Professional Documents
Culture Documents
كتبها
د .صال بن عبد العزيز بن عثمان سندي
ملحوظة:
ل تطب نفسي بنشر البحث حت عرضته على عدد من أهل العلم وطلبه؛
فاستحسنوه ،وحثوا على نشره ،والمد ل على إعانته.
بسم ال الرحن الرحيم
المد ل رب العالي ،وصلى ال وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا ممد
وعلى آله وصحبه أجعي ،أما بعد:
فل أظن أن مسألة فقهية معاصرة قد حظيت با حظيت به توسعة السعى الت
قامت مؤخرا من نقاش علمي وحشد إعلمي ،وقد كنت متابعا لا يُكتب ويُقال منذ
ابتداء العمل فيها وإل هذه اليام.
ولقد هالن ما قرأت وما سعت ما أجلب عليه كثي من التكلمي ف الوضوع
من أدلة ،وما طوعوه من قواعد ليوافق ما اختاروا ،ولست بالتأكيد أعن الميع.
إن الق الذي ل ريب فيه أن الصفا والروة من شعائر ال ،والسعى بينهما م ٌل
توقيفي عرفه السلمون أجعون كما هو دون زيادة أو نقصان ،وتوارثوه على حاله
جيل بعد جيل.
والقائلون بواز هذه التوسعة ل يظفروا –على كثرة ما بثوا وقالوا -بدليل
صحيح صريح الدللة ل معارض له يعضد ما نصروا ،ول بنص واحد عن إمام معتب
من أئمة السلمي السابقي ييز فيه توسعة السعى ،ول بنقل عن أحد منهم أنه سعى
ف غي السعى العروف.
وهذه الوراق فيها بث هذا الوضوع :تأصيل له ،ومناقشة لدلة الجيزين،
وكان الوصول إل الق قصدي ف كتابتها.
كما قصدت السعي ف الذب عن أعراض علماء أعلم تناولتهم ألسنة وأقلم
بغمز ولز لفتواهم بعدم الواز ،مع أنم –دون شك -أسعد بالصواب.
أسأل ال أن يعل هذا الكتوب مسددا نافعا ،كما أسأله أن يوفق ولة أمرنا
وعلماءنا إل ما يب ،وأن يأخذ بأيديهم إل ما يرضيه ،وال الستعان.
2
السألة الول :مل السعي.
إن ما ل تتلف فيه كلمة السلمي أن مل السعي شرعا :ما بي الصفا والروة،
صفَا وَاْلمَرْوَ َة مِنْ َشعَائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجّ
ودليل ذلك من كتاب ال قوله تعالِ( :إنّ ال ّ
ف بِهِمَا).
ح عََليْ ِه أَنْ يَطّ ّو َ
اْلَبْيتَ أَ ِو ا ْعتَمَ َر فَلَا ُجنَا َ
ودليله من السنة :كونه الحل الذي سعى فيه النب عليه الصلة والسلم ،وقد جاء
ف السنة عشرات الحاديث –ف الصحيحي وغيها -فيها التنصيص على أنه عليه
الصلة والسلم سعى بي الصفا والروة ،وهو القائل( :خذوا عن مناسككم) أخرجه
مسلم.
وعليه فمن سعى خارجا عما بي الصفا والروة ل يكن متثل للمر الشرعي؛
والنب عليه الصلة والسلم يقول( :من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه
مسلم.
ولجل هذا فقد نص جع من الفقهاء على أن من شروط صحة السعي أن يكون
ف مله بي الصفا والروة.
قال الرملي ف ناية الحتاج ( :3/291ويشترط [أي ف السعي] قطع السافة بي
الصفا والروة كل مرة ،ول بد أن يكون قطع ما بينهما من بطن الوادي ،وهو
السعى العروف الن) .ث نقل إجاع العلماء وغيهم من وقت الزرقي (قيل إنه
توف ف 223هـ ،وقيل 250هـ ،وقيل غي ذلك) إل زمانه (توف ف
1004هـ) على أن السعي إنا هو ف السعى العروف.
وانظر أيضا :حاشية البجيمي على الطيب ،2/375وغيها من كتب
الشافعية.
وأنبه هنا إل أن الوادي ف كلم الرملي وغيه من العلماء ف هذا القام يراد به
السيل الذي بي الصفا والروة ،قال ابن جبي ف رحلته ( :88وما بي الصفا والروة
3
مسيل) .وليس هذا هو الوادي الخر المتد شرقا وغربا الذي ير به ف موضع
الرولة.
ومن كلم العلماء ف الشتراط الذكور قول الطاب الالكي ف مواهب الليل
لشرح متصر خليل ( :4/118وللسعي شروط ...ومنها كونه بي الصفا والروة؛
فلو سعى ف غي ذلك الحل بأن دار من سوق الليل أو نزل من الصفا فدخل
السجد ل يصح سعيه).
وف السلك التقسط ف النسك التوسط ( )192لل علي القاري –مع حاشيته
إرشاد الساري -أثناء الكلم عن شروط السعي؛ ذكر ف الشرط الول(( :كينونته
بي الصفا والروة) أي بأن ل ينحرف عنهما إل أطرافهما).
وهذا الشتراط ل تل منه كتب الفقه العاصرة أيضا؛ ففي فقه السنة لسيد سابق
1/639أثناء الكلم عن شروط السعي( :وأن يكون السعي ف السعى؛ وهو الطريق
المتد بي الصفا والروة).
4
على أن من الشافعية من استشكل جواز هذا عن الشافعي وتأوله بأنه أراد اللتواء
الذي ل يرج عن حدود السعى ،كما تده ف تفة الحتاج وحواشي الشروان
وغيها من كتب الشافعية.
وقال النووي –أيضا -ف اليضاح ف مناسك الج – 290مع حاشية
اليتمي ... ( :-فلو أنه لا عاد من الروة عدل عن موضع السعي وجعل طريقه ف
السجد أو غيه وابتدأ الرة الثانية من الصفا أيضا ل يصح) .إذن فللسعي موضعه
الواضح العلوم.
ومن تقرير العلماء لذا الكم أيضا :قول شيخ السلم ابن تيمية ف شرح العمدة
( :2/599لو سعى ف مسامتة السعى وترك السعي بي الصفا والروة ل يزه).
5
السألة الثانية :تديد السعى.
قد تقرر ف القرآن الكري أن الصفا والروة من شعائر ال سبحانه ،قال تعالِ( :إنّ
صفَا وَالْ َمرْوَةَ مِ ْن َشعَائِرِ اللّهِ) أي من أعلم دينه الظاهرة الت تعبّد با عباده.
ال ّ
وهذا الوضع معروف بيّن عند السلمي كافة ل يتلفون فيه ،وليس لم –عب
تاريهم -مكان يسعون فيه سواه.
6
أما عن الول :فإن من العلماء من ذكر حد السعى إجال؛ وهو عرض الوادي
–كما سبق النقل من الجموع للنووي – وهذا الوادي كان موجودا قديا ،وهو مل
السعي.
غي أن آخرين من أهل العلم كانوا أكثر تدقيقا؛ فقد حددوا عرض السعى
بالذراع ،وأقدم من وقفت عليه قد اعتن بذا المر :أبو الوليد الزرقي (قيل إنه توف
ف 223هـ ،وقيل 250هـ ،وقيل غي ذلك) ؛ فإنه ذكر ف أخبار مكة 2/119
أن عرض السعى –فيما بي العلم الذي على باب السجد إل العلم الذي على دار
العباس -خسة وثلثون ذراعا ونصف ذراع.
وعلى القول بأن الذراع 46.2سم (انظر :معجم لغة الفقهاء )420؛ فيكون
العرض إذن :ستة عشر مترا ونصفا تقريبا ،وعلى القول بأن الذراع 48سم –كما
ف تاريخ عمارة السجد الرام لباسلمة-فيكون عرض السعى :سبعة عشر مترا
تقريبا .وإذا كان القصود بالذراع الذراع الاشية فإنا أكب من ذلك إذ تبلغ (64
سم) (انظر :العجم الوسيط .)311
ومن الكتب الت نصت عليه أيضا :كتاب :الناسك وطرق الج ،فقد جاء فيه
ص ( :502وذرع السعى من السجد الرام إل دار العباس :اثنان وثلثون ذراعا).
وبناء على هذا التحديد يكون عرضه :أقل من خسة عشر مترا بقليل أو أكثر
بقليل؛ بسب الختلف ف طول الذراع.
وقريب من هذا التحديد ما جاء عند الفاسي ف شفاء الغرام ( )1/519إذ جعل
السافة بي باب العباس إل دار العباس :إحدى وثلثي ذراعا وخسة أسباع ذراع.
وأما من العلم الذي بالنارة العروفة بنارة باب علي إل اليل القابل له ف الدار
العروفة بدار سلمة فقد ذكر أنه سبعة وثلثون ذراعا ونصف ذراع وسدس سبع
ذراع.
7
ومن اعتن بذكر عرضه أيضا :الفاكهي؛ فقد قال رحه ال ف أخبار مكة
( :2/243وذرع ما بي العلم الذي على باب السجد إل العلم الذي بذائه على
باب دار العباس بن عبد الطلب رضي ال عنه -وبينهما عرض السعى -خسة
وثلثون ذراعا واثنتا عشرة أصبعا) فيكون العرض :ستة عشر مترا تقريبا.
وقد تابعه على هذا جاعة من فقهاء الشافعية؛ كما ف تفة الحتاج وحاشية
البجيمي على النهاج وحاشية المل وحواشي الشروان وحاشيتا قليوب وعمية
وغيها.
وما يضاف إل ذلك :ما أورده القطب النفي ف كتابه العلم 106-104
(نقل عن تصيل الرام للصباغ )348-1/346ف قصة تعدي أحد التجار –
واسه :ابن الزمن -على السعى حي اغتصب من جانبه ثلثة أذرع ليجعلها ضمن
أرض يبن عليها رباطا للفقراء؛ فمنعه قاضي مكة ابن ظهية وجع مضرا من العلماء
وفيهم من علماء الذاهب الربعة وقابلوا هذا التاجر (وأنكر عليه جيع الاضرين
وقالوا له ف وجهه :أنت أخذت من السعى ثلثة أذرع وأدخلتها ،وأحضروا له النقل
بعرض السعى من تاريخ الفاكهي ،وذرعوا من جدار السجد إل الحل الذي وضع
فيه ابن الزمن الساس فكان عرض السعى ناقصا ثلثة أذرع).
وأما عن تديد عرض الصفا والروة :فقد تقدم أن السعي شرعا هو ما بي
الصفا والروة ،وقد كان التقدمون –من وقفت على كلمهم -يكتفون بالوصف
الجال لما.
ومن تأمل ما ذكره العلماء ف هذا الوضع يقطع أن الصفا والروة جُبيلن
صغيان ،وسيأت النقل ف هذا -بعون ال -مفصل.
أما عن العاصرين :فإن منهم من اعتن بتحديده تديدا دقيقا؛ من ذلك ما قام به
الؤرخ الستاذ حسي باسلمة؛ فإنه قام بذرع عرض الصفا؛ فقال( :وعرض أصل
الصفا الت عليها الثلثة العقود ( )12مترا) تاريخ عمارة السجد الرام ص .303
8
كما قامت اللجنة الت كُلفت ف عهد الشيخ ممد بن إبراهيم آل الشيخ والكونة
من الشيخ عبد اللك بن إبراهيم ،والشيخ عبدال بن جاسر ،والشيخ عبد ال بن
دهيش ،والشيخ علوي مالكي ،والشيخ ممد الركان ،والشيخ يي أمان ،بضور
صال قزاز وعبد ال ابن سعيد مندوب الشيخ ممد بن لدن بذرع الصفا كامل –با
ف ذلك ما زاد على العقود الثلثة -وكان فيما قررت اللجنة( :وبناء على ذلك فقد
جرى ذرع عرض الصفا ابتداء من الطرف الغرب للصخرات إل ناية ماذاة الطرف
الشرقي للصخرات الذكورة ف مسامتة موضع العقود القدية ،فظهر أن العرض
الذكور يبلغ ستة عشر مترًا) فتاوى الشيخ ابن إبراهيم 5/148
وسبب الختلف بي التقديرين راجع إل أن باسلمة قد ذرع ما عليه العقود
الثلثة فقط ،أما اللجنة فقد ذرعت أصل الصفا ،وفيه قدر زائد على ما وضعت
العقود عليه.
