You are on page 1of 11

‫رمزيات حماسوية‬

‫ح لكيفية حصول الظلم والقهر‪،‬‬


‫ل واض ٍ‬ ‫قامت "القضية الفلسطينية" شاخصًة في هذا العصر كمثا ٍ‬
‫ضهدة لكل أحٍد‪ :‬أي‬
‫ضْهَدة(‪ ،‬وهي‪) :‬الَغَلبة والَقْهر‪ ،‬وُفلن ُ‬
‫ويسمى اجتماعهما في ُلغة العرب )ال ُ‬
‫ل من شاء أن يقهره‪ :‬فعل)‬‫كّ‬

‫ضهدة" لليهود والدول الكبرى على مدى قرن كامل‪،‬‬ ‫وشاء ال تعالى أن يكون الشعب الفلسطيني " ُ‬
‫سبقه قرن تمهيد لذلك منذ زمن نابليون‪ ،‬وإذا جعلنا تفريط المسلمين في أمر فلـسطين وجهًا آخر‬
‫لحـقـيـقة الضـهـدة‪ ،‬فإن وصف حـصـول الظـلـم من "كل أحد" كما هو في النص يكون صحيحًا‬
‫دقيقًا‪.‬‬

‫لمة السلمية‪ ،‬وإنما حاولوا ودافعوا‬ ‫وما كان هناك تفريط تام من أهل فلسطين أو من عامة ا ُ‬
‫مرارًا‪ ،‬ولكن العمل إذا لم تسيطر عليه خُـطة ماهرة‪ ،‬ولم تستوعبه قيادة مخلصة واعية‪ ،‬ولم‬
‫يخدمُه إعلم مكافئ وتمويل كاف‪ :‬يكون إلى الفورة أقرب‪ ،‬وبـِــرّدة الفعل الساذجة أشبه‪ ،‬وذلك‬
‫كان قَـَدر فلسطين‪ ،‬حتى نشأت حركة"حماس"وفرضت نفسها في الساحة‪ ،‬وصارت تُـمثل ُكتلة‬
‫جهاد‪ ،‬بأياٍد طاهرة‪ ،‬تـتـقدم على بّينة ودراسة ورؤية استراتيجية واعية‪ ،‬ووضوح عقيدي وفكري‪،‬‬
‫شر بنصر منتظَـر‪.‬‬
‫فصار ُيؤذن لكل مسلم أن ُيَب ّ‬

‫وفي الحياة السلمية الولى كانت هناك ممارسات لمعاني الحرية تبقى هي الجذر لمن يريد‬
‫شريح القاضي أنه كان )ل‬
‫التأصيل وإحياء طرائقها‪ ،‬ورجال الشرع في المقدمة‪ ،‬وفي التعريف ب ُ‬
‫يجيز الضطهاد(‪.‬‬

‫وإنما يعنون ما في حياة الناس اليومية من تظالم وقهر حين التصرف والتعاقد‪ ،‬ولكنه إيماء من‬
‫شريح إلى ما هو أكبر‪ ،‬وتعليم منه لكل مسلم أن يسعى نحو الحرية ويكون أبيًا‪ ،‬ومعاني الحرية‬‫ُ‬
‫السياسية إنما تبنـى على أساس من معاني الحقوق المدنية وعدالة القضاء‪ ،‬وإشارات القاضي‬
‫النزيه هي البيئة المربية للمجاهد والسياسي المنتفض‪.‬‬

‫س "استحالت مذهبًا في الجهاد ُمتميزا"‬


‫حما ٌ‬

‫وتكتسب هذه الحاسيس ُبعدًا نفسيًا آخر حين تكون فلسطينية‪ ،‬بسبب الهجرة القاسية التي ُفرضت‬
‫على أهلها‪ ،‬فالمهاجر؛ والطريد المظلوم‪ :‬يحن إلى وطنه حنينًا شديدًا‪ ،‬ويحس أنه كالجمل المأسور‬
‫عن الحركة‪ ،‬وهو قول ذي الرمة‪:‬‬

‫طــــ ٍ‬
‫ن‬ ‫ع‪َ :‬يـثْــنيه عن َو َ‬
‫كأنني ناز ٌ‬

‫ل‪ ،‬وتقـــيــيــُد‬
‫عْقـــــ ٌ‬
‫ن‪ :‬رائـــحًة‪َ :‬‬
‫صــْرعـــا ِ‬
‫َ‬

‫ع إلى وطنه‪ ،‬وقد ثناه‬


‫)الصرعان‪ :‬نصف النهار الول‪ ،‬ونصفه الخر(‪) ...‬يقول‪ :‬كأنني بعير ناز ٌ‬
‫ل وتقييد‪ ،‬فعقله بالغداة‪ :‬ليتمكن في المرعى‪ ،‬وتقييده بالليل‪ :‬خوفًا من شـراده)‬
‫عن إرادته عق ٌ‬

‫ل رائحًة‪ ،‬أي ربط رجليه عند الرواح آخر النهار‪،‬‬


‫وتفصيل الشطر الثاني أنهما صرعان اثنان‪ :‬عق ٌ‬
‫وتقييٌد غدوًة‪ ،‬لكنه حذف ذكر الغدوة التي هي أول النهار من باب الكتفاء بما أشار إلى وجود‬
‫صرعين‪.‬‬

‫فكذلك الفلسطيني المقيد‪ :‬نصف دهره في هموم المعيشة‪ ،‬ونصف في الكبت وإبعاده عن مقدمات‬
‫ل يشرد من خطط الترويض‪.‬‬ ‫الثورة والجهاد‪ ،‬وُيراد له أ ّ‬

‫ن ذلك ل يشفع لليأس أن يجد له طريقًا إلينا‪ ،‬لن‬‫ولئن نـجـحت خطط العدو في إرهاقنا حينًا‪ ،‬فإ ّ‬
‫النظر الفاحص إلى تصاريف الدهر وطبائع الحياة يعظنا أنه ما من حال يدوم‪ ،‬وأن الرهق يتلوه‬
‫انفراج ولبد‪ ،‬وفي ثنايا ذلك تـتاح فرص الستدراك والتعويض‪ ...‬من أهم الملحظات في "حركة‬
‫ل‪ ،‬بل متقطعًا‪ ،‬وهذه الملحظة هي من العلم الشائع المتفق عليه بين‬ ‫الحياة" أنها ليست تيارًا متص ً‬
‫البشر‪ ،‬والتي ترجمها الشاعر فروة بن مسيك المرادي فقال‪:‬‬

