Professional Documents
Culture Documents
ضهدة" لليهود والدول الكبرى على مدى قرن كامل، وشاء ال تعالى أن يكون الشعب الفلسطيني " ُ
سبقه قرن تمهيد لذلك منذ زمن نابليون ،وإذا جعلنا تفريط المسلمين في أمر فلـسطين وجهًا آخر
لحـقـيـقة الضـهـدة ،فإن وصف حـصـول الظـلـم من "كل أحد" كما هو في النص يكون صحيحًا
دقيقًا.
لمة السلمية ،وإنما حاولوا ودافعوا وما كان هناك تفريط تام من أهل فلسطين أو من عامة ا ُ
مرارًا ،ولكن العمل إذا لم تسيطر عليه خُـطة ماهرة ،ولم تستوعبه قيادة مخلصة واعية ،ولم
يخدمُه إعلم مكافئ وتمويل كاف :يكون إلى الفورة أقرب ،وبـِــرّدة الفعل الساذجة أشبه ،وذلك
كان قَـَدر فلسطين ،حتى نشأت حركة"حماس"وفرضت نفسها في الساحة ،وصارت تُـمثل ُكتلة
جهاد ،بأياٍد طاهرة ،تـتـقدم على بّينة ودراسة ورؤية استراتيجية واعية ،ووضوح عقيدي وفكري،
شر بنصر منتظَـر.
فصار ُيؤذن لكل مسلم أن ُيَب ّ
وفي الحياة السلمية الولى كانت هناك ممارسات لمعاني الحرية تبقى هي الجذر لمن يريد
شريح القاضي أنه كان )ل
التأصيل وإحياء طرائقها ،ورجال الشرع في المقدمة ،وفي التعريف ب ُ
يجيز الضطهاد(.
وإنما يعنون ما في حياة الناس اليومية من تظالم وقهر حين التصرف والتعاقد ،ولكنه إيماء من
شريح إلى ما هو أكبر ،وتعليم منه لكل مسلم أن يسعى نحو الحرية ويكون أبيًا ،ومعاني الحريةُ
السياسية إنما تبنـى على أساس من معاني الحقوق المدنية وعدالة القضاء ،وإشارات القاضي
النزيه هي البيئة المربية للمجاهد والسياسي المنتفض.
وتكتسب هذه الحاسيس ُبعدًا نفسيًا آخر حين تكون فلسطينية ،بسبب الهجرة القاسية التي ُفرضت
على أهلها ،فالمهاجر؛ والطريد المظلوم :يحن إلى وطنه حنينًا شديدًا ،ويحس أنه كالجمل المأسور
عن الحركة ،وهو قول ذي الرمة:
طــــ ٍ
ن عَ :يـثْــنيه عن َو َ
كأنني ناز ٌ
ل ،وتقـــيــيــُد
عْقـــــ ٌ
ن :رائـــحًةَ :
صــْرعـــا ِ
َ
فكذلك الفلسطيني المقيد :نصف دهره في هموم المعيشة ،ونصف في الكبت وإبعاده عن مقدمات
ل يشرد من خطط الترويض. الثورة والجهاد ،وُيراد له أ ّ
ن ذلك ل يشفع لليأس أن يجد له طريقًا إلينا ،لنولئن نـجـحت خطط العدو في إرهاقنا حينًا ،فإ ّ
النظر الفاحص إلى تصاريف الدهر وطبائع الحياة يعظنا أنه ما من حال يدوم ،وأن الرهق يتلوه
انفراج ولبد ،وفي ثنايا ذلك تـتاح فرص الستدراك والتعويض ...من أهم الملحظات في "حركة
ل ،بل متقطعًا ،وهذه الملحظة هي من العلم الشائع المتفق عليه بين الحياة" أنها ليست تيارًا متص ً
البشر ،والتي ترجمها الشاعر فروة بن مسيك المرادي فقال:
ســـــجــــــا ٌ
ل ك الدهُر دولـَـُته ِ
كذا َ
حيــــنـــًا فحيــــنــــا.
َتــُكـــــّر صـــروُفـــــــــه ِ
فالتغير صفة دائمة ،بل هو الذي يولد التحريك ،ول يركد على حال واحد ،وإنما هو دائم التبدل.
