You are on page 1of 613

‫‪1‬‬

‫ة‬
‫ق ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ط‬ ‫ال‬
‫ة‬
‫شب َن ْد ِي ّ ُ‬ ‫ق َ‬
‫الن ّ ْ‬
‫ها‬
‫ضَر َ‬
‫حا ِ‬
‫ضيَها وَ َ‬
‫ما ِ‬
‫ن َ‬
‫ب َي ْ َ‬
‫***‬
‫تأليف‬
‫فريد الدين آيدن‬
‫‪Feriduddin AYDIN‬‬

‫البريد اللكتروني للمؤّلف‬


‫‪ferid@maktoob.com‬‬

‫إسطنبول ‪1997 -‬‬

‫ر‬
‫ش ِ‬
‫ة الّنا ِ‬
‫م ُ‬ ‫مُ َ‬
‫قدّ َ‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫‪2‬‬

‫ة في‬ ‫م ً‬‫ة ها ّ‬ ‫فتيه دراس ً‬ ‫م بين د ّ‬ ‫ن هذا الكتاب يض ّ‬ ‫إ ّ‬


‫ق الصوفّية‪ .‬لقد بذل‬ ‫فَر ِ‬
‫ة من ال ِ‬ ‫معرض فرق ٍ‬
‫مة‪،‬‬ ‫غا في سبيل هذه المه ّ‬ ‫دا بال ً‬ ‫المؤّلف جه ً‬
‫ظم في‬ ‫قق المن ّ‬ ‫فانطلق بعزيمة الباحث المد ّ‬
‫فن َذََر‬ ‫ن هذا الميدان‪َ .‬‬ ‫سا ِ‬ ‫فْر َ‬‫أعماله‪ .‬ل غرو إّنه من ُ‬
‫من وراء هدفه أغلى أّيامه منذ عنفوان شبابه‬
‫ل‪ ،‬ويطارد المصادر‪،‬‬ ‫مل َ ٍ‬
‫وهو يتباحث من غير َ‬
‫جل ويسهر‬ ‫سق ويس ّ‬ ‫ويجمع الوثائق‪ ،‬ويطالع وين ّ‬
‫ر‬ ‫س ْ‬
‫ف ِ‬ ‫عليها‪ ،‬حّتى أثمر سعيه المتواصل عن هذا ال ّ‬
‫ب‬‫م سب ٍ‬ ‫ة عن أه ّ‬ ‫م َ‬
‫عت َ َ‬‫ل ذلك ليكشف ال َ‬ ‫الجليل‪ .‬ك ّ‬
‫ت بالمسلمين منذ‬ ‫من تلك السباب اّلتي أحاط ْ‬
‫ت‬
‫ه ِ‬ ‫و َ‬ ‫ش ّ‬‫م‪ ،‬و َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت دون ت َ َ‬
‫قدّ ِ‬ ‫م‪ ،‬وحال ْ‬ ‫قل َت ْ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫عْر َ‬ ‫ن َ‬
‫ف َ‬ ‫قرو ٍ‬
‫ال ْك َِثيَر من جمال السلم‪.‬‬

‫ت‬‫م من معلوما ٍ‬ ‫ة ما ت ُ َ‬
‫قدّ ُ‬ ‫س ُ‬‫م هذه الدَّرا َ‬ ‫تُ َ‬
‫قدّ ُ‬
‫ة مع ذكر مصادرها‬ ‫ق ٍ‬ ‫وث ّ َ‬
‫م َ‬‫و ُ‬‫ة َ‬ ‫من َظّ َ‬
‫م ٍ‬ ‫ة ُ‬ ‫تفصيلي ّ ٍ‬
‫ل‬
‫ص منقو ٍ‬ ‫ت لك ّ‬
‫لن ّ‬ ‫ة إلى أرقام ِ الصفحا ِ‬ ‫والشار ِ‬
‫ها‪ .‬وذلك تسهيل ً للباحثين‬ ‫مت ِ َ‬‫ج َ‬ ‫منها‪ ،‬وأحياًنا مع ت َْر َ‬
‫مهم عند مراجعتها‪.‬‬ ‫ل العلم ِ في مها ّ‬ ‫ورجا ِ‬
‫ة إلى جماهير‬ ‫ليس الهدف من تقديم هذه الدراس ِ‬
‫م من واقع‬ ‫ث ها ّ‬ ‫مهم عن حد ٍ‬ ‫المسلمين إل ّ إِعل َ‬
‫تاريخهم‪ ،‬غفلوا أو تغافلوا عن حقيقتها؛‬
‫ي رصين‪،‬‬ ‫ث علم ّ‬ ‫ه من خلل بح ٍ‬ ‫ج ُ‬ ‫ليستبصروا نتائ َ‬
‫كنوا بذلك من مقارنة‬ ‫ة؛ وليتم ّ‬ ‫ق مضبوط ٍ‬ ‫ووثائ ِ َ‬
‫السلم الذي نفهمه من الكتاب والسّنة‪ ،‬مع‬ ‫ّ‬
‫عب َْر‬
‫ة َ‬‫ف ُ‬‫مت َطَّر َ‬
‫ت ال ْ ُ‬‫قل ِّيا ُ‬‫ع ْ‬‫ه ال ْ َ‬ ‫خت َل َ َ‬
‫قت ْ ُ‬ ‫السلم اّلذي ا ْ‬
‫ي منه العبرةَ ك ّ‬
‫ل‬ ‫ن يستوح َ‬ ‫ظلم‪ .‬عسى أ ْ‬ ‫عصور ال ّ‬
‫ن‬‫طلع عليها من أهل اليمان والخلص؛ وأ ْ‬ ‫ني ّ‬ ‫م ْ‬‫َ‬
‫ة بعد‬ ‫مة السلم ثاني ً‬ ‫ة لحياء أ ّ‬ ‫ل المسئولي ّ َ‬ ‫م َ‬‫يتح ّ‬
‫ء الراشدين‪.‬‬ ‫ر الخلفا ِ‬ ‫ل آخ ِ‬ ‫ت بمقت ِ‬ ‫ن اختف ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ن يبارك في خطوات ك ّ‬
‫ل‬ ‫ونتضّرع إليه تعالى أ ْ‬
‫مؤمن مخلص يسعى إلى تحقيق هذه الغاية‬
‫م؛‬
‫هم ِ الصحيح مع العلم التا ّ‬ ‫ءا ِبال ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫العظمى بد ً‬
‫‪3‬‬

‫ن من أراد عمل ً يتقّرب به إلى الله تعالى مما‬ ‫بأ ّ‬


‫ل على‬ ‫ه فهو مردودٌ ووبا ٌ‬ ‫ه الله ورسول ُ ُ‬ ‫ع ُ‬
‫شّر ْ‬‫لم ي ُ َ‬
‫ه‬
‫سستنا شكَرهُ وتقديَر ُ‬ ‫م مؤ ّ‬ ‫صاحبه‪ .‬هذا وت ُ َ‬
‫قدّ ُ‬
‫ة الشيخ فريد الدين بن‬ ‫ب فضيل ِ‬ ‫ف هذا الكتا ِ‬ ‫لمؤل ّ ِ‬
‫مد الهاشمي المعروف‬ ‫صلح بن عبد الله بن مح ّ‬
‫بلقبه الخاص‪ Feriduddin AYDIN :‬في تركيا؛ وبالله‬
‫التوفيق‪.‬‬

‫ال ْ ِ‬
‫عَبر‬
‫للطباعة‬
‫والنشر‬

‫ؤّلف‬ ‫ة ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫مُ َ‬
‫قدّ َ‬

‫‪‬‬
‫ب العالمين والصلة والسلم على‬ ‫الحمد لله ر ّ‬
‫مد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬‫سّيدنا مح ّ‬
‫‪4‬‬

‫ن كثيًرا من المسلمين ‪ -‬وحّتى العلماءَ‬ ‫إ ّ‬


‫ة النقشبندّية‬ ‫م الطريق ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫تل ُ‬ ‫والباحثين ‪ ،-‬ت َن َ ّ‬
‫كر ْ‬
‫ت‬‫هم المعلوما ِ‬ ‫ر َ‬
‫فت ُ ُ‬ ‫ع ِ‬
‫م ْ‬‫فَلم تتعدّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قُرو ِ‬‫عب َْر ال ْ ُ‬‫َ‬
‫ه‬‫ذ ِ‬‫ه ِ‬‫ل َ‬‫حو َ‬
‫ة‪َ ،‬‬‫ت البسيط َ‬ ‫ة‪ ،‬والملحظا ِ‬ ‫المحدود َ‬
‫ة‪ ،‬غالبها ل تّتصف بالعلمّية والواقعّية‪،‬‬ ‫حل َ ِ‬
‫الن ّ ْ‬
‫بالرغم من انتشار هذه الطريقة بين عشرات‬
‫المليين من الناس في الشرق الوسط‪.‬‬

‫ها‪ .‬لّني‬ ‫مت ُ َ‬


‫عل ِ ْ‬‫لم أستغرب هذه الحقيقةَ منذ َ‬
‫ة واسعة‬ ‫ة ذات شهر ٍ‬ ‫ت في أسر ٍ‬ ‫ت ونشأ ُ‬ ‫ولد ُ‬
‫ر من هذه‬ ‫ع كبي ٍ‬ ‫ق‪ ،‬تتمّتع بالزعامة لقطا ٍ‬ ‫النطا ِ‬
‫ن‬
‫ت على علم ٍ بأ ّ‬ ‫الطائفة الصوفّية‪ .‬وبالتالي كن ُ‬
‫ي لعقائدها‪ ،‬ل‬ ‫صا من التفسير الروحان ّ‬ ‫جانًبا خا ّ‬
‫دا من شيوخها‬ ‫ة؛ إل ّ عد ً‬‫يقف عليه أحدٌ بسهول ٍ‬
‫ملَزمين بعهوٍد‬ ‫ة‪ ،‬و ُ‬ ‫ت مخصوص ٍ‬ ‫المتمّتعين بصفا ٍ‬
‫ّ‬
‫م الذين‬ ‫ه ُ‬ ‫سل َ ُ‬
‫ف ُ‬ ‫ة‪ ،‬أخذها عليهم أ ْ‬ ‫ة مستور ٍ‬ ‫باطني ّ ٍ‬
‫دا‪.‬‬‫ة هذه الطائفة‪ ،‬وهم قليلون ج ّ‬ ‫م َ‬‫ز ّ‬ ‫ّ‬
‫قلدوهم أ ِ‬
‫ت تفاوًتا كبيًرا واختلفًا كثيًرا بين‬ ‫ما وجد ُ‬ ‫فل ّ‬
‫ن‬‫ت من أ ّ‬ ‫كد ُ‬ ‫ة‪ ،‬وتأ ّ‬ ‫ه الفرق ِ‬ ‫خ هذ ِ‬ ‫ت شيو ِ‬ ‫معتقدا ِ‬
‫ر‬
‫المشهورين منهم يتواطئون علي إخفاء شط ٍ‬
‫ه عن بقّية الشيوخ‪،‬‬ ‫مان ِ ِ‬ ‫وك ِت ْ َ‬
‫ما في صدورهم‪َ ...‬‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫ة‪،‬‬‫مي ّ ِ‬‫طبقة العا ّ‬ ‫فضل ً عن جماعة المريدين من ال ّ‬
‫ت لي‬ ‫ة عندما ث َب َ َ‬ ‫ص ً‬ ‫ك في أمرهم؛ وخا ّ‬ ‫ت أش ّ‬ ‫بدأ ُ‬
‫ن يحارب‬ ‫م يطعنون في ك ّ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وَرأي ْت ُ ُ‬ ‫بالّتحقيق‪َ ،‬‬
‫ف‬‫ك‪ ،‬ويعادونه‪ ،‬ويقفون منه موق َ‬ ‫شر ِ‬ ‫عقيدةَ ال ّ‬
‫ن من الكافر‪ ،‬أو ربما بالعكس‪ ،‬زادني‬ ‫المؤم ِ‬
‫ك فيهم وتضاعف مع الّزمان حّتى دفعني‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ة ما توارى خلف‬ ‫ت باحًثا حقيق َ‬ ‫ن انطلق ُ‬ ‫المُر أ ْ‬
‫ة‬
‫ر خطير ٍ‬ ‫الصورة الظاهرة لهذه الفرقة من أمو ٍ‬
‫ق عادية‪،‬‬ ‫ي بطرائ ِ َ‬ ‫جن َب ِ ّ‬ ‫طلع عليها ل ْ‬ ‫ل يمكن ال ّ‬
‫عَلى‬ ‫سب َ ِ َ‬ ‫َ‬
‫كد َ‬‫م‪ .‬تؤ ّ‬ ‫ه ْ‬‫ة إ ِلي ْ ِ‬ ‫ب ِبالن ّ ْ‬ ‫جان ِ ُ‬ ‫هم أ َ‬ ‫س ك ُل ّ ُ‬ ‫والّنا ُ‬
‫هم‪...‬‬ ‫س ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫وط ُ ُ‬ ‫هم َ‬ ‫ق ُ‬‫وَثائ ِ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ق ِ‬ ‫قي َ‬ ‫ح ِ‬‫ه ال ْ َ‬‫ذ ِ‬‫ه ِ‬‫َ‬
‫‪5‬‬

‫ن مشاهير‬ ‫ة للشارة إلى أ ّ‬ ‫ولهذا‪ ،‬أرى المناسب َ‬


‫الباحثين في الطريقة النقشبندّية وهم بالتحديد‪:‬‬
‫الستاذ الدكتور حميد آلغار‪ ،‬والستاذ الدكتور‬
‫ه‪ ،‬والستاذ الدكتور شريف‬ ‫من ّ ْ‬ ‫بطرس أبو َ‬
‫ماردين‪ ،‬والشيخ عبد الرحمن الدمشقّيه؛ لم‬
‫يقفوا على كثير من جوانب هذه الطريقة‪،‬‬
‫ت أَنا بعون الله من الحاطة‬ ‫كن ُ‬ ‫بالقدر اّلذي تم ّ‬
‫دها‪ ،‬واّتجاهاِتها‪،‬‬ ‫خها‪ ،‬وعقائ َ‬ ‫ت تاري َ‬ ‫بها‪ .‬فدرس ُ‬
‫وراِتها بعمق ومن خلل وثائقها والّتصال‬ ‫وتط ّ‬
‫ر إلى‬ ‫ة وصب ٍ‬ ‫ة وجرأ ٍ‬ ‫بصناديدها المعاصرين بحكم ٍ‬
‫ت من هذه الدراسة بعد ثلثة‬ ‫ن فرغ ُ‬ ‫ما شاء الله أ ْ‬
‫ما‪.‬‬ ‫وعشرين عا ً‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حدَ ُ‬ ‫و ْ‬ ‫ه َ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫خ ب ِأ ّ‬ ‫ي الراس ِ‬ ‫مان ِ َ‬ ‫ن واقع ِإي َ‬ ‫م ْ‬‫ف ِ‬
‫ت‬‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫مَنـّزهٌ َ‬ ‫و ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ما ِ‬ ‫فّردٌ ِبال ْك َ َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫لَ َ‬
‫ب‬ ‫دا ِ‬ ‫في آ َ‬ ‫صي ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫خ ّ‬ ‫ع تَ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و ِ‬ ‫النقص والزوال‪َ ،‬‬
‫ة‬
‫ف ُ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ي ال ْ ِ‬ ‫ت إ ِل َ ّ‬ ‫ما آل َ ْ‬ ‫ة النقشبندّية ل ِ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ري َ‬ ‫الطّ ِ‬
‫ة‬
‫زين ِي ّ ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫ف ِ‬‫طائ ِ َ‬ ‫عَلى ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫م َ‬ ‫فت َْرةً ِ‬ ‫مى َ‬ ‫عظ ْ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ك تحت‬ ‫سُلو ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫ر َ‬ ‫سي ْ ِ‬ ‫عدَ اتمام ِ ال ّ‬ ‫ها‪ ،‬ب َ ْ‬ ‫من ْ َ‬ ‫الخالدّية ِ‬
‫َ‬
‫ه‬‫ر ِ‬ ‫قَرا ِ‬ ‫وإ ْ‬ ‫ذا اْلمنصب َ‬ ‫ه َ‬ ‫في َ‬ ‫مِني ِ‬ ‫قا َ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة َ‬ ‫قاب َ ِ‬ ‫َر َ‬
‫َ‬ ‫ه ال ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ها‪،‬‬ ‫طيل ِ َ‬ ‫وأَبا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ق ِ‬ ‫فْر َ‬ ‫ذ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما ت َب َّرأ ُ‬ ‫ول َ ّ‬ ‫بذلك‪َ ،‬‬
‫ة عسى‬ ‫ل كلم ً‬ ‫ن أقو َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ت من الواجب الحتم ّ‬ ‫َراي ُ‬
‫ل‬ ‫ع في أوحا ِ‬ ‫ق َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ها َ‬ ‫قذَ ب ِ َ‬ ‫ن ُين ِ‬ ‫الله تعالى أ ْ‬
‫ك هذه‬ ‫في سل ِ‬ ‫ط ِ‬ ‫ل‪ ،‬بالنخرا ِ‬ ‫ضل َ ِ‬ ‫ك وال ّ‬ ‫شْر ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن أَبى‬ ‫وم ْ‬ ‫عَلى الرسول إل ّ البلغ‪َ ،‬‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ة؛ َ‬ ‫الطريق ِ‬
‫وَبال‪.‬‬ ‫ه الوزُر وال ْ َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬

‫ن‬
‫من الجدير بالشارة إلى أ ّ‬ ‫ة‪ِ ،‬‬ ‫وبهذه المناسب ِ‬
‫ف‬
‫ب ل ينحصر في حدوِد التعري ِ‬ ‫وى هذا الكتا ِ‬ ‫حت َ َ‬‫م ْ‬
‫ُ‬
‫دى أحياًنا‬ ‫فحسب‪ ،‬بل يتع ّ‬ ‫بالطريقة النقشبندّية َ‬
‫ة عضوّية‬ ‫ة لها علق ٌ‬ ‫ة جانبي ّ ٍ‬
‫ت دقيق ٍ‬ ‫إلى تفصيل ٍ‬
‫عا‬
‫ة فيها أنوا ً‬ ‫ت هذه الطريق ُ‬ ‫ة اّلتي ترك ْ‬ ‫بالساح ِ‬
‫ع‬
‫ة المجتم ِ‬ ‫ت بها عقلي ّ ُ‬ ‫من تأثيراِتها فتغّير ْ‬
‫ه إلى السلم ِ والمسلمين‪ .‬فإذن‬ ‫ون َظَْرت ُ ُ‬
‫ه َ‬
‫قيدَت ُ ُ‬‫ع ِ‬‫و َ‬
‫‪6‬‬

‫ث‬‫ت وبحو ٍ‬ ‫لهذا العمل دوٌر كبيٌر في دعم دراسا ٍ‬


‫ل العلم ِ في المستقبل‪،‬‬ ‫قد يقوم بها رجا ُ‬
‫ة التركّية‬ ‫ة منها ما سوف يتناول الساح َ‬ ‫ص ٍ‬ ‫وبخا ّ‬
‫ة‬
‫ة وسياسي ّ ٍ‬ ‫ة وتاريخي ّ ٍ‬ ‫ت إجتماعي ّ ٍ‬ ‫ها ٍ‬ ‫ج َ‬ ‫وا ِ‬ ‫من َ‬
‫ع‬
‫ن الواق َ‬ ‫ما بأ ّ‬ ‫ها المختلفة‪ ،‬عل ً‬ ‫دات ِ َ‬ ‫ِبعكوسها ومستج ّ‬
‫ث على هذه‬ ‫س والباح ُ‬ ‫دار ُ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫م ُ‬ ‫الباِديءَ اّلذي ي َل ْ ِ‬
‫ة الولى‪ ،‬ليس هو هذا الت ّّياَر‬ ‫هل َ ِ‬ ‫و ْ‬ ‫ة في ال ْ َ‬ ‫الساح ِ‬
‫ة النقشبندّية‬ ‫ن الطريق َ‬ ‫ة؛ ل ّ‬ ‫ي مباشر ً‬ ‫في ّ‬ ‫صو ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ت‬
‫ة ليس ْ‬ ‫مي ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ها الن ّظا ِ‬ ‫ها وهيئت ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫عاِلي ِ‬ ‫ها وت َ َ‬ ‫س َ‬ ‫قو ِ‬ ‫ب ِطُ ُ‬
‫ل هذه الّنواحي‬ ‫ة‪ .‬بل ك ّ‬ ‫صور ِ‬ ‫ي اّلتي في ال ّ‬ ‫ه َ‬
‫ِ‬
‫كاَيا‬‫ق الت ّ َ‬ ‫ة‪ ،‬ومحصورةٌ في نطا ِ‬ ‫ة‪ ،‬مستور ٌ‬ ‫خفي ّ ٌ‬
‫ت والخليا‪ .‬وإّنما المّيزات الملموسة من‬ ‫والبيوتا ِ‬
‫ي‪ ،‬هي الملمح اّلتي‬ ‫ب الترك ّ‬ ‫ة الشع ِ‬ ‫واقع حيا ِ‬
‫ت ول تزال تنعكس عن تعاليم هذه‬ ‫انعكس ْ‬
‫ة وتوجيهاتها‪.‬‬ ‫الطريق ِ‬
‫ت‬‫ل‪ .‬بدأ ُ‬ ‫ة فصو ٍ‬ ‫ب على خمس ِ‬ ‫ت الكتا َ‬ ‫فقد رت ّب ْ ُ‬
‫ورات‬ ‫سر من تاريخ هذه الفرقة والتّط ّ‬ ‫بنقل ما تي ّ‬
‫ة إلى أخرى‪،‬‬ ‫ت في تعاليمها من مرحل ٍ‬ ‫اّلتي حدث ْ‬
‫دها‬ ‫ت عقائ َ‬ ‫ول؛ وشرح ُ‬ ‫وذلك في الفصل ال ّ‬
‫ن من‬ ‫قُرو ِ‬ ‫عب َْر ال ْ ُ‬‫ها َ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫دث َ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫و َ‬ ‫ها‪َ ،‬‬ ‫س َ‬ ‫قو َ‬ ‫وط ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ومناسك‪ ،‬وذلك في الفصل الثاني؛‬ ‫َ‬ ‫ب وأركا ٍ‬ ‫آدا ٍ‬
‫ت‬‫م ومصطلحا ٍ‬ ‫ها من مفاهي َ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ض َ‬ ‫و ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫ت َ‬ ‫وذكر ُ‬
‫م رجاِلها‬ ‫ت تراج َ‬ ‫ة‪ ،‬في الفصل الثالث؛ ونقل ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫ها ّ‬
‫ع ُ‬ ‫َ‬
‫ها على الحياة‬ ‫س َ‬ ‫كو َ‬ ‫ت ُ‬ ‫وأث ْب َ ّ‬ ‫في الفصل الرابع؛ َ‬
‫ت مختلفة‬ ‫خض عنها من تأثيرا ٍ‬ ‫الجتماعّية وما تم ّ‬
‫على عقلّية المجتمع وثقافته وسلوكه ضمن‬
‫ص‬
‫خيًرا ن ّ‬ ‫ب أَ ِ‬ ‫ت إَلى الكتا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ض َ‬ ‫و َ‬ ‫الفصل الخامس؛ َ‬
‫مك ّ ِ‬
‫ة‬ ‫ة بِ َ‬ ‫قرى اْلكائ ِن َ ِ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫ن جامع ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫قي ْت ُ ُ‬ ‫ر ت َل َ ّ‬ ‫ري ٍ‬ ‫ق ِ‬‫تَ ْ‬
‫ها العلماءُ بعد‬ ‫ة أث ْب َت َ َ‬‫م ً‬ ‫ج ها ّ‬ ‫م نتائ ِ َ‬ ‫قدّ ُ‬ ‫المكّرمة‪ ،‬ي ُ َ‬
‫ة لهذا العمل‪ .‬ثم أتبعُتها بفهارس‬ ‫ة دقيق ٍ‬ ‫مراجع ٍ‬
‫ول منها‪ ،‬لسماء العلم؛ والثاني‬ ‫ة‪ :‬ال ّ‬ ‫غني ّ ٍ‬
‫صة‬ ‫للمصطلحات والمفاهيم والتعبيرات الخا ّ‬
‫المبعثرة في ثنايا الكتاب‪ ،‬مع ذكر أرقام‬
‫‪7‬‬

‫ت فيها كل ّ على حدة؛‬ ‫الصفحات اّلتي وردَ ْ‬


‫ن والمناطق؛‬ ‫مدُ ِ‬ ‫والثالث‪ ،‬لسماء الماكن من ال ْ ُ‬
‫ت عليها‪ ،‬سواء‬ ‫طلع ُ‬‫والرابع‪ ،‬للمراجع اّلتي ا ّ‬
‫ب‬‫عدّ ب ِت َْرِتي ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ل منها ُ‬ ‫ل‪ .‬ك ّ‬ ‫ق ْ‬‫ت منها أو َلم أ َن ْ ُ‬ ‫نقل ُ‬
‫عا في‬ ‫س ً‬‫و ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫دخر ُ‬ ‫دا ول ا ّ‬ ‫ت جه ً‬ ‫ي‪ .‬وما ألو ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ج ِ‬‫ع َ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫ل للحصول على أدنى‬ ‫وذَُلو ٍ‬ ‫ب َ‬ ‫ع ٍٍ‬‫ص ْ‬
‫ل َ‬ ‫ركوب ك ّ‬
‫ت على كثير‬ ‫ت بهذه الفرقة‪ ،‬فوقف ُ‬ ‫ة تم ّ‬ ‫وثيق ٍ‬
‫ن معرفتي بالّلغتين الفارسّية‬ ‫ة وأ ّ‬ ‫ص ً‬ ‫منها؛ خا ّ‬
‫غن َت ِْني عن الحاجة إلى غيري في‬ ‫والتركّية أ ْ‬
‫ما‬‫ة ب ِت ِل ْك ُ َ‬ ‫ون َ ٌ‬
‫مدَ ّ‬ ‫دراسة وثائقهم اّلتي غالبها ُ‬
‫ن الكثرّية العظمى للنقشبندّيين هم‬ ‫الّلغتين‪ .‬ل ّ‬
‫ة‪.‬‬‫ر عربي ّ ٍ‬ ‫صَر غي ِ‬ ‫عَنا ِ‬‫من َ‬

‫ء الثقيل‬ ‫ل اْلعب ِ‬ ‫في احتما َ‬ ‫ت لله تعالى ِ‬ ‫احتسب ُ‬


‫وه‪ .‬ولم يكن‬ ‫مة راجًيا عف َ‬ ‫ة الها ّ‬ ‫لهذه الدراس ِ‬
‫ي‬‫ق َ‬ ‫قصدي من هذا القدام ِ إل ّ إظهاَر ما قد ب َ ِ‬
‫ة‬
‫ر خطير ٍ‬ ‫خافًيا على غالب المسلمين من أمو ٍ‬
‫ت إلى السلم‪.‬‬ ‫ن وُنسب ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫ت باسم ال ّ‬ ‫دث َ ْ‬
‫ح ِ‬‫ست ُ ْ‬ ‫اُ ْ‬
‫مة ليروا فيها‬ ‫َ َ‬
‫ضها على علماء هذه ال ّ‬ ‫ت عر َ‬ ‫فأَردْ ُ‬
‫ما‬
‫دم ّ‬ ‫ح الفاس ِ‬ ‫كنوا بذلك من تصحي ِ‬ ‫رأَيهم‪ ،‬وليتم ّ‬
‫ة‪ ،‬وظّنوه من‬ ‫ق ِ‬ ‫ه ال ْ ِ‬
‫فْر َ‬ ‫ذ ِ‬
‫ه ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫هوٌر ِ‬ ‫م ُ‬
‫ج ْ‬
‫قدَهُ ُ‬ ‫عت َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫عقائد السلم‪.‬‬

‫ي‬
‫ة بأسلوب نقد ّ‬ ‫ت هذه الدراس َ‬ ‫وقد أجري ُ‬
‫ت عن‬ ‫ي‪ .‬وهذا ل يعني أّني ضرب ُ‬ ‫وتحليل ّ‬
‫ت من‬ ‫َ‬
‫حا‪ .‬يبرهن على ذلك ما نال ْ‬ ‫الموضوعّية صف ً‬
‫ة‬
‫ص ً‬
‫خا ّ‬ ‫ء‪َ ،‬‬ ‫ة من العلما ِ‬ ‫خب َ ٍ‬ ‫ب َلد َ‬
‫ى نُ ْ‬ ‫ل والعجا ِ‬ ‫القبو ِ‬
‫مد نافع المصطفى ‪-‬‬ ‫سَتاذ مح ّ‬ ‫منهم الفاضل ال ْ‬
‫ّ‬
‫عضو الهيئة التدريسّية بجامعة الشارقة ‪ ،-‬الذي‬
‫ب‬
‫ة من العيو ِ‬ ‫خال ِي َ ً‬
‫ة َ‬ ‫قح ً‬ ‫من ّ‬ ‫ها‪ .‬فجاءت ُ‬ ‫عت ِ َ‬‫ج َ‬‫مَرا َ‬ ‫م بِ ُ‬
‫قا َ‬
‫ة بفضله‪ .‬كذلك الستاذ الشيخ‬ ‫ء الّلغوي ّ ِ‬ ‫طا ِ‬‫خ َ‬ ‫وال ْ‬
‫لطف الله بن عبد العظيم خوجه‪ ،‬رئيس قسم‬
‫قَرى‪ ،‬فلهما‬ ‫م ال ُ‬‫العقيدة السلمّية بجامعة أ ّ‬
‫ل‪ ،‬وجزاهما الله تعالى خيًرا‪.‬‬ ‫زي ُ‬ ‫ج ِ‬‫شك ُْر ال ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫‪8‬‬

‫ة‬
‫ة والجهودُ المبذول ُ‬ ‫ت تلك المسيرةُ الطويل ُ‬ ‫فانته ْ‬
‫ر‬ ‫س ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ت بهذا ال ّ‬‫هكذا بتوفيق الله تعالى وأثمَر ْ‬
‫ن يجدَ فيه‬
‫ئ‪ .‬عسى أ ْ‬ ‫اّلذي بين يدي القار ِ‬
‫ل العلم ضال َّتهم‪ ،‬كما أرجو الله‬ ‫الباحثون ورجا ُ‬
‫ئ به ك ّ‬
‫ل‬ ‫ر يستض ُ‬ ‫ص نو ٍ‬‫ن يجعل منه بصي َ‬ ‫تعالى أ ْ‬
‫ده عن سبيل الله وهو ل‬ ‫ة تص ّ‬ ‫ع َ‬
‫قب ً‬ ‫ن واجه َ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫يقصد إل الهداية والحق‪.‬‬

‫والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‪.‬‬


‫فريد الدين‬
‫آيدن‬
‫‪Feriduddin‬‬
‫‪AYDIN‬‬
‫إسطنبول‪/.‬يوني‬
‫و‪1997/‬م‪.‬‬

‫ول‬
‫الفصل ال ّ‬
‫وُرها‪،‬‬
‫* النقشبندّية؛ ظهوُرها‪ ،‬وتط ّ‬
‫رها‪.‬‬
‫ق انتشا ِ‬
‫ومناط ُ‬
‫ت على ظهور‬ ‫* أهم السباب اّلتي عمل ْ‬
‫الطريقة النقشبندّية‪.‬‬
‫‪-----------------------------‬‬
‫* السبب‬
‫الول‪...........................................................................................................‬‬
‫‪.....................‬‬
‫‪9‬‬

‫* السبب‬
‫الثاني‪.........................................................................................................‬‬
‫‪........................‬‬

‫* السبب‬
‫الثالث‪.........................................................................................................‬‬
‫‪.....................‬‬

‫* السبب‬
‫الرابع‪..........................................................................................................‬‬
‫‪.....................‬‬

‫* السبب‬
‫الخامس‪....................................................................................................‬‬
‫‪........................‬‬

‫* السبب‬
‫السادس‪....................................................................................................‬‬
‫‪.......................‬‬

‫* التغّيرات اّلتي طرأت على هذه الطريقة‬


‫ية‪...................................................................‬‬
‫الترك ّ‬
‫* المناطق اّلتي انتشرت فيها الطريقة‬
‫ية ودواعي انتشارها ‪....................................‬‬ ‫النقشبند ّ‬

‫الفصل الول‬
‫وُرها‪،‬‬
‫* النقشبندّية؛ ظهوُرها‪ ،‬وتط ّ‬
‫رها‪.‬‬
‫ق انتشا ِ‬
‫ومناط ُ‬
‫ة ُتنسب إلى رجل‬ ‫ة صوفي ّ ُ‬
‫النقشبندّية طريق ٌ‬
‫ي المولود عام ‪717‬‬
‫خار ّ‬ ‫مد بهاء الدين الب ُ َ‬
‫اسمه مح ّ‬
‫من الهجرة‪ ،‬والمتوفى سنة ‪791‬هـ‪ .‬وسيأتي ذكره‬
‫ن شاء الله تعالى‪.‬‬ ‫بالتفصيل في الفصل الرابع إ ْ‬
‫‪10‬‬

‫ب‬‫ي مرك ّ ٌ‬
‫ح فارس ّ‬ ‫أما لفظ «نقشبند» فهو مصطل ٌ‬
‫ة؛ وهي «نقش»‬ ‫من كلمتين‪ :‬إحداهما عربي ٌ‬
‫ء وسكون‬ ‫ة‪ ،‬وهي «بند» )بفتح البا ِ‬‫والثانية فارسي ٌ‬
‫الّنون والدال(‪.‬‬

‫سام‬‫ق اسم «نقشبند» على الر ّ‬ ‫وكان يُطْل َ ُ‬


‫قاش اّلذي يعمل الوشي والنمنمة على‬ ‫والن ّ‬
‫القمشة في الّلهجة التركّية القديمة‪ .‬والمناسب ُ‬
‫ة‬
‫في أخذ هذه الكلمة وإطلقها على هذه النحلة‬
‫ة‪ .‬ذلك‪ ،‬يزعمون أّنهم يسعون إلى نقش‬ ‫واضح ٌ‬
‫محبة الله في قلوبهم بالذكر المتواصل‬
‫ّ‬
‫والسلوك المأثور من سادتهم‪ ،‬ولربما هذا اللقب‬
‫ي في حياته‪،‬‬ ‫ُ‬
‫خار ّ‬ ‫مد الب ُ َ‬‫لم يكن قد أطلق على مح ّ‬
‫ه كانت مشهورةً بهذا السم‪ .‬ذلك من‬ ‫ول طريقت ُ ُ‬
‫ق الصوفّية أّنها غير مستقرة‪.‬‬ ‫مّيزات الطُر ِ‬
‫دل‬‫ة إلى أخرى‪ .‬وتتب ّ‬ ‫ه ٍ‬
‫غير أسماؤها من ب ُْر َ‬ ‫فتت ّ‬
‫ها‪،‬‬ ‫آدابها وأركانها على حسب ما يرى ك ُب ََرا ُ‬
‫ؤ َ‬
‫ث‬‫غ ّ‬‫وهي شبيهة بالسيل الجارف اّلذي يحمل ال َ‬
‫عب َْر مسيله‪ ،‬كما سيأتي تفصيل هذه‬ ‫والسمين َ‬
‫ة وللنقشبندّية‬ ‫م ً‬
‫طرق الصوفّية عا ّ‬ ‫الطبيعة لل ّ‬
‫ن شاء الله تعالى‪.‬‬ ‫صة في بابه إ ْ‬ ‫خا ّ‬
‫***‬

‫ب اّلتي لها أثر على‬


‫م السبا ِ‬
‫* أه ّ‬
‫ظهورالطريقة النقشبندّية‬
‫وف لم يكن شيًئا‬ ‫م الّتص ّ‬ ‫ن مفهمو َ‬ ‫ك في أ ّ‬ ‫لش ّ‬
‫مذكوًرا في عهد الرسول ‪ ،‬ول في عهد‬
‫الصحابة رضي الله عنهم‪ .‬فلم نجد في ما ورد‬
‫عن النبيّ ‪ ،‬أّنه نطق بكلمة التصوف ول‬
‫ق الصوفّية‬ ‫ّ‬
‫ت الطَرائ ِ ِ‬
‫ما بقّية مصطلحا ِ‬ ‫صحابته‪ .‬أ ّ‬
‫ها الفلسفّية مثل‬ ‫قول َت ُ َ‬ ‫م ُ‬
‫و َ‬
‫ها َ‬ ‫وأْر َ‬
‫كان ُ َ‬ ‫ها َ‬‫داب ُ َ‬
‫وآ َ‬
‫َ‬
‫‪11‬‬

‫ة‪ ،1‬والّلطائف‬ ‫ج َ‬
‫گان ِي ّ ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ة والختم ال ْ ُ‬
‫خ َ‬ ‫الّراب ِطَ ِ‬
‫الروحانية‪ ،‬وتعداد ألفاظ الورد بالحصى أو‬
‫س أثناء‬
‫ف ِ‬‫بالمسبحة وبكميات معينة‪ ،‬وحبس الن َ‬
‫الذكر‪ ،‬والمبادئ الحد عشر‪ ،‬وفكرة وحدة‬
‫الوجود ووحدة الشهود وما إليها‪ ،‬فإن رسول‬
‫ن يكون قد أشار إلى شيء‬ ‫الله ‪ ‬يستحيل أ ْ‬
‫منها‪ .‬وفي هذا برهان قاطع على براءة السلم‬
‫ن الصلة المزعومة‬ ‫ل على أ ّ‬ ‫وف‪ ،‬كما يد ّ‬ ‫من التص ّ‬
‫وف والسلم ل تقوم على أساس من‬ ‫بين التص ّ‬
‫الصحة‪.‬‬
‫ص ّ‬ ‫أما اّلذين ربطوا التص ّ‬
‫‪2‬‬
‫جة‬
‫ة فل ح ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫وف بأهل ال ّ‬
‫مد‬‫دعوه بتاًتا‪ .‬فمنهم من تع ّ‬ ‫لهم في إثبات ما ا ّ‬
‫وى‪ ،‬ومنهم من اغتّر‬ ‫ه ً‬
‫ع َ‬ ‫ّ‬
‫وات َّبا ِ‬‫س‪َ ،‬‬ ‫ذلك عن حظ نف ٍ‬
‫بغيره عن جهل فاخطأ‪ ،‬ولم تكن دعواهم في‬
‫سا من الزهد‬ ‫وف أسا ً‬ ‫ن يجعلوا للّتص ّ‬ ‫ذلك إل أ ْ‬
‫والتقوى‪ .‬وهما روح السلم ومخه‪ ،‬إل أّنه شّتان‬
‫عد‬‫وف والزهد والتقوى‪ ،‬وما بينهما ب ُ ْ‬ ‫بين التص ّ‬
‫السماء عن الرض‪.‬‬

‫ن‪ :‬كلمة فارسّية‪ ،‬جمع‪ ،‬مفردها‪ :‬خواجه‪ .‬معناها‪ :‬الشيخ وال ْ َ‬


‫عاِلم‪.‬‬ ‫ج َ‬
‫گا ِ‬ ‫وا َ‬
‫خ َ‬
‫‪ُ 1‬‬

‫وف وماهيته ومنشاءه واشتقاق هذا المصطلح‪ ،‬راجع‬


‫ة في تعريف التص ّ‬
‫ل مختلف ٍ‬
‫للطلع على ما ورد من أقوا ٍ‬ ‫‪2‬‬
‫المصادر التي ذكرها‪:‬‬

‫ي النيسابوري‪ ،‬الرسالة القشيرّية ص‪/‬‬


‫* أبو القاسم عبد الكريم ابن هوازن بن عبد الملك بن طلحة القشير ّ‬
‫‪ .138‬الطبعة ‪ .2‬القاهرة‪1959 /‬م‪.‬‬

‫* أبو يحيى زكريا النصاري‪ ،‬منتخبات )هامش الرسالة القشيرّية( ص‪.8 /‬‬

‫* أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي‪ ،‬تلبيس إبليس ص‪ .161 /‬مكتبة الشرق الجديد‪ ،‬بغداد بل تاريخ‪.‬‬

‫* عبد الرحمن الوكيل‪ ،‬هذه هي الصوفّية )الكتاب بتمامه(‪ .‬دار الكتب العلمّية‪ ،‬بيروت‪1984-‬م‪.‬‬

‫* الدكتور مروان إبراهيم القيسي‪ ،‬معالم الهدى إلى فهم السلم ص‪ .98-65 /‬مكتبة الغرباء إسطنبول‪1992-‬م‪.‬‬

‫* سميح عاطف الزين‪ ،‬الصوفّية في نظر السلم ص‪) .29-14/‬والكتاب بتمامه على وجه العموم(‪ .‬دار الكتب‬

‫اللبناني‪ -‬المصري‪1985/‬م‪.‬‬

‫* عبد القادر بن حبيب الله السندي‪ ،‬التصوف في ميزان البحث والتحقيق ص‪ .43-31 /‬مكتبة ابن القيم‪ ،‬المدينة‬

‫المنورة ‪1990 -‬م‪.‬‬

‫مد أسعد الصاحب(؛ النسخة المطبوعة‬


‫مد صالح بن أحمد الغرسي‪ ،‬مقدمة كتاب بغية الواجد )لجامعه مح ّ‬
‫* مح ّ‬
‫عام ‪ .1985‬قزلتبه – ماردين‪.‬‬

‫‪Dr. Selcuk Eraydin Tasavvuf ve Tarikaklar Pg. 36, 53 Istanbul-1994‬‬ ‫*‬

‫*‪Prof. Dr. Fuad Koprulu, Turk Edebiyatinda Ilk Mutasavviflar Pd. 16. Ankara-1993‬‬
‫‪12‬‬

‫ما وحديًثا‪ ،‬وبذل‬ ‫لقد طال الجدل بين العلماء قدي ً‬


‫غا في مسألة اشتقاق كلمة‬ ‫دا بال ً‬‫الباحثون جه ً‬
‫غني‬‫ما ي ُ ْ‬
‫وف ومصدر هذه الحياة الروحانية م ّ‬ ‫التص ّ‬
‫ذلك عن إضافة كلم آخر إلى ما قد كتبوه‬
‫وصّنفوه في هذا الباب‪ ،‬إل ّ ما سوف يقتضي‬
‫فيكفي التركيز‬ ‫لزم في مواطنه‪َ .‬‬ ‫ذكره بالقدر ال ّ‬
‫م السباب اّلتي قد‬ ‫في هذا الفصل على أه ّ‬
‫ت‬
‫ة أولدَ ْ‬
‫ملئم ٍ‬‫ف ُ‬
‫ل لوجود ظرو ٍ‬ ‫ت السبي َ‬ ‫هدَ ْ‬
‫م ّ‬
‫َ‬
‫ة النقشبندّية‪ ،‬وذلك على سبيل اليجاز‪.‬‬ ‫الطريق َ‬

‫ول منها‪ ،‬يرجع إلى حدث عظيم‬ ‫* السبب ال ّ‬


‫ولون قبل أربعمائة‬‫شاهده آباء التراك ال ّ‬
‫ما من تأسيس هذه الطريقة على‬ ‫وخمسين عا ً‬
‫دين‬
‫ي لل ّ‬
‫أيدي أحفادهم‪ .‬أل وهو اعتناقهم التقليد ّ‬
‫ي وتصّرفهم فيه‪.‬‬ ‫السلم ّ‬
‫ول َ ُ‬
‫ه‬ ‫فن َت ََنا َ‬‫ث َ‬
‫حدَ ِ‬ ‫ع إلى هذا ال ْ َ‬ ‫أن نرج َ‬ ‫إذن ينبغي أول ً ْ‬
‫ه اّلتي‬ ‫ج ُ‬‫ق حّتى تتَبلور لنا نتائ ُ‬ ‫ق ِ‬‫ث المد ّ‬ ‫ر الباح ِ‬‫بنظ ِ‬
‫ر‬
‫ة وظهو ِ‬ ‫ت خطير ٍ‬ ‫دا ٍ‬ ‫عت َ َ‬
‫ق َ‬ ‫م ْ‬
‫ق ُ‬‫ت عن اختل ِ‬ ‫أسفر ْ‬
‫ل‪،‬‬‫ة على السلم‪ .‬ولكن تبّناها رجا ٌ‬ ‫ت غريب ٍ‬ ‫نزعا ٍ‬
‫ف‪،‬‬‫ت وطوائ ُ‬ ‫قْتها جماعا ٌ‬ ‫ل‪ ،‬واعتن َ‬ ‫وتشّربْتها عقو ٌ‬
‫ة من الناس‬ ‫ف مؤّلف ٌ‬ ‫واحتسب في الدفاع عنها آل ٌ‬
‫عب َْر الجيال من هذا الشعب‪.‬‬ ‫َ‬

‫لقد ورد في المصادر اّلتي صّنفها علماءُ التراك‬


‫ن السلم انتشر بين صفوف اّلذين‬ ‫ذات؛ أ ّ‬ ‫بال ّ‬
‫ولين بغير الوجه اّلذي‬ ‫اعتنقوه من آبائهم ال ّ‬
‫انتشر بين غيرهم من الشعوب والمم‪ .‬فاختلف‬
‫ب‬ ‫دين بعكس ما أدركه العر ُ‬ ‫م لهذا ال ّ‬‫ه ْ‬
‫م ُ‬‫ه ُ‬ ‫َ‬
‫ف ْ‬
‫كا‪ .‬وهذا‬ ‫وقوه وتعاطوه عقيدةً وسلو ً‬ ‫وعِلموه وتذ ّ‬
‫أمر جدير بالبحث الدقيق في جوانبه اّلتي لم‬
‫ء علم ِ‬ ‫خب ََرا ِ‬‫خو ُ‬‫ء التاري ِ‬
‫قف عليها كثيٌر من علما ِ‬ ‫يتو ّ‬
‫الجتماع‪ .‬لقد كان اعتناقُ التراك للسلم أمًرا‬
‫ة‪.‬‬‫ق العاطفة‪ ،‬وليس عن روي ّ ٍ‬ ‫غريًبا من ُ َ َ‬
‫من ْطل ِ‬
‫ن الجديد عن‬ ‫دي ِ‬‫يبرهن على ذلك إقبالهم على ال ّ‬
‫‪13‬‬

‫ن‬
‫ه‪ .‬ذلك أ ّ‬ ‫م ُ‬
‫سسوا معال ِ َ‬ ‫ن يتح ّ‬ ‫س‪ ،‬دون أ ْ‬ ‫طيبة نف ٍ‬
‫ة‬
‫ة طباعهم‪ ،‬وبساط َ‬ ‫ف لغتهم‪ ،‬وسذاج َ‬ ‫اختل َ‬
‫كدوا من أحكام‬ ‫ذ ليتأ ّ‬ ‫عقولهم لم تسمح لهم يومئ ٍ‬
‫م‬
‫د أما َ‬ ‫ف العب ِ‬ ‫ه التي يحدّدُ موق َ‬ ‫ن وضوابط ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫هذا ال ّ‬
‫مب ْدَأ ِ التوقيفية‪ .‬ولكّنهم لمسوا‬ ‫س َ‬ ‫رّبه على أسا ِ‬
‫ة على‬ ‫ب من رياض الجن ّ ِ‬ ‫م يه ّ‬ ‫م وكأّنه نسي ٌ‬ ‫السل َ‬
‫ن المسافر في‬ ‫ن بها اطمئنا َ‬ ‫نفسهم لتطمئ ّ‬
‫ر للتسلية‬ ‫ر‪ ،‬فاستقبلوه كمصد ٍ‬ ‫ه العاب ِ ِ‬ ‫لحظات نزول ِ ِ‬
‫ء والبتهال والتصال بأرواح‬ ‫عا ِ‬ ‫والعزاء والدّ َ‬
‫ى امتزج بعقائدهم‬ ‫ن حت ّ‬ ‫دي ُ‬ ‫ث هذا ال ّ‬ ‫الباء‪ .‬فما ل َب ِ َ‬
‫س‬‫ة وطقو ٍ‬ ‫ول إلى طرائق صوفي ٍ‬ ‫القديمة‪ ،‬فتح ّ‬
‫ر‬
‫ت ذك ٍ‬ ‫ة وحلقا ِ‬ ‫ز وشعوذ ٍ‬ ‫ْ‬
‫غا ٍ‬
‫م وأل َ‬ ‫مائ ِ َ‬ ‫ة وت َ َ‬ ‫روحاني ٍ‬
‫د‪ ،‬وخرافات وأساطير ما‬ ‫ة من مجوس الهن ِ‬ ‫موروث ٍ‬
‫أنزل الله بها من سلطان‪ .‬فنشأت الطريقة‬
‫ورات‪،‬‬ ‫خضت عن هذه التط ّ‬ ‫ة تم ّ‬ ‫النقشبندّية كنتيج ٍ‬
‫م عن حقيقة‬ ‫ه ْ‬ ‫م عن السلم وأبعدَت ْ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫صل َت ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫حّتى َ‬
‫ن‬
‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫اليمان بالله وتوحيده‪ .‬ولهذا حار ال ُ‬
‫ّ‬
‫ل الرشاِد في مكافحة الفساد والبدع التي‬ ‫ورجا ُ‬
‫انتشرت بين التراك والطوائف التابعة لهم من‬
‫الكراد والظاظا والشراكسة والبوشناق والقلية‬
‫العربّية في العصر الحاضر‪ ،‬من جّراء الطريقة‬
‫ة‬‫قف على معرف ِ‬ ‫ن الصلح يتو ّ‬ ‫النقشبندّية‪ .‬ل ّ‬
‫ب الفساِد وجذوره وطرق انتشاره وضروب‬ ‫أسبا ِ‬
‫كن‬ ‫كفاحه‪ ...‬وإّنما بهذا الّنوع من المعرفة يتم ّ‬
‫ه‪ .‬فما دام‬ ‫ع ِ‬ ‫م ِ‬
‫ق ْ‬ ‫ري َِته و َ‬ ‫ه وتع ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح من كش ِ‬ ‫مصل ِ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مة‬ ‫ة العلم والقائمون بمه ّ‬ ‫م ِ‬‫س َ‬ ‫المعروفون ب ِ ِ‬
‫ء أنفسهم يجهلون‬ ‫الدعوة والرشاد؛ مادام هؤل ِ‬
‫ل الزمنة‬ ‫ي خل َ‬ ‫مسيرةَ فساد شعبهم العقد ّ‬
‫ن تكون لهم قدرة على‬ ‫التاريخية‪ ،‬إذن فل ُيعقل أ ْ‬
‫تصحيح ما قد فسد من عقائد بني قومهم ولو‬
‫بذلوا قصارى جهودهم بمجّرد النكير على البدع‬
‫والباطيل‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫ة‬
‫ل العلم ِ عن كيفي ِ‬ ‫نعم‪ ،‬لقد غفل كثيٌر من رجا ِ‬
‫ن‬
‫دي ِ‬‫ة هذا ال ّ‬
‫م ِلحقيق ِ‬ ‫ه ْ‬‫اسلم ِ التراك‪ ،‬ومدى ادراك ِ ِ‬
‫ن كانوا قبل‬ ‫ي دي ٍ‬‫ول أمرهم معه‪ ،‬وعلى أ ّ‬ ‫في أ ّ‬
‫ت من دياناتهم‬ ‫ت بهم معتقدا ٌ‬ ‫ق ْ‬‫عل ِ َ‬
‫ذلك‪ ،‬وهل َ‬
‫ت أثًرا في طوائفهم التي دخلت‬ ‫السابقة وأبق ْ‬
‫تحت حكمهم وسلطانهم وما إلى ذلك من‬
‫أمور‪...‬‬

‫ن الغالبّية العظمى‬ ‫لقد ثبت بالدلئل القاطعة أ ّ‬


‫ولين اّلذين أسلموا من هؤلء القوم لم‬ ‫من ال ّ‬
‫ر‪،‬‬‫مسوه بتدب ّ ٍ‬ ‫ة‪ ،‬ولم يتل ّ‬ ‫وي ٍ‬
‫ه عن ر ّ‬ ‫حت َ ُ‬‫سا َ‬ ‫يدخلوا َ‬
‫ن‪ .‬وإّنما أقبلوا‬ ‫ل وإمعا ٍ‬ ‫ق ٍ‬‫قوا تعاليمه بتع ّ‬ ‫ولم يتل ّ‬
‫ل القطيع الظمآن على الماء العذب‬ ‫عليه إقبا َ‬
‫الفرات وقد أضناه العطش‪ ،‬فما كاد يرتوي من‬
‫جا؛‬ ‫حا أجا ً‬ ‫ده الراعي فسقاه مل ً‬ ‫زلله حّتى ص ّ‬
‫ن قبائل التراك على كثرة عددها‬ ‫وهذا يعني أ ّ‬
‫ول أمرها‪ ،‬فجاء‬ ‫أقبلت على السلم في أ ّ‬
‫دا أعمى لمن كان يرأسهم‬ ‫إسلمهم تقلي ً‬
‫عمهم‪ .‬فما زال كثيٌر منهم يتقّلب بين ما‬ ‫ويتـز ّ‬
‫ة‬
‫ت برهمي ٍ‬ ‫ة ونزعا ٍ‬ ‫ت شاماني ٍ‬ ‫ورثه من معتقدا ٍ‬
‫ن التراك‬ ‫ة‪ .‬ذلك ل ّ‬ ‫ة ومزدكي ٍ‬ ‫وتقاليدَ مانوي ٍ‬
‫يمتازون بشدة النقياد إلى ملوكهم وزعمائهم‬
‫ل دهر‪ ،‬سواء أكانوا على الحق أم على‬ ‫في ك ّ‬
‫ة فيهم إلى يومنا‬ ‫الباطل‪ .‬فلم تتغّير هذه الخصل ُ‬
‫سكهم بزعيمهم اّلذي‬ ‫ل على ذلك تم ّ‬ ‫هذا‪ .‬مما يد ّ‬
‫ت‬‫شارك في القضاء علي الدولة العثمانّية ذا ِ‬
‫ة السلم‬ ‫ق َ‬ ‫رب ْ َ‬
‫ن يخلع ِ‬ ‫ي‪ .‬فأراد أ ْ‬ ‫طابع السلم ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ة فيه على‬ ‫من أعناقهم‪ ،‬فلم يزدهم ذلك إل محب ّ ً‬
‫الرغم من اعتزازهم بالسلم؛ مع علمهم بأّنه‬
‫ينحدر من سللة خزرّية تشّربت العقيدةَ اليهودّية‬
‫ت‬‫ي الصل فبات ْ‬ ‫منذ قرون‪ .‬ولكن ما دام أّنه ترك ّ‬
‫ها كما قد اّتخذوا‬ ‫ة حّتى اّتخذوه إل ً‬ ‫وي ّ ً‬‫ق ِ‬‫ه َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫صل َت ُ ُ‬
‫ِ‬
‫خهم آلهة من دون الله‪.‬‬ ‫شيو َ‬
‫‪15‬‬

‫ول‬‫نعم إنّ التراك استقبلوا السلم في أ ّ‬


‫ما أسلم ملكهم‬ ‫ة به نفوسهم؛ فل ّ‬ ‫أمرهم طّيي ً‬
‫‪3‬‬
‫غراخان )ت‪ 348 .‬هـ‪ (.‬ملك الدولة‬ ‫صُتوك ُبو ْ‬
‫ى بعبد الكريم‪ .‬دخلوا‬‫سم ّ‬‫ة التركّية‪ ،‬وت َ َ‬ ‫خان ِي ّ ِ‬ ‫ال َ‬
‫قَرا َ‬
‫جا‪ ،‬وأسلموا عن بكرة‬ ‫معه في دين الله أفوا ً‬
‫أبيهم‪.‬‬

‫ت غفيرةٌ من مختلف‬ ‫هذا‪ ،‬وقد أسلمتْ جماعا ٌ‬


‫م‬
‫ه ْ‬
‫ق ُ‬ ‫عب َْر التاريخ‪ ،‬إل ّ أّنه لم ت َ ْ‬
‫سب ِ ْ‬ ‫الجناس البشرّية َ‬
‫مة بتمامها في الدخول إلى حظيرة السلم‪،‬‬ ‫أ ّ‬
‫ولم تظفر بهذا الفضل والشرف العظيم غير‬
‫ول أمرهم‪،‬‬ ‫التراك اّلذين اعتنقوا السلم في أ ّ‬
‫جاًنا في نفوسهم‪،‬‬ ‫هي َ َ‬
‫ذ َ‬ ‫م يومئ ٍ‬‫د وقد أثار السل ُ‬ ‫لب ّ‬
‫ة انسحبوا‬ ‫ت في جميع مجالت حياتهم حرك ٌ‬ ‫ودب ّ ْ‬
‫معها إلى منعطفات خرجوا بذلك عن الخ ّ‬
‫ط‬
‫ن يشعروا بخطورة‬ ‫ي المستقيم دون أ ْ‬ ‫السلم ّ‬
‫المر؛ لّنهم كانوا يومئذ في بداية الطريق‪،‬‬
‫ن الجديد كعادتهم في‬ ‫دي ِ‬‫ينظرون إلى هذا ال ّ‬
‫ن‬
‫النظر إلى دينهم القديم بفروق بسيطة‪ .‬ثم إ ّ‬
‫ي إلى هدي‬ ‫ع ال ْك ُل ّ ّ‬
‫م والندفا َ‬ ‫ر َ‬ ‫ق ال ْ َ‬
‫عا ِ‬ ‫ذلك التد ّ‬
‫ف َ‬
‫ة في الوهلة الولى‬ ‫السلم‪ ،‬لم يترك لهم فرص ً‬
‫ن الحنيف إل ّ قلة منهم‪.‬‬ ‫دي ِ‬‫ليتدّبروا حقيقة ال ّ‬
‫ة‬
‫فيبدو أّنهم قد اعتنقوا السلم على همجي ٍ‬
‫ة من العقلّية المتخّلفة والجهل‬ ‫وسطحي ٍ‬
‫شي بين جمهورهم وهذا أفضى إلى‬ ‫المتف ّ‬
‫التشّبث بما كانوا عليه في سابقهم من رواسب‬
‫الشرك ومخّلفات الوثنّية وتقاليد الكفرة من‬
‫آبائهم الولين‪.‬‬

‫وَلين من التراك‬ ‫ما ُنقارن بين السابقين ال ّ‬


‫ل ّ‬
‫ومشركي قريش في موقفهم من الدعوة‬
‫دا كبيًرا بين الفريقين‬
‫السلمّية الولى نجد ُبع ً‬

‫‪Meydan Larousse 11/31, 12/34 İstanbul-1969‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪16‬‬

‫ن التراك أقبلوا على السلم‬ ‫في ذلك‪ .‬فإ ّ‬


‫ةل‬‫قوه من دعا ٍ‬ ‫ول تبشير تل ّ‬
‫كالسيل العارم منذ أ ّ‬
‫ل التاريخ‪ .‬بينما الكتب حافلة‬ ‫شهرة لهم في سج ّ‬
‫بما ابتلى به رسول الله ‪ ‬من المحنة والذى‬
‫على يد قومه اّلذين وقفوا في وجه السلم‬
‫و الّلدود‪ .‬واستعملوا العنف والشدة‬ ‫وقوف العد ّ‬
‫ضد أصحابه‪ ،‬وأذاقوهم ألوانا من التعذيب‬
‫ن أكثرهم في نهاية المطاف‬ ‫والنكال‪ .‬ولك ّ‬
‫ما‬‫أسلموا لله وأقاموا حدوده واتخذوا دينه نظا ً‬
‫لحياتهم؛ وضربوا من البسالة والبطولة والفداء‬
‫في سبيله أمثال ً لم يدانيهم فيها قوم ل قبلهم‬
‫ول بعدهم‪.‬‬

‫م عن حقيقته ولم‬ ‫ب السل َ‬ ‫ولهذا‪ ،‬تشّربت العر ُ‬


‫ن حّتى يومنا هذا‪ ،‬على‬ ‫يتغّير تفسيرهم للدّي ِ‬
‫ه زعمائهم فيما‬
‫ف ِ‬‫س َ‬ ‫و َ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫م ِ‬‫كا ِ‬‫ح ّ‬
‫الرغم من ضللة ُ‬
‫اقتبسوه من المم الكافرة لشعوبهم من‬
‫ة‪.‬‬‫ة فاسد ٍ‬ ‫ة وأنظم ٍ‬ ‫سياسات ضال ّ ٍ‬
‫جة‬ ‫أما التراك‪ ،‬فيبدو أنهم في غمرة تلك الضّ ّ‬
‫م على أثر‬ ‫ه ْ‬
‫ع ِ‬ ‫م ِ‬
‫جت َ َ‬‫م ْ‬‫ت في صفوف ُ‬ ‫اّلتي ثار ْ‬
‫طنوا إلى حقيقة ما‬ ‫جهة إليهم لم يف َ‬ ‫الدعوة المو ّ‬
‫ب‬
‫يهتف به السلم من التوحيد الخالص لله ر ّ‬
‫ن‬‫ن كسائر الديان‪ ،‬وإ ْ‬ ‫العالمين‪ .‬فظّنوا أّنه ِدي ٌ‬
‫صة اّلتي أعجبتهم‬ ‫كان يمتاز ببعض تعاليمه الخا ّ‬
‫ت مع طبيعتهم‪ .‬كالطهارة وصلة‬ ‫واتفق ْ‬
‫ما‬
‫ن التراك أشدّ الناس اهتما ً‬ ‫الجماعة‪ .‬ل ّ‬
‫ما في الحياة الجتماعّية‪،‬‬ ‫بالنظافة وأفضلهم نظا ً‬
‫فتأّثروا بضوابط السلم وقوانينه وتشريعاته‪،‬‬
‫جدانياته‪ .‬ولهذا‪ ،‬لم‬ ‫و ْ‬ ‫ن يتأّثروا بعقائده و ُ‬ ‫قبل أ ْ‬
‫موا بمسائل التوحيد في الخطوة الولى من‬ ‫يهت ّ‬
‫وا بما شرعه السلم من‬ ‫ه ْ‬ ‫ْ‬
‫إسلمهم‪ ،‬وإنما الت َ َ‬
‫صلة الجمعة والجماعة والطهارة وطاعة أولي‬
‫المر‪ ،‬وآداب المعاشرة وما أشبه ذلك من أمور‬
‫‪17‬‬

‫ص بتنظيم الحياة الجتماعّية‬


‫العبادة‪ ،‬وما يخت ّ‬
‫والعلقات البشرية‪.‬‬

‫ولون‬ ‫ما غفل المسلمون ال ّ‬ ‫وبهذا‪ ،‬يتبين لنا أّنه ل ّ‬


‫من التراك عن حقيقة توحيد الله تبارك وتعالى‬
‫ب السلم ومفتاح الخلص ووسيلة النجاة‬ ‫)وهو ل ُ ّ‬
‫والسعادة في الدارين(‪ .‬وبذلوا اهتمامهم فيما‬
‫ة‬
‫دوا صل ً‬ ‫ج ُ‬‫و َ‬
‫دين ويّتفق مع طبيعتهم‪َ ،‬‬ ‫يظهر من ال ّ‬
‫بين هذه المور وبين ما كانوا عليه في سابق‬
‫ة»‬‫مان ِي ّ ُ‬‫شا َ‬‫ن اسمه «ال ّ‬ ‫أمرهم؛ لّنهم كانوا على دي ٍ‬
‫فكانوا يعتقدون في رهبانهم أّنهم ينفعون‬
‫ويضّرون من دون الله‪ ،‬ويشفعون لهم عند‬
‫الرواح اللهّية المهيمنة ويتصّرفون عنها في‬
‫كرون في‬ ‫ملون ويتف ّ‬ ‫الكون‪ .‬وكذلك كانوا يتأ ّ‬
‫حكمة الله على أساليب الديانة البوذّية‬
‫والبرهمّية‪.‬‬

‫ة‬
‫ق صوفي ً‬ ‫أن استحدثوا طرائ َ‬ ‫فما كان منهم إل ّ ْ‬
‫دا وأذكاًرا مّزجوا فيها بين‬ ‫ورّتبوا لها آداًبا وأورا ً‬
‫أمور أخذوها من السلم‪ .‬مثل كلمة التوحيد‪،‬‬
‫واسم الجللة‪ ،‬والتحميد‪ ،‬والتسبيح‪ ،‬والتكبير‪...‬‬
‫وأخرى ورثوها من دياناتهم السابقة من‬
‫الشامانّية والبوذّية والزرادشتّية والمزدكّية‬
‫ب وثنّية مثل‪«:‬‬ ‫والمانوّية‪ 4‬وورثوا منها رواس َ‬
‫ن‪ ...‬إلخ»‬ ‫وط َ ْ‬ ‫فْردَْر َ‬‫س َ‬ ‫م‪ ،‬و َ‬ ‫قدَ ْ‬ ‫م‪ ،‬ون َظَْرب َْر َ‬ ‫ش دَْردَ ْ‬‫و ْ‬ ‫ه ُ‬
‫ها بتفسيراتهم‬ ‫مو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن أت ْ َ‬‫فخلطوا هذا بذاك بعد أ ْ‬
‫ر‬
‫ونوها في أسفا ٍ‬ ‫ة الغريبة‪ ،‬ورّتبوها ودَ ّ‬ ‫الشاذ ِ‬
‫د؛‬
‫ة من الداب والدعاء والتعب ّ ِ‬ ‫وأقاموها على هيئ ٍ‬
‫جه‪،‬‬ ‫ة‪ ،‬والتو ّ‬ ‫َ‬
‫جگان ِي ّ ِ‬‫وا َ‬ ‫خ َ‬ ‫ْ‬ ‫وال ْ َ‬
‫خت ْم ِ ال ُ‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫كالّراب ِطَ ِ‬
‫والسلوك والرهبنة‪ ...‬فكانت من أهم نتائجها‬
‫الطريقة التقشبندية‪.‬‬

‫‪Ahmet Yaşar OCAK, Menâkibnâmeler, s.10‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪18‬‬

‫* السبب الثاني في ظهور هذه الطريقة‪ :‬هو‬


‫الخلفّيات التاريخية والجتماعّية السائدة في‬
‫الفترة والمنطقة الّلتين نشأت فيهما هذه‬
‫الحركة الصوفّية‪.‬‬

‫ن الحداث متسلسلة من الماضي‬ ‫لش ّ‬


‫ك في أ ّ‬
‫أن يكون ِلما َ‬ ‫ْ‬ ‫إلى الحاضر فالمستقبل‪ .‬فلبدّ إذن‬
‫ت‬ ‫ب انعكس ْ‬ ‫وقع في سالف العصور آثاٌر وعواق ُ‬
‫ث أص ٌ‬
‫ل‬ ‫ل حد ٍ‬ ‫ن يكون لك ّ‬ ‫على ما تلها‪ .‬أو لبدّ أ ْ‬
‫سّنة الحياة‪.‬‬ ‫وسبب؛ بل أسباب يرجع إليها‪ .‬وهذه ُ‬
‫ث من‬‫فما دامت الطريقة النقشبندّية هي حد ٌ‬
‫ل والضمائَر‬ ‫ل العقو َ‬
‫ع أشغ َ‬
‫مة‪ ،‬وواق ٌ‬
‫الحداث الها ّ‬
‫ن‪ ،‬إذن لبدّ من‬‫منذ حقبة تقرب من سبعة قرو ٍ‬
‫ن نتناولها‪ ،‬فنعود بها إلي أّيام نشوئها من خلل‬ ‫أ ْ‬
‫الحلقات المتسلسلة اّلتي تربط حاضَرها‬
‫بماضيها‪ ،‬وأن نتباحث في الوقت ذاته بظروف‬
‫المنطقة اّلتي عاش فيها التراك قبل دخولهم‬
‫في السلم وبعده‪.‬‬

‫إن المنطقة اّلتي كان يسكنها آباء التراك‬ ‫ّ‬


‫ة( تبدأ من تخوم الهند‬ ‫هَياطِل َ ُ‬
‫الولون )وهم ال َ‬
‫ضفاف‬ ‫قا‪ ،‬وتنتهي عند ِ‬ ‫شر ً‬
‫ل على امتداد الساحة الواقعة بين‬ ‫بحيرة آرَا ْ‬
‫م هذه‬‫جْيحون‪ .‬تض ّ‬ ‫سْيحون و َ‬ ‫النهرين الشهيرين َ‬
‫خاَرى‬‫دا من المدن العريقة‪ ،‬مثل ب ُ َ‬ ‫ة عد ً‬‫المنطق ُ‬
‫وسمرقند وطاشكند وفرغانة‪ ،‬وأجزاءً من بلد‬
‫م‪.‬‬
‫رز ْ‬
‫وا ِ‬‫خ َ‬‫ُ‬

‫أما تاريخ المنطقة‪ ،‬فيشوبه غموض حّتى ميلد‬


‫م التراك قبل السلم قد‬ ‫عيسى ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن أّيا َ‬
‫ت من الحركات العلمّية والثقافّية والحضارية‪.‬‬ ‫خل ْ‬
‫ة بين أيدي الباحثين‬
‫وبذا كانت المصادر شحيح ً‬
‫دهم بما كان عليه التراك في تلك‬ ‫ولم تم ّ‬
‫القرون الخالية‪ .‬ولم يؤّرخ لهم قوم بالقدر اّلذي‬
‫‪19‬‬

‫كتب عنهم علماء العرب المسلمين كأحمد بن‬


‫يحيى بن جابر بن داود البلذري‪ 5‬وأبي جعفر‬
‫مد بن جرير الطبري‪6‬وابن الثير عّز الدين أبي‬ ‫مح ّ‬
‫‪7‬‬
‫الحسن على بن أبي الكرم الشيباني وأبي‬
‫الفداء اسماعيل بن عمر القرشي المعروف بابن‬
‫ي فريديريك‬ ‫م الروس ّ‬ ‫كثير‪ 8‬وغيرهم‪ .‬ولع ّ‬
‫ل العال ِ َ‬
‫ف‪ 9‬قد أولى الحياةَ الدينّية عند‬ ‫م َرادُْلو ْ‬
‫هل ْ ْ‬‫ول ْ َ‬
‫ِ‬
‫ي‬
‫التراك في جاهليتهم بحديث واسع أكثر من أ ّ‬
‫باحث آخر‪.‬‬

‫فقد ثبت من خلل ما عثر عليه الباحثون وما‬


‫ن التراك قد اعتنقوا ديًنا‬ ‫علماء التاريخ أ ّ‬
‫ُ‬ ‫شرحه‬
‫غا‬‫عب َْر تاريخهم‪ .‬وكّلما وجدوا مسا ً‬‫بعد دين َ‬
‫دلوا دينهم نزحوا من ساحته ‪ -‬وهم يحملون‬ ‫ليب ّ‬
‫ل آثاره ‪ -‬وركنوا إلى دين آخر فخلطوا بينهما‪،‬‬ ‫ج ّ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫فتقلبوا هكذا في أمواج الديانات والمعتقدات‬ ‫ّ‬
‫بصرف النظر عما بينها من التناقض والتضارب‬
‫ءا من‬ ‫حّتى وجدوا أنفسهم في رحاب السلم بد ً‬
‫ول من الهجرة النبوية‪.‬‬ ‫النصف الثاني للقرن ال ّ‬
‫فلم يكن تعاملهم مع السلم مختلفا عن‬
‫ما من‬ ‫تعاملهم مع دياناتهم السابقة‪ .‬فحملوا ج ّ‬
‫قداتهم الوثنّية‪ ،‬وتقاليدهم الموروثة من عهد‬ ‫معت َ‬
‫ن شاء الله‬ ‫الجاهلّية الولى‪ ،‬كما سوف نشرحه إ ْ‬
‫عب َْر الفصول التالية‪.‬‬‫تعالى َ‬

‫دسون موتاهم في القرون‬ ‫لقد كان التراك يق ّ‬


‫الولى من جاهليتهم‪ ،‬ويعبدونهم‪ .‬نشأ هذا‬
‫راجع ترجمته في معجم المؤلفين‪ ،‬عمر رضاء كحالة‪ ،‬مؤسسة الرسالة الطبعة الولى‪ . 1/322:‬بيروت‪.1993/‬‬ ‫‪5‬‬

‫المصدر السابق ‪.3/190‬‬ ‫‪6‬‬

‫المصدر السابق ‪.2/523‬‬ ‫‪7‬‬

‫المصدر السابق ‪.1/373‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪Friedrich Wilhelm Radlof:‬‬ ‫‪9‬‬


‫مستشرق روسي من أصل آلماني‪ .‬ولد في برلين‪ ،‬و مات في بيتروجراد ‪ . Petrograd‬تخرج من جامعة برلين‪،‬‬

‫وحاز شهادة الدكتوراه في العلوم الفلسفّية من جامعة جينا عام ‪1858‬م‪ .‬على أثر نجاحه في تأليف رسالة تحت‬

‫عنوان‪) :‬أثر الدين في مجتمعات آسيا ‪ (Ubar Den Einfluss der Religion auf die Worker Aslens‬لـه بحوث و مؤّلفات عدة‪.‬‬
‫‪20‬‬

‫صة‬‫ن اسمه الشامانية‪ ،‬خا ّ‬ ‫العتقاد وهم على دي ٍ‬


‫ن‬
‫ن‪ .‬والشاما ُ‬ ‫دسون الشاما َ‬ ‫فإّنهم كانوا يق ّ‬
‫س عند النصارى فكانوا‬ ‫دي ِ‬ ‫ق ّ‬‫عندهم كالعزيز أو ال ِ‬
‫ن الشامان يعلم الغيب ويتصرف في‬ ‫يعتقدون أ ّ‬
‫ح متى‬‫ل الريا َ‬‫س ُ‬
‫ث‪ ،‬وي ُْر ِ‬‫ل اْلغي َ‬ ‫و؛ َ‬
‫في َُنـّز ُ‬ ‫أحوال الج ّ‬
‫ب والهوا َ‬
‫ل‬ ‫شاء‪ ،‬ويمنع الفات‪ ،‬أو يسّلط المصائ َ‬
‫على من يشاء‪.‬‬

‫ضا في‬ ‫ومن جملة ما كانوا يعتقدونه أي ً‬


‫ن‬
‫و َ‬ ‫في َت َل َ ّ‬
‫ق ْ‬ ‫شامانيهم‪ :‬أّنهم يّتصلون بإله السماء َ‬
‫ظ من‬ ‫ن يكون لـه ح ّ‬ ‫ما من أراد أ ْ‬ ‫ي‪ .‬أ ّ‬‫منه الوح َ‬
‫س‬
‫ة ومار َ‬ ‫ح إلى خلو ٍ‬ ‫هذه المكانة بينهم‪ ،‬نز َ‬
‫ن‬
‫ح شاما َ‬ ‫الرياضة على الطريقة الصوفّية فأصب َ‬
‫س من لعنته وينظرون إليه‬ ‫بعد مدة‪ ،‬يحذر النا ُ‬
‫م‬‫ما ارتدّ هؤلء القو ُ‬ ‫نظرة الجلل والتوقير‪ .‬فل ّ‬
‫كا‬‫س ً‬ ‫عن الشامانية إلى البوذّية‪ ،‬ازدادوا تم ّ‬
‫دا برهبانهم في الدين الجديد‪ ،‬ذلك أّنهم‬ ‫واعتقا ً‬
‫طلع على‬ ‫كنوا عن طريق الترجمة من ال ّ‬ ‫تم ّ‬
‫مناقب رهبان البوذّية وما قيل فيهم من كرامات‬
‫م هائ ٌ‬
‫ل‬ ‫مع في عقولهم ُركا ٌ‬ ‫ومعجزات وآثار‪ .‬فتج ّ‬
‫كنت من ديانتهم‪،‬‬ ‫من الساطير التي تم ّ‬
‫واستيقنتها أنفسهم‪ ،‬حّتى إذا أسلموا وجدوا‬
‫ضاّلتهم المنشودة فيما سمعوا من معجزات‬
‫قا ليصبغوا ما‬ ‫منطل ً‬‫الرسول ‪ ،‬فاّتخذوا منها ُ‬
‫في قلوبهم من رواسب الشرك بصبغة السلم‪.‬‬
‫ن اعتقدوا في بعض الصالحين كما‬ ‫فلم يلبثوا أ ْ‬
‫قا‬‫كانوا يعتقدون في شامانيهم ورهبانهم ساب ً‬
‫من بركات وكرامات وخوارق؛ فأقاموا على‬
‫أضرحتهم ُبنياًنا لم يعهده المسلمون قبل إسلم‬
‫التراك‪.‬‬

‫ي في القرآن‬ ‫ة الول ّ‬
‫مفهوم لفظ ِ‬
‫َ‬ ‫ثم حّرفوا‬
‫ي‬
‫ن الول ّ‬
‫بتفسير لم يرد عن السلف الصالح‪ .‬إذ أ ّ‬
‫ليس هو اّلذي يتصّرف في قدر الله‪ ،‬وينوب عنه‬
‫‪21‬‬

‫في إدارة الكون‪ ،‬ويعلم الغيب‪ ،‬وينـّزل الغيث‪،‬‬


‫ويمنع الفات‪ ،‬أو يسّلط العذاب على من يشاء‬
‫كما يزعمون‪ .‬وإّنما أولياء الله‪ ،‬هم اّلذين قال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫ِ‬ ‫عل َي ْ‬‫ف َ‬ ‫و ٌ‬ ‫خ ْ‬
‫هل َ‬ ‫وِليا َءَ الل ِ‬‫نأ ْ‬ ‫تعالى فيهم‪} :‬أل َ إ ّ‬
‫‪10‬‬
‫ن‪{ .‬‬ ‫قو َ‬ ‫وكا َُنوا ي َت ّ ُ‬
‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن * اّلذي َ‬ ‫حَزُنو َ‬
‫م يَ ْ‬‫ه ْ‬‫ول َ ُ‬
‫َ‬
‫ولكّنهم حّرفوا المعنى بتأويلتهم وتفسيراتهم‬
‫قداتهم الموروثة من العهد‬ ‫اّلتي بنوها على معت َ‬
‫ي‪ .‬وهكذا نشأت معظم الطرق الصوفّية‬ ‫الوثن ّ‬
‫ة للسباب التي ما زلنا‬ ‫ّ‬ ‫على يد التراك كنتيج ٍ‬
‫مها‪ ،‬تلك الخلفيات‬ ‫نواصل شرحها‪ .‬ومن أه ّ‬
‫التاريخية اّلتي تراكمت في عقلية هؤلء القوم‪،‬‬
‫ت على المفاهيم‬ ‫عب َْر أطواره حّتى طغ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫وانحدر ْ‬
‫وهت‬ ‫ة‪ ،‬فش ّ‬ ‫ة متطّرف ٍ‬ ‫ت باطني ٍ‬ ‫القرآنية بتفسيرا ٍ‬
‫محّياها‪ ،‬وأذهبت الكثيَر من جمالها وطلقتها و‬
‫واقعيتها‪.‬‬

‫* السبب الثالث في ظهور الطريقة النقشبندّية‪:‬‬


‫عدُ المسافة بين مراكز الحكم والعلم وبين‬
‫هو ب ُ ْ‬
‫المنطقة اّلتي نشأت وانتشرت فيها الطريقة‪.‬‬

‫م جذوَر الشرك وأزاحه عن‬ ‫ما انتـزع السل ُ‬ ‫ل ّ‬


‫ت أنواُر التوحيد‬
‫مهبط الوحي واللهام‪ ،‬وبدأ ْ‬
‫ُتشرق من الحرمين على أطراف الجزيرة‬
‫ت من‬ ‫ل الحكمة وتد ّ‬
‫فق ْ‬ ‫ت مناه ُ‬‫العربّية‪ ،‬فنبع ْ‬
‫ت على صفحات الكتب‬ ‫صدور أئمة السلف وانصب ّ ْ‬
‫ن سادت‬ ‫بمداد العلماء من التابعين؛ فلم يلبث أ ْ‬
‫دولة العلم في بلد اليمن والعراق والشام‬
‫ل من خمسين سنة بعد‬ ‫دة أق ّ‬‫ومصر في م ّ‬
‫ة‬
‫ل منطق ٍ‬ ‫الهجرة النبوّية‪ .‬وفي أثر ذلك أصبحت ك ّ‬
‫من هذه البلد مركًزا للعلوم والفنون السلمّية‪.‬‬
‫داء على الك ّ‬
‫فار‬ ‫ولقد كان المسلمون الوائل أش ّ‬
‫والمشركين ومن كان على نهجهم من‬

‫سورة يونس‪.63 ،62 /‬‬ ‫‪10‬‬


‫‪22‬‬

‫المستحدثين في الدين والمتلعبين بنصوصه من‬


‫ن يكون أهل‬ ‫عدُ أ ْ‬
‫خلل تأويلت ماكرة‪ .‬ول ُيست َب ْ َ‬
‫ل والعقد منهم قد أحبطوا أّية بدعة قد‬ ‫الح ّ‬
‫ظهرت في أّيامهم بسرعة وعنف‪ .‬فهكذا كانوا‬
‫ي‪ ،‬وكذلك في المرحلة‬ ‫حّتى في العهد المو ّ‬
‫ي‪ .‬إذ يبرهن على ذلك‬ ‫ُ‬
‫الولى من العهد العباس ّ‬
‫موقف الخليفة المقتدر من حسين بن منصور‬
‫ما علم أّنه زنديق يترّبص بالسلم ليعبث‬ ‫الح ّ‬
‫لج ل ّ‬
‫به ثأًرا لدين آبائه المجوس اّلذين قضى عليهم‬
‫‪11‬‬
‫ل‪.‬‬ ‫المسلمون‪ ،‬فأمر به ف ُ‬
‫قت ِ َ‬

‫ت‬
‫ت به فئا ٌ‬ ‫أن اّتسعت أرض السلم‪ ،‬ودان ْ‬ ‫ْ‬ ‫وما‬
‫ق سليم ٍ من أهالي المناطق‬ ‫د وذو ٍ‬ ‫ش ٍ‬‫ت ُر ْ‬‫غيُر ذا ِ‬
‫النائية عن مراكز الحكم والعلم والحضارة‬
‫ة بعد فتح خراسان وبلد ماوراء‬ ‫السلمّية وخاص ً‬
‫النهر؛ سرعان ما بدأ النحراف عن الخ ّ‬
‫ط‬
‫ف‬‫ب هذا النحرا ُ‬ ‫م‪ ،‬وصار ي َدُ ّ‬ ‫ي المستقي ِ‬ ‫السلم ّ‬
‫وينتشر بين الناس كّلما وجدوا هرطق ً‬
‫ة ت ُذَك ُّرهم‬
‫م ظًنا منهم أّنها‬ ‫ه ْ‬ ‫س ُ‬‫فو ُ‬ ‫ت إليها ن ُ ُ‬ ‫بماضيهم نزع ْ‬
‫ة يومئذ‬ ‫دول ُ‬
‫من صميم السلم‪ .‬وربما لم تكن ال ّ‬
‫تتمّتع بالقدرة والهيمنة الكافية لكبح جماح‬
‫د المسافة‬ ‫ع ِ‬
‫المبتدعين والمستحدثين بسبب ب ُ ْ‬
‫بين مراكز الحكم وبين تلك المناطق المترامية‬
‫م‬
‫ة اهتما ٌ‬ ‫القاصية؛ أوربما لم يكن لصحاب السلط ِ‬
‫ب‬‫ه على الكتا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ر تعالي ِ‬ ‫ن‪ ،‬وقص ِ‬ ‫ة الدي ِ‬ ‫بسلم ِ‬
‫ة كما فهمها سلفنا‬ ‫هَر ِ‬ ‫مط ّ‬ ‫ة ال ُ‬
‫م‪ ،‬والسن ّ ِ‬ ‫الكري ِ‬
‫ح رضوان الله عنهم‪.‬‬ ‫الصال ُ‬

‫صته في المراجع التي ذكرها‪:‬‬


‫راجع ق ّ‬ ‫‪11‬‬
‫* عمر رضاء كحالة‪ ،‬معجم المؤلفين‪ ،‬مؤسسة الرسالة الطبعة الولى‪ . 1/645 :‬بيروت ‪1993 -‬م‪.‬‬

‫* أنور الجندي‪ ،‬المؤامرة على السلم ص‪ .174 ،57 /‬دار العتصام‪ ،‬الطبعة الثانية‪ .‬القاهر‪1978 -‬م‪.‬‬

‫ورة ‪-‬‬
‫وف ص‪ .716 ،636/‬مكتبة ابن القيم الطبعة الولى‪ .‬المدينة المن ّ‬
‫* عبد القادر حبيب الله السندي‪ ،‬التص ّ‬
‫‪1990‬م‪.‬‬

‫* سميح عاطف الزين‪ ،‬الصوفّية في نظر السلم ص‪ .307 /‬دار الكتب اللبنانية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ .‬بيروت ‪1985 -‬م‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫ضا من الدواعي اّلتي أسفرت عن انتشار‬ ‫فهذه أي ً‬


‫ة غريبةٍ عن السلم تحت ستار‬ ‫ة روحاني ّ ٍ‬ ‫حيا ٍ‬
‫الزهد والستغناء عن الدنيا‪ ،‬وممارسة الرياضة‬
‫ع‬
‫ورت الوضا ُ‬ ‫شف ولبس المسوح‪ .‬ثم تط ّ‬ ‫والتق ّ‬
‫ق الصوفّية في‬ ‫ّ‬
‫حّتى ظهر عددٌ كبيٌر من الطَرائ ِ ِ‬
‫القرون التالية‪ ،‬وانتشر بعضها على ساحات‬
‫ت‬‫واسعة فأقبل عليها جمهور من الناس وطاش ْ‬
‫ة أو عجًزا أو‬ ‫ما مخاف ً‬ ‫ء في وجهها‪ ،‬إ ّ‬ ‫ة العلما ِ‬ ‫حكم ُ‬
‫ة هذه المنظمات‬ ‫ت صول ُ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ن َ‬
‫ق ِ‬ ‫ل؛ إلى أ ْ‬ ‫جه ً‬
‫ها‪ .‬وغلبت على العاقل‬ ‫وت ُ َ‬ ‫ت ُ‬
‫ق ّ‬ ‫الصوفّية وتضاعف ْ‬
‫والغافل محب ُّتها بالرغم من نبوغ شخصّيات من‬
‫أهل العلم والفضل في تلك المناطق من أمثال‪:‬‬
‫مد‬‫ي‪ ،‬إسماعيل بن إبراهيم بن مح ّ‬ ‫المام الهرو ّ‬
‫‪12‬‬
‫مد بن‬ ‫ي بن مح ّ‬ ‫بن عبد الرحمن القّراب ‪ ،‬وعل ّ‬
‫‪13‬‬
‫مد بن‬ ‫مة مح ّ‬ ‫ي ‪ ،‬وشمس الئ ّ‬ ‫الحسين البزدو ّ‬
‫‪14‬‬
‫ي ‪ ،‬وأبي حفص عمر‬ ‫أحمد بن أبي بكر السرخس ّ‬
‫ي‪ ،15‬والمام الرازي فخر الدين‬ ‫مد النسف ّ‬ ‫بن مح ّ‬
‫‪16‬‬
‫ي ‪،‬‬ ‫ي البكر ّ‬ ‫ّ‬
‫مد بن عمر بن الحسين التيم ّ‬ ‫مح ّ‬
‫لمة مسعود بن عمر بن عبد الله‬ ‫والع ّ‬
‫ي‪ 17‬وغيرهم‪.‬‬ ‫التفتازان ّ‬
‫ث من أسباب‬ ‫ب ثال ٌ‬
‫فيبدو هكذا بوضوح‪ ،‬سب ٌ‬
‫ء‬
‫وَرا ِ‬
‫ما َ‬
‫ظهور الطريقة النقشبندّية في بلد « َ‬
‫ر»‪ ،‬ولكّنها كانت محصورة في تلك المناطق‬ ‫ه ِ‬
‫الن ّ ْ‬
‫ن اعتنقها التراك‬ ‫طوال سنوات عديدة؛ إلى أ ْ‬
‫ن كان تحت حكمهم من الكراد‬ ‫م ْ‬
‫العثمانّيون و َ‬
‫ة من حثالة العرب اّلذين يقطنون في‬ ‫والقل ّ ِ‬
‫المنطقة الكردّية‪ .‬وذلك بعد الحملة اّلتي قام بها‬
‫راجع ترجمته في معجم المؤلفين‪ ،‬عمر رضاء كحالة‪ ،‬مؤسسة الرسالة الطبعة الولى‪ 1/356 :‬ترجمته‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫المصدر السابق ‪.2/501‬‬ ‫‪13‬‬

‫المصدر السابق ‪.3/52‬‬ ‫‪14‬‬

‫المصدر السابق ‪.2/571‬‬ ‫‪15‬‬

‫المصدر السابق ‪.3/558‬‬ ‫‪16‬‬

‫المصدر السابق ‪.3/849‬‬ ‫‪17‬‬


‫‪24‬‬

‫ي‪ 18‬لنشر هذه الطريقة في لباس‬ ‫خالد البغداد ّ‬


‫ة‬
‫ء من الديانات الهندّية‪ ،‬وبمساعد ٍ‬ ‫جديد وباستيحا ٍ‬
‫ودعم ٍ من السلطة العليا للدولة العثمانّية كما‬
‫ن شاء الله‬‫سنشرحه في نهاية الفصل الرابع إ ْ‬
‫تعالى‪.‬‬

‫ة‬
‫ت التصوفي ِ‬
‫ر النـزعا ِ‬
‫* السبب الرابع في انتشا ِ‬
‫صة في‬
‫ر الطريقة النقشبندّية خا ّ‬ ‫ة وظهو ِ‬
‫م ً‬
‫عا ّ‬
‫م بلغة القرآن كما هي‬ ‫ه ْ‬ ‫ُ‬
‫بلد التراك هو جهل ُ‬
‫الحالة نفسها بالنسبة للكراد وغيرهم من سائر‬
‫العناصر العجمية‪.‬‬

‫أسلم التراك وهم ل يفهمون شيًئا من القرآن‬


‫لختلف الّلغة‪ .‬ويبدو أّنهم تلقّوا الضرورات من‬
‫الدين عن طريق الترجمة في الخطوة الولى‬
‫وٌر‬‫ن كان لها أثٌر ودَ ْ‬ ‫ما الترجمة وإ ْ‬ ‫من إسلمهم‪ .‬أ ّ‬
‫في تبليغ الرسالت‪ ،‬إل ّ أّنها قد ل تفي بالحاجة‬
‫م المعاني‬ ‫ه َ‬ ‫ن َ‬
‫ف ْ‬ ‫صة لتفصيل المور الدقيقة ل ّ‬ ‫خا ّ‬
‫ة‬
‫مي ّ ً‬ ‫المقصودة في مثل هذه الحوال يزداد أه ّ‬
‫حة الترجمة‪.‬‬ ‫ة المترجم وص ّ‬ ‫قف على ك َ َ‬
‫فاءَ ِ‬ ‫ويتو ّ‬
‫ة‬
‫فإذا كان المترجم قاصًرا‪ ،‬أو غيَر ذي مهار ٍ‬
‫ة بأخطاء‪،‬‬ ‫مته جاءت الترجمة مشوب ً‬ ‫ة في مه ّ‬ ‫حنك ٍ‬ ‫و ُ‬
‫قد المر على المخاطب‪.‬‬ ‫ة بغموض؛ فتع ّ‬ ‫ومعيوب ً‬
‫هذا‪ ،‬ول ندري هل كانت الترجمة يومئذ وافية‬
‫مة التبليغ والقيام بأعمال التعليم أم ل‪،‬‬ ‫لداء مه ّ‬
‫ّ‬
‫ن تعليم مسائل التوحيد للنسان الذي‬ ‫ة فا ّ‬ ‫ص ً‬ ‫خا ّ‬
‫عاش في ظلمات الشرك طوال عمره‪ ،‬وفوق‬
‫د‬
‫ن تعليمه من أش ّ‬ ‫ذلك يجهل لغة الرسول ‪‬؛ فا ّ‬
‫دا‪.‬‬
‫المور صعوبة وتعقي ً‬
‫ن التراك يختلفون عن كافة‬
‫وإلى جانب هذا‪ ،‬فا ّ‬
‫السلبي من اللغات‬
‫ّ‬ ‫المجتمعات بموقفهم‬
‫الجنبّية؛ فتجاوز المر إلى لغتهم؛ حّتى أصبحت‬

‫المصدر السابق ‪.1/667‬‬ ‫‪18‬‬


‫‪25‬‬

‫ها بعد إهمالهم إّياها وتلعبهم بها‬ ‫س َ‬


‫ف ُ‬‫هي ن َ ْ‬
‫دهر‪ .‬ول يزالون يعانون شتات‬ ‫ة لنكبات ال ّ‬ ‫ض ً‬ ‫عْر َ‬
‫ُ‬
‫ب هذا‬ ‫شملها إلى اليوم‪ .‬وربما يرجع سب ُ‬
‫ة فيهم من‬ ‫ة الراسخ ِ‬
‫الموقف إلى الروح العسكري ّ ِ‬
‫ما بأّنهم‬
‫ن التراك يعتـّزون دائ ً‬ ‫قديم الزمان‪ .‬فإ ّ‬
‫م مقاتلون‪ ،‬وبأّنهم لم يخضعوا لسيادة قوم‬ ‫قو ٌ‬
‫ن تفاخَرهم بأمجاِدهم‬ ‫آخرين عبر تاريخهم‪ .‬فإ ّ‬
‫ة قد‬
‫ة دائم ٍ‬ ‫وتشاغَلهم بذكريات أّيام ِ عّزهم بصور ٍ‬
‫جعلهم يحتقرون بقّية الشعوب وما يمّيزها عنهم‬
‫من صفات القومّية كالّلغة والدين وبعض‬
‫التقاليد‪.‬‬

‫مون‬ ‫وإنما هذا الموقف هو اّلذي جعلهم ل يهت ّ‬


‫حَرى ل َ‬ ‫بالّلغة العربّية من قديم الزمان؛ أو ِبال َ ْ‬
‫ب‪ .‬وإّنما‬ ‫عَر ِ‬ ‫عن ْدَ ال ْ َ‬‫ع ِ‬
‫ها بالسلوب المت ّب َ ِ‬ ‫ون َ َ‬‫ق ْ‬‫ي َل َ ّ‬
‫صُروا على حفظ قواعد الصرف والنحو‪،‬‬ ‫قت َ َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫دي ِ‬‫ة لنصوص ال ّ‬ ‫ة القراء ِ‬ ‫فاّتخذوا العربّية لغ َ‬
‫فحسب‪ ،‬دون الكتابة والحوار‪ .‬ويجري تسميتها بـ‬
‫ن» على لسان المعتـّزين منهم‬ ‫ة ال ْ ُ‬
‫قْرآ ِ‬ ‫غ ِ‬‫«ل ُ َ‬
‫ة بالشعب العربي‪.‬‬ ‫ص ِ‬
‫بالسلم تناسًيا لصلتها الخا ّ‬
‫ن‬
‫ة وهي أ ّ‬ ‫ة غريب ٌ‬ ‫فقد أسفر عن هذا الشعور نتيج ٌ‬
‫دسون‬ ‫ي يق ّ‬ ‫أكثر المقّرين منهم بالنتماء السلم ّ‬
‫الّلغة العربّية فل يرون من السهل مزاول ََتها‪ ،‬أو‬
‫ن!‬ ‫دي ِ‬‫من المور الجائزة لغير رجال ال ّ‬
‫ة‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫لهذا‪ ،‬قام بعض الجهلة منهم المنتحلين ِ‬
‫ن واختلقوا‬ ‫دوا للعبث بمسائل الدّي ِ‬ ‫العلم‪ ،‬فتص ّ‬
‫ة‪ ،‬لجهل‬‫ع‪ .‬فانتشرت بسهول ٍ‬ ‫عا من الب ِدَ ِ‬ ‫أنوا ً‬
‫المجتمع بلغة القرآن‪ .‬لّنه لم ينتبه كثير من‬
‫ت‬‫ن هذه المور المستحدثة ل تم ّ‬ ‫الناس‪ ،‬إلى أ ّ‬
‫ة إلى السلم‪ ،‬أو أنها مستورثة من‬ ‫بصل ٍ‬
‫الشامانية والبرهمية والمزدكية والمانوية‬
‫وغيرها من أديانهم السابقة فزادت هذه‬
‫س إقبال ً عليها‬ ‫ت انتشاًرا‪ ،‬وازداد النا ُ‬ ‫الخزعبل ُ‬
‫‪26‬‬

‫ض الصوفّية‪ .‬فوجدوا فيها‬ ‫ن استغّلها بع ُ‬ ‫إلى أ ْ‬


‫ب‬‫ه َ‬ ‫م َ‬
‫ذا ِ‬ ‫قو َ‬‫ضالتهم‪ ،‬ورتبوا على أساسها طََرائ ِ َ‬
‫شّتى مثل‪ :‬البكتاشّية‪ ،‬والبنجرّية‪ ،‬والبيرمّية‪،‬‬
‫والحروفّية‪ ،‬والخفيفّية‪ ،‬والخلوتّية‪ ،‬والجراحّية‪ ،‬و‬
‫عا من صنع‬ ‫ما هي جمي ً‬ ‫شن ِّية‪ ،‬والروشنّية‪ ،‬م ّ‬‫ال ْگ ُْلـ َ‬
‫التراك كما يبدو من أسماِئها التركّية‪ ،‬إلى جانب‬
‫ت من جملتها‬ ‫سستها أعجام الفرس فجاء ْ‬ ‫ما أ ّ‬
‫الطريقة النقشبندّية‪.‬‬

‫ق الصوفّية‪،‬‬ ‫* السبب الخامس في ظهور الطُر ِ‬


‫ت في‬ ‫ومنها النقشبندّية‪ :‬هي الفتن اّلتي حدث ْ‬
‫ت‬
‫ت على النفوس حّتى نشأ ْ‬ ‫عصر الصحابة وأّثر ْ‬
‫ة‬
‫ب باطني ّ ٌ‬‫فَرقٌ وأحزا ٌ‬
‫من جّرائها بعد القرون ِ‬
‫ب بما لديهم‬ ‫ل حز ٍ‬‫ة عديدةٌ ك ّ‬ ‫ب غالي ٌ‬
‫ومذاه ُ‬
‫فرحون‪.‬‬

‫الفتنة الولى والكبرى في تاريخ المسلمين‬


‫ك هي مقتل الخليفة الراشد عثمان بن‬ ‫لش ّ َ‬
‫فان رضي الله عنه‪ .‬ثم تليها الحروب اّلتي‬ ‫ع ّ‬
‫ي بن أبي طالب رضي الله عنه‬ ‫جرت بين عل ّ‬
‫ي‬
‫وبين ومعاوية بن أبي سفيان؛ ثم اغتيال عل ّ‬
‫بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين رضوان‬
‫الله عليهم أجمعين‪.‬‬

‫ف‬‫دخل الشقاق بدواعي هذه الفتن صفو َ‬


‫المسلمين وهم من الطبقة الولى من أمّة‬
‫السلم‪ .‬بيد أّنهم لم يختلفوا يومئذ إل في‬
‫المسائل السياسّية والجتهادّية بالستناد إلى‬
‫الكتاب والسـّنة‪ ،‬تجمعهم العقيدة الحنيفة إذ‬
‫ق‬
‫فَر ٍ‬
‫ذاك‪ ،‬مهما تفّرقت كلمتهم؛ فانقسموا إلى ِ‬
‫هاد اّلذين توّرعوا‬‫ث‪ :‬الشيعة‪ ،‬والخوارج‪ ،‬والز ّ‬ ‫ثل ٍ‬
‫ح الله وعكفوا على‬ ‫و ِ‬
‫وصبروا‪ ،‬واستأنسوا ب َِر ْ‬
‫ما وقع فيه غيرهم من الطمع‬ ‫العبادة هربا ً م ّ‬
‫ذاتها ومناصبها؛‬ ‫والفتتان بحطام هذه الدنيا ومل ّ‬
‫قّر ويعترف بهذه الحقيقة أحد أعلم‬ ‫كما ي ُ ِ‬
‫‪27‬‬

‫الصوفّية في عصرنا السيد محمود أبو الفيض‬


‫ما سبب شيوع التصوف‬ ‫المنوفي إذ يقول‪« :‬وأ ّ‬
‫ما حصل الخلف على‬ ‫في السلمّية‪ ،‬فهو أّنه ل ّ‬
‫ة‪ ،‬ثم الخلف‬ ‫ي ومعاوي َ‬ ‫والنـزاع بين عل ّ‬ ‫الخلفة‬
‫ة وبين العباسّيين؛ قد صارت الخلفة‬ ‫مي ّ َ‬ ‫ُ‬
‫بين بني أ َ‬
‫ضا وسلطاًنا يتنافس عليه أهل‬ ‫كا عضو ً‬ ‫مل ً‬
‫دنيا ومتاعها الزائل‪،‬‬
‫النفوس الضعيفة المحّبة لل ّ‬
‫ع البقّية المخلصة الباقية من الصحابة‬ ‫ف َ‬‫تر ّ‬
‫والتابعين عن إيثار ما يفنى على ما يبقى‪،‬‬
‫ورجعوا إلى أنفسهم عاكفين على مدارسة‬
‫‪19‬‬
‫الكتاب الكريم‪».‬‬

‫ة من هذه الفرق‬ ‫ل قرف ٍ‬‫وإذا كان لموقف ك ّ‬


‫من جاء‬ ‫ةم ّ‬ ‫ت غالي ٌ‬ ‫ن انطلقت منه فئا ٌ‬ ‫ث شأ ٌ‬ ‫الثل ِ‬
‫ر قد تشّبهوا‬ ‫ل عص ٍ‬ ‫ةك ّ‬ ‫ن صوفي َ‬ ‫بعدها فإ ّ‬
‫بالزاهدين السابقين من أمثال‪ :‬أبي عبد الله‬
‫‪20‬‬
‫ي ؛‬ ‫ي الكوف ّ‬ ‫سفيان بن سعيد بن مسروق الثور ّ‬
‫ي‬
‫ي وهو ترك ّ‬ ‫وعبد الله ابن المبارك المروز ّ‬
‫الصل‪21‬؛ والفضيل ابن عياض بن مسعود‬
‫ي‪22‬؛وأبي محفوظ معروف بن‬ ‫ي اليربوع ّ‬ ‫التميم ّ‬
‫ي‪23‬؛ وأبي نصر بشر بن الحارث بن‬ ‫فيروز الكرخ ّ‬
‫‪24‬‬
‫ي ؛ وأبي‬ ‫ي الحاف ّ‬ ‫ي بن عبد الرحمن المروز ّ‬ ‫عل ّ‬
‫ي ؛ وأبي‬‫‪25‬‬
‫قط ّ‬‫ي ابن المغّلس الس َ‬ ‫ر ّ‬‫س ِ‬‫الحسن َ‬
‫مد سهل بن عبد الله بن يونس بن عيسى‬ ‫مح ّ‬

‫السيد محمود أبو الفيض المنوفي‪ ،‬معالم الطريق إلى الله ص‪ .49 /‬دار نهضة مصر للطبع و النشر‪ .‬القاهرة‬ ‫‪19‬‬
‫‪1969 -‬م‪.‬‬

‫‪1/771‬‬ ‫راجع ترجمته في معجم المؤلفين‪ ،‬عمر رضاء كحالة‪ ،‬مؤسسة الرسالة الطبعة الولى‪:‬‬ ‫‪20‬‬

‫المصدر السابق ‪.2/271‬‬ ‫‪21‬‬

‫راجع ترجمته في العلم‪ ،‬خير الدين زركلي ‪ .5/153‬دار العلم للمليين الطبعة ‪ .11‬بيروت ‪1995 -‬م‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫المصدر السابق ‪.7/269‬‬ ‫‪23‬‬

‫المصدر السابق ‪.2/54‬‬ ‫‪24‬‬

‫راجع ترجمته في وفيات العيان‪ ،‬لبن خّلكان‪ ،‬تحقيق الدكتور حسان عباس ‪ .2/357‬دار الصادر‪ .‬بيروت ‪-‬‬ ‫‪25‬‬
‫‪1978‬م‪.‬‬
‫‪28‬‬

‫ي‪ّ26‬؛ ومن كان على نهجهم من الورع‬


‫ر ّ‬
‫ست َ ِ‬
‫الت ْ‬
‫والتقوى رحمة الله عليهم أجمعين‪.‬‬

‫ب هؤلء الصالحين‬ ‫أنتحل صوفية العراق مذه َ‬


‫بعدهم في القرن الثاني من الهجرة‪ .‬وصوفيةُ‬
‫ة من العنصر‬ ‫ل مجوسي ّ ٍ‬ ‫ق جّلهم من أصو ٍ‬ ‫العرا ِ‬
‫ة لهم في حقيقة المر‬ ‫ي‪ ،‬ل صل َ‬ ‫الفارس ّ‬
‫قا‪ ،‬وإّنما انتحلوا‬ ‫بالزاهدين المذكورين ساب ً‬
‫أسلوبهم في العراض عن الدنيا بظاهرهم وهم‬
‫ضا خطيرةً في باطنهم‪ .‬دفعتهم‬ ‫ن أغرا ً‬ ‫يت َب َّنو َ‬
‫س‬
‫ن الحنيف بد ّ‬ ‫دي ِ‬‫النـزعة الشعوبّية إلى هدم ال ّ‬
‫سموم الشرك في العقيدة السلمّية‪ ،‬ولكن‬
‫ب أكثر خبًثا ومكًرا ودهاءً وهو السلوب‬ ‫بأسلو ٍ‬
‫ي بخلف ما كان عليه الزنادقة من‬ ‫الصوف ّ‬
‫الشعراء والدباء ذوي الصول الفارسّية بإيقاع‬
‫الفتنة بين المسلمين وتشكيكهم‪ ،‬عن طريق‬
‫ة ظاهرة المعالم‪ .‬كعبد الله ابن‬ ‫ت فلسفي ٍ‬ ‫تصورا ٍ‬
‫مر بن المثّنى‪28‬؛وأّبان‬ ‫فع ؛ وأبي عبيدة مع ّ‬
‫‪27‬‬
‫المق ّ‬
‫‪29‬‬
‫قاشي ؛‬ ‫بن عبد الحميد بن لحق بن عفير الر ّ‬
‫ول بن‬ ‫واس الحسن بن هناء بن عبد ال ّ‬ ‫وأبي ن ّ‬
‫هَية إسماعيل بن قاسم بن‬ ‫عَتا ِ‬ ‫صباح‪30‬؛ وأبي ال َ‬
‫سويد بن كيسان‪ .31‬كان هولء الشعوبيون‬
‫وراتهم بخلف الصوفّية‪.‬‬ ‫مجاهرين بأفكارهم وتص ّ‬
‫ة اّلتي كانت أعماُلهم‬ ‫ن السّري ّ َ‬ ‫ة‪ ،‬فإ ّ‬ ‫ما الصوفي ّ ُ‬ ‫أ ّ‬
‫ك‬‫يش ّ‬ ‫ن من أ ّ‬ ‫عها‪ ،‬تجعُلهم في أما ٍ‬ ‫تتوارى بقنا ِ‬
‫قد يثوُر حوَلهم؛ بل غالب الناس كانوا‬
‫دونهم من أصحاب الفضائل‬ ‫ظمونهم ويع ّ‬ ‫يع ّ‬
‫والكرامات لما يرون من إعراضهم عن زينة‬
‫المصدر السابق ‪.2/429‬‬ ‫‪26‬‬

‫‪2/31‬‬ ‫راجع ترجمته في معجم المؤلفين‪ ،‬عمر رضاء كحالة‪ ،‬مؤسسة الرسالة الطبعة الولى‪:‬‬ ‫‪27‬‬

‫المصدر السابق ‪.3/901‬‬ ‫‪28‬‬

‫المصدر السابق ‪.1/7‬‬ ‫‪29‬‬

‫المصدر السابق ‪.1/596‬‬ ‫‪30‬‬

‫المصدر السابق ‪.1/374‬‬ ‫‪31‬‬


‫‪29‬‬

‫ه كانت‬ ‫عم ِ الل ِ‬


‫ة نِ َ‬
‫ن كراهي َ‬‫الحياة الدنيا وطّيباتها‪ .‬ل ّ‬
‫س به مستوى‬ ‫م النا ُ‬ ‫هي القسطاس اّلذي ي ُ َ‬
‫قي ّ ُ‬
‫ي يومئذِ‪..‬‬ ‫ي والخلق ّ‬ ‫و الروح ّ‬ ‫الفضيلة والسم ّ‬
‫ة العراق منذ بداية ظهورهم‬ ‫هكذا استطاع صوفيّ ُ‬
‫ن ينجحوا في تشويه الوجه المشرق للسلم‬ ‫أ ْ‬
‫ساس‪ ،‬على حين غفلة من‬ ‫بهذا السلوب الد ّ‬
‫ن يومئذ من‬ ‫المسلمين اّلذين هجمت عليهم الفت ُ‬
‫ط من الفوضى‬ ‫ل حدب وصوب وهم في وس ٍ‬ ‫ك ّ‬
‫ب على‬ ‫وال ْك َ ِ‬
‫ذ ِ‬ ‫ل َ‬‫ج ِ‬
‫ة الدّ َ‬‫حَياك َ ُ‬
‫من أمرهم‪ .‬فاستمّرت ِ‬
‫د وهم برآء من‬ ‫ه ِ‬
‫لسان السابقين من أهل الّز ْ‬
‫الصوفّية وضللتهم‪ ،‬حّتى أسلم التراك‪.‬‬

‫ة بينهم من أهل‬ ‫وي ّ ٌ‬ ‫ح ْ‬


‫ش ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ت جماع ٌ‬ ‫ن ب ََرَز ْ‬‫ثأ ْ‬ ‫فما لَب ِ َ‬
‫ر»‪ .‬فزادوا على هذه‬ ‫ه ِ‬‫ء الن ّ ْ‬
‫وَرا ِ‬
‫ما َ‬‫ن وبلد « َ‬ ‫سا َ‬ ‫خَرا َ‬
‫ُ‬
‫ور‬
‫ع‪ .‬ثم تط ّ‬
‫جه السما ُ‬ ‫ت ما تم ّ‬ ‫جل ِّيا ِ‬
‫الكاذيب والدّ َ‬
‫ن من فنون التحريف والتبديل والتضليل‪،‬‬ ‫منها ف ّ‬
‫وهو ما يسمى بمناقب الولياء‪.‬‬

‫ة‬
‫م ِ‬‫دا َ‬
‫ة من المور اله ّ‬ ‫في ّ ُ‬‫صو ِ‬‫ه ال ّ‬ ‫ع ُ‬‫ض َ‬ ‫و َ‬ ‫وأخطر مَا َ‬
‫ة» اّلتي اختلقها‬ ‫سل َ ِ‬
‫سل ْ ِ‬
‫ة «ال ّ‬ ‫ن الحنيف‪ :‬بدع ُ‬ ‫دي ِ‬ ‫لل ّ‬
‫بعضهم في عصور الظلم‪ ،‬وربما ليجعل منها‬
‫ب والنتماءَ إلى الصحابة‬ ‫دعي بها النتسا َ‬ ‫ةي ّ‬ ‫صل ً‬
‫ج‬‫ل بها ضمائر الناس وليتدّر َ‬ ‫والتابعين ليستغ ّ‬
‫بمساعدتهم إلى تحقيق ما هو من ورائه‪.‬‬
‫ضا‬‫ن شاء الله تعالى‪ .‬وهي أي ً‬ ‫ها إ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫شْر ُ‬‫فسيأتي َ‬
‫ة‬
‫في ّ ُ‬
‫صو ِ‬ ‫م‪ .‬اغتّر بهم ال ّ‬ ‫ج ِ‬‫ع َ‬ ‫ة ال ْ َ‬‫ق ِ‬ ‫ع َزَناِد َ‬
‫صن ْ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م‪.‬‬‫ه ْ‬
‫هل ِ ِ‬
‫ج ْ‬
‫والمشعوذون من قدماء التراك ل ِ َ‬
‫* السبب السادس في ظهور الطريقة‬
‫ة‬ ‫ة المتخ ّ‬
‫في َ ُ‬ ‫عي النفسي ّ ُ‬‫دوا ِ‬
‫النقشبندّية‪ :‬هي ال ّ‬
‫ي اّلذي طالما‬ ‫للتراك من وراء الصراع التاريخ ّ‬
‫يجري بينهم وبين العرب على احتكار السلم‬
‫واستغلله في كسب المصالح السياسّية‪.‬‬
‫‪30‬‬

‫ن‬‫عُنو َ‬ ‫م مّيزات التراك‪ ،‬أّنهم ل ي ُذْ ِ‬ ‫ن من أه ّ‬ ‫إ ّ‬


‫ن ليس من قومهم‪ .‬ول ينقادون إلى‬ ‫م ْ‬‫لسيادة َ‬
‫ة‬
‫ف ِ‬ ‫وا على الن ِ َ‬ ‫جِبل ُ‬
‫ي‪ .‬وكأّنهم قد ُ‬ ‫رئاسة أجنب ّ‬
‫ب الرياسة والسياسة‪ .‬قد يختلفون‬ ‫ح ّ‬ ‫و ُ‬ ‫ة َ‬ ‫والحمي ّ ِ‬
‫فيما بينهم أشدّ الختلف‪ .‬ولكن سرعان ما‬
‫ي من بينهم‪ ،‬وينهضون‬ ‫فون حول الرجل القو ّ‬ ‫يلت ّ‬
‫و نهوض الرجل الواحد‪.‬‬ ‫بأمره في وجه العد ّ‬
‫ي‪،‬‬ ‫ء السلم ّ‬ ‫قّر منهم بالنتما ِ‬ ‫م ِ‬‫ن ال ُ‬ ‫والغريب‪ ،‬أ ّ‬
‫ينتصر للكافر والفاسق من بني جلدته في وجه‬
‫ي من غير قومه أو من غير حزبه‪.‬‬ ‫المؤمن التق ّ‬
‫ت‬‫ه الحكوما ُ‬ ‫ة ما أخذت ْ ُ‬ ‫يبرهن على هذه الحقيق ِ‬
‫معتـّزين‬ ‫ة في سياستها ضدّ ال ُ‬ ‫التركّية من ال ُ ْ‬
‫هب َ ِ‬
‫بالسلم في الداخل والخارج وباستمرار‪ .‬ومن‬
‫مها بمساعدة‬ ‫ة‪ ،‬قيا ُ‬ ‫س هذه السياس ِ‬ ‫آخر عكو ِ‬
‫قين من العناضر ذات الصول التركّية في‬ ‫المنش ّ‬
‫‪32‬‬
‫ة )طالبان( السلمّية عام‬ ‫أفغانستان ضدّ حكوم ِ‬
‫ة التركّية لم تقم بدعم التراك‬ ‫ن الحكوم َ‬ ‫‪2001‬م‪ .‬إ ّ‬
‫ة‬
‫جّرِد ماكانت حكوم ُ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫الزبك في أفغانستان ل ِ ُ‬
‫ف في‬ ‫ف والتطّر َ‬ ‫س َ‬ ‫)طالبان( تمارس التع ّ‬
‫ق العصبّية‬ ‫ل من ُ َ َ‬
‫منطل ِ‬ ‫سياستها‪ ،‬بل كان ردّ فع ٍ‬
‫ة ضدّ خصومهم‬ ‫التركّية انتصاًرا للتراك الفاغن ِ‬
‫البشتون‪.‬‬

‫هذه الخصلة جعلتهم ينافسون العرب في‬


‫السياسة والسيادة‪ ،‬ويصارعونهم على السلطة‬
‫ن التراك‬
‫في الوهلة الولى من إسلمهم‪ .‬غير أ ّ‬
‫ع َ‬
‫قب ََتين في وجه‬ ‫ما أمام َ‬
‫قد وجدوا أنفسهم دائ ً‬
‫العرب‪.‬‬

‫ن العربّية‬ ‫العقبة الولى‪ :‬هي الّلغة العربّية‪ .‬ل ّ‬


‫ت‬
‫ق ِ‬ ‫غلبت على جميع لغات الشعوب اّلتي ا ْ‬
‫عت َن َ َ‬
‫م بحكم كونها لغة القرآن والعلم‬ ‫السل َ‬
‫والحضارة‪ .‬فلم يستقم اعوجاج الّلغة التركّية‬
‫ُ‬
‫ة الجامعات السلمّية ذوات الطابع‬
‫ة من طلب ِ‬ ‫ة اّلتي شك ّل َت ْ َ‬
‫ها جماع ٌ‬ ‫ة الفغاني ِ‬
‫ق على الحكوم ِ‬
‫م أطل ِ َ‬
‫‪ 32‬طالبان‪ :‬إس ٌ‬
‫ن‪.‬‬
‫هابّيي َ‬
‫عم ٍ من الو ّ‬ ‫القديم والمتخّلف في باكستان‪ ،‬وذلك ب ِ َ‬
‫د ْ‬
‫‪31‬‬

‫تحت هذه الغلبة على امتداد تاريخ التراك‬


‫ن‬
‫م ْ‬
‫ة الفارسّية ِ‬ ‫ما زادت الّلغ ُ‬ ‫ةل ّ‬ ‫ص ً‬
‫المسلمين وخا ّ‬
‫ها آَثاَر‬‫في َ‬
‫ت ِ‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬‫ها على الّلغة التركّية وَزا َ‬ ‫ف َ‬
‫حي ْ ِ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف َ‬
‫العربّية‪َ ،‬‬
‫ها حّتى اختنق ْ‬ ‫مي ّت َ َ‬‫ه ّ‬‫ت التركّية أ َ‬ ‫قدَ ِ‬
‫ت‪ ،‬بل إلى لغات مختلفة‪.‬‬ ‫ت إلى لهجا ٍ‬ ‫وتفرق ْ‬
‫م‬‫ويشهد اليوم على هذه الحقيقة استخدا ُ‬
‫الترجمة في الحوار بين رؤساء بعض الدول‬
‫التركّية في الملتقيات والجتماعات الدولية‪ .‬مثل‬
‫تركيا وكازاخستان‪ .‬كما ل تّتفق أبجدّيات هذه‬
‫الدول بخلف العرب‪ .‬فإّنهم بالرغم من شتات‬
‫شملهم والشقاق اّلذي بينهم على الصعيد‬
‫ي‪ ،‬ما زالوا يتكّلمون بلغ ٍ‬
‫ة‬ ‫ي والدول ّ‬ ‫السياس ّ‬
‫ة‪.‬‬
‫ة واحد ً‬ ‫ة‪ ،‬ويستخدمون أبجدي ّ ً‬ ‫واحد ٍ‬
‫ن هذه‬ ‫وإذ نعود إلى موضوع النقشبندّية‪ ،‬فإ ّ‬
‫سسها التراك قبل سبعة قرون قي‬ ‫الطريقة أ ّ‬
‫خاَرى‪ ،‬وهي عاصمة وطنهم القديم‪ .‬ول‬ ‫مدينة ب ُ َ‬
‫ة أخرى للسلم‪،‬‬ ‫سسوها لتكون نسخ ً‬ ‫ك أّنهم أ ّ‬ ‫ش ّ‬
‫ليتمّيزوا بها عن العرب والفرس في عبادة الله‪.‬‬
‫فاّتخذوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه رمًزا‬
‫ض‬
‫لطريقتهم‪ ،‬كي ُيلمحوا بذلك أّنهم على نقي ٍ‬
‫ة‬
‫غ ِ‬‫للفرس الشيعة‪ ،‬كما اّتخذوا الّلغة الفارسّية ك َل ُ َ‬
‫م وعدم ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر لُ َ‬
‫غت ِ ِ‬ ‫ق ِ‬‫ف ْ‬
‫ق لِ َ‬ ‫م ْ َ‬
‫خت َل ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫دي ِ‬‫العبادة في هذ ال ّ‬
‫جاءَ به‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬‫قَبا ِ‬ ‫ست ِ ْ‬‫ةل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ز َ‬‫ة الل ّ ِ‬ ‫ها بالكفاءَ ِ‬ ‫ف َ‬‫صا ِ‬‫ات ّ َ‬
‫ن‬ ‫دي ِ‬ ‫ة‪ .‬ووضعوا لهذا ال ّ‬ ‫مي ّ ٍ‬ ‫عال َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫فا ِ‬‫م َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫القرآ ُ‬
‫ما عن أركان العبادة‬ ‫ئ تختلف تما ً‬ ‫آدابا ً ومباد َ‬
‫هة‬ ‫ج َ‬‫و ْ‬‫ن يستقّلوا ب ُ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫غي َ َ‬ ‫والدعاء في السلم‪ ،‬ب ُ ْ‬
‫نظرهم إلى السلم بخلف ما يفهمه العرب‪.‬‬

‫أما العقبة الثانية‪ :‬اّلتي يعانيها التراك هو‬


‫يل‬ ‫م ّ‬ ‫عال َ ِ‬
‫ن َ‬‫م ِدي ٌ‬ ‫ن السل َ‬‫ن‪ .‬ومع أ ّ‬ ‫مفهوم الديّ ِ‬
‫جُروا به أو‬ ‫م ل ِي َُتا ِ‬
‫ص أو قو ٌ‬‫ه شخ ٌ‬ ‫ّ‬
‫ن يستغل ُ‬ ‫يجوز أ ْ‬
‫ة‪ ،‬كما لم يفك ّْر ب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ص ٍ‬
‫ل خا ّ‬‫عوهُ في أشكا ٍ‬ ‫ل ِي ُطَب ّ ُ‬
‫ن‬‫كنوا من ذلك لو أرادوا أ ْ‬ ‫ب‪ - ،‬ولم يتم ّ‬ ‫عَر ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪32‬‬

‫يحصروه في نطاق قومّيتهم ‪ -‬إل ّ أّنهم كانوا ول‬


‫و أّنه‬‫غْر َ‬‫ما لمعاني القرآن‪ ،‬ول َ‬ ‫ه ً‬
‫ف ْ‬‫يزالون أكثَر َ‬
‫ت‬‫م من أقلّيا ٍ‬ ‫ه ْ‬
‫ع ُ‬
‫ما التراك وت ُّبا ُ‬ ‫نزل بلغتهم‪ .‬أ ّ‬
‫ة فإّنهم ل يفهمونه إل عن طريق الترجمة‬ ‫عجمي ٍ‬
‫ك أن‬ ‫الكتابّية أو بالستماع إلى علمائهم‪ .‬ول ش ّ‬
‫ما على أحاسيسهم‪،‬‬ ‫ن العقبتين تأثيًرا عظي ً‬ ‫هات َي ْ ِ‬‫لِ َ‬
‫ن يكون‬ ‫عدُ أ ْ‬
‫م‪ .‬ول ُيست َب ْ َ‬ ‫ه ْ‬
‫مت ُ ُ‬
‫وإن لم يجهر به عا ّ‬
‫م بدافع هذين المرين‬ ‫ه ْ‬
‫في باطنهم ما قد ي ُِثيُر ُ‬
‫ن‬
‫ة وِدي ٍ‬ ‫ة قوي ّ ٍ‬ ‫حّتى يتخّلصوا من تأثير العرب بلغ ٍ‬
‫ف‬
‫ن مختل ٍ‬ ‫ل دونما ارتداٍد عن السلم‪ ،‬ولك ْ‬ ‫ق ّ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫عن إسلم العرب!‬
‫ة لَ‬ ‫ة بصور ٍ‬ ‫ن على هذه الحقيق ِ‬ ‫لقد قام البرها ُ‬
‫ظمه‬ ‫ل ُيع ّ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ك فيها‪ ،‬وذلك باعتراف َر ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫ل لل ّ‬ ‫مجا َ‬
‫س في تركيا اسمه فتح الله جولن‪،‬‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫مليي ُ‬
‫ن»‬ ‫ما ِ‬ ‫شَر في صحيفة «الّز َ‬ ‫ل له ن ُ ِ‬ ‫أدلى في مقا ٍ‬
‫ت الدّن َْيا‬ ‫ف ِ‬‫عَر َ‬ ‫ف الواحد‪َ :‬‬ ‫ه بالحر ِ‬ ‫في ِ‬‫جاءَ ِ‬ ‫التركّية‪َ ،‬‬
‫فَلم ي َ َ‬ ‫َ‬
‫عا‬
‫ق َ‬ ‫م‪َ ،‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ب وال ْ َ‬
‫ع َ‬ ‫عَر ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ة(‪« :‬إ ْ‬ ‫ري ّ ُ‬
‫ش ِ‬ ‫ي ال ْب َ َ‬ ‫)أ ْ‬
‫عَلى‬ ‫ف َ‬ ‫عّر ُ‬ ‫ست َت َ َ‬
‫ها َ‬ ‫ول َك ِن ّ َ‬
‫ها‪َ ،‬‬ ‫من ْ َ‬
‫ب ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ع ال ِ ْ‬ ‫ق َ‬‫و ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫‪33‬‬
‫ها»‪.‬‬ ‫َ‬
‫سل َم ِ الت َْرا ِ‬
‫جب ُ َ‬‫ع ِ‬ ‫ف يُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫و َ‬ ‫ك َ‬ ‫إ ْ‬
‫ن التراك ) ونعني بهم بقايا‬ ‫ضا أ ّ‬ ‫ك أي ً‬ ‫لش ّ‬
‫العثمانّيين من أصحاب السيادة في تركيا اليوم(‬
‫قد عملوا الكثيَر لتحرير لغتهم من قيود العربّية‬
‫كنوا من ذلك‪ .‬كما لم‬ ‫والفارسّية‪ ،‬ولكن لم يتم ّ‬
‫ن‬
‫كنوا من توفير أسباب الستقرار لها‪ .‬فا ّ‬ ‫يتم ّ‬
‫ق الصوفّية هي في الواقع من نتائج‬ ‫ظهوَر الطُّر ِ‬
‫س‬
‫ت العصبّية والعرقّية‪ ،‬وانعكا ٌ‬ ‫قا ِ‬ ‫من ْطَل َ َ‬‫هذه ال ُ‬
‫صة الطريقة‬‫ة‪ .‬خا ّ‬ ‫ة وعنصري ّ ٍ‬ ‫ض قومي ّ ٍ‬ ‫لغرا ٍ‬
‫ن في ثنايا آدابها ومعاملة أتباعها‬ ‫النقشبندّية‪ ،‬فإ ّ‬
‫ة‬
‫ئ عن حقيق ِ‬ ‫م ت ُْنب ُ‬‫عال ِ َ‬‫م َ‬
‫تو َ‬
‫وانتمائهم أمارا ٍ‬
‫‪Dünya şimdiye dek Arap ve Acem Müslümanlığını tanıdı ve sevmedi. Artık Türk‬‬ ‫ي للترجمة أعله‪:‬‬
‫ص الّترك ِ ّ‬
‫‪ 33‬الن ّ‬
‫‪.Müslümanlığını tanıyacak ve sevecek‬‬

‫ل للكاتب‬
‫س من صحيفة «الّزمان» التركّية الصادرة بتاريخ‪/07 :‬يناير‪ ،2005/‬الجمعة‪ ،‬الصفحة‪17 :‬؛ ضمن مقا ٍ‬ ‫م ْ‬
‫قت َب َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫كول َْر َ‬
‫جا‬ ‫حسين ُ‬
‫‪33‬‬

‫ها العصبّية‬
‫ض َ‬
‫ت هذه الطائفة وأغرا ِ‬ ‫من ْطَل َ َ‬
‫قا ِ‬
‫ة على أهل البصيرة‪.‬‬ ‫ر خافي ٍ‬
‫ر غي ِ‬
‫القومّية في صو ٍ‬
‫د‬
‫ولربما هي من أقدم أسبابها؛ وفي ذلك شواه ُ‬
‫ة‪ ،‬حسبنا الستدلل بواحد منها‪:‬‬ ‫عديد ٌ‬
‫‪34‬‬
‫ي‬
‫مد الخان ّ‬ ‫مد بن مح ّ‬ ‫نقل عبد المجيد بن مح ّ‬
‫بطريق الرواية عمن ُتنسب إليه الطريقة‬
‫‪35‬‬
‫ي ‪.‬‬ ‫خار ّ‬‫مد بهاء الدين الب ُ َ‬ ‫النقشبندّية وهو مح ّ‬
‫دس‬ ‫م آتا ق ّ‬ ‫ت الحكي َ‬ ‫ة فرأي ُ‬ ‫ت ليل ً‬ ‫َنقل أّنه قال‪« :‬نم ُ‬
‫ك وهو يوصي‬ ‫سره‪ .‬وكان من أكابر مشائخ الت ّْر ِ‬
‫ش‬‫ت صورةُ الدروي ِ‬ ‫قي َ ْ‬
‫ت بَ ِ‬ ‫ما انتبه ُ‬ ‫شا‪ .‬فل ّ‬ ‫بي دروي ً‬
‫ت‬‫ة فقصص ُ‬ ‫في مخي َّلتي‪ .‬وكانت لي جدةٌ صالح ٌ‬
‫ت‪ :‬سيكون لك يا ولدي‬ ‫عليها هذه الرؤيا‪ ،‬فقال ْ‬
‫‪36‬‬
‫ب»‬ ‫ك نصي ٌ‬ ‫من مشائخ الت ّْر ِ‬
‫ت‬
‫ة ما قد تبن ّ ْ‬ ‫عب ُّر عن حقيق ِ‬ ‫إن هذه الكلمات‪ ،‬ت ُ َ‬ ‫ّ‬
‫ة‬
‫عب َْر تاريخها بصور ٍ‬ ‫ة التركّية َ‬ ‫هذه الطريق ُ‬
‫ع‬
‫قق ذلك‪ .‬وهو أن المجتم َ‬ ‫ة‪ ،‬وقد تح ّ‬ ‫خص ٍ‬‫مل ّ‬
‫ه في السلم منذ‬ ‫ة نظر ِ‬ ‫ي قد حدّدَ وجه َ‬ ‫الترك ّ‬
‫ل في تعاليم‬ ‫القديم بتفسيره الباطني المتمث ّ ِ‬
‫ي على وجه الخصوص‬ ‫هذا المذهب الصوف ّ‬
‫ه منهم‪،‬‬ ‫ه الل ُ‬ ‫م ُ‬
‫ص َ‬
‫ع َ‬
‫ن َ‬ ‫ي )إل ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫وبموقفه العصب ّ‬
‫ما هم!(‪.‬‬‫وقليل ّ‬
‫***‬

‫عَلى َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ذ ِ‬
‫ه ِ‬ ‫ت ال ِّتي طََرأ ْ‬
‫ت َ‬ ‫غي َّرا ُ‬
‫* الت ّ َ‬
‫ة‬ ‫ري َ‬
‫ق ِ‬ ‫الطّ ِ‬
‫ن تكون الطريقة النقشبندّية قد‬
‫عدُ أ ْ‬
‫إّنه ُيست َب ْ َ‬
‫مد بهاء الدين‬
‫اشتهرت بهذا السم في حياة مح ّ‬
‫راجع ترجمته في معجم المؤلفين‪ ،‬عمر رضاء كحالة‪ ،‬مؤسسة الرسالة الطبعة الولى‪.2/310 :‬‬ ‫‪34‬‬

‫راجع ترجمته في الفصل الرابع‪.‬‬ ‫‪35‬‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أج ّ‬


‫لء النقشبندّية ص‪ .129 /‬القاهرة ‪-‬‬ ‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪36‬‬
‫‪ 1308‬هـ‪.‬‬
‫‪34‬‬

‫ق‬
‫ن الطر َ‬ ‫ة‪ .‬ل ّ‬ ‫ب إليه الطريق ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ي اّلذي ت ُن ْ َ‬ ‫خار ّ‬ ‫الب ُ َ‬
‫سسيها بعد‬ ‫ة إنما ُتدعى بأسماء مؤ ّ‬ ‫الصوفي ّ َ‬
‫ة‪ .‬وهذا ُيعت َب َُر من جملة الشارات‬ ‫موتهم عاد ً‬
‫ة طرأت على‬ ‫ت عديد ٍ‬ ‫اّلتي ُتنبئ عن تغّيرا ٍ‬
‫ل في الوقت ذاته على‬ ‫الطريقة النقشبندّية‪ ،‬وتد ّ‬
‫ة‪ ،‬ل‬ ‫ص ً‬
‫ة والنقشبندّية خا ّ‬ ‫م ً‬
‫ة عا ّ‬ ‫ن الطرقَ الصوفي ّ َ‬ ‫أ ّ‬
‫ص من‬ ‫سها على نصو ٍ‬ ‫تقوم آداُبها وأركاُنها وطقو ُ‬
‫ل ومباد ُ‬
‫ئ‪،‬‬ ‫ن كانت لها أصو ٌ‬ ‫وإ ْ‬
‫الكتاب والسّنة‪ .‬بل َ‬
‫ع‬
‫صن ْ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫فإّنها في الحقيقة ليست إل ِ‬
‫ها على‬ ‫ضو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن اّلذين استطاعوا أ ْ‬ ‫حان ِّيي َ‬
‫الّرو َ‬
‫أتباعهم بحكم شهرتهم‪ .‬ثم اقتنع بها المريدون‬
‫ك لهم‪،‬‬ ‫ن حولهم فاّتخذوها مناس َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬
‫والمفتتنون ِ‬
‫ع الناس أّنها‬ ‫عا ِ‬ ‫ن َر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن معشٌر ِ‬ ‫وعملوا بها حّتى ظ ّ‬
‫ن‪.‬‬ ‫دي ِ‬ ‫ن من صميم ال ّ‬ ‫ض أو سن ٌ‬ ‫فرائ ُ‬
‫ل‬‫جا ٌ‬ ‫ر َ‬ ‫ة الطريقة ِ‬ ‫ثم لم يلبث أنْ توّلى رئاس َ‬
‫ه‬
‫روحانّيون آخرون‪ ،‬زادوا على ما اختلق ُ‬
‫ن من الداب والشروط‪ .‬فزادوا عليها‬ ‫السابقو َ‬
‫ت لهم أنفسهم‬ ‫تارة‪ ،‬وحذفوا منها تارة إذا زّين ْ‬
‫ذلك‪ .‬وهكذا جرت عادتهم من القديم إلى اليوم‪.‬‬
‫ج‬ ‫م ِ‬ ‫ه َ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫في نفو ِ‬ ‫فكان لهذه الداب أثٌر كبيٌر ِ‬
‫ت في‬ ‫ل شيوخ النقشبندّية بما اثار ْ‬ ‫حو َ‬ ‫ن َ‬ ‫في َ‬ ‫مل ْت َ ّ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ة‪،‬‬ ‫ريق ِ‬ ‫ق إلى هذه الطّ ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ش ْ‬‫عواطفهم من ال ّ‬
‫د من‬ ‫ب مزي ٍ‬ ‫جْز ِ‬ ‫و َ‬ ‫ها‪َ ،‬‬ ‫ة لَ َ‬‫عاي َ ِ‬‫ث الدّ َ‬ ‫م إلى ب ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫عت ْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ودَ َ‬ ‫َ‬
‫ن من‬ ‫س إليها‪ .‬فكلما استفاد الّروحانّيو َ‬ ‫ّ‬
‫الّنا ِ‬
‫ققوا‬ ‫ة وتح ّ‬ ‫حن ْك َ ً‬‫ة ما ابتدعوه‪ ،‬ازدادوا بذلك ُ‬ ‫حصيل ِ‬
‫ل بتكثيف الطقوس‬ ‫من أّنهم كّلما أشغلوا العقو َ‬
‫ة‬
‫هَر ً‬ ‫ش ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ة ومحب ّ ً‬ ‫ب ازدادوا هيب ً‬ ‫ن الدا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫والك َْثا‬
‫َ‬
‫ة‬
‫ق ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ر الطّ ِ‬ ‫وي ِ‬ ‫ة ت َطْ ِ‬‫ول َ َ‬‫حا َ‬‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م‪ .‬إل ّ أ ّ‬ ‫ه ْ‬‫صيت ُ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫هب َ ْ‬ ‫وذَ َ‬
‫ها‬
‫ست ْ َ‬ ‫ة إلى أخرى‪ ،‬وك َ َ‬ ‫ت مجراها من فتر ٍ‬ ‫غي َّر ْ‬ ‫هكذا َ‬ ‫َ‬
‫ت بها إلى ما هي عليها‬ ‫حّتى وصل ْ‬ ‫دا َ‬ ‫سا جدي ً‬ ‫لبا ً‬
‫اليوم‪.‬‬
‫‪35‬‬

‫وجدير بالشارة أّنه ل يتأّتى ذلك إل لمن يمتاز‬


‫بالمهارة والّلباقة في إقناع النفوس ويملك‬
‫كن من إلقاء هيبته ومحّبته في‬ ‫زمام اللف فيتم ّ‬
‫غا ليتساءلوا عن‬ ‫قلوبهم‪ ،‬بحيث ل يجدون مسا ً‬
‫حقيقة هذه المستحدثات والبدع؛ وهل لها‬
‫ن ِلبعض شيوخ‬ ‫أساس من الدين أم ل؟ إذ أ ّ‬
‫الطريقة فنوًنا من الحيل يسحرون بها حّتى‬
‫عقول العلماء‪ ،‬فضل ً عن الجهلء؛ كما قد نجحوا‬
‫ي‪ 37‬بالرغم‬ ‫في الستيلء على الشريف الجرجان ّ‬
‫وكذلك ابن عابدين‬ ‫من باعه الطويل في العلوم‪َ ،‬‬
‫ن هذه الصفة ل تشمل‬ ‫م(‪ ،‬إل ّ أ ّ‬‫)فقيه بلد الشا ِ‬
‫ضا آخر منهم لم‬ ‫ن بع ً‬ ‫جميع شيوخ الصوفّية‪ .‬بل إ ّ‬
‫وروها لحظة‬ ‫يعرفوا الخدعة في حياتهم ولم يتص ّ‬
‫ي‬‫ما فيهم من السمو الروح ّ‬ ‫‪ -‬ليس ذلك ل ِ َ‬
‫ة‪ ،‬والسلوك الرفيع‪ ،‬بل –‬ ‫ق العالي ِ‬ ‫والخل ِ‬
‫ي»‬‫ق الله ّ‬ ‫مونه «العش َ‬ ‫لستغراقهم فيما يس ّ‬
‫ن رآهم من‬ ‫م ْ‬ ‫وربما هي حالة من الجنون‪ .‬لذلك َ‬
‫ن ذوي العاطفة‪ ،‬أعجب بهم‪ ،‬واغتّر‬ ‫م ْ‬ ‫الجهلة‪ ،‬أو ِ‬
‫شف‪ ،‬والعزلة عن‬ ‫بما هم فيه من الغياب والتق ّ‬
‫ن‬
‫س‪ ،‬والشعوذة‪ ،‬وإهمال أمور الدنيا‪ .‬فظ ّ‬ ‫النا ِ‬
‫صته‪،‬‬ ‫جبون بهم أّنهم أولياء الله وخا ّ‬ ‫المع ِ‬
‫فة والقناعة وعّزة النفس‪،‬‬ ‫ع ّ‬‫ووصفوهم بال ِ‬
‫فبالغوا في توقيرهم وتعظيمهم‪ ،‬حّتى أسندوا‬
‫إليهم ما لم يكن فيهم من الفضائل والبركة‬
‫ل ذلك من جهل الناس بمفهوم‬ ‫والكرامة‪ .‬ك ّ‬
‫ما في الحقيقة فليس لهما‬ ‫وى‪ .‬أ ّ‬ ‫ق َ‬‫والت ّ ْ‬‫د َ‬ ‫ه ِ‬‫الّز ْ‬
‫صلة بالعزلة من الناس‪ ،‬وإهمال أمور الدنيا‪،‬‬
‫ت الجنون اّلتي يصفها العامة بالستغراق‬ ‫وحال ِ‬
‫صة فان أكثر شيوخ الطريقة‬ ‫ي‪ .‬خا ّ‬ ‫والعشق الله ّ‬
‫النقشبندّية يّتصفون بالطبيعة الجامدة‪ ،‬والصمت‬
‫الطويل‪ ،‬والمسكنة والطأطأة‪ .‬تلك عادتهم‬
‫ن‬‫فا عن سلف‪ .‬ل ّ‬ ‫تسري فيهم عبر الجيال خل ً‬
‫صته‬‫ة من بين خا ّ‬ ‫ن يختار لـه خليف ً‬ ‫من أراد منهم أ ْ‬
‫راجع ترجمته في معجم المؤلفين‪ ،‬عمر رضاء كحالة‪ ،‬مؤسسة الرسالة الطبعة الولى‪.2/515 :‬‬ ‫‪37‬‬
‫‪36‬‬

‫ما من‬ ‫آثر منهم المتمّيز بالصفات المذكورة‪ .‬أ ّ‬


‫ظ لـه من‬ ‫كان على نقيض تلك الصفات فل ح ّ‬
‫هذه الفرصة غالًبا‪ .‬وهذا ما قد أفضى إلى‬
‫اغترار كثير من جهلة الناس بالمظاهر التقليدّية‬
‫ت‬
‫س ْ‬‫للشيوخ النقشبندّية‪ .‬فهابوهم حّتى ال ْت َب َ َ‬
‫عليهم تلك الصورة الجامدة بالوقار والسكينة‪.‬‬
‫س عليهم الحق بالباطل لستسلمهم‬ ‫كما َ ال ْت َب َ َ‬
‫م من‬ ‫ه ْ‬
‫ع ُ‬‫م َ‬‫س ْ‬‫ع َ‬ ‫ل ما َ‬
‫قَر َ‬ ‫لهذا التأثير‪ ،‬واقتناعهم بك ّ‬
‫م‪ .‬وهذا ما زاد في‬ ‫ه ْ‬‫عب َل َت ِ ِ‬
‫خَز ْ‬
‫هفوات الشيوخ و ُ‬
‫ن حّتى تصّرفوا في أمور‬ ‫حان ِّيي َ‬
‫جرأة الّرو َ‬
‫طريقتهم بالذات‪ ،‬كما تصّرفوا في تعاليم‬
‫السلم بالتأويل والتحريف‪.‬‬

‫ن الطريقة النقشبندّية تعّرضت‬ ‫ومما يؤ ّ‬


‫كد أ ّ‬
‫للعبث )– وكل ما فيها لون من ألوان العبث ‪،-‬‬
‫فزيدت فيها شعارات ومقولت وتفسيرات‬
‫ددت فيها هرطقات وبدع ومستحدثات مع‬ ‫وتع ّ‬
‫ء‬
‫ة إلى أخرى بأسما ٍ‬ ‫مت من ُبره ٍ‬ ‫الزمان(؛ أنها تس ّ‬
‫ل من أكابر‬ ‫ة كما يشهد على ذلك رج ٌ‬ ‫مختلف ٍ‬
‫مد بن عبد الله‬ ‫خرين لهذه الطريقة وهو مح ّ‬ ‫المتأ ّ‬
‫ي‪ 38‬مؤّلف كتاب «البهجة السنّية في آداب‬ ‫الخان ّ‬
‫ف بهذه‬‫قّر المؤل ّ ُ‬‫الطريقة النقشبندّية»‪ .‬ي ُ ِ‬
‫الحقيقة مستدل ّ بعبارة نقلها من كتا ِ‬
‫ب‬
‫«الحديقة الندّية في آداب الطريقة النقشبندّية»‬
‫مد بن سليمان بن مراد بن عبد‬ ‫لمؤّلفه مح ّ‬
‫ل هذا‬ ‫ي‪ 39‬جاء في مسته ّ‬ ‫ي البغداد ّ‬ ‫الرحمن العبيد ّ‬
‫ن ألقاب السلسلة تختلف‬ ‫المقطع‪ « :‬اعلم أ ّ‬
‫‪40‬‬
‫باختلف القرون‪...‬إلخ» فبلغ ما ذكره المؤلفان‬
‫عب َْر القرون إلى‬ ‫من هذه اللقاب اّلتي اختلفت َ‬
‫المصدر السابق ‪.3/460‬‬ ‫‪38‬‬

‫‪3/331‬‬ ‫المصدر السابق‬ ‫‪39‬‬

‫راجع المصادر التية‪:‬‬ ‫‪40‬‬


‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية ص‪ .12 /‬طبعة مصر ‪ 1241 -‬هـ‪.‬‬
‫مد بن عبدلله الخان ّ‬
‫* مح ّ‬
‫ي‪ ،‬الحديقة الندّية في الطريقة النقشبندّية ص‪ .23 ،22 /‬مكتبة الحقيقة‪ ،‬إسطنبول‪-‬‬
‫مد بن سليمان البغداد ّ‬
‫* مح ّ‬
‫‪.1992‬‬
‫‪37‬‬

‫ة‪،‬‬‫قي ّ ُ‬
‫دي ِ‬‫ص ّ‬
‫ة وهي‪ :‬ال ّ‬ ‫ء متباين ٍ‬ ‫ة أسما ٍ‬ ‫ثماني ِ‬
‫والنقشبندّية‪،‬‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫ج َ‬
‫گان ِي ّ ُ‬ ‫وا َ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫خ َ‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫ري ّ ُ‬ ‫والطّي ْ ُ‬
‫فو ِ‬ ‫َ‬
‫والخالدّية‪.‬‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ظ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ية‪،‬‬ ‫دد‬ ‫والمج‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫را‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫وا‬
‫َ ِ ّ ِ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ومن اختلق بعض الشيوخ في هذه الطريقة‪:‬‬
‫قدات‬ ‫ة من المفاهيم والمعت َ‬ ‫أنهم استحدثوا جمل ً‬
‫اّلتي جعلت من هذه الطريقة ديًنا مستقل ً عن‬
‫ة‪،‬‬ ‫ج َ‬
‫گان ِي ّ ُ‬ ‫وا َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫خ َ‬ ‫وال ْ َ‬
‫خت ْ ُ‬ ‫السلم‪ ،‬وهي الرابطة‪َ ،‬‬
‫س(‪ ،‬وعدّ الوراد‬ ‫ف ِ‬ ‫س الن ّ َ‬
‫حب ْ ِ‬ ‫ع َ‬
‫م َ‬
‫ر) َ‬ ‫ة ال ّ‬
‫ذك ِ‬ ‫وبدع ُ‬
‫ة‪ ،‬وملحظة الصورة‬ ‫بالحصى وبإعداٍد معين ٍ‬
‫الفتوغرافية لشيخ الطريقة‪ ،‬والتصال بموتى‬
‫‪41‬‬
‫ض من‬ ‫سية» وبع ٌ‬ ‫مونه «الو ِ‬ ‫الروحانّيين ما يس ّ‬
‫‪42‬‬
‫ت‬ ‫ورا ٌ‬ ‫آداب المريد مع شيخه عندهم ‪.‬وتص ّ‬
‫ة استورثوها من الديان السالفة‪،‬‬ ‫فلسفي ٌ‬
‫عب َْر القرون؛ كفكرة‬ ‫فقّرروها شيًئا فشيًئا َ‬
‫«وحدة الوجود» و«وحدة الشهود» والحلول‬
‫ص ٌ‬
‫ل‬ ‫والتحاد والفناء والبقاء؛ وغيره كثير ومف ّ‬
‫ر وتحليلها‬ ‫في كتبهم كما سيأتي شرح هذه المو ِ‬
‫ن شاء الله‪.‬‬ ‫في الفصول التية إ ْ‬
‫ل ذلك‪ ،‬وضعوه لتمكين هيبة الشيخ في‬ ‫وك ّ‬
‫نفوس الناس من المريدين وغيرهم‪ ،‬لتذ ّ‬
‫ل لـه‬
‫رقابهم‪ ،‬وتخشع لعظمته قلوبهم؛ على أّنه ينوب‬
‫عن الله في أرضه‪ ،‬ويتصّرف في ملكه وخلقه‪،‬‬
‫م ل يكادون‬ ‫حّتى أصبح كثير من الجهلة العوا ّ‬
‫وط ويمارس‬ ‫ضا يبول ويتغ ّ‬ ‫ن الشيخ أي ً‬
‫دقون أ ّ‬‫يص ّ‬
‫الجنس كأحد من الناس‪.‬‬
‫***‬

‫ي‪ ،‬عدد ‪ .1‬ص‪ .725 ،723 ،709 /‬بغداد ‪-‬‬


‫ي‪ ،‬مجلة المجمع العلمي الكرد ّ‬
‫ي‪ ،‬مولنا خالد النقشبند ّ‬
‫* عباس العّزاو ّ‬
‫‪.1973‬‬

‫راجع الفصل الثالث‪ ،‬باب الويسية‪.‬‬ ‫‪41‬‬

‫راجع الفصل الثاني‪ ،‬باب آداب المريد مع شيخه‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫‪38‬‬

‫* المناطق اّلتي انتشرت فيها الطريقة‬


‫النقشبندّية ودواعي انتشارها‪.‬‬
‫ي‬
‫م الناس من أ ّ‬ ‫تحظ باهتما َ‬ ‫َ‬ ‫ن هذه الطريقة لم‬ ‫إ ّ‬
‫ت من‬‫ب في أرض السلم بالقدر اّلذي نال ْ‬ ‫شع ٍ‬
‫القبال بين التراك‪ .‬ول عجب أنهم مختلقوها‬
‫ومؤّيدوها منذ البداية إلى اليوم‪ .‬فانتشرت في‬
‫م‪ ،‬واستحكم فيها‬ ‫ه ْ‬
‫م ُ‬ ‫المناطق اّلتي قام فيها ُ‬
‫حك ْ ُ‬
‫م بعد انهيار الدولة العّباسية وظهور‬ ‫ه ْ‬ ‫سل ْ َ‬
‫طان ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫السلجقة التراك على مسرح التاريخ‪.‬‬

‫دها‬
‫ي في رسالة أع ّ‬ ‫يقول الشيخ قسيم الك ُ ْ‬
‫فَرو ّ‬
‫بالّلغة التركّية تحت عنوان «النقشبندّية ظهورها‬
‫وانتشارها»‪ 43‬وكان الشيخ قسيم هذا‪ ،‬من أعلم‬
‫ن ومن أشهر مشائخ هذه الطائفة في‬ ‫في َ‬‫ق ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مث َ ّ‬
‫ن القدماء من‬ ‫تركيا‪ .‬يقول في افتتاحية كتابه‪« :‬إ ّ‬
‫شيوخ النقشبندّية كانوا من أهالي تركستان وما‬
‫ت هذه المنطقة‬ ‫وراء النهر‪ .‬ولذلك تسّربت عادا ُ‬
‫دها إلى الطريقة النقشبندّية»‪.‬‬ ‫وتقالي ُ‬
‫فإذا أنعمنا النظَر في هذا المقال وجدنا فيه‬
‫ة بالدراسة والتحليل‪.‬‬
‫ة وجدير ٍ‬
‫م ٍ‬
‫ط ها ّ‬ ‫ث نِ َ‬
‫قا ٍ‬ ‫ثل َ‬

‫النقطة الولى‪ :‬كون الطليعة من رجال هذه‬


‫النحلة قد ظهروا في منطقة تركستان وهو‬
‫ي للتراك‪.‬‬
‫الموطن الصل ّ‬
‫ت الكثيَر‬ ‫ص ِ‬
‫ن الطريقة قد امت ّ‬ ‫والنقطة الثانية‪ :‬أ ّ‬
‫ة‬ ‫من مخّلفات الديان والعادات والتقاليد المت ّب َ َ‬
‫ع ِ‬
‫عب َْر القرون‪.‬‬
‫في هذه المناطق َ‬

‫‪Kasım Kufralı, Nakşibendiliğin Kuruluşu ve Yayılışı (Intiodaction) Türkiyat Enst. no. 337 Istanbul-1949‬‬ ‫‪43‬‬
‫‪39‬‬

‫ن الطريقة قد انتشرت في‬ ‫والنقطة الثالثة‪ :‬أ ّ‬


‫سها بحكم‬
‫ة نف ِ‬
‫ة المنطق ِ‬‫الوهلة الولى على ساح ِ‬
‫ها في تلك النواحي‪.‬‬ ‫س َ‬
‫س ِ‬
‫ظهور مؤ ّ‬
‫ن الطريقة النقشبندّية‬ ‫أن نقول إ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ذا‪ ،‬نستطيع‬ ‫إ ً‬
‫ي‬‫سعها من الموطن الصل ّ‬ ‫قد بدأت في تو ّ‬
‫للتراك منذ أّيام ظهورها‪ .‬ثم انتشرت في ك ّ‬
‫ل‬
‫ة من بلد ما وراء‬ ‫ساحة قام عليها حكمهم بداي ً‬
‫سان‪ ،‬فمروًرا بالمناطق الهندّية‪ .‬ثم‬ ‫خَرا َ‬
‫النهر‪ ،‬و ُ‬
‫ة‬
‫ل مّر ٍ‬ ‫و ِ‬
‫بعد تقدّم ِ السلجقة إلى الناضول ل ّ‬
‫ها إلى هذه الرض اّلتي‬ ‫ه َ‬‫ة وج َ‬ ‫ت الطريق ُ‬ ‫م ْ‬
‫م َ‬
‫يَ ّ‬
‫ة‬
‫ك فيها وأقاموا عليها الدول َ‬ ‫إستقّر الترا ُ‬
‫ة بني سلجوق‪.‬‬ ‫ت دول ُ‬ ‫ن زال ْ‬‫العثمانّية بعد أ ْ‬
‫ن‬
‫جاء في بعض المصادر للباحثين التراك أ ّ‬
‫ة‬
‫ول مر ٍ‬ ‫الشيخ عبد الله اللهي هو اّلذي قام ل ّ‬
‫بنشر الطريقة النقشبندّية في المملكة العثمانّية‬
‫ما بين ‪1512-1481‬م‪ .‬وقام بمحاولة التأليف بين‬
‫الطريقة النقشبندّية والطريقة الملمّية وعاش‬
‫في عهد السلطان بايزيد الثاني بن السلطان‬
‫حي ْدَْر َباَبا في نشر هذه‬‫م تابعه َ‬
‫مد الفاتح‪ ،‬ث ّ‬ ‫مح ّ‬
‫م السلطان سليمان القانوني‪ .‬مع‬ ‫الطريقة أّيا َ‬
‫هذا يقول الدكتور رشاد أونگوران‪« ،‬لقد كان من‬
‫ن الطريقة‬ ‫المعروف ‪ -‬إلى الونة الخيرة ‪ :-‬أ ّ‬
‫ة‬
‫ول مر ٍ‬ ‫ة آناضول ل ّ‬ ‫النقشبندّية دخلت منطق َ‬
‫ضا؛‬‫مل ّ إلهي‪ 44،‬كما كان من المعروف أي ً‬ ‫على يد ُ‬
‫ة للنقشبندّيين في هذه الساحة هي‬ ‫ول تكي ٍ‬ ‫نأ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫و من ضواحي مدينة‬ ‫سيما ْ‬
‫ت في ِ‬ ‫اّلتي ُبني ْ‬
‫ن حسين حسام الدين أفندي‬ ‫هّية؛ إل ّ أ ّ‬ ‫دا ِ‬ ‫الك ُ َ‬
‫ن‬‫ل في تاريخه أ ّ‬ ‫ج َ‬
‫المعروف بعبدي ذاده قد س ّ‬
‫ة للنقشبندّيين في البلد العثمانّية هي‬ ‫ول تكي ٍ‬ ‫أ ّ‬
‫ت في مدينة آماسيا عام ‪1405-1404‬م‪.‬‬ ‫اّلتي ُبني ْ‬

‫ة الحرار في الفصل الرابع‪ ،‬الحلقة الثامنة عشرة من سلسلة‬


‫هو خليفة عبيد الله الحرار‪ .‬راجع ترجم َ‬ ‫‪44‬‬
‫الطريقة النقشبندّية‪.‬‬
‫‪40‬‬

‫ب‬ ‫باسم تكّية محمود شلبي؛ واحت ّ‬


‫ل منص َ‬
‫ة في هذه التكية الخواجه ركن‬‫ول مر ٍ‬ ‫المشيخة ل ّ‬
‫ي اّلذي كان من خلفاء شاه‬
‫خار ّ‬‫الدين محمود الب ُ َ‬
‫‪45‬‬
‫نقشبند»‬

‫على الرغم من دقّة أسلوب الباحث رشاد‬


‫دعي فيها ما‬
‫ت لـه ي ّ‬
‫أونگوران‪ ،‬فقد وردت كلما ٌ‬
‫ل ما جاء على‬‫ك من حقيقة ك ّ‬‫دي إلى الش ّ‬
‫يؤ ّ‬
‫لسانه حول الطريقة النقشبندّية‪ .‬وهذه كلماته‪:‬‬

‫ن الطريقة النقشبندّية اّلتي أ ّ‬


‫سسها الشيخ‬ ‫«إ ّ‬
‫ل‪ ،‬تتصل عن‬‫بهاء الدين نقشبند‪ ،‬لها سلس ُ‬
‫‪46‬‬
‫ي»‬‫ر وعل ّ‬
‫طريقها بأبي بك ٍ‬
‫دعاء الجريء إلى‬ ‫يستند الدكتور رشاد في هذا ال ّ‬
‫د‬
‫خرين؛ وهي في ح ّ‬ ‫ع من كتب المتأ ّ‬
‫ة مراج َ‬‫أربع ِ‬
‫ة من القيمة العلمّية في مثل هذا‬ ‫ذاِتها خالي ٌ‬
‫السناد‪ .‬وبالنسبة لمزعمة «سلسلة السادات»‪،‬‬
‫ن شاء الله‬
‫فسنشرحها في بداية الفصل الرابع إ ْ‬
‫تعالى‪.‬‬

‫ة‬‫ورد في «موسوعة إسطنبول»‪ - 47‬ماد ِ‬


‫ب في‬ ‫ت تد ّ‬ ‫ة بدأ ْ‬ ‫ن هذه الطريق َ‬ ‫النقشبندّية ‪ -‬أ ّ‬
‫ي منذ أواخر عهد‬ ‫صفوف المجتمع العثمان ّ‬
‫ه‬
‫ب هذ ِ‬ ‫مد الفاتح‪ .‬واستقى َ‬
‫كات ِ ُ‬ ‫السلطان مح ّ‬
‫ب اسمه‪Otman Baba:‬‬ ‫ة أكرم إيشن‪ ،‬من كتا ٍ‬ ‫المادّ ِ‬
‫‪ .Velâyetnâmesi‬وأفاد فيه أّنه كانت للنقشبندّيين‬
‫ي )وهي‬ ‫سَرا ْ‬ ‫ة بمدينة آقْ َ‬ ‫في تلك المرحلة تكي ّ ٌ‬
‫ة من مدينة‬ ‫في أواسط آناضول على مقرب ٍ‬
‫ي‬
‫قونية(؛ ولكنه يعترف في الوقت ذاته بعدم أ ّ‬
‫ت الولى للطائفة‬ ‫شا َ‬
‫طا ِ‬ ‫معلومات ت ُذَك ُّر الن ّ َ‬
‫النقشبندّية على الساحة العثمانّية‪.‬‬
‫‪Dr. Reşat Öngören, XVI. Asırda Anadolu’da Tasavvuf: TDV. İSAM. TEZ 297.7‬‬ ‫‪45‬‬

‫المصدر السابق ص‪.88/‬‬ ‫‪46‬‬

‫‪Dünden Bugüne İstanbul Ansiklopedisi‬‬ ‫‪47‬‬


‫‪41‬‬

‫ن السلطان‬ ‫كذلك ورد في نفس الموسوعة أ ّ‬


‫ّ‬
‫م بالنقشبندّيين الذين‬ ‫مدًا الفاتح «إّنما اهت ّ‬‫مح ّ‬
‫م‪ ،‬وقام‬
‫ه ْ‬ ‫ماي َت َ ُ‬‫ح َ‬‫ه‪ ،‬وتوّلى ِ‬ ‫ج مملكت ِ ِ‬
‫كانوا يومئذ خار َ‬
‫بدعوة بعض مشاهيرهم من أمثال نور الدين عبد‬
‫كن بذلك‬‫الرحمن الجامي وعبيد الله الحرار‪ ،‬ليتم ّ‬
‫من الوقوف أمام تهديدات الشيعة اليرانيين‪»...‬‬
‫ن التراك‪.‬‬ ‫سن ّّيي َ‬ ‫عا لنتشار عقائدهم بين ال ّ‬ ‫وَردْ ً‬ ‫َ‬
‫قُر من الشيعة‬ ‫ي المحت ِ‬ ‫كما يبدو موقفه السلب ّ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫غيظَ ُ‬ ‫ده «با يزيد»‪ ،‬ذلك ل ِي ُ ِ‬ ‫من تسميته ول َ‬
‫ح مشاعرهم!‬ ‫جَر َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫نفهم من عبارات الكاتب أكرم إيشن في هذه‬
‫ن الطريقة النقشبندّية لم تتجاوز‬ ‫الموسوعة أ ّ‬
‫حدود العاصمة العثمانّية )اسطنبول( في‬
‫مراحلها الولى وحّتى ظهور الخالدّيين‪ .‬ومهما‬
‫ء من آثار هذا الت ّّيار‬
‫ل شي ٍ‬‫و َ‬‫نأ ّ‬‫ت‪ ،‬فإ ّ‬‫كان ْ‬
‫ي بمدينة إسطنبول تعود إلى جهود عبد‬ ‫الصوف ّ‬
‫الله اللهي وخلفائه الخمسة وهم‪ :‬أحمد‬
‫ولطف الله السكوبي‪،‬‬ ‫وعابد شلبي‪َ ،‬‬ ‫ي‪َ ،‬‬ ‫خار ّ‬
‫الب ُ َ‬
‫ومصلح الدين الطويل‪...‬‬ ‫وبدر الدين بابا‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫ب هذه‬ ‫حب ّ َ‬
‫ن يُ َ‬
‫لقد استطاع مصلح الدين الطويل أ ْ‬
‫ة إلى السلطان أبي يزيد بن السلطان‬ ‫الطريق َ‬
‫ف فيما بعد بلقب‬ ‫ر َ‬ ‫مد الفاتح اّلذي ُ‬
‫ع ِ‬ ‫مح ّ‬
‫ي»؛ وبذل عابد شلبي‬ ‫ي أبي يزيد ال ْ َ‬
‫ول ِ ّ‬ ‫«الصوف ّ‬
‫جهودَهُ في سبيل التأليف بين الطريقَتين‬
‫خ دعائم‬ ‫ة‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫ن ترسي َ‬ ‫ول َ ِ‬
‫وي ّ ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫النقشبندّية َ‬
‫الطريقة النقشبندّية الحرارية بمدينة إسطنبول‬
‫ي‬
‫خار ّ‬‫قق بجهود أحمد الب ُ َ‬ ‫في تلك المرحلة إنما تح ّ‬
‫عت َب َُر من أبرز خلفاء عبد الله اللهي‪ .‬وهو‬ ‫اّلذي ي ُ ْ‬
‫أصل ً زميله ورفيقه اّلذي سافر معه إلى سمرقند‬
‫وانخرط في سلك هذه الفرقة معه؛ ولكن يبدو‬
‫ن عبيد الله الحرار قد أخضعه لوامر عبد الله‬ ‫أ ّ‬
‫ي عندما كّلفهما بنشر طريقته في‬ ‫الله ّ‬
‫‪42‬‬

‫ي على‬
‫إسطنبول‪ .‬فلما عزم عبد الله الله ّ‬
‫السفر إلى المناطق الغربّية من المملكة‬
‫العثمانّية لنشر الطريقة استخلفه في‬
‫إسطنبول‪.‬‬

‫دخلت الطريقة النقشبندّية في لباس جديد‬


‫ددّية» إلى إسطنبول بدللة‬ ‫وتحت اسم «المج ّ‬
‫رجل مشلول الساقين اسمه مراد بن علي بن‬
‫ي‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ي؛ كان من خلفاء معصوم الفاروق ّ‬ ‫داود الْزب ًك ِ ّ‬
‫على الرغم من الشلل اّلذي كان قد أصابه منذ‬
‫م العواصم‬ ‫ة وطاف أه ّ‬
‫ت طويل ٍ‬‫طفولته قام برحل ٍ‬
‫ية مات في إسطنبول عام ‪1720‬‬ ‫من البلد السلم ّ‬
‫من الميلد‪.‬‬

‫***‬

‫ما دواعي انتشار هذه الطريقة؛ فهي أمور‬ ‫أ ّ‬


‫ن هذه‬‫مها‪ ،‬أ ّ‬ ‫دا؛ فمن أه ّ‬ ‫مثيرة للستغراب ج ّ‬
‫ق الصوفّية بآدابها‬ ‫فَر ِ‬ ‫النحلة تتمّيز من سائر ال ِ‬
‫سه‬‫ل من يملك نف َ‬ ‫ق ّ‬ ‫وأركانها وطقوسها اّلتي َ‬
‫من موالِتها بعد ممارسته لهذه الداب‪ .‬لّنها‬
‫صة إذا‬‫قا لحدّ لـه‪ ،‬خا ّ‬ ‫تبعث في قلب المبتدئ شو ً‬
‫كان قليل الثقافة‪ ،‬عاطفّيا‪ ،‬ضعيف المنطق‪،‬‬
‫ة؛ كما إذا كان‬ ‫متخّلف العقلّية‪ ،‬أو يعاني مشكل ً‬
‫درات‪ ،‬أو‬‫مني الكحول والمخ ّ‬ ‫مدْ ِ‬
‫مهجوًرا‪ ،‬أو من ُ‬
‫أصابته نكبة؛ سرعان ما ينجذب إلى هذه‬
‫الطريقة ويجد في رحابها ما يسّليه ويخفف من‬
‫كربه وآلمه‪ .‬فينخرط في سلكهم‪ .‬ومنهم من‬
‫تأخذه الحيرة والعجاب‪ ،‬فينبهر بما يشهد من‬
‫توقير المريدين وإجللهم لشيخ الطائفة‬
‫وتفانيهم في سبيله واستعدادهم الكيد لتحقيق‬
‫ة منه‪ ،‬فيتابع أنفاسه عندما‬ ‫أوامره بأدنى إشار ٍ‬
‫صة‬‫ل في هيئته الخا ّ‬ ‫قب ِ ُ‬ ‫يقابل شيخ الجماعة وهو ي ُ ْ‬
‫ر‪ ،‬كأّنه يهبط من‬ ‫ح ِ‬‫سا ِ‬‫ي ال ّ‬ ‫ومظهره «الّنوَران ّ‬
‫ة من الّنور الخضر يتلل في‬ ‫السماء بأجنح ٍ‬
‫‪43‬‬

‫موكب من الملئكة‪ ،‬فيتجّلى في صورة لطيفة‬


‫د من جمهور أولئك‬ ‫ة لك ّ‬
‫ل واح ٍ‬ ‫س ٍ‬ ‫م َ‬
‫قدّ َ‬ ‫ة ُ‬
‫عان ِي ّ ٍ‬
‫ش َ‬‫ع َ‬ ‫َ‬
‫ش ْ‬
‫ه» المفتتنين به من فقراء‬ ‫فين من حول ِ ِ‬ ‫الحا ّ‬
‫العلم والمعرفة الحيارى‪،‬‬

‫لذا‪ ،‬لم ينضم إلى هذه الطائفة أحد من أصحاب‬


‫الشخصية الهزيلة والرأي الضعيف‪ ،‬إل ورضي‬
‫بالخضوع والعبودية والتذّلل والفناء لشيوخها‪.‬‬
‫ه من‬‫ورهم ول قلب ُ‬‫ه يخلو من تص ّ‬ ‫فل يكاد ذهن ُ‬
‫ه من ذكرهم‪ ،‬فينبهر لعظمتهم‬ ‫محّبتهم‪ ،‬ول لسان ُ‬
‫ه حّتى يراهم في درجة النبياء‬ ‫الموهومة عقل ُ ُ‬
‫م‪ ،‬ويقشعّر جلده عند‬ ‫ه ْ‬‫مت ِ ِ‬
‫م ِبها َ‬
‫س ُ‬‫والمرسلين وُيق ِ‬
‫ذكر أسمائهم مع يقينه الكامل بهم أّنهم ينوبون‬
‫عن الله في أرضه ويتصّرفون في ملكه وخلقه‪.‬‬
‫تعالى رّبنا عما يصفه الفاسقون‪.‬‬

‫مة التراك ومن‬ ‫ومن أسباب انتشارها‪ ،‬جه ُ‬


‫ل عا ّ‬
‫ة العرب اّلذين يقطنون‬ ‫يليهم من الكراد‪ ،‬وحثال ِ‬
‫في المنطقة الجنوبيّة من تركيا‪ .‬جهُلهم بلغة‬
‫القرآن‪ ،‬وجهُلهم بحقيقة التوحيد ومخاطر‬
‫الشرك‪.‬‬

‫ومن أسباب انتشارها‪ ،‬العصبّية القومّية اّلتي‬


‫صل َ ٍ‬
‫ة‬ ‫ت إلى العرب ب ِ ِ‬ ‫ل ما يم ّ‬ ‫تتمّثل في احتقار ك ّ‬
‫ت‬‫عاَيا ِ‬
‫ة للدّ َ‬‫ه؛ كنتيج ٍ‬ ‫ر أو اتجا ٍ‬‫ة أو مظه ٍ‬ ‫عادَ ٍ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ِ‬
‫دامة التي قام ول يزال يقوم بها‬ ‫ّ‬ ‫الكثيرة اله ّ‬
‫ما‪ ،‬مما‬ ‫يهود سالونيك منذ مائة وخمسين عا ً‬
‫قفين على‬ ‫جع كثيًرا من رجال السياسة والمث ّ‬ ‫ش ّ‬
‫إثارة تتريك الدين السلمي بين الفينة والخرى‪،‬‬
‫ن السلم اّلذي تدين به‬ ‫وتضليل الناس بأ ّ‬
‫ت‪ ،‬ل‬‫ي بح ٌ‬ ‫ن عرب ّ‬‫ة إنما هو دي ٌ‬ ‫ة السن ّي ّ ُ‬ ‫الكثري ُ‬
‫ي‪.48‬‬ ‫يفهمه ول يطمئن إليه أبناء الشعب الترك ّ‬

‫الهامش‪32/‬‬ ‫‪ 48‬أنظر‪:‬‬
‫‪44‬‬

‫إن هذه المؤامرات الخطيرة في الحقيقة وإن لم‬ ‫ّ‬


‫تكن للنقشبندّيين بها علقة مباشرة‪ ،‬ولكن‬
‫حَياك َِتهَا‪ ،‬يستغّلون‬
‫اّلذين يبذلون جهودهم في ِ‬
‫ما في اكتساب القوة والهيمنة‬ ‫هذه الطائفة دائ ً‬
‫لتوجيه الشعب وترويضه على سبل المروق‪،‬‬
‫ما‪.‬‬
‫وسلخه عن السلم تما ً‬
‫دا كبيًرا من الشخصّيات‬ ‫ن عد ً‬ ‫ول يخفى أ ّ‬
‫السياسّية ورؤساء الحزاب‪ ،‬يستعرضون مكرهم‬
‫في مواسم النتخابات لستمالة مشائخ الطريقة‬
‫النقشبندّية كي ينالوا مساعدتهم وتأييدهم في‬
‫اغتصاب الحكم واحتلل المناصب؛ وليتم ّ‬
‫كنوا‬
‫بذلك من توجيه الشعب وترويضه واستخدامه ضدّ‬
‫السلم والمسلمين‪ .‬لّنهم ل يجدون لتحقيق‬
‫ل إل عند‬ ‫ل ورجا ٍ‬‫أهدافهم ما يحتاجون إليه من ما ٍ‬
‫شيوخ الطريقة النقشبندّية‪ .‬ولهذا يعملون على‬
‫ن يمكن التعاون معه من هؤلء‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫صي ِ‬
‫ة ِ‬ ‫إشاع ِ‬
‫الشيوخ‪ .‬ول يتكّلف الجانبان من ثمن هذا‬
‫التعاون‪ ،‬سوى ما ينفقه السياسيون في سبيل‬
‫ة للشيخ‪ ،‬فيتواطأ معهم عدد من رجال‬ ‫عاي َ ِ‬
‫الدّ َ‬
‫العمل الثرياء‪ُ ،‬يذيعون شهرته في المجالس‬
‫والمحافل بوسائل مختلفة‪ .‬ويستخدمون في‬
‫م من رجال الخطابة والكتابة‪.‬‬ ‫غائ َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫هذه الحملة ب ُل َ َ‬
‫فما يلبث حّتى تزدحم القوافل في الطرق‬
‫ف الساق بالساق في‬ ‫ه وتلت ّ‬‫المؤدية إلى تكي ّت ِ ِ‬
‫سباق التبرك بتقبيل «اليد المباركة الناعمة اّلتي‬
‫ل عظم فيها» ‪ -‬على حدّ زعمهم ‪.-‬‬

‫خا في‬ ‫م شي ً‬‫فبحكم الطبع‪ ،‬ل يزور أحد من العوا ّ‬


‫ل واحد‬‫هف ك ّ‬ ‫فا يتل ّ‬‫تلك الزحمة اّلتي يرى فيها آل ً‬
‫ت به نفسه‪،‬‬ ‫عل ِ َ‬
‫ق ْ‬ ‫س يده بشفتيه إل َ‬‫منهم ليم ّ‬
‫ت إليه عواطفه‪ ،‬وامتل بمحبته قلبه‪ ،‬فكاد‬ ‫ونزع ْ‬
‫ت ُيصيبه‪.‬‬ ‫ة مق ٍ‬
‫ن يسجد لـه لول مخاف َ‬‫أ ْ‬
‫‪45‬‬

‫يرجع السبب في ذلك إلى ما ذكرنا آنفا من‬


‫ذابة اّلتي يتراءى الشيخ فيها‬ ‫المظاهر الخ ّ‬
‫لبة الج ّ‬
‫فة‬‫للّناس من اللّباس والحشم والجماهير الملت ّ‬
‫حوله بالضافة إلى ما يفعله من طأطأة الرأس‬
‫وقّلة الكلم‪ ،‬والزهد المتصّنع وكثرة العبادة‬
‫والداب اّلتي يفرضها على المريد‪.‬‬

‫فقد انتبه سلطين التراك‪ ،‬ورجالت السياسة‬


‫صة في المرحلة الخيرة من الحكم‬ ‫منهم خا ّ‬
‫ن الطريقة النقشبندّية تّتصف بسحر‬ ‫يأ ّ‬‫العثمان ّ‬
‫وجاذبّية في جلب قلوب الناس وتسخيرهم‪.‬‬
‫م خلفاء بني عثمان بمشائخ هذه‬ ‫ولهذا قد اهت ّ‬
‫الطائفة بداية من السلطان محمود الثاني‪ .‬وقد‬
‫تابعهم في هذه السياسة رجال السلطة‬
‫ى هذا‬‫ي‪ .‬فأد ّ‬
‫اليهودّية أيضا في العهد الجمهور ّ‬
‫الهتمام إلى انتشار الطريقة على ساحات‬
‫شاسعة من البلد‪.‬‬

‫ت بهذه الطريقة فترات زادت في بعضها‬ ‫مر ْ‬


‫ّ‬ ‫وإذا‬
‫صا‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫نشاطا وانتشاًرا وفي بعضها انحطاطا وتقل ً‬ ‫ً‬
‫فقد بسطت سلطانها اليوم على أرض تركيا‬
‫ص رجال‬‫ل الناس وحر َ‬ ‫ل جه َ‬ ‫وهي تستغ ّ‬
‫ة‬
‫قة‪ ،‬والقل َ‬‫دد العقيدة الح ّ‬‫السياسة‪ ،‬كما ته ّ‬
‫ة من أبناء هذه الديار‪.‬‬ ‫المؤمن َ‬
‫***‬
‫‪46‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫ة النقشبندّية‪،‬‬ ‫ب الطريق ِ‬ ‫* آدا ُ‬
‫ها‪ ،‬ومّيزاُتها‪.‬‬
‫صاِدُر َ‬
‫م َ‬
‫و َ‬
‫‪-------------------------‬‬
‫ه‬‫د مع شيخ ِ‬ ‫ب المري ِ‬ ‫ة‪ ،‬وآدا ُ‬ ‫ب المشيخ ِ‬ ‫البيعة وآدا ُ‬ ‫ُ‬ ‫*‬
‫ة منها‪.........‬‬ ‫عند النقشبندّيين‪ ،‬والغاي ُ‬
‫ر‬‫ب الذّك ْ ِ‬ ‫* آدا ُ‬
‫عندهم‪........................................................................................................‬‬
‫‪.........‬‬

‫* الذّكُر بلسان‬
‫القلب‪.........................................................................................................‬‬
‫‪..........‬‬

‫*‬
‫الرابطة‪.....................................................................................................‬‬
‫‪......................................‬‬

‫ط الرابطة وصورة‬ ‫* شرو ُ‬


‫أدائها‪..................................................................................................‬‬

‫ن أحدث‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫و ُ‬
‫*أ ّ‬
‫الرابطة‪.....................................................................................................‬‬
‫‪........‬‬

‫ة من‬ ‫* الغاي ُ‬
‫الرابطة‪.....................................................................................................‬‬
‫‪....................‬‬

‫ل بآداب‬ ‫ة المخ ّ‬ ‫* عقوب ُ‬


‫الرابطة‪.....................................................................................................‬‬
‫‪.‬‬

‫ة استدللهم في إثبات‬ ‫* أسلوُبهم وطريق ُ‬


‫دفاع عنها‪ ،‬وما قيل‬ ‫الرابطة‪ ،‬ومقالتهم في ال ّ‬
‫في‬
‫دها‪..........................................................................................................‬‬ ‫ر ّ‬
‫‪.....................................‬‬

‫كتب في مسألة‬ ‫م ما ُ‬ ‫ن أه ّ‬ ‫م ْ‬ ‫* ِ‬
‫الرابطة‪..........................................................................................‬‬
‫‪47‬‬

‫ف‬ ‫س الّلطائ ِ‬ ‫ذكُر على أسا ِ‬ ‫ن آدابهم‪ :‬ال ّ‬ ‫م ْ‬


‫* ِ‬
‫الخمس‪.................................................................‬‬

‫خت ْم ِ‬‫ى عندهم « َ‬ ‫م َ‬ ‫ة اّلتي ُتس ّ‬ ‫سّري ّ ُ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫* الحلق ُ‬


‫ن» ‪.......................................................‬‬ ‫كا ْ‬‫واج َ‬‫خ َ‬
‫ُ‬
‫ة‬‫ت الفارسّية في الطريق ِ‬ ‫* المصطلحا ُ‬
‫رها‪....................................................‬‬ ‫النقشبندّية وأسرا ُ‬

‫* مباد ُ‬
‫ئ الطريقة النقشبندّية‬
‫ءا‬
‫بالفارسّية‪ ،‬وهي أحد عشر مبد ً‬
‫ش‬
‫هو ْ‬ ‫‪ُ .1‬‬
‫م‪............................................................................................................‬‬‫دَْردَ ْ‬
‫‪.........‬‬
‫َ‬
‫‪ .2‬ن َظْر ب َْر‬
‫م‪..............................................................................................................‬‬‫قدَ ْ‬ ‫َ‬
‫‪.......‬‬

‫فْر‬ ‫س َ‬ ‫‪َ .3‬‬


‫ن‪......................................................................................................‬‬‫وط َ ْ‬ ‫دَْر َ‬
‫‪.............‬‬

‫وت دَْر‬ ‫خل َ ْ‬ ‫‪ْ .4‬‬


‫ن‪.........................................................................................................‬‬
‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ج َ‬ ‫أن ْ ُ‬
‫د‬
‫‪َ .5‬يا ْ‬
‫د‪................................................................................................................‬‬ ‫ك َْر ْ‬
‫‪...........‬‬

‫‪َ .6‬باْز‬
‫ت‪...........................................................................................................‬‬‫ش ْ‬ ‫كَ ْ‬
‫‪...........‬‬

‫ه‬
‫كا ْ‬‫‪ .7‬ن ِ َ‬
‫ت‪.........................................................................................................‬‬‫ش ْ‬ ‫دا ْ‬ ‫َ‬
‫‪...........‬‬

‫‪َ .8‬يادْ‬
‫شت‪.........................................................................................................‬‬ ‫دَا ْ ْ‬
‫‪...............‬‬
‫‪48‬‬

‫ف‬‫قو ِ‬ ‫و ُ‬ ‫‪ُ .9‬‬


‫ني‪.........................................................................................................‬‬ ‫ما ِ‬‫َز َ‬
‫‪.........‬‬

‫ف‬‫قو ِ‬ ‫و ُ‬
‫‪ُ .10‬‬
‫دي‪..........................................................................................................‬‬‫عدَ ِ‬
‫َ‬
‫‪..‬‬

‫ف‬‫قو ِ‬ ‫و ُ‬
‫‪ُ .11‬‬
‫بي‪... ........................................................................................................‬‬‫قل ْ ِ‬
‫َ‬
‫‪...‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫ة النقشبندّية‪،‬‬ ‫ب الطريق ِ‬ ‫* آدا ُ‬
‫ها‪ ،‬ومّيزاُتها‪.‬‬
‫صاِدُر َ‬
‫م َ‬
‫و َ‬
‫َ‬
‫ت‬‫واستمّر ْ‬ ‫ت َ‬
‫غي َّرا ٌ‬ ‫عَلى هذه الطريق ِ‬
‫ة تَ َ‬ ‫ت َ‬ ‫طََرأ ْ‬
‫ة خلل القرون السبعة الماضية‪،‬‬ ‫فيها الستحال ُ‬
‫ولون من‬ ‫ف منها ما لم يعرفه ال ّ‬ ‫ذ َ‬ ‫ح ِ‬
‫زيدَ فيها و ُ‬ ‫َ‬
‫ف ِ‬
‫موها آداًبا وأركاًنا على حساب السلم‪.‬‬ ‫رس ّ‬ ‫أمو ٍ‬
‫م‪ .‬وهذا من‬ ‫ه ْ‬‫ف ُ‬‫سل َ ُ‬ ‫ض ما أقّرهُ أ ْ‬ ‫وا بع َ‬ ‫غ ْ‬ ‫ْ‬
‫وقد أل َ‬
‫ت منه سائُر‬ ‫طبيعة التصوف اّلذي انبثق ْ‬
‫ة‪،‬‬
‫ب الغالي ِ‬ ‫ة‪ ،‬والمذاه ِ‬ ‫ت الباطني ّ ِ‬ ‫ظما ِ‬ ‫المن ّ‬
‫ت الرهابّية‪،‬‬ ‫ة والتنظيما ِ‬ ‫ت الباحي ِ‬ ‫والجماعا ِ‬
‫ة أرادوا هدم السلم وإثارة الفتن‬ ‫ت زنادق ً‬ ‫وفرخ ْ‬
‫بين صفوف المسلمين‪.‬‬
‫‪49‬‬

‫ة النقشبندّية الّلغ َ‬
‫ة الفارسّية‬ ‫ت الطريق ُ‬ ‫اتّخذ ْ‬
‫ن‬‫دعاء والعبادة؛ ول غرابة في ذلك‪ .‬إذ أ ّ‬ ‫ة لل ّ‬‫كأدا ٍ‬
‫قدماء التراك كانوا يسكنون بلد ما وراء النهر‬
‫وهي مجاورة للمنطقة اليرانية اّلتي تحول بينها‬
‫وبين بلد العرب‪ ،‬فتأّثروا بثقافة الفرس‬
‫دة‪:‬‬‫غا لسباب ع ّ‬ ‫وحضارتهم تأث ًّرا بال ً‬

‫س كانوا قد أسلموا قبلهم؛ ومنها‬ ‫أن ال ْ ُ‬


‫فْر َ‬ ‫ّ‬ ‫منها‪،‬‬
‫ي يمتاز بحضارة عريقة‪ ،‬بينما‬ ‫ب الفارس ّ‬ ‫ن الشع َ‬ ‫أ ّ‬
‫د‬
‫ح ُ‬
‫و ّ‬
‫ة ول حضارةٌ ت ُ َ‬ ‫التراك لم تكن لهم ثقاف ٌ‬
‫صفوفهم‪ ،‬وتجمع كلمتهم‪ ،‬وهم قوم ل أبجدية‬
‫ة تنتقل من‬ ‫وي ّ ً‬
‫ة بد ِ‬‫له‪ ,‬بل كانوا قبائل متفرق ً‬
‫عا للظروف المناخّية‪،‬‬ ‫مكان إلى مكان آخر تب ً‬
‫يعيشون تحت خيام ٍ من ِلباٍد‪ ،‬ويتتّبعون المراعي‬
‫لنعامهم‪ .‬كانت قبائل التراك في القرون‬
‫ة واحدةٌ ول‬ ‫دا‪ ،‬ل تجمعهم لغ ٌ‬ ‫الوسطى متمايزةً ج ّ‬
‫د‪ ،‬ولذلك كانوا أسوأ حال ً من عرب‬ ‫ن واح ٌ‬ ‫دي ٌ‬
‫ل‪ .‬ولقد كانت‬ ‫الجاهلّية في النـزاع والقتا ِ‬
‫ما‬‫ب سجال ً بينهم حّتى بعد إسلمهم‪ .‬فل ّ‬ ‫الحرو ُ‬
‫م تأّثروا فوًرا بالثقافة الفارسّية‬ ‫اعتنقوا السل َ‬
‫ن جمع السلم بين‬ ‫وحضارتها بحكم الجوار بعد أ ْ‬
‫صفوفهم وجعل منهم مجتمعا قوّيا‪ .‬غلبت بذلك‬
‫ة الفارسّية على لغتهم الصلّية حّتى صارت‬ ‫الّلغ ُ‬
‫‪49‬‬
‫دولة السلجوقية التركّية‬ ‫ة لل ّ‬‫ة الرسمي َ‬ ‫هي الّلغ َ‬

‫فقد ورد في كتب رجال النقشبندّية ما يبرهن‬


‫على إقرارهم هذه الّلغة‪ .‬منها ما جاء في كتاب‬
‫مد بن عبد الله‬‫«البهجة السنّية» لمؤلفه مح ّ‬
‫ل مقاطعه ‪« :‬وأكثر كلم‬ ‫و ِ‬
‫ي‪ .‬إذ يقول في أ ّ‬
‫الخان ّ‬
‫ن التراك قد أخذوا الكثير من تعاليم السلم بوساطة‬
‫يقول الستاذ العلمة الدكتور فؤاد كوبرولو‪« :‬إ ّ‬ ‫‪49‬‬
‫أعجام الفرس‪ ،‬وليس من العرب مباشرة»‪ .‬وهذا نص كلمه بالّلغة التركّية‪:‬‬
‫‪Türkler, İslâmiyetin birçok unsurlarını doğrudan doğruya Araplardan dağil, Acemler vasıtasıyla aldılar. Türk Edebiyatında İlk‬‬

‫‪.Mutasavvıflar, Edition 8.Pg. 21. Department of Religius Affairs, Ankara-1993‬‬

‫ولهمية ما في هذا النص فقد نقله الباحث عمر دميرجان نقل حرفّيا إلى ثنايا كتابه اّلذي ألفه حول دراسة‬

‫اللغات الجنبّية في تركيا تحت عنوان‪. Dünden Bugüne Türkiye’de Yabancı Dil :‬‬
‫‪50‬‬

‫‪50‬‬
‫ب من الّلغة الفارسّية»‪.‬‬ ‫أهل الطريقة معّر ٌ‬
‫بينما لغة السلم هي العربّية بقرينة كونها لغة‬
‫ن*‬ ‫مي ُ‬ ‫ح ا ْل َ ِ‬‫ه الّرو ُ‬ ‫ل بِ ِ‬ ‫القرآن قال الله تعالى‪ } :‬ن ََز َ‬
‫ي‬
‫عَرب ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ن* ب ِل ِ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ذ ِ‬ ‫ن ْال ُ‬
‫من ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ك ل ِت َ ُ‬ ‫قل ْب ِ َ‬ ‫عَلى َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬‫ذي ي ُل ْ ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سا ُ‬ ‫ن‪ {.‬وقال تعالى‪} :‬ل ِ َ‬
‫‪51‬‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ُ‬
‫مب ٌِين‪ {.‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫‪52‬‬
‫ي ُ‬ ‫عَرب ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ٌ‬‫ذا ل ِ َ‬ ‫ه َ‬‫و َ‬ ‫ي َ‬ ‫ّ‬ ‫م‬
‫ج ِ‬ ‫ع َ‬‫أَ ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫في ِ‬ ‫فَنا ِ‬ ‫صّر ْ‬ ‫و َ‬ ‫عَرب ِّيا‪َ ،‬‬ ‫قْرآًنا َ‬ ‫ك أ َن َْزل َْناهُ ُ‬ ‫}ك َذَل ِ َ‬
‫َ‬
‫م ِذك ًْرا‪{.‬‬ ‫ث لَ ُ‬ ‫عل ّ ُ‬‫د لَ َ‬ ‫ْال َ‬
‫‪53‬‬
‫ه ْ‬ ‫د ُ‬ ‫ح ِ‬‫و يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫و َ‬ ‫م ي َّتق ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫عي ِ‬‫و ِ‬
‫ن‬
‫هذا‪ ،‬وفى كتاب الله آيات أخرى تبرهن على أ ّ‬
‫لغة السلم هي العربّية‪ .‬كما يجب على أهل‬
‫ل‬‫العلم وضع مصطلحاتهم باللغة العربّية في ك ّ‬
‫ت‬ ‫ة ما يم ّ‬ ‫ص ً‬‫مجالت الحياة المختلفة‪ ،‬وخا ّ‬
‫لمسائل الدين بوشيجة‪ .‬وهي لغة الرسول ‪‬‬
‫د‬‫ع ِ‬ ‫ن بَ ْ‬‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫و َ‬‫ق الرس ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫ن يُ َ‬
‫شا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫في الوقت ذاته‪َ } .‬‬
‫ول ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن نُ َ‬‫مِني َ‬‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫ل ْال ُ‬
‫سِبي ِ‬ ‫ع َ‬
‫غي َْر َ‬ ‫وي َت ّب ِ ْ‬‫دى َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن له ْال ُ‬
‫ما ت َب َي ّ َ‬
‫َ‬
‫وّلى َ‬
‫‪54‬‬
‫صيًرا‪{.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساءَ ْ‬ ‫و َ‬
‫م َ‬ ‫هن ّ َ‬ ‫ج َ‬
‫ه َ‬‫صل ِ ِ‬‫ون ُ ْ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫َ‬
‫ومع هذا‪ ،‬فان قدماء النقشبندّية قد اصطلحوا‬
‫ن‬
‫لمناسكهم أسماء غريبة كما سنشرحها فريًبا إ ْ‬
‫شاء الله تعالى؛ تلك السماء اّلتي وضعوها على‬
‫قا من تلقاء أنفسهم‬ ‫غير سبيل المؤمنين اختل ً‬
‫قا إلى ما كان عليه‬ ‫ة وحناًنا واشتيا ً‬
‫ونزع ً‬
‫دا لمن كانوا‬ ‫أسلفهم قبل السلم؛ وربما تقلي ً‬
‫يجاورونهم من رهبان البرهمية‪ ،‬إعجاًبا‬
‫بخشوعهم في ذكر الله‪ .‬لن رهبان البرهمية‬
‫ر كما‬ ‫يضربون مثال ً عجيًبا من الخشوع أثناء الذّك ْ ِ‬
‫أّنهم أزهد الناس في الدنيا وأقّلهم طم ً‬
‫عا‬

‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية ص‪ .3 /‬طبعة مصر ‪1241 -‬هـ‪.‬‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪50‬‬

‫سورة الشعراء‪.195 ،194 ،193 /‬‬ ‫‪51‬‬

‫سورة النحل‪.103/‬‬ ‫‪52‬‬

‫سورة طه‪.113 /‬‬ ‫‪53‬‬

‫سورة النساء‪.115 /‬‬ ‫‪54‬‬


‫‪51‬‬

‫وأطولهم صبًرا على الجوع والرياضات الشا ّ‬


‫قة‬
‫المنصوصة في الديانة البرهمية‪.‬‬
‫***‬

‫ن لّلطريقة النقشبندّية آداًبا غريبة وأركاًنا‬ ‫إ ّ‬


‫عجيبة يختلط فيها الحق بالباطل‪ ،‬ويلتبس فيها‬
‫المعاني على الغافل والجاهل‪ ،‬بل على العالم‬
‫ها إل من‬ ‫ها ول مصادَر َ‬‫ك مقاصدَ َ‬ ‫ر ُ‬
‫والعاقل‪ ،‬ول ُيد ِ‬
‫فقه الله للهداية واليمان الصادق ورزقه‬ ‫و ّ‬
‫ه المستنقعات اّلتي استقى منها‬ ‫المعرفة ب ِك ُن ْ ِ‬
‫مة هذه الطريقة‪.‬‬ ‫أئ ّ‬
‫ما هذه الداب‪ ،‬فإنها تنحصر في ثلثة أبواب‬ ‫أ ّ‬
‫رئيسة‪ :‬آداب المشيخة‪ ،‬وآداب المريد مع شيخه‪،‬‬
‫وآداب الذّك ْ ِ‬
‫ر‪ .‬إل ّ أّنهم يشترطون البيعة قبل ك ّ‬
‫ل‬
‫شيء‪ .‬وهي الركن العظم عندهم‪.‬‬
‫***‬

‫ب‬‫ة‪ ،‬وآدا ُ‬
‫ب المشيخ ِ‬
‫ة‪ ،‬وآدا ُ‬‫* البيع ُ‬
‫المريد مع شيخه عند النقشبندّية‪،‬‬
‫ة منها‪.‬‬
‫والغاي ُ‬
‫البيعة أو المبايعة‪ .‬معناها‪ :‬المعاقدة والمعاهدة‪.‬‬
‫طا ل مناص منه لمن يريد الدخول‬ ‫فيرونها شر ً‬
‫في الطريقة‪ .‬وبذلك يكون المريد قد أعطى‬
‫دا لنفسه‬ ‫ظا للشّيخ اّلذي اّتخذه مرش ً‬
‫قا غلي ً‬
‫ميثا ّ‬
‫ن‬
‫هأ ْ‬
‫خ ُ‬ ‫ل ما يأمره به َ‬
‫شي ْ ُ‬ ‫فيلتـزم القيام بعده بك ّ‬
‫‪55‬‬
‫ما‪.‬‬
‫يفعل‪ ،‬وإن كان حرا ً‬
‫للطلع على أقوالهم في موضوع انقياد المريد للشيخ بصورة مطلقة‪ ،‬راجع المصادر التية‪:‬‬ ‫‪55‬‬
‫‪52‬‬

‫ومن الغريب إّنه ل يقتصر هذا الشرط على مريد‬


‫ن يبايع‬
‫دأ ْ‬ ‫الطريقة فحسب‪ .‬بل يجب على ك ّ‬
‫ل أح ٍ‬
‫ن العبد‪ ،‬بينه وبين‬‫ما‪« .‬ل ّ‬ ‫خا‪ ،‬ويستسلم له تما ً‬ ‫شي ً‬
‫ربه حجاب يمنعه من الستفاضة» )حسب‬
‫ي‬
‫ي الربل ّ‬‫مد أمين الكرد ّ‬ ‫اعتقادهم‪ (.‬يقول مح ّ‬
‫في هذه المسألة‪« :‬فالشيخ العارف الواصل‬
‫ه اّلذي يدخل منه‬ ‫ة المريد إلى الله‪ ،‬وباب ُ ُ‬
‫وسيل ُ‬
‫على الله‪ .‬فمن ل شيخ له يرشده فمرشده‬
‫الشيطان ‪»56‬‬

‫ل من لم ينخرط في سلكهم‬ ‫نك ّ‬‫ومعنى هذا؛ أ ّ‬


‫ولم يستسلم لشيخ من مشائخهم فهو تابع‬
‫دون خروج‬ ‫ل ومض ّ‬
‫ل‪ ،‬كما يع ّ‬ ‫شيطان‪ .‬أي إّنه ضا ّ‬‫لل ّ‬
‫جا من السلم‪.‬‬ ‫المريد من عهد الشيخ خرو ً‬
‫فهذا رأيهم في جميع المسلمين وإن ك ّ‬
‫ذبوا ذلك‬
‫ن النسان ل محالة‬ ‫ن غرضهم هو أ ّ‬ ‫ودافعوا بأ ّ‬
‫يحتاج إلى من يعّلمه الضروريات من الدين‬
‫الحق من الباطل وليمّيز‬
‫ّ‬ ‫والدنيا حّتى يتبّين له‬
‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة علم الغيوب ص‪ .528 /‬طبعة مصر ‪ 1384 -‬هـ‪.‬‬
‫مد أمين الكرد ّ‬
‫* مح ّ‬
‫ي‪ ،‬السعادة البدية فيما جاء به النقشبندّية‪ ،‬ص‪ .20 /‬مكتبة الحقيقة‪.‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫* عبد المجيد بن مح ّ‬
‫إسطنبول ‪1992 -‬م‪.‬‬

‫ي‪ ،‬مكاتيب شريفة‪ :‬المكتوب السادس عشر‪ ،‬ص‪ .33 /‬مكتبة الحقيقة‪ .‬إسطنبول ‪-‬‬
‫* غلم علي عبد الله الدهلو ّ‬
‫‪1992‬م‪.‬‬

‫* نعمة الله بن عمر‪ ،‬الرسالة المدنية ص‪ 20 /‬مخطوطة دمشق ‪ 1213 -‬هـ‪.‬‬

‫راجع موضوع ضرورة النتساب إلى شيخ من شيوخ الطريقة في اعتقاد النقشبندّيين ضمن المصادر التالية‪:‬‬ ‫‪56‬‬
‫* نعمة الله بن عمر‪ ،‬الرسالة المدنية ص‪ 26 /‬مخطوطة دمشق ‪ 1213 -‬هـ‪.‬‬

‫* أحمد البقاعي‪ ،‬رسالة في آداب الطريقة النقشبندّية ص‪ .36 /‬مخطوطة ‪ 1249‬هـ‪.‬‬

‫ي‪ ،‬الحديقة الندّية ص‪ .39 /‬مخطوطة‪ .‬بغداد‪1234/‬هـ‪ .‬مستنسخة من قبل مكتبة‬


‫مد بن سليمان البغداد ّ‬
‫* مح ّ‬
‫الحقيقة‪ .‬إسطنبول‪1992-‬م‪.‬‬

‫ي‪ ،‬جامع الصول ص‪ .116 ،61 /‬ط‪ 1276 .‬هـ‪.‬‬


‫و ّ‬
‫خان َ ِ‬
‫ش َ‬ ‫* أحمد ضياء الدين ال ْگ ُ ُ‬
‫مو ْ‬

‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية‪ ،‬ص‪ 4 /‬طبعة مصر ‪1319 -‬هـ‪.‬‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫* مح ّ‬
‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة علم الغيوب ص‪ .525 /‬طبعة مصر ‪ 1384 -‬هـ‪.‬‬
‫مد أمين الكرد ّ‬
‫* مح ّ‬
‫رقم‪61/‬‬ ‫ي‪ ،‬المنتخبات‪ ،‬المكتوب‬
‫ي السرهند ّ‬
‫* أحمد الفاروق ّ‬
‫ي‪ ،‬السعادة البدية فيما جاء به النقشبندّية‪ ،‬ص‪ .12 /‬مكتبة الحقيقة‪.‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫* عبد المجيد بن مح ّ‬
‫إسطنبول ‪1992 -‬م‪.‬‬

‫* علي قدري‪ ،‬الرسالة البهائية )ترجمة‪ :‬رحمي سرين( ص‪ 133 /‬إسطنبول‪1994-‬م‪.‬‬

‫‪A. Faruk Meyan, Şah-ı Nakşibend. Pg. 35 Çile Publishing İstanbul-1970‬‬ ‫*‬
‫‪53‬‬

‫بين الحلل والحرام فيعمل المعروف ويجتنب‬


‫ن دفاعهم بمثل هذا السلوب ل‬ ‫المنكر‪ .‬فا ّ‬
‫ما‬‫يطابق ما يقصدونه من مفهوم البيعة‪ .‬وأ ّ‬
‫المرشد عندهم في الحقيقة ليس هو الستاذ‬
‫ب‬‫ن ويهذّ ُ‬ ‫ه والعقيدةَ والفنو َ‬ ‫م الفق َ‬ ‫اّلذي يعل ّ ُ‬
‫ق‪ .‬بل إّنما هو ‪-‬على حد قولهم‪« -‬العارف‬ ‫الخل َ‬
‫بالله والواصل إلى الله‪ ».‬وما أكثر وصفهم‬
‫لشيوخهم بهذه الكلمات‪ .‬مع أّنه لم يرد في‬
‫ن العبد‬ ‫الكتاب ول في سّنة رسوله ‪ ‬ما يفيد أ ّ‬
‫ن‬
‫ف بمعرفة الله‪ ،‬أو يمكنه أو يجوُز أ ْ‬ ‫مأمور ومكل ّ ٌ‬
‫يعرف الله حق معرفته‪ ،‬أو يصل إليه وصول ً في‬
‫د‬
‫م ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫و ُ‬
‫منتهى الغاية‪ .‬بل قال الله تعالى‪َ } :‬‬
‫ذا فان معرفة‬ ‫ها{‪ 57‬إ ً‬ ‫ر ُ‬
‫فون َ َ‬ ‫ع ِ‬
‫فت َ ْ‬‫ه َ‬
‫م آَيات ِ ِ‬ ‫ريك ُ ْ‬ ‫سي ُ ِ‬
‫ه َ‬ ‫لل ِ‬
‫النسان تنحصر في حدود رؤيته ليات الله دون‬
‫ن وصول‬ ‫ن تتجاوز إلى ذات الله سبحانه‪ .‬كما أ ّ‬ ‫أ ْ‬
‫وا‬
‫النسان إليه محال‪ .‬تعالى رّبنا عن ذلك عل ّ‬
‫ف بعبادة الله‬ ‫ما النسان مأمور ومكل ّ ٌ‬ ‫كبيًرا‪ .‬وإن ّ َ‬
‫ن‬
‫ج ّ‬ ‫ْ‬
‫ت ال ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬‫ما َ‬
‫و َ‬
‫تعالى كما قال سبحانه‪َ } :‬‬
‫س إ ِل ّ ل ِي َ ْ‬ ‫وا ْل ِن ْ َ‬
‫‪58‬‬
‫ن{‬ ‫دو ِ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫َ‬
‫مع هذا البيان الواضح بشهادة آيات الله‪ ،‬فان‬
‫ة الصوفّية بما فيهم النقشبندّيون‪ ،‬يعتقدون‬ ‫عامّ َ‬
‫«المعرفة بالله» أمًرا جائًزا للنسان‪ ،‬وأنه بإمكان‬
‫ه؛ فيشترطون لذلك‬ ‫ن يتعّرف إلى ذات الل ِ‬
‫العبد أ ْ‬
‫خا ويأخذ‬‫ن يبايع شي ً‬‫أموًرا يمارسه المريد بعد أ ْ‬
‫منه الميثاق اّلذي سموه «البيعة»‪.‬‬

‫م مسائل الفقه‬‫ما مسألة البيعة‪ ،‬فإّنها من أه ّ‬


‫أ ّ‬
‫ف‬
‫ي تتعلّق بنصب إمام ٍ للمسلمين‪ ،‬مّتص ٍ‬ ‫السلم ّ‬
‫بالسلم والعقل والذكورة والبلوغ والشجاعة‬
‫والكفاءة وسلمة العضاء؛ يقوم بمصالحهم‬
‫وتنظيم أمورهم‪ ،‬وبإقامة العدل وتنفيذ الحكام‬

‫سورة النمل‪.93/‬‬ ‫‪57‬‬

‫سورة الذاريات‪.56/‬‬ ‫‪58‬‬


‫‪54‬‬

‫بإنصاف المظلومين‪ ،‬والدفاع عن أرض السلم‬


‫عرض المسلمين بميثاق يتعهدون على أساسه‬ ‫و ِ‬
‫ن ُيطيعوه في حكمه ويناصروه في دفاعه‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ها اّلذي َ‬ ‫قا لما جاء في كلمه تعالى } َيا أي ّ َ‬ ‫تطبي ً‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سو َ‬ ‫وأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬‫وأوِلي ال ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عوا الر ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫ه َ‬ ‫عوا الل َ‬ ‫طي ُ‬‫مُنوا أ ِ‬ ‫آ َ‬
‫وه إ َِلى الل ِ‬
‫ه‬ ‫فُردّ ُ‬‫ء َ‬
‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫عت ُ ْ‬‫ن ت ََناَز ْ‬ ‫م َ‬
‫فإ ِ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ر‬
‫خ ِ‬‫وم ِ ال ِ‬ ‫والي َ ْ‬ ‫ه َ‬‫ن ِبالل ِ‬‫مُنو َ‬ ‫م تُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫والّر ُ‬ ‫ِ‬
‫‪59‬‬ ‫ً‬
‫ويل‪{.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذَل ِك َ‬
‫ن ت َأ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬‫وأ ْ‬ ‫خي ٌْر َ‬
‫ولوا هذا المفهوم بما‬
‫أما النقشبندّية فقد تأ ّ‬
‫يتعارض والنصوص القرآنية‪ .‬فقد جعلوا منها‬
‫قا يتعاقد على أساسه مريد الطريقة مع‬ ‫ميثا ً‬
‫شيخ الطائفة على أنْ يقوم بك ّ‬
‫ل ما يأمره ولو‬
‫ما‪.‬‬
‫كان حرا ً‬
‫ل‬‫ة رج ٌ‬
‫ن عبثوا بمفهوم البيع ِ‬ ‫م ْ‬
‫س َ‬ ‫ويأتي على رأ ِ‬ ‫َ‬
‫ي اسمه أحمد بن عبد الرحيم بن وجيه‬ ‫د‬
‫ِ ّ‬ ‫هن‬
‫ة في تفخيم هذا‬ ‫ت الصوفي ُ‬ ‫دين‪ .‬فقد بالغ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ي الله‬‫قبوه بشاه ول ّ‬ ‫ىل ّ‬‫ي حت ّ‬ ‫د ّ‬
‫الروحاني الهن ِ‬
‫ه‪ :‬القول‬‫ما ُ‬‫ب له‪ ،‬س ّ‬‫ي‪ .‬يقول في ثنايا كتا ٍ‬ ‫دهلو ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ل‪:‬‬
‫سبي ِ‬ ‫ء ال ّ‬
‫الجميل في بيان سوا ِ‬

‫ء‪،‬‬
‫ن البيعة أقسام‪ :‬منها بيعة الخلفا ِ‬ ‫قأ ّ‬ ‫«فالح ّ‬
‫ك بحبل التقوى‪ ،‬ومنها بيعة‬ ‫س ِ‬ ‫ومنها بيعة التم ّ‬
‫ة والجهاد‪ ،‬ومنها بيعة التوّثق في الجهاد‪.‬‬ ‫الهجر ِ‬
‫ء‪.‬‬
‫ة في زمن الخلفا ِ‬ ‫مت ُْروك َ ً‬
‫وكانت بيعة السلم ِ َ‬
‫ل الّناس‬ ‫ن دخو َ‬ ‫َ‬
‫ما في زمن الّراشدين منهم‪ ،‬فل ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ر‬ ‫َ‬
‫في السلم ِ في أّيامهم كان غالًبا بالقه ِ‬
‫عا‬ ‫ن ول طو ً‬ ‫ف وإظهار البرها ِ‬ ‫ف‪ ،‬ل بالتألي ِ‬ ‫والسي ِ‬
‫م كانوا في‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬‫ما في غيرهم‪ ،‬فلن ّ ُ‬ ‫ة‪ .‬وأ ّ‬ ‫ول َرغب ً‬
‫ن‪.‬‬‫سن ِ‬ ‫ن ِبإقامة ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ة ل يهت ّ‬ ‫ق ً‬ ‫س َ‬‫ف َ‬ ‫ة َ‬‫م ً‬‫ر ظَل َ َ‬ ‫الكث ِ‬
‫مت ُْروك َ ً‬
‫ة‪.‬‬ ‫ك بحبل التقوى كانت َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ك بيعة الت ّ َ‬ ‫وكذل َ‬
‫ما في زمن الخلفاء الّراشدين‪ ،‬فلكثرة الصحابة‬ ‫أ ّ‬

‫سورة النساء‪.59/‬‬ ‫‪59‬‬


‫‪55‬‬

‫َ‬
‫ي‬
‫دبوا ف ِ‬ ‫ي ‪َ ‬‬
‫وت َأ ّ‬ ‫ن استناروا بصحبة النب ّ‬ ‫اّلذي َ‬
‫ء‪» ...‬‬
‫فا ِ‬‫خل َ‬
‫ة ال ُ‬‫ن إلى بيع ِ‬‫حَتاجو َ‬ ‫ف َ‬
‫كانوا ل َ ي َ ْ‬ ‫حضرته‪َ ،‬‬
‫‪60‬‬

‫ة‬
‫ة البيع ِ‬ ‫ي مسأل ِ‬ ‫لف ِ‬ ‫دخو ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ي سبي َ‬ ‫دهلو ّ‬ ‫يّتخذ ال ّ‬
‫ة‬
‫وي َ ِ‬ ‫ْ‬
‫ملت َ ِ‬ ‫ْ‬
‫سرًبا ومكًرا من خلل هذه الصيغة ال ُ‬
‫ن‬
‫ة بي َ‬ ‫صل ً‬ ‫ق ِ‬ ‫ة ليختل َ‬ ‫غ بهذه العفعف ِ‬ ‫المارجة‪ ،‬وي َُراو ُ‬
‫ف‬‫ما صدر من الرسول ‪ ‬من المر بالمعرو ِ‬
‫ه شيوخ‬ ‫ر وبين ما يأمر ب ِ ِ‬ ‫ي عن المنك ِ‬ ‫والّنه ِ‬
‫م‬‫ة؛ ث ّ‬ ‫النقشبندّية من تعاليم البوذّية والبرهمي ِ‬
‫ه‬
‫ن أصحاب ُ ُ‬ ‫م ‪ ،‬إنما كا َ‬ ‫ل الكري َ‬ ‫ن الرسو َ‬ ‫يتناسى أ ّ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫جن ّدَ ُ‬ ‫ة ل ِي ُ َ‬
‫ص ً‬ ‫هم‪ ،‬وخا ّ‬ ‫ى أموَر ُ‬ ‫ّ‬
‫ه ليتول َ‬ ‫عون ُ‬ ‫ي َُباي ِ ُ‬
‫شخصيِته السياسّية‬ ‫سا َيمَتاُز ب ِ َ‬ ‫ه رئي ً‬ ‫فت ِ ِ‬‫ص َ‬ ‫بِ ِ‬
‫ة‪ .‬وأين هذه الصفات للشيوخ‬ ‫ة والروحي ِ‬ ‫والعسكري ِ‬
‫النقشبندّية؟ فهل ُيتصور لعاقل أن يقارن بين‬
‫خ‬‫ي شي ٍ‬ ‫وبين أ ّ‬ ‫ة َ‬ ‫ة العظيم ِ‬ ‫هذه الشخصية العالمي ِ‬
‫ن المعزولين‬ ‫من شيوخ النقشبندّية الخاملي َ‬
‫ة ونشاطاِتها‪.‬‬ ‫ل مجالت الحيا ِ‬ ‫البعيدين عن ك ّ‬
‫ة‬
‫ة‪ ،‬وقو ٌ‬ ‫ة سياسي ٌ‬ ‫سل ْطَ ٌ‬ ‫ء المساكين ُ‬ ‫ؤل َ ِ‬‫ه ُ‬ ‫وهل ل ِ َ‬
‫يستخدمونها في تنفيذ الحكام‪ ،‬وإنصاف‬
‫ى يجوز مبايعتهم؟ وهل استطاع‬ ‫المظلومين حت ّ‬
‫أحد منهم حتى اليوم أن يمنع الكفار والمنافقين‬
‫من الظلم والقهر والقتل والبادة ضد‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن هؤل ِ الشيوخ‪ ،‬و َ‬ ‫ن يكو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫المسلمين؟!!! ت َُرى َ‬
‫س فيوّلوهم‬ ‫عت َدّ بهم حتى يبايعهم النا ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫أموَرهم؟!‬

‫س‬
‫مد فيما سبق من كلماته ليد ّ‬ ‫ي يتع ّ‬
‫دهلو ّ‬ ‫ن ال ّ‬
‫فإ ّ‬
‫دا‪ ،‬وأبعد‬ ‫ة أب ً‬
‫ت به صل ً‬ ‫في مفهوم البيعة ما ل يم ّ‬
‫ة أجمع عليها‬ ‫ة عظيم ً‬‫ك فإنه يكتم حقيق ً‬ ‫من ذل َ‬
‫ر‬‫ة جمهو ِ‬ ‫علماءُ التاريخ‪ :‬وهي انعقاد مبايع ِ‬
‫م‬‫ه ْ‬
‫ل أحدُ ُ‬ ‫ة للخلفاء الراشدين‪ .‬نعم لم يتو ّ‬ ‫الصحاب ِ‬
‫ة له‬‫أمَر المسلمين إل ّ بعد مبايعة جمهور الصحاب ِ‬
‫‪ 60‬أحمد بن عبد الرحيم بن وجيه الدين )شاه عبد الله الدهلوي(‪ ،‬القول الجميل في بيان سواء السبيل‪ :‬قونية‬

‫– ‪ .2001‬التصال‪(0332) 251 76 22 :‬‬


‫‪56‬‬

‫ذا فقد‬‫ب(‪ .‬إ ً‬ ‫ت عنها جماعة منهم لسبا ٍ‬ ‫)وإن تأخر ْ‬


‫ر بشهادة البراهين‬ ‫ب ظاه ٍ‬ ‫ي بكذ ٍ‬ ‫دهلو ّ‬ ‫جاء ال ّ‬
‫ل‪« :‬فلكثرة الصحابة اّلذين‬ ‫ة حين قا َ‬ ‫التاريخي ِ‬
‫دبوا في حضرته‪،‬‬ ‫ي ‪ ‬وتأ ّ‬‫استناروا بصحبة النب ّ‬
‫‪61‬‬
‫ء‪» .‬‬
‫ن إلى بيعة الخلفا ِ‬ ‫فكانوا ل يحتاجو َ‬
‫***‬
‫ي باًبا في‬ ‫ي الربل ّ‬ ‫مد أمين الكرد ّ‬ ‫لقد أفرد مح ّ‬
‫كتابه «تنوير القلوب» يشتمل على اثنين‬
‫در‬‫فر فيمن يتص ّ‬ ‫طا يجب أن تتو ّ‬ ‫وعشرين شر ً‬
‫لخذ العهد على المريدين وقبولهم في الطريقة‬
‫النقشبندّية‪ .‬ومن هذه الشروط ما ينسجم مع‬
‫روح السلم ويقع موقع القبول عند المسلمين‪.‬‬
‫ما بما‬ ‫كقوله في الشرط الول «أن يكون عال ً‬
‫يحتاج إليه المريدون من الفقه والعقائد بقدر ما‬
‫يزيل الشبه اّلتي تعرض للمريد في البداية‬
‫ليستغنى به عن سؤال غيره ‪»62‬‬

‫ل كثيرًا من الناس يقتنعون بمثل هذا المقال‬ ‫ولع ّ‬


‫اّلذي ل تخلو عبارات شيوخ هذه الطريقة منها؛‬
‫ن غايتهم ل تتجاوز إجماع أهل العلم‬ ‫يقيًنا بأ ّ‬
‫ه‬ ‫ن ُيعل ّ ُ‬
‫م ُ‬ ‫م ْ‬
‫والبصيرة في حاجة النسان إلى َ‬
‫ه بالطرق المتعارف عليها‪ .‬إل أّنك‬ ‫هذّب ُ ُ‬‫ه وي ُ َ‬ ‫وي َدَّرب ُ ُ‬
‫ت ما ينطوي عليه‬ ‫ت كلماِتهم واستقصي َ‬ ‫إذا تابع َ‬
‫م‪ ،‬ظهرت لك حقيقة‬ ‫ه ْ‬
‫عَباَرات ِ ِ‬
‫ض المقاطع من ِ‬ ‫بع ُ‬
‫ما يقصدون من وراء ذلك مما قد سّنها لهم‬
‫م اّلذين وقعت عظمتهم في قلوب‬ ‫ه ْ‬ ‫بعض ك ُب ََرائ ِ ِ‬
‫ك أحد في‬ ‫مة حّتى أذعنت لهم‪ ،‬بحيث لم يش ّ‬ ‫العا ّ‬
‫و مكانتهم عند‬ ‫صدقهم وأمانتهم وورعهم وعل ّ‬
‫ى )القول الجميل في بيان سواء السبيل(‪،‬‬
‫ب المسم ّ‬
‫فا من الكتا ِ‬ ‫قل َْنا َ‬
‫ها آن ِ ً‬ ‫ت اّلتي ن َ َ‬
‫ن العبارا ُ‬
‫وقد تكو ُ‬ ‫‪61‬‬
‫ه اّلذي‬ ‫ة في طَب ْ ِ‬
‫ع ِ‬ ‫ص ً‬
‫خا ّ‬
‫ع‪َ ،‬‬
‫ف شني ٍ‬
‫ري ٍ‬
‫ح ِ‬
‫ض ل ِت َ ْ‬
‫ب قد تعّر َ‬
‫ن هذا الكتا َ‬
‫ه‪ .‬ل ّ‬ ‫وك َ ِ‬
‫ذًبا وُزوًرا علي ِ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫ن مؤل ّ ِ‬
‫ف ِ‬ ‫ة على لسا ِ‬
‫موضوع ً‬
‫ي وما ابتكره‬
‫دهلو ّ‬
‫ي الله ال ّ‬
‫ي عند المام ول ّ‬ ‫ة ُ‬
‫قون َْيا التركّية بعنوان )الفكر السلم ّ‬ ‫ض التراك في مدين ِ‬ ‫تول ّ َ‬
‫ها بع ُ‬
‫ر في الكتاب‪ .‬وإّنما ظَ َ‬
‫هْرت‬ ‫ر الّنش ِ‬
‫ة ودا ِ‬
‫ه واسم ِ المطبع ِ‬
‫ب الناشر عن تسجيل اسم ِ‬
‫ي(‪ .‬وقد تهّر َ‬
‫من العمل النموذج ّ‬
‫ة حول‬
‫ي في الرابطة‪) .‬لمزيد من المعرف ِ‬
‫و ّ‬
‫دهل ّ‬
‫ن كلم ِ ال ّ‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬
‫م ٍ‬
‫ها ّ‬
‫ع َ‬ ‫م َ‬
‫قطِ َ‬ ‫جئ َْنا بحذ ِ‬
‫ف َ‬ ‫ة هذا الّتحريف حين ُ‬
‫ف ِ‬ ‫لنا حقيق ُ‬
‫ي ومعارضوه(‬
‫هذا التحريف‪ ،‬راجع المبحث‪ :‬خالد البغداد ّ‬

‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة ع ّ‬


‫لم الغيوب‪ ،‬ص‪ .506 /‬طبعة مصر ‪ 1384 -‬هـ‪.‬‬ ‫مد أمين الكرد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪62‬‬
‫‪57‬‬

‫ف من شيوخ‬ ‫الله رجما بالغيب؛ فاّتبعهم الخل ُ‬


‫فا‪ .‬وأقوى دليل على‬ ‫دا صر ً‬
‫هذه الطريقة تقلي ً‬
‫هذا الواقع الخطير قول المؤّلف وهو يشرح‬
‫الشرط الرابع عشر من آداب المشيخة ‪ -‬وهذا‬
‫نصه‪« :‬يجب عليه أن يمنع المريدين عن التكّلم‬
‫‪63‬‬
‫ة»‬
‫مع غير إخوانهم إل لضرور ٍ‬
‫والغرض من قوله «غير إخوانهم» هم اّلذين‬
‫ليسوا من أتباعه؛ سواء أكانوا من المنتسبين‬
‫إلى غيره من مشائخ الطرق الصوفّية أم كانوا‬
‫ممن لم يدخلوا في سلك الطريقة أصل‪.‬‬

‫ومن أين لشيخ الطريقة أن يفرض سلطانه على‬


‫م في إرادة‬ ‫ها‪ ،‬فيتحك ّ َ‬ ‫ست َب ِدّ ب ِ َ‬ ‫س في ْ‬ ‫جماعةٍ من النا ِ‬
‫م من الحديث مع غيرهم؟ من‬ ‫ه ْ‬ ‫م ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫أفراِدها وي ُ َ‬
‫جته في‬ ‫كم أو الوصاية؟ وما ح ّ‬ ‫أين له هذا التح ّ‬
‫ذلك من الكتاب والسّنة؟ وأين هذا الكلم من‬
‫خوةٌ َ َ‬
‫ن‬
‫حوا ب َي ْ َ‬ ‫صل ِ ُ‬
‫فأ ْ‬ ‫ن إِ ْ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن{ فهل من‬ ‫‪64‬‬
‫مو َ‬ ‫ح ُ‬‫م ت ُْر َ‬ ‫عل ّك ْ ْ‬ ‫قوا الله ل َ َ‬ ‫وات ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وي ْك ُ ْ‬‫خ َ‬ ‫أَ َ‬
‫مقتضى الصلح أن يمنع شيخ الطريقة أتباعه‬
‫ن ليس من جماعته من‬ ‫م ْ‬ ‫من التكلم مع َ‬
‫المسلمين‪ ،‬أم إّنه من دواعي الشقاق وتفريق‬
‫ذات بين المسلمين؟ ألم يقل رسول الله ‪:‬‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫وت ََرا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وادّ ِ‬ ‫في ت َ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬‫ل ال ْ ُ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫« َ‬
‫و‬
‫ض ٌ‬‫ع ْ‬‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫كى ِ‬ ‫شت َ َ‬ ‫ذا ا ْ‬ ‫د إِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫عاطُ ِ‬
‫ف‬ ‫وت َ َ‬ ‫َ‬
‫فهل‬ ‫‪65‬‬
‫مى»‬ ‫ح ّ‬ ‫وال ُ‬‫ْ‬ ‫ر َ‬ ‫ه ِ‬ ‫د ِبالس َ‬ ‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ْ‬
‫سائ ُِر ال َ‬ ‫عى له َ‬ ‫دا َ‬ ‫تَ َ‬
‫يمكن ذلك إذا منع شيخ الطريقة أتباعه من‬
‫مجالسة الناس ومعاشرتهم‪ ،‬بل وحّتى من‬
‫ذا فما السبيل لقيام الناس‬ ‫التكل ّم ِ معهم؟ إ ً‬
‫بالتعاون فيما بينهم امتثال ً لقوله تعالى‪:‬‬
‫عَلى‬ ‫وُنوا َ‬ ‫عا َ‬ ‫ول َ ت َ َ‬ ‫وى َ‬ ‫ق َ‬ ‫والت ْ‬ ‫عَلى ال ْب ِّر َ‬ ‫وُنوا َ‬ ‫عا َ‬‫وت َ َ‬ ‫} َ‬
‫المصدر السابق ص‪.526 /‬‬ ‫‪63‬‬

‫سورة الحجرات‪.10/‬‬ ‫‪64‬‬

‫‪4686‬‬ ‫ي‪ ،‬رقم الحديث‪5552 :‬؛ مسلم‪ ،‬رقم الحديث‪:‬‬


‫خار ّ‬
‫الب ُ َ‬ ‫‪65‬‬
‫‪58‬‬

‫ن{‪ 66‬إذا منع ك ّ‬


‫ل شيخ جماعته من‬ ‫وا ِ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫عدْ َ‬ ‫ا ْل ِث ْم ِ َ‬
‫التكل ّم ِ مع غير إخوانهم؟‬

‫ن شيوخ الطريقة‬ ‫ل هذا‪ :‬أ ّ‬‫يظهر من ك ّ‬


‫النقشبندّية قد ألغوا المؤاخاة اّلتي عقدها الله‬
‫بين المؤمنين فضربوها بعرض الحائط بإقرار‬
‫ي عليهم‪ :‬بأّنه يجب على شيخ‬ ‫مد أمين الكرد ّ‬ ‫مح ّ‬
‫ن يمنع المريدين من التكل ّم ِ مع غير‬ ‫الطريقة أ ْ‬
‫ة‬
‫خ إخو ٌ‬‫ل شي ٍ‬ ‫ن جماعة ك ّ‬
‫إخوانهم‪ .‬وهذا يعني‪ ،‬أ ّ‬
‫ما من سواهم‪ ،‬فانهم أجانب‪.‬‬ ‫فيما بينهم؛ أ ّ‬
‫ي مقالته في سرد شروط المشيخة‪،‬‬ ‫يتابع الكرد ّ‬
‫ل له‬‫فيقول في الشرط الرابع عشر‪« :‬أن يجع َ‬
‫دا من مريديه‬ ‫خلوة ينفرد بها وحده‪ ،‬ول يمك ّ َ‬
‫ن أح ً‬
‫أن يدخلها إل ّ َ‬
‫‪67‬‬
‫يقول‬ ‫صا عنده»‬ ‫صي ً‬‫ن كان خ ّ‬
‫م ْ‬
‫دا‬
‫ن مري ً‬‫في الشرط السادس عشر‪« :‬أن ل يمك ّ َ‬
‫طلع على حركة من حركاته أصل‪ ،‬ول‬ ‫من أن ي ّ‬
‫يعرف له سّرا‪ ،‬ول يقف له على نوم ول طعام‬
‫ن المريد إذا وقف‬ ‫ول شراب ول غير ذلك‪ .‬فا ّ‬
‫على شيء من ذلك ربما نقصت عنده حرمة‬
‫‪68‬‬
‫الشيخ»‬

‫ن الغاية من وراء‬ ‫إ ً‬
‫ذا يّتضح من هذه التوجيهات أ ّ‬
‫ما ُيضمره شيوخ النقشبندّية بهذه الداب‪ ،‬ليس‬
‫إل إلقاء الهيبة في نفوس الجمهور وتسخير‬

‫‪66‬سورة المائدة‪.2/‬‬

‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة ع ّ‬


‫لم الغيوب‪ ،‬ص‪ .526 ،506 /‬طبعة مصر‪1384 /‬هـ‪.‬‬ ‫مد أمين الكرد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪67‬‬
‫طبعة مصر‪1384/‬هـ‪.‬‬

‫المصدر السابق ص‪ .526 /‬لمزيد من المعرفة حول أقوالهم في آداب المشيخة‪ ،‬راجع المصادر التالية‪:‬‬ ‫‪68‬‬
‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية‪ ،‬ص‪ .28 /‬طبعة مصر ‪1319 -‬هـ‪.‬‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫* مح ّ‬
‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة ع ّ‬
‫لم الغيوب‪ ،‬ص‪ 524 /‬طبعة مصر‪ 1384 /‬هـ‪ ..‬طبعة مصر‬ ‫مد أمين الكرد ّ‬
‫* مح ّ‬
‫‪1384‬هـ‬

‫ي‪ ،‬السعادة البدية فيما جاء به النقشبندّية‪ ،‬ص‪ .9 /‬مكتبة الحقيقة‪.‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫* عبد المجيد بن مح ّ‬
‫إسطنبول ‪1992 -‬م‪.‬‬

‫* علي قدري‪ ،‬الرسالة البهائية )ترجمة‪ :‬رحمي سرين( ص‪ .13 /‬إسطنبول‪1994 -‬م‪.‬‬

‫‪Dr. İrfan Gündüz, Ahmed Ziyaüddin Gümüşhanevî. Pg. 237-246 İstanbul-1984‬‬ ‫*‬
‫‪59‬‬

‫قلوبهم‪ ،‬وليشتغل الناس بذكرهم‪ ،‬ولتخضع‬


‫ل الرقاب لعظمتهم‪ .‬وليس أد ّ‬
‫ل على هذا‪ ،‬ما‬ ‫وتذ ّ‬
‫جاء في فصل آداب المريد مع شيخه من كلم‬
‫المؤّلف نفسه إذ يقول‪:‬‬

‫مها أن‬ ‫مات‪ ،‬وأعظ ُ‬ ‫«واقتصرنا على بعض المه ّ‬


‫ظمه ظاهًرا وباطًنا‬ ‫ه‪ ،‬ويع ّ‬
‫خ ُ‬
‫قَر المريدُ شي َ‬ ‫و ّ‬‫يُ َ‬
‫دا أّنه ل يحصل مقصوده إل ّ على يده‪ .‬وإذا‬ ‫ق ً‬‫معت ِ‬
‫تشّتت نظره إلى شيخ آخر‪ ،‬حّرمه من شيخه‪،‬‬
‫ما‬
‫وانسدّ عليه الفيض‪ .‬ومنها أن يكون مستسل ً‬
‫دا راضًيا بتصّرفات الشيخ‪ ،‬يخدمه بالمال‬ ‫منقا ً‬
‫ن جوهر الرادة والمحّبة ل يتبّين إل‬ ‫والبدن‪ .‬ل ّ‬
‫بهذا الطريق‪ .‬ووزن الصدق والخلص ل يعلم إل‬
‫بهذا الميزان‪ .‬ومنها أن ل يعترض عليه فيما‬
‫ما‪ .‬ول يقول‪ :‬لم‬ ‫فعله‪ ،‬ولو كان ظاهره حرا ً‬
‫م؟ ل يفلح‬‫ن من قال لشيخه‪ :‬ل ِ َ‬ ‫فعلت كذا؟ ل ّ‬
‫‪69‬‬
‫دا‪...‬إلخ‪.‬‬ ‫أب ً‬
‫جل المؤّلف نقل ً عن بعضهم شعًرا في‬
‫ثم يس ّ‬
‫هذا الصدد‪ ،‬ومطلعه‪:‬‬

‫«وكن عنده كالمّيت عند مغسل * يقّلبه ما شاء‬


‫‪70‬‬
‫وهو مطاوع»‬

‫نعم هكذا ينصح شيوخ الطريقة النقشبندّية‪.‬‬


‫فهم من‬ ‫ن موق َ‬‫وبهذا القرار والعتراف يتبّين أ ّ‬
‫المريد ليس كموقف الستاذ المعّلم من تلميذه‪.‬‬
‫طالب من حصيلة علمه‪ ،‬ويلقّنه‬ ‫إذ يبذل الستاذ لل ّ‬
‫د‪ ،‬ويشرح له ما يخفى عليه من غريب‬ ‫القواع َ‬
‫الموضوع لدروسه‪ ،‬ويبسط له من دقائق‬
‫دا‬
‫ل عويصاتها وهو ل يألو جه ً‬ ‫مسائلها‪ .‬ويقوم بح ّ‬
‫صا‬
‫ة حر ً‬‫ق َ‬‫مل المش ّ‬ ‫في الجابة على سؤاله‪ ،‬ويتح ّ‬
‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة علم الغيوب‪ ،‬ص‪ .528 /‬طبعة مصر‪ 1384/‬هـ‪ ..‬طبعة‬
‫مد أمين الكرد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪69‬‬
‫مصر‪ 1384/‬هـ‪.‬‬

‫المصدر السابق ص‪.528 /‬‬ ‫‪70‬‬


‫‪60‬‬

‫ل محله في‬ ‫منه على تعليمه وتأديبه وتهذيبه ليح ّ‬


‫ة في وجوه‬ ‫حّر ِ‬‫ه ال ُ‬
‫ق بإرادت ِ ِ‬
‫إرشاد الناس‪ ،‬ولينطل َ‬
‫ن‬
‫الخير مستنيًرا ومنيًرا بالعلم والمعرفة‪ .‬ولك ّ‬
‫شيوخ النقشبندّية يريدون أن يصّبوا المريدَ في‬
‫قالب هذه الطائفة ويصهروه في بوتقتها‬
‫مونه‬ ‫خلوه تحت رقابتهم المطلقة بما يس ّ‬ ‫لُيد ِ‬
‫ضا‬
‫عّر ً‬
‫م َ‬‫ب الطريقة‪ .‬فيصبح المريد بذلك ُ‬ ‫آدا َ‬
‫ل‬
‫للستغلل بشخصيته وبكل ما يملك من ما ٍ‬
‫ل ل يمكن‬ ‫م في تحقيق آما ٍ‬ ‫ه؛ وقد ُيستخدَ ُ‬
‫وجا ٍ‬
‫ضبطها وتحديدها‪ .‬ول يخفى دور المريدين بعد‬
‫تسخيرهم في نشر الطريقة‪ ،‬وإذاعة شهرة شيخ‬
‫الجماعة وإلقاء هيبته وعظمته في قلوب الناس‬
‫وبسط سلطانه على المجتمع‪.‬‬

‫كد من هذا الواقع فله أن يزور‬ ‫ومن شاء أن يتأ ّ‬


‫‪71‬‬
‫ت‬
‫ي بي ٍ‬
‫ة من تكاياهم ثم يقارن بينها وبين أ ّ‬ ‫تكي ً‬
‫من بيوت العلم‪.‬‬

‫***‬

‫* آداب الذكر عند النقشبندّية‪.‬‬


‫الذّك ُْر في الّلغة‪ :‬هو استحضاُر شي ٍ‬
‫ء في الذهن‬
‫ق به‪ .‬وهو تحريك‬‫معهوٍد فيما سبق؛ أو النط ُ‬
‫مل‬
‫التكّية‪ :‬قيل أصله «التكيئة»؛ من وكأ‪-‬يكأ‪ .‬كوطأ‪-‬يطأ‪ .‬جمعها‪ :‬تكايا‪ .‬ومنه اتكأ ‪-‬على شئ‪ -‬أي اعتمد وتح ّ‬ ‫‪71‬‬
‫عصاي‪ :‬أ َت َوك ّأ ُ‬ ‫ء‪ :‬أي نصب له مّتكًأ‪ .‬ومنه تو ّ‬
‫عل َي ْ َ‬
‫ها‪20){...‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي َ َ َ‬
‫ه َ‬
‫ل ِ‬ ‫كأ‪ .‬كما جاء في الية الكريمة‪َ } :‬‬
‫قا َ‬ ‫عليه‪ .‬و أوكأ إيكا ً‬
‫ن مصطلح التكّية‪ ،‬وضعها الصوفّية انطل ً‬
‫قا من هذا المعنى؛ بعد أن استوحاه الواضع من الكلمة‬ ‫‪ .(/18‬يغلب أ ّ‬
‫ص‪ ،‬تجتمع فيه الصوفّية‪ .‬وهي‬
‫ن التكّية مكان خا ّ‬
‫ضا‪ .‬ول ّ‬
‫ن مفهوم التكّية‪ .‬يشمل هذا المعنى أي ً‬
‫المذكورة‪ .‬ل ّ‬
‫مّتكأ لهم‪ .‬إذ يأوون إليها‪ .‬و يقومون بإجراء حفلتهم و طقوسهم فيها‪ .‬هذه الكلمة شائعة بين صوفية‬
‫بمنزلة ال ُ‬
‫التراك‪ .‬يقابلها كلمة «الرباط» بين صوفية العرب‪ ،‬وكلمة «خانقاه» بين صوفية الفرس والهند‪ .‬ظهرت التكايا‬

‫بعد عصر السلف الصالح مع بداية النحراف عن التوحيد الخالص‪ ،‬بدافع تقليد العجام اّلذين اعتنقوا السلم‬

‫وراتهم‪ .‬وابتدعوا ما ليس منه‪ .‬فظهرت التكايا على غرار الصوامع اّلتي يتعبد فيها‬
‫بدون روية‪ .‬فطّبعوه بتص ّ‬
‫معات كبيرة من المباني والمرافق‪.‬‬
‫ي‪ ،‬وأصبحت مج ّ‬
‫ورت في أواخر العهد العثمان ّ‬
‫الرهبان‪ .‬كانت التكايا قد تط ّ‬
‫دا من الغرف و الحجرات‪ .‬منها الصحن الرئيس اّلذي فيه المحراب و مقام الشيخ‪ ،‬والمحفل المفصول‬
‫م عد ً‬
‫تض ّ‬
‫بالشّباك‪ .‬وهو القفص اّلذي يجلس فيه السلطان أثناء الحفلة‪ .‬إ ّ‬
‫ن عدد التكايا الموجودة فقط بإسطنبول في‬

‫ة‪ .‬وكان يقوم بتنظيم شؤون التكايا على مستوى المملكة‬


‫عهد السلطان عبد الحميد‪ ،‬كان قد بلغ ‪ 311‬تكي ّ ً‬
‫ُ‬
‫ي بعنوان «المجلس العلى لمشائخ الطرق الصوفّية»‪ .‬ثم ألغي هذا المجلس وجميع التكايا‬ ‫العثمانّية مرجع روحان ّ‬
‫ي يوم ‪ .30‬نوفمبر‪1925 .‬م‪ .‬بقانون رقم‪.677/‬‬
‫والزوايا في بداية العهد الجمهور ّ‬
‫‪61‬‬

‫ض‪.‬‬
‫ت خاف ٍ‬‫الّلسان لداء المنطوق به ولو بصو ٍ‬
‫وفي الصطلح‪ :‬هو ترديدُ أسم ٍ من أسمائه‬
‫ء من القرآن‬
‫تعالى أو النداءُ به‪ ،‬أو قراءةُ شي ٍ‬
‫ي كسائر‬
‫ة‪ .‬والذكر توقيف ّ‬‫ت معّين ٍ‬
‫الكريم في أوقا ٍ‬
‫ت‪ ،‬ل يجوز إل ّ بالكيفية اّلتي وردت في‬ ‫العبادا ِ‬
‫السّنة‪ .‬وضوابطها منصوصة في آثار السلف‬
‫ح‪.‬‬
‫الصال ِ‬
‫جب منه‬ ‫ف يتع ّ‬‫ما عند النقشبندّية فله تعري ٌ‬‫أ ّ‬
‫العاقل المنصف العارف بمعنى كلمة الذّك ْ ِ‬
‫ر‬
‫ل من له علم‬ ‫ومفهومها‪ .‬وله آداب يستغربها ك ّ‬
‫بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ‪ .‬وإنما‬
‫جة يعتمدون‬ ‫ابتدعوها من تلقاء أنفسهم دونما ح ّ‬
‫عليها‪ ،‬وقد استوحاها بعض كبرائهم من الديان‬
‫خرون منهم على أثر‬ ‫القديمة‪ ،‬فبناها المتأ ّ‬
‫ن الله أمر بالذكر على هذه‬ ‫سادتهم‪ ،‬زعموا أ ّ‬
‫الصورة المزّيفة‪.‬‬
‫***‬

‫* الذكر بلسان القلب عند النقشبندّية‬


‫يقول أحد رؤسائهم ‪-‬وهو يشرح كيفية الذكر‬
‫ن له اثنين وعشرين أدًبا؛ يقول‬
‫عندهم‪ -‬ويزعم أ ّ‬
‫في سياق كلمه‪:‬‬

‫«‪ -‬الثالث عشر‪ :‬تغميض العينين‪ ،‬وإْلصاق الّلسان‬


‫بسقف الحلق‪ ،‬والسنان بالسنان‪ ،‬والشفة‬
‫س على حاله‪».‬؛‬ ‫بالشفة‪ ،‬وإطلق الن َ َ‬
‫ف ِ‬
‫«‪ -‬الرابع عشر‪ :‬ذكر الله الله‪ ...‬بلسان القلب‬
‫س‬ ‫س نَ َ‬
‫ف ٍ‬ ‫ش ول حب ِ‬ ‫ي فقط‪ ،‬بل ملحظة نق ٍ‬ ‫الخيال ّ‬
‫أصل‪ .‬أعني أن يتخّيل لقلبه لساًنا يقول الله‬
‫الله‪ ...‬وهو يسمع‪».‬؛‬
‫‪62‬‬

‫مى هذا السم‬ ‫«‪ -‬الخامس عشر‪ :‬استحضار مس ّ‬


‫‪72‬‬
‫دس‪ ،‬وهو الذات العلّية اللهّية في القلب »‬ ‫المق ّ‬
‫نعم هذه كانت ن ُب ْذَةً من آداب الذكر عند هذه‬
‫الطائفة‪ .‬والله سبحانه برئ من ذلك‪ .‬إذ يقول‬
‫عا‬‫ضّر ً‬ ‫ك تَ َ‬‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫في ن َ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫واذْك ُْر َرب ّ َ‬ ‫تبارك وتعالى‪َ } :‬‬
‫ل‪،‬‬ ‫صا ِ‬ ‫وْال َ‬ ‫و َ‬ ‫غدُ ّ‬ ‫ل ِبال ْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ق ْ‬ ‫م َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫و ُ‬‫ة َ‬ ‫ف ً‬ ‫خي َ‬ ‫و ِ‬
‫ن{ فتبّين أّنه ل يتم الذكر‬ ‫‪73‬‬
‫فِلي َ‬ ‫غا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ول َ ت َك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫إل بالقول‪ .‬أي بإخراج الحروف من مخارجها مع‬ ‫ّ‬
‫ه‪ .‬وإل ّ بطل‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ع الذاكُر ن َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ت أدناه أن ي ُ ْ‬ ‫صو ٍ‬
‫الحكم بالقول‪ ،‬واختفت الحكمة‪ ،‬واقتصر المر‬
‫ن المراد من‬ ‫ر؛ مع أ ّ‬ ‫فك ّ ِ‬ ‫والت ّ َ‬ ‫ر َ‬ ‫و ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫على مجّرد الت ّ َ‬
‫الية الكريمة هو القول دون الجهر‪ ،‬وليس‬
‫ر‬‫ذاك ِ ِ‬ ‫فك ُّر؛ وإن كان المطلوب من ال ّ‬ ‫والت ّ َ‬ ‫وُر َ‬ ‫ص ّ‬ ‫الت ّ َ‬
‫ة‬‫ل كلم ٍ‬ ‫مل ً في معنى ك ّ‬ ‫أن يكون حاضر القلب متأ ّ‬
‫يذكرها‪ .‬وفي هذا الباب يقول المام النووي‬
‫ن الذكار المشروعة في‬ ‫رحمه الله‪« :‬اعلم أ ّ‬
‫ب‬
‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ة‪ ،‬ل ي ُ ْ‬‫حب ّ ً‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة كانت أو ُ‬ ‫الصلة وغيرها واجب ً‬
‫فظ به بحيث‬ ‫ه حّتى يتل ّ‬ ‫عت َدّ ب ِ ِ‬ ‫شيء منها ول ي ُ ْ‬
‫سه إذا كان صحيح السمع ل عارض له»‬ ‫ع نف َ‬ ‫م َ‬ ‫ُيس ِ‬
‫‪74‬‬

‫فك ُْر شيءٌ آخر‪ .‬وقد جمع‬ ‫وال ْ ِ‬


‫ذا‪ ،‬فالذّك ُْر شيءٌ َ‬
‫إ ً‬
‫ة وهو‬
‫ة واحد ٍ‬
‫الله بين هذين المفهومين في آي ٍ‬
‫م لمن‬‫ي‪ ،‬وإفحا ٌ‬‫ع من العجاز القرآن ّ‬ ‫مثا ٌ‬
‫ل رائ ٌ‬
‫عمي قلبه فاْلتبس عليه المران‪ .‬وبّين سبحانه‬
‫وتعالى الفرقَ بينهما في مضمون قوله‪:‬‬

‫ي‪ ،‬السعادة البدية فيما جاء به النقشبندّية‪ ،‬ص‪ .3 /‬مكتبة‬


‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪72‬‬
‫الحقيقة‪ .‬إسطنبول – ‪1992‬م‪.‬‬

‫سورة العراف‪.205/‬‬ ‫‪73‬‬

‫ي )‪676-631‬هـ‪ ،(.‬الذكار المنتخبة من كلم سيد‬


‫ي الدمشق ّ‬
‫محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف الدين النوو ّ‬ ‫‪74‬‬
‫البرار ص‪14 /‬؛ مع مختصر شرح بن ع ّ‬
‫لن‪ .‬دار العربّية للطباعة والنشر‪ .‬بيروت‪.‬؛ نسخة أخرى بعنوان‪ :‬حلية‬

‫البرار و شعار الخيار في تلخيص الدعوات والذكار المستحّبة في الليل والنهار المعروف بالذكار النواوية‪ ،‬ص‪/‬‬

‫‪ .42‬تحقيق علي الشربجي وقاسم النوري‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة الولى بيروت‪1992 -‬م‪.‬‬
‫‪63‬‬

‫ت ْ َ‬
‫ف الل ّي ْ ِ‬
‫ل‬ ‫خت ِل َ ِ‬
‫وا ْ‬ ‫ض َ‬ ‫والْر ِ‬ ‫وا ِ َ‬ ‫ما َ‬
‫س َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫ِ‬
‫خل ْ‬
‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫«إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن الله‬ ‫ن ي َذْك ُُرو َ‬‫ب* اّلذي َ‬ ‫ت لوِلي ا ْلل َْبا ِ‬ ‫ر لَيا ٍ‬ ‫ها ِ‬‫والن ّ َ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫خل ْ‬
‫َ‬ ‫في‬ ‫َ ِ‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬
‫ُ ُ ِ ِ ْ َ َ َ‬ ‫نو‬ ‫ج‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫و‬ ‫دا‬ ‫عو‬
‫ِ َ ً َ ُ ً َ‬‫ُ‬
‫ق‬ ‫و‬ ‫ما‬ ‫يا‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ت ْ َ‬
‫ما الذّكُر بالقول «دون‬ ‫ْ‬ ‫‪75‬‬
‫ض» أ ّ‬ ‫والْر ِ‬ ‫وا ِ َ‬ ‫ما َ‬‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫الجهر»‪ ،‬ففيه تعظيم لجنابه تعالى‪ .‬إذ يعلم الله‬
‫ما يجول في خلد النسان وما ينطق به لسانه‬
‫سّرا كان أو جهًرا‪ .‬وكذلك فيه اجتناب من‬
‫السمعة والرياء‪.‬‬

‫وما جاء في الية المذكورة من قوله «ودون‬


‫الجهر» فليس معناه تعطيل الّلسان من الذّك ْ ِ‬
‫ر‬
‫وإنما فيه توضيح لوصف طريقة الذكر وذلك أن‬
‫ل يكون جهًرا ول خفاءً بل يكون دون الجهر‪،‬‬
‫وفوق الخفاء‪.‬‬

‫ما ما استحدثته النقشبندّية من بدعة الذّك ْ ِ‬


‫ر‬ ‫أ ّ‬
‫ّ‬
‫ن فيها سّرا ل يكاد يطلع على حقيقته‬ ‫ي فا ّ‬
‫القلب ّ‬
‫أحدٌ من متأخري مشائخ هذه الطائفة لجهلهم‬
‫وت َب َدّل َ ٍ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ت َ‬
‫ت له طريقتهم من استحال ٍ‬ ‫بما تعّرض ْ‬
‫ت من الديان والفلسفات من أفكار‬ ‫وما استوح ْ‬
‫وتفسيرات‪ ،‬وما تسّرب إليها مع الزمان من‬
‫مصطلحات دخيلة وتعبيرات غريبة‪.‬‬

‫أن الطريقة النقشبندّية قفزت إلى الهند‬ ‫ّ‬ ‫ذلك‬


‫ت من‬ ‫ي‪ ،‬فاستوح ْ‬ ‫في القرن العاشر الهجر ّ‬
‫ت في بلد‬ ‫الديانة البرهمية والبوذية بعد أن نشأ ْ‬
‫ت هناك بالشامانية‬ ‫ما وراء النهر وتأث َّر ْ‬
‫ن‬
‫صة فإ ّ‬ ‫والمزدكية‪ ،‬والمانوية في سابقها خا ّ‬
‫مد الباقي‬ ‫ءا من مح ّ‬ ‫رجال هذه الطائفة‪ ،‬بد ً‬
‫ي‬
‫ن بعده إلى عبد الله الدهلو ّ‬ ‫م ْ‬ ‫يو َ‬ ‫الكاُبل ّ‬
‫المعروف بشاه غلم علي‪ ،‬كّلهم من أهل الهند‪،‬‬
‫ن بالرهبنة الهندية بإقرار‬ ‫وكّلهم متأث ُّرو َ‬
‫ي‪ .‬إذ ينقل لنا‬ ‫فَرو ّ‬‫مشاهيرهم‪ .‬ومنهم قسيم الك ُ ْ‬