‫ســـــجــــــا ٌ‬
‫ل‬ ‫ك الدهُر دولـَـُته ِ‬
‫كذا َ‬

‫حيــــنـــًا فحيــــنــــا‪.‬‬
‫َتــُكـــــّر صـــروُفـــــــــه ِ‬

‫وقول الناس في المثال‪ :‬اليام ُدول‪.‬‬

‫فالتغير صفة دائمة‪ ،‬بل هو الذي يولد التحريك‪ ،‬ول يركد على حال واحد‪ ،‬وإنما هو دائم التبدل‪.‬‬

‫وهنا يكون لكل أحد حق التجريب‪ ،‬فتكون طرائق العمل هي المعّول عليها في حصول أمل‪ ،‬أو‬
‫بقاء في المتاهة‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬

‫شاِكَلِتِه(‬
‫عــَلى َ‬
‫ل َ‬
‫ل يـَـــْعَمــ ُ‬
‫ل ُك ّ‬
‫)ُق ْ‬

‫جِديلته ومذهبه( ‪) ..‬والشاكلة‪ :‬الناحية والطريقة )‬


‫(أي على طريقته و َ‬

‫وهذا هو الذي يجعل لطريقة"حماس"في الجهاد القيمة الكبرى‪ ،‬فالقضية غير متعلقة بزعامة‪ ،‬ول‬
‫ع لوضوح‬‫بانتخابات‪ ،‬وإنما بمنهجية شاملة ومنظومة قِــَيم وخطط متكاملة‪ ،‬وجدارة حماس فر ٌ‬
‫الطريقة‪ ،‬وإبداع قيادتها إنما هو من نتاج الفكر الذي تؤمن به‪.‬‬

‫ضرَبة ْمَعّلم‬
‫َ‬

‫وكما كانت"الوسطية"عنوان سلمة الفكر السلمي لما أرادت أن تجنح به التـطرفات‪:‬‬


‫فإن"الوسطية السياسية الجـهادية"هي الركــن الوثـق الذي أسنـدت إليـه"حـماس"ظـهــرهـا‪،‬‬
‫ب تأويل لما ُيظن أنه من‬
‫فاسـتـقــامت مـواقـفها‪ ،‬وصــار التــعـقّــل سـمًة لها‪ ،‬و"النسبية"با َ‬
‫التناقض‪ ،‬و"الجمَع بين الصوابين"مخرجًا آمنًا من ُاحـادية النظر‪ ،‬وكـأن"حماس"قد أذعنت في‬
‫مبتداها وعند توغلها لوصية حكيم العرب أكثم بن صيفي التميمي حين قال‪:‬‬

‫(من جهة التواني وترك الروّية‪َ :‬يتَلف الحزم)‬

‫ل وتمريض وإبطاء‪ ،‬أو‬ ‫ت مواتاة الفرصة‪ :‬تكاس ٌ‬ ‫وهو يشير إلى ضدين متطرفين فيهما فوا ُ‬
‫ل ل ُيتاح معه تدبر وتخطيط‪ ،‬وإنما الحازم المتوسط الذي تكون بين نهضته وهجمته وقفة‬ ‫استعجا ٌ‬
‫عظ فيستدرك فينال نصف النـتيجة‬ ‫تأمل‪ ..‬وكأن ترك الروّية أخطر من التواني‪ ،‬إذ المتواني قد ُيو َ‬
‫إن ذهب عنه كمالها‪ ،‬ولربما أمسك ذيل الفرصة إن لم يستقبلها‪ ،‬ولكن المتهور مردود‪ ،‬فيثّـاقل إلى‬
‫الرض ُمحَبطًا‪ ،‬ولن يستطيع الحركة إل من بعد دهر تَـسليٍة وعلج‪ ،‬ومن خبرهما يعرف‬
‫المجاهد والقيادي الدعوي إبداع المواتاة في الزمن المضبوط الصحيح‪.‬‬

‫ونزول "حماس"اليوم لميدان المنافسة‪ ،‬وحضورها انتخابات المجلس التشريعي الفلسطينـي هو‬
‫خطوة حازمة في الوقت الصحيح‪ ،‬وتجسيد ُمتقَـن لشعار "إبداع المواتاة"‪ ،‬وكمنت خلفها شجاعة‪،‬‬
‫تمدها انتصاراتها في النتخابات البلدية‪.‬‬

‫وكان أجدادنا يقولون‪:‬‬

‫ب)‬
‫ب‪ :‬خا َ‬
‫سَر‪ :‬أيسر‪ ،‬وَمن ها َ‬
‫جَ‬‫)َمن َ‬

‫وما هي بدعوة للتهور‪ ،‬ولكن مفاد التجريب الحيوي واضح‪ ،‬والتاريخ يبرهن على أن الدنيا – في‬
‫جزء من طريقة أخذنا لها – إنما تؤخذ غلبا‪ ،‬وهذا الغلب يحتاج مبادرة وثقة بالنفس وإقدامًا‬
‫وسرعة قرار‪ ،‬إذ الميدان مليء بالمنافسين‪ ،‬ومعهم الوسائل والموال‪ ،‬وأيما مبالغة في طلب‬
‫النـتيجة المضمونة كأنها تـتضمن بذرة خوف صغيرة يمكن أن تنمو تحت غطاء السراف في‬
‫الحذر لتكون عائقًا نفسيًا يصد عن استثمار الفرص‪ ،‬فيتركها لشهواني وخياني‪ ،‬فما يعود ممكنًا‬
‫سَر الرائـد عند تلك الـلحظة‬‫جَ‬
‫غير اللوم وتـقريع الذات‪ ،‬فـتـكون الفتن الناحـتة للرصيد‪ ،‬ولو كـان َ‬
‫لستراح دهرًا‪ ،‬ولذلك تـكون"حماس"قد تجنبت سلبيات كثيرة بمبادرتها المستوفية لوصاف‬
‫التخطيط المتقن‪.‬‬

‫جل وقواعد التخطيط‪ ،‬وهي‬


‫مع أن المؤمن يعتقد أن القدار هي فوق هذه الفنون من الريث والَع َ‬
‫كما قال الشاعر الُبعيث‪:‬‬