واللحظ أن هذه السافة الت ذكرها أعضاء اللجنة توافق تديد العلماء لعرض
السعى قديا تقريبا منذ عهد الزرقي (ت 223هـ ،أو 250هـ) وإل هذا العصر،
مرورا بن ذُكر سابقا؛ وهذا يرد قول من قال :إن ما ذُكر ف كتب العلماء من تديد
للمسعى ما هو إل حكاية للواقع؛ لنه لو كان كذلك لختلف من عصر إل عصر؛
والواقع خلف ذلك؛ فجميع من حدّد عرض السعى متفقون ف تديدهم أو
متقاربون؛ من عهد الزرقي وإل هذا العصر.
وإذا كان هناك اختلف بي تلك التحديدات السابقة فهو يسي ل يتجاوز التر
إل الترين؛ والطب ف ذلك يسي ،إذ ذراع اليد ليس مقياسا منضبطا؛ وإنا هو
مقياس تقريب ،والذرع متفاوتة طول وقصرا ،ث إن هناك أنواعا من الذرع سوى
ذراع اليد؛ فثمة ذراع الديد ،والذراع الاشية ،وكل ذلك معروف ف كتب أهل
العلم؛ فقد يكون تفاوت التقديرات لتفاوت نوع الذراع ،وال أعلم.
9
غي أن الذي ل شك فيه أن التوسعة السعودية الول –عند مقارنتها بكلم
العلماء ف تديد السعى -قد جاءت مستوعبة لعرضه على أوسع تقدير؛ فليس هناك
مال للزيادة عليها.
ث إنا قد جعلت السعى على استقامة واحدة؛ وهذا يقتضي أنا أزالت بروز
بعض البان الشرفة عليه الذي كان يضيق به عرض السعى ف بعض الواضع؛ وذلك
البوز -ما كان قبل التوسعة -إما أن يكون داخل ف حدود السعى؛ فيكون قد
أزيل؛ أو ل يكون كذلك؛ فتكون إزالته من اللتواء اليسي الغتفر الذي رخص فيه
بعض أهل العلم –كما سبق -إذ ل يرج الساعي عن كونه ساعيا بي الصفا
والروة ،وف قرار اللجنة الضمن ف فتاوى الشيخ ابن إبراهيم ( )5/143ما يشي إل
ذلك.
ول ريب أن الضرورة تقتضي جعل السعى على استقامة واحدة من أوله إل
آخره؛ لنه مع الزحام الشديد فيه سيحصل ضرر كبي على الساعي لو كان واسعا
ف موضع ضيقا ف موضع آخر.
وأنبه أخيا إل أنه ليس فيما تقدم حجة للمجيزين للتوسعة الديدة؛ فأين
الترخص بتر ونوه من إنشاء مسعى جديد يبلغ عشرين مترا؟!
10
-4أن العلماء قد حددوا السعى تديدا دقيقا منذ القرن الثالث –أو
آخر الثان -وإل العصر الاضر ول يكن بينهم ف هذا التحديد
خلف يُذكر.
-5أن التوسعة السعودية الول قد استوعبت حدود السعى ،وجعله
على استقامة واحدة ل يرجه عن كونه الشعر الرام الحفوظ عب
القرون.
11
السألة الثالثة :مناقشة استدللت الجيزين لتوسعة السعى.
المر الثان :لحظت أن كثيا من تناولوا هذا الوضوع ل يقفوا مليا عند السعى
الال وسبب اقتصاره على وضعه الذي هو عليه؛ مع أن هذا من أهم ما يلزم التأمل
فيه.
لقد كان الهتمام ببيت ال الرام والشاعر الشرفة وخدمة الجاج والعتمرين
مط اهتمام ولة المر ف هذه البلد الباركة ،وكان أن وفق ال اللك عبد العزيز
ومن ث ابنه سعودا –رحهما ال -إل العناية البالغة بالسجد الرام؛ فشمل ذلك
12
رصف السعى وإحكام تسقيفه وإزالة السواق الحدقة به ،إضافة إل التوسعة الكبى
للمسجد.
ولجل أن تكون هذه العناية والتوسعة موافقة للحكام الشرعية فقد ت تكليف
مفت البلد الشيخ ممد بن إبراهيم رحه ال بالنظر ف التحديد الشرعي للمسعى
والصعد إل الصفا والروة وبعض البان الجاورة لذلك؛ فقام رحه ال بتشكيل لان
مكونة من أهل العلم الشرعي ومن أهل العرفة بكة وجغرافيتها لتقلد هذه الوظيفة
بالغة الهية ،فقاموا با أوكل إليهم بعد معاينة للواقع ،ومراجعة علمية وتاريية،
والوقوف على الرائط التعلقة بذا الشعر ،مع السؤال والتحقيق ،ويتابع هذا ساحة
الفت رحه ال.
والظن فيهم أنم كانوا يستحضرون عظم هذه السئولية الت اضطلعوا با ،وأن
مليي السلمي سيؤدون عبادة السعي ف ضوء ما يقررونه من مساحة السعى طول
وعرضا.
ث إن هذا كله كان على مرأى من علماء مكة ووجهائها وبقية علماء البلد
وغيها.
إن هذه القبة الهمة ف تاريخ السعى وما يتعلق با من خلفيات وملبسات ل
يناسب أن يُتعامل معها بغض الطرف ،ول أن تُتناول بأطراف الصابع؛ بل ينبغي أن
تقدر قدرها ،وأن تُعطى أهيتها اللئقة با.
إن أي رأي يُطرح هذه اليام يدعو إل توسعة السعى يب أن يستحضر جيدا
وضع السعى الال ولِم كان بذه الدود العروفة ،وهل ما يالف هذه الدود
يستند إل ما هو أقوى؟
أعتقد أن من أنعم النظر وأنصف سيجيب بالنفي ،ولعل ف الصفحات التية تلية
المر.
ويسن التنبيه ههنا إل ما يشي إليه بعضهم من أن اقتصار اللجان العلمية إبان
التوسعة السابقة على هذا القدر الال إنا كان لجل أنم رأوا أن القتصار على هذا
13
القدر كافٍ ومؤدٍ للغرض بالنظر إل أعداد الجاج والعتمرين ف ذاك الزمان؛ كل؛
ل يكن المر كذلك؛ فإن من يتأمل ما قرره الشايخ –كما ف فتاوى الشيخ ابن
إبراهيم -يلحظ أنه كان ثة رغبة جادة ف معرفة جيع ما يكن دخوله ف حدود
السعى وإضافته إل الشروع توسعةً على السلمي وتفيفا لتزاحهم.
14
الستدلل الول :شهادة الشهود بأن الصفا والروة كانا أوسع ما عليه عرض
السعى حاليا.
فقد اشتهر أن جاعة بلغوا نوا من ثلثي من معمري أهل مكة قد شهدوا بأنم
أدركوا جبلي الصفا والروة أوسع ما عليه عرض السعى حاليا با ل يقل عن عشرين
مترا ،بل ذكر بعضهم أن البلي متسعي شرقا اتساعا كبيا ،وأن لما أكتافا ،وأنه
قد قام عليهما بيوت ومساكن.
والظاهر من حال الستدل بذا الدليل أنه ل ينازع ف أن الطلوب شرعا أن يكون
السعي فيما بي الصفا والروة ول يرج عن حدودها ،غي أنه ينازع ف قصر السعى
على هذا القدر الوجود الن ،ويرى أن عرض السعى الال أقل من عرض البلي
سابقا؛ وبناء عليه فإنه ل يرى حرجا ف توسعة السعى؛ لن هذه التوسعة لن ترج
عن عرض البلي.
هذا باختصار تقرير هذا الستدلل ،وهو –فيما يبدو -أقوى ما احتج به
الجيزون.
والذي يظهر –وال تعال أعلم-أنه دليل ضعيف جدا؛ وبيانه بأمرين:
المر الول :أن شهادة هؤلء الشهود إنا هي ف أمر ظاهر للعيان؛ لنا شهادة
برؤية جبل كبي متسع ،وعليه فيقال :إن شهادتم هذه معارَضة بشهادة تالفها،
وهي أرجح منها؛ ويظهر هذا با يأت:
أ -أن اللجان الشكلة لدراسة وضع السعى إبان التوسعة السعودية الول قد
شهدت بلف ذلك؛ وهو وأن جبلي الصفا والروة إنا ها بذا العرض الذي جُعل
عليه السعى الال؛ ومن نظر ف فتاوى الشيخ ابن إبراهيم ( )149-5/138علم
صدق ذلك.
وتوضيح ذلك :أن هذا التحديد قد شهد به أعضاء اللجنة الكونة لدراسة وضع
الصفا ودخول دار الشيب ومل الغوات الواقعي بي موضع الصفا وبي الشارع
15
العام اللصق للمسجد الرام ما يلي باب الصفا ،وذلك ف عام 1374هـ -وهم:
الشيخ عبد اللك بن إبراهيم ،والشيخ عبد ال ابن دهيش ،والشيخ علوي مالكي-
وقد قاموا بذا وشاهدوا الواقع بأنفسهم؛ فقد جاء ف قرارهم( :فقد توجهنا فوقفنا
على "اليل" الذكور .وصحبنا معنا مهندسًا فنيًا ،وجرى البحث فيما يتعلق بتحديد
عرض السعى ما يلي الصفا) فتاوى ابن إبراهيم 5/139
وقد قاموا –كما جاء ف منصوص القرار -بالضافة إل هذه العاينة براجعة كلم
العلماء والؤرخي فيما يتعلق بذلك ،وساقوا جلة من نصوصهم الت وقفوا عليها،
كما قاموا براجعة بعض الصكوك السجلة بالحكمة الكبى بكة ،وسؤال أغوات
الرم عن تاريخ وحدود دارهم.
وتُوج هذا بوقوف الشيخ ممد بن إبراهيم على هذا الواقع مع عدة من الثقات؛
ففي الفتاوى ( :5/139فبعد الوقوف على هذا الوضع ف عدة رجال من الثقات
رأيت هذا القرار صحيحًا ،وأفتيت بقتضاه ،قاله الفقي إل عفو ال ممد بن إبراهيم
آل الشيخ).
ب -ومن ذلك أيضا :ما شهد به جلة من أهل العلم فيما يتعلق بالصفا؛ ففي
فتاوى ابن إبراهيم 5/144يقول الشيخ ممد بن إبراهيم رحه ال( :وحيث قد
وعدت جللتكم بالنظر ف موضوع الصفا؛ ففي هذا العام بكة الكرمة بثنا ذلك،
وتقرر لدي ولدى الشايخ :الشيخ عبد العزيز بن باز ،والشيخ علوي عباس الالكي،
والخ الشيخ عبد اللك بن إبراهيم ،والشيخ عبد ال بن دهيش ،والشيخ عبد ال بن
جاسر ،والشيخ عبد العزيز ابن رشيد :على أن الحل الحجور بالخشاب ف أسفل
الصفا داخل ف الصفا ،ماعدا فسحة الرض الواقعة على يي النازل من الصفا فإننا ل
نتحقق أنا من الصفا .أما باقي الحجور بالخشاب فهو داخل ف مسمى الصفا ...