وهنا يكون لكل أحد حق التجريب ،فتكون طرائق العمل هي المعّول عليها في حصول أمل ،أو
بقاء في المتاهة ،كما قال تعالى:
شاِكَلِتِه(
عــَلى َ
ل َ
ل يـَـــْعَمــ ُ
ل ُك ّ
)ُق ْ
وهذا هو الذي يجعل لطريقة"حماس"في الجهاد القيمة الكبرى ،فالقضية غير متعلقة بزعامة ،ول
ع لوضوحبانتخابات ،وإنما بمنهجية شاملة ومنظومة قِــَيم وخطط متكاملة ،وجدارة حماس فر ٌ
الطريقة ،وإبداع قيادتها إنما هو من نتاج الفكر الذي تؤمن به.
ضرَبة ْمَعّلم
َ
ل وتمريض وإبطاء ،أو ت مواتاة الفرصة :تكاس ٌ وهو يشير إلى ضدين متطرفين فيهما فوا ُ
ل ل ُيتاح معه تدبر وتخطيط ،وإنما الحازم المتوسط الذي تكون بين نهضته وهجمته وقفة استعجا ٌ
عظ فيستدرك فينال نصف النـتيجة تأمل ..وكأن ترك الروّية أخطر من التواني ،إذ المتواني قد ُيو َ
إن ذهب عنه كمالها ،ولربما أمسك ذيل الفرصة إن لم يستقبلها ،ولكن المتهور مردود ،فيثّـاقل إلى
الرض ُمحَبطًا ،ولن يستطيع الحركة إل من بعد دهر تَـسليٍة وعلج ،ومن خبرهما يعرف
المجاهد والقيادي الدعوي إبداع المواتاة في الزمن المضبوط الصحيح.
ونزول "حماس"اليوم لميدان المنافسة ،وحضورها انتخابات المجلس التشريعي الفلسطينـي هو
خطوة حازمة في الوقت الصحيح ،وتجسيد ُمتقَـن لشعار "إبداع المواتاة" ،وكمنت خلفها شجاعة،
تمدها انتصاراتها في النتخابات البلدية.
ب)
ب :خا َ
سَر :أيسر ،وَمن ها َ
جَ)َمن َ
وما هي بدعوة للتهور ،ولكن مفاد التجريب الحيوي واضح ،والتاريخ يبرهن على أن الدنيا – في
جزء من طريقة أخذنا لها – إنما تؤخذ غلبا ،وهذا الغلب يحتاج مبادرة وثقة بالنفس وإقدامًا
وسرعة قرار ،إذ الميدان مليء بالمنافسين ،ومعهم الوسائل والموال ،وأيما مبالغة في طلب
النـتيجة المضمونة كأنها تـتضمن بذرة خوف صغيرة يمكن أن تنمو تحت غطاء السراف في
الحذر لتكون عائقًا نفسيًا يصد عن استثمار الفرص ،فيتركها لشهواني وخياني ،فما يعود ممكنًا
سَر الرائـد عند تلك الـلحظةجَ
غير اللوم وتـقريع الذات ،فـتـكون الفتن الناحـتة للرصيد ،ولو كـان َ
لستراح دهرًا ،ولذلك تـكون"حماس"قد تجنبت سلبيات كثيرة بمبادرتها المستوفية لوصاف
التخطيط المتقن.
حثّــها
سَت ِ
ك َي ْ
وارسل فيها مال ٌ
ن ومــا َوأ ْ
ل ب المُنـــــــو ِ
وأشفق من َريــ ِ
جْ
ل عَ
ث من رفيِقك أو َ
حّم ري ٌ
ن ُ
وإ ْ
فمالك يريد أن يسابق الموت الذي يحيط به وبرفيقه ،فأرسل رسالة بذلك ،والضمير"فيها"يعود
لهذه الرسالة ،ولكن الُبعيث يعظه أن القدار أعلى ،ول يمنع ذلك من اتخاذ السباب ،لكنه تذكير
بأن يتوقع ما ل يرغب.