‫حثّــها‬
‫سَت ِ‬
‫ك َي ْ‬
‫وارسل فيها مال ٌ‬

‫ن ومــا َوأ ْ‬
‫ل‬ ‫ب المُنـــــــو ِ‬
‫وأشفق من َريــ ِ‬

‫ك‪ :‬ما َيْقـــُدر ال َتـــْلَقــُه‬


‫أمال ُ‬

‫جْ‬
‫ل‬ ‫عَ‬
‫ث من رفيِقك أو َ‬
‫حّم ري ٌ‬
‫ن ُ‬
‫وإ ْ‬

‫فمالك يريد أن يسابق الموت الذي يحيط به وبرفيقه‪ ،‬فأرسل رسالة بذلك‪ ،‬والضمير"فيها"يعود‬
‫لهذه الرسالة‪ ،‬ولكن الُبعيث يعظه أن القدار أعلى‪ ،‬ول يمنع ذلك من اتخاذ السباب‪ ،‬لكنه تذكير‬
‫بأن يتوقع ما ل يرغب‪.‬‬
‫ل عن الستسلم لهواجس وقوعه‪ ،‬بل من‬ ‫إنما شأن المؤمن أن ل يستسلم للقَـدر السلبي الواقع‪ ،‬فض ً‬
‫تمام إيمانه أن ُيصارع قدر السوء بقدر الخير‪ ،‬و"حماس"في جميع خطواتها إنما توازن وتداري‪،‬‬
‫وتشد جاذبة ثم تُـرخي ثم تشد‪ ،‬وتلك هي قوانين الممارسة السياسية والجهادية‪ ،‬وصورة‬
‫ع‪ ،‬فيجذبون حبال الشراع من‬‫ح الشرا َ‬
‫حارة تميل بهم سفينتهم‪ ،‬بدفع الري ِ‬ ‫قادة"حماس"هي صورة الب ّ‬
‫أجل التوازن ولئل تنقلب‪ ،‬وهو المنظر الذي نراه اليوم في شاشة التلفاز عند سباق اليخوت‪ ،‬لكنه‬
‫منظر قديم انتبه له شاعر البداوة العجاج فقال تخليدًا له‪:‬‬

‫لياً ُيثــــاِنــــــيـــــِه عـــن الحــــــــــؤوِر‬

‫ن بالــُكـــــــــــُروِر‬
‫صـــــــــــراِرّيي َ‬
‫ب ال ّ‬
‫جـــــــذ َ‬

‫حارة يجذبون الُكرور التي هي الحبال بنوع من البطاء‪ ،‬لثني السفينة عن‬‫أي‪ :‬هؤلء الصراري الب ّ‬
‫أن تحور وتـتأرجح‪ ..‬ولفظ الشرح في اللسان‪) :‬أي يثني هذا القرقور عن الحؤور‪ :‬جذب الملحين‬
‫بالكرور‪ ،‬والُكرور جمع َكّر‪ ،‬وهو حبل السفينة الذي يكون في الشراع(‪ ،‬والقرقور‪ :‬نوع من‬
‫ل في خليج العرب‪ ،‬ولفظ اللسان‪) :‬وُيقال للسفينة‪ :‬القرقور‪،‬‬
‫السفن‪ ،‬وما زال هذا اللفظ مستعم ً‬
‫صرصور(‬ ‫وال ُ‬

‫فهذا الرصد لهذه الحركة الحيوية الجزئية البحرية‪ :‬إبداع من بدوي ذكي‪ ،‬بل إعجاز‪ ،‬لنه كما‬
‫خور السفينة‪ ،‬فأجاَد تأمل حكمة الحركة‬ ‫ف البحر وُم ُ‬
‫ص َ‬
‫وصف لنا الناقة والصحراء كثيرًا‪َ :‬و َ‬
‫الحيوية الشاملة‪ ،‬ويهمنا من أمره هنا‪ :‬توازن السفينة‪ ،‬ثم يهمنا من أمر حماس‪ :‬توازن الداء‬
‫والمواقف في أيام صعبة‪ ،‬معادلتها معقدة‪ ،‬وشد الحبال أصبح فنّــا دقيقًا‪ ،‬وعلى َمن يريد البحار‬
‫المن في محيط العولمة وليس بعيدًا عن سخونة أحداث العراق‪ :‬فإن عليه أن يتقنه‪.‬‬

‫أكرم المواهب هلٌل‪ ..‬وفيصل !!‬

‫والشهادة وافرة‪ :‬أن"حماس"قد أتقنت ووفت‪.‬‬

‫وسبب نجاحها ونيلها التقان‪ :‬أنها ل تعتمد العمل الجماهيري الكّمي‪ ،‬وإنما العمل التربوي‬
‫النتقائي والتقاط الصفوة وتعليمها في الخلوات وتفقيهـها قبل تدريبها للمصاولت‪ ،‬فتتوافر‬
‫عناصر‪ :‬لها مع قوة الشكيمة ُبعد نظر‪ ،‬ويكون اللتفاف الجماهيري مظهرًا لوجود هؤلء الجنود‬
‫الفقهاء‪.‬‬

‫وفي يوم الحاجة‪ :‬تتميز معادن الرجال‪.‬‬

‫ب فائر‪.‬‬
‫حَمّر الباتر إذا هّزه ذو قل ٍ‬
‫وعند المعارك‪ :‬إنما َي ْ‬

‫والسلح إذا أتلفه الصدأ‪ :‬لن ينجد بطيئًا مهما بنفسه َربأ‪.‬‬
‫ف اختلفهم‬
‫س إل كالسيو ِ‬
‫وما النا ُ‬

‫ض قاط ُ‬
‫ف‬ ‫ن‪ ،‬والبع ُ‬
‫جف ِ‬
‫ل ُمحّلى ال َ‬
‫فك ٌ‬

‫ب السيف بذهب وجوهر يلمع‪ ،‬ويتنافسون في ذلك ويتزايدون‪ ،‬لكن الصفائح‬ ‫س ُقرا َ‬
‫فكما ُيزين النا ُ‬
‫عميانًا‪ :‬يتجمل الرجال كذلك بالملبس والمنصب واللقب‪،‬‬ ‫في الداخل تختلف حدًا‪ ،‬وتكون قواطع و ُ‬
‫وبعض القلوب تحت ما ظهر ل عزم لها‪،‬ول رواء فيها‪ ،‬ول نأمل منها نفعًا ول حركة‪ ،‬ول في‬
‫ف ُلّبها‪ ،‬وبقيت قشورًا‪.‬‬
‫الخير مساهمة‪ ،‬وإنما هي مثل ثمرة تل َ‬