هذا وعند إزالة هذا الاجز والتحديد بالفعل ينبغي حضور كل من الشايخ :الخ
الشيخ عبد اللك ،والشيخ علوي الالكي ،والشيخ عبد ال بن جاسر والشيخ عبد ال
16
بن دهيش ،حت يصل تطبيق ما قرر هنا ،وبال التوفيق) .وكان هذا عام
1380هـ.
ج -ومن ذلك أيضا :ما شهد به جلة من أولئك الشايخ؛ ففي فتاوى الشيخ ابن
إبراهيم أيضا ( :5/147ف يوم الثلثاء الوافق 10/2/1378هـ اجتمعت اللجنة
الكونة من كل من :الشيخ عبد اللك بن إبراهيم ،والشيخ عبد ال بن جاسر،
والشيخ عبد ال بن دهيش ،والسيد علوي مالكي ،والشيخ ممد الركان ،والشيخ
يي أمان ،بضور صال قزاز وعبد ال ابن سعيد مندوب الشيخ ممد بن لدن،
للنظر ف بناء الصعدين الؤديي إل الصفا ...
وبناء على ذلك فقد جرى ذرع عرض الصفا ابتداء من الطرف الغرب
للصخرات إل ناية ماذاة الطرف الشرقي للصخرات الذكورة ف مسامتة موضع
العقود القدية ،فظهر أن العرض الذكور يبلغ ستة عشر مترًا ...
كما وقفت اللجنة أيضًا على الروة ،فتبي لا بعد الطلع على الرائط القدية
والديثة للمسعى ،وبعد تطبيق الذرع للمسافة فيما بي الصفا والروة كما نص على
ذلك المام الزرقي والمام الفاسي ف تأريهما بأن السافة الذكورة تنتهي عند
مراجعة موضع العقد القدي من الروة )...إل آخر ما جاء ف هذا القرار.
د -ومن ذلك أيضا شهادة الؤرخ حسي باسلمة الذي قام بذرع السعى بنفسه
كما ف :تاريخ عمارة السجد الرام ،304-302وقد تقدم شيء من كلمه
سابقا.
فبعد كل ذلك يقال :إن كان الشهود العاصرون قد شهدوا برؤيتهم فإن هؤلء
العلماء قد شهدوا برؤيتهم أيضا؛ وإذا كان ل بد من الترجيح بي الشهادتي –نظرا
لتعارضهما -فإن ما ل شك فيه أن شهادة أولئك الشايخ مقدمة؛ وذلك لوجوه:
17
أول :أن أولئك الشايخ أرفع قدرا وأعلى كعبا ف العلم والفهم إل غي ذلك من
خللم الكرية؛ ومن العلوم عند أهل العلم أن رواية الوثق وشهادته مقدمة على من
دونه.
ثانيا :أن ما قرره أولئك الشايخ ليس شهادة فحسب؛ بل هو شهادة وزيادة؛ إنه
قرار مبن على تكليف من ول المر بتحديد مشعر تقام فيه عبادة شرعية؛ فل ريب
أنم استفرغوا وسعهم ف تقيق ما أنيط بم على الوجه الرضي؛ فجمعوا بي العاينة
والدراسة والراجعة والسؤال والطلع على الرائط والصكوك –كما هو مدون ف
فتاوى الشيخ ابن إبراهيم -لعلمهم بأن التحديد الذي سيصدرون عنه سيكون له ما
وراءه.
وأضيف إل ما سبق أيضا :ما ذكرته آنفا من أن من يتأمل ما قرره الشايخ –
كما ف فتاوى الشيخ ابن إبراهيم -يلحظ أنه ليس مرد تديد ما هو واقع؛ بل
كان ثة رغبة جادة ف معرفة جيع ما يكن دخوله ف حدود السعى وإضافته إل
الشروع توسعةً على السلمي وتفيفا لتزاحهم.
فهل بعد هذا ثة مقارنة بي قرارهم وهذه الشهادة الديثة الت أخبوا فيها بجرد
مشاهدة شاهدوها ،وعمر بعضهم ف ذلك الوقت ل يتجاوز أربع عشرة سنة!
ويا ل العجب! جبل متد لكثر من خسي مترا –كما يقول بعض الشهود-
تتعلق به عبادة عظيمة ،وجبل مثله على الانب الخر ،ول يراها أهل العلم
الكلفون بالنظر إليهما وتديدها ،ويظفر برؤيتهما فلن وفلن من دونت
شهادتم!
هل هذا مقبول عقل؟
لست أتم الشهود بالكذب ،حاشا وكل ،كما أن لست أشك أن الذي رآه
هؤلء ليس هو الصفا والروة اللذين تعلقت بما عبادة السعي قطعا؛ لقد رأى الشهود
شيئا آخر؛ وسيأت بيان ذلك بوضوح بعون ال.
18
ثالثا :أن شهادة أولئك الشايخ كانت ف الوقت الذي رأوا فيه الشهود عليه؛
بلف شهادة الشهود الاليي الذين أدلوا بشهادتم بعد مرور أكثر من خسي عاما
على مشاهدتم -بعد أن أزيلت البال -فاحتمال الوهم بالنسبة لم أكب دون ريب.
بعبارة أخرى :إذا أدل شهود با رأوه بأعينهم ف الال ،وآخرون أدلوا
بشهادتم بأنم رأوا شيئا ما قبل أكثر من خسي عاما ،ث اختلفت الشهادة؛ فأي
الشهادتي القدم؟ ل شك أن الواب واضح.
رابعا :أن شهادة أولئك الشايخ قد تأيدت بعدم معارضة بقية العلماء ف مكة
وغيها ،وكذا كبار السن والوجهاء؛ حيث ل يُعلم أن أحدا اعترض عليهم بأنم
انتقصوا من حد هذا الشعر الرام –ومن أولئك أيضا أصحاب الشهادات الديدة؛
إذ ل يُسمع لم صوت أنذاك -وهذه القضية من مهمات القضايا الت ل يسع
السكوت فيها بال ،ل سيما من أهل العلم والرأي؛ فهذه قرينة ترجح صواب ما
صدر القرار به.
ول يقال ههنا إن عدم النكار سببه عدم الاجة؛ بعن :أنه ل يقال إن عدم
إنكارهم راجع إل أنم رأوا أن هذا القدر الذي صدر القرار به كافٍ للناس ف ذلك
الزمان مع كونه غي مستوفٍ للحد الشرعي؛ إذ ل تزل الشكوى من الزحام ف
السعى –مع وجود السوق على حافتيه ،واختلط الناس ف الذهاب والياب-
مشتهرة من قدي؛ فهذا ابن جبي يقول ف رحلته ( :88والساعون ل يكادون
يلصون من كثرة الزحام).
ويقول ابن بطوطة ف رحلته ( :103والساعون بي الصفا والروة ل يكادون
يلصون لزدحام الناس على حوانيت الباعة).
ومن لحظها وأشار إليها أصحاب الفضيلة أعضاء اللجان الكلفة بدراسة حدود
السعى أنفسهم .انظر :ما جاء ف قرار اللجنة ف فتاوى الشيخ ابن إبراهيم ،5/143
.148
19
خامسا :من أقوى القرائن الت ترجح شهادة أولئك الشايخ :موافقة تديدهم
لكلم العلماء السابقي؛ فالفقهاء والؤرخون يذكرون عن الصفا والروة أنما
جبيلن ،أو جبلن صغيان ،أو حجران ،ويصفانما بالنفاض؛ وهذا ل يتفق مع
شهادة الشهود الاليي .وبيان هذا أكثر ف الواب الثان.
سادسا :ما يرجح جانب شهادة أولئك الشايخ أن الذي شهدوا به هو الذي وقع
عليه التواتر العملي من السلمي من قدي الزمان؛ وقد تقدم كلم الرملي وهو قوله ف
ناية الحتاج ( :3/291ويشترط [أي ف السعي] قطع السافة بي الصفا والروة كل
مرة ،ول بد أن يكون قطع ما بينهما من بطن الوادي ،وهو السعى العروف الن).
ث نقل إجاع العلماء وغيهم من وقت الزرقي (قيل إنه توف ف 223هـ ،وقيل
250هـ ،وقيل غي ذلك) إل زمانه (توف ف 1004هـ) على أن السعي إنا هو
ف السعى العروف عندهم.
ومثله أيضا قول مل علي القاري ف مرقاة الفاتيح ( :5/475والسعى هو
الكان العروف اليوم؛ لجاع السلف واللف عليه كابرا عن كابر).
20
ول إخال الفتي بالواز ول أصحاب تلك الشهادات الديدة يقولون إن الناس
قديا كانوا يسعون ف مساحة أرحب من هذه؛ ومن قال هذا فعليه الدليل.
ث إن الصور اللتقطة للمسعى قبل أكثر من خسي سنة كافية ف رد هذا الزعم؛
فهي واضحة كالشمس ف أن السعى قديا ل يكن أوسع من السعى الال.
سابعا :لقد نظرت ف شهادة الشهود السبعة الذين هم أول من شهد ف هذا
الوضوع –وشهادتم قد أوردها بعض من كتب ف هذا الوضوع ف رسالة مطبوعة،
على أن تسمية ما أدل به الشار إليهم "شهادة" مل وقفة؛ إذ هي إفادة أقرب من
كونا شهادة؛ فليس فيها إثبات الشهادة ول تزكية الشهود؛ وانظر ما ذكره شيخنا
الشيخ عبد الحسن العباد ف بيانه النشور ف الشبكة العالية.-
مهما يكن من شيء؛ لقد تأملت تلك الت سيت شهادات؛ وكان ما لحظته :أن
أكبهم كان عمره سنة التوسعة (1375هـ) ستة وعشرين عاما ،وأصغرهم كان
عمره أربعة عشر عاما!
أيضا :أن ثلثة من السبعة توقفوا ول يتذكروا شيئا يتعلق بامتداد الروة شرقا،
واثنان منهم ل يتذكرا شيئا يتعلق بالصفا ،وثالث ل يذكر شيئا واضحا يتعلق به.
أيضا :أن الشهادة الت أدلوا با ل تكن متفقة؛ فمنهم من يذكر أن البل كان
متدا ول يذكر تديدا منضبطا ،والذين ذكروا التحديد النضبط متلفون؛ فأحدهم
يذكر أن الصفا يتد خسة وثلثي مترا ،وآخر يقول :يتد خسي مترا! ول تتفق
شهادة اثني منهم على تديد واحد.
فهل هذه الشهادات غي التفقة يكن أن تعارض تلك البينات القوية الكثية الت
سبق إيرادها؟
هل شهادة أحدهم –كما هو مدون ف الشهادة -حي ل يتذكر شيئا يتعلق
بامتداد الصفا أو الروة شرقا وإنا شهد بامتداد الروة شال! هل هذه شهادة يُعتمد
عليها ف توسعة السعى شرقا! بل ويُشاد با وتُذكر ف كل مفل –بل وعلى لسان
بعض النتسبي إل العلم -وإذا قيل ما الدليل؟ قيل :شهادة العدول الثقات!