ل عن الستسلم لهواجس وقوعه ،بل من إنما شأن المؤمن أن ل يستسلم للقَـدر السلبي الواقع ،فض ً
تمام إيمانه أن ُيصارع قدر السوء بقدر الخير ،و"حماس"في جميع خطواتها إنما توازن وتداري،
وتشد جاذبة ثم تُـرخي ثم تشد ،وتلك هي قوانين الممارسة السياسية والجهادية ،وصورة
ع ،فيجذبون حبال الشراع منح الشرا َ
حارة تميل بهم سفينتهم ،بدفع الري ِ قادة"حماس"هي صورة الب ّ
أجل التوازن ولئل تنقلب ،وهو المنظر الذي نراه اليوم في شاشة التلفاز عند سباق اليخوت ،لكنه
منظر قديم انتبه له شاعر البداوة العجاج فقال تخليدًا له:
ن بالــُكـــــــــــُروِر
صـــــــــــراِرّيي َ
ب ال ّ
جـــــــذ َ
حارة يجذبون الُكرور التي هي الحبال بنوع من البطاء ،لثني السفينة عنأي :هؤلء الصراري الب ّ
أن تحور وتـتأرجح ..ولفظ الشرح في اللسان) :أي يثني هذا القرقور عن الحؤور :جذب الملحين
بالكرور ،والُكرور جمع َكّر ،وهو حبل السفينة الذي يكون في الشراع( ،والقرقور :نوع من
ل في خليج العرب ،ولفظ اللسان) :وُيقال للسفينة :القرقور،
السفن ،وما زال هذا اللفظ مستعم ً
صرصور( وال ُ
فهذا الرصد لهذه الحركة الحيوية الجزئية البحرية :إبداع من بدوي ذكي ،بل إعجاز ،لنه كما
خور السفينة ،فأجاَد تأمل حكمة الحركة ف البحر وُم ُ
ص َ
وصف لنا الناقة والصحراء كثيرًاَ :و َ
الحيوية الشاملة ،ويهمنا من أمره هنا :توازن السفينة ،ثم يهمنا من أمر حماس :توازن الداء
والمواقف في أيام صعبة ،معادلتها معقدة ،وشد الحبال أصبح فنّــا دقيقًا ،وعلى َمن يريد البحار
المن في محيط العولمة وليس بعيدًا عن سخونة أحداث العراق :فإن عليه أن يتقنه.
وسبب نجاحها ونيلها التقان :أنها ل تعتمد العمل الجماهيري الكّمي ،وإنما العمل التربوي
النتقائي والتقاط الصفوة وتعليمها في الخلوات وتفقيهـها قبل تدريبها للمصاولت ،فتتوافر
عناصر :لها مع قوة الشكيمة ُبعد نظر ،ويكون اللتفاف الجماهيري مظهرًا لوجود هؤلء الجنود
الفقهاء.
ب فائر.
حَمّر الباتر إذا هّزه ذو قل ٍ
وعند المعارك :إنما َي ْ
والسلح إذا أتلفه الصدأ :لن ينجد بطيئًا مهما بنفسه َربأ.
ف اختلفهم
س إل كالسيو ِ
وما النا ُ
ض قاط ُ
ف ن ،والبع ُ
جف ِ
ل ُمحّلى ال َ
فك ٌ
ب السيف بذهب وجوهر يلمع ،ويتنافسون في ذلك ويتزايدون ،لكن الصفائح س ُقرا َ
فكما ُيزين النا ُ
عميانًا :يتجمل الرجال كذلك بالملبس والمنصب واللقب، في الداخل تختلف حدًا ،وتكون قواطع و ُ
وبعض القلوب تحت ما ظهر ل عزم لها،ول رواء فيها ،ول نأمل منها نفعًا ول حركة ،ول في
ف ُلّبها ،وبقيت قشورًا.
الخير مساهمة ،وإنما هي مثل ثمرة تل َ
جَعـَلتْـُه "حماس" :أكرم مواهب ال لهل فلسطين ،ولهل العراق حين غزاهم رعاة
لكن السيف َ
البقر ،وللمسلمين عمومًا ،ولحرار البشر ،عبر عدوى الخير ،وإملء في اللشعور مع كل خبر
جهادي ومع صورة كل شهيد يسبق إخوانه إلى الجنان.
ف في لغة "حماس":
وصاَر السي ُ
لمة ،ونهضوا إلى كل فمن الرجال رموز للعزة ،قد تزينوا بالحزم ،وتصدوا لمنع العدوان على ا ُ
مطلب رفيع ،وجعلوا المحور الدعوي مركز النطلق المنهجي لكل عمل جهادي ينوون إتقانه.
وبجانبهم عاجز وكسول وفوضوي ،ورجعي ل يعيش عصره ،وجاهل يزهد بالعلم ،وجبان يخاف
المصاولة ،وأناني يقعد على التل يتفرج على المعركة.