‫جَعـَلتْـُه "حماس"‪ :‬أكرم مواهب ال لهل فلسطين‪ ،‬ولهل العراق حين غزاهم رعاة‬
‫لكن السيف َ‬
‫البقر‪ ،‬وللمسلمين عمومًا‪ ،‬ولحرار البشر‪ ،‬عبر عدوى الخير‪ ،‬وإملء في اللشعور مع كل خبر‬
‫جهادي ومع صورة كل شهيد يسبق إخوانه إلى الجنان‪.‬‬

‫ف في لغة "حماس"‪:‬‬
‫وصاَر السي ُ‬

‫عّدة الِعّزة‪ ،‬وظهير الحزم‪..‬‬


‫آلة النجدة‪ ،‬و ُ‬

‫سَند الرجل‪ ،‬وحارس الحريم‪ ،‬ومانع الجار‪..‬‬


‫وَ‬

‫ل إلى المطالب ناهضًا‪..‬‬


‫ورسو ً‬

‫وخادمًا في المآرب نافذًا‬

‫وممارسات "حماس" قسمت الناس إلى فريقين في العالم كله‪.‬‬

‫لمة‪ ،‬ونهضوا إلى كل‬ ‫فمن الرجال رموز للعزة‪ ،‬قد تزينوا بالحزم‪ ،‬وتصدوا لمنع العدوان على ا ُ‬
‫مطلب رفيع‪ ،‬وجعلوا المحور الدعوي مركز النطلق المنهجي لكل عمل جهادي ينوون إتقانه‪.‬‬

‫وبجانبهم عاجز وكسول وفوضوي‪ ،‬ورجعي ل يعيش عصره‪ ،‬وجاهل يزهد بالعلم‪ ،‬وجبان يخاف‬
‫المصاولة‪ ،‬وأناني يقعد على التل يتفرج على المعركة‪.‬‬

‫ن إلى درجة أن كل مخلص اضطر إلى أن يسأل نفسه‪ :‬إلى أي الفريقين ينتسب؟‬ ‫واتضح الُفْرقا ُ‬
‫سه‪ ،‬لنه ل يرى للبذل حدودًا غير الحدود العليا التي مارستها "حماس"‬
‫ولربما اتهم مخلص نف َ‬
‫ل‪.‬‬
‫وصارت مث ً‬

‫حوٌم حول كرام‬‫وعبر القرون‪ :‬كان لفتيان الجهاد عشق غير ما الشباب فيه من الهوى‪ ،‬ولهم َ‬
‫خَلجات ساميات‪ ،‬وبين معشرهم تناصح‪ ،‬ويقول الواحد لخيه إذا ذكر حبيبته‬ ‫المعاني‪ ،‬وتعتريهم َ‬
‫وحليلته‪ :‬أن اصبر‪:‬‬

‫ضــــــُلوعٍة‬
‫ب بم ْ‬
‫ح ّ‬
‫ل عن ال ِ‬
‫ســـــ ُ‬
‫وا ْ‬

‫جِ‬
‫ل‬ ‫َفــــّوَقـــــهـــا البـــــــــــــــــــــــاري ولم َيــــــْعــــــ َ‬
‫ل سائُرها َكبِـَدها)‬
‫ف وتقويم‪ ،‬وقد شاَك َ‬
‫ط ٌ‬
‫عَ‬
‫عودها َ‬
‫(وقوس ضليٌع ومضلوعة‪ :‬في ُ‬

‫والبيت للُمتَـنخّـل الهذلي‪ ،‬ومجمل معنى نصيحته أنه إن أبعدته اليام عن حبيبٍة‪ :‬فإن له سلوى‬
‫وعوض بقوس أطال جهَده باريها في نحتها حتى تناسقت أطرافها مع أوساطها‪ ،‬فجاءت نموذج‬
‫س وقلب‪ ،‬وأسمى ما هنالك أنها هوية‬ ‫عّزة‪ ،‬وآلة ذود‪ ،‬وملهمة مرّبية لنف ٍ‬
‫ل في جمال‪ ،‬وشارة ِ‬ ‫كما ٍ‬
‫ن الخروي ذا القوس المضلوعة‬ ‫انتساب لُعصبة الجهاد الشريف‪ ،‬ولئن مشى الدنيوي بغرور‪ ،‬فإ ّ‬
‫المنسابة يتبختر بثقة ويقين‪ ،‬وهو إمام المحبين‪.‬‬

‫وهذه القوس المضلوعة‪ :‬صّورها شاعر البداوة "رؤبة بن العجاج" في مثال ثان ِبِهلل اليمان‪،‬‬
‫وقال‪:‬‬

‫ت الُعُنــــــــق‬
‫كأنـــها في صــدره تح َ‬

‫ل وُاُفـــــــــــــــــــق‪.‬‬
‫ن ليــــــــــــــــــــــ ٍ‬
‫ل بي َ‬
‫ل هل ٍ‬
‫مــثــ ُ‬

‫فانتبه لهذا التصوير الفخم الذي كّله إيماء إلى رجولة وبطولة‪.‬‬

‫ل هو رمز الفطرة والسلم‪،‬‬


‫س ورمز القوة فوق قلبه هل ً‬
‫صارٌم يقف منتصبًا‪ ،‬وقد رسم القو ُ‬
‫فتداخل المعنيان وتكامل‪ ،‬فصاغا مهابة وجلل‪.‬‬

‫وتلك طريقة "حماس" من يوم جزمت بهويتها السلمية‪ ،‬فوضعت كل التراث التجريبي الجهادي‬
‫منهجًا تربويًا لمجاهديها‪ ،‬بداية بعصر الصحابة الكرام‪ ،‬مرورًا بالعصر الوسط‪ ،‬ومواصلة‬
‫ل مع أحوال مجاهدي العصر الحاضر‪.‬‬ ‫وتفاع ً‬

