فيبطل العقد فيهما‪.‬‬

‫( ‪)5/29‬‬

‫فإن كانت الصفقة مشتملة على مال للبائع ومال لغيره ل ينقسم الثمن عليهما بالجزاء‪ ،‬فالصح عند‬
‫الشافعية أيضا أن البيع يصح فيما يملكه‪ ،‬ويبطل فيما ل يملكه‪ ،‬ويوزع الثمن بحسب القيمة لكل منهما‪،‬‬
‫وعند الحنابلة‪ :‬الصح أنه يبطل البيع في المبيعين جميعا‪.‬‬
‫وقال الحنابلة والشافعية فيما يتعلق بخيار تفرق الصفقة‪ :‬متى صح البيع في بعض الصفقة‪ :‬فإن كان‬
‫المشتري عالما بالحال كأن يعلم أن المبيع مما ينقسم الثمن عليه بالجزاء كما ذكر‪ ،‬فل خيار له‪ ،‬لنه‬
‫اشترى على بصيرة‪ .‬وإن لم يعلم بالحال‪ ،‬مثل أن يشتري رجل متاعا يظنه كله للبائع‪ ،‬فبان أنه ل‬
‫يملك إل نصفه‪ ،‬أو متاعين فتبين أنه ل يملك البائع إل أحدهما‪ ،‬فله الخيار بين الفسخ والمساك‪ ،‬لن‬
‫الصفقة تبعضت عليه‪ .‬وأما البائع عند إمساك المشتري جزء المبيع‪ ،‬فل خيار له في الصح؛ لنه‬
‫رضي بزوال ملكه عما يجوز بيعه بقسطه من الثمن‪.‬‬
‫فإن تلف أحد المبيعين صفقة واحدة قبل القبض‪ ،‬فينفسخ العقد في التالف بل خلف‪ .‬وأما الباقي‬
‫فللمشتري الخيار فيه بين إمساكه بحصته من الثمن‪ ،‬وبين الفسخ‪ ،‬لتبعض الصفقة عليه‪.‬‬
‫وقال الظاهرية (‪ : )1‬كل صفقة جمعت حراما وحللً‪ ،‬فهي باطل كلها‪ ،‬ل يصح منها شيء‪ ،‬مثل أن‬
‫يكون بعض المبيع مغصوبا‪ ،‬أو غير مملوك للبائع‪ ،‬أو آل إليه بعقد فاسد‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن جمهور العلماء يبطلون الصفقة المشتملة على حلل وحرام أو مملوك وغير مملوك‪.‬‬
‫وقال الشافعية كما رجح النووي‪ :‬يصح العقد فيما يجوز‪ ،‬ويبطل فيما ل يجوز‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المحلى‪.20/9 :‬‬

‫( ‪)5/30‬‬

‫ثانيا ‪ -‬شروط النفاذ ‪:‬‬


‫لنفاذ (‪ )1‬العقد شرطان‪:‬‬
‫‪ - ً 1‬الملك أو الولية‪ :‬الملك هو حيازة الشيء متى كان الحائز له قادرا وحده على التصرف فيه عند‬
‫عدم المانع الشرعي‪ ،‬فالقيم على المجنون أو السفيه‪ ،‬والوصي على القاصر‪ ،‬ل يعتبر أحدهما مالكا‬
‫يتصرف في الشيء‪ ،‬على حين أن المجنون والسفيه والقاصر يعتبر كل منهم مالكا؛ لن له حق‬
‫الستقلل في التصرف والنتفاع لول المانع الشرعي من ذلك وهو أنه تحت ولية غيره (‪. )2‬‬
‫والولية‪ :‬سلطة شرعية بها ينعقد العقد وينفذ‪ ،‬هي إما أصلية‪ :‬وهي أن يتولى النسان أمور نفسه‬
‫بنفسه‪ ،‬أو نيابية‪ :‬وهي أن يتولى الشخص أمور غيره من ناقصي الهلية‪ ،‬إما بإنابة المالك كالوكيل أو‬
‫بإنابة الشارع كالولياء وهم‪ :‬الب والجد والقاضي ووصي الب أو الجد أو القاضي وترتيبهم‬
‫كالتي‪ :‬الب ثم وصيه ثم الجد ثم وصيه ثم القاضي ثم وصيه (‪. )3‬‬
‫ومدلول هذا الشرط أن يكون المبيع مملوكا للبائع ‪ ،‬فل ينفذ بيع الفضولي‪ ،‬لنعدام الملك والولية‪،‬‬
‫لكنه ينعقد عند الحنفية موقوفا على إجازة المالك‪.‬‬
‫واعتبر الشافعي الملك أو الولية من شرائط النعقاد‪ ،‬فتعتبر تصرفات الفضولي عنده باطلة‪ .‬وسأبحث‬
‫ذلك بالتفصيل قريبا (‪. )4‬‬
‫‪ - 2‬أل يكون في المبيع حق لغير البائع ‪:‬‬
‫إن كان في المبيع حق لغير البائع كان العقد موقوفا غير نافذ‪ ،‬وعلى هذا فل ينفذ بيع الراهن‬
‫المرهون‪ ،‬ول بيع المؤجر المأجور ول بيع المالك الرض التي عليها عقد مزارعة‪ ،‬وإنما يكون البيع‬
‫موقوفا على إجازة المرتهن‪ ،‬أو المستأجر‪،‬أو المزارع‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬النفاذ في الصل المضي والجواز‪ ،‬ثم أطلق عند الفقهاء على مضي العقد دون توقف على‬
‫الجازة أو الذن‪.‬‬
‫(‪ )2‬الموال ونظرية العقد‪ :‬ص ‪.165‬‬
‫(‪ )3‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪ ،348‬حاشية ابن عابدين‪ ،6/4 :‬البدائع‪.155 ،146/5 :‬‬
‫(‪ )4‬البدائع‪.148/5 :‬‬

‫( ‪)5/31‬‬

‫وليس فاسدا‪ ،‬وهذا هو الصحيح عند الحنفية؛ لن ركن البيع صدر من أهله مضافا إلى مال متقوم‬
‫مملوك له مقدرو على التسليم‪ ،‬من غير ضرر يلزمه (‪ . )1‬ويثبت حينئذ للمشتري الخيار بين إمضاء‬
‫البيع أو فسخه‪ .‬أما المستأجر أو المرتهن أو المزارع‪ ،‬فإن أجاز العقد نفذ‪ ،‬فلو لم يجز المستأجر حتى‬
‫انفسخت الجارة‪ ،‬نفذ البيع السابق‪ ،‬وكذا المرتهن إذا قضى دينه‪ ،‬ول حاجة لتجديد العقد‪ ،‬وهو‬
‫الصحيح كما قال ابن عابدين‪ .‬وعليه يكون حكم بيع الفضولي أحد البيوع الجائزة هو قبول الجازة‬
‫من المالك‪ .‬والفسخ من المشتري ل الجازة‪ .‬كما أن للفضولي فسخ البيع دون النكاح‪.‬‬
‫وذكر الستاذ مصطفى الزرقاء‪ :‬أن الرأي الراجح فقها‪ :‬أنه ل يكون البيع موقوفا على إجازة المرتهن‬
‫أو المستأجر وإن كانا أصحاب حق في المبيع‪ ،‬إذ الجازة لتكون شرعا إل لمالك أو ذي ولية‪ ،‬بل‬
‫البيع نافذ‪ ،‬ولكن ل يسلم المبيع إلى المشتري دون رضا المرتهن أو المستأجر صيانة لحقهما‪ ،‬بل يمنح‬
‫المشتري الخيار في أن يفسخ البيع أو ينتظر إلى فكاك الرهن أو إلى انقضاء مدة الجارة ليتسلم المبيع‬
‫( ‪. )2‬‬
‫تقسيم البيع من حيث النفاذ والوقف ‪:‬‬
‫يترتب على ما ذكر من شروط النفاذ عند الحنفية أن البيع قسمان‪ :‬نافذ وموقوف‪.‬‬
‫أما البيع النافذ‪ :‬فهو أن يتوافر فيه ركن العقد مع وجود شرائط النعقاد والنفاذ‪.‬‬
‫وأما البيع الموقوف‪ :‬فهو أن يوجد فيه ركن العقد مع وجود شرائط النعقاد‪ ،‬ولكن لم يوجد فيه شرط‬
‫النفاذ‪ :‬وهو الملك أو الولية‪.‬‬
‫واختلل شرط النفاذ‪ :‬يكون إما في المبيع كما في بيع الفضولي شيئا لغيره‪ ،‬وإما في التصرف كما في‬
‫بيع الصغير المميز أو المعتوه أو شرائهما‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،155/5 :‬حاشية ابن عابدين‪.148-145 ،6/4 :‬‬
‫(‪ )2‬عقد البيع‪ :‬ص ‪ ،31‬رد المحتار لبن عابدين‪.361/5 :‬‬

‫( ‪)5/32‬‬
‫آراء العلماء في تصرف الفضولي ‪:‬‬
‫الفضولي في الصل‪ :‬من يشتغل بما ل يعنيه أو يعمل عملً ليس من شأنه‪ ،‬ومنه سمي فضوليا‪ :‬من‬
‫يتصرف في شيء أو يعقد عقدا من العقود‪ ،‬دون أن يكون له ولية ما على القيام به‪ ،‬كمن يبيع أو‬
‫يشتري للغير‪ ،‬أو يؤجر أو يستأجر لغيره‪ ،‬دون وكالة أو وصاية أو ولية على العقد‪ ،‬وبدون إذن من‬
‫الغير (‪ . )1‬وبيع النسان ملك غيره دون إذن منه شائع في الحياة العملية كما في بيع الزواج ملك‬
‫زوجاتهم أو بيع الفراد ملك الحكومة أو ملك من تغيب حتى طالت غيبته‪.‬‬
‫ويلحظ أن الفضولي‪ :‬هو من يتصرف فيما تظهر ملكية غيره له‪ ،‬وإل كان تصرفه من بيع ما ل‬
‫يملك‪ ،‬وهو منهي عنه‪.‬‬
‫ومحل البحث‪ :‬أن يبيع الرجل مال غيره بشرط‪ :‬إن رضي به صاحب المال أمضي البيع‪ ،‬وإن لم‬
‫يرض فسخ‪ ،‬أو يشتري الرجل للرجل بغير إذنه على أنه إن رضي المشتري‪ ،‬صح الشراء وإل لم‬
‫يصح (‪ ، )2‬فالفضولي‪ :‬هو المتصرف للغير بغير إذنه‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء في حكم تصرف الفضولي‪.‬‬
‫فأما الحنفية‪ :‬فقد فرقوا بين البيع والشراء‪ ،‬ففي حالة البيع ينعقد تصرف الفضولي صحيحا موقوفا‪،‬‬
‫سواء أضاف الفضولي العقد إلى نفسه أم إلى المالك‪ ،‬لنه ل يمكن نفاذ العقد على العاقد‪.‬‬
‫وفي حالة الشراء‪ :‬إن أضاف الفضولي الشراء لنفسه‪ ،‬مع أنه يريد في نيته الشراء لغيره‪ ،‬كان الشراء‬
‫له هو نفسه إن صح أن ينفذ عليه؛ لن الصل أن يكون تصرف النسان لنفسه ل لغيره‪.‬‬
‫وأما إن أضاف الشراء لغيره أو لم يجد عقد الشراء نفاذا على الفضولي بأن كان صبيا أو محجورا‬
‫عن التصرف‪ ،‬انعقد الشراء صحيحا موقوفا على إجازة الغير‪ ،‬أو من اشتري له‪ ،‬فإن أجازه نفذ عليه‪،‬‬
‫واعتبر الفضولي وكيلً ترجع إلىه حقوق العقد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬بداية المجتهد‪ ،171/2 :‬الموال ونظرية العقد‪ :‬ص ‪ ،380‬أصول البيع الممنوعة للستاذ عبد‬
‫السميع‪ :‬ص ‪.134‬‬
‫(‪ )2‬بداية المجتهد‪.171/2 :‬‬

‫تعليق المستخدم ‪:‬انظر بحث الفضالة في هذا الكتاب‪:‬‬


‫‪4/520‬‬
‫* أبو أكرم الحلبي‬

‫( ‪)5/33‬‬
‫وفي الجملة‪ :‬إن تصرفات الفضولي جائزة موقوفة على إجازة صاحب الشأن عند الحنفية (‪، )1‬‬
‫وتصرفات الفضولي مثل بيع المسلم فيه والمغصوب وبيع الوكيل (‪ )2‬هي من الحالت المستثناة من‬
‫بيع ما ليس مملوكا للنسان‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬تعتبر تصرفات الفضولي وعقوده بصفة عامة في حالة البيع وحالة الشراء منعقدة‬
‫موقوفة على إجازة صاحب الشأن‪ .‬فإن أجازها جازت ونفذت وإل بطلت؛ لن الجازة اللحقة كالذن‬
‫أو الوكالة السابقة (‪. )3‬‬
‫استدل الحنفية والمالكية بآيات البيع التي وردت عامة لم يستثن منها كون العاقد فضوليا‪ ،‬مثل قوله‬
‫تعالى‪{ :‬وأحلّ ال ُ البَيْعَ} [البقرة‪ ]275/2:‬وقوله سبحانه‪{ :‬يا أيّها الّذينَ آمَنُوا ل تَ ْأكُلوا أمْوالكُمْ بَي َنكُمْ‬
‫طلِ‪ ،‬إل أنْ تكونَ تِجارَة عَن تَراضٍ مَنكُم} [النساء‪ ]29/4:‬وقوله‪ { :‬فَإذا قُضيت الصلة فان َتشِروا‬
‫بِالبا ِ‬
‫ضلِ ال} [الجمعة‪.]10/62:‬‬
‫في ال ْرضِ وابْتَغوا منْ َف ْ‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،150-148/5 :‬فتح القدير مع العناية بهامشه‪ 309/5 :‬ومابعدها‪ ،‬رد المحتار لبن‬
‫عابدين‪.6-5/4 :‬‬
‫(‪ )2‬يصح بيع المسلم فيه وإن لم يكن مملوكا للبائع وقت العقد‪ ،‬وأما المغصوب فيصح بيعه من‬
‫الغاصب ويضمن قيمته‪ ،‬وبيع الوكيل نافذ‪.‬‬
‫(‪ )3‬بداية المجتهد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،12/3 :‬القوانين الفقهية‪ :‬س ‪.245‬‬

‫( ‪)5/34‬‬

‫والفضولي كامل الهلية‪ ،‬فإعمال عقده أولى من إهماله‪ ،‬وربما كان في العقد مصلحة للمالك‪ ،‬وليس‬
‫فيه أي ضرر بأحد؛ لن المالك له أل يجيز العقد‪ ،‬إن لم يجد فيه فائدته‪ .‬وقد ثبت أن الرسول صلّى‬
‫ال عليه وسلم فيما يرويه البخاري وغيره‪ :‬أعطى عروة البارقي دينارا ليشتري له به شاة فاشترى له‬
‫به شاتين‪ ،‬فباع إحداهما بدينار‪ ،‬وجاءه بدينار وشاة‪ ،‬فقال‪« :‬بارك ال لك في صفقة يمينك» ‪ .‬وروى‬
‫الترمذي وأبو داود عن حكيم بن حزام‪ :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري به شاة‬
‫يضحيها‪ ،‬فاشترى شاتين بالدينار‪ ،‬وباع إحداهما بدينار جاء به هو الشاة للرسول صلّى ال عليه وسلم‬
‫‪ ،‬فأثنى عليه‪ ،‬ودعا له بالبركة قائلً‪« :‬بارك ال لك في صفقتك» (‪ )1‬فالنبي عليه السلم لم يأمر في‬
‫الحالتين في الشاة الثانية ل بالشراء ول بالبيع‪.‬‬
‫وقال الحنابلة (‪ : )2‬ل يصح تصرف فضولي مطلقا أي ببيع أو شراء أو غيرهما‪ ،‬ولو أجيز تصرفه‬
‫بعد وقوعه إل إن اشترى الفضولي في ذمته‪ ،‬ونوى الشراء لشخص لم يسمه‪ ،‬فيصح‪ ،‬أو اشترى بنقد‬
‫حاضر ونوى لشخص لم يسمه‪ ،‬فيصح‪ ،‬ثم إن أجاز الشراء من اشتري له‪ ،‬ملكه من حين الشراء‪،‬‬
‫وإن لم يجزه وقع الشراء للمشتري ولزمه حكمه‪ .‬وقال ابن رجب‪ :‬تصرف الفضولي جائز موقوف‬
‫على الجازة إذا دعت الحاجة إلى التصرف في مال الغير أو حقه‪ ،‬وتعذر استئذانه إما للجهل بعينه أو‬
‫لغيبته ومشقة انتظاره‪.‬‬
‫ونصت المادة (‪ )13‬من مشروع تقنين الشريعة على مذهب أحمد‪« :‬تصرف الفضولي باطل‪ ،‬ولو‬
‫أجيز بعد‪ ،‬إل إذا اشترى في ذمته ونوى الشراء لشخص لم يسمه‪ ،‬فيصح البيع» ‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر سبل السلم‪.31/3 :‬‬
‫(‪ )2‬كشاف القناع‪ 11/2 :‬ومابعدها‪ ،‬القواعد لبن رجب‪ :‬ص ‪ ،417‬غاية المنتهى‪ ،8/2 :‬مطالب أولي‬
‫النهى في شرح غاية المنتهى‪.18/3 :‬‬

‫( ‪)5/35‬‬

‫وقال الشافعية والظاهرية‪ :‬يشترط في المبيع أن يكون مملوكا لمن له العقد‪ ،‬فبيع الفضولي باطل من‬
‫أساسه لينعقد أصلً فل تلحقه إجازة صاحب الشأن‪ ،‬ودليلهم مارواه أبو داود والترمذي ـ وقال‪ :‬إنه‬
‫حسن ـ عن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪ « :‬لبيع إل فيما تملك » ‪ .‬وصح أيضا النهي عن بيع‬
‫ماليس عند النسان (‪ )1‬أي ماليس مملوكا للبائع‪ ،‬وذلك للغرر الناشئ عن عدم القدرة على التسليم‬
‫وقت العقد‪ ،‬ومايترتب عليه من النزاع‪ .‬وقالوا عن حديث عروة البارقي أو حكيم بن حزام‪ :‬إنه‬
‫محمول على أنه كان وكيلً مطلقا عن النبي صلّى ال عليه وسلم ‪ ،‬ويدل عليه أنه باع الشاة وسلمها (‬
‫‪ ، )2‬فهي وكالة خالف فيها الوكيل إلى خير فينفذ تصرفه‪ .‬وأما شراء الفضولي في رأي هؤلء‬
‫فيعتبر شراء لنفسه‪ ،‬ويلزمه هو وحده ولينتقل الملك عنه إلى غيره إل بعقد جديد كما هو رأي‬
‫الحنفية‪.‬‬
‫شروط إجازة تصرف الفضولي ‪:‬‬
‫اشترط الحنفية لجازة عقد الفضولي شروطا (‪: )3‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون للعقد مجيز حالة العقد‪ :‬أي من كان يستطيع إصدار العقد بنفسه‪ ،‬لن ما له مجيز‬
‫متصور منه الذن بإتمام العقد للحال‪ ،‬وبعد صدور التصرف‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬نص الحديث رواه أحمد وأصحاب السنن الربعة عن حكيم بن حزام‪ ،‬وهو أن النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم قال له ‪« :‬لتبع ماليس عندك » حسنه الترمذي ( انظر نصب الراية‪ ،45/4 :‬نيل الوطار‪:‬‬
‫‪. )155/5‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪ ،15/2 :‬المجموع للنووي‪ 284 ،281/9 :‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،151-149/5 :‬فتح القدير‪ ،311/5 :‬الدر المختار ورد المحتار‪.142/4 :‬‬

‫( ‪)5/36‬‬

‫وأما ما ل مجيز له فل يتصور منه الذن للحال‪ ،‬والذن في المستقبل قد يحدث وقد ل يحدث‪ .‬وعلى‬
‫هذا‪ :‬إذا طلق فضولي امرأة زوج بالغ‪ ،‬أو وهب ماله‪ ،‬أو تصدق به‪ ،‬انعقد التصرف موقوفا على‬
‫الجازة؛ لن صاحب الشأن كان يستطيع أن يصدر هذه العقود بنفسه‪ ،‬فيستطيع لهذا أن يجيزها بعد‬
‫وقوعها‪ ،‬فكان للتصرف مجيز حال العقد‪ .‬أما لو فعل فضولي شيئا مما ذكر بالنسبة لصغير‪ ،‬فل ينعقد‬
‫العقد؛ لن الصبي ليس من أهل هذه التصرفات بنفسه‪ ،‬فلم يكن لها مجيز حين العقد‪ ،‬وكذلك ولي‬
‫الصبي ل قيمة لجازته؛ لنه ل يملك هذه التصرفات بنفسه‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن تكون الجازة حين وجود البائع‪ ،‬والمشتري‪ ،‬والمالك‪ ،‬والمبيع‪ ،‬فلو حصلت الجازة بعد هلك‬
‫أحد هؤلء‪ ،‬بطل العقد ولم تفد الجازة شيئا؛ لن الجازة تصرف في العقد‪ ،‬فل بد من قيام العقد‪،‬‬
‫وقيامه بقيام العاقدين والمعقود عليه‪.‬‬
‫‪ - 3‬أل يمكن تنفيذ العقد على الفضولي عند رفض صاحب الشأن‪ ،‬على ما تبين سابقا‪.‬‬
‫فسخ عقد الفضولي وإجازته ‪:‬‬
‫فسخ العقد الصادر من الفضولي كبيع مثلً‪ :‬قد يكون من صاحب الشأن المالك للمبيع كما هو واضح‪،‬‬
‫وقد يكون من الفضولي البائع قبل إجازة المالك‪ ،‬حتى يدفع عن نفسه الحقوق التي تلزمه لو أجاز‬
‫المالك‪ ،‬وقد يكون من المشتري ليدفع عن نفسه ما قد يلحقه من ضرر بشرائه من غير صاحب الشأن‪.‬‬
‫أما في عقد الزواج‪ :‬فليس للفضولي فسخه‪ ،‬لنه عقد ترجع فيه الحقوق إلى الصيل صاحب الشأن (‬
‫‪. )1‬‬
‫أما إجازة عقد الفضولي فمقصورة على المالك (مالك المال) أو الغير الذي تعلق له حق بالمبيع‪ ،‬وذلك‬
‫إذا كان البائع والمشتري والمبيع قائما‪ ،‬بأن ليتغير المبيع بحيث يعد شيئا آخر؛ لن إجازته كالبيع‬
‫حكما‪ ،‬وكذا يشترط قيام الثمن إذا كان عرضا معينا؛ لنه مبيع من وجه‪ ،‬فيكون ملكا للفضولي‪ ،‬فإذا‬
‫هلك هلك عليه (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،151/5 :‬فتح القدير‪.312-309/ :‬‬
‫(‪ )2‬الدر المختار ورد المحتار‪ 146/4 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)5/37‬‬

‫هل للفضولي الواحد أن يعقد العقد عن الطرفين ‪:‬‬


‫إذا باع ا لفضولي دار إنسان مثلً وهما غائبان‪ ،‬وقبل عن المشتري‪ ،‬أو زوج إنسانا من امرأة وقبل‬
‫عنهما‪ ،‬فل ينعقد العقد؛ لن تعدد العاقد شرط في انعقاد العقد‪ ،‬كما سبق بيانه‪ ،‬فل يتوقف اليجاب‬
‫على قبول غائب عن المجلس في سائر العقود من نكاح وبيع وغيرهما‪ ،‬بل يبطل اليجاب ول تلحقه‬
‫الجازة اتفاقا‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ :‬إذا كان الشخص في عقد النكاح فضوليا من الجانبين أو من جانب واحد وكان من الجانب‬
‫الخر أصيلً أو وكيلً أو وليا‪ ،‬فل يتوقف إيجابه‪ ،‬بل يبطل عند أبي حنيفة ومحمد‪ ،‬سواء تكلم بكلم‬
‫واحد أو بكلمين‪ :‬أي إيجاب وقبول‪ ،‬كزوجت فلنا وقبلت عنه‪ .‬وقال أبو يوسف‪ :‬يتوقف إيجاب‬
‫الفضولي على قبول الغائب‪ ،‬كما يتوقف اتفاقا لو قبل عنه فضولي آخر‪ ،‬فلو زوج فضوليان رجلً من‬
‫امرأة بغير علمهما جاز‪ ،‬وتوقف على قبولهما‪ ،‬فإن قبل نفذ العقد‪ ،‬وإن رفضا لم ينفذ‪.‬‬
‫دليل الطرفين‪ :‬أن قبول الفضولي غير معتبر شرعا؛ لن اليجاب لما صدر من الفضولي‪ ،‬وليس له‬
‫قابل في المجلس‪ ،‬ولو فضوليا آخر‪ ،‬صدر باطلً‪ ،‬غير متوقف على قبول الغائب‪ ،‬فل يفيد قبول العاقد‬
‫بعده‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬إن الموجود حينئذ هو شطر العقد‪ ،‬ول يمكن أن يعتبر الشطر الخر متحققا إل بوكالة‬
‫أو ولية‪.‬‬
‫ودليل أبي يوسف‪ :‬أن عبارة الفضولي تتضمن شطري العقد‪ ،‬فيجوز كما في الولي والوكيل (‪. )1‬‬
‫توقف تصرف الصبي المميز ‪:‬‬
‫إذا كان الصبي عاقلً مميزا‪ :‬تصح تصرفاته في رأي الحنفية والحنابلة موقوفة على إجازة وليه‪ ،‬ما‬
‫دام صغيرا أو على إجازته بنفسه بعد البلوغ إن لم توجد الجازة من وليه حال صغره‪ .‬فلو بلغ‬
‫الصبي قبل إجازة الولي‪ ،‬فأجاز بنفسه جاز (‪ ، )2‬وقد سبق ذكره‪ ،‬وتعرضت له هنا لصلته بالبيع‬
‫الموقوف‪.‬‬
‫ثالثا ـ شروط صحة البيع ‪:‬‬
‫شروط الصحة قسمان‪ :‬عامة وخاصة (‪. )3‬‬
‫فالشروط العامة‪ :‬هي التي يجب أن تتحقق في كل أنواع البيع لتعتبر‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر حاشية ابن عابدين‪ ،448/2 :‬الحوال الشخصية للستاذ المرحوم الدكتور مصطفى‬
‫السباعي‪.95/1 :‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،149/5 :‬المغني‪.246/ :‬‬
‫(‪ )3‬انظر التفصيل في حاشية ابن عابدين‪ ،6/4 :‬عقد البيع للستاذ الزرقاء ص ‪ 25‬ومابعدها‪،‬‬
‫الموال ونظرية العقد للدكتور محمد يوسف موسى‪ :‬ص ‪ 394‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)5/38‬‬

‫صحيحة شرعا‪ .‬وهي إجمالً أن يخلو عقد البيع من العيوب الستة‪ ،‬وهي‪ :‬الجهالة‪ ،‬والكراه‪،‬‬
‫والتوقيت‪ ،‬والغرر‪ ،‬والضرر‪ ،‬والشروط المفسدة‪.‬‬
‫الول ـ الجهالة‪ :‬يراد بها الجهالة الفاحشة أو التي تفضي إلى نزاع يتعذر حله وهو النزاع الذي‬
‫تتساوى فيه حجة الطرفين بالستناد إلى الجهالة‪ ،‬كما لو باع إنسان شاة من قطيع‪ .‬وهذه الجهالة أربعة‬
‫أنواع‪:‬‬
‫‪ - 1‬جهالة المبيع جنسا أو نوعا أو قدرا بالنسبة إلى المشتري‪.‬‬
‫‪ - 2‬جهالة الثمن كذلك‪ :‬فل يصح بيع الشيء بثمن مثله‪ ،‬أو بما سيستقر عليه السعر‪.‬‬
‫‪ - 3‬جهالة الجال‪ ،‬كما في الثمن المؤجل‪ ،‬أو في خيار الشرط‪ ،‬فيجب أن تكون المدة معلومة وإل‬
‫فسد العقد‪ .‬ويلحظ أن الذي يجوز تأجيله لجل معلوم في عقد البيع هو الثمن أو المبيع إذا كان كل‬
‫منها دينا ثابتا في الذمة‪ ،‬فإن كان الثمن أو المبيع عينا‪ ،‬فل يجوز تأجيله باتفاق العلماء‪ ،‬فلو باع‬
‫شخص سلعة معينة على أن يسلمها بعد شهر‪ ،‬أو اشترى شخص بثمن عين ( أي ذات معينة غير دين‬
‫) على أن يدفع الثمن بعد شهر‪ ،‬فالبيع فاسد‪ ،‬ولو كان الجل معلوما؛ لن الجل شرع ترفيها ليتمكن‬
‫العاقد من الحصول على العوض أثناءه‪ ،‬وهذا أمر يليق بالديون لنها ليست معينة في البيع‪ ،‬ول يليق‬
‫بالعيان المعينة لن العين معين حاضر‪ ،‬فيكون تأخير تسليمه ملحقا ضررا من غير فائدة أو تحصيلً‬
‫لحاصل (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع فتح القدير‪ ،219/5 :‬المجموع‪ ،373/9 :‬بداية المجتهد‪.155/2 :‬‬
‫( ‪)5/39‬‬

‫‪ - 4‬الجهالة في وسائل التوثيق‪ ،‬كما لو اشترط البائع تقديم كفيل أو رهن بالثمن المؤجل‪ ،‬فيجب أن‬
‫يكونا معينين وإل فسد العقد‪.‬‬
‫الثاني ـ الكراه‪ :‬هو حمل المستكره على أمر يفعله وهو نوعان‪:‬‬
‫‪ - 1‬إكراه ملجئ أو تام‪ :‬وهو الذي يجد المستكره نفسه مضطرا به لفعل المر المكره عليه‪ ،‬وذلك‬
‫كالتهديد بالقتل أو الضرب الذي يخشى منه ضياع عضو‪.‬‬
‫‪ - 2‬إكراه غير ملجئ أو ناقص‪ :‬كالتهديد بالحبس أو الضرب أو إيقاع الظلم به كمنع ترقيته في‬
‫وظيفته أو إنزاله درجة‪.‬‬
‫والكراه بنوعيه يؤثر في البيع‪ ،‬فيجعله فاسدا عند جمهور الحنفية وموقوفا عند زفر‪ .‬فيملك المشتري‬
‫المبيع بالقبض إذا اعتبر فاسدا‪ ،‬ول يملكه مطلقا بالقبض إذا اعتبر موقوفا‪ ،‬والرجح اعتبار عقد‬
‫المكره موقوفا‪ ،‬لنه باتفاق الحنفية إذا أجازه المستكره بعد زوال الكراه يجوز ويلزم في حقه‪ ،‬وهذا‬
‫هو حكم العقد الموقوف ل الفاسد (‪. )1‬‬
‫الثالث ـ التوقيت‪ :‬هو أن يوقت البيع بمدة كما لو قال‪ :‬بعتك هذا الثوب شهرا أو سنة‪ ،‬فيكون البيع‬
‫فاسدا‪ ،‬لن ملكية العين لتقبل التأقيت‪.‬‬
‫الرابع ـ الغرر‪ :‬المراد به غرر الوصف‪ ،‬كما لو باع بقرة على أنها تحلب كذا رطلً‪ ،‬لنه موهوم‬
‫التحقق فقد ينقص‪.‬‬
‫أما لو باعها على أنها حلوب دون تحديد مقدار‪ ،‬فإنه شرط صحيح‪ .‬وأما غرر الوجود فهو مبطل‬
‫للبيع لنهي النبي صلّى ال عليه وسلم عن بيع الغرر (‪ : )2‬وهو ماكان المبيع فيه محتمل ً للوجود‬
‫والعدم‪ ،‬كبيع نتاج النتاج‪ ،‬وبيع الحمل الموجود‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر البدائع‪ ،188/7 :‬المدخل الفقهي للستاذ الزرقاء‪ 364/1 :‬في الحاشية ف ‪.185‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم وأحمد وأصحاب السنن الربعة عن أبي هريرة رضي ال عنه (انظر جامع الصول‪:‬‬
‫‪ ،441/1‬مجمع الزوائد ‪.)80/4 :‬‬