ن إلى درجة أن كل مخلص اضطر إلى أن يسأل نفسه :إلى أي الفريقين ينتسب؟ واتضح الُفْرقا ُ
سه ،لنه ل يرى للبذل حدودًا غير الحدود العليا التي مارستها "حماس"
ولربما اتهم مخلص نف َ
ل.
وصارت مث ً
حوٌم حول كراموعبر القرون :كان لفتيان الجهاد عشق غير ما الشباب فيه من الهوى ،ولهم َ
خَلجات ساميات ،وبين معشرهم تناصح ،ويقول الواحد لخيه إذا ذكر حبيبته المعاني ،وتعتريهم َ
وحليلته :أن اصبر:
ضــــــُلوعٍة
ب بم ْ
ح ّ
ل عن ال ِ
ســـــ ُ
وا ْ
جِ
ل َفــــّوَقـــــهـــا البـــــــــــــــــــــــاري ولم َيــــــْعــــــ َ
ل سائُرها َكبِـَدها)
ف وتقويم ،وقد شاَك َ
ط ٌ
عَ
عودها َ
(وقوس ضليٌع ومضلوعة :في ُ
والبيت للُمتَـنخّـل الهذلي ،ومجمل معنى نصيحته أنه إن أبعدته اليام عن حبيبٍة :فإن له سلوى
وعوض بقوس أطال جهَده باريها في نحتها حتى تناسقت أطرافها مع أوساطها ،فجاءت نموذج
س وقلب ،وأسمى ما هنالك أنها هوية عّزة ،وآلة ذود ،وملهمة مرّبية لنف ٍ
ل في جمال ،وشارة ِ كما ٍ
ن الخروي ذا القوس المضلوعة انتساب لُعصبة الجهاد الشريف ،ولئن مشى الدنيوي بغرور ،فإ ّ
المنسابة يتبختر بثقة ويقين ،وهو إمام المحبين.
وهذه القوس المضلوعة :صّورها شاعر البداوة "رؤبة بن العجاج" في مثال ثان ِبِهلل اليمان،
وقال:
ت الُعُنــــــــق
كأنـــها في صــدره تح َ
ل وُاُفـــــــــــــــــــق.
ن ليــــــــــــــــــــــ ٍ
ل بي َ
ل هل ٍ
مــثــ ُ
فانتبه لهذا التصوير الفخم الذي كّله إيماء إلى رجولة وبطولة.
وتلك طريقة "حماس" من يوم جزمت بهويتها السلمية ،فوضعت كل التراث التجريبي الجهادي
منهجًا تربويًا لمجاهديها ،بداية بعصر الصحابة الكرام ،مرورًا بالعصر الوسط ،ومواصلة
ل مع أحوال مجاهدي العصر الحاضر. وتفاع ً
وهي تروي لفتيانها أول ما تروي :كيف كان شباب الصحابة أهل فروسية وإتقان لها ،ففي خبر
ت فارسًا
ق بين الخيل( ..قال) :كن ُ
سّب َ
عبد ال بن عمر بن الخطاب – رضي ال عنهما– أن النبي ) َ
ف بي الفرس مسجد بني ُزريق ،حتى كاد يساوي المسجد( طّف َ
س حتى َ
ت النا َ
يومئذ ،فسبق ُ
ب بي حتى كاد ُيساوي المسجد( ،أي في ارتفاعه ،أي كأنه(قال أبو عبيد :يعني :إن الفرس َوَث َ
كانت هناك موانع عالية يجب على المتسابق أن يجتازها ،كما هي اللعبة اليوم ،وأصل الحديث في
صحيح البخاري.
ن القارئ لخبار ابن عمر في العبادة ورواية الحديث يظنه ناسكًا ل ُيحسن غير الجلوس ونشر
فكأ ّ
العلم ،وهو الفارس الول.
وأما التجربة المعاصرة فإنها ل ترويها ،لكنها تعانيها ،وتكون أصل ذاتها ،وانفعلت بها مدة ثم
أصبحت فاعلة صائغة لها ،وهي تجربة صيرورة "المجتمع الفلسطينـي المهتم بالقضية
الفلسطينية" بيئة جيدة الوصاف لتلقين وتعليم فن الجهاد لكل العالم السلمي ،بل والفن الثوري
لكل العالم ،ومهارات القيادة وأساليب التعامل مع تعقيدات العلقات الدولية وعنفوان العولمة.