‫سورة آل عمران‪.191 ،190/‬‬ ‫‪75‬‬


‫‪64‬‬

‫ي الشهير بين أهل‬ ‫ة من حياة الروحان ّ‬ ‫صورةً جلي ّ ً‬


‫هذه النحلة‪ ،‬شمس الدين حبيب الله ميرزا مظهر‬
‫جاَنان‪ .‬وهو من الطبقة الثانية عشرة بعد‬ ‫ن َ‬ ‫جا ِ‬
‫َ‬
‫ي مؤسس هذه الطريقة‪.‬‬ ‫خار ّ‬
‫مد بهاء الدين الب ُ َ‬ ‫مح ّ‬
‫ذي‬‫ي‪« :‬إّنه كان يقتصر على التغ ّ‬ ‫فَرو ّ‬‫يقول الك ُ ْ‬
‫عشب والثمرات‪ ،‬ويعيش في أماكن خالية‬ ‫من ال ُ‬
‫‪76‬‬
‫من البشر‪ ،‬ول يرتدي إل قميصا»‬

‫ن هذا الرجل لم يكن على‬‫ذا يتبّين لنا بوضوح أ ّ‬‫إ ً‬


‫مد ‪ ،‬بل كان على سّنة بوذا الراهب‬ ‫سّنة مح ّ‬
‫سس الديانة البوذّية‪.‬‬ ‫مؤ ّ‬
‫وإذا كانت حياة رجال هذه الطائفة صورةً من‬
‫ن‬
‫حياة رهبان البرهمية والبوذية‪ ،‬فل محالة أ ّ‬
‫د‬
‫ق عقائ ِ‬ ‫طب ْ َ‬
‫عقائدهم وعباداتهم أيضا كانت ِ‬
‫صة بعد‬ ‫ن وعباداتهم ومناسكهم‪ ،‬خا ّ‬ ‫أولئك الرهبا ِ‬
‫ت من الدلئل القاطعة على‬ ‫أن قامت عشرا ٌ‬
‫ر في الطريقة‬ ‫ن موضوع الذّك ْ ِ‬ ‫ذلك‪ .‬فثبت أ ّ‬
‫النقشبندّية‪ ،‬وإن كان يتناول اسم ذات الله‬
‫ن أسلوب‬ ‫تبارك وتعالى أو كلمة التوحيد؛ إل أ ّ‬
‫ر فيها مأخوذ من الديانة البوذّية‬ ‫أداء الذّك ْ ِ‬
‫ة(‬
‫غي ّ ِ‬
‫ة )أي الُيو ِ‬ ‫جوك ِي ّ ِ‬‫والبرهمية على الطريقة ال ْ ُ‬
‫ن شاء الله‬ ‫كما سيأتي شرحه في باب الرابطة إ ْ‬
‫تعالى‪.‬‬

‫تدعو المناسبة هنا )وقبل النتقال إلى مسألة‬


‫ة إلى موضوع الذّك ْ ِ‬
‫ر‬ ‫الرابطة( أن نتطّرق ثاني ً‬
‫س» وهي‬ ‫ف ِ‬ ‫ي عند النقشبندّية مع «حبس الن َ‬ ‫القلب ّ‬
‫دا‪.‬‬
‫مة ج ّ‬
‫نقطة ها ّ‬
‫فعندما نعود إلى المصدر السابق أي إلى كتاب‬
‫)السعادة البدية فيما جاء به النقشبندّية( لديب‬
‫ي‪ ،‬نجد‬
‫مد الخان ّ‬
‫الطائفة عبد المجيد بن مح ّ‬
‫أنفسنا أمام ذلك التعريف الغريب نفسه لل ّ‬
‫ذكر‬
‫‪Kasım Kufralı, Nakşibendiliğin Kuruluşu ve Yayılışı (Intiodaction) Türkiyat Enst. no. 337 Istanbul-1949‬‬ ‫‪76‬‬
‫‪65‬‬

‫ي مع إضافة شروط أخرى أشدّ غرابة من‬


‫القلب ّ‬
‫الشروط السابقة‪.‬‬

‫ي في تعريف هذا الشكل‬


‫يباشر عبد المجيد الخان ّ‬
‫ي فيقول‪:‬‬ ‫من الذِّك ْ ِ‬
‫ر القلب ّ‬
‫ي‬‫ف ِ‬‫ت‪ .‬والمرادُ ِبالن ّ ْ‬ ‫والث َْبا ِ‬‫ي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫«الثاني‪ِ ،‬ذك ُْر الن ّ ْ‬
‫ت ‪ ،‬كلمة التوحيد )ل إله إل الله (‪ .‬وهذا‬ ‫والث َْبا ِ‬ ‫َ‬
‫الذكر المبارك يعلمه المرشد للمريد بعد ذكر‬ ‫ّ‬
‫كن من سلطان‬ ‫ذات بالّلطائف والّتم ّ‬ ‫اسم ال ّ‬
‫ول؛ غير أّنه بعد‬ ‫ر ال ّ‬ ‫ب الذّك ْ ِ‬ ‫ه‪ ،‬هي آدا ُ‬ ‫داب ُ ُ‬‫ر‪ .‬وآ َ‬ ‫الذّك ْ ِ‬
‫ول‪،‬‬ ‫أن يلصق الّلسان والسنان والشفة كال ّ‬
‫س تحت سّرته ويتخّيل منها نقش )ل(‬ ‫ف َ‬ ‫يحبس الن ّ َ‬
‫دة إلى منتها دماغه‪ ،‬ويتخّيل من دماغه نقش‬ ‫ممت ّ‬
‫دة إلى كتفه اليمن‪ ،‬ويتخّيل من كتفه‬ ‫)إله( ممت ّ‬
‫اليمن نقش )إل الله( ماّرا بها على الّلطائف‬
‫الخمس ضارًبا بلفظ الجللة على القلب منف ّ‬
‫ذا‬
‫إلى قعره بقوة يتأّثر بحرارتها جميع البدن مع‬
‫ملحظة معنى هذه الجملة‪ .‬وهو أّنه ل مقصود إل‬
‫ذات الله تعالى‪ .‬وينفي بشق النفي جميع‬
‫المحدثات اللهّية‪ .‬وينظرها بنظر الفناء ويثبت‬
‫بشق الثبات ذات الحق تعالى‪ .‬وينظره بنظر‬
‫مد‬‫البقاء‪ .‬ويقول في آخرها بلسان القلب )مح ّ‬
‫رسول الله(‪ .‬ويقصد بها أّنه مّتبع له ويكّررها‬
‫ه من فمه‬ ‫س ُ‬
‫ف َ‬ ‫ه‪ ،‬وُيطلق ن َ َ‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫وة ن َ َ‬‫على قدر ق ّ‬
‫مى عند ساداتنا‬ ‫على الوتر من العدد‪ .‬وهو المس ّ‬
‫و ُ‬‫بال ْ ُ‬
‫‪77‬‬
‫ي»‬ ‫ف العدد ّ‬ ‫قو ِ‬
‫ي‬
‫مد الخان ّ‬
‫ف عبد المجيد بن مح ّ‬
‫كان هذا تعري ُ‬
‫ي عند النقشبندّية‪ ،‬دون أن يكون لهم‬ ‫لل ّ‬
‫ذكر القلب ّ‬

‫ي‪ ،‬السعادة البدية فيما جاء به النقشبندّية‪ ،‬ص‪.33-32/‬‬


‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪77‬‬
‫مكتبة الحقيقة‪ .‬إسطنبول – ‪1992‬م‪.‬‬

‫ي»‪ ،‬مصطلح من مصطلحات النقشبندّية‪ .‬وهو اسم ركن من أركان السلوك عندهم‪ ،‬و عددها أحد‬
‫«الوقوف العدد ّ‬
‫ن شاء الله تعالى في باب «مبادئ الطريقة النقشبندّية بالفارسّية» في نهاية‬
‫عشر ركًنا‪ .‬سيأتي شرحها قريًبا إ ْ‬
‫هذا الفصل‪.‬‬
‫‪66‬‬

‫ة هذا الشكل من الذكر مع‬


‫سندٌ ُيثِبتون به صل َ‬
‫القرآن والسّنة‪.‬‬

‫ولكن ما دام المؤّلف يرشد الناس إلى ذكر الله‬


‫ل شيء» إذن‬ ‫بهذه الكلمات «وذكر الله أفضل ك ّ‬
‫فل غرابة فيها عند أي إنسان ساذج جاهل بهذا‬
‫س وتأثيراتها‪،‬‬ ‫السلوب الماكر‪ ،‬ول بطُُر ِ‬
‫ق الد ّ‬
‫ة مع‬‫وه ٍ‬
‫ل مش ّ‬ ‫ر وأشكا ٍ‬‫واستحالة المور إلى صو ٍ‬
‫الزمان؛ وكيف يلتبس الحق بالباطل على الناس‬
‫من حين إلى آخر‪.‬‬

‫ة الناس هذا‬
‫نعم قد ل يستغرب كثير من جهل ِ‬
‫ي المدّلس ول يقدُّرون خطورته‬
‫التعريف الدجل ّ‬
‫ن اليهود والنصارى والمجوس أيضا يذكرون‬‫«ل ّ‬
‫الله ويحّبونه ويعبدونه كالمسلين» فما عسى‬
‫الغرابة في هذا التعريف؟‬

‫ولكن أهل اليمان الصادق والتوحيد الخالص‬


‫والعلم الغزير لبدّ وأن يستغربوه ويتسائلوا عن‬
‫صة أثناء الذكر‪ .‬هذا ومن‬ ‫س» خا ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫«حبس الن ّ َ‬
‫ن علماء‬‫دا‪ ،‬أ ّ‬
‫الهمية بمكان‪ ،‬ومن الغرابة ج ّ‬
‫المسلمين لم ينتبهوا إلى هذه الهرطقة مع أنها‬
‫قديمة‪ 78‬في عقائد الطائفة النقشبندّية‪ .‬يدل‬
‫عب َْر عصور‬ ‫ذلك على غفلة كثير من أهل العلم َ‬
‫عث ُْر على شيء عن هذه المسألة‬ ‫الظلم‪ .‬فلم ن َ ْ‬
‫جل َ ُ‬
‫ه‬ ‫في مؤّلفاتهم ومصّنفاتهم سوى ما قد س ّ‬
‫ي بإيجاز في ثنايا الجزء‬ ‫لمة أبو الحسن الندو ّ‬ ‫الع ّ‬
‫الثالث من كتابه «رجال الفكر والدعوة في‬
‫ع منه وهو يشرح‬ ‫السلم»‪ .‬إذ يقول في مقط ٍ‬
‫التطورات اّلتي حدثت في الطرق الصوفّية‬
‫المنتشرة على الساحة الهندية وخاصة الطريقة‬
‫عْيها؛ فيقول‪« :‬وينتمي الفرع‬ ‫الشطارية وفر َ‬
‫ي‪-‬‬‫وام الجنبور ّ‬ ‫الثاني إلى شيخ علي بن ق ّ‬

‫علي بن الحسين الواعظ الكاشفي البيهقي‪ ،‬رشحات عين الحياة ص‪ .41/‬صاري كز‪ ،‬إسطنبول‪1291-‬هـ‪.‬‬ ‫‪78‬‬
‫‪67‬‬

‫المعروف بشيخ علي عاشقان السرائي ميري ‪-‬‬


‫طاري واسطتان‪.‬‬ ‫بينه وبين الشيخ عبد الله الش ّ‬
‫م «يوكا»‬ ‫عاِلي َ‬ ‫ة تَ َ‬‫مّر ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫و ِ‬ ‫ةل ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ه الطّ ِ‬ ‫ذ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ج ْ‬ ‫مَز َ‬ ‫قد َ‬
‫ض‬
‫ع َ‬ ‫وَلى ب َ ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫خَتاَر ْ‬ ‫وا ْ‬ ‫عاِليم ِ الصوفّية‪َ ،‬‬ ‫ِبالت ّ َ‬
‫ه‬
‫ذ ِ‬
‫ه ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ول َ ّ‬ ‫س الن ّ َ‬ ‫َ‬
‫قن َ ْ‬ ‫س‪َ ،‬‬ ‫ف ِ‬ ‫حب ْ َ‬ ‫و َ‬‫د‪َ ،‬‬ ‫وَرا َ‬‫وال ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ضا ِ‬ ‫الّرَيا َ‬
‫ت إَلى‬ ‫م ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫كي َ‬ ‫سال ِ ِ‬‫وال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫دي َ‬ ‫ري ِ‬ ‫م ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫عاِلي َ‬ ‫الت ّ َ‬
‫ء» وقد جاءت تفاصيل‬ ‫مَيا ِ‬ ‫س ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫عل ْ َ‬ ‫ة« ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ري َ‬ ‫الطّ ِ‬
‫هذه الوراد وشروح الرياضات الخاصة في‬
‫طارية اّلتي أّلفها الشيخ بهاء الدين‬ ‫الرسالة الش ّ‬
‫مد‬ ‫شيخ مح ّ‬ ‫النصاري القادري‪ .‬وتوجد قصيدةٌ لل ّ‬
‫طاري في كتابه «كليد مخازن» ـ مفتاح‬ ‫الش ّ‬
‫م‬ ‫ة الوجوِد‪ ،‬وعد َ‬ ‫الخزاين ـ تفيد عقيدةَ وحد ِ‬
‫سل ِم ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ع ِ‬ ‫وال ِْبي َ‬ ‫د َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫ق ب َي ْ َ‬ ‫ري ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫الت ّ ْ‬
‫‪79‬‬
‫ي»‬ ‫م ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫وال ْب ََر ْ‬ ‫َ‬
‫ع آخر من كتابه المذكور‪:‬‬ ‫ي قي مقط ٍ‬ ‫يقول الندو ّ‬
‫«وهنا في الهند ‪-‬اّلتي كانت منذ آلف السنين‬
‫سك والرهبانية‪ -‬واجه الصوفّية‬ ‫مركز اليوك‪ ،‬والتن ّ‬
‫الواردون من الخارج‪ ،‬اليوكّيين المحّنكين‬
‫المرتاضين اّلذين كانوا ضاعفوا قوة نفوسهم‬
‫ومتخّيلتهم عن طريق حبس النفاس والتأملت‬
‫وفة‬‫اليوكّية المعروفة لديهم‪ .‬فتعّلم بعض المتص ّ‬
‫‪80‬‬
‫المسـلمين منـهم هذا الفن»‬

‫ي‪ ،‬رجال الفكر والدعوة في السلم ص‪ .28 ،3/27 /‬دار القلم للنشر‬
‫أبو الحسن علي الحسني الندو ّ‬ ‫‪79‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية‪ .‬الكويت‪1994-‬م‪.‬‬

‫المصدر السابق ص‪.217/‬‬ ‫‪80‬‬


‫‪68‬‬

‫س‪ »81‬تحتاج إلى شيء‬ ‫ف ِ‬ ‫أن مسألة «حبس الن ّ َ‬‫إل ّ ّ‬


‫صا‬
‫من التوضيح هنا بمناسبة المقام‪ ،‬تمحي ً‬
‫ل ذهن‬‫ك قد ُيخات ِ ُ‬‫يش ّ‬ ‫للموضوع‪ ،‬وإجلءً ل ّ‬
‫الباحث عن حقيقة هذه النحلة‪.‬‬

‫ن النسان قد اكتشف ببحوثه‬ ‫من المعلوم أ ّ‬


‫وتحّرياته وتجاربه منذ الماضي السحيق إلى‬
‫فا من أساليب المعالجة لزماته‪ .‬ول‬ ‫اليوم آل ً‬
‫ة يتمّتع بما‬
‫فا عملق ً‬‫قق أهدا ً‬ ‫ك في أّنه قد ح ّ‬ ‫ش ّ‬
‫دمت له في العصر الحاضر من السرعة‬ ‫ق ّ‬
‫والرفاهية والرخاء‪ .‬إل أّنه مع هذا قد وجد نفسه‬
‫ة من الحداث اّلتي هي في‬ ‫ة هائل ٍ‬ ‫ج ٍ‬ ‫طض ّ‬‫في وس ِ‬
‫الحقيقة صنيعة يديه‪ .‬وهو أمام هذه العاصفة‬
‫ب‬ ‫ة واض ّ‬
‫طرا ٍ‬ ‫ة شديد ٍ‬‫ب‪ ،‬ومعانا ٍ‬ ‫ك غري ٍ‬ ‫في ارتبا ٍ‬
‫ب ل يدري كيف ينجو من وطئته‪.‬‬ ‫رهي ٍ‬
‫ي من‬‫ل البشر ّ‬‫اهتدى إليه العق ُ‬
‫َ‬ ‫ومن جملة ما‬
‫مة تطبيقات‬ ‫ب توفير الطمأنينة والهدوء‪ ،‬ث ّ‬ ‫أسالي ِ‬
‫ل وأشكال من الرياضة‬ ‫ب البدي ِ‬
‫غريبة من الط ّ‬
‫الذهنية‪ ،‬اكتشفها رهبان الديانات الهندية في‬
‫القرون الماضية من خلل ممارساتهم وتجاربهم‬
‫شف والنزواء‬ ‫ت طويلة من التق ّ‬ ‫فت ََرا ٍ‬‫عب َْر َ‬
‫َ‬
‫مل والتركيز‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ .‬فأضفوا عليها‬ ‫والتأ ّ‬
‫ة من التصوف والروحانية؛ وذلك على سبيل‬ ‫صبغ ً‬
‫المحاولة للّتصال بما وراء الطبيعة‪ ،‬حّتى غدت‬
‫تلك الممارسات من الداب والركان في‬
‫لمزيد من المعرفة في مسألة «حبس الن َ‬
‫فس والذكر القلبي» راجع المصادر التية‪:‬‬ ‫‪81‬‬
‫* علي بن الحسين الواعظ الكاشفي البيهقي‪ ،‬رشحات عين الحياة ص‪ .41/‬صاري كز‪ ،‬إسطنبول‪1291 -‬هـ‪.‬‬

‫ي‪ ،‬الرسالة الخالدّية ص‪) .67 /‬ترجمة‪ :‬شريف أحمد بن علي؛ النسخة المتداولة بين أتباع محمود‬
‫* خالد البغداد ّ‬
‫أسطى عثمان أوغلو في إسطنبول(‬

‫* نعمة الله بن عمر‪ ،‬الرسالة المدنية ص‪ .48 /‬مخطوطة دمشق ‪ 1213 -‬هـ‪.‬‬

‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية‪ ،‬ص‪ .48 /‬طبعة مصر ‪1319 -‬هـ‪.‬‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫* مح ّ‬
‫ي‪ ،‬الحديقة الندّية في الطريقة النقشبندّية ص‪ .81 /‬مكتبة الحقيقة‪ ،‬إسطنبول‪.1992 -‬‬
‫مد بن سليمان البغداد ّ‬
‫* مح ّ‬
‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة علم الغيوب‪ ،‬ص‪ .514 /‬طبعة مصر ‪ 1384 -‬هـ‪.‬‬
‫مد أمين الكرد ّ‬
‫* مح ّ‬
‫ي‪ ،‬السعادة البدية فيما جاء به النقشبندّية‪ ،‬ص‪ .33 /‬مكتبة‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫* عبد المجيد بن مح ّ‬
‫الحقيقة‪ .‬إسطنبول‪1992 -‬م‪.‬‬

‫* علي قدري‪ ،‬الرسالة البهائية )ترجمة‪ :‬رحمي سرين( ص‪ .48-39 ،26 ،13 /‬إسطنبول‪1994-‬م‪.‬‬
‫‪69‬‬

‫د‪.‬‬
‫س الهن ِ‬ ‫ها مجو ُ‬ ‫عت َ َ‬
‫قدَ َ‬ ‫الديانات البرهمية‪ ،‬وا ْ‬
‫‪82‬‬
‫وقد اختلف فيها‬ ‫ت أخيًرا «اليوغا»‬ ‫مي َ ْ‬
‫س ّ‬ ‫و ُ‬
‫ة من‬ ‫دث ٌ‬‫ل مستح َ‬ ‫ن‪ ،‬أم أشكا ٌ‬ ‫الناس‪ :‬هل أنها دي ٌ‬
‫الرياضة الذهنية والنفسية‪ ،‬منها «حبس‬
‫س»؛ وما عسى الحكمة والفائدة في حبس‬ ‫ف ِ‬ ‫الن ّ َ‬
‫س؟ وهو في الحقيقة إحراج البدن وإرغامه‬ ‫ف ِ‬ ‫الن ّ َ‬
‫ن هذا‬ ‫على فعل يخالف طبيعته‪ .‬ل جرم أ ّ‬
‫ن في‬ ‫السؤال يخامر النسان بحكم الطبع‪ .‬ل ّ‬
‫س مضايقة على الرئتين وإخناق لهما‬ ‫ف ِ‬‫حبس الن َ‬
‫مة تقومان بها في سبيل‬ ‫وتعطيل لوظيفة ها ّ‬
‫استمرار الحياة‪.‬‬

‫«اليوغا» بتعبير أهله‪« :‬هي رياضة جسدية نفسية فكرية؛ فيها يخضع النسان جسده بوظائفه الرادية‬ ‫‪82‬‬
‫ب مسّير الكون العظيم‪.‬‬ ‫عا وال ّ‬
‫لإرادية بالسيطرة العصبّية إلى محض إرادته‪ .‬وبواسطتها تتصل روحه بروح الر ّ‬ ‫طب ً‬
‫فهي‪ - ،‬أي اليوغا ‪ -‬إذن )صلة الوصل( بين النسان وخالقه‪ .‬وأصل الكلمة من الّلغة السنسكريتّية الهندية‬
‫القديمة؛ و تعني هذا المعنى»‪ .‬هذا التعريف مقتبس من كتاب «اليوغا» للمؤل ّ َ‬
‫فْين‪ :‬المستشرق ج‪ .‬توندريو‪ ،‬و ب‪.‬‬

‫عل ّ ُ‬
‫منا‬ ‫ريال‪ .‬مكتبة المعارف‪ .‬بيروت‪1988-‬م‪ .‬يقول المؤّلفان في مق ّ‬
‫دمة نفس الكتاب‪« :‬فاليوغا طريقة مدهشة ت ُ َ‬
‫سُبنا التركيز وحسن التفكير‪...‬إلخ‪».‬‬
‫ن اكتساب الصبر والهدوء والسيطرة‪ ،‬والمراقبة الذاتية‪ ،‬و ُتك ِ‬ ‫َ‬
‫ف ّ‬
‫لتينية ورد على شكل «اْليو َ‬
‫غا»‪ yoga‬؛‬ ‫ونة بالحروف ال ّ‬
‫ن الضبط الشائع لهذه الكلمة في جميع المصادر المد ّ‬
‫إ ّ‬
‫وفة من العرب‬ ‫واّلذي يمارس هذه الرياضة يسم ّ‬
‫ى «يوكي» أو «يوكين»‪ .‬أما في كتب الباحثين والمتص ّ‬
‫ف من الضبط‪ .‬مثل‪« :‬الجوك» و «اليوك» و«اليوكا»‪ .‬وردت هكذا‬
‫والمستعربين‪ ،‬فقد جاءت هذه الكلمة على اختل ٍ‬
‫ي‪ .‬وجاءت هذه الكلمة علي شكل «اليوغا» في ترجمة إلياس أيوب‬ ‫في بعض أعمال الع ّ‬
‫لمة أبي الحسن الندو ّ‬
‫للكتاب اّلذي ألفه ج‪ .‬توندريو و ب‪ .‬ريال‪ .‬تحت عنوان‪ .The Yoga :‬والممارس لهذه الرياضة‪ ،‬فقد جاء التعبير عنه‬

‫ضا‪ .‬مثل «الجوكي» وجمعه «الجوكية»؛ كما وردت التسمية بهم على هذا الشكل في رسالة الشيخ‬ ‫مختل ً‬
‫فا أي ً‬

‫ي اّلذي طعن بها في خالد البغداد ّ‬


‫ي؛ و كذلك «اليوك» و«اليوكية» و «اليوكّيون‪-‬‬ ‫معروف النودهي البرزنج ّ‬
‫ما الصيغة الشائعة للمفرد هي «اليوغي»‪ .‬وجمعها «اليوغية‪-‬اليوغّيون‪-‬‬
‫اليوكّيين» هي صيغ الجمع لـ «اليوكي»؛ أ ّ‬
‫اليوغّيين»؛ واسم هذه الرياضة «اليوغا»‪ .‬و للطاع على مواقع هذه الكلمة في المصّنفات راجع المصادر التية‪:‬‬

‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية‪ ،‬ص‪ .6 /‬طبعة مصر ‪1319 -‬هـ‪.‬‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫* مح ّ‬
‫مد مطيع الحافظ‪-‬نزار أباظة‪ ،‬علماء دمشق وأعيانها في القرن الثالث عشر الهجري ص‪ .304 /‬دار الفكر‬
‫* مح ّ‬
‫المعاصر؛ بيروت‪..‬‬

‫‪TDV İSAM. 922.97 HAFT.T. 29819-1 İstanbul-1949‬‬ ‫*‬

‫ورة( ضمن مجموعة الزمرد‬


‫* أحمد البقاعي‪ ،‬رسالة في آداب الطريقة النقشبندّية ص‪ .33 /‬مخطوطة )مص ّ‬
‫العنقاء‪.‬‬

‫‪TDV. İSAM. 297-7 NİM. Z 46644‬‬ ‫*‬

‫* أبو الحسن الندوة‪ ،‬رجال الفكر والدعوة في السلم‪.217 ،‍168 ،42 ،3/27 .‬‬

‫‪Hüseyin Hilmi Işık, Vahhabiye Nasihat Pg. 105. Edition II. İstanbul-1970‬‬ ‫*‬

‫*‪(Erich Fromm. Zen Budhism and psycoanalyses (All of them‬‬

‫* ‪(Sir James Bolevard, Meditation )All of them‬‬

‫* منير بعلبكي‪ ،‬موسوعة المورد )إنجليزي‪-‬عربي(‪ .10/187 ،‬دار العلم للمليين؛ الطبعة الثانية‪ .‬بيروت‪1992-‬م‬

‫*‪Feriduddin Aydın, Tarikatta Rabıta ve Nakşibendilik. Pg. 269. Edition II. Süleymaniye Fondation. İstanbul-2000‬‬
‫‪70‬‬

‫ن المر ليس في هذا المستوى من البساطة‬ ‫إل ّ أ ّ‬


‫ن «حبس‬ ‫مة‪ .‬بل إ ّ‬ ‫والسطحية كما تظّنه العا ّ‬
‫س» وبالحرى «المراقبة على عمل‬ ‫ف ِ‬ ‫الن ّ َ‬
‫ي‬
‫س» من وجهة نظر الطب النفس ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫الت ّن َ ّ‬
‫ة في‬ ‫دا وخطوةٌ أساسي ٌ‬ ‫مج ً‬ ‫ي‪ ،‬هو أمر ها ّ‬
‫الجسد ّ‬
‫تمرينات «اليوغا» اّلتي هي في حدّ ذاتها رياض ٌ‬
‫ة‬
‫ة يمارسها كثير من الناس بصورة‬ ‫ة ونفسي ٌ‬ ‫ذهني ٌ‬
‫ة أو‬
‫ة ديني ٍ‬
‫ق صف ٍ‬ ‫عقلنية صرفة دونما إلحا ِ‬
‫ة بها‪ .‬ذلك للّتخّلص من الضطرابات‬ ‫روحاني ٍ‬
‫النفسية‪ ،‬ولتوفير الطمأنينة والهدوء والصحة‬
‫وض النسان على‬ ‫البدنّية والعقلّية كما أّنها تر ّ‬
‫الصبر والسيطرة على العصاب بصورة طبيعّية‬
‫قد أقّرها علماء الطب المعاصر‪.‬‬

‫يقول شخصيتان من خبراء هذا الفن في وصف‬


‫نمط من أنماط هذه الرياضة‪:‬‬

‫«إّنه شكل ل يبحث عنه إل ّ القليل من الناس‬


‫صة من الحياة‪ .‬ول يدركه‬ ‫وهو يتطّلب شرو ً‬
‫طا خا ّ‬
‫إل المتصوفون العظام؟ ‪» 83‬‬

‫يجب هنا أن ل نتغافل عما يتداعى هذا التوضيح‬


‫اّلذي انطلق قدماء النقشبندّيين من منهله في‬
‫حقيقة المر فبنوا على جذور هذه الفكرة شطًرا‬
‫من تعاليمهم‪ .‬وجعلوا ما استقوا منها أدبًا من‬
‫ن له‬‫ي‪ ،‬وزعموا أ ّ‬ ‫آداب طريقتهم في الذّك ْ ِ‬
‫ر القلب ّ‬
‫سا من الكتاب والسّنة وذلك بهتان عظيم‪.‬‬ ‫أسا ً‬
‫س» في مصطلح النقشبندّيين‬ ‫ف ِ‬ ‫إن «حبس الن ّ َ‬ ‫ّ‬
‫قدَْر لحظات‬‫س داخل الرئتين َ‬ ‫ف ِ‬ ‫معناه إمساك الن ّ َ‬
‫ي» الموزون المتواقت بعينه‬ ‫غ ّ‬‫س ال ُْيو ِ‬‫ف ُ‬ ‫وهو «الت ّن َ ّ‬
‫في الصل والمنشأ كما يقول المستشرق ج‪.‬‬
‫س‪ -‬ب‪ .‬ريال‪:‬‬
‫ف ِ‬‫توندريو وزميله ‪-‬عالم الن ّ ْ‬

‫«اليوغا»‪ ،‬ج‪ .‬توندريو‪-‬ب‪ .‬ريال؛ تعريب‪ :‬إلياس أيوب ص‪ .29 /‬مكتبة المعارف بيروت‪.1988 -‬‬ ‫‪83‬‬
‫‪71‬‬

‫ي من أهمّية في احتفاظ‬ ‫غ ّ‬‫س ال ُْيو ِ‬ ‫«ول بد ِللت ّن َ ّ‬


‫ف ِ‬
‫‪84‬‬
‫هواء الشهيق داخل الّرّئتين لفترة معينة»‬

‫وإليك وصفه على لسانهما ـ بشرط أن تتذكّر‬


‫فا من كتاب «السعادة البدّية‬ ‫الن ما نقلناه سال ً‬
‫فيما جاء به النقشبندّية» لديب هذه الفرقة‪ ،‬عبد‬
‫كن‬ ‫ي؛ حّتى تتم ّ‬ ‫مد الخان ّ‬ ‫مد بن مح ّ‬ ‫المجيد بن مح ّ‬
‫س‬
‫حب ْ ِ‬‫مة بين « َ‬ ‫من الوقوف على المشابهة التا ّ‬
‫س‬
‫ف ِ‬ ‫ي وبين «الت ّن َ ّ‬‫ر النقشبند ّ‬ ‫س» في الذّك ْ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫الن ّ َ‬
‫ي بالمقارنة بينهما‪.‬‬ ‫ي البرهم ّ‬ ‫ي» الهند ّ‬‫غ ّ‬‫ال ُْيو ِ‬
‫يقول الباحثان‪:‬‬

‫ن‪ .‬اشهق‬ ‫ي الذَّرا َ‬


‫عي ْ ِ‬ ‫ب الجسم ِ متدل ّ َ‬ ‫س منتص َ‬ ‫«إجل ِ ْ‬
‫ك على طريق الهواء )حسبما ورد‬ ‫ر َ‬‫ز فك ِ‬ ‫مع تركي ِ‬
‫دة ثانيتين‪ ،‬أو‬ ‫أعله( إحتفظ بهواء الشهيق لم ّ‬
‫سّر ومّيزة هذه‬ ‫ثلث ثواني على القل‪ .‬وهذا هو ِ‬
‫الطريقة عن سابقها‪ .‬ل حظ بأّنك تصبح أثناء هذا‬
‫شدّ جسمك‪.‬‬ ‫الحتفاظ متوت ًّرا‪ .‬فترتفع كتفاك وي َن ْ َ‬
‫جا من النف‬ ‫فْر الهواءَ خار ً‬‫خ‪ .‬ا ِْز ِ‬ ‫ب واست َْر ِ‬ ‫جّر ْ‬
‫دة ثانيتين أو‬ ‫ما‪ .‬احتفظ برّئتيك فارغتين لم ّ‬ ‫دو ً‬
‫ثلثة‪ .‬ثم أعد الكّرة من جديد بالشهيق الواعي‪.‬‬
‫صة أن تدرك‬ ‫هذا التمرين يسمح لك بصورة خا ّ‬
‫الفكرة‪ ،‬ولم يبق لك سوى التنفيذ حوالي عشر‬
‫‪85‬‬
‫مرات يومًيا»‬

‫ءا من‬ ‫أليس هذا اّلذي جعله النقشبندّيون مبد ً‬


‫ة‬
‫دا ومكابر ً‬ ‫مبادئ ذكرهم؟ وهل يكتمونه عنا ً‬
‫وا بذلك في عداد المشركين من‬ ‫خل ُ‬
‫حّتى ل ي َدْ ُ‬
‫د؟ كل‬‫ر وقص ٍ‬ ‫ي واختيا ٍ‬‫اليوغية الهندوس عن وع ٍ‬
‫د‪ ،‬لو سمع‬ ‫والله! ولكن الجهل قد بلغ بهم إلى ح ّ‬
‫جب‬ ‫منك غوثهم العظم كلمة «اليوغا» لتع ّ‬
‫ن أّنها اسم لنوع من‬ ‫واستغرب؛ ولربما ظ ّ‬

‫المصدر السابق ص‪.47 /‬‬ ‫‪84‬‬

‫المصدر السابق ص‪.49 ،48 /‬‬ ‫‪85‬‬


‫‪72‬‬

‫الوحش أو النبات‪ ،‬أو العقاقير )كما حدث ذلك‬


‫دا‬
‫ت أح ً‬
‫أثناء حوار مع أحد شيوخهم(‪ .‬ولو سأل َ‬
‫منهم عن معاني كلمات‪:‬‬

‫ها من‬ ‫‪ ,Nirvana, Meditation Trence, Mantra‬وما شاك َل َ َ‬


‫صا عينيه‬ ‫مصطلحات مجوس الهند‪ ،‬لرأيته شاخ ً‬
‫د‬
‫ك بنظره الحا ّ‬ ‫ق َ‬
‫ت؛ ولكّنه يكاد ي ُْزل ِ ُ‬ ‫ه َ‬
‫إليك وقد ب ُ ِ‬
‫ة بالحقد‪،‬‬ ‫ة مشوب ٍ‬ ‫ت من حير ٍ‬ ‫وقد خّيم عليه صم ٌ‬
‫عب ُّر عما في ضميره من تساؤلت وأحاسيس‬ ‫تُ َ‬
‫دة‪ ،‬وتصورات وأفكار؛ حّتى‬ ‫غريبة‪ ،‬وهواجس مع ّ‬
‫ق َ‬
‫ذات ل يدري كيف يتخّلص من المأزق اّلذي‬ ‫هو بال ّ‬
‫انحبس فيه أمام هذا السؤال الطارئ بسبب‬
‫جهله معاني هذه الكلمات التافهة أو ربما طأطأ‬
‫رأسه وكأّنه يستشير الشياطين ليستوحي منهم‬
‫أخبث ما في قاموسهم من كلمات الشتم‬
‫ما‬
‫كم ليقذفك بها بعد قليل انتقا ً‬ ‫والّلعن والته ّ‬
‫قد في‬ ‫ة للنار اّلتي تتو ّ‬ ‫منك على سؤالك؛ وتهدئ ً‬
‫صدره غضًبا عليك!‬

‫ذا كيف بشيوخ النقشبندّية مع هذا الجهل أن‬ ‫إ ً‬


‫ققوا مما تسّرب إلى طريقتهم من تعاليم‬ ‫يتح ّ‬
‫عب َْر القرون؟‬
‫الديانة البرهمية َ‬

‫ط‬
‫س» أو المراقبة عليها بشرو ٍ‬ ‫ف ِ‬ ‫س الن ّ َ‬
‫حب ْ ُ‬
‫أما « َ‬
‫ي‬
‫ي الجسد ّ‬ ‫ب النفس ّ‬ ‫ددها‪ ،‬وأقّرها علماء الط ّ‬ ‫ح ّ‬
‫بعد دراسات وبحوث وتجارب كما هو منصوص‬
‫في مصّنفاتهم فإّنه حقيقة عقلنّية تجربّية‬
‫وعلمّية ثابتة بالبراهين‪ ،‬ول صلة بين هذه‬
‫ي من‬ ‫الحقيقة مباشرة وبين الجانب الروحان ّ‬
‫ت إلى‬ ‫ي كما ل يعقل أن تم ّ‬ ‫الدين السلم ّ‬
‫ء‪.‬‬‫وف بشي ٍ‬ ‫التص ّ‬
‫أما تطبيق هذه الطريقة العلمّية لغراض صحّية‪،‬‬
‫ن الحديث عنه ليس من اختصاص بحثنا‪ ،‬وإنما‬ ‫فإ ّ‬
‫ي‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫ن هذه‬ ‫ي الجسد ّ‬
‫ب النفس ّ‬
‫هو موضوع الط ّ‬
‫‪73‬‬

‫الظاهرة الغريبة اّلتي انتشرت في الونة‬


‫الخيرة‪ ،‬ترجع في الصل إلى تعاليم الديانتين‬
‫الوثنيتين‪ :‬البوذّية والهندوسية‪ .‬وهي من‬
‫ل ذات الصلة الوثيقة بالصهيونية‪،‬‬ ‫العما ِ‬
‫ط من الرياضة البدنّية‬ ‫ل وأنما ٍ‬
‫ُتستعرض في أشكا ٍ‬
‫عا لها‬
‫والروحية‪ ،‬وقد افتتحت منظمة اليوجا فر ً‬
‫في القاهرة عام ‪ ،1975‬وكان يقوم بالتدريب به‬
‫شاب من الفليبين وفتاة أمريكية‪ ،‬وقد استطاع‬
‫الثنان أن يجذبا إلى مقّر هذه المنظمة عددا من‬
‫الشباب الجامعي للتدريب على اليوجا والعداد‬
‫للقيام بنشاط اجتماعي لتوعية أهالي القرى‬
‫والمدن‪ .‬وفى ‪ 16/7/1975‬قبض رجال المن على‬
‫الفتى والفتاة بعد أن اّتضح قيامهما بنشاط‬
‫ديني وسياسي والدعوة لتمييع الديان‬
‫ن هذه‬‫والنتقاص من القيم الروحية‪ ،‬واّتضح أ ّ‬
‫ولها جهات صهيونية وأّنها فرع‬ ‫المنظمة تم ّ‬
‫ة مركزها الرئيسي في إسرائيل‪.‬‬ ‫ظم ٍ‬‫لمن ّ‬

‫س»‬‫ف ِ‬‫س الن ّ َ‬


‫حب ْ َ‬ ‫ن« َ‬ ‫ولكن ينبغي هنا التأكّيد على أ ّ‬
‫ليس هو المر الوحيد اّلذي استقاه قدماء‬
‫النقشبندّية من تعاليم اليوغية البرهمية؛ بل‬
‫ه من غير‬ ‫خي ّل ُ ُ‬‫تركيُز الفكر على جسم ٍ بعينه أو ت َ َ‬
‫اتصال‪ ،‬أيضا هو من المور اّلتي أخذتها الطائفة‬
‫النقشبندّية من تقاليد الهندوس دون أدنى ش ّ‬
‫ك‪،‬‬
‫وهو المعب ُّر عنه عندهم باستحضار صورة الشيخ‬
‫ح في عقائدهم باسم‬ ‫في الخيال‪ ،‬والمصطل ُ‬
‫«الرابطة»‬
‫***‬

‫* الّراب ِطَ ُ‬
‫ة‪.‬‬
‫وما أدراك ما الرابطة! أل إّنها لفتنة عظيمة‬
‫انفجرت في العراق فنشبت بشرارة طارت إليها‬
‫‪74‬‬

‫ي من مدينة‬
‫من الهند بعد عودة خالد البغداد ّ‬
‫دلهي عام ‪1226‬هـ‪.‬‬
‫كان قد سافر إليها من العراق سنة ‪1225‬هـ‪ .‬إل ّ‬
‫ي سفر‬ ‫ة ول َ كأ ّ‬
‫ة لم تكن صدف ً‬ ‫ن هذه الّرحل َ‬ ‫أ ّ‬
‫ة بمكان‪ ،‬أّنها وقعت في‬ ‫مي ّ ِ‬
‫عَتاد‪ ،‬بل ومن اله ّ‬ ‫م ْ‬‫ُ‬
‫ء النجليز على الساحة الهندية‬ ‫ة استيل ِ‬‫مرحل ِ‬
‫دق‬ ‫حيث يأبى دماغ الرجل المسلم الواعي أن يص ّ‬
‫د‬
‫بمصادفة هذا المر دون برنامج سابق! فعا َ‬
‫ة من‬ ‫ة مستوحا ٍ‬ ‫ء غريب ٍ‬ ‫ة وآرا ٍ‬ ‫ر جديد ٍ‬ ‫ي بأفكا ٍ‬‫البغداِد ّ‬
‫ث النقشبندّية على‬ ‫ة‪ .‬فبدأ يب ّ‬ ‫البوذّية والبرهمي ِ‬
‫أساسها باسم الطريقة الخالدّية‪ .‬وابتدع لها ركًنا‬
‫ماها «الرابطة»‪ ،‬بعد أن لم تكن الرابطة شيًئا‬ ‫س ّ‬
‫عا في الطرق الصوفّية‬ ‫معهودا ول مسمو ً‬
‫المنتشرة بين المجتمعات العجمية في المملكة‬
‫جة في مختلف أنحاء البلد‬ ‫العثمانّية‪ .‬فأثار ض ّ‬
‫س معها من‬ ‫بهذه البدعة الخطيرة‪ ،‬وما د ّ‬
‫مستحدثات منكرة لم يكن القصد منها في‬
‫صة‬ ‫الحقيقة إل ضرب السلم من أساسه‪ .‬فالق ّ‬
‫ي‬‫طويلة سنشرحها في ترجمة خالد البغداد ّ‬
‫ن شاء الله تعالى‪.‬‬ ‫ضمن الفصل الرابع إ ْ‬
‫ي فهي من أعظم‬‫ما الرابطة في عقيدة البغداد ّ‬
‫أ ّ‬
‫الركان في الطريقة اّلتي استحدثها بعنوان‬
‫«الخالدّية» إذ يغضب أشدّ الغضب على من‬
‫وصفها بالبدعة فيقول‪:‬‬

‫دون‬‫ن بعض الغافلين عن أسرار حق اليقين يع ّ‬ ‫«إ ّّ‬


‫الرابطة بدعة في الطريق ويزعمون أّنها شيء‬
‫ل! إنها أصل من‬ ‫ليس لها أصل ول حقيقة‪ .‬ك ّ‬
‫أصول طريقتنا العلّية النقشبندّية‪ .‬بل هي أعظم‬
‫م بالكتاب العزيز‬
‫سك التا ّ‬‫أسباب الوصول بعد التم ّ‬
‫‪86‬‬
‫وسّنة الرسول»‬

‫ص هذه الرسالة ضمن المصادر التي ذكرها‪:‬‬


‫ورد ن ّ‬ ‫‪86‬‬
‫‪75‬‬

‫ة بعثها إلى‬ ‫ل رسال ٍ‬ ‫جاءت هذه الكلمات في مسته ّ‬


‫من‬‫حم ّ‬‫مد أسعد أفندي السطنبولي‪ ،‬إذا ص ّ‬ ‫مح ّ‬
‫أسندها إليه‪ .‬فقد عبث المؤّلف في هذه الرسالة‬
‫ت‬‫ت ومصطلحا ٍ‬ ‫بالمفاهيم‪ ،‬فجمع فيها بين كلما ٍ‬
‫شّتى؛ وآرء متباينة ومتناقضة وهو يحاول أن‬
‫ة‪ .‬وذلك من‬ ‫صل َ ً‬
‫يجعل بين طريقته وبين السلم ِ‬
‫ر‬‫ل عص ٍ‬ ‫أساليب الباطنية‪ .‬لنهم يتعّرضون في ك ّ‬
‫ة من علماء المسلمين‪ ،‬فإذا عجزوا‬ ‫ت عنيف ٍ‬
‫لهجما ٍ‬
‫جأوا إلى مدّ الجسور بين‬ ‫َ‬
‫عن مقاومتهم ل َ‬
‫جتهم‪.‬‬ ‫مذاهبهم وبين السلم ليبّرروا بها ح ّ‬
‫ما على من عدّ الرابطة‬ ‫ي هجو ً‬
‫ن البغداد ّ‬
‫فقد ش ّ‬
‫ل‪ ،‬إّنها أصل من‬ ‫ة‪ ،‬ثم دافع عنها بقوله‪« :‬ك ّ‬ ‫بدع ً‬
‫ي صاد ً‬
‫قا‬ ‫أصول طريقتنا‪...‬إلخ»‪ .‬قد يكون البغداد ّ‬
‫في هذا المقطع من كلمه‪ .‬لّنه ما يسمى‬
‫«الطريقة»‪ ،‬فإنها من صنع الصوفّية بجميع‬
‫ة أداِئها‪.‬‬
‫سها وصور ِ‬ ‫ءها وفلسفِتها وطقو ِ‬ ‫مبادي ِ‬
‫ل أخرى من البدع‬ ‫إذن ل غرابة في إضافة أشكا ٍ‬
‫إلى مبادئ الطريقة وأصولها متى شاء زعيمها‬
‫اّلذي ُيذعن له جمهوُر المريدين‪.‬‬

‫ما قوله «بل هي أعظم أسباب الوصول‪...‬إلخ»‪،‬‬ ‫أ ّ‬


‫ة على السلم‪،‬‬‫فإنها جرأةٌ على الله وجناي ٌ‬
‫م على كتاب الله وسّنة رسوله! ‪.‬‬‫ن عظي ٌ‬‫وبهتا ٌ‬
‫نعم‪ ،‬يجوز عقلً أن تكون الرابطة أصل ً من أصول‬
‫الطريقة النقشبندّية‪ .‬إذ هي في الحقيقة ديانة‬
‫سها‪،‬‬‫مستقّلة بأصوِلها وآداِبها وأركاِنها وطقو ِ‬
‫مد مطيع الحافظ‪-‬نزار أباظة‪ ،‬علماء دمشق وأعيانها في القرن الثالث عشر الهجري ص‪ .313 /‬دار الفكر‬
‫* مح ّ‬
‫المعاصر؛ بيروت‬

‫هابُيون )مجموعة فيها خمس رسائل‪ ،‬من منشورات ‪ .(Işık Kitabevi‬الرسالة الخيرة منها‪.‬‬
‫* علماء المسلمين والو ّ‬
‫إسطنبول‪1978 -‬م‪.‬‬

‫ول ص‪ .44 /‬جمعها عبد الكريم البياري المدرس‪ ،‬منشورات المجمع العلمي‬
‫* رسالة تذكار الرجال‪ ،‬الجزء ال ّ‬
‫الكرماني‪ ،‬مكتبة الحقيقة إسطنبول‪1992-‬م‪) .‬هذه الرسالة منضمة إلى رسالة أخرى اسمها مكاتيب شريفة لعبد‬

‫ي‪ ،‬كلتاهما بين دفتين في مجلد واحد‪(.‬‬


‫الله الدهلو ّ‬
‫* كذلك نسخة منها موجودة بهامش كتاب الرشحات مع شرحها باللغة التركّية‪ ،‬طبعة صاري كز‪ /‬إسطنبول‪-‬‬

‫‪1291‬هـ‪.‬‬
‫‪76‬‬

‫ت من خارجها بصبغة من السلم‪ .‬إذن‬ ‫ولكن طُل ِي َ ْ‬


‫فل مانع من أن يضيف إليها الروحانيون ما طاب‬
‫ل أو يلغوا منها شيًئا‪.‬‬
‫ب وأصو ٍ‬
‫لهم من آدا ٍ‬
‫ة نظر السلم في‬ ‫ه ِ‬ ‫ج َ‬ ‫و ْ‬ ‫ي من ُ‬ ‫ة البغداد ّ‬ ‫ما محاول ُ‬ ‫أ ّ‬
‫قوله‪« :‬بل هي أعظم أسباب الوصول‪...‬إلخ»‬
‫ص‪ .‬وقد اعتاد رجال الطرق‬ ‫ه الخا ّ‬ ‫ن ذلك رأي ُ ُ‬ ‫فا ّ‬
‫ن‬‫ما‪ .‬وغايتهم منها‪ :‬أ ّ‬ ‫ب قدي ً‬ ‫الصوفّية هذا السلو َ‬
‫المريد إذا استسلم لشيخه بكمال النقياِد وسلك‬
‫وف‪،‬‬ ‫ة التص ّ‬ ‫ص عليها فلسف ُ‬ ‫طة اّلتي ت َن ُ ّ‬ ‫قا للخ ّ‬ ‫وف ً‬
‫فَر بالوصول إلى الله ! بينما الكتاب والسّنة‪ ،‬ل‬ ‫ظَ َ‬
‫كد على وصول العبد إلى الله‬ ‫نجد فيهما شيئا يؤ ّ‬
‫ه على آداب الصوفّية واشتراكه في‬ ‫بسلوك ِ ِ‬
‫طقوسهم‪ .‬بل اّلذي يظفر به العبد ويحظى من‬
‫ه‬
‫ة الله ومغفرت ُ ُ‬ ‫الفوز )بالعمل الصالح( هو رحم ُ‬
‫مها كما قال‬ ‫ة ونعي ُ‬ ‫ن والجن ّ ُ‬ ‫ه والجُر الحس ُ‬ ‫ورضوان ُ‬
‫في‬ ‫دوا ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫جا َ‬ ‫و َ‬ ‫جُروا َ‬ ‫ها َ‬ ‫و َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫تعالى‪} :‬اّلذي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫عن ْ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ج ً‬
‫م دََر َ‬ ‫عظ َ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫وأن ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫وال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل الله ب ِأ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫ن * ي ُب َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م ب َِر ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫م َرب ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫شُر ُ‬ ‫م الفائ ُِزو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫الله أولئ ِك ُ‬
‫م*‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫عي ٌ‬ ‫ها ن َ ِ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ض َ‬ ‫ر ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫‪87‬‬
‫م{‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫جٌر َ‬ ‫عن ْدَهُ أ ْ‬ ‫ن الله ِ‬ ‫دا إ ِ ّ‬ ‫ها أب َ ً‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ‬ ‫َ‬
‫مُلوا‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫عدَ الله اّلذي َ‬ ‫و َ‬ ‫وقال تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ت لَ ُ‬
‫‪88‬‬
‫م{ وقال‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫جٌر َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫فَرةٌ َ‬ ‫غ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن اّلذي َ‬ ‫تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫و‬
‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫قا‪َ ،‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َ‬ ‫عدَ الل ِ‬ ‫و ْ‬ ‫ها‪َ ،‬‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ‬ ‫م* َ‬ ‫ت َنعي ِ ٌ‬ ‫جّنا ٌ‬ ‫َ‬
‫‪89‬‬
‫م{‬ ‫حكي ِ ُ‬ ‫عزي ُِز ال ْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ت كثيرةٌ غيرها تبرهن‬ ‫ه آيا ٌ‬ ‫ب الل ِ‬ ‫هذا‪ ،‬وفي كتا ِ‬
‫ه‬
‫ه وجن ّت ِ ِ‬ ‫ه ورضوان ِ‬ ‫ة الل ِ‬ ‫ن الفوَز برحم ِ‬ ‫على أ ّ‬
‫ح اّلذي ورد‬ ‫صال ِ ِ‬
‫ل ال ّ‬‫م ِ‬ ‫ف على ال ْ َ‬
‫ع َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ه إّنما يتو ّ‬
‫م ِ‬‫ونعي ِ‬
‫ة‬
‫سن ّ ِ‬ ‫ه في الكتاب وال ّ‬ ‫ق أدائ ِ ِ‬ ‫ن عن طرائ ِ ِ‬ ‫البيا ُ‬
‫سورة التوبة‪.22 ،20/‬‬ ‫‪87‬‬

‫المائدة‪9/،‬‬ ‫سورة‬ ‫‪88‬‬

‫سورة لقمان‪.9 ،8/‬‬ ‫‪89‬‬


‫‪77‬‬

‫ت‬‫ن بفضل هذه اليا ِ‬ ‫قيف‪ .‬ويتبي ّ ُ‬ ‫ل والتو ِ‬ ‫بالتفصي ِ‬


‫مى بـ «الّراب ِطَ ِ‬
‫ة‬ ‫ن ما ُيس ّ‬ ‫وبكل وضوح‪ :‬أ ّ‬
‫النقشبندّية» ليس من العمل الصالح في شيء‪.‬‬
‫ثم المراد من مفهوم «العمل الصالح» في‬
‫ح في منتهى الوضوح من خلل ما‬ ‫السلم ِ واض ٌ‬
‫جاء في اليات القرآنية والحاديث النبوية‪ .‬وهي‬
‫ة‬
‫ج والزكا ِ‬ ‫ة والصوم ِ والح ّ‬ ‫أداءُ الفرائض من الصل ِ‬
‫ل‬‫ن والنواف ِ‬ ‫والجهاِد وما يّتصل بها من السن ِ‬
‫ت؛ وكذلك تزكية النفس النسانية‬ ‫والصدقا ِ‬
‫ي‬‫مَثال ِ ّ‬ ‫ك ال ْ ِ‬ ‫سُلو ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫ة َ‬ ‫ة الحسن ِ‬ ‫سيَر ِ‬ ‫ل وال ّ‬ ‫بالفضائ ِ‬
‫ة‪،‬‬‫ف ِ‬ ‫د‪ ،‬والع ّ‬ ‫ة‪ ،‬والّزه ِ‬ ‫ر‪ ،‬والقناع ِ‬ ‫ع‪ ،‬كالصب ِ‬ ‫الرفي ِ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ح ّ‬ ‫و ُ‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫جْرأ ِ‬ ‫ي وال ُ‬ ‫ر‪ ،‬والوع ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ة‪ ،‬والت ّب َ ّ‬ ‫والحيط ِ‬
‫ر‬
‫ة‪ ،‬وتوقي ِ‬ ‫ريَر ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ء ال ّ‬ ‫فا ِ‬ ‫ص َ‬‫و َ‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫ف ِ‬ ‫ظا َ‬ ‫ب الن ّ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫و ُ‬ ‫م‪َ ،‬‬ ‫ّ‬
‫التعل ِ‬
‫ر‬
‫غا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ة ِبال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ب من المؤمنين‪ ،‬والّر ْ‬ ‫ذي الشي ِ‬
‫ق الله‬ ‫ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ش َ‬ ‫وال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ع َ‬
‫خل ِ‬ ‫ة على َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ضى‪َ ،‬‬ ‫مْر َ‬ ‫وال َ‬ ‫ء َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ض َ‬‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫واللطا َ‬ ‫ّ‬ ‫من سائر النس والحياء ‪-‬بشروطها‪َ -‬‬
‫ت‬‫ة‪ ،‬وتشمي ِ‬ ‫ب في المعامل ِ‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫وِلي ِ‬ ‫حل ْم ِ َ‬ ‫وال ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ه‪،‬‬‫ِ‬ ‫الوج‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫وبشاش‬ ‫م‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫السل‬ ‫ء‬
‫ِ‬ ‫وإفشا‬ ‫س‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫العاط‬
‫ة المحزونين‪،‬‬ ‫ة المغمومين‪ ،‬وتعزي ِ‬ ‫ومواسا ِ‬
‫ن بالجوِد والكرم ِ‬ ‫ة المهمومين‪ ،‬والحسا ِ‬ ‫وتسلي ِ‬
‫ن مع‬ ‫ر‪ ،‬والتعاو ِ‬ ‫ب والوقا ِ‬ ‫ء؛ والتحلي بالد ِ‬ ‫ّ‬ ‫والفتدا ِ‬
‫ء‬
‫ة المؤمنين في السّرا ِ‬ ‫د‪ ،‬ومشارك ِ‬ ‫أهل التوحي ِ‬
‫ف‬
‫ل هد ٍ‬ ‫ء‪ ،‬ومساعدِتهم على تحقيق ك ّ‬ ‫والضّرا ِ‬
‫د‬
‫ه ُ‬‫فهم ويم ّ‬ ‫ع صفو َ‬ ‫م وحدةَ المسلمين‪ ،‬ويجم ُ‬ ‫يخد ُ‬
‫ة الجتماعّية‬ ‫ة والعدال ِ‬ ‫ر الحّري ّ ِ‬ ‫ل لتوفي ِ‬ ‫السبي َ‬
‫ة‬
‫ة والسعاد ِ‬ ‫ء والطمأنين ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫سل ْم ِ وال ْ ُ‬ ‫ن وال ّ‬ ‫والم ِ‬
‫ر على وجه البسيطة‪..‬‬ ‫ء والزدها ِ‬ ‫والرخا ِ‬

‫هذه كّلها‪ ،‬هي المراد بها من كلمة «العمل‬


‫الصالح» الواردة في مواطن كثيرة من القرآن‬
‫ة يضيق المقام من‬‫غ مختلف ٍ‬
‫صي َ ٍ‬
‫الكريم وعلى ِ‬
‫حصرها‪.‬‬
‫‪78‬‬

‫ما قيام العبد بإجراء مراسم النقشبندّية على‬ ‫أ ّ‬


‫ش‬
‫هو ْ‬ ‫وفق ما ورد في شرح مصطلحاتهم « ُ‬
‫ت‬‫و ْ‬‫خل ْ َ‬
‫ن‪ ،‬و َ‬‫وط َ ْ‬ ‫س َ‬
‫فْردَْر َ‬ ‫م‪ ،‬و َ‬ ‫م‪ ،‬و ن َظَْرب َْر َ‬
‫قدَ ْ‬ ‫دَْردَ ْ‬
‫ن‪ ...‬إلخ» بقصد العبادة فإّنه خروج على‬ ‫َ‬
‫م ْ‬
‫دَْرأْنج َ‬
‫السلم ل جرم‪ ،‬وتحريف لدين الله!‬

‫ي وخلط في‬ ‫ومن جملة ما عبث به البغداد ّ‬


‫ة‬
‫ة موهوم ً‬ ‫عباراته المذكورة أيضا‪ :‬إّنه اختلق صل ً‬
‫بين الرابطة وبين كتاب الله وسّنة رسوله ‪.‬‬
‫فحاشا لله‪ ،‬أن يكون في كتابه‪ ،‬أو في سّنة‬
‫رسوله ‪ ‬أدنى شيء يشير إلى رابطة الباطنّية‪.‬‬
‫ْ‬
‫بل كتاب الله برئ من هذه الفرية‪ } .‬ل َ ي َأِتي ِ‬
‫ه‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫زي ٌ‬ ‫ه ت َن ْ ِ‬ ‫خل ْ ِ‬
‫ف ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ول َ ِ‬
‫م ِ‬ ‫ه َ‬
‫ن ي َدَي ْ ِ‬
‫ن ب َي ْ‪ِ90‬‬‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ال َْباطِ ُ‬
‫د{‪.‬‬ ‫مي ٍ‬‫ح ِ‬
‫كيم ٍ َ‬
‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ة لنشوب فتنة الرابطة منذ أن‬ ‫كانت هذه خلص ٌ‬
‫أصبحت ركًنا من أركان هذه النحلة بعد عودة‬
‫وٌر كبيٌر‬ ‫ي من بلد الهند‪ ،‬فشوهد تط ّ‬ ‫خالد البغداد ّ‬
‫ي في عقائد الطائفة النقشبندّية‬ ‫وتغي ٌّر جذر ّ‬
‫عا‬ ‫عقب هذا الحدث كما أثار خل ً‬
‫فا كبيًرا ونزا ً‬
‫دا بين هذه الفرقة‪ ،‬وبين رجال الطريقة‬ ‫شدي ً‬
‫ضا فرقة من الفرق الباطنّية‪.‬‬ ‫القادرية‪ .‬وهي أي ً‬
‫أما تعريف الرابطة‪ ،‬فقد جاء في الرسالة‬
‫ي‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬
‫سها لخالد البغداد ّ‬
‫المذكورة نف ِ‬
‫«إذ هي في الطريقة عبارة عن استمداد المريد‬
‫من روحانّية شيخه الكامل الفاني في الله بكثرة‬
‫دب‪ ،‬ويستفيض منه في الغيبة‬ ‫رعاية صورته ليتأ ّ‬
‫م له باستحضاره الحضور والنور‬ ‫كالحضور‪ .‬ويت ّ‬
‫‪91‬‬
‫وينزجر بسببها من سفاسف المور»‬

‫صلت‪.42/‬‬
‫سورة ف ّ‬ ‫‪90‬‬

‫هابُيون ‪-‬مجموعة فيها خمس‬


‫ي‪ ،‬رسالة في تحقيق الرابطة )ضمن كتاب‪ :‬علماء المسلمين والو ّ‬
‫خالد البغداد ّ‬ ‫‪91‬‬
‫رسائل‪ ،‬من منشورات إيشيك كتاب أوي(‪ .‬الرسالة الخيرة منها‪ .‬إسطنبول‪1978-‬م‪.‬‬
‫‪79‬‬

‫ث‬
‫ي ثل ُ‬‫لقد ورد في هذا المقطع من كلم البغداد ّ‬
‫م الرابطة إل ّ بها عند‬ ‫ة ل تت ّ‬ ‫ط خطير ٍ‬
‫نقا ٍ‬
‫وُلها‪ :‬أن يستمدّ المريد من روحانّية‬ ‫ُ‬
‫النقشبندّية‪ :‬أ ّ‬
‫شيخه؛ وثانيها‪ :‬أن يكون الشيخ فانيا في الله‬
‫)؟!(؛ وثالثها‪ :‬أن يستحضر المريدُ صورةَ الشيخ‬
‫في ذهنه‪ .‬وهكذا تظهر خطورة هذه العقيدة‬
‫دعي أصحابها أّنهم‬ ‫صة عندما ي ّ‬ ‫بتمام معناها؛ خا ّ‬
‫مسلمون!‬
‫***‬
‫ءها‪.‬‬ ‫* شرو ُ‬
‫ط الرابطة وصورةُ أدا ِ‬
‫ل مختلفة‬ ‫ة في رسائ َ‬ ‫ت متفرّق ٌ‬ ‫فقد جاءت تعريفا ٌ‬
‫خري شيوخ النقشبندّية حول شروط الرابطة‬ ‫لمتأ ّ‬
‫ن كان عددٌ منهم قد‬ ‫وصورة أدائها‪ .‬فالحقيقة‪ ،‬وإ ْ‬
‫ي ومن سار‬ ‫ب طريقِتهم‪ ،‬كخالد البغداد ّ‬ ‫ونوا آدا َ‬ ‫د ّ‬
‫ي‬
‫ه الخان ّ‬ ‫د الل ِ‬ ‫ن عب ِ‬ ‫مد ب ِ‬ ‫ل مح ّ‬ ‫على أثره من أمثا ِ‬
‫ي‪ ،‬ومحمد‬ ‫مد الخان ّ‬ ‫ن مح ّ‬ ‫دب ِ‬ ‫د المجي ِ‬ ‫ه عب ِ‬ ‫وحفيد ِ‬
‫عُثر‬‫ة من الترك؛ إل ّ أّننا لم ن َ ْ‬ ‫ي‪ ،‬وجماع ٍ‬ ‫ن الكرد ّ‬ ‫أمي ِ‬
‫م بين دفتيه‬ ‫ب يض ّ‬ ‫لحد منهم حّتى الن على كتا ٍ‬
‫ة منذ‬ ‫ه الطائف ِ‬ ‫ة هذ ِ‬ ‫ل في عقيد ِ‬ ‫خ َ‬‫ع ما أ ُدْ ِ‬ ‫جمي َ‬
‫َ‬
‫بدايتها إلى اليوم‪ .‬ولهذا نجد شروط الرابطة‬
‫ة‬
‫ل مختلف ٍ‬ ‫ة في رسائ َ‬ ‫وصورةَ أداِئها متفرق ً‬
‫ن‬
‫ل آخُر على أ ّ‬ ‫جمعناها في هذا الباب‪ .‬وهو دلي ٌ‬
‫ض هيمنَته على‬ ‫ر َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ل من أراد من الشيوخ أ ْ‬ ‫ك ّ‬
‫ة جاء بشيء جديد‪ .‬وهكذا‬ ‫ة من هذه النحل ِ‬ ‫جماع ٍ‬
‫استمّرت مسيرةُ هذه الطريقة ومصيُر أهِلها‬
‫على أيديهم‪ ،‬يتصّرفون في توجيههم‪ ،‬وفي آداب‬
‫وهُ من ساداتهم؛ يزيدون فيها تارة‪،‬‬ ‫ق ْ‬ ‫ما ت َل َ ّ‬‫َ‬
‫ما ل يستقّر المر‬ ‫وينقصون منها تارة أخرى‪ ،‬م ّ‬
‫معهم حّتى يتمكن أحد من جمع مبتدعاتهم في‬
‫كاتب واحد‪.‬‬
‫***‬
‫‪80‬‬

‫خلصة ما قيل في صورة أداء الرابطة‬


‫وشروطها‪:‬‬
‫خا فانًيا في‬ ‫ن المريدُ قد بايع «شي ً‬‫ن يكو َ‬ ‫أوّلها‪ :‬أ ْ‬
‫الله» ‪-‬على حدّ قولهم‪ -‬وقد وقعوا هنا في‬
‫ن المريد‬ ‫تلفيق شديد ينافيه العقل السليم‪ .‬إذ أ ّ‬
‫خا ليبايعه‪ ،‬فهو ما زال جاهل ً‬ ‫اّلذي يقصد شي ً‬
‫بأمور الطريقة عندهم‪ .‬إذن فكيف به أن يتأ ّ‬
‫كد‬
‫ي في الله؟!‬ ‫خ اّلذي قصده قد َ‬
‫فن ِ َ‬ ‫ن الشي َ‬ ‫من أ ّ‬
‫ب‬‫ن مثل هذه الهرطقة حر ٌ‬ ‫فضل ً عن أ ّ‬
‫علىالحنيفية‪.‬‬

‫ضطرب المتذبذب في‬ ‫هذا هو أسلوبهم الم ّ‬


‫ختلق الداب‬ ‫في ا ْ‬
‫ما و ِ‬ ‫الصياغة والتعبير عمو ً‬
‫صة‪ُ .‬يطلقون الكلمة على‬ ‫م خا ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ري َ‬
‫قت ِ ِ‬ ‫والركان ل ِطَ ِ‬
‫طلع عليها‬‫ما سوف ي ّ‬ ‫عواهنها بصرف النظر ع ّ‬
‫ما‬
‫أهل العلم والخبرة فيفتضح أمرهم؛ وذلك إ ّ‬
‫س والله أعلم بما‬ ‫ّ‬
‫ما عن حظ نف ٍ‬ ‫ل أو إ ّ‬ ‫عن جه ٍ‬
‫في صدورهم‪.‬‬

‫ثانيها‪ :‬أن يكون المريد طاهًرا من الحدث الكبر‬


‫والصغر‪ .‬وإّنما اشترط من اشترط منهم‬
‫س من‬‫الطهارة مكًرا‪ ،‬ليواري هذه البدعة بلبا ٍ‬
‫شعار السلم‪ ،‬وهو الوضوء‪ ،‬ولتكتسب الرابطة‬
‫ة‪ ،‬وصورةً من صور العبادة‪،‬‬ ‫ة شرعي ً‬ ‫بذلك صف ً‬
‫ب في مشاعر المسلمين‬ ‫ك قد يد ّ‬ ‫يش ّ‬ ‫تفادًيا ل ّ‬
‫وتضليل ً للغافلين‪ .‬على الرغم من أّنه لم يتص ّ‬
‫د‬
‫أحدهم قائل بأّنها عبادة إل ّ رجل من أصل ترك ّ‬
‫ي‬
‫اسمه مصطفى فوزي‪ .‬وهو من أتباع أحمد ضياء‬
‫ي‪ 92.‬قال في بيت من‬ ‫و ّ‬
‫خان َ ِ‬
‫ش َ‬‫مو ْ‬‫الدين ال ْگ ُ ُ‬
‫رسالته المنظومة بالّلغة التركّية تحت عنوان‬
‫«إثبات المسالك في رابطة السالك» ومآله‬

‫التالي‪Dr. İrfan Gündüz, Ahmed Ziyaüddin Gümüşhanevî, Hayatı ve :‬‬ ‫راجع ترجمتهما بالتفصيل في المصدر‬ ‫‪92‬‬
‫‪.Eserleri‬‬
‫‪81‬‬

‫بالعربّية‪« :‬الرابطة فريضة من جملة الفرائض‬


‫ها أربعة وخمسون فريضة‪ ،‬وهي دليل‬ ‫اّلتي َ‬
‫عدَدُ َ‬
‫‪93‬‬
‫العاشقين»‬

‫وثالثها‪ :‬أن يكون الباب مغلقا‪ .‬يستدّلون في ذلك‬


‫ث‪ 94.‬وحقيقة المر ليس كذلك؛ وإّنما‬ ‫بحدي ٍ‬
‫ن البرهمية اّلذين‬ ‫هَبا ِ‬ ‫ابتدعوا هذا الشرط أسوة ب ُِر ْ‬
‫مل والتركيز‪.‬‬ ‫دا لّلتأ ّ‬ ‫ينـزعون إلى الخلوات استعدا ً‬
‫ة كالصلة‬ ‫َ‬
‫علن ِي ّ ٌ‬‫ما بأن العبادة في السلم َ‬ ‫عل ً‬
‫ج والزكاة والضحية والجهاد‬ ‫والصوم والح ّ‬
‫ة‬
‫ة بالغ ً‬‫ن في ذلك لحكم ً‬ ‫بمختلف أشكالها‪ .‬وإ ّ‬
‫ما وتهذيًبا للجمهور‪.‬‬ ‫عب ًَرا وتعلي ً‬
‫سا و ِ‬
‫ودرو ً‬
‫ما إغلق الباب‪ ،‬فإّنه من أمر البرهمية‬ ‫أ ّ‬
‫ي متطّرف‪،‬‬ ‫ك روحان ّ‬ ‫ة سلو ٌ‬ ‫ة‪ .‬والرهباني ّ ُ‬ ‫والرهباني ّ َ‬
‫شف‪ .‬لها أشكال‬ ‫وجمود‪ ،‬وخمول وعزلة وتق ّ‬
‫داها‬ ‫متباينة من الرياضة الذهنّية والبدنّية؛ مؤ ّ‬
‫مها اّلتي‬ ‫ة ونضرِتها وجماِلها ونعي ِ‬ ‫الكراهّية للحيا ِ‬
‫خلقها الله ليتمّتع بها عباده بوجوه مشروعة‪ .‬ول‬
‫ة إلى السلم‪ .‬وإّنما السلم‬ ‫ت الرهبانّية بصل ٍ‬ ‫تم ّ‬
‫ك‬‫ة؛ وسلو ٌ‬ ‫م حيا ٍٍ‬ ‫ي‪ ،‬ونظا ُ‬ ‫عل َن ِ ّ‬‫ي‪َ ،‬‬ ‫دين حنيف‪ ،‬رّبان ّ‬
‫ة‪،‬‬
‫ة‪ ،‬وسياس ٌ‬ ‫ة‪ ،‬وفضيل ٌ‬ ‫ة‪ ،‬وطهار ٌ‬ ‫ع؛ وعباد ٌ‬ ‫رفي ٌ‬
‫ة‪ ،‬ونوٌر‬ ‫ة‪ ،‬وهداي ٌ‬ ‫ث‪ ،‬ومعرف ٌ‬ ‫م‪ ،‬وبح ٌ‬ ‫ة‪ ،‬وعل ٌ‬ ‫ودراس ٌ‬
‫شاءُ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ه َ‬
‫ر ِ‬
‫دي الله ل ُِنو ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫من وحيه تعالى‪} .‬ي َ ْ‬
‫ء‬
‫ل شي ٍ‬ ‫والله بك ّ‬ ‫س َ‬ ‫ل للّنا ِ‬ ‫ب الله ْال ْ‬
‫مَثا َ‬ ‫ر ُ‬
‫ض ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫‪95‬‬
‫م‪{.‬‬ ‫عِلي ٌ‬‫َ‬

‫ي للبيت المذكور باللهجة العثمانّية و بالحروف العربّية‪« :‬أللي درت فرضدن بريدر رابطه * أهل‬
‫ص الترك ّ‬
‫الن ّ‬ ‫‪93‬‬
‫عشقك رهبريدر رابطه‪ ».‬مقتبس من رسالة إثبات المسالك في رابطة السالك لناظمها مصطفى فوزي‪ ،‬ص‪/‬‬
‫و ٌ‬
‫غ‬ ‫ه مص ّ‬ ‫و ٌ‬
‫غ بالعربّية وفيه من السجع‪ ،‬بينما محتوا ُ‬ ‫‪ .19‬إسطنبول‪1324 -‬هـ‪ .‬ومن الغريب أن اسم الرسالة مص ّ‬
‫بالتركّية‪.‬‬

‫ن»‪ .‬قال‪« :‬إغلق الباب‪.‬‬ ‫ج َ‬


‫گا ْ‬ ‫وا َ‬
‫خ َ‬
‫ي في فصل «ختم ال ُ‬
‫ي الربل ّ‬
‫جاء في تنوير القلوب لمحمد أمين الكرد ّ‬ ‫‪94‬‬
‫ويعضده حديث الحاكم عن يعلى بن شداد‪ ،‬قال‪ :‬هل فيكم رجل غريب؟ قلنا ل يا رسول الله! فأمر بغلق الباب و‬

‫قال ارفعوا أيديكم»‪ .‬ص‪.521 /‬‬

‫سورة النور‪.35/‬‬ ‫‪95‬‬


‫‪82‬‬

‫كيُز» فما هو بشيء في السلم؛ وليس‬ ‫أما «الت ّْر ِ‬


‫له أدنى علقة بما جاء في مواطن كثيرة من‬
‫عل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫القرآن الكريم كقوله تعـالى } ل َ َ‬
‫ن‪{.‬‬‫فك ُّرو َ‬
‫م ي َت َ َ‬‫ه ْ‬ ‫عل َ ُ‬
‫ن‪ {.‬وقوله تعالى } ل َ َ‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫ت َت َ َ‬
‫َ‬
‫ما «راب ِطَ ِ‬
‫ة‬ ‫وأ َ‬‫وما في هذا المعنى‪َ ...‬‬
‫النقشبندّية»‪ ،‬إّنما هو نوع من تمارين «اليوغا»‪،‬‬
‫س‬
‫حب ْ ِ‬ ‫كما سبق البحث عنه في موضوع « َ‬
‫ز »‪،‬‬
‫كي ِ‬
‫ما ما يتعلق بمفهوم «الت ّْر ِ‬ ‫س»‪ .‬وأ ّ‬ ‫ف ِ‬‫الن ّ َ‬
‫فيقول المؤّلفان‪ :‬المستشرق ج‪ .‬توندريو‪ ،‬وعالم‬
‫النفس‪ ،‬ب‪ .‬رئال في كتابهما «اليوغا»‪.‬‬

‫كيُز‪ :‬وهو تثبيت الفكر على نقطة واحدة‪،‬‬


‫« الت ّْر ِ‬
‫أو شيء‪ ،‬أو فكرة‪ ،‬أو عن المطلق»‪ .‬ويقولن‬
‫ضا‪« :‬هو مقدرتك على تثبيت الفكر على نقطة‬ ‫أي ً‬
‫‪96‬‬
‫صة معّينة»‬ ‫خا ّ‬
‫ن التركيز‪ ،‬ليس شكل ً من أشكال‬ ‫فتبيّن بهذا أ ّ‬
‫العبادة؛ ول فيه طلب لمرضاة الله تعالى بمحض‬
‫وحى من الديانات‬ ‫ست َ ْ‬‫م ْ‬
‫هذا المعنى‪ ،‬وإن كان ُ‬
‫ي‬
‫ن ذهن ّ‬‫الهندّية‪ .‬وإنما هو بمجّرد فعله تمري ٌ‬
‫كم‬‫ي غايته‪ :‬السيطرة على العصاب‪ ،‬ليتح ّ‬ ‫عقلن ّ‬
‫النسان بها على نفسه‪ ،‬فيقودها إلى ما فيه‬
‫نل‬ ‫صلحه‪ .‬وقد تكون فيه مصالح كثيرة ‪ -‬على أ ْ‬
‫دى هذا الحد غايته‪ -‬كترويح الذهن‪ ،‬وإجلء‬ ‫يتع ّ‬
‫الهموم والغموم‪ ،‬ورفع العباء عن العقل‬
‫صة وفي عصرنا اّلذي تعاني نفسّية‬ ‫والجسم‪ ،‬خا ّ‬
‫مرة للعصاب‬ ‫النسان في ظروفه القاهرة المد ّ‬
‫ث‬‫من جّراء ما يشاهد‪ ،‬أو يقرع سمعه من أحدا ٍ‬
‫ت وضجيج‪ .‬فقد شاع‬ ‫ل واضطرابا ٍ‬ ‫ة‪ ،‬وقلق َ‬ ‫دامي ٍ‬
‫درات‬
‫بين الناس استعمال العقاقير والمخ ّ‬
‫والكحول؛ وانهمكوا في الّلهو والمجون والدعارة‬
‫ن النسان المعاصر‬ ‫كنتيجة لهذه السباب‪ .‬ل ّ‬
‫وة اليمان‬ ‫التعيس اّلذي لم يعد يحظى من ق ّ‬
‫ج‪ .‬توندريو‪ -‬ب‪ .‬رئال‪« ،‬اليوغا»‪ ،‬ص‪ .36 ،30 /‬تعريب‪ :‬إلياس أيوب‪ .‬مكتبة المعارف بيروت‪1988-‬م‪.‬‬ ‫‪96‬‬
‫‪83‬‬

‫ه برّبه‬
‫ه وثقت ُ ُ‬
‫بالله واليوم الخر‪ ،‬فقد ضعفت صلت ُ ُ‬
‫وتلشت معنوّياته‪ ،‬وبالتالي أصبح في دوامة‬
‫عمياء تساوره الهواجس‪ ،‬وينتابه القلق‪ ،‬وتزدحم‬
‫أفكار رهيبة في ذهنه‪.‬‬

‫ص من مشاكله النفسية‪،‬‬ ‫فإذا كان مراده الخل َ‬


‫والقضاءَ على ما يعاني من التوّتر والرق‬
‫ي؛ ل نجد في السلم‬ ‫والخوف والقلق‪ ،‬كح ّ‬
‫ل طب ّ ّ‬
‫ما يمنعه من القيام بتمارين رياضية ل تتعارض‬
‫ل من أشكالها مع شيء من تعاليم‬ ‫في شك ٍ‬
‫السلم‪.‬‬

‫ولكن شيوخ النقشبندّية قد جاوزوا به هذا الحدّ‬


‫إلى تثبيت الفكر على صورة الشيخ‪ .‬فجعلوا منه‬
‫شر ً‬
‫طا أساسّيا للّرابطة‪.‬‬

‫ن رأى منهم إغلقَ الباب أقرب إلى‬ ‫م ْ‬


‫ما َ‬
‫أ َ‬
‫الخلص في العبادة‪ ،‬فانهم أصل ل يعبدون الله‬
‫ة‪ -‬بل موقفهم‬ ‫وحده ‪-‬وإن نفوا هذا التهام بشدّ ٍ‬
‫ص‪ ،‬يظهر من‬ ‫خا ّ‬
‫ل َ‬‫من مشائخهم يتمّيز بإجل ٍ‬
‫خلل ما يصفونهم ويرابطونهم في صورة من‬
‫الشراك بالله‪.‬‬

‫م الخلص لله سبحانه إل ّ بالتوحيد‬ ‫هذا‪ ،‬ول يت ّ‬


‫اْلخالص ونفي جميع النداد‪ .‬إذ ل إخلص مع‬
‫قف على السرار‬ ‫ن الخلص ل يتو ّ‬ ‫مإ ّ‬ ‫الشراك‪ .‬ث ّ‬
‫في العبادة‪ ،‬وإل ّ وجب حظر العلن في سائر‬
‫ر‬‫شرع‪ ،‬إل في أمو ٍ‬ ‫الطاعات وذلك مخالف لل ّ‬
‫دق‪ ،‬تفادًيا لطلب‬ ‫وع والتص ّ‬ ‫ة‪ ،‬كالتط ّ‬
‫صة ونادر ٍ‬ ‫خا ّ‬
‫ب على سائر‬ ‫ح ُ‬‫س َ‬
‫السمعة والرياء‪ .‬وهذا ل ي ُ ْ‬
‫العبادات‪.‬‬

‫ورابعها‪ :‬أن يختار المريد محل ّ تغلب فيه الظلمة‬


‫صة‪،‬‬
‫ده بصورة خا ّ‬ ‫إذا كان الوقت نهاًرا‪ .‬أو يع ّ‬
‫‪84‬‬

‫ح‬
‫ء المصابي ِ‬
‫ذ أو إطفا ِ‬
‫ر على النواف ِ‬‫ل الستائ ِ‬
‫كإسدا ِ‬
‫إذا كان الوقت لي ً‬
‫ل‪.‬‬

‫وخامسها‪ :‬أن يغمض المريد عينيه أثناء الرابطة‪.‬‬

‫ر‬ ‫سه في ك ّ‬
‫ل زفي ٍ‬ ‫ب أنفا َ‬
‫سها ‪ :‬أن يراق َ‬
‫وساد ُ‬
‫وشهيق‪.‬‬

‫عـها‪ :‬أن ل يتحّرك من مكانه‪.‬‬


‫وسابِ ُ‬
‫ه في خياله‬ ‫خ ِ‬
‫مُنـها ‪ :‬أن يستحضر صورةَ شي ِ‬
‫وثا ِ‬
‫على المنوال اّلذي سبق في موضوع التركيز‪.‬‬
‫وعلى هذا الشرط مدارها‪.‬‬

‫عها‪ :‬أن يستمدّ من روحانية شيخه‪ .‬والمريد‬ ‫س ُ‬


‫وتا ِ‬
‫م بأداء الرابطة لشيخه في معظم أوقاته‪.‬‬ ‫مل َْز ٌ‬
‫ُ‬
‫هدّدٌ بانقطاع البركة عنه!‬
‫م َ‬
‫وإل فهو ُ‬‫ّ‬

‫ن جميع هذه المور مستوحاة من الديانات‬ ‫فإ ّ‬


‫ب ذكرناه آنفا‪.‬‬
‫الهندية ما عدا الشرط الثاني لسب ٍ‬
‫***‬
‫ن أحدث الرابطة‪.‬‬
‫م ْ‬
‫ول َ‬
‫*أ ّ‬
‫ص لربط‬ ‫ل المخصو َ‬ ‫ور هذا الشك َ‬ ‫ن تص ّ‬
‫م ْ‬
‫ول َ‬
‫نأ ّ‬
‫إ ّ‬
‫المريد بالشيخ في الطريقة النقشبندّية‪ .‬هو عبيد‬
‫ة من هذه الطائفة‬ ‫الله الحرار وإن كانت جماع ٌ‬
‫دعي أّنها مأثورة عن أبي بكر الصديق رضي‬ ‫ت ّ‬
‫الله عنه‪ .‬فل نعثر على اسم من نطق بهذه‬
‫الكلمة قبل الروحاني المعروف بـ «الحرار»‬
‫وذلك‪ ،‬ورد بحث الرابطة مرتين في كتاب‬
‫ن الحرار أوصى بها‬ ‫الرشحات‪ 97.‬جاء فيهما أ ّ‬
‫فحسب‪ .‬ولم يزد المؤّلف على ذلك مما يدل على‬
‫ما»‬‫ما ول «ركنا عظي ً‬ ‫ن الرابطة لم تكن أمًرا ها ً‬‫أ ّ‬

‫علي بن الحسين الواعظ الكاشفي البيهقي‪ ،‬رشحات عين الحياة ص‪ .360 ،354 /‬صاري كز‪ ،‬إسطنبول‪-‬‬ ‫‪97‬‬
‫‪1291‬هـ‪.‬‬
‫‪85‬‬

‫ن‬‫ل على أ ّ‬ ‫من أركان هذه الطريقة يومئذ كما يد ّ‬


‫ة بعد أن‬ ‫ص ً‬
‫ورت مع الزمان وخا ّ‬ ‫هذه الفكرة تط ّ‬
‫قفزت الطريقة النقشبندّية إلى الهند في عهد‬
‫ي‪ .‬ثم بعد ذلك تناولها شيوخ‬ ‫الباقي بالله الكاُبل ّ‬
‫هذه الطائفة اّلذين نشأوا في تلك البلد‪ ،‬وبنوها‬
‫على أسس مستوحاة من البرهمية والبوذية‬
‫ن الرابطة لم تكن‬ ‫المنتشرتين في الهند‪ .‬إل أ ّ‬
‫ضا إذ لم يتناولها إل ّ‬ ‫ما في عهدهم أي ً‬ ‫أمًرا ها ّ‬
‫ي‬
‫ي السرهند ّ‬ ‫رجلن منهم‪ .‬أحدهما أحمدُ الفاروق ّ‬
‫ف بين أتباع هذه النحلة بـ «المام‬ ‫المعرو ُ‬
‫ي»‪ .‬فقد جاء في رسالة فارسية له‪ ،‬بعثها‬ ‫الرّبان ّ‬
‫إلى شخص اسمه أشرف الكاُبلي‪ ،‬جاء فيها‪:‬‬

‫جهة إلى خواجه أشرف‬ ‫ن هذه الرسالة مو ّ‬ ‫«إ ّ‬


‫ن الرابطة أنفع للمريد من‬ ‫الكابلي في بيان أ ّ‬
‫ت في‬ ‫ما اّلتي كتبها الصدقاء‪ ،‬فقد نظر ُ‬ ‫الذكر‪ .‬أ ّ‬
‫طلعت على الحوال المسطورة‬ ‫مضمونها‪ ،‬وا ّ‬
‫ل مريد بل‬ ‫ن رابطة الشيخ لك ّ‬ ‫فيها‪ .‬واعلموا أ ّ‬
‫مة بين‬ ‫تكّلف ول تصّنع هي دللة على مناسب ٍ‬
‫ة تا ّ‬
‫المرشد والمريد‪ .‬وهي سبب للفادة والستفادة‬
‫ول طريق للوصول أقرب من طريق الرابطة‪.‬‬
‫ومن سلكها فهو سعيد‪».‬‬

‫«لقد ورد في كتاب الفقرات لخواجه أحرار‪...‬‬


‫إّنه قال‪ :‬القول هنا باعتبار النفع‪ .‬يعني ظ ّ‬
‫ل‬
‫المرشد أنفع للمريد من أن يشتغل المريد بذكر‬
‫‪98‬‬
‫الله‪...‬إلخ»‬

‫ي بالّلغة الفارسّية للرسالة المذكورة ورقمها‪« : .187 :‬بخواجة مح ّ‬


‫مد أشرف كابلي‬ ‫ص الصل ّ‬
‫و هذا الن ّ‬ ‫‪98‬‬
‫صدور يافته؛ در بيان آنكه طريق رابطه‪ ،‬أقرب طرق موصله است‪ .‬و در بيان آنكه رابطه نافع تر است مريدرا از‬
‫ذكر كفتن‪ .‬أو كتابت كه بيارانرا نوشته بودند بنظر در آيد‪ .‬أحوال مسطورة م ّ‬
‫طلع كشت‪ .‬بداند كه حصول رابطهء‬

‫شيخ هرمريدرا بي تكّلف و بي تع ّ‬


‫مل علمت مناسبت تام است در ميان بير و مريد كه سبب افاده و استفاده‬

‫است‪ .‬و هيج طريقي اقرب بوصول از طريق رابطه نيست‪ .‬تا كدام دولتمندرا بان سعادت مستعد سازند‪.‬‬

‫حضرت خواجه أحرار… در فقرات مي آرند كه سايهء رهبر به است از ذكر حق‪ .‬به كفتن باعتبار نفع است‪ .‬يعني‬

‫سايهء رهبر نافع تر است مريدرا از ذكر كفتن‪...‬إلخ»‪ .‬نسخة كراتشي‪.‬ص‪ 1392 .301/‬هـ‪.‬‬
‫‪86‬‬

‫ي‬ ‫ن الرابطة لم تكن في عهد الرّبان ّ‬ ‫ذا يّتضح لنا أ ّ‬ ‫إ ً‬


‫ركًنا من أركان الطريقة النقشبندّية؛ فضل ً ع ّ‬
‫ما‬
‫ي هو اّلذي وضع لها‬ ‫قبله‪ .‬وإّنما خالد البغداد ّ‬
‫ن جاء‬ ‫صا‪ ،‬وزاد على هذا التعريف م َ‬ ‫فا خا ّ‬ ‫تعري ً‬
‫طا ورّتبوها‬ ‫بعده من خلفائه كما وضعوا لها شرو ً‬
‫على هيئة من النسك حّتى اعتقدها جماعة من‬
‫أتباعهم أّنها شكل من أشكال العبادة‪ .‬وسعى‬
‫كثير منهم لدائها والدفاع عنها تقّرًبا إلى الله‪،‬‬
‫وهم يجهلون أّنه ل يتقّرب العبد إلى الله إل بما‬
‫جاء في كتاب الله وسّنة رسوله ‪ ‬من أشكال‬
‫ن الكتب المنـزلة قبل‬ ‫العبادات كما يجهلون أ ّ‬
‫مد ‪ ‬إّنما حّرفها اليهود والنصارى‬ ‫سّيدنا مح ّ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫ق ِ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫قدْ َ‬ ‫و َ‬ ‫بأمثال هذه البدع } َ‬
‫قُلو ُ‬
‫ه‬ ‫ع َ‬‫ما َ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫فون َ ُ‬ ‫حّر ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫م الل ِ‬ ‫ن ك َل َ َ‬ ‫عو َ‬ ‫م ُ‬ ‫س َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن{ وقد قال الله تعالى فيهم‪:‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ع َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫ب ب ِأي ْ ِ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬ ‫ن ي َك ْت ُُبو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل لل ّ ِ‬ ‫وي ٌ‬ ‫ف َ‬ ‫} َ‬
‫وي ْ ٌ‬
‫ل‬ ‫ف َ‬‫ل‪َ ،‬‬ ‫قِلي ً‬ ‫مًنا َ‬ ‫ه ثَ َ‬ ‫شت َُروا ب ِ ِ‬ ‫د الله ل ِي َ ْ‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫م ّ‬‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫لل ُ‬ ‫وي ْ ٌ‬‫و َ‬ ‫م‪َ ،‬‬ ‫ه ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫ما ك َت َب َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫‪99‬‬
‫ن{‬ ‫سُبو َ‬ ‫ي َك ْ ِ‬
‫أما الرجل الثاني اّلذي تناول الرابطة بعد عبيد‬
‫الله الحرار‪ ،‬هو تاج الدين بن زكريا بن سلطان‬
‫ي‪ .‬جاءت في‬ ‫ي زميل أحمد الفاروق ّ‬ ‫الهند ّ‬
‫ت مختصرةٌ حول الرابطة‪.‬‬ ‫ن له عبارا ٌ‬ ‫ع َ َ‬
‫جالت َي ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫منهما الرسالة المعروفة بـ«التاجية»‪ .‬قال في‬
‫مقطع منها‪:‬‬

‫«الطريقة الثانية‪ :‬طريقة الرابطة بالشيخ اّلذي‬


‫قق بالتجّليات‬ ‫وصل إلى مقام المشاهدة وتح ّ‬
‫ن رؤيته بمقتضى ‪-‬هم اّلذين إذا رأوا‬ ‫الذاتّية‪ .‬فإ ّ‬
‫ذكر الله‪ -‬تفيد فائدة الذكر‪ .‬وصحبته بموجب ‪-‬هم‬
‫سر‬‫جلساء الله‪ -‬ينتج صحبة المذكور‪ ،‬وإذا تي ّ‬
‫صحبة مثل هذا العزيز‪ ،‬ورأيت أثره في نفسك‪،‬‬

‫سورة البقرة‪.79-75/‬‬ ‫‪99‬‬


‫‪87‬‬

‫فينبغي لك أن تحفظ ذلك الثر اّلذي تشاهد فيك‬


‫بقدر المكان‪ .‬وإن حصل لك ببركة ذلك الثر‪.‬‬
‫هكذا تفعل مرة بعد أخرى‪ ،‬متى تصير تلك‬
‫الكيفية ملكة لك‪ .‬وإن لم يظهر من صحبة ذلك‬
‫العزيز أثر‪ ،‬ولكن حصلت به محبة وانجذاب‪،‬‬
‫فينبغي أن تحفظ صورته في الخيال وتتوجه‬
‫ي‪ ،‬حّتى تحصل لك الغيبة والفناء‬ ‫للقلب الصنبور ّ‬
‫عن النفس‪ .‬وإن وقفت عن الترقي‪ ،‬فينبغي أن‬
‫تجعل صورة الشيخ على كتفك اليمن في خيالك‬
‫دا‪ .‬وتأتي‬
‫وتعتبر من كتفك إلى قلبك أمًرا ممت ّ‬
‫بالشيخ على ذلك المر الممّتد وتجعله في قلبك‬
‫‪100‬‬
‫فإّنه يرجى لك بذلك حصول الغيبة والفناء»‬
‫***‬
‫ونه تحت عنوان‬ ‫وقال تاج الدين بن زكريا فيما د ّ‬
‫«آداب المشيخة والمريدين»‪« :‬فطريق الرابطة‬
‫‪-‬وهي رابطة القلب مع الشيخ‪ :-‬فرؤيته‬
‫ذكر الله‪ -‬تحصل لهم الفائدة‬ ‫بمقتضى ‪-‬اّلذين إذا ُ‬
‫كما تحصل الفائدة من الذكر بموجب ‪-‬هم جلساء‬
‫ن الشيخ كالميزاب‪ ،‬ينـزل الفيض من‬ ‫الله‪ -‬ل ّ‬
‫ن وجد الفتور في الرابطة‪،‬‬ ‫بحره المحيط‪ .‬وإ ْ‬
‫فيحفظ صورة شيخه في خياله بموجب ‪-‬المرء‬
‫مع من أحب‪ -‬فيحفظ الصورة‪ ،‬يتحقق ويّتصف‬
‫‪101‬‬
‫ل الشيخ كما كان له»‬ ‫ف وأحوا ِ‬ ‫المريد بأوصا ِ‬
‫عدُ هذا الحدّ من‬
‫هكذا يبدو أن الرابطة لم ت َ ْ‬
‫ت‬‫ة عام ٍ على مو ِ‬‫ي ثلثمائ ِ‬ ‫ض ّ‬
‫م ِ‬‫ر إل بعد ُ‬ ‫الت ّطَ ّ‬
‫و ِ‬
‫ل من نطق بهذه الكلمة‪،‬‬ ‫و ِ‬
‫ه الحرار؛ أ ّ‬‫د الل ِ‬ ‫عبي ِ‬
‫ة‬
‫عدّ ٍ‬
‫ط ِ‬ ‫ي فبناها على شرو ٍ‬ ‫حّتى جاء خالد البغداد ّ‬
‫ذكرناها آنفا؛ وجعل منها «أصل ً من أصول‬
‫رقم‪3640 /‬‬ ‫ي‪ ،‬الرسالة التاجية‪ .‬مكتبة جامعة إسطنبول‪ -‬خزانة الثار النادرة‪،‬‬
‫تاج الدين بن زكريا الهند ّ‬ ‫‪100‬‬

‫ي قد جاءت في منتهى الركاكة و التكّلف؛ تد ّ‬


‫ل‬ ‫ضا؛ إل ّ أ ّ‬
‫ن عبارات هذا الشيخ الهند ّ‬ ‫من المصدر السابق أي ً‬ ‫‪101‬‬
‫ن الخلط و العبث‬ ‫على قريحته العجمية و طبعه الجلف و ح ّ‬
‫ظه التافه من العلم‪ .‬و بالتالي يبرهن على أ ّ‬
‫والتحريف اّلذي تعّرضت له المفاهيم السلمّية الصيلة‪ ،‬إنما هي صنيعة أصحاب تلك الطبيعة الغليظة اّلتي لم‬

‫ت‬
‫ع وهرطقا ٍ‬ ‫يتم ّ‬
‫كنوا بسببها من المعرفة الصحيحة بحقيقة السلم حّتى دفعتهم أهواؤهم إلى اختلق بد ٍ‬
‫سوها إلى الدين الحنيف جهل ً أو قص ً‬
‫دا‪ ،‬والله أعلم بنّياتهم‪.‬‬ ‫استقوها من عقائد أهل الشرك ‪ .‬فد ّ‬
‫‪88‬‬

‫ه‬
‫الطريقة النقشبندّية»؛ كما يبدو في الوقت ذات ِ ِ‬
‫ر‬
‫ة من آثا ِ‬ ‫ة الخالي ِ‬‫ف ِ‬ ‫كيك َ ِ‬
‫ة الجا ّ‬ ‫من هذه العبارات الّر ِ‬
‫ة كانوا ول‬ ‫خ هذه الطائف ِ‬ ‫ن شيو َ‬ ‫سِليم ِ أ ّ‬
‫ق ال ّ‬ ‫ذو ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ة‬ ‫ف والب َ‬
‫لغ ِ‬ ‫ر ِ‬ ‫ن ِبمْنأى عن العلم ِ والمعا ِ‬ ‫يزالو َ‬
‫ة‪...‬‬
‫ف ِ‬
‫قا ِ‬ ‫والث ّ َ‬
‫***‬

‫* الغاية من الرابطة‬
‫الرابطة من حيث الغاية ليست إل ّ وسيلة‬
‫ل ما يملك‬‫لترويض المريد على تبعية الشيخ بك ّ‬
‫كد على هذه‬ ‫من نفس ومال ومقدرة‪ .‬ويؤ ّ‬
‫الحقيقة ما قد ورد في مقولت شيوخ الطريقة‬
‫من ترغيب المريد على الستسلم المطلق‬
‫ن طاعة المرشد عند هذه الطائفة‪،‬‬ ‫شيخ‪ .‬بل وإ ّ‬ ‫لل ّ‬
‫م آداب المريد مع شيخه‪ .‬وقد جعلوها‬ ‫من أه ّ‬
‫ل من ينخرط في سلكهم‬ ‫ضا على ك ّ‬‫طا مفرو ً‬‫شر ً‬
‫مر ذكره في باب «البيعة»‪ .‬كذلك رابطة‬ ‫كما ّ‬
‫ن( أفض ُ‬
‫ل‬ ‫ه ِ‬‫الشيخ )أي استحضار صورته في الذّ ْ‬
‫من ذكر الله عندهم‪ ،‬كما ورد في فقرات‬
‫الحرار‪.‬‬

‫ذا يجب هنا التفريق بين كلمتي «البيعة» و‬ ‫إ ً‬


‫غ للّتباع في «آداب المريد‬ ‫سا َ‬
‫«الّتباع» إذ ل م َ‬
‫مع شيخه» وإّنما المطلوب من المريد أن يكون‬
‫ن المت ِّبع يتماشى مع المت َّبع‬‫عا ل ّ‬‫مت ّب ِ ً‬
‫عّيا وليس ُ‬
‫ت َب َ ِ‬
‫ل بعد‬ ‫ر وتع ّ‬
‫ق ٍ‬ ‫ي ويوافقه عن فك ٍ‬ ‫عن وع ٍ‬
‫ب‪ ،‬وبحثه في‬ ‫استكشاف العلل ومقارنته السبا َ‬
‫المقدمات؛ ليستخلص النتائج منها بالحكم‬
‫ن‬
‫والتصديق وهذا من صفات المؤمنين المتسّنني َ‬
‫بالنبياء عليهم الصلة والسلم؛ كأصحاب سّيدنا‬
‫ما‬‫مد ‪ ،‬ورضوان الله عليهم أجمعين‪ .‬أ ّ‬ ‫مح ّ‬
‫ي فليس أمره كذلك‪ .‬وإّنما هو‬ ‫النسان التَبع ّ‬
‫مسلوب الرادة‪ ،‬مضطّر ل خيار له‪ ،‬ول علم له‬
‫‪89‬‬

‫هدٌ‬‫كنه ليس كمن هو مضط َ‬ ‫سلب منه‪ .‬ول ّ‬ ‫بما قد ُ‬


‫مقهوٌر ومكَرهٌ على فعل شئ أو تركه؛ ول مثل‬
‫كم فيه ظالم ل طاقة له به؛ ول كمن هو‬ ‫من تح ّ‬
‫ف ٌ‬
‫ل‬ ‫ع بشخص لحسنه وجماله؛ ولكّنه مغ ّ‬ ‫مول ّ ٌ‬
‫ل من ورائه‪ ،‬فألقى عليه‬ ‫جا ٌ‬ ‫هد ّ‬ ‫جذَب َ ُ‬
‫ع‪َ ،‬‬ ‫مطبو ٌ‬
‫ة‬
‫ت ماكر ٍ‬ ‫ة ودعوا ٍ‬ ‫لب ٍ‬‫تخ ّ‬ ‫محب َّته وهيبَته بدعايا ٍ‬
‫ة كما يفعله بعض شيوخ الصوفّية‬ ‫ل شيطاني ٍ‬ ‫حي َ ٍ‬‫و ِ‬
‫من طأطأة الرأس‪ ،‬والتصنع في الّلباس والكلم‪،‬‬
‫ة مثل‬ ‫ة ومناس َ‬ ‫َ‬
‫ك دخيل ٍ‬ ‫ر المريدين بأوراٍد غريب ٍ‬ ‫م ِ‬‫وأ ْ‬
‫ي والمسبحة‪ ،‬وبكميات معينة‬ ‫ص ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫عدّ الذكار بال ْ ُ‬
‫ن ل ِْلكثرة والحجم تأثيًرا‬ ‫ددها لهم‪ .‬ذلك أ ّ‬ ‫يح ّ‬
‫قر‬‫ما على نفسية النسان الجاهل‪ .‬إّنه يو ّ‬ ‫عظي ً‬
‫صة إذا كانت فوقها عمامة‬ ‫ة‪ ،‬خا ّ‬ ‫ة الضخم َ‬ ‫الهام َ‬
‫م‪ ،‬وينجرف من‬ ‫دسة؛ يتهّيب الزحا َ‬ ‫من لفائف مك ّ‬
‫ل‬‫ب؛ ل رأي له يستق ّ‬ ‫ما ذَن َ ٌ‬
‫وراء الدهماء وهو دو ً‬
‫فق‬ ‫به؛ وهو رمز الحماقة في التصفيق عندما يص ّ‬
‫فقون‪ ،‬ولماذا‬ ‫الناس‪ ،‬وإن كان ل يدري لماذا يص ّ‬
‫ن الرابطة‬ ‫يطّبلون! ولهذا يجوز أن نقول إ ّ‬
‫مة‬ ‫صة لصطياد هذا النوع من العا ّ‬ ‫ة خا ّ‬ ‫وسيل ٌ‬
‫ن رآه‬ ‫ك منه‪ .‬وإ ْ‬ ‫ه بالشيخ بحيث ل يكاد ينف ّ‬ ‫وَرب ْطِ ِ‬
‫‪102‬‬
‫ويطيعه في معصية الله مع أّنه‬ ‫يرتكب الحرام‪،‬‬
‫ي‬‫ةف ِ‬ ‫ع ُ‬
‫ما الطا َ‬ ‫ه‪ ،‬إن ّ َ‬ ‫ة الل ِ‬ ‫صي َ ِ‬ ‫ع ِ‬‫م ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ةف‬
‫‪ِ 103‬‬ ‫ع َ‬
‫طا َ‬ ‫«ل َ َ‬
‫ف»‬ ‫عُرو ٍ‬ ‫م ْ‬‫َ‬
‫***‬

‫* عقوبة المخ ّ‬
‫ل بآداب الرابطة عند‬
‫النقشبندّية‪.‬‬
‫تتمّيز الطريقة النقشبندّية بين سائر طرائق‬
‫الصوفّية بنظامها وآدابها اّلتي ساعدتها على‬
‫عب َْر‬
‫سع والنتشار في صفوف مليين الناس َ‬ ‫التو ّ‬
‫القرون‪ .‬وهي كفيلة بقيامها ودوامها حّتى هذه‬
‫راجع موضوع البيعة‬ ‫‪102‬‬

‫عن علي ابن أبي طالب‪ .‬رواه مسلم‪ .‬رقم الحديث‪.3423 :‬‬ ‫‪103‬‬
‫‪90‬‬

‫الساعة بحكم هيمنتها على القلوب وترسيخ‬


‫عقائدها في قريرة النفوس‪ .‬ويعود السبب‬
‫ي في ذلك إلى الداب اّلتي تقوم عليها‬
‫الساس ّ‬
‫ف المريد من الشيخ‬ ‫ة الخلف بالسلف وموق ُ‬‫علق ُ‬
‫في هذا المذهب الخطير‪.‬‬

‫لقد سبق الكلم في باب تعريف الرابطة‬


‫ن المريد يجب عليه أن يكون على‬ ‫وشروطها‪ ،‬بأ ّ‬
‫صلة دائمة مع شيخه بأداء الرابطة له‪« .‬وإل‬
‫ددا‬
‫انقطعت البركة عنه» فهو يرى نفسه مه ّ‬
‫بذلك إذا فتر باله عن شيخه ولو لحظة‪ .‬هذا من‬
‫جملة اعتقادهم في مسألة الرابطة‪ .‬وقد أحدث‬
‫خرين من شيوخ هذه الطائفة شر ً‬
‫طا‬ ‫بعض المتأ ّ‬
‫كد به صلة المريد بالشيخ‬ ‫آخر في الطريقة ليتأ ّ‬
‫د‬
‫ل المري ُ‬ ‫أكثر مما هي في البداية‪ .‬وذلك أن يحم َ‬
‫ه معه‪.‬‬ ‫ة من الصورة الفوتوغرافية لشيخ ِ‬ ‫نسخ ً‬
‫ة‪ .‬وهم أتباع سليمان‬ ‫فينظر إليها كّلما وجد فرص ً‬
‫ن‪ ،‬وأتباع المل ّ عبد الحكيم‬
‫خا ْ‬‫طوُنا ُ‬‫مي ُ‬ ‫حل ْ ِ‬
‫ِ‬
‫‪104‬‬
‫ي‪.‬‬‫الِبلواِنس ّ‬
‫وإذا كانت الرابطة من أعظم أركان الطريقة‬
‫ن القاعدة الساسّية فيها‬
‫النقشبندّية‪ ،‬فا ّ‬
‫)بالنسبة للخليفة المأذون( أن ل يأمر المريدين‬
‫برابطة نفسه‪ ،‬إذا كان شيخه ل يزال على قيد‬

‫ة وعلى‬
‫ة مراكز ضخمة معمورة في المدن الرئيسي ّ ِ‬ ‫طائفتين منتشر في تركيا‪ .‬لل ّ‬
‫طائفة السليماني ّ ِ‬ ‫ل من ال ّ‬
‫‪ 104‬ك ّ‬

‫ة الغافلين‬ ‫ك حول معتقداتهم ويؤ ّ‬


‫كد ثق َ‬ ‫ما يزيل الشكو َ‬
‫ة‪ ،‬وهذا م ّ‬
‫ص ً‬
‫ن خا ّ‬
‫ن بتحفيظ القرآ ِ‬
‫مو َ‬
‫رأسها إسطنبول‪ .‬يهت ّ‬
‫ي في مدينة آديامان ‪ .Adıyaman‬وهي‬
‫س ّ‬
‫دِليسي(‪ ،‬فلهم مركٌز رئي ِ‬
‫سي )الب َ ْ‬ ‫ة عبد الحكيم الب ْل ْ َ‬
‫وان ِ ِ‬ ‫ما جماع ُ‬
‫بهم‪ .‬وأ ّ‬
‫ة ِإلى‬
‫دعو ِ‬
‫ء تركيا لل ّ‬
‫د ينتشرون في أنحا ِ‬
‫ب شرقي تركيا‪ .‬لهم وفو ٌ‬
‫ة على جنو ِ‬
‫ة الواقع ِ‬
‫مدينة سميصات القديم ِ‬
‫ة في ماله أو‬
‫ن أصابته نكب ٌ‬
‫م ْ‬
‫ة بِ َ‬
‫ص ً‬
‫مون خا ّ‬
‫ة في نشر دعوتهم‪ ،‬يهت ّ‬
‫ب ماكر ٌ‬
‫ط في صفوفهم‪ .‬ولهم أسالي ُ‬
‫النخرا ِ‬
‫ة‬
‫ن في محاوراتهم الّتبشيري ّ ِ‬
‫ت وُيكث ُِر َ‬
‫ت في البيو ِ‬
‫ن جلسا ٍ‬
‫دو َ‬
‫ق ُ‬
‫ع ِ‬ ‫غيث ُ ُ‬
‫ه‪ .‬ي َ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬
‫م ْ‬
‫ة إلى َ‬
‫عمله أو قريبه‪ ،‬وهو في حاج ٍ‬
‫جهون دعوَتهم ‪-‬‬ ‫غ‪ .‬يو ّ‬ ‫دما ِ‬
‫ن أّنها صدرت عن شيخهم وبطريق غسل ال ّ‬ ‫ة اّلتي ي ّ‬
‫دعو َ‬ ‫جيب َ ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫ع ِ‬ ‫ة من ذكر ال ْك ََرا َ‬
‫ما ِ‬ ‫ص ً‬
‫خا ّ‬
‫ع‬ ‫ّ‬ ‫س من المغ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫م ِ‬‫ج ْ‬
‫مون ب ِ َ‬
‫ة‪ .‬إّنما يهت ّ‬
‫ت نفسي ّ ٍ‬ ‫ة والذين يعانون من حال ٍ‬
‫ن والجهل ِ‬
‫فلي َ‬ ‫ة النا ِ‬ ‫ل ‪ -‬إلى حثال ِ‬ ‫و ِ‬ ‫قام ِ ال ّ‬ ‫في ال ُ‬
‫س‬
‫ن الّنا َ‬
‫ة يريدون بها أ ّ‬ ‫وَثان ًِيا‪ :‬ليحا ِ‬
‫ء صور ٍ‬ ‫ة ذل َ‬
‫ك؛ َ‬ ‫و ً‬
‫ل‪ :‬لسهول ِ‬ ‫س‪ ،‬أ ّ‬
‫ة من النا ِ‬
‫ت البسيط ِ‬
‫ن في هذه المستويا ِ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫ه َ‬
‫ذ ما‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬
‫فيكشف الغموم عن البائسين‪َ ...‬‬ ‫وَثال ًِثا‪ :‬إّنه غوث العالمين يتصّرف في ملك الل ِ‬
‫يتهافتون على شيخهم؛ َ‬
‫ة اسمها المنـزل على‬
‫ة مركز بقري ٍ‬
‫ة! لهذه الطائف ُ‬
‫ن بهم في الّنهاي ِ‬
‫ن والمتفّتحي َ‬
‫في َ‬ ‫ل لعتقاِد المث ّ‬
‫ق ِ‬ ‫يفتح المجا َ‬

‫ساحة‬
‫ة السلم ِ في ال ّ‬ ‫شا َ‬
‫ش َ‬ ‫ح َ‬
‫د دُ ُ‬
‫ة ته ّ‬
‫ة بالغ ٌ‬
‫ة خطور ٌ‬ ‫ن لهذه ال ّ‬
‫طائف ِ‬ ‫مّية بمكان أ ّ‬
‫مقربة من مدينة آديامان‪ .‬ومن اله ّ‬
‫التركّية‪.‬‬
‫‪91‬‬

‫ن‬ ‫َ‬
‫ن أِذ َ‬
‫م ْ‬
‫ة َ‬
‫الحياة‪ .‬بل يجب عليه أن يأمرهم برابط ِ‬
‫له بالخلفة‪.‬‬

‫من‬ ‫عدّ م ّ‬
‫ب هذه القاعدةَ فإّنه ي ُ َ‬ ‫أما إذا خالف النائ ُ‬
‫ه ِبالطّْرِد من‬ ‫خ ُ‬ ‫م عليه َ‬
‫شي ْ ُ‬ ‫حك ُ ُ‬
‫وي َ ْ‬‫د‪َ .‬‬‫نقض العه َ‬
‫د‬
‫ر َ‬ ‫ُ‬
‫ن من ط ِ‬ ‫ة عندهم‪ .‬ل ّ‬ ‫الطريقة‪ .‬وهو أشدّ عقوب ً‬
‫دا من باب‬ ‫عدّ كذلك مطرو ً‬ ‫من الطريقة‪ ،‬فإّنه ي ُ َ‬
‫الله ومن باب رسوله في اعتقادهم؛ فيتبّرؤن‬
‫وناتهم ما يفيد أنهم‬ ‫ردْ في مد ّ‬ ‫ن لم ي َ ِ‬
‫منه‪ ،‬وإ ْ‬
‫يحكمون عليه بالكفر‪.‬‬

‫وبهذا يفتضح سّر آخر من أسرارهم بأنهم‬


‫يتقّلبون في أمواج من التعارض والتناقض‬
‫ن‬
‫قة بذلك بينهم وبين السلم‪ .‬ل ّ‬ ‫وتزداد الش ّ‬
‫المسلم ل يجوز له أن يتبّرأ من المسلم ما لم‬
‫يجده قد خلع رقبة السلم من عنقه‪.‬‬

‫أما الطرد في الطريقة النقشبندّية‪ ،‬كما شرحناه‬


‫فيما أصدرنا تحت عنوان‪« :‬موقف ابن عابدين‬
‫‪105‬‬
‫م‬
‫فإنه موضوع ها ّ‬ ‫من الصوفّية والتصوف»‬
‫وعقوبة شديدة عند هذه الطائفة‪.‬‬

‫ن اّلذي أحدث هذه القاعدة هو خالد‬ ‫ويبدو أ ّ‬


‫ي‪ .‬فقد جاء فيما كتبه بعض النقشبندّيين‪،‬‬ ‫البغداد ّ‬
‫‪106‬‬
‫إذ كان‬ ‫ي‪،‬‬ ‫هاب السوس ّ‬‫دا طرد عبد الو ّ‬ ‫ن خال ً‬
‫أ ّ‬
‫هاب‬ ‫نائًبا عنه في مدينة إسطنبول‪ .‬لن عبد الو ّ‬
‫أمر المريدين برابطة صورته‪ ،‬فأصبح بذلك‬
‫سا لمن يستخدمه‪ .‬بينما كان يجب عليه‬ ‫مناف ً‬
‫حسب آداب الطريقة أن يأمرهم برابطة خالد‬
‫ي اّلذي أحدث قاعدة الطرد‪ ،‬كما أحدث‬ ‫البغداد ّ‬
‫ور النـزاع‬ ‫لّلرابطة شروطا وآداًبا خا ّ‬
‫صة‪ .‬فتط ّ‬ ‫ً‬

‫ي لنصرة مولنا خالد‬ ‫رسالة تحليلية و انتقادية رددنا فيها على ما جاء في رسالة «س ّ‬
‫ل الحسام الهند ّ‬ ‫‪105‬‬
‫ي» للمؤّلف المذكور‪.‬‬
‫النقشبند ّ‬

‫ي‪ ،‬و أسلوب تعامله معهم»‪ ،‬في نهاية الفصل الرابع‪.‬‬


‫راجع موضوع «خلفاء خالد البغداد ّ‬ ‫‪106‬‬
‫‪92‬‬

‫بينهما إلى حدود خطيرة‪ .‬كما سنشرحه في‬


‫ن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫نهاية الفصل الرابع إ ْ‬
‫كذلك نائبه اّلذي كان قد أرسله إلى داغستان‬
‫ن‬
‫دا أ ّ‬
‫‪-‬وهو إسماعيل الشيرواني‪ -‬لما بلغ خال ً‬
‫خليفَته هذا يأمر المريدين برابطة نفسه )بدل‬
‫جه‬
‫أن يأمَرهم باستحضار صورة شيخه ‪-‬خالد‪ ،(-‬و ّ‬
‫ة من‬ ‫ه جماع ٌ‬‫قل َت ْ ُ‬
‫دده فيه‪ .‬فقد ن َ َ‬‫إليه كتاًبا يه ّ‬
‫صه الكامل ضمن ما جرت به‬ ‫النقشبندّيين بن ّ‬
‫ونوها في شؤون‬ ‫أقلمهم من رسائ َ‬
‫لد ّ‬
‫طريقتهم‪.‬‬

‫ن الطريقة النقشبندّية قد اكتسبت‬ ‫لش ّ‬


‫كأ ّ‬
‫ة بهذه الضوابط اّلتي هي بمنـزلة نصوص‬ ‫مناع ً‬
‫من كتاب الله عندهم‪ .‬إذ لها حرمة عظيمة في‬
‫ل‬‫قب َ ِ‬
‫اعتقادهم‪ ،‬كما لها إمكان التنفيذ من ِ‬
‫ل ساحة انتشروا فيها‪.‬‬‫مشائخهم في ك ّ‬
‫***‬
‫* استدللهم في إثبات الرابطة‬
‫ومقالتهم في الدفاع عنها وما قيل‬
‫في‬
‫دها‪.‬‬
‫ر ّ‬
‫ن يدافعوا عن‬ ‫لقد حاول عدد من مشائخهم أ ّ‬
‫الرابطة‪ ،‬فبذلوا ما عندهم من جهود‪ ،‬وأفرغوا ما‬
‫وا‬ ‫َ‬
‫يملكون من طاقة تندهش منها العقول‪ .‬ذلك أب َ ْ‬
‫إل ّ يكون لها أساس من الكتاب والسـّنة؛ فضاق‬
‫بهم المر حّتى استدّلوا بآيتين كريمتين من‬
‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫ها اّلذي َ‬
‫نآ َ‬ ‫كتاب الله‪ ،‬وهي قوله تعالى }َيا أي ّ َ‬
‫ة‪ 107{.‬وقوله‬ ‫سيل َ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫و ِ‬ ‫غوا إ ِل َي ْ ِ‬
‫واب ْت َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ات ّ ُ‬
‫قوا الل َ‬
‫َ‬
‫ع‬‫م َ‬‫كوُنوا َ‬‫و ُ‬
‫ه َ‬‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ها اّلذي َ‬ ‫تعالى‪َ} :‬يا أي ّ َ‬

‫سورة المائدة‪.35/‬‬ ‫‪107‬‬


‫‪93‬‬

‫وأ َْتبعوهما بحديث «المرء مع من‬ ‫‪108‬‬


‫ن‪{.‬‬‫قي َ‬
‫الصاِد ِ‬
‫‪109‬‬
‫ب»‬ ‫أح ّ‬
‫بهذا السلوب الغريب أرادوا أن ُيثبتوا الرابطة‬
‫ويجعلوها شكل ً من أشكال العبادة في السلم‪.‬‬
‫ولكن فشلوا في محاولتهم‪ .‬وقام عليهم الدليل‬
‫من خلل ما استدلوا به‪ .‬إذ ل نجد بين طبقات‬
‫دا أشار إلى‬ ‫سرين من علماء السلم أح ً‬ ‫المف ّ‬
‫ن هذه‬‫هَبا ُ‬ ‫ّ‬
‫الرابطة )وبشكلها الذي رسمها ُر ْ‬
‫ة( في تفسير اليتين المذكورتين‪ ،‬ول‬ ‫النحل ِ‬
‫ة من أحاديث‬ ‫ة واحد ٍ‬ ‫محدًّثا َر َ‬
‫مَز إليها بكلم ٍ‬
‫الرسول ‪.‬‬

‫ق نفسه‬‫ه ْ‬
‫م لم ي ُْر ِ‬
‫ه ْ‬
‫حدَ ُ‬‫نأ َ‬
‫فيبدو وبكل وضوح أ ّ‬
‫د من تفاسير علماء‬ ‫ر واح ٍ‬‫حّتى بمراجعة مصد ٍ‬
‫كد من معنى اليتين المذكورتين‪.‬‬ ‫السلم ليتأ ّ‬

‫ما انصرافهم عن مراجعة كتب التفسير على‬ ‫أ ّ‬


‫كثرة عددها‪ ،‬فليس من علمة ثقتهم بما عندهم‪،‬‬
‫ولت لهم أنفسهم فحسب‪،‬‬ ‫أو لعجابهم بما س ّ‬
‫بل يبرهن ذلك على مبلغهم من العلم بطرق‬
‫ل بآية كريمة وجب عليه‬ ‫ن من استد ّ‬‫الستدلل‪ .‬ل ّ‬
‫كد من سبب نزولها‪.‬‬ ‫في الخطوة الولى أن يتأ ّ‬
‫ثم يترّتب عليه أن يتحّرى المناسبة بينها وبين‬
‫الموضوع اّلذي يربطه بها‪.‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ها اّلذي َ‬ ‫ن الية الكريمة } َيا أي ّ َ‬ ‫إ ّ‬
‫مة لما قبلها‪ .‬وهو‬ ‫ة‪ {.‬هي تت ّ‬ ‫َ‬
‫سيل َ‬ ‫و ِ‬ ‫ْ‬
‫ه ال َ‬ ‫َ‬
‫غوا إ ِلي ْ ِ‬ ‫واب ْت َ ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن الل َ‬ ‫رُبو َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ّ‬
‫جَزاءُ الذي َ‬ ‫ما َ‬ ‫قوله تعالى } إ ِن ّ َ‬
‫قت ُّلوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫نف ِ ْ‬
‫ن يُ َ‬ ‫دا‪ ،‬أ ْ‬ ‫سا ً‬ ‫ف َ‬ ‫ض َ‬ ‫ي الْر َ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ع ْ‬ ‫س َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫خل َ ٍ‬
‫ف‪،‬‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫ه ْ‬ ‫جل ُ‬ ‫وأْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫د ِ‬ ‫ع أي ْ ِ‬ ‫قط َ‬ ‫و تُ َ‬ ‫صلُبوا‪ ،‬أ ْ‬ ‫و يُ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ي الدن َْيا‪.‬‬ ‫يف ِ‬ ‫خْز ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ك لَ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ض‪ .‬ذَل ِ َ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫و ي ُن ْ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن َتاُبوا‬ ‫م * إ ِل ّ اّلذي َ‬ ‫ظي ٌ‬‫ع ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫ة َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫ي ْال ِ‬ ‫مف ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫َ‬
‫سورة التوبة‪.119 / ،‬‬ ‫‪108‬‬

‫ي‪ ،‬رقم الحديث‪5702 /‬؛ مسلم‪ ،‬رقم الحديث‪.4779 /‬‬


‫خار ّ‬ ‫مت ّ َ‬
‫فق عليه‪ .‬الب ُ َ‬ ‫‪109‬‬
‫‪94‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن الل َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫موا أ ّ‬ ‫م‪َ ،‬‬
‫فا ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫دُروا َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬
‫ق ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن َ‬
‫قب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫‪110‬‬
‫م‪{.‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫َ‬
‫غ ُ‬

‫ن هذه‬ ‫فقد ورد في عدٍد من مصادر التفسير بأ ّ‬


‫اليات نزلت في المشركين‪ ،‬وليس فيها أدنى‬
‫ت برابطة النقشبندّيين‪ .‬فالعجب العجب‬ ‫م ّ‬ ‫دللة ت َ ُ‬
‫ما من‬ ‫من أمر هذه الطائفة‪ ،‬أّنهم كّلما وجدوا عال ً‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫شْر ِ‬ ‫ة على ِ‬ ‫بآية كريم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫علماء السلم يستد ّ‬
‫ل‬
‫ل الزندقة‬ ‫دعي أّنه مؤمن وهو يتمّرغ في أوحا ِ‬ ‫ي ّ‬
‫ن‬ ‫ج ّ‬ ‫ه على مرأى من الناس‪ُ ،‬‬ ‫ك بالل ِ‬ ‫والشرا ِ‬
‫عوا بالدفاع عن‬ ‫م‪ ،‬وثاروا عليه‪ ،‬وتصن ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫جُنون ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ة منه على‬ ‫ة الكريم ِ‬ ‫ل هذه الي ِ‬ ‫م َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن« َ‬ ‫أنفسهم‪ :‬أ ّ‬
‫حدين زور وافتراء وتلبيس»؛ وكيف‬ ‫عوام المو ّ‬
‫بهم أّنهم قد تشّبثوا بآية كريمة نزلت في‬
‫المشركين فاستدّلوا بها في إثبات رابطتهم‬
‫؟!!‪ 111‬لقد روى‬ ‫وليس بينهما أدنى قرينة ‍‬
‫ي ومسلم في سبب نزول الية المذكورة‬ ‫خار ّ‬ ‫الب ُ َ‬
‫ك‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قل َب َ َ‬ ‫َ‬
‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ة عن أَنس ب ْ ِ‬ ‫آنفا «من حديث أِبي ِ‬
‫َ‬
‫ه‬‫ل الل ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫عَلى َر ُ‬ ‫موا َ‬ ‫د ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مان ِي َ ً‬ ‫ل ثَ َ‬ ‫عك ْ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فًرا ِ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫أ ّ‬
‫موا‪ 112‬ا ْل َْرضَ‪،‬‬ ‫خ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫فا ْ‬ ‫لمِ؛ َ‬ ‫س َ‬ ‫عَلى ال ِ ْ‬ ‫عوهُ َ‬ ‫وَباي َ ُ‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ل الل ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫ك إ َِلى َر ُ‬ ‫وا ذَل ِ َ‬ ‫شك َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫م‪َ ،‬‬ ‫ه ْ‬ ‫م ُ‬‫سا ُ‬ ‫ج َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ق َ‬ ‫س ِ‬‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ل أل َ ت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫ف َ‬ ‫‪َ .َ‬‬
‫في إ ِب ِل ِ ِ‬ ‫عيَنا ِ‬ ‫ع َرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫جو َ‬ ‫خُر ُ‬
‫قاُلوا ب ََلى‪.‬‬ ‫فت ُصيبون من أ َبوال ِها َ‬
‫ها؟ َ‬ ‫وأل َْبان ِ َ‬ ‫َ ِ ُ َ ِ ْ ْ َ َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حوا‪،‬‬ ‫ص ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ها‪َ ،‬‬ ‫وأل َْبان ِ َ‬ ‫ها َ‬ ‫وال ِ َ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫رُبوا ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ف َ‬ ‫جوا‪َ ،‬‬ ‫خَر ُ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫فب َل َ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫غ ذَل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫‪113‬‬
‫م‪.‬‬ ‫ع َ‬ ‫دوا الن َ‬ ‫وأطَْر ُ‬ ‫ي َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬‫قت َُلوا الرا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫كوا‪.‬‬ ‫ر ُ‬ ‫في آَثارهمْ‪ُ َ ،‬‬ ‫س َ‬ ‫ل الله ‪َ َ .‬‬ ‫سو َ‬
‫ِ‬ ‫فأدْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫فأْر َ‬ ‫ِ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫جل ُ ُ‬‫وأْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫قط ّ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫همْ‪َ ،‬‬ ‫مَر ب ِ ِ‬ ‫فأ َ‬ ‫م‪َ ،‬‬ ‫ه ْ‬ ‫جيءَ ب ِ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫َ‬

‫سورة المائدة‪.34 ،33/‬‬ ‫‪110‬‬

‫هابّيين‪ ،‬راجع كتاب شواهد‬


‫للطلع على نحو هذه المشاجرة بين الطراف المتنازعة من النقشبندّيين والو ّ‬ ‫‪111‬‬
‫الحق لمؤّلفه يوسف بن إسماعيل النبهاني‪ :‬الباب الثالث‪) .‬الرسالة الثانية من مجموع الكتيبات المطبوعة‬

‫هابُيون( مكتبة إيشيك طباعات متكررة‪/‬إسطنبول‪.‬‬


‫بعنوان‪ :‬علماء المسلمين والو ّ‬

‫أي استثقلوا الرض‪ ،‬فلم يوافق هواؤها أبدانهم‪.‬‬ ‫‪112‬‬

‫أى استاقوها غصًبا‪.‬‬ ‫‪113‬‬


‫‪95‬‬

‫س حّتى‬ ‫م ِ‬ ‫في الش ْ‬ ‫ذوا ِ‬‫م ن ُب ِ ُ‬ ‫هم؛ْ ث ُ ّ‬ ‫ت أَ ْ‬


‫عي ُن ُ ُ‬ ‫مَر ْ‬ ‫س ِ‬
‫و ُ‬ ‫َ‬
‫‪114‬‬
‫ماُتوا»‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ها اّلذي َ‬
‫ن‬ ‫ما الية الثانية وهي قوله تعالى‪َ } :‬يا أي ّ َ‬ ‫أ ّ‬
‫فقد‬ ‫‪115‬‬
‫ن{‬ ‫قي َ‬‫ع الصاِد ِ‬ ‫م َ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬
‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫آ َ‬
‫ة وما قبلها نزلت‬ ‫ن هذه الي َ‬ ‫أجمع العلماء على أ ّ‬
‫ب ما‬ ‫في غزوة تبوك‪ ،‬حيث ل يغيب على ذي ل ُ ّ‬
‫من هذه اليات من توبة الله سبحانه على‬ ‫تتض ّ‬
‫النبي والمهاجرين الذين اّتبعوه في ساعة‬‫ّ‬
‫خّلفوا‪ .‬وهم‬ ‫العسرة‪ ،‬وكذلك على الثلثة اّلذين ُ‬
‫مَراَرةُ بن الربيع العامري‪،‬‬ ‫كعب بن مالك‪ ،‬و ُ‬
‫وهلل بن أمّية الواقفي‪.‬‬

‫ي ذي علم بكتاب‬ ‫نعم هذه الحقائق ل تغيب عن أ ّ‬


‫الله تعالى‪ ،‬ولكن غابت عن شيوخ النقشبندّية‪.‬‬
‫ول نقول أّنهم أرادوا بذلك أن يحّرفوا كتاب الله‬
‫ما وعدواًنا‪ ،‬فتواطؤا فيما بينهم على تأويل‬ ‫ظل ً‬
‫هذه الية في إثبات الرابطة؛ ولكن نقول‪ :‬إّنهم‬
‫توّرطوا في هذا المأزق اغتراًرا بمن افترى على‬
‫ما‪،‬‬‫مدَ بهتاًنا عظي ً‬ ‫ع ّ‬
‫ن تَ َ‬‫م ْ‬ ‫وا أث ََر َ‬ ‫قت َ َ‬
‫ف ْ‬ ‫الله كذًبا‪ .‬وا ْ‬
‫ل بهذه الية الكريمة‬ ‫ولت له نفسه أن يستد ّ‬ ‫فس ّ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫قل ّدَةَ ِ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ة َ‬‫س َ‬ ‫م ْ‬
‫قت َب َ َ‬ ‫ق تلك الهرطقة ال ْ ُ‬ ‫ص َ‬‫لي ُل ْ ِ‬
‫ة الهند بعقيدة المسلمين‪ .‬وهذا من‬ ‫حَر ِ‬
‫س َ‬
‫عقيدة َ‬
‫ل الثقة منهم‬ ‫غبائهم وإعجابهم بمن أصبح مح ّ‬
‫عوهُ وخالفوا‬ ‫ب الله! فات ّب َ ُ‬ ‫ه حتى ولو حّرف كتا َ‬ ‫في ِ‬‫ِ‬
‫الجمهور بهذا الرأي السقيم في تفسير اليتين‬
‫ذوا بذلك عن الجماعة أّيما‬ ‫المذكورتين‪ ،‬وش ّ‬
‫شذوذ!‬

‫ما علماء السلم فقد جاءت نظرتهم منسجمة‬


‫أ ّ‬
‫متقاربة في تفسيرهما من حيث الصل وإن‬

‫الحديث‪4779 /‬‬ ‫مسلم‪ ،‬رقم‬ ‫‪114‬‬

‫سورة التوبة‪.119/‬‬ ‫‪115‬‬


‫‪96‬‬

‫ت‬
‫اختلفت ألفاظهم كما ستتبّين من عبارا ٍ‬
‫نقلناها من تصانيف عدد منهم تمحيصا للمر‪:‬‬

‫مد بن جرير الطبري في‬


‫قال أبو جعفر مح ّ‬
‫تفسير الية الخامسة والثلثين من سورة‬
‫المائدة‪:‬‬

‫ة{ يقول‪ :‬اطلبوا القرابة‬‫سيل َ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬


‫و ِ‬ ‫غوا إ ِل َي ْ ِ‬
‫واب ْت َ ُ‬
‫} َ‬
‫إليه بالعمل بما يرضيه‪ ،‬والوسيلة هي الفعيلة‪.‬‬
‫ت إلى فلن بكذا أي‬ ‫سل ُ‬‫من قول القائل تو ّ‬
‫ت إليه‪ .‬ومنها قول عنترة‪:‬‬ ‫بمعنى تقّرب ُ‬
‫ن الرجال لهم إليك وسيلة * أن يأخذوك‬
‫«إ ّ‬
‫ضبي»‬‫حلي وتخ ّ‬ ‫تك ّ‬
‫وقال في تفسير الية التاسعة عشرة بعد المائة‬
‫كوُنوا‬‫و ُ‬
‫من سورة التوبة‪« :‬وإّنما معنى الكلم } َ‬
‫ن{ في الخرة باتقاء الله في الدنيا‬ ‫قي َ‬
‫ع الصاِد ِ‬‫م َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫سَرهُ من أهل التأويل بأ ْ‬
‫ف ّ‬‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫سَر ذلك َ‬ ‫)‪َ (...‬‬
‫ف ّ‬
‫قال معناه‪ :‬كونوا مع أبي بكر وعمر أو مع النبي‬
‫‪ ‬والمهاجرين رحمة الله عليهم‪».‬‬

‫«حدثنا ابن وكيع عن يزيد بن أسلم عن نافع‪.‬‬


‫َ‬
‫ها اّلذي َ‬
‫ن‬ ‫خّلفوا } َيا أي ّ َ‬‫قال‪ :‬قيل للّثلثة اّلذين ُ‬
‫مد‬‫قينَ‪ {.‬مح ّ‬ ‫ع الصاِد ِ‬
‫م َ‬ ‫و ُ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫ه َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬
‫قوا الل َ‬ ‫آ َ‬
‫‪116‬‬
‫وأصحابه»‬

‫ومن هؤلء المفسرين صاحب الكشاف أبو‬


‫القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري؛‬
‫قال في تفسير الية الخامسة والثلثين من‬
‫سورة المائدة‪:‬‬

‫سل به‪ .‬أي ُيتقرب من‬ ‫«الوسيلة‪ :‬ك ّ‬


‫ل ما يتو ّ‬
‫ت لما‬
‫قرابة أو صنيعة أو غير ذلك‪ .‬فاسُتعير ْ‬

‫مد بن جرير الطبري‪ ،‬جامع البيان في تفسير القرآن‪.‬‬


‫أبو جعفر مح ّ‬ ‫‪116‬‬
‫‪97‬‬

‫سل به إلى الله تعالى من فعل الطاعات‬


‫ُيتو ّ‬
‫وترك المعاصي‪».‬‬

‫وقال في تفسير الية التاسعة عشرة بعد المائة‬


‫ن{‪...‬وهم اّلذين‬ ‫قي ِ‬
‫ع الصاِد ِ‬ ‫م َ‬
‫من سورة التوبة‪َ }« :‬‬
‫ّ‬
‫صدقوا في دين الله قول ً وعمل ً أو الذين صدقوا‬
‫في إيمانهم ومعاهدتهم لله ورسوله على‬
‫ه‬
‫دوا الل َ‬
‫ه ُ‬
‫عا َ‬
‫ما َ‬
‫قوا َ‬ ‫صدَ ُ‬
‫ل َ‬‫رجا ٌ‬ ‫الطاعة من قوله } ِ‬
‫َ‬
‫ه‪ .{.‬وقيل هم الثلثة‪ .‬أي كونوا مثل هؤلء‬ ‫عَلي ِ‬
‫َ‬
‫‪117‬‬
‫في صدقهم ونياتهم»‬

‫ومن أعلم المفسرين أبي عبد الله فخر الدين‬


‫مد بن عمر بن الحسن بن الحسين اّلتيم ّ‬
‫ي‬ ‫مح ّ‬
‫ي الرازي؛ قال في تفسير الية الخامسة‬ ‫البكر ّ‬
‫والثلثين من سورة المائدة «كونوا مّتقين عن‬
‫معاصي الله متوسّلين إلى الله بطاعات الله‪».‬‬

‫وقال في تفسير الية التاسعة عشرة بعد المائة‬


‫َ‬
‫قوا‬‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫ها اّلذي َ‬
‫نآ َ‬ ‫من سورة التوبة‪َ}« :‬يا أي ّ َ‬
‫ن{ يعني مع الرسول‬ ‫قي َ‬ ‫ع الصاِد ِ‬
‫م َ‬ ‫و ُ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫ه َ‬
‫الل َ‬
‫وأصحابه في الغزوات؛ ول تكونوا متخّلفين عنها‬
‫‪118‬‬
‫وجالسين مع المنافقين في البيوت»‬

‫مد بن أحمد بن أبي بكر‬


‫سرين مح ّ‬
‫ومن كبار المف ّ‬
‫بن فرج النصاري الخزرجي الندلسي؛ قال في‬
‫تفسير الية الخامسة والثلثين من سورة‬
‫المائدة‪:‬‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬
‫قوا الل َ‬ ‫ها اّلذي َ‬
‫نآ َ‬ ‫«قوله تعالى‪َ} :‬يا أي ّ َ‬
‫ة{ الوسيلة‪ :‬هي القربة؛ عن‬ ‫سيل َ َ‬
‫و ِ‬‫ه ال ْ َ‬
‫غوا إ ِل َي ْ ِ‬
‫واب ْت َ ُ‬
‫َ‬
‫أبي وائل والحسن ومجاهد وقتادة وعطاء و‬

‫أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬وعيون القاويل‬ ‫‪117‬‬
‫في وجوه التأويل‪.‬‬

‫فخر الدين الرازي‪ ،‬تفسير مفاتيح الغيب‪.‬‬ ‫‪118‬‬


‫‪98‬‬

‫السدي وابن زيد وعبد الله بن كثير‪ ،‬وهي فعيلة‬


‫ت إليه أي تقّربت‪ .‬قال عنترة‪»:‬‬
‫سل ُ‬
‫من تو ّ‬
‫ن الرجال لهم إليك وسيلة * أن يأخذوك‬
‫«إ ّ‬
‫ضبي»‬‫حلي وتخ ّ‬ ‫تك ّ‬
‫والجمع الوسائل قال‪:‬‬

‫عدنا ِلوصلنا * وعاد التصافي‬


‫«إذا غفل الواشون ُ‬
‫بيننا والوسائل»‬

‫ت‪ .‬وهما‬‫ت أسأل‪ .‬أي طلب ُ‬‫ويقال‪ :‬منه سل ُ‬


‫ل واحد من صاحبه؛‬ ‫يتساولن‪ .‬أي يطلب ك ّ‬
‫فالصل الطلب؛ والوسيلة القربة اّلتي ينبغي أن‬
‫يطلب بها‪ .‬والوسيلة درجة في الجنة وهي اّلتي‬
‫جاء في الحديث الصحيح بها في قوله ‪« :‬فمن‬
‫ل لي الوسيلة حّلت له الشفاعة»‬ ‫سأ َ‬

‫وقال المصنف أيضا في تفسير الية السابعة‬


‫والخمسين من سورة السراء وهي قوله تعالى‪:‬‬
‫سيل َ َ‬
‫ة‪{...‬‬ ‫م ال ْ َ‬
‫و ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫غو َ َ‬
‫ن إ ِلى َرب ّ ِ‬ ‫ن ي َب ْت َ ُ‬ ‫} ُأؤل َئ ِ َ‬
‫ك اّلذي َ‬
‫ن أسلموا‪ ،‬وكانوا ُيعَبدون‪.‬‬ ‫« قال‪ :‬نفر من الج ّ‬
‫فبقي اّلذين كانوا َيعُبدون على عبادتهم‪ ،‬وقد‬
‫س‬
‫ن‪ ،‬فاسلم الجّنيون‪ ،‬والن ُ‬ ‫أسلم النفر من الج ّ‬
‫ُ‬
‫ن ل يشعرون؛ فنـزلت } أؤل َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫دو َ‬ ‫اّلذين كانوا ي َ ْ‬
‫عب ُ ُ‬
‫سيل َ َ‬
‫ة‪»{...‬‬ ‫م ال ْ َ‬
‫و ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫غو َ َ‬
‫ن إ ِلى َرب ّ ِ‬ ‫اّلذي َ‬
‫ن ي َب ْت َ ُ‬

‫وقال في تفسير الية التاسعة عشر بعد المائة‬


‫من سورة التوبة‪:‬‬

‫دثنا‬‫دثنا أبو معاوية ح ّ‬ ‫«قال المام أحمد‪ :‬ح ّ‬


‫العمش عن شقيق‪ ،‬عن عبد الله‪ ،‬وهو ابن‬
‫مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله ‪:‬‬
‫َ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫و ُ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫ه َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬
‫قوا الل َ‬ ‫ها اّلذي َ‬
‫نآ َ‬ ‫}َيا أي ّ َ‬
‫ن{ أي أصدقوا وألزموا الصدق تكونوا‬ ‫قي َ‬
‫الصاِد ِ‬
‫‪99‬‬

‫جا‬
‫من أهله‪ ،‬وتنجوا من المهالك‪ ،‬ويجعل لكم فر ً‬
‫َ‬
‫ة‪،‬‬ ‫وي َ َ‬‫عا ِ‬ ‫م َ‬ ‫حدّث ََنا أُبو ُ‬ ‫جا‪ .‬وقال المام أحمد‪َ ،‬‬ ‫ومخر ً‬
‫د الله ‪-‬هو ابن‬ ‫عب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫حدّث ََنا ال ْ‬
‫ع ْ‬ ‫ق َ‬ ‫قي ٍ‬ ‫ش ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ش َ‬ ‫م ُ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫علي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫ل الله ‪َ :َ‬‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫مسعود‪َ -‬‬
‫ن ال ْب ِّر‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫دي إ َِلى ال ْب ِّر‪َ ،‬‬ ‫ه ِ‬
‫ن الصدْقَ ي َ ْ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫دقِ‪َ .‬‬ ‫ِبالص ْ‬
‫حّرى‬ ‫وي َت َ َ‬ ‫صدُقُ َ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل الر ُ‬ ‫ما ي ََزا ُ‬ ‫و َ‬‫جّنةِ‪َ ،‬‬ ‫دي إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫م‬‫وإ ِّياك ُ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫دي ً‬ ‫ص ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫عن ْدَ الل ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫الصدْقَ حّتى ي ُك ْت َ َ‬
‫ن‬‫وإ ِ ّ‬ ‫ر َ‬ ‫جو ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫دي إ َِلى ال ْ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ب يَ ْ‬ ‫ذ َ‬ ‫ن ال ْك َ ِ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫ب َ‬‫ذ َ‬ ‫وال ْك َ ِ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫َ ِ ُ‬ ‫ذ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ج‬‫ُ‬ ‫الر‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫زا‬ ‫ي‬ ‫ما‬
‫ِ َ َ َ َ‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫النا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫دي‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ر‬
‫ُ َ َ ْ ِ‬ ‫جو‬ ‫ف‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬
‫ذاًبا‪ .‬أخرجاه‬ ‫عن ْدَ الله ك َ ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫ب حّتى ي ُك ْت َ َ‬ ‫ذ َ‬ ‫حّرى ال ْك َ ِ‬ ‫وي َت َ َ‬ ‫َ‬
‫‪119‬‬
‫في الصحيحين»‬

‫ومن هؤلء المفسرين‪ ،‬أبو سعيد ناصر الدين عبد‬


‫الله بن عمر البيضاوي؛ قال في تفسير الية‬
‫ها‬ ‫َ‬
‫الخامسة والثلثين من سورة المائدة‪َ }« :‬يا أي ّ َ‬
‫ة { أي‬ ‫سيل َ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫و ِ‬ ‫غوا إ ِل َي ْ ِ‬
‫واب ْت َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬
‫قوا الل َ‬ ‫نآ َ‬‫اّلذي َ‬
‫ى منه من فعل‬ ‫سلون إلى قرابه والزلف َ‬ ‫ما تتو ّ‬
‫الطاعات وترك المعاصي‪ .‬من وسل إلى كذا‪ ،‬إذا‬
‫تقّرب إليه‪ ،‬وفي الحديث‪ :‬الوسيلة منـزلة في‬
‫الجّنة»‪.‬‬

‫قال المصّنف في تفسير الية السابعة‬


‫والخمسين من سورة السراء وهي قوله تعالى‪:‬‬
‫م‬
‫ه ُ‬ ‫غو َ َ‬
‫ن إ ِلى َرب ّ ِ‬ ‫ن ي َب ْت َ ُ‬ ‫عو َ‬ ‫ك اّلذي َ‬
‫ن ي َدْ ُ‬ ‫}ُأؤل َئ ِ َ‬
‫ة‪« {...‬هؤلء اللهة يبتغون إلى الله‬ ‫سيل َ َ‬ ‫و ِ‬‫ال ْ َ‬
‫القربة بالطاعة ‪-‬أيهم أقرب‪ -‬بدل من واو‬
‫يبتغون‪ .‬أي يبتغي من هو أقرب منهم إلى الله‬
‫ن‬
‫جو َ‬‫وي َْر ُ‬
‫تعالى الوسيلة‪ ،‬فكيف بغير القرب! } َ‬
‫ه{ كسائر العباد‪ .‬فكيف‬ ‫ذاب َ ُ‬‫ع َ‬
‫ن َ‬ ‫فو َ‬ ‫خا ُ‬
‫وي َ َ‬
‫ه َ‬ ‫مت َ ُ‬
‫ح َ‬‫َر ْ‬
‫تزعمون أنهم آلهة؟!»‬

‫وقال البيضاوي في تفسير الية التاسعة عشر‬


‫َ‬
‫ها اّلذي َ‬
‫ن‬ ‫بعد المائة من سورة التوبة؛ «}َيا أي ّ َ‬
‫مد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح النصاري الخزرجي الندلسي‪ ،‬الجامع لحكام القرآن المعروف‬
‫مح ّ‬ ‫‪119‬‬
‫بتفسير القرطبي‪.‬‬
‫‪100‬‬

‫ع‬
‫م َ‬ ‫و ُ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫ه{ فيما ليرضاه } َ‬ ‫قوا الل َ‬‫مُنوا ات ّ ُ‬
‫آ َ‬
‫ة وقول ً وعمل ً»‬ ‫ن{ أي في دين الله ني ً‬ ‫قي َ‬ ‫الصاِد ِ‬
‫‪120‬‬

‫ومنهم أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود‬


‫النسفي؛ قال في تفسير الية الخامسة‬
‫غوا إ ِل َي ْ َ‬
‫ه‬ ‫واب ْت َ ُ‬
‫والثلثين من سورة المائدة‪َ }« :‬‬
‫سل به‪ ،‬أي ُيقترب من‬ ‫ة{ هي ك ّ‬
‫ل ما ُيتو ّ‬ ‫سيل َ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫و ِ‬
‫قرابة أو صنيعة‪ ،‬أو غير ذلك‪ ،‬فاسُتعيرت لما‬
‫ُيتوسل به إلى الله تعالى من فعل الطاعات‬
‫وترك السيئات‪».‬‬

‫وقال في تفسير الية السابعة والخمسين من‬


‫ة{‬‫سيل َ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫و ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫غو َ َ‬
‫ن إ ِلى َرب ّ ِ‬ ‫سورة السراء‪}« :‬ي َب ْت َ ُ‬
‫ن آلهتهم أؤلئك يبتغون الوسيلة‪ ،‬وهي‬ ‫يعني أ ّ‬
‫م( بدل من واو‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬
‫القربة إلى الله عز وجل‪) .‬أي ّ ُ‬
‫يبتغون‪ .‬و)أي( موصولة‪ .‬أي يبتغي من هو أقرب‬
‫منهم الوسيلة إلى الله‪ ،‬فكيف بغير القرب! أو‬
‫ضمن يبتغون الوسيلة معنى يحرصون‪ .‬فكأنه‬
‫قيل‪ :‬يحرصون أّيهم يكون أقرب إلى الله وذلك‬
‫بالطاعة وازدياد الخير‪».‬‬

‫وقال في تفسير الية التاسعة عشرة بعد المائة‬


‫من سورة التوبة‪:‬‬
‫َ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫و ُ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫ه َ‬‫قوا الل َ‬‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫ها اّلذي َ‬
‫نآ َ‬ ‫«} َيا أي ّ َ‬
‫ن‪ {.‬في إيمانهم دون المنافقين؛ أو مع‬ ‫قي َ‬ ‫الصاِد ِ‬
‫اّلذين لم يتخلفوا؛ أو مع الذين صدقوا في دين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن الجماع‬‫ل على أ ّ‬ ‫ل‪ .‬والية تد ّ‬ ‫الله نية وقول ً وعم ً‬
‫جة‪ ،‬لّنه أمر بالكون مع الصادقين‪ .‬فلزم قبول‬ ‫ح ّ‬
‫‪121‬‬
‫قولهم»‬

‫أبو سعيد ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي‪ ،‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل‪.‬‬ ‫‪120‬‬

‫أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي‪ ،‬مدارك التنزيل و حقائق التأويل‪.‬‬ ‫‪121‬‬
‫‪101‬‬

‫مد بن إبراهيم‬
‫ومنهم علء الدين علي بن مح ّ‬
‫الشحي المعروف بالخازن‪ .‬قال في تفسير الية‬
‫الخامسة والثلثين من سورة المائدة‪:‬‬
‫َ‬
‫ه{‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ها اّلذي َ‬ ‫«قوله عز وجل }َيا أي ّ َ‬
‫غوا إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫واب ْت َ ُ‬
‫أي خافوا الله بترك المنهيات؛ } َ‬
‫ة{ اطلبوا إليه القرب بطاعته والعمل بما‬ ‫سيل َ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫و ِ‬
‫ن مجامع التكاليف‬ ‫يرضى وإنما قلنا ذلك‪ ،‬ل ّ‬
‫محصورة في نوعين ل ثالث لهما‪ .‬أحد النوعين‬
‫ه‪-‬؛‬
‫قوا الل َ‬ ‫ترك المنهيات‪ ،‬وإليه الشارة بقوله ‪-‬ا ِت ّ ُ‬
‫والثاني التقرب إلى الله بالطاعات‪ .‬وإليه‬
‫ة‪ -‬والوسيلة‬ ‫سيل َ َ‬‫و ِ‬‫ه ال ْ َ‬
‫غوا إ ِل َي ْ ِ‬ ‫واب ْت َ ُ‬
‫الشارة بقوله ‪َ -‬‬
‫فعيلة من وسل إليه إذا تقّرب إليه ومنه قول‬
‫الشاعر‪»:‬‬

‫ن الرجال لهم إليك وسيلة( أي قربة‪ .‬وقيل‬ ‫«)إ ّ‬


‫معنى الوسيلة المحّبة‪ .‬أي تحّببوا إلى الله عّز‬
‫ل‪».‬‬‫وج ّ‬

‫وقال الخازن في تفسير الية السابعة‬


‫والخمسين من سورة السراء‪:‬‬

‫ن{ أي اّلذين‬ ‫عو َ‬


‫ن ي َدْ ُ‬ ‫ك اّلذي َ‬ ‫«قال تعالى‪ُ } :‬أؤل َئ ِ َ‬
‫م‬
‫ه ُ‬ ‫غو َ َ‬
‫ن إ ِلى َرب ّ ِ‬ ‫يدعونهم المشركون آلهة‪} :‬ي َب ْت َ ُ‬
‫ة العليا‪ .‬قال ابن‬ ‫ة والدرج َ‬ ‫ة‪ {...‬أي القرب َ‬ ‫سيل َ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫و ِ‬
‫عباس‪ :‬هم عيسى‪ ،‬وأمه‪ ،‬وعزير‪ ،‬والملئكة‪،‬‬
‫والشمس‪ ،‬والقمر‪ ،‬والنجوم‪ .‬وقال عبد الله ابن‬
‫مسعود‪ :‬نزلت هذه الية في نفر من العرب كانوا‬
‫ن‪ ،‬ويعلم النس بذلك‬ ‫يعبدون نفًرا من الج ّ‬
‫سكوا بعبادتهم‪ .‬فعّيرهم الله وأنزل هذه‬ ‫فتم ّ‬
‫ب { معناه‬ ‫َ‬
‫مأ ْ‬ ‫َ‬
‫قَر ُ‬ ‫ه ْ‬
‫الية‪ .‬وقوله تعالى } أي ّ ُ‬
‫ينظرون أّيهم أقرب إلى الله‪ ،‬فيتوسلون به‪.‬‬
‫وقيل أّيهم أقرب يبتغي الوسيلة إلى الله‪،‬‬
‫ويتقّرب إليه بالعمل الصالح وازدياد الخير‬
‫والطاعة‪».‬‬
‫‪102‬‬

‫وقال المصنف في تفسير الية التاسعة عشرة‬


‫بعد المائة من سورة التوبة‪:‬‬
‫َ‬
‫ه{‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫ها اّلذي َ‬
‫نآ َ‬ ‫«قوله عز وجل }َيا أي ّ َ‬
‫ع‬
‫م َ‬‫كوُنوا َ‬ ‫و ُ‬ ‫يعني في مخالفة أمر الرسول ‪َ } .‬‬
‫دق النبي ‪‬‬ ‫ن { يعني مع من ص ّ‬ ‫قي َ‬
‫الصاِد ِ‬
‫وأصحابه في الغزوات ول تكونوا مع المتخلفين‬
‫من المنافقين اّلذين قعدوا في البيوت وتركوا‬
‫‪122‬‬
‫الغزو»‬

‫ول عليهم أبي‬


‫ومن مشاهير المفسرين المع ّ‬
‫الفداء عماد الدين الحافظ إسماعيل بن عمر بن‬
‫كثير؛ قال في تفسير الية الخامسة والثلثين‬
‫من سورة المائدة‪:‬‬

‫«يقول تعالى آمًرا عباده المؤمنين بتقواه‪ .‬وهي‬


‫إذا قرنت بالطاعة‪ ،‬كان المراد بها النكفاف عن‬
‫المحارم وترك المنهيات‪ .‬وقد قال بعدها‪:‬‬
‫ة‪ {.‬قال سفيان الثوري‬ ‫سيل َ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫و ِ‬ ‫غوا إ ِل َي ْ ِ‬
‫واب ْت َ ُ‬
‫} َ‬
‫عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس‪ :‬أي القربة‪.‬‬
‫وكذا قال مجاهد‪ ،‬وأبو وائل‪ ،‬والحسن وقتادة‪،‬‬
‫ي وابن زيد‪».‬‬
‫وعبد الله بن كثير‪ ،‬والسد ّ‬
‫قال قتادة‪ :‬أي تقربوا إليه بطاعته‪ ،‬والعمل بما‬
‫ن‬
‫عو َ‬
‫ن ي َدْ ُ‬ ‫يرضيه‪ .‬وقرأ ابن زيد‪ُ} :‬أؤل َئ ِ َ‬
‫ك اّلذي َ‬
‫ة‪ {...‬وهذا اّلذي قاله‬ ‫سيل َ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫و ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫غو َ َ‬
‫ن إ ِلى َرب ّ ِ‬ ‫ي َب ْت َ ُ‬
‫مة ل خلف بين المفسرين فيه وأنشد‬ ‫هؤلء الئ ّ‬
‫ابن جرير عليه قول الشاعر‪:‬‬

‫عدنا لوصلنا * وعاد التصافي‬


‫«إذا غفل الواشون ُ‬
‫بيننا والوسائل‪».‬‬

‫مد بن إبراهيم الشحي المعروف بالخازن‪ُ ،‬لباب التأويل ومعاني التنزيل‪.‬‬


‫علء الدين على مح ّ‬ ‫‪122‬‬
‫‪103‬‬

‫«والوسيلة‪ :‬هي اّلتي ُيتوصل بها إلى تحصيل‬


‫م على أعلى منـزلة‬‫عل َ ٌ‬
‫ضا َ‬
‫المقصود‪ .‬والوسيلة أي ً‬
‫في الجنة وهي منـزلة رسول الله ‪».‬‬

‫وقال ابن كثير في تفسير الية السابعة‬


‫والخمسين من سورة السراء‪:‬‬

‫ك اّلذي َ‬
‫ن‬ ‫«عن ابن مسعود في قوله‪ُ } :‬أؤل َئ ِ َ‬
‫ة‪ {...‬قال نزلت‬ ‫سيل َ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫و ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫غو َ َ‬
‫ن إ ِلى َرب ّ ِ‬ ‫ن ي َب ْت َ ُ‬
‫عو َ‬
‫ي َدْ ُ‬
‫ن‪،‬‬
‫في نفر من العرب كانوا يعبدون نفًرا من الج ّ‬
‫مل‬ ‫ه ْ‬
‫دون َ ُ‬ ‫فأسلم الجنّيون والنس اّلذين كانوا ي َ ْ‬
‫عب ُ ُ‬
‫يشعرون بإسلمهم‪ ،‬فنـزلت هذه الية‪».‬‬

‫قال المصّنف في تفسير الية التاسعة عشرة‬


‫بعد المائة من سورة التوبة بعد أن نقل حديًثا‬
‫عا من طرف كعب‬ ‫ول ً عن المام أحمد مرفو ً‬ ‫مط ّ‬
‫عَلى‬ ‫بن مالك اّلذي نزلت فيه ومن معه الية } َ‬
‫و َ‬
‫فوا‪...‬إلخ { قال عبد الله ابن‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫ة اّلذي َ‬
‫ن ُ‬ ‫الث َل َث َ ِ‬
‫ن( مع‬‫قي َ‬
‫صاِد ِ‬
‫ع ال ّ‬
‫م َ‬
‫كوُنوا َ‬‫و ُ‬
‫قوا الله َ‬ ‫عمر‪)« :‬ا ِت ّ ُ‬
‫‪123‬‬
‫مد ‪ ‬وأصحابه»‬ ‫مح ّ‬
‫مد‬
‫ومن علماء التفسير أبو طاهر مجد الدين مح ّ‬
‫مد بن إبراهيم الشيرازي‬ ‫بن يعقوب بن مح ّ‬
‫الفيروزآبادي قال في تفسير الية الخامسة‬
‫والثلثين من سورة المائدة‪:‬‬
‫َ‬
‫غوا إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫واب ْت َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬
‫قوا الل َ‬ ‫ها اّلذي َ‬
‫نآ َ‬ ‫«}َيا أي ّ َ‬
‫ة{ الدرجة الرفيعة‪ .‬ويقال اطلبوا إليه‬ ‫سيل َ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫و ِ‬
‫القرب في الدرجات‪ ،‬والعمال الصالحات‪».‬‬

‫وقال في تفسير الية التاسعة عشرة بعد المائة‬


‫من سورة التوبة‪:‬‬

‫أبو الفداء عماد الدين الحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪.‬‬ ‫‪123‬‬
‫‪104‬‬

‫َ‬
‫ه { أطيعوا الله‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬
‫قوا الل َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ها اّلذي َ‬
‫«} َيا أي ّ َ‬
‫ن { مع أبي‬‫قي َ‬
‫ع الصاِد ِ‬‫م َ‬ ‫كوُنوا َ‬‫و ُ‬
‫فيما أمركم } َ‬
‫بكر وعمر وأصحابهما في الجلوس والخروج‬
‫‪124‬‬
‫بالجهاد»‬

‫ومن مشاهير علماء الترك في فن التفسير‬


‫مد بن مصطفى المعروف بابي‬ ‫مد بن مح ّ‬
‫مح ّ‬
‫السعود العمادي قال في تفسير الية الخامسة‬
‫والثلثين من سورة المائدة‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬‫عظ َ ُ‬‫ذكر ِ‬ ‫قوا الله { ل َ ّ‬
‫ما ُ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫ها اّلذي َ‬
‫نآ َ‬ ‫«} َيا أي ّ َ‬
‫مهما‪ ،‬وأشير في‬ ‫ن حك ُ‬‫شان القتل والفساد وب ُي ّ َ‬
‫تضاعيف ذلك إلى مغفرته تعالى لمن تاب من‬
‫جنايته‪ ،‬أمر المؤمنين بأن يّتقوه تعالى في ك ّ‬
‫ل‬
‫ما يأتون وما يذرون بترك ما يجب اّتقاؤه من‬
‫المعاصي اّلتي من جملتها ما ذكر من القتل‬
‫والفساد‪ ،‬وبفعل الطاعات اّلتي من زمرتها‬
‫السعي في إحياء النفوس‪ ،‬ودفع الفساد‬
‫والمسارعة إلى التوبة والستغفار‪« .‬وابتغوا» أي‬
‫اطلبوا لنفسكم «إليه» أي إلى ثوابه والزلفى‬
‫منه‪« ،‬الوسيلة» هي فعيلة بمعنى ماُيتوسل به‬
‫وُيتقّرب إلى الله تعالى من فعل الطاعات‪،‬‬
‫وترك المعاصي‪ ،‬من وسل إلى كذا‪ ،‬أي تقّرب‬
‫ء‪....‬إلخ»‬‫إليه بشي ٍ‬

‫ي في تفسير الية التاسعة عشرة‬ ‫وقال العماد ّ‬


‫بعد المائة من سورة التوبة‪:‬‬
‫َ‬
‫مُنوا { خطاب عام يندرج فيه‬ ‫نآ َ‬ ‫ها اّلذي َ‬
‫«} َيا أي ّ َ‬
‫ولّيا‪ .‬وقيل لمن تخّلف عليه من‬ ‫جا أ ّ‬‫التائبون اندرا ً‬
‫صة ‪-‬اتقوا الله‪-‬في‬ ‫الطلقاء عن غزوة تبوك خا ّ‬
‫ل ما تأتون وما تذرون فيدخل فيه المعاملة مع‬ ‫ك ّ‬
‫رسول الله ‪ ‬في أمر المغازي دخول ً أ ّ‬
‫ولّيا؛‬
‫مد بن إبراهيم الشيرازي الفيروزآبادي‪ ،‬تنوير المقباس في‬
‫مد بن يعقوب بن مح ّ‬
‫أبو طاهر مجد الدين مح ّ‬ ‫‪124‬‬
‫تفسير ابن عباس‪.‬‬
‫‪105‬‬

‫ن{ في إيمانهم وعهودهم‪،‬‬ ‫قي َ‬‫ع الصاِد ِ‬‫م َ‬ ‫و ُ‬


‫كوُنوا َ‬ ‫} َ‬
‫ل‬ ‫ة وقول ً وعم ً‬
‫ل؛ أو في ك ّ‬ ‫أو في دين الله ني ً‬
‫‪125‬‬
‫شأن من الشؤون»‬

‫مة‬‫ومن مصادر التفسير المعتمدة عند عا ّ‬


‫م‪،‬‬
‫ه ْ‬
‫س ِ‬‫المسلمين وحّتى عند النقشبندّية أنف ِ‬
‫مد بن أحمد‬ ‫تفسير الجللين‪ :‬جلل الدين مح ّ‬
‫المحّلي‪ ،‬وجلل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر‬
‫السيوطي‪ .‬جاء في تفسير الية الخامسة‬
‫صه‪:‬‬
‫والثلثين من سورة المائدة بإيجاز وهذا ن ّ‬
‫َ‬
‫قوا الله { أي خافوا‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬‫نآ َ‬ ‫ها اّلذي َ‬ ‫«} َيا أي ّ َ‬
‫عقابه بأن تطيعوه ‪-‬وابتغوا‪ -‬اطلبوا ‪-‬إليه‬
‫م إليه من طاعته‪».‬‬ ‫قّرب ُك ُ ْ‬‫الوسيلة‪ -‬ما ي ُ َ‬

‫أما الية التاسعة عشرة بعد المائة من سورة‬


‫ص التالي‪:‬‬
‫التوبة فقد جاء تفسيرها بالن ّ ّ‬
‫َ‬
‫قوا الله { بترك معاصيه‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫ها اّلذي َ‬
‫نآ َ‬ ‫«} َيا أي ّ َ‬
‫ن{ في اليمان والعهود‬ ‫قي َ‬ ‫ع الصاِد ِ‬‫م َ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫و ُ‬ ‫} َ‬
‫‪126‬‬
‫بأن تلزموا الصدق»‬
‫وقد جاء في تفسير هيئة من الشيعة المامّية‬
‫تحت إشراف آية الله ناصر مكارم شيرازي نحو‬
‫سّنة في تفسير‬ ‫سرون من أهل ال ّ‬ ‫ما قال المف ّ‬
‫سر تعريبه من‬‫اليتين المذكورتين‪ .‬وهذا ما تي ّ‬
‫عباراتهم ‪-‬بالّلغة الفارسّية‪ -‬لتفسير الية‬
‫الخامسة والثلثين من سورة المائدة ‪:‬‬
‫َ‬
‫غوا إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫واب ْت َ ُ‬
‫ه َ‬
‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫ها اّلذي َ‬
‫نآ َ‬ ‫«}َيا أي ّ َ‬
‫ة للّتقّرب إلى الله‬ ‫ة{ أي اّتخذوا وسيل ً‬ ‫سيل َ َ‬‫و ِ‬‫ال ْ َ‬
‫ن ‪-‬الوسيلة‪ -‬في الية‬ ‫واختاروها‪ (...) .‬إ ّ‬
‫ن‬
‫المذكورة أعله لها معان كثيرة وواسعة‪ .‬فإ ّ‬
‫دس‬ ‫ل سعي باعث للّتقّرب إلى الباب المق ّ‬ ‫ك ّ‬
‫أبو السعود العمادي‪ ،‬إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم‪.‬‬ ‫‪125‬‬

‫جلل الدين المحّلي و جلل الدين السيوطي‪ ،‬تفسير الجللين‪.‬‬ ‫‪126‬‬


‫‪106‬‬

‫م منه فهو‬
‫ما اله ّ‬
‫ب تشمله الوسيلة‪ .‬أ ّ‬‫للّر ّ‬
‫اليمان بالله ورسوله الكرم‪ ،‬وكذلك ك ّ‬
‫ل عمل‬
‫جميل وخير‪».‬‬

‫وقالوا في تفسير الية التاسعة عشرة بعد‬


‫المائة من سورة التوبة بإيجاز‪:‬‬
‫َ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫و ُ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫ه َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬
‫قوا الل َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ها اّلذي َ‬
‫«} َيا أي ّ َ‬
‫ن { اجتنبوا عن مخالفة أمر الله وكونوا‬ ‫قي َ‬ ‫الصاِد ِ‬
‫‪127‬‬
‫مع الصادقين»‬
‫ل عن أهل الصدق‪،‬‬ ‫ثم ورد في تفسيرهم تفصي ٌ‬
‫وأّنه يجب ملزمتهم‪.‬‬

‫كانت هذه ُنبذة من تفسير العلماء البارزين في‬


‫ن من عناصر مختلفة‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫هذا الف ّ‬
‫اختلف لغاتهم الصلية‪ ،‬ومذاهبهم ومواطنهم‪،‬‬
‫ن الوسيلة الواردة في‬ ‫فقد أجمعوا على أ ّ‬
‫ل عمل يقّرب‬ ‫سورتي المائدة والسراء هي ك ّ‬
‫العبدَ إلى الله من فعل الخيرات وترك المعاصي‪.‬‬
‫ولم يربط أحد منهم ول من غيرهم من علماء‬
‫التفسير‪ ،‬ول من علماء الحديث بين كلمة‬
‫الوسيلة وبين مفهوم الرابطة المعهودة بأدنى‬
‫صلة‪ ،‬كما هي الحال بالنسبة لقوله تعالى‪:‬‬
‫ن { الوارد في سورة‬ ‫قي َ‬‫ع الصاِد ِ‬
‫م َ‬ ‫و ُ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫} َ‬
‫التوبة‪ .‬كذلك جاء في تفسير العلماء له على‬
‫ض ما جاء في تأويلت النقشبندّيين اّلذين‬ ‫نقي ِ‬
‫دوا الجسر بين رابطتهم‬ ‫دا بالغة ليم ّ‬ ‫بذلوا جهو ً‬
‫المستوحاة من البرهمية‪ ،‬وبين آيات الله بطرق‬
‫ملتوية يستحيل أن يوافق عليها أهل العلم‬
‫والبصيرة‪.‬‬

‫ن بين الصوفية‬ ‫ه الباحثو َ‬


‫ف الذي أثب َت َ ُ‬
‫ن الخل َ‬‫إ ّ‬
‫ما وحديًثا‪ ،‬في الحقيق ِ‬
‫ة لم‬ ‫ء السلم ِ قدي ً‬ ‫وعلما ِ‬
‫ض؛ بل‬‫ه البع ُ‬
‫ة كما يظن ّ ُ‬‫ر هامشي ٍ‬ ‫يقتصر على إمو ٍ‬
‫تفسير نمونه‪ ،‬بإشراف آية الله ناصر مكارم شيرازي‪.‬‬ ‫‪127‬‬
‫‪107‬‬

‫ءا‬‫ت بد ً‬ ‫ة في جميع الوجها ِ‬ ‫تجاوز إلى حدوٍد بعيد ٍ‬


‫قا إلى‬ ‫ر في ذات الله تعالى وانسيا ً‬ ‫من الّنظ ِ‬
‫ة وإلى تأويل‬ ‫ن والحيا ِ‬ ‫التعبير عن أسرار الكو ِ‬
‫صة‪،‬‬ ‫آيات القرآن من محكماتها ومتشابهاتها خا ّ‬
‫كما سبق في تفسير اليتين المذكورتين‪ .‬فقد‬
‫ي‬
‫م َ‬ ‫س ّ‬‫ن ُ‬ ‫صة في تفسير القرآ ِ‬ ‫ة خا ّ‬‫ابتدعوا طريق ً‬
‫ي‪ ،‬فاّتسعوا بذلك في تأويل‬ ‫بالتفسير الشار ّ‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫ت إلى حدود خرجوا بها عن إجماع أئ ّ‬ ‫اليا ِ‬
‫ة ما‬ ‫ح ِ‬ ‫ّ‬
‫التفسير‪ .‬ذلك ليستدلوا بها على ص ّ‬
‫وهُ من‬ ‫ق ْ‬ ‫ست َ َ‬‫ة‪ ،‬وما ا ْ‬ ‫ت شاذّ ٍ‬ ‫اختلقوه من معتقدا ٍ‬
‫ة‬
‫ت غريب ٍ‬ ‫ر وفلسفا ٍ‬ ‫مستنقعات الديان من أفكا ٍ‬
‫ل‬‫كّلما أشارت لهم أنفسهم؛ كقراءتهم «ك ّ‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه تعالى «إّنا ك ّ‬ ‫ع‪ -‬في قول ِ ِ‬ ‫ء» ‪-‬بالرف ِ‬ ‫ي ٍ‬
‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ة فكر ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ر»‪ ،‬ليستدّلوا بذلك على ص ّ‬ ‫قَناهُ ب ِ َ‬
‫قدَ ٍ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ء‬
‫ل شي ٍ‬ ‫ه هو ك ّ‬ ‫ن الل َ‬‫«وحدة الوجود»‪ ،‬وليقولوا «إ ّ‬
‫ن» ‪.‬‬ ‫في هذا الكو ِ‬
‫خري هذه الفرقة‬ ‫لقد جرت أقلم طائفة من متأ ّ‬
‫في إثبات الرابطة وهم فريقان‪ :‬فريق منهم‬
‫ت‪ ،‬دون غيرها‬ ‫عجال ٍ‬ ‫أفردوا الرابطة وحدها في ُ‬
‫ة؛ وفريق منهم تناولوا‬ ‫ث هذه النحل ِ‬
‫من مباح ِ‬
‫ر من الموضوع‪ ،‬وتطّرقوا إلى ما‬ ‫الرابطة كشط ٍ‬
‫بدا لهم من شّتى مسائل التصوف على‬
‫اختلفها‪.‬‬

‫***‬

‫م ما ك ُت ِ َ‬
‫ب في مسألة الرابطة‬ ‫* من أه ّ‬
‫‪108‬‬

‫ما اّلذين أفردوا الرابطة واقتصروا عليها‪ ،‬فقد‬


‫أ ّ‬
‫ت‪.‬‬
‫عجال ٍ‬
‫ع ُ‬
‫عثرنا لهم على تس ِ‬
‫‪128‬‬
‫منها‪ ،‬رسالة في تحقيق الرابطة‪.‬‬

‫ن هذه الرسالة خطاب‬ ‫لقد سبق فيما ذكرنا أ ّ‬


‫ي بالّلغة العربّية وبعثها إلى‬
‫كتبها خالد البغداد ّ‬
‫ح السناد‪ .‬وهو‬‫أحد مريديه في إسطنبول إذا ص ّ‬
‫مد أسعد أفندي نقيب الشراف ورئيس‬ ‫السيد مح ّ‬
‫سس مكتبة آياصوفيا‪.‬‬ ‫هيئة المعارف يومئذ‪ ،‬ومؤ ّ‬
‫ة الرابطة بهذه الرسالة‬ ‫ف مشكل َ‬ ‫فقد أثاَر المؤل ّ ُ‬
‫ن وذكٌر في أوساط‬ ‫على حين لم يكن لها شأ ٌ‬
‫ن ورد شيء قليل منها‬ ‫الصوفّية حّتى أّيامه‪ ،‬وإ ْ‬
‫ي‪،‬‬
‫في الرسالة التاجية لتاج الدين بن زكريا الهند ّ‬
‫ن المؤّلف لم يزد شيًئا في‬ ‫وعلى الرغم من أ ّ‬
‫تعريف الرابطة على ما جاء في التاجية إل ّ أّنه‬
‫ي من‬ ‫ل عشوائ ّ‬ ‫غا في إثباتها بنق ٍ‬ ‫دا بال ً‬‫قد بذل جه ً‬
‫ن سبق من الرجال من أمثال‬ ‫م ْ‬‫أقوال َ‬
‫ي‪،‬‬
‫الزمخشري‪ ،‬والمام أكمل الدين‪ ،‬والغزال ّ‬
‫والسهروردي‪ ،‬والشهاب بن حجر‪ ،‬والجلل‬
‫السيوطي‪ ،‬وغيرهم‪ .‬فقد اختار من أقوال هؤلء‬
‫ل بها على شرعية الرابطة دون‬ ‫ما أعجبه‪ ،‬واستد ّ‬
‫أن تكون بينهما أدنى مناسبة أو قرينة‪ .‬مما يدل‬
‫ك في‬ ‫ذلك على خبطه في عمياء‪ ،‬كما يثير الش ّ‬
‫ن هذه الرسالة قد تكون من صنع من أسندها‬ ‫أ ّ‬
‫ي لغراض ل نعلم حقيقتها؛‬ ‫إلى خالد البغداد ّ‬
‫س فيها من أباطيله مال ُيستساغ لمثال‬ ‫فد ّ‬
‫ي لنه لم يكن جاهل إلى هذا الدرك من‬ ‫البغداد ّ‬
‫العمى والضلل‪.‬‬

‫ن المؤّلف لم يح ّ‬
‫دد شيًئا‬ ‫وعلى الرغم من أ ّ‬
‫ط للّرابطة ول ذكر شيًئا لداء صورتها في‬‫كشرو ٍ‬

‫رقم‪85/‬‬ ‫قل َ ْ‬
‫ت هذه الرسالة ضمنها‪ ،‬راجع الهامش‬ ‫للطلع على المصادر اّلتي ن ُ ِ‬ ‫‪128‬‬
‫‪109‬‬

‫ن جاء بعده من‬


‫م ْ‬
‫هذه الرسالة‪ ،‬فقد اختلقها َ‬
‫خلفائه‪.‬‬

‫ونه النقشبندّيون في هذا‬


‫من جملة ما د ّ‬
‫الموضوع‪ ،‬كتاب «الرحمة الهابطة في ذكر اسم‬
‫ي‪ .‬قال‬
‫ن الدوسر ّ‬
‫الذات والرابطة»‪ .‬كتبه الحسي ُ‬
‫في مستهّله‪:‬‬

‫ما بعد‪ ،‬فهذه الرسالة‪ ،‬قد أّلفُتها سنة سبع‬ ‫«أ ّ‬


‫ت نسبَتها إلى غيري‬
‫وثلثين ومائتين وألف‪ .‬ووري ُ‬
‫ه‪ ،‬والعمال بالنيات»‬‫صدْت ُ ُ‬ ‫ض َ‬
‫ق َ‬ ‫ِلغر ٍ‬
‫ة‬
‫ي من خلل هذه الكلمات بحقيق ٍ‬ ‫يعترف الدوسر ّ‬
‫تبوح بحقائق أخرى رهيبة عن هذه الطائفة‬
‫ن من وقع َنظَُرهُ على هذه‬ ‫وأغراضها‪ .‬إذ أ ّ‬
‫ل في‬ ‫ن يتساء َ‬‫ي‪ ،‬لبدّ وأ ْ‬‫فقرأها بوع ٍ‬ ‫العبارات‪،‬‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫ي حّتى استباح الكذ َ‬ ‫جبَر الدوسر ّ‬ ‫ما أ ْ‬
‫نفسه ع ّ‬
‫ه فترةً من‬ ‫ة إلى غير ِ‬ ‫ه فاسندَ هذه الرسال َ‬ ‫لنفس ِ‬
‫م رجع عن هذا السناد‪ ،‬وهو اّلذي أّلفها‬ ‫نث ّ‬ ‫م ِ‬
‫الّز َ‬
‫بإقراره‪.‬‬

‫نعم ما اّلذي أجبره على هذا التـزوير‪ ،‬حّتى تنك َّر‬


‫ه‪ ،‬مع أّنه من أقدم ِ‬ ‫ة كتابه إلى غير ِ‬ ‫وورى نسب َ‬
‫ظمهم النقشبندّيون‬ ‫ي اّلذي يع ّ‬
‫خلفاء خالد البغداد ّ‬ ‫ُ‬
‫دونهم من‬ ‫ء والمرسلين‪ ،‬ويع ّ‬ ‫م النبيا ِ‬‫تعظي َ‬
‫أصحاب الفضائل والخلق السامية والصدق‬
‫ن هذه‬‫ه ُ‬
‫والمانة والبركة والكرامات! أم ت ُب َْر ِ‬
‫ن الرابطة لم‬ ‫ة في واقع المر‪ ،‬أ ّ‬ ‫دامغ ُ‬‫ة ال ّ‬
‫الحقيق ُ‬
‫دا في المجتمع السلمي حّتى‬ ‫تكن شيًئا معهو ً‬
‫جاء بها خالدٌ من ديار الهند؛ فبدأ هو وخلفاؤه‬
‫سون النبض حول أحاسيس المسلمين‪،‬‬ ‫يج ّ‬
‫ويتحّركون بحيطة‪ ،‬وبخطوات مرحلية لتطبيع‬
‫المشاعر وترويض النفوس‪ ،‬محاذرين من أن‬
‫ة‪.‬‬
‫يتعّرضوا لردوٍد عنيف ٍ‬
‫‪110‬‬

‫ب‪،‬‬‫ة أبوا ٍ‬ ‫ه هذا على سبع ِ‬ ‫ي كتاب َ ُ‬ ‫رّتب الدوسر ّ‬


‫س‬
‫ع والخام َ‬ ‫ث والراب َ‬ ‫ب الثال َ‬ ‫ص منها البا َ‬ ‫وخ ّ‬
‫م‬
‫ث وهاج َ‬ ‫ف وعب َ‬ ‫س َ‬ ‫فل ْ َ‬ ‫س بالرابطة‪ .‬ثم ت َ َ‬ ‫والساد َ‬
‫ح ما هو بصدده راعًنا فيها من‬ ‫ل في شر ِ‬ ‫وحاو َ‬
‫ك ومغتاظ؛ كأنه‬ ‫مْرت َب ِ ٍ‬
‫فو ُ‬ ‫ن متطّر ٍ‬ ‫ق إنسا ٍ‬ ‫ُ َ َ‬
‫من ْطل ِ‬
‫ما تذبذب‬ ‫م ّ‬‫ب المعارضين لمشربه‪ِ ،‬‬ ‫يصرخ‪ ،‬ويس ّ‬
‫ه‪ .‬كقوله «أقول‬ ‫م ُ‬‫ه‪ ،‬وتفّرق مرا ُ‬ ‫م ُ‬‫ه كل ُ‬ ‫من جّرائ ِ‬
‫لم يقل أحد من أهل التصوف بوجوب الرابطة‬
‫‪129‬‬
‫ها»‬ ‫ول باستحبابها ل ِ َ‬
‫ذات ِ َ‬
‫ما زعم مصطفى‬ ‫حا ل ِ َ‬
‫فجاء كلمه تكذيًبا واض ً‬
‫فوزي في كتابه «إثبات المسالك في رابط‬
‫ن الرابطة فريضة من جملة‬ ‫السالك»‪« :‬أ ّ‬
‫عا وخمسين‬‫الفرائض اّلتي يبلغ عددها أرب ً‬
‫فريضة‪».‬‬
‫ي‪« :‬نحن ل نستد ّ‬
‫ل للّرابطة من‬ ‫ثم قال الدوسر ّ‬
‫ن قّلدناه من العلماء كاف واف‬ ‫م ْ‬
‫دليل‪ .‬ودليل َ‬
‫ي‬
‫جه إلى الجنيد والجيل ّ‬
‫بالمقصود‪ .‬فالنكار متو ّ‬
‫والدسوقي ونحوهم اّلذين قّرروا الرابطة‬
‫‪130‬‬
‫بكيفيتها»‬

‫ي بهذه الكلمات من منطق‬ ‫لقد انطلق الدوسر ّ‬


‫رخيص «ليصطاد عصفورين بطلقة واحدة» كما‬
‫ض‬
‫ي‪ .‬ذلك لُيثير المعتر َ‬
‫قيل في المثل الترك ّ‬
‫ي فيدفعه إلى مستنقعات الصوفّية حّتى‬ ‫الغب ّ‬
‫يتمّرغ في أوحالها فيتباحث عما إذا سبق من‬
‫ن تكّلموا بشيء في‬ ‫ي والدسوقي أ ْ‬ ‫الجنيد والجيل ّ‬
‫رابطة النقشبندّية ثم يعود صفر اليدين‪.‬‬

‫ن مثل هذه المحاولة‪ ،‬ل يغني شيًئا عن الشاك‬‫إ ّ‬


‫في أمرهم‪ ،‬إل ّ الخسارة في العمر‪ .‬ل ّ‬
‫ن‬
‫‪1/22‬‬ ‫ي‪ ،‬الرحمة الهابطة في ذكر اسم الذات و الرابطة‪ ،‬بهامش معّرب المكتوبات للّرّباني‪:‬‬
‫حسين الدوسر ّ‬ ‫‪129‬‬
‫‪Fazilet Publishing-İstanbul‬‬ ‫‪.5‬‬

‫المصدر السابق‪.1/129 ،‬‬ ‫‪130‬‬


‫‪111‬‬

‫قا من نفسه لما غادر‬‫ي لو كان واث ً‬‫الدوسر ّ‬


‫صغيرةً ول كبيرةً إل ّ أحصاها من أقوال أولئك‬
‫الثلثة ونقلها؛ مع أّنها ل تقوم مقام دليل على‬
‫ة الرابة إطل ً‬
‫قا‪.‬‬ ‫عي ّ ِ‬
‫ب ِدْ ِ‬
‫ن الرابطة‬
‫ي‪« :‬إ ّ‬
‫وفي الباب الرابع قال الدوسر ّ‬
‫من جملة الوسائل الموصلة إلى الحضور في‬
‫عبادة الله‪ ،‬والوسائل لها حكم المقاصد‪».‬‬

‫ثم بعد إسهاب وإطناب في امتداح الرابطة أتى‬


‫بإجابة على سؤال مفروض‪ .‬وهو قوله‪:‬‬

‫ن قال الخ المنكر ـ تاب الله عليه ـ‪ :‬قد‬ ‫«فا ْ‬


‫ّ‬
‫ن الرابطة تعلق القلب‪.‬‬ ‫عرفنا على هذا القول‪ ،‬أ ّ‬
‫ب في الله واجب ومحّبة‬ ‫وهذا القول يمنعه‪ .‬والح ّ‬
‫ن استحضاَر‬ ‫الصالحين ثابتة؛ لكن من أين لكم أ ّ‬
‫ل في الذهن ولو كان من الصالحين‬ ‫ة رج ٍ‬‫صور ِ‬
‫ن استحضاركم‬ ‫ب كّلها‪ ،‬وأ ّ‬ ‫تحص ُ‬
‫ل به هذه المطال ُ‬
‫بسبب تعّلق القلب‪ ،‬وأّنه جائز؟»‬

‫ول قولك‪»:‬‬
‫«والجواب عن هذا من وجوه‪ :‬ال ّ‬
‫«ـ من أين لكم استحضار صورة رجل في الذهن‬
‫تحصل به هذه المطالب كّلها؟»‬

‫ن هذه المطالب تحصل لنا بما ذكرناه‪،‬‬ ‫«أقول‪ :‬إ ّ‬


‫دها باستغراقك في معبودك‬ ‫ت لك أضدا ُ‬‫كما حصل َ ْ‬
‫اّلذي نّبهناك عليه‪ .‬ولكّنها تعمى القلوب اّلتي‬
‫في الصدور‪».‬‬

‫ي فتتطاير من‬ ‫هكذا يظهر ما في ضمير الدوسر ّ‬


‫ل من يتساءل عن‬ ‫كلماته شرارات الغضب على ك ّ‬
‫ف‬‫ة وتكل ّ ٍ‬‫رابطته‪ ،‬بإزاء ما في أسلوبه من مجازف ٍ‬
‫ة وعجرفة وتمييع‪ .‬فيجعل من هذه‬ ‫عنجهي ٍ‬
‫و ُ‬
‫ك في‬ ‫ل من يش ّ‬ ‫ة يتطاول بها إلى ك ّ‬
‫الرسالة لعن ً‬
‫علقة الرابطة بالسلم‪ ،‬أو ربما تعود عليه‬
‫‪112‬‬

‫ة‬ ‫ة من ك ّ‬
‫ل من ُيلقى نظر ً‬ ‫سها نقم ً‬
‫الرسالة نف ُ‬
‫فيها‪.‬‬

‫ها «تبصرة‬‫وان ُ َ‬
‫ت عُن ْ َ‬
‫قا ٌ‬‫وَري ْ َ‬
‫عجالت‪ُ ،‬‬ ‫ومن هذه ال ُ‬
‫‪131‬‬
‫ودها رجل‬‫س ّ‬ ‫الفاصلين عن أصول الواصلين»‬
‫ل على ذلك ما تبعثرت على هذه‬ ‫ه‪ ،‬يد ّ‬ ‫عدْ َ‬
‫قدَْر ُ‬ ‫لم ي َ ُ‬
‫ج‬
‫هْر ٍ‬
‫طو َ‬ ‫ة وخل ٍ‬ ‫ة وهفو ٍ‬ ‫الوريقات من عجم ٍ‬
‫واضطراب‪.‬‬

‫دي ـ وتلجلج‬ ‫ه ِ‬ ‫تخّبط كاتبها التعيس ـ سليمان ُز ْ‬


‫ت من كلمات ل‬ ‫فيما قذف على هذه الصفحا ِ‬
‫ول َ نسق‪ ،‬واسته ّ‬
‫ل‬ ‫م َ‬ ‫ط بينها ول نظا َ‬ ‫ت ََراب ُ َ‬
‫المسكين بالعتاب والّنكير على الطاعن في‬
‫ما ل وجود له في‬ ‫الرابطة‪ .‬وربما تخّيل خص ً‬
‫ه هذه‬‫ت بِ ِ‬
‫ل على ما اب ْت ُل ِي َ ْ‬ ‫ل ذلك يد ّ‬ ‫الحقيقة‪ .‬ك ّ‬
‫ر وارتباك‪ .‬وما‬ ‫ب وفزع وذُ ْ‬
‫ع ٍ‬ ‫ع ٍ‬
‫الطائفة من ُر ْ‬
‫ف يتوقعون بسببه في‬ ‫استولى عليهم من خو ٍ‬
‫ة أن يداهم المسلمون وهم مستغرقون‬ ‫ل لحظ ٍ‬ ‫ك ّ‬
‫في رابطتهم!‬

‫طا كبيًرا من رسالة الرابطة‬ ‫نقل الرجل قس ً‬


‫ي‪ .‬ثم نقل اليتين المذكورتين وهو‬ ‫للبغداد ّ‬
‫يحاول مستميًتا لثبات الرابطة على أساسهما‬
‫بتعبيره اّلذي نسجه من تركيبات متنافرة‪،‬‬
‫ق ل يتفق مع قواعد الّلغة العربّية وآدابها‪،‬‬ ‫وسيا ٍ‬
‫ت دون ظهور ما‬ ‫قدةً حال ْ‬‫مع ّ‬
‫ة ُ‬
‫ه ركيك ً‬‫فجاءت كلمات ُ ُ‬
‫ه‬
‫ى أسلوب ُ ُ‬
‫هو بصدده لغرابة الستعمال؛ وأضف َ‬
‫ضا على كلمه‪ ،‬مع غلظته وقسوته‬ ‫الوعُر غمو ً‬
‫ة قامت عليه فدل ّ ْ‬
‫ت‬ ‫ج ٍ‬‫ولت إلى ح ّ‬ ‫ه فتح ّ‬ ‫في لّلهج ِ‬
‫على ما هو أهله‪.‬‬

‫***‬

‫مة مع لفيف آخر من أمثالها لنفس الشخص‪ /‬طبعت في إسطنبول‪ .‬وفي نهاية بعض‬
‫هي شبه رسالة منض ّ‬ ‫‪131‬‬
‫هذه الوريقات أنها كتبت عام ‪ 1289 -1288‬هـ‪.‬‬
‫‪113‬‬

‫م‬
‫ب منظو ٌ‬ ‫ضا‪ ،‬كتا ٌ‬ ‫ومن هذه الرسائل الغريبة أي ً‬
‫ة التركّية اسمه «إثبات المسالك في رابطة‬ ‫بالّلغ ِ‬
‫‪132‬‬
‫ل‪.‬‬
‫م ِ‬ ‫يشتمل على ‪ 1123‬ب َي ًْتا من الّر َ‬ ‫السالك»‬
‫ي من جماعة أحمد ضياء‬ ‫د ّ‬ ‫ق َ‬
‫شب َن ْ ِ‬ ‫كتبه شاعٌر ن َ ْ‬
‫ي في إسطنبول؛ اسمه‬ ‫و ّ‬ ‫خان َ ِ‬‫ش َ‬‫مو ْ‬ ‫الدين ال ْگ ُ ُ‬
‫‪133‬‬
‫ب بعد‬ ‫ه على ثمانية أبوا ٍ‬ ‫وَرت ّب َ ُ‬ ‫َ‬ ‫مصطفى فوزي‬
‫ل بها‪.‬‬ ‫توطئة وجيزة استه ّ‬

‫عُر بدفاعه الشديد عن الرابطة‬ ‫يمتاز هذا ال ّ‬


‫شا ِ‬
‫وبتأكيده على أّنها من جملة الفرائض‪ .‬زعم ذلك‬
‫في البيت الثامن من كلماته الواردة ضمن الباب‬
‫السادس تحت عنوان «بيان رابطة المرشد»‬
‫وانفرد برأيه هذا‪ ،‬عن جميع النقشبندّيين؛ بحيث‬
‫ه‬ ‫ول َ ب َ ْ‬
‫عدَ ُ‬ ‫قب ْل َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫لم يتصدّ أحدٌ من رجال الطائفة ل َ َ‬
‫دعوى‪.‬‬ ‫بمثل هذا ال ّ‬
‫ينتمي هذا الرجل إلى أحمد ضياء الدين‬
‫ي‪ ،‬كما ذكرنا آنفا‪ .‬وهو من الطبقة‬ ‫و ّ‬‫خان َ ِ‬‫ش َ‬‫مو ْ‬‫ال ْگ ُ ُ‬
‫الثانية بعده‪ .‬أخذ العهدَ من حسن حلمي بن عبد‬
‫الله القسطموني‪ 134‬اّلذي هو من خلفاء‬
‫ي‪ .‬فانخرط بذلك في سلك‬ ‫و ّ‬‫خان َ ِ‬‫ش َ‬‫مو ْ‬‫ال ْگ ُ ُ‬
‫ن حسن‬ ‫الخالديّين‪ .‬ول بد هنا من التنبيه على أ ّ‬
‫حلمي المذكور‪ ،‬ليس هو حسن حلمي بن علي‪،‬‬
‫ن كليهما‬ ‫ما بأ ّ‬
‫ي؛ عل ً‬
‫ر ّ‬ ‫د ال ْك َ ْ‬
‫وث َ ِ‬ ‫ه ِ‬
‫د الشيخ َزا ِ‬ ‫وال ِ ِ‬
‫َ‬
‫ي‪.‬‬
‫و ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫خان َ ِ‬
‫موش َ‬ ‫منتسبان إلى أحمد ضياء الدين الگ ُ‬
‫م أحدهما‬ ‫وقد يلتبس على بعض الباحثين اس ُ‬
‫بالخر‪.‬‬

‫شاعر مصطفى فوزي صحبة مع الشيخ زاهد‬ ‫لل ّ‬


‫ي الشهير بتصانيفه وبلهجته القاسية‬
‫الكوثر ّ‬
‫وتطاوله على العلماء‪.‬‬
‫هي رسالة في سبعين صفحة‪ ،‬ألفاظها تركية‪ ،‬مطبوعة بالحروف العربّية سنة ‪ 1324‬هـ‪.‬‬ ‫‪132‬‬

‫ذكره‪Dr. İrfan Gündüz, Gümüşhanevî Ahmed Ziyaüddin, Hayatı ve Eserleri-:‬‬ ‫راجع ترجمته في الكتاب التي‬ ‫‪133‬‬
‫‪Postscript no.I Seha Publishing Istanbul-1994‬‬

‫المصدر السابق‪ ،‬ص‪ .145 ،144 /‬كذلك راجع إرغام المريد للكوثري ص‪.100 /‬‬ ‫‪134‬‬
‫‪114‬‬

‫***‬

‫ها رجل اسمه عبد‬ ‫عدّ َ‬


‫ةأ َ‬‫ت‪ ،‬رسال ٌ‬ ‫جال َ ِ‬ ‫ومن هذه ال ْ ُ‬
‫ع َ‬
‫ية عام ‪1342‬‬‫ي‪ ،‬كتبها بالّلغة الترك ّ‬ ‫َ‬
‫س ّ‬‫وا ِ‬ ‫الحكيم الْر َ‬
‫ن أل َ ّ‬
‫‪135‬‬
‫ة‬
‫ب الرابطة وصور ِ‬ ‫م بآدا ِ‬ ‫م ْ‬
‫وهو ثاني َ‬ ‫هـ‪.‬‬
‫م شرحها‪ ،‬وخلط‬ ‫ي‪ .‬ث ّ‬ ‫مد أمين الكرد ّ‬ ‫أداِئها بعد مح ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ما خلط في طي هذه الرسالة أكثر من ك ّ‬
‫ل َ‬
‫سبقه ومن جاء بعده‪.‬‬

‫ل رسالته بعد ما أورد‬ ‫ي في مسته ّ‬ ‫قال الرواس ّ‬


‫ه‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫قوا الل َ‬ ‫نآ َ‬
‫ها الذي َ‬ ‫الية الكريمة‪َ} :‬يا أي ّ َ‬
‫ن{ قال بالحرف الواحد‪:‬‬ ‫قي َ‬ ‫ع الصاِد ِ‬ ‫م َ‬ ‫و ُ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫َ‬
‫«الرابطة طريق مستقل للوصول إلى الله» ثم‬
‫قال على سبيل التعريف لها‪« :‬الرابطة هي ربط‬
‫ل إلى مقام‬ ‫ل واص ٍ‬ ‫م ٍ‬
‫ل مك ّ‬ ‫ن كام ٍ‬ ‫القلب بإنسا ٍ‬
‫ق بالصفات اللهّية الذاتّية‪ .‬وهي‬ ‫ق ٍ‬‫المشاهدة متح ّ‬
‫عبارة عن حفظ صورة ذلك الشخص في خزانة‬
‫‪136‬‬
‫الخيال بحضوره وغيابه»‬

‫ه‪ ،‬اسمه سعيد‪،‬‬ ‫دي ِ‬


‫ري ِ‬ ‫م ِ‬
‫د ُ‬ ‫ها إلى أح ِ‬ ‫عث َ َ‬
‫ة بَ َ‬ ‫وفي رسال ٍ‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫ي بمسألة الرابطة فيها اهتما ً‬ ‫س ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫م الْر َ‬ ‫اهت ّ‬
‫ها‪ ،‬وشرح أركاَنها‪ ،‬وصورةَ أداِئها‪،‬‬ ‫ف َ‬ ‫عّر َ‬‫ف َ‬ ‫غا‪َ .‬‬ ‫بال ً‬
‫ع‬
‫ها ب ُِرب ْ ِ‬ ‫مدّت َ َ‬ ‫حدّدَ ُ‬‫و َ‬‫دها؛ وقارنها مع الذكر‪َ ،‬‬ ‫وفوائ َ‬
‫‪137‬‬
‫دا‬ ‫سي ْ َ‬‫بينما يقول الشيخ َ‬ ‫ة من الزمن‪.‬‬ ‫ساع ٍ‬
‫َ‬
‫قي َ‬ ‫قل ّ ُ‬‫وأ َ‬ ‫حدّ ل ِذَل ِ َ‬‫ي‪« :‬ل َ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪138‬‬
‫ت»‬ ‫قا ٍ‬ ‫س دَ ِ‬‫م ُ‬ ‫خ ْ‬‫ه َ‬ ‫ك‪َ .‬‬ ‫ر ّ‬ ‫جَز ِ‬
‫ي سماها‬ ‫وردت هذه الكلمات في رسالة للجزر ّ‬
‫ضابطة في الرابطة» كما سيأتي بيانها‪.‬‬ ‫«ال ّ‬

‫ماها «رابطهء شريفه رسالسي» وهي مطبوعة بالحروف العربّية‪ .‬نسخة منها موجودة في مكتبة‬
‫س ّ‬ ‫‪135‬‬
‫بايزيد‪ .‬إسطنبول‪ 1342-‬هـ‪ ،.‬تحت رقم‪ُ .243435/‬‬
‫طبعت أخيًرا بالحروف ال ّ‬
‫لتينّية‪ ،‬بعد أن نقلها الشاعر نجيب‬

‫فاضل قيصاكوراك‪ ،‬إلى اللهجة التركّية المعاصرة‪.‬‬

‫ي بالّلغة التركّية‪« :‬رابطه‪ :‬صفات‬


‫صها الصل ّ‬
‫التزمنا الترجمة الحرفية في تعريب هذه اللفاظ‪ .‬وهذا ن ّ‬ ‫‪136‬‬
‫إلهيهء ذاتيه إله متح ّ‬
‫قق‪ ،‬مقام مشاهده يه واصل بر كامل و مكمل إله ربط قلب أيليوب‪ ،‬حضور و غيابنده أو‬

‫ذاتك صورتني خزانهء خيالده حفظ إيتمكدن عبارتدر»‪ .‬ص‪.14 /‬‬

‫المصدر السابق‪ ،‬ص‪.11 /‬‬ ‫‪137‬‬

‫سعيد سيدا الجزري‪ ،‬الضابطة في الرابطة‪ .‬ص‪.6 /‬‬ ‫‪138‬‬


‫‪115‬‬

‫ي‪،‬‬
‫م ما ورد في رسالة الرابطة للرواس ّ‬ ‫ومن أه ّ‬
‫ن هذه‬ ‫شيخ الميت‪ .‬ل ّ‬ ‫ل في رابطة المريد لل ّ‬ ‫أقوا ٌ‬
‫ن الشيخ إذا مات أصبح طلي ً‬
‫قا‬ ‫الطائفة تعتقد «أ ّ‬
‫من قيود الجسد‪ ،‬كالسيف المسلول من غمده‪.‬‬
‫عا للمريد» ‪ 139‬وفي‬ ‫وبذلك ازداد تأثيًرا‪ ،‬وازداد نف ً‬
‫ي عن أبي الحسن‬ ‫هذا الباب نقل الرواس ّ‬
‫ت‬‫ويحاول إثبا َ‬
‫‪141‬‬
‫ل بأقواله‪.‬‬ ‫الشاذّلي‪140،‬يستد ّ‬
‫الرابطة بها‪.‬‬
‫***‬
‫خرين من‬ ‫د المتأ ّ‬‫ة لح ِ‬ ‫عجال ٌ‬ ‫ومن هذه الرسائل‪ُ ،‬‬
‫شيوخ الكراد اسمه سعيد بن عمر الزنجاني‪.‬‬
‫ة إلى‬‫ي نسب ً‬‫ر ّ‬‫جَز ِ‬‫دا ال ْ َ‬‫سي ْ َ‬
‫اشتهر باسم الشيخ َ‬
‫جزيرة ابن عمر‪.‬‬

‫ل من‬ ‫ة على سؤا ٍ‬ ‫عجالة إجاب ً‬ ‫إّنه كتب هذه ال ُ‬


‫مد شريف‪ ،‬يستفسره‬ ‫شخص اسمه المل ّ مح ّ‬
‫ن كثيًرا من‬ ‫كد على أ ّ‬ ‫الرابطة‪ .‬وهذا دليل يؤ ّ‬
‫المللي )وهم علماء الكراد‪ (142‬ل يزالون‬
‫ن هذه‬‫كون فيها؛ وأ ّ‬ ‫يجهلون أمَر الرابطة بل ويش ّ‬
‫الهرطقة ل ُيقّرها ول يعتدّ بها أحد سوى‬
‫ن كثًيرا من الناس يسمعونها‬ ‫النقشبندّيين؛ وأ ّ‬
‫مد‬‫ة كما نفهم من استفسار المل ّ مح ّ‬ ‫ل مر ٍ‬
‫و ِ‬
‫ل ّ‬
‫ي في‬ ‫شريف‪ ،‬على الرغم من رعونة ال ْ َ‬
‫جَزَر ّ‬
‫محاولة إقناعه إذ يقول‪:‬‬

‫ن أمَر الرابطة‬ ‫«اعلم يا أخي أسعدك الله‪ ،‬أ ّ‬


‫ر مذكوٌر‬
‫الشريفة مشهور وسّرها في الّزب ُ ِ‬
‫ومسطوٌر‪ .‬ولكن نذكر ُنبذة من ذلك اطمئناًنا‬

‫ي‪ ،‬وتصّرف المّيت‪ .‬من الفصل الثالث‬


‫للمزيد من المعرفة حول هذا المعتقد‪ ،‬راجع موضوع‪ :‬الولية‪ ،‬والول ّ‬ ‫‪139‬‬

‫راجع ترجمته في معجم المؤلفين‪ ،‬عمر رضاء كحالة‪ ،‬مؤسسة الرسالة الطبعة الولى‪ .2/467 :‬بيروت ‪-‬‬ ‫‪140‬‬
‫ضا‪ :‬التصوف‪ ،‬عبد القادر السندي ص‪-327 /‬‬
‫‪ 1993‬وكذلك فيه أسماء مصادر أخرى وردت فيها ترجمته‪ .‬راجع أي ً‬
‫ورة‪1960-‬م‪.‬‬
‫‪ .409‬مكتبة ابن القيم‪ ،‬المدينة المن ّ‬

‫رقم‪243435/‬‬ ‫ي‪ ،‬رابطهء شريفه رسالسي ص‪ .19 /‬مكتبة بايزيد‪ ،‬إسطنبول‪ 1342-‬هـ‪.‬‬
‫عبد الحكيم الرواس ّ‬ ‫‪141‬‬
‫ة بمعنى ال ّ‬
‫شيخ في اللغة‬ ‫ن في اللغة الكردية والفارسي ِ‬
‫ى رجال الدي ِ‬ ‫ة ت ُطْل َ ُ‬
‫ق عل َ‬ ‫م ّ‬
‫ل‪ ،‬وهي صف ٌ‬ ‫ع َ‬
‫ي‪ :‬جم ُ‬ ‫م َ‬
‫لل ِ‬ ‫‪َ 142‬‬
‫العربّية‪.‬‬
‫‪116‬‬

‫للقلب‪ ،‬واستئصال ً للّريب‪ ،‬ناقلين من كتاب نور‬


‫الهداية والعرفان»‬

‫أما كتاب نور الهداية والعرفان‪ ،‬هذا اّلذي‬


‫مد أسعد‬ ‫ي‪ ،‬فقد أّلفه مح ّ‬
‫ر ّ‬ ‫استقى منه ال ْ َ‬
‫جَز ِ‬
‫دا‬
‫ي كتبه ر ً‬ ‫صاحب‪ ،‬وهو ابن أخي خالد البغداد ّ‬
‫ي‪ ،‬وقد‬‫خار ّ‬‫مد صديق خان بن الحسن الب ُ َ‬ ‫على مح ّ‬
‫ي إلى هذه‬ ‫ي عباس العّزاو ّ‬ ‫ث العراق ّ‬ ‫تطّرق الباح ُ‬
‫المسألة فقال‪:‬‬

‫ديق خان بن الحسن‬ ‫مد ص ّ‬ ‫«هاجم السيد مح ّ‬


‫ة بهوبال في الهند‬‫ي أميُر مملك ِ‬ ‫خار ّ‬ ‫الحسيني الب ُ َ‬
‫دى للّردّ عليه وعلى‬‫ه(‪ .‬فتص ّ‬ ‫ج َ‬
‫)الرابطة والّتو ّ‬
‫مد أسعد صاحب ذاده في كتابه ‪-‬نور‬ ‫ه مح ّ‬ ‫أمثال ِ ِ‬
‫الهداية والعرفان في سر الرابطة والتوجه وختم‬
‫ه في دمشق‪ ،‬في أول‬ ‫م تألي َ‬ ‫َ‬ ‫ج َ‬
‫ف ُ‬ ‫ن‪ .‬أت َ ّ‬ ‫گا ْ‬ ‫وا َ‬ ‫خ َ‬
‫ال ُ‬
‫م طبعه في المطبعة‬ ‫المحّرم سنة ‪ 1305‬هـ‪ .‬وت ّ‬
‫العلمّية بالقاهرة في شهر رمضان سنة ‪ 1311‬هـ»‬
‫‪143‬‬

‫ي حول الكتاب‬‫كانت هذه كلمات عّباس العّزاو ّ‬


‫صة طويلة‬‫ن لنا مع هذا الكتاب ق ّ‬
‫المذكور‪ .‬بيد أ ّ‬
‫لولي اللباب‪.‬‬ ‫نختصرها لتكون عبرة ُ‬

‫ما اقتضتْ‬ ‫فخلصتها‪ :‬أن دراسة هذه البدعة ل ّ‬


‫ة اّلتي لها‬ ‫ة عدٍد من المصادر المتو ّ‬
‫فر ِ‬ ‫مراجع َ‬
‫علقة بموضوعنا‪ ،‬وعثرنا على اسم هذا الكتاب‬
‫في مواطن كثيرة من كتب النقشبندّية كما كّنا‬
‫نسمعه أحياًنا من خلل حديثهم‪ ،‬قمنا بالسعي‬
‫في طلبه سعًيا حثيًثا؛ ولكن لم نعثر حّتى على‬
‫عب َْر‬
‫نسخة واحدة منها‪ ،‬على الرغم من تباحثنا َ‬
‫سلسلة المكتبات الرسمية والخاصة بكافة أنحاء‬
‫تركيا‪ ،‬وما أكثرها!‬

‫ي‪ ،‬عدد ‪ .1‬ص‪ .717 /‬بغداد‬


‫ي‪ ،‬مجلة المجمع العلمي الكرد ّ‬
‫ي‪ ،‬مولنا خالد النقشبند ّ‬
‫عباس العّزاو ّ‬ ‫‪143‬‬
‫‪117‬‬

‫ثم لجأنا في آخر المطاف إلى الشيخ عمر‬


‫ي اّلذي‬ ‫ر ّ‬‫جَز ِ‬‫دا ال ْ َ‬‫سي ْ َ‬
‫فاروق أفندي‪ ،‬نجل الشيخ َ‬
‫د هذا‬ ‫ج ِ‬
‫استقى من الكتاب المذكور‪ .‬فلم ي ُ ْ‬
‫جدْ تفسيًرا‬ ‫ة؛ كما لم ن َ ِ‬
‫ضا بنتيج ٍ‬‫التصال أي ً‬
‫للستغراب اّلذي أحاط بمشاعرنا أمام هذا الل ّ ْ‬
‫غز‪،‬‬
‫ض عند‬ ‫ف هذا الكتاب مرفو ٌ‬ ‫ن مؤل ّ َ‬
‫إل ّ ما قيل‪ :‬أ ّ‬
‫ة من النقشبندّيين في تركيا‪ .‬فما عثروا‬ ‫طائف ٍ‬
‫على شيء من آثاره إل محوه وأفنوه بسرعة‪.‬‬
‫ذلك «لّنه كان متمّيزا عن سائر شيوخ هذه‬
‫ي وأسلوبه العصراني‪».‬‬ ‫الطائفة بتفكيره العلم ّ‬
‫وهذا يتعارض مع العقلّية النقشبندّية الجامدة!‬

‫في الحقيقة عثرنا على سلسلة من مقالته‬


‫ت‬
‫ع ْ‬‫ت في جريدة الّرأي العام‪ ،‬وطُب ِ َ‬ ‫شَر ْ‬‫اّلتي ن ُ ِ‬
‫سنة ‪ 1334‬هـ‪ 144.‬يتطّرق في هذه المقالت إلى‬
‫ت شّتى‪ ،‬ل يكاد القارئ يشعر بأدنى‬ ‫موضوعا ٍ‬
‫ت شي ٌ‬
‫خ‬ ‫ب هذه المقال ِ‬ ‫ن كات َ‬
‫أمارة بين ألفاظه أ ّ‬
‫ي‪ ،‬إل سطوره الخيرة اّلتي ختم بها‬ ‫نقشبند ّ‬
‫جادة طريقة السادة‬ ‫ه؛ وهي قوله‪« :‬خادم س ّ‬ ‫م ُ‬
‫كل َ‬
‫النقشبندّية‪ ،‬والقائم مقام الحضرة الخالدّية‬
‫‪145‬‬
‫ددّية بدمشق الشام‪ :‬اسعد صاحب»‬ ‫المج ّ‬
‫ن من جانب آخر‪ُ ،‬تنبئ هذه الكلمات بصورة‬ ‫ولك ّ‬
‫جلّية عن مدى إعجاب هذا الرجل بنفسه‬
‫س من التواضع! وربما‬ ‫ونه في لبا ٍ‬ ‫وتعاظمه وتل ّ‬
‫السبب اّلذي أثار المنافسة بينه وبين بقّية‬
‫روؤس النقشبندّية هو موقفه هذا؛ كما جاء في‬
‫ف في‬ ‫ة للباحث ‪ David Dean Commins‬أّنه طََر ٌ‬ ‫دراس ٍ‬
‫هذه ال ْ ُ‬
‫مَنا َ‬
‫‪146‬‬
‫ة‪.‬‬
‫س ِ‬‫ف َ‬

‫مقالت أسعد صاحب‪ ،‬مكتبة السليمانية خزانة جلل أوكتان رقم‪ 292 /‬إسطنبول‪.‬‬ ‫‪144‬‬

‫راجع ترجمته في معجم المؤلفين‪ ،‬عمر رضاء كحالة‪ ،‬مؤسسة الرسالة الطبعة الولى‪.1/351 ،3/129 :‬‬ ‫‪145‬‬
‫بيروت ‪ 1993 -‬وكذلك فيه أسماء مصادر أخرى وردت فيها ترجمته‪.‬‬

‫‪.......David Dean Commins, İslamic Reform Politic And Social Change in Late Ottoman Syria / New York- 1990‬‬ ‫‪146‬‬
‫‪118‬‬

‫كتاب «نور الهداية والعرفان»‪ ،‬تسود على‬


‫أسلوبه محاولة جدلية لثبات الرابطة‪ ،‬وهذا‬
‫يخالف مبادئ الصوفّية اّلتي تقوم على التقليد‬
‫طفل والستسلم للّروحانيين‬ ‫المحض والت ّ‬
‫السابقين‪ ،‬والتقّيد بمقولتهم – مع ما فيه من‬
‫ن‬‫ما بأ ّ‬ ‫ة للكتاب والسـّنة‪ -‬عل ً‬ ‫ة صريح ٍ‬ ‫مخالف ٍ‬
‫النقشبندّيين وإن كانوا يهاجمون من ل‬
‫ذرون الطريقة الجدلية في‬ ‫يوافقهم‪ ،‬إل أّنهم يح ّ‬
‫مناظرة الخصوم والمعارضين أشدّ الحذر‪ ،‬خو ً‬
‫فا‬
‫ن‬‫ور الجدال‪ .‬وإل ّ فا ّ‬ ‫من أن تفتضح أسرارهم بتط ّ‬
‫تركيا في الحقيقة هي جّنة النقشبندّيين‪ .‬لهم‬
‫سسات إعلمية ضخمة في هذا البلد‪ ،‬تقوم‬ ‫مؤ ّ‬
‫ة من كتب الطائفة‬ ‫ت عظيم ٍ‬ ‫بنشر وتوزيع كميا ٍ‬
‫ع عن‬ ‫دها‪ ،‬والدفا ِ‬ ‫ث عقائ ِ‬‫فها‪ ،‬وب ّ‬ ‫ومجلِتها وصح ِ‬
‫سمعتها‪ .‬لذا ل يجوز عقل ً أن يرفض‬
‫ة‬
‫كد على صح ّ‬ ‫النقشبندّيون كتاًبا يعاضدهم ويؤ ّ‬
‫ها‪ ،‬غير ما‬ ‫ق َ‬
‫صدْ ِ‬‫ب لم نتأكد من ِ‬ ‫دعواهم‪ ،‬لول أسبا ٌ‬
‫نقلناه منها‪.‬‬

‫شرات تنبئ‬‫ل هذه‪ ،‬في الحقيقة ما هي إل ّ مؤ ّ‬ ‫وك ّ‬


‫ما تتوارى به الطائفة النقشبندّية من غموض‬ ‫ع ّ‬
‫مر ضدّ غيرها من أسرار وأفكار‬ ‫ض ِ‬
‫وكتمان‪ ،‬وما ت ُ ْ‬
‫ل َ أمان من عواقبها!‬

‫ي ما ينقل من هذا الكاتب ومن‬ ‫ر ّ‬ ‫جَز ِ‬‫ل ال ْ َ‬ ‫ي َن ْ ُ‬


‫ق ُ‬
‫ي في إثبات الرابطة حّتى ينتهي‬ ‫ة للبغداد ّ‬ ‫رسال ٍ‬
‫من عجالته «الضابطة في الرابطة» على طريقة‬
‫أسلفه من الحشوية؛ ول يأتي بشيء من تلقاء‬
‫نفسه إل ّ كلمات في سطور معدودة‪ .‬وبذلك‬
‫ة‬
‫شك على نفسه‪ ،‬بالّرغم من غزار ِ‬ ‫يفتح باًبا لل ّ‬
‫ه‬
‫ل في الفق ِ‬‫ه الطوي ِ‬‫ع ِ‬ ‫د وبا ِ‬‫ه بالعقائ ِ‬ ‫علم ِ‬
‫ون‬
‫ب‪ ،‬وما د ّ‬
‫ة بالدا ِ‬‫ه الجامع ِ‬‫ي ومعرفت ِ ِ‬ ‫السلم ّ‬
‫س طوال عمره‪.‬‬ ‫س ودَّر َ‬ ‫فيها ودََر َ‬
‫***‬
‫‪119‬‬

‫دها بالّلغة التركّية‬ ‫ة أع ّ‬ ‫ومن هذه الرسائل‪ ،‬عجال ٌ‬


‫‪147‬‬
‫بجامعة مرمرا في‬ ‫أحدُ أساتذة كلية اللهيات‬
‫سماها‪:‬‬ ‫إسطنبول‪ ،‬اسمه عرفان جندوز‪ .‬ف ّ‬
‫‪ Tasavvufi Bir Terim Olarak Râbita‬أي‪ ،‬الرابطة‬
‫‪148‬‬
‫ي‪ .‬إل ّ أّنها غير مطبوعة‪.‬‬ ‫ح تصوف ّ‬ ‫كمصطل ٍ‬
‫في‬ ‫فظ َ ٌ‬
‫ة ِ‬ ‫ح ُ‬
‫م ْ‬‫و َ‬
‫ة َ‬
‫كاتب ِ‬‫ة ال ْ َ‬‫ة عَلى الل َ ِ‬‫خ ٌ‬‫سو َ‬
‫من ْ ُ‬
‫ي َ‬
‫ه َ‬
‫و ِ‬
‫) َ‬
‫صة(‬‫مكتبتي الخا ّ‬
‫حاول المؤّلف فيها إثبا َ‬
‫ت شرعية الرابطة‬
‫بمبّررات منطقية وبأسلوب معاصر‪ .‬فاستهل‬
‫بكلم مفاده‪:‬‬

‫ن في هذا الموضوع شيًئا يظهر كخاصي ّ ٍ‬


‫ة‬ ‫«إ ّ‬
‫قا منها ـ أن‬‫ة بين الثقافات‪ .‬يجوز انطل ً‬ ‫مشترك ٍ‬
‫ة وأصول ً في‬ ‫ضا طريق ً‬ ‫ن للمسلمين أي ً‬ ‫يقال‪ :‬إ ّ‬
‫ما على هيئة‬ ‫هذا الباب‪ ،‬وأّنهم رّتبوا لها نظا ً‬
‫‪149‬‬
‫الرابطة»‬

‫ن اْلمؤل ّ َ‬
‫ف‬ ‫يتبيّن من هذه المحاولة بوضوح‪ ،‬أ ّ‬
‫ب الرابطة إلى عقل النسان المعاصر في‬ ‫قّر ُ‬ ‫يُ َ‬
‫د‪ .‬وذلك على حدّ قوله‪« :‬هي الخاصّية‬ ‫ف جدي ٍ‬ ‫غل ٍ‬
‫المشتركة بين الثقافات المتباينة‪ ».‬وكأّنه يقول‪:‬‬
‫مهما اختلف الناس في عقائدهم فإّنهم ل محالة‬
‫قي َم ٍ متشابهة ويشتركون في أسس‬ ‫يلتقون في ِ‬
‫متجانسة‪ .‬فالرابطة إذن هي معدودة من تلك‬
‫ة المشتركة‪ ،‬يلتقي بها المسلمون‬ ‫ال ْ ِ‬
‫قي َم ِ النساني ِ‬
‫مع بقّية المجتمعات اّلتي ل تدين بالسلم!‬
‫ن المؤلف يرى‬ ‫ةأ ّ‬ ‫يظهر من هذه المحاولة بصراح ٍ‬

‫كلمة «كلّية اللهّيات» تسمية ماكرة أطلقها ح ّ‬


‫كام النظام العلماني على كليات العلوم السلمّية في‬ ‫‪147‬‬
‫جامعات تركيا‪ .‬و هي حلقة من سلسلة المؤامرات اّلتي يتع ّ‬
‫مدها النظام لتحريف القيم السلمّية وعزل‬

‫طة السياسّية اّلتي رسمها يهود سالونيك‪.‬‬


‫قا للخ ّ‬
‫المسلمين التراك عن الحركة السلمّية العالمية وف ً‬

‫نسختها الصلية موجودة في خزانتي‪.‬‬ ‫‪148‬‬

‫صه بالّلغة‬
‫التزمنا الترجمة الحرفية في تعريب هذا المقطع من كلم الدكتور عرفان جندوز‪ .‬وهذا ن ّ‬ ‫‪149‬‬
‫‪Kültürlerarası ortak bir özellik gibi gözüken bu konuda müslümanların da bir yolu ve bir usûlü bulunduğu ve bunu da‬‬ ‫التركّية‪:‬‬

‫‪.rabıta şeklinde sistemleştirdikleri söylenebilir‬‬


‫‪120‬‬

‫ما يدعو المسلمين إلى المشاركة مع غير‬


‫دها من‬ ‫عت َ َ‬
‫قداِتهم‪ ،‬ويع ّ‬ ‫م ْ‬
‫المسلمين في بعض ُ‬
‫جا‬
‫قَيم النسانية المشتركة‪ ،‬وإن كان ذلك خرو ً‬ ‫ال ِ‬
‫على السلم‬

‫ويسترسل المؤّلف على نحو هذا السلوب‪ ،‬غير‬


‫ة‪ ،‬فيأبى إل ّ أن يعترف‬
‫أّنه يعود إلى ضميره بره ً‬
‫ئ عن الرابطة إّنما هي‬ ‫بأن «المصادر اّلتي ت ُن ْب ِ ُ‬
‫دا»‪.‬‬
‫ع اليدي في الماضي القريب ج ّ‬ ‫صِني ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫ن هذا العتراف لهو أقوى البراهين اّلتي تقوم‬ ‫إ ّ‬
‫على المتطّرفين من رجال هذه الطريقة اّلذين‬
‫ل يتوّرعون عن الستدلل بكتاب الله وسّنة‬
‫سوها في‬ ‫رسوله على أصالة هذه البدعة ليدُ ّ‬
‫السلم!‬
‫***‬

‫ب أعدّهُ‬ ‫وآخر ما صدر في موضوع الرابطة‪ ،‬كتا ٌ‬


‫ص من ُبسطاء النقشبندّيين بالتعاون‬ ‫ة أشخا ٍ‬ ‫أربع ُ‬
‫ف‬‫حُرو ِ‬ ‫وبال ْ ُ‬‫ة التركّية َ‬ ‫فيما بينهم‪ .‬كتبوه بالّلغ ِ‬
‫ة العربّية‪ ،‬وطبعوه‬ ‫ة لّنهم يجهلون الّلغ َ‬ ‫الل ِّتين ِي ّ ِ‬
‫تحت عنوان‪ Kur’an ve Sünnet Işığında Râbıta :‬أي‬
‫ل في ضوء القرآن والسّنة» إل ّ‬ ‫س ُ‬‫و ّ‬ ‫«الرابطة والت ّ َ‬
‫شاذّ ٍ‬
‫ة‬ ‫ت َ‬ ‫ت وتفسيرا ٍ‬ ‫ما من هفوا ٍ‬ ‫م ركا ً‬ ‫أّنه يض ّ‬
‫وت َأ ْ‬
‫ة‬‫م ٍ‬ ‫ب عنها في َ‬
‫قت َ َ‬ ‫ض الكتا ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ة‪ ،‬تم ّ‬ ‫جل ِي ّ ٍ‬ ‫ويل َ ٍ‬
‫ت دَ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت عدٍد‬ ‫هذََياَنا ِ‬ ‫س من َ‬ ‫مقت َب َ ٌ‬ ‫من الباطيل‪ .‬أكث َُرهُ ُ‬
‫من مللي المنطقة الكردّية‪ .‬فهو بهيئته ليس‬
‫طا من سؤر متشّيخي‬ ‫في الحقيقة إل خلي ً‬
‫ون في‬ ‫صف بتأليف مدَ ّ‬ ‫الكراد‪ ،‬أكثر من أن يو َ‬
‫ضوء الكتاب والسّنة‪.‬‬

‫ف‪،‬‬
‫ل التألي ِ‬
‫ة أه ِ‬
‫ف هؤلء المنتحلين صف َ‬ ‫هْر ِ‬
‫ن َ‬
‫ومِ ْ‬
‫ي مع أولئك المللي فأنزلوه‬ ‫أّنهم ذكروا الغزال ّ‬
‫ي من‬ ‫دوا أبا علي الفارمد ّ‬
‫إلى دركهم‪ ,‬وع ّ‬
‫‪121‬‬

‫النقشبندّيين‪ .‬مع أّنه قد مات قبل تأسيس هذه‬


‫الطريقة بثلثمائة عام!‬
‫***‬

‫ر من تفاصيل‬ ‫ما اّلذين تناولوا الرابطة كشط ٍ‬ ‫أ ّ‬


‫آداب الطريقة النقشبندّية‪ .‬فقد عثرنا على نحو‬
‫‪150‬‬
‫ثلثين رسالة لهم‪ ،‬أقدمها كتاب الرشحات‪.‬‬
‫ي‬‫ظ الكاشف ّ‬ ‫ن اْلحسين الواع ُ‬ ‫يب ُ‬ ‫أّلفه عل ّ‬
‫ِ‬
‫عدو في هذا الكتاب‬ ‫ن الرابطة ل ت َ ْ‬‫ي إل ّ أ ّ‬ ‫البيهق ّ‬
‫دا؛ أوصى بها عبيدُ الله‬ ‫ةج ّ‬
‫ة بسيط ٍ‬ ‫عن وصي ّ ٍ‬
‫ف الرشحات‪ ،‬كما ل نجد لها تعري ً‬
‫فا‬ ‫ؤل ّ َ‬
‫م َ‬
‫الحراُر‪ُ ،‬‬
‫ول تفصيل ً في هذا الكتاب‪.‬‬

‫ثم تليه من حيث القدمّية رسالتان لتاج الدين‬


‫ب‬
‫مر ذكرهما‪ .‬وكذلك خطا ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ي وقد‬
‫بن زكريا الهند ّ‬
‫ه إلى شخص‬ ‫ه ُ‬
‫ج َ‬
‫يو ّ‬
‫ي السرهند ّ‬‫لحمد الفاروق ّ‬
‫صه‬‫ضا بن ّ‬
‫اسمه أشرف الكابلي‪ .‬مّر ذكره أي ً‬
‫‪151‬‬
‫الكامل‪.‬‬

‫ن‬
‫ما بقّية الرسائل المذكورة للفريق الثاني‪ ،‬فا ّ‬
‫أ ّ‬
‫كّلها مسطورةٌ بعد هذه الربعة‪ .‬وهي على سبيل‬
‫الجمال‪:‬‬

‫‪ (1‬شرح السلسلة المرادّية للدرويش أحمد‬


‫‪152‬‬
‫ونة بالعربّية‪.‬‬
‫الطربزوني‪ ،‬مد ّ‬
‫‪ (2‬الرسالة المدنّية‪ ،‬كتبها نعمة الله بن عمر‪،‬‬
‫ة من‬
‫ن مجموع ٍ‬‫ضا‪ .‬وهي ضم َ‬ ‫بالّلغة العربّية أي ً‬
‫ضبطه‪« :‬رشحات عين الحيات»‪ .‬أّلفه ‪-‬بالّلغة الفارسّية‪ -‬علي بن الحسين الواعظ الكاشفي البيهقي‪).‬‬ ‫‪150‬‬
‫‪1533 -1462‬م‪(.‬؛ ترجمه إلى الّلغة الترك ّ‬
‫ي –اللهجة العثمانّية‪ -‬قاضي مدينة إزمير في عهد السلطان مراد بن‬

‫‪993‬‬ ‫مت الترجمة عام‬


‫مد الشريف العباسي‪ .‬ت ّ‬
‫مد المعروف بن مح ّ‬
‫ي‪ .‬واسم المترجم‪ :‬مح ّ‬
‫السلطان سليم العثمان ّ‬
‫هـ‪ .‬وقد طبع هذا الكتاب بالحروف العربّية في إسطنبول عام ‪1291‬هـ‪ .‬وهو مذكور في كشف الظنون ‪ .1/903‬و‬

‫ونوه في آدابهم‪ .‬كما هو المصدر الساسي اّلذي تعتمد عليه‬


‫ول كتاب د ّ‬
‫دسه النقشبندّية‪ .‬وهو أ ّ‬
‫الرشحات كتاب تق ّ‬
‫هذه الديانة الصوفّية‪.‬‬

‫راجع الهامش رقم‪.97/‬‬ ‫‪151‬‬

‫جلة تحت رقم‪ 721/‬بمكتبة السليمانية‪-‬إسطنبول )خزانة كججي ذاده(‬


‫هي رسالة مخطوطة مس ّ‬ ‫‪152‬‬
‫‪122‬‬

‫مثيلتها بين د ّ‬
‫فتين تحت عنوان «الزمرد‬
‫‪153‬‬
‫العنقاء»‪.‬‬

‫‪ (3‬ترجمة الرسالة الخالدّية المنسوبة إلى خالد‬


‫ي‪ ،‬ترجمها إلى الّلغة التركّية )بالّلهجة‬
‫البغداد ّ‬
‫‪154‬‬
‫العثمانّية( رجل اسمه شريف أحمد بن علي‪.‬‬

‫‪ (4‬الحديقة الندّية في الطريقة النقشبندّية‬


‫مد بن سليمان‬ ‫والبهجة الخالدّية‪ .‬كتبها مح ّ‬
‫ي بالعربّية‪ .‬وهو من خلفاء خالد‬ ‫البغداد ّ‬
‫‪155‬‬
‫ي‪.‬‬‫البغداد ّ‬
‫ة في آداب الطريقة النقشبندّية كتبها‬‫‪ (5‬رسال ٌ‬
‫ضا ضمن‬‫بالعربّية أحمد خليل البقاعي‪ .‬وهي أي ً‬
‫مجموعة «الزمرد العنقاء»‬

‫‪ (6‬صحيفة الصفا لهل الوفاء‪ .‬كتبها بالعربّية‬


‫دي‪ ،‬ولكّنه فاشل لجهله‬ ‫ه ِ‬
‫رجل اسمه سليمان ُز ْ‬
‫ضاد‪.‬‬
‫بلغة ال ّ‬
‫مسلكين لنفس‬ ‫‪ (7‬نهجة السالكين وبهجة ال ُ‬
‫ة من‬
‫ت خالي ٌ‬
‫قا ٌ‬‫وَري ْ َ‬
‫الشخص المذكور‪ .‬وهي ُ‬
‫القيمة العلمّية‪.‬‬

‫‪ (8‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية‪،‬‬


‫ي‪ .‬وهو‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬‫كتبها بالعربّية مح ّ‬
‫ي‪ .‬لها نسخ منتشرة في‬ ‫من خلفاء خالد البغداد ّ‬
‫صة‪.‬‬‫المكتبات الرسمّية والخا ّ‬

‫نسخة منها موجودة في خزانتي‪.‬‬ ‫‪153‬‬

‫جلة تحت رقم‪ .278/‬بمكتبة السليمانية‪-‬إسطنبول )خزانة‪ :‬دوجوملو‬


‫لها شروح كثيرة‪ .‬منها نسخة مس ّ‬ ‫‪154‬‬
‫ونة بالّلغة العربّية‪.‬‬
‫ن أصلها مد ّ‬
‫ل لهذه الرسالة على رغم ما يزعمه النقشبندّيون أ ّ‬
‫بابا(لم نقف على أص ٍ‬

‫ورد البحث عن هذا الكتاب فبي مصادر عديدة‪ .‬منها على وجه الخصوص‪ :‬رسالة أّلفها عباس العّزاو ّ‬
‫ي‬ ‫‪155‬‬
‫ول‪ .‬بغداد‪1973-‬م‪.‬‬ ‫ي» وهي مطبوعة ضمن مجّلة المجمع العلمي الكرد ّ‬
‫ي ‪-‬العدد ال ّ‬ ‫بعنون «مولنا خالد النقشبند ّ‬
‫تناول المؤّلف الكتاب المذكور في الصفحة رقم‪ .708 :‬و ‪ . 723‬من هذه الرسالة و الحديقة الندّية هي من جملة‬

‫ة للنقشبندّيين مركزها في إسطنبول؛ يرأسها عقيد متقاعد‬


‫ة ضخم ٌ‬
‫سس ٌ‬
‫رها مؤ ّ‬ ‫الكتب اّلتي تهتم بطب ِ‬
‫عها ونش ِ‬
‫مدسوس في صفوفهم من قبل النظام الحاكم‪.‬‬
‫‪123‬‬

‫‪ (9‬السعادة البدّية فيما جاء به النقشبندّية كتبها‬


‫ي‬
‫مد الخان ّ‬‫مد بن مح ّ‬
‫بالعربّية عبد المجيد بن مح ّ‬
‫مد بن عبد‬ ‫ده مح ّ‬
‫ت هذه الرسالة إلى ج ّ‬ ‫وقد ُنسب ْ‬
‫‪156‬‬
‫ي وذلك خطأ‪.‬‬‫الله الخان ّ‬
‫ة بالّلغة التركّية‬
‫‪ (10‬الرسالة القدسّية‪ .‬منظوم ٌ‬
‫نظمه شخص‬ ‫‪157‬‬
‫العثمانّية‪ .‬تتأّلف من ‪ 1328‬بيًتا‪.‬‬
‫اسمه عصمت غريب الله‪ .‬وهو من أتباع عبد الله‬
‫ب الله‬‫ي‪ .‬كان غري ُ‬ ‫كي‪ ،‬خليفة خالد البغداد ّ‬ ‫الم ّ‬
‫ء‪ .‬تنتمي‬‫عَرف عن حياته شي ٌ‬ ‫هذا‪ ،‬رجل ً خام ً‬
‫ل؛ ل ي ُ ُ‬
‫ي إسطنبول‪.‬‬ ‫تف ُ‬ ‫م ِ‬‫ة ِبالت َّز ّ‬ ‫ة معروف ٌ‬‫إليه جماع ٌ‬
‫يرأسها حالّيا رجل اسمه محمود أسطى عثمان‬
‫أغلوا‪.‬‬

‫‪ (11‬المجد التالد‪ 158‬كتبها بالعربّية إبراهيم‬


‫شاق في إثبات الرابطة‬ ‫الفصيح‪ ،‬وله تحفة ال ْ ُ‬
‫ع ّ‬
‫مس‬ ‫ي‪ .‬فقد تح ّ‬‫ضا‪ .‬وهو من خلفاء خالد البغداد ّ‬ ‫أي ً‬
‫الفصيح في هذه المحاولة فقال‪ :‬كتبُتها في‬
‫إثبات الرابطة اّلتي هي من أعظم أركان‬
‫الطريقة الصوفّية ومدار أمرهم‪ (...) .‬مقتصًرا‬

‫أصدرت مكتبة الحقيقة هذه الرسالة بطريقة التصوير ضمن مجموعة أخرى من مثيلتها )وهي الحديقة‬ ‫‪156‬‬
‫ي؛ و الحجج البينات في ثبوت الستعانة بالموات‪،‬‬
‫الندّية في الطريقة النقشبندّية‪ ،‬لمحمد بن سليمان البغداد ّ‬
‫هاب؛ …( ومكتبة‬
‫مد البلخي؛ ومجامع الحقائق في أصول الحنفية‪ ،‬لشخص غير مشهور اسمه عبد الو ّ‬
‫لعلي مح ّ‬

‫سسات اّلتي يديرها عقيد متقاعد من العنصر الترك ّ‬


‫ي إسمه ‪ ،Hüseyin Hilmi Işık‬دسه‬ ‫الحقيقة هي إحدى المؤ ّ‬
‫النظام الحاكم بين صفوف النقشبندّيين لتوجيههم والتمكن من السيطرة عليهم‪.‬‬

‫تتوّلى طبع هذه الرسالة و نشرها جماعة متعصبة من النقشبندّيين‪ .‬غالبهم من سللت حديثة العهد‬ ‫‪157‬‬
‫ي اليوناني من أهالي مدينة طربزون و ضواحيها اّلذين اعتنقوا السلم دون‬ ‫بالسلم من بقايا الشعب الب ُن ْ ُ‬
‫طس ّ‬
‫ت‬ ‫ي‪ .‬اتخذوا من مسجد إسماعيل آغا بإسطنبول مقًرا و مركًزا‪ .‬طُب ِ َ‬
‫ع ْ‬ ‫مد الثاني العثمان ّ‬
‫روّية في عهد السلطان مح ّ‬
‫هذه الرسالة أخيًرا بعد الستنساخ من مخطوطة مع ترجمة الرسالة الخالدّية ضمن مجّلد واحد‪ ،‬تتداولها أفراد‬

‫الجماعة المذكورة‪.‬‬

‫نسخة من رسالة «المجد التالد في مناقب الشيخ خالد» موجودة في المكتبة السليمانية بإسطنبول؛‬ ‫‪158‬‬
‫جلة تحت رقم‪ ،1161/4 :‬بخزانة إسماعيل حقي إزميرلي‪ .‬كتبه إبراهيم الفصيح‪ .‬و هو من خلفاء خالد‬
‫مس ّ‬
‫ي‪ .‬قامت مكتبة الحقيقة بنشرها ضمن مجموعة من رسائل المتأخرين من شيوخ النقشبندّية في مجّلد‬
‫البغداد ّ‬
‫ي‬
‫ضا اسم هذه الرسالة في بحوث عباس العّزاو ّ‬
‫واحد تحت عنوان «مكاتيب شريفة» عام ‪1992‬م‪ .‬وقد ورد أي ً‬
‫ي إلى رسالة تحفة الع ّ‬
‫شاق في الصفحة‪ 718 :‬من‬ ‫ضمن مجّلة المجمع العلمي الكرد ّ‬
‫ي ص‪ .725 /‬كما تطّرق العّزاو ّ‬
‫جلة‬
‫ضا من تأليف إبراهيم الفصيح‪ .‬لهذه الرسالة نسخة أخرى في المكتبة السليمانية مس ّ‬
‫نفس المصدر‪ .‬وهي أي ً‬
‫تحت رقم‪ 896/‬بخزانة إزمير‪.‬‬
‫‪124‬‬

‫فيها على بيان الدّلة الشرعّية ال ّ‬


‫دالة على‬
‫وجودها في السّنة النبوّية»‪.‬‬

‫‪ (12‬جامع الصول‪ ،‬كتبها بالعربّية أحمد ضياء‬


‫وي وهو خليفة أحمد بن‬ ‫خان َ ِ‬
‫ش َ‬ ‫الدين ال ْگ ُ ُ‬
‫مو ْ‬
‫ي‪ .‬أكثُر‬
‫ي من خلفاء خالد البغداد ّ‬ ‫سليمان الرواد ّ‬
‫‪159‬‬
‫عجمة‪.‬‬‫ة من آثار ال ُ‬ ‫ه خالص ٌ‬ ‫عبارات ِ ِ‬
‫‪ (13‬رسالة المشغولّية‪ 160.‬كتبه شخص اسمه أحمد‬
‫ددي‪ .‬لكّنه غير معروف في الوساط‬ ‫سعيد المج ّ‬
‫العلمّية وحّتى بين الصوفّية‪ .‬ترجم هذه الرسالة‬
‫إلى العربّية رجل من مدينة مغنيسيا التركّية‬
‫ضا شبه مجهول‪،‬‬ ‫اسمه علي نائلي‪ .‬غير أنها أي ً‬
‫وحّتى لغة التأليف مجهولة‪.‬‬

‫لم الغيوب‪ .‬كتبه‬ ‫‪ (14‬تنوير القلوب في معاملة ع ّ‬


‫ي‪ .‬أّلفه‬ ‫ي الربل ّ‬
‫مد أمين الكرد ّ‬ ‫بالّلغ ِ‬
‫ة العربّية مح ّ‬
‫ول في فقه الشافعية‪ ،‬والثاني‬ ‫من قسمين‪ .‬ال ّ‬
‫‪161‬‬
‫في مسائل التصوف‪ ،‬والطريقة النقشبندّية‪.‬‬
‫‪162‬‬
‫ي المشهوُر‬ ‫كتبه زاهدُ الكوثر ّ‬ ‫‪ (15‬إرغام المريد‪.‬‬
‫حا على‬ ‫بتصانيفه وهجماته على العلماء؛ كتبه شر ً‬
‫قا بعنوان «النظم العتيد‬ ‫النظم اّلذي أنشأه ساب ً‬
‫سل المريد»‪ .‬تطّرق المؤّلف إلى موضوع‬ ‫لتو ّ‬
‫الرابطة في الصفحة ‪ 65‬من كتابه المذكور‪.‬‬
‫دها الدكتور عرفان‬
‫وي أع ّ‬
‫خان َ ِ‬
‫ش َ‬ ‫ورد البحث عن كتاب جامع الصول في دراسة ضخمة حول شخصية ال ْك ُ ُ‬
‫مو ْ‬ ‫‪159‬‬
‫ل دار السخاء للنشر عام ‪1984‬م‪ .‬في إسطنبول‪.‬‬
‫قب َ ِ‬
‫م طبعها ونشرها من ِ‬
‫جندوز‪ .‬و ت ّ‬

‫رقم‪85253 /‬‬ ‫نسخة من هذه الرسالة موجودة في مكتبة جامعة إسطنبول تحت‬ ‫‪160‬‬

‫ة؛‬
‫مون بهذا الكتاب؛ وهو شبه مرفوض عندهم‪ .‬مع إّنه أفضل الكتب صياغ ً‬
‫ن النقشبندّيين التراك ل يهت ّ‬
‫إ ّ‬ ‫‪161‬‬
‫ن المؤّلف‬
‫ن له سببين‪ :‬أحدهما أ ّ‬
‫ي للنقشبندّيين التراك‪ ،‬فا ّ‬
‫ف السلب ِ ّ‬
‫ما هذا الموق ُ‬
‫وعباراته سلسة مستساغة‪ .‬أ ّ‬
‫ي الصل وعربي النشأة؛ وهم يكرهون الكراد والعرب )إل ّ قليل منهم‪ ،‬و هم أهل التوحيد الخالص(‪ .‬وسوف‬
‫كرد ّ‬
‫ن شاء الله تعالى‪ .‬والسبب الثاني لهذا الموقف السلبي‪ ،‬هو‬
‫نشرح أسباب هذه الكراهية في الفصل الخامس إ ْ‬
‫صبون لمذهب أبي حنيفة رضي الله عنه‪ ،‬إلى حد جعلوا من‬
‫ن التراك يتع ّ‬
‫ما بأ ّ‬ ‫ن المؤّلف شافع ّ‬
‫ي المذهب؛ عل ً‬ ‫أ ّ‬
‫صة‪.‬‬
‫هذا المذهب ديًنا مستقل عندهم‪ .‬يعتزون به تمايًزا عن العرب خا ّ‬

‫سسة وقفية للنقشبندّيين في إسطنبول عام ‪1996‬م‪ .‬يشرف عليها‬


‫قامت بطبع هذه الرسالة و نشرها مؤ ّ‬ ‫‪162‬‬
‫ي‪ ،‬ضمن مجّلد واحد ‪.‬تقوم بتوزيعها مكتبة‬
‫عقيد متقاعد‪ .‬وهي مع كتاب البهجة السنّية لمحمد بن عبد الله الخان ّ‬
‫الحقيقة‪.‬‬
‫‪125‬‬

‫مد‬
‫‪ (16‬مقاصد الطالبين‪ .‬كتبه شخص اسمه مح ّ‬
‫م‬‫رائف عام ‪ 1888‬م‪ .‬بالّلهجة العثمانّية‪ ،‬وقد ت ّ‬
‫نقله أخيًرا إلى الّلهجة التركّية المعاصرة‪ .‬وله‬
‫ة بالحروف اللتنّية‪.‬‬ ‫س ٌ‬
‫خ مطبوع ٌ‬ ‫نُ َ‬
‫ي‪ .‬وهو‬ ‫شيخ أسعد الربل ّ‬‫‪ (17‬الرسالة السعدّية لل ّ‬
‫ي‪.‬‬‫كار ّ‬‫ي خليفة طه اله ّ‬
‫مأذون من طه الحرير ّ‬
‫‪163‬‬
‫كتب شطًرا منها بالعربّية‪ ،‬وشطًرا بالتركّية‪.‬‬

‫ه‬
‫ي‪ .‬هي مراسلت ُ ُ‬ ‫‪ (18‬مكتوبات أسعد الربل ّ‬
‫وخطاباته الكتابّية اّلتي بعث بها إلى أتباعه‪ .‬يبلغ‬
‫عددها ‪ 156‬رسالة‪ ،‬تتبلور من خللها العقلّية‬
‫ي؛ إذ لم يهتم‬ ‫المتخّلفة لهذا الشيخ النقشبند ّ‬
‫ل هذه‬ ‫بقضية من قضايا المسلمين في ك ّ‬
‫الرسائل‪ .‬وبلغت الغفلة منه عما كان يجري في‬
‫أّيامه إلى حدّ لم يشعر بصراخ الداهية اّلتي كانت‬
‫ضا مع الطليعة‬ ‫وشيكة الوقوع‪ ،‬حّتى ذهب هو أي ً‬
‫ه في نهاية‬ ‫ها‪ ،‬كما سنشرح عاقبت َ ُ‬ ‫حي ّت َ َ‬
‫ض ِ‬
‫الولى َ‬
‫ن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫الفصل الرابع إ ْ‬
‫جاءت في بعض هذه الرسائل توضيحات له حول‬
‫آداب الطريقة النقشبندّية؛ كالرابطة والّلطائف‬
‫والذكر وما إليها؛ وجاء في عدد منها تفسيراته‬
‫لرؤيا بعض مريديه‪.‬‬

‫مد‬ ‫‪ (19‬الخلق التصوفية‪ 164.‬سلسلة أع ّ‬


‫دها مح ّ‬
‫كو بالّلغة التركّية‪ ،‬وهي مطبوعة‬‫كوت ْ ُ‬
‫زاهد ُ‬
‫بالحروف ال ّ‬
‫لتنّية‪.‬‬

‫جلة تحت رقم ‪.438/13‬‬


‫نسخة من هذه الرسالة موجودة في مكتبة جامعة إسطنبول‪ ،‬مس ّ‬ ‫‪163‬‬

‫تطّرق المؤّلف إلى موضوع الرابطة في المجّلد الثاني ص‪ 275-271 /‬من هذه السلسلة‪ .‬تقوم بطبع ونشر‬ ‫‪164‬‬
‫سسة للنشر بعنوان‪:‬دار السخاء في إسطنبول‪.‬‬
‫هذه الكتب مؤ ّ‬
‫‪126‬‬

‫ي‬
‫و ّ‬‫خان َ ِ‬
‫ش َ‬ ‫‪ (20‬ترجمة أحمد ضياء الدين ال ْگ ُ ُ‬
‫مو ْ‬
‫دها الدكتور عرفان جندوز بالّلغة‬ ‫دراسة أع ّ‬
‫التركّية‪.‬‬

‫‪Tarikat-i‬‬ ‫ون بالّلغة التركّية اسمه‬ ‫‪ (21‬كتاب مد ّ‬


‫‪ .Nakşibendiyye Prensipleri‬ورد على الغلف أّنه ُنقل‬
‫إلى التركّية بقلم مفتي متقاعد اسمه رحمي‬
‫ي للكتاب ‪Risâle-i‬‬
‫ن السم الصل ّ‬ ‫سرين؛ وأ ّ‬
‫ن مسألة‬ ‫ّ‬
‫‪ .Bahâiyye‬ومؤلفه علي قدري‪ .‬غير أ ّ‬
‫ن عملّية إجراء التعديل على‬ ‫الترجمة غامضة‪ .‬ل ّ‬
‫ضا تعتبر عند بعض التراك‬ ‫الّلهجة العثمانّية أي ً‬
‫عا من الترجمة‪ .‬ولذلك لم نتأ ّ‬
‫كد‬ ‫المعاصرين نو ً‬
‫ونه المؤّلف بالّلغة العربّية )وهذا بعيد‬ ‫عما إذا د ّ‬
‫طبع‬ ‫الحتمال(؛ أم كتبه بالّلهجة العثمانّية‪ .‬قد ُ‬
‫هذا الكتاب في إسطنبول عام ‪1994‬م‪ .‬يتأّلف من‬
‫دمة‬‫‪ 293‬صفحة‪ ،‬وقد رّتبه المؤّلف على مق ّ‬
‫وخمسة فصول‪ .‬ورد في الصفحات ‪ 56-54‬شرح‬
‫في مسألة الرابطة‪.‬‬