‫( ‪)5/40‬‬
‫الخامس ـ الضرر‪ :‬يراد به ما إذا كان تسليم المبيع ل يمكن إل بإدخال ضرر على البائع‪ ،‬فيما سوى‬
‫المبيع من ماله‪ ،‬كما لو باع جذعا معينا في سقف مبني‪ ،‬أو ذراعا من ثوب يضره التبعيض‪ ،‬فإن‬
‫التنفيذ يقضي بهدم ما حول الجذع وتعطيل الثوب‪.‬‬
‫وبما أن الفساد هنا لصيانة حق شخصي‪ ،‬ل لحق الشرع‪ ،‬قرر الفقهاء أن البائع لو نفذ الضرر على‬
‫نفسه‪ ،‬بأن قلع الجذع أو قطع الثوب وسلمه إلى المشتري‪ ،‬انقلب البيع صحيحا‪.‬‬
‫السادس ـ الشرط المفسد‪ :‬هو كل شرط فيه نفع لحد المتبايعين‪ ،‬إذا لم يكن قد ورد به الشرع‪ ،‬أو‬
‫جرى به العرف‪ ،‬أو يقتضيه العقد‪ ،‬أو يلئم مقتضاه‪ ،‬مثل أن يبيع سيارة على أن يستخدمها شهرا بعد‬
‫البيع‪ ،‬أو دارا على أن يظل مقيما بها مدة معينة‪ ،‬أو أن يشترط المشتري على البائع في صلب العقد‬
‫أن يقرضه مبلغا من المال‪.‬‬
‫والشرط الفاسد إذا وجد في عقد من عقود المعاوضات المالية كالبيع والجارة والقسمة مثلً أفسده‪،‬‬
‫ولكنه يكون لغوا في العقود الخرى‪ ،‬مثل التبرعات والتوثيقات والزواج‪ ،‬وتكون هذه العقود حينئذ‬
‫صحيحة (‪. )1‬‬
‫وقد علق الستاذ مصطفى الزرقاء على ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬وبما أن عرف الناس مصحح للشروط في نظر‬
‫الفقهاء‪ ،‬فكل شرط فاسد في الصل ينقلب صحيحا ملزما إذا تعارفه الناس‪ ،‬وشاع بينهم اشتراطه‪.‬‬
‫وعندئذ يمكن القول‪ :‬بأن الشرط الفاسد قد زال فقهيا من معاملت الناس بمفعول الزمن‪ ،‬وأصبحت‬
‫الشروط في هذا العصر كلها صحيحة بمقتضى قواعد الجتهاد الحنفي نفسه (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الموال ونظرية العقد لستاذنا المرحوم محمد يوسف موسى‪ :‬ص ‪.423‬‬
‫(‪ )2‬عقد البيع‪ :‬ص ‪.28‬‬

‫( ‪)5/41‬‬

‫وأما الشروط الخاصة‪ :‬فهي التي تخص بعض أنواع البيع دون بعض وهي كما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬القبض في بيع المنقولت‪ :‬أي أنه إذا باع شخص شيئا من المنقولت التي كان قد اشتراها‪،‬‬
‫فيشترط لصحة بيعه‪ :‬أن يكون قد قبضها من بائعها الول‪ ،‬لن المنقول يكثر هلكه‪ ،‬فيكون في بيعه‬
‫ثانية قبل قبضه غرر‪ ،‬أما إذا كان عقارا فيجوز بيعه قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف كما‬
‫سيأتي‪.‬‬
‫‪ - 2‬معرفة الثمن الول في بيوع المانة‪ ،‬أي إذا كان البيع مرابحة أو تولية أو وضيعة أو إشراكا‪.‬‬
‫وسيأتي تفسيرها‪.‬‬
‫‪ - 3‬التقابض في البدلين قبل الفتراق إذا كان البيع صرفا‪.‬‬
‫‪ - 4‬توافر شروط السلم التي سيأتي ذكرها إذا كان البيع سلما‪.‬‬
‫‪ - 5‬المماثلة في البدلين إذا كان المال ربويا والخلو عن شبهة الربا‪.‬‬
‫‪ - 6‬القبض في الديون الثابتة في الذمة‪ ،‬كالمسلم فيه‪ ،‬ورأس مال السلم‪ ،‬وبيع شيء بدين على غير‬
‫البائع‪ ،‬فل يصح بيعها من غير من عليه الدين إل بعد قبضها‪ .‬مثاله‪ :‬ل يصح لرب السلَم أي‬
‫(المشتري) أن يبيع المال المسلم فيه قبل قبضه من المسلم إلىه (البائع)‪ ،‬ول يصح للدائن أن يشتري‬
‫بدينه شيئا من غير المدين قبل قبضه‪.‬‬
‫رابعا ـ شروط لزوم البيع ‪:‬‬
‫شرائط اللزوم تأتي بعد شرائط النعقاد والنفاذ‪ ،‬فيشترط للزوم البيع‪ :‬خلوه من أحد الخيارات التي‬
‫تسوغ لحد العاقدين فسخ العقد‪ :‬مثل خيار الشرط والوصف والنقد والتعيين‪ ،‬والرؤية‪ ،‬والعيب‪،‬‬
‫والغبن مع التغرير‪ .‬فإذا وجد في البيع شيء من هذه الخيارات منع لزومه في حق من له الخيار‪،‬‬
‫فكان له أن يفسخ البيع أو أن يقبله‪ ،‬إل إذا حدث ما نع من ذلك‪ ،‬كما سيأتي في مباحث الخيارات (‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫ويلحظ أن النعقاد يقابله البطلن‪ ،‬والصحة يقابلها الفساد‪ ،‬والنفاذ يقابله التوقف‪ ،‬واللزوم يقابله عدم‬
‫اللزوم أي التخيير‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬حاشية ابن عابدين‪ ،6/4 :‬عقد البيع للستاذ الزرقاء‪ :‬ص ‪.32‬‬

‫( ‪)5/42‬‬

‫خلصة أنواع شروط البيع في المذاهب وبيان التفاق والختلف فيها ‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في أنواع شروط البيع‪ ،‬فهي عند الحنفية ثلثة وعشرون شرطا‪ ،‬وفي مذهب المالكية‬
‫أحد عشر شرطا‪ ،‬ولدى الشافعية اثنان وعشرون شرطا‪ ،‬وفي رأي الحنابلة أحد عشر شرطا‪.‬‬
‫الشروط في مذهب الحنفية ‪:‬‬
‫شروط البيع عند الحنفية أربعة أقسام‪ :‬شروط النعقاد‪ ،‬وشروط الصحة‪ ،‬وشروط النفاذ‪ ،‬وشروط‬
‫اللزوم‪ ،‬وجملتها ثلثة وعشرون شرطا (‪. )1‬‬
‫أما شروط النعقاد‪ ،‬فهي أربعة أنواع‪:‬‬
‫النوع الول ـ شروط العاقد‪ :‬يشترط في العاقد‪ ،‬سواء أكان بائعا أم مشتريا شرطان هما‪:‬‬
‫ل أو مميزا‪ :‬فل ينعقد بيع المجنون ول شراؤه‪ ،‬ومثله الصغير غير المميز‪.‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون عاق ً‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون متعددا‪ :‬فل ينعقد البيع بشخص واحد‪ ،‬بل يلزم أن يكون اليجاب من شخص‪ ،‬والقبول‬
‫من شخص آخر‪ ،‬إل الب ووصيه والقاضي والرسول من الجانبين‪ ،‬يكون كل منهم بائعا ومشتريا‬
‫بنفسه‪.‬‬
‫النوع الثاني ـ شروط الصيغة‪ :‬يشترط في صيغة العقد من اليجاب والقبول ثلثة شروط هي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬سماع الصيغة‪ :‬فل ينعقد البيع إل إذا سمع كل واحد من العاقدين كلم صاحبه‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬توافق اليجاب والقبول‪ :‬بأن يقبل المشتري كل ما أوجبه البائع وبما أوجبه من الثمن‪ ،‬فإذا‬
‫اختلف القبول مع اليجاب‪ ،‬ل ينعقد البيع‪ ،‬إل إذا كانت المخالفة إلى خير‪ ،‬بأن يقبل المشتري زيادة‬
‫عن الثمن الموجب به‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬اتحاد مجلس العقد‪ :‬بأن يكون اليجاب والقبول في مجلس واحد‪ ،‬دون فاصل‪ ،‬فإن اختلف‬
‫المجلس ل ينعقد البيع‪ ،‬وإن تخلل انقطاع أجنبي عن العقد بأن يقوم أحدهما عن المجلس قبل القبول‪،‬‬
‫أو يشتغل بعمل آخر‪ ،‬لم ينعقد البيع‪ .‬واعتبر المجلس الواحد جمعا للمتفرقات بحسب التعاقد وعادة‬
‫الناس‪ .‬ول يشترط الفور في القبول؛ لن القابل يحتاج إلى التأمل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪.155 ،148-135/5 :‬‬

‫( ‪)5/43‬‬

‫وفي التعاقد بين غائبين بطريق المراسلة يعتبر مجلس بلوغ الرسالة من العاقد الول إلى الثاني هو‬
‫مجلس التعاقد‪.‬‬
‫النوع الثالث ـ شروط المعقود عليه‪ :‬يشترط في المعقود عليه خمسة شروط هي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون المبيع مالً‪ :‬وهو ما يمكن النتفاع به في العادة‪ ،‬فل ينعقد بيع الميتة وبيع اليسير من‬
‫المال كحبة حنطة؛ لنه ليس بمال‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون متقوما‪ :‬وهو ما يباح النتفاع به شرعا‪ ،‬فل ينعقد بيع الخمر والخنزير؛ إذ ل يباح‬
‫النتفاع بهما شرعا‪ .‬وقد جمعت هذين الشرطين سابقا في شرط واحد‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يكون محرزا‪ ،‬أي مملوكا في نفسه‪ :‬وهو ما دخل تحت حيازة ملك خاص‪ ،‬فل ينعقد بيع ما‬
‫ليس بمملوك لحد من الناس‪ ،‬كالعشب المباح ولو في أرض مملوكة‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬أن يكون المعقود عليه موجودا حين التعاقد‪ :‬فل ينعقد بيع المعدوم كنتاج النتاج(ولد الولد)‪ ،‬ول‬
‫ماله خطر العدم واحتمال الوجود كالحمل في البطن‪ ،‬واللبن في الضرع‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬أن يكون مقدور التسليم حين العقد‪ :‬فل ينعقد بيع السمك في الماء والطير في الهواء‪.‬‬
‫النوع الرابع ـ شرط البدل ‪:‬‬
‫ل متقوما كالخمر‬
‫ل متقوما قائما‪ ،‬فل ينعقد البيع بثمن ل يعد ما ً‬
‫وهو شرط واحد وهو أن يكون ما ً‬
‫والخنزير‪.‬‬
‫وأما شروط الصحة‪ :‬فهي قسمان‪ :‬عامة وخاصة‪.‬‬
‫أما العامة‪ :‬فهي المتعلقة بكل أنواع البيع‪ ،‬وهي جميع شروط النعقاد المذكورة آنفا؛ لن كل عقد ل‬
‫ينعقد‪ ،‬فل يصح أيضا‪ ،‬ويزاد عليها شروط أربعة هي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون المبيع معلوما والثمن معلوما علما يمنع من المنازعة‪ :‬فل يصح بيع المجهول كشاة من‬
‫قطيع غنم‪ ،‬ول أن يبيع شيئا بثمن مجهول غير معين‪ ،‬كأن يبيع شيئا بقيمته‪ ،‬أو بما في يده أو جيبه‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أل يكون البيع مؤقتا‪ :‬فإن أقته بوقت ل يصح؛ لن مقتضى البيع هو إفادة نقل الملكية في البدلين‬
‫(المبيع والثمن) أبديا على الدوام‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يكون للبيع فائدة‪ :‬فل يصح بيع درهم بدرهم مساوٍ له‪.‬‬

‫( ‪)5/44‬‬

‫ً‪ - 4‬أن يخلو عن الشرط المفسد‪ :‬وهو كل شرط فيه منفعة زائدة لحد المتعاقدين‪ ،‬إذ لم يرد به‬
‫الشرع‪ ،‬ولم يجز به العرف‪ ،‬ول يلئم مقتضى العقد‪ ،‬كاشتراط أن تكون الدابة حاملً‪ ،‬أو أن ينتفع‬
‫بالمبيع مدة بعد البيع‪ ،‬أو أن يقرض المشتري البائع مبلغا من المال‪.‬‬
‫وأما الشروط الخاصة ببعض أنواع البيوع فهي خمسة‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬القبض في بيع المنقول والعقار الذي يخشى هلكه‪ :‬فإن اشترى شخص شيئا‪ ،‬لم يصح بيعه‬
‫لخر قبل قبضه للنهي عن بيع مالم يقبض‪.‬أما العقار الذي ل يخشى هلكه‪ ،‬فيجوز بيعه قبل القبض‬
‫في رأي الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون الثمن الول معلوما في بيوع المانة‪ :‬وهي بيع المرابحة والتولية والوضيعة‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬التقابض والتساوي في البدلين المتحدي الجنس وكانا مما يكال أو يوزن‪ ،‬وهذا شرط في بيع‬
‫الموال الربوية‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬توافر شروط السلم الخاصة به مثل قبض رأس مال السلم كله في مجلس العقد‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬أل يكون أحد البدلين دَيْنا في بيع الدين إلى غير المدين‪.‬‬
‫وأما شروط النفاذ‪ :‬فهي اثنان‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون المبيع مملوكا للبائع‪ ،‬أو له عليه ولية‪ :‬فل ينفذ بيع غير المملوك للبائع وهو بيع ملك‬
‫الغير أو بيع الفضولي‪ ،‬إل في عقد السلم‪ ،‬فإنه يصح بيع ما سيملكه بعد العقد‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أل يكون في المبيع حق لغير البائع‪ :‬فل ينفذ بيع المرهون والمأجور؛ لنه وإن كان مملوكا له‪،‬‬
‫ولكن للغير حق فيه‪.‬‬
‫وأما ما يشترط في لزوم العقد؛ فهو شرط واحد‪:‬‬
‫وهو خلو البيع من الخيار‪ ،‬فل يلزم البيع المشتمل على الخيار‪ ،‬ويجوز فسخه‪.‬‬
‫شروط البيع في مذهب المالكية ‪:‬‬
‫اشترط المالكية شروطا في العاقد وفي الصيغة وفي المعقود عليه‪ ،‬وجملتها أحد عشر شرطا (‪. )1‬‬
‫أما شروط العاقد بائعا أو مشتريا فهي ثلثة‪ ،‬يزاد عليها رابع في البائع‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون كل من البائع والمشتري مميزا‪ :‬فل ينعقد بيع الصبي غير‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 245‬وما بعدها‪ ،‬بداية المجتهد‪.171-168 ،127-125/2 :‬‬

‫( ‪)5/45‬‬

‫المميز‪ ،‬والمجنون والمغمى عليه والسكران‪ .‬أما بيع المميز فل يلزم وإن كان صحيحا إل إذا كان‬
‫ل عن مكلف‪ ،‬فإن بيعه يلزم‪.‬‬
‫وكي ً‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون كلهما مالكين‪ ،‬أو وكيلين لمالكين‪ ،‬أو ناظرين عليهما‪ :‬فينعقد بيع الفضولي‪:‬‬
‫وهوالشراء لحد بغير إذنه أو البيع عليه بغير إذنه‪ ،‬ويتوقف على إذن المالك‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يكونا طائعين‪ :‬فبيع المكره وشراؤه باطلن‪ .‬والمعتمد لدى المالكية أن بيع المكره غير لزم‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬أن يكون البائع رشيدا‪ :‬فل ينفذ بيع السفيه والمحجور‪ ،‬وشراؤه موقوف على إجازة وليه‪.‬‬
‫ول يشترط السلم في العاقد إل في شراء العبد المسلم‪ ،‬وفي شراء المصحف‪ ،‬لكن يكون البيع‬
‫صحيحا نافذا‪ ،‬ويجبر المشتري الكافر على إخراج المبيع من ملكه؛ لن في تملكه العبد المسلم أو‬
‫المصحف إهانة‪ ،‬ويصح بيع العمى وشراؤه‪.‬‬
‫وأما شروط الصيغة فهي اثنان ‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يتحد المجلس‪ :‬بأن يكون القبول مع اليجاب في مجلس واحد‪ :‬فلو قال البائع للمشتري‪ :‬بعتك‬
‫الكتاب بكذا‪ ،‬فلم يجبه‪ ،‬ثم تفرقا عن المجلس‪ ،‬لم ينعقد البيع‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أل يفصل بين اليجاب والقبول فاصل يدل على العراض عن البيع عرفا‪ :‬فإن وجد فاصل يدل‬
‫على العراض عرفا‪ ،‬لم ينعقد البيع‪.‬‬
‫وأما شروط الثمن والمثمن فهي خمسة‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون غير منهي عنه شرعا‪ :‬فل ينعقد بيع الميتة والدم وما لم يقبض‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون طاهرا‪ :‬فل يجوز بيع النجس كالخمر والخنزير‪ ،‬والمشهور منع بيع العاج والزبل‬
‫والزيت النجس مطلقا‪ .‬وأجاز ابن وهب ذلك البيع‪ ،‬فمن رأى أن عاج الفيل ناب جعله كالميتة‪ ،‬ومن‬
‫رأى أنه قرن معكوس جعل حكمه حكم القرن‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يكون منتفعا به شرعا‪ :‬فل يجوز بيع ما ل منفعة فيه كالكلب والخشاش (الحشرات) وآلت‬
‫اللهو‪ ،‬واختلف المالكية في بيع الكلب للصيد وحراسة الغنم على رأيين‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬أن يكون معلوما للعاقدين‪ :‬فل يجوز بيع المجهول‪.‬‬

‫( ‪)5/46‬‬

‫ً‪ - 5‬أن يكون مقدورا على تسليمه‪ :‬فل ينعقد بيع معجوز التسليم كالسمك في الماء‪.‬‬
‫شروط البيع في مذهب الشافعية ‪:‬‬
‫اشترط الشافعية اثنين وعشرين شرطا وهي إما في العاقد‪ ،‬وإما في الصيغة‪ ،‬وإما في المعقود عليه (‬
‫‪. )1‬‬
‫أما شروط العاقد فهي أربعة‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬الرشد‪ :‬وهو أن يكون بالغا عاقلً‪ ،‬مصلحا لدينه وماله‪ :‬فل ينعقد بيع صبي وإن قصد اختباره‪،‬‬
‫ول من مجنون‪ ،‬ول من محجور عليه بسفه‪ .‬لكن لو تعاقد الصبي و أتلف عنده ما ابتاع أو ما اقترض‬
‫من رشيد‪ ،‬وأقبضه له‪ ،‬لم يضمن؛ لن المُقبض أو المُسلّم هو المضيع لماله‪ ،‬هذا في الظاهر‪ ،‬أما في‬
‫الباطن‪ ،‬فيغرم بعد البلوغ‪ ،‬كما نص عليه الشافعي في الم في باب القرار‪ .‬أما إن تسلم المبيع من‬
‫صبي مثله‪ ،‬ولم يأذن الوليان لهما‪ ،‬ضمن كل منهما ما قبض من الخر‪ .‬فإن كان التسليم بإذن الوليين‪،‬‬
‫فالضمان عليهما فقط‪ ،‬لوجود التسليط منهما‪.‬‬
‫وعلى البائع للصبي رد الثمن إلى وليه‪ ،‬فلو رده إلى الصبي‪ ،‬ولو بإذن الولي‪ ،‬وهو ملك الصبي‪ ،‬لم‬
‫يبرأ منه‪ .‬وإن رده للولي برئ منه‪ .‬هذا أي عدم البراءة ما إذا لم يكن المبيع في مصلحة تتعلق ببدن‬
‫الصبي من مأكل أو مشرب ونحوهما‪ ،‬وإل برئ‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬عدم الكراه بغير حق‪ :‬فل يصح عقد مكره في ماله بغير حق‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬إل أن تكون‬
‫تجارة عن تراض منكم} [النساء‪.]29/4:‬‬
‫ول أثر لقول المكره بغير حق إل في الصلة‪ ،‬فتبطل به في الصح‪ ،‬ول لفعله إل في الرضاع‬
‫والحدث والتحول عن القبلة وترك القيام في الفريضة مع القدرة‪ ،‬وكذا القتل ونحوه في الصح‪.‬‬
‫أما الكراه بحق‪ :‬فيصح‪ ،‬إقامة لرضا الشرع مقام رضاه‪ ،‬كمن توجه عليه دين‪ ،‬وامتنع من الوفاء‬
‫والبيع‪ ،‬فإن شاء القاضي‪ ،‬باع ماله بغير إذنه‪ ،‬لوفاء دينه‪ ،‬وإن شاء عزره وحبسه إلى أن يبيعه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬مغني المحتاج‪ ،16-5/2 :‬تحفة الطلب‪ :‬ص ‪.145-141‬‬

‫( ‪)5/47‬‬

‫ً‪ - 3‬إسلم من يشترى له مصحف ونحوه من كتب حديث وآثار سلف وكتب فقه فيها شيء من‬
‫القرآن والحديث وآثار السلف‪ ،‬لما في ذلك من الهانة لها‪ :‬فليصح شراء الكافر المصحف ونحوه‬
‫مما ذكر‪ ،‬ول شراء الكافر العبد المسلم في الظهر‪ ،‬لما فيه من إذلل المسلم‪ ،‬ولقوله تعالى‪{ :‬ولن‬
‫يجعل ال للكافرين على المؤمنين سبيلً} [النساء‪.]141/4:‬‬
‫ً‪ - 4‬أل يكون المشتري حربيا محاربا في بيع آلت الحرب كسيف ورمح ونحوهما‪ ،‬لتقوي الحربيين‬
‫عدّة الحرب‪ ،‬ولو مما يصنع منه كالحديد‪،‬‬
‫بهما على المسلمين‪ ،‬واستعانتهم بذلك على قتالنا‪ .‬أما غير ُ‬
‫فيجوز بيعه للحربي؛ إذ ل يتعين جعله عدة حرب‪ .‬والذمي في دار الحرب كالحربي‪.‬‬
‫وأما شروط الصيغة فهي ثلثة عشر‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬الخطاب‪ :‬بأن يخاطب كل من العاقدين صاحبه‪ ،‬كأن يقول له‪ :‬بعتك كذا‪ ،‬فلو قال‪ :‬بعت لزيد‪،‬‬
‫فل يصح‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يقع الخطاب على جملة المخاطب‪ :‬كأن يقول له‪ :‬بعتك‪ ،‬أما لو قال له‪ :‬بعت يدك أو رأسك‬
‫مثلً‪ ،‬فل يصح‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يكون القبول ممن صدر معه الخطاب‪ :‬فلو وجه اليجاب‪ ،‬فقبل عنه آخر ليس وكيلً عنه‪،‬‬
‫فل يصح البيع‪ .‬ولو مات المخاطب به قبل قبوله‪ ،‬فقبل وارثه‪ ،‬لم ينعقد البيع‪ ،‬وكذا لو قبل وكيله أو‬
‫موكله‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬أن يذكر البادئ بالكلم الثمن والمثمن‪ :‬كأن يقول‪ :‬بعتك هذا الشيء بكذا‪ ،‬أو اشتريت منك هذا‬
‫الشيء بكذا‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬أن يقصد كل العاقدين معنى اللفظ الذي ينطق به‪ :‬فإذا جرى على لسانه لفظ اليجاب أو القبول‪،‬‬
‫أو كان هازلً‪ ،‬دون أن يقصد التمليك والتملك‪ ،‬ل يصح البيع‪.‬‬
‫ً‪ - 6‬أن يصر البادئ على ما أتى به من اليجاب إلى القبول‪ ،‬وأن تستمر أهلية العاقدين إلى تمام‬
‫القبول‪ :‬فلو قال‪ :‬بعتك‪ ،‬ثم جن أو أغمي عليه قبل قبول الخر‪ ،‬بطل العقد‪ .‬ولو أوجب بمؤجل أو‬
‫شرط الخيار‪ ،‬ثم أسقط الجل أو الخيار‪ ،‬لم يصح العقد‪ ،‬لضعف اليجاب وحده‪ ،‬في الحالتين‪.‬‬

‫( ‪)5/48‬‬

‫ً‪ - 7‬أل يطول الفصل بين لفظي اليجاب والقبول‪ ،‬ولو بكتابة أو إشارة أخرس بسكوت طويل‪.‬‬
‫والفاصل الطويل‪ :‬هو ما أشعر بإعراضه عن القبول‪ .‬أما الفصل اليسير بالسكوت فل يضر‪ ،‬لعدم‬
‫إشعاره بالعراض عن القبول‪.‬‬
‫ً‪ - 8‬أل يتخلل بين اليجاب والقبول كلم أجنبي عن العقد‪ ،‬ولو يسيرا‪ ،‬فيضر الفصل اليسير بالكلم‬
‫الجنبي؛ وإن لم يتفرقا عن المجلس؛ لن فيه إعراضا عن القبول‪ ،‬بخلف السكوت اليسير‪ ،‬وبخلف‬
‫يسير الكلم الجنبي في الخلع؛ لن فيه من جانب الزوج شائبة التعليق‪ ،‬ومن جانب الزوجة شائبة‬
‫جعالة‪ ،‬وكل منهما موسع فيه محتمل للجهالة‪ ،‬بخلف البيع‪.‬‬
‫ً‪ - 9‬أل يغير الموجب كلمه قبل قبول الخر‪ :‬فإذا قال‪ :‬بعتك بخمسة‪ ،‬ثم قال‪ :‬بعشرة‪ ،‬قبل أن يقبل‬
‫الخر‪ ،‬لم يصح العقد‪.‬‬
‫ً‪ - 10‬سماع الصيغة‪ :‬بأن يسمع كل عاقد ومن بقربه من الحاضرين كلم الخر‪ ،‬فإن لم يسمعه من‬
‫كان قريبا لم ينعقد العقد‪.‬‬
‫ً‪ - 11‬أن يتوافق اليجاب والقبول تماما‪ :‬فلو اختلفا‪ ،‬لم يصح العقد‪.‬‬
‫ً‪ - 12‬أل يعلق الصيغة بشيء ل يقتضيه العقد‪ :‬مثل إن جاء فلن فقد بعتك كذا‪ ،‬أو بعتك هذه الدار‬
‫إن شاء فلن أو إن شاء ال ؛ لن البيع يقتضي التنجيز‪ .‬أما إن علق بما يقتضيه العقد‪ ،‬كقوله‪ :‬بعتك‬
‫هذا بكذا إن شئت‪ ،‬فقال‪ :‬اشتريت‪ ،‬صح العقد؛ لن هذا التعليق ل ينافي العقد‪ ،‬وهو تصريح بمقتضى‬
‫العقد‪.‬‬
‫ً‪ - 13‬أل يكون العقد مؤقتا‪ :‬فلو قال‪ :‬بعتك الدار بألف شهرا مثلً‪ ،‬لم يصح؛ لن البيع يقتضي‬
‫التأبيد‪.‬‬
‫وأما شروط المعقود عليه فهي خمسة‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون المعقود عليه طاهرا‪ :‬فل يصح بيع الكلب والخمر‪ ،‬والمتنجس الذي ل يمكن تطهيره‬
‫كالخل واللبن والدبس وكذا الدهن في الصح‪.‬‬

‫( ‪)5/49‬‬

‫ً‪ - 2‬أن يكون منتفعا به شرعا‪ :‬فل يصح بيع الحشرات التي ل نفع فيها‪ ،‬ول يصح بيع كل سبع أو‬
‫طير ل ينفع كالسد والذئب والحدأة والغراب غير المأكول‪ .‬ول يصح بيع آلة اللهو كالطنبور والصنج‬
‫والمزمار والعود والصنام والصور وإن اتخذت من نقد‪ ،‬للحرمة‪ ،‬ولنه ل نفع بها شرعا‪ .‬ول يصح‬
‫بيع حبتي حنطة ونحوها‪ ،‬لعدم المالية‪ .‬ويمكن أن يشمل هذين الشرطين كون المعقود عليه غير منهي‬
‫عنه شرعا‪ .‬ويصح بيع الماء المحرز على الشط‪ ،‬والحجر عند الجبل والتراب بالصحراء ممن‬
‫حازها‪ ،‬في الصح‪ ،‬لظهور المنفعة فيها‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يكون مقدور التسليم‪ :‬فل يصح بيع الطير في الهواء ول السمك في الماء‪ ،‬ول بيع الضالّ‬
‫والبق والمغصوب‪ ،‬لكن إن باعه لقادر على انتزاعه من الغاصب‪ ،‬أو باع البق لقادر على رده‪،‬‬
‫صح على الصحيح‪ ،‬نظرا إلى وصوله إليهما‪ ،‬إل إن احتاج إلى مؤنة‪ ،‬فالظاهر البطلن‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬أن يكون مملوكا للعاقد أو له عليه ولية‪ :‬فبيع الفضولي (وهو البائع مال غيره بغير إذنه ول‬
‫ولية له) باطل‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم ‪« :‬ل بيع إل فيما تملك» (‪. )1‬‬
‫ً‪ - 5‬أن يكون معلوما للعاقدين عينا وقدرا وصفة‪ :‬فبيع أحد الثوبين ونحوهما باطل للغرر أو الجهالة‪.‬‬
‫ويصح بيع صاع من صُبرة ( وهي الكومة من الطعام ) لتساوي أجزائهما‪ ،‬وتغتفر جهالة المبيع هنا‪،‬‬
‫فإنه ينزل على صاع مبهم‪ ،‬لتعذر الشاعة‪ .‬أما بيع شيء من أشياء متفاوتة الجزاء كبيع شاة من هذه‬
‫الشياه‪ ،‬فل يصح‪ ،‬لتفاوت الجزاء‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود والترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬إنه حسن‪.‬‬

‫( ‪)5/50‬‬

‫شروط البيع في مذهب الحنابلة ‪:‬‬


‫اشترط الحنابلة أحد عشر شرطا في البيع‪ :‬إما في العاقد‪ ،‬وإما في الصيغة‪ ،‬وإما في المعقود عليه (‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫أما شروط العاقد؛ فهي اثنان‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬الرشد إل في يسير‪ :‬فل يصح بيع الصبي والمجنون والسكران والسفيه‪ ،‬لكن إذا أذن الولي‬
‫لمميز وسفيه لمصلحة‪ ،‬صح العقد‪ ،‬ويحرم الذن لهما بل مصلحة‪ ،‬لما فيه من الضاعة‪.‬‬
‫ول يصح من المميز والسفيه قبول هبة ووصية وبيع ونحوها بل إذن ولي لهما‪.‬‬
‫ويصح تصرف صغير ولو دون سن التمييز في المر اليسير‪ ،‬لما روي «أن أبا الدرداء اشترى من‬
‫صبي عصفورا فأرسله» (‪ . )2‬ويصح تصرف سفيه في شيء يسير كباقة بقل وكبريت ونحوها؛ لن‬
‫الحكمة في الحجر خوف ضياع المال‪ ،‬وهو مفقود في اليسير‪.‬‬
‫ويصح توكيل مميز في إرسال هدية ودخول دار‪ ،‬عملً بالعرف‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬التراضي من المتبايعين والختيار أو عدم الكراه إل بحق‪ :‬وهو أن يأتي العاقد بالبيع اختيارا‪،‬‬
‫لقوله تعالى‪{ :‬إل أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء‪ ]29/4:‬ولحديث «إنما البيع عن تراض» (‬
‫‪ . )3‬فبيع التلجئة أو المانة‪ :‬بأن يظهر العاقدان بيعا لم يريداه باطنا‪ ،‬بل أظهراه خوفا من ظالم‬
‫ونحوه‪ :‬باطل‪ .‬وكذا بيع الهازل باطل؛ لنه لم ترد حقيقته‪.‬‬
‫ويصح البيع في حالة الكراه بحق كالذي يكره الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه‪ ،‬أو على شراء ما‬
‫يوفي ما عليه من دين؛ لنه قول حمل عليه بحق‪ ،‬فصح‪ .‬فأمثلة المكره بحق‪ :‬راهن ومحتكر ومدين‬
‫وممتنع‪.‬‬
‫ويكره الشراء من المضطر‪ :‬وهو الذي يبيع ماله بأقل من ثمن مثله‪.‬‬
‫وأما شروط الصيغة فهي ثلثة‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬اتحاد المجلس‪ :‬بأن يكون القبول في مجلس اليجاب‪ ،‬فإذا قال البائع‪ :‬بعتك‪ ،‬ثم تفرقا قبل القبول‬
‫من المجلس‪ ،‬لم ينعقد البيع‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أل يكون بين القبول واليجاب فاصل يدل على العراض عن البيع عرفا‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أل يكون العقد مؤقتا ول معلقا بغير مشيئة ال ‪ :‬مثل بعتك سنة أو بعت أو اشتريت إن رضي‬
‫فلن‪.‬‬
‫وأما شروط المعقود عليه مبيعا أو ثمنا فهي ستة شروط وهي‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬غاية المنتهى‪ ،14-5/2 :‬كشاف القناع‪.166-139/3 :‬‬
‫(‪ )2‬ذكره ابن أبي موسى‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه ابن حبان‪ ،‬وقد سبق تخريجه مفصلً‪.‬‬

‫( ‪)5/51‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يكون مالً‪ :‬وهو ما يباح النتفاع به شرعا مطلقا في غير حاجة ول ضرورة؛ لن البيع‬
‫مبادلة مال بمال‪ ،‬فل يصح بيع ما ل نفع فيه أصلً‬
‫كالحشرات‪ ،‬وما فيه منفعة محرّمة كالخمر‪ ،‬وما فيه منفعة مباحة للحاجة كالكلب‪ ،‬وما فيه منفعة تباح‬
‫للضرورة كالميتة حال الضطرار أو المخمصة‪ ،‬والخمر لدفع لقمة غص بها‪.‬‬
‫ويصح بيع جلد ميتة دبغ وكان اقتناؤه بل حاجة‪ ،‬ويجوز بيع بغل وحمار ودود قز ونحل منفردا‬
‫بشرط كونه مقدورا عليه‪ ،‬أو مع كوّارته إذا شوهد داخلً فيها؛ لن فيه منافع للناس‪ ،‬ويصح بيع ما‬
‫يصاد عليه من الطيور‪ ،‬وديدان لصيد سمك‪ ،‬وسباع بهائم وجوارح طير للصطياد‪ ،‬ل لغيره‪ ،‬ويصح‬
‫بيع علق لمص دم‪.‬‬
‫ويصح بيع طير لقصد صوته كبلبل وهزار؛ لن فيه نفعا مباحا‪ ،‬وكذا يصح بيع ببغاء وهي الدّرة‬
‫ونحوها كقُمري‪.‬‬
‫ويجوز إهداء الكلب المباح والثابة عليه‪ ،‬ل على وجه البيع‪.‬‬
‫ول يجوز بيع سموم قاتلة كسم الفاعي‪ ،‬لخلوها من نفع مباح‪ ،‬وكذا ليجوز بيع سم الحشائش‬
‫والنبات‪ ،‬إل ما ينتفع به وأمكن التداوي بيسيره كالسقمونيا ونحوها‪.‬‬
‫ويحرم بيع المصحف لمسلم أو لكافر‪ ،‬لن تعظيمه واجب‪ ،‬وفي بيعه ابتذال له وترك لتعظيمه‪ ،‬ولن‬
‫الكافر يمنع من استدامة ملك المصحف‪ ،‬فيمنع من ابتدائه‪.‬‬

‫( ‪)5/52‬‬

‫ول يصح بيع آلة لهو كمزمار وطنبور ونرد وشطرنج‪ ،‬ول بيع حشرات كخنافس وفأر وحيات‬
‫وعقارب وصراصر ونحوها‪ ،‬ول بيع ميتة ولو لمضطر ول بيع دم وخنزير وصنم‪ .‬ول يصح بيع‬
‫سرجين نجس (زبل)‪ ،‬ول بيع أدهان نجسة العين من شحوم الميتة وغيرها‪ ،‬لحديث البخاري ومسلم‪:‬‬
‫«إن ال إذا حرم شيئا حرم ثمنه» ول يحل النتفاع بالدهان النجسة باستصباح ول غيره‪ ،‬فقد حرمه‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم في حديث جابر المتفق عليه‪ .‬ول يصح بيع أدهان متنجسة كزيت لقى‬
‫نجاسة‪ ،‬ولو لكافر للحديث السابق‪« :‬إن ال تعالى إذا حرم شيئا حرم ثمنه» ويجوز الستصباح في‬
‫الدهان المتنجسة في غير مسجد؛ لنه أمكن النتفاع بها من غير ضرر‪.‬‬
‫ول يصح بيع الحر‪ ،‬لحديث البخاري ومسلم‪« :‬ثلثة أنا خصمهم يوم القيامة‪ ،‬ومنهم‪ :‬ورجل باع حرا‬
‫وأكل ثمنه» ‪ .‬ول يصح بيع ما ليس بمملوك من المباحات من نحو كل وماء ومعدن قبل حيازتها‬
‫وتملكها‪ ،‬لفقد الشرط التي‪:‬‬
‫ً‪ - 2‬أن يكون المبيع مملوكا لبائعه ملكا تاما‪ ،‬لقوله صلّى ال عليه وسلم لحكيم بن حزام‪« :‬ل تبع ما‬
‫ليس عندك» (‪ ، )1‬فل يصح تصرف فضولي مطلقا ولو أجيز بعد‪.‬‬
‫ول يصح بيع ما ل يملكه النسان كحر ومباح قبل حيازته‪ ،‬ول بيع أرض موقوفة مما فتح عنوة ولم‬
‫تقسم كمصر والشام‪ ،‬ويصح بيع إمام لها لمصلحة كوقفه وإقطاعه تمليكا‪ ،‬أو غير إمام وحكم به من‬
‫يرى صحته‪ .‬ول يصح بيع ول إجارة رباع مكة والحرم‪ :‬وهي المنازل‪ ،‬وكذا بقاع المناسك كالمسعى‬
‫والمرمى والموقف ونحوها‪ ،‬لنها كالمساجد لعموم نفعها‪ ،‬ولن مكة فتحت عنوة‪ .‬ول يصح بيع ما‬
‫ليس مملوكا ملكا تاما كالمبيع وقت الخيار‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬أن يكون المبيع مقدورا على تسليمه حال العقد‪ :‬لن ما ل يقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم‪،‬‬
‫والمعدوم ل يصح بيعه‪ ،‬فكذا ما أشبهه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه والترمذي وصححه‬

‫( ‪)5/53‬‬

‫‪ .‬فل يصح بيع نصف معين من نحو إناء وسيف وحيوان‪ ،‬ودين لغير مدين‪ ،‬ول آبق وشارد ولو‬
‫لقادر على تحصيلهما‪ .‬لحديث «نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلم عن شراء العبد وهو آبق» (‪)1‬‬
‫ول يصح بيع سمك بماء إل مرئيا بمحجوز يسهل أخذه منه‪ ،‬ول يصح بيع طائر يصعب أخذه‪ ،‬أو في‬
‫الهواء وألف الرجوع إل في مكان مغلق؛ لنه غير مقدور على تسليمه‪.‬‬
‫ول يصح بيع مغصوب إل لغاصبه أو قادر على أخذه‪ ،‬وله الفسخ إن عجز‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬أن يكون المبيع معلوما للبائع والمشتري برؤية تحصل بها معرفته‪ ،‬عند العقد أو قبله بزمن ل‬
‫يتغير فيه المبيع يقينا أو ظاهرا‪.‬‬
‫ويصح بيع العمى وشراؤه بما يمكنه معرفة ما يبيعه أو يشتريه بغير حاسة البصر كشم ولمس‬
‫وذوق‪ ،‬لحصول العلم بحقيقة المبيع‪ .‬ويصح بيع قفيز من صُبرة ( كومة طعام وغيره )‪.‬‬
‫ول يصح بيع الُنموذج‪ :‬وهو ما يدل على صفة الشيء‪ ،‬كأن يريه صاعا مثلً من صبرة‪ ،‬ويبيعه‬
‫الصبرة على أنها من جنسه‪ ،‬لعدم رؤية المبيع وقت العقد‪.‬‬
‫حمْل ببطن وهو بيع المضامين‪ ،‬ول بيع لبن بضرع‪ ،‬ونوى بتمر‪ ،‬وصوف على ظهر‬
‫ول يصح بيع َ‬
‫إل تبعا‪ ،‬كبعتك هذه البهيمة وحملها‪ ،‬أو بعتك الرض وما فيها من بذر‪.‬‬
‫ول يصح بيع عَسْب فحل‪ ،‬أو نتاج نتاج‪ ،‬أو ما تحمل هذه الشجرة أو الدابة‪ ،‬ول مسك في فأرته‬
‫(صوانه)‪ ،‬ولفت وبصل ونحوه قبل قلعه‪ ،‬ول ثوب مطوي‪ ،‬أو نسج بعضه على أن ينسج بقيته‪.‬‬
‫ول يصح بيع الملمسة‪ ،‬مثل بعتك ثوبي هذا على أنك متى لمسته أو إن لمسته أو أي ثوب لمسته‪،‬‬
‫فعليك بكذا‪.‬‬
‫ول يصح بيع المنابذة‪ ،‬مثل متى أو إن نبذت هذا أو أي ثوب نبذته فلك بكذا‪.‬‬
‫ول يصح بيع الحصاة مثل‪ :‬ارمها فعلى أي ثوب تقع‪ ،‬فلك بكذا‪.‬‬
‫ول يصح بيع ما لم يعين أي بيع المجهول‪ ،‬كشاة من قطيع‪ ،‬وشجرة من بستان‪ ،‬ولو تساوت قيمتها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد عن أبي سعيد‪.‬‬

‫( ‪)5/54‬‬

‫ً‪ - 5‬أن يكون الثمن معروفا للعاقدين حال العقد أو قبله‪ :‬فل يصح بيع برقم مجهول‪ ،‬ول بما باع زيد‬
‫إل إن علم به العاقدان‪ ،‬ول بما ينقطع به السعر‪ ،‬خلفا للمتأخرين من الحنابلة‪ ،‬ول كما يبيع الناس‪.‬‬
‫ً‪ - 6‬خلو الثمن والمثمن والمتعاقدين عن موانع الصحة كالربا‪ ،‬أو الشتراط أو غيرهما‪ :‬فل يصح‬
‫بيع أضحية وهدي واجبين إل بخير منهما‪ ،‬ول يصح بيع موقوف بل مسوغ‪ ،‬ول بيع مرهون بل إذن‬
‫مرتهن‪ ،‬ول يصح بيع ماء وسترة لمصل عادم غيرهما‪ ،‬ول بيع مصحف‪ ،‬ول بعد نداء جمعة‪.‬‬
‫أوجه التفاق والختلف في شروط البيع ‪:‬‬
‫يظهر مما تقدم بيانه ما يلي‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬في العاقد‪ :‬التمييز شرط متفق عليه‪ ،‬وأما البلوغ فهو شرط مختلف فيه‪ ،‬فهو شرط نفاذ عند‬
‫المالكية والحنفية‪ ،‬وشرط انعقاد عند الشافعية والحنابلة‪.‬‬
‫وأما الختيار أو الطواعية فهو شرط انعقاد عند الجمهور‪ ،‬وشرط نفاذ عند الحنفية‪ ،‬فبيع المكره باطل‬
‫عند الجمهور‪ ،‬فاسد أو موقوف غير نافذ عند الحنفية‪ ،‬غير لزم في المعتمد عند المالكية‪ - 2ً .‬في‬
‫الصيغة‪ :‬اتحاد المجلس دون فاصل بين القبول واليجاب‪ ،‬وتطابق اليجاب والقبول‪ ،‬وسماع الصيغة‬
‫والتنجير أو عدم التعليق‪ ،‬وعدم التأقيت‪ ،‬كلها شروط متفق عليها‪ ،‬وإن ذكر بعضها بعض الفقهاء دون‬
‫غيرهم‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬في المعقود عليه‪ :‬كون المعقود عليه مالً متقوما يباح النتفاع به شرعا أو طاهرا غير نجس‪،‬‬
‫موجودا‪ ،‬مقدور التسليم‪ ،‬معلوما غير مجهول‪ ،‬كلها شروط متفق عليها؛ إلأن الجهالة تفسد البيع عند‬
‫الحنفية‪ ،‬وتبطله عند الجمهور‪ .‬أما كون المبيع مملوكا للبائع فهو شرط نفاذ عند الحنفية والمالكية‪،‬‬
‫وشرط انعقاد عند الشافعية والحنابلة‪ ،‬فبيع الفضولي وشراؤه موقوف عند الولين‪ ،‬باطل عند‬
‫الخرين‪.‬‬
‫وأما شرط أل يتعلق بالمبيع حق لغير البائع كبيع المرهون والمأجور‪ ،‬فهو شرط نفاذ عند الحنفية‬
‫والمالكية‪ .‬وشرط انعقاد عند الحنابلة والشافعية ‪ ،‬فبيع المرهون والمأجور موقوف على الرأي الول‪،‬‬
‫باطل على الرأي الثاني‪.‬‬

‫( ‪)5/55‬‬

‫المبحث الثالث ‪ -‬حكم البيع والكلم عن المبيع والثمن ‪:‬‬


‫وفيه مطلبان‪:‬‬
‫المطلب الول ‪ -‬حكم العقد ‪:‬‬
‫حكم العقد‪ :‬هو الغرض والغاية منه‪ ،‬ففي عقد البيع‪ :‬يكون الحكم هو ملكية المبيع للمشتري وملكية‬
‫الثمن للبائع‪ ،‬وفي عقد الجارة‪ :‬الحكم هو ملك منفعة العين المستأجرة للمستأجر‪ ،‬وملك المؤجر‬
‫للجرة (‪. )1‬‬
‫وللحكم إطلقات ثلثة‪:‬‬
‫‪ - 1‬إما أن يراد به الحكم التكليفي‪ :‬وهو إما الوجوب أو الندب أو الباحة أو التحريم أو الكراهية‪،‬‬
‫فيقال‪ :‬حكم الصوم الوجوب‪ ،‬وحكم السرقة التحريم وهكذا‪.‬‬
‫‪ - 2‬أو يراد به الوصف الشرعي للفعل من حيث الصحة واللزوم وعدم اللزوم مثلً‪ ،‬فيقال‪ :‬حكم‬
‫العقد المستوفي لركانه وشرائطه أنه صحيح لزم‪.‬‬
‫‪ - 3‬أو يراد به الثر المترتب على التصرف الشرعي‪ ،‬وذلك كالوصية إذا استوفت شرائطها‬
‫وأركانها‪ ،‬ترتبت عليها آثار تتعلق بالموصى له‪ ،‬وآثار تتعلق بالموصى به (‪. )2‬‬
‫والمقصود هنا المعنى الثالث‪ ،‬أي الحكم الشرعي الثابت للبيع‪ ،‬وأثره المترتب عليه‪ .‬فأثر البيع‪ :‬هو‬
‫ثبوت الملك في المبيع للمشتري‪ ،‬وثبوت الملك في الثمن للبائع‪ ،‬إذ ا كان البيع لزما ل خيار فيه (‪)3‬‬
‫‪.‬‬
‫والمقصود بحقوق العقد‪ :‬هي العمال التي ل بد منها للحصول على حكمه‪ :‬مثل تسليم المبيع وقبض‬
‫الثمن والرد بالعيب‪ ،‬أو خيار الرؤية أو الشرط‪ ،‬وضمان رد الثمن إذا استحق المبيع مثلً (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الموال ونظرية العقد لستاذنا محمد يوسف موسى‪ :‬ص ‪.372‬‬
‫(‪ )2‬التلويح شرح التوضيح للتفتازاني‪ 2 :‬ص ‪ ،122‬الحوال الشخصية للستاذ مصطفى السباعي‪2 :‬‬
‫ص ‪.114‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪.233‬‬
‫(‪ )4‬الموال ونظرية العقد‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬

‫( ‪)5/56‬‬

‫حقوق البيع التابعة للحكم‪ :‬هي كل تابع للمبيع من الحقوق التي ل بد له منه ول يقصد إل لجله‬
‫كالطريق والشرب للرض‪ ،‬وهي التي تسمى بالمرافق‪ ،‬والقاعدة فيها أو الصل‪ :‬أن كل ما كان من‬
‫الدار متصلً بها يدخل في بيعها تبعا بل‬
‫ذكر‪ ،‬وما ل فل يدخل بل ذكر إل ما جرى العرف أن البائع ل يمنعه عن المشتري‪ ،‬فيدخل المفتاح‬
‫استحسانا للعرف بعدم منعه بخلف القفل ومفتاحه والسّلّم غير المتصل بالبناء‪ ،‬وأما الدرج (السلم) في‬
‫بنايات الطبقات فتدخل عرفا‪ ،‬وتفصيل ذلك ما يأتي (‪: )1‬‬
‫أ ـ من اشترى بيتا فوقه آخر ل يدخل فيه العلو؛ لن الشيء ل يستتبع مثله‪.‬‬
‫ب ـ يدخل في المبيع ما هو من حقوقه أو مرافقه الخاصة التابعة له كطريق ومطبخ ومتوضأ‬
‫ونحوها‪ ،‬لنها توابع له‪ .‬فيدخل في بيع الدار الطريق الداخلي فيها أو النافذ إلى سكة أو طريق عام‪،‬‬
‫والكنيف (وهو المستراح أو بيت الماء) وبئر الماء‪ ،‬والشجار التي في صحنها‪ ،‬والحديقة التابعة لها‬
‫والبستان الذي هو أصغر منها‪ ،‬وإن لم يصرح بذلك‪ .‬أما الحديقة أو البستان الخارج عن الدار وكان‬
‫مثل الدار أو أكبر‪ ،‬فل يدخل في البيع‪ .‬ويدخل الباب الصلي للدار‪ ،‬والباب الخارجي المجاور للشارع‬
‫وهو المسمى بالباب العظم؛ لنه من مرافقها‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الدر المختار ورد المحتار‪.199-197/4 :‬‬

‫( ‪)5/57‬‬

‫ول تدخل الظلة في بيع الدار لبنائها على الطريق‪ ،‬فتأخذ حكمه ول يدخل الطريق والمسيل والشّرب‬
‫غير الخاص بالدار إل بالتصريح بها؛ لنها خارج الحدود‪ ،‬كأن يشتريها بكل حق هو لها أو بمرافقها‬
‫أو بكل قليل وكثير‪ .‬وذلك بخلف الجارة والرهن والوقف‪ ،‬تدخل فيها كل هذه المرافق بل حاجة‬
‫لذكرها لنها تعقد للنتفاع بها ل غير‪ .‬هذا رأي الحنفية القديم‪ ،‬والمعول عليه في ذلك هو العرف‬
‫السائد في كل إقليم وعصر‪.‬‬
‫والقرار بالدار والصلح عليها والوصية بها والهبة والنكاح والخلع على مال كالبيع في دخول الطريق‬
‫ونحوه‪.‬‬
‫المطلب الثاني ـ الثمن والمبيع ‪:‬‬
‫الكلم عن الثمن والمبيع في موضعين‪:‬‬
‫أولً ـ في تعريف المبيع والثمن‪.‬‬
‫ثانيا ـ في الحكام المتعلقة بهما‪.‬‬
‫تعريف المبيع والثمن ‪:‬‬
‫المبيع والثمن عند جمهور الحنفية من السماء المتباينة الواقعة على معانٍ مختلفة‪ .‬فالمبيع في الغالب‪:‬‬
‫ما يتعين بالتعيين (‪ ، )1‬والثمن في الغالب‪ :‬ما ل يتعين بالتعيين‪.‬‬
‫وهذا الصل العام الغالب يحتمل تغيره في الحالتين بعارض من العوارض‪ ،‬فيصير ما ل يحتمل‬
‫التعيين مبيعا كالمسلم فيه‪ ،‬وما يحتمل التعيين ثمنا كرأس مال السلم‪ ،‬إذا كان عينا من العيان‪ .‬وعلى‬
‫هذا فاعتبار الثمن دينا في الذمة هو الغلب‪ ،‬وذلك عندما يكون الثمن نقودا أو أموالً أخرى مثلية‬
‫ملتزمة بل تعيين بالذات كالقمح والزيت ونحوهما من كل مكيل أو موزون أو ذَرْعي أو عددي‬
‫متقارب‪.‬‬
‫ويمكن أيضا أن يكون الثمن أعيانا قيمية كالحيوان والثياب ونحوهما‪ ،‬كما لو بيعت كمية من السكر‬
‫إلى أجل بشيء من القيميات‪ ،‬فالسكر مبيع والعين القيمية ثمن‪ ،‬ويكون البيع سلما‪ ،‬لنه بيع مؤجل‬
‫بمعجل‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬قال القرافي‪ :‬أجمع الناس على أن العروض (أي السلع التجارية) تتعين بالتعيين‪ ،‬وكذلك الحيوان‬
‫والطعام لن لهذه الشياء من الخصوصيات والوصاف ما تتعلق به الغراض الصحيحة‪ ،‬وتميل إليه‬
‫العقول السليمة والنفوس الخاصة‪ ،‬لما في تلك المعينات من الهداف الخاصة بكل إنسان (الفروق‪4 :‬‬
‫ص ‪.)7‬‬

‫( ‪)5/58‬‬

‫قال ابن الهمام وغيره‪ :‬إن الثياب كما تثبت مبيعا في الذمة بطريق السلم تثبت دينا مؤجلً في الذمة‪،‬‬
‫على أنها ثمن‪ ،‬وحينئذ يشترط الجل ل لنها ثمن‪ ،‬بل لتصير ملحقة بالسلم في كونها دينا في الذمة‪،‬‬
‫فإذا قلنا‪ :‬إذا باع كتابا بثوب موصوف في الذمة إلى أجل جاز‪ ،‬ويكون بيعا بالنسبة للكتاب‪ ،‬حتى ل‬
‫يشترط قبضه في المجلس‪ ،‬بخلف ما لو أسلم الدراهم في الثوب‪ ،‬وإنما ظهرت أحكام المسلم فيه في‬
‫الثوب‪ ،‬حتى شرط فيه الجل‪ ،‬وامتنع بيعه قبل قبضه للحاقه بالمسلم فيه (‪. )1‬‬
‫وقال الشافعي وزفر‪ :‬المبيع والثمن من السماء المترادفة الواقعة على مسمى واحد‪ ،‬وإنما يتميز‬
‫أحدهما عن الخر في الحكام بحرف الباء‪.‬‬
‫ولكل من الفريقين دليله (‪ )2‬والقضية اصطلحية‪.‬‬
‫تعيين المبيع ‪:‬‬
‫التعيين‪ :‬هو التمييز عما سوى الشيء في الوجود الخارجي‪ ،‬ويتعين المبيع إذا كان معينا في العقد‪،‬‬
‫سواء أكان حاضرا في مجلس البيع‪ ،‬أم غائبا عنه‪ .‬فإذا كان المبيع غير معين في العقد‪ ،‬فإنه ل يتعين‬
‫إل بالتسليم (‪. )3‬‬
‫الفرق بين الثمن والقيمة والدين ‪:‬‬
‫الثمن‪ :‬ل يتحقق إل في عقد‪ ،‬فهو ما يتراضى عليه المتبايعان‪ ،‬سواء أكان أكثر من القيمة أم أقل أم‬
‫مساويا‪.‬‬
‫وقيمة الشيء‪ :‬هي ما يساويه بين الناس‪.‬‬
‫والثمن‪ :‬هو ما تراضى عليه المتبايعان مقابلً للمبيع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رد المحتار لبن عابدين‪ 4 :‬ص ‪.26‬‬
‫(‪ )2‬انظر البدائع‪ 5 :‬ص ‪.233‬‬
‫(‪ )3‬انظر عقد البيع للستاذ الزرقاء‪ :‬ص ‪.34‬‬

‫( ‪)5/59‬‬

‫أما الدين‪ :‬فهو كل ما ثبت في الذمة من الموال القابلة للثبوت فيها بأي سبب من أسباب اللتزام‪،‬‬
‫كالتلف والغصب والكفالة والقرض والبيع‪ ،‬ونحوها (‪. )1‬‬
‫التمييز بين الثمن والمبيع ‪:‬‬
‫القاعدة المقررة في الصل‪ :‬أن كل ما أمكن أن يكون مبيعا أمكن أن يكون ثمنا ول عكس‪ ،‬وأن الثمن‬
‫كما تقدم في تعريفه ربما ل يكون متعلقا بالذمة‪ ،‬بل قد يتعين أحيانا‪ ،‬فيكون من العيان القيمية‬
‫كالحيوان والثياب ونحوها‪ ،‬كما يتعين المبيع‪.‬‬
‫لهذا كان واجبا أن نميز بين الثمن والمبيع لما يترتب على التفرقة من أحكام‪ ،‬والتمييز يكون في أموال‬
‫المعاوضات‪ :‬وهي النقود والعيان القيمية والمثليات (‪. )2‬‬
‫‪ - 1‬فالنقود عامة من ذهب أو فضة أو فلوس رائجة (‪ )3‬إذا كانت عوضا في المبيع‪ ،‬تعتبر هي‬
‫الثمن‪ .‬ومقابلها أي السلعة هو المبيع مطلقا سواء دخل عليها حرف الباء‪ .‬أو دخل على مقابلها‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫بعتك هذا بدينار‪ ،‬أو بعتك دينارا بهذا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬عقد البيع‪ ،‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪ 56‬ومابعدها‪ ،‬رد المحتار‪ 4 :‬ص ‪.173 ،53‬‬
‫(‪ )2‬انظر البدائع‪ 5 :‬ص ‪ 233‬ومابعدها‪ ،‬حاشية ابن عابدين‪ 4 :‬ص ‪ ،23‬عقد البيع للستاذ الزرقاء‪:‬‬
‫ص ‪ 59‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬وهي القطع المعدنية المسكوكة المصطلح على ثمنيتها‪ ،‬ويلحق بها الوراق النقدية المتعامل بها‬
‫في العصر الحاضر‪.‬‬

‫( ‪)5/60‬‬

‫قرر جمهور الحنفية أن النقود المسكوكة من ذهب أو فضة أو فلوس معدنية ل تتعين في عقود‬
‫المعاوضات بالتعيين في حق الستحقاق لذات العملة النقدية‪ ،‬فلو قال‪ :‬بعتك هذا الثوب بهذه الدراهم أو‬
‫بهذه الدنانير‪ ،‬فللمشتري أن يمسك المشار إليه ويبدله بمثله‪ ،‬ول يحق للبائع أن يطلب ذات المشار‬
‫إليه؛ لن الثمن النقدي محله في الذمة‪ ،‬وما يثبت في الذمة ل ينحصر ببعض أفراده الخارجية‪ ،‬فل‬
‫فائدة في استحقاق عينها في المعاوضات؛ لن المثل يقوم مقامها في كل عوض‪ ،‬وإنما يتعين فقط‬
‫بالنسبة لضمان الجنس والنوع والصفة والقدر‪ ،‬حتى إنه يجب على المشتري رد مثل المشار إليه في‬
‫الوصاف المذكورة‪ ،‬فلو كان الواجب عليه ألف درهم جيدة‪ ،‬فيجب عليه رد ألف درهم بتلك الصفة؛‬
‫لن في تعيين الجنس والقدر والصفة فائدة ‪ ،‬وعلى هذا فلو هلك المشار إليه ل يبطل العقد‪.‬‬
‫وقال الشافعية وزفر‪ :‬تتعين النقود بالتعيين‪ ،‬ويستحق البائع على المشتري ذات الدراهم المشار إليها‪،‬‬
‫كما في سائر العيان‪ ،‬لنه قد يكون للشخص غرض فيها‪ ،‬والثمن المعين كالمبيع في تعلق الحق‬
‫بالعين‪.‬‬
‫فلو هلك المشار إليه قبل القبض يبطل العقد‪ ،‬كما لو هلك سائر العيان‪.‬‬
‫فإن لم يكن الثمن من المسكوكات‪ ،‬فإنه بالتفاق كسائر السلع يقبل التعيين‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن العيان القيمية أي ( التي ليست من ذوات المثال ) إذا قوبلت بالمثليات المعينة تعتبر هي‬
‫المبيع‪ ،‬والمثلي هو الثمن مطلقا‪ ،‬دون نظر إلى اقتران حرف الباء‪ ،‬لن المثلي أليق بالثمنية من حيث‬
‫قابليته للثبوت في الذمم كالنقود‪.‬‬

‫( ‪)5/61‬‬

‫من أمثلة القيميات‪ :‬الثياب والدور والعقارات والعدديات المتفاوتة ( أي التي تفاوتت آحادها ) كالغنم‬
‫وسائر الدواب والبطيخ إذا بيع بالعدد ل بالوزن‪ .‬وأما إذا قوبلت العيان القيمية بالموال غير المعينة‬
‫أي ( الملتزمة في الذمم ) فالعبرة في الثمنية لمقارنة حرف الباء‪ ،‬فما دخل عليه حرف الباء كان ثمنا‪،‬‬
‫والخر مبيعا‪ .‬فلو قال‪ :‬بعتك هذا المتاع بقنطار من السكر‪ ،‬فالسكر‪ :‬هو الثمن‪ .‬ولو قال بعتك قنطارا‬
‫من السكر بهذا المتاع‪ .‬كان السكر مبيعا‪ ،‬والمتاع ثمنا‪ ،‬ويكون العقد بيع سلم‪.‬‬
‫‪ - 3‬المثليات إذا كان في مقابلتها النقود فهي مبيعة‪ ،‬كما ذكرت أولً‪ ،‬وإن كان في مقابلتها أمثالها مثل‬
‫بيع قمح بزيت‪ ،‬فما كان منها معينا يكون مبيعا‪ ،‬وكل ما كان موصوفا في الذمة يكون ثمنا‪.‬‬
‫وإن كان كل واحد منهما موصوفا في الذمة فما صحبه حرف الباء يكون ثمنا‪ ،‬والخر يكون مبيعا‪.‬‬
‫ـ والمثليات‪ :‬إما مكيلت وهي التي تباع بالكيل كالقمح والشعير‪ ،‬وكبعض السوائل التي تباع اليوم‬
‫باللتر كالبترول والبنزين‪.‬‬
‫ـ أو موزونات‪ :‬وهي التي تباع بالوزن كالسمن والزيت والسكر‪.‬‬
‫ـ أو ذَرْعيات‪ :‬وهي التي تباع بالذراع كالقطع الكبرى من المنسوجات الصوفية أو القطنية أو‬
‫الحريرية‪ ،‬وكالراضي‪.‬‬
‫ـ أو عدديات متقاربة‪ :‬وهي التي ل تتفاوت آحادها إل تفاوتا بسيطا كالبيض والجوز‪ ،‬وكالمصنوعات‬
‫المتماثلة من صنع المعامل كالكؤوس وصحون الخزف والبلّور ونحوها (‪. )1‬‬
‫‪ - 4‬إذا بيعت القيميات ببعضها يعتبر كل من العوضين مبيعا من وجه‪ ،‬وثمنا من وجه آخر‪.‬‬
‫أحكام المبيع والثمن أو نتائج التمييز بينهما‬
‫يترتب على التمييز بين المبيع والثمن أحكام أذكر ستة منها بإيجاز‪ ،‬وأفصل الكلم في ثلثة أخرى‪.‬‬
‫ل متقوما ول يشترط ذلك في الثمن‪.‬‬
‫‪ - 1‬يشترط لنعقاد البيع أن يكون المبيع ما ً‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر عقد البيع للستاذ الزرقاء‪ :‬ص ‪ ،50‬رد المحتار‪ ،173/4 :‬مغني المحتاج‪.281/2 :‬‬

‫( ‪)5/62‬‬
‫‪ - 2‬يشترط لنفاذ البيع أن يكون المبيع موجودا في ملك البائع وليشترط ذلك في الثمن‪.‬‬
‫‪ - 3‬ل يجوز تأجيل الثمن في بيع السلم‪ ،‬ويجب تأجيل المبيع‪.‬‬
‫‪ - 4‬مؤونة تسليم الثمن أي ( كلفته ) على المشتري‪ ،‬ومؤونة تسليم المبيع على البائع‪.‬‬
‫‪ - 5‬البيع مع عدم تسمية الثمن فاسد‪ ،‬أما مع عدم تسمية المبيع نحو‪ :‬بعتك بعشرة دنانير‪ ،‬فباطل غير‬
‫منعقد‪.‬‬
‫‪ - 6‬هلك المبيع بعد التقابض يمنع إقالة البيع‪ ،‬ول يمنع ذلك هلك الثمن‪.‬‬
‫‪ - 7‬هلك المبيع قبل التسليم مبطل للبيع‪ ،‬ول يبطله هلك الثمن‪.‬‬
‫‪ - 8‬ل يجوز تصرف المشتري في المبيع المنقول قبل قبضه‪ ،‬ويصح تصرف البائع في الثمن قبل‬
‫قبضه‪ - 9 .‬على المشتري تسليم الثمن أولً ليحق له استلم المبيع‪ ،‬ما لم يرض البائع (‪ )1‬وأفصل‬
‫الكلم في الثلثة الخيرة‪.‬‬
‫حكم هلك المبيع‪ ،‬وهلك الثمن وكساده‬
‫هلك المبيع ‪:‬‬
‫المبيع إما أن يهلك كله أو بعضه قبل القبض أو بعده (‪. )2‬‬
‫آ ‪ -‬إذا هلك المبيع كله قبل القبض ‪:‬‬
‫‪ - 1‬فإذا هلك بآفة سماوية أو بفعل المبيع نفسه‪ ،‬أو بفعل البائع‪ ،‬ينفسخ عقد البيع‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا هلك بفعل المشتري‪ ،‬فل ينفسخ البيع وعليه الثمن‪.‬‬
‫‪ - 3‬إذا هلك بفعل أجنبي‪ ،‬ل ينفسخ البيع‪ ،‬ويكون المشتري بالخيار‪ :‬إن شاء فسخ البيع‪ ،‬وإن شاء‬
‫أمضاه ودفع الثمن‪ ،‬وطالب الجنبي بالضمان‪.‬‬
‫ب ـ إذا هلك المبيع كله بعد القبض ‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن كان بآفة سماوية أو بفعل المشتري أو بفعل المبيع أو بفعل أجنبي فل ينفسخ البيع‪ ،‬ويكون‬
‫هلكه على ضمان المشتري؛ لن المبيع خرج عن ضمان البائع بقبض المشتري‪ ،‬فتقرر الثمن عليه‪،‬‬
‫ويرجع بالضمان على الجنبي حال كون العتداء منه‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا هلك بفعل البائع فينظر في حالتين‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظرعقد البيع للستاذ الزرقاء‪ :‬ص ‪.61‬‬
‫(‪ )2‬انظر التفصيل في البدائع‪ 238/5 :‬ومابعدها‪ ،‬المبسوط‪ ،9/13 :‬حاشية ابن عابدين‪ ،44/4 :‬عقد‬
‫البيع‪ ،‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪.92‬‬

‫( ‪)5/63‬‬
‫أولً ـ إذا كان المشتري قد قبضه بإذن البائع أو بدون إذنه‪ ،‬لكنه قد نقد الثمن‪ ،‬أو كان الثمن مؤجلً‪،‬‬
‫فيكون هلكه من قبل البائع‪ ،‬كهلكه من قبل الجنبي‪ ،‬فعليه ضمانه‪.‬‬
‫ل غير منقود ( أي غير‬
‫ثانيا ـ أما إذا كان المشتري قد قبض المبيع بدون إذن البائع‪ ،‬والثمن حا ّ‬
‫معطى إلى البائع ) فيتوجب فسخ البيع‪ ،‬ويكون البائع باعتدائه مستردا للمبيع‪ ،‬وعليه ضمانه‪.‬‬
‫وقال المالكية (‪ : )1‬الضمان ينتقل إلى المشتري بنفس العقد في كل بيع إل في خمسة مواضع‪:‬‬
‫الول ـ بيع الغائب على الصفة‪ ،‬وكان المبيع غير عقار‪ ،‬فإن كان المبيع عقارا‪ ،‬فضمانه على‬
‫المشتري‪.‬‬
‫الثاني ـ ما بيع على الخيار‪.‬‬
‫الثالث ـ ما بيع من الثمار قبل كمال طيبها‪.‬‬
‫الرابع ـ ما فيه حق توفية من كيل أو وزن أو عدّ‪.‬‬
‫الخامس ـ البيع الفاسد‪ ،‬فالضمان في هذه الخمسة من البائع حتى يقبضه المشتري‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )2‬كل مبيع من ضمان البائع حتى يقبضه المشتري‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،247‬الشرح الصغير‪.45/3 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪.65/2 :‬‬

‫( ‪)5/64‬‬

‫وقال الحنابلة (‪ : )1‬إذا كان المبيع مكيلً أو موزونا أو معدودا فتلف قبل قبضه‪ ،‬فهو من مال البائع‪،‬‬
‫وما عداه فل يحتاج فيه إلى قبض‪ ،‬وإن تلف فهو من مال المشتري‪.‬‬
‫ج ـ إذا هلك بعض المبيع قبل القبض ينظر عند الحنفية ‪:‬‬
‫‪ - 1‬فإن كان بآفة سماوية ففيه تفصيل‪ :‬إن كان النقصان نقصان قدر بأن كان مكيلً أو موزونا أو‬
‫معدودا‪ ،‬فهلك بعضه‪ :‬ينفسخ العقد بقدر الهالك‪ ،‬وتسقط حصته من الثمن‪ ،‬ثم يكون المشتري بالخيار‬
‫في الباقي لتفرق الصفقة عليه‪ :‬إن شاء أخذه بحصته‪ ،‬وإن شاء فسخ البيع‪.‬‬
‫وإن كان النقصان نقصان وصف ( وهو كل ما يدخل في البيع من غير تسمية كالشجر والبناء في‬
‫الرض والجودة في المكيل والموزون ) فل ينفسخ البيع أصلً‪ ،‬ول يسقط عن المشتري شيء من‬
‫الثمن؛ لن الوصاف ل حصة لها من الثمن؛ ويكون المشتري بالخيار‪ :‬إن شاء أخذه بجميع الثمن‪،‬‬
‫وإن شاء تركه لتعيب المبيع‪.‬‬
‫‪ - 2‬وإن كان الهلك بفعل المبيع نفسه كحيوان جرح نفسه‪ ،‬فل ينفسخ البيع‪ ،‬ول يسقط شيء من‬
‫الثمن‪ ،‬والمشتري بالخيار‪ :‬إن شاء أخذ الباقي بجميع الثمن‪ ،‬وإن شاء فسخ العقد‪.‬‬
‫‪ - 3‬وإن كان الهلك بفعل البائع فيبطل البيع بقدره‪ ،‬ويسقط عن المشتري حصة الهالك من الثمن‪،‬‬
‫سواء أكان النقصان نقصان قدر‪ ،‬أم نقصان وصف؛ لن الوصاف لها حصة من الثمن عند ورود‬
‫الجناية عليها‪ ،‬والمشتري بالخيار في الباقي بحصته من الثمن‪.‬‬
‫‪ - 4‬وإن كان الهلك بفعل المشتري فل يبطل البيع‪ ،‬ول يسقط عنه شيء من الثمن‪ ،‬لنه صار قابضا‬
‫لكل المبيع بإتلف بعضه‪.‬‬
‫د ـ إذا هلك بعض المبيع بعد القبض ‪:‬‬
‫‪ - 1‬فإن كان الهلك بآفة سماوية أو بفعل المشتري أو المبيع نفسه أو بفعل أجنبي‪ ،‬فالهلك على‬
‫المشتري‪.‬‬
‫‪ - 2‬وإن كان بفعل البائع ينظر‪:‬‬
‫إذا كان القبض بإذنه‪ ،‬أو كان الثمن منقودا أو مؤجلً‪ ،‬فحكمه كالجنبي‪ .‬وإن كان القبض بغير إذنه‪،‬‬
‫والثمن حالّ غير منقود‪ ،‬ينفسخ البيع في قدر الشيء التالف‪ ،‬ويسقط عن المشتري حصته‪.‬‬
‫هلك الثمن عند الحنفية ‪:‬‬
‫إذا هلك الثمن في مجلس العقد قبل القبض‪:‬‬
‫‪ - 1‬فإن كان عينا مثليا‪ :‬ل ينفسخ العقد‪ ،‬لنه يمكن تسليم مثله بخلف المبيع لنه عين‪ ،‬وللناس‬
‫أغراض في العيان‪.‬‬
‫‪ - 2‬وأما إذا هلك وليس له مثل في الحال‪ :‬بأن كان شيئا مما ينقطع عن أيدي الناس‪ ،‬وقد كان‬
‫موجودا وقت العقد‪ ،‬ثم انقطع قبل القبض‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪ :‬ينفسخ العقد‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.110/4 :‬‬

‫( ‪)5/65‬‬

‫وقال الصاحبان‪ :‬ل ينفسخ (‪ . )1‬وسيأتي في بحث كساد الثمن التي بيان الدلة‪.‬‬
‫كساد الثمن عند الحنفية‪ :‬إذا اشترى شخص بفلوس رائجة‪ ،‬ثم كسدت قبل القبض بضرب فلوس‬
‫جديدة‪ ،‬انفسخ العقد عند أبي حنيفة‪ ،‬وعلى المشتري رد المبيع إن كان قائما‪ ،‬وقيمته أو مثله إن كان‬
‫هالكا؛ لن الفلوس بالكساد خرجت عن كونها ثمنا‪ ،‬ول بيع بل ثمن‪ ،‬فينفسخ البيع ضرورة‪ ،‬فهو قد‬
‫اعتبر الكساد كالهلك‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬ل ينفسخ البيع‪ ،‬ولكن يخير البائع‪ :‬إن شاء فسخ البيع‪ ،‬وإن شاء أخذ قيمة الفلوس؛‬
‫لن الفلوس ثابتة في الذمة‪ ،‬وما يثبت في الذمة ليحتمل الهلك‪ ،‬فل يكون الكساد هلكا‪ ،‬بل يكون‬
‫عيبا فيها‪ ،‬فيوجب الخيار للبائع‪ ،‬كما إذا كان الثمن رطبا‪ ،‬فانقطع قبل القبض‪ ،‬فهما اعتبرا الكساد‬
‫كالعيب‪.‬‬
‫واتفقوا على أنه لو لم تكسد الفلوس‪ ،‬ولكنها رخصت قيمتها‪ ،‬أو غلت‪ ،‬لينفسخ البيع؛ لن الرخص أو‬
‫الغلء ل يوجب بطلن الثمنية‪.‬‬
‫ثم اختلف أبو يوسف ومحمد فيما بينهما في وقت اعتبار قيمة الفلوس‪ :‬فقال أبو يوسف‪ :‬تعتبر قيمتها‬
‫وقت العقد؛ لن الثمن يجب عند العقد‪ ،‬فيضمن قيمته حينئذ‪.‬‬
‫وقال محمد‪ :‬تعتبر قيمتها وقت الكساد‪ ،‬وهو آخر يوم ترك الناس التعامل بها؛ لنه وقت العجز عن‬
‫التسليم (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تحفة الفقهاء‪ ،‬الطبعة القديمة‪.54/2 :‬‬
‫(‪ )2‬انظر البدائع‪ ،242/5 :‬حاشية ابن عابدين‪.25/4 :‬‬

‫( ‪)5/66‬‬

‫التصرف في المبيع وفي الثمن قبل القبض‬


‫التصرف في المبيع قبل القبض ‪:‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬ل يجوز التصرف في المبيع المنقول قبل القبض بل خلف‪ ،‬لن النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم نهى عن بيع ما لم يقبض (‪ )1‬والنهي يوجب فساد المنهي عنه‪ ،‬ولنه بيع فيه غرر لتعرضه إلى‬
‫النفساخ بهلك المعقود عليه‪ ،‬فيبطل البيع الول‪ ،‬وينفسخ الثاني‪ ،‬وقد نهى الرسول صلّى ال عليه‬
‫وسلم عن بيع فيه غرر‪.‬‬
‫ل بعمومات‬
‫وأما العقار‪ :‬فيجوز التصرف فيه قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف استحسانا استدل ً‬
‫آيات البيع من غير تخصيص‪ ،‬ول يجوز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد‪ .‬ول غرر في العقار‪،‬‬
‫إذ ل يتوهم هلك العقار‪ ،‬ويندر هلكه في الغالب‪ ،‬فل يكون في بيعه غرر‪.‬‬
‫وقال محمد وزفر والشافعي‪ :‬ل يجوز بيع العقار قبل القبض لعموم النهي عن البيع قبل القبض‪ ،‬ولعدم‬
‫وجود القدرة على التسليم‪ ،‬ولتحقق الغرر (‪ . )2‬وسيأتي تفصيل آراء الفقهاء في هذا الموضوع في‬
‫البيع الفاسد‪.‬‬
‫التصرف في الثمن قبل القبض ‪:‬‬
‫يجوز التصرف في الثمان (‪ )3‬قبل القبض‪ ،‬لنها ديون‪ ،‬وكذلك يجوز التصرف في سائر الديون‬
‫كالمهر والجرة وضمان المتلفات وغيرها قبل القبض‪،‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬فيه أحاديث منها ما هو متفق عليه عند الشيخين والترمذي من حديث ابن عباس من النهي عن‬
‫بيع ما لم يقبض‪ ،‬ومنها ما أخرجه النسائي عن حكيم بن حزام‪ ،‬قال‪« :‬قلت يا رسول ال ‪ ،‬إني رجل‬
‫أبتاع هذه البيوع‪ ،‬وأبيعها‪ ،‬فما يحل لي منها وما يحرم؟ قال‪ :‬ل تبيعن شيئا حتى تقبضه» رواه أحمد‬
‫في مسنده وابن حبان في صحيحه‪ ،‬ولفظه‪« :‬إذا ابتعت بيعا‪ ،‬فل تبعه حتى تقبضه» (انظر نصب‬
‫الراية‪ ،32/4 :‬جامع الصول‪ ،380/1 :‬تخريج أحاديث الحياء‪.)61/2 :‬‬
‫(‪ )2‬فتح القدير‪ 5 :‬ص ‪ ،264‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ 180‬ومابعدها‪ ،‬ص ‪ ،234‬رد المحتار لبن عابدين‪4 :‬‬
‫ص ‪ 169‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬الثمن‪ :‬ما يثبت في الذمة دينا عند المقابلة وهو النقدان‪ ،‬والمثليات‪ ،‬كالمكيل والموزون إذا كانت‬
‫معينة وقوبلت بالعيان‪ ،‬أو غير معينة وصحبها حرف الباء ( رد المحتار‪ 4 :‬ص ‪.) 173‬‬

‫( ‪)5/67‬‬

‫بدليل ما روي عن سيدنا عمر أنه قال‪« :‬يا رسول ال ‪ :‬إنا نبيع البل بالبقيع‪ ،‬ونأخذ مكان الدراهم‬
‫الدنانير‪ ،‬ومكان الدنانير الدراهم‪ ،‬فقال عليه السلم‪ :‬لبأس إذا كان بسعر يومهما‪ ،‬وافترقتما وليس‬
‫بينكما شيء» (‪ )1‬فهذا يدل على جواز استبدال ثمن المبيع‪ .‬وأما المراد من حديث ( النهي عما ل‬
‫يقبض ) فهو بالنسبة للعين‪ ،‬ل بالنسبة للدين؛ لن المبيع شيء يحتمل القبض‪ ،‬والدين ل يحتمل القبض‬
‫حقيقة‪ ،‬لنه مال حكمي في الذمة‪ ،‬فيكون قبضه بقبض بدله‪.‬‬
‫وقد استثنوا من جواز التصرف في الثمن قبل القبض عقدي الصرف والسلم‪ .‬أما الصرف‪ :‬فلن كلً‬
‫من بدلي الصرف مبيع من وجه وثمن من وجه‪ ،‬فباعتبار كونه مبيعا ل يجوز التصرف فيه‪ ،‬وقد‬
‫رجحت جانب الحرمة احتياطا‪.‬‬
‫وأما السلم‪ :‬فالمسلم فيه ل يجوز التصرف فيه لنه مبيع‪ ،‬ورأس المال ( أي الثمن ) ألحق بالمبيع‬
‫العين في حرمة الستبدال شرعا (‪. )2‬‬
‫هذا‪ ..‬ويلحظ أن التصرف في الثمان والديون جائز بالبيع والهبة والجارة والوصية أي بعوض أو‬
‫بغير عوض‪ ،‬سواء مما ل يتعين كالنقود‪ ،‬أو مما يتعين كالمكيل والموزون‪ ،‬وذلك ممن عليه الدين‬
‫كأن يشتري البائع من المشتري شيئا بالثمن الذي له عليه‪ ،‬أو يستأجر بالثمن دارا للمشتري‪ ،‬أو أن‬
‫يهبه الثمن‪.‬‬
‫ول يجوز تمليك الدين من غير من عليه الدين كأن يشتري إنسان فرس زيد مثلً بمئة ليرة على‬
‫عمرو‪ ،‬لنه ل يقدر على تسليمه إل في ثلث صور (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه أحمد وأصحاب السنن الربعة عن ابن عمر (انظر جامع الصول‪ 1 :‬ص ‪ ،469‬نصب‬
‫الراية‪ 4 :‬ص ‪.)33‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ ،234‬فتح القدير‪ 5 :‬ص ‪ 269‬ومابعدها‪ ،‬رد المحتار‪ 4 :‬ص ‪ 173‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬رد المحتار‪ 4 :‬ص ‪ ،173‬مغني المحتاج‪ 2 :‬ص ‪.71‬‬

‫( ‪)5/68‬‬

‫الولى ـ إذا سلطه على قبضه‪ ،‬فيكون وكيلً قابضا للموكل ثم لنفسه‪.‬‬
‫الثانية ـ الحوالة‪.‬‬
‫الثالثة ـ الوصية‪.‬‬
‫تسليم (‪ )1‬المبيع والثمن ‪:‬‬
‫إن تسليم المبيع إلى المشتري هو من التزامات البائع الناشئة من عقد البيع‪ ،‬كما أن تسليم الثمن إلى‬
‫البائع هو من التزامات المشتري الناشئة من البيع أيضا؛ لن تسليم البدلين واجب على العاقدين‪،‬‬
‫لتحقق الملك لكل منهما في البدلين‪.‬‬
‫فمن الذي يجب عليه التسليم أولً‪ ،‬وهل للبائع حق حبس المبيع حتى يستوفي جميع الثمن‪ ،‬وكيف يتم‬
‫التسليم أو القبض؟‬
‫أما من يجب عليه التسليم أولً‪ :‬فيختلف بحسب نوع البدلين‪:‬‬
‫فإذا كان بيع عين بعين‪ ،‬فإنه يجب على العاقدين التسليم معا‪ ،‬تحقيقا للمساواة في المعاوضة المقتضية‬
‫للمساواة عادة المطلوبة بين العاقدين‪ ،‬إذ ليس أحدهما بالتقديم أولى من الخر‪.‬‬
‫وكذلك إن تبايعا دينا بدين‪ ،‬كما في عقد الصرف‪ ،‬لما ذكرت‪.‬‬
‫وأما إن كان بيع عين بدين (‪ )2‬فيراعى فيه الترتيب عند الحنفية‪ :‬فيجب على‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬التسليم‪ :‬هو التخلية أي أن يخلي البائع بين المشتري والمبيع بحيث يستطيع المشتري أخذه‬
‫والتصرف فيه‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدين‪ :‬ما يصح أن ثبت في الذمة‪ ،‬سواء أكان نقدا أو غيره‪ .‬والعين‪ :‬ما ل يصح أن يثبت دينا في‬
‫الذمة (رد المحتار لبن عابدين‪ 4 :‬ص ‪.)26‬‬

‫( ‪)5/69‬‬

‫المشتري تسليم الثمن( أي الدين ) أولً إذا طالبه البائع حتى يتعين‪ ،‬ولقوله عليه السلم‪« :‬الدين‬
‫مقضي» (‪ )1‬فلو تأخر تسليم الثمن عن تسليم المبيع لم يكن هذا الدين مقضيا‪ .‬ثم يجب على البائع‬
‫تسليم المبيع‪ ،‬إذا طالبه المشتري‪ ،‬حتى يتحقق التساوي بينهما‪ .‬واستثنوا من ذلك أمرين أولهما ـ‬
‫المسلم فيه‪ ،‬لنه دين مؤجل‪ ،‬والثاني ـ الثمن المؤجل فلو كان الثمن مؤجلً‪ ،‬يجب تسليم المبيع للحال‪،‬‬
‫لن البائع أسقط حق نفسه في التأجيل (‪. )2‬‬
‫وقال المالكية (‪ )3‬كالحنفية‪ :‬يجب على المشتري تسليم الثمن‪ ،‬وعلى البائع تسليم المبيع (المثمون)‪،‬‬
‫فإن قال أحدهما‪ :‬ل أسلم ما بيدي حتى أقبض ما عاوضت عليه‪ ،‬أجبر المشتري على تسليم الثمن‪ ،‬ثم‬
‫أخذ المبيع من البائع‪ .‬وقال مالك‪ :‬للبائع أن يتمسك بالمبيع حتى يقبض الثمن‪ .‬ودليل المالكية والحنفية‪:‬‬
‫أن للبائع حبس المبيع على تسليم الثمن‪ ،‬ومن استحق ذلك لم يكن عليه التسليم قبل الستيفاء‬
‫كالمرتهن‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة (‪ : )4‬إن اختلف في التسليم‪ ،‬وكان الثمن في الذمة‪ ،‬فقال البائع‪ :‬ل أسلم المبيع‬
‫حتى أقبض ثمنه‪ ،‬وقال المشتري في الثمن مثله‪ ،‬أجبر البائع على تسليم المبيع‪ ،‬ثم أجبر المشتري‬
‫على تسليم الثمن؛ لن حق المشتري في عين المبيع‪ ،‬وحق البائع في الذمة‪ ،‬فيقدم ما يتعلق بالعين‪،‬‬
‫فمن سلم أجبر صاحبه على التسليم؛ لن كلً منهما ثبت له إيفاء واستيفاء‪ ،‬ول سبيل إلى تكليف‬
‫اليفاء‪ .‬لكن قيد الشافعية هذا الحكم بما إذا لم يخف البائع فوت الثمن‪ ،‬وتنازع البائع والمشتري في‬
‫مجرد البتداء‪ ،‬فإن خاف البائع فوت الثمن فله حق حبس المبيع حتى يقبض الثمن‪ .‬وكذا للمشتري‬
‫حق حبس الثمن إن خاف فوت المبيع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن عدي في الكامل عن ابن عباس ونصه‪ :‬أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪« :‬الزعيم‬
‫غارم والدين مقضي‪ ،‬والعارية مؤادة‪ ،‬والمنحة مردودة» وأعله بإسماعيل بن زياد السكوني‪ ،‬وقال‪ :‬إنه‬
‫منكر الحديث‪ ،‬ل يتابع على عامة ما يرويه (انظر نصب الراية‪ 4 :‬ص ‪ )58‬وأخرجه أحمد وأصحاب‬
‫السنن إل النسائي وفيه إسماعيل بن عياش (انظر التلخيص الحبير‪ :‬ص ‪.)250‬‬
‫(‪ )2‬المبسوط للسرخسي‪ 13 :‬ص ‪ ،192‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ ،244‬فتح القدير‪ 5 :‬ص ‪ ،109‬رد المحتار‪:‬‬
‫‪ 4‬ص ‪ 43‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.247‬‬
‫(‪ )4‬مغني المحتاج‪ ،74/2 :‬المغني‪.198/4 :‬‬

‫( ‪)5/70‬‬

‫حق حبس المبيع أو احتباسه ‪:‬‬


‫يترتب على ما سبق من التزام المشتري بدفع الثمن أولً‪ :‬أنه يثبت للبائع حق حبس المبيع عن‬
‫المشتري إلى أن يستوفي ما وجب تعجيله‪ ،‬سواء أكان كل الثمن أم بعضه (‪. )1‬‬
‫وشرط ثبوت حق الحبس شيئان‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون أحد البدلين عينا والخر دينا‪ ،‬مثل بيع سلعة بدراهم‪ ،‬أو دنانير‪ ،‬فإن كانا عينين أو‬
‫دينين فل يثبت حق الحبس‪ ،‬بل يسلمان معا‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون الثمن حالّ‪ ،‬فإن كان مؤجلً‪ ،‬فل يثبت حق الحبس‪ ،‬لنه سقط بالتأجيل‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ ،‬فلو أجل الثمن إل درهما‪ ،‬كان للبائع حبس كل المبيع‪ ،‬لن حق الحبس مما ل يتجزأ‪ ،‬وكذا‬
‫لو استوفى جميع الثمن إل درهما‪ ،‬أو أبرأ المشتري عن جميع الثمن إل درهما‪.‬‬
‫وقال المام مالك (‪ : )2‬للبائع أن يتمسك بالمبيع حتى يقبض الثمن‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر المبسوط‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ ،249‬رد المحتار‪ 4 :‬ص ‪ ،44‬عقد البيع للستاذ‬
‫الزرقاء‪ :‬ص ‪.77‬‬
‫(‪ )2‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.247‬‬

‫( ‪)5/71‬‬

‫وقال الحنابلة (‪ : )1‬ليس للبائع حبس المبيع على قبض الثمن؛ لن التسليم من مقتضيات العقد‪ ،‬فإن‬
‫اختلف العاقدان في التسليم‪ ،‬فقال البائع‪ :‬ل أسلم المبيع حتى أقبض الثمن‪ ،‬وقال المشتري‪ :‬ل أسلم‬
‫الثمن حتى أقبض المبيع‪ ،‬والثمن في الذمة‪ ،‬أجبر البائع على تسليم المبيع‪ ،‬ثم أجبر المشتري على‬
‫تسليم الثمن‪.‬‬
‫وقال الشافعية (‪ : )2‬للبائع حبس المبيع حتى يقبض الثمن إن خاف فوته‪ ،‬وكذا للمشتري حبس الثمن‬
‫إن خاف فوت المبيع‪.‬‬
‫ما يسقط حق الحبس وما ل يسقطه ‪:‬‬
‫لو قدم المشتري رهنا أو كفيلً بالثمن ل يسقط حق الحبس‪ ،‬لن الرهن والكفالة ل يسقطان الثمن عن‬
‫ذمة المشتري‪ ،‬ول حق المطالبة به‪ ،‬فيبقى حق الحبس لستيفاء الثمن‪ ،‬وكل ما في المر أن الرهن‬
‫والكفالة وثيقة بالثمن‪.‬‬
‫وأما الحوالة بالثمن فتسقط حق الحبس عند أبي يوسف سواء أحال البائع رجلً على المشتري بالثمن‬
‫وقبل‪ ،‬أم أحال المشتري البائع على رجل؛ لن البائع حينئذ في حكم المستوفي‪ ،‬لن حق الحبس‬
‫مرتبط ببقاء الدين في ذمة المشتري‪ ،‬وذمته برئت من دين المحيل بالحوالة فيبطل حق الحبس‪ ،‬ولذا‬
‫ينقطع حقه في مطالبة المشتري بالثمن‪ ،‬وينحصر حق المطالبة بالشخص المحال عليه‪.‬‬
‫وقال محمد‪ :‬إن كانت الحوالة من المشتري ل تبطل حق الحبس‪ ،‬وللبائع أن يحبس المبيع حتى‬
‫يستوفي من المحال عليه‪.‬وإن كانت من البائع‪ :‬فإن كانت الحوالة مطلقة ل تبطل حق الحبس أيضا‪،‬‬
‫وإن كانت مقيدة بأن أحال غريما له على المشتري‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪.198/4 :‬‬
‫(‪ )2‬مغني المحتاج‪.75/2 :‬‬

‫( ‪)5/72‬‬

‫ليقبض الدين الذي له عليه‪ ،‬تبطل الحوالة حق الحبس‪ ،‬دليله‪ :‬أن حق البائع بمطالبة المشتري بأداء‬
‫الثمن لم يبطل بحوالة المشتري‪ ،‬أو بحوالته المطلقة‪ ،‬فلم يبطل حق الحبس‪ ،‬وأما في الحوالة المقيدة‬
‫فيبطل حق المطالبة من البائع للمشتري بهذه الحوالة‪ ،‬فيسقط حق الحبس (‪. )1‬‬
‫قال الكاساني‪« :‬والصحيح اعتبار قول محمد‪ ،‬لن حق الحبس في الشرع يدور مع حق المطالبة‬
‫بالثمن‪ ،‬ل مع قيام الثمن في ذاته» (‪. )2‬‬
‫والخلصة‪ :‬إن حق الحبس يسقط بحوالة البائع على المشتري بالثمن اتفاقا‪ ،‬وكذا بحوالة المشتري‬
‫البائع به على رجل عند أبي يوسف‪ .‬وعند محمد‪ :‬فيه روايتان‪ ،‬أرجحهما ما ذكر‪.‬‬
‫ولو أعار البائع المبيع للمشتري أو أودعه عنده‪ ،‬سقط حق الحبس‪ ،‬حتى ل يملك استرداده في ظاهر‬
‫الرواية؛ لن العارة واليداع أمانة في يد المشتري‪ ،‬وهو ل يصلح نائبا عن البائع في وضع يده لنه‬
‫أصل في ملك الشيء‪ ،‬فكان أصلً في وضع اليد‪ ،‬فإذا ثبتت يد المشتري على المبيع‪ ،‬كانت يده يد‬
‫ملك‪ ،‬ويد الملك لزمة‪ ،‬فل يملك أحد إبطالها بالسترداد (‪. )3‬‬
‫ولو أودع المشتري المبيع عند البائع أو أعاره منه أو آجره‪ ،‬لم يسقط حق الحبس؛ لن هذه التصرفات‬
‫لم تصح من المشتري؛ لن يد الحبس بطريق الصالة ثابتة للبائع‪ ،‬فل يصح أن يصير نائبا عن غيره‬
‫( ‪. )4‬‬
‫ولو جنى رجل أجنبي على المبيع‪ ،‬فاختار المشتري اتباع الجاني بالضمان سقط حق الحبس عند أبي‬
‫يوسف (‪ . )5‬وسيأتي التفصيل في بحث القبض التي مباشرة‪.‬‬
‫ولو قبض المشتري المبيع بإذن البائع‪ ،‬سقط حق الحبس‪ ،‬حتى ل يملك البائع السترداد‪ ،‬لنه أبطل‬
‫حقه بالذن بالقبض‪.‬‬
‫ولو قبض المشتري المبيع بغير إذن البائع بعد وفاء الثمن‪ ،‬سقط حق الحبس‪ ،‬فليس له استرداده‪ ،‬لنه‬
‫استوفى حقه بإيفاء الثمن‪ ،‬فيكون قبضا بحق‪.‬‬
‫أما لو قبض المشتري المبيع بغير إذن البائع قبل وفاء الثمن‪ ،‬فل يسقط حق الحبس‪ ،‬وللبائع استرداده؛‬
‫لن له حق الحبس‪ ،‬حتى يستوفي الثمن‪ ،‬وحق النسان ل يجوز إبطاله عليه من غير رضاه‪.‬‬
‫فإن كان المشتري تصرف في المبيع في الحالة الخيرة نظر في ذلك (‪: )6‬‬
‫إن كان تصرفا يحتمل الفسخ كالبيع والهبة والجارة والرهن ونحوها‪ ،‬فسخه البائع‪ ،‬واسترده‪ ،‬لنه‬
‫تعلق به حقه‪.‬‬
‫وإن كان تصرفا ل يحتمل الفسخ كالعتاق والتدبير ( أي التحرر بعد موت السيد ) والستيلد ( أي‬
‫جعل المَةَ مستولدة أي حاملً‪ ،‬فتصبح حرة بعد موت سيدها ) فإنه ل يسترده‪ ،‬لنه ل فائدة في بقاء‬
‫حق الحبس‪ ،‬لن حبس الحر‪ ،‬أو الذي سيؤول إلى الحرية ل يجوز‪.‬‬
‫معنى التسليم أو القبض وكيفية تحققه ‪:‬‬
‫التسليم أو القبض معناه عند الحنفية‪ :‬هو التخلية أو التخلي‪ ،‬وهو أن يخلي‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المبسوط‪ 13 :‬ص ‪ ،195‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ 250‬ومابعدها‪ ،‬رد المحتار‪ 4 :‬ص ‪.44‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪.251‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ ،250‬حاشية ابن عابدين‪ 4 :‬ص ‪.44‬‬
‫(‪ )4‬البدائع‪ ،‬المرجع السابق نفسه‪ 5 :‬ص ‪.246‬‬
‫(‪ )5‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪.246‬‬
‫(‪ )6‬البدائع‪.251/5 :‬‬
‫( ‪)5/73‬‬

‫البائع بين المبيع وبين المشتري‪ ،‬برفع الحائل بينهما‪ ،‬على وجه يتمكن المشتري من التصرف فيه‪،‬‬
‫فيجعل البائع مسلّما للمبيع‪ ،‬والمشتري قابضا له (‪. )1‬‬
‫وكذلك تسليم الثمن من المشتري إلى البائع‪:‬‬
‫والقبض يتم بطرق‪:‬‬
‫‪ - 1‬التخلية‪ :‬وهي أن يتمكن المشتري من المبيع بل مانع (أي أن يكون مفرزا) ول حائل (أي في‬
‫حضرة البائع) مع الذن له بالقبض‪ ،‬فلو اشترى إنسان حنطة في بيت‪ ،‬ودفع البائع المفتاح إليه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫خليت بينك وبينها (أي أذنت) فهو قبض (‪ . )2‬وإن دفع المفتاح إلىه‪ ،‬ولم يقل شيئا ل يكون قبضا‪،‬‬
‫وتسليم الدار أو الرض يتم بأن يقف المشتري في داخلها أو قريبا منها بحيث يرى جانب الرض أو‬
‫يقدر على إغلق باب الدار فورا‪ ،‬فإن كان بعيدا عنها بغير هذه الحالة‪ ،‬لم يكن قبضا (‪ . )3‬وعلى هذا‬
‫ل إل المكيل والموزون فإن‬
‫فإن القبض عند الحنفية يكون بالتخلية‪ ،‬سواء أكان المبيع عقارا أم منقو ً‬
‫قبضه يكون باستيفاء قدره أي بكيله أو وزنه‪.‬‬
‫وقال المالكية والشافعية‪ :‬قبض العقار كالرض والبناء ونحوهما يكون بالتخلية بين المبيع وبين‬
‫المشتري وتمكينه من التصرف فيه بتسليم المفاتيح إن وجدت‪ .‬وقبض المنقول كالمتعة والنعام‬
‫والدواب بحسب العرف الجاري بين الناس (‪ . )4‬والعرف يقضي إما بتناول الشيء باليد كالثوب‬
‫والكتاب‪ ،‬وإما بالنقل من مكان لخر كالسيارة والدابة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪.244‬‬
‫(‪ )2‬من قواعد الحنفية‪« :‬التخلية بين المشتري وبين المبيع قبض» فيعد ذلك قبضا‪ ،‬وإن لم يتم القبض‬
‫حقيقة‪ ،‬فإذا هلك المبيع يهلك على المشتري (راجع الفرائد البهية في القواعد الفقهية للشيخ محمود‬
‫حمزة‪ :‬ص ‪.)63‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬رد المحتار‪ 4 :‬ص ‪ ،44‬عقد البيع للستاذ الزرقاء‪ :‬ص ‪.86‬‬
‫(‪ )4‬الشرح الكبير للدردير‪ 3 :‬ص ‪ ،145‬المجموع‪ 9 :‬ص ‪ ،309-301‬المهذب‪1 :‬ص ‪.263‬‬

‫( ‪)5/74‬‬
‫ل أو موزونا فقبضه بكيله ووزنه‪ ،‬أي أنه يجب‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬قبض كل شيء بحسبه‪ ،‬فإن كان مكي ً‬
‫الرجوع في القبض إلى العرف (‪. )1‬‬
‫‪ - 2‬التلف‪ :‬لو أتلف المشتري المبيع في يد البائع صار قابضا للمبيع‪ ،‬وتقرر عليه الثمن؛ لن‬
‫التخلية تمكين من التصرف في المبيع والتلف تصرف فيه حقيقة‪.‬‬
‫والتعييب مثل التلف‪ :‬وهو أن يحدث المشتري في المبيع عيبا‪ ،‬كأن يقطع يده أو يشج رأسه‪ ،‬أو أن‬
‫ينقص منه شيئا‪.‬‬
‫وكذا لو أمر المشتري البائع بالتلف ففعل‪ ،‬أو أمره بطحن الحنطة فطحن (‪ ، )2‬لن فعل البائع بأمر‬
‫المشتري بمنزلة فعل المشتري بنفسه‪.‬‬
‫‪ - 3‬إيداع المبيع عند المشتري أو إعارته منه‪ :‬لو أودع البائع المبيع عند المشتري أو أعاره منه‪،‬‬
‫يصير المشتري بذلك قابضا؛ لن اليداع والعارة للمالك ليصح‪ ،‬كما ذكر قريبا‪.‬‬
‫وكذا لو أودع المشتري المبيع عند أجنبي أو أعاره‪ ،‬وطلب من البائع تسليمه إليه‪ ،‬يصير قابضا؛ لن‬
‫العارة واليداع عند آخر عمل صحيح‪ ،‬فقد أثبت يد النيابة لغيره‪ ،‬ويد أمينه كيده‪ ،‬فصار قابضا‪.‬‬
‫أما لو أودع المشتري من البائع أو أعاره له أو آجره‪ ،‬لم يكن ذلك قبضا؛ لن هذه التصرفات لم تصح‬
‫من المشتري؛ لن يد الحبس بطريق الصالة ثابتة للبائع‪ ،‬فل يتصور إثبات يد النيابة له (‪. )3‬‬
‫‪ - 4‬اتباع المشتري الجانيَ بالجناية على المبيع‪:‬‬
‫لو جنى أجنبي على المبيع فاختار المشتري اتباع الجاني بالضمان‪ ،‬كان اختياره بمنزلة القبض عند‬
‫أبي يوسف‪ ،‬حتى لو هلك المبيع يكون الهلك على المشتري‪ ،‬ويتقرر عليه الثمن‪ ،‬ول يبطل البيع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ 4 :‬ص ‪ 111‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬رد المحتار‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )3‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪.246‬‬

‫( ‪)5/75‬‬

‫وقال محمد‪ :‬ل يصير قابضا ويبقى البيع في ضمان البائع‪ ،‬ويؤمر بالتسليم إليه‪ ،‬ويكون الهلك على‬
‫البائع‪ ،‬ويبطل البيع ويسقط الثمن عن المشتري‪.‬‬
‫دليل أبي يوسف‪ :‬أن جناية الجنبي حصلت بإذن المشتري وأمره ضمنا‪ ،‬فيصير قابضا‪ ،‬كما لو‬
‫ارتكب الجناية بنفسه‪ .‬وبيانه‪ :‬أن اختيار المشتري اتباع الجاني بالضمان تمليك من الشيء المضمون‬
‫المجني عليه؛ لن المضمونات تملك باختيار الضمان بأثر رجعي يستند إلى وقت حدوث سبب‬
‫الضمان‪ ،‬فيصير كأن الجناية حصلت بأمر المشتري‪.‬‬
‫ودليل محمد‪ :‬أن الضمان متعلق بالعين لن قيمة العين قائمة مقامها‪ ،‬والعين لو كانت قائمة فهلكت قبل‬
‫القبض‪ ،‬كان الهلك على البائع‪ ،‬فكذا القيمة (‪. )1‬‬
‫‪ - 5‬القبض السابق‪ :‬كل ماسبق فيما إذا كان المبيع في يد البائع‪ ،‬فإن كان في يد المشتري بقبض‬
‫سابق‪ ،‬ثم باعه المالك له‪ ،‬فهل يعتبر قابضا بمجرد الشراء أو ل بد من تجديد القبض ليتم التسليم؟ فيه‬
‫تفصيل‪:‬‬
‫قسم الفقهاء القبض من حيث قوة أثره وضعفه إلى قسمين‪ :‬قبض الضمان وقبض المانة‪.‬‬
‫ل عن المقبوض تجاه الغير‪ ،‬فيضمنه‪ ،‬إذا هلك عنده‪،‬‬
‫قبض الضمان‪ :‬هو ما كان فيه القابض مسؤو ً‬
‫ولو بآفة سماوية‪ ،‬كالمغصوب في يد الغاصب‪ ،‬والمبيع في يد المشتري‪.‬‬
‫وقبض المانة‪ :‬هو ماكان فيه القابض غير مسؤول عن المقبوض إل بالتعدي‪ ،‬أو التقصير في الحفظ‬
‫كالوديعة أو العارية أو المأجور أو مال الشركة في يد الوديع‪ ،‬أو المستعير‪ ،‬أو المستأجر‪ ،‬أو الشريك‪.‬‬
‫وجعلوا قبض الضمان أقوى من قبض المانة بسبب الضمان المترتب‪.‬‬
‫والمبدأ العام‪:‬أن القبض السابق ينوب عن القبض اللزم في البيع إذا كانا متجانسين في الضمان‬
‫وعدمه‪ ،‬أو كان السابق أقوى بخلف ما إذا كان أضعف‪ .‬فقبض الضمان ينوب عن قبض المانة‬
‫وعن قبض الضمان‪ ،‬وأما قبض المانة فل ينوب إل عن قبض المانة فقط‪ ،‬ول ينوب عن قبض‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬

‫( ‪)5/76‬‬

‫الضمان؛ لن الدنى ل يغني عن العلى (‪. )1‬‬


‫وعلى هذا الساس إذا كان الشيء المبيع موجودا في يد المشتري قبل البيع‪ :‬إما أن تكون يده يد‬
‫ضمان أو يد أمانة‪.‬‬
‫أ ـ فإن كانت يد المشتري يد ضمان ‪:‬‬
‫‪ - 1‬فإما أن تكون يد ضمان بنفسه‪ :‬كيد الغاصب ويد القابض على سوم الشراء‪ ،‬فيصير المشتري‬
‫قابضا للمبيع بالعقد نفسه‪ ،‬ول يحتاج إلى تجديد القبض‪ ،‬ويبرأ البائع من التزام التسليم‪ ،‬سواء أكان‬
‫المبيع حاضرا في مجلس العقد‪ ،‬أم غائبا؛ لن المغصوب مضمون بنفسه‪ ،‬والمبيع بعد القبض مضمون‬
‫بنفسه‪ ،‬فتجانس القبضان‪ ،‬فناب أحدهما عن الخر‪.‬‬
‫أو تكون يد ضمان لغيره‪ ،‬كيد الرهن‪ ،‬بأن باع الراهن المرهون من المرتهن‪ ،‬فإنه ل يصير قابضا‪،‬‬
‫إل أن يكون الرهن حاضرا في مجلس العقد‪ ،‬أو يذهب إلى حيث يوجد الرهن‪ ،‬ويتمكن من قبضه؛‬
‫لن المرهون ليس بمضمون بنفسه‪ ،‬بل بغيره‪ ،‬وهو الدين‪ ،‬والمبيع مضمون بنفسه‪ ،‬فلم يتجانس‬
‫القبضان ولم يتشابها‪ ،‬ولن الرهن أمانة في الحقيقة‪ ،‬فكان قبضه قبض أمانة في عينه‪ ،‬وليس مضمونا‬
‫بنفسه‪ ،‬وإنما يسقط الدين بهلكه‪ ،‬ل لكونه مضمونا‪ ،‬وإنما لمعنى آخر‪ ،‬وهو الستيثاق بالدين‪ ،‬فيهلك‬
‫الرهن من مال المرتهن ويسقط الدين بقدر الرهن؛ لن الرهن وثيقة بالدين‪.‬‬
‫وإذا كان قبض الرهن قبض أمانة‪ ،‬فقبض المانة ل ينوب عن قبض الضمان‪ ،‬كقبض العارية‬
‫والوديعة‪.‬‬
‫ب ـ وإن كانت يد المشتري يد أمانة‪ ،‬كيد المستعير أو الوديع‪ ،‬فل يصير قابضا‪ ،‬إل أن يكون المبيع‬
‫بحضرته‪ ،‬أو يذهب إليه‪ ،‬فيتمكن من قبضه بالتخلي؛ لن يد المانة ليست من جنس يد الضمان‪ ،‬فل‬
‫يتناوبان؛ لن قبض المانة أضعف من قبض الضمان (‪. )2‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،248/5 :‬فتح القدير‪ 5 :‬ص ‪ ،200‬حاشية ابن عابدين‪ 4 :‬ص ‪ ،535‬مجمع الضمانات‬
‫للبغدادي‪ :‬ص ‪ ،217‬عقد البيع للستاذ الزرقاء‪ :‬ص ‪ 87‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ ،248‬فتح القدير‪ 5 :‬ص ‪.200‬‬

‫( ‪)5/77‬‬

‫المبحث الرابع ـ البيع الباطل والبيع الفاسد‬


‫تمهيد ‪:‬‬
‫العقد من حيث حكمه أو وصفه الذي يعطيه الشارع له‪ ،‬بناء على مقدار استيفائه لركانه وشروطه‪،‬‬
‫ينقسم عند جمهور الفقهاء إلى صحيح وغير صحيح‪.‬‬
‫الصحيح‪ :‬هو ما استوفى شروطه وأركانه‪ .‬وغير الصحيح‪ :‬هو ما اختل فيه ركن من أركانه أوشرط‬
‫من شروطه‪ ،‬ول يترتب عليه أي أثر‪ ،‬ويشمل الباطل والفاسد‪ ،‬وهما بمعنى واحد‪.‬‬
‫وأما الحنفية‪ :‬فيقسمون العقد إلى صحيح وفاسد وباطل‪ ،‬فغير الصحيح عندهم‪ ،‬إما فاسد أو باطل‪.‬‬
‫ومنشأ الخلف‪ :‬هو في مفهوم نهي الشرع عن عقد ما‪ ..‬هل النهي يقتضي الفساد أي عدم العتبار‬
‫والوقوع في الثم معا‪ ،‬أو يقتصر على إيجاب الثم وحده مع اعتباره أحيانا‪ ،‬ثم هل يستوي النهي عن‬
‫ركن من أركان العقد مع النهي عن وصف عارض للعقد؟‬
‫قال جمهور الفقهاء‪ :‬إن نهي الشارع عن عقد ما‪ :‬يعني عدم اعتباره أصلً‪ ،‬وإثم من يقدم عليه‪ ،‬ول‬
‫فرق بين النهي عن أركان العقد أو النهي لوصف عارض للعقد‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم‪« :‬من‬
‫عمل عملً ليس عليه أمرنا فهو رد‪ ،‬ومن أدخل في ديننا ما ليس فيه فهو رد» (‪. )1‬‬
‫ومتى خالف العمل أمر الشارع وطلبه‪ ،‬وصف بالفساد أو البطلن‪ ،‬سواء أكانت المخالفة راجعة إلى‬
‫حقيقة العمل أم وصفه‪ ،‬وسواء في ذلك العبادة والمعاملة‪.‬‬
‫وقال الحنفية‪ :‬قد يكون نهي الشارع عن عقد‪ :‬معناه إثم من يرتكبه فقط‪ ،‬ل إبطاله‪ .‬ويفرق بين النهي‬
‫عن أصل العقد أو أركانه‪ ،‬فيوجب بطلن العقد‪ ،‬وبين‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم عن عائشة‪ ،‬وفي رواية للبخاري ومسلم وأبي داود «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس‬
‫منه فهو رد» (راجع جامع الصول‪ 1 :‬ص ‪.)197‬‬

‫( ‪)5/78‬‬

‫النهي عن أمر آخر كوصف من أوصاف العقد‪ ،‬فيوجب فساد العقد فقط (‪ ، )1‬لن المعاملت ينظر‬
‫فيها إلى جانب مصالح العباد‪ ،‬فإذا كانت مخالفة العمل راجعة إلى حقيقته كبيع المعدوم‪ ،‬لم تتحقق به‬
‫مصلحة أصلً‪ ،‬فكان باطلً‪.‬‬
‫وأما إذا تحققت بالعمل مصلحة على وجه ما‪ ،‬ترتب أثر العمل عليه‪ ،‬ويتدارك النقص بإزالة سببه‪،‬‬
‫وهذا يتحقق فيما لو كانت مخالفة العمل راجعة إلى وصفه مع سلمة حقيقته‪ ،‬بوجود ركنه وطرفيه‬
‫ومحله‪ ،‬فيسمى فاسدا‪.‬‬
‫أما العبادات فإن البطلن والفساد فيها مترادفان‪ ،‬فمخالفة أمر الشارع فيها يجعلها موصوفة بالفساد‬
‫والبطلن‪ ،‬سواء أكان الخلل في ناحية جوهرية أم في ناحية فرعية متممة؛ لن العبادة ينظر فيها إلى‬
‫تحقيق المتثال والطاعة التامة‪ ،‬ول يحصل ذلك إل بزوال كل مخالفة فيها‪.‬‬
‫وعلى هذا الساس نعرف أن أنواع البيوع عند الحنفية بحسب وصف الشارع لها ثلثة‪ :‬صحيح‪،‬‬
‫وباطل‪ ،‬وفاسد‪.‬‬
‫البيع الصحيح‪ :‬هو ما كان مشروعا بأصله ووصفه (‪ )2‬ولم يتعلق به حق الغير‪ ،‬ول خيار فيه‪،‬‬
‫وحكمه‪ :‬أنه يثبت أثره في الحال‪ .‬وأثر البيع الصحيح هو تبادل الملكية في العوضين‪ ،‬فيثبت ملك‬
‫المبيع للمشتري‪ ،‬وملك الثمن للبائع فور انتهاء اليجاب والقبول إذا لم يكن في البيع خيار‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر الموال ونظرية العقد للدكتور محمد يوسف موسى‪ :‬ص ‪ 436‬ومابعدها‪ .‬والذي يترجح أن‬
‫أثر النهي المتوجه إلى الوصف كأثر النهي المتوجه إلى ما تتوقف عليه حقيقة الشيء‪ ،‬سواء في‬
‫اعتبار الشرع‪ ،‬وأن البيع الفاسد والباطل سيان ل يترتب عليه حكم من الحكام (راجع أصول البيوع‬
‫الممنوعة للستاذ عبد السميع إمام‪ ،‬وهي رسالة دكتوراه من الزهر‪ :‬ص ‪.)147‬‬
‫(‪ )2‬أصل العقد أي ركنه ومحله‪ ،‬والركن‪ :‬اليجاب والقبول‪ ،‬والمحل‪ :‬محل العقد‪ :‬ومعنى كون الركن‬
‫مشروعا‪ :‬أل يعرض له خلل كأن يصدر اليجاب والقبول من مجنون أو صبي ل يعقل‪ .‬ومعنى كون‬
‫المحل مشروعا‪ :‬أن يكون مالً متقوما‪ .‬وأما وصف العقد‪ :‬فهو ما كان خارجا عن الركن والمحل‬
‫كالشرط المخالف لمقتضى العقد‪ ،‬أو كون المبيع غير مقدور التسليم‪ ،‬وكالثمنية فإنها صفة تابعة للعقد‪.‬‬

‫( ‪)5/79‬‬

‫والبيع الباطل‪ :‬هو ما اختل ركنه أو محله‪ ،‬أو هو ما ل يكون مشروعا بأصله ول بوصفه‪ ،‬أي أن‬
‫يكون العاقد ليس أهلً للعقد‪ ،‬أو أن يكون محل العقد ليس قابلً له‪ .‬وحكمه‪ :‬أنه ل يعتبر منعقدا فعلً‪،‬‬
‫وإن وجدت صورته في الخارج فل يفيد الملك أصلً‪ .‬مثل عقد الطفل أو المجنون أو بيع ما ليس بمال‬
‫كالميتة‪ ،‬أو ما ليس بمتقوم كالخمر والخنزير‪.‬‬
‫وإذا كان البيع الباطل ل يفيد الملك بالقبض‪ ،‬فلو هلك المبيع في يد المشتري فيطبق عليه حكم هلك‬
‫المانات؛ لن العقد غير معتبر فبقي القبض بإذن المالك‪ .‬قيل‪ :‬وهو قول أبي حنيفة‪ .‬وعند البعض‪:‬‬
‫ل من المقبوض على سوم الشراء‪ .‬قيل‪ :‬وهو قول الصاحبين‪.‬‬
‫يكون مضمونا لنه ل يكون أدنى حا ً‬
‫وأما الثمن المقبوض ببيع باطل فالصحيح أنه مضمون كالمقبوض ببيع فاسد‪.‬‬
‫والبيع الفاسد‪ :‬هو ما كان مشروعا بأصله دون وصفه‪ ،‬أي أن يصدر من أهل له في محل قابل للبيع‪،‬‬
‫ولكن عرض له أمر أو وصف غير مشروع‪ .‬مثل بيع المجهول جهالة تؤدي للنزاع كبيع دار من‬
‫الدور أو سيارة من السيارات المملوكة لشخص‪ ،‬دون تعيين‪ ،‬وكإبرام صفقتين في صفقة كبيع دار‬
‫على أن يبيعه سيارته مثلً‪ :‬وسأذكر أمثلة أخرى بالتفصيل‪ .‬وحكمه‪ :‬أنه يثبت فيه الملك بالقبض بإذن‬
‫المالك صراحة أو دللة‪ ،‬كأن يقبضه في مجلس العقد أمام البائع دون أن يعترض عليه‪ ،‬خلفا‬
‫لجمهور الفقهاء الذين يقررون أنه ل يفيد الملك أصلً كالبيع الباطل (‪. )1‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر فتح القدير مع العناية‪ 5 :‬ص ‪ 185‬وما بعدها‪ ،‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ ،299‬رد المحتار لبن‬
‫عابدين‪ 4 :‬ص ‪ ،104‬مجمع الضمانات‪ :‬ص ‪ 215‬وما بعدها‪ ،‬الموال ونظرية العقد للدكتور يوسف‬
‫موسى‪ :‬ص ‪ 440‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)5/80‬‬

‫الضابط الذي يميز الفاسد عن الباطل‬


‫إذا كان الفساد يرجع للمبيع فالبيع باطل‪ ،‬كما إذا باع خمرا أو خنزيرا أو ميتة أو دما أو صيد الحرم‬
‫أو الحرام‪ ،‬فل يفيد الملك أصلً وإن قبض؛ لن الخلل واقع على المبيع ذاته‪ ،‬وهو أن الخمر‬
‫والخنزير ل يثبت الملك فيهما للمسلم بالبيع‪ ،‬والبيع ل ينعقد بل مبيع‪ ،‬والميتة والدم ليسا بمال متقوم‪،‬‬
‫وقد أبطل الشارع تملك صيد الحرم والحرام‪.‬‬
‫وإن كان الفساد يرجع للثمن‪ :‬فإن كان الثمن مالً في الجملة أي في بعض الديان أو مرغوبا عند‬
‫بعض الناس‪ ،‬كالخمر والخنزير وصيد الحرم والحرام فإن البيع يكون فاسدا أي أنه ينعقد بقيمة‬
‫المبيع‪ ،‬ويفيد الملك في المبيع بالقبض؛ لن ذكر الثمن المرغوب دليل على أن غرضهما البيع فينعقد‬
‫بيعا بقيمة المبيع (‪. )1‬‬
‫وأما إن كان الثمن ميتة أو دما‪ ،‬فاختلف الحنفية‪ :‬فقال عامتهم‪ :‬يبطل‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬يفسد‪ ،‬والصحيح‬
‫أنه يبطل؛ لن المسمى ثمنا ليس بمال أصلً (‪. )2‬‬
‫وبعد هذا التمهيد ‪:‬‬
‫أذكر أمثلة من أنواع البيع الباطل ولو في رأي بعض الفقهاء‪ ،‬ثم أردفها بأمثلة أخرى من أنواع البيع‬
‫الفاسد‪ ،‬ثم أعقبها بتفصيل حكم البيع الفاسد وما يترتب عليه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الفرق بين الثمن والقيمة‪ :‬أن الثمن ما تراضى عليه المتعاقدان‪ ،‬سواء زاد على القيمة أو نقص‬
‫عنها‪ .‬والقيمة‪ :‬ما قوم به الشيء بمنزلة المعيار من غير زيادة ول نقص (انظر رد المحتار‪ 4 :‬ص‬
‫‪.)53‬‬
‫(‪ )2‬المبسوط‪ 13 :‬ص ‪ 22‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير والعناية‪ 5 :‬ص ‪ ،227 ،186‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪،299‬‬
‫‪.305‬‬

‫( ‪)5/81‬‬
‫وقد ميزت بين أمثلة نوعي البيع المذكورين منعا للبهام أو الشكال‪ ،‬على عكس ما يوجد في أغلب‬
‫ل وهو المنهي عنه‬
‫كتب الحنفية التي تذكر باب البيع الفاسد‪ .‬وتريد به العم من كونه فاسدا أو باط ً‬
‫الممنوع شرعا (‪ )1‬بل إنهم قد يطلقون لفظ الفاسد ويريدون به الباطل‪ ،‬ويفهم المقصود إما بالقرائن‬
‫أحيانا أو بما يشعر بأن البيع باطل كقولهم‪ :‬ل ينقلب العقد صحيحا‪ ،‬وفي البيع الفاسد بالعكس‪ :‬يعود‬
‫العقد صحيحا‪.‬‬
‫المطلب الول ـ أنواع البيع الباطل‬
‫أهم أنواع البيع الباطل ما يأتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬بيع المعدوم ‪:‬‬
‫اتفق أئمة المذاهب على أنه ل ينعقد بيع المعدوم وما له خطر العدم‪ ،‬كبيع نتاج النتاج بأن قال‪ :‬بعت‬
‫ولد ولد هذه الناقة‪ ،‬وبيع الحمل الموجود لنه على خطر الوجود‪ ،‬وبيع الثمر والزرع قبل ظهوره ؛‬
‫لن النبي صلّى ال عليه وسلم «نهى عن بيع حبل الحبلة» (‪ )2‬أي نتاج النتاج‪ .‬ونهى أيضا عن بيع‬
‫المضامين والملقيح (‪( )3‬والمضامين‪ :‬ما‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر فتح القدير‪ 5 :‬ص ‪ ،185‬رد المحتار‪ 4 :‬ص ‪.104‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري ومسلم وأحمد والموطأ وأبو داود والنسائي والترمذي عن ابن عمر أن رسول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلم «نهى عن بيع حبل الحبلة» (انظر جامع الصول‪ 1 :‬ص ‪ ،441‬نيل الوطار‪5 :‬‬
‫ص ‪.)147‬‬
‫(‪ )3‬فيه عدة روايات‪:‬منها ما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن عمر عن النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلم أنه نهى عن المضامين‪ ،‬والملقيح‪ ،‬وحبل الحبلة‪ :‬قال‪ :‬والمضامين‪ :‬ما في أصل ب البل‪،‬‬
‫والملقيح‪ ،‬ما في بطونها‪ ،‬وحبل الحبلة‪ :‬ولد ولد هذه الناقة‪ ،‬وقيل‪ :‬إن المبيع هو ولد الناقة (انظر‬
‫نصب الراية‪ 4 :‬ص ‪ )10‬والخلصة أن المضامين‪ :‬ما في ظهر الفحل بمعنى أن يحمل البائع الفحل‬
‫على ناقته‪ ،‬فما أنتجته كان للمشتري‪ ،‬أو بيع ما يضربه الفحل مدة عام أو عامين‪ .‬والملقيح‪ :‬بيع‬
‫الجنين في بطن أمه‪ ،‬أو ما في البطن من المني قبل أن يطلق عليه اسم الحمل‪ ،‬وهذه البيوع كانت‬
‫متعارفة في الجاهلية‪.‬‬

‫( ‪)5/82‬‬
‫في أصلب الذكور‪ ،‬والملقيح‪ :‬ما في بطون الناث) ونهى كذلك عن بيع الثمر قبل بدو صلحه‪ ،‬كما‬
‫سيأتي‪.‬‬
‫ومن الملحق بالمعدوم‪ :‬بيع لؤلؤ في صدف‪ ،‬وبيع اللبن في الضرع وبيع الصوف على ظهر الغنم‪،‬‬
‫ومثله بيع الكتاب قبل طبعه‪ ،‬فإن بيع ذلك باطل عند الشافعية والحنابلة؛ لن محل العقد غير موجود‬
‫بالتأكيد‪ ،‬ولما روي عن ابن عباس رضي ال صلّى ال عليه وسلم عنهما أنه قال‪« :‬نهى رسول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلم أن تباع ثمرة حتى تطعم (‪ ، )1‬ول يباع صوف على ظهر ول لبن في ضرع»‬
‫(‪ )2‬ولن بيع اللبن في الضرع مجهول الصفة والمقدار‪ .‬وجهالة مقداره‪ ،‬لنه قد يرى امتلء الضرع‬
‫من السمن‪ ،‬فيظن أنه من اللبن‪ .‬وجهالة الصفة‪ :‬لنه قد يكون اللبن صافيا‪ ،‬وقد يكون كدرا فأشبه‬
‫الحمل‪ ،‬لنه بيع عين لم تخلق‪ ،‬فلم يجز كبيع ما تحمل الناقة‪ ،‬والعادة في ذلك تختلف‪ .‬وفيه علة أخرى‬
‫وهي‪ :‬أنه معجوز التسليم‪ ،‬لن اللبن ل يجتمع في الضرع دفعة واحدة‪ ،‬بل شيئا فشيئا‪ ،‬فيختلط المبيع‬
‫بغيره على وجه يتعذر التمييزبينهما‪.‬‬
‫وأما لبن الظئر (أي المرضع) فيجوز بيعه للحضانة‪ ،‬للحاجة‪.‬‬

‫( ‪)5/83‬‬

‫وقال الحنفية ما عدا أبا يوسف‪ :‬بيع اللبن في الضرع واللؤلؤ في الصدف والصوف على ظهر الغنم‬
‫فاسد؛ للجهالة وللنهي عنه‪ ،‬ولن الصوف ينمو من أسفل‪ ،‬فيختلط المبيع بغيره‪ ،‬ويصعب التمييز‬
‫بينهما‪ ،‬فيفسد لذلك (‪. )3‬‬
‫وقال أبو يوسف‪ :‬يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم والصلح عليه؛ لنه يجوز جزه قبل الذبح‪،‬‬
‫فيجوز بيعه كبيع القصيل في الرض‪.‬‬
‫وأما سبب بطلن بيع الصوف على ظهر الغنم عند القائلين بالبطلن‪ ،‬فلنه يقع الختلف في موضع‬
‫القطع من الحيوان‪ ،‬فيقع الضرار به فكان مشتملً على الغرر‪ ،‬وفيه علة أخرى‪ :‬وهي أنه معجوز‬
‫التسليم‪ ،‬لن الصوف ينمو ساعة فساعة‪ ،‬فيختلط الموجود عند العقد بالحادث بعده على وجه ل يمكن‬
‫التمييز بينهما‪.‬‬
‫وخالف المام مالك في الحالتين‪ ،‬فقال‪ :‬يجوز بيع اللبن في الضرع في الغنم السائمة التي ل يختلف‬
‫لبنها‪ ،‬ل في الشاة الواحدة‪ ،‬أياما معلومة‪ ،‬إذا عرف قدر حلبها‪ ،‬لسقي الصبي‪ ،‬كلبن الظئر‪ ،‬لتسامح‬
‫غالب الناس به أياما معلومة غالبا‪ ،‬بل رأينا من يسامح بلبن بقرته الشهر وأكثر بطريق الباحة أو‬
‫الهبة‪ .‬وقال أيضا‪ :‬يصح بيع الصوف على ظهر الغنم‪ ،‬لنه مشاهد يمكن تسليمه‪.‬‬
‫وهناك رواية عند الحنابلة تقرر مثل هذا الحكم وهو أنه يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم‪ ،‬بشرط‬
‫جزّه في الحال‪ ،‬لنه معلوم يمكن تسليمه‪ .‬وكذلك الظاهرية أجازوا بيع الصوف على‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تطعم ـ بكسر العين أي يبدو صلحها‪.‬‬
‫(‪ )2‬حديث مرفوع مسند رواه الطبراني في معجمه عن ابن عباس‪ ،‬وأخرجه الدارقطني والبيهقي في‬
‫سننيهما (انظر نصب الراية‪ 4 :‬ص ‪ ،11‬نيل الوطار‪ 5 :‬ص ‪.)149‬‬
‫(‪ )3‬الدر المختار ورد المحتار‪ ،113/4 :‬البدائع‪ ،148/5 :‬وعبر الكاساني بأن البيع ل ينعقد في ظاهر‬
‫الرواية‪ ،‬ومراده أنه فاسد‪.‬‬

‫( ‪)5/84‬‬

‫ظهور الغنم (‪. )1‬‬


‫رأي بعض الحنابلة في بيع المعدوم‪ :‬أجاز ابن القيم وأستاذه ابن تيمية بيع المعدوم عند العقد إذا كان‬
‫محقق الوجود في المستقبل بحسب العادة‪ ،‬لنه لم يثبت النهي عن بيع المعدوم ل في الكتاب ول في‬
‫السنة ول في كلم الصحابة‪ ،‬وإنما ورد في السنة النهي عن بيع الغرر‪ ،‬وهو ما ل يقدر على تسليمه‪،‬‬
‫سواء أكان موجودا أم معدوما كبيع الفرس النافر والجمل الشارد‪ ،‬فليست العلة في المنع لالعدم ول‬
‫الوجود‪.‬‬
‫بل إن الشرع صحح بيع المعدوم في بعض المواضع‪ ،‬فنره أجاز بيع الثمر بعد بدء صلحه‪ ،‬والحب‬
‫بعد اشتداده‪ ،‬ومعلوم أن العقد إنما ورد على الموجود والمعدوم الذي لم يخلق بعد‪ .‬وعلى هذا فبيع‬
‫المعدوم إذا كان مجهول الوجود في المستقبل باطل للغرر ل للعدم‪ ،‬فالصل إذن هو الغرر (‪. )2‬‬
‫‪ - 2‬بيع معجوز التسليم‬
‫يرى جمهور الحنفية كما في ظاهر الرواية‪ :‬أنه ل ينعقد بيع معجوز التسليم عند العقد‪ ،‬ولو كان‬
‫مملوكا‪ ،‬كالطير الذي طار من يد صاحبه‪ ،‬أو العبد البق (الفارّ) واللقطة‪ ،‬ويكون البيع باطلً‪ ،‬حتى لو‬
‫ظهر البق ونحوه يحتاج إلى تجديد اليجاب والقبول‪ ،‬إل إذا تراضيا حينئذ‪ ،‬فيكون بيعا مبتدءا‬
‫بالتعاطي‪.‬‬
‫ولو قدر على التسليم في المجلس ل يعود جائزا‪ ،‬لنه وقع باطلً‪ ،‬وعن الكرخي والطحاوي‪ :‬أنه يعود‬
‫جائزا‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر المبسوط‪ 12 :‬ص ‪ 194‬وما بعدها‪ 13 ،‬ص ‪ ،23‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ ،148 ،139‬فتح القدير‪:‬‬
‫‪ 5‬ص ‪ ،192‬رد المحتار‪ 4 :‬ص ‪ ،113 ،112 ،106‬بداية المجتهد‪ 2 :‬ص ‪ ،157 ،147‬الميزان‪2 :‬‬
‫ص ‪ ،67‬مغني المحتاج‪ 2 :‬ص ‪ ،30‬المهذب‪ 1 :‬ص ‪ ،262‬المغني‪ 4 :‬ص ‪ 208‬ومابعدها‪ ،‬سبل‬
‫السلم‪ 3 :‬ص ‪ 32‬ومابعدها‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ ،256‬المحلى‪ 8 :‬ص ‪.458‬‬
‫(‪ )2‬راجع أعلم الموقعين‪ 2 :‬ص ‪ 8‬وما بعدها‪ ،‬مصادر الحق‪ 3 :‬ص ‪ 40‬ومابعدها‪ ،‬الغرر وأثره‬
‫في العقود‪ :‬ص ‪ 356‬ومابعدها‪ ،‬الموال ونظرية العقد‪ :‬ص ‪.308‬‬

‫( ‪)5/85‬‬

‫فإن كان الطائريذهب ويعود كالحمام الهلي‪ ،‬ففي ظاهر الرواية‪ :‬ل يجوز أيضا بيعه لعدم القدرة على‬
‫التسليم في الحال‪ ،‬وقال بعض الحنفية‪ :‬إن كان الطائر داجنا يعود إلى بيته ويقدر على أخذه بل تكلف‬
‫جاز بيعه‪ ،‬وإل فل‪.‬‬
‫وكذا يبطل العقد إذا جعل معجوز التسليم ثمنا؛ لن الثمن إذا كان عينا‪ ،‬فهو مبيع في حق صاحبه (‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬وذكر الكرخي رحمه ال أنه ينعقد بيع البق‪ ،‬حتى لو ظهر وسلم يجوز وليحتاج إلى تجديد‬
‫البيع‪ ،‬ودليله‪ :‬أن الباق ليوجب زوال الملك‪ ،‬أل ترى أنه لم ينفذ للحال للعجز عن التسليم‪ ،‬فإن سلم‬
‫زال المانع‪ ،‬فينفذ‪ ،‬كبيع المغصوب الذي في يد الغاصب إذا باعه المالك لغيره‪ ،‬فإنه ينعقد موقوفا على‬
‫التسليم‪.‬‬
‫ووجه ظاهر الرواية‪ :‬هو أن القدرة على التسليم شرط انعقاد العقد‪ ،‬لنه لينعقد إل لفائدة‪ ،‬وليفيد إذا‬
‫لم يكن قادرا على التسليم‪ ،‬والعجز عن التسليم ثابت حالة العقد‪ ،‬وفي حصول القدرة بعد ذلك شك‪،‬‬
‫واحتمال قد يحصل وقد ليحصل‪ .‬ومالم يكن منعقدا بيقين لينعقد لفائدة محتملة‪ ،‬بخلف بيع‬
‫المغصوب من غير الغاصب‪ ،‬فإنه ينعقد موقوفا على التسليم‪ ،‬حتى لو سلم ينفذ ‪ ،‬لن المالك هنا قادر‬
‫على التسليم بقدرة السلطان والقاضي وجماعة المسلمين إل أنه لم ينفذ للحال‪ ،‬لوجود يد الغاصب‬
‫صورة‪ ،‬فإذا سلم زال المانع‪ ،‬فينفذ‪ ،‬بخلف البق‪ ،‬لنه معجوز التسليم على الطلق‪ ،‬فأشبه بيع البق‬
‫بيع الطير في الهواء‪ ،‬والسمك في الماء ( البدائع‪ 5 :‬ص ‪ 147‬ومابعدها‪ ،‬فتح القدير‪ 5 :‬ص ‪،199‬‬
‫رد المحتار‪4 :‬ص ‪ ،112‬مختصر الطحاوي‪ :‬ص ‪ ،82‬الموال ونظرية العقد لستاذنا محمد يوسف‬
‫موسى‪ :‬ص ‪.) 314‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬ليجوز ( أي لينعقد ) بيع البق حال إباقه‪ ،‬إذا لم يعلم موضعه أو علم أنه عند من‬
‫ليسهل خلصه منه أو عند من يسهل خلصه منه‪ ،‬ولم تعلم صفته فإذا كان معلوم الصفة‪ ،‬معلوم‬
‫الموضع عند البائع والمشتري جاز‪ ،‬قال ابن رشد‪ :‬وأظنه ( أي المام مالك ) اشترط أن يكون معلوم‬
‫الباق‪ ،‬ويتواضعان الثمن أي ليقبضه البائع حتى يقبض المشتري المبيع ( بداية المجتهد‪ 2 :‬ص‬
‫‪ ،156‬الشرح الكبير للدردير‪ 3 :‬ص ‪ ) 11‬وقد ذكرت حكم العبد البق لمجرد الطلع من الناحية‬
‫التاريخية‪.‬‬

‫( ‪)5/86‬‬

‫وقال المالكية‪ :‬ل ينعقد بيع البعير الشارد والبقرة المتوحشة والمغصوب إل أن يبيعه من غاصبه‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلة‪ :‬ل يجوز (أي ل ينعقد) بيع ما ل يقدر على تسليمه كالطير في الهواء أو‬
‫السمك في الماء والجمل الشارد‪ ،‬والفرس العائر (أي الهائم على وجهه) والمال المغصوب في يد‬
‫الغاصب والعبد البق‪ ،‬سواء علم مكانه أو جهل‪ ،‬ومثله بيع الدار أو الرض تحت يد العدو (‪ )1‬؛لن‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم نهى عن بيع‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )2‬المهذب‪ 1 :‬ص ‪ ،263‬المغني‪ 4 :‬ص ‪ 200‬ومابعدها‪ ،‬غاية المنتهى‪ 2 :‬ص ‪.10‬‬

‫( ‪)5/87‬‬

‫الحصاة‪ ،‬وعن بيع الغرر (‪ ، )1‬وهذا غرر‪ ،‬وعن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه أن رسول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلم نهى عن شراء العبد البق‪ ،‬وعن شراء ما في بطون النعام حتى تضع وعن‬
‫شراء ما في ضروعها‪ ،‬وعن شراء الغنائم حتى تقسم (‪ . )2‬وعن ابن مسعود أن رسول ال صلّى ال‬
‫عليه وسلم قال‪« :‬ل تشتروا السمك في الماء فإنه غرر» (‪ )3‬علل النهي عن بيع السمك بأنه غرر‪،‬‬
‫فدل على أن الغرر‪ :‬ما ل يقدر على تسليمه‪ .‬والمراد بالماء الذي ليجوز بيع السمك فيه هو الماء‬
‫غير المحصور كماء البحر والنهر‪ ،‬فإن كان الماء محصورا كماء البركة‪ ،‬فقال الحنفية والشافعية‬
‫والحنابلة في الجملة‪ :‬يجوز بيع السمك فيه إذا كان يمكن أخذه بدون اصطياد وحيلة‪ .‬ولكن للمشتري‬
‫خيار الرؤية عند الحنفية‪ .‬ومنع المالكية بيع السمك في الغدير أو البركة (‪. )4‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن المذاهب الربعة متفقة على بطلن بيع ما ل يقدر على تسليمه‪ ،‬مع الخلف في بعض‬
‫القيود أحيانا أو مع أقوال ضعيفة في المذهب‪.‬‬
‫وذهب الظاهرية إلى أنه ل يشترط في صحة البيع أن يكون المعقود عليه مقدور التسليم‪ ،‬وإنما‬
‫الواجب أل يحول البائع بين المشتري وبين ما اشتراه (‪. )5‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة « أن النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر » وقد سبق تخريجه‪ .‬وبيع الحصاة مثل أن يقول‪:‬‬
‫بعتك من هذه الثواب ماوقعت عليه هذه الحصاة ثم يرمي الحصاة (انظر جامع الصول‪1 :‬ص ‪،441‬‬
‫نيل الوطار‪ 5 :‬ص ‪.) 147‬‬
‫(‪ )2‬رواه أحمد وابن ماجه عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد الخدري ونصه‪ « :‬نهى النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلم عن شراء مافي بطون النعام حتى تضع‪ ،‬وعن بيع مافي ضروعها إل بكيل‪ ،‬وعن شراء‬
‫المغانم حتى تقسم‪ ،‬وعن شراء الصدقات حتى تقبض‪ ،‬وعن ضربة الغائص » ( انظر نيل الوطار‪:‬‬
‫‪ 5‬ص ‪.) 149‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد موقوفا ومرفوعا والطبراني في الكبير كذلك‪ ،‬ورجال الموقوف رجال الصحيح (انظر‬
‫مجمع الزوائد‪ 4 :‬ص ‪.) 80‬‬
‫(‪ )4‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ ،295‬بداية المجتهد‪ 2 :‬ص ‪ ،156‬المهذب‪ 1 :‬ص ‪ ،263‬المغني‪ 4 :‬ص ‪.202‬‬
‫(‪ )5‬المحلى‪ 8 :‬ص ‪ 449‬وما بعدها‪ ،‬أصول البيوع الممنوعة‪ :‬ص ‪.130‬‬

‫( ‪)5/88‬‬

‫بيع الدين ‪:‬‬


‫الدين (‪ : )1‬كثمن مبيع‪ ،‬وبدل قرض‪ ،‬ومهر بعد دخول بالمرأة أو قبل الدخول بها‪ ،‬وأجرة مقابل‬
‫منفعة‪ ،‬وأرش (‪ )2‬جناية‪ ،‬وغرامة متلف‪ ،‬وعوض خلع‪ ،‬ومسلم فيه‪ .‬وبيع الدين‪ :‬إما أن يكون لمن في‬
‫ذمته الدين‪ ،‬أو لغير من عليه الدين‪ .‬وفي كل من الحالتين إما أن يباع الدين نقدا في الحال‪ ،‬أو نسيئة‬
‫مؤجلً‪.‬‬
‫وبيع الدين نسيئة‪ :‬هو ما يعرف ببيع الكالئ بالكالئ أي الدين بالدين وهو بيع ممنوع شرعا ؛ لن‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ (‪ ، )3‬وقد قيل‪ :‬أجمع الناس على أنه ل يجوز‬
‫بيع دين بدين‪ ،‬سواء أكان البيع للمدين‪ ،‬أم لغير المدين‪.‬‬
‫مثال الول وهو بيع الدين للمدين‪ :‬أن يقول شخص لخر اشتريت منك مدا من الحنطة بدينار على أن‬
‫يتم تسليم العوضين بعد شهر مثلً‪ .‬أو أن يشتري شخص شيئا إلى أجل‪ ،‬فإذا حل الجل‪ ،‬لم يجد البائع‬
‫ما يقضي به دينه‪ ،‬فيقول للمشتري‪ :‬بعني هذا الشيء إلى أجل آخر بزيادة شيء‪ ،‬فيبيعه ول يجري‬
‫بينهما تقابض‪ .‬فيكون هذا ربا حراما تطبيقا لقاعدة‪ ( :‬زدني في الجل‪ ،‬وأزيدك في القدر) ‪ .‬أما لو‬
‫باع الدين بنحو آخر كأن يبيعه اللف الذي له في ذمته بمتاع كسجادة مثلً‪ ،‬أو بقدر من المال يدفعه‬
‫من عليه الدين‪ ،‬فيصح البيع؛ لنه في معنى الصلح‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬يلحظ أن ( الدين ) في القوانين الوضعية المعاصرة‪ :‬هو العمل الذي يجب على الشخص أن‬
‫يقوم به‪ .‬فيشمل ما إذا كان محل هذا العمل دينا موصوفا في الذمة الذي يقول به فقهاؤنا‪ ،‬أو عينا‪:‬‬
‫وهي الشيء المعين المشخص بذاته‪.‬‬
‫(‪ )2‬الرش‪ :‬هو العوض المالي المقدر شرعا بدلً عن الجناية التي ألحقت بعضو من العضاء‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الدارقطني عن ابن عمر وصححه الحاكم على شرط مسلم‪ ،‬ورواه الطبراني عن رافع بن‬
‫خديج‪ ،‬ولكن تفرد به موسى بن عبيدة الربذي‪ ،‬وفيه كلم (نيل الوطار‪.)156/5 :‬‬

‫( ‪)5/89‬‬

‫ومثال بيع الدين لغير المدين‪ :‬أن يقول رجل لغيره‪ :‬بعتك العشرين مدا من القمح التي لي عند فلن‬
‫بكذا تدفعها لي بعد شهر (‪ ، )1‬أو بسلعة حاضرة (عين) لم يصح البيع‪ ،‬لعدم القدرة على تسليم المبيع‪.‬‬
‫وبيع الدين نقدا في الحال‪ :‬اختلف الفقهاء في شأنه على التفصيل التي‪:‬‬
‫أولً ـ بيع الدين للمدين‪ :‬أجاز جمهور الفقهاء أئمة المذاهب الربعة بيع الدين لمن عليه الدين أو هبته‬
‫له؛ لن المانع من صحة بيع الدين بالدين هو العجز عن التسليم‪ ،‬ول حاجة إلى التسليم ههنا‪ ،‬فما في‬
‫ذمة المدين مسلم له (‪ . )2‬ومثاله‪ :‬أن يبيع الدائن للمدين دينا له في ذمته بدين آخر من غير جنسه‪،‬‬
‫فيسقط الدين المبيع‪ ،‬ويجب عوضه‪،‬لنه في معنى الصلح‪ ،‬وهو جائز‪ ،،‬ويدل ما أخرجه الخمسة‬
‫(أحمد وأصحاب السنن) عن عبد ال بن عمر رضي ال عنهما قال‪« :‬أتيت النبي صلّى ال عليه وسلم‬
‫فقلت‪ :‬إني أبيع البل بالبقيع‪ ،‬فأبيع الدنانير وآخذ الدراهم‪ ،‬وأبيع بالدراهم وأخذ الدنانير؟ فقال‪ :‬ل بأس‬
‫أن تأخذ بسعر يومها‪ ،‬ما لم تفترقا وبينكما شيء» فهذا البيع بين الدنانير والدراهم بيع للدين بعين ممن‬
‫عليه الدين‪ ،‬لنه قوله‪« :‬أبيع بالدنانير» أي دينا؛ لنه لم يقبضهما‪ ،‬ثم يستبدل بها دراهم يقبضها‪.‬‬
‫وقال الظاهرية‪ :‬ل يجوز بيع الدين إلى المدين لوجود الغرر فيه‪ ،‬قال ابن حزم‪ :‬لنه بيع مجهول‪ ،‬وما‬
‫ل يدرى عينه‪ ،‬وهذا هو أكل مال بالباطل (‪. )3‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع سبل السلم‪ 3 :‬ص ‪ ،45‬نيل الوطار ‪ 5 :‬ص ‪ ،156‬الشرح الكبير والدسوقي‪ 3 :‬ص ‪61‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬الغرر وأثره في العقود للدكتور الصدّيق‪ :‬ص ‪ 311‬ومابعدها‪ ،‬غاية المنتهى‪ 2 :‬ص ‪،58‬‬
‫المهذب‪ 1 :‬ص ‪.262‬‬
‫(‪ )2‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ ،148‬تكملة ابن عابدين‪ ،326/2 :‬الفتاوى الهندية‪ ،365/4 :‬أصول البيوع‬
‫الممنوعة‪ :‬ص ‪ ،111‬المغني‪ 4 :‬ص ‪.120‬‬
‫(‪ )3‬المحلى‪ 9 :‬ص ‪ 7‬ومابعدها‪ ،‬أصول البيوع‪ ،‬المكان السابق‪.‬‬

‫( ‪)5/90‬‬

‫ثانيا ـ بيع الدين لغير المدين‪ :‬قال الحنفية والظاهرية‪ :‬بما أنه ل يجوز بيع معجوز التسليم‪ ،‬فل ينعقد‬
‫بيع الدين من غير من عليه الدين‪ ،‬لن الدين غير مقدور التسليم إل للمدين نفسه في حق البائع؛ لن‬
‫الدين عبارة عن مال حكمي في الذمة‪ ،‬أو عبارة عن فعل تمليك المال وتسليمه‪ ،‬وكل ذلك غير مقدور‬
‫التسليم من البائع‪ .‬ولو شرط التسليم على المدين ل يصح البيع أيضا؛ لن البائع شرط التسليم على‬
‫غيره‪ ،‬فيكون شرطا فاسدا‪ ،‬فيفسد البيع (‪ ، )1‬لعدم القدرة على تسليم المبيع‪.‬‬
‫وقال بعض الشافعية (‪ : )2‬يجوز بيع الدين المستقر (‪ )3‬للمدين ولغير المدين قبل القبض‪ ،‬لن الظاهر‬
‫القدرة على التسليم من غير منع ول جحود‪ ،‬ومثال الدين المستقر‪ :‬قيمة المتلفات‪ ،‬والمال الموجود عند‬
‫المقترض‪.‬‬
‫وأما إن كان الدين غير مستقر‪ :‬فإن كان مسلَما فيه في عقد السلم‪ ،‬فل يجوز التصرف فيه قبل قبضه‪،‬‬
‫لعموم النهي عن بيع مالم يقبض‪ ،‬ولن الملك في المسلم فيه غير مستقر‪ ،‬لنه ربما تعذر تسليمه‬
‫لفقدانه‪ ،‬فانفسخ البيع فيه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬البدائع‪ ،‬في المكانين السابقين‪.‬‬
‫(‪ )2‬المهذب‪ 1 :‬ص ‪ 262‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬الدين المستقر‪ :‬هو الثابت استيفاؤه والذي يكون الملك عليه لزما مستحقا لصاحبه دون أن يكون‬
‫هناك أي احتمال آخر لسقوطه‪.‬‬

‫( ‪)5/91‬‬
‫وإن كان الدين ثمنا في بيع‪ ،‬ففي قول للشافعي‪ :‬يجوز التصرف فيه قبل قبضه لخبر ابن عمر في هذا‬
‫الشأن عن الرسول صلّى ال عليه وسلم ‪ « :‬لبأس مالم تتفرقا‪ ،‬وبينكما شيء » (‪ )1‬ولنه ليخشى‬
‫انفساخ العقد فيه بالهلك‪ ،‬فصار ذلك مثل المبيع بعد القبض‪.‬هذا وليصح اتفاقا بيع الدين بالدين إلى‬
‫أجل كما تقدم في النقود والمطعومات وغيرها من أموال الربا‪ ،‬وليصح لحد أن يعتمد على هذا‬
‫القول وغيره فيما يخالف الحكام المقررة قطعا‪ .‬قال النووي في المنهاج‪ :‬وبيع الدين لغير من هو‬
‫عليه الدين باطل في الظهر‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬يصح في الصحيح من المذهب بيع الدين المستقر للمدين كبدل قرض ومهر بعد‬
‫الدخول‪ .‬وليصح بيع الدين لغير المدين‪ ،‬كما لتصح هبة الدين لغير من هو في ذمته؛ لن الهبة‬
‫تقتضي وجود معين‪ ،‬وهو منتفٍ هنا‪ .‬كما ليصح بيع الدين غير المستقر كأجرة عقار قبل مضي مدة‬
‫اليجار‪ ،‬ومهر قبل دخول بالمرأة‪ ،‬ومسلم فيه قبل القبض‪ ،‬إل أن ابن القيم أجاز بيع الدين‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه الترمذي وغيره‪ ،‬وصححه الحاكم على شرط مسلم‪ ،‬والقصة معروفة وهي أن ابن عمر‬
‫قال‪« :‬كنت أبيع البل بالبقيع بالدنانير‪ ،‬فآخذ الدراهم‪ ،‬وأبيع بالدراهم‪ ،‬فآخذ الدنانير‪ ،‬فقال رسول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلم ‪ « :‬لبأس مالم تتفرقا وبينكما شيء » ‪.‬‬

‫( ‪)5/92‬‬

‫للمدين ولغير المدين (‪. )1‬‬


‫وقال المالكية‪ :‬يجوز بيع الدين لغير المدين بشروط ثمانية تبعده عن الغرر والربا وأي محظور آخر‬
‫كبيع الطعام قبل قبضه‪ ،‬وتتلخص هذه الشروط هنا في شرطين هما‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أل يؤدي البيع إلى محظور شرعي كالربا والغرر ونحوهما‪ :‬فلبد من أن يكون الدين ممايجوز‬
‫بيعه قبل قبضه‪ ،‬كأن يكون من قرض ونحوه‪ ،‬ويكون الدين المبيع غير طعام‪ ،‬وأن يباع بثمن مقبوض‬
‫أي معجل لئل يكون دينا بدين‪ ،‬وأن يكون الثمن من غير جنس الدين المبيع أو من جنسه مع التساوي‬
‫بينهما حذرا من الوقوع في الربا‪ ،‬وأل يكون الثمن ذهبا إذا كان الدين فضة‪ ،‬حتى ليؤدي ذلك إلى‬
‫بيع النقد بالنقد نسيئة من غير مناجزة‪ ،‬فهذه أربعة شروط في شرط‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يغلب على الظن الحصول على الدين بأن يكون المدين حاضرا في بلد العقد‪ ،‬ليعلم حاله من‬
‫عسر أو يسر‪ ،‬وأن يكون المدين مقرا بالدين‪ ،‬حتى لينكره بعدئذ ‪ ،‬فل يجوز بيع حق متنازع فيه‪،‬‬
‫وأن يكون أهلً لللتزام بالدين بأل يكون قاصرا ول محجورا عليه مثلً ليكون الدين مقدور التسليم‪،‬‬
‫وأل يكون بين المشتري وبين المدين عداوة حتى ليتضرر المشتري أو حتى ل يكون في البيع إعنات‬
‫للمدين بتمكين خصمه منه (‪. )2‬‬
‫فهذه أربعة شروط أخرى في شرط‪ .‬ويظهر لنا أن مذهب المالكية هو الراجح بين المذاهب‪ .‬وفي‬
‫الواقع ليجوز بيع الدين بالدين‪ ،‬مثل أن يبيع دينا له على رجل من آخر بالتأخير‪ ،‬وليجوز أيضا فسخ‬
‫الدين في الدين‪ ،‬مثل أن يدفع الغريم لصاحب الدين ثمرة يجنيها‪ ،‬أو دارا يسكنها‪ ،‬لتأخر القبض في‬
‫ذلك (‪. )3‬‬
‫خصم (حسم) الكمبيالة‪ :‬ذكر الحنفية (‪ )4‬أن بيع أوراق الكمبيالة المتعارف في زماننا إلى غير الغريم‬
‫( المدين ) أو لمن عليه أموال أميرية بأنقص من الحق غير صحيح‪.‬‬
‫‪ - 3‬بيع الغرر ‪:‬‬
‫الغرر في اللغة‪ :‬الخطر‪ ،‬والتغرير‪ :‬التعريض للهلك‪ ،‬وأصل الغرر لغة‪ :‬هو ماله ظاهر محبوب‪،‬‬
‫وباطن مكروه‪ .‬ولذلك سميت الدنيا متاع الغرور‪ .‬فالغرر‪:‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المغني‪ 4 :‬ص ‪ ،301 ،120‬غاية المنتهى‪ 2 :‬ص ‪ 80‬ومابعدها‪ ،‬أعلم الموقعين‪1 :‬ص ‪388‬‬
‫ومابعدها‪ .‬كشاف القناع‪.337/4 :‬‬
‫(‪ )2‬الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه‪3 :‬ص ‪ ،63‬بداية المجتهد‪ 2 :‬ص ‪ ،146‬القوانين‬
‫الفقهية‪ :‬ص ‪ ،289 ،210‬أصول البيوع الممنوعة‪ ،109 :‬الغرر وأثره في العقود‪ :‬ص ‪.315‬‬
‫(‪ )3‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪. 289‬‬
‫(‪ )4‬أصول البيوع الممنوعة في الشريعة السلمية وموقف القوانين منها للستاذ عبد السميع إمام‪:‬‬
‫ص ‪. 120‬‬

‫( ‪)5/93‬‬

‫تعريض المرء نفسه أو ماله للهلك من غير أن يعرف‪.‬‬


‫وبيع الغرر‪ :‬هو بمعنى مغرور اسم مفعول‪ ،‬فهو من إضافة المصدر إلى اسم المفعول‪ .‬ورجح بعضهم‬
‫(‪ )1‬أن الضافة هنا من إضافة الموصوف إلى صفته‪ ،‬أو من إضافة المصدر إلى نوعه‪ ،‬وليصح‬
‫جعل الضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله‪ ،‬كما يقول ابن تيمية‪ ،‬لنه يترتب على هذا كون الغرر‬
‫خاصا بمحل العقد‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬فإن من الغرر المنهي عنه باتفاق الفقهاء مايرجع إلى الصفة التي‬
‫وقع عليها العقد‪ ،‬كبيع الحصاة‪ .‬أما إذا جعلنا الضافة إلى الصفة أو نوع المصدر‪ ،‬فإن النهي يعم كل‬
‫بيوع الغرر‪ ،‬سواء أكان الغرر في محل العقد كبيع الطير في الهواء‪ ،‬وشاة من قطيع‪ ،‬أم في صيغته‬
‫كالبيعتين في بيعة‪ ،‬والشرطين في بيع وبيع العربان‪ ،‬وبيع الحصاة ونحوها‪.‬والغرر لغة‪ :‬معناه الخداع‬
‫الذي هو مظنة أل رضا به عند تحققه‪ ،‬فيكون من أكل المال بالباطل (‪ . )2‬والغرر فقها يتناول الغش‬
‫والخداع والجهالة بالمعقود عليه‪ ،‬وعدم القدرة على التسليم‪ .‬قال الصنعاني‪ :‬يتحقق بيع الغرر في‬
‫صور‪ :‬إما بعدم القدر ة على التسليم كبيع الفرس النافر والجمل الشارد‪ ،‬أو بكونه معدوما أو مجهولً‪،‬‬
‫أو ل يتم ملك البائع له‪ ،‬كالسمك في الماء الكثير‪ ،‬وغيرها من الصور (‪. )3‬‬
‫الغرر في اصطلح الفقهاء‪ :‬ذكر فقهاء المذاهب تعريفات للغرر متقاربة نسبيا‪ ،‬منها‪:‬‬
‫قال السرخسي الحنفية‪ :‬الغرر‪ :‬ما يكون مستور العاقبة (‪. )4‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر رسالة الزميل الدكتور الصدّيق المين « الغرر وأثره في العقود » ص ‪.62‬‬
‫(‪ )2‬سبل السلم‪ 3 :‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ )3‬المرجع السابق‪ ،‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪.256‬‬
‫(‪ )4‬المبسوط‪ 12 :‬ص ‪.194‬‬

‫( ‪)5/94‬‬

‫وقال القرافي من المالكية‪ :‬أصل الغرر‪ :‬هو الذي ل يدرى هل يحصل أم ل كالطير في الهواء‬
‫والسمك في الماء (‪. )1‬‬
‫وقال الشيرازي الشافعي‪ :‬الغرر‪ :‬ما انطوى عنه أمره وخفي عليه عاقبته (‪. )2‬‬
‫وقال السنوي الشافعي‪ :‬الغرر‪ :‬هو ما تردد بين شيئين أغلبهما أخوفهما (‪. )3‬‬
‫وقال ابن تيمية‪ :‬الغرر هو المجهول العاقبة‪ .‬وقال ابن القيم‪ :‬هو ما ل يقدر على تسليمه‪ ،‬سواء أكان‬
‫موجودا أو معدوما كبيع العبد البق‪ ،‬والبعير الشارد‪ ،‬وإن كان موجودا (‪. )4‬‬
‫وقال ابن حزم‪:‬ما ل يدري المشتري ما اشترى‪ ،‬أو البائع ما باع (‪. )5‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن بيع الغرر‪ :‬هو البيع الذي يتضمن خطرا يلحق أحد المتعاقدين‪ ،‬فيؤدي إلى ضياع ماله‬
‫(‪ . )6‬وعرفه الستاذ الزرقاء فقال‪ :‬هو بيع الشياء الحتمالية غير المحققة الوجود أو الحدود‪ ،‬لما فيه‬
‫من مغامرة وتغريريجعله أشبه بالقمار‪ .‬والغرر الذي يبطل البيع‪ :‬هو غرر الوجود‪ :‬وهوكل ما كان‬
‫المبيع فيه محتملً للوجود والعدم‪ .‬أما غرر الوصف فمفسد للبيع (‪ ، )7‬كما عرفنا في شرائط الصحة‪.‬‬
‫الغرر إذن‪ :‬هو الخطر بمعنى أن وجوده غير متحقق‪ ،‬فقد يوجد وقد ل يوجد‪ .‬وبيع الغرر‪ :‬بيع ما ل‬
‫يعلم وجوده وعدمه‪ ،‬أو ل تعلم قلته وكثرته‪ ،‬أو ل يقدر على تسليمه‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬الفروق‪ 3 :‬ص ‪.265‬‬
‫(‪ )2‬المهذب‪ 1 :‬ص ‪.262‬‬
‫(‪ )3‬نهاية السول شرح منهاج الصول‪ 2 :‬ص ‪.89‬‬
‫(‪ )4‬أعلم الموقعين‪ 2 :‬ص ‪ ،9‬الفتاوى لبن تيمية‪ 3 :‬ص ‪.275‬‬
‫(‪ )5‬المحلى‪.396/8 :‬‬
‫(‪ )6‬أصول البيوع الممنوعة‪ :‬ص ‪.130‬‬
‫(‪ )7‬المدخل الفقهي العام له‪ 1 :‬ص ‪ ،97‬عقد البيع له أيضا‪ ،‬حاشية ص ‪.20‬‬

‫( ‪)5/95‬‬

‫ملحظات على التعاريف‪ :‬قصر الظاهرية الغرر على المجهول‪ ،‬وقصره بعض الحنفية على ما ل‬
‫يدرى حصوله‪ ،‬وأخرجوا عنه المجهول‪ ،‬والراجح عند أكثر الفقهاء أن الغرر يشمل ما ل يدرى‬
‫حصوله‪ ،‬والمجهول (‪ ، )1‬فيكون تعريف السرخسي للغرر هو أرجح التعاريف‪ :‬وهو ماكان مستور‬
‫العاقبة‪.‬‬
‫حكم بيع الغرر‪ :‬قال المام النووي‪ :‬النهي عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل‬
‫كثيرة جدا‪ .‬ويستثنى من بيع الغرر أمران‪:‬‬
‫أحدهما ـ ما يدخل في المبيع تبعاً‪ ،‬بحيث لو أفرد‪ ،‬لم يصح بيعه كبيع أساس البناء تبعا للبناء‪ ،‬واللبن‬
‫في الضرع تبعا للدابة‪.‬‬
‫والثاني ـ ما يتسامح بمثله عادة‪ ،‬إما لحقارته‪ ،‬أو للمشقة في تمييزه أو تعيينه‪ ،‬كدخول الحمام بالجر‪،‬‬
‫مع اختلف الناس في الزمان‪ ،‬ومقدار الماء المستعمل‪ ،‬وكالشرب من الماء المحرز‪ ،‬وكالجبة‬
‫المحشوة قطنا (‪. )2‬‬
‫اتفق الفقهاء على عدم صحة بيع الغرر‪ ،‬مثل بيع اللبن في الضرع‪ ،‬والصوف على الظهر‪ ،‬واللؤلؤ‬
‫في الصدف‪ ،‬والحمل في البطن‪ ،‬والسمك في الماء‪ ،‬والطير في الهواء قبل صيدهما‪ ،‬وبيع مال الغير‬
‫على أن يشتريه فيسلمه‪ ،‬أي بيع ما سيملكه قبل ملكه له‪ ،‬لن البائع باع ما ليس بمملوك له في الحال‪،‬‬
‫سواء أكان السمك في البحر‪ ،‬أم في النهر‪ ،‬أم في حظيرة ل يؤخذ منها إل باصطياد‪ ،‬وسواء أكان‬
‫الغرر في المبيع أم في الثمن‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع رسالة الغرر وأثره في العقود‪ :‬ص ‪ 33‬ومابعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬المجموع‪ 9 :‬ص ‪ 280‬ومابعدها‪ ،‬نيل الوطار‪ 5 :‬ص ‪ ،148‬قواعد الحكام للعز بن عبد السلم‪:‬‬
‫‪.76/2‬‬

‫( ‪)5/96‬‬

‫ومن البيوع غير الصحيحة بسبب الغرر‪ :‬بيع المضامين والملقيح‪ ،‬وبيع الملمسة والمنابذة والحصاة‬
‫(‪ ، )1‬وبيع ضربة القانص (بأن يقول البائع‪ :‬بعتك ما يخرج من إلقاء هذه الشبكة مرة‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬سبق شرح المضامين والملقيح‪ ،‬وأما بيع الملمسة‪ :‬فهو مثل بعتك ثوبي هذا على أنك متى‬
‫لمسته‪ ،‬أو إن لمسته‪ ،‬أو أي ثوب من هذه الثواب لمسته‪ ،‬فهو لك‪ .‬وبيع المنابذة مثل‪ :‬إن أو متى‬
‫نبذت هذا‪ ،‬أو أي ثوب نبذته لك (أي طرحته) فهو لك بكذا‪ .‬وبيع الحصاة الذي يشبه بيع اليانصيب‬
‫اليوم‪ ،‬كأن يقول‪ :‬ارم بهذه الحصاة‪ ،‬فعلى أي ثوب وقعت فهو لك‪ ،‬أو بعتك من هذه الرض ما انتهت‬
‫إليه الحصاة في الرمي‪ .‬ولفظ الغرر يشملها‪ ،‬إل أنها أفردت في الحديث بالنهي كما سنلحظ‪ ،‬لكونها‬
‫كانت مما يبتاعها أهل الجاهلية‪( .‬سبل السلم‪ 3 :‬ص ‪ ،15‬غاية المنتهى‪ 2 :‬ص ‪ )11‬وفسر الحنفية‬
‫هذه البيوع الثلثة تفسيرا يشعر بأن اللمس أمارة على لزوم البيع‪ ،‬سواء أكان المشتري عالما بالمبيع‬
‫أم جاهلً به‪ ،‬في حين أن مفهوم بيع الملمسة عند المحدثين هو أن اللمس يقوم مقام نظر السلعة إذا‬
‫احتاج المر إلى ذلك كالثوب‪ ،‬قال المرغيناني‪ :‬هي أن يتراوض الرجلن على سلعة (أي يتساومان)‬
‫فإذا لمسها المشتري‪ ،‬أو نبذها إليه البائع‪ ،‬أو وضع المشتري عليها حصاة‪ ،‬لزم المبيع‪ ،‬فالول بيع‬
‫الملمسة‪ ،‬والثاني‪ :‬المنابذة‪ ،‬والثالث‪ :‬إلقاء الحجر أي بيع الحصاة (راجع فتح القدير‪ 5 :‬ص ‪.)196‬‬

‫( ‪)5/97‬‬

‫بكذا) وضربة الغائص (بأن يقول‪ :‬أغوص غوصة‪ ،‬فما أخرجته من الللئ‪ ،‬فهو لك بكذا) (‪ )2‬فالمبيع‬
‫في النواع الخمسة الخيرة مجهول الذات أو المقدار‪ ،‬وقد ثبت النهي عنها‪ ،‬وهي من بيوع الجاهلية‪.‬‬
‫ومنها بيع المزابنة‪ :‬وهو بيع الرطب أو العنب على النخل أو الكرمة بتمر مقطوع‪ ،‬أوزبيب مثل كيله‬
‫خرصا أي بتقديره حَزْرا أو تخمينا‪ .‬وبيع المحاقلة‪ :‬أي بيع الحنطة في سنبلها بحنطة مثل كيلها‬
‫خرصا‪ ،‬لن النبي صلّى ال عليه وسلم «نهى عن المزابنة والمحاقلة» (‪ )3‬لما في ذلك من الربا‬
‫لجهالة مقدار المبيع‪ ،‬إذ أنه كما هو معلوم يشترط‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )2‬الصائد باللة هو القانص سواء في البر أو البحر‪ .‬وأما من يغوص في البحر لستخراج الللئ‬
‫ل فهو الغائص‪ ،‬وقد ورد النهي عن ضربة الغائص في حديث أبي سعيد الخدري (نيل الوطار‪:‬‬
‫مث ً‬
‫‪.)148/5‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد ال وأبي سعيد الخدري‪ ،‬وأخرجه البخاري أيضا‬
‫من حديث ابن عباس‪ ،‬وأنس‪ .‬وأخرجه مسلم أيضا من حديث أنس (راجع نصب الراية‪ 4 :‬ص ‪12‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬نيل الوطار‪ 5 :‬ص ‪ 198‬ومابعدها)‪.‬‬

‫( ‪)5/98‬‬

‫التماثل حقيقة في بيع الموال الربوية‪ .‬لكن للحاجة رخص الشافعية والحنابلة والظاهرية‪ ،‬وفي الراجح‬
‫عند المالكية بيع العرايا (‪ : )1‬وهو عند الشافعية بيع الرطب على النخل خرصا بتمر في الرض‬
‫كيلً‪ ،‬أو بيع العنب على الشجر خرصا بزبيب في الرض كيلً‪ ،‬فيما دون خمس أوسق (‪ )2‬بشرط‬
‫التقابض في المجلس عند الفقهاء ما عدا المالكية‪ ،‬لن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى عن بيع الثمر‬
‫بالتمر‪ ،‬ورخص في العرايا (‪ . )3‬وأما الحنفية فقد أجازوا بيع العرايا للضرورة فقط‪ ،‬وذكر الشوكاني‬
‫أن أبا حنيفة منع صور بيع العرايا كلها‪ ،‬وقصر العرية على الهبة‪ :‬وهي أن يهب صاحب البستان‬
‫لرجل ثمر نخلت معلومة من بستانه‪ ،‬ثم يتضرر بدخوله عليه‪ ،‬فيخرصها‪ ،‬ويشتري رطبها منه بقدر‬
‫خرصه بتمر معجل أي بقدر ما وهبه له من الرطب بما يساويه تخمينا من التمر (‪. )4‬‬
‫ويلحظ أن هذه البيوع غير الصحيحة بسبب الغرر‪ ،‬منها الباطل‪ ،‬ومنها الفاسد في اصطلح الحنفية‪،‬‬
‫والفاسد منها فقط‪ :‬هو بيع ضربة القانص والغائص والمزابنة والمحاقلة والملمسة والمنابذة وبيع‬
‫الحصاة‪ ،‬وبيع ثوب من أثواب ونحوها‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬العرايا‪ :‬جمع عَرِيّة‪ ،‬والعرية‪ :‬النخلة المعراة والتي أكل ما عليها‪ ،‬وهي في الصل‪ :‬عطية ثمر‬
‫النخل دون الرقبة‪ ،‬وقال الجوهري‪ :‬هي النخلة التي يعريها (أي يعطيها) صاحبها رجلً محتاجا بأن‬
‫يجعل له ثمرها عاما‪ ،‬من عراه‪ :‬إذا قصده‪ .‬وتكون العرية في اللغة‪ :‬هي الشجرة التي يفردها مالكها‬
‫للكل ‪ ،‬سميت بذلك لنها عريت عن حكم جميع أشجار البستان‪.‬‬
‫(‪ )2‬الوسق‪ :‬ستون صاعا بصاع النبي صلّى ال عليه وسلم والخمسة أوسق تساوي ‪ 257‬رطلً شاميا‬
‫أي قنطارين ونصف تقريبا أو ‪ 653‬كغ‪ .‬وقد قصر الحنابلة والظاهرية بيع العرايا على ثمر النخل‬
‫دون العنب‪ ،‬وأجازه مالك في كل ماييبس ويدخر كالجوز واللوز والتين‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري ومسلم من حديث سهل بن أبي حثمة‪ ،‬وأخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة‬
‫أن رسول ال صلّى ال عليه وسلم رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق (شك من الراوي)‬
‫والمقصود من بيع الثمر بالتمر أي بيع ثمر النخلة الجديد بالتمر القديم (راجع نصب الراية‪ 4 :‬ص‬
‫‪ ،13‬نيل الوطار‪ 5 :‬ص ‪.)200‬‬
‫(‪ )4‬نيل الوطار‪5 :‬ص ‪ ،201‬مختصر الطحاوي‪ :‬ص ‪.78‬‬

‫( ‪)5/99‬‬

‫مما فيه جهالة‪ .‬وأما ما عداها فهو باطل (‪ . )1‬فبيع الملقيح والمضامين وحبل الحبلة باطل‪ ،‬لنهيه‬
‫صلّى ال عليه وسلم عنه‪ ،‬ولما فيه من الغرر‪ ،‬كما تقدم في بحث بيع المعدوم‪.‬‬
‫والدليل على عدم صحة بيع الغرر في الجملة‪ :‬هو أن النبي صلّى ال عليه وسلم نهى عن بيع‬
‫الحصاة‪ ،‬وعن بيع الغرر‪ .‬وعن ابن مسعود أن النبي صلّى ال عليه وسلم قال‪ « :‬لتشتروا السمك في‬
‫الماء‪ ،‬فإنه غرر » (‪ ، )2‬ولنه غير مقدور على تسليمه‪ ،‬وفيه جهالة فاحشة بمحل العقد أو بمقدار‬
‫المبيع‪ ،‬ولنه غير مملوك للبائع محل العقد‪.‬‬
‫الغرر اليسير‪ :‬الغرر والجهالة ثلثة أقسام (‪ : )3‬كثير ممتنع إجماعا كالطير في الهواء‪ .‬وقليل جائز‬
‫إجماعا كأساس الدار وقطن الجبة‪ .‬ومتوسط اختلف فيه‪ :‬هل يلحق بالول أو بالثاني‪ ،‬فلرتفاعه عن‬
‫القليل ألحق بالكثير‪ ،‬ولنحطاطه عن الكثير‪ ،‬ألحق بالقليل‪ .‬أجاز الحنفية بيع مايشتمل على غرر‬
‫يسير‪ ،‬كالشياء التي تختفي في قشرها كالجوز واللوز والفستق والباقلء (‪ )4‬الخضر‪ ،‬والرز‬
‫والسمسم في قشرها العلى‪ ،‬والحنطة في سنبلها‪ ،‬والبطيخ والرمان على أن يكون للمشتري خيار‬
‫الرؤية كما سيأتي بيانه في بحث هذا الخيار‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬التبس على بعض المؤلفين أن بيع الطير في الهواء والسمك في الماء قبل الصطياد بيع فاسد‬
‫عند الحنفية‪ ،‬والتحقيق أنه باطل‪ ،‬لنه بيع شيء غير مملوك في الحال ( راجع رد المحتار‪4 :‬ص‬
‫‪ 111‬ومابعدها‪ ،‬وقارن اللباب شرح الكتاب‪2 :‬ص ‪ ،25‬الغرر وأثره في العقود‪ :‬ص ‪.) 347‬‬
‫(‪ )2‬سبق قريبا تخريج هذين الحديثين‪.‬‬
‫(‪ )3‬الفروق‪.265/3 :‬‬
‫(‪ )4‬هو الفول الخضر أي ونحوه‪.‬‬

‫( ‪)5/100‬‬

‫أما المالكية والحنابلة‪ :‬فأجازوا مطلقا كل مافيه غرر يسير‪ ،‬أو التي تدعو إليه الضرورة‪ ،‬كهذه الشياء‬
‫التي ذكرت‪.‬‬
‫وأما الشافعية‪ :‬فإنهم أجازوا بيع هذه الشياء في قشرها السفل‪ .‬أما بيعها بقشرها العلى فاختلفوا فيه‬
‫على رأيين مشهورين في المذهب‪ ،‬رجح النووي والبغوي والشيرازي عدم الصحة‪ .‬وقال إمام‬
‫الحرمين والغزالي‪ :‬الصح صحته؛ لن الشافعي رضي ال عنه أمر أن يشترى له الباقلء الرطب‪،‬‬
‫ولتعارف ذلك في جميع البلدان من غير إنكار (‪. )1‬‬
‫وإني أرجح جواز بيع هذه الشياء مطلقا كما رأى المالكية والحنابلة لتعارف الناس هذه البيوع‪ ،‬فإذا‬
‫وجد فيها عيب أمكن فسخ العقد بمقتضى خيار العيب‪.‬‬
‫حكم التأمين مع شركات التأمين في السلم‬
‫التأمين حديث النشأة ‪ ،‬فقد ظهر بمعناه الحقيقي في القرن الرابع عشر الميلدي في إيطاليا في صورة‬
‫التأمين البحري‪ .‬والتأمين ( أو السوكرة ) نوعان‪ :‬تأمين تعاوني وتأمين بقسط ثابت (‪. )2‬‬
‫أما التأمين التعاوني‪ :‬فهو أن يتفق عدة أشخاص على أن يدفع كل منهم اشتراكا معينا‪ ،‬لتعويض‬
‫الضرار التي قد تصيب أحدهم إذا تحقق خطر معين‪ .‬وهو قليل التطبيق في الحياة العملية‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬راجع مذاهب الفقهاء في الغرر‪ :‬المبسوط‪ 12 :‬ص ‪ 194‬ومابعدها‪ ،‬تبيين الحقائق‪4 :‬ص ‪45‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬فتح القدير‪ 5 :‬ص ‪ 191 ،106‬ومابعدها‪ ،‬البدائع‪ 5 :‬ص ‪ 147‬ومابعدها‪ ،294 ،‬رد‬
‫المحتار والدر المختار‪ 4 :‬ص ‪ ،114-111‬المنتقى على الموطأ‪5 :‬ص ‪ ،41‬بداية المجتهد‪ 2 :‬ص‬
‫‪ ،158 ،156 ،151‬الشرح الكبير للدردير‪3 :‬ص ‪ ،60-55‬القوانين الفقهية‪ :‬ص ‪ 256‬ومابعدها‪،‬‬
‫الفروق للقرافي‪1 :‬ص ‪ 150‬ومابعدها‪ ،‬مغني المحتاج‪2 :‬ص ‪ ،93 ،90 ،31‬المهذب ‪ 1 :‬ص ‪263‬‬
‫ومابعدها‪ ،‬المجموع‪9 :‬ص ‪ ،335 ،374 ،281‬المغني‪4 :‬ص ‪ ،201 ،92 ،56‬تنوير الحوالك شرح‬
‫الموطأ‪2 :‬ص ‪ 125‬ومابعدها‪ ،‬نيل الوطار‪5 :‬ص ‪ 200 ،147‬ومابعدها‪ ،‬سبل السلم‪3 :‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ )2‬التأمين في القانون المصري والمقارن للدكتور عبد المنعم البدراوي‪ :‬ص ‪ 36‬ومابعدها‪.‬‬

‫( ‪)5/101‬‬
‫وأما التأمين بقسط ثابت‪ :‬فهو أن يلتزم المؤمّن له بدفع قسط محدد إلى المؤمّن‪ :‬وهو شركة التأمين‬
‫المكونة من أفراد المساهمين‪ ،‬يتعهد ( أي المؤمن ) بمقتضاه دفع أداء معين عند تحقق خطر معين‪.‬‬
‫وهو النوع السائد الن‪ .‬ويدفع العوض إما إلى مستفيد معين أو إلى شخص المؤمن أو إلى ورثته‪ ،‬فهو‬
‫عقد معاوضة ملزم للطرفين‪.‬‬
‫والفرق بين النوعين‪ :‬أن الذي يتولى التأمين التعاوني ليس هيئة مستقلة عن المؤمن لهم‪ ،‬وليسعى‬
‫أعضاؤه إلى تحقيق ربح‪ ،‬وإنما يسعون إلى تخفيف الخسائر التي تلحق بعض العضاء‪ .‬أما التأمين‬
‫بقسط ثابت فيتوله المؤمن ( أي الشركة المساهمة ) الذي يهدف إلى تحقيق ربح‪ ،‬على حساب‬
‫المشتركين المؤمن لهم‪ .‬وكون المؤمن له قد ليأخذ شيئا في بعض الحيان ليخرج التأمين من عقود‬
‫المعاوضات‪ ،‬لن من طبيعة العقد الحتمالي أل يحصل فيه أحد العاقدين على العوض أحيانا‪.‬‬

‫( ‪)5/102‬‬

‫حكم التأمين التعاوني‪ :‬لشك في جواز التأمين التعاوني في السلم‪ ،‬لنه يدخل في عقود التبرعات‪،‬‬
‫ومن قبيل التعاون على البر؛ لن كل مشترك يدفع اشتراكه بطيب نفس لتخفيف آثار المخاطر وترميم‬
‫الضرار التي تصيب أحد المشتركين‪ ،‬أيا كان نوع الضرر‪ ،‬سواء في التأمين على الحياة‪ ،‬أو‬
‫الحوادث الجسمانية‪ ،‬أو على الشياء (بسبب الحريق أو السرقة أو موت الحيوان) أو ضد المسؤولية‬
‫من حوادث السير‪ ،‬أو حوادث العمل (‪ ، )1‬ويجوز أيضا للمؤمن له التأمين اللزامي كالتأمين‬
‫المفروض على السيارات ضد الغير‪ ،‬وتجوز التأمينات الجتماعية ضد العجز والشيخوخة والمرض‬
‫والتقاعد ‪.‬‬
‫التأمين بقسط ثابت ـ فتوى ابن عابدين‪ :‬أفتى ابن عابدين بحرمة التأمين البحري (‪ ، )2‬لضمان ما قد‬
‫يهلك من البضائع المستوردة بطريق النقل البحري‪ ،‬بالمراكب‪ ،‬فل يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من‬
‫مال المؤمّن لسباب ثلثة‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن هذا العقد التزام ما ل يلزم‪ ،‬لعدم وجود سبب شرعي من أسباب الضمان الربعة وهي‬
‫العدوان من قتل وهدم وإحراق ونحوها‪ ،‬وتسبب التلف كحفر بئر بدون ترخيص في الطريق العام‪،‬‬
‫ووضع اليد غير المؤتمنة كالغصب والسرقة وبقاء المبيع في يد البائع‪ ،‬والكفالة‪ .‬وليس المؤمّن متعديا‪،‬‬
‫ول متسببا في التلف‪ ،‬ول واضع يد على المؤمن عليه‪ ،‬وليس في التأمين مكفول معين‪.‬‬
‫‪ - 2‬ليس التأمين من قبيل تضمين الوديع إذا أخذ أجرا على الوديعة إذا هلكت‪ :‬لن المال ليس في يد‬
‫المؤمن‪ ،‬بل في يد صاحب المركب‪ ،‬ولو كان صاحب المركب هو المؤمن‪ ،‬فإنه يكون أجيرا مشتركا‪،‬‬
‫ل وديعا‪ ،‬وكل من الوديع والجير المشترك ل يضمن ما ل يمكن الحتراز عنه‪ ،‬كالموت والغرق‬
‫والحرق الغالب‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر الغرر وأثره في العقود للدكتور الصدّيق محمد المين الضرير‪ :‬ص ‪ 521‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬رد المحتار‪ 273/3 :‬ومابعدها ـ فصل في استئمان الكافر الحربي‪.‬‬

‫( ‪)5/103‬‬

‫‪ - 3‬ليس التأمين من قبيل تضمين التغرير‪ :‬لن الغارّ ل بد من أن يكون عالما بالخطر‪ ،‬وأن يكون‬
‫المغرور جاهلً به غير عالم‪ .‬والمؤمن (شركة التأمين أو الضمان) ل يقصد تغرير التجار (المؤمن‬
‫ل ـ هل يكون أو ل‪ ،‬أي ل يعلم‪ :‬هل تغرق المركب أو‬
‫لهم)‪ ،‬ول يعلم بحصول الخطر ـ الغرق مث ً‬
‫ل؟‬
‫أما في حال العلم بالخطر من المؤمن والتاجر كالخطر من اللصوص قطاع الطرق‪ ،‬فيجوز الضمان‪،‬‬
‫ولكن ليس التأمين منطبقا عليها‪ .‬فلو قال شخص لخر‪ :‬اسلك هذا الطريق‪ ،‬فإن كان مخوفا وأخذ‬
‫مالك‪ ،‬فأنا ضامن ‪ :‬ضمن‪.‬‬
‫وأضاف ابن عابدين‪ :‬أنه إن جرى عقد التأمين الفاسد في بلد الحرب بين المؤمّن وشريك حربي غير‬
‫مسلم للمؤمن له‪ ،‬أو بين التاجر المؤمن له الموجود في دار الحرب وبين المؤمّن‪ ،‬وأخذ بدل الهالك‪،‬‬
‫وأرسله في الحالة الولى إلى التاجر المسلم‪ ،‬أو قبض التاجر البدل في بلدنا في الحالة الثانية‪،‬‬
‫فالظاهر أنه يحل للتاجر أخذه؛ لن العقد الفاسد جرى بين حربيين في بلد الحرب‪ ،‬وقد وصل إلى‬
‫التاجر مالهم برضاهم‪ ،‬فل مانع من أخذه‪ .‬أما إن كان العقد في بلدنا‪ ،‬والقبض في بلد الحرب‪ ،‬فل‬
‫يحل أخذ البدل‪ ،‬ولو برضا الحربي‪ ،‬لنبنائه على العقد الفاسد الصادر في بلد السلم‪.‬‬
‫ول يصح اعتبار التأمين من قبيل شركة المضاربة التي هي مال من طرف وعمل من طرف آخر‪،‬‬
‫لسببين‪ :‬أولهما ـ أن القساط التي يدفعها المؤمّن له تدخل في ملك شركة التأمين (المؤمّن)‪ ،‬وهي‬
‫مطلقة اليد في أن تتصرف بها كيفما تشاء‪ .‬ويخسرها المؤمن له إن لم يقع الحادث‪.‬‬

‫( ‪)5/104‬‬

‫ثانيهما ـ أن شرط صحة المضاربة أن يكون الربح بين صاحب المال والقائم بالعمل شائعا بالنسبة‬
‫كالربع أو الثلث‪ ،‬وفي التأمين يشترط للمشترك المؤمن له قدر معين في الربح ‪ %3‬أو ‪ %4‬فتكون‬
‫هذه المضاربة غير صحيحة‪ .‬ولو تجاوز العاقد هذا السبب‪ ،‬يظل السبب الول‪ ،‬كما أنه في حال موت‬
‫المؤمن له قد ل يذهب المبلغ المؤمن عليه للورثة مطلقا وإنما للمستفيد‪ ،‬بخلف حال موت رب المال‬
‫في المضاربة‪.‬‬
‫ول يصح اعتبار التأمين من قبيل الضمان أو الكفالة‪ ،‬لنه ليس واحدا من أسباب الضمان الربعة‬
‫المشروعة المتقدمة‪ ،‬كما أنه في كثير من صور عقد التأمين ل يوجد فيه ما يمكن أن يعتبر مكفولً‪،‬‬
‫وإن وجد المكفول كما في التأمين من حوادث السيارات‪ ،‬فهو مجهول‪.‬‬
‫والحقيقة أن عقد التأمين من عقود الغرر ـ العقود الحتمالية المترددة بين وجود المعقود عليه‬
‫وعدمه‪ ،‬وقد نهى الرسول صلّى ال عليه وسلم عن بيع الغرر‪ .‬ويقاس عليه عقود المعاوضات المالية‪،‬‬
‫فيؤثر الغرر فيها كما يؤثر في عقد البيع‪ .‬وعقد التأمين مع الشركات من عقود المعاوضات المالية‪،‬‬
‫فيؤثر فيه الغرر‪ ،‬كما يؤثر في سائر عقود المعاوضات المالية‪ .‬وقد وضعه رجال القانون تحت عنوان‬
‫«عقود الغرر» ؛ لن التأمين ل يكون إل من حادث مستقبل غير محقق الوقوع‪ ،‬أو غير معروف‬
‫وقوعه‪ ،‬فالغرر عنصر لزم لعقد التأمين‪.‬‬
‫والغرر في التأمين كثير‪ ،‬ل يسير‪ ،‬ول متوسط‪ ،‬لن من أركان التأمين‪« :‬الخطر» والخطر هو حادث‬
‫محتمل ل يتوقف على إرادة العاقدين (‪. )1‬‬
‫والحاجة التي من أجلها يجوز العقد المشتمل على الغرر ولو كان كثيرا‪( :‬وهي أن يصل المرء إلى‬
‫حالة بحيث لو لم يتناول الممنوع يكون في جهد ومشقة‪ ،‬ولكنه ل يهلك) (‪ )2‬يشترط فيها أن تكون‬
‫عامة‪ ،‬أو خاصة بفئة‪ ،‬وأن تكون متعينة‪.‬‬
‫والحاجة العامة‪ :‬هي ما يكون الحتياج فيها شاملً لجميع الناس‪ .‬والحاجة الخاصة‪ :‬هي ما يكون‬
‫الحتياج فيها خاصا بطائفة من الناس كأهل بلد‪ ،‬أو حرفة‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬انظر الغرر وأثره في العقود للدكتور الصدّيق محمد المين الضرير‪ :‬ص ‪.661 ،656‬‬
‫(‪ )2‬الشباه والنظائر للسيوطي‪ :‬ص ‪ ،77‬القاعدة الرابعة‪.‬‬

‫( ‪)5/105‬‬

‫ومعنى كون الحاجة متعينة‪ :‬أن تسد جميع الطرق المشروعة للوصول للغرض‪ ،‬سوى ذلك العقد الذي‬
‫فيه الغرر‪.‬‬
‫ولو سلمنا بوجود حاجة عامة للتأمين في الوقت الحاضر‪ ،‬فإن الحاجة إليه غير متعينة‪ ،‬إذ يمكن‬
‫تحقيق الهدف منه بطريق التأمين التعاوني القائم على التبرع‪ ،‬وإلغاء الوسيط المستغل لحاجة الناس‬
‫الذي يسعى إلى الربح‪ ،‬وهو شركة الضمان‪ .‬فيكون التأمين عقد معاوضة مشتملً على غرر كثير من‬
‫غير حاجة‪ ،‬فيمنع في السلم‪.‬‬
‫وبناء عليه ل يحل للتاجر وغيره من المستأمنين أخذ بدل الهالك من مال السوكرة؛ لنه مال ل يلزم‬
‫من التزم به‪ ،‬ولن اشتراط الضمان على المين باطل‪.‬‬
‫التأمين وإعادة التأمين‬
‫تعريف عقد التأمين‪ :‬عرّف القانون المصري (م ‪ )747‬والقانون السوري (م ‪ )713‬وغيرهما التأمين‬
‫بأنه «عقد يلتزم المؤمّن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمّن له ـ المستأمن ـ أو إلى المستفيد الذي اشترط‬
‫التأمين لصالحه مبلغا من المال‪ ،‬أو إيرادا مرتبا‪ ،‬أو أي عوض مالي آخر‪ ،‬في حالة وقوع الحادث‪ ،‬أو‬
‫تحقق خطر مبين في العقد‪ ،‬وذلك في مقابل قسط‪ ،‬أو أية دفعة أخرى يؤديها المؤمّن له إلى المؤمّن» ‪.‬‬
‫يظهر من هذا التعريف اتجاهه إلى بيان عقد التأمين التجاري التبادلي الذي يقوم بين عاقدين‪ :‬المؤمّن‬
‫وهو شركة التأمين‪ ،‬والمستأمن وهو المتعامل مع الشركة‪ ،‬مقابل قسط ثابت هو قسط التأمين وأخذ‬
‫عوض هو عوض التأمين عند حصول الخطر أو الحادث المؤمن عليه‪ ،‬وهو من العقود الحتمالية‬
‫وعقود المعاوضات المالية‪ .‬لكن ليلزم في العقد الحتمالي الحصول على العوض أحيانا‪ ،‬وليس‬
‫العوض تبرعا من المؤمن‪.‬‬

‫( ‪)5/106‬‬

‫ويتبين من التعريف أيضا أن التأمين من عقود الغرر‪ ،‬إذ ل يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي كل من‬
‫العاقدين أو يأخذ‪ ،‬فقد يدفع المستأمن قسطا واحدا من القساط‪ ،‬ثم يقع الحادث‪ ،‬وقد يدفع جميع‬
‫القساط‪ ،‬ول يقع الحادث‪.‬‬
‫وهو كذلك عقد من عقود التراضي‪ ،‬وملزم للطرفين‪ ،‬ومن عقود المدة‪ ،‬فل بد من زمن لتنفيذ‬
‫التزامات الطرفين‪ ،‬وعقد من عقود الذعان؛ لن المستأمن يخضع لشروط وقيود محددة سلفا من قبل‬
‫شركات التأمين‪.‬‬
‫أنواع التأمين ‪:‬‬
‫التأمين من حيث الشكل نوعان‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬تأمين تعاوني‪ :‬وهوأن يشترك مجموعة من الشخاص بدفع مبلغ معين‪ ،‬ثم يؤدى من‬
‫الشتراكات تعويض لمن يصيبه ضرر‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬تأمين تجاري أو التأمين ذو القسط الثابت‪ ،‬وهو المراد عادة عند إطلق كلمة التأمين‪ ،‬وفيه يلتزم‬
‫المستأمن بدفع قسط معين إلى شركة التأمين القائمة على المساهمة‪ ،‬على أن يتحمل المؤمّن (الشركة)‬
‫تعويض الضرر الذي يصيب المؤمّن له أو المستأمن‪ .‬فإن لم يقع الحادث َفقَد المستأمن حقه في‬
‫القساط‪ ،‬وصارت حقا للمؤمّن‪.‬‬
‫وهذا النوع ينقسم من حيث موضوعه إلى‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬تأمين الضرار‪ :‬وهو يتناول المخاطر التي تؤثر في ذمة المؤمّن له‪ ،‬لتعويضه عن الخسارة‬
‫التي تلحقه‪ .‬وهذا يشمل‪:‬‬
‫التأمين من المسؤولية‪ :‬وهو ضمان المؤمّن له ضد مسؤوليته عن الغير الذي أصيب بضرر‪ ،‬مثل‬
‫حوادث السير‪ ،‬والعمل‪.‬‬
‫والتأمين على الشياء‪ :‬وهو تعويض المؤمّن له عن الخسارة التي تلحقه في ماله‪ ،‬بسبب السرقة أو‬
‫الحريق أو الفيضان‪ ،‬أو الفات الزراعية ونحو ذلك‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬وتأمين الشخاص‪ :‬وهو يشمل‪:‬‬
‫التأمين على الحياة‪ :‬وهو أن يلتزم المؤمّن بدفع مبلغ لشخص المستأمن أو للورثة عند الوفاة‪ ،‬أو‬
‫الشيخوخة‪ ،‬أو المرض أو العاهة‪ ،‬بحسب مقدار الصابة‪ .‬والتأمين من الحوادث الجسمانية‪ :‬وهو أن‬
‫يلتزم المؤمّن بدفع مبلغ معين إلى المؤمن له في حالة إصابته أثناء المدة المؤمن فيها بحادث جسماني‪،‬‬
‫أو إلى مستفيد آخر إذا مات المستأمن‪.‬‬

‫( ‪)5/107‬‬

‫والتأمين من حيث العموم والخصوص ينقسم إلى قسمين‪:‬‬


‫ً‪ - 1‬تأمين خاص أو فردي‪ :‬خاص بشخص المستأمن من خطر معين‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬تأمين اجتماعي أو عام‪ :‬يشمل مجموعة من الفراد يعتمدون على كسب عملهم‪ ،‬من أخطار‬
‫معينة‪ ،‬كالمرض والشيخوخة والبطالة والعجز‪ ،‬وهذا في الغالب يكون إجباريا‪ ،‬ومنه التأمينات‬
‫الجتماعية‪ ،‬والصحية والتقاعدية‪.‬‬
‫موقف الفقه السلمي من التأمين ‪:‬‬
‫ل شك كما تبين سابقا في جواز التأمين التعاوني في منظار الفقهاء المسلمين المعاصرين؛ لنه يدخل‬
‫في عقود التبرعات‪ ،‬ومن قبيل التعاون المطلوب شرعا على البر والخير؛ لن كل مشترك يدفع‬
‫اشتراكه بطيب نفس‪ ،‬لتخفيف آثار المخاطر وترميم الضرار التي تصيب أحد المشتركين‪ ،‬أيا كان‬
‫نوع الضرر‪ ،‬سواء في التأمين على الحياة‪ ،‬أو الحوادث الجسدية‪ ،‬أو على الشياء بسبب الحريق أو‬
‫السرقة أو موت الحيوان‪ ،‬أو ضد المسؤولية من حوادث السير‪ ،‬أو حوادث العمل‪ ،‬ولنه ل يستهدف‬
‫تحقيق الرباح‪.‬‬
‫وعلى هذا الساس نشأت شركات التأمين التعاوني في السودان وغيره‪ ،‬ونجحت في مهامها وأعمالها‪،‬‬
‫بالرغم من وصف القانونيين لها بأنها بدائية‪.‬‬
‫كذلك يجوز التأمين الجباري أو اللزامي الذي تفرضه الدولة؛ لنه بمثابة دفع ضريبة للدولة‪،‬‬
‫كالتأمين المفروض على السيارات ضد الغير‪ .‬ول مانع من جواز التأمين الجتماعي ضد طوارئ‬
‫العجز والشيخوخة والمرض والبطالة والتقاعد عن العمل الوظيفي‪ ،‬لن الدولة مطالبة برعاية رعاياها‬
‫في مثل هذه الحوال‪ ،‬ولخلوه من الربا‪ ،‬والغرر‪ ،‬والمقامرة‪.‬‬
‫وقد أجاز مؤتمر علماء المسلمين الثاني في القاهرة عام (‪1385‬هـ‪1965/‬م)‪ ،‬ومؤتمر علماء‬
‫المسلمين السابع عام (‪1392‬هـ‪1972/‬م) كلً من التأمين الجتماعي والتأمين التعاوني‪ ،‬وهو ما قرره‬
‫مجمع الفقه السلمي في مكة المكرمة عام (‪1398‬هـ‪1978/‬م)‪.‬‬

‫( ‪)5/108‬‬

‫أما التأمين التجاري أو التأمين ذو القسط الثابت‪ :‬فهو غير جائز شرعا‪ ،‬وهو رأي أكثر فقهاء العصر‪،‬‬
‫وهو ما قرره المؤتمر العالمي الولي للقتصاد السلمي في مكة المكرمة عام ( ‪1396‬هـ‪/‬‬
‫‪1976‬م )‪ ،‬وسبب عدم الجواز يكاد ينحصر في أمرين‪ :‬هما الغرر والربا‪.‬‬
‫أما الربا‪ :‬فل يستطيع أحد إنكاره ؛ لن عوض التأمين ناشئ من مصدر مشبوه قطعا؛لن كل شركات‬
‫التأمين تستثمر أموالها في الربا‪ ،‬وقد تعطي المستأمن (المؤمّن له) في التأمين على الحياة جزءا من‬
‫الفائدة‪ ،‬والربا حرام قطعا في السلم‪.‬‬
‫والقائلون بجواز عقد التأمين يرفضون صراحة استثمار شركات التأمين في معاملت ربوية‪ ،‬ول‬
‫يقرون للمستأمن أن يقبض شيئا من الفوائد التي تدفعها شركة التأمين‪.‬‬
‫والربا واضح بين العاقدين‪ :‬المؤمّن والمستأمن‪ ،‬لنه ل تعادل ول مساواة بين أقساط التأمين وعوض‬
‫التأمين‪ ،‬فما تدفعه الشركة قد يكون أقل أو أكثر‪ ،‬أو مساويا للقساط‪ ،‬وهذا نادر‪ .‬والدفع متأخر في‬
‫المستقبل‪ .‬فإن كان التعويض أكثر من القساط‪ ،‬كان فيه ربا فضل وربا نسيئة‪ ،‬وإن كان مساويا ففيه‬
‫ربا نسيئة‪ ،‬وكلهما حرام‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إن التأمين التعاقدي قائم على أساس التعاون لجبر الضرر وترميم الضرار والمصائب‪ ،‬فل‬
‫يكون فيه ربا أو شبهة ربا‪ ،‬أجيب بأن المستأمن يقصد أحيانا المراباة‪ ،‬ويبقى الربا قائما في عوض‬
‫التأمين؛ لنه حصيلة الفوائد والمعاملت الربوية‪.‬‬
‫أما الغرر‪ :‬فواضح في التأمين؛ لنه من عقود الغرر‪ :‬وهي العقود الحتمالية المترددة بين وجود‬
‫المعقود عليه وعدمه‪ ،‬وقد ثبت في السنة حديث صحيح‪ ،‬رواه الثقات عن جمع من الصحابة‪« :‬أن‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلم نهى عن بيع الغرر» (‪ . )1‬ويقاس على البيع عقود المعاوضات‬
‫المالية‪ ،‬فيؤثر الغرر فيها‪ ،‬كما يؤثر في عقد البيع‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)5/109‬‬

‫وعقد التأمين مع الشركات من عقود المعاوضات المالية‪ ،‬ل التبرعات‪ ،‬فيؤثر فيه الغرر‪ ،‬كما يؤثر في‬
‫سائر عقود المعاوضات المالية‪ ،‬وقد وضعه رجال القانون تحت عنوان (عقود الغرر) لن التأمين ل‬
‫يكون إل من حادث مستقبل غير محقق الوقوع‪ ،‬أو غير معروف وقوعه‪ ،‬فالغرر عنصر لزم لعقد‬
‫التأمين‪.‬‬
‫والغرر في التأمين في الواقع كثير‪ ،‬ل يسير‪ ،‬ول متوسط؛ لن من أركان التأمين‪ :‬الخطر‪ ،‬والخطر‬
‫حادث محتمل ل يتوقف على إرادة العاقدين‪ .‬والمؤمّن له ل يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما‬
‫يعطي‪ ،‬أو يأخذ‪ ،‬فقد يدفع قسطا واحدا‪ ،‬ويقع الخطر‪ ،‬فيستحق جميع ما التزم به المؤمّن‪ ،‬وقد يدفع‬
‫جميع القساط‪ ،‬ول يقع الخطر‪ ،‬فل يأخذ شيئا‪.‬‬
‫وكذلك حال المؤمّن‪ ،‬ل يعرف عند العقد مقدار ما يأخذ‪ ،‬أو ما يعطي‪ ،‬وإن كان يستطيع إلى حد كبير‬
‫معرفة كل ذلك بالنسبة لجميع المؤمن لهم‪ ،‬بالستعانة بقواعد الحصاء الدقيق وبحث الحوال‬
‫الجتماعية لشخص المستأمن وظروفه وأوضاعه‪.‬‬
‫وما قد يقال من اعتماد شركة التأمين على حسابات دقيقة تنتفي معها صفة الحتمال والغرر والغبن‬
‫في الظروف العادية‪ ،‬ل يبيح التأمين؛ لن انتفاء الغرر بالنسبة للمؤمّن وحده ل يكفي لنتفاء الغرر‬
‫عن عقد التأمين‪ ،‬فل بد من انتفائه بالنسبة للمستأمن أيضا‪ .‬والفقه السلمي ل ينظر إلى مجموع‬
‫العقود التي تبرمها شركات التأمين‪ ،‬وإنما ينظر في الحكم على العقد صحة وفسادا إلى كل عقد على‬
‫حدة‪.‬‬

‫( ‪)5/110‬‬
‫والقول بأنه ل غرر ول احتمال بالنسبة للمستأمن؛ لن محل العقد في التأمين هو المان دون توقف‬
‫على الخطر‪ ،‬وقد حصل عليه عند دفع القسط الول‪ ،‬هو قول باطل؛ لن المان هو الباعث على عقد‬
‫التأمين‪ .‬وليس هو محل العقد‪ ،‬ومحل العقد‪ :‬هو ما يدفعه كل من العاقدين‪ :‬المؤمن والمستأمن‪ ،‬أو ما‬
‫يدفعه أحدهما‪ .‬ولو قلنا‪ :‬إن المان هو المحل‪ ،‬لكان عقد التأمين باطلً؛ لن المحل يلزم أن يكون‬
‫ممكنا غير مستحيل‪ ،‬والمان يستحيل اللتزام به‪.‬‬
‫ومحل عقد المعاوضة‪ ،‬كما تدل الحاديث الناهية عن بيع الثمرة حتى يبدو صلحها‪ ،‬وتأمن العاهة‪،‬‬
‫يجب أن يكون موجودا وقت التعاقد‪ ،‬وأن يكون في حال يمكن معها النتفاع منه على الوجه المقصود‬
‫في العقد أو المعتاد‪ ،‬فإن لم يكن كذلك أو كان معدوما‪،‬ولو محتمل الوجود في المستقبل‪ ،‬فل يجوز‬
‫شرعا‪ ،‬ومحل التأمين احتمالي الوجود؛ إذ هو ما يدفعه كل العاقدين‪ ،‬أو ما يدفعه أحدهما كالتعويض‬
‫الذي يدفعه المؤمن (شركات التأمين) حين وقوع الضرر أو الموت بحسب شروط العقد‪.‬‬
‫والحاجة التي من أجلها يجوز العقد المشتمل على الغرر‪ ،‬ولو كان كثيرا‪(:‬وهي أن يصل المرء إلى‬
‫حالة بحيث لولم يتناول الممنوع يكون في جهد ومشقة‪ ،‬ولكنه ليهلك ) يشترط فيها أن تكون عامة أو‬
‫خاصةبفئة معينة‪ ،‬وأن تكون متعينة‪.‬‬
‫أما الحاجة العامة‪ :‬فهي ما يكون الحتياج فيها شاملً لجميع الناس‪ .‬وأما الحاجة الخاصة‪ :‬فهي ما‬
‫يكون الحتياج فيها خاصا بطائفة من الناس كأهل بلد أو حرفة كما تقدم‪.‬‬
‫ومعنى كون الحاجة متعينة‪ :‬أن تنسد جميع الطرق المشروعة للوصول إلى الغرض‪ ،‬سوى ذلك العقد‬
‫الذي فيه الغرر‪.‬‬

‫( ‪)5/111‬‬

‫ولو سلمنا بوجود الحاجة للتأمين في الوقت الحاضر‪ ،‬فإن الحاجة إلىه غير متعينة؛ إذ يمكن تحقيق‬
‫الهدف منه بطريق التأمين التعاوني القائم على التبرع‪ ،‬وإلغاء الوسيط المستغل لحاجة الناس‪ ،‬والذي‬
‫يسعى إلى الربح‪ ،‬وهو شركة الضمان‪ ،‬فيكون التأمين عقد معاوضة مشتملً على غرر كثير من غير‬
‫حاجة متعينة في السلم‪ ،‬فيمنع‪.‬‬
‫وإذا سلّمنا بكون الحاجة متعينة‪ ،‬جاز التأمين بالقدر الذي يزيل الحاجة فقط‪ ،‬عملً بالقاعدة الشرعية‪( :‬‬
‫الحاجة تقدر بقدرها )‪.‬‬
‫ومما يدل على فساد التأمين‪ :‬أن الغرر المفسد للعقد يشترط فيه أن يكون المعقود عليه أصالة‪ ،‬وهذا‬
‫متحقق في عقد التأمين التجاري‪ .‬ويفهم من اشتمال التأمين على الغرر اشتماله أيضا على الجهالة‪،‬‬
‫والجهالة في البدلين بارزة في التأمين‪ ،‬وهي جهالة مقدار ما يدفعه كل من طرفي العقد (المؤمّن‬
‫والمستأمن) للخر‪ ،‬وهو قابل للكثرة والقلة‪ ،‬بل إن ما يدفعه المؤمن بدلً أو عوضا عن الضرر أو‬
‫الهلك على خطر الوجود‪ ،‬والخطر الذي هو مسوغ العقد قد يقع وقد ل يقع‪ ،‬وكل هذا يجعل الجهالة‬
‫فاحشة كثيرة تؤدي إلى إبطال العقد‪.‬‬
‫ويكون عقد التأمين ممنوعا شرعا لشتماله على فاحش الغرر والجهالة‪ .‬وليؤبه بالعلم بمبلغ كل قسط‬
‫عند حلول ميعاده‪ ،‬فهو صحيح أنه مبلغ معلوم‪ ،‬لكن كمية القساط هي التي فيها الجهالة‪ ،‬ورضا‬
‫المؤمن بدفع التعويض عند وفاة المستأمن أو حدوث حادث له‪ ،‬ضمن مدة محددة بالعقد‪ ،‬مهما بلغ عدد‬
‫القساط قلة وكثرة‪ ،‬ل قيمة له؛ لنه رضا مخالف لقواعد الشرع ونصوصه المانعة من الغرر‪،‬‬
‫كالرضا في القمار أو الزنى ل يحل واحدا منهما‪.‬‬

‫( ‪)5/112‬‬

‫وكون الجهالة فاحشة فإنها توثر في العقد وتبطله‪ ،‬ولو لم تفض إلى المنازعة‪ ،‬أما الجهالة اليسيرة‬
‫غير المفضية إلى النزاع فهي المغتفرة‪ .‬والجهالة في التأمين أفحش مما صوره الفقهاء للجهالة‬
‫الفاحشة المفضية إلى النزاع وإفساد عقد البيع مثلً‪ ،‬كبيع الفجل والجزر في الرض‪ ،‬فهذان موجودان‬
‫في الرض‪ ،‬ولكنهما مجهولن على طريق الظهور والعلم‪ ،‬أما في التأمين فبدل الهلك أو عوض‬
‫التأمين مرجوح الوجود‪ ،‬قد يحدث وقد ل يحدث‪ ،‬وهذا احتمال يضعف مشروعية العقد‪.‬‬
‫لكل ما سبق وغيره من الموانع ل يحل للتاجر وغيره من المستأمنين أخذ بدل الهالك من مال‬
‫(السوكرة) أو التأمين؛ لنه مال ل يلزم من التزم به‪ ،‬كما قال ابن عابدين‪ :‬ولن اشتراط الضمان على‬
‫المين باطل كما قرر فقهاء الحنفية‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬يشتمل التأمين ذي القسط الثابت على خمسة أسباب تجعله حراماً (‪: )1‬‬
‫‪ - ً 1‬الربا‪ :‬ففي عوض التأمين زيادة على القساط المدفوعة بل عوض‪ ،‬وهو ربا‪ ،‬وتستثمر شركات‬
‫التأمين أموالها في أنشطة ربوية‪ ،‬وتحتسب فائدة على المستأمن إذا تأخر في سداد القساط المستحقة‪.‬‬
‫‪ - ً 2‬الغرر‪ :‬إن مقابل التأمين يكون على أمر احتمالي غير ثابت ول محقق الوجود وهذا غرر‪ .‬وقد‬
‫تغرم شركات التأمين مبلغا كبيرا دون مقابل‪ ،‬بناء على الغرر‪.‬‬
‫‪ - ً 3‬الغبن‪ :‬يشتمل التأمين على غبن لعدم وضوح محل العقد‪ ،‬والعلم بالمحل شرط لصحة العقد‪.‬‬
‫‪ - ً 4‬القمار‪ :‬في التأمين مخاطرة لتعريض النفس والمال لفرصة مجهولة‪ ،‬وهذا هو القمار بعينه‪،‬‬
‫والمستأمن يبذل اليسير من المال في انتظار أخذ مبلغ كبير‪ ،‬وهذا قمار‪.‬‬
‫‪ - ً 5‬الجهالة‪ :‬ما يدفعه المستأمن مجهول القدر لكل من العاقدين كما هو واضح في التأمين على‬
‫الحياة‪ ،‬ويتعامل العاقدان بموجب عقد ل يعرف ما يحققه من الربح أو الخسارة‪.‬‬

‫( ‪)5/113‬‬

‫إعادة التأمين أو التأمين المركّب ‪:‬‬


‫إن مبدأ التعاون في التأمين يتحقق بتجزئة المصائب وتوزيع نتائجها على أكبر عدد ممكن‪ ،‬فبقدر ما‬
‫يزداد عدد المستأمنين تزداد تجزئة الضرار وتوزيعها‪ ،‬فهي عملية تفتيت وتشتيت للضرار المؤمن‬
‫منها‪ ،‬ولهذا التشتيت وسائل كثيرة‪ ،‬منها ما يسمى بإعادة التأمين أو التأمين المركب‪ ،‬حيث تلجأ شركة‬
‫التأمين نفسها إلى التأمين مما يلحقها من تعويضات لدى شركات عالمية كبرى‪.‬‬
‫وإعادة التأمين له حكم أصل التأمين‪ ،‬فيجوز لشركات التأمين التعاوني التأمين لدى شركات تعاونية‬
‫أخرى‪ .‬أما إعادة التأمين التجاري فتطبق عليه أحكام التأمين التجاري ذاته‪ ،‬فهو عقد تأمين تجاري‬
‫يكون المستأمن فيه شركات التأمين بدلً من الفراد‪.‬‬
‫وضوابط الغرر المؤثر والمفسد للعقد (وهي كون الغرر في عقد معاوضة‪ ،‬وكونه كثيرا‪ ،‬وكونه‬
‫المعقود عليه أصالة‪ ،‬وأل تدعو إلى العقد حاجة) تقضي بمنع إعادة التأمين‪ ،‬إل إذا دعت إليه الحاجة‬
‫المتعينة‪ ،‬كما ذكرت هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل السلمي في السودان في الفتوى رقم (‪ 16‬و‬
‫‪ ،)17‬أي هل تكون شركات التأمين في مشقة وحرج إذا لم تتعامل مع شركات إعادة التأمين؟‪.‬‬
‫ترى هذه الهيئة وأؤيدها في فتواها جواز إعادة التأمين‪ ،‬لوجود الحاجة المتعينة كما قدر خبراء البنك‬
‫بالشروط التالية التي سموها بالملحوظات والتحفظات‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يقلل ما يدفع لشركة إعادة التأمين إلى أدنى حد ممكن (وهو القدر الذي يزيل الحاجة) عملً‬
‫بقاعدة ( الحاجة تقدر بقدرها )‪ .‬وتقدير ما يزيل الحاجة متروك لخبراء البنك‪.‬‬
‫‪ - 2‬أل تتقاضى شركة التأمين التعاوني عمولة أرباح‪ ،‬ول أية عمولة أخرى من شركة إعادة التأمين‪.‬‬
‫‪ - 3‬أل تحتفظ شركة التأمين التعاوني بأي احتياطات عن الخطار السماوية؛ لن حفظها يترتب عليه‬
‫دفع فائدة ربوية لشركة إعادة التأمين‪.‬‬
‫‪-------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬المعاملت المالية المعاصرة للدكتور علي السالوس‪ :‬ص ‪ 380‬وما بعدها‪.‬‬

‫( ‪)5/114‬‬

You might also like