21
على أي شيء كانت الشهادة؟ وبأي دليل تشر ضمن شهادات الشهود ف قضية
تعبدية تتعلق بالسلمي جيعا؟
هل شهادة هؤلء الشهود وثلثة منهم كانوا دون العشرين –بل وأحدهم ربا ل
يكن بالغا -وأكبهم كان عمره ستة وعشرين يصح أن تقدم على شهادة وتديد
أهل العلم والسن والبة؟
إذا كان بعض هؤلء الشهود –كما هو مدون ف الشهادة -يشهد على رؤية
الصفا ول يتذكر شيئا عن الروة والعكس – مع أن بي البلي نو أربعمائة متر
فقط -فهل هؤلء من يوثق بافظتهم ويعتمد عليهم ف هذا المر اللل؟
هل تبأ الذمة بثل هذه الشهادات؟
ثامنا :لقد وصف إبراهيم باشا ف مرآة الرمي –ونقل هذا عنه ووافقه وأكده
الؤرخ حسي باسلمة ف تاريخ عمارة السجد الرام ( -)303-301وصف
الصفا –العروف عند السلمي كافة -بأنه ماط من جيع جهاته بدار يفصله عن
جبل أب قبيس إل من الهة الشمالية الت منها الرقى إليه ،والمر ل يتاج إل
شهادة؛ لن صورة ذلك الدار الحيط موجودة واضحة –انظرها ف التاريخ القوي
للكردي ( -)5/344فليت شعري كيف رآه هؤلء الشهود –مع هذا -جبل كبيا
متدا؟
المر الثان :أن القول بأن الصفا والروة جبلن كبيان متدان وأن لما أكتافا إل
آخر ما قيل فيما نُقل ف تلك الشهادات ،وف بعض الباث النشورة الت تناولت
هذا الوضوع – غي صحيح؛ وكلم العلماء السابقي واللحقي ليس فيه حرف
واحد يدل على صحته ،هذا أول.
وثانيا :أن كلم العلماء السابقي قد تواتر بأن الصفا والروة جبلن صغيان أو
جبيلن أو حجران أو نو ذلك من اللفاظ البينة أنما بلف ما أثي مؤخرا من
كبها.
22
وقد تتبعت شيئا من كلم العلماء ف هذا الوضوع فظهر ذلك ظهورا واضحا.
ويكن أن ألص كلم العلماء ف هذه السألة وأرتبه فيما يأت:
أول :وصفهما بأنما جبلن صغيان.
قال ابن جزي ف تفسيه (التسهيل) 65ف تفسي قوله تعال( :إن الصفا
والروة)( :جبلن صغيان بكة).
وقال الزبيدي ف تاج العروس ( :38/430والصفا من مشاعر مكة شرفها ال
تعال ،وهو جبل صغي بِلَحْف جبل أب قبيس) أي بأصله.
وبثله قال :أحد عبد الغفور عطار ف كتابه :حجة النب عليه الصلة والسلم
.122
ثانيا :وصفهما بأنما جُبيلن.
ف الحرر الوجيز لبن عاشور ( :2/35الصفا والروةُ :جبَيلن بكة).
وبثله قال أحد عبد الغفور عطار عن الروة .122
ثالثا :وصفهما بأنما حجران.
قال الافظ ابن حجر ف فتح الباري ( :3/501وف كتاب مكة لعمر بن شبة
بإسناد قوي عن ماهد ف هذه الية :قال :قالت النصار :إن السعي بي هذين
الجرين من أمر الاهلية؛ فنلت) أي الية( :إن الصفا والروة من شعائر ال) الية.
وف هذا يقول التجيب ف رحلته –مستفاد الرحلة والغتراب( :227 -والصفا
حجرٌ أزرق عظيم قد بن عليه درجات) .ث وصف الروة أيضا بأنا حجر عظيم.
وبثله قال العمري ف مسالك البصار –نقل عن باسلمة ( :-292أما الصفا فحجرٌ
أزرق عظيم ف أصل جبل أب قبيس) ث وصف الروة –أيضا -بأنا حجر عظيم.
وبثله قال الصطخري ف السالك والمالك عن الروة( :والروة حجرٌ من جبل
قعيقعان).
23
رابعا :وصفهما بأنما صفحان (أي حجران عريضان)
ففي الفهم لب العباس القرطب ( :3/327وها [أي الصفا والروة] :اسان
لصفحي معلومي) .فعرّف الصفا والروة بأنما حجران عريضان.
جاء ف لسان العرب ف مادة (صفح)( :وكل عريض من حجارة أَو لوح ونوها
صفِيحةٌ والمع صفائح).
صفّاحٌ ،و َ
صفّاحة والمع ُ
ُ
خامسا :وصفهما بأنما أنفان من جبلي أب قبيس وقعيقعان.
ف تذيب الساء واللغات ( :3/181الصفا :هو مبدأ السعي ...وهو أنفٌ
من جبل أب قبيس ...وأما الروة فلطية جدا [أي منخفضة] ،وهي أنف جبل
قعيقعان) .ومعن (أنف) :أي قطعة.
وهذا الكلم قد نقله تقي الدين الفاسي (ت 832هـ) ف الزهور القتطفة من
تاريخ مكة الكرمة ،171وف العقد الثمي ،1/112وانظر هذا الوصف ف:
مفيد النام لبن جاسر .269
سادسا :وصف الصفا بأنه ف أصل أب قبيس ،والروة بأنا ف أصل قعيقعان؛
أي بأسفلهما.
كما ف رحلة التجيب ( ،)350وف الروض العطار ف خب القطار 1/363
،وف الزهور القتطفة من تاريخ مكة الكرمة ،171وف ف العقد الثمي
.112 ،1/107
سابعا :وصفهما بأنما ف ذيل جبلي أب قبيس وقعيقعان.
قال ابن القيم ف مفتاح دار السعادة ( :2/87ومنها البلن اللذان جعلهما ال
سورا على بيته ،وجعل الصفا ف ذيل أحدها ،والروة ف ذيل الخر .)...
ثامنا :وصفهما بأنما ف طرف جبلي أب قبيس وقعيقعان.
24
كما ف :حاشية البجيمي على الطيب ،2/381وجيع كتب الشافعية الت
سبق ذكرها ،وف منسك ابن جاسر –مفيد النام.269 -
تاسعا :وصفهما بأنما رأسا ناية جبلي أب قبيس وقعيقعان.
لبَيلَي
ففي تفسي التحرير والتنوير لبن عاشور ( :2/60والصفا والروة اسان ُ
متقابلي ،فأما الصفا فهو رأس ناية جبل أب قبيس ،وأما الروة فرأسٌ هو منتهى جبل
ُقعَي ِقعَانَ).
عاشرا :وصفهما بأنما مصعدان إل أب قبيس وقعيقعان.
ف :أحسن التقاسيم ف معرفة القاليم( :وأبو قبيس مطل على السجد ،يُصعد إليه
من الصفا ف درج).
ومثله ف رحلة التجيب حيث قال عندما تكلم عن أب قبيس ( :350وف أصله
هو الصفا ومن عليه صعدنا إليه).
حادي عشر :وصف الصفا بأنه مكان مرتفع من أب قبيس.
ف معجم البلدان ( :3/411أما الصفا فمكان مرتفع من جبل أب قبيس)
وف تذيب الساء واللغات ( :3/181الصفا :هو مبدأ السعي ،مقصور،
وهو مكان مرتفع عند باب السجد الرام ،وهو أنفٌ من جبل أب قبيس ،وهو الن
إحدى عشرة درجة ،فوقها أزج كإيوان ،وعرض فتحة هذا الزج نو خسي قدما.
وأما الروة فلطية جدا ،وهي أنف جبل قعيقعان ،وهي درجتان ،وعليها أيضا
أزج كإيوان ،وعرض ما تت الزج نو أربعي قدما).
ومثله ف الزهور القتطفة ،171والعقد الثمي .1/107
ثان عشر :وصف الروة بأنا أكمة لطيفة أي تل صغي.
كما ف معجم البلدان .5/116
ثالث عشر :وصف الصفا بالنفاض.
25
قال ابن تيمية ف شرح العمدة ( :2/451ولذا قال أصحابنا إنه يرقى على
الصفا حت يرى البيت ويستقبل القبلة ،إل أن هذا كان لا كانت البنية منخفضة عن
الكعبة؛ فأما الن فإنم قد رفعوا جدار السجد وزادوا فيه ما بينه وبي الصفا حت
صار السعى يلي جدار السجد ،وكان قبل ذلك بي السجد والسعى بناء للناس،
فاليوم ل يرى أحد البيت من فوق الصفا ول من فوق الروة ،نعم قد يراه من باب
السجد إذا خفض).
فهذا النص تضمن دللة صرية على أن الصفا جبيل منخفض؛ بدليل أنه لا جُعل
جدار للمسجد حال هذا الدار دون رؤية الكعبة لن يرقى على الصفا ،ومن
استحضر ف ذهنه تقديرا لذا الدار –مهما بلغ ارتفاعه -فسيتضح له قطعا أن الصفا
ليس إل جبيل صغيا ،وليس كما توهه بعض الناس من أنه جبل كبي مرتفع.
ويؤيده ما جاء ف كلم التجيب –القاسم بن يوسف التجيب السبت( -ت
730هـ) ف رحلته (مستفاد الرحلة والغتراب)( :فصعدت على الصفا واستقبلت
الكعبة العظمة ،وهي ظاهرة من هذا الوضع من باب السجد –باب الصفا -ل من
فوق جدار السجد) .ومثله ف اليضاح ف مناسك الج للنووي – 286-284
مع حاشية اليتمي.-
رابع عشر :وصف الروة بالنفاض.
قال النووي ف تذيب الساء واللغات ( :3/181وأما الروة فلطية جدا،
وهي أنف جبل قعيقعان ،وهي درجتان ،وعليها أيضا أزج كإيوان ،وعرض ما تت
الزج نو أربعي قدما) .ومعن لطية أي منخفضة.
وقد نقل هذا النقل عنه الباركفوري ف تفة الحوذي .3/600
ويؤيد ما ذكره النووي ما ذكره إمام الرمي الوين ف ناية الطلب
( :4/305وكانت الكعبة تبدو ف عصر رسول ال صلى ال عليه وسلم من تلك
26
الهة أيضا ،ث أحدث الناس البنية فحالت بي الكعبة وبي الراقي ف الروة بالقدر
الشروع).
وكل أحد يدرك أن بيوت الناس ف تلك العهود السالفة ل تكن شاهقة وإنا
قصية؛ فلو كانت الروة جبل كبيا شاهقا متدا –كما يتصور بعضهم -هل تول
تلك البيوت القصية دون رؤية البيت العتيق؟
خامس عشر :وصف الصفا بالصخرات اللساء الت تقع ف سفح جبل أب
قبيس.
كما ف فتاوى الشيخ ابن إبراهيم 5/148
هذه جلة من كلم العلماء ف هذا الشأن ،وأظن أن من تتبع تتبعا أكثر سيقف
على أضعاف هذه النقول.
أقول :مع النظر ف كلم هؤلء العلماء بإنصاف؛ هل يصح أن يقال :إن الصفا
والروة جبلن كبيان متدان؟
وهل يقبل منصف بأن تُرمى شهادات العلماء والؤرخي وهي بالعشرات وف
عصور متلفة دون أدن اعتبار ويقدم عليها شهادات هي ف أحسن أحوالا قد
وهِم أصحابا؟
وشيء ثالث :قرأت وسعت كثيا كلم القائلي بأن الصفا والروة جبلن
كبيان متدان؛ غي أن ل أجد كلمة واحدة يبي فيها هؤلء الفرق بينهما وبي
جبلي أب قبيس وقعيقعان؛ مع أن الميع متفق على أنما متصلن بما وفرعان
عنهما ،والميع –أيضا -متفق على أن العبادة إنا تعلقت بالصفا والروة ل
بذينك البلي؛ فهل يستطيعون ذكر الد الفاصل بي هذين وهذين حت يُعلم مل
العبادة الشرعي؟ وهل يكنهم التمييز بي الصل والفرع؟ وإذا أمكن التمييز؛ فما
هو الدليل عليه؟
27
أجزم أنه ل جواب على هذا السؤال.