‫وهي تروي لفتيانها أول ما تروي‪ :‬كيف كان شباب الصحابة أهل فروسية وإتقان لها‪ ،‬ففي خبر‬
‫ت فارسًا‬
‫ق بين الخيل(‪ ..‬قال‪) :‬كن ُ‬
‫سّب َ‬
‫عبد ال بن عمر بن الخطاب – رضي ال عنهما– أن النبي ) َ‬
‫ف بي الفرس مسجد بني ُزريق‪ ،‬حتى كاد يساوي المسجد(‬ ‫طّف َ‬
‫س حتى َ‬
‫ت النا َ‬
‫يومئذ‪ ،‬فسبق ُ‬

‫ب بي حتى كاد ُيساوي المسجد(‪ ،‬أي في ارتفاعه‪ ،‬أي كأنه‬‫(قال أبو عبيد‪ :‬يعني‪ :‬إن الفرس َوَث َ‬
‫كانت هناك موانع عالية يجب على المتسابق أن يجتازها‪ ،‬كما هي اللعبة اليوم‪ ،‬وأصل الحديث في‬
‫صحيح البخاري‪.‬‬

‫ن القارئ لخبار ابن عمر في العبادة ورواية الحديث يظنه ناسكًا ل ُيحسن غير الجلوس ونشر‬
‫فكأ ّ‬
‫العلم‪ ،‬وهو الفارس الول‪.‬‬

‫سرتي المالكي المتوفى سنة ‪319‬هـ‪،‬‬


‫ثم تروي مثل خبر أبي سعيد خلف بن محمد اليحصبي ال ُ‬
‫وقول ولده سعيد‪:‬‬

‫ل‪ ،‬وكان ابن‬


‫(كان أبي قد قرأ القرآن على أبي عبد ال محمد بن خيرون المقرئ زمانًا طوي ً‬
‫ت حسن بالقرآن‪...‬‬
‫خيرون إذا خرج إلى سوسة يرابط‪ :‬خرج أبو سعيد في إثره‪ ..‬وكان له صو ٌ‬
‫ت أخرج معه للرباط فينزل بنا كل ليلة في شهر رمضان ويجتمع خلفه جماعة‪،‬‬ ‫قال ولده‪ :‬لقد كن ُ‬
‫فاسمع البكاء والشهيق من كل مكان‪ ..‬وكان ُيحسن الفروسية‪ ،‬مولعًا بشراء الخيل‪ ،‬ويخرج إلى‬
‫الرباط بها للحرس على المسلمين‪ ..‬وكان ربما خرج من سوسة هو وأبو جعفر أحمد بن سعدون‬
‫الربسي‪ ،‬وأبو بكر بن أبي عقبة‪ ،‬فيقفوا صفًا واحدًا‪ ،‬كأن العدّو بين أيديهم‪ ،‬وُيجرون خيلهم في‬
‫ذلك الموضع حتى تطلع الشمس)‪.‬‬

‫وأما التجربة المعاصرة فإنها ل ترويها‪ ،‬لكنها تعانيها‪ ،‬وتكون أصل ذاتها‪ ،‬وانفعلت بها مدة ثم‬
‫أصبحت فاعلة صائغة لها‪ ،‬وهي تجربة صيرورة "المجتمع الفلسطينـي المهتم بالقضية‬
‫الفلسطينية" بيئة جيدة الوصاف لتلقين وتعليم فن الجهاد لكل العالم السلمي‪ ،‬بل والفن الثوري‬
‫لكل العالم‪ ،‬ومهارات القيادة وأساليب التعامل مع تعقيدات العلقات الدولية وعنفوان العولمة‪.‬‬

‫سوية التي آلت إليها من مجموع التجربة الفلسطينية أن الظاهرة‬ ‫وأصل خبر هذه الـُمـكنة الحما َ‬
‫القيادية في تحريك الحياة ل تكون من قائد فرد فقط‪ ،‬أو من تنظيم وحزب فقط‪ ،‬بل تكون أيضًا من‬
‫مجتمع له خصائص ممنوحة من نمط معيشته هو داخل المجتمع الكبير‪ ،‬وأوضح مثل لذلك‬
‫"المجتمع القرشي" ودوره القيادي بالنسبة للمجتمع العربي الكبير‪ ،‬بما أتاحت الحياة التجارية‬
‫لقريش من ذلك‪ ،‬وأتاحه حج العرب إلى مكة‪.‬‬

‫ويشرح أبو بكر الصديق ذلك ويسّوغ في حديثه للنصار يوم السقيفة سبب تصّديه للخلفة ويقول‪:‬‬
‫جـْيـَبـت الّرحى عن ُقطبها‪ُ ،‬فكّنا وسطًا‪ ،‬وكانت العرب حوالينا‬
‫ب عنا كما ِ‬
‫)إنما جِــْيـَبـت العر ُ‬
‫كالّرحى)‬

‫خِرقت العرب عنا فكانت قريش‬


‫ب أي ُ‬
‫ب الجيب‪ ،‬جِــْيـَبـت العر ُ‬
‫ب‪ :‬قطعك الشيء‪ ،‬كما ُيجا ُ‬
‫جْو ُ‬
‫وال َ‬
‫القطب الذي تدور عليه العرب‪ ،‬وهي المنزلة القيادية التي نشأت بتدرج وعلى مدى طويل من‬
‫غير اصطناع وتكلف‪.‬‬

‫وأهل الحواضر عمومًا يكونون أوعى من أهل البداوة وأشد مراسًا للسياسة‪ ،‬ثم أهل العواصم أكثر‬
‫ل بها من أهل الطراف‪ ،‬وأي مدينة أو إقليم يكثر فيه الدب وتداول العلم والبحث الفكري‬ ‫انفعا ً‬
‫ل لتأثير قيادي فيما حوله‪.‬‬
‫يصير بعد دهر مؤه ً‬

‫ولن هذه الظاهرة موجودة‪ :‬فإن التوجه الدعوي مال ذاتيًا لن يتقصد السيطرة من خللها على‬
‫بعض الحركة الحيوية وأن يكتشف الفرص المتاحة من حوله لينميها‪.‬‬

‫والكتلة الفلسطينية الجهادية الناصرة للقضية الفلسطينية وصلت إلى هذه الدرجة من المتلء‬
‫بالزخم الكامل وإمكانية سريان طرائقها وخططها وقناعاتها وتجاربها إلى كل قضية أخرى فيها‬
‫ضهدة وظلم‪ ،‬وكان أوضح ذلك تأثيرها المباشر والحاسم في "القضية العراقية" وسرعة الستجابة‬ ‫ُ‬
‫العراقية لنداء الجـهاد‪ ،‬فتـكاملت القضـيتـان‪ ،‬وتداخلتا‪ ،‬واتـحد مصـيرهما‪ ،‬وذلك أوفـى نـجاح‬
‫"حماس"‪.‬‬
‫تبقى اُلْهبة‪ ...‬ول تشغلنا اُلبّـهة‬