سوية التي آلت إليها من مجموع التجربة الفلسطينية أن الظاهرة وأصل خبر هذه الـُمـكنة الحما َ
القيادية في تحريك الحياة ل تكون من قائد فرد فقط ،أو من تنظيم وحزب فقط ،بل تكون أيضًا من
مجتمع له خصائص ممنوحة من نمط معيشته هو داخل المجتمع الكبير ،وأوضح مثل لذلك
"المجتمع القرشي" ودوره القيادي بالنسبة للمجتمع العربي الكبير ،بما أتاحت الحياة التجارية
لقريش من ذلك ،وأتاحه حج العرب إلى مكة.
ويشرح أبو بكر الصديق ذلك ويسّوغ في حديثه للنصار يوم السقيفة سبب تصّديه للخلفة ويقول:
جـْيـَبـت الّرحى عن ُقطبهاُ ،فكّنا وسطًا ،وكانت العرب حوالينا
ب عنا كما ِ
)إنما جِــْيـَبـت العر ُ
كالّرحى)
وأهل الحواضر عمومًا يكونون أوعى من أهل البداوة وأشد مراسًا للسياسة ،ثم أهل العواصم أكثر
ل بها من أهل الطراف ،وأي مدينة أو إقليم يكثر فيه الدب وتداول العلم والبحث الفكري انفعا ً
ل لتأثير قيادي فيما حوله.
يصير بعد دهر مؤه ً
ولن هذه الظاهرة موجودة :فإن التوجه الدعوي مال ذاتيًا لن يتقصد السيطرة من خللها على
بعض الحركة الحيوية وأن يكتشف الفرص المتاحة من حوله لينميها.
والكتلة الفلسطينية الجهادية الناصرة للقضية الفلسطينية وصلت إلى هذه الدرجة من المتلء
بالزخم الكامل وإمكانية سريان طرائقها وخططها وقناعاتها وتجاربها إلى كل قضية أخرى فيها
ضهدة وظلم ،وكان أوضح ذلك تأثيرها المباشر والحاسم في "القضية العراقية" وسرعة الستجابة ُ
العراقية لنداء الجـهاد ،فتـكاملت القضـيتـان ،وتداخلتا ،واتـحد مصـيرهما ،وذلك أوفـى نـجاح
"حماس".
تبقى اُلْهبة ...ول تشغلنا اُلبّـهة
خرًا :فإنه يضع ضريبة مشتركة على القضيتين :أن ومثلما استحال هذا النجاح والمتزاج َف ْ
تستوعبا دروس المرحلة جيدًا على ضوء الوعي القديم طالما أن التجربتين النتخابيتين في العراق
وفلسطين ليس بينهما غير أربعين يومًا فقط والوعظ الجامع لهما :أن ل تلقيا السلح مهما بدت
ل وضِعه :أن يكون انسحاب المحتل وزوال آثار مكتسبات السياسة والنتخابات وافرة ،وإنما أج ُ
الحتلل ورجوع البلد إلى أهلها واستعادة الحقوق.
أهم شيء :أن ل يقع الجهادان في الخدعة الديمقراطية والكتفاء بمنصب وزاري بل ورئاسي.
حه الضارب "داُرب ماشومي وجنا ُ وفي اليام الغوابر ،قبل ستين سنة :جاهد محمد ناصر وحز ُ
السلم" حتى تحقق استقلل اندونيسيا بعد الحرب العالمية الثانية وكانت الفئة العلمانية المصلحية
تريد سرقة الثورة والستئثار بها دون دار السلم وماشومي وعموم الحركة السلمية ،لكنها
تخاف ما بيدها من سلح فكانت خطة "الرئيس سوكارنو" الذكية :أن يجعل الرجل الصالح
سه أنه صاحب السلطة الدكتور محمد ناصر رئيس حزب ماشومي :رئيسًا للوزراء ،لُتصدُقه نف ُ
ن :زّين له أن استقرار اندونيسيا رهن بإلقاء المجاهدين السلح وتسليمه للسلطة الفعلية فلما اطمأ ّ
من أجل إتاحة حكم مركزي قوي .