أما الانعون فالمر عندهم واضح؛ إذ إنم ييزون بي هذين وهذين ،ودليلهم:
تواتر السلمي العملي الؤيد بكلم العلماء والؤرخي من السابقي واللحقي،
وال الستعان.
28
ويؤكد حصول الوهم –علوة على ما مضى -أنه ل يذكر التقدمون وجود
بيوت مسكونة على الصفا والروة ،وإنا ذكروا هذا على أب قبيس وقعيقعان ،وهذا
قد ذكره غي واحد؛ ومنهم ابن جبي ف رحلته ( )89حيث قال عن أب قبيس( :وف
أعله رباط مبارك فيه مسجد).
ومنهم ابن بطوطة ف رحلته ( )105حيث قال عن أب قبيس( :وبأعله مسجد
وأثر رباط وعمارة) ،وهذا يوافق ما ذكره بعض من كتب ف هذا الوضوع من
الفضلء؛ حيث عدّد جلة من البيوت الت كانت مسكونة على الصفا والروة ف ظنه؛
والواقع أنا ليست على الصفا والروة ،وإنا على ذينك البلي ،وال أعلم.
ول يُشكل على ما سبق -من أنه ل يكن ثة بيوت على الصفا -ما ذكره بعضهم
من أن دار الرقم كانت على الصفا؛ لن هذه الدار بوار الصفا وليست مبنية أعله؛
وإطلق أنا كانت على الصفا توّز ف العبارة؛ ومرادهم بذلك أنا :عند الصفا ،كما
قال ذلك غي واحد من الؤرخي (انظر شيئا من النقول ف ذلك ف التاريخ القوي
، )91-1/88وهو يقوي ما ذكرته آنفا من شهرة تسمية ما حول الصفا بالصفا.
يقول ابن جبي ف رحلته ( )126واصفا هذه الدار( :وهي بإزاء الصفا).
ويقول الفاسي ف شفاء الغرام ( :1/363والصفا هو مبدأ السعي ،وهو قرب
هذه الدار) .وانظر أيضا :تصيل الرام .1/554
وف التاريخ القوي للكردي 91-2/88تقيقٌ ونقولٌ ف ملها ،ووصف لا،
وأنا ف زقاق على يسار الصاعد إل الصفا ،وبيان السافة الت بينها وبي الصفا.
الثان :ذكر بعضهم أن الصفا جبل له أكتاف ،إذ ل يُعقل أن يكون له امتداد من
المام دون الانبي ،ومثل هذا يقال ف الروة.
والذين يقولون هذا يتصورون الصفا جبلً مستقلً ،و يغفلون عن كونه قطعة
ملتصقة ببل أب قبيس؛ فهو -كما سبق" :-حجرٌ من أب قبيس" ،و"أنفٌ منه"،
29
و"طرفٌ منه" ،و"رأس نايته" ،و"مصعدٌ إليه" ،و"مكانٌ مرتفعٌ منه" ..وإذا كان
كذلك زال الشكال ،ول يُستبعد كونه كما هو عليه.
والقول ف الروة كالقول ف الصفا.
الثالث :أن بعضهم قد أشار إل أن ما يرجح تقدي شهادة الشهود الاليي أنم
مثبتون ،والتقدمون نافون؛ والثبت مقدم على الناف.
وأظن أنه مع البيان السابق لن يكون لذا الكلم مل من القبول.
وأضيف إل ذلك :أن تطبيق هذه القاعدة (الثبت مقدم على الناف) ف هذا
الوضوع غي وارد؛ وذلك أن هذه القاعدة إنا تورد إذا أثبت أحد الطرفي ونفى
الخر علمه؛ فيكون الثبت مقدما على الناف؛ وأما مسألتنا هذه فليس قول الانعي
فيها من باب نفي العلم؛ بل من باب العلم بالنفي؛ وبينهما فرق شاسع؛ فل مل
للقاعدة إذن.
وتوضيح ذلك :أن كل الفريقي مثبت؛ هذا يثبت قدرا ،وهذا يثبت قدرا أكب؛
فكلها إذن مثبت؛ وليس منهما نافٍ.
على أنه يكن جوابم بقولم -من باب العارضة -بأن تُعكس القضية؛ فيقال :من
أثبت الد الدن أثبت عن علم ،والناف لذلك يقال له :الثبت مقدم على الناف!
30
الستدلل الثان :الستدلل بامتداد جذور الصفا والروة ف باطن الرض.
فبعض القائلي بالواز يستدل بأن الفريات قد أثبتت أن للصفا والروة امتدادا
ف باطن الرض؛ وبناء عليه فيجوز السعي ف التوسعة لكون الساعي قد سعى بي
الصفا والروة ف القدر الدفون تت الرض.
والواب :أن هذا الستدلل فيه من التكلف ما فيه ،ول يأمرنا ربنا أن ننقب ف
صفَا وَالْمَ ْروَةَ مِنْ َشعَائِ ِر اللّ ِه فَمَنْ
باطن الرض حت نتثل ما شرعه لنا ف قوله( :إِنّ ال ّ
ح عََليْ ِه أَ ْن يَطّ ّوفَ بِ ِهمَا).
حَجّ اْلَبْيتَ َأوِ ا ْعتَ َمرَ فَلَا ُجنَا َ
ويكفي ف رد هذا الكلم التكلف أن يقال :إذا ثبت أن للصفا والروة امتدادا ف
باطن الرض شرقا وغربا؛ فإن لما امتدادا –أيضا -شال وجنوبا؛ وباتفاقٍ ل يصح
أن يقال بأنه يوز أن ينتقص الساعي من السافة الت بي الصفا والروة بجة أن
ثة امتدادا للصفا ف باطن الرض من جهة الشمال ،وامتدادا للمروة من جهة
النوب؛ فيكون ساعيا بي الصفا والروة ف القدر الدفون تت الرض!
فظهر بذا ضعف هذا الستدلل.
31
الستدلل الثالث :أنه ل تديد لعرض السعى ف الكتاب والسنة وكلم أهل
العلم.
هكذا ذكر بعضهم؛ وهو كلم ظاهر الضعف بيث يُستغن عن رده.
صفَا وَاْلمَرْوَ َة مِنْ َشعَائِرِ اللّ ِه
ومع ذلك يقال :أين هذا القائل عن قوله تعالِ( :إنّ ال ّ
ف بِهِمَا)؟ أليس هذا تديدا واضحا؟ فَمَنْ حَجّ اْلَبْيتَ أَ ِو ا ْعتَمَ َر فَلَا ُجنَاحَ َعَليْهِ َأنْ يَطّ ّو َ
مل السعي بيّن ف هذه الية؛ وهو ما بي الصفا والروة ،ومن ل يسع بينهما كان
ساعيا بوارها ل بينهما؛ وهذا خلف ما ف الية.
ث هو أيضا الحل الذي سعى فيه النب عليه الصلة والسلم ،وهو القائل( :خذوا
عن مناسككم) أخرجه مسلم.
ويقال ثالثا :هو الحل الذي أطبق السلمون على السعي فيه عب مراحل تاريهم؛
فهو إجاع عملي ل شك فيه.
ويقال رابعا :يلزم من هذا القول أن كلم العلماء ف تديد السعى –وقد نقلت
طرفا منه -ما هو إل عبث منهم وتكلف!
ويقال خامسا :إن هذا القول يلزم منه أن السلمي –علماء وعامة -قد أطبقوا
على التضييق على أنفسهم ف أمر لم فيه فسحة؛ فالناظر ف كلم العلماء يد أن
الشكوى من الزحام ف السعى قدية؛ فلماذا إذن رضوا بذا الزحام وكان يكنهم أن
يسعوا ف مساحة ل تُحد عرضا؟
ومن غرائب ما قرأت ف هذا الوضوع :أن أحدهم يقول :إنه يكن أن يسعى
الساعي حيث شاء دون تقييد بدود معينة؛ غي أن الهم هو أن يلصق قدمه ببلي
الصفا والروة! هكذا قال ،ولزم هذا أنه يكن أن يسعى الساعي مشرقا حيث شاء
–لنه ل تديد شرعا -ث يعود إل الصفا والروة حت يلصق قدمه به؛ فهل يقول
عال بذلك؟! وهل فعل هذا أحد من السلمي قط؟
32
الستدلل الرابع :قياس جواز توسعة السعى على جواز توسعة الطاف.
والتأمل ف هذا القياس أدن تأمل يدرك أنه قياس مع الفارق؛ فهو فاسد العتبار.
وبيان ذلك:
أن الطواف مرتبط بالكعبة؛ وعليه فمهما توسع الطاف فيصدق على الطائف أنه
طائف بالكعبة؛ أما ف السعي فالمر يتلف؛ إذ إن السعي مرتبط ببينية الصفا والروة؛
وعليه فمن سعى وراء ذلك ل يكن ساعيا بي الصفا والروة؛ وهذا خلف ما أمرنا
ال به ف قوله( :أَ ْن يَطّ ّوفَ بِ ِهمَا) ،وخلف فعله عليه الصلة والسلم حيث طاف
بي الصفا والروة ،وخلف عمل السلمي ف متلف العصور.
33
الستدلل الامس :الستدلل بالضرورة ،وأن المر إذا ضاق اتسع.
وإذا كان الستدل بذا الستدلل من أصحاب مسلك التيسي الذي اتذوه غاية
ومنهجا ل يبالون لجله بتخطي النصوص وتعدي الدود؛ فهؤلء لست معنيا
بوابم؛ لن اللف معهم أكب من مسألة توسعة السعى؛ إنه خلف يشمل مسائل
كثية؛ بل هو خلف ف منهج التلقي والستدلل.
ولست أريد أن أخوض ف ضوابط الضرورة ومدى انطباقها على الوضع الال –
وهو السعي ف الطوابق الثلثة.-
سأتاوز ذلك وأجيب بأنه على تسليم حصول الشقة العظيمة الت تبلغ بالمر إل
حد الضطرار فإنه يقال :من التقرر عند أهل العلم أن الضرورة تقدر بقدرها؛ وعليه
فإن الضرورة قد تبيح توسعة السعى لو كانت اليار الوحيد لدفعها؛ أما مع وجود
ما يدفعها دون تطي الدود الشرعية؛ فإن الستدلل بالضرورة يصبح حينئذ ل وجه
له شرعا.
وإذا نظرنا ف هذه السألة وجدنا أن البديل لدفع الضرورة مكن؛ وهو التوسع
رأسيا بزيادة عدد من الدوار تندفع با هذه الشقة -لن الواء يكي القرار -مع بقاء
الدود الشرعية للمسعى كما هي ،وهذا ما أرشد إليه كبار العلماء ف فتواهم
الصادرة بالغلبية ف هذا الوضوع؛ فقد جاء ف قرار اليئة رقم ( )227وتاريخ
22/2/1427هـ( :وبعد الدراسة والناقشة والتأمل رأى الجلس بالكثرية أن
العمارة الالية للمسعى شاملة لميع أرضه ،ومن ث فإنه ل يوز توسعتها ،ويكن
عند الاجة حل الشكلة رأسيا بإضافة بناء فوق السعى).
34
ومن اللفت للنظر أنه مع كثرة الستدلي بالضرورة على جواز التوسعة ل أجد
منهم تعريا على اليار الخر وهو التوسع رأسيا؛ فاللحظ أنم قد أهلوا الشارة
إليه فضل عن الواب عنه.
وإنن لطرح عليهم السؤال مرة أخرى :لاذا ل يكون الل ف زيادة الطوابق
دون التوسعة؟
ولاذا الرص على تغيي هذا الشعر الذي حافظ عليه السلمون بدوده أكثر من
أربعة عشر قرنا مع وجود الل الخر؟
وبناء على التقرير السابق؛ فإنه إذا استدل الستدل على جواز توسعة السعى
بقاعدة :إذا ضاق المر اتسع؛ فإنه ياب بتتمة القاعدة :وإذا اتسع –بإمكان التوسعة
الرأسية -ضاق!