‫خرًا‪ :‬فإنه يضع ضريبة مشتركة على القضيتين‪ :‬أن‬ ‫ومثلما استحال هذا النجاح والمتزاج َف ْ‬
‫تستوعبا دروس المرحلة جيدًا على ضوء الوعي القديم طالما أن التجربتين النتخابيتين في العراق‬
‫وفلسطين ليس بينهما غير أربعين يومًا فقط والوعظ الجامع لهما‪ :‬أن ل تلقيا السلح مهما بدت‬
‫ل وضِعه‪ :‬أن يكون انسحاب المحتل وزوال آثار‬ ‫مكتسبات السياسة والنتخابات وافرة‪ ،‬وإنما أج ُ‬
‫الحتلل ورجوع البلد إلى أهلها واستعادة الحقوق‪.‬‬

‫أهم شيء‪ :‬أن ل يقع الجهادان في الخدعة الديمقراطية والكتفاء بمنصب وزاري بل ورئاسي‪.‬‬

‫حه الضارب "داُر‬‫ب ماشومي وجنا ُ‬ ‫وفي اليام الغوابر‪ ،‬قبل ستين سنة‪ :‬جاهد محمد ناصر وحز ُ‬
‫السلم" حتى تحقق استقلل اندونيسيا بعد الحرب العالمية الثانية وكانت الفئة العلمانية المصلحية‬
‫تريد سرقة الثورة والستئثار بها دون دار السلم وماشومي وعموم الحركة السلمية‪ ،‬لكنها‬
‫تخاف ما بيدها من سلح فكانت خطة "الرئيس سوكارنو" الذكية‪ :‬أن يجعل الرجل الصالح‬
‫سه أنه صاحب السلطة‬ ‫الدكتور محمد ناصر رئيس حزب ماشومي‪ :‬رئيسًا للوزراء‪ ،‬لُتصدُقه نف ُ‬
‫ن‪ :‬زّين له أن استقرار اندونيسيا رهن بإلقاء المجاهدين السلح وتسليمه للسلطة‬ ‫الفعلية فلما اطمأ ّ‬
‫من أجل إتاحة حكم مركزي قوي ‪.‬‬

‫فبذل محمد ناصر جهدًا مع دار السلم ووظّــف كل أدوات المنطق والجدال لقناعها مؤمنًا أنه ل‬
‫خوف من ذلك‪ ،‬لكونه هو رئيس الوزراء وأبى قادة دار السلم وعاندوا‪ ،‬فزاد ضغطه عليهم حتى‬
‫أنزلهم من الجبال‪ ،‬وأخرجهم من الغابات التي تحصنوا فيها‪ ،‬وانتزع منهم السلح‪ ،‬حتى إذا ما أتّم‬
‫ذلك‪ :‬عزله سوكارنو بما معه من قوة‪ ،‬وعاد محمد ناصر يلوم نفسه حتى مماته‪ ،‬وعاد قادة دار‬
‫ت حين َمندم بعدما فقد ذراعه العسكري الضارب ضربة ماحقة لم‬ ‫السلم يوسعونه تقريعًا‪ ،‬ول َ‬
‫تقم له قائمة مرة أخرى‪ ،‬وسهل عليه سجنهم وممارسة أنواع الستبداد ضدهم‪ ،‬وما كان الستئناف‬
‫ممكنًا حتى لو توفر السلح ثانية‪ ،‬بسبب الصدمة المعنوية التي أحدثها القرار القيادي الخاطئ‬
‫الموغل في الخطأ وتبسيط المور وإبداء السذاجة‪ ،‬ولمكانة العامل النفسي المتردي بعد انتزاع‬
‫عنوان الشرف وشارته وأداته‪ ،‬فإن التأجيج والحماسة وأنواع الندفاع التي تبنيها المناهج التربوية‬
‫في سنوات‪ :‬يمكن أن تُـبددها انتكاسة نفسية واحدة متولدة من موقف غير واع‪ ،‬ومضت تلك‬
‫التجربة درسًا للجهادين العراقي والفلسطينـي معًا أن يتخذا النتخابات والستيزار والوظائف‬
‫وسيلة من الوسائل السلمية الخادمة للضغط القتالي‪ ،‬ولكن من دون اعتبار ذلك نهاية وبل تعطيل‬
‫للهداف الستراتيجية الجهادية الكبرى وبل إلقاء السلح بل حتى صياغة اتفاقيات الستقلل‬
‫والحرية واسترجاع الحقوق تقتضي استمرار وجود السلح فترة بعدها لضمان التنفيذ وحصول‬
‫المطالب ومنع التحايل‪،‬‬

‫وأي نزول من جبالنا التنظيمية التي اعتصمنا بها فإنه يعنـي‪ :‬كشف أسرارنا وتـخدير الهمم الدفاقة‬
‫وبذر بذور الختلف في مجموعة المجاهدين بسبب تعّدد الجتهاد السياسي بين رافض ومؤيد‬
‫وفي الشأن الفلسطينـي يتواجه اليوم رصيدان يتنافسان‪ :‬رصيد الجهاد واليمان والصدق‬
‫والخلص ورصيد ُاوسلو والخنوع والفساد الداري والتسلقات على أكـتـاف المستضـعفين وما‬
‫ب"خالدًا"‬
‫خـ ّ‬
‫يـنبـغـي أن َيـخـدع ال ّ‬
‫ويذكر "خالد" جيدًا كيف كان في السبعينات في مسجد القطان بمحلة النقرة في الكويت يجمع‬
‫اليافعين من أبناء الجالية الفلسطينية ليلقي فيهم "الراشد" درسًا عن ثلثية الصف السلمي وتربية‬
‫الصفوة وشعور الستعلء والمفاصلة أو عن المعادلت الفقهية الجهادية ومتوالياتها أو عن الخطو‬
‫ل للمحاضن التي نشأت فيـها‬‫الموزون وإبداع التخطيط وكيف كانت تلك الجلسات التربوية مثا ً‬
‫بـعـض قـيـادات "حماس" وترعرع فيها بعض مقاتليها‪".‬‬