فبذل محمد ناصر جهدًا مع دار السلم ووظّــف كل أدوات المنطق والجدال لقناعها مؤمنًا أنه ل
خوف من ذلك ،لكونه هو رئيس الوزراء وأبى قادة دار السلم وعاندوا ،فزاد ضغطه عليهم حتى
أنزلهم من الجبال ،وأخرجهم من الغابات التي تحصنوا فيها ،وانتزع منهم السلح ،حتى إذا ما أتّم
ذلك :عزله سوكارنو بما معه من قوة ،وعاد محمد ناصر يلوم نفسه حتى مماته ،وعاد قادة دار
ت حين َمندم بعدما فقد ذراعه العسكري الضارب ضربة ماحقة لم السلم يوسعونه تقريعًا ،ول َ
تقم له قائمة مرة أخرى ،وسهل عليه سجنهم وممارسة أنواع الستبداد ضدهم ،وما كان الستئناف
ممكنًا حتى لو توفر السلح ثانية ،بسبب الصدمة المعنوية التي أحدثها القرار القيادي الخاطئ
الموغل في الخطأ وتبسيط المور وإبداء السذاجة ،ولمكانة العامل النفسي المتردي بعد انتزاع
عنوان الشرف وشارته وأداته ،فإن التأجيج والحماسة وأنواع الندفاع التي تبنيها المناهج التربوية
في سنوات :يمكن أن تُـبددها انتكاسة نفسية واحدة متولدة من موقف غير واع ،ومضت تلك
التجربة درسًا للجهادين العراقي والفلسطينـي معًا أن يتخذا النتخابات والستيزار والوظائف
وسيلة من الوسائل السلمية الخادمة للضغط القتالي ،ولكن من دون اعتبار ذلك نهاية وبل تعطيل
للهداف الستراتيجية الجهادية الكبرى وبل إلقاء السلح بل حتى صياغة اتفاقيات الستقلل
والحرية واسترجاع الحقوق تقتضي استمرار وجود السلح فترة بعدها لضمان التنفيذ وحصول
المطالب ومنع التحايل،
وأي نزول من جبالنا التنظيمية التي اعتصمنا بها فإنه يعنـي :كشف أسرارنا وتـخدير الهمم الدفاقة
وبذر بذور الختلف في مجموعة المجاهدين بسبب تعّدد الجتهاد السياسي بين رافض ومؤيد
وفي الشأن الفلسطينـي يتواجه اليوم رصيدان يتنافسان :رصيد الجهاد واليمان والصدق
والخلص ورصيد ُاوسلو والخنوع والفساد الداري والتسلقات على أكـتـاف المستضـعفين وما
ب"خالدًا"
خـ ّ
يـنبـغـي أن َيـخـدع ال ّ
ويذكر "خالد" جيدًا كيف كان في السبعينات في مسجد القطان بمحلة النقرة في الكويت يجمع
اليافعين من أبناء الجالية الفلسطينية ليلقي فيهم "الراشد" درسًا عن ثلثية الصف السلمي وتربية
الصفوة وشعور الستعلء والمفاصلة أو عن المعادلت الفقهية الجهادية ومتوالياتها أو عن الخطو
ل للمحاضن التي نشأت فيـهاالموزون وإبداع التخطيط وكيف كانت تلك الجلسات التربوية مثا ً
بـعـض قـيـادات "حماس" وترعرع فيها بعض مقاتليها".
ل ل يغيب ،وفجٍر ُيبشر وشمس ساطعة ل ثم قادة الجهاد العراقي يذكرون اليماء جيدًا إلى قمر عا ٍ
تفتر وقبلهما :يوم الحرب :ذاك الحديث المبكر عن انعدام المن الجهادي في ظل المخابرات
والدعوة إلى جهاد فوري بعد أن تنقطع الصواريخ ويكون جندي المارينز وجهًا لوجه مع عراقي
رافض يجاهد الكافرين ،وقد زادته اليام موعظة أن يحتفظ بقوته حتى بعد النسحاب الميركي
ليعالج احتمالت الحرب الهلية من طرف يغالب حكمة التاريخ مغالبة ويريد إلغاء الطرف الخر
ل قُـنّـنت في دستور ظالم في غفلة من انتباهة
وقد تداخلت معه الرغبات الشعوبية الثمة وأباطي ُ
الحرار وصارت تعتصم به الخطط اليهودية التي تريد تقسيم العراق وتـختفي وراء دغدغات
اصطلح الفدرالية.
وهذا "العتداد الصلب" كـله قد أنتج عددًا وافرًا من "مـــذاهـب العـمل "و" معادلت
الداء"أصبحت تشكل بمجموعها منهجًا متميزًا في"الجهاد المعاصر"وفقهه واجتهاداته المضافة
ل عن بطل ،ومجتهدًا إلى كتلة "الجهاد السلمي" الموروث عبر القرون كابرًا عن كابر ،وبط ً
عن مجتهد ،وما ينبغي أن يكون مّنا اليوم شذوذ أو إغراب أو لين ،بل العتصام بالمأثور عن
الثقات واجب ،ونزيد زيادة خير ،ونستنبط للواقع الجديد ما يناسبه.
نستمسك بمذهب الستظلل تحت سحاب السماء وأغصان زيتون خضر وسعف نخل ،ل تحت
سرادق تناثرت على أطرافه قطرات دماء المسلمين المظلومين.
وفي كل ذلك مواثيق وعهود وعقود ،واثقنا بها ال ،وجعلنا اليام تشهد علينا ،والناس شهود،
وكتبنا قصصًا ،وضربنا أمثلة ،وصدحنا بأبيات التفاؤل والرجاء والمل.
ل أغَير ...وهو ولي الَقَدر.
ثـُـم ا ُ
مصالحنا تحّددها تجاربنا ...وتنطلق من فكرة مركزية
ويرغب البعض أن نـخرج من ضيق العتداد الصلب إلى سعة التقدير المصلحي ،وذلك صواب
يحتاج التدقيق ،فإن التوسع ينبغي أن يكون وفق مفاد الفقه ،وفقهاء "حماس" و "الجهاد العراقي"
أجرأ الناس في الموازنات والنظرات النسبية ،وجولتهم عريضة في ميادين الفتاء المصلحي،
ولكن طريقة الفقهاء أجمعين أن يكون هناك التزام بمفاد التجريب ،وهو حتم من بعد التزام النص
الشرعي ،ومفاد التجريب قد يكون بعضه مما يستوي فيه البشر ،ولكن أكثره إنما هو فهم إيماني
يحتكره المؤمن ول يقترب منه شرقي وغربي ،وبعضه إلهام يخص ال به المخلصين التقياء،
لذلك يجفل المفتي الجهادي من تهوٍر ،ومن سذاجة ،ومن ثقٍة بكافر ،ومن الِتماس خيٍر لدى ظالم
ل أو معارضًا للعولمة،وإن كان مسلمًا ،ومن قسوِة قلب واختلط نية لدى حليف وإن كان مقات ً
والقيادي المسلم ُيشفق لدمعة يتيم ،وآهة أرملة ،وولولة ُام ،لكنه ُيدرك أن حكمة ال في جعل البشر
يتدافعون ويتحاربون من أجل رفع الفساد في الرض :تقتضي الذعان لحقائق الذى ،وأن المل
يستلزم اللم ،و "حماس" لن تبيع تراث الدعوة في الفكر والعفاف والنقاء والصفاء جزافًا ،وهي
الكريمة ُاخت الحملت الجهادية الكريمة ،ولكنها البخيلة برصيدها من المكرمات ل تُـبذره ،وهي
تجاهد مع صفوف جهاد ُاخرى كريمة ل تّدعي احتكار حق دونها ،ولكنها اشترطت شروطًا
جهارًا نهارًا ،وينبغي أن يتعامل المتعامل مع تصورها الجهادي الكامل دون أن يتجزأ ،فإن
البتساَر انتحار.