ث إنه يلزم الستدل بالضرورة أن يقصر جواز السعي ف التوسعة الديدة على
الوقت الذي يشتد فيه الزحام جدا –ف أوقات الواسم العلومة -وأما ما عداها
فل يوز السعي فيها؛ لن الضرورة تقدر بقدرها ،ولنه إذا ضاق المر اتسع،
وإذا اتسع ضاق!
35
الستدلل السادس :الستدلل بقاعدة :الزيادة لا حكم الزيد؛ وبناء عليه
فيكون للتوسعة حكم السعى؛ فيجوز السعي فيها.
والواب أن هذا الستدلل بيّن الضعف؛ ذلك أن الزيادة لا حكم الزيد مت
ثبت شرعا جواز الزيادة؛ وأما مع منعها فل؛ فليس لصاحب أرض أن يغتصب
الطريق الجاورة لرضه ويضمها إليها ويقول :قد زدتا؛ والزيادة لا حكم الزيد!
والانعون قد بينوا أن هذا الشعر توقيفي ل توز الزيادة عليه؛ وعليه فل يصح
الستدلل بالقاعدة؛ بل الستدلل با حينئذ استدللٌ بحل الناع.
36
الستدلل السابع :الستدلل بقاعدة :حكم الاكم يرفع اللف.
والواب عن هذا الستدلل بعدم التسليم بكون هذه السألة خلفية أصل؛
فاللف فيها حادث؛ إذ هو مالف لجاع العلماء -بل السلمي -قبله على أن
السعى مل تعبدي توقيفي.
37
–عليه الصلة والسلم -وجب على الميع اتباع حكم ال ورسوله –عليه الصلة
والسلم -وإن خفي ذلك أقر كل واحد على قوله -أقر قائل هذا القول على مذهبه
وقائل هذا القول على مذهبه -ول يكن لحدها أن ينع الخر إل بلسان العلم
والجة والبيان؛ فيقول ما عنده من العلم.
وأما باليد والقهر فليس له أن يكم إل ف العينة الت يتحاكم فيها إليه ،مثل ميت
مات وقد تنازع ورثته ف قسم تركته فيقسمها بينهم إذا تاكموا إليه ،وإذا حكم هنا
بأحد قول العلماء ألزم الصم بكمه ،ول يكن له أن يقول :أنا ل أرضى حت يكم
بالقول الخر ،وكذلك إذا تاكم إليه اثنان ف دعوى يدعيها أحدها فصل بينهما
كما أمر ال ورسوله –عليه الصلة والسلم -وألزم الحكوم عليه با حكم به ،وليس
له أن يقول أنت حكمت علي بالقول الذي ل أختاره) مموع الفتاوى 35/360
ويقول شيخ السلم ابن تيمية رحه ال -أيضا -زيادة ف ترير الكلم عن هذه
القاعدة( :والمة إذا تنازعت ف معن آية أو حديث أو حكم خبي أو طلب ل يكن
صحة أحد القولي وفساد الخر ثابتا بجرد حكم حاكم فإنه إنا ينفذ حكمه ف
المور العينة دون العامة ،ولو جاز هذا لاز أن يكم حاكم بأن قوله تعال:
(يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء) هو اليض والطهار ،ويكون هذا حكما يلزم جيع
الناس قوله ،أو يكم بأن اللمس ف قوله تعال( :أو لمستم النساء) هو الوطء
والباشرة فيما دونه ،أو بأن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج أو الب والسيد وهذا
ل يقوله احد ...والذي على السلطان ف مسائل الناع بي المة أحد أمرين :إما أن
يملهم كلهم على ما جاء به الكتاب والسنة واتفق عليه سلف المة لقوله تعال:
(فإن تنازعتم ف شيء فردوه إل ال والرسول) وإذا تنازعوا فَ ِهمَ كلمهم إن كان من
يكنه فهم الق؛ فإذا تبي له ما جاء به الكتاب والسنة دعا الناس إليه ،و[ولعل
الصواب :أو] أن يقر الناس على ما هم عليه كما يقرهم على مذاهبهم العملية ...
وأما إلزام السلطان ف مسائل الناع بالتزام قول بل حجة من الكتاب والسنة فهذا ل
يوز باتفاق السلمي ،ول يفيد حكم حاكم بصحة قول دون قول ف مثل ذلك إل
38
إذا كان معه حجة يب الرجوع إليها؛ فيكون كلمه قبل الولية وبعدها سواء ،وهذا
بنلة الكتب الت يصنفها ف العلم) .مموع الفتاوى .240-3/238
39
الستدلل الثامن :الستدلل بأن النب عليه الصلة والسلم ل يكن ينبه
الصحابة الذين حجوا معه على عدم الروج عن حدود هذا السعى العروف.
وهذا الستدلل قد ذكره بعضهم؛ وتقريره :أن الذين حجوا مع النب عليه
الصلة والسلم مائة ألف أو يزيدون ،والوادي فسيح ،ول يكن النب عليه الصلة
والسلم يذر الصحابة من الروج عن حدود هذا السعى العلوم مع أن هذا وارد مع
كثرة العدد وعدم وجود حدود تنعهم من الذهاب شرقا وغربا؛ وعليه فل حرج من
التوسعة الشرقية للمسعى.
وهذا الكلم ل شك ف بطلنه ،وصاحبه قد تكلم ف السألة دون أن يتصور
الواقع الذي يتحدث عنه.
فالسعى ل يكن واديا فسيحا ل يده شيء شرقا وغربا بيث يكن حصول ما
ذكروا؛ بل قد كانت البيوت مدقة به على حافتيه؛ وعليه فل يكن لحد منهم أن
يسعى إل ف هذا الكان العلوم.
ودونك نبذة عن حال السعى وما أحاط به من خلل كتب التاريخ والديث:
يقول ابن عمر رضي ال عنهما( :السعي من دار ابن عباد إل زقاق بن حسي)
علقه البخاري ف صحيحه 3/501مع الفتح.
ويقول الزرقي ( :2/117قال ابن جريج :أخبن نافع قال :فينل ابن عمر من
الصفا فيمشي حت إذا جاء باب دار بن عباد سعى حت ينتهي إل الزقاق الذي
يسلك إل السجد ،الذي بي دار ابن أب حسي ودار ابنة قرظة).
ومن ذلك أيضا أنه كانت البيوت قائمة بي السجد والسعى ول يدخل منها
شيء ف السجد حت وسع الهدي السجد؛ يقول الزرقي ( :2/75فاشترى [أي
الهدي] جيع ما كان بي السعى والسجد من الدور فهدمها ووضع السجد على ما
هو اليوم شارعا على السعى).
40
ويقول أيضا ( :2/79وكانت الدور وبيوت الناس من ورائه [أي السجد] ف
موضع الوادي اليوم ،إنا كان موضعه دور الناس ،وإنا كان يسلك من السجد إل
الصفا ف بطن الوادي ،ث يسلك ف زقاق ضيق حت يرج إل الصفا من التفاف
البيوت ،فيما بي الوادي والصفا).
ويقول أيضا ( :2/90كانت دور بن عدي ما بي الصفا والسجد وموضع
النبزة الت يسقى فيها الاء عند البكة هلم جرا إل السجد).
ويقول أيضا ( :2/261وكانت مساكن بن عدي ما بي الصفا إل الكعبة).
ويقول أيضا ( :2/233وللعباس بن عبد الطلب أيضا الدار الت بي الصفا
والروة الت بيد ولد موسى بن عيسى الت إل جنب الدار الت بيد جعفر بن سليمان،
ودار العباس هي الدار النقوشة الت عندها العلم الذي يسعى منه من جاء من الروة
إل الصفا بأصلها ،ويزعمون أنا كانت لاشم بن عبد مناف).
ويقول أيضا ( :2/235لل عتبة بن فرقد السلمي دارهم وربعهم الت عند
الروة).
ويقول أيضا ( :2/247ولل الزرق بن عمرو أيضا دارهم الت عند الروة إل
جنب دار طلحة بن داود الضرمي ،يقال لا دار الزرق ،وهي ف أيديهم إل اليوم،
وهي لم ربع جاهلي).
ويقول أيضا( :ربع آل داود بن الضرمي واسم الضرمي عبد ال بن عمار
حليف عتبة بن ربيعة قال أبو الوليد :لم دارهم الت عند الروة ،يقال لا دار طلحة،
بي دار الزرق بن عمرو الغسان ودار عتبة بن فرقد السلمي ،ولم أيضا الدار الت
إل جنب هذه الدار عند باب دار الزرق أيضا ،يقال لا دار حفصة ،ويقال لا دار
الزوراء ،ومن رباعهم أيضا الدار الت عند الروة ف صف دار عمر بن عبد العزيز،
ووجهها شارع على الروة).
41
ويقول أيضا ( :2/250رباع بن نوفل بن عبد مناف قال أبو الوليد :كانت لم
دار جبي بن مطعم عند موضع دار القوارير اللصقة بالسجد الرام بي الصفا
والروة ،اشتريت منهم ف خلفة الهدي أمي الؤمني حي وسع السجد الرام ...
ولم دار عدي بن اليار ،كانت عند العلم الذي على باب السجد الذي يسعى منه
من أقبل من الروة إل الصفا).
ويقول أيضا ( :2/255ربع آل قارظ القاريي وهي الدار الت يقال لا دار اللد
على الصيادلة ،بي الصفا والروة).
ويقول أيضا ( :2/254وكانت لم دار مرمة بن نوفل الت بي الصفا والروة
الت صارت لعيسى بن علي عند الروة).
هذه طائفة يسية من الشواهد على ما كان ييط بالسعى من بيوت ،ولو أردت
الزيادة لزدت ،وهي دليل على أن هذه الجة هشة ضعيفة.
42
الستدلل التاسع :الستدلل بأن السعى قد تعرض للتغيي سابقا.
ما رأيت بعض الفتي بواز التوسعة قد اعتمد عليه ف فتواه :القول بأن السعى
قد طالته يد التغيي والتوسع ف السابق دون نكي من أهل العلم؛ فدل على جواز هذه
التوسعة؛ ول تكون بذا بدعا من التصرف.
وإذا أثار الستدلون هذا الانب من الستدلل فإنم إنا يشيون ف الغالب إل ما
حصل ف عهد الليفة الهدي العباسي رحه ال أثناء توسعة السجد الرام؛ إذ من
العلوم أن الهدي قد قام بتوسعة السجد الرام مرتي :الول :عام 164هـ،
والخرى عام 167هـ ،والتوسعة الثانية هي الت حصلت فيها تغيي ف مل السعى
على ما يذكر هؤلء الستدلون.
والعتمد ف هذا على أقوال ذكرها الزرقي ف أخبار مكة فيها ما يشي إل
حصول هذا التغيي؛ من ذلك :قوله 2/62عن جده –أو من فوقه من شيوخه؛
فالعبارة متملة( :-والهدي وضع السجد على السعى) ،وقوله ( :2/80فهدموا
أكثر دار ابن عباد بن جعفر العايذي وجعلوا السعى والوادي فيهما) وعند الفاكهي
– 2/173وقد نقل عبارة الزرقي( :-فيها).
وسوف أتوسع بعض الشيء ف الواب عن هذا الستدلل لشهرته لدى بعض
طلبة العلم الذين يُسمع احتجاجهم به دون أن يكونوا قد أنعموا النظر فيه؛ وهذا ما
يعطي انطباعا عن النهج العلمي الذي سار عليه بعض من تكلم ف هذا الوضوع
تقريرا واستدلل.