‫ل ل يغيب‪ ،‬وفجٍر ُيبشر وشمس ساطعة ل‬ ‫ثم قادة الجهاد العراقي يذكرون اليماء جيدًا إلى قمر عا ٍ‬
‫تفتر وقبلهما‪ :‬يوم الحرب‪ :‬ذاك الحديث المبكر عن انعدام المن الجهادي في ظل المخابرات‬
‫والدعوة إلى جهاد فوري بعد أن تنقطع الصواريخ ويكون جندي المارينز وجهًا لوجه مع عراقي‬
‫رافض يجاهد الكافرين‪ ،‬وقد زادته اليام موعظة أن يحتفظ بقوته حتى بعد النسحاب الميركي‬
‫ليعالج احتمالت الحرب الهلية من طرف يغالب حكمة التاريخ مغالبة ويريد إلغاء الطرف الخر‬
‫ل قُـنّـنت في دستور ظالم في غفلة من انتباهة‬
‫وقد تداخلت معه الرغبات الشعوبية الثمة وأباطي ُ‬
‫الحرار وصارت تعتصم به الخطط اليهودية التي تريد تقسيم العراق وتـختفي وراء دغدغات‬
‫اصطلح الفدرالية‪.‬‬

‫وهذا "العتداد الصلب" كـله قد أنتج عددًا وافرًا من "مـــذاهـب العـمل "و" معادلت‬
‫الداء"أصبحت تشكل بمجموعها منهجًا متميزًا في"الجهاد المعاصر"وفقهه واجتهاداته المضافة‬
‫ل عن بطل‪ ،‬ومجتهدًا‬ ‫إلى كتلة "الجهاد السلمي" الموروث عبر القرون كابرًا عن كابر‪ ،‬وبط ً‬
‫عن مجتهد‪ ،‬وما ينبغي أن يكون مّنا اليوم شذوذ أو إغراب أو لين‪ ،‬بل العتصام بالمأثور عن‬
‫الثقات واجب‪ ،‬ونزيد زيادة خير‪ ،‬ونستنبط للواقع الجديد ما يناسبه‪.‬‬

‫نستمسك بمذهب الستظلل تحت سحاب السماء وأغصان زيتون خضر وسعف نخل‪ ،‬ل تحت‬
‫سرادق تناثرت على أطرافه قطرات دماء المسلمين المظلومين‪.‬‬

‫ونفاخر باكتشافنا لمذهب الستقلل في يوم الختلط‪.‬‬

‫ونوالي مذهب الكراهة التنزيهية الحنيفية لمقاربة مصادر التلوث‪.‬‬

‫ونأخذ بعزيمة النفطام ومذهب تحريم المراضع إل من ثدي طاهر‪.‬‬

‫ونشمخ بمذهب الستعلء في الطريق المستقيم السامي‪.‬‬

‫ونميل مع مذهب الحتياط الفقهي في الخروج من الشك إلى اليقين‪.‬‬

‫ونتغنـى بأغاني العفاف وأناشيد البراء والولء‬

‫وفي كل ذلك مواثيق وعهود وعقود‪ ،‬واثقنا بها ال‪ ،‬وجعلنا اليام تشهد علينا‪ ،‬والناس شهود‪،‬‬
‫وكتبنا قصصًا‪ ،‬وضربنا أمثلة‪ ،‬وصدحنا بأبيات التفاؤل والرجاء والمل‪.‬‬
‫ل أغَير‪ ...‬وهو ولي الَقَدر‪.‬‬
‫ثـُـم ا ُ‬
‫مصالحنا تحّددها تجاربنا‪ ...‬وتنطلق من فكرة مركزية‬

‫ويرغب البعض أن نـخرج من ضيق العتداد الصلب إلى سعة التقدير المصلحي‪ ،‬وذلك صواب‬
‫يحتاج التدقيق‪ ،‬فإن التوسع ينبغي أن يكون وفق مفاد الفقه‪ ،‬وفقهاء "حماس" و "الجهاد العراقي"‬
‫أجرأ الناس في الموازنات والنظرات النسبية‪ ،‬وجولتهم عريضة في ميادين الفتاء المصلحي‪،‬‬
‫ولكن طريقة الفقهاء أجمعين أن يكون هناك التزام بمفاد التجريب‪ ،‬وهو حتم من بعد التزام النص‬
‫الشرعي‪ ،‬ومفاد التجريب قد يكون بعضه مما يستوي فيه البشر‪ ،‬ولكن أكثره إنما هو فهم إيماني‬
‫يحتكره المؤمن ول يقترب منه شرقي وغربي‪ ،‬وبعضه إلهام يخص ال به المخلصين التقياء‪،‬‬
‫لذلك يجفل المفتي الجهادي من تهوٍر‪ ،‬ومن سذاجة‪ ،‬ومن ثقٍة بكافر‪ ،‬ومن الِتماس خيٍر لدى ظالم‬
‫ل أو معارضًا للعولمة‪،‬‬‫وإن كان مسلمًا‪ ،‬ومن قسوِة قلب واختلط نية لدى حليف وإن كان مقات ً‬
‫والقيادي المسلم ُيشفق لدمعة يتيم‪ ،‬وآهة أرملة‪ ،‬وولولة ُام‪ ،‬لكنه ُيدرك أن حكمة ال في جعل البشر‬
‫يتدافعون ويتحاربون من أجل رفع الفساد في الرض‪ :‬تقتضي الذعان لحقائق الذى‪ ،‬وأن المل‬
‫يستلزم اللم‪ ،‬و "حماس" لن تبيع تراث الدعوة في الفكر والعفاف والنقاء والصفاء جزافًا‪ ،‬وهي‬
‫الكريمة ُاخت الحملت الجهادية الكريمة‪ ،‬ولكنها البخيلة برصيدها من المكرمات ل تُـبذره‪ ،‬وهي‬
‫تجاهد مع صفوف جهاد ُاخرى كريمة ل تّدعي احتكار حق دونها‪ ،‬ولكنها اشترطت شروطًا‬
‫جهارًا نهارًا‪ ،‬وينبغي أن يتعامل المتعامل مع تصورها الجهادي الكامل دون أن يتجزأ‪ ،‬فإن‬
‫البتساَر انتحار‪.‬‬