وهذا التصور يقوم على فكرة مركزية في تخطيطها ينبغي أن يفهمها الجندي المقاتل كمثل فهم
القيادي لها :أن فقه "حماس" يقـصد تـأخير "الصلح" و "السلم" و "التطبيع" مع إسرائيل أطول
فترة ،وإلى حين أن ُيتاح تأسيس دولة إسلمية أو مجـمـوعـة دول إسلميـة تـــتـولى القـضـية
الفـلسـطـيـنـيـة بــإخـلص وشجاعـة وفـراسـة "حماس" في ذلك صحيحة وجاءت قضية العراق
ن إسرائيل إنما تحيا بكفالة أميركا وتطوعها لحمايتها وضربات الجهاد
الجهادية ببرهان صدقها فإ ّ
العراقـي توشك أن ترغم أميركا على النسحاب وفي دارها تلوم شديد قد ُيطّـور النسحاب إلى
خطة انكفاء أميركي عام ربما يتوسع حتى يصل درجة التخّلي عن إسرائيل ،فتكون نهاية إسرائيل
متصورة ،وقد بدا الموقف الوربي يميل لمثل ذلك وللصين والشرق وروسيا انشغال بالخروج من
شـباك العولمة الميركية ومن ثم ُيـتاح لدولة إسلمية أو دولة مخلصين أن تستثمر ظرف ضعف ِ
الظهير العالمي لسرائيل يومًا ما لتصول جمهرة مؤمنة صولتها لزالة دولة إسرائيل والتطور
السياسي الذي تشهده البلد العربية والعالم السلمي يوحي بصيرورة المور إلى أياٍد نظيفة ،وقد
أفلست الحكومات والحزاب وشاعت الصحوة السلمية ومارست السياسة وأتقنت الجهاد
عقالها،
سباتها ،ويفك الخطط من ِ
وجاء الحتلل الميركي للعراق ليوقظ الطاقات السلمية من ُ
ويوجه أحاسيس الجهاد نحو عليائها ،وقراءة المستقبل تـحتمل تصديق الحلم ،وتكمن قرائن في
ُوعود الّدين ،ومن كل ذلك يتشكل "مذهب حماس" ،وبحوث الفكر السلمي تمل السماع،
ومشاهد الزحف تمل البصار ،وتـتناقلها الفضائيات ،وبصبِر بضع سنين ُاخرى تمتلئ القلوب
بثقة ووعي وأفراح.
النصر وليد المنهجية ...والنـاة
وتـجبه المجاهد الريادي دومًا تناقضات في تصرفات الفصائل السياسية والجهادية وتكون في
بعض الحيان صعبة التأويل ول يمكن تخريجها وفق موازين الفقه وقواعد التخطيط وتكون إلى
شحالغموض أقرب وتلك طبيعة في الحياة النسانية ل تبرأ منها شخصيات العاملين ولمثلها ر ّ
ن "النــاَة" أن تكون مقدمة لما يرجو من وضوح وقرار صائب ،فقال لعبد ال بن الخليفة المأمو ُ
طاهر رئيس شرطته:
حجة على القِلقعذر العجول بما ُيمكنه من التثّبت وأوجب ال ُ
ت ،فإن ال عز وجل قد قطع ُ )تَـثَـبّـ ْ
صره من فضل الناة) بما ب ّ
وهي جملة قالها في سياق رقابته الدارية اليومية لكنها رسخت كحكمة سياسية وتخطيطية رفيعة
المبنى والمعنى والدعاة المسلمون والمجاهدون أولى من يجددها اليوم وأن تشتهر عنهم َروّية
وإصغاء بالحسنى وتأملت عند المشاكل وتضارب القول والمفاد والمواقف والبيانات والمناهج.
فإن هذه الحكمة تندبهم إلى أن يسمعوا بعقولهم وقلوبهم ل بآذانهم ،وما ينبغي أن يستفزهم إغراب
ُمغرب فيخرجوا إلى ردود فعل سريعة تزيد المَر التباسًا ،وإنما تكون لهم محاكمات الحكيم الذي
يتفكر ساعة قبل أن ينطق وأما الجفلت واللسان اللذع فهي شغل الذي ل تعقله أعراف وآداب
الداء الجهادي والدعوي ولم يتفهم قواعد العدل والقضاء ولم تطب نفسه بوداعة الساليب
التربوية وهذه الحكمة المأمونية كما أنها تهذيب لنا نحن أهل اليمان فإنها تحذير أيضاً للعجول
والحاسد والمنافس.
صُدره عندما يرى نجاح رجال الصحوة السلمية والشواهد الحيوية كثيرة ولكل من يضيق َ
الشارة إلى أن مقدمات بعض الفتن والمشاكل المؤخرة لنيل المة مصالحها إنما كمنت في
ب سلطٍة عجول يتجنب الروّية ويحتكر الحقوق فتميل ف ظالٍم وتزويري جنح إليه صاح ُ تصر ٍ
النفوس المظلومة إلى الرد والعناد والتحدي ،فتكون مشكلة تدلف منها أخلط وشوائب وأسواء
ل بركن علم النفس اليماني فيعفو
ورائد السلمة والمصلحة العامة يلعن الشيطان ويلوذ أو ً
ويسامح فأيما تحّرش بعد ذلك وإسراف في العدوان فإنه يوشك أن يدفع إلى ردود فإن النفوس قد
حباها خالقها بعزٍة فطرية يزيدها اليمان توكيدًا ويجعلها رأس الشرف.