فأقول وبال التوفيق :الواب عن هذا الستدلل أن يقال:
ل يصل ف توسعة الهدي ول قبلها ول بعدها أن توسع السعى جلةً شرقا أو
غربا ،ويطئ من يظن ذلك استنادا إل قصة التوسعة هذه ،ويطئ أيضا من يعلها
أصل يقيس عليه التوسعة الالية ،وتوضيح ذلك:
43
أن الهدي ف توسعته الول اشترى جيع ما كان بي السعى والسجد من الدور
فهدمها ووسع السجد ،وانتهت التوسعة شرقا إل حد السعى ،يقول الزرقي
( :2/75فاشترى جيع ما كان بي السعى والسجد من الدور فهدمها ووضع
السجد على ما هو اليوم شارعا على السعى).
إذن التوسعة ل ينل السعى منها شيء ،واستمر السعى مفوظا من ذلك إل عهد
الزرقي وإل ما بعده؛ وهذا معن العبارة السابقة( :والهدي وضع السجد على
السعى) أي أزال البيوت الت كانت بي السجد والسعى وجعل السجد على حد
السعى ،وليس أنه أدخل السعى ف السجد وأنشأ مسعى جديدا وراء ذلك؛ فهذا
خطأ ،وهذا ما وضحه الزرقي نفسه حيث قال( :ووضع السجد على ما هو اليوم
شارعا على السعى).
ويؤكد ذلك ما جاء عند الفاكهي ف أخبار مكة ( :2/87وأمي الؤمني الهدي
وضع أبواب السجد على السعى).
وقد تقدم النقل عن أهل العلم بأن من سعى من داخل السجد فسعيه باطل،
وهذا يدل على أنه ليس من السعى ف السجد شيء.
هذا عن العبارة الول ،أما العبارة الخرى وما أشبهها ما أورده الزرقي ف
كتابه؛ فقبل أن أجيب على ما يتعلق با أشي إل شيء ينبغي أل يُهمل أثناء النظر ف
هذا الوضوع؛ أل وهو أن الشارة إل حصول شيء من التغيي ف السعى ل ينقلها
أحد –وأقول هذا بعد بث طويل -سوى الزرقي ،وكل من جاء بعده وأشار إل
هذا الوضوع -كالفاكهي وابن فهد وابن ظهية وابن الضياء والفاسي والصباغ
وغيهم -فهو ناقل عنه ،وأما جل مشاهي الؤرخي فلم ينقلوا شيئا يتعلق بذا المر
اللل مطلقا ،مع إشارتم إل توسعة الهدي للمسجد.
ومثلهم ف السكوت علماء الفقه؛ إذ إن جاهيهم ل يشيوا إل شيء يتعلق
بذلك ،مع أن القضية لا ارتباط شرعي ،ومن أشار إل ذلك –كالرملي مثل -فهو
ناقل عن الزرقي أيضا.
44
إذن هذه القضية على جللة قدرها ليس لا من مستند تاريي إل ما دونه
الزرقي نقل عن جده فقط.
هذه لفتة أحببت أن يرمقها العاقل بعي بصيته ،وإن كنت لن أقف عندها.
أقول مستعينا بال :الواب عن الستدلل با أورده الزرقي من وجوه:
أول :النقول ف كتاب الزرقي -ومن جاء بعده ناقل عنه -ل يتعلق بالسعى
جيعا؛ إنا يشي إل أنه طرأ شيء ما على موضع السعي –أي الرولة -فحسب؛
فقول الزرقي ( :2/80فهدموا أكثر دار ابن عباد بن جعفر العايذي وجعلوا السعى
والوادي فيهما) إنا أراد به بطن الوادي الذي هو موضع الرولة؛ وهذا يُطلق عليه –
أيضا :-السعى ،وهذا الطلق أمرٌ معلوم؛ فعند الترمذي عن كثي بن جهان قال:
(رأيت ابن عمر يشي ف السعى) وف تفة الحوذي ( :3/601أي مكان السعي
وهو بطن الوادي).
ومنه أيضا قول الزرقي ( :2/119وذرع ما بي العلم الذي ف حد النارة إل
العلم الخضر الذي على باب السجد -وهو السعى -مائة ذراع واثنا عشر
ذراعا).
واللصة أن السعى يطلق ويراد به جيع ما بي الصفا والروة ،ويطلق ويراد به
بطن الوادي لنه مل للسعي –أي الرولة -ومن هذا الباب قول الزرقي السابق؛
فالتغيي الذي أشار إليه إنا يتعلق بذا الزء فحسب دون سائر السعى؛ وهذا ل شك
فيه؛ إذ كيف يُجعل السعى كله ف موضع دار؟
وقد أفصح الفاسي بتوضيح موضع التغيي الذي أشار إليه الزرقي؛ حيث قال:
(وذكر الزرقي ما يقتضي أن موضع السعي فيما بي اليل الذي بالنارة واليل
القابل له ل يكن مسعى إل ف خلفة الهدي العباسي بتغيي موضع السعي قبله ف
هذه الهة) ث نقل كلم الزرقي الذي نقلت بعضه فيما مضى ،انظر :شفاء الغرام
بأخبار البلد الرام 1/520
45
ثانيا :إذا اتضح أن مل التغيي إنا يتعلق بزء من السعى –وهو مل الرولة-
فينبغي أن يُعلم أن هذا التغيي –إن صح حصوله -فهو مصوص بزء يسي من هذا
الوضع الخصوص؛ وذلك أن دار ابن عباد كانت عند مبتدأ الوادي –مل الرولة-
وف ملها وُضع علم السعي العلق على منارة السجد –منارة باب علي -الذي
يذكره الفقهاء ف كتبهم؛ وهو مبتدأ الرولة للقادم من الصفا إل الروة ،وف هذا
يقول ابن عمر رضي ال عنهما( :السعي من دار ابن عباد إل زقاق بن حسي) علقه
البخاري ف صحيحه 3/501مع الفتح.
وقد تكلم الؤرخون عن موضع دار ابن عباد وأنا كانت عند حد ركن السجد
الرام؛ يقول الزرقي ( :2/79وكان باب دار ممد بن عباد بن جعفر عند حد
ركن السجد الرام اليوم ،عند موضع النارة الشارعة ف بر [وف نسخة :ف نو]
الوادي ،فيها علم السعى ،وكان الوادي ير دونا ف موضع السجد الرام اليوم).
وانظر أخبار مكة للفاكهي .2/208
والقصود أن هذه الدار ف طرف من الوادي من النوب ول تستوعبه كله؛ فهو
إذن تغيي يسي ،ل كما يتصوره بعضهم أنه تغيي كبي ،ويتأيد هذا بقول الفاسي
شفاء الغرام ( :1/520والظاهر –وال أعلم -إجراء السعى [كذا ،ولعل الصواب:
السعي] بوضع السعي اليوم وإن تغي بعضه عن موضع السعي قبله).
ويؤيد أن التغيي يسي ليس بذي بال أن الزرقي –نفسه -لا تكلم عن رباع مكة
ودور أهلها وبلغ بديثه إل دار عباد بن جعفر أشار إل جعل الوادي فيها ول يشر
إل شيء يتعلق بالسعى؛ حيث يقول ( :260-2/259فلما أن وسع الهدي
السجد الرام ف سنة سبع وستي ومائة وأدخل الوادي ف السجد الرام ،أُدخلت
دار عباد بن جعفر هذه ف الوادي؛ اشتريت منهم وصُيت بطن الوادي اليوم ،إل ما
لصق منها بالبل -جبل أب قبيس.)-
46
ثالثا :ما يعكر صفو ما قرره الفاسي متابعا فيه الزرقي أن من أهل العلم من قرر
أن موضع السعي –الرولة -هو كما كان عليه ف عهد رسول ال صلى ال عليه
وسلم ول يطرأ عليه تغيي ،وف هذا يقول ابن القيم ف زاد العاد ( :2/228والظاهر
أن الوادي ل يتغي عن وضعه) .وبثله قال ابن جاسر ف منسكه (.)270
ويؤيده أن وضع العلم –الميال -الت ف مل الوادي ليس إل لضبط مل سعيه
عليه الصلة والسلم ،وعليه فالظاهر أنه ل يطرأ تغيي على هذا الوضع وإل ل يكن
لوضعها فائدة.
يقول شيخ السلم ابن تيمية ف شرح العمدة – الناسك ( :2/464وقد حدد
الناس بطن الوادي الذي كان النب صلى ال عليه وسلم يسعى فيه بأن نصبوا ف
أوله وآخره أعلما ،وتسمى أميال ،ويسمى واحدها :اليل الخضر؛ لنم ربا
لطخوه بلون خضرة ليتميز لونه للساعي ،وربا لطخوه بمرة).
ومن العجيب أن الهدي الذي يُنسب إليه نقل السعى وتوسعته شرقا هو الذي
يُنسب إليه بناء هذه العلم؛ يقول القلقشندي ف مآثر اللفة 1/185ف تعداد
مناقب الهدي( :وبن العلمي اللذين يُسعى بينهما).
وإذا كان حريصا على بقاء الوضع الذي سعى فيه النب عليه الصلة والسلم
ظاهرا للمسلمي ،سالا من التغيي؛ فكيف يُظن به أنه ينقل السعى عن موضعه؟
وهذه الميال ل تزل على حالا –بمد ال -إل العصر الاضر قبيل التوسعة
السعودية الول ،انظر وصفها لسي باسلمة ف تاريخ عمارة السجد الرام ،303
ث وضع ملها هذه العلمات الظاهرة الن ف سقف السعى وجوانبه.
ويتأيد هذا بوجه آخر :وهو أن التتبع لكلم العلماء ف هذا الباب يقطع بأنم
أشد ما يكونون حرصا على اللتزام بالدي النبوي ،ومن ذلك جعلهم الشاعر –
ومنها السعى -أماكن توقيفية؛ ومن ذلك أنم نصوا على أن على الساعي أن يسعى
قبل وصوله اليل بستة أذرع حت يطابق مل السعي الذي جرى فيه رسول ال عليه
47
الصلة والسلم -كما نص على هذا الشافعي وغيه من أهل العلم ،انظر :متصر
الزن ،76والغن لبن قدامة ،5/236وشرح العمدة لبن تيمية ،2/465
ومواهب الليل 4/156وغيها من كتب الفقه -هذا مع كون الرولة سنة ومن
تركها فليس عليه شيء ف قول جاهي أهل العلم؛ فأين تنبيههم على مل السعى
النبوي عرضا لو كان ثة تغيي شرقا أو غربا؟
واللصة الستفادة ما سبق :أن الستدل بذه القصة إن استدل با على أن
السعى قد نُقل بالكامل عن موضعه؛ فهو استدلل باطل.
وإن قال :إن موضع الرولة قد تغي موضعه بالكامل؛ فهو أيضا قول باطل.
وإن قال :إن موضعا يسيا ف مل الرولة قد حصل فيه تغيي؛ فهذا ليس مسلما؛
بل يلفه شيء من الشك؛ وعليه فل يصلح مستمسكا ف هذه القضية الشرعية بالغة
الهية.
رابعا :أنه على تسليم حصول هذا التغيي ،وأن جزءا من السعى –ف مل
الرولة -جُعل ف دار ابن عباد؛ فإن هذا ليس فيه ما يدل على جواز تغيي مل هذه
العبادة التوقيفي ،أو أن هذا التغيي قد حصل بالفعل؛ وإنا غاية ما هنالك أنه أزيل
بناء كان قائما ف مل يُشرع السعي فيه.
وكأن بدار ابن عباد هذه مشابة ف حالا لدار آل الشيب الت أزيلت ف العصر
الديث –خلل التوسعة السعودية الول -والت كان ملها بي موضع السعي من
جهة الصفا وبي الشارع العام اللصق للمسجد الرام ما يلي باب الصفا (انظر:
فتاوى الشيخ ابن إبراهيم )5/139وكان قرار اللجنة الذي وافق عليه ساحة الفت
الشيخ ممد بن إبراهيم رحه ال( :ول بأس من السعي ف موضع دار الشيب لنا
على مسامتة بطن الوادي بي الصفا والروة) .144-5/143
واللصة :أن جعل السعى ف دار ابن عباد ل يُخرج هذا الوضع من السعى عن
الد الشرعي فيما بي الصفا والروة قطعا ،والطلوب شرعا السعي بي الصفا والروة
48
وليس الوضع الذي سعى فيه عليه الصلة والسلم على وجه الصوص ،وهذا
حاصل بعد هذا التغيي –إن كان-؛ فلم يزل الناس يسعون بي الصفا والروة كما
كان المر قبل توسعة الهدي ول يتغي شيء من ذلك البتة.
يوضح ذلك :أن الدرج الت على الصفا وعلى الروة قد بنيت قبل الهدي –ف
عهد والده أب جعفر النصور -وف هذا يقول الزرقي ( :2/102حت كان عبد
الصمد بن علي ف خلفة أب جعفر النصور فبن درجهما الت هي درجهما).
ويقول الفاكهي ( :2/245فدرجهما إل اليوم قائمة).
فهذه الدرج بقيت على موضعها بعد التغيي الذكور –إن صح -ول تزل كذلك
إل ما قبل التوسعة السعودية الول؛ وهي شاهد صدق على أن السلمي ل يكونوا
يسعون إل ف هذا السعى العروف بي الصفا والروة ،وأن السعى ل يرج عن كونه
بي الصفا والروة؛ فالساعي كان ينل من هذه الدرج الت على السعى قاصدا الروة
قبل توسعة الهدي ،واستمر المر كذلك بعد التوسعة وإل التوسعة السعودية الول،
بل وإل اليوم؛ فالسعى هو هو بمد ال.
وهذا دليل آخر على أن السلمي ل يزالوا مافظي على مل هذه الشعية دون
زيادة أو نقصان.
ويؤيده –أيضا -أن الجاع قد قام على صحة السعي ف هذا السعى العروف
الذي توارثه الناس مع وقوع هذا التعديل الطفيف فيه إن صح ذلك.
يقول الفاسي ف شفاء الغرام ( :521 - 1/520والظاهر –وال أعلم -إجراء
السعى [كذا ،ولعل الصواب :السعي] بوضع السعي اليوم وإن تغي بعضه عن موضع
السعي قبله لتوال الناس من العلماء وغيهم على السعي بوضع السعي اليوم ،ول
خفاء ف تواليهم على ذلك ...وما حُفظ عن أحد منهم إنكار لذلك ول أنه سعى
ف غي السعى اليوم ...فيكون أجرى [كذا] السعي بحل السعي ممعا عليه عند
من وقع التغيي ف زمنهم وعند من بعدهم ،وال أعلم).
49
ويقول الرملي ف ناية الحتاج ( :3/291ويشترط [أي ف السعي] قطع السافة
بي الصفا والروة كل مرة ،ول بد أن يكون قطع ما بينهما من بطن الوادي ،وهو
السعى العروف الن؛ وإن كان ف كلم الزرقي ما يوهم خلفه؛ فقد أجع
العلماء وغيهم من زمن الزرقي إل الن على ذلك).
ويقول مل علي القاري ف مرقاة الفاتيح ( :5/475والسعى هو الكان
العروف اليوم؛ لجاع السلف واللف عليه كابرا عن كابر ول ينافيه كلم
الذرعي أن أكثره ف السجد كما توهم ابن حجر رحه ال فتدبر).
وكلم الذرعي هذا قد حرصت على الظفر به فلم أفلح؛ ومهما يكن فليس
صحيحا أن أكثر السعى ف السجد؛ فهذا قول شاذ مالف للجاع ،وكلم مل علي
القاري يُلمح إل أن هذا الجاع العملي مقدم على ما يقال بلفه.
ويقول الباجي ف النتقى شرح الوطأ ( :2/305والسعي بي العلمي هو الذي
يقتضيه الديث الذكور ،وقد أَعلَمت اللفُ ذينك الوضعي حت صار إجاعا).
ويقول مؤرخ مكة البي با ممد طاهر الكردي ف كتابه التاريخ القوي
( :5/363موضع السعي هو هو؛ ل يتغي ول يتبدل ول ينقص ول يزد).
والستخلص من هذه النقولت أن موضع السعي العروف توقيفي ممع عليه؛
وعليه فل يوز أن يُخرج عنه بال.
وأضيف إل ما سبق جوابي آخرين يؤكدان بطلن القول بأن السعى قد توسع
شرقا كما يردد هذا بعضهم:
-1كان يقابل باب السجد السمى باب العباس واليل العلق عليه الذي منه
مبتدأ الرولة للقادم من الروة إل الصفا – أقول :كان يقابل هذا الباب:
دار تسمى :دار العباس ،وقد أطبقت كتب تاريخ مكة على تديد ملها،
وأنا كما هي قبل توسعة الهدي وبعدها ،بل وإل الزمنة التأخرة حينما
صارت خرابا ف عهد شيخ السلم ابن تيمية –انظر :شرح العمدة
50
-2/465ورباطا فيما بعده –انظر :مغن الحتاج ،1/495وشفاء
الغرام ،1/440وتصيل الرام -1/346أقول :هذه الدار معروفة
ومكانا مفوظ إل وقت التوسعة السعودية الول؛ فلو كان ثة توسعة
للمسعى من جهة الشرق لدخلت هذه الدار ف التوسعة قطعا ولزال
وجودها؛ إذ ل يكن بينها وبي جدار السجد سوى خسة وثلثون ذراعا
فقط ،أي ستة عشر مترا تقريبا! وهذا ل يكن.
-2يلحظ أن من يرسل الكلم بأن السعى قد توسع ف مراحل متلفة من
التاريخ ل يستطيع أن ييب على هذا السؤال :إل أي حد بلغ هذا
المتداد خلل هذه الراحل؟ ليس ف كلم الؤرخي ف هذا كلمة
واحدة! مع أنم اعتنوا بأمور هي أقل من هذا بكثي؛ حت إنم قالوا :إن
بي جدار باب بن شيبة بالسجد الرام إل جدار الشعر الرام بزدلفة:
خسة وعشرين ألف ذراع وسبعمائة وثانية أذرع وأربعة أسباع الذراع!
انظر :شفاء الغرام 1/507
أفتراهم يعتنون بذكر هذا التحديد ذي السافة البعيدة مع أنه ل يترتب على
ذكره فائدة ،ويهملون تديد مسافة السعى بعد تأخي موضعه –كما يُزعم-
مع تعلق عبادة السعي به؟!
أختم هذه السألة بذكر شاهد على عناية العلماء ببقاء السعى مفوظا عن
الزيادة والنقصان ،وعلى شدة إنكارهم على من حاول العبث بدوده التوقيفية ،وقد
ورد ذكره سابقا.
ذلكم ما أورده القطب النفي ف كتابه العلم ( 106-104نقل عن تصيل
الرام للصباغ )348-1/346ف قصة تعدي أحد التجار –واسه :ابن الزمن -على
السعى حي اغتصب من جانبه ثلثة أذرع ليجعلها ضمن أرض يبن عليها رباطا
للفقراء؛ فمنعه قاضي مكة ابن ظهية وجع مضرا من العلماء وفيهم من علماء
51
الذاهب الربعة وقابلوا هذا التاجر (وأنكر عليه جيع الاضرين وقالوا له ف وجهه:
أنت أخذت من السعى ثلثة أذرع وأدخلتها ،وأحضروا له النقل بعرض السعى من
تاريخ الفاكهي ،وذرعوا من جدار السجد إل الحل الذي وضع فيه ابن الزمن
الساس فكان عرض السعى ناقصا ثلثة أذرع).
فهذا شاهد على اهتمام أهل العلم بذا الشعر العظيم ومنع التغيي فيه حت ولو
كان قدرا يسيا ل يتجاوز مترا ونصفا ،ونمد ال أن هذا التعدي كان مؤقتا وزال؛
فإن التوسعة السعودية الول قد استوعبت السعى بعرضه التوائم مع ما ذكره
الؤرخون القدماء ول المد.
52
الاتة
هذا ما أردت بيانه ف هذه السألة؛ إبراء للذمة ،وصدعا بالق الذي أدين به،
وال يشهد أن بذلت قصارى جهدي ف الوصول إليه.
وإنن ف ختام هذا البحث لهيب بأهل العلم وبأصحاب القرار أن يعيدوا النظر
ف هذه التوسعة.
إن خيا للمة أن تبقى على المر الواضح الستبي الذي مضى عليه عمل
السلمي وتوارد عليه الناس وتلقاه اللف عن السلف ،بعيدا عن التكلف ف
الستدلل واتباع التشابه من كلم أهل العلم؛ فهذا الذي ل ينازع عاقل ف أنه أسلم
ف الدين وأبرأ للذمة ،وبه تصل الطمأنينة بصحة العبادة.
وإذا كان العقد قد انفرط ول يكن التدارك فل أقل من جعل السعى القدي باله
ذهابا وإيابا ،فمن طابت نفسه بالسعي ف السعى الحدث فدونه ،ومن أراد أن يسعى
كما سعى السلمون قبله فل يبقى ف صدره حرج من صحة عبادته.
وكأن بذه التوسعة -لو مضت كما هو مرسوم لا -وقد وقف العقلء إزاءها
عاجزين عن حل معضلة كبى؛ أل وهي التنازع والتدافع اللذين سيسببهما إصرار
كثي من السلمي على السعي ف السعى القدي ذهابا وميئا احتياطا لعبادتم! وحينها
سنقع ف شر ما فررنا منه ،والمر ل.
ويسن أن أحلي ختام البحث بكلمات نيات للشيخ العلمة ممد بن إبراهيم
رحه ال تتعلق بذا الوضوع.
قال رحه ال( :يتعي ترك الصفا والروة على ما ها عليه أولً ،ويسعنا ما وسع
من قبلنا ف ذلك ،ولو فُتحت أبواب القتراحات ف الشاعر لدى ذلك إل أن تكون
ف الستقبل مسرحًا للراء ،وميدانًا للجتهادات ،ونافذة يول منها لتغيي الشاعر
وأحكام الج ،فيحصل بذلك فساد كبي ...ول ينبغي أن يُلتفت إل أمان بعض
الستصعبي لبعض أعمال الج واقتراحاتم ،بل ينبغي أن يُعمل حول ذلك البيانات
53
الشرعية بالدلئل القطعية الشتملة على مزيد الث والترغيب ف الطاعة والتمسك
بدي رسول ال صلى ال عليه وسلم وسنته ف العتقدات والعمال ،وتعظيم شعائر
ال ومزيد احترامها) الفتاوى (.)147-5/146
أسأل ال تعال أن يرزقنا الفقه ف الدين ،وحسن التباع للنب الكري عليه الصلة
والسلم -ففي ذلك الي كل الي -كما أسأله جل وعل أن يوفق ولة أمورنا إل
ما فيه صلح الدين والدنيا ،وأن يزيدهم توفيقا ،وأن ين عليهم بالداية إل الق
والعمل به؛ إن رب قريب ميب.
والمد ل رب العالي ،وصلى ال وسلم وبارك على عبده ورسوله ممد وعلى
آله وصحبه أجعي.
تت كتابة مسودة هذا البحث ف 2/4/1429هـ ،ث راجعته وأضفت إليه وهذبته بعدُ.
dr.saleh.s@gmail.com
54