‫‪ (22‬روح الفرقان‪ .‬كتاب غريب أقدم على صياغته‬


‫عدد من النقشبندّيين وعلى رأسهم رجل اسمه‬
‫دوا فيه لتفسير‬ ‫محمود أسطى عثمان أوغلو‪ .‬تص ّ‬
‫ت‬‫ت أثار ْ‬‫ئ وتأويل ٍ‬ ‫ي جر ٍ‬‫القرآن بأسلوب باطن ّ‬
‫ونوه‬‫جمهوَر المسلمين في تركيا عام ‪1992‬م‪ .‬د ّ‬
‫ن معرفتهم بالعربّية قاصرة‬ ‫بالّلغة التركّية‪ ،‬ل ّ‬
‫ما التعبير‬ ‫على قراءة نصوص معّينة فحسب‪ .‬أ ّ‬
‫ما‪.‬‬
‫فإّنهم عاجزون عنه تما ّ‬
‫لقد استدّلوا في هذا التفسير الغريب بآيات‬
‫كريمة على إثبات رابطة النقشبندّية‪ .‬وتصّرفوا‬
‫في تأويل كلم الله حسبما بدا لهم في مواطن‬
‫ع أن‬
‫ق ُ‬ ‫كثيرة من هذا الكتاب الخطير اّلذي ي ُت َ َ‬
‫و ّ‬
‫مة المسلين إذا ما‬ ‫ة في صفوف عا ّ‬ ‫ُيثيَر ضج ً‬
‫ُترجم إلى العربّية أو شاع ما فيه‪.‬‬
‫‪127‬‬

‫فت نظَر‬ ‫ن هذه الرسائل والكتب ليست مما ُيل ِ‬‫إ ّ‬


‫العلماء والمثقّفين؛ ول لمحتوياتها قيمة في‬
‫ديوان العلم أو في ميزان العقل‪ ،‬بل ذكرنا‬
‫أسماءها بالختصار علي سبيل المساعدة‬
‫مة موسوعات أخرى غيرها‪ ،‬وردت‬ ‫للباحثين‪ .‬وث ّ‬
‫في سطور قليلة منها تعريفات وجيزة للّرابطة‪،‬‬
‫مع الشارة إلى أّنها من كلم الصوفّية وآرائهم‪،‬‬
‫وتأويلتهم‪.‬‬

‫***‬
‫* من الداب عند النقشبندّية‪ :‬الذكر‬
‫على أساس الّلطائف الخمس‪.‬‬
‫ص في آداب الذكر عند‬ ‫خ ٌ‬‫ح مل ّ‬
‫لقد سبق توضي ٌ‬
‫النقشبندّية مع التنبيه في البداية بأّنها أمور‬
‫ل من له علم بكتاب الله تعالى وسّنة‬ ‫يستغربها ك ّ‬
‫رسوله ‪ ،‬ويفزع من خطورتها ومن جرأة من‬
‫استقاها من مستنقعات الشرك وألصقها بعقائد‬
‫المسلمين‪.‬‬

‫إلى جانب هذه الداب‪ ،‬فقد اختلق كبراؤهم‬


‫ت‬
‫مَيا ٍ‬
‫س ّ‬
‫م َ‬
‫ة أطلقوها على ُ‬ ‫ت أخرى غريب ً‬ ‫مصطلحا ٍ‬
‫بالّلطائف‪ .‬زعموا أّنها موجودة وموّزعة في بنية‬
‫ن لم نعثر على قرينة تبرهن‬ ‫مُلو َ‬
‫ها معا ٍ‬ ‫البشر وحَ ّ‬
‫على وجودها في جسد النسان‪ ،‬إل ّ القلب‪ .‬كما‬
‫لم نجد لها قرينة بالذكر في الكتاب والسّنة‬
‫س في‬ ‫ضا‪ .‬وهذه الّلطائف خم ٌ‬ ‫سوى القلب أي ً‬
‫اعتقادهم كما جاء في عدد من كتبهم‪ ،‬منها‬
‫ي إذ يقول‪.‬‬
‫تنوير القلوب لمحمد أمين الكرد ّ‬
‫ول تلك الّلطائف‪ ،‬القل ُ‬
‫ب‪ .‬وهو تحت الثدي‬ ‫«وأ ّ‬
‫اليسر بقدر إصبعين مائل ً إلى الجنب على شكل‬
‫الصنوبر‪ .‬وهو تحت قدم آدم ‪‬؛ ونوره أصفر‪.‬‬
‫فإذا خرج نور تلك الّلطيفة من حذاء كتفه وعل‪،‬‬
‫‪128‬‬

‫قن‬‫أو حصل فيه اختلج‪ ،‬أو حركة قوية فيل ّ‬


‫بلطيفة الروح وهي تحت الثدي اليمن بإصبعين‬
‫مائل ً إلى الصدر‪ ،‬وهي تحت قدم نوح وإبراهيم‬
‫عليهما السلم‪ .‬ونورهما أحمر‪ .‬فالذكر في‬
‫الروح والوقوف في القلب‪ .‬فإذا وقعت الحركة‬
‫قن بلطيفة السر‪ ،‬وهي فوق‬ ‫فيها واشتعلت‪ ،‬فيل ّ‬
‫الثدي اليسر بإصبعين مائل ً إلى الصدر‪ ،‬وهي‬
‫تحت قدم موسى ‪ ،‬ونورهما أبيض‪ .‬ويكون‬
‫الذكر فيها‪ ،‬والوقوف في القلب فإذا اشتعلت‬
‫ي‪ ،‬وهي فوق الثدي‬ ‫ف ّ‬‫خ ِ‬‫قن بلطيفة ال ِ َ‬ ‫ضا فليل ّ‬‫أي ً‬
‫اليمن بإصبعين مائل ً إلى الصدر‪ ،‬وهي تحت قدم‬
‫عيسى ‪ ،‬ونورها أسود‪ .‬فإذا اشتعلت أي ً‬
‫ضا‬
‫فى‪ .‬وهي في وسط الصدر؛‬ ‫خ َ‬‫قن بلطيفة ال ْ‬ ‫فليل ّ‬
‫مد ‪ .‬ونورها أخضر‪.‬‬ ‫وهي تحت قدم نبينا مح ّ‬
‫‪165‬‬
‫فليشتغل بها كما تقدم»‬

‫مل فيها‪،‬‬ ‫طلع على هذه الكلمات ويتأ ّ‬ ‫إن من ي ّ‬


‫ّ‬
‫لبدّ أن يتساءل عن مصدر هذه القاويل إذا كان‬
‫ل من‬ ‫يشعر بمسئولية ما يترتب عليه في وجه ك ّ‬
‫سّنة‪ ،‬ويأتي ما شاء من‬ ‫يريد أن يعبث بالكتاب وال ّ‬
‫تلقاء نفسه أو ينقل رواسب الشرك من‬
‫الديانات والفلسفات فينسبها إلى السلم باسم‬
‫ما منه أنها‬ ‫الدين‪ ،‬ثم يدّرب الناس على فعلها زع ً‬
‫ذكر الله! أليس اليهود والنصارى والصابئة‬
‫والمجوس والهندوس وسائر المشركين يعبدون‬
‫الله ؟ إذن ما الفرق بين المسلم والمشرك إذا‬
‫أراد المسلم أن يعبد الله كما شاءت له نفسه‪،‬‬
‫ه الرسول ‪‬؟! أل َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫وليس كما رسمه الله له و َ‬
‫ف َ‬
‫ة السلم من عنقه إذا‬ ‫ق َ‬‫رب ْ َ‬
‫يكون المسلم قد خلع ِ‬
‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة علم الغيوب ص‪ .514-513 /‬طبعة مصر – ‪.1384‬‬
‫مد أمين الكرد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪165‬‬
‫لمزيد من المعرفة حول مسألة اللطائف عند النقشبندّيين راجع المصادر التالية‪:‬‬
‫‪Dr. İrfan Gündüz, Gümüşhanevî Ahmed Ziyaüddin Pg. 183-205. Muhammed Es’ad Erbilî, Mektubât 257-403 Erkam Publishing,‬‬

‫‪* İstanbul-1993‬‬

‫* علي قدري‪ ،‬الرسالة البهائية )ترجمة‪ :‬رحمي سرين( ص‪ .37 /‬إسطنبول‪1994 -‬م‪.‬‬
‫‪129‬‬

‫ن لنفسه عبادةً لم ترد عن رسول الله ‪.‬‬ ‫س ّ‬


‫صة الذكر عند النقشبندّية على أساس هذه‬ ‫خا ّ‬
‫جب عندما‬ ‫الّلطائف الخمس‪ ،‬فا ّ‬
‫ن النسان يتع ّ‬
‫طلع على صورة أدائها‪.‬‬‫ي ّ‬

‫ك تزداد عندما‬ ‫أما خطورة هذه البدعة فإنها ل ش ّ‬


‫دا بها ذكر‬‫نجدها ممزوجة بكلمة التوحيد ومقصو ً‬
‫ن رسائلهم‪.‬‬ ‫الله تعالى كما تظهر فيما ورد ضم َ‬
‫هل ُيعقل أن النقشبندّيين أنفسهم يستطيعون‬
‫ل السر‬‫ل هذه اللغاز فضل ً عن غيرهم؟ ولع ّ‬ ‫ح ّ‬
‫في اشتهار بعض السحرة والمشعوذين منهم‬
‫بصفة أولياء الله بين عوام الناس يكمن في‬
‫مثل هذه اللفاظ الخرافية المختلقة‪.‬‬

‫أن القدام‬‫ّ‬ ‫ول يفوتنا الشارة هنا بالمناسبة إلى‬


‫على التصّرف في مبادئ الطريقة أمر ل يملكه‬
‫ي شيخ من شيوخ هذه الفرقة إل ّ من غلبت‬ ‫أ ّ‬
‫ي والطبقة‬ ‫شهرته على أمثاله‪ .‬كخالد البغداد ّ‬
‫شيخ‬‫الولى من خلفائه‪ .‬وإّنما الكلمة النافذة لل ّ‬
‫متهم‪ .‬لّنه بمنـزلة المجتهد‬ ‫ر بين عا ّ‬
‫ه ِ‬
‫المشت َ َ‬
‫ن مصدر الشرف‬ ‫عندهم‪ .‬ولهذا نكتشف أ ّ‬
‫والمكانة والكرامة والبركات إّنما هي الشهرة‬
‫الغالبة في هذه الطريقة‪ .‬فمن ملكها ملك أمر‬
‫ي شيخ من‬ ‫الطائفة كّله‪ .‬وإل ّ ليس بإمكان أ ّ‬
‫شيوخ النقشبندّية أن يقوم بوضع مثل هذه‬
‫اللفاظ من تلقاء نفسه إل أن يكون قد سيطر‬
‫ر هذه الفرقة اّلذين‬ ‫على دماغه أحد من أ َ‬
‫كاب ِ ِ‬
‫نسجوا لهم ألواًنا من الساطير بأمثال تلك‬
‫الحيل نفسها على يد من سبقهم‪ .‬وهكذا‬
‫سلف بالطاعة العمياء‪.‬‬ ‫بالتسلسل خضع الخلف لل ّ‬
‫واعتقد اللحقون بالسابقين ما يعتقد النصارى‬
‫في رهبانهم أّنهم ينوبون عن الله في مغفرة‬
‫ن شيوخهم‬ ‫الثام‪ .‬بل ازدادوا على النصارى أ ّ‬
‫يتصرفون في ملك الله وملكوته وكتابه وكلمه‪.‬‬
‫‪130‬‬

‫ل نقشبندي‬ ‫ن هذه العقيدة تنبت في قلب ك ّ‬ ‫إ ّ‬


‫نحو شيخه وتتحول إلى إيمان راسخ ل يشوبه‬
‫ك‪ .‬ولهذا ل يستغرب ما يأمره به‬ ‫م ول ش ّ‬ ‫ه ٌ‬
‫و ْ‬‫َ‬
‫ل يوم بدين‬ ‫قا ولو استبدل دينه ك ّ‬‫شيخه إطل ً‬
‫جديد!‬
‫***‬

‫ي‬ ‫وا َ َ‬
‫جگان ِ ّ‬ ‫خ َ‬
‫* الختم ال ُ‬
‫وكذلك من طقوس هذه الطائفة أّنهم يقيمون‬
‫خت ْم ِ‬‫مونها « َ‬ ‫ة في أوقات معّينة يس ّ‬ ‫ة سري ّ ً‬ ‫حلق ً‬
‫ن»‪- :‬كما يترجمها‬ ‫جگا ْ‬ ‫َ‬ ‫وا َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن» وكلمة « ُ‬ ‫َ‬
‫جگا ْ‬ ‫وا َ‬ ‫خ َ‬ ‫ُ‬
‫ه»‬
‫ج ْ‬ ‫وا َ‬ ‫خ َ‬
‫ي لـ « ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ر ِ‬ ‫ع َ‬
‫فا ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫ج ْ‬ ‫ي‪َ « -‬‬ ‫مد أمين الكرد ّ‬ ‫مح ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ها‬‫ي بِ َ‬‫ما أوت ِ َ‬ ‫وإن ّ َ‬‫و‪َ ،‬‬ ‫وا ُ‬ ‫قَرأ ال ْ َ‬ ‫ول َ ت ُ ْ‬‫ف‪َ .‬‬ ‫م أل ِ ٍ‬ ‫و ثُ ّ‬ ‫وا ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫‪166‬‬
‫خ»‬ ‫شي ْ ِ‬ ‫عَنى ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫خوا َ‬ ‫وال ْ ُ‬‫د‪َ .‬‬
‫م ّ‬ ‫خيم ِ ال ْ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل ِت َ ْ‬

‫وأما رأيهم واعتقادهم المتعّلقان بهذه الحفلة‬


‫وآدابها على لسانهم‪ ،‬فيقول في ذلك عبد‬
‫ن لهذا الختم‬ ‫ي «اعلم أ ّ‬ ‫مد الخان ّ‬ ‫المجيد بن مح ّ‬
‫د‬ ‫َ‬
‫مَر ٌ‬‫ن ل يحضر فيه أ ْ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫المبارك شرطين‪ :‬ال ّ‬
‫خ ّ‬
‫ل‬ ‫ي‪ ،‬ليس داخل ً في طريقتنا ل ِئ َل ّ ي ُ ِ‬ ‫ول أجنب ّ‬
‫ن يغلق الباب‪ .‬وله آدابها‪ .‬منها‬ ‫ه‪ .‬الثاني‪ :‬أ ْ‬‫م ُ‬
‫ظا َ‬ ‫نِ َ‬
‫سا وعشرين‬ ‫تغميض العينين؛ والستغفار خم ً‬
‫كا عكس توّرك الصلة كما‬ ‫ة؛ والجلوس متوّر ً‬ ‫مر ً‬
‫دم؛ وملحظة الرابطة الشريفة التي بيانها‪.‬‬ ‫تق ّ‬
‫وأركانه قراءة الفاتحة سبع مرات؛ ثم الصلة‬
‫ي مائة مرة؛ ثم قراءة «ألم نشرح»‬ ‫على النب ّ‬
‫ة؛ ثم سورة الخلص ألف مرة‬ ‫عا وسبعين مر ً‬ ‫تس ً‬
‫ضا؛ ثم يهدي ثواب ذلك‬ ‫وواحدة؛ ثم الفاتحة أي ً‬
‫إلى صحيفة النبي ‪ ‬وإلى آله وأصحابه والولياء‬
‫‪167‬‬
‫والمشائخ الكرام»‬

‫المصدر السابق ص‪.520 /‬‬ ‫‪166‬‬

‫‪15‬‬ ‫ي‪ ،‬السعادة البدية فيما جاء به النقشبندّية ص‪/‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪167‬‬
‫‪131‬‬

‫كذلك ورد مثل هذا الكلم في بعض وريقاتٍ‬


‫من عاشوا بعد خالد‬
‫ري هذه الطائفة م ّ‬ ‫مت َأ َ ّ‬
‫خ ِ‬ ‫لِ ُ‬
‫ي فاقتبس بعضهم من بعض كما يبدو‪.‬‬ ‫البغداد ّ‬
‫ويستدّلون على شرعية هذه الحفلة بحديث كما‬
‫مر في باب الرابطة‪.‬‬

‫ن حقيقة هذه الحفلة ليست كما يشرحها‬ ‫إل ّ أ ّ‬


‫النقشبندّيون في مثل ما سجلناه آنفا من‬
‫عباراتهم‪ .‬بل هي شكل من تقاليد الباطنّية‪،‬‬
‫ت بظاهرها في حدود هذا الرمز‪ .‬إذ من‬ ‫قي َ ْ‬
‫بَ ِ‬
‫ة‬
‫عاد ٌ‬ ‫‪168‬‬
‫قهم للباب‬ ‫أن إغل َ‬ ‫ّ‬ ‫الواضح البّين‬
‫استورثوها من قدمائهم من رؤوس الباطنية‬
‫اّلذين كانوا يقومون بعقد اجتماعات سرّية‬
‫لضرب المسلمين وإفساد عقيدتهم‪ ،‬وهدم‬
‫دولتهم ولكّنهم وضعوا لها آداًبا من الذكر‬
‫والتلوة والصلوات‪ ،‬تقّية وحذًرا من أن تفتضح‬
‫ة قد تقوم بها سلطات‬ ‫أسرارهم إثر مداهم ٍ‬
‫ن اختفت المقاصد مع‬ ‫المسلمين‪ .‬ثم شاء الله أ ْ‬
‫الزمان‪ ،‬وبقيت الداب على هيئتها بعد أن‬
‫تعرضت الطريقة النقشبندّية لستحالت‬
‫وتغّيرات عديدة على حسب اتجاه الروحانيّين‬
‫ة الطريقة‪ ،‬وهم من‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ز ّ‬
‫الذين آلت إليهم أخيرا أ ِ‬
‫شف والعزلة والرهبنة‪ .‬يجهلون ما مّرت‬ ‫أهل التق ّ‬
‫دلت‪.‬‬ ‫ن التب ّ‬
‫عب َْر القرون من ألوا ِ‬ ‫بها طريقتهم َ‬
‫دعي‬ ‫دي بهم حّتى ي ّ‬ ‫إّنما هذا الجهل هو اّلذي يؤ ّ‬
‫ن عقائدهم وعاداتهم‬ ‫المعاصرون من أئمتهم‪ ،‬أ ّ‬
‫وحفلتهم متواترة من لدن رسول الله ‪ ،‬وهم‬
‫ن طريقتهم تتمّيز عن‬ ‫غافلون بذلك عن أ ّ‬
‫ها‪.‬‬ ‫السلم حّتى ب ِل ُ َ‬
‫غت ِ َ‬
‫ن كلمة‬ ‫ي في مقالته السابقة آن ً‬
‫فا أ ّ‬ ‫يذكر الكرد ّ‬
‫ْ‬
‫«خواجه» فارسّية‪ .‬وهذا ي ُن ِب ِئ َُنا مرةً أخرى بأ ّ‬
‫ن‬
‫صة في مناسكها‪،‬‬ ‫ها الخا ّ‬ ‫للفرقة النقشبندّية ل ُ َ‬
‫غت ُ َ‬
‫راجع الهامش رقم‪.89/‬‬ ‫‪168‬‬
‫‪132‬‬

‫ما للمسلمين‬ ‫سها‪ ...‬تختلف ع ّ‬


‫ودعائها‪ ،‬وطقو ِ‬
‫ت الشارة إليها في بداية الفصل‬ ‫سب َ َ‬
‫ق ْ‬ ‫كما َ‬
‫الثاني‪ .‬إذ يعترف بهذه الحقيقة كثير من‬
‫ي‪،‬‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫رجالهم‪ .‬ومنهم مح ّ‬
‫ص‬
‫ل خا ّ‬‫يتطّرق إلى هذه المسألة في فص ٍ‬
‫فيقول‪:‬‬

‫ن للقوم مصطلحات لبدّ لسالكي طريقتهم‬ ‫«إ ّ‬


‫ل بمضمونها‪ .‬ولما‬ ‫من ضبطها ومعرفتها والعم ِ‬
‫كانت هذه الطريقة الشريفة قد ظهرت في بلد‬
‫«ما وراء النهر» واشتهرت فيها‪ ،‬وكان أعّزة تلك‬
‫البلد يتكّلمون بالفارسّية جرى أكثر تلك‬
‫المصطلحات على لسانهم بتلك الّلغة» ‪.‬‬
‫***‬

‫* المصطلحات الفارسّية في الطريقة‬


‫النقشبندّية وأسرارها‪.‬‬
‫ي في سرد هذه المصطلحات‬ ‫ثم يشرع الخان ّ‬
‫ة بالّلغة الفارسّية‪ ،‬وهي‬ ‫ة والموضوع ِ‬ ‫خت َل َ َ‬
‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ُ‬
‫ى طريقتهم‪ .‬وقبل أن ندخل في بيان‬ ‫مبن َ‬
‫المقاصد الحقيقية للنقشبندّيين من هذه‬
‫ء ما أكّنه صناديدُ الطائفة‬ ‫المصطلحات‪ ،‬وإفشا ِ‬
‫ض‪ ،‬وما يترّبصون من وراء‬ ‫في بطونهم من أغرا ٍ‬
‫ع ما‬
‫ن جمي َ‬ ‫كد على أ ّ‬ ‫صة‪ ،‬يجب أن نؤ ّ‬ ‫الرابطة خا ّ‬
‫أحدثه النقشبندّيون باسم الذكر وما أقّروه من‬
‫ك‬‫سُلو ِ‬‫وال ّ‬ ‫ر َ‬
‫سي ْ ِ‬‫ط في ال ّ‬ ‫ب وشرائ َ‬ ‫أوراٍد وآدا ٍ‬
‫فا كبيًرا عن أذكار‬ ‫ي‪ ،‬كّلها تختلف اختل ً‬ ‫حان ِ ّ‬ ‫الّرو َ‬
‫ي ‪ ،‬ونوافله الشريفة ومناسكه الطّيبة‬ ‫النب ّ‬
‫ل‬
‫ه وأشكا ِ‬ ‫ر ِ‬‫ه وأذكا ِ‬ ‫الطاهرة‪ .‬إذ لم يكن بين دعائ ِ ِ‬
‫ه النقشبندّية من‬ ‫ختلقت ُ‬ ‫ما ا ْ‬
‫م ّ‬
‫ه شيءٌ ّ‬ ‫د ِ‬ ‫عب ّ ِ‬‫تَ َ‬
‫جگان ِّية‪ ،‬والستمداِد من‬ ‫َ‬ ‫وا َ‬ ‫خ َ‬‫الرابطة‪ ،‬والختم ُ‬
‫أرواح الموتى وأمثاِلها‪ .‬وإّنما حياته الروحية ‪‬‬
‫‪133‬‬

‫مشرقة‪ ،‬واضحة‪ ،‬وبّينة؛ كحياته في أمور دنياه‪،‬‬


‫مضبوطة في كتب الرجال بروايات الثقاة‪،‬‬
‫عب َْر الجيال بين المسلمين‪.‬‬
‫ومتواترة َ‬

‫ب «الذكار» للمام‬ ‫على سبيل المثال فان كتا َ‬


‫الجليل محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف‬
‫ت من أزاهير دعائه‬ ‫ة بباقا ٍ‬‫الدين النووي‪ ،‬حافل ٌ‬
‫ه‬
‫ه ومناسك ِ‬ ‫ة ونوافل ِ‬ ‫ة وأذكاره العاطر ِ‬ ‫الطّيب ِ‬
‫ة مع روح القرآن الكريم‪.‬‬ ‫ة المنسجم ِ‬ ‫الشريف ِ‬
‫فإننا ل نجد في هذا الكتاب القّيم ول فيما سبقه‬
‫كـ« عمل اليوم والليلة» للمام أبي عبد الرحمن‬
‫سائي وكتاب «عمل اليوم والليلة» للمام أبي‬ ‫الن ّ‬
‫مد بن إسحاق السني‪ .‬ل نجد‬ ‫بكر أحمد بن مح ّ‬
‫في هذه المصادر شيًئا اسمه الرابطة‪ .‬ول نجد‬
‫فيها ما تفعله الفرقة النقشبندّية من الحفلت‬
‫ج َ‬
‫گان ِّية»‬ ‫وا َ‬
‫خ َ‬
‫السرية المعروفة بينهم بـ «الختم ال ُ‬
‫ول ما تعتقده من «الستمداد بالروحانية»‬
‫و«الستغاثة بالموتى» والتعّبد على أسلوب‬
‫شف والرهبنة‪ .‬فحاشا لرسول الله‬ ‫الهنادك بالتق ّ‬
‫ما كان يعمله رهبان‬ ‫م ّ‬ ‫‪ ‬أن يكون قد عمل شيّئا ّ‬
‫المجوس والنصارى من أشكال العبادات‬
‫والنسك‪.‬‬

‫* مباني الطريقة النقشبندّية‪.‬‬


‫ن الطريقة‬ ‫ن كثًيرا من الناس يعتقدون أ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ة»‬‫سن ّي ّ َ‬‫ة؛ ولكن «ال ّ‬ ‫سن ّي ّ ٌ‬
‫النقشبندّية طريقة ُ‬
‫ض الكلمّيين‬ ‫المعروفة والمنتشَرة اّلتي جعل بع ُ‬
‫ي‬
‫حا أطلقوه على السواد السلم ّ‬ ‫منها مصطل ً‬
‫دعي‬‫العظم ليمّيزوه عن بقّية الفرق اّلتي ت ّ‬
‫سها ل‬ ‫السلم؛ نعم هذه السّنية التقليدّية نف ّ‬
‫سّنة في الحقيقة‪ ،‬ول توافق السلم‬ ‫تمّثل ال ّ‬
‫الخالص؛ بل تختلف عنه بكثير من جوانبها؛‬
‫سّنة‪ ،‬فضل ً عن أ ّ‬
‫ن‬ ‫وتتضارب مع روح الكتاب وال ّ‬
‫‪134‬‬

‫بين الطريقة النقشبندّية والسلم مقارعة‬


‫مت أدنى مقارنة‬
‫شديدة تتراءى بوضوح إذا ما ت ّ‬
‫بينهما‪.‬‬

‫أن بعض الروحانّيين قد أصّروا‬‫ّ‬ ‫هذا بالرغم من‬


‫ن الطريقة النقشبندّية هي السلم نفسه‪،‬‬ ‫على أ ّ‬
‫ي‪:‬‬
‫مد بن عبد لله الخان ّ‬
‫وفي هذا يقول مح ّ‬
‫فقنا‬ ‫«اعلم أّيها الطالب لمعرفة الله تعال ‪ -‬و ّ‬
‫دس‬ ‫قدَ سادات َِنا النقشبندّية ق ّ‬ ‫ن معت َ‬ ‫الله وإياك ‪ -‬أ ّ‬
‫سّنة‬ ‫قدُ أهل ال ّ‬ ‫الله أسرارهم الزكّية‪ ،‬هو معت َ‬
‫والجماعة‪ .‬ومبنى طريقتهم على حفظ أحكام‬
‫هرة» ‪ 169‬بينما هذه الكلمات عيُنها‬ ‫الشريعة المط ّ‬
‫دعيه بأشدّ ما‬ ‫ق بها‪ ،‬وتفضحه فيما ي ّ‬ ‫ب الناط َ‬ ‫ت ُك َذّ ُ‬
‫يقوم الدليل على صاحبه‪ .‬ذلك إّنه قد أتى بصيغة‬
‫دس الله‬ ‫غريبة من الدعاء في عباراته‪ .‬وهي «ق ّ‬
‫ء يبرهن‬ ‫أسرارهم» إذ ل نعثر على أدنى شي ٍ‬
‫دا من أصحابه قد‬ ‫ل الله ‪ ،‬أو أح ً‬‫ن رسو َ‬ ‫على أ ّ‬
‫نطق بمثل هذه الصيغة في دعائه‪ .‬بل هذا من‬
‫ظمون‬ ‫أسلوب الغلة والباطنية‪ .‬فإّنهم يع ّ‬
‫مشائخهم‪ .‬وربما تكون هذه العادة قد شاعت‬
‫ن‬
‫صتهم مع الزمان بتأثير النصارى‪ .‬ل ّ‬ ‫بين خا ّ‬
‫دسون رهبانهم ويصفونهم‬ ‫المسيحّيين يق ّ‬
‫بالقداسة‪.‬‬

‫ن الطريقة النقشبندّية تتعارض‬ ‫ل على أ ّ‬ ‫وما أد ّ‬


‫ماِتها ومفاهيمها؛ من‬ ‫و َ‬
‫ق ّ‬‫م َ‬
‫ل ُ‬‫مع السلم بك ّ‬
‫جلوها‬ ‫ل كلمة س ّ‬ ‫اعترافاتهم اّلتي تتمّثل في ك ّ‬
‫على سبيل التعريف والتوضيح لمصطلحاتهم‪.‬‬
‫منها مثل ً قول بعضهم‪« :‬ومبنى هذه الطريقة‬
‫العلّية على العمل بإحدى عشرة كلمة فارسّية‪:‬‬
‫ثمانية منها مأثورة عن حضرة الشيخ عبد الخالق‬
‫م‪،‬‬
‫قدَ ْ‬‫م‪ ،‬ن َظَْر ب َْر َ‬‫ش دَْردَ ْ‬
‫هو ْ‬ ‫ي‪ .‬وهي‪ُ :‬‬ ‫وان ِ ّ‬‫جدُ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫غ ْ‬

‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية‪ ،‬ص‪ 3 /‬طبعة مصر ‪1319 -‬هـ‪.‬‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪169‬‬
‫‪135‬‬

‫َ‬
‫ن‪َ ،‬يادْ ك َْر ْ‬
‫د‪َ ،‬باْز‬ ‫م ْ‬‫ج َ‬
‫ت دَْرأن ْ ُ‬‫و ْ‬‫خل ْ َ‬
‫ن‪َ ،‬‬‫وط َ ْ‬ ‫س َ‬
‫فْر دَْر َ‬ ‫َ‬
‫‪170‬‬
‫ت»‬‫ش ْ‬ ‫دا ْ‬ ‫ت‪َ ،‬يادْ َ‬ ‫ش ْ‬‫دا ْ‬ ‫َ‬
‫ت‪ ،‬ن ِكاهْ َ‬
‫ش ْ‬‫كَ ْ‬

‫ن مبادئ‬
‫متهم أ ّ‬ ‫نعم هكذا يظهر بإقرار أئ ّ‬
‫طريقتهم كانت في البداية ثمانية‪ .‬ثم أضاف إليه‬
‫ة أخرى فصار‬ ‫ي ثلث ً‬‫خار ّ‬‫مد بهاء الدين الب ُ َ‬
‫مح ّ‬
‫حا‪ .‬وهي تركيبات‬ ‫بعدها أحد عشر مصطل ً‬
‫ضرورة‪.‬‬‫فارسّية‪ ،‬فيها أجزاء عربّية لل ّ‬
‫فقد ذكر بعضهم هذه المصطلحات على غير‬
‫الترتيب اّلذي جاء في تنوير القلوب‪ ،‬ومنهم‬
‫ي وحفيده عبد المجيد بن‬ ‫مد بن عبد لله الخان ّ‬ ‫مح ّ‬
‫ي؛ ولكن ترتيب الحفيد‬ ‫مد الخان ّ‬ ‫مد بن مح ّ‬ ‫مح ّ‬
‫ده‪ .‬إذ أورد‬ ‫ما لترتيب ج ّ‬ ‫ضا لم يأت موافقا تما ً‬ ‫أي ً‬
‫دم» في المرتبة الرابعة؛‬ ‫الحفيد كلمة «ن َظَْر ب َْر َ‬
‫ق َ‬
‫م» في المرتبة الخامسة في تعداد‬ ‫ش دَْردَ ْ‬ ‫هو ْ‬ ‫و« ُ‬
‫المصطلحات المذكورة‪ .‬بينما كان جده قد جعل‬
‫م» هي‬ ‫م» هي الرابعة‪ .‬و«ن َظَْر ب َْر َ‬
‫قدَ ْ‬ ‫ش دَْردَ ْ‬
‫هو ْ‬ ‫« ُ‬
‫‪171‬‬
‫الخامسة‪.‬‬

‫ول نقصد الستدلل بهذا الخلف البسيط علي‬


‫ل‬‫بطلن دعواهم ما دام كّلهم يّتفقون في أص ٍ‬
‫ت طريقتهم على أساسه‪ .‬كما تظهر‬ ‫ل ب ُن ِي َ ْ‬
‫باط ٍ‬
‫هذه الحقيقة إلى العيان بوضوح بعد استكشاف‬
‫المقاصد البعيدة اّلتي أكّنها قدماء الطائفة في‬
‫ي شروحهم لهذه المصطلحات‪.‬‬ ‫ط ّ‬
‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة علم الغيوب ص‪ .507-506 /‬طبعة مصر ‪ 1384 -‬هـ‪.‬‬
‫مد أمين الكرد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪170‬‬
‫ورد تعداد هذه المباني الحد عشر في المصادر التالية من كتبهم بما فيها المصدر السابق‪:‬‬

‫* علي بن الحسين الواعظ‪ ،‬رشحات عين الحيات ص‪41-32 /‬؛‬

‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية‪ ،‬ص‪ 54-50 /‬طبعة مصر ‪1319 -‬هـ؛‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫مح ّ‬ ‫*‬
‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪117-112 /‬؛‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫*عبد المجيد بن مح ّ‬

‫*‬ ‫‪Dr. İrfan Gündüz, Ahmed Zıyâüddîn, Hayatı ve Eserleri. Pg. 234-236 Seha Publishing Istanbul-1984‬‬

‫*‬ ‫‪Dr. Selcuk Eraydin, Tasavvuf ve Tarikatlar, Pg. 376-380. Istanbul-1994‬‬

‫*‬ ‫‪Faruk Meyan, Sah-i Naksibend Pg. 69-78 Cile Publishing Istanbul‬‬

‫* علي قدري‪ ،‬الرسالة البهائية )ترجمة‪ :‬رحمي سرين( ص‪ .93-77 /‬إسطنبول‪1994-‬م‪.‬‬

‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية‪ ،‬ص‪ .52-50 /‬طبعة مصر ‪-‬‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪171‬‬
‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.117-112 /‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫‪1319‬هـ‪.‬؛ عبد المجيد بن مح ّ‬
‫‪136‬‬

‫***‬

‫ي في شرح هذه المصطلحات‪:‬‬


‫يقول الكرد ّ‬
‫س عن‬ ‫م»‪ :‬فمعناه حف ُ‬
‫ظ الن ّ َ‬
‫ف ِ‬ ‫ش دَْردَ ْ‬
‫هو ْ‬‫ما « ُ‬
‫«أ ّ‬
‫ن قلبه‬ ‫الغفلة عند دخوله وخروجه وبينهما‪ .‬ليكو َ‬
‫س‬
‫ف ٍ‬ ‫ل نَ َ‬
‫نك ّ‬ ‫حاضًرا مع الله في جميع النفاس‪ .‬ل َ ّ‬
‫ل‬‫ي موصول‪ .‬وك ّ‬ ‫يدخل ويخرج بالحضور فهو ح ّ‬
‫س يدخل ويخرج بالغفلة فهو مّيت مقطوع‬ ‫ٍ‬ ‫نَ َ‬
‫ف‬
‫‪172‬‬
‫عن الله»‬

‫لقد يبدو من ظاهر هذه الكلمات أّنها موافقة‬


‫ث على‬ ‫للحق في الوهلة الولى؛ إذ فيها ح ّ‬
‫د‬
‫صحوة القلب‪ ،‬ونكير على الغفلة إلى ح ّ‬
‫يستطيبه المؤمن‪ .‬ولكن بعد إمعان الفكر في‬
‫شكل هذا التركيب وأسلوب تفسيره‪ ،‬ل يخفى‬
‫ن هذه الصيغة‬ ‫على العالم الماهر بروح الكلمات أ ّ‬
‫ة في ثنايا‬ ‫سْتها الزنادق ُ‬ ‫تد ّ‬ ‫ئ عن ضلل ٍ‬ ‫ماكرةٌ ت ُْنب ُ‬
‫ت من عقائد‬ ‫تلك اللفاظ‪ ،‬مع احتفاظها بمخّلفا ٍ‬
‫ة والبوذية‪ .‬والحال هذه‪ ،‬فقد أنذرنا الله‬ ‫البراهم ِ‬
‫تعالى عن الغفلة بأشدّ وأبلغ ما يّتعظ به‬
‫ك‬‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ي نَ ْ‬ ‫كف ِ‬ ‫واذْك ُْر َرب ّ َ‬ ‫النسان‪ ،‬فقال سبحانه‪َ } :‬‬
‫و‬
‫غدُ ّ‬‫ل ِبال ْ ُ‬ ‫و ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ق ْ‬ ‫م َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫ج ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫دو َ‬ ‫و ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ف ً‬ ‫وخي ِ َ‬ ‫عا َ‬ ‫ضّر ً‬ ‫تَ َ‬
‫كما نهانا‬ ‫‪173‬‬
‫ن{‬ ‫فِلي َ‬ ‫غا ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ول َ ت َك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ص ِ‬ ‫وْال َ‬ ‫َ‬
‫سبحانه عن طاعة صاحب القلب الغافل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ه‬
‫وا ُ‬‫ه َ‬ ‫ع َ‬ ‫وات ّب َ َ‬
‫رَنا َ‬ ‫ن ِذك ْ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قل ْب َ ُ‬‫فل َْنا َ‬ ‫غ َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ول َ ت ُطِ ْ‬ ‫} َ‬
‫وفي مواطن أخرى كثيرة‬ ‫‪174‬‬
‫فُرطا‪{.‬‬‫ً‬ ‫مُرهُ ُ‬ ‫َ‬ ‫و َ‬
‫نأ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫من كتاب الله ورد التشنيع بالغافلين‪ ،‬مما يؤكدّ‬
‫ظ بمعرفة معانيه‪،‬‬ ‫ن بالقرآن‪ ،‬والمحظو َ‬ ‫ن المؤم َ‬ ‫أ ّ‬
‫ب على تلوته‪ ،‬والمستنيَر بهديه‪ ،‬لن‬ ‫والمواظ َ‬
‫م»‪ ،‬ليكون حاضر‬ ‫ش دَْردَ ْ‬ ‫هو ْ‬ ‫يفتقر إلى كلمة « ُ‬
‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة علم الغيوب ص‪ .506 /‬طبعة مصر ‪ 1384 -‬هـ‪.‬‬
‫مد أمين الكرد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪172‬‬

‫سورة العراف‪.205/‬‬ ‫‪173‬‬

‫سورة الكهف‪.28/‬‬ ‫‪174‬‬


‫‪137‬‬

‫القلب مع الله؛ ولن يلتفت إلى هذه الكلمة اّلتي‬


‫ظاهرها خير من باطنها لسباب‪:‬‬

‫ن واضع هذا المصطلح )حسب إسنادهم(‬ ‫منها‪ :‬أ ّ‬


‫ة عن‬ ‫ت المّ ُ‬ ‫ليس من علماء المسلمين اّلذين أعلن ْ‬
‫مة الربعة المجتهدين ومن جاء‬ ‫ثقتها بهم‪ .‬كالئ ّ‬
‫خرين؛ من‬ ‫دمين والمتأ ّ‬ ‫ن بعدهم من المتق ّ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫ي‪ ،‬ومسلم بن‬ ‫خار ّ‬ ‫مد بن إسماعيل الب ُ َ‬ ‫أمثال مح ّ‬
‫ي‪ ،‬ومحمد بن الطيب‬ ‫ي النيسابور ّ‬ ‫الحجاج القشير ّ‬
‫ي وغيرهم رحمة الله‬ ‫ي‪ ،‬والمام النوو ّ‬ ‫الباقلن ّ‬
‫خاَرى‬ ‫عليهم أجمعين؛ بل كان صوفّيا مات في ب ُ َ‬
‫ةل‬‫ة خيالي ّ ً‬ ‫عام ‪ 575‬من الهجرة‪ .‬وقد يكون شخصي ّ ً‬
‫ة لوجوده‪.‬‬‫حقيق َ‬

‫ومن هذه السباب‪ :‬النحراف عن مسلك السلف‬


‫ن جميع العلماء سواءً‬
‫الصالح في الصول‪ .‬ذلك أ ّ‬
‫ّ‬
‫دثين‪ ،‬حّتى المدلسين‬
‫الفقهاءَ منهم والمح ّ‬
‫ع‬
‫هاد والمعاصرين لهم‪ ،‬لم يختاروا وض َ‬ ‫والز ّ‬
‫مصطلحاِتهم إل ّ بالّلغة العربّية‪ ،‬بخلف‬
‫دعون السير علي نهجهم‪.‬‬ ‫النقشبندّيين اّلذين ي ّ‬
‫ه‬
‫عدّ ُ‬
‫ن الطائفة النقشبندّية ت َ ُ‬ ‫ي مث ً‬
‫ل‪ ،‬مع أ ّ‬ ‫فالقشير ُّ‬
‫من كبار الصوفّية وتبالغ في تعظيمه‪ ،‬وتستقي‬
‫من آثاره في كثير من المناسبات‪ ،‬نعم هذا‬
‫ي لم نعثر على شئ في رسالته من هذه‬ ‫القشير ّ‬
‫المصطلحات الفارسّية الغريبة‪ .‬فقد ورد في‬
‫رسالته الشهيرة من شّتى مصطلحات الصوفّية‬
‫كالقبض‪ ،‬والبسط‪ ،‬والجمع‪ ،‬والفرق‪ ،‬والفناء‪،‬‬
‫والبقاء‪ ،‬والغيبة‪ ،‬والحضور‪ ،‬والصحو‪ ،‬والسكر‪،‬‬
‫سّر والّتجّلي‪ ،‬والمحاضرة‬ ‫والذوق‪ ،‬والشرب‪ ،‬وال ّ‬
‫والمكاشفة والمشاهدة‪ ،‬ولّلوائح‪ ،‬والطوالع‪،‬‬
‫والّلوامع‪ ،‬والمجاهدة‪ ،‬والخلوة‪ ،‬والعزلة‪،‬‬
‫وة‪ ،‬والولية‪ ،‬والمعرفة‪ ،‬والمحّبة‪ ،‬والشوق‬ ‫والفت ّ‬
‫وغيرها مما يضيق المكان عن استيعابها‪ ،‬ولكن‬
‫دا من تلك اّلتي‬ ‫حا واح ً‬
‫ل نجد فيها حّتى مصطل ً‬
‫‪138‬‬

‫م‪،‬‬
‫ش دَْردَ ْ‬
‫هو ْ‬
‫وضعتها زنادقة العجم كقولهم‪ُ « :‬‬
‫ت‬ ‫خل ْ َ‬
‫و ْ‬ ‫وط َ ْ‬
‫ن‪َ ،‬‬ ‫س َ‬
‫فْر دَْر َ‬ ‫م‪َ ،‬‬
‫قدَ ْ‬‫ن َظَْر ب َْر َ‬
‫ن‪...‬إلخ‪».‬‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ج َ‬ ‫دَْرأن ْ ُ‬
‫ك فيما يحتويه‬ ‫ش ّ‬
‫وكذلك من السباب المثيرة لل ّ‬
‫م»‪ ،‬بل وما تبدو من علمات‬ ‫ش دَْردَ ْ‬ ‫هو ْ‬ ‫مصطلح « ُ‬
‫صدُ من هذا التركيب‪ ،‬أّنه رمز‬ ‫ق َ‬ ‫الخطورة فيما ي ُ ْ‬
‫لمرحلة من مراحل الرياضة النفسية والوجدانّية‬
‫على طريقة المجوس البرهمية والبوذية؛ يقتنع‬
‫السالك بعد كمال هذه الرياضة بالتحاد‪ ،‬وينسلخ‬
‫ة بعد‬
‫ما كما ستبدو هذه الحقيق ُ‬ ‫من التوحيد تما ً‬
‫دراسة البقّية من هذه المصطلحات‪ ،‬وإظهار ما‬
‫تتواري خلفها من أغراض مدسوسة‪.‬‬

‫صة‬‫ما خلصة ما ُيقصد من هذه الرياضة الخا ّ‬ ‫أ ّ‬


‫ف(‪ ،‬فما‬ ‫دوها بعن ٍ‬ ‫ذبها النقشبندّيون ور ّ‬ ‫نك ّ‬ ‫)وإ ْ‬
‫ل حّتى‬ ‫د السبي ِ‬ ‫هي في الحقيقة إل ّ محاولةٌ لتمهي ِ‬
‫ن‬‫ه عند نهاية المطاف‪ :‬أ ّ‬ ‫س ِ‬
‫ك في نف ِ‬‫قّر السال ُ‬ ‫يَ ِ‬
‫ما‬
‫ل في الله ‪-‬سبحانه ع ّ‬ ‫ل فيه‪ ،‬أو هو ح ّ‬‫الله قد ح ّ‬
‫دمة لعقيدة‬ ‫يصفه الفاسقون‪ -‬وذلك ليس إل ّ مق ّ‬
‫ة إدماج‬ ‫وحدة الوجود كما يبرهن على هذه الخطّ ِ‬
‫ظ‬
‫ج من ألفا ٍ‬ ‫ن مزي ٍ‬ ‫الباطل في قلب الحق ضم َ‬
‫ل‬‫رق ّ‬ ‫ب ماك ٍ‬ ‫ة في شرح هذا المصطلح بأسلو ٍ‬ ‫وارد ٍ‬
‫ة فيها‪ ،‬وهي‬ ‫من ينتبه إلى الخطورة الكامن ِ‬
‫عقيدة «الفناء في الله»‬

‫ي من‬‫جله الكرد ّ‬ ‫إ ً‬
‫ذا فلنعد مرةً أخرى إلى ما س ّ‬
‫قع فيه من‬‫صا لما نتو ّ‬
‫ر لهذا المصطلح تمحي ً‬‫تفسي ٍ‬
‫مقاصد خفية تتعارض مع ظاهره‪.‬‬

‫س عن‬ ‫ي‪« ،‬فمعناه‪ :‬حف ُ‬


‫ظ الن ّ َ‬
‫ف ِ‬ ‫يقول الكرد ّ‬
‫ه‬
‫الغفلة عند دخوله وخروجه وبينهما‪ ،‬ليكون قلب ُ ُ‬
‫حاضًرا مع الله‪».‬‬
‫‪139‬‬

‫ن الغفلة عن الله مقبوحة‪ ،‬وقد سبقت‬ ‫ح ّ‬


‫قا‪ ،‬إ ّ‬
‫فا بشهادة اليات البّينات من‬‫الشارة إليها آن ً‬
‫ل؛ ولكن الجتناب عنها‪ ،‬هل‬ ‫كتاب الله عّز وج ّ‬
‫ينبغي أن يكون بهذه الطريقة‪ ،‬أم للسلم في‬
‫صة؟‬
‫ذلك طريقته الخا ّ‬
‫فإذا طلبنا الجواب عن هذا السؤال وجدناه‬
‫ة في مواطن كثيرة من كتاب الله‬‫ة وجزال ٍ‬
‫بصراح ٍ‬
‫العزيز‪.‬‬

‫فان ْظُْر ِإل َ‬


‫ى‬ ‫منها على سبيل المثال قوله تعالى } َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ها؛ إ ّ‬‫وت ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫عدَ َ‬‫ض بَ ْ‬‫حِيي ا ْلْر َ‬ ‫ه ك َي ْ َ‬
‫ف يُ ْ‬ ‫ة الل ِ‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬‫ر َر ْ‬ ‫آَثا ِ‬
‫‪175‬‬
‫ديٌر{‬‫ق ِ‬‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫عَلى ك ّ‬ ‫و َ‬
‫ه َ‬
‫و ُ‬‫وَتى َ‬ ‫حيي ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬‫ك لَ ُ‬
‫ذَل ِ َ‬

‫قد أمر الله في هذه الية الكريمة بالنظر إلى‬


‫آثار رحمته تحذيًرا عن الغفلة‪ ،‬وترغيًبا في‬
‫ن على ذلك ليعتبر بما‬ ‫ث النسا َ‬
‫حضور القلب؛ وح ّ‬
‫خلقه الله وأبدعه‪ ،‬وأّنه كيف يحيي الرض بعد‬
‫موتها بقدرته تعالى حّتى يلين قلبه‪ ،‬وتتأثر‬
‫عاطفته‪ ،‬وليثبت على إيمانه بأّنه الخالق البار ُ‬
‫ئ‬
‫ء‪.‬‬ ‫الواحد الفرد الصمد اّلذي ليس كمثله ش ْ‬
‫ي ٌ‬
‫مماتها‬‫م»‪ ،‬ومت ّ‬ ‫ش دَْردَ ْ‬
‫هو ْ‬ ‫ن الغاية من كلمة « ُ‬ ‫ولك ّ‬
‫ليست هذه بتاًتا‪ .‬بل الغرض الحقيقي المكنون‬
‫في عمق هذه الكلمة إّنما هي ترسيخ عقيدة‬
‫«وحدة الوجود» في قلب سالك الطريقة‬
‫بترويضه من خلل تمرينات جوكية‪ .‬وهي كثيرة‬
‫ة‪ ،‬أقدمها‬ ‫ت مختلف ٍ‬ ‫ة بلغا ٍ‬
‫ب عديد ٍ‬‫مشروحة في كت ٍ‬
‫ي باتانجالي )‬ ‫سطَْراَيات» للّراهب الهند ّ‬ ‫كتاب «ال ّ‬
‫‪ .(Patanjali‬لّنه لم يرد في كتاب الله ول في سّنة‬
‫س‪ ،‬ول‬‫ف ٍ‬ ‫ل نَ َ‬
‫رسوله ‪ ‬أمٌر مفروض بمراقبة ك ّ‬
‫ن حضور القلب مع الله موقوف على‬ ‫ن فيما أ ّ‬ ‫بيا ٌ‬
‫ة‬
‫مثل هذه المراقب ِ‬

‫الروم‪50/‬‬ ‫سورة‬ ‫‪175‬‬


‫‪140‬‬

‫وبالخلصة فمن أرهق نفسه بمقارنة آداب‬


‫النقشبندّية مع أمثالها الموجودة في الديانات‬
‫مة بينهما «وكفى‬‫الهندية‪ ،‬وجد المطابقة التا ّ‬
‫الله المؤمنين القتال‪».‬‬

‫ن السالك‪ ،‬يجب‬ ‫دم»‪ :‬فمعناه أ ّ‬ ‫ق َ‬‫ما «ن َظَْر ب َْر َ‬


‫«أ ّ‬
‫عليه أن ل ينظر في حال مشيه إل ّ إلى قدميه؛‬
‫ول في حال قعوده إل ّ بين يديه‪ .‬فا ّ‬
‫ن النظَر إلى‬
‫ه ويمنعه مما‬‫سدُ عليه حال َ ُ‬
‫ف ِ‬‫ن يُ ْ‬
‫ش واللوا ِ‬ ‫النقو ِ‬
‫ن الذاكر المبتدئ إذا تعّلق نظُره‬ ‫هو بسبيله‪ .‬ل ّ‬
‫صرات اشتغل قلبه بالتفرقة الحاصلة من‬ ‫بالمب َ‬
‫وته على حفظ‬ ‫صرات لعدم ق ّ‬ ‫النظر إلى المب َ‬
‫‪176‬‬
‫القلب‪».‬‬

‫ي أحد‬ ‫ي الربل ّ‬ ‫مد أمين الكرد ّ‬ ‫كانت هذه ألفاظ مح ّ‬


‫ة إلى حدّ ل يقبل‬ ‫رؤوس النقشبندّية وهي واضح ٌ‬
‫ت‬ ‫ن وراء هذه اللفاظ غايا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫التأويل‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫ن كشف‬ ‫م ْ‬‫كن ِ‬ ‫س خطيرةً ل يتم ّ‬ ‫ة‪ ،‬ودسائ َ‬ ‫مشبوه ً‬
‫ن أنار الله قلَبه بهدي القرآن‬ ‫م ْ‬‫الستار عنها إل ّ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ما جاء في هذه العبارات ِ‬ ‫سّنة‪ .‬ذلك أ ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ن ل ينظر في حال‬ ‫نصيحة المريد المبتدئ «أ ْ‬
‫مشيه إل ّ إلى قدميه ول في حال قـعوده إل ّ بين‬
‫من شيًئا مما جاء في قوله تعالى‬ ‫يديه» ل يتض ّ‬
‫َ ‪177‬‬
‫بل ل علقة بين‬ ‫شي ِك{‬ ‫م ْ‬ ‫ي َ‬ ‫صدْ ف ِ‬ ‫وا ْ‬
‫ق ِ‬ ‫} َ‬
‫ن القصد في هذه الية الكريمة‪ ،‬هو‬ ‫المرين‪ .‬إذ أ ّ‬
‫ك{‪:‬‬‫شي ِ َ‬‫م ْ‬‫ي َ‬‫صدْ ف ِ‬ ‫وا ْ‬
‫ق ِ‬ ‫القتصاد‪ .‬قال ابن كثير‪َ } :‬‬
‫دا ليس بالبطيء المتبّثط‪،‬‬ ‫«أي امش مشًيا مقتص ً‬
‫طا بين بين‪».‬‬ ‫ول بالسريع المفرط؛ بل عدل ً وس ً‬

‫مد‬ ‫ة‪ ،‬إحبا ً‬


‫طا لما قد يتع ّ‬ ‫دمنا هذه المقارن َ‬‫إّنما ق ّ‬
‫ع إلى الستدلل بهذه الية الكريمة‬ ‫أحدهم فيسر ُ‬
‫ق كما هو دأبهم‪.‬‬ ‫لتبرير باطله بالح ّ‬

‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة علم الغيوب ص‪ .506 /‬طبعة مصر ‪ 1384 -‬هـ‪.‬‬
‫مد أمين الكرد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪176‬‬

‫سورة لقمان‪.19/‬‬ ‫‪177‬‬


‫‪141‬‬

‫ن هذا المصطلح ليس إل ّ‬ ‫م ْ‬


‫ي ِ‬ ‫ما الغرض الصل ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ئ على الخنوع والذ ّ‬
‫ل‬ ‫ترويض السالك المبتد ِ‬
‫سدّ عليه أبواب اليقظة‬ ‫والمسكنة؛ حّتى ي َن ْ َ‬
‫ه دون‬ ‫خ ُ‬
‫ل ما يأمره شي ُ‬ ‫والوعي‪ ،‬فيتقّبل ك ّ‬
‫دا مطيعا ً ل‬ ‫ح في النهاية عب ً‬ ‫صب ِ َ‬
‫ض؛ في ُ ْ‬‫اعترا ٍ‬
‫ف‬
‫ة‪ ،‬أو اقترا ِ‬ ‫ن كّلفه باقتحام حرم ٍ‬ ‫دا؛ وإ ْ‬ ‫يخالفه أب ً‬
‫ة؛ كما سبق الحديث عنه في باب آداب‬ ‫جريم ٍ‬
‫المريد مع شيخه‪.‬‬

‫ن إصرار النسان على إثبات‬ ‫وبجانب هذا‪ ،‬فإ ّ‬


‫ب‬‫نظره أمامه‪ ،‬لم يرد إل ّ في الصلة‪ .‬وهو مطلو ٌ‬
‫ما في غيرهما من حالت‬ ‫ضا أثناء الدعاء‪ .‬أ ّ‬ ‫أي ً‬
‫ر من أمور‬ ‫صة إذا كان مشغول ً بأم ٍ‬ ‫النسان‪ ،‬وخا ّ‬
‫ما يكون في حال السير‬ ‫ن النسان إ ّ‬ ‫دنياه فل‪ .‬ل ّ‬
‫ة يريد تحقيقها؛ أو‬ ‫ن إلى آخر لغاي ٍ‬ ‫قل من مكا ٍ‬ ‫يتن ّ‬
‫سا مع أصحابه أو شركائه أو أهله في‬ ‫يكون جال ً‬
‫غالب الوقات‪ .‬و في كلتا الحاّلتين ينبغي‬
‫ة عند ك ّ‬
‫ل‬ ‫ت مختلف ٍ‬ ‫ت إلى جها ٍ‬ ‫ن يلتف َ‬ ‫للنسان أ ْ‬
‫ء؛ ليتأ ّ‬
‫كد‬ ‫ة أو ضو ٍ‬ ‫ت أو حرك ٍ‬ ‫د‪ ،‬من صو ٍ‬ ‫ث جدي ٍ‬ ‫حد ٍ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫لزم ِ‬ ‫ف ال ّ‬‫ما يجرى حوله؛ وليّتخذ الموق َ‬ ‫م ّ‬
‫ن‬
‫ة أو استعداٍد على حسب ما يقتضي‪ .‬ولك ّ‬ ‫حيط ٍ‬
‫ن إثبات‬ ‫اّلذي يخفى على غالبّية الناس هنا‪ ،‬أ ّ‬
‫ر إلى أقرب مكان من الرض نحو المام في‬ ‫النظ ِ‬
‫حاّلتي المشي والقعود بصورة متواصلة‪ ،‬لهي‬
‫م الشروط لصلة «اليوغا» في الديانات‬ ‫من أه ّ‬
‫الهندية‪ .‬وفي ذلك مقاصد‪ :‬منها ترويض النسان‬
‫على الذّلة والمسكنة‪ .‬وهما من الفضائل في‬
‫ة بوذا الحكيم‬ ‫الديانة البوذّية اّلتي تستمدّ من حيا ِ‬
‫ة‬
‫‪ .Buddha‬و«ُيقال إّنه رأى وهو في التاسع ِ‬
‫فا‪ ،‬ورجل ً‬ ‫ل مّرة‪ ،‬عجوًزا خر ً‬ ‫و ِ‬‫والعشرين‪ ،‬ول ّ‬
‫مْيت‪ .‬فهال َت ْ ُ‬
‫ه‬ ‫ة َ‬ ‫ح ً‬
‫ل‪ ،‬وجث ّ َ‬ ‫كا متر ّ‬ ‫ضا‪ ،‬وناس ً‬ ‫مري ً‬
‫مظاهر الحياة هذه اّلتي لم تقع عليها عيناه من‬
‫سك‪ .‬ولكّنه ما لبث‬ ‫قبل‪ ،‬فانسلخ عن ماضيه وتن ّ‬
‫سك‬ ‫ت سنوات‪ ،‬حياة التن ّ‬ ‫طرح‪ ،‬بعد س ّ‬ ‫أن ا ّ‬
‫‪142‬‬

‫مفضي‬
‫مل العميق ال ُ‬
‫الصارم‪ ،‬واستغرق في التأ ّ‬
‫ر‪ .‬وسرعان ما اجتمع حوله عددٌ من‬ ‫و ِ‬
‫إلى الت ّن َ ّ‬
‫المريدين كانوا نواة جماعة «الرهبان‬
‫سسها»‬ ‫ولين» اّلتي أ ّ‬ ‫المتس ّ‬
‫ن هذه العبارات المنقولة من موسوعة المورد‬ ‫إ ّ‬
‫لمنير البعلبكي‪ ،‬تدّلنا إلى طبيعة الرهبنة الهندية‬
‫ها من الهمال‪،‬‬ ‫ساِلكي ِ َ‬ ‫على تمام ِ حقيقِتها‪ ،‬وما ل ِ َ‬
‫مل العميق الذي يقتضي‬ ‫ر‪ ،‬والتأ ّ‬ ‫وإسقاط التدبي ِ‬
‫ة طوال ساعات‬ ‫ة معّيـن َ ٍ‬ ‫إثبات النظر على نقط ٍ‬
‫ه‬
‫ة الل ِ‬
‫ف ظاهٌر بسن ّ ِ‬ ‫ك استخفا ٌ‬ ‫مديدة‪ ...‬وهذا لش ّ‬
‫ول هما الذّلة‬ ‫ن الرهبنة والتس ّ‬ ‫ما بأ ّ‬ ‫تعالى‪ .‬عل ً‬
‫والمسكنة بعينهما‪ ،‬وهما من العقوبات اّلتي أخذ‬
‫الله بها بني إسرائيل عند ما استبدلوا اّلذي هو‬
‫ة‬‫م الذل ّ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ت َ َ‬
‫علي ْ‪ِ178‬‬ ‫رب َ ْ‬‫ض ِ‬‫و ُ‬ ‫أدنى باّلذي هو خير‪َ } .‬‬
‫ه‪{.‬‬ ‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬‫ب ِ‬ ‫ض ٍ‬
‫غ َ‬‫ؤا ب ِ َ‬‫وَبا ُ‬
‫ة َ‬‫سك َن َ ُ‬ ‫وال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫هذا‪ ،‬ومن المعجزات الكامنة في هذه الية‬
‫ي قد حكم‬ ‫ي‪-‬البرهم ّ‬
‫ن المجتمع الهند ّ‬ ‫الكريمة‪ ،‬أ ّ‬
‫بالذات على نفسه بالذلة والمسكنة جزاءً بما‬
‫ن هذا المجتمع‬‫وقع فيه من الشرك البواح‪ .‬ل ّ‬
‫يتمّيز من جميع أصناف المشركين في العالم‬
‫عدّ من أشد مظاهر المقاومة‬ ‫بتقاليده اّلتي ت ُ َ‬
‫للفطرة النسانّية السليمة‪ .‬إذن فأولى بمن‬
‫تشّبه بهم‪ ،‬أن يأحذهم الله تعالى بنفس‬
‫العقوبة‪.‬‬

‫ن من وراء هذه‬ ‫كذلك من المقاصد اّلتي تك ُ‬


‫م ُ‬
‫الرياضة الهندية المتمّثلة في إثبات النظر‪ ،‬هو‬
‫داه‪ :‬النصراف من هموم الدنيا‬ ‫«التركيز»‪ .‬ومؤ ّ‬
‫قها؛ وف ً‬
‫قا‬ ‫صا من متاعبها ومشا ّ‬ ‫والخرة‪ ،‬تخل ّ ً‬
‫لتعاليم «بوذا الراهب اّلذي صدمته مشكلة آلم‬
‫البشرّية‪ ،‬فقّرر أن يقطع صلَته بالماضي ويبحث‬

‫سورة البقرة‪.61/،‬‬ ‫‪178‬‬


‫‪143‬‬

‫مل»‪« 179‬وكان بوذا‬ ‫عن الحقيقة السامية في التأ ّ‬


‫ن التخّلص‬ ‫ن اللم ينجم عن الرغبة‪ .‬وأ ّ‬ ‫يعتقد أ ّ‬
‫ي النبيل(‬ ‫من الرغبة يأتي بانتهاج )الطريق الثمان ّ‬
‫اّلذي يتمّثل بالسيرة الحسنة‪ ،‬والفعل الحسن‪،‬‬
‫ة لذلك بلوغ النيْرفا َ َ‬
‫نا ‪Nirvana‬‬ ‫وأّنه من الممكن نتيج ً‬
‫‪180‬‬
‫‪ .‬وهي حال من السعادة القصوى‪».‬‬

‫ما السعادة القصوى )أي النيْرفا ََنا( تلك اّلتي‬‫وأ ّ‬


‫دث عنها البوذّيون ويسعون من‬ ‫طالما تتح ّ‬
‫وراءها؛ إّنما هو «الفناء في الله» بعينه عند‬
‫الصوفّية‪.‬‬

‫ح‬
‫ن مصطل َ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫ة جلي ّ ٍ‬ ‫ذا يّتضح لنا بصور ٍ‬ ‫إ ً‬
‫م» وما يشتمل عليها من المعاني‬ ‫قدَ ْ‬ ‫َ‬
‫«ن َظْرب َْر َ‬
‫ك‪.‬‬‫س من البوذّية دون ش ّ‬ ‫قت َب َ ٌ‬‫م ْ‬
‫الفلسفّية‪ ،‬هو ُ‬
‫ن السلم بريءٌ من هذه الهرطقة؛ كما يبرهن‬ ‫وأ ّ‬
‫ي ‪ ،‬وحياة أصحابه عليهم‬ ‫على ذلك حياة النب ّ‬
‫ن رسول الله ‪ ‬قد قام بمها ّ‬
‫م‬ ‫الرضوان‪ .‬إذ أ ّ‬
‫وأعمال عجز العلماء والمؤّرخون عن حصرها‪.‬‬
‫س‬
‫ل رئي ٍ‬ ‫و ِ‬‫بأ ّ‬ ‫ل منص َ‬ ‫ش‪ ،‬واحت ّ‬ ‫فقد قاد الجيو َ‬
‫و‪،‬‬
‫ك‪ ،‬وهادن العد ّ‬ ‫للدولة السلمّية‪ ،‬وراسل الملو َ‬
‫ت‪ ،‬وقضى بين الناس‪،‬‬ ‫وأبرم العقودَ والمعاهدا ِ‬
‫وحكم بالعقوبات‪ ،‬وأمر بتنفيذها إلى غير ذلك‬
‫من المور اّلتي تستوجب الحركة والنتباه‬
‫ل ذلك يبرهن‬ ‫واللتفات إلى حيث يقتضي‪ .‬ك ّ‬
‫ة‬
‫ة دخيل ٌ‬ ‫م» بدع ٌ‬ ‫قدَ ْ‬ ‫ن مقولة «ن َظَْرب َْر َ‬ ‫على أ ّ‬

‫موسوعة بهجة المعرفة‪ ،‬المجموعة الثانية‪ .3/135 ،‬للطلع على أقوالهم الواردة حول مفهوم العزلة عند‬ ‫‪179‬‬
‫النقشبندّيين راجع المصادر التالية‪:‬‬

‫ي النيسابوري‪ ،‬الرسالة القشيرّية ص‪.54 /‬‬


‫أبو القاسم عبد الكريم ابن هوازن بن عبد الملك بن طلحة القشير ّ‬
‫الطبعة الثانية القاهرة ـ ‪1959‬م‪.‬‬

‫ي‪ ،‬جامع الصول ص‪ .110 /‬ط‪ 1276 .‬هـ‪.‬‬


‫و ّ‬
‫خان َ ِ‬
‫ش َ‬ ‫* أحمد ضياء الدين ال ْگ ُ ُ‬
‫مو ْ‬

‫* علي قدري‪ ،‬الرسالة البهائية )ترجمة إلى الّلغة التركّية‪ :‬رحمي سرين( ص‪ .22 /‬إسطنبول‪1994 -‬م‪.‬‬

‫المصدر السابق ص‪.136 /‬‬ ‫‪180‬‬


‫‪144‬‬

‫استقوها من رهبان البوذّية والبرهمية‪« .‬ومن‬


‫‪181‬‬
‫تشّبه بقوم فهو منهم»‪.‬‬

‫طريقة‬‫ن»‪- ،‬وهو المبدأ الثالث لل ّ‬‫وط َ ْ‬ ‫س َ‬


‫فْردَْر َ‬ ‫ما « َ‬
‫أ ّ‬
‫ي‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬‫النقشبندّية‪ -‬فيقول مح ّ‬
‫في تفسير هذا المصطلح‪« :‬فالمعنى المراد بها‬
‫ن يكون سفر السالك من عالم الخلق‬ ‫إّنه ينبغي أ ْ‬
‫‪182‬‬
‫ق سبحانه وتعالى»‬ ‫إلى جناب الح ّ‬
‫ي طري ً‬
‫قا ملتوًيا باختيار هذه‬ ‫لقد سلك الخان ّ‬
‫الكلمات ليستعرض بها من فنون لباقته في‬
‫ن‬‫التعمية‪ .‬بيد أّنه ل يعزب عن العقول النّيرة «أ ّ‬
‫السفر من عالم الخلق إلى جناب الحق» عقيدة‬
‫ن‬‫باطلة‪« ،‬ما أنزل الله بها من سلطان»‪ .‬ل ّ‬
‫قولهـم «السفر من عالم الخلق» يعني الخروج‬
‫هر من الطبيعة المخلوقية‪،‬‬ ‫والنـزوح والتط ّ‬
‫والتدّرج إلى مقام الخالقية‪ ،‬والندماج في الله!‬
‫وهذا هو المقصود بعينه من كلمتهم «الفناء في‬
‫الله»‪ .‬ولكن جاءت هذه الكلمة في صيغة جديدة‬
‫كما هو دأبهم‪.‬‬

‫ي كلمة‬
‫مد أمين الكرد ّ‬‫هذا وقد تناول مح ّ‬
‫ة؛‬
‫سرها بصيغة أكثر مرون ً‬ ‫ن»‪ ،‬وف ّ‬‫وط َ ْ‬ ‫س َ‬
‫فْردَْر َ‬ ‫« َ‬
‫ي ردّ قد يواجهون من جّراء ما‬ ‫وربما تفادًيا ل ّ‬
‫ي لهذه الكلمة من عقيدة‬ ‫يحتمله تفسير الخان ّ‬
‫وحدة الوجود‪ ،‬والوصول إلى الله‪ ،‬و«الفناء في‬
‫الله»‪.‬‬

‫ي «فمعناه النتقال من الصفات‬


‫فقال الكرد ّ‬
‫البشرية الخسيسة إلى الصفات الملكية‬
‫الفاضلة‪».‬‬

‫أبو داود‪-‬لباس‪ -‬رقم الحديث‪3512 :‬؛ مسند الكثيرين من الصحابى‪ ،‬رقم الحديث‪.4868 :‬‬ ‫‪181‬‬

‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية‪ ،‬ص‪ .52 /‬طبعة مصر ‪1319 -‬هـ‪.‬‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪182‬‬
‫‪145‬‬

‫ن هذه الكلمات جاءت على خلف ما ذهب‬ ‫غير أ ّ‬


‫ي؛ وهذه من تناقضات النقشبندّية‪ .‬وما‬‫إليه الخان ّ‬
‫أكثر من تكذيب أحدهم للخر‪ .‬وهي من أعظم‬
‫الحجج القائمة عليهم‪.‬‬
‫َ‬
‫ن»‪ :‬فمعناه «الخلوة في‬ ‫م ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ت دَْرأن ْ ُ‬‫و ْ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ما « َ‬ ‫وأ ّ‬
‫الجلوة» على حسب تعبيرهم‪ .‬وهو المبدأ الرابع‬
‫ي في‬ ‫للطريقة النقشبندّية‪ .‬فقد راوغ الخان ّ‬
‫تفسير هذا المصطلح المشبوه‪ ،‬وتفّنن في‬
‫تحميل المعاني السامية عليه‪ .‬فقد جاء في‬
‫ول؛‬‫ن الخلوة نوعان‪ :‬ال ّ‬ ‫مقطع من كلمه «أ ّ‬
‫الخلوة من حيث الظاهر‪ .‬وهي اختلء السالك‬
‫ل عن الناس‪ ،‬وقعوده فيه؛ ليحصل‬ ‫ت خا ٍ‬ ‫في بي ٍ‬
‫ع في عالم الملكوت‪ ،‬والشهودُ في‬ ‫طل ُ‬ ‫له ال ّ‬
‫ن‬
‫س الظاهرة إ ْ‬ ‫ن الحوا ّ‬ ‫عالم الجبروت‪ .‬ل ّ‬
‫ة‬‫س الباطن ُ‬ ‫ت عن أحكامها؛ انطلقت الحوا ّ‬ ‫احتبس ْ‬
‫ة آيات الملكوت‪ ،‬ومكاشفة أسرار‬ ‫لمطالع ِ‬
‫الجبروت‪ .‬والنوع الثاني؛ الخلوة من حيث‬
‫الباطن‪ .‬وهي كون الباطن في مشاهدة أسرار‬
‫ق‪ ،‬والظاهر في معاملة الخلق بحيث ل‬ ‫الح ّ‬
‫ه معاملة الظاهر عن مشاهدة الباطن‪.‬‬ ‫غل ُ ُ‬
‫ُتش ِ‬
‫فيكون الكائن البائن‪ .‬وهذه هي الخلوة في‬
‫جا ٌ‬
‫ل‬ ‫ر َ‬ ‫الحقيقة كما أشار إليه تعالى في قوله‪} :‬‬
‫‪ِ 183‬‬
‫ن ِذك ْ ِ‬ ‫ول َ ب َي ْ ٌ‬ ‫ْ‬
‫ه‪»{.‬‬‫ر الل ِ‬ ‫ع ْ‬
‫ع َ‬ ‫جاَرةٌ َ‬ ‫م تِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫هي ِ‬‫ل َ ت ُل ِ‬
‫ي في النهاية بكلم الله تعالى‬ ‫ل الخان ّ‬ ‫هكذا استد ّ‬
‫ن الية المذكورة ل علقة لها‬ ‫في غير مورده‪ .‬ل ّ‬
‫قا «بمن يختلي في بيت خال عن الناس‬ ‫إطل ً‬
‫ويقعد فيه ليحصل له الطلع في عالم‬
‫عَلى‬
‫هُر َ‬ ‫فل َ ي ُظْ‬
‫‪ِ 184‬‬ ‫ه تعالى يقول‪َ } ،‬‬ ‫الملكوت»‪ .‬والل ُ‬
‫غيب َ‬
‫وقد‬ ‫ل‪{.‬‬ ‫سو ٍ‬‫ن َر ُ‬
‫م ْ‬
‫ضى ِ‬
‫ن اْرت َ َ‬ ‫دا إ ِل ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫ح ً‬
‫هأ َ‬ ‫َ ْ ِ ِ‬
‫مد ‪‬‬ ‫ت الرسالة في جنس البشر بمح ّ‬ ‫خِتم ْ‬ ‫ُ‬

‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية‪ ،‬ص‪ .53 /‬طبعة مصر ‪1319 -‬هـ‪.‬‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪183‬‬

‫سورة الجن‪.27 ،26/‬‬ ‫‪184‬‬


‫‪146‬‬

‫ما اّلذين أشار الله إليهم في الية المذكورة‬ ‫أ ّ‬


‫ّ‬
‫ه المكلفون‬ ‫ه المناءُ على سّر ِ‬ ‫س ُ‬
‫ل الل ِ‬ ‫فإنما هم ُر ُ‬
‫ب‬ ‫بتبليغ رسالته‪ ،‬وليس أولئك الكهنة اّلذين َتن ْ ُ‬
‫س ُ‬
‫ع الكرامات والخوارق‪.‬‬ ‫ة أنوا َ‬ ‫إليهم الصوفي ّ ُ‬

‫د»‪ :‬وهو خامس المباني‬ ‫ما لفظ «َيادْك َْر ْ‬ ‫وأ ّ‬


‫ي‬
‫مد أمين الكرد ّ‬ ‫للطريقة النقشبندّية‪ .‬فيقول مح ّ‬
‫في تفسيره لهذا المصطلح‪« :‬فمعناه تكرار‬
‫الذكر على الدوام‪ ،‬سواء باسم الذات أو النفي‬
‫ن ذكر الله أفضل‬ ‫ك فيما أ ّ‬ ‫والثبات»‪ 185‬ل ش ّ‬
‫ي‬
‫ون ِ‬ ‫كر ُ‬ ‫فاذْ ُ‬ ‫العمال‪ .‬وقد قال تعالى‪َ } :‬‬
‫ك َ‬ ‫واذْك ُْر َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫أذْك ُْرك ُ ْ‬
‫‪186‬‬
‫كثي ًِرا‬ ‫وقال تعالى‪َ } :‬‬ ‫م‪{.‬‬
‫وال ِْبكاْر‪ 187{.‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫ي َ‬ ‫ش ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫ح ِبال ْ َ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫و َ‬
‫َ‬
‫وقال‬ ‫‪188‬‬ ‫ً‬
‫ه ت َْبتي ِل‪{.‬‬ ‫َ‬
‫ل إ ِلي ْ ِ‬ ‫وت َب َت ّ ْ‬ ‫َ‬
‫م َرب ّك َ‬ ‫س َ‬‫را ْ‬ ‫ُ‬
‫واذْك ِ‬ ‫} َ‬
‫َ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ه ت َطْ َ‬ ‫ذك ْ ْ ِ‬
‫تعالى‪ } :‬أل َ ب ِ ِ‬
‫‪189‬‬
‫ب‪{.‬‬ ‫و ُ‬ ‫قل ُ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫ر الل ِ‬
‫ث على‬ ‫وجاءت في القرآن الكريم آيات أخرى تح ّ‬
‫ذكر الله‪.‬‬

‫ن الغرض من الذكر في الطريقة النقشبندّية‬ ‫إل ّ أ ّ‬


‫ما هو المقصود في القرآن اختل ً‬
‫فا‬ ‫يختلف ع ّ‬
‫ن إلى هذا الختلف إل ّ من رزقه‬‫فط َ ُ‬‫كبيًرا‪ .‬ول ي َ ْ‬
‫الله المعرفة الواسعة بعقائد مجوس الهند‪،‬‬
‫دى تأثيره على الطريقة النقشبندّية في‬ ‫م َ‬
‫وب ِ َ‬
‫مسألة الذكر‪.‬‬

‫ي‬
‫ل معناه اللغو ّ‬ ‫ن الذكر في السلم بك ّ‬ ‫ل ّ‬
‫صدُ به‬‫ق ُ‬ ‫ّ‬
‫ي‪ ،‬ليس هو الذكر الذي ي َ ْ‬ ‫والصطلح ّ‬
‫ن الذكر في السلم‬ ‫ح «َيادْك َْر ْ‬
‫د»‪ .‬فا ّ‬ ‫َ‬
‫ع مصطل ِ‬
‫واض ُ‬
‫هو الصلة المفروضة والمسنونة‪ ،‬وتلوة‬
‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة علم الغيوب ص‪ .507 /‬طبعة مصر ‪ 1384 -‬هـ‪.‬‬
‫مد أمين الكرد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪185‬‬

‫سورة البقرة‪.152 /‬‬ ‫‪186‬‬

‫سورة البقرة‪.152 /‬‬ ‫‪187‬‬

‫مل‪8/‬‬
‫مز ّ‬ ‫سورة‬ ‫‪188‬‬

‫الرعد‪78/‬‬ ‫سورة‬ ‫‪189‬‬


‫‪147‬‬

‫ي ‪‬؛ وقد ُيطلق‬ ‫القرآن‪ ،‬والدعاء المأثور عن النب ّ‬


‫على أوراد معروفة بترديد أسمائه تعالى الواردة‬
‫في القرآن الكريم وغيرها من تسبيح وتحميد‬
‫وتهليل وتكبير وما إلى ذلك‪ .‬ولكن بالعداد اّلتي‬
‫سّنة الصحيحة‪.‬‬‫وردت في ال ّ‬
‫فالمقصود بهذا الذكر‪ ،‬ليس إل ّ توحيد الله تبارك‬
‫ل مال يليق بشأنه‬ ‫وتعالى وتنـزيهه من ك ّ‬
‫سبحانه‪ ،‬والقرار بالعبودية له وحده‪.‬‬

‫ما الذكر في الطريقة النقشبندّية بمعناه‬ ‫أ ّ‬


‫الحقيقي‪ ،‬فليس هذا اّلذي عددناه‪ ،‬ول الغرض‬
‫الحقيقي هو توحيد الله أو العبودية له؛ بل‬
‫ي اّلذي ل يعرفه إل ّ الروحانّيون‬ ‫المقصودُ الصل ّ‬
‫منهم‪ ،‬هو طلب «المعرفة بالله» ومحاولة‬
‫الوصول إليه‪ ،‬كما هو في الديانة البوذّية‪ .‬تعالى‬
‫ن المعتـنقين‬‫وا كبيًرا‪ .‬ذلك أ ّ‬ ‫رّبنا عن ذلك عل ّ‬
‫ن الله‬‫ي يعتقدون «أ ّ‬ ‫لشعبة من هذا الدين الوثن ّ‬
‫ة يختارها من صور أفراد‬ ‫ي صور ٍ‬ ‫يح ّ‬
‫ل في أ ّ‬
‫هرها»‪ 190‬ولهم أوراد وأذكار‬ ‫ملها ويط ّ‬ ‫النسان ليك ّ‬
‫قدُّر باللف طلًبا لتلك‬ ‫ددونها بأعداد كبيرة ت ُ َ‬ ‫ير ّ‬
‫ن‪.‬‬‫ء معي ّ ٍ‬
‫ي ٍ‬ ‫الغاية مع القيام بعمل التركيز على َ‬
‫ش ْ‬
‫طلع بعض رجال الدراسة والبحث على هذه‬ ‫فقد ا ّ‬
‫ما‬
‫الرياضة البوذّية‪-‬البرهمية‪ .‬يقول أحدهم‪« :‬أ ّ‬
‫كم بقواهم العقلّية‪،‬‬‫عن ترويض نفوسهم‪ ،‬والتح ّ‬
‫فهم يمارسون بالضافة إلى تلك الرياضات‬
‫قا شّتى مثل قطع العلئق والروابط‬ ‫طر ً‬
‫ي‪ ،‬والخلوة الطويلة في مكان مقفر‪،‬‬ ‫المجتمع ّ‬
‫وحبس الشهيق في الصدر وتحديق النظر في‬
‫ء ثابت ل تبارحه العين‪ ،‬وترديد كلمة معّينة‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬
‫د‪ ،‬وحصر الذهن في موضوع معّين‬ ‫على نغم واح ٍ‬
‫داه الفكر‪ ...‬إلى غير ذلك من الممارسات‬ ‫ل يتع ّ‬

‫عبد القادر بن شيبة الحمد‪ ،‬الديان والفرق والمذاهب المعاصرة‪ ،‬ص‪.76 /‬‬ ‫‪190‬‬
‫‪148‬‬

‫فة‬ ‫صلون بها إلى طرد كا ّ‬ ‫والتجارب اّلتي يتو ّ‬


‫المؤّثرات والمشاغل عن الذهان‪ ،‬وإخراج‬
‫الطاقات البدنّية والعقلّية عن وظائفها‬
‫الساسّية وتجميعها لحساب غرض واحد‪ :‬وهو‬
‫ل شيء‪،‬‬ ‫م للناس في ك ّ‬ ‫الخروج عن المظهر العا ّ‬
‫واختراق القوانين المألوفة للحياة الطبيعّية؛‬
‫والعجيب في أمر هؤلء السحرة اّلذين يّتبعون‬
‫قة والنتحارات‬ ‫تلك الرياضات البدنّية الشا ّ‬
‫ن أحدهم يصير بعدها وكأنه‬ ‫الذهنّية المتكّررة‪ ،‬أ ّ‬
‫قد تلشت فيه حدود الشياء‪ ،‬وتساوت في نظره‬
‫ب ول يكره‪ ،‬ول يعرف ول‬ ‫الضداد؛ فهو ل يح ّ‬
‫ُينكر‪ ،‬ول يسّر ول يحزن‪ ،‬وهو يذهل عن نفسه‬
‫حّتى ل يشعر بما يصدر عنه من انفعالت أو‬
‫ل بفعل ذلك تتوّلد‬ ‫يدخل عليه من مؤّثرات؛ ولع ّ‬
‫عنده القدرة على التيان بأعمال السحر أو‬
‫التخييل أو التنويم‪ ،‬فيراه الناس قادًرا على أن‬
‫دئ السد الغاضب بنظره‪ ،‬ويلعب النمر‬ ‫يه ّ‬
‫الجائع فل يأكله‪ ،‬ويختفي عن أنظار المشاهدين‬
‫وهو في وسطهم يحادثهم ويسائلهم‪ ،‬ويقرأ‬
‫هم البسطاء أّنه‬ ‫الفكار في الذهان حّتى يتو ّ‬
‫‪191‬‬
‫يرى البعيد ويعلم الغيب‪»...‬‬

‫فقد اقتبس قدماء النقشبندّية هذه الظاهرة من‬


‫ملوها‬ ‫مصوها مصطلح «َيادْك َْر ْ‬
‫د» وح ّ‬ ‫البوذّية‪ ،‬وق ّ‬
‫معنى الذكر‪ ،‬وجعلوها ركًنا من أركان طريقتهم‪.‬‬
‫لذا يستحيل على الجهلة بطبائع الديان منهم أن‬
‫ة الشيوخ‬ ‫ص ً‬‫يكتشفوا سّر هذا القتباس‪ ،‬وخا ّ‬
‫المعاصرين من التراك والكراد لهذه الطائفة‬
‫ن‬
‫أغلبهم جهلة ل ثقافة لهم‪ ،‬فل يتأّتى لحدهم أ ْ‬
‫يقارن بين الديان والمعتقدات‪ ،‬فيكشف ما‬
‫تسّرب من بعضها إلى بعض‪ ،‬وما طغى بعضها‬
‫ة وأشكال‬ ‫ت متباين ٍ‬ ‫على بعض‪ ،‬تجّلى بمعتقدا ٍ‬
‫مختلفة عبر القرون‪ .‬ومع ذلك ل ُيفّرق شيوخهم‬
‫سميح عاطف الزين‪ ،‬الصوفّية في نظر السلم‪ ،‬ص‪.155 /‬‬ ‫‪191‬‬
‫‪149‬‬

‫ول‬
‫بين «العبادة لله» و«المعرفة بالله»‪ .‬بينما ال ّ‬
‫ه اّلذي خلق النس والج ّ‬
‫ن‬ ‫منهما‪ ،‬هو مراد الل ِ‬
‫صل‬ ‫ما الثاني فهو مستحيل بمعنى التو ّ‬ ‫لجله‪ .‬أ ّ‬
‫إلى المعرفة بذات الله‪.‬‬

‫***‬

‫ن من الوراد المعروفة في الديانة الهندية أربع‬ ‫إ ّ‬


‫ة‪ ،‬وهي‪Om, :‬‬ ‫دسة في اعتقاد الهنادك ِ‬ ‫كلمات مق ّ‬
‫هبانهم‬‫ددها دراويشهم وُر ْ‬ ‫‪ .mani, padme, hum‬ير ّ‬
‫در باللف‪ ،‬بحيث‬ ‫بأعداد كبيرة ومحددة تق ّ‬
‫يغيبون عن أنفسهم بتأثير التكرار‪ .‬وأحياًنا تظهر‬
‫منهم أفعال غريبة وأطوار عجيبة وخوارق للعادة‬
‫يتأّثر بها الناظرون ويندهش منها المشاهدون‪.‬‬
‫ر‪ ،‬وسحق الزجاج بالسنان‬ ‫كالمشي على الجم ِ‬
‫ح أوغيره‪...‬‬ ‫ها‪ ،‬وطعن الجسم ِ ب ُِرم ٍ‬ ‫وابتلع ُ‬
‫فَتات ِ َ‬
‫فقد شاعت هذه الشكال من الشعوذة بين‬
‫ة المنتسبين منهم إلى‬ ‫ص ٍ‬
‫ضا‪ ،‬وبخا ّ‬ ‫الصوفّية أي ً‬
‫الطريقة القادرّية والرفاعّية‪.‬‬

‫ما حال الغياب‪ ،‬فإنها كذلك تعرض لبسطاء‬ ‫أ ّ‬


‫النقشبندّية بعد تكرارهم للوراد اّلتي يكّلفهم‬
‫خهم فيغيبون عن أنفسهم مدّةً ويظّنون‬ ‫بها شي ُ‬
‫مون هذه‬ ‫ل فيهم‪ ،‬ويس ّ‬ ‫ن الله قد ح ّ‬ ‫بعد الصحوة أ ّ‬
‫الحالة «الفناء في الله»‪ .‬فتتمّثل هذه البدع بك ّ‬
‫ل‬
‫ما سبق الحديث عنه في كلمة «َيادْك َْر ْ‬
‫د »‪.‬‬
‫***‬
‫ت»‪ :‬فمعناه في الّلغة‬ ‫ما لفظ «َباْزك َ ْ‬
‫ش ْ‬ ‫أ ّ‬
‫ممات «َيادْك َْر ْ‬
‫د» ‪.‬‬ ‫الفارسّية‪ ،‬الرجوع‪ .‬فهو من مت ّ‬
‫يقصد النقشبندّيون بهذا المصطلح رجوع الذاكر‬
‫س‪ .‬لّنهم يحبسون‬ ‫ف ِ‬‫إلى المناجاة بعد إطلق الن َ‬
‫س أثناء رياضة «اليوغا» كما تفعله اليوغّية‬ ‫الن َ‬
‫ف َ‬
‫ل رؤوس هذه‬ ‫حي َ ِ‬
‫ن من ِ‬ ‫اثناء صلة «اليوغا»‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫الطائفة‪ ،‬أّنهم قد سّنوا نداءً يستأنف بها الذاكر‬
‫رياضته من جديد‪ .‬وهي قولهم‪« :‬إَلهي أنت‬
‫‪150‬‬

‫مقصودي ورضاك مطلوبي»‪ .‬فقد مزجوا هذه‬


‫الصيغة في آدابهم‪ ،‬تحسيًنا لها‪ ،‬وليجعلوا منها‬
‫سبًبا بين بدعتهم والسلم؛ وليضفوا عليها‬
‫فلين‪.‬‬‫سربال الوراد الشرعّية‪ ،‬تعمية على المغ ّ‬

‫ن جميع المصطلحات بما فيها‬ ‫أما في الحقيقة‪ ،‬أ ّ‬


‫ظا‬‫ت إلى السلم بصلة؛ ل لف ً‬ ‫ت»‪ ،‬ل تم ّ‬‫ش ْ‬‫«َباْزك َ ْ‬
‫ى‪ .‬كما يتبّين ذلك من الغراض‬ ‫ول معن ً‬
‫المقصودة من هذه اللفاظ والمعاني الكامنة‬
‫ة‬
‫س ُ‬ ‫م ْ‬
‫قت َب َ َ‬ ‫صة إذا ُنزعت منها المفاهيم ال ُ‬‫فيها؛ خا ّ‬
‫من السلم‪.‬‬
‫***‬

‫ي في‬ ‫شت»‪ :‬فمعناه الّلغو ّ‬ ‫دا ْ‬


‫ه َ‬ ‫ما لفظ «ن ِ َ‬
‫كا ْ‬ ‫أ ّ‬
‫القاموس الفارسي‪ :‬الحراسة والحفظ‪ .‬وعند‬
‫النقشبندّيين‪ :‬هو «أن يحفظ المريد قلبه من‬
‫ة»‪ 192.‬يقصدون بذلك في‬ ‫الخواطر ولو لحظ ً‬
‫ظاهر كلمهم الحتراز من الغفلة‪ .‬والحقيقة غير‬
‫م في‬ ‫ٌ‬ ‫دا ْ‬ ‫ن كلمة «ن ِ َ‬
‫شت» مبدأ ها ّ‬ ‫ه َ‬
‫كا ْ‬ ‫ذلك‪ .‬فا ّ‬
‫العقيدة النقشبندّية‪ .‬وفي الوقت ذاته هو من‬
‫قف عليها «التركيز»‬ ‫مة اّلتي يتو ّ‬ ‫الشروط المه ّ‬
‫ن‬ ‫لداء رياضة «اليوغا»‪ .‬إذ ل يمكن إطل ً‬
‫قا أ ْ‬
‫م إل ّ بمراعاة‬ ‫ن حالة التركيز التا ّ‬ ‫قق النسا ُ‬ ‫يح ّ‬
‫خمسة أمور‪ ،‬وبالتزام ٍ دقيق‪.‬‬

‫الول منها‪ :‬الجلوس على هيئة معّينة‪ ،‬وهو‬


‫الشكل المعروف بـ«الّلوطوس »‪ Lotus‬عند‬
‫الجوكية «اليوغية»‪ .‬في مقابلة «الجلوس على‬
‫عكس التوّرك في الصلة»‪ 193‬عند النقشبندّية‪.‬‬
‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة علم الغيوب ص‪ .507 /‬طبعة مصر ‪ 1384 -‬هـ‪.‬‬
‫مد أمين الكرد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪192‬‬

‫راجع المصادر التالية لمزيد من المعرفة حول هذا الشكل من الجلوس‪:‬‬ ‫‪193‬‬
‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية ص‪.38 /‬‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫* مح ّ‬
‫* أحمد البقاعي‪ ،‬رسالة في آداب الطريقة النقشبندّية ص‪.42 /‬‬

‫* سليمان زهدي‪ ،‬المجموعة الخالدّية ص‪.4 /‬‬

‫*سليمان زهدي‪ ،‬نهجة السالكين ص‪.30 /‬‬

‫ي‪ ،‬السعادة البدية فيما جاء به النقشبندّية ص‪.12 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫* عبد المجيد بن مح ّ‬
‫‪151‬‬

‫ي‪.‬‬‫ع طبيع ّ‬ ‫ن بإيقا ٍ‬ ‫س الموزو ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫والثاني‪ :‬الن َ‬


‫والثالث‪ :‬تثبيت الفكر على شيء بعينه‪ .‬والرابع‪:‬‬
‫س من‬ ‫م‪ .‬والخامس‪ :‬منع الحوا ّ‬ ‫السترخاءُ التا ّ‬
‫ة فيه‬‫ن ل حرك َ‬ ‫التذبذب‪ .‬وذلك بالبتعاِد إلى مكا ٍ‬
‫ن‬‫ء‪ .‬وقد استوحى النقشبندّيو َ‬ ‫ت ول ضيا َ‬ ‫ول صو َ‬
‫الشروط السالفة من «اليوغا»‪ ،‬وعليها بنوا‬
‫شت»؛ وهو في‬ ‫دا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫أسس طريقتهم‪ ،‬ومنها «ن ِ َ‬
‫كا ْ‬
‫فا‪ .‬أي «تثبيت‬ ‫مقابلة الشرط الثالث المذكور آن ً‬
‫ة‬
‫ق بذلك حال ُ‬ ‫ن» حّتى تتح ّ‬
‫ق َ‬ ‫الفكر على شيء معي ّ ٍ‬
‫مى‬ ‫ور إلى حالة أخرى تس ّ‬ ‫التركيز ومنها تتط ّ‬
‫«الغيبوبة الواقعة وراء الخبرة البشرية =‬
‫‪ ».Transcendental absence‬وهي «الجذبة» عند‬
‫النقشبندّية‪.‬‬

‫ت»‪ :‬وهو المبدأ الثامن‬ ‫ش ْ‬‫دا ْ‬


‫ما لفظ «َيادْ َ‬
‫أ ّ‬
‫للطريقة النقشبندّية وآخر الكلمات الثمانية اّلتي‬
‫ي؛ فمعناه على‬ ‫وان ِ ّ‬
‫جدُ َ‬ ‫ق ال ْ ُ‬
‫غ ْ‬ ‫وضعها عبدُ الخال ِ‬
‫جه الصرف‬ ‫ي‪ :‬هو «التو ّ‬ ‫مد أمين الكرد ّ‬ ‫لسان مح ّ‬
‫المجّرد عن اللفاظ إلى مشاهدة أنوار الذات‬
‫ق إّنه ل يستقيم إل ّ بعد الفناء التا ّ‬
‫م‬ ‫الحدّية‪ ،‬والح ّ‬
‫والبقاء السابغ»‬

‫طلع على الجانب‬ ‫ذا ‪ -‬بعد هذا القدر من ال ّ‬ ‫إ ً‬


‫دا أن‬
‫المستور لهذه الطريقة ‪ ،-‬من البساطة ج ّ‬
‫ن متسائل ً عما إذا كان النقشبندّيون‬ ‫ل النسا ُ‬‫يظ ّ‬
‫يريدون بهذه الرياضة عبادةَ لله‪ :‬إقراًرا بأّنه‬
‫الواحد الحد الفرد الصمد اّلذي ليس كمثله‬
‫ل في شيء من خلقه؛ أم‬ ‫ء؛ وحاشاه أن يح ّ‬
‫ي ٌ‬‫ش ْ‬
‫يسعون للفناء فيه‪ ،‬والوصول إليه‪ ،‬والنصهار‬
‫في ذاته‪ ،‬والتحاد معه؟!!‬

‫إّنما هذه العقيدة هي خلصة ما جاء به‬


‫ة من أمثال حسين بن منصور‬ ‫حُلول ِّيو َ‬
‫ن الزنادق ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫لج‪ ،‬وفريد الدين العطار‪ ،‬ومحي الدين بن‬ ‫الح ّ‬
‫ي‪ ،‬جامع الصول ص‪.146 /‬‬
‫و ّ‬
‫خان َ ِ‬
‫ش َ‬ ‫* أحمد ضياء الدين ال ْگ ُ ُ‬
‫مو ْ‬
‫‪152‬‬

‫عربي‪ ،‬وعبد الحق بن إبراهيم بن سبعين‬


‫المرسي‪ ،‬وسليمان بن على بن عبد الله‬
‫التلمساني‪ ،‬والحسين بن علي بن هود‪ ،‬وعبد‬
‫ن على شاكلتهم من زنادقة‬ ‫م ْ‬
‫يو َ‬‫الكريم الجيل ّ‬
‫ن الله عين ك ّ‬
‫ل‬ ‫العرب والعجم‪ .‬فقد زعموا أ ّ‬
‫شيء؛ وهو هذه المخلوقات على كثرتها‬
‫واختلف أنواعها وأجناسها وألوانها وأحجامها‬
‫س‬
‫ومعانيها ومبانيها وأصولها وفروعها من إن ٍ‬
‫ر‬
‫ر وصغي ٍ‬‫ت وجماٍد وكبي ٍ‬‫ن ونبا ٍ‬‫ة وحيوا ٍ‬‫ن وملئك ٍ‬‫وج ّ‬
‫س‪.‬‬
‫ر ونج ٍ‬ ‫س وطاه ٍ‬ ‫ب وياب ٍ‬ ‫ورط ٍ‬
‫صتهم ل يختلفون عن‬ ‫ن قدماء النقشبندّيين وخا ّ‬ ‫إ ّ‬
‫هؤلء في هذا العتقاد‪ .‬ولكن ل يصل إلى ذلك‬
‫ب‬ ‫المستوى أحدٌ )في رأيهم( إل ّ إذا التـزم آدا َ‬
‫ك وفق المصطلحات الحد عشر‪.‬‬ ‫سُلو ِ‬‫وال ّ‬
‫ر َ‬
‫سي ْ ِ‬
‫ال ّ‬
‫فمتى تدّرج المريدُ في هذه المراتب وبلغ إلى‬
‫ت »‪،‬‬
‫ش ْ‬ ‫دا ْ‬
‫ققت فيه حالة «َيادْ َ‬ ‫منتهى المنازل وتح ّ‬
‫ه قد ح ّ‬
‫ل‬ ‫ن الل َ‬
‫أصبح فانًيا في الله وتأكد من أ ّ‬
‫ل شيء‪ .‬تعالى الله‬ ‫فيه‪ ،‬وأّنه جزءٌ منه‪ ،‬وأّنه ك ّ‬
‫وا كبيًرا‪.‬‬‫عن ذلك عل ّ‬
‫ن دافع‬
‫نعم هذه هي حقيقة مرادهم‪ ،‬وإ ْ‬
‫خرون المعاصرون من شيوخ النقشبندّية‬ ‫المتأ ّ‬
‫عن ساداتهم بأّنهم لم يقصدوا ذلك‪ .‬بلى‪ ،‬إّنهم‬
‫على هذا العتقاد؛ وتشهد عليهم مراسلتهم‬
‫جلها أسلفهم بالذات‪،‬‬ ‫صة وأخبارهم اّلتي س ّ‬ ‫الخا ّ‬
‫ة‪ .‬منها ما قد فشت‬ ‫ونقلوها عنهم صراح ً‬
‫أسراُرها وافتضح‪ ،‬ومنها ما لم تزل تحت ستار‬
‫متهم‬ ‫ما جهل عا ّ‬ ‫صهم‪ .‬أ ّ‬ ‫مة خوا ّ‬‫الكتمان في ذ ّ‬
‫ب سوف نشرحها في‬ ‫بهذه الحقائق فله أسبا ٌ‬
‫ن شاء الله تعالى‪.‬‬ ‫الفصل الرابع إ ْ‬
‫***‬

‫س‬
‫س ُ‬ ‫ما المباني الثلثة الخيرة اّلتي وضعها مؤ ّ‬
‫أ ّ‬
‫ول‬‫مد بهاء الدين نقشبند؛ فال ّ‬
‫هذه الطريقة مح ّ‬
‫‪153‬‬

‫ي»‪ .‬وجاء تفسيره‬ ‫ف الزمان ّ‬‫منها‪ :‬هو «الوقو ُ‬


‫ي «إّنه ينبغي‬
‫مد أمين الكرد ّ‬ ‫على لسان مح ّ‬
‫ل ساعتين أو ثلث‪ ،‬أن‬ ‫يك ّ‬ ‫ض ّ‬‫م ِ‬
‫سالك بعد ُ‬
‫لل ّ‬
‫ت إلى حال نفسه كيف كان في هاتين‬ ‫يلتف َ‬
‫‪194‬‬
‫الساعتين أو الثلث‪».‬‬

‫ن هذه المراقبة النفسّية امتداد للحالت‬ ‫لشك أ ّ‬


‫ي(‬‫اّلتي يمّر بها السالك )أي المريدُ النقشبند ّ‬
‫قا لما سبق‬ ‫عبر الرياضه الصوفية وسلوكها وف ً‬
‫م من‬ ‫ه ُ‬
‫ف َ‬‫ه من آداب هذه الطريقة كما ي ُ ْ‬ ‫ح ُ‬‫شر ُ‬
‫ي لهذا المصطلح‪ .‬ويعني هذا إّنه‬ ‫تعريف الكرد ّ‬
‫كد من‬ ‫ن يتأ ّ‬ ‫لبدّ للدرويش القائم بهذه الرياضة أ ْ‬
‫ت‪،‬‬‫ث ساعا ٍ‬ ‫ل ساعتين أو ثل ِ‬ ‫نفسه في نهاية ك ّ‬
‫قق له الفناء في الله والبقاء بالله‪ ،‬أم ل‬ ‫هل تح ّ‬
‫ه‬ ‫س ُ‬
‫يزال في ريب من ذلك‪ ،‬ول يكاد يجد نف َ‬
‫ة‪ .‬فإذا وجد أّنه لم يقتنع بعد‪،‬‬ ‫سا بالبشري ّ ِ‬ ‫متلب ّ ً‬
‫قّر في‬ ‫وجب عليه أن يواصل رياضته حّتى ي َ ِ‬
‫ل ذّرة من الكائنات‪،‬‬ ‫ن الله موجود في ك ّ‬ ‫نفسه أ ّ‬
‫ك هو‬ ‫ل فيه وأصبح السال ُ‬ ‫وبالتالي فيكون قد ح ّ‬
‫الفاني في الله والباقي به‪ .‬هذا من أصول‬
‫ن كتموا ذلك عند غيرهم واحتاطوا‬ ‫اعتقادهم وإ ْ‬
‫م منهم‪.‬‬ ‫عند العوا ّ‬
‫ي »‪،‬‬‫قل ْب ِ ّ‬
‫ف ال ْ َ‬
‫قو ُ‬‫و ُ‬‫ي» و «ال ْ ُ‬ ‫ف ال ْ َ‬
‫عدَِد ّ‬ ‫ما «ال ْ ُ‬
‫و ُ‬
‫قو ُ‬ ‫أ ّ‬
‫ي»‪ .‬إذ على‬ ‫ف الزمان ّ‬ ‫ممات «الوقو ُ‬ ‫فإّنهما من مت ّ‬
‫السالك أن يحافظ على عدد الوتر في الذكر‬
‫ن‬
‫ما بأ ّ‬ ‫عب َْر مراحل الرياضة‪ .‬عل ً‬ ‫بالنفي والثبات َ‬
‫ي من هذا الذكر ليس إل ّ تحقيق‬ ‫الغرض الصل ّ‬
‫حالت نفسية معّينة‪ .‬وهي «التركيز‬
‫الفزيولوجي»‪ = Consantration physiologic‬ومنه‬
‫ور إلى حالة «الغيبوبة»‪Transcendental absance‬‬ ‫التط ّ‬
‫ّ‬
‫ما بالصبغة التي‬ ‫ن السالك إّنما يتطّبع تما ً‬ ‫=‪.‬ل ّ‬

‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة علم الغيوب ص‪ .507 /‬طبعة مصر ‪ 1384 -‬هـ‪.‬‬
‫مد أمين الكرد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪194‬‬
‫‪154‬‬

‫ه عندما يكون قد تدّرج إلى هذه‬


‫خ ُ‬
‫يريدها شي ُ‬
‫الحالة النفسية في نهاية المطاف‪.‬‬

‫ل‬‫داها إذل ُ‬ ‫ل هذه المقولت المشبوهة‪ ،‬مؤ ّ‬ ‫ك ّ‬


‫ن‪ ،‬وإلحاق الضمور بعّزته‪ ،‬وتحويله‬ ‫كرامة النسا ِ‬
‫ة على الطاعة العمياء‪ .‬وليس‬ ‫مدَّرب َ ٍ‬
‫ة ُ‬ ‫إلى بهيم ٍ‬
‫ع‬‫م من التواض ِ‬ ‫ما أمر به السل ُ‬ ‫فيها شيءٌ م ّ‬
‫والحترام والطمئنان والمروءة والسكينة‬
‫ملنا غاية ما في هذه المقولت‬ ‫والوقار‪ .‬وإذا تأ ّ‬
‫من التوجيه على لسان شيوخ النقشبندّية‪ ،‬وجدنا‬
‫الصواب منها ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة‬
‫ح عبارة وأفضلها وأوجزها‪ ،‬وفي‬ ‫رسوله ‪ ‬بأفص ِ‬
‫أساليب القرآن من تمام البيان والتحقيق ما‬
‫ليس في هذه المقولت وغيرها مثله‪ .‬قال‬
‫ك بال ْحق َ‬ ‫ول َ ي َأ ُْتون َ َ‬
‫ن‬
‫س َ‬
‫ح َ‬‫وأ ْ‬ ‫جئ َْنا َ ِ َ ّ َ‬
‫ل إ ِل ّ ِ‬
‫مث َ ٍ‬
‫ك بِ َ‬ ‫تعالى‪َ :‬‬
‫ً ‪195‬‬
‫سيرا‪.‬‬
‫ف ِ‬‫تَ ْ‬

‫***‬

‫الفرقان‪33/‬‬ ‫‪ 195‬سورة‬
‫‪155‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫* مفاهيم‪ ،‬ومصطلحات‪ ،‬ومعتقدات‬
‫أخرى عند هذه الطائفة‪.‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫*‬
‫وف‪....................................................................................................‬‬
‫التص ّ‬
‫‪.....................................‬‬

‫سي ُْر‬
‫* ال ّ‬
‫سُلو ُ‬
‫ك‪..................................................................................................‬‬ ‫وال ّ‬
‫َ‬
‫‪..........................‬‬

‫* العشق‬
‫ي‪........................................................................................................‬‬
‫الله ّ‬
‫‪..........................‬‬

‫* المعرفة‬
‫بالله‪.............................................................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬

‫* الفناء‬
‫والبقاء‪.......................................................................................................‬‬
‫‪..........................‬‬

‫* وحدة‬
‫الوجود‪........................................................................................................‬‬
‫‪........................‬‬

‫* وحدة‬
‫الشهود‪......................................................................................................‬‬
‫‪.........................‬‬

‫ي‪ ،‬وتصّرف‬ ‫* الولية‪ ،‬والول ّ‬


‫يت‪................................................................................................‬‬ ‫الم ّ‬
‫* المكاشفة واللهام‪ ،‬وعلم‬
‫الغيب‪..................................................................................................‬‬

‫*‬
‫ة‪...................................................................................................‬‬‫سي ّ ُ‬
‫وي ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ال َ‬
‫‪......................................‬‬

‫* الكرامة‪،‬‬
‫والمناقب‪.................................................................................................‬‬
‫‪........................‬‬
‫‪156‬‬

‫سل في معتقد النقشبندّية وما‬ ‫* مفهوم التو ّ‬


‫ر ّ‬
‫كبوا عليه من أمور‪..............................................‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫ت‬ ‫ت ومعت َ َ‬
‫قدا ٌ‬ ‫م ومصطلحا ٌ‬ ‫* مفاهي ُ‬
‫أخرى عند هذه الطائفة‪.‬‬
‫ة‪) ،‬بما فيها الطريقة‬ ‫م ً‬
‫ة عا ّ‬
‫ق الصوفي ّ َ‬ ‫ن الطَّرائ ِ َ‬ ‫إ ّ‬
‫ة‪ ،‬بل‬‫ه سّري ّ ٍ‬
‫ت شب ُ‬ ‫ّ‬
‫ن أصل ً منظما ٌ‬ ‫النقشبندّية( ه ّ‬
‫ت ‪ -‬في حقيقة المر ‪-‬‬ ‫ة نشأ ْ‬ ‫ن مشبوه ٌ‬ ‫ن أديا ٌ‬‫ه ّ‬
‫لضرب السلم من الداخل على يد زنادقة‬
‫فة والخلص‪ .‬لهذا‪،‬‬ ‫كرين بلباس الزهد والع ّ‬ ‫متن ّ‬
‫ق‬ ‫ّ‬ ‫كّلما تع ّ‬
‫مقنا في البحث من وراء حقيقة الطَرائ ِ ِ‬
‫م ُركام ٍ من مخّلفات‬ ‫جدَْنا أنفسنا أما َ‬ ‫و َ‬‫الصوفّية َ‬
‫الديان والفلسفات تتمّثل في مفهوم التصوف‪.‬‬
‫***‬

‫وف‪:‬‬
‫* التص ّ‬
‫م تتزاحم فيه أفكاٌر‬ ‫مظْل ِ ٌ‬ ‫ق ُ‬ ‫ف ٌ‬ ‫وف‪ ،‬فإّنه ن َ َ‬ ‫ما التص ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ة‬
‫ت خطير ٌ‬ ‫ة وتأويل ٌ‬ ‫ة وعقائدُ غريب ٌ‬ ‫غامض ٌ‬
‫ة‬
‫قدَةٌ وأساطيُر عجيب ٌ‬ ‫ع ّ‬ ‫م َ‬‫ظ ُ‬ ‫ة وألفا ٌ‬ ‫ت دخيل ٌ‬‫وفلسفا ٌ‬
‫ت من كتب‬ ‫دا ٍ‬ ‫ّ‬
‫جل َ‬ ‫ت في م َ‬ ‫ة تراكم ْ‬ ‫ت رهيب ٌ‬ ‫وحكايا ٌ‬
‫ة من أصحاب‬ ‫ؤل ّ َ‬
‫ف ٍ‬ ‫فم َ‬ ‫ت بين آل ٍ‬ ‫ة وانتشر ْ‬ ‫الصوفي ّ ِ‬
‫فلين اّلذين لم يفطنوا‬ ‫ة والمغ ّ‬ ‫النفوس الضعيف ِ‬
‫‪157‬‬

‫إلى ما فيه من أخطار على السلم والمسلمين‬


‫ق‪.‬‬ ‫م ْ َ‬
‫خت َل ِ‬ ‫ن ذلك المزيج الباطني ال ُ‬
‫ضم َ‬
‫وف ل يعني الزهد‬ ‫ن التص ّ‬‫دا أ ّ‬‫م جي ّ ً‬ ‫ه َ‬‫ف َ‬‫ن يُ ْ‬ ‫«ينبغي أ ْ‬
‫في الدنيا أو تزكية النفس وتصفيتها‪ ،‬وإّنما هو‬
‫فلسفة كاملة شاملة وعقيدة لها معالمها‬
‫ول من‬ ‫وفة هم أ ّ‬ ‫صة بها‪ .‬ولم يكن المتص ّ‬ ‫الخا ّ‬
‫ف واخترعوه‪ ،‬بل هو فكرة‬ ‫و َ‬‫ابتدعوا التص ّ‬
‫دا‪ ،‬كان لها أتباعها في اليونان‬ ‫فلسفّية قديمة ج ّ‬
‫والهند والصين والفارس‪ .‬وكان في البوذّية‬
‫وفتها‬ ‫ة متص ّ‬ ‫ة واليهودّية والنصراني ّ ِ‬ ‫والهندوسي ّ ِ‬
‫وف بين المسلمين‬ ‫صة بها‪ .‬ولم يوجد التص ّ‬ ‫الخا ّ‬
‫إل ّ بعد ترجمة كتب الفرس واليونان والهنود إلى‬
‫س لعقائد الصوفّية يجد لها أصل‬ ‫العربّية‪ .‬والدار ُ‬
‫في الديانات السماوّية والوضعّية الخرى‪ .‬فوحدة‬
‫ة‪،‬‬
‫دة من الهندوسي ِ‬ ‫وفة مستم ّ‬ ‫الوجود عند المتص ّ‬
‫ل والفناءُ في ذات الله مستمدّ من‬ ‫والحلو ُ‬
‫النصرانّية اّلتي ُتؤمن بحلول ذات عيسى البشرّية‬
‫مدّية‬‫ة المح ّ‬ ‫بالذات اللهّية‪ .‬وكذلك عقيدةُ الحقيق ِ‬
‫ة حول عيسى‬ ‫ه للّنصراني ّ ِ‬ ‫ر مشاب ٍ‬ ‫و ٍ‬‫مأخوذةٌ من تص ّ‬
‫‪196‬‬
‫ومكانته في الدنيا‪»...‬‬

‫ف إلى‬
‫و ِ‬
‫ة التص ّ‬
‫لقد اختلف الباحثون في ردّ كلم ِ‬
‫ب‬
‫ى على حس ِ‬ ‫مَلها معن ً‬ ‫ة‪ ،‬وك ّ‬
‫لح ّ‬ ‫ل متباين ٍ‬‫أصو ٍ‬
‫ي‬‫م عن أصِلها الحقيق ّ‬ ‫ه ْ‬
‫ع ُ‬
‫ل جمي ُ‬‫ف َ‬ ‫ه؛ و َ‬
‫غ َ‬ ‫ه وظن ّ ِ‬
‫رأي ِ ِ‬
‫ع في نهاية البحث‬ ‫كما سنفضحهم بالدليل القاط ِ‬
‫ن شاء الله تعالى‪.‬‬ ‫إ ْ‬
‫ء‬
‫ق من الصفا ِ‬ ‫ف مشت ّ‬ ‫و َ‬‫ن التص ّ‬ ‫ق منهم‪ :‬أ ّ‬
‫زعم فري ٌ‬
‫ة‬
‫و‪ .‬فقد وقعوا بهذا الزعم ِ في ورط ٍ‬ ‫أو الصف ِ‬
‫ل‬‫ن الص َ‬‫ت عن جهلهم بالّلغة العربّية؛ إذ أ ّ‬ ‫كشف ْ‬
‫ء‬
‫و والفا ِ‬
‫ب من الصاِد والوا ِ‬ ‫ف يترك ّ ُ‬‫و ِ‬
‫ي للّتص ّ‬‫الثلث ّ‬
‫و‬
‫ء أو الصف ِ‬ ‫صفا ِ‬
‫ي لل ّ‬‫ل الثلث ّ‬ ‫ف(‪ ،‬بينما الص ُ‬ ‫و َ‬
‫ص َ‬
‫) َ‬
‫الدكتور مروان إبراهيم القيسي‪ ،‬معالم الهدى إلى فهم السلم ص‪66 ،65 /‬؛ الدكتور إسماعيل العربي‪،‬‬ ‫‪196‬‬
‫ص‪88/‬‬ ‫معجم الفرق والمذاهي السىمية‪.‬‬
‫‪158‬‬

‫و(‪ .‬وبهذا قد‬ ‫ص َ‬


‫ف َ‬ ‫و) َ‬ ‫ء والوا ِ‬
‫ب من الصاِد والفا ِ‬‫يترك ّ ُ‬
‫ر برأيهم وهم‬ ‫افتضحوا إلى حدّ ل مجال للعتبا ِ‬
‫ل‪.‬‬
‫ة والجه ِ‬‫ب هذا المستوى من السطحي ِ‬ ‫أصحا ُ‬
‫ف» تعودُ إلى‬ ‫و ِ‬ ‫ن كلمة «التص ّ‬ ‫ق منهم‪ :‬إ ّ‬ ‫وقال فري ٌ‬
‫ة‬
‫ء الصحاب ِ‬ ‫ة من فقرا ِ‬ ‫ة» التي كانت جماع ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ص ّ‬‫«ال ّ‬
‫ط بين هاتين الكلمتين‬ ‫يأوون إليها؛ بينما الرب ُ‬
‫ة‬
‫ه‪ .‬فالمناسب ُ‬ ‫ه من الوجو ِ‬ ‫ز بوج ٍ‬ ‫غيُر جائ ٍ‬
‫وف» )إذا‬ ‫ن «التص ّ‬ ‫ة‪ .‬ل ّ‬ ‫ة ممنوع ٌ‬ ‫الشتقاقي ُ‬
‫قا كما‬ ‫ة إطل ً‬ ‫ة وهي غيُر عربي ٍ‬ ‫ة عربي ً‬ ‫فرضناه كلم ً‬
‫ع(‪،‬‬ ‫ث بالدليل القاط ٍ‬ ‫ح في نهاية البح ِ‬ ‫سيّتض ُ‬
‫ء‬
‫و والفا ِ‬ ‫ب من الصاِد والوا ِ‬ ‫ي يترك ّ ُ‬‫ه الثلث ِ ّ‬ ‫فأصل ُ ُ‬
‫ة»‪،‬‬ ‫ف ِ‬‫ص ّ‬ ‫ي لكلمة «ال ّ‬ ‫ما الصل الثلث ِ ّ‬ ‫ف(‪ .‬أ ّ‬ ‫و َ‬ ‫ص َ‬
‫) َ‬
‫ف(‪.‬‬ ‫ف َ‬ ‫ص َ‬ ‫فا ) َ‬ ‫ع ً‬‫ء مض ّ‬
‫ب من الصاِد والفا ِ‬ ‫فإّنه يترك ّ ُ‬
‫ي‬
‫لل ِ‬ ‫ف بين الكلمتين ظاهٌر ل يترك المجا َ‬ ‫فالخل ُ‬
‫ة‪.‬‬
‫مناقش ِ‬
‫ة بين المفهومين من حيث المعنى‪،‬‬ ‫ثم المناسب ُ‬
‫ح اختلفت‬ ‫وف» مصطل ٌ‬ ‫ن «التص ّ‬ ‫ضا‪ .‬ل ّ‬ ‫ة أي ً‬
‫ممنوع ٌ‬
‫س عن‬ ‫ه‪ ،‬وعجز النا ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه وشر ِ‬ ‫ف ِ‬‫الراءُ في تعري ِ‬
‫ة»‪ ،‬فإّنها‬ ‫ص ّ‬
‫ف ُ‬ ‫ما «ال ّ‬
‫ه حّتى اليوم‪ .‬أ ّ‬ ‫فهم ِ حقيقت ِ ِ‬
‫ل يسكن‬ ‫فا بقضبان النخ ِ‬ ‫طا مسقو ً‬ ‫كانت بيًتا بسي ً‬
‫ب رسول الله ‪‬‬ ‫فيه الضعفاءُ من أصحا ِ‬
‫ة‬
‫ة ممنوع ٌ‬ ‫ص ّ‬
‫ف ِ‬ ‫ل ال ّ‬
‫ة وأه ِ‬ ‫ة بين الصوفي ّ ِ‬ ‫ثم المناسب ُ‬
‫ة يعيشون ويتعّبدون على‬ ‫ن الصوفي ّ َ‬ ‫ضا‪ .‬ل ّ‬ ‫أي ً‬
‫ة‪ ،‬ولبس‬ ‫ع‪ ،‬والرهبن ِ‬ ‫س بالجو ِ‬ ‫أساس قهر النف ِ‬
‫ح‪ ،‬وترديد الوراِد على الطريقة البوذّية‪،‬‬ ‫المسو ِ‬
‫ع‬‫خ‪ ،‬وحلقات الذكر‪ ،‬والسما ِ‬ ‫ة الشي ِ‬ ‫ورابط ِ‬
‫ل ذلك بمبدأ‬ ‫دون في ك ّ‬ ‫ص‪ ...‬ل يعت ّ‬ ‫والرق ِ‬
‫ب‬
‫ة» في السلم‪ .‬بينما كان أصحا ُ‬ ‫«التوقيفي ِ‬
‫ة كّلهم يقتدون برسول الله ‪ ‬في سيرهم‬ ‫ص ّ‬
‫ف ِ‬ ‫ال ّ‬
‫وسلوكهم وكلمهم‪ ،‬وتعّبدهم وأخلقهم‬
‫وتعاملهم‪.‬‬
‫‪159‬‬

‫ق من‬‫ف مشت ّ‬ ‫و ِ‬‫ن أصل التص ّ‬‫ق آخُر‪ :‬إ ّ‬


‫وقال فري ٌ‬
‫ة‬
‫ل رفضوا زين َ‬ ‫ف اّلذي كان منه لباس رجا ٍ‬ ‫الصو ِ‬
‫ع‬
‫ض ِ‬
‫س بالتوا ُ‬‫ذاِتها‪ ،‬وعرفهم النا ُ‬ ‫الدنيا ومل ّ‬
‫ة‪.‬‬
‫ة في أمر الخر ِ‬ ‫ة والستقام ِ‬ ‫والقناع ِ‬
‫ف بهذه‬ ‫و ِ‬‫ف والتص ّ‬ ‫ي الصو ِ‬ ‫ط بين كلمت َ ِ‬ ‫ن الرب َ‬‫إ ّ‬
‫ة‬
‫ع والقناع َ‬ ‫ض َ‬
‫ن التوا ُ‬‫دا‪ .‬ل ّ‬ ‫ةج ّ‬‫ة واهي ٌ‬ ‫المناسب ِ‬
‫ف‪ ،‬ول‬ ‫ف على لبس الصو ِ‬ ‫ق ُ‬‫ة ل يتو ّ‬ ‫والستقام َ‬
‫ن؛ بل الخلقُ في السلم ِ‬ ‫على لبس القط ِ‬
‫سّنة‪.‬‬‫ب وال ّ‬ ‫دده الكتا ُ‬
‫ل قد ح ّ‬ ‫ك متكام ٌ‬ ‫سلو ٌ‬

‫ة‬
‫ة منقول ٌ‬‫ف‪ ،‬فإّنها في الحقيق ِ‬ ‫و ِ‬
‫ما كلمة التص ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ة)‬‫طها‪ :‬الثيوصوفي ُ‬ ‫ة‪ .‬وضب ُ‬‫من الّلغة اليوناني ِ‬
‫ضا‬
‫ة‪ .‬لّنها أي ً‬‫ر كلمة الفلسف ِ‬‫‪ ،(Theosophy‬على غرا ِ‬
‫ة )‪ ،(Philosophy‬كما‬
‫طها‪ :‬الفيلسوفي ُ‬ ‫ة‪ ،‬وضب ُ‬ ‫يوناني ٌ‬
‫جاء في موسوعة المورد لمؤّلفه منير البعلبكي‪.‬‬
‫يقول المؤل ّ ُ‬
‫ف‪:‬‬

‫م‪ :‬معرفة الله‬ ‫ة بالمعنى العا ّ‬ ‫صدُ بالثيوصوفي ِ‬


‫«ُيق َ‬
‫ي‪،‬‬
‫مل الفلسف ّ‬ ‫ي أو التأ ّ‬‫من طريق الكشف الصوف ّ‬
‫ل‬
‫م ِ‬
‫ي والتأ ّ‬ ‫أو من طريق الكشف الصوف ّ‬
‫ة‬
‫عا‪ .‬وهي بهذا المعنى ظاهرةٌ قديم ٌ‬ ‫يم ً‬
‫الفلسف ّ‬
‫فها»‪.‬‬ ‫ن على اختل ِ‬‫عرفتها الديا ُ‬
‫ة اّلذين بنوا‬ ‫د الواهي ِ‬ ‫ب الساني ِ‬ ‫هكذا افتضح أصحا ُ‬
‫ت‬
‫وف‪ ،‬على اجتهادا ٍ‬ ‫ة أصل التص ّ‬ ‫ءهم في مسأل ِ‬ ‫آرا َ‬
‫ت ل تقوم على برهان من‬ ‫ت وفرضّيا ٍ‬ ‫ونظرّيا ٍ‬
‫ت؛ ربما‬‫ي ثاب ٍ‬ ‫ل علم ّ‬ ‫سّنة‪ ،‬ول على دلي ِ‬ ‫ب وال ّ‬ ‫الكتا ِ‬
‫د‬
‫ق والعقائ ِ‬ ‫فَر ِ‬ ‫م بالديان‪ ،‬وال ِ‬ ‫ه ْ‬‫م ِ‬‫عل ْ ِ‬
‫ة ِ‬ ‫لقل ّ ِ‬
‫ة وما‬‫ة الستحال ِ‬ ‫م بظاهر ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫هل ِ ِ‬
‫ج ْ‬
‫و َ‬‫وراِتها‪َ ،‬‬ ‫وتط ّ‬
‫ن‪،‬‬
‫ف مع الّزما ِ‬ ‫ت من التحري ِ‬ ‫يتعّرض له المعتقدا ُ‬
‫م بالّلغات الجنبّية‪.‬‬ ‫ه ْ‬
‫هل ِ ِ‬‫ج ْ‬ ‫ك َ‬ ‫وكذل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ّ‬
‫لقد نشأت الطريقة النقشبندّية كسائر الطَرائ ِ ِ‬
‫ذت من مستنقعات‬ ‫دهليز وتغ ّ‬
‫الصوفّية في هذا ال ّ‬
‫‪160‬‬

‫ل إلى‬ ‫عب َْر القرون من شك ٍ‬ ‫ورت َ‬ ‫وف فتط ّ‬ ‫التص ّ‬


‫ن؛ كّلما زيد فيها‬ ‫ن إلى لو ٍ‬ ‫ل‪ ،‬وتغّيرت من لو ٍ‬ ‫شك ٍ‬
‫ء عدٍد من الديان‪،‬‬ ‫ي منها‪ .‬فحملت من ُ‬
‫غَثا ِ‬ ‫غ َ‬ ‫أو أ ُل ْ ِ‬
‫وجرفت من قاذوراِتها على امتداد مجراها في‬
‫ن‬
‫ي بعد إسلمهم إلى أ ْ‬ ‫تاريخ الشعب الترك ّ‬
‫ف من عقائد الهنود‬ ‫امتلت حاويُتها بأصنا ٍ‬
‫ة‬
‫والنصارى واليهود؛ وإن استنكر هذه الحقيق َ‬
‫ف‬
‫عن ٍ‬‫ة وعفاريُتها بملمة ومعاتبة و ُ‬ ‫صناديدُ الطائف ِ‬
‫ل على تحريفهم للسلم ما قد‬ ‫وردود‪ .‬وما أد ّ‬
‫ت‬
‫دا ٍ‬ ‫عت َ َ‬
‫ق َ‬ ‫م ْ‬
‫تو ُ‬
‫م ومصطلحا ٍ‬ ‫نسبوا إليه من مفاهي َ‬
‫ة إلى السلم في واقع المر‪.‬‬ ‫ت بصل ٍ‬ ‫ة ل تم ّ‬‫دخيل ٍ‬
‫ه‬
‫وقد حان الوقت وناسب المقام لشرح ما تبن ّت ْ ُ‬
‫م‬
‫ه من مفاهي َ‬ ‫قت ْ ُ‬ ‫ض وما اختل َ‬ ‫النقشبندّية من أغرا ٍ‬
‫ة من‬ ‫سها سلسل ً‬ ‫ت على أسا ِ‬ ‫ة أخرى‪ ،‬فأقام ْ‬ ‫باطني ّ ٍ‬
‫ن تعتمد على تلك المفاهيم‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ب وأركا ٍ‬ ‫آدا ٍ‬
‫ة‬
‫ي‪ ،‬والمعرف ُ‬ ‫ق الله ّ‬ ‫ك‪ ،‬والعش ُ‬ ‫سُلو ُ‬ ‫وال ّ‬ ‫سي ُْر َ‬ ‫ال ّ‬
‫ة‬
‫ء‪ ،‬و وحدةُ الوجوِد‪ ،‬و وحد ُ‬ ‫ه‪ ،‬والفناءُ والبقا ُ‬ ‫بالل ِ‬
‫ت‪،‬‬‫ف المي ّ ِ‬ ‫ي‪ ،‬وتصّر ُ‬ ‫ة‪ ،‬والول ّ‬ ‫الشهوِد‪ ،‬والولي ُ‬
‫ب‪،‬‬‫ة‪ ،‬والمناق ُ‬ ‫ة‪ ،‬والكرام ُ‬ ‫سي ّ ُ‬‫وي ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫م‪ ،‬وال َ‬ ‫واللها ُ‬
‫س قبورهم‪،‬‬ ‫ة بالموتى‪ ،‬وتقدي ُ‬ ‫والستغاث ُ‬
‫ها‪.‬‬ ‫ل بِ َ‬‫س ُ‬‫ها‪ ،‬والتو ّ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫وزيارُتها‪ ،‬والت ّب َّر ُ‬
‫***‬

‫سُلو ُ‬
‫ك‪.‬‬ ‫سيُر وال ّ‬
‫* ال ّ‬
‫م عند‬
‫ك‪ ،‬فهو مصطلح ها ّ‬ ‫سُلو ُ‬
‫وال ّ‬‫سي ُْر َ‬‫ما ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫دا منهما بقصد‬
‫النقشبندّية‪ .‬وقد يذكرون واح ً‬
‫الجمع بينهما كما اختاره أحمد ضياء الدين‬
‫مو ْ‬‫ال ْگ ُ ُ‬
‫‪197‬‬
‫ي‪.‬‬
‫و ّ‬
‫خان َ ِ‬
‫ش َ‬

‫ي‪ ،‬جامع الصول ص‪.107 /‬‬


‫و ّ‬
‫خان َ ِ‬
‫ش َ‬ ‫أحمد ضياء الدين ال ْگ ُ ُ‬
‫مو ْ‬ ‫‪197‬‬
‫‪161‬‬

‫قال السيد محمود أبو الفيض المنوفي ‪ -‬وهو‬


‫وفة وأعلمهم في عصرنا ‪ -‬قال‬ ‫أحد أدباء المتص ّ‬
‫في كتابه المعروف بعنوان «معالم الطريق إلى‬
‫الله»‪:‬‬

‫قق بمقامات اليقين‬ ‫«معنى سلوك الطريق‪ ،‬التح ّ‬


‫ل بالعلم والعمل‬ ‫وأحوال القرب من الله عّز وج ّ‬
‫خ عارف‬ ‫كا على يد شي ٍ‬ ‫والمقام والحال سلو ً‬
‫سالك على‬ ‫بمعالم الطريق ومفاوزه‪ ،‬فيد ّ‬
‫ل ال ّ‬
‫سبيل القرب إلى الله بما يرشده إليه من‬ ‫ال ّ‬
‫‪198‬‬
‫أنواع الّرياضة والذكر والخلوة وغير ذلك‪».‬‬

‫سُلو ِ‬
‫ك‬ ‫وال ّ‬
‫ر َ‬
‫سي ْ ِ‬
‫م الظّاهر من ال ّ‬
‫هذا هو المراد العا ّ‬
‫ما عند النقشبندّية فينحصر‬ ‫وف‪ .‬أ ّ‬ ‫في التص ّ‬
‫سلوك في الخلوة‪ .‬وقد أفردها بعضهم في‬ ‫ال ّ‬
‫ي‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫ل كمحمد أمين الكرد ّ‬ ‫ل مستق ّ‬ ‫فص ٍ‬
‫«اعلم أّنه ل يمكن الوصول إلى معرفة الصول‬
‫وتنوير القلوب لمشاهدة المحبوب إل ّ بالخلوة‬
‫صا لمن أراد إرشادَ عباِد الله إلى‬
‫خصو ً‬
‫المقصود‪».‬‬

‫ي هنا مّرة أخرى أّنهم‬


‫يتبيّن من كلم الكرد ّ‬
‫ب‬‫يختلفون مع جمهور المسلمين في معاملة ر ّ‬
‫العالمين‪ .‬ذلك أّنهم ل يقصدون عبادةَ الله‬
‫بشهادة هذا القرار‪ .‬وإّنما يريدون الوصو َ‬
‫ل إليه‬
‫ه‪ .‬وعلى الّرغم من هذا‬ ‫ويبتغون مشاهدت َ ُ‬
‫قا منهم ُيخفون ما في‬ ‫ن فري ً‬ ‫التصريح فا ّّ‬
‫ي‬
‫قا يجهلون الغرض الحقيق ّ‬ ‫صدورهم‪ ،‬وفري ً‬
‫م اّلذين لهم الهيمنة على‬ ‫ه ْ‬ ‫ما ُ‬
‫ؤ ُ‬ ‫قدَ َ‬‫مُرهُ ُ‬‫ض ِ‬‫اّلذي ي ُ ْ‬
‫مة النقشبندّيين‪ .‬أل وهو الحلول‬ ‫نفوس عا ّ‬
‫والّتحاد‪.‬‬

‫السيد محمود أبو الفيض المنوفي‪ ،‬معالم الطريق إلى الله ص‪ .299 /‬دار النهضة‪-‬القاهرة‪.‬‬ ‫‪198‬‬
‫‪162‬‬

‫ب‬‫ة وآدا ٌ‬
‫ولهم في هذه المسيرة طرقٌ ملتوي ٌ‬
‫ة‪ ،‬أحدثوا لها‬ ‫ت هندي ٍ‬ ‫ة تتمّثل في رياضا ٍ‬
‫مشبوه ٌ‬
‫ه‪ ،‬بحيث ل ينتبه‬ ‫م ِ‬
‫قي َ ِ‬
‫ة من مفاهيم السلم و ِ‬ ‫أغلف ً‬
‫ت عليه‬‫ه أو غلب ْ‬ ‫م ُ‬
‫صَر عل ُ‬ ‫ن َ‬
‫ق ُ‬ ‫م ْ‬
‫إلى مقاصدهم َ‬
‫الثقة فيهم بما يشاهد في مظاهرهم من‬
‫السّكينة والوقار والورع والصلح‪.‬‬

‫دعون أّنهم‬ ‫ونها )خلوة( ي ّ‬ ‫وهذه الرياضة اّلتي يسم ّ‬


‫إّنما يمارسونها أسوةً بالرسول ‪ ‬في أحواله‬
‫ي ‪ ‬يخلو‬ ‫قبيل ِبعثته‪ .‬ويقولون‪« :‬وقد كان النب ّ‬ ‫ُ‬
‫بغار حراء حّتى جاءه المر بالدعوة»‪ 199‬ويتناسون‬
‫دا من‬ ‫أّنه ‪ ‬لم يفعل ذلك بعد البعثة‪ ،‬ول أمر أح ً‬
‫أصحابه بالخلوة )اّلتي تختلف عن العتكاف(‪.‬‬
‫وجدانّيا‬ ‫عا ُ‬ ‫ه قبل البعثة اندفا ً‬ ‫خل َ َ‬
‫وات ُ ُ‬ ‫وإّنما كانت َ‬
‫دا لما سوف‬ ‫ق من الله واستعدا ً‬ ‫ينساق معه بتوفي ٍ‬
‫ة‬
‫وة؛ وأّنها كانت حال ً‬ ‫مله من أعباء النب ّ‬ ‫يتح ّ‬
‫صة به دون غيره‪ ،‬اقتضت في بداية‬ ‫ة خا ّ‬
‫استثنائي ً‬
‫أمره‪.‬‬

‫ما اّلذي يريده النقشبندّيون‪ ،‬فليس إل ّ استغلل‬ ‫أ ّ‬


‫كنوا بها من‬‫مفهوم الخلوة بهذه الذريعة‪ ،‬ليتم ّ‬
‫م شعارات هنديّة إلى شعائر السلم تحت‬ ‫ض ّ‬
‫سحرة‬‫ستار العبادة والتقّرب إلى الله بتقليد ال ّ‬
‫والمشعوذين من الجوكية )اليوغية( والفقراء‬
‫الهنود‪.‬‬

‫ة في‬
‫طا مشروح ً‬‫وللخلوة عندهم عشرون شر ً‬
‫ء من‬ ‫كتبهم‪ 200.‬ل ح ّ‬
‫جة لهم في إثباتها بشي ٍ‬
‫كتاب الله‪ ،‬ول من سّنة رسوله ‪.‬‬

‫سُلو ِ‬
‫ك‬ ‫وال ّ‬
‫ر َ‬
‫سي ْ ِ‬
‫بالسّر المقصود من ال ّ‬
‫ّ‬ ‫وقد باح‬
‫ض المعاصرين منهم‪ ،‬وخاصة جماعة غالية من‬ ‫بع ُ‬
‫هذه الطائفة في إسطنبول‪ .‬وذلك لما وجدوا‬
‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة علم الغيوب ص‪.493 /‬‬
‫مد أمين الكرد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪199‬‬

‫المصدر السابق ص‪.493 /‬‬ ‫‪200‬‬


‫‪163‬‬

‫دوا لتفسير‬ ‫مة المسلمين في شغل عنهم فتص ّ‬ ‫عا ّ‬


‫ي‪ ،‬أصدروه بالّلغة‬ ‫ب باطن ّ‬ ‫كتاب الله بأسلو ٍ‬
‫التركّية تحت عنوان «روح الفرقان» عام ‪1992‬م‪،.‬‬
‫سُلو ِ‬
‫ك‪.‬‬ ‫وال ّ‬
‫ر َ‬‫سي ْ ِ‬
‫وتطّرقوا فيه إلى ال ّ‬
‫ومن جملة ما جرت به أقلمهم بهذا التفسير‬
‫عّرًبا(‪:‬‬
‫م َ‬ ‫الشا ّ‬
‫ذ‪ ،‬قولهم ) ُ‬
‫ع ما سوى الله من نظر‬ ‫ل جمي ُ‬ ‫«إّنه بعد ما يضمح ّ‬
‫سالك بفضل المولى وكرمه بحيث ل يكاد يرى‬ ‫ال ّ‬
‫ما كان أو صورةً ‪-‬‬ ‫س ً‬ ‫غير الله شيًئا أجنبّيا ‪ -‬ا ْ‬
‫ق له الفناءُ في الله‪ ،‬أي النصهاُر في ذاته‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫ق َ‬ ‫تَ َ‬
‫ت بذلك الدولة‪ ،‬وانتهت الطريقة‪ ،‬واكتمل‬ ‫وحصل ْ‬
‫ة المعنوية نحو‬
‫شي َ ُ‬ ‫م ْ‬
‫سير إلى الله )أي ال ِ‬ ‫ال ّ‬
‫‪201‬‬
‫المولى(»‬

‫ة من كلمهم في‬ ‫ة ل ِن ُب ْذَ ٍ‬‫في ّ ٌ‬


‫حْر ِ‬
‫ة َ‬‫م ٌ‬
‫ج َ‬‫كانت هذه تََر َ‬
‫ك‪ ،‬ول يحتاج إلى تعليق‪.‬‬ ‫سُلو ِ‬ ‫وال ّ‬‫ر َ‬ ‫سي ْ ِ‬
‫تفسير ال ّ‬
‫كد في الّنهاية عما يتعّلق‬ ‫ة ما ينبغي أن يؤ ّ‬ ‫وخلص ُ‬
‫بهذا التفسير الجريء‪ ،‬أّنهم يختلفون عن‬
‫المسلمين بعقيدتهم في ذات الله أكثر من‬
‫اختلف الّنصارى عن المسلمين في هذه‬
‫العقيدة‪.‬‬

‫***‬
‫ي‬
‫ق الله ّ‬
‫* العش ُ‬
‫م مباحث‬ ‫ي‪ ،‬فهو من أه ّ‬
‫ما العشق الله ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ما‬‫مهم حوله نثًرا ونظ ً‬ ‫صوفّية‪ .‬فقد جرى كل ُ‬‫ال ّ‬
‫مل ّ‬
‫وديوان ال ُ‬
‫‪202‬‬
‫كما في تائّية عمر بن الفارض‪،‬‬

‫م ستة أشخاص من النقشبندّيين التراك ص‪ .2/63 /‬دار سراج إسطنبول‬


‫ه ْ‬
‫د ُ‬
‫ة عد ُ‬
‫روح الفرقان‪ ،‬بقلم جماع ٍ‬ ‫‪201‬‬
‫ـ ‪1992‬م‪ .‬وهذا نص عبارتهم بالّلغة التركّية‪:‬‬
‫)‪Mevlanın fazl-u keremiyle masiva (Allah Teala’nın dışındaki her şey) salikin nazarından tamamen kalkıp gayriyi (yabancıları‬‬

‫‪görmekten isim ve resim kalmayınca muhakkak fenafillâh (Allah-u Teala’da eriyip gitmek) tabir edilen devlet hasıl olmuş ve‬‬

‫‪tarikat hali sona ermiş olur. Ve böylece seyr-i ilallah, mevlaya doğru olan manevi yürüyüş tamamlanmış olur.‬‬
‫‪164‬‬

‫‪203‬‬
‫ي‪ ،‬وأشعار رابعة العدوّية‪.‬‬ ‫أحمد الجزري الكرد ّ‬
‫ما‬‫ت في هذه المسألة هذياناتهم قدي ً‬ ‫وقد كثر ْ‬
‫ول ً‬‫دا َ‬ ‫ن هذا التعبير لم يكن شيًئا ُ‬
‫مت َ َ‬ ‫وحديًثا‪ .‬غير أ ّ‬
‫ة‬
‫ت هذه الفكر ُ‬ ‫بين قدماء النقشبندّية‪ ،‬فانتشر ْ‬
‫د غير بعيد‪ ،‬وربما بتأثير‬ ‫َ‬
‫م ٍ‬
‫في أوساطهم منذ أ َ‬
‫ل ما يقوله شيخ‬ ‫نك ّ‬ ‫بعض الشيوخ منهم‪ .‬إذ أ ّ‬
‫ة‬
‫ع ً‬‫طريقة‪ ،‬ويختلقه من تلقاء نفسه ل ُيعدّ ب ِدْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ت أقواله مع نصوص الكتاب‬ ‫ن تعارض ْ‬ ‫عندهم‪ ،‬وإ ْ‬
‫ن شيخ الطريقة ل ينحصر مجاله في‬ ‫ّ‬ ‫سّنة؛ ول ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ه في‬ ‫مت ُ ُ‬
‫حدود اختصاص معّين‪ ،‬ول تقتصر مه ّ‬
‫نطاق الجتهاد والتفسير والتأويل فحسب‪ .‬بل‬
‫‪204‬‬
‫طائفة «وكيل الله ونائبه»‬ ‫هو في اعتقاد ال ّ‬
‫وه بما يبدو له‪ .‬إذن فله‬ ‫يتصّرف كيف يشاء‪ ،‬ويتف ّ‬
‫طريقة وآداِبها وأركاِنها‬ ‫ئ ال ّ‬ ‫ف إلى مباد ِ‬ ‫ضي َ‬‫أن ي ُ ِ‬
‫ي منها ما يشاء‪.‬‬ ‫غ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ي ُل ِ‬‫سها ما يشاء‪ ،‬أو أ ْ‬ ‫وطقو ِ‬
‫طريقة تتغّير فيها أمور بين‬ ‫وهذا ما جعل ال ّ‬
‫الفينة والخرى‪.‬‬

‫ي فصل ً في اْلمحّبة‬‫مد أمين الكرد ّ‬


‫فقد أفرد مح ّ‬
‫ع منه‪:‬‬‫والشوق والوجد‪ .‬وقال في مقط ٍ‬
‫م‬
‫ن المحّبين على ثلثة أقسام‪ :‬عوا ّ‬ ‫«اعلم أ ّ‬
‫م فمحّبتهم‬ ‫ص‪ .‬فأما العوا ّ‬
‫ص الخوا ّ‬ ‫ص‪ ،‬وخوا ّ‬ ‫وخوا ّ‬
‫ص فمحّبتهم‬ ‫ر إحسانه‪ ،‬وأما الخوا ّ‬ ‫و ُ‬
‫فو ِ‬ ‫له تعالى ل ِ ُ‬
‫ص‪،‬‬‫ص الخوا ّ‬ ‫ما خوا ّ‬‫خالصة عن الشوائب‪ .‬وأ ّ‬
‫شق الذي به ينمحي‬‫ّ‬ ‫فمحّبتهم عبارة عن التع ّ‬
‫‪205‬‬
‫العاشق عند تجّلي نور معشوقه‪».‬‬

‫راجع ترجمته في معجم المؤلفين‪ ،‬عمر رضاء كحالة‪ ،‬مؤسسة الرسالة الطبعة الولى‪ .2/568 :‬بيروت –‬ ‫‪202‬‬
‫‪1993‬م‪.‬‬

‫راجع ترجمتها في العلم‪ ،‬خير الدين زركلي‪ ،‬الطبعة ‪ .11‬ص‪ .3/10 /‬دار العلم للمليين‪ .‬كذلك فيه أسماء‬ ‫‪203‬‬
‫مصادر ورد فيها ترجمتها‪.‬‬

‫تفسير «روح الفرقان» بالّلغة التركّية لجماعة من النقشبندّيين التراك ص‪ .2/74 /‬إسطنبوا ـ ‪1992‬م‪.‬‬ ‫‪204‬‬

‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة علم الغيوب ص‪.487/‬‬


‫مد أمين الكرد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪205‬‬
‫‪165‬‬

‫ن‬
‫لقد يظهر من خلل هذه الكلمات أ ّ‬
‫النقشبندّيين اكتشفوا أخيًرا أسلوًبا ثانًيا لتفسيرِ‬
‫ل والتحاِد‪.‬‬ ‫ما يعتقدونه من وحدة الوجوِد والحلو ِ‬
‫ي»‪ .‬لّنهم يقصدون بذلك‬ ‫أل وهو «العشق الله ّ‬
‫وا كبيًرا‪.‬‬
‫النصهاَر في ذاته تعالى عن ذلك عل ّ‬
‫وٌر جديدٌ‬‫م بمثل هذه الفكرة ت َطَ ّ‬ ‫شب ّث َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ن تَ َ‬‫إ ّ‬
‫م مزاياهم‬ ‫ن النقشبندّيين‪ ،‬من أه ّ‬ ‫ب‪ .‬ل ّ‬ ‫وغري ٌ‬
‫ي بالتركيز على‬ ‫مل والذكر القلب ّ‬ ‫ت والتأ ّ‬ ‫صم ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ديانة البوذّية ‪-‬‬ ‫أسلوب الجوكّية )اليوغّية( في ال ّ‬
‫البرهمّية‪ .‬وأّنهم لم يلتفتوا منذ القديم إلى‬
‫ضا‬
‫فا معار ً‬ ‫الشعار والغزل كما قد اّتخذوا موق ً‬
‫ن الحركة من‬ ‫عب َْر تاريخهم‪ .‬ل ّ‬ ‫سماع َ‬ ‫للرقص وال ّ‬
‫ز‪ .‬وإل ّ ليست معارضتهم‬ ‫كي ِ‬
‫أكبر موانع الت ّْر ِ‬
‫ي صحيح في‬ ‫ق إسلم ّ‬ ‫َ َ‬
‫للرقص والسماع من منطل ٍ‬
‫حقيقة المر‪.‬‬

‫ما تعبير العشق في كون النسان أن يعشق‬ ‫أ ّ‬


‫الله‪ ،‬فقد كان من ضللت القدمين من متصوّفة‬
‫وهون به في غزلهم‪ .‬ولم يعبأ‬ ‫العراق‪ .‬كانوا يتف ّ‬
‫ة شأنهم وقّلة‬ ‫س ِ‬ ‫خ ّ‬
‫بهم علماء السلم يومئذ ل ِ ِ‬
‫عددهم‪ .‬ولكن هذه الفكرة قد أصبحت اليوم‬
‫خطًرا على العقيدة السلمّية بعد أن ت َب َّناها‬
‫ما بأن العشق في الّلغة يفيد‬ ‫النقشبندّيون‪ .‬عل ً‬
‫معنى الشتياق إلى الجنس المقابل بقصد‬
‫سّنة ما‬‫النكاح والجماع‪ .‬ولم يرد في الكتاب وال ّ‬
‫ن العبد يجوز له أن يعشق الله‪ .‬بل ورد‬ ‫يفيد أ ّ‬
‫فيهما الترغيب في محّبة الله ومحّبة رسوله ‪.‬‬
‫ه‬
‫ن الل َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م تُ ِ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫ل إِ ْ‬ ‫ق ْ‬‫إذ قال الله تعالى‪ُ } :‬‬
‫م ذُُنوب َك ُ ْ‬‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬ ‫َ‬
‫‪206‬‬
‫م‪{.‬‬ ‫غ ِ‬
‫وي َ ْ‬
‫ه َ‬‫م الل ُ‬ ‫ي يُ ْ‬
‫عون ِ‬‫فات ّب ِ ُ‬
‫سبيل الذي طرقه النقشبندّيون في‬ ‫ورغم ال ّ‬
‫ن‬
‫غ ِ‬
‫ي»‪ ،‬فإّنه لم ي ُ ْ‬
‫تأويلهم لمفهمو «العشق الله ّ‬

‫سورة آل عمرن‪.31/‬‬ ‫‪206‬‬


‫‪166‬‬

‫صُتهم ويجهله‬ ‫عنهم في الوقوع فيما يكتمه خا ّ‬


‫شا ّ‬
‫ذ‬ ‫ة بهذا التأويل ال ّ‬ ‫مُتهم من نزعات باطني ّ ٍ‬ ‫عا ّ‬
‫فا‬‫ن كلمة العشق تختلف اختل ً‬ ‫لمفهوم العشق‪ .‬ل ّ‬
‫ة في التعبير عن‬ ‫ة المحب ّ ِ‬ ‫ما تفيد كلم ُ‬ ‫كبيرا ً ع ّ‬
‫ة بمعناها المتعاَرف‬ ‫ن المحب ّ َ‬ ‫عواطف النسان‪ .‬فا ّ‬
‫ي‬
‫و ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫ي نبيل‪ ،‬ل يشوبه ميل َ‬
‫ش َ‬ ‫هو إحساس عاطف ّ‬
‫ما مفهوم العشق‪ ،‬فانه ينبئ‬ ‫ي‪ .‬وأ ّ‬ ‫ل جسد ّ‬ ‫وابتذا ٌ‬
‫ة تثور في‬‫وي ّ ٍٍ‬
‫ه ِ‬
‫ش َ‬ ‫س َ‬ ‫ج َ‬ ‫وا ِ‬
‫ه َ‬ ‫ةو َ‬ ‫ت آثم ٍ‬‫عن نزعا ٍ‬
‫ة‬
‫ة بالغرام والهيام‪ ،‬والمشتاق ِ‬ ‫هف ِ‬ ‫النفوس المتل ّ‬
‫إلى إشباع الرغبات الجنسية وما يتصل بها‪.‬‬

‫ما على وصف الله‬ ‫ولقد دأب شعراءُ الصوفّية دائ ً‬


‫بصفات المرأة الجميلة الفّتانة؛ يحملونها عليه‬
‫يخ ّ‬
‫لب‪ ،‬يفتتن به‬ ‫ل غزل ّ‬‫أّنه يتجّلى في جما ٍ‬
‫العاشقون؛ ويتخّيلونه في صورة من النوثة‬
‫ظى إليها نفوسهم وهي تراودهم عن‬ ‫بشعور تتل ّ‬
‫نفوسهم‪ .‬حاشا لله!!!‬

‫بينما نجد النقشبندّيين على درجة من الفراط‬


‫والمبالغة بأولئك الشعراء المبتذلين من الصوفّية‬
‫ويشاركونهم في العقيدة والموقف بإقرارهم‬
‫ي» على غرار ابن‬ ‫لمفهوم «العشق الله ّ‬
‫مل ّ الجزري وأمثالهما‪.‬‬
‫الفارض وال ُ‬
‫***‬
‫ه‬
‫* المعرفة بالل ِ‬
‫ما فكرة «المعرفة بالله» عند الصوفّية‪ ،‬فهي‬‫وأ ّ‬
‫ورت‬
‫عقيدة خطيرة تبّناها القدمون منهم؛ ثم تط ّ‬
‫منها سائر عقائد القوم‪ .‬إ ً‬
‫ذا فهي بمنـزلة‬
‫القاعدة الساسية لها‪.‬‬

‫ي في هذه المسألة باًبا وهو‬‫فقد أفرد القشير ّ‬


‫مهم‪ .‬قال في رسالته‬ ‫ة وأعل ِ‬
‫ء الصوفي ّ ِ‬
‫من قدما ِ‬
‫المشهورة‪:‬‬
‫‪167‬‬

‫ف‬
‫عَر َ‬‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ة َ‬
‫«وعند هؤلء القوم المعرفة‪ :‬صف ُ‬
‫دق الله‬‫ق سبحانه بأسمائه وصفاته‪ ،‬ثم ص ّ‬ ‫الح ّ‬
‫قى عن أخلقه الرديئة‬ ‫في معاملته‪ .‬ثم تن ّ‬
‫‪207‬‬
‫وآفاته‪»...‬‬

‫ن هذا التعريف ل يتعارض‬ ‫من الهمية بمكان‪ ،‬أ ّ‬


‫ي تحّيل‬
‫ن القشير ّ‬ ‫مع العقيدة السلمّية لو ل أ ّ‬
‫فا لمفهوم‬ ‫ن جعلها تعري ً‬ ‫في إيراد هذه العبارة أ ْ‬
‫«المعرفة بالله»‪ .‬بل كان أولى به أن يقول‬

‫ف‬
‫عَر َ‬
‫ن أيقن بالحق سبحانه و َ‬
‫م ْ‬
‫ة َ‬
‫«اليمان‪ :‬صف ُ‬
‫دق الله في معاملته‪».‬‬‫أسماءه وصفاته‪ ،‬ثم ص ّ‬
‫ن الصوفّية قد حّرفوا عقائد‬ ‫حأ ّ‬ ‫هكذا يتبّين بوضو ٍ‬
‫ل من انتبه إليها في‬ ‫ةق ّ‬ ‫ل دقيق ٍ‬‫حي َ ٍ‬
‫السلم ب ِ ِ‬
‫وروها‬ ‫أيّامها‪ .‬وبذلك سنحت لهم الفرصة فط ّ‬
‫ت المفاهيم‬ ‫ج عبر القرون حّتى التبس ْ‬ ‫بتدّر ٍ‬
‫الدخيلة والعقائد الخطيرة بالمفاهيم القرآنية‬
‫س‬‫م المسلمين فانحدر من هذا اللتبا ِ‬ ‫على عوا ّ‬
‫ت‬
‫ون ْ‬‫ن فتك ّ‬‫ل على كّر الزما ِ‬‫ع والباطي ِ‬ ‫م البد ِ‬ ‫ركا ُ‬
‫ل عجز المسلمون في هذا العصر عن‬ ‫منها جبا ٌ‬
‫التخّلص منها‪.‬‬

‫ن مقولة «المعرفة بالله»‬ ‫ما في الحقيقة‪ ،‬فا ّ‬ ‫أ ّ‬


‫ليست من السلم في شيء‪ ،‬ول ورد في‬
‫ده‬ ‫ه عبا َ‬ ‫كد ذلك‪ .‬بل دعا الل ُ‬ ‫سّنة ما يؤ ّ‬ ‫الكتاب وال ّ‬
‫ت في ذلك‬ ‫ل شيء‪ .‬واليا ُ‬ ‫أن يؤمنوا به قبل ك ّ‬
‫ة‪ .‬ثم أمرهم بالعمل الصالح والتقوى‪ .‬إذ لم‬ ‫كثير ٌ‬
‫يرد في القرآن أمر بـ «المعرفة بالله» على‬
‫الطلق‪ .‬بينما المر باليمان ورد فيه أكثر من‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬ ‫وَر ُ‬
‫ه َ‬ ‫مُنوا ِبالل ِ‬ ‫أن ُيحصى‪ .‬كقوله تعالى }فآ ِ‬
‫َ‬
‫‪208‬‬
‫خِبيٌر‪{.‬‬‫ن َ‬‫مُلو َ‬‫ع َ‬
‫ما ت َ ْ‬
‫ه بِ َ‬
‫والل ُ‬ ‫ر اّلذي أن َْزل َْناهُ َ‬
‫و ِ‬ ‫والن ُ‬‫َ‬
‫ي النيسابوري‪ ،‬الرسالة القشيرّية ص‪/‬‬
‫أبو القاسم عبد الكريم ابن هوازن بن عبد الملك بن طلحة القشير ّ‬ ‫‪207‬‬
‫‪ .154‬الطبعة الثانية القاهرة ـ ‪1959‬م‪.‬‬

‫سورة التغابن‪.8/‬‬ ‫‪208‬‬


‫‪168‬‬

‫ولم يقتصر المر في توجيه الدعوة للكافرين‬


‫إلى اليمان فحسب‪ ،‬بل قد أمر الله المؤمنين‬
‫كذلك أن يؤمنوا به )وإن كان ذلك من باب تكميل‬
‫الكامل وليس من باب تحصيل الحاصل( فقد‬
‫َ‬
‫ه‬
‫مُنوا ِبالل ِ‬ ‫مُنوا آ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ها اّلذي َ‬ ‫قال سبحانه‪} :‬ي َأي ّ َ‬
‫ب‬‫وال ْك َِتا ِ‬‫ه َ‬‫سول ِ ِ‬‫عَلى َر ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ب اّلذي ن َّز َ‬ ‫وال ْك َِتا ِ‬
‫ه َ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫وَر ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َك ُ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫الذي أن َْز َ‬ ‫ّ‬
‫ملئ ِكت ِ ِ‬ ‫و َ‬‫ه َ‬
‫فْر ِبالل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬‫قْبلُ‪َ ،‬‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬
‫‪209‬‬
‫دا‪{.‬‬ ‫ضل َل ً َبعي ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬‫قدْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬‫سل ِ ِ‬
‫وُر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫وك ُت ُب ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ة إلى اليمان كثيرةٌ وفي‬ ‫دعو ِ‬‫هكذا فاليات في ال ّ‬
‫ت في‬ ‫ة‪ .‬كذلك وردت آيات بّينا ٌ‬ ‫هذا القدر كفاي ٌ‬
‫ه سبحانه‪.‬‬‫ة الل ِ‬‫دعوة إلى عباد ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ي‬ ‫م اّلذ ِ‬ ‫وا َرب ّك ُ ُ‬ ‫عُبد ُ‬ ‫سا ْ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫قال تعالى‪َ :‬يا أي ّ َ‬
‫ن‪) .‬بقرة‪/‬‬ ‫و َ‬ ‫م ت َّتق ُ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫م لَ َ‬ ‫قب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫واّلذي ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫وا ب ِ ِ‬ ‫رك ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫ول َ ت ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫وا الل َ‬ ‫عُبد ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫‪ .(21‬وقال تعالى‪َ :‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ها الذي ِ َ‬ ‫شي ًْئا‪) ...‬نساء‪ .(36/‬وقال تعالى‪َ :‬يا أي ّ َ‬ ‫َ‬
‫وا‬ ‫عل ُ‬ ‫ف َ‬ ‫وا ْ‬ ‫م َ‬ ‫وا َرب ّك ُ ْ‬ ‫عُبد ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫وا َ‬ ‫جد ُ‬ ‫س ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫وا َ‬ ‫وا اْركع ُ‬ ‫من ُ‬ ‫آ َ‬
‫ن‪) .‬الحج‪(77/‬‬ ‫و َ‬ ‫فِلح ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫خي َْر ل َ َ‬ ‫ال ْ َ‬

‫ن‬ ‫َ‬
‫ما أ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫س َر ِ‬ ‫عّبا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫ي َ‬ ‫و َ‬ ‫وقد ُر ِ‬
‫عَلى‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ذا َر ِ‬ ‫عا ً‬ ‫م َ‬ ‫ث ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ما ب َ َ‬ ‫ه ‪ ‬لَ ّ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫فل ْي َك ُ ْ‬‫ب َ‬ ‫ل ك َِتا ٍ‬ ‫ه ِ‬ ‫وم ٍ أ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫عَلى َ‬ ‫م َ‬ ‫قدَ ُ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْي َ َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫فوا الل َ‬ ‫عَر ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫عَبادَةُ الل ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫م إ ِل َي ْ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫عو ُ‬ ‫ما ت َدْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫و َ‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬ ‫فأ َ ْ‬
‫ت‬‫وا ٍ‬ ‫صل َ َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫خ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫عل َي ْ‬ ‫ض َ‬ ‫فَر َ‬ ‫قدْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫خب ِْر ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عُلوا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ول َي ْل َت ِ‬
‫ن الل ُ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫خب ِْر ُ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫و ِ‬ ‫في ي َ ْ‬ ‫ِ‬
‫عَلى‬ ‫َ‬
‫وت َُردّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫كاةً ِ‬ ‫م َز َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫عل َي ْ‬ ‫ض َ‬ ‫فَر َ‬ ‫َ‬
‫وقّ ك ََرائ ِ َ‬
‫م‬ ‫وت َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫خذْ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫ها َ‬ ‫عوا ب ِ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫ذا أ َ َ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ُ‬
‫قَرائ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ي(‬ ‫خار ّ‬ ‫س )رواه الب ُ َ‬ ‫ل الّنا ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫أ ْ‬
‫ه»‪ ،‬معناه فإذا‬ ‫وا الل َ‬
‫عَرف ُ‬ ‫فإ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ما قوله ‪َ « ‬‬ ‫أ ّ‬
‫عرفوه بصفاته التي جاءت في كتابه العزيز‪،‬‬
‫ه‪.‬‬ ‫ه‪ ،‬وليس الّتعّرف إلى ك ُن ْ ِ‬
‫ه ذات ِ ِ‬ ‫نب ِ‬ ‫وهو اليما ُ‬

‫سورة النساء‪.136 /‬‬ ‫‪209‬‬


‫‪169‬‬

‫م‪،‬‬‫ل ها ّ‬‫وهنا يتبادر إلى الذهن أن ُيطَرح سؤا ٌ‬


‫ه عبادَهُ لليمان به عن طريق‬ ‫وهو‪ :‬لماذا دعا الل ُ‬
‫ة له‬‫النظر إلى آثاره والمعرفة بصفاته والعباد ِ‬
‫فحسب‪ ،‬ولم يكّلفهم بالتعّرف إلى ذاته ؟‬

‫ن المسلمين استيقظوا من غفلتهم‬ ‫لو أ ّ‬


‫كوا ما لم يدركه أسلفهم في‬ ‫ر ُ‬
‫واستطاعوا أن يُدْ ِ‬
‫عصور الظلم من أسباب النحراف‪ ،‬وطرحوا‬
‫حّتى هذا السؤال البسيط مرة واحدة فحسب؛‬
‫لصطدموا بحقائق مدهشة اختفت عنهم؛ أدناها‬
‫ة حّتى بين صفوف‬ ‫أنهم قد أصبحوا اليوم قل ّ ً‬
‫المصّلين في مساجدهم‪ .‬لنهم إنما يعبدون الله‬
‫تصديقا ً لما جاء من عنده وإقراًرا بالعبودية له؛‬
‫بينما تختلف الغاية في محاولة الخرين من‬
‫العبادة تمام الختلف‪ .‬لنهم ل يعبدون الله إل ّ‬
‫ليتعّرفوا على ذاته وليحّلوا فيه‪ .‬تعالى َرب َّنا عن‬
‫وا كبيًرا‪.‬‬
‫ذلك عل ّ‬
‫نعم كيف تجوز المعرفة بذات الله؟ كيف يجوز‬
‫ي‪،‬‬ ‫ي البد ّ‬ ‫للنسان أن يحيط الله الخالق الزل ّ‬
‫ث ومخلوق؟‪ ...‬هل‬ ‫ل وجوده حاد ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن بِ َ‬
‫كا ِ‬ ‫والنسا ُ‬
‫يجوز أن يّتسع عقل النسان المخلوق العاجز‬
‫ب العّزة بذاته؟ وما‬ ‫المحدود حّتى يستوعب ر ّ‬
‫دعي ذلك من المنقول والمعقول؟ ألم‬ ‫دليل من ي ّ‬
‫كر في ذات الله تبارك‬ ‫ه رسول الله ‪ ‬عن التف ّ‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫ه‬‫ن النسان عاجٌز عن الحاطة ب ِك ُن ْ ِ‬ ‫ل ّ‬ ‫‪210‬‬
‫وتعالى؟‬
‫ل‪ .‬وإنما هذا العجز هو ذلك الحاجز‬ ‫ه عّز وج ّ‬ ‫ذات ِ ِ‬‫َ‬
‫س‪،‬‬ ‫عي ِ‬ ‫ن الت ّ ِ‬
‫ل النسا ِ‬ ‫ب اّلذي يعترض سبي َ‬ ‫هي ُ‬ ‫الّر ِ‬
‫ف في وجهه على مدى حياته‪ ،‬ل يبرح أمامه‬ ‫ويق ُ‬
‫ل لحظة‪ .‬تلك هي المشكلة العظمى اّلتي‬ ‫في ك ّ‬
‫ن‪ ،‬بل وأسرار‬ ‫ر واليما ِ‬ ‫ن فيها أسراُر الكف ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ت َك ْ ُ‬
‫ن النسان لو‬ ‫الكون والحياة بتمامها‪ .‬ذلك أ ّ‬
‫ي وأبو نعيم عن عبد الله بن سلم‪ .‬قال خرج رسول الله ‪ ‬على أناس من‬
‫عا والطبران ّ‬
‫روى أحمد مرفو ً‬ ‫‪210‬‬
‫كر في خلق الله‪ .‬قال ل تتف ّ‬
‫كروا‬ ‫كرون؟ قالوا نتف ّ‬
‫كرون في خلق الله‪ .‬فقال لهم فيم كنتم تتف ّ‬
‫أصحابه وهم يتف ّ‬

‫في الله‪ ،‬وتف ّ‬


‫كروا في خلق الله‪.‬‬
‫‪170‬‬

‫ق من ذات الله‬ ‫ق ِ‬‫ل للّتح ّ‬ ‫استطاع أن يجد أدنى سبي ٍ‬


‫سبحانه عن طريق المشاهدة أو التجربة‪ ،‬لما‬
‫اضطّر أن يواجه أعباء الحياة والممات بك ّ‬
‫ل‬
‫ت‬ ‫و َ‬ ‫م ْ‬‫ق ال ْ َ‬‫خل َ َ‬‫مرارتها‪ .‬ولكن الله تعالى يقول } َ‬
‫وإنما‬ ‫‪211‬‬
‫ملً‪{.‬‬ ‫وال ْحيَاة ل ِيبل ُوك ُم أ َيك ُ َ‬
‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ ْ َ ْ ّ ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫ل شيء ـ على‬ ‫ول ً وقبل ك ّ‬ ‫قف حسن العمل ـ أ ّ‬ ‫يتو ّ‬
‫اليمان بالغيب‪ .‬وهو اليمان بذات الله تعالى‬
‫في حدود المعرفة بصفاته‪ ،‬وبالنظر إلى خلقه‬
‫ه‪،‬‬‫ذات ِ ِ‬‫دى المُر إلى المعرفة ب ِ َ‬ ‫وآثاره دون أن يتع ّ‬
‫ول َ‬‫وهي محال‪ .‬كذلك قال الله تعالى‪َ } :‬‬
‫ذا‬‫إ ً‬ ‫‪212‬‬
‫ء‪{.‬‬ ‫شا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه إل ّ ب ِ َ‬‫م ِ‬ ‫عل ْ ِ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬
‫ءْ ِ‬
‫ون بشي ٍ‬ ‫حيطُ َ‬ ‫يُ ِ‬
‫كن من الحاطة بذات الله‬ ‫فكيف بالنسان أن يتم ّ‬
‫ء من علمه إل ّ بما شاء! ل ّ‬
‫ن‬ ‫وهو ل يحيط بشي ٍ‬
‫علقة المؤمن بالله ل تعدو عن التسليم المحض‬
‫م‬‫له تعالى؛ وهي منحصرة في حدود اليقين التا ّ‬
‫به والعبادة الخالصة له فحسب‪.‬‬

‫ن اّلذين يرون معرفة الله من‬ ‫هذا ويتبّين جلّيا بأ ّ‬


‫دعون أّنها قد تحققت‬ ‫المور الجائزة والممكنة‪ ،‬ي ّ‬
‫لبعض ساداتهم‪ .‬إذ يخلعون عليهم صفة العارف‬
‫ن‬
‫م إِ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫ه ِ‬
‫وا ِ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫ف َ‬ ‫م ْ‬‫ج ِ‬‫خُر ُ‬
‫ة تَ ْ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬
‫م ً‬ ‫بالله } ك َب َُر ْ‬
‫ذًبا‪ 213{.‬يتبّين أّنه قد بلغ الحمق‬ ‫ن إ ِل ّ ك َ ِ‬‫قوُلو َ‬
‫يَ ُ‬
‫والغباء بهم إلى درجة‪ ،‬أّنهم يدرسون عقائد‬
‫ب‬‫المسلمين في مدارسهم ويتداولون ك ُت ُ َ‬
‫أعلمنا؛ كشرح العقيدة الطحاوية للمام أبي‬
‫ي‪ ،‬وكتاب‬ ‫مد بن سلمة الزد ّ‬ ‫جعفر أحمد بن مح ّ‬
‫مد‬‫مد بن مح ّ‬ ‫التوحيد للمام أبي منصور مح ّ‬
‫ي‪ ،‬وكتاب التمهيد من تصانيف أبي بكر‬ ‫الماتريد ّ‬
‫ي ورسالة العقائد‬ ‫مد بن الطيب الباقلن ّ‬ ‫مح ّ‬
‫ي‪،‬‬
‫مد الّنسف ّ‬ ‫النسفية لبي حفص عمر بن مح ّ‬
‫دين‬ ‫لمة سعد ال ّ‬ ‫وشرح العقائد الّنسفية للع ّ‬
‫سورة الملك‪.2/‬‬ ‫‪211‬‬

‫سورة البقرة‪.255 /‬‬ ‫‪212‬‬

‫سورة الكهف‪.5/‬‬ ‫‪213‬‬


‫‪171‬‬

‫ي‪ .‬ومع هذا‪ ،‬ل ينتبهون‬ ‫مسعود بن عمر التفتازان ّ‬


‫ن اليمان ينافي عقيدة «المعرفة بذات‬ ‫إلى أ ّ‬
‫ض‬
‫عَر ٍ‬ ‫ن الله سبحانه وتعالى «ليس ب ِ َ‬ ‫الله»‪ .‬إذ أ ّ‬
‫ور ول محدود‪ ».‬كما‬ ‫ر ول مص ّ‬ ‫ه ٍ‬
‫و َ‬
‫ج ْ‬
‫سم ٍ ول َ‬‫ج ْ‬ ‫ول ِ‬
‫ن‬‫ورد في العقائد النسفية‪ .‬وخلصة هذا‪ :‬أ ّ‬
‫د‪،‬‬
‫النسان المخلوق الحادث العاجز والمحدو َ‬
‫ف إلى ذاته‬ ‫يستحيل عليه أن يحيط بالله‪ ،‬ويتعّر َ‬
‫ي اّلذي ليس بمحدود‪.‬‬ ‫ي البد ّ‬ ‫الزل ّ‬
‫ن الصوفّية قد خبطوا في تناقض شديد إلى‬ ‫إ ّ‬
‫درجة أنّهم يدرسون كتب المسلمين ويدّرسونها‬
‫ويحفظون منها‪ ،‬ثم يعتقدون ما يجعلهم في‬
‫دقوا ما‬‫مقام ٍ بين الصدق والكذب‪ ،‬بحيث إذا ص ّ‬
‫قد درسوا من كتب المسلمين‪ ،‬شهدوا على‬
‫أنفسهم بالكذب في مصطلحهم ومعتقدهم بما‬
‫ة‪،‬‬
‫دقوا هذه الفري َ‬ ‫موه «المعرفة بالله»؛ وإذا ص ّ‬‫س ّ‬
‫ذبين ِلما َ درسوا من عقائد‬ ‫أصبحوا من المك ّ‬
‫المسلمين‪.‬‬

‫ضا قد توّرطوا في هذا‬ ‫ن النقشبندّيين أي ً‬‫هكذا فإ ّ‬


‫عا لبقّية الصوفّية‪ .‬والدليل عليهم‪ ،‬أّنهم‬
‫المأزق تب ً‬
‫ن من وصف ساداتهم بـ«العارف بالله»‪.‬‬ ‫ي ُك ْث ُِرو َ‬
‫***‬

‫ء‪.‬‬
‫* الفناءُ والبقا ُ‬
‫صة منهم‬ ‫ما «الفناء والبقاء» في عقيدة الخا ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫متهم‪ ،‬فإّنها بمنـزلة الحلقة الخيرة بعد‬ ‫دون عا ّ‬
‫ورون أّنهم يلتقون فيها‬ ‫«المعرفة بالله»‪ .‬ويتص ّ‬
‫بذات الله «لّنهم قد عرفوا الله حق معرفته‪،‬‬
‫قق‬‫قوا بذلك أن ينصهروا فيه فيتح ّ‬ ‫فاستح ّ‬
‫البقاء»‪ ،‬حاشا لله!!! وذلك بعد المرور بجميع‬
‫ك؛ من البيعة والخلوة‬‫سُلو ِ‬
‫وال ّ‬
‫ر َ‬
‫سي ْ ِ‬
‫مراحل ال ّ‬
‫ي والرابطة ومراعاة‬ ‫وممارسة الذكر الخف ّ‬
‫ب‬‫«المباني الحد عشر» وما يتصل بها من آدا ٍ‬
‫‪172‬‬

‫ن سبق شرحها في الفصل الثاني‪ .‬إل ّ أّنهم‬ ‫وأركا ٍ‬


‫خو ً‬
‫فا‬ ‫ء بهذا الوضوح َ‬ ‫ة الفنا ِ‬
‫سّر عقيد ِ‬ ‫ل ُيفشون ِ‬
‫ر المسلمين وردوِد فعلهم‪ .‬بل‬ ‫ن استنكا ِ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫ة وأمثالها‬
‫يمضغون الكلم في هذه المسأل ِ‬
‫ة‪ ،‬وُيخفون ما في صدورهم حّتى‬ ‫طا وتقي ّ ً‬ ‫احتيا ً‬
‫مهم فضل ً عن المسلمين‪.‬‬ ‫عن عوا ّ‬
‫ء بالله» ليس‬‫ء في الله والبقا ِ‬ ‫ن فكرة «الفنا ِ‬‫إ ّ‬
‫ّ‬
‫أمًرا حديًثا عند الصوفّية‪ .‬بل تكلم به القدمون‬
‫ء قد‬‫ن عقيدة الفنا ِ‬ ‫ي‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫منهم كالقشير ّ‬
‫ن النقشبندّيين قد‬ ‫صة‪ .‬فا ّ‬‫ت عند هؤلء خا ّ‬ ‫ور ْ‬
‫تط ّ‬
‫ّ‬
‫ولوها بل حّرفوها عن معناها الذي أراده‬ ‫أ ّ‬
‫السابقون‪.‬‬

‫ي «أشار‬
‫وعلى سبيل المثال فقد قال القشير ّ‬
‫ء إلى سقوط الوصاف المذمومة‪،‬‬ ‫القوم بالفنا ِ‬
‫ء إلى قيام الوصاف‬
‫وأشاروا بالبقا ِ‬
‫‪214‬‬
‫المحمودة»‬

‫ن إسقاط‬ ‫ل‪ .‬إذ أ ّ‬ ‫ق أرادوا به باط ً‬‫ن هذه كلمة ح ّ‬ ‫إ ّ‬


‫الوصاف المذمومة وإبقاء الوصاف المحمودة‬
‫صى بهما السلم‪ ،‬ولكنهم لجأوا إلى‬ ‫قد و ّ‬
‫ء»‬ ‫س عند ما أطلقوا اسم «الفنا ِ‬ ‫ء والتلبي ِ‬ ‫اللتوا ِ‬
‫على إسقاط الوصاف المذمومة؛ وأطلقوا كذلك‬
‫ة‪.‬‬ ‫ء الوصاف المحمود ِ‬ ‫ء» على إبقا ِ‬‫اسم «البقا ِ‬
‫ع باًبا‪ ،‬استغّله‬ ‫لّنهم فتحوا بهذا المصطلح المبت َدَ ِ‬
‫فهم فأدخلوا منه سيل ً من رموز الزندق ِ‬
‫ة‬ ‫أخل ُ‬
‫ل كما مّرت الشارةُ إليها‪ ،‬وهى تنحصر‬ ‫والضل ِ‬
‫صتهم‪ .‬والدليل‬ ‫في عقيدة التحاد مع الله عند خا ّ‬
‫على ذلك نعتهم لساداتهم بصفة «الفاني في‬
‫الله والباقي بالله»‪ .‬بينما لم يرد عن رسول الله‬
‫صا‬‫‪ ‬ول عن أحد من الصحابة أّنه وصف شخ ً‬
‫بهذا النعت‪.‬‬
‫ي النيسابوري‪ ،‬الرسالة القشيرّية ص‪/‬‬
‫أبو القاسم عبد الكريم ابن هوازن بن عبد الملك بن طلحة القشير ّ‬ ‫‪214‬‬
‫‪ .39‬الطبعة الثانية القاهرة ـ ‪1959‬م‪.‬‬
‫‪173‬‬

‫ور والتحريف في هذا‬ ‫لقد تظهر أمارات التط ّ‬


‫ولون؛‬ ‫ضا بعد أن اختلقها قدماؤهم ال ّ‬ ‫المفهوم أي ً‬
‫وروا الكثيَر مما وضعها‬ ‫كما قد حّرفوا وط ّ‬
‫ن‬
‫ساداُتهم على مدى تاريخ النقشبندّية‪ .‬ذلك أ ّ‬
‫القدمين منهم عند ما جاؤوا بهذه الزندقة لم‬
‫ك الوصاف الذميمة والبقاءُ‬ ‫يزيدوا على أّنها تر ُ‬
‫ن هذا البيان لم‬ ‫ما بأ ّ‬‫على الوصاف الحميدة‪ .‬عل ً‬
‫ن‬‫ذ‪ .‬ل ّ‬ ‫يكن حافًزا مثيًرا لنتباه المسلمين يومئ ٍ‬
‫ب عن الوصاف الزميمة والبقاءَ على‬ ‫الجتنا َ‬
‫ي‬
‫م َ‬ ‫س ّ‬ ‫الوصاف الحميدة شيء مرغوب فيه‪ ،‬وإن ُ‬
‫ن المسلمين لما سكتوا عن‬ ‫بالفناء والبقاء‪ .‬غير أ ّ‬
‫ن ورائها‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬
‫هذه التسمية الشاذة؛ ولم يتوقعوا أ ّ‬
‫حيلة سوف تعود بعواقب وخيمة‪ ،‬يتخذها‬
‫ء عقائد أخرى باطلة على‬ ‫خرون ذريعة لبنا ِ‬ ‫المتأ ّ‬
‫ور المر حّتى زعم‬ ‫ء‪ ،‬فتط ّ‬ ‫أساس مفهوم الفنا ِ‬
‫ن الفناء هو أن يتخّلص العبد من غائلة‬ ‫بعضهم «أ ّ‬
‫ن الفناء هو غياب‬ ‫ما سوى الله‪ .‬ومعنى ذلك ‪ :‬أ ّ‬
‫ن الفناء‬ ‫الصفات البشرية في صفات الحق‪ ،‬كما أ ّ‬
‫في الرسـول‪ ،‬هو غياب الصفات النسـانية في‬
‫ضا‬‫ن صفات الرسول أي ً‬ ‫صفات الرسول‪ 215».‬ل ّ‬
‫صفات إلهية عندهم‪.‬‬

‫ي‬
‫ن هذه الكلمات في الحقيقة ل تحتاج إلى أ ّ‬
‫إ ّ‬
‫تعليق ول توضيح ول تفسير‪ .‬ولقد زاد‬
‫المتأخّرون من تطوير هذه الزندقة حّتى‬

‫‪…Dr. Selçuk Eraydın, Tasavvuf ve Tarikatlar Pg. 197 İstanbul-1994‬‬ ‫‪215‬‬


‫يا‪Allah’ta fani olmak: beşeri sıfatların, Hakk’ın sıfatlarında kaybollması; Resul’de fani olmak ise insanî:‬‬
‫حرف ً‬ ‫وهذا نص كلمه‬

‫‪.sıfatların peygamber’in sıfatlarında kaybolması demektir‬‬

‫لمزيد من المعرفة حول مفهوم الفناء في اعتقاد النقشبندّية راجع المصادر التالية‪:‬‬

‫* نعمة الله بن عمر‪ ،‬الرسالة المدنية ص‪ .43 /‬مخطوطة دمشق ‪ 1213 -‬هـ‪) .‬الرسالة الثانية من مجموعة «الزمرد‬

‫‪TDV. İSAM. 297. 7‬‬ ‫العنقاء»(‬

‫* أحمد البقاعي‪ ،‬رسالة في آداب الطريقة النقشبندّية ص‪) .51 /‬الرسالة الثانية من مجموعة «الزمرد العنقاء»(‬

‫‪TDV. İSAM. 297. 7‬‬ ‫‪.46644‬‬

‫م ستة أشخاص من النقشبندّيين التراك ص‪ .2/63 /‬دار سراج إسطنبول ـ‬


‫ه ْ‬
‫د ُ‬
‫ة عد ُ‬
‫* روح الفرقان‪ ،‬بقلم جماع ٍ‬
‫‪1992‬م‪.‬‬
‫‪174‬‬

‫قسموها على ثلث مراتب‪ :‬الفناء في الشيخ‪،‬‬


‫والفناء في الرسول‪ ،‬والفناء في الله‪ .‬قال نعمة‬
‫الله بن عمر حول هذه الهرطقة‪ ،‬وهو من‬
‫ي‪ .‬قال في كتابه «الرسالة‬‫معاصري خالد البغداد ّ‬
‫المدنّية»‪ 216‬في باب الرابطة‪:‬‬

‫ت مجّردَ ذكر القلب‪ ،‬ل يعدل عليه‬ ‫مل َ‬


‫«وإذا تأ ّ‬
‫شيء‪ .‬فهذه النعمة تحصل بالمحبة بين المريد‬
‫ن الفناء في الشيخ‬ ‫وشيخه من الجانبين‪ .‬ل ّ‬
‫ء في الرسول؛ والفناء في الرسول‬ ‫دمة الفنا ِ‬ ‫مق ّ‬
‫‪217‬‬
‫مقدمة الفناء في الله والبقاء بالله‪».‬‬

‫ورت الطريقة النقشبندّية واستمّرت‬ ‫هكذا تط ّ‬


‫في مسيرتها بين تبديل وتحريف وزيادة‬
‫ونقصان واقتباس وتكييف وتأويل وتقليد‬
‫وتعطيل على يد شيوخ هذه الطائفة إلى أن‬
‫ء‬
‫ألبسوها كسوة من هذا التأويل الخطير للفنا ِ‬
‫ء الصوفّية‪.‬‬ ‫ء خلفا ً لمن وضعهما من قدما ِ‬ ‫والبقا ِ‬
‫ل على عدم استقرار‬ ‫وبهذا السلوب اّلذي يد ّ‬
‫دهم‬ ‫الطريقة النقشبندّية‪ ،‬كتموا تارةً مقصو َ‬
‫وا به‬‫ي من هذين المفهومين‪ ،‬وتارةً َباح ُ‬ ‫الحقيق ّ‬
‫مد أمين‬ ‫كما جاء في المواهب السرمدّية لمح ّ‬
‫ي‪ ،‬وهذا‬ ‫ي نقل ً عن أحمد الفاروق ّ‬ ‫ي الربل ّ‬ ‫الكرد ّ‬
‫ه‪:‬‬
‫ص كلم ِ‬ ‫ن ّ‬
‫ء كما قال أرباب التوحيد‬ ‫ت الله عين الشيا ِ‬ ‫«وجد ُ‬
‫ت الله‬
‫ي من متأخري الصوفّية‪ .‬ثم وجد ُ‬ ‫الوجود ّ‬
‫في الشياء من غير حلول ول سريان‪ .‬ثم ترقيت‬
‫ت‬
‫ء‪ .‬وهو ثاني قدم في الولية‪ .‬فوجد ُ‬ ‫في البقا ِ‬
‫ه عينها‪ ،‬بل عين‬
‫ت الل َ‬‫الشياءَ ثانًيا‪ .‬فوجد ُ‬

‫أصدر كتابه بهذه التسمية على سبيل النتقاد لبن عربي في تسميته كتاًبا له بعنوان «الفتوحات‬ ‫‪216‬‬
‫المكية»‪ .‬فثبت بهذا مرة أخرى أن النقشبندّيين على اختلف في كثير من حديثهم‪ ،‬وعباراته‪ ،‬ومواقفهم؛ وأنهم‬

‫عا وقلوبهم شّتى‪.‬‬


‫وامة خطيرة من التعارض والتناقض والتلفيق والتضارب‪ .‬تحسبهم جمي ً‬
‫في د ّ‬

‫‪TDV. İSAM. 297. 7 46644‬‬ ‫نعمة الله بن عمر‪ ،‬الرسالة المدنية ص‪) .43 /‬الزمرد العنقاء(‬ ‫‪217‬‬
‫‪175‬‬

‫ء بل في‬‫ه تعالى في الشيا ِ‬


‫نفسي‪ .‬ثم وجدت ُ ُ‬
‫‪218‬‬
‫ء بل مع نفسي‪».‬‬‫نفسي؛ ثم مع الشيا ِ‬

‫ونته‬
‫كذلك جاء من نحو هذا في كتاب خطير د ّ‬
‫جماعة من النفشبنديين بالّلغة التركّية تحت‬
‫‪219‬‬
‫عنوان «تفسير روح الفرقان»‬
‫***‬

‫* وحدة الوجوِد‪.‬‬
‫ي‬‫ب فلسف ّ‬ ‫ما فكرة «وحدة الوجود» فإّنها مذه ٌ‬ ‫أ ّ‬
‫قديم‪ .‬قالت بها جماعة من قدماء فلسفة‬
‫اليونان‪ .‬وهم؛ بارمينيديس‪ ،‬وزنون‪ ،‬وأفلطون‪،‬‬
‫وبلوتينوس‪ ،‬وطائفة الرواقيين‪ .‬ثم اغتّر بهذه‬
‫وفة؛ كحسين بن‬ ‫الفكرة واعتنقها بعض المتص ّ‬
‫لج‪ ،‬ومحي الدين بن عربي‪ ،‬وسليمان‬ ‫منصور الح ّ‬
‫بن على بن عبد الله التلمساني‪ ،‬وابن الفارض‪،‬‬
‫ي‪،‬‬
‫وفريد الدين العطار‪ ،‬وعبد الكريم الجيل ّ‬
‫ن على شاكلتهم‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫ويونس أمراه التركماني و َ‬
‫نك ّ‬
‫ل‬ ‫ل‪ :‬بأ ّ‬ ‫تتمّثل فكرة وحدةُ الوجوِد في القو ِ‬
‫شيء في الكون ليس إل ّ أجزاءً من الله‪َ ،‬‬
‫وأّنه‬
‫ليس ثمة فرق بين ما هو خالق وما هو مخلوق‪.‬‬
‫ة(‬
‫في ّ ِ‬ ‫ل الصو ِ‬ ‫ل أصحاب هذه العقيدة )وهم ج ّ‬ ‫يستد ّ‬
‫َ‬
‫فث َ ّ‬ ‫ول ّ ُ‬
‫وا َ‬ ‫بقوله تعالى‪َ } :‬‬
‫‪220‬‬
‫ه‪{.‬‬ ‫ه الل ِ‬‫ج ُ‬ ‫و ْ‬
‫م َ‬ ‫ما ت ُ َ‬
‫فأي ْن َ َ‬
‫ل شيء في السماوات والرض‬ ‫نك ّ‬ ‫يعنون بذلك أ ّ‬
‫ب‬ ‫ة ودوا ّ‬ ‫ي وملئك ٍ‬ ‫ي وجن ّ ّ‬ ‫ر‪ ،‬وإنس ّ‬ ‫ر وكبي ٍ‬ ‫من صغي ٍ‬
‫س‪ ،‬إّنما‬ ‫ر ونج ٍ‬ ‫س وطاه ٍ‬ ‫ب وياب ٍ‬ ‫ت وجماٍد ورط ٍ‬ ‫ونبا ٍ‬
‫ة من الذات اللهّية؛‬ ‫هي جميعا ً أجزاءٌ متفّرق ٌ‬
‫ه‬
‫ه وجلل ِ‬ ‫س من سحر ِ‬ ‫ن وعكو ٌ‬ ‫ع وألوا ٌ‬ ‫وأنوا ٌ‬
‫ه؛ وهو عينها وحقيقتها؛ وليس في‬ ‫وجمال ِ‬

‫ي الربلى‪ ،‬المواهب السرمدية ص‪.182 /‬‬


‫مد أمين الكرد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪218‬‬

‫التفسير المذكور ص‪.2/63 /‬‬ ‫‪219‬‬

‫البقرة‪115 /‬‬ ‫سورة‬ ‫‪220‬‬


‫‪176‬‬

‫الوجود إل الله‪ .‬بهذه العقيدة يتناولون قول َ ُ‬


‫ه‬
‫َ‬
‫وال َْباطِ ُ‬ ‫و ُ‬
‫‪221‬‬
‫ن‪{.‬‬ ‫هُر َ‬ ‫والظا ِ‬
‫خُر َ‬
‫وال ِ‬
‫ل َ‬ ‫و ال ّ‬
‫ه َ‬
‫تعالى} ُ‬
‫ن‬‫م‪:‬أ ّ‬ ‫ه ْ‬
‫د ِ‬ ‫عت َ َ‬
‫ق ِ‬ ‫م ْ‬
‫ولونها ويقصدون بهذا في ُ‬ ‫ويتأ ّ‬
‫مها‪،‬‬ ‫الله هو هذه الشياء والعيان والكائنات بتما ِ‬
‫مها‬‫مها وأحجا ِ‬ ‫وهيئاِتها وأشكاِلها وأبعاِدها وأجسا ِ‬
‫ة‪ .‬ومن‬ ‫ة و وحدةٌ في كثر ٍ‬ ‫وهي كثرةٌ في وحد ٍ‬
‫ذلك قول عمر بن الفارض‪:‬‬

‫ل رائي‬‫دد في المرائي * وبه تـحّير ك ّ‬


‫ه تع ّ‬
‫وج ٌ‬
‫فالكــائنات بأمره * موج على صفحات ماء‬
‫فالمر أمر واحـد * فيه التـقارب والتـنائي‪.‬‬

‫ق‬
‫ويقول محي الدين بن عربي « أل ترى الح ّ‬
‫يظهر بصفات المحدثات‪ ،‬وأخبر بذلك عن نفسه‪،‬‬
‫م؛ أل ترى المخلوق‬ ‫وبصفات النقص وبصفات الذ ّ‬
‫ولها إلى آخرها‪ ،‬كّلها‬‫يظهر بصفات الحق من أ ّ‬
‫‪222‬‬
‫ق له كما هي صفات المحدثات حق للحق»‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫ي بالموضوع‬ ‫عن ِ َ‬
‫ة لما سبق‪ .‬وقد ُ‬‫كانت هذه خلص ٌ‬
‫أهل البحث واختلفوا فيه بين رادّ ومدافع‪ .‬ففي‬
‫لمة علي القاري‪ .‬له‬ ‫ن ردّ عليهم‪ ،‬الع ّ‬
‫م ْ‬
‫ة َ‬
‫دم ِ‬
‫مق ّ‬
‫رسالة قّيمة بعنوان «الردّ علي القائلين بوحدة‬
‫ع على‬ ‫الوجود»‪ 223.‬وممن تناول هذا الموضو َ‬
‫ص اسمه عمر فريد كام‪.‬‬ ‫سبيل الدفاع عنه‪ ،‬شخ ٌ‬
‫له «رسالة وحدة الوجود» بالّلغة التركّية ‪ .‬وقد‬
‫‪224‬‬

‫ي في‬ ‫تطّرق إلى هذا البحث أبو الحسن الندو ّ‬

‫سورة الحديد‪.3/‬‬ ‫‪221‬‬

‫محي الدين بن عربي‪ ،‬فصوص الحكم ص‪.80 /‬‬ ‫‪222‬‬

‫‪TDV. İSAM.297.7‬‬ ‫تحقيق على رضا بن عبد الله بن علي رضا‪ ،‬مكتبة مركز البحوث السلمّية ـ إسطنبول‪.‬‬ ‫‪223‬‬
‫‪ALİ-R‬‬

‫تحقيق الستاذ المساعد أدهم جبه جي أغلو‪ ،‬منشورات رئاسة الشؤون الدينّية رقم‪ .324/91 :‬أنقره‪-‬‬ ‫‪224‬‬
‫‪1994‬م‪ .‬تناول المؤّلف هذه العقيدة مقارًنا بين تعريف الصوفّية وتعريف الفلسفة لعقيدة وحدة الوجود المعّبر‬

‫عنها بكلمة ‪ .Pantheisme‬بيد إّنه تبّنى في النهاية رأي الصوفّية فيها ووصفهم بأهل العرفان فأصبح هو الخر‬

‫مدافعا من وراء عقيدة وحدة الوجود‪ ،‬ولكن بصيغة تنزيهية لجنابه تعالى‪) .‬ص‪.(121-115 /‬‬
‫‪177‬‬

‫المجّلد الثاني من كتابه المعروف «رجال الفكر‬


‫‪225‬‬
‫والدعوة في السلم»‬

‫ن‬
‫ما موقف النقشبندّيين من هذه المسألة‪ ،‬فا ّ‬ ‫أ ّ‬
‫مهم وإجلَلهم للوجوديين والحلوليين يدل‬ ‫تعظي َ‬
‫على استحسانهم لفكرة وحدة الوجود والحلول‬
‫والتحاد‪ .‬إذ ل يكاد أحد منهم يرضى بما ورد عن‬
‫ء من الطعن في الحلّج‪ ،‬وابن عربي‬ ‫العلما ِ‬
‫وغيرهما من الوجوديين والحلوليين‪ .‬بل‬
‫يتعاطون حديَثهم في مجالسهم مع الحترام‬
‫دونهم‬‫والتوقير لشأنهم‪ ،‬ويطالعون كتَبهم‪ ،‬ويع ّ‬
‫من أهل الفيوضات الرّبانّية والكرامة والبركة؛‬
‫لج إّنه شهيد‪ ،‬ويصفون ابن‬ ‫ويقولون عن الح ّ‬
‫عربي بـ«الشيخ الكبر»‪.‬‬

‫منه‬ ‫ن ذلك ناشيء عن جهلهم بما تتض ّ‬ ‫والغلب أ ّ‬


‫ة وإلحاد في‬‫عقيدةُ وحدة الوجود من زندق ٍ‬
‫صفات الحق سبحانه بما يستحيل عليه‪ ،‬إلى‬
‫سخافات يتجافى لسان المؤمن عن النطق بها‪.‬‬
‫لن شيوخ النقشبندّية ‪ -‬في حقيقة المر‪ -‬هم‬
‫أبعد الناس عن ساحة العلم والمعرفة‪ ،‬وأكثرهم‬
‫صًبا‪ ،‬كما سنشرح أحوالهم‪،‬‬‫ل‪ ،‬وأشدهم تع ّ‬‫خمو ً‬
‫ة عن‬
‫ت شافي ً‬
‫ونبّين سلوكهم‪ ،‬وننقل معلوما ٍ‬
‫ن‬‫مستوياتهم وشخصّياتهم في الفصل الرابع إ ْ‬
‫شاء الله تعالى‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وإن لم يكن للنقشبندّيين إلمام كبير بعقيدة‬


‫ة‪ ،‬ولكّنهم يدخلون في عداد‬‫وحدة الوجود مباشر ً‬
‫ل تقدير؛ وذلك‬‫قّر بهذه العقيدة على أق ّ‬
‫ن يُ ِ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫لسباب ثلثة‪:‬‬

‫ن ذهب هذا المذهب كما‬


‫م ْ‬‫قرون َ‬ ‫و ّ‬
‫ولها‪ :‬أّنهم ي ُ َ‬
‫أ ّ‬
‫سبق الحديث عنه آنفا‪.‬‬

‫دار القلم‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬الكويت‪1994 -‬م‪ .‬ص‪.258 ،251 ،248 ،239 ،217 ،170 ،118 ،31 ،30 /‬‬ ‫‪225‬‬
‫‪178‬‬

‫ن كثيًرا من عقائدهم منبثقة من‬ ‫وثانيها‪ :‬أ ّ‬


‫الديانة البوذّية اّلتي تعتمد على عبادة‬
‫ي يعبد الشجر والحجر والقرد‬ ‫المخلوقات‪ .‬فالبوذ ّ‬
‫دسه‬ ‫خ ويق ّ‬ ‫ه الشي َ‬ ‫ي يؤل ّ ُ‬‫والبقر‪ .‬وكذلك النقشبند ّ‬
‫جا‬
‫في حياته وبعد مماته إلى درجة ل يراه محتا ً‬
‫ها‬‫من َّز ً‬
‫إلى رحمة الله؛ بل يراه مستغنًيا عنها و ُ‬
‫من أن يدعو له بالمغفرة‪ ،‬بأن يقول «رحمه‬
‫الله» أو «رحمة الله عليه» إن كان قد مات‪.‬‬
‫ده جزءً من‬ ‫ه»‪ .‬إذ يع ّ‬ ‫سّر ُ‬‫ه ِ‬
‫س الل ُ‬ ‫ولكن يقول « َ‬
‫قدّ َ‬
‫ل على اعتقادهم هذا‪ ،‬ما نقله إبراهيم‬ ‫الله‪ .‬يد ّ‬
‫ل كتابه «تحفة العشاق» إّنه‬ ‫الفصيح في مسته ّ‬
‫«قال القاضي عياض في الباب الرابع من‬
‫القسم الثاني في الشفاء نقل ً عن أبي بكر‬
‫ي‬
‫ن الصلة من الله لمن دون النب ّ‬ ‫ي‪ :‬أ ّ‬
‫القشير ّ‬
‫ة؛ وقال الشارح الشهاب‪ :‬أي طلب أن‬ ‫رحم ٌ‬
‫ي فمرحوم بأعلى أنواع‬ ‫يرحمه الله‪ .‬وأما النب ّ‬
‫الرحمة‪ ،‬فهو غير محتاج لن ُيدعى له بها‪».‬‬

‫ة للنقشبندّيين‬ ‫ت في موسوع ٍ‬ ‫وقد جاءت عبارا ٌ‬


‫حمون‬ ‫ي تفيد أنّهم يتر ّ‬ ‫كار ّ‬‫ضمن ترجمة طه اله ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫دسون َ‬ ‫على من ل يزال في قيود نفسه‪ ،‬ويق ّ‬
‫كان قد حظي بالنجاة من قيودها على حسب‬
‫دس‬ ‫ل شيء يّتصل به فهو مق ّ‬ ‫زعمهم‪ .‬كذلك ك ّ‬
‫وحّتى مخاطه‬ ‫طه‪ ،‬بل َ‬‫عندهم؛ حّتى كلبه وق ّ‬
‫ما يعّبر المريد عن محّبته‬ ‫وبوله وفضلته! وكثيًرا ّ‬
‫ب‬‫ن ك ِل َ ِ‬
‫م ْ‬‫وصداقته وتفانيه لشيخه بقوله «أَنا ِ‬
‫‪226‬‬
‫ي بالذات‪.‬‬ ‫هذا لفظ خالد البغداد ّ‬ ‫ت»‬
‫دا ِ‬
‫سا َ‬
‫ال ّ‬
‫ي!!‬‫فما بالك بالمريد البدوي البدائ ّ‬
‫ء والنصهار في‬‫كذلك يعتقد النقشبندّيون بالفنا ِ‬
‫ن المخلوق يح ّ‬
‫ل فيه‪،‬‬ ‫الذات اللهّية‪ .‬ومعنى ذلك أ ّ‬
‫ذا يجوز عندهم أن‬ ‫أو هو يح ّ‬
‫ل في المخلوق‪ .‬إ ً‬

‫ي»‬
‫ي في نصرة مولنا خالد النقشبند ّ‬
‫مد أمين بن عمر بن عبد العزيز )ابن عابدين(‪« ،‬سل الحسا الهند ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪226‬‬
‫‪37‬‬ ‫ص‪/‬‬
‫‪179‬‬

‫تكون الشياء أجزاءً منه؛ أو أن يكون هو هذه‬


‫الجزاء المتفّرقة في الكون‪ .‬تعالى الله عن ذلك‬
‫وا كبيًرا‪.‬‬
‫عل ّ‬
‫لج‬‫ن الح ّ‬ ‫ي‪ .‬وهي أ ّ‬ ‫ي وعصب ّ‬ ‫ب تاريخ ّ‬ ‫وثالثها‪ :‬سب ٌ‬
‫ة‬
‫ن دول َ‬ ‫ب‪ ،‬ويرى أ ّ‬ ‫ي الصل يكره العر َ‬ ‫كان فارس ّ‬
‫ت على أيديهم‪ .‬فكان شعوبّيا‬ ‫ه انقرض ْ‬ ‫آبائ ِ ِ‬
‫ه‬‫ض ُ‬‫صب لقومه المجوس‪ ،‬حّتى دفعته أغرا ُ‬ ‫يتع ّ‬
‫ة على الدولة‬ ‫ة وحقدُهُ على إشعال ثور ٍ‬ ‫النفسي ُ‬
‫ت‬‫ف ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ة بها‪ ،‬إلى أن ك ُ ِ‬ ‫دا للطاح ِ‬ ‫العّباسية‪ ،‬إستعدا ً‬
‫ه التى كان يحيكها وُيخفيها من‬ ‫أسراُرهُ ومؤامرات ُ ُ‬
‫قتل‪.‬‬ ‫ة‪ ،‬ف ُ‬‫ة متصّنع ٍ‬ ‫ة صوفي ٍ‬ ‫وراء حيا ٍ‬
‫كذلك النقشبندّيون )التراك على وجه‬
‫ن جميع‬ ‫ب‪ ،‬ويعتقدون أ ّ‬ ‫الخصوص( يكرهون العر َ‬
‫هابّيون وعصاةٌ خارجون على الدولة‬ ‫العرب و ّ‬
‫دسة» في اعتقادهم‪ .‬ذلك‬ ‫العثمانّية «المق ّ‬
‫دى إلى نتائج خطيرة‪.‬‬ ‫صبهم القومي اّلذي أ ّ‬ ‫لتع ّ‬
‫ي اليوم قد‬ ‫منها أن الغلبّية من العنصر الترك ّ‬
‫كب النقص‪ ،‬لغلبة الّلغة العربّية على‬ ‫أصيبت بمر ّ‬
‫ة تقرب من ألف سنة‪ .‬وهم‬ ‫حقب ٍ‬ ‫لغتهم عبر ُ‬
‫يبحثون في الونة الخيرة عن سبيل التخّلص‬
‫من هذا التأثير‪ .‬ويرى الكثير من المارقين من‬
‫ن الخروج من هذا المأزق ل‬ ‫أبناء هذا الشعب «أ ّ‬
‫ي ربقة السلم‬ ‫ع الترك ّ‬ ‫ل المجتم ُ‬ ‫يمكن إل ّ أن يح ّ‬
‫دى جموع‬ ‫ما»‪ .‬وإذا كان اليوم تتح ّ‬ ‫من عنقه تما ً‬
‫غفيرة من ملحدة التراك بهذه الفكرة الخطيرة‬
‫ي اّلذي‬‫صب القوم ّ‬ ‫د‪ ،‬واستعداٍد‪ ،‬فان للتع ّ‬ ‫عن ج ّ‬
‫ء هذه‬ ‫أثاره النقشبندّيون تأثيًرا كبيًرا في إبدا ِ‬
‫صب هو القاسم‬ ‫الجرأة والغطرسة‪ .‬وهذا التع ّ‬
‫لج‪ .‬وفي هذا دلئل‬ ‫المشترك بينهم وبين الح ّ‬
‫ن الصلة‬ ‫كثيرة‪ .‬فقد أفتى شيخ لهم أخيًرا «بأ ّ‬
‫ي‪ ،‬ول يجوز‬ ‫هاب ّ‬‫ء بإمام و ّ‬ ‫ة عند القتدا ِ‬ ‫باطل ٌ‬
‫هابّيون!» فزجر‬ ‫القتداء بأئمة الحرمين؛ لّنهم و ّ‬
‫‪180‬‬

‫مريديه عن ذلك وألزمهم بإعادة الصلة إذا‬


‫ي في ديار‬‫اضطّر أحدهم أن يقتدي بإمام ٍ عرب ّ‬
‫الحجاز‪.‬‬

‫ي هذا على معظم‬ ‫وقد أّثر موقفهم السلب ّ‬


‫ي‪ ،‬بحيث ل يكاد أحد منهم يشعر‬ ‫الشعب الترك ّ‬
‫في نفسه بمحبّة العرب إل ّ قّلة‪ ،‬ول يدور حديث‬
‫العرب في مجلس من مجالس النقشبندّية‬
‫التراك إل ّ وضربوا مثال ً من قذارتهم وخيانتهم‬
‫دونها‬ ‫دسونها ويع ّ‬ ‫للدولة العثمانّية‪ .‬لنهم يق ّ‬
‫ها دون بقّية‬ ‫وَرث َت ُ َ‬
‫صانعة أمجادهم على أنهم َ‬
‫ملون قسطاً‬ ‫العناصر من المسلمين‪ .‬ولهذا يح ّ‬
‫كبيًرا من مسؤولية سقوطها على العرب اّلذين‬
‫عملوا على استقللهم وانفصلوا عن الدولة‬
‫العثمانّية بعد الحرب العالمّية الولى؛ كما‬
‫دون زيارة‬ ‫دسون أضرحة سلطينها‪ ،‬ويع ّ‬ ‫يق ّ‬
‫عا من‬ ‫قُرَبات‪ .‬إذ يعتبرونهم جمي ً‬ ‫قبورهم من ال ُ‬
‫أولياء الله الصالحين‪) .‬أى من أولئك الولياء‬
‫صة‪(.‬‬ ‫الموصوفين في عقيدتهم الخا ّ‬
‫قرون ابن عربي بسبب المصاهرة‪ .‬لّنه‬ ‫كذلك يو ّ‬
‫أقام في مدينة قونية‪ .‬وهي من كبريات مدن‬
‫وج من والدة صدر الدين‬ ‫تركيا منذ القديم‪ .‬وتز ّ‬
‫ي‪ ،‬من‬ ‫و ّ‬ ‫وي اّلتي كانت أرملة‪ .‬والصدر ال ُ‬
‫قن َ ِ‬ ‫ال ُ‬
‫قن َ ِ‬
‫وفة التراك‪ ،‬اّلذين تفخر بهم‬ ‫مشاهير متص ّ‬
‫النقشبندّية‪ .‬وهو ممن شرح فصوص الحكم‪،‬‬
‫ونحى منحى مؤّلفه‪.‬‬

‫ن اّلذين يتع ّ‬
‫صبون للحلّج‬ ‫تتا ّ‬
‫كد الشارة هنا إلى أ ّ‬
‫ي‬
‫وابن عربي وابن عطاء الله السكندر ّ‬
‫وأمثالهم‪ ،‬إنما يدافعون عنهم وعن أفكارهم‬
‫لسببين رئيسّيين‪.‬‬

‫حرين في‬
‫ب المتب ّ‬ ‫ولهما‪ :‬أن فري ً‬
‫قا من العر ِ‬ ‫أ ّ‬
‫الّلغة العربّية وآدابها اّلذين أصبحوا من فحولها‪،‬‬
‫‪181‬‬

‫ة من ُأدباء الصوفّية وشعراَئهم‪،‬‬ ‫قد غبطوا طائف ً‬


‫سوا‬‫وافتتنوا بسحر ما نسجته أقلمهم‪ ،‬وأح ّ‬
‫بتأثير بالغ في نفوسهم‪ ،‬فانهمكوا في مطالعة‬
‫ء الصوفّية حّتى خطفت أبصاَرهم‬ ‫تصانيف هؤل ِ‬
‫ي البارع‪ ،‬وحارت عقولهم في‬ ‫ة جمالها الدب ّ‬ ‫لمع ُ‬
‫عمق معانيها النابعة من حكمة فلسفة الغريق‪،‬‬
‫ت‬
‫فاهتّزت نفوسهم لهديرها ونبراتها‪ ،‬وحن ّ ْ‬
‫طراد أبوابها وحسن‬ ‫عواطفهم وفارت ل ّ‬
‫ء عباراتها‬‫تراكيبها الموزونة المرصوفة في بنا ِ‬
‫وهم قّلة‪ .‬كجلل الدين عبد الرحمن السيوط ّ‬
‫ي‪،‬‬
‫هاب الشعراني‪ ،‬وعبد الغني‬ ‫وعبد الو ّ‬
‫‪227‬‬
‫ي‪.‬‬ ‫النابلس ّ‬
‫ة العرب‪ ،‬وعلى رأسهم‬ ‫مشاهير صوفي ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ذلك أن‬
‫ظا من قاموس هذه‬ ‫ابن عربي‪ ،‬قد انتقوا ألفا ً‬
‫الّلغة كأّنهم استخرجوا الجواهر من بحورها‪.‬‬
‫ر‪ ،‬نظموا‬ ‫لب فاخ ٍ‬ ‫بخ ّ‬ ‫ر‪ ،‬وأسلو ٍ‬ ‫ن زاخ ٍ‬ ‫فكتبوا ببيا ٍ‬
‫يواقيت الكلم في جيد السطور‪ ،‬ونثروا من درر‬
‫قا‬‫الكلمات على الصفحات؛ فجاء تعبيرهم ناط ً‬
‫ة وخيالتها‪.‬‬ ‫ورات النفس البشري ّ ِ‬ ‫عن أروع تص ّ‬
‫ل‪،‬‬‫م في العس ِ‬ ‫سوا الس َ‬ ‫فاستطاعوا بذلك أن يد ّ‬
‫ولت لهم أنفسهم؛ فنفذوا إلى أعماق‬ ‫كما س ّ‬
‫س‬
‫ة‪ ،‬وتسّربوا إلى قرارة نفو ٍ‬ ‫ب مريض ٍ‬ ‫قلو ٍ‬
‫ت شهرُتهم‬ ‫ع صيُتهم‪ ،‬وبلغ ْ‬ ‫ة حّتى شا َ‬ ‫ضعيف ٍ‬
‫ن هؤلء‬‫ن جمهوٌر من الناس أ ّ‬ ‫ق‪ ،‬فظ ّ‬ ‫الفا َ‬
‫صته‪ ،‬آتاهم الله‬ ‫الصوفّية هم أحّباء الله وخا ّ‬
‫الحكمة بهذه البلغة اّلتي تبهر العقول‪ .‬فلم يكد‬
‫أحدٌ قادًرا بعد ذلك على إحباط ما أذاعوا من‬

‫ن هؤلء الثلثة اّلذين غلبتهم العاطفة في مدح ابن عربي‪ ،‬فقد تح ّ‬


‫مسوا في الدفاع عنه‪ ،‬فصّنف‬ ‫إ ّ‬ ‫‪227‬‬
‫ي كتاًبا في ذلك تحت عنوان «تبرئة الغبي عن طعن ابن عربي»‪ ،‬ولكن يبدو إّنه قد رجع من رأيه في‬
‫السيوط ّ‬
‫ي فقد أطنب في مدحه لبن‬
‫ما الشعران ّ‬
‫هذا الدفاع حسبما أثبته بعض المعاصرين من أهل البحث والتحقيق‪ .‬أ ّ‬
‫عربي بذكر مآثره ما يقوم مقام الدفاع عن عقيدته ضمن كتابه اّلذي سماه «الكبريت الحمر في بيان علوم‬

‫دى بحماس بالغ للدفاع عنه في كتابه اّلذي سماه «الراد‬


‫الشيخ الكبر»‪ .‬وكذلك عبد الغني النابلسي‪ ،‬قد تص ّ‬
‫ء الثلثة اّلذين جرفتهم العاطفة إلى‬
‫المتين على منتقض العارف بالله محي الدين » وثم عدد آخر من أمثال هؤل ِ‬

‫درين من التراك في عجالة له‪.‬‬


‫هذه الساحة‪ ،‬فقد جمع أسمائهم بعض المتص ّ‬
‫‪182‬‬

‫وه‪ ،‬فغدا‬ ‫ق المش ّ‬‫وه في صورة الح ّ‬‫الباطل المن ّ‬


‫هذا العجاب والعتقاد بهم أمًرا متصل ًّبا في‬
‫ر‬ ‫س عاطفّيين في ك ّ‬ ‫ُ‬
‫ل عص ٍ‬ ‫ر من أنا ٍ‬
‫ضمير معش ٍ‬
‫عب َْر الجيال حّتى اليوم‪.‬‬
‫تسلسل َ‬

‫ء‬ ‫س َ‬
‫طا ِ‬ ‫قا آخر من ب ُ َ‬ ‫ن فري ً‬ ‫وثاني هذين السببين‪ :‬أ ّ‬
‫المتعّلمين المتطّبعين بالتقليد المحض‬
‫والمحرومين من الذوق والنظر والعتبار‪،‬‬
‫ول من‬ ‫م الفريق ال ّ‬ ‫ت أقل ُ‬
‫انخدعوا بما حاك ْ‬
‫وهوا به من‬ ‫عبارات الدفاع عن الزنادقة‪ ،‬وما تف ّ‬
‫ح لهم‪ ،‬وما أطنبوا في مناقبهم ومآثرهم‬ ‫مدائ َ‬
‫ء عليهم والعجاب‬ ‫ة‪ ،‬وما بالغوا في الثنا ِ‬‫ق ِ‬ ‫َ‬
‫المخت َل َ‬
‫سهم وصاروا لهم من‬ ‫ت أنف ُ‬
‫بهم‪ .‬فاستيقن ْ‬
‫التابعين‪ .‬وغالب هؤلء المقّلدين هم الشيوخ‬
‫الجهلة للطائفة النقشبندّية‪.‬‬

‫ن فكرة «وحدة الوجود»‬ ‫بالضافة إلى هذا‪ ،‬فا ّ‬


‫لها جاذبّية شديدة في سحر العقول وتشويش‬
‫العواطف وتخدير الدمغة‪ ،‬فينساق من وراء‬
‫أحلمها التائهون في دياجي الشبهات‪ ،‬ويلهث‬
‫ن هذه‬ ‫المتحّيرون نحو سرابها فيحسبون أ ّ‬
‫ي انصّبت‬ ‫الفكرة حكمة منبثقة من الوحي الله ّ‬
‫على قلوب هؤلء الصوفّية من ملكوت الله‪ .‬فل‬
‫ء فيه‬ ‫ن كانوا قد نطقوا بشي ٍ‬ ‫قعون منهم أ ْ‬ ‫يتو ّ‬
‫ه‪ ،‬لما في قلوبهم من عظمة أولئك‬ ‫معصية الل ِ‬
‫الزنادقة‪ ،‬حّتى لو وجدوا في عباراتهم من ألفاظ‬
‫الكفر واللحاد‪ ،‬ترى المنبهرين بهم من‬
‫ن هذه اللفاظ‬ ‫النقشبندّيين يدافعون عنهم‪ :‬أ ّ‬
‫ت‬
‫ه‪ ،‬أو صدر ْ‬ ‫ُ‬
‫ن ل يدركها إل ّ أهل ُ‬ ‫م ومعا ٍ‬ ‫حك َ ٌ‬
‫فيها ِ‬
‫ة من السكر ل يفهمها ول يقدُّرها‬ ‫منهم في حال ٍ‬
‫غيرهم!‬

‫ن‬
‫ولكن بالرغم من هذا الدفاع الواله‪ ،‬فا ّ‬
‫ةك ّ‬
‫ل‬ ‫دهم واضح ٌ‬ ‫ة ومقاص َ‬ ‫ألفا َ‬
‫ظهم مفهوم ٌ‬
‫لج‪:‬‬‫الوضوح كقول الح ّ‬
‫‪183‬‬

‫ن أهوى أنا * نحن روحـان‬ ‫م ْ‬


‫ن أهوى و َ‬ ‫أنا مَ ْ‬
‫حللـنا بدنا‪.‬‬
‫ه‬
‫ه * وإذا أبصـرَتـ ُ‬
‫فإذا أبصرَتني أبصـرتـ ُ‬
‫‪228‬‬
‫أبصـرَتنا‪.‬‬

‫ن العارف من يرى‬ ‫ومنها ما قال ابن عربي؛ «فا ّ‬


‫‪229‬‬
‫ل شيء‪».‬‬ ‫نك ّ‬ ‫ل شيء؛ بل يراه عي َ‬ ‫ق في ك ّ‬‫الح ّ‬
‫وقد فّرط في جنب الله بكلم صريح ل مجال‬
‫ول والخر والظاهر‬ ‫للتأويل فيه‪ .‬فقال «فهو ال ّ‬
‫ن في‬ ‫ما ب َطَ َ‬‫ن َ‬
‫هَر‪ ،‬وعي ُ‬ ‫ما ظَ َ‬
‫ن َ‬ ‫والباطن‪ ،‬فهو عي ُ‬
‫م من يراه غيره‪ ،‬وما ثم من‬ ‫حال ظهوره‪ ،‬وما ث ّ‬
‫يبطن عنه؛ فهو ظاهر لنفسه‪ ،‬باطن عنه‪ .‬وهو‬
‫ء‬
‫مى أبا سعيد الخراز وغير ذلك من أسما ِ‬ ‫المس ّ‬
‫‪230‬‬
‫المحدثات‪».‬‬

‫ولما عرض كتاب «فصوص الحكم» على سليمان‬


‫ي وقيل‬
‫بن علي بن عبد الله التلمساني الصوف ّ‬
‫له‪ -« :‬ك ّ‬
‫ل ما في هذا الكتاب يخالف القرآن!»‬

‫أجاب بقوله‪ -« :‬القرآن كّله شرك‪ ،‬وإنما التوحيد‬


‫في قولنا»‪.‬‬

‫ي عن ابن عربى وعن فكرة‬ ‫هكذا دافع التلمسان ّ‬


‫ما قيل له‪-« :‬‬
‫وحدة الوجود في الوقت ذاته‪ .‬ول ّ‬
‫فما الفرق بين أختي وزوجتي؟»‪.‬‬

‫الحسين بن منصور الحلج‪ ،‬طواسين ص‪) .34 /‬نقل ً من كتاب اسمه «هذه هي الصوفّية»‪ ،‬للشيخ عبد‬ ‫‪228‬‬
‫الرحمن الوكيل ص‪ .53 /‬دار الكتب العلمّية‪ ،‬بيروت‪1984 -‬م‪(.‬‬

‫سّنة»‬
‫ي في ضوء الكتاب وال ّ‬
‫محي الدين بن عربي فصوص الحكم ص‪) .192 /‬نقل من كتاب؛ «الفكر الصوف ّ‬ ‫‪229‬‬
‫للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ص‪ .75 /‬مكتبة ابن تيمية الكويت‪ ،‬الطبعة الثانية(‬

‫سّنة» للشيخ عبد‬


‫ي في ضوء الكتاب وال ّ‬
‫المصدر السابق ص‪) .77 ،76 /‬نقل من كتاب؛ «الفكر الصوف ّ‬ ‫‪230‬‬
‫الرحمن عبد الخالق ص‪ .83 /‬مكتبة ابن تيمية الكويت‪ ،‬الطبعة الثانية(‬
‫‪184‬‬

‫قال‪ -« :‬ل فرق عندنا‪ ،‬ولكن هؤلء المحجوبون‬


‫‪231‬‬
‫قالوا حرام‪ ،‬قلنا حرام عليكم‪».‬‬

‫كانت هذه عدد من الدلئل الواضحات على‬


‫عقيدة وحدة الوجود‪ .‬وهي قطرة من بحر‪ .‬وما‬
‫ص رزقه الله العقل والبصيرة والمعرفة‬ ‫من شخ ٍ‬
‫طلع على هذه العبارات‪ ،‬فل‬‫بالّلغة العربّية إذ ي ّ‬
‫ن عقيدة وحدة الوجود ليست إل ّ كما‬ ‫ك في أ ّ‬‫يش ّ‬
‫قال بعضهم‪:‬‬
‫«وما الكلب والخنزير إل ّ إلهنا * وما الله إل ّ‬
‫‪232‬‬
‫راهب في كنيسة»‬

‫ن ما جاء في كتب الصوفّية من‬ ‫لذا من زعم أ ّ‬


‫أمثال هذه العبارات‪ ،‬إّنما هي كلمات صدرت‬
‫ي‪ ،‬ل‬
‫ق الله ّ‬
‫ة من العش ِ‬‫ر وغلب ٍ‬‫منهم في حالة سك ٍ‬
‫يقف على حقيقتها إل ّ أهلها؛ فقد شهد على‬
‫مُرهُ من الحرب على الله‬ ‫ض ِ‬
‫نفسه أّنه كاتم لما ي ُ ْ‬
‫كما يفعله قدماء الروحانّيين من النقشبندّية عن‬
‫د‪ ،‬فيتبعهم بقّية الشيوخ وآلف من المريدين‬ ‫قص ٍ‬
‫دا بهم في هذا العتذار‪.‬‬ ‫الجهلة تقلي ً‬
‫ضا يدخلون في عداد‬ ‫ن النقشبندّيين أي ً‬
‫لهذا‪ ،‬فا ّ‬
‫الوجودّيين بالتأكيد؛ لحسن ظّنهم بابن عربي‬
‫ل على ذلك تعظيمهم لهذه الطائفة‬ ‫وأمثاله‪ .‬يد ّ‬
‫وثناؤهم عليها في مواطن كثيرة من حديثهم‪،‬‬
‫ن اشتهر منهم بالعلم والثقافة‪ .‬وقلي ٌ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬
‫صة َ‬‫خا ّ‬
‫ماهم!‬‫ّ‬

‫وف في ميزان البحث والتحقيق» للمؤّلف‬


‫عَلم الشامخ ص‪ .569 /‬نقل ً من كتاب «التص ّ‬
‫صالح المقبلى‪ ،‬ال َ‬ ‫‪231‬‬
‫عبد القادر سندي ص‪(.439/‬‬

‫مد بهاء الدين بن عبد الغني بن حسن بن إبراهيم البيطار‪ .‬تكملة النفحات القدسية في شرح‬
‫مح ّ‬ ‫‪232‬‬
‫الصلوات العظيمة الدريسية؛ نقل من كتاب «هذه هي الصوفّية» للشيخ عبد الرحمن الوكيل ص‪64 /‬؛ وكتاب‬

‫سّنة»‪ ،‬للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ص‪153 /‬؛ )على إّنه من كلم فريد‬
‫ي في ضوء الكتاب وال ّ‬
‫«الفكر الصوف ّ‬
‫الدين العطار(؛ وكتاب‪ :‬معالم الهدى إلى فهم السلم‪ ،‬للدكتور مروان إبراهيم القيسي‪ .‬ص‪.69 /‬‬
‫‪185‬‬

‫لم ينج أحد منهم من هذا التأثير‪ ،‬لرسوخ نزعة‬


‫التقليد العمى فيهم‪ ،‬فلم تكن محّبتهم أو‬
‫دا بمن اعتقدوا فيه‪.‬‬ ‫ء إل ّ تقلي ً‬ ‫كراهيتهم لشي ٍ‬
‫ما يبالغون في إظهار‬ ‫لذلك تجدهم دائ ً‬
‫أحاسيسهم سواء في محّبتهم أو في بغضهم‬
‫صبي‬ ‫ي‪ .‬وهو من متع ّ‬ ‫وكراهّيتهم‪ .‬كزاهد الكوثر ّ‬
‫حا من عباراته في‬ ‫هذه النحلة كما يبدو ذلك واض ً‬
‫ه‬
‫ونه وصّنفه‪ .‬فقد انعكس إعجاب ُ ُ‬ ‫ل ما قد د ّ‬ ‫ك ّ‬
‫ه في مواطن كثيرة من‬ ‫بنفسه واغتراُرهُ بعلم ِ‬
‫ه‬
‫ديات ِ‬
‫ة وتح ّ‬
‫ة ولهجته القاسي ِ‬ ‫لذع ِ‬‫ه ال ّ‬‫كلمات ِ ِ‬
‫ه على أهل العلم واحتقاره لهم‪ .‬ل يخلو‬ ‫وهجمات ِ‬
‫م‪ ،‬أو طعن‬ ‫ف بعال ٍ‬‫كتاب من كتبه إل ّ وفيه استخفا ٌ‬
‫ل من أهل المعرفة والجتهاِد‪ .‬وربما كان‬ ‫في رج ٍ‬
‫ف المتنافَر من أهل التوحيد في‬ ‫اّتخاذه الموق َ‬
‫ة‪،‬انتقاما منهم‪ ،‬ليشفي بذلك غليله‬ ‫ً‬ ‫ل مناسب ٍ‬ ‫ك ّ‬
‫وليستريح من كبته بسبب كتمانه لما كان يعتقده‬
‫من فكرة وحدة الوجود‪ .‬يبرهن على هذه‬
‫جله أبو الفضل بن عبد الله‬ ‫الحقيقة ما قد س ّ‬
‫دمته لكتاب «الردّ على القائلين‬ ‫ي في مق ّ‬ ‫قنو ّ‬ ‫ال ُ‬
‫بوحدة الوجود» تأليف علي بن سلطان القاري‪.‬‬
‫فقال‪:‬‬

‫شيَر‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬


‫م أن أ ِ‬ ‫ي هذا التقدي َ‬
‫ه َ‬ ‫«ويحسن بي قبل أن أن ْ ِ‬
‫ه‬‫ر ِ‬
‫ي عص ِ‬ ‫ة جهم ّ‬ ‫م الباحث في ترجم ِ‬ ‫ء يه ّ‬
‫إلى شي ٍ‬
‫صته مع مصطفى‬ ‫ي وق ّ‬
‫ه الكوثر ّ‬ ‫د ِ‬
‫ء بل ِ‬
‫ء علما ِ‬
‫وسو ِ‬
‫صبري‪ ،‬وذلك أّنه جرت بينهما من الخصومة‬
‫العلمّية ما يجدر أن ُيكَتب في كتاب مستق ّ‬
‫ل‪،‬‬
‫ذا لعّله لم يشر إليها‬ ‫ولكّني سأذكر من ذلك نب ً‬
‫كاتب قبلي ما علمت‪»:‬‬

‫ي‪ ،‬وهو كاتب‬ ‫«فقد أخبرني الستاذ أمين القدس ّ‬


‫ي ُيبطن‬ ‫ن الكوثر ّ‬‫ي يتقن العربّية أ ّ‬
‫وباحث قونو ّ‬
‫ة يوم‬‫ص ٍ‬‫اعتقادَ مذهب أهل وحدة الوجود‪ ،‬وبخا ّ‬
‫هاجر إلى مصر‪ ،‬فبلغ بي العجب يومئذ غايته؛ إذ‬
‫‪186‬‬

‫ي أّنه حامل لواء التنـزيه‬ ‫المعروف عن الكوثر ّ‬


‫بزعمه‪ ،‬فكيف يقول بمذهب الوحدة وهو أشنع‬
‫التجسيم‪ ،‬وأخبث التمثيل؟! وقال لي‪ :‬إّنه سمع‬
‫ي‪ ،‬وهو من علماء‬ ‫ذلك من خاله علي القدس ّ‬
‫ك اّلذين هاجروا إلى دمشق‪ ،‬وإنه جرت‬ ‫الت ّْر ِ‬
‫ي في وحدة‬ ‫ي القدس ّ‬ ‫ي وعل ّ‬‫مناظرة بين الكوثر ّ‬
‫ي ينكرها‪ ،‬حّتى‬ ‫ي يؤّيدها والقدس ّ‬ ‫الوجود‪ ،‬الكوثر ّ‬
‫ي في‬‫ي للكوثر ّ‬ ‫كان من آخر ما قاله القدس ّ‬
‫المجلس‪ :‬أنت تقول بقول أهل الوحدة‪ ،‬فأنا‬
‫أستأذنك لذهب إلى بيت الخلء لقضي حاجتي‪،‬‬
‫ي وعرف مقصده‪ ،‬وقال أمين‪ :‬إن‬ ‫فغضب الكوثر ّ‬
‫من أدلة اعتناقه هذا المذهب كتابه )إرغام‬
‫المريد( في التصوف‪ ،‬فطلبت الكتاب وقرأته‪،‬‬
‫فرأيت من الطامة ما ينضم إلى سجله المحترق‬
‫وفة وخرافاتهم‬ ‫ما فيه من تصديق بدع المتص ّ‬ ‫تجه ً‬
‫وتقديس مشائخهم ما شئت‪».‬‬
‫***‬

‫* وحدة الشهوِد‬
‫ضا بدعة‬ ‫ما فكرة «وحدة الشهود»‪ ،‬فهي أي ً‬ ‫وأ ّ‬
‫ول‬ ‫فلسفّية مماثلة لهرطقة «وحدة الوجود»‪ .‬أ ّ‬
‫ن قدماء النقشبندّية‪ ،‬هو أحمد‬ ‫م ْ‬ ‫ن قال بها ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ي المعروف بين أتباعه بـ‬ ‫ي السرهند ّ‬ ‫الفاروق ّ‬
‫ي»‪ .‬أثار هذه الفكرة فتذّرع بها‬ ‫«المام الرّبان ّ‬
‫للّردّ على عقيدة «وحدة الوجود» على حسب ما‬
‫دعى المفتتنون به‪ .‬يبدو أّنهم قد حاولوا بذلك‬ ‫ا ّ‬
‫ه من‬ ‫ن عربي وأمَثال َ ُ‬ ‫ما أصاب اب َ‬
‫هم ّ‬
‫حت َ ُ‬‫سا َ‬
‫ؤا َ‬‫ر ُ‬
‫أن ي ُب ْ ِ‬
‫الوجودّيين من الطعن بالتكفير واللحاد‪ ،‬حّتى ل‬
‫يتعّرض هو الخر لتشنيغ أهل التوحيد‪ .‬بينما‬
‫ل‬‫ت أخرى ل تق ّ‬ ‫ضا تخّبط في متاها ٍ‬ ‫ي أي ً‬ ‫الفاروق ّ‬
‫ن‬‫خطرا ً عما وقع فيه الوجودّيون قبله‪ .‬إذ أ ّ‬
‫‪187‬‬

‫ة بين المغتّرين به‪،‬‬


‫ه الشهيرةَ المتداول َ‬ ‫رسائل َ ُ‬
‫ة بعنوان «المكتوبات» شاهدةٌ على ما‬ ‫والمعروف َ‬
‫س من أنواع البدع في عقائد‬ ‫ث ود ّ‬ ‫قد ب ّ‬
‫المسلمين بهذه الرسائل‪ ،‬وهي أصل ً مستوحاة‬
‫من ديانات مجوس الهند‪ ،‬كما سنشرحها في‬
‫ن شاء الله تعالى‪.‬‬ ‫ترجمته إ ْ‬
‫ة‪:‬‬
‫عاي َ ِ‬‫د َ‬‫فلين قد انخدعوا ب ِ ِ‬ ‫ن بعض المغ ّ‬ ‫والغريب‪ ،‬أ ّ‬
‫ة عن العقيدة‬ ‫ة دفاعي ٌ‬
‫ن «وحدة الشهود» صيغ ٌ‬ ‫أ ّ‬
‫الحنيفة ضدّ هرطقة «وحدة الوجود»‪ .‬بينما هي‬
‫نفسها هرطقة أخرى وبدعة غالية ليست من‬
‫ن كلمة «وحدة الشهود»‬ ‫السلم في شيء‪ .‬إذ أ ّ‬
‫ة‬
‫ض‪ ،‬حّتى لو كان المراد به «وحد َ‬ ‫تعبٌير غام ٌ‬
‫ن النقشبندّيين‬ ‫ي صفة؟ فا ّ‬ ‫المشهود»؛ ولكن بأ ّ‬
‫ن وحدة‬‫لم يذكروا شيًئا بوضوح ُيبّين لنا أ ّ‬
‫ة‬
‫ء المشهود ِ‬ ‫الشهود يعني‪ :‬وحدة جميع الشيا ِ‬
‫على صفة المخلوقية لله الخالق الواحد المنـّزه‬
‫عن المشابهة بالمشهود‪.‬‬

‫فقد قال رجل من كبرائهم في صدد هذه‬


‫ي‪،‬‬
‫ن الممكن في التوحيد الشهود ّ‬ ‫العقيدة «أ ّ‬
‫‪233‬‬
‫ولكن إذا‬ ‫ق سبحانه»‪.‬‬ ‫مرآةٌ لشهود ذات الح ّ‬
‫ن وجود المخلوق‬ ‫كان مراده من هذه الصيغة‪ :‬أ ّ‬
‫ل على وجود الخالق‪ ،‬فلماذا لم يعّبر عن‬ ‫يد ّ‬
‫مقصوده هكذا بوضوح على طريقة علماء‬
‫السلم‪ ،‬ولم يقتبس آية مناسبة للموضوع‪ ،‬مثل‬
‫ل ك َي ْ َ‬
‫ف‬ ‫ى ال ِب ْ ِ‬‫ن ِإل َ‬ ‫كقوله تعالى‪} :‬أ َ َ‬
‫فل َ ي َن ْظُُرو َ‬
‫ه بذلك السلوب‬ ‫ت‪...‬إلخ‪{.‬؛ ولكن صاغ عبارت َ ُ‬ ‫ق ْ‬‫خل ِ َ‬
‫ُ‬
‫ساس الغامض على طريقة الروحانّيين؟!!!‬ ‫الد ّ‬
‫ن عقيدة «وحدة الشهود» في حقيقة المر‬ ‫ل ّ‬
‫ت إل ّ نسخة أخرى من عقيدة «وحدة‬ ‫ليس ْ‬
‫د‪،‬‬
‫س جدي ٍ‬
‫الوجود»‪ .‬ولكنهم جاؤا بها في لبا ٍ‬
‫ي‪ ،‬مكاتيب شريفه )بالّلغة الفارسّية( ص‪ .174 /‬مكتبة الحقيقة إسطنبول‪-‬‬
‫غلم علي عبد الله الدهلو ّ‬ ‫‪233‬‬
‫‪1992‬م‪ .‬وهذا نص كلمه بالفارسّية‪« :‬در توحيد شهودي‪ ،‬وجود ممكن آينهء شهود حق سبحانه مي شود»‪.‬‬
‫‪188‬‬

‫وتكّلفوا أخيًرا هذه الصيغة الماكرة في الدعاية‬


‫لها بعد أن فشلوا في محاولة دعوتهم لعقيدة‬
‫ق بالباطل‬
‫«وحدة الوجود»‪ .‬وذلك لُيلِبسوا الح ّ‬
‫ة أخري في بداية المر‪ ،‬إلى‬ ‫ء بحيل ٍ‬ ‫س َ‬
‫طا ِ‬ ‫على الب ُ َ‬
‫قق لهم الهيمنة على دماغ من ينخرط‬ ‫ن تتح ّ‬ ‫حي ٍ‬
‫في سلكهم ويعتنق عقيدتهم بعد مرحلة من‬
‫الرياضة‪ .‬وهذا دأبهم في الصطياد الباطني‬

‫ي هذه العقيدة اّلتي ابتدعها‬


‫يشرح السرهند ّ‬
‫ء‬
‫ي بالفنا ِ‬
‫قق التوحيد الشهود ّ‬‫بقوله‪« :‬إّنما يتح ّ‬
‫وبنسيان ما سوى الله‪ ،‬فيستطيع السالك أن‬
‫دم من البداية إلى النهاية دون أن يظهر له‬ ‫يتق ّ‬
‫شيء من العلوم والمعارف المتعّلقة بالتوحيد‬
‫‪234‬‬
‫ي؛ بل يحتمل أن ُينكر هذه العلوم»‪.‬‬ ‫الوجوِد ّ‬
‫ن هذه العبارة المنقولة من إحدى رسائل‬ ‫إ ّ‬
‫ي التي يَُردّ بها على عقيدة «وحدة‬ ‫ّ‬ ‫الفاروق ّ‬
‫الوجود»‪ ،‬فيها كفاية عن حقيقة وحدة الشهود‬
‫ي‬
‫في الوقت ذاته‪ ،‬وكذلك عن معتقدات الفاروق ّ‬
‫ن‪ .‬إذ‬‫دّيي َ‬ ‫ق َ‬
‫شب َن ْ ِ‬ ‫ل‪ ،‬وهو من أكابر الن ّ ْ‬ ‫ة وتفصي ً‬
‫جمل ً‬
‫ء في الله‪،‬‬ ‫قّر بعقيدة الفنا ِ‬ ‫م ِ‬‫حا أّنه ُ‬
‫يبدو فيها واض ً‬
‫ن ماكر وأسلوب خطير من‬ ‫م بالسلوك‪ .‬وهو ف ّ‬ ‫ث ّ‬
‫صة‬‫ن خا ّ‬ ‫دّيي َ‬ ‫شب َن ْ ِ‬ ‫مة والن ّ ْ‬
‫ق َ‬ ‫وفة عا ّ‬ ‫أساليب المتص ّ‬
‫ئ على أفكارهم واتجاهاتهم‪..‬‬ ‫لترويض المبتد ِ‬
‫ن مقولة «وحدة الشهود»‪ ،‬في الحقيقة تعبير‬ ‫إ ّ‬
‫دخيل مثل كلمة «وحدة الوجود»‪ .‬ل صلة لها‬
‫بمفهوم السلم‪ .‬إذ لم يرد عن رسول الله ‪،‬‬
‫ول عن الصحابة‪ ،‬ول عن التابعين لهم بإحسان؛‬
‫ن الغرض‬ ‫أّنهم نطقوا بمثل هذا التعبير‪ .‬ثم إ ّ‬
‫ي من هذا التعبير ل يبدو بسهولة‪ .‬وهو‬ ‫الحقيق ّ‬
‫ي‪ ،‬المكتوبات )الرسالة رقم‪ (.272 /‬ص‪ .505 /‬باكستان‪1392 -‬هـ‪ .‬النسخة الفارسّية‬
‫ي السرهند ّ‬
‫أحمد الفاروق ّ‬ ‫‪234‬‬
‫اّلتي أعيدت طبعها في تركيا‪ .‬مكتبة إيشك‪ .‬إسطنبول‪1977-‬م‪ .‬راجع المصادر التية لمزيد من المعرفة حول‬

‫ي»‪:‬‬
‫ي فيما اختلقه باسم «التوحيد الشهود ّ‬
‫عقيدة السرهند ّ‬
‫; )‪Dr. Selçuk Eraydın, Tasavvuf ve Tarikatlar Pg. 295. İstanbul-1994 ; A. F. Serhindi, Mektubât (Translation: Abdulkadir Akçiçek‬‬

‫‪.V/2. Letter No. 314‬‬


‫‪189‬‬

‫وش فيه المتأمل‪ .‬بينما السلم‬ ‫كلم غامض‪ .‬يتش ّ‬


‫ي فضل ً‬ ‫دى حّتى للم ّ‬ ‫ومفاهيمه واضحة جلّية‪ ،‬تتب ّ‬
‫ت‬‫م ْالَيا ِ‬ ‫قدْ ب َي ّّنا ل َك ُ ُ‬ ‫عن العالم؛ كما قال تعالى‪َ } :‬‬
‫قدْ ب َي ّّنا ل َك ُ ُ‬
‫م‬ ‫ن‪{.‬؛‪ 235‬وقال تعالى‪َ } ،‬‬ ‫و َ‬ ‫قل ُ‬ ‫ع ِ‬‫م تَ ْ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫إ ْ‬
‫وقال تعالى‪} ،‬ك َذَل ِ َ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫ْالَيا ِ‬
‫‪236‬‬
‫ك‬ ‫ونَ‪{.‬؛‬ ‫قل ُ‬ ‫ع ِ‬‫م تَ ْ‬
‫ون‪{.‬؛‪ 237‬وقال‬ ‫قل ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫م آَيات ِ ِ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ي ُب َي ّ ُ‬
‫م‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫ت لَ َ‬‫م ْالَيا ِ‬ ‫ه ل َك ُ ُ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫تعالى‪} ،‬ك َذَل ِ َ‬
‫ه‬
‫ن الل ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫ونَ‪{.‬؛‪ 238‬وقال تعالى‪} ،‬ك َذَل ِ َ‬ ‫كر ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫ت َت َ َ‬
‫ن‪{.‬؛‪ 239‬وقال تعالى‪،‬‬ ‫و َ‬ ‫هَتد ُ‬ ‫مت ْ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫م آَيات ِ ِ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫‪240‬‬
‫ة للمّتقين‪{.‬؛‬ ‫ى وموعظ ٌ‬ ‫ن للناس وهد ً‬ ‫}هذا بيا ٌ‬
‫ل‬‫ب ت ِب َْياًنا ل ِك ُ ّ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫وقال تعالى‪} ،‬ون َّزل َْنا َ‬
‫ى ل ِل ْ ُ‬ ‫وب ُ ْ‬
‫‪241‬‬
‫ن‪{.‬؛‬ ‫سِلمي ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫شر َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬‫وَر ْ‬ ‫ى َ‬ ‫هد ً‬ ‫و ُ‬‫شيء َ‬
‫وم ٍ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫صل ْالَيا ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ك نُ َ‬ ‫وقال تعالى‪} ،‬ك َذَل ِ َ‬
‫سْرَنا‬ ‫قدْ ي َ ّ‬ ‫ول َ َ‬ ‫وقال تعالى‪َ } ،‬‬
‫‪242‬‬
‫ونَ‪{.‬؛‬ ‫كر ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫‪243‬‬
‫ر‪{.‬‬ ‫مدّك ِ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف َ‬‫ن َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ال ْ ُ‬

‫ض من‬ ‫ما ب ُ َ َ‬
‫سطاءُ النقشبندّية فانهم على نقي ٍ‬ ‫أ ّ‬
‫ة من القرآن‬ ‫لئحة في ك ّ‬
‫ل آي ٍ‬ ‫هذه الصراحة ال ّ‬
‫الكريم‪ .‬يأتون بكلم غامض ربما ل يفهمونه‬
‫بالذات‪ .‬لّنهم ل يدرون ماذا يقصدون به؛ ولّنهم‬
‫ما‬ ‫ة من غير تع ّ‬
‫قل‪ ،‬إ ّ‬ ‫ن الكلم َ‬ ‫كثيًرا ما ي ُطْل ِ ُ‬
‫قو َ‬
‫ل مزدوج‪ :‬وهو الجهل المركب اّلذي ل عل َ‬
‫م‬ ‫لجه ٍ‬
‫ما بسبب التقليد‬ ‫لصاحبه بجهل نفسه‪ ،‬أو إ ّ‬
‫العمى اّلذي قد يتعّرض له حّتى الرجل العالم‬
‫لثقته الشديدة بمن يقّلده كموقفهم من‬
‫سورة أل عمران‪.118/‬‬ ‫‪235‬‬

‫سورة الحديد‪.17/‬‬ ‫‪236‬‬

‫سورة البقرة‪.242 /‬‬ ‫‪237‬‬

‫سورة البقرة‪.266 /‬‬ ‫‪238‬‬

‫عمران‪103./‬‬ ‫سورة آل‬ ‫‪239‬‬

‫سورة آل عمران‪.138/‬‬ ‫‪240‬‬

‫النحل‪89/‬‬ ‫سورة‬ ‫‪241‬‬

‫يونس‪24/‬‬ ‫سورة‬ ‫‪242‬‬

‫سورة القمر‪.40 ،32 ،22 ،17/‬‬ ‫‪243‬‬


‫‪190‬‬

‫الوجوديين‪ .‬نراهم يبتدعون فكرة «وحدة‬


‫الشهود» لكي ل يتوّرطوا فيما وقع فيه ابن‬
‫عربي وأمثال ُ ُ‬
‫ه من الوجودّيين؛ ثم نراهم على‬
‫ة من الجلل والتعظيم لهم‪.‬‬ ‫أشدّ هيئ ٍ‬
‫س َ‬
‫طاءُ‬ ‫ن جميع النقشبندّيين هم بُ َ‬ ‫في الحقيقة‪ ،‬إ ّ‬
‫ل الفرق‬‫الصوفّية وحثالتهم‪ .‬لذا‪ ،‬هم أق ّ‬
‫صًبا‪ .‬يبهرون‬ ‫دا وتع ّ‬
‫دهم تقلي ً‬‫ة‪ ،‬وأش ّ‬ ‫الباطنية مرون ً‬
‫ق من صناديدهم‪.‬‬ ‫س كلمة ينطق بها متحزل ٌ‬ ‫بأخ ّ‬
‫ولونها‪ ،‬ويشرحونها‪ ،‬ويحشدون في بطنها‬ ‫فيتأ ّ‬
‫جب النسان من محاولتهم‪.‬‬ ‫تفسيرات غريبة يتع ّ‬
‫ن‬
‫ء كاه ٍ‬ ‫هذه التبعّية هي اّلتي دفعتهم من ورا ِ‬
‫ن بدعته اّلتي زّينها لهم باسم‬ ‫ي‪ ،‬فظّنوا أ ّ‬ ‫هند ّ‬
‫ه الخالق عن صفات‬ ‫«وحدة الشهود» تعني تنـزي َ‬
‫ن‬
‫المخلوق‪ .‬بينما هذه التبعية تتجاوز حدودَ حس ِ‬
‫ن الوجوديين‬ ‫د ل مبّرَر له‪ .‬إذ أ ّ‬ ‫ن إلى تقلي ٍ‬ ‫الظ ّ‬
‫والشهوديين لو أخلصوا لله في تنـزيهه سبحانه‬
‫عما يصفون‪ ،‬لتقّيدوا بحدوِد ما قال تعالى عن‬
‫ه‬‫نفسه‪ ،‬وما ذكر من صفاته؛ كقوله جّلت عظمت ُ ُ‬
‫ول َ‬ ‫ة َ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫خذُهُ ِ‬ ‫م ل َ ت َأ ْ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫قي ّ ُ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه إل ّ ُ‬ ‫ه ل َ إل َ َ‬ ‫}الل ُ‬
‫خل َ َ‬ ‫و اّلذي َ‬ ‫‪244‬‬
‫ق‬ ‫ه َ‬ ‫و َ‬ ‫وقوله تعالى } َ‬ ‫م‪.{...‬‬ ‫و ٌ‬ ‫نَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل كُ ْ‬
‫ن‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫و َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ق‪َ ،‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ض ِبال َ‬ ‫والْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫الس َ‬
‫ي‬
‫خف ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫م ي ُن ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ول ُ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن‪َ .‬‬ ‫و ُ‬ ‫فَيك ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫حكي ِ ُ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ة َ‬ ‫هادَ ِ‬ ‫والش َ‬ ‫ب َ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ر عا َل ِ ُ‬ ‫الصو ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن لَ‬ ‫ق كَ َ‬ ‫وقوله تعالى }أ َ‬ ‫‪245‬‬
‫م ْ‬ ‫خل ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫خبي ُِر‪.{.‬‬
‫فاطُِر‬ ‫ن‪ 246.{.‬وقوله تعالى } َ‬ ‫فل َ ت َذَك َّرو َ‬ ‫ق أَ َ‬ ‫خل ُ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جا‬
‫وا ً‬ ‫م أْز َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫ض َ‬ ‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫الس َ‬
‫ع‬‫و السمي ِ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ه شيء‪َ ،‬‬ ‫مث ْل ِ ِ‬ ‫س كَ ِ‬ ‫ه‪ ،‬لي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫في ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ؤك ُ ْ‬ ‫ي َذَْر ُ‬
‫س ُ‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫ض ي َب ْ ُ‬ ‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫قالي ِدُ الس َ‬ ‫م َ‬ ‫ال َْبصي ُِر* له َ‬

‫سورة البقرة‪.255 /‬‬ ‫‪244‬‬

‫النعام‪73/‬‬ ‫سورة‬ ‫‪245‬‬

‫سورة النحل‪.17/‬‬ ‫‪246‬‬


‫‪191‬‬

‫دُر‪ ،‬إّنه بك ّ‬
‫ل شيء‬ ‫وي َ ْ‬
‫ق ِ‬ ‫ن يَ َ‬
‫شاءُ َ‬ ‫م ْ‬‫الرْزقَ ل ِ َ‬
‫‪247‬‬
‫م‪.{.‬‬ ‫علي ِ ٌ‬
‫َ‬

‫ن النقشبندّيين اقتنعوا بهذه اليات‬ ‫نعم لو أ ّ‬


‫البّينات ‪ -‬وما أكثرها في كتاب الله ‪ -‬لكفتهم‬
‫مؤنة القول بـ «وحدة الشهود» في محاولتهم‬
‫لتنـزيه الخالق عن صفات المخلوق‪ .‬ولكن‬
‫غرضهم في حقيقة المر ليس تنـزيه الله‬
‫سبحانه عما ل يليق بشأنه تعالى‪ .‬ولّنهم لو‬
‫ي‬
‫ن أحمد الفاروق ّ‬ ‫دعائهم‪ :‬أ ّ‬
‫كانوا صادقين في ا ّ‬
‫دى بهذه المقولة‪ ،‬ليردّ على ابن عربي؛‬ ‫إنما تص ّ‬
‫لما ثبتوا على تعظيمهم للوجوديين بعد ذلك‬
‫ومنهم ابن عربي‪ ،‬ولنبذوا ما أضّلهم به سادتهم‬
‫وكبراؤهم من عقائد البراهمة وتقاليد اليوغّيين؛‬
‫ولدخلوا صفوف أهل التوحيد وأخلصوا لهم‪،‬‬
‫وساندوهم في جهادهم ضدّ الفرق الضاّلة‬
‫والمتطّرفين والزنادقة والمشركين‪.‬‬
‫***‬

‫ي في معتقد‬
‫ة والول ّ‬‫* الولي ُ‬
‫النقشبندّيين‪.‬‬
‫ي‪-‬‬
‫ي ‪ -‬بالوصف الصوف ّ‬ ‫وال ْ َ‬
‫ول ِ ّ‬ ‫ة َ‬‫مفهوم الولي ِ‬
‫َ‬ ‫ن‬‫إ ّ‬
‫دا؛ أثارها الروحانّيون منذ‬ ‫ة خطيرةٌ ج ّ‬‫مسأل ٌ‬
‫عصور‪ .‬وقد نسجوا حولها ما نسجوا من أنواع‬
‫كن النسان‬‫الساطير في بطون الكتب مال يتم ّ‬
‫من إحصائها‪.‬‬

‫ة من كتاب الله العزيز بالتحديد‪،‬‬ ‫فقد تشّبثوا بآي ٍ‬


‫ما أرادوا‬‫فتناولوها بالتأويل على سبيل الثبات ل ِ َ‬
‫َ‬
‫من وراء هذا المفهوم‪ .‬وهي قوله تعالى‪} :‬أل َ‬
‫م‬ ‫ول َ ُ‬ ‫ف َ َ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫و ٌ‬
‫خ َ‬ ‫ول َِياءَ الل ِ‬
‫نأ ْ‬‫إِ ّ‬

‫سورة الشورى‪.12 ،11/‬‬ ‫‪247‬‬


‫‪192‬‬

‫ة‬
‫ن معنى هذه الية الكريمة واضح ٌ‬ ‫ن‪ 248.{.‬إ ّ‬ ‫و َ‬ ‫حَزن ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ح أو‬ ‫ي شر ٍ‬ ‫ة في الحقيقة؛ ل يحتاج إلى أ ّ‬ ‫جلي ٌ‬
‫ي في‬ ‫ول ِ ّ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫تفسير‪ .‬فقد بّين الله سبحانه صفا ِ‬
‫وا‬
‫كان ُ‬ ‫و َ‬ ‫وا َ‬ ‫من ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫آيتين بعدها‪ .‬قال تعالى }اّلذي َ‬
‫ي‬‫وف ِ‬ ‫ة الدن َْيا َ‬ ‫حَيا ِ‬‫ي ال ْ َ‬
‫ىف ِ‬‫شر َ‬ ‫م ال ْب ُ ْ‬‫ه ُ‬ ‫ن* ل َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ي َّتق ُ‬
‫وُز‬
‫ف ْ‬ ‫و ال ْ َ‬‫ه َ‬ ‫ك َ‬ ‫ه‪ ،‬ذَل ِ َ‬‫ت الل ِ‬ ‫ل ل ِك َل ِ َ‬
‫ما ِ‬ ‫ة ل َ ت َْبدي ِ َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫ال ِ‬
‫‪249‬‬
‫م‪.{.‬‬ ‫عظي ِ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ر آخَر‬ ‫ي تفسي ٍ‬ ‫علماء السلم ِ ضرورةَ أ ّ‬ ‫ُ‬ ‫لذا لم يجد‬
‫بعد هاتين اليتين غالًبا‪ ،‬لكمال وضوحها وتبادرها‬
‫ما من أبى منهم إل ّ ليقول‬ ‫ة‪ .‬أ ّ‬‫ن بسهول ٍ‬ ‫ه ِ‬‫إلى الذّ ْ‬
‫ءا‬
‫ة نفسها‪ ،‬أو جز ً‬ ‫ن ُيعيدَ الي َ‬ ‫شيًئا‪ ،‬فقد اضطر أ ْ‬
‫منها؛ ‪ -‬كما فعل ابن كثير رحمه الله ‪ -‬ولكن‬
‫ئ على فهم معنى‬ ‫ليس ذلك مساعدةً منه للقار ِ‬
‫عا لمن قد يهمس‬ ‫وَردْ ً‬ ‫دا لشأنها‪َ ،‬‬ ‫ة؛ بل تأكي ً‬ ‫الي ِ‬
‫إليه الشيطان ليوقعه في العبث بها وتأويلها بما‬
‫قل ُ‬ ‫ل تتحمل‪َ َ } .‬‬
‫ن‬
‫و َ‬ ‫غ َ‬
‫في َت ِّبع ُ‬ ‫م َزي ْ ٌ‬ ‫ه ْ‬
‫ِ‬ ‫وب ِ‬‫ِ‬ ‫ي ُ‬ ‫ِ‬ ‫نف‬ ‫ما اّلذي َ‬ ‫فأ ّ‬ ‫ّ‬
‫‪250‬‬
‫ه‪.{.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ما ت َ َ‬
‫وي ِل ِ ِ‬
‫غاءَ ت َأ ِ‬ ‫واب ْت ِ َ‬ ‫ة َ‬ ‫فت ْن َ ِ‬
‫غاءَ ال ِ‬ ‫ه اب ْت ِ َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ه ِ‬‫شاب َ َ‬ ‫َ‬
‫لذا قال ابن كثير ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬وربما ليس بقصد‬
‫س قد يتوّرط فيه‬ ‫التفسير‪ ،‬بل تفاديا ً ل ّ َ‬
‫ي لب ْ ٍ‬
‫ها على تأويلت المشعوذين‬ ‫قاصر الفهم‪ ،‬وتنبي ً‬
‫من الصوفّية قال‪:‬‬

‫«يخبر تعالى أولياءَهُ ‪ -‬وهم اّلذين آمنوا وكانوا‬


‫ن كان تقّيا‪ ،‬كان‬ ‫م ْ‬ ‫سر رّبهم؛ فك ُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫يّتقون ‪ -‬كما ف ّ‬
‫ف عليهم فيما يستقبلون من‬ ‫ولّيا؛ وأّنه ل خو ٌ‬
‫م‬
‫ه ْ‬‫وَرائ َ ُ‬
‫أهوال القيامة‪ ،‬ول هم يحزنون على ما َ‬
‫‪251‬‬
‫في الدنيا‪».‬‬

‫سورة يونس‪.62/‬‬ ‫‪248‬‬

‫سورة يونس‪.64 ،63/‬‬ ‫‪249‬‬

‫عمران‪7/‬‬ ‫سورة آل‬ ‫‪250‬‬

‫أبو الفداء إسماعيل عماد الدين بن عمر بن كثير القرشي‪ ،‬تفسير القرآن العظيم ‪ .4/213‬دار قهرمان‬ ‫‪251‬‬
‫إسطنبول‪1984-‬م‪.‬‬
‫‪193‬‬

‫نعم كان هذا معنى الية في حقيقة المر‪ .‬غير‬


‫ة النقشبندّيين لم‬ ‫ص ً‬
‫مة الصوفّية وخا ّ‬‫ن عا ّ‬
‫أ ّ‬
‫يتوّرعوا عن تحريف معنى هذه الية الجليلة على‬
‫ة‬
‫ي شخصي ً‬ ‫وروا ل ِل ْ َ‬
‫ول ِ ّ‬ ‫الرغم من وضوحها‪ .‬بل تص ّ‬
‫ة كما سنشرحها في باب الكرامة‬ ‫أسطوري ً‬
‫عندهم‪.‬‬

‫ن الولياء في اعتقاد النقشبندّيين ليسوا هم‬ ‫إ ّ‬


‫اّلذين وصفهم الله بأربعة نعوت فحسب‪ ،‬في‬
‫ةل‬‫ل عمالق ٌ‬ ‫تلك اليات النفة الذكر‪ .‬بل هم رجا ٌ‬
‫م‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ج َ‬ ‫ل ال ْب َ َ‬
‫قو ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫ر ُ‬
‫ه ْ‬‫شأن ِ ِ‬ ‫لل َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫سَراَر ُ‬ ‫رأ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫ك ُ‬ ‫ُتد ِ‬
‫م‪« .‬فالملئكة‬ ‫ه ْ‬‫شيئ َت ِ ِ‬‫م ِ‬ ‫خَرةٌ ل ِ َ‬‫س ّ‬‫م َ‬‫ت بأسرها ُ‬ ‫الكائنا ُ‬
‫ش‬
‫تهبط إليهم بالطعام والشراب؛ والوحو ُ‬
‫ْ‬
‫طيءُ رؤوسها لهم‪،‬‬ ‫والكواسُر تخافهم وت ُطَأ ِ‬
‫ى لهم‪ ،‬فيطوفون في أرجائها‬ ‫طو َ‬ ‫ض تُ ْ‬ ‫والر ُ‬
‫‪252‬‬
‫بمثل لمح البصر‪».‬‬

‫ي أقرب إلى‬ ‫ي ل ِل ْ َ‬
‫ول ِ ّ‬ ‫ف ّ‬ ‫صو ِ‬‫وَر ال ّ‬ ‫ص ّ‬‫ن الت ّ َ‬‫هكذا‪ ،‬فإ ّ‬
‫الخيال المحّلق‪ ،‬بل قد يتجاوزه‪ .‬فل حقيقة لهذا‬
‫ل ل حدودَ له‪ .‬يسرح‬ ‫عا‪ .‬لن الخيا َ‬ ‫التصور طب ً‬
‫و له‪ ،‬وقد يعتادُ على‬ ‫م ما يحل ُ‬ ‫ن فيه ويحل ُ‬ ‫النسا ُ‬
‫دق‬‫ي‪ ،‬فيص ّ‬ ‫س ّ‬
‫ف ِ‬‫ض نَ ْ‬‫مَر ٍ‬ ‫هين َ‬ ‫ذلك‪ ،‬وعندها يغدو َر ِ‬
‫ل ما يجول في خاطره من وساوس النفس‬ ‫ك ّ‬
‫ض فيه‬‫ووحي الشياطين‪ .‬ومتى بلغ هذا المر ُ‬
‫ك في صحة شيء من تلك‬ ‫ش ّ‬ ‫ه‪ ،‬صار لي َ ُ‬ ‫غ ُ‬
‫مبل َ‬
‫الساطير التي نسجتها الصوفّية؛ بطلت عندئذ‬ ‫ّ‬
‫ة الله في نظره‪ .‬فانه في هذه الحالة سواء‬ ‫سن ّ ُ‬
‫زعم أّنه مؤمن بالله أو كافر أو مشرك‪ ،‬يعاني‬
‫ة في عقيدته وسلوكه وآرائه‬ ‫ة غريب ً‬ ‫ازدواجي ً‬
‫وأعماله‪ .‬وبالتالي ل يكاد يعبأ بالنسان المّتصف‬
‫باليمان والتقوى‪) .‬وهما من صفات أولياء الله(‪.‬‬
‫ي‪-‬ل‬ ‫ن اليمان والتقوى ‪ -‬بالمنظور القرآن ّ‬ ‫ل ّ‬

‫ي على حسب‬
‫ة الول ّ‬ ‫ف المؤل ّ ُ‬
‫ف شخصي َ‬ ‫ص َ‬
‫و َ‬
‫سميح عاطف الزين‪ ،‬الصوفّية في نظر السلم ص‪).157 /‬إنما َ‬ ‫‪252‬‬
‫عقيدة الصوفّية‪ ،‬أراد أن يفضحهم بالكشف عن عقيدتهم حول هذا المفهوم‪(.‬‬
‫‪194‬‬

‫ن اليمان‬ ‫صة فا ّ‬ ‫يكاد يمّثل شيًئا في اعتباره‪ .‬خا ّ‬


‫بالله يستوجب القيام بأمور ينافي إيمان‬
‫ي كالمر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر‪،‬‬ ‫الصوف ّ‬
‫وإقامة حدود الله على أرضه‪ ،‬والجهاد في‬
‫ر‬
‫سي ْ ِ‬
‫ن إيمانه يأمره ِبال ّ‬ ‫ي‪ ،‬فا ّ‬
‫ما الصوف ّ‬ ‫سبيله‪ ...‬أ ّ‬
‫ف‪،‬‬ ‫ش ِ‬ ‫والت ّ َ‬
‫ق ّ‬ ‫عْزل َ ِ‬
‫ة َ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫ي‪َ ،‬‬
‫ي‪-‬البرهم ّ‬ ‫غ ّ‬‫ك ال ُْيو ِ‬ ‫سُلو ِ‬‫وال ّ‬‫َ‬
‫ل الذي يسمونه الفناءَ والبقاءَ‬ ‫ّ‬ ‫طي ِ‬‫ع ِ‬‫والت ّ ْ‬‫ب َ‬ ‫غَيا ِ‬ ‫ْ‬
‫وال ِ‬ ‫َ‬
‫إلى غير ذلك مما ل مساس له بالسلم‪.‬‬

‫ي اّلذي وصفه الله‬ ‫ول ِ ّ‬ ‫ن شخصيّة ال ْ َ‬ ‫لهذا‪ ،‬فا ّ‬


‫باليمان والتقوى‪ ،‬وأنه ل يخاف ول يحزن؛‬
‫فا كبيًرا عن تلك الشخصّية اّلتي‬ ‫تختلف اختل ً‬
‫ة‬
‫ة عام ً‬ ‫تّتصف بالولية في عقيدة الصوفي ّ ِ‬
‫صة‪ .‬لنه يستحيل في عقيدتهم‬ ‫والنقشبندّية خا ّ‬
‫د‬
‫سي َّر الوحي َ‬ ‫م َ‬ ‫ه هو ال ُ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ة أن يكو َ‬ ‫المزدوج ِ‬
‫ن هم ينطقون بكلمة‬ ‫للكائنات بأجمعها؛ وإ ْ‬
‫ة في‬ ‫ن هذا النطق عادةٌ تقليدي ّ ٌ‬ ‫التوحيد‪ .‬فا ّ‬
‫ة‪.‬‬
‫قي ّ ِ‬ ‫م‪ .‬وربما هي وسيلة ِللت ّ ِ‬ ‫ه ْ‬‫وك ُب ََرائ ِ ِ‬ ‫صتهم َ‬ ‫خا ّ‬
‫م على ازدواجية العقيدة عند‬ ‫قائ ِ ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫والبرها ُ‬
‫في‬ ‫ة ِ‬ ‫ن قيد نمل ٍ‬ ‫كو َ‬ ‫ش ّ‬ ‫النقشبندّيين‪ِ« :‬بأنهم ل ي َ ُ‬
‫استقلل أوليائهم عن الله‪ ،‬ول في استغنائهم‬
‫َ‬
‫ه»‪.‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫جَزاءٌ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬‫و ُ‬ ‫ن‪َ ،‬‬ ‫و ِ‬ ‫عنه بتصّرفاتهم في ال ْك َ ْ‬
‫ق‬
‫وي َْرُز ُ‬ ‫ت َ‬ ‫مي ُ‬ ‫وي ُ ِ‬
‫حِيي َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن ك ُل ّ ِ‬ ‫ويعتقدون «أ ّ‬ ‫َ‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫على ك ّ‬ ‫َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ب َ‬ ‫عذّ ُ‬ ‫وي ُ َ‬
‫فُر ُ‬ ‫غ ِ‬‫وي َ ْ‬‫م َ‬
‫حّر ُ‬ ‫وي ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ت‬‫م بأن تقتصَر صفا ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ض نفو ُ‬ ‫ُ‬ ‫ديٌر!»‪ .‬لذا لم تر َ‬ ‫ق ِ‬‫َ‬
‫ي على عدم الخوف والحزن وعلى كونه‬ ‫ول ِ ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ة‬
‫ت ذاتي ّ ٍ‬ ‫وها بخلع صفا ٍ‬ ‫عدّ ْ‬ ‫مؤمًنا تقّيا فحسب‪ ،‬بل ت َ َ‬
‫ة على أوليائهم‪ ،‬ونسبة القدرة الخارقة‬ ‫إلهي ّ ٍ‬
‫ي عند النقشبندّية‬ ‫ول ِ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫إليهم‪ .‬ومعنى ذلك أ ّ‬
‫م‬‫ه القائ ُ‬ ‫ل الله في أرضه‪ ،‬وخليفت ُ ُ‬ ‫«هو وكي ُ‬
‫‪253‬‬
‫ة‬
‫ر لجماع ٍ‬ ‫كما جاء في تفسي ٍ‬ ‫بالتصّرف عنه‪».‬‬
‫منهم في إسطنبول‪ .‬وإنما أرادوا بهذه المقولة‪:‬‬

‫محمود أسطى عثمان أوغلو وعدد من بطانته‪ ،‬تفسير «روح الفرقان )بالّلغة التركّية» ص‪ .2/74 /‬مكتبة‬ ‫‪253‬‬
‫سراج‪ ،‬إسطنبول‪1992-‬م‪.‬‬
‫‪195‬‬

‫ك الله كما يشاء‪ .‬وقد‬ ‫مل ْ ِ‬‫ف في ُ‬ ‫ي يتصّر ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬


‫ول ِ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫أنشد بعضهم بالّلغة التركّية أبياًتا ل تترك مجال ً‬
‫ي‪.‬‬ ‫ء مفهوم ال ْ َ‬
‫ول ِ ّ‬ ‫ك فيما يقصدونه من ورا ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫لل ّ‬
‫ه من كلمات هذا الشاعر‬ ‫سر لنا تعريب ُ ُ‬‫وإليك ما تي ّ‬
‫ي نظْ ً‬
‫ما‪:‬‬ ‫الصوف ّ‬
‫ة وبعدها؛‬ ‫ف في الحيا ِ‬ ‫ي له التـصّر ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ول ِ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ت‪.‬‬ ‫مغتّر‪ - :‬إّنه مّيــ ٌ‬ ‫د ال ْ ُ‬
‫عن ّ ِ‬
‫م َ‬ ‫إّياك قو َ‬
‫ل ُ‬
‫ه؛‬‫مدُ ُ‬
‫غ ْ‬‫ف ِ‬ ‫الروح سيف الله والبدن ال ْ ُ‬
‫مك َث ّ ُ‬
‫‪254‬‬
‫ت‪.‬‬
‫مدُ بي ّ ٌ‬ ‫غ ّ‬‫م َ‬
‫ط‪ ،‬وال ُ‬ ‫فالصارم المسلول أنش ُ‬

‫ن هذه‬ ‫ة فيما جاء ضم َ‬


‫كون قيدَ نمل ٍ‬ ‫ش ّ‬
‫نعم ل ي ُ‬
‫ي في معتقدهم إذا مات‬ ‫ول ِ ّ‬‫ن ال ْ َ‬
‫البيات‪ .‬ذلك أ ّ‬
‫دورات الجسم الكثيف‪،‬‬ ‫ه من ك ُ ُ‬ ‫ح ُ‬
‫ت رو ُ‬ ‫خلص ْ‬
‫دا‬
‫ت من قيودها‪ ،‬وغدت أكثَر استعدا ً‬ ‫وتحرر ْ‬
‫وقدرةً على تنفيذ ما تريده‪ .‬لذلك يضربون لها‬
‫المثال بالسيف المسلول‪.‬‬

‫ة في هذه المسألة‪ .‬قد‬ ‫ت مل ّ‬


‫فق ٌ‬ ‫ولهم عبارا ٌ‬
‫ق والباطل‪ .‬يقول بعضهم‬ ‫مّزجوا فيها بين الح ّ‬
‫«فمذهب أهل الحق‪:‬أّنه تبقى الكرامة بعد الموت‬
‫‪255‬‬
‫ن النبوة ل تنقطع بعد الموت‪».‬‬ ‫كما أ ّ‬
‫ل )وهو‬ ‫ه َ‬ ‫ج ِ‬
‫ع بهذه اللفاظ أو َ‬ ‫ي المتنطّ ُ‬
‫س َ‬ ‫لقد ن َ ِ‬
‫ة‬
‫ه للتشبيه بين الكرام ِ‬ ‫أقرب للجهل(‪ :‬إّنه ل وج َ‬
‫قا‪ .‬وإّنما‬‫ة؛ ول بين الكرامة واليمان إطل ً‬ ‫و ِ‬‫والن ّب ُ ّ‬
‫ة‪ ،‬وكذلك بين‬ ‫و ِ‬
‫والن ّب ُ ّ‬ ‫ه بين الولية َ‬ ‫ه وج ٌ‬‫شِبي ِ‬ ‫للت ّ ْ‬
‫ة‬
‫ة ذاتي ّ ٌ‬
‫وةَ صف ٌ‬ ‫ن الن ّب ُ ّ‬
‫الكرامة والمعجزة‪ .‬ل ّ‬
‫ة كالمعجزة )وهي‬ ‫ة فعلي ّ ً‬ ‫كالولية؛ وليست صف ً‬
‫ي بالّلغة التركّية للبيات المذكورة المعّربة‪:‬‬
‫ص الصل ّ‬
‫هذا هو الن ّ‬ ‫‪254‬‬
‫‪İki cihanda tasarruf ehlidir çünkü veli‬‬

‫‪Deme kim bu mürdedir bunda nice derman ola‬‬

‫‪Rûh şemşîr-i Hudâdır ten ğilâf olmuş ona‬‬

‫‪Ta ki a'lâ kâr eder bir tîğ kim üryan ola‬‬

‫‪Ahmet Yasar Ocak, Menâkibnâmeler Pg. 7 . Ankara-1992‬‬

‫قَبل مكتبة‬
‫سل بالمقابر ص‪ .15 /‬فشاور‪1965 /‬م‪ .‬أعيد طبعه من ِ‬
‫حمد الله الداجوي‪ ،‬البصائر لمنكري التو ّ‬ ‫‪255‬‬
‫الحقيقة في إسطنبول‪1989 -‬م‪.‬‬
‫‪196‬‬

‫ما الكرامة )بمعنى الخوارق‬ ‫ة(‪ .‬أ ّ‬


‫و ِ‬
‫من براهين الن ّب ُ ّ‬
‫حسب اعتقاد الصوفّية(‪ ،‬فإنها صفة فعلّية‬
‫ة )وهي‬ ‫ة كالولي ِ‬ ‫ة ذاتي ّ ً‬ ‫كالمعجزة‪ ،‬وليست صف ً‬
‫سبب الكرامة‪ ،‬أي سبب حدوث الخوارق على يد‬
‫ن مفهوم الكرامة‬ ‫ضا(‪ .‬ول ّ‬ ‫ي في معتقدهم أي ً‬ ‫ال ْ َ‬
‫ول ِ ّ‬
‫في مصطلحهم يشتمل على الخوارق اّلتي ت ُ َ‬
‫مث ّ ُ‬
‫ل‬
‫ة‪ .‬فهي‬ ‫ة الذاتي ّ َ‬
‫الصفة الفعلّية وليست الصف َ‬
‫ي‪،‬‬‫ي عندهم كالمعجزة للّنب ّ‬ ‫بالنسبة للول ِ ّ‬
‫ذا فكيف يجوز‬ ‫وكالسحر بالنسبة للساحر‪ .‬إ ً‬
‫ة؟!‬ ‫و ِ‬
‫والن ّب ُ ّ‬‫التشبيه بين الكرامة َ‬
‫ه من‬ ‫ي ونصيب ُ ُ‬ ‫ك يظهر مستوى هذا الصوف ّ ِ‬ ‫لش ّ‬
‫العلم بوضوح‪ ،‬من خلل تلك المقارنة الواهية‪.‬‬
‫ن جماهير أهل العلم والمعرفة لو‬ ‫لهذا‪ ،‬فإ ّ‬
‫دعاه‬
‫ل ما ا ّ‬ ‫جة على ك ّ‬
‫اجتمعوا ليقيموا الح ّ‬
‫الصوفّية‪ ،‬لعجزوا عن إحصائها‪ ،‬فضل ً عن دحضها‬
‫وإحباطها‪ .‬وهذا من أكبر السباب اّلتي تفسح‬
‫جرأة فُترِديهم‬ ‫ت في نفوسهم ال ُ‬ ‫لهم المجال وت ُن ْب ِ ُ‬
‫ي والتمادي‪.‬‬ ‫في الغ ّ‬
‫صة ُيدافعون‬ ‫ة والنقشبندّيين خا ّ‬ ‫م ً‬
‫ن الصوفّية عا ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ي والولية بإصرار‪،‬‬ ‫ول ِ ّ‬‫عن عقيدتهم في مسألة الْ َ‬
‫ويلجئون إلى تأويل اليات والحاديث كي‬
‫تستقيم لستدللهم وحجاجهم‪ .‬فقد أظهر‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫دعى أ ّ‬‫ة حيث ا ّ‬ ‫جْرأ ٍ‬‫ه في الولية ب ِ ُ‬ ‫ضهم عقيدت َ ُ‬
‫بع ُ‬
‫‪256‬‬
‫إنهم ل يختلفون‬ ‫وة‪.‬‬
‫الولية أفضل من النب ّ‬
‫ن شيوخهم يحتاطون‬ ‫أصل ً في هذه العقيدة‪ .‬ولك ّ‬
‫صة إذا كان‬ ‫في إظهار هذا المعتقد الخطير‪ ،‬خا ّ‬
‫عندهم أحد من المسلمين!‬

‫ي والولية‪ ،‬راجع المصادر التية‪:‬‬


‫ة حول اعتقادهم في مسألة الول ّ‬
‫د من المعرف ِ‬
‫لمزي ٍ‬ ‫‪256‬‬
‫‪Hasan Lutfi Sususd, Menâkib-i Evliya Pg. 163 (Terms part) Ist.-195‬‬

‫‪Dr. Selcuk Eraydin Tasavvuf ve Tarikaklar Pg. 90-95 Istanbul-1994‬‬

‫‪Grogp Of Naacshabandis, Ruh’ul-Furkan 2/63 Istanbul-1992‬‬

‫‪Ali Kadri, Tarikat-i Kaksebekdiyye 154-159 Pamuk Publis. Istanbul-1994‬‬


‫‪197‬‬

‫ور‬‫ربما لجأ النقشبندّيون التراك إلى هذا التص ّ‬


‫ن‬‫دي على أ ّ‬ ‫كنوا بذلك من التح ّ‬ ‫الرهيب‪ ،‬ليتم ّ‬
‫ت؛ ليتخّلصوا‬ ‫منهم أولياء‪ ،‬يفوقون النبياء بدرجا ٍ‬
‫بذلك من تبعية العرب في الدين والثقافة‪.‬‬
‫جّتهم في تعظيم كبرائهم والدعاية‬ ‫وليبّرروا ح ّ‬
‫ل على‬ ‫ة منهم العم َ‬ ‫ل جماع ٍ‬ ‫عك ّ‬ ‫لهم‪ ،‬ولتستطي َ‬
‫ف بقّية‬ ‫ه إلى أن تعتر َ‬ ‫خها وتفخيم ِ‬ ‫تصعيد شي ِ‬
‫مه في قائمة‬ ‫ل اس ُ‬ ‫ق الباطنية به‪ ،‬فيدخ َ‬ ‫فَر ِ‬‫ال ْ ِ‬
‫أولياء الصوفّية‪ .‬ولهذا ليس من المور الخفّية‬
‫د لبدّ يعتقد‬ ‫ل مري ٍ‬ ‫نك ّ‬ ‫)كما ورد بقلم بعضهم(‪« ،‬أ ّ‬
‫‪257‬‬
‫ما بالغيب؛ وبالرغم‬ ‫رج ً‬ ‫الولية في شيخه»‪.‬‬
‫ي في‬ ‫ول ِ ّ‬ ‫ْ‬
‫ء الطلع على وجود صفة ال َ‬ ‫من ان ْت ِ َ‬
‫فا ِ‬
‫وهذا‬ ‫‪258‬‬
‫ق عليه عند قدمائهم‪.‬‬ ‫ص بعينه‪ ،‬مت ّ َ‬
‫ف ٌ‬ ‫شخ ٍ‬
‫ء‪،‬‬
‫عا في عميا َ‬ ‫برهان أخر على تخّبطهم جمي ً‬
‫وتقّلبهم في أمواج من التلفيق والتناقض‬
‫والتضارب مع أنفسهم‪.‬‬

‫ل هذه المحاولة مع ما فيها من‬ ‫يتكّلفون ك ّ‬


‫ن‬
‫دعوا في النهاية أ ّ‬ ‫المسؤولية العظيمة‪ ،‬لي ّ‬
‫شيخهم قطب الفرد‪ ،‬وغوث الزمان‪ ،‬وغياث‬
‫ن‬
‫الخلئق‪ ،‬تظهر على يده ما ل عين رأت‪ ،‬ول أذ ٌ‬
‫سمعت من الخوارق‪ ،‬وأّنه لو أراد أن يقّلب‬
‫شى على البحر لما‬ ‫م َ‬
‫ن َ‬
‫الجبال ذهًبا لفعل‪ ،‬وأّنه إ ْ‬
‫عا على‬ ‫ه شيء من البلل‪ ،‬وأّنه لو دَ َ‬ ‫أصاب نعل َ ُ‬
‫قوم ٍ لجعل الله عاليهم سافلهم‪ .‬وأّنه يحضر‬
‫الصلة في الوقات الخمس بالمسجد الحرام في‬
‫الحين اّلذي هو في بلده‪ ،‬ولو كان بينه وبين‬
‫عدُ المشرق والمغرب‪ ،‬وأنه يحضر جبهة‬ ‫الحرم ب ُ ْ‬
‫القتال في طليعة جيوش السلم ينصرهم على‬
‫وهم‪ ،‬وكيت وكيت!‬ ‫عد ّ‬

‫‪Dr. Selcuk Eraydin Tasavvuf ve Tarikaklar Pg. 93 Istanbul-199‬‬ ‫ب من الكتاب الصادر بعنوان‪:‬‬
‫س ومعّر ٌ‬
‫مقت َب َ ٌ‬ ‫‪257‬‬

‫المصدر السابق والصفحة المذكورة‪.‬‬ ‫‪258‬‬


‫‪198‬‬

‫م‬‫يبرهن على هذه الحقيقة ما ي َُردّدُهُ عوا ّ‬


‫ه‬ ‫ه ِد َ‬
‫كاَر ْ‬ ‫م ْ‬‫خ َ‬
‫شي ْ ِ‬ ‫النقشبندّية من الكراد بلغتهم « َ‬
‫ه‪».‬؛ ذلك‬ ‫فْرقْ ب ِك َ ْ‬
‫ف َ‬
‫ه ْ‬
‫ز َ‬
‫ن ِ‬ ‫مَيا ْ‬
‫هن ّ ِ‬
‫ج َ‬
‫جّنتُِيو َ‬‫ل َ‬‫صو ِ‬
‫ُ‬
‫يعني‪ :‬أّنه باستطاعة شيخنا أن يمّيز بين نعال‬
‫ر‪ .‬أي له علم بالغيب في‬ ‫ة وأهل النا ِ‬ ‫أهل الجن ّ ِ‬
‫هذا التمييز حّتى ولو لم يعاين أصحاب النعال‪.‬‬

‫ل شيخ من شيوخ النقشبندّية‬ ‫ن المفتتنين بك ّ‬


‫إ ّ‬
‫يحاولون بمثل هذا التعبير ليذكروا من صفاته‬
‫اّلتي ل يمتاز بها شيخ آخر‪ ،‬اعتزاًزا به‪ .‬وهكذا‬
‫ور الحديث بين‬ ‫تجري المنافسة‪ ،‬وأحياًنا يتط ّ‬
‫الجماعات التابعة لشيوخ هذه الطائفة بالسلوب‬
‫دي إلى مضاعفات من الخصومة‬ ‫نفسه‪ ،‬فيؤ ّ‬
‫ء‪..‬‬
‫والبغض والشحنا ِ‬

‫إن هذه المنافسة قد أورثت النقشبندّيين‬


‫ي‬
‫ول ِ ّ‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬
‫م ِ‬‫ة حول مفهو َ‬ ‫وع ً‬
‫ة ومتن ّ‬
‫ت غريب ً‬‫معتقدا ٍ‬
‫والولية‪ ،‬وفي النظر إلى شخصية شيخ‬
‫الطريقة‪ .‬فإّنهم مختلفون في فهم هذه‬
‫المسائل‪ ،‬وكذلك مواقفهم وتعاملهم مع‬
‫فا بارًزا من‬ ‫مشايخهم بهذا السبب يختلف اختل ً‬
‫دسون مشايخهم‬ ‫ة إلى أخرى؛ بعضهم يق ّ‬ ‫جماع ٍ‬
‫ه‪ ،‬وربما يعتقدون‬ ‫ظمونهم تعظيم العبد لرب ّ ِ‬ ‫ويع ّ‬
‫ة الكراد من هذه‬ ‫ص ٍ‬‫ءا من اللهّية؛ وبخا ّ‬ ‫فيهم جز ً‬
‫ة يحلفون برؤوس مشايخهم وبقبورهم‬ ‫النحل ِ‬
‫وكذلك بأنسابهم‪ .‬فيقولون‪:‬‬

‫ة مولنا الشيخ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ي َ‬


‫شي ْ ْ‬
‫م ِبهام ِ‬ ‫س ُ‬
‫خ»‪ .‬أي أق ِ‬ ‫سر ِ‬‫«ب ِ َ‬
‫ي شيخ»‪ .‬أي أقسم بنسب مولنا‬ ‫جد ّ‬ ‫ويقولون «ب ِ َ‬
‫خ» ‪.‬‬‫شي ْ ْ‬ ‫ه‪ .‬ويقولون «ب ِك ُ ْ‬
‫مب ََتا َ‬ ‫الشيخ؛ أو أقسم بآبائ ِ‬
‫ة اّلتي على ضريح مولنا الشيخ‪.‬‬ ‫أي أقسم بالقب ّ ِ‬
‫ة أّنه إذا مات شيخ من‬ ‫ذلك من عاداتهم الشائع ِ‬
‫ة ‪ -‬إل ّ من أوصى‬ ‫مشايخهم أقاموا على قبره ُ‬
‫قب ّ ً‬
‫كبوا على لحده‬ ‫مر ّ‬
‫ما هم ‪ -‬ث ّ‬ ‫بخلفه‪ ،‬وقليل ّ‬
‫قا من الخشب‪ ،‬فزّينوه بالقمشة‪ ،‬وجعلوه‬ ‫صندو ً‬
‫‪199‬‬

‫دون إليه الرحال‪ ،‬ويتبّركون به‪،‬‬‫مزارا ً يش ّ‬


‫ويحملون إليه مجانينهم ومرضاهم استشفاءً به‪،‬‬
‫ت‬
‫كبقّية الطوائف من الصوفّية‪ .‬ولبعض جماعا ٍ‬
‫ت أخرى؛ كالضرب على الدفوف‪،‬‬ ‫منهم عادا ٌ‬
‫والتغّني بمناقب الشيخ أمام الموكب أثناءَ تشييع‬
‫ة‪ .‬وهي بدعة‬ ‫ه من المصّلى إلى المقبر ِ‬ ‫جنازت ِ‬‫ِ‬
‫د‬
‫عر ْ‬
‫س ِ‬ ‫ّ‬
‫اعتادها النقشبندّيون من سكان مدينة ِ‬
‫الواقعة بأقصى جنوب شرقي تركيا‪.‬‬

‫وكذلك من صيغ القسم عند الكراد النقشبندّيين‬


‫خ»‪ 259‬أي ُأقسم بموقده‪،‬‬ ‫شي ْ‬‫خا َ‬‫جا َ‬
‫و َ‬
‫ُ‬
‫قولهم «ب ِأ ْ‬
‫م من‬ ‫س ُ‬ ‫)كناية عن أسرته(‪ .‬وربما يستمدّ هذا ال َ‬
‫ق َ‬
‫عقائد أسلفهم اّلذين كانوا عليها في العهد‬
‫سا‪ ،‬يعبدون النار‬ ‫ن الكراد كانوا مجو ً‬ ‫ي‪ .‬ل ّ‬ ‫الوثن ّ‬
‫عا للفرس؛‬ ‫دسون مواقدها قبل السلم تب ً‬ ‫ويق ّ‬
‫ت‬‫سها إلى ما بعد السلم‪ ،‬وأخذ ْ‬ ‫ت عكو ُ‬ ‫فتسّرب ْ‬
‫سا ل يفطن لحقيقته إل ّ قليل من‬ ‫سا ً‬ ‫طابعا ً د ّ‬
‫أهل العلم والبحث‪.‬‬

‫ي وصفاته‬ ‫كانت هذه نبذة من مّيزات الولِ ّ‬


‫والخوارق المزعومة عن أولياء الصوفّية‬
‫وموقفهم من شيوخهم‪ .‬وليت شعري من رأى‬
‫ل ظهر منه‬ ‫دا ‪ ،-‬لع ّ‬‫صا واح ً‬
‫منهم بعينه ‪ -‬ولو شخ ً‬
‫مّرةً واحدةً شيء من هذه المزاعم!‬
‫وعند ما نتساءل‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫ن كلمة )أوجاخ‪ ،‬أو أوجاق( معناها في الّلغة التركّية‪ :‬موقد النار‪ .‬وهو مصطلح ها ّ‬
‫م‪ ،‬في معتقد التراك‬ ‫إ ّ‬ ‫‪259‬‬
‫‪Meydan‬‬ ‫وعاداتهم وتقاليدهم‪ .‬جاءت في ذلك شروح للباحثين وأهل الدراسة‪ .‬منها ما ورد في موسوعة‬

‫‪Larousse‬المجّلد التاسع ص‪ .462-458 /‬ورد فيها شرح طويل بالّلغة التركّية حول هذا المصطلح‪ .‬وهذا تعريب‬

‫ة‪ .‬وهو ملجأ منيع‪ ،‬لتقترب منه الرواح المتمّردة‬


‫م ِ‬
‫ما في معتقد العا ّ‬ ‫ة منها‪« :‬الموقد يحت ّ‬
‫ل مكاًنا ها ّ‬ ‫ت يسير ٍ‬
‫عبارا ٍ‬
‫ما هذا المعتقد‪ ،‬فهو امتداد لعهد‬
‫ع من سوئها‪ ،‬على حسب معتقد الناس‪ .‬أ ّ‬ ‫ة اّلتي ي ُ ْ‬
‫فَز ُ‬ ‫ة والقوى الخبيث ُ‬
‫والجن ّ ُ‬
‫ة‬
‫ة الطريقة البكتاشي ِ‬
‫ص ٍ‬
‫ضا‪« :‬يعتقد أهل الطرق الصوفّية بأجمعها‪ ،‬وبخا ّ‬
‫العبادة للنار»‪ .‬من هذه العبارات أي ً‬
‫ي المنعوت )آتش باشي(‬
‫ن الموقد رمز للميمنة والبركة‪ .‬وُيعتبر جانب الموقد مقام الول ّ‬
‫ة يعتقدون بأ ّ‬
‫والمولوي ِ‬
‫سا‬ ‫ةك ّ‬
‫ل يوم ٍ بالبتهال إلى الموقد‪ .‬وُيعتبر حجُر الموقد أسا ً‬ ‫أي رئيس النار‪ .‬وإّنما تتم مباشرة العمل في التكي ّ ِ‬
‫ل اليد عنها بعد مسها إذا كان‬ ‫ل هذا الحجر إذا كان خالًيا من الغبار‪ .‬أو ي ُ َ‬
‫قب ّ ُ‬ ‫س منها‪ .‬وي ُ َ‬
‫قب ّ ُ‬ ‫ن القد َ‬
‫ة والمكا َ‬
‫للتكي ّ ِ‬
‫ي حّتى زمن السلطان محمود‬
‫ن الجيش في العهد العثمان ّ‬
‫مغب ًّرا»‪ .‬كما ل يخفى على من له إلمام بالتاريخ‪ ،‬أ ّ‬
‫ة إلى الطريقة البكتاشية اّلتي ُيعت ََبر‬
‫مى «ينكي جري أوجاغي» أى «موقد جيش النكشارية» نسب ً‬
‫الثاني كان يس ّ‬
‫سا كما مّر‪.‬‬
‫د ً‬
‫موقد النار عند أهلها مكاًنا مق ّ‬
‫‪200‬‬

‫م‬ ‫ول َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫ف َ َ‬ ‫ـ هل الولياء‪ ،‬هم اّلذين }ل َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫و ٌ‬
‫خ َ‬
‫ونَ‪ .{.‬كما‬ ‫وا ي َّتق ُ‬ ‫و َ‬
‫كان ُ‬ ‫وا َ‬
‫من ُ‬ ‫ن * اّلذي َ‬
‫نآ َ‬ ‫و َ‬
‫حَزن ُ‬
‫يَ ْ‬
‫وصفهم الله تعالى في كتابه؛ أم هم اّلذين‬
‫قوا لذلك!‬ ‫خل ِ ُ‬‫ب إليهم إظهار الخوارق كأّنهم ُ‬ ‫س ُ‬
‫ُتن َ‬
‫كما وصفهم أتباعهم؟!‬

‫ل فرٍد من هذه الطائفة عن إجابة‬ ‫ةك ّ‬ ‫تختلف إجاب ُ‬


‫ش‬
‫ه ُ‬ ‫الخر عند مثل هذا السؤال‪ ،‬بحيث ي َدْ َ‬
‫ق‬
‫النسان من أمرهم ول يستطيع أن يجدَ الّتفا َ‬
‫بين ما يقول اثنان منهم فضل ً عن الّتفاق بين‬
‫ق المتشابهة في الظاهر‪ .‬وهذا ما جعل‬ ‫فَر ِ‬
‫هذه ال ِ‬
‫ق من معتقدات الصوفّية أمًرا‬ ‫ق َ‬‫ت والتح ّ‬ ‫الثبا َ‬
‫مستحيل ً على الباحثين وأهل الدراسة والتنقيب‪.‬‬
‫ل اختلف رجال البحث في تحليل قضايا‬ ‫ولع ّ‬
‫الصوفّية‪ .‬ناشيء عن هذه الفوضى السائدة في‬
‫وفة‪.‬‬‫عالم المتص ّ‬
‫ن الولية في‬ ‫ل وضوح أ ّ‬ ‫وبالخلصة‪ ،‬يبدو وبك ّ‬
‫ة اّلتي‬ ‫ة الذاتي َ‬ ‫ت هي الصف َ‬ ‫اعتقاد الصوفّية ليس ْ‬
‫ي بما أّنه ل‬ ‫ده المؤمن التق ّ‬ ‫ُيكرم الله بها عب َ‬
‫ة‬
‫ة عندهم هي صف ٌ‬ ‫يخاف ول يحزن‪ .‬بل الولي ُ‬
‫ة‬ ‫ت شا ّ‬
‫ق ٍ‬ ‫ت ورياضا ٍ‬ ‫ن بعد مجاهدا ٍ‬ ‫يكتسبها النسا ُ‬
‫بتعذيب النفس والجوع والسهر والصمت والعزلة‬
‫قق له الفناء ثم البقاء‪ ،‬فيكون بذلك‬ ‫إلى أن يتح ّ‬
‫ت‬‫ع ْ‬
‫ز َ‬‫من أصحاب النفوس الفاضلة حّتى إذا ن ُ ِ‬
‫ه من بدنه صار من «المدّبرات أمًرا» أي‬ ‫ح ُ‬
‫رو ُ‬
‫‪260‬‬
‫«ملحقة بالملئكة‪ ،‬أو تصلح هي لتكون مدّبرة»‬

‫ن للولياء بعد‬‫«فقد ظهر من هذه العبارات أ ّ‬


‫ي»‪ 261‬عند الصوفّية‪.‬‬ ‫الوفاة مدد روحان ّ‬
‫قَبل مكتبة‬
‫سل بالمقابر ص‪ .43 /‬فشاور‪1965 -‬م‪ .‬أعيد طبعه من ِ‬
‫حمد الله الداجوي‪ ،‬البصائر لمنكري التو ّ‬ ‫‪260‬‬
‫الحقيقة في إسطنبول‪1989-‬م‪.‬‬

‫عا بدل أن‬


‫ن مرفو ً‬ ‫المصدر السابق ص‪) .16 /‬قد أخطأ المؤل ّ ُ‬
‫ف في إعراب هذه الكلمات‪ ،‬فقد جاء إسم أ ّ‬ ‫‪261‬‬
‫دا روحانّيا (‬
‫ن للولياء بعد الوفاة مد ً‬
‫يكون منصوًبا‪ .‬والصحيح هو‪ :‬أ ّ‬
‫‪201‬‬

‫لم تكتف الطائفة بهذا القدر‪ ،‬بل أفرط بعضهم‬


‫ل‬‫و َ‬‫ق ّ‬‫في جنب الله وفي جنب رسوله ‪ ،‬حّتى ت َ َ‬
‫على لسانه بأّنه قال « إذا تحّيرتم في المور‪،‬‬
‫فاستعينوا بأهل القبور»‪ 262.‬نقلوه على أّنه‬
‫ه في الصفحة الثانية‬ ‫وَردَ ب ِل َ ْ‬
‫فظ ِ ِ‬ ‫ث‪ ،‬كما َ‬ ‫حدي ٌ‬
‫والثمانين من المجّلد الثاني لتفسير «روح‬
‫الفرقان»؛ بينما أنكر بعضهم الخر على من‬
‫أسنده إلى رسول الله ‪ ،‬ورماه بسخافة‬
‫ة‬
‫ضا‪ :‬محاول ُ‬ ‫فه بعضهم بع ً‬ ‫العقل‪ .‬ومن جملة ما س ّ‬
‫وفة بلد الهند‪.‬‬ ‫ي وهو من متص ّ‬ ‫د الله الداجو ّ‬ ‫حم ِ‬
‫ي عن شهاب الدين محمود بن عبد‬ ‫نقل الداجو ّ‬
‫الله اللوسي مقطعا ً في هذا الصدد‪ .‬قال فيه‬
‫م‬
‫ها على النفوس الفاضلة إيها ُ‬ ‫مل ِ َ‬
‫ح ْ‬‫«وكذا في َ‬
‫ن الولياء‬ ‫ة ما يزعمه سخفة العقول من أ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ص ّ‬
‫يتصّرفون بعد وفاتهم بنحو شفاء المريض وإنقاذ‬
‫الغريق والنصر على العداء وغير ذلك مما يكون‬
‫في عالم الكون والفساد على معنى أّنه تعالى‬
‫ص ذلك بخمسة‬ ‫نخ ّ‬ ‫م ْ‬
‫وض إليهم ذلك‪ .‬ومنهم َ‬ ‫ف ّ‬
‫د‬
‫ل جهل‪ ،‬وإن كان الثاني أش ّ‬ ‫ء والك ّ‬ ‫من الوليا ِ‬
‫‪263‬‬
‫ل‪».‬‬‫جه ً‬

‫هكذا أقوالهم وحكاياتهم ونقولتهم تتناقض‬


‫وتتضارب وتتذبذب في اضطراب بين الفراط‬
‫والتفريط‪ ،‬في كثير من المواطن وإن ظهرت‬
‫في صورة الحق في بعض الحيان لقصور النظر‬
‫ي والولية‪.‬‬
‫فيها؛ كما في مسألة الولِ ّ‬
‫***‬
‫* المكاشفة واللهام وعلم الغيب في‬
‫اعتقاد النقشبندّيين‪.‬‬

‫ما ُينكر فيه على المستد ّ‬


‫ل بالحديث‬ ‫المصدر السابق ص‪) .15 /‬نقل أحمد الداجوي عن اللوسّيي كل ً‬ ‫‪262‬‬
‫ي(‬
‫م قال الداجوي‪ :‬هذا الكلم يشير إلى ضللة اللوس ّ‬
‫المفترى‪ ،‬ث ّ‬

‫المصدر السابق ص‪.44 /‬‬ ‫‪263‬‬


‫‪202‬‬

‫ن من جملة الصفات التي يعتقدها النقشبندّيون‬ ‫إ ّ‬


‫ة‪،‬‬
‫م ِ‬
‫في شيوخهم على سيبل تمييزهم من العا ّ‬
‫م الغيب‪ .‬فقد أفردوا في كتبهم أبواًبا بعنوان‬ ‫عل ُ‬
‫ن مناقب شيوخهم ما ل‬ ‫الكرامات؛ وذكروا ضم َ‬
‫ت وعلم ِ‬ ‫ت واللهاما ِ‬ ‫ص المكاشفا ِ‬ ‫ُيحصى من قص ِ‬
‫حاُر منها العقول‪ .‬منها كتاب «الحدائق‬ ‫ب‪ ،‬ت َ َ‬‫الغي ِ‬
‫ء النقشبندّية» لرجل من‬ ‫الوردّية في حقائق أجل ّ ِ‬
‫مد‬ ‫متأخري هذه الزمرة‪ .‬اسمه عبد المجيد بن مح ّ‬
‫ي‪ .‬لقد نقل في ثنايا كتابه أفظع‬ ‫مد الخان ِ ّ‬ ‫بن مح ّ‬
‫ن من أساطيَر‬ ‫وره النسا ُ‬ ‫ما يمكن أن يتص ّ‬
‫عب َْر تاريخهم‪.‬يقول في‬ ‫اختلقها النقشبندّيون َ‬
‫ي المعروف بين‬ ‫صدد كرامات أحمد الفاروق ّ‬
‫ي »‪:‬‬
‫النقشبندّيين بـ «المام الرّبان ِ ّ‬
‫صه الله تعالى بفضيلة نشر العلوم‬ ‫«لقد خ ّ‬
‫‪264‬‬
‫الدينّية‪ ،‬والكشف عن أسرار العلوم الل ّدُن ّي ّ ِ‬
‫ة‪».‬‬

‫ة‪ ،‬هي اّلتي يقصد بها الصوفّية‬ ‫والعلوم الل ّدُن ّي ّ ُ‬


‫ي بينها وبين العلوم‬ ‫م الغيب‪ .‬لذا‪ ،‬مّيز الخان ِ ّ‬ ‫عل َ‬
‫ة من قلب‬ ‫م السلمّية النابع ُ‬ ‫الدينّية‪ .‬وهي العلو ُ‬
‫ي‪،‬‬‫القرآن العظيم‪ ،‬المستمدّةُ من الوحي الله ّ‬
‫د‬
‫دماِتها وتفاصيِلها‪ :‬من توحي ٍ‬ ‫ة بمق ّ‬ ‫والمعروف ُ‬
‫ق بها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ث وما يتعل ُ‬ ‫ر وحدي ٍ‬ ‫ه وتفسي ٍ‬ ‫وفق ٍ‬
‫ة‬‫ن النقشبندّيين يحتقرون هذه العلوم الشريف َ‬ ‫إ ّ‬
‫ه‬
‫مو ُ‬ ‫ضلون عليها ما س ّ‬ ‫كسائر الصوفّية؛ ويف ّ‬
‫ق‬
‫ة‪ .‬وهي في اعتقادهم إشرا ٌ‬ ‫بالعلوم الل ّدُن ّي ّ ِ‬
‫ي ُيفيض على قلب‬ ‫دان ِ ّ‬
‫ج َ‬
‫و ْ‬
‫و ُ‬
‫ي َ‬ ‫عْر َ‬
‫فان ِ ّ‬ ‫و ِ‬‫ي‪َ ،‬‬ ‫حان ِ ّ‬‫ُرو ُ‬
‫ي عن طريق‬ ‫ء رّبان ِ ّ‬‫ك من عند الله بإلقا ٍ‬ ‫سال ِ ِ‬‫ال ّ‬
‫اللهام‪ .‬ويتفلسفون في تحقير العلوم الدينّية‬
‫س والعقل‬ ‫ي ‪ -‬على الح ّ‬ ‫مدة ‪ -‬بجانبها الكسب ّ‬ ‫المعت ِ‬
‫ن مجّرد‬ ‫والتجربة والنظر والقياس‪ .‬يزعمون أ ّ‬
‫دي إلى‬ ‫مَيات ل تؤ ّ‬ ‫المعرفة عن طريق هذه المس ّ‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.181/‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪264‬‬
‫‪203‬‬

‫ة‬
‫ة وإدراك الحقيق ِ‬ ‫كنه أسرار الكون والحيا ِ‬
‫ة‪ .‬فيبلغ تحقيرهم للعلوم‬ ‫ة من وراء الطبيع ِ‬ ‫الخفي ِ‬
‫القرآنية إلى حدود السخرية بها؛ كما جاء في‬
‫مد‬‫ن ترجمة مح ّ‬ ‫فا ضم َ‬‫نفس المصدر المذكور آن ً‬
‫ة في‬ ‫خ هذه الطائف ِ‬
‫د شيو ِ‬ ‫ي أح ِ‬‫زاهد السمرقند ّ‬
‫ة اتصاله بعبيد الله الحرار اّلذي نصبه شي ً‬
‫خا‬ ‫قص ِ‬
‫فا من بعده على أتباعه‪ .‬يقول‬ ‫على أن يكون خل ً‬
‫ي نقل ً عن ُ‬
‫ه‪:‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫خان ِ ّ‬
‫ما‬ ‫ن‪ ،‬أقمنا فيها أّيا ً‬ ‫ما ْ‬‫شادْ َ‬ ‫ما وصلنا إلى قرية َ‬ ‫«فل ّ‬
‫دة الحّر‪ .‬فبينما نحن كذلك إذ حضر إلينا‬ ‫من ش ّ‬
‫ت العصر فذهبنا‬ ‫سي ّدَُنا الشيخ رضي الله عنه وق َ‬ ‫َ‬
‫ت من‬ ‫لزيارته‪ .‬فسألني من أين أنت؟ فقل ُ‬
‫دثنا أجمل الحديث‪ .‬وذكر‬ ‫قْند‪ .‬فطفق يح ّ‬ ‫مْر َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫دا‪.‬‬ ‫دا فر ً‬ ‫ه في سّري فر ً‬ ‫ع ما أكننت ُ ُ‬ ‫ه جمي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل كل ِ‬ ‫خل َ‬
‫‪265‬‬
‫ما‬‫ة ‪ .‬فل ّ‬ ‫هَرا َ‬ ‫حّتى أخبرني عن سبب سفري إلى َ‬
‫م قال لي‪:‬‬ ‫ق‪ .‬ث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ت ذلك تعّلق قلبي به ك ّ‬
‫ل تعل ٍ‬ ‫وجد ُ‬
‫سٌر هنا‪.‬‬ ‫عل ْم ِ فهو متي ّ‬ ‫ب ال ْ ِ‬‫ك طَل َ َ‬‫صودُ َ‬‫ق ُ‬ ‫م ْ‬ ‫إن كان َ‬
‫طلع عليه هذا‬ ‫ر إل ّ وقد ا ّ‬ ‫ت أّنه ما من خاط ٍ‬ ‫قن ُ‬ ‫فتي ّ‬
‫ما‬ ‫ولم يخرج من قلبي محّبة السفر إلى هراة‪ .‬فل ّ‬
‫ف بذلك قال لي أحد أتباعه إّنه مشغول‬ ‫ش َ‬ ‫كو ِ‬
‫ما فرغ قام من مقامه‬ ‫ل‪ .‬فل ّ‬ ‫بالكتابة‪ ،‬فترّبص قلي ً‬
‫م قال‪ - :‬أخبرني بجلّية أمرك‪ ،‬هل‬ ‫وأقبل نحوي ث ّ‬
‫مرادك من هراة تحصيل الطريق أو العلم ؟‬
‫ت‪ .‬فقال له رفيقي‪- :‬‬ ‫ت من جللته وسك ّ‬ ‫فدهش ُ‬
‫بل الغالب عليه الطريق‪ ،‬وإّنما جعل العلم‬
‫سم وقال‪ - :‬إن كان كذلك فهو أفضل‬ ‫تست ًّرا‪ .‬فتب ّ‬
‫وأحسن»‪.266‬‬

‫ن النظَر فيها‪ ،‬وجد‬‫ن أمع َ‬


‫م ْ‬ ‫ن هذه العبارات‪َ ،‬‬ ‫إ ّ‬
‫ة‬
‫ت من أساطير هذه الطائف ِ‬ ‫ه عن مجّلدا ٍ‬ ‫أّنها ُتغني ِ ِ‬
‫خها للعقل‪،‬‬
‫ر شيو ِ‬‫ها؛ واحتقا ِ‬ ‫خا َ‬
‫فات ِ َ‬ ‫س َ‬
‫و َ‬
‫ها َ‬ ‫خَرا َ‬
‫فات ِ َ‬ ‫وَ ُ‬

‫ة في أفغانستان‪.‬‬
‫ة‪ :‬مدين ٌ‬
‫هَرا ُ‬
‫‪َ 265‬‬

‫المصدر السابق ص‪.175/‬‬ ‫‪266‬‬


‫‪204‬‬

‫هرة‪ .‬ول‬ ‫وسخريتهم من العلم والشريعة المط ّ‬


‫ة كبرائهم من‬ ‫ن غاي َ‬ ‫يعزب عن الباحث المحّنك‪ ،‬أ ّ‬
‫مدّية في بعض المواطن‬ ‫مدحهم للشريعة المح ّ‬
‫من كلمهم‪ ،‬ليست إل ّ وسيلة دعائّية يلجؤون‬
‫قعون من‬ ‫إليها على سبيل الحيطة‪ ،‬تفادًيا لما يتو ّ‬
‫صة فإّنهم‬ ‫جها‪ .‬خا ّ‬ ‫ل الطائفة وخار َ‬ ‫ردوٍد داخ َ‬
‫ء اّلذين توّرطوا‬ ‫ة العلما ِ‬ ‫ض َ‬ ‫وان ْت ِ َ‬
‫فا َ‬ ‫ق َ‬
‫ظ َ‬ ‫يحذرون ت َي َ ّ‬
‫بالنخراط في صفوفهم دون علم ٍ بحقيقة‬
‫تعاليم هذه الطريقة وفلسفتها!‬

‫ة اللهام ِ‬ ‫ي في مسأل ِ‬ ‫بلغت مجازفات الخان ِ ّ‬


‫ْ‬ ‫لقد‬
‫ء‬
‫ة إلى حدوِد الزدرا ِ‬ ‫ب والمكاشف ِ‬ ‫وعلم ِ الغي ِ‬
‫ل في سرد «كرامات مشائخه»‬ ‫ل‪ ،‬فاسترس َ‬ ‫بالعق ِ‬
‫ء والمدح على‬ ‫طا من آيات الثنا ِ‬ ‫ليخلع بها أنما ً‬
‫ي‪ .‬وهو أحد‬ ‫مد زاهد السمرقند ّ‬ ‫ل اسمه مح ّ‬ ‫رج ٍ‬
‫ه‬
‫قدَْرت َ ُ‬‫ي ُ‬
‫رؤوس هذه الطائفة‪ .‬ثم استخدم الخان ّ‬
‫ة في تنميق عباراته وتنسيق كلماته فقال‪:‬‬ ‫الدبي ّ َ‬

‫«فهو المفرد العلم في العلم والقلم اّلذي قام‬


‫ء السرار والمداد‪ ،‬وتدبير دولة إرشاد‬ ‫بأعبا ِ‬
‫ة‬
‫ن شّيد باللهامات الصادق ِ‬ ‫م ْ‬
‫العباد‪ .‬فتبارك َ‬
‫‪267‬‬
‫ه »‪.‬‬
‫ة أمَر ُ‬
‫ه‪ ،‬وسدّدَ بالكرامات الخارق ِ‬‫قدَر ُ‬
‫ن جميع شيوخهم ي ّ‬
‫طلعون‬ ‫هكذا في اعتقادهم أ ّ‬
‫على الغيب‪ ،‬ويعلمون ما في الصدور بالكشف‬
‫واللهام‪.‬‬

‫ما اللهام‪ ،‬فهو في الحقيقة مفهوم غامض‪،‬‬ ‫أ ّ‬


‫ي حوله؛ وامتنع‬ ‫ء الرأ ِ‬ ‫احتاط العلماءُ في إبدا ِ‬
‫الكثير منهم عن الخوض فيه‪ .‬جاء تعريفه في‬
‫ة يمكن الجمع بينها تقريًبا‪ :‬أّنه‬ ‫المعاجم بخلص ٍ‬
‫ن أمًرا يبعثه على‬ ‫إلقاءٌ من الله في نفس النسا ِ‬
‫ي شيء في روعه‬ ‫ه‪ .‬كأنه أ ُل ْ ِ‬
‫ق َ‬ ‫ء أو ترك ِ‬
‫ل الشي ِ‬
‫فع ِ‬

‫المصدر السابق ص‪.174/‬‬ ‫‪267‬‬


‫‪205‬‬

‫قنه إّياه؛‬‫فالتهمه‪ .‬وكلمة «ألهمه الله» أي ل ّ‬


‫و«ألهمه شيًئا» أي أوعزه إليه وأوحاه‪.‬‬

‫ي في حاشيته‬ ‫ست َل ّ ّ‬
‫مد ال ْك َ ْ‬‫قال مصطفى بن مح ّ‬
‫لمة سعد الدين مسعود بن‬ ‫على شرح العقائد للع ّ‬
‫ي‬
‫عمر التفتازاني تفسيًرا لقول النسف ّ‬
‫ما نقل‬ ‫ق؛ قال إحتراًزا ع ّ‬ ‫م عند أهل الح ّ‬ ‫«واللها ُ‬
‫وفة وبعض الرافضة أّنه من‬ ‫عن بعض المتص ّ‬
‫ها‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أسباب العلم مستدلين بقوله تعالى } َ‬‫ّ‬
‫م َ‬
‫ه َ‬
‫فأل َ‬
‫ن المراد‬ ‫ها{‪ 268‬والجواب‪ ،‬أ ّ‬ ‫وا َ‬ ‫و تَ ْ‬
‫ق َ‬ ‫ها َ‬ ‫وَر َ‬ ‫ُ‬
‫فج ُ‬
‫ب‪ ،‬أو بدللة‬ ‫ل وإنزال الك ُت ُ ِ‬ ‫س ِ‬‫إعلمها بإرسال الر ُ‬
‫العقل»‪.‬‬

‫ن علماء‬
‫فقد اّتضح من هذه العبارات مرةً أخرى أ ّ‬
‫ذروا المسلمين عن‬ ‫ر قد ح ّ‬
‫ل عص ٍ‬‫السلم في ك ّ‬
‫وفة والرافضة‪.‬‬ ‫الغترار بتأويلت المتص ّ‬
‫***‬
‫ة‬
‫* الويسي ّ ُ‬
‫ب ومثيٌر‪،‬‬ ‫ح غري ٌ‬ ‫ما الويسية‪ :‬فإنّها مصطل ٌ‬ ‫أ ّ‬
‫اختلقها النقشبندّيون ليّتخذوه ضرًبا آخر من‬
‫دا‬
‫ن عد ً‬ ‫دعوى علم الغيب لشيوخهم‪ .‬يزعمون أ ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ة َ‬ ‫مهم من روحاني ِ‬ ‫قوا علو َ‬ ‫من قدمائهم تل ّ‬
‫ة» فيقولون‬ ‫سي ّ ِ‬
‫وي ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ماتوا قبلهم؛ ويصفونهم بـ «ال َ‬
‫س‬ ‫ُ‬ ‫ل منهم «شي ٌ‬ ‫لك ّ‬
‫وي ْ ِ‬ ‫ة إلى أ َ‬ ‫ي» نسب ً‬ ‫خ أويس ّ‬
‫ي‪ .‬وهو «أويس بن عامر بن جزء بن مالك‬ ‫قَرن ِ ّ‬‫ال ْ َ‬
‫ي‪ ،‬من بني قرن بن ردمان بن ناجية ابن‬ ‫القرن ّ‬
‫دمين من سادات‬ ‫ساك العّباد المق ّ‬ ‫مراد‪ ،‬أحد الن ّ‬
‫التابعين‪ .‬أصله من اليمن يسكن القفار والرمال‪،‬‬
‫ي ‪ ‬ولم يره‪ .‬فوفد على عمر‬ ‫وأدرك حياة النب ّ‬
‫طاب؛ ثم سكن الكوفة وشهد وقعة ص ّ‬
‫فين‬ ‫بن الخ ّ‬
‫جح الكثيرون أّنه‬ ‫ي رضي الله عنه‪ .‬وير ّ‬ ‫مع عل ّ‬

‫‪268‬سورة الشمس‪.8/‬‬
‫‪206‬‬

‫ي‬
‫وقُ لزيارة النب ّ‬
‫‪269‬‬
‫ل فيها» ‪ .‬قيل إّنه كان يتش ّ‬ ‫ُ‬
‫قت ِ َ‬
‫‪ .‬فلم يستطع إليه سبيل‪ .‬وعلى هذا‪ ،‬زعم‬
‫قى عن رسول الله ‪ ‬علو ً‬
‫ما‬ ‫النقشبندّيون أّنه تل ّ‬
‫ة‬
‫بظهر الغيب‪ .‬فاّتخذوا من هذه المزعمة ذريع ً‬
‫ليختلقوا بها ما اشتهته نفوسهم بوضع هذه‬
‫ة»‪.‬‬
‫سي ّ ِ‬
‫وي ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫السطورة المتمّثلة في كلم ِ‬
‫ة‪« :‬ال َ‬
‫ي في هذا‬
‫مد الخان ّ‬
‫يقول عبد المجيد بن مح ّ‬
‫الصدد‪:‬‬

‫ن المام بهاء الدين الشاه نقشبند‪ ،‬أخ َ‬


‫ذ‬ ‫«اعلم أ ّ‬
‫ي عن روحانّية الشيخ عبد الخالق‬ ‫الذكَر الخف ّ‬
‫ي )‪ (...‬ولم يجتمع معه في عالم‬ ‫وان ِ ّ‬ ‫جدُ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫غ ْ‬
‫ن بين المام بهاء الدين والمام عبد‬ ‫الجسام‪ .‬ل ّ‬
‫ي )‪ (...‬خمس وسائط من رجال‬ ‫وان ِ ّ‬‫جدُ َ‬‫غ ْ‬ ‫الخالق ال ْ ُ‬
‫فا‪ .‬وكذلك الشيخ أبو‬ ‫السلسلة العلّية كما مّر آن ً‬
‫دم ذكره أخذ الطريقة‬ ‫ي المتق ّ‬ ‫قان ِ ّ‬‫خَر َ‬ ‫الحسن ال ْ َ‬
‫ة المام أبي يزيد طيفور بن‬ ‫المرضّية عن روحاني ّ ِ‬
‫ي )‪(...‬؛ وذلك في ظهوره له‬ ‫عيسى البسطام ّ‬
‫ن الروحانّيات‬ ‫في عالم السير إلى الله تعالى‪ .‬فا ّ‬
‫تجتمع في ذلك كاجتماعهم في المنام‪ ،‬وبعد‬
‫لهوت الخارج من عالم‬ ‫م ال ّ‬ ‫الممات‪ .‬وهو عال َ ُ‬
‫ق كّلهم ‪ -‬الحياء‬ ‫الجسام والرواح‪ .‬الخل ُ‬
‫ن يدّبر الله‬ ‫م ْ‬‫والموات ‪ -‬في ذلك العالم‪ .‬منهم َ‬
‫ما في عال َم ِ الجسام وهم الحياء؛ ومنهم‬ ‫له جس ً‬
‫من ل يدّبر الله له شيًئا من الجسام‪ ،‬وهم‬
‫و‬
‫س ّ‬‫فخ فيه الروح مما لم ي ُ َ‬ ‫الموات‪ .‬ومن لم ُين َ‬
‫ما كان هذا الحذ من الروحانّيات‪،‬‬ ‫ه‪ .‬ول ّ‬ ‫م ُ‬
‫جس ُ‬
‫ي لم يجتمع‬ ‫ن أبا الحسن الخرقان ّ‬ ‫نّبهنا عليه‪ .‬ل ّ‬
‫ن بينه‬ ‫ي )‪ .(...‬ل ّ‬‫بجسمانية أبي يزيد البسطام ّ‬
‫في سنة إحدى‬ ‫ن أبا يزيد تو ّ‬ ‫دا‪ .‬فا ّ‬ ‫وبينه زمًنا بعي ً‬
‫وسّتين ومائتين‪ .‬وقيل أربع وسّتين ومائتين‪.‬‬
‫ضا‬‫وأبوالحسن ولد بعده بكثير‪ .‬وأبو يزيد )‪ (...‬أي ً‬

‫‪2/32‬‬ ‫خير الدين زركلي‪ ،‬العلم‬ ‫‪269‬‬


‫‪207‬‬

‫س خرقة الطريق ظاهًرا وباطًنا من روحانية‬ ‫ل َب ِ َ‬


‫دم‬
‫المام جعفر الصادق رضي الله عنه كما تق ّ‬
‫في الشيخ أبي الحسن‪ .‬وما اشتهر بين بعض‬
‫د )‪(...‬‬
‫خ أبي يزي ٍ‬‫ة الشي ِ‬ ‫م ِ‬‫خدْ َ‬
‫أهل الطريق من ِ‬
‫ن‬
‫ه له‪ ،‬غير صحيح‪ .‬ل ّ‬ ‫للمام جعفَر ‪ ‬وصحبت ِ ِ‬
‫ق رضي الله عنه‪ ،‬قبل‬ ‫ر الصاد ِ‬ ‫وفاة المام ِ جعف ِ‬
‫ن أخذ من‬ ‫م ْ‬ ‫ولدة الشيخ أبي يزيد )‪ (...‬وك ّ‬
‫ل َ‬
‫سّيا» في اصطلح‬ ‫ُ‬
‫وي ْ ٍ‬‫مى «أ ُ‬ ‫الروحانّيات‪ ،‬يس ّ‬
‫‪270‬‬
‫ساداتنا النقشبندّية‪».‬‬

‫من أنعم النظر في هذه العبارات‪ ،‬وفي ضوء‬


‫اليمان والعلم بكتاب الله وسّنة رسوله ‪ ،‬حار‬
‫لجرأة شيوخ هذه الزمرة على الله تعالى‪ ،‬كيف‬
‫ن على الدين بهذا القدر من التحّرر من‬ ‫وُلو َ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫ق ّ‬
‫سّنة وهما بين أيدينا‪ .‬ليت‬ ‫ضوابط الكتاب وال ّ‬
‫ن كانوا صادقين مع أنفسهم في القول‬ ‫شعري إ ْ‬
‫بهذه المعتقدات الغريبة؛ وهل يتمّتع أحدهم‬
‫ه في تلك‬ ‫ه ووعي َ ُ‬‫بالفطرة السليمة أو يملك عقل َ ُ‬
‫وه بمثل هذه الكلمات؟ أليس‬ ‫اللحظة اّلتي يتف ّ‬
‫عا في إشعار‬ ‫س ً‬‫و ْ‬ ‫ن ُ‬
‫خُرو َ‬‫من العجيب أّنهم ل ي َدّ ِ‬
‫سكهم بكتاب الله وسّنه رسوله ‪ ‬ول‬ ‫الناس بتم ّ‬
‫ما إذا صدر عن رسول الله ‪‬‬ ‫ةع ّ‬ ‫كرون لحظ ً‬ ‫يتف ّ‬
‫قوا علومهم من‬ ‫أّنه أوصى الحياءَ بأن يتل ّ‬
‫الموات؟ ومن ذا اّلذي يعلم شيًئا من أحوالهم‬
‫سوى الله؟‬

‫ن‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫ع َ‬‫م ٍ‬
‫س ِ‬
‫م ْ‬ ‫ت بِ ُ‬
‫ما أن ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫قال الله تبارك وتعالى } َ‬
‫ر‪ 271.{.‬وقال رسول الله ‪« ‬إذا مات‬ ‫و ِ‬ ‫ي ال ْ ُ‬
‫قب ُ‬ ‫ف ِ‬
‫ة‪ :‬إل ّ من‬ ‫النسان انقطع عنه عمله إل ّ من ثلث ٍ‬
‫ح يدعو‬
‫د صال ٍ‬ ‫ه‪ ,‬أو ول ٍ‬ ‫ع بِ ِ‬‫ف ُ‬ ‫ة‪ ،‬أو علم ٍ ُينت َ َ‬
‫ة جاري ٍ‬ ‫صدق ٍ‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪9 /‬؛ كذلك راجع‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪270‬‬
‫الصفحة ‪ 128‬من نفس المصدر‪.‬‬

‫سورة الفاطر‪.22/‬‬ ‫‪271‬‬


‫‪208‬‬

‫له‪ 272».‬فإذا كان عمل النسان ينقطع بموته‬


‫ت من‬‫ما إل ّ من هذه الشياء الثلثة اّلتي ليس ْ‬ ‫تما ً‬
‫ة؛ فكيف‬
‫نتيجة فعله المباشر‪ ،‬وإّنما هي بالواسط ِ‬
‫ه‪‬‬
‫غي َْرهُ بعد موته كما في حيات ِ ِ‬ ‫عل ّ َ‬
‫م َ‬ ‫ن يُ َ‬
‫به أ ْ‬
‫قفوا عند هذه الحدود‪،‬‬ ‫ن النقشبندّيين لم يتو ّ‬‫ولك ّ‬
‫وراتهم وخيالتهم‪ ،‬كما سوف‬ ‫بل ل حدود لتص ّ‬
‫عب َْر متابعتنا‬
‫حا َ‬
‫تتبلور أمام عيوننا أكثر وضو ً‬
‫ة‬
‫لدراسة بقّية معتقداتهم حول مفهوم الكرام ِ‬
‫ل والتبّرك بالقبور والستمداد من‬ ‫س ِ‬
‫والتو ّ‬
‫‪273‬‬
‫الموتى‪.‬‬
‫***‬
‫* مفهوم الكرامة في معتقد‬
‫النقشبندّيين‪.‬‬
‫طا كبيرا ً من نشاطات الطريقة‬ ‫إن قس ً‬
‫ة‬
‫ت بهلواني ٍ‬ ‫ق حكايا ٍ‬ ‫النقشبندّية يتمّثل في اختل ِ‬
‫ن‬
‫ونوها بعنوان الكرامات ضم َ‬ ‫ةد ّ‬
‫وأساطيَر عجيب ٍ‬
‫ة في بطون‬ ‫مناقب أوليائهم‪ .‬وهي مشحون ٌ‬
‫م‪ ،‬لم ي ّ‬
‫طلع عليها كثير من علماء المسلمين‬ ‫ك ُت ُب ِ ِ‬
‫ه ْ‬
‫اّلذين لم يعاصروهم أو لم يجاوروهم‪ .‬أ ّ‬
‫ما‬
‫ضا‬
‫ن كثيًرا منهم أي ً‬ ‫خرون من أهل العلم‪ ،‬فا ّ‬ ‫المتأ ّ‬
‫م لهم بهذا الجانب من الطريقة‬ ‫ل عل َ‬
‫النقشبندّية‪ .‬ذلك لّنهم لم يعبؤا بهذه الطائفة‬
‫خل َ الج ّ‬
‫و‬ ‫ف َ‬‫فا‪َ .‬‬‫ة واستنكا ً‬ ‫ولم يخالطوا شيوخها أ َن َ َ‬
‫ف ً‬
‫ت‬
‫بذلك لصحاب القلم من هذه النحلة وسنح ْ‬
‫ة حّتى نسجوا ما طاب لهم من‬ ‫لهم الفرص ُ‬

‫مسلم ـ الوصية‪.‬‬ ‫‪272‬‬

‫لمزيد من المعرفة حول هذا العتقاد راجع المصادر التية‪:‬‬ ‫‪273‬‬


‫ي‪ ،‬رسالة في تحقيق الّرابطة )آخر رسالة من مجموع الكتيبات المطبوعة بعنوان‪« :‬علماء‬
‫* خالد البغداد ّ‬
‫هابُيون»( ص‪ .11 ،6 ،3 /‬مكتبة إيشك طباعات متكررة‪ .‬إسطنبول‪.‬‬
‫المسلمين والو ّ‬
‫* أحمد البقاعي‪ ،‬رسالة في آداب الطريقة النقشبندّية ص‪) .10 /‬الرسالة الثانية من مجموعة «الزمرد العنقاء»(‬
‫‪TDV. İSAM. 297.7 NIM.Z 46644‬‬

‫ي‪ ،‬السعادة البدية فيما جاء به النقشبندّية‪ .‬ص‪.23 ،14 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫* عبد المجيد بن مح ّ‬
‫سل بأهل المقابر‪) .‬الكتاب بعموم مضمونه(‬
‫* حمد الله الداجوي‪ ،‬البصائر لمنكري التو ّ‬
‫‪209‬‬

‫أفانين القصص السطورية‪ ،‬وحشدوا ما‬


‫استطاعوا منها في طّيات كتبهم على سبيل‬
‫التنويه بعظمة أسلفهم ومكانتهم عند الله‪ .‬وقد‬
‫تأّثر بهذه الكتب كثير من المتعلمين والمللي‬
‫وجماهير من العوام اّلذين وجدوا في حكايات‬
‫الشيوخ ما تنبهر بها عقولهم البسيطة الساذجة‪.‬‬
‫ولربما سرى ذلك التأثير إلى عدد من متأخري‬
‫ن ظّنهم بهذه الطريقة‬ ‫الفقهاء فأظهروا حس َ‬
‫ري‪ ،‬وغيرهما‪،‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬
‫عل ِ ّ‬
‫و َ‬‫ي‪َ ،‬‬ ‫مثل ابن حجر الهيتم ّ‬
‫ر يكتمها كبار زعماء‬ ‫لما خفي عليهم من أمو ٍ‬
‫وَنها حّتى لمن يليهم من‬ ‫النقشبندّية ول ي ُْبد ُ‬
‫شيوخ الطائفة اّلذين هم من الدرجة الثانية؛‬
‫ورات والتغّيرات اّلتي حدثت في‬ ‫صة التط ّ‬ ‫خا ّ‬
‫عب َْر المرحلة الخيرة على يد‬ ‫عقائدها وآدابها َ‬
‫ي وبطانته‪ ،‬لم يعلمها السابقون‪ .‬ثم‬ ‫خالد البغداد ّ‬
‫ل بعض أولئك‬ ‫خ النقشبندّية أقوا َ‬ ‫اّتخذ شيو ُ‬
‫ة في الدفاع عن طريقتهم؛ ومنهم‬ ‫ج ً‬‫السابقين ح ّ‬
‫ي‪ ،‬فقد نقل عبارةً من‬ ‫مد بن عبد الله الخان ّ‬ ‫مح ّ‬
‫ي في الصفحة الثامنة‬ ‫فتاوي ابن حجر الهيتم ّ‬
‫من كتابه البهجة السنّية جاء فيها‪« :‬وذكر الع ّ‬
‫لمة‬
‫كي رحمه‬ ‫حر الشيخ ابن حجر الهيتمي الم ّ‬ ‫المتب ّ‬
‫الله تعالى في خاتمة الفتاوى الطريقة العلية‬
‫النقشبندّية مستطردا ً من بحث آخر معّبرا ً عنها‬
‫بقوله‪ :‬الطريقة العلية السالمة من كدورات‬
‫جهلة الصوفّية‪ ،‬وهي الطريقة النقشبندّية‪».‬‬

‫من كتبهم اّلتي حشدوا بين طيّاتها أنوا َ‬


‫ع‬
‫الساطير باسم الكرامات‪« :‬الحدائق الوردّية في‬
‫لء النقشبندّية»‪ ،‬لعبد المجيد بن‬ ‫حقائق الج ّ‬
‫ي؛ وكتاب «المواهب‬ ‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬‫مح ّ‬
‫السرمدية في مناقب السادات النقشبندّية»‪،‬‬
‫ي؛ و«جامع كرامات‬ ‫ي الربل ّ‬
‫لمحمد أمين الكرد ّ‬
‫ي؛‬‫الولياء»ِ‪ ،‬ليوسف بن إسماعيل النبهان ّ‬
‫و«النوار القدسية في مناقب النقشبندّية»‬
‫‪210‬‬

‫لمؤّلفه ياسين بن إبراهيم السنهوتي وغيرها‪.‬‬


‫فقد نسجوا على صفحات هذه الكتب ما ُيثير‬
‫د‬
‫ع ُ‬
‫ن بالله واليوم الخر‪ ،‬ول ُيست َب ْ َ‬‫ؤم ٍ‬‫لم ْ‬
‫غيرةَ ك ّ‬
‫ن يحترم العقل‬ ‫م ْ‬
‫س الموقف منها َ‬ ‫أن يّتخذ نف َ‬
‫ضا‪.‬‬
‫من غير المسلمين أي ً‬
‫م‬‫ر ُ‬‫ة ُيك ِ‬‫ح ٍ‬
‫من ْ َ‬
‫ل ِ‬‫ما الكرامة في حقيقتها‪ ،‬فهي ك ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ي ليكافئه بها على‬ ‫ه بها عبدَهُ المؤمن التق ّ‬ ‫الل ُ‬
‫سعيه المقبول؛ أو ليجعلها وسيلة الهداية لبعض‬
‫ن الكرامة‪،‬‬ ‫عباده وعبرةً لولي اللباب‪ .‬غير أ ّ‬
‫ة بسّنة الله‪ ،‬كما لم تكن‬ ‫ن تكون مخل ّ ً‬ ‫يستحيل أ ْ‬
‫ن نواميس‬ ‫ة لها‪ .‬ل ّ‬ ‫ة ومبطل ً‬ ‫ّ‬
‫ء مخل ً‬ ‫معجزات النبيا ِ‬
‫طراد‬‫الكون والحياة كّلها جارية على نسق وا ّ‬
‫وضعها الله سبحانه على شكل مترابط ومتكامل‬
‫ل يتم نظامها وبقاؤها إل ّ بهذا الترابط‬
‫والتكامل؛ بحيث إذا بطل قانون واحد من تلك‬
‫سادَ الفوضى‬ ‫م العالمين و َ‬ ‫ل نظا ُ‬ ‫القوانين اخت ّ‬
‫ن‬‫على الكائنات بأسرها وقامت الساعة‪ .‬كما أ ّ‬
‫ر منه‬ ‫ة من تقديره تعالى‪ ،‬وبتدبي ٍ‬ ‫المعجزةَ والكرام َ‬
‫ققان‪ ،‬وبقدرته وهيمنته تتأثران على نفوس‬ ‫تتح ّ‬
‫ت له الهداية إلى الصراط المستقيم؛‬ ‫ن ك ُت ِب َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫‪274‬‬ ‫ً‬
‫ه ت َْبدي ِل‪.{.‬‬ ‫ة الل ِ‬‫سن ّ ِ‬‫جدَ ل ِ ُ‬‫ن تَ ِ‬ ‫َ‬
‫ول ْ‬ ‫} َ‬
‫ث‬
‫ن الكرامة مع ندرة وقوعها في صورة حد ٍ‬ ‫إ ّ‬
‫دى بها‬ ‫ي ليتح ّ‬
‫ة قد يستعرضها الول ّ‬ ‫ق للعاد ِ‬‫خار ٍ‬
‫المنكرين والملحدين على أّنه صادقٌ في دعوته‬
‫ي اّلذي يتبعه ما عسى أن يهتدوا‬ ‫إلى شريعة النب ّ‬
‫ي من‬ ‫لليمان بالله واليوم الخر وما جاء به النب ّ‬
‫ن الكرامة ل ينبغي‬ ‫عند الله‪ .‬وهذا يبرهن على أ ّ‬
‫إظهاُرها للمؤمنين؛ كما ل مساغ للحتجاج بها‬
‫في وجههم؛ لّنهم مؤمنون بجميع ما يؤمن به‬
‫ن القصدَ لتحصيل الحاصل‬ ‫ب الكرامة؛ ول ّ‬ ‫صاح ُ‬
‫لغو‪.‬‬

‫الفتح‪23/‬‬ ‫سورة الحزاب‪62/‬؛ سورة‬ ‫‪274‬‬


‫‪211‬‬

‫ن الكرامة في اعتقاد النقشبندّيين ليست هي‬ ‫إ ّ‬


‫ي‬
‫ن التق ّ‬‫م بها عبدَهُ المؤم َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ّ‬
‫ة الله التي ُيك ِ‬ ‫ح ُ‬
‫من ْ َ‬‫ِ‬
‫ليكافئه على سعيه المقبول‪ ،‬أو ليجعلها وسيلة‬
‫الهداية لبعض عباده الضالين‪ .‬بل هي عندهم‬
‫ن من قبيل السحر؛‬ ‫ط من الخوارق وألوا ٌ‬ ‫أنما ٌ‬
‫ن شيوخ الطريقة ُيظهرونها‪ ،‬فيتمّيزون‬ ‫دعون أ ّ‬ ‫ي ّ‬
‫س على أّنهم من أولياء الله‪،‬‬ ‫بها عن سائر النا ِ‬
‫ن‬‫ه المصطفين‪ .‬كما يعتقدون أ ّ‬ ‫صة عباد ِ‬ ‫ومن خا ّ‬
‫شيوخهم يتصّرفون بها في ملك الله‪ ،‬تؤّيدُهم‬
‫ة اّلتي تصدر‬ ‫ل الخارق ُ‬‫على دعواهم تلك العما ُ‬
‫ء‪ ،‬والطيران في‬ ‫عنهم‪ .‬كالمشي على الما ِ‬
‫ة في لمح‬ ‫ء‪ ،‬وقطع المسافات الشاسع ِ‬ ‫الهوا ِ‬
‫ر‪ ،‬وتحقيق النصر للجيوش وغيرها مما ل‬ ‫البص ِ‬
‫يمكن حصره‪.‬‬

‫ن هذه القاويل‪ ،‬لم تتعدّ حدودَ الزعم‬ ‫ولك ّ‬


‫د‬
‫ه ٍ‬ ‫م َ‬
‫شا َ‬ ‫ع ُ‬‫ول شيء منها إلى واق ٍ‬ ‫المحض‪ ،‬ولم يتح ّ‬
‫ل من توّرط‬ ‫ة دامغة على ك ّ‬ ‫ج ٌ‬
‫حّتى الن‪ .‬وذلك ح ّ‬
‫فاستسلم لهذا العتقاد الباطل؛ سواء أكانت‬
‫ة في اعتبارهم أم ل‪ .‬فليس‬ ‫جة تّتسم بقيم ٍ‬ ‫الح ّ‬
‫وراء بيان الله ورسوله بيان‪ ،‬ول قرية بعد‬
‫عبادان‪.‬‬

‫ة هنا أن ننقل من ك ُت ُ ِ‬
‫ب‬ ‫ت المناسب ُ‬ ‫لقد دع ْ‬
‫ما كتبوه بعنوان الكرامات‬ ‫ة مِ ّ‬‫النقشبندّيين أمثل ً‬
‫وأسندوها إلى شيوخهم؛ ننقلها ليتأك ّدَ القار ُ‬
‫ئ‬
‫وراتهم‪ ،‬وموقفهم‬ ‫من مدى خيالتهم وتص ّ‬
‫ف من العقل والحقائق العلمّية‪،‬‬ ‫المستخ ّ‬
‫واستهزائهم بسّنة الله اّلتي خلق الحياة‬
‫والممات والكون والفساد على أساسها‪.‬‬

‫ي‪-‬‬
‫مد الخان ّ‬ ‫مد بن مح ّ‬
‫يقول عبد المجيد بن مح ّ‬
‫وهو أديب النقشبندّيين وداهيتهم ‪ -‬إذ يترّنم‬
‫مد بهاء‬‫ة لمام طريقتهم مح ّ‬ ‫جع ِ‬
‫بمدائحه المس ّ‬
‫‪212‬‬

‫الدين المعروف بينهم بـ«شاه نقشبند»‪ .‬يقول‬


‫كاها‪ ،‬ول‬ ‫قدسّية ز ّ‬ ‫سا إل ّ بأنفاسه ال ُ‬ ‫ف ً‬ ‫«لم يدع ن َ ْ‬
‫ة‬ ‫مدّية أذكاها‪ ،‬ول ظُل ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ة إل ّ بأسراره المح ّ‬ ‫م ٍ‬ ‫ه ّ‬‫ناَر ِ‬
‫ر‬
‫ة خاط ٍ‬ ‫ة أخفاها‪ ،‬ول شبه َ‬ ‫ل إل ّ بأنواره البهائي ّ ِ‬ ‫جه ٍ‬
‫ت‬ ‫ت كريما ٍ‬ ‫ة نفاها‪ ،‬إلى كراما ٍ‬ ‫إل ّ ببراهينه الجلي ّ ِ‬
‫ت من القلوب مواَتها‬ ‫ت طالما أحي ْ‬ ‫ت عظيما ٍ‬ ‫وآيا ٍ‬
‫ت‬‫ي التصّرفا ِ‬ ‫ح أقواَتها‪ ،‬ارتضع ثد َ‬ ‫ت الروا َ‬ ‫وآت ْ‬
‫ق‬ ‫ّ‬
‫ة وهو في المهد صبّيا‪ ،‬وتضلع من رحي ِ‬ ‫الغوثي ِ‬
‫ْ‬
‫مختوم ِ العلوم ِ الختمية بأكواب الرثية‪ ،‬فلو لم‬
‫‪275‬‬
‫وةُ لكان نبّيأ»‬ ‫خت َم ِ النب ُ ّ‬ ‫تُ ْ‬

‫سس‬ ‫ي في معرض ترجمته لمؤ ّ‬ ‫هكذا يقول الخان ّ‬


‫طريقتهم‪ ،‬وهكذا يعتقد في هذا الشخص اّلذي‬
‫ربما ليس لوجوده أثر من الحقيقة؛ أو قد يكون‬
‫طا لم يلتفت إليه أحد في حياته‬ ‫شا بسي ً‬ ‫دروي ً‬
‫عب َْر‬‫و َ‬
‫ي من الشهرة مع الزمان َ‬ ‫حظ ِ َ‬ ‫أصل؛ ثمّ َ‬
‫ث‬
‫ن رمًزا ل ِب َ ّ‬ ‫قي َ‬ ‫حذْل ِ ِ‬ ‫ض ال ْ ُ‬
‫مت َ َ‬ ‫ن بعد أن اّتخذه بع ُ‬ ‫قرو ٍ‬
‫ول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ح ْ‬‫ت َ‬ ‫ج ْ‬
‫س َ‬‫معتقداته بين السفلة والرعاع‪ ،‬فن ُ ِ‬
‫ف من‬ ‫ه آل ٌ‬ ‫مت ْ ُ‬ ‫ت من الساطير حّتى عظّ َ‬ ‫سجل ّ ٌ‬
‫د‬
‫ف‪ ،‬لم يكن عبدُ المجي ِ‬ ‫صْر ِ‬
‫الناس بالتقليد ال ّ‬
‫م‪.‬‬‫ه ْ‬
‫خَر ُ‬
‫يآ ِ‬‫الخان ّ‬

‫ي في سرد مناقبه فيقول‪:‬‬


‫يواصل الخان ّ‬
‫خ تاج الدين‬‫ن الشي َ‬ ‫سي ّدَُنا علءُ الدين‪ :‬أ ّ‬
‫كى َ‬ ‫ح َ‬
‫«و َ‬
‫ب الحضرة البهائية‪ ،‬كان إذا أرسله‬ ‫أحدَ أصحا ِ‬
‫إلى‬ ‫‪276‬‬
‫خ إلى حاجة من قصر العرفان‬ ‫الشي ُ‬
‫ة قليلة‪ .‬وذلك إّنه كان إذا غاب‬ ‫خاَرى‪ ،‬يعود ببره ٍ‬ ‫بُ َ‬
‫ء‪ .‬قال‬ ‫عن أعين المريدين يطير في الهوا ِ‬
‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.125 /‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪275‬‬

‫ي على ما يزعمه النقشبندّيون؛ وهي‬


‫خار ّ‬ ‫قصر العرفان‪ ،‬اسم للقرية اّلتي ولد فيها مح ّ‬
‫مد بهاء الدين الب ُ َ‬ ‫‪276‬‬
‫خاَرى‪ ،‬لتتعدى المسافة بينهما عن حمس كيلومترات؛ وليس قصًرا بمعنى البناية الفخمة‬
‫على مقربة من مدينة ب ُ َ‬

‫جله في الصفحة ‪ .34‬زيل رقم‪ 1/‬من دراسته «النقشبندّية»‪.‬‬


‫كما ظّنه عبد الرحمن دمشقية‪ .‬فقد أخطأ فيما س ّ‬
‫دار طيبة‪ ،‬الرياض‪1984-‬م‪.‬‬
‫‪213‬‬

‫ت على‬
‫خاَرى‪ ،‬فذهب ُ‬
‫ر إلى ب ُ َ‬
‫ما في أم ٍ‬ ‫وأرسلني يو ً‬
‫ت الشيخ في طريقي‪ .‬فرآني‬ ‫هذه الكيفية فوجد ُ‬
‫على هذه الحالة‪ ،‬فسلبها مّني؛ فلم أقدر بعد‬
‫‪277‬‬
‫دا»‬
‫ذلك أن أفعلها أب ً‬
‫ي في صدد كرامات هذا الشيخ‬
‫يستطرد الخان ّ‬
‫قائ ً‬
‫ل‪:‬‬

‫ن الشيخ سافر إلى خوارزم‪ ،‬وفي خدمته‬ ‫«ثم إ ّ‬


‫ما بلغا نهر حرام‪ ،‬أمره أن‬ ‫الشيخ شادي‪ .‬فل ّ‬
‫ء؛ فخاف الشيخ شادي‪ .‬فأمره‬ ‫يمشي على الما ِ‬
‫ة‪،‬‬‫ة‪ ،‬فلم يفعل‪ .‬فنظر إليه نظرةً عظيم ً‬ ‫غير مّر ٍ‬
‫ه‬
‫م ُ‬
‫قدَ َ‬‫ع َ‬‫ض َ‬‫و َ‬
‫ما أفاقَ َ‬
‫ة‪ .‬فل ّ‬
‫ه ً‬
‫غاب بها عن نفسه ب ُْر َ‬
‫ما‬
‫شى والشيخ خلفه‪ .‬فل ّ‬ ‫م َ‬
‫و َ‬‫ء َ‬
‫على وجه الما ِ‬
‫فك أو‬ ‫ل شيءٌ من خ ّ‬ ‫جاوزاه‪ ،‬قال ان ْظُْر هل ابت ّ‬
‫ل؟ فنظر‪ ،‬فلم يجد فيه بلل ً أصل بقدرة الله‬
‫‪278‬‬
‫تعالى‪».‬‬

‫ي‬
‫ي السرهند ّ‬ ‫ي عن أحمد الفاروق ّ‬ ‫وينقل الخان ّ‬
‫ي»‬‫المشهور بين النقشبندّيين بـ«المام الرّبان ّ‬
‫ن يدخلون‬ ‫م ْ‬
‫ء َ‬‫إّنه قال «أطلعني الله على أسما ِ‬
‫ء إلى يوم‬ ‫في سلسلتنا من الرجال والنسا ِ‬
‫ن نسبتي هذه تبقى بوساطة أولدي‬ ‫القيامة؛ وأ ّ‬
‫ي سيكون‬ ‫م المهد ّ‬ ‫ن الما َ‬
‫إلى يوم القيامة حّتى أ ّ‬
‫‪279‬‬
‫على هذه النسبة الشريفة‪».‬‬

‫ء‬
‫ضا «أطلعني الله على قبور النبيا ِ‬‫وقال أي ً‬
‫المبعوثين إلى أرض الهند بحيث أرى أنواًرا‬
‫‪280‬‬
‫ة من قبورهم‪».‬‬
‫ساطع ً‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.139 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪277‬‬

‫المصدر السابق‪.140 /‬‬ ‫‪278‬‬

‫المصدر السابق‪.182 /‬‬ ‫‪279‬‬

‫المصدر السابق‪.182 /‬‬ ‫‪280‬‬


‫‪214‬‬

‫ن هذا الشيخ «نظر مرةً إلى‬ ‫يأ ّ‬‫جل الخان ّ‬ ‫وُيس ّ‬


‫ي إلى وقت‬ ‫مطُِر‪ ،‬فقال لها أقلع ِ‬
‫ء وهي ت ُ ْ‬
‫السما ِ‬
‫‪281‬‬
‫كذا‪ ،‬فحبس المطر إلى ذلك الوقت‪».‬‬

‫ضا عن البن الكبر للسرهندي‪،‬‬ ‫وينقل المؤّلف أي ً‬


‫مد سعيد أّنه قال‪« :‬كثيًرا ما كان يخبرني‬
‫مح ّ‬
‫الشيخ بالمر‪ ،‬خيًرا كان أو شّرا قبل وقوعه‪،‬‬
‫‪282‬‬
‫فيقع كما يقول‪ ،‬بل تفاوت أصل‪».‬‬

‫عا على السرائر‪،‬‬ ‫طل ً‬‫ن هذا الشيخ اّلذي كان م ّ‬ ‫إ ّ‬


‫ّ‬
‫وعالمًا بمغيبات المور‪ ،‬والذي «كان يخبر ابنه‬
‫بالمر خيًرا كان أو شّرا قبل وقوعه فيقع»‬
‫ي؛ ليت‬
‫حدّ اعتقادهم(‪ ،‬كما ينقل الخان ّ‬ ‫)على َ‬
‫شعري لماذا لم يهتم بمستقبل المسلمين‪ ،‬ولم‬
‫ة من‬ ‫ُيخبرهم بما سوف يلقونه على أيدي الظلم ِ‬
‫ع وإبادة؟! فهل ّ‬‫ب وقم ٍ‬ ‫واضطهاٍد وإرها ٍ‬
‫ر َ‬
‫استعما ٍ‬
‫ّ‬
‫مة السلم بالحروب التي اندلعت بعده‪،‬‬ ‫أخبر أ ّ‬
‫حّتى يأخذوا حذرهم ول يذهبوا ضحية ما دارت‬
‫عليهم رحاها وُأزهقت المليين من الرواح‬
‫البريئة!‬

‫إّنهم بحكم طبيعتهم لن يسكتوا عن هذه‬


‫ة‪ ،‬ولربما تراهم يلجؤن إلى الكتاب‬
‫ج ِ‬
‫المحا ّ‬
‫سّنة في الحين اّلذي يضربونهما بعرض‬ ‫وال ّ‬
‫السابق‪182 /‬‬ ‫المصدر‬ ‫‪281‬‬

‫المصدر السابق‪ .182 /‬لمزيد من الطلع على أقوالهم حول مفهوم الكرامة‪ ،‬راجع المصادر التالية‪:‬‬ ‫‪282‬‬
‫ي النيسابوري‪ ،‬الرسالة القشيرّية ص‪.173 /‬‬
‫* أبو القاسم عبد الكريم ابن هوازن بن عبد الملك بن طلحة القشير ّ‬
‫الطبعة الثانية‪ .‬القاهرة ـ ‪1959‬م‪.‬‬

‫ي‪ ،‬جامع الصول ص‪ .166 /‬ط‪ 1276 .‬هـ‪.‬‬


‫و ّ‬
‫خان َ ِ‬
‫ش َ‬ ‫* أحمد ضياء الدين ال ْگ ُ ُ‬
‫مو ْ‬

‫هابّية ص‪ .32 /‬الطبعة الثالثة‪ ،‬مكتبة الحقيقة‬


‫ي‪ ،‬المنحة الوهبية في رد الو ّ‬
‫* داوود بن سليمالن البغداد ّ‬
‫إسطنبول‪1994-‬م‪.‬‬

‫ء )الكتاب بتمامه(‪.‬‬
‫* يوسف بن إسماعيل النبهاني‪ ،‬جامع كرامات الوليا ِ‬

‫* مصطفى أبو سيف الحمامي‪ ،‬غوث العباد ببيان الرشاد ص‪ .296-289 /‬بشاور‪ 1385 -‬هـ‪) .‬مطبوع مع كتاب‬

‫البصائر لمؤلفه حمد الله الداجوي‪ ،‬ضمن مجلد واحد‪(.‬‬

‫ي‪ ،‬الرسالة الخالدّية ص‪) .75 /‬ترجمة‪ :‬شريف أحمد بن علي؛ النسخة المتداولة بين أتباع محمود‬
‫* خالد البغداد ّ‬
‫أسطى عثمان أوغلوفي إسطنبول‪.‬‬
‫‪215‬‬

‫هم البريء‪:‬‬
‫دون في محاولة المت ّ َ‬‫الحائط‪ ،‬وهم ير ّ‬
‫ع ما قاله‬ ‫ب لله‪ .‬ويتناسون بذلك جمي َ‬
‫ن الغي َ‬
‫أ ّ‬
‫ي وغيره من شيوخهم من‬ ‫إمامهم السرهند ّ‬
‫دعوى علم الغيب!‬
‫***‬
‫* حقيقة مفهوم الغيب‪.‬‬
‫قد‪ ،‬ومشكلة‬ ‫م ومع ّ‬
‫أما الغيب‪ ،‬فاّنه مفهوم ها ّ‬
‫ل البشر منذ القديم‪ .‬لقد‬ ‫ت عقو َ‬
‫عظيمة أشغل ْ‬
‫دار الجدال حول الغيبّيات بمختلف أساليبه بين‬
‫وفة‪،‬‬‫العلماء والفلسفة والكلميّين والمتص ّ‬
‫فأعيت فيها مذاهبهم‪.‬‬

‫الغيب في الّلغة هو عكس الشهادة؛ وهو المر‬


‫ي‬
‫ن العدم مفهوم فلسف ّ‬‫ي وليس العدم‪ .‬فا ّ‬
‫الخف ّ‬
‫أخر‪.‬‬

‫ويختلف الغيب إلى قسمين رئيسيّين باختلف‬


‫ول منهما‪ ،‬الغيب الممتنع أو المطلق‪.‬‬ ‫ماهيته‪ .‬ال ّ‬
‫ى‬
‫وهو ما يستحيل إدراكه على العقل البشر ّ‬
‫خب َِر عن قرائنه‪ .‬كالروح‪،‬‬ ‫ي‪ ،‬أو أ ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫س ّ‬ ‫ما‪ ،‬وإن ُ‬ ‫تما ً‬
‫وأحوال ما بعد الموت‪ ،‬وأشراط الساعة وقيامها‪،‬‬
‫ل ما هو مستغرق‬ ‫وحياة الخرة؛ بالضافة إلى ك ّ‬
‫مى هذه‬ ‫في علم الله وحده على انفراد‪ .‬وتس ّ‬
‫المور بـ «حقائق ما وراء الطبيعة = »‪.Metaphysic‬‬
‫تلك اّلتي ل سبيل إلى اليمان بها إل ّ عن طريق‬
‫ر ُ‬
‫ك‬ ‫ما أنزل الله على رسله من الوحي‪ .‬ول ي ُدْ ِ‬
‫ميات الغيبّية‬ ‫ن شيًئا من حقيقة هذه المس ّ‬ ‫النسا ُ‬
‫هَر‬ ‫ْ‬ ‫في هذه الحياة الدنيا إل ّ ما شاء الله أ ْ‬
‫ن ي ُظ ِ‬
‫فل َ‬ ‫ب َ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫م ال ْ َ‬‫ة من عباده‪ .‬وهو}عا َل ِ ُ‬ ‫عليها طائف ً‬
‫َ‬ ‫ي ُظْ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ى ِ‬ ‫ن اْرَتض َ‬ ‫دا إ ِل ّ َ‬
‫م ِ‬ ‫ح ً‬
‫هأ َ‬ ‫غي ْب ِ ِ‬‫ى َ‬ ‫عل َ‬
‫هُر َ‬ ‫ِ‬
‫ل‪ 283{.‬وهم المكّلفون من الملئكة والبشر‬ ‫و ٍ‬
‫َرس ُ‬

‫سورة الجن‪.26/‬‬ ‫‪283‬‬


‫‪216‬‬

‫صة دون غيرهم من بقّية النس والملئكة‬‫خا ّ‬


‫ن‪.‬‬
‫وعموم الج ّ‬
‫ما النوع الثاني من المور الغيبيّة‪ ،‬فهو اّلذي‬ ‫أ ّ‬
‫ي‪ ،‬ولكن‬ ‫يجوز إدراكه ببداهة العقل البشر ّ‬
‫ه‬‫ة اّلتي لها ضوابطها‪ .‬إل ّ ما ت ُك ِن ّ ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫بوسائلها الخا ّ‬
‫وكذلك‬ ‫‪284‬‬
‫ر‪{.‬؛‬ ‫و ِ‬ ‫ت الصد ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫علي ِ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ُ‬ ‫الصدور } َ‬
‫ى‬
‫مت َ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫ول ُ‬‫وَيق ُ‬ ‫ن علمه عند الله } َ‬ ‫ت؛ فا ّ‬ ‫ما هو آ ٍ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ذا ال ْ َ‬ ‫ه َ‬
‫‪285‬‬
‫ى‬
‫مت َ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫ول ُ‬ ‫وَيق ُ‬ ‫} َ‬ ‫ن‪{.‬‬ ‫صاِدقي ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫عدُ إ ِ ْ‬ ‫و ْ‬ ‫َ‬
‫ول َ ّ‬ ‫ول َ َتق ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ذا ال ْ َ‬ ‫ه َ‬
‫‪286‬‬
‫ن‬ ‫} َ‬ ‫ن‪{.‬‬ ‫صاِدقي ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ح إِ ْ‬ ‫فت ْ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫‪287‬‬
‫ه‪{...‬‬ ‫شاءَ الل ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫دا إ ِل ّ أ ْ‬ ‫غ ً‬ ‫ك َ‬ ‫ل ذَل ِ َ‬ ‫ع ٌ‬ ‫فا ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ءْ إ ِن ّ ِ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫لِ َ‬
‫ي‬‫در ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬‫و َ‬ ‫دا َ‬ ‫غ ً‬ ‫ب َ‬ ‫س ُ‬ ‫ذا ت َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ى نَ ْ‬ ‫در ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫} َ‬
‫‪288‬‬
‫خبي ٌِر‪{.‬‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫نَ ْ‬
‫علي ِ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫و ُ‬ ‫ض َتم ُ‬ ‫ي أْر ٍ‬ ‫س ب ِأ ّ‬ ‫ف ٌ‬
‫مي بقّية الغيبّيات في هذا الكون‬ ‫ن نس ّ‬ ‫ويمكن أ ْ‬
‫ي بـ «الحقائق الطبيعية المجهولة» إذ هي‬ ‫المادّ ّ‬
‫خاضعة لنواميس الكون وما يتبعها من قوانين‬
‫المنطق والعلوم التجربّية‪ ،‬دون أية علقة‬
‫ك‬‫كن النسان من إدرا ِ‬ ‫ة بها‪ .‬وإّنما يتم ّ‬ ‫هان َ ِ‬ ‫للك َ َ‬
‫ب‬ ‫قّر ُ‬ ‫شيء على حقيقته إذا ملك الوسيلة اّلتي ت ُ َ‬
‫ل إلى‬ ‫ل من مجهو ٍ‬ ‫و ُ‬ ‫ذلك الشيءَ إلى ذهنه؛ فيتح ّ‬
‫ة‪،‬‬ ‫ل هذه الوسائل ميسور ً‬ ‫معلوم‪ .‬ولكن ليست ك ّ‬
‫ة‪ .‬بل كثير منها صعب المنال‪،‬‬ ‫مع أّنها ممكن ٌ‬
‫قد‬ ‫ضا‪ .‬فيتع ّ‬ ‫وبعضها داخل في المجهولت أي ً‬
‫المر هنا‪ ،‬وتشتدّ الزمة على بعض الناس عندما‬
‫ة وأمثالها وهم يجهلون‬ ‫ض أمواُلهم للسرق ِ‬ ‫تتعّر ُ‬
‫الفاعل‪ ،‬فيلجؤن إلى السحرة والمشعوذين‬
‫وشيوخ الطرائق الصوفّية للكشف عن ضاّلتهم‪.‬‬
‫قهم‪ .‬وأحياًنا‬ ‫ه ُ‬ ‫فيكّلفهم ذلك مال ً ووقًتا‪ ،‬وُير ِ‬
‫عا برجال المن في إثبات الجرائم‬ ‫يضيق المر ذر ً‬
‫فهم تلك الجهزة الفّنية‬ ‫ع ُ‬ ‫س ِ‬ ‫والجنايات‪ ،‬فل تكاد ت ُ ْ‬
‫سورة التغابن‪.4/‬؛ سورة الملك‪.13/‬‬ ‫‪284‬‬
‫‪ 285‬سورة النمل‪.71/‬؛ سورة سبأ‪.29/‬؛ سورة ياسين‪.48/‬؛ سورة الملك‪.25/‬‬

‫‪ 286‬سورة السجدة‪.28/‬‬

‫‪ 287‬سورة الكهف‪.24 ،23/‬‬

‫سورة لقمان‪.34/‬‬ ‫‪288‬‬


‫‪217‬‬

‫اّلتي يستخدمونها للكشف عن أسرار المجرمين؛‬


‫ة إلى‬
‫ه الوحشي ِ‬
‫ط غرائز ِ‬ ‫فيندفع بعضهم بضغو ِ‬
‫استعمال العنف والتعذيب لنتشال العترافات‬
‫ة‪.‬‬
‫ق قسري ّ ٍ‬‫من المّتهمين بطر ٍ‬
‫ل ذلك ناشيء عن جهلهم بأساليب الوصول‬ ‫ك ّ‬
‫إلى المجهول اّلذي يطاردونه‪ .‬وقد يكون بسبب‬
‫ء ممكن في حد ذاته‪،‬‬ ‫عجزهم عن العلم بشي ٍ‬
‫ص عليهم‪ .‬وكّلما دام العجز عن اكتشاف‬ ‫مستع ٍ‬
‫الوسائل‪ ،‬امتنع العلم بالمجهول‪ .‬وهذه القضايا‬
‫مرتبطة أصل ً بقانون السببّية؛ وهو في تسلسل‬
‫م‬
‫ء في هذا الكون قائ ٌ‬ ‫ل شي ٍ‬ ‫نك ّ‬ ‫د‪ .‬ل ّ‬ ‫دائم ومع ّ‬
‫ق ٍ‬
‫ج إليه‪ .‬فالمحتاج إليه هو‬ ‫ء آخر‪ ،‬محتا ٌ‬‫بشي ٍ‬
‫ة في اصطلح الكلمّيين‬ ‫مى عل ً‬‫السبب؛ ‪ -‬وقد يس ّ‬
‫ما المحتاج فهو المعلول‪.‬‬ ‫‪ -‬وأ ّ‬
‫وعلى هذا النسق والنظام تجري الحداث‬
‫د‪،‬‬
‫ب‪ ،‬وتوال ٍ‬ ‫ض‪ ،‬وتناس ٍ‬ ‫وتتفاعل الشياء بين تناق ٍ‬
‫ب‬‫ص؛ إلى غير ذلك من التقل ّ ِ‬ ‫ر‪ ،‬وتناق ٍ‬ ‫وتكاث ٍ‬
‫ور‪ .‬وهي آيات‬ ‫دم والتط ّ‬ ‫دد والتقا ُ‬ ‫والتغّير والتج ّ‬
‫ة على قدرة الخالق البارئ العظيم‪،‬‬ ‫ت دال ّ ٍ‬‫في آيا ٍ‬
‫ه اّلذي‬‫ع الل ِ‬ ‫صن ْ َ‬‫وعجائب تجّلياته‪ ،‬وحسن إبداعه } ُ‬
‫‪289‬‬
‫ن‪{.‬‬ ‫و َ‬‫عل ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫خبي ٌِر ب ِ َ‬
‫ل شيء إّنه َ‬ ‫نك ّ‬ ‫أ َت ْ َ‬
‫ق َ‬
‫ة‬
‫ن النقشبندّيين نراهم غير مقتنعين‪ ،‬ل ِبسن ّ ِ‬ ‫ولك ّ‬
‫ة‪ ،‬ول‬ ‫عل ّي ّ ِ‬
‫ه اّلتي أقامها سبحانه على أساس ال ْ ِ‬ ‫الل ِ‬
‫‪290‬‬
‫ؤنا بقانون السببيّة‬ ‫بالنصوص القرآنية اّلتي ت ُن ْب ِ ُ‬
‫كد على أن الغيب لله وحده‪.‬‬ ‫في الحين اّلذي تؤ ّ‬
‫ن الساطير ‪ -‬اّلتي حشدوها في طّيات كتبهم‬ ‫فا ّ‬

‫سورة النمل‪.88/‬‬ ‫‪289‬‬

‫راجع اليات التية‪:‬‬ ‫‪290‬‬


‫يوسف‪68/‬‬ ‫* سورة‬

‫* سورة الكهف‪.92 ،89 ،85 ،84 ،65/‬‬

‫* سورة النبياء ‪.8‬‬

‫* سورة العلق‪.5/‬‬
‫‪218‬‬

‫عل ْم ِ الغيب‬ ‫ة ِ‬ ‫على سبيل الكرامة لشيوخهم ونسب ِ‬


‫إليهم ‪ ،-‬شاهدةٌ على موقفهم المتناقض مع ما‬
‫جاء في كتاب الله من انفراده تعالى وحده بعلم‬
‫م‬‫عك ُ ْ‬ ‫ه ل ِي ُطْل ِ َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫الغيب كقوله سبحانه } َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫ن ُر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫جَتب‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ول َك ِ ّ‬ ‫ب‪َ ،‬‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ى ال ْ َ‬ ‫عل َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل ل َك َ ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ل ل َ أق ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫وقوله تعالى } ُ‬ ‫يَ َ‬
‫‪291‬‬
‫ي‬
‫عْند ِ‬ ‫م ِ‬ ‫شاء‪{.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫م إ ِن ّ ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ول َ أق ُ‬ ‫ب‪َ ،‬‬ ‫غي ْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ول َ أ ْ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫ن الل ِ‬ ‫خَزائ ِ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ى إ ِل َ ّ‬ ‫ع إ ِل ّ َ‬ ‫مل َ ٌ‬
‫‪292‬‬
‫وقوله تعالى‬ ‫ي‪{.‬‬ ‫وح َ‬ ‫ما ي ُ‬ ‫ن أت ّب ِ ُ‬ ‫ك؛ إ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫‪293‬‬
‫و‪{...‬‬ ‫ه َ‬ ‫ها إل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عل ُ‬‫َ‬ ‫ب ل َ يَ ْ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ح ال َ‬ ‫ْ‬ ‫فات ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْدَهُ َ‬ ‫و ِ‬ ‫} َ‬
‫ول َ َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ضّرا‬ ‫عا َ‬ ‫ف ً‬ ‫ي نَ ْ‬ ‫فس ِ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫ل لَ أ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫وقوله تعالى} ُ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ست َك ْث َْر ُ‬ ‫ب لَ ْ‬ ‫غي ْ َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫و ك ُن ْ ُ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ما شاء الله‪َ ،‬‬ ‫إ ِل ّ َ‬
‫ن أ ََنا إ ِل ّ َنذي ٌِر‬ ‫ء‪ ،‬إ ِ ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ي الس ُ‬ ‫ِ‬ ‫سن‬ ‫م ّ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫خي ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫وقوله تعالى‬ ‫‪294‬‬
‫ن‪{.‬‬ ‫و َ‬ ‫من َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫وم ٍ ي ُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫وَبشي ٌِر ل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫غي ْ ُ‬ ‫ة‪ ،‬فقل إ ِّنما ال َ‬ ‫ه آي َ ٌ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫زل َ‬ ‫ول أن ْ ِ‬ ‫نل ْ‬ ‫و َ‬ ‫ول ُ‬ ‫وَيق ُ‬ ‫} َ‬
‫‪295‬‬
‫ن‪{.‬‬ ‫ظري ِ َ‬ ‫من ْت َ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي َ‬ ‫وا إ ِن ّ ِ‬ ‫ظر ُ‬ ‫فان ْت َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫لل ِ‬
‫ت‬‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ي الس َ‬ ‫ِ‬ ‫نف‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ل ل َ يَ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫وقوله تعالى} ُ‬
‫َ‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫وال َْر‬
‫ن‬
‫ن أّيا َ‬ ‫و َ‬ ‫عر ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫ب إ ِل ّ الل ُ‬ ‫غي ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫‪296‬‬
‫ن‪{.‬‬ ‫يُ ْ َ ُ َ‬
‫و‬ ‫عث‬ ‫ب‬

‫دا من أهل العلم والبحث يتساءلون‬ ‫ن عد ً‬


‫د وأ ّ‬‫لب ّ‬
‫في أنفسهم عن الحكمة المكنونة في الغيب؛ أي‬
‫ة الغيب‬ ‫ع َ‬
‫قب َ ِ‬ ‫ي من وجود َ‬ ‫ما هو القصد الحقيق ّ‬
‫ر من‬
‫ع كثي ٍ‬ ‫أمام النسان تمنعه من العلم بواق ِ‬
‫ء والحداث ل يكاد يتجاوزها‪ ،‬وهو في‬ ‫الشيا ِ‬
‫ة على كّر العصور إلى‬ ‫ل وحير ٍ‬
‫ق وجه ٍ‬‫ل وقل ٍ‬ ‫تساؤ ٍ‬
‫ت‬‫هذا اليوم اّلذي يتمّتع فيه باستخدام آل ٍ‬
‫ة رهيبة السرعة في التصال‬ ‫وأجهز ٍ‬

‫سورة أل عمران‪.179/‬‬ ‫‪291‬‬

‫سورة النعام‪.50/‬‬ ‫‪292‬‬

‫سورة النعام‪.59/‬‬ ‫‪293‬‬

‫سورة العراف‪.188/‬‬ ‫‪294‬‬

‫سورة يونس‪.20/‬‬ ‫‪295‬‬

‫سورة النمل‪.65/‬‬ ‫‪296‬‬


‫‪219‬‬

‫والمواصلت؛ ول يكاد يتم ّ‬


‫كن من أن يزعزع هذه‬
‫د‪.‬‬
‫العقبة من مكانها بع ُ‬
‫ة‪ :‬لو‬ ‫ة قليل ً‬‫ء أن يلحظوا بره ً‬ ‫لقد فات هؤل ِ‬
‫ف لهم ما سيلقونه في مستقبلهم من‬ ‫ش َ‬ ‫كُ ِ‬
‫ط‬
‫وها ومّرها على هيئة شري ٍ‬ ‫جميع الحداث‪ ،‬حل ِ‬
‫ي‪ .‬فما عسى كان أمرهم وهم يشاهدون‬ ‫سينمائ ّ‬
‫ب‬‫فيها أنفسهم تتقّلب من نعيم ٍ إلى عذا ٍ‬
‫ب‬
‫ع الحجا ُ‬ ‫ف َ‬‫ك فيما لو كان قد ُر ِ‬ ‫وبالعكس! وما رأي ُ َ‬
‫قا جميع‬ ‫ذ مسب ً‬ ‫ت يومئ ٍ‬‫ك وأنت مراهق‪ ،‬فشاهد َ‬ ‫عن َ‬
‫ك من الوقائع حّتى‬ ‫ما سوف يمّر بك في حيات ِ َ‬
‫ت فيها؟!‬ ‫ة أن َ‬
‫آخر لحظ ٍ‬
‫ت إلى‬‫طلع َ‬‫هل تريد أن تختبر نفسك كما لو ا ّ‬
‫ت بالتأكيد مثل ً أّنك بعد‬ ‫مستقبلك بتمامه‪ ،‬فعلم َ‬ ‫ُ‬
‫ب رئيس الدولة‬ ‫ّ‬
‫ة سوف تحتل منص َ‬ ‫عشرين سن ً‬
‫ل فتذهب‬ ‫ثم لم تلبث تتعرض لمؤامرة اغتيا ٍ‬
‫ما في المعتقل‪،‬‬ ‫ضحيتها بعد أن تقضي أعوا ً‬
‫كن بعد العلم بهذا‬ ‫ما تحت التعذيب؛ هل تتم ّ‬ ‫وأّيا ً‬
‫ّ‬
‫المستقبل الغريب الذي ينتظرك‪ ،‬أن تملك‬
‫شعوَرك فتستمّر في مسيرة حياتك بصورة‬
‫عا بما‬
‫ة؟ فما بالك بالناس لو علم كلهم جمي ً‬ ‫عادي ٍ‬
‫سوف يلقونه من نعيم وعذاب‪ ،‬ومكاسب‬
‫ء! أل يقتضي ذلك أن‬ ‫وخسارات‪ ،‬وسعادة وشقا ِ‬
‫ل فرد من بني البشر بعد العلم‬ ‫يعيش ك ّ‬
‫بمستقبله في ارتباك وخوف وذعر وفزع؟‪..‬‬
‫وهل يشهد بعد ذلك عالم البشر إل الفوضى‬
‫والجنون والخراب والدمار؟!‬

‫ن هذه الفرضّيات تقودنا إلى فهم شيء من‬ ‫إ ّ‬


‫الحكمة المكنونة من حقيقة الغيب‪ .‬وذلك برهان‬
‫ن الغيب لله وحده دون غيره؛ كما‬ ‫عظيم على أ ّ‬
‫جة دامغة على ك ّ‬
‫ل من اعتقد علم الغيب‬ ‫هي ح ّ‬
‫ة‪.‬‬
‫في أولياء الصوفي ّ ِ‬
‫***‬
‫‪220‬‬

‫د‬ ‫ل في معت َ َ‬
‫ق ِ‬ ‫س ِ‬
‫و ّ‬
‫* مفهوم الت َ‬
‫كبوا عليه من ُأمور‪.‬‬ ‫النقشبندّيين وما ر ّ‬
‫ء‬
‫سك النسان بشي ٍ‬ ‫ة‪ :‬هو أن يتم ّ‬
‫سل لغ ً‬
‫التو ّ‬
‫ه؛ فيكون ذلك الشيءُ‬
‫يبتغي به الوصول إلى غايت ِ‬
‫هو اّلذي يس ّ‬
‫مى الوسيلة‪.‬‬

‫وفي اصطلح علماء التوحيد والتفسير‪ :‬هي‬


‫ة إلى الله‪ .‬وهو اليمان الصادق والعمل‬ ‫القرب ُ‬
‫الصالح‪ .‬هذا هو المراد من لفظ الوسيلة‪ ،‬كما‬
‫ة في بابه‪ 297.‬من خلل‬ ‫ة واضح ٍ‬‫أثبتنا ذلك بأدل ّ ٍ‬
‫ء‪.‬‬
‫تفسيرات منقولة لعدد من مشاهير العلما ِ‬
‫ن‬
‫ه ُ‬‫يمكن إضافة أضعاف هذه النماذج اّلتي ت ُب َْر ِ‬
‫ء على تفسير مفهوم الوسيلة‬ ‫على اّتفاق العلما ِ‬
‫ن‬
‫ه ُ‬‫سل في اليتين المذكورتين كما ت ُب َْر ِ‬ ‫والتو ّ‬
‫ى‪،‬‬
‫على حصر معنى الوسيلة في القربة والزلف َ‬
‫سل منحصر في التقّرب إلى الله‬ ‫ن التو ّ‬‫وأ ّ‬
‫باليمان الصادق والعمل الصالح فحسب‪.‬‬

‫ن النقشبندّيين ل يقتنعون بهذه البراهين؛‬ ‫غير أ ّ‬


‫ء السلم وعلومهم‪ .‬وتشهد‬ ‫لستخفافهم بعلما ِ‬
‫ء؛ كقول‬‫على ذلك هفواتهم في احتقار العلما ِ‬
‫ي‪:‬‬
‫مد بن سليمان البغداد ّ‬ ‫مح ّ‬
‫ة بعضهم‬ ‫خا َل َطَ ِ‬
‫م َ‬ ‫ء العلماء اّلذين ت َْر ُ‬
‫ك ُ‬ ‫«وهؤل ِ‬
‫ب للفتح على القلب في طريق الله تعالى‪،‬‬ ‫موج ٌ‬
‫دمنا ذكرهم قبل ذكر‬ ‫قهة اّلذين ق ّ‬‫هم المتف ّ‬
‫ل زمان من عصر‬ ‫ء‪ .‬وهم موجودون في ك ّ‬ ‫الفقها ِ‬
‫ي‪ ،‬بل من قبله إلى يوم القيامة‪.‬‬ ‫المام الشافع ّ‬
‫ن لم يكن لهم نصيب‬ ‫خذلهم الله تعالى وأذّلهم‪ ،‬إ ْ‬
‫‪298‬‬
‫في اْلهداية والتوب ِ‬
‫ة‪».‬‬

‫راجع الهوامش من رقم‪ 104 /‬إلى ‪.115‬‬ ‫‪297‬‬

‫ي‪ ،‬الحديقة الندّية في الطريقة النقشبندّية والبهجة الخالدّية ص‪) .97 ،96 /‬أعيد‬
‫مد بن سليمان البغداد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪298‬‬
‫ل مكتبة الحقيقة‪ .‬إسطنبول‪.1992-‬‬
‫قب َ ِ‬
‫طبعه من ِ‬
‫‪221‬‬

‫قهة»‪ .‬يقصد‬ ‫ب جام غضبه على «المتف ّ‬ ‫هكذا يص ّ‬


‫ة أخرى‬ ‫بهم اّلذين ل يوافقونهم‪ ،‬ويستثني طائف ً‬
‫ميها «الفقهاء» وهم المتواطؤن معهم على‬ ‫يس ّ‬
‫ة‪ ،‬وتحريفهم للمفاهيم القرآنية‪.‬‬ ‫تأويلتهم الشاذّ ِ‬
‫ن النقشبندّيين‬ ‫ة‪ ،‬هو أ ّ‬ ‫ب هذه العداو ِ‬ ‫ل سب َ‬‫لع ّ‬
‫ي‬
‫ء بالفقه السلم ّ‬ ‫سك العلما ِ‬ ‫يجدون في تم ّ‬
‫ة كبيرةً أمام‬ ‫سّنة‪ ،‬عقب ً‬ ‫وبنصوص الكتاب وال ّ‬
‫قي َم ِ الدين الحنيف‬ ‫محاولتهم في العبث ب ِ ِ‬
‫ومفاهيمه‪ .‬إذ ل يتناولون آيات الله ليّتبعوا ما‬
‫ة كما مّر‬ ‫تشابه منها‪ ،‬إل ّ اصطدموا بهذه العقب ِ‬
‫ء لكلمة «الوسيلة»‪.‬‬ ‫في تفسير العلما ِ‬

‫يبدو أّنهم سوف يصّرون في عنادهم كسائر‬


‫أتباع الفرق الباطنية‪ ،‬على الرغم من أّنهم‬
‫دا‬ ‫َ‬
‫ء السلم أب َ ً‬ ‫ة شديدةً من علما ِ‬ ‫سيلقون معارض ً‬
‫ل ما قد وضعها أسلفهم‬ ‫ما داموا يتشّبثون بك ّ‬
‫ل غريبة للّتعّبد‪ .‬مثل «الّرابطة»‪،‬‬ ‫من أشكا ٍ‬
‫ة»‪ ،‬وممارسة «الركان الحد‬ ‫گان ِي ّ ِ‬‫ج َ‬ ‫وا َ‬
‫خ َ‬
‫و«الختم ال ُ‬
‫ة‬
‫ة‪ ،‬وأدعي ٍ‬ ‫عشر» وغيرها من أوراد مزخرف ٍ‬
‫ة؛ يدندنون بها‬ ‫ع ٍ‬‫ر مبتدَ َ‬ ‫ة‪ ،‬وأذكا ٍ‬ ‫ة مستحدث ٍ‬ ‫منفوخ ٍ‬
‫على غرار «المانترا »‪ mantra‬في الديانات‬
‫الهندية‪ .‬بل وقد يتشّبثون بوسائل أخرى على‬
‫س‬ ‫هذا السلوب العناد ّ ّ‬
‫ي الذي أبعد الكثيَر من النا ِ‬
‫ة السلم‪ ،‬كما شرعوا لنفسهم‬ ‫عن ساح ِ‬
‫رهم‪ ،‬والتب َّر َ‬
‫ك بها‪،‬‬ ‫ت وقبو ِ‬ ‫ل بالموا ِ‬ ‫س َ‬
‫التو ّ‬
‫ل ما ذُك َِر إل ّ وج َ‬
‫ه‬ ‫فزعموا أّنهم لم يقصدوا بك ّ‬
‫ه الله ل يجوز إل ّ باّتباع ما‬ ‫ب وج ِ‬ ‫ن طل َ‬ ‫ه‪ .‬مع أ ّ‬ ‫الل ِ‬
‫ه من أشكال السعى‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫قد رسمه الله َ‬
‫سك‬ ‫ر التعّبد والتن ّ‬ ‫و ِ‬
‫ص َ‬
‫والعمل‪ ،‬دون غيرها من ُ‬
‫والرهبانّية اّلتي ابتدعها اليهود والنصارى‬
‫والمجوس‪.‬‬

‫ن عموم الضللة ‪-‬‬ ‫ة إلى أ ّ‬


‫هذا وجدير بالشار ِ‬
‫صة في المسائل العتقادّية ‪ -‬ينشأ من‬ ‫خا ّ‬
‫‪222‬‬

‫التأويل أكثر من التعطيل‪ .‬وهما من أسباب‬


‫التحريف‪ .‬وأثر الجهل فيهما أكثر بأضعاف من‬
‫د‬
‫م ِ‬
‫ع للمتع ّ‬‫ل تاب ٌ‬‫ن الجاه َ‬ ‫مد‪ .‬وأ ّ‬‫أثر القصد والتع ّ‬
‫ة‪ .‬وما أكثر‬‫ه بالتقليد العمى عاد ً‬ ‫ه وعملئ ِ‬‫وبطانت ِ‬
‫ل أرض! بذلك يستفحل المر‪.‬‬ ‫أبناء الجهل في ك ّ‬
‫ة‪ .‬فيتفاقم‬ ‫ل سهول ٍ‬ ‫ة يصطادونهم بك ّ‬ ‫ن الدجاجل َ‬‫ل ّ‬
‫الشّر بسبب انسحاب جماهير البسطاء من‬
‫ة‪.‬‬
‫جرأ ً‬‫وةً و ُ‬
‫ورائهم؛ فيزدادون بهم ق ّ‬
‫ومن العواقب الوخيمة لجهل النسان‪ ،‬وتبعّيته‬
‫بالتقليد العمى فيما يتعّلق بموقفه من الله‪ :‬أّنه‬
‫س‬
‫ه النا ُ‬ ‫م ُ‬ ‫عظ ّ َ‬ ‫ق َ‬ ‫غ أمام مخلو ٍ‬ ‫ف بال ٍ‬ ‫يشعر بضع ٍ‬
‫ذا يلجا إليه‬ ‫مل َ ً‬ ‫ها؛ فيراه َ‬ ‫حّتى جعلوا منه إل ً‬
‫ها‬ ‫ها‪ ،‬وليجير َ‬ ‫ة كرب َ َ‬ ‫س ِ‬‫عي َ‬
‫ه الت ّ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬‫هع ْ‬ ‫س بِ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ل ِي ُن َ ّ‬
‫صن َم ِ‬
‫ذا ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ها؛ وليفّر إلى َ‬ ‫و َ‬ ‫ه من عد ّ‬ ‫ء إ ِل َي ْ ِ‬ ‫ِبالل ّ ُ‬
‫جو ِ‬
‫ب منه الفرج كلما ضاق به‬ ‫كّلما استوحش‪ ،‬ويطل َ‬
‫ه‪،‬‬
‫م ُ‬ ‫ه وآل ُ‬‫حْزن ُ ُ‬ ‫و إليه كّلما اشتدّ ُ‬ ‫عا‪ ،‬ويشك َ‬ ‫المر ذر ً‬
‫م‪.‬‬ ‫ه الهمو ُ‬ ‫مت ْ ُ‬‫ه َ‬‫ذا دا َ‬ ‫وليتسّلى به إ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ة هذا العتقاد الفاسد‬ ‫ت بين الناس فتن ُ‬ ‫وإّنما فش ْ‬
‫بسبب ذلك الضعف الناشيء من الجهل بحقيقة‬
‫ة‬
‫ت عديد ٍ‬ ‫مد ‪ ‬من آيا ٍ‬ ‫ما أنزل الله على سيدنا مح ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م إِ ْ‬ ‫قل أَرأي ْت َك ُ ْ‬ ‫في المشركين كقوله تعالى } ُ‬
‫َ‬ ‫ذاب الله أ َ َ‬ ‫أ ََتا ُ‬
‫ه‬
‫غي َْر الل ِ‬ ‫ة‪ ،‬أ َ‬ ‫ع ُ‬ ‫سا َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫و أت َت ْك ُ ُ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ع َ ُ‬ ‫كم َ‬
‫ن‬
‫و َ‬ ‫دع ُ‬ ‫ن * بل إّياهُ ت َ ْ‬ ‫صاِدقي ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫و َ‬ ‫دع ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ما‬‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫وت َن ْ َ‬ ‫شاءَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلي ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫دع ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ش ُ‬ ‫في َك ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن ما َ ل َ‬ ‫َ‬
‫وقوله تعالى }أي ُ ْ‬ ‫‪299‬‬
‫تُ ْ‬
‫و َ‬ ‫رك ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫ن‪{.‬‬ ‫و َ‬ ‫رك ُ‬ ‫ش ِ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫و َ‬ ‫سَتطِيع ُ‬ ‫ول َ ي َ ْ‬ ‫ن* َ‬ ‫و َ‬ ‫خَلق ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ه ْْ‬ ‫و ُ‬ ‫شي ًْئا َ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ُ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫وقوله تعالى‬ ‫‪300‬‬
‫ن‪{.‬‬ ‫َ‬
‫ول َ أن ْ ُ‬
‫و َ‬ ‫صر ُ‬ ‫م ي َن ْ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫صًرا َ‬ ‫نَ ْ‬
‫ن إ ِل ّ‬ ‫و َ‬ ‫دع ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ر َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي ال ْب َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ضّر ف‬ ‫م ال ّ‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬‫} َ‬
‫َ‬
‫ى ال ْب َّر أ ْ‬
‫ن‬ ‫سا ُ‬ ‫ن ال ِن ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫مو َ‬ ‫ضت ُ ْ‬ ‫عَر ْ‬ ‫م ِإل َ‬ ‫جاك ُ ْ‬ ‫ما ن َ ّ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫إ ِّيا ُ‬

‫سورة النعام‪.41 ،40/‬‬ ‫‪299‬‬

‫سورة العراف‪.192 ،191/‬‬ ‫‪300‬‬


‫‪223‬‬

‫ب‬ ‫َ‬ ‫‪301‬‬ ‫َ‬


‫ر َ‬ ‫ض ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫وقوله تعالى } َيا أي ّ َ‬ ‫وًرا‪{.‬‬ ‫كف ُ‬
‫ه‬
‫ن الل ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ند ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫و َ‬ ‫دع ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ن اّلذي َ‬ ‫وا له‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫مع ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫فا ْ‬ ‫ل َ‬ ‫مث َ ٌ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه ُ‬ ‫سل ُب ْ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫وا له؛ َ‬ ‫مع ُ‬ ‫جت َ َ‬
‫وا ْ‬ ‫ول َ ْ‬‫وا ذَُباًبا َ‬ ‫خُلق ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫ب‬ ‫طال ِ ُ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ع َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ه؛ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫وهُ ِ‬ ‫قذ ُ‬ ‫ست َن ْ ِ‬ ‫شي ًْئا ل َ ي َ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫الذَّبا ُ‬
‫واّلذي َ‬ ‫م ْ‬ ‫وال ْ َ‬
‫‪302‬‬
‫ن‬
‫و َ‬ ‫دع ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫وقوله تعالى } َ‬ ‫ب‪{.‬‬ ‫و ُ‬ ‫طل ُ‬ ‫َ‬
‫م لَ‬ ‫ه‬
‫ِ ْ َ ْ ُ ُ ْ‬ ‫و‬ ‫دع‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫*‬ ‫ر‬‫ِ ٍ‬ ‫ي‬‫طم‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫و‬
‫ُ ِ ِ َ َ ْ ِ ُ َ ِ ْ ِ‬ ‫لك‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ن‬
‫ِ ْ‬ ‫م‬
‫م‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وا لك ْ‬ ‫َ‬ ‫جاب ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫وا َ‬ ‫مع ُ‬ ‫س ِ‬ ‫و َ‬ ‫ول ْ‬‫َ‬ ‫م‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫عائ َك ْ‬ ‫ن دُ َ‬ ‫و َ‬ ‫مع ُ‬ ‫س َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ل‬‫مث ْ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ؤ َ‬ ‫ول َ ي ُن َب ّ ُ‬ ‫م‪َ ،‬‬ ‫شْرك ِك ُ ْ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫و َ‬ ‫فر ُ‬ ‫ة ي َك ْ ُ‬‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫‪303‬‬
‫ر‪{.‬‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ي‬ ‫خب‬ ‫َ‬

‫ة عند ما‬ ‫يدافع النقشبندّيون عن أنفسهم بشدّ ٍ‬


‫ُتتلى هذه اليات على مسامعهم‪ ،‬فيثورون غضًبا‬
‫واستنكاًرا بأّنها نزلت في المشركين‪ .‬نعم‪ ،‬ولكن‬
‫ن دون الله إل ّ‬ ‫م ْ‬
‫دا ِ‬‫و أح ً‬
‫دع ُ‬
‫أل يعلمون أّنه ل ي َ ْ‬
‫مشرك؟! أفل يكونون قد شهدوا على أنفسهم‬
‫ب‬‫مد الكذ َ‬ ‫دقون من تع ّ‬ ‫بهذا الذنب العظيم؛ إذ يص ّ‬
‫ي ‪ .‬فزعم أّنه قال «إذا تحّيرتم‬ ‫على لسان النب ّ‬
‫في المور‪ ،‬فاستعينوا بأهل القبور‪».‬‬

‫مد زاهد‬‫ب أّلفه مح ّ‬


‫وردت هذه الكلمات في كتا ٍ‬
‫ة من النقشبندّيين في‬ ‫كوتكو‪ ،‬شيخ جماع ٍ‬
‫ن‬‫إسطنبول‪ 304.‬فما دامت هذه الطائفة تعتقد أ ّ‬
‫شيخ الطريقة وكيل عن الله‪ ،‬كما ورد ذلك في‬
‫‪305‬‬
‫ة أخرى منهم؛‬ ‫تفسير «روح الفرقان» لجماع ٍ‬
‫ع‬
‫ن جمي َ‬
‫ما دام هذا اعتقادهم في شيوخهم‪ ،‬وأ ّ‬
‫ما بالغيب ‪-‬‬
‫ه ‪ -‬رج ً‬
‫صت ُ ُ‬
‫شيوخهم أولياء الله وخا ّ‬
‫إذن فل مانع عندهم من أن يطلب المريدُ قضاءَ‬

‫سورة السراء‪.67/‬‬ ‫‪301‬‬

‫سورة الحج‪.73/‬‬ ‫‪302‬‬

‫سورة الفاطر‪.14/‬‬ ‫‪303‬‬

‫‪.M. Zahid Kotku, Tasavvufi Ahlak 2/277.Seha Pub. Ist-1982‬‬ ‫‪304‬‬

‫م ستة أشخاص من النقشبندّيين التراك ص‪ .2/74 /‬دار سراج إسطنبول ـ‬


‫ه ْ‬
‫د ُ‬
‫ة عد ُ‬
‫روح الفرقان‪ ،‬بقلم جماع ٍ‬ ‫‪305‬‬
‫‪1992‬م‪.‬‬
‫‪224‬‬

‫ه من شيخه فضل ً عن أن‬ ‫ه‪ ،‬ومغفرةَ ذنوب ِ ِ‬


‫حاجت ِ‬
‫ل به إلى الله في ك ّ‬
‫ل سؤاله‪.‬‬ ‫س َ‬‫يتو ّ‬
‫ما موقف بعضهم في الدفاع عن النقشبندّية‬ ‫أ ّ‬
‫في هذا المعتقد كما نقل يوسف بن إسماعيل‬
‫ي‪ 306‬عن شيخ آخر على شاكلته «إّنه يجوز‬ ‫النبهان ّ‬
‫‪307‬‬
‫فإنما هو‬ ‫سل بأهل الخير والصلح»‬ ‫التو ّ‬
‫ة «ول‬ ‫هدُ بها السبيل ليقول في النهاي ِ‬ ‫محاولة يم ّ‬
‫ن‬ ‫م فضل ً عن الخوا ّ‬
‫ص‪ ،‬أ ّ‬ ‫ي من العوا ّ‬ ‫م ّ‬‫ن عا ّ‬ ‫يظ ّ‬
‫ث شيًئا في الكون‪،‬‬ ‫د ُ‬
‫ح ِ‬
‫نحو سّيدي أحمد البدوي ي ُ ْ‬
‫ن رتبتهم تقصر عن السؤال من‬ ‫وإّنما يرون أ ّ‬
‫كا بهم كما ل‬ ‫سلون بمن ذكر تبّر ً‬ ‫الله تعالى فيتو ّ‬
‫‪308‬‬
‫يخفى‪».‬‬

‫ن كل ّ من أحمد البدوي وأمثاله‬ ‫هكذا يقولون‪ .‬ل ّ‬


‫ك في‬ ‫ة عندهم؛ ليش ّ‬‫من الشيوخ مستجاب الدعو ِ‬
‫ن اشتهر بينهم‬ ‫م ْ‬ ‫نك ّ‬
‫ل َ‬ ‫ذلك أحد منهم؛ ول ّ‬
‫بالولية ‪ -‬مهما كانت طريقة هذا الشتهار ‪ -‬حّتى‬
‫ولو بوساطة المافيا‪ ،‬أو باستغلل رجال‬
‫ن الله يستجيب دعوته‬ ‫السياسة والتجارة ‪ -‬لبدّ وأ ّ‬
‫في اعتقادهم‪.‬‬

‫دونه من‬ ‫ن الفلن اّلذي تع ّ‬ ‫ما إذا قيل لهم‪ - :‬أ ّ‬ ‫أ ّ‬


‫سلون بجاهه‪ ،‬فما‬ ‫ظمونه‪ ،‬وتتو ّ‬ ‫أولياء الله‪ ،‬وتع ّ‬
‫حة اعتقادكم هذا فيه‪ ،‬وكيف‬ ‫دليلكم على ص ّ‬
‫دهم‬‫ن الله ل يردّ دعوته؟ فيكون ر ّ‬ ‫تعلمون أ ّ‬
‫ي‪:‬‬
‫ب رأسه؛ كقول الخليل ّ‬ ‫ن َرك ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫عني ً‬
‫فا وبلهجة َ‬
‫«ول ُينكر ذلك إل ّ من ابتلى بالحرمان‪ ،‬أو سوء‬
‫‪309‬‬
‫العقيدة نعوذ بالله!»‬
‫راجع ترجمته في العلم‪ ،‬خير الدين زركلي ‪ .8/218‬دار العلم للمليين طبعة ‪ .11‬بيروت‪1995-‬م‪.‬‬ ‫‪306‬‬

‫يوسف بن إسماعيل النبهاني‪ ،‬شواهد الحق ص‪) .142 /‬الرسالة الثانية من مجموع الكتيبات المطبوعة‬ ‫‪307‬‬
‫هابُيون»( مكتبة إيشك طباعات متكررة‪ .‬إسطنبول‪.‬‬
‫بعنوان‪« :‬علماء المسلمين والو ّ‬

‫السابق‪142 /‬‬ ‫المصدر‬ ‫‪308‬‬

‫المصدر السابق ‪.142‬‬ ‫‪309‬‬


‫‪225‬‬

‫ي‬
‫ي والمنهج النقشبند ّ‬ ‫هذا هو المنطق الصوف ّ‬
‫ض‬
‫ق فقد خا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عند ك ّ‬
‫من ْطل ِ‬ ‫ف‪ .‬ومن هذا ال ُ‬ ‫ل موق ٍ‬
‫ي مثار الدفاع‬‫أديبهم يوسف بن إسماعيل النبهان ّ‬
‫سل الفاسد والستغاثة والتبّرك‬ ‫عن التو ّ‬
‫ه‪ :‬شواهد الحق‪،‬‬ ‫بالمخلوق حّيا ومي ًّتا‪ ،‬وذلك بكتاب َي ْ ِ‬
‫وجامع كرامات الولياء‪ .‬فحشد فيهما ما زّينت له‬
‫ث والسمين حّتى اشتهر بالشعوذة‬ ‫نفسه من الغ ّ‬
‫طع وإثارة الخرافات‪.‬‬ ‫والتن ّ‬
‫***‬

‫الفصل الرابع‬
‫ه النقشبندّية‬ ‫مي ِ‬
‫* حقيقة ما ُتس ّ‬
‫ن»‪ ،‬وأسماءُ اّلذين‬ ‫ج َ‬
‫گا ْ‬ ‫وا َ‬
‫خ َ‬
‫«سلسلة ُ‬
‫دسة في‬ ‫هم بمنـزلة حلقاتها المق ّ‬
‫اعتقاد هذه الطائفة‪.‬‬
‫* مزعمة «سلسلة السادات»‪.‬‬
‫* الروحانّيون في هذه الطريقة‬
‫المعروفون بـ «رجال السلسلة»‪.‬‬
‫* شخصّياتهم‪ ،‬ومستوياتهم العلمّية‬
‫والجتماعّية‪ ،‬وترجمة أحوالهم‬
‫بالتفصيل‪.‬‬
‫‪----------------------------------‬‬
‫ديق رضي الله‬ ‫‪.1‬أبو بكر الص ّ‬
‫عنه‪...................................................................................................‬‬
‫‪226‬‬

‫‪.2‬سلمان الفارسي رضي الله‬


‫عنه‪....................................................................................................‬‬

‫ديق رضي الله‬ ‫مد بن أبي بكر الص ّ‬ ‫‪.3‬قاسم بن مح ّ‬


‫عنهم‪...............................................................‬‬

‫مد الباقر رضي الله‬ ‫‪.4‬جعفر الصادق بن مح ّ‬


‫عنهما‪.........................................................................‬‬

‫‪.5‬أبو يزيد‬
‫ي‪..............................................................................................‬‬ ‫البسطام‬
‫‪ّ ..........................‬‬
‫‪.6‬أبو الحسن‬
‫ي‪.................................................................................................‬‬ ‫الخرقان‬
‫‪ّ ......................‬‬
‫‪.7‬أبو علي‬
‫ي‪.................................................................................................‬‬ ‫الفارمد ّ‬
‫‪.......................‬‬

‫‪.8‬أبو يعقوب يوسف‬


‫ي‪..................................................................................................‬‬
‫الهمدان ّ‬ ‫‪.......‬‬

‫‪.9‬عبد الخالق‬
‫ي‪...............................................................................................‬‬‫وان ِ ّ‬
‫جدُ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫غ ْ‬
‫‪.....................‬‬

‫‪.10‬عارف‬
‫وگري‪...................................................................................................‬‬
‫الّري َ َ‬
‫ِ‬
‫‪.......................‬‬

‫‪.11‬محمود‬
‫ي‪.......................................................................................‬‬
‫و ّ‬ ‫غن َ‬
‫ف ْ‬ ‫جيْر َ‬ ‫الن ْ ِ‬
‫‪ِ ............................‬‬
‫‪.12‬علي‬
‫ي‪...................................................................................................‬‬ ‫مَتن ّ‬ ‫الّرا ِ‬
‫‪..............................‬‬

‫مد َباَبا‬ ‫‪.13‬مح ّ‬


‫ي‪...............................................................................................‬‬ ‫ماس‬ ‫الس ّ‬
‫‪ّ .......................‬‬
‫ل بن‬ ‫‪.14‬أمير ك ُل َ ْ‬
‫حمزة‪...........................................................................................................‬‬
‫‪............‬‬

‫ي المعروف بـ «شاه‬ ‫خار ّ‬ ‫مد بهاء الدين الب ُ َ‬ ‫‪ .15‬مح ّ‬


‫نقشبند»‪......................................................‬‬
‫‪227‬‬

‫مد علء الدين‬ ‫‪ .16‬مح ّ‬


‫الع ّ‬
‫طار‪........................................................................................................‬‬
‫‪..‬‬

‫‪ .17‬يعقوب‬
‫ي‪.....................................................................................................‬‬
‫خ ّ‬
‫الﭽر ِ‬
‫‪...............‬‬

‫‪ .18‬ناصر الدين عبيد الله‬


‫الحرار‪...................................................................................................‬‬

‫مد زاهد‬ ‫‪ .19‬مح ّ‬


‫ي‪.................................................................................................‬‬‫ش ّ‬ ‫ال ْب َدَ ْ‬
‫خ ِ‬
‫‪...............‬‬

‫مد‬ ‫‪ .20‬درويش مح ّ‬
‫ي‪...........................................................................................‬‬
‫السمرقند ّ‬
‫‪.............‬‬

‫گي‬ ‫ج ِ‬ ‫وا َ‬ ‫خ َ‬ ‫ْ‬


‫مد ال ُ‬ ‫‪ .21‬مح ّ‬
‫گيّ‪..................................................................................................‬‬‫مﮑ َن َ ِ‬‫ال ْ‬
‫‪....‬‬

‫مد باقي بالله‬ ‫‪ .22‬مح ّ‬


‫ي‪......................................................................................................‬‬ ‫‪ُ.........‬بل ّ‬
‫الكا‬
‫ي المعروف بـ‬ ‫ي السرهند ّ‬ ‫‪ .23‬أحمد الفاروق ّ‬
‫ي»‪..................................................‬‬ ‫«المام الرّبان ّ‬
‫مد معصوم‬ ‫‪ .24‬مح ّ‬
‫ي‪................................................................................................‬‬‫الفاروق ّ‬ ‫‪...........‬‬

‫مد سيف الدين‬ ‫‪ .25‬مح ّ‬


‫ي‪................................................................................................‬‬ ‫‪..‬الفاروق ّ‬
‫مد‬ ‫‪ .26‬نور مح ّ‬
‫ي‪...................................................................................................‬‬‫وان ِ ّ‬ ‫ال ْب َدَ َ‬
‫‪............‬‬

‫ن‬‫جا ِ‬ ‫هر َ‬ ‫مظ ْ َ‬ ‫مي ْْرَزا َ‬ ‫‪ .27‬شمس الدين حبيب الله ِ‬


‫ن‪...............................................................‬‬ ‫جاَنا ْ‬ ‫َ‬
‫‪ .28‬غلم علي عبد الله‬
‫ي‪...............................................................................................‬‬‫و ّ‬ ‫هل َ ِ‬‫الدّ ْ‬
‫ي المعروف بين النقشبندّيين بـ‬ ‫‪ .29‬خالد البغداد ّ‬
‫«ذي الجناحين »‪.....................................‬‬
‫‪228‬‬

‫ي‬‫* خالد البغداد ّ‬


‫ومعارضوه‪...............................................................................................‬‬
‫‪..............‬‬

‫ي وأسلوب تعامله‬ ‫* خلفاء البغداد ّ‬


‫معهم‪........................................................................................‬‬

‫* ممّيزات الشخصّية لشيوخ الطريقة النقشبندّية‬


‫ية‪..............‬‬
‫ومستوياتهم العلمّية والثقاف ّ‬

‫الفصل الرابع‬
‫ميه النقشبندّية‬ ‫* حقيقة ما تس ّ‬
‫ن» وأسماء رجالها‬ ‫ج َ‬
‫گا ْ‬ ‫وا َ‬
‫خ َ‬
‫«سلسلة ُ‬
‫* مزعمة «سلسلة السادات»؛‬
‫* الروحانّيون في هذه الطريقة؛‬
‫أسماؤهم‪ ،‬وشخصّياتهم‪ ،‬ومستوياتهم‬
‫ية‪.‬‬
‫العلمّية والجتماع ّ‬
‫‪-----------------------------------‬‬

‫ميه النقشبندّية‬
‫* حقيقة ما تس ّ‬
‫ن»‪ ،‬أو«السلسلة‬ ‫ج َ‬
‫گا ْ‬ ‫وا َ‬
‫خ َ‬
‫«سلسلة ُ‬
‫الذهبّية»‬
‫ع معتقداِتهم‬
‫ن جمي َ‬
‫يزعم النقشبندّيون أ ّ‬
‫دهم مأثورةٌ عن رسول الله ‪،‬‬ ‫ب تعب ّ ِ‬
‫وأسالي َ‬
‫وعن أصحابه والسلف الصالح عليهم الرضوان‪.‬‬
‫د‬
‫ي ‪ -‬أح ُ‬
‫ي الربل ّ‬
‫مد أمين الكرد ّ‬‫دعي ذلك مح ّ‬ ‫كما ي ّ‬
‫‪229‬‬

‫ن طريقة‬ ‫ة ‪ -‬فيقول «إ ّ‬
‫ه الطائف ِ‬
‫س هذ ِ‬‫رؤو ِ‬
‫سّنة‬
‫السادة النقشبندّية هو معتقد أهل ال ّ‬
‫والجماعة‪ .‬وهي طريقة الصحابة رضي الله‬
‫عنهم على أصلها‪ ،‬لم يزيدوا فيها‪ ،‬ولم ينقصوا‬
‫‪310‬‬
‫منها‪».‬‬

‫ن شيوخهم‬ ‫دعاء أ ّ‬ ‫هكذا يقولون ليتذّرعوا بهذا ال ّ‬


‫قوا هذه الصناف الدخيلة من المعتقدات‬ ‫إّنما تل ّ‬
‫والشكال الغريبة من الطقوس والعبادات؛ إّنما‬
‫ة‪،‬‬
‫ة عن طبق ٍ‬ ‫ضا عن بعض‪ ،‬وطبق ً‬ ‫تلقوها بع ً‬
‫ي ‪) ‬على زعمهم(‪.‬‬ ‫متسلس َل ً بالتصاعد إلى النب ّ‬
‫ة أبا‬‫قن الطريق َ‬ ‫ي ‪ ‬هو اّلذي ل ّ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬
‫نأ ّ‬‫عو َ‬
‫ي َدّ ُ‬
‫ت منه‬ ‫م تسلسل ْ‬ ‫ة! ث ّ‬ ‫ول مّر ٍ‬
‫ر رضي الله عنه ل ّ‬ ‫بك ٍ‬
‫بالتدريج حّتى وصلت إلى شيخهم اّلذي يلزمونه‬
‫في الوقت الحاضر‪ ،‬كما سنعرض من مقولتهم‬
‫في ذلك اقتبسناها من مصادرهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ن هذه الدعوى اّلتي ل حقيقة لها في ميزان‬ ‫إ ّ‬
‫ع‬
‫ول ِ ٍ‬
‫لم ُ‬‫العلم ول في ميزان السلم‪ ،‬يعتقدها ك ّ‬
‫دا‪ .‬وكثير منهم‬ ‫دا أكي ً‬
‫بتعاليم هذه الطريقة اعتقا ً‬
‫يحفظون أسماء كبرائهم بالتسلسل المذكور في‬
‫مونها بـ «سلسلة‬ ‫مصادر هذه الطائفة‪ ،‬ويس ّ‬
‫السادات»؛ وكذلك بـ «السلسلة الذهبّية»‪.‬‬
‫***‬
‫* مزعمة «سلسلة السادات»‬
‫ي‪،‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫يقول عبد المجيد بن مح ّ‬
‫ت أسماء سادات سلسلة الطريقة الجليلة؛‬ ‫«سمع ُ‬
‫وقُ للوقوف على تراجم أحوالهم‬ ‫ت أتش ّ‬‫جعل ُ‬

‫تجد نفس العبارة في المصادر التالية‪:‬‬ ‫‪310‬‬


‫* خالد البغدادي‪ ،‬رسالة في تحقيق الّرابطة‪ ،‬ص‪) 13/‬راجع‪ :‬عباس العّزاوي‪ ،‬مولنا خالد النقشبندي‪ ،‬مجّلة‬

‫ي‪ ،‬ص‪(708/‬‬
‫المجمع العلمي الكرد ّ‬
‫ي الربلي‪ ،‬المواهب السرمدية ص‪.3 /‬‬
‫مد أمين الكرد ّ‬
‫* مح ّ‬
‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية ص‪. 3/‬‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫* مح ّ‬
‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪. 3. /‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫* عبد المجيد بن مح ّ‬
‫‪230‬‬

‫ة‬
‫ة‪ .‬وإذ لم أرها مجتمع ً‬ ‫دسة مدّةً غيَر قليل ٍ‬ ‫المق ّ‬
‫ن أكثرهم من‬ ‫بالّلغة العربّية في كتاب واحد‪ .‬ل ّ‬
‫ت وأنا‬
‫م ُ‬‫بلد الفرس والهند وتلك المعاهد‪ .‬عز ْ‬
‫ف‪ .‬على أن‬ ‫َ‬
‫ف‪ ،‬سنة ثلث وثلثمائة وأل ٍ‬ ‫للعزم ب ِأل ِ ٍ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م بالترجمة َ‬ ‫ن ترجموه؛ وأخد َ‬ ‫م ْ‬
‫ل َ‬‫ع أحوا َ‬ ‫أجم َ‬
‫ما بسّيدي‬‫لم يخدموه‪ ،‬بادًئا بالمبدأ الفياض‪ ،‬وخات ً‬
‫‪311‬‬
‫الوالد‪».‬‬

‫ي نظرةً على هذه العبارات‬ ‫ن من ُيلق ِ‬ ‫إ ّ‬


‫ة‪ ،‬ل يخفى عليه ما قد اعترف صاحُبها‪،‬‬ ‫خَر َ‬
‫ف ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مَز ْ‬
‫وما أقّر وشهد على نفسه بالذات وبلسانه‬
‫وقلمه‪ ،‬حّتى قال‪ :‬إّنه سمع «أسماء ساداته ولم‬
‫ن‬
‫ب واحد‪ ،‬ل ّ‬ ‫ة بالّلغة العربّية في كتا ٍ‬‫يرها مجتمع ً‬
‫ن هذا‬
‫ما بأ ّ‬
‫أكثرهم من بلد الفرس والهند»‪ .‬عل ً‬
‫الرجل من أكبر شيوخ النقشبندّية في أّيامه اّلتي‬
‫عاشها ما بين ‪1900-1847‬م‪ .‬من الميلد‪ .‬وهذا مع‬
‫ة في بلد الشام‪.‬‬ ‫ة نقشبندّية شهير ٍ‬ ‫أّنه من أسر ٍ‬
‫ز‬
‫ل بار ٍ‬‫ب من رج ٍ‬ ‫ف الرهي ُ‬ ‫ن هذا العترا ُ‬ ‫أل يبره ُ‬
‫ن هذه السماء‬ ‫بين أساطين هذه النحلة‪ ،‬على «أ ّ‬
‫ة عليه ‪ -‬وعلى النقشبندّيين‬ ‫مازالت غريب ً‬
‫بأسرهم فضل عن جمهور المسلمين‪-‬؛ وغيَر‬
‫د»؟! إ ً‬
‫ذا‬ ‫ب واح ٍ‬‫ة بالّلغة العربّية في كتا ٍ‬ ‫مجتمع ٍ‬
‫ة من الصوفّية المجهولين‬ ‫صب َ ِ‬‫ع ْ‬
‫فكيف بهذه ال ُ‬
‫الخاملين أن يكونوا قد لبسوا الخرقة‪ ،‬وأخذوا‬
‫فا عن سلف؛ وما عسى دليل‬ ‫العهد خل ً‬
‫النقشبندّيين بعد هذا العتراف الصريح أن يكون‬
‫ة‪،‬‬
‫ت الدخيل َ‬ ‫ء قد نقلوا تلك المعتقدا ِ‬ ‫هؤل ِ‬
‫قة من لدن رسول الله‬ ‫َ‬
‫ب المختل َ‬ ‫ئ والدا َ‬ ‫والمباد َ‬
‫عب َْر هذه السلسلة المزعومة؟! ثم كيف‬ ‫‪َ ‬‬
‫بهؤلء الدراويش المساكين أن يكونوا بمنـزلة‬
‫دثين‬ ‫أولئك العلماء من سائر الطبقات؛ من المح ّ‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.2 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪311‬‬
‫‪231‬‬

‫سرين واللغويين والطباء‬ ‫والفقهاء والمف ّ‬


‫والرياضيين والدباء والحكماء اّلذين شاع‬
‫صيتهم‪ ،‬وبلغت الفاقَ شهرُتهم‪ ،‬بما كتبوا‬
‫وصنفوا وأّلفوا ودرسوا وارشدوا حّتى امتلت‬
‫ة‪ ،‬وانتشرت‬ ‫مكتبات العالم بآثارهم القّيم ِ‬
‫معارفهم في أرجاء المعمورة‪ ،‬كما تبرهن على‬
‫ة‬
‫ت هائل ٍ‬
‫ورا ٍ‬‫هذه الحقيقة ما نشهده اليوم من تط ّ‬
‫في حضارة العصر الحاضر اّلتي هي من امتداد‬
‫ة من‬‫س لمع ٍ‬‫علومهم وتأثير جهودهم؛ وعكو ٍ‬
‫ة ذكائهم ودهائـهم‪ .‬فأين أولئك اّلذين‬ ‫ع ِ‬‫أش ّ‬
‫ي «للوقوف على تراجم أحوالهم‬ ‫وف الخان ّ‬ ‫يتش ّ‬
‫دسة»! أين بهم من هؤلء الفحول‪ ،‬ومن‬ ‫المق ّ‬
‫مة؟ وما عساها قد‬ ‫الئمة المجتهدين أعاظم ال ّ‬
‫عملت تلك الشرذمة العاطلة من صوفية الفرس‬
‫مة السلم ومستقبلها ياترى؟!‬ ‫والهند لجل أ ّ‬
‫ن شاء الله على قائمة أسماء‬ ‫سوف ن ّ‬
‫طلع إ ْ‬
‫ظمهم النقشبندّية‪،‬‬ ‫هؤلء الشيوخ اّلذين ُتع ّ‬
‫م من اّلذين اصطفاهم الله على العالمين‬ ‫ه ْ‬‫عدّ ُ‬‫وت َ ُ‬
‫ل بأرواح البعض‬ ‫م أن يّتص َ‬
‫ه ْ‬‫ض ُ‬
‫ع ُ‬‫ع بَ ْ‬‫حّتى «استطا َ‬
‫م‬
‫ى منه العلو َ‬ ‫لهوت‪ ،‬ويتلق ّ‬ ‫الخر في عالم ال ّ‬
‫ه‬
‫س ُ‬
‫ب نف َ‬ ‫والوامَر» )على حدّ قولهم(؛ فينص َ‬
‫طلع على‬ ‫خا على النقشبندّية‪ .‬سوف ن ّ‬ ‫شي ً‬
‫أسمائهم وصفاتهم وشخصّياتهم وصراعهم مع‬
‫منافسيهم‪ ،‬ونصيبهم من العلم والهداية؛ كما‬
‫ل منهم في هذه‬ ‫طلع على تصّرفات ك ّ‬ ‫سوف ن ّ‬
‫ن شاء الله‬ ‫الطريقة‪ ،‬وذلك في البواب التية إ ْ‬
‫تعالى‪.‬‬

‫ي‪« ،‬ينبغي‬ ‫ي الربل ّ‬


‫مد أمين الكرد ّ‬
‫يقول مح ّ‬
‫خهم ورجا َ‬
‫ل‬ ‫ة شي ِ‬
‫للمريدين أن يعرفوا نسب َ‬
‫ي ‪ .‬لّنهم‬ ‫ة كّلها من مرشدهم إلى النب ّ‬ ‫السلسل ِ‬
‫إذا أرادوا أن يطلبوا المدد من روحانيتهم‪ ،‬وكان‬
‫حا حصل لهم المدد من‬ ‫انتسابهم إليهم صحي ً‬
‫‪232‬‬

‫ه إلى الحضرة‬‫روحانيتهم‪ .‬فمن لم تّتصل سلسلت ُ ُ‬


‫النبوية‪ ،‬فإّنه مقطوع الفيض‪ ،‬ولم يكن وارًثا‬
‫‪312‬‬
‫لرسول الله ‪».‬‬

‫ي‬‫جا آخر للمنطق الصوف ّ‬ ‫كان هذا هو نموذ ً‬


‫ي تعليق‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ي الغريب الذي ل يحتاج إلى أ ّ‬
‫النقشبند ّ‬
‫واّلذي تبدو من خلله نظرتهم إلى شخصية‬
‫الرسول ‪ ،‬وقسطاسهم في تحديد الوراثة له‪.‬‬

‫ما أسماء رجال هذه السلسلة المزعومة‪ ،‬فقد‬ ‫أ ّ‬


‫ي على سبيل‬‫مد الخان ّ‬
‫ذكرها عبد المجيد بن مح ّ‬
‫الجمال فقال‪:‬‬

‫«وهي السلسلة المّتصلة من أبي الرواح الكبر‪،‬‬


‫الرؤوف الرحيم البّر‪ ،‬سّيدنا رسول الله ‪ ،‬إلى‬
‫حضرة الصديق العظم؛ إلى سّيدنا سلمان‬
‫ي؛ إلى سّيدنا القاسم حفيد أبي بكر‬ ‫الفارس ّ‬
‫ديق؛ إلى سّيدنا جعفر الصادق؛ إلى سّيدنا‬ ‫الص ّ‬
‫ي؛ إلى سّيدنا أبي الحسن‬ ‫أبي يزيد البسطام ّ‬
‫ي؛ إلى‬ ‫ي؛ إلى سّيدنا أبي علي الفارمد ّ‬ ‫الخرقان ّ‬
‫ي؛ إلى سّيدنا عبد الخالق‬ ‫سّيدنا يوسف الهمدان ّ‬
‫ري؛ إلى‬ ‫َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ي؛ إلى سّيدنا عارف الّريَوگ ِ‬ ‫وان ِ ّ‬ ‫جدُ َ‬ ‫غ ْ‬
‫ي‬‫ي؛ إلى سّيدنا عل ّ‬ ‫و ّ‬‫غن َ ِ‬‫ف ْ‬‫جيْر َ‬ ‫سّيدنا محمود الن ْ ِ‬
‫ل؛ إلى سّيدنا‬ ‫ميْر ك ُل َ ْ‬ ‫ي؛ إلى سّيدنا ال ْ ِ‬ ‫مت َن ِ ّ‬‫الّرا ِ‬
‫‪313‬‬
‫مد بهاء‬
‫إلى سّيدنا مح ّ‬ ‫ي؛‬
‫ماس ّ‬ ‫س ّ‬ ‫مد َباَبا َ‬ ‫مح ّ‬
‫الدين ـ الشاه النقشبند؛ إلى سّيدنا علء الدين‬
‫ي؛ إلى سّيدنا‬ ‫خ ّ‬‫العطار؛ إلى سّيدنا يعقوب الﭽر ِ‬
‫مد الزاهد؛ إلى‬ ‫عبيد الله الحرار؛ إلى سّيدنا مح ّ‬
‫ي‬ ‫مد؛ إلى سّيدنا الخواجك ّ‬ ‫سّيدنا الدرويش مح ّ‬
‫مد الباقي بالله؛‬ ‫مك َن َ ِ‬ ‫َ‬
‫گيّ؛ إلى سّيدنا مح ّ‬ ‫مد ال ْ‬ ‫مح ّ‬
‫ي؛ إلى‬‫ي السرهند ّ‬ ‫إلى سّيدنا أحمد الفاروق ّ‬
‫مد المعصوم؛ إلى سّيدنا سيف الدين؛‬ ‫سّيدنا مح ّ‬
‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة علم الغيوب ص‪ .500 /‬طبعة مصر‪1384 -‬هـ‪.‬‬
‫مد أمين الكرد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪312‬‬

‫ي‪ ،‬يجب ذكره قبل المير كلل‪ .‬ويغلب أن‬


‫ن محمدا البابا السماس ّ‬
‫ن هذا الترتيب فيه خطأ بسيط‪ .‬وهو أ ّ‬
‫إ ّ‬ ‫‪313‬‬
‫هذا الخطأ جاء في الطباعة وليس من المؤّلف‪.‬‬
‫‪233‬‬

‫ي؛ إلى سّيدنا حبيب‬ ‫مد ال ْب َدَ َ‬


‫وان ّ‬ ‫إلى سّيدنا نور مح ّ‬
‫ي؛ إلى‬ ‫الله مظهر؛ إلى سّيدنا عبد الله الدهلو ّ‬
‫مد‬‫ي؛ إلى سّيدنا الجد مح ّ‬ ‫سّيدنا خالد العثمان ّ‬
‫‪314‬‬
‫ي»‪.‬‬‫مد الخان ّ‬
‫ي؛ إلى سّيدنا الوالد مح ّ‬ ‫الخان ّ‬
‫ن طريقَتهم هكذا‬ ‫م النقشبندّيين بأ ّ‬ ‫ع ُ‬
‫ما َز ْ‬
‫أ ّ‬
‫ت إليهم من لدن رسول الله ‪ ‬إلى آخر‬ ‫تسلسل ْ‬
‫د‬
‫ل عصر‪ ،‬فإّنه كلم باطل ل ُيعت ّ‬ ‫شيوخهم في ك ّ‬
‫ق النظر فيه‪ .‬فقد وردت على‬ ‫به‪ ،‬ول يستح ّ‬
‫ت شبه اعتراف‬ ‫لسان بعض شيوخهم بالذات كلما ٌ‬
‫ي‪،‬‬
‫فَرو ّ‬ ‫بهذه المزعمة‪ .‬أل وهو الشيخ قسيم الك ُ ْ‬
‫ة من‬ ‫ع كبير ٍ‬ ‫قا بين جمو ٍ‬ ‫اّلذي احت ّ‬
‫ل مكاًنا مرمو ً‬
‫ة‪ ،‬وقضى حياته‬ ‫النقشبندّيين‪ ،‬ونال شهرةً واسع ً‬
‫ي من‬ ‫حظ ِ َ‬ ‫ة بجانب ما َ‬ ‫ث علمي ّ ٍ‬ ‫ت وبحو ٍ‬‫في دراسا ٍ‬
‫المكانة بين رجالت السياسة والثقافة طوال‬
‫خمسين عاما ً في تركيا‪.‬‬

‫ي في رسالته اّلتي حصل بها على‬ ‫فَرو ّ‬‫يقول الك ُ ْ‬


‫شهادة الدكتوراه عام ‪1949‬م‪ .‬بجامعة إسطنبول‪،‬‬
‫ة بين‬‫سلسل ِ‬‫د لل ّ‬ ‫م الساني ِ‬ ‫ن أقد َ‬ ‫يقول‪ « ،‬إ ّ‬
‫ذلك يعني‬ ‫‪315‬‬
‫خل ْ ِ‬
‫دي‪».‬‬ ‫الصوفّية‪ ،‬هو إسنادُ جعفر ال ْ ُ‬
‫ن سلسلتهم منقطعة السانيد قبله‪ .‬هذا‪ ،‬إذا‬ ‫أ ّ‬
‫ة‬
‫ي هو السلسل َ‬ ‫د ّ‬ ‫ْ‬
‫خل ِ‬ ‫ْ‬
‫كان الغرض من إسناد ال ُ‬
‫ض النظر عن سلسل بقّية‬ ‫صة بغ ّ‬‫النقشبندّية خا ّ‬
‫هذه السلسلة واردة في عدد من كتب الفرقة الخالدّية من النقشبندّيين‪ .‬نقلناها مما عثرنا عليها من تلك‬ ‫‪314‬‬
‫الكتب؛ وهذه أسماؤها‪ ،‬مع أرقام الصحف اّلتي وردت فيها «السلسلة»‪:‬‬

‫ي‪ ،‬ديوان شعره؛ البيات‪707-703 :‬؛ ‪.1205 -1153‬‬


‫* خالد البغداد ّ‬
‫ي‪ ،‬الحديقة الندّية ص‪.9-7 /‬‬
‫مد بن سليمان البغداد ّ‬
‫* مح ّ‬
‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.6 /‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫* عبد المجيد بن مح ّ‬
‫ي‪ ،‬السعادة البدية فيما جاء به النقشبندّية ص‪.6-3 /‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫* عبد المجيد بن مح ّ‬
‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة علم الغيوب ص‪.502 -.500 /‬‬
‫مد أمين الكرد ّ‬
‫* مح ّ‬
‫ة إلى كتاب البهجة السنّية لمحمد بن عبد الله‬
‫م ٌ‬
‫ي‪ ،‬إرغام المريد )بتمامه(‪ .‬هذه الرساله‪ ،‬منض ّ‬
‫* زاهد الكوثر ّ‬
‫ل مكتبة الحقيقة‪ .‬إسطنبول‪1992-‬م‪.‬‬
‫قب َ ِ‬ ‫ي في مجّلد واحد؛ ت ّ‬
‫م استنساخهما وطبعهما بين دفتين من ِ‬ ‫الخان ّ‬

‫مد بن إسحاق النديم‪،‬‬ ‫ص مقاله بالّلغة التركّية على حسب ما نقله من مح ّ‬


‫مد بن إسحاق بن مح ّ‬ ‫هذا ن ّ‬ ‫‪315‬‬
‫الفهرست ص‪.183 /‬‬
‫‪Sufiler arasında görülen en eski isnad (silsile) Cafer el-Huldî (Öl.348)’nin isnadıdır.‬‬

‫‪Kasım Kufralı, Nakşibendiliğin Kuruluşu ve Yayılışı. Postscript. İstanbul-1949 Türkiyat Enstitüsü No. 337.‬‬
‫‪234‬‬

‫ما‪ .‬فيّتفق‬
‫ة‪ .‬وقد يكون الغرض عا ّ‬
‫الطرق الصوفي ّ ِ‬
‫ة‪.‬‬
‫ذا جميعهم على هذه المزعم ِ‬ ‫إ ً‬

‫وعلى الرغم من هذا العتراف‪ ،‬فإّنه ل يستقيم‬


‫ن الطريقة النقشبندّية‬ ‫ي‪ .‬إذ أ ّ‬
‫مع الواقع التاريخ ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫د ّ‬ ‫ْ‬
‫خل ِ‬ ‫ْ‬
‫ت بعدُ في أّيام جعفر ال ُ‬ ‫ون ْ‬
‫لم تكن قد تك ّ‬
‫ي‬
‫فَرو ّ‬ ‫ح من قسيم الك ُ ْ‬‫ر صري ٍ‬‫ضا بإقرا ٍ‬‫وذلك أي ً‬
‫ه إذ يقول‪:‬‬ ‫س ِ‬
‫نف ِ‬
‫خ التأسيس للطريقة النقشبندّية قد‬ ‫ن تاري َ‬‫«بما أ ّ‬
‫ة‪ ،‬أنها‬‫ه بالعتماد على المصادر الموجود ِ‬ ‫م إثبات ُ ُ‬
‫ت ّ‬
‫‪316‬‬
‫ن‬
‫فقد ثبت أ ّ‬ ‫ونت في عهد الغزنوّيين؛‬ ‫قد تك ّ‬
‫ي منذ حكم‬ ‫عها الحقيق ّ‬‫ت طاب ِ َ‬‫الطريقة إّنما اكتسب ْ‬
‫ت‬ ‫ّ‬
‫ورات التي مّر ْ‬ ‫ت التط ّ‬ ‫هذه السللة‪ .‬ولذا أصبح ْ‬
‫بها الطريقة منذ البداية حّتى عهد يوسف‬
‫‪317‬‬
‫ي للدراسة‪».‬‬ ‫ع الساس ّ‬ ‫ي هي الموضو ُ‬ ‫الهمدان ّ‬
‫هكذا انقشع الظلم عن أسرارهم بإقرارهم‬
‫ة من أعلم‬
‫واعترافهم على لسان شخصي ٍ‬
‫وك َ َ‬
‫فى‬ ‫رجالتهم المشهورين في العصر الحاضر‪َ ،‬‬
‫ل‪.‬‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫قَتا َ‬ ‫مِني َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫الل ُ‬
‫***‬
‫* الروحانّيون‪.‬‬
‫الروحانّيون في هذه الطريقة المعروفون‬
‫بـ«رجال السلسلة»؛ شخصّياتهم‪ ،‬ومستوياُتهم‬
‫سسها محمود بن سبوك تكين )‪1030 -970‬م‪ .(.‬كان جريًئا ناج ً‬
‫حا في سياسته‪ .‬بايع الخليفة‬ ‫الدولة الغزنوية أ ّ‬ ‫‪316‬‬
‫سع‬
‫ي القادر بالله‪ ،‬فأقّره على ملكه‪ .‬انتصر على ملوك الهند )‪986‬م‪(.‬؛ ثم على ملك الدولة السامانية؛ فو ّ‬
‫العّباس ّ‬
‫ور الحركات‬
‫م بحماية السّنية التقليدّية في مواجهة نشاطات الشيعة؛ فأتاحت الفرصة بذلك لتط ّ‬
‫نطاق بلده‪ .‬اهت ّ‬
‫سّنية التقليدّية‪ .‬وطغت الّلغة الفارسّية في عهده على الّلغة التركّية حّتى‬ ‫الصوفّية اّلتي هي الجانب الروح ّ‬
‫ي لل ّ‬
‫ل‪ .‬راجع ترجمته في المصادر التي‬
‫ي الص ِ‬
‫ي كان ترك ّ‬
‫دا الغزنو ّ‬
‫ن محمو ً‬
‫تدهورت هذه الثانية‪ ،‬على الرغم من أ ّ‬
‫ذكرها‪:‬‬

‫* موسوعة ميدان لروس التركّية )مادة محمود غزنلى( ‪.8/242‬‬

‫* محمود شاكر‪ ،‬التاريخ السلمي ‪.6/190‬؛ ترجمة فريد الدين آيدن ‪.5/154‬‬

‫‪.(Kasım Kufralı, Nakşibendiliğin Kuruluşu ve Yayılışı. (İntroduction‬‬ ‫‪317‬‬


‫‪Türkiyat Enstitüsü No. 337. İstanbul-19449‬‬
‫‪235‬‬

‫قداُتهم‪ ،‬واتجاهاُتهم‪،‬‬‫العلمّية والجتماعّية‪ ،‬ومعت َ‬


‫ة أحواِلهم بالتفصيل‪.‬‬‫وترجم ُ‬

‫ن من أصول الطريقة النقشبندّية‪ ،‬أخذُ العهد‬ ‫إ ّ‬


‫على المريد؛ أى إدخاُله في سلك هذه المنظمة‬
‫م شيخ الطريقة في‬ ‫الصوفّية‪ .‬وهو من أكبر مها ّ‬
‫م منذ أن شرعوا‬ ‫ه ْ‬
‫وت َ ُ‬‫ع َ‬‫ة ينشرون فيها دَ ْ‬ ‫ل بقع ٍ‬ ‫ك ّ‬
‫دعي‬ ‫هذا المبدأ لمذهبهم‪ .‬وعلى هذا الساس ي ّ‬
‫خ َ‬
‫ذ‬ ‫دى لمشيخة هذه الطريقة إّنه أ َ‬ ‫ن تص ّ‬ ‫م ْ‬
‫ل َ‬ ‫ك ّ‬
‫ة كما يقول‬ ‫م ِ‬
‫ة للقيام بهذه المه ّ‬ ‫ص َ‬
‫خ َ‬
‫الجازةَ والّر ْ‬
‫ي‪:‬‬ ‫ي الربل ّ‬ ‫مد أمين الكرد ّ‬ ‫مح ّ‬
‫جه ثم‬ ‫ت بأخذ العهد والجازة بالتو ّ‬ ‫«قد تشّرف ُ‬
‫ما في‬ ‫بالرشاد وتلقين الذكر بعد السلوك أعوا ً‬
‫الطريقة النقشبندّية عن القطب الرشد والغوث‬
‫المجد شيخنا وأستاذنا الشيخ عمر‪ ...‬إلخ»؛‬
‫دد أسماء رجال السلسلة اّلذين ذكرناهم‬ ‫ويع ّ‬
‫د بالتصعيد على غرار‬ ‫دا بعد واح ٍ‬‫ددهم واح ً‬ ‫أنفًا؛ يع ّ‬
‫دثين‪ ،‬حّتى ينتهي إلى‬ ‫سلسلة الرواة عند المح ّ‬
‫ديق رضي الله عنه‪ ،‬فيقول‪،‬‬ ‫اسم أبي بكر الص ّ‬
‫ي ‪» .‬‬
‫‪318‬‬
‫«وهو عن النب ّ‬
‫يظهر اعتقادهم من خلل هذه الصيغة بصورة‬
‫ن الرسول ‪ ،‬هو اّلذي بنى أسا َ‬
‫س‬ ‫واضحة‪ ،‬أ ّ‬
‫ما‬ ‫خ سّرها في روع أبي بكر }إ ِذْ ُ‬
‫ه َ‬ ‫طريقتهم‪ ،‬ون َ َ‬
‫ف َ‬
‫ه‬
‫ن الل َ‬‫ن إِ ّ‬ ‫ه ل َ تَ ْ‬
‫حَز ْ‬ ‫حب ِ ِ‬
‫صا ِ‬
‫ل لِ َ‬ ‫و ُ‬‫ر‪ ،‬إ ِذْ َيق ُ‬
‫غا ِ‬‫ي ال ْ َ‬
‫ف ِ‬
‫كد ما جاء في الحدائق الوردّية‬ ‫كما يؤ ّ‬ ‫‪319‬‬
‫عَنا{‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫ي‪ ،‬أّنهم على هذا‬ ‫مد الخان ّ‬ ‫لعبد المجيد بن مح ّ‬
‫ي‪:‬‬‫ك‪ .‬إذ يقول الخان ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫المعتقد من غير َ‬

‫ول من إمام المم‬ ‫سّر‪ ،‬وتح ّ‬ ‫ه َ‬


‫ذا ال ّ‬ ‫سَرى َ‬ ‫«ث ُ ّ‬
‫م َ‬
‫ن عليه في‬
‫م ْ‬
‫ل‪ ،‬و َ‬
‫و ِ‬
‫ه ال ّ‬‫رسول الله ‪ ‬إلى خليفت ِ‬
‫مد بن سليمان‬
‫ي الربلي‪ ،‬تنوير القلوب في معاملة علم الغيوب ص‪502-501/‬؛ كذا مح ّ‬
‫مد أمين الكرد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪318‬‬
‫ي‪ ،‬الحديقة الندّية في الطريقة النقشبندّية ص‪.9-7 /‬‬
‫البغداد ّ‬

‫سورة التوبة‪.40/‬‬ ‫‪319‬‬


‫‪236‬‬

‫ول‪ ،‬سّيد سادات الطريقة‬‫الدين والدنيا المع ّ‬


‫‪320‬‬
‫المام أبي بكر الصديق رضي الله عنه»‪.‬‬

‫ي ‪ ،‬ما دام هو‬ ‫ن النب ّ‬ ‫د وأن نتساءل هنا‪ :‬أ ّ‬ ‫لب ّ‬


‫ع‬
‫ض َ‬
‫و َ‬‫ة النقشبندّية‪ ،‬و َ‬ ‫س الطريق ِ‬ ‫سا َ‬ ‫اّلذي قد ب ََنى أ َ‬
‫ة الولى لتكوينها ‪ -‬على حدّ زعمهم‬ ‫الل ّب ِن َ َ‬
‫واعتقادهم ‪ -‬فهل ثبت عنه ‪ ‬أّنه قد نطق حّتى‬
‫وف ولو مرةً واحدةً في حياته‬ ‫بكلمة التص ّ‬
‫ث‬‫ض النظر عن أن يكون قد تحدّ َ‬ ‫ة‪ ،‬بغ ّ‬ ‫الشريف ِ‬
‫صة‬‫ة والنقشبندّية خا ّ‬ ‫ة عام ً‬ ‫ه الصوفي ّ ُ‬ ‫ما ابتدعت ْ ُ‬ ‫ع ّ‬
‫ر‬
‫ب وأذكا ٍ‬ ‫ت ومباد َ‬
‫ئ وآدا ٍ‬ ‫ز ومصطلحا ٍ‬ ‫من رمو ٍ‬
‫ن ركام ٍ من الكتب!‬ ‫م‪ ،‬حشوا بها بطو َ‬ ‫ومفاهي َ‬
‫وهل شهد شاهدٌ من أهل العلم والثقة واليمان‬
‫ن رسول الله ‪ ‬قد تكّلم‬ ‫والخلق والخلص‪ ،‬أ ّ‬
‫عن الطريقة النقشبندّية أو عن أدنى شيء من‬
‫أصولها وآدابها؛ كـ«الّرابطة»‪ ،‬و«الختم‬
‫س‬ ‫ج َ‬
‫ة»‪ ،‬وعدّ الوراد بالحصى‪ ،‬والجلو ِ‬ ‫گان ِي ّ ِ‬ ‫وا َ‬‫خ َ‬ ‫ال ُ‬
‫س التوّرك في الصلة‪ ،‬والستمداِد من‬ ‫بعك ِ‬
‫ك بقبورهم؛ وهل ورد‬ ‫روحانية الموتى‪ ،‬والتبّر ِ‬
‫شيءٌ من مصطلحاتهم الفارسّية ولو في حديث‬
‫واحد من تلك الحاديث الموضوعة المكذوبة على‬
‫لسان الرسول ‪ ،‬فضل ً عن الصحاح؟!‬

‫دعون – بدون‬ ‫جة النقشبندّيين فيما ي ّ‬ ‫ذا فما ح ّ‬ ‫إ ً‬


‫ن سّر طريقتهم قد انتقل من رسول‬ ‫مل ‪ :-‬أ ّ‬
‫تأ ّ‬
‫الله ‪ ‬إلى خليفته أبي بكر الصديق؟ ولماذا‬
‫يجعلون أبا بكر هو الحلقة الولى من سلسلتهم‪،‬‬
‫ي ‪‬؟ أم يحذرون من‬ ‫فيحتاطون أن يبدأوا بالنب ّ‬
‫مت!‬‫ل متـز ّ‬
‫ي خام ٍ‬ ‫أن ينـزلوا به منـزلة صوف ّ‬
‫ة‬
‫ف بما ينافي جلل َ‬ ‫حاشا رسولِ الله ‪ ‬أن يو َ‬
‫ص َ‬
‫ه؛ بل «كان خلقه القرآن‪ 321».‬وقد خاطبه‬‫قدر ِ‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.88 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪320‬‬

‫عن عائشة رضي الله عنها‪ ،‬رواه مسلم‪ .‬رقم الحديث‪.1233 /‬‬ ‫‪321‬‬
‫‪237‬‬

‫‪322‬‬
‫م‪{.‬‬ ‫ى ُ ُ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫وإ ِن ّ َ‬
‫عظي ِ ٍ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫عل َ‬ ‫الله تعالى بقوله } َ‬
‫وكتاب الله بين أيدينا؛ وهو العروة الوثقى‪،‬‬
‫والحبل المتين‪ ،‬والبرهان المؤّيد‪ ،‬والشاهد‬
‫سد اّلذي يخبرنا من خلل إعجازه وتصويره‬ ‫المج ّ‬
‫ي على مدى‬ ‫وإيجازه وتفصيله وعكوسه النوران ّ‬
‫مته‬ ‫كرامة الرسول ‪ ،‬وشرفه العظيم ومه ّ‬
‫العالية‪ ،‬ورسالته الخالدة‪ ،‬وقلبه الطاهر وسلوكه‬
‫ي الرفيع‪ ،‬وشخصيته الفذة اّلتي ملت‬ ‫الرّبان ّ‬
‫ر ل تسعها‬ ‫ر وأطوا ٍ‬ ‫ر وأنوا ٍ‬ ‫ر وآثا ٍ‬ ‫العالمين بأخبا ٍ‬
‫ة؛ ول تدنو من ساحل بحره المحيط‬ ‫كتب الصوفي ّ ِ‬
‫و‬‫ه َ‬
‫ك ُ‬‫ن َرب ّ َ‬ ‫م‪ ،‬إ ِ ّ‬ ‫ن ال ْ ِ ْ‬ ‫مب ْل َ ُ‬ ‫عقولهم‪} .‬ذَل ِ َ‬
‫عل َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬
‫غ ُ‬ ‫ك َ‬
‫ن‬‫م ِ‬‫م بِ َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫وأ ْ‬ ‫ه َ‬‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫سبي ِل ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ع ْ‬‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫أَ ْ‬
‫عل َ ُ‬
‫‪323‬‬
‫ى‪{.‬‬ ‫هَتد َ‬ ‫ا ْ‬
‫م تسليماته ‪-‬‬ ‫فهو ‪ -‬عليه أفضل صلوات الله وأت ّ‬
‫و‬ ‫ه َ‬‫ن ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬‫ل البراءة من أ ْ‬ ‫ئك ّ‬ ‫في الحقيقة بر ٌ‬
‫ذي نفخ سّر الطريقة النقشبندّية في روع أبي‬ ‫ال ّ ِ‬
‫دق هذه‬ ‫ديق رضي الله عنه‪ .‬ول يكاد يص ّ‬ ‫بكر الص ّ‬
‫ة‬
‫طلع على شيء من سيرته الطيب ِ‬ ‫المقولة أحد ا ّ‬
‫صة‬ ‫م الرسالة؛ خا ّ‬ ‫ن النبوة ومفهو َ‬ ‫وعرف مضمو َ‬
‫دا ‪ ‬هو أفضل النوع البشر ّ‬
‫ي‬ ‫م ً‬ ‫ن سّيدنا مح ّ‬ ‫فا ّ‬
‫وأعظمه وأكرمه؛ اصطفاه الله لحمل آخر‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ة ِ‬‫ع ٍ‬
‫شري ِ َ‬ ‫ى َ‬ ‫عل َ‬ ‫ك َ‬ ‫عل َْنا َ‬‫ج َ‬‫م َ‬‫رسالته فقال له‪} :‬ث ُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن لَ‬ ‫واءَ اّلذي َ‬ ‫ه َ‬‫عأ ْ‬ ‫ول َ ت َت ّب ِ ْ‬ ‫عها‪َ ،‬‬ ‫فات ّب ِ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫م ِ‬‫ال ْ‬
‫ل من أن يفهمه‬ ‫ك ‪ -‬أج ّ‬ ‫ن‪ 324{.‬فهو ‪ -‬ل ش ّ‬ ‫و َ‬ ‫عَلم ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫الطائشون المفتتنون بعقائد الهنود‪ ،‬المتربصون‬
‫معترك بذريعة النتساب إليه‪.‬‬ ‫ل ُ‬ ‫في ك ّ‬
‫***‬

‫سورة القلم‪.4/‬‬ ‫‪322‬‬

‫سورة النجم‪.30/‬‬ ‫‪323‬‬

‫سورة الجاثية‪.18/‬‬ ‫‪324‬‬


‫‪238‬‬

‫سلسلة أسماء اّلذين يزعم‬


‫ن طريقتهم انحدرت‬ ‫النقشبندّيون أ ّ‬
‫بوساطتهم‪.‬‬
‫* الحلقة الولى من هذه السلسلة‪:‬‬
‫ديق رضي‬ ‫يتشبّث النقشبندّيون بأبي بكر الص ّ‬
‫الله عنه‪ ،‬على أّنه هو الحلقة الولى من سلسلة‬
‫ب السلسلة تختلف‬ ‫ن أ َل ْ َ‬
‫قا َ‬ ‫رجالهم؛ ويزعمون « أ ّ‬
‫مى‬ ‫ن طريقَتهم كانت تس ّ‬ ‫باختلف القرون»‪ 325‬وأ ّ‬
‫ة‬
‫ة» في مرحلتها الولى‪ ،‬بداي ً‬ ‫قي ّ َ‬
‫دي ِ‬
‫ص ّ‬
‫ة ال ّ‬
‫ق َ‬ ‫«الطّ ِ‬
‫ري َ‬
‫من عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى‬
‫ي‪ .‬وهو الحلقة الخامسة‬ ‫عهد أبي يزيد البسطام ّ‬
‫من هذه السلسلة عندهم‪.‬‬

‫ض؛ ل‬
‫ع مح ٌ‬ ‫شك في أّنها وض ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ما هذه التسمية‪ ،‬ل‬ ‫أ ّ‬
‫ديق‪.‬‬ ‫برهان لهم في إسنادها إلى أبي بكر الص ّ‬
‫ن‬ ‫ة‪ .‬ل ّ‬ ‫ة أو ديني ٌ‬ ‫ة علمي ٌ‬ ‫ول في نسبتها إليه قيم ٌ‬
‫ة‬
‫ر في حياة الصحاب ِ‬ ‫ي أث ٍ‬ ‫وف لم يكن له أ ّ‬ ‫التص ّ‬
‫رضوان الله عليهم أجمعين‪ .‬وإّنما كانوا في‬
‫سلوكهم وتعّبدهم‪ ،‬وسعيهم ومعاشهم في جميع‬
‫مجالت الحياة يقتدون برسول الله ‪‬؛‬
‫ويسيرون على هديه ل محالة‪ .‬وكانوا كما‬
‫وصفهم الله في آخر سورة الفتح بقوله تعالى‬
‫م‬ ‫ى ال ْك ُ ّ‬ ‫}واّلذين مع َ‬
‫ه ْ‬‫ماءُ ب َي ْن َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ر ُر َ‬ ‫فا ِ‬ ‫عل َ‬ ‫داءُ َ‬ ‫ش ّ‬ ‫هأ ِ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ً‬
‫ضل ِ‬ ‫نف ْ‬ ‫َ‬ ‫و َ‬ ‫دا‪ ،‬ي َب َْتغ ُ‬ ‫ج ً‬‫س ّ‬ ‫عا ُ‬ ‫ّ‬
‫م ُرك ً‬ ‫ه ْ‬‫ت ََرا ُ‬
‫َ‬
‫ر‬‫ن أث َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫ه ِ‬ ‫و ِ‬ ‫وج ُ‬ ‫ي ُ‬ ‫مف ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫وانًا‪ ،‬سي ِ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ر ْ‬ ‫ِ‬ ‫و‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬
‫فالذي َ‬ ‫ضا } َ‬ ‫ويقول سبحانه فيهم أي ً‬ ‫‪326‬‬
‫وِد‪{.‬‬ ‫السج ُ‬
‫وَر اّلذي‬ ‫وا الن ُ‬ ‫وات َّبع ُ‬ ‫وهُ َ‬ ‫صر ُ‬ ‫ون َ َ‬‫وهُ َ‬ ‫عّزر ُ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬‫وا ب ِ ِ‬ ‫من ُ‬ ‫آ َ‬
‫راجع المصادر التية‪:‬‬ ‫‪325‬‬
‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية‪ ،‬ص‪ .12 /‬طبعة مصر ‪1319 -‬هـ‪.‬‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫* مح ّ‬
‫ي‪ ،‬الحديقة الندّية في الطريقة النقشبندّية ص‪ .21 /‬مكتبة الحقيقة‪ ،‬إسطنبول‪.1992 -‬‬
‫مد بن سليمان البغداد ّ‬
‫* مح ّ‬
‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.8 /‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫* عبد المجيد بن مح ّ‬

‫سورة الفتح‪.29/‬‬ ‫‪326‬‬


‫‪239‬‬

‫ُ‬
‫ن‪ 327{.‬ويقول‬ ‫و َ‬ ‫فِلح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ول َئ ِ َ‬ ‫هأ ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫م َ‬‫ل َ‬ ‫ز َ‬ ‫أن ْ ِ‬
‫ن‬
‫ما َ‬ ‫والي ِ َ‬‫وا الداَر َ‬ ‫وؤ ُ‬ ‫ن ت َب َ ّ‬ ‫واّلذي َ‬ ‫ضا } َ‬ ‫تعالى فيهم أي ً‬
‫ي‬
‫نف ِ‬ ‫و َ‬‫جد ُ‬ ‫ول َ ي َ ِ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬
‫جَر إ ِلي ْ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ُ‬
‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫حب ّ ُ‬‫م يُ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ى‬
‫عل َ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬‫ؤِثر ُ‬ ‫وي ُ ْ‬ ‫وا‪َ ،‬‬ ‫ما أوت ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ة ِ‬ ‫ج ً‬‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫و ِ‬ ‫صد ُ‬ ‫ُ‬
‫كانت حياتهم‬ ‫‪328‬‬
‫ة‪{.‬‬ ‫ص ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫و كا َ‬ ‫ول ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ِ‬ ‫أن ْف ِ‬
‫ددةً بضوابط الوحي وإرشادات‬ ‫الروحّية مح ّ‬
‫د‬
‫دهم أن يزي َ‬ ‫ن أح ِ‬ ‫الرسول ‪‬؛ فلم يكن من شأ ِ‬
‫ي منه شيًئا أصل‪ .‬فقد‬ ‫غ َ‬ ‫في دين الله شيًئا‪ ،‬أو ُيل ِ‬
‫ت من تلك القصيدة‬ ‫م في بي ٍ‬ ‫ل التزامهم التا ّ‬ ‫مث ّ َ‬ ‫ُ‬
‫ع‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل المدينة يوم طل َ‬ ‫غّنى بها أه ُ‬ ‫ّ‬
‫المشهورة التي ت َ َ‬
‫ال ْب َدُْر عليهم من ثنّيات الوداع‪ .‬وهذا قولهم‪:‬‬

‫مين‪،‬‬ ‫مَنا اْلـي َ ِ‬ ‫قسـ ْ‬ ‫م أَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫عا ي َ ْ‬ ‫مي ً‬ ‫ج ِ‬ ‫هـدَْنا َ‬ ‫عا َ‬ ‫وت َ َ‬ ‫َ‬
‫خذَْنا الصدْقَ ِدين‪.‬‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ما‬
‫َ ْ َ َ ْ ً َ ّ َ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لَ ْ َ ُ َ‬
‫ن‬ ‫خو‬ ‫ن‬ ‫ن‬

‫ومن الحجج الدامغة على النقشبندّيين‪ ،‬عجُزهم‬


‫ديق قد‬‫ن أبا بكر الص ّ‬
‫ل على أ ّ‬
‫عن إقامة أدنى دلي ٍ‬
‫وف» ولو مرةً واحدةً على‬ ‫نطق بكلمة «التص ّ‬
‫مدى حياته؛ فضل ً عما إذا كان له علم‬
‫بالنقشبندّية وعقائدها وتعاليمها وطقوسها‪.‬‬

‫ديق رضي الله عنه‪ ،‬فإنها‬ ‫ما حياة أبي بكر الص ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ة عن الشرح لكثرة ما في بطون الكتب من‬ ‫غني ّ ٌ‬
‫سيرته الطّيبة الحسنة‪ ،‬وشهرته الواسعة بزهده‬
‫ة وشجاعته وافتدائه في‬ ‫وتقواه وبطولته الخالد ِ‬
‫سبيل الله‪ ،‬وعقله الراجح في السياسة‬
‫ولين في‬ ‫والتعامل‪ .‬وهو من السابقين ال ّ‬
‫ة في‬ ‫ق وأمان ٍ‬‫ل الله ‪ ‬بصد ٍ‬ ‫ب رسو َ‬‫ح َ‬
‫ص ِ‬
‫السلم‪َ .‬‬
‫جميع المواقف‪ ،‬وآزره ونصره وذاقَ ألواًنا من‬
‫العذاب على ذلك‪ ،‬وشهد معه المشاهد كّلها‪،‬‬
‫مه‬
‫ل مقا َ‬ ‫وثبت في صفوف القتال بجانبه‪ ،‬واحت ّ‬
‫في القيادة والرياسة للمة بعد وفاته‪ .‬هذا هو‬

‫سورة العراف‪.157 /‬‬ ‫‪327‬‬

‫سورة الحشر‪.9/‬‬ ‫‪328‬‬


‫‪240‬‬

‫ي الجليل رضي الله‬


‫ديق الصحاب ّ‬
‫أبو بكر الص ّ‬
‫تعالى عنه‪.‬‬

‫وره النسان على هيئة‬ ‫ئ من أن يتص ّ‬ ‫فإّنه بر ٌ‬


‫ْ‬
‫ع على نفسه‪.‬‬ ‫ئ ومقب ّ ٍ‬ ‫مطَأطِ ٍ‬ ‫ت ُ‬ ‫د صام ٍ‬ ‫ي جام ٍ‬ ‫ف ّ‬ ‫صو ِ‬
‫ي‬‫بل إّنه بصفته رئيس الدولة السلمّية بعد النب ّ‬
‫ط مستمّر‪ .‬حمل َت ْ ُ‬
‫ه‬ ‫ة ونشا ٍ‬ ‫ة دائب ٍ‬ ‫‪ ،‬كان في حرك ٍ‬
‫ض‬
‫ة أن يخو َ‬ ‫ه العظيم ُ‬ ‫ة ومسؤولي ّت ُ ُ‬ ‫ه العالي ُ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫مه ّ‬
‫ة الستقبال‬ ‫ُ‬
‫هب َ ِ‬
‫مثار الحداث‪ ،‬وأن يكون على أ ْ‬
‫ل البعد عما‬ ‫ر قد يحدث‪ .‬لذا فهو بعيد ك ّ‬ ‫و ٍ‬ ‫ي تط ّ‬ ‫ل ّ‬
‫وره النقشبندّيون من الشخصية الصوفّية‬ ‫يتص ّ‬
‫فيه‪ .‬في الحقيقة ليس بينه وبين تلك الشخصية‬
‫ة‬
‫ة وجه من المشابهة؛ ول وجود لصل ٍ‬ ‫ق ِ‬ ‫المختل َ َ‬
‫م‬ ‫دى زع ُ‬ ‫تربط بينه وبين النقشبندّيين؛ ول يتع ّ‬
‫ة في نسبتهم إليه عن زعم‬ ‫خ هذه الطائف ِ‬ ‫شيو ِ‬
‫ي‬
‫الرافضة في نسبتهم إلى أمير المؤمنين عل ّ‬
‫م‬
‫ه ْ‬‫مث َل ُ ُ‬‫و َ‬
‫بن أبي طالب كّرم الله تعالى وجهه‪َ .‬‬
‫هابّيين في‬ ‫ل الو ّ‬ ‫في هذا النتماء المزعوم ك َ َ‬
‫مث َ ِ‬
‫انتمائهم إلى المام الجليل أحمد بن حنبل رضي‬
‫ي عليه‬ ‫ة ابن تيمية الحران ّ‬ ‫لم ِ‬ ‫الله عنه وإلى الع ّ‬
‫ة أبعد الناس‬ ‫الرحمة والرضوان‪ ،‬وهم في الحقيق ِ‬
‫عنهما‪‬‬
‫***‬
‫* الحلقة الثانية من سلسلتهم‪.‬‬
‫ي رضي الله‬ ‫ن الفارس ّ‬‫عدّ النقشبندّيون سلما َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ة من سلسلة ساداتهم‪.‬‬ ‫ة الثاني َ‬
‫عنه هو الحلق َ‬
‫ة‬
‫ل فرق ٍ‬ ‫وهذه من مّيزات الفرق الباطنية‪ .‬فك ّ‬
‫ة من‬ ‫ة بارز ٍ‬
‫ة إلى شخصي ٍ‬ ‫دعي النسب َ‬ ‫ما ت ّ‬
‫منها إ ّ‬
‫ي الطاهرين‪،‬‬ ‫الصحابة‪ ،‬أو إلى آل بيت النب ّ‬
‫ة حقيقتها ومكائدها‪.‬‬ ‫ة الزائف ِ‬ ‫لتخفي بهذه النسب ِ‬
‫ي في الحدائق‬
‫مد الخان ّ‬
‫يقول عبد المجيد بن مح ّ‬
‫قى سّر هذه النسبة الشريفة منه‬ ‫م تل ّ‬
‫الوردّية «ث ّ‬
‫‪241‬‬

‫ديق ( سّيدنا سلمان‬


‫)أي من أبي بكر الص ّ‬
‫ي رضي الله عنه‪».‬‬‫الفارس ّ‬
‫صة حياته العجيبة وما‬ ‫ي في ق ّ‬ ‫استرسل الخان ّ‬
‫كان عليه قبل السلم وكيف اعتنق المسيحية‬
‫بعد أن كان مجوسّيا في شبابه‪ .‬وذكر ما ذكر من‬
‫أيّام إقامته عند عدٍد من القساوسة في الشام‬
‫مه‬ ‫ص إسل َ‬ ‫مورية؛ ثم ق ّ‬ ‫والموصل ونصيبين والع ّ‬
‫وبقّية حياته في السلم بالتفصيل؛ نقل من‬
‫رواية أبي الفرج «بسنده إلى ابن عباس رضي‬
‫الله عنهما‪ 329».‬حّتى إذا أقترب من نهاية كلمه‬
‫ت‬‫في رضي الله عنه‪ ،‬وذلك سنة س ّ‬ ‫قال «ثم تو ّ‬
‫ع وثلثين في داء البطن في‬ ‫وثلثين‪ ،‬أو أرب ٍ‬
‫المدائن في خلفة عثمان رضي الله عنه؛ وعمره‬
‫ول‪،‬‬‫ما ال ّ‬
‫ة‪ .‬أ ّ‬
‫مائتان أو ثلثمائة وخمسون سن ً‬
‫‪330‬‬
‫ولم يذكر لنا‬ ‫ول‪».‬‬‫فعليه عند المؤّرخين المع ّ‬
‫ن هذا‬
‫ك في أ ّ‬ ‫أسماء هؤلء المؤّرخين‪ .‬ول ش ّ‬
‫القول ل يستقيم‪ ،‬إذ فيه مبالغة يستغربها أهل‬
‫ي لم‬ ‫ن الخان ّ‬‫العلم والخبرة‪ ،‬كما نستغرب نحن ‪ :‬أ ّ‬
‫قي هذا السر اّلذي سرى إلى‬ ‫يذكر شيًئا حول تل ّ‬
‫ديق‪ ،‬وكيف‬ ‫ي من أبي بكر الص ّ‬ ‫سلمان الفارس ّ‬
‫أصبح نقشبندّيا أو صوفّيا؛ بعد أن كان صحابّيا‬
‫ل حياته الطويلة من‬ ‫ل‪ ،‬وربما لم يسمع في ك ّ‬ ‫جلي ً‬
‫وف‪ ،‬فضل ً عن النقشبندّية‬ ‫ق بكلمة التص ّ‬ ‫د ن َطَ َ‬
‫أح ٍ‬
‫ومصطلحاتها الفارسّية على الرغم من أّنه كان‬
‫ي الصل! وهل كان يتعّبد على أساس‬ ‫فارس ّ‬
‫گان ِّية‪ ،‬وعدّ الوراد‬ ‫ج َ‬‫وا َ‬‫خ َ‬
‫الّرابطة‪ ،‬والختم ال ُ‬
‫بالحصى؛ وهل كان يعلم شيًئا حول عقيدة الفناء‬
‫والبقاء والويسية وما إلى ذلك من تعاليم‬
‫النقشبندّية وفلسفتها وطقوسها‪...‬‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.94 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪329‬‬

‫المصدر السابق‪.96/‬‬ ‫‪330‬‬


‫‪242‬‬

‫ي‬
‫ن نسبة سلمان الفارس ّ‬‫ضا‪ ،‬أ ّ‬
‫يتبّين من هذا أي ً‬
‫إلى هذه السلسلة باطلة؛ ل برهان لهم في‬
‫إثباتها بصورة قطعية‪.‬‬
‫***‬

‫* الحلقة الثالثة من سلسلتهم‪.‬‬


‫ن القاسم‬ ‫ورد في عدٍد من كتابات النقشبندّيين أ ّ‬
‫ديق‪ ،‬هو الحلقة الثالثة‬ ‫مد بن أبي بكر الص ّ‬ ‫بن مح ّ‬
‫قى سّر‬ ‫من سلسلة ساداتهم‪ .‬ويعتقدون «أّنه تل ّ‬
‫ي‪ .‬وهذا يعني‬ ‫هذه النسبة» من سلمان الفارس ّ‬
‫عدّ من‬ ‫ن القاسم رضي الله عنه ي ُ َ‬ ‫ر آخر‪ :‬أ ّ‬ ‫بتعبي ٍ‬
‫ها‬
‫الصوفّية‪ .‬بينما تشهد الوثائق أّنه كان فقي ً‬
‫جليل ً من أولئك السبعة المشهورين بالعلم‬
‫كن النقشبندّيون من‬ ‫والفضل‪331.‬ولم يتم ّ‬
‫ن يكون القاسم قد‬ ‫ي دليل على أ ْ‬ ‫الستناد إلى أ ّ‬
‫ة‪ ،‬كما لم‬ ‫ة سّري ٍ‬ ‫ة باطني ّ ٍ‬‫ظم ٍ‬‫انخرط في صفوف من ّ‬
‫تكن الطريقة النقشبندّية قد خرجت في عهده‬
‫د‪ .‬ول نجد في كتبهم أّنه أقّر‬ ‫ز الوجود بع ُ‬ ‫حي ّ ِ‬ ‫إلى َ‬
‫شيًئا من تعاليمهم ومصطلحاتهم وطقوسهم بما‬
‫فيها «السلسلة»‪ .‬وهذا أمر في منتهى الغرابة‪.‬‬
‫مد النقشبندّيون الغضاء عن نسبة شيء‬ ‫لذا تع ّ‬
‫من تعاليمهم إليه‪ .‬بل اقتصروا على مدحه أّنه‬
‫جة‬‫ي الفقيه الورع الزاهد الح ّ‬ ‫«العالم المفت ّ‬
‫النبيه‪...‬إلخ‪ 332».‬وهذا ل يختلف فيه معهم أحد‬
‫سّنة‬ ‫من أرباب البحث والخبرة بين أهل ال ّ‬
‫والجماعة‪.‬‬

‫ديق؛ وخارجة بن‬


‫مد بن أبي بكر الص ّ‬
‫الفقهاء السبعة المشهورون بين سادات التابعين هم‪ :‬القاسم بن مح ّ‬ ‫‪331‬‬
‫زيد بن ثابت النصاري؛ وسعيد بن المسّيب؛ وعروة بن الزبير؛ وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود‬

‫)وعتبة هو أخو عبد الله بن مسعود الصحابي(؛ وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام ) والحرث بن‬

‫ضا(؛ وسليمان بن يسار‪.‬‬


‫هشام‪ ،‬أخو أبي جهل‪ .‬هو صحابي أي ً‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.96 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪332‬‬
‫‪243‬‬

‫مد في وفيات‬ ‫وردت ترجمة القاسم بن مح ّ‬


‫العيان لبن خّلكان‪ 333‬كما وردت في مصادر‬
‫د‬ ‫ُ‬ ‫و من ك ّ‬
‫ل ما أسن َ‬ ‫أخرى‪ ،‬وهي خالية تمام الخل ّ‬
‫وف من‬ ‫قى سّر الطريقة أو التص ّ‬ ‫إليه من أّنه تل ّ‬
‫ي وما يتبع هذا السناد من‬ ‫سلمان الفارس ّ‬
‫احتمالت أخرى؛ كالتعّبد على أساس الّرابطة‪،‬‬
‫ج َ‬
‫گان ِّية‪ ،‬والتمرينات اليوغية وما‬ ‫وا َ‬
‫خ َ‬
‫والختم ال ُ‬
‫إليها‪.‬‬

‫* الحلقة الرابعة من سلسلتهم‪.‬‬


‫ن‬
‫م جعفَر الصادقَ ب َ‬ ‫ن الما َ‬ ‫يعتقد النقشبندّيون‪ :‬أ ّ‬
‫مد الباقر هو الحلقة الرابعة من سلسلتهم؛‬ ‫مح ّ‬
‫ي‬
‫مد الخان ّ‬ ‫كما أشار إلى ذلك عبد المجيد بن مح ّ‬
‫ة ‪ -‬أي‬ ‫ة الشريف ِ‬ ‫سّر هذه النسب ِ‬ ‫سَرى ِ‬ ‫م َ‬ ‫بقوله «ث ُ ّ‬
‫مد ‪ -‬إلى شبله سّيدنا جعفر‬ ‫من القاسم بن مح ّ‬
‫ف‬‫الصادق‪ 334».‬ويبالغون في تعظيمه بأوصا ٍ‬
‫م‬‫ل اس ٌ‬ ‫شب ْ ُ‬‫ة واليمان‪ .‬وال ّ‬ ‫يستبشعها أهل المروء ِ‬
‫ي بمثل هذا‬ ‫ع الخان ِ ّ‬ ‫د‪ .‬ت َن َطّ َ‬ ‫ق على ولد الس ِ‬ ‫ي ُطْل َ ُ‬
‫ها إلى اْلقرابة الرحمي ّ ِ‬
‫ة‬ ‫ي تنوي ً‬ ‫الستعمال المجاز ّ‬
‫مد بن‬ ‫مد الباقر وقاسم بن مح ّ‬ ‫َبين جعفر بن مح ّ‬
‫م‬‫ه هي‪ :‬أ ُ‬ ‫م ُ‬
‫ن جعفر‪ ،‬أ َ‬ ‫ق‪ .‬ذلك ل ّ‬ ‫دي ِ‬‫ص ّّ‬‫أبي بكر ال ّ‬
‫مد بن أبي بكر‬ ‫ت القاسم بن مح ّ‬ ‫فروة بن ُ‬
‫ه ‪ -‬هي‬ ‫ُ‬
‫ل أم ِ‬ ‫قب َ ِ‬
‫ه من ِ‬ ‫ها ‪-‬أي جدت ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وأ ّ‬‫الصديق‪َ .‬‬
‫ت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق‬ ‫أسماءُ بن ُ‬
‫رضي الله عنهم أجمعين ‪ ،‬فإذا كان هذا أصل ُ ُ‬
‫ه‬
‫ل‬‫ق جدهُ من الجهتين فل يتصوُر في مث ِ‬ ‫دي ُ‬‫ص ّ‬
‫وال ّ‬
‫ه من‬ ‫ه وقرب ِ‬ ‫ن هو في دين ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مد ‪-‬وهو َ‬ ‫جعفر بن مح ّ‬

‫مد بن أبي بكر بن خّلكان‪ ،‬وفيات العيان وأنباء أبناء الزمان؛ ‪.4/59‬‬
‫أبو العباس شمس الدين أحمد بن مح ّ‬ ‫‪333‬‬
‫تحقيق الدكتور إحسان عّباس‪ ،‬بيروت‪1978-‬م‪ .‬كذلك وردت ترجمته في المصادر التالية‪ :‬طبقات ابن سعد‪.5/187 ،‬‬

‫‪8‬‬ ‫بيروت‪1963-‬م‪.‬؛ أبو نعيم الصفهاني‪ ،‬حّلية الولياء‪ .183/‬بيروت‪1967 -‬م‪.‬؛ أبن حجر العسقلني‪ ،‬تهذيب التهذيب‪،‬‬

‫‪ ./333‬حيدرآباد‪1325 -‬هـ‪.‬؛ ابن العماد‪ ،‬شذرات الذهب‪ .1/135 ،‬بيروت‪1979 -‬م‪.‬؛ خير الدين زركلى‪ ،‬العلم‪.5/181 ،‬‬

‫بيروت‪1995-‬م‪.‬‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.37 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪334‬‬
‫‪244‬‬

‫ة‪ -‬أن يكون رجل ً صو ِ‬


‫فّيا‬ ‫ة النبوّية الشريف ِ‬
‫ح ِ‬
‫دو َ‬‫ال ّ‬
‫د‬
‫س الهن ِ‬
‫ب مجو ِ‬ ‫نقشبندّيا يتعب ّدُ على أسلو ِ‬
‫َ‬
‫جگان ِّية‪ ،‬وعدّ الوراد‬‫وا َ‬
‫خ َ‬‫ة والختم ال ُ‬
‫بطريق الرابط ِ‬
‫بالحصى وأمثالها من أشكال مناسك الباطنّية‬
‫ن‪.‬‬
‫شاشي َ‬ ‫الح ّ‬

‫ه‬
‫ة وكلمات ِ ِ‬ ‫ه المزخر َ‬
‫ف َ‬ ‫قت َ َ‬‫ي طري َ‬ ‫يواصل الخان ّ‬
‫مد بقوله‬ ‫ة في وصف جعفر بن مح ّ‬ ‫ع َ‬‫ج َ‬
‫س ّ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م َ‬
‫ديقية‪،‬‬ ‫ة والص ّ‬ ‫و ِ‬
‫م النب ُ ّ‬
‫قا َ‬‫م َ‬‫ث َ‬ ‫وَر َ‬
‫«ناهيك بإمام ٍ َ‬
‫ت في طلعته أنوار العلوم والمعارف‬ ‫فازدهر ْ‬
‫‪335‬‬
‫الحقيقية‪».‬‬

‫ة أهل السلم يذكرون هذه‬ ‫م َ‬


‫ن عا ّ‬ ‫كأ ّ‬ ‫لش ّ‬
‫الشخصّية الكريمة بالثناء عليه والرحمة له من‬
‫ن‬
‫الله‪ ،‬وينظرون إليه بعين التوقير والجلل‪ .‬ولك ّ‬
‫ل العلم والبحث لم يعثروا على أدنى شيء‬ ‫أه َ‬
‫ق‬ ‫ة من الفَر ِ‬‫يبرهن على إنتمائه إلى فرق ٍ‬
‫وف‬ ‫ت أحدٌ أّنه تكّلم في التص ّ‬ ‫ة‪ .‬ول أثب َ‬ ‫الصوفي ّ ِ‬
‫ه‬‫ومصطلحاته؛ أو تعب ّدَ على نحو ما يتعّبد ب ِ ِ‬
‫كترديد لفظة الجلل خمسة آلف‬ ‫ن‪َ ،‬‬ ‫النقشبندّيو َ‬
‫ظ‬
‫ف ٍ‬‫مّرة يومّيا‪ ،‬أو إجراءها على القلب بدون تل ّ‬
‫ة‪...‬إلخ‪.‬‬ ‫بها‪ ،‬أو التركيز على جسم ٍ أو صور ٍ‬
‫أن المام جعفر الصادق رضي الله‬ ‫ّ‬ ‫في الحقيقة‬
‫ما‬‫عنه‪ ،‬لم يرد في ترجمته أّنه كان يعلم شيًئا ع ّ‬
‫ر وما‬ ‫يمارس النقشبندّيون من هذه المو ِ‬
‫ة؛ كالويسّية‪،‬‬ ‫اختلقوها من مفاهيم دجلي ّ ٍ‬
‫ة‬
‫والفناء‪ ،‬والبقاء‪ ،‬والستمداد من روحاني ّ ِ‬
‫ص‬
‫ع وخرافات وقص ٍ‬ ‫الشيوخ‪ ،‬وما إلى ذلك من ب ِدَ ٍ‬
‫م‬
‫ج َ‬‫بهلوانّية باسم الكرامات على كثرة ما قد ت ُُر ّ‬
‫لَ ُ‬
‫‪336‬‬
‫ه‪.‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ص‪.37 /‬‬ ‫‪335‬‬

‫المصادر اّلتي وردت فيها ترجمة المام جعفر الصادق‪ :‬أبو نعيم الصفهاني‪ ،‬حلية الولياء ‪ .3/192‬بيروت‪-‬‬ ‫‪336‬‬
‫مد بن سعد‪ ،‬طبقات ‪ .5/187‬بيروت‪-‬‬
‫‪1967‬م‪.‬؛ شمس الدين سامي‪ ،‬قاموس العلم ‪ .3/820‬إسطنبول‪1306 -‬هـ‪.‬؛ مح ّ‬
‫‪1960‬م‪.‬؛ الحافظ الذهبي‪ ،‬تذكرة الح ّ‬
‫فاظ ‪ .1/166‬حيدرآباد‪1956-‬م‪.‬؛ مؤمن الشبلنجي‪ ،‬نور البصار ص‪.60 /‬‬
‫‪245‬‬

‫***‬
‫* الحلقة الخامسة من سلسلتهم‪.‬‬
‫ن أبا يزيد طيفور بن عيسى‬ ‫يزعم النقشبندّيون أ ّ‬
‫ي هو الرجل‬ ‫بن آدم بن سروشان البسطام ّ‬
‫الخامس من سلسلتهم‪ .‬وبسطام‪« ،‬يقال انها‬
‫‪337‬‬
‫ول بلد خراسان من جهة العراق وقومس‪».‬‬ ‫أ ّ‬
‫‪338‬‬
‫ن‬
‫ويغلب أ ّ‬ ‫ده مجوسّيا ثم أسلم»‬ ‫«كان ج ّ‬
‫ّ‬
‫الخلط والتذبذب الذي يظهر في مقاطع من‬
‫ن‬
‫كلمه يبرهن على تأثير أسلفه المجوس‪ .‬ل ّ‬
‫تأثير المعتقدات والعادات والتقاليد قد يستمّر‬
‫ت من‬‫عبر حياة السرة ويتسّرب إلى طبقا ٍ‬
‫ة‬
‫ت جديد ً‬ ‫أجيالها؛ ولو اعتنق الحفادُ معتقدا ٍ‬
‫تختلف عما كان عليه آباؤهم الوّلون‪.‬‬

‫وقد يكون أستاذه أبو علي السندي‪ 339‬هو اّلذي‬


‫ض الباحثين يرمونه بالزندقة‪.‬‬ ‫أوقعه فيما جعل بع ُ‬
‫ومن هؤلء الباحثين‪ ،‬عبد القادر بن حبيب الله‬
‫ي‪ .‬فقد نقل عن طبقات الولياء لبن‬ ‫السند ّ‬
‫ي؛ ينتقده‬‫قن مقاطع من مقولت البسطام ّ‬ ‫مل ّ‬
‫تارةً بالمخالفة الصريحة لسّنة رسول الله ‪‬؛‬
‫ة؛‪ 340‬وتار ً‬
‫ة‬ ‫سكه بالرهبن ِ‬‫وتارة يشّنع عليه تم ّ‬
‫يحمل قوله على الكفر واللحاد والزندقة؛‬
‫واستقى من «البداية إلى النهاية» للمام ابن‬
‫القاهرة‪1948-‬م‪.‬؛ ابن خّلكان‪ ،‬وفيات العيان ‪ .1/327‬بيروت‪1978-‬م‪.‬؛ ابن عماد شذرات الذهب ‪ .1/220‬بيروت‪-‬‬

‫‪1979‬م‪.‬؛ عمر رضاء كحالة‪ ،‬معجم المؤلفين ‪ .3/145‬بيروت‪1957-‬م‪.‬؛ خير الدين زركلي‪ ،‬العلم ‪ .2/126‬بيروت‪-‬‬

‫‪.1995‬‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.105 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪337‬‬

‫مد بن أبي بكر بن خّلكان‪ ،‬وفيات العيان وأنباء أبناء الزمان؛ ‪.2/531‬‬
‫أبو العباس شمس الدين أحمد بن مح ّ‬ ‫‪338‬‬
‫تحقيق الدكتور إحسان عّباس‪ ،‬بيروت‪1978-‬م‪.‬‬

‫أبو علي السندي رجل ل ذكر له في الوساط العلمّية‪ .‬ورد اسمه في المراجع التالية ضمن كلمات عابرة‪:‬‬ ‫‪339‬‬
‫ي ص‪.101 /‬؛ موسوعة ميدان ل روس‬
‫مد الخان ّ‬
‫الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية‪-‬عبد المجيد بن مح ّ‬
‫‪2/219‬‬ ‫ي‪.‬؛‬
‫التركّية‪ ،‬مادة‪ :‬بايزيد البسطام ّ‬
‫‪Ferit Aydın, Tarikatta Rabıta ve Nakşibendilik Edition II. Pg. 148 Süleymaniye Fondation İst,-2000 Yaşar Nuri Öztürk, Tasavvuf‬‬

‫‪ve Ruhi Hayat. Pg.44 İstanbul-1989‬‬

‫وف في ميزان البحث والتحقيق ص‪.224/‬‬


‫عبد القادر بن حبيب الله السندي‪ ،‬التص ّ‬ ‫‪340‬‬
‫‪246‬‬

‫كثير‪ ،‬ومن «الميزان» للمام الذهبي‪ .‬حيث ينقل‬


‫ي‬‫حك ِ َ‬
‫بعضهم عن بعضهم في هذه المصادر أّنه « ُ‬
‫ولها‬ ‫ت ناقصات‪ .‬وقد تأ ّ‬ ‫ي شطحا ٌ‬ ‫عن البسطام ّ‬
‫كثير من الفقهاء والصوفّية‪ ،‬وحملوها على‬
‫ة‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬إّنه قال ذلك في‬ ‫محامل بعيد ٍ‬
‫دعه‬ ‫نب ّ‬ ‫م ْ‬‫حال الصطلم والغيبة‪ .‬ومن العلماء َ‬
‫ل على‬ ‫طأه‪ ،‬وجعل ذلك من أكبر البدع‪ ،‬إّنه تد ّ‬ ‫وخ ّ‬
‫ن في القلب‪ ،‬ظهر في أوقاته‬ ‫م ٍ‬ ‫د َ‬
‫كا ِ‬ ‫س ٍ‬ ‫اعتقاد َ‬
‫فا ِ‬
‫‪341‬‬
‫والله أعلم‪».‬‬

‫يعتقد النقشبندّيون فيه إّنه سلطان العارفين‪،‬‬


‫وينقلون عنه أّنه قال‪« :‬سبحاني ما أعظم‬
‫‪342‬‬
‫شْاني‪».‬‬

‫ي «كان أبو يزيد‬ ‫مد الخان ّ‬


‫يقول عبد المجيد بن مح ّ‬
‫ي يشير عن نفسه أّنه قطب‬ ‫البسطام ّ‬
‫‪343‬‬
‫ن له مقولة تبرهن على حسن‬ ‫غير أ ّ‬ ‫الوقت‪».‬‬
‫اعتقاده وكمال معرفته ومتانة أسلوبه على‬
‫طريقة أهل العلم في توضيحه لمعنى التكبير‪.‬‬
‫ح ‪« -‬إّنه سمع رجل ً يكّبر‪.‬‬‫فقد قيل عنه ‪ -‬إذا ص ّ‬
‫فقال‪:‬‬

‫«‪ -‬ما معنى الله أكبر؟ قال‪:‬‬

‫ن سواه‪ .‬فقال أبو يزيد‪:‬‬


‫م ْ‬ ‫‪ -‬الله أكبر من ك ّ‬
‫ل َ‬
‫‪ -‬ليس معه شيء فيكون أكبر منه! قال‪:‬‬

‫‪ -‬فما معناه؟ قال‪:‬‬

‫المصدر السابق ص‪.232/‬‬ ‫‪341‬‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.99/‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪342‬‬

‫المصدر السابق‪ ،‬ص‪.98/‬‬ ‫‪343‬‬


‫‪247‬‬

‫‪ -‬معناه‪ :‬الله أكبر من أن يقاس بالناس‪ ،‬أو يدخل‬


‫‪344‬‬
‫س‪».‬‬
‫تحت القياس‪ ،‬أو يدركه الحوا ّ‬
‫سّنة‬
‫ل أقواله الموافقة لحدود الكتاب وال ّ‬ ‫لع ّ‬
‫ت عنه قبل أن يفارق العلماء ويّتصل‬ ‫وَردَ ْ‬ ‫َ‬
‫سن ِدَ إليه من‬ ‫ُ‬ ‫بالصوفّية‪ .‬وعلى الرغم من ك ّ‬
‫ل ما أ ْ‬
‫ع أّنه‬
‫ل قاط ٍ‬ ‫ق والباطل لم يثبت عنه بدلي ٍ‬ ‫الح ّ‬
‫دعى الويسّية‪ ،‬ول أّنه تعّبد على أساليب‬ ‫ا ّ‬
‫النقشبندّية؛ كالعمل بالّرابطة‪ ،‬والختم‬
‫گان ِّية‪ ،‬وتعداد الذكر بالحصى وأمثالها‪ ...‬ولو‬ ‫ج َ‬ ‫وا َ‬ ‫خ َ‬‫ُ‬
‫كان قد عمل ذلك‪ ،‬وثبت عنه‪ ،‬لذكروه في كتبهم‬
‫جة‪ .‬كما لم يثبت عنه شيء‬ ‫بالذات على سبيل الح ّ‬
‫ل على إّنه أقّر سلسلة الطريقة‪ .‬ولكن‬ ‫يد ّ‬
‫ي التربية‪ .‬فإّنه رّبته‬ ‫المؤّلف يقول «وهو أويس ّ‬
‫روحانية سّيدنا جعفر الصادق‪ .‬ووصل إليه هذا‬
‫ن‬
‫دمنا ‪ -‬ل ّ‬ ‫ل منه بالروحانّية ‪ -‬كما ق ّ‬ ‫سّر الجلي ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ن وأربعين‬ ‫سّيدنا جعفر‪ ،‬كانت وفاته سنة ثما ٍ‬
‫ومائة‪ .‬وهي قبل ولدة أبي يزيد بنحو أربعين‬
‫ن رّبته روحانية أحد‬ ‫م ْ‬‫ل َ‬‫نك ّ‬ ‫مإ ّ‬
‫ت‪ .‬ث ّ‬
‫ة كما رأي َ‬ ‫سن ً‬
‫ة لسّيدنا أويس‬ ‫ي؛ نسب ً‬ ‫السادات‪ ،‬يقال له أويس ّ‬
‫سيد التابعين‪ .‬فإّنه على القول بوجوده‬ ‫القرني‪ّ ،‬‬
‫وهو الصحيح المؤّيد بالدلة المعتبرة والكشف‬
‫الصريح؛ رّبته روحانية سّيد العالمين‬
‫ْ‬
‫ي اختلقه بعض‬ ‫ن هذا الرأ َ‬ ‫بالخصوص‪ 345».‬يبدو أ ّ‬
‫النقشبندّيين على حساب الخرين دون علمهم‪،‬‬
‫ل من جعفر الصادق وأبي‬ ‫ل على لسان ك ّ‬ ‫و َ‬ ‫فتق ّ‬
‫ي في دعوى هذه النسبة بينهما‪.‬‬ ‫يزيد البسطام ّ‬

‫المصدر السابق ص‪.100/‬‬ ‫‪344‬‬

‫ي في المصادر التي ذكرها‪ :‬أبو عبد الرحمن‬


‫المصدر السابق ص‪ .105 /‬وردت ترجمة أبي يزيد البسطام ّ‬ ‫‪345‬‬
‫السّلمي‪ ،‬طبقات الصوفّية ص‪ .67 /‬القاهرة‪1969-‬م‪.‬؛ أبو نعيم الصفهاني‪ ،‬حلية الولياء‪ .10/33 .‬بيروت‪1967 -‬م‪.‬؛‬

‫ي‪ ،‬الرسالة القشيرّية ص‪ .14/‬القاهرة‪1959 -‬م‪.‬؛ أبو الفرج إبن الجوزي‪ ،‬صفات الصفوة ‪.4/89‬‬
‫أبو القاسم القشير ّ‬
‫مد بن أبي بكر بن خّلكان‪ ،‬وفيات العيان وأنباء أبناء‬
‫حيدرآباد‪1355-‬هـ‪.‬؛ أبو العباس شمس الدين أحمد بن مح ّ‬
‫مد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي‪،‬‬
‫الزمان؛ ‪ .2/531‬تحقيق الدكتور إحسان عّباس‪ ،‬بيروت‪1978 -‬م‪.‬؛ مح ّ‬
‫ميزان العتدال في نقد الرجال‪ .481/‬القاهرة‪1963 -‬م‪.‬؛ عبد الله بن أسعد اليافعي‪ ،‬مرآت الجنان وعبرة اليقظان‬

‫‪ .2/173‬حيدرآباد‪1339-‬هـ‪.‬‬
‫‪248‬‬

‫ي اّلذي‬
‫ع على المستوى الخلق ّ‬ ‫ن قاط ٌ‬
‫وهذا برها ٌ‬
‫يتمّيز به أفراد هذه الطائفه‪ ،‬حّتى المتعّلمون‬
‫منهم‪.‬‬

‫ت‬‫م ْ‬ ‫ن طريقتهم تس ّ‬ ‫يزعم النقشبندّيون‪ :‬أ ّ‬


‫ة من عهد أبي يزيد‬ ‫بـ«الطيفورية» بداي ً‬
‫ي؛‬
‫وان ِ ّ‬‫جدُ َ‬ ‫ي إلى زمن عبد الخالق ال ْ ُ‬
‫غ ْ‬ ‫البسطام ّ‬
‫ة‬
‫ن هذه التسمي َ‬ ‫ة إلى اسمه )طيفور(‪ .‬بيد أ ّ‬ ‫نسب ً‬
‫ّ‬
‫ن كل ّ من هذين اللقبين‪:‬‬ ‫ة‪ .‬إذْ أ ّ‬ ‫وث ّ َ‬
‫ق ٍ‬ ‫م َ‬ ‫غير ُ‬
‫ن تراجم‬ ‫ديقّية» و«الطيفورية»‪ ،‬لم يرد ضم َ‬ ‫«الص ّ‬
‫ما‬
‫الشخصيتين المقصودتين بهما على الطلق‪ .‬أ ّ‬
‫التقدير‪ ،‬بأّنهما كانا على أدنى شيء من العلم‬
‫بنسبة الطريقة النقشبندّية إليهما أو نطقا‬
‫ن ذلك‬ ‫بهذين الّلقبين‪ ،‬أو حّتى سمعا بهما‪ ،‬فا ّ‬
‫ك أحدٌ من عقلء‬ ‫باطل إطلقًا؛ لن يمل َ‬
‫النقشبندّية الجرأةَ على الدفاع عن هذه الدعوى‬
‫الواهية إل ّ الجاهل منهم !‬

‫لقد ثبت هكذا واّتضح مرةً أخرى وبهذه الصراحة‪،‬‬


‫أّنهم قد أضافوا إلى تعاليم الدين مال ُيحصى من‬
‫ت وعقائدَ اقتبسوها من‬ ‫م ومصطلحا ٍ‬ ‫مفاهي َ‬
‫ة ل صلة لها بالسلم؛ كما قد ألغوا‬ ‫ت مختلف ٍ‬ ‫ديانا ٍ‬
‫ة من أصوله وأبطلوها؛ وخالفوا مبدأ‬ ‫مبادئ هام ً‬
‫التوقيفية في السلم‪ ،‬وتصّرفوا فيه بدون‬
‫ت‬
‫ة‪ ،‬ومصطلحا ٍ‬ ‫حدود‪ .‬كذلك ابتدعوا أسماءَ جديد ً‬
‫ء‬
‫غا من تلقا ِ‬ ‫ما وجدوا لذلك مسا ً‬ ‫ة ك ُل ّ َ‬ ‫غريب ً‬
‫ولوا على بعضهم البعض؛ بل وحّتى‬ ‫أنفسهم‪ .‬وتق ّ‬
‫ي ‪ ،‬ومن يليه من الصحابة والتابعين‬ ‫على النب ّ‬
‫ة‬
‫م الطريق َ‬ ‫ه ْ‬
‫سَناِد ِ‬‫رضوان الله عليهم أجمعين؛ كإ ْ‬
‫م‪:‬‬‫ه ْ‬
‫عائ ِ ِ‬
‫النقشبندّية إلى الصحابة والتابعين؛ وادّ َ‬
‫ل‬
‫ن طريقة السادة النقشبندّية هو معتقدُ أه ِ‬ ‫«إ ّ‬
‫ة‪ .‬وهي طريقة الصحابة رضي‬ ‫ة والجماع ِ‬ ‫سن ّ ِ‬‫ال ّ‬
‫‪249‬‬

‫الله عنهم على أصلها‪ ،‬لم يزيدوا فيها‪ ،‬ولم‬


‫‪346‬‬
‫ينقصوا منها‪».‬‬

‫ة‬
‫وامة خطير ٍ‬
‫ٍ‬ ‫هكذا فقد دخل النقشبندّيون في د ّ‬
‫ل من أمرهم‪.‬‬ ‫ت العقو ُ‬
‫حار ْ‬
‫***‬

‫* الحلقة السادسة من سلسلتهم‪.‬‬


‫ن أبا الحسن على بن أبي‬ ‫تزعم النقشبندّية أ ّ‬
‫ي هو الحلقة السادسة من‬ ‫قان ِ ّ‬‫خَر َ‬ ‫جعفر ال ْ َ‬
‫ي‪،‬‬‫مد الخان ّ‬ ‫سلسلتهم‪ .‬يقول عبد المجيد بن مح ّ‬
‫دنا‬‫ة من سي ِ‬ ‫ة الشريف ِ‬ ‫ى سّر هذه النسب ِ‬ ‫ق َ‬ ‫م تل ّ‬ ‫«ث ّ‬
‫ن‬
‫دنا أبو الحس ِ‬ ‫ضا بالروحانّية‪ ،‬سي ّ ُ‬ ‫أبي يزيد أي ً‬
‫ه‬
‫ي التربية‪َ ،‬رب ّت ْ ُ‬ ‫«وهو أويس ّ‬
‫‪347‬‬
‫ي»‬‫قان ِ ّ‬ ‫خَر َ‬‫ال ْ َ‬
‫‪348‬‬
‫ي»‬‫دنا أبي يزيد البسطام ّ‬ ‫ة سي ّ َ‬ ‫روحاني ُ‬

‫ة لتظهر‬ ‫ص َ‬ ‫ينقلون عنه أّنه قال‪« :‬أطلب الق ّ‬


‫‪349‬‬
‫هذه الكلمة‬ ‫الدموع‪ .‬فإن الله يحب الباكين‪».‬‬
‫ول ْي َْبك ُ‬
‫وا‬ ‫قلي ِل ً َ‬ ‫وا َ‬
‫حك ُ‬‫ض َ‬‫فل ْي َ ْ‬
‫ت ُذَك ُّرنا بقوله تعالى } َ‬
‫ن‪ 350{.‬وذلك إذا كان‬ ‫و َ‬‫سب ُ‬ ‫وا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬
‫كان ُ‬ ‫جَزاءً ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫كثي ًِرا َ‬
‫صة ما ل يتعارض مع الروح‬ ‫غرضه من الق ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫القرآن ّ‬
‫ل شيء يطلب‬ ‫ضا أّنه قال «ك ّ‬
‫وينقلون عنه أي ً‬
‫ه‪ ،‬فالقرآن أحسن منه؛ فل تطلبوا‬ ‫العبدُ به الل َ‬
‫الله إل به»‪ .‬وهذه كلمة حق‪ .‬فيبدو من هذه‬
‫ي كان‬‫قان ِ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫خَر َ‬ ‫ن الشيخ أبا الحس ِ‬‫المقولت‪ ،‬أ ّ‬

‫راجع الهامش رقم‪.301/‬‬ ‫‪346‬‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.105/‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪347‬‬

‫المصدر السابق ص‪.106/‬‬ ‫‪348‬‬

‫المصدر السابق ص‪.105/‬‬ ‫‪349‬‬

‫سورة التوبة‪.82/‬‬ ‫‪350‬‬


‫‪250‬‬

‫ن تصفه النقشبندّية‬ ‫رجل ً من الصالحين بخلف َ‬


‫م ْ‬
‫من الشيوخ الروحانّيين‪ .‬ويحتمل أنهم قد طمعوا‬
‫ه إلى أسماء‬‫م ُ‬‫س َ‬
‫في استغلل شهرته فأضافوا ا ْ‬
‫مشائخهم دون أن تكون له علقة بهذه الطريقة‪.‬‬
‫ن الطريقة النقشبندّية لم يكن لها وجود في‬ ‫إذ أ ّ‬
‫ي كأبي يزيد‬‫ل فارس ّ‬ ‫زمانه‪ .‬ويغلب أّنه من أص ٍ‬
‫ي‪.‬‬
‫البسطام ّ‬
‫ن‬‫ي محمودَ ب ْ َ‬ ‫و ّ‬ ‫غْزن َ ِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫قيل إّنه عاصر السلطا َ‬
‫ه‪ .‬إل ّ أّنه غير‬ ‫ه وتوقيَر ُ‬ ‫كين‪ ،‬ونال محب ّت َ ُ‬ ‫سب ُك ْت َ ِ‬‫ُ‬
‫سَير العلم‬ ‫ة لِ ِ‬ ‫معت َب ََر ِ‬‫مذكور في المصادر ال ْ ُ‬
‫ي في‬ ‫وتراجم الرجال‪ .‬ولم يذكره القشير ّ‬
‫ن العلم وهو معاصره‪ .‬وقد ذكر‬ ‫رسالته ضم َ‬
‫ي في اعتقاد‬ ‫قان ِ ّ‬ ‫خَر َ‬ ‫ي؛ )وهو شيخ ال ْ َ‬ ‫البسطام ّ‬
‫ن أبا القاسم ِ‬ ‫ة فإ ّ‬ ‫ص ٍ‬‫النقشبندّيين(‪ .‬وبخا ّ‬
‫مد‬ ‫ي هو أستاذ أبي علي الفضل مح ّ‬ ‫ر ّ‬
‫شي ْ ِ‬‫ق َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫دعي النقشبندّيون أّنه تتلمذ‬ ‫ي اّلذي ي ّ‬ ‫الفارمد ّ‬
‫ي في الوقت ذاته‪،‬‬ ‫خَرقان ِ ّ‬ ‫على أبي الحسن ال ْ َ‬
‫ه في الطريقة!‬ ‫وصار خليفت َ ُ‬
‫ض‬ ‫ّ‬ ‫ك ّ‬
‫معطَيات التي تبرهن على تعار ٍ‬ ‫ل هذه ال ُ‬
‫ب في أقوال النقشبندّيين ودعواهم في‬ ‫رهي ٍ‬
‫ة‬
‫نسبة طريقتهم إلى أشخاص‪ ،‬لم تكن فكر ُ‬
‫النقشبندّية ول شيءٌ من تعاليمها موجودةً في‬
‫ل في الوقت ذاته على أّنه لو كان‬ ‫عهدهم‪ ،‬تد ّ‬
‫ي‪ ،‬لذكره‬‫ي وجودٌ حقيق ّ‬ ‫خَر َ‬
‫قان ِ ّ‬ ‫لبي الحسن ال َ َ‬
‫ن تراجم العلم‪ ،‬وعلى رأسهم‬ ‫المصّنفون ضم َ‬
‫ي‪.‬‬
‫القشير ّ‬
‫ةل‬
‫ة خيالي ّ ٍ‬
‫قا لشخصي ّ ٍ‬‫خت َل َ ً‬‫م ْ‬
‫ما ُ‬‫لذا قد يكون هذا اس ً‬
‫ضا على مدى زعم‬ ‫كد أي ً‬‫حقيقة لها‪ .‬وهذا يؤ ّ‬
‫ة هذه‬ ‫ح ِ‬
‫النقشبندّيين في دعواهم عن ص ّ‬
‫ة‪.‬‬
‫السلسل ِ‬
‫***‬
‫‪251‬‬

‫* الحلقة السابعة من سلسلتهم‪.‬‬


‫مد‬
‫ي الفضل بن مح ّ‬‫ن أبا عل ّ‬
‫يزعم النقشبندّيون أ ّ‬
‫السابعة من سلسلتهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ي هو الحلقةُ‬ ‫الفارمد ّ‬
‫ى سّر هذه النسبة من أبي الحسن‬ ‫ق َ‬ ‫وأّنه «تل ّ‬
‫‪351‬‬
‫ي‪».‬‬‫الخرقان ّ‬
‫ي‪،‬‬
‫ب القشير ّ‬ ‫ح َ‬‫ص ِ‬‫ورد في بعض المصادر «أّنه َ‬
‫‪352‬‬
‫متْ له‬
‫رجَ َ‬‫َت ْ‬ ‫ي»‬ ‫ة السلم الغزال ّ‬ ‫ج ُ‬‫وأخذ عنه ح ّ‬
‫جماعةٌ من المصّنفين‪ .‬منهم؛ تاج الدين‬
‫مد بن‬‫بن أحمد بنِ مح ّ‬ ‫ِ‬ ‫السبكي‪ 353،‬وعبد الحيّ‬
‫‪355‬‬
‫العماد العكبريّ الحنبليّ‪ 354،‬وياقوت الحموي‪،‬‬
‫مد بن عبد الكريم بن عبد الواحد‬ ‫وعلي بن مح ّ‬
‫‪356‬‬
‫الشيباني الجزري المعروف بابن الثير‪.‬‬

‫ي هو عربي‬ ‫علي الفارمد ّ‬


‫ّ‬ ‫ن أبا‬‫يغلب الظن أ ّ‬
‫ي‪ .‬بيد أّنه‬
‫الصل كأستاذه أبي القاسم القشير ّ‬
‫تشّربَ العقيدةَ الصوفّيةَ بدافع نشأته في‬
‫منطقة خراسان اّلتي كانت ملتقى الجموع‬
‫للعقائد الوثنّية منذ القديم‪ .‬إل ّ أّننا ل نعثر على‬
‫ة وعن‬ ‫ل يبرهن على إقراره بهذه السلسل ِ‬ ‫ي دلي ٍ‬
‫أ ّ‬
‫ها‬
‫ر النقشبندّية‪ .‬قيل إّنه كان وجي ً‬ ‫غَرا ِ‬
‫تعّبده على ِ‬
‫ي حسن بن على المعروف‬ ‫عند الوزير السلجوق ّ‬
‫بـ«نظام الملك»‪ ،‬ولكن ابن خّلكان ل يذكره حيث‬
‫ي عند‬ ‫ة شيخه أبي القاسم القشير ّ‬ ‫يذكر مكان َ‬
‫‪357‬‬
‫نظام الملك‪.‬‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.106/‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪351‬‬

‫المصدر السابق ص‪.71/‬‬ ‫‪352‬‬

‫تاج الدين السبكي‪ ،‬طبقات الشافعية ‪ .5/304‬القاهرة‪.1964 -‬‬ ‫‪353‬‬

‫إبن العماد‪ ،‬شذرات الذهب في اخبار من ذهب ‪ .3/355‬بيروت‪1969 -‬م‪.‬‬ ‫‪354‬‬

‫ياقوت الحموي‪ ،‬معجم البلدان ‪ .3/829‬القاهرة‪1325 -‬هـ‪.‬‬ ‫‪355‬‬

‫إبن الثير‪ ،‬اللباب في تهذيب النساب ‪ .2/191‬القاهرة‪ 1359 -‬هـ‪.‬‬ ‫‪356‬‬

‫مد بن أبي بكر بن خّلكان‪ ،‬وفيات العيان وأنباء أبناء الزمان؛ ‪.2/129‬‬
‫أبو العباس شمس الدين أحمد بن مح ّ‬ ‫‪357‬‬
‫تحقيق الدكتور إحسان عّباس‪ ،‬بيروت‪1978-‬م‪.‬‬
‫‪252‬‬

‫***‬

‫* الحلقة الثامنة من سلسلتهم‪.‬‬


‫ة يمّثلها في اعتقاد النقشبندّيين رج ٌ‬
‫ل‬ ‫هذه الحلق ُ‬
‫ِ‬ ‫بن‬ ‫َ‬ ‫يوسف‬ ‫ِ‬ ‫بن‬ ‫َ‬ ‫وب‬ ‫ه أبو يعقوبَ يوسفُ بنُ أيّ‬ ‫سمُ ُ‬
‫ا ْ‬
‫سّر هذهِ‬ ‫يَ‪ .‬يزعمون أّنه أخذ ِ‬ ‫الحسين الهمدان ّ‬
‫ِ‬
‫مد‬
‫ي الفضلِ بنِ مح ّ‬ ‫الطريقة من أبي عل ّ‬ ‫ِ‬
‫مد‬ ‫يِ‪ .‬فيكون بذلك معاصًرا لمحمّد بن مح ّ‬ ‫الفارمد ّ‬
‫احًبا لنفس الستاذ اّلذي أخذ عنه‬ ‫ص ِ‬
‫م َ‬
‫ي‪ ،‬وَ ُ‬ ‫الغزال ّ‬
‫ر على ما ُيثْبِ ُ‬
‫ت‬ ‫عثُ ُ‬ ‫ي‪ ،‬مع ذلك ل نَ ْ‬ ‫الغزال ّ ُ‬
‫ك فيما‬ ‫ب يبعث الشكو َ‬ ‫ما‪ ..‬وهذا أمٌر غري ٌ‬ ‫عهُ َ‬ ‫اجِتمَا َ‬
‫ْ‬
‫أورده بعضُ النقشبندّيين من ترجمةِ هذا الرجلِ‪.‬‬
‫ن شأنهم‪ :‬أّنهم يحرصون على إشاعةِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذلك‪ِ ،‬‬
‫دا‬
‫ل وسيلةٍ‪ .‬ول يألون جه ً‬ ‫فضائل مشائخهم بك ّ‬ ‫ِ‬
‫عاليات‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫في إسناد ما ليس فيهم من صفاتٍ‬
‫ويبحثون عن أدنى قرينة تجمع بين شيوخهم‬
‫ء‪ .‬ول يقصدون من ذلك إل ّ‬ ‫وبين مشاهير العلما ِ‬
‫ة لرجالهم‪.‬‬ ‫ق الشهر ِ‬ ‫ع نطا ِ‬ ‫ل على توسي ِ‬ ‫العم َ‬

‫يِ لظهر‬‫يُ قد اجتمع بالغزال ّ‬


‫هذا‪ ،‬فلو كان الهمدان ّ‬
‫ي‬‫ن الهمدان ّ‬
‫ذلك بوضوح من خلل التراجم‪ - .‬ل ّ‬
‫يِ على حدّ قول‬‫ضا من تلمذةِ الفارمد ّ‬ ‫أي ً‬
‫ة لمباهاتهم‪.‬‬‫ن ‪ -‬ولكان ذلك وسيل ً‬ ‫النقشبندي ّي َ‬
‫ة بذلك ليزيدوا من‬ ‫لنهم يملكون الفرص َ‬
‫مبالغتهم في المدح والثناء على هذا الرجل‬
‫ي اّلذي مل الفاقَ بشهرته‪‬‬ ‫صل َت ِ ِ‬
‫ه بالغزال ّ‬ ‫بمجّرد ِ‬
‫يَ إجتمع به وهو‬ ‫ن الشيخ عبدَ القادرِ الجيل ّ‬ ‫وقيل أ ّ‬
‫ن هذا الحتمالَ‬ ‫ب يدرس في النظامية‪ .‬إ ّ‬ ‫شا ّ‬
‫ُينبؤَُنا عن ضعف ما قد نسجه النقشبندّيون حول‬
‫ة ل يمكن‬ ‫ص خياليّ ٍ‬‫ت وأقاصي َ‬ ‫ي من حكايا ٍ‬ ‫الهمدان ّ‬
‫ة من خللها‪ .‬كما جاءت‬ ‫أن تظهَر الحقيق ُ‬
‫ي‪ .‬فقد‬‫تلفيقات بين كلمات المترجمين للهمدان ّ‬
‫قه علي مذهب‬ ‫ورد في الحدائق الوردّية «أّنه تف ّ‬
‫‪253‬‬

‫ص أّرخ‬
‫دعي شخ ٌ‬‫ي»‪ 358.‬مع هذا ي ّ‬‫المام الشافع ّ‬
‫لرجال هذه الطريقة «أّنه كان على مذهب المام‬
‫العظم»‪ 359.‬أي على مذهب المام أبي حنيفة‬
‫‪360‬‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬

‫يقول الستاذ فؤاد كوبرولو )باللّغة التركّية وقد‬


‫ي‪ ،‬فإّنه كان‬ ‫ما الهمدان ّ‬ ‫عّربناه كما يلي(‪« :‬أ ّ‬
‫أزهري الّلون‪ ،‬أشقرَ اللّحية‪ ،‬رجل ً‬ ‫ّ‬ ‫ة‪،‬‬
‫طويل القام ِ‬
‫َ‬
‫م‬
‫ع‪ .‬ل يهت ّ‬ ‫ر ّ‬
‫قَ ٍ‬ ‫ف مُ َ‬‫فا‪ ،‬يكتسي ثوًبا من صو ٍ‬ ‫نحي ً‬
‫ل ما‬‫قك ّ‬ ‫ف ُ‬
‫دد على الملوك‪ُ .‬ينْ ِ‬ ‫بأمور الدنيا ولم يتر ّ‬
‫د شيًئا‪ ،‬ولم تكن‬ ‫ل‪ .‬لم يقبل من أح ٍ‬ ‫يصيب من ما ٍ‬
‫له معرفة بالّلغة التركّية‪ (...) .‬يصنع العقاقير‬
‫لتهدئة اللم ومعالجة الجراح‪ ،‬ويكتب التمائم‬
‫ضا‪:‬‬‫مى‪ 361».‬ويقول المؤّلف أي ً‬ ‫شفاء من الح ّ‬ ‫لل ّ‬

‫يَ‪ ،‬اّلذي ينتمي إلى‬


‫يوسف الهمدان ّ‬ ‫َ‬ ‫ن الشيخَ‬
‫«إ ّ‬
‫ة اعتنقتْ السلمَ منذ‬ ‫ة همدانّيةٍ مجوسي ٍ‬ ‫أسر ٍ‬
‫وفة‬‫ثلثة أجيال‪ ،‬لم يكن من أولئك المتص ّ‬
‫العاجم اّلذين عملوا على تأليف العقائد الهنديّة‬
‫وراتهم المطلقة من‬ ‫مع العقائد السلمّية بتص ّ‬
‫قا في العلوم الشرعّية‪،‬‬ ‫مِ ً‬
‫العنان‪ .‬ولكّنه كان مَُتعَ ّ‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.107 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪358‬‬

‫حسن لطفي ششود‪ ،‬مناقب الولياء )بالّلغة التركّية( ص‪ .7 /‬مكتبة صلح بيليجي‪ .‬إسطنبول‪1958-‬م‪.‬‬ ‫‪359‬‬

‫ن أبا حنيفة أفضل الئمة‪ ،‬كما سوف نشرح هذا العتقاد في بداية الفصل‬
‫ن معظم التراك يعتقدون أ ّ‬
‫إ ّ‬ ‫‪360‬‬
‫ما بالغيب‪ ،‬ول برهان لهم في ذلك‪ .‬لّنه لم‬
‫ي الصل رج ً‬
‫دعي الكثير منهم‪ :‬إّنه ترك ّ‬
‫ن شاء الله تعالى‪ .‬وي ّ‬
‫الخامس إ ْ‬
‫ظا بهذه الّلغة‪ .‬بل الشائع إّنه فارسي الصل‪.‬‬
‫يرد عن أبي حنيفة رضي الله عنه إّنه تكّلم بكلمة تركّية‪ ،‬أو كتب لف ً‬

‫ن ضاب ً‬
‫طا عسكرّيا‬ ‫ة منه‪ ،‬عثرنا عليه ‪ ،‬فرأينا بحكم المناسبة أن نذكره‪ .‬وذلك‪ :‬أ ّ‬
‫ء أشدّ غراب ً‬
‫دعا ٍ‬
‫نإ ّ‬
‫م ْ‬
‫جب ِ‬
‫و ل نتع ّ‬
‫دا ‪ ‬ينحدر من سللة‬
‫ن محم ً‬
‫ي برتبة جنرال ُيدعى فاروق جوانترك‪ ،‬يقول في كتاب له‪« :‬إ ّ‬
‫في الجيش الترك ّ‬
‫ي الصل‪ .‬هاجر من مدينة أورفا )الواقعة بجنوب تركيا(‬
‫ما إبراهيم الخليل‪ ،‬فاّنه ترك ّ‬
‫إبراهيم النبي عليه السلم‪ .‬أ ّ‬
‫ن الرسول‬
‫إلى بلد العرب هارًبا من ظلم نمرود‪ .‬وبنى الكعبة مع ولده إسماعيل‪ .‬هذه حقيقة تاريخية‪ .‬ولهذا فا ّ‬
‫ي‪ ».‬وفيما يلي نص هذه الترجمة بالّلغة التركّية‪:‬‬
‫عليه السلم ينتمي إلى أصل ترك ّ‬
‫‪Hz. Muhammed, Hz. İbrahim’in neslinden gelir. Hz. İbrahim ise Urfa’dan Zalim Nemrud Elinden kaçıp Arabistan’a yerleşir. Oğlu‬‬

‫‪İsmail ile Mekke Şehrini kuran bir Türk olduğu tarihi hakikatlardandır.‬‬

‫‪Orgeneral Faruk Güventürk, Din Işığı Altında Nurculuğun İçyüzü Pg. 69 Ankara-1993‬‬

‫‪Prof. Dr. Fuad Köprülü, Türk Edebiyatında İLk Mutasavvıflar, Pg. 69 Ankara-1993‬‬ ‫‪361‬‬
‫‪254‬‬

‫ضل الكتابَ‬
‫ما بالحديث‪ .‬ولهذا كان يف ّ‬
‫وكان عال ً‬
‫‪362‬‬
‫ل شيء‪».‬‬‫سّنةَ على ك ّ‬
‫وال ّ‬
‫ي من‬ ‫هذه النقولت تبرهن على شخصيّة الهمدان ّ‬
‫ي‬
‫ح حيث ل يحتاج إلى أ ّ‬ ‫ل وضو ٍ‬ ‫ه وبك ّ‬
‫ل وج ٍ‬‫ك ّ‬
‫تعليق آخر‪ .‬وعلى الرغم من كثرة الحكايات‬
‫المنسوجة حول هذا الرجل‪ ،‬فإّنه لم يرد عنه أّنه‬
‫ة من‬ ‫ع ِ‬‫بشيء يوهم أساليبَ التعّبد المبتدَ َ‬
‫ٍ‬ ‫تكّلم‬
‫ه في‬ ‫ل الطائفة النقشبندّية‪ .‬وجاءت ترجمت ُ ُ‬ ‫قب َ ِ‬
‫ِ‬
‫‪363‬‬
‫عدد من المصّنفات‪.‬‬
‫***‬
‫* الحلقة التاسعة من السلسلة‬
‫النقشبندّية‬
‫ن‬
‫ة‪ :‬أ ّ‬‫خرين من هذه النحل ِ‬ ‫ورد في مصادر المتا ّ‬
‫التاسعة من سلسلتهم هو عبد الخالق‬ ‫َ‬ ‫الحلقةَ‬
‫ي الَنشأةِ بين‬
‫ول رجلٍ ترك ّ ِ‬ ‫ي‪ .‬وهو أ ّ‬
‫وان ِ ّ‬‫جدُ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫غ ْ‬
‫قدماء هذه السلسلة‪ .‬وهو اّلذي أحدث ثمانيةَ‬
‫ن للطريقة كما مّر في باب «مبادئ‬ ‫أركا ٍ‬
‫الطريقة النقشبندّية» من الفصل الثاني‪ .‬قال‬
‫ي في هذا الصدد‪:‬‬ ‫مد بن عبد الله الخان ّ‬ ‫مح ّ‬
‫«ومن تلك المصطلحات‪ :‬الكلمات القدسية‬
‫المأثورة من حضرة الخواجة عبد الخالق‬
‫ي‪ ،‬وهي إحدَى عشرةَ كلمةً‪ .‬وعليها‬ ‫وان ِ ّ‬
‫جدُ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫غ ْ‬
‫مْبنَى طريقة السادات النقشبندّية»‪ 364.‬وعدّ كل ًّ‬ ‫َ‬
‫على حدة كما نقلناها من مصادرهم فيما سبق‪.‬‬

‫المصدر السابق ص‪.115/‬‬ ‫‪362‬‬

‫المراجع اّلتي وردت فيها ترجمة الهمدان ّ‬


‫ي‪ :‬خير الدين زركلي‪ ،‬العلم ‪.8/220‬؛ إبن العماد‪ ،‬شذرات الذهب‬ ‫‪363‬‬
‫مد‬
‫في أخبار من ذهب ‪.4/110‬؛ يوسف بن إسماعيل النبهاني‪ ،‬جامع كرامات الولياء ‪.2/289‬؛ عبد المجيد بن مح ّ‬
‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ‪.106 .‬؛ علي بن حسين الواعظ‪.‬؛ رشحات )بالّلغة‬
‫الخان ّ‬
‫‪17‬‬ ‫العثمانّية( ص‪/‬‬

‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية ص‪.50/‬‬


‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫* مح ّ‬ ‫‪364‬‬
‫‪255‬‬

‫جاء في تراجم النقشبندّيين لعبد الخالق‬


‫وان ‪ -‬وهي‬ ‫جدُ َ‬
‫ي أّنه ولد في قرية غُ ْ‬ ‫وان ِ ّ‬‫جدُ َ‬
‫غ ْ‬‫الْ ُ‬
‫ن نسبه يّتصل‬ ‫خاَرى ‪ -‬وأ ّ‬ ‫على مقربة من مدينة ب ُ َ‬
‫ن والده‬‫بالمام مالك بن أنس رضي الله عنه؛ وأ ّ‬
‫كان مدينة ملطية‬ ‫الشيخ عبد الجميل كان من س ّ‬
‫)الواقعة اليوم في شرقي تركيا(‪.‬ثم سافر إلى‬
‫خاَرى‪ .‬بينما نحن ل نعثر على ترجمةٍ له في‬ ‫بُ َ‬
‫التصانيف المعتبرة‪ .‬وهذا ما يزيد من الشكوك‬
‫صة فيما ورد أّنه درس‬ ‫ل ما قيل عنه خا ّ‬ ‫حول ك ّ‬
‫تفسير القرآن العظيم عند الشيخ صدر الدين‬
‫ن ما ورد عنه من البدع يثير الوهم‬ ‫ي‪ .‬ل ّ‬ ‫خار ّ‬ ‫الب ُ َ‬
‫ح قول من زعم أّنه‬ ‫حول جهله بالسلم إذا ص ّ‬
‫كد ذلك‬ ‫اّلذي وضع المصطلحات الثمانية‪ .‬وتؤ ّ‬
‫روايات غريبة أخرى وردت عنه‪.‬‬

‫ت اثنين وعشرين سنة‬ ‫ما بلغ ُ‬


‫منها «إّنه قال‪ :‬ل ّ‬
‫أوصى الخضر ‪ ‬الغوث الهمدان ّ‬
‫‪365‬‬
‫ي بتربيتي‪».‬‬

‫ورد في مواطن أخرى من تراجم النقشبندّيين‬


‫له أّنه «جاء الخضر ‪ ‬إليه‪ ،‬فقال له أنت ولدي‪،‬‬
‫ي؛ وهو‬ ‫ي وعّلمه الذكر الخف ّ‬
‫قنه الوقوف العدد ّ‬‫ول ّ‬
‫أّنه أمره أن يغمس في الماء ويذكر بقلبه‪ :‬ل إله‬
‫مد رسول الله‪ .‬ففعل كما أمره‪ .‬ودام‬ ‫إل ّ الله مح ّ‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.111/‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪365‬‬
‫إن «أسطورة الخضر» اّلتي وردت على لسانه ضمن مناقبه المنقولة بقلم عبد المجيد الخان ّ‬
‫ي‪ ،‬تبرهن على مدى‬

‫ة من حلقات‬
‫ة هام ً‬
‫خرافية ما اختلقه القصاصون من شيوخ النقشبندّية حول اسم هذا الرجل ليجعلوه حلق ً‬
‫سلسلتهم‪ .‬أما هذه السطورة‪ ،‬فهي مشهورة و متكررة في كتب الصوفّية‪ .‬يقول عبد الرحمن عبد الخالق‪:‬‬

‫مد بن على بن الحسين الترمزي المسمى بالحكيم‬


‫ول من افترى القصة الصوفّية للخضر هو مح ّ‬
‫نأ ّ‬
‫«يبدو أ ّ‬
‫ول الخضر إلى قصة‬
‫ضا‪« :‬لقد تح ّ‬
‫ي‪ .»(134/‬ويقول أي ً‬
‫والمتوفي في أواخر القرن الثالث الهجري ) الفكر الصوف ّ‬
‫ل‬ ‫مونه بالسوبرمان اّلذي يطير في ك ّ‬
‫ل مكان‪ ،‬ويلتقي بالصدقاء والخلن في ك ّ‬ ‫خرافية كبيرة أشبه بقصة ما يس ّ‬
‫البلدان‪ ،‬ويشرع للناس ما شاء من عبادات وقربات‪ ،‬ويل ّ‬
‫قن الذكار و ينشيء الطرق الصوفّية‪ ،‬ويعمد الولياء‬

‫والقطاب‪ ،‬ويولي من يشاء ويعزل من يشاء»‪) .‬المصدر السابق(‪ .‬ويقول سميح عاطف الزين‪« :‬الخضر‪ ،‬فهو‬
‫عندهم إمام الولياء والسالكين‪ ،‬يلتقي به الشيوخ عياًنا كما يزعمون‪ ،‬ويتل ّ‬
‫قون عنه السرار‪ ،‬لّنه لم يمت‪ ،‬ولن‬
‫يموت إلى آخر الزمان؛ وهو يقيم بالمسجد القصى‪ ،‬ويطوف بالكوان‪ ،‬ويحضر في ك ّ‬
‫ل مكان‪ ،‬ولذلك فهو يلقى‬

‫ي أحمد ياشار‬
‫الصوفّية عند ذكره‪ :‬عليه السلم!!» )الصوفّية في نظر السلم‪ .(169/‬كذلك قد أشار الباحث الترك ّ‬
‫ن هذه السطورة مستوحاة من المسيحية‪.Menâkibnâmeler/ 73. 74 .‬‬
‫أوجاك إلى أ ّ‬
‫‪256‬‬

‫عليه فحصل له الفتح العظيم‪ ،‬والجذبةُ‬


‫‪366‬‬
‫القّيوميةُ»‪.‬‬

‫د عن مثل‬ ‫ن السلم بعيد ك ّ‬


‫ل الُبع ِ‬ ‫ل شكّ في أ ّ‬
‫شك في أّنها‬ ‫ّ‬ ‫هذه الهرطقة اليوغية؛ كما ل‬
‫شعبذة من تمرينات رهبان البرهمّية‪ ،‬أثارها‬
‫ة أولى لتمهيد السبيل إلى وضع ما‬ ‫الرجل كخطو ٍ‬
‫أشارت له نفسه من تلك المصطلحات البرهمية‪،‬‬
‫حت الروايات‬ ‫سها في عقائد السلم )إذا ص ّ‬ ‫ود ّ‬
‫إّنه اّلذي وضعها(‪ .‬وقد تعاقبت بعدها ألوانٌ‬
‫متباينةٌ من أفانين الشعبذة لرجال هذه الطائفة‬
‫همْ بها إلى أن وجد‬ ‫من أمثاله‪ .‬فامتلت كُُتبُ ُ‬
‫ة خطيرةً في‬ ‫المسلمون اليوم هذه الطائفة عقب ً‬
‫صة على الساحة التركّية حيث ل‬ ‫وجه السلم‪ ،‬خا ّ‬
‫قبل لهم بها!‬

‫يطَلق على هذا الرجل أسم «رئيس‬


‫ن»‪ 367‬أي رئيس شيوخ هذه الطريقة‪.‬‬ ‫ج َ‬
‫گا ْ‬ ‫وا َ‬‫خ َ‬‫ال ُ‬
‫َ‬
‫م‬‫ت اس َ‬ ‫خذَ ْ‬
‫ن طريقتهم أ َ‬ ‫ويقول النقشبندّيون أ ّ‬
‫مد‬
‫ة من عهده حّتى زمن مح ّ‬ ‫گان ِّية» بداي ً‬ ‫ج َ‬‫وا َ‬‫خ َ‬‫« ُ‬
‫ي المعروف عندهم بـ «شاه‬ ‫خار ّ‬ ‫بهاء الدين الب ُ َ‬
‫ن» فارسية‪ .‬وهي‬ ‫ج َ‬
‫گا ْ‬ ‫وا َ‬
‫خ َ‬
‫نقشبند»‪ .‬وكلمة «ال ُ‬
‫م‬ ‫س ُ‬‫جمع خواجه «بتفخيم الخاء المفتوحة‪ .‬وت ُْر َ‬
‫‪368‬‬
‫قرْأ‪ ،‬وإّنما هي علمة التفخيم»‪.‬‬ ‫بالواو ول ت ُ ْ‬

‫ومن الحكايات السطورية اّلتي نسجتها‬


‫ة‬
‫دتها طائف ٌ‬
‫النقشبندّية‪ :‬ما جاء في موسوعة أع ّ‬
‫ة من هذه النحلة يطلق عليهم اسم »‪The‬‬ ‫تركي ٌ‬
‫‪ «Modernist Naacshabandis‬أى النقشبندّيين‬
‫ن‬
‫العصرانّيين‪ .‬ورد في موضع من موسوعتهم «أ ّ‬
‫ي كان يصّلي الصلوات‬ ‫وان ِ ّ‬
‫جدُ َ‬ ‫ق ال ْ ُ‬
‫غ ْ‬ ‫عبدَ الخال ِ‬

‫المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪366‬‬

‫ي‪ ،‬الحديقة الندّية في الطريقة النقشبندّية ص‪.50 /‬‬


‫مد بن سليمان البغداد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪367‬‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.111/‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪368‬‬
‫‪257‬‬

‫الخمس في المسجد الحرام‪ ،‬ويرجع في لمح‬


‫‪369‬‬
‫خاَرى‪».‬‬
‫البصر إلى مدينة ب ُ َ‬

‫دة مصطلحات فارسية أخرى قد دخلت‬ ‫نع ّ‬ ‫يبدو أ ّ‬


‫في قاموس النقشبندّية بجهود هذا الرجل‪ .‬منها‬
‫كلمة «خانقاه»‪ .‬يقول في ذلك عبد المجيد بن‬
‫ن ترجمة عبد الخالق‬ ‫ي ضم َ‬
‫مد الخان ّ‬ ‫مح ّ‬
‫ي‪:‬‬‫وان ِ ّ‬
‫جدُ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫غ ْ‬
‫دة أعوام‪،‬‬
‫م سافر إلى الشام‪ ،‬وأقام بها م ّ‬ ‫«ث ّ‬
‫م خانقاه‪ .‬وهي كلمة فارسية بسكون‬ ‫وبنى ث َ ّ‬
‫‪370‬‬
‫النون بمعنى الزاوية»‪.‬‬

‫ق‬ ‫ُ‬ ‫هذا على الرغم من ك ّ‬


‫ل ما أسند إليه من ح ّ‬
‫ت عنه‬ ‫ي لم تَْثبُ ْ‬ ‫وان ِ ّ‬
‫جدُ َ‬
‫غ ْ‬‫ق ال ْ ُ‬
‫ن عبدَ الخال َ‬ ‫وباطل فإ ّ‬
‫َ‬
‫جگان ِّيةَ‪،‬‬‫وا َ‬
‫خ َ‬
‫رابطة والختمَ ُ‬ ‫َ‬ ‫أدنى إشارة توهم ال ّ‬
‫صى‪ ،‬والقولَ بسلسلة‬ ‫بالحَ َ‬
‫وتعدادَ الذكر ْ‬
‫ث في الطريقة من‬ ‫د َ‬ ‫الروحانّيين؛ عدا ما ُأحْ ِ‬
‫فارسية ترمز إلى الركان اّلتي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مصطلحات‬
‫ول مرة‪.‬‬ ‫أقامها ل ّ‬
‫ه لهذه المصطلحات الغريبة في‬ ‫إل ّ أ ّ‬
‫ن إحداث َ ُ‬
‫ن‬
‫ل وضوح على أ ّ‬ ‫ة يبرهن بك ّ‬ ‫س مناس َ‬
‫ك ديني ٍ‬ ‫لبا ِ‬
‫ت من البداية‬‫الطريقة النقشبندّية قد أخذ ْ‬
‫ت وعقائدَ شّتى‪،‬‬ ‫ت وديانا ٍ‬
‫تستقي من فلسفا ٍ‬
‫عب َْر تاريخها على هذا المنوال‪.‬‬
‫ت َ‬ ‫وأّنها قد استمرّ ْ‬
‫***‬

‫* الحلقة العاشرة من سلسلتهم‪.‬‬


‫ن‬
‫ة النقشبندّيين العصرانّيين‪ ،‬أ ّ‬
‫جاء في موسوع ٍ‬
‫ري هو الحلقةُ العاشرةُ من‬ ‫َ‬ ‫عار ً‬
‫فا الّريَوگ ِ‬
‫ن التصانيف المعتبرة لتراجم‬ ‫سلسلتهم‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫‪İslâm Alimleri Ansiklopedisi 5/344‬‬ ‫‪369‬‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.111/‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪370‬‬
‫‪258‬‬

‫ن هذا السم‪ .‬وقد ل يتجاوز هذا‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫الرجال خالي ٌ‬


‫ن عبد المجيد بن‬ ‫السم عن شخصية خيالية‪ .‬ل ّ‬
‫ي اّلذي أفرغ طاقته في‬ ‫مد الخان ّ‬ ‫مد بن مح ّ‬ ‫مح ّ‬
‫جمع معلومات حول رجال السلسلة‪ ،‬حّتى هو‬
‫بالذات عجز عن المعرفة بتاريخ ولدة هذا الرجل‬
‫وتاريخ وفاته‪ .‬فسطوُرهُ شاهدةٌ على هذا العجز‪.‬‬
‫ل بخلع آيات الثناء والمدح على‬ ‫ما استه ّ‬ ‫لّنه ل َ ّ‬
‫ف ظهر‬ ‫هذه الشخصية الغامضة فقال‪« :‬عار ٌ‬
‫ه‪ .‬فأشرقتْ بعد الغروب شمس‬ ‫ر ِ‬
‫ج ِ‬
‫ق فَ ْ‬ ‫اد ِ‬
‫ص ِ‬‫أنواُر َ‬
‫‪371‬‬
‫م قال «ولد سنة‪»...‬‬ ‫المعارف في عصره» ث ّ‬
‫ولم يذكر شيًئا بعده؛ فلم يؤّرخ لولدته ول‬
‫ه الخيرةُ على هذا‬ ‫كد كلماتُ ُ‬ ‫لموته‪ .‬كما تؤ ّ‬
‫دة خلفاء‪ .‬ولم أقف‬ ‫الغموض؛ إذ يقول‪« :‬وله ع ّ‬
‫لهم على أسماء»‪ 372.‬فكيف به أن يقف على‬
‫مناقبه وأحواله وأطوار حياته بالتفصيل إذا صح‬
‫له وجود حقيقي ما دام لم يقف حّتى على اسم‬
‫من أسماء خلفائه! فعلى الرغم من هذه‬
‫المناقضة والتعارض‪ ،‬ومن هذا العجز اّلذي‬
‫ي وما تتوارى فيه‬ ‫نلمسه من خلل كلمات الخان ّ‬
‫ة من غموض‪ ،‬يحاول المؤّلف‬ ‫هذه الشخصي ُ‬
‫ة فيقول‪« :‬أصله من‬ ‫ة حقيقي ً‬ ‫ليجعل منه شخصي ً‬
‫قا في تحصيل علم‬ ‫مستغر ً‬
‫ِ‬ ‫خاَرى‪ .‬وكان‬ ‫بُ َ‬
‫‪373‬‬
‫فلقي الشيخ مرة في السوق‪ ،‬قد‬ ‫الظاهر‪.‬‬
‫‪374‬‬
‫فقال له أنا أحمل عنك‪.‬‬ ‫ما وحمله‬ ‫اشترى لح ً‬
‫المصدر السابق ص‪.119 /‬‬ ‫‪371‬‬

‫المصدر السابق ص‪.119/‬‬ ‫‪372‬‬

‫سّنة النبوية‪ .‬وإنما يستعملون‬


‫يطلقون إسم «علم الظاهر» على العلوم المنبثقة من القرآن الكريم وال ّ‬ ‫‪373‬‬
‫هذه التسمية على سبيل الستحقار لهذه العلوم الشريفة وأهلها‪ .‬وتبرهن على هذا‪ ،‬تسميتهم للفقهاء‬

‫مونه «علم الباطن» أو «العلم الّلدن ّ ّ‬


‫ي»‪.‬‬ ‫ما آخر يس ّ‬
‫دعون عل ً‬
‫سرين بـ«علماء الرسوم»‪ .‬لّنهم ي ّ‬
‫دثين والمف ّ‬
‫والمح ّ‬
‫ق ال َْباطِن ِي ّ ِ‬
‫ة»‪.‬‬ ‫ولهذا تدخل الطريقة النقشبندّية في عداد «ال ْ ِ‬
‫فَر ِ‬

‫ن‬
‫ما وحمله‪ »...‬ل ّ‬
‫خا من شيوخهم خرج إلى السوق واشترى لح ً‬
‫ن شي ً‬
‫ى «أ ّ‬
‫ن ي ُْرو َ‬
‫من غرائب هذه الطريقة أ ْ‬ ‫‪374‬‬
‫ن يخرج‬
‫خ من شيوخهم اليوم يتمّتع بشهرة وجاه يحسده الملوك عليهما‪ .‬وهذا إلى درجة‪ :‬إّنه لو أراد أ ْ‬ ‫ك ّ‬
‫ل شي ٍ‬
‫ددته بطانته دون‬
‫ة من رجال حاشيته المقربين‪ .‬ولربما ه ّ‬
‫ة عنيف ٍ‬
‫بمثل هذه الحاجة إلى السوق لصطدم بمقاوم ٍ‬
‫ن‬ ‫د من مريديه العادّيين فضل ً عن غيرهم‪ .‬وذلك خو ً‬
‫فا على زوال جاهه وشهرته‪ .‬ل ّ‬ ‫ن يشعر بهذا النـزاع أح ٌ‬
‫أ ْ‬
‫ة‪ .‬وهذا‬
‫ق عادي ٍ‬
‫ن يحظوا شيئا منها بطر ٍ‬ ‫ن لمصالحهم‪ ،‬يو ّ‬
‫فر لهم إمكانات يستحيل عليهم أ ّ‬ ‫عظمة شيخهم ضما ٌ‬
‫ن‬
‫ة لشاعة صيته‪ .‬ل ّ‬ ‫يجعلهم أن يحرصوا على محافظة هذه العظمة؛ بل وأن يبذلوا ما لديهم من ك ّ‬
‫ل وسيل ٍ‬
‫‪259‬‬

‫ت إليه‬ ‫ما وصل إلى بيته‪ ،‬الت َ َ‬


‫ف َ‬ ‫فأعطاه إّياه‪ .‬فل ّ‬
‫ة حّتى آكل الطعام معك‪.‬‬ ‫وقال له تأتي بعد ساع ٍ‬
‫فلما انصرف‪ ،‬لم يجد في قلبه ميل ً للعلم‪ .‬بل‬
‫فا لخدمة الشيخ‪ .‬فعاد إليه في‬ ‫وجد متصّر ً‬
‫الوقت‪ ،‬فتقّبله‪ .‬وقال له أنت ولدي‪ .‬وعّلمه‬
‫الطريق‪ .‬فاشتغل به وترك الذهاب إلى أستاذه‪.‬‬
‫فكان كّلما رآه أستاذه عّنفه وشتمه على ترك‬
‫العلم‪ ،‬وأمره بالحضور إلى المدرسة وهو ُيقِبل‬
‫ن اقترف أستاذُهُ ذات‬ ‫ء‪ .‬فاّتفق أ ْ‬‫ول يجيبه بشي ٍ‬
‫ما التقيا في النهار‬ ‫ة كبيرةً من الكبائر‪ .‬فل ّ‬ ‫ليل ٍ‬
‫أطال لسانه عليه على العادة‪ .‬فقال له‪ - :‬يا‬
‫ت في الليلة كذا وكذا من الفسق‪،‬‬ ‫سّيدي كن َ‬
‫ق‪ .‬فخجل الستاذ‬ ‫والن تمنعني عن طريق الح ّ‬
‫ما؛ وعَِلمَ مراتب الصوفّية وأحوالهم‪.‬‬ ‫خجل ً عظي ً‬
‫وحضر عند الشيخ عبد الخالق في الحال وتاب‬
‫‪375‬‬
‫وأخذ طريقته وصار من المقبولين لديه»‪.‬‬

‫ن هذا‬
‫كد على أ ّ‬ ‫ي بهذه الكلمات ليؤ ّ‬ ‫يحاول الخان ّ‬
‫طلع على عورات‬ ‫الرجل كان يعلم الغيب وي ّ‬
‫الناس في ظلمات الليل ويعلم ما يصنعون وهم‬
‫ط من‬ ‫ما ح ّ‬
‫ي غفل ع ّ‬ ‫ن الخان ّ‬
‫في بيوتهم‪ .‬غير أ ّ‬
‫ما انصرف لم‬ ‫شأن هذا الرجل عند ما قال‪« :‬فل ّ‬
‫يجد في قلبه ميل ً للعلم )‪ (...‬وترك الذهاب إلى‬
‫أستاذه»‪ 376.‬أى أعرض عن دراسة العلم وانهمك‬
‫في تقليد الصوفّية‪.‬‬

‫كانت هذه خلصة من قصة الحلقة العاشرة من‬


‫سلسلة النقشبندّيين على لسانهم بالذات!‬
‫***‬
‫ولون من أهل‬ ‫ما ُ‬
‫ؤهم ال ّ‬ ‫د َ‬
‫ق َ‬ ‫مصالحهم تنمو وتزداد كلما يّتسع نطاق هيمنته‪ ،‬وتتقلص بتقّلصه‪ .‬أ ّ‬
‫ما إذا كان ُ‬

‫التواضع‪ ،‬كما ينقلون في تراجمهم؛ فقد أصبح المعاصرون منهم على خلف أسلفهم بما يتمّتعون من الرخاء‬

‫خرة وقصور وحشم وخدم وشهرة يغتبطها الملوك‪.‬‬


‫والعيش الرغيد؛ وما يملكون من ثروات طائلة‪ ،‬وأموال مد ّ‬

‫وهذا من أكبر البراهين على تناقضهم مع أنفسهم‪.‬‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.118/‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪375‬‬

‫المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪376‬‬


‫‪260‬‬

‫* الحلقة الحادية عشرة من السلسلة‬


‫النقشبندّية‪.‬‬
‫ن الحلقة الحادية عشرة من‬ ‫ورد في مصادرهم أ ّ‬
‫يُ‪.‬‬
‫فغَْنو ّ‬
‫ير َ‬
‫ج ْ‬ ‫سلسلتهم هو محمود النِ ِ‬
‫خاَرى‪.‬‬
‫قرية من ضواحي مدينة ب ُ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ى»‬‫فغْن َ‬
‫ير َ‬
‫ج ْ‬‫إن ِ‬
‫و« ِ‬
‫َ‬
‫ي ترجمته‬ ‫مد الخان ّ‬ ‫ل عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫يسته ّ‬
‫بالمدائح كعادته في ترجمة سائر شيوخ‬
‫جعة‪:‬‬ ‫ة من كلماته المس ّ‬ ‫الطريقة‪ .‬وهذه صيغ ٌ‬

‫جرت من بين أصابعه مياهُ الحكمةِ‪،‬‬


‫ْ‬ ‫«مرشدٌ تف ّ‬
‫مة‬‫أنعم الله تعالى بوجوده على قلوب هذه ال ّ‬
‫‪377‬‬
‫م رحمة»‪.‬‬‫)‪ (...‬فهو أعظم نعمة وأع ّ‬
‫ثم يقول «كان مع جللة قدره يشتغل بصنعة‬
‫البناء‪ .‬فلما أقيم مقام سّيدنا الشيخ عارف‪،‬‬
‫انقطع لهداية الخلق إلى الحق‪ ،‬وقد عدل إلى‬
‫ق‬ ‫ي منذ مرض أستاذه لمقتضى ُ ُ‬
‫خل ِ‬ ‫‪378‬‬
‫الذكر الجهر ّ‬
‫الوقت والخلق»‪.‬‬

‫طع اّلذي استعرضه‬ ‫فعلى الرغم من هذا التن ّ‬


‫وه بمدى تواضع هذا الشيخ اّلذي «كان‬ ‫ي لين ّ‬‫الخان ّ‬
‫مع جللة قدره يشتغل بصنعة البناء»؛ على‬
‫ي ذي‬‫قتَِنعُ أ ّ‬
‫الرغم من هذه المحاولة‪ ،‬ل يكاد َي ْ‬
‫ي كانت له مكانة مرموقة‪ ،‬وأّنه‬ ‫ن الفغنو ّ‬‫ل‪ ،‬أ ّ‬
‫عق ٍ‬
‫صة العلم واشتغل‬ ‫من َ ّ‬
‫كان من العلماء فترك ِ‬
‫ي سبب معقول!‬ ‫عا‪ ،‬أو ل ّ‬ ‫بصنعة البناء تواض ً‬
‫الجهري اّلذي يجهله كثيرٌ من الناس‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ما الذكر‬
‫أ ّ‬
‫ط الضوءُ‬‫سل ّ َ‬
‫ن يُ َ‬
‫فيناسب هنا وبهذا المقتضى أ ْ‬
‫على هذا النوع من الذكر بأّنه مخالف للكتاب‬
‫سّنة‪ .‬لّنهم يجتمعون في أوقات معّينة‪،‬‬ ‫وال ّ‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.119/‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪377‬‬

‫المصدر السابق ص‪.119 /‬‬ ‫‪378‬‬


‫‪261‬‬

‫ة في التكايا‪،‬‬‫ت استعراضيّ ً‬
‫ويقيمون حلقا ٍ‬
‫يرفعون أصواتهم ويترّنمون بترديد لفظة الجلل‬
‫ف‬
‫ر ُ‬
‫صة؛ ُيش ِ‬‫أو كلمة التوحيد بإيقاعات ونغمات خا ّ‬
‫جههم‬ ‫عليهم شيخهم أو من ينوب عنه‪ ،‬فيو ّ‬
‫بالنتقال من صيغة إلى أخرى‪ ،‬فيستمّر الذكر‬
‫ى‬‫على هذا المنوال مدّةً غير قصيرة؛ وقد ُيغش َ‬
‫على بعضهم بدافع ثوران العاطفة‪ ،‬أو بسبب‬
‫لكسيجين في الوعية الدموية‬ ‫دة ا ُ‬
‫تراكم ما ّ‬
‫نتيجة السرعة في توالي الشهيق والزفير‪.‬‬

‫ي كسائر شيوخ هذه‬ ‫ل ترك ّ‬ ‫ي من أص ٍ‬


‫ينحدر الفغنو ّ‬
‫الطريقة اّلذين برزوا في منطقة ماوراء النهر‬
‫المعروفة بـ «بلد تركستان»‪.‬‬
‫خاَرى وضواحيها؛‬‫قيل إّنه عاش في مدينة ب ُ َ‬
‫ومات عام ‪ 715‬من الهجرة‪ .‬لم يؤّرخ له أحد من‬
‫مشاهير المترجمين وعلماء التاريخ والنساب‪.‬‬
‫ن تراجم‬ ‫وإّنما وردت كلمات وجيزة حوله ضم َ‬
‫النقشبندّيين‪.‬‬
‫***‬

‫* الحلقة الثانية عشرة من السلسلة‬


‫النقشبندّية‪.‬‬
‫ي المعروف بـ «خواجه عزيزان»‪.‬‬ ‫ي الرامتن ّ‬
‫هو عل ّ‬
‫ن» اّلتي هي على ُبعد‬ ‫امتَ ْ‬
‫ر ِ‬‫ولد في قرية « َ‬
‫ل ذلك على أّنه‬ ‫خاَرى‪ .‬يد ّ‬
‫فرسخين من مدينة ب ُ َ‬
‫ي الصل‪ .‬لم يقف الباحثون على تاريخ‬ ‫ترك ّ‬
‫ة عن حياته؛‬ ‫ولدته‪ ،‬ول على معلومات واسع ٍ‬
‫ة‬
‫جا‪ ،‬عاش مد ً‬ ‫سا ً‬‫سوى ما قال بعضهم إّنه كان ن ّ‬
‫طويلة في هذه المنطقة ومات فيها عام ‪ 721‬أو‬
‫‪ 728‬من الهجرة‪ .‬قيل وافته المنية وهو ابن مائة‬
‫ة!‬
‫وثلثين سن ً‬
‫‪262‬‬

‫ي الرامتني من‬ ‫اختلفت الراءُ فيما إذا كان عل ّ‬


‫م‪ .‬يبدو هذا الخلف‬ ‫ف أم من أهل العل ِ‬ ‫و ِ‬ ‫أهل التص ّ‬
‫ن‪ ،‬وهي‬ ‫ددها النقشبندّيو َ‬ ‫ة ير ّ‬ ‫ة شعري ٍ‬ ‫من مقول ٍ‬
‫ما *‬‫ل لَ َ‬
‫قا ٍ‬‫عَلى َ‬‫ل َ‬ ‫ض ٌ‬‫ف ْ‬‫ن َ‬‫م ي َك ُ ْ‬‫ل لَ ْ‬
‫حا ٍ‬
‫و لِ َ‬ ‫قولهم‪ :‬ل َ ْ‬
‫عِلي‪.‬‬ ‫ج َ‬‫سا ٍ‬
‫عب ْدَ ن َ ّ‬
‫خاَرى َ‬ ‫ن بُ َ‬ ‫عَيا ُ‬‫ك ََان أ ْ‬
‫وعلى الرغم من الغموض اّلذي يواري حياة هذا‬
‫الرجل‪ ،‬فقد وردت مقولت عنه مضيئة تبرهن‬
‫على سلمة اعتقاده‪ ،‬وعسى أن تكون الرواية‬
‫ة‪.‬‬
‫صحيح ً‬

‫ة تحت رقم ‪ 265/2‬بمكتبة‬ ‫جل ٌ‬


‫ة مس ّ‬
‫ب إليه رسال ٌ‬
‫س ُ‬
‫ُتن َ‬
‫السليمانية ‪ -‬خزانة طاهر آغا ‪ -‬في إسطنبول‪.‬‬
‫ل عنه‪ ،‬ما دامت‬‫ق َ‬
‫ربما ليس من كلمه جميع ما ن ُ ِ‬
‫شخصّيته ل تتبلور بالدلئل القاطعة‪ .‬كما يغلب‬
‫أن يكون النقشبندّيون قد طمعوا في نسبته إلى‬
‫قائمة الروحانّيين بسبب ما كان له من السمعة‬
‫الحسنة في عهده مع عدم علقته بهم؛ والله‬
‫أعلم بالصواب‪.‬‬

‫هذا ولم يرد عنه أّنه تكّلم بأدنى شيء عن‬


‫ج َ‬
‫گان ِّية‪ ،‬ول عن تعداد‬ ‫وا َ‬
‫خ َ‬
‫الّرابطة‪ ،‬ول عن الختم ُ‬
‫ى‪ ،‬ول عن السلسلة النقشبندّية‪.‬‬ ‫حص َ‬‫ال َ‬
‫الذكر ِب ْ‬
‫***‬

‫* الحلقة الثالثة عشرة من السلسلة‬


‫النقشبندّية‪.‬‬
‫ل منهم‬ ‫ي خلفاء أربعة‪ .‬اسم ك ّ‬ ‫كان للّرامتن ّ‬
‫ل مكان‬ ‫ّ‬
‫مد بابا الذي ح ّ‬
‫مد‪ .‬وكان أشهرهم مح ّ‬ ‫مح ّ‬
‫شيخه وأصبح هو الحلقة الثالثة عشرة لهذه‬
‫السلسلة على ما جاء في الحدائق الوردّية لعبد‬
‫ي‪.‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫المجيد بن مح ّ‬
‫مد بابا في نفس المنطقة وهو‬‫ولد ونشأ مح ّ‬
‫مَاس»‬ ‫ي الصل‪ ،‬من س ّ‬
‫كان قرية «سَ ّ‬ ‫ضا ترك ّ‬
‫أي ً‬
‫‪263‬‬

‫خاَرى‪ .‬وهي على مسافة‬ ‫الواقعة بقرب مدينة ب ُ َ‬


‫ثلثة أميال منها‪ ،‬وعلى ميل واحد من قرية‬
‫مى‬‫ن» اّلتي كانت مقّر شيخه‪ .‬ولهذا يس ّ‬ ‫مت َ ْ‬
‫«َرا ِ‬
‫ي‪.‬‬
‫السماس ّ‬
‫ّ‬ ‫دا بابا‬ ‫صاحب الترجمة محم ً‬
‫وكلمة «بابا» يعني «الب» في الّلغة التركّية‪.‬‬
‫ومن عادة التراك أّنهم ينادون كبار السن بهذه‬
‫الكلمة على سبيل الحترام‪ .‬كما ُيطلقونها على‬
‫بعض رجال الصوفّية‪ ،‬وعلى بعض أصحاب القبور‬
‫ب الناس‬ ‫مة‪ ،‬ويتبّرك غال ُ‬ ‫سهم العا ّ‬ ‫اّلذين تقدّ ُ‬
‫بأضرحتهم في تركيا؛ لعتقادهم أّنهم أولياء الله‬
‫دا‪ ،‬هذا اّلذي يع ّ‬
‫ده‬ ‫ن الشيخ محم ً‬ ‫ه‪ .‬فيبدو أ ّ‬ ‫صت ُ ُ‬
‫وخا ّ‬
‫ة عشرة لسلسلتهم هو‬ ‫ة الثالث َ‬‫النثشبندّيون الحلق َ‬
‫ديسين على غرار‬ ‫ضا من أولئك الباباوات الق ّ‬ ‫أي ً‬
‫عادة النصارى اّلذين ينادون أوليائهم بهذا‬
‫ن الطريقة النقشبندّية قد‬ ‫كد أ ّ‬‫العنوان مما يؤ ّ‬
‫ضا من المسيحية قليل ً أو كثيًر؛ وإن‬ ‫اقتبست أي ً‬
‫لم يكن ذلك بقدر ما استقت من البرهمية‬
‫والبوذية من أشكال المناسك والتعّبد‪.‬‬

‫ي‬
‫مد الخان ّ‬ ‫هذا ومن الغريب أن عبد المجيد بن مح ّ‬
‫مد بابا ولوفاته‪،‬‬
‫قد أراد أن يؤّرخ لولدة مح ّ‬
‫‪379‬‬
‫فقال‪« ،‬ولد سنة‪»...‬؛ ثم قال «توفي سنة‪»...‬‬
‫ل على أّنه لم‬ ‫جل بعدهما شيئا‪ ،‬مما يد ّ‬ ‫ولم يس ّ‬
‫ن هذا‬ ‫كن من الوقوف على تفاصيل حياته‪ ،‬وأ ّ‬ ‫يتم ّ‬
‫ما على شخصية خيالية ل‬ ‫عل َ ً‬
‫السم قد يكون َ‬
‫ن وثائقهم وحّتى كتاب الرشحات‬ ‫ة لها‪ .‬ل ّ‬ ‫حقيق َ‬
‫اّلذي هو أقدم مصادر النقشبندّيين ل يشتمل‬
‫على شيء يستحق الذكر من أخباره‪ .‬كما لم يرد‬
‫ضا أّنه تعّبد على أساليب النقشبندّية‪ ،‬أو‬ ‫عنه أي ً‬
‫ء عن أشكال عباداتهم كالّرابطة‪،‬‬ ‫تكّلم بشي ٍ‬
‫ه‪ ،‬وتعدادِ ألفاظ الورد‬ ‫گان ِّية‪ ،‬والتوجّ ِ‬‫ج َ‬
‫وا َ‬‫خ َ‬
‫والختم ُ‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.123-122/‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪379‬‬
‫‪264‬‬

‫من‬ ‫‪755‬‬ ‫ي عام‬


‫السماس ّ‬
‫ّ‬ ‫صى‪ .‬قيل تو ّ‬
‫في‬ ‫ح َ‬
‫ال َ‬
‫ِب ْ‬
‫الهجرة بالقرية نفسها‪.‬‬

‫***‬

‫* الحلقة الرابعة عشرة من السلسلة‬


‫النقشبندّية‪.‬‬
‫ن الحلقة الرابعة‬ ‫ورد فيما كتبه النقشبندّيون أ ّ‬
‫كلل بن‬ ‫ل اسمه ُ‬‫عشرة من سلسلتهم هو رج ٌ‬
‫حمزة‪ .‬ويزعمون أّنه ينحدر من سللة الحسين‬
‫ن‬
‫ي بن أبي طالب رضي الله عنهما؛ وأ ّ‬ ‫بن عل ّ‬
‫ي؛ إذ كان‬ ‫أباه حمزة هو اّلذي غادر موطَنه الصل ّ‬
‫ورة؛ فقصد بلدَ ماوراء‬ ‫ما بالمدينة المن ّ‬ ‫مقي ً‬
‫خاَرى‪ ،‬فأقام هناك‬ ‫ة بُ َ‬
‫النهر‪ ،‬حّتى وصل منطق َ‬
‫ن الغموض اّلذي يواري‬ ‫ه‪ .‬إل ّ أ ّ‬ ‫شن َ ْ‬ ‫ة اسمها أ ْ‬
‫ف َ‬ ‫بقري ٍ‬
‫م‬‫خي ّ ُ‬‫حياة رجال هذه السلسلة في تلك الحقبة‪ ،‬ي ُ َ‬
‫ضا؛ فلم تكد تتبلور صورته‪.‬‬ ‫على هذه السرة أي ً‬
‫كلل بن‬ ‫ع هذه الطائفة عن ُ‬ ‫فاّلذي يتناقله أتبا ُ‬
‫فا من الساطير‪ .‬ومن جملة‬ ‫حمزة‪ ،‬ليس إل ّ لفي ً‬
‫ة لهم‬ ‫هذه القاصيص اّلتي وردت في موسوع ٍ‬
‫بالّلغة التركّية‪ ،‬حكاية غريبة حول تسمية هذا‬
‫ن رجل ً من الصالحين نزل ضي ً‬
‫فا‬ ‫الشيخ؛ وهي‪ « :‬أ ّ‬
‫شره‬ ‫عند أبيه حمزة‪ ،‬إذ هو في بطن أمه‪ .‬فب ّ‬
‫ميه‬ ‫ة‪ ،‬وأوصاه أن يس ّ‬ ‫بغلم ينال شهرةً عظيم ً‬
‫كلل ً»‪.‬‬‫ُ‬

‫حف‬ ‫ن هذه الكلمة عجمّية تقابل «صانع ال ُ‬


‫ق ُ‬ ‫غير أ ّ‬
‫ّ‬
‫الخزفية» في اللغة العربّية‪ .‬وهذا المر يثير‬
‫ل عن صاحب الترجمة‪.‬‬ ‫ق َ‬
‫ل ما ن ُ ِ‬ ‫الشكوك في ج ّ‬
‫ف‪ .‬وهذا استدلل‬ ‫ح ِ‬
‫ق ْ‬
‫منها‪ ،‬أّنه اشتغل بصناعة ال ِ‬
‫ي بهذا السم وهو وليد ل يعلم‬ ‫م َ‬ ‫س ّ‬
‫باطل‪ .‬لّنه ُ‬
‫شيئا من هذه الدنيا؛ ل من قحوفها ول من‬
‫ن شيوخ النقشبندّية يأنفون أن‬ ‫ها‪ .‬ومنها‪ ،‬أ ّ‬ ‫ف َ‬
‫ح ِ‬
‫تُ َ‬
‫‪265‬‬

‫مة استنكا ً‬
‫فا‪ .‬وذلك‬ ‫ة من حرف العا ّ‬
‫يمارسوا حرف ً‬
‫للحفاظ على مكانتهم‪ ،‬وشهرتهم‪ ،‬وهيبتهم بين‬
‫الناس‪.‬‬

‫ن النقشبندّيين إّنما يقصدون بمثل هذه‬ ‫إ ّ‬


‫وجوا العتقاد بين الناس بعلم‬ ‫القصوصة أن ير ّ‬
‫كون من هذه‬ ‫الغيب لساداتهم‪ ،‬فل يكادون ينف ّ‬
‫النـزعة كأّنهم جبلوا على ذلك‪ .‬ويتوّرطون هكذا‬
‫ن مفهوم الكرامة‬ ‫ت كثيرة‪ .‬منها أ ّ‬‫في تناقضا ٍ‬
‫تكاد تنحصر عندهم في خرق العادة‪ .‬كالعلم‬
‫ي الزمان والمكان‪ ،‬والهيمنة على‬ ‫بالغيب‪ ،‬وط ّ‬
‫نظام الكون‪.‬‬

‫كلل بن‬ ‫ينسب النقشبندّيون صفة «المير» إلى ُ‬


‫حمزة في مصادرهم‪ .‬ول نجد لهذا الوصف‬
‫ة‪ .‬إذ لم يسبق أّنه توّلى إمارةً أو‬ ‫ح ً‬
‫مل ّ‬‫ة ُ‬
‫مناسب ً‬
‫ة‪ .‬سوى أّنه كان في‬ ‫ة أو إداري ً‬‫ة سياسي ً‬ ‫م ً‬‫مه ّ‬
‫ن المصارعة فكان يجتمع عليه‬ ‫شبابه «اشتغل بف ّ‬
‫أرباب الشجاعة وأولو المعاركة والنظارة‪ .‬فاّتفق‬
‫ن رجل ً من الواقفين خطر بباله أ ّ‬
‫ن‬ ‫ذات يوم أ ّ‬
‫ف‪ .‬فكيف يشتغل بالمصارعة‪،‬‬ ‫هذا سي ّدٌ شري ٌ‬
‫ن غلب‬ ‫ويسلك سبيل أهل البطالة! فلم يلبث أ ْ‬
‫ن القيامة قد‬ ‫عليه النوم؛ فرأى في منامه أ ّ‬
‫م؛ فغرق فيه‬ ‫ل عظي ٍ‬ ‫قامت‪ ،‬وأّنه وقع في وح ٍ‬
‫ما؛ وفزع‬ ‫إلى صدره‪ ،‬واضطرب اضطراًبا عظي ً‬
‫عا كبيًرا‪ .‬فأتى إليه السّيد المير وأنقذه من‬ ‫فز ً‬
‫ت إليه السي ّدُ الميُر‬‫ف َ‬‫م أفاق؛ فال ْت َ َ‬ ‫هذه الورطة‪ .‬ث ّ‬
‫وقال له‪»:‬‬

‫ت ما معنى المصارعة؟!‬
‫متي وعلم َ‬
‫ته ّ‬
‫«‪ -‬أرأي َ‬
‫‪380‬‬
‫»‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.123/‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪380‬‬
‫‪266‬‬

‫كلل بن حمزة‬‫ت حول المير ُ‬ ‫هكذا قد ال ْت َ ّ‬


‫ف ْ‬
‫ل من غرائب الحكايات والقاويل‪ ،‬ول يمكن‬ ‫أحابي ُ‬
‫تمييز صحيحها من باطلها‪.‬‬

‫وقد تكون تسميته بـ «المير» بسبب العلقات‬


‫اّلتي جرت بينه وبين تيمورلنك‪ .‬إذ ورد في‬
‫ن‬
‫لب َ‬ ‫موسوعة النقشبندّيين‪« :‬أن المير ُ‬
‫كل َ‬
‫ه الشيخ منصوًرا إلى الملك‬ ‫ة‪ ،‬بعث رسول َ ُ‬
‫حمز َ‬
‫تيمورلنك‪ ،‬يحّرضه على استيلء بلد خوارزم‪.‬‬
‫فا بجيشه‬ ‫فامتثل تيمور لمره فوًرا؛ فانطلق زاح ً‬
‫على منطقة خوارزم‪ .‬ونجا بذلك من خطّ ِ‬
‫ة‬
‫ل كان قد دّبرها أعداؤه‪ .‬إذ أّنهم وصلوا إلى‬ ‫اغتيا ٍ‬
‫‪381‬‬ ‫معسكره وقد غادره‪ .‬فلم يتم ّ‬
‫كنوا منه»‪.‬‬

‫ن‬
‫صة أ ّ‬‫ل النقشبندّيون التراك بهذه الق ّ‬ ‫يستد ّ‬
‫كلل‬ ‫الملك تيمور عرف أّنه كانت نجاته بفضل ُ‬
‫دونها من جملة كراماته‪ .‬ويزعمون‬ ‫بن حمزة‪ ،‬فيع ّ‬
‫ن الملك تيمور قد أراد أن ينصبه أميًرا؛ فلم‬ ‫أ ّ‬
‫دا في الدنيا وحطامها‪.‬‬ ‫يوافقه استعفا ً‬
‫فا وزه ً‬
‫كل َ‬
‫ل‬ ‫ن ُ‬
‫ل هذه الحكايات‪ ،‬فإ ّ‬‫وعلى الرغم من ك ّ‬
‫ن حمزةَ لم يرد عنه أّنه تعّبد على أساليب‬ ‫ب َ‬
‫النقشبندّيين؛ أو تكّلم عن آدابهم ومصطلحاتهم؛‬
‫لم يرد عنه ذلك حّتى في الوثائق اّلتي خّلفها‬
‫شيوخ هذه الطائفة‪.‬‬
‫***‬

‫* الحلقة الخامسة عشرة من السلسلة‬


‫النقشبندّية‪.‬‬
‫ن هذه الحلقة يمّثلها شخص يعظّمه‬ ‫إ ّ‬
‫النقشبندّيون‪ ،‬ويصفونه بأسمى درجات الكمال؛‬
‫ويعتقدون فيه أّنه تر ّ‬
‫قى إلى أعلى مدارج الولية‬

‫‪.İslâm Alimleri Ansiklopedisi, vol.11 Pg.28‬‬ ‫‪381‬‬


‫‪267‬‬

‫وكاد أن يكون نبّيا! وينسبون إليه طريقتهم‬


‫ويتسابقون في الثناء عليه‪.‬‬

‫مد بن‬‫مد بهاء الدين بن مح ّ‬


‫هذا الرجل هو مح ّ‬
‫ي المعروف بين هذه الجماعة بلقب‬ ‫خار ّ‬
‫مد الب ُ َ‬
‫مح ّ‬
‫«شاه نقشبند» أو «خواجه نقشبند»‪.‬‬

‫ي في مدحه وتعظيمه‬
‫يتفّنن عبد المجيد الخان ّ‬
‫بعباراته المسجّعة‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫«بحر من العرفان ل ساحل له؛ نسجت أمواج‬


‫أمواه العلوم الرّبانّية حلله؛ وفاض على العالمين‬
‫بحر بّره؛ فأروى بأرواح إمداده جميع الكون بحره‬
‫وبّره»‪.‬‬

‫يسترسل المؤلف على هذا النمط إلى أن يقول‪:‬‬

‫«إرتضع ثدي التصّرفات الغوثية وهو في المهد‬


‫صبّيا؛ وتضّلع من رحيق مختوم العلوم الختمّية‬
‫وةُ لكان‬
‫بأكواب الرثية؛ فلو لم ُتخَتم النب ّ‬
‫‪382‬‬
‫نبّيا»‪.‬‬

‫ي‬
‫ي عن أ ّ‬‫ن هذا السلوب الغريب المتكّلف‪ ،‬لغن ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ف ما يعتقده‬‫تفسير أو تعليق ُيراد به تعري ُ‬
‫صة‪ ،‬وفي‬‫ي في هذا الرجل خا ّ‬ ‫الشخص النقشبند ّ‬
‫ة‪ .‬وهذا من أقوى البراهين‬ ‫م ً‬
‫جميع مشائخه عا ّ‬
‫ّ‬
‫في الوقت ذاته على مدى حظ النقشبندّيين من‬
‫ق واليمان والسلم‪.‬‬ ‫الدين والخل ِ‬
‫ن النقشبندّيين قد بالغوا في‬ ‫على الرغم من أ ّ‬
‫وصفه ومدحه وكراماته ومناقبه بأقصى‬
‫ن ترجمة هذا الرجل لم يرد في‬ ‫جهودهم‪ ،‬فا ّ‬
‫المصادر المعتبرة وَك ُت ُ ِ‬
‫ب ثقاة الباحثين‬
‫ق َ‬
‫ل‬ ‫حة ما ن ُ ِ‬
‫والمؤّرخين‪ .‬وهذا يثير الشكوك في ص ّ‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.125 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪382‬‬
‫‪268‬‬

‫حول شخصيته من ك ّ‬
‫ل الوجوه‪ .‬وإّنما جميع ما‬
‫ل إلينا عن حياته من القاويل والقاصيص‬ ‫ق َ‬
‫نُ ِ‬
‫ي‬
‫ل حشو ّ‬ ‫س من كتاب الرشحات لرج ٍ‬ ‫فهو مقت َب َ ٌ‬
‫منهم لم يعاصره‪.‬‬

‫ن مشاهير الرجال من سائر طبقات‬ ‫ل يخفى أ ّ‬


‫البشر على اختلف ألسنتهم ولغاتهم‬
‫قداتهم وثقافاتهم‪ ،‬قد وردت أسماؤهم في‬ ‫عت َ َ‬‫م ْ‬‫و ُ‬
‫كتب الوفيات والتراجم والنساب والتواريخ‪ .‬ولم‬
‫ل عصٌر ممن أّرخ لصحاب الشهرة مهما كانت‬ ‫يخ ُ‬
‫مواقفهم‪ .‬لذا من‬ ‫معتقداتهم و َ‬ ‫اتجاهاتهم و ُ‬
‫فا‬ ‫ّ‬
‫خ البشر الذي قد حوى آل ً‬ ‫الغريب أن يضيق تاري ُ‬
‫ُ‬
‫ة من أسماء النبياء والعلماء والدباء‬ ‫مؤّلف ً‬
‫وار‬‫والفاتحين والرواد والمصلحين والعباقرة والث ّ‬
‫ه‬
‫والطغاة؛ وحّتى المشهورين من أهل السف ِ‬
‫ل؛ من الغريب‬ ‫والمجون والخلعة والبخل والتط ّ‬
‫ف ِ‬
‫دا أن يضيق تاريخ البشر عن استيعاب مناقب‬ ‫ج ّ‬
‫هذا الرجل اّلذي بذل النقشبندّيون ما عندهم من‬
‫طاقات وجهود في الحديث عن عظمته وجللة‬
‫قدره‪ .‬وذلك لذاعة صيته وإشاعة اسمه وشهرته‬
‫ة‪.‬‬ ‫خت َل َ َ‬
‫ق ِ‬ ‫م ْ‬‫الكاذبة ال ُ‬
‫و‬
‫ي في عل ّ‬
‫مد الخان ّ‬
‫فقد قال عبد المجيد بن مح ّ‬
‫منـزلته وشأنه ومكانته‪:‬‬

‫حا‬
‫م به من مجدٍّد خفق قلب الخافقين فر ً‬ ‫«فأ َ ْ‬
‫عظ ِ ْ‬
‫فا في رحابه؛‬ ‫به؛ وأصبحت أكاسرة الملوك وقو ً‬
‫ومل صيت إرشاده المل؛ فل ورّبك ل يبقى أحد‬
‫إل ّ استمدّ من إمداده حّتى وحوش ال َ‬
‫فل‪ .‬فهو‬
‫الغوث العظم‪ ،‬وعقد جيد المعارف النظم‪،‬‬
‫انزاحت بأنوار هدايته أعيان الغيار‪ ،‬وعادت‬
‫الشرار ببركة أسراره من أخيار العيان وأعيان‬
‫‪383‬‬
‫الخيار»‬

‫المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪383‬‬


‫‪269‬‬

‫ي في إجلله‪،‬‬ ‫إلى هذه الدرجة يبالغ الخان ّ‬


‫ض ل سند‬ ‫ّ‬
‫ويتكلف بهذا السلوب المزخرف لغر ٍ‬
‫له في إثباته‪ ،‬إذ ل تقوم دعايته هذه على أساس‬
‫ء شدقيه؛‬ ‫دعيه بمل ِ‬ ‫من الحقيقة؛ ول أصل لما ي ّ‬
‫ة من مقاله‪ .‬لن خواجه نقشبند‪ ،‬ل‬ ‫ول حّتى لكلم ٍ‬
‫ن‬‫عدُ أ ْ‬ ‫ست َب ْ َ‬
‫ذكر له في طبقات رجال العلم‪ .‬وي ُ ْ‬
‫شا‬‫يكون قد اشتهر في حياته‪ .‬ولربما كان دروي ً‬
‫دق عليه الناس؛ فعاش زمًنا في تلك‬ ‫مسكيًنا يتص ّ‬
‫فف من هذا‬ ‫ق بين قبائل التراك يتك ّ‬ ‫المناط ِ‬
‫ت نسجها‬ ‫ت حول اسمه حكايا ٌ‬ ‫ج ْ‬ ‫و َ‬ ‫م رُ ّ‬ ‫وذاك؛ ث ّ‬
‫صاصون من أمثال السرة الخانّية للوصول‬ ‫الق ّ‬
‫إلى مآربهم من جمع المال والثروات‪ ،‬وازدياد‬
‫الشهرة والجاه‪ ،‬واستغلل الضمائر؛ واستمالة‬
‫خمت الروايات‬ ‫ورت القاويل؛ وتض ّ‬ ‫القلوب؛ فتط ّ‬
‫ونت من هذه الحكايات‬ ‫مع الزمان؛ إلى أن تك ّ‬
‫ة‬
‫ي عليها اختلقُ شخصّيات أسطوري ٍ‬ ‫قاعدةٌ ب ُن ِ َ‬
‫ة‬
‫ك متباين ٍ‬ ‫ة‪ ،‬ومناس َ‬ ‫ل من عقائدَ غريب ٍ‬ ‫وأشكا ٌ‬
‫ت أخيًرا بـ‬ ‫مي َ ْ‬
‫س ّ‬
‫تختلف عن شعائر السلم‪ُ ،‬‬
‫«الطريقة النقشبندّية»‪ .‬كما يعترف معتنقوها‬
‫مد‬ ‫ة وقعت بعد مح ّ‬ ‫ن هذه التسمي ّ‬ ‫بالذات أ ّ‬
‫‪384‬‬
‫ي المعروف بـ«شاه نقشبند»‪.‬‬ ‫خار ّ‬ ‫الب ُ َ‬

‫ضا من‬
‫ي أي ً‬
‫خار ّ‬
‫مد بهاء الدين الب ُ َ‬
‫ن شخصية مح ّ‬
‫إ ّ‬
‫خلل ما ورد عنه بقلم أتباعه لهي من أقوى‬
‫الدلئل على مدى ُبعد هذه الطريقة عن حدود‬
‫السلم‪.‬‬

‫ن‬ ‫وربما كان خواجه نقشبند رجل ً تقًيا صال ً‬


‫حا ولك ّ‬
‫أتباعه اختلقوا له صورة غير اّلتي كان عليها‪،‬‬
‫فأشاعوها بين جموع البسطاء لكثار العدد ‪ -‬وهو‬
‫ظمة ‪-‬؛ فظهرت شخصيته في‬ ‫ل من ّ‬
‫مطلب ك ّ‬
‫راجع المصادر التالية‪:‬‬ ‫‪384‬‬
‫ي‪ ،‬الحديقة الندّية ص‪.22 /‬‬
‫مد بن سليمان البغداد ّ‬
‫* مح ّ‬
‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية صز ‪.12‬‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫* مح ّ‬
‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.9-8 /‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫* عبد المجيد بن مح ّ‬
‫‪270‬‬

‫ل في أنواع‬ ‫ع ومتو ّ‬
‫غ ٍ‬ ‫ل مشعوٍذ‪ ،‬مبتد ٍ‬
‫صفات رج ٍ‬
‫ي أّنه قال‪:‬‬
‫الضللت‪ .‬إذ ينقل عنه الخان ّ‬
‫ة‬
‫«أمرني )أي أمرني شيخي( أن أشتغل بخدم ِ‬
‫كلب هذه الحضرة بالصدق والخضوع‪ ،‬وأطلب‬
‫منهم المداد‪ .‬وقال لي إّنك ستصل إلى كلب‬
‫ت‬‫ة‪ ،‬فاغتنم ُ‬ ‫منهم تنال بخدمته سعادةً عظيم ً‬
‫دا بأدائها حسب‬ ‫نعمة هذه الخدمة ولم آل جه ً‬
‫ت مّرةً إلى‬ ‫ة ببشارته؛ حّتى وصل ُ‬ ‫إشارته‪ ،‬ورغب ً‬
‫ت‬‫ب‪ ،‬فحصل لي من لقائه أعظم حال‪ ،‬فوقف ُ‬ ‫كل ٍ‬
‫د‪ ،‬فاستلقى‬ ‫ى بكاءٌ شدي ٌ‬‫بين يديه واستولى عل ّ‬
‫في الحال على ظهره‪ ،‬ورفع قوائمه الربع نحو‬
‫ها وحنيًنا؛‬ ‫و ً‬‫ت له صوًتا حزيًنا‪ ،‬وتأ ّ‬‫السماء‪ .‬فسمع ُ‬
‫ت أقول‬ ‫عا وانكساًرا‪ ،‬وجعل ُ‬ ‫ت يدي تواض ً‬ ‫فرفع ُ‬
‫‪385‬‬
‫آمين‪ ،‬حّتى سكت وانقلب»‪.‬‬

‫ل إل على‬ ‫ت عنه فل تد ّ‬‫ح ْ‬


‫ن هذه القصة إذا ص ّ‬ ‫إ ّ‬
‫دة الحق‪.‬‬ ‫ضللته وفرط شقاوته وخروجه عن جا ّ‬
‫ل‬‫ن موقفه من الكلب بالصورة المذكورة ل تد ّ‬ ‫ل ّ‬
‫سّنة النبوية من‬‫على امتثاله بما ورد في ال ّ‬
‫ف احترام ٍ‬ ‫الشفقة على خلق الله؛ بل كان موق َ‬
‫ر للكلب واستمداٍد منه‪ .‬وهذا ل يّتفق مع‬ ‫وتوقي ٍ‬
‫روح السلم‪ .‬بل هو من تقاليد مجوس الهند‪.‬‬
‫ب‪ .‬ولذلك قد حّرموا أكل‬ ‫فإّنهم يعبدون الدوا ّ‬
‫اللحم على أنفسهم‪ .‬فاقتصر النقشبندّيون‬
‫ولون على تعظيم الكلب أسوة بهم دون‬ ‫ال ّ‬
‫خرين من هذه الطائفة‬ ‫تحريم اللحم‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫ن المتأ ّ‬
‫قد تصّرفوا في تعاليم أسلفهم فغّيروا منها‬
‫الكثير‬

‫ما المداد والستمداد‪ ،‬فإّنهما من جملة‬


‫أ ّ‬
‫معتقداتهم الهامة وحلقة من الحلقات الساسية‬
‫لضوابط اليمان في الديانة النقشبندّية‪ .‬يتمثل‬

‫المصدر السابق ص‪.130 ،129 /‬‬ ‫‪385‬‬


‫‪271‬‬

‫ة‬
‫ي في مفهومهم بوجود قدر ٍ‬ ‫هذا المبدأ الروحان ّ‬
‫ة يمتاز بها أولياؤهم؛ يفّرجون بها عن‬
‫ة فائق ٍ‬
‫إلهي ٍ‬
‫المغمومين والمكروبين والمقهورين بنوائب‬
‫الدهر من مريديهم؛ ويتصّرفون بها في حكم الله‬
‫وملكه ‪ -‬على حدّ اعتقادهم ‪.-‬‬

‫ب وقد يراه‬‫ل يطلب المداد من كل ٍ‬ ‫ذا فكيف برج ٍ‬ ‫إ ً‬


‫ولّيا من أولياء الله نائّبا عنه بالتصّرف؛ أو حّتى‬
‫قا في منـزلة النسان اّلذي كّرمه الله‬ ‫مخلو ً‬
‫ضله على جميع الخلئق‪ ،‬وأنعم عليه باليمان‬ ‫وف ّ‬
‫ل هذه حاله‬ ‫والعلم والعمل الصالح؛ فكيف برج ٍ‬
‫ق الثناء أو يدخل في عداد‬ ‫حّتى يستح ّ‬
‫المؤمنين؟!‬

‫ي في موضع آخر من ترجمته أّنه‬ ‫ثم ينقل الخان ّ‬


‫ُ‬
‫ما أ ّ‬
‫ذن‬ ‫خاَرى‪ .‬فل ّ‬‫ض أصحابه في ب ُ َ‬‫«دعاه بع ُ‬
‫ك‪:‬‬‫و ْ‬ ‫در ُ‬‫للمغرب قال للمولى نجم الدين دا َ‬
‫ل ما آمرك؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فان‬ ‫«‪ -‬أتتمثل ك ّ‬
‫ك بالسرقة تفعلها؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬ولم؟!‬ ‫أمرت ُ َ‬
‫فرها التوبة‪ ،‬وهذه من‬ ‫ن حقوق الله تك ّ‬‫قال‪ :‬ل ّ‬
‫حقوق العباد‪ .‬فقال‪ :‬إن لم تتمّثل أمَرنا فل‬
‫دا‪،‬‬‫عا شدي ً‬‫تصحبنا! ففزع المولى نجم الدين فز ً‬
‫ة‬
‫وضاقت عليه الرض بما رحبت‪ ،‬وأظهر التوب َ‬
‫‪386‬‬
‫والندم‪ ،‬وعزم على أن ل يعصيه أمًرا»‪.‬‬

‫هذا هو «الغوث العظم» عند النقشبندّيين؛‬


‫وةُ لكان نبّيأ» )في اعتقادهم(‪.‬‬‫خت َم ِ النب ُ ّ‬
‫«فلولم ت ُ ْ‬
‫يفرض على مريده أن ل يعصيه أمًرا‪ ،‬وإن أمره‬
‫ن شيخ‬ ‫بالسرقة! وهنا يتبّين بكمال الوضوح أ ّ‬
‫الطريقة عند هذه الطائفة «هو وكيل الله ونائبه‬
‫في ملكه»؛ له أن يتصّرف بما يشاء‪ ،‬وله أن ُيح ّ‬
‫ل‬
‫كون من ذلك قيد‬ ‫الحرام وُيحّرم الحلل‪ .‬ل يش ّ‬

‫المصدر السابق ص‪.139 /‬‬ ‫‪386‬‬


‫‪272‬‬

‫صتهم‬
‫ة عند خا ّ‬
‫ن التقي ّ َ‬
‫ة وإن كتموه ظاهًرا‪ .‬فا ّ‬
‫نمل ٍ‬
‫أشد من تقية الرافضة!‪.‬‬

‫م‬‫ول النقشبندّيون مفهو َ‬ ‫ب كما لو يتأ ّ‬ ‫سَتغَر ُ‬‫ول ي ُ ْ‬


‫ن‬‫ل‪ :‬أ ّ‬ ‫صة‪ ،‬فيقولون قي ً‬ ‫السرقة في هذه الق ّ‬
‫ة‬
‫دى بجماع ٍ‬ ‫ضا صدر منه أن تص ّ‬ ‫رسول الله ‪ ‬أي ً‬
‫من أصحابه للستيلء على قافلة أبي سفيان‬
‫التجارية‪ .‬وذلك محاولة لصوصية من قبيل‬
‫قا‬ ‫السرقة لول أن كانت بوحي من الله تصدي ً‬
‫ن‬‫فت َي ْ ِ‬‫دى الطائ ِ َ‬ ‫ح َ‬
‫ه إِ ْ‬
‫م الل ُ‬‫عدُك ُ ُ‬
‫وإ ِذْ ي َ ِ‬
‫لقوله تعالى } َ‬
‫ولت من عملية‬ ‫‪387‬‬ ‫ها ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫إذن فهي بادرة تح ّ‬ ‫كم‪{...‬‬ ‫أن ّ َ‬
‫ة إلى‬ ‫ة؛ أى من معصي ٍ‬ ‫ة جهادي ٍ‬ ‫غصب إلى عملي ٍ‬
‫ضا ل‬ ‫ة بمجرد توجيه من الله! فالشيوخ أي ً‬ ‫طاع ٍ‬
‫يتصّرفون إل ّ بتوجيه من الله‪.‬‬

‫دى أحدهم بمثل هذا‬ ‫ليس من الغريب أصل ً لو تص ّ‬


‫ن باب التأويل عندهم‬ ‫ض‪ .‬إذ أ ّ‬
‫الدفاع المفت ََر ِ‬
‫ل عن‬‫ن تأويلتهم ل تق ّ‬ ‫مفتوح على مصراعيه‪ ،‬وأ ّ‬
‫هذه الفرضية الواهية بطلًنا‪.‬‬

‫ن أركان طريقتهم‬ ‫ورد في مصادر النقشبندّية أ ّ‬


‫ق‬ ‫ّ‬
‫الثمانية التي كان قد وضعها عبدُ الخال ِ‬
‫ة‬
‫ي‪ ،‬أضاف إليها خواجه نقشبند ثلث ً‬ ‫وان ِ ّ‬
‫جدُ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫غ ْ‬
‫أخرى فغدت بذلك أحد عشر ركًنا‪.‬‬

‫جله النقشبندّيون حول‬ ‫ة لما س ّ‬ ‫كانت هذه خلص ٌ‬


‫هذا الرجل وما اعتقدوا فيه وما قالوا عنه‬
‫بروايات أتباعه‪ .‬فالذنب على من نقل واعتقد‪،‬‬
‫و‬
‫ه َ‬
‫ك ُ‬‫ن َرب ّ َ‬
‫إذا كان هو بريًئا عما ُنسب إليه }إ ِ ّ‬
‫ه‬
‫كاُنوا في َ ِ‬ ‫ما َ‬
‫ة في ِ َ‬
‫م ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫و َ‬
‫م يَ ْ‬‫ه ْ‬
‫ل ب َي ْن َ ُ‬‫ص ُ‬
‫ف ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫‪388‬‬
‫ن‪{.‬‬ ‫و َ‬ ‫خت َِلف ُ‬
‫يَ ْ‬

‫النفال‪7/‬‬ ‫سورة‬ ‫‪387‬‬

‫سورة السجدة‪.25/‬‬ ‫‪388‬‬


‫‪273‬‬

‫ة‬
‫ي فقد ورد في موسوع ٍ‬ ‫ما وضعه الجتماع ّ‬ ‫أ ّ‬
‫للنقشبندّين أّنه من أبناء السرة الهاشمية؛ وأّنه‬
‫ي بن أبي طالب‬ ‫ه بالحسين بن عل ّ‬ ‫يّتصل نسب ُ ُ‬
‫م‬‫رضى الله عنهما‪ .‬فقد يكون هذا من أه ّ‬
‫السباب اّلتي استغلها دعاةُ النقشبندّية في نشر‬
‫ة‬
‫مذهبهم بين الناس‪ .‬سواء أكانت هذه النسب ُ‬
‫ن كثيًرا من الناس طالما اتخذوا‬ ‫ة أم ل‪ ،‬فا ّ‬ ‫صحيح ً‬
‫ة لستغلل‬ ‫ي وسيل ً‬ ‫ب إلى البيت الهاشم ّ‬ ‫النتسا َ‬
‫عب َْر القرون؛‬ ‫ضمائر الناس في تحقيق المصالح َ‬
‫م فيها الجهل‬ ‫ة في المناطق اّلتي ع ّ‬ ‫ص ً‬
‫وخا ّ‬
‫ل‬
‫حي َ ِ‬ ‫ب ال ِ‬‫والبدع وانتشر فيها المغرضون وأربا ُ‬
‫ب إلى السرة الهاشمية لستمالة‬ ‫دعون النتسا َ‬ ‫ي ّ‬
‫ن نزعة النتساب‬ ‫ء والرعاع‪ .‬يبدو أ ّ‬ ‫قلوب الُبسطا ِ‬
‫ت هذه‬ ‫رف ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫إلى الهاشمّيين قد شاعت بعد أن ُ‬
‫ة وأصبح العتزاز بالباء‬ ‫ص ِ‬
‫السرة بالسيادة الخا ّ‬
‫المشهورين من العادة‪ .‬ويشير إلى ذلك ما ورد‬
‫في مقدمة الناشر للكتاب المعروف «أنساب‬
‫الشراف» تأليف أحمد بن يحيى البلذري أّنه‬
‫«يطلق الشريف في الّلغة على الرجل الماجد‪،‬‬
‫ق لقب الشريف‬ ‫ُ‬
‫أو من كان كريم الباء‪ .‬ثم أطل ِ َ‬
‫على من كان من آل بيت الرسول ‪ ‬شامل ً‬
‫العلوّيين والجعفرّيين والعباسّيين‪ .‬ومن الناس‬
‫ن‬
‫صره على ذرية الحسن والحسين على أ ّ‬ ‫نق ّ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ة نسل علي‪ ،‬لم‬ ‫ص ٍ‬ ‫ص بآل البيت وبخا ّ‬ ‫التخصي َ‬
‫ي؛ ويغلب أّنه‬ ‫يشتهر إل ّ في القرن الرابع الهجر ّ‬
‫كان في أواخره»‪.‬‬

‫فما أكثر الدعياء من أمثال ميمون بن ديصان‬


‫ي‪،‬‬
‫دعي أّنه هاشم ّ‬ ‫ي اّلذي كان ي ّ‬
‫داح اليهود ّ‬ ‫الق ّ‬
‫ه بين العجام وفي البلد اّلتي‬ ‫فما أكثر أمثال ُ ُ‬
‫ة‪ ،‬وازدادت فيها‬‫انتشرت فيها الطرقُ الصوفي ّ ُ‬
‫ت السحرة والمشعوذين‪‬‬ ‫نشاطا ُ‬
‫‪274‬‬

‫ما جميع ما ُنقل إلينا من مناقب خواجه نقشبند‬ ‫أ ّ‬


‫ك في النسبة إليه‪.‬‬ ‫ه‪ ،‬فانه ل يخلو عن الش ّ‬ ‫وأقوال ِ ِ‬
‫ولم يثبت منه شيء بالدليل القاطع أّنه من‬
‫ل على ذلك‬ ‫مّيا‪ .‬يد ّ‬
‫كلمه‪ ،‬مما يغلب أّنه كان أ ّ‬
‫ت سنين‬ ‫ر اسمه خليل آتا مدةَ س ّ‬ ‫قيامه بخدمة أمي ٍ‬
‫دا عن العلم وأهله؛ حّتى آل ملك ُ ُ‬
‫ه إلى‬ ‫بعي ً‬
‫الزوال‪.‬‬

‫ي‪ ،‬فمشكوك فيه‬ ‫ما نسبته إلى البيت الهاشم ّ‬ ‫أ ّ‬


‫ل من يجهل منهم‬ ‫ن أبناء هذه السرة‪ ،‬ق ّ‬ ‫ضا‪ .‬ل ّ‬‫أي ً‬
‫ه قد ب ّ‬
‫شرته‬ ‫ن جدّت َ ُ‬ ‫غَنا «أ ّ‬‫الّلغة العربّية‪ .‬بينما ب َل َ َ‬
‫سرت له‬‫ك»‪ ،‬حين ف ّ‬ ‫ب يناله من شيوخ الت ّْر ِ‬ ‫بنصي ٍ‬
‫ص عليها من منامه‪ .‬وهذا من قبيل العتزاز‬ ‫ما ق ّ‬
‫بالعشيرة‪ .‬ول يعتز النسان إل ّ بقومه؛ كما‬
‫كلل بن حمزة‬ ‫ينطبق نفس المر على شيخه ُ‬
‫ضا‪.‬‬‫أي ً‬
‫ة من‬‫عب َْر هذا التحليل موج ٌ‬
‫وهنا تعترضنا َ‬
‫التعارض بين مواقف النقشبندّيين وأقوالهم‬
‫ورواياتهم‪ ،‬سوف نتطّرق إليها في بابها‬
‫ن شاء الله تعالى‪.‬‬ ‫بالتفصيل إ ْ‬
‫ل‬
‫ن النقشبندّيين لم يتوانوا عن نق ِ‬ ‫هذا‪ ،‬ومع أ ّ‬
‫ة بعنوان الكرامات‬ ‫ت أسطوري ٍ‬ ‫ر من حكايا ٍ‬ ‫كثي ٍ‬
‫ي‪ ،‬ولكنهم قد‬ ‫خار ّ‬ ‫مد الب ُ َ‬‫ن ترجمة خواجه مح ّ‬ ‫ضم َ‬
‫ة تدل على أّنه‬ ‫أمسكوا عن تسجيل أدنى إشار ٍ‬
‫گان ِّية‪ ،‬أو‬‫ج َ‬‫وا َ‬‫خ َ‬‫تكّلم عن الّرابطة‪ ،‬أو الختم ُ‬
‫ي‪ ,‬إل ّ ما‬‫ص ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ظ الورِد بال ُ‬ ‫السلسلة‪ ،‬أو عدّ ألفا ِ‬
‫ن المصطلحات الثلثة اّلتي‬ ‫سبق إليه الكلم أ ّ‬
‫أضيفت إلى أركان الطريقة النقشبندّية‪ ،‬هو‬
‫اّلذي وضعها على ما ورد في مصادرهم‪ .‬وهي‬
‫ي» و‬‫ي» و«الوقوف العدد ّ‬ ‫«الوقوف الزمان ّ‬
‫‪389‬‬
‫ي‬‫«الوقوف القلب ّ‬
‫راجع الفصل الثاني‪ /‬آداب الطريقة النقشبندّية‪ ،‬باب «المصطلحات الفارسّية في الطريقة النقشبندّية‬ ‫‪389‬‬
‫وأسرارها»‪.‬‬
‫‪275‬‬

‫***‬

‫* الحلقة السادسة عشرة من السلسلة‬


‫النقشبندّية‪.‬‬
‫ن هذه الحلقة‬ ‫جاء فيما كتبه النقشبندّيون‪ ،‬أ ّ‬
‫ي أسمه‬
‫خار ّ‬‫كان ب ُ َ‬‫ي من س ّ‬ ‫يمّثلها رجل خوارزم ّ‬
‫علء الدين العطّار‪.‬‬

‫ي الصل كسائر الروحانّيين اّلذين‬ ‫يغلب أّنه ترك ّ‬


‫ن حياته‬ ‫ظهروا في هذه المنطقة‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫وشخصيته الحقيقية غير مذكورة في تراجم‬
‫خرون من‬ ‫الرجال‪ .‬وعلى الرغم مما يزعمه المتأ ّ‬
‫شيوخ هذه الطائفة أّنه «اختار التجّردَ لتحصيل‬
‫خاَرى حّتى نبغ في جميع‬ ‫العلوم في مدارس ب ُ َ‬
‫الفنون وبلغ منها فوق ما تتعّلق به‬
‫ن هذه الرواية ل سند لها‪،‬‬ ‫الظنون‪»...‬؛‪ 390‬إل ّ أ ّ‬
‫كما تبدو في الوقت ذاته أّنها بعيدة عن‬
‫طار‪ ،‬لو كان له أق ّ‬
‫ل‬ ‫ن علء الدين الع ّ‬ ‫الحقيقة‪ .‬ل ّ‬
‫صل َ ْ‬
‫ت إلينا‬ ‫و َ‬‫ول َ َ‬
‫نصيب من العلم لظهرت ثمراته‪َ ،‬‬
‫ن عاصره من العلماء كالشريف‬ ‫م ْ‬‫ج َ‬
‫ن إنتا ِ‬
‫ضم َ‬
‫ي اّلذي نقل عنه نور الدين عبد الرحمن‬ ‫الجرجان ّ‬
‫الجامي أّنه قال‪:‬‬

‫كلل‪،‬‬‫ت بالشيخ زين الدين علي ُ‬ ‫ما اتصل ُ‬


‫«ل ّ‬
‫ت إلى الشيخ علء‬‫ما وصل ُ‬
‫ت من الرفض؛ و ل ّ‬ ‫خلص ُ‬
‫‪391‬‬
‫ت الله تعالى»‪.‬‬‫طار عرف ُ‬‫الدين الع ّ‬

‫ي‬
‫ما مثل الجرجان ّ‬ ‫ن عال ً‬‫وقد يسأل سائل‪ :‬بأ ّ‬
‫ت‬
‫ما وصل ُ‬ ‫يعترف بقدر هذا الرجل‪ ،‬ويقول « ل ّ‬
‫ت الله»‪ ،‬مع‬ ‫طار عرف ُ‬ ‫إلى الشيخ علء الدين الع ّ‬
‫ه بها إل ّ‬ ‫و ِ‬
‫ؤ على الّتف ّ‬ ‫ن هذه الكلمة ل يجر ُ‬
‫أ ّ‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.144 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪390‬‬

‫المصدر السابق ص‪.150/‬‬ ‫‪391‬‬


‫‪276‬‬

‫ة؛ لّنهم يعنون بها التعّرف إلى ذات الله؛‬


‫الزنادق ُ‬
‫ي؟‬‫ك في أمر الجرجان ّ‬‫فكيف يجوز لنا أن ل نش ّ‬

‫ول ً على نفسه بهذه‬ ‫يأ ّ‬


‫ت‪ :‬أقّر الجرجان ّ‬ ‫قل ُ‬
‫الكلمات الواردة عنه بالذات أّنه إّنما خلص من‬
‫كلل‪.‬‬ ‫ي ُ‬ ‫ما اّتصل بالشيخ زين الدين عل ِ‬ ‫الرفض ل ّ‬
‫ومعنى ذلك أن غزارةَ علمه ‪ -‬اّلتي تشهد عليها‬
‫ة ‪ 392،-‬لم ُتغن عنه شيّئا‪ ،‬فلم‬ ‫ه القيم ُ‬‫ف ُ‬‫تصاني ُ‬
‫تخلص به من ضللة الرفض‪ ،‬ولكّنه خلص بعد ما‬
‫ة‬
‫اّتصل بالشيخ زين الدين! لقد تظهر عقلي ُ‬
‫ة بكمال الوضوح من‬ ‫ه العاطفي ُ‬‫ي وطبيعت ُ ُ‬ ‫الجرجان ّ‬
‫خلل هذا التحليل‪ .‬فهو كما قيل «علمه أكثر من‬
‫ة وهو يأتي‬ ‫ع ثق ٍ‬
‫عقله» فكيف إذن نضعه موض َ‬
‫ت‬
‫ما وصل ُ‬ ‫باعتراف أشد وبال ً عليه إذ يقول «ل ّ‬
‫ت الله تعالى‪ .‬وقد مّر‬ ‫إلى الشيخ علء الدين عرف ُ‬
‫م «المعرفة بالله» في عقيدة‬ ‫حَنا مفهو َ‬ ‫شَر ْ‬‫ن َ‬‫أ ْ‬
‫‪393‬‬
‫الصوفّية‪.‬‬

‫ي في‬‫ل غن ّ‬ ‫كان علء الدين العطّار من أبناء رج ً‬


‫في والده ترك ثلثة أنجال‪.‬‬ ‫ما تو ّ‬
‫خاَرى‪« .‬ل ّ‬
‫مدينة ب ُ َ‬
‫‪394‬‬
‫واختار أن يدخل‬ ‫خرج من ميراثه لخويه‪».‬‬
‫مد بهاء الدين‬ ‫وف بإيعاز من مح ّ‬ ‫غمار التص ّ‬
‫د من‬‫دي ٍ‬ ‫ي‪ .‬وأعرض عن ملزمة العلم ك َ َ‬
‫ع ِ‬ ‫خار ّ‬ ‫الب ُ َ‬
‫رجال هذه السلسلة‪.‬‬

‫دهم ليحشدوا من‬ ‫طالما بذل النقشبندّيون جهو َ‬


‫أخبار قدمائهم في طّيات ما قد صّنفوه‪ .‬ولكنهم‬
‫ة عدٍد‬
‫ة عن حيا ِ‬
‫ة تفصيلي ٍ‬
‫لم يتوصلوا إلى معرف ٍ‬
‫ن شيوخهم اّلذين عاشوا قبل أحمد‬ ‫ر منهم‪ .‬ل ّ‬
‫كبي ٍ‬
‫ي‪ ،‬في الحقيقة لم يكونوا‬ ‫ي السرهند ّ‬‫الفاروق ّ‬
‫من ذوي الجاه والشهرة في العهد والمنطقة‬
‫خيرالدين زركلي‪ ،‬العلم‪ ،‬ج‪/5 .‬ص‪ .7 /‬دار العلم للمليين الطبعة ‪ .11‬بيروت ‪1995 -‬م‪.‬‬ ‫‪392‬‬

‫راجع مفهوم «المعرفة بالله» في باب «مفاهيم ومصطلحات ومعتقدات أخرى عند هذه الطائفة» من‬ ‫‪393‬‬
‫الفصل الثالث‪.‬‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.150 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪394‬‬
‫‪277‬‬

‫ل ما ُنسب‬ ‫الّلتين قضوا فيهما حياتهم‪ .‬بل ك ّ‬


‫إليهم من الفضل والكرامة والعلم والزهد‪ ،‬إّنما‬
‫افترضه واختلقه ذوو الهواء من أخلفهم اّلذين‬
‫طمعوا في الشتهار بعد ما علموا أنهم لن‬
‫ه‬ ‫كنوا من ذلك إل ّ بالنتساب إلى من ي ُ َ‬
‫و ّ‬
‫قُر ُ‬ ‫يتم ّ‬
‫ة حول أسماء‬ ‫ت أسطوري ً‬ ‫س‪ .‬فنسجوا حكايا ٍ‬
‫النا ُ‬
‫بعض الدراويش اّلذين كانوا قد ذهبوا مع الريح‪،‬‬
‫ولم يعلم أحد أين وقعت عظامهم ورفاتهم‪ .‬ثم‬
‫ة‬
‫قَباًبا ضخم ً‬ ‫ة فبنوا علها ِ‬ ‫افترضوا لهم أضرح ً‬
‫ها‪.‬‬
‫ست ْ َ‬‫ها وقدّ َ‬ ‫هابت منها الناس وعظّ َ‬
‫مت ْ َ‬
‫ومن جملة هؤلء الدراويش‪ ،‬علء الدين العطّار‪.‬‬
‫ن الحكايات المنسوجة حوله‪ ،‬ل يتسلى بها‬ ‫فا ّ‬
‫العاقل ول يقتنع بها العالم‪ .‬ومع ذلك لم يرد‬
‫ن علء‬
‫ن هذه الترجمة أدنى إشارة إلى أ ّ‬ ‫ضم َ‬
‫طار قد تعّبد على أسلوبهم أو تكّلم عن‬‫الدين الع ّ‬
‫مصطلحالتهم وتعاليمهم وآدابهم‪.‬‬
‫***‬

‫* الحلقة السابعة عشرة من‬


‫سلسلتهم‪.‬‬
‫هذه الحلقة يمّثلها رجل اسمه يعقوب بن عثمان‬
‫ي‪.‬‬
‫خ ّ‬
‫بن محمود الـﭽر ِ‬
‫ي بقرب غزنين‪ .‬وهي مدينة من مدن‬ ‫خ ّ‬‫ولد الـﭽر ِ‬
‫في في‬ ‫أفغانستان‪ .‬تقع بين قندهار وكابول‪ .‬وتو ّ‬
‫قرية هلفتو في تلك المناطق عام ‪ .851‬من‬
‫كن أحد من‬ ‫ما تاريخ ولدته‪ ،‬فلم يتم ّ‬
‫الهجرة‪ .‬وأ ّ‬
‫ن من بين‬ ‫إثباته حّتى النقشبندّيون أنفسهم‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫ل أبرز‬ ‫رجال هذه الطائفة في تلك الحقبة لع ّ‬
‫م البحث في أحواله هي‬ ‫شخصية جرى قل ُ‬
‫ة‪.‬‬
‫م ٍ‬
‫ي لسباب ها ّ‬ ‫خ ّ‬
‫شخصية يعقوب الﭽر ِ‬
‫‪278‬‬

‫منها‪ ،‬قيل إّنه درس وتعّلم «ورحل لتحصيل‬


‫م إلى مصر المحروسة‪،‬‬ ‫العلوم إلى هراة‪ ،‬ث ّ‬
‫قى العلوم الشرعّية والعقلّية عن علمائها‪.‬‬ ‫وتل ّ‬
‫لمة عصره الشيخ شهاب الدين‬ ‫ومن أعظمهم ع ّ‬
‫‪395‬‬
‫الشيرواني‪».‬‬

‫ي في ترجمته‪.‬‬ ‫هكذا ينقل عبد المجيد الخان ّ‬


‫ومهما كانت هذه القوال بعيده الحتمال فقد‬
‫ي رسالة عنوانها‬ ‫خ ّ‬‫ُنسبت إلى يعقوب الﭽر ِ‬
‫ل على أّنه كان يحسن‬ ‫«الرسالة ا ُ‬
‫لنسية»‪ ،‬تد ّ‬
‫ح‬
‫القراءة والكتابة ولو بالفارسّية‪ - ،‬إذا ص ّ‬
‫ح ذلك‪ ،‬لكان ورد اسمه‬ ‫إسنادها إليه ‪ .-‬لّنه لو ص ّ‬
‫ن تراجم الرجال في تصانيف الباحثين غير‬ ‫ضم َ‬
‫ث‬‫ول باح ٍ‬ ‫نأ ّ‬‫النقشبندّيين‪ .‬وعلى اقل تقدير‪ ،‬فا ّ‬
‫م بهذا‬ ‫ي بن الحسين الواعظ قد اهت ّ‬ ‫منهم عل ّ‬
‫الرجل‪ ،‬وأوله شأًنا في كتابه «الرشحات» وهو‬
‫أقدم مصدر يعتمد عليه النقشبندّيون‪.‬‬

‫ت يقول فيها‬ ‫جاءت في كشف الظنون عبارا ٌ‬


‫ي ‪ -‬في‬ ‫المصّنف «رشحات عين الحياة ‪ -‬فارس ّ‬
‫م ضمنًا‪.‬‬‫ه ْ‬
‫ب النقشبندّية ورسوم ِ طريقت ِ ِ‬ ‫مناق ِ‬
‫ي‬‫ي البيهق ّ‬ ‫ي الواعظ الكاشف ّ‬ ‫لحسين بن عل ّ‬
‫ت بصحبة‬ ‫ف ُ‬ ‫شّر ْ‬ ‫ما ُ‬
‫ي‪ .‬قال «ول ّ‬‫المشتهر بالصف ّ‬
‫الشيخ ناصر الدين خواجه عبيد الله مرة سنة ‪889‬‬
‫)تسع وثمانين وثمانمائة(‪ ،‬وأخرى في سنة ‪893‬‬
‫ت‬
‫ت ما استفد ُ‬ ‫)ثلث وتسعين وثمانمائة(‪ ،‬وكتب ُ‬
‫ت أن أجمع في ضمن‬ ‫في مجلسه الشريف‪ ،‬أرد ُ‬
‫‪396‬‬
‫مناقبهم العلية »‬

‫خ‬ ‫ن باحًثا مؤّر ً‬


‫خا يخبر أّنه اجتمع بشي ٍ‬ ‫ثبت بهذا أ ّ‬
‫من قدماء هذه الطائفة مّرتين‪ .‬وهو عبيد الله‬
‫خا‬
‫ي شي ً‬
‫خ ّ‬
‫ل مقام يعقوب الﭽر ِ‬ ‫الحرار اّلذي ح ّ‬

‫المصدر السابق ص‪.155/‬‬ ‫‪395‬‬

‫مصطفى بن عبد الله )حاجي خليفه(‪ ،‬كشف الظنون ‪ .1/903‬وزارة المعارف‪ .‬تركيا‪.1941-‬‬ ‫‪396‬‬
‫‪279‬‬

‫ن شاء‬
‫للطائفة النقشبندّية‪ .‬وستأتي ترجمته إ ْ‬
‫ي في‬ ‫خ ّ‬
‫ل هذا على شأن الـﭽر ِ‬‫الله تعالى‪ .‬يد ّ‬
‫الوقت ذاته‪.‬‬

‫ومن السباب اّلتي ُتثير الهتما َ‬


‫م بهذه‬
‫الشخصية‪ ،‬هو أّنه معاصٌر لخواجه نقشبند ‪ -‬اّلذي‬
‫سب إليه الطريقة النقشبندّية‪-‬؛ وأنه صاحبه‬ ‫ُتن َ‬
‫ب هذه الطريقة‪.‬‬ ‫وتل ّ‬
‫قى منه آدا َ‬
‫ق بأستاذ أستاذه خواجه‬
‫ده العمي َ‬
‫ن اعتقا َ‬
‫فا ّ‬
‫نقشبند‪ ،‬يبدو من خلل ما ينقل عنه بالذات‪،‬‬
‫فيقول‪:‬‬

‫ة في‬‫ت له هيب ً‬ ‫ي بوجهه الكريم؛ فوجد ُ‬ ‫«أقبل عل ّ‬


‫ة في نظري‬ ‫ة في قلبي‪ ،‬وجلل ً‬ ‫نفسي وعظم ً‬
‫م في حضوره‪ .‬فقال لي‬ ‫حّتى لم أطق الكل َ‬
‫ه؛ ورد في الخبار‪ :‬العلم علمان؛ علم‬ ‫دس سّر ُ‬ ‫ُ‬
‫ق ّ‬
‫ه النبياءُ‬ ‫م ُ‬
‫عل ِ َ‬
‫القلب وذلك العلم النافع‪َ ،‬‬
‫جة الله على‬ ‫والمرسلون؛ وعلم اللسان‪ ،‬وذلك ح ّ‬
‫خلقه‪ .‬وأرجو الله تعالى أن يكون لك نصيب من‬
‫م قال ورد في الخبر إذا جالستم‬ ‫علم الباطن‪ .‬ث ّ‬
‫ل الصدق فجالسوهم بالصدق فإّنهم جواسيس‬ ‫أه َ‬
‫‪397‬‬
‫القلوب يدخلونها وينظرون إلى قلوبكم‪».‬‬

‫ن نسبة هذه العبارات إلى خواجه نقشبند‪ ،‬وإن‬ ‫إ ّ‬


‫كانت ل تقوم على برهان قاطع‪ ،‬ولكنها تدل‬
‫ة دقيقة للّناقل‪ ،‬على أّنه يمتاز‬
‫على معرف ٍ‬
‫بمهارة في فنون الدب والبلغة والنشاء‪- ،‬‬
‫ة‬‫عا إذا كانت هذه الترجمة العربّية مطابق ً‬‫طب ً‬
‫ي–‬
‫خ ّ‬‫للّنص الفارسي من كلم يعقوب الﭽر ِ‬
‫م بشخصية‬‫م السباب اّلتي ُتثير الهتما َ‬ ‫ولع ّ‬
‫ل أه ّ‬
‫ول من نطق بكلمة‬ ‫ي‪ ،‬هو أّنه أ ّ‬
‫خ ّ‬
‫يعقوب الﭽر ِ‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.155 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪397‬‬
‫‪280‬‬

‫ن ظّلت الّرابطة محصورةً في نطاق‬


‫«الّرابطة وإ ْ‬
‫ر محدوٍد في عهده‪.‬‬ ‫و ٍ‬
‫تص ّ‬
‫ن لهذا‬ ‫معطيات نستد ّ‬
‫ل بها على أ ّ‬ ‫ك ّ‬
‫ل هذه ال ُ‬
‫ما في بناء هذه الطريقة‬ ‫الرجل دوًرا ها ّ‬
‫ف‪،‬‬
‫ق التصّر ِ‬ ‫الصوفّية‪ .‬لّنه قد رأى في نفسه ح ّ‬
‫م‬‫ءا أصبح فيما بعد من أه ّ‬‫فأضاف إليها مبد ً‬
‫أركان العقيدة النقشبندّية‪.‬‬
‫***‬
‫* الحلقة الثامنة عشرة من السلسلة‬
‫النقشبندّية‪.‬‬
‫هذه الحلقة ل تق ّ‬
‫ل شأًنا عن الحلقة السابقة‬
‫ءا من خواجه نقشبند‪ .‬يمّثلها رجل‬‫للسلسلة بد ً‬
‫اسمه ناصر الدين عبيد الله الحرار بن محمود‬
‫بن شهاب الدين‪.‬‬

‫ولد خواجه أحرار عام ‪ 806‬من الهجرة الموافق‬


‫‪ 1403‬من الميلد بمدينة طاشكند في غضون‬
‫الحروب اّلتي نشبت بين تيمورلنك وبين أبي‬
‫ي‪ .‬وتوفي عام ‪895‬‬‫يزيد يلدرم بن مراد العثمان ّ‬
‫ي‬
‫هـ‪ .‬الموافق ‪1490‬م‪ .‬بمدينة سمرقند‪ .‬وهو ترك ّ‬
‫الصل كسائر رجال السلسلة اّلذين ظهروا في‬
‫عمر‬‫مه تتصل ب ُ‬
‫نأ ّ‬
‫تلك المنطقة‪ .‬ويزعم بعضهم أ ّ‬
‫بن الخطاب نسًبا‪.‬‬

‫يمتاز الحرار بمكانته الجتماعّية وقدرته المالية‬


‫على الرغم من إعراضه عن الدراسة والتعلم‪.‬‬
‫جاء في ترجمته أّنه ت ََرّبى في حجر خاله الشيخ‬
‫إبراهيم الشاشي‪ .‬ويقول الحرار عن خاله هذا‪:‬‬

‫دا في أن أتعّلم حّتى أرسلني من‬ ‫«لم يأ ُ‬


‫ل جه ً‬
‫ت كلما‬
‫طاشكند إلى سمرقند رجاء ذلك‪ .‬فكن ُ‬
‫ت إلى الدرس أصابني مرض يمنعني عنه‪.‬‬ ‫ذهب ُ‬
‫ت له حالي‪ :‬وإّنك إن كّلفتني بالتحصيل‬‫فذكر ُ‬
‫‪281‬‬

‫ف‪ ،‬وقال يا ولدي أنا لم أعلم‬ ‫ربما أموت‪ .‬فتو ّ‬


‫ق َ‬
‫ت أن‬‫حقيقة حالك‪ ،‬فاذهب وافعل ما تريد‪ .‬وأرد ُ‬
‫ت عيناي؛ ولم أزل كذلك خمسة‬ ‫ما فرمد ْ‬‫أقرأ يو ً‬
‫ت‪ ،‬ولم أصل في‬ ‫ما‪ .‬فحينئذ ترك ُ‬
‫وأربعين يو ً‬
‫ولع ّ‬
‫ل‬ ‫‪398‬‬
‫القراءة إل ّ إلى المصباح في النحو‪».‬‬
‫الكتاب المذكور هو المصباح للمام ناصر الدين‬
‫عبد السيد المطرزي المتوفى سنة ‪ 610‬هـ‪.‬‬

‫ن شيوخ النقشبندّية قد أل َ ّ‬
‫موا‬ ‫بهذا نهتدي إلى أ ّ‬
‫ءا من عبيد الله الحرار على‬ ‫بالدراسة والتعّلم بد ً‬
‫الرغم من احتقارهم للعلوم العقلّية واكتفائهم‬
‫ن‬‫يأ ّ‬
‫وَردَ في مكتوبات الرّبان ّ‬‫بقليل منها‪َ .‬‬
‫للخواجه أحرار رسالة فارسية بعنوان‬
‫‪399‬‬
‫«الفقرات»‬

‫صة بعلقاته مع ملوك‬


‫يمتاز عبيد الله الحرار خا ّ‬
‫خله في مناسباتهم وخلفاتهم‪.‬‬ ‫عصره‪ ،‬وبتدا ُ‬
‫يقول في ذلك عن نفسه‪:‬‬

‫ت لحد من‬ ‫ت للمشيخة ما أبقي ُ‬ ‫در ُ‬


‫«لو أّني تص ّ‬
‫ن الله أمرني بأمر آخر‪.‬‬ ‫دا؛ ولك ّ‬
‫مشائخ العصر مري ً‬
‫وهو إنقاذ المسلمين من شّر الظلمة وأيدي‬
‫ت السلطين ابتغاء‬ ‫المخالفين‪ .‬ولهذا خالط ُ‬
‫‪400‬‬
‫تسخيرهم لنفع المسلمين‪».‬‬

‫قا ليس للنكار على هذا القول من سبيل‪ ،‬لول‬ ‫ح ً‬


‫ن الحرار لم‬ ‫قال «ولكن الله أمرني»‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫دعاء غريب‪،‬‬‫د؛ بل تجاوزه با ّ‬ ‫قف عند هذا الح ّ‬ ‫يتو ّ‬
‫قال فيه‪:‬‬

‫ة‬
‫ق تعالى في التصّرف قوةً عظيم ً‬
‫«أعطاني الح ّ‬
‫ة إلى ملك الخطى وهو‬‫ت ورق ً‬
‫بحيث لو أرسل ُ‬
‫المصدر السابق ص‪.157/‬؛ علي بن الحسين الواظ الكاشفي البيهقي‪ ،‬رشحات عين الحياة ص‪.424 /‬‬ ‫‪398‬‬

‫ي‪ ،‬المكتوبات‪.187 .‬‬


‫ي السرهند ّ‬
‫أحمد الفاروق ّ‬ ‫‪399‬‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.166 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪400‬‬
‫‪282‬‬

‫قف‪ .‬ومع هذا ل‬‫دعي اللوهية‪ ،‬لجاء حافًيا بل تو ّ‬ ‫ي ّ‬


‫أتصّرف في ملكه تعالى بقدر ذرة؛ بل أقف عند‬
‫ن من آداب هذا المقام أن‬ ‫ل‪ .‬فا ّ‬‫حدّ أمره عّز وج ّ‬
‫ل وعل‪ ،‬ل‬ ‫ة لرادته ج ّ‬ ‫تكون إرادت ُ َ‬
‫ك تابع ً‬
‫‪401‬‬
‫العكس‪».‬‬

‫يتظاهر الحرار في نهاية هذه العبارات باعتقاٍد‬


‫ل يخالفه مسلم‪ .‬وهو اّلذي أظهر في قوله «أن‬
‫ن هذا‬ ‫ة لرادته ج ّ‬
‫ل وعل‪ ».‬ولك ّ‬ ‫تكون إرادتك تابع ً‬
‫العتقاد يتعارض مع ما أفصح به في مسته ّ‬
‫ل‬
‫ة‬
‫ق تعالى في التصّرف قو ً‬ ‫كلمه «أعطاني الح ّ‬
‫ة‪!»...‬‬
‫عظيم ً‬

‫صة بالحرار عن‬ ‫ل المعلومات الخا ّ‬ ‫انتقلت إلينا ج ّ‬


‫ي بن الحسين الواعظ صاحب كتاب‬ ‫طريق عل ّ‬
‫الرشحات وهو عديل نور الدين عبد الرحمن‬
‫‪402‬‬
‫ن‬‫ومّر ضم َ‬ ‫الجامي‪ ،‬أى زوج أخت امرأته‪.‬‬
‫ي‪ ،‬أّنه زار عبيد الله الحرار‬ ‫خ ّ‬
‫ترجمة يعقوب الﭽر ِ‬
‫ة للنقشبندّيين‪ ،‬أّنه‬ ‫مّرتين كما ورد في موسوع ٍ‬
‫‪403‬‬
‫ول غرو أن‬ ‫أقام سنين في مجالس الحرار‪.‬‬
‫من أسباب شهرة الحرار‪ ،‬احتفاء العلماء به؛‬
‫ي‪.‬‬‫وعلى رأسهم نور الدين عبد الرحمن الجام ّ‬
‫وَردَ في الرشحات أّنه اجتمع به أربع مّرات‬ ‫َ‬
‫ل في‬ ‫خ َ‬
‫وما قيل عنه أّنه تد ّ‬ ‫‪404‬‬
‫وراسله مراًرا‪.‬‬
‫سا من الصحة‪.‬‬ ‫ن له أسا ً‬ ‫مصالحة الملوك‪ ،‬يغلب أ ّ‬
‫ة‬
‫حيث جاء ذلك في كتاب الرشحات بصراح ٍ‬
‫‪405‬‬
‫وتفصيل‪.‬‬

‫المصدر السابق ص‪.166 /‬‬ ‫‪401‬‬

‫‪İslâm Alimleri Ansiklopedisi 13/263‬‬ ‫‪402‬‬

‫المصدر السابق ‪13/123‬؛ راجع ترجمة عبد الرحمن الجامي‪ ،‬خير الدين زركلي‪ ،‬العلم ‪.3/296‬‬ ‫‪403‬‬

‫علي بن الحسين الواعظ‪ ،‬رشحات عين الحياة ص‪.215-213 /‬‬ ‫‪404‬‬

‫المصدر السابق ص‪.426 ،425 /‬‬ ‫‪405‬‬


‫‪283‬‬

‫ن عبيد الله الحرار هو ثاني من أقّر الّرابطة‬ ‫إ ّ‬


‫من رجال هذه الطائفة؛ وزادها شأًنا في‬
‫قُنها المريدين كما يشهد‬‫الطريقة‪ .‬لّنه بدأ يل ّ‬
‫ي إذ‬
‫مد الخان ّ‬
‫على ذلك قول عبد المجيد بن مح ّ‬
‫يقول‪:‬‬

‫ول هو صهره الطهر‪ ،‬والوارث‬ ‫«المير عبد ال ّ‬


‫‪406‬‬
‫لسّره النور؛ اشتغـل برابطته سبع سنين‪».‬‬
‫ولكن ل نعتقد أن تكون الّرابطة قد تحولت إلى‬
‫ركن للطريقة في تلك الحقبة على خلف ما‬
‫ن الطريقة‬
‫دعيه النقشبندّيون‪ .‬ويزعمون أ ّ‬ ‫ي ّ‬
‫ة من عهده إلى زمن أحمد‬ ‫مت بالحرارية بداي ً‬ ‫تس ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫ي السرهند ّ‬ ‫الفاروق ّ‬
‫ن عبيد الله‬
‫ل هذه المعطيات تبرهن على أ ّ‬ ‫ك ّ‬
‫ن ومكانة في‬ ‫الحرار كان رجل ً مرمو ً‬
‫قا‪ ،‬ذا شأ ٍ‬
‫بلد ماوراءالنهر؛ وكان أوسع شهرةً من أسلفه؛‬
‫بحيث قفزت الطريقة النقشبندّية إلى إسطنبول‬
‫ذ له ُيدعى عبد الله اللهي‪.‬‬ ‫بجهود تلمي ٍ‬
‫ن ملوك‬
‫ي‪ :‬أ ّ‬
‫فَرو ّ‬‫وََردَ في رسالة للشيخ قسيم الك ُ ْ‬
‫ة لهم في‬ ‫المغول اّلذين ظفروا بإقامة دول ٍ‬
‫ة بأبناء عبيد الله‬ ‫ة قوي ّ ٍ‬
‫الهند‪ ،‬كانوا على صل ٍ‬
‫الحرار وخلفائه‪ ،‬أسوةً بسيرة آبائهم مع‬
‫‪407‬‬
‫الحرار‪.‬‬
‫***‬

‫* الحلقة التاسعة عشرة من السلسلة‬


‫النقشبندّية‪.‬‬
‫ي‪.‬‬
‫مد زاهد البدخش ّ‬‫هذه الحلقة هو القاضي مح ّ‬
‫استخلفه الحرار لمكانته عنده؛ وربما لقرابته‬
‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.169 /‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪406‬‬

‫‪Kasım Kufralı, Nakşibendiliğin Kuruluşu ve Yayılışı Pg. 82 Türkiyat Enstitüsü No. 337 İst.-1949‬‬ ‫‪407‬‬
‫‪284‬‬

‫ن قاضي‬‫ي )شيخ الحرار(‪ .‬ل ّ‬


‫خ ّ‬
‫إلى يعقوب الﭽر ِ‬
‫ي‪.‬‬
‫خ ّ‬‫مد زاهد هو ابن أخت يعقوب الﭽر ِ‬
‫مح ّ‬
‫ي سنة ‪ 936‬من الهجرة‪ ،‬الموافق‬‫توفي البدخش ّ‬
‫لعام ‪ 1529‬من الميلد بقرية الوحش من ضواحي‬
‫قصبة الحصار على مقربة من مدينة سمرقند‪.‬‬
‫ما تاريخ ولدته‪ ،‬فإّنه مجهول‪.‬‬
‫أ ّ‬
‫ما و«صّنف‬ ‫صحب عبيدَ الله الحرارَ اثنا عشر عا ً‬
‫ماه سلسلة‬ ‫كتاًبا في فضائله وشمائله س ّ‬
‫‪408‬‬
‫وينسب إليه‬ ‫ديقين‪».‬‬‫العارفين وتذكرة الص ّ‬
‫‪409‬‬
‫جمع فيه ما‬ ‫كتاب آخر بعنوان «المسموعات»‬
‫سمع من شيخه عبيد الله الحرار‪.‬‬
‫ن ترجم له أّنه قد درس‬ ‫م ْ‬
‫يبدو من عبارات َ‬
‫وتعّلم‪ ،‬ولكنه أعرض عن دراسة العلم بعد أن‬
‫وف‬ ‫التقى بخواجه أحرار؛ فانثنى إلى التص ّ‬
‫والسلوك في الطريقة النقشبندّية‪.‬‬

‫هذا ومع أّنه معروف بالقاضي‪ ،‬ل نعلم ما إذا‬


‫ب القضاء في حياته‪ ،‬أم كان ذلك‬ ‫توّلى منص َ‬
‫ي‬ ‫ُ‬
‫ن البدخش ّ‬ ‫ق عليه لمناسبة ما‪ .‬إ ّ‬ ‫ب أطل َ‬ ‫مجّرد لق ٍ‬
‫والحلقتين بعده‪ ،‬لم يتمّتعوا بالشهرة المتعارفة‬
‫ءا من الحرار حّتى يومنا‬ ‫لشيوخ النقشبندّية بد ً‬
‫وف‬ ‫غلهم في التص ّ‬ ‫هذا؛ وربما لعدم تو ّ‬
‫والشعوذة‪.‬‬
‫***‬
‫* الحلقة العشرون من السلسلة‬
‫النقشبندّية‪.‬‬
‫يلوح لنا من خلل متابعتنا لسلسلة الروحانّيين‬
‫ن القرابة الصهرية والنسبيّة‬‫في هذه الطريقة‪ ،‬أ ّ‬
‫بدأت تؤّثر على رأيهم بعد إمامهم خواجه نقشبند‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.175 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫* عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪408‬‬

‫‪İslâm Alimleri Ansiklopedisi 14/149‬‬ ‫‪409‬‬


‫‪285‬‬

‫وأصبح استخلف القارب من العادة الشائعة‬


‫قون عقائدهم من‬ ‫قا يتل ّ‬
‫عندهم‪ .‬بينما كانوا ساب ً‬
‫د‬
‫أبعد الناس إليهم‪ ،‬وحّتى من الموات ‪ -‬على ح ّ‬
‫قولهم ‪.-‬‬

‫ل مكان‬ ‫ي قد ح ّ‬
‫دا البدخش ّ‬ ‫ن محم ً‬‫إذ نكتشف أ ّ‬
‫عبيد الله الحرار‪ .‬ولعّله أحرز هذا المقام‬
‫م‬ ‫لقرابته ممن استخلف الحرار كما ذكرنا آن ً‬
‫فا‪ .‬ث ّ‬
‫ي هو الخر قد‬ ‫دا البدخش ّ‬‫نكتشف أن محم ً‬
‫ي‪ ،‬وهو ابن‬ ‫دا السمرقند ّ‬ ‫استخلف الدرويش محم ً‬
‫أخته‪ .‬فصار الدرويش بهذا الستخلف هو الحلقة‬
‫العشرين للسلسلة النقشبندّية‪.‬‬

‫ن هذا الرجل ل نجد له ول لشيخه ذكًرا في‬


‫إ ّ‬
‫ي الصل كسائر أسلفه‬ ‫تراجم الرجال‪ .‬وهو ترك ّ‬
‫اّلذين ظهروا في هذه المنطقة‪.‬‬

‫ي عام ‪ 970‬من‬ ‫مد السمرقند ّ‬‫مات الدرويش مح ّ‬


‫ما تاريخ‬
‫الهجرة الموافق لسنة ‪ 1562‬من الميلد‪ .‬أ ّ‬
‫ولدته‪ ،‬فلم يقف عليه أحد حّتى النقشبندّيون‬
‫أنفسهم‪.‬‬
‫***‬
‫* الحلقة الحادية والعشرون من‬
‫السلسلة النقشبندّية‪.‬‬
‫جرت العادة نفسها في استخلف هذا الرجل‬
‫ي؛ ول‬ ‫مد السمرقند ّ‬ ‫ضا إذ هو ابن درويش مح ّ‬ ‫أي ً‬
‫ذكر له في التراجم‪ ،‬سوى ما جاء في بعض‬
‫گي‬‫ج ِ‬
‫وا َ‬
‫خ َ‬‫مد ال ْ ُ‬
‫ن اسمه مح ّ‬ ‫وريقات النقشبندّيين أ ّ‬
‫نه ولد عام ‪918‬‬ ‫گي ‪ -‬بالكاف الفارسّية ‪ ،-‬وأ ّ‬ ‫مﮑ َن َ ِ‬
‫ال ْ‬
‫من الهجرة الموافق لسنة ‪ 1512‬من الميلد؛ ومات‬
‫عام ‪ 1008‬هـ‪ .‬الموافق لـ ‪ 1599‬من الميلد‪.‬‬
‫‪286‬‬

‫يبدو أّنه قد قضى جميع حياته في قري َ‬


‫مك َن َ ْ‬
‫ه‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫خاَرى؛ وعاش تسعين عا ً‬ ‫بضواحي مدينة ب ُ َ‬
‫معزول ً عن الدنيا وخامل ً في هذه القرية‪.‬‬
‫***‬

‫* الحلقة الثانية والعشرون من‬


‫السلسلة النقشبندّية‪.‬‬
‫ك إلى‬‫قفزت الطريقة النقشبندّية من بلد الت ّْر ِ‬
‫الساحة الهندية بوساطة هذه الحلقة‪ .‬وهو‬
‫گي‬‫ج ِ‬‫وا َ‬
‫خ َ‬ ‫مد ال ْ ُ‬
‫الباقي بالله الكاُبلى‪ ،‬خليفة مح ّ‬
‫گي‪.‬‬ ‫مﮑ َن َ ِ‬
‫ال ْ‬
‫ولد الباقي بالله سنة ‪ 971‬من الهجرة )‪1563‬م‪(.‬‬
‫بمدينة كاُبل عاصمة أفغانستان اليوم‪ .‬ومات عام‬
‫‪ 1012‬هـ‪ .‬الموافق ‪ 1603‬م‪ .‬بمدينة دلهي )جهانآباد(‬
‫الهندية‪.‬‬

‫ورد في مصادر النقشبندّيين أّنه سافر إلى‬


‫سمرقند‪ ،‬وتعّلم على الشيخ صادق الحلوائ ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫ولكن ل ذكر له ول لهذا الشيخ في تراجم‬
‫الرجال‪ .‬وأعرض عن الدراسة استخفافا ً بالعلم‬
‫من ترجم له من أعيان هذه‬ ‫مة أسلفه بإقرار َ‬‫كعا ّ‬
‫ن‬‫الطائفة‪ .‬مع ذلك يحاول النقشبندّيون أ ْ‬
‫وهُ ويجعلوه من ذوي الشأن والمكانة في‬ ‫خم ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ف ّ‬
‫عصره كعادتهم في مدح سائر مشائخهم‪.‬‬

‫ة اسمه عبد‬ ‫ن شخصي ً‬ ‫ة لهم «أ ّ‬‫ورد في موسوع ٍ‬


‫ن خانان(‪ ،‬كان على‬ ‫الرحمن خان المشتهر بـ )خا ِ‬
‫قا به‪ 410».‬وكلمة «خان‬ ‫ة له وعال ً‬
‫كمال المحب ّ ِ‬
‫خانان» فارسية معناها ملك الملوك‪ .‬غير أننا ل‬
‫نعثر على شيء من الشتهار لهذا السم في‬
‫تلك الحقبة والمنطقة‪ .‬بل كانت مقاليد المور‬
‫المصدر السابق ‪.16/75‬‬ ‫‪410‬‬
‫‪287‬‬

‫يومئذ في الساحة الهندية بيد الطاغية المغول‬


‫جلل الدين محمود المشتهر بـ «أكبر شاه»‪ ،‬ملك‬
‫ن الملك المذكور كان‬‫الدولة اّلتيمورية‪ .‬ومعلوم أ ّ‬
‫شديد العداوة للمسلمين من جراء ما وجد في‬
‫شيوخ الصوفّية من التعصب والتطّرف‪ .‬فدفعه‬
‫المر إلى قهر المسلمين وإذللهم واضطهادهم‪،‬‬
‫ومساندة المشركين الهندوس‪.‬‬

‫ومن جملة هذه المبالغات في تفخيمه والدعاية‬


‫ت إليه المم‬‫ي‪« :‬فأقبل َ ْ‬ ‫له قول عبد المجيد الخان ّ‬
‫وة التصّرفات‬ ‫و الهمم وق ّ‬ ‫بما جذبهم من عل ّ‬
‫ن قبره على غربي مدينة‬ ‫دعي أ ّ‬‫اللهّية‪ .».‬وي ّ‬
‫ن‬‫والحقيقة أ ّ‬ ‫‪411‬‬
‫دلهي عند أثر قدم النبي ‪‬‬
‫مه الراضي الهندية أصل!‬ ‫ي ‪ ‬لم تطأ قد ُ‬ ‫النب ّ‬
‫س إل ّ في‬
‫ة ل يأن ِ ُ‬
‫كان الباقي بالله على طبيع ٍ‬
‫الخرائب‪ ،‬يبحث عن أهل المسكنة من الدراويش‬
‫والكسالى باعتراف من ترجم له من مفتتني‬
‫‪412‬‬
‫هذه النحلة‬

‫گي بالرجوع إلى بلد الهند‪.‬‬‫مك َن َ ِ ّ‬ ‫َ‬


‫أمره شيخه ال ْ‬
‫ث عقائد النقشبندّية‬ ‫فرجع وزاول نشاطه في ب ّ‬
‫ي اسمه أحمد‬‫حّتى اتصل به رجل سرهند ّ‬
‫ي‪ .‬كان ذلك من أكبر حظوظه‪ .‬لّنه إّنما‬ ‫الفاروق ّ‬
‫ي اّلذي لعب دوًرا ها ّ‬
‫ما‬ ‫اشتهر بجهود السرهند ّ‬
‫ص‪.‬‬
‫في استمالة قلوب الناس إليه بأسلوبه الخا ّ‬
‫ي‪ ،‬اشتهر هو الخر‬ ‫ما اشتهر مريده السرهند ّ‬ ‫ول ّ‬
‫بدوره‪.‬‬

‫ن الشيخ أحمد بن عبد الرحيم‬‫وما قيل أ ّ‬


‫ي» قد مدحه‬ ‫المعروف بـ «شاه ولي الله الدهلو ّ‬
‫‪413‬‬
‫ل‬ ‫في كتابه «النتباه في سلسل الولياء»‬
‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.178 /‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪411‬‬

‫‪İslâm Alimleri Ansiklopedisi 16/67‬‬ ‫‪412‬‬

‫المصدر السابق ‪.16/80‬‬ ‫‪413‬‬


‫‪288‬‬

‫عبرة به‪ ،‬ول ذكر لهذا الكتاب ضمن قائمة‬


‫مصّنفات أحمد بن عبد الرحيم الواردة في ك ُُتب‬
‫ي هذا‪ ،‬هو‬ ‫التراجم المعتبرة‪ 414.‬كما أ ّ‬
‫ن الدهلو ّ‬
‫ج من التأّثر بالعقائد الهندية على ما‬ ‫ضا لم ين ُ‬
‫أي ً‬
‫يبدو من محّبته لشيوخ الصوفّية رغم باعه‬
‫الطويل في علوم الحديث‪ .‬وربما رجع عن رأيه‬
‫فيهم‪.‬‬

‫وقد جاء في الحدائق الوردّية لعبد المجيد بن‬


‫ه عبد‬‫ي قد زار ابن َ ُ‬
‫دا البغداد ّ‬
‫ي أن خال ً‬ ‫مد الخان ّ‬
‫مح ّ‬
‫م إقامته بالهند‪ ،‬فاستقبله‬ ‫ي‪ ،‬أّيا َ‬
‫العزيز الدهلو ّ‬
‫ي‬
‫ن ترجمة خالد البغداد ّ‬ ‫وَردَ ذلك ضم َ‬ ‫بحفاوة‪َ .‬‬
‫في الكتاب المذكور‪ .‬من الجدير بالشارة هنا‪،‬‬
‫ن هذه النـزعة هي القاسم المشترك بين‬ ‫إلى أ ّ‬
‫غالب علماء الهند‪ ،‬حّتى السلفّيين منهم‪ .‬ولهذا‬
‫نلمس من آثار التسامح مع الصوفّية فيما كتبه‬
‫ي وغيره من النابغين على‬ ‫أبو الحسن الندو ّ‬
‫الساحة الهندية‪.‬‬

‫ما قيام الباقي بالله بدعوة الناس إلى الطريقة‬ ‫أ ّ‬


‫النقشبندّية في بلد الهند‪ ،‬فغير واضحة المعالم‪،‬‬
‫دعيه النقشبندّيون‪ .‬وربما كانت‬ ‫على خلف ما ي ّ‬
‫ّ‬
‫دعوته على غير السس التي وضعها رجال هذه‬
‫سهم لم يذكروا‪:‬‬
‫ف َ‬‫ن النقشبندّيين أن ُ‬‫الطائفة‪ .‬ل ّ‬
‫هل إّنه كان يمارس الرهبنة على أساس المبادئ‬
‫الحد عشر‪ ،‬وهل كان يأمر بإقامة حفلة «ختم‬
‫ن» سوى ما ورد في الموسوعة‬ ‫ج َ‬
‫گا ْ‬ ‫وا َ‬
‫خ َ‬
‫ال ُ‬
‫المذكورة‪ :‬أّنه كان يأمر مريديه بملحظة صورته‬
‫‪415‬‬
‫في ذهنهم فحسب‪.‬‬
‫***‬

‫راجع ترجمته‪ :‬خير الدين زركلي‪ ،‬العلم ‪ .1/149‬دار العلم للمليين الطبعة ‪ .11‬بيروت ‪1995 -‬م‪.‬؛ * عمر‬ ‫‪414‬‬
‫رضاء كحالة‪ ،‬معجم المؤلفين‪ .809 ،1/169 :‬مؤسسة الرسالة الطبعة الولى‪ ،‬بيروت ‪1993 -‬م‪.‬‬

‫‪İslâm Alimleri Ansiklopedisi 16/72‬‬ ‫‪415‬‬


‫‪289‬‬

‫* الحلقة الثالثة والعشرون من‬


‫السلسلة النقشبندّية‬
‫لقد بذل النقشبندّيون قصارى جهودهم في‬
‫ن جعلوه رمًزا لهذه الحلقة من‬ ‫م ْ‬ ‫تفخيم َ‬
‫ي»‪ .‬ول‬ ‫موه «المام الرّبان ّ‬ ‫سلسلتهم حّتى س ّ‬
‫سه بهذا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن يكون هو الذي عظم نف َ‬ ‫فا أ ْ‬‫يجوز عر ً‬
‫العنوان على الرغم مما ُنقل عنه وعن غيره من‬
‫ن‬‫س ُ‬‫ح َ‬‫ست َ ْ‬
‫ة ل تُ ْ‬
‫ح ذاتي ٍ‬‫شيوخ هذه الطائفة من مدائ َ‬
‫دث بنعمة الله‪.‬‬ ‫جة التح ّ‬ ‫من أهل العلم والشأن بح ّ‬
‫ي لرباب هذه‬ ‫ل على المستوى الخلق ّ‬ ‫وهذا يد ّ‬
‫النحلة‪ ،‬وأّنهم كيف يتصّرفون بالمدح والذم‪..‬‬

‫ما اسمه اّلذي لم يشتهر به بعد أن طغى عليه‬ ‫أ ّ‬


‫د‬
‫ن عب ِ‬
‫أحمد ب ُ‬
‫ُ‬ ‫عنوانه الشائع المذكور آن ً‬
‫فا‪ ،‬فهو‬
‫ي‪ .‬يزعم النقشبندّيون‬‫ي السرهند ّ‬ ‫د الفاروق ّ‬
‫الح ِ‬
‫أّنه ينحدر من سللة أمير المؤمنين عمر بن‬
‫‪416‬‬
‫الخطاب رضي الله عنه‪.‬‬

‫ي عام ‪ 971‬من الهجرة الموافق‬ ‫وُل ِدَ السرهند ّ‬


‫لسنة ‪ 1563‬من الميلد؛ وذلك في عهد «أكبر‬
‫شاه»‪ 417‬ثالث ملولك الدولة اّلتيمورية المغولية‬
‫في الهند‪ .‬شاهد تلك الحداث الرهيبة اّلتي أقدم‬
‫على إجرائها «الملك أكبر» للقضاء على‬
‫ة‬
‫ة أكيد ٍ‬
‫السلم‪ .‬غير أّننا ل نعثر على مقاوم ٍ‬
‫ي في وجهه إل ّ القدر اليسير‬ ‫ة للسرهند ّ‬ ‫وجادّ ٍ‬
‫دمة كتابه «إثبات‬ ‫ن مق ّ‬‫اّلذي جاء في سطور ضم َ‬
‫‪418‬‬
‫وة‬
‫ن دفاعه عن نب ّ‬ ‫ي حال فا ّ‬
‫وعلى أ ّ‬ ‫وة»‬ ‫النب ّ‬
‫ك‬‫مد ‪ ‬في وجه سلطان جائر ومارق‪ ،‬ل ش ّ‬ ‫مح ّ‬
‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.179 /‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪416‬‬

‫مد بابر شاه‪ .‬ولد عام ‪1542‬م‪ .‬وتوّلى‬


‫هو محمود جلل الدين أكبر شاه بن همايون بن ظهير الدين مح ّ‬ ‫‪417‬‬
‫ما‪ .‬و مات في سنة ‪1605‬م‪ .‬راجع ترجمته في كتاب «رجال الفكر والدعوة‬
‫السلطنة عام ‪1556‬م‪ .‬وهو ابن ‪ 14‬عا ً‬
‫ي؛ دار القلم؛ الكويت‪1994-‬م‪.‬؛ التاريخ السلمي‪،‬‬
‫في السلم»‪ ،‬الجزء الثالث ص‪ .111-63 /‬لبي الحسن الندو ّ‬
‫لمؤّلفه محمود شاكر‪ ،‬الجزء الثامن ص‪.424-422/‬‬

‫كتبه عام ‪989‬هـ‪ .‬نشرته مكتبة الحقيقة في إسطنبول عام ‪1994‬م‪.‬‬ ‫‪418‬‬
‫‪290‬‬

‫عدّ مثال ً من البطولة والغيرة اليمانّية الصادقة‬ ‫يُ َ‬


‫قي َم ِ وأطال واسترسل في‬ ‫لول أّنه عبث بال ِ‬
‫ك بها كثيًرا من الناس‬ ‫َ‬
‫ة كلمية أْرب َ َ‬ ‫مسائ َ‬
‫ل فلسفي ٍ‬
‫حّتى التبس عليهم الحق بالباطل‪.‬‬

‫يتنافس النقشبندّيون في مدحه وإجلله‬


‫وتقديسه بأساليب غريبة على السلم‪ .‬منهم‬
‫مد مراد بن عبد الله القازاني‪ 419‬اّلذي عّرب‬‫مح ّ‬
‫مكتوباته‪.‬‬

‫ي‪:‬‬
‫يقول القازان ّ‬
‫«فهذه درر مكنونات منيفة برزت من أصداف‬
‫ي‪،‬‬
‫عبارات المكتوبات الشريفة للمام الرّبان ّ‬
‫ي‪،‬‬
‫ي‪ ،‬والقطب السبحان ّ‬ ‫والغوث الصمدان ّ‬
‫ي‪ ،‬نقطة دائرة الرشاد‪ ،‬رحلة‬ ‫والعارف الرحمان ّ‬
‫البدال والوتاد‪ ،‬قدوة الكمالت الفراد‪ ،‬واقف‬
‫السرار اللهّية‪ ،‬كاشف الدقائق المتشابهات‬
‫‪420‬‬
‫مدّية‪».‬‬‫صة المح ّ‬
‫القرآنية‪ ،‬برهان الولية الخا ّ‬
‫هذا السلوب‪ ،‬قد اعتاده النقشبندّيون في‬
‫ل من اتفقت كلمتهم على تعظيمه‬ ‫حديثهم عن ك ّ‬
‫ن المشهورين من‬ ‫صة بعد موته‪ .‬ذلك أ ّ‬ ‫خا ّ‬
‫شيوخهم‪ ،‬لم يكن أحدهم قد ذاع اسمه في حياته‬
‫بالوجه اّلذي يذكره مليين النقشبندّيين بعد موته‬
‫بهذا السلوب إل قليل‪ .‬كعبيد الله الحرار وخالد‬
‫ك ُتنبؤنا عادتهم هذه‪ ،‬عن العقلّية‬ ‫ي‪ .‬ل ش ّ‬‫البغداد ّ‬
‫اّلتي تسود على اتجاههم وتفكيرهم في النسان‬
‫وقيمته الشخصية‪ .‬ولكن اّلذي لبدّ هنا أن‬
‫نتساءل عنه‪ ،‬هو قسطاسهم في تعظيم النسان‬
‫وتبجيله بأوصاف ل يقره السلم بوجه من‬
‫ن‬
‫يأ ّ‬
‫الوجوه‪ .‬فليت شعري كيف عرف القازان ّ‬
‫راجع ترجمته‪ :‬خير الدين زركلي‪ ،‬العلم ‪ .7/95‬دار العلم للمليين الطبعة ‪ .11‬بيروت ‪1995 -‬م‪.‬؛ وهو معّرب‬ ‫‪419‬‬
‫صا‪.‬‬
‫الرشحات أي ً‬

‫مد مراد القازاني’ المنتخبات‪ ،‬الديباجة ص‪ .2 /‬مكتبة الحقيقة‪ ،‬إسطنبول‪1994-‬م‪.‬‬


‫مح ّ‬ ‫‪420‬‬
‫‪291‬‬

‫ي «واقف على السرار اللهّية»؛‬‫أحمد السرهند ّ‬


‫وما عسى هي تلك السرار؟!‬

‫ه لم يمدح اّلذين‬ ‫ل سلطان ُ ُ‬ ‫ب العزة ج ّ‬ ‫هذا‪ ،‬وحّتى ر ّ‬


‫اصطفاهم على العالمين من عباده المرسلين‬
‫بأمثال هذه اللفاظ مع جللة قدرهم ومكانتهم‬
‫عنده‪ .‬وعلى سبيل المثال‪ ،‬فقد قال سبحانه في‬
‫ك‬‫وإ ِن ّ َ‬ ‫ل الله عليه وسّلم َ‬ ‫مد ص ّ‬ ‫خطابه لنبينا مح ّ‬
‫ولم يقل له إّنك واقف على‬ ‫‪421‬‬
‫م‪.‬‬ ‫على ُ ُ‬ ‫لَ َ‬
‫ظي ٍ‬ ‫ع ِ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ٍ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ء َ‬ ‫ة من النبيا ِ‬ ‫ح طائف ً‬ ‫مدَ َ‬ ‫أسراري‪ .‬كذلك َ‬
‫ع‬
‫ف ُ‬ ‫ه ن َْر َ‬ ‫م ِ‬‫و ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫عَلى َ‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫ها إ ِب َْرا ِ‬ ‫جت َُنا آت َي َْنا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ك ُ‬ ‫وت ِل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫هب َْنا ل ُ‬ ‫و َ‬ ‫و َ‬ ‫م* َ‬ ‫عِلي ٌ‬ ‫م َ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫شاء إ ِ ّ‬ ‫من ن ّ َ‬ ‫ت ّ‬ ‫جا ٍ‬ ‫دََر َ‬
‫ل‬‫قب ْ ُ‬ ‫من َ‬ ‫هدَي َْنا ِ‬ ‫حا َ‬ ‫وُنو ً‬ ‫هدَي َْنا َ‬ ‫ب ك ُل ّ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ح َ‬ ‫س َ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬
‫ف‬ ‫س َ‬ ‫وُيو ُ‬ ‫ب َ‬ ‫وأّيو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫و ُ‬ ‫وودَ َ‬ ‫دا ُ‬ ‫ه َ‬ ‫من ذُّري ّت ِ ِ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ن*‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫زي ال ُ‬ ‫ج ِ‬‫ك نَ ْ‬ ‫وك َذَل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫و َ‬ ‫سى َ‬ ‫مو َ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ل ّ‬ ‫سك ّ‬ ‫وإ ِلَيا َ‬ ‫ْ‬ ‫سى َ‬ ‫عي َ‬ ‫و ِ‬ ‫حَيى َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫رّيا َ‬ ‫َ‬
‫وَزك ِ‬ ‫َ‬
‫وُلو ً‬
‫طا‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫يو‬
‫َ َ َ َ َ ُ ُ َ َ‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫عي‬ ‫ما‬
‫َ ِ ْ َ ِ‬ ‫س‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫*‬ ‫ن‬ ‫ّ ِ ِ َ‬‫حي‬ ‫ل‬ ‫صا‬ ‫ال‬
‫ولم يقل إّنهم‬ ‫‪422‬‬
‫ن‪.‬‬‫مي َ‬ ‫َ‬
‫عال ِ‬ ‫ْ‬
‫على ال َ‬ ‫َ‬ ‫ضلَنا َ‬ ‫ْ‬ ‫وك ُل ّ ف ّ‬ ‫َ‬
‫واقفون على أسراري‪.‬‬

‫ي‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫ويقول عبد المجيد بن مح ّ‬
‫ضا‪:‬‬
‫ي أي ً‬
‫في مدح السرهند ّ‬
‫«دُّرةُ إكليل الولياء العارفين‪ ،‬و ُ‬
‫غّرةُ جبين‬
‫جلين‪ ،‬كنـز فضائل السلف‬ ‫ح ّ‬ ‫غّر ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫الصفياء ال ُ‬
‫والخلف‪ ،‬وجامع فرقان المحامد والمكارم‬
‫والشرف‪ ،‬طور التجّليات الذاتية‪ ،‬وسدرة منتهى‬
‫مدّية‪،‬‬
‫العلوم الحدية‪ ،‬ومنهل معارف الوراثة المح ّ‬
‫ومظهر إرشاد الحقائق الحمدية‪»...‬‬

‫د؛ بل ازداد‬ ‫ي لم يتو ّ‬


‫قف عند هذا الح ّ‬ ‫ولكن الخان ّ‬
‫عا فقال‪:‬‬‫فا وتنطّ ً‬
‫تكل ّ ً‬

‫القلم‪4/‬‬ ‫سورة‬ ‫‪421‬‬


‫النعام‪86-83/‬‬ ‫‪ 422‬سورة‬
‫‪292‬‬

‫ل الله ‪ ‬فقال‪ ،‬يكون في‬


‫«أخبر بوجوده رسو ُ‬
‫أمتي رجل يقال له صلة‪ .‬يدخل بشفاعته كذا‬
‫‪423‬‬
‫وكذا‪»...‬‬

‫على الرغم من إطناب النقشبندّيين في مدح‬


‫هذا الرجل وتعظيمه وإجلله‪ ،‬وما حشو في‬
‫ة بعنوان‬
‫قصص أسطوري ٍ‬
‫ٍ‬ ‫بطون كتاباتهم من‬
‫مناقبه وكراماته‪ ،‬فإننا لم نجد في كتب أرباب‬
‫الدراسة والبحوث التاريخية شيًئا يبرهن على‬
‫ر‬
‫طعين‪ ،‬سوى سطو ٍ‬ ‫صدق هؤلء الدراويش المتن ّ‬
‫ن‪ 424‬ل تعدو عن ذكر مولده وموته‬‫حث َي ْ ِ‬‫ة ل َِبا ِ‬
‫يسير ٍ‬
‫ّ‬
‫وأسماء مؤلفاته فحسب‪.‬‬

‫صا‬ ‫ي اّلذي أفرد مجل ّ ً‬


‫دا خا ّ‬ ‫أما أبو الحسن الندو ّ‬
‫في ترجمته‪ ،‬فل عبرة به‪.‬‬

‫أول ً‪ :‬لّنه معروف بموقفه الحياد ّ‬


‫ي‪ ،‬وإعجابه بك ّ‬
‫ل‬
‫من اشتهر‪ ،‬سواء أكان على الحق أم على‬
‫الباطل؛‬

‫ي‪ ،‬ومن‬ ‫ثانًيا‪ :‬إّنه من أبناء وطن السرهند ّ‬


‫ة‪ ،‬وهي طريقة‬ ‫المتشّرِبين عقائد الدُيوبندي ّ ِ‬
‫صوفّية خطيرة تستقي مع الطريقة النقشبندّية‬
‫من منهل واحد‪ .‬فل غرابة إذن في إلمامه‬
‫صة‬‫بصاحب الترجمة أكثر من أي باحث أجنبي‪ ،‬خا ّ‬
‫ن‬
‫ي لبدّ وأ ْ‬‫ن الطبيعة المضطربة للعنصر الهند ّ‬ ‫فا ّ‬
‫ة‪.‬‬ ‫ضا منها نصيب ولو بأق ّ‬
‫ل نسب ٍ‬ ‫ي أي ً‬
‫يكون للندو ّ‬
‫ع المرحلة اّلتي عاش‬
‫ي أوضا َ‬
‫فقد شرح الندو ّ‬
‫ي‪ ،‬وذكر المشاكل بالتفصيل‪،‬‬‫فيها السرهند ّ‬
‫والمرارة اّلتي ذاقها المسلمون يومئذ على يد‬
‫الطاغية «أكبر شاه» المغولي ضمن الجزء‬
‫الثالث من سلسلة «رجال الفكر والدعوة في‬
‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.179-178 /‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪423‬‬

‫خير الدين زركلي و عمر رضاء كحالة‪.‬‬ ‫‪424‬‬


‫‪293‬‬

‫السلم»‪ .‬إل ّ أّنه استقى أكثر معلوماته الخا ّ‬


‫صة‬
‫ي من مصادر النقشبندّيين الحشوّيين‬ ‫بالسرهند ّ‬
‫غلين في السجع والساطير‪ .‬وبالخلصة‬ ‫المتو ّ‬
‫ي ليس من عادته النتقاد‪ ،‬ولو‬‫ن الندو ّ‬ ‫يظهر أ ّ‬
‫على سبيل التنبيه والتصحيح‪.‬‬

‫سا من‬‫ي‪ ،‬فقد ترك ورائه أكدا ً‬ ‫ما السرهند ّ‬


‫أ ّ‬
‫ة‪ ،‬بعثها إلى هذا وذك؛ لم يستقر‬ ‫رسائل متفّرق ٍ‬
‫ما‪ .‬بل تذبذبت‬ ‫في جميعها بجانب الصواب دائ ً‬
‫ق والباطل كما سيشهد القارئ‬ ‫أقواله بين الح ّ‬
‫هذه الحقيقة في نماذج مختلفة منها أوردناها‬
‫فيما يلي للمقارنة‪.‬‬

‫ي جميع رسائله بالّلغة الفارسّية‬ ‫كتب السرهند ّ‬


‫دا‪ .‬وعّربها رجل اسمه‬ ‫سوى عدد قليل منها ج ّ‬
‫ي‪.‬‬‫مد مراد القازان ّ‬ ‫مح ّ‬
‫ة‬
‫ة قيم ٍ‬‫ن هذه الرسائل في الواقع ل تمّثل أي َ‬ ‫إ ّ‬
‫ة بمحتوياتها‪ .‬لنها ل‬ ‫ة أو أدبي ّ ٍ‬‫ة أو ثقافي ّ ٍ‬ ‫علمي ّ ٍ‬
‫ة من‬ ‫ل بها مشكل ٌ‬ ‫د‪ ،‬ول تنح ّ‬ ‫ء جدي ٍ‬ ‫تأتي بشي ٍ‬
‫ل المسلمين؛ ول تظهر المقاصد فيها‬ ‫مشاك ِ‬
‫كد على هذه الحقيقة استغناء رجال‬ ‫بوضوح‪ .‬يؤ ّ‬
‫ما من علماء‬ ‫العلم عنها‪ .‬فل تكاد تجد عال ً‬
‫ء من‬ ‫ل بشي ٍ‬ ‫المسلمين يعتدّ بها أو يستد ّ‬
‫مضامينها‪ .‬وإذا كان بعض الناس يتدارسونها‪،‬‬
‫فإّنهم جموع من البسطاء والنقشبندّيين اّلذين‬
‫ن أهل العلم في حقيقة المر‪.‬‬ ‫ل يدخلون ضم َ‬
‫ي لم‬
‫ي السرهند ّ‬ ‫ن أحمد الفاروق ّ‬ ‫يتبّين بوضوح أ ّ‬
‫فُر عن كلماته وعباراته اّلتي‬ ‫س ِ‬
‫يبال بما سي ُ ْ‬
‫جلها بين الفينة‬ ‫ألقاها على عواهنها وس ّ‬
‫س‪.‬‬
‫جهها للّنا ِ‬ ‫والخرى على هيئة رسائل و ّ‬
‫ة‪ .‬وعلى سبيل‬ ‫ة في الغاي ِ‬ ‫فجاءت آراؤه متضارب ً‬
‫ص اسمه‬‫ة بعثها إلى شخ ٍ‬ ‫المثال‪ ،‬يقول في رسال ٍ‬
‫نظام التهانيسري‪:‬‬
‫‪294‬‬

‫ما‬‫ما فرائض‪ ،‬وإ ّ‬


‫ن مقّربات العمال إ ّ‬‫«اعلم أ ّ‬
‫نوافل‪ .‬فالنوافل ل اعتبار لها في جنب الفرائض‬
‫ن أداء فرض من الفرائض في وقت من‬ ‫أص ً‬
‫ل‪ .‬فا ّ‬
‫‪425‬‬
‫الوقات أفضل من أداء النوافل ألف سنة‪».‬‬

‫ق ربما ل يختلف فيها أحد من‬ ‫هذه كلمة ح ّ‬


‫المسلمين معه‪ .‬ولكن يناسب هنا أن ننتقل إلى‬
‫رسالة أخرى من مكتوباته اّلتي و ّ‬
‫جهها إلى‬
‫ص اسمه محمود‪ .‬يقول فيها‪:‬‬ ‫شخ ٍ‬
‫« فاعلم أيها المخدوم‪ 426‬ولبد للنسان من ثلثة‬
‫سر النجاة البدية‪ :‬العلم‪ ،‬والعمل‪،‬‬ ‫أشياء حّتى تتي ّ‬
‫والخلص‪ .‬والعلم على قسمين‪ :‬قسم المقصود‬
‫فل بياَنه علم الفقه؛ وقسم‪،‬‬ ‫منه العمل‪ .‬وقد تك ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫المقصود منه مجّرد العتقاد واليقين القلب ّ‬
‫م في علم الكلم بالتفصيل على‬ ‫ذكر هذا القس ُ‬ ‫و ُ‬
‫ّ‬
‫سّنة والجماعة الذين هم‬ ‫مقتضى آراء أهل ال ّ‬
‫الفرقة الناجية‪ .‬ول إمكان للّنجاة ول مطمع لحد‬
‫فيها بدون إّتباع هؤلء الكابر‪ .‬فان وقعت‬
‫المخالفة لهم مقدار شعرة‪ ،‬فالمر في خطر أي‬
‫حة مرتبة‬‫خطر! وهذا الكلم قد بلغ من الص ّ‬
‫‪427‬‬
‫اليقين بالكشف الصحيح واللهام الصريح»‪.‬‬

‫لقد ظهر في سطوره الخيرة من هذا التفسير‬


‫ي لم يكن التأكيد على‬ ‫ن غرضه الحقيق ّ‬ ‫يأ ّ‬
‫الصوف ّ‬
‫مة‪ ،‬وإّنما كان همه‬
‫تلك الشياء الثلثة الها ّ‬
‫وقصده أن يجلب النتباه إلى الكشف واللهام‬
‫ن عامة الصوفّية‪ ،‬والنقشبندّيين‬ ‫ليس إل! ذلك ل ّ‬
‫على وجه الخصوص‪ ،‬ل يتكّلمون عن شيء إل ّ‬
‫دون للحديث في‬ ‫ويربطونه بعلم الغيب‪ ،‬ول يتص ّ‬
‫ي‪ ،‬رجال الفكر‬
‫ي‪ ،‬الرسالة رقم‪.29/‬؛ أبو الحسن الندو ّ‬
‫مد مراد القازاني‪ ،‬المنتخبات‪ ،‬مكتوبات الرّبان ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪425‬‬
‫والدعوة في السلم الجزء الثالث ص‪.220/‬‬

‫كلمة «المخدوم» عربية‪ .‬إصطلحها التراك والفرس بمعنى الولد‪ .‬وقولهم أّيها المخدوم! أي يا ولدي‪ ،‬أو يا‬ ‫‪426‬‬
‫ي‪.‬‬
‫بن ّ‬

‫ي الرسالة رقم‪.59/‬‬
‫مد مراد القازاني‪ ،‬المنتخبات‪ ،‬من مكتوبات الرّبان ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪427‬‬
‫‪295‬‬

‫ق‪ ،‬ول‬ ‫أمر إل ّ ويجعلون له قرين ً‬


‫ة بعلم ٍ ساب ٍ‬
‫ل عن شيوخهم إل ّ‬ ‫ل أو عم ٍ‬‫ينقلون من قو ٍ‬
‫ويحملونه على إشارات ورموز منهم لما سوف‬
‫ل من الزمان على أّنها من‬ ‫يقع في مستقب ٍ‬
‫قل‬ ‫ةح ّ‬ ‫كراماتهم‪ .‬وهكذا لو نطق أحدهم بكلم ِ‬
‫يبرح حّتى يعبث بها فيجعلها مما ثبت بشهادة‬
‫أهل الكشف واللهام؛ كما سبق في عبارات‬
‫فا؛ في الحين اّلذي لم تكن هناك‬ ‫ي آن ً‬‫السرهند ّ‬
‫ّ‬
‫أدنى مناسبة بين الموضوع الذي طرق إليه‬
‫ي‪ ،‬وبين الكشف واللهام على الطلق‪.‬‬ ‫السرهند ّ‬
‫وهذه الحقيقة ثابتة بإقراره في كلمه المنقول‬
‫بالذات‪ .‬إذ قال بعد ما قسم العلوم إلى شطرين‪:‬‬
‫ه‬
‫فل بيان َ ُ‬ ‫م‪ ،‬المقصود منه العمل‪ ،‬وقد تك ّ‬ ‫س ٌ‬
‫ق ْ‬ ‫« ِ‬
‫ه؛ وقسم‪ ،‬المقصود منه مجّرد العتقاد‬ ‫م الفق ِ‬ ‫عل ُ‬
‫ذكر هذا القسم في علم‬ ‫ي‪ .‬و ُ‬‫واليقين القلب ّ‬
‫الكلم بالتفصيل‪».‬‬

‫ذا‪ ،‬فما اّلذي يحتاج هنا إلى الكشف واللهام؛‬


‫إ ً‬
‫وما هي العلقة بين هذه اللفاظ‪ ،‬وبين قوله‬
‫حة مرتبة اليقين‬
‫«وهذا كلم قد بلغ من الص ّ‬
‫بالكشف الصحيح واللهام الصريح»؟!!‬

‫ولهذا السبب‪ ،‬من نظر في دفاع أبي الحسن‬


‫ف‬ ‫ل والكش ِ‬ ‫جَز العق ِ‬
‫ع ْ‬
‫ي عنه بأّنه «أثبت َ‬ ‫الندو ّ‬
‫ع‬
‫طل َ‬‫ا ّ‬ ‫‪428‬‬
‫وقصوَرهما في إدراك المور الغيبّية»‬
‫ي‬
‫بالتأكيد‪ ،‬على مدى ارتباك السرهند ّ‬
‫والضطراب اّلذي في كلمه‪ ،‬وتناقضاته مع‬
‫ي قد‬ ‫ن أبا الحسن الندو ّ‬ ‫ضا أ ّ‬
‫نفسه؛ وأدرك أي ً‬
‫ة وبل اعتماد‬ ‫ن بهذا الرجل دون روي ّ ٍ‬ ‫أحسن الظ ّ‬
‫ة‪ ،‬بل قد باء بفشل ذريع في هذا‬ ‫ج ٍ‬‫على أي ح ّ‬
‫ي الرخيص‪.‬‬ ‫الدفاع العاطف ّ‬

‫ي‪ ،‬رجال الفكر والدعوة في السلم ‪ .3/171‬دار القلم الكويت‪1994-‬م‪.‬‬


‫أبوالحسن الندو ّ‬ ‫‪428‬‬
‫‪296‬‬

‫لقد بلغ عددُ مكتوباته سّتا وثلثين وخمسمائة‬


‫جل من الغث والسمين؛‬ ‫رسالة تشتمل على ما س ّ‬
‫س أكثرهم المللي والدراويش‬ ‫جهها إلى نا ٍ‬‫وو ّ‬
‫ن على أنفسهم في‬ ‫عو َ‬‫قب ّ ُ‬‫م َ‬
‫وأبناء الخانقاهات ال ُ‬
‫و من الرهبنة‪ ،‬ومبتعدون عن الحياة الجتماعّية‬ ‫ج ّ‬
‫د‬
‫وَر َ‬
‫ت َ‬ ‫تو ُ‬
‫كتيبا ٌ‬ ‫عجال ٌ‬ ‫والسعي والنتاج‪ .‬وله ُ‬
‫أسماؤها في ترجمته‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫وة‪ ،‬والمعارف‬
‫رسالة المبدأ والمعاد‪ ،‬وإثبات النب ّ‬
‫وَردّ الشيعة‪.‬‬
‫اللدّنية‪َ ،‬‬
‫و‬
‫ي في عهد الطاغية المغول عد ّ‬ ‫عاش السرهند ّ‬
‫السلم والمسلمين محمود جلل الدين‬
‫المعروف بـ «أكبر شاه» اّلذي كان متأث ًّرا بالديانة‬
‫البرهمية والزرادشتية‪ ،‬حّتى خلع ربقة السلم‬
‫من عنقه واختلق ديًنا شيطانّيا على أساس‬
‫وات‪ .‬فدعا الناس إليه؛ فلم‬ ‫الكفر بالوحي والنب ّ‬
‫ل؛ على الرغم من‬ ‫يستجب له إل ثمانية عشر رج ً‬
‫إمكاناته الواسعة للدعاية والدعوة وتسحير‬
‫العقول‪ .‬فزاده ذلك غضًبا على السلم‪ .‬فأوقع‬
‫د‬
‫بالمسلمين وأرهبهم بأبشع مظاهر القهر و أش ّ‬
‫أساليب الذلل والتنكيل‪.‬‬

‫ن هذا‬‫من الجدير بالشارة هنا للمناسبة إلى أ ّ‬


‫ي الجاهل الزنديق إنما وقع في‬ ‫الملك الدمو ّ‬
‫ن كانوا حوله يومئذ من‬ ‫م ْ‬
‫أحابيل الشيطان بتأثير َ‬
‫علماء السوء وشيوخ الصوفّية المتنافسين في‬
‫احتلل المناصب والمتنازعين على المصالح؛‬
‫ع‬
‫وبسبب ما كان يشهد من الخلف والصرا ِ‬
‫بينهم؛ والبتذال في سلوكهم؛ والنحراف في‬
‫عقائدهم وأفكارهم؛ مما جعله يفقد ثقته بهم‪.‬‬
‫هذا على كثرة شيوخ الطرق الصوفّية في‬
‫الساحة الهندية؛ وعلى الرغم من اشتهار عدد‬
‫منهم بالغوثية والقطبيّة في تلك المناطق؛ ومع‬
‫هيبتهم على الناس وقدرتهم في توجيه‬
‫‪297‬‬

‫المجتمع؛ بحيث لو اّتفقت كلمتهم لرغموه على‬


‫ه! لّنه كان يع ّ‬ ‫ُ‬
‫ظمهم ويقف‬ ‫م ِ‬ ‫ص ب َظَْر أ ّ‬ ‫أن يم ّ‬
‫منهم موقف الجلل والتوقير في المرحلة‬
‫ن‬
‫الولى من حكمه‪ .‬وليس معنى هذا أ ّ‬
‫ن مشائخ الطرق‬ ‫ي لم يعارضه‪ .‬ولك ّ‬ ‫السرهند ّ‬
‫صة لم يكونوا‬ ‫ي خا ّ‬ ‫ة‪ ،‬والسرهند ّ‬ ‫م ً‬
‫الصوفّية عا ّ‬
‫ه من أخذ‬ ‫ي ‪ ‬وأصحاب ِ ِ‬ ‫على شيء من صفات النب ّ‬
‫ة‬
‫ج ِ‬
‫ه َ‬‫م ْ‬‫المور بالحكمة والحيطة؛ وبذل المال وال ُ‬
‫و‬
‫في ساعة الكفاح؛ والوقوف في وجه العد ّ‬
‫بروح البسالة والبطولة؛ والمعرفة بفنون الجهاد‬
‫كنوا من ردّ المور إلى نصابها‪.‬‬ ‫والقتال حّتى يتم ّ‬
‫ن حياة الروحانيين تتمّيز بالعزلة والصمت‬ ‫ل ّ‬
‫والمسكنة والرهبانية؛ فهي تختلف عن حياة‬
‫النبياء والمرسلين‪ ،‬والتابعين لهم في سّنتهم‬
‫وسلوكهم اّلذين ل يبخلون بأموالهم وأنفسهم‬
‫في سبيل الله عند ما يترّتب عليهم البذل‬
‫بمقتضى الحال والظروف‪ .‬فإّنهم أولياء الله‬
‫ف َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬‫و لَ ُ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬‫علي ْ ِ‬ ‫و ٌ‬
‫خ ْ‬ ‫ول َِياءَ الل ّ ِ‬
‫ه لَ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫}أل َ إ ِ ّ‬
‫‪429‬‬
‫ن‪{.‬‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ما أولياء الصوفّية‪ ،‬فلم َيسمع أحد من المؤمنين‬ ‫أ ّ‬
‫ة في سبيل الله‪.‬‬ ‫ة وقاتلوا لحظ ً‬ ‫أّنهم دخلوا معرك ً‬
‫ظمه‬ ‫ي ـ على سبيل المثال ـ اّلذي ُتع ّ‬ ‫فهذا الغزال ّ‬
‫جة السلم»‪ ،‬وتبالغ في‬ ‫الصوفّية بعنوان «ح ّ‬
‫تفخيمه والثناء عليه‪ ،‬وُتشّيد بذكر تصانيفه؛ «إّنه‬
‫كان خلل الحروب الصليبّية مشغول ً في خلوته‬
‫تارةً في منارة دمشق وتارة في صخرة القدس‪،‬‬
‫ة تزيد على سنتين‪ .‬بل‬ ‫يغلق بابهما عليه في مد ٍ‬
‫ي شهد سقوط القدس في أيدي‬ ‫ن الغزال ّ‬
‫إ ّ‬
‫الصليبّيين‪ ،‬وعاش اثنتي عشرة سنة بعد ذلك‪،‬‬
‫‪430‬‬
‫ولم يشر إليه في ك ُُتبه‪».‬‬

‫سورة يونس‪.63/‬‬ ‫‪429‬‬

‫الدكتور مروان إبراهيم القيسي‪ ،‬معالم الهدى إلى فهم السلم ص‪ .91 /‬الطبعة الثالثة‪ .‬إسطنبول‪-‬‬ ‫‪430‬‬
‫‪1992‬م‪.‬‬
‫‪298‬‬

‫ما توّلى نور الدين جهانكير بن «أكبر شاه»‬ ‫فل ّ‬


‫السلطنة فور موت أبيه لم يكن يومئذ‬
‫ي شخصية بارزة في أوساط العلماء‬ ‫سرهند ّ‬ ‫لل ّ‬
‫ة لدى‬‫بالساحة الهندية‪ ،‬ول كان يمتاز بشهر ٍ‬
‫ي بالذات عن‬ ‫ي‪ .‬أقّر الندو ّ‬‫علماء البلط الملك ّ‬
‫ب أفردَهُ لذكر حياة‬ ‫هذه الحقيقة‪ ،‬في كتا ٍ‬
‫ي ومع أّنه لم يدخل في هذا الموضوع‬ ‫السرهند ّ‬
‫كد أّنه «المام‬‫م من شأنه‪ ،‬وليؤ ّ‬ ‫إل ّ ليعظّ َ‬
‫صل‬‫ف بالواقع فقال‪« :‬إّنه لم يتو ّ‬ ‫ي»! اعتر َ‬ ‫الرّبان ّ‬
‫إلى نقطة البداية للتأثير على أصحاب السلطة‪،‬‬
‫وسياسـة الدولة فيما يتعّلق بالسـلم‬
‫والمسلمين‪ ،‬وتوجيه الميول والنـزعات إلى‬
‫‪431‬‬
‫السـلم‪».‬‬

‫صل إلى نقطة البداية‬ ‫ي لم يتو ّ‬ ‫فمادام السرهند ّ‬


‫للتأثير على أصحاب السلطة يومئذ ولم يسـتطع‬
‫ي‬
‫ث الهند ّ‬ ‫ن يحّرك ساكًنا؛ بإقرار هذا الباح ِ‬ ‫أ ْ‬
‫دد اللف‬ ‫كد على وصفه بـ «مج ّ‬ ‫ب به‪ ،‬والمؤ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ة‬
‫ل التجديدي ُ‬ ‫الثاني»؛ فما عسى إذن هي العما ُ‬
‫ي؛ وما هي آثاُرهُ و‬ ‫اّلتي قام بها السرهند ّ‬
‫ما‬
‫ه ‪ -‬وقد بلغ من العمر اثنين وأربعين عا ً‬ ‫إنجازات ُ ُ‬
‫يوم ترّبع جهانكير على عرش المملكة ‪ -‬؟!! هذا‬
‫ن الملك جهانكير إّنما أمر‬ ‫بالضافة إلى أ ّ‬
‫ما على توّليه‬ ‫ي أربعة عشر عا ً‬ ‫باعتقاله بعد مض ّ‬
‫السلطنة‪ .‬وذلك سنة ‪ 1028‬من الهجرة؛ وقد بلغ‬
‫ما‪.‬‬‫عا وخمسين عا ً‬ ‫ي يومئذ من العمر سب ً‬ ‫السرهند ّ‬
‫ي لعتقاله ليس‬ ‫ن السبب الحقيق ّ‬ ‫زد على ذلك أ ّ‬
‫جهة إلى‬ ‫ن رسالته المو ّ‬ ‫كما قيل هي مضامي ُ‬
‫ها الخطيرةُ اّلتي أثار غض َ‬
‫ب‬ ‫شيخه‪ ،‬ومحتويات ُ َ‬
‫الملك لما فيها مخالفة صريحة لروح الكتاب‬
‫سلطان‬ ‫ة لل ّ‬‫ه سجدةَ التحي ّ ِ‬ ‫ض ُ‬‫سّنة‪ ،‬كما ليس رف ُ‬ ‫وال ّ‬
‫ي لعتقاله بخلف ما يزعمه‬ ‫ب الصل ّ‬ ‫هو السب َ‬
‫ي‪ ،‬رجال الفكر والدعوة في السلم ‪ .3/139‬دار القلم‪ .‬الكويت‪1994 -‬م‪.‬‬
‫أبو الحسن الندو ّ‬ ‫‪431‬‬
‫‪299‬‬

‫النقشبندّيون‪ .‬بل الذريعة اّلتي اتخذها الملك‬


‫لصدار المر باعتقاله‪ ،‬هو ما كان يجري بينه‬
‫صة‪ ،‬وما كان‬ ‫وبين رجال البلط من علقات خا ّ‬
‫‪432‬‬
‫«‬ ‫ي‬
‫من حّبهم وإجللهم له‪ ،‬كما يقول الندو ّ‬
‫ة من‬‫جسون خيف ً‬ ‫وما زال سلطين المغول يتو ّ‬
‫مغالة الناس في اعتقادهم وحّبهم وإجللهم‬
‫فتهم عليهم‬ ‫للمشائخ‪ ،‬واْلتفافهم حولهم‪ ،‬وتها ُ‬
‫تهافت الفراش على النور»‪.‬‬

‫ي لم‬‫ن السرهند ّ‬ ‫ل على أ ّ‬‫ل هذه الحقائق تد ّ‬ ‫ك ّ‬


‫ى إليه‬ ‫يستحق ذلك الشأن العظيم اّلذي ُيعز َ‬
‫ن‬‫دد للف الثاني»‪ .‬في الحقيقة إ ّ‬ ‫بصفة «المج ّ‬
‫النقشبندّيين وحدهم‪ ،‬هم اّلذين خلعوا هذا‬
‫العنوان عليه ليستفيدوا من طنينه وليواصلوا‬
‫مسيرتهم بهذا السلوب من الستغلل‪ .‬ولو كان‬
‫ي لحّرر‬ ‫دا بالمعنى الحقيق ّ‬ ‫ي مجدّ ً‬ ‫السرهند ّ‬
‫صق به من بدع البرهمية والبوذية؛‬ ‫ُ‬
‫م عما أل ِ‬ ‫السل َ‬
‫سون‬ ‫خ الصوفّية اّلذين كانوا يد ّ‬ ‫ولحارب شيو َ‬
‫تعاليم «اليوغا» في العقائد السلمّية‪ ،‬كما‬
‫يبرهن على هذه الحقيقة ما جاء في كلم أبي‬
‫طارية‪ .‬إّنه‬ ‫ي بالنسبة للطريقة الش ّ‬ ‫الحسن الندو ّ‬
‫يقول‪:‬‬

‫ة تعاليم‬
‫ول مر ٍ‬ ‫ت هذه الطريقة ل ّ‬ ‫«وقد مّزج ْ‬
‫اليوكا بالتعاليم الصوفّية‪ ،‬واختارت من الولى‬
‫س؛‬ ‫س الن َ‬
‫ف ِ‬ ‫د‪ ،‬وحب َ‬ ‫ض الرياضّيات‪ ،‬والورا َ‬ ‫بع َ‬
‫م المريدين والسالكين؛ كما‬ ‫ت هذه التعالي َ‬ ‫ول ّ‬
‫قن َ ْ‬
‫ء‪ .‬وقد جاءت‬ ‫م السيميا ِ‬ ‫ت إلى الطريقة عل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ّ‬
‫صة‬
‫تفاصيل هذه الوراد وشروح الرياضيات الخا ّ‬
‫فها الشيخ بهاء‬ ‫طارية اّلتي أل ّ َ‬ ‫في الرسالة الش ّ‬
‫الدين إبراهيم النصاري القادري‪ ،‬وتوجد قصيدة‬
‫طاري في كتابه )كليد مخازن( ‪-‬‬ ‫مد الش ّ‬ ‫للشيخ مح ّ‬
‫مفتاح الخزائن ‪ -‬تفيد عقيدة وحدة الوجود‪،‬‬

‫ي‪ ،‬رجال الفكر والدعوة في السلم ‪ .3/144‬دار القلم‪ .‬الكويت‪1994 -‬م‪.‬‬


‫أبو الحسن الندو ّ‬ ‫‪432‬‬
‫‪300‬‬

‫وعدم التفريق بين المسجد والبيعة‪ ،‬والمسلم‬


‫‪433‬‬
‫ي»‬
‫والبرهم ّ‬
‫ضا صفة ل نجد لها‬ ‫ي‪ ،‬فهي أي ً‬ ‫ما رّبانية السرهند ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ها من وجوه المشابهة بالرّبانّية الجامعة‬ ‫وج ً‬
‫لصفات المؤمنين في كتاب الله العزيز‪ .‬وإّنما‬
‫ه‬‫كر الل ُ‬ ‫ذا ذُ ِ َ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ن اّلذي َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫الرّبانّيون هم }ال ْ ُ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫ه َزادَت ْ ُ‬ ‫م آيات ُ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت َ َ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫قُلوب ُ ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫جل َ ْ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ذا ت ُل ِي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ن * الذي َ‬ ‫ّ‬ ‫وك ّلو َ‬‫ُ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫على َرب ّ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ماًنا َ‬ ‫ِإي َ‬
‫هم }اّلذي َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ما َرَز ْ‬
‫‪434‬‬
‫ن‬ ‫ن‪{.‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ُين ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫قَنا ُ‬ ‫م ّ‬ ‫و ِ‬ ‫الصلةَ َ‬
‫م‬‫عوا ل َك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫قدْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن النا َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫م النا ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫سب َُنا الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ح ْ‬ ‫قاُلوا َ‬ ‫و َ‬ ‫ماًنا َ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫ه ْ‬ ‫فَزادَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫خ َ‬ ‫فا ْ‬ ‫َ‬
‫هم اّلذين يعترفون بذنوبهم‪،‬‬ ‫‪435‬‬
‫كيلُ‪{.‬‬ ‫و ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ون ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ويقّرون بالعجز والتقصير‪ ،‬ويرفضون الشهرة‬
‫والسمعة والّبهة والخدم والحشم‪ ،‬ول يطمعون‬
‫في الثراء والمكانة عند الناس؛ بل يحرصون‬
‫في‬ ‫وا ِ‬ ‫عل ُ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ربهم؛ و}ل َ ي ُ ِ‬ ‫ليحظوا بما عند‬
‫دا‪ 436{.‬هم اّلذين قال الله تعالى‬ ‫سا ً‬ ‫ول َ َ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬ ‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫دوا‬ ‫ه ُ‬ ‫عا َ‬ ‫ما َ‬ ‫قوا َ‬ ‫صدَ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ر َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فيهم } ِ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫و ِ‬‫ه َ‬ ‫حب َ ُ‬ ‫ضى ن َ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫الل َ‬
‫‪437‬‬
‫ل‪{.‬‬ ‫دي ً‬ ‫ما ب َدُّلوا ت َب ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ي َن ْت َظُِر َ‬
‫دلوا دين الله بفكرة «وحدة الوجود»‬ ‫ما اّلذين ب ّ‬
‫أ ّ‬
‫و «وحدة الشهود» و «الكشف» و «اللهام» و‬
‫ل من‬‫«الويسية»؛ وحّرفوه بممارسة أشكا ٍ‬
‫ّ‬
‫مناسك مجوس الهند؛ كصلة «اليوغا» التي‬
‫د‬ ‫ج َ‬
‫گان ِّية»‪ ،‬وع ّ‬ ‫وا َ‬
‫خ َ‬
‫سموها «الّرابطة»‪ ،‬و «الختم ُ‬
‫الذكار بالحصى‪ ،‬والتركيز على صورة شيخ‬
‫الطريقة وما إليها من تقاليد عبدة الوثان‬

‫المصدر السابق‪.27 ،3/26 ،‬‬ ‫‪433‬‬

‫سورة النفال‪.3 ،2/‬‬ ‫‪434‬‬

‫سورة آل عمران‪.173/‬‬ ‫‪435‬‬

‫سورة القصص‪.83/‬‬ ‫‪436‬‬

‫سورة الحزاب‪.23/‬‬ ‫‪437‬‬


‫‪301‬‬

‫مة‬
‫م من أبناء ال ّ‬
‫ه ْ‬
‫عدّ ُ‬
‫وطقوسهم؛ فكيف بنا أن ن َ ُ‬
‫مدّية والمّلة البراهيمية الحنفاء؛ فضل ً عن‬ ‫المح ّ‬
‫دد لهذا الدين وهو‬ ‫دهم صفة المج ّ‬ ‫ق أح ُ‬
‫أن يستح ّ‬
‫وف والشعوذة والوهم‬ ‫غارق في عالم التص ّ‬
‫والخيال!!‬

‫م الغامض الوعر المشبوه اّلذي‬ ‫ن هذا العال َ َ‬ ‫إ ّ‬


‫نصطدم ببعض معالمه من خلل رسائل‬
‫ي‪ ،‬يثير انتباهنا نحو بلد الهند الشهيرة‬ ‫السرهند ّ‬
‫وعة‪،‬‬ ‫بمجتمعاتها المتباينة‪ ،‬ولغاتها وعاداتها المتن ّ‬
‫وتقاليدها الغريبة‪ ،‬وعقائدها الخليطة‪،‬‬
‫وفتها‬ ‫دة‪ ،‬ورهبانها ومتص ّ‬ ‫ق َ‬‫وفلسفاتها المع ّ‬
‫ها الطائشة المتزاحمة‪ ،‬وما إلى ذلك من‬ ‫حَرت ِ َ‬‫س َ‬‫و َ‬
‫ة ل تّتصف بها بلدٌ آخُر في بقّية‬ ‫مظاهَر عجيب ٍ‬
‫ة‬
‫أنحاء العالم‪ .‬وكذلك هذه الحقائق تفتح لنا نافذ ً‬
‫ي بك ّ‬
‫ل‬ ‫ة إذا أطللنا منها على العال َم ِ الهند ّ‬ ‫م ً‬‫ها ّ‬
‫ن‬
‫ق وإمعا ٍ‬ ‫م ٍ‬‫ع ْ‬‫مظاهره‪ ،‬وبحثنا في طّيات تاريخه ب ِ ُ‬
‫ة رهيبة أخرى‪ .‬وهي أن الكثرية‬ ‫اصطدمنا بحقيق ٍ‬
‫ي في تلك المناطق‪ ،‬قد‬ ‫من المجتمع السلم ّ‬
‫تأّثروا قليل ً أو كثيًرا بالفكار والديانات والعقائد‬
‫والعادات والتقاليد الغريبة المتباينة والمتزاحمة‬
‫ة في الديار الهندية‪.‬‬ ‫ت شاسع ٍ‬ ‫على امتداد ساحا ٍ‬
‫وإذا كان «الملك أكبر» قد انبهر بالديانة‬
‫ن ذلك ل يعني‬ ‫ما‪ ،‬فا ّ‬ ‫البرهمية والزرادشتية تما ً‬
‫ء منها وعلى الّرغم‬ ‫ي لم يتأثر بشي ٍ‬ ‫ن السرهند ّ‬ ‫أ ّ‬
‫مدّية وتحريضه على‬ ‫من دفاعه عن الشريعة المح ّ‬
‫متابعة السّنة النبوّية من خلل رسائله المذكورة‪،‬‬
‫ت له‬ ‫إل ّ أّننا نعثر في الوقت ذاته على مقال ٍ‬
‫ب تلك العقائد الوثنّية‪ .‬وكأّنها‬ ‫تستمدّ من ل ّ‬
‫ب من قلوب الفلسفة والرهبان‪ .‬يقول‬ ‫تتسّر ُ‬
‫في إحدى هذه المقالت‪:‬‬

‫ن العناية اللهّية جذبتني جذب المرادين‬


‫«اعلم أ ّ‬
‫ي منازل السلوك ثانًيا؛‬
‫سرت لي ط ّ‬ ‫و ً‬
‫ل‪ ،‬ثم ي ّ‬ ‫أ ّ‬
‫‪302‬‬

‫ول ً عين الشياء؛ كما قال‬ ‫ت الله سبحانه أ ّ‬ ‫فوجد ُ‬


‫خري الصوفّية؛‬ ‫ي من متأ ّ‬ ‫أرباب التوحيد الوجود ّ‬
‫ل ول‬ ‫ت الله في الشياء من غير حلو ٍ‬ ‫ثم وجد ُ‬
‫ت سبحانه معها بمعّية ذاته؛ ثم‬ ‫ن؛ ثم وجد ُ‬ ‫سريا ٍ‬
‫ه سبحانه وما‬ ‫ه بعدها؛ ثم قبلها‪ .‬ثم رأيت ُ ُ‬ ‫رأيت ُ ُ‬
‫ت شيًئا‪ .‬وهو المعنى بالتوحيد الشهود ّ‬
‫ي‬ ‫رأي ُ‬
‫ضع في‬ ‫ول قدم ٍ تو َ‬ ‫ر عنه بالفناء‪ .‬وهو أ ّ‬ ‫المعب ّ ِ‬
‫ل في البداية‪ .‬وهذه الرؤية‬ ‫الولية‪ ،‬وأسبق كما ٍ‬
‫ول ً‬
‫ة من المراتب المذكورة تحصل أ ّ‬ ‫ي مرتب ٍ‬ ‫في أ ّ‬
‫ت في‬ ‫في الفاق‪ ،‬ثم ثانًيا في النفس‪ .‬ثم ترقي ُ‬
‫البقاء‪ .‬وهو ثاني قدم ٍ في الولية‪ .‬فرأيت‬
‫ن نفسي‪.‬‬ ‫ه عيَنها بل عي َ‬ ‫ت الل َ‬ ‫الشياء ثانًيا‪ .‬فوجد ُ‬
‫ه تعالى في الشياء‪ ،‬بل في نفسي؛ ثم‬ ‫ثم وجدت ُ ُ‬
‫مع الشياء بل مع نفسي‪ .‬ثم قبل الشياء بل‬
‫قبل نفسي‪ .‬ثم بعد الشياء بل بعد نفسي‪ .‬ثم‬
‫ت الله تعالى أصل‪ .‬وهي‬ ‫ت الشياء وما رأي ُ‬ ‫رأي ُ‬
‫النهاية اّلتي هي الرجوع إلى البداية والعود إلى‬
‫ة‬‫م مقام ِ دعو ِ‬ ‫م هو أت ّ‬ ‫مرتبة العوام‪ .‬وهذا المقا ُ‬
‫ق‪ ،‬وأكمل منازل التكميل‬ ‫ق إلى الح ّ‬ ‫الخل ِ‬
‫والرشاد لتمام المناسبة للخلق المقتضية لكمال‬
‫‪438‬‬
‫الفادة والستفادة‪.‬‬

‫ن بالله واليوم‬‫هل يجد من ذاق حلوةَ اليما ِ‬


‫ة من كلم أهل اليقين‬ ‫سح ً‬‫م ْ‬
‫الخر‪ ،‬هل يجد َ‬
‫الصادق في هذه العبارات الخطيرة اّلتي ُتنبئ‬
‫عن غطرسة قائِلها وتطاوله في وجه الحق‬
‫دى بهذا الدعاء‬ ‫سبحانه؟! ُترى ما اّلذي جعله يتح ّ‬
‫الجريء؛ وما اّلذي دفعه ليتمّرد على الله بهذه‬
‫ل بوجه من الوجوه على‬ ‫الكلمات اّلتي ل تد ّ‬
‫إيمانه بالله الواحد الحد الفرد الصمد اّلذي ليس‬
‫كمثله شيء؛ وما اّلذي أغراه حّتى وجد نف َ‬
‫سه‬
‫ل الله‬‫مضطرةً لتزخرف له ما لم يقل به رسو ُ‬
‫‪ ،‬ول أحدٌ من الصحابة والتابعين‪ ،‬ول أحدٌ من‬
‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.180 /‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪438‬‬
‫‪303‬‬

‫ققين اّلذين لم يخرجوا عن جا ّ‬


‫دة‬ ‫العلماء المح ّ‬
‫الحق!‬

‫خّيل‬ ‫ن اّلذي ُ‬ ‫ل السبب ‪ -‬على حسب رأيه ‪ -‬أ ّ‬ ‫لع ّ‬


‫إليه هو نعمة من الله )!( لّنه يذكر في مستهل‬
‫ك‬‫ة َرب ّ َ‬ ‫ة} َ‬
‫م ِ‬
‫ع َ‬
‫ما ب ِن ِ ْ‬‫وأ ّ‬
‫َ‬ ‫ة الكريم َ‬‫مقال آخر له‪ ،‬الي َ‬
‫ت في حلقة‬ ‫ل‪« :‬كن ُ‬ ‫م يستطرد قائ ً‬ ‫ث ّ‬
‫‪439‬‬
‫دثْ‪{.‬‬
‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬
‫الذكر مع أصحابي فخطر لي أّني في قصور‬
‫ت‬‫ي في الحال‪ :‬أّني قد غفر ُ‬ ‫ي إل ّ‬‫ق َ‬ ‫ونقص‪ .‬فأ ُل ْ ِ‬
‫ة إلى‬‫سل بك بوساطة أو بغير واسط ٍ‬ ‫لك ولمن تو ّ‬
‫‪440‬‬
‫يوم القيامة‪.‬‬

‫ي‬
‫ن السرهند ّ‬ ‫يبدو بوضوح من هذه العبارات أ ّ‬
‫ة‪ ،‬إذ بلغت به‬
‫ة خطير ً‬‫ت نفسي ً‬‫كان يعاني حال ٍ‬
‫ن الله أوحى إليه وقال له‬ ‫دعى أ ّ‬‫المعاناة حّتى ا ّ‬
‫سل بك بوساطة أو‬ ‫ت لك ولمن تو ّ‬ ‫«إّني غفر ُ‬
‫ة إلى يوم القيامة»‪.‬‬ ‫بغير واسط ٍ‬
‫شك قد أحبط أعما َ‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫هذه اللفاظ الجريئة ل‬
‫مروا عن ساق الجدّ ليدافعوا‬ ‫الباحثين اّلذين ش ّ‬
‫ي بأّنه لم يخرج من دائرة الكتاب‬ ‫عن السرهند ّ‬
‫صة اّلذين شاركوا النقشبندّيين في‬ ‫سّنة؛ خا ّ‬‫وال ّ‬
‫ة عليه‪ ،‬ووصفوه‬ ‫ع ِ‬ ‫خلع العناوين المصطَن َ َ‬
‫ددّية؛ كما يبرهن‬ ‫بالقطبّية والغوثّية‪ ،‬بل وبالمج ّ‬
‫على سطحية البحث اّلذي تناول فيه أبو الحسن‬
‫ب في الجزء‬ ‫ما كت َ‬‫ي‪ ،‬وع ّ‬‫ي حياةَ السرهند ّ‬ ‫الندو ّ‬
‫الثالث من سلسلة رجال الفكر والدعوة في‬
‫ف هذا‬ ‫ي ‪-‬على القل‪ -‬قد أل ّ َ‬ ‫ن الندو ّ‬ ‫السلم‪ .‬فإ ّ‬
‫مق‪ .‬ول يفوتها بهذه‬ ‫ة وتع ّ‬ ‫ب بدون روي ٍ‬ ‫الكتا َ‬
‫ما‬‫ث آخر لم يغفل ع ّ‬ ‫م باح ٍ‬ ‫المناسبة أن نذكر اس َ‬
‫م‪،‬‬
‫ي من الجنايات على السل ِ‬ ‫ارتكب السرهند ّ‬
‫ماه‪:‬‬ ‫وهو حسن بن على العجمي‪ ،‬أّلف كتاًبا س ّ‬

‫سورة الضحى‪.11/‬‬ ‫‪439‬‬

‫ي‪ ،‬رسالة المبدأ والمعاد ص‪.11/‬‬


‫ي السرهند ّ‬
‫أحمد الفاروق ّ‬ ‫‪440‬‬
‫‪304‬‬

‫ل كفريات أحمد‬ ‫العصب الهندي لستئصا ِ‬


‫ئ عن ك ّ‬
‫ل ما‬ ‫ح فيه ما ُيغني القار َ‬ ‫السرهندي‪َ .‬‬
‫شَر َ‬
‫ما‪.‬‬
‫حا وذ ّ‬ ‫ي مد ً‬ ‫ب عن الشرهند ّ‬ ‫ك ُت ِ َ‬
‫***‬
‫د‬
‫ي جاء ليجدّ َ‬ ‫ن السرهند ّ‬ ‫يزعم النقشبندّيون‪ ،‬أ ّ‬
‫م؛ ول ُِيعيد له طراوته وحيويته‪ .‬ولهذا‬ ‫السل َ‬
‫دد اللف الثاني»‪ .‬كما‬ ‫ظمونه بعنوان «المج ّ‬ ‫يع ّ‬
‫ددّية» على‬ ‫م «المج ّ‬ ‫ُيطِلقون بهذه المناسبة اس َ‬
‫ة من عهده إلى زمن‬ ‫الطريقة النقشبندّية‪ ،‬بداي ً‬
‫خ يشهد على ما قد‬ ‫ن التاري َ‬ ‫ي‪ .‬ولك ّ‬ ‫خالد البغداد ّ‬
‫ذهب من جمال السلم وصفائه على يد‬
‫ي وخلفائه ربما أكثر مما أذهب به‬ ‫السرهند ّ‬
‫الطغاة اّلذين أنزلوا ضربات قاصمة بالسلم‬
‫والمسلمين من أمثال الملوك المويين‪،‬‬
‫والعبيديين‪ ،‬وهولكو‪ ،‬وتيمورلنك‪ ،‬وأكبر شاه‪،‬‬
‫وموشي غوميل السالونيكي!‬

‫جال َت ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ع َ‬
‫يو ُ‬ ‫ل السرهند ّ‬ ‫ن رسائ َ‬ ‫وبالخلصة فا ّ‬
‫ة‪ ،‬وآراءَ‬ ‫ة‪ ،‬وعقائدَ خطير ٍ‬ ‫ر غريب ٍ‬ ‫تشتمل على أفكا ٍ‬
‫ة؛ يرتبك بها‬ ‫ة وكلمي ٍ‬ ‫ب فلسفي ٍ‬ ‫ة‪ ،‬وأسالي َ‬ ‫متناقض ٍ‬
‫جب منها العالم وتستشكل على‬ ‫الجاهل ويتع ّ‬
‫حها‬‫المخلص في حياده‪ ،‬فل يكاد يستخلص صحي َ‬
‫مها ليبرهن به على ما يعتقد في قائله‬ ‫من سقي ِ‬
‫سّنة‪.‬‬ ‫من الستقامة وحسن اللتزام بالكتاب وال ّ‬
‫غِني عن الباحث‬ ‫ن حسن الظن به ليُ ْ‬ ‫وبالتالي فا ّ‬
‫ي‬
‫المحايد في محاولته لبراء ساحة السرهند ّ‬
‫ول أقوال َ ُ‬
‫ه‪.‬‬ ‫مهما تأ ّ‬
‫ي كان ذا‬‫ي السرهند ّ‬ ‫ن أحمد الفاروق ّ‬‫لجرم أ ّ‬
‫ر من‬‫ف جمهو ٍ‬ ‫شأن‪ ،‬ولكن ليس بعلمه؛ بل ِباْلتفا ِ‬
‫حثالة الناس حوله؛ كغالب شيوخ هذه الطائفة‪.‬‬
‫وربما لهذا السبب كان له تأثير على بعض‬
‫ة‬
‫الملوك ورجال السلطة‪ .‬فقد جاء في موسوع ٍ‬
‫للنقشبندّيين أّنه أرسل كتاًبا كان قد أّلفه بعنوان‬
‫‪305‬‬

‫«رد الروافض»‪ ،‬أرسله إلى عبد الله خان‪ ،‬ملك‬


‫دد فيه بالشيعة‪ ،‬ويرميهم بالحمق‬ ‫لزبك؛ ين ّ‬ ‫ا ُ‬
‫والسخافة؛ ويطلب من الملك المذكور أن يرسل‬
‫كتابه هذا إلى العّباس الصفوي شاه إيران‪ .‬فإذا‬
‫‪441‬‬
‫اعترف بما فيه وتاب‪ ،‬فبها‪ .‬وإل ّ وجب قتاله‪.‬‬
‫ب‬
‫فامتثل الملك عبد الله خان لمره وعرض الكتا َ‬
‫ن الشاه رفض المطلوب‬ ‫على شاه إيران؛ ولك ّ‬
‫منه بحكم الطبع‪ .‬إذ ليس من السهل أن يتخّلى‬
‫ة تشّرَبها إلى أعماق ضميره‬ ‫ن عن عقيد ٍ‬ ‫النسا ُ‬
‫ة مهما‬ ‫منذ نعومة أظفاره‪ ،‬فيتبّرأ منها في لحظ ٍ‬
‫صة إذا‬ ‫كانت باطلة‪ ،‬ليعتنق عقيدة جديدة؛ وبخا ّ‬
‫ن أعمال‬ ‫اصطدم بإكراه على ذلك‪ .‬ول يخفى أ ّ‬
‫الرشاد والدعوة ل تنتهي بالنجاح إل ّ بأسلوبه‬
‫الخاص اّلذي أوضحه الله تعالى في كتابه العزيز‬
‫عظ َ ِ‬
‫ة‬ ‫و ِ‬ ‫م ْ‬‫وال ْ َ‬‫ة َ‬ ‫م ِ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ك ِبال ْ ِ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ع إ َِلى َ‬ ‫بقوله }ادْ ُ‬
‫َ‬
‫و‬
‫ه َ‬‫ك ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن إِ ّ‬‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫م ِباّلتي ِ‬ ‫جاِدل ْ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫و َ‬‫ة َ‬ ‫سن َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫عل َ ُ‬
‫م‬ ‫و أَ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬
‫ه َ‬ ‫سِبيل ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ع ْ‬
‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عل َ ُ‬‫أَ ْ‬
‫ِبال ْ ُ‬
‫‪442‬‬
‫دينَ‪{.‬‬ ‫هت َ ِ‬
‫م ْ‬
‫ن الملك عبد الله خان قد اختار‬ ‫ولكن يبدو أ ّ‬
‫ي الحكيم‬ ‫ب الملوك على السلوب القرآن ّ‬ ‫أسلو َ‬
‫خُلوا‬ ‫ك إِ َ‬
‫ذا دَ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫ي‪ .‬ذلك }إ ِ ّ‬ ‫بتأثير السرهند ّ‬
‫وك َذَل ِ َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ها أِذل ّ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عُلوا أ ِ‬ ‫ة أَ ْ‬ ‫َ‬
‫ة َ‬ ‫هل ِ َ‬
‫عّزةَ أ ْ‬ ‫ج َ‬
‫و َ‬‫ها َ‬
‫دو َ‬‫س ُ‬
‫ف َ‬ ‫قْري َ ً‬
‫ي‬
‫م َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن‪ 443{.‬فما كان من الطرفين إل ّ و َ‬ ‫عُلو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ف َ‬
‫س بينهما ذهبت في غمرته ألف من‬ ‫الوطي ُ‬
‫الضحايا!‬

‫صل ُبغض الرافضة في قلوب النقشبندّيين بعد‬ ‫تأ ّ‬


‫هذه الواقعة وأصبح مّيزة تّتصف بها السنّية‬
‫التقليدّية وانتشر بانتشار الطريقة النقشبندّية‪.‬‬
‫وهو السبب الرئيس للخلف والصراع والحروب‬

‫‪İslâm Alimleri Ansiklopedisi 15/325‬‬ ‫‪441‬‬

‫سورة النحل‪.125/‬‬ ‫‪442‬‬

‫سورة النمل‪.34/‬‬ ‫‪443‬‬


‫‪306‬‬

‫المستمرة بين التراك والفرس عبر العصور‪.‬‬


‫ن هذه العداوة‬ ‫ن كثيًرا من الناس يجهلون أ ّ‬ ‫ولك ّ‬
‫ي بين أتباع هذه النحلة‪ ،‬لم‬ ‫اّلتي بثها السرهند ّ‬
‫تنبت في قلبه لما كان يرى في عقيدة الشيعة‬
‫ب‬‫من الخروج على السلم؛ بل نشأت بسب ِ‬
‫ي اّلذين كانوا‬ ‫ل اْلبل ِ‬
‫ط الملك ّ‬ ‫ض رجا ِ‬
‫سِته لبع ِ‬
‫مناف ِ‬
‫ي وبينهم‬ ‫من الشيعة‪ .‬لقد كان بين السرهند ّ‬
‫صراع شديد على المصالح‪ .‬فغلب تأثير الفريق‬
‫الشيعي منهم على الملك جهانكير حّتى أوعزوا‬
‫وال َْياْر»‪،‬‬‫ة «ك ُ َ‬
‫إليه بتنكيله؛ فأمر باعتقاله في قلع ِ‬
‫لبث فيها ثلث سنين‪.‬‬

‫ي‬ ‫د وأن نشير أخيرا ً إلى أ ّ‬


‫ن أحمد الفاروق ّ‬ ‫لب ّ‬
‫ي بشهادته على نفسه‬ ‫ل وجود ّ‬ ‫ي هو رج ٌ‬
‫السرهند ّ‬
‫وإطرائه على كبير الوجودّيين محي الدين بن‬
‫عربي؛ إذ يقول‪:‬‬

‫ى‬‫ى إل ّ‬ ‫ي وأ ُل ْ ِ‬
‫ق َ‬ ‫ف لي التوحيد الوجود ّ‬ ‫«قد ك ُ ِ‬
‫ش َ‬
‫مة ورقائق وافية من هذا‬ ‫علوم كثيرة ومعارف ج ّ‬
‫ر الصفة العلمّية‬ ‫ه ِ‬‫مظ ِ‬
‫ف ُ‬‫المقام؛ ولحت لي معار ُ‬
‫ي اّلذي‬
‫ت بالتجّلي الذات ّ‬ ‫الشيخ الكبر‪ ...‬وتشّرف ُ‬
‫صه بخاتم‬ ‫بّينه الشيخ وجعله نهاية العروج وخ ّ‬
‫‪444‬‬
‫حا»‪.‬‬ ‫صل ً ومو ّ‬
‫ض ً‬ ‫الولية مف ّ‬
‫ل بوحدة الوجود‪ ،‬وواقف‬ ‫هكذا يبدو جلّيا أّنه قائ ٌ‬
‫ف الجلل من محي الدين بن عربي‪ ،‬بخلف‬ ‫موق َ‬
‫ض من هذه الطائفة‪« :‬إّنه بر ٌ‬
‫ئ من‬ ‫ى البع ُ‬ ‫دع َ‬ ‫ما ا ّ‬
‫تلك العقيدة‪ ،‬وأّنه إّنما قال بوحدة الشهود‬
‫ليبرهن به عن بطلن وحدة الوجود»‪ .‬ومهما‬
‫ن فكرة «وحدة الشهود» أيضا عقيدة‬ ‫كان‪ ،‬فا ّ‬
‫غامضة‪.‬‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.181 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪444‬‬
‫‪307‬‬

‫ضه من «وحدة الشهود» هو‬ ‫ن غَر َ‬


‫ضنا أ ّ‬ ‫ن َ‬
‫فَر ْ‬ ‫وإ ْ‬
‫وحدة المشهود‪ ،‬أي هو إقراٌر بوحدة الموجودات‬
‫القابلة للشهود بصفة المخلوقية على سبيل‬
‫تنـزيه الخالق الباري عن إحاطة العبد به في‬
‫نطاق ما ُيبصره؛ فان هذا الغرض‪ ،‬بل هذا‬
‫القرار ل يقوم مقام حدّ جامع لكافة‬
‫ل ما يدخل في‬ ‫المخلوقات‪ .‬وإنما يشتمل على ك ّ‬
‫نطاق البصر فحسب‪ ،‬ويخرج من هذا الحدّ بقّية‬
‫المخلوقات من المحسوسات وغيرها؛ فضل ً عن‬
‫ي غريب‬ ‫ن كلمة «وحدة الشهود» تعبير كلم ّ‬ ‫أ ّ‬
‫سّنة‪ ،‬ولم يتكّلم به‬‫قد‪ ،‬لم يرد في الكتاب وال ّ‬ ‫ومع ّ‬
‫أحد من السلف الصالح‪.‬‬

‫طا أخرى من‬ ‫ن هذه الفكار الدخيلة‪ ،‬وأنما ً‬ ‫إ ّ‬


‫أمثالها إّنما تسّربت إلى الطريقة النقشبندّية‬
‫ولت هذه‬ ‫ي وخلفائه‪ ،‬فتح ّ‬ ‫في عهد أحمد الفاروق ّ‬
‫ل برسومها وطقوسها‬ ‫ن مستق ّ‬ ‫الطريقة إلى دي ٍ‬
‫صة بحكم كون هؤلء الرجال‬ ‫وآدابها وأركانها‪ ،‬خا ّ‬
‫ة مجبولة على التقليد بسبب‬ ‫من عناصر هندي ٍ‬
‫صلتهم الدائمة مع البراهمة والسيخ والبوذّيين‬
‫في الهند‪ .‬وهي ساحة نائية عن قلب بلد‬
‫ن السلم إّنما انتشرت في تلك‬ ‫السلم‪ .‬وأ ّ‬
‫المناطق عن طريق الوفود من رجال التجارة‬
‫والسياحة اّلذين لم يكونوا أصل ً من أهل العلم‬
‫والختصاص في الدعوة والرشاد؛ ولم تكتمل‬
‫فيهم الكفاءة في توجيه المشركين إلى الدين‬
‫دا‬
‫ن عد ً‬‫الحنيف بالوجه الصحيح؛ وإن فرضنا أ ّ‬
‫جار المسلمين قد احتسبوا لله في‬ ‫كبيًرا من ت ّ‬
‫مدّية بين مجوس الهند عبر‬ ‫نشر الرسالة المح ّ‬
‫العصور‪.‬‬

‫ذت الطريقة النقشبندّية بالعقائد المحّلية‬ ‫هكذا تغ ّ‬


‫ة من تعاليمها‬
‫ت على قاعد ٍ‬ ‫في ديار الهند ونم ْ‬
‫ي‬
‫ما منذ عهد السرهند ّ‬ ‫مدة مائتين وخمسين عا ً‬
‫‪308‬‬

‫ن يقفُز بها إلى الساحة العراقّية‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬‫حّتى وجد ْ‬


‫ها في ربوع المملكة العثمانّية‪.‬‬ ‫عام ‪1811‬م‪.‬؛ وي َب ُث ّ َ‬
‫ورها وصّبها في‬ ‫ي اّلذي ط ّ‬
‫أل وهو خالد البغداد ّ‬
‫قالب آخر مع خلفائه كما سنشرح أحواَلهم فيما‬
‫ن شاء الله تعالى‪.‬‬ ‫يلي كل ّ على حدة إ ْ‬
‫***‬
‫* الحلقة الرابعة والعشرون من‬
‫السلسلة النقشبندّية‪.‬‬
‫دا المعصومَ؛‬ ‫ي ابنه محم ً‬ ‫استخلف أحمد الفاروق ّ‬
‫ة‬
‫ة الرابع َ‬ ‫ف بذلك هو الحلق َ‬ ‫فأصبح هذا الخل ُ‬
‫طريقة‬ ‫والعشرين من سلسلة الروحانّيين لل ّ‬
‫ف الولد والقارب‬ ‫النقشبندّية‪ .‬وصار استخل ُ‬
‫ء هذه‬ ‫ي من العادة الشايعة بين ك ُب ََرا ِ‬ ‫بعد الفاروق ّ‬
‫خ النقشبندّية‬ ‫ت شيو ِ‬ ‫ت عائل ُ‬ ‫ول ْ‬‫الطائفة؛ كما تح ّ‬
‫ة‬
‫ة مرموق ٍ‬ ‫ت مكان ٍ‬ ‫ة‪ ،‬ذا ِ‬ ‫دس ٍ‬ ‫ت مق ّ‬
‫إلى سلل ٍ‬
‫ة على طبقات الناس في المجتمعات‬ ‫وق ٍ‬‫ومتف ّ‬
‫ك والكرد والفرس‬ ‫العجمية الخليطة من الت ّْر ِ‬
‫والهنود والمغول والقّليات القوقازية نتيجة هذه‬
‫العادة‪.‬‬

‫ولد المعصوم عام ‪ 1007‬من الهجرة الموافق لسنة‬


‫حْيدر» التابعة‬ ‫مل ْ ِ‬
‫ك َ‬ ‫‪ 1599‬من الميلد بقرية « ُ‬
‫لمدينة سرهند‪ ،‬ومات في هذه المدينة عام ‪1079‬‬
‫من الهجرة الموافق لسنة ‪ 1668‬من الميلد‪.‬‬

‫ضا على عقيدة الوجودّية‬ ‫م أي ً‬


‫مد المعصو ُ‬‫كان مح ّ‬
‫د لهذه‬ ‫ي جدي ٍ‬ ‫كوالده‪ .‬ولكنه جاء بتفسير باطن ّ‬
‫ة»‬‫مي ّ ِ‬
‫قّيو ِ‬ ‫ورها بإضافة مفهوم «ال ْ َ‬ ‫العقيدة فط ّ‬
‫ء من‬ ‫إليها‪ .‬إل ّ أن هذا التفسير لم يحظ بشي ٍ‬
‫مل ً‬
‫الهتمام والشيوع بين الصوفّية‪ .‬بل ظل مه َ‬
‫ت‬
‫ل غِير ذا ِ‬ ‫في تضاعيف ما كتبه وخّلفه من رسائ َ‬
‫م أحدٌ حّتى‬
‫ة ل يلتفت إليها اليو َ‬‫قيم ٍ‬
‫‪309‬‬

‫ة‬
‫ة» فكر ٌ‬ ‫مي ّ ِ‬ ‫ن مفهوم «ال ْ َ‬
‫قّيو ِ‬ ‫النقشبندّيون‪ .‬ذلك أ ّ‬
‫ن‬‫يأ ْ‬
‫ور البشر ّ‬ ‫دا؛ يأبى التص ّ‬ ‫ة مع ّ‬
‫قدَةٌ ج ّ‬ ‫غامض ٌ‬
‫ت غريبة‬ ‫ج من هفوا ٍ‬ ‫يستوعبها‪ ،‬لصياغتها بنسي ٍ‬
‫كز‪.‬‬‫ب ومر ّ‬ ‫ي صل ٍ‬ ‫ب صوف ّ‬ ‫ة بأسلو ٍ‬‫وعبارات متشابك ٍ‬
‫مد المعصوم في هذا‬ ‫جله مح ّ‬
‫ومن جملة ما س ّ‬
‫مد‬‫الصدد ‪ -‬على ما نقله عبد المجيد بن مح ّ‬
‫ي ‪ ،-‬قوله‪« :‬القّيوم في هذا العالم‪ ،‬خليفة‬‫الخان ّ‬
‫الله تعالى ونائب منابه؛ والقطاب والوتاد‬
‫‪445‬‬
‫والبدال والفراد مندرجون تحت ظلله»‪.‬‬
‫هكذا قال بصراحة‪ ،‬وهذا يدل على عقيدته‬
‫بالختصار‪.‬‬

‫ي عنه في تراجمه على سبيل الكرامات‬ ‫و َ‬


‫وما ُر ِ‬
‫والخوارق الظاهرة على يده‪ ،‬كتحويل الورق إلى‬
‫الذهب والفضة وما أشبه’‪ 446‬يبرهن على أّنه كان‬
‫يتعاطى السحر والشعوذة‪ .‬وذلك ليس ببعيد عن‬
‫الشيوخ ذوي الصول الهندية‪.‬‬
‫***‬

‫* الحلقة الخامسة والعشرون من‬


‫السلسلة النقشبندّية‪.‬‬
‫عاد الستخلف في السرة الرّبانّية ثانية فأنتجت‬
‫خا ثالًثا‪ ،‬وهو سيف الدين بن‬ ‫لهذه الطريقة شي ً‬
‫ة‬
‫عدّ هو الحلق َ‬ ‫ّ‬
‫ي الذي ي ُ َ‬
‫مد المعصوم الفاروق ّ‬
‫مح ّ‬
‫ة والعشرين من سلسلتهم‪.‬‬ ‫الخامس َ‬

‫ولد سيف الدين عام ‪ 1049‬من الهجرة الموافق‬


‫لسنة ‪ 1630‬من الميلد بمدينة سرهند؛ ومات بها‬
‫سنة ‪ 1098‬الموافقة لعام ‪ 1696‬من الميلد‪.‬‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.192/‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪445‬‬

‫‪İslâm Alimleri Ansiklopedisi 16/96‬‬ ‫‪446‬‬


‫‪310‬‬

‫مد سعيد‬ ‫تعّلم سيف الدين على عمّ ِ‬


‫ه مح ّ‬
‫ب‬‫زي ْ‬ ‫ْ‬
‫وَرنگ ِ‬ ‫ى تربية الملك «أ ْ‬
‫ي‪ .‬وتول ّ‬
‫الفاروق ّ‬
‫ن»‪ ،‬ملك‬ ‫ها ْ‬‫ج َ‬ ‫مد شاه ِ‬ ‫گيْر بن شهاب الدين مح ّ‬ ‫عل َ ْ‬
‫م ِ‬ ‫َ‬
‫الدولة المغولية الهندّية‪ .‬ثم ترّبع على عرش‬
‫ث‬
‫ه في ب َ ّ‬ ‫النقشبندّية بعد أبيه‪ ،‬واّتخذ أسلوب جدّ ِ‬
‫عقيدته عن طريق المراسلة‪ .‬بلغ عدد رسائله‬
‫مد العظم‪.‬‬ ‫مائة وتسعين مكتوًبا جمعها ابنه مح ّ‬
‫ن الشهرة اّلتي امتاز بها سيف الدين‪ ،‬لم‬ ‫يغلب أ ّ‬
‫وقه في العلم والمعرفة؛ وإّنما‬‫تكن بسبب تف ّ‬
‫ة‪ .‬لّنه لم يتغّير به شيء في الطريقة‬ ‫كانت وراثي ً‬
‫ور وازدهار في‬ ‫ي تط ّ‬
‫النقشبندّية ول حدث أ ّ‬
‫الدولة المغولية الهندية في عهده‪.‬‬
‫***‬

‫* الحلقة السادسة والعشرون من‬


‫السلسلة النقشبندّية‪.‬‬
‫هذه الحلقة يمّثلها رجل اسمه نور مح ّ‬
‫مد‬
‫ي‪.‬‬
‫البدوان ّ‬
‫ي إنجاز أو نجاح أو بطولة‬ ‫لم يتّصل ذكره بأ ّ‬
‫ه‬
‫صت ْ ُ‬ ‫ما ما َ‬
‫ق ّ‬ ‫ء من آثارها‪ .‬أ ّ‬ ‫حظي المسلمون بشي ٍ‬
‫النقشبندّية من حكايات أسطورية على سبيل‬
‫الكرامة له‪ ،‬فإنها ليست مما ُيعتدّ بها‪.‬‬

‫عا إلى‬‫ل‪ ،‬مغموًرا‪ ،‬ناز ً‬ ‫يبدو أّنه كان رجل ً خام ً‬


‫ى أّنه «َأدخل مرةً رجَله‬ ‫حك ِ َ‬
‫التطّرف والشعوذة‪ُ .‬‬
‫اليمـنى إلى بيت الخلء‪ ،‬فانقبض ثلثة أّيام من‬
‫ي أّنه «لكثرة ما كان‬ ‫حك ِ َ‬ ‫سّنة»‪ 447‬كما ُ‬ ‫مخالفته لل ّ‬
‫‪448‬‬
‫وس ظهره»‪.‬‬ ‫ع‪ ،‬تق ّ‬ ‫ه وي ُ َ‬
‫قب ّ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ي ُطَأ ْطِ ُُ‬
‫ئ رأ َ‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.201/‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪447‬‬

‫المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪448‬‬


‫‪311‬‬

‫ي في مدحه‬ ‫مد الخان ّ‬ ‫يبالغ عبد المجيد بن مح ّ‬


‫جع‪ ،‬فيقول‪« :‬وافتخر به فريق‬ ‫بأسلوبه المس ّ‬
‫قا وغرًبا‪ ،‬فانظُْر كيف سّلم نف َ‬
‫سه‬ ‫الطريق شر ً‬
‫للسيف لينال شهادة السعادة وسعادة الشهادة‬
‫قت َل ْت ُ ُ‬
‫ة )من َ‬
‫‪449‬‬
‫ه(»‬
‫ه فأنا ديت ُ ُ‬ ‫ويحيا الحياة البدي َ‬

‫ي هنا في استعراض بلغته ‪ -‬إذ هو‬ ‫تفّنن الخان ّ‬


‫أديب النقشبندّيين ‪-‬؛ فاستعمل كلمة «السيف»‬
‫على سبيل المجاز في قوله «فانظر كيف سّلم‬
‫نفسه للسيف‪ »...‬وهو في الحقيقة ليس إل‬
‫ي‬
‫ي‪ .‬ولكن الخان ّ‬
‫الشيخ سيف الدين الفاروق ّ‬
‫استعار منه معنى السيف اّلذي هو السلح‬
‫التقليدي المعروف‪.‬‬

‫هذه الصيغة المنسوجة بلهجة المكر ولغة الحيلة‪،‬‬


‫ز‬ ‫ي في صورة ل ُ ْ‬
‫غ ٍ‬ ‫قد يرمز إلى حقيقة رّتبها الخان ّ‬
‫ل النّاس فُيصب ِ َ‬
‫ح‬ ‫لكي ل يتبلور المر أمام ك ّ‬
‫ظا على‬ ‫ع النقاش والتحليل والتأويل‪ ،‬حف ً‬ ‫موضو َ‬
‫مع‪ ،‬وخشية أن‬ ‫سمعة الروحانّيين في المجت َ َ‬‫ُ‬
‫تسقط هيبتهم من قلوب الناس‪.‬‬

‫ن قوله «فانظر كيف سّلم نفسه‬ ‫ذلك أ ّ‬


‫ي‪ .‬وهو‬ ‫للسيف‪ »...‬يحتمل معنيين‪ :‬أحدهما حقيق ّ‬
‫ة‪.‬‬
‫ة فعلي ٍ‬‫قتل بصور ٍ‬ ‫ي قد ُ‬
‫دا البدوان ّ‬
‫ن نور محم ً‬‫أ ّ‬
‫ي‬‫ن الرّبان ّ‬‫حة‪ .‬ل ّ‬ ‫وهذا قد يكون له أساس من الص ّ‬
‫دى ذلك‬ ‫دد النكير على الرافضة‪ .‬فأ ّ‬ ‫كان قد ش ّ‬
‫ن شمس‬ ‫إلى عدائهم على خلفائه‪ .‬كما قيل أ ّ‬
‫الدين حبيب الله ميرزا مظهر جان جانان قد ُ‬
‫قت ِ َ‬
‫ل‬
‫ي‪.‬‬‫مد البدوان ّ‬ ‫على أيديهم؛ وهو من خلفاء نور مح ّ‬
‫ي‪ ،‬سبقت إليه الشارة‬ ‫وثاني المعنيين مجاز ّ‬
‫ي سّلم‬
‫دا البدوان ّ‬
‫ن نور محم ً‬‫فا‪ .‬يعني ذلك‪ :‬أ ّ‬‫آن ً‬
‫ي‪ ،‬فنال بذلك‬
‫ه للشيخ سيف الدين الفاروق ّ‬ ‫س ُ‬
‫نف َ‬
‫ن ما تكابده في سلوكه تحت‬ ‫مرتبة الشهادة‪ .‬ل ّ‬
‫المصدر السابق ص‪.200 /‬‬ ‫‪449‬‬
‫‪312‬‬

‫عا من الفداء‬
‫عدّ نو ً‬
‫إشراف الشيخ سيف الدين ي ُ َ‬
‫بالنفس‪.‬‬

‫هذا الرجل اّلذي تكّلف النقشبندّيون في تبجيله‬


‫ة‪ ،‬ل علم لحد بتاريخ‬ ‫ب مزخرف ٍ‬‫وتعظيمه بأسالي َ‬
‫ف‬‫ن كش َ‬ ‫ميلده على الرغم من زعمهم بـ «أ ّ‬
‫‪450‬‬
‫فلم‬ ‫ة»‪.‬‬
‫ح ِ‬
‫ة من الص ّ‬ ‫حضرة السيد كان على غاي ٍ‬
‫يسبق منه أن ذكر شيًئا فيه تصريح بتاريخ‬
‫ي عام ‪ 1135‬من الهجرة‬ ‫ميلده‪ .‬وقيل مات البدوان ّ‬
‫الموافق لسنة ‪ 1722‬من الميلد‪.‬‬
‫***‬

‫* الحلقة السابعة والعشرون من‬


‫السلسلة النقشبندّية‬
‫يحمل سمة هذه الحلقة رجل اسمه شمس الدين‬
‫ي‬
‫حبيب الله ميرزا مظهر جان جانان‪ .‬وهو هند ّ‬
‫الصل كمشائخه الربعة اّلذين قبله‪ .‬ويبرهن هذا‬
‫ة تتمّيز بها‬
‫م ٍ‬
‫ق ها ّ‬
‫السم الموزون على حقائ َ‬
‫جلها‬
‫ه؛ كما وردت في عبارات س ّ‬ ‫ه وحيات ُ ُ‬
‫شخصيت ُ ُ‬
‫ي‪ ،‬أحد البارزين بين شيوخ‬ ‫الشيخ قسيم الك ُ ْ‬
‫فَرو ّ‬
‫هذه الطائفة في عصرنا‪.‬‬

‫ي ولم‬ ‫ي عنه‪« :‬انتسب إلى البدوان ّ‬‫فَرو ّ‬‫يقول الك ُ ْ‬


‫يتجاوز عمره الثامنة عشرة‪ .‬كان يرتدي بأدنى ما‬
‫يستر به عورته‪ ،‬يجول في الصحاري ويأكل من‬
‫ورق الشجر‪ .‬وهكذا أمضى أربع سنين حياة‬
‫ب‬
‫ح ّ‬‫ب الطريقة ألواًنا من ال ُ‬
‫الدراويش‪ ،‬فأذاق أربا َ‬
‫ي»‪ 451.‬يبدو من هذه العبارات أّنه لم‬‫الفلطون ّ‬

‫المصدر السابق ص‪.201 /‬‬ ‫‪450‬‬

‫‪Onsekiz yaşında Muhammed Bedevani’ye intisap eden‬‬ ‫ي بالّلغة التركّية‪:‬‬


‫ي لكلمات الكفراو ّ‬
‫ص الصل ّ‬
‫وهذا الن ّ‬ ‫‪451‬‬
‫‪bu zat, yalnız avreti setredecek kadar giyinerek çöllerde ağaç yaprakları yemek suretiyle dört sene tam bir kalender hayatı‬‬

‫‪.yaşamış ve tarikat ehline eflatunî bir aşkın cilvelerini tattırmıştır‬‬


‫‪Kasım Kufralı, Nakşibendiliğin Kuruluş ve Yayılışı Pg. 91. İstanbul-1949‬‬
‫‪313‬‬

‫يأكل الّلحم لما تأث َّر بعادات البوذيين‬


‫ومعتقداتهم‪.‬‬

‫ق وإمعان؛ ل‬ ‫م ٍ‬ ‫ع ْ‬
‫ة‪ ،‬ب ِ ُ‬‫ملنا في هذه الشخصي ّ َ‬ ‫إذا تأ ّ‬
‫ها من وجوه الشبه بينها وبين‬ ‫نكاد نجد وج ً‬
‫شخصية الرسول ‪ .‬وإّنما فيها ملمح ظاهرة‬
‫ب إليه الديانة‬‫س ُ‬‫من شخصية بوذا الراهب اّلذي ُتن َ‬
‫ن‬
‫كد على أ ّ‬ ‫البوذّية‪ .‬وهذه من البراهين اّلتي تؤ ّ‬
‫الطريقة النقشبندّية قد تأّثرت بتعاليم البوذّية‬
‫حا جديدةً بعد‬ ‫إلى أبعد الحدود؛ وأخذت منها رو ً‬
‫قفزها من بلد ماوراءالنهر إلى الساحة الهندية‬
‫ي إلى زمن خالد‬ ‫منذ عهد الباقي بالله الكاُبل ّ‬
‫ي اّلذي حملها من بلد الهند إلى الشرق‬ ‫البغداد ّ‬
‫ورها إلى شكلها اّلذي هي عليه‬ ‫الوسط وط ّ‬
‫اليوم‪.‬‬

‫ولد جان جانان عام ‪ 1111‬من الهجرة الموافق‬


‫ة بمدينة دلهي‬
‫ل غيل ً‬ ‫لسنة ‪ 1699‬من الميلد‪ .‬و ُ‬
‫قت ِ َ‬
‫عام ‪ 1195‬من الهجرة الموافق لسنة ‪ 1781‬من‬
‫الميلد‪ .‬وذلك على يد نفر من الشيعة‪ .‬وقيل‬
‫‪452‬‬
‫كانوا من مجوس المغول‪.‬‬

‫يزعم النقشبندّيون أّنه من البطن الثامن‬


‫ي بن أبي طالب رضي‬ ‫والعشرين من سللة عل ّ‬
‫خرين من آبائه كانوا أمراء‪ .‬إل ّ‬ ‫ن المتأ ّ‬ ‫الله عنه؛ وأ ّ‬
‫دا‪ ،‬وأنفق أمواله الطائلة‬ ‫ن أباه ترك منصبه زه ً‬ ‫أ ّ‬
‫طيات تبرهن‬ ‫ع َ‬
‫م ْ‬ ‫ل هذه ال ُ‬‫قا‪ .‬ك ّ‬ ‫على الفقراء تصدّ ً‬
‫ه في أسرة‬ ‫ر اّلذي دّبت أمارات ُ ُ‬ ‫ضا على التغي ّ ِ‬ ‫أي ً‬
‫ة‬
‫ت إليها أسو ً‬ ‫ه اّلذي نزع ْ‬ ‫جان حانان‪ ،‬والتجا ِ‬
‫ة الرهبان الهندوس‪.‬‬ ‫بحيا ِ‬
‫صه النقشبندّيون من حكايات‬‫ما جميع ما ق ّ‬
‫وأ ّ‬
‫أسطورية على سبيل الكرامة له‪ ،‬فهي ل تتجاوز‬
‫دوها من علمات الصالحين‬ ‫مزاعم غريبة ع ّ‬
‫‪.İslâm Alimleri Ansiklopedisi 17/49‬‬ ‫‪452‬‬
‫‪314‬‬

‫ونسبوها إليه؛ كما قد نسجوا من أمثالها لبقّية‬


‫ر‬‫سي َ ِ‬
‫الروحانّيين‪ .‬وهي في الحقيقة واردة في ِ‬
‫الرهبان والعابدين من أهل العزلة في سائر‬
‫ة‬
‫ما من الّيام ورث ً‬ ‫الديان‪ .‬ولم يكن الرهبان يو ً‬
‫للنبياء والصالحين اّلذين أناروا طُُرقَ الحياة‬
‫السعيدة للّناس في هذه الدنيا‪ ،‬ودّلوهم على‬
‫سُبل السلم إلى النجاة‬ ‫العمل الصالح‪ ،‬وسلوك ُ‬
‫البدّية‪ .‬بل كان شأن الرهبان ومن على‬
‫شاكلتهم من شيوخ الطرق الصوفّية؛ كان‬
‫س المسوح‪،‬‬ ‫ف‪ ،‬ولب َ‬ ‫ش َ‬ ‫ة‪ ،‬والت َ‬
‫ق ّ‬ ‫شأنهم العزل َ‬
‫ب الجسد‬ ‫ض نعم الله‪ ،‬وتعذي َ‬ ‫ة الحياة‪ ،‬ورف َ‬ ‫وكراهي َ‬
‫ع من الرياضيات الشاقة‪.‬‬ ‫بأنوا ٍ‬
‫ي‪ ،‬ل أثر له ي ُذْ َ‬
‫كر‪ .‬ولهذا ل‬ ‫ن هذا الشيخ الهند ّ‬
‫إ ّ‬
‫نعثر على اسمه في مصّنفات أهل البحث‬
‫جلها أبو الحسن‬ ‫ةس ّ‬ ‫ت قليل ٍ‬‫والدراسة‪ ،‬سوى كلما ٍ‬
‫ي في الجزء الرابع من كتابه «رجال الفكر‬ ‫الندو ّ‬
‫‪453‬‬
‫والدعوة في السلم»‪.‬‬

‫ونها تلميذه غلم على عبد‬‫صة حياته اّلتي د ّ‬


‫ما ق ّ‬
‫أ ّ‬
‫ي بعنوان «المقامات المظهرية»‪،‬‬ ‫الله الدهلو ّ‬
‫ي عن الشتغال به‪.‬‬‫ن العقل الراجح غن ّ‬ ‫فا ّ‬
‫***‬

‫* الحلقة الثامنة والعشرون من‬


‫السلسلة النقشبندّية‬
‫يستحق اللمام بشخصية الرمز اّلذي يُ َ‬
‫مث ّ ُ‬
‫ل هذه‬
‫ي‪ .‬وذلك‬
‫م علي عبد الله الدهلو ّ‬ ‫غل َ ْ‬‫ة؛ وهو ُ‬ ‫الحلق َ‬
‫م‪ ،‬يمكن تلخيصه بأّنه استطاع أن ينهض‬ ‫ب ها ّ‬ ‫لسب ٍ‬
‫ساسة من‬ ‫بالطريقة النقشبندّية في مرحلة ح ّ‬
‫ت‬‫الزمن لم يكن القيام فيها من السهل بنشاطا ٍ‬
‫ن الطريقة النقشبندّية كانت‬ ‫ة فا ّ‬‫ص ٍ‬‫ة‪ .‬وبخا ّ‬‫روحاني ٍ‬
‫ي‪ ،‬رجال الفكر والدعوة في السلم ص‪.278 ،225 ،149 /‬‬
‫أبو الحسن الندو ّ‬ ‫‪453‬‬
‫‪315‬‬

‫سع والنتشار‪.‬‬ ‫قد بلغت الغاية من التو ّ‬


‫ل بدابة الزوال‬ ‫ة الكما ِ‬ ‫فالمعقول‪ ،‬أن يكون نهاي ُ‬
‫ه‪ ،‬وكان الملحوظ أن يبدأ‬ ‫ء سوى الل ِ‬ ‫ل شي ٍ‬ ‫لك ّ‬
‫النحطاط في الطريقة النقشبندّية فتتقّلص‪،‬‬
‫ن الوضاع لم تكن‬ ‫لظروف الوقت والمنطقة‪ .‬فا ّ‬
‫ي فكرة تتعارض مع روح النـزاع‪،‬‬ ‫تسمح لقيام أ ّ‬
‫ن الوضع‬ ‫أو تّتسم بالسلمية والهدوء والحياد‪ .‬إذ أ ّ‬
‫ل من الفوضى بين الجموع‬ ‫كان على أشدّ حا ٍ‬
‫ما الدين‬ ‫المتباينة في الساحة الهندية يومئذ‪ .‬أ ّ‬
‫والنشاطات الروحية والفلسفّية والعلمّية‬
‫والفنية‪ ،‬فإنها تختفي غالًبا في مثل هذه‬
‫الظروف‪ ،‬لشغل الناس بالدفاع عن حياتهم‬
‫ي على الرغم‬ ‫دهلو ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م وأموالهم‪ .‬ولك ّ‬ ‫ه ْ‬
‫ض ِ‬‫عْر ِ‬‫و ِ‬
‫كن من استمالة القلوب بدعاياته‬ ‫من ذلك تم ّ‬
‫المتواصلة اّلتي قام بها عن طريق المراسلت‬
‫مد‬
‫ي وابنه مح ّ‬ ‫ر أحمد الفاروق ّ‬ ‫غَرا ِ‬‫على ِ‬
‫المعصوم؛ كما تبرهن على ذلك رسائله اّلتي بلغ‬
‫ة‪ ،‬جمعها شاه‬ ‫سا وعشرين قطع ً‬ ‫عددها مائة وخم ً‬
‫رؤوف أحمد )وهو أحد خلفائه( بعنوان‬
‫«المكاتيب الشريفة»‬

‫ي عام ‪ 1158‬من‬ ‫م علي عبد الله الدهلو ّ‬ ‫ولد غُل َ ْ‬


‫الهجرة الموافق لسنة ‪ 1745‬من الميلد‪ ،‬في خضم‬
‫الحركات الثورية والفتن المتفاقمة والحروب‬
‫الدائرة بين ملوك الطوائف على الساحة الهندية‬
‫وعلى حين من احتضار الدولة المغولية‬
‫اّلتيمورية‪ .‬وكان من أشدّ هذه الفتن زحف‬
‫المراهتة المجوس على مدينة دلهي عام ‪1760‬م‪.‬‬
‫م على يومئذ شاّبا مراه ً‬
‫قا‪.‬‬ ‫غل َ ْ‬ ‫كان ُ‬

‫م علي مرحلة شبابه في عهد خمسة‬ ‫قضى غُل َ ْ‬


‫من ملوك الدولة اّلتيمورية‪ 454‬اّلذين بلغت‬

‫م َِ‬
‫گيْر الثاني )‬ ‫عل َ ْ‬
‫مد شاه )‪1161 -1331‬هـ‪(.‬؛ أحمد شاه )‪1167-1161‬هـ‪(.‬؛ عزيز الدين َ‬
‫هؤلء الملوك هم‪ :‬مح ّ‬ ‫‪454‬‬
‫مد أكبر الثاني )‪1221 -1172‬هـ‪(.‬؛ بهادر شاه آخر الملوك اّلتيموري )‪1278-1221‬هـ‪(.‬؛‬
‫‪ 1172 -1167‬هـ‪(.‬؛ شاه عالم مح ّ‬
‫‪316‬‬

‫القلقل والضطرابات والحداث الدامية غايتها‬


‫عبر حكمهم‪ .‬ولم تتمّتع البلد بشيء من الهدوء‬
‫ن هذه المرحلة حّتى فرض‬ ‫والستقرار إ ِّبا َ‬
‫هم على البلد الهندية بصورة‬ ‫النجليز سيطرت َ ُ‬
‫نهائية؛ وذلك سنة ‪ 1214‬من الهجرة الموافقة‬
‫نو‬ ‫سَرن ْ َ‬
‫كاب ْت ِ ْ‬ ‫لعام ‪ 1799‬من الميلد‪ ،‬إ ِث َْر معرك ِ‬
‫ة َ‬
‫استشهاد سلطان تيبو‪.‬‬

‫و الخانق‪ ،‬استطاع غُل َ ْ‬


‫م‬ ‫على الرغم من هذا الج ّ‬
‫ر من الناس من أولئك‬ ‫م جمهو ٍ‬ ‫علي أن ُيثير اهتما َ‬
‫اّلذين لم ينبض في أحدهم عرق الحمية واليمان‬
‫أمام الكارثة اّلتي حلت بالمجتمع السلمي‬
‫ي عقائد‬ ‫يومئذ في الهند‪ .‬كان يبث الدهلو ّ‬
‫السرة السرهندّية بحماس وجلد‪ ،‬ويعمل على‬
‫ه‬
‫مت ِ‬
‫ل على نجاحه في مه ّ‬ ‫إشاعة صيتها‪ .‬يد ّ‬
‫ه رجل ً من أكراد العراق‪ ،‬لينفث في روعه‬ ‫اجتذاب ُ ُ‬
‫ة‬‫ي على كاهله مسئولي َ‬ ‫ق َ‬‫من هذه العقيدة‪ ،‬ول ِي ُل ْ ِ‬
‫ي اّلذي‬‫القيام بنشرها‪ .‬أل َ وهو خالد البغداد ّ‬
‫ن شاء‬ ‫ونه إ ْ‬‫كز على أحواله وأطواره وتل ّ‬ ‫سوف نر ّ‬
‫الله تعالى‪.‬‬

‫ن تأثير الديانات الوثنّية يظهر بوضوح في‬ ‫إ ّ‬


‫ضا من‬
‫ي أي ً‬ ‫غل َ ْ‬
‫م علي عبد الله الدهلو ّ‬ ‫عقيدة ُ‬
‫خلل ما جاء في رسائله‪.‬‬

‫ل‪ ،‬إّنه قائل بوحدة الوجود‪ ،‬ووحدة الشهود‪.‬‬ ‫أو ً‬


‫ب‬ ‫َ‬
‫ر؛ وأسه َ‬‫ر وإصرا ٍ‬
‫ة واستمرا ٍ‬
‫جْرأ ٍ‬
‫فقد كتب ب ِ ُ‬
‫ل في هذه المسألة أكثر ممن تكّلم‬ ‫واسترس َ‬
‫‪455‬‬
‫فيها‪.‬‬
‫هذه رسائله اّلتي شرح فيها تفسيره لعقيد وحدة الوجود‪:‬‬ ‫‪455‬‬
‫رقم‬ ‫الرقم المسلسل رقم الرسالة‬ ‫رقم الصفحة‬ ‫رقم الرسالة‬ ‫الرقم المسلسل‬

‫الصفحة‬
‫‪78‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪80‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪94‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪132‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪151-152‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪76‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪317‬‬

‫ب الطريقة النقشبندّية‬ ‫ثانًيا‪ ،‬تطّرق إلى آدا ِ‬


‫ةو‬‫ة من رسائله بمرون ٍ‬ ‫وأركاِنها ومبادِئها في عدّ ٍ‬
‫ة من روح‬ ‫م فيها القارئ أنها منب َث َ َ‬
‫ق ٌ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬
‫و َ‬‫ة‪ ،‬أ ْ‬
‫مراوغ ٍ‬
‫ة ذكر في الرسالة‬ ‫ص ٍ‬
‫سّنة‪ .‬وبخا ّ‬ ‫الكتاب وال ّ‬
‫م مصطلحات هذه الطريقة‪ .‬تلك‬ ‫التسعين من أه ّ‬
‫المصطلحات الدخيلة المشبوهة‪ .‬كالشهود‪،‬‬
‫والوجود‪ ،‬والمشاهدة‪ ،‬واللطائف‪ ،‬والكشف‪،‬‬
‫س أثناء الذكر‪ ،‬والّرابطة‪،‬‬ ‫ف ِ‬ ‫والسرار‪ ،‬وحبس الن َ‬
‫والجذبة‪ ،‬وخرق الحجب‪ ،‬والفناء‪ ،‬والبقاء‪،‬‬
‫والوحدة‪ ،‬والكثرة‪ ،‬والنس‪ ،‬والوحشة‪،‬‬
‫والستغراق‪ ،‬والسكر‪ ،‬والولية الصغرى والكبرى‪،‬‬
‫والسير‪ ،‬والسلوك‪ ،‬والقيومية‪ ،‬والحقيقة‬
‫مدّية والحمدية‪ ،‬والذوق‪ ،‬والشوق‪،‬‬ ‫المح ّ‬
‫والتجّلي‪ ،‬والمقامات العشر‪ ،‬والركان الحد‬
‫عشر‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫ن موقفه المتجاهل للواقع اّلذي كان يعيش في‬ ‫إ ّ‬


‫ه‪ ،‬يبرهن على تأّثره البالغ بتعاليم الديان‬ ‫ر ِ‬
‫ما ِ‬‫غ َ‬‫ِ‬
‫والعقائد السائدة في مجتمعه من البرهمية‬
‫ه شاهدةٌ على ما يتمّيز به‬ ‫ن رسائل َ ُ‬ ‫والبوذية‪ .‬فا ّ‬
‫ما كان‬‫من روح الستسلم والسبات والغفلة ع ّ‬
‫يجري حوله يومئذ‪ .‬وهي من نتائج هذه العقائد‬
‫م‬
‫ع والستسل َ‬ ‫ل الخضو َ‬ ‫ض ُ‬ ‫الهندية الوثنّية اّلتي ت ُ َ‬
‫ف ّ‬
‫على المقاومة والدفاع‪ .‬ذلك أّننا ل نعثر في‬
‫مضمون جميع رسائله على كلمة واحدة فما‬
‫ة النجليز‬ ‫غَزا ِ‬‫ؤَنا عن ردّ فعله ضدّ ال ُ‬ ‫فوقها‪ ،‬ت ُن ْب ِ ُ‬
‫المستعمرين اّلذين ارتكبوا المجازر الوحشية ض ّ‬
‫د‬
‫صة المسلمين منهم؛ وانتهكوا‬ ‫كان الهند‪ ،‬خا ّ‬ ‫س ّ‬
‫ضوا على البقاع المنة فأهلكوا‬ ‫الحرمات‪ ،‬وانق ّ‬
‫م علي‬ ‫غل َ ْ‬ ‫فيها الحرث والنسل‪ .‬كان موقف ُ‬
‫ي عكس موقف علماء السلم من هذه‬ ‫الدهلو ّ‬
‫ن الشيخ احمد‬ ‫الحملت‪ .‬وعلى سبيل المثال‪ ،‬فا ّ‬

‫‪243-242‬‬ ‫‪121‬‬ ‫‪11‬‬ ‫مكاتيب الشريفة‪ ،‬مكتبة الحقيقة إسطنبول‪1992-‬م‪.‬‬


‫‪318‬‬

‫ي الله‬‫بن عبد الرحيم المعروف بشاه ول ّ‬


‫م علي ومن‬ ‫غل َ ْ‬‫ي ‪ -‬وهو من معاصري ُ‬ ‫الدهلو ّ‬
‫العلم اّلذين نبغوا في تلك المناطق ‪ ،-‬نجده‬
‫على منتهى درجات الوعي والحماس للدفاع عن‬
‫‪456‬‬
‫مل‬
‫و يتح ّ‬ ‫دماء المسلمين وعرضهم‪،‬‬
‫ة‬
‫المسئولية‪ ،‬ويخاطب الملوك والمراء بحمي ٍ‬
‫ة‪ ،‬ويستنجد بهم ليقاف‬ ‫ة عالي ٍ‬‫م ٍ‬‫ه ّ‬
‫ة‪ ،‬و ِ‬ ‫إسلمي ٍ‬
‫ن‬‫ة‪ ،‬وإيما ٍ‬ ‫أسباب الفساد‪ ،‬ويحاول بجهوٍد متواصل ٍ‬
‫ق‪ ،‬لتوفير المن والحرية في ربوع المجتمع‬ ‫صاد ٍ‬
‫غل َ ْ‬
‫م‬ ‫ي‪ .‬بينما نطّلع على ما ورد عن ُ‬ ‫السلم ّ‬
‫علي‪ ،‬أّنه يتهافت ويتخّبط ويعبث بالمفاهيم‬
‫ة لم يتكّلم بها رسول الله ‪‬‬ ‫م‪ ،‬ويتكّلم بلغ ٍ‬ ‫قي َ ِ‬ ‫وال ِ‬
‫ده‬‫ه مع أّنه ُيتقن لغة القرآن‪ ،‬ويع ّ‬ ‫ول صحاب َت ُ ُ‬
‫ي ‪ .‬هذا إلى جانب ما‬ ‫ه من ورثة النب ّ‬ ‫ع ُ‬ ‫أتبا ُ‬
‫ل‪ ،‬ويتبّنى أموًرا ل‬ ‫ب متجاه ٍ‬‫ع بأسلو ٍ‬ ‫يتخطى الواق َ‬ ‫ّ‬
‫تعود بخير على مجتمعه اّلذي يعاني الفسا َ‬
‫د‬
‫ل؛ ول ُتخرجهم من المأزق اّلذي توّرط‬ ‫والنحل َ‬
‫مته‪.‬‬ ‫فيه أبناء أ ّ‬
‫***‬

‫* الحلقة التاسعة والعشرون من‬


‫السلسلة النقشبندّية‪.‬‬
‫م الشخصّيات‬ ‫رجل من أه ّ‬
‫ٌ‬ ‫هذه الحلقة يمّثلها‬
‫البارزين في تاريخ الطريقة النقشبندّية‪،‬‬
‫وأكثرهم معرفة بالعلوم العقلّية والنقلّية‪،‬‬
‫مة‪ ،‬وانجحهم‬ ‫صة والعا ّ‬‫وأوسعهم شهرة بين الخا ّ‬
‫وًنا في استمالة قلوب الناس والستيلء على‬ ‫تل ّ‬
‫ضمائرهم وإلقاء هيبته عليهم‪ .‬هذه الشخصّية هو‬
‫أبو البهاء‪ ،‬ضياء الدين خالد بن أحمد بن الحسين‬

‫أنظر رسالته اّلتي و ّ‬


‫جهها إلى أحمد شاه الدراني‪ ،‬والي قندهار‪ ،‬يلتمس منه حماية بلده‪ .‬راجع كتاب‬ ‫‪456‬‬
‫ي ‪.4/246‬‬
‫«رجال الفكر والدعوة في السلم» لبي الحسن الندو ّ‬
‫‪319‬‬

‫ي المعروف بين أتباعه‬‫الشهرزوري البغداد ّ‬


‫‪457‬‬
‫بعنوان «مولنا خالد ذو الجناحين»‬

‫ي عام ‪ 1192‬من الهجرة الموافق لسنة‬ ‫ولد البغداد ّ‬


‫‪ 1778‬من الميلد بمحل اسمه «قره طاغ» على‬
‫مقربة من مدينة السليمانية العراقّية‪ .‬ومات‬
‫بالطاعون في مدينة دمشق عام ‪ 1242‬من الهجرة‬
‫الموافق لسنة ‪ 1826‬من الميلد‪.‬‬

‫دمات العلوم التقليدّية في‬ ‫نشأ وترّبى ودرس مق ّ‬


‫المنطقة اّلتي ولد فيها‪ .‬ثم خرج منها لطلب‬
‫ي‬
‫لل ِ‬ ‫المزيد من المعرفة‪ .‬فقرأ على بعض ال ْ َ‬
‫م َ‬
‫في تلك النواحي‪ ،‬أخذ عن الشيخ عبد الكريم‬
‫ي‪ ،‬والشيخ‬ ‫وأخيه الشيخ عبد الرحيم البرزنج ّ‬
‫ي‪ ،‬والشيخ‬ ‫ي‪ ،‬والشيخ إبراهيم البيار ّ‬ ‫مد الكرد ّ‬‫مح ّ‬
‫ي‪ ،‬حّتى أكمل دراسته التقليدّية‬ ‫عبد الله الخربان ّ‬
‫حسب العرف المت َّبع في تلك المرحلة من العهد‬
‫ي‪ .‬إذ لم تكن يومئذ مقررات تعليمية‬ ‫العثمان ّ‬
‫قَبل الدولة للمدارس الشعبّية‪ .‬ثم‬ ‫مدة من ِ‬‫معت َ‬
‫ن أخرى كالحساب‬ ‫واصل دراسَته في فنو ٍ‬
‫والهندسة والهيئة زيادةً على أمثاله‪ .‬وذلك تحت‬
‫ي‪.‬‬
‫دج ّ‬‫إشراف الشيخ قسيم السن َن ْ َ‬
‫دعي بعض المترجمين له‪ ،‬أّنه من سلسة‬ ‫ي ّ‬
‫‪458‬‬
‫ويقولون في‬ ‫عثمان بن عفان رضي الله عنه‪.‬‬
‫الوقت ذاته إّنه من أبناء العشيرة الميكائيلية‬
‫الكردّية‪ 459‬وهذا كلم متناقض كما يبدو‪ .‬ل ّ‬
‫ن‬
‫عثمان بن عفان رضي الله عنه‪ ،‬هو ثالث الخلفاء‬

‫راجع ترجمته بالتفصيل في كتاب «علماء دمشق وأعيانها في قرن الثالث عشر الهجري» للمؤل ّ َ‬
‫فين‪:‬‬ ‫‪457‬‬
‫مد مطيع الحافظ ونزار أباظه‪ ،‬الجزء الول ص‪ .335-298 /‬دار الفكر‪-‬دمشق‪ .‬وبهامشه )ص‪ (298/‬قائمة‬
‫مح ّ‬
‫ول‪ .‬بغداد‪-‬‬ ‫بالمصادر اّلتي تناولت حياة صاحب الترجمة‪ .‬كذلك راجع مجلة المجمع العلمي الكرد ّ‬
‫ي‪ ،‬العدد ال ّ‬
‫‪1973‬م‪ .‬ص‪.727-697 /‬‬

‫ي‪ ،‬الحديقة الندّية ص‪.42/‬‬


‫مد بن سليمان البغداد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪458‬‬

‫مد مطيع الحافظ‪-‬نزار أباظه‪ ،‬علماء دمشق وأعيانها في القرن الثالث عشر الهجري‪ ،‬الجزء الول‪ ،‬ص‪/‬‬
‫مح ّ‬ ‫‪459‬‬
‫‪ .298‬دار الفكر المعاصر‪ -‬بيروت‬
‫‪320‬‬

‫ي الصل من بني أمية‪ ،‬وهم بطن‬ ‫الراشدين‪ ،‬عرب ّ‬


‫ما العشيرة الميكائيلية‪ ،‬فهي‬ ‫من بطون قريش‪ .‬أ ّ‬
‫ش ول بشخصّية‬ ‫قبيلة كردية ل صلة لها ب ِ ُ‬
‫قَري ْ ٍ‬
‫عربّية‪.‬‬

‫اشتغل خالد بالتدريس مدةً في السليمانية‬


‫طلع‬‫ن الباحث الحاذق الدقيق إذا ا ّ‬ ‫وبغداد‪ .‬بيد أ ّ‬
‫ش‬
‫ل وحوا ٍ‬ ‫على ما قد خّلف هذا الشيخ من رسائ َ‬
‫ت‪،‬‬‫ن عنه من صفا ٍ‬ ‫س ُ‬‫ت‪ ،‬وما تناقلته الل ّ ُ‬ ‫وملحظا ٍ‬
‫ة منه إلى‬ ‫ه ٍ‬ ‫ج َ‬ ‫ت مو ّ‬ ‫ل‪ ،‬وتعليما ٍ‬ ‫ك‪ ،‬وأقوا ٍ‬ ‫وسلو ٍ‬
‫مريديه وخلفائه؛ وإذا أنعم النظَر في عباراته‬
‫م بالتأكيد‬ ‫عل ِ َ‬‫ة‪ ،‬و َ‬ ‫ق رهيب ٍ‬ ‫وعلقاته؛ اصطدم بحقائ َ‬
‫قبة‬ ‫أّنه كان يمتاز بمزاج متوّتر‪ ،‬ونفس متر ّ‬
‫ساسة‪ .‬كان خالدٌ ذا‬ ‫ة‪ ،‬وطبيعة نشيطة د ّ‬ ‫س ٍ‬ ‫س َ‬ ‫ج ّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ُ‬
‫ه إلى‬ ‫ُ‬
‫ه آمال ُ‬ ‫طموح وعزيمة ل حدود لهما‪ .‬أثارت ْ ُ‬
‫المغامرة بما لم يتجّرأ على اقتحامه أحد من‬
‫رجال الدين في عصره ول بعده! هذه الطبيعة‬
‫ما هو في‬ ‫ه ليكون دائ ّ‬ ‫المستفحلة هي اّلتي دف َ‬
‫عت ْ ُ‬
‫الصورة‪ .‬لذلك لم يّتسم بالستقرار‪ ،‬فلم يصبر‬
‫على مواصلة البقاء في الجواء العلمّية‪ .‬بل‬
‫ورات‪ ،‬فجعلته يتطّلع‬ ‫تلطمت به الفكار والتص ّ‬
‫إلى عال َم ٍ ل يحيط به الزمان والفاق‪ ،‬ول يسعه‬
‫نطاق الكلمات للّتعبير عن حدوده المترامية‬
‫وجماله البارع؛ اشتاقت نفسه إلى مثل هذا‬
‫ر في‬ ‫دا بجناحين من نو ٍ‬ ‫ف سرم ً‬ ‫ر َ‬ ‫ف ِ‬‫عال َم ِ ل ِي َُر ْ‬ ‫ال َ‬
‫ن‬
‫والن ّب ِّيو َ‬ ‫ب من الملئكة فوق جنانه َ‬ ‫ة موك ٍ‬ ‫دم ِ‬ ‫مق ّ‬
‫ن‬
‫دّيي َ‬ ‫شب َن ْ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ة الن ّ ْ‬‫ص ُ‬ ‫خا ّ‬ ‫وُرهُ َ‬
‫ص ّ‬
‫ما ي َت َ َ‬ ‫ه‪ ،‬ك َ َ‬ ‫طون َ ُ‬ ‫غب ِ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ه!‬‫عل َي ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫ؤو َ‬ ‫واط ُ‬ ‫وي َت َ َ‬‫َ‬
‫عالة المتناشطة هي‬ ‫ربما كانت هذه النفسيّة الف ّ‬
‫اّلتي حالت بينه وبين الحياة العلمّية‪ ،‬وأضرمت‬
‫دقه و يب ّ‬
‫شره‬ ‫ص ّ‬
‫ن يُ َ‬
‫م ْ‬
‫في قلبه النيران إلى طلب َ‬
‫بقرب سعادته وتحقيق آماله البدّية وأحلمه‬
‫وراته اّلتي ل نهاية ول حدود لها؛ وأهدافه‬ ‫وتص ّ‬
‫‪321‬‬

‫اّلتي لم يظفر بها صناديد الرجال من الرواد‬


‫والحكماء والباطرة‪ ،‬ول حّتى النبياء‬
‫ول في‬ ‫والمرسلون! لم يزل خالدٌ يجوب ويتج ّ‬
‫هيام واشتياق إلى هذا المطلب الموهوم‪،‬‬
‫ث يجري حوله بهذه‬ ‫ر أدنى حد ٍ‬ ‫هن بتفسي ِ‬
‫ويتك ّ‬
‫النفسّية الغريبة‪ ،‬إلى أن أدركه رجل من أهل‬
‫س بما‬ ‫ي حّتى أح ّ‬ ‫الهند؛ ثم لم يلبث الهند ّ‬
‫ن سوف‬ ‫م ْ‬‫يخامره‪ ،‬فأوعز إليه أن يرافقه إلى َ‬
‫ه في عاصمة الهند‪.‬‬ ‫تتحقق على يده أمال ُ ُ‬
‫صة دخوله في هذه‬ ‫ع من ق ّ‬ ‫ن مقاط َ‬ ‫نقتطف ال َ‬
‫ورة‬ ‫المغامرة؛ فيقول وهو في المدينة المن ّ‬
‫ت أفّتش على أحد من‬ ‫هب للحج‪« :‬وكن ُ‬ ‫يتأ ّ‬
‫الصالحين لتبّرك ببعض نصائحه لعّلي أعمل بها‬
‫ما عامل ً‬ ‫ضا عال ً‬ ‫خا يمنّيا متري ّ ً‬ ‫ت شي ً‬ ‫ن‪ ،‬فلقي ُ‬ ‫ل حي ٍ‬ ‫ك ّ‬
‫ه استنصاح‬ ‫صاحب استقامة وارتضاء‪ ،‬فاستنصحت ُ ُ‬
‫صر فنصحني‬ ‫صر من العالم المتب ّ‬ ‫الجاهل المق ّ‬
‫ر منها‪ :‬ل تبادر في مكة بالنكار على ما‬ ‫بأمو ٍ‬
‫ت إلى‬ ‫ما وصل ُ‬ ‫ة‪ .‬فل ّ‬‫هَرهُ يخالف الشريع َ‬ ‫ظا ِ‬ ‫ترى َ‬
‫الحرم وأنا مصّر على العمل بتلك النصيحة‬
‫ت يوم الجمعة إلى الحرم‪ ،‬لكون‬ ‫كر ُ‬ ‫البديعة ب ّ‬
‫ب بدنة من النعم فجلست إلى الكعبة‬ ‫كمن قّر َ‬
‫ت رجل ً ذا لحية‬ ‫‪460‬‬
‫الشريفة لقرأ الدلئل ‪ ،‬إذ رأي ُ‬
‫م قد أسند ظهره إلى‬ ‫ي العوا ّ‬ ‫سوداء عليه ز ّ‬
‫ى من غير حائل فحدّث َت ِْني‬ ‫الشاذروان ووجهه إل ّ‬
‫دب مع الكعبة ولم‬ ‫ن هذا الرجل ل يتأ ّ‬ ‫نفسي أ ّ‬
‫ت أن حرمة‬ ‫ه‪ .‬فقال لي‪ :‬أما عرف َ‬ ‫عي ْب َ ُ‬‫هْر َ‬ ‫ُ ْ‬
‫أظ ِ‬
‫المؤمن عند الله أعظم من حرمة الكعبة! فلماذا‬
‫جهي إليك؟ أما‬ ‫تعترض على استدباري الكعبة وتو ّ‬
‫ن في المدينة وتأكيدَهُ عليك؟!‬ ‫م ْ‬
‫ة َ‬ ‫ت نصيح َ‬ ‫سمع َ‬
‫فلم أشك أّنه من أكابر الولياء وقد تسّتر بأمثال‬
‫ت على يديه‬ ‫هذه الطوار عن الخلق‪ ،‬فانكبب ُ‬
‫ت‬
‫غ من الصلوا ٍ‬
‫صي ٍ‬
‫مد بن سليمان الجزولي‪ .‬يشتمل على ِ‬
‫‪ 460‬وهو كتاب دلئا الخيرات تأليف‪ :‬أبي عبد الله مح ّ‬
‫دا‪،‬‬
‫صة النقشبندّيون معتادون على قراءتها واّتخاذها أورا ً‬
‫ة على أيام السبوع‪ .‬أكثر الصوفية وخا ّ‬
‫والذكار منقسم ً‬
‫ن بها‪.‬‬
‫خ المأذوني َ‬
‫ن من أحد الشيو ِ‬ ‫إل ّ أّنهم يشترطو َ‬
‫ن قراءتها على استئذا ٍ‬
‫‪322‬‬

‫ق‪.‬‬
‫شدَِني بدللته إلى الح ّ‬‫ن ي ُْر ِ‬‫و‪ ،‬وأ ْ‬‫ه العف َ‬‫وسألت ُ ُ‬
‫ك ل يكون في هذه الديار‪.‬‬ ‫ح َ‬ ‫فقال لي‪ُ :‬‬
‫فُتو ُ‬
‫ة‬
‫وأشار إلى الديار الهندّية‪ ،‬وقال‪ :‬تأتيك إشار ٌ‬
‫ك في تلك القطار‪.‬‬ ‫ح َ‬‫فُتو ُ‬ ‫من هناك فيكون ُ‬
‫ت من تحصيل شيخ في الحرمين يرشدني‬ ‫فأيس ُ‬
‫ت بعد قضاء النسك إلى‬ ‫إلى المرام‪ ،‬ورجع ُ‬
‫‪461‬‬
‫الشام»‪.‬‬
‫يستطرد المترجم قائ ً‬
‫ل‪:‬‬

‫د‬
‫قا بعد رجوعه من الشام إلى مرش ٍ‬ ‫و ً‬‫«وكان متش ّ‬
‫من فحول الرجال حّتى جاء إلى السليمانية رج ٌ‬
‫ل‬
‫ك» المعروف‬ ‫مْرَزا رحيم الله ب ِ ْ‬
‫ي يسمى « ِ‬ ‫هند ّ‬
‫‪462‬‬
‫أحد خلفاء‬ ‫بمحمد درويش العظيم آبادي‪.‬‬
‫ي‪ ،‬فاجتمع به وعرض عليه مطلبه‪.‬‬ ‫الشيخ الدهلو ّ‬
‫ما‬ ‫خا كامل ً مرش ً‬
‫دا عال ً‬ ‫ن لي شي ً‬ ‫فقال له‪« :‬إ ّ‬
‫فا بمنازل السائرين إلى ملك الملوك‪ ،‬خبيًرا‬ ‫عار ً‬
‫ي الطريقة‪،‬‬ ‫بدقائق الرشاد والسلوك‪ ،‬نقشبند ّ‬
‫سْر‬ ‫ي الخلق‪ ،‬علما ً في علم الحقيقة‪َ .‬‬
‫ف ِ‬ ‫محمد ّ‬
‫د‪ ،‬وقد‬ ‫ن آَبا ْ‬
‫ها ْ‬‫ج َ‬
‫معي حّتى نرحل إلى خدمته في ِ‬
‫ت منه إشارةً بوصول مثلك ثم إلى‬ ‫سمع ُ‬
‫‪463‬‬
‫المراد»‪.‬‬

‫ل على شخصّية خالد‬ ‫ن هذه العبارات فحسب تد ّ‬ ‫إ ّ‬


‫ة ‪ -‬وإن أهملنا جميع ما‬‫ة كافي ً‬ ‫بك ّ‬
‫ل مّيزاتها دلل ً‬
‫ُنقل عنه وعن غيره حول صفاته وأخلقه‬
‫ومواقفه ‪ -‬يتضح لنا من خلل هذه الكلمات مدى‬
‫ه وميله إلى الكهنة‬ ‫وت َك َ ّ‬
‫هن ِ ِ‬ ‫ي َ‬
‫جانبه العاطف ّ‬
‫‪300-299‬‬ ‫المصدر السابق‪ ،‬ص‪/‬‬ ‫‪461‬‬

‫ي‬ ‫ي‪ ،‬منهم قسيم الك ُ ْ‬


‫فَرو ّ‬ ‫ل من النقشبندّيين اّلذين تص ّ‬
‫دوا لترجمة خالد البغداد ّ‬ ‫ة رجا ٍ‬
‫ة نقلها عد ُ‬
‫ص َ‬
‫هذه الق ّ‬ ‫‪462‬‬
‫في تركيا‪ .‬سجل هذه الحكاية في الصفحة الثالثة بعد المائة من كتابه‪.Nakşibendiliğin Kuruluşu ve Yayılışı :‬حصل‬

‫المؤّلف بهذا الكتاب على شهادة الدكتوراه من جامعة إسطنبول‪-‬كلية الداب عام ‪1949‬م‪ .‬وهذا الكتاب المد ّ‬
‫ون‬

‫ده المؤل ّ ُ‬
‫ف على اللة الكاتبة‪ .‬وهي نسخة واحدة ل ثانية لها حّتى الن‪ ،‬مودعة في خزانة معهد‬ ‫بالّلغة التركّية‪ ،‬أع ّ‬
‫جلة تحت رقم‪.337/‬‬
‫التركيات بمدينة إسطنبول‪ ،‬ومس ّ‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.226/‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪463‬‬
‫‪323‬‬

‫كد من‬‫ن ينفخ فيه الروح ليتأ ّ‬


‫م ْ‬‫وحرصه في طلب َ‬
‫ور ويصبو‬ ‫ل ما يحلم ويتص ّ‬‫ق في ك ّ‬‫أّنه على ح ّ‬
‫ة‬
‫ة إلى من يحّرك فيه النقط َ‬ ‫إليه‪ .‬فكان بحاج ٍ‬
‫ة بحذاقة وُيطلقه من عنانه ليكون هو‬ ‫ساس َ‬
‫الح ّ‬
‫مقصودَ العالمين على وجه البسيطة‪.‬‬

‫ذك ََر هو وغيره من‬ ‫لسنا بحاجة هنا إلى نقل ما َ‬


‫ة‬
‫ة المشيخ ِ‬ ‫ه رخص َ‬‫ذ ِ‬‫صفحات رحلته إلى الهند‪ ،‬وأخ ِ‬
‫غل َ ْ‬
‫م‬ ‫والخلفة المطلقة للطريقة النقشبندّية من ُ‬
‫ح‬‫ي؛ ولكّننا بحاجة إلى طر ِ‬ ‫علي عبد الله الدهلو ّ‬
‫ة تكون‬ ‫ت صحيح ٍ‬ ‫ث عن معلوما ٍ‬ ‫دة والبح ِ‬
‫أسئلة ع ّ‬
‫بمنـزلة الجابة عليها‪ ،‬لتتبلور من خللها شخصّية‬
‫هذا الرجل وأسراُر رحلته إلى الهند‪.‬‬

‫خ‬
‫دا في التصال بشي ٍ‬ ‫ول ً ع ّ‬
‫ما أطمع خال ً‬ ‫نتساءل أ ّ‬
‫من صوفية الهند حّتى غادر وطنه وتكب ّدَ ألواًنا‬
‫ة‬
‫ه لخطار رهيبة مُدّ َ‬ ‫س ُ‬
‫ق‪ ،‬وعرض نف َ‬ ‫من المشا ّ‬
‫ة حّتى وصل مدينة دلهي عاصمة الهند‬ ‫ة كامل ٍ‬‫سن ٍ‬
‫عام ‪1810‬م‪.‬‬

‫فما عسى كان يأمل أن يناله هناك من علم‬


‫ن‬
‫وفضل ومعرفة بقضايا جديدة؟ هذا مع أ ّ‬
‫المحيط اّلذي تركه وراء ظهره والمناطق‬
‫المجاورة له في الشرق الوسط‪ ،‬تمتاز بأصالتها‬
‫ي الزاخر‪.‬‬
‫العلمي والثقاف ّ‬
‫ّ‬ ‫التاريخية‪ ،‬وتراثها‬
‫وهي أرض النبياء والمرسلين والصحابة‬
‫والحوارّيين‪ ،‬ومشاهير العلماء والصالحين‪ .‬طالما‬
‫ل العلم‪ ،‬والمستشرقون‪،‬‬ ‫يقصدها الباحثون ورجا ُ‬
‫ما من بقّية العالم‬ ‫ة دائ ً‬
‫وتتوافد إليها الطلب ُ‬
‫ي‪.‬‬‫السلم ّ‬
‫ض هذه المزايا‬‫ما بلد الهند‪ ،‬فإنّها على نقي ِ‬
‫أ ّ‬
‫ة‬‫س البرهمية‪ ،‬عبد ِ‬‫ض مجو ِ‬
‫والصفات‪ .‬وهي أر ُ‬
‫ل‬
‫ن أه ِ‬
‫الشجر والبقر والقرد والحجر؛ وط ُ‬
‫ح المشعوذين‬ ‫الرهبنة والبطالة والمسكنة؛ مسر ُ‬
‫‪324‬‬

‫ة عن‬‫اليوغّيين والسحرة والكهنة والعّرافين؛ نائي ٌ‬


‫قلب بلد السلم ومهبط الوحي واللهام‪ .‬وإن‬
‫كان في بعض نواحيها نشاطات علمية ولكنها ل‬
‫ن الشهيرةَ بمكتباتها الغنية‪،‬‬
‫تداني المد َ‬
‫ومدارسها العامرة مثل القاهرة وبغداد والقدس‬
‫لمة بلد الهند‬ ‫ودمشق‪ .‬كما يقّر بهذه الحقيقة ع ّ‬
‫ذات فيقول‪:‬‬ ‫ي بال ّ‬
‫الشيخ أبو الحسن الندو ّ‬
‫د‬
‫ع ُ‬ ‫مها ب ُ ْ‬ ‫«ولقد تضافرت عوامل كثيرة؛ من أه ّ‬
‫ي ‪ -‬بلد‬ ‫ي والثقاف ّ‬ ‫الهند عن مراكز السلم الدين ّ‬
‫الحجاز ومصر والشام والعراق ‪-‬؛ ووصول‬
‫السلم إلى الهند بعد تعّرجه على تركستان‬
‫وإيران‪ ،‬وقّلة شيوع الّلغة العربّية فيها؛ وعدم‬
‫ث روح‬ ‫العتناء بنشر علم الحديث اّلذي ل يزال ي َب ُ ّ‬
‫وي‬ ‫سّنة عن البدعة ويق ّ‬ ‫الدين الصحيح ويمّيز ال ّ‬
‫الشعور بضرورة المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر؛ ويوجد ملكة الحتساب الديني الصحيح؛‬
‫ج والرحلة في طلب‬ ‫ومنها صعوبة السفر للح ّ‬
‫العلم إلى البلدان الخرى؛ وبقاء أقلية‬
‫المسلمين مغمورة في أكثرية غير مسلمين‬
‫سكين‬ ‫اّلذين كانوا متشّبثين بعقائدهم‪ ،‬متم ّ‬
‫بتقاليدهم وعاداتهم غير السلمّية‪ ،‬وغارقين‬
‫في الخرافات والوهام‪ .‬وتضافرت هذه العوامل‬
‫عا خصًبا‬ ‫كّلها على تحويل المسلمين مرت ً‬
‫ق الضالة والمحترفين‬ ‫فَر ِ‬‫طربة وال ِ‬‫للدعوات المض ّ‬
‫ظهم‬ ‫بالدين؛ خرجوا يمّثلون دوَرهم ويجّربون ح ّ‬
‫‪464‬‬
‫في إضلل المسلمين»‪.‬‬

‫دا إلى هذه المغامرة‬ ‫ذا ما اّلذي دفع خال ً‬


‫نعم‪ ،‬إ ً‬
‫ن من ورائها شيًئا انتفع به‬ ‫ّ‬
‫التي لم يج ِ‬
‫ي‬
‫ق أو ُرق ّ‬
‫ة أو أخل ٍ‬ ‫المسلمون من علم ٍ أو قو ٍ‬
‫ب‬ ‫ّ‬
‫ملت التي َرك ِ َ‬ ‫وازدهار غير تلك الرياضيات والتأ ّ‬

‫ي‪ ،‬رجال الفكر والدعوة في السلم ‪ .38-3/37‬دار القلم الكويت‪1994-‬م‪ .‬راجع الهامش‪/‬‬
‫أبوالحسن الندو ّ‬ ‫‪464‬‬
‫‪.445‬‬
‫‪325‬‬

‫ب الريح إلى الديار الهندية لجلها واستغرق‬ ‫ذن َ‬


‫هدت له طريق الشهرة‬ ‫ما‪ ،‬واّلتي م ّ‬
‫فيها عا ً‬
‫والهيمنة على قلوب مئات آلف الناس حسبما‬
‫ن شاء‬
‫وه به بعض معارضيه كما سنشرحه إ ْ‬ ‫تف ّ‬
‫الله تعالى‪.‬‬

‫م‬ ‫ن غُل َ ْ‬ ‫هنا يتبادر إلى الذهن سؤال آخر‪ .‬وهو أ ّ‬


‫م بوجود خالد‬ ‫عل ِ َ‬
‫ي كيف َ‬ ‫علي عبد الله الدهلو ّ‬
‫ي حّتى أشار بوصوله كما نفهم من كلم‬ ‫البغداد ّ‬
‫ي‬
‫ك‪ ،‬ذلك الرجل الهند ّ‬ ‫رسوله مرزا رحيم الله ب ِ ْ‬
‫دا في السليمانية وأخبره بذلك‬ ‫اّلذي زار خال ً‬
‫ي في حدائقه على سبيل‬ ‫جله الخان ّ‬ ‫حسبما يس ّ‬
‫ي‪ .‬هذا‪ ،‬على‬ ‫م علي الدهلو ّ‬ ‫غل َ ْ‬‫الكشف والكرامة ل ِ ُ‬
‫الرغم من تلك المسافة الهائلة بين الهند‬
‫والعراق‪ ،‬بالضافة إلى الظروف اّلتي كانت‬
‫ب‬‫ن والحرو ِ‬ ‫ل والفت ِ‬ ‫تحيط بقاّرة أسيا‪ ،‬والقلق ِ‬
‫اّلتي كانت تجري على ساحات كبيرة منها يومئذ‪.‬‬
‫قة‬ ‫دق بمثل هذه الكرامة المخت َل َ َ‬ ‫ي يص ّ‬ ‫ي غب ّ‬ ‫ثم أ ّ‬
‫ت‬ ‫ي اّلذي داهم ِ‬ ‫ي الهند ّ‬ ‫على حساب هذا الصوف ّ‬
‫مه‬‫ة ب ِل َدَهُ أمام عينيه وهو ل يه ّ‬ ‫ت النجليزي ّ ُ‬ ‫وا ُ‬ ‫الق ّ‬
‫إل ّ«وحدة الوجود‪ ،‬ووحدة الشهود‪ ،‬والفناء‪،‬‬
‫والبقاء‪ ،‬والسكر‪ ،‬والعشق اللهي‪ ،‬والتركيز‪،‬‬
‫س» وما إلى ذلك من عقائد‬ ‫ف ِ‬ ‫وحبس الن َ‬
‫البرهمية وتعاليم البوذّية ورياضيات اليوغّيين!‬
‫ة برؤوس‬ ‫ن أّنه لم يكن على صل ٍ‬ ‫م ُ‬‫ن َيض َ‬ ‫م ْ‬ ‫ثم َ‬
‫قوات الحتلل‪ ،‬ما دام لم ينله منهم سوء‪ ،‬بل‬
‫كان هو وأصحابه في أمان منهم دون غيرهم من‬
‫م سوف‬ ‫ن هذا السؤال الها ّ‬ ‫سكان البلد! لبدّ وأ ّ‬
‫ل البحث والدراسة إلى أن تظهر‬ ‫ل رجا ِ‬ ‫ل َبا َ‬ ‫غ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫ش ِ‬
‫ن شاء الله‪.‬‬ ‫الحقيقة بكمال الوضوح إلى العيان إ ْ‬
‫نتساءل ثانًيا‪ ،‬ما اّلذي أنجزه خالدٌ في سبيل‬
‫ي اّلذي كان يعاني‬
‫النهوض بالمجتمع السلم ّ‬
‫ف والعمى‪ .‬وهل‬ ‫ل والتخل ّ ِ‬
‫ت الجه ِ‬ ‫أرذ َ‬
‫ل درجا ِ‬
‫‪326‬‬

‫م ‪ -‬ولو بخطوة ‪ -‬على تخفيف بليا عظيمة‬ ‫أقد َ‬


‫داهمت المسلمين من الداخل والخارج في أّيامه‬
‫دين للفداء بأموالهم‬
‫على كثرة أتباعه المستع ّ‬
‫وأنفسهم في سبيله بأدنى إشارة منه؟!‬

‫ن نتطّرق إلى بعض المشاكل‬ ‫و يناسب هنا أ ْ‬


‫العظيمة اّلتي كان المسلمون يقاسونها في تلك‬
‫المرحلة الزمنيّة‪ ،‬وعلى سبيل المثال‪ :‬كانت‬
‫ة‬‫سّرّية‪ ،‬وعلى رأسها الحرك ُ‬‫ت ال ّ‬
‫المنظما ُ‬
‫الفرمسونّية اّلتي جّندتها دول الغرب‪ ،‬وبدأت في‬
‫تأسيس محافلها في المدن الكبيرة بالعالم‬
‫ي في تلك الفترة‪ ،‬كمدينة سالونيك‪،‬‬ ‫السلم ّ‬
‫والقسطنطنية‪ ،‬وقونيا‪ ،‬وقيروان‪ ،‬وإسكندرّية‪،‬‬
‫ودمشق‪ ،‬وبغداد‪ ،‬وإصفهان‪ ،‬وتبريز‪ ،‬وبومباي‪،‬‬
‫ودلهي؛ كانت هذه المنظمة الخطيرة تحاول‬
‫ي‬‫اصطياد الرجال البارزين في المجتمع السلم ّ‬
‫من العلماء والسياسّيين والثرياء‪ ،‬وذلك لهدم‬
‫قي َم ِ السامية بأيدي هؤلء‪ ،‬وتشكيك المسلمين‬ ‫ال ِ‬
‫ن هذه‬ ‫في دينهم وعقائدهم‪ ،‬بالضافة إلى أ ّ‬
‫ي‪،‬‬‫الدول اّتفقت على تمزيق الوطن السلم ّ‬
‫فزحفت على بلد المسلمين‪ ،‬وارتكبت فيها مال‬
‫يمكن حصره من الجنايات والمجازر والستهتار‬
‫بحرماتهم‪ ،‬بل استعبدتهم بعد أن احتّلت‬
‫أراضيهم‪.‬‬

‫وعلى رأس هذه الدول المتغّلبة كانت بريطانيا‬


‫قد استولت على الديار الهندية في الفترة اّلتي‬
‫سافر إليها خالدٌ لُيصبح نقشبندّيا فيرجع إلى‬
‫بلده بأسرار هذه الطريقة ويبثّها بين الناس‪.‬‬

‫نتساءل ثالًثا‪ ،‬إذا كان خالدٌ رجل ً صوفّيا ‪ -‬ومادام‬


‫ي مغموًرا في حياة من العزلة‬ ‫ن الصوف ّ‬ ‫النسا ُ‬
‫مه في رياضات‬ ‫شف والرهبنة‪ ،‬تنحصر مها ّ‬ ‫والتق ّ‬
‫ملت عميقة ذهنّية‪ ،‬وتركيز‬ ‫نفسيّة‪ ،‬وتأ ّ‬
‫ه مبديه‬
‫واستغراق ‪ -‬إذن فلماذا كان يكتم ما الل ُ‬
‫‪327‬‬

‫ي في‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫على لسان خليفته مح ّ‬
‫قوله‪:‬‬

‫ن هذه الطريقة هي الملمّية المناسبة لما‬ ‫«إ ّ‬


‫ي‪ ،‬والرجوع إلى‬
‫ديق ّ‬‫يكون عليه من الصحو الص ّ‬
‫ي بدعوة الخلق وهدايتهم‬ ‫م الحقيق ّ‬
‫البقاء الت ّ‬
‫إلى الحق برئاستي الظاهر والباطن وفتح القلع‬
‫‪465‬‬
‫والمواطن»‪.‬‬

‫ددها إل ّ الملوك وقادة‬ ‫هذه العبارات‪ ،‬ل ير ّ‬


‫الجيوش؛ وليست من كلمات شيوخ الصوفّية‪.‬‬
‫ة ما قد‬‫مب ْطَن َ ِ‬
‫وربما يبرهن على هذه النيّة ال ُ‬
‫ي في‬‫ي عباس العّزاو ّ‬ ‫ث العراق ّ‬‫جله الباح ُ‬
‫س ّ‬
‫ترجمة خالد‪ ،‬بعد أن خلع عليه من المدح‬
‫والطراء فقال‪:‬‬

‫ما قادًرا على إحياء الدولة العثمانّية‬‫«وكان حكي ً‬


‫صا في‬ ‫من جديد‪ ،‬وإفراغها في قالب آخر‪ ،‬خصو ً‬
‫حالتها البالغة من الوهن والفتور في جوارحها‬
‫والعلل والمراض الطارئة عليها‪ ،‬ولكن لم يركن‬
‫ن‬‫م ْ‬
‫خل في شيء ِ‬ ‫إلى الدنيا وما فيها ولم يتد ّ‬
‫‪466‬‬
‫ؤون الدولة»‪.‬‬‫ش ُ‬
‫ُ‬

‫هذه الكلمات اّلتي تبدو وكأّنها قد طارت من بين‬


‫ي دون أن يشعر بما قد أفشى من‬ ‫شفتي العّزاو ّ‬
‫ن فيها‬ ‫م ُ‬
‫دا‪ ،‬لقد يك ُ‬ ‫مج ّ‬ ‫خللها عن أسرارِ ُلغ ٍ‬
‫ز ها ّ‬
‫ي وما كان‬ ‫جانب خطير من شخصّية خالد البغداد ّ‬
‫ص! تشهد على‬ ‫ون وانتهاز ال ُ‬
‫فَر ِ‬ ‫يّتصف به من التل ّ‬
‫ت فيها‬ ‫هذه الحقيقية ما نقلناه آنفا من كلما ٍ‬
‫مد بن عبد الله‬ ‫شبه اعتراف قالها خليفته مح ّ‬

‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية‪) ،‬النسخة القديمة‪ :‬ص‪(.12/‬؛‬


‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪465‬‬
‫ي هذه‬
‫مد الخان ّ‬
‫ده عبد المجيد بن مح ّ‬
‫)النسخة الجديدة‪ :‬ص‪ .(13/‬مكتبة الحقيقة‪ ،‬إسطنبول‪1996-‬م‪ .‬لقد نقل حفي ُ‬
‫جل كلمة «الملمية» على شكل «المليمة»‪ .‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء‬
‫العبارات بضبطها‪ ،‬ولكنه س ّ‬
‫النقشبندّية‪ ،‬ص‪(9 .‬‬

‫ي العدد الول ص‪ (.704 /‬بغداد‪1973-‬م‪.‬‬


‫ي )مجلة المجمع العلمي الكرد ّ‬
‫ي‪ ،‬مولنا خالد النقشبند ّ‬
‫عباس العّزاو ّ‬ ‫‪466‬‬
‫‪328‬‬

‫ل التساؤلت‬ ‫ي‪ ،‬وهي بمنـزلة الجابة عن ك ّ‬ ‫الخان ّ‬


‫ل ما قاله بعض معارضيه‬ ‫في هذا الصدد‪ .‬ولع ّ‬
‫ضح لنا ما يغيب عن‬ ‫على سبيل الطعن فيه‪ ،‬يو ّ‬
‫كنا من خفايا هذه الشخصّية‪ .‬ذلك هو الشيخ‬ ‫إدرا ِ‬
‫ي اّلذي أّلف رسـال ً‬
‫ة‬ ‫ي العراق ّ‬‫معروف البرزنج ّ‬
‫بعنـوان «تحرير الخطاب في الردّ على خالد‬
‫ذاب»‪ 467.‬بعث بها إلى والي بغداد سعيد باشا‪.‬‬ ‫الك ّ‬
‫دا بالكفر والزندقة‪:‬‬ ‫قال فيها بعد أن اّتهم خال ً‬
‫ن الكراد كّلهم قد اتبعوه‪ .‬ومل ببدعته الفاق‪،‬‬ ‫«إ ّ‬
‫دعي علم‬ ‫دعي التصّرف في الكائنات‪ ،‬وي ّ‬ ‫وإّنه ي ّ‬
‫ّ‬
‫الغيب‪ ،‬وإّنه ذهب إلى الهند فتعلم من السحرة‬
‫ة ومن نصارى النجليز ديًنا ظهر‬ ‫جوك ِي ّ ِ‬ ‫ال ُ‬
‫‪468‬‬
‫عندهم»‪.‬‬

‫مها‬‫نحن لسنا بصدد استغلل هذه الكلمات لُنقي َ‬


‫ن‬‫ل بطع ِ‬ ‫ن الستدل َ‬ ‫ي‪ .‬ل ّ‬‫ة على خالد البغداد ّ‬ ‫ج ً‬
‫ح ّ‬
‫ة ضدّ الستدلل‪ ،‬وقد‬ ‫المعارض ي ُب َّرُر المعارض َ‬
‫خض عنه الفساد‪ .‬هذا‬ ‫يتسلسل منه الخلف‪ ،‬ويتم ّ‬
‫ي‪ ،‬وكذلك من‬ ‫ي والخلق ّ‬ ‫من الجانب المنطق ّ‬
‫خا من‬‫ي كان شي ً‬ ‫ن البرزنج ّ‬ ‫ي‪ .‬ل ّ‬‫الجانب الواقع ّ‬
‫روؤس الطريقة القادرية‪ ،‬ذا شهرة في‬
‫ة خالد‬ ‫المنطقة العراقّية‪ ،‬وربما خاف منافس َ‬
‫ن دائرة محيطه سوف‬ ‫قع أ ّ‬ ‫ي له و تو ّ‬‫البغداد ّ‬
‫تتقّلص باشتهار منافسه‪ ،‬فقاومه بالسعاية‬
‫والشكاية والطعن فيه كما مّر‪ .‬وإل ّ فإ ّ‬
‫ن‬
‫ة‬
‫ة خالص ً‬ ‫ة وحماي ً‬ ‫ة اسلمي ّ ً‬ ‫معارضَته لم تكن حميّ ً‬
‫م الدين‬ ‫قي َ ُ‬
‫لصالة السلم خشية أن تتعّرض ِ‬
‫الحنيف للستحالة والفساد بانتشار بدع‬
‫ضا كان صوفّيا من أمثالهم‪،‬‬ ‫النقشبندّية‪ .‬لّنه أي ً‬

‫المصدر السابق ص‪.710 /‬‬ ‫‪467‬‬

‫مد امين السويدي‪ ،‬دفع الظلوم عن الوقوع في عرض هذا المظلوم )ديباجة(؛ مكتبة السليمانية‪،‬‬
‫* مح ّ‬ ‫‪468‬‬
‫خزانة أسعد افندي رقم‪ .1404/‬إسطنبول‪.‬‬

‫مد مطيع الحافظ ‪ -‬نزار أباظه‪ ،‬علماء دمشق وأعيانها في القرن الثالث عشر الهجري ‪.1/304‬‬
‫* مح ّ‬
‫‪329‬‬

‫بل كان أقدمهم في نشر البدع وإفساد تعاليم‬


‫الدين الحنيف بوساطة الطريقة القادرية‪.‬‬

‫ي الخامل‪ ،‬كيف اهتدى إلى‬ ‫ولكن هذا الصوف ّ‬‫ّ‬


‫م أّنهم من‬‫عل ِ َ‬
‫ة» و َ‬
‫جوك ِي ّ ِ‬ ‫المعرفة بـ «السحرة ال ُ‬
‫ة» أي «اليوغا» نوع من‬ ‫جوك ِي ّ َ‬
‫ن «ال ُ‬
‫أهل الهند‪ ،‬وأ ّ‬
‫السحر ‪ -‬كما يظّنه بعض الناس ‪ ،-‬مع أّنه في‬
‫ل من عبادة مجوس البرهمية؛‬ ‫حقيقته شك ٌ‬
‫مل‪ ،‬والتركيز والستغراق وحبس‬ ‫قوامها التأ ّ‬
‫س‪ .‬فقد اصطلحها النقشبندّيون بعنوان‬ ‫ف ِ‬ ‫الن َ‬
‫الّرابطة‪ ،‬كما سبق شرحها في بابها‪.‬‬

‫ل هذه الحقائق‬ ‫ي عن ك ّ‬ ‫ن أخبر البرزنج ّ‬


‫م ْ‬
‫نعم‪َ ،‬‬
‫اّلتي لم يسمعها شيوخ الطرق الصوفّية في‬
‫ي‬‫الشرق الوسط‪ ،‬لسطحية مستواهم الثقاف ّ‬
‫وغفلة أكثرهم عن واقع المجتمعات وجهلهم‬
‫ت؟!‬
‫ظما ِ‬‫ق والمن ّ‬
‫فَر ِ‬‫ن والمذاهب وال ِ‬
‫بصنوف الديا ِ‬
‫قّر في‬ ‫ذات‪ ،‬ي ُ ِ‬ ‫دا البغداديّ بال ّ‬
‫ن خال ً‬
‫زد على ذلك أ ّ‬
‫ه‬
‫م ُ‬
‫عْز َ‬‫س أنكروا عليه َ‬ ‫ن النا َ‬
‫ع من ديوانه‪ :‬أ ّ‬ ‫مقط ٍ‬
‫د‬
‫ه بل َ‬ ‫جين على مغادرت ِ ِ‬ ‫السفر إلى الهند محت ّ‬
‫السلم إلى ديار الكفر‪ ،‬يقصدون بذلك السلطة‬
‫‪469‬‬
‫النجليزية‪.‬‬

‫ب أّلفه‬‫هذا‪ ،‬بالضافة إلى ما جاء في ثنايا كتا ٍ‬


‫ي بعنوان «دفع‬ ‫ي السويد ّ‬‫مد أمين بن عل ّ‬ ‫مح ّ‬
‫دا‬
‫الظلوم عن الوقوع في عرض هذا المظلوم» ر ّ‬
‫ي؛ جاء‬‫ي الموصل ّ‬ ‫على أبي سعيد عثمان الجليل ّ‬
‫م فيه‬‫ي يذ ّ‬ ‫ل عن الجليل ّ‬ ‫م منقو ٌ‬‫في ثنايا كتابه كل ٌ‬
‫ي‪) ،‬وهو بالّلغة الفارسّية(؛ البيتين‪ .47-46 :‬مكتبة السليمانية‪ ،‬خزانة الحاج محمود‬
‫راجع ديوان خالد البغداد ّ‬ ‫‪469‬‬
‫صهما‪:‬‬
‫أفندي رقم‪ .3700/‬إسطنبول‪ .‬وهذا ن ّ‬
‫«بسي توبيخ كردند أهل توران و خراسـانم * بدار الكفر رفتن جون بسندي كر مسلماني؛‬

‫بدهلي ظلمتي كفرست كفتند و بدل كفتم * بظلمت رو أكر در جستجوي آب حيواني»‪.‬‬

‫ما!‬ ‫معناهما بالّلغة العربّية‪ :‬عاتبني أهل طوران و خراسان‪ ،‬فقالو‪« :‬ما بك ترحل إلى ديار الكفر إن كن َ‬
‫ت لمسل ً‬
‫ث عن‬
‫ت تبح ُ‬ ‫ت بدل ً عن ذلك )أو قل ُ‬
‫ت في نفسي(‪ :‬إن كن َ‬ ‫ن مدينة دلهي قد غشيتها ظلمة الكفر؛ فقل ُ‬
‫ثم قالوا‪ :‬إ ّ‬
‫عين الحياة فعليك بطلبها تحت جنح الظلم»‪.‬‬
‫‪330‬‬

‫دا ويطعن فيه «أّنه ذهب إلى الهند وتعّلم من‬ ‫خال ً‬
‫ة ونصارى النجليز‪ ،‬ظهر عليهم؛ وظهوره‬ ‫جوك ِي ّ ِ‬‫ال ُ‬
‫صار سبًبا لزالة ملوك الهند المسلمين عن‬
‫‪470‬‬
‫كراسّيهم وتمّلكها النصارى‪»...‬‬

‫ن فيها مبالغة‪ ،‬ولكن‬


‫هذه الكلمات‪ ،‬ولو فرضنا أ ّ‬
‫ضا على خالد‬‫عدُ أن تكون كلها بهتاًنا مح ً‬‫ُيست َب ْ َ‬
‫دا‪.‬‬
‫ةج ّ‬‫م ٍ‬
‫ب ها ّ‬
‫ي لسبا ٍ‬
‫البغداد ّ‬
‫ن الطاعن أبا سعيد عثمان بن سليمان‬ ‫منها‪ :‬أ ّ‬
‫باشا الجليليّ كان من أمراء الموصل‪ .‬وهذا‬
‫ل تقدير ـ أّنه كان رجل ً‬
‫يبرهن منطقّيا ـ على أق ّ‬
‫حا خبيًرا بما كان يجري داخل البلد وخارجها‬ ‫متفت ّ ً‬
‫من أمور وأحداث بحكم منصبه ومسئوليته‪.‬‬
‫وبالتالي فإّنه لبدّ وقد استند إلى مبّرر تجّرأ‬
‫بحكمه على هذا السناد الخطير‪.‬‬

‫ي‬
‫ي إلى خالد البغداد ّ‬ ‫ن ما نسبه الجليل ّ‬‫ومنها‪ :‬أ ّ‬
‫من علقته بالنجليز‪ ،‬ومشاركته معهم ضد ملوك‬
‫المسلمين في الهند؛ فإّنه أمر في منتهى‬
‫الخطورة‪ ،‬يستوجب العتماد على ما يستحيل‬
‫د‬
‫ع ُ‬
‫إحباطه من أقوى الدلئل والبراهين‪ .‬لّنه ُيست َب ْ َ‬
‫ب في ديار‬ ‫ي غري ٌ‬ ‫ي عراق ّ‬‫أن يقوم رجل صوف ٌ‬
‫الهند بمشاركة النجليز في القضاء على حكم‬
‫عدُ في‬‫المسلمين في تلك الديار؛ كما ُيست َب ْ َ‬
‫الوقت ذاته أن يبادر هذا المير العالم المرموق‬
‫بشخصّيته العلمّية ومكانته الجتماعّية فيخسر‬
‫كرامته بمثل هذا السناد الواهي اّلذي يجعل من‬
‫ي الغريب المسكين بطل ً يزيل‬ ‫خالد الصوف ّ‬
‫الملوك عن كراسّيهم‪ ،‬وهو في أرض من أبعد‬
‫المناطق على وطنه وعشيرته‪ ،‬معزول ً عن‬
‫السلح والعتاد!‬

‫مد امين السويدي‪ ،‬دفع الظلوم عن الوقوع في عرض هذا المظلوم )ديباجة(؛ مكتبة السليمانية‪ ،‬خزانة‬
‫مح ّ‬ ‫‪470‬‬
‫أسعد افندي رقم‪ .1404/‬إسطنبول‪.‬‬
‫‪331‬‬

‫ة كلّما‬
‫ي يمتاز بشخصّية رهيب ٍ‬ ‫دا البغداد ّ‬
‫ن خال ً‬
‫ولك ّ‬
‫ث ليتابع‬‫ب أثاره البح ُ‬
‫انكشف للباحث منها جان ٌ‬
‫فيه سيَره‪ ،‬فل يكاد ينتهي منه‪.‬‬
‫ة إل ّ‬
‫ي أّنه لم تسنح له فرص ٌ‬
‫ومن مّيزات البغداد ّ‬
‫وقد استغّلها ليزداد بها شهرةً إلى شهرته‪ .‬ومن‬
‫ث‬
‫دلئل هذه النفسّية الحريصة‪ :‬أّنه اقتبس ثل َ‬
‫ت من لهجة سكان الهند فاستخدمها في‬ ‫كلما ٍ‬
‫إشباع أغراضه وتحقيق طموحاته‪.‬‬

‫الولى منها‪ :‬هي كلمة «مولنا» اّلتي اّتصف بها‬


‫ه‪ ،‬ولم يكن من العادة استعمال هذه‬ ‫خم شأن َ ُ‬ ‫ليف ّ‬
‫الصفة للعلماء أو الروحانّيين في المجتمع‬
‫ي؛ بل كان من عادة الفرس والهند‪ .‬كما‬ ‫العثمان ّ‬
‫ي اّلذي هاجر‬‫ل الدين الروم ّ‬‫عرف بهذا الّلقب جل ُ‬ ‫ُ‬
‫إلى مدينة قونية من خراسان في العهد‬
‫قب بهذا العنوان أحد من‬ ‫السلجوقي‪ .‬فلم يتل ّ‬
‫دا به‪ ،‬على الرغم من شهرته‬ ‫علماء آناضول تقلي ً‬
‫دا عددٌ من خصومه على‬ ‫البالغة‪ .‬وقد انتقد خال ً‬
‫اّتصافه بهذا العنوان وعلى رأسهم العثمان‬
‫ي‪.‬‬‫الجليل ّ‬
‫وثانيها‪ :‬هي كلمة «صاحب»‪ .‬كان استعمالها‬
‫عا بمعنى الصديق على لسان المنتسبين إلى‬ ‫شائ ً‬
‫ق خالدٌ هذه‬‫السلم في الساحة الهندّية‪ .‬فأطل َ َ‬
‫ة على أخيه محمود بعد عودته من الديار‬ ‫الصف َ‬
‫الهندية‪ ،‬فاشتهر أخوه بها‪.‬؛ ثم انتقل إلى أسعد‬
‫عرف هو الخر بهذا الّلقب‬ ‫بن محمود حّتى ُ‬
‫وناداه الناس بـ«الشيخ أسعد صاحب ذاده»‬

‫ثالثها‪ :‬هي كلمة «ميان» )بكسر الميم وفتحها(‪.‬‬


‫ضا‬
‫استعملها طائفة من مريديه بتأثيره‪ .‬وهي أي ً‬
‫بمعنى الصاحب والصديق‪.‬‬
‫‪332‬‬

‫ي التافه على‬ ‫يبرهن حّتى هذا التقليد الطفيل ّ‬


‫ي وطبيعته‪ .‬والله وحده يعلم‬ ‫نفسيّة خالد البغداد ّ‬
‫كم بذل خالدٌ من الجهود وما همس إلى أمناء‬
‫ه من أوامر وتعليمات‬ ‫سره ودعاته وبطانت ِ ِ‬
‫لستمالة الناس إليه وإلقاء هيبته ومحبته في‬
‫ي‬
‫نأ ّ‬ ‫ة أجادوها‪ .‬إذ أ ّ‬
‫ة ووسيل ٍ‬ ‫ل طريق ٍ‬ ‫قلوبهم بك ّ‬
‫فرٍد ذاع صيته في حياته‪ ،‬يستحيل أن يكون قد‬
‫نال ما نال من الشهرة دونما رغبة منه واشتياق‪،‬‬
‫ع إلى الناس‪ ،‬ما عدا‬ ‫ب منه وتصن ّ ٍ‬ ‫ومن غير تحب ّ ٍ‬
‫أهل اليمان الصادق والخلص من أولئك اّلذين‬
‫يمتاز دعواهم بالشمول والعالمية؛ وهم النبياءُ‬
‫والمرسلون وأنصاُرهم من الحواريين والصحابة‬
‫والصديقين والتابعين لهم بإحسان‪.‬‬

‫ة‬
‫قضي ٌ‬
‫ّ‬ ‫ي‬‫ن أسرار شخصّية خالد البغداد ّ‬ ‫ذا فا ّ‬ ‫إ ً‬
‫طلع على واقعها من خلل‬ ‫ة مرهونة بال ّ‬ ‫م ٌ‬‫مه ّ‬
‫ة بتمامها‪.‬‬‫ل يستوعب جوان َِبها الخفي ّ َ‬ ‫ث مستق ّ‬ ‫بح ٍ‬
‫ن هذه السلسلة من‬ ‫ول نبالغ إذا قلنا‪ :‬أ ّ‬
‫التوضيحات اّلتي ما زلنا في متابعتها‪ ،‬ل تبخل‬
‫بكشف القناع عن قسط كبير من هذه الشخصّية‬
‫وإزالة ما يواريها من سرابيل الزهد والخلص‬
‫والعبادة والتقوى؛ وذلك بأقصى قدر من‬
‫ة‬
‫التفصيل بدقائقها على حقيقتها؛ لتكون وثيق ً‬
‫ة‪ ،‬وعبرةً لولي اللباب!‬ ‫تاريخي ً‬

‫ي في مدينة جهان آباد )دلهي(‬ ‫مكث خالدٌ البغداد ّ‬


‫مُدّةَ عام كامل‪ .‬عدا ما أمضى من الوقت في‬
‫السفر ذهابا ً وإيابًا‪ .‬لّنه بدأ رحلته عام ‪ 1224‬من‬
‫قّر بهذه الحقيقة من‬ ‫الهجرة وعاد سنة ‪1226‬هـ‪ .‬ي ُ ِ‬
‫ضا‪ .‬ولكنه ماذا عمل‬ ‫أّرخ له من النقشبندّيين أي ً‬
‫ة؟ على أي حال‪ ،‬فقد‬ ‫وما ذا تعّلم في هذه ال ْ ُ‬
‫مدّ ِ‬
‫ص‬
‫أجاب النقشبندّيون عن هذا السؤال حسبما ق ّ‬
‫ي من ذكرياته‪ .‬ولكّننا ل نعثر على‬ ‫عليهم البغداد ّ‬
‫عا عن‬
‫ما عسى يكون قد صرفها دفا ً‬ ‫كلمة واحدة ّ‬
‫‪333‬‬

‫ة لعرضهم‬ ‫كان الهند وحماي ً‬‫دماء المسلمين من س ّ‬


‫وكرامتهم ضدّ السلطة النجليزية اّلتي لم تعرف‬
‫المان ول الحترام لحقوق أهل السلم في تلك‬
‫الديار‪ .‬بينما نعثر على عبارات له في رسالته‬
‫دا على‬
‫ير ّ‬ ‫جهها إلى عبد القادر الحيدر ّ‬‫اّلتي و ّ‬
‫كتابه‪ ،‬يعّبر فيها عن ابتهاجه بغلبة الجيش‬
‫هابّيين‪ ،‬وهذه كلماته‪:‬‬‫ي على العرب الو ّ‬‫العثمان ّ‬
‫م ببعض الخبار الساّرة‬ ‫عي َك ُ ْ‬
‫دا ِ‬
‫م فيها َ‬ ‫مب ّ‬
‫شرت ُ ْ‬ ‫«ث ّ‬
‫من جهة الحرمين الشريفين وغلبة عساكر‬
‫السلم وانتظام أمرهم‪ ،‬وذّلة الفرقة المخذولة‬
‫هابّية وقربهم على الدمار والبوار‪ ،‬ووقوفهم‬ ‫الو ّ‬
‫‪471‬‬
‫على شفا جرف هار»‪.‬‬

‫ن الغلبة صارت‬ ‫من عجائب قدر الله وآثار قدرته أ ّ‬


‫هابّيين‪ ،‬وانتظم أمرهم‬ ‫في النهاية لجيش الو ّ‬
‫ما عساكر‬ ‫حّتى أعلنوا عن قيام دولتهم‪ .‬أ ّ‬
‫النقشبندّيين‪ ،‬فإّنهم باؤوا بفشل ذريع وأصبحوا‬
‫قعه‬ ‫ة‪ ،‬بخلف ما كان يتو ّ‬ ‫ة المخذول َ‬ ‫هم الفرق َ‬
‫غوثهم اّلذي يعظمونه بصفات ل يعتقدونها في‬ ‫ّ‬
‫قق لهم‬ ‫أحد من النبياء والمرسلين‪ .‬فلم يتح ّ‬
‫مهم على أّنه من‬ ‫النصر ليباهوا بذلك خصو َ‬
‫ز‬
‫زي ِ‬
‫ع ِ‬ ‫ْ‬
‫ه ال َ‬ ‫د الل ِ‬
‫عن ْ ِ‬
‫ن ِ‬ ‫صُر إ ِل ّ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ما الن ْ‬
‫و َ‬
‫‪472‬‬
‫كراماته ‪َ } .‬‬
‫‪473‬‬
‫م{‪.‬‬‫كي ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ح ِ‬

‫راجع المصادر التالي‪:‬‬ ‫‪471‬‬


‫ي؛ كتبها إلى‬
‫مد أسعد الصاحب‪ ،‬بغية الواجد ص‪ :172 /‬الرقعة الثالثة والربعون من مكتوبات خالد البغداد ّ‬
‫* مح ّ‬
‫ي؛‬
‫خليفته عبد القادر الحيدر ّ‬
‫ضا إلى خليفته عبد القادر‬
‫ي؛ كتبها أي ً‬
‫* المصدر السابق‪ ،‬ص‪ :183 /‬الرقعة الخمسون من مكتوبات خالد البغداد ّ‬
‫ي؛‬
‫الحيدر ّ‬
‫* عبد الكريم البياري المدّرس‪ ،‬منشورات المجمع العلمي الكرماني‪) ،‬تذكار الرجال(‪ ،‬الرقعة السادسة والثلثون‪.‬‬

‫مكتبة الحقيقة إسطنبول‪1992-‬م‪) .‬هذه الرسالة منضمة إلى رسالة أخرى اسمها مكاتيب شريفة لعبد الله‬

‫ي‪ ،‬كلتاهما بين دفتين في مجلد واحد‪(.‬‬


‫الدهلو ّ‬

‫ولكن هذه الفتنة اّلتي اشترك في إضرام نيرانها الجانبان‪ ،‬غدت من السباب الها ّ‬
‫مة لسقوط دولة‬ ‫‪472‬‬
‫المسلمين )المبراطورية العثمانّية العظيمة( اّلتي كانت مح ّ‬
‫ط آمال المسلمين‪ ،‬ومصدر فخرهم واعتزازهم وذخر‬

‫أمنهم وأمانهم‪.‬‬

‫سورة آل عمرن‪.126/‬‬ ‫‪473‬‬


‫‪334‬‬

‫ي بعد عودته من الهند بصورة‬ ‫اشتهر خالدٌ البغداد ّ‬


‫غير معهودة‪ ،‬وذهب صيته إلى أقصى بقاع‬
‫ك حوله في‬ ‫ما أثار الشكو َ‬‫م ّ‬
‫المملكة العثمانّية ِ‬
‫ي السلطان محمود الثاني‬ ‫نفس الخليفة العثمان ّ‬
‫د‬
‫ع خال ٍ‬
‫ن أتبا َ‬
‫ذات وفي أوساط حكومته‪ .‬ل ّ‬ ‫بال ّ‬
‫ي كانوا يسعون بحماسة شديدة لنشر‬ ‫البغداد ّ‬
‫طريقتهم في جميع أنحاء المملكة‪ ،‬وكانت لهم‬
‫نشاطات كثيفة حّتى في مدينة إسطنبول‬
‫عاصمة الدولة‪.‬‬

‫فقد ورد على لسان أحد المؤّرخين العثمانّيين ما‬


‫ي كما يلي‪:‬‬
‫قد عّربه عباس العّزاو ّ‬
‫«منذ خمسة أشهر مضت‪ ،‬ورد إلى إسطنبول‬
‫طن في الشام‪،‬‬ ‫ء الشيخ خالد المتو ّ‬ ‫ض خلفا ِ‬ ‫بع ُ‬
‫وهو من علماء السليمانّية‪ ،‬وانتشروا في مساجد‬
‫إسطنبول وجوامعها‪ ،‬وبّثوا الدعوةَ إلى‬
‫ة من أكابر‬ ‫طريقتهم‪ ،‬فانتسب إليها جماع ٌ‬
‫إسطنبول وعلمائها‪ ،‬ونالوا شهرةً في بلد‬
‫مون دعاتهم‬ ‫ك‪ ،‬وصاروا يس ّ‬ ‫ب والت ّْر ِ‬
‫العر ِ‬
‫)الخلفاء(؛ فأذاعوا هذه الطريقة‪ ،‬وسعوا سعًيا‬
‫حثيًثا في ترويجها وكسب المريدين لها»‪.‬‬

‫«وهى وإن كانت ل ضرر منها في الظاهر‪،‬‬


‫ك المجا ُ‬
‫ل لتكثير )سواد‬ ‫فا َ‬
‫لولى أن ل ي ُت َْر َ‬
‫الصوفّية( وإقرارهم على هذا‪ .‬والواجب يقتضي‬
‫مراعاة الحوال الموجودة والمعهودة في‬
‫السلم»‪.‬‬

‫«وعلى هذا ُنفي من إسطنبول مشاهُير‬


‫الطريقة النقشبندّية وأعواُنهم في ‪ 21‬من شهر‬
‫ل‪ .‬وجيء بهم إلى‬ ‫رمضان سنة ‪1234‬هـ‪1817 .‬م‪ .‬لي ً‬
‫‪474‬‬
‫كبوا في زورق إلى )قارتال(‬ ‫ُ‬
‫الميناء‪ ،‬وأر ِ‬

‫مة بينها وبين مدينة يالوا‪.‬‬


‫منطقة وميناء داخلي في الناحية الشرقية من مدينة إسطنبول ومحطة ها ّ‬ ‫‪474‬‬
‫‪335‬‬

‫ومنها إلى سيواس‪ 475‬فأحّلوهم فيها‪ .‬وفي اليوم‬


‫ي من مشاهيرهم علي أفندي أ ُْرگ ُﱯ من‬ ‫ف َ‬
‫التالي ن ُ ِ‬
‫ﭼْرك َ ْ‬
‫ش( داخل مدينة‬ ‫علماء إسطنبول إلى ) َ‬
‫أنقره‪ .‬وصالح أفندي‪ ،‬وأحمد أفندي إلى‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫ُ‬
‫وان ُ ُ‬
‫ع َ‬
‫ة الشيخ خالد وأ ْ‬
‫ل خليف ُ‬ ‫)سيواس(‪ .‬ثم أْر ِ‬
‫إلى أنحاء السليمانية على أن ل يعودوا إلى‬
‫‪476‬‬
‫إسطنبول»‪.‬‬

‫ور إلى إصدار الوامر بالبحث‬ ‫دى هذا التط ّ‬ ‫«فأ ّ‬


‫ي‪ ،‬رئيس الطائفة‪.‬‬ ‫والتحقيق مع خالد البغداد ّ‬
‫حال َ ْ‬
‫ت‬ ‫عى َ‬ ‫وذلك بإيعاز من أحد رجال الدولة ي ُدْ َ‬
‫‪477‬‬
‫مة داود باشا والي‬ ‫فقام بهذه المه ّ‬ ‫أفندي‪.‬‬
‫ن‬
‫ده؛ أ ّ‬ ‫بغداد‪ .‬إل ّ أّنه أعرب في التقرير اّلذي أع ّ‬
‫سنّية‪ ،‬وأّنه‬ ‫سّنة ال ّ‬‫دا ل قصد له إل ّ إحياء ال ّ‬ ‫خال ً‬
‫مشغول بإرشاد مريديه‪ ،‬غير ساع بذلك إلى‬
‫ل الُبعد عن‬ ‫ي مصلحة له‪ .‬وأّنه بعيد ك ّ‬ ‫تحقيق أ ّ‬
‫هد الوالي داود باشا‬ ‫الشؤون السياسّية»‪ .‬وتع ّ‬
‫ي‬
‫خل في أ ّ‬ ‫دا لن يتد ّ‬ ‫ن خال ً‬‫في نهاية التقرير‪ :‬أ ّ‬
‫‪478‬‬
‫دا»‪.‬‬ ‫شيء من شؤون الدولة أب ً‬
‫شك بعد هذا التحقيق اّلذي‬ ‫ّ‬ ‫ةل‬‫ت السلط ُ‬ ‫اطمأن ْ‬
‫ث‬‫ن في هذا الحد ِ‬ ‫د للخليفة‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫ت ولءَ خال ٍ‬ ‫أثب َ‬
‫ي بما‬ ‫ن نشاطات خالد البغداد ّ‬ ‫مة‪ .‬تلك أ ّ‬‫مسألة ها ّ‬
‫ورات اّلتي تعاقبْتها؛‬ ‫فيها رحلته إلى الهند‪ ،‬والتط ّ‬
‫سيواس )السبطية القديمة( مدينة عريقة في أواسط آناضول‪ ،‬ومحطة هامة بين شرق البلد وغربها‪.‬‬ ‫‪475‬‬

‫تاريخ لطفي ‪ .1/287‬مكتبة السليمانية‪ ،‬خزانة الحاج محمود أفندي رقم‪.4755 /‬‬ ‫‪476‬‬

‫ما بارًزا بين رجال الدولة العثمانّية‬ ‫حالت أفندي )السيد محمود سعيد ‪1823 -1766‬م‪ (.‬كان رجل ً وجي ً‬
‫ها عال ً‬ ‫‪477‬‬
‫ة وأقام سفيًرا في العاصمة الفرنسية )‪1806 -1802‬م‪ (.‬على‬
‫م ً‬
‫ى مناصب ها ّ‬
‫في عهد السلطان محمود الثاني‪ .‬تول ّ‬
‫صا مغامًرا خطيًر لم يستعظم‬
‫ة بالهتمام‪ .‬لّنه كان حري ً‬ ‫الرغم من إّنه لم يتعّلم الّلغة الفرنسية‪ .‬شخصيت ُ ُ‬
‫ه جدير ٌ‬
‫صل إلى مآربه‪ .‬كان له تأثير في تنفيذ حكم العدام في ك ّ‬
‫ل من علي باشا وأبنائه‬ ‫ة على طريقه في التو ّ‬
‫ي عقب ٍ‬
‫أ ّ‬
‫ة صالح باشا‪ ،‬وثورة المورة‪ .‬ثم‬
‫المعروفين بأسرة )تبه دلنلي(؛ وكذلك في إعدام سليمان باشا والي بغداد‪ ،‬وإقال ِ‬
‫ضا بتأثير مسيو صابستيان سفير الدولة الفرنسية في إسطنبول‪ .‬فأمر‬
‫في النهاية تم تنفيذ حكم العدام فيه أي ً‬
‫ي‪،‬‬
‫ث من كرامات الشيخ خالد البغداد ّ‬
‫د النقشبندّيون هذا الحد َ‬
‫ع ّ‬ ‫قتل في مدبنة قونيا خن ً‬
‫قا‪.‬ي َ ُ‬ ‫به السلطان‪ ،‬ف ُ‬

‫قا لدعائه على حالت أفندي اّلذي كان قد سعي لدى السلطان محمود الثاني‪ ،‬وأشار عليه بأخذ الحتياطات‬
‫وتحقي ً‬

‫ضد خالد وبطانته‪.‬‬

‫سليمان فائق‪ ،‬مرآت الزوراء ص‪.68 /‬‬ ‫‪478‬‬


‫‪336‬‬

‫ل‬
‫ة‪ ،‬وإقبا ِ‬ ‫ر صيته إلى الفاق بسرع ٍ‬ ‫كانتشا ِ‬
‫ة قد‬ ‫العيان عليه‪ ،‬إذا لم يكن ذلك كّله خطّ ً‬
‫ذات في وقت‬ ‫أعدّْتها أيادي السلطة العثمانّية بال ّ‬
‫ة‪،‬‬ ‫َ‬
‫ل الدول ِ‬
‫ع شم ِ‬ ‫ه لجم ِ‬ ‫وان ِ ِ‬
‫سابق لستخدامها في أ َ‬
‫ة بهذه الشهرة‬ ‫ة وبغت ً‬ ‫د صدف ً‬ ‫ن وجودَ خال ٍ‬‫فا ّ‬
‫صل إلى الغرض‬ ‫ة للتو ّ‬ ‫ة ذهبي ً‬ ‫المتزايدة أصبح فرص ً‬
‫صة لما اّتفق مع هذه المرحلة‬ ‫المنشود‪ ،‬وبخا ّ‬
‫الخطيرة اّلتي تزاحمت فيها الويلت على الدولة‬
‫ت بخناقها حّتى كادت ُتشرف‬ ‫ف ْ‬ ‫العثمانّية‪ ،‬والت ّ‬
‫على الدمار‪.‬‬

‫ة‬
‫هابّيين أعلنوا الثور َ‬
‫ن الو ّ‬ ‫وعلى سبيل المثال فا ّ‬
‫على السلطة العثمانّية في جزيرة العرب‪.‬‬
‫مد علي باشا عام‬ ‫ة إليهم مح ّ‬ ‫ت الدول ُ‬ ‫فأرسل ْ‬
‫‪1812‬م‪ .‬كذلك وقعت ثورات عديدة في منطقة‬
‫دها ثورة الصرب في بلغراد اّلتي‬ ‫البلقان؛ من أش ّ‬
‫ل خرشيد باشا لخمادها عام ‪1813‬م‪ .‬ثم‬ ‫س َ‬ ‫ُ‬
‫أر ِ‬
‫ة باسم‪ :‬أتنيكي أتريا‬ ‫ة يوناني ٌ‬‫ة سري ٌ‬ ‫انعقدت جمعي ٌ‬
‫‪ Ethniki Etaireia‬عام ‪1814‬م‪ .‬لفصل المنطقة‬
‫اليونانية عن الدولة العثمانّية وإعلن استقللها‪.‬‬
‫وكانت الدول الوربية قد اّتفقت في خضم هذه‬
‫الثورات على إجبار الدولة العثمانّية للعتراف‬
‫بالوجود السياسي للقلّيات‪ .‬ولم يكن الغرض‬
‫دول المتحالفة من هذا الجبار إل ّ‬ ‫ي لل ّ‬
‫الحقيق ّ‬
‫تمهيد الوسط لقتسام الراضي العثمانّية فيما‬
‫بينها‪.‬‬

‫كانت هذه ُنبذةً يسيرةً عن مشاكل الدولة‬


‫ن‬‫ما في الداخل‪ ،‬فا ّ‬ ‫العثمانّية في الخارج‪ .‬أ ّ‬
‫الدولة كانت قد فقدت الهيمنة على المنطقة‬
‫ن عشائَر الكراد‬ ‫الكردّية‪ .‬وعندما كّلف السلطا ُ‬
‫بحمل السلح واللتحاق إلى معسكرات الدولة‬
‫لتغطية الفراغ اّلذي بقي بعد القضاء على‬
‫ه‪ ،‬وأعلن‬
‫الجيوش النكشارية‪ ،‬رفضوا أمَر ُ‬
‫‪337‬‬

‫بدرخان باشا )أميُر كردستان( الثورةَ عام ‪1831‬م‪.‬‬


‫وكانت الطائفة اليزيدية القاطنة بجبال سنجار‬
‫بقرب مدينة الموصل‪ ،‬كانوا قد أعلنوا العصيان‬
‫ن الدولة العثمانّية لم تكن قد‬
‫منذ عام ‪1830‬م‪ .‬إ ّ‬
‫تعّرضت إلى هذا القدر من المخاطر عبر تاريخها‬
‫المديد‪.‬‬

‫ي في مثل هذه‬ ‫ذا فلم تكن مضايقة خالد البغداد ّ‬ ‫إ ً‬


‫الظروف من مصلحة الدولة بحكم الطبع‪ .‬بل‬
‫كانت الحكمة في استغلله‪ ،‬وتجنيد أتباعه‬
‫المنتشرين في أنحاء المملكة‪ ،‬واستخدامهم‬
‫ة إلى‬ ‫ما دفعت السلط َ‬ ‫م ّ‬ ‫وات الدولة‪ِ ،‬‬
‫بجانب ق ّ‬
‫التعاون معه؛ كما تبرهن على هذه الحقيقة‬
‫ي بالنسبة‬ ‫ي‪ ،‬عباس العّزاو ّ‬ ‫كلمات الباحث العراق ّ‬
‫ي «وبعد‬ ‫لداود باشا والى بغداد‪ ،‬فيقول العّزاو ّ‬
‫أن استولى على بغدادا وصار واليا عليها‪،‬‬
‫صة‬‫خا ّ‬
‫‪479‬‬
‫استغّلهم سياسّيا وجلب رضاهم‪»...‬‬
‫ن عقائد النقشبندّيين لما كانت تختلف عن‬ ‫وأ ّ‬
‫هابّيون‬ ‫فا كبيًرا ‪ -‬والو ّ‬ ‫عقائد السلفّيين اختل ً‬
‫ة‬
‫ت السلط ُ‬ ‫سهم من السلفّيين ‪ -‬استغل ّ ْ‬ ‫دون أنف َ‬ ‫يع ّ‬
‫العثمانّية هذا التنافَر أكبر فرصة في تحريض‬
‫وار‪،‬‬‫هابّيين الث ّ‬ ‫ي وأتباعه على الو ّ‬ ‫خالد البغداد ّ‬
‫وكانت السباب متاحة لهذا الستغلل‪.‬‬

‫ي اّلذي اتخذته الفرقة‬‫ن الموقع الجغراف ّ‬ ‫إذ أ ّ‬


‫الخالدّية مركًزا لها يومئذ ‪ -‬وهو بلد الشام‬
‫هابّيين‪،‬‬
‫والعراق ‪ -‬كان على تخوم منطقة الو ّ‬
‫ن هذا الموقع كان بمنـزلة الدرع‬‫صة و أ ّ‬‫خا ّ‬
‫لمنطقة آناضول التركّية ضد انتشار عقيدة‬
‫التوحيد بدافع نشاطات النقشبندّيين على امتداد‬
‫هذه الساحات الشاسعة‪.‬‬

‫ي‪ ،‬عدد ‪ .1‬ص‪ .718 /‬بغداد ‪.1973 -‬‬


‫ي‪ ،‬مجلة المجمع العلمي الكرد ّ‬
‫ي‪ ،‬مولنا خالد النقشبند ّ‬
‫عباس العّزاو ّ‬ ‫‪479‬‬
‫‪338‬‬

‫ن هذه الحقيقة ما زالت خافية على المثقّفين‬ ‫إ ّ‬


‫ن البحوث العلمّية اّلتي قد‬‫العرب حّتى الن‪ ،‬وأ ّ‬
‫خاض فيها علماء العرب منذ بداية النهضة‬
‫ورات في‬ ‫الحديثة لم تتناول هذا الجانب من التط ّ‬
‫ن الطريقة‬ ‫أبعادها الواقعية والموضوعية‪ ،‬ذلك ل ّ‬
‫النقشبندّية لم تنتشر في صفوف العناصر‬
‫العربّية بشكل ملحوظ‪ .‬ولذلك لم ينتبه الباحثون‬
‫العرب إلى مدى علقات النقشبندّيين بالسياسة‬
‫وأهلها في الداخل والخارج‪ ،‬ول إلى دورهم في‬
‫ي‬
‫هابّيين‪ ،‬سواء في العهد العثمان ّ‬ ‫محاربة الو ّ‬
‫ي‪ .‬كما سنشرحه في بابه‬ ‫وفي العهد الجمهور ّ‬
‫ن شاء الله‪.‬‬ ‫إ ْ‬
‫دا جاء بتربية جديدة ونفخ‬ ‫ن خال ً‬ ‫دعون أ ّ‬ ‫ن اّلذين ي ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ح الزهد والعفّة والقناعة بفضل‬ ‫في الناس رو َ‬
‫ط‬
‫دى ذلك إلى هبو ٍ‬ ‫صة‪ ،‬فأ ّ‬ ‫طريقته وآدابه الخا ّ‬
‫ظ في أحداث النهب والسلب والقتل‪،‬‬ ‫ملحو ٍ‬
‫ة في المنطقة‬ ‫ن والطمأنين ُ‬ ‫سادَ الهدوءُ والم ُ‬ ‫و َ‬
‫دعاء قد‬ ‫ن هذا ال ّ‬ ‫الكردّية بتأثير هذه الطريقة؛ فا ّ‬
‫ن هذا الدفاع‬ ‫يكون له أساس من الصحة‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫ي ل يبرهن على مشروعية‬ ‫ي العاطف ّ‬ ‫الحماس ّ‬
‫الساليب المخالفة لروح السلم بتاًتا؛ مهما‬
‫م‬
‫شدُ إليه السل ُ‬ ‫كانت هذه الساليب تتبّنى ما ي ُْر ِ‬
‫ه من الفضائل والخلق السامية‪ .‬فإّنها ل‬ ‫س ُ‬‫نف ُ‬
‫ة‬
‫ه الصيل ِ‬ ‫ر بالسلم ِ وآداب ِ‬ ‫تعدو عن القرا ِ‬
‫ت منه‬ ‫ه اّلتي استوح ْ‬ ‫وَرّبان ِي ّت ِ ِ‬‫ه َ‬ ‫ح ّ‬
‫قان ِي ّت ِ ِ‬ ‫هو ّ‬ ‫وعظمت ِ‬
‫ت من أديان أخرى‬ ‫النقشبندّية أموًرا كما استوح ْ‬
‫وعلى رأسها الهندوكية‪ ،‬إذن تسقط هذه‬
‫ل‬
‫الساليب من العتبار تلقائّيا في ميزان العق ِ‬
‫ي لّنها تبقى زائدة على‬ ‫والقساس المنطق ّ‬
‫السلم وتفضله بدون حكمة؛ وتقع تلك‬
‫مة‬‫ل‪ .‬لنه قد تكون ث ّ‬ ‫ن مستق ّ‬ ‫ع دي ٍ‬ ‫ب موق َ‬ ‫السالي ُ‬
‫طرق لتدريب النسان على الصدق والقناعة‬
‫فة وصفاء السريرة مع الشرك بالله‪ .‬كما‬ ‫والع ّ‬
‫‪339‬‬

‫ن ذلك ليس من‬ ‫في الديان الباطلة المحّرفة‪ .‬فا ّ‬


‫ن اليهودّية‪،‬‬ ‫ء‪ .‬إذ ل يخفى أ ّ‬ ‫الحكمة في شي ٍ‬
‫والمسيحّية‪ ،‬والبرهمّية‪ ،‬والبوذّية‪ ،‬والزرادشتّية‬
‫ها من الديان؛ كّلها تحّرم الكذب‪ ،‬والغش‪،‬‬ ‫غي َْر َ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫والسرقة‪ ،‬واليذاء والقتل‪ ،‬والزنا؛ مع أّنها أديان‬
‫محّرفة باطلة بحكم الله القاطع في كتابه‬
‫سل َ ُ‬
‫‪480‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫و َ‬
‫} َ‬ ‫م‪.{.‬‬ ‫ه ال ِ ْ‬ ‫عن ْدَ الل ِ‬‫ن الدين ِ‬ ‫العزيز‪} .‬إ ِ ّ‬
‫في‬ ‫و ِ‬‫ه َ‬
‫و ُ‬
‫ه َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن يُ ْ‬
‫قب َ َ‬ ‫فل َ ْ‬
‫سلم ِ ِديًنا َ‬ ‫غي َْر ال ِ ْ‬ ‫غ َ‬ ‫ي َب ْت َ ِ‬
‫‪481‬‬
‫ن‪.{.‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬‫خا ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م ْ‬‫ة ِ‬‫خَر ِ‬ ‫ال ِ‬
‫ي‬
‫أما اختفاء الوقائع الجرامية بتأثير خالد البغداد ّ‬
‫ي أسفر عن الطاعة‬ ‫وطريقته‪ ،‬فإنه أمٌر ثانو ّ‬
‫المطلقة اّلتي أظهرْتها جماهُير النقشبندّيين له‬
‫ت على نفوس اللف من‬ ‫وِلخلفائه؛ واّلتي أّثر ْ‬
‫ن سُرهُ في‬ ‫م ُ‬ ‫دا‪ .‬يك ُ‬
‫غيرهم‪ .‬وله سبب غريب ج ّ‬
‫ي «الّرابطة» عندهم‪ .‬وهي‬ ‫صة بهم تسم ّ‬ ‫ة خا ّ‬ ‫صل ٍ‬
‫ة‬
‫ط معّين ٍ‬ ‫«التركيز» على صورة الشيخ بشرو ٍ‬
‫سبق شرحها بالتفصيل في باب آداب الذكر عند‬
‫ما انتشرت‬ ‫النقشبندّية من الفصل الثاني‪ .‬ذلك ل َ ّ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫عاَيات ِ ِ‬
‫ي وِد َ‬ ‫هذه العقيدة بجهود خلفاء البغداد ّ‬
‫الكثيفة على الساحة الكردّية اّلتي كانت يومئ ٍ‬
‫ذ‬
‫ق‬‫طر ِ‬ ‫طاع ال ّ‬ ‫مهدّدَةً بأخطار الّلصوص وق ّ‬
‫ب الكراد بدافع هذا‬ ‫ب غال ُ‬ ‫جذَ َ‬ ‫وان ْ َ‬ ‫والحرامّيين‪َ ،‬‬
‫ح َ‬
‫ظ‬ ‫ي إلى صفوف النقشبندّيين؛ ُلو ِ‬ ‫ر الصوف ّ‬ ‫الت ّّيا ِ‬
‫غ في أحداث النـزاع‬ ‫ط بال ٌ‬ ‫بعد ذلك انحطا ٌ‬
‫س مما ّ‬ ‫والجنايات في المنطقة‪ .‬وهذا شيءٌ لي َ‬
‫ة لها تأثير‬ ‫ن هذه الصلةَ السحري ّ‬ ‫ب‪ .‬ل ّ‬ ‫غَر ُ‬ ‫ست َ ْ‬
‫يُ ْ‬
‫عظيم في تهدئة العصاب وإماتة الشعور‬
‫ن‬
‫والقضاء على البطر والميول الشهوانية‪ .‬نعم إ ّ‬
‫ب من مناسك النقشبندّية له‬ ‫ل الغري َ‬ ‫هذا الشك َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ة ما يثوُر داخل النسا ِ‬ ‫دئ َ ِ‬
‫ه ِ‬‫غ في ت َ ْ‬ ‫تأثيٌر بال ِ ٌ‬
‫ت‬ ‫ت وهيجان وأطماع‪ .‬فقد أثبت ْ‬ ‫خَلجا َ ٍ‬ ‫تو َ‬ ‫ن ََزوا ٍ‬
‫سورة آل عمران‪.19/‬‬ ‫‪480‬‬

‫سورة آل عمران‪.85/‬‬ ‫‪481‬‬


‫‪340‬‬

‫ء‬
‫كيَز على شي ٍ‬ ‫ن الت ّْر ِ‬
‫سأ ّ‬ ‫ث في علم النف ِ‬ ‫البحو ُ‬
‫ط‬‫رٍد َيرب ِ ُ‬ ‫مط ّ ِ‬‫ر ُ‬‫ة وبتكرا ٍ‬ ‫ت معّين ٍ‬ ‫بعينه في فترا ٍ‬
‫ن‬
‫ك عنه‪ ،‬إ ْ‬ ‫ء ربطا ً ليكادُ ينف ُ‬ ‫مَرك َّز بذلك الشي ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ة؛‬
‫مدّةً طويل ً‬ ‫ت ُ‬ ‫ة قد دام ْ‬ ‫ة الذهني ُ‬ ‫ت هذه الرياض ُ‬ ‫كان ْ‬
‫ع من‬ ‫غفًا‪ ،‬فينقط ُ‬ ‫ش َ‬ ‫هو َ‬ ‫وَلعا ً ب ِ ِ‬ ‫مَرك ُّز َ‬‫فيزدادُ ال ُ‬
‫و ُ‬
‫ل‬ ‫ه من ذي قبل؛ ويتح ّ‬ ‫ب علي ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫ن قد َ‬ ‫ع ما كا َ‬ ‫جمي ِ‬
‫ل‬‫ر وانحل ٍ‬ ‫ن وانصها ٍ‬ ‫ة وافِتتا ٍ‬ ‫ه به إلى عباد ٍ‬ ‫ارتباطُ ُ‬
‫ء من‬ ‫ك إلى شي ٍ‬ ‫ة‪ ،‬فل يلتفت بعد ذل َ‬ ‫في النهاي ِ‬
‫ت هذه الدنيا‪.‬‬ ‫ملذا ّ ِ‬
‫ة في‬ ‫م الخالدّية السحري ُ‬ ‫ت هذه التعالي ُ‬ ‫فلما ّ أث َّر ْ‬
‫غلظَ َ‬
‫ة‬ ‫ت ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫سل َ َ‬
‫مو َ‬ ‫ه ْ‬
‫جَنت ُ‬‫ة الكراِد ودّ ّ‬ ‫م ِ‬
‫س عا ّ‬ ‫نفو ِ‬
‫ولوا بعد ذلك إلى‬ ‫في أّنهم تح ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫طبعهم‪ ،‬ل ش ّ‬
‫ة‬
‫ع صوفي ٍ‬ ‫ة‪ ،‬بل إلى قطائ ِ َ‬ ‫ت خاضع ٍ‬ ‫جماعا ٍ‬
‫ق هذه‬ ‫ل من ُ َ َ‬ ‫خ جناح الذّ ّ‬
‫منطل ِ‬ ‫ن للشي ِ‬ ‫فضو َ‬ ‫خ ِ‬
‫يُ ْ‬
‫العقيدة وليس من السلم!‬

‫ورات اّلتي شاهدها محيط‬ ‫وقد أثبتتْ التط ّ‬


‫خ من‬ ‫النقشبندّيين في تركيا‪ ،‬أّنه ما من شي ٍ‬
‫دد‬‫م بتطبيق الّرابطة وش ّ‬ ‫مشائخ هذه الطائفة اهت ّ‬
‫ه‬
‫صيت ُ ُ‬‫على مريديه بملزمتها‪ ،‬إل ّ وقد انتشر ِ‬
‫ش على النار‪،‬‬ ‫فَرا ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫ها ُ‬
‫س عليه ت َ َ‬‫ت النا ُ‬ ‫ها َ‬
‫ف َ‬ ‫وت َ َ‬
‫ل‪،‬‬ ‫ودامت المشيخة في أسرته جيل ً بعد جي ٍ‬
‫ك‪.‬‬
‫كالرواسّيين وأتباعهم من شيوخ الكراد والت ّْر ِ‬
‫ف بأمر الّرابطة ولم‬ ‫وما من شيخ منهم استخ ّ‬
‫ت أعماله‬ ‫شدّدْ على مريديه بملزمتها‪ ،‬إل ّ انته ْ‬ ‫يُ َ‬
‫بالفشل‪ ،‬وخسر أبناؤه من شهرتهم وسقطوا‬
‫م الناس في مدةً قصيرة‪،‬‬ ‫إلى منـزلة عوا ّ‬
‫كعائلت الشيوخ ذات الصول العربّية من‬
‫النقشبندّيين في جنوبي تركيا‪.‬‬

‫ما الغاية الحقيقية والنهائية من هذه الصلة‪،‬‬ ‫أ ّ‬


‫ة الشيخ و‬
‫د على تبعي ّ ِ‬
‫إّنما هي ترويضُ المري ِ‬
‫ل ما يملك من مال وجاه وروح؛‬ ‫الستسلم ِ له بك ّ‬
‫‪341‬‬

‫ص‪،‬‬
‫ء وإخل ٍ‬
‫س وفدا ٍ‬
‫ب نف ٍ‬‫ى‪ ،‬وعن طي ِ‬
‫بكمال الّرض َ‬
‫كما سبق شرحه بالتفصيل‪.‬‬
‫***‬

‫ها‬ ‫ق ُ‬
‫ق َ‬ ‫ح ّ‬
‫ها ون َت َ َ‬‫مة اّلتي ن ُث ْب ِت ُ َ‬
‫طيات الها ّ‬ ‫مع َ‬
‫ل هذه ال ُ‬ ‫ك ّ‬
‫ي وتأثير آدابه اّلتي‬ ‫من خلل مّيزات خالد البغداد ّ‬
‫ن‬
‫كد بأ ّ‬ ‫فرضها على أتباعه‪ ،‬تقودنا إلى التأ ّ‬
‫ة‬
‫السلطة العثمانّية كانت في تلك المرحلة بحاج ٍ‬
‫ة إلى هذا الرجل الفريد في مكره ودهائه‬ ‫ح ٍ‬
‫مل ّ‬
‫ُ‬
‫وذكائه ولباقته ومرونته وحذاقته في جذب‬
‫كم في‬ ‫الناس والستيلء على عقولهم‪ ،‬والتح ّ‬
‫خا روحانّيا‬ ‫إرادتهم‪ .‬هذا الرجل اّلذي أصبح شي ً‬
‫ت آلف الناس‬ ‫ب مئا ِ‬‫ه قلو ُ‬
‫قا‪ ،‬استهوت ْ ُ‬ ‫عمل ً‬
‫ت به الضمائر‪ ،‬ومع ذلك ارتجفت من‬ ‫وتعّلق ْ‬
‫بطشه الفرائص‪ ،‬واقشعّرت من هيبته الجلود‪،‬‬
‫وافتتنت بشهرته النفوس‪ ،‬وثارت لستغلل‬
‫جاهه ومكانته الطماع‪.‬‬

‫عا في تأييد خالد‬


‫س ً‬
‫و ْ‬
‫ر السلطةُ ُ‬
‫خ ِ‬
‫ولهذا لم ت َدّ ِ‬
‫ي‪ ،‬والدعاية له‪ ،‬والقيام بنشر صيته سّرا‬ ‫البغداد ّ‬
‫وعلًنا؛ ذلك لكسب تأييده بمقابلة المثل في‬
‫إخماد الثورات اّلتي انفجرت في المناطق‬
‫الكردّية والعربّية يومئذ؛ ولتوفير المن والهدوء‬
‫في ربوع البلد‪.‬‬

‫ن هذا الموقف اّلذي قامت على أساسه‬ ‫إ ّ‬


‫العلقات بين السلطة العثمانّية وبين خالد‬
‫ي لنتشار‬ ‫ل الساس ّ‬‫عت َب َُر هو العام َ‬
‫ي‪ ،‬ي ُ ْ‬
‫البغداد ّ‬
‫الطريقة النقشبندّية الخالدّية في صفوف‬
‫عب َْر المرحلة الخيرة من العهد‬ ‫التراك والكراد َ‬
‫ي على السواء؛ واّلذي‬ ‫ي والعهد الجمهور ّ‬ ‫العثمان ّ‬
‫جعل من هذه الطائفة اليوم جمهوًرا في تركيا‪،‬‬
‫ب وقرار‬ ‫ل تقل ّ ٍ‬
‫تحسب الحكومات حسابها في ك ّ‬
‫لكسبها‪.‬‬
‫***‬
‫‪342‬‬

‫ي ومعارضوه‪.‬‬
‫* خالدُ البغداد ّ‬
‫ة‬
‫دا لقي معارض ً‬ ‫ن خال ً‬‫تفيد أخبار النقشبندّيين أ ّ‬
‫ل بارزين في العراق فور عودته‬ ‫شديدةً من رجا ٍ‬
‫ن‬
‫من الهند‪ .‬هذه المعارضة‪ ،‬على الرغم من أ ّ‬
‫النقشبندّيين يحملونها على الحسد المحض من‬
‫مان‪ ،‬كما‬
‫هؤلء الشخاص‪ ،‬لها سببان مه ّ‬
‫سنطرقهما باليجاز‪ ،‬بعد أن ُنلقي نظرة سريعة‬
‫دد بالمعارضين‬ ‫نن ّ‬‫على شيء من كلمات مَ ْ‬
‫ورماهم بالحسد؛‬

‫ي بخلع‬
‫مد الخان ّ‬‫مس عبد المجيد بن مح ّ‬‫يتح ّ‬
‫عا عنه بأسلوبه‬‫صفات الجلل على خالد مداف ً‬
‫ص وعلى سبيل التشنيع والدانة‬ ‫جع الخا ّ‬
‫المس ّ‬
‫لخصومه فيقول‪:‬‬

‫طردت سنة الله في اّلذين خلوا من قبل‪،‬‬ ‫ما ا ّ‬


‫«ل ّ‬
‫ل من تفّرد بالفضل‪ ،‬وكّلما‬ ‫دا لك ّ‬
‫سا ً‬
‫ح ّ‬‫أن يجعل ُ‬
‫د‪ ،‬كان النكار‬
‫كان الكمال والمحبوبية اللهّية أش ّ‬
‫د؛ هاج عليه بعض معاصريه ومواطنيه‬ ‫والحسد أش ّ‬
‫بالحسد والعدوان والبهتان‪ ،‬ووشوا عليه عند‬
‫حاكم كردستان بأشياء تنبو عن سماعها الذان‪،‬‬
‫‪482‬‬
‫ئ منها كّلها بشهادة البداهة والعيان»‪.‬‬ ‫وهو بر ٌ‬

‫ي بقوله‪:‬‬
‫ثم يستطرد الخان ّ‬
‫«فأّلف أحد المعروفين من المنكرين اّلذي توّلى‬
‫ت منك ًَرا من‬
‫مل ِئ َ ْ‬
‫ة ُ‬‫البهتان كبًرا وغروّرا‪ ،‬رسال ً‬
‫سعاة الفساد إلى‬ ‫القول وزوًرا‪ ،‬وأرسلها مع ُ‬
‫سعيد باشا والى بغداد‪ ،‬مّتخذين الجرأة فيها على‬
‫نكيره لتنفيره منه سبًبا‪ ،‬كبرت كلمة تخرج من‬
‫‪483‬‬
‫أفواههم‪ ،‬إن يقولون إل ّ كـذًبا»‪.‬‬
‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.231/‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪482‬‬

‫المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪483‬‬


‫‪343‬‬

‫وقه‬ ‫ي تف ّ‬ ‫هذه العبارات اّلتي استعرض فيها الخان ّ‬


‫ي‪ ،‬ل ُتنبئ عن تمام الحقيقة لذلك الحدث‪.‬‬ ‫الدب ّ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫عُرو َ‬
‫في ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حدُ ال ْ َ‬‫وإّنما الواقع‪ ،‬هو اّلذي أثاره «أ َ‬
‫ف‬
‫ي ‪) ،-‬وهو معرو ٌ‬ ‫ن» بتعبير الخان ّ‬‫ري َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫من ْك ِ ِ‬
‫ء من‬ ‫ي‪ ،‬والثاني لم نعثر على شي ٍ‬ ‫البرزنج ّ‬
‫ي‪ ،‬هو مقال ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ه(‪ .‬فالواقع اّلذي أثاره البرزنج ّ‬ ‫ر ِ‬ ‫أخبا ِ‬
‫دا حمل من‬ ‫ن خال ً‬ ‫ه‪ :‬أ ّ‬
‫د )وما جاء في خلل ِ ِ‬ ‫عن خال ٍ‬
‫ة‬
‫م ِ‬‫ه َ‬ ‫الهند إلى العراق من عادات البرا ِ‬
‫سا لطريقته فجذب‬ ‫وعقائدهم‪ ،‬فجعلها أسا ً‬
‫س بها‪(.‬‬
‫ب النا ِ‬ ‫قلو َ‬
‫ي في خالد‬ ‫يبدو من ظاهر طعن البرزنج ّ‬
‫ن السبب لهذه المعارضة‪ ،‬هو ما‬ ‫ي‪ ،‬أ ّ‬‫البغداد ّ‬
‫يقصده بقوله‪« :‬إّنه ذهب إلى الهند‪ ،‬فتعّلم من‬
‫ة ومن نصارى النجليز ديًنا ظهر‬ ‫جوك ِي ّ ِ‬ ‫السحرة ال ُ‬
‫ه في عقائد المسلمين )‬ ‫س ُ‬
‫عندهم» خشية أن يد ّ‬
‫ف‬
‫ة معرو ِ‬ ‫ي هو مخاف ُ‬ ‫ن السبب الحقيق ّ‬ ‫!( إل َ أ ّ‬
‫ح‬‫ه وشهرَته‪ ،‬فُيصب ِ َ‬ ‫ع ُ‬
‫ي من أن يخسَر أتبا َ‬ ‫البرزنج ّ‬
‫دا ينافسه بنجمه‬ ‫دا بعد أن رأى خال ً‬ ‫مهجوًرا وحي ً‬
‫اّلذي بدأ يلمع في الفاق ويتألق‪.‬‬

‫ي‬
‫ن محاولة البرزنج ّ‬ ‫من الجدير بالشارة هنا‪ ،‬أ ّ‬
‫فة جوانبها على‬ ‫في هذه المعارضة‪ ،‬تبرهن بكا ّ‬
‫ي؛‬
‫و الخلق ّ‬ ‫ه من العلم والمعرفة والسم ّ‬ ‫ة حظ ّ ِ‬
‫قلّ ِ‬
‫و على عدم كفاءته ومروءته وإخلصه‪ .‬ولكن تد ّ‬
‫ل‬
‫دا من‬
‫فا بعي ً‬‫على أّنه كان هو الخر صوفّيا متطّر ً‬
‫الفضائل والكمالت اّلتي يتمّيز بها علماء‬
‫ة في وجه الدجاجلة‬ ‫السلم من الصلب ِ‬
‫المحّرفين؛ جباًنا‪ ،‬ل يملك الجرأةَ على أهل‬
‫الهواء والبدع والفاسقين؛ جاهل ً بفنون‬
‫طعين‪.‬‬‫المجادلة وأساليب إفحام المتن ّ‬

‫سه في النهاية مضطّرا للستسلم‬ ‫لذا وجد نف َ‬


‫تحت ضغط النقشبندّيين‪ ،‬ورضي بالذّّلة والمهانة‬
‫‪344‬‬

‫ي في‬ ‫أمام زعيمهم‪ ،‬فاعتذر كما يذكره الخان ّ‬


‫حدائقه ويشرحه بحماسة ورغبة ابتهاجا بانتصار‬
‫ي عليه‪ ،‬فيقول‪:‬‬‫خالد البغداد ّ‬
‫ف بافترائه‪ ،‬وتش ّ‬
‫فع إليه )‪(...‬‬ ‫«ثم اعترف معرو ٌ‬
‫ة من أحّبائه‪ ،‬فقبل به شفاعتهم‪ ،‬وكتب‬ ‫مع جمل ٍ‬
‫صه‪»:‬‬‫له ما أوجب مسّرتهم‪ .‬ون ّ‬
‫«من العبد المسكين والفقير المستكين إلى‬
‫جناب سّيدي الجامع لشرف العلم والدب الحائز‬
‫لكرامتي الحسب والنسب‪ ،‬سيدنا ومولنا السيد‬
‫معروف‪ ،‬سامحه بفضله الكريم الرؤوف‪ .‬وبعد؛‬
‫صيتم به أخي مل ّ حسين القاضي‬ ‫فقد بلغني ما و ّ‬
‫وأمرتموه بتبليغه إلينا من حسن العبارات‬
‫ولطائف الشارات؛ ثم ما ألقيتموه مع قرة‬
‫عيني العالم العامل السيد إسماعيل من مكارم‬
‫الخلق‪ ،‬والشتياق إلى التلق‪ ،‬وإظهار السف‬
‫على ما صدر منكم في حق الفقير على سبيل‬
‫الّتفاق‪ ،‬بسعاية أرباب الغراض وأهل الشقاق؛‬
‫والعتذار عن جميع ما جرى به اليراع‪ ،‬في‬
‫رسالتكم المعهودة الناشئة عن تقليد الوشاة‬
‫طلع‪ ،‬المهّيجة عند بعض عوام‬ ‫وعن عدم ال ّ‬
‫المريدين لفرط الوحشة وشدة النـزاع‪ ،‬الحاكمة‬
‫على هذا المسكين بأمور تنبو عن استماعها‬
‫السماع؛ من استحلل المحّرم‪ ،‬والكلمات الدالة‬
‫على الكفر‪ ،‬وداعية الستيلء على البقاع‪ ،‬وغير‬
‫ذلك مما ل يليق بشأن الوغاد والرعاع‪ .‬وتفصيله‬
‫قاد وطبعكم النقاد‪ .‬و‬ ‫ل يخفى على ذهنكم الو ّ‬
‫ى من فنون المثالب‬ ‫ئ عما نسبتم إل ّ‬ ‫إني لبر ٌ‬
‫والفساد والفساد‪ .‬وأمرتم السيد المذكور أن‬
‫مة من جميع‬ ‫وك َ ً‬ ‫ُ‬
‫ة تنطق ببراءة الذ ّ‬ ‫مّني أل ُ‬‫يستكتب ِ‬
‫ما صدر وغبر وجرى به القلم بمقتضى القضاء‬
‫حا‬
‫حا لبواب الئتلف ومصبا ً‬ ‫والقدر‪ ،‬لتصير مفتا ً‬
‫ر المراء والخلف‪ .‬وبلغني من السفيرين‬ ‫جي ِ‬
‫ل ِدََيا ِ‬
‫‪345‬‬

‫تصميمكم على المساك فيما بعد أمثال ما مضى‬


‫من النـزاع والمناحرة‪ ،‬وملفاة ما فات بطيب‬
‫ب وحسن المعاشرة وتبديل المعارضة‬ ‫التحا ّ‬
‫والمنافرة بالفكاهة والمسامرة؛ فسّرتني هذه‬
‫ت الله على هذه‬ ‫الحكاية غاية المسرة؛ وحمد ُ‬
‫دل الشقاق‬ ‫ة‪ ،‬شكًرا لمن ب ّ‬ ‫النعمة مرةً بعد مر ٍ‬
‫بالّتفاق‪ ،‬وهّيأ أسباب الوصول بعد طول الفراق‪.‬‬
‫م لنا بمّنه هاتيك‬ ‫أدامنا الله على هذه النية‪ ،‬وأت ّ‬
‫المنّية؛ ثم المر بإرسال المكتوب‪ ،‬امتثلنا وهو‬
‫أحسن المطلوب‪ ،‬ونريد جوابه على أبلغ‬
‫ما البراء‪ ،‬فهو يصدر مّني ليل ً ونهاًرا‪،‬‬ ‫أسلوب‪.‬و أ ّ‬
‫ت به في المحافل جهاًرا‪ ،‬كما قرع‬ ‫وأفصح ُ‬
‫ما حب اللتآم وترك الختلف‪،‬‬ ‫سمعكم مراًرا‪.‬وأ ّ‬
‫فأمٌر َيشتاق إليه أهل النصاف‪ .‬فكيف بمن‬
‫وف ولو بالجذاف‪.‬‬ ‫دعى له قدم في طريق التص ّ‬ ‫ي ّ‬
‫ي لهذه‬‫ن السبب الصل ّ‬ ‫ول يخفى عليكم أ ّ‬
‫دد‪ ،‬وتقليد أقوال‬ ‫الوحشة إّنما هو ترك التر ّ‬
‫ح ما بلغني عنكم‪ ،‬فعليكم‬ ‫نص ّ‬ ‫الناس‪.‬فا ْ‬
‫ك‬‫دية إلى الش ّ‬ ‫بالعراض عن الكلمات المؤ ّ‬
‫ن أحوال أهل الفقر وراء العقل‪،‬‬ ‫والوسواس‪ .‬فا ّ‬
‫ن‬
‫م ُ‬‫ض َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والعلم يدرك بالقياس‪ .‬وبعد اللت َّيا والتي‪ ،‬ي َ ْ‬
‫لك هذا المسكين ‪ -‬إن ثبت قدمك‪ ،‬وما طغى‬
‫قلمك بعد اليوم ‪ -‬أن ترى نتائج ل يحمل أكثرها‬
‫السفير‪ ،‬وتزيد على حوصلة التقرير والتحرير‪.‬‬

‫ومن بعد هذا ما تدقّ صفاته * وما كتمه أحظى‬


‫ي وأجمل‪.‬‬‫لد ّ‬
‫‪484‬‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته»‪.‬‬

‫عب َْرةً لولى اللباب! نلمس‬ ‫ن في هذا الخطابِ ل َ ِ‬ ‫إ ّ‬


‫ة‬
‫من خلل مضمونه ما يمتاز به خالد من لباق ٍ‬
‫ه‬
‫مَناظُِر ُ‬
‫د ولو كان ُ‬
‫ن التفني ِ‬ ‫ة بفنو ِ‬
‫ن ومهار ٍ‬
‫و ٍ‬
‫وتل ّ‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.232-231/‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪484‬‬
‫‪346‬‬

‫عا‬
‫ق‪ .‬ونجده في انتقاء الكلمات بار ً‬ ‫على ح ّ‬
‫كا‪ُ ،‬يتقن أساليب حرب الجدال‪ ،‬ويعلن‬ ‫محن ّ ً‬
‫انتصاره بجمال التعبير‪ ،‬وكمال النطق والتقرير‪،‬‬
‫ونظام النشاء والتحرير‪ ،‬بحيث يضطّر المخاطب‬
‫ن‬‫ل من الهيبة فيعل َ‬‫ح الذ ّ‬
‫ي له جنا َ‬
‫خ َ‬ ‫أن ُير ِ‬
‫ع‪،‬‬
‫ق والواق َ‬ ‫م والخنوع أمامه‪ ،‬ويكتم الح ّ‬ ‫الستسل َ‬
‫ف بغلبته وعظمته‪.‬‬ ‫ويعتر َ‬
‫د‬
‫ل خال ٍ‬‫ي‪ .‬فتهّيب ظ ّ‬‫هذا ما وقع لمعروف البرزنج ّ‬
‫ذعر في قلبه حّتى أظهر‬ ‫ب ال ُ‬
‫واستعظمه‪ ،‬ود ّ‬
‫الندامة؛ وكأّنه لم يكن هو اّلذي طعن في خالد‬
‫بقوله‪« :‬إّنه ذهب إلى الهند‪ ،‬فتعّلم من السحرة‬
‫ة ومن نصارى النجليز ديًنا ظهر‬ ‫جوك ِي ّ ِ‬
‫ال ُ‬
‫‪485‬‬
‫عندهم»‪.‬‬
‫***‬

‫ن نتساءل‬‫وهنا يتبادر إلى الذهن بهذه المناسبة أ ْ‬


‫ن في رحلة عدٍد‬ ‫سّر الحقيقي اّلذي ي َك ْ ُ‬
‫م ُ‬ ‫عن ال ّ‬
‫من رجال الصوفّية إلى بلد الهند بما فيهم خالد‬
‫ب غير شديد‪.‬‬ ‫ي؛ وذلك لسب ٍ‬‫البغداد ّ‬
‫يقول الباحث سميح عاطف الزين في هذا‬
‫الصدد‪:‬‬

‫«ومنهم من سافر إلى بلد الهند كي يلتقي‬


‫المهرة ممن يمارسون فنون السحر؛ فيأخذ‬
‫قق له غايته‪ .‬ومن هؤلء‪ ،‬كان‬ ‫عنهم ما يح ّ‬
‫لج اّلذي سافر إلى الهند‬‫الحسين بن منصور الح ّ‬
‫أكثر من مرة‪ ،‬وقضى فيها بضع سنوات‪ ،‬حيث‬
‫تعّلم وتدّرب وعاد ُيظهر للناس ما يبهر العيون‪،‬‬
‫ويجمع التباع والمريدين‪ .‬فمن العمال اّلتي‬
‫كان يقوم بها‪ :‬إّنه كان يدخل تّنوًرا يضطرم‬
‫بالنار فيجلس في ناحية منه‪ ،‬والخباز يخبز في‬
‫ناحية أخرى‪ .‬ثم يخرج دون أن يمس جسمه النار‪.‬‬
‫راجع الهامش رقم‪.457 /‬‬ ‫‪485‬‬
‫‪347‬‬

‫مدُ قبل دخوله التّنوَر‬‫ع ِ‬


‫أما في الواقع‪ ،‬فانه كان ي َ ْ‬
‫دة الطلق اّلتي ل تؤثر فيها‬ ‫إلى دهن جسمه بما ّ‬
‫دة السبستوس المعروفة اليوم‪،‬‬ ‫النار‪ .‬وهي ما ّ‬
‫صة لرجال الطفاء‬ ‫س خا ّ‬ ‫واّلتي ُتصَنع منها الملب ُ‬
‫‪486‬‬
‫يرتدون عند مكافحة الحرائق»‪.‬‬

‫هذا ومن المور الشائعة بين الطائفة الرفاعية‬


‫صة في تركيا والعراق ‪-‬‬ ‫والجراحية والقادرية ‪ -‬خا ّ‬
‫أّنهم يقومون بطعن السياخ من الحديد في‬
‫مختلف البقاع من أجسامهم؛ يدخل السيخ مثل ً‬
‫ز وهو‬‫ج ِ‬
‫ع ُ‬
‫في ناحية من البطن‪ ،‬ويخرج من ال َ‬
‫يرقص في حالة من الستغراق‪.‬‬

‫رضون‬ ‫كذلك يدخلون النار فل تحرقهم‪ ،‬ويق ِ‬


‫ج فيسحقونه بأسنانهم ثم يبتلعونه على‬ ‫الزجا َ‬
‫ة‬
‫رؤوس الشهاد‪ .‬وهذه الستعراضات كثير ُ‬
‫ع‪ ،‬يشهدها جماهيُر من الناس اّلذين‬ ‫الوقو ِ‬
‫ة‪ ،‬واستفهام ٍ‬ ‫ن شاخص ٍ‬ ‫يحضرون حفلتهم بعيو ٍ‬
‫دا‪ ،‬ول لمشكلِتهم‬ ‫في أذهانهم‪ ،‬ل يجدون له ر ّ‬
‫ت‪ ،‬ويحسب بعضهم‬ ‫ن غالبهم أّنها كراما ٌ‬ ‫ل‪ .‬فيظ ّ‬ ‫ح ّ‬
‫أنها أشكال من السحر‪ .‬والحقيقة أنها ليست من‬
‫ء ول هي معدودة من السحر؛‬ ‫الكرامة في شي ٍ‬
‫ة‬
‫ت يوغي ٍ‬ ‫ة رياضا ٍ‬ ‫ة نتيج َ‬‫ع مكتسب ٌ‬‫وإنما هي طبائ ُ‬
‫مل ثقلها‬ ‫ل من يتح ّ‬ ‫ة من تقاليد الهنود‪ ،‬ق ّ‬ ‫شاق ٍ‬
‫وآلمها والحرمان اّلذي يعرض له جسمه‪.‬‬
‫يمارسونها مدة طويلة حّتى يصـلون إلى هذا‬
‫الحـدّ من قوة التحكم في الجهـزة الدقيقة من‬
‫البنية البشرية ووظائفها؛ وهي حالة خطيرة‬
‫ي ‪ Concentration Physiologic‬أي‬ ‫مى بالتعبير العلم ّ‬ ‫تسـ ّ‬
‫كز الفزيولوجي»‬ ‫«التر ّ‬

‫ي‪،‬‬
‫ة البرزنج ّ‬
‫ث معارض ِ‬‫ج من بح ِ‬
‫ن نخر َ‬
‫وقبل أ ْ‬
‫ل إلى المهاجمة والردود‬‫ينبغي أن نتطّرق بإجما ٍ‬

‫سميح عاطف الزين‪ ،‬الصوفّية في نظر السلم ص‪.158 ،157 /‬‬ ‫‪486‬‬
‫‪348‬‬

‫اّلتي تعّرض لها في مقابلة عتابه على خالد‬


‫ي قبل أن يتصالح معه‪.‬‬
‫البغداد ّ‬
‫ي‪:‬‬
‫ي عباس العّزاو ّ‬
‫يقول الباحث العراق ّ‬
‫ي )وهو‬ ‫ي البرزنج ّ‬
‫فا النوده ّ‬‫ن الشيخ معرو ً‬ ‫«إ ّ‬
‫مد بن الشيخ مصطفى‪ (.‬فقد‬ ‫لمة الشيخ مح ّ‬ ‫الع ّ‬
‫د‬
‫نظم رسالة بعنوان‪ :‬تحرير الخطاب في الر ّ‬
‫ذاب‪ .‬وأرسلها في سنة ‪ 1228‬هـ‪/.‬‬ ‫على خالد الك ّ‬
‫م‬
‫‪1813‬م‪ .‬إلى الوزير سعيد باشا والي بغداد في ذ ّ‬
‫الشيخ خالد‪ ،‬ولم يكتف بذلك حّتى أسند إليه‬
‫فا كثيٌر من الهلّيين‬ ‫الكفر‪ .‬وناصر الشيخ معرو ً‬
‫جة‬
‫في السليمانية‪ .‬كانوا يعتقدون بسادات ب َْرَزن ْ َ‬
‫وطريقتهم )قادرية(؛ فثقل عليهم أمر الشيخ‬
‫‪487‬‬
‫خالد؛ وحاولوا إخمادَ شهرته فلم يفلحوا»‪.‬‬

‫يمكن اختصار ما جاء بعد هذا المقطع ضمن كلم‬


‫ت‬‫ن تلك المعارضة لقي ْ‬ ‫ي في هذا الصدد‪ :‬أ ّ‬ ‫العّزاو ّ‬
‫فا من بطانة خالد ومناصريه بما فيهم‬ ‫دا عني ً‬
‫ر ّ‬
‫دى‬ ‫والى بغداد سعيد باشا بن سليمان باشا؛ فتص ّ‬
‫مد أمين‬
‫ل من الشيخ مح ّ‬ ‫يك ّ‬
‫للردّ على البرزنج ّ‬
‫ي‪ ،‬مفتي الحّلة؛ والشيخ‬ ‫مد صالح الطبقجل ّ‬ ‫بن مح ّ‬
‫ي؛‬
‫ي؛ والشيخ عبيد الله الحيدر ّ‬ ‫يحيى المزور ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫مد أمين السويد ّ‬ ‫والشيخ مح ّ‬
‫مد صالح‬ ‫مد أمين بن مح ّ‬‫ما الشيخ مح ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ي بعجالة‬‫ي‪ ،‬فإّنه ردّ على البرزنج ّ‬
‫الطبقجل ّ‬
‫مي بتحرير‬‫س ّ‬‫ماها «القول الصواب‪ ،‬بردّ ما ُ‬ ‫س ّ‬
‫الخطاب»؛‬

‫ما الشيخ يحيى المزوريّ‪ ،‬فرسائله اّلتي نصح‬ ‫وأ ّ‬


‫مها كتاب‬
‫ي وهي سبعة رسائل‪ ،‬يض ّ‬ ‫فيها البرزنج ّ‬
‫‪488‬‬
‫مد أسعد الصاحب‪،‬‬ ‫للشيخ مح ّ‬ ‫«بغية الواجد»‬
‫ي‪.‬‬
‫ه خالد البغداد ّ‬
‫م ِ‬
‫ع ّ‬
‫جمع فيه مكتوبات َ‬
‫ي العدد الول ص‪ (.710 /‬بغداد‪1973-‬م‪.‬‬
‫ي )مجلة المجمع العلمي الكرد ّ‬
‫ي‪ ،‬مولنا خالد النقشبند ّ‬
‫عباس العّزاو ّ‬ ‫‪487‬‬
‫‪349‬‬

‫ع عليه من‬ ‫ق ٌ‬ ‫و ّ‬‫م َ‬


‫ك» ُ‬‫ومن جملة هذه الردود «ص ّ‬
‫مللي السليمانية اّلذين كانوا تحت تأثير خالد‬
‫ي بحكم الجوار‪ .‬يفخر النقشبندّيون بهذا‬ ‫البغداد ّ‬
‫د‬
‫ك على لسان ناقله إذ يقول بعد ما يع ّ‬ ‫الص ّ‬
‫أسماءَ هؤلء الخواجوات المتواطئين على‬
‫إصداره بتوقيعاتهم «هم من العلماء الفاضل‬
‫ك المذكور‪:‬‬ ‫والسادات الماثل‪ .‬ومضمون الص ّ‬
‫ط على‬ ‫الثناء على حضرة مولنا خالد‪ ،‬والح ّ‬
‫رسالة الشيخ معروف وتكذيبها؛ مع أن أغلب‬
‫ك‬‫ما الص ّ‬ ‫عمه»‪َ 489‬‬
‫أ ّ‬ ‫العلماء المذكورين أبناء َ ّ ِ‬
‫ه‬‫ص ِ‬
‫المذكور‪ ،‬فقد أورده أسعد الصاحب بكامل ن َ ّ‬
‫ه‪« :‬بغية الواجد»‪ ،‬بعد هذا التوضيح‬ ‫في ك َِتاب ِ ِ‬
‫وله «الحمد لله اّلذي أراح الفقراء مع‬ ‫ة‪ .‬أ ّ‬ ‫مباشر ً‬
‫كثرة تعّرض الظالمين‪»...‬‬

‫د‬
‫ي للّر ّ‬‫مد أمين السويد ّ‬ ‫دى الشيخ مح ّ‬ ‫كذلك تص ّ‬
‫ة كان قد كتبها الحاج أبو سعيد عثمان‬ ‫على رسال ٍ‬
‫ي بعنوان «دين الله‬ ‫بك بن سليمان باشا الجليل ّ‬
‫ح‬
‫شَر َ‬‫ل منكر مبتدع كاذب»‪ .‬كان َ‬ ‫الغالب على ك ّ‬
‫ة «تحرير الخطاب» للشيخ معروف‬ ‫بها رسال َ‬
‫ي بكتابه اّلذي س ّ‬
‫ماه‬ ‫ي؛ ردّ عليهما السويد ّ‬ ‫البرزنج ّ‬
‫ض هذا‬ ‫عْر ِ‬ ‫تارةً «دفع الظلوم عن الوقوع في ِ‬
‫مى القول‬ ‫المظلوم»؛ ثم قال «ويناسب أن يس ّ‬
‫مي بتحرير الخطاب»؛ ثم‬ ‫س ّ‬
‫الصواب في ردّ ما ُ‬
‫مى السهم الصائب لمن‬ ‫قال «والنسب أن يس ّ‬
‫‪490‬‬
‫مى الصالح بالمبتدع الكاذب»‬ ‫س ّ‬
‫ي‬
‫مد أمين السويد ّ‬ ‫ة مح ّ‬ ‫نقل أسعدُ الصاحب ترجم َ‬
‫ل قد قام‬‫ضا َ‬
‫ف َ‬ ‫هب ِذَ ال ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن هذا ال ْ ِ‬
‫ج ْ‬ ‫وامتدحه بقوله «إ ّ‬
‫في النتصار لحضرة مولنا العم حق القيام؛‬
‫مد أسعد الصاحب‪ ،‬بغية الواجد في مكتوبات حضرة مولنا خالد ص‪ .284-261/‬مطبعة الترقي‪ ،‬دمشق‪-‬‬
‫مح ّ‬ ‫‪488‬‬
‫قَبل دار الدعوة‪ ،‬قزلتبه‪ ،‬ماردين‪1985 -‬م‪.‬‬
‫سخ من ِ‬
‫‪ 1334‬هـ؛ مستن َ‬

‫المصدر السابق ص‪.213 /‬‬ ‫‪489‬‬

‫ي العدد الول ص‪ (.712 /‬بغداد‪1973-‬م‪.‬‬


‫ي )مجلة المجمع العلمي الكرد ّ‬
‫ي‪ ،‬مولنا خالد النقشبند ّ‬
‫عباس العّزاو ّ‬ ‫‪490‬‬
‫‪350‬‬

‫ن أذكَر ُنبذةً من ترجمته أداءً بحق‬ ‫يأ ْ‬‫يتحّتم عل ّ‬


‫ن الشيخ أسعد هذا‪ ،‬لم يملك‬ ‫خدمته»‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫‪491‬‬

‫ي‬
‫نفسه في الوقت ذاته من مهاجمة الجليل ّ‬
‫ل العلم‪،‬‬ ‫بلهجة قاسية يتحاشى من أمثالها أه ُ‬
‫طلع العلماء‬ ‫فقال في ثنايا عباراته «فلما ا ّ‬
‫العلم‪ ،‬في العراق والشام‪ ،‬على تحاملهم على‬
‫دهم على‬ ‫ت تترى ردو ُ‬ ‫هذا القطب الكامل‪ ،‬طفق ْ‬
‫رسالة الشيخ معروف وشرحها الشنيع اّلذي‬
‫ه يوم‬‫ه ُ‬ ‫ود الله وج َ‬ ‫ي‪ ،‬س ّ‬ ‫ده عثمان بك الجليل ّ‬ ‫و َ‬‫س ّ‬
‫‪492‬‬
‫س من هذا‬ ‫نستح ّ‬ ‫ه» ‪.‬‬
‫ض وجو ٌ‬‫تسودّ وجوهٌ وتبي ّ‬
‫الغيظ اّلذي يفور من كلمات الشيخ أسعد‬
‫ي قد‬ ‫الصاحب‪ ،‬أن يكون الشيخ عثمان الجليل ّ‬
‫ل على يد النقشبندّيين أثناء فتنة وقعت في‬ ‫ُ‬
‫قت ِ َ‬
‫الموصل عام ‪1829‬م‪ .‬والله أعلم بالصواب‪.‬‬

‫ن النـزاع اّلذي اندلعت نيران ُ ُ‬


‫ه‬ ‫ي تقدير‪ ،‬فا ّ‬ ‫وعلى أ ّ‬
‫م ‪ -‬بعد انتشار‬ ‫ه ْ‬
‫ضي ِ‬‫ر ِ‬‫عا ِ‬
‫م َ‬‫بين النقشبندّيين و ُ‬
‫نشاطاتهم في الشرق الوسط ‪ ،-‬يبدو مدى‬
‫ه أسعد‬ ‫جل َ ُ‬
‫ه بمجّرد ما قد س ّ‬ ‫ق خطورت ِ‬ ‫نطا ِ‬
‫ما كتبه قدماء الفرقة‬ ‫الصاحب فحسب‪ ،‬فضل ً ع ّ‬
‫الخالدّية وما تناقله الناس من أخبار هذا النـزاع؛‬
‫َ‬
‫ب الشعواءُ من‬ ‫ه تلك الحر ُ‬ ‫ما أَثاَرت ْ ُ‬ ‫م ّ‬
‫كما يظهر ِ‬
‫ل ودهشة وشغب في أوساط المجتمع يومئذ‪.‬‬ ‫هو ٍ‬
‫م أحداث هذه الحرب وأخطرها‪ ،‬قيام‬ ‫ومن أه ّ‬
‫النقشبندّيين بإحراق الكتب والرسائل اّلتي‬
‫ب بعنوان‬‫ت للّردّ عليهم‪ .‬من جملتها كتا ٌ‬ ‫أُ ِ‬
‫عدّ ْ‬
‫«البدور الجلية في الردّ على النقشبندّية» أّلفه‬
‫ي‪.‬‬
‫الشيخ محمود بن الشيخ عبد الجليل الموصل ّ‬
‫خ هذا الكتاب بتمامها إل ّ ثنتان‬ ‫س ُ‬ ‫فقد اختفت ن ُ َ‬
‫ت من بطشهم‪ .‬قيل نسخة منها بحوزة‬ ‫منها نج ْ‬
‫ما‬‫ي‪ ،‬فلم نتعّرف عليه؛ أ ّ‬ ‫الشيخ جميل الطالقان ّ‬
‫دمشق‪1334-‬‬ ‫مد أسعد الصاحب‪ ،‬بغية الواجد في مكتوبات حضرة مولنا خالد ص‪ .292 /‬مطبعة الترقي‪،‬‬
‫مح ّ‬ ‫‪491‬‬
‫قَبل دار الدعوة‪ ،‬قزلتبه‪ ،‬ماردين‪1985-‬م‪.‬‬
‫سخ من ِ‬
‫هـ؛ مستن َ‬

‫المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪492‬‬


‫‪351‬‬

‫النسخة الثانية فإنها في قرية «بريفكان»‬


‫بالمنطقة الكردّية من العراق‪ ،‬وليس الوصول‬
‫إلى هذه المنطقة من المور السهلة كما هو‬
‫معلوم!‬

‫محاولة إفحام ِ النقشبندّيين‬


‫ُ‬ ‫هذا‪ ،‬فلم تقتصر‬
‫ط أعمالهم في الساحة العراقّية فحسب‪،‬‬ ‫وإحبا ِ‬
‫ة من أرض‬ ‫ع مختلف ٍ‬‫دى لهم آخرون في بقا ٍ‬ ‫بل تص ّ‬
‫ي‬
‫ديق حسن خان القنوج ّ‬ ‫مد ص ّ‬
‫السلم‪ .‬منهم مح ّ‬
‫دى‬‫ي أمير مملكة بهوبال في الهند‪ .‬تص ّ‬ ‫خار ّ‬ ‫الب ُ َ‬
‫مد أسعد الصاحب في كتابه «نور‬ ‫للّرد عليه مح ّ‬
‫‪493‬‬
‫جه‬
‫الهداية والعرفان في سّر الّرابطة والتو ّ‬
‫ن» قال في أوائله‪:‬‬ ‫ج َ‬
‫گا ْ‬ ‫وا َ‬
‫خ َ‬
‫وختم ال ُ‬

‫مى بالتاج المكّلل‬ ‫ت على التاريخ المس ّ‬ ‫«وقف ُ‬


‫ديق حسن خان(‬ ‫تأليف الفاضل المشهور )ص ّ‬
‫ت فيه‬ ‫واب بهوبال؛ فرأي ُ‬ ‫ين ّ‬
‫ي القنوج ّ‬‫خار ّ‬ ‫الب ُ َ‬
‫دا عليه من الديب الفاضل السّيد‬ ‫سؤال ً وار ً‬
‫سر‬
‫جة المف ّ‬ ‫لمة الكبير والح ّ‬‫نعمان بن المام الع ّ‬
‫الشهير السّيد محمود اللوسي مفتي بغداد‪ ،‬عن‬
‫الّرابطة الشريفة اّلتي تستعملها ساداتنا الئمة‬
‫خص‬ ‫النقشبندّية زبدة القادة الصوفّية )‪ .(...‬ومل ّ‬
‫ذلك السؤال‪ :‬ما قولكم في حكم الّرابطة‬
‫المستعملة عند أصحاب الطريقة النقشبندّية‬
‫سّنة والكتاب‪ ،‬أم هي‬ ‫)‪(...‬؛ وهل لها أصل من ال ّ‬
‫اختراع واجتهاد؟ فان كان لها أصل فما هو؟ وإل ّ‬
‫ور‬‫فهل ذلك شرك أصغر وتضليل؟ لّنها تص ّ‬
‫ور‬‫المريد شيخه الغائب؛ وكّلما ذكر الله تص ّ‬
‫صورته في سويداه‪ .‬أم ليس في ذلك بأس‪ ،‬حيث‬
‫جه‪ :‬شكل من طقوس النقشبندّية‪ .‬يتم إجراؤه في ليالي الجمعة بعد صلة العشاء في القرى اّلتي‬
‫التو ّ‬ ‫‪493‬‬
‫ور قد يتعّرضون بسببه لتحقيقات أمنية‪ .‬ذلك‬
‫تسكنها المنتسبون إلى هذه الفرقة دون المدن؛ حذًرا من أي تط ّ‬
‫ل بين صفوف المريدين‪ ،‬وكأّنه يتباحث عما في قلوبهم وُيلقي‬
‫جوا ٍ‬
‫ن شيخ الطائفة يقوم أثناء هذه الحفلة بت َ ْ‬
‫ل ّ‬
‫عليهم من روحانيته‪ .‬فيتأثر المريدون عند اقترابه منهم لشده اعتقادهم به؛ وأحياًنا يجيش عواطف الكثير منهم؛‬

‫ول الوسط إلى‬


‫فتنطلق من حناجرهم أصوات غريبة‪ ،‬وترتعش معها أبدانهم؛ فيختل بذلك الهدوء والسكينة‪ ،‬ويتح ّ‬
‫معترك من الضطراب والجلبة‪.‬‬
‫‪352‬‬

‫قال بها جمع من الواخر؟ وهل يعارض ما‬


‫َ‬
‫م‪ ،‬ورأى‬ ‫ف عند ما ه ّ‬
‫ة يوس َ‬ ‫استدّلوا به من ق ّ‬
‫ص ِ‬
‫يعقوب عليهما السلم )‪ .(...‬فأميطوا عّنا غبار‬
‫الش ّ‬
‫ك والترديد‪ .‬إلخ»‪.‬‬

‫جاءت هذه العبارات في كتاب «التاج المكّلل»‬


‫ض ألفاظها عما نقله أسعد‬ ‫بصيغة تختلف بع ُ‬
‫صها‬
‫فا؛ وهذه ن ّ‬‫الصاحب في السطور المذكورة آن ً‬
‫ديق بن‬‫ذات وهو ص ّ‬ ‫على لسان مؤلف «التاج» بال ّ‬
‫ي‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ي القنوج ّ‬‫خار ّ‬
‫حسن خان الب ُ َ‬

‫صه‪ :‬ما‬ ‫«ومما كتبه إلينا صاحب الترجمة هذه ما ن ّ‬


‫واب‬ ‫يقول مولنا المير السيد النحرير الن ّ‬
‫سر الشهير مقتدى العاظم ومن ل تأخذه‬ ‫المف ّ‬
‫في الله لومة لئم مّتع الله سبحانه المسلمين‬
‫بطول بقائه‪ ،‬وقمع به البدع‪ ،‬وأناله في الدارين‬
‫مناه‪ ،‬في حكم الّرابطة المستعملة عند أصحاب‬
‫الطريقة النقشبندّية ‪ -‬أفاض الله عز شأنه علينا‬
‫ي من‬ ‫من علومهم المرضية ‪ -‬وهل لها أصل قو ّ‬
‫سّنة‪ ،‬أم هي اختراع واجتهاد من بعض‬ ‫الكتاب وال ّ‬
‫ذوي اللباب؟ فان كان لها أصل‪ ،‬فما ذلك عند‬
‫ل‪ ،‬وإن لم يكن لها دليل‪ ،‬فهل‬ ‫أرباب العقد والح ّ‬
‫في ذلك شرك أصغر و تضليل؟ لنها كما هو‬
‫المشهور‪ :‬تصوير المريد شيخه الغائب وكأنه في‬
‫ور صورة شيخه في‬ ‫الحضور‪ ،‬وكّلما ذكر الله تص ّ‬
‫سويداه‪ ،‬أم ليس في ذلك بأس لدى الكابر؟‬
‫حيث قال بها جمع من الواخر؛ وهل يعارض ما‬
‫م‪،‬‬ ‫صة يوسف ‪ - ‬عند ما ه ّ‬ ‫استدّلوا به من ق ّ‬
‫ي النبيل؟ قوله ‪ :‬أعبد الله‬ ‫ورأى يعقوب النب ّ‬
‫غباَر‬‫كأنك تراه‪ ،‬الحديث الطويل‪ .‬فأميطوا عّنا ُ‬
‫ك والترديد بأبين جواب‪ ،‬ومّيزوا الخطأ عن‬ ‫الش ّ‬
‫ل من الوافين‬ ‫الصواب‪ ،‬فإنكم من فضله عّز وج ّ‬
‫بالعهد والميثاق لتبيين الكتاب‪ ،‬جعلكم الله‬
‫حدين حصًنا حصيًنا‪،‬‬ ‫فة المو ّ‬‫للسلفّيين وكا ّ‬
‫‪353‬‬

‫وأنالكم وسائر العلماء مزيد الثواب آمين‪ .‬سنة‬


‫‪ 1198‬هـ‪ .‬شعبان»‬
‫ه ‪ -‬عافاه الله وعن المكاره وقاه ‪ -‬مرتجل ً‬ ‫«فأجبت ُ ُ‬
‫ما مسألة المرابطة‪ ،‬فل يخفى‬ ‫بما هذا لفظه‪ :‬أ ّ‬
‫كرة‪ .‬وقد‬ ‫على شريف علمكم أّنها من البدع المن َ‬
‫دث‬ ‫ي الله المح ّ‬ ‫صّرح بالنهي عنها الشيخ أحمد ول ّ‬
‫ي إمام هذه الطبقة وزعيمها‪ ،‬ومسند‬ ‫الدهلو ّ‬
‫مدّية‬ ‫ّ‬
‫وقته ومجدِّد عصره وفرد الملة المح ّ‬
‫وحكيمها في كتابه )القول الجميل في بيان‬
‫سواء السبيل(‪ ،‬وهذه عبارته‪ :‬قالوا والركن‬
‫العظم‪ ،‬ربط القلب بالشيخ على وصف المحّبة‬
‫ه تعالى‬ ‫ن لل ِ‬‫ت‪ :‬إ ّ‬ ‫والتعظيم‪ ،‬وملحظة صورته‪ .‬قل ُ‬
‫ة؛ فما من عابد ـ غبّيا كان أو ذكّيا ـ‬ ‫مظاهَر كثير ً‬
‫دا له في‬ ‫إل ّ وقد ظهر بحذائه شيء صار معبو ً‬
‫سّر نزل الشرع باستقبال القبلة‬ ‫مرتبته‪ .‬ولهذا ال ّ‬
‫والستواء على العرش‪ .‬وقال رسول الله ‪ :‬إذا‬
‫صّلى أحدكم فل يبصق قبل وجهه‪ .‬فان الله بينه‬
‫ء‪ ،‬فقال‪ :‬أين‬ ‫ة سودا َ‬‫وبين قبلته‪ .‬وسأل جاري ً‬
‫الله؟ فأشارت إلى السماء‪) .‬الحديث(‪ .‬فل عليك‬
‫جه إل ّ إلى الله‪ ،‬ول تربط قلبك إل ّ به‬ ‫أن ل تتو ّ‬
‫ور اّلذي‬ ‫ور الن ّ‬‫جه إلى العرش‪ ،‬وتص ّ‬ ‫ولو بالتو ّ‬
‫وضعه عليه‪- .‬وهو أزهر اللون كمثل نور القمر‪،-‬‬
‫أو بالتوجه إلى القبلة‪ :‬كما أشار إليه النبي ‪،‬‬
‫فيكون كالمراقبة لهذا الحديث»‬

‫مد إسماعيل الشهيد‬ ‫«وقد أفاد الشيخ العلمة مح ّ‬


‫ي في كتابه «الصراط المستقيم»‬ ‫الدهلو ّ‬
‫نل‬ ‫ن هذه الّرابطة من الشرك بمكا ٍ‬ ‫بالفارسّية‪ :‬أ ّ‬
‫يخفى على من له أدنى إلمام بعلوم الكتاب‬
‫والسّنة‪ .‬وأقول‪ :‬ما لنا ولقلبنا‪ ،‬وربطه بالشيخ‬
‫ن كان‪ ،‬وإنما ت ُْرب َ ُ‬
‫ط قلوب العباد إلى‬ ‫م ْ‬
‫كائًنا َ‬
‫بارئها‪) .‬أل بذكر الله تطمئن القلوب(‪ .‬وبالجملة‪،‬‬
‫ن فاه بها جمع من المشائخ‬ ‫هذه المسألة وإ ْ‬
‫‪354‬‬

‫ما وحديًثا‪ ،‬فهي من البدع بل مرية‪ ،‬وحكمها‬ ‫قدي ً‬


‫حكم سائر البدع وسائر الشياء اّلتي أحدثها‬
‫وفة من غير أساس على دليل من كتاب‬ ‫المتص ّ‬
‫وسنة‪ .‬ويكفي في ردّ مثل هذه البدعة قوله ‪‬‬
‫ل أمر ليس عليه أمرنا‬ ‫المستفيض المشهور‪ :‬ك ّ‬
‫ل ضللة في‬ ‫ل بدعة ضللة وك ّ‬
‫د‪ .‬وك ّ‬‫فهو ر ّ‬
‫‪494‬‬
‫النار‪.».‬‬

‫ن هذه العبارات التي‬ ‫ر‪ ،‬أ ّ‬ ‫ذك ِ‬ ‫من الجدير بال ّ‬


‫ن بن الحسن‬ ‫ديق خا ْ‬ ‫مد ص ّ‬ ‫اقتبسها السّيد مح ّ‬
‫مى )القول‬ ‫القنوجي البخاري‪ ،‬من الكتاب المس ّ‬
‫شيخ أحمد بن‬ ‫الجميل في بيان سواء السبيل(‪ ،‬لل ّ‬
‫م‬
‫عبد الرحيم )شاه ولي الله الدهلوي(‪ ،‬قد ت ّ‬
‫ر في طبعه اّلذي‬ ‫ما من الكتاب المذكو ِ‬ ‫فها تما ً‬ ‫حذ ُ‬
‫مد صالح بن أحمد‬ ‫ه مح ّ‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬‫ف اِ ْ‬ ‫مت ُطَّر ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫أعدّهُ َرج ٌ‬
‫ف فحسب‪ ،‬بل‬ ‫ف الّرجل بالحذ ِ‬ ‫الغرسي؛ ولم يكت ِ‬
‫عا‪ .‬وقد استبدل‬ ‫شني ً‬ ‫فا َ‬ ‫ب تحري ً‬ ‫ف الكتا َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬‫ت ل َ يجوُز أن َيكو َ‬ ‫العبارات المذكورةَ بكلما ٍ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫سو ُ‬ ‫فن َ ُ‬ ‫دا‪َ .‬‬
‫ها أب َ ً‬‫قد قال َ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ه الدهلو ّ‬ ‫ي الل ِ‬ ‫شاهُ ول ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬ ‫ك اللفا َ‬ ‫ن تل َ‬ ‫َ‬ ‫لَ َ‬
‫ى لسا ِ‬ ‫ة عل َ‬ ‫ظ الموضوع َ‬ ‫ك ال َ‬
‫ة ما‬ ‫ي ِلتتأك ّدَ من خطور ِ‬ ‫ه الدهلو ّ‬ ‫ي الل ِ‬ ‫شاهُ ول ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ى‬
‫ن عل َ‬ ‫ب والبهتا ِ‬ ‫ذ ِ‬‫ن من الك ِ‬ ‫يقترفه الّنقشبندّيو َ‬
‫ء‪.‬‬
‫العلما ِ‬

‫ة‬
‫ن بعد المائ ِ ِ‬
‫ة الحادية والثماني َ‬ ‫صفح ِ‬ ‫ت في ال ّ‬ ‫وَردَ ْ‬
‫َ‬
‫ى‪:‬‬
‫م ّ‬
‫ة من الكتاب المس ّ‬ ‫حّر َ‬
‫ف ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ْ‬
‫في النسخة ال ُ‬
‫ظ‪،‬‬‫سبيل(‪ ،‬أْلفا ٌ‬ ‫ء ال ّ‬
‫ن سوا ِ‬
‫)القول الجميل في بيا ِ‬
‫ها حرفّيا‪:‬‬ ‫ص ّ‬
‫وهذه ن ّ‬
‫«وثالثها الّرابطة بشيخه‪ :‬وشرطها أن يكون‬
‫جه‪ ،‬دائم )الياد داشت(‪ ،‬فإذا‬‫ي التو ّ‬
‫الشيخ قو ّ‬
‫ء إل ّ محّبته‪،‬‬ ‫صحبه خلى نفسه عن ك ّ‬
‫ل شي ٍ‬
‫ي‪ ،‬التاج المكّلل من جواهر مآثر الطراز‬
‫ي القنوج ّ‬
‫خار ّ‬
‫صديق بن الحسن بن علي بن لطف الله الحسيني الب ُ َ‬ ‫‪494‬‬
‫مد أسعد الصاحب‪ ،‬نور الهداية والعرفان في‬
‫ول ص‪ .522-521 /‬مكتبة دار السلم‪ ،‬الرياض‪1995 -‬م‪.‬؛ مح ّ‬
‫الخر وال ّ‬
‫ن‪ ،‬ص‪ .3/‬المطبعة العلمّية القاهرة‪ .1311-‬هـ‪.‬؛‬ ‫ج َ‬
‫گا ْ‬ ‫وا َ‬
‫خ َ‬
‫جه وختم ال ُ‬
‫سّر الّرابطة والتو ّ‬
‫‪355‬‬

‫وينظر لما يفيض منه‪ .‬ويغمض عينيه أو‬


‫يفتحهما‪ ،‬وينظر عيني الشيخ‪ ،‬فإذا أفاض شيءٌ‬
‫ه‪ .‬وإذا غاب‬ ‫فليتبعه بمجامع قلبه وليحافظ علي ِ‬
‫ه بوصف‬ ‫عنه الشيخ‪ ،‬يخّيل صورته بين عيني ِ‬
‫م‪ ،‬فتفيد صورته ما تفيد‬ ‫والتعظي ِ‬ ‫ة‬‫المحب ّ ِ‬
‫ن ال ْ ُ‬
‫‪495‬‬
‫مد صالح بن أحمد‬ ‫ف )مح ّ‬ ‫حّر َ‬ ‫م ِ‬ ‫إ ّ‬ ‫صحبته‪».‬‬
‫كان مدينة قونيا في تركيا(‪،‬‬ ‫الغرسي‪ ،‬وهو من س ّ‬
‫ة‪،‬‬‫لم يقف عند هذا الحدّ في محاولته التحريفي ّ ِ‬
‫ب‬‫م ك َِتا ِ‬‫س َ‬‫حّرف ا ْ‬ ‫ف َ‬‫ؤا َ‬ ‫دا وتجّر ً‬ ‫بل ازداد تمّر ً‬
‫صدََر‬‫«القول الجميل في بيان سواء السبيل»‪ ،‬فأ ْ‬
‫ماه‪« :‬الفكر‬ ‫ق‪ ،‬س ّ‬ ‫م ْ َ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫خت َل ٍ‬ ‫ب بعنوان جديد ُ‬
‫ي وما‬‫دهلو ّ‬ ‫ي الله ال ّ‬ ‫ي عند المام ول ّ‬ ‫م ّ‬
‫السل ِ‬
‫س‬‫ابتكره من العمل النموزجي»‪ .‬ويبدو أّنه أح ّ‬
‫ج َ‬
‫ل‬ ‫بضرورة الحذر من أن يفتضح أمره‪ ،‬عاد فس ّ‬
‫ب‪« :‬يحتوي على ما‬ ‫ي للكتا ِ‬ ‫على الغلف الداخل ّ‬
‫يلي‪ :‬القول الجميل في بيان سواء السبيل‬
‫للمام الدهلوي»‪.‬‬

‫ة من‬‫ة بين ُنسخ ٍ‬ ‫قارن ِ‬ ‫م َ‬‫ة أثناءَ ال ْ ُ‬ ‫أث ْب َت َْنا هذه الحقيق َ‬
‫مكّلل(‪ ،‬فوجدنا‬ ‫)القول الجميل( وبين )التاج ال ُ‬
‫ؤل ّ َ‬
‫ف‬ ‫م َ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ما‪ .‬إذْ أ ّ‬ ‫فا تما ً‬ ‫حّر ً‬ ‫م َ‬‫س ُ‬ ‫مقت َب َ َ‬ ‫ع ال ُ‬‫المقط َ‬
‫ك‪،‬‬ ‫شْر ِ‬ ‫ها من علمات ال ّ‬ ‫عدّ َ‬
‫م الّرابطة و َ‬ ‫الذي ذَ ّ‬
‫ها‪ .‬إّنه‬ ‫ح َ‬‫مدَ َ‬ ‫ف َ‬‫ك َ‬ ‫قدْ عادَ بعد ذل َ‬ ‫ن َ‬‫ن َيكو َ‬ ‫عدُ أ ْ‬ ‫ست َب ْ َ‬
‫يُ ْ‬
‫ة‬
‫طوَر ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ول ِ ُ‬‫أمٌر ل يستقيم مع العقل السليم‪َ .‬‬
‫ة‬
‫ب الحيط ِ‬ ‫ء أن يلتزموا جان َ‬ ‫ر‪ ،‬يجب على القّرا ِ‬ ‫الم ِ‬
‫ة اّلتي تول ّ َ‬
‫ى‬ ‫ف ِ‬‫حّر َ‬ ‫م َ‬‫ة ال ُ‬ ‫ة هذه النسخ ِ‬ ‫في مطالع ِ‬
‫مد صالح بن أحمد الغرسي ِبالتعاون‬ ‫ها مح ّ‬ ‫ع َ‬‫طب َ‬
‫س من التراك في مدينة قونيا‬ ‫ض النا ِ‬ ‫مع َبع ِ‬
‫التركّية حديًثا‪.‬‬

‫مد أسعد الصاحب كلمات الشاه‬ ‫لقد اقتبس مح ّ‬


‫ة بمسألة )الّرابطة(‬
‫ق ِ‬ ‫ّ‬
‫عل َ‬‫مت ُ َ‬ ‫ْ‬
‫ي ال ُ‬
‫دهلو ّ‬‫ولي الله ال ّ‬
‫ي‪،‬‬
‫دهلو ّ‬
‫ي الله ال ّ‬ ‫سبيل‪ ،‬لل ّ‬
‫شاه ول ّ‬ ‫مى القول الجميل في بيان سواء ال ّ‬
‫ة من الكتاب المس ّ‬ ‫حّر َ‬
‫ف ُ‬ ‫م َ‬
‫‪ 495‬النسخة ال ُ‬
‫ن‬ ‫مد صالح بن أحمد الغرسي‪ .‬قد طُب ِ َ‬
‫ع هذا الكتاب في مدينة قونيا التركّية بتاريخ‪15/10/2001 :‬م‪ ،.‬إل ّ أ ّ‬ ‫إعداد‪ :‬مح ّ‬
‫اسم المطبعة واسم دار النشر مكتومان ومجهولن‪.‬‬
‫‪356‬‬

‫ل‪ ،‬بشكلها الصحيح‪ ،‬ولكنه تصّرف‬ ‫من التاج المكل ّ ِ‬


‫فيها قليل ً عند نقلها إلى كتابه )نور الهداية‬
‫غا بعد هذه‬‫دا بال ً‬
‫والعرفان‪/‬ص‪ (3:‬وبذل جه ً‬
‫د‬
‫النقولت وأفرغ ما لديه من الطاقة في الر ّ‬
‫دوا الّرابطة من‬ ‫على هؤلء العلماء اّلذين ع ّ‬
‫الشرك بحكم صريح‪ .‬فاسترسل الصاحب وأسهب‬
‫ونقل وكتب ما كتب حّتى فرغ من كتابه‬
‫المذكـور‪ .‬وقال في كلمته الخيرة «ولنكتف في‬
‫ن‬
‫هذا الباب بهذا المقدار من العبارة‪ .‬فا ّ‬
‫ق تكفيه الشارة‪ ،‬والبليد ل ينفعه‬ ‫ف َ‬ ‫المنصف المو ّ‬
‫‪496‬‬
‫ت عليه التوراة والنجيل»‬ ‫التطويل؛ ولو ت ُِلي ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ة ِ‬
‫ضي ّ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫مَر ِ‬ ‫ق َ‬
‫ف ُ‬ ‫و ِ‬
‫م ْ‬‫و َ‬‫ة َ‬ ‫سي ّ َ‬‫ف ِ‬‫ه الن ّ ْ‬‫نلمس حَال َت َ ُ‬
‫ف في الحين اّلذي‬ ‫ع المتكل ّ ِ‬ ‫ج ِ‬‫س ْ‬‫ذا ال ّ‬ ‫ه َ‬
‫ل َ‬‫خل ِ‬
‫ص بالغضب على‬ ‫ظ‪ ،‬كأّنه غا ّ‬ ‫جل هذه اللفا َ‬ ‫يس ّ‬
‫ة‬
‫لق ُ‬‫فما ع َ‬ ‫وإل ّ َ‬ ‫منكري رابطة النقشبندّية‪َ .‬‬
‫الّتوراة والنجيل بم َ‬
‫ة الّرابطة؟! هذا‪ ،‬على‬ ‫سأل َ ِ‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الّرغم من مركزه ومكانته المرموقة بين الطائفة‬
‫النقشبندّية في بلد الشام والعراق‪ ،‬بالضافة‬
‫إلى غزارة علمه وثقافته اّلتي كان َيمتاز بهما‬
‫عن سائر شيوخ الصوفّية‪ .‬وربما كان بسبب هذه‬
‫دا فيهم‪.‬‬ ‫المزايا محسو ً‬
‫كان هذا شطًرا من الصراع اّلذي جرى بين خالد‬
‫ي وبين بعض خصومه في العراق؛ إذ لم‬ ‫البغداد ّ‬
‫ي‬
‫ل من البرزنج ّ‬ ‫تقتصر المعارضة على ردوِد فع ٍ‬
‫ي فحسب‪ ،‬بل كان هناك أناس آخرون‬ ‫والجليل ّ‬
‫ضده في البداية‪ ،‬فلما رجحت إحدى كفتي‬
‫ي لكثرة أنصاره‬‫الميزان لمصلحة خالد البغداد ّ‬
‫والدعم اّلذي كان يتلقاه من السلطة العليا‬
‫للدولة العثمانّية‪ ،‬باءت محاولت المعارضين‬
‫بالفشل وانتهى أمرهم بالخزلن‪.‬‬

‫المصدر السابق )نور الهداية والعرفان( ص‪.92 /‬‬ ‫‪496‬‬


‫‪357‬‬

‫دا اصطدم بخصوم آخرين بعد انتقاله‬ ‫ولكن خال ً‬


‫ّ‬
‫دمتهم رجل‬ ‫إلى دمشق عام ‪1238‬هـ‪ .‬كان في مق ّ‬
‫ي‪ .‬ورد ذكره في‬ ‫هاب السوس ّ‬ ‫اسمه عبد الو ّ‬
‫الحديقة الندّية لمحمد بن سليمان بن مراد بن‬
‫ي اّلذي كان أح َ‬
‫د‬ ‫ي البغداد ّ‬
‫عبد الرحمن العبيد ّ‬
‫ي‪ .‬يذكره في سياق‬ ‫المقّربين إلى خالد البغداد ّ‬
‫التعداد للخلفاء البارزين المأذونين على يد‬
‫دهم ويصف كل ّ منهم بنعوت الجلل؛‬ ‫مرشده‪ .‬يع ّ‬
‫ي‪:‬‬
‫فيقول عند ذكر السوس ّ‬
‫م لمر‬ ‫ن الملز ُ‬ ‫م ابن العالم ِ الفط ُ‬ ‫«ومنهم العال ِ ُ‬
‫ق‬
‫ق ُ‬ ‫م؛ المح ّ‬‫دائ ِ‬
‫ر ال ّ‬ ‫ل وال ّ‬
‫ذك ِ‬ ‫الطريقة بالعلم ِ والعم ِ‬
‫هاب‬ ‫ي الشيخ عبد الو ّ‬ ‫ق اللمع ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫ي‪ ،‬المد ّ‬‫الذك ّ‬
‫ع من أصل شجرة العالم‬ ‫ي المتفّر ُ‬ ‫السوس ّ‬
‫مد‬‫قق بأوجز التحرير‪ ،‬مح ّ‬ ‫شي المد ّ‬ ‫الشهير‪ ،‬المح ّ‬
‫ي رحمه الله تعالى‪ .‬وقد كان‬ ‫بن عمر السوس ّ‬
‫خليفة مرشد السالكين في الطريقة النقشبندّية‬
‫‪497‬‬
‫ما في بلدة العمادية»‪.‬‬ ‫مقي ً‬
‫ن «هذا الشيخ الفطن الملزم لمر‬ ‫من الغـريب أ ّ‬
‫الطريقة بالعلم والعمل والذكر الدائم» على‬
‫لسان رفيقه وصديقه في المشرب والمعتقد‬
‫ي(؛ من الغريب‬ ‫مد بن سليمان البغداد ّ‬ ‫)الشيخ مح ّ‬
‫هاب‬‫أن يعود هذا الشيخ الممدوح )أي عبد الو ّ‬
‫دا من باب خالد‬ ‫دة رجل ً مطرو ً‬‫ي( بعد م ّ‬‫السوس ّ‬
‫حا من طرف جميع أتباعه!‬ ‫ي‪ ،‬ومقبو ً‬ ‫البغداد ّ‬
‫‪ -‬ولكن لماذا؟!‬

‫ي ‪-‬كان ‪ -‬ول يزال في معتقد‬ ‫دا البغداد ّ‬


‫ن خال ً‬ ‫ل ّ‬
‫سل‪ ،-‬كان‬‫ي مر َ‬
‫م نب ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أتباعه الذين يعظمونه تعظي َ‬
‫ق‬ ‫ع على سريرة هذا الرجل فيتح ّ‬
‫ق َ‬ ‫ني ّ‬
‫طل َ‬ ‫لبدّ أ ْ‬
‫ي‪ ،‬الحديقة الندّية في الطريقة النقشبندّية والبهجة الخالدّية ص‪ .67،68 /‬كذلك‬
‫مد بن سليمان البغداد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪497‬‬
‫ي في عدد من كتب مللي صوفية التراك والكراد منها كتاب أسمه «الشيخ نور الدين‬
‫وردت قصة السوس ّ‬
‫ي‪-1983 .‬القاهرة‪.‬‬
‫مد أحمد مصطفى الكزني الربل ّ‬
‫البريفكاني» ص‪ .28 /‬ألفه مح ّ‬
‫‪358‬‬

‫ث الطريقة‬ ‫ةب ّ‬ ‫م َ‬‫وض إليه مه ّ‬ ‫من أمره قبل أن يف ّ‬


‫ة الرشاد‪ ،‬تفادًيا لكل ما قد‬ ‫ص ِ‬‫من َ ّ‬ ‫وينصَبه على ِ‬
‫ن عقب ذلك التفويض‪،‬‬ ‫ت وفت ٍ‬‫حدث من مشاحنا ٍ‬
‫وأشغل أذهان الناس إلى يومنا هذا! نعم‪ ،‬مادام‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫خالدٌ لم يعزب عن علمه مثقا ُ‬
‫في الر ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫ل ذر ٍ‬
‫ء‪ ،‬وكان عليما ً بذات الصدور )على‬ ‫ول في السما ِ‬
‫كد من هذا‬ ‫حسب اعتقاد النقشبندّيين كما سنتأ ّ‬
‫ي(؛ فلماذا‬ ‫َالواقع على لسان عبد المجيد الخان ّ‬
‫ل‬
‫ي أن ينوب عنه حّتى يناهضه بأعما ٍ‬ ‫سوس ّ‬‫ن لل ّ‬ ‫أِذ َ‬
‫ت إلى فتنة لن يبرح الناس فيها فريقين‬ ‫ور ْ‬‫تط ّ‬
‫ن خالدا‬‫يتخاصمان‪ ،‬ربما إلى يوم القيامة؟! ول ّ‬
‫ور‬‫ي‪ ،‬يستحيل عليه )في تص ّ‬ ‫البغداد ّ‬
‫ت الحجب قد‬ ‫النقشبندّيين( أن يجهل شيًئا ما دام ْ‬
‫ع على أسرار‬ ‫ت عن بصره وهو مطّل ِ ٌ‬ ‫ش َ‬
‫ف ْ‬ ‫كُ ِ‬
‫عب َْر الماضي‬ ‫ل شيء قد جرى َ‬ ‫الكائنات‪ ،‬يعلم ك ّ‬
‫السحيق‪ ،‬وما سوف يجري في المستقبل‬
‫المغيب البعيد‪.‬‬

‫ن هذا الحدث‪ ،‬ليس هو‬ ‫ولكن أغرب من ذلك أ ّ‬


‫المثال الوحيد للغرائب اّلتي يعتقده‬
‫ت‬‫ة‪ ،‬وتأويل ٌ‬
‫م أموٌر متناقض ٌ‬ ‫النقشبندّيون؛ بل ث َ ّ‬
‫ة لهذه الطائفة سوف‬ ‫فق ٌ‬‫ت مل ّ‬ ‫ة‪ ،‬ومعت َ‬
‫قدا ٌ‬ ‫مع ّ‬
‫قد ٌ‬
‫ن شاء الله‪.‬‬ ‫نطرقها في بابها إ ْ‬
‫ي ومسألة طرده من‬ ‫هاب السوس ّ‬ ‫ما عبد الو ّ‬
‫أ ّ‬
‫ة في ك ُت َي َْبا ِ‬
‫ت‬ ‫ول ً‬
‫صُته مط ّ‬‫الطريقة‪ ،‬فقد وردت ق ّ‬
‫النقشبندّيين‪ .‬منها‪« ،‬الحدائق الوردّية»‪ .‬يقول‬
‫ي‪:‬‬
‫مد الخان ّ‬ ‫مد بن مح ّ‬ ‫مؤّلفه عبد المجيد بن مح ّ‬
‫«أخبرني الوالد الماجد‪ ،‬أّنه وقع لحضرة مولنا ‪-‬‬
‫وهو في دمشق الشام ‪ -‬تطّير ما وقع له في‬
‫بغداد من بعض الفئام‪ .‬وذلك أّنه كان أرسل من‬
‫ث‬‫ي ليب ّ‬
‫هاب السوس ّ‬‫أتباعه رجل ً اسمه عبد الو ّ‬
‫الطريقة العلّية في دار السلطنة السنّية‪ .‬فما‬
‫ن اعتقد فيه شيخ السلم وجمهور علمائها‬ ‫لبث أ ْ‬
‫‪359‬‬

‫ب‬‫ووزرائها العظام‪ .‬فزاغ بصره ومال إلى ح ّ‬


‫ه‪ ،‬فاستحضره‪،‬‬ ‫الشهرة‪ ،‬فبلغ الشي َ‬
‫خ أمُر ُ‬
‫واستخلف غيَره‪ ،‬واستتابه‪ .‬فأضمر المكَر وأظهر‬
‫ن وصل‬ ‫ة‪ .‬فأطلعه الله على جلّية أمره‪ ،‬بأ ْ‬ ‫الناب َ‬
‫طه إلى أتباعه في‬ ‫إليه مراسلت بخ ّ‬
‫ما‬
‫دا عا ّ‬
‫ئ عن مكره‪ .‬فطرده طر ً‬ ‫القسطنطنية‪ُ ،‬تنب ُ‬
‫‪498‬‬
‫من طريقته»‪.‬‬

‫ن بالله وملئكته وكتبه ورسل واليوم‬ ‫ي مؤم ٍ‬ ‫أ ّ‬


‫الخر يقرأ هذه العبارات فحسب‪- ،‬وهو على علمٍ‬
‫ه‬
‫ه وشمول ِ‬ ‫م بحقيقة السلم وعالمّيت ِ‬ ‫تا ّ‬
‫دهشة في أمر‬ ‫سه من ال ّ‬ ‫ه‪-‬؛ ل يملك نف َ‬ ‫وعظمت ِ‬
‫هذه الطريقة الصوفّية حّتى يعيد النظر فيها‬
‫ن‬‫دي ِ‬ ‫ما إذا كانت لها أدنى علقة بهذا ال ّ‬ ‫ويتباحث ع ّ‬
‫ع‬‫مد ‪ ،‬قبل أن يطّل ِ َ‬ ‫العظيم اّلذي جاء به مح ّ‬
‫على صفحات تلك الحرب اّلتي جرت بين خالد‬
‫ن الطريقة‬ ‫ي؛ كما أ ّ‬ ‫هاب السوس ّ‬ ‫ونائبه عبد الو ّ‬
‫المذكورة ليست هي المسألة الوحيدة اّلتي‬
‫ن‬‫تتبلور حقيقتها من خلل هذه الكلمات؛ بل وإ ّ‬
‫ه يومئذ على‬ ‫م ُ‬‫ما ُ‬
‫هت ِ َ‬‫با ْ‬ ‫المجتمع اّلذي كان يستقط ُ‬
‫ق أن يتدارسه‬ ‫هذه المهزلة‪ ،‬هو الخر يستح ّ‬
‫ح ّ‬
‫ك‬ ‫م َ‬ ‫الباحثون اليوم بقسطاس العقل السليم و ِ‬
‫طلع على مدى‬ ‫كنوا من ال ّ‬ ‫القرآن الكريم‪ ،‬ليتم ّ‬
‫ظه من السلم اّلذي عاشه الصحابة والتابعون‬ ‫ح ّ‬
‫والسلف الصالح وطّبقوه في حياتهم‪.‬‬

‫ن هؤلء الشيوخ والصوفّية والدراويش‪ ،‬كانوا‬ ‫ل ّ‬


‫وا الناس عن السلم وسحروا عقوَلهم‬ ‫ه ُ‬ ‫قد َأل ْ َ‬
‫ة من‬ ‫م ُ‬
‫كن العا ّ‬‫ن المستحدث‪ ،‬فلم تتم ّ‬
‫دي ِ‬
‫بهذا ال ّ‬
‫ء من أمور‬ ‫ه إلى السلم ِ ول إلى شي ٍ‬ ‫النتبا ِ‬
‫دنياهم في خضم الحداث اّلتي كان قد أثارها‬
‫النقشبندّيون بطقوسهم ورسومهم ورياضاتهم‬
‫ومناسكهم ونشاطاتهم الدائبة ومراسلتهم‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.232 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪498‬‬
‫‪360‬‬

‫هم الكثيفة وخلفاتهم والفتن اّلتي كانت‬ ‫عاَيات ِ ِ‬


‫وِد َ‬
‫تتصاعد نيرانها في صفوفهم بين الفينة‬
‫ها‬
‫ر َ‬ ‫ما ِ‬
‫غ َ‬
‫والخرى إلى حدّ أصبح الناس في ِ‬
‫سكارى وما هم‬ ‫ن الغنم وهم حيارى و ُ‬
‫عا ِ‬ ‫قط ْ َ‬ ‫كَ ُ‬
‫ما من‬ ‫سكارى؛ فلم يملك أحد منهم عقَله يو ً‬ ‫بِ ُ‬
‫ل ‪ -‬فيقول‪:‬‬ ‫الّيام حّتى يتساءل ‪ -‬على الق ّ‬

‫‪ -‬من يكون خالد‪ ،‬هذا اّلذي استعلى على الناس‬


‫حّتى اختلقوا له جناحين ياترى!!! وما هي‬
‫طريقته اّلتي أكمل بها ما نقص عن السلم‪،‬‬
‫ه إلى إسطنبول ليبّثها بين سكان‬ ‫وأرسل َنائ ِب َ ُ‬
‫ه في الحقيقة سوى‬ ‫ض ُ‬ ‫العاصمة ‪ -‬ولم يكن َ‬
‫غَر ُ‬
‫سّلل إلى أوساط رجال الدولة‪،‬‬ ‫تمهيد السبيل للت ّ َ‬
‫شهرة‬ ‫ة على ضمائرهم طمعا في ال ّ‬ ‫والسيطر ِ‬
‫ة‬
‫ب دجلي ّ ٍ‬ ‫دنيا الخسيسة بأسالي َ‬ ‫وشغفا بحطام ال ّ‬
‫ب‬‫ت تنص ّ‬ ‫ماكرة‪ -‬في الحين اّلذي كانت الويل ُ‬
‫ب‪ ،‬ودولُتهم على‬ ‫ل صو ٍ‬ ‫على المسلمين من ك ّ‬
‫ي‬
‫شفا جرف هار‪ .‬نعم من يكون هذا الصوف ّ‬
‫خ السلم‬ ‫ي اّلذي «اعتقد في نائبه شي ُ‬ ‫الكرد ّ‬
‫ء العاصمة و وزراءُ حكومة‬ ‫وجمهوُر علما ِ‬
‫المبراطورية العثمانّية»‪ ،‬حّتى أذعن له خليفة‬
‫ن( أي الرسم‬ ‫ذات‪ ،‬فأصدر )الفرما َ‬ ‫المسلمين بال ّ‬
‫ي بشأن معاقبة نائبه اّلذي عصاه؟!‬ ‫الملك ّ‬
‫ت القلوب‬ ‫في الحقيقة كانت المأساةُ ‪ -‬بمو ِ‬
‫س إلى‬‫ر يومئذ ‪ -‬قد غلبت النا َ‬ ‫ب الشعو ِ‬
‫وغيا ِ‬
‫حدود رهيبة‪ ،‬بحيث لم يكن أحد ينتبه إلى الفرق‬
‫ن الجديد اّلذي اّتخذ‬
‫دي ِ‬‫بين السلم وبين هذا ال ّ‬
‫ل‬‫فا يصطاد به على أرضه بك ّ‬ ‫من السلم غل ً‬
‫سهولة وفي أمان‪.‬‬

‫عا فيما بعد‪ ،‬عن سبب سقوط‬ ‫سوف نتساءل طب ً‬


‫المسلمين إلى هذا الدرك الرهيب من الظلمة‬
‫والتخّلف والجهل والعمى‪ ،‬حّتى أصبح مجتم ٌ‬
‫ع‬
‫هى بالحرب المتصاعدة بين رجلين من‬ ‫بأسره يتل ّ‬
‫‪361‬‬

‫الصوفّية‪ .‬ولكن ما اّلذي كان يجري بينهما‪ ،‬وما‬


‫قيمة هذا الحدث في ميزان السلم والعقل‬
‫والعلم؛ وماذا استفاد المسلمون من وراء هذه‬
‫ه عبر‬
‫الحرب التي اندلعت نيراُنها بين خالد وقرين ِ ِ‬
‫حقبة تزيد عن قرن من الزمن؟‬

‫دة للجابة عن هذا السؤال‪ ،‬لن‬ ‫ن أي ّة محاولة جا ّ‬


‫إ ّ‬
‫دى السخرية بعقول الناس‪ ،‬والستهانة‬ ‫تتع ّ‬
‫ّ‬
‫ن هذا الحدث في ذات المر الذي‬ ‫بالوقت‪ .‬ولك ّ‬
‫ما‪،‬‬
‫ي في وقت ّ‬ ‫أقلق جماهير المجتمع العثمان ّ‬
‫ص ‪ -‬أن ُيتطّرقَ له بإيجاز‬‫يستحق ‪ -‬من جانب خا ّ‬
‫ومن خلل وثائق النقشبندّيين‪ ،‬حّتى تّتضح أمام‬
‫ة أولئك الناس‪ ،‬وتظهر بها‬ ‫القارئ الكريم عقلي ُ‬
‫تلك الهوة اّلتي كانت بينهم وبين السلم يومئذ‪.‬‬

‫هذه الوثائق ‪ -‬المنقولة فيما يلي ‪ -‬هي الرسائل‬


‫الثلث اّلتي بعث بها خالد البغداد ّ‬
‫ي إلى أتباعه‬
‫في إسطنبول‪ .‬يقول في الولى منها‪:‬‬

‫ت من‬ ‫«بعد السلم‪ ،‬من العام الول‪ ،‬الفقير تبّرأ ُ‬


‫هاب لما ظهر منه من المور المخالفة‬ ‫عبد الو ّ‬
‫دسائس‬ ‫للطريقة والشريعة‪ ،‬وأنه صار سبًبا لل ّ‬
‫هم كثير من‬ ‫اّلتي اختلقها المتشّيخون حّتى تو ّ‬
‫م‪،‬‬ ‫قنا أمورا ً ل تليق بأراذل العوا ّ‬ ‫الناس في ح ّ‬
‫ت أن أكتب هذا إلى الستانة العلّية ‪ -‬صينت‬ ‫وأرد ُ‬
‫عن البلّية ‪ -‬ليعلم الناس أّنه مطرود عن الطريق‪،‬‬
‫فل يلتفت إليه أحدٌ لئل ّ يصير مظهًرا لجلل‬
‫سل بي‬ ‫سادات الطريقة البهّية البهائّية‪ .‬فتو ّ‬
‫عا أن ل‬ ‫وجعل روحانية مشائخ السلسلة شفي ً‬
‫كدة أّنه يكتب هذا‬ ‫أكُتب هذا‪ .‬وحلف اليمان المؤ ّ‬
‫طه‪ .‬ثم ظهر أّنه بّلغ تقريًرا مع‬ ‫المضمون بخ ّ‬
‫سلين من طرفه وتحريًرا إلى بعض‬ ‫بعض المر ِ‬
‫المخلصين‪ :‬أّنه كان بعض إخوانه في الطريقة‬
‫ي‪ ،‬وأّنه‬ ‫افتروا عليه عندي‪ ،‬ثم ظهر افتراؤهم لد ّ‬
‫ن بعضكم ترك‬ ‫ول وأكثر‪ ،‬حّتى أ ّ‬ ‫صار مثل ال ّ‬
‫‪362‬‬

‫طلب الدعاء والمكاتبة إلى بعض أهل الطريقة‬


‫رعاية لجانبه‪ .‬والمرء ُيعذَُر لجهله‪.‬‬

‫فالن أخبركم بأّني وجميع رجال السلسلة تبرّأنا‬


‫هاب‪ .‬فهو مطرود عن الطريقة‪ .‬فك ّ‬
‫ل‬ ‫من عبد الو ّ‬
‫ه‬ ‫صادَ َ‬
‫قت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن تصادق معه لجل الطريقة فليتر ْ‬
‫ك ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ئ من إمداد هذا الفقير‬ ‫ّ‬
‫ه‪ ،‬وإل فهو بر ٌ‬ ‫َ‬
‫مكات َب َت َ ُ‬ ‫و ُ‬
‫َ‬
‫وإمداد السادات الكرام‪ .‬ول أرضى أن يكاتبني؛‬
‫متي بعد وصول هذا المكتوب‬ ‫ول أن يستمدّ ه ّ‬
‫ص‪ .‬فمن‬ ‫مخل ٍ‬ ‫ل ُ‬‫إليه‪ .‬وأنت مأمور بإيصاله إلى ك ّ‬
‫ر ال ْب ََراءَةَ منه‪ ،‬ومن‬
‫ه ِ‬‫كان مريدَ الطريقة فلُيظ ِ‬
‫سه إذا هلك مع‬ ‫ن إل ّ نف َ‬ ‫ه فل يلوم ّ‬ ‫كان مريدَ نفس ِ‬
‫‪499‬‬
‫الهالكين»‪.‬‬

‫ن هذه الرسالة اّلتي ل يكاد النسان )المؤمن‬ ‫إ ّ‬


‫بالله واليوم الخر( يفهم شيًئا منها‪ ،‬كأّنها قد‬
‫ة على المسلمين‪ .‬إل ّ أّنها في‬ ‫ة غريب ٍ‬
‫ت بلغ ٍ‬‫ك ُِتب ْ‬
‫الحقيقة وثيقة رهيبة تتضمن ما يخفى على أهل‬
‫ي‬
‫العلم والبصيرة من شخصّية خالد البغداد ّ‬
‫ه مع الناس‪.‬‬ ‫مل ِ ِ‬
‫عا ُ‬
‫قداته وأسرار طريقته وتَ َ‬ ‫معت َ‬‫و ُ‬

‫ل سائل ً يسأل ع ّ‬
‫ما يخالف السلم من مضمون‬ ‫لع ّ‬
‫هذه الرسالة وربما يقول‪:‬‬

‫ـ ما اّلذي يستوجب هذا القدر من الستغراب‬


‫جب؟‬‫والتع ّ‬
‫ع بنعمة العلم والمعرفة‬ ‫ن النسان المتمت ّ َ‬
‫إ ّ‬
‫بحقيقة السلم‪ ،‬ل ينبغي له أصل ً أن يلتفت إلى‬
‫مثل هذه التساؤلت‪ ،‬ولكن ‪ -‬لظهار الحقّ‬
‫ما إذا كان أدنى شيء‬ ‫فحسب‪ -‬نحن نتساءل ع ّ‬
‫يوافق روح السلم في هذه الرسالة المحّررة؟‬
‫ة‬
‫ي إهان ً‬
‫هاب السوس ّ‬ ‫‪ -‬ما اّلذي ارتكب عبد الو ّ‬
‫ضحه أمام‬‫ن يف ّ‬
‫بحق خالد‪ ،‬حّتى اضطّر خالدٌ أ ْ‬
‫المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪499‬‬
‫‪363‬‬

‫ي قد اسطادهم في‬ ‫مريديه اّلذين كان السوس ّ‬


‫ل هذه‬‫ة عنه؟!! هل كان وراء ك ّ‬ ‫إسطنبول نياب ً‬
‫ي مصلحة للمسلمين‬ ‫الجلبة والضوضاء العمياء أ ّ‬
‫المغلوبين على أمرهم يومئذ أمام عالم الكفر‪،‬‬
‫سوى التهارش على جيفة الدنيا وكسب الشهرة‬
‫والسمعة؟ وإل ّ فما كانت علقة المسلمين‬
‫بالّرابطة اّلتي هي من أهم طقوس اليوغية‪،‬‬
‫س بها لنفسه أو‬‫ي أمَر النا َ‬
‫سواء أكان السوس ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫للبغداد ّ‬
‫ي في صدد هذه‬ ‫يقول الشيخ قسيم الك ُ ْ‬
‫فَرو ّ‬
‫المشكلة‪:‬‬

‫د‬
‫«كان مولنا خالد قد أرسل في بداية أمره عب َ‬
‫ي إلى إسطنبول‪ .‬ولكّنه توّلى‬ ‫هاب السوس ّ‬ ‫الو ّ‬
‫قن المريدين رابطة نفسه؛ فعند ذلك‬ ‫كبره‪ ،‬ول ّ‬
‫ي‬
‫ن خلفائه عبد الفّتاح العقر ّ‬ ‫م ْ‬
‫بعث مولنا خالدٌ ِ‬
‫هاب‬ ‫للبحث عن أمره‪ .‬وبعد طرده عبدَ الو ّ‬
‫ب‬
‫م نص ُ‬ ‫ه جزاءً بما ارتكب‪ ،‬ت ّ‬‫ن طريقت ِ‬ ‫م ْ‬
‫ي ِ‬‫السوس ّ‬
‫‪500‬‬
‫الشيخ أحمد الغريبوزي مكانه»‪.‬‬

‫هكذا اتّضحت الجريمة )!( اّلتي ارتكبها عبد‬


‫ن‬‫دي ِ‬‫ي! حسب نظام هذا ال ّ‬ ‫هاب السوس ّ‬ ‫الو ّ‬
‫قن‬ ‫ي كان قد ل ّ‬ ‫ن السوس ّ‬ ‫ه‪ .‬وهي أ ّ‬ ‫وضوابط ِ‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫مَر ُ‬
‫المريدين رابطة نفسه‪ .‬ومعنى ذلك إّنه أ َ‬
‫ن يأمرهم‬ ‫ه في خيالهم‪ ،‬بدل أ ْ‬ ‫ضروا صورت َ ُ‬ ‫ن ُيح ِ‬
‫أ ْ‬
‫ن الطريقة‬ ‫ي‪ .‬إذ أ ّ‬
‫برابطة مرشده خالد البغداد ّ‬
‫ة للنائب مادام شيخه‬ ‫حّرم الّرابط َ‬ ‫النقشبندّية ت ّ‬
‫ي دين استوحت‬ ‫على قيد الحياة‪ .‬ول نعلم من أ ّ‬
‫هذا الضابط!‬

‫ي بالّلغة التركّية للعبارات المعّربة والمنقولة من كلم الشخ قسيم الكفراوي‪:‬‬


‫ص الصل ّ‬
‫وهذا الن ً‬ ‫‪500‬‬
‫‪Mevlânâ Halid, İstanbul'a evvelâ Abdulvahhab Al-Susî’yi göndermişti. Bu zatın kibir ve enaniyete kapılarak kendisini saliklere‬‬

‫‪rabıta ettirmesi üzerine meselenin tahkiki için Abdulfettah Al-Akari’yi gönderdi. Bu hareketlerinden dolayı tarikattan tard‬‬

‫‪adilen Al-Susi'nin yerine Al-Şeyh Ahmed Al-Agribuzî halife nasb edildi.‬‬

‫‪Kasım Kufralı, Nakşibendiliğin Kuruluşu ve Yayılışı Pg. 185. Türkiyat Enstitüsü No. 337 İstanbul-1949‬‬
‫‪364‬‬

‫كان هذا هو السبب لنفجار قنبلة النقشبندّيين‬


‫س ينشغل‬‫ي التعي ُ‬ ‫ع العثمان ّ‬‫ل المجتم ُ‬ ‫اّلتي ظ ّ‬
‫ن كامل والناس في غفلتهم‬ ‫بصداها مدةَ قر ٍ‬
‫ى‬ ‫يعمهون ‪ -‬في الوقت اّلذي كانت ال ُ‬
‫قو َ‬
‫مة المسلمة‪.-‬‬ ‫اليهودّية‪-‬الصليبية تتداعى على ال ّ‬
‫من حولهم من‬ ‫ول تزال بقّية من شيوخهم وم ّ‬
‫دنها من أمجاد‬ ‫ددون هذه الحكاية ويع ّ‬ ‫م ير ّ‬
‫العوا ّ‬
‫ي اّلذي ربما تتأّلم رفاته اليوم‬‫مرشدهم البغداد ّ‬
‫بسبب هذه الزندقة!‬

‫إن هذا القدر من تفاصيل الخلف الواقع بين‬


‫صلناه من خلل‬ ‫ي‪ ،‬إنما تح ّ‬ ‫ي والسوس ّ‬ ‫البغداد ّ‬
‫ة‬
‫ن رسالته المنقول ِ‬ ‫ي ضم َ‬ ‫ة للبغداد ّ‬ ‫ت يسير ٍ‬ ‫كلما ٍ‬
‫ي لم يظهر بصورة‬ ‫ن السبب الحقيق ّ‬ ‫فا‪ .‬وكأ ّ‬ ‫آن ً‬
‫ن البحوث اّلتي أجريناها بأمل‬ ‫د‪ .‬ل ّ‬ ‫جليّة بع ُ‬
‫ر يمكن أن يكون‬ ‫ت أو سطو ٍ‬ ‫الحصول على كلما ٍ‬
‫د بأدنى شيء‪ ،‬مما‬ ‫ج ِ‬‫ي قد خّلفها‪ ،‬لم ت ُ ْ‬ ‫السوس ّ‬
‫قى‬ ‫ع ما تب ّ‬‫ن الخالدّيين قد محوا جمي َ‬ ‫ل على أ ّ‬ ‫يد ّ‬
‫ت يسيرة نقلها‬ ‫من آثار هذا الرجل‪ ،‬سوى كلما ٍ‬
‫ابن عابدين في رسالة له‪ .‬يبرهن ذلك على شدة‬
‫ي‪.‬‬ ‫الهجمات اّلتي شّنها الخالدّيون على السوس ّ‬
‫ل‬‫ومن وثائق تلك الحرب الشعواء‪ ،‬رسالة «س ّ‬
‫ي في نصرة مولنا خالد‬ ‫الحسام الهند ّ‬
‫ي اّلتي‬ ‫ي» للفقيه ابن عابدين الدمشق ّ‬ ‫النقشبند ّ‬
‫ي؛‬‫هاب السوس ّ‬ ‫ردّ بها على رسالة كتبها عبد الو ّ‬
‫ة‪.‬‬
‫دا بالسحر والكفر والزندق ِ‬ ‫يّتهم فيها خال ً‬
‫ن الشيخ‬ ‫ي في هذه الرسالة‪« :‬إ ّ‬ ‫يقول السوس ّ‬
‫ن ويستعين بالرواح‬ ‫دا يقوم بتسخير الج ّ‬ ‫خال ً‬
‫ب عن إخبار‬ ‫م الغي ِ‬
‫دعي عل َ‬ ‫الرضية الخبيثة‪ ،‬وي ّ‬
‫دعي أّنه قد قتل وربط كثيًرا من‬ ‫ن له‪ ،‬وي ّ‬‫الجا ّ‬
‫دعي‬
‫ل ذلك بإقراره‪ ،‬مع أّنه ي ّ‬ ‫ن‪ ،‬ك ّ‬‫العفاريت والجا ّ‬
‫ة والرشادَ في نفس الوقت»‪.‬‬ ‫الولي َ‬
‫‪365‬‬

‫دا أّننا لم نعثر في عجالة ابن‬ ‫من الغريب ج ّ‬


‫ي غير هذه‬‫ل للسوس ّ‬‫عابدين المذكورة على قو ٍ‬
‫هاب لم‬‫الكلمات الوجيزة! وحّتى اسم عبد الو ّ‬
‫يذكره المؤّلف إل ّ مرة واحدة‪ ،‬وذلك من خلل‬
‫عبارة منقولة‪ .‬يدل أسلوب ابن عابدين على‬
‫ي!‬‫هاب السوس ّ‬‫مدى استحقاره عبدَ الو ّ‬
‫ما السبب الحقيقي لهذا النـزاع‪ ،‬فكأّنه ظهر‬ ‫أ ّ‬
‫إلى العيان بعد أن عثرنا على كلمات للباحث‬
‫ي إذ يقول‪:‬‬
‫عباس العّزاو ّ‬
‫قى‬ ‫ي كان قد تل ّ‬‫هاب البغداد ّ‬ ‫ن الشيخ عبد الو ّ‬
‫«إ ّ‬
‫ي‪ ،‬كما تل ّ‬
‫قاه‬ ‫إرشادَهُ من الشيخ عبد الله الدهلو ّ‬
‫الشيخ خالد‪ .‬فصار من مشاهير خلفائه‪ .‬فأقام‬
‫هاب‪،‬‬‫ما الشيخ عبد الو ّ‬ ‫الشيخ خالد في الشام‪ ،‬وأ ّ‬
‫ورة‪ ،‬فحدثت بين‬ ‫فاستقّر في المدينة المن ّ‬
‫دة‪ ،‬ونفرة شديدة‪.‬‬ ‫دة حا ّ‬
‫الثنين مشا ّ‬
‫لمة الحاج‬‫هاب ورفيقه الع ّ‬ ‫كان الشيخ عبد الو ّ‬
‫حمدي الداغستاني قد خرجا على مولنا خالد‪،‬‬
‫ة للواقع‪ .‬فانتصر له‬ ‫ونسبا إليه أموًرا مخالف ً‬
‫مفتي دمشق وعلماؤها‪ .‬فأصدروا فتاوى‪،‬‬
‫سوا من الباب العالي‬ ‫م ُ‬‫وأودعوها رسالة‪ ،‬وال ْت َ َ‬
‫ف لسانهما‪.‬‬ ‫م تأديبهما‪ ،‬وك ّ‬‫لزو َ‬
‫عرضت على السلطان وعلى المشيخة‪،‬‬ ‫ما ُ‬‫فل ّ‬
‫وبعد استطلع آراء العلماء في إسطنبول‪ ،‬صدر‬
‫ن أعمال المومى إليهما مخالفة للشرع‪،‬‬ ‫المر بأ ّ‬
‫ورة‬‫ن النفي من المدينة المن ّ‬ ‫ويجب نفيهما‪ .‬ولك ّ‬
‫يستدعي إثبات أّنهما قاما بما يخالف الدب‪ .‬ولذا‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫د َ‬
‫ل عن ذلك و ن ُّبها أن يكونا مشغولي ْ ِ‬ ‫ع ِ‬
‫ُ‬
‫بأحوالهما‪ .‬فصدر الفرمان بذلك وب ُّلغا بموجبه‬
‫‪501‬‬
‫ي»‪.‬‬
‫من شيخ الحرم النبو ّ‬
‫ي العدد الول ص‪ (.720-719 /‬بغداد‪-‬‬
‫ي )مجلة المجمع العلمي الكرد ّ‬
‫ي‪ ،‬مولنا خالد النقشبند ّ‬
‫عباس العّزاو ّ‬ ‫‪501‬‬
‫‪1973‬م‪.‬‬
‫‪366‬‬

‫ن‬
‫ك‪ :‬أ ّ‬ ‫يتبّين من هذه الكلمات بشكل ل يقبل الش ّ‬
‫السبب الحقيقيّ لهذا الخلف‪ ،‬إنما كانت‬
‫ي‬
‫هاب السوس ّ‬ ‫ن عبد الو ّ‬ ‫المنافسة ليس إ ّ‬
‫ل‪ .‬إذ أ ّ‬
‫لم يكن أصل ً من خلفاء خالد‪ ،‬وإّنما كان من‬
‫د‬
‫ة خال ٍ‬ ‫خلفاء شيخه‪ .‬ويعني ذلك أّنه كان من طبق ِ‬
‫ظيُرهُ في السلسلة النقشبندّية ‪ .‬وهذا ل‬ ‫ون ِ‬‫َ‬
‫ي أن يدخل تحت‬ ‫هاب السوس ّ‬ ‫يسمح لعبد الو ّ‬
‫ن عبد‬ ‫طاعة خالد إل ّ بأمر من شيخه‪ .‬ولو فرضنا أ ّ‬
‫دا‪ ،‬وهذا شيءٌ‬ ‫ي قد أمره أن يتبع خال ً‬ ‫الله الدهلو ّ‬
‫ف النقشبندّيين‪،‬‬ ‫عْر ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫ل حّتى الن ‪ -‬ذلك ِ‬ ‫مجهو ٌ‬
‫صا‬
‫ر يختار من بين خلفائه شخ ً‬ ‫خ العص ِ‬‫أن شي َ‬
‫صة في المناطق النائية عن‬ ‫دا للّنيابة عنه‪ ،‬خا ّ‬ ‫واح ً‬
‫ن‬
‫ه‪ .-‬فا ّ‬ ‫ن يتبعه بقّية خلفائ ِ ِ‬ ‫مقره؛ على أ ْ‬
‫المسافة الشاسعة اّلتي بين الديار الهندية‬
‫هاب‬‫ت عبدَ الو ّ‬‫جع ْ‬ ‫والشرق الوسط‪ ،‬ل بدّ وقد ش ّ‬
‫للخروج على خالد لصعوبة الرقابة عليه من مقام‬
‫شبه هذا الحدث بنفس السبب‬ ‫أعلى‪ .‬كما وقع ِ‬
‫دة من شيوخ هذه الطريقة‪.‬‬ ‫لع ّ‬
‫***‬
‫ي وتعامله معهم‬
‫* خلفاء خالد البغداد ّ‬
‫دا هو ذا الرجل الحاذقُ بإلقاء تأثيره في‬ ‫ن خال ً‬‫إ ّ‬
‫نفوس الناس‪ ،‬وبالستيلء على ضمائرهم؛‬
‫ب في تعامله مع‬ ‫ق المتر ّ‬
‫ق ُ‬ ‫ن الّلب ُ‬
‫ق القل ِ ُ‬ ‫و ُ‬
‫المتل ّ‬
‫خلفائه وتلمذته‪ .‬كما كان شأنه مع خصومه‬
‫م المتغل ّ ُ‬
‫ب‬ ‫ه المتعاظ ُ‬‫ومعارضيه‪ .‬يتبّين موقف ُ‬
‫جهها‬ ‫الحذُر من خروجهم عليه في ك ّ‬
‫ل كلمة و ّ‬
‫إليهم‪.‬‬

‫نجده تارة يخاطب أحدَ خلفائه بكمال التواضع‬


‫والتذّلل‪ ،‬كأّنه هو تلميذه‪ .‬لم يفعل ذلك في‬
‫ه في‬ ‫صدْ َ‬
‫ق ُ‬ ‫س نبضه‪ ،‬وليختبر ِ‬ ‫الحقيقة إل ّ ل ِي َ ُ‬
‫ج ّ‬
‫‪367‬‬

‫ه‪،‬‬‫م بتعاليم ِ‬‫ه التا ّ‬


‫ء والستسلم‪ ،‬ومن إيمان ِ‬ ‫النتما ِ‬
‫ى له‬‫وهل يتحرك فيه عرق التمّرد عند ما ُيرخ َ‬
‫العنان‪ ،‬حّتى يحتاط في أمره ويكبح جماحه في‬
‫لزم‪ ،‬كما فعل بخليفته إسماعيل‬ ‫الوقت ال ّ‬
‫ه‪ .‬ونجده تارةً أخرى‬ ‫صت ُ ُ‬
‫الشيرواني؛ وستأتي ق ّ‬
‫ر‬
‫ب واستنكا ٍ‬ ‫ة‪ ،‬وغض ٍ‬ ‫ة قاسي ٍ‬ ‫دهم بلهج ٍ‬
‫يخاطب أح َ‬
‫وتعاظُم ٍ في أدائه‪ ،‬ل يتساهل معه‪ ،‬فل ُيظهر‬
‫تمام الثقة فيه؛ ول يقبضه بأسّنة مخالبه‪.‬‬

‫ه وتواضعه‪ ،‬سطوُرهُ من كتابه‬ ‫ل على رِ ّ‬


‫قت ِ ِ‬ ‫وكمثا ٍ‬
‫اّلذي بعث به إلى نائبه المل ّ رسول في مهاباد‪،‬‬
‫يقول فيه‪:‬‬

‫م‪،‬‬
‫ص بالسلم التا ّ‬ ‫«بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬أخ ّ‬
‫المقرون بمزيد العّز والكرام جناب سـّيدي‬
‫ل مولنا‬ ‫ل والنحـريَر الكام َ‬
‫م الفاض َ‬‫وسندي العال َ‬
‫المل ّ رسول‪ ،‬ح ّ‬
‫صله الله ك ّ‬
‫‪502‬‬
‫ل مأمول»‪.‬‬

‫س منه أدنى شمة من‬ ‫دته على من أح ّ‬ ‫ما ش ّ‬


‫وأ ّ‬
‫الستخفاف بتعاليمه‪ ،‬أو أدنى إهمال لتعليماته‪،‬‬
‫فإنّها ربما يضيق عن وصفها كلم غيره‪.‬‬

‫ل خافًيا‬‫وكمثال على هذا الجانب اّلذي طالما ظ ّ‬


‫ي‪ .‬أوردنا‬
‫على الناس من صفات خالد البغداد ّ‬
‫جهها إلى خليفته‬ ‫ه اّلتي و ّ‬
‫فيما يلي‪ ،‬رسالت َ ُ‬
‫الشيخ إسماعيل الشيروانيّ‪.‬‬

‫ة‬
‫م نصبه ليبثّ الطريق َ‬‫ه هذا اّلذي ت ّ‬
‫ن نائ ِب َ ُ‬
‫إ ّ‬
‫النقشبندّية في بلد القوقاز يومئذ‪ ،‬يبدو أّنه لم‬
‫يعد يشعر بهيبة شيخه بعد أن وصل إلى تلك‬
‫ت‬
‫المنطقة النائية‪ ،‬وحال بينهما المسافا ُ‬

‫دمشق‪1334-‬‬ ‫مد أسعد الصاحب‪ ،‬بغية الواجد في مكتوبات حضرة مولنا خالد ص‪ .118 /‬مطبعة الترقي‪،‬‬
‫مح ّ‬ ‫‪502‬‬
‫قَبل دار الدعوة‪ ،‬قزلتبه‪ ،‬ماردين‪1985-‬م‪.‬؛ عبد الكريم البياري المدّرس‪ ،‬تذكار الرجال ص‪.61/‬‬
‫سخ من ِ‬
‫هـ؛ مستن َ‬
‫ي ضمن مجّلد واحد‬
‫وهو مع كتاب لمجد التالد لبراهيم الفصيح‪ ،‬والمكاتيب الشريفة لغلم على عبد الله الدهلو ّ‬
‫نشرته مكتبة الحقيقة في إسطنبول عام ‪1992‬م‪.‬‬
‫‪368‬‬

‫س في نفسه بالجرأة أن يقول‬


‫ة‪ ،‬وأح ّ‬
‫البعيد ُ‬
‫لمريديه‪:‬‬

‫‪ -‬رابطوني‪ .‬أي أحضروا صورتي في خيالكم أثناء‬


‫صلة الّرابطة بدل ً من إحضار صورة الشيخ خالد‪.‬‬

‫ك إهانة بسلطان شيخ الجماعة‪ ،‬وخروج‬ ‫هذه ل ش ّ‬


‫ه‪ .‬لذا وما‬‫عليه في نظر خالد وحسب تعاليم ِدين ِ ِ‬
‫ن هذا الحدث حّتى نهض من‬ ‫ه طني ُ‬
‫ع ُ‬‫ن قرع سم َ‬ ‫أ ْ‬
‫مكانه ونفخ في الصور‪ ،‬فقامت القيامة في‬
‫د‬
‫ه حدو َ‬‫المملكة العثمانّية‪ ،‬بل واجتازت جلجلت ُ ُ‬
‫ص‬
‫المملكة إلى ما وراء جبال القوقاز‪ .‬هذا ن ّ‬
‫جهه إلى الشيخ إسماعيل‬ ‫كتابه اّلذي و ّ‬
‫الشيرواني‪:‬‬

‫«بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫من العبد الذليل‪ ،‬القل من القليل‪ ،‬إلى خادم‬
‫بابه وقدوة أحبابه الشيخ إسماعيل‪ ،‬عصمه الله‬
‫ما شانه‪ ،‬آمين‪.‬‬
‫عما وصمه‪ ،‬وصانه ع ّ‬
‫ما بعد فقد قال كثير من نجوم الهتداء‬ ‫أ ّ‬
‫ن الكفران هو نسيان المنعم‬ ‫ومصابيح القتداء بأ ّ‬
‫ققو طريقتنا‬ ‫بسبب الشتغال بنعمته‪ .‬وصرح مح ّ‬
‫ث الفناءَ‬
‫ر ُ‬
‫ن عن وجوده ل يُو ِ‬‫ف َ‬‫ن رابطة من لم ي ْ‬‫بأ ّ‬
‫للسالك‪ ،‬بل قد توّرطه في المهالك‪.‬‬
‫وأنتم ما كان المأمول منكم أن تقطعوا عنا ّ‬
‫م‪ ،‬بل كمال المروءة والوفاء كان‬ ‫م والكل َ‬
‫السل َ‬
‫مقتضًيا أن تواجهونا أحياًنا بأنفسكم وإل ّ‬
‫ما‬
‫فتراجعونا في النقير والقطمير‪ ،‬وتذكرونا دائ ً‬
‫دامنا من هو أبعد‬ ‫بالتحرير مع السفير‪ .‬ومن خ ّ‬
‫ة ل يتحّرك‬ ‫ة‪ ،‬وأكثر خدم ً‬
‫ة منكم‪ ،‬وأقدم صحب ً‬ ‫شق ً‬
‫س هذه الطريقة بخزعبلت‬ ‫ق ْ‬
‫بدون إشاراتنا‪ .‬ول َت ِ‬
‫متشّيخي العصر‪ ،‬وت ُّرهات أرباب الخداع والمكر‪.‬‬
‫‪369‬‬

‫قق واسطة بين المريد ورّبه‪.‬‬ ‫فالشيخ المح ِ‬


‫ض عنه‪.‬‬
‫والعراض عنه إعرا ٌ‬
‫د‪ ،‬ولو ظهرت له‬ ‫فل تعّلموا رابط َ‬
‫ة صورِتكم لح ٍ‬
‫دا منهم‬
‫فإّنه من تلبيس إبليس‪ .‬ول تستخلفوا أح ً‬
‫إل ّ بأمري‪ ،‬فضل ً عن مزاحمتهم لخلفاء الطراف‬
‫من نحو )أرزنجان( و )بدليس(‪.‬‬

‫ولئن تماديتم في هذا التغافل اّلذي تستعملونه‬


‫ن عنكم بالكلّية‪ ،‬وخرط القتاد دونه‪ .‬ومن‬ ‫لنعرض ّ‬
‫‪503‬‬
‫ذر‪ .‬والسلم»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ذر فقد أع ِ‬
‫أن ِ‬

‫هكذا تمك ّّنا من المعرفة بشخصّية خالد البغداد ّ‬


‫ي‬
‫ل‬‫ق َ‬‫من خلل ما قد جرى به قلمه بالذّات‪ ،‬وما ن َ َ‬
‫عَلى حقيقتها‪ .‬ومن‬ ‫إلينا خلفاؤه من الوثائق َ‬
‫ه بتمامها وأمعن النظر‬ ‫ة حيات ِ‬‫ص ِ‬‫وقف على ق ّ‬
‫بإنصاف وحياد فيما حدث بينه وبين أصناف‬
‫الناس من علقات طارئة وغريبة‪ ،‬أيقن بل مرية‬
‫ن ما حظي هذا الرجل من الشهرة والعّز‬ ‫أ ّ‬
‫والقبال بصورة غير متوقعة‪ ،‬إنما هو مثال‬
‫ل‬‫رهيب من الستدراج! ولكن مهما عثرنا في ك ّ‬
‫تلك المخّلفات الكتابية اّلتي تركها هو وخلفاؤه‬
‫وراءهم مما ل يسهل ضبطه وإحصاؤه من أمور‬
‫سّنة‬
‫خارجة عن رحاب كتاب الله ونطاق ال ّ‬
‫ئ عن ندمه‬ ‫ن لهذا الرجل كلمات تنب ُ‬ ‫النبوية؛ فا ّ‬
‫وهو في آخر عهده من هذه الدنيا؛ كترديده للية‬
‫ب‬
‫جن ْ ِ‬‫ي َ‬ ‫تف ِ‬ ‫فّرطْ ُ‬‫ما َ‬
‫ى َ‬
‫عل َ‬
‫ى َ‬ ‫سرَرت َ‬‫ح ْ‬ ‫الكريمة }َيا َ‬
‫ه‪ 504{...‬وكقوله في وصيته‪« :‬ل تزيدوا التكايا‬ ‫الل ِ‬

‫ي‪ ،‬رسالته هذه إلى إسماعيل الشيرواني‪ ،‬وردت في المصادر التالية‪:‬‬


‫خالد البغداد ّ‬ ‫‪503‬‬
‫ي‪ ،‬البهجة السنيه في آداب الطريقة النقشبندّية ص‪.42/‬‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫* مح ّ‬
‫مد أسعد الصاحب‪ ،‬بغية الواجد ص‪.174 /‬‬
‫* مح ّ‬
‫* عبد الكريم البياري المدّرس‪ ،‬تذكار الرجال ص‪.65 ،64 /‬‬

‫سورة الزمر‪.56/‬‬ ‫‪504‬‬


‫‪370‬‬

‫مر جامع‬
‫عما في عهدي‪ .‬ومن أراد الحداث فليع ّ‬
‫‪505‬‬
‫داس»‪.‬‬
‫الع ّ‬
‫فعسى أن يكون قد تاب في آخر أنفاسه من‬
‫جميع ما قد أحدث في الدين الحنيف من بدع‬
‫مجوس الهند‪ ،‬وما أحيا من أساطير الشامان‬
‫وهرطقات جاهلية التراك‪ .‬والله سبحانه وتعالى‬
‫ل شيء‬‫عا‪ ،‬ورحمته وسعت ك ّ‬ ‫غني عن عذابنا جمي ً‬
‫لعّله يغمرنا وإياه بغفرانه وهو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫ي قد استطاع أن يثير‬ ‫إذا كان خالد البغداد ّ‬


‫ي في جميع أنحاء‬ ‫اهتمام المجتمع العثمان ّ‬
‫ظروف‬
‫ٍ‬ ‫آناضول والمشرق العربي‪ - ،‬وذلك في‬
‫ط آمال الرجال حّتى‬ ‫ة ‪ -‬فأصبح مح ّ‬ ‫غير عادي ٍ‬
‫ذات وأوله‬ ‫اعتنى به خليفة المسلمين بال ّ‬
‫اهتماما كبيًرا وأصدر الفرمان بمعاقبة خصومه‬
‫وتأديبهم؛ فل ُيعقل أن ترجع هذه الشهرة‬
‫العظيمة إلى غزارة علمه‪ ،‬ول إلى جزالة نطقه‬
‫وبلغته فحسب؛ بل لخلفائه دور كبير في إذاعة‬
‫صيته‪ ،‬وإلقاء هيبته ومحّبته في قلوب مليين‬
‫الناس‪ .‬إذن يناسب هنا أن نعدّ أسماء مشاهيرهم‬
‫ن سعى‬ ‫م ْ‬
‫بالضافة إلى ذكر شيء من أعمال َ‬
‫ي واستمّر في‬ ‫منهم لترسيخ تعاليم خالد البغداد ّ‬
‫الصورة المامية باستغلل شهرته‪.‬‬

‫كذلك سوف نتعّرض إلى ذكر بعض أخلفهم‬


‫اّلذين ل يزالون يعملون على نهج خالد‪ ،‬وعلى‬
‫تخليد ذكره في عصرنا‪ ،‬وبخاصة منهم البارزون‬
‫في الساحة التركّية‪.‬‬

‫راجع ترجمته بالتفصيل في كتاب «علماء دمشق وأعيانها في قرن الثالث عشر الهجري» للمؤل ّ َ‬
‫فين‪:‬‬ ‫‪505‬‬
‫مد مطيع الحافظ ونزار أباظه‪ ،‬الجزء الول ص‪ .311 /‬دار الفكر‪-‬دمشق‪.‬‬
‫مح ّ‬
‫‪371‬‬

‫ي كان «له‬ ‫دا البغداد ّ‬


‫ن خال ً‬‫يزعم النقشبندّيون أ ّ‬
‫خلفاء حنفاء‪ ،‬أولياء صلحاء‪ ،‬علماء عظماء‪،‬‬
‫‪506‬‬
‫دون» ‪.‬‬ ‫رك كثرَتهم العا ّ‬ ‫سائحون عابدون‪ ،‬ل يد ِ‬
‫ة لعبد المجيد بن‬
‫جع ُ‬
‫ت المس ّ‬‫كانت هذه الكلما ُ‬
‫ة منهم‬
‫ي‪ .‬ثم يقول‪« :‬ولكن أذكر فئ ً‬ ‫مد الخان ّ‬
‫مح ّ‬
‫مقتصًرا على من توفي وهو راض عنهم غير‬
‫جانح إلى عدّ خلفائهم‪ .‬فإّنهم يبلغون إلى مائة‬
‫‪507‬‬
‫ف أو يزيدون»‪.‬‬‫أل ٍ‬
‫صا من‬ ‫عثرنا على أسماء واحد وأربعين شخ ً‬
‫ي‬‫ي في حدائق الخان ّ‬ ‫مشاهير خلفاء خالد البغداد ّ‬
‫ي‬
‫ي المام‪ ،‬وعبد الله القادر ّ‬ ‫مد البغداد ّ‬ ‫وهم‪ :‬مح ّ‬
‫ي‬
‫ي‪ ،‬وعبد الرحمن الكرد ّ‬ ‫كار ّ‬ ‫ي اله ّ‬ ‫الشمزين ّ‬
‫ي‪،‬‬‫ي العقر ّ‬ ‫ي‪ ،‬وعبد الفتاح الكرد ّ‬ ‫العقر ّ‬
‫والمل‬ ‫ي‪َ ،‬‬ ‫ي‪ ،‬وعبد الله الجل ّ‬ ‫ر ّ‬ ‫ومصطفى ال ْگ ُل ْ َ‬
‫عن ْب َ ِ‬
‫ي‪ ،‬والمل ّ‬ ‫ي‪ ،‬وعبد القادر البرزنج ّ‬ ‫عباس الكوك ّ‬
‫ي‪ ،‬وأبو‬ ‫ي‪ ،‬وإسماعيل البرزنج ّ‬ ‫هداية الله الربل ّ‬
‫ي‪ ،‬ومعروف‬ ‫ي‪ ،‬وطاهر العقر ّ‬ ‫بكر البغداد ّ‬
‫مد بن‬ ‫ي‪ ،‬ومح ّ‬ ‫ي‪ ،‬وأحمد القسطمون ّ‬ ‫التكريت ّ‬
‫مد عاشق‪ ،‬وموسى‬ ‫ي‪ .،‬ومح ّ‬ ‫سليمان البغداد ّ‬
‫ي‪ ،‬وأحمد‬ ‫ي الكركوك ّ‬ ‫ي‪ ،‬وعبد الغفور الكرد ّ‬ ‫الجّبور ّ‬
‫ي‪،‬‬ ‫ي الطويل ّ‬ ‫ي الخطيب‪ ،‬وعثمان الكرد ّ‬ ‫الربل ّ‬
‫ي‪ ،‬وإسماعيل‬ ‫ي‪ ،‬وخالد الكرد ّ‬ ‫وعبد الله الرزنجان ّ‬
‫ي‪،‬‬
‫ي‪ ،‬وأحمد البرزنج ّ‬ ‫ي‪ ،‬وأحمد الغربوز ّ‬ ‫الشيروان ّ‬
‫ي‪،‬‬
‫ي‪ ،‬وعبد الغفور المشاهد ّ‬ ‫وعبيد الله الحيدر ّ‬
‫ي‪،‬‬ ‫ي‪ ،‬وعبد القادر الديملن ّ‬ ‫مد الجديد البغداد ّ‬ ‫ومح ّ‬
‫مد‬‫ي‪ ،‬ومح ّ‬ ‫مد الناصح‪ ،‬وحسن القوزان ّ‬ ‫ومح ّ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ي‪ ،‬وطه الگيلن ّ‬ ‫ي‪ ،‬وخالد الجزر ّ‬ ‫المجذوب العماد ّ‬
‫ي‬‫مد الفراق ّ‬ ‫ي‪ ،‬ومح ّ‬ ‫ي‪ ،‬وإسماعيل البصر ّ‬ ‫كار ّ‬ ‫اله ّ‬
‫ي‪،‬‬‫ي‪ ،‬وعبد الله الفرد ّ‬ ‫ي‪ ،‬والمل ّ خالد الكرد ّ‬ ‫الكرد ّ‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.258 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫‪ 506‬عبد المجيد بن مح ّ‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.258 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪507‬‬
‫‪372‬‬

‫مد‬
‫ي‪ ،‬ومح ّ‬
‫ي‪ ،‬وعبد الله الهرو ّ‬
‫وإسماعيل الناران ّ‬
‫ي‪...‬‬‫بن عبد الله الخان ّ‬
‫هذه القائمة ل نجد فيها أسماءَ عدٍد آخر من‬
‫مشاهير خلفاء خالد‪ ،‬كأحمد بن سليمان‬
‫ي‪،‬‬
‫ي‪ ،‬وحسين الدوسر ّ‬ ‫ي الرواد ّ‬ ‫الطرابلس ّ‬
‫ي‪ ،‬ومحمود الصاحب )شقيق‬ ‫وإسماعيل الزلزلو ّ‬
‫ك فيما إذا كان‬‫ي(‪ .‬وهذا يثير الش ّ‬‫خالد البغداد ّ‬
‫بين هؤلء وبين الباقين من الفرقة الخالدّية‬
‫نزاع وتنافر؛ كما لو كان المؤّلف مناوًئا لهم‪ .‬في‬
‫ضا‬‫الحقيقة لم يهتم النقشبندّيون التراك أي ً‬
‫بهؤلء الشخاص‪ ،‬ليس ذلك إل ّ لّنهم من أصو ٍ‬
‫ل‬
‫ة وعاشوا في المناطق العربّية حّتى اختفت‬ ‫عربي ٍ‬
‫أسماؤهم وغدوا نسًيا منسّيا‪.‬‬

‫ما‬
‫ن النـزاع دائ ً‬‫قق‪ ،‬أ ّ‬ ‫ول يخفى على الباحث المد ّ‬
‫ما وبين شيوخ‬ ‫وف عمو ً‬ ‫سجال بين أهل التص ّ‬
‫ن غابت هذه‬ ‫النقشبندّية على وجه الخصوص؛ وإ ْ‬
‫الحقيقة عن كثير من الناس‪ ،‬وذلك لسّرّية‬
‫أمورهم‪ ،‬وصمتهم وكتمانهم‪ .‬وأحيانا ً تفتضح‬
‫أسرار الخلف بين أشخاص وجماعات منهم؛‬
‫ن شاء الله‪.‬‬ ‫سوف نشرحه في بابه إ ْ‬
‫ن السرة الخانّية كانت قد‬ ‫هذا وجدير بالتنويه‪ ،‬أ ّ‬
‫ة‪ ،‬ولمع نجمها بعد موت خالد‬ ‫ة بالغ ٍ‬ ‫حظيت بشهر ٍ‬
‫ي‬ ‫و َ‬
‫ل والثان َ‬ ‫ن وصّيه ال ّ‬ ‫ة‪ .‬وذلك أ ّ‬ ‫ي بسرع ٍ‬ ‫البغداد ّ‬
‫لم يلبثا حّتى أدركتهما المنية بعد موته بمدة‬
‫قليلة‪ 508.‬فأتاحت الفرصة بذلك لخليفته الثالث‬
‫ي؛ فحّلت أسرته بسبب‬ ‫مد بن عبد الله الخان ّ‬ ‫مح ّ‬
‫ب‬
‫ي‪ .‬ولكن د ّ‬‫ل أسرة البغداد ّ‬ ‫ور مح ّ‬ ‫هذا التط ّ‬
‫د‪ ،‬واستمّر المر‬ ‫ة خال ٍ‬ ‫ف ورث ِ‬ ‫القلق في صفو ِ‬
‫كذلك حّتى بلغ التنافس والتنافر بين السرتين‬

‫المصدر السابق ص‪.261-260 /‬‬ ‫‪508‬‬


‫‪373‬‬

‫و المعاداة والتباغض في عهد الجيل الثالث‬


‫شأ َ‬
‫للطرفين‪.‬‬

‫دا أسعدا ً الصاحب ابن شقيق خالد‬ ‫إن الشيخ محم ً‬


‫ي كان ساخطا ً على الخانّيين وبينهما‬ ‫البغداد ّ‬
‫ن عبد المجيد‬ ‫ة‪ :‬أ ّ‬
‫ل على ذلك بصراح ٍ‬ ‫هجران‪ .‬ويد ّ‬
‫ي لم يذكر اسم والد‬ ‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬ ‫بن مح ّ‬
‫مد أسعد ضمن قائمة الخلفاء في كتابه‬ ‫مح ّ‬
‫)الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية(‬
‫ي‪ .‬فقد‬ ‫وهو محمود الصاحب شقيق خالد البغداد ّ‬
‫ي لهذا السبب‪.‬‬ ‫تناساه الخان ّ‬
‫ت‬
‫ف ْ‬‫ظّلت السرة الخانّية هكذا في الصورة‪ ،‬فالت ّ‬
‫جموع النقشبندّيين حولها في بلد الشام‪،‬‬
‫وتقّلصت شهرة أسعد الصاحب‪ .‬لذا‪ ،‬كانت ك ُت ُ ُ‬
‫ب‬
‫الخانّيين ) البهجة السنّية لمحمد بن عبد الله‬
‫ي؛ والحدائق الوردّية‪ ،‬والسعادة البدية‬ ‫الخان ّ‬
‫ي( كانت‬‫مد الخان ّ‬
‫لحفيده عبد المجيد بن مح ّ‬
‫ما‪.‬‬ ‫رائجة بين مللي الطائفة النقشبندّية عمو ّ‬
‫ب أسعد الصاحب )بغية الواجد‪ ،‬ونور‬ ‫بينما ك ُت ُ ُ‬
‫الهداية والعرفان‪ ،‬و الجوهر المكنون‪،‬‬
‫والفيوضات الخالدّية‪ ،‬ورجال الطريقة‬
‫النقشبندّية( مهجورة‪ ،‬ل تتداولها اليدي؛ بل‬
‫بعضها غير معروفة من قبل النقشبندّيين وغير‬
‫صة في مكتبات إسطنبول‪.‬‬ ‫موجودة‪ ،‬خا ّ‬
‫ي ثالث أوصياء‬ ‫مد بن عبد الله الخان ّ‬ ‫كان مح ّ‬
‫حا في‬ ‫ي؛ رجل ً ماهًرا في الرياسة‪ ،‬ناج ً‬ ‫البغداد ّ‬
‫ة في‬ ‫ة حكيم ً‬
‫قيادة أتباع خالد‪ .‬مارس سياس ً‬
‫ل مهيًبا‬ ‫ة منهم‪ .‬ظ ّ‬‫م ِ‬
‫صة والعا ّ‬
‫التعامل مع الخا ّ‬
‫قًرا فيهم‪ .‬لذلك استمّرت الفرقة الخالدّية‬ ‫ومو ّ‬
‫في نشاطها وحيويتها على الرغم من مشاكل‬
‫تلك المرحلة؛ وما كان يعاني المجتمع والدولة‬
‫من أزمات سياسّية واجتماعّية واقتصادّية‬
‫دة‪.‬‬
‫وأخلقّية حا ّ‬
‫‪374‬‬

‫استطاعت الطريقة النقشبندّية أن تحتفظ‬


‫كان العرب في ديار الشام‬‫بتأثيرها على الس ّ‬
‫دا‬ ‫ن العرب هم أق ّ‬
‫ل استعدا ً‬ ‫كنتيجة لجهوده‪ .‬مع أ ّ‬
‫للنفلت من ربقة السلم بنـزعات باطنية‬
‫دخيلة‪.‬‬

‫ن ولة السلطة العثمانّية على المنطقة‬ ‫إ ّ‬


‫مد رشيد‬ ‫الشامية يومئذ ‪ -‬ومنهم الفريق مح ّ‬
‫مد نامق باشا‪ ،‬و والى اليالة‬ ‫باشا‪ ،‬والمشير مح ّ‬
‫السورّية موسى صفوتي باشا‪ ،‬كانوا يستفيدون‬
‫ي في‬ ‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫كثيًرا من شهرة مح ّ‬
‫ضبط الرعّية‪ ،‬وتوفير المن في المنطقة‪ .‬لّنه‬
‫كان نافذ الكلمة‪ .‬و مقابل هذا‪ ،‬كانوا يبالغون‬
‫ما زاد في تقوية جاهه وتأثيره‪.‬‬ ‫م ّ‬
‫في إجلله‪ِ ،‬‬
‫ى‬
‫ي بجانب ذلك يتلق ّ‬ ‫مد بن عبد الله الخان ّ‬ ‫كان مح ّ‬
‫مادّّيا قوامه ألف وخمسمائة ليرة ذهبّية من‬ ‫ما َ‬
‫دع ً‬
‫خزانة الدولة العثمانّية سنوّيا‪ .‬وذلك بوساطة‬
‫والى سورّية موسى صفوتي باشا اّلذي سافر‬
‫جاج التراك عام‬ ‫سا لجماهير ح ّ‬ ‫جا ورئي ً‬ ‫معه حا ّ‬
‫ي‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬ ‫‪1846‬م‪ .‬وعندما زار مح ّ‬
‫ة العثمانّية عام ‪1853‬م‪ .‬استقبله‬ ‫سل ْطَن َ ِ‬
‫ة ال ّ‬‫عاصم َ‬
‫ما على غرار‬ ‫جمع من أركان الدولة استقبال ً فخ ً‬
‫ي في قصر موسى صفوتي‬ ‫الملوك‪ ،‬وأقام الخان ّ‬
‫ما عنده‪.‬‬‫فا معظّ ً‬
‫باشا بإسطنبول أربعة أشهر ضي ً‬

‫ي كتاًبا بعنوان‬ ‫مد بن عبد الله الخان ّ‬ ‫أّلف مح ّ‬


‫«البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية»‪.‬‬
‫ول كتاب شامل مرّتب ترتيًبا حسًنا في‬ ‫وهو أ ّ‬
‫ب‬ ‫ّ‬
‫آداب هذه الطريقة باللغة العربّية وبأسلو ٍ‬
‫ن جميع شيوخ هذه الطريقة‬ ‫س‪ .‬إذ أ ّ‬
‫سل ِ ٍ‬‫ح َ‬ ‫واض ٍ‬
‫م من‬ ‫ه ْ‬ ‫ما ُ‬
‫ؤ ُ‬ ‫قدَ َ‬‫ة؛ ُ‬
‫قبل شيخه‪ ،‬هم عناصُر عجمي ٌ‬
‫كان الديار‬ ‫التراك والكراد‪ ،‬وبقّيتهم من س ّ‬
‫قوا‬‫و ُ‬‫ة العربّية‪ ،‬ولم يتذ ّ‬ ‫الهندية‪ .‬لم ُيتقنوا الّلغ َ‬
‫‪375‬‬

‫كنوا‬ ‫ثماَر آدابها‪ .‬ويغلب أّنهم لهذا السبب لم يتم ّ‬


‫حا؛‬ ‫ما صحي ً‬ ‫سّنة فه ً‬ ‫من فهم حقائق القرآن وال ّ‬
‫دا بن عبد‬ ‫م ً‬‫ول كان لهم إلمام بالعلوم‪ .‬ولكن مح ّ‬
‫ي النشأة والقريحة؛ فأصبح‬ ‫ي كان عرب ّ‬‫الله الخان ّ‬
‫ها‬
‫جال ِ َ‬‫ر َ‬‫ة ِ‬‫م ُ‬‫ج َ‬‫ن في آداب هذه الطريقة‪ ،‬وت َْر َ‬ ‫التدوي ُ‬
‫من الهواية بين أبناء هذه السرة بعد تأليف‬
‫كتاب «البهجة السنّية»‪ .‬فتابعه وقّلده في هذه‬
‫ي‬‫مد الخان ّ‬ ‫العادة‪ ،‬حفيده عبد المجيد بن مح ّ‬
‫بتأليفه كتابه المعروف‪« :‬الحدائق الوردّية في‬
‫حقائق أجلء النقشبندّية» ورسالته «السعادة‬
‫البدية فيما جاء به النقشبندّية»‪.‬‬

‫أخطأ عدد من الباحثين‪ ،‬فنسبوا كتاب «السعادة‬


‫البدية فيما جاء به النقشبندّية»‪ .‬نسبوه إلى‬
‫ي‪ .‬وهذا غير صحيح‪.‬‬ ‫مد بن عبد الله الخان ّ‬‫ده مح ّ‬‫ج ّ‬
‫ي‬‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬ ‫بل حفيده عبد المجيد بن مح ّ‬
‫ة‬
‫ل ذلك كثير ٌ‬ ‫ب المذكوَر‪ .‬ودلئ ُ‬ ‫هو اّلذي أّلف الكتا َ‬
‫في سطوره‪ .‬منها‪ ،‬قوله في الديباجة‪:‬‬

‫«وبعد‪ ،‬فيقول أضعف النوع النساني‪ ،‬عبد‬


‫ي‪،‬‬‫ي الخالدي النقشبند ّ‬ ‫مد الخان ّ‬ ‫المجيد بن مح ّ‬
‫أنقذ الله من الوحال أحواَله‪ ،‬وأنفذ له من‬
‫ة‬
‫ما تكّرر طلب الخوان لرسال ٍ‬ ‫الكمال آماَله؛ ل ّ‬
‫ة في طريقتنا الخالدّية العلَية الشأن‪ .‬من‬ ‫مختصر ٍ‬
‫خزينة المفاخر والفضائل‪ ،‬وزينة الواخر‬
‫ي العرفان‪ ،‬سّيدي‬ ‫لمة الزمان‪ ،‬وأكبر ّ‬ ‫والوائل‪ ،‬ع ّ‬
‫الوالد الماجد‪ ،‬داماد قطب الرشاد‪ ،‬حضرة مولنا‬
‫ي‪،‬‬
‫ي‪ ...‬أشار إل ّ‬
‫ي الكرد ّ‬ ‫ي العثمان ّ‬ ‫خالد النقشبند ّ‬
‫َ‬
‫ب سؤالهم‪ ،‬ول أنظَر‬ ‫ُ‬
‫ن أجي َ‬ ‫ي؛ أ ْ‬
‫ض عل ّ‬ ‫وإشارته فر ٌ‬
‫ت‬
‫ت امتثاله‪ ،‬وشرع ُ‬ ‫بعين السوى لهم‪ .‬فاسرع ُ‬
‫ميُتها‪ :‬السعادة البدية فيما جاء‬ ‫بهذه الرسالة وس ّ‬
‫به النقشبندّية»‪.‬‬
‫‪376‬‬

‫والدليل الثاني في إثبات نسبة هذه الرسالة إلى‬


‫ي‪ :‬كلماته في نهاية‬‫مد الخان ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬
‫صها‪:‬‬
‫الرسالة المذكورة‪ ،‬وهذه ن ّ‬
‫ه عبد المجيد‪ :‬لقد‬‫ع ُ‬
‫«يقول أضعف العبيد جام ُ‬
‫ت هذه الموارد الهنّية‪ ،‬من أنواء أنوار‬‫جمع ُ‬
‫د‬
‫البهجة السنّية‪ ،‬لمشّيد المجد المؤّبد‪ ،‬سّيدي الج ّ‬
‫المجد‪ ...‬في دمشق الشام‪ ،‬عاشر ذي القعدة‬
‫الحرام عام ‪1313‬هـ‪.».‬‬

‫مد أبي السعود‬


‫والدليل الثالث هي كلمات مح ّ‬
‫أفندي مراد‪ ،‬على سبيل التقريظ لهذه الرسالة‬
‫في أبيات نظمها‪ ،‬يقول في بعضها‪:‬‬

‫سما في فضله حّتى غدا فيــ * ـه من شمس‬


‫الضحى أسمى وأشهر؛‬
‫أل وهو الملذ الشيخ عبد ال* مجـيد الخالـدي‬
‫الشـهم المـوقر‪.‬‬
‫ر * به صبح الطريقة‬ ‫سف ٍ‬‫ت فيه خـير ُ‬‫وقد أّلف َ‬
‫منك أســـفر‪.‬‬

‫***‬
‫ي سنة ‪1862‬م‪.‬‬ ‫مد بن عبد الله الخان ّ‬ ‫مات مح ّ‬
‫ددّية النقشبندّية مازالت‬ ‫والطريقة الخالدّية المج ّ‬
‫ي سّتة‬‫مض ّ‬ ‫وتها‪ ،‬على الرغم من ُ‬ ‫تحتفظ بق ّ‬
‫ي؛ بالضافة‬ ‫ما على موت خالد البغداد ّ‬ ‫وثلثين عا ً‬
‫ت الفكاَر‪،‬‬ ‫ة غّير ْ‬
‫م ٍ‬‫ث ها ّ‬‫إلى ما وقعت من أحدا ٍ‬
‫وشت الذهان في تلك‬ ‫ت العقائد‪ ،‬وش ّ‬ ‫وزعزع ْ‬
‫المرحلة‪.‬‬

‫وع بدافع‬ ‫ما أخذت تشتدّ وتتن ّ‬‫ن هذه الحداث ل َ ّ‬‫إل ّ أ ّ‬
‫ورات العصر‪ ،‬بدأت تنعكس‬ ‫سلسلة من تط ّ‬
‫جها على الجيل الصاعد بما فيهم أبناء‬ ‫نتائ ُ‬
‫مد بن‬ ‫الطائفة النقشبندّية في عهد أخلف مح ّ‬
‫ق ً‬
‫فا‬ ‫ي‪ .‬لذا نلمس تو ّ‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬ ‫مح ّ‬
‫‪377‬‬

‫ظا في نشاط هذه الطريقة على الساحة‬ ‫ملحو ً‬


‫ي‪،‬‬‫مد الخان ّ‬‫مد بن مح ّ‬‫الشامّية في عهد ابنه مح ّ‬
‫ملنا‬
‫ي‪ .‬وإذا تأ ّ‬
‫مد الخان ّ‬
‫وحفيده عبد المجيد بن مح ّ‬
‫قليل ً فيما كان يحدث يومئذ في العالم بصورة‬
‫ة‪ ،‬وفي المناطق العربّية )سيما في منطقة‬ ‫م ٍ‬
‫عا ّ‬
‫الهلل الخصيب( من ثورات وحركات فكرّية‬
‫وعقدّية و إيديولوجّية‪ ،‬لبدّ أن نقدَّر ما كان لهذه‬
‫الحركات من الثر الكبير على العقلّية السائدة‬
‫في تلك المرحلة‪.‬‬

‫ي )وهو ابنه‬ ‫مد بن عبد الله الخان ّ‬ ‫ن خليفة مح ّ‬ ‫ثم إ ّ‬


‫مد( ‪ -‬في الحقيقة ‪ -‬لم يتمّيز بشخصّية بارزة‪،‬‬ ‫مح ّ‬
‫صة‪ ،‬وكانت قد طغت شهرة المير عبد القادر‬ ‫خا ّ‬
‫الجزائري على سمعة الخانّيين بصورة طبيعّية‬
‫ضا له أثر بالغ على هبوط‬ ‫ومن غير نزاع‪ .‬وهذا أي ً‬
‫ت الت ّّيارات‬ ‫مكانة النقشبندّيين‪ .‬وما أن تصاعد ْ‬
‫الفكرّية والسياسّية )الشائعة باسم اليقظة‬
‫دعوة‬ ‫ي والنهضة الحديثة وال ّ‬ ‫والوعي القوم ّ‬
‫ة إنحطاط‬ ‫ت سرع ُ‬ ‫السلفية وغيرها(‪ ،‬ازداد ْ‬
‫ب‬‫ع أدي ُ‬ ‫الطريقة الخالدّية‪ .‬فلم يستط ْ‬
‫مد‬‫مد بن مح ّ‬ ‫النقشبندّيين عبد المجيد بن مح ّ‬
‫م هذه الت ّّيارات‪ .‬على الرغم من‬ ‫ي أن يقاو َ‬
‫الخان ّ‬
‫جع‬‫ي المس ّ‬ ‫لباقته وتحذلقه وأسلوبه الدعائ ّ‬
‫ت جهودُ الباقين من رؤوس‬ ‫ع ْ‬ ‫والمزخرف‪ .‬ول ن َ َ‬
‫ف َ‬
‫مد أسعد بن محمود‬ ‫النقشبندّية من أمثال مح ّ‬
‫الصاحب و أعوانه‪.‬‬

‫ب في قلوبهم القلق على مستقبلهم‬ ‫وربما د ّ‬


‫ورات‪ ،‬بأن يهجرهم الناس في أمد‬ ‫بعد هذه التط ّ‬
‫ن استمّرت تلك الحركات اّلتي لم‬ ‫غير بعيد‪) ،‬إ ْ‬
‫تكن تعرف الهوادة في المنطقة(‪ ،‬حّتى غّيروا‬
‫شيًئا كثيًرا من سياستهم في التعامل مع ر ّ‬
‫واد‬
‫ي‪ .‬ويشهد على ذلك الموقف‬ ‫الوعي السلم ّ‬
‫المتصالح اّلذي اتخذه عبد المجيد بن مح ّ‬
‫مد‬
‫‪378‬‬

‫مد‬
‫ي من السلفّيين‪ ،‬وعلقاته مع الشيخ مح ّ‬
‫الخان ّ‬
‫عبده في منفاه بمدينة بيروت عام ‪1883‬م‪.‬‬

‫ت منذ أوائل‬
‫ولكن الطريقة النقشبندّية انزاح ْ‬
‫ت من الساحة الشامّية‪،‬‬ ‫القرن العشرين واختف ْ‬
‫إل ّ في بعض البقاع من المنطقة الشمالية الهلة‬
‫بالكراد‪ .‬اّلذين تشّربوا عقائد هذه الطريقة‬
‫لنسجامها مع عقليتهم القاصرة عن فهم‬
‫حقائق الكون والحياة والقرآن‪.‬‬

‫فلما بدأت علمات الحتضار على الدولة‬


‫العثمانّية‪ ،‬انحصرت نشاطات الطريقة‬
‫النقشبندّية في نطاق الساحة اّلتي يسكنها‬
‫التراك والكراد فحسب‪ .‬وهي الراضي التركّية‬
‫ت‬
‫ن هذه النشاطات دام ْ‬ ‫في الوقت الحاضر‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫ت في بعض الفترات‬ ‫ن اختل ّ ْ‬‫ت‪ ،‬وإ ْ‬
‫واستحكم ْ‬
‫بظهور الخلف بين رؤوس هذه الطائفة وبين‬
‫كام في عهد التحادّيين في آخر أّيام الدولة‬ ‫ح ّ‬‫ال ُ‬
‫العثمانّية‪ ،‬وفي المرحلة الولى من العهد‬
‫ل‬‫ن مستق ّ‬ ‫ع دي ٍ‬
‫ت طاب َ‬‫ي‪ .‬ولكنها أخذ ْ‬ ‫الجمهور ّ‬
‫ما في أّيامنا‪ ،‬سوف نشرح هذا الجانب في‬ ‫تما ً‬
‫ن شاء الله تعالى‪.‬‬ ‫الفصل الخامس إ ْ‬
‫ت من شيوخ الطريقة‬ ‫في الحقيقة‪ ،‬مئا ٌ‬
‫ة‬
‫دا بالغ ً‬
‫النقشبندّية كانوا ول يزالون يبذلون جهو ً‬
‫في نشر تعاليم الطريقة الخالدّية على الساحة‬
‫ي منذ حقبة‬ ‫ي والكرد ّ‬ ‫التركّية بين العنصر الترك ّ‬
‫ن نجاح‬ ‫تزيد على مائة وخمسين سنة‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫الطريقة في هذه الساحة إّنما يعود بالدرجة‬
‫الولى إلى شخصين منهم‪ .‬وما ذلك في‬
‫الحقيقة إل ّ من نتائج سعيهما المتواصل‪،‬‬
‫ودعاياتهما المغرية‪ ،‬وأسلوبهما في التعامل مع‬
‫الناس‪ ،‬وتأثيرهما في توجيههم‪ ،‬بالضافة إلى‬
‫كام السلطة العليا‪ .‬وإل ّ‬ ‫علقتهما الوطيدة بح ّ‬
‫‪379‬‬

‫ليس بسبب إطلع الناس على كنه هذه الطريقة‬


‫ما‪.‬‬
‫وغاياتها‪ .‬بل العامة تجهل حقيقتها تما ً‬
‫أحد هذين الشخصّيتين البارزتين هو الشيخ طه‬
‫َ‬
‫ي ال ْگيلن ّ‬
‫يُ‪ .‬وهو من‬ ‫ي اله ّ‬
‫كار ّ‬ ‫ي الشمزين ّ‬‫النهر ّ‬
‫الطبقة الولى في سلسلة الطريقة بعد خالد‬
‫ي كما مّر ذكره‪.‬‬
‫البغداد ّ‬
‫والثاني‪ ،‬هو الشيخ أحمد ضياء الدين‬
‫ي‪ .‬اّلذي أخذ الخلفة من أحمد‬ ‫و ْ‬
‫شخانو ّ‬ ‫ال ُ‬
‫گم ُ‬
‫ي(‪.‬‬
‫سليمان الروادي )خليفة خالد البغداد ّ‬
‫ما بقّية شيوخ النقشبندّية ‪ -‬مهما اشتهر‬ ‫وأ ّ‬
‫ضهم وأصبح في الصورة‪ ،‬لتقادم سمعة‬ ‫بع ُ‬
‫ق ُ‬
‫قوا شيًئا جدي ً‬
‫دا سوى‬ ‫ولين ‪ -‬فإّنهم لم يح ّ‬‫ال ّ‬
‫منافسة المثال في اصطياد الناس‪.‬‬
‫***‬

‫ن المل ّ أحمد بن صالح‬ ‫ه بْ ُ‬‫* الشيح طَ َ‬


‫َ‬
‫ي ال ْگيلن ّ‬
‫ي‪.‬‬ ‫كار ّ‬ ‫ي اله ّ‬‫النهر ّ‬
‫ي من سللة الحسن بن علي بن‬ ‫ينحدر طه النهر ُّ‬
‫أبي طالب رضي الله عنهما‪ .‬أسرته من تلك‬
‫العائلت المهاجرة من ذراري بني هاشم اّلذين‬
‫فّروا من زحف المغول عام ‪ 656‬من الهجرة‪،‬‬
‫الموافق‪ 1258 :‬من الميلد‪ ،‬وأقاموا في هذه‬
‫ع‬
‫المنطقة؛ ثم غلب على كثير منهم الطاب ُ‬
‫‪509‬‬
‫ي‪.‬‬
‫الكرد ّ‬
‫يستثنى من هذه العائلت المهضومة في البوتقة الكردّية‪ :‬الحسينّيون من أحفاد الشيخ حامد المارديني‬ ‫‪509‬‬
‫عرد؛ والسرة‬ ‫اّلذين أقاموا في مدينة ماردين وضواحيها؛ والسرة العباسية في مدينة ت ِّلو؛ التابعة لولية ِ‬
‫س ِ‬
‫ي الجليل‪،‬‬
‫ن هذه المنطقة قد فتحها الصحاب ّ‬
‫ضا‪ .‬إ ّ‬
‫الحزينية الحسنية في قرية فرساف‪ ،‬بضواحي مدينة سعرد أي ً‬
‫ما هاجرت العائلت‬
‫عا من العرب‪ .‬فل ّ‬
‫خالد بن الوليد القرشي المخزومي‪ .‬فكان قد أقام هناك عقب الفتح جمو ً‬
‫المذكورة الثلث من بغداد إلى هذه المنطقة بعد ستمائة عام من الفتوحات السلمّية الولى‪ ،‬إختارت القامة‬

‫ة تزيد على سبعمائة‬


‫ة طويل ً‬
‫د ً‬
‫يم ّ‬
‫بين بني قومهم من سكانها الصلّيين؛ فصانتها من النصهار في المجتمع الكرد ّ‬
‫محي هذا الطابع على يد يهود سالونيك اّلذين وثبوا على السلطة‪ ،‬وتح ّ‬
‫كموا في زمام المر منذ بداية‬ ‫ة‪ ،‬حّتى ُ‬
‫سن ٍ‬
‫ي إلى اليوم‪.‬‬
‫العهد الجمهور ّ‬
‫‪380‬‬

‫ي‪.‬‬
‫ه عبد الله من خلفاء خالد البغداد ّ‬‫م ُ‬
‫كان طه وع ّ‬
‫مه في الشهرة‪ .‬لّنه كان يمتاز‬ ‫ن طه غلب ع ّ‬ ‫إل ّ أ ّ‬
‫كن منهم‪،‬‬ ‫بتسليط هيبته على الناس‪ ،‬والتم ّ‬
‫ه الخامل‬
‫م ِ‬
‫والمعرفة بطرق تسخيرهم؛ بخلف ع ّ‬
‫المعزول عن الناس‪ ،‬اّلذي ل ذكر له أصل ً سوى‬
‫ي فحسب‪.‬‬ ‫ما جاء في بعض مكتوبات البغداد ّ‬
‫ما طه‪ ،‬فان ولة المنطقة وأعيانها كانوا‬ ‫أ ّ‬
‫ينظرون إليه بعين التوقير والجلل لما رأوا‬
‫طاعة جميع العشائر الكردّية له‪ .‬وربما هذا‬
‫ه في‬
‫ج ِ‬‫ي ل ِت َدَّر ِ‬
‫السبب المزدوج هو الدافع الرئيس ّ‬
‫سّلم الشهرة حّتى استطاع أن يكتسب قو ً‬
‫ة‬ ‫ُ‬
‫ة في المنطقة إلى جانب مركزه‬ ‫سياسي ّ ً‬
‫ي‪ .‬ثم حظي من‬ ‫المرموق عند السلطان العثمان ّ‬
‫ضا‪.‬‬
‫هذه الشهرة خلفاؤه أي ً‬
‫ن أهمية دوره في نشر تعاليم الطريقة‬ ‫إ ّ‬
‫ن في جهود‬ ‫م ُ‬ ‫النقشبندّية على الساحة التركّية تك ُ‬
‫ُأسرتين من أتباعه‪ .‬وهما السرة الرواسّية‪،‬‬
‫ث في سير‬ ‫ن أراد البح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة‪ .‬لذا َ‬ ‫والسرة الك ُ ْ‬
‫فَروي ّ ِ‬
‫الطريقة النقشبندّية ومتابعة نشاطها إّبان‬
‫ن يتعّرف‬ ‫القرن الخير في هذه البلد‪ ،‬ينبغي له أ ْ‬
‫ول ً على كنه هاتين السرتين‪ .‬وحّتى المعرف ُ‬
‫ة‬ ‫أ ّ‬
‫ضا على المعرفة‬ ‫قف أي ً‬ ‫بشخصّية طه‪ ،‬تتو ّ‬
‫دخروا‬ ‫ن أتباعه لم ي ّ‬ ‫بالسرتين المذكورتين‪ .‬ل ّ‬
‫ه ل ينبغي‬ ‫عا في تعظيم شأنه إلى درجة إل ٍ‬ ‫وس ً‬
‫ي إنسان من الطلع‬ ‫كن أ ّ‬ ‫)في اعتقادهم( أن يتم ّ‬
‫على شيء من صفاته البشرية‪.‬‬

‫لذا وعلى الرغم من أّنه كان رجل ً سياسّيا‬


‫ن‬‫ي‪ ،‬فا ّ‬‫فا‪ ،‬بصفته في المجلس العثمان ّ‬ ‫معرو ً‬
‫ء‬
‫أتباعه قد بذلوا قصارى جهودهم في القضا ِ‬
‫على أدنى وثيقة من دلئل حياته السياسّية لما‬
‫ه من قلوب المريدين؛ وقد‬ ‫ب زوا َ‬
‫ل هيبت ِ ِ‬ ‫سب ّ ُ‬‫قد ت ُ َ‬
‫‪381‬‬

‫ت أسطورية غريبة‬ ‫ف من حكايا ٍ‬ ‫نسجوا حوله تلفي َ‬


‫على سبيل الذكر لما كان يّتصف به من العظمة‬
‫والشموخ والشأن الرفيع والكرامة والبركة؛‬
‫مل فيما إذا كان هذا‬ ‫هى بها الغافل عن التأ ّ‬
‫يتل ّ‬
‫وط‪.‬‬ ‫الرجل بشًرا يأكل ويشرب ويتغ ّ‬
‫كان طه من أشهر أبناء الشرفاء النهرّيين )نسبة‬
‫ة من مدينة‬ ‫م ْ‬
‫قُرب َ ٍ‬ ‫إلى نهري(‪ .‬وهي قرية على َ‬
‫كارية‪ .‬وكان في‬ ‫ن» التابعة لولية اله ّ‬
‫زيَنا ْ‬
‫م ِ‬ ‫« َ‬
‫ش ْ‬
‫الوقت ذاته يمّثل أكبر جماعة من النقشبندّيين‬
‫في المنطقة الكردّية الشمالّية من المملكة‬
‫العثمانّية‪.‬‬

‫عب َي ْدُ الله‪ .‬وكان قد‬ ‫ه ُ‬


‫قام بدوره )بعد وفاته(‪ ،‬ابن ُ ُ‬
‫ل‬‫مه صالح بن أحمد‪ ،‬فاستغ ّ‬ ‫أخذ الخلفة من ع ّ‬
‫ت منه‬ ‫شهرة والده في أغراض خطيرة بدر ْ‬
‫ت شخصّية فيه‪ .‬ذلك لّنه كان جريًئا‬ ‫لمّيزا ٍ‬
‫ما‪ .‬عارض سياسة السلطان عبد الحميد‬ ‫مقدا ً‬
‫ن‬‫الثاني ضدّ موقفه المتهاون من الكراد‪ .‬ولك ّ‬
‫عقلّيته المتخّلفة لم تسمح له بملزمة جانب‬
‫الحكمة في تعامله مع السلطة العثمانّية‪ .‬فلم‬
‫جًبا بقدرته إلى‬ ‫ع ِ‬
‫م ْ‬
‫ينجح في معارضته‪ .‬لنه كان ُ‬
‫د‬
‫حدود الغترار حّتى لجأ إلى استعمال العنف ض ّ‬
‫جهة غير ذات علقة بالمر‪ .‬فاّتخذ العداء السافر‬
‫ة لهذه‬ ‫على العشيرة المسيحّية الشورّية ذريع ً‬
‫ها وطلب منهم أن ُيعلنوا‬ ‫المعارضة‪ .‬فأنذز زعمائ َ َ‬
‫عا‪ ،‬وإل ّ ل َُيداهمّنم‬ ‫مهم على وجه السرعة جمي ً‬ ‫إسل َ‬
‫ببطشه وليحطمّنهم بجنوده! فجمع من مريديه‬
‫ص‪،‬‬ ‫ف شخ ٍ‬ ‫شا بمنطقة زاب‪ ،‬قوامه عشرون أل َ‬ ‫جي ً‬
‫ودخل المنطقة على حين غفلة من أهلها؛‬
‫ففعل بهم ما فعل‪ ،‬ثم دخل الراضي اليرانية‬
‫دى بذلك السلطتين العثمانّية‬ ‫فا يتح ّ‬ ‫زاح ً‬
‫ي‬ ‫ُ‬
‫ة؛ فداهمته القوات العثمانّية‪ ،‬فأل ْ ِ‬
‫ق َ‬ ‫واليراني َ‬
‫القبض عليه وعلى أبنه عبد القادر عام ‪1881‬م‪.‬‬
‫‪382‬‬

‫ي بنفيهما إلى مكة‬


‫فصدر الفرمان السلطان ّ‬
‫م مات عبيد الله في منفاه بعد أن‬
‫المكّرمة‪ .‬ث ّ‬
‫قضى هناك سبع سنين‪ .‬وذلك عام ‪1888‬م‪.‬‬

‫ن الغرض من ثورة عبيد الله بن طه‬ ‫قيل أ ّ‬


‫ي عام ‪1881‬م‪ ،.‬كان إقامة دولة كردية في‬ ‫النهر ّ‬
‫منطقة جنوب شرقي المملكة العثمانّية‪ .‬وتبرهن‬
‫على هذا‪ ،‬عدّةُ أحداث وقعت بعد موته‪.‬‬

‫ن ابنه عبد القادر‪ ،‬قام بتأسيس جمعية‬ ‫منها‪ ،‬أ ّ‬


‫ي‬‫كردية في ‪ .2‬أكتوبر‪1908 .‬م‪ .‬مقّرها الرئيس ّ‬
‫دة فروع في‬ ‫بمدينة إسطنبول‪ .‬وكان لها ع ّ‬
‫المنطقة الكردّية‪.‬‬

‫ومنها‪ ،‬ثبتتْ علقة عبد القادر بن عبيد الله‬


‫ي أمين‬ ‫ي بالثورة اّلتي قادها الزعيم الكرد ّ‬
‫النهر ّ‬
‫ه‬
‫ت علقت ُ ُ‬ ‫علي البدرخاني عام ‪1889‬م‪.‬؛ كذلك ثبت ْ‬
‫مع زحف الرواسيين على مدينة بدليس بقيادة‬
‫الشيخ شهاب الدين بن الشيخ صبغة الله‬
‫ي عام ‪1913‬م‪ .‬كما كانت له‬ ‫ي الحيزان ّ‬
‫الرواس ّ‬
‫علقة بالثورة اّلتي انفجرت أخيًرا بقيادة الشيخ‬
‫سعيد الﭙالوي عام ‪1924‬م‪.‬‬

‫صلة عن القضايا المذكورة‬ ‫جاءت معلومات مف ّ‬


‫في تقاريَر عدة لجهاز المخابرات التركّية فور‬
‫مد‪،‬‬
‫إعلن الجمهورّية وإثر اعتقاله مع ابنه مح ّ‬
‫ت هذه التقارير أمام المحكمة العرفية بمدينة‬ ‫ت ُل ِي َ ْ‬
‫ت معهما عبر‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫دياربكر أثناء التحقيقات التي أجري ْ‬
‫الجلسات من شهر أبريل ومايو عام ‪1925‬م‪ .‬وذلك‬
‫ة اشتراكهما وتعاونهما مع الثوار الكراد‬ ‫بتهم ِ‬
‫م العدام فيهما صبيحة‬ ‫فذَ حك ُ‬‫النقشبندّيين‪ .‬ثم ن ُ ِ‬
‫يوم الربعاء ‪ .17‬مايو‪1925 .‬م‪ .‬بمدينة دياربكر‪.‬‬

‫يبدو أّنه كان يستوحي الجرأة‪ ،‬ويستمد القدرة‬


‫خ من أقوى زعماء النقشبندّيين‪،‬‬
‫من وراثته لشي ٍ‬
‫‪383‬‬

‫ي؛ حّتى صدرت منه‬ ‫ده الشيخ طه النهر ّ‬ ‫وهو ج ّ‬


‫ه‬ ‫َ‬
‫ة ابن ِ‬
‫ت بحياته وحيا ِ‬
‫ودَ ْ‬
‫هذه البوادر الخطيرة‪ ،‬فأ ْ‬
‫مد إلى الهلك في سبيل هدف ل مساس له‬ ‫مح ّ‬
‫ة‪ .‬وإن كان بعض الزعماء لهذه‬ ‫بالسلم مباشر ً‬
‫الثورات ينطلقون باسم السلم ويهتفون به‪.‬‬
‫ولكّنها في الحقيقة كانت حركات نضالية‬
‫وثورات كردية ضدّ الحكم الفاشي لحزب التحاد‬
‫سد في النظام‬ ‫والترقي وامتداده اّلذي تج ّ‬
‫اليهودي بعد إعلن الجمهورّية‪ .‬بينما كان الشيخ‬
‫المذكور عربي الصل من سللة الحسن بن علي‬
‫بن أبي طالب رضي الله عنهما‪ ،‬وإن كان هو‬
‫كردي النشأة من حيث الذوق والعقلّية والتجاه‪.‬‬

‫ن الشيخ عبد القادر بن الشيخ عبيد الله بن‬ ‫إ ّ‬


‫ي‪ ،‬هذا اّلذي قام بتلك‬ ‫الشيخ طه النهر ّ‬
‫المغامرات الخطيرة‪ ،‬كان من أعضاء مجلس‬
‫قا‪ ،‬كما تقّلد‬ ‫ي ساب ً‬
‫العيان في البرلمان العثمان ّ‬
‫منصب رياسة مجلس الشورى في حكومة داماد‬
‫فريد باشا‪ ،‬عامي ‪1920-1919‬م‪ .‬من عهد السلطان‬
‫وحيد الدين‪ .‬ولكن العبرة اّلتي يجب استخلصها‬
‫ل هذه الوقائع‪ ،‬هو أّنه لم ينل هذه‬ ‫من ك ّ‬
‫المناصب ول حظي بهذه الشهرة إل ّ لّنه كان‬
‫ي شهير!‬ ‫خا نقشبندًيا وابن شيخ نقشبند ّ‬‫شي ً‬

‫لسرتان المذكورتان من أتباع الشيخ طه‬ ‫أما ا ُ‬


‫ّ‬
‫دا‪.‬‬
‫صتهما غريبة ج ّ‬
‫نق ّ‬
‫ي‪ ،‬فا ّ‬
‫النهر ّ‬
‫وقع التنافر بين السرتين فور موت الشيخ طه‪،‬‬
‫ثم اشتدّ الصراع بينهما بسبب المنافسة في‬
‫استغلل شهرته‪ ،‬حّتى بلغ ذلك إلى أبشع أشكال‬
‫ل من الطرفين يقابل‬‫التباغض والشحناء‪ .‬فبدأ ك ّ‬
‫ب والتكفير‪.‬‬
‫كم والس ّ‬‫الخر بالسخرية والته ّ‬

‫ي والشيخ‬
‫ة الله الرواس ّ‬
‫ن الشيخ صبغ َ‬ ‫ذلك أ ّ‬
‫ي‪ ،‬كل ً منهما كان قد حصل على‬ ‫دا الك ُ ْ‬
‫فَرو ّ‬ ‫محم ً‬
‫‪384‬‬

‫ي‪ .‬وهذا‬‫كار ّ‬‫ي اله ّ‬


‫الخلفة من الشيخ طه النهر ّ‬
‫ذا عن أصول النقشبندّية‪ .‬لّنه قد‬ ‫ليس أمًرا شا ّ‬
‫يأذن شيخ الجماعة لكثر من واحد بالخلفة‪ .‬إل ّ‬
‫صا‪ ،‬على أن يرجع إليه‬ ‫أّنه يقيم لنفسه وصّيا خا ّ‬
‫بقّية خلفائه بعد موته في قراراتهم‪ .‬وأن‬
‫ظموه بصفته نائًبا عنه‪.‬‬ ‫يرابطوه ويع ّ‬

‫ي‪ ،‬حّتى‬ ‫ي اله ّ‬


‫كار ّ‬ ‫ن مات الشيخ طه النهر ّ‬ ‫وما أ ْ‬
‫ي القائم مقام‬ ‫ل من الخليفتين أّنه الوص ّ‬ ‫دعى ك ّ‬ ‫ا ّ‬
‫شيخه وانتصر له أتباعه بحماس‪ .‬فزاد في هذه‬
‫ة الله‬‫ي‪« :‬أن الشيخ صبغ َ‬ ‫ع الك ُ ْ‬
‫فَرو ّ‬ ‫الحملة أتبا ُ‬
‫ل مطرودٌ من الطريقة وأّنه‬ ‫جا ٌ‬
‫قد ّ‬‫ي زندي ٌ‬ ‫الرواس ّ‬
‫ما على لسان عبيد الله‬ ‫لن يجد عرف الجّنة!»‪ ،‬زع ً‬
‫ف‬‫ي طر ٍ‬ ‫د‪ ،‬لم يأل أ ّ‬ ‫ور المر إلى ح ّ‬ ‫ي‪ .‬فتط ّ‬ ‫النهر ّ‬
‫ن قام‬ ‫دا في التشنيع على الخر‪ ،‬إلى أ ْ‬ ‫منهما جه ً‬
‫ي بثورة على النظام‬ ‫أبناء صبغة الله الرواس ّ‬
‫عام ‪1913‬م‪.‬‬
‫ما زحفوا على مدينة بدليس‪ ،‬استغ ّ‬
‫ل أتباع‬ ‫فل ّ‬
‫ي هذه الفرصة‪ ،‬فانحازوا إلى‬ ‫فَرو ّ‬ ‫الشيخ الك ُ ْ‬
‫وار‪ .‬وساعدهم رجل‬ ‫القوات العثمانّية ضدّ الث ّ‬
‫مد‬‫مد الغريب من أتباع الشيخ مح ّ‬ ‫اسمه الشيخ مح ّ‬
‫الحزين الفرسافي الهاشمي‪ .‬فاستولى على‬
‫عَتاِد والذخيرة للجنود اّلذين كانوا قد‬ ‫مخزن ال َ‬
‫ة على سكان‬ ‫هربوا من وجه الثوار‪ .‬فوّزع السلح َ‬
‫ت المقاومة ضدّ الرواسّيين حّتى‬ ‫المدينة؛ فاشتدّ ْ‬
‫ي القبض على قادتهم‪:‬‬ ‫ُ‬
‫عاجلتهم الهزيمة‪ .‬فأل ْ ِ‬
‫ق َ‬
‫مد‬ ‫الشيخ شهاب الدين‪ ،‬والسيد علي‪ ،‬والشيخ مح ّ‬
‫فذَ فيهم حك ُ‬
‫م‬ ‫ر السرة الرواسّية؛ ون ُ ِ‬ ‫شيرين‪ ،‬كبا ِ‬
‫ة في مدينة بدليس‪ .‬فزاد الطين‬ ‫العدام بسرع ٍ‬
‫ة بين السرتين بعد هذا الحدث‪ ،‬واستمّرت‬ ‫بل ّ ً‬
‫العداوة بينهما إلى يومنا هذا‪.‬‬

‫ة في‬
‫ضا نكب ٌ‬
‫ة أي ً‬
‫ويّ َ‬ ‫كانت قد أصابت السرةَ الك ُ ْ‬
‫فَر ِ‬
‫ف‬
‫ل متطّر ٌ‬ ‫ة أثارها رج ٌ‬ ‫تلك المرحلة بسبب بدع ٍ‬
‫‪385‬‬

‫‪510‬‬
‫اسمه‬ ‫من أتباعها الكراد في مدينة آغري‬
‫كو»‪.‬‬ ‫«ب َ ّ‬

‫ح‬
‫ل ظهر ينبح في الشوارع ن َُبا َ‬ ‫ن هذا الرج َ‬ ‫ذلك‪ ،‬أ ّ‬
‫ن هذا الفعل يصدر منه تلقائّيا‬ ‫الكلب‪ .‬فزعم أ ّ‬
‫ن ذلك جذبات إلهية‬ ‫وبغير إرادة‪ ،‬كما زعم أ ّ‬
‫تنتابه‪ ،‬فل قدرةَ له على المتناع عنها‪ .‬بيد أّنه لم‬
‫يقتصر بنفسه على ذلك؛ بل بدأ يدعو الناس‬
‫ضا إلى الُنباح بإصرار وقد يشتدّ عليهم أحياًنا‬ ‫أي ً‬
‫ء‪،‬‬ ‫إلى حدود الجبار‪ .‬فاغتر به كثير من الُبسطا ِ‬
‫ة أن‬ ‫ة منهم‪ ،‬مخاف َ‬ ‫وأطاعه آخرون على كراهي ٍ‬
‫ن تفاقمت البدعة‬ ‫سهم بسوء‪ .‬فلم يلبث أ ْ‬ ‫يم ّ‬
‫وانتشرت الفتنة بين قبائل الكراد اّلذين كانوا‬
‫ي‪ ،‬ويعتقدون‬ ‫فَرو ّ‬ ‫مد الك ُ ْ‬ ‫ينتمون إلى الشيخ مح ّ‬
‫ور‬‫أّنه أعظم أولياء الله على وجه البسيطة‪ .‬فتط ّ‬
‫ء على المنطقة‬ ‫المر وتصاعدت أصوات العوا ِ‬
‫ة‬‫بتمامها وبصورة مرعبة عجزت الدارة المحل ّي ّ ُ‬
‫كم فيها والحيلولة دونها؛ حّتى لجأت‬ ‫عن التح ّ‬
‫إلى طلب المدد من العاصمة إسطنبول‪ .‬فتم‬
‫القضاء على هذه البدعة باّتخاذ إجراءات أمنّية‬
‫صارمة‪ .‬ثم بعد أن صدر الفرمان بتنفيذ العقوبة‬
‫ة‪ ،‬بصفتهم‬ ‫وي ّ ِ‬
‫فَر ِ‬‫لزمة ضد كبار السرة الك ُ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫م إبعاد الشيخ‬ ‫مسئولين عن حدوث هذه الفتنة‪ ،‬ت ّ‬
‫عبد الهادي والشيخ عبد الباقي )ابني الشيخ‬
‫م إبعادهما إلى برية فزان‪.‬‬ ‫ي(؛ ت ّ‬ ‫مد الك ُ ْ‬
‫فَرو ّ‬ ‫مح ّ‬
‫وهي منطقة نائية عن البقاع المسكونة في‬
‫قلب الصحراء بليبيا‪ .‬وذلك في أوائل القرن‬
‫العشرين الميلدي‪.‬‬

‫هذه المدينة ولية في أقصى شرق تركيا‪ .‬تقع على مسافة قريبة من الحدود اليرانية‪-‬التركّية‪ .‬كانت‬ ‫‪510‬‬
‫تسمى «قره كوسه» ازداد سكانها في السنين الخيرة وأربى على خمسمائة ألف نسمة‪ .‬غالب قراها آهلة‬

‫ة منها ثورة ضد الطغمة‬


‫بالكراد‪ .‬تعتمد الحياة فيها على زراعة القمح وتربية المواشي‪ .‬انفجرت في منطق ٍ‬

‫اليهودّية الحاكمة عام ‪1930‬م‪ .‬وهي منطقة «وادي زيلن»‪.‬ذهب ضحية المذابح اّلتي ُارت ُك ِب َ ْ‬
‫ت فيها ستة عشر أل ً‬
‫فا‬

‫من الكراد؛ شملت الطفال والنساء والشيوخ والمرضى!‬


‫‪386‬‬

‫ة‬
‫ي سلبي ٍ‬‫د بأ ّ‬‫ج ِ‬
‫ورات لم ت ُ ْ‬
‫ن تلك التط ّ‬ ‫والغريب أ ّ‬
‫فف شيًئا من‬ ‫على الطريقة النقشبندّية‪ ،‬ولم تخ ّ‬
‫سرعة انتشارها ورسوخها‪ ،‬على الرغم من ابتلء‬
‫ي بنكبات المجاعة والهجرة بعد‬ ‫المجتمع العثمان ّ‬
‫الحرب العالمّية الولى‪ ،‬وزحف جيوش روسيا‬
‫القيصرية على المناطق الشرقية اّلتي كانت‬
‫ة بالكراد‪ .‬فنفذت محبة هذه‬ ‫معظمها آهل ً‬
‫الطريقة إلى قرارة نفوسهم‪ ،‬فتشّربتها دماؤهم‬
‫وخلياهم‪ .‬مع أن الطريقة النقشبندّية كانت‬
‫ن‬
‫حديثة العهد في تلك المرحلة بالضافة إلى أ ّ‬
‫ة منهم‪ ،‬ما كانوا ول يزالون‬ ‫الكثرية الساحق َ‬
‫يعرفون شيًئا من تعاليمها ومبادئها الساسّية‬
‫ما من أين‬‫وفلسفتها‪ .‬كما وأّنهم يجهلون تما ً‬
‫ي‬
‫تستوحي عقائدها‪ .‬وما هو الغرض الحقيق ّ‬
‫لهذه الطريقة‪.‬‬

‫هكذا سادت العقائد النقشبندّية ورسخت في‬


‫نفوس الكراد بالمنطقة الشرقية نتيجة جهود‬
‫ي وخليفتيه بالرغم من النـزاع‬ ‫الشيخ طه النهر ّ‬
‫اّلذي دام بينهما وبين أتباعهما منذ مائة وثلثين‬
‫ضا أثٌر كبيٌر‬
‫ما‪ .‬وكان لعدٍد آخر من الشيوخ أي ً‬ ‫عا ً‬
‫في انتشار هذه الطريقة على المنطقة‬
‫المذكورة‪ .‬منهم؛ الشيخ خالد الجزري‪ ،‬والشيخ‬
‫حامد المارديني الحسيني الهاشمي‪ ،‬والشيخ‬
‫مد الحزين الحسني‬ ‫كي‪ ،‬والشيخ مح ّ‬‫سيب ْ ِ‬
‫صالح ال ّ‬
‫الهاشمي‪.‬‬

‫ن جهود الشيخ أحمد‬ ‫ما المنطقة الغربّية‪ ،‬فا ّ‬ ‫أ ّ‬


‫خاَنوي يغلب على جهود سائر‬ ‫ش َ‬‫مو ْ‬ ‫ُ‬
‫ضياء الدين الگ ُ‬
‫شيوخ التراك في نشر هذه الطريقة‪ .‬ذلك لّنه‬
‫أعلمهم بالّلغة العربّية‪ ،‬وأكثرهم ثقاف ً‬
‫ة‪،‬‬
‫صة‬‫وأنجحهم في التعامل والتفاهم مع خا ّ‬
‫المجتمع‪ .‬لذا كان نافذ الكلمة عند رجال الدولة‬
‫والسياسة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني‪.‬‬
‫‪387‬‬

‫ه بالتفصيل في «إرغام المريد»‬ ‫جاءت ترجمت ُ ُ‬


‫ي‪.‬‬
‫مد زاهد الكوثر ّ‬ ‫للشيخ مح ّ‬
‫ي‪ .‬لذا‬
‫وهو من الطبقة الثانية بعد خالد البغداد ّ‬
‫ة والثلثين من السلسلة‬ ‫ة الحادي َ‬ ‫عدّ هو الحلق َ‬ ‫يُ َ‬
‫ي‬
‫ح العقر ّ‬ ‫ب الشيخ عبدَ الفتا ِ‬ ‫ح َ‬
‫ص ِ‬
‫النقشبندّية‪َ .‬‬
‫ي اّلذي أقام في إسطنبول‬ ‫)أحدَ خلفاء البغداد ّ‬
‫ر من شيخه‪ ،‬ومات بها‪ (.‬وفي‬ ‫لنشر الطريقة بأم ٍ‬
‫ي بالشيخ أحمد‬ ‫مو ْ‬
‫شخاَنو ّ‬ ‫ُ‬
‫تلك الفترة التقى الگ ُ‬
‫بن سليمان الروادي في إسطنبول‪ .‬كان‬
‫ي‪ .‬أجاَز‬‫ضا من خلفاء البغداد ّ‬ ‫ي أي ً‬
‫الرواد ّ‬
‫ي بالخلفة أثناء هذه الزيارة‪ .‬ثم عاد‬ ‫شخاَنو ّ‬ ‫الگ ُ ُ‬
‫مو ْ‬
‫إلى بلده طرابلس الشام بعد أن أقام في مدينة‬
‫ة‪.‬‬ ‫إسطنبول مدةً طويل ً‬

‫ي تصنيفات‬ ‫شخاَنو ّ‬ ‫مو ْ‬‫الگ ُ‬


‫ُ‬ ‫للشيخ أحمد ضياء الدين‬
‫وف والخلق‪ .‬وردت أسماؤها‬ ‫في الحديث والتص ّ‬
‫ونة بالعربّية‪.‬‬ ‫في كتب الباحثين التراك‪ .‬كّلها مد ّ‬
‫وذلك يبرهن على أّنه كان يتقن لغة الضاد‪ ،‬وإن‬
‫لم يكن على درجة فائقة في البلغة‪ .‬وذلك‬
‫ي‪ .‬إذ لم ينجح منهم‬ ‫دا على العنصر الترك ّ‬ ‫عسير ج ّ‬
‫أحد في استخدام هذه الّلغة على مستوى أدباء‬
‫ي في مصر‪.‬‬ ‫العرب وأعلمهم بعد العهد المملوك ّ‬
‫مد زاهد‬ ‫دا‪ .‬أشهرهم الشيخ مح ّ‬ ‫إل ّ عدد قليل ج ّ‬
‫ي‪ ،‬ثم الشيخ مصطفى صبري )آخر شيوخ‬ ‫الكوثر ّ‬
‫السلم في الدولة العثمانّية(‪ ،‬ثم الشيخ أبو‬
‫السعود العمادي‪ .‬مات الشيخ أحمد ضياء الدين‬
‫ي عام ‪1311‬هـ‪1893/.‬م‪ .‬والدولة‬ ‫شخاَنو ّ‬ ‫الگ ُ ُ‬
‫مو ْ‬
‫ر‬
‫ضة لخطا ٍ‬ ‫العثمانّية مغلوبة على أمرها‪ ،‬معّر َ‬
‫وشيكة الوقوع‪ .‬ولم يكن النقشبندّيون يومئذ‬
‫م بما تعاني دولتهم من أزمات‬ ‫ر تا ّ‬
‫على شعو ٍ‬
‫ة‬
‫م ً‬
‫رهيبة في الداخل والخارج‪ .‬وكان المجتمع عا ّ‬
‫في ظلم ٍ من الجهل والعمى‪ .‬حّتى اندلعت‬
‫‪388‬‬

‫الحرب العالمّية الولى‪ ،‬فحصدت مال ُيحصى من‬


‫الرواح‪.‬‬

‫ب أوزارها‪ ،‬بدأ الناس‬‫ن وضعت الحر ُ‬ ‫وما أ ْ‬


‫يستفيقون من سباتهم‪ ،‬وينهضون من تحت‬
‫مرة ليواصلوا مسيرة‬ ‫أنقاض هذه الدولة المد ّ‬
‫الحياة من جديد‪ .‬ولكن البقّية الباقية من‬
‫النقشبندّيين مازالوا ينظرون إلى من يظهر‬
‫ل مكان السابقين من‬ ‫فيركب على عاتقهم ويحت ّ‬
‫ة‬
‫مظلم كر ً‬‫م إلى ذلك العالم ال ُ‬‫ه ْ‬
‫عيدَ ُ‬
‫الشيوخ ل ِي ُ ِ‬
‫أخرى‪.‬‬

‫م إعلن الجمهورّية التركّية عام ‪1923‬م‪،.‬‬ ‫ما ت ّ‬


‫فل ّ‬
‫ي عام‬‫وانفجرت ثورة الشيخ سعيد الﭙالوي الكرد ّ‬
‫‪1924‬م‪ .‬حكمت السلطة على عدٍد من مشائخ‬
‫الطريقة النقشبندّية بالقامة الجبرية في المدن‬
‫ة‬
‫م العدام في جماع ٍ‬ ‫فذت حك َ‬ ‫الغربّية بعد أن ن ّ‬
‫ة‪ .‬وكان من‬‫منهم عقب إخماد الثورة مباشر ً‬
‫ل من‬ ‫المحكومين عليهم بالقامة الجبرية في ك ّ‬
‫مدينة إسطنبول‪ ،‬وبورسة‪ ،‬وإزمير‪ ،‬أبناء السرة‬
‫وّية والحزينّية وغيرهم‪.‬‬
‫فَر ِ‬‫الرواسّية والك ُ ْ‬

‫ن السرتين الرواسّية‬ ‫و من غرابة المر‪ ،‬أ ّ‬


‫دا في‬ ‫ةج ّ‬ ‫ة سريع ٍ‬‫ويّة تعّرضتا لستحال ٍ‬ ‫والك ُ ْ‬
‫فَر ِ‬
‫ة‪،‬‬
‫ة و ثقافي ٍ‬ ‫ف اجتماعي ٍ‬ ‫ب وظرو ٍ‬ ‫منفاهما لسبا ٍ‬
‫وّية‬
‫فَر ِ‬ ‫ة على أثرها بين السرة الك ُ ْ‬ ‫كت الصل ُ‬ ‫انف ّ‬
‫صة وبين جماعات المريدين المنتسبين إليها‬ ‫خا ّ‬
‫ة أبناء‬ ‫ن قل ّ َ‬ ‫زدْ على ذلك‪ :‬أ ّ‬ ‫بدافع هذه الستحالة‪ِ .‬‬
‫م عن أتباعهم في‬ ‫ه ْ‬ ‫خت ِل َ َ‬
‫ف ُ‬ ‫دا‪ ،‬وا ْ‬ ‫هذه السرة عد ً‬
‫ضا‬
‫عدّ أي ً‬ ‫التعاُيش والسلوك بعد المرحلة الخيرة‪ ،‬ي ُ َ‬
‫ن مات‬ ‫من السباب الرئيسة لهذا النحلل‪ .‬وما أ ْ‬
‫ي عام ‪1992‬م‪ ،.‬اندرست‬ ‫فَرو ّ‬ ‫الشيخ قسيم الك ُ ْ‬
‫اسم هذه السرة واختفت عن ساحة‬
‫ما‪.‬‬ ‫النقشبندّيين تما ً‬
‫‪389‬‬

‫ما الرواسّيون‪ ،‬فإّنهم استطاعوا أن يحتفظوا‬


‫أ ّ‬
‫بمكانتهم بين الجماعات المنتسبة إليهم لسباب‪:‬‬

‫دا منهم استمّروا في ممارسة مهنة‬ ‫ن عد ً‬


‫منها‪ ،‬أ ّ‬
‫السلف إلى نهاية العقد الثالث من القرن‬
‫العشرين الميلديّ‪ .‬وعلى رأسهم الشيخ عبد‬
‫ها بعد‬
‫معت َ َ‬ ‫ي اّلذي أعاد للسرة ُ‬
‫س ْ‬ ‫الحكيم الرواس ّ‬
‫تلك النكبات اّلتي أصابتها قبيل الحرب العالمّية‬
‫الولى‪ .‬وذلك بنشاطاته في مدينة إسطنبول‪،‬‬
‫صة بعد إعلن الجمهورّية‪ ،‬وهدوء الوساط؛‬ ‫خا ّ‬
‫ن شاء الله‪.‬‬ ‫كما سنتطّرق إلى أعماله قريًبا إ ْ‬
‫ن رئيس الطغمة اليهودّية‬ ‫ومن هذه السباب‪ :‬أ ّ‬
‫الحاكمة اّلذي وثب على السلطة فور العلن‬
‫ؤ مع‬ ‫م بالتواط ِ‬ ‫ب الحك َ‬‫ص َ‬ ‫للجمهورية المزّيفة؛ و َ‬
‫غ َ‬
‫ة»‪ ،‬في الداخل؛ و«منظمة‬ ‫م ِ‬ ‫«منظمة ال ْ َ‬
‫قَرائ ِ َ‬
‫الفرمسونية العالمّية» وبدعم ٍ من الحكومة‬
‫البريطانّية من الخارج؛ استقر أمره وبدأ يلتقط‬
‫ت‬‫ة‪ُ ،‬يغريهم بإمكانا ٍ‬ ‫ل فئ ٍ‬ ‫شباًبا من أفذاذ ك ّ‬
‫ة طاشت‬ ‫م ٍ‬
‫ب ها ّ‬‫ة‪ ،‬ومناص َ‬ ‫ل طائل ٍ‬ ‫ة‪ ،‬وأموا ٍ‬ ‫واسع ٍ‬
‫بها عقولهم واندفعوا تحت أمره إلى تحقيق ك ّ‬
‫ل‬
‫ن‬
‫و َ‬ ‫ضهم على شاكلته‪ ،‬ل ِي ُك َ ّ‬ ‫و ُ‬ ‫ما يهواه‪ .‬كان ير ّ‬
‫ه‪ .‬اختار شباًبا من هذه‬ ‫وةً يعّزُز بها مركَز ُ‬ ‫منهم ق ّ‬
‫العائلت المحكومة عليها بالقامة الجبرية‪ .‬ومنح‬
‫الناضجين منهم فرصة المشاركة معه في احتكار‬
‫السلطة‪ .‬وسعى إلى تربية عدد من صغارهم‬
‫قا منهم إلى سويسرا‬ ‫وفق اتجاهاته؛ فأرسل فري ً‬
‫للدراسة‪ ،‬وليصنع منهم عملء صادقين مخلصين‬
‫يخلدّ بهم ذكره‪ .‬فكان على رأس هؤلء الفتية‬
‫ن‬‫مَرا ْ‬ ‫كا ْ‬ ‫ب من السرة الرواسّية‪ .‬اسمه « َ‬ ‫شا ّ‬
‫ن»‪ .‬وهو ابن الشيخ صلح الدين بن السيد‬ ‫إيَنا ْ‬
‫ي‪ ،‬من‬ ‫ي الحيزان ّ‬ ‫علي بن صبغة الله الرواس ّ‬
‫مشاهير شيوخ النقشبندّية في شرق البلد‪.‬‬
‫‪390‬‬

‫ة اّلتي‬ ‫نشأ كامران إينان علمانّيا دهرّيا بحكمِ البيئ ِ‬


‫قاها في‬ ‫ة اّلتي تل ّ‬ ‫ة الوضعي ِ‬ ‫ى فيها‪ ،‬والثقاف ِ‬ ‫ترب ّ‬
‫الغرب‪ .‬لذا كان ول يزال ُيضمر الحقد على‬
‫ك في فنون‬ ‫السلم والمسلمين‪ .‬ولكّنه محن ّ ٌ‬
‫مداراة والّلباقة إلى‬ ‫المسايرة‪ ،‬وحاذقٌ في ال ُ‬
‫حدود النفاق‪ .‬يتظاهر لتباع آبائه على عقيدتهم‪،‬‬
‫ويخاطبهم بأسلوبهم‪ .‬ولكن الطغمة اليهودّية‬
‫ه‬‫مت ْ ُ‬‫كدها من إخلصه لها‪ ،‬لما ض ّ‬ ‫الحاكمة لول تأ ّ‬
‫ت له من أسرار‬ ‫إلى فريقها‪ ،‬ول كشف ْ‬
‫مخططاتها‪ ،‬ول منحته تلك المناصب العليا اّلتي‬
‫ل يزال يشغلها ويتعاون مع البقّية من رجال‬
‫ن الحكومات‬ ‫هذه المنظمة السرية الخطيرة‪ .‬إذ أ ّ‬
‫ة‬
‫ف هام ً‬ ‫كلت إلى هذا الرجل وظائ َ‬ ‫اليهودّية و ّ‬
‫إّبان احتكارها لسلطة الجمهورّية التركّية‪.‬‬
‫مة السفارة في السنين الولى‪ ،‬كما‬ ‫فمنحته مه ّ‬
‫ي‪ .‬ثم‬ ‫ة في البرلمان الترك ّ‬ ‫أكسبت أباه العضوي ّ َ‬
‫ن‬‫ازدادت في إسباغ نعمها على هذه السرة أ ْ‬
‫كلت‬ ‫دا من رجالها الخرين‪ ،‬كما و ّ‬ ‫استخدمت عد ً‬
‫أخيًرا إلى كامران إينان منصب وزارات عديدة‪.‬‬
‫وهو ل يزال يتهّنأ بمكانته المرموقة بين الجيل‬
‫الثاني والثالث من أفراد هذه المنظمة اليهودّية‬
‫ن لبائه سوابق‬ ‫حّتى الن‪ .‬على الرغم من أ ّ‬
‫فا‪.‬‬ ‫سياسّية خطيرة كما تطّرقنا إليها بإيجاز آن ً‬
‫فا للعراف‬ ‫فيكون استخدامه أمًرا مخال ً‬
‫السياسّية على وجه الطلق‪ .‬يبرهن على‬
‫م‬‫استثنائّية وجوده في المسرح السياسي‪ ،‬عد ُ‬
‫تمكين الحكومات التركّية لبقّية أحفاد الثوار من‬
‫تلك المناصب‪.‬‬

‫أما ّ عبد الحكيم بن مصطفى الرواس ّ‬


‫ي‪ ،‬فإّنه من‬
‫خرين للطائفة النقشبندّية‪ .‬لم‬
‫مشاهير المتأ ّ‬
‫نقف على تاريخ ميلده‪ .‬انخرط في سلك هذه‬
‫ده السيد فهيم عام‬‫الطريقة وأخذ الخلفة من ج ّ‬
‫‪391‬‬

‫عدّ من الطبقة الثانية والثلثين‬


‫‪1889‬م‪ .‬وبذلك ي ُ َ‬
‫من السلسلة النقشبندّية‪.‬‬

‫خرج من موطنه )قرية آرواس(؛ وهي من‬


‫ن»؛ مهاجًرا إلى الموصل‪،‬‬ ‫وا ْ‬‫ضواحي مدينة « َ‬
‫ّ‬
‫هرًبا من هول القوات الروسّية التي داهمت‬
‫المنطقة الشرقية عام ‪1914‬م‪ .‬أقام هناك مدّةَ‬
‫هْر‪،‬‬ ‫كي َ‬ ‫َ‬ ‫عامين‪ ،‬ثم هاجر إلى مدينة أ َ َ‬
‫ش ِ‬ ‫س ِ‬
‫ه‪ ،‬فأ ْ‬‫ضن َ ْ‬
‫حّتى وصل إلى إسطنبول عام ‪1919‬م‪ .‬فأقام بها‪،‬‬
‫ورات اّلتي مّرت بالدولة العثمانّية‬ ‫وشهد التط ّ‬
‫ل يشتغل بنشر‬ ‫في أّيام انهيارها‪ .‬ولكّنه ظ ّ‬
‫ة‬
‫ل بما يجري حوله‪ ،‬أو ربما تلبي ً‬ ‫طريقته غير مبا ٍ‬
‫للحاجة الروحّية اّلتي كان الناس في مساس‬
‫إليها‪.‬‬

‫ة اّلتي كانت‬‫ة النفسيّ َ‬


‫ينبغي هنا أن ل ننسى الحال َ‬
‫في تلك المرحلة قد سادت ضمير المجتمع‬
‫ل فئاته‪ ،‬ذلك المجتمع اّلذي لم يكد‬ ‫ي بك ّ‬‫العثمان ّ‬
‫دق بسقوط «دولته العملقة اّلتي كانت في‬ ‫يص ّ‬
‫ن هذا المجتمع كان يومئذ‬ ‫ذمة أولياء الله»‪ .‬إ ّ‬
‫ن‬
‫شره بأ ّ‬‫يبحث عمن يسلّيه ويكشف غمومه‪ ،‬ويب ّ‬
‫الدولة مازالت في حماية أضرحة الولياء‪ .‬فوجد‬
‫ي‪.‬‬‫ه المنشودةَ في عبد الحكيم الرواس ّ‬ ‫ضال ّت َ ُ‬
‫ما‬
‫ن هذا الرجل ‪ -‬في الحقيقة ‪ -‬قد لعب دوًرا ها ّ‬ ‫إ ّ‬
‫في تسلية الناس بتـزيين أحلمهم‪ ،‬وتعظيم‬
‫د‬
‫أمجادهم‪ ،‬واستطاع بهذا السلوب أن يجدّ َ‬
‫دهم بالطريقة النقشبندّية و «عظمائها اّلذين‬ ‫عه َ‬
‫ظّلوا ينشرون أجنحتهم على ال ّ‬
‫مة التركّية‪،‬‬
‫ويحفظونها من المصائب‪ ،‬ويقاتلون أعداءها‬
‫ة»‬ ‫ول في ك ّ‬
‫ل معرك ٍ‬ ‫ف ال ّ‬
‫أمام الص ّ‬
‫ف‬
‫عّر َ‬
‫ن تَ َ‬
‫الحظ في هذه المحاولة أ ْ‬
‫ّ‬ ‫لقد حالفه‬
‫على رجلين نادرين من نوعهما في إسطنبول‪.‬‬
‫مة لنجاحه في‬ ‫ضا من السباب الها ّ‬
‫وهذا ُيعت َب َُر أي ً‬
‫‪392‬‬

‫ء ما خسرته‬ ‫نشر طريقته واكتساب شهرته وإحيا ِ‬


‫أسرته من السمعة والكرامة بتمّردها على‬
‫السلطة فيما سبق‪ .‬أحد هذين الشخصّيتين‪:‬أديب‬
‫شاعر صنديد شهير‪ ،‬اسمه نجيب فاضل‪ ،‬مات‬
‫د؛ اسمه‬ ‫ي متقاع ٌ‬ ‫عام ‪1983‬م‪.‬؛ والثاني عقيدٌ صيدل ّ‬
‫سته أجهزة المخابرات في‬ ‫حسين حلمي؛ د ّ‬
‫ق قيام ٍ‬ ‫ة قام بها ح ّ‬ ‫م ٍ‬ ‫ي لمه ّ‬ ‫صفوف أتباع الرواس ّ‬
‫ما‪ .‬مات يوم ‪ 25‬أكتوبر ‪ 2001‬في‬ ‫منذ ستين عا ً‬
‫مة أصل ً في نشر‬ ‫إسطنبول‪ .‬تنحصر هذه المه ّ‬
‫قا وبديل ً‬ ‫صا مختل ً‬ ‫عقائد غريبة تمّثل شكل ً مخصو ً‬
‫ة»‪ 511‬المتعارفة‬ ‫مان ِي ّ ُ‬‫سل ُ َ‬ ‫ي‪« :‬ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه َ‬‫عن السلم‪ .‬و ِ‬
‫ي منذ‬ ‫قَبل الغالبّية العظمى للمجتمع العثمان ّ‬ ‫من ِ‬
‫ي‬‫ل‪ .‬بل هو السلم الشكل ّ‬ ‫ستمائة عام على الق ّ‬
‫ي منذ عهد العباسّيين؛‬ ‫المجرد عن الروح السماو ّ‬
‫ة‬
‫ب الله وسن ُ‬ ‫دده كتا ُ‬ ‫وليس هو السلم اّلذي يح ّ‬
‫وماته السماوية والعالمّية‪.‬‬ ‫رسوله ‪ ‬بمق ّ‬
‫ي ذا حظ عظيم؛‬ ‫لقد كان عبدُ الحكيم الرواس ّ‬
‫ن مشاهير شيوخ النقشبندّية من العناصر‬ ‫ل ّ‬
‫التركّية اّلذين كانوا في المنطقة الغربّية‪،‬‬
‫ة في تلك المرحلة الزمنّية؛‬ ‫حصدْتهم المني ّ ُ‬
‫ي محّلهم‪ ،‬واستفاد من‬ ‫فسرعان ما ح ّ‬
‫ل الرواس ّ‬
‫الفراغ الحاصل بموتهم‪ .‬فذهب صيته بمحاولت‬
‫الرجلين المذكورين من بطانته‪.‬‬

‫ة من انتعاش‬ ‫ة خيف ً‬ ‫ت الحكوم ُ‬ ‫فلمّا أوجس ْ‬


‫الطريقة النقشبندّية بعد الثلثينات في المنطقة‬
‫ت من قمعهم في المنطقة‬ ‫الغربّية‪ ،‬بعد أن انته ْ‬
‫‪512‬‬
‫ها عام ‪1925‬م‪،.‬‬ ‫الشرقّية تطبيقا ً لخط ٍ‬
‫ة أعدّت ْ َ‬
‫ة أخرى للقضاء على كبار هذه الطائفة‬ ‫ت خط ً‬ ‫دّبر ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫مَنا َ‬
‫بتجنيد عدٍد من الحشاشين في مدينة َ‬
‫ب إزمير عام ‪1930‬م‪ .‬ثم حصدتهم حصاد الزرع‪،‬‬ ‫قر َ‬
‫‪Müslümanlik‬‬ ‫ة‪:‬‬ ‫ب بالحروف ال ّ‬
‫لتيني ّ ِ‬ ‫‪ 511‬تعبير منتشر في تركيا ُيكت َ ُ‬

‫وهي ثورة الشيخ سعيد الﭙالوي‪ .‬في الحقيقة لم تكن هذه الثورة إل مؤامرة دبرتها حكومة يهود سالونيك‬ ‫‪512‬‬
‫ن النقشبندّيين يمثلون السلم‪.‬‬
‫للقضاء على المسحة السلمّية ظّنا منها أ ّ‬
‫‪393‬‬

‫كن من إيجاد ذريعة لقتله‪.‬‬ ‫ن لم تتم ّ‬ ‫م ْ‬‫ت َ‬


‫واعتقل ْ‬
‫ن الفريق‬
‫ظه ‪ -‬ضم َ‬‫ي ‪ -‬من حسن ح ّ‬ ‫وكان الرواس ّ‬
‫م عليه بالقامة الجبرّية في مدينة‬ ‫حك ِ َ‬‫الثاني؛ لذا ُ‬
‫إزمير‪ .‬ثم ُأطلق سراحه عام ‪1943‬م‪ .‬فانتقل إلى‬
‫م» في العام نفسه‪.‬‬ ‫غُلو ْ‬
‫ي «َبا ْ‬
‫أنقره‪ ،‬ومات بح ّ‬
‫ومن مشاهير شيوخ الطريقة النقشبندّية‬
‫ي‪:‬‬‫بالمنطقة الغربّية في أواخر الحكم العثمان ّ‬
‫ي‪ .‬كان قد‬ ‫ي اْلكرد ّ‬ ‫الشيخ أسعد الربلي العراق ّ‬
‫حظي شهرة واسعة في مدينة إسطنبول‪ .‬نفاه‬
‫السلطان عبد الحميد الثاني إلى موطنه الول‬
‫)مدينة أربيل( بشمالي العراق؛ لمعارضته‬
‫ه على شخصّية‬ ‫ة تطاول ِ ِ‬ ‫ه‪ .‬بل بتهم ِ‬ ‫سياست َ ُ‬
‫جًبا‬‫مع ِ‬ ‫ن الشيخ أسعد هذا كان ُ‬ ‫السلطان‪ .‬قيل أ ّ‬
‫وًرا ليعبأ بكرامة الناس؛‬ ‫مته ّ‬ ‫مستعلًيا ُ‬ ‫بنفسه ُ‬
‫ض هذا وذاك حّتى شتم السلطان‬ ‫عر ِ‬ ‫دخل في ِ‬
‫عبد الحمد‪ ،‬فبلغه‪ ،‬فأمر بنفيه إلى أربيل فأقام‬
‫ما عليه بالقامة الجبرّية؛‬ ‫هناك عشر سنين محكو ً‬
‫ن أتباعه يستقبحون هذا السناد ويدافعون‬ ‫غير أ ّ‬
‫ن حكم النفي إّنما صدر بسبب كتاب أّلفه‬ ‫بأ ّ‬
‫وَردَ فيه ما يثير إساءة السلطان‪،‬‬ ‫الشيخ أسعد‪َ ،‬‬
‫جّتهم حّتى الن‬ ‫فنفاه‪ .‬ولكّنهم لم يبّرروا ح ّ‬
‫باثبات هذا الكتاب المجهول اّلذي ربما ل أصل‬
‫ن هذا الكتاب هو «كنـز العرفان»‪،‬‬ ‫له! وما قيل أ ّ‬
‫‪-‬كما جاء على لسان الباحث أكرم إيشن في‬
‫«موسوعة إسطنبول»‪ ،‬مادة النقشبندّية ‪ -‬فإّنه‬
‫ن هذا الكتاب‬ ‫ل يستقيم مع المنطق السليم‪ .‬إذ أ ّ‬
‫ء مما يكون قد أغضب‬ ‫ليحتوي على شي ٍ‬
‫ة‬
‫م إطاع ِ‬ ‫كد فيه المؤّلف لزو َ‬ ‫السلطان‪ .‬بل قد أ ّ‬
‫ر‪ ،‬كما يحتوي هذا الكتاب على‬ ‫أولي الم ِ‬
‫ة؛‬
‫ة واجتماعية متفّرق ٍ‬ ‫ة وأخلقي ٍ‬ ‫ت فقهي ٍ‬ ‫موضوعا ٍ‬
‫كآداب الوضوء وفضائل السواك والذكر والدعاء‬
‫م البخل؛ ولكن الربلي كان‬ ‫وتحسين اللحية وذ ّ‬
‫ت حرًبا‬ ‫موالًيا لجمعية شّبان التراك اّلتي شن ّ ْ‬
‫‪394‬‬

‫ة على السلطان عبد الحميد وسياسته كما‬ ‫ضاري ً‬


‫‪513‬‬
‫ه بذلك في «موسوعة إسطنبول»‪.‬‬ ‫وَردَ التنوي ُ‬
‫َ‬
‫ج عنه عام‬ ‫ُ‬
‫ر َ‬ ‫ن الشيخ أسعد الربلي لما أف ِ‬ ‫ثم إ ّ‬
‫‪514‬‬
‫واشترى‬ ‫ع أملكه في أربل‬ ‫‪1914‬م‪ .‬باع جمي َ‬
‫ي»‪،‬‬ ‫َ‬
‫ي «أَرن ْ ُ‬
‫كو ْ‬ ‫بثمنها قصًرا في إسطنبول بح ّ‬
‫وهي من الحياء اّلتي يسكنها الثرياء والطبقة‬
‫م صار من أعضاء «مجلس‬ ‫الرستوقراطية‪ .‬ث ّ‬
‫ه‪ ،‬ثم استقال من‬ ‫ى رئاست َ ُ‬
‫مشائخ الصوفّية» وتول ّ‬
‫وظيفته عام ‪1915‬م‪.‬‬

‫ص من رجال الوعظ في‬ ‫تحامل الربلي على شخ ٍ‬


‫إسطنبول‪ ،‬وهاجمه في رسالته السابعة‬
‫والثلثين بعد المائة على أّنه منكر للصوفية‪.‬‬

‫ي قد انخرط في سلك‬ ‫كان أسعد الربل ّ‬


‫النقشبندّيين بالنتساب إلى شخص اسمه طه‬
‫ي‬
‫الحريريّ؛ وهو من خلفاء طه الشمزينان ّ‬
‫ضا في‬ ‫ن أي ً‬
‫دعي الربلي أّنه مأذو ٌ‬‫ي‪ .‬ي ّ‬‫كار ّ‬‫اله ّ‬
‫الطريقة القادرية من الشيخ عبد الحميد‬
‫ي )خليفة الشيخ نور الدين‬ ‫البريفكان ّ‬
‫ي(‪ .‬ورد إقراره بهذه التفاصيل في‬ ‫البريفكان ّ‬
‫رسالته الرابعة والخمسين بعد المائة من جملة‬
‫قَبل دار الرقم في‬ ‫رسائله اّلتي نشرت من ِ‬
‫ونة بالّلغة‬‫إسطنبول عام ‪1983‬م‪ .‬وهي كّلها مد ّ‬
‫التركّية‪.‬‬

‫ل اسمه )عمر‬ ‫ظهر في الونة الخيرة رج ٌ‬


‫َُ‬
‫ل في مثالب عدد‬‫ر رسائ َ‬‫ت( واشتهر بنش ِ‬ ‫گو ْ‬ ‫ُأون ْ‬
‫من رؤساء النقشبندّية؛ جاء في نهاية هذه‬
‫ن من خليل فوزي في‬ ‫الرسائل أّنه مأذو ٌ‬
‫‪Mehmed Esad Efendi'nin, Kanun-i Esasi hareketini destekleyen Tasavvuf Dergisindeyazdığı ve Jön Türk‬‬ ‫‪513‬‬
‫‪dastekçilerinden Cemiyet-i Sufiye’nin destekçisi olduğu bilinmektedir. Dünden Bugüne İstanbul Ansiklopedisi, İtem:‬‬

‫‪.Nakşibendilik‬‬

‫د‪ .‬لسمها‬ ‫‪ 514‬مدينة في شمال العراق‪ ،‬تقع على مبعد ‪ 88‬كيل ً من مدين الموصل‪ .‬س ّ‬
‫كانها ‪ 150‬ألفا‪ ،‬أغلهم كر ٌ‬
‫ضبط آخر بزيادة ياء بين الباء وال ّ‬
‫لم )أربيل(‪.‬‬
‫‪395‬‬

‫ن هذا الخير كان من‬ ‫الطريقة النقشبندّية‪ ،‬وأ ّ‬


‫ة‬‫م َ‬
‫ن عا ّ‬
‫خلفاء الشيخ أسعد الربلي؛ غير أ ّ‬
‫النقشبندّيين ل يعترفون به ول بشيخه )خليل‬
‫جال ً عميل ً للحكومة‬
‫فوزي(‪ ،‬بل يعتبرونه دعّيا د ّ‬
‫العلمانّية!‬

‫يبدو من عبارات الشيخ أسعد الربلي أّنه كان‬


‫صا اسمه )ي َك َْتا أفندي(‪ ،‬يرجع‬
‫قد استخلف شخ ً‬
‫كاه‬‫ه للستشارة والستفتاء‪ ،‬وقد ز ّ‬ ‫ع ُ‬
‫إليه أتبا ُ‬
‫الربلي في عدد من رسائله إلى مريديه‪ .‬ولكن‬
‫اّلذي اشتهر بالنيابة عنه أخيًرا هو محمود سامي‬
‫رمضان أوغلو‪ .‬قد أجازه الربلي بالخلفة كما‬
‫ص على ذلك خطابه الرابع والثلثون بعد المائة‬ ‫ين ّ‬
‫من جملة رسائله اّلتي جمعها الدكتور عرفان‬
‫جندوز بالمشاركة مع ح‪ .‬كامل يلماز‪.‬‬

‫ه محمود سامي ببذل جهوده في‬ ‫فت ُ ُ‬‫قام خَِلي َ‬


‫سبيل تحسين سمعة شيخه لدى الناس اّلذين‬
‫كانوا يبغضونه لمعارضته سياسة السلطان عبد‬
‫ن القاعدة الشعبية من التراك‬ ‫الحميد‪ - ،‬ل ّ‬
‫مازالوا يحتفظون بالمحبة والنتماء إلى سلطين‬
‫مة‬
‫دسة لمجاد ال ّ‬ ‫بني عثمان على أنهم رموز مق ّ‬
‫ض مريديه المشهورين‬ ‫التركّية ‪ .-‬فأوصى بع َ‬
‫وجوا من بنات أسرة آل‬ ‫بالثروة والجاه أن يتز ّ‬
‫عثمان‪ ،‬في الفترة اّلتي كان رجال السرة‬
‫ة من نسائهم‬ ‫ن عن البلد‪ ،‬وجمل ٌ‬ ‫دي َ‬
‫ع ِ‬‫مب ْ َ‬‫المالكة ُ‬
‫أصبحن في حاجة إلى المساعدة بسبب ما قد‬
‫تعّرضن له من الفقر والهمال‪ .‬فانتهت هذه‬
‫ل ذي مكانة من‬ ‫ن بين رج ٍ‬‫التوصية بعقد قرا ٍ‬
‫قضيت‬ ‫مريديه وبين أميرة من بنات آل عثمان‪ .‬و ُ‬
‫بذلك على السمعة السيئة اّلتي كانت قد شاعت‬
‫ضد الشيخ أسعد الربلي من قبل‪.‬‬

‫مازالت الطريقة النقشبندّية تواصل مسيرَتها‬


‫وانتشارها على الساحة التركّية بك ّ‬
‫ل نشاط‬
‫‪396‬‬

‫ت من شيوخ هذه‬ ‫وحيوية؛ وبواسطة طبقا ٍ‬


‫ل منهم إلى سلسلة‬ ‫ةك ّ‬
‫الطائفة‪ .‬تختلف نسب ُ‬
‫ساداتهم ما بين الطبقة الرابعة والثامنة بعد‬
‫ي‪ .‬وتستعدّ هذه الطريقة في أّيامنا‬ ‫خالد البغداد ّ‬
‫للقفز إلى الجمهورّيات التركّية اّلتي حصلت‬
‫على استقللها بعد سقوط المبراطورية‬
‫السوفيتّية‪ .‬كما تحاول بأقصى إمكاناتها وتعمل‬
‫فة رجالها على إبقاء مفهوم السلم‬ ‫لتجنيد كا ّ‬
‫محصورا ً في ذلك القالب اّلذي صّبه فيه‬
‫الروحانّيون التراك بخلف مّيزاته العلمّية‪،‬‬
‫مدّية‬
‫ومحتوياته القرآنية الصيلة‪ ،‬و صورته المح ّ‬
‫البّراقة‪.‬‬

‫سنقوم بتحليل هذا الجانب للطريقة النقشبندّية‬


‫عبر الفصل الخامس اّلذي نحن على وش ٍ‬
‫ك‬
‫الدخول في تفاصيله بعد سرد معلومات وافية‬
‫حول الممّيزات الشخصّية لشيوخ الطرق‬
‫ن شاء‬ ‫الصوفية ومستوياتهم العلمّية والثقافّية إ ْ‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫***‬
‫* المّيزات الشخصّية لشيوخ الطريقة‬
‫النقشبندّية ومستوياتهم العلمّية‬
‫والثقافّية‬
‫م‪ ،‬هم‬ ‫ن شيوخ الطرائق الصوفّية التراك اليو َ‬ ‫إ ّ‬
‫ش خرسان )‪Horasan‬‬ ‫ف دراوي ِ‬ ‫ة أخل ُ‬ ‫في الحقيق ِ‬
‫ن بين قبائل التركمان‬ ‫ددو َ‬
‫‪ (Erenleri‬الذين كانوا يتر ّ‬
‫م‪.‬‬
‫حل في العصر الذي اعتنقوا فيه السل َ‬ ‫الّر ّ‬
‫ف‬
‫ضا أخل َ‬ ‫ما أؤلئك الدراويش‪ ،‬فقد كانوا هم أي ً‬ ‫وأ ّ‬
‫حث َ ِ‬
‫ة أّنهم‬ ‫ة الذين يزعم بعض الب َ َ‬ ‫الرهبان الهياطل ِ‬
‫ل مع التراك‪ .‬لقد كانت‬ ‫ن في الص ِ‬ ‫يلتقو َ‬
‫ذ تحتفل بهم وتعتقد‬ ‫ة يومئ ٍ‬‫المجتمعات التركماني ُ‬
‫فيهم‪) :‬أّنهم واصلون = ‪ .(Erenler‬والواصل في‬
‫صا‬
‫قا خا ّ‬ ‫ة هو اّلذي يسلك طري ً‬ ‫مصطلح الصوفي ّ ِ‬
‫‪397‬‬

‫م يرتقي حّتى يّتحد مع‬ ‫ة مدّةً ث ّ‬‫من الرياضة الذهني ِ‬


‫قدُ السائد عند الصوفّية‬ ‫الله‪ .‬هذا هو المعت َ َ‬
‫ف مذاهبها‪ ،515.‬تعالى رّبنا عن‬ ‫التراك على اختل ِ‬
‫عل ُ ّ‬
‫وا كبيًرا‪.‬‬ ‫ذلك ُ‬

‫ق‬
‫ة بطر ِ‬ ‫ش نصيًبا من المعرف ِ‬ ‫ء الدراوي ُ‬ ‫ي هؤل ِ‬ ‫حظ َ‬
‫س بحكم التفاعل معهم وكسب‬ ‫ة النا ِ‬ ‫ب عاطف ِ‬ ‫جل ِ‬
‫التجارب على امتداد العصور‪ .‬لّنهم طالما كانوا‬
‫ع بها علماءُ السلم ِ‬ ‫ة التي يتمت ّ ُ‬ ‫ن المكان َ‬ ‫يغتبطو َ‬
‫في المجتمع‪ .‬لقد كان الدراويش اّلذين احتّلوا‬
‫ت قبائ ُ‬
‫ل‬ ‫ن رجال الدين في المرحلة التي دخل ْ‬ ‫مكا َ‬
‫ة‬
‫م‪ ،‬كانوا على هيئ ٍ‬ ‫التركمان إلى حظيرة السل ِ‬
‫ة في أزيائهم ومناظرهم اّلتي تتقّزز منها‬ ‫غريب ٍ‬
‫ة ل يكادُ يتمي ُّز‬ ‫الطبيعة السليمة؛ يرتدون ثياًبا رث ّ ً‬
‫ن حواجبهم‬ ‫ع‪ ،‬كما كانوا يحلقو َ‬ ‫من الرقا ِ‬
‫دون من شعر رؤوسهم ضفائَر‬ ‫وشواربهم‪ ،‬ويش ّ‬
‫ة في‬ ‫ض ِ‬
‫ت من الف ّ‬ ‫ن حلقا ٍ‬ ‫يرسلونها‪ ،‬ويعّلقو َ‬
‫ة‪،‬‬ ‫ن مهن ً‬ ‫ة ول يمارسو َ‬ ‫ن صناع ً‬ ‫آذانهم‪ ،‬ل يحترفو َ‬
‫صدّقُ عليهم‪،‬‬ ‫ن من كدّ أنفسهم إل ّ ما ي ُت َ َ‬ ‫ول يأكلو َ‬
‫ة‬
‫م ِ‬
‫ن في سلوكهم وتصّرفاتهم عن عا ّ‬ ‫ذو َ‬ ‫ويش ّ‬
‫س‪.‬‬
‫النا ِ‬
‫ء عليهم‪ ،‬وما‬ ‫م من إقبال البسطا ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫وت ُ ُ‬ ‫حظ ْ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫أ ّ‬
‫ذ‪ ،‬إّنما‬ ‫ل بينهم يومئ ٍ‬ ‫ن به من الجل ِ‬ ‫كانوا يتمّتعو َ‬
‫ة للطبقة الساذجة‬ ‫كان من نتائج العقلّية السائد ِ‬
‫ن عموم التركمان كانوا على‬ ‫ة‪ .‬ل ّ‬ ‫في تلك المرحل ِ‬
‫ث لم ينسبوا‬ ‫ف‪ ،‬بحي ُ‬ ‫ل والّتخل ّ ِ‬ ‫ل من الجه ِ‬ ‫أشدّ حا ٍ‬
‫د إل ّ إذا رأوه مسكيًنا أو غبّيا‬ ‫ي إلى أح ٍ‬ ‫ة الول ّ‬ ‫صف َ‬
‫دا عن‬ ‫ن‪ ،‬بعي ً‬
‫ب والبد ِ‬ ‫ذَر الثيا ِ‬ ‫ق ِ‬‫ة‪َ ،‬‬ ‫ة رث ّ ٍ‬ ‫في هيئ ٍ‬
‫ة‪ ،‬ول‬ ‫ل القراءَةَ والكتاب َ‬ ‫ل‪ ،‬يجه ُ‬ ‫ط والعم ِ‬ ‫الّنشا ِ‬
‫دا‪ ...‬كانت هذه نظرُتهم في بداية‬ ‫ل كتاًبا أب ً‬ ‫يتناو ُ‬
‫ه‪،‬‬‫ء الل ِ‬ ‫ه أّنه من أوليا ِ‬ ‫ن في ِ‬ ‫ن يعتقدو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ر إلى َ‬ ‫الم ِ‬
‫ت‬‫غي َّر ْ‬
‫ن هذه العقلّية ت َ‬ ‫ه‪ ،‬غيَر أ ّ‬ ‫ه من عباِد ِ‬ ‫صت ِ ِ‬
‫وخا ّ‬
‫رقم‪197/‬‬ ‫‪ 515‬راجع الهمش‬
‫‪398‬‬

‫ن أؤلئك الدراويش ما لبثوا حتى‬ ‫ن‪ ،‬ل ّ‬ ‫مع الّزما ِ‬


‫ة عند‬ ‫ة مرموق ٌ‬ ‫ء السلم ِ مكان ٌ‬ ‫عَلما ِ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫انتبهوا إلى أ ّ‬
‫ة‪ ،‬فأخذوا يقّلدو َ‬
‫ن‬ ‫ة والطبقة الراقي ِ‬ ‫السلط ِ‬
‫ة‬
‫العلماءَ في زّيهم‪ ،‬ويمارسون القراءةَ والكتاب َ‬
‫س‪،‬‬ ‫ل العلم ِ من توقير النا ِ‬ ‫ه أه ُ‬ ‫عا فيما ينال ُ ُ‬ ‫طم ً‬
‫ة‬
‫ر والسع ِ‬ ‫ة واليس ِ‬ ‫ن به من الّرفاهي ِ‬ ‫وما يتمّتعو َ‬
‫ي في‬ ‫ش‪ .‬ورغم هذا التغي َّر الجذر ّ‬ ‫في المعا ِ‬
‫ة لم‬ ‫ة المتطّرف َ‬ ‫ن العقلّية الصوفي َ‬ ‫أفكارهم‪ ،‬إ ّ‬
‫تسمح لهم في المرحلة الولى أن ينظروا إلى‬
‫ة‬
‫ة للمعرف ِ‬ ‫ة كأدا ٍ‬ ‫ة المتعارف ِ‬ ‫المناهج الدراسي ّ ِ‬
‫ب رأيهم إلى‬ ‫م حس َ‬ ‫ر‪ .‬بل قسموا العلو َ‬ ‫و ِ‬ ‫والتن ّ‬
‫ه‬
‫ن‪ .‬لذا لم يشت ِ‬ ‫ن‪ :‬علم ِ الظاهر وعلم الباط ِ‬ ‫ضربي ِ‬
‫ب‬‫ة كالحسا ِ‬ ‫دا إلى دراسة العلوم التجربي ّ ِ‬ ‫أحدهم أب ً‬
‫ء والفلك والتاريخ‬ ‫ء والكيميا ِ‬ ‫ة والفزيا ِ‬ ‫والهندس ِ‬
‫والجوغرافيا وأمثاِلها‪ ،‬ول حّتى إلى العلوم‬
‫ن‬ ‫ه وعلوم ِ القرآ ِ‬ ‫د والفق ِ‬ ‫الشرعّية‪ ،‬كعلم ِ التوحي ِ‬
‫ب ِلفهم ِ‬ ‫ث وأصوِلها‪ ،‬وما يحتاج إليه الطال ِ ُ‬ ‫والحدي ِ‬
‫و‬
‫ف والّنح ِ‬ ‫صر ِ‬ ‫ة‪ ،‬كال ّ‬ ‫ف من علوم الل ِ‬ ‫ر ِ‬ ‫هذه المعا ِ‬
‫ق‪...‬‬ ‫ع والمنط ِ‬ ‫ة والوض ِ‬ ‫ق وفقه اللغ ِ‬ ‫والشتقا ِ‬
‫م‪،‬‬‫ة هذه العلو ِ‬ ‫ة ممارس َ‬ ‫رهَ الصوفي ّ ُ‬ ‫طالما ك َ ِ‬
‫ن )أو‬ ‫م الباطِ ِ‬ ‫عل ْ َ‬‫وهُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ما َ‬ ‫فاختلقوا لنفسهم عل ً‬
‫ر ل ُيغني‬ ‫م الظاه ِ‬ ‫ن عل َ‬ ‫ي(‪ ،‬وزعموا أ ّ‬ ‫م الل ّدُن ّ ّ‬ ‫العل َ‬
‫ل إلى الله!‬ ‫ق الوصو ِ‬ ‫ن شيًئا في طري ِ‬ ‫عن النسا ِ‬
‫ة بعد انتشار الطريقة‬ ‫ص ً‬ ‫ة ‪ -‬خا ّ‬ ‫ف َ‬‫ن هذه الطائ َ‬ ‫إل ّ أ ّ‬
‫النقشبندّية بين التراك في المرحلة الخيرة من‬
‫ي عام ‪1811‬م‪.‬‬ ‫ي بجهود خالد البغداد ّ‬ ‫العهد العثمان ّ‬
‫ها‬ ‫غ بالعلوم الشرعّية تشب ّ ً‬ ‫ت إلى حدّ بال ِ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫– اهت ّ‬
‫ت على‬ ‫ب التبس ْ‬ ‫م‪ .‬ولهذا السب ِ‬ ‫ء السل ِ‬ ‫ِبعلما ِ‬
‫م في تركيا‬ ‫ء‪ ،‬بحيث ل يكاد أحدٌ اليو َ‬ ‫س بالعلما ِ‬ ‫النا ِ‬
‫ء‪ .‬بل‬ ‫ة من العلما ِ‬ ‫ة النقشبتدي ّ ِ‬ ‫خ الطريق ِ‬ ‫يمي ُّز شيو َ‬
‫ة هذه‬ ‫ء مع نسب ِ‬ ‫م على سائر العلما ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ضلون َ ُ‬ ‫ف ّ‬‫يُ َ‬
‫ة‬
‫ن فيهم من الكرام ِ‬ ‫ة إليهم بما يعتقدو َ‬ ‫الصف ِ‬
‫ن «علماءَ الظاهر» على‬ ‫ة وعلم الباطن‪ .‬ل ّ‬ ‫والبرك ِ‬
‫‪399‬‬

‫حدّ قوِلهم‪« ،‬محجوبون عن المعرفة بالله وعن‬


‫ه!»‬
‫ل إلي ِ‬
‫ق الوصو ِ‬
‫طر ِ‬
‫ن سبقوا‬ ‫ة الذي َ‬ ‫ص ً‬
‫ة خا ّ‬
‫ق ِ‬‫خ هذه الطري ِ‬ ‫ما شيو ُ‬ ‫أ ّ‬
‫ل هذا‬ ‫ة التي ظ ّ‬ ‫ح ْ‬
‫قب َ ِ‬ ‫ي وعاشوا في ال ُ‬ ‫دا البغداِد ّ‬ ‫خال ِ ً‬
‫ق تركستان‬ ‫الت ّّياُر على مداها محصوًرا في مناط ِ‬
‫ء‬
‫س من الجوا ِ‬ ‫ة‪ ،‬كانوا أبعدَ الّنا ِ‬ ‫ة الهندي ِ‬ ‫والساح ِ‬
‫د‬
‫ر ْ‬‫ن مقّبعين على أنفسهم‪ ،‬لم ي َ ِ‬ ‫العلمّية‪ ،‬خاملي َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫مل ُ‬‫ج َ‬
‫ل ول ت َْر َ‬ ‫ت الرجا ِ‬ ‫م أثٌر في طبقا ِ‬ ‫ه ْ‬
‫د ِ‬‫لح ِ‬
‫ن والمؤّرخين على امتداد‬ ‫أحدٌ من الباحثي َ‬
‫ر‪.‬‬
‫العصو ِ‬
‫ن‪ ،‬عبد المجيد‬‫ب النقشبندّيي َ‬ ‫ت أدي ِ‬‫لقد جاءت كلما ُ‬
‫ل على هذه‬ ‫ن أقوى الدلئ ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ي ِ‬‫مد الخان ّ‬ ‫بن مح ّ‬
‫ه‪) ،‬الحدائق‬
‫ل كتاب ِ ِ‬ ‫ه ّ‬
‫ست َ َ‬
‫م ْ‬ ‫ة‪ ،‬إذ يقول في ُ‬ ‫الحقيق ِ‬
‫ء النقشبندّية(‪:‬‬ ‫ق أجل ّ ِ‬‫الوردّية في حقائ ِ‬
‫ة‬
‫ة الطريق ِ‬ ‫ت سلسل ِ‬ ‫ت أسماءَ سادا ِ‬ ‫«وسمع ُ‬
‫ج َم ِ‬ ‫ف على ترا ُ‬ ‫ف للوقو ِ‬ ‫و ُ‬ ‫ت أتش ّ‬ ‫ة‪ ،‬جعل ُ‬ ‫الجليل ِ‬
‫ها‬‫م أَر َ‬ ‫وإ ِذْ ل َ ْ‬‫ة‪َ ،‬‬ ‫ة مدّةً غيَر قليل ٍ‬ ‫دس ِ‬ ‫أحواِلهم المق ّ‬
‫ن‬‫د؛ ل ّ‬ ‫ب واح ٍ‬ ‫ة العربّية في كتا ٍ‬ ‫ة بالّلغ ِ‬ ‫مع ً‬ ‫مجت َ َ‬ ‫ُ‬
‫ك المعاهد»‪.‬‬ ‫د وتل َ‬ ‫س والهن ِ‬ ‫فر ِ‬ ‫أكثَرهم من بلِد ال ُ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫ج ّ‬ ‫ة َ‬ ‫م ً‬‫م يزعم الخاني أّنه «استحضر ك ُت ًُبا مه ّ‬ ‫ث ّ‬
‫ة والتركّية في ترجمة شيوخه»‬ ‫ة بالفارسي ِ‬ ‫ون ً‬ ‫مد ّ‬
‫دد اسماءَ هذه الكتب التي لم يحتفل بها أحد‬ ‫ويع ّ‬
‫ء‪ ،‬كما يعترف بهذه الحقيقة عندما‬ ‫من العلما ِ‬
‫ة‬‫ء بعبار ِ‬ ‫ول على القتدا ِ‬ ‫يقول‪« :‬إّنه غير مع ّ‬
‫س المتعّربين!»‬ ‫ن أكثَرهم من الفر ِ‬ ‫المتعّربين‪ ،‬ل ّ‬
‫كما يقول‪« :‬فقد شذّ عّني من رجال السلسل ِ‬
‫ة‬
‫مد ونجله الشيخ‬ ‫ن وهما سيدنا الدويش مح ّ‬ ‫اثنا ِ‬
‫گي‪ ،‬فإّني لم أقف لهما‬ ‫مﮑ َن َ ِ‬‫گي ال ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫وا َ‬ ‫مد ال ْ ُ‬
‫خ َ‬ ‫مح ّ‬
‫م‬‫من أل ّ‬ ‫ن‪ ،‬فأرجو م ّ‬ ‫ة في مكا ٍ‬ ‫على ترجم ٍ‬
‫قها تحت اسمهما‪».‬‬ ‫بترجمتهما أن ُيلح َ‬
‫‪400‬‬

‫ة وأفرغ‬ ‫ف ما بذل من جهوٍد بالغ ٍ‬ ‫لقد بذل المؤل ّ ُ‬


‫ن هذه‬
‫ه ليرفع من شأ ِ‬ ‫م مل شدقي ِ‬ ‫ه وتكل ّ َ‬
‫ل طاقت ِ ِ‬‫ك ّ‬
‫جا على‬ ‫ل ك ُل ّ منهم تا ً‬‫ة‪ ،‬وليجع َ‬ ‫ة المجهول ِ‬ ‫الطائف ِ‬
‫س أّنهم أنواُر‬ ‫ن للنا ِ‬ ‫ه َ‬
‫س العالمين في َُبر ِ‬ ‫رؤو ِ‬
‫ن!‬
‫ت والرضي َ‬ ‫السماوا ِ‬
‫ت الشخصّية‬ ‫ع على الممّيزا ِ‬ ‫ن يطّل ِ َ‬ ‫ن أرادَ أ ْ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫ن بصورِتها‬ ‫خ الطريقة النقشبندّية السابقي َ‬ ‫لشيو ِ‬
‫ض‬
‫ت أثبتها بع ُ‬ ‫س معلوما ٍ‬ ‫ة‪ ،‬يكفيه أن يلتم َ‬ ‫الحقيقي ّ ِ‬
‫ن الستاذ‬ ‫ء الباحثي َ‬ ‫ر هؤل ِ‬ ‫ن‪ .‬ومن مشاهي ِ‬ ‫الباحثي َ‬
‫الدكتور فؤاد كوبرولو‪ .‬فإّنه مثل ً يطرقُ حيا َ‬
‫ة‬
‫ي اّلذي ورد ذكُرهُ في بعض‬ ‫دان ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه َ‬ ‫يوسف ال ْ َ‬
‫ه‬
‫ة العجام ِ أكثَر من غير ِ‬ ‫حث َ ُ‬ ‫م به ب َ َ‬ ‫ر واهت ّ‬ ‫المصاد ِ‬
‫ة‪ .‬فقد أثبت الدتور‬ ‫ن لهذه الطريق ِ‬ ‫من الرروحانّيي َ‬
‫قى‬ ‫ي رغم ما تل ّ‬ ‫دان ِ ّ‬‫م َ‬‫ه َ‬‫ن يوسف ال ْ َ‬ ‫كوبرولو‪« :‬أ ّ‬
‫ء مدّةً في بغداد وأصبح ذا‬ ‫سا من العلما ِ‬ ‫درو ً‬
‫ة بالعلوم ِ الشرعّية إل ّ أّنه ما‬ ‫غ وإحاط ٍ‬ ‫ف بال ِ ٍ‬ ‫وقو ٍ‬
‫ق العلم ِ بسبب مزاجه‬ ‫ك طري َ‬ ‫لبث حّتى تر َ‬
‫ف لشيوخ‬ ‫عاَر ُ‬ ‫ة»‪ 516‬هذا هو الموقف المت َ َ‬ ‫الصوفي ّ ِ‬
‫ل‬‫ة طوا َ‬ ‫ة النقشبندّية من العلم ِ والمعرف ِ‬ ‫الطريق ِ‬
‫ي‬
‫ما البغداد ّ‬ ‫ي‪ .‬أ ّ‬ ‫د البغداد ّ‬ ‫د خال ِ ِ‬ ‫ى عه ِ‬ ‫ر حت ّ َ‬ ‫العصو ِ‬
‫ة‬
‫خ هذه الطريق ِ‬ ‫ن بعدهُ من شيو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه غدا مثال ً ل ِ َ‬ ‫فإن ّ ُ‬
‫ة‪ ،‬وبحكم ِ ما‬ ‫ة والقراءَ ِ‬ ‫ه إلى الكتاب ِ‬ ‫ع نزعت ِ ِ‬ ‫بداف ِ‬
‫ك‬‫ض العلوم ِ التقليدّية؛ بذل َ‬ ‫ة بع ِ‬ ‫سبق له من دراس ِ‬
‫م‪ ،‬فمارسوا‬ ‫ه اغتبا ً‬ ‫ازداد أخل ُ‬
‫ء السل ِ‬ ‫طا بعلما ِ‬ ‫ف ُ‬
‫ض العلوم ِ التقليدّية اسوةً به مع‬ ‫ة بع ِ‬ ‫دراس َ‬
‫ة‪ .‬وكانت‬ ‫ة دون الكتاب ِ‬ ‫ر على القراء ِ‬ ‫الختصا ِ‬
‫ة تحت هيمنتهم‬ ‫مقّررات المدارس الداخل ِ‬
‫ن الدافع اّلذي جعل‬ ‫دا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإ ّ‬ ‫محدودةً ج ّ‬
‫ء الشرق‬ ‫ة النقشبندّية تنتشر في أنحا ِ‬ ‫الطريق َ‬
‫خ هذه‬ ‫ن شيو َ‬ ‫ط بعد عام ‪1811‬م‪ .‬ليس إل ّ ل ّ‬ ‫الوس ِ‬
‫س وظهروا‬ ‫ة استخدموا تكاياهم في التدري ِ‬ ‫النحل ِ‬
‫س أّنهم‬ ‫ء‪ .‬فاعتقد النا ُ‬ ‫س العلما ِ‬ ‫س في لبا ِ‬ ‫للنا ِ‬
‫‪Ord. Prof. Dr. Fuad Köprülü, Türk Edebiyatında İlk Mutasavvıflar s. 66‬‬ ‫‪516‬‬
‫‪401‬‬

‫ن أّنهم‬
‫من أهل العلم ِ بجانب ما كانوا يعتقدو َ‬
‫ه‪.‬‬
‫ه عند الل ِ‬
‫ب الجا ِ‬
‫أصحا َ‬
‫سلطان‬‫ي بعد عهد ال ّ‬ ‫ى العلم ّ‬
‫تدهور المستو َ‬
‫ة في المدارس‬ ‫ص ً‬
‫ظ خا ّ‬ ‫ل ملحو ٍ‬ ‫محمود الثاني بشك ٍ‬
‫التي استولى عليها شيوخ النقشبندّية الكراد‪،‬‬
‫ي بشرق‬ ‫بعد سيطرتهم على القطاع العلم ّ‬
‫ت بهم العناصر التركّية من‬ ‫م تأّثر ْ‬ ‫البلد‪ ،‬ث ّ‬
‫ع‬ ‫ّ‬
‫ع في جمي ِ‬ ‫ف سري ٍ‬ ‫دى ذلك إلى تخل ٍ‬ ‫ة‪ ،‬فأ ّ‬‫الصوفي ّ ِ‬
‫ر‬
‫ة عوامل النهيا ِ‬ ‫ة وزاد من حدّ ِ‬ ‫ت الحيا ِ‬ ‫مجال َ ِ‬
‫ة العثمانّية وسقوطها‪.‬‬ ‫للدول ِ‬
‫ة وما قد أسفر‬ ‫ة هذه المشكل ِ‬ ‫ة بحقيق ِ‬ ‫وللمعرف ِ‬
‫ع‬ ‫ّ‬
‫ة أخرى‪ ،‬يكفي الطل ُ‬ ‫ل ثانوي ٍ‬ ‫عنها من مشاك َ‬
‫ي للنقشبندّية ومقارنِتها‬ ‫على المنهج المدرس ّ‬
‫ن عبر‬‫ء المسلمي َ‬‫ه عند علما ِ‬ ‫ق علي ِ‬ ‫بالمنهج المت ّ َ‬
‫ف ِ‬
‫التاريخ‪.‬‬

‫ء السلم ِ‬ ‫ة عند علما ِ‬ ‫ة التعليمي ّ ُ‬ ‫لقد كانت النظري ُ‬


‫م والّتعّلم‪.‬‬ ‫ن‪ :‬التعلي ُ‬ ‫م على دعامتين أساسّيتي ِ‬ ‫تقو ُ‬
‫ن‬‫ن الدعامتي ِ‬ ‫ض كل ّ من هذي ِ‬ ‫ث أن تعّر َ‬ ‫فما لب َ‬
‫ي ال ْك ُْرِد ّ‬
‫ي‬ ‫ر الصوف ّ‬ ‫ة هذا الت ّّيا ِ‬ ‫ه بعد هيمن ِ‬ ‫للتشوي ِ‬
‫ة‬
‫على المدرارس الكائنة بالمنطقتين الكردي ِ‬
‫م عندهم على قيام‬ ‫والتركّية‪ .‬اقتصر التعلي ُ‬
‫ر محدود‬ ‫س وشرحه بقد ٍ‬ ‫ة متن الدر ِ‬ ‫الستاِذ بقراء ِ‬
‫ة والرسم والتخطيط‪ ،‬فإّنها‬ ‫ما الكتاب ُ‬ ‫دا‪ .‬أ ّ‬‫ج ّ‬
‫ت تلقائ ِّيا‬ ‫ت من المناهج نهائّيا‪ ،‬بل اختف ْ‬ ‫قط ْ‬ ‫ُأس ِ‬
‫ق بالعربّية ارتجا ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫ة والنط ِ‬ ‫ة بالكتاب ِ‬ ‫لجهل الساتذ ِ‬
‫ب‬‫ن دوَر الطال ِ ِ‬ ‫ما؛ ل ّ‬ ‫ل تما ً‬ ‫ما التعّلم‪ ،‬فإّنه اضمح ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ن اشتراكه في‬ ‫ض دو َ‬ ‫ع المح ِ‬ ‫اقتصر على الستما ِ‬
‫ل‬ ‫ل للسؤا ِ‬ ‫ل؛ ل مح ّ‬ ‫ل من الشكا ِ‬ ‫ة بشك ٍ‬ ‫المحاضر ِ‬
‫قا‬ ‫ر اطل ً‬ ‫ن والختبا ِ‬ ‫ة‪ ،‬ول للمتحا ِ‬ ‫ر عاد ً‬ ‫والستفسا ِ‬
‫ع‬
‫م‪ .‬كما ل يخض ُ‬ ‫ي العقي ِ‬ ‫في هذا الّنمط الدراس ّ‬
‫ي‬
‫شأ ّ‬ ‫ة ول لتفتي ِ‬ ‫ي سلط ٍ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫س لمراقب ِ‬ ‫هذه المدار ُ‬
‫ن فيما‬ ‫ة مطَلق العنا ِ‬ ‫ل‪ ،‬بل شيخ الجماع ِ‬ ‫مسؤو ٍ‬
‫‪402‬‬

‫ل لمن شاءَ من‬ ‫ع‪ ،‬وقبو ٍ‬‫ب‪ ،‬وموضو ٍ‬‫يختاُر من كتا ٍ‬


‫ن شاءَ منهم‪.‬‬
‫م ْ‬
‫ة وطرِد َ‬‫ه من الطلب ِ‬‫ن علي ِ‬
‫الوافدي َ‬
‫ة‬
‫ما إلى آلي ٍ‬ ‫ن قدي ً‬ ‫لقد قسم علماءُ السلم ِ الفنو َ‬
‫ف‬‫ة كالصر ِ‬ ‫م اللغ ِ‬ ‫ة تشمل علو َ‬ ‫ة؛ فاللي ُ‬ ‫وعالي ٍ‬
‫ي‬‫ق‪ .‬وه َ‬ ‫عها‪ ،‬ومنها المنط ُ‬ ‫ة وفرو ِ‬ ‫و والبلغ ِ‬ ‫والنح ِ‬
‫ب إلى تحصيل‬ ‫ج بها الطال ِ ُ‬ ‫م‪ ،‬يتدّر ُ‬ ‫ة ال ّ ّ‬
‫سل ِ‬ ‫بمنـزل ِ‬
‫ما هذا‬ ‫ضها‪ .‬وأ ّ‬ ‫ص في بع ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ة ليتخ ّ‬ ‫العلوم ِ العالي ِ‬
‫ة‪،‬‬
‫ب‪ ،‬والهندس َ‬ ‫ه يشمل الحسا َ‬ ‫م‪ ،‬فإن ّ ُ‬ ‫القس ُ‬
‫ب‬‫ك والطّ ّ‬ ‫خ والجعرافيا‪ ،‬والفل َ‬ ‫والتاري َ‬
‫ض‬‫م الر ِ‬ ‫والموسيقى والفزياءَ والكيمياءَ وعل َ‬
‫ع‬
‫ة وعلم الجتما ِ‬ ‫ة والفلسف َ‬ ‫ة والسياس َ‬ ‫والزراع َ‬
‫ن‪ .‬هذه القاعدة التي أثبتها علماءُ‬ ‫م الدي ِ‬ ‫وعلو َ‬
‫ي‬‫ة بها في العالم السلم ّ‬ ‫السلم ِ كانت معمول ً‬
‫ما‬ ‫حّتى بداية القرن التاسع عشر الميلدي‪ .‬فل ّ‬
‫ل شيوخ‬ ‫ل واحت ّ‬ ‫ع وانتشر الجه ُ‬ ‫تدهورت الوضا ُ‬
‫ُ‬
‫ع العلوم ِ‬ ‫ت جمي ُ‬ ‫غي َ ْ‬ ‫ء أل ِ‬ ‫ن العلما ِ‬ ‫النقشبندّية مكا َ‬
‫ة في‬ ‫ة من المناهج الدراسي ّ ِ‬ ‫العقلّية والتجربي ّ ِ‬
‫ة‬
‫ت المحاضر ُ‬ ‫ُ‬
‫غي َ ِ‬ ‫ة‪ ،‬كما أل ِ‬ ‫مدارس هذه الطائف ِ‬
‫ر؛ بل اقتصر المُر‬ ‫ب بالطريق المباش ِ‬ ‫والخطا ُ‬
‫دا‬‫ةج ّ‬ ‫ب قديم ٍ‬ ‫ة من ك ُت ُ ٍ‬ ‫س سلسل ٍ‬ ‫على تدري ِ‬
‫ل يوم ٍ سطوًرا‬ ‫ة‪ ،‬يقرأ الستاذُ ك ّ‬ ‫ة عشوائ ِي ّ ٍ‬ ‫وبصور ٍ‬
‫د يختاُرهُ من بيِنها إلى أن ينتهي‬ ‫ب واح ٍ‬ ‫من كتا ٍ‬
‫خَر من هذه‬ ‫بآ َ‬ ‫م يباشُر قراءةَ كتا ٍ‬ ‫ب‪ ،‬ث ّ‬ ‫الكتا ُ‬
‫ب‬ ‫ل كتا ٍ‬ ‫س من خل ِ‬ ‫ع الدرو ُ‬ ‫ة وهكذا يتاب َ ُ‬ ‫السلسل ِ‬
‫ة حّتى تنتهي‬ ‫ة كل ّ على حد ٍ‬ ‫د عبَر السلسل ِ‬ ‫واح ٍ‬
‫ة‬ ‫س َ‬ ‫ر وخم َ‬ ‫ش ٍ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ة‪ .‬وتتراوح مدُّتها ما بي َ‬ ‫الدراس ُ‬
‫ه‬
‫ب في نهايتها وهو شب ُ‬ ‫ج الطال ِ ُ‬ ‫ما‪ ،‬يتخّر ُ‬ ‫شَر عا ً‬ ‫ع َ‬
‫َ‬
‫ب‪ ،‬ول‬ ‫ة كتا ٍ‬ ‫م إل ّ بعدَ مراجع ِ‬ ‫ن أخرس‪ ،‬ل يتكل ّ ُ‬ ‫انسا ٍ‬
‫ي‬
‫ما ُيعاني من الع ّ‬ ‫دا! فضل ً ع ّ‬ ‫ط بيمينه أب ً‬ ‫يخ ّ‬
‫د‬
‫ث بالعربّية‪ ،‬فل يكا ُ‬ ‫غ في الحدي ِ‬ ‫ز البال ِ ِ‬ ‫والعج ِ‬
‫ي من‬ ‫ه عرب ّ‬ ‫د حّتى لو خاطَب َ ُ‬ ‫ل واح ٍ‬ ‫ب على سؤا ٍ‬ ‫يجي ُ‬
‫س!‬ ‫ل النا ِ‬ ‫أجه ِ‬
‫‪403‬‬

‫ت الشخصّية والمستوى‬ ‫ة المّيزا ِ‬


‫هذه هي خلص ُ‬
‫ن‬ ‫ي لشيوخ النقشبندّية من كل َ ال ُ‬
‫عنصري ِ‬ ‫العلم ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫ي والكرد ّ‬‫الترك ّ‬
‫س عندهم‪ ،‬فهي تلك‬ ‫ب المقّرَرةُ للتدري ِ‬ ‫ما الك ُت ُ ُ‬
‫أ ّ‬
‫ن‪ ،‬ولم يتغّير‬ ‫دهم منذ قرني ِ‬ ‫التي اختارها صنادي ُ‬
‫ة ك ُت ُ ٌ‬
‫ب‬ ‫د‪ .‬وهي في الحقيق ِ‬ ‫ب واح ٌ‬ ‫منها حّتى كتا ٌ‬
‫ما‪.‬‬ ‫ما ً‬‫يت َ‬ ‫م العرب ّ‬‫ة يجهُلها العال َ ُ‬ ‫ة وعقيم ٌ‬ ‫قديم ٌ‬
‫ب المنهج‬ ‫ل حس َ‬ ‫ؤها بالتسلس ِ‬ ‫وهذه أسما ُ‬
‫د‬
‫ن منذ عه ِ‬ ‫ل به عند النقشبندّيي َ‬ ‫ي المعمو ِ‬ ‫الدراس ّ‬
‫ي حّتى اليوم‪.‬‬ ‫خالد البغداد ّ‬
‫ه الشيخ‬ ‫س عربي – ُ‬
‫كردي‪ ،‬نظم ُ‬ ‫وَبهار‪ :‬قامو ٌ‬‫‪ (1‬ن ُ‬
‫ة‬
‫أحمد الخاني )‪1652-1591‬م‪ (.‬وهو من أهالي مدين ِ‬
‫ة في المنطقة الشرقية بتركيا‪.‬‬ ‫آغري الواقع ِ‬
‫ة‬
‫ة‪ ،‬منظوم ٌ‬‫ة في العقيد ِ‬ ‫ج النام‪ :‬رسال ٌ‬ ‫ه ُ‬‫‪ (2‬ن َ ْ‬
‫ي‬
‫ل العمر ّ‬‫مل ّ خلي ُ‬
‫مها ال ُ‬ ‫ة‪ ،‬نظ َ‬
‫ة الكردي ِ‬‫بالّلغ ِ‬
‫ي )‪1843-1754‬م‪(.‬‬ ‫السعرِد ّ‬

‫ب صغير الحجم ِ‬ ‫‪ (3‬غاية الختصار )التقريب(‪ :‬كتا ٌ‬


‫ه‬
‫ف ُ‬ ‫ّ‬
‫ي‪ ،‬مؤل ُ‬
‫في الفقه على المذهب الشافع ّ‬
‫مد بن القاسم‪.‬‬ ‫شمس الدين أبو عبد الله مح ّ‬
‫‪ (4‬فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ‬
‫فا‪ ،‬أّلفه‬
‫التقريب‪ :‬وهو شرح كتاب المذكور آن ً‬
‫أحمد بن الحسين‪.‬‬

‫ل‪،‬‬
‫غ الفعا ِ‬
‫صي َ ِ‬
‫قو ِ‬
‫ب في الشتقا ِ‬
‫‪ (5‬التصريف‪ :‬كتا ٌ‬
‫ه مجهو ٌ‬
‫ل‪.‬‬ ‫مؤل ّ ُ‬
‫ف ُ‬
‫غ‬
‫صي َ ِ‬ ‫ص ٌ‬
‫ل في تصريف ِ‬ ‫ة‪ :‬جدو ٌ‬
‫ل مف ّ‬ ‫‪ (6‬المث ِل َ ُ‬
‫ل‪.‬‬‫ه مجهو ٌ‬ ‫الفعال‪ ،‬مؤل ّ ُ‬
‫ف ُ‬
‫ه‬ ‫ف‪ ،‬مؤل ّ ُ‬
‫ف ُ‬ ‫ب التصري ِ‬
‫ب في أبوا ِ‬
‫ء‪ :‬كتا ٌ‬
‫‪ (7‬الِبنا ُ‬
‫ل‪.‬‬ ‫مجهو ٌ‬
‫‪404‬‬

‫ضا‪،‬‬
‫ف أي ً‬
‫ب التصري ِ‬
‫ب في أبوا ِ‬
‫‪ (8‬المقصود‪ :‬كتا ٌ‬
‫ه مجهو ٌ‬
‫ل‪.‬‬ ‫مؤل ّ ُ‬
‫ف ُ‬
‫ضا‪ ،‬أّلفه‬
‫ف أي ً‬
‫ب التصري ِ‬
‫ب في أبوا ِ‬‫ي ‪ :‬كتا ٌ‬
‫عّز ّ‬
‫‪ (9‬ال ِ‬
‫ي‬
‫هاب بن ابراهيم الزنجان ّ‬‫عّز الدين عبد الو ّ‬
‫ب صغير الحجم ِ في‬ ‫ي‪ :‬كتا ٌ‬
‫‪ (10‬العوامل الجرجان ّ‬
‫النحو للمبتدئين‪ ،‬يتناول العوامل التي يتغّير بها‬
‫آخر الكلمة‪ ،‬أّلفه عبد القاهر بن عبد الرحمن‬
‫ي )ت‪1078 .‬م‪(.‬‬
‫جرجان ّ‬
‫ال ُ‬
‫ب صغير الحجم ِ في‬ ‫ي ‪ :‬كتا ٌ‬‫و ّ‬
‫‪ (11‬العوامل الِبرك ِ ِ‬
‫النحو للمبتدئين‪ ،‬يتناول العوامل التي يتغّير بها‬
‫مد البركوي‪ ،‬وهو تركي‬ ‫آخر الكلمة‪ ،‬أّلفه مح ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫الص ِ‬
‫م‪ ،‬يتناول‬‫ب صغير الحج ِ‬ ‫‪ (12‬الظروف‪ :‬كتا ٌ‬
‫مل ّ يونس‬
‫ه ال ُ‬
‫ي‪ ،‬كتب ُ‬‫و العرب ّ‬‫ف في النح ِ‬ ‫الظرو َ‬
‫ة‪ ،‬يدخل في عداد الكتب‬ ‫الرقطيني بالّلغة الكردي ِ‬
‫ة‪.‬‬
‫ة الكردي ِ‬‫ة بالمنطق ِ‬ ‫ول َ ِ‬
‫المتدا َ‬
‫ب في النحو العربي‪ ،‬يتناول‬ ‫‪ (13‬التركيب‪ :‬كتا ٌ‬
‫ي وهو من‬ ‫ظ العوامل للجرجان ّ‬‫تحليل ألفا ِ‬
‫مل ّ يونس الرقطيني أي ً‬
‫ضا‪.‬‬ ‫ؤّلفا ِ‬
‫ت ال ُ‬ ‫م َ‬

‫ب صغير الحجم ِ‬‫‪ (14‬سعد الله الصغير‪ :‬وهو كتا ٌ‬


‫في النحو العربي‪ ،‬يشرح ألفا َ‬
‫ظ العوامل‬
‫ي‪ ،‬مؤّلفه مجهو ٌ‬
‫ل‪.‬‬ ‫للجرجان ّ‬
‫ب متوسط الحجم ِ في‬ ‫ي‪ :‬كتا ٌ‬
‫مغن ِ ّ‬
‫ح ال ُ‬ ‫‪َ (15‬‬
‫شْر ُ‬
‫مد بن ابراهيم بن‬ ‫ه مح ّ‬ ‫مختلف قواعد النحو‪ ،‬أّلف ُ‬
‫ي‬
‫مغن ِ ّ‬
‫ب ال ُ‬
‫ح فيه كتا َ‬ ‫مد العمري الميلني‪َ .‬‬
‫شَر َ‬ ‫مح ّ‬
‫لستاذه أحمد بن الحسن الجاربردي‪.‬‬
‫‪405‬‬

‫م في الشتقاق‬‫‪ (16‬التصريف الكبير‪ :‬كتاب ضخ ٌ‬


‫ه سعد الدين بن مسعود بن عمر‬ ‫والتصريف‪ ،‬أل ّ َ‬
‫ف ُ‬
‫التافتازاني‪.‬‬

‫ب‬‫ل المعاقد في شرح القواعد‪ :‬كتا ٌ‬ ‫‪ (17‬ح ّ‬


‫متوسط الحجم ِ في النحو العربي‪ ،‬يتناول‬
‫مد الزيلوي‪،‬‬ ‫ة‪ ،‬أّلفه أبو الثناء أحمد بن مح ّ‬‫الجمل َ‬
‫د‬
‫ب قواع ِ‬‫ح فيه كتا َ‬ ‫ل‪َ ،‬‬
‫شَر َ‬ ‫يغلب أّنه تركي الص ِ‬
‫ب لبن هشام عبد الله بن يوسف‬ ‫العرا ِ‬
‫ب‬
‫ن هذا الكتا َ‬‫النصاري‪ .‬يزعم عمر رضاء كحالة أ ّ‬
‫ت سعد الدين بن مسعود بن عمر‬ ‫من مؤّلفا ِ‬
‫التافتازاني!‬

‫ب في القواعد‬ ‫ل مشكلت الشارات‪ :‬كتا ٌ‬ ‫‪ (18‬ح ّ‬


‫ة‪ ،‬أّلف ُ‬
‫ه ناصر الدين‬ ‫ة للمنطق والفلسف ِ‬ ‫الساسي ِ‬
‫ب الشارات والتنبيهات‬ ‫ح فيه كتا َ‬
‫شَر َ‬‫الطوسي‪َ ،‬‬
‫لبن سيناء‪ ،‬واختصره فخر الدين الرازي‪ ،‬لذا‬
‫ص(‪.‬‬‫ة )التلخي َ‬‫ميه الطلب ُ‬‫يس ّ‬
‫ب ضخم في النحو‬ ‫‪ (19‬حدائق الدقائق‪ :‬كتا ٌ‬
‫ميه الطلبة في المنطقة الكردية‬ ‫العربي‪ ،‬يس ّ‬
‫وَرا(‪ ،‬أّلفه سعد الدين سعد الله‪.‬‬
‫)سعد الله ك َ ْ‬
‫‪ (20‬نتائح الفكار في شرح الظهار‪ :‬كتاب ضخم‬
‫في النحو العربي‪ ،‬أّلفه مصطفى بن حمزة‬
‫ب الظهار لمحمد‬‫ح فيه كتا َ‬ ‫الرومي‪َ ،‬‬
‫شَر َ‬
‫ي‪.‬‬
‫كو ِ‬
‫الِبر ِ‬
‫م في النحو‬
‫ب ضخ ٌ‬
‫ن مالك‪ :‬كتا ٌ‬
‫ة اب ِ‬
‫ح ألفي ِ‬ ‫‪َ (21‬‬
‫شْر ُ‬
‫العربي‪ ،‬أّلفه جلل الدين عبد الرحمن‬
‫السيوطي‪.‬‬

‫‪ (22‬الفوائدُ الضيائية‪ :‬كتاب ضخم في النحو‬


‫العربي‪ ،‬أّلفه نور الدين عبد الرحمن الجامي‪،‬‬
‫‪406‬‬

‫ميه الطلبة‬
‫ة ابن الحاجب‪ ،‬يس ّ‬
‫ح فيه كافي َ‬ ‫َ‬
‫شَر َ‬
‫مل ّ جامي(‪.‬‬‫الكراد ) ُ‬
‫‪ (23‬إيساغوجي‪ :‬كتاب صغبر الحجم ِ في المنطق‪،‬‬
‫ضل بن عمر البهري‪.‬‬ ‫أّلفه أسير الدين المف ّ‬
‫ح‬
‫شْر ُ‬‫م‪ ،‬وهو َ‬‫ب متوسط الحج ِ‬ ‫م َ‬
‫كاتي‪ :‬كتا ٌ‬ ‫س ْ‬
‫ح َ‬
‫‪ُ (24‬‬
‫ل‪.‬‬‫مى )أيساغوجي(‪ ،‬مؤّلفه مجهو ٌ‬ ‫ب المس ّ‬ ‫كتا ِ‬
‫ل أحمد‪ :‬كتاب في علم المنطق‪ ،‬أّلفه‬‫‪ (25‬قو ُ‬
‫مد بن الخضر‪.‬‬
‫أحمد بن مح ّ‬
‫ي‪،‬‬ ‫ه عبد الغفور ال ّ‬
‫لر ّ‬ ‫ة عبد الغفور‪ :‬ك َت َب َ ُ‬ ‫‪ (26‬حاشي ُ‬
‫ب الفوائد‬
‫ل من كتا ِ‬ ‫ض المسائ ِ ِ‬‫ل فيه بع َ‬ ‫و َ‬‫ت ََنا َ‬
‫ه نور الدين عبد الرحمن الجامي‬ ‫ة لستاِذ ِ‬ ‫الضيائي ِ‬
‫ل عويصاِتها‪.‬‬ ‫ِلح ّ‬

‫ة‪ ،‬أّلفه‬
‫ب في علم الدلل ِ‬
‫ة الوضع‪ :‬كتا ُ‬
‫‪ (27‬رسال ُ‬
‫القاضي عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفور‬
‫عضد الدين اليجي‪.‬‬

‫ه عصام الدين بن‬ ‫‪ (28‬رسالة الستعارة‪ :‬مؤل ّ ُ‬


‫ف ُ‬
‫ة في بعض‬
‫ل هذه الرسال ِ‬ ‫ل مح ّ‬
‫ابراهيم‪ .‬وقد يح ّ‬
‫ب استعارة الليس السمرقندي‪.‬‬ ‫س كتا ُ‬
‫المدار ِ‬
‫ة‪ :‬لمحمد بن على الحسائي‪.‬‬ ‫‪ (29‬رسالة المناظر ِ‬
‫ب منذ‬
‫غير أن النقشبندّيين قد اسقطوا هذا الكتا َ‬
‫سنين من البرامج الدراسية‪.‬‬

‫ق‪ :‬أّلفه محمود بن‬


‫ة في المنط ِ‬
‫‪ (30‬شرح الشمسي ِ‬
‫ة لنجم‬ ‫و َ‬
‫ل فيه كتاب الشمسي ِ‬ ‫مد الرازي ت ََنا َ‬
‫مح ّ‬
‫الدين بن على القزويني‪.‬‬

‫ة من‬
‫ب في البلغ ِ‬
‫‪ (31‬مختصر المعاني‪ :‬كتا ٌ‬
‫تأليفات سعد الدين بن مسعود بن عمر‬
‫التافتازاني‪.‬‬
‫‪407‬‬

‫‪ (32‬شرح العقائد‪ :‬كتاب في العقيدة السلمّية‪،‬‬


‫ضا من تأليفات سعد الدين بن مسعود بن‬ ‫وهو أي ً‬
‫عمر التافتازاني‪.‬‬

‫ه‪ ،‬أّلف ُ‬
‫ه‬ ‫ب في أصول الفق ِ‬ ‫‪ (33‬جمع الجوامع‪ :‬كتا ٌ‬
‫سُبكي )ت‪.‬‬ ‫هاب بن علي ال ّ‬ ‫تاج الدين عبد الو ّ‬
‫‪771‬هـ‪(.‬‬

‫يبدو وبكل وضوح من هذه القائمة‪ ،‬أن‬


‫ن قد أسقطوا جميع العلوم العقلّية‬ ‫النقشبندّيي َ‬
‫ي في مدارسهم‪،‬‬ ‫والتجربّية من المنهج الدراس ّ‬
‫ل‬‫و َ‬ ‫ط‪ ،‬بل كرهوا أن ي َت ََنا َ‬ ‫ض ال ْ َ‬
‫حائ ِ ِ‬ ‫عْر َ‬‫فضربوا بها ُ‬
‫ة‬
‫م مادّ ً‬ ‫ة في مدارسهم كتاًبا يض ّ‬ ‫أحدٌ من الطلب ِ‬
‫ح‬
‫قت ََر َ‬‫نا ْ‬‫م ْ‬‫ل َ‬‫نك ّ‬ ‫م ْ‬
‫من هذه العلوم‪ ،‬واشمئّزوا ِ‬
‫ء من العقليات‬ ‫س شي ٍ‬ ‫عليهم أن يسمحوا بتدري ِ‬
‫فل َ ِ‬
‫ك‬ ‫خ والجعرافيا وال َ‬ ‫ة والتاري ِ‬ ‫ب والهندس ِ‬ ‫كالحسا ِ‬
‫ة وغيرها‬ ‫ة والطبيع ِ‬ ‫ء والزراع ِ‬ ‫ء والكيميا ِ‬ ‫والفزيا ِ‬
‫من اطلع على‬ ‫من العلوم التجربّية‪ .‬كما نقموا م ّ‬
‫ق بالعربّية على الرغم‬ ‫ة والنط ِ‬ ‫عجزهم في الكتاب ِ‬
‫ةل‬ ‫غلهم في حفظ قواعدها طوال مد ٍ‬ ‫من تو ّ‬
‫ل عن عشر سنين!‬ ‫تق ّ‬

‫ة‬
‫ة متطّرف ٌ‬‫ة طائف ٌ‬‫ن هذه النحل َ‬ ‫ذا فل يخفى أ ّ‬ ‫إ ً‬
‫م‬
‫ل السلي ُ‬ ‫م والعق ُ‬‫ه العل ُ‬
‫شدُ إلي ِ‬
‫ل ما ي ُْر ِ‬ ‫تخالف ك ّ‬
‫ة‪ ،‬يبرهن على ذلك استخفافهم‬ ‫ب والسن ُ‬ ‫والكتا ُ‬
‫متين‬‫م‪ ،‬وانبهارهم بالدراويش المتز ّ‬ ‫بعلماء السل ِ‬
‫واهل الشعوذة الذين يبالغون في تعظيمهم‬
‫ة وصفات ليس من السلم ِ في‬ ‫ت غربي ِ‬ ‫بنعو ٍ‬
‫ء؛ كقولهم «قطب العرفين‪ ،‬وعوث‬ ‫شي ِ‬
‫الواصلين‪ ،‬وإمام المّتقين‪ ،‬وتاج الكاملين‪ ،‬ونور‬
‫السماوات والرضين!» إلى غير ذلك من‬
‫ت والبدع والباطيل‪ ،‬وهذا مبلغهم من‬ ‫الكفريا ِ‬
‫العلم‪...‬‬
‫‪408‬‬

‫الفصل الخامس‬
‫* أثر الطريقة النقشبندّية على الحياة‬
‫الجتماعّية والثقافّية في المناطق‬
‫اّلتي انتشرت فيها‪.‬‬
‫‪----------------------------------‬‬
‫د‬
‫ض ّ‬ ‫* استغلل السلطة للنقشبندّيين ِ‬
‫ية‪........................................................................‬‬
‫هاب ّ‬
‫الو ّ‬
‫هابّيين‬ ‫* النـزاع القائم بين النقشبندّيين والو ّ‬
‫َ‬
‫م على السلم‬ ‫دا ُ‬ ‫منذ قرنين وأث َُرهُ اله ّ‬
‫والمسلمين‪........................................................................................‬‬
‫‪................................................‬‬

‫* العلقات بين السلطة والنقشبندّيين في العهد‬


‫ي‪................................................‬‬
‫الجمهور ّ‬
‫فَرقُ الرئيسة للنقشبندّيين في تركيا‬ ‫* ال ِ‬
‫اليوم‪.........................................................................‬‬

‫ت‬‫م الحركات السياسّية اّلتي استخدم ْ‬ ‫* أه ّ‬


‫يين في مقاومتها ‪..............‬‬ ‫ة النقشبند ّ‬ ‫السلط ُ‬
‫* تلفيقات النقشبندّيين في كثير من أقوالهم‬
‫ومواقفهم؛ وما جاء في كلمهم من ضروب‬
‫التعارض‬
‫والضعف‪...................................................................................................‬‬
‫‪..................‬‬

‫دعوا أنها من‬ ‫* مقتطفات من آرائهم اّلتي ا ّ‬


‫ة لهم في إثباتها‪......................‬‬
‫ج َ‬
‫الدين ول ح ّ‬
‫‪409‬‬

‫حا‪،‬‬ ‫فا صري ً‬ ‫ة اختلفوا فيها اختل ً‬ ‫* مسائل متفّرق ٌ‬


‫بحيث جاء مقال بعضهم تكذيًبا لبعضهم الخر؛‬
‫وكذلك أقوال بعضهم فيهاتضادّ وتناقض للقائل‬
‫نفسه‪......................................‬‬

‫* أمثلة من معاداة النقشبندّيين فيما بينهم‪،‬‬


‫ومناهضتهم وتباغضهم وتشنيع بعضهم على‬
‫البعض‪.....................................................................................................‬‬
‫‪.....................................‬‬

‫* أسلوب المعارضة عند‬


‫يين‪....................................................................................‬‬ ‫النقشبند ّ‬
‫* الكلمة‬
‫الختامية‪....................................................................................................‬‬
‫‪...................‬‬

‫ت على التقرير الصادر من‬ ‫ت وتوضيحا ٌ‬‫* إجابا ٌ‬


‫بشأن هذا الكتاب‪.... :‬‬‫جامعة أم القرى ِ‬

‫الفصل الخامس‬
‫* أثر الطريقة النقشبندّية على الحياة‬
‫الجتماعّية والثقافّية في المناطق‬
‫اّلتي انتشرت فيها‪.‬‬
‫لقد ظهرت آثار الحركة النقشبندّية على الحياة‬
‫الجتماعّية والثقافّية في جميع أنحاء تركيا‬
‫ة‬ ‫دا وأشكال ً متن ّ‬
‫وع ً‬ ‫ت أبعا ً‬
‫تقريًبا‪ ،‬ولكّنها اكتسب ْ‬
‫ت عن‬ ‫ة أسفر ْ‬ ‫قدَةً في مضمونها‪ ،‬كنتيج ٍ‬ ‫ومع ّ‬
‫ة بين مفاهيم الدين والسياسة‬ ‫خت َل َ َ‬
‫ق ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ت ُ‬
‫علقا ٍ‬
‫والمصلحة‪.‬‬

‫ن شيوخ الطريقة النقشبندّية‬


‫ل نقصد بهذا أ ّ‬
‫ة‪ .‬بل الحقيقة عكس‬ ‫يتاجرون بالدين مباشر ً‬
‫‪410‬‬

‫ذلك‪ .‬وإّنما يمّثلهم بعض السماسرة في هذه‬


‫ء‬
‫ة ودها ٍ‬ ‫ة ومهار ٍ‬ ‫الغراض‪ .‬لّنهم ل يمتازون بلباق ٍ‬
‫كنهم من احتكار الدين في سبيل المصالح؛ ول‬ ‫ُتم ّ‬
‫س في‬ ‫م المقدّ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫يسمح لقدامهم على ذلك مركُز ُ‬
‫طمع‬ ‫نظر المعتقدين بهم‪ ،‬حّتى ولو أثارهم ال ّ‬
‫دسة‪ .‬بل‬ ‫قَيم المق ّ‬ ‫على احتكار الدين والّتجار بال ِ‬
‫خمولهم يواريهم عن كثير من حقائق الحياة‬
‫ن‬
‫وأشكال التعامل؛ صالحها وفاسدها‪ .‬ولك ّ‬
‫هاَز المخابرات‪،‬‬ ‫ج َ‬‫و ِ‬
‫عها‪َ ،‬‬
‫ب السياسّية جمي َ‬‫الحزا َ‬
‫دا كبيًرا من الشركات العالمّية‪ ،‬وكثيًرا من‬ ‫وعد ً‬
‫رجال العمل يستغّلون شهرتهم؛ فتنعكس بذلك‬
‫معات‬ ‫آراء شيوخ الطريقة على أعمال تج ّ‬
‫فقة على‬ ‫سياسّية وتجارّية‪ .‬بل تظهر آثارها المل ّ‬
‫نتائج تلك العمال بسلبّياتها وخطورتها على‬
‫السلم والمسلمين‪.‬‬

‫ي‬
‫ن الروح الصوف ّ‬ ‫كد الشارة هنا إلى أ ّ‬ ‫تتأ ّ‬
‫ما‬‫ده دائ ً‬ ‫ي‪ ،‬يص ّ‬ ‫الراسخ في ضمير العنصر الترك ّ‬
‫عن النظر إلى حقائق الكون والحياة والحداث‬
‫ورات من المنظور القرآني الواضح البرّاق‬ ‫والتط ّ‬
‫والمباشر؛ فيأبى إل ّ أن تكون نظرته متلّبس ً‬
‫ة‬
‫بتعليق أو تفسير أو تأويل يحمله على التقليد‬
‫ويصرفه عن إبداء الرأي النابع من الفطرة‪ .‬تلك‬
‫ما‬‫المّيزة كانت ول تزال تلزم هذا العنصر قدي ً‬
‫ي يسيطر على‬ ‫ما بدأ الت ّّيار النقشبند ّ‬‫وحديًثا‪ .‬فل ّ‬
‫ضمير هذا العنصر منذ بداية القرن الماضي‪،‬‬
‫ة‪ ،‬فانعكست‬ ‫ازدادت تلك النـزعة فيه تصل ًّبا وشدّ ً‬
‫وراته وأفعاله‪ ،‬بحيث لو‬ ‫آثارها على جميع تص ّ‬
‫ة النقشبندّية‬ ‫ت إلى أحد منهم قد خلع ربق َ‬ ‫نظر َ‬
‫ذات تراه ل يزال مجبول ً‬ ‫من عنقه‪ ،‬حّتى هو بال ّ‬
‫ت‬‫ء بدافع ما بقي ْ‬ ‫ل شي ٍ‬ ‫ور ك ّ‬ ‫عليها‪ ،‬ل يبرح يتص ّ‬
‫ق ضميره‬ ‫ة في أعما ِ‬ ‫من تأثيرات هذه الطريق ِ‬
‫ل من حياته‪.‬‬ ‫والمتغّلبة الدامغة على ك ّ‬
‫ل مجا ٍ‬
‫‪411‬‬

‫ن أعضاء منظمة النور‪،‬‬ ‫ي على ذلك‪ :‬فا ّ‬ ‫وكمثال ح ّ‬


‫أكثرهم منشقّون عن الطريقة النقشبندّية‪،‬‬
‫ة‬
‫ت طريق ً‬ ‫ويدافعون عن حركة النور بأّنها ليس ْ‬
‫ر من اللجنة‬ ‫ر صاد ٍ‬ ‫ة كما جاء في قرا ٍ‬‫صوفي ّ ً‬
‫الستشارية للرقابة على الكتب الدينّية التابعة‬
‫لرئاسة الشؤون الدينّية بتاريخ ‪29/06/1963‬م‪ .‬تحت‬
‫صه‪:‬‬
‫رقم‪ .326/‬هذا ن ّ‬
‫ة‪ ،‬ول مذهًبا‬ ‫ة صوفي ّ ً‬
‫ت طريق ً‬
‫ن حركة النور ليس ْ‬ ‫«إ ّ‬
‫اجتهادّيا‪ .‬وإنما هي حركة متمّثلة في متابع ِ‬
‫ة‬
‫عا‬‫ص اسمه سعيد النورسي دفا ً‬ ‫ل كتبها شخ ٌ‬ ‫رسائ َ‬
‫عن اليمان من خلل آيات قرآنية في مواجهة‬
‫ي اّلذي ظهر ينتشر في الونة‬ ‫ر ال ّ‬
‫لدين ّ‬ ‫الت ّّيا ِ‬
‫الخيرة»‪.‬‬

‫على الرغم من هذه التصريحات‪ ،‬فان حركة‬


‫ة‪ ،‬فضل ً‬ ‫ة صوفي ّ ٍ‬
‫ه بطريق ٍ‬
‫ي‪ ،‬شبي ٌ‬
‫النور تيّاٌر عرفان ّ‬
‫دا‬‫ن أعضاءَ هذه الحركة ‪ -‬سوى عدد قليل ج ّ‬ ‫عن أ ّ‬
‫ة في‬
‫‪ -‬ل يختلفون عن النقشبندّيين قيد شعر ٍ‬
‫الحترام لمشائخ هذه الطريقة والعتراف‬
‫بتعاليمها‪.‬‬

‫ة‪ ،‬بل أشدّ خطورةً من ذلك‪ ،‬أن‬ ‫وما هو أشدّ غراب ً‬


‫الشيخ سعيد النورسي اّلذي استطاع بدهائه أن‬
‫يتخّلص من الطريقة النقشبندّية بعد مرحلة‬
‫كن‬ ‫شبابه وتبّرأ عما قاله قبل الخمسينات‪ ،‬فتم ّ‬
‫ة‬
‫ة نضالي ٍ‬‫بفضل هذه الصحوة من القيام بحرك ٍ‬
‫ج‬
‫في مواجهة يهود سالونيك طوال حياته؛ لم ين ُ‬
‫ول اسمه بعد موته رمًزا‬ ‫هو الخر من أن يتح ّ‬
‫يتاجر به تلميذه في تحقيق أهداف منظمتهم‬
‫)حركة النور(‪ ،‬إلى حد أّنهم لم يتوّرعوا من‬
‫ة ما‬‫ول على لسانه‪ ،‬وإشاع ِ‬ ‫تحريف كلماته‪ ،‬والتق ّ‬
‫تبّرأ عنه من رسائله اّلتي أمر بإتلفها‪ ،‬حّتى‬
‫ل من الروحانّيين! لم يفعلوا‬ ‫ة رج ٍ‬ ‫أنزلوه منـزل َ‬
‫ن حركتهم امتداد للطريقة النقشبندّية‬ ‫ذلك إل ّ ل ّ‬
‫‪412‬‬

‫ة» اّلذين‬
‫دي ّ ِ‬‫من ْ ِ‬
‫جز َ‬ ‫ن أعضاء الطريقة «ال ْ َ‬
‫ع ْ‬ ‫صة فا ّ‬‫خا ّ‬
‫أضافوا إلى موكب الصوفّية طريقة جديدة‬
‫أخرى‪ ،‬وزعموا أّنهم على مشرب سعيد‬
‫سا فيها‬ ‫ضا يقيمون طقو ً‬ ‫ي‪ ،‬فإّنهم أي ً‬ ‫النورس ّ‬
‫الرقص والهتزاز والجيشان‪ ،‬انطلقا ً من تلك‬
‫قية في قرارة نفوسهم‬ ‫الثار الباطنّية المتب ّ‬
‫والموروثة من أسلفهم النقشبندّيين‪.‬‬

‫دد أبعاد مفهوم الدين‪،‬‬ ‫ن القسطاس اّلذي يح ّ‬ ‫إ ّ‬


‫د التراك‪ ،‬هو‬ ‫ق ِ‬‫عت َ َ‬
‫م ْ‬ ‫ودوره‪ ،‬ومدى صلحيته في ُ‬
‫وف‪ .‬ولم يختلف هذا القسطاس عند‬ ‫التص ّ‬
‫أكثرهم منذ اعتناقهم للسلم إلى الوقت‬
‫الحاضر‪ .‬لقد طّبعتهم الطرائق الصوفّية على‬
‫هذه النـزعة منذ القديم؛ فكانت الطريقة‬
‫المولوّية والقادرّية والرفاعّية والخلوتّية‬
‫دمة الحركات الصوفّية اّلتي‬ ‫والبكتاشّية في مق ّ‬
‫تأّثر بها التراك‪ .‬فكان فهمهم للسلم‪،‬‬
‫طرائق‬ ‫وتعاملهم معه من خلل ن ُظُم هذه ال ّ‬
‫ِ‬
‫ت‬
‫ما قفز ْ‬ ‫ي‪ .‬فل ّ‬ ‫وآدابها إلى أواخر العهد العثمان ّ‬
‫الطريقة النقشبندّية من الهند إلى الديار‬
‫ت تنتشر فيها منذ عام ‪1811‬م‪.‬‬ ‫العثمانّية وبدأ ْ‬
‫ت بعد ذلك آثاُر هذه الطريقة على روح‬ ‫ساد ْ‬
‫ت إلهاماُتها على فهمهم‬ ‫الناس وانعكس ْ‬
‫وسلوكهم وتعاملهم بصورة واضحة‪.‬‬

‫م آثار الطريقة النقشبندّية على عقلّية‬ ‫ن أه ّ‬ ‫إ ّ‬


‫دها خطًرا على السلم‬ ‫المجتمع وسلوكه‪ ،‬وأش ّ‬
‫في تركيا ينحصر في نزعة غريبة ابتلى بها أكثر‬
‫ة‬
‫ة أخلقي ً‬ ‫الناس في هذا البلد‪ .‬وأصبحت مشكل ً‬
‫ل‬
‫دي إلى تضلي ٍ‬ ‫دا‪ ،‬قد يؤ ّ‬ ‫ةج ّ‬‫ة عويص ً‬ ‫واجتماعي ً‬
‫ن‬‫ة فت ٍ‬‫م‪ ،‬وإثار ِ‬ ‫قي َ ِ‬
‫ل‪ ،‬وإلى إفساد بقّية ال ِ‬ ‫شام ٍ‬
‫ت ل إمكان لتحديدها وتقدير‬ ‫ورا ٌ‬
‫تتعاقبها تط ّ‬
‫ة‬
‫نطاقها ونتائجها في هذه الونة‪ .‬أل وهي نزع ٌ‬
‫ب‬‫ص ُ‬
‫ل في اختلق شخصّية موهومة ت ُن ْ َ‬ ‫تتمث ّ ُ‬
‫‪413‬‬

‫كأسطورة‪ ،‬يبدأ الناس بالطواف حولها لما يرسخ‬


‫ة وإجلل‪ ،‬وينتشر‬ ‫في ذهنهم أّنها مح ّ‬
‫ط عظم ٍ‬
‫ذكرها في العالمين‪.‬‬

‫ة‬
‫عاي ٍ‬
‫د َ‬
‫ء من ثناء الناس ولو ب ِ ِ‬
‫لذا‪ ،‬فمن حظي بشي ٍ‬
‫م على نشرها واستغلل تلك‬ ‫ة تواطأ قو ٌ‬‫كاذب ٍ‬
‫الشهرة التي صنعوها فيما بعد‪ - ،‬حّتى ولو كان‬
‫صا أو فاجًرا – سرعان ما اجتمع الرعاع والوغاد‬ ‫ل ّ‬
‫حول تلك الشخصّية المختلقة‪ ،‬على أّنها من‬
‫ء المؤّيدين بالكرامات وعلم الغيب‬
‫الوليا ِ‬
‫والزلفى إلى الله تعالى‪ ،‬وذهب صيته وأصبح‬
‫قطب الفلك في معتقد أهل البلد بأسرهم !!!‬

‫ب السياسّية‪،‬‬ ‫ل به الحزا ُ‬‫س ُ‬


‫ولهذا أول ما تتو ّ‬
‫ت والمافيا‬ ‫ت‪ ،‬وحّتى العصابا ُ‬
‫ت والشركا ُ‬ ‫والجمعيا ُ‬
‫ق‬ ‫في تحقيق أهدافها‪ ،‬هو القدام على َ ْ‬
‫خل ِ‬
‫ها الناس وتبذل ما في وسعها في‬ ‫عظ ّ ُ‬
‫م َ‬ ‫شخصّية ت ُ َ‬
‫سبيلها‪.‬‬

‫هذه المشكلة أسفرت عن نتائج خطيرة كثيفة‬


‫وعت حسب‬ ‫ومتكّررة بطرق غير مباشرة‪ ،‬تن ّ‬
‫الظروف والسباب بين صراع وقتال‪ ،‬إلى‬
‫جنايات وثورات شهدتها ساحة هذه المنطقة منذ‬
‫ما‪ .‬نقتصر على عدد منها‬ ‫مائة وخمسين عا ً‬
‫لتظهر بها كيف تفاعلت آثار الطريقة‬
‫النقشبندّية في أشكال من أزمات اجتماعية‬
‫ت في النهاية إلى تدهور كبير في‬ ‫وأخلقّية أدّ ْ‬
‫ش رهيب في المجال‬ ‫و ٍ‬
‫اقتصاد البلد‪ ،‬وتش ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫ي والجتماع ّ‬ ‫ي والعلم ّ‬ ‫الثقاف ّ‬
‫ول ما نلمس من هذه الحقيقة بصورة مباشرة‪،‬‬ ‫أ ّ‬
‫م جهاز‬
‫ه ْ‬
‫صب َ ُ‬
‫هو التنافس المتضاعف بين شيوخٍ )ن َ َ‬
‫المخابرات التركّية( وبين شيوخ الطريقة‬
‫النقشبندّية التقليدّيين على توسيع نطاق‬
‫الشهرة والكثار من المريدين والبطانة‬
‫‪414‬‬

‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫والنصار‪ .‬الفئة الولى هم عملء النظام وال ّ ِ‬
‫ن هذا التنافس تارةً بسبب مصالح شخصّية‪،‬‬ ‫يثيرو َ‬
‫ة‪ ،‬فيفتحون‬ ‫ه ِ‬‫ج َ‬
‫و ّ‬ ‫وتارةً بإيعاز من الجهات ال ْ ُ‬
‫م َ‬
‫ن‪،‬‬‫أبواب المشاكل على منافسيهم من التقليدّيي َ‬
‫كما مّر في بحث النـزاع بين السرة الرواسّية‬
‫ورات والمنافسة‬ ‫ة‪ .‬وما يجري من التط ّ‬ ‫فَروي ّ ِ‬‫والك ُ ْ‬
‫ة‬
‫بين الشيوخ في هذه المرحلة‪ ،‬لهو أشدّ خطور ً‬
‫منه على السلم والمسلمين مما قد جرى في‬
‫السابق‪.‬‬

‫ل فريق منهم‬ ‫نك ّ‬ ‫ذلك ومن عادات مريديهم‪ :‬أ ّ‬


‫ة منهم‬‫دخر طائف ٌ‬ ‫يقوم بالدعاية لشيخه‪ ،‬ول ت ّ‬
‫عا في هذه المحاولة؛ فتتسابق القلم‪،‬‬ ‫وس ً‬
‫د‬
‫ن في اختلق الكرامات‪ ،‬وع ّ‬ ‫س ُ‬‫وتتفّنن الل ّ ُ‬
‫ده‬
‫ل يبذل جهو َ‬ ‫الفضائل‪ ،‬ووصف الشمائل‪ .‬ك ّ‬
‫خه «يفعل ما‬ ‫ن شي َ‬ ‫ع الناس‪ ،‬حّتى يعتقدوا أ ّ‬ ‫لي ُ ْ‬
‫قن ِ َ‬
‫يشاء ويحكم ما يريد؛ ويغفر لمن يشاء ويعذّ ُ‬
‫ب‬
‫ما‬
‫م ّ‬‫ل شيء قدير»! وهذا ِ‬ ‫من يشاء‪ ،‬وهو على ك ّ‬
‫يزيد الطين بّلة‪.‬‬

‫لقد بلغ حجم الكتب اّلتي استفرغ النقشبندّيون‬


‫غ التعظيم والجلل والتوقير‬ ‫صي َ ِ‬
‫في بطونها من ِ‬
‫لشيوخهم – بدافع المنافسة ‪ -‬إلى حدود‪ ،‬يعجز‬
‫كدوا‬‫النسان عن ضبطها واستيعابها‪ .‬فلو لم يتأ ّ‬
‫من موافقة شيوخهم على ذلك‪ ،‬لما أقدم أحد‬
‫منهم على كتابة لفظ واحد فما فوقه من هذه‬
‫غ اّلتي يقشعّر منها جلد المؤمن بوحدانية‬ ‫صي َ ِ‬‫ال ِ‬
‫سة شأن النسان بالنسبة إلى‬ ‫ب سبحانه‪ ،‬وبخ ّ‬ ‫الر ّ‬
‫عظمة الله العزيز المتعال‪.‬‬

‫ق من‬ ‫ء فري ٍ‬‫دعا ِ‬ ‫وعلى سبيل المثال‪ ،‬جاء في ُ‬


‫ة‪،‬‬
‫ة من آي ٍ‬ ‫النقشبندّيين الكراد ألفا ٌ‬
‫ظ مقت ََبس ٌ‬
‫ددوَنها‬
‫خا من شيوخهم؛ ير ّ‬ ‫يصفون بها شي ً‬
‫فيقولون «نور السماوات والرضين» على سبيل‬
‫ت له‪ ،‬والله تعالى قد خصها لنفسه أن‬ ‫الّنع ِ‬
‫‪415‬‬

‫صف هي بها على انفراد بذاته دون غيره‪ ،‬فقد‬ ‫تو َ‬


‫‪517‬‬
‫ض‪.{.‬‬ ‫َ‬ ‫ت َ ْ‬
‫والْر ِ‬ ‫وا ِ‬
‫ما َ‬
‫ه ُنوُر الس َ‬
‫قال سبحانه }الل ُ‬
‫هذه الغطرسة قد جعلتهم يتسابقون بأساليب‬
‫فرعونية تنعكس نتائجها السلبّية على المجتمع‪،‬‬
‫فتسري في الناس روح التنافس على استغلل‬
‫الضمائر‪ ،‬وتسخير بعضهم البعض لتحقيق المال‬
‫وُر النـزاع بينهم‬
‫والمصالح الشخصّية؛ فيتط ّ‬
‫ول إلى فتن يذهب ضحيتها‬ ‫ويتصاعد‪ ،‬وأحياًنا يتح ّ‬
‫من الموال والرواح ما ل يحصى‪ .‬كما حدثت‬
‫أثناء ثورة الشيخ سعيد الﭙالوي عام ‪1924‬م‪.‬‬

‫دا كان قد دعا جميع شيوخ‬ ‫ن الشيخ سعي ً‬


‫ذلك أ ّ‬
‫ل منهم‬‫هك ّ‬ ‫المنطقة أن يتعاونوا معه‪ ،‬وأن يشارك َ ُ‬
‫بتجنيد مريديه‪ ،‬وتعزيز جيوش الثورة بإمكاناته‬
‫المالية والبشرية‪ .‬فلم يقم أحدٌ بتلبيته إل ّ عد ً‬
‫دا‬
‫قليل ً كانوا على مقربة من ساحته‪ .‬فلم يسعهم‬
‫إل ّ أن يجيبوه مع الكراهية‪.‬‬

‫ن شيوخ الطريقة‬ ‫مية بمكان‪ ،‬أ ّ‬ ‫ومن اله ّ‬


‫ة‬
‫النقشبندّية بالمنطقة الكردّية‪ ،‬لم يرفضوا دعو َ‬
‫ي( إل لّنهم كانوا‬ ‫الشيخ سعيد الﭙالوي )النقشبند ّ‬
‫ينافسونه في توسيع نطاق شهرتهم‪ ،‬وعدد‬
‫منهم كانوا عملء للّنظام‪ .‬ولهذا لم يكن أحدهم‬
‫صا للخر؛ وربما تمّنى جميعهم أن يسقط‬ ‫مخل ً‬
‫الشيخ سعيد الﭙالوي مغلوًبا على أمره أمام يهود‬
‫ة‬
‫د منهم كان يراه عقب ً‬ ‫نك ّ‬
‫ل واح ٍ‬ ‫سالونيك ل ّ‬
‫ص من ساحة نشاطه ويخسر بها من شهرته‬ ‫قل ّ ُ‬
‫تُ َ‬
‫د‬
‫ع شيوخ النقشبندّية ض ّ‬ ‫ومصالحه! وإل ّ كان جمي ُ‬
‫ي الحاكم‪ .‬ولكن اّلذي كان في‬ ‫النظام اليهود ّ‬
‫قلوبهم من التباغض والتنافر‪ ،‬اعترض سبي َ‬
‫ل‬
‫الشيخ سعيد البالوى فح ّ‬
‫ل دون آماله؛ كما‬
‫ت منهم‬ ‫ة في الوقت ذاته‪ ،‬فتمكن ْ‬ ‫شملتهم النكب ُ‬

‫سورة النور‪.34/‬‬ ‫‪517‬‬


‫‪416‬‬

‫العصابة الحاكمة من يهود سالونيك‪ ،‬فأخرجوهم‬


‫ل منهم من ُ‬
‫قت ِ َ‬
‫ل‪،‬‬ ‫من ديارهم وأموالهم‪ ،‬ف ُ‬
‫قت ِ َ‬
‫دا‪.‬‬
‫عدَ سنين عد ً‬ ‫عدَ منهم من أ ُب ْ ِ‬
‫وأ ُب ْ ِ‬
‫ثم لم تقتصر الداهية على شيوخ النقشبندّية‬
‫ت قبائ َ‬
‫ل الكراد‬ ‫وعائلتهم فحسب‪ ،‬بل شمل ْ‬
‫ق في مدينة دياربكر‬ ‫ت المشان ُ‬
‫صب ْ‬ ‫بأسرها؛ فن ُ ِ‬
‫فجَر يوم ‪/29‬يونيو‪1925/‬م‪ .‬وزحفت الجيوش على‬
‫ة ترتكب المجازر وتستبيح الحارم‬ ‫قرى المنطق ِ‬
‫مدة ستة أشهر من بداية شهر يوليو‪1925/‬م‪ .‬إلى‬
‫ة الجرامية‬ ‫ت هذه الحرك ُ‬ ‫سّنة‪ .‬فأسفر ْ‬ ‫نهاية ال ّ‬
‫فا من الرواح )تقريًبا(‬ ‫ة وثلثين أل ً‬
‫عن إزهاق ست ٍ‬
‫من سكان المنطقة بما فيهم الطفال والشيوخ‬
‫ما‪.‬‬
‫والنساء والمرضى العازلين عن السلح تما ً‬
‫ف من الكتب!‬ ‫بالضافة إلى إحراق عشرات آل ٍ‬
‫ة‬
‫ة ومصيب ً‬ ‫ة رهيب ً‬ ‫كانت المأساة هذه لش ّ‬
‫ك نتيج ً‬
‫خضت عن فعل شيوخ النقشبندّية‬ ‫ة تم ّ‬
‫دامي ً‬
‫وحرصهم على الدنيا وصراعهم على حطامها؛‬
‫كما كانت في الوقت ذاته نتيجة جهلهم بطرق‬
‫التعامل السليم مع الناس؛ وعدم معرفتهم‬
‫و؛ وأساليب‬ ‫بأسرار الستعداد لمواجهة العد ّ‬
‫التعبئة والقتال؛ فضل ً عن جهلهم بدقائق الحيل‬
‫الحربية والمناورات‪.‬‬

‫ة بأمور الدنيا‬‫لّنهم كانوا في الحقيقة جهل ً‬


‫مدارسُتهم لبعض العلوم عن‬ ‫والخرة‪ .‬فلم تكن ُ‬
‫ن المدارس الخالدّية‬ ‫ة‪ .‬ذلك أ ّ‬ ‫ع وروي ّ ٍ‬ ‫ّ‬
‫فهم ٍ وإطل ٍ‬
‫اّلتي انتشرت في المنطقة الكردّية منذ بداية‬
‫دا‬
‫ةج ّ‬ ‫ة فيها ضعيف ً‬ ‫القرن الماضي‪ ،‬كانت الدراس ُ‬
‫ء فروعها التابعة لجامعة الزهراء(‪ .‬كان‬ ‫)باستثنا ِ‬
‫ما من كتب التراث‪،‬‬ ‫ن ركا ً‬
‫سو َ‬ ‫هؤلء الشيوخ ي َدُْر ُ‬
‫ولة في الصرف والنحو‪.‬‬ ‫معظمها شروح مط ّ‬
‫ة‬
‫فكانوا يباشرون هذه الدراسة دون سابق معرف ٍ‬
‫بأدنى شيء من الّلغة العربّية‪ ،‬ومن غير استعداد‬
‫‪417‬‬

‫لها بدراسة تحضيرية مثل ً تحت إشراف مدّر ٍ‬


‫س‬
‫ف ُ‬
‫ظ‬ ‫ي‪ .‬كانوا يحفظون المتون كما ُيح َ‬ ‫عرب ّ‬
‫مد بن عبد الله بن مالك‬ ‫القرآن! كألفية مح ّ‬
‫جّروم ِ‬ ‫دمة الجرومية لبن آ ُ‬ ‫الطائي‪ ،‬ومق ّ‬
‫مد عبد الله‬ ‫الفاسي‪ ،‬ومتن قطر الندى لبي مح ّ‬
‫جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن‬
‫هشام وغيرها؛ ويتخّرجون في هذه المدارس بعد‬
‫دة طويلة من الدراسة ل تقل عن خمسة عشر‬ ‫م ّ‬
‫ما‪ .‬ومع ذلك كانوا ول يزال البقّية منهم‬ ‫عا ً‬
‫ما؛ كما أّنهم‬ ‫ق بالعربّية تما ً‬
‫ة والنط َ‬ ‫يجهلون الكتاب َ‬
‫ل يدرسون أدنى شيء من العلوم والفنون‪،‬‬
‫ء والحساب والهندسة وعلم‬ ‫ء والكيميا ِ‬‫كالفيزيا ِ‬
‫ء والفلسفة والتاريخ والجغرافية وفروعها‬ ‫الحيا ِ‬
‫في مدارسهم!‬

‫ء من سعادة‬ ‫ولهذا لم يحظ أحدهم بشي ٍ‬


‫ي محاضرة‬ ‫الشتراك مع علماء السلم في أ ّ‬
‫ع إلى أخبار ندوة من‬ ‫علمية؛ ول حّتى ألقى السم َ‬
‫م في جامعات البلد‬ ‫الندوات الكاديمية اّلتي ُتقا ُ‬
‫بين الفينة والخرى؛ ول حضر أحدهم مهرجانًا‬
‫د‬
‫من المهرجانات الثقافّية أصل؛ ولم يشهد أح ٌ‬
‫صة في المنطقة‬ ‫خا من شيوخ النقشبندّية )خا ّ‬ ‫شي ً‬
‫ة‬‫ما من الّيام صحيف ً‬ ‫ل يو ً‬ ‫الكردّية بُتركيا( أّنه تناو َ‬
‫ء ورد فيها من أخبار‬ ‫م بشي ٍ‬ ‫ة للنباء‪ ،‬فاهت ّ‬ ‫أو مجل ّ ً‬
‫ع‬
‫ما يتعّرض له المسلمون من الضطهاِد والقم ِ‬
‫ة في مختلف أنحاء العالم‪ .‬بينما وجدنا‬ ‫والباد ِ‬
‫ة في محاولة تصحيح‬ ‫منهم من أفنى عمَرهُ بحماق ٍ‬
‫ن غالب الناس‬ ‫ما منه أ ّ‬ ‫المخارج للحروف زع ً‬
‫ُيخطؤون في النطق بالضاد والقاف والطاء! ك ّ‬
‫ل‬
‫ي اّلذي يعانون‬ ‫ي والثقاف ّ‬ ‫ذلك بسبب الفقر العلم ّ‬
‫منه؛ هذا‪ ،‬بالضافة إلى ما قد ابتلوا به من‬
‫العزلة والخمول واحتقار أهل العلم‪ .‬وهم في‬
‫الحقيقة عاجزون عن الجابة بصيغة علمية‬
‫ه إليهم؛ ول‬ ‫ج ُ‬
‫و ّ‬ ‫ل قد ي ُ َ‬ ‫ة‪ ،‬على سؤا ٍ‬ ‫ع ٍ‬ ‫م ْ‬
‫قن ِ َ‬ ‫واضحة و ُ‬
‫‪418‬‬

‫يجدون مهرًبا من المواجهة إل ّ أن يزّينوا للناس‬


‫عا بمثل‬
‫سكوتهم على أّنه شعارهم‪ .‬فل يقتنع طب ً‬
‫شروا حولهم من‬ ‫هذا العتذار الواهي إل ّ اّلذين ُ‬
‫ح ِ‬
‫م‪.‬‬
‫م العوا ّ‬
‫حثالة الناس وهوا ّ‬
‫غير أن موقفهم هذا من العلم وأهله‪ ،‬وإن كان‬
‫عدّ من العار في اعتبار العلماء والمتفتحين‬ ‫يُ َ‬
‫ده من‬‫قفين‪ ،‬ولكن الطبقة التابعة لهم تع ّ‬ ‫والمث ّ‬
‫علمات المروءة والفضل والوقار فيهم‪ .‬و هكذا‬
‫م البليا‪.‬‬
‫تسري سلبيّاتهم إلى المجتمع وتع ّ‬
‫ن السلطة لم تغفل عن أهميّة القوة البشرّية‬ ‫إ ّ‬
‫والمالّية والمكانات الدعائّية اّلتي يملكها‬
‫النقشبندّيون منذ بداية انتشار هذه الطريقة إلى‬
‫ما نصب عينها‪،‬‬ ‫اليوم‪ .‬لذا جعلتهم الحكومات دائ ً‬
‫ة في قضايا‬ ‫ل فرص ٍ‬‫قبتها واستخدمتها لدى ك ّ‬ ‫وتر ّ‬
‫دا‪ ،‬سواء في المرحلة الخيرة من‬ ‫خطيرة ج ً‬
‫صة‬‫ي‪ ،‬خا ّ‬
‫ي‪ ،‬وإّبان العهد الجمهور ّ‬ ‫العهد العثمان ّ‬
‫بعد العقد الثاني من القرن الجاري‪ .‬فانعكست‬
‫نتائج هذا الواقع الخطير على حياة المجتمع‬
‫وجات متعاكسة‪ ،‬وحركات‬ ‫ت وتم ّ‬‫ة في نزعا ٍ‬‫متمّثل ً‬
‫ة انتهت في الونة الخيرة‬ ‫سياسّية متشاكس ٍ‬
‫بتمايز الفئات الجتماعّية‪.‬‬

‫ق ذكُرهُ من تلك القضايا‬ ‫وإذا أسقطنا مال يستح ّ‬


‫اّلتي لعب النقشبندّيون فيها دورهم بإيعاز من‬
‫م‬
‫س ُ‬
‫سا منها ت َت ّ ِ‬
‫ن خم ً‬‫السلطة السياسّية‪ ،‬فا ّ‬
‫ة‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ة بالغ ٍ‬
‫بأهمي ٍ‬
‫هابّية اّلتي انفجرت في المرحلة‬
‫‪ (1‬الثورة الو ّ‬
‫ي ودامت أكثر من‬
‫الخيرة من العهد العثمان ّ‬
‫ن؛‬
‫قر ٍ‬
‫‪419‬‬

‫‪ (2‬النـزعة الماركسّية والحركات اليسارّية التابعة‬


‫ي حّتى سقوط‬ ‫لها من بداية العهد الجمهور ّ‬
‫المبراطورية السوفيتّية؛‬

‫‪ (3‬الحركة الرهابّية الرمنية اّلتي نكست مجدّ ً‬


‫دا‬
‫من بداية السبعينات؛‬

‫‪ (4‬الحركة النفصالّية الكردّية اّلتي ثارت في‬


‫سها ودامت حّتى الن؛‬ ‫المرحلة نف ِ‬
‫‪ (5‬الصحوة السلمّية اّلتي انتشرت بدافع الثورة‬
‫اليرانّية منذ عام ‪1979‬م‪.‬‬

‫ل الحكومات‬ ‫قب َ ِ‬
‫كان استغلل النقشبندّيين من ِ‬
‫ة‪،‬‬ ‫ع ّ‬
‫قدَ ٍ‬ ‫م َ‬
‫التركّية في القضايا المذكورة بصورة ُ‬
‫ث أن‬‫ل باح ٍ‬ ‫ى لك ّ‬‫وبطرق غير مباشرة‪ .‬لذا‪ ،‬ل يتأت ّ‬
‫طلع على دقائق هذا التعامل الخطير! وقد جاء‬ ‫ي ّ‬
‫ل قضية من القضايا‬ ‫هذا الستغلل في ك ّ‬
‫المذكورة بنتيجة متباينة عن التجارب الخرى‪.‬‬

‫ولكي يبدو المر في نسبة معينة من الوضوح‪،‬‬


‫ل قضية منها على حدة‪،‬‬ ‫ن نتناول ك ّ‬
‫يناسب هنا أ ْ‬
‫س ما قد أسفر عن استغلل السلطة لتلك‬ ‫وندر َ‬
‫الطائفة من تأثيرات وأحداث في ك ّ‬
‫ل منها‪.‬‬

‫***‬
‫د‬
‫* استغلل السلطة للنقشبندّيين ضِ ّ‬
‫هابّية‪.‬‬
‫الو ّ‬
‫ق في‬ ‫لقد كان للطريقة النقشبندّية تأثثيٌر عمي ٌ‬
‫نفوس التراك والكراد السن ّّيين وهم قوام‬
‫ذ؛ وكان لشيوخ هذه‬ ‫ي يومئ ٍ‬
‫المجتمع العثمان ّ‬
‫ة بين الطائفتين‪ ،‬وهما‬ ‫ة مرموق ٌ‬
‫الطريقة مكان ٌ‬
‫ة بآل عثمان السرة المالكة‪ ،‬وأكثر إنتماءً‬ ‫أشدّ ثق ً‬
‫دولة العثمانّية‪ .‬فكان من نتائج هذا الواقع أن‬ ‫لل ّ‬
‫‪420‬‬

‫وة‬‫مارست الدولة العثمانّية سياسة الحتكار للق ّ‬


‫ت‬
‫معات النقشبندّية عبر قنوا ٍ‬ ‫الكامنة في التج ّ‬
‫صة سلكتها في تأسيس العلقة معها‪ .‬فما‬ ‫خا ّ‬
‫معات وجّندتها‬ ‫لبث حّتى استغّلت الدول ُ‬
‫ة هذه التج ّ‬
‫دا‪ ،‬فأثارت‬ ‫ةج ّ‬
‫ض خطير ٍ‬ ‫في تحقيق أغرا ٍ‬
‫هابّيين اّلذين كانوا قد ش ّ‬
‫قوا‬ ‫النقشبندّيين ضدّ الو ّ‬
‫عصى الطاعة وانتفضوا ضدّ السلطة العثمانّية‬
‫في الجزيرة العربّية‪.‬‬

‫ة في الحقيقة أمر خطير ذات وجوه‬ ‫هذه المسأل ُ‬


‫طلع على حقيقته كثير من الباحثين‬ ‫ددة لم ي ّ‬ ‫متع ّ‬
‫ّ‬
‫ولكن الذي يجب‬
‫ّ‬ ‫لسباب ليس هذا مقام سردها‪.‬‬
‫ت‬‫م السلطا ِ‬ ‫ن استخدا َ‬ ‫ما‪ :‬أ ّ‬
‫الشارة إليه حت ً‬
‫ة ثورة‬
‫ة في مقاوم ِ‬ ‫العثمانّية هذه الطائف َ‬
‫هابّيين ‪ -‬لم يثبت بصورة موّثقة ‪ -‬أن كان‬ ‫الو ّ‬
‫حا‪ ...‬اللهم إل ّ أن يكون بعض‬ ‫ما مسل ّ ً‬ ‫استخدا ً‬
‫النقشبندّيين من التراك المدنّيين‪ ،‬أو جماعات‬
‫وعوا بالنخراط في صفوف الجنود‬ ‫منهم قد تط ّ‬
‫ز من بعض‬ ‫ّ‬
‫المكلفة بإخماد تلك الثورة‪ ،‬بإيعا ٍ‬
‫شيوخ هذه الطائفة )كما ذاع في بعض الجهات‪(.‬‬
‫ن أمثال هذه الروايات‪ ،‬إسنادها منقطع‪.‬‬ ‫فا ّ‬
‫ما كون قيامها باستخدامهم في مجال الدعاية‬ ‫أ ّ‬
‫ن ذلك أظهر من الشمس في‬ ‫هابّيين‪ ،‬فا ّ‬‫ضد الو ّ‬
‫سه عناءَ‬‫ف نف َ‬‫ؤ أن ُيكل ّ َ‬ ‫رابعة النهار‪ .‬ول يحتاج أمر ٌ‬
‫ل على ذلك لكثرتها‪ .‬ومن أوائل‬ ‫البحث عن دلي ٍ‬
‫ي اّلذي ردّ به‬ ‫هذه البراهين‪ ،‬كتاب خالد البغداد ّ‬
‫ي‪ ،‬إذ‬
‫قاه من عبد القادر الحيدر ّ‬ ‫ب تل ّ‬‫على خطا ٍ‬
‫ي فيه عن منتهى ابتهاجه بغلبة‬ ‫يعّبر البغداد ّ‬
‫هابّيين عام‬ ‫وات العثمانّية على الثوار الو ّ‬ ‫الق ّ‬
‫‪518‬‬
‫فتعبيره عن‬ ‫‪1233‬هـ‪1818/.‬م‪ .‬كما مر ذكره‬
‫وات العثمانّية بـ «عساكر السلم» دليل‬ ‫الق ّ‬
‫قاطع على إّنه مع الجماهير الغفيرة التابعة له‬

‫راجع الهامش رقم‪.460 /‬‬ ‫‪518‬‬


‫‪421‬‬

‫من النقشبندّيين كانوا مكّلفين بنشاطات دعائية‬


‫هابّيين في نظرهم‬
‫ن الو ّ‬
‫هابّيين؛ وأ ّ‬
‫كثيفة ضد الو ّ‬
‫طائفة باغية يجب قتالهم وقمهم وإبادتهم عن‬
‫بكرة أبيهم!‬

‫دها‬
‫ومن أواخر هذه البراهين وأظهرها وأش ّ‬
‫تأثيًرا‪ ،‬وأكثرها انتشاًرا‪ :‬نشاطات تضليليّة كثيفة‬
‫‪519‬‬
‫د‬‫يقوم بها ضابط عسكري متقاعد برتبة عقي ٍ‬
‫ل‬
‫قب َ ِ‬
‫م من ِ‬ ‫ص في العلوم الصيدلية‪ ،‬مدعو ٌ‬ ‫ص ٌ‬ ‫متخ ّ‬
‫س في صفوف النقشبندّيين‬ ‫ن‪ ،‬ومدسو ٌ‬ ‫ز معي ّ ٍ‬ ‫جها ٍ‬
‫ي‪ .‬اّتصل هذا الرجل‬ ‫منذ بداية العهد الجمهور ّ‬
‫ي الذي كان قد هاجر‬ ‫ّ‬ ‫بالشيخ عبد الحكيم الرواس ّ‬
‫إلى مدينة إسطنبول عام ‪1919‬م‪ .‬فأصبح من‬
‫طلع على أسرار‬ ‫كن من ال ّ‬ ‫المقّربين إليه‪ ،‬وتم ّ‬
‫النقشبندّيين خلل المدة اّلتي قضاها في‬
‫ل محّله بعد موته عام ‪1943‬م‪،.‬‬ ‫صحبته‪ .‬ثم ح ّ‬
‫فاستطاع بذلك أن يقوم بتوجيه جماهير‬
‫ددها له‬ ‫النقشبندّية حسب التجاهات اّلتي ح ّ‬
‫ة في هذه‬ ‫ل جم ً‬ ‫ب رسائ َ‬ ‫الجهاز المعهود‪ .‬فك َت َ َ‬
‫ب الخالدّيين‬ ‫دا من ك ُت ُ ِ‬ ‫الغراض‪ ،‬كما جمع أعدا ً‬
‫ورسائلهم فطبعها ونشرها عن طريق‬
‫مكتبتين‪ 520‬في إسطنبول؛ يشرف عليهما‬
‫ة‪ 521.‬غالبها‬ ‫ة ضخم ٌ‬ ‫ة مهيمن ٌ‬ ‫ها شرك ٌ‬ ‫ول ُ َ‬
‫م ّ‬
‫ه‪ ،‬وت ُ َ‬‫أعوان ُ ُ‬
‫هابّيين والتشنيع عليهم وشتمهم‬ ‫في مثالب الو ّ‬
‫ورميهم بالكفر والزندقة‪.‬‬

‫ن هذا الرجل استطاع أن‬ ‫ومن الهمية بمكان‪ ،‬أ ّ‬


‫ينجو من سلبيات التعامل مع الحكومات التركّية‬
‫ن‬
‫ي‪ .‬ل ّ‬‫ذات التجاه المزدوج عبر العهد الجمهور ّ‬
‫ما من اضطراب‬ ‫الحكومات التركّية تعاني دائ ً‬
‫شديد وعجز بالغ في تحديد سياستها الداخلية‬
‫والخارجية على السواء‪ .‬فهي في صراع متواصل‬
‫‪ 519‬اسمه حسين حلمي إيشيك‬

‫‪ 520‬مكتبة )الحقيقة ‪ ،( Hakikat Kitabevi‬ومكتبة )سرهند ‪( Serhend Kitabevi‬‬

‫‪İhlâs Holding‬‬ ‫‪521‬‬


‫‪422‬‬

‫ونها من عناصر ل‬
‫مع نفسها‪ ،‬بسبب اختلف تك ّ‬
‫يشتركون إل ّ في الّلغة‪« .‬تحسبهم جمي ً‬
‫ع‬
‫وقلوبهم شّتى»‪.‬‬

‫خ على‬
‫ي المتشي ّ ِ‬
‫ة هذا العسكر ّ‬ ‫تنحصر مهمّ ُ‬
‫ومات العقيدة التقليدّية للتراك‬ ‫تأصيل مق ّ‬
‫ي العظيم =‬ ‫العثمانّيين‪ ،‬وبعث الروح )الترك ّ‬
‫‪ (Megaloturc‬في نفوس الناشئة‪ ،‬على الرغم من‬
‫كم في تحديد سياسة‬ ‫معارضة المافيا المتح ّ‬
‫الدولة وتوجيه الحكومة‪ .‬وربما في ذلك سّر ل‬
‫نعلمه‪.‬‬

‫ومات اّلتي هي بمنـزلة أركان اليمان‬ ‫هذه المق ّ‬


‫ر‬ ‫عند النقشبندّيين التراك‪ ،‬تتمث ّ ُ‬
‫ل في ستة أمو ٍ‬
‫ة )بالختصار(‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫أساسي ٍ‬
‫س الدولة العثمانّية‪ ،‬وسلطين بني‬ ‫‪ (1‬تقدي ُ‬
‫عا أولياء الله‬‫عثمان‪ ،‬والعتقادُ بأّنهم جمي ً‬
‫ه؛ وعدم الخوض في نزاعهم على‬ ‫صت ُ ُ‬
‫وخا ّ‬
‫ه اّلذي كان‬ ‫السلطة‪ ،‬وفي جناياتهم‪ ،‬والس َ‬
‫ف ِ‬
‫يّتصف به بعضهم‪..‬‬

‫ش‬
‫‪ (2‬العتقاد بأن أولياء الله ينصرون الجيو َ‬
‫ل معركة تخوضها‪ ،‬ويحضرون مع‬ ‫التركّية في ك ّ‬
‫ة منـها؛ «كما نصروهم في كوريا‬ ‫ل طليع ٍ‬‫ك ّ‬
‫ن‬
‫ي‪ .‬ومعنى ذلك أ ّ‬ ‫وقبرص» في العهد الجمهور ّ‬
‫ة التركّية امتدادٌ للمبراطورية‬‫الجمهوري ّ َ‬
‫مة التركّية؛‬
‫س لتاريخ ال ّ‬
‫العثمانّية‪ ،‬ورمٌز مقدّ ٌ‬
‫تحمل مسئولية تمثيل المجاد لهذا التاريخ إلى‬
‫يوم القيامة!‬

‫عا‬
‫ب جمي ً‬
‫صة‪ ،‬والعر َ‬
‫هابّيين خا ّ‬
‫‪ (3‬العتقاد بأن الو ّ‬
‫ة‪ ،‬أهل البغي‪ ،‬خارجون على الدولة‬ ‫هم عصاةٌ جنا ٌ‬
‫دسة التي كان للعرب‬ ‫العثمانّية ‪ -‬الدولة المق ّ‬
‫‪423‬‬

‫هابّيين على وجه الخصوص دوٌر كبير‬


‫ة وللو ّ‬
‫م ً‬
‫عا ّ‬
‫في سقوطها‪.-‬‬

‫ن الشيعة على اختلف مذاهبهم‬ ‫‪ (4‬العتقاد بأ ّ‬


‫ي‬
‫ملحدون خارجون عن السلم لموقفهم السلب ّ‬
‫من الدولة العثمانّية بعد الحرب اّلتي وقعت بين‬
‫ول والشاه إسماعيل‬ ‫السلطان سليم ال ّ‬
‫ي‪ ،‬والتي انتهت بانتصار القوات العثمانّية‬ ‫الصفو ّ‬
‫على الجيش اليراني عام ‪1514‬م‪.‬‬

‫ن الصوفّية اّلذين ُأدرجت أسماؤهم‬ ‫‪ (5‬العتقاد بأ ّ‬


‫ه من‬ ‫في القائمة البيضاء‪ ،‬هم أولياء الله وصفوت ُ ُ‬
‫سل بهم‪،‬‬ ‫ى شفاعُتهم‪ ،‬ويجب التو ّ‬ ‫عباده‪ُ ،‬ترج َ‬
‫والتبّرك بقبورهم‪ .‬ذلك لّنهم ينوبون عن الله‬
‫بالتصّرف على الكون )في اعتقادهم(‪ .‬والقائمة‬
‫دسة" )في اعتقادهم‬ ‫البيضاء‪ ،‬هي "موسوعة مق ّ‬
‫ة‬
‫ة وقفي ٌ‬ ‫سس ٌ‬ ‫ضا(‪ .‬وشهيرةٌ بينهم؛ أصدرتها مؤ ّ‬ ‫أي ً‬
‫وُلها‬‫م ّ‬‫فا‪ ،‬وت ُ َ‬‫ُيشرف عليها العقيد المشار إليه آن ً‬
‫ة للنقشبندّيين؛ تشترك في‬ ‫شركة عالمية عملق ٌ‬
‫سسة الوقفية المذكورة‪ ،‬ويشرف‬ ‫السم مع المؤ ّ‬
‫علي هذه الشركة صهر العقيد اّلذي مّر ذكُر ُ‬
‫ه‪.‬‬

‫صب‬‫ي )اّلذي تتع ّ‬


‫ن المذهب الحنف ّ‬ ‫‪ (6‬العتقاد بأ ّ‬
‫له الغالبّية العظمى من التراك السن ّّيين( أفضل‬
‫المذاهب السلمّية؛ وأبو حنيفة «هو المام‬
‫ل‪ ،‬وأّنه قتيل‬
‫ي الص ِ‬ ‫العظم»! ذلك لّنه غير عرب ّ‬
‫ل‪ ،‬له ولمذهبه‬ ‫العرب العّباسّيين‪ .‬وعلى ك ّ‬
‫ي؛ أدناه‪ ،‬أولوية‬‫ة في الفقه التطبيق ّ‬ ‫الفضلي ُ‬
‫ي بالمامة على غيره من تابعي‬ ‫الشخص الحنف ّ‬
‫المذاهب الثلثة‪ ،‬ولو كان هو أمّيا وغيره من أهل‬
‫العلم‪.‬‬

‫دا كبيرةً من الناس معّرضون‬


‫ن أعدا ً‬
‫شك في أ ّ‬
‫ّ‬ ‫ل‬
‫ة ومتأثرون بها‪ .‬ولكن‬
‫لهذه الدعايات المتطّرف ِ‬
‫ن‬
‫يتحّتم هنا العلن بحقيقة أخرى‪ .‬أل وهي أ ّ‬
‫‪424‬‬

‫ق‬‫صفوةً من شباب التراك‪ ،‬قد استطاعوا بتوفي ٍ‬


‫ن يهتدوا إلى التوحيد الخالص‪،‬‬ ‫من الله سبحانه أ ْ‬
‫واليمان العميق واليقين الصادق بالكتاب‬
‫ي ‪ ‬وبمحّبة الصحابة‬ ‫سّنة؛ وباّتباع النب ّ‬ ‫وال ّ‬
‫والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم أجمعين‪.‬‬
‫دين‬ ‫م؛ مستع ّ‬ ‫ي تا ّ‬ ‫وذلك عن فهم صحيح‪ ،‬و وع ٍ‬
‫لتحقيق الهدف المنشود بالعمل الصالح‬
‫ي الرفيع‪ .‬لقد عاهدوا الله‪،‬‬ ‫والسلوك المثال ّ‬
‫ن في‬ ‫ن دينه اّلذي ارتضى لهم‪ ،‬ولي َث ْب ُت َ ّ‬
‫َ‬ ‫صَر ّ‬ ‫ل َي َن ْ ُ‬
‫دها‬
‫ة مج ُ‬ ‫م ِ‬ ‫نضالهم وجهادهم حّتى يعودَ لهذه ال ّ‬
‫كلين على الله سائرين‬ ‫ن شاء الله‪ ،‬آمنين متو ّ‬ ‫إ ْ‬
‫ر‬
‫ة وحذ ٍ‬ ‫ة بالغ ٍ‬ ‫ء ويقظ ٍ‬ ‫على جادة الحق بإقدام ٍ جري ٍ‬
‫ق؛ منقادين إليه تعالى بالطاعة والحسان‬ ‫دقي ٍ‬
‫ل ما حّرمه‬ ‫والخلص والتقوى؛ وبالجتناب عن ك ّ‬
‫الله من سائر المعاصي‪ ،‬وكافة أنواع البدع‬
‫والخرافات والتطّرف والعنف والحماقات‪ .‬ل‬
‫يخافون لومة لئم ول خشية ظالم‪ ،‬يتقدمون في‬
‫ر‪،‬‬ ‫ص ٍ‬ ‫ر وتب ّ‬ ‫ة وصب ٍ‬ ‫ت هادئ ٍ‬ ‫مسيرتهم بخطوا ٍ‬
‫ما يهزم الله فيه الحزاب!!!‬ ‫قبون يو ً‬ ‫ويتر ّ‬
‫ي‬
‫و ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫صُرهُ إ ِ ّ‬‫ن ي َن ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ه َ‬
‫ن الل ُ‬
‫صَر ّ‬‫ول َي َن ْ ُ‬
‫} َ‬
‫‪522‬‬
‫زيٌز{‬ ‫ع ِ‬‫َ‬
‫***‬

‫* النـزاع القائم بين النقشبندّيين‬


‫دام‬
‫هابّيين منذ قرنين وأثره اله ّ‬
‫والو ّ‬
‫على السلم والمسلمين‪.‬‬
‫كانت السلطة العثمانّية في مرحلتها الخيرة قد‬
‫ة الولى من الفرقة الخالدّية‬ ‫ت الطليع َ‬‫استخدم ْ‬
‫ت‬
‫هابّيين؛ فأسفر ْ‬ ‫في نشر دعايات كثيفة ضد الو ّ‬
‫ة ربما لم تكن مما‬ ‫ج غريب ٍ‬
‫ت عن نتائ َ‬ ‫هذه الدعايا ُ‬
‫ن كلمة‬‫تقصده السلطة العثمانّية‪ .‬ومنها‪ ،‬أ ّ‬
‫سورة الحج‪.40/‬‬ ‫‪522‬‬
‫‪425‬‬

‫ن أخرى فيما بعد‪ ،‬إلى‬ ‫ت بمعا ٍ‬


‫ي» اّتسم ْ‬‫هاب ّ‬‫«الو ّ‬
‫ة مجّردةً ُيرادُ بها‬
‫جانب ما كانت في البداية صف ً‬
‫هاب‬ ‫مد بن عبد الو ّ‬ ‫ق لعقيدة مح ّ‬‫ص المعتن ُ‬‫الشخ ُ‬
‫ي فحسب‪ .‬بل أكسبتها النقشبندّية أخيًرا‬ ‫النجد ّ‬
‫ي وما‬‫معنى الزنديق المتطّرف‪ ،‬والكافر الحرب ّ‬
‫أشبه!‬

‫ثم تجاوز المقصود بهذه الكلمة حدودَهُ عن‬


‫الفرقة الموصوفة بها في السابق؛ فلم تقتصر‬
‫هاب‬‫مد بن عبد الو ّ‬ ‫التسمية بها على أتباع مح ّ‬
‫من دافع عن التوحيد‬ ‫فحسب‪ .‬بل شملت ك ّ‬
‫ل َ‬
‫الخالص‪ ،‬وناهض الشرك‪ ،‬وعمل على إحباط بدع‬
‫هابّية»‬
‫القبورّيين‪ .‬هكذا تطورت كلمة «الو ّ‬
‫َ‬
‫ت بها النقشبندّيون التراك‪.‬‬ ‫بالمعاني اّلتي ألصق ْ‬
‫ولت في النهاية إلى‬ ‫ولكن أغرب من هذا‪ ،‬أّنها تح ّ‬
‫شبه مصطلح يستعملها حّتى العرب أنفسهم‬
‫ن لم يكن ذلك على سبيل‬ ‫)غير الحجازيين(‪ ،‬وإ ْ‬
‫التنقيص والتشنيع‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬فلمّا انهارت الدولة العثمانّية‪ ،‬كانت ثورة‬


‫هابّية قد انتهت بالنتصار‪ ،‬وانقلبت جحافلهم‬ ‫الو ّ‬
‫إلى دولة مستقلة إذا صح )؟( ولكن اّلذي لم ينته‬
‫بعد‪ ،‬هو النـزاع اّلذي أحدثته الدمغة المغسولة‬
‫في مستنقعات السّنية التركّية الرجعية المنبثقة‬
‫من العقلّية التقليدّية؛ والمتمثلة في تقديس‬
‫الموتى من الروحانيين والملوك والسلطين‪.‬‬
‫في الحقيقة لم يكن هذا الحدث في جوهره إل ّ‬
‫ي على‬ ‫ي التاريخ ّ‬ ‫ي‪-‬العرب ّ‬ ‫صراع الترك ّ‬
‫دا لل ّ‬
‫امتدا ً‬
‫استغلل السلم في احتكار السلطة وتحقيق‬
‫ي‬‫هاب ّ‬‫ي الو ّ‬‫المصالح‪ .‬لذا‪ ،‬يتفّرع الصراع العثمان ّ‬
‫ي( يتفّرع‬ ‫هاب ّ‬
‫ي الو ّ‬‫)وبالحرى‪ ،‬النـزاع النقشبند ّ‬
‫ي‪ ،‬ويختلف عنه‬ ‫ي‪-‬العرب ّ‬ ‫أصل ً من الصراع الترك ّ‬
‫ن هذا الخلف يظهر‬ ‫صة‪ .‬وهي أ ّ‬ ‫ة دينية خا ّ‬‫بمّيز ٍ‬
‫ن‬ ‫في صورة حرب بين الشرك والتوحيد‪ .‬ذلك أ ّ‬
‫‪426‬‬

‫مظاهر الشرك كانت قد سادت على أنحاء‬


‫المملكة العثمانّية جميعها بما فيها أرض الحجاز‪،‬‬
‫ن‬‫الرض اّلتي نزلت فيها كلمات الله تعالى }إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ون ذَل ِ َ‬ ‫شَر َ‬‫ن يُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه ل َ يَ ْ‬
‫م ْ‬‫ك لِ َ‬ ‫ما دُ َ‬ ‫فُر َ‬ ‫غ ِ‬‫وي َ ْ‬‫ه َ‬‫ك بِ ِ‬ ‫فُر أ ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫الل َ‬
‫فت ََرى إ ِث ْ ً‬
‫ما‬ ‫دا ْ‬ ‫ق ِ‬‫ف َ‬‫ه َ‬‫ك ِبالل ِ‬‫ر ْ‬‫ش ِ‬‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫شاءُ َ‬ ‫يَ َ‬
‫‪523‬‬
‫تلك المظاهر البشعة كانت تثير‬ ‫ما‪.{.‬‬ ‫عظي ِ ً‬ ‫َ‬
‫النفوس المؤمنة بالله وبسلطانه وهيمنته وحده‬
‫على الكون؛ وتشحنها بالغيرة والتمّرد والخروج‬
‫على معاقل الشرك في جميع أنحاء البلد‪ ،‬وليس‬
‫في الجزيرة العربّية فحسب‪.‬‬

‫ولكن اّلذين نهضوا في ديار نجد‪ ،‬وهم يدعون‬


‫ذ العبادة لغير الله‬ ‫إلى التوحيد الخالص ون َب ْ ِ‬
‫المتمثلة في تقديس القبور والستغاثة‬
‫بالموتى؛ لم يكونوا يومئذ متمّيزين بالكفاءة‬
‫ل جوانبها‬ ‫مدّية بك ّ‬ ‫المطلوبة لحياء الرسالة المح ّ‬
‫اليمانّية والعلمّية والعملّية والصلحّية‬
‫ة‪ .‬لجئوا‬ ‫فا ً‬ ‫ج َ‬ ‫فا و ُ‬ ‫والخلقية‪ .‬بل كانوا بدوًا‪ ،‬أجل ً‬
‫في الغالب إلى العنف والجبر في كفاح البدع‬
‫ن ذلك الركام‬ ‫والشرك والخرافات‪ .‬فلم يتفكروا أ ّ‬
‫الهائل من أوساخ العقائد الوثنّية اّلتي تسّربت‬
‫إلى الدين الحنيف عبر عصور الظلم‪ ،‬ل يمكن‬
‫ة؛ بل لم يفطنوا إلى الحقيقة‬ ‫إزالته بسرع ٍ‬
‫ك‬‫ل َرب ّ َ‬ ‫سبي ِ ِ‬ ‫ى َ‬ ‫ع ِإل َ‬ ‫المكنونة في قوله تعالى‪} :‬ا ُدْ ُ‬
‫ي‬
‫ه َ‬ ‫م ِباّلتي ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫جاِدل ْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫سن َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫عظ َ ِ‬ ‫و ِ‬‫م ْ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ِ‬‫حك ْ َ‬ ‫ِبال ْ ِ‬
‫و‬
‫ه َ‬
‫و ُ‬ ‫ه َ‬‫سبي ِل ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫و أَ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫قُبوا ب ِ ِ‬ ‫عا ِ‬ ‫ف َ‬‫م َ‬ ‫قب ْت ُ ْ‬ ‫عا َ‬ ‫ن َ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫ن* َ‬ ‫هَتدي ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫ن*‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫خي ٌْر لل َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫صب َْرت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ول َئ ِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫قب ْت ُ ْ‬ ‫عو ِ‬ ‫ُ‬
‫ول َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن َ َ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬ ‫ك إ َل ّ ِبالل َ‬ ‫صب ُْر َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫حَز ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫صب ِْر َ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ع الذي َ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن الله َ‬ ‫ن * إِ ّ‬ ‫و َ‬ ‫مكر ُ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫ُ‬
‫ضي ْ ٍ‬ ‫ي َ‬ ‫نف ِ‬ ‫ت َك ْ‬
‫واّلذي َ‬ ‫ات ّ َ‬
‫‪524‬‬
‫سُنونَ‪{.‬‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫وا َ‬ ‫ق ْ‬

‫سورة النساء‪.48/‬‬ ‫‪523‬‬

‫سورة النخل‪.128-125/‬‬ ‫‪524‬‬


‫‪427‬‬

‫ل ذلك نشأ من جهلهم بمدى انتشار عقائد‬ ‫ك ّ‬


‫ن‬
‫ي‪ ،‬وأ ّ‬‫الشرك ورسوخها في المجتمع العثمان ّ‬
‫ب‬‫ى دؤو ٍ‬ ‫القضاء عليها أمر يحتاج إلى سع ٍ‬
‫ة‬
‫ة ودراس ٍ‬ ‫ة وخطّ ٍ‬ ‫ة ولباق ٍ‬‫ص وعلم ٍ وسياس ٍ‬ ‫وإخل ٍ‬
‫ل! فضل ً عن أ ّ‬
‫ن‬ ‫ت وعتاٍد ورجا ٍ‬ ‫ل ووق ٍ‬ ‫ر وما ٍ‬
‫وصب ٍ‬
‫هابّيين اختلفوا يومئذ‬ ‫السياسّيين من قدماء الو ّ‬
‫فيما بينهم‪ ،‬ودخلوا في صراع شديد على‬
‫السلطة بجانب قتالهم في مواجهة قوات الحلف‬
‫ي‪ ،‬أسفرت تلك الفتن عن إهدار‬ ‫المصري‪-‬العثمان ّ‬
‫الدماء‪ ،‬وتفاقم الشقاق واختفاء الظروف‬
‫مة الدعوة والرشاد والتبليغ إلى‬ ‫الملئمة لمه ّ‬
‫التوحيد الخالص والتحاد والخاء‪.‬‬

‫دا‬
‫هذا ومن جانب آخر‪ ،‬ازداد النقشبندّيون حق ً‬
‫هابّيين‪ ،‬بحكم الدعم‬ ‫ة على الو ّ‬ ‫ة وصول ً‬ ‫وضغين ً‬
‫اّلذي كانوا يتلقونه من خزانة الدولة العثمانّية‪،‬‬
‫ة اّلتي أناطتها بهم‪ .‬فانعكس تأثير‬ ‫والهمي ِ‬
‫محاولتهم ودعاياتهم على المجتمع بأسره‪ .‬ثم‬
‫ل يهودسالونيك هذه الفتنة في العهد‬ ‫استغ ّ‬
‫عا في‬ ‫ي كوسيلة للدعاية ضدّ العرب جمي ً‬ ‫الجمهور ّ‬
‫ي؛ حّتى انتشرت الكراهية‬ ‫صفوف المجتمع الترك ّ‬
‫ت إليه‪.‬‬ ‫تجاه العنصر العربي‪ ،‬وتجاه ك ّ‬
‫ل ما يم ّ‬
‫فرسخت هذه النفرة والضغينة في نفوس‬
‫الغالبّية العظمى من التراك‪ ،‬وبخاصة اّلذين‬
‫ضعفت صلتهم بالسلم تحت تأثير الممارسات‬
‫سسات‬ ‫العلمانّية واللحادية اّلتي تبّنتها المؤ ّ‬
‫ي في‬ ‫التعليمية والتوجيهية عبر العهد الجمهور ّ‬
‫قة بذلك بين التراك‬ ‫ت الش ّ‬
‫عدَ ْ‬‫تركيا‪ .‬فقد ب َ ُ‬
‫والعرب إلى حدود بعيدة‪ ،‬ثبتت بالمشاهدة‬
‫ض البلد العربّية أبواَبها‬ ‫والعيان عندما فتحت بع ُ‬
‫لليد العاملة التركّية ما بين أعوام ‪1985-1975‬م‪.‬‬
‫فاتخذت الحكومة التركّية إحتياطات شديدة‪،‬‬
‫كدة سّرا من المقاولين‬ ‫وأخذت المواثيق المؤ ّ‬
‫ورجال العمال أن يقيموا الحواجز بين‬
‫‪428‬‬

‫ل ما في‬‫ي والعربي بك ّ‬ ‫العنصرين الترك ّ‬


‫استطاعتهم تفادًيا للختلط والزواج؛ وتحذيًرا‬
‫ي!‬
‫من تسّرب الثقافة العربّية إلى المجتمع الترك ّ‬
‫وبجانب هذا‪ ،‬كم أعرب النقشبندّيون عن شفاء‬
‫غليلهم عندما أعلنت الحكومة التركّية عن حظر‬
‫سفر الطلب إلى البلد العربّية للدراسة‪.‬‬

‫ج نيراُنها َ على‬ ‫ج ُ‬ ‫ت تتا ّ‬ ‫ة بدأ ْ‬ ‫ة عظيم ٌ‬ ‫م انفجرت فتن ٌ‬ ‫ث ّ‬


‫م الدنيا‬ ‫ع ّ‬
‫ت ل ِت َ ُ‬ ‫ور ْ‬ ‫ة وتط ّ‬ ‫الراضي الفغاني ِ‬
‫ت‬‫شن ّ ْ‬ ‫بمساويها إث َْر تلك الهجمات التي ُ‬
‫ة في أميركا يوم ‪ 11‬سبتمبر‬ ‫بالطائرات النتحاري ِ‬
‫ّ‬
‫‪2001‬م‪ .‬فهي في حقيقتها وخلفياِتها ليست إل ّ‬
‫ي المتواصل بين‬ ‫امتدادا ً للصراع التقليد ّ‬
‫هابّيين؛ وإن كانت في ظاهرها‬ ‫ن والو ّ‬ ‫النقشبنديي ّ َ‬
‫شن ّْتها َ أميركا ثأرا ً لما أصابها من إهانة‬ ‫ْ‬ ‫«حربا ً َ‬
‫هابّيين‬ ‫ت وفودُ الو ّ‬ ‫وخسارات»‪ .‬ذلك لما ّ بدأ ْ‬
‫ل في باكستان والمنطقة الفغانية )فوَر‬ ‫غ ُ‬‫تتو ّ‬
‫انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان(‪،‬‬
‫ة «تصحيح‬ ‫ك بذريع ِ‬ ‫ة هنا َ‬ ‫دى الجماعات الصوفي َ‬ ‫لتتح ّ‬
‫ما فسد من عقائد المسلمين!»‪ ،‬انتفض‬
‫ق الحمية الجاهلّية‪ ،‬فما‬ ‫القبورّينون من منطل ِ‬
‫ن‬
‫ن كبير القبوريي َ‬ ‫ب بي َ‬ ‫ت الحر ُ‬ ‫شب َ ْ‬
‫ى نَ ِ‬ ‫ث حت ّ َ‬ ‫لب َ‬
‫)برهان الدين ربّاني( وبين أهل التوحيد من أبنا ِ‬
‫ء‬
‫هابّيين أن‬ ‫أفغانستان‪ .‬فكان من جملة أخطاء الو ّ‬
‫ء‬
‫ق بعد انتها ِ‬ ‫ء في تلك المناط ِ‬ ‫أصّروا على البقا ِ‬
‫ة ضدّ القوات السوفيتية‪،‬‬ ‫متهم الجهادي ِ‬ ‫مه ّ‬
‫ع وهم غيُر أهل تلك‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫فأصبحوا طَرفا في النـزا ِ‬
‫ة‬
‫ة ذات صلحي ٍ‬ ‫وةً سياسي ّ ً‬ ‫البلِد‪ ،‬كما لم يكونوا ق ّ‬
‫ة‪ .‬فلم يكن لوجودهم هناك من‬ ‫ة والهيم ِ‬ ‫للقياد ِ‬
‫ة‬‫ت خطير ٍ‬ ‫ورا ٍ‬ ‫ء مما ّ دعا إلى تط ّ‬ ‫الحكمة في شي ٍ‬
‫ل‬‫ة في الموا ِ‬ ‫ت جسيم ٍ‬ ‫أسفرت عن خسارا ٍ‬
‫ق كّلها أن‬ ‫ت أخيرا ً هذه الحقائ ُ‬ ‫والرواح‪ .‬فأثب َت َ ْ‬
‫س‬
‫ة لرشاِد النا ِ‬ ‫هابّيين لم يكونوا ذا كفائ َ ٍ‬ ‫الو ّ‬
‫ق‬
‫م‪ .‬لذلك دخل الشقا ُ‬ ‫ً‬
‫وإصلحهم يوما من الّيا ِ‬
‫‪429‬‬

‫هابّيين دوٌر في‬ ‫ف كّلما كان للو ّ‬ ‫بين الصفو ِ‬


‫التوجيه‪ ،‬وإن كانوا مخلصين في نيا ِّتهم؛ وغفلوا‬
‫ة عند‬‫ي يشعر بحسّاسي ّ ٍ‬ ‫ب صوف ّ‬ ‫ن التراك شع ٌ‬ ‫أ ّ‬
‫ة من التوجيه إلى توحيد الله؛ فكان‬ ‫أدنى إشار ٍ‬
‫ة في‬ ‫هابّيين إلى تصحيح العقيد ِ‬ ‫لنشاطات الو ّ‬
‫ب‬‫ة غض ِ‬ ‫ة تأثيٌر كبيٌر لثار ِ‬
‫المناطق الفغاني ِ‬
‫وعا ً لقتا ِ‬
‫ل‬ ‫ك إلى أن استنفرت تركيا تط ّ‬ ‫الترا ِ‬
‫)حكومة طالبان الفغانية( انتصارا ً للجبهة‬
‫ب‬
‫ة من منطق العصبّية التركّية ضدّ العر ِ‬ ‫الوزبكي ِ‬
‫ن في أفغانستان‪.‬‬ ‫المتواجدي َ‬
‫ن الصراع كانت قائمة بين النقشبنديين‬ ‫إ ّ‬
‫هابّين إلى الونة الخيرة‪ ،‬وإن كان الطرفان‬ ‫والو ّ‬
‫يتجاهلن المَر في هذه الّيام‪ .‬ول يكاد يظهر‬
‫بصيص المل لسدّ هذه الثغرة الرهيبة حّتى الن‪،‬‬
‫ة‬‫و ِ‬ ‫خ ّ‬ ‫ة بالله واليوم الخر وبال ُ ُ‬ ‫ب مؤمن ٌ‬ ‫لو ل قلو ٌ‬
‫ي‪،‬‬ ‫ي والعرب ّ‬ ‫اليمانّية من أبناء الطرفين الترك ّ‬
‫ما‬ ‫شُر بيوم ٍ يهزم الله فيه الحزاب! أ ّ‬ ‫ل تب ّ‬ ‫وآما ٌ‬
‫ة فهم صفوة حنفاء‪،‬‬ ‫ب هذه القلوب الطاهر ِ‬ ‫أصحا ُ‬
‫قد هداهم الله ورزقهم الخلص والعزيمة‬
‫والثقة بأّنه تعالى قادر على أن يهدي‬
‫المتطّرفين من بقّية الشعبين إلى نور اليمان‬
‫والتوحيد‪ ،‬وسعادة الشعور بضرورة التحاد‬
‫والخاء وترك دواعي الفرقة والمعاداة‬
‫قق الله فيهم من أسرار ما‬ ‫والشحناء‪ ،‬حّتى يح ّ‬
‫ول َ‬ ‫عا َ‬ ‫مي ً‬ ‫ج ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫حب ْ ِ‬ ‫موا ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫عت َ ِ‬ ‫وا ْ‬ ‫قاله تعالى‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫داءً‬ ‫ع َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م إ ِذْ ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ة الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ع َ‬‫واذْك ُُروا ن ِ َ‬ ‫قوا َ‬ ‫فّر ُ‬ ‫تَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫واًنا َ‬ ‫خ َ‬‫ه إِ ْ‬ ‫مت ِ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫م ب ِن ِ ْ‬ ‫حت ُ ْ‬‫صب َ ْ‬ ‫فأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫فأل ّ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ها‪ ،‬ك َذَل ِ َ‬ ‫من ْ َ‬‫م ِ‬ ‫قذَك ُ ْ‬ ‫فأ َن ْ َ‬ ‫ر َ‬ ‫ِ‬ ‫ن النا‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫فَر ٍ‬‫ح ْ‬ ‫فا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫عَلى َ‬ ‫َ‬
‫‪525‬‬
‫ن‪{.‬‬ ‫دو َ‬ ‫هت َ ُ‬‫م تَ ْ‬ ‫ُ‬
‫علك ْ‬ ‫ّ‬ ‫هل َ‬ ‫َ‬ ‫م آَيات ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ه لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ي ُب َي ّ ُ‬
‫ن‬
‫واختصاًرا لما سبق‪ ،‬نستطيع أن نقول‪ :‬إ ّ‬
‫العلقات بين السلطة العثمانّية وبين‬

‫سورة آل عمران‪.103/‬‬ ‫‪525‬‬


‫‪430‬‬

‫النقشبندّيين كانت تتسم بالوفاق والتعاون منذ‬


‫كم‬ ‫ن تح ّ‬‫عهد السلطان محمود الثاني إلى أ ْ‬
‫التحاديون في سياسة الدولة‪ ،‬فانقلب المر‬
‫ول الجذري‬ ‫سا على عقب‪ .‬وفي هذا التح ّ‬ ‫رأ ً‬
‫ة‪ ،‬خافية على كثير من الناس حّتى‬ ‫أسراٌر غريب ٌ‬
‫ن شاء الله تعالى في‬ ‫الن‪ .‬سنشرح ُنبذةً منها إ ْ‬
‫المبحث التالي تحت عنوان «العلقات بين‬
‫ي»‪.‬‬
‫السلطة والنقشبندّيين في العهد الجمهور ّ‬
‫مة من صفحات‬ ‫وهي في الحقيقة صفحة ها ّ‬
‫تاريخ هذه الطائفة‪ .‬سوف تشهد عليهم بما‬
‫اقترفوا من جنايات عظيمة على السلم‬
‫ي‬
‫والمسلمين في مشاركتهم مع النظام اليهود ّ‬
‫ة منهم‪ .‬كما‬ ‫ن كان معظمها جهل ً وغفل ً‬ ‫وإ ْ‬
‫هابّيين‪ .‬وبين‬ ‫ددون إلى الو ّ‬ ‫نشاهدهم اليوم يتو ّ‬
‫ل‬‫الطرفين علقات تجارية هائلة‪ .‬يتجاهل ك ّ‬
‫ف منهما بما ل يزال الطرف الخر يضمر له‬ ‫طر ٍ‬
‫من العداوة والبغضاء‪ .‬فنستغرب عندما نجد‬
‫ورة تزدحم‬ ‫أسواق مكة المكّرمة والمدينة المن ّ‬
‫سّنة؛‬‫بالنقشبندّيين التراك‪ ،‬على امتداد ال ّ‬
‫يتاجرون ويربحون ويمرحون ويفرحون‪ ...‬بل‬
‫هابّيين بالّلغة التركّية ويضحكون‬ ‫ويسّبون الو ّ‬
‫منهم في الحين اّلذي يصافحونهم ويجالسونهم‬
‫ي يعاني‬ ‫ر دارهم! والمؤمن الحنيف الترك ّ‬ ‫عق ِ‬ ‫في ُ‬
‫كن بها من‬ ‫ة الحصول على تأشيرة ليتم ّ‬ ‫مشكل َ‬
‫ما على باب‬ ‫أداء فريضة الحج‪ ،‬وهو ينتظر أّيا ً‬
‫هابّيين في أنقره وإسطنبول! كذلك‬ ‫سفارة الو ّ‬
‫هابّيين لللف من‬ ‫دا استخدام الو ّ‬ ‫نستغرب ج ّ‬
‫الموظفين النفشبنديين في بنوكهم‬
‫ومؤسساتهم الموجودة في أنحاء تركيا‪ ،‬بينما‬
‫الشباب الحنفاء التراك يعانون من مشاكل‬
‫البطالة على أرض وطنهم بسبب مقاطعة‬
‫المشركين من أصحاب السلطة والثرياء ورجال‬
‫ع الحنفاء من أبناء الوطن‬ ‫العمل والصوفّية جمو َ‬
‫مة‬‫ن الرجل الحنيف يمتاز بالذ ّ‬ ‫ي‪ .‬مع أ ّ‬ ‫الترك ّ‬
‫‪431‬‬

‫والمانة؛ وبكفاءة أعلى في الخدمة من أمثالهم‬


‫من النقشبندّيين وغيرهم من سائر طوائف‬
‫المشركين‪.‬‬
‫***‬
‫قد يتساءل الباحث عما كان موضوع الخلف بين‬
‫السلطة العثمانّية )حامية النقشبندّيين( وبين‬
‫ة‪ ،‬لعّلها كانت‬
‫ن المشكل َ‬ ‫ور بأ ّ‬
‫هابّيين؛ فيتص ّ‬‫الو ّ‬
‫ة إلى حدّ اندلعت بسببها حروب دامية بين‬ ‫عظيم ً‬
‫الطرفين ذهبت ضحيتها أرواح وأموال‪ ،‬وانتهت‬
‫بالخراب والدمار والشقاق والعداوة؛ بعد أن‬
‫ن الفتنة مازالت‬ ‫دامت طوال قرن‪ ،‬بل أكثر؛ وأ ّ‬
‫ة؛ ولكنها اّتخذت شكل ً آخر‪ :‬فاكتسبت‬ ‫مستمّر ً‬
‫ب بين «القبوريين» وبين «أعداء‬ ‫صورةَ حر ٍ‬
‫دسات»!‬ ‫المق ّ‬
‫كر بعض الناس هكذا في أسباب هذا‬ ‫نعم قد يف ّ‬
‫النـزاع؛ ول يجد ما يشرح صدره عن واقع المر‪.‬‬
‫هابّيين‪ ،‬كان غرضهم‬ ‫ن الو ّ‬
‫وقد يظن بعضهم أ ّ‬
‫المطالبة بالحكم الذاتي‪ ،‬أو الستقلل‪ ،‬أو كانت‬
‫ة العثمانّيين‬
‫ل ضد ظلم ِ ول ِ‬ ‫ثوراُتهم ردودَ فع ٍ‬
‫ل ذلك بعيد عن الواقع وعن القيام‬ ‫يومئذ‪ .‬ك ّ‬
‫مقام إجابة سليمة عن هذا الستفسار‪.‬‬

‫ورت عن طبيعة‬ ‫بل نشأت تلك الظاهرة وتط ّ‬


‫سياسة الدولة العثمانّية القائمة على تأكيد‬
‫صة‪.‬‬‫ق خا ّ‬ ‫السيادة في المناطق النائية بطر ٍ‬
‫مد في بعض‬ ‫فكانت السلطة المركزّية تتع ّ‬
‫ة على روح‬ ‫ة عناصَر مجبول ٍ‬ ‫الحيان إلى إثار ِ‬
‫ض‬
‫ة‪ ،‬ثم تنق ّ‬ ‫ج تافه ٍ‬ ‫التمّرد في تلك المناطق بحج ٍ‬
‫عليها بذريعة إخماد الثورة وتوفير أسباب المن‪.‬‬
‫ب الذعر في نفوس سكان المنطقة‪ ،‬فتكون‬ ‫فيد ّ‬
‫دا! وإل ّ‬
‫السلطة بذلك قد أشعرْتهم بهيبتها مجدّ ً‬
‫ة في المناطق العربّية‬ ‫ن الحركات الستقللي َ‬ ‫فا ّ‬
‫‪432‬‬

‫لم تبدأ إل ّ بعد حكم التحادّيين‪ ،‬وممارستهم‬


‫سفية لتتريك العرب‪.‬‬ ‫التع ّ‬
‫ما السباب الظاهرة‪ ،،‬فإنها لم تكن إل ّ تلك‬ ‫أ ّ‬
‫الحجج التافهة «لصطياد عصفورين بطلقة‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫حظ أ ْ‬ ‫ي‪ .‬وذلك ُيل َ‬ ‫واحدة»؛ كما في المثل الترك ّ‬
‫ق هدفين‪:‬‬ ‫ة تحقي َ‬‫يكون المقصودُ في هذه الخطّ ِ‬
‫ب تتهّيبها الناس فتقع في‬ ‫أحدهما إذلل رقا ٍ‬
‫ل الله‬ ‫ّ‬
‫ي‪ .‬وهذا يقلل من هيبة «ظ ّ‬ ‫شرك سياس ّ‬
‫ي و«بابه‬ ‫في الرض» )!( وهو السلطان العثمان ّ‬
‫العالي» في إسطنبول؛ والثاني تحديد مفهوم‬
‫ي‬‫ي الترك ّ‬ ‫التوحيد‪ ،‬وتعديله بالقسطاس السياس ّ‬
‫ي‪ .‬وهذا‬ ‫ي‪ ،‬وليس بالقسطاس القرآن ّ‬ ‫العثمان ّ‬
‫نل‬ ‫يقتضي تحديد علقات الناس مع رّبهم‪ ،‬بأ ْ‬
‫ة؛ بل «عن طريق‬ ‫تكون رابطتهم معه مباشر ً‬
‫ل المباشَر يقّلل‬ ‫ن التصا َ‬ ‫خ من أولياء الله؛ ل ّ‬ ‫شي ٍ‬
‫من هيبة الله في قلب العبد» )!(‬

‫كانت هذه حقيقة السرار الكامنة في مسألة‬


‫هابّية‪ ،‬وتسليط النقشبندّيين عليهم‪ ،‬بعد أن‬
‫الو ّ‬
‫عجزت السلطة عن إخماد ثوراتهم بالقهر‪.‬‬

‫ما نزاع الطرفين في مسائل الدين؛ فقد كان‬ ‫وأ ّ‬


‫فا همجّيا‪ ،‬جاهلّيا‪ ،‬غير قائم على أساس من‬ ‫خل ً‬
‫الحكمة القرآنيّة‪ ،‬والقاعدة المنطقية السليمة‪،‬‬
‫ودون أدنى مراعاة لداب المناظرة والحترام‬
‫ف من النقشبندّيين‬ ‫المتبادل‪ .‬فقد دافع ك ّ‬
‫ل طر ٍ‬
‫ة‬
‫ة عنجهي ٍ‬
‫هابّيين عن وجهة نظره بطريق ٍ‬ ‫والو ّ‬
‫ن النقشبندّيين‪ ،‬أساليبهم في‬‫صة فا ّ‬
‫ة‪ .‬خا ّ‬‫فظ ّ ٍ‬
‫الستدلل واهية‪ ،‬وصادرة عن حقد سافر‪،‬‬
‫وعناد‪ ،‬ومكابرة‪ .‬جاءت ردودهم بلهجات قاسية‪،‬‬
‫ة واقتحام ٍ للحرمات‪ ،‬وقصف من‬‫س بالكرام ٍ‬
‫ومسا ٍ‬
‫ب‪ ،‬والنقمة والعتاب‪ .‬وعلى سبيل‬ ‫الشتم والس ّ‬
‫‪433‬‬

‫المثال فقد أفرد أحمد بن زيني دحلن‪ 526‬كتاًبا‬


‫ماه‬‫هاب وأتباعه‪ ،‬س ّ‬ ‫مد بن عبد الو ّ‬ ‫في مثالب مح ّ‬
‫هابّية»؛ كما أفرد‬ ‫«الدرر السنية في الردّ على الو ّ‬
‫باًبا في كتابه «الفتوحات السلمّية» بعنوان‬
‫ة‬
‫هابّية‪ ،»...‬فاستعمل فيه لهج ً‬ ‫«ذكر فتنة الو ّ‬
‫جل في‬ ‫شديدةً في تقبيحهم‪ .‬ومن جملة ما س ّ‬
‫هاب قوله‪« :‬وكان‬ ‫مد بن عبد الو ّ‬ ‫مثالب مح ّ‬
‫هاب‪،‬‬ ‫مد بن عبد الو ّ‬ ‫س مذهبهم الخبيث مح ّ‬ ‫س ُ‬ ‫مؤ ّ‬
‫وأصله من المشرق من بني تميم‪ .‬وكان من‬
‫ظرين‪ .‬لّنه عاش‬ ‫من ْ َ‬
‫عدّ من ال ُ‬‫مرين؛ فكاد ي ُ َ‬ ‫المع ّ‬
‫قريب مائة سنة حّتى انتشر منه ضللهم‪ ،‬كانت‬
‫ه سنة ألف ومائة و إحدى عشرة‪ .‬وهلك‬ ‫ولدت ُ ُ‬
‫سنة ألف ومائتين‪ .‬وأّرخ بعضهم بقوله‪) :‬بدا‬
‫‪527‬‬
‫هلك الخبيث( ‪».1206‬‬

‫هاب‬‫مد بن عبد الو ّ‬ ‫ل على مح ّ‬ ‫م َ‬


‫ح َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫وأشدّ َ‬
‫خ في إسطنبول‪.‬‬ ‫ي متشي ّ ٌ‬ ‫وزمرته‪ ،‬عقيدٌ نقشبند ٌ‬
‫ه ودعاياته‬ ‫سائ ِل ِ ِ‬
‫ن عليهم حرًبا شعواء ب َِر َ‬ ‫ش ّ‬
‫الكثيفة‪ ،‬وشّنعهم‪ ،‬ورماهم بالكفر والزندقة‪،‬‬
‫‪528‬‬
‫ت نخجل من ذكرها!‬ ‫سّبهم بكلما ٍ‬ ‫و َ‬
‫هابّيون‪ ،‬فإّنهم لم يجعلوا النقشبندّيين‬ ‫ما الو ّ‬
‫أ ّ‬
‫صا لنتقاداتهم؛ بل قد‬ ‫فا خا ً‬ ‫بالتحديد هد ً‬
‫دهم‬‫جهوا نق َ‬‫ما أو كادوا‪ .‬وإّنما و ّ‬‫تجاهلوهم تما ً‬
‫إلى الصوفّية على وجه العموم‪ .‬كما قد دافعوا‬
‫ل المعارضين‬ ‫قب َ ِ‬
‫ن تسميتهم من ِ‬ ‫عن أنفسهم بأ ّ‬
‫هابّية تسمية خاطئة‪ .‬إذ يقول في هذا أحد‬ ‫بالو ّ‬
‫ملوكهم‪:‬‬

‫ن المعاصرين‬
‫ي المشرب؛ وقد يكون من النقشبندّيين؛ ل ّ‬
‫ه صوف ّ‬
‫أحمد بن زيني دحلن )‪1886 -1816‬م‪ ،(.‬فقي ٌ‬ ‫‪526‬‬
‫ي متشي ّ ٌ‬
‫خ في إسطنبول‪.‬‬ ‫ه ويستدّلون بأقواله‪ ،‬خا ّ‬
‫صة منهم رجل عسكر ّ‬ ‫من شيوخ هذه الطائفة يتداولون ك ُت ُب َ ُ‬
‫هابّيين‪ .‬راجع ترجمَته في معجم المؤلفين‪ ،‬عمر رضاء كحالة‪،‬‬
‫ة في التشنيع على الو ّ‬
‫ون َ ِ‬
‫د ّ‬
‫اعتنى ببعض كتبه الم َ‬
‫مؤسسة الرسالة الطبعة الولى‪ . 1/143 :‬بيروت ‪ 1993 -‬وكذلك فيه أسماء مصادر أخرى وردت فيها ترجمته‪.‬‬

‫أحمد بن زيني دحلن‪ ،‬الفتوحات السلمّية بعد مضي الفتوحات النبوية ‪ .2/299‬القاهرة‪1968 -‬م‪.‬‬ ‫‪527‬‬

‫‪Işık‬‬ ‫صة الفصل الثاني الطبعة‪/‬إسطنبول‪1970-‬نم‪ُ .‬نشر من قبل‪:‬‬


‫مى ‪ ،Vahhabiye Nasihat‬خا ّ‬
‫راجع كتابه المس ّ‬ ‫‪528‬‬
‫‪Kitabevi‬‬
‫‪434‬‬

‫ي‪،‬‬
‫هاب ّ‬
‫هابّيين‪ ،‬ويسمون مذهبنا بالو ّ‬‫موننا بالو ّ‬
‫«يس ّ‬
‫ص‪ ،‬وهذا خطأ فاحش نشأ‬ ‫باعتبار أّنه مذهب خا ّ‬
‫عن الدعايات الكاذبة اّلتي كان يبثها أهل‬
‫الغراض‪.‬‬

‫نحن لسنا أصحاب مذهب جديد‪ ،‬وعقيدة جديدة‪،‬‬


‫فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح‪ ،‬ونحن‬
‫نحترم الئمة الربعة‪ ،‬ول فرق عندنا بين مالك‬
‫ي و أحمد وأبي حنيفة‪ ،‬وكّلهم‬
‫والشافع ّ‬
‫‪529‬‬
‫محترمون في نظرنا»‪.‬‬

‫ن جعْلنا الشيخ عبد الرحمن دمشقية في‬ ‫هذا‪ ،‬ول ْ‬


‫ء‬
‫هابّيين‪ ،‬فإّنه قد تناول النقشبندّية بهدو ٍ‬‫عداد الو ّ‬
‫سع فيها‪ .‬بل حدد موضوعه في تحليل‬ ‫ولم يتو ّ‬
‫ل من قدمائهم‬ ‫ل‪ ،‬لثلثة رجا ٍ‬‫ثلثة أقوا ٍ‬
‫‪530‬‬
‫فحسب‪.‬‬

‫هابّيين‪ ،‬بل‬ ‫إّنما اختلف النقشبندّيون مع الو ّ‬


‫ة‬
‫ل جانبي ٍ‬‫حدين في مسائ َ‬ ‫اختلفوا مع جميع المو ّ‬
‫ب السلم وأركانه‪.‬‬ ‫ة ل علقة لها بل ّ‬ ‫ة غريب ٍ‬
‫ثانوي ٍ‬
‫ت وفتن‪،‬‬ ‫فأثاروا بها ما ل يحصى من اضطرابا ٍ‬
‫ن خالفهم فيها‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫ة على َ‬ ‫وشّنوا حروًبا ضاري ً‬
‫ة‬
‫وجعلوا من هذه المسائل التافهة ونقاشها عقب ً‬
‫كبيرةً أمام المسلمين في مسيرة الحياة‪،‬‬
‫دم والنهوض والزدهار‪.‬‬ ‫وعرقلوهم عن التق ّ‬
‫فالمصيبة الكبرى إنما داهمت المجتمع بعد أن‬
‫سادت الرهبانّية على الحياة الروحية في الوطن‬
‫ي بتأثير تعاليم النقشبندّية وطقوسها‪.‬‬ ‫السلم ّ‬
‫ن هذه الخلفات وما‬
‫ومن الجدير بالشارة أ ّ‬
‫أسفرت عنها من مشاغبات ومشاحنات‪ ،‬إنما‬
‫خرون من النقشبندّيين منذ حقبة ل‬‫أثارها المتأ ّ‬
‫دمة شرح العقيدة الطحاوية ‪) .1/39‬نقل ً من‬
‫ي‪ -‬شعيب الرنؤوط‪ ،‬مق ّ‬
‫در‪ .‬عبد الله بن عبد المحسن الترك ّ‬ ‫‪529‬‬
‫كلمات الملك عبد العزيز آل سعود‪ ،‬من كتاب‪ :‬الملك الراشد ص‪(369 /‬‬

‫عبد الرحمن دمشقية‪ ،‬النقشبندّية )تمهيد( ص‪ .7 /‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‪1984 -‬م‪.‬‬ ‫‪530‬‬
‫‪435‬‬

‫م؛‬
‫ه ْ‬
‫مائ ِ ِ‬ ‫تتجاوز عن مائة وخمسين سنة‪ ،‬دون ُ‬
‫قدَ َ‬
‫ل على حقائق أخرى لم ينتبه إليها كثير‬ ‫مما يد ّ‬
‫ن قدماء النقشبندّيين كانوا‬ ‫مها‪ ،‬أ ّ‬
‫من الناس‪ .‬أه ّ‬
‫أبعد الناس من ساحة العلم‪ .‬فلم يلتقوا مع أهله‬
‫حّتى يقع بينهم وبين العلماء خلف على مسألة‬
‫ب‬
‫ل‪ .‬إذ كانوا دراويش ل َيعتدّ بهم أربا ُ‬ ‫ما‪ ،‬إل ّ قلي ً‬
‫ّ‬
‫ف‬ ‫ّ‬
‫العلم‪ .‬وهذه الشهرة التي نراها اليوم تح ّ‬
‫بأسمائهم إّنما هّيجها المتأخّرون منهم‪ .‬وما أن‬
‫ة من‬ ‫م مشائخهم بدراسة بعض العلوم بداي ً‬ ‫اهت ّ‬
‫ورت المناقشات والخصومات‬ ‫ي‪ ،‬تط ّ‬
‫خالد البغداد ّ‬
‫بين العلماء والنقشبندّيين حّتى أسفرت عن هذه‬
‫النتائج اّلتي نحن بصددها اليوم‪.‬‬

‫تنحصر المسائل الخلفية اّلتي أثارها‬


‫النقشبندّيون في أربعة أمور رئيسة‪:‬‬

‫ي‪ ،‬والستعانة‬ ‫ول منها‪ ،‬مفهوم الولية‪ ،‬والول ّ‬


‫ال ّ‬
‫بالموتى‪ ،‬والتبرك بقبورهم‪ ،‬والنذر لهم‪ ،‬وما‬
‫ل شّتى‪ ،‬شرحناها‬ ‫تتعّلق بهذه المسألة من تفاصي َ‬
‫‪531‬‬
‫في بابها ما تيسر من أهم نقاطها‪.‬‬

‫ة تتعّلق بآباء النبياء‬


‫ع ٌ‬ ‫والثاني‪ ،‬أقوا ٌ‬
‫ل مبتدَ َ‬
‫ي ‪.‬‬ ‫مهاتهم‪ ،‬وشدّ الرحال لزيارة النب ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫ة‬
‫ي البدع ِ‬
‫والثالث‪ ،‬آراء متفرقة حول مفهومَ ِ‬
‫والجتهاِد‪.‬‬

‫والرابع‪ ،‬تأويلت كلمية حول مسألة «الستواء‬


‫على العرش»‪.‬‬

‫ثلثة من هذه المور الربعة‪ ،‬قد أثارها‬


‫دة الولى والثانية‬‫النقشبندّيون‪ .‬وهي الما ّ‬
‫والثالثة‪ .‬تجمعها نقطة مشتركة‪ :‬وهي نسبة‬
‫قدرة خارقة ‪ -‬تستحيل على البشر ‪ -‬إلى من‬

‫معت َ َ‬
‫قد النقشبندّيين" من الفصل الثالث‪.‬‬ ‫ي في ُ‬
‫راجع باب "الولية والول ّ‬
‫‪531‬‬
‫‪436‬‬

‫ى‪ .‬ويدخل النبياء والمرسلون‬ ‫دعون أّنه ول ّ‬‫ي ّ‬


‫ما‬
‫ضا في اعتقادهم هذا‪ .‬أ ّ‬ ‫عليهم السلم أي ً‬
‫المسائل الخرى فهي متفّرعة عن العتقاد‬
‫ل‪ ،‬وطلب الشفاعة‬ ‫س ِ‬
‫ومرتبطة بها‪ .‬كالتو ّ‬
‫ي والمّيت من الروحانّيين‬ ‫والستغاثة بالح ّ‬
‫والنبياء والمرسلين؛ والنذر لهم‪ ،‬والقسم بهم‪،‬‬
‫ك بها‪ ،‬والزعم‬ ‫ء على قبورهم‪ ،‬والتبّر ِ‬ ‫وإقامة البنا ِ‬
‫بصدور الخوارق من بعضهم باسم الكرامة و ما‬
‫إلى ذلك‪...‬‬

‫ما المادة الرابعة‪ ،‬فهي بدعة أثارها عدد من‬ ‫أ ّ‬


‫غل في معنى «الستواء على‬ ‫هابّيين بالتو ّ‬
‫الو ّ‬
‫‪533‬‬ ‫‪532‬‬
‫فلم‬ ‫و«الستواء إلى السماء»؛‬ ‫العرش»‬
‫صة في مناقشته الشفهية بما‬ ‫يكتف بعضهم خا ّ‬
‫قاله المام مالك رضي الله عنه «الستواء‬
‫معلوم‪ ،‬والكيف مجهول‪ ،‬واليمان به واجب‪،‬‬
‫هابّيين‬
‫ب الو ّ‬‫والسؤال عنه بدعة»‪ 534‬فأثار أسلو ُ‬
‫س النقشبندّيين اّلذين طالما‬ ‫الستعدادَ في نفو ِ‬
‫ة‪،‬‬
‫ج ٍ‬
‫ينتهزون الفرصة ليهاجموهم بأدنى ح ّ‬
‫ة حّتى رموا جميعهم بالتجسيم‬ ‫فاّتخذوها ذريع ً‬
‫والزندقة‪.‬‬

‫ور النـزاع والخلف بين الطرفين ودام‬ ‫هكذا تط ّ‬


‫أكثر من قرن‪ ،‬فارتبك به الناس اّلذين كانوا في‬
‫ظلمات الجهل والعمى‪ ،‬وتذبذبت الراء‪،‬‬
‫وشت العقول؛ فانحازت جماعات إلى‬ ‫وتش ّ‬
‫هابّيين‪ .‬وما زالت‬
‫النقشبندّيين‪ ،‬وأخرى إلى الو ّ‬
‫العداوةُ تستعر في قلوب كثير من كل الطرفين‬

‫ورد في سبعة مواطن من القرآن الكريم كما يلي‪ :‬العراف‪54 /‬؛ يونس‪3/‬؛ رعد‪2/‬؛ طه‪5/‬؛ فرقان‪59 /‬؛ سجدة‪4/‬؛ حديد‪.4/‬‬ ‫‪532‬‬

‫صلت‪.8 /‬‬
‫ورد في آيتين من القرآن الكريم كما يلي‪ :‬البقرة‪29/‬؛ ف ّ‬
‫‪533‬‬

‫قيل‪ :‬إن هذا الكلم لم يثبت عن مالك من رواية صحيحة‪ ،‬وإّنما قال‪ :‬الكيف غير معقول والستواء منه غير مجهول واليمان به‬ ‫‪534‬‬
‫واجب والسؤال عنه بدعة‪ .‬لمزيد من المعرفة حول هذه المسألة راجع المصادر التي ذكرها‪:‬‬

‫مد بن أبي العز الدمشقي‪ ،‬شرح العقيدة الطحاوية ‪.1/96‬‬


‫* علي بن علي بن مح ّ‬

‫* المصدر السابق‪392-372 :‬؛‬

‫مد بن سليمان الحلبي‪ ،‬شرح منظومة المالي ص‪ .28 /‬البيت‪ .12 :‬مكتبة إشيك‪ .‬إسطنبول‪.1979-‬‬
‫* مح ّ‬
‫‪437‬‬

‫ن الدائرة في الحقيقة دارت أخيرا ً‬ ‫ضدّ الخر‪ .‬ولك ّ‬


‫على المسلمين‪ .‬لّنهم أصبحوا في حرج من‬
‫جراء هذه الحرب الشعواء بين الطرفين‪ ،‬فلم‬ ‫ّ‬
‫م شعثهم في مثار تلك الفتن وهم‬ ‫يتم ّ‬
‫كنوا من ل ّ‬
‫يتكّبدون ألواًنا من العذاب‪ .‬إذ انهارت دولتهم‪،‬‬
‫وتكالبت عليهم الدنيا‪ ،‬فقامت على أنقاض تلك‬
‫ة‪ ،‬وثب على ك ّ‬
‫ل‬ ‫ل قزم ٍ‬‫الدولة العظيمة عدة دو ٍ‬
‫ة بدعم من اليهود والنصارى‪،‬‬ ‫واحدة منها طاغي ٌ‬
‫يستبدّ بالحكم مع بطانته ويسوم رعاياه سوء‬
‫العذاب باسم الديمقراطية والحرية ول يميز في‬
‫ي!‬‫هاب ّ‬
‫ي والو ّ‬‫ذلك بين المسلم والنقشبند ّ‬
‫***‬

‫* العلقات بين السلطة والنقشبندّيين‬


‫ي‪.‬‬
‫في العهد الجمهور ّ‬
‫ت على‬ ‫ة العثمانّية‪ ،‬ووثب ْ‬ ‫ت الدول ُ‬
‫لما سقط ْ‬
‫ة من يهود سالونيك‪،‬‬ ‫السلطة الجديدة عصاب ٌ‬
‫ن أكبر عقبة‬
‫متها "جمهورية تركيا"؛ أيقنت أ ّ‬ ‫وس ّ‬
‫تعترضها وتعرقلها من تحقيق أهدافها هو‬
‫ن أفرادَ هذه العصابة‬‫السلم والمسلمون‪ .‬ولك ّ‬
‫كانوا ‪ -‬بحكم الطبع ‪ -‬يجهلون حقيقة السلم‪،‬‬
‫ن هم المسلمون من بين‬ ‫م ْ‬
‫كما كانوا يجهلون َ‬
‫ق الداخلة تحت شمول النسبة إلى السلم‬ ‫فَر ِ‬
‫ال ِ‬
‫في واقع المر‪.‬‬

‫ل‬
‫ت أصو ٍ‬‫دا من عائلتٍ ذا ِ‬ ‫ذلك أنهم كانوا يهو ً‬
‫ودت في العهد‬ ‫ت من سللت ته ّ‬ ‫ة‪ ،‬انحدر ْ‬
‫تركي ٍ‬
‫ما في ساحات شاسعة من‬ ‫ي وانتشرت قدي ً‬ ‫الخزر ّ‬
‫ما دخل‬‫شرقي أوربا وشبه جزيرة البلقان‪ .‬فل ّ‬
‫موها‬
‫العثمانّيون تلك المناطق أّيام الفتوحات وض ّ‬
‫إلى مملكتهم‪ ،‬وجد أولئك اليهود المشّردون‬
‫ي‬
‫ة للندماج في المجتمع الترك ّ‬ ‫ة سانح ً‬‫بذلك فرص ً‬
‫المسلم بقرينة الوحدة القومّية اّلتي كانت‬
‫‪438‬‬

‫القاسم المشترك بين الطرفين‪ .‬فتدّرجوا‬


‫باحتلل المناصب الهامة في أجهزة الدولة عبر‬
‫كرين بالسلم؛ حّتى شاء القدر أن‬ ‫القرون‪ ،‬متن ّ‬
‫كلوا هناك‬ ‫معوا في مدينو سالونيك‪ ،‬وأن يش ّ‬ ‫يتج ّ‬
‫ت سّرية بالمشاركة مع اليهود الصليين‬ ‫ظما ٍ‬‫من ّ‬
‫من سللت عبرية‪ ،‬والمهاجرين من إسبانيا‬
‫بسبب اضطهاد محاكم التفتيش؛ إلى أن ظهروا‬
‫قَبيل الحرب العالمّية الولى‪،‬‬ ‫على مسرح التاريخ ُ‬
‫حِاد‬
‫ي؛ وهو حزب ال ِت ّ َ‬‫ب سياس ّ‬ ‫في صفوف حز ٍ‬
‫قي‪ .‬فلعبوا بالدولة وعملوا على سقوطها‬ ‫والتر ّ‬
‫بدعم من الدول الوربية‪.‬‬

‫لهذه السباب )ولها تفاصيل‪ ،‬ليس هذا مقام‬


‫ة من اليهود اّلذين‬ ‫سردها(‪ .‬يغلب أن تلك القلّ َ‬
‫ددين‬‫فرضوا أنفسهم على المجتمع‪ ،‬كانوا متر ّ‬
‫في أمر الجماعات المتباينة‪ ،‬والمنظمات‪،‬‬
‫وطبقات الناس لدى الخطوة الولى من‬
‫انطلقهم وبعد نجاحهم في السيطرة على‬
‫ن بين‬ ‫م ْ‬
‫قدون ِ‬‫أجهزة الدولة بتمامها‪ .‬كانوا يتف ّ‬
‫ت ما يمكن أن يستغلوا‬ ‫هذه الجماعات والمن ّ‬
‫ظما ِ‬
‫دها ويستعينوا بهم حّتى يشتدّ ساعدهم في‬ ‫أفرا َ‬
‫ن الخطَر في الوقت ذاته من‬ ‫سو َ‬ ‫الحكم؛ ويم ّ‬
‫صة من جماهير النقشبندّيين اّلذين‬ ‫أكثرهم خا ّ‬
‫كانوا يمّثلون معشر المسلمين في نظر هذه‬
‫ن الحقيقة كانت خلف‬ ‫العصابة اليهودّية؛ مع أ ّ‬
‫ذلك‪ .‬فهذا اّلذي جعلهم في الوهلة الولى‬
‫طة إرهابية لكتساح النقشبندّيين‬ ‫يقومون بخ ّ‬
‫كنوا بعد ذلك من القيام بالّلعبة الكبرى‬ ‫حّتى يتم ّ‬
‫مع اليهود الصلّيين السبان في تحقيق الهداف‬
‫النهائية‪.‬‬

‫هكذا بدأ الصدام بين السلطة والنقشبندّيين منذ‬


‫أواخر عهد السلطان عبد الحميد الثاني‪ .‬حيث‬
‫كان التّحاديون اليهود قد وثبوا على الحكم في‬
‫‪439‬‬

‫كر مرةً أخرى‬ ‫تلك المرحلة‪ .‬ولكن يجب هنا أن نتذ ّ‬


‫ن‬‫دت لش ّ‬ ‫ن هذه العصابة الحاكمة إّنما استع ّ‬ ‫بأ ّ‬
‫الحرب على النقشبندّيين بسبب إلتباسهم عليها‪،‬‬
‫واعتقادها الخاطئ في نسبتهم إلى السلم‪.‬‬
‫ت‬
‫فذ ْ‬ ‫دهم‪ :‬ن ُ ّ‬ ‫فقامت بتنظيم ثلث مؤامرات ض ّ‬
‫ل فيها‬ ‫قت ِ َ‬ ‫الولى منها يوم ‪/13‬أبريل‪1909/‬م‪ُ .‬‬
‫ي‬
‫م النقشبندّيين ورجل صحف ّ‬ ‫جمهور من عوا ّ‬
‫منهم اسمه درويش وحدتي؛ وانتهت بخلع‬
‫وى‬ ‫السلطان عبد الحميد‪« ،‬على أّنه يساند ال ُ‬
‫ق َ‬
‫الرجعية ويستغّلها في طغيانه واستبداده»‪.‬‬
‫ت في المنطقة الكردّية‬ ‫فذ ْ‬ ‫والمؤامرة الثانية ن ُ ّ‬
‫ي‪ ،‬ما بين‬ ‫بعد عام ٍ من إعلن النظام الجمهور ّ‬
‫مدينتي أرض الروم و دياربكر؛ وهي في ظاهرها‬
‫ثورة الشيخ سعيد الﭙالوي اّلتي مر ذكرها‪ .‬أما‬
‫ة من‬ ‫ة مدروس ً‬ ‫في الحقيقة فإّنهالم تكن إل ّ خطّ ً‬
‫ل جهاز المخابرات التابع للطغمة الحاكمة من‬ ‫قب َ ِ‬
‫ِ‬
‫ة‪ ،‬أكبرها إثارة‬ ‫ت بدلئل قاطع ٍ‬ ‫يهود سالونيك‪ .‬ثبت ْ‬
‫قا بأي عمل‬ ‫كر إطل ً‬ ‫الشيخ سعيد على حين لم يف ّ‬
‫ضدّ النظام‪ .‬فأثاره جهاز المخابرات بوساطة‬
‫سسها بإيعاز من الحكومة بالذات‬ ‫ةأ ّ‬ ‫ة سري ٍ‬ ‫منظم ٍ‬
‫في المنطقة تحت إشراف الرائد قاسم أتاج‪.‬‬
‫وذلك لسحب العشائر الكردّية من النقشبندّيين‬
‫ن اختيار جهاز المخابرات‬ ‫إلى ساحة القتال‪ .‬فإ ّ‬
‫قا‪ ،‬دون‬ ‫لتحميل الشيخ سعيد‪ ،‬قيادةَ الثورة مسب ً‬
‫ما من رؤساء العشائر‪،‬‬ ‫أن يختار لهذا الدور زعي ً‬
‫ن المؤامرة لم تكن مدّبرة‬ ‫يبرهن بصورة قاطعة أ ّ‬
‫ض منها‬ ‫لمجرد التنكيل بالكراد‪ ،‬بل كان الغر ُ‬
‫ل‪ ،‬فيكون المر‬ ‫و ً‬ ‫ع النقشبندّيين في الكمين أ ّ‬ ‫إيقا َ‬
‫ل من يسوقه القدر إلى‬ ‫ذريعة للقضاء على ك ّ‬
‫ساحة الغضب من الكراد دون تمييز بين أن‬
‫يكون نقشبندّيا أو ل‪ .‬والمؤامرة الثالة هي‬
‫ن شاء الله‪.‬‬ ‫ن" كما سنشرحها قريًبا إ ْ‬ ‫م ْ‬
‫مَنا َ‬
‫"وقعة َ‬
‫‪440‬‬

‫لقد اتسم موقف الحكومات التركّية في إخماد‬


‫تلك الثورات بأداء واجب ل مناص منه‪ ،‬فوقعت‬
‫ي‬
‫م المحل ّ‬ ‫ر في الرأي العا ّ‬ ‫مب َّر ٍ‬
‫ع ُ‬
‫محاولُتها موق َ‬
‫ن النقشبندّيين قد‬ ‫ي‪ .‬ومعنى ذلك‪« ،‬أ ّ‬ ‫والعالم ّ‬
‫س»‬
‫س ٍ‬ ‫قوا عصا الطاعة وخرجوا على نظام ٍ مؤ ّ‬ ‫ش ّ‬
‫ن تقوم‬ ‫فيما يبدو؛ والحكومة لم يسعها إل ّ أ ْ‬
‫بتأديبهم‪ ،‬فاضطرت إلى استعمال العنف‪ ،‬وهذا‬
‫ي‪.‬‬
‫شيء طبيع ّ‬
‫لقد حققت الحكومة هدفين كبيرين أثناء القضاء‬
‫ة‬
‫على هذه الثورات‪ .‬وُيعت َب َُر هذا النجاح تجرب ً‬
‫ت البقاءَ لليهود الدونما في الحكم‬ ‫هد ْ‬‫ةم ّ‬
‫عظيم ً‬
‫إلى ما شاء الله‪.‬‬

‫مهما هو التعّرف على‬ ‫أحد تلكما الهدفين وأه ّ‬


‫الطائفة النقشبندّية وعلى جميع ما تتعّلق بهم‬
‫ة؛‬
‫ة وثقافي ٍ‬
‫ة واجتماعي ٍ‬ ‫ت أخلقي ٍ‬‫من عقائدَ ومّيزا ٍ‬
‫ت كانت تجري بين‬ ‫ت واتصال ٍ‬ ‫ت وعلقا ٍ‬ ‫ونزعا ٍ‬
‫ة من جمع معلومات‬ ‫كنت الحكوم ُ‬ ‫مشائخهم‪ .‬تم ّ‬
‫رهيبة حول هذه الطائفة أثناءَ محاكم الثورة عام‬
‫وتهم البشرّية‬‫كدت من مدى ق ّ‬ ‫‪1925‬م‪.‬؛ كما تأ ّ‬
‫والمالّية ومدى تعاونهم فيما بينهم‪.‬‬

‫ض‬
‫و َ‬ ‫ن تر ّ‬ ‫ن الحكومة استطاعت أ ْ‬ ‫والهدف الثاني أ ّ‬
‫س‬
‫النقشبندّيين على العمالة السياسّية‪ ،‬بطم ِ‬
‫ع بذور‬ ‫ضها‪ ،‬وزْر ِ‬ ‫الشهوة السياسّية فيهم وإجها ِ‬
‫ق كبٌير‬ ‫الشقاق بين مشائخهم‪ .‬لهذا‪ ،‬هناك تطاب ُ ٌ‬
‫ل من الطغمة الحاكمة وبين شيوخ‬ ‫بين آراء ك ّ‬
‫م‬‫النقشبندّيين التراك في أمور خطيرة‪ .‬ومن أه ّ‬
‫نقاط التفاق بين الطرفين في الوقت الحاضر‪:‬‬
‫هو موقفهما من السلم بأن ُيجّردَ من الحياة‬
‫ما؛ وأن ل يخرج مفهوم الدين من‬ ‫الجتماعّية تما ً‬
‫أعماق الضمائر‪ ،‬ول من بين جدران المساجد‬
‫ددونها‬ ‫دا‪ .‬تدل على ذلك مقولة للنقشبندّيين ير ّ‬ ‫أب ً‬
‫ض‬
‫ن لغرا ٍ‬ ‫دي ِ‬
‫على سبيل التحذير من استغلل ال ّ‬
‫‪441‬‬

‫ة ‪ -‬في ظاهر المر ‪ ،-‬ولكنهم‬ ‫ح سياسي ٍ‬ ‫ومصال َ‬


‫م‬
‫في الحقيقة ل يريدون بها إل أن يسقط السل ُ‬
‫هك ّ‬
‫ل‬ ‫ول ُ ُ‬
‫ن يتأ ّ‬‫ول إلى دي ٍ‬
‫إلى درك المسيحية فيتح ّ‬
‫ص في تحديد علقته مع ربه على حسب‬ ‫شخ ٍ‬
‫ط له فيما‬ ‫فهمه ورأيه وذوقه؛ إلى دين ل ضاب َ‬
‫ٍ‬
‫يتعّلق بالحياة الجتماعّية على الطلق‪ .‬طالما‬
‫كانت الزمرة الحاكمة ول تزال تستخدم هذه‬
‫المقولة في تخدير المشاعر من جانب‪ ،‬وفي‬
‫ن من جانب آخر! جاءت‬ ‫فّيي َ‬
‫ء والسل ِ‬‫تهديد الحنفا ِ‬
‫هذه المقولة بصراحة في موسوعة‬
‫للنقشبندّيين‪ 535.‬ولكن الهدف من تلك المقولة‬
‫ليس إل ّ الحيلولة بين السلم وبين ما جاء لجله‪،‬‬
‫وإلغاء أحكامه‪..‬‬

‫صة بعد أن تعّرضت‬ ‫ن هذه الطائفة‪ ،‬خا ّ‬ ‫لذا فا ّ‬


‫ن»‪ ،‬كما‬‫م ْ‬
‫مَنا َ‬
‫للّنكبة الثالثة ‪ -‬وهي «وقعة َ‬
‫ة‬
‫و ً‬‫ن شاء الله ‪ ،-‬لم تعد تمّثل ق ّ‬ ‫سنشرحها إ ْ‬
‫ة في تركيا‪ ،‬على الرغم من كثرة‬ ‫ة مستقل ّ ً‬ ‫سياسي ّ ً‬
‫أفرادها؛ وهي أكبر جماعة بين سائر الفرق‬
‫ب‬‫والحزاب والمنظمات‪ .‬بل استغّلتهم الحزا ُ‬
‫ل يهود سالونيك‪ ،‬اّلتي‬ ‫قب َ ِ‬
‫سي َّرةُ من ِ‬‫م َ‬ ‫السياسّية ال ُ‬
‫ن‬‫تتراءى في ظاهرها مختلفة التجاه‪ ،‬ولك ّ‬
‫مبعَثرون ومتفّرقون في صفوفها‬ ‫النقشبندّيين ُ‬
‫ما على التبعية‬ ‫ن‪ ،‬منطبعون تما ً‬ ‫منذ نصف قر ٍ‬
‫والستسلم‪ .‬يّتصل رؤساء الحزاب السياسّية‬
‫ي بمشائخهم في مواسم‬ ‫التابعة للنظام اليهود ّ‬
‫النتخابات‪ ،‬ويأخذون تأييدهم؛ بل يكّلفونهم‬
‫ل‬‫بتعليمات ل يخالفهم فيها الشيوخ‪ .‬كما احت ّ‬
‫عددٌ من أبناء شيوخ النقشبندّية في هذه السنين‬
‫الخيرة مناصب هامة في أجهزة الدولة‪ ،‬ومنهم‬
‫أعضاء في البرلمان‪.‬‬

‫هذا نصها بالّلغة التركّية‪:‬‬ ‫‪535‬‬


‫‪Bugün sahte, yalancı mürşitlere, müslümanları sömüren tarikatçılara, dini siyasete alet edenlere çok rastlanmaktadır. İslâm‬‬

‫‪Alimleri Ansiklopedisi 15/329‬‬


‫‪442‬‬

‫إن النقشبندّيين اليوم يختلفون كثيًرا عن‬


‫أسلفهم في موقفهم من السياسة‬
‫د‬
‫هم‪ ،‬ول تعت ّ‬ ‫هاب ُ ُ‬
‫والسياسّيين‪ .‬لم تعد السلطة ت َ َ‬
‫بهم‪ .‬بل ترتاح لكثرة عددهم ونشاطهم‪ .‬لنهم‬
‫طا‪ ،‬ازدادت بهم السلطة‬ ‫دا ونشا ً‬ ‫كّلما ازدادوا عد ً‬
‫ن نجاح الحزاب السياسّية‬ ‫ما‪ .‬ذلك ل ّ‬ ‫وةً وتحك ّ ً‬ ‫ق ّ‬
‫قف على دعمهم‪ .‬فل‬ ‫مة متو ّ‬ ‫في النتخابات العا ّ‬
‫ي حزب أن يفوز بأعلى نسبة من‬ ‫يمكن ل ّ‬
‫مة إل ّ أن يكون قد‬ ‫الصوات في النتخابات العا ّ‬
‫م إلى‬ ‫جذَب َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫دا من شيوخ هذه الطريقة و َ‬ ‫ع عد ً‬ ‫قن َ َ‬‫أَ ْ‬
‫ن الحزاب تتنافس في سبيل‬ ‫صفوفه‪ .‬لذا فا ّ‬
‫ن النجاح في كسب دعمهم‬ ‫اكتسابهم؛ ول ّ‬
‫ضرورة ل مهرب منها لرضاء الطغمة الحاكمة‬
‫من يهود سالونيك وعملئهم اّلذين يملكون زمام‬
‫ة‪ ،‬ويحتكرون السلطة من‬ ‫ل مرحل ٍ‬ ‫الحكم في ك ّ‬
‫ن‬
‫ة‪ .‬فا ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ب يفوز بالنتخابات العا ّ‬ ‫ي حز ٍ‬ ‫خلل أ ّ‬
‫ي في تركيا بهذا الشكل من‬ ‫الحزب السياس ّ‬
‫ة يستخدمها‬ ‫الديمقراطية المزيفة ل يعدو عن آل ٍ‬
‫يهود سالونيك في توجيه المجتمع وترويضه على‬
‫ة من الشذوذ والزندقة والباحية‬ ‫ط غريب ٍ‬ ‫أنما ٍ‬
‫والنحلل!‬

‫ة‬
‫ولهذا السبب‪ ،‬لما أظهر النقشبندّيون الجرأ َ‬
‫ي بعنوان «حزب النظام‬ ‫على تشكيل حزب سياس ّ‬
‫ي» بتاريخ ‪/8‬فبراير‪1970/‬م‪ ،.‬وبدءوا‬‫الوطن ّ‬
‫ب الذعُر في صفوف يهود‬ ‫يتدّرجون إلى الحكم‪ ،‬دَ ّ‬
‫ضوا على هذا الحزب‬ ‫سالونيك‪ .‬فسرعان ما انق ّ‬
‫ة‬
‫ببطش شديد‪ ،‬وأنزلوا به ضربتهم القاصم َ‬
‫وفتكوا بأوصاله‪ 536‬فبدأت مرحلة جديدة لعادة‬
‫التجربة نفسها في حيطة وحذر بالغ‪ ،‬فتكّررت‬
‫إعادة تشكيل هذا الحزب أربع مرات تحت‬
‫ُألغي الحزب المذكور )‪ (Milli Nizam Partisi‬بتاريخ ‪/21‬مايو‪1971/‬م‪ .‬ثم ُأعيد تشكيله بعنوان حزب السلم‬ ‫‪536‬‬
‫الوطني)‪ (Milli Selâmet Partisi‬عام ‪1973‬م‪ .‬ثم ُألغي هذا الحزب أي ً‬
‫ضا مع جميع الحزاب السياسّية بعد النقلب‬

‫ي )‪/12‬سبتمبر‪1980/‬م‪ (.‬ثم أعيد تشكيله للمرة الثالثة بتاريخ ‪/19‬يوليو‪1983/‬م‪ .‬وكان اسمه في هذه المرة‬
‫العسكر ّ‬
‫ضا في الشهور الولى من عام ‪1998‬م‪.‬‬
‫حزب الرفاه )‪ (RefahPartisi‬ثم ألغي أي ً‬
‫‪443‬‬

‫ة بعد‬ ‫شعارات وأسماء مختلفة في ك ّ‬


‫ل مر ٍ‬
‫ول‪ ،‬ولكن باءت المحاولت بفشل‬ ‫السقوط ال ّ‬
‫ذريع في النهاية‪ ،‬وألغي حزب الفضيلة اّلذي كان‬
‫معقل النقشبندّيين يوم ‪/ 22‬يونيو‪-‬حزيران‪. 2001 /‬‬
‫إل ّ أن كبار هذا الحزب مازالوا يحتفظون بالمل‬
‫ب في صفوفهم‪.‬‬ ‫كما يظهر من الحركة اّلتي تد ّ‬
‫ة‬
‫ة جديد ٍ‬
‫دهم أخيًرا على تجرب ٍ‬ ‫وقد أبدوا استعدا َ‬
‫لممارسة السياسة بعد أن أقدموا على تشكيل‬
‫ب السعادة» والعيون‬ ‫موه «حز َ‬ ‫ب جديد س ّ‬‫حز ٍ‬
‫تترقب في تساؤل عن موقف النقشبندّيين في‬
‫تعاملهم مع يهود سالونيك بعد اليوم!‬

‫ن النقشبندّيين ل يعصون أمًرا ليهود‬ ‫ل‪ ،‬فا ّ‬ ‫على ك ّ‬


‫ة‪ ،‬وخو ً‬
‫فا‬ ‫ن كان ذلك عن كراهي ٍ‬ ‫سالونيك‪ - ،‬وإ ْ‬
‫ة في بعض الحيان ‪ .-‬يشاركونهم في‬ ‫وتقي ً‬
‫طقوسهم الدينّية ويحتفلون معهم عند «قبر‬
‫العنيد»‪ 537‬ويقومون بإجراء ما ل يتعارض مع‬
‫أهداف اليهود وعقائدهم وأفكارهم من تخدير‬
‫مشاعر الناس بنشاطاتهم الصوفّية‪ ،‬وإحياء بدع‬
‫أوليائهم‪ ،‬وتقديس قبورهم‪ ،‬والستغاثة‬
‫بالموات‪ ،‬وتعظيم أمجاد العثمانّيين في صورة‬
‫دي في الحقيقة إلى‬ ‫ل ذلك يؤ ّ‬ ‫شعارات دينّية‪ .‬ك ّ‬
‫تشويش النتباه‪ ،‬وصرف العقول عن فهم‬
‫الحقائق القرآنية‪ ،‬وصدّ الناس عن القيام‬
‫مدّية‪.‬‬ ‫بمقتضيات الرسالة المح ّ‬
‫***‬
‫ة‬
‫ة اليهودّية عام ‪1925‬م‪ .‬ست ً‬ ‫ت السلط ُ‬ ‫لما حصد ْ‬
‫فا من النقشبندّيين الكراد في‬ ‫وثلثين أل ً‬
‫المنطقة الشرقّية بذريعة «الثورة السلمّية»‬
‫ة‬
‫ة مدّبر ً‬‫اّلتي لم تكن في حقيقتها إل ّ خطّ ً‬
‫ومدروس ً ُ‬
‫ي على‬ ‫ت بهذا الشيخ النقشبند ّ‬ ‫ق ْ‬ ‫ة أل ْ ِ‬
‫ص َ‬
‫ة اليهودّية لتنفيذ‬ ‫ت العصاب ُ‬ ‫ة منه؛ استعدّ ْ‬ ‫حين َ‬
‫غّر ٍ‬
‫ُيطلقون هذا السم باللفظ نفسه على القبر اّلذي يحتفلون عنده‪ ،‬وإن كان المعنى في الّلغة التركّية ليس‬ ‫‪537‬‬
‫هذا‪ .‬ولكن "السماء تنزل من السماء"‬
‫‪444‬‬

‫م بها حصاد‬ ‫خط ّ ٍ‬


‫ة ثانية في المنطقة الغربّية‪ ،‬ليت ّ‬
‫النقشبندّيين التراك هذه المرة عن بكرو أبيهم‪،‬‬
‫فتتخّلص اليهود بذلك من أسطورة الخوف‬
‫نهائّيا‪.‬‬

‫ن يوم‬ ‫م ْ‬‫مَنا َ‬
‫ة في مدينة َ‬ ‫م تنفيذ هذه الخطّة ثاني ً‬ ‫تَ ّ‬
‫‪/23‬ديسمبر‪1930/‬م‪ .‬وهي مدينة صغيرة على مقربة‬
‫من ولية إزمير‪ .‬وذلك باستخدام رجلين من‬
‫كان إزمير )يودا ويقو(؛‬ ‫اليهود الصليين من س ّ‬
‫ن‬ ‫شا َ‬
‫شي ْ َ‬ ‫ي‪ ،‬كانا ح ّ‬ ‫ورجلين آخرين من الصل الترك ّ‬
‫درات‪ .‬اسم أحدهما‪ :‬ل َْز إبراهيم‬ ‫من مدمني المخ ّ‬
‫مد )كش مهمد‪ ،‬أي‬ ‫خواجه؛ والثاني‪ ،‬درويش مح ّ‬
‫شاش(‪.‬‬ ‫مد الح ّ‬
‫مح ّ‬
‫طة ‪ -‬أن‬‫ة اليهوِدي ّي ْن ‪ -‬حسب الخ ّ‬ ‫مهم ُ‬
‫ّ‬ ‫لقد كانت‬
‫ِ‬
‫يحضرا صلةَ الفجر في المسجد المركزي‬
‫سكين‪ .‬و‬ ‫ي الصوفّية المتن ّ‬ ‫بالمدينة المذكورة بز ّ‬
‫أن يقوما بإثارة الحاضرين بعد انتهاء الصلة‬
‫ة‪ ،‬وتنظيم مظاهرة ضدّ النظام الحاكم‬ ‫مباشر ً‬
‫في شوارع المدينة بشعارات إسلمّية‪ ،‬وإلقاء‬
‫ء وجذبهم‬ ‫طا ِ‬‫س َ‬
‫هتافات آفاقّية لتنبيه مشاعر الب ُ َ‬
‫ن اثنين‬ ‫إلى صفوف المظاهرين بإشاعة «أ ّ‬
‫فا من جنود العرب المسلمين‪،‬‬ ‫وسبعين أل ً‬
‫معّززين بالملئكة قد أحاطوا بالمدينة‪ ،‬وهم على‬
‫وشك دخولها وإعلن الدولة السلمّية في‬
‫ن ينصرفا بطريقة التسلل‬ ‫م عليهما أ ْ‬ ‫البلد!»‪ .‬ث ّ‬
‫م الخضَر‬ ‫إلى مدينة إزمير‪ .‬على أن يسّلما العل َ‬
‫لفتات والسلحة‬ ‫ل رموز الثورة من الزياء وال ّ‬ ‫وك ّ‬
‫ن المذكورين قبل المغادرة‪.‬‬ ‫إلى الحشا َ‬
‫شي ْ ِ‬
‫وسيكون هناك جنود من قوات الدرك مكّلفين‬
‫صلهما وعودتهما‬ ‫بحمايتهما‪ ،‬وتوفير المن ِلتن ّ‬
‫سّر إلى إزمير؛ وكذلك بإلقاء القبض‬ ‫تحت جناح ال ّ‬
‫على أكبر عدد من النقشبندّيين في المنطقة بما‬
‫فيهم جميع المظاهرين‪.‬‬
‫‪445‬‬

‫م تنفيذ الخطّة بخسارة بسيطة نتيجة خطأ ٍ‬ ‫ت ّ‬


‫ل أثناء المظاهرة‬ ‫قت ِ َ‬‫وات المنّية‪ .‬ف ُ‬ ‫وقعت فيه الق ّ‬
‫س قوات الدرك‪ ،‬الملزم الثاني مصطفى‬ ‫رئي ُ‬
‫ن )والصح إّنه‬ ‫كوبيلي مع أحد اليهوِدي ّي ْ ِ‬ ‫فهمي‬
‫ل من التراك‬ ‫ن القتيل رج ٌ‬ ‫ُ‬
‫نأ ّ‬‫عل ِ َ‬‫يودا(‪ .‬ولكن أ ْ‬
‫ما الثاني منهما‪،‬‬‫ة‪ .‬أ ّ‬ ‫ما لسّر الخطّ ِ‬ ‫النقشبندّيين كت ً‬
‫م أقامته الحكومة في الخارج‬ ‫فإّنه هرب ونجا‪ .‬ث ّ‬
‫على سبيل المكافأة له‪.‬‬

‫شا‬‫ت جي ً‬ ‫ة بهذه «الفتنة» فأرسل ْ‬ ‫تذّرعت الحكوم ُ‬


‫فا إلى المنطقة بقيادة جنرال مصطفى‬ ‫كثي ً‬
‫ن وضواحيها‬ ‫م ْ‬ ‫مَنا َ‬
‫موغللي‪ .‬فداهموا مدينة َ‬
‫ل ذلك على أن المر كان‬ ‫بسرعة البرق‪ ،‬يد ّ‬
‫ما دونما أدنى‬ ‫ء ظل ً‬ ‫مدب ًّرا‪ .‬فقتلوا كثيًرا من البريا ِ‬
‫سبب‪ ،‬ول سمحوا لحد منهم حّتى يدافع عن‬
‫ة واحدة‪ .‬ثم قامت أجهزة المن‬ ‫نفسه ولو بكلم ٍ‬
‫ة في صفوف مشائخ‬ ‫ت واسع ٍ‬ ‫باعتقال ٍ‬
‫النقشبندّية بالمنطقة الغربّية‪ ،‬وعلى رأسهم عبد‬
‫قل إلى مدينة أزمير كما‬ ‫ي؛ فن ُ ِ‬ ‫الحكيم الرواس ّ‬
‫سبق ذكره‪ .‬و أما أسعد الربلي‪ ،‬فجيء به من‬
‫ماِنسا» لجراء التحقيقات‬ ‫إسطنبول إلى مدينة « َ‬
‫معه‪ ،‬والبحث عما إذا كانت له علقة بما حدث‬
‫د‬
‫ج َ‬‫و َ‬‫ما َ‬‫ل َ‬‫و ِ‬‫ه ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫ن‪ .‬فأصابته حال ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫مَنا َ‬
‫في مدينة َ‬
‫حوله من الجنود والحتياطات المنّية الشديدة‪ ،‬و‬
‫ما تعّرض له من الضغوط؛ إذ كان قد عاش معّزًزا‬
‫قًرا؛ فلم يعهد مثل هذه المعاملة المرهبة‪.‬‬ ‫ومو ّ‬
‫ثم ُأحيل إلى مستشفى مدينة «مانسا»‪ ،‬فلم‬
‫ي من الشدة‪.‬‬ ‫ق َ‬ ‫ما ل َ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ع ِ‬‫ن ُر ْ‬ ‫م ْ‬
‫يلبث أن مات فيه ِ‬
‫ة من الحكومة!‬ ‫ت سّري ٍ‬ ‫قضي عليه بتعليما ٍ‬ ‫وقيل ُ‬

‫ة من تاريخ النقشبندّية‬
‫م ٌ‬
‫صفحة ها ّ‬
‫ٌ‬ ‫انتهت هكذا‬
‫وبدأت مرحلة جديدة في سير العلقات والتعامل‬
‫بين الطغمة الحاكمة من يهود سالونيك وبين‬
‫النقشبندّيين بعد هذه المؤامرة‪.‬‬
‫‪446‬‬

‫طتين جاءتا بنتيجة‬ ‫خ ّ‬ ‫ن ال ِ‬‫ومن الهمية بمكان‪ ،‬أ ّ‬


‫غريبة لم تكن في الحسبان وقدلم تكن تلك هي‬
‫المقصودُ بالذات من تنفيذهما‪ .‬بل كانت العصابة‬
‫الحاكمة في الحقيقة إّنما تريد القضاء على‬
‫النقشبندّيين عن بكرة أبيهم‪ ،‬لّنها ترى جميع‬
‫ما جمع‬ ‫سدين فيهم! ولكن ل ّ‬ ‫المسلمين متج ّ‬
‫القدر بين الطرفين في جلسات محاكم الثورة ‪-‬‬
‫طة الثانية‪ ،-‬وجرت بينهما سلسلة‬ ‫صة بعد الخ ّ‬‫خا ّ‬
‫دت الزمرة الحاكمة من أّنها‬ ‫من الحوار‪ ،‬تأك ّ‬
‫خاطئة في هذه النظرة؛ و ظهرت بالتالي من‬
‫خلل هذه الحوارات الطارئة مدى تطابق العقلّية‬
‫النقشبندّية مع العقلّية اليهودّية التركّية في‬
‫جه العبد‬ ‫ن تو ّ‬ ‫تفسير علقة النسان برّبه‪ .‬إذ أ ّ‬
‫جا‬
‫إلى الله من غير واسطة‪ ،‬يراها الطرفان خرو ً‬
‫ما‬‫ن‪ ،‬وجرأةً على الله‪ ،‬واقتحا ً‬ ‫دي ِ‬‫على أركان ال ّ‬
‫وضين بالتصّرف عنه في‬ ‫بحرمة «وكلء الله المف ّ‬
‫الكون» )على حسب عقيدتهما(؛ تعالى الله عما‬
‫ف من‬ ‫ل طر ٍ‬ ‫يصفه الفاسقون! كذلك تأك ّدَ ك ّ‬
‫ي وتفضيله‬ ‫ر للعنصر الترك ّ‬ ‫خ ِ‬
‫ب الطرف ال َ‬ ‫ص ِ‬‫تع ّ‬
‫على سائر العناصر عن طريق هذه الحوارات‪.‬‬

‫فلمّا ظهر هذا التطابق بين عقيدة الطرفين‪،‬‬


‫ل منهما‪ ،‬انهارت سدود العداوة بينهما‬ ‫وتبّينها ك ّ‬
‫صة بعد‬‫شيًئا فشيًئا بعد ذلك؛ وازداد التقارب خا ّ‬
‫انتخابات ‪1950‬م‪ .‬اّلتي فاز الحزب الديمقراطي‬
‫ن رئيس‬ ‫فيها بدعم ٍ من النقشبندّيين‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫ن المسلمين‬ ‫ما علم أ ّ‬ ‫الوزراء عدنان مندريس‪ ،‬ل ّ‬
‫ظا كبيًرا من الحرّية اّلتي‬ ‫ضا سوف ينالون ح ّ‬ ‫أي ً‬
‫فا من‬ ‫جس خو ً‬ ‫مّتع النقشبندّيين بها‪ ،‬وبدأ يتو ّ‬
‫حدين‬ ‫انتشار عقيدة التوحيد‪ ،‬وازدياد عدد المو ّ‬
‫حدَ به‬
‫و ّ‬ ‫ع لي ُ‬ ‫الحنفاء في تركيا‪ ،‬جاء بمشرو ٍ‬
‫صفوف جميع النقشبندّيين تحت زعامة شيخ‬
‫كم في‬ ‫د حّتى تسهل مراقبتهم‪ ،‬والتح ّ‬ ‫واح ٍ‬
‫المسلمين بواسطتهم في الوقت ذاته‪.‬‬
‫‪447‬‬

‫قيل إّنه أصدر تعليمات للمختصين من أمناء سره‬


‫ء من الحماقة‪،‬‬ ‫ليجدوا له رجل ً يكون على شي ٍ‬
‫ة‪ ،‬طويل النف أحول‪...‬‬ ‫كثير الصمت‪ ،‬كبير الهام ِ‬
‫وأن يقوموا بالدعاية له بين صفوف‬
‫النقشبندّيين على أّنه غوث الزمان وقطب‬
‫ف حوَله رعاع الناس والبسطاء‪،‬‬ ‫الفلك حّتى ي َل ْت َ ّ‬
‫ققت آمال ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ذا لمشروعه‪ .‬فلم يلبث أن تح ّ‬ ‫تنفي ً‬
‫في أمد قصير‪ .‬فوجدوا له رجل ً بنفس‬
‫المواصفات‪ ،‬وأقاموا له مقّرا على الطريق اّلذي‬
‫ت‬
‫يربط بين مدينتي «بدليس» و«دياربكر»‪ .‬فجّند ْ‬
‫ل مدّربين على الصفة‬ ‫طا من رجا ٍ‬ ‫ة ره ً‬ ‫الحكوم ُ‬
‫المطلوبة للدعاية له‪ ،‬معظمهم من ضباط الصف‬
‫المتقاعدين‪.‬‬

‫ء المنتحلون بين صفوف‬ ‫وما أن تبعثر هؤل ِ‬


‫الناس وتسّللوا إلى المحافل والمجالس‬
‫والمساجد يدعونهم للنتساب إلى هذا الشيخ‪،‬‬
‫انهالت جموع غفيرة من مختلف أنحاء البلد إلى‬
‫هذه المنطقة المجهولة‪ ،‬يتهافتون عليه‬
‫ة بوصف‬ ‫ج ً‬
‫وينخرطون في سلكه‪ .‬فأثاروا ض ّ‬
‫ُ‬
‫ت عقول الناس بما أقيمت من‬ ‫سحر ْ‬ ‫كراماته‪ ،‬ف ُ‬
‫ت هّيجت المليين‪،‬‬ ‫س وحلقا ٍ‬ ‫ت وطقو ٍ‬ ‫حفل ٍ‬
‫ت الوجوه عن حقيقة‬ ‫صدّ ْ‬
‫درت المشاعر‪ ،‬و ُ‬ ‫فتخ ّ‬
‫ما‪ .‬فاختلط الصوم والصلة والحج‬ ‫السلم تما ً‬
‫جگان ِّية‪ ،‬والحلقات اليوغّية‪،‬‬‫َ‬ ‫وا َ‬‫خ َ‬‫والزكاة بالختم ُ‬
‫والّرابطة الهندوكّية‪ ،‬وعدّ الذكار بالحصى‪،‬‬
‫والتركيز على الصورة الفوتوغرافية للشيخ‪،‬‬
‫والتبّرك بالقبور‪ ،‬والستمداد من الروحانيين؛‬
‫ت أصوات غريبة ‪ -‬شبه الخوار والزئير‬ ‫وتصاعد ْ‬
‫والعواء ‪ -‬من حناجر المجذوبين في التكايا‬
‫والمساجد والبيوت والشوارع ليل ً ونهاًرا‪ ،‬أصيب‬
‫ة من الدراويش بمرض الهيستريا‪،‬‬ ‫ف مؤّلف ٌ‬‫آل ٌ‬
‫واختفت نشاطات المر بالمعروف والنهي عن‬
‫‪448‬‬

‫المنكر‪ ،‬وبطلت أعمال الدعوة والرشاد‪ ،‬و ماتت‬


‫روح الجهاد‪ .‬ولكثرة إلتفاف الناس حول هذا‬
‫الشيخ‪ ،‬اشتدّ الحرج على المسلمين‪ .‬فمن رفض‬
‫قبل‬‫سخرية من ِ‬ ‫منهم أن يواليه‪ ،‬تعّرض لل ُ‬
‫ي بالعداوة «لولياء‬ ‫م َ‬ ‫جماهير النقشبندّيين‪ ،‬وُر ِ‬
‫ُ‬
‫ي»!‬‫هاب ّ‬‫ر» و«الو ّ‬ ‫الله»‪ ،‬وأطلق عليه صفة «ال ْ ُ‬
‫من ْك ِ ِ‬
‫صية حياة الرسول ‪‬‬ ‫كر في خا ّ‬ ‫فلم يعد أحد يتف ّ‬
‫وشخصّيته وسيرته‪ .‬بل اعتقد الناس أّنه ‪ ‬كان‬
‫على سيرة شيوخ النقشبندّية )؟!( كما اختفت‬
‫فَرق والحزاب‬ ‫ضا بهذا الدافع ضجيج ال ِ‬ ‫أي ً‬
‫كنت‬‫المتنازعة؛ فارتاحت حكومة مندريس وتم ّ‬
‫بفضل النقشبندّيين من تحديد الحركة السلمّية‬
‫في تركيا بشكل ملحوظ‪.‬‬

‫ن حكومة مندريس‬ ‫وأدهى من ذلك وأمّر‪ :‬أ ّ‬


‫وافقت على مشروع القانون رقم ‪ ،5816‬بتاريخ ‪25‬‬
‫ي‪،‬‬‫ص على تأليه الزعيم الترك ّ‬ ‫‪/07/1951‬م‪ .‬اّلذي ين ّ‬
‫مت بتنظيم الطقوس اّلتي ُتقام في‬ ‫كما اهت ّ‬
‫دين اّلذي‬ ‫ن الجديد بأنقره‪ ،‬ذلك ال ّ‬ ‫دي ِ‬‫معبد ال ّ‬
‫اعتنقه جميع التراك اليهود‪ ،‬ومليين من التراك‬
‫ي بـ «دين‬ ‫م َ‬ ‫دين عن السلم‪ ،‬واّلذي ُ‬
‫س ّ‬ ‫المرت ّ‬
‫‪538‬‬
‫مل مندريس هذه‬ ‫الترك المعاصر» ‪ .‬تح ّ‬
‫المسئولية الخطيرة إرضاءً لشهوة يهود سالونيك‬
‫مد‬‫ي مح ّ‬ ‫المتسّلطين على الحكم‪) .‬ويزعم الصحف ّ‬
‫في‬ ‫ن ِ‬ ‫صل(‪.‬فا ّ‬‫ي ال ْ‬ ‫ضا يهود ّ‬ ‫شوكت أيكي‪ :‬أّنه أي ً‬
‫ر ‪ -‬من رِئيس الوزراء ‪ -‬حقائق‬ ‫هذا القدام ِ الخطي ِ‬
‫مها‬‫لم ينتبه إليها كثير من الباحثين حّتى الن‪ .‬أه ّ‬
‫ن اليهود التراك كانوا يشعرون بحرج بالغ‪:‬‬ ‫أ ّ‬
‫أّنهم يدينون باليهودّية‪ ،‬وجمهور عظيم من بني‬
‫ن‬‫جلدتهم يدينون بالسلم‪ .‬ومعنى ذلك‪« :‬أ ّ‬
‫ي شعبين أجنبّيين‬ ‫دَيان َت َ ْ‬‫هؤلء القوم خاضعون ل ِ ِ‬
‫ي‪.‬‬‫ي‪ ،‬وهم من الصل الطوران ّ‬ ‫من الصل السام ّ‬
‫ط من كرامتهم القومّية‪ ،‬ويقّلص من‬ ‫وهذا يح ّ‬

‫‪.Milli Türk Dini 538‬‬


‫‪449‬‬

‫كد على‬‫ي»‪ .‬ويؤ ّ‬


‫ي والثقاف ّ‬ ‫استقللهم التاريخ ّ‬
‫هذه الحقيقة ما كتبته الباحثة النجليزية جرايس‬
‫أليســون ‪ .Grace Ellison‬في كتابها ‪ .Turkey Today‬وما‬
‫وه به أحد شعراء التراك من الجماعة اليهودّية‬ ‫تف ّ‬
‫‪539‬‬
‫م دلئل أخرى‬ ‫وث ّ‬ ‫اسمه كمال الدين كامو‬
‫كثيرة‪.‬‬

‫أما اّلذي يمس موضوعنا في هذا السياق؛ أ ّ‬


‫ن‬
‫هذه الفكرة الخطيرة لم تخامرهم إل ّ بعد‬
‫إطلعهم على أسرار الطريقة النقشبندّية‬
‫خًرا‪ .‬ذلك ل ُيستبعد أن‬ ‫وحقيقة هذه الطائفة مؤ ّ‬
‫ن رجال ً من قدما ِ‬
‫ء‬ ‫يكون كثير منهم قد اعتـزوا بأ ّ‬
‫ي قد استطاعوا قبل سبعة‬ ‫هذا الشعب الطوران ّ‬
‫صا في تفسير‬ ‫ها خا ّ‬ ‫متهم اتجا ً‬‫ددوا ل ّ‬‫ن يح ّ‬‫نأ ْ‬‫قرو ٍ‬
‫ل يفصل بينهم وبين العرب‬ ‫مفهوم السلم بشك ٍ‬
‫ي باسم النقشبندّية من منطلق‬ ‫ء الدين ّ‬
‫في النتما ِ‬
‫ي اّلذي ُيضمره‬ ‫الشتياق إلى الستقلل الذات ّ‬
‫ي منذ القديم‪ ،‬كما ترمز هذه‬ ‫العنصر الترك ّ‬
‫الحقيقة في حد ذاتها إلى الصراع العربي‪-‬‬
‫ي على احتكار السلم عبر التاريخ‪.‬‬ ‫الترك ّ‬
‫ولهذا يجاهر كثير من التراك اّلذين قد خلعوا‬
‫ربقة السلم من أعناقهم‪ ،‬يجاهرون بك ّ‬
‫ل‬
‫ة‪« :‬إّنه مادام أسلفنا قد نجحوا في هذه‬ ‫صراح ٍ‬
‫َ‬
‫ر‬
‫ضدّ النصها ِ‬ ‫التجربة اّلتي أك ْ َ‬
‫سب َت َْنا المناعة ِ‬
‫ل في بوتقة العرب‪ ،‬فاستطاعوا بفضلها‬ ‫والتحل ّ ِ‬
‫أن يحتفظوا بالشخصّية التركّية المتمايزة حّتى‬
‫ن استقلَلنا عن‬ ‫الن؛ فما يمنعنا إذن من أن ُنعل ِ َ‬
‫ما؟!»‬ ‫دين العرب تما ً‬

‫هذه كلماته في نظم ٍ له‪:‬‬ ‫‪539‬‬


‫‪Ne örümcek ne yosun * Ne mucize ne füsûn‬‬

‫‪Kâbe Arabın olsun‬‬ ‫‪* Bize Çankaya yeter‬‬

‫معانيها بالّلغة العربيية‪:‬‬

‫ل عنكبوت ول طحلب * ل معجزة ول تعويذة‬

‫دع الـكعبة للعـرب * يكفينا قصُر شـنكايا‪.‬‬


‫‪450‬‬

‫ن هذه التغّيرات السريعة اّلتي ظهرت على‬‫إ ّ‬


‫ي المعاصر‬‫ي في المجتمع الترك ّ‬
‫الصعيد الفكر ّ‬
‫ورات الطارئة كنتيجة لعلقات‬ ‫عقب التط ّ‬
‫ك يبرهن على‬‫السلطة مع النقشبندّيين‪ ،‬ل ش ّ‬
‫تأثير هذه الطائفة وعقائدها على أفكار الزمرة‬
‫الحاكمة‪ ،‬وبوساطتها على قطاع كبير من‬
‫الناشئة ولو بطريقة غير مباشرة‪.‬‬

‫ة لم تقتنع‬ ‫ن الزمرة اليهودّية الحاكم َ‬ ‫يبدو أ ّ‬


‫ه لها في إجهاض الحركة‬ ‫ص ِ‬ ‫بعمالة مندريس وإخل ِ‬
‫السلمّية بالقدر اّلذي حمل على الحركة‬
‫ست‬ ‫الماركسية والنفصالية الكردّية‪ .‬بل أح ّ‬
‫بخطر عندما وجدت النقشبندّيين قد اجتمعوا‬
‫د في شرقي البلد‪.‬‬ ‫خ واح ٍ‬ ‫تحت زعامة شي ٍ‬
‫ضا كانت‬ ‫ن النقشبندّيين التراك أي ً‬ ‫ة فا ّ‬
‫ص ٍ‬‫وبخا ّ‬
‫نشاطاتهم في المدن الغربّية قد ازدادت في‬
‫ه من أحد شيوخهم البارزين‬ ‫تلك المرحلة بتوجي ٍ‬
‫اسمه سليمان حلمي طوناخان رئيس الفرقة‬
‫المعروفة بـ «السليمانّية »‪ ،Süleymancılar‬كما‬
‫ش كبٌير في حركات جماعة النور‬ ‫لوحظ انتعا ٌ‬
‫على مستوى البلد‪ .‬فأوجست الزمرة الحاكمة‬
‫ول في‬ ‫ورات‪ ،‬أن تتح ّ‬ ‫ل هذه التط ّ‬ ‫فا من ك ّ‬ ‫خو ً‬
‫ة‬
‫ة‪ ،‬أو حرك ٍ‬ ‫ة صحيح ٍ‬ ‫ة إسلمي ّ ٍ‬ ‫النهاية إلى حرك ٍ‬
‫ة ل قبل لهم بها‪ .‬فأطاحوا‬ ‫حد ٍ‬‫نقشبندّية مو ّ‬
‫بحكومة مندريس يوم ‪/27‬مايو‪1960/‬م‪ .‬ثم قتلوه‬
‫قا يوم ‪/17‬سبتمبر‪1961/‬م‪ .‬واختطفوا جثمان‬ ‫شن ً‬
‫سعيد النورسي )زعيم جماعة النور(‪ ،‬من مدينة‬
‫ل‪ .‬وذلك عام ‪1960‬م‪ .‬كما‬ ‫أورفا بعد دفنه بقلي ٍ‬
‫نقلوا مقّر شيخ النقشبندّيين الكراد من‬
‫ة اسمها )المنـزل(‬ ‫المنطقة الشرقّية إلى قري ٍ‬
‫ة‬
‫ة آديامان بعد مدّ ٍ‬ ‫ب مدين ِ‬ ‫بالمنطقة الجنوبّية قر َ‬
‫ن شاء‬ ‫م سوف نتطّرقُ إليه إ ْ‬ ‫ة لسبب ها ّ‬ ‫قصير ٍ‬
‫الله تعالى؛ وقضوا على مثابات جامعة الزهراء‪.‬‬
‫ولكن استمّر دعم السلطة اليهودّية للشيخ‬
‫‪451‬‬

‫المذكور ولولده‪ ،‬كما استمّرت في الوقت ذاته‬


‫مطاردتهم للمسلمين إلى اليوم‪.‬‬
‫***‬
‫على الرغم من وجود أمارات كثيرة وواضحة‬
‫ن بين الزمرة‬ ‫و ِ‬
‫عا ُ‬‫تبرهن على استمرار التّ َ‬
‫الحاكمة وبين مشائخ النقشبندّية ذوي الصول‬
‫ة‬
‫التركّية في هذه البلد‪ ،‬قد يردّ هذه الحقيق َ‬
‫ض المعترضين ممن كّلت أبصارهم عن رؤية‬ ‫بع ُ‬
‫ّ‬
‫ما بسبب ظلم الجهل الذي قد أحاط‬ ‫الواقع‪ ،‬إ ّ‬
‫بهم ول يكادون يتخّلصون منه؛ أو لمصلحة‬
‫ة‪ .‬ويدخل في‬ ‫دا ومكابر ً‬ ‫ق عنا ً‬ ‫تجعلهم يكتمون الح ّ‬
‫ة‬
‫ة الكردي ّ ِ‬‫خ المنطق ِ‬ ‫عداد أولئك الجهلة أبناءُ مشائ ِ‬
‫المتبعثرين اليوم في إسطنبول وإزمير وأنقره‪،‬‬
‫اّلذين يطوفون في شوارعها للحصول على‬
‫لقمة العيش ول يكاد أحد من أبسط الناس يعبأ‬
‫بهم فضل ً عن رجال السلطة‪ .‬وهم بالختصار‪:‬‬
‫ل من الشيخ خالد الزيباري‪ ،‬والشيخ‬ ‫أحفادُ ك ّ‬
‫أسعد الخسخيري‪ ،‬والشيخ خالد الزيلني‪،540‬‬
‫والشيخ عبد الرحمن التاغي‪ ،‬وأبناء الشيخ سيدا‬
‫الجزري )هم من سللت كردية(؛ وكذلك أحفاد‬
‫مد الحزين‬ ‫الشيخ حامد المارديني‪ ،‬والشيخ مح ّ‬
‫الفرسافي‪ ،‬والشيخ عبد الله الخالدي‬
‫هار الذوقيدي‪،‬‬ ‫خزومي‪ ،‬والشيخ عبد الق ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م ْ‬
‫والشيخ فتح الله الورقانسي )وهم شخصّيات‬
‫عربية ومنهم مستكردة(‪ .‬وقد غلب الجهل على‬
‫هؤلء المساكين إلى حدّ ل يكاد أحدٌ منهم يفهم‬
‫ن الزمرة الحاكمة قد أصبحت اليوم في غنى‬ ‫أ ّ‬
‫ة القمامة‪ .‬ولكنها‬ ‫عنهم؛ ولذلك قذفتهم في سل ّ ِ‬
‫دا ممن يحتفظ بمكانته‬ ‫تتعاون مع عدد قليل ج ّ‬
‫وشهرته من الشيوخ النقشبندّيين التراك‬
‫ل زمرةً من بينهم‪ ،‬ل يتجاوز عدد البارزين‬ ‫وتستغ ّ‬
‫‪ 540‬وصفه معاصروه من الشيوخ النقشبندّية بـ«الّتطّرف والخروج على آداب الطريقة»‪ ،‬لّنه كان يسمح‬
‫س ٌ‬
‫خ‬ ‫ء في حفلته‪ .‬للشيخ حامد المارديني رسائل في مثالبه وتشنيعه‪ .‬لهذه الرسائل ن ُ َ‬
‫باختلط الرجال والنسا ِ‬

‫هابّية بمدينة الطائف‪ .‬طلب‬


‫دة الحديث في إحدى الجامعات الو ّ‬
‫ن(‪ ،‬أستاذ ما ّ‬
‫د ْ‬
‫مد صادق آي ْ ِ‬
‫ي )مح ّ‬
‫عند حفيد الماردين ّ‬
‫ض!!!‬ ‫مؤّلف هذا الكتاب أن يعيرها إّياه للبحث‪ ،‬ولكّنه َر َ‬
‫ف َ‬
‫‪452‬‬

‫منهم على سبعة أشخاص فحسب‪ .‬وهم‬


‫بالتحديد‪ :‬العقيد المتشّيخ حسين حلمي إشيك؛‬
‫عا كبيًرا من جماعة النور‬ ‫ورجل يتـزعم قطا ً‬
‫اسمه فتح الله جولن؛ ورجل في المنطقة‬
‫الجنوبية قرب مدينة آديامان )وهو عربي‬
‫ده اّلذي ذاع صيته‬ ‫ل مكان أبيه وج ّ‬ ‫مستكَرد(‪ ،‬احت ّ‬
‫بدعم جهاز المخابرات في عهد مندريس؛ وزعيم‬
‫س‬
‫خ مدسو ٌ‬ ‫الطائفة السليمانية؛ ورجل متشي ّ ٌ‬
‫)مثل الضابط اّلذي مّر ذكره( يقوم بنشاطاته‬
‫في منطقة ساكاريا‪ ،‬ورجل من بقايا الشعب‬
‫ي اليوناني من أهالي مدينة طربزون‪.‬‬ ‫طس ّ‬‫الب ُن ْ ُ‬
‫قد اتخذ من مسجد إسماعيل آغا بإسطنبول‬
‫م شخص أخر‪ ،‬قد خّلفه شيخ‬ ‫مقًرا ومركًزا‪ .‬وث َ ّ‬
‫طا برجال‬ ‫الداغستانيين‪ .‬وهناك عدد أقل ارتبا ً‬
‫السياسة وهم خلفاء محمود سامي رمضان‬
‫أوغلو المعروف بـ «شيخ التجار» في إسطنبول؛‬
‫وخلفاء إسماعيل حقي أهرامجي اّلذي كان يبث‬
‫دعوته من مدينة سيواس في أواسط آناضول‪.‬‬

‫ن هؤلء الشيوخ هم‬ ‫ربما يدافع بعض الناس‪« :‬أ ّ‬


‫أهل الزهد والنسك‪ ،‬معتكفين في تكاياهم‪،‬‬
‫دا وعلى جنوبهم‪،‬‬ ‫ما وقعو ً‬
‫يذكرون الله قيا ً‬
‫مشغولين عن الدنيا وملهيها‪ ،‬ل يراهم أحد في‬
‫دا‪ ...‬إذن‪ ،‬فهل يجوز أن يكونوا‬ ‫الشوارع أب ً‬
‫متواطئين مع رجال السياسة اّلذين ل يهمهم إل ّ‬
‫المصلحة‪ ،‬و هل يجوز أن يتعاون هذان الجمعان‬
‫المختلفان في العقيدة والفكر والسلوك ياترى؛‬
‫ة ضدّ أهل التوحيد اّلذين يلتقون مع‬ ‫ص ٍ‬
‫وبخا ّ‬
‫النقشبندّيين صباح مساء تحت سقوف المساجد‬
‫على أقل تقدير)؟!(»‬

‫ن اّلذين يجهلون مدى حقد النقشبندّيين على‬


‫إ ّ‬
‫أهل التوحيد الخالص‪ ،‬ربما يرون في مثل هذا‬
‫الدفاع ضرورةً على حسب ما يتراءى لهم من‬
‫‪453‬‬

‫الظاهر‪ .‬كما يبرهن هذا الجهل منهم على‬


‫ق النسان‬ ‫ن منط َ‬ ‫ة أخرى‪ .‬وهي أ ّ‬‫جهلهم بحقيق ٍ‬
‫دقه‬‫ن يص ّ‬‫م ْ‬
‫ل َ‬‫ي يسمح له بالتعاون مع ك ّ‬ ‫النقشبند ّ‬
‫على أساطيره وعقائده إلى حدود بعيدة‪ ،‬ولو‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ل َ‬‫كان يهودّيا أو نصرانّيا‪ ،‬ويضيق صدره عن ك ّ‬
‫ذب أساطيره ويرشده إلى توحيد الله وإن كان‬ ‫يك ّ‬
‫ما‪.‬‬
‫فا مسل ً‬‫حني ً‬

‫ي على الطلق‪ ،‬أن‬ ‫لذا‪ ،‬يرفض الرجل النقشبند ّ‬


‫ن ل يعتقد بمعتقداته‬ ‫ي إنسا ٍ‬ ‫يتعاون مع أ ّ‬
‫المرسومة في طريقته؛ و إذا شاركه في عمله‪،‬‬
‫ض ويحتقره‬ ‫دا؛ بل يضمر له البغ َ‬ ‫ل ُيخلص له أب ً‬
‫ويستقذره‪ ،‬ويتربص فرصة اليقاع به متى‬
‫سنحت له‪ ،‬وإن كان ذلك النسان‪ ،‬من أتقى‬
‫كا‪ ،‬وأحسنهم‬ ‫الناس و أعلمهم‪ ،‬وأفضلهم سلو ً‬
‫صر في‬ ‫ي ل يق ّ‬ ‫قا؛ ولكن الرجل النقشبند ّ‬ ‫خل ً‬
‫ص يتظاهر له بالتصديق على‬ ‫ي شخ ٍ‬ ‫التعاون مع أ ّ‬
‫كرامات شيخه والتعظيم له‪ ،‬والموافقة على‬
‫معتقداته و ممارساته لداب طريقته‪ ،‬وإن كان‬
‫كا! ولهذا لم‬ ‫دا‪ ،‬دهرّيا أو مشر ً‬ ‫ذلك الشخص ملح ً‬
‫ل ‪ -‬عن التحيّز‬ ‫يتخّلف النقشبندّيون ‪ -‬على الق ّ‬
‫إلى الفئة المتغّلبة‪ ،‬وعن العمالة للنطام الحاكم‪،‬‬
‫واتخاذ الموقف المضادّ من أهل التوحيد الحنفاء‪.‬‬
‫بل قد شاركو الحكومات العلمانّية في مواقف‬
‫عديدة وبصورة فعلية ضدّ المؤمنين الحنفاء‪ ،‬وإن‬
‫اقتصر ذلك على إبداء الرأي غالًبا‪.‬‬

‫ن ُتحصى‪ .‬ومن‬ ‫ما المارات‪ ،‬فإنها أكثر من أ ْ‬ ‫أ ّ‬


‫دا من مشائخ الطريقة‬ ‫ن أح ً‬‫ها‪ :‬أ ّ‬
‫كُب َْرَيات ِ َ‬
‫ة استنكاًرا لما‬ ‫س ببنت شف ٍ‬ ‫النقشبندّية لم ي َن ْب ِ ْ‬
‫ة بإهانة‬‫ت ظالم ٍ‬ ‫ة من تصّرفا ٍ‬ ‫تقوم به السلط ُ‬
‫د أحدٌ منهم‬‫المسلمين وغصب حقوقهم‪ ،‬ولم ي ُب ْ ِ‬
‫ه لموقفها المتسامح مع أجهزة العلم‬ ‫إدان َت َ ُ‬
‫اليهودّية التركّية في حملتها على السلم‬
‫‪454‬‬

‫دسات السلمّية‬ ‫والمسلمين‪ ،‬وسخريتها بالمق ّ‬


‫دهم إّنه‬‫ع من أح ِ‬‫م ْ‬ ‫ة‪ .‬كما لم ُيس َ‬ ‫من غير هواد ٍ‬
‫ء‬
‫هدين في أنحا ِ‬ ‫دافع عن المسلمين المضطّ َ‬
‫ة‪ ،‬ول عن الفلسطينّيين‬ ‫ة واحد ٍ‬‫العالم ِ ولو بكلم ٍ‬
‫قَبل الصهاينة‪.‬‬ ‫ة من ِ‬ ‫ل والباد ِ‬ ‫المعّرضين للقت ِ‬
‫كذلك الستشارات اّلتي يقوم بها أعداد من‬
‫رؤساء الحزاب السياسّية لدى هؤلء الشيوخ‬
‫المشهورين‪ ،‬واجتماعاتهم في المناسبات‪ ،‬تد ّ‬
‫ل‬
‫ر مستمّر‪ ،‬وعلقات‬ ‫على ما هنالك من حوا ٍ‬
‫كن أحد من‬ ‫ن كان ل يتم ّ‬‫وتعاون بين الطرفين؛ وإ ْ‬
‫طلع على أسرار هذه العلقات غير بطانتهم‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ل من‬ ‫وهى في حقيقتها محاولت‪ ،‬يريد بها ك ّ‬
‫ن‬‫ك‪ .‬إل ّ أ ّ‬‫ل الخر من غير ش ّ‬ ‫ن يستغ ّ‬
‫الطرفين أ ْ‬
‫مكتسبات السياسّيين في استغلل النقشبندّيين‪،‬‬
‫جح بكثير على ما ينال النقشبندّيون من‬ ‫يتر ّ‬
‫مصالح بوساطة السياسّيين‪.‬‬

‫ي اّلتي يمّثلها‬ ‫ن نسبة طاقة الدعم السياس ّ‬ ‫ذلك أ ّ‬


‫النقشبندّيون في تركيا تفوق على خمسة‬
‫ض النظر عن العداد‬ ‫وستّين في المائة‪ .‬هذا بغ ّ‬
‫ة‪،‬‬‫ر مباشر ٍ‬ ‫ق غي ِ‬
‫كها هذه الطائفة بطر ٍ‬ ‫التي ُتحّر ُ‬
‫وتجتذبها إلى صفوفها في مواسم النتخابات‪ ،‬ل‬
‫تقل عن سبعة في المائة‪ .‬وهكذا تنجلي أمام‬
‫وة الهائلة كيف قد تحولت‬ ‫ن هذه الق ّ‬‫العيون بأ ّ‬
‫ة بيد الحزاب السياسّية في‬ ‫ة خطير ٍ‬ ‫إلى آل ٍ‬
‫تحريك عجلة الديمقراطية الزائفة في تركيا‪،‬‬
‫وكذلك في مقاومة الحركات السياسّية اّلتي‬
‫تحاربها الزمرة اليهودّية الحاكمة!‬

‫***‬

‫فَرقُ الرئيسة للنقشبندّيين في‬


‫* ال ِ‬
‫تركيا اليوم‪.‬‬
‫‪455‬‬

‫ن‬
‫بهذه المناسبة ينبغي الشارة هنا إلى أ ّ‬
‫النقشبندّيين اليوم في تركيا‪ ،‬موّزعون في‬
‫ة للشخاص‬ ‫ة تابع ٍ‬
‫ت رئيس ٍ‬‫صفوف سبع جماعا ٍ‬
‫ن هذه الجماعات‪ ،‬يختلف‬ ‫فا‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫المذكورين آن ً‬
‫ي‬
‫ضها عن بعض من حيث التكوين الجتماع ّ‬ ‫بع ُ‬
‫ي اختل ً‬
‫فا‬ ‫ي والنشاط السياس ّ‬ ‫والمستوى الثقاف ّ‬
‫بارًزا‪.‬‬

‫مد‬
‫فرق‪ ،‬جماعة الشيخ مح ّ‬ ‫يمتاز من بين هذه ال ْ ِ‬
‫قفين؛ وكان في‬ ‫زاهذ كوتكو برجالها المث ّ‬
‫دمتهم ترغوت أوزال اّلذي استطاع أن يحت ّ‬
‫ل‬ ‫مق ّ‬
‫منصب رياسة الجمهورّية؛ وكذلك منهم نجم‬
‫د‬
‫الدين أرباكان )رئيس الوزراء السبق(‪ ،‬وعد ٌ‬
‫كبيٌر من الساتذة موّزعون اليوم في جامعات‬
‫تركيا‪.‬‬

‫مد زاهذ كوتكو )المعروف بشيخ‬ ‫ن الشيخ مح ّ‬ ‫إ ّ‬


‫ي المشرب‪ ،‬من أتباع‬ ‫الداغستانّيين(‪ ،‬كان خالد ّ‬
‫ب‬
‫ل منص َ‬ ‫ي‪ .‬احت ّ‬‫و ّ‬ ‫خان َ ِ‬‫ش َ‬ ‫أحمد ضياء الدين الگ ُ ُ‬
‫مو ْ‬
‫ه‪ :‬عمر ضياء‬ ‫ة بعده بإجازتين من خليفتي ِ‬ ‫الخلف ِ‬
‫ث تعاليمه في‬ ‫الدين ومصطفى فيضي‪ ،‬وبدأ يب ّ‬
‫لب‬‫إسطنبول‪ ،‬فاستطاع أن يؤث َّر على ط ّ‬
‫ة‬
‫م إلى أتباعه نخب ٌ‬ ‫الجامعة منذ عام ‪1960‬م‪ .‬فانض ّ‬
‫قفين؛ ثم ترابطوا فيما بينهم‬ ‫من الشباب المث ّ‬
‫حّتى برز منهم شخصّيات تدّرجوا علىالصعيد‬
‫ي وشاركوا العلمانّيين أخيًرا في تشكيل‬ ‫السياس ّ‬
‫ت‬‫ت وتنصيص قوانين وتنفيذ مشروعا ٍ‬ ‫حكوما ٍ‬
‫‪541‬‬
‫ة‪.‬‬
‫م ٍ‬
‫ها ّ‬
‫د متشّيخ‬ ‫ة مفتتنة بعقي ٍ‬ ‫ق؛ طائف ٌ‬ ‫فَر ِ‬ ‫ومن هذه ال ِ‬
‫ون هذه الطّائفة من‬ ‫مّر ذكره بالتفصيل‪ .‬تتك ّ‬
‫ة‬
‫مي ّ ٍ‬
‫ة بالتوجيه‪ ،‬وأخرى عا ّ‬ ‫ة مكل ّ َ‬
‫ف ٍ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ق َ‬‫ة مث ّ‬‫طبق ٍ‬
‫ة‬
‫طائف ِ‬ ‫ة هذه ال ّ‬‫م ُ‬
‫ذ‪ .‬مه ّ‬ ‫د والت ّْنفي ِ ِ‬ ‫قِلي ِ‬‫ة بالت ّ ْ‬
‫ف ٍ‬‫مكل ّ َ‬
‫ن وأهل التوحيد؛‬ ‫فّيي َ‬ ‫تتعّين في حرب السل َ ِ‬
‫‪ 541‬هذه الفرقة معروفة بـ«جماعة إسكندر باشا»‬
‫‪456‬‬

‫ة التركّية التقليدّية»‬ ‫سن ّي ّ ِ‬


‫وترسيخ «العقيدة ال ّ‬
‫على أساس تقديس الملوك والسلطين التراك‪،‬‬
‫دولة التركّية‪ .‬لذا‪،‬‬‫ي وال ّ‬ ‫وتقديس العنصر الترك ّ‬
‫م الصفوف اّلتي‬ ‫ُتعت َب َُر هذه الفرقة من أه ّ‬
‫تستقوي بها الحكومات العلمانّية‪-‬العنصرّية‪،‬‬
‫وتستخدمها في ترسيخ فكرة العصبّية التركّية‪.‬‬

‫لقد اتّخذ العقيدُ المذكوُر السرةَ الرواسّية رمًزا‬


‫عا في احتكار الصفة اّلتي‬ ‫لدعوته وتوجيهاته طم ً‬
‫اشتهر بها الرواسّيون بنسبتهم إلى السللة‬
‫الهاشمية؛ كما استطاع من جانب آخر أن‬
‫ث «الديانة‬‫يستخدم أبناءَ هذه السرة في ب ّ‬
‫ة الرثوذكسية التركّية»‬
‫السن ّي ّ ِ‬
‫تظهر شطارة هذا الرجل من خلل بعض‬
‫ه‬
‫محاولته على سبيل الحتكار‪ .‬منها استجازت ُ ُ‬
‫في العلوم السلمّية على يد الشيخ أحمد مكي‬
‫ي‪ ،‬وذلك‬ ‫أفندي بن الشيخ عبد الحكيم الرواس ّ‬
‫بالرغم من عدم كفاءته‪ ،‬إذ أّنه على الصح لم‬
‫ة‪ .‬بل إّنه رج ٌ‬
‫ل‬ ‫م الشريف َ‬ ‫يدرس هذه العلو َ‬
‫ص في علوم الصيدلة والكيمياء‪.‬‬ ‫ص ٌ‬‫ي متخ ّ‬‫عسكر ّ‬
‫م قام بطبع هذه الجازة مع عدٍد من رسائل‬ ‫ث ّ‬
‫ة ضمن مجلد واحد ل علقة بينها وبين‬ ‫ّ‬ ‫متفّرق ً‬
‫هذه الرقعة‪ .‬ومن تلك الرسائل «فتاوى علماء‬
‫م نشرها‬ ‫الهند على منع الخطبة بغير العربّية»‪ .‬ت َ ّ‬
‫ل مكتبة الحقيقة في إسطنبول عام‬ ‫قب َ ِ‬
‫من ِ‬
‫‪542‬‬
‫‪1996‬م‪.‬‬
‫***‬

‫ضا «جماعة النور»‪ .‬وهي‬ ‫ق؛ أي ً‬


‫فَر ِ‬
‫ومن هذه ال ِ‬
‫ة من الطريقة النقشبندّية ومتفّرقة‬ ‫ق ٌ‬‫أصل ً منش ّ‬
‫ة‪ .‬برز في الونة الخيرة‬ ‫ف متعاكس ٍ‬ ‫في صفو ٍ‬
‫مى بها مكتبنان في إسطنبول؛‬‫ن «مكتبة الحقيقة» اسم تس ّ‬‫‪ 542‬هذه الفرقة معروفة باسم‪ ISHİQJİLAR :‬أي الضيائّيون‪ .‬هذا‪ ،‬وللعلم أ ّ‬
‫ُ َُ‬
‫ت( في منطقة «جاغال أوغلو» وبينهما مسافة‬ ‫شُر ِفيها ك ُت َي َْبا ُ‬
‫ت )عمر أون ْگو ْ‬ ‫ض فرقة )حسين حلمي(‪ ،‬والثانية ُتن َ‬
‫إحداهما تخدم أعرا َ‬
‫دا‪.‬‬
‫قصيرة ج ّ‬
‫‪457‬‬

‫لن»‪،‬‬ ‫جو َ‬
‫ح الله ُ‬‫فت ْ ُ‬ ‫ه‪َ « :‬‬ ‫م ُ‬
‫س ُ‬ ‫ل من بينهم ا ِ ْ‬ ‫رج ٌ‬
‫ه مع بطانته في تأسيس سلسلة‬ ‫فاستعمل لباقت َ ُ‬
‫صة في انحاء تركيا‬ ‫من المدارس والمعاهد الخا ّ‬
‫جها‬‫م ِ‬
‫ها الدقيق‪ ،‬وبرا ِ‬ ‫م َ‬
‫وخارجها‪ ،‬امتازت بنظا ِ‬
‫ها وخّريجيها الناجحين‬ ‫ورة‪ ،‬وطُل ّب ِ َ‬ ‫ة المط ّ‬ ‫سي ّ ِ‬
‫الدَّرا ِ‬
‫البارزين على أصعدة مختلفة‪ ،‬اغتبط بهم أبناءُ‬
‫الثرياء والمترفين! ثم بدأ يستخدمهم في نشر‬
‫ة الرثوذكسية التركّية»‪.‬اشتهر هذا‬ ‫ديانة السن ّي ّ ِ‬ ‫«ال ّ‬
‫س السياسيون في‬ ‫ة أح ّ‬ ‫الرجل أخيًرا إلى درج ٍ‬
‫ة إلى دعمه‪ .‬وقام بزيارة البابا إلى‬ ‫تركيا بحاج ٍ‬
‫ت مع رجال‬ ‫ل العلقا ِ‬ ‫روما عام ‪1997‬م‪ .‬وت ََبادَ َ‬
‫السياسة‪ ،‬وحضر الندوات والمؤتمرات العالمّية‬
‫دي لمعارضيه!‬ ‫على سبيل الّتح ّ‬

‫ل ك ُت ُ ُ‬
‫ب‬ ‫ة‪ ،‬تستغ ّ‬ ‫ة ضخم ٌ‬‫لهذه الجمعية أجهزةٌ إعلمي ّ ٌ‬
‫ث دعاياتها عن‬ ‫ي في ب ّ‬ ‫س ّ‬
‫الشيخ سعيد الّنوْر ِ‬
‫ت‬
‫عا ِ‬ ‫ة من الصحف وال َ‬
‫ذا َ‬ ‫ة مؤّلف ٍ‬ ‫طريق شبك ٍ‬
‫د‬
‫تض ّ‬ ‫ت‪ .‬اّتخذت الحكومة احتياطا ٍ‬ ‫ت ال ِن ْت َْرن َ ْ‬
‫وا ِ‬
‫قن َ َ‬‫و َ‬
‫َ‬
‫هذا الرجل عقب انتشار بطانته في أجهزة‬
‫دولة بشكل ملحوظ‪ ،‬وبدأت الستعدادات‬ ‫ال ّ‬
‫ض على جهاز‬ ‫ه مخافة أن ينق ّ‬ ‫ض علي ِ‬ ‫المنّية للقب ِ‬
‫كا‪.‬‬‫الحكم‪ ،‬وإذا به قد غادر البلدَ وأقام في أمير َ‬
‫***‬

‫ق؛ السليمانّيون‪ .‬وهم طائفة من‬ ‫فَر ِ‬


‫ومن هذه ال ِ‬
‫مي‬ ‫ْ‬
‫حل ِ‬‫مان ِ‬ ‫َ‬
‫سلي ْ َ‬‫النقشبندّيين من أتباع «الشيخ ُ‬
‫مة‬‫ن» المشهور بمعارضته لمعاهد الئ ّ‬ ‫خا ْ‬
‫طوَنا َ‬‫ُ‬
‫ن الحكومات العلمانّية‬ ‫دا منه أ ّ‬
‫والخطباء‪ ،‬اعتقا ً‬
‫مد الضراَر بالعقائد التركّية التقليدّية عن‬ ‫تتع ّ‬
‫طريق هذه المعاهد‪.‬‬

‫م بفتح المدارس القرآنيّة في أنحاء تركيا‪،‬‬ ‫اهت ّ‬


‫ث طريقته وعقيدته من خلل هذه‬ ‫دا لب ّ‬
‫تمهي ً‬
‫المدارس‪ .‬فانخرط كثير من الناس في صفوفه‬
‫بتأثيرها‪.‬‬
‫‪458‬‬

‫ن» من حكومة‬ ‫خا ْ‬


‫طوَنا َ‬ ‫مي ُ‬ ‫حل ْ ِ‬
‫مان ِ‬ ‫سل َي ْ َ‬‫ي« ُ‬ ‫لق َ‬
‫دا لهتمامه‬ ‫ً‬
‫ريس» ضغطا شدي ً‬ ‫من ْدَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫عدَْنا ْ‬‫« َ‬
‫ضا تحت ضغط‬ ‫ريس أي ً‬ ‫من ْدَ ِ‬
‫بتحفيظ القرآن‪ .‬وكان َ‬
‫ة من‬ ‫ما على كفاح ك ّ‬
‫ل حرك ٍ‬ ‫ما» مر َ‬
‫غ ً‬ ‫دون ْ َ‬ ‫«اليهود ال ّ‬
‫شأنها فتح باب الصحوة للمسلمين‪ .‬لذا كان‬
‫م يومئذ بجمع النقشبندّيين حول‬ ‫ريس يهت ّ‬ ‫من ْدَ ِ‬
‫َ‬
‫ه في المنطقة الشرقية لتخدير مشاعر‬ ‫ل أبل َ‬ ‫رج ٍ‬
‫دهم عن الت ّّيارات السلمّية‪.‬‬ ‫الناس وص ّ‬
‫ن»‪ ،‬فإّنه كان رجل ً‬ ‫خا ْ‬
‫طوَنا َ‬ ‫مي ُ‬‫حل ْ ِ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫مان ِ‬ ‫ما « ُ‬
‫أ ّ‬
‫ه في توجيه الناس إلى‬ ‫ذكّيا جريًئا‪ ،‬استعمل لبا َ‬
‫قت َ ُ‬
‫ن بذلك من نفخ‬ ‫حفظ القرآن الكريم حّتى تمك ّ َ‬
‫عقائده إلى ضمائرهم!‬

‫ه‬
‫نشأ على يده رهط من الدجاجلة اعتنقوا عقيدت َ ُ‬
‫دعوا‬ ‫وتبعثروا بين الناس للدعوة إلى تعاليمه‪ ،‬وا ّ‬
‫ي‬
‫ي اّتصل بروحانّية السرهند ّ‬ ‫بعد موته «أّنه أويس ّ‬
‫ي‬
‫دعوا أّنه «اِلمهد ّ‬ ‫واستفاد منه»‪ .‬كما ا ّ‬
‫ن هذا العتقاد ل يزال يسري‬ ‫من ْت ًظًُر!» فتبّين أ ّ‬
‫ال ْ ُ‬
‫بين مختلف جموع النقشبندّية‪ ،‬سواء الخالدّيين‬
‫ة‬
‫ن هذه الفرقة ليست خالدي ّ َ‬ ‫منهم وغيرهم‪ .‬ل ّ‬
‫ه من الطبقة الثالثة‬ ‫ده أصحاب ُ ُ‬ ‫ب‪ .‬ويع ّ‬
‫المشَر ِ‬
‫والثلثين من سلسلتهم‪.‬‬

‫ونها الستاذ‬ ‫ةد ّ‬


‫ة حياته أخيًرا في رسال ٍ‬ ‫ص ُ‬‫وردت ق ّ‬
‫م طبعها ونشرها على‬ ‫الدكتور أحمد آقجندوز‪ ،‬ت ّ‬
‫ث العثمانّية‬ ‫حو ِ‬ ‫ف ال ْب ُ ُ‬
‫قا ِ‬‫أو َ‬
‫سسة ْ‬ ‫نفقة مؤ ّ‬
‫)أوساف( في إسطنبول عام ‪1997‬م‪.‬‬
‫***‬
‫كان‬‫س ّ‬‫ة غالُبها من ُ‬ ‫ق؛ جماع ٌ‬ ‫فَر ِ‬
‫ومن هذه ال ِ‬
‫ما باسم‪:‬‬ ‫سواحل البحر السود )المعروفة قدي ً‬
‫مت من نفس‬ ‫ل متـز ّ‬‫سهم رج ٌ‬ ‫ن»(؛ يرأ ُ‬ ‫سَتا ْ‬ ‫«ل َ ِ‬
‫ز ْ‬
‫ص من بطانته‬ ‫المنطقة‪ .‬أقدم أخيًرا مع أشخا ٍ‬
‫ر للقرآن الكريم بالّلغة التركّية‬ ‫على كتابة تفسي ٍ‬
‫‪459‬‬

‫ي تحت عنوان «روح الفرقان»‬ ‫ب صوف ّ‬ ‫وبأسلو ٍ‬


‫ة شديدةً من‬ ‫كما مّر ذكره‪ .‬استهدف بذلك معارض ً‬
‫ور المر إلى‬ ‫جانب أهل التوحيد؛ وكاد أن يتط ّ‬
‫م طبع‬‫فتنة بين هذه الفرقة وبين المسلمين‪ .‬ت ّ ّ‬
‫لها ابن‬ ‫سَراج )يتو َ‬
‫ل دار ال ّ‬
‫قب َ ِ‬‫هذا الكتاب من ِ‬
‫سّراج!(‪.‬‬
‫أمين ال ّ‬
‫ت الحكومة العلمانّية في الونة الخيرة بما‬ ‫س ْ‬‫أح ّ‬
‫اكتسبت هذه الجماعة من القوة‪ ،‬فدّبر جهاُز‬
‫المخابرات مؤامرةً لغتيال بعض البارزين من‬
‫هذه الفرقة تأديًبا لها! راح ضحيَتها مل ّ خضر‬
‫أفندي صهر شيخ الجماعة‪ .‬طعنه عميل‬
‫ي الفاتح‬ ‫ر داخل مسجد لهم بح ّ‬ ‫للمخابرات بخنج ٍ‬
‫في إسطنبول‪ ،‬مات فوًرا‪ .‬كما وضعوا تابوًتا‬
‫دا آخر من‬
‫غا أمام منـزل الشيخ‪ ،‬وعد ً‬ ‫فار ً‬
‫ل من نائبه وبعض رجال‬ ‫التوابيت عند باب ك ّ‬
‫حاشيته على سبيل التهديد‪ :‬بأّنهم معّرضون‬
‫للخطر إذا ما صدر منهم أدنى حركة ضد الحكومة‬
‫وسياستها‪.‬‬

‫م فرقتان أخريان من النقشبندّيين يتعاون‬ ‫وث َ ّ‬


‫النظام الحاكم معهما إلى أبعد الحدود‬
‫ويستخدمهما في أغراضها وتحقيق ما يناسب‬
‫ة الت ّّيارات‬ ‫حَرك َ ِ‬ ‫ش ّ‬
‫ل َ‬ ‫في َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ص ً‬‫خا ّ‬
‫من أهدافها‪َ ،‬‬
‫ة اسمها‬ ‫ت إحداهما في قري ٍ‬ ‫السلمّية! تمركز ْ‬
‫«المنـزل» وهي من ضواحي مدينة «آديامان»‪.‬‬
‫ضّبات‬ ‫ة أفرادها من ال ّ‬ ‫ة سّري ٌ‬ ‫ظم ٌ‬ ‫لهذه الفرقة من ّ‬
‫ة لشيخ‬ ‫ت كثيف ٍ‬ ‫ث دعايا ٍ‬ ‫المتقاعدين‪ .‬يقومون بب ّ‬
‫فة أنحاء تركيا‪ .‬لم يسلم أحد‬ ‫هذه الجماعة في كا ّ‬
‫دعايات على الساحة التركّية‬ ‫من التعّرض لهذه ال ّ‬
‫إل ّ قليل ً من المعزولين عن الحياة الجتماعّية‪.‬‬
‫ة؛‬
‫يتسلسل شيوخ هذه الفرقة من نفس السر ِ‬
‫ن الكبُر أباهُ بعد موته مباشرةً ودون‬ ‫خل ّ ُ‬
‫ف الب ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ل‬‫خ َ‬‫ة‪ ،‬لكي ل ت َدْ ُ‬ ‫مل َك ِي ّ ِ‬
‫ي نزاع على غرار ال ْ َ‬ ‫أ ّ‬
‫‪460‬‬

‫د‬
‫ج السرة! تمت ّ‬ ‫خ خار َ‬ ‫ة شي ٍ‬ ‫ت سيطر ِ‬ ‫ة تح َ‬‫الجماع ُ‬
‫ن في‬ ‫العلقة بين هذه السرة وبين الخزنويي ّ َ‬
‫ل سوريا‪ .‬والخزنوية أسرة نقشبندّية خطيرة‬ ‫شما ِ‬
‫ت من قرية «تل معروف»‬ ‫ل‪ ،‬اّتخذ ْ‬ ‫كردّية الص ِ‬
‫ن‪ ،‬وهي على مقربة من مدينة‬ ‫مقّرا منذ قر ٍ‬
‫ل اسمه‪ :‬أحمد‬ ‫ة رج ٌ‬ ‫ه الت ّك ِي ّ َ‬ ‫ذ ِ‬
‫ه ِ‬ ‫س َ‬ ‫س َ‬ ‫«قامشلي»‪ .‬أ ّ‬
‫بن مراد في نهاية القرن التاسع عشر‪ .‬اعتمدت‬
‫ة في التعّبد‪،‬‬ ‫السرةُ الخزنوّية التقاليد الهندوكي ّ َ‬
‫ة‪.‬‬
‫عا بالسرة الخاني ّ ِ‬ ‫ة وات َّبا ً‬ ‫كا بالعقيدة الخالدي ِ‬ ‫س ً‬
‫تم ّ‬
‫ص من‬ ‫ء تعاليم «بوذا» في قمي ٍ‬ ‫ت على إحيا ِ‬ ‫وعمل ْ‬
‫ت بلباقتها في استمالة‬ ‫الشغف بالموتى‪ .‬امتاز ْ‬
‫ت‬‫كز ْ‬‫د‪ .‬ر ّ‬ ‫ب صوفية الهن ِ‬ ‫قلوب الناس بأسالي ِ‬
‫م على المناسك البوذّية‪ .‬أصّرت على‬ ‫الهتما َ‬
‫ة‪ ،‬وهي من طقوس‬ ‫ص ً‬ ‫ه» خا ّ‬ ‫ج ِ‬‫و ّ‬‫إقامة حفلة «الت ّ َ‬
‫مصتها قدماء النقشبندّية‬ ‫مجوس الهند‪ ،‬ق ّ‬
‫ف على جهل‬ ‫ولون للّتعمية؛ يقّلدهم الخل ُ‬ ‫ال ّ‬
‫خري شيوخ‬ ‫منهم‪ .‬وقد بلغت التقليدّية في متأ ّ‬
‫دا منهم ل يف ّ‬
‫كر‬ ‫ن أح ً‬ ‫النقشبندّية إلى درجة ا ّ‬
‫ما إذا كان لهذه‬ ‫لحظة ليتساءل في نفسه ع ّ‬
‫ي علقة بالسلم!‬ ‫الحفلة الغريبة أ ّ‬
‫ة )مندريس( هذه السرةَ على‬ ‫ت حكوم ُ‬ ‫ساعد ْ‬
‫ت دعما‬ ‫رغم وجودها خارج الراضي التركّية! فنال ْ‬
‫ة( طوال العقد‬ ‫ص ٍ‬
‫ق خا ّ‬ ‫مالّيا من تركيا )بطر ٍ‬
‫الخامس من العصر المنصرم‪ّ .‬ثم ناب عن شيخ‬
‫ل من أهل ضواحي‬ ‫ة )في تركيا( رج ٌ‬ ‫هذه السر ِ‬
‫مدينة بتليس )التركّية( اسمه عبد الحكيم‬
‫ق بواسطة‬ ‫ه في الفا ِ‬ ‫البلوانسي‪ ،‬فطاَر صيت ُ ُ‬
‫م تكوينها على غرار المافيا‪ ،‬وذلك‬ ‫ةت ّ‬ ‫من ّ‬
‫ظم ٍ‬
‫ء )عدنان‬ ‫ة من رئيس الوزرا ِ‬ ‫ص ٍ‬‫بتعليمات خا ّ‬
‫متها‪.‬‬
‫ة تواصل مه ّ‬ ‫مندريس(‪ .‬ول تزال هذه المنظّ ُ‬

‫ة‪،‬‬
‫ة مشبوه ٌ‬ ‫ضا جماع ٌ‬
‫ما الفرقة الثانية‪ ،‬فإّنها أي ً‬
‫وأ ّ‬
‫س‪،‬‬
‫ب غوغاءُ من حثالة النا ِ‬ ‫أغلب أفرادها شبا ٌ‬
‫‪461‬‬

‫ن ما‬ ‫ن ويطبعو َ‬ ‫مفتتنون بالعصبّية التركّية‪ ،‬يكتبو َ‬


‫َُ‬
‫ت( مع جهله‬ ‫گو ْ‬ ‫ُيملي عليهم شيخهم )عمر ُأون ْ‬
‫ة لليات‬ ‫ت شاذّ ٍ‬ ‫ت وتفسيرا ٍ‬ ‫كب‪ ،‬من تأويل ٍ‬ ‫المر ّ‬
‫ت‬ ‫وصدََر أخيًرا ك ُت َي َْبا ٌ‬ ‫ي‪َ .‬‬ ‫الكريمة والحديث النبو ّ‬
‫ن فيها حرًبا شعواءَ على شيوخ‬ ‫خ‪ ،‬ش ّ‬ ‫لهذا الشي ِ‬
‫ة وهم في‬ ‫م بالكفر والزندق ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ما ُ‬‫فَر َ‬ ‫النقشبندّية‪َ ،‬‬
‫ة‬
‫ص ٍ‬‫ق خا ّ‬ ‫م يدعمه ب ِطُُر ٍ‬ ‫ن النظا َ‬ ‫م بأ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫عل ْ ِ‬
‫م ِ‬ ‫ر منه ل ِ ِ‬ ‫ع ٍ‬ ‫ذُ ْ‬
‫ب بين جماعات‬ ‫ب والشغ ِ‬ ‫لثارة الضطرا ِ‬
‫ة‪ ،‬تفاديا لحتمالت التقارب بينها‪ .‬وهذا‬ ‫الصوفي ّ ِ‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬ ‫قُلو ِ‬ ‫في ُ‬ ‫قي ِ‬ ‫سن ُل ْ ِ‬‫كرنا بقوله تعالى‪َ :‬‬ ‫يذ ّ‬
‫ه‬
‫ل بِ ِ‬ ‫م ي ُن َّز ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫كوا ْ بالل ُ‬ ‫شَر ُ‬ ‫مآ أ َ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ع َ‬ ‫فُروا ْ الّر ْ‬ ‫كَ َ‬
‫وى ال ّ‬ ‫طانا ً و ْ‬ ‫سل ْ َ‬
‫مين‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫وب ِئ ْ َ‬ ‫م الّناُر َ‬ ‫ه ُ‬ ‫وا ُ‬ ‫مأ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫)آل عمران‪.(151/‬‬
‫***‬
‫* أهم الحركات السياسّية اّلتي‬
‫ة النقشبندّيين في‬
‫ت السلط ُ‬
‫استخدم ْ‬
‫مقاومتها‪.‬‬
‫ن استخدام السلطة للنقشبندّيين لم ينحصر‬ ‫إ ّ‬
‫هابّيين فحسب‪ ،‬وإّنما شمل‬ ‫في الحرب ضدّ الو ّ‬
‫ب ضدّ أحزاب‪ ،‬وحركات سياسية كثيرة في‬ ‫الحر َ‬
‫ي‪ ،‬أهمها أربعة‪ ،‬مّر ذكرها بإيجاز‪.‬‬‫العهد الجمهور ّ‬
‫ن الدخول في تفاصيل التعاون بين السلطة‬ ‫إ ّ‬
‫ل هذه الحروب‪ ،‬ربما يتجاوز‬ ‫والنقشبندّيين في ك ّ‬
‫في بعض نواحيها حدود بحثنا‪ .‬لذا‪ ،‬نقتصر على‬
‫خض عن‬ ‫النتائج السلبّية لهذا الستغلل اّلذي تم ّ‬
‫ة على السلم والمسلمين‪.‬‬ ‫ر كبير ٍ‬‫أضرا ٍ‬
‫ة النقشبندّيين في مقاومة‬ ‫ت السلط ُ‬
‫استغلّ ِ‬
‫ة وثلثين‬‫الحركة الماركسية مدةً أكثَر من خمس ٍ‬
‫ما بعد العقد الرابع من العصر المنصرم‪.‬‬ ‫عا ً‬
‫د‬
‫فجّندتهم في صفوف «جمعية الكفاح ض ّ‬
‫الشيوعية»‪ .‬فأثارت بذلك فيهم نزعة الرأسمالّية‬
‫وضتهم على النتماء إلى هذه الفكرة‬ ‫البحتة ور ّ‬
‫‪462‬‬

‫ة‬
‫وه ً‬
‫باسم الحرّية‪ .‬فأصبح مفهوم الحرّية مش ّ‬
‫بصبغِتها‪ ،‬وسادت في هذه الصورة على‬
‫عقولهم‪ .‬ولم يكن الناجح في هذا التعاون إل ّ‬
‫اليهودَ الرأسمالّيين‪ .‬فازدادوا بذلك قوةً حّتى‬
‫ض أخرى‪ ،‬كما‬ ‫ّ‬
‫استغلوا النقشبندّيين في أغرا ٍ‬
‫ة منهم في‬ ‫ل جماع ٍ‬‫كموا فيهم‪ ،‬وقادوا ك ّ‬ ‫تح ّ‬
‫ة أخرى من‬ ‫ة ل تلتقي فيها بجماع ٍ‬ ‫ه ٍ‬‫ج َ‬‫و ْ‬
‫ُ‬
‫دوا عليهم بذلك طريق‬ ‫النقشبندّيين؛ فس ّ‬
‫ة من‬ ‫ّ‬
‫السياسة المباشرة بحيث كلما قامت فئ ٌ‬
‫ي قضوا عليه‬ ‫النقشبندّيين بتشكيل حزب سياس ّ‬
‫قبل أن يتسّلم زمام الحكم؛ وسّلطوا بعضهم‬
‫ض‪ ،‬كتجربتهم في تصعيد ترغوت أوزال‬ ‫على بع ٍ‬
‫على منافسيه‪ .‬لّنه كان نقشبندّيا علمانّيا‬
‫صًبا لتعاليم يهود سالونيك‪.‬‬ ‫متع ّ‬
‫دام استغلل السلطة للطائفة النقشبندّية في‬
‫مقاومة الماركسّية حّتى سقطت المبراطورّية‬
‫ر فاطمأّنت‬‫السوفيتّية وانقشعت غيوم الذع ِ‬
‫ة من مداهمة الروس لراضي‬ ‫الزمرة الحاكم ُ‬
‫آناضول‪ .‬فاعتاد النقشبندّيون عبر هذا التعاون‬
‫على جميع تعاليم يهود سالونيك من العلمانّية‪،‬‬
‫ي‪،‬‬
‫وممارسة القواعد الظالمة للنظام الرأسمال ّ‬
‫وطقوس الشرك بأنواعها؛ كما تأّثرت واستورثت‬
‫ء اّلذين يرفضون‬‫العداوة لهل التوحيد الحنفا ِ‬
‫عبادة الموتى‪ ،‬ويتجّنبون تخليد ذكر المخلوق و‬
‫الستمداد من غير الله‪.‬‬

‫ل يهود سالونيك المتغلّبون على مرافق‬ ‫استغ ّ‬


‫الدولة التركّية بوساطة حكومات مزّيفة‪ ،‬استغّلوا‬
‫ء‬
‫ت نقشبندّية في القضا ِ‬ ‫ت من شباب عائل ٍ‬ ‫فئا ٍ‬
‫على الحركة الرهابّية اّلتي قامت بها عصابات‬
‫أرمنية ضدّ الدبلوماسّيين التراك في الخارج ما‬
‫ء‬
‫م قضوا أخيًرا على هؤل ِ‬ ‫بين ‪1985-1970‬م‪ .‬ث ّ‬
‫‪463‬‬

‫ص‬
‫مُتها اغتيال أشخا ٍ‬
‫ة مه ّ‬
‫الشباب بوساطة منظم ٍ‬
‫ا ّ‬
‫طلعوا على أسرارهم!‬

‫ددون‬
‫ن كثيًرا من أهل الصحوة السلمّية مه ّ‬ ‫إ ّ‬
‫ة الخطيرة‪.‬‬‫م ِ‬
‫ضا اليوم باعتداءات هذه المنظ ّ‬
‫أي ً‬
‫ة من أبناء‬ ‫ة جماع ً‬ ‫ثم استغّلت السلط ُ‬
‫النقشبندّيين الكراد ضدّ الحركة النفصالية‬
‫الكردّية اّلتي قام بها حزب العمال الكردستاني‪،‬‬
‫ي آخر باسم «حزب‬ ‫ب سّر ّ‬ ‫وذلك بتشكيل حز ٍ‬
‫الله»‪ 543‬ولكن السلطة اليهودّية قد أصبحت في‬
‫عجز عن ضبط هذه المنظمة‪ .‬لن عنانها قد‬
‫انفلتت في الونة الخيرة من يد من كان‬
‫جهها حسب أوامر الطغمة اليهودّية الحاكمة‬ ‫يو ّ‬
‫ص بارزون بثقافتهم‬ ‫م أشخا ٌ‬ ‫كما يبدو‪ .‬وث َ ّ‬
‫ومكانتهم الجتماعّية من أبناء مشاهير‬
‫قين الكراد‬ ‫وعوا ضدّ المنش ّ‬ ‫النقشبندّية‪ ،‬تط ّ‬
‫بأقلمهم ودعاياتهم العلمية؛ وعلى رأسهم‬
‫ي اّلذي‬ ‫ن أحمد الرواس ّ‬ ‫ي‪ 544.‬إ ّ‬‫أحمد الرواس ّ‬
‫ن عائلَته تنحدر من سللة‬ ‫شاع بين مريدي آبائه أ ّ‬
‫الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله‬
‫ة‪ ،‬بل‬‫عنهما‪ ،‬من الغريب أّنه يتناسى هذه النسب َ‬
‫ة‬
‫ة عندما يهاجم القومّية الكردي ّ َ‬ ‫يكتمها بلباق ٍ‬
‫ن للكراد لغة‬ ‫دعي أ ّ‬ ‫دد النكيَر على من ي ّ‬ ‫ويش ّ‬
‫ب من‬ ‫غَر ُ‬‫صة باسم الّلغة الكردّية‪ .‬واّلذي ُيست َ ْ‬ ‫خا ّ‬
‫ي في هجومه الذي نشره في‬‫ّ‬ ‫أحمد الرواس ّ‬
‫ي‬
‫ف الحماس ّ‬ ‫ص؛‪ 545‬أّنه اتخذ هذا الموق َ‬ ‫ب خا ّ‬ ‫كتا ٍ‬
‫لم تثبت لهذه المنظمة أية علقة بـ"حزب الله" الموجود في لبنان‪.‬‬ ‫‪543‬‬

‫ت له في صحف النقشبندّيين‬
‫ت مقال ٌ‬
‫شر ْ‬
‫ث؛ ن ُ ِ‬
‫ب وباح ٌ‬
‫ف‪ ،‬كات ٌ‬ ‫ل مث ّ‬
‫ق ٌ‬ ‫ي‪ ،‬رج ٌ‬
‫أحمد بن عبد الحكيم الرواس ّ‬ ‫‪544‬‬
‫ي اّلذي مّر ذكره‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫ن عبد‬ ‫ه وقريبه عبد الحكيم الرواس ّ‬
‫بإسطنبول‪ ،‬قد يلتبس أبوه على بعض الناس بسمي ّ ِ‬
‫دا من إدارة الجمارك بمدينة وان‪ ،‬ثم مات في إسطنبول؛ وليس هو عبد الحكيم‬ ‫الحكيم هذا‪ ،‬كان موظّ ً‬
‫فا متقاع ً‬

‫س في صفوف النقشبندّيين‪ ،‬واّلذي مات عام ‪1943‬م‪ .‬بح ّ‬


‫ي من أحياء‬ ‫الواسي اّلذي اشتهر بجهود عقي ٍ‬
‫د مدسو ٍ‬
‫أنقره‪.‬‬

‫‪Doğu Anadolu Garçeği‬‬ ‫هذا الكتاب ُنشر عام ‪ .1992‬تحت عنوان‪:‬‬ ‫‪545‬‬
‫‪464‬‬

‫من منطَلق الدفاع عن القومّية التركّية إر َ‬


‫ضاءً‬
‫لشهوة الزمرة الحاكمة‪.‬‬

‫ن قادة الحركة النفصاليّة الكردّية لما‬ ‫هذا‪ ،‬وإ ّ‬


‫ن السلطة تستخدم النقشبندّيين في‬ ‫كدوا من أ ّ‬ ‫تأ ّ‬
‫دهم من جانب‪ ،‬كما تستخدم‬ ‫الكفاح المسلح ض ّ‬
‫ي‬
‫قفيهم من أمثال أحمد الرواس ّ‬ ‫طا من مث ّ‬ ‫ره ً‬
‫في تخدير مشاعر الكراد وتعميتهم عن الصحوة‬
‫جهون ضرباتهم‬ ‫القومّية من جانب آخر؛ بدءوا يو ّ‬
‫دوا لغتيال‬ ‫إلى عائلت نقشبندّية‪ ،‬واستع ّ‬
‫مد راشد أ َُرول» اّلذي كان جدّهُ قد‬ ‫شيخهم «مح ّ‬
‫ع أعلى بإيعاز من‬ ‫ُنصب على هذه الطائفة كمرج ٍ‬
‫ريس‪ .‬ولكن‬ ‫من ْدَ ِ‬‫ن َ‬‫عدَْنا ْ‬
‫رئيس الوزراء السبق‪َ ،‬‬
‫ي»‬‫وات المنَية قامت بالقبض على «الرهاب ّ‬ ‫الق َ‬
‫ل إلى‬‫ق َ‬‫في لحظته؛ وكان جدّ هذا الشيخ قد ن ُ ِ‬
‫ة بقرب مدينة أديامان النائية عن ساحة‬ ‫ناحي ٍ‬
‫النشاطات السياسّية للكراد‪ ،‬لنفس السباب‬
‫قبل انتشار الحركة النفصالية إلى جميع أنحاء‬
‫المنطقة يومئذ‪.‬‬

‫ه‬
‫ل هذ ِ‬ ‫ة للنقشبندّيين ضدّ ك ّ‬ ‫ن استغللَ السلط ِ‬ ‫إ ّ‬
‫ت السياسّية والرهابّية‪ ،‬في الحقيقة كان‬ ‫الحركا ِ‬
‫قا للقواعد‬ ‫ر طب ً‬‫م على السي ِ‬ ‫ه ْ‬‫ض ُ‬
‫ف منه‪ ،‬تروي َ‬ ‫الهد ُ‬
‫المرسومة لهم؛ وعلى الطاعة العمياء في‬
‫ة في‬ ‫ة فعلي ٍ‬ ‫الخطوة الولى؛ فاستخدمتهم بصور ٍ‬
‫ة للزمرة‬ ‫ب لذابة الجموع المضادّ ِ‬ ‫و مطلو ٍ‬ ‫خلق ج ّ‬
‫اليهودّية الحاكمة في بوتقة العلمنة واللحاد‬
‫د‬
‫ة؛ وترسيخ قواعد الرأسمالّية ض ّ‬ ‫ة ثاني ٍ‬‫كمرحل ٍ‬
‫المستضعفين‪ ،‬وسدّ النتباهَ ضدّ الصحوة‬
‫السلمّية اّلتي بدأت منذ سنين تنتشر في أنحاء‬
‫ققت هذه الهداف‬ ‫العالم كخطوة ثالثة‪ .‬فقد تح ّ‬
‫ن كثيًرا من الناس اّلذين ما‬ ‫إلى حدود بعيدة‪ .‬فا ّ‬
‫زالوا يعتّزون بالسلم ويهتفون باسمه‪ ،‬فقد‬
‫ة في عقليتهم‪ ،‬واتخذت‬ ‫م القرآني ُ‬ ‫ت المفاهي ُ‬ ‫تغّير ْ‬
‫‪465‬‬

‫ق‬
‫ة؛ والتبس عليهم الح ّ‬ ‫صورةً أخرى غريب ً‬
‫ة‬
‫م في اعتقادهم عبار ً‬ ‫ل؛ وأصبح السل ُ‬ ‫بالباط ِ‬
‫ة من حكايات الصالحين‪ ،‬وحفلت‬ ‫عن سلسل ٍ‬
‫ي‪ ،‬وزيارة القبور‪ ،‬وتعظيم الموتى‪،‬‬ ‫المولد النبو ّ‬
‫ف من‬ ‫ن خلصة ما ُيعَر ُ‬‫والستشفاع بهم‪ .‬فا ّ‬
‫ة‪ ،‬أّنه ل‬‫م ِ‬
‫مفهوم السلم اليوم في معتقد العا ّ‬
‫ة شخصّية للعبد بمعبوده فحسب؛‬ ‫يعدو عن علق ٍ‬
‫ء آخر من علقاته ونشاطاته‬ ‫دون أي شي ٍ‬
‫وأفعاله مع بني جنسه في بقّية مجالت الحياة‪.‬‬

‫ولذا كثيًرا ما يثور المارقون على المسلمين‪،‬‬


‫فيقولون لهم في استغراب وتساؤل على سبيل‬
‫التحقير‪:‬‬

‫ج‬
‫‪ -‬هل منعكم أحد من الصوم والصلة والح ّ‬
‫والزكاة؛ ثم ماذا تريدون بعد هذا القدر من‬
‫ة‬
‫ة وحماق ٍ‬ ‫جهي ٍ‬‫عن ْ ُ‬‫الحرية؟! نعم هكذا يتساءلون ب ُ‬
‫كرون أّنهم لو زحفوا بجيوش‬ ‫وغطرسة‪ ،‬ول يتف ّ‬
‫الدنيا على الرجل المسلم ليمنعوه من الصلة ما‬
‫ن المسلم‬ ‫ل منهم! ل ّ‬ ‫استطاعوا ذلك رغم أنف ك ّ‬
‫ل من الشكال ولو‬ ‫ه بشك ٍ‬ ‫ي صلت َ ُ‬ ‫ن يؤدّ َ‬ ‫يستطيع أ ْ‬
‫ن‬
‫ل‪ .‬ولك ّ‬ ‫بإجراء أركانها على قلبه في أسوأ حا ٍ‬
‫ة‪ ،‬أّنهم ل يكادون يصطدمون بمثل هذه‬ ‫المصيب َ‬
‫الجابة اّلتي هي أخطر عليهم من قنبلة ذرّية!‬
‫ول إلى قطائع من‬ ‫ن المجتمع قد تح ّ‬ ‫ل ّ‬
‫ل‬ ‫ّ‬
‫النقشبندّيين المعتادين على الخضوع والتذل ِ‬
‫ن النسان‬ ‫والستسلم ليهود سالونيك‪ .‬ول ّ‬
‫ه‪ ،‬أّنه‬ ‫م أمر ِ‬ ‫ن يملك زما َ‬ ‫م ْ‬
‫ل َ‬ ‫ي يعتقد بك ّ‬ ‫النقشبند ّ‬
‫ر»؛ الذين قال تعالى فيهم‬ ‫ّ‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫من «أوِلي ال ْ‬
‫َ‬ ‫} وأ َطيعوا الله َ‬
‫ر‬
‫م ِ‬‫وُاوِلي ال ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سو َ‬ ‫عوا الر ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫وأ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ِ ُ‬
‫م‪ ،{.‬ولو كان من يهود سالونيك! هذا ما قد‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ِ‬
‫ل بالسلم في تركيا على يد اليهود‪ ،‬بالتعاون‬ ‫ح ّ‬
‫مع النقشبندّيين؛ وإن كان ذلك عن كراهية‬
‫‪466‬‬

‫المثقفين منهم‪ ،‬وعن جهل شيوخهم‪ ،‬وحماقة‬


‫الملت ّ‬
‫فين حول هؤلء الشيوخ من حثالة الناس‪.‬‬
‫***‬

‫* تلفيقات النقشبندي ّين في كثير من‬


‫أقوالهم ومواقفهم‪.‬‬
‫ما طائفة انتقدهم العلماءُ‬ ‫ن الصوفّية عمو ً‬ ‫إ ّ‬
‫ما وحديًثا؛ وقد اشتدّ عليهم كثيٌر من‬ ‫قدي ً‬
‫م بالزندقة‬ ‫ه ْ‬
‫ي غال ِب ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ع‪ ،‬وُر ِ‬
‫ققين بكلم ٍ لذ ٍ‬ ‫المح ّ‬
‫ج من‬ ‫م تغمرهم أموا ٌ‬ ‫والنحلل‪ .‬وقالوا إنهم قو ٌ‬
‫ت‬‫ورا ٌ‬ ‫الوهم والهواجس الغريبة‪ ،‬وتنتابهم تص ّ‬
‫حا؛‬‫فا وتوضي ً‬ ‫ت ل يجدون لها تعري ً‬ ‫وخيال ٌ‬
‫ة‪ ،‬و عبارات‬ ‫ت غامض ٌ‬ ‫فتتساقط من أفواههم كلما ٌ‬
‫ة‪ ،‬يظّنها الجاهل أّنها إلهامات من الله! «إذ‬ ‫قدَ ٌ‬ ‫مع ّ‬
‫هو اّلذي أوحى إلى عباده المرسلين من آياته‬
‫البينات‪ ،‬إذن فما المانع أن يفيض بأمثالها على‬
‫ة و عرفان‬ ‫أوليائه المكّرمين من علوم ٍ ل َدُن ّي ّ ٍ‬
‫وإشراق وإلهامات؟!»‬

‫لم تختلف حالة النقشبندّيين عن حالة البقّية من‬


‫الصوفّية في عباراتهم ومواقفهم؛ بل قد‬
‫أطلقوا الكلمة على عواهنها في مواطن كثيرة؛‬
‫د بأصول المنطق السليم‬ ‫ف شدي ٍ‬ ‫فجاءت على خل ٍ‬
‫ة‪ .‬لذا‪ ،‬من ردّ عليهم‪ ،‬أو‬ ‫فق ً‬ ‫ة مل ّ‬
‫والستدلل؛ واهي ً‬
‫خالفهم‪ ،‬أو حّتى إذا اكتفى بالنصيحة لهم؛‬
‫هاجموه بلهجة قاسية‪ ،‬وربما رموه بالفسق‬
‫سف والنكار‪ ،‬وحّتى بالكفر والزندقة؛ بل‬ ‫والتع ّ‬
‫ف‪.‬‬‫عن ْ ِ‬
‫دة وال ُ‬
‫لجأ بعضهم إلى استعمال الش ّ‬
‫هابّية‬‫وناهيك ما قالوه في التشنيع على الو ّ‬
‫والسلفية‪ ،‬وما تعّرض له أهل التوحيد من‬
‫الضطهاد على أيديهم في تركيا والعراق‬
‫وأفغانستان‪ ،‬بالضافة إلى ما قيل عن ارتكابهم‬
‫من جنايات في مناطق نائية لم تثبت عليهم!‬
‫‪467‬‬

‫سنتناول في هذا الباب شطًرا من آرائهم اّلتي‬


‫جة لهم في إثباتها؛ ومسائلَ‬ ‫دعوا فيها ما ل ح ّ‬ ‫ا ّ‬
‫شا‪ .‬فجاء مقال‬ ‫أخرى اختلفوا فيها اختل ً‬
‫فا فاح ً‬
‫بعضهم تكذيبا ً لبعضهم الخر؛ كما سنتطرق إلى‬
‫ة من الخصومة والعداوة اّلتي جرت بينهم‪،‬‬ ‫أمثل ٍ‬
‫جلنا ما تقوم عليهم من‬ ‫فل نظلمهم إذا س ّ‬
‫ن الصورة الحقيقية لهذه‬ ‫ة على أ ّ‬ ‫براهَين قاطع ٍ‬
‫الطائفة تتوارى بصورة عابرة تظهر للناس‬
‫ة بالحلم والتسامح والزهد‬ ‫ة مزخرف ً‬ ‫ة نوراني ً‬
‫لطيف ً‬
‫فة والقناعة والخلص!‬ ‫والتقوى والع ّ‬
‫***‬
‫* مقتطفات من آرائهم اّلتي ا ّ‬
‫دعوا‬
‫ة لهم في‬ ‫ج َ‬
‫ن ول ح ّ‬
‫أنها من الدّي ِ‬
‫إثباتها‪.‬‬
‫وعلى سبيل المثال‪ ،‬حاول النقشبندّيون ليقيموا‬
‫موه «الّرابطة» وبين السلم‪.‬‬ ‫ة بين ما س ّ‬ ‫الصل َ‬
‫ة من فرائض الله‪ 546.‬و‬ ‫دعى بعضهم أنها فريض ٌ‬ ‫وا ّ‬
‫ي «هي أعظم‬ ‫خريهم خالد البغداد ّ‬ ‫قال كبيُر متأ ّ‬
‫م بالكتاب العزيز‬‫سك التا ّ‬ ‫أسباب الوصول بعد التم ّ‬
‫وسنة الرسول»‪ .‬ولكّنهم عجزوا عن إثبات ما‬
‫ء من كتاب الله وسنة رسوله‬ ‫دعوه بأدنى شي ٍ‬ ‫ا ّ‬
‫‪‬؛ على الرغم من محاولتهم بشكل مستميت‬
‫كما مّر في الفصل الثاني بالتفصيل‪.‬‬

‫عا قد تهّربوا من إطلق‬‫وأغرب من ذلك أّنهم جمي ً‬


‫الحكم على الّرابطة‪ ،‬هل أّنها شعيرة من شعائر‬
‫ي‪ ،‬أو منسك من مناسكه‪ ،‬وهل‬ ‫ن السلم ّ‬ ‫الدّي ِ‬
‫عا‬
‫يجوز التعّبد بها؟ ويبدو أن المر ضاق بهم ذر ً‬
‫ص منهم عام ‪1994‬م‪ .‬إلى‬ ‫حّتى لجأ أربعة أشخا ٍ‬
‫فقيه في إسطنبول‪ ،‬اسمه خليل كوننج‪،‬‬
‫ل «رابطة النفشبنديين»‬ ‫خ ُ‬‫يستفتونه عما إذا ت َدْ ُ‬
‫راجع الهامش رقم‪.88/‬‬ ‫‪546‬‬
‫‪468‬‬

‫د‬
‫ع ّ‬
‫في شمول العبادة؟ فأجابهم المفتي‪ :‬أّنها ل ت ُ َ‬
‫‪547‬‬
‫عا من العبادة على الطلق‪.‬‬
‫نو ً‬

‫م من التناقض والتضارب والرتباك‬ ‫هذا مثال ها ّ‬


‫ن هؤلء‬ ‫اّلذي وقع فيه النقشبندّيون‪ .‬إذ أ ّ‬
‫الشخاص‪ ،‬وسائَر شيوخ الطائفة اّلذين يتحاكم‬
‫إليهم جموع المريدين ويراجعونهم في جميع‬
‫ك في أمر‬ ‫م الشكو ُ‬ ‫ه ْ‬
‫مسائلهم‪ ،‬لو لم ت َن َْتاب ُ ُ‬
‫ددوا فيما إذا كانت هي شكل ً من‬ ‫الّرابطة‪ ،‬وتر ّ‬
‫ء‬
‫سوا بضرورة الستفتا ِ‬ ‫أشكال العبادة؛ َلما َ أح ّ‬
‫م‬
‫كدوا من حكم السلم في شعيرة من أه ّ‬ ‫ليتأ ّ‬
‫شعائر طريقتهم‪ ،‬وقد مضى أكثر من مائة‬
‫ة‬
‫ما على كون الّرابطة كقاعد ٍ‬ ‫وخمسين عا ً‬
‫م في هذا‬ ‫مث َل ُ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫أساسية للطريقة النقشبندّية‪َ .‬‬
‫دعي أّنه مسلم‪ ،‬ثم‬ ‫لي ّ‬ ‫الستفتاء كمثل رج ٍ‬
‫يستفتي العلماء في الصلة المفروضة مثل ً هل‬
‫تدخل فيما أمر الله به؟ و أغرب من ذلك‪ ،‬قيام‬
‫أربعة أشخاص في استفتاء فقيه ل علقة له‬
‫ما إجابة‬ ‫وف ول بالطريقة النقشبندّية‪ .‬أ ّ‬ ‫بالتص ّ‬
‫المفتي على سبيل الحتياط بقوله «إنها أصل ً‬
‫ه بعد‬‫غت ُ ُ‬‫و َ‬
‫مَرا َ‬ ‫ء»‪ ،‬و ُ‬ ‫ليست من العبادة في شي ٍ‬
‫ذلك بتعليق جاء فيه )أّنها مسألة اجتهادية(‪ ،‬أشدّ‬
‫غرابة!‬

‫جتين دامغتين على النقشبندّيين‬ ‫وحسبنا ذكر ح ّ‬


‫ع ما قد وضعوه واختلقوه )من الّرابطة‪،‬‬ ‫ن جمي َ‬ ‫بأ ّ‬
‫ظ الورِد بالحصى‪،‬‬ ‫گان ِّية‪ ،‬وعدّ ألفا ِ‬‫ج َ‬
‫وا َ‬
‫خ َ‬
‫م‪ُ ،‬‬ ‫والخت ِ‬
‫س أثناءَ‬
‫ف ِ‬ ‫س الن َ‬‫ة‪ ،‬وحب ِ‬ ‫ت معين ٍ‬‫وإحصاِئها بكميا ٍ‬
‫ضا‪،‬‬
‫ح أثناءَ الذكر أي ً‬ ‫ء بوشا ٍ‬ ‫وْرِد‪ ،‬والرتدا ِ‬ ‫ال ُ‬
‫س التوّرك في الصلة‪،‬‬ ‫ة بعك ِ‬ ‫س في الحلق ِ‬ ‫والجلو ِ‬
‫عا ل تعدو‬ ‫ن الحد عشر‪(...‬؛ إّنها جمي ً‬ ‫والركا ِ‬
‫كونها مستحدثات وافدة دخيلة على السلم‬
‫ك في أن أّيا‬ ‫الذي جاء به رسول الله ‪ .‬ول ش ّ‬

‫‪Râbıta ve Tevessül, Umran Publushing Pg. 358 İstanbul-1994‬‬ ‫‪547‬‬


‫‪469‬‬

‫من هذه المستحدثات الغريبة ليس من السلم‬


‫ة‪.‬‬
‫ت إليه بأدنى صل ٍ‬
‫ء ول يم ّ‬
‫في شي ٍ‬

‫دماءَ‬ ‫ن المعارضين ال ُ‬
‫ق َ‬ ‫الحجّة الولى منهما‪ :‬أ ّ‬
‫ء‬
‫داءَ على الصوفية لوكانوا عثروا على شي ٍ‬ ‫ش ّ‬ ‫وال ِ‬ ‫َ‬
‫من هذه المستحدثات في القرون الماضية‪ ،‬لما‬
‫مّروا علها مروَر الكرام‪ .‬بل إّنهم لبذلوا أقصى‬
‫ن اّلذين لم‬‫جهودهم في الردّ عليها‪ ،‬وتفنيدها‪ .‬إ ّ‬
‫ددوا في رمي حسين بن منصور الحلج‬ ‫يتر ّ‬
‫بالكفر والزندقة )وهو شهيد الصوفّية(؛ هل‬
‫ل هذه‬ ‫وا على ك ّ‬‫عَثر ُ‬
‫ن كانوا قد َ‬
‫لأ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ع َ‬
‫يُ ْ‬
‫َ‬
‫المخت َلقات وسكتوا عنها؟!!!‬

‫فهذا تقي الدين أحمد بن تيمية الحرّاني‪ ،‬لم‬


‫جة‪.‬‬‫ة إل ّ وقد نال منهم بأدنى ح ّ‬ ‫تسنح له فرص ٌ‬
‫كما حكم على ابن عربي بالكفر )وهو الشيخ‬
‫ء‬
‫الكبر عند الصوفّية(‪ .‬فلو كان عثر على شي ٍ‬
‫مما استحدثه النقشبندّيون )كالّرابطة وغيرها‬
‫من آدابهم ومبادئهم وطقوسهم(؛ لرماهم‬
‫بالكفر البواح‪ ،‬ولمطرهم بوابل من الّلعن‬
‫ل ما نتوقع‬ ‫ة عن ك ّ‬ ‫والشتم! بينما نجد آثاَرهُ خالي ً‬
‫ن المور‬ ‫منه‪ .‬وهذا من أقوى البراهين على أ ّ‬
‫دا‪ ،‬لم يعرفها قدماء‬ ‫ةج ّ‬ ‫المذكورة حديث ٌ‬
‫النقشبندّية )ما عدا الركان الحد عشر الواردة‬
‫ول مرة(؛ كما تبرهن هذه‬ ‫في الرشحات ل ّ‬
‫ّ‬
‫الحقيقة على مدى التعارض والتلفيق الذي وقع‬
‫ن هذه المور‬ ‫دعوا أ ّ‬ ‫فيه النقشبندّيون ل َ ّ‬
‫ما ا ّ‬
‫ن مصدرها الكتاب‬ ‫منبثقة من السلم‪ ،‬وأ ّ‬
‫ما كانوا‬ ‫ن أكابر النقشبندّية قدي ً‬ ‫سّنة‪ ،‬و أ ّ‬
‫وال ّ‬
‫يمارسونها‪.‬‬

‫جة الثانية اّلتي تقوم عليهم بأشدّ من‬ ‫ما الح ّ‬


‫أ ّ‬
‫ع إلى‬
‫م في إسنادهم تلك البد َ‬ ‫الولى؛ وت ُك َذّب ُ ُ‬
‫ه ْ‬
‫‪470‬‬

‫سّنة؛ هي سّرية هذه المور‪ 548.‬ل ّ‬


‫ن‬ ‫الكتاب وال ّ‬
‫صة‬‫ن خا ّ‬ ‫النقشبندّيين ل يمارسونها إل ّ في أماك َ‬
‫ومغّلقة دون غيرهم‪ .‬يقومون فيها بعقد حفل ٍ‬
‫ت‬
‫م من المنسوبين إلى‬ ‫ه ْ‬ ‫ة ل يحضرها إل ّ ب ِ َ‬
‫طان َت ُ ُ‬ ‫سّري ٍ‬
‫هذه الطريقة‪ .‬وقد يتسّلل معهم إلى هذه‬
‫ض المنتحلين‪ .‬فمنهم‪ ،‬من يحضرها‬ ‫الحلقات بع ُ‬
‫ت حول هذه الطائفة ومعتقداتها‬ ‫ط معلوما ٍ‬‫ليلتق َ‬
‫ظفون من جهاز‬ ‫ي‪ ،‬ومنهم مو ّ‬ ‫بغرض البحث العلم ّ‬
‫دعاية‪،‬‬‫ضهم لل ّ‬ ‫المخابرات‪ ،‬قد كّلفت السلطة بع َ‬
‫ة!‬‫ض أمني ٍ‬ ‫ضهم لغرا ٍ‬ ‫وبع َ‬
‫ة‬
‫نتساءل الن‪ :‬هل فرض الله على طائفة معي ّن َ ٍ‬
‫من عباده أموًرا ليقوموا بأدائها تحت جناح السّر‬
‫ة اّلذي‬ ‫ض الكفاي ِ‬
‫وحّرمها على غيرهم؟! وحّتى فر ُ‬
‫يسقط عن كثير من المسلمين إذا قام به‬
‫بعضهم‪ ،‬ل مانع من الشتراك للبقّية بشروطه؛‬
‫ب عليه إذا اشترك مع المؤمنين في أدائه‪،‬‬ ‫وُيثا ُ‬
‫ة فيه‪.‬‬
‫كما ل سّري َ‬

‫ن هذه الطقوس والنماط الغريبة‬ ‫زد على ذلك أ ّ‬


‫من مناسك البرهميّة اّلتي يتعّبد بها‬
‫النقشبندّيون‪ ،‬يجهلها جمهور المسلمين؛ وحّتى‬
‫س‪،‬‬
‫قنونها النا َ‬ ‫أحفاد الشيوخ اّلذين كانوا يل ّ‬
‫ويرأسون الحلقات في الماضي القريب‪ ،‬أبناؤهم‬
‫ما‪ .‬وعلى‬ ‫ضا يجهلونها اليوم تما ً‬ ‫وأحفادهم أي ً‬
‫ل من الشيخ طه‬ ‫ن أحفادَ ك ّ‬
‫سبيل المثال‪ :‬فا ّ‬
‫ي‪ ،‬والشيخ‬‫ي‪ ،‬والشيخ صبغة الله الحيزان ّ‬ ‫النهر ّ‬
‫مد الحزين الفرسافي‪ ،‬والشيخ حامد‬ ‫مح ّ‬
‫المارديني‪ ،‬والشيخ خالد الجزري‪ ،‬والشيخ خالد‬

‫يبرهن على هذه الحقيقة كلم أحد المؤرخين التراك‪ ،‬إذ يقول‪ « :‬درون إستانبولده برقاج مسجدده‬ ‫‪548‬‬
‫كندولرينه مخصوص آيين طريقي خلقدن مستور اوله رق اجرايه مشغول اولدقلرندن‪»...‬؛ أي "حيث أنهم كانوا‬

‫صة بهم‪ ،‬مستورين عن الناس في عدة مساجد بمدينة إسطنبول…"‬


‫يشتغلون بإجراء طقوس على طريقة خا ّ‬
‫ي ترجمة هذه‬
‫تاريخ لطفي ‪ .1/287‬مكتبة السليمانية‪ ،‬خزانة الحاج محمود أفندي رقم‪ .4755/‬لقد أغفل العّزاو ّ‬

‫الكلمات ضمن المقطع اّلذي قام بنقله في دراسته اّلتي سماها )مولنا خالد النقشبند ّ‬
‫ي(‪ ،‬ونشرها في مجلة‬

‫ي‪ ،‬عدد ‪ .1‬ص‪ .721 /‬بغداد ‪ .1973 -‬راجع الهامش رقم‪.467/‬‬


‫المجمع العلمي الكرد ّ‬
‫‪471‬‬

‫ل‬
‫الزيباري‪ ،‬وأبناءَ خلفائهم )باستثناء عدٍد قلي ٍ‬
‫دا(؛ ل يعرفون شيًئا من هذه الداب‪ ،‬ول‬ ‫منهم ج ّ‬
‫يكادون يستحضرون في أذهانهم‪ :‬ما هي‬
‫س أثناء الذكر‪،‬‬
‫ف ِ‬ ‫الّرابطة‪ ،‬وهل يجب حبس الن َ‬
‫والجلوس بعكس التوّرك في الصلة‪ ،‬و ما معنى‬
‫«هوش دردم‪ ،‬ونظر برقدم‪ ،‬وسفر در وطن‪،‬‬
‫ل من‬ ‫وخلوت درأنجمن‪...‬إلخ»؛ وهل هذه أشكا ٌ‬
‫ي؟ بالضافة إلى ك ّ‬
‫ل‬ ‫ن السلم ّ‬ ‫دي ِ‬‫العبادة في ال ّ‬
‫ما سبق‪ ،‬فانه ل يكاد أحد منهم يفتكر اليوم في‬
‫قنهم الطريقة النقشبندّية؛ مع أن‬ ‫د يل ّ‬‫اتخاذ مرش ٍ‬
‫آبائهم وأسـلفهم كانوا يعتقدون أّنه «من ل‬
‫شيخ له يرشده فمـرشـده الشيطان»‪ 549‬على‬
‫دا من هؤلء‬ ‫ن عد ً‬ ‫الرغم من هذه الحقيقة أ ّ‬
‫س‪ ،‬ويصومون رمضان‪،‬‬ ‫الخلف‪ ،‬يصّلون الخم َ‬
‫كون؛ ويعتقدون أّنها فرائض‬ ‫جون وقد يز ّ‬ ‫ويح ّ‬
‫يحرم تركها‪.‬‬

‫ة على النقشبندّيين‪،‬‬‫ة دامغ ٌ‬


‫ج ٌ‬
‫ح ّ‬
‫ن هذا الواقع ُ‬‫إ ّ‬
‫ل على مدى وقوعهم في التلفيق والتعارض‬ ‫تد ّ‬
‫والتضارب في أقوالهم ومواقفهم ومزاعمهم‬
‫سّنة‪.‬‬
‫دة من الكتاب وال ّ‬‫دعون أّنها مستم ّ‬‫اّلتي ي ّ‬
‫***‬

‫ة اختلفوا فيها اختل ً‬


‫فا‬ ‫* مسائل متفّرق ٌ‬
‫حا‪ ،‬بحيث جاء مقال بعضهم‬ ‫صري ً‬
‫تكذيًبالبعضهم الخر؛ كذلك أقوال‬
‫ض‬
‫بعضهم فيها تضادّ وتناق ٌ‬
‫للقائل نفسه بال ّ‬
‫ذات‪.‬‬
‫م أهل‬
‫هذه أموٌر يفتضح بها النقشبندّيون أما َ‬
‫العلم والمعرفة والحذاقة من الباحثين‬
‫ة‬
‫ل ل يتمتع بمعرف ٍ‬‫ن الجاه َ‬
‫صة‪ .‬ل ّ‬
‫والدارسين خا ّ‬
‫راجع الهامش رقم‪.53/‬‬ ‫‪549‬‬
‫‪472‬‬

‫مك ّن ُ ُ‬
‫ه من القيام بالمقارنة بين أقوالهم‬ ‫تُ َ‬
‫ومواقفهم‪ ،‬حّتى يتبّين له مدى التطابق أو‬
‫الختلف بينها‪.‬‬

‫ومن نماذج الختلف بينهم في القوال على‬


‫سبيل المثال‪:‬‬

‫ظمون ابن عربي‪،‬‬ ‫ن مشائخ النقشبندّية يع ّ‬ ‫إ ّ‬


‫ويستدّلون بأقواله؛ فينقلونها في كتبهم‪.‬‬
‫ي‪ ،‬يقول في‬ ‫مد بن عبد الله الخان ّ‬ ‫فمنهم مثل ً مح ّ‬
‫كتابه‪ ،‬البهجة السنّية‪« :‬قال سيدي الشيخ محي‬
‫ي‬
‫الدين بن عربي )‪ (...‬كما نقله العارف الجيل ّ‬
‫ق‪...‬إلخ»‪ 550‬ويقول‬ ‫في أسفاره‪ :‬الكرامة ح ّ‬
‫ي‬
‫مد الخان ّ‬ ‫مد بن مح ّ‬ ‫حفيده عبد المجيد بن مح ّ‬
‫في كتابه الحدائق الوردّية «قال سيدنا الشيخ‬
‫ف‬
‫فا عن سل ٍ‬ ‫الكبر‪ :‬فعلماء الرسوم يأخذون خل ً‬
‫إلى يوم القيامة‪ ،‬فيبعد النسب؛ والولياء‬
‫‪551‬‬
‫بينما نعثر على كلم ٍ‬ ‫يأخذون عن الله‪...‬إلخ‪».‬‬
‫ضا خالدي‬ ‫خ آخر من هذه الطائفة؛ وهو أي ً‬ ‫لشي ٍ‬
‫المشرب اسمه أحمد بن أحمد بن خليل البقاعي‬
‫في كتابه «رسالة في آداب الطريقة‬
‫ل كلمه صراحة على أّنه ل يعبأ‬ ‫النقشبندّية»‪ .‬يد ّ‬
‫بمحي الدين بن عربي‪ ،‬وكأّنه يستهزيء به‪.‬‬
‫فهذه كلماته بالضبط‪ ،‬يمدح بها مشائخ الطريقة‬
‫د‬
‫متهم يرفع المري َ‬ ‫النقشبندّية فيقول‪« :‬ورفيع ه ّ‬
‫من حضيض المكان إلى ذروة الوجوب‪ ،‬ويجعلون‬
‫ة‪،‬‬‫ة لحكام الشريع ِ‬ ‫الحوال والمواجيد تابع ً‬
‫ة للعلوم الدينّية؛ و ل‬ ‫ف خادم ً‬ ‫والذواقَ والمعار َ‬
‫ز الوجد‬ ‫و ِ‬
‫ج ْ‬ ‫يستبدلون الجواهر النفيسة الشرعّية ب ِ َ‬
‫وزبيب الحال مثل الطفال‪ ،‬و ل يغترون بتّرهات‬
‫الصوفّية‪ ،‬ول يفتتنون بها‪ ،‬و ل ينـزلون بها من‬
‫ص؛ ول من الفتوحات المدنية إلى‬ ‫ص إلى الف ّ‬ ‫الن ّ‬
‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية ص‪.56 /‬‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪550‬‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.99 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪551‬‬
‫‪473‬‬

‫كية»‪ 552.‬يشير بذلك إلى كتب ابن‬ ‫الفتوحات الم ّ‬


‫عربي‪ ،‬في الحين اّلذي هو بالذات يتعارض مع‬
‫نفسه بهذه العبارات!‬
‫***‬
‫ومن التعارض الشديد في معتقدات‬
‫ة‬
‫النقشبندّيين‪ ،‬أنهم قد سّنوا آداًبا معّين ً‬
‫ل إلى الله بمراعاة تلك الداب‬ ‫فاشترطوا الوصو َ‬
‫ة‪ .‬ومع‬ ‫ت شا ّ‬
‫ق ٍ‬ ‫والسلوك على أساسها برياضا ٍ‬
‫دقين لمحي الدين بن‬ ‫ذلك وقعوا موقع المص ّ‬
‫ل شيء جزء من‬ ‫نك ّ‬ ‫عربي وأمثاله الوجوديين «بأ ّ‬
‫الله» وحّتى «أبو سعيد الخراز وغير ذلك من‬
‫‪553‬‬
‫ء المحدثات‪».‬‬
‫أسما ِ‬

‫ءا من الله‪،‬‬‫ء في هذا الكون جز ً‬ ‫ل شي ٍ‬ ‫فما دام ك ّ‬


‫ي محاولة‪ ،‬لماذا‬‫ول يحتاج المر للوصول إليه بأ ّ‬
‫يفرضون على أنفسهم تلك الداب والرياضات‪،‬‬
‫ويتكّبدون الشدائدَ بالجوع والسهر وترديد الوراد‬
‫بأعداد هائلة‪ ،‬ويقضون معظم حياتهم في قيود‬
‫)هوش دردم‪ ،‬ونظر برقدم وسفر دروطن‪(...‬؟‬
‫ءا من الله‪ - ،‬على‬ ‫ل واحد منهم جز ً‬ ‫نعم إذا كان ك ّ‬
‫دقه النقشبندّيون‬ ‫دعيه ابن عربي ويص ّ‬ ‫حسب ما ي ّ‬
‫ذبون أنفسهم بهذا القدر من‬ ‫‪-‬؛ لماذا يع ّ‬
‫كنوا بها من‬ ‫ة ليتم ّ‬
‫ت يوغي ٍ‬
‫ت ورياضا ٍ‬ ‫مجاهدا ٍ‬
‫الوصول إلى الله؟ أليس ذلك تكذيًبا لمحي الدين‬
‫ضا غريًبا يتخّبط فيه‬ ‫بن عربي وتناق ً‬
‫النقشبندّيون مع أنفسهم بالذات؟‬

‫كذلك من تناقضات النقشبندّيين في الوقت ذاته‬


‫ي‬‫ة وشرحها للتفتازان ّ‬
‫في ّ ِ‬
‫س ِ‬
‫تشبّثهم بالرسالة الن َ‬
‫في تدريس العقائد‪ ،‬وهي رسالة مقبولة‬
‫ورة( ضمن مجموعة‬
‫أحمد البقاعي‪ ،‬رسالة في آداب الطريقة النقشبندّية ص‪ .31-30 /‬مخطوطة )مص ّ‬ ‫‪552‬‬
‫‪TDV. İSAM. 297.7 NİM. Z. 46644‬‬ ‫الزمرد العنقاء؛ إسبارطة ‪1249‬هـ‪1832 /.‬م‪.‬‬

‫ي في ضوء الكتاب‬
‫محي الدين بن عربي فصوص الحكم ص‪) .77 ،76 /‬نقل من كتاب؛ الفكر الصوف ّ‬ ‫‪553‬‬
‫سّنة للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ص‪ .83 /‬مكتبة ابن تيمية الكويت‪ ،‬الطبعة الثانية(‪ .‬راجع الهامش رقم‪/‬‬
‫وال ّ‬
‫‪.222‬‬
‫‪474‬‬

‫سّنة؛ في الحين‬‫دة من روح الكتاب وال ّ‬ ‫مستم ّ‬


‫ظمون محي الدين بن عربي وحسين بن‬ ‫اّلذي يع ّ‬
‫منصور الحلج وأمثاَلهما من الوجودّيين‬
‫ن ما بين عقيدة عمر النسفي‬ ‫شّتا َ‬ ‫والحلولّيين؛ َ‬
‫ف َ‬
‫وعقيدة محي الدين بن عربي!‬

‫ضا‪ :‬قال عبد المـجيد بن‬


‫ومن مناقضاتهم أي ً‬
‫ي‪،‬‬ ‫ي في ترجمـة يوسف الهمدان ّ‬ ‫مد الخـان ّ‬‫مح ّ‬
‫«أدركْته الوفاةُ فدفن بها )يقصد مدفَنه‪ ،‬وهي‬
‫قلت‬
‫قرية باميين في أفغانستان(‪ .‬ثم بعد حين ن ُ ِ‬
‫مْرو‪ 554».‬وهي مدينة في‬ ‫ة إلى َ‬
‫ه الشريف ُ‬ ‫جث ّت ُ ُ‬
‫تركستان‪.‬‬

‫ل على حقيقة‪ ،‬فما‬ ‫إن كانت هذه العبارات تد ّ‬


‫أقواها برهاًنا على مخالفة النقشبندّيين لحكام‬
‫ي‪،‬‬
‫الجنائز والموتى في الفقه السلم ّ‬
‫دعون في ك ّ‬
‫ل‬ ‫وتناقضهم مع أنفسهم‪ ،‬إذ ي ّ‬
‫م‬ ‫سك َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫مهم بالشريعة السلمّية وتم ّ‬ ‫ة إلتزا َ‬
‫مناسب ٍ‬
‫سا‬ ‫بالعزيمة دون الرخصة؛ ول يرون مع ذلك بأ ً‬
‫ت لهم‪ ،‬على الرغم من‬ ‫من نقل رفاة مي ّ ٍ‬
‫مخالفته لراء جمهور المجتهدين‪.‬‬

‫ي في كلماته‬ ‫ب عبد المجيد الخان ّ‬ ‫ن أسلو َ‬ ‫إ ّ‬


‫ل الجثمان‬ ‫ن نق َ‬
‫ة‪ :‬أ ّ‬ ‫ل صراح ٍ‬ ‫فا ينبئ بك ّ‬ ‫المنقولة آن ً‬
‫ة‪ ،‬يجوز في اعتقاد‬ ‫ل الرفا ِ‬ ‫بعد الدفن‪ ،‬ون َ ْ‬
‫ق َ‬
‫ض النظر عما لو‬ ‫ة‪ِ ،‬بغ ّ‬ ‫النقشبندّيين من غير كراه ٍ‬
‫فا ل أصل له‪ ،‬أو تواف ً‬
‫قا‬ ‫ما صر ً‬ ‫كان هذا الخبُر زع ً‬
‫م‬‫م بحقيقته‪ .‬كذلك ث َ ّ‬ ‫ة ليس للواضع عل ٌ‬ ‫وصدف ً‬
‫ة أخرى على استباحة النقشبندّيين‬ ‫ل قاطع ٌ‬ ‫دلئ ُ‬
‫ة‬
‫ل ُرفا ِ‬ ‫فَروّيين بنق ِ‬ ‫ة‪ .‬منها‪ ،‬قيام الك ُ ْ‬ ‫ل الرفا ِ‬ ‫نق َ‬
‫كبيرهم عبد الباقي أفندي من منفاه إسطنبول‪،‬‬
‫ة تزيد على‬ ‫إلى مدينة بدليس بعد موته بمدّ ٍ‬
‫ما‪ ،‬وذلك بناءً على موافقة ابنه قسيم‬ ‫أربعين عا ً‬
‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪ .108 /‬القاهرة ‪-‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪554‬‬
‫‪ 1308‬هـ‪.‬‬
‫‪475‬‬

‫ي؛ ومنها‪ ،‬قيام السرة الرواسّية بنقل‬ ‫الك ُ ْ‬


‫فَرو ّ‬
‫دين وأقاربة من مدينة‬ ‫رفاة الشيخ شهاب ال ّ‬
‫غي ْدَةَ بنواحي قصبة حيزان‪،‬‬ ‫بدليس إلى قرية َ‬
‫ة تزيد‬
‫وذلك بعد تنفيذ حكم العدام فيهم بمدّ ٍ‬
‫ما‪.‬‬
‫على خمسة وأربعين عا ً‬
‫ة قد وقع فيها‬ ‫ة صريح ً‬ ‫ولذا‪ ،‬نجد مناقض ً‬
‫ل هذه العمال‪ ،‬وقد‬ ‫النقشبندّيون في ك ّ‬
‫كدت وانحدرت عليهم بمسئوليات‬ ‫تضاعفت وتأ ّ‬
‫أخلقية رهيبة!‬
‫***‬
‫كذلك من مناقضاتهم مع أنفسهم‪ ،‬أنهم ينسبون‬
‫أنواع الكرامات والعلوم والمعارف إلى شيوخهم‬
‫وأوليائهم‪ ،‬مع ذلك ل علم لهم ول لجميع‬
‫مشائخهم المعاصرين بما استقى أسلفهم من‬
‫البرهمية والشامانية وغيرهما من معتقدات‬
‫شّتى‪ ،‬ول حّتى يعلمون شيًئا حول هذه الديان‪.‬‬
‫ولربما لم يسمع أحد من شيوخهم المعاصرين‪،‬‬
‫ما من‬ ‫صة اّلذين في المنطقة الكردّية اس ً‬ ‫خا ّ‬
‫ديانات الهندّية اّلتي انتقلت معظم‬ ‫أسماء ال ّ‬
‫آدابها إلى طريقتهم!‬

‫ومن هذه المثلة‪ :‬يقول النقشـبندّيون‪ :‬إّنه «من‬


‫ل شيخ له يرشده فمرشده الشيطان»‪ 555‬ولكّنهم‬
‫ل يقصدون بكلمة «المرشد» ‪ -‬في هذه المقولة‬
‫ه‬
‫ن والفق َ‬ ‫‪ -‬الساتذةَ اّلذين يدّرسون القرآ َ‬
‫ة والتاريخ‬ ‫ب والهيئ َ‬‫ب والحسا َ‬ ‫ث؛ أو الط ّ‬ ‫والحدي َ‬
‫وما إلى ذلك من علوم عقلية ونقلية بآدابها‬
‫عك ّ‬
‫ل‬ ‫وشروطها‪ .‬بل قصدهم من ذلك‪ ،‬هو إقنا ُ‬
‫قا‪ ،‬على‬ ‫ه دعوُتهم أن يستسلم لهم مطل ً‬ ‫غت ْ ُ‬ ‫ن ب َل َ َ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ّ‬
‫ه ثم يتعلم منه آدا َ‬ ‫عنان َ ُ‬‫أن يسلم لحدهم ِ‬ ‫ّ‬
‫الطريقة‪ ،‬ويسير على نهجهم‪ .‬ومع هذا‪ ،‬يرون‬
‫ل من يريد النخراط في‬ ‫من الواجب على ك ّ‬

‫راجع الهامش رقم‪.53/‬‬ ‫‪555‬‬


‫‪476‬‬

‫ول ً بالستخارة عما‬ ‫سلكهم‪ ،‬أن يتأ ّ‬


‫كد من أمره أ ّ‬
‫إذا كان دخوله في الطريقة خيًرا في ح ّ‬
‫قه أم‬
‫‪556‬‬
‫ل‪.‬‬

‫ن تخييرهم لطالب الطريقة بهذه‬ ‫كأ ّ‬ ‫ولش ّ‬


‫الصورة يتعارض )في اعتقادهم( بوجوب اتخاذ‬
‫ل فرد من أفراد الناس بدون‬ ‫الشيخ على ك ّ‬
‫استثناء‪ .‬فقد وقعوا بذلك في تلفيق شديد؛‬
‫فضل ً عن أّنهم قد حّرفوا معنى الستخارة بعلم‬
‫هن‪ ،‬مع‬ ‫دلوه بالتك ّ‬
‫الله في المور المشروعة‪ ،‬و ب ّ‬
‫ة محّرم في السلم‪ .‬وهذا تلفيق آخر‪.‬‬ ‫هان َ َ‬‫ن الك َ َ‬
‫أ ّ‬
‫ن الستخارة‪ ،‬في الحقيقة هي طلب وجوه‬ ‫ل ّ‬
‫الخير والتيسير والتوفيق من الله تعالى بالدعاء‬‫ّ‬
‫‪557‬‬
‫والتضّرع قبل القدام في المور المشروعة‪.‬‬
‫ددة بالمعالم‬
‫ن المشروعّية مح ّ‬ ‫ول يخفى أ ّ‬
‫والقيود المنصوصة في كتاب الله وسنة رسوله‬
‫‪ .‬و ل خيار للمسلم في أداء الفرائض‪ .‬بل هو‬
‫ق ما جاء في الشريعة‬ ‫و ْ‬
‫ف ِ‬ ‫على ُ‬‫م بأدائها َ‬
‫ملَز ٌ‬
‫ة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ت في السلم ِ كلها توقيفي ّ ٌ‬ ‫هرة‪ ،‬والعبادا ُ‬
‫المط ّ‬
‫وأما قيامه بنافلة‪ ،‬فل داعي له بالستخارة في‬
‫فعلها أو تركها‪ .‬إذ أّنه يثاب على فعلها‪ ،‬ولّنها‬
‫أصل ً مطلوبة منه على الستحباب وليس على‬
‫الوجوب‪ .‬وفي الصرار على تركها مخالفة‬
‫للرسول ‪ .‬فهذا أمر في منتهى البداهة‪ .‬لذا‬
‫لمزيد من المعرفة حول اعتقاد النقشبندّيين فيما يتعلق بالستخارة‪ ،‬راجع المصادر التالية‪:‬‬ ‫‪556‬‬
‫‪TDV. İSAM. 297.7 NİM. Z. 46644‬‬ ‫* نعمة الله بن عمر‪ ،‬الرسالة المدنية ص‪) .22 /‬مجموعة الزمرد العنقاء(؛‬

‫ي‪ ،‬المبدأ والمعاد ص‪15 /‬؛‬


‫ي السرهند ّ‬
‫* أحمد الفاروق ّ‬
‫ي‪ ،‬المكاتيب الشريفة‪ ،‬مكتوب رقم‪.34/‬‬
‫* عبد الله الدهلو ّ‬
‫* علي قدري‪ ،‬الرسالة البهائية )ترجمة‪ :‬رحمي سرين( ص‪ .33 /‬إسطنبول‪1994 -‬م‪.‬‬

‫ي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما‪ ،‬قال‪ :‬كان رسول الله‬
‫خار ّ‬
‫وهو دعاء خاص كما ورد في صحيح الب ُ َ‬ ‫‪557‬‬
‫‪ ‬يعّلمنا الستخارةَ في المور كّلها كالسورة من القرآن‪ .‬يقول‪ :‬إذا ه ّ‬
‫م أحدكم بالمر فليركع ركعتين من غير‬

‫م إّني أستخيرك بعلمك‪ ،‬واستقدرك بقدرتك‪ ،‬وأسألك من فضلك العظيم‪ .‬فاّنك تقدر ول‬
‫ة‪ ،‬ثم ليقل‪ :‬ألله ّ‬
‫الفريض ِ‬
‫ن هذا المر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة‬
‫ت تعلم أ ّ‬
‫م إن كن َ‬
‫أقدر‪ ،‬وتعلم ول أعلم‪ .‬وأنت علم الغيوب‪ .‬ألله ّ‬
‫ن هذا المر شّر‬
‫ت تعلم أ ّ‬
‫م بارك لي فيه‪ .‬و إن كن َ‬
‫سره لي‪ ،‬ث ّ‬
‫أمري )أو قال‪ :‬عاجل أمري وآجله( فأقدره لي‪ ،‬وي ّ‬
‫م‬
‫لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري )أو قال‪ :‬عاجل أمري و آجله(؛ فاصرفه عني‪ ،‬واقدر لي الخير حيث كان‪ .‬ث ّ‬
‫الحديث‪5903/‬‬ ‫مد بن المنكدر عن جابر‪ .‬رقم‬
‫ي‪ ،‬عن مح ّ‬
‫خار ّ‬
‫ه‪ .".‬الب ُ َ‬
‫مي حاجت َ ُ‬
‫ضني به‪ .‬قال ويس ّ‬
‫ر ّ‬
‫‪477‬‬

‫خرجت أمور الصوفّية وطقوسهم عن نطاق‬


‫المشروعية‪ .‬فهي ليست في حدّ ذاتها من‬
‫الفرائض‪ ،‬ول هي من السنن‪ ،‬ول من المباحات‪.‬‬
‫سّنة أدنى إشارة‬ ‫إذ ل نجد في نصوص الكتاب وال ّ‬
‫إلى ما وصفه النقشبندّيون من الّرابطة‪ ،‬والختم‬
‫گان ِّية‪ ،‬وعدّ الذكار بالحصى‪ ،‬والتركيز على‬ ‫ج َ‬ ‫وا َ‬ ‫خ َ‬
‫ُ‬
‫الصورة الفتوغرافية لشيخ الطريقة والتعّبد‬
‫بالمصطلحات الفارسّية )هوش دردم‪ ،‬و نظر‬
‫برقدم‪ ،‬و سفر دروطن‪ ،‬وخلوت‬
‫ة من‬ ‫ل مختلف ٌ‬ ‫درأنجمن‪...‬إلخ‪ .(.‬بل هي أشكا ٌ‬
‫د‪ ،‬اختلقها بعض المتحزلقة من أهل المكر‬ ‫عب ّ ِ‬
‫الت َ‬
‫والحيل‪ ،‬باستيحاء من الديان الوثنّية‪ .‬ثم‬
‫ة الناس‬ ‫استحسنها وتقّبلها من كان قد نال محب َ‬
‫ة حّتى راجت‬ ‫ساك دون روي ٍ‬ ‫وثقَتهم من جهلة الن ّ‬
‫ّ‬
‫ة ممن تعلموا شيًئا من‬ ‫وانتشرت بين طائف ٍ‬
‫مقدمات العلوم فاستعانوا به في الدفاع عنها‬
‫ور المر هكذا‬ ‫دق‪ ،‬ثم تط ّ‬ ‫طع والتش ّ‬ ‫بطريقة التن ّ‬
‫مع الزمان إلى أن اشتهر منهم شيوخ تهافتت‬
‫نو‬ ‫ت العيو ُ‬ ‫حر ْ‬‫س ِ‬
‫عليهم جماهير الناس؛ ف ُ‬
‫ل بعّزهم وإقبال الناس عليهم؛‬ ‫انبهرت العقو ُ‬
‫ل من وجدهم في تلك الّبهة والعظمة‬ ‫نك ّ‬ ‫فظ ّ‬
‫ل ما يقوله ويفعله‪.‬‬ ‫أّنه على حق في ك ّ‬

‫ن‪ ،‬فاّنهم‬ ‫وإل ّ فالموُر اّلتي استحدثوها باسم ال ّ‬


‫دي ِ‬
‫دا بسبب عجزهم عن‬ ‫جا شدي ً‬
‫ذات يقاسون حر ً‬ ‫بال ّ‬
‫إثباتها وإقامة أدنى دليل على الربط بينها وبين‬
‫ي اْلحنبف‪ ،‬على الرغم من‬ ‫ن السلم ّ‬ ‫دي ِ‬‫ال ّ‬
‫محاولتهم ودفاعهم وهجماتهم بشكل مستميت‪.‬‬
‫دنيا في الوقت ذاته‪.‬‬ ‫عدّ من شؤون ال ّ‬‫كما أّنها ل ت ُ َ‬
‫ن‬‫كالسفر والتجارة والبناء والزراعة والف ّ‬
‫والدراسة و ما إليها‪ .‬وهذا قد أوقعهم في‬
‫تلفيقات‪ ،‬وأربكهم في مواجهة العلماء وأثارهم‬
‫على أهل النصيحة والصلح؛ كما تشهد على‬
‫ذلك مقالتهم وكتاباتهم و حّتى أشعارهم اّلتي‬
‫‪478‬‬

‫تفور بالهجوم والستنكار والّلوم والعتاب على‬


‫غيرهم‪.‬‬
‫***‬
‫ومن تلفيقات النقشبندّيين‪ :‬فقد ورد في رسالة‬
‫ي إلى أتباعه في إسطنبول‪،‬‬ ‫كتبها خالد البغداد ّ‬
‫ي‪-‬‬
‫هاب السوس ّ‬ ‫ذرهم من مخالطة عبد الو ّ‬ ‫يح ّ‬
‫اّلذي مّر ذكره في ترجمة خالد البغداد ّ‬
‫ي ‪ -‬يقول‬
‫فيها‪:‬‬

‫«فالن أخبركم بأّني وجميع رجال السلسلة‬


‫هاب‪ .‬فهو مطرود عن‬ ‫تبّرأنا من عبد الو ّ‬
‫ل من تصادق معه لجل الطريقة‪،‬‬ ‫الطريقة‪ .‬فك ّ‬
‫ه‪ .‬و إل ّ فهو بريء من‬‫مكاتب َت َ ُ‬‫هو ُ‬ ‫مصاد َ‬
‫قت َ ُ‬ ‫فليترك ُ‬
‫إمداد هذا الفقير وإمداد السادات الكرام‪ .‬ول‬
‫متي بعد وصول‬ ‫ن يستمدّ ه ّ‬ ‫أرضى أن يكاتبني‪ ،‬وأ ْ‬
‫‪558‬‬
‫هذا المكتوب إليه»‪.‬‬

‫ة مع‬‫ل من يكون على صل ٍ‬ ‫ي من ك ّ‬ ‫يتبّرأ البغداد ّ‬


‫ي بعد هذا الخطاب؛ كذلك‬ ‫هاب السوس ّ‬ ‫عبد الو ّ‬
‫ضا‬
‫ن جميع رجال السلسة أي ً‬ ‫دد مريديه‪ :‬بأ ّ‬ ‫يه ّ‬
‫ذرهم عنه‪.‬‬ ‫من يخالف نهَيه فيما ح ّ‬ ‫م ّ‬
‫يتبّرؤن ِ‬
‫ومعنى ذلك‪ :‬إّنه اتصل بساداته اّلذين هم ثمانية‬
‫صا؛ ومنهم من مات قبله بمئات‬ ‫وعشرون شخ ً‬
‫دقه كثيٌر من الناس في‬ ‫السنين‪ .‬وربما يص ّ‬
‫دد‬
‫دعائه هذا! غير أّنه ل يكتفي بالتبّرؤ؛ بل يه ّ‬ ‫ا ّ‬
‫ه بأّنه بريء من إمداده وإمداد ساداته؛ أي‬ ‫مخاطب َ ُ‬
‫ي؛‬
‫هاب السوس ّ‬ ‫ى في اتصاله بعبد الو ّ‬ ‫ن من تماد َ‬ ‫أ ّ‬
‫ي وكذلك من إمداد‬ ‫م من إمداد البغداد ّ‬ ‫ر َ‬ ‫ح ِ‬‫ُ‬
‫صا الذين استخلف‬ ‫ّ‬ ‫الثمانية والعشرين شخ ً‬
‫ضا على منصب الرياسة للطريقة‬ ‫بعضهم بع ً‬
‫ديق إلى شيخه‬ ‫ءا من أبي بكر الص ّ‬ ‫النقشبندّية بد ً‬
‫ي؛ وأّنه ل يرضى من‬ ‫غلم علي عبد الله الدهلو ّ‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.233 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪558‬‬
‫‪479‬‬

‫مَته إذا دامت علقته مع خصمه‬


‫أحد أن يستمدّ ه ّ‬
‫المذكور!‬

‫ن‬
‫ضا؛ ولك ّ‬‫دقه أناس في ادّعائه هذا أي ً‬ ‫فقد يص ّ‬
‫ة أخرى‬ ‫ذات‪ ،‬يقول في رسال ٍ‬ ‫سه بال ّ‬
‫دا نف َ‬‫خال ً‬
‫كتبها إلى عبد الله باشا حاكم أيالة ع ّ‬
‫كا‪:‬‬

‫دة‬ ‫ما بعد فقد بلغني مرسومكم الحاوي لش ّ‬ ‫«أ ّ‬


‫العتقاد والمبالغة في الستمداد لطلب الذّّري ّ ِ‬
‫ة‬
‫ما‬
‫ما الدعاء‪ ،‬فقد صدر مني مراًرا‪ .‬وأ ّ‬
‫لكم‪ .‬أ ّ‬
‫ت من أهلها»‪.‬‬
‫مة‪ ،‬فلس ُ‬ ‫اله ّ‬
‫ل يخفى على القارئ ما يبدو من التعارض بين‬
‫ة»‪ .‬وهي‬ ‫م ِ‬
‫ه ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫محتوى الرسالتين في قضية «ال ِ‬
‫ف يقوم به شيوخ الصوفّية‬ ‫اسم ي ُطْل َ ُ‬
‫ق على إسعا ٍ‬
‫في لمح البصر لمن يطلب منهم المدد )حسب‬
‫ن الشيخ‬ ‫اعتقادهم(؛ ويقولون في هذه الفرية‪ :‬أ ّ‬
‫د‬
‫ث مريدَهُ متى استغاثه‪ ،‬ولو كان بينهما ُبع َ‬ ‫ُيغي ُ‬
‫المشرق والمغرب!‬

‫ي في تلفيق شديد عندما قال‬ ‫فقد وقع البغداد ّ‬


‫م‪ ،‬فل‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬‫في آخر رسالته معتذًرا‪« :‬ولئن ُ‬
‫ب قضاءٌ‬ ‫ن المطلو َ‬ ‫ة إل ّ بعد ظهور أ ّ‬
‫م ُ‬‫ه ّ‬ ‫ْ‬
‫ُتستعمل ال ِ‬
‫ق‪ ،‬وإلى الن ما تبّين كون مطلوبنا كذلك‪،‬‬ ‫عل ّ ٌ‬
‫م َ‬
‫‪559‬‬
‫يدل‬ ‫لعمى بصائرنا بسبب البدع والشبهات»‪.‬‬
‫ي على أّنه يحاول أن يتخّلص بلباق ٍ‬
‫ة‬ ‫كلم البغداد ّ‬
‫ن المخاطب حّتى ل يقع موقع الرجل‬ ‫من سوء ظ ّ‬
‫ده من «كبار أولياء الله»‪،‬‬ ‫ذاب عند من يع ّ‬ ‫الك ّ‬
‫دا فيه أّنه يعلم الغيب؛‬
‫جله معتق ً‬ ‫ظمه ويب ّ‬ ‫ويع ّ‬
‫فيتذّرع بكثرة البدع والشبهات‪ ،‬وأّنها هي‬
‫السباب اّلتي حجبته عن الطلع على أسرار‬
‫الله!‬

‫أسعد الصاحب‪ ،‬بغية الواجد‪ ،‬ص‪86 ،85 /‬؛ عبد الكريم البياري المدّرس‪ ،‬منشورات المجمع العلمي‬ ‫‪559‬‬
‫قَبل مكتبة الحقيقة إسطنبول‪1992-‬م‪) .‬هذه‬
‫الكرماني‪) ،‬تذكار الرجال(‪ ،‬ص‪ .54 /‬بغداد‪1979-‬م‪ .‬مستنسخ من ِ‬
‫ي‪ ،‬كلتاهما بين دفتين في مجلد واحد‪(.‬‬
‫الرسالة منضمة إلى رسالة أخرى اسمها مكاتيب شريفة لعبد الله الدهلو ّ‬
‫‪480‬‬

‫جرأةُ في هذا الرجل على رب العّزة‬ ‫لقد بلغت ال ُ‬


‫دد‬
‫د‪ ،‬يطرد من يشاء من رحمة الله؛ ويه ّ‬ ‫إلى ح ّ‬
‫س ِبأّنه يحّرمهم من مدده إذا استهانوا بما‬ ‫النا َ‬
‫ن سادته‬ ‫دعي في الوقت ذاته أ ّ‬ ‫نهاهم عنه؛ وي ّ‬
‫ضا متفقون معه في تهديداته! ‪ -‬أولئك السادة‬ ‫أي ً‬
‫ة لعدٍد منهم بالطريقة النقشبندّية‬ ‫اّلذين ل علق َ‬
‫بوجه من الوجوه‪ ،‬و ل بالصوفّية‪ ،‬و ل بشخص‬
‫صة؛ كأبي بكر الصديق‪،‬‬ ‫ي بقرينة خا ّ‬ ‫البغداد ّ‬
‫مد بن أبي‬ ‫وسلمان الفارسي‪ ،‬وقاسم بن مح ّ‬
‫دعي‬ ‫مد الباقر‪ ،‬وغيرهم ‪ -‬ي ّ‬ ‫بكر‪ ،‬وجعفر بن مح ّ‬
‫عا قد تبّرؤوا‬ ‫ن رجال السلسلة جمي ً‬ ‫يأ ّ‬ ‫البغداد ّ‬
‫ي ‪ -‬أولئك الرجال‬ ‫هاب السوس ّ‬ ‫معه من عبد الو ّ‬
‫ي أصل ً على وجود كثير‬ ‫اّلذين ل برهان للبغداد ّ‬
‫فاُتهم‪ ،‬ول‬ ‫ت ُر َ‬ ‫ن البقّية قد ب َل ِي َ ْ‬‫منهم‪ ،‬فضل ً عن أ ّ‬
‫شرت‪ ،‬والعلم عند‬ ‫ح ِ‬
‫د بأرواحهم أين ُ‬ ‫علم لح ٍ‬
‫دا‪،‬‬‫الله‪ .‬كذلك ل يدري أحد‪ :‬من كان منهم سعي ً‬
‫ومن كان منهم شقّيا؛ وأّيهم مات على الكفر‪ ،‬و‬
‫أّيهم مات على اليمان‪ .‬ل يعلم ذلك إل ّ الله‬
‫الواحد القهار‪.‬‬

‫ما على‬ ‫سه قائ ً‬‫ن هذا الرجل يرى نف َ‬ ‫بالخلصة‪ ،‬فا ّ‬
‫منصب النيابة عن الله‪ ،‬كما يظهر من عباراته‪.‬‬
‫دا‪،‬‬
‫ب لعبد الله باشا ول ً‬ ‫ه َ‬‫ن يَ َ‬
‫ويرى أّنه قادر على أ ْ‬
‫ه إل ّ بعد ظهور‬ ‫مت َ ُ‬
‫)ولكنه ل يريد أن يستعمل ه ّ‬
‫قا(‪ .‬أي أن‬ ‫ّ‬
‫ءا معل ً‬ ‫المطلوب عما إذا كان قضا ً‬
‫قق بشرط‬ ‫ب لم يظهر له بعد‪ ،‬لو كان يتح ّ‬ ‫المطلو َ‬
‫ط فور وجود الشرط‪.‬‬ ‫فذَ المشرو َ‬ ‫ن حّتى ي ُن َ ّ‬
‫معي ّ ٍ‬
‫ِ‬ ‫تلفيف‬ ‫يظهر لنا خلل هذا النسيج الملّبد من‬
‫ن التعارض‬ ‫ه‪ :‬أ ّ‬‫ب على الل ِ‬ ‫ذ ِ‬
‫ة والك ِ‬
‫ء والزندق ِ‬
‫دعا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ي في إطلقه‬ ‫والتلفيق اّلذي وقع فيه البغداد ّ‬
‫ن‪ ،‬بل‬ ‫عب َْر هذه العبارات‪ ،‬ل ينحصر في وجه معي ّ ٍ‬ ‫َ‬
‫غل‬ ‫ة قد ُيش ِ‬ ‫ه مختلف ٍ‬ ‫فا على وجو ٍ‬ ‫دد متضاع ً‬ ‫يتع ّ‬
‫ث إذا دخل في تفاصيلها‪.‬‬ ‫الباح َ‬
‫‪481‬‬

‫تدعو المناسبة أن نذكر في هذا المعرض كلمات‬


‫ي في مسألة‬ ‫جلها معصوم الفاروق ّ‬ ‫قد س ّ‬
‫«القّيومّية» إذ يقول «القّيوم في هذا العالم‪،‬‬
‫‪560‬‬
‫ب منابه»‪.‬‬
‫خليفة الله تعالى‪ ،‬ونائ ٌ‬
‫ي‬
‫ولهذا ليس من الغريب أن يكون خالد البغداد ّ‬
‫ه على عرش النيابة عن رب‬ ‫س ُ‬
‫ف َ‬‫ب نَ ْ‬ ‫ص َ‬‫قد نَ َ‬
‫العالمين‪ ،‬ليطردَ من يشاء من الناس من رحمة‬
‫مدّ من استغاث به في لمح البصر ولو‬ ‫الله‪ ،‬و لي ُ ِ‬
‫كان هو في المشرق والمستغيث في المغرب؛‬
‫ص‬
‫كما ليس من الغريب أن يسيطر بأسلوبه الخا ّ‬
‫ه على عقله‪ ،‬متى‬ ‫على ضمير من غلبت عاطفت ُ ُ‬
‫ج في إقناعه؛ كما مّر في‬ ‫ي الحر َ‬
‫س البغداد ّ‬ ‫استح ّ‬
‫م َ‬
‫ل‬ ‫ع ِ‬
‫ست َ ْ‬‫ن يَ ْ‬‫كا‪ :‬إّنه ل ينبغي أ ْ‬‫جوابه لحاكم ع ّ‬
‫طلع على‬ ‫ني ّ‬ ‫ما زكّيا‪ ،‬إل ّ بعد أ ْ‬‫ب له غل ً‬ ‫ه َ‬ ‫في َ َ‬ ‫ه‪َ ،‬‬‫مت َ ُ‬
‫ه ّ‬‫ِ‬
‫شر بتحقيق‬ ‫ل يب ّ‬ ‫اللوح المحفوظ‪ ،‬هل هناك احتما ٌ‬ ‫ّ‬
‫مطلوب حضرة الباشا أم ل )!(‬

‫قول‬
‫ُ‬ ‫ومن تلفيقات النقشبندّيين وخلطهم‪،‬‬
‫‪561‬‬
‫ما في عهدي»‪.‬‬
‫ي‪« :‬ول تزيدوا التكايا ع ّ‬
‫البغداد ّ‬
‫فاءَهُ بهذه الكلمات وقد‬ ‫خل َ َ‬
‫ي ُ‬
‫خالد البغداد ّ‬
‫ٌ‬ ‫أوصى‬
‫اجتمعوا عنده لعيادته وهو على فراش الموت‬
‫ة‬
‫ه يوم أصيب بالطاعون‪ .‬بينما التكي ّ ُ‬ ‫يتر ّ‬
‫قب مني ّت َ ُ‬
‫هي مركز الصوفّية‪ ،‬ومكان اجتماعهم‪ ،‬ومعبدهم‬
‫سهم‪ ،‬ويبّثون منه‬‫اّلذي يقيمون فيه طقو َ‬
‫دعوَتهم‪ .‬فكّلما ازداد انتشارهم بنوا تكايا أخرى‬
‫في المناطق اّلتي تخلو عنها‪ ،‬ليقوموا فيها‬
‫دا للحاجة‪ .‬وهي في نظامهم‬ ‫بنشاطاتهم س ّ‬
‫بمنـزلة المسجد عند المسلمين‪.‬‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.192 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪560‬‬

‫مد مطيع الحافظ‪-‬نزار أباظة‪ ،‬علماء دمشق وأعيانها في القرن الثالث عشر الهجري ص‪ .334 /‬دار‬
‫مح ّ‬ ‫‪561‬‬
‫الفكر المعاصر؛ بيروت‪.‬‬
‫‪TDV.ISAM. 922.97 HAF.T. 29819-1 Istanbul‬‬
‫‪482‬‬

‫ي خلفاءه‬ ‫دا أن يمنع خالدٌ البغداد ّ‬ ‫ب جِ ّ‬‫لذا ُيستغَر ُ‬


‫من الكثار من بناء التكايا وهو في آخر لحظاته‬
‫ه‬
‫ض ِ‬
‫عاُر ِ‬
‫ه هذا‪ ،‬ل ِت َ َ‬
‫م ُ‬
‫ب كل ُ‬‫من هذه الدنيا‪ .‬نعم ُيسَتغَر ُ‬
‫مع المقصود الذي يسعى النقشبندّيون من وراء‬
‫تحقيقه سعًيا حثيًثا‪ .‬وقد أعرب عن هذه الغاية‬
‫ن‬
‫ي بقوله‪« :‬ل ّ‬ ‫مد بن عبد الله الخان ّ‬ ‫ه مح ّ‬ ‫خليفت ُ ُ‬
‫هذه الطريقة هي الملمّية المناسبة لما يكون‬
‫ديقي‪ ،‬و الرجوع إلى البقاء‬ ‫عليه من الصحو الص ّ‬
‫ي‪ ،‬بدعوة الخلق وهدايتهم إلى‬ ‫م الحقيق ّ‬ ‫الت ّ‬
‫الحق برياستي الظاهر والباطن‪ ،‬وفتح القلع‬
‫‪562‬‬
‫والمواطن»‪.‬‬

‫ذا فما عسى هي الحكمة من هذه الوصية اّلتي‬ ‫إ ً‬


‫ل على التراجع والنسحاب من ميدان‬ ‫تد ّ‬
‫ي شعر بالندامة‬ ‫ن البغداد ّ‬
‫الدعوة؟! هل تعني أ ّ‬
‫في لحظاته الخيرة من حياته‪ ،‬و ثاب إليه رشده‬
‫كد من خطر ما اقترف على السلم وما‬ ‫فتأ ّ‬
‫شارك في تدمير أركانه بنشر طقوس البرهمية‬
‫وتعاليم اليوغية اّلتي جاء بها من الهند‪ ،‬ونفخها‬
‫في عقول اللف من البسطاء اّلذين كانوا‬
‫دون أنفسهم من المسلمين؛ أم في تلك‬ ‫يع ّ‬
‫الوصية الغريبة أسرار أخرى تعجز عن دركها‬
‫ك في أّنها سوف ُتفشى على‬ ‫عقولنا اليوم! ل ش ّ‬
‫رؤوس الشهاد يوم التلق‪.‬‬

‫***‬
‫ومن التنازع والتضارب اّلذي وقع بين أقوال‬
‫النقشبندّيين وأفعالهم‪ :‬أنهم على الرغم من‬
‫ن‬‫ت أثناء الذكر‪ ،‬فا ّ‬ ‫الخشوع والصم َ‬ ‫َ‬ ‫اشتراطهم‬
‫ن فجأةً من‬ ‫طو َ‬‫كثيًرا من مريديهم ودراويشهم ي َن ِ ّ‬
‫ف أبداُنهم‪ ،‬وتتصاعد من‬ ‫ج ُ‬ ‫مقاعدهم‪ ،‬وت َْر ُ‬
‫ر‬
‫خي ٍ‬
‫ش ِ‬ ‫ة‪ ،‬تختلف بين َ‬ ‫ع ٌ‬‫ش َ‬‫ة بَ ِ‬‫ت غريب ٌ‬ ‫حناجرهم أصوا ٌ‬
‫ق‬
‫ق وُنعا ٍ‬‫هي ٍ‬ ‫ل ون َ ِ‬ ‫هي ٍ‬‫ص ِ‬‫ءو َ‬ ‫وا ٍ‬‫ع َ‬
‫رو ُ‬ ‫وا ٍ‬
‫خ َ‬
‫رو ُ‬
‫وَزِئي ٍ‬
‫لمزيد من المعرفة حول تحليل هذه المقولة راجع الموضوع عن طريق الهامش رقم‪.457/‬‬ ‫‪562‬‬
‫‪483‬‬

‫وغيرها حّتى وهم يصّلون‪ .‬بينما يسكت عن هذا‬


‫ددون‬‫ط ويتغاضى عنه شيوخهم‪ ،‬مع أنهم يش ّ‬ ‫غ ِ‬‫الل ّ َ‬
‫على لزوم الصمت والهدوء في جميع الحوال‪،‬‬
‫ن‬
‫كد على ذلك ما جاء في آدابهم من أ ّ‬‫كما يؤ ّ‬
‫ي أولى وأفضل من الذكر باللسان‪.‬‬ ‫الذكر القلب ّ‬
‫ي‬‫ن أحمد الفاروق ّ‬ ‫ة لهم‪ :‬أ ّ‬ ‫كذلك جاء في موسوع ٍ‬
‫ي»‪ ،‬ورد فيه أّنه‬ ‫ظمونه بعنوان «الرّبان ّ‬ ‫اّلذي يع ّ‬
‫«كان صامًتا في غالب أوقاته مع جلسائه‪ ،‬و لم‬
‫غتاب في مجلسه‪ ،‬و ل‬ ‫يكن أحد من المسلمين ي ُ ْ‬
‫د‪ .‬وتلميذه كانوا‬ ‫ب فيها لح ٍ‬ ‫ي ُذْك َُر من عي ٍ‬
‫ة من الخشوع والدب‪.‬‬ ‫يجلسون عنده في غاي ٍ‬
‫كن والهدوء‬ ‫وكان هو في منتهى الدرجة من التم ّ‬
‫ن جعلهم‬ ‫إلى حدّ من التأثير على تلميذه‪ ،‬أ ْ‬
‫يمتازون بالسكينة؛ على الرغم من حلمه‬
‫ضا شيء من الوجد‬ ‫المتـزايد؛ كما لم يصدر منه أي ً‬
‫ت‬‫ه بصو ٍ‬ ‫و ٍ‬‫والصراخ؛ و ل حّتى أثٌر من تأ ّ‬
‫‪563‬‬
‫ُيسمع»‪.‬‬

‫ة منهم‬ ‫صة فرق ٌ‬


‫تتمّيز بتلك الحالت الغريبة خا ّ ً‬
‫في جنوب شرق تركيا‪ .‬لهم مقّر بقرب مدينة‬
‫آديامان‪ .‬قيل اعتذر شيخهم مراًرا عما تصدر من‬
‫مريديه من حالت الضطراب أثناء صلة الجماعة‬
‫والحفلت والطقوس‪ .‬وزعم أنها حالت تعرض‬
‫لهم دونما اختيار منهم‪ .‬ولكن الحقيقة غير ذلك‪.‬‬
‫ن هناك جماعة مدسوسة بينهم من‬ ‫فالواقع‪ ،‬أ ّ‬
‫رجال المخابرات‪ ،‬هم مكّلفون بأعمال الدعاية‬
‫د‪،‬‬‫ج ُ‬
‫مُتهم التوا ُ‬‫لهذا الشيخ‪ .‬ومنهم عدد‪ ،‬مه ّ‬
‫والتباكي‪ ،‬والتظاهر بتلك الصوات الغريبة‬
‫ذج من الزائرين‪ ،‬وإثارة‬ ‫لتهييج الرعاع الس ّ‬
‫ما‬
‫ن لهذا الشيخ تأثيًرا عظي ً‬ ‫الشوق فيهم‪ ،‬على أ ّ‬
‫في قلوب الناس‪ ،‬والشيخ متواطئ في الحقيقة‬
‫معهم‪.‬‬

‫من‪İslâm Alimleri Ansiklopedisi 15/341:‬‬ ‫عّربناه من الّلغة التركّية من ترجمة أحمد الفاروق ّ‬
‫ي بعد القتباس‬ ‫‪563‬‬
‫‪484‬‬

‫كد من هذه الحيلة‪ ،‬فليس فيه شيء من‬ ‫ما التأ ّ‬


‫وأ ّ‬
‫ن‬
‫الصعوبة على الباحث اللبق المتفتح‪ .‬ذلك أ ّ‬‫ّ‬
‫صة‪ ،‬يمتازون عن‬ ‫اّلذين يحتفون بهذا الشيخ خا ّ‬
‫بقّية طبقات الناس في تركيا بعقليتهم‬
‫ي‬‫ي والثقاف ّ‬ ‫البسيطة‪ ،‬ويعانون من الفقر العلم ّ‬
‫ن غالبهم من أهل الريف‪ ،‬ومن الطبقة‬ ‫ل ّ‬
‫كان الكواخ‬ ‫ة من س ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ع َ‬‫المتواضعة المستض َ‬
‫ما الرجال المدسوسون في‬ ‫بأطراف المدن‪ .‬أ ّ‬
‫ة‪ ،‬اّلذين‬ ‫ت دعائي ٍ‬ ‫صفوفهم‪ ،‬المكّلفون بنشاطا ٍ‬
‫يقوم عددٌ منهم بإثارة المشاعر‪ ،‬واجتذابها بتلك‬
‫قفون‪ .‬منهم عدد من‬ ‫الصوات الغريبة‪ ،‬كلهم مث ّ‬
‫صصين في‬ ‫الضباط المتقاعدين المتخ ّ‬
‫استراتيجية التوجيه والثارة والتكييف لتسهيل‬
‫ظفين‬ ‫ضا عدد من المو ّ‬ ‫الستغلل‪ ،‬وفيهم أي ً‬
‫المدنّيين وعدد من المهنّيين‪.‬‬
‫***‬
‫ومن تلفيقات النقشبندّيين‪ ،‬ما وقع بين أقوالهم‬
‫وَردَ أيضا ً‬ ‫و أفعالهم من خلف وتعارض وتناقض‪َ :‬‬
‫ن‬
‫فا‪ ،‬أ ّ‬ ‫في نفس الموسوعة اّلتي مّر ذكرها آن ً‬
‫ي أخطر أصحاَبه بأّنه غير‬ ‫كار ّ‬ ‫الشيخ طه اله ّ‬
‫موافق على عمل البناء فوق القبور‪ .‬ونهاهم‬
‫ي بناء فوق مرقده إذا‬ ‫عن القدام على إقامة أ ّ‬
‫مات‪ 564.‬ومع هذا نجد الكثيرين منهم يتسابقون‬
‫في إقامة البنية على ضرائح شيوخهم‪ .‬وعلى‬
‫ة على‬ ‫م ٌ‬ ‫خ َ‬ ‫ف ْ‬‫ة َ‬ ‫لق ٌ‬‫م َ‬‫ع ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫قب ّ ٌ‬ ‫ت ُ‬ ‫سبيل المثال فقد ُبني ْ‬
‫ي بمدينة بدليس‪ ،‬وذلك‬ ‫فَرو ّ‬ ‫مد الك ُ ْ‬ ‫قبر الشيخ مح ّ‬
‫ي خليفة‬ ‫فَرو ّ‬ ‫ي‪ .‬والك ُ ْ‬ ‫تحت إشراف مهندس إيطال ِ ّ‬
‫ي اّلذي نهى عن البناء على‬ ‫كار ّ‬ ‫الشيخ طه اله ّ‬
‫ة فوق ضريح‬ ‫ة عظيم ٌ‬ ‫القبور‪ .‬كذلك ُبنيت قب ٌ‬
‫مد الحزين الحسني الهاشمي بقرية‬ ‫الشيخ مح ّ‬
‫فرساف‪ ،‬من ضواحي مدينة سعرد‪ .‬وهو قريب‬ ‫ُ‬
‫الشيخ طه الهكاري في النسب وقرينه في‬
‫المصدر السابق‪.18/253 ،‬‬ ‫‪564‬‬
‫‪485‬‬

‫المشرب؛ وقبة على قبر نجله الشيخ فخر الدين‬


‫في قرية أربنة بالمنطقة نفسها‪ .‬وث َ ّ‬
‫م قبور‬
‫أخرى لمشائخ النقشبندّية في مناطق مختلفة‬
‫من البلد‪ ،‬مبنية ومزخرفة‪ ،‬يتوافد عليها جموع‬
‫من الزائرين باستمرار‪.‬‬

‫ومن تلفيقات شيوخ النقشبندّية‪ ،‬أنهم ينصحون‬


‫فة‬‫أتباعهم دائما ً بمراعاة جانب التواضع والع ّ‬
‫والّلين والتذّلل‪ ،‬وهم في عكس ذلك من الّبهة‪،‬‬
‫ل على حبهم‬ ‫والكثار من الخدم والحشم؛ مما يد ّ‬
‫كد على ذلك ما جاء في‬ ‫للشهرة والرياسة؛ ويؤ ّ‬
‫و والفراط في تعظيم‬ ‫كتبهم من المبالغة والغل ّ‬
‫ن بشاعة الحيلة في تلك‬ ‫سلف؛ ولك ّ‬‫الخلف لل ّ‬
‫العبارات تظهر بثبوت تواطؤهم عليها‬

‫مد بن سليمان‬ ‫وكمثال على ذلك‪ :‬يسترسل مح ّ‬


‫ي(‪،‬‬ ‫ي في مدح شيخه )خالد البغداد ّ‬ ‫البغداد ّ‬
‫م‬‫عل َ ُ‬
‫لمة‪ ،‬وال َ‬ ‫فيقول‪« :‬هو )‪ (...‬العالم الع ّ‬
‫مة المنطوق والمفهوم‪ ،‬ذو اليد‬ ‫هامة‪ ،‬مالك أز ّ‬ ‫الف ّ‬
‫ه‬
‫و وفق ٍ‬ ‫ف ونح ٍ‬ ‫الطولى في العلوم‪ ،‬من صـر ٍ‬
‫ع‬
‫ة وبدي ٍ‬ ‫ة وبلغ ٍ‬ ‫ض ومناظـر ٍ‬ ‫ق ووضع وعرو ٍ‬ ‫ومنط ٍ‬
‫ة‬
‫ب وهندس ٍ‬ ‫ل وحسا ٍ‬ ‫ة وكلم ٍ وأصو ٍ‬ ‫وحكم ٍ‬
‫‪565‬‬
‫وف‪»...‬‬ ‫ث وتص ّ‬ ‫ة وحدي ٍ‬‫ب وهيئ ٍ‬‫واصطـرل ٍ‬
‫ي لم يتعّرف‬ ‫ن محمدا بن سليمان البغداد َّ‬ ‫يبدو أ ّ‬
‫ب‬‫م العلوم ِ العقلّية من ط ّ‬ ‫ء أه ّ‬‫بعدُ على أسما ِ‬
‫ء‬
‫ة وفيزيا ٍ‬ ‫خ وجغرافي ٍ‬
‫ع وتاري ٍ‬‫واقتصاٍد واجتما ٍ‬
‫مها إلى ما‬ ‫ء وغيرها من الساسيات‪ ،‬ليض ّ‬ ‫وكيميا ٍ‬
‫ذكر من العلوم التمهيدية‪ ،‬أو لم يفطن أصل ً إلى‬
‫ن الساسّيات هي من أشرف العلوم؛ فرآها مما‬ ‫أ ّ‬
‫ط من شأن زعيمه‪ ،‬فاكتفى بما هو مقبول‬ ‫تح ّ‬
‫في مظنة أهل عصره‪ ،‬ذلك مبلغه من العلم!‬

‫ي‪ ،‬الحديقة الندّية في الطريقة النقشبندّية ص‪ .42 /‬مكتبة الحقيقة‪ ،‬إسطنبول‪-‬‬


‫مد بن سليمان البغداد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪565‬‬
‫‪.1992‬‬
‫‪486‬‬

‫يواصل المؤلف امتداحه لشيخه في مواطن‬


‫عديدة من حديقته‪ ،‬فيقول في مقطع أخر‪:‬‬

‫ققت‬ ‫شره شيخه ببشارات كشفية قد تح ّ‬ ‫«ب ّ‬


‫ل إنسان العين من‬ ‫ل منه مح ّ‬ ‫بالعيان‪ ،‬وح ّ‬
‫النسان‪ ،‬مع كثرة تصاغره بالخدم وكسره‬
‫لدواعي النفس بالرياضات الشاقة وتكليفها‬
‫ة حّتى صار‬ ‫سن َ ُ‬
‫خطط العدم؛ فلم تكتمل عليه ال ّ‬
‫م‪ ،‬والله يؤتي فضله من يشاء‬ ‫ل العل َ‬‫الفردَ الكام َ‬
‫والله ذو الفضل العظم‪ (...) ،‬وشهد له شيخه‬
‫عند أصحابه‪ ،‬وفي مكاتيبه المرسولة إليه بخطه‬
‫المبارك بالوصول إلى كمال الولية وإتمام‬
‫السلوك العادي مع الرسوخ والدراية‪ ،‬والفناء‬
‫‪566‬‬
‫مين المعروفين عند الولياء‪»...‬‬ ‫والبقاء الت ّ‬
‫ل وضوح‬‫نعم لقد تظهر الحيلة أمام عيوننا بك ّ‬
‫على أنهما متواطئان ومشاركان في صياغة هذه‬
‫مد‬
‫العبارات بالدليل القاطع من خلل كلمات مح ّ‬
‫دمة كتابه البهجة‬
‫ي في مق ّ‬‫بن عبد الله الخان ّ‬
‫السنّية‪ ،‬وهذه ألفاظه‪:‬‬

‫ف في بيان طريقتنا الخالدّية‬ ‫«وأحسن كتاب أ ُل ّ َ‬


‫النقشبندّية )‪ ،(...‬كتاب الحديقة الندّية اّلذي أّلفه‬
‫هامة‪ ،‬سيدي‬ ‫لمة والحبر البحر الف ّ‬ ‫العالم الع ّ‬
‫ي الخالدي‬‫مد بن سليمان البغداد ّ‬ ‫الشيخ مح ّ‬
‫ي‪ .‬لنه أّلفه في حياة جناب حضرة‬ ‫النقشبند ّ‬
‫سيدنا ومولنا قطب العارفين‪ ،‬وغوث الواصلين‪،‬‬
‫أبي البهاء‪ ،‬ضياء الحق والحقيقة والدين‪ ،‬شيخنا‬
‫ددي )‪(...‬؛‬‫ي المج ّ‬‫ومرشدنا الشيخ خالد النقشبند ّ‬
‫حّتى إّنه مرة سألني‪:‬‬

‫ـ ما تقرأ للمريدين؟‬

‫المصدر السابق ص‪.54 ،53 /‬‬ ‫‪566‬‬


‫‪487‬‬

‫فقلت‪ :‬كتاب الحديقة الندّية‪.‬‬


‫فقال‪ :‬هل هي فصيحة العبارة؟‬
‫فقلت‪ :‬ل يكون في الدنيا أفصح منها‪.‬‬
‫فقال‪ :‬كّلها من عبارتي‪.‬‬

‫مد‬
‫فتحقّق عندي أّنه يجمع العبارات‪ ،‬والشيخ مح ّ‬
‫‪567‬‬
‫بن سليمان يرقمها ويعزوها لنفسه»‪.‬‬

‫ومن تلفيقات النقشبندّيين‪ ،‬كلمات لمحمد بن‬


‫ضا‪ ،‬يقول فيها‪« :‬وبلغنا أن‬ ‫ي أي ً‬ ‫سليمان البغداد ّ‬
‫ي رضي الله عنه‪ ،‬كان يجالس‬ ‫المام الشافع ّ‬
‫الصوفّية كثيًرا؛ ويقول يحتاج الفقيه إلى معرفة‬
‫اصطلح الصوفّية‪ ،‬ليفيدوه من العلم ما لم يكن‬
‫عنده‪ 568».‬بينما جاء في تلبيس إبليس لبي‬
‫الفرج عبد الرحمن بن الجوزي عكس ما ورد في‬
‫فا‪ .‬فيقول ابن الجوزي‪:‬‬ ‫العبارات المنقولة آن ً‬
‫ت‬‫«وبإسناد عن يونس بن عبد العلى‪ ،‬قال سمع ُ‬
‫ل النهار‪،‬‬ ‫و َ‬
‫فأ ّ‬ ‫و َ‬‫ن رجل ً تص ّ‬ ‫ي يقول‪« :‬لو أ ّ‬ ‫الشافع ّ‬
‫‪569‬‬
‫ضا‬‫وعنه أي ً‬ ‫ل يأتي الظهر حّتى يصير أحمق»‬
‫ما فعاد‬ ‫أّنه قال‪« :‬ما لزم أحد الصوفّية أربعين يو ً‬
‫ق‬
‫دهما صاد ٌ‬ ‫ن أح َ‬‫دأ‪ 570».‬فلبد وأ ّ‬ ‫عقله إليه أب ً‬
‫د منهما إلى‬ ‫ل واح ٍ‬‫بك ّ‬ ‫س َ‬ ‫ب فيما ن َ َ‬ ‫والخَر كاذ ٌ‬
‫ن‬
‫فا‪ .‬ولك ّ‬ ‫ظ نقلناها آن ً‬ ‫المام الشافعي من ألفا ٍ‬
‫ي عام ‪ 597‬من الهجرة‪ ،‬هو‬ ‫ف َ‬ ‫و ّ‬‫ي اّلذي ت ُ ُ‬ ‫ن الجوز ّ‬‫اب َ‬
‫في‬ ‫ي اّلذي تو ّ‬ ‫مد بن سليمان البغداد ّ‬ ‫أقدم من مح ّ‬
‫سنة ‪1234‬هـ‪ .‬و بالتالي هو أقرب إلى الصواب في‬
‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية ص‪.3 /‬‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪567‬‬

‫ي‪ ،‬الحديقة الندّية في الطريقة النقشبندّية ص‪ .23 /‬مكتبة الحقيقة‪ ،‬إسطنبول‪-‬‬


‫مد بن سليمان البغداد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪568‬‬
‫‪.1992‬‬

‫ن‬
‫ض التراك للشافعيين‪ ،‬ناشيء من قول الشافعي هذا‪ .‬وهناك سبب آخر لهذه الكراهية‪ :‬وهو أ ّ‬
‫غ ُ‬ ‫لع ّ‬
‫ل بُ ْ‬ ‫‪569‬‬
‫غالب الشافعيين في تركيا هم عناصر كردية وعربية؛ أما التراك‪ ،‬فانهم يستوحشون من غير بني جلدتهم‪.‬‬

‫دونهم من النجاس! هذا على الرغم‬


‫وكذلك الفغانيون المتعصبون لمذهب أبي حنيفة‪ ،‬يستقذرون الشافعية ويع ّ‬
‫ن غالب سكان تركيا وأفغانستان ـ سواء الشافعية منهم والحناف ـ ينتمون إلى طرق صوفية؛ بل‬
‫من أ ّ‬
‫وأكثرهم نقشبنديون! وما أدل هذا الفوضى على جهل العجام اّلذين لم يتذوقوا حلوة اليمان‪ ،‬ول أصابوا بح ّ‬
‫ظ‬

‫من الذوق السليم والحساس بجمال السلم وعظمته وفهم حقائقه من قديم الزمان‪.‬‬

‫* أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي‪ ،‬تلبيس إبليس ص‪ .371 /‬مكتبة الشرق الجديد‪ ،‬بغداد بل تاريخ‪.‬‬ ‫‪570‬‬
‫‪488‬‬

‫ف به بين‬
‫دعواه ‪،‬باعتبار أّنه عالم معت َب ٌَر ومعتَر ٌ‬
‫سائر علماء السلم منذ عهده إلى اليوم‪ .‬وهناك‬
‫ف ما وقع‬ ‫ع ُ‬
‫ضا ِ‬
‫تلفيقات أخرى مرتبطة بهذا‪ ،‬ت ُ َ‬
‫ض مع أنفسهم‪،‬‬ ‫فيه النقشبندّيون من التعار ِ‬
‫ت به أقدامهم‪ .‬ذلك‬ ‫د اّلذي ان َْزل َ َ‬
‫ق ْ‬ ‫ك الشدي ِ‬ ‫والرتبا ِ‬
‫ظمون أبا الفرج‪ ،‬ويعترفون بفضله‪ .‬ول‬ ‫أّنهم يع ّ‬
‫ن يرميه أحدهم بالكذب‪ .‬والدليل على‬ ‫قع أ ْ‬ ‫و ّ‬
‫ي ُت َ َ‬
‫ذلك ترجمته الواردة في موسوعة النقشبندّيين‪.‬‬
‫فقد أطنب الكاتب في عدّ فضائله؛ ونقل عنه أّنه‬
‫ط بيمينه أسفاًرا يبلغ عددها ألفين؛ وأنه أسلم‬ ‫خ ّ‬
‫على يده من اليهود والنصارى أكثر من عشرين‬
‫‪571‬‬
‫ألف شخص‪.‬‬

‫ولهذا فان النقشبندّيين اّلذين يوافقون محم ً‬


‫دا‬
‫ي‪ ،‬كلهم مسئولون عما قد‬ ‫بن سليمان البغداد ّ‬
‫ب إلى الشافعي من تلك اللفاظ المنقولة‬ ‫س َ‬ ‫نَ َ‬
‫في كتابه الحديقة الندّية؛ وكذلك مسئولون عن‬
‫إثبات الصحة لهذا السناد حّتى يتمّيز الصادق من‬
‫الكاذب؛ وإل ّ وقعوا معه موقع المشارك فيما‬
‫ذبونه‬‫قال‪ .‬وأما اّلذين ل يوافقونه فإّنهم يك ّ‬
‫ما‪ ،‬ويكون موقفهم في مقام العلن بتكذيب‬ ‫حك ً‬
‫شيخ من كبار الروحانيين في الطريقة اّلتي‬
‫ذبون‬ ‫يشملهم النتساب إليها معه‪ ،‬وبالتالي يك ّ‬
‫أنفسهم في الوقت ذاته‪ .‬وهذا تلفيق شنيع‬
‫ش منه العقول!‬ ‫ه ُ‬ ‫ت َدْ َ‬
‫***‬
‫ي‬‫ة قالها أحمد الفاروق ّ‬ ‫ومن تلفيقاتهم؛ كلم ٌ‬
‫ة‬
‫ة وحد ِ‬ ‫تحديًثا عن رأيه وعقيدته في مسأل ِ‬
‫ء‪ ،‬بل‬ ‫ه تعالى في الشيا ِ‬ ‫م وجدت ُ ُ‬ ‫الوجوِد‪ .‬قال‪« :‬ث ّ‬
‫ه عين‬ ‫ت الل َ‬‫في نفسي»؛ بعد أن قال «وجد ُ‬
‫‪572‬‬
‫ء»‬
‫الشيا ِ‬

‫‪İslâm Alimleri Ansiklopedisi 6/180‬‬ ‫‪571‬‬

‫راجع الهامش‪.428 ،210/‬‬ ‫‪572‬‬


‫‪489‬‬

‫ة «تعالى» الواردة في عبارته على‬ ‫ن كلم َ‬ ‫فإ ّ‬


‫ن‬
‫سبيل التنـزيه لله‪ ،‬تتعارض مع ما يعتقده بأ ّ‬
‫ن‬
‫ن الله سبحانه إذا كان عي َ‬ ‫ء‪ .‬ل ّ‬‫ل شي ٍ‬ ‫نك ّ‬ ‫الله عي ُ‬
‫ي‪ ،‬فليس «ك ّ‬
‫ل‬ ‫ء في اعتقاد الفاروق ّ‬ ‫ل شي ٍ‬ ‫ك ّ‬
‫ه من النواقص‪ .‬إذ يشتم ُ‬
‫ل‬ ‫ق التنـزي َ‬‫ء» يستح ّ‬ ‫شي ٍ‬
‫ء» على الشريف والخسيس؛‬ ‫ل شي ٍ‬ ‫تعبير «ك ّ‬
‫ر‬
‫ب والخنـزي ِ‬‫وعلى الطاهر والنجس‪ ،‬وعلى الكل ِ‬
‫ما؛ وبالتالي تكون القذاُر والنجاسات‬ ‫اشتمال ً عا ّ‬
‫ب والوحوش بتمامها من‬ ‫والقمامة وحّتى الكل ُ‬
‫ء»‪.‬‬‫ل شي ٍ‬ ‫جملة «ك ّ‬

‫ي‬
‫إذن فما عسى الحكمة من استعمال الفاروق ّ‬
‫كلمة «تعالى» إذا كان قد أراد بها أن ينـّزه الله‬
‫عن النواقص فيمّيزه عن سائر خلقه بهذه‬
‫فقة؟!‬ ‫الصيغة المل ّ‬

‫ومن التعارض اّلذي يتخّبط فيه النقشبندّيون‪،‬‬


‫مناقشُتهم حول جواز أكل اللّحم‪.‬‬

‫ة‬
‫ي عبار ٌ‬
‫لقد وردت في إحدى رسائل خالد البغداد ّ‬
‫ة على سبيل النكار يردّ بها على من‬ ‫استفهامي ٌ‬
‫ة أكل اللّحم‪.‬‬
‫هم حرم َ‬
‫يعتقد أو يتو ّ‬
‫ي فيها بالّلغة الفارسّية‪:‬‬
‫يقول البغداد ّ‬
‫«آيا كدام كتاب ديده اند كه پيغمبر خدا ‪‬‬
‫كوشت نخورده‪ ،‬و يا أز خوردنش نهي فرموده‬
‫‪573‬‬
‫باشند؟!»‬
‫ومعناه بالعربّية‪:‬‬

‫ن الرسول ‪ ‬لم‬
‫«ويحك! في أي كتاب شاهدوا أ ّ‬
‫يأكل الّلحم‪ ،‬أو نهى عن أكله؟!»‬

‫عبد الكريم البياري المدّرس‪ ,‬منشورات المجمع العلمي الكرماني ‪ -‬تذكار الرجال ‪ -‬الجزء الول ص‪.26/‬‬ ‫‪573‬‬
‫)الصورة المستنسخة من قبل مكتبة الحقيقة‪ ،‬والمطبوعة مع رسالة المجد التالد ومكاتيب شريفة ضمن مجلد‬

‫واحد(‪ .‬إسطنبول‪1992-‬م‪.‬‬
‫‪490‬‬

‫ي‬
‫قد يتراءى للقارئ في هذا الستنكار الحماس ّ‬
‫ف يحّرم ما قد أحّله الله‪.‬‬ ‫دا يردّ على متطّر ٍ‬‫ن خال ً‬‫أ ّ‬
‫ة في هذا الحوار‪ .‬إذ قد‬ ‫ة غامض ٌ‬‫ولكن الحقيق َ‬
‫يكون خالدٌ يستعمل لباقَته في مثل هذه العبارة‬
‫ن من آثار‬ ‫ك حول ما تتناقله الل ّ ُ‬
‫س ُ‬ ‫كو َ‬‫ل الش ُ‬
‫لُيزي َ‬
‫الديانة البوذّية في سلوك بعض الروحانيين‬
‫السابقين من شيوخ النقشبندّية مثل كراهية‬
‫أكل الّلحم وغيرها‪.‬‬

‫ومن أشد نماذج الخلف والتعارض بين أقوال‬


‫النقشبندّيين و أفعالهم‪ :‬أّنهم في الوقت اّلذي‬
‫ذرون منها‬ ‫يتبرءون من البدع ويستبشعونها ويح ّ‬
‫حّتى أحياًنا بدون مناسبة؛ تراهم يتعّبدون‬
‫صل َ ٍ‬
‫ة‪،‬‬ ‫ت إلى السلم بأدنى ِ‬ ‫بأشكال غريبة ل تم ّ‬
‫ع‬
‫كما سبق شرحها بالتفصيل‪ .‬ومع هذا يأتون ببد ٍ‬
‫أخرى غريبة‪ ،‬بحيث يختلفون فيها حّتى مع‬
‫بعضهم البعض‪.‬‬

‫ة من هذه النحلة بمدينة سعرد‪ ،‬إذا‬ ‫ن طائف ً‬ ‫منها أ ّ‬


‫شيخ من شيوخهم ضربوا على الدفوف‬ ‫ٌ‬ ‫مات‬
‫ه أثناء التشييع من المصّلى إلى‬ ‫جَناَزت ِ ِ‬‫أمام ِ‬
‫ن أقيمت هذه الحفلة أثناء‬‫ُ‬
‫م ْ‬
‫خُر َ‬
‫ة‪ .‬وآ ِ‬ ‫المقبر ِ‬
‫مد موسى الكاظم‬ ‫تشييع جنازته‪ ،‬الشيخ مح ّ‬
‫مد الحزين‬ ‫الحزيني‪ .‬وهو من أحفاد الشيخ مح ّ‬
‫‪574‬‬
‫فرسافي الهاشمي‬ ‫ال ُ‬

‫رثاه الشيخ زكي أوران وهو شخص من مريديه بهذه الكلمات‪:‬‬ ‫‪574‬‬
‫مد كاظم من فضله‬
‫زر ذا المقام ففيه شــيخ كامل من في الكروب لنا عليه معول * نجل الحزين الشيخ مح ّ‬
‫في الناس ليس يجـهل‬

‫ســلن به فالتوسـل عند ربه يقـبـل * يا ربنا غمـده منك برحمـة واجعـل له الجنـات فيها‬
‫دبن بحضـوره وتو ّ‬
‫وتأ ّ‬
‫يرفل‬

‫فلنعـمـما قد جاء في تاريخ قبـته الشـريفة إذ نزان فتكمل * واجعل مكـانه ربنا الفردوس في دار البقاء‬

‫يأوي إليه ويجـزل‪.‬‬


‫‪491‬‬

‫ن البقّية من شيوخ هذه الطريقة ل‬ ‫والغريب‪ ،‬أ ّ‬


‫يوافقونهم على هذه البدعة‪ .‬بل الغالب من‬
‫ما‪ ،‬ول علم لهم بهذه العادة‪،‬‬ ‫أولئك يجهلونها تما ً‬
‫ي‪،‬‬
‫ء مستواهم الجتماع ّ‬ ‫م وسو ِ‬ ‫ه ْ‬‫م وانعزال ِ ِ‬‫ه ْ‬
‫لخمول ِ ِ‬
‫وقّلة اهتمامهم بما يجري حّتى في بعض‬
‫ن شيوخ التراك‬ ‫المناطق من بلدهم‪ .‬و لو أ ّ‬
‫النقشبندّيين‪ ،‬بلغهم خبر هذه البدعة لربما‬
‫ل على‬ ‫ضا يد ّ‬
‫اّتهموهم بالكفر والزندقة‪ .‬وهذا أي ً‬
‫ة البعيدة بين جماعات النقشبندّيين‪ ،‬وعلى‬ ‫ق ِ‬‫ش ّ‬
‫ال ّ‬
‫مدى التعارض والتناقض بين عاداتهم‬
‫قداتهم‪.‬‬ ‫واّتجاهاتهم و معت َ‬

‫ة‬
‫ن هذه البدعة تبرهن في حدّ ذاتها على مخالف ٍ‬ ‫إ ّ‬
‫أخرى يقترفونها ضمنّيا‪ .‬وذلك لبدّ أّنهم‬
‫يعتقدون بفضل الشيخ على سائر الناس‪ ،‬وأّنه‬
‫ما بالغيب؛ فيرونه مستح ّ‬
‫قا‬ ‫أكرمهم عند الله رج ً‬
‫للتعظيم بشكل مخصوص حّتى بعد موته‪ .‬وهو‬
‫صة للتشييع‪ ،‬والضرب‬ ‫القيام بإجراء الحفلة الخا ّ‬
‫ن‬‫على الدفوف من المصّلى إلى المقبرة‪ .‬فا ّ‬
‫مهم لشيوخهم‬ ‫توقيَر جموع المريدين وتعظي َ‬
‫ة‬
‫ة قطعي ً‬ ‫ل دلل ً‬ ‫ة دون غيره‪ ،‬يد ّ‬ ‫ص ً‬
‫بهذه الصورة خا ّ‬
‫على هذا العتقاد اّلذي ي ُْنبئ عن دعوى بعضهم‬
‫ن لم يفصح‬ ‫أّنه يعلم من هو أكرم عند الله‪ ،‬وإ ْ‬
‫ل قد‬
‫عن هذه الحقيقة احتراًزا من ردّ فع ٍ‬
‫يصطدم به‪.‬‬

‫كذلك ثمة بدعة أخرى يمارسها النقشبندّيون‬


‫الكراد في المنطقة الشرقية‪ ،‬بينما يجهلها‬
‫النقشبندّيون التراك‪ .‬إذ ل يمكن أن يسكتوا‬
‫ن شيوخ‬ ‫عهم‪ .‬أل وهى أ ّ‬‫عنها لو قرع خبُرها سم َ‬
‫النقشبندّية في المنطقة الكردّية يستعملون‬
‫الدخان داخل المساجد على غرار الرافضة‬
‫ة‬
‫اليرانّيين؛ وربما بتأثير الجوار‪ .‬هذه العاد ُ‬
‫من ْك ََرةُ كانت منتشرةً في القرى دون المدن‬ ‫ال ْ ُ‬
‫‪492‬‬

‫ن الرقابة كانت مقتصرة‬ ‫حّتى السنين الخيرة‪ .‬ل ّ‬


‫على المساجد في المدن‪ .‬وكان أهالي القرى‬
‫يخضعون لهيمنة شيوخ هذه الطائفة‪ .‬فلم يملك‬
‫هناك أحدٌ جرأة العتراض عليهم بحكم الظروف‪.‬‬
‫إل ّ أن البدعة المذكورة قد اختفت في معظم‬
‫أنحاء المنطقة بعد سهولة الرقابة عليها‪.‬‬

‫يتضح من خلل هذه المثلة اّلتي هي قطرة من‬


‫ن التلفيق والتعارض والتضارب اّلذي‬
‫بحر‪ ،‬أ ّ‬
‫تتمّرغ فيها الطائفة النقشبندّية ل حصر لها في‬
‫واقع المر‪.‬‬
‫***‬
‫ة النقشبندّيين فيما‬ ‫* أمثلة من معادا ِ‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫ض ِ‬
‫غ ِ‬‫م وت ََبا ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ضت ِ ِ‬‫ه َ‬‫مَنا َ‬‫بينهم‪ ،‬و ُ‬
‫هم البعض‪...‬‬ ‫ض ِ‬‫ع ِ‬‫ع بَ ْ‬ ‫وت َ ْ‬
‫شِني ِ‬
‫لقد وقع النـزاع والمنافرة بين كثير من شيوخ‬
‫هذه الطائفة قديما ً وحديًثا؛ فضل ً عما قد جرتْ‬
‫خريهم والمعاصرين منهم من مشاحنات‬ ‫بين متأ ّ‬
‫ف الّلسان عن نقلها‪ .‬وإّنما طرقنا‬ ‫ومشاتمات يع ّ‬
‫ة بهذه‬‫ح ِ‬
‫هذا الجانب من سلوكهم لعلقته المل ّ‬
‫الدراسة من باب التكملة‪ ،‬وليكون عبرة لولي‬
‫ة‬
‫ة‪ ،‬على أن الصور َ‬ ‫ن قاطع ً‬
‫ت براهي َ‬
‫اللباب‪ .‬فغد ْ‬
‫ف‬
‫ة لغالب مشائخ هذه النحلة تتوارى خل َ‬ ‫الحقيقي َ‬
‫ة‬
‫ة‪ ،‬نوراني ً‬‫س لطيف ً‬ ‫ة‪ ،‬تظهُر للنا ِ‬
‫ة عابر ٍ‬ ‫صور ٍ‬
‫ما‪.‬‬
‫ة على خلف الواقع تما ً‬ ‫مشرق ً‬‫ُ‬
‫م على المعترضين‬ ‫ه ْ‬
‫م وهجمات ُ ُ‬ ‫ه ْ‬‫كذلك استفزازات ُ ُ‬
‫ن ينصحهم أو‬ ‫م ْ‬ ‫ر» على ك ّ‬
‫ل َ‬ ‫من ْك ِ ِ‬
‫بإطلق صفة «ال ُ‬
‫م على‬
‫ه ْ‬
‫ؤ ُ‬‫يحذُّر المسلمين من البدع؛ واعتدا ُ‬
‫ل على الحقد‬ ‫المعارضين بإحراق مؤّلفاتهم‪ ،‬تد ّ‬
‫اّلذي ُيضمرونه لمن ل يستسلم لهم‪.‬‬
‫‪493‬‬

‫ي ن ُب ْذَةٌ من‬‫ت في ترجمة خالد البغداد ّ‬ ‫لقد مرّ ْ‬


‫ي‬
‫هاب السوس ّ‬ ‫صته مع زميله أو خليفته عبد الو ّ‬ ‫ق ّ‬
‫ب‪ ،‬مأذوًنا‬ ‫ي المشَر ِ‬ ‫اّلذي كان هو الخُر نقشبند ّ‬
‫ي‪ .‬ولكن ل ندري‬ ‫من غلم على عبد الله الدهلو ّ‬
‫ث‬
‫ي في ب ّ‬ ‫ما اّلذي جعله ينوب عن خالد البغداد ّ‬
‫ة ضارية انتهت‬ ‫ت بينهما معرك ٌ‬ ‫طريقته حّتى اندلع ْ‬
‫ر ال ْ ُ‬
‫حك ْم ِ على‬ ‫ي‪ ،‬وإصدا ِ‬ ‫خل السلطان العثمان ّ‬ ‫بتد ّ‬
‫ي بالقامة الجبرية في‬ ‫هاب السوس ّ‬ ‫عبد الو ّ‬
‫ّ‬
‫المدينة المنورة‪ .‬ولكن الذي يدل على مدى حقد‬
‫النقشبندّيين على بعضهم البعض في هذه‬
‫الحرب الشعواء‪ ،‬هو عاقبة تلك الرسالة اّلتي‬
‫ي‬
‫هاب السوس ّ‬ ‫ن عبد الو ّ‬ ‫يزعمها الخالدّيون أ ّ‬
‫دا بالشعوذة والكفر‬ ‫م فيها خال ً‬ ‫ه َ‬
‫كتبها وات ّ َ‬
‫والزندقة‪.‬‬

‫ي على‬ ‫سوس ّ‬‫ي لل ّ‬


‫ة البغداد ّ‬ ‫ذا لم تقتصر مناهض ُ‬ ‫إ ً‬
‫تلك الرسائل الثلثة اّلتي بعثها إلى مريديه‬
‫ذرهم فيها من مخالطته‪ .‬بل‬ ‫بإسطنبول‪ ،‬واّلتي ح ّ‬
‫د‬
‫ن تلك الهجمات بلغتْ من الشدة إلى ح ّ‬ ‫يبدو أ ّ‬
‫ي فيجعلوه‬‫ت الخالدّيين ليسحقوا بالسوس ّ‬ ‫دفع ْ‬
‫ما تذروه الرياح‪ .‬والله يعلم ماذا فعلوا به‬ ‫هشي ً‬
‫ة ملكوها‬ ‫مروا قبَره بفرص ٍ‬ ‫ل ما كتبه؛ ولربما د ّ‬ ‫وبك ّ‬
‫هابّيون! بينما قبُر‬ ‫مره الو ّ‬ ‫فور موته‪ ،‬قبل أن يد ّ‬
‫ي مشّيدةٌ «في سفح قاسيون»‬ ‫خالد البغداد ّ‬
‫بدمشق‪ ،‬يزوره كثير من النقشبندّيين‪.‬‬

‫ولكن اّلذي يجب أن نقوله في النهاية‪ :‬هو أّننا‬


‫لم نعثر حّتى على حرف واحد من رسالة عبد‬
‫ي‪ ،‬رغم ما بذْلنا من جهود بالغة‬‫هاب السوس ّ‬ ‫الو ّ‬
‫ة أكثر من خمسة أعوام نطارد ورائها‬ ‫طوال مد ٍ‬
‫ة إلى أخرى في بلدان‬ ‫ب من مكتب ٍ‬
‫ي دؤ ٍ‬‫بسع ٍ‬
‫ّ‬
‫الشرق الوسط‪ ،‬إل ّ السطور اليسيرة التي نقلها‬
‫‪494‬‬

‫ي‬
‫ابن عابدين ضمن رسالته «سل الحسام الهند ّ‬
‫‪575‬‬
‫ي»‬
‫لنصرة مولنا خالد النقشبند ّ‬
‫ة أسمها «عين الحقيقة‬ ‫كذلك عثرنا على رسال ٍ‬
‫ل توّلى الفتاءَ بمدينة‬ ‫في رابطة الطريقة» لرج ٍ‬
‫مد‬ ‫ي وهو مح ّ‬‫أدرنه في أواخر العهد العثمان ّ‬
‫فوزي ‪ -‬على ما يبدو من إقراره في الديباجة‪-‬؛‬
‫دى فيها للّرد‬ ‫كتبها بالّلغة التركّية العثمانّية‪ ،‬وتص ّ‬
‫ه‬
‫ن كتاب ِ ِ‬
‫مه‪ ،‬ول عنوا َ‬ ‫ص لم يذكر اس َ‬‫على شخ ٍ‬
‫اّلذي أصدره في الردّ على الّرابطة سوى ما نقل‬
‫ة‪.‬‬
‫منه المفتي سطوًرا يسير ً‬

‫هاب‬ ‫ل ما فعل النقشبندّيون بعبد الو ّ‬ ‫لع ّ‬


‫ضا‪ ،‬حّتى بقي‬ ‫ي‪ ،‬فعلوا بهذا الرجل أي ً‬ ‫السوس ّ‬
‫اسمه مجهول ً لم تصل إلينا أخباره‪ ،‬ول حّتى‬
‫ة واحدةٌ من كتابه‪ ،‬ول وقف أحدٌ على ما‬ ‫صفح ٌ‬
‫ة!‬‫ء عاقب ٍ‬‫قد تعّرض له من سو ِ‬
‫***‬
‫ة‪ ،‬نشبت‬‫فَروي ّ ُ‬‫كذلك السرتان الرواسّية والك ُ ْ‬
‫الفتنة بينهما في استغلل شهرة الشيخ طه‬
‫ي منذ أواسط القرن الماضي‪ ،‬ودامت‬ ‫كار ّ‬‫اله ّ‬
‫ت قصُتهما بالتفصيل‪.‬‬ ‫حّتى يومنا هذا؛ كما مّر ْ‬
‫اشتد الحقدُ والعداوةُ بينهما إلى حدود‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ولقد‬
‫ل منهما الخر بالكفر والزندقة‬ ‫كان يرمي ك ّ‬
‫والنفاق والدجل‪ .‬بينما كانت جماعات الكراد‬
‫ظمها وتصف‬ ‫ل من السرتين‪ ،‬تع ّ‬ ‫التابعة لك ّ‬
‫أفرادها بالعصمة من الذنوب‪ ،‬وأّنهم أولياء الله‬
‫وصفوة عباده‪ .‬فكم سمعنا بآذاننا من مريديهم‬
‫يقولون «لو وجدنا كأس الخمر بيد أحد من أولد‬
‫ل ذلك له‬ ‫مولنا الشيخ‪ ،‬لعتقدنا بأن الله قد أح ّ‬
‫صة‪ ،‬أو أحاله إلى ماء زمزم!»‬ ‫خا ّ‬

‫ي‪...‬ص‪.5 /‬‬
‫مد أمين عابدين‪ ،‬سل الحسام الهند ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪575‬‬
‫‪495‬‬

‫دها بين السرتين‬ ‫ةح ّ‬


‫لمّا بلغت الخصوم ُ‬
‫ل منهما‬ ‫ةك ّ‬‫ت بالتأثير إلى جماع ِ‬ ‫المذكورتين‪ ،‬تعدّ ْ‬
‫ت العداوةُ بين‬ ‫ت وسر ْ‬ ‫بحكم النتماء‪ .‬فتسلسل ْ‬
‫ت عبر الجيال‪ ،‬فكانت‬ ‫طبقات الناس واستمّر ْ‬
‫ل في بعض‬ ‫ش وقتا ٍ‬ ‫ور إلى نقا ٍ‬ ‫أحياًنا تتط ّ‬
‫ن من هذه‬ ‫المناطق‪ .‬و مما ُيدهش النسا َ‬
‫ة إذا علموا‬
‫فَروي ّ ِ‬ ‫ة الك ُ ْ‬
‫ن أتباع السر ِ‬ ‫الحداث‪ :‬أ ّ‬
‫بدخول شخص من مريدي السرة الرواسّية إلى‬
‫مسجد بمنطقتهم‪ ،‬وقد صّلى فيه ومضى؛ ـ إن‬
‫كنوا من منعه ـ أخرجوا جميع ما‬ ‫لم يكونوا قد تم ّ‬
‫فيه من البساط والسجادات‪ ،‬وغسلوها تطهيًرا‬
‫جست بدخوله!‬ ‫على أنها تن ّ‬
‫د من كبار السرة‬ ‫كما ل نعثر حّتى على اسم ٍ واح ٍ‬
‫ة في الموسوعة اّلتي أع ّ‬
‫دها‬ ‫فَروي ّ ِ‬ ‫الك ُ ْ‬
‫النقشبندّيون من جماعة الرواسيّين‪ ،‬بإشراف‬
‫عقيد متقاعد سبق ذكره أكثر من مرة للمناسبة‪.‬‬
‫ي‪ ،‬ولم‬
‫ف السلب ّ‬ ‫فوا منهم هذا الموق َ‬ ‫ق ُ‬
‫لم ي َ ِ‬
‫رهم إل ّ على سبيل النقمة‬ ‫هي ِ‬
‫ُيهملوا أسماءَ مشا ِ‬
‫منهم والزدراء بهم‪ ،‬على أّنهم ليسوا من أهل‬
‫الصفاء والعرفان و الرشاد إلى الطريقة‬
‫النقشبندّية‪.‬‬

‫ن‬
‫ومن نماذج التباغض بين النقشبندّيين‪ ،‬أ ّ‬
‫عهم من التاغّيين‬ ‫خ السرة الرواسّية وأتبا َ‬ ‫مشائ َ‬
‫صا من مريدي الشيخ‬ ‫ن شخ ً‬‫الكراد إذا علموا أ ّ‬
‫مد الحزين الهاشمي قد حضر ليشترك في‬ ‫مح ّ‬
‫حلقة الذكر معهم‪ ،‬رفضوه وأمروه بالخروج من‬
‫ن توبته غير‬ ‫جة أّنه غير طاهر‪ ،‬وأ ّ‬ ‫الحفلة بح ّ‬
‫مقبولة وبيعته غير صحيحة‪.‬‬

‫دا‬‫مد الحزين كان قد ألغى عد ً‬ ‫ن الشيخ مح ّ‬


‫ذلك أ ّ‬
‫من آداب النقشبندّية‪ .‬منها‪ ،‬عدّ ألفاظ الورد‬
‫دوا أورادهم‬ ‫ن يع ّ‬
‫بالحصى‪ .‬كان قد أجاز لمريديه أ ْ‬
‫دا‬
‫بالمسبحة ومن غير تحديد؛ وكذلك لم يأمر أح ً‬
‫‪496‬‬

‫ة منه إذا كان‬


‫ذ البيع ِ‬
‫صة عند أخ ِ‬
‫بالغتسال خا ّ‬
‫طاهًرا من الحدث الكبر والصغر بخلف مشائخ‬
‫الكراد؛ فحملهم ذلك على بغضه واحتقارهم‬
‫لمريديه؛ كما كان هو الخر ل يعترف بهم‪.‬‬

‫ل بمدينة‬ ‫ة رج ٌ‬ ‫هذا وقد ظهر منذ سنين قليل ٍ‬


‫َُ‬
‫ت(‪ ،‬واشتهر بين‬ ‫گو ْ‬ ‫ساكاريا اسمه )عمر ُأون ْ‬
‫ن في‬‫خ مأذو ٍ‬‫ة شي ٍ‬ ‫ة بصف ِ‬ ‫ة في تلك المنطق ِ‬ ‫جماع ٍ‬
‫ب‬
‫ن هجوم ٍ رهي ٍ‬ ‫الطريقة النقشبندّية‪ ،‬قام بش ّ‬
‫ة المشهورين‬ ‫على جميع شيوخ هذه الطائف ِ‬
‫اليوم في تركيا‪.‬‬

‫ة من الشباب‬ ‫ل هذا الرجل جماع ٌ‬ ‫ت حو َ‬‫ف ْ‬‫الت ّ‬


‫ة على أدمغتهم‬ ‫كن من الهيمن ِ‬ ‫العصبّيين فتم ّ‬
‫ل ما نطق به‪.‬‬ ‫وضمائرهم‪ ،‬فأكّبوا على كتابة ك ّ‬
‫ت‬
‫كتيبا ٍ‬ ‫لو ُ‬‫فصدر له عددٌ كبٌير من رسائ َ‬
‫ة‬
‫ت رهيب ٍ‬‫ة باّتهاما ٍ‬ ‫بمساعدتهم؛ كّلها مشحون ٌ‬
‫جهها إلى عدٍد‬ ‫ة ينبو عنها السمع‪ .‬و ّ‬ ‫م بذيئ ٍ‬
‫وشتائ َ‬
‫من شيوخ النقشبندّية‪.‬‬

‫منها‪ - ،‬على وجه الخصوص ‪ -‬رسالة أصدرها‬


‫تحت عنوان «حقيقة السليمانّيين»‪ 576‬وهم أتباع‬
‫ة‬
‫ن»‪ .‬استعمل فيها لهج ً‬ ‫خا ْ‬ ‫مي ُ‬
‫طوَنا َ‬ ‫حل ْ ِ‬
‫مان ِ‬‫سل َي ْ َ‬
‫« ُ‬
‫ل‬
‫و متواص ٍ‬
‫ها على نح ٍ‬ ‫خل َل َ َ‬
‫ة ِ‬‫ة‪ ،‬اّتهم الطائف َ‬ ‫شديد ً‬
‫ة من‬‫ب سلسل ٍ‬‫س وارتكا ِ‬ ‫ل الّنا ِ‬‫ب أموا ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫غ ْ‬‫بِ َ‬
‫الجرائم والجنايات ورماهم بالكفر والفسق!‬

‫وَردَ على غلف هذه الرسالة من اتَهاماته‬ ‫َ‬


‫ة إلى الطائفة المذكورة بالحرف الواحد‪:‬‬ ‫ه ِ‬‫ج ّ‬ ‫و ّ‬
‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ال ُ‬
‫ل‬‫ب أموا ِ‬‫ص ُ‬‫غ ْ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫خل ُ َ‬
‫ق ُ‬ ‫و ُ‬
‫م‪َ ،‬‬‫ه ْ‬
‫م ِديَناُر ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ِدين َ ُ‬ ‫«أ ّ‬
‫ل‪ .»...‬ومن‬ ‫و ُ‬ ‫م التك ّ‬ ‫ْ‬
‫ف والتس ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫ه ْ‬
‫ودَأب َ ُ‬ ‫الناس‪َ ،‬‬
‫ج‬
‫س الطائفة‪ ،‬وزو ِ‬ ‫ع بها على رئي ِ‬ ‫كلماته اّلتي شن ّ َ‬
‫مي‪) ،‬المحامي كمال قاجار(‪،‬‬ ‫حل ْ ِ‬
‫مان ِ‬ ‫سل َي ْ َ‬‫ة ُ‬ ‫ابن ِ‬

‫‪Ömer Öngüt, Süleymancıların İçyüzü. Hakikat Publishing Edition V. İstanbul-1994‬‬ ‫‪576‬‬


‫‪497‬‬

‫هُر من ألفاظ السليمانّيين أّنهم قد‬ ‫قوله‪« :‬ي َظْ َ‬


‫‪577‬‬
‫ما يعبدونه!»‬ ‫جعلوا من هذا الكافر الحمر صن ً‬
‫َُ‬
‫ق‬‫ه في ح ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ب نَ ْ‬ ‫ت( السلو َ‬ ‫گو ْ‬ ‫استعمل )عمر ُأون ْ‬
‫س النقشبندّيين من‬ ‫ن محمود أفندي )رئي ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬‫ك ّ‬
‫ة النور‪،‬‬ ‫س جماع ِ‬ ‫ة لزستان(‪ ،‬ورئي ِ‬ ‫ء منطق ِ‬ ‫أبنا ِ‬
‫ء السبق(‪،‬‬ ‫س الوزرا ِ‬ ‫ونجم الدين أرباكان )رئي ِ‬
‫وجمال الدين قبلن اّلذي أعلن الحرب على‬
‫ي الحاكم في تركيا بعد أن انتقل‬ ‫النظام اليهود ّ‬
‫إلى آلمانيا ونادى بقيام «دولة الخلفة»)!(‬
‫َُ‬
‫ت(‬‫گو ْ‬ ‫فعت ضدّ )عمر ُأون ْ‬ ‫أمّا الدعاوي اّلتي قد ُر ِ‬
‫ة إلى المحاكم‬ ‫ص مختلف ٍ‬ ‫ت وأشخا ٍ‬ ‫ل جها ٍ‬ ‫قب َ ِ‬
‫من ِ‬
‫ه‪ ،‬على‬ ‫ّ‬
‫التركّية حّتى الن‪ ،‬فقد انتهت كلها ببرائت ِ ِ‬
‫وراته وشتائمه وتهديداته‪ .‬وهذا يد ّ‬
‫ل‬ ‫الرغم من ته ّ‬
‫ز‬
‫ل جها ٍ‬ ‫قب َ ِ‬‫ة على أّنه مدعوم من ِ‬ ‫ة قطعي ٍ‬ ‫بصور ٍ‬
‫ض‪.‬‬‫ضهم في بع ٍ‬ ‫ص لضرب النقشبندّيين بع َ‬ ‫مخصو ٍ‬
‫ق من‬ ‫ق ِ‬ ‫بل يهدف المر فوق هذا إلى التح ّ‬
‫موقف المسلمين في الوقت ذاته!‬

‫هكذا استمّر التباغض والتنافر بين الطرفين‪،‬‬


‫ت شديدةٌ بين عدٍد آخر من‬
‫كما وقعت منازعا ٌ‬
‫شيوخ هذه الطائفة على الرغم من وحدة‬
‫كلمتهم في تعظيم هذه الطريقة والدعوة إليها‪.‬‬
‫***‬
‫* أسلوب المعارضة عند النقشبندّيين‪.‬‬
‫ت هاجموا‬ ‫لقد وردت في كتب النقشبندّيين عبارا ٌ‬
‫ء مما أقّروه فضل ً‬‫ل شي ٍ‬ ‫ن خالفهم في أق ّ‬ ‫م ْ‬
‫بها َ‬
‫عمن ردّ عليهم وناهضهم‪ .‬إنّ تلك العبارات قد‬
‫دة أقصاها في بعض المواطن‪،‬‬ ‫بلغت من الش ّ‬
‫فف‬‫ي إلى ما يتع ّ‬ ‫وتجاوزت حدودَ النقد العلم ّ‬

‫المصدر السابق ص‪.42/‬‬ ‫‪577‬‬


‫‪498‬‬

‫اللسان من نقله من كلمات جارحة تختلف بين‬


‫ب ماجن‪.‬‬
‫ع وس ّ‬‫مقذ ٍ‬
‫لوم وعتاب وطعن وشتم ُ‬
‫يبدو مما قد صرفوه بألسنتهم وأقلمهم من هذا‬
‫دهم إذا أراد أن ينال من خصمه‬ ‫ن أح َ‬
‫القبيل‪ ،‬أ ّ‬
‫أطلق القيود‪ ،‬وقذف ما في صدره من ك ّ‬
‫ل‬
‫ه على‬‫غل ّت َ ُ‬
‫ة على وجه التعميم‪ ،‬وأطفأ ُ‬ ‫ضغين ٍ‬
‫د‬
‫حسب إتقانه من فنون الطعن والنكير‪ ،‬وع ّ‬
‫المثالب‪ ،‬والمساس بالكرامة ما يحمّر له وجه‬
‫الجسور!‬

‫مد بن سليمان‬ ‫وعلى سبيل المثال‪ :‬يتخّيل مح ّ‬


‫ة‬
‫ي معشًرا من الناس ‪ -‬سماهم المتفقه َ‬ ‫البغداد ّ‬
‫في المذاهب ‪ -‬فتحامل عليهم بعد أن استثنى‬
‫ي‬‫جَته وحّتى ل ي ُْرم َ‬
‫الفقهاءَ منهم ليبّرر بذلك ح ّ‬
‫دي على العلماء‪ ،‬بينما هو في صدد‬ ‫بعموم التع ّ‬
‫ل من ل يوافق الصوفّية كما يبدو من‬ ‫الرمي بك ّ‬
‫ذات‬ ‫مه بال ّ‬‫سابق عباراته‪ ،‬ولربما كان يلحظ خص َ‬
‫في ذهنه إذ هو يرقم هذه الكلمات‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫ن ُيعَرفوا‬ ‫ن المتفقهة قاصرون‪ ،‬ومرادهم أ ْ‬ ‫«فا ّ‬


‫ة‬
‫ض شيطاني ّ ٍ‬ ‫بين الناس بالعلم والفقه لجل أغرا ٍ‬
‫ة يحاولون‬ ‫ت نفساني ّ ٍ‬
‫يريدون إنفاذها‪ ،‬وشهوا ٍ‬
‫إيجادها؛ فيضطّر بهم المر إلى التفتيش عن‬
‫ولون شيًئا مقصودهم‬ ‫عيوب الناس‪ ،‬فكيف يؤ ّ‬
‫د في‬ ‫ه فاس ٍ‬ ‫التفتيش عليه‪ .‬ومتى ظفروا بوج ٍ‬
‫‪578‬‬
‫ن‪ ،‬فكأّنما ظفروا بملك الدنيا‪»...‬‬ ‫حال إنسا ٍ‬
‫ثم ينهال على هؤلء الخصوم الخياليّين بالدعاء‬
‫فيقول‪« :‬خذلهم الله وأذّلهم إن لم يكن لهم‬
‫‪579‬‬
‫نصيب من الهداية والتوفيق‪».‬‬

‫ي‪ ،‬الحديقة الندّية في الطريقة النقشبندّية ص‪ .95 /‬مكتبة الحقيقة‪ ،‬إسطنبول‪-‬‬


‫مد بن سليمان البغداد ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪578‬‬
‫‪.1992‬‬

‫المصدر السابق ص‪.97/‬‬ ‫‪579‬‬


‫‪499‬‬

‫ر» على‬ ‫من ْك ِ ِ‬


‫اعتاد النقشبندّيون إطلقَ كلمة «ال ُ‬
‫فت َك َّرَر‬‫ل من رأوا فيه شيًئا من مخالفتهم‪َ ،‬‬ ‫ك ّ‬
‫ها‬
‫حب َ َ‬
‫صا َ‬ ‫وتضاعف استعمالهم لهذه الكلمة وما َ‬
‫ون منها‬ ‫ت‪ ،‬فتك ّ‬ ‫ة حّتى اجتمع ْ‬ ‫ت لذع ٍ‬‫من عبارا ٍ‬
‫م بحيث يناسب أن يعّبر عنه بأدب‬ ‫م ضخ ٌ‬‫ُركا ٌ‬
‫كم في أسلوب المعارضة عند‬ ‫الشتم والته ّ‬
‫ة منها‪:‬‬
‫النقشبندّيين؛ وهذه أمثل ٌ‬

‫قال صاحب الحديقة الندّية النف ذكره في صدد‬


‫ي‪:‬‬‫الدفاع عن‪ :‬خالد البغداد ّ‬
‫ن‬
‫ما أ ّ‬
‫ض من ل خلق لهم‪ ،‬ل ِ َ‬ ‫«فأنكر عليه بع ُ‬
‫قهم ببضائعه الغزيرة كسد‪ ،‬فمنهم من أنكر‬ ‫سو َ‬
‫ُ‬
‫ل الطريقة وقال ل شيء يوصل إلى الله‬ ‫أص َ‬
‫تعالى غير ما لدينا من ظواهر الفقه وما نحن‬
‫‪580‬‬
‫عليه من السلفية‪»...‬‬

‫ضا «فسبحان من جعل المحاسن‬ ‫وقال أي ً‬


‫مساوًيا‪ ،‬والمساوي محاسًنا في أعين المنكرين‬
‫‪581‬‬
‫أهل الغرور‪».‬‬

‫وقال ناقل ً عن عبد الغني النابلسي من بح ٍ‬


‫ث‬
‫ة وإن‬‫ة شريف ٌ‬‫يتعّلق بالجذبة‪ ،‬فقال «وهي حال ٌ‬
‫أنكرها كثير من المتفقهة القاصرين في الزمان‬
‫‪582‬‬
‫لبعدها عنهم من قسوة قلوبهم‪»...‬‬

‫خنا )‪ (...‬كيف قطع منازل‬‫ضا «إن شي َ‬


‫وقال أي ً‬
‫السلوك‪ ،‬ووصل إلى حدّ الرشاد والتسليك إلى‬
‫ملك الملوك برحلته الهندية الكاملة بثلث سنين‪،‬‬
‫ن كثيًرا من الولياء لم يقطعها بستين‪.‬‬
‫مع أ ّ‬
‫جَر‬
‫ح ْ‬
‫فنقول ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء‪ ،‬ول َ‬
‫على الفضل اللهي الخارج عن حيطة عقول‬
‫المصدر السابق ص‪.5 /‬‬ ‫‪580‬‬

‫المصدر السابق ص‪.100/‬‬ ‫‪581‬‬

‫المصدر السابق ص‪.104/‬‬ ‫‪582‬‬


‫‪500‬‬

‫العقلء؛ فليت شعري ما يقول هذا المنكر في‬


‫‪583‬‬
‫ل من يوم‪».‬‬‫وصول من وصل إلى الكمال بأق ّ‬

‫مد بن سليمان‬ ‫ن قائل هذه الكلمات )مح ّ‬ ‫إ ّ‬


‫ي‪ ،‬إّنه‬‫ي( هو من كبار خلفاء خالد البغداد ّ‬ ‫البغداد ّ‬
‫ه في‬ ‫ة شيخه إلى الل ِ‬ ‫جب كيف اكتملت رحل ُ‬ ‫يتع ّ‬
‫ن هذه‬ ‫ه إلى الهند‪ .‬ل ّ‬ ‫ظرف ثلث سنين بعد وصول ِ ِ‬
‫دا غير كافية «لقطع‬ ‫المدة في نظره قصيرة ج ّ‬
‫ن كثيًرا من‬ ‫دعي «أ ّ‬ ‫ك»‪ .‬ولذلك ي ّ‬
‫منازل السلو ِ‬
‫ما»‬
‫الولياء لم يقطعها في ستين عا ً‬
‫ق‪:‬‬
‫ن عمي ٍ‬ ‫صوفي الجاهل أول ً وبإيما ٍ‬ ‫وُر هذا ال ّ‬ ‫يتص ّ‬
‫دة ثلث‬ ‫ه «قطع منازل السلوك في م ّ‬ ‫ن شيخ ُ‬ ‫أ ّ‬
‫ه إلى‬ ‫َ‬
‫صل ُ‬ ‫و ُ‬ ‫ك في أّنه يقصد بذلك « ُ‬ ‫ن»‪ ،‬ول ش ّ‬ ‫سني َ‬
‫ح على أّنه‬ ‫ه هذا بوضو ٍ‬ ‫م ُ‬
‫ه»؛ فيبرهن كل ُ‬ ‫الل ِ‬
‫ي كلماِته‬ ‫عادَ يواري غرضه في ط ّ‬ ‫ي‪ ،‬ولكّنه َ‬ ‫حلول ّ‬
‫بقوله‪« :‬ووصل إلى حدّ الرشاد والتسليك»‪،‬‬
‫ة‪ ،‬بينما قياسه‬ ‫ة مباشر ً‬‫حُلول ِي ّ ِ‬‫مى ِبال ْ ُ‬ ‫حّتى ل ي ُْر َ‬
‫ة شيخه بالمقارنة بينه وبين كثير من‬ ‫سرع َ‬
‫ما»‪،‬‬ ‫ء‪« :‬أنهم ل يقطعونها في ستين عا ً‬ ‫الوليا ِ‬
‫ه ولم يترك له أثًرا خافيا من حيلته فيما‬ ‫ضح ُ‬ ‫قد ف ّ‬
‫س‬
‫ه‪ .‬ثانًيا‪ :‬اّتخذ القيا َ‬ ‫حُلول ِي ّت ِ ِ‬‫ر ُ‬ ‫تبّناهُ من إسرا ِ‬
‫ل عبر‬ ‫ن( في سرعة النتقا ِ‬ ‫ي بعدد )السني َ‬ ‫الّزمن ّ‬
‫س وتعبير‪:‬‬ ‫ك»‪ ،‬بينما هذا القيا ُ‬ ‫«منازل السلو ِ‬
‫«منازل السلوك» من المور الغريبة على‬
‫ل والمنطق‬ ‫السلم في الحين اّلذي يخالف العق َ‬
‫ي‪ ،‬ول ُيعتد به في ميزان العلم‪.‬‬ ‫النسان ّ‬
‫ة بين العراق والهند‪:‬‬
‫ن القصدُ المساف َ‬ ‫ذا َ‬
‫كا َ‬ ‫ما وإ َ‬
‫أ ّ‬
‫ل من قبره فوقف‬ ‫فُيحّبذ لو بعث الله هذا الرج َ‬ ‫َ‬
‫ة على إمكانات هذا العصر‪ ،‬ثم وجد الناس‬ ‫بره ً‬
‫على اختلف أجناسهم ودياناتهم بما فيهم من‬
‫الكفار والمشركين والزنادقة والمنافقين‬

‫المصدر السابق ص‪.109/‬‬ ‫‪583‬‬


‫‪501‬‬

‫والفجرة والمجرمين‪ ،‬كيف يقطعون اليوم‬


‫ت ما بين العراق والهند‪ ،‬بل‬ ‫ف مسافا ِ‬ ‫أضعا َ‬
‫وكيف ينفذون من أقطار السماوات والرض في‬
‫ه‪ ،‬ولتصّبب‬ ‫ساعات معدودات؛ لْنبهر وطاش عقل ُ ُ‬
‫جل في حديقته من تلك‬ ‫قا مما س ّ‬ ‫ه عر ً‬ ‫جبين ُ ُ‬
‫ة في هذه‬ ‫ي حكم ٍ وقيم ٍ‬ ‫عدْ لها أ ّ‬‫اللفاظ اّلتي لم ي َ ُ‬
‫الّيام! ولربما أعاد النظر في تحامله على ذلك‬
‫ي اّلذي نسب إليه إنكاَر وصول‬ ‫ر الخيال ّ‬ ‫من ْك ِ ِ‬
‫ال ُ‬
‫بعض الولياء إلى درجة الكمال عند الله بأق ّ‬
‫ل‬
‫ت له حقيقة شيخه اّلذي نفخ‬ ‫ست ََبان َ ْ‬‫من يوم‪ ،‬ول َ ْ‬
‫ذات هذه الفكاَر في عقله وأملى عليه‬ ‫هو بال ّ‬
‫ب الحديقة الندّية كما جاء في كتاب البهجة‬ ‫كتا َ‬
‫ي‪.‬‬
‫السنّية لمحمد بن عبد الله الخان ّ‬
‫ي في كتابه المذكور‪:‬‬
‫قال الخان ّ‬
‫عا لثبات‬
‫ب الحديقة المذكور موضو ً‬
‫«لما كان كتا ُ‬
‫وجود تعّلم علم الباطن‪ ،‬وإثبات فضيلة الطريقة‬
‫النقشبندّية‪ ،‬ولدفع شبه المنكرين من أهل‬
‫الحسد على حضرة شيخنا )‪ (...‬كان في أخذ‬
‫الداب منها صعوبة على المبتدئ والن ولله‬
‫الحمد تقرر الطريق وانخذل أهل الحسد والعناد‬
‫‪584‬‬
‫والتعويق‪».‬‬

‫ي وهو يشرح قصة‬ ‫قال حفيده عبد المجيد الخان ّ‬


‫ي وقد أفرد لها بحًثا‬ ‫المعارضين لخالد البغداد ّ‬
‫تحت عنوان «فساد الحساد»‪ ،‬قال فيه «فلم‬
‫ع إل ّ‬ ‫عهم الشني َ‬ ‫ي( صني َ‬‫يقابل )أي خالد البغداد ّ‬
‫ب ناُرهم‪،‬‬ ‫خ ُ‬
‫بالدعاء لهم وحسن الصنيع؛ فلم ت َ ْ‬
‫وما زاد إل ّ شّرهم وشرارهم‪».‬‬

‫ل العداوة قد ترجى إزالتها * إل ّ عداوة من‬


‫«ك ّ‬
‫عاداك من حسد»‪.‬‬
‫ي‪ ،‬البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية ص‪ .3 /‬للمناسبة راجع الهامش‪/‬‬
‫مد بن عبد الله الخان ّ‬
‫مح ّ‬ ‫‪584‬‬
‫‪.472‬‬
‫‪502‬‬

‫ثم قال‪:‬‬

‫«فأّلف بعض المعروفين )يقصد معروف‬


‫ي( من المنكرين اّلذي توّلى البهتان كبًرا‬‫البرزنج ّ‬
‫ة ملئت منكًرا من القول‬ ‫وغروًرا‪ ،‬رسال ً‬
‫‪585‬‬
‫وزوًرا‪...‬إلخ‪».‬‬

‫ت له من نفس‬‫وجاءت في موضع آخر كلما ٌ‬


‫ي وجماعَته‪،‬‬
‫هاب السوس ّ‬ ‫البحث يقصد بها عبد الو ّ‬
‫ن شرارات الغضب تطير من قلمه؛ فقال‪:‬‬ ‫وكأ ّ‬
‫ة بتكفيره‬‫فقوا من قول الزور والبهتان رسال ً‬ ‫«ول ّ‬
‫ن‪ ،‬وأرسلوها‬ ‫دعي رؤية الجا ّ‬ ‫لما زعموا من أّنه ي ّ‬
‫م يقال له‬ ‫م الكراد العوا ّ‬‫إلى دمشق مع أحد هوا ّ‬
‫سل‬
‫ما وصل إليها تو ّ‬ ‫إسماعيل الزلزلومي‪ .‬فل ّ‬
‫ل وسيلة جميلة‪،‬‬ ‫بعض خدم الشيخ بك ّ‬
‫واستحضرها لحضرته الجليلة ليظهر عليها‪ .‬فطار‬
‫خبرها إلى والي الشام‪ ،‬فأمر بتشهيره في‬
‫البلدة وتعزيره‪ ،‬فمّروا به وهو كذلك من تحت‬
‫قصر الشيخ )‪ ،(...‬فحانت منه إلى الطريق‬
‫ة‪ ،‬فأمر بتحويله إلى رحابه‪ ،‬وتطهيره‬ ‫نظر ٌ‬
‫ج ُ‬
‫ل‬ ‫ة من ثيابه‪ ،‬وأدناه منه‪ ،‬فقّبل الر ُ‬ ‫وتخويله حل ً‬
‫جل َ ُ‬
‫‪586‬‬
‫ه‪ ،‬فعفاه‪».‬‬ ‫ر ْ‬
‫ِ‬
‫لقد سرى تأثير أدب الشتم والتشنيع من كبار‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫النقشبندّيين إلى أدنى بسطائهم؛ إذ قد ترى َ‬
‫ي المشيخة من أوغادهم‬ ‫سه على كرس ّ‬ ‫نصب نف َ‬
‫وأراذلهم؛ تراه يتجّرأ على تحرير الرسائل‬
‫دا‬‫ويبعثها إلى من اغتّر به وبنفس السلوب‪ ،‬تقلي ً‬
‫ي‪ ،‬وحّتى بتكرار بعض ألفاظه اّلتي‬ ‫بخالد البغداد ّ‬
‫اعتاد على استعمالها!‬

‫ي‪ ،‬الحدائق الوردّية في حقائق أجلء النقشبندّية ص‪.231 /‬‬


‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫عبد المجيد بن مح ّ‬ ‫‪585‬‬

‫المصدر السابق ص‪.233/‬‬ ‫‪586‬‬


‫‪503‬‬

‫دي‪ ،‬ينهال على‬ ‫ه ِ‬


‫منهم رجل اسمه سليمان زُ ْ‬
‫ة نقلناها فيما‬‫دده برسال ٍ‬ ‫ص من أتباعه ويه ّ‬
‫شخ ٍ‬
‫يلي بالمناسبة كمثال على شخصّية الكاتب بما‬
‫تحوي بين تضاعيفها من ألوان الجهل بالداب‬
‫والقواعد؛ ونترك الحكم للقارئ على ما جاء في‬
‫عباراته الواهية من عيوب لغوية وإنشائية‬
‫وقصور بلغية وسقطات أخلقية وما يعتريها‬
‫من مظاهر الخروج على السلم بوجه عام‪.‬‬

‫جله الرجل بحذافيره دون أدنى‬


‫وهذا نص ما س ّ‬
‫ف فيه‪:‬‬
‫تصّر ٍ‬
‫«يا أخينا قد أقمت في المكة المكرمة وحضرت‬
‫ن‬
‫گا ْ‬‫ج َ‬
‫وا َ‬‫خ َ‬
‫حلقة السادات الكرام والختم ال ُ‬
‫جهات عندنا ولكن ما حصل منك الدوام‬ ‫والتو ّ‬
‫وكثرة اشتغال الذكر مثل سائر الخوان وقلة‬
‫المبالت منك في آداب الطريقة العلية وصار‬
‫ذلك سببا لتركك حلقة السادات عندنا ووصولك‬
‫الى المنكرين والمطرودين عن طريقتنا‬
‫سمين في مكة المكرمة ثم‬ ‫والمتشّيخين المرت ّ‬
‫اعطى المتشّيخ المطرود الجازة ثم وصلت على‬
‫بلد جاوى وكنت تريد التشّيخ مثله وتؤذي على‬
‫اهل الحق والستقامة وهذا الفعل منك ل يرضي‬
‫الله ول رسوله ول سادات الطريقة العلية وكنت‬
‫ضال ومضل على الناس كما كان المتشّيخين‬
‫المطرودين هنا لول وصولك اول عندنا فما بينت‬
‫لك هذه النصيحة‪ .‬والمام اّلذي اخذ طريقة‬
‫التشيخ من عند المتشيخين ول انصح له فانه‬
‫بعيد عنا ل نعرفه ول يعرفنا لن الباطل ل يسعد‬
‫والحسود ل يسود والواجب عليك التوبة النصوحة‬
‫عما فعلت والرجوع عما جرى والدخول الى‬
‫طريقة التربية والوصول الى رضاء الله تعالى‬
‫بيد المرشد المأمور بيد صحيحة مثل الشيخ عمر‬
‫هاب هناك ان‬ ‫والشخ عبد الحليم والشيخ عبد الو ّ‬
‫‪504‬‬

‫لم تصل الى مكة المكرمة وان لم تفعل ما امرت‬


‫لك من طرف السادات فانتظر العقوبات‬
‫ن تعالى غيور يحارب من‬ ‫الدنيوية والخروية ل ّ‬
‫خالف على اوليائه وينتقم على من غير طريق‬
‫ي ظلم اكبر من هذا الظلم فسيعلم‬ ‫وصوله اليه ا ّ‬
‫‪587‬‬
‫اّلذين ظلموا اي منقلب ينقلبون‪...‬إلخ‪».‬‬
‫ي في مسته ّ‬
‫ل كتابه‬ ‫وقال الحسين الدوسر ّ‬
‫صه‪:‬‬
‫«الرحمة الهابطة» ما ن ّ‬
‫«لقد طرق سمعي بعض مقالت منقولة عن‬
‫ورين وجهالت منسوبة إلى بعض‬ ‫المز ّ‬
‫المشهورين وإنكار أمور‪ ،‬عليها مدار العلماء‬
‫خرين؛‬ ‫العاملين والمتقدمين منهم والمتأ ّ‬
‫فوضعت رسالة مثبتة لما أنكروه و مبّتتة لما‬
‫وه‪ ،‬احتسابا لوجه الله الكرم‪ ،‬وانتصاًرا‬ ‫زور ّ‬
‫مد ‪ ،‬كي ل‬ ‫حا لمة مح ّ‬ ‫لسم الله العظم‪ ،‬ونص ً‬
‫يقعوا في ورطة النكار‪ ،‬وكي ل يبقى الخ‬
‫المنكر على الصرار‪ ،‬فيؤل به إلى دخول‬
‫‪588‬‬
‫النار‪».‬‬

‫ر أصدرته جماعة من‬‫وجاء في تفسي ٍ‬


‫النقشبندّيين في الونة الخيرة بإسطنبول‪،‬‬
‫قالوا فيه‪:‬‬

‫من يحكم على الّرابطة بالتحريم؛‬ ‫بم ّ‬‫«ُيسَتغَر ُ‬


‫ي أم‬‫فهل استنبط هذا الحكم من معناها اللغو ّ‬
‫ة‬ ‫َ‬
‫ي‪ ،‬أم وجده في أحد الكتب المنـَزل ِ‬‫الصطلح ّ‬
‫من عند الله؟!!»‬

‫ن‬
‫ع ّ‬
‫من َ َ‬
‫«ولهـذا يجب على المرء أن يخاف الله فل ي َ ْ‬
‫س من فعل المعروف بتحريم ما أحّله الله‬ ‫النا َ‬
‫‪TDV. İSAM. 297-7 NİM. Z 46644 .97 ،96‬‬ ‫سليمان زهدي‪ ،‬تبصرة الفاصلين )ضمن مجموعة الزمرد العنقاء( ص‪/‬‬ ‫‪587‬‬

‫‪1/18‬‬ ‫ي‪ ،‬الرحمة الهابطة في ذكر اسم الذات والّرابطة‪ ،‬بهامش معّرب المكتوبات للّرّباني‪:‬‬
‫حسين الدوسر ّ‬ ‫‪588‬‬
‫‪.6‬‬
505

‫دا من أهل القبلة‬ ً ‫ن أح‬ َ ‫ص‬


ّ ‫ف‬ ِ َ ‫ ول ي‬،‫وتحليل ما حّرمه‬
589
»!!‫ح هو بذاته كافًرا‬ َ ِ ‫بالكفر حّتى ل ُيصب‬
‫وما أكثر من نحو هذه اللفاظ والعبارات في‬
‫مواطن كثيرة من كلمهم؛ اّلذي لم يقصدوا في‬
‫عرض أهل التنـزيه‬
ِ ‫الحقيقة إل ّ لينالوا به من‬
‫ط من كرامة‬ّ ‫ والح‬،‫لجناب الحق سبحانه‬
‫ فاكتفينا بهذا‬.‫ وإيذائهم وإيلمهم‬،‫حدين‬ ّ ‫المو‬
‫القدر اليسير على سبيل المثال‬

:‫هذا نص كلمهم بالّلغة التركّية للعبارات المعّربة‬ 589


Rabıtanın haram olduğunu ve ehlinin kâfir olduğunu söyleyenlere şaşılır. Bunu rabıtanın lügat manasından mı almıştır? Yoksa

bunu Allah'ın indirdiği kitaplarda mı görmüştür. O halde kişi Allah’tan korksun. Onun helâl ettiği bir şeyi haram saymak, Onun

haram ettiği bir şeyi de helâl kabul etmekten ve böyle büyük bir hataya düşüp insanları da düşürmekten ve insanları maruf

(şeriatın ve aklın kabul ettiği şey) den alıkoymaktan sakınsın. Ve ehl-i kıbleden hiç kimseye kâfir diyerek kendi kâfir olmasın.

‫ دار‬.2/78 /‫ة من النقشبندّيين التراك )تحت إشراف محمود أسطى عثمان أوغلو(ص‬
ٍ ‫ بقلم جماع‬،‫روح الفرقان‬
.‫م‬1992 ‫سراج إسطنبول ـ‬
‫‪506‬‬

‫الكلمة الختاميّة‪.‬‬
‫ت من‬ ‫ة‪ ،‬أخذ ْ‬
‫م ٍ‬
‫ة ها ّ‬ ‫لقد انتهينا هكذا من دراس ٍ‬
‫ه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ت من عمرنا أكثر من ث ُلث ِ ِ‬ ‫وقتنا الكثيَر‪ ،‬وأفن ْ‬
‫ف‬
‫فْتنا ما ل ُيستهان به‪ .‬ولبد من أن نعتر َ‬ ‫وكل ّ َ‬
‫عَنا إذ نسلك‬ ‫ت مضج َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ن الهموم كثيرا ً ما أق ّ‬ ‫هنا بأ ّ‬
‫مق أثناء متابعتنا‬ ‫ة في البحث والتع ّ‬ ‫طرقا ً شائك ً‬
‫لهذه الدراسة!‬

‫في الحقيقة لم يكن القصدُ من القدام على هذا‬


‫إظهار ما قد غاب عن جمهور‬
‫َ‬ ‫العمل الخطير إل ّ‬
‫صة من أسرار الطريقة‬ ‫رجال العلم خا ّ‬
‫النقشبندّية وآدابها وأهدافها ومستوحاها‬
‫وطقوسها وشخصّيات رجالها وتأثيراتها على‬
‫الحياة الجتماعّية في المناطق اّلتي انتشرت‬
‫فيها‪.‬‬

‫ي اّلذي‬ ‫ن المجتمع العرب ّ‬ ‫م من ذلك‪ ،‬أ ّ‬ ‫ولع ّ‬


‫ل اله ّ‬
‫ي‪،‬‬
‫ة بالشعب الترك ّ‬ ‫ة القوي ُ‬‫ة التاريخي ُ‬‫تربطه الصل ُ‬
‫ر كثيرة تلعب‬ ‫وجدناه بمنأى عن الطلع على أمو ٍ‬
‫ن في توجيه هذا الشعب وترويضه‬ ‫الدوَر منذ قرو ٍ‬
‫مسه بقّية المسلمين من‬ ‫على غير ما يعتاده ويتل ّ‬
‫مفهوم الدين‪ .‬فرأينا من الخدمة العلمّية أن‬
‫نتناول من تلك القضايا ما يدخل في نطاق‬
‫معرفتنا واختصاصنا‪ ،‬وأن نسّلط الضوء عليها‬
‫لتمهيد المجال إلى مناقشتها في ديوان العلم‬
‫ن‪ .‬أل وهي النـزعة الصوفّية‬ ‫دي ِ‬
‫وميزان العقل وال ّ‬
‫المتمّثلة في الطريقة النقشبندّية المتفاقمة‬
‫في صفوف المليين من أبناء هذه المنطقة‪،‬‬
‫والراسخة في أعماق ضمائر الشيوخ والشباب‬
‫ل‬‫والنساء والرجال منهم‪ .‬وإذا كان هذا المي ُ‬
‫ة‪،‬‬
‫ل على حقيق ٍ‬ ‫ي يد ّ‬‫الشائع في العنصر الترك ّ‬
‫‪507‬‬

‫ج ينتابه‬ ‫فهي ليست إل ّ علمات انقبا ٍ‬


‫ض وتشن ّ ٍ‬
‫بسبب الضياع الذاتي وخسارة الهوية‪.‬‬

‫لقد ثبت من خلل البحوث والدراسات العلمّية‬


‫ي ‪ -‬على‬ ‫ن الزمات اّلتي يعانيها المجتمع الترك ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ب‬‫اختلفها ‪ -‬في الوقت الراهن‪ ،‬تعود السبا ُ‬
‫ة منها في النهاية إلى مشكلة‬ ‫ل أزم ٍ‬ ‫ة لك ّ‬‫وع ُ‬ ‫المتن ّ‬
‫الهوّية‪ .‬ذلك‪ ،‬أن العتزاز البالغ بالمجاد إلى‬
‫ل‬
‫س رجا ٍ‬ ‫حدود التطّرف وجنون العظمة؛ وتقدي َ‬
‫ؤهم في قائمة «أولياء الله» ضمن‬ ‫دخلت أسما ُ‬
‫ة في المكتبات التركّية ‪ -‬بما فيهم‬ ‫ت ضخم ٍ‬ ‫مجّلدا ٍ‬
‫مد‬‫جميع سلطين بني عثمان‪ ،‬حّتى السلطان مح ّ‬
‫خا له في فجر يوم‬ ‫ل تسعة عشر أ ً‬ ‫الثالث اّلذي َ‬
‫قت َ َ‬
‫الثامن والعشرين من شهر يناير )كانون الثاني(‬
‫ك في الستغاثة‬ ‫عام ‪1595‬م‪.‬؛ وكذلك النهما َ‬
‫ة‪ ،‬بل قد اندرست‬ ‫ما نخر ً‬ ‫ت قد أصبحوا عظا ً‬ ‫بأموا ٍ‬
‫وبادت رفاتهم ول يدري أحد هل ماتوا على‬
‫ن هذا‬‫الكفر أم على اليمان؛ يبرهن على أ ّ‬
‫ت به هويَته سوى‬ ‫ب لم يعد يملك شيًئا ُيثب ِ ُ‬ ‫الشع َ‬
‫اللجوء إلى العصبّية القومّية اّلتي تعتمد في‬
‫ء وتقديس السلطين‬ ‫جذورها على أساطير البا ِ‬
‫وأقاصيص الصوفّية والستئناس بالقبور‬
‫والموات‪.‬‬

‫ن هذا البحث اّلذي يتناول الطريقة النقشبندّية‬ ‫إ ّ‬


‫ي‪ ،‬لم يقتصر‬ ‫ي ومنهج ّ‬ ‫ب تحليل ّ‬ ‫بتفاصيلها وبأسلو ٍ‬
‫على حدود أبعادها الدينّية والّروحّية‪ ،‬بل يتجاوز‬
‫إلى حدودها الجتماعّية وعواقبها الخلقّية‪،‬‬
‫ويفتح بذلك نافذةً على الباحثين‪ ،‬ل ُِيطّلوا منها‬
‫طلعوا على‬ ‫ي‪ ،‬وي ّ‬ ‫ي الصوف ّ‬ ‫على الشعب الترك ّ‬
‫ي من خلل‬ ‫ي وموضوع ّ‬ ‫ر علم ّ‬‫أحواله وأزماته بنظ ٍ‬
‫ن‬‫ي فساٍد‪ ،‬ل يمكن أ ْ‬ ‫حأ ّ‬ ‫ن إصل َ‬ ‫الوثائق والدل ّ ِ‬
‫ة‪ .‬ل ّ‬
‫طلع على حقيقة أسبابه‪.‬‬ ‫يحظى بنجاح إل ّ بعد ال ّ‬
‫‪508‬‬

‫ن تكثيف النقد على‬ ‫ولبدّ من الشارة هنا إلى أ ّ‬


‫ي بسبب انتشار الطريقة‬ ‫الشعب الترك ّ‬
‫ن الشعب‬ ‫النقشبندّية بين طبقاتها‪ ،‬ل يعني أ ّ‬
‫ي بعينه؛‬‫بعمومه قد اعتنق هذا المذهب الصوف ّ‬
‫ة أخرى‪ ،‬فضل ً عن ذلك أ ّ‬
‫ن‬ ‫بل هناك طرقٌ صوفي ٌ‬
‫ة‬
‫ت متباين ً‬‫حدين الحنفاء‪ ،‬وجماعا ٍ‬ ‫ة من المو ّ‬ ‫أقل ّي ّ ً‬
‫من المشركين والملحدة من أبناء الشعب‬
‫وف على الطلق‪ .‬إل ّ‬ ‫ي ل صلة لهم بالتص ّ‬ ‫الترك ّ‬
‫ي قد بلغ من الرسوخ‬ ‫ن الروح الباطني الصوف ّ‬ ‫أ ّ‬
‫في ضمير أغلبية التراك إلى حدّ نجد حّتى‬
‫قا على قبر‬ ‫حا عمل ً‬ ‫العلمانّيين منهم قد بنوا صر ً‬
‫زعيمهم بهواجس روحّية كما يبدو من‬
‫ي‬
‫و دين ّ‬ ‫احتفالتهم اّلتي يقومون باجرائها في ج ّ‬
‫ص‪ ،‬وُيجبرون بقّية الفئات على مشاركتهم‬ ‫خا ّ‬
‫في تلك الحتفالت! ولهذا ليس من الزور أن‬
‫ب التراك حّتى العلمانّيين منهم‪،‬‬ ‫ن غال َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫ُيقا َ‬
‫ي دين إل ّ أن يكون مشوًبا‬ ‫م ل يقتنعون بأ ّ‬ ‫قو ٌ‬
‫ت‬ ‫ة وتفسيرا ٍ‬ ‫ت خرافي ّ ٍ‬ ‫ة وحكايا ٍ‬ ‫ت موهوم ٍ‬ ‫ورا ٍ‬ ‫بتص ّ‬
‫ة ل حدود لها‪.‬‬ ‫أسطوري ّ ٍ‬
‫عّيا‬ ‫ما ت َب َ ِ‬
‫ي قو ً‬‫وهذا قد جعل من الشعب الترك ّ‬
‫قل ّ ُ‬
‫د‬ ‫عب َْر تاريخه‪ ،‬ي ُ َ‬ ‫يترّنح أمام عواصف الحداث َ‬
‫ل‬‫ق‪ ،‬ويأخذ من حثالة ك ّ‬ ‫ل قوم ٍ يراه على الح ّ‬ ‫ك ّ‬
‫ن‪ ،‬إلى أن جمعها ومزجها أخيًرا بمفاهيم‬ ‫دي ٍ‬
‫ن ما قد صنعه هو السلم! بل‬ ‫ة واعتقد أ ّ‬‫إسلمي ٍ‬
‫هو السلم المبتوُر اّلذي تعّرض لسلسلة من‬
‫ع‬‫ث من العرب بعد الرب ْ ِ‬ ‫الستحالت‪ ،‬والمورو ُ‬
‫ص اليوم في‬ ‫م ُ‬‫ي‪ ،‬والمتق ّ‬
‫الول من العهد العّباس ّ‬
‫قالب النقشبندّية‪.‬‬

‫ي مسئول بالدرجة الولى عن‬ ‫ن الشعب الترك ّ‬‫إ ّ‬


‫ه؛‬ ‫ّ‬
‫الفساد الذي قد غرق فيه اليوم إلى قمّة رأس ِ‬
‫ص الكتاب‬
‫ل ما يخالف نصو َ‬ ‫ل عن إصلح ك ّ‬ ‫مسئو ٌ‬
‫والسّنة من معتقداته بسبب هذا المرض اّلذي قد‬
‫‪509‬‬

‫ور إلى أمراض إجتماعّية وأخلقّية‬ ‫كم فيه وتط ّ‬ ‫تح ّ‬


‫ضا‬
‫عا مسئولون أي ً‬ ‫أخرى‪ .‬والمسلمون جمي ً‬
‫بالدرجة الثانية من إنقاذ هذا الشعب عما قد وقع‬
‫جهة إلى أهل‬ ‫ة المتو ّ‬ ‫كد هذه المسئولي ُ‬ ‫فيه‪ .‬وتتأ ّ‬
‫ب في العالم عندما‬ ‫ل شع ٍ‬ ‫الوعي والخبرة من ك ّ‬
‫ي‬
‫ق من الروح الصوف ّ‬ ‫مْنبث َ‬ ‫ف ال ْ ُ‬ ‫نشاهد التطّر َ‬
‫ما بعد يوم ٍ في صفوف هذا المجتمع‬ ‫يتفاقم يو ً‬
‫ب‬ ‫ة؛ كما تترت ّ ُ‬ ‫ن في المنطق ِ‬ ‫م والم َ‬ ‫هدّدُ السل َ‬ ‫وي ُ َ‬
‫ة‬
‫ب الحّري ّ َ‬ ‫ح ّ‬
‫ة‪ ،‬ي ُ ِ‬ ‫ة إنساني ٍ‬ ‫ص ذي حمي ٍ‬ ‫ل شخ ٍ‬ ‫على ك ّ‬
‫ما يسود فيه المن والطمأنينة‬ ‫ويتمّنى يو ً‬
‫والهدوء في جميع أرجاء المعمورة ‪ -‬إذا ما وقع‬
‫ب‬‫م ‪ -‬تترت ّ ُ‬ ‫نظُرهُ على مضمون هذا العمل الها ّ‬
‫عليه مشاركة المخلصين من أهل الصلح‬
‫والرشاد في محاولة القضاء على هذا السرطان‬
‫ي بمخالبه وأوشك‬ ‫ح الشعب الترك ّ‬ ‫اّلذي مّزق رو َ‬
‫ُ‬
‫ة يخت ّ‬
‫ل‬ ‫ة خطير ٍ‬ ‫ة في يد عصاب ٍ‬ ‫عوب َ ً‬ ‫أن يجعل منه أل ْ ُ‬
‫بها توازن القوى على مستوى منطقة الشرق‬
‫ر بعيد!!!‬ ‫د غي ِ‬ ‫الوسط لم ٍ‬
‫ن هذا البحث وثيقة‬ ‫ل جدّ واهتمام ٍ أ ّ‬ ‫كد بك ّ‬ ‫ونؤ ّ‬
‫ي أو‬‫ف َ‬ ‫خ ِ‬‫تاريخية في حدّ ذاته؛ يتبّنى إظهاَر ما قد َ‬
‫ة كانت‬ ‫ة خطير ٍ‬ ‫ظم ٍ‬ ‫ة من واقع من ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ي عن العا ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ُأخ ِ‬
‫مصت‬ ‫ة‪ ،‬تق ّ‬‫لها أغراضها في مرحلة زمنية معّين ٍ‬
‫ة اسمها الخالدّية‪،‬‬ ‫ة صوفي ٍ‬ ‫س طريق ٍ‬ ‫عبرها في لبا ِ‬
‫ت تحت ستار النقشبندّية‪ ،‬ثم‬ ‫ت ما فعل ْ‬ ‫وفعل ْ‬
‫ققت‬ ‫ما بعد أن ح ّ‬ ‫ة تما ً‬ ‫ة صوفي ٍ‬ ‫ولت إلى طريق ٍ‬ ‫تح ّ‬
‫شيًئا كثيًرا من أهدافها‪ .‬ول نريد أن نستقصي‬
‫مله الزمان والظروف والوضاع أكثر‬ ‫فيما ل يتح ّ‬
‫ن القلم الصادق لن يغفل عن‬ ‫من هذا القدر؛ فا ّ‬
‫تسجيل ما قد جرى في هذا العالم من صغير‬
‫ست َطٌَر {‪}590‬ك َل ّ‬ ‫م ْ‬‫ر ُ‬ ‫ٍ‬ ‫و َ‬
‫كبي ِ‬ ‫ر َ‬
‫ٍ‬ ‫غي‬
‫ص ِ‬‫ل َ‬ ‫وك ُ ّ‬‫وكبير‪َ } .‬‬
‫عَلم ُ‬ ‫م ك َل ّ ّ‬ ‫ن * ثُ ّ‬ ‫عَلم ُ‬
‫‪591‬‬
‫ونَ‪{.‬‬ ‫ف تَ ْ‬ ‫و َ‬‫س ْ‬ ‫و َ‬ ‫ف تَ ْ‬‫و َ‬ ‫س ْ‬
‫ّ‬
‫القمر‪53/‬‬ ‫سورة‬ ‫‪590‬‬

‫التكاثر‪4 ،3/‬‬ ‫سورة‬ ‫‪591‬‬


‫‪510‬‬

‫جله الدكتور أسعد السمحراني في‬ ‫ل ما قد س ّ‬ ‫ولع ّ‬


‫دا تهمس إلى‬‫ةج ّ‬ ‫ت يسير ٍ‬
‫ب له من كلما ٍ‬ ‫ثنايا كتا ٍ‬
‫ة شيًئا من أسرار مدينة‬ ‫ذوي العقول المتفّتح ِ‬
‫السليمانيّة العراقّية اّلتي طالما تحتضن جماعا ٍ‬
‫ت‬
‫ح الخظيَر‬‫ت ذلك الشب َ‬ ‫ة كما احتضن ْ‬ ‫مشبوه ً‬
‫ص في لباس الطريقة النقشبندّية‬ ‫م َ‬ ‫المتق ّ‬
‫ة من القرن‬ ‫ة حساس ٍ‬ ‫الخالدّية إبان مرحل ٍ‬
‫الماضي‪..‬‬
‫ي‪:‬‬
‫يقول السمحران ّ‬
‫م حسين المازندراني‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬
‫«بعد إعدام الباب ات ّ ِ‬
‫ة من أتباع الباب بمحاولة‬ ‫)البهاء( مع مجموع ٍ‬
‫ما‬
‫اغتيال ملك إيران ناصر الدين شاه انتقا ً‬
‫ض‬
‫ي وشقيقه يحيى وبع ُ‬ ‫ف َ‬ ‫قل ثم ن ُ ِ‬ ‫للباب‪ ،‬فاعت ُ ِ‬
‫أتباعهم إلى بغداد سنة ‪1268‬هـ‪1852 -.‬م‪ ،.‬حيث‬
‫ما قضى بعضها في‬ ‫مكث فيها قرابة ‪ 12‬عا ً‬
‫‪592‬‬
‫السليمانية يبشر بدعوته‪».‬‬

‫ن النقشبندّيين اّلذين‬ ‫وهذا دليل قاطع على أ ّ‬


‫ما في وجه المؤمنين الموحدّين‬ ‫وقفوا دائ ً‬
‫و الّلدود؛ سكتوا ‪ -‬على القل‬ ‫ف العد ّ‬ ‫الحنفاء وقو َ‬
‫ة من أخطر الحركات الهادفة‬ ‫ت حرك ٍ‬ ‫‪ -‬عن نشاطا ِ‬
‫إلى هدم السلم من أساسه في مدينتهم‬
‫ق دعوتهم‪،‬‬‫ذات‪ .‬وهي منب َث َ ُ‬ ‫السليمانية بال ّ‬
‫خاَرى؛‬
‫ة بعد مدينة ب ُ َ‬
‫دس ُ‬ ‫ومركُزهم‪ ،‬وقبلُتهم المق ّ‬
‫ى فيها من‬ ‫ة والقو َ‬ ‫كانوا ول يزالون هم الكثري َ‬
‫بقّية الجموع والجماعات!‬

‫ن اّلذي قد جرى بالمس من خير وشر يجري‬ ‫إ ّ‬


‫ن اختلفت‬‫دا لمحالة‪ ،‬وإ ْ‬ ‫ضا وسيجري غ ً‬
‫اليوم أي ً‬
‫وعت الساليب‪.‬‬ ‫وُر وتباينت الشكال وتن ّ‬‫الص َ‬
‫ّ‬
‫ق والباطل‪...‬تلك سنة‬ ‫فالحرب سجال بين الح ّ‬

‫الدكتور أسعد السمحراني‪ ،‬البهائية والقاديانية ص‪ .74 /‬دار النفائس‪ ،‬الطبعة الثانية‪ .‬بيروت‪1989-‬م‪.‬‬ ‫‪592‬‬
‫‪511‬‬

‫م‬ ‫م أَ ْ‬
‫عل َ ُ‬ ‫فَرب ّك ُ ْ‬ ‫شاك ِل َت ِ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ى َ‬
‫عل َ‬
‫ل َ‬‫م ُ‬ ‫ع َ‬
‫ل يَ ْ‬‫لك ّ‬ ‫ق ْ‬‫الله « ُ‬
‫ً ‪593‬‬
‫سبي ِل »‬ ‫َ‬
‫ى َ‬ ‫هد َ‬‫وأ ْ‬ ‫ه َ‬‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫بِ َ‬
‫خذَ بنظر العتبار‪ ،‬هو أ ّ‬
‫ن‬ ‫ؤ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫ولكن اّلذي يجب أ ْ‬ ‫ّ‬
‫التطّرف والحقد والعنف والضطهاد مهما بلغ‬
‫ن التزوير والتدليس‬ ‫دها؛ وأ ّ‬ ‫من القسوة ح ّ‬
‫والتدجيل والغش والمكر والستغلل مهما لعب‬
‫ة‪،‬‬‫الدور في إرباك البسطاء‪ ،‬وغسل الدمغ ِ‬
‫شف أو‬ ‫وف والتق ّ‬ ‫وتجنيد الخونة تحت ستار التص ّ‬
‫العلمنة واللحاد؛ لصرف الوجوه عن الحق‪،‬‬
‫وتشويه الحقيقة‪ ،‬وتقديم الذئاب في جلود‬
‫الضأن‪ ،‬ونسج نظريات المؤامرة لخماد حرارة‬
‫اليمان اّلذي يمل قلوب أهل التوحيد الحنفاء؛‬
‫ن الصدق والخلص والمثل العليا سوف تسلك‬ ‫فا ّ‬
‫ل‬ ‫ة وعقو ٍ‬ ‫ة واعي ٍ‬ ‫ؤمن ٍ‬ ‫بم ْ‬ ‫ما إلى قلو ٍ‬ ‫طريقها دائ ً‬
‫ة وحدها‬ ‫ة المطلق ُ‬ ‫ة‪ ،‬لتبقى الحقيق ُ‬ ‫ة متفّتح ٍ‬ ‫نّير ٍ‬
‫ة إلى أبد البدين ولو كره‬ ‫ة شامخ ً‬ ‫ة غالب ً‬ ‫دائب ً‬
‫ن الحق يعلو‬ ‫عا‪ ،‬فا ّ‬ ‫متون وأبناء الحماقة جمي ً‬ ‫المتز ّ‬
‫ل‬‫ى ال َْباطِ ِ‬ ‫عل َ‬ ‫ق َ‬‫ح ّ‬ ‫ف ِبال ْ َ‬ ‫ذ ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ول ُيعلى عليه‪« .‬ب َ ْ‬
‫ما‬‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫وي ْ ُ‬ ‫ول َك ُ ُ‬
‫ق‪َ ،‬‬ ‫ه ٌ‬ ‫و َزا ِ‬‫ه َ‬‫ذا ُ‬ ‫ه َ‬
‫فإ ِ َ‬ ‫غ ُ‬‫م ُ‬ ‫َ‬
‫في َدْ َ‬
‫‪594‬‬
‫ن»‬
‫و َ‬ ‫صف ُ‬ ‫تَ ِ‬

‫السراء‪84/‬‬ ‫سورة‬ ‫‪593‬‬

‫سورة النبياء‪.18 /‬‬ ‫‪594‬‬


‫‪512‬‬

‫ت توضيحّية‬
‫كلما ٌ‬
‫في سياق الجابة على التقرير الصادر‬
‫م ال ُ‬
‫قَرى‬ ‫من جامعة أ ّ‬
‫بقلم فضيلة الستاذ الشيخ لطف الله بن عبد‬
‫العظيم خوجه‬
‫رئيس قسم العقيدة السلمّية للجامعة المذكورة‬
‫كة ال ْ ُ‬
‫مك َّرمة‬ ‫بم ّ‬
‫ل ك َِتاب َِنا‬‫و َ‬ ‫ح ْ‬
‫َ‬
‫ضيها َ‬
‫ن ما َ ِ‬
‫قة النقشبندّية ب َي ْ َ‬ ‫«الطّ ِ‬
‫ري َ‬
‫ها»‪.‬‬ ‫ر َ‬ ‫وحا َ ِ‬
‫ض ِ‬ ‫َ‬
‫***‬
‫المحتويات‪.‬‬
‫* توطئة‬
‫قة‬ ‫ص التقرير الصادر بشأن كتابي‪ :‬الطّ ِ‬
‫ري َ‬ ‫*ن ّ‬
‫ها‪.‬‬‫ر َ‬ ‫وحا َ ِ‬
‫ض ِ‬ ‫ضيها َ َ‬ ‫ن ما َ ِ‬ ‫النقشبندّية ب َي ْ َ‬
‫د الوارِد في القسم الول من‬ ‫ة على النق ِ‬ ‫* الجاب ُ‬
‫و ً‬
‫ل‪:‬‬ ‫ل بقوله‪ « :‬أ ّ‬ ‫التقرير الذي يسته ّ‬ ‫ّ‬
‫ة في الكتاب»‪.‬‬ ‫ب اليجابي ّ ُ‬ ‫الجوان ُ‬
‫د الوارِد في القسم الثاني‬ ‫ة على النق ِ‬ ‫* الجاب ُ‬
‫ل بقوله‪ « :‬ثانيا‪ً:‬‬ ‫من التقرير الذي يسته ّ‬ ‫ّ‬
‫ب السلبّية»‪.‬‬ ‫الجوان ُ‬
‫صة حياتي وذكرياتي‪.‬‬ ‫* نبذة من ق ّ‬
‫هابّية» في ثنايا كتابي‬ ‫ة ِبـ«الو ّ‬ ‫ف طائف ٍ‬ ‫ص ُ‬ ‫و ْ‬
‫* َ‬
‫ها‪...‬‬ ‫مال ِ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ست ِ ْ‬
‫ثا ْ‬ ‫وبواع ُ‬
‫ل متفّرقة‪:‬‬ ‫* مسائ ِ ُ‬
‫***‬
‫‪513‬‬

‫توطئة‬
‫‪----------------‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫ب العالمين والصلة والسلم على‬ ‫الحمد لله ر ّ‬


‫ه أجمعين‬
‫ه وصحب ِ ِ‬
‫مد وعلى آل ِ ِ‬
‫سّيدنا مح ّ‬
‫ما بعد‪،‬‬
‫أ ّ‬
‫م‬
‫م مقا َ‬ ‫ة ك َت َب ُْتها َ لتقو َ‬ ‫ت تفصيلي ّ ٌ‬ ‫فهذه توضيحا ٌ‬
‫م‬‫ها وأث ْب ََتها َ العال ُ‬ ‫جَرا َ‬‫تأ ْ‬ ‫ة على تحقيقا ٍ‬ ‫الجاب ِ‬
‫ف الله بن عبد العظيم‬ ‫ة الشيخ لط ُ‬ ‫م ُ‬‫ل العل ّ َ‬ ‫الفاض ُ‬
‫خوجه‪ ،‬أستاذُ العقيدة بجامع ُ‬
‫ى بمك ّ ِ‬
‫ة‬ ‫قر َ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ه لكتاِبي الموسـوم ِ‬ ‫عت ِ ِ‬ ‫ج َ‬
‫مة‪ ،‬أثناءَ مرا َ‬ ‫مك َّر َ‬
‫ال ُ‬
‫«الطريقة النقشبندّية بين ماضيها وحاضرها َ»‪.‬‬
‫ث‬ ‫م البحو ِ‬ ‫ن أه ّ‬ ‫م ْ‬ ‫وأما ّ هذا الكتاب‪ ،‬فإّنه ِ‬
‫ها – والحمد لله –‬ ‫والدراسات العلمّية اّلتي أنجْزت ُ َ‬
‫ت شّتى‪.‬‬ ‫حثا ً في مجال ٍ‬ ‫م َبا ِ‬
‫ت القل َ‬ ‫ول ْ ُ‬
‫منذ ت ََنا َ‬
‫ب عام ‪ 1420‬من‬ ‫فقني رّبي لتمام ِ هذا الكتا ِ‬ ‫ولما ّ و ّ‬
‫ددا ً‬‫ع َ‬
‫ن َ‬ ‫ه في طَب ْ َ‬ ‫الهجرة النبوية ‪ ،‬ا ْ‬
‫عت َي ْ ِ‬ ‫خت ُ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ست َن ْ َ‬
‫ء في‬ ‫سخا ً إلى العلما ِ‬ ‫ت منه ن ُ َ‬ ‫دم ُ‬ ‫ر‪ ،‬وق ّ‬ ‫غيَر كثي ٍ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫فأ ُ‬ ‫م‪َ ،‬‬ ‫ْ‬
‫م بتصحيح ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وا فيه َرأي َ ُ‬ ‫دنا )تركيا(‪ ،‬ل ِي ََر ْ‬ ‫بل ِ‬
‫ى منهم من‬ ‫ق َ‬ ‫ء ما أتل ّ‬ ‫ه وتهذيبه على ضو ِ‬ ‫وتنقيح ِ‬
‫ن أحدا ً‬ ‫ت‪ .‬بيد أ ّ‬ ‫ت وملحظا ٍ‬ ‫ت وإرشادا ٍ‬ ‫توصيا ٍ‬
‫ب‬‫ب أو أيجا ٍ‬ ‫ه من سل ٍ‬ ‫حا في ِ‬ ‫د رأيا ً صري ً‬ ‫منهم لم ي ُب ْ ِ‬
‫سوى عدد قليل منهم أجابوني شفهيّا‪ :‬أّنه ل‬
‫س‪.‬‬ ‫ع للنا ِ‬ ‫ب‪ ،‬وفيه نف ٌ‬ ‫ع هذا الكتا ِ‬ ‫ع من طب ِ‬ ‫مان َ‬
‫عت ِْني‬‫من َ َ‬
‫ت عليها َ‬ ‫جب ِل ْ ُ‬ ‫ة التي ُ‬ ‫ة الحثيث َ‬ ‫طبيع َ‬‫ن ال ّ‬ ‫ولك ّ‬
‫ت‬
‫ة لما كن ُ‬ ‫ر من الستشار ِ‬ ‫ء بهذا القد ِ‬ ‫من الجتزا ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ّ‬‫ر ِ‬ ‫ز كثي ٍ‬ ‫ج ِ‬
‫ع ْ‬‫ءو َ‬ ‫ة عدد العلما ِ‬ ‫ة من قل ّ ِ‬ ‫على بّين ٍ‬
‫دنا عن فهم‬ ‫َ‬ ‫ة العلم ِ في بل ِ‬ ‫ن بصف ِ‬ ‫يّتسمو َ‬
‫ض هذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ر َ‬ ‫ع ِ‬‫ت أن أ ْ‬ ‫حب َب ْ ُ‬ ‫ة بالعربّية‪ ،‬أ ْ‬ ‫ون ِ‬ ‫النصوص المد ّ‬
‫‪514‬‬

‫ة بالحرمين‬ ‫ة والمعرف ِ‬ ‫ب على أهل الخبر ِ‬ ‫الكتا َ‬


‫ق هذا‬ ‫ة لتحقي ِ‬ ‫ب الفرص َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ت أتر ّ‬ ‫ن‪ ،‬وبدأ ُ‬ ‫الشريفي ِ‬
‫ن من‬ ‫ن زارني طاِلبا ِ‬ ‫ب‪ ،‬حّتى قدَّر الله لي أ ْ‬ ‫المطل َ ِ‬
‫ل‪ ،‬وهما‪:‬‬ ‫ن في داري بإسطنبو َ‬ ‫د المي ِ‬ ‫أهل البل ِ‬
‫مد بن سالم‬ ‫عت َي ِْبي‪ ،‬ومح ّ‬ ‫سعود بن سعد ال ُ‬
‫ة صديقي الحميم الشيخ‬ ‫هني‪ ،‬وذلك بواسط ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ال ُ‬
‫م‬ ‫قب َل ْت ُ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫فا ْ‬ ‫ه‪َ .‬‬ ‫حب َت ِ ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫وب ِ ُ‬‫مصطفى الهللي َ‬
‫َ‬
‫ت مثواهم ما أمكنني التزاما ً بح ّ‬
‫ق‬ ‫سن ْ ُ‬‫ح َ‬ ‫ب وأ ْ‬ ‫بترحا ٍ‬
‫ن‬ ‫ّ‬
‫ت على الطال ِب َي ْ ِ‬ ‫عّرف ُ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫م‪ .‬ول ّ‬ ‫ة في السل ِ‬ ‫و ِ‬‫خ ّ‬ ‫ال ُ ُ‬
‫م القرى‬ ‫ةأ ّ‬ ‫ن بجامع ِ‬ ‫ت أنهما يدرسا ِ‬ ‫ن وعلم ُ‬ ‫عَرب ِي ّي ْ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ة‬
‫ن عن مصادَر علمي ّ ٍ‬ ‫بمكة المكّرمة‪ ،‬وأّنهما يبحثا ِ‬
‫ت‬ ‫دم ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫ة الدكتوراه‪َ ،‬‬ ‫ليستعينا بها على إعداد شهاد ِ‬
‫ة‬
‫ب على سبيل المساعد ِ‬ ‫ة من هذا الكتا ِ‬ ‫لهما نسخ ً‬
‫ة الخ سعود بن‬ ‫م ِ‬ ‫ه في ذ ّ‬ ‫متهما‪ ،‬كما أودعت ُ‬ ‫في مه ّ‬
‫ء فيروا‬ ‫ه على العلما ِ‬ ‫ض ُ‬ ‫ر َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ة‪ ،‬ل ِي َ ْ‬ ‫ص ً‬‫عت َي ِْبي خا ّ‬ ‫سعد ال ُ‬
‫ن شاء‬ ‫م طبعه ونشره بعد ذلك إ ْ‬ ‫فيه رأيهم‪ ،‬ليت ّ‬
‫ة من‬ ‫ي – بعد فتر ٍ‬ ‫غن ِ‬ ‫الله تعالى‪ ...‬إلى أن ب َل َ َ‬
‫ن ‪ -‬تقريٌر من الفاضل المكّرم الشيخ لطف‬ ‫الزم ِ‬
‫ة‬
‫الله بن عبد العظيم خوجه‪ ،‬أستاِذ العقيد ِ‬
‫بجامع ُ‬
‫مة‪ ،‬وذلك تحت‬ ‫مك َّر َ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫ى بمك ّ ِ‬ ‫قر َ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫ِ‬
‫عـنوان «نظرة حول كتاب‪:‬الطريقة النقشبندّية‬
‫بين ماضيها وحاضرها»‬

‫م‪،‬‬‫ر القي ّ ِ‬ ‫ن هذا التقري ِ‬ ‫ل مضمو َ‬ ‫و َ‬‫وقبل أن أتنا َ‬


‫م بتحليله والجابة على ما ورد فيه من‬ ‫وأقو َ‬
‫غ‬‫م بال ِ َ‬ ‫ُ‬
‫النقد والنصح والرشاد‪ ،‬أريد أن أقدّ َ‬
‫عت َي ِْبي‬‫ول ً للخ سعود بن سعد ال ُ‬ ‫كري وامتناني أ ّ‬ ‫ش ْ‬‫ُ‬
‫ه‪،‬‬
‫كلت ُ ُ‬ ‫ه وو ّ‬ ‫ة فيما وّليت ُ ُ‬ ‫ة والمان ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه بالذّ ّ‬ ‫على ال ْت َِزا ِ‬
‫م ِ‬
‫ة‬
‫لم ِ‬ ‫ل إلى الستاذ الع ّ‬ ‫دم بالشكر الجزي ِ‬ ‫م أتق ّ‬ ‫ث ّ‬
‫الشيخ لطف الله بن عبد العظيم خوجه‪ ،‬على‬
‫ء‬
‫ة بإجرا ِ‬ ‫ل جهوٍد بالغ ٍ‬ ‫ة لما تكّرم ببذ ِ‬ ‫مساعيه الطّيب ِ‬
‫ل‪ ،‬وما‬ ‫مل َ ٍ‬ ‫ن َ‬‫ب الضخم ِ دو َ‬ ‫ر في هذا الكتا ِ‬ ‫النظ ِ‬
‫ل على مدى‬ ‫ة‪ ،‬مما ّ ي َدُ ّ‬‫م ٍ‬ ‫ت ها ّ‬‫ت فيه من تحقيقا ٍ‬ ‫أثب َ‬
‫ة‬
‫ب وسع ِ‬ ‫ه للكتا ِ‬ ‫ة دراست ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ه ود ّ‬ ‫ه وعنايت ِ‬ ‫ر ِ‬‫صب ِ‬
‫‪515‬‬

‫ه‪ ...‬ول يفوتني – بهذه‬ ‫ه على تفاصيل ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫إ ّ‬


‫طل ِ‬
‫ن عن منتهى فخري واعتزازي‬ ‫ن أُ ْ‬
‫عل ِ َ‬ ‫المناسبة – أ ْ‬
‫ُ‬
‫ذ‪ ،‬وأك ْب َِر ما يمتاُز به من الباع‬ ‫بمثل هذا العالم الف ّ‬
‫ل في العلوم والمعارف‪ ،‬تشهد على ذلك‬ ‫الطوي ِ‬
‫ُ‬
‫ي الخالص المتين‪،‬‬ ‫ه الجل ّ‬ ‫سُلوب ُ ُ‬‫ة وأ ْ‬ ‫ه الرصين ُ‬ ‫عبارات ُ ُ‬
‫ف‪...‬‬‫ل والنصا ِ‬ ‫بجانب ما يّتصف به من العد ِ‬
‫مة‬
‫فع به أ ّ‬ ‫ء‪ ،‬ون ّ‬‫فجزاه الله تعالى خير الجزا ِ‬
‫َ‬
‫متنا آمين‪.‬‬ ‫خرا ً ل ّ‬ ‫م‪ ،‬وأك ْث ََر من أمثال ِ ِ‬
‫ه ُز ْ‬ ‫السل ِ‬
‫***‬

‫ة على‬
‫ة التفصيلي ّ ُ‬
‫الجاب ُ‬
‫التقرير المذكور‬
‫عَلى‬
‫ت الشيخ لطف الله َ‬ ‫ح َ‬
‫ظا ُ‬ ‫مل َ َ‬
‫ت ُ‬
‫مل ْ‬
‫شت َ َ‬ ‫لَ َ‬
‫قدْ ا ْ‬
‫م‪.‬‬
‫ك َِتاب َِنا المشار إليه في ثلثة أقسا ٍ‬
‫ل‪ :‬الجوانب اليجابّية في الكتاب‪،‬‬‫و ً‬
‫أ ّ‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬الجوانب السلبّية‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬مساِئل متفّرقة‪:‬‬

‫ص التقرير‬
‫وهذا ن ّ‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫نظرة حول كتاب «الطريقة النقشبندّية بين‬
‫ماضيها وحاضرها»‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬الجوانب اليجابّية في الكتاب‪:‬‬

‫مة في بيان حقيقة‬ ‫‪ -1‬هذا الكتاب وثيقة مه ّ‬


‫النقشبندّية من الداخل‪ ،‬حيث أن مؤّلفه من‬
‫أسرة نقشبندّية بحسب ما أفاد به في أول‬
‫الكتاب ص ‪ 3‬حيث قال‪ «:‬ولدت ونشأت في أسرة‬
‫‪516‬‬

‫ذات شهرة واسعة النطاق‪ ،‬تتمتع بالزعامة‬


‫لقطاع كبير من هذه الطائفة الصوفية»‪.‬‬
‫وانتسابه لهذه الطائفة ولزعامتها‪ ،‬م ّ‬
‫كنه من‬
‫طلع عليها من هم خارجها‪ ،‬كما‬ ‫معرفة خفايا ل ي ّ‬
‫أفاد في الموضع نفسه من الكتاب‪ .‬فكان هذا‬
‫الحال سببا ً في رفع قيمة الكتاب‪ ،‬حيث شهد‬
‫شاهد من أهلها‪.‬‬

‫‪ -2‬ويرفع قيمته كذلك عنايته البالغة به‪ ،‬حيث‬


‫أمضى فيه بحسب ما ذكر في خاتمته ثلث سني‬
‫عمره )‪ (23‬عاما ً )ص ‪ .(367 ،4‬وتصديق ما ذكر‬
‫ظاهر في ثنايا الكتاب‪ ،‬ومعلوماته‪ ،‬وما أورده‬
‫)‪(595‬‬
‫‪،‬‬ ‫دده من كتب لهذه الطائفة‬ ‫من أخبار‪ ،‬وما ع ّ‬
‫وما عرضه من تاريخها‪ ،‬وشخصّياتها‪ ،‬ومعرفته‬
‫م من‬ ‫ل ذلك بإسهاب ود ّ‬
‫قة‪ ..‬فمثل هذا الك ّ‬ ‫لك ّ‬
‫دة وجيزة بل‬ ‫سر جمعها في م ّ‬‫المعلومات ل يتي ّ‬
‫تحتاج إلى سنوات من الجهد الحثيث‪ ،‬والعمل‬
‫الدائم‪.‬‬

‫‪ -3‬ومما يرفع قيمة الكتاب‪ :‬أن مؤّلفه تكّلف‬


‫س‪ ،‬فقد استحوذ‬ ‫ه نَ ْ‬
‫ف ٍ‬ ‫ج ِ‬
‫و ّ‬
‫وت َ َ‬
‫ة‪َ ،‬‬
‫تأليفه برغب ٍ‬
‫مه‪،‬‬
‫الموضوع عقله ووقته‪ ،‬حتى صار شغله‪ ،‬وه ّ‬
‫ي مؤّلف يكتب بهذا الدافع فلبد أن‬ ‫وديدنه‪ ،‬وأ ّ‬
‫يمتاز ويبرز‪.‬‬

‫‪ -4‬كما يرفع قيمته‪ :‬أن مؤّلفه كتبه بنفس ناقدة‪،‬‬


‫فاحصة‪ ،‬تزن القوال والفعال بالميزان‬
‫ي‪ ،‬فتقبل منه ما وافق ‪ ،‬وترفض ما‬ ‫الشرع ّ‬
‫ي‬
‫دد في أّية حال‪ ،‬في تخطئة أ ّ‬ ‫خالف‪ ،‬ولم يتر ّ‬
‫قول‪ ،‬أو فكرة علم مخالفتها )‪.(70 ،41‬‬
‫‪ ()595‬يقول ص ‪ :88‬أما الذين تناولوا الّرابطة كشطر به تفاصيل آداب الطريقة النقشبندّية فقد عثرنا على نحو‬

‫من ثلثين رسالة لهم‪ ،‬أقدمها كتاب الرشحات‪ .‬ألفه علي بن الحسين الواعظ‪ ،‬البيهقي‪ ،‬ويقول ‪ :‬لم نعثر على‬

‫هاب السوسي‪ ،‬رغم ما بذلنا من جهود بالغة طوال مدة أكثر من خمسة أعوام‬
‫حرف واحد من رسالة عبد الو ّ‬
‫نطارد وراءها بسعي دءوب من مكتبة إلى أخرى في بلدان الشرق الوسط إل السطور اليسير نقلها ابن‬

‫عابدين‪ ،‬ص ‪.358‬‬


‫‪517‬‬

‫ل النواحي‬ ‫‪ -5‬ويؤكد قيمته‪ :‬أن مؤّلفه جمع ك ّ‬


‫المتعّلقة بهذه الطريقة‪:‬‬
‫ي‪ ،‬في الشعوب التركّية‬ ‫دين ّ‬
‫* فقد بّين أثرها ال ّ‬
‫خاصة والكردّية ‪.(288) .‬‬
‫ي في الدولة العثمانّية‪،‬‬ ‫* وبّين أثرها السياس ّ‬
‫والتركّية من بعد‪.(306) (299) (255) (253) ،‬‬

‫* وبّين أحوالها الجتماعّية‪ ،‬وتأثيراتها‪ ،‬حّتى في‬


‫ي‪.‬‬
‫داخل البيت النقشبند ّ‬
‫فهي وثيقة عن الطائفة النقشبندّية في سائر‬
‫مجالتها‪ :‬الدينّية‪ ،‬والجتماعّية‪ ،‬والسياسّية‪،‬‬
‫فق في كتابة هذا‬ ‫والتاريخّية‪ .‬وقد أصاب وو ّ‬
‫المؤّلف القّيم وإخراجه إلى الوجود‪ ،‬حيث يع ّ‬
‫د‬
‫من اليوم مرجعا ً متكامل ً عن هذه الفرقة الكبيرة‬
‫من الفرق الصوفّية‪ .‬ونوصي ونرجو أن تخرج‬
‫مؤّلفات أخرى مماثلة‪ ،‬عن الفرق الخرى‬
‫الكبيرة‪ ،‬مثل‪ :‬الجيلنّية‪ ،‬الرفاعّية‪ ،‬الشاذلّية‪،‬‬
‫التيجانّية‪ ،‬البريليوّية‪...‬الخ‪ ،‬على يد أحد من‬
‫أبنائها العارفين بالسرار القاصدين الصلح‬
‫المبتغين وجه الله‪.‬‬

‫‪ -6‬لقد أصاب المؤّلف في نقد أفكار هذه‬


‫الطائفة‪ ،‬أصاب فيما نسبه إليها من أفكار‬
‫صوفية‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫* قولهم بالحلول‪ ،‬والّتحاد ووحدة الوجود‪)(102) .‬‬
‫‪.(121‬‬
‫* قولهم بالفناء في ‪ :‬الشيخ‪ ،‬والرسول‪ ،‬والله‬
‫تعالى ‪.(130)(105).‬‬
‫* في إرجاع طريقهم في الذكر والعبادة إلى‬
‫الديانات الهندية‪(107) (104) (103) (102) (54) ،‬‬
‫* في دعوى مشايخ الطريقة عليهم بالغيب‪،‬‬
‫وتصريفهم للمور‪.(151) (145) (94) .‬‬
‫* في دعوى المشايخ استمداد المريدين من‬
‫همّتهم‪ ،‬وروحانيتهم‪.(58) .‬‬
‫‪518‬‬

‫* كذلك في توجيه المريدين إلى استحضار صورة‬


‫الشيخ دائمًا‪.(83)(66)(64) (58) .‬‬
‫ل هذه الفكار وغيرها‪ ،‬من صميم الفكر‬ ‫فك ّ‬
‫ي‪ ،‬وما النقشبندّية إل حلقة في هذا‬ ‫الصوف ّ‬
‫ل آرائه واعتقاداته‪ ،‬وقد أثبت‬ ‫الفكر‪ ،‬تحمل ك ّ‬
‫هذه العتقادات من كتاباتهم وأقوالهم‪.‬‬

‫‪ -7‬من الحقائق الخطيرة التي أبرزها المؤّلف‬


‫في هذا الكتاب‪:‬‬

‫سسوا هذه الطريقة قبل‬ ‫بيان أن التراك إنما أ ّ‬


‫خاَرى لتكون نسخة أخرى‬ ‫سبعة قرون‪ ،‬في ب ُ َ‬
‫للسلم ليتمّيزوا بها عن العرب والفرس في‬
‫عبادة الله تعالى )ص ‪ .(354)(32)(24‬وهذا أمر‬
‫شديد الخطر والوبال‪ ،‬ويحتاج إلى توثيق أكبر‪،‬‬
‫وأدلة واضحة‪ ،‬وهي وإن كانت شهادة شاهد من‬
‫أهلها‪ ،‬إل أن البرهان مطلوب‪ ،‬حتى يقطع الش ّ‬
‫ك‬
‫باليقين‪.‬‬

‫ن المر إذا صار كذلك‪ ،‬فعلى المسلمين‬ ‫ل ّ‬


‫الناصحين‪ :‬عربًا‪ ،‬وتركًا‪ .‬أن يشرعوا في هذا‬
‫الصنم الجاهلي تحطيما ً لّنه يضر بالسلم‬
‫صب للجنس‪.‬‬
‫والمسلمين؛ أعني صنم التع ّ‬
‫‪ -8‬بّين المؤّلف حقيقة نشاط النقشبندّية في‬
‫الدولة التركّية‪ ،‬ومالهم من سيطرة إعلمّية‬
‫ي ظاهر في الحزاب‪.‬‬ ‫ضخمة‪ ،‬وحضور سياس ّ‬
‫حزب النظام الوطني – حزب السلم الوطني –‬
‫حزب الرفاه – حزب السعادة وإلى تاريخ كتابته‬
‫لم يكن قد ظهر الحزب التالي‪ :‬حزب العدالة‬
‫والتنمية‪ ،‬وهو الحزب الحاكم اليوم‪)(318)(86) .‬‬
‫‪.(330‬‬
‫وهذا يعطي صورة ربما كانت غائبة عن طبيعة‬
‫ي للحزاب السلمّية في تركّيا‪،‬‬ ‫العمل السياس ّ‬
‫‪519‬‬

‫وقد أبرز المؤّلف كثيرا ً من جوانبها‪ ،‬أو طرفا ً‬


‫‪.‬خاصة السلبّية‪.‬‬

‫‪ -9‬شهد على أرباب الطريقة النقشبندّية‪،‬‬


‫وأسرته من أشهرها‪ ،‬وقد كان منها‪ ،‬أّنهم‬
‫يكتمون أسرارًا‪ ،‬وشهادته لها قيمة كبيرة‪ ،‬لّنها‬
‫من موقع العارف المطلع ‪.(278)(117)(112)(3) .‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الجوانب السلبّية‪:‬‬

‫تعليقا ً على ما ذكره المؤلف من ثناء على أهل‬


‫الكلم‪ (318)(343) (153)(128)(18) .‬فنقول‪:‬‬

‫ل خطر أهل الكلم على السلم من‬ ‫* ل يق ّ‬


‫سخوا في تراث‬ ‫خطر التصوف؛ حيث هؤلء قد ر ّ‬
‫ي‬
‫ص الشرع ّ‬ ‫ي وردّ الن ّ‬
‫مة‪ :‬المنهج العقل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ي‪.‬‬‫الصحيح الصريح‪ :‬إذا عارض المفهوم العقل َ‬
‫والعقل الصحيح ل يخالف النقل الصريح‪ ،‬ولكن‬
‫هموا‪ .‬وكان من أثر ذلك تعطيل نصوص‬ ‫هكذا تو ّ‬
‫وى معارضة العقل‪ ،‬وهذا ظاهر في‬ ‫ع َ‬
‫كثيرة ب ِدَ ْ‬
‫ي‪ ،‬وأهل الكلم عمومًا‪ ،‬كما هو عند‬ ‫كلم الراز ّ‬
‫وفة للنصوص‬ ‫المعتزلة‪ .‬وهذا يشبه تعطيل المتص ّ‬
‫مل‬ ‫بالذوق والكشف والمنام‪ .‬والمؤّلف قد تح ّ‬
‫وفة‪ ،‬وضلل‬ ‫مشكورا ً مأجورًا‪ ،‬بيان خطأ المتص ّ‬
‫ي‪ :‬نصرةً للحق وإعلءً لكلمة الله‬ ‫الفكر الصوف ّ‬
‫ة‪،‬‬
‫سن ّ ِ‬‫ل على حبه للتباع‪ ،‬والتقّيد بال ّ‬ ‫تعالى‪ ،‬فد ّ‬
‫يء في فكر‬ ‫ولو وقف على ما للكلم من أثر س ّ‬
‫ي‬
‫ده ونقضه كما فعل مع الفكر الصوف ّ‬ ‫مة لر ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ده على طائفة كبيرة منه هي‪ :‬النقشبندّية‪.‬‬ ‫في ر ّ‬
‫ل عمره انصرف في‬ ‫ج ّ‬
‫لكّنه معذور‪ ،‬إذ يظهر أن ُ‬
‫سر له النظر‬ ‫فهم التصوف والردّ عليه‪ ،‬فلم يتي ّ‬
‫في حقيقة علم الكلم بالقدر نفسه‪.‬‬

‫* ل خلف في ضلل الفكر والعتقاد‬


‫ي‪ ،‬غير أن المنتسبين إليه يغلب عليهم‬
‫النقشبند ّ‬
‫‪520‬‬

‫الجهل‪ ،‬وقّلة العلم‪ .‬وطريقة دعوتهم‬


‫واستصلحهم يحتاج إلى رؤية وكلمة طّيبة‪،‬‬
‫وموعظة حسنة‪ ،‬ومجادلة باّلتي هي أحسن‪ ،‬كما‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫حك ْ َ‬‫ك ِبال ْ ِ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ع إ َِلى َ‬ ‫قال تعالى‪« :‬ادْ ُ‬
‫َ‬
‫ن»‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬‫يأ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م ِباّلتي ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫جاِدل ْ ُ‬‫و َ‬ ‫ة َ‬‫سن َ ِ‬‫ح َ‬ ‫ة ال ْ َ‬‫عظ َ ِ‬ ‫و ِ‬
‫م ْ‬‫وال ْ َ‬ ‫َ‬
‫والملحظ أن المؤّلف قد بالغ في التقبيح‬
‫والتشنيع على المنتسبين‪ ،‬وهذا ربما منعهم من‬
‫النتفاع من كلمه القّيم في النقد‪ ،‬لّنه حينئذ‬
‫تأخذهم العّزة بالثم‪ ،‬فيتعصبون جاهلّية‪،120) .‬‬
‫‪ .(142‬والواضح إّنه مدرك لهمّية السلوب الّلين‬
‫الحسن في الدعوة والستصلح‪ ،‬بدليل إّنه أنكر‬
‫مد بن عبد‬ ‫هابّية ) أتباع الشيخ مح ّ‬ ‫على الو ّ‬
‫دة أسلوبهم في دعوة المنحرفين‬ ‫هاب( ش ّ‬ ‫الو ّ‬
‫كر بالية النفة‪،‬‬ ‫عن التوحيد )‪ (311-299‬حتى إّنه ذ ّ‬
‫لكنه يبدوا أّنه أخذته الغيرة على الحق‪ ،‬فنسي‬
‫في خضم ردوده أن يتمّثل السلوب المثل‪،‬‬
‫ي إنسان‪ ،‬مهما بلغ من‬ ‫صور أن يقع من أ ّ‬ ‫وهذا مت ّ‬
‫ن بعض الباطل‪ ،‬وبعض أهله يتخذون‬ ‫العلم‪ ،‬فإ ّ‬
‫أساليب من الحتيال والخداع ما يزعج الخاطر‬
‫ن المرء ليردّ عليهم‬ ‫ويؤلم النفس حتى إ ّ‬
‫دة دون أن يشعر‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫بالقسوة والش ّ‬
‫صب ِْر‬‫وا ْ‬‫فالحال الكمل الصبر كما قال تعالى ‪َ « :‬‬
‫ميل»‬ ‫ج ِ‬ ‫جرا ً َ‬ ‫ه ْ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جْر ُ‬ ‫ه ُ‬‫وا ْ‬‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬‫عَلى َ‬ ‫َ‬

‫ميهم‬
‫* للمؤلف نظرة سلبية تجاه من ُيس ّ‬
‫هابّية )‪ ،(312،313 ،311 ،229‬وكذلك شيخ السلم‬ ‫بالو ّ‬
‫مد‬‫ابن تيمية ) ‪ ،(340‬حيث يصف أتباع الشيخ مح ّ‬
‫هاب بالعنف والجبر وبعدم الكفاءة‬ ‫بن عبد الو ّ‬
‫في إرشاد الناس وإصلحهم‪ ،‬وابن تيمية بأنه‬
‫يمطر المخالفين بالشتم والّلعن ويرمي بالكفر‬
‫ن‬
‫البواح‪ .‬وهذا يحتاج منه إلى إعادة نظر !!‪ .‬فإ ّ‬
‫هاب كان فيها خير‬ ‫مد بن عبد الو ّ‬‫دعوة الشيخ مح ّ‬
‫مة إلى صفاء‬ ‫كثير‪ ،‬لو لم يكن إل أّنها أعادت ال ّ‬
‫التوحيد‪ ،‬وما كان منها من خطأ فأمر متوقع‪،‬‬
‫‪521‬‬

‫ن الحكم عليها‬ ‫كون حامليه بشر ل ملئكة‪ .‬ثم إ ّ‬


‫بعمومها حكما ً سلبيا ً جور وظلم‪ ،‬فلو كانت كذلك‬
‫لما كتب الله لها النتشار والقبول‪ ،‬فالعنف‬
‫ل طائفة‪،‬‬ ‫وقّلة الحكمة في الرشاد موجود في ك ