You are on page 1of 54

‫كلمة حق‬

‫في توسعة المسعى‬


‫(دراسة علمية تاريية عن حكم توسعة السعى)‬

‫كتبها‬
‫د‪ .‬صال بن عبد العزيز بن عثمان سندي‬

‫ملحوظة‪:‬‬
‫ل تطب نفسي بنشر البحث حت عرضته على عدد من أهل العلم وطلبه؛‬
‫فاستحسنوه‪ ،‬وحثوا على نشره‪ ،‬والمد ل على إعانته‪.‬‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬

‫المد ل رب العالي‪ ،‬وصلى ال وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا ممد‬
‫وعلى آله وصحبه أجعي‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فل أظن أن مسألة فقهية معاصرة قد حظيت با حظيت به توسعة السعى الت‬
‫قامت مؤخرا من نقاش علمي وحشد إعلمي‪ ،‬وقد كنت متابعا لا يُكتب ويُقال منذ‬
‫ابتداء العمل فيها وإل هذه اليام‪.‬‬
‫ولقد هالن ما قرأت وما سعت ما أجلب عليه كثي من التكلمي ف الوضوع‬
‫من أدلة‪ ،‬وما طوعوه من قواعد ليوافق ما اختاروا‪ ،‬ولست بالتأكيد أعن الميع‪.‬‬
‫إن الق الذي ل ريب فيه أن الصفا والروة من شعائر ال‪ ،‬والسعى بينهما م ٌل‬
‫توقيفي عرفه السلمون أجعون كما هو دون زيادة أو نقصان‪ ،‬وتوارثوه على حاله‬
‫جيل بعد جيل‪.‬‬
‫والقائلون بواز هذه التوسعة ل يظفروا –على كثرة ما بثوا وقالوا‪ -‬بدليل‬
‫صحيح صريح الدللة ل معارض له يعضد ما نصروا‪ ،‬ول بنص واحد عن إمام معتب‬
‫من أئمة السلمي السابقي ييز فيه توسعة السعى‪ ،‬ول بنقل عن أحد منهم أنه سعى‬
‫ف غي السعى العروف‪.‬‬
‫وهذه الوراق فيها بث هذا الوضوع‪ :‬تأصيل له‪ ،‬ومناقشة لدلة الجيزين‪،‬‬
‫وكان الوصول إل الق قصدي ف كتابتها‪.‬‬
‫كما قصدت السعي ف الذب عن أعراض علماء أعلم تناولتهم ألسنة وأقلم‬
‫بغمز ولز لفتواهم بعدم الواز‪ ،‬مع أنم –دون شك‪ -‬أسعد بالصواب‪.‬‬
‫أسأل ال أن يعل هذا الكتوب مسددا نافعا‪ ،‬كما أسأله أن يوفق ولة أمرنا‬
‫وعلماءنا إل ما يب‪ ،‬وأن يأخذ بأيديهم إل ما يرضيه‪ ،‬وال الستعان‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫السألة الول‪ :‬مل السعي‪.‬‬

‫إن ما ل تتلف فيه كلمة السلمي أن مل السعي شرعا‪ :‬ما بي الصفا والروة‪،‬‬
‫صفَا وَاْلمَرْوَ َة مِنْ َشعَائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجّ‬
‫ودليل ذلك من كتاب ال قوله تعال‪ِ( :‬إنّ ال ّ‬
‫ف بِهِمَا)‪.‬‬
‫ح عََليْ ِه أَنْ يَطّ ّو َ‬
‫اْلَبْيتَ أَ ِو ا ْعتَمَ َر فَلَا ُجنَا َ‬
‫ودليله من السنة‪ :‬كونه الحل الذي سعى فيه النب عليه الصلة والسلم‪ ،‬وقد جاء‬
‫ف السنة عشرات الحاديث –ف الصحيحي وغيها‪ -‬فيها التنصيص على أنه عليه‬
‫الصلة والسلم سعى بي الصفا والروة‪ ،‬وهو القائل‪( :‬خذوا عن مناسككم) أخرجه‬
‫مسلم‪.‬‬
‫وعليه فمن سعى خارجا عما بي الصفا والروة ل يكن متثل للمر الشرعي؛‬
‫والنب عليه الصلة والسلم يقول‪( :‬من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه‬
‫مسلم‪.‬‬
‫ولجل هذا فقد نص جع من الفقهاء على أن من شروط صحة السعي أن يكون‬
‫ف مله بي الصفا والروة‪.‬‬
‫قال الرملي ف ناية الحتاج ‪( :3/291‬ويشترط [أي ف السعي] قطع السافة بي‬
‫الصفا والروة كل مرة‪ ،‬ول بد أن يكون قطع ما بينهما من بطن الوادي‪ ،‬وهو‬
‫السعى العروف الن)‪ .‬ث نقل إجاع العلماء وغيهم من وقت الزرقي (قيل إنه‬
‫توف ف ‪223‬هـ‪ ،‬وقيل ‪250‬هـ‪ ،‬وقيل غي ذلك) إل زمانه (توف ف‬
‫‪1004‬هـ) على أن السعي إنا هو ف السعى العروف‪.‬‬
‫وانظر أيضا‪ :‬حاشية البجيمي على الطيب ‪ ،2/375‬وغيها من كتب‬
‫الشافعية‪.‬‬
‫وأنبه هنا إل أن الوادي ف كلم الرملي وغيه من العلماء ف هذا القام يراد به‬
‫السيل الذي بي الصفا والروة‪ ،‬قال ابن جبي ف رحلته ‪( :88‬وما بي الصفا والروة‬

‫‪3‬‬
‫مسيل)‪ .‬وليس هذا هو الوادي الخر المتد شرقا وغربا الذي ير به ف موضع‬
‫الرولة‪.‬‬
‫ومن كلم العلماء ف الشتراط الذكور قول الطاب الالكي ف مواهب الليل‬
‫لشرح متصر خليل ‪( :4/118‬وللسعي شروط ‪ ...‬ومنها كونه بي الصفا والروة؛‬
‫فلو سعى ف غي ذلك الحل بأن دار من سوق الليل أو نزل من الصفا فدخل‬
‫السجد ل يصح سعيه)‪.‬‬
‫وف السلك التقسط ف النسك التوسط (‪ )192‬لل علي القاري –مع حاشيته‬
‫إرشاد الساري‪ -‬أثناء الكلم عن شروط السعي؛ ذكر ف الشرط الول‪(( :‬كينونته‬
‫بي الصفا والروة) أي بأن ل ينحرف عنهما إل أطرافهما)‪.‬‬
‫وهذا الشتراط ل تل منه كتب الفقه العاصرة أيضا؛ ففي فقه السنة لسيد سابق‬
‫‪ 1/639‬أثناء الكلم عن شروط السعي‪( :‬وأن يكون السعي ف السعى؛ وهو الطريق‬
‫المتد بي الصفا والروة)‪.‬‬

‫وهذا الكم قد توارد على تقريره كثي من أهل العلم‪.‬‬


‫قال النووي ف الجموع ‪(( :8/102‬فرع) قال الشافعي والصحاب‪ :‬ل يوز‬
‫السعي ف غي موضع السعي؛ فلو مرّ وراء موضع السعي ف زقاق العطارين أو غيه‬
‫ل يصح سعيه؛ لن السعي متص بكان فل يوز فعله ف غيه كالطواف‪.‬‬
‫قال أبو علي البندنيجى ف كتابه الامع‪ :‬موضع السعي بطن الوادي‪.‬‬
‫قال الشافعي ف القدي‪ :‬فإن التوى شيئا يسيا أجزأه‪ ،‬وإن عدل حت يفارق‬
‫الوادي الؤدي إل زقاق العطارين ل يز‪.‬‬
‫وكذا قال الدارمي‪ :‬إن التوى ف السعي يسيا جاز‪ ،‬وان دخل السجد أو زقاق‬
‫العطارين فل‪ ،‬وال أعلم)‪.‬‬
‫ونقل قول الشافعي هذا غي واحد‪ ،‬منهم‪ :‬الرويان ف بر الذهب ‪،5/173‬‬
‫والرملي ف ناية الحتاج ‪ 3/291‬وغيهم‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫على أن من الشافعية من استشكل جواز هذا عن الشافعي وتأوله بأنه أراد اللتواء‬
‫الذي ل يرج عن حدود السعى‪ ،‬كما تده ف تفة الحتاج وحواشي الشروان‬
‫وغيها من كتب الشافعية‪.‬‬
‫وقال النووي –أيضا‪ -‬ف اليضاح ف مناسك الج ‪– 290‬مع حاشية‬
‫اليتمي‪ ... ( :-‬فلو أنه لا عاد من الروة عدل عن موضع السعي وجعل طريقه ف‬
‫السجد أو غيه وابتدأ الرة الثانية من الصفا أيضا ل يصح)‪ .‬إذن فللسعي موضعه‬
‫الواضح العلوم‪.‬‬

‫ومن تقرير العلماء لذا الكم أيضا‪ :‬قول شيخ السلم ابن تيمية ف شرح العمدة‬
‫‪( :2/599‬لو سعى ف مسامتة السعى وترك السعي بي الصفا والروة ل يزه)‪.‬‬

‫وقول القطب النفي ف كتابه العلم ‪– 103‬نقل عن تصيل الرام‬


‫‪( :-1/342‬السعي بي الصفا والروة من المور التعبدية الت أوجبها ال تعال‬
‫علينا‪ ،‬ول يوز العدول عنه‪ ،‬ول تُؤدى هذه العبادة إل ف ذلك الكان الخصوص‬
‫الذي سعى فيه صلى ال عليه وسلم)‪.‬‬

‫وقول العلمة الشنقيطي ف أضواء البيان ‪( :5/253‬اعلم أنه ل يوز السعي‬


‫ف غي موضع السعي‪ ،‬فلو كان ير من وراء السعى حت يصل إل الصفا والروة‬
‫من جهة أخرى ل يصح سعيه؛ وهذا ل ينبغي أن يتلف فيه‪.‬‬
‫وعن الشافعي ف القدي‪ :‬أنه لو انرف عن موضع السعي انرافا يسيا أنه يزئه‪.‬‬
‫والظاهر أن التحقيق خلفه‪ ،‬وأنه ل يصح السعي إل ف موضعه)‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫السألة الثانية‪ :‬تديد السعى‪.‬‬

‫قد تقرر ف القرآن الكري أن الصفا والروة من شعائر ال سبحانه‪ ،‬قال تعال‪ِ( :‬إنّ‬
‫صفَا وَالْ َمرْوَةَ مِ ْن َشعَائِرِ اللّهِ) أي من أعلم دينه الظاهرة الت تعبّد با عباده‪.‬‬
‫ال ّ‬

‫وهذا الوضع معروف بيّن عند السلمي كافة ل يتلفون فيه‪ ،‬وليس لم –عب‬
‫تاريهم‪ -‬مكان يسعون فيه سواه‪.‬‬

‫يقول أبو العال الوين ف ناية الطلب ‪( :4/304‬ومكان السعي معروف ل‬


‫يُتعدى)‪.‬‬
‫ويقول مل علي القاري ف مرقاة الفاتيح ‪( :5/475‬والسعى هو الكان‬
‫العروف اليوم؛ لجاع السلف واللف عليه كابرا عن كابر)‪.‬‬
‫ويقول الفاسي ف كتابه شفاء الغرام ‪( :1/521‬وما حُفظ عن أحد منهم [أي‬
‫أهل العلم] إنكارٌ لذلك [أي السعي ف مل السعي العروف] ول أنه سعى ف غي‬
‫السعى اليوم)‪.‬‬
‫ويقول مؤرخ مكة ممد طاهر الكردي ف كتابه التاريخ القوي ‪– 5/363‬أثناء‬
‫كلمه عن اختلف أوضاع الناس ف السعي سهولة وصعوبة منذ القدم وإل العصر‬
‫الاضر‪( :-‬موضع السعي هو هو؛ ل يتغي ول يتبدل ول ينقص ول يزد)‪.‬‬
‫ومع كون هذا الشعر العظيم معلوما ظاهرا للناس قد جرى تواترهم العملي على‬
‫تعيينه ‪ -‬فإن كثيا من العلماء قد عُنوا بتحديده؛ سواء أكانوا من علماء الفقه أو‬
‫التفسي أو التاريخ أو من أصحاب الرحلت‪.‬‬

‫ويكن استخلص تديد السعى ف كلم العلماء من جهتي‪:‬‬


‫الول‪ :‬تديد عرض السعى‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬تديد الصفا والروة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫أما عن الول‪ :‬فإن من العلماء من ذكر حد السعى إجال؛ وهو عرض الوادي‬
‫–كما سبق النقل من الجموع للنووي – وهذا الوادي كان موجودا قديا‪ ،‬وهو مل‬
‫السعي‪.‬‬

‫غي أن آخرين من أهل العلم كانوا أكثر تدقيقا؛ فقد حددوا عرض السعى‬
‫بالذراع‪ ،‬وأقدم من وقفت عليه قد اعتن بذا المر‪ :‬أبو الوليد الزرقي (قيل إنه توف‬
‫ف ‪223‬هـ‪ ،‬وقيل ‪250‬هـ‪ ،‬وقيل غي ذلك) ؛ فإنه ذكر ف أخبار مكة ‪2/119‬‬
‫أن عرض السعى –فيما بي العلم الذي على باب السجد إل العلم الذي على دار‬
‫العباس‪ -‬خسة وثلثون ذراعا ونصف ذراع‪.‬‬
‫وعلى القول بأن الذراع ‪ 46.2‬سم (انظر‪ :‬معجم لغة الفقهاء ‪)420‬؛ فيكون‬
‫العرض إذن‪ :‬ستة عشر مترا ونصفا تقريبا‪ ،‬وعلى القول بأن الذراع ‪ 48‬سم –كما‬
‫ف تاريخ عمارة السجد الرام لباسلمة‪-‬فيكون عرض السعى‪ :‬سبعة عشر مترا‬
‫تقريبا‪ .‬وإذا كان القصود بالذراع الذراع الاشية فإنا أكب من ذلك إذ تبلغ (‪64‬‬
‫سم) (انظر‪ :‬العجم الوسيط ‪.)311‬‬
‫ومن الكتب الت نصت عليه أيضا‪ :‬كتاب‪ :‬الناسك وطرق الج‪ ،‬فقد جاء فيه‬
‫ص ‪( :502‬وذرع السعى من السجد الرام إل دار العباس‪ :‬اثنان وثلثون ذراعا)‪.‬‬
‫وبناء على هذا التحديد يكون عرضه‪ :‬أقل من خسة عشر مترا بقليل أو أكثر‬
‫بقليل؛ بسب الختلف ف طول الذراع‪.‬‬
‫وقريب من هذا التحديد ما جاء عند الفاسي ف شفاء الغرام (‪ )1/519‬إذ جعل‬
‫السافة بي باب العباس إل دار العباس‪ :‬إحدى وثلثي ذراعا وخسة أسباع ذراع‪.‬‬
‫وأما من العلم الذي بالنارة العروفة بنارة باب علي إل اليل القابل له ف الدار‬
‫العروفة بدار سلمة فقد ذكر أنه سبعة وثلثون ذراعا ونصف ذراع وسدس سبع‬
‫ذراع‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ومن اعتن بذكر عرضه أيضا‪ :‬الفاكهي؛ فقد قال رحه ال ف أخبار مكة‬
‫‪( :2/243‬وذرع ما بي العلم الذي على باب السجد إل العلم الذي بذائه على‬
‫باب دار العباس بن عبد الطلب رضي ال عنه ‪-‬وبينهما عرض السعى‪ -‬خسة‬
‫وثلثون ذراعا واثنتا عشرة أصبعا) فيكون العرض‪ :‬ستة عشر مترا تقريبا‪.‬‬
‫وقد تابعه على هذا جاعة من فقهاء الشافعية؛ كما ف تفة الحتاج وحاشية‬
‫البجيمي على النهاج وحاشية المل وحواشي الشروان وحاشيتا قليوب وعمية‬
‫وغيها‪.‬‬
‫وما يضاف إل ذلك‪ :‬ما أورده القطب النفي ف كتابه العلم ‪106-104‬‬
‫(نقل عن تصيل الرام للصباغ ‪ )348-1/346‬ف قصة تعدي أحد التجار –‬
‫واسه‪ :‬ابن الزمن‪ -‬على السعى حي اغتصب من جانبه ثلثة أذرع ليجعلها ضمن‬
‫أرض يبن عليها رباطا للفقراء؛ فمنعه قاضي مكة ابن ظهية وجع مضرا من العلماء‬
‫وفيهم من علماء الذاهب الربعة وقابلوا هذا التاجر (وأنكر عليه جيع الاضرين‬
‫وقالوا له ف وجهه‪ :‬أنت أخذت من السعى ثلثة أذرع وأدخلتها‪ ،‬وأحضروا له النقل‬
‫بعرض السعى من تاريخ الفاكهي‪ ،‬وذرعوا من جدار السجد إل الحل الذي وضع‬
‫فيه ابن الزمن الساس فكان عرض السعى ناقصا ثلثة أذرع)‪.‬‬

‫وأما عن تديد عرض الصفا والروة‪ :‬فقد تقدم أن السعي شرعا هو ما بي‬
‫الصفا والروة‪ ،‬وقد كان التقدمون –من وقفت على كلمهم‪ -‬يكتفون بالوصف‬
‫الجال لما‪.‬‬
‫ومن تأمل ما ذكره العلماء ف هذا الوضع يقطع أن الصفا والروة جُبيلن‬
‫صغيان‪ ،‬وسيأت النقل ف هذا ‪-‬بعون ال‪ -‬مفصل‪.‬‬
‫أما عن العاصرين‪ :‬فإن منهم من اعتن بتحديده تديدا دقيقا؛ من ذلك ما قام به‬
‫الؤرخ الستاذ حسي باسلمة؛ فإنه قام بذرع عرض الصفا؛ فقال‪( :‬وعرض أصل‬
‫الصفا الت عليها الثلثة العقود (‪ )12‬مترا) تاريخ عمارة السجد الرام ص ‪.303‬‬

‫‪8‬‬
‫كما قامت اللجنة الت كُلفت ف عهد الشيخ ممد بن إبراهيم آل الشيخ والكونة‬
‫من الشيخ عبد اللك بن إبراهيم‪ ،‬والشيخ عبدال بن جاسر‪ ،‬والشيخ عبد ال بن‬
‫دهيش‪ ،‬والشيخ علوي مالكي‪ ،‬والشيخ ممد الركان‪ ،‬والشيخ يي أمان‪ ،‬بضور‬
‫صال قزاز وعبد ال ابن سعيد مندوب الشيخ ممد بن لدن بذرع الصفا كامل –با‬
‫ف ذلك ما زاد على العقود الثلثة‪ -‬وكان فيما قررت اللجنة‪( :‬وبناء على ذلك فقد‬
‫جرى ذرع عرض الصفا ابتداء من الطرف الغرب للصخرات إل ناية ماذاة الطرف‬
‫الشرقي للصخرات الذكورة ف مسامتة موضع العقود القدية‪ ،‬فظهر أن العرض‬
‫الذكور يبلغ ستة عشر مترًا) فتاوى الشيخ ابن إبراهيم ‪5/148‬‬
‫وسبب الختلف بي التقديرين راجع إل أن باسلمة قد ذرع ما عليه العقود‬
‫الثلثة فقط‪ ،‬أما اللجنة فقد ذرعت أصل الصفا‪ ،‬وفيه قدر زائد على ما وضعت‬
‫العقود عليه‪.‬‬
‫واللحظ أن هذه السافة الت ذكرها أعضاء اللجنة توافق تديد العلماء لعرض‬
‫السعى قديا تقريبا منذ عهد الزرقي (ت ‪223‬هـ‪ ،‬أو ‪250‬هـ) وإل هذا العصر‪،‬‬
‫مرورا بن ذُكر سابقا؛ وهذا يرد قول من قال‪ :‬إن ما ذُكر ف كتب العلماء من تديد‬
‫للمسعى ما هو إل حكاية للواقع؛ لنه لو كان كذلك لختلف من عصر إل عصر؛‬
‫والواقع خلف ذلك؛ فجميع من حدّد عرض السعى متفقون ف تديدهم أو‬
‫متقاربون؛ من عهد الزرقي وإل هذا العصر‪.‬‬
‫وإذا كان هناك اختلف بي تلك التحديدات السابقة فهو يسي ل يتجاوز التر‬
‫إل الترين؛ والطب ف ذلك يسي‪ ،‬إذ ذراع اليد ليس مقياسا منضبطا؛ وإنا هو‬
‫مقياس تقريب‪ ،‬والذرع متفاوتة طول وقصرا‪ ،‬ث إن هناك أنواعا من الذرع سوى‬
‫ذراع اليد؛ فثمة ذراع الديد‪ ،‬والذراع الاشية‪ ،‬وكل ذلك معروف ف كتب أهل‬
‫العلم؛ فقد يكون تفاوت التقديرات لتفاوت نوع الذراع‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫غي أن الذي ل شك فيه أن التوسعة السعودية الول –عند مقارنتها بكلم‬
‫العلماء ف تديد السعى‪ -‬قد جاءت مستوعبة لعرضه على أوسع تقدير؛ فليس هناك‬
‫مال للزيادة عليها‪.‬‬
‫ث إنا قد جعلت السعى على استقامة واحدة؛ وهذا يقتضي أنا أزالت بروز‬
‫بعض البان الشرفة عليه الذي كان يضيق به عرض السعى ف بعض الواضع؛ وذلك‬
‫البوز ‪-‬ما كان قبل التوسعة‪ -‬إما أن يكون داخل ف حدود السعى؛ فيكون قد‬
‫أزيل؛ أو ل يكون كذلك؛ فتكون إزالته من اللتواء اليسي الغتفر الذي رخص فيه‬
‫بعض أهل العلم –كما سبق‪ -‬إذ ل يرج الساعي عن كونه ساعيا بي الصفا‬
‫والروة‪ ،‬وف قرار اللجنة الضمن ف فتاوى الشيخ ابن إبراهيم (‪ )5/143‬ما يشي إل‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ول ريب أن الضرورة تقتضي جعل السعى على استقامة واحدة من أوله إل‬
‫آخره؛ لنه مع الزحام الشديد فيه سيحصل ضرر كبي على الساعي لو كان واسعا‬
‫ف موضع ضيقا ف موضع آخر‪.‬‬
‫وأنبه أخيا إل أنه ليس فيما تقدم حجة للمجيزين للتوسعة الديدة؛ فأين‬
‫الترخص بتر ونوه من إنشاء مسعى جديد يبلغ عشرين مترا؟!‬

‫واللصة الستفادة من هذه السألة وما قبلها ما يأت‪:‬‬


‫‪-1‬أن السعي شرعا هو ما بي الصفا والروة‪ ،‬ومن سعى خارجا عن‬
‫حدودها فقد خالف الكتاب والسنة والجاع‪.‬‬
‫‪-2‬أن الفقهاء قد نصوا على أنه يشترط لصحة السعي أن يكون فيما‬
‫بي الصفا والروة‪ ،‬ومنعوا من السعي خارجا عن ذلك‪ ،‬وبعضهم‬
‫رخص ف اللتواء اليسي‪.‬‬
‫‪-3‬أن السعى معلوم ظاهر التحديد ل يزل السلمون يعرفونه ويتوارثونه‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪-4‬أن العلماء قد حددوا السعى تديدا دقيقا منذ القرن الثالث –أو‬
‫آخر الثان‪ -‬وإل العصر الاضر ول يكن بينهم ف هذا التحديد‬
‫خلف يُذكر‪.‬‬
‫‪-5‬أن التوسعة السعودية الول قد استوعبت حدود السعى‪ ،‬وجعله‬
‫على استقامة واحدة ل يرجه عن كونه الشعر الرام الحفوظ عب‬
‫القرون‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫السألة الثالثة‪ :‬مناقشة استدللت الجيزين لتوسعة السعى‪.‬‬

‫سبق ف السألتي السابقتي بيان مل السعي شرعا‪ ،‬وتديد السعى‪.‬‬


‫وهذه السألة متعلقة با أثي ف هذه اليام من الكلم عن جواز التوسعة الديدة‪،‬‬
‫وسوف أورد أهم ما وقفت عليه ما استُدل به على جواز هذه التوسعة مع مناقشته‪،‬‬
‫سائل ال تعال التوفيق للحق والصواب‪.‬‬
‫وقبل أن أل إل ذلك أقدم بتمهيد ل بد منه‪ ،‬مشتمل على أمرين‪:‬‬
‫المر الول‪ :‬ينبغي أن يدرك الناظر ف هذا الوضوع أن السعى كان واضح‬
‫العال لدى السلمي منذ الصدر الول‪ ،‬وكلم العلماء ف هذا مستفيض‪ ،‬وقد نقلت‬
‫بعضا منه فيما مضى‪.‬‬
‫وأشي هنا إل نكتة ل أشر إليها سابقا؛ أل وهي أن ف قول الشافعي رحه ال‬
‫(ت ‪204‬هـ) النقول عنه بواز اللتواء اليسي ف السعي‪ ،‬أو ف منع غيه من ذلك‬
‫أو من السعي ف السوق ونوه ‪ -‬دليل على أن السعى كان واضح العال‪ ،‬مستوعبا‬
‫لحله عندهم؛ فلجل هذا سهلوا ف اللتواء اليسي أو منعوا من السعي ف السوق‬
‫ونوه؛ ولو كان السعى غي منضبط عندهم ل يكن لذا الكم معن‪.‬‬
‫وعليه فالمر على ما قال أبو العال الوين ف ناية الطلب ‪( :4/304‬ومكان‬
‫السعي معروف ل يُتعدى)‪.‬‬

‫المر الثان‪ :‬لحظت أن كثيا من تناولوا هذا الوضوع ل يقفوا مليا عند السعى‬
‫الال وسبب اقتصاره على وضعه الذي هو عليه؛ مع أن هذا من أهم ما يلزم التأمل‬
‫فيه‪.‬‬
‫لقد كان الهتمام ببيت ال الرام والشاعر الشرفة وخدمة الجاج والعتمرين‬
‫مط اهتمام ولة المر ف هذه البلد الباركة‪ ،‬وكان أن وفق ال اللك عبد العزيز‬
‫ومن ث ابنه سعودا –رحهما ال‪ -‬إل العناية البالغة بالسجد الرام؛ فشمل ذلك‬

‫‪12‬‬
‫رصف السعى وإحكام تسقيفه وإزالة السواق الحدقة به‪ ،‬إضافة إل التوسعة الكبى‬
‫للمسجد‪.‬‬
‫ولجل أن تكون هذه العناية والتوسعة موافقة للحكام الشرعية فقد ت تكليف‬
‫مفت البلد الشيخ ممد بن إبراهيم رحه ال بالنظر ف التحديد الشرعي للمسعى‬
‫والصعد إل الصفا والروة وبعض البان الجاورة لذلك؛ فقام رحه ال بتشكيل لان‬
‫مكونة من أهل العلم الشرعي ومن أهل العرفة بكة وجغرافيتها لتقلد هذه الوظيفة‬
‫بالغة الهية‪ ،‬فقاموا با أوكل إليهم بعد معاينة للواقع‪ ،‬ومراجعة علمية وتاريية‪،‬‬
‫والوقوف على الرائط التعلقة بذا الشعر‪ ،‬مع السؤال والتحقيق‪ ،‬ويتابع هذا ساحة‬
‫الفت رحه ال‪.‬‬
‫والظن فيهم أنم كانوا يستحضرون عظم هذه السئولية الت اضطلعوا با‪ ،‬وأن‬
‫مليي السلمي سيؤدون عبادة السعي ف ضوء ما يقررونه من مساحة السعى طول‬
‫وعرضا‪.‬‬
‫ث إن هذا كله كان على مرأى من علماء مكة ووجهائها وبقية علماء البلد‬
‫وغيها‪.‬‬
‫إن هذه القبة الهمة ف تاريخ السعى وما يتعلق با من خلفيات وملبسات ل‬
‫يناسب أن يُتعامل معها بغض الطرف‪ ،‬ول أن تُتناول بأطراف الصابع؛ بل ينبغي أن‬
‫تقدر قدرها‪ ،‬وأن تُعطى أهيتها اللئقة با‪.‬‬
‫إن أي رأي يُطرح هذه اليام يدعو إل توسعة السعى يب أن يستحضر جيدا‬
‫وضع السعى الال ولِم كان بذه الدود العروفة‪ ،‬وهل ما يالف هذه الدود‬
‫يستند إل ما هو أقوى؟‬
‫أعتقد أن من أنعم النظر وأنصف سيجيب بالنفي‪ ،‬ولعل ف الصفحات التية تلية‬
‫المر‪.‬‬
‫ويسن التنبيه ههنا إل ما يشي إليه بعضهم من أن اقتصار اللجان العلمية إبان‬
‫التوسعة السابقة على هذا القدر الال إنا كان لجل أنم رأوا أن القتصار على هذا‬

‫‪13‬‬
‫القدر كافٍ ومؤدٍ للغرض بالنظر إل أعداد الجاج والعتمرين ف ذاك الزمان؛ كل؛‬
‫ل يكن المر كذلك؛ فإن من يتأمل ما قرره الشايخ –كما ف فتاوى الشيخ ابن‬
‫إبراهيم‪ -‬يلحظ أنه كان ثة رغبة جادة ف معرفة جيع ما يكن دخوله ف حدود‬
‫السعى وإضافته إل الشروع توسعةً على السلمي وتفيفا لتزاحهم‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫الستدلل الول‪ :‬شهادة الشهود بأن الصفا والروة كانا أوسع ما عليه عرض‬
‫السعى حاليا‪.‬‬
‫فقد اشتهر أن جاعة بلغوا نوا من ثلثي من معمري أهل مكة قد شهدوا بأنم‬
‫أدركوا جبلي الصفا والروة أوسع ما عليه عرض السعى حاليا با ل يقل عن عشرين‬
‫مترا‪ ،‬بل ذكر بعضهم أن البلي متسعي شرقا اتساعا كبيا‪ ،‬وأن لما أكتافا‪ ،‬وأنه‬
‫قد قام عليهما بيوت ومساكن‪.‬‬
‫والظاهر من حال الستدل بذا الدليل أنه ل ينازع ف أن الطلوب شرعا أن يكون‬
‫السعي فيما بي الصفا والروة ول يرج عن حدودها‪ ،‬غي أنه ينازع ف قصر السعى‬
‫على هذا القدر الوجود الن‪ ،‬ويرى أن عرض السعى الال أقل من عرض البلي‬
‫سابقا؛ وبناء عليه فإنه ل يرى حرجا ف توسعة السعى؛ لن هذه التوسعة لن ترج‬
‫عن عرض البلي‪.‬‬
‫هذا باختصار تقرير هذا الستدلل‪ ،‬وهو –فيما يبدو‪ -‬أقوى ما احتج به‬
‫الجيزون‪.‬‬
‫والذي يظهر –وال تعال أعلم‪-‬أنه دليل ضعيف جدا؛ وبيانه بأمرين‪:‬‬
‫المر الول‪ :‬أن شهادة هؤلء الشهود إنا هي ف أمر ظاهر للعيان؛ لنا شهادة‬
‫برؤية جبل كبي متسع‪ ،‬وعليه فيقال‪ :‬إن شهادتم هذه معارَضة بشهادة تالفها‪،‬‬
‫وهي أرجح منها؛ ويظهر هذا با يأت‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن اللجان الشكلة لدراسة وضع السعى إبان التوسعة السعودية الول قد‬
‫شهدت بلف ذلك؛ وهو وأن جبلي الصفا والروة إنا ها بذا العرض الذي جُعل‬
‫عليه السعى الال؛ ومن نظر ف فتاوى الشيخ ابن إبراهيم (‪ )149-5/138‬علم‬
‫صدق ذلك‪.‬‬
‫وتوضيح ذلك‪ :‬أن هذا التحديد قد شهد به أعضاء اللجنة الكونة لدراسة وضع‬
‫الصفا ودخول دار الشيب ومل الغوات الواقعي بي موضع الصفا وبي الشارع‬

‫‪15‬‬
‫العام اللصق للمسجد الرام ما يلي باب الصفا‪ ،‬وذلك ف عام ‪1374‬هـ ‪-‬وهم‪:‬‬
‫الشيخ عبد اللك بن إبراهيم‪ ،‬والشيخ عبد ال ابن دهيش‪ ،‬والشيخ علوي مالكي‪-‬‬
‫وقد قاموا بذا وشاهدوا الواقع بأنفسهم؛ فقد جاء ف قرارهم‪( :‬فقد توجهنا فوقفنا‬
‫على "اليل" الذكور‪ .‬وصحبنا معنا مهندسًا فنيًا‪ ،‬وجرى البحث فيما يتعلق بتحديد‬
‫عرض السعى ما يلي الصفا) فتاوى ابن إبراهيم ‪5/139‬‬
‫وقد قاموا –كما جاء ف منصوص القرار‪ -‬بالضافة إل هذه العاينة براجعة كلم‬
‫العلماء والؤرخي فيما يتعلق بذلك‪ ،‬وساقوا جلة من نصوصهم الت وقفوا عليها‪،‬‬
‫كما قاموا براجعة بعض الصكوك السجلة بالحكمة الكبى بكة‪ ،‬وسؤال أغوات‬
‫الرم عن تاريخ وحدود دارهم‪.‬‬
‫وتُوج هذا بوقوف الشيخ ممد بن إبراهيم على هذا الواقع مع عدة من الثقات؛‬
‫ففي الفتاوى ‪( :5/139‬فبعد الوقوف على هذا الوضع ف عدة رجال من الثقات‬
‫رأيت هذا القرار صحيحًا‪ ،‬وأفتيت بقتضاه‪ ،‬قاله الفقي إل عفو ال ممد بن إبراهيم‬
‫آل الشيخ)‪.‬‬
‫ب‪ -‬ومن ذلك أيضا‪ :‬ما شهد به جلة من أهل العلم فيما يتعلق بالصفا؛ ففي‬
‫فتاوى ابن إبراهيم ‪ 5/144‬يقول الشيخ ممد بن إبراهيم رحه ال‪( :‬وحيث قد‬
‫وعدت جللتكم بالنظر ف موضوع الصفا؛ ففي هذا العام بكة الكرمة بثنا ذلك‪،‬‬
‫وتقرر لدي ولدى الشايخ‪ :‬الشيخ عبد العزيز بن باز‪ ،‬والشيخ علوي عباس الالكي‪،‬‬
‫والخ الشيخ عبد اللك بن إبراهيم‪ ،‬والشيخ عبد ال بن دهيش‪ ،‬والشيخ عبد ال بن‬
‫جاسر‪ ،‬والشيخ عبد العزيز ابن رشيد‪ :‬على أن الحل الحجور بالخشاب ف أسفل‬
‫الصفا داخل ف الصفا‪ ،‬ماعدا فسحة الرض الواقعة على يي النازل من الصفا فإننا ل‬
‫نتحقق أنا من الصفا‪ .‬أما باقي الحجور بالخشاب فهو داخل ف مسمى الصفا ‪...‬‬
‫هذا وعند إزالة هذا الاجز والتحديد بالفعل ينبغي حضور كل من الشايخ‪ :‬الخ‬
‫الشيخ عبد اللك‪ ،‬والشيخ علوي الالكي‪ ،‬والشيخ عبد ال بن جاسر والشيخ عبد ال‬

‫‪16‬‬
‫بن دهيش‪ ،‬حت يصل تطبيق ما قرر هنا‪ ،‬وبال التوفيق)‪ .‬وكان هذا عام‬
‫‪1380‬هـ‪.‬‬
‫ج‪ -‬ومن ذلك أيضا‪ :‬ما شهد به جلة من أولئك الشايخ؛ ففي فتاوى الشيخ ابن‬
‫إبراهيم أيضا ‪( :5/147‬ف يوم الثلثاء الوافق ‪10/2/1378‬هـ اجتمعت اللجنة‬
‫الكونة من كل من‪ :‬الشيخ عبد اللك بن إبراهيم‪ ،‬والشيخ عبد ال بن جاسر‪،‬‬
‫والشيخ عبد ال بن دهيش‪ ،‬والسيد علوي مالكي‪ ،‬والشيخ ممد الركان‪ ،‬والشيخ‬
‫يي أمان‪ ،‬بضور صال قزاز وعبد ال ابن سعيد مندوب الشيخ ممد بن لدن‪،‬‬
‫للنظر ف بناء الصعدين الؤديي إل الصفا ‪...‬‬
‫وبناء على ذلك فقد جرى ذرع عرض الصفا ابتداء من الطرف الغرب‬
‫للصخرات إل ناية ماذاة الطرف الشرقي للصخرات الذكورة ف مسامتة موضع‬
‫العقود القدية‪ ،‬فظهر أن العرض الذكور يبلغ ستة عشر مترًا ‪...‬‬
‫كما وقفت اللجنة أيضًا على الروة‪ ،‬فتبي لا بعد الطلع على الرائط القدية‬
‫والديثة للمسعى‪ ،‬وبعد تطبيق الذرع للمسافة فيما بي الصفا والروة كما نص على‬
‫ذلك المام الزرقي والمام الفاسي ف تأريهما بأن السافة الذكورة تنتهي عند‬
‫مراجعة موضع العقد القدي من الروة ‪ )...‬إل آخر ما جاء ف هذا القرار‪.‬‬
‫د‪ -‬ومن ذلك أيضا شهادة الؤرخ حسي باسلمة الذي قام بذرع السعى بنفسه‬
‫كما ف‪ :‬تاريخ عمارة السجد الرام ‪ ،304-302‬وقد تقدم شيء من كلمه‬
‫سابقا‪.‬‬

‫فبعد كل ذلك يقال‪ :‬إن كان الشهود العاصرون قد شهدوا برؤيتهم فإن هؤلء‬
‫العلماء قد شهدوا برؤيتهم أيضا؛ وإذا كان ل بد من الترجيح بي الشهادتي –نظرا‬
‫لتعارضهما‪ -‬فإن ما ل شك فيه أن شهادة أولئك الشايخ مقدمة؛ وذلك لوجوه‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫أول‪ :‬أن أولئك الشايخ أرفع قدرا وأعلى كعبا ف العلم والفهم إل غي ذلك من‬
‫خللم الكرية؛ ومن العلوم عند أهل العلم أن رواية الوثق وشهادته مقدمة على من‬
‫دونه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن ما قرره أولئك الشايخ ليس شهادة فحسب؛ بل هو شهادة وزيادة؛ إنه‬
‫قرار مبن على تكليف من ول المر بتحديد مشعر تقام فيه عبادة شرعية؛ فل ريب‬
‫أنم استفرغوا وسعهم ف تقيق ما أنيط بم على الوجه الرضي؛ فجمعوا بي العاينة‬
‫والدراسة والراجعة والسؤال والطلع على الرائط والصكوك –كما هو مدون ف‬
‫فتاوى الشيخ ابن إبراهيم‪ -‬لعلمهم بأن التحديد الذي سيصدرون عنه سيكون له ما‬
‫وراءه‪.‬‬
‫وأضيف إل ما سبق أيضا‪ :‬ما ذكرته آنفا من أن من يتأمل ما قرره الشايخ –‬
‫كما ف فتاوى الشيخ ابن إبراهيم‪ -‬يلحظ أنه ليس مرد تديد ما هو واقع؛ بل‬
‫كان ثة رغبة جادة ف معرفة جيع ما يكن دخوله ف حدود السعى وإضافته إل‬
‫الشروع توسعةً على السلمي وتفيفا لتزاحهم‪.‬‬
‫فهل بعد هذا ثة مقارنة بي قرارهم وهذه الشهادة الديثة الت أخبوا فيها بجرد‬
‫مشاهدة شاهدوها‪ ،‬وعمر بعضهم ف ذلك الوقت ل يتجاوز أربع عشرة سنة!‬
‫ويا ل العجب! جبل متد لكثر من خسي مترا –كما يقول بعض الشهود‪-‬‬
‫تتعلق به عبادة عظيمة‪ ،‬وجبل مثله على الانب الخر‪ ،‬ول يراها أهل العلم‬
‫الكلفون بالنظر إليهما وتديدها‪ ،‬ويظفر برؤيتهما فلن وفلن من دونت‬
‫شهادتم!‬
‫هل هذا مقبول عقل؟‬
‫لست أتم الشهود بالكذب‪ ،‬حاشا وكل‪ ،‬كما أن لست أشك أن الذي رآه‬
‫هؤلء ليس هو الصفا والروة اللذين تعلقت بما عبادة السعي قطعا؛ لقد رأى الشهود‬
‫شيئا آخر؛ وسيأت بيان ذلك بوضوح بعون ال‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن شهادة أولئك الشايخ كانت ف الوقت الذي رأوا فيه الشهود عليه؛‬
‫بلف شهادة الشهود الاليي الذين أدلوا بشهادتم بعد مرور أكثر من خسي عاما‬
‫على مشاهدتم ‪-‬بعد أن أزيلت البال‪ -‬فاحتمال الوهم بالنسبة لم أكب دون ريب‪.‬‬
‫بعبارة أخرى‪ :‬إذا أدل شهود با رأوه بأعينهم ف الال‪ ،‬وآخرون أدلوا‬
‫بشهادتم بأنم رأوا شيئا ما قبل أكثر من خسي عاما‪ ،‬ث اختلفت الشهادة؛ فأي‬
‫الشهادتي القدم؟ ل شك أن الواب واضح‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أن شهادة أولئك الشايخ قد تأيدت بعدم معارضة بقية العلماء ف مكة‬
‫وغيها‪ ،‬وكذا كبار السن والوجهاء؛ حيث ل يُعلم أن أحدا اعترض عليهم بأنم‬
‫انتقصوا من حد هذا الشعر الرام –ومن أولئك أيضا أصحاب الشهادات الديدة؛‬
‫إذ ل يُسمع لم صوت أنذاك‪ -‬وهذه القضية من مهمات القضايا الت ل يسع‬
‫السكوت فيها بال‪ ،‬ل سيما من أهل العلم والرأي؛ فهذه قرينة ترجح صواب ما‬
‫صدر القرار به‪.‬‬
‫ول يقال ههنا إن عدم النكار سببه عدم الاجة؛ بعن‪ :‬أنه ل يقال إن عدم‬
‫إنكارهم راجع إل أنم رأوا أن هذا القدر الذي صدر القرار به كافٍ للناس ف ذلك‬
‫الزمان مع كونه غي مستوفٍ للحد الشرعي؛ إذ ل تزل الشكوى من الزحام ف‬
‫السعى –مع وجود السوق على حافتيه‪ ،‬واختلط الناس ف الذهاب والياب‪-‬‬
‫مشتهرة من قدي؛ فهذا ابن جبي يقول ف رحلته ‪( :88‬والساعون ل يكادون‬
‫يلصون من كثرة الزحام)‪.‬‬
‫ويقول ابن بطوطة ف رحلته ‪( :103‬والساعون بي الصفا والروة ل يكادون‬
‫يلصون لزدحام الناس على حوانيت الباعة)‪.‬‬
‫ومن لحظها وأشار إليها أصحاب الفضيلة أعضاء اللجان الكلفة بدراسة حدود‬
‫السعى أنفسهم‪ .‬انظر‪ :‬ما جاء ف قرار اللجنة ف فتاوى الشيخ ابن إبراهيم ‪،5/143‬‬
‫‪.148‬‬

‫‪19‬‬
‫خامسا‪ :‬من أقوى القرائن الت ترجح شهادة أولئك الشايخ‪ :‬موافقة تديدهم‬
‫لكلم العلماء السابقي؛ فالفقهاء والؤرخون يذكرون عن الصفا والروة أنما‬
‫جبيلن‪ ،‬أو جبلن صغيان‪ ،‬أو حجران‪ ،‬ويصفانما بالنفاض؛ وهذا ل يتفق مع‬
‫شهادة الشهود الاليي ‪ .‬وبيان هذا أكثر ف الواب الثان‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬ما يرجح جانب شهادة أولئك الشايخ أن الذي شهدوا به هو الذي وقع‬
‫عليه التواتر العملي من السلمي من قدي الزمان؛ وقد تقدم كلم الرملي وهو قوله ف‬
‫ناية الحتاج ‪( :3/291‬ويشترط [أي ف السعي] قطع السافة بي الصفا والروة كل‬
‫مرة‪ ،‬ول بد أن يكون قطع ما بينهما من بطن الوادي‪ ،‬وهو السعى العروف الن)‪.‬‬
‫ث نقل إجاع العلماء وغيهم من وقت الزرقي (قيل إنه توف ف ‪223‬هـ‪ ،‬وقيل‬
‫‪250‬هـ‪ ،‬وقيل غي ذلك) إل زمانه (توف ف ‪1004‬هـ) على أن السعي إنا هو‬
‫ف السعى العروف عندهم‪.‬‬
‫ومثله أيضا قول مل علي القاري ف مرقاة الفاتيح ‪( :5/475‬والسعى هو‬
‫الكان العروف اليوم؛ لجاع السلف واللف عليه كابرا عن كابر)‪.‬‬

‫وقول أب العال الوين ف ناية الطلب ‪( :4/304‬ومكان السعي معروف ل‬


‫يُتعدى)‪.‬‬
‫وقول الفاسي ف كتابه شفاء الغرام ‪( :1/521‬وما حُفظ عن أحد منهم [أي‬
‫أهل العلم] إنكارٌ لذلك [أي السعي ف مل السعي العروف] ول أنه سعى ف غي‬
‫السعى اليوم)‪.‬‬
‫وهذا التواتر العملي على السعي ف هذه البقعة النحصرة فقط من أقوى‬
‫الدلئل ف هذا الوضوع‪.‬‬
‫فهل يكن عند أهل العلم أن يعارَض المر الستفيض –بل التواتر‪ -‬الذي‬
‫جرى عليه عمل السلمي منذ قرون متطاولة بشهادة أفراد معدودين‪ ،‬فضل عن‬
‫أن تقدم عليه؟!‬

‫‪20‬‬
‫ول إخال الفتي بالواز ول أصحاب تلك الشهادات الديدة يقولون إن الناس‬
‫قديا كانوا يسعون ف مساحة أرحب من هذه؛ ومن قال هذا فعليه الدليل‪.‬‬
‫ث إن الصور اللتقطة للمسعى قبل أكثر من خسي سنة كافية ف رد هذا الزعم؛‬
‫فهي واضحة كالشمس ف أن السعى قديا ل يكن أوسع من السعى الال‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬لقد نظرت ف شهادة الشهود السبعة الذين هم أول من شهد ف هذا‬
‫الوضوع –وشهادتم قد أوردها بعض من كتب ف هذا الوضوع ف رسالة مطبوعة‪،‬‬
‫على أن تسمية ما أدل به الشار إليهم "شهادة" مل وقفة؛ إذ هي إفادة أقرب من‬
‫كونا شهادة؛ فليس فيها إثبات الشهادة ول تزكية الشهود؛ وانظر ما ذكره شيخنا‬
‫الشيخ عبد الحسن العباد ف بيانه النشور ف الشبكة العالية‪.-‬‬
‫مهما يكن من شيء؛ لقد تأملت تلك الت سيت شهادات؛ وكان ما لحظته‪ :‬أن‬
‫أكبهم كان عمره سنة التوسعة (‪1375‬هـ) ستة وعشرين عاما‪ ،‬وأصغرهم كان‬
‫عمره أربعة عشر عاما!‬
‫أيضا‪ :‬أن ثلثة من السبعة توقفوا ول يتذكروا شيئا يتعلق بامتداد الروة شرقا‪،‬‬
‫واثنان منهم ل يتذكرا شيئا يتعلق بالصفا‪ ،‬وثالث ل يذكر شيئا واضحا يتعلق به‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬أن الشهادة الت أدلوا با ل تكن متفقة؛ فمنهم من يذكر أن البل كان‬
‫متدا ول يذكر تديدا منضبطا‪ ،‬والذين ذكروا التحديد النضبط متلفون؛ فأحدهم‬
‫يذكر أن الصفا يتد خسة وثلثي مترا‪ ،‬وآخر يقول‪ :‬يتد خسي مترا! ول تتفق‬
‫شهادة اثني منهم على تديد واحد‪.‬‬
‫فهل هذه الشهادات غي التفقة يكن أن تعارض تلك البينات القوية الكثية الت‬
‫سبق إيرادها؟‬
‫هل شهادة أحدهم –كما هو مدون ف الشهادة‪ -‬حي ل يتذكر شيئا يتعلق‬
‫بامتداد الصفا أو الروة شرقا وإنا شهد بامتداد الروة شال! هل هذه شهادة يُعتمد‬
‫عليها ف توسعة السعى شرقا! بل ويُشاد با وتُذكر ف كل مفل –بل وعلى لسان‬
‫بعض النتسبي إل العلم‪ -‬وإذا قيل ما الدليل؟ قيل‪ :‬شهادة العدول الثقات!‬

‫‪21‬‬
‫على أي شيء كانت الشهادة؟ وبأي دليل تشر ضمن شهادات الشهود ف قضية‬
‫تعبدية تتعلق بالسلمي جيعا؟‬
‫هل شهادة هؤلء الشهود وثلثة منهم كانوا دون العشرين –بل وأحدهم ربا ل‬
‫يكن بالغا‪ -‬وأكبهم كان عمره ستة وعشرين يصح أن تقدم على شهادة وتديد‬
‫أهل العلم والسن والبة؟‬
‫إذا كان بعض هؤلء الشهود –كما هو مدون ف الشهادة‪ -‬يشهد على رؤية‬
‫الصفا ول يتذكر شيئا عن الروة والعكس – مع أن بي البلي نو أربعمائة متر‬
‫فقط‪ -‬فهل هؤلء من يوثق بافظتهم ويعتمد عليهم ف هذا المر اللل؟‬
‫هل تبأ الذمة بثل هذه الشهادات؟‬
‫ثامنا‪ :‬لقد وصف إبراهيم باشا ف مرآة الرمي –ونقل هذا عنه ووافقه وأكده‬
‫الؤرخ حسي باسلمة ف تاريخ عمارة السجد الرام (‪ -)303-301‬وصف‬
‫الصفا –العروف عند السلمي كافة‪ -‬بأنه ماط من جيع جهاته بدار يفصله عن‬
‫جبل أب قبيس إل من الهة الشمالية الت منها الرقى إليه‪ ،‬والمر ل يتاج إل‬
‫شهادة؛ لن صورة ذلك الدار الحيط موجودة واضحة –انظرها ف التاريخ القوي‬
‫للكردي (‪ -)5/344‬فليت شعري كيف رآه هؤلء الشهود –مع هذا‪ -‬جبل كبيا‬
‫متدا؟‬

‫المر الثان‪ :‬أن القول بأن الصفا والروة جبلن كبيان متدان وأن لما أكتافا إل‬
‫آخر ما قيل فيما نُقل ف تلك الشهادات‪ ،‬وف بعض الباث النشورة الت تناولت‬
‫هذا الوضوع – غي صحيح؛ وكلم العلماء السابقي واللحقي ليس فيه حرف‬
‫واحد يدل على صحته‪ ،‬هذا أول‪.‬‬
‫وثانيا‪ :‬أن كلم العلماء السابقي قد تواتر بأن الصفا والروة جبلن صغيان أو‬
‫جبيلن أو حجران أو نو ذلك من اللفاظ البينة أنما بلف ما أثي مؤخرا من‬
‫كبها‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫وقد تتبعت شيئا من كلم العلماء ف هذا الوضوع فظهر ذلك ظهورا واضحا‪.‬‬
‫ويكن أن ألص كلم العلماء ف هذه السألة وأرتبه فيما يأت‪:‬‬
‫أول‪ :‬وصفهما بأنما جبلن صغيان‪.‬‬
‫قال ابن جزي ف تفسيه (التسهيل) ‪ 65‬ف تفسي قوله تعال‪( :‬إن الصفا‬
‫والروة)‪( :‬جبلن صغيان بكة)‪.‬‬
‫وقال الزبيدي ف تاج العروس ‪( :38/430‬والصفا من مشاعر مكة شرفها ال‬
‫تعال‪ ،‬وهو جبل صغي بِلَحْف جبل أب قبيس) أي بأصله‪.‬‬
‫وبثله قال‪ :‬أحد عبد الغفور عطار ف كتابه‪ :‬حجة النب عليه الصلة والسلم‬
‫‪.122‬‬
‫ثانيا‪ :‬وصفهما بأنما جُبيلن‪.‬‬
‫ف الحرر الوجيز لبن عاشور ‪( :2/35‬الصفا والروة‪ُ :‬جبَيلن بكة)‪.‬‬
‫وبثله قال أحد عبد الغفور عطار عن الروة ‪.122‬‬
‫ثالثا‪ :‬وصفهما بأنما حجران‪.‬‬
‫قال الافظ ابن حجر ف فتح الباري ‪( :3/501‬وف كتاب مكة لعمر بن شبة‬
‫بإسناد قوي عن ماهد ف هذه الية‪ :‬قال‪ :‬قالت النصار‪ :‬إن السعي بي هذين‬
‫الجرين من أمر الاهلية؛ فنلت) أي الية‪( :‬إن الصفا والروة من شعائر ال) الية‪.‬‬
‫وف هذا يقول التجيب ف رحلته –مستفاد الرحلة والغتراب‪( :227 -‬والصفا‬
‫حجرٌ أزرق عظيم قد بن عليه درجات)‪ .‬ث وصف الروة أيضا بأنا حجر عظيم‪.‬‬
‫وبثله قال العمري ف مسالك البصار –نقل عن باسلمة ‪( :-292‬أما الصفا فحجرٌ‬
‫أزرق عظيم ف أصل جبل أب قبيس) ث وصف الروة –أيضا‪ -‬بأنا حجر عظيم‪.‬‬
‫وبثله قال الصطخري ف السالك والمالك عن الروة‪( :‬والروة حجرٌ من جبل‬
‫قعيقعان)‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫رابعا‪ :‬وصفهما بأنما صفحان (أي حجران عريضان)‬
‫ففي الفهم لب العباس القرطب ‪( :3/327‬وها [أي الصفا والروة]‪ :‬اسان‬
‫لصفحي معلومي)‪ .‬فعرّف الصفا والروة بأنما حجران عريضان‪.‬‬
‫جاء ف لسان العرب ف مادة (صفح)‪( :‬وكل عريض من حجارة أَو لوح ونوها‬
‫صفِيحةٌ والمع صفائح)‪.‬‬
‫صفّاحٌ‪ ،‬و َ‬
‫صفّاحة والمع ُ‬
‫ُ‬
‫خامسا‪ :‬وصفهما بأنما أنفان من جبلي أب قبيس وقعيقعان‪.‬‬
‫ف تذيب الساء واللغات ‪( :3/181‬الصفا‪ :‬هو مبدأ السعي ‪ ...‬وهو أنفٌ‬
‫من جبل أب قبيس ‪ ...‬وأما الروة فلطية جدا [أي منخفضة]‪ ،‬وهي أنف جبل‬
‫قعيقعان)‪ .‬ومعن (أنف)‪ :‬أي قطعة‪.‬‬
‫وهذا الكلم قد نقله تقي الدين الفاسي (ت ‪832‬هـ) ف الزهور القتطفة من‬
‫تاريخ مكة الكرمة ‪ ،171‬وف العقد الثمي ‪ ،1/112‬وانظر هذا الوصف ف‪:‬‬
‫مفيد النام لبن جاسر ‪.269‬‬
‫سادسا‪ :‬وصف الصفا بأنه ف أصل أب قبيس‪ ،‬والروة بأنا ف أصل قعيقعان؛‬
‫أي بأسفلهما‪.‬‬
‫كما ف رحلة التجيب (‪ ،)350‬وف الروض العطار ف خب القطار ‪1/363‬‬
‫‪ ،‬وف الزهور القتطفة من تاريخ مكة الكرمة ‪ ،171‬وف ف العقد الثمي‬
‫‪.112 ،1/107‬‬
‫سابعا‪ :‬وصفهما بأنما ف ذيل جبلي أب قبيس وقعيقعان‪.‬‬
‫قال ابن القيم ف مفتاح دار السعادة ‪( :2/87‬ومنها البلن اللذان جعلهما ال‬
‫سورا على بيته‪ ،‬وجعل الصفا ف ذيل أحدها‪ ،‬والروة ف ذيل الخر ‪.)...‬‬
‫ثامنا‪ :‬وصفهما بأنما ف طرف جبلي أب قبيس وقعيقعان‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫كما ف‪ :‬حاشية البجيمي على الطيب ‪ ،2/381‬وجيع كتب الشافعية الت‬
‫سبق ذكرها‪ ،‬وف منسك ابن جاسر –مفيد النام‪.269 -‬‬
‫تاسعا‪ :‬وصفهما بأنما رأسا ناية جبلي أب قبيس وقعيقعان‪.‬‬
‫لبَيلَي‬
‫ففي تفسي التحرير والتنوير لبن عاشور ‪( :2/60‬والصفا والروة اسان ُ‬
‫متقابلي‪ ،‬فأما الصفا فهو رأس ناية جبل أب قبيس‪ ،‬وأما الروة فرأسٌ هو منتهى جبل‬
‫ُقعَي ِقعَانَ)‪.‬‬
‫عاشرا‪ :‬وصفهما بأنما مصعدان إل أب قبيس وقعيقعان‪.‬‬
‫ف‪ :‬أحسن التقاسيم ف معرفة القاليم‪( :‬وأبو قبيس مطل على السجد‪ ،‬يُصعد إليه‬
‫من الصفا ف درج)‪.‬‬
‫ومثله ف رحلة التجيب حيث قال عندما تكلم عن أب قبيس ‪( :350‬وف أصله‬
‫هو الصفا ومن عليه صعدنا إليه)‪.‬‬
‫حادي عشر‪ :‬وصف الصفا بأنه مكان مرتفع من أب قبيس‪.‬‬
‫ف معجم البلدان ‪( :3/411‬أما الصفا فمكان مرتفع من جبل أب قبيس)‬
‫وف تذيب الساء واللغات ‪( :3/181‬الصفا‪ :‬هو مبدأ السعي ‪ ،‬مقصور‪،‬‬
‫وهو مكان مرتفع عند باب السجد الرام‪ ،‬وهو أنفٌ من جبل أب قبيس‪ ،‬وهو الن‬
‫إحدى عشرة درجة‪ ،‬فوقها أزج كإيوان‪ ،‬وعرض فتحة هذا الزج نو خسي قدما‪.‬‬
‫وأما الروة فلطية جدا‪ ،‬وهي أنف جبل قعيقعان‪ ،‬وهي درجتان‪ ،‬وعليها أيضا‬
‫أزج كإيوان‪ ،‬وعرض ما تت الزج نو أربعي قدما)‪.‬‬
‫ومثله ف الزهور القتطفة ‪ ،171‬والعقد الثمي ‪.1/107‬‬
‫ثان عشر‪ :‬وصف الروة بأنا أكمة لطيفة أي تل صغي‪.‬‬
‫كما ف معجم البلدان ‪.5/116‬‬
‫ثالث عشر‪ :‬وصف الصفا بالنفاض‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫قال ابن تيمية ف شرح العمدة ‪( :2/451‬ولذا قال أصحابنا إنه يرقى على‬
‫الصفا حت يرى البيت ويستقبل القبلة‪ ،‬إل أن هذا كان لا كانت البنية منخفضة عن‬
‫الكعبة؛ فأما الن فإنم قد رفعوا جدار السجد وزادوا فيه ما بينه وبي الصفا حت‬
‫صار السعى يلي جدار السجد‪ ،‬وكان قبل ذلك بي السجد والسعى بناء للناس‪،‬‬
‫فاليوم ل يرى أحد البيت من فوق الصفا ول من فوق الروة‪ ،‬نعم قد يراه من باب‬
‫السجد إذا خفض)‪.‬‬
‫فهذا النص تضمن دللة صرية على أن الصفا جبيل منخفض؛ بدليل أنه لا جُعل‬
‫جدار للمسجد حال هذا الدار دون رؤية الكعبة لن يرقى على الصفا‪ ،‬ومن‬
‫استحضر ف ذهنه تقديرا لذا الدار –مهما بلغ ارتفاعه‪ -‬فسيتضح له قطعا أن الصفا‬
‫ليس إل جبيل صغيا‪ ،‬وليس كما توهه بعض الناس من أنه جبل كبي مرتفع‪.‬‬
‫ويؤيده ما جاء ف كلم التجيب –القاسم بن يوسف التجيب السبت‪( -‬ت‬
‫‪730‬هـ) ف رحلته (مستفاد الرحلة والغتراب)‪( :‬فصعدت على الصفا واستقبلت‬
‫الكعبة العظمة‪ ،‬وهي ظاهرة من هذا الوضع من باب السجد –باب الصفا‪ -‬ل من‬
‫فوق جدار السجد)‪ .‬ومثله ف اليضاح ف مناسك الج للنووي ‪– 286-284‬‬
‫مع حاشية اليتمي‪.-‬‬
‫رابع عشر‪ :‬وصف الروة بالنفاض‪.‬‬
‫قال النووي ف تذيب الساء واللغات ‪( :3/181‬وأما الروة فلطية جدا‪،‬‬
‫وهي أنف جبل قعيقعان‪ ،‬وهي درجتان‪ ،‬وعليها أيضا أزج كإيوان‪ ،‬وعرض ما تت‬
‫الزج نو أربعي قدما)‪ .‬ومعن لطية أي منخفضة‪.‬‬
‫وقد نقل هذا النقل عنه الباركفوري ف تفة الحوذي ‪.3/600‬‬
‫ويؤيد ما ذكره النووي ما ذكره إمام الرمي الوين ف ناية الطلب‬
‫‪( :4/305‬وكانت الكعبة تبدو ف عصر رسول ال صلى ال عليه وسلم من تلك‬

‫‪26‬‬
‫الهة أيضا‪ ،‬ث أحدث الناس البنية فحالت بي الكعبة وبي الراقي ف الروة بالقدر‬
‫الشروع)‪.‬‬
‫وكل أحد يدرك أن بيوت الناس ف تلك العهود السالفة ل تكن شاهقة وإنا‬
‫قصية؛ فلو كانت الروة جبل كبيا شاهقا متدا –كما يتصور بعضهم‪ -‬هل تول‬
‫تلك البيوت القصية دون رؤية البيت العتيق؟‬
‫خامس عشر‪ :‬وصف الصفا بالصخرات اللساء الت تقع ف سفح جبل أب‬
‫قبيس‪.‬‬
‫كما ف فتاوى الشيخ ابن إبراهيم ‪5/148‬‬

‫هذه جلة من كلم العلماء ف هذا الشأن‪ ،‬وأظن أن من تتبع تتبعا أكثر سيقف‬
‫على أضعاف هذه النقول‪.‬‬
‫أقول‪ :‬مع النظر ف كلم هؤلء العلماء بإنصاف؛ هل يصح أن يقال‪ :‬إن الصفا‬
‫والروة جبلن كبيان متدان؟‬
‫وهل يقبل منصف بأن تُرمى شهادات العلماء والؤرخي وهي بالعشرات وف‬
‫عصور متلفة دون أدن اعتبار ويقدم عليها شهادات هي ف أحسن أحوالا قد‬
‫وهِم أصحابا؟‬
‫وشيء ثالث‪ :‬قرأت وسعت كثيا كلم القائلي بأن الصفا والروة جبلن‬
‫كبيان متدان؛ غي أن ل أجد كلمة واحدة يبي فيها هؤلء الفرق بينهما وبي‬
‫جبلي أب قبيس وقعيقعان؛ مع أن الميع متفق على أنما متصلن بما وفرعان‬
‫عنهما‪ ،‬والميع –أيضا‪ -‬متفق على أن العبادة إنا تعلقت بالصفا والروة ل‬
‫بذينك البلي؛ فهل يستطيعون ذكر الد الفاصل بي هذين وهذين حت يُعلم مل‬
‫العبادة الشرعي؟ وهل يكنهم التمييز بي الصل والفرع؟ وإذا أمكن التمييز؛ فما‬
‫هو الدليل عليه؟‬

‫‪27‬‬
‫أجزم أنه ل جواب على هذا السؤال‪.‬‬
‫أما الانعون فالمر عندهم واضح؛ إذ إنم ييزون بي هذين وهذين‪ ،‬ودليلهم‪:‬‬
‫تواتر السلمي العملي الؤيد بكلم العلماء والؤرخي من السابقي واللحقي‪،‬‬
‫وال الستعان‪.‬‬

‫وقبل أن أختم الكلم عن هذا الستدلل أشي إل ثلثة أمور‪:‬‬


‫الول‪ :‬قد يقول قائل‪ :‬هل يكن توجيه شهادة الشهود الدد ف ضوء كلم أهل‬
‫العلم الثقات التقدمي والتأخرين؟‬
‫والواب‪ :‬من خلل العرض السابق اتضح أن تطئة الشايخ وأهل العلم السابقي‬
‫واللحقي ل يكن القول با مطلقا؛ إذ ل مقارنة بي قوة شهادة أهل العلم والت‬
‫تأيدت بكلم العلماء والؤرخي ‪-‬ما سبق بيانه‪ -‬وبي هذه الشهادات الديدة؛ فلم‬
‫يبق إل نسبة الوهم إل الشهود الاليي‪ ،‬وقد أوردت سابقا إيرادات تدل على ضعف‬
‫شهادتم‪.‬‬
‫وإحسانا للظن بم يقال‪ :‬قد يكون سبب الوهم منهم أحد أمرين‪ :‬إما أنم خلطوا‬
‫بي الصفا وأب قبيس‪ ،‬وبي الروة وقعيقعان؛ فظنوا أن الذي شاهدوه كبيا متسعا‬
‫نو الشرق‪ :‬الصفا والروة‪ ،‬والواقع أنما جزآن من أب قبيس وقعيقعان –البلي‬
‫الكبيين الشرفي على السجد وعلى الصفا والروة‪.-‬‬
‫أو أن يكون قد اشتهر عند العامة ف الفترة الاضية –إبان الفترة الت أدركها‬
‫أولئك الشهود وما قبلها‪ -‬إطلق اسي الصفا والروة ل على القطعة الخصوصة من‬
‫أب قبيس وقعيقعان وإنا عليهما جيعا أو على قدر منهما أكب من الواقع؛ فيكون من‬
‫باب إطلق اسم الفرع على الصل لشرفه‪ ،‬وهو –إن صح‪ -‬اصطلح حادث ل يغي‬
‫من القائق الشرعية شيئا‪.‬‬
‫أقول‪ :‬لعل هذا هو سبب دخول الوهم على الشهود‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ويؤكد حصول الوهم –علوة على ما مضى‪ -‬أنه ل يذكر التقدمون وجود‬
‫بيوت مسكونة على الصفا والروة‪ ،‬وإنا ذكروا هذا على أب قبيس وقعيقعان‪ ،‬وهذا‬
‫قد ذكره غي واحد؛ ومنهم ابن جبي ف رحلته (‪ )89‬حيث قال عن أب قبيس‪( :‬وف‬
‫أعله رباط مبارك فيه مسجد)‪.‬‬
‫ومنهم ابن بطوطة ف رحلته (‪ )105‬حيث قال عن أب قبيس‪( :‬وبأعله مسجد‬
‫وأثر رباط وعمارة)‪ ،‬وهذا يوافق ما ذكره بعض من كتب ف هذا الوضوع من‬
‫الفضلء؛ حيث عدّد جلة من البيوت الت كانت مسكونة على الصفا والروة ف ظنه؛‬
‫والواقع أنا ليست على الصفا والروة‪ ،‬وإنا على ذينك البلي‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ول يُشكل على ما سبق ‪-‬من أنه ل يكن ثة بيوت على الصفا‪ -‬ما ذكره بعضهم‬
‫من أن دار الرقم كانت على الصفا؛ لن هذه الدار بوار الصفا وليست مبنية أعله؛‬
‫وإطلق أنا كانت على الصفا توّز ف العبارة؛ ومرادهم بذلك أنا‪ :‬عند الصفا‪ ،‬كما‬
‫قال ذلك غي واحد من الؤرخي (انظر شيئا من النقول ف ذلك ف التاريخ القوي‬
‫‪ ، )91-1/88‬وهو يقوي ما ذكرته آنفا من شهرة تسمية ما حول الصفا بالصفا‪.‬‬
‫يقول ابن جبي ف رحلته (‪ )126‬واصفا هذه الدار‪( :‬وهي بإزاء الصفا)‪.‬‬
‫ويقول الفاسي ف شفاء الغرام ‪( :1/363‬والصفا هو مبدأ السعي‪ ،‬وهو قرب‬
‫هذه الدار)‪ .‬وانظر أيضا‪ :‬تصيل الرام ‪.1/554‬‬
‫وف التاريخ القوي للكردي ‪ 91-2/88‬تقيقٌ ونقولٌ ف ملها‪ ،‬ووصف لا‪،‬‬
‫وأنا ف زقاق على يسار الصاعد إل الصفا‪ ،‬وبيان السافة الت بينها وبي الصفا‪.‬‬

‫الثان‪ :‬ذكر بعضهم أن الصفا جبل له أكتاف‪ ،‬إذ ل يُعقل أن يكون له امتداد من‬
‫المام دون الانبي‪ ،‬ومثل هذا يقال ف الروة‪.‬‬
‫والذين يقولون هذا يتصورون الصفا جبلً مستقلً‪ ،‬و يغفلون عن كونه قطعة‬
‫ملتصقة ببل أب قبيس؛ فهو ‪-‬كما سبق‪" :-‬حجرٌ من أب قبيس"‪ ،‬و"أنفٌ منه"‪،‬‬

‫‪29‬‬
‫و"طرفٌ منه"‪ ،‬و"رأس نايته"‪ ،‬و"مصعدٌ إليه"‪ ،‬و"مكانٌ مرتفعٌ منه" ‪ ..‬وإذا كان‬
‫كذلك زال الشكال‪ ،‬ول يُستبعد كونه كما هو عليه‪.‬‬
‫والقول ف الروة كالقول ف الصفا‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬أن بعضهم قد أشار إل أن ما يرجح تقدي شهادة الشهود الاليي أنم‬
‫مثبتون‪ ،‬والتقدمون نافون؛ والثبت مقدم على الناف‪.‬‬
‫وأظن أنه مع البيان السابق لن يكون لذا الكلم مل من القبول‪.‬‬
‫وأضيف إل ذلك‪ :‬أن تطبيق هذه القاعدة (الثبت مقدم على الناف) ف هذا‬
‫الوضوع غي وارد؛ وذلك أن هذه القاعدة إنا تورد إذا أثبت أحد الطرفي ونفى‬
‫الخر علمه؛ فيكون الثبت مقدما على الناف؛ وأما مسألتنا هذه فليس قول الانعي‬
‫فيها من باب نفي العلم؛ بل من باب العلم بالنفي؛ وبينهما فرق شاسع؛ فل مل‬
‫للقاعدة إذن‪.‬‬
‫وتوضيح ذلك‪ :‬أن كل الفريقي مثبت؛ هذا يثبت قدرا‪ ،‬وهذا يثبت قدرا أكب؛‬
‫فكلها إذن مثبت؛ وليس منهما نافٍ‪.‬‬
‫على أنه يكن جوابم بقولم ‪-‬من باب العارضة‪ -‬بأن تُعكس القضية؛ فيقال‪ :‬من‬
‫أثبت الد الدن أثبت عن علم‪ ،‬والناف لذلك يقال له‪ :‬الثبت مقدم على الناف!‬

‫‪30‬‬
‫الستدلل الثان‪ :‬الستدلل بامتداد جذور الصفا والروة ف باطن الرض‪.‬‬

‫فبعض القائلي بالواز يستدل بأن الفريات قد أثبتت أن للصفا والروة امتدادا‬
‫ف باطن الرض؛ وبناء عليه فيجوز السعي ف التوسعة لكون الساعي قد سعى بي‬
‫الصفا والروة ف القدر الدفون تت الرض‪.‬‬
‫والواب‪ :‬أن هذا الستدلل فيه من التكلف ما فيه‪ ،‬ول يأمرنا ربنا أن ننقب ف‬
‫صفَا وَالْمَ ْروَةَ مِنْ َشعَائِ ِر اللّ ِه فَمَنْ‬
‫باطن الرض حت نتثل ما شرعه لنا ف قوله‪( :‬إِنّ ال ّ‬
‫ح عََليْ ِه أَ ْن يَطّ ّوفَ بِ ِهمَا)‪.‬‬
‫حَجّ اْلَبْيتَ َأوِ ا ْعتَ َمرَ فَلَا ُجنَا َ‬
‫ويكفي ف رد هذا الكلم التكلف أن يقال‪ :‬إذا ثبت أن للصفا والروة امتدادا ف‬
‫باطن الرض شرقا وغربا؛ فإن لما امتدادا –أيضا‪ -‬شال وجنوبا؛ وباتفاقٍ ل يصح‬
‫أن يقال بأنه يوز أن ينتقص الساعي من السافة الت بي الصفا والروة بجة أن‬
‫ثة امتدادا للصفا ف باطن الرض من جهة الشمال‪ ،‬وامتدادا للمروة من جهة‬
‫النوب؛ فيكون ساعيا بي الصفا والروة ف القدر الدفون تت الرض!‬
‫فظهر بذا ضعف هذا الستدلل‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫الستدلل الثالث‪ :‬أنه ل تديد لعرض السعى ف الكتاب والسنة وكلم أهل‬
‫العلم‪.‬‬

‫هكذا ذكر بعضهم؛ وهو كلم ظاهر الضعف بيث يُستغن عن رده‪.‬‬
‫صفَا وَاْلمَرْوَ َة مِنْ َشعَائِرِ اللّ ِه‬
‫ومع ذلك يقال‪ :‬أين هذا القائل عن قوله تعال‪ِ( :‬إنّ ال ّ‬
‫ف بِهِمَا)؟ أليس هذا تديدا واضحا؟‬ ‫فَمَنْ حَجّ اْلَبْيتَ أَ ِو ا ْعتَمَ َر فَلَا ُجنَاحَ َعَليْهِ َأنْ يَطّ ّو َ‬
‫مل السعي بيّن ف هذه الية؛ وهو ما بي الصفا والروة‪ ،‬ومن ل يسع بينهما كان‬
‫ساعيا بوارها ل بينهما؛ وهذا خلف ما ف الية‪.‬‬
‫ث هو أيضا الحل الذي سعى فيه النب عليه الصلة والسلم‪ ،‬وهو القائل‪( :‬خذوا‬
‫عن مناسككم) أخرجه مسلم‪.‬‬
‫ويقال ثالثا‪ :‬هو الحل الذي أطبق السلمون على السعي فيه عب مراحل تاريهم؛‬
‫فهو إجاع عملي ل شك فيه‪.‬‬
‫ويقال رابعا‪ :‬يلزم من هذا القول أن كلم العلماء ف تديد السعى –وقد نقلت‬
‫طرفا منه‪ -‬ما هو إل عبث منهم وتكلف!‬
‫ويقال خامسا‪ :‬إن هذا القول يلزم منه أن السلمي –علماء وعامة‪ -‬قد أطبقوا‬
‫على التضييق على أنفسهم ف أمر لم فيه فسحة؛ فالناظر ف كلم العلماء يد أن‬
‫الشكوى من الزحام ف السعى قدية؛ فلماذا إذن رضوا بذا الزحام وكان يكنهم أن‬
‫يسعوا ف مساحة ل تُحد عرضا؟‬

‫ومن غرائب ما قرأت ف هذا الوضوع‪ :‬أن أحدهم يقول‪ :‬إنه يكن أن يسعى‬
‫الساعي حيث شاء دون تقييد بدود معينة؛ غي أن الهم هو أن يلصق قدمه ببلي‬
‫الصفا والروة! هكذا قال‪ ،‬ولزم هذا أنه يكن أن يسعى الساعي مشرقا حيث شاء‬
‫–لنه ل تديد شرعا‪ -‬ث يعود إل الصفا والروة حت يلصق قدمه به؛ فهل يقول‬
‫عال بذلك؟! وهل فعل هذا أحد من السلمي قط؟‬

‫‪32‬‬
‫الستدلل الرابع‪ :‬قياس جواز توسعة السعى على جواز توسعة الطاف‪.‬‬

‫والتأمل ف هذا القياس أدن تأمل يدرك أنه قياس مع الفارق؛ فهو فاسد العتبار‪.‬‬
‫وبيان ذلك‪:‬‬
‫أن الطواف مرتبط بالكعبة؛ وعليه فمهما توسع الطاف فيصدق على الطائف أنه‬
‫طائف بالكعبة؛ أما ف السعي فالمر يتلف؛ إذ إن السعي مرتبط ببينية الصفا والروة؛‬
‫وعليه فمن سعى وراء ذلك ل يكن ساعيا بي الصفا والروة؛ وهذا خلف ما أمرنا‬
‫ال به ف قوله‪( :‬أَ ْن يَطّ ّوفَ بِ ِهمَا)‪ ،‬وخلف فعله عليه الصلة والسلم حيث طاف‬
‫بي الصفا والروة‪ ،‬وخلف عمل السلمي ف متلف العصور‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫الستدلل الامس‪ :‬الستدلل بالضرورة‪ ،‬وأن المر إذا ضاق اتسع‪.‬‬

‫من أكثر ما قرأته ف هذا الوضوع من الستدللت‪ :‬الستدلل على جواز‬


‫توسعة السعى بالضرورة؛ نظرا للمشقة الاصلة على السلمي من ضيق السعى؛‬
‫والقاعدة‪ :‬أن المر إذا ضاق اتسع‪.‬‬

‫وإذا كان الستدل بذا الستدلل من أصحاب مسلك التيسي الذي اتذوه غاية‬
‫ومنهجا ل يبالون لجله بتخطي النصوص وتعدي الدود؛ فهؤلء لست معنيا‬
‫بوابم؛ لن اللف معهم أكب من مسألة توسعة السعى؛ إنه خلف يشمل مسائل‬
‫كثية؛ بل هو خلف ف منهج التلقي والستدلل‪.‬‬
‫ولست أريد أن أخوض ف ضوابط الضرورة ومدى انطباقها على الوضع الال –‬
‫وهو السعي ف الطوابق الثلثة‪.-‬‬
‫سأتاوز ذلك وأجيب بأنه على تسليم حصول الشقة العظيمة الت تبلغ بالمر إل‬
‫حد الضطرار فإنه يقال‪ :‬من التقرر عند أهل العلم أن الضرورة تقدر بقدرها؛ وعليه‬
‫فإن الضرورة قد تبيح توسعة السعى لو كانت اليار الوحيد لدفعها؛ أما مع وجود‬
‫ما يدفعها دون تطي الدود الشرعية؛ فإن الستدلل بالضرورة يصبح حينئذ ل وجه‬
‫له شرعا‪.‬‬
‫وإذا نظرنا ف هذه السألة وجدنا أن البديل لدفع الضرورة مكن؛ وهو التوسع‬
‫رأسيا بزيادة عدد من الدوار تندفع با هذه الشقة ‪-‬لن الواء يكي القرار‪ -‬مع بقاء‬
‫الدود الشرعية للمسعى كما هي‪ ،‬وهذا ما أرشد إليه كبار العلماء ف فتواهم‬
‫الصادرة بالغلبية ف هذا الوضوع؛ فقد جاء ف قرار اليئة رقم (‪ )227‬وتاريخ‬
‫‪22/2/1427‬هـ‪( :‬وبعد الدراسة والناقشة والتأمل رأى الجلس بالكثرية أن‬
‫العمارة الالية للمسعى شاملة لميع أرضه‪ ،‬ومن ث فإنه ل يوز توسعتها‪ ،‬ويكن‬
‫عند الاجة حل الشكلة رأسيا بإضافة بناء فوق السعى)‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ومن اللفت للنظر أنه مع كثرة الستدلي بالضرورة على جواز التوسعة ل أجد‬
‫منهم تعريا على اليار الخر وهو التوسع رأسيا؛ فاللحظ أنم قد أهلوا الشارة‬
‫إليه فضل عن الواب عنه‪.‬‬
‫وإنن لطرح عليهم السؤال مرة أخرى‪ :‬لاذا ل يكون الل ف زيادة الطوابق‬
‫دون التوسعة؟‬
‫ولاذا الرص على تغيي هذا الشعر الذي حافظ عليه السلمون بدوده أكثر من‬
‫أربعة عشر قرنا مع وجود الل الخر؟‬
‫وبناء على التقرير السابق؛ فإنه إذا استدل الستدل على جواز توسعة السعى‬
‫بقاعدة‪ :‬إذا ضاق المر اتسع؛ فإنه ياب بتتمة القاعدة‪ :‬وإذا اتسع –بإمكان التوسعة‬
‫الرأسية‪ -‬ضاق!‬
‫ث إنه يلزم الستدل بالضرورة أن يقصر جواز السعي ف التوسعة الديدة على‬
‫الوقت الذي يشتد فيه الزحام جدا –ف أوقات الواسم العلومة‪ -‬وأما ما عداها‬
‫فل يوز السعي فيها؛ لن الضرورة تقدر بقدرها‪ ،‬ولنه إذا ضاق المر اتسع‪،‬‬
‫وإذا اتسع ضاق!‬

‫‪35‬‬
‫الستدلل السادس‪ :‬الستدلل بقاعدة‪ :‬الزيادة لا حكم الزيد؛ وبناء عليه‬
‫فيكون للتوسعة حكم السعى؛ فيجوز السعي فيها‪.‬‬

‫والواب أن هذا الستدلل بيّن الضعف؛ ذلك أن الزيادة لا حكم الزيد مت‬
‫ثبت شرعا جواز الزيادة؛ وأما مع منعها فل؛ فليس لصاحب أرض أن يغتصب‬
‫الطريق الجاورة لرضه ويضمها إليها ويقول‪ :‬قد زدتا؛ والزيادة لا حكم الزيد!‬
‫والانعون قد بينوا أن هذا الشعر توقيفي ل توز الزيادة عليه؛ وعليه فل يصح‬
‫الستدلل بالقاعدة؛ بل الستدلل با حينئذ استدللٌ بحل الناع‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫الستدلل السابع‪ :‬الستدلل بقاعدة‪ :‬حكم الاكم يرفع اللف‪.‬‬

‫والواب عن هذا الستدلل بعدم التسليم بكون هذه السألة خلفية أصل؛‬
‫فاللف فيها حادث؛ إذ هو مالف لجاع العلماء ‪-‬بل السلمي‪ -‬قبله على أن‬
‫السعى مل تعبدي توقيفي‪.‬‬

‫ث إن الستدلل بذه القاعدة موضع استغراب؛ فالاكم ف القاعدة يراد به‬


‫القاضي وليس السلطان؛ ويراجع ف هذا كلم العلماء عن القاعدة ل سيما ما ذكره‬
‫القراف ف كتابه‪ :‬الحكام ف تييز الفتاوى عن الحكام‪ ،‬وف كتابه الفروق أيضا‪.‬‬
‫وف هذا يقول شيخ السلم ابن تيمية‪( :‬وأما حكم الاكم فذاك يقال له‪ :‬قضاء‬
‫القاضي ‪ )...‬مموع الفتاوى ‪35/376‬‬
‫ويقال أيضا‪ :‬إن القراف وغيه من أهل العلم قد بينوا أن مل القاعدة‪ :‬مسائل‬
‫الناع والصومات بي الناس وليس التعبديات‪.‬‬
‫والقصود من القاعدة‪ :‬أنه إذا حكم القاضي على أحد الصمي ف مسألة خلفية‬
‫بأحد القولي فيها فليس للمحكوم عليه أن يتنصل من هذا الكم بجة أنه يرجح أو‬
‫يقلد خلفه‪ ،‬وتكون السألة حينئذ ف حقه كالجمع عليها‪ .‬هذا القصود من القاعدة؛‬
‫وليس جعل حكمه حكما عاما للناس جيعا‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪( :‬وليس الراد بالشرع اللزم لميع اللق "حكم‬
‫الاكم" ولو كان الاكم أفضل أهل زمانه؛ بل حكم الاكم العال العادل يلزم قوما‬
‫معيني تاكموا إليه ف قضية معينة؛ ل يلزم جيع اللق) مموع الفتاوى ‪35/372‬‬
‫ويقول‪( :‬فهذه المور الكلية ليس لاكم من الكام كائنا من كان ‪-‬ولو كان‬
‫من الصحابة‪ -‬أن يكم فيها بقوله على من نازعه ف قوله؛ فيقول‪ :‬ألزمته أن ل يفعل‬
‫ول يفت إل بالقول الذي يوافق لذهب؛ بل الكم ف هذه السائل ل ورسوله –عليه‬
‫الصلة والسلم‪ -‬والاكم واحد من السلمي؛ فان كان عنده علم تكلم با عنده‬
‫وإذا كان عند منازعه علم تكلم به؛ فان ظهر الق ف ذلك وعُرف حكم ال ورسوله‬

‫‪37‬‬
‫–عليه الصلة والسلم‪ -‬وجب على الميع اتباع حكم ال ورسوله –عليه الصلة‬
‫والسلم‪ -‬وإن خفي ذلك أقر كل واحد على قوله ‪-‬أقر قائل هذا القول على مذهبه‬
‫وقائل هذا القول على مذهبه‪ -‬ول يكن لحدها أن ينع الخر إل بلسان العلم‬
‫والجة والبيان؛ فيقول ما عنده من العلم‪.‬‬
‫وأما باليد والقهر فليس له أن يكم إل ف العينة الت يتحاكم فيها إليه‪ ،‬مثل ميت‬
‫مات وقد تنازع ورثته ف قسم تركته فيقسمها بينهم إذا تاكموا إليه‪ ،‬وإذا حكم هنا‬
‫بأحد قول العلماء ألزم الصم بكمه‪ ،‬ول يكن له أن يقول‪ :‬أنا ل أرضى حت يكم‬
‫بالقول الخر‪ ،‬وكذلك إذا تاكم إليه اثنان ف دعوى يدعيها أحدها فصل بينهما‬
‫كما أمر ال ورسوله –عليه الصلة والسلم‪ -‬وألزم الحكوم عليه با حكم به‪ ،‬وليس‬
‫له أن يقول أنت حكمت علي بالقول الذي ل أختاره) مموع الفتاوى ‪35/360‬‬
‫ويقول شيخ السلم ابن تيمية رحه ال ‪-‬أيضا‪ -‬زيادة ف ترير الكلم عن هذه‬
‫القاعدة‪( :‬والمة إذا تنازعت ف معن آية أو حديث أو حكم خبي أو طلب ل يكن‬
‫صحة أحد القولي وفساد الخر ثابتا بجرد حكم حاكم فإنه إنا ينفذ حكمه ف‬
‫المور العينة دون العامة‪ ،‬ولو جاز هذا لاز أن يكم حاكم بأن قوله تعال‪:‬‬
‫(يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء) هو اليض والطهار‪ ،‬ويكون هذا حكما يلزم جيع‬
‫الناس قوله‪ ،‬أو يكم بأن اللمس ف قوله تعال‪( :‬أو لمستم النساء) هو الوطء‬
‫والباشرة فيما دونه‪ ،‬أو بأن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج أو الب والسيد وهذا‬
‫ل يقوله احد ‪ ...‬والذي على السلطان ف مسائل الناع بي المة أحد أمرين‪ :‬إما أن‬
‫يملهم كلهم على ما جاء به الكتاب والسنة واتفق عليه سلف المة لقوله تعال‪:‬‬
‫(فإن تنازعتم ف شيء فردوه إل ال والرسول) وإذا تنازعوا فَ ِهمَ كلمهم إن كان من‬
‫يكنه فهم الق؛ فإذا تبي له ما جاء به الكتاب والسنة دعا الناس إليه‪ ،‬و[ولعل‬
‫الصواب‪ :‬أو] أن يقر الناس على ما هم عليه كما يقرهم على مذاهبهم العملية ‪...‬‬
‫وأما إلزام السلطان ف مسائل الناع بالتزام قول بل حجة من الكتاب والسنة فهذا ل‬
‫يوز باتفاق السلمي‪ ،‬ول يفيد حكم حاكم بصحة قول دون قول ف مثل ذلك إل‬

‫‪38‬‬
‫إذا كان معه حجة يب الرجوع إليها؛ فيكون كلمه قبل الولية وبعدها سواء‪ ،‬وهذا‬
‫بنلة الكتب الت يصنفها ف العلم)‪ .‬مموع الفتاوى ‪.240-3/238‬‬

‫‪39‬‬
‫الستدلل الثامن‪ :‬الستدلل بأن النب عليه الصلة والسلم ل يكن ينبه‬
‫الصحابة الذين حجوا معه على عدم الروج عن حدود هذا السعى العروف‪.‬‬

‫وهذا الستدلل قد ذكره بعضهم؛ وتقريره‪ :‬أن الذين حجوا مع النب عليه‬
‫الصلة والسلم مائة ألف أو يزيدون‪ ،‬والوادي فسيح‪ ،‬ول يكن النب عليه الصلة‬
‫والسلم يذر الصحابة من الروج عن حدود هذا السعى العلوم مع أن هذا وارد مع‬
‫كثرة العدد وعدم وجود حدود تنعهم من الذهاب شرقا وغربا؛ وعليه فل حرج من‬
‫التوسعة الشرقية للمسعى‪.‬‬
‫وهذا الكلم ل شك ف بطلنه‪ ،‬وصاحبه قد تكلم ف السألة دون أن يتصور‬
‫الواقع الذي يتحدث عنه‪.‬‬
‫فالسعى ل يكن واديا فسيحا ل يده شيء شرقا وغربا بيث يكن حصول ما‬
‫ذكروا؛ بل قد كانت البيوت مدقة به على حافتيه؛ وعليه فل يكن لحد منهم أن‬
‫يسعى إل ف هذا الكان العلوم‪.‬‬
‫ودونك نبذة عن حال السعى وما أحاط به من خلل كتب التاريخ والديث‪:‬‬
‫يقول ابن عمر رضي ال عنهما‪( :‬السعي من دار ابن عباد إل زقاق بن حسي)‬
‫علقه البخاري ف صحيحه ‪ 3/501‬مع الفتح‪.‬‬
‫ويقول الزرقي ‪( :2/117‬قال ابن جريج‪ :‬أخبن نافع قال‪ :‬فينل ابن عمر من‬
‫الصفا فيمشي حت إذا جاء باب دار بن عباد سعى حت ينتهي إل الزقاق الذي‬
‫يسلك إل السجد‪ ،‬الذي بي دار ابن أب حسي ودار ابنة قرظة)‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضا أنه كانت البيوت قائمة بي السجد والسعى ول يدخل منها‬
‫شيء ف السجد حت وسع الهدي السجد؛ يقول الزرقي ‪( :2/75‬فاشترى [أي‬
‫الهدي] جيع ما كان بي السعى والسجد من الدور فهدمها ووضع السجد على ما‬
‫هو اليوم شارعا على السعى)‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫ويقول أيضا ‪( :2/79‬وكانت الدور وبيوت الناس من ورائه [أي السجد] ف‬
‫موضع الوادي اليوم‪ ،‬إنا كان موضعه دور الناس‪ ،‬وإنا كان يسلك من السجد إل‬
‫الصفا ف بطن الوادي‪ ،‬ث يسلك ف زقاق ضيق حت يرج إل الصفا من التفاف‬
‫البيوت‪ ،‬فيما بي الوادي والصفا)‪.‬‬
‫ويقول أيضا ‪( :2/90‬كانت دور بن عدي ما بي الصفا والسجد وموضع‬
‫النبزة الت يسقى فيها الاء عند البكة هلم جرا إل السجد)‪.‬‬
‫ويقول أيضا ‪( :2/261‬وكانت مساكن بن عدي ما بي الصفا إل الكعبة)‪.‬‬
‫ويقول أيضا ‪( :2/233‬وللعباس بن عبد الطلب أيضا الدار الت بي الصفا‬
‫والروة الت بيد ولد موسى بن عيسى الت إل جنب الدار الت بيد جعفر بن سليمان‪،‬‬
‫ودار العباس هي الدار النقوشة الت عندها العلم الذي يسعى منه من جاء من الروة‬
‫إل الصفا بأصلها‪ ،‬ويزعمون أنا كانت لاشم بن عبد مناف)‪.‬‬
‫ويقول أيضا ‪( :2/235‬لل عتبة بن فرقد السلمي دارهم وربعهم الت عند‬
‫الروة)‪.‬‬
‫ويقول أيضا ‪( :2/247‬ولل الزرق بن عمرو أيضا دارهم الت عند الروة إل‬
‫جنب دار طلحة بن داود الضرمي‪ ،‬يقال لا دار الزرق‪ ،‬وهي ف أيديهم إل اليوم‪،‬‬
‫وهي لم ربع جاهلي)‪.‬‬
‫ويقول أيضا‪( :‬ربع آل داود بن الضرمي واسم الضرمي عبد ال بن عمار‬
‫حليف عتبة بن ربيعة قال أبو الوليد‪ :‬لم دارهم الت عند الروة‪ ،‬يقال لا دار طلحة‪،‬‬
‫بي دار الزرق بن عمرو الغسان ودار عتبة بن فرقد السلمي‪ ،‬ولم أيضا الدار الت‬
‫إل جنب هذه الدار عند باب دار الزرق أيضا‪ ،‬يقال لا دار حفصة‪ ،‬ويقال لا دار‬
‫الزوراء‪ ،‬ومن رباعهم أيضا الدار الت عند الروة ف صف دار عمر بن عبد العزيز‪،‬‬
‫ووجهها شارع على الروة)‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫ويقول أيضا ‪( :2/250‬رباع بن نوفل بن عبد مناف قال أبو الوليد‪ :‬كانت لم‬
‫دار جبي بن مطعم عند موضع دار القوارير اللصقة بالسجد الرام بي الصفا‬
‫والروة‪ ،‬اشتريت منهم ف خلفة الهدي أمي الؤمني حي وسع السجد الرام ‪...‬‬
‫ولم دار عدي بن اليار‪ ،‬كانت عند العلم الذي على باب السجد الذي يسعى منه‬
‫من أقبل من الروة إل الصفا)‪.‬‬
‫ويقول أيضا ‪( :2/255‬ربع آل قارظ القاريي وهي الدار الت يقال لا دار اللد‬
‫على الصيادلة‪ ،‬بي الصفا والروة)‪.‬‬
‫ويقول أيضا ‪( :2/254‬وكانت لم دار مرمة بن نوفل الت بي الصفا والروة‬
‫الت صارت لعيسى بن علي عند الروة)‪.‬‬
‫هذه طائفة يسية من الشواهد على ما كان ييط بالسعى من بيوت‪ ،‬ولو أردت‬
‫الزيادة لزدت‪ ،‬وهي دليل على أن هذه الجة هشة ضعيفة‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫الستدلل التاسع‪ :‬الستدلل بأن السعى قد تعرض للتغيي سابقا‪.‬‬

‫ما رأيت بعض الفتي بواز التوسعة قد اعتمد عليه ف فتواه‪ :‬القول بأن السعى‬
‫قد طالته يد التغيي والتوسع ف السابق دون نكي من أهل العلم؛ فدل على جواز هذه‬
‫التوسعة؛ ول تكون بذا بدعا من التصرف‪.‬‬
‫وإذا أثار الستدلون هذا الانب من الستدلل فإنم إنا يشيون ف الغالب إل ما‬
‫حصل ف عهد الليفة الهدي العباسي رحه ال أثناء توسعة السجد الرام؛ إذ من‬
‫العلوم أن الهدي قد قام بتوسعة السجد الرام مرتي‪ :‬الول‪ :‬عام ‪164‬هـ‪،‬‬
‫والخرى عام ‪167‬هـ‪ ،‬والتوسعة الثانية هي الت حصلت فيها تغيي ف مل السعى‬
‫على ما يذكر هؤلء الستدلون‪.‬‬
‫والعتمد ف هذا على أقوال ذكرها الزرقي ف أخبار مكة فيها ما يشي إل‬
‫حصول هذا التغيي؛ من ذلك‪ :‬قوله ‪ 2/62‬عن جده –أو من فوقه من شيوخه؛‬
‫فالعبارة متملة‪( :-‬والهدي وضع السجد على السعى)‪ ،‬وقوله ‪( :2/80‬فهدموا‬
‫أكثر دار ابن عباد بن جعفر العايذي وجعلوا السعى والوادي فيهما) وعند الفاكهي‬
‫‪– 2/173‬وقد نقل عبارة الزرقي‪( :-‬فيها)‪.‬‬
‫وسوف أتوسع بعض الشيء ف الواب عن هذا الستدلل لشهرته لدى بعض‬
‫طلبة العلم الذين يُسمع احتجاجهم به دون أن يكونوا قد أنعموا النظر فيه؛ وهذا ما‬
‫يعطي انطباعا عن النهج العلمي الذي سار عليه بعض من تكلم ف هذا الوضوع‬
‫تقريرا واستدلل‪.‬‬
‫فأقول وبال التوفيق‪ :‬الواب عن هذا الستدلل أن يقال‪:‬‬
‫ل يصل ف توسعة الهدي ول قبلها ول بعدها أن توسع السعى جلةً شرقا أو‬
‫غربا‪ ،‬ويطئ من يظن ذلك استنادا إل قصة التوسعة هذه‪ ،‬ويطئ أيضا من يعلها‬
‫أصل يقيس عليه التوسعة الالية‪ ،‬وتوضيح ذلك‪:‬‬

‫‪43‬‬
‫أن الهدي ف توسعته الول اشترى جيع ما كان بي السعى والسجد من الدور‬
‫فهدمها ووسع السجد‪ ،‬وانتهت التوسعة شرقا إل حد السعى‪ ،‬يقول الزرقي‬
‫‪( :2/75‬فاشترى جيع ما كان بي السعى والسجد من الدور فهدمها ووضع‬
‫السجد على ما هو اليوم شارعا على السعى)‪.‬‬
‫إذن التوسعة ل ينل السعى منها شيء‪ ،‬واستمر السعى مفوظا من ذلك إل عهد‬
‫الزرقي وإل ما بعده؛ وهذا معن العبارة السابقة‪( :‬والهدي وضع السجد على‬
‫السعى) أي أزال البيوت الت كانت بي السجد والسعى وجعل السجد على حد‬
‫السعى‪ ،‬وليس أنه أدخل السعى ف السجد وأنشأ مسعى جديدا وراء ذلك؛ فهذا‬
‫خطأ‪ ،‬وهذا ما وضحه الزرقي نفسه حيث قال‪( :‬ووضع السجد على ما هو اليوم‬
‫شارعا على السعى)‪.‬‬
‫ويؤكد ذلك ما جاء عند الفاكهي ف أخبار مكة ‪( :2/87‬وأمي الؤمني الهدي‬
‫وضع أبواب السجد على السعى)‪.‬‬
‫وقد تقدم النقل عن أهل العلم بأن من سعى من داخل السجد فسعيه باطل‪،‬‬
‫وهذا يدل على أنه ليس من السعى ف السجد شيء‪.‬‬
‫هذا عن العبارة الول‪ ،‬أما العبارة الخرى وما أشبهها ما أورده الزرقي ف‬
‫كتابه؛ فقبل أن أجيب على ما يتعلق با أشي إل شيء ينبغي أل يُهمل أثناء النظر ف‬
‫هذا الوضوع؛ أل وهو أن الشارة إل حصول شيء من التغيي ف السعى ل ينقلها‬
‫أحد –وأقول هذا بعد بث طويل‪ -‬سوى الزرقي‪ ،‬وكل من جاء بعده وأشار إل‬
‫هذا الوضوع ‪-‬كالفاكهي وابن فهد وابن ظهية وابن الضياء والفاسي والصباغ‬
‫وغيهم‪ -‬فهو ناقل عنه‪ ،‬وأما جل مشاهي الؤرخي فلم ينقلوا شيئا يتعلق بذا المر‬
‫اللل مطلقا‪ ،‬مع إشارتم إل توسعة الهدي للمسجد‪.‬‬
‫ومثلهم ف السكوت علماء الفقه؛ إذ إن جاهيهم ل يشيوا إل شيء يتعلق‬
‫بذلك‪ ،‬مع أن القضية لا ارتباط شرعي‪ ،‬ومن أشار إل ذلك –كالرملي مثل‪ -‬فهو‬
‫ناقل عن الزرقي أيضا‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫إذن هذه القضية على جللة قدرها ليس لا من مستند تاريي إل ما دونه‬
‫الزرقي نقل عن جده فقط‪.‬‬
‫هذه لفتة أحببت أن يرمقها العاقل بعي بصيته‪ ،‬وإن كنت لن أقف عندها‪.‬‬
‫أقول مستعينا بال‪ :‬الواب عن الستدلل با أورده الزرقي من وجوه‪:‬‬
‫أول‪ :‬النقول ف كتاب الزرقي ‪-‬ومن جاء بعده ناقل عنه‪ -‬ل يتعلق بالسعى‬
‫جيعا؛ إنا يشي إل أنه طرأ شيء ما على موضع السعي –أي الرولة‪ -‬فحسب؛‬
‫فقول الزرقي ‪( :2/80‬فهدموا أكثر دار ابن عباد بن جعفر العايذي وجعلوا السعى‬
‫والوادي فيهما) إنا أراد به بطن الوادي الذي هو موضع الرولة؛ وهذا يُطلق عليه –‬
‫أيضا‪ :-‬السعى‪ ،‬وهذا الطلق أمرٌ معلوم؛ فعند الترمذي عن كثي بن جهان قال‪:‬‬
‫(رأيت ابن عمر يشي ف السعى) وف تفة الحوذي ‪( :3/601‬أي مكان السعي‬
‫وهو بطن الوادي)‪.‬‬
‫ومنه أيضا قول الزرقي ‪( :2/119‬وذرع ما بي العلم الذي ف حد النارة إل‬
‫العلم الخضر الذي على باب السجد ‪ -‬وهو السعى ‪ -‬مائة ذراع واثنا عشر‬
‫ذراعا)‪.‬‬
‫واللصة أن السعى يطلق ويراد به جيع ما بي الصفا والروة‪ ،‬ويطلق ويراد به‬
‫بطن الوادي لنه مل للسعي –أي الرولة‪ -‬ومن هذا الباب قول الزرقي السابق؛‬
‫فالتغيي الذي أشار إليه إنا يتعلق بذا الزء فحسب دون سائر السعى؛ وهذا ل شك‬
‫فيه؛ إذ كيف يُجعل السعى كله ف موضع دار؟‬
‫وقد أفصح الفاسي بتوضيح موضع التغيي الذي أشار إليه الزرقي؛ حيث قال‪:‬‬
‫(وذكر الزرقي ما يقتضي أن موضع السعي فيما بي اليل الذي بالنارة واليل‬
‫القابل له ل يكن مسعى إل ف خلفة الهدي العباسي بتغيي موضع السعي قبله ف‬
‫هذه الهة) ث نقل كلم الزرقي الذي نقلت بعضه فيما مضى‪ ،‬انظر‪ :‬شفاء الغرام‬
‫بأخبار البلد الرام ‪1/520‬‬

‫‪45‬‬
‫ثانيا‪ :‬إذا اتضح أن مل التغيي إنا يتعلق بزء من السعى –وهو مل الرولة‪-‬‬
‫فينبغي أن يُعلم أن هذا التغيي –إن صح حصوله‪ -‬فهو مصوص بزء يسي من هذا‬
‫الوضع الخصوص؛ وذلك أن دار ابن عباد كانت عند مبتدأ الوادي –مل الرولة‪-‬‬
‫وف ملها وُضع علم السعي العلق على منارة السجد –منارة باب علي‪ -‬الذي‬
‫يذكره الفقهاء ف كتبهم؛ وهو مبتدأ الرولة للقادم من الصفا إل الروة‪ ،‬وف هذا‬
‫يقول ابن عمر رضي ال عنهما‪( :‬السعي من دار ابن عباد إل زقاق بن حسي) علقه‬
‫البخاري ف صحيحه ‪ 3/501‬مع الفتح‪.‬‬
‫وقد تكلم الؤرخون عن موضع دار ابن عباد وأنا كانت عند حد ركن السجد‬
‫الرام؛ يقول الزرقي ‪( :2/79‬وكان باب دار ممد بن عباد بن جعفر عند حد‬
‫ركن السجد الرام اليوم‪ ،‬عند موضع النارة الشارعة ف بر [وف نسخة‪ :‬ف نو]‬
‫الوادي‪ ،‬فيها علم السعى‪ ،‬وكان الوادي ير دونا ف موضع السجد الرام اليوم)‪.‬‬
‫وانظر أخبار مكة للفاكهي ‪.2/208‬‬
‫والقصود أن هذه الدار ف طرف من الوادي من النوب ول تستوعبه كله؛ فهو‬
‫إذن تغيي يسي‪ ،‬ل كما يتصوره بعضهم أنه تغيي كبي‪ ،‬ويتأيد هذا بقول الفاسي‬
‫شفاء الغرام ‪( :1/520‬والظاهر –وال أعلم‪ -‬إجراء السعى [كذا‪ ،‬ولعل الصواب‪:‬‬
‫السعي] بوضع السعي اليوم وإن تغي بعضه عن موضع السعي قبله)‪.‬‬
‫ويؤيد أن التغيي يسي ليس بذي بال أن الزرقي –نفسه‪ -‬لا تكلم عن رباع مكة‬
‫ودور أهلها وبلغ بديثه إل دار عباد بن جعفر أشار إل جعل الوادي فيها ول يشر‬
‫إل شيء يتعلق بالسعى؛ حيث يقول ‪( :260-2/259‬فلما أن وسع الهدي‬
‫السجد الرام ف سنة سبع وستي ومائة وأدخل الوادي ف السجد الرام‪ ،‬أُدخلت‬
‫دار عباد بن جعفر هذه ف الوادي؛ اشتريت منهم وصُيت بطن الوادي اليوم‪ ،‬إل ما‬
‫لصق منها بالبل ‪-‬جبل أب قبيس‪.)-‬‬

‫‪46‬‬
‫ثالثا‪ :‬ما يعكر صفو ما قرره الفاسي متابعا فيه الزرقي أن من أهل العلم من قرر‬
‫أن موضع السعي –الرولة‪ -‬هو كما كان عليه ف عهد رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ول يطرأ عليه تغيي‪ ،‬وف هذا يقول ابن القيم ف زاد العاد ‪( :2/228‬والظاهر‬
‫أن الوادي ل يتغي عن وضعه)‪ .‬وبثله قال ابن جاسر ف منسكه (‪.)270‬‬
‫ويؤيده أن وضع العلم –الميال‪ -‬الت ف مل الوادي ليس إل لضبط مل سعيه‬
‫عليه الصلة والسلم‪ ،‬وعليه فالظاهر أنه ل يطرأ تغيي على هذا الوضع وإل ل يكن‬
‫لوضعها فائدة‪.‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية ف شرح العمدة – الناسك ‪( :2/464‬وقد حدد‬
‫الناس بطن الوادي الذي كان النب صلى ال عليه وسلم يسعى فيه بأن نصبوا ف‬
‫أوله وآخره أعلما‪ ،‬وتسمى أميال‪ ،‬ويسمى واحدها‪ :‬اليل الخضر؛ لنم ربا‬
‫لطخوه بلون خضرة ليتميز لونه للساعي‪ ،‬وربا لطخوه بمرة)‪.‬‬
‫ومن العجيب أن الهدي الذي يُنسب إليه نقل السعى وتوسعته شرقا هو الذي‬
‫يُنسب إليه بناء هذه العلم؛ يقول القلقشندي ف مآثر اللفة ‪ 1/185‬ف تعداد‬
‫مناقب الهدي‪( :‬وبن العلمي اللذين يُسعى بينهما)‪.‬‬
‫وإذا كان حريصا على بقاء الوضع الذي سعى فيه النب عليه الصلة والسلم‬
‫ظاهرا للمسلمي‪ ،‬سالا من التغيي؛ فكيف يُظن به أنه ينقل السعى عن موضعه؟‬
‫وهذه الميال ل تزل على حالا –بمد ال‪ -‬إل العصر الاضر قبيل التوسعة‬
‫السعودية الول‪ ،‬انظر وصفها لسي باسلمة ف تاريخ عمارة السجد الرام ‪،303‬‬
‫ث وضع ملها هذه العلمات الظاهرة الن ف سقف السعى وجوانبه‪.‬‬
‫ويتأيد هذا بوجه آخر‪ :‬وهو أن التتبع لكلم العلماء ف هذا الباب يقطع بأنم‬
‫أشد ما يكونون حرصا على اللتزام بالدي النبوي‪ ،‬ومن ذلك جعلهم الشاعر –‬
‫ومنها السعى‪ -‬أماكن توقيفية؛ ومن ذلك أنم نصوا على أن على الساعي أن يسعى‬
‫قبل وصوله اليل بستة أذرع حت يطابق مل السعي الذي جرى فيه رسول ال عليه‬

‫‪47‬‬
‫الصلة والسلم ‪-‬كما نص على هذا الشافعي وغيه من أهل العلم‪ ،‬انظر‪ :‬متصر‬
‫الزن ‪ ،76‬والغن لبن قدامة ‪ ،5/236‬وشرح العمدة لبن تيمية ‪،2/465‬‬
‫ومواهب الليل ‪ 4/156‬وغيها من كتب الفقه‪ -‬هذا مع كون الرولة سنة ومن‬
‫تركها فليس عليه شيء ف قول جاهي أهل العلم؛ فأين تنبيههم على مل السعى‬
‫النبوي عرضا لو كان ثة تغيي شرقا أو غربا؟‬
‫واللصة الستفادة ما سبق‪ :‬أن الستدل بذه القصة إن استدل با على أن‬
‫السعى قد نُقل بالكامل عن موضعه؛ فهو استدلل باطل‪.‬‬
‫وإن قال‪ :‬إن موضع الرولة قد تغي موضعه بالكامل؛ فهو أيضا قول باطل‪.‬‬
‫وإن قال‪ :‬إن موضعا يسيا ف مل الرولة قد حصل فيه تغيي؛ فهذا ليس مسلما؛‬
‫بل يلفه شيء من الشك؛ وعليه فل يصلح مستمسكا ف هذه القضية الشرعية بالغة‬
‫الهية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أنه على تسليم حصول هذا التغيي‪ ،‬وأن جزءا من السعى –ف مل‬
‫الرولة‪ -‬جُعل ف دار ابن عباد؛ فإن هذا ليس فيه ما يدل على جواز تغيي مل هذه‬
‫العبادة التوقيفي‪ ،‬أو أن هذا التغيي قد حصل بالفعل؛ وإنا غاية ما هنالك أنه أزيل‬
‫بناء كان قائما ف مل يُشرع السعي فيه‪.‬‬
‫وكأن بدار ابن عباد هذه مشابة ف حالا لدار آل الشيب الت أزيلت ف العصر‬
‫الديث –خلل التوسعة السعودية الول‪ -‬والت كان ملها بي موضع السعي من‬
‫جهة الصفا وبي الشارع العام اللصق للمسجد الرام ما يلي باب الصفا (انظر‪:‬‬
‫فتاوى الشيخ ابن إبراهيم ‪ )5/139‬وكان قرار اللجنة الذي وافق عليه ساحة الفت‬
‫الشيخ ممد بن إبراهيم رحه ال‪( :‬ول بأس من السعي ف موضع دار الشيب لنا‬
‫على مسامتة بطن الوادي بي الصفا والروة) ‪.144-5/143‬‬
‫واللصة‪ :‬أن جعل السعى ف دار ابن عباد ل يُخرج هذا الوضع من السعى عن‬
‫الد الشرعي فيما بي الصفا والروة قطعا‪ ،‬والطلوب شرعا السعي بي الصفا والروة‬

‫‪48‬‬
‫وليس الوضع الذي سعى فيه عليه الصلة والسلم على وجه الصوص‪ ،‬وهذا‬
‫حاصل بعد هذا التغيي –إن كان‪-‬؛ فلم يزل الناس يسعون بي الصفا والروة كما‬
‫كان المر قبل توسعة الهدي ول يتغي شيء من ذلك البتة‪.‬‬
‫يوضح ذلك‪ :‬أن الدرج الت على الصفا وعلى الروة قد بنيت قبل الهدي –ف‬
‫عهد والده أب جعفر النصور‪ -‬وف هذا يقول الزرقي ‪( :2/102‬حت كان عبد‬
‫الصمد بن علي ف خلفة أب جعفر النصور فبن درجهما الت هي درجهما)‪.‬‬
‫ويقول الفاكهي ‪( :2/245‬فدرجهما إل اليوم قائمة)‪.‬‬
‫فهذه الدرج بقيت على موضعها بعد التغيي الذكور –إن صح‪ -‬ول تزل كذلك‬
‫إل ما قبل التوسعة السعودية الول؛ وهي شاهد صدق على أن السلمي ل يكونوا‬
‫يسعون إل ف هذا السعى العروف بي الصفا والروة‪ ،‬وأن السعى ل يرج عن كونه‬
‫بي الصفا والروة؛ فالساعي كان ينل من هذه الدرج الت على السعى قاصدا الروة‬
‫قبل توسعة الهدي‪ ،‬واستمر المر كذلك بعد التوسعة وإل التوسعة السعودية الول‪،‬‬
‫بل وإل اليوم؛ فالسعى هو هو بمد ال‪.‬‬
‫وهذا دليل آخر على أن السلمي ل يزالوا مافظي على مل هذه الشعية دون‬
‫زيادة أو نقصان‪.‬‬
‫ويؤيده –أيضا‪ -‬أن الجاع قد قام على صحة السعي ف هذا السعى العروف‬
‫الذي توارثه الناس مع وقوع هذا التعديل الطفيف فيه إن صح ذلك‪.‬‬
‫يقول الفاسي ف شفاء الغرام ‪( :521 - 1/520‬والظاهر –وال أعلم‪ -‬إجراء‬
‫السعى [كذا‪ ،‬ولعل الصواب‪ :‬السعي] بوضع السعي اليوم وإن تغي بعضه عن موضع‬
‫السعي قبله لتوال الناس من العلماء وغيهم على السعي بوضع السعي اليوم‪ ،‬ول‬
‫خفاء ف تواليهم على ذلك ‪ ...‬وما حُفظ عن أحد منهم إنكار لذلك ول أنه سعى‬
‫ف غي السعى اليوم ‪ ...‬فيكون أجرى [كذا] السعي بحل السعي ممعا عليه عند‬
‫من وقع التغيي ف زمنهم وعند من بعدهم‪ ،‬وال أعلم)‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫ويقول الرملي ف ناية الحتاج ‪( :3/291‬ويشترط [أي ف السعي] قطع السافة‬
‫بي الصفا والروة كل مرة‪ ،‬ول بد أن يكون قطع ما بينهما من بطن الوادي‪ ،‬وهو‬
‫السعى العروف الن؛ وإن كان ف كلم الزرقي ما يوهم خلفه؛ فقد أجع‬
‫العلماء وغيهم من زمن الزرقي إل الن على ذلك)‪.‬‬
‫ويقول مل علي القاري ف مرقاة الفاتيح ‪( :5/475‬والسعى هو الكان‬
‫العروف اليوم؛ لجاع السلف واللف عليه كابرا عن كابر ول ينافيه كلم‬
‫الذرعي أن أكثره ف السجد كما توهم ابن حجر رحه ال فتدبر)‪.‬‬
‫وكلم الذرعي هذا قد حرصت على الظفر به فلم أفلح؛ ومهما يكن فليس‬
‫صحيحا أن أكثر السعى ف السجد؛ فهذا قول شاذ مالف للجاع‪ ،‬وكلم مل علي‬
‫القاري يُلمح إل أن هذا الجاع العملي مقدم على ما يقال بلفه‪.‬‬
‫ويقول الباجي ف النتقى شرح الوطأ ‪( :2/305‬والسعي بي العلمي هو الذي‬
‫يقتضيه الديث الذكور‪ ،‬وقد أَعلَمت اللفُ ذينك الوضعي حت صار إجاعا)‪.‬‬
‫ويقول مؤرخ مكة البي با ممد طاهر الكردي ف كتابه التاريخ القوي‬
‫‪( :5/363‬موضع السعي هو هو؛ ل يتغي ول يتبدل ول ينقص ول يزد)‪.‬‬
‫والستخلص من هذه النقولت أن موضع السعي العروف توقيفي ممع عليه؛‬
‫وعليه فل يوز أن يُخرج عنه بال‪.‬‬
‫وأضيف إل ما سبق جوابي آخرين يؤكدان بطلن القول بأن السعى قد توسع‬
‫شرقا كما يردد هذا بعضهم‪:‬‬
‫‪ -1‬كان يقابل باب السجد السمى باب العباس واليل العلق عليه الذي منه‬
‫مبتدأ الرولة للقادم من الروة إل الصفا – أقول‪ :‬كان يقابل هذا الباب‪:‬‬
‫دار تسمى‪ :‬دار العباس‪ ،‬وقد أطبقت كتب تاريخ مكة على تديد ملها‪،‬‬
‫وأنا كما هي قبل توسعة الهدي وبعدها‪ ،‬بل وإل الزمنة التأخرة حينما‬
‫صارت خرابا ف عهد شيخ السلم ابن تيمية –انظر‪ :‬شرح العمدة‬

‫‪50‬‬
‫‪ -2/465‬ورباطا فيما بعده –انظر‪ :‬مغن الحتاج ‪ ،1/495‬وشفاء‬
‫الغرام ‪ ،1/440‬وتصيل الرام ‪ -1/346‬أقول‪ :‬هذه الدار معروفة‬
‫ومكانا مفوظ إل وقت التوسعة السعودية الول؛ فلو كان ثة توسعة‬
‫للمسعى من جهة الشرق لدخلت هذه الدار ف التوسعة قطعا ولزال‬
‫وجودها؛ إذ ل يكن بينها وبي جدار السجد سوى خسة وثلثون ذراعا‬
‫فقط‪ ،‬أي ستة عشر مترا تقريبا! وهذا ل يكن‪.‬‬
‫‪ -2‬يلحظ أن من يرسل الكلم بأن السعى قد توسع ف مراحل متلفة من‬
‫التاريخ ل يستطيع أن ييب على هذا السؤال‪ :‬إل أي حد بلغ هذا‬
‫المتداد خلل هذه الراحل؟ ليس ف كلم الؤرخي ف هذا كلمة‬
‫واحدة! مع أنم اعتنوا بأمور هي أقل من هذا بكثي؛ حت إنم قالوا‪ :‬إن‬
‫بي جدار باب بن شيبة بالسجد الرام إل جدار الشعر الرام بزدلفة‪:‬‬
‫خسة وعشرين ألف ذراع وسبعمائة وثانية أذرع وأربعة أسباع الذراع!‬
‫انظر‪ :‬شفاء الغرام ‪1/507‬‬
‫أفتراهم يعتنون بذكر هذا التحديد ذي السافة البعيدة مع أنه ل يترتب على‬
‫ذكره فائدة‪ ،‬ويهملون تديد مسافة السعى بعد تأخي موضعه –كما يُزعم‪-‬‬
‫مع تعلق عبادة السعي به؟!‬

‫أختم هذه السألة بذكر شاهد على عناية العلماء ببقاء السعى مفوظا عن‬
‫الزيادة والنقصان‪ ،‬وعلى شدة إنكارهم على من حاول العبث بدوده التوقيفية‪ ،‬وقد‬
‫ورد ذكره سابقا‪.‬‬
‫ذلكم ما أورده القطب النفي ف كتابه العلم ‪( 106-104‬نقل عن تصيل‬
‫الرام للصباغ ‪ )348-1/346‬ف قصة تعدي أحد التجار –واسه‪ :‬ابن الزمن‪ -‬على‬
‫السعى حي اغتصب من جانبه ثلثة أذرع ليجعلها ضمن أرض يبن عليها رباطا‬
‫للفقراء؛ فمنعه قاضي مكة ابن ظهية وجع مضرا من العلماء وفيهم من علماء‬

‫‪51‬‬
‫الذاهب الربعة وقابلوا هذا التاجر (وأنكر عليه جيع الاضرين وقالوا له ف وجهه‪:‬‬
‫أنت أخذت من السعى ثلثة أذرع وأدخلتها‪ ،‬وأحضروا له النقل بعرض السعى من‬
‫تاريخ الفاكهي‪ ،‬وذرعوا من جدار السجد إل الحل الذي وضع فيه ابن الزمن‬
‫الساس فكان عرض السعى ناقصا ثلثة أذرع)‪.‬‬
‫فهذا شاهد على اهتمام أهل العلم بذا الشعر العظيم ومنع التغيي فيه حت ولو‬
‫كان قدرا يسيا ل يتجاوز مترا ونصفا‪ ،‬ونمد ال أن هذا التعدي كان مؤقتا وزال؛‬
‫فإن التوسعة السعودية الول قد استوعبت السعى بعرضه التوائم مع ما ذكره‬
‫الؤرخون القدماء ول المد‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫الاتة‬

‫هذا ما أردت بيانه ف هذه السألة؛ إبراء للذمة‪ ،‬وصدعا بالق الذي أدين به‪،‬‬
‫وال يشهد أن بذلت قصارى جهدي ف الوصول إليه‪.‬‬
‫وإنن ف ختام هذا البحث لهيب بأهل العلم وبأصحاب القرار أن يعيدوا النظر‬
‫ف هذه التوسعة‪.‬‬
‫إن خيا للمة أن تبقى على المر الواضح الستبي الذي مضى عليه عمل‬
‫السلمي وتوارد عليه الناس وتلقاه اللف عن السلف‪ ،‬بعيدا عن التكلف ف‬
‫الستدلل واتباع التشابه من كلم أهل العلم؛ فهذا الذي ل ينازع عاقل ف أنه أسلم‬
‫ف الدين وأبرأ للذمة‪ ،‬وبه تصل الطمأنينة بصحة العبادة‪.‬‬
‫وإذا كان العقد قد انفرط ول يكن التدارك فل أقل من جعل السعى القدي باله‬
‫ذهابا وإيابا‪ ،‬فمن طابت نفسه بالسعي ف السعى الحدث فدونه‪ ،‬ومن أراد أن يسعى‬
‫كما سعى السلمون قبله فل يبقى ف صدره حرج من صحة عبادته‪.‬‬
‫وكأن بذه التوسعة ‪-‬لو مضت كما هو مرسوم لا‪ -‬وقد وقف العقلء إزاءها‬
‫عاجزين عن حل معضلة كبى؛ أل وهي التنازع والتدافع اللذين سيسببهما إصرار‬
‫كثي من السلمي على السعي ف السعى القدي ذهابا وميئا احتياطا لعبادتم! وحينها‬
‫سنقع ف شر ما فررنا منه‪ ،‬والمر ل‪.‬‬
‫ويسن أن أحلي ختام البحث بكلمات نيات للشيخ العلمة ممد بن إبراهيم‬
‫رحه ال تتعلق بذا الوضوع‪.‬‬
‫قال رحه ال‪( :‬يتعي ترك الصفا والروة على ما ها عليه أولً‪ ،‬ويسعنا ما وسع‬
‫من قبلنا ف ذلك‪ ،‬ولو فُتحت أبواب القتراحات ف الشاعر لدى ذلك إل أن تكون‬
‫ف الستقبل مسرحًا للراء‪ ،‬وميدانًا للجتهادات‪ ،‬ونافذة يول منها لتغيي الشاعر‬
‫وأحكام الج‪ ،‬فيحصل بذلك فساد كبي ‪ ...‬ول ينبغي أن يُلتفت إل أمان بعض‬
‫الستصعبي لبعض أعمال الج واقتراحاتم‪ ،‬بل ينبغي أن يُعمل حول ذلك البيانات‬

‫‪53‬‬
‫الشرعية بالدلئل القطعية الشتملة على مزيد الث والترغيب ف الطاعة والتمسك‬
‫بدي رسول ال صلى ال عليه وسلم وسنته ف العتقدات والعمال‪ ،‬وتعظيم شعائر‬
‫ال ومزيد احترامها) الفتاوى (‪.)147-5/146‬‬

‫أسأل ال تعال أن يرزقنا الفقه ف الدين‪ ،‬وحسن التباع للنب الكري عليه الصلة‬
‫والسلم ‪-‬ففي ذلك الي كل الي‪ -‬كما أسأله جل وعل أن يوفق ولة أمورنا إل‬
‫ما فيه صلح الدين والدنيا‪ ،‬وأن يزيدهم توفيقا‪ ،‬وأن ين عليهم بالداية إل الق‬
‫والعمل به؛ إن رب قريب ميب‪.‬‬
‫والمد ل رب العالي‪ ،‬وصلى ال وسلم وبارك على عبده ورسوله ممد وعلى‬
‫آله وصحبه أجعي‪.‬‬

‫تت كتابة مسودة هذا البحث ف ‪2/4/1429‬هـ‪ ،‬ث راجعته وأضفت إليه وهذبته بعدُ‪.‬‬

‫‪dr.saleh.s@gmail.com‬‬

‫‪54‬‬

You might also like