‫وهذا التصور يقوم على فكرة مركزية في تخطيطها ينبغي أن يفهمها الجندي المقاتل كمثل فهم‬
‫القيادي لها‪ :‬أن فقه "حماس" يقـصد تـأخير "الصلح" و "السلم" و "التطبيع" مع إسرائيل أطول‬
‫فترة‪ ،‬وإلى حين أن ُيتاح تأسيس دولة إسلمية أو مجـمـوعـة دول إسلميـة تـــتـولى القـضـية‬
‫الفـلسـطـيـنـيـة بــإخـلص وشجاعـة وفـراسـة "حماس" في ذلك صحيحة وجاءت قضية العراق‬
‫ن إسرائيل إنما تحيا بكفالة أميركا وتطوعها لحمايتها وضربات الجهاد‬
‫الجهادية ببرهان صدقها فإ ّ‬
‫العراقـي توشك أن ترغم أميركا على النسحاب وفي دارها تلوم شديد قد ُيطّـور النسحاب إلى‬
‫خطة انكفاء أميركي عام ربما يتوسع حتى يصل درجة التخّلي عن إسرائيل‪ ،‬فتكون نهاية إسرائيل‬
‫متصورة‪ ،‬وقد بدا الموقف الوربي يميل لمثل ذلك وللصين والشرق وروسيا انشغال بالخروج من‬
‫شـباك العولمة الميركية ومن ثم ُيـتاح لدولة إسلمية أو دولة مخلصين أن تستثمر ظرف ضعف‬ ‫ِ‬
‫الظهير العالمي لسرائيل يومًا ما لتصول جمهرة مؤمنة صولتها لزالة دولة إسرائيل والتطور‬
‫السياسي الذي تشهده البلد العربية والعالم السلمي يوحي بصيرورة المور إلى أياٍد نظيفة‪ ،‬وقد‬
‫أفلست الحكومات والحزاب وشاعت الصحوة السلمية ومارست السياسة وأتقنت الجهاد‬

‫عقالها‪،‬‬
‫سباتها‪ ،‬ويفك الخطط من ِ‬
‫وجاء الحتلل الميركي للعراق ليوقظ الطاقات السلمية من ُ‬
‫ويوجه أحاسيس الجهاد نحو عليائها‪ ،‬وقراءة المستقبل تـحتمل تصديق الحلم‪ ،‬وتكمن قرائن في‬
‫ُوعود الّدين‪ ،‬ومن كل ذلك يتشكل "مذهب حماس"‪ ،‬وبحوث الفكر السلمي تمل السماع‪،‬‬
‫ومشاهد الزحف تمل البصار‪ ،‬وتـتناقلها الفضائيات‪ ،‬وبصبِر بضع سنين ُاخرى تمتلئ القلوب‬
‫بثقة ووعي وأفراح‪.‬‬
‫النصر وليد المنهجية‪ ...‬والنـاة‬

‫وتـجبه المجاهد الريادي دومًا تناقضات في تصرفات الفصائل السياسية والجهادية وتكون في‬
‫بعض الحيان صعبة التأويل ول يمكن تخريجها وفق موازين الفقه وقواعد التخطيط وتكون إلى‬
‫شح‬‫الغموض أقرب وتلك طبيعة في الحياة النسانية ل تبرأ منها شخصيات العاملين ولمثلها ر ّ‬
‫ن "النــاَة" أن تكون مقدمة لما يرجو من وضوح وقرار صائب‪ ،‬فقال لعبد ال بن‬ ‫الخليفة المأمو ُ‬
‫طاهر رئيس شرطته‪:‬‬
‫حجة على القِلق‬‫عذر العجول بما ُيمكنه من التثّبت وأوجب ال ُ‬
‫ت‪ ،‬فإن ال عز وجل قد قطع ُ‬ ‫)تَـثَـبّـ ْ‬
‫صره من فضل الناة)‬ ‫بما ب ّ‬

‫وهي جملة قالها في سياق رقابته الدارية اليومية لكنها رسخت كحكمة سياسية وتخطيطية رفيعة‬
‫المبنى والمعنى والدعاة المسلمون والمجاهدون أولى من يجددها اليوم وأن تشتهر عنهم َروّية‬
‫وإصغاء بالحسنى وتأملت عند المشاكل وتضارب القول والمفاد والمواقف والبيانات والمناهج‪.‬‬

‫فإن هذه الحكمة تندبهم إلى أن يسمعوا بعقولهم وقلوبهم ل بآذانهم‪ ،‬وما ينبغي أن يستفزهم إغراب‬
‫ُمغرب فيخرجوا إلى ردود فعل سريعة تزيد المَر التباسًا‪ ،‬وإنما تكون لهم محاكمات الحكيم الذي‬
‫يتفكر ساعة قبل أن ينطق وأما الجفلت واللسان اللذع فهي شغل الذي ل تعقله أعراف وآداب‬
‫الداء الجهادي والدعوي ولم يتفهم قواعد العدل والقضاء ولم تطب نفسه بوداعة الساليب‬
‫التربوية وهذه الحكمة المأمونية كما أنها تهذيب لنا نحن أهل اليمان فإنها تحذير أيضاً للعجول‬
‫والحاسد والمنافس‪.‬‬

‫صُدره عندما يرى نجاح رجال الصحوة السلمية والشواهد الحيوية كثيرة‬ ‫ولكل من يضيق َ‬
‫الشارة إلى أن مقدمات بعض الفتن والمشاكل المؤخرة لنيل المة مصالحها إنما كمنت في‬
‫ب سلطٍة عجول يتجنب الروّية ويحتكر الحقوق فتميل‬ ‫ف ظالٍم وتزويري جنح إليه صاح ُ‬ ‫تصر ٍ‬
‫النفوس المظلومة إلى الرد والعناد والتحدي‪ ،‬فتكون مشكلة تدلف منها أخلط وشوائب وأسواء‬
‫ل بركن علم النفس اليماني فيعفو‬
‫ورائد السلمة والمصلحة العامة يلعن الشيطان ويلوذ أو ً‬
‫ويسامح فأيما تحّرش بعد ذلك وإسراف في العدوان فإنه يوشك أن يدفع إلى ردود فإن النفوس قد‬
‫حباها خالقها بعزٍة فطرية يزيدها اليمان توكيدًا ويجعلها رأس الشرف‪.‬‬

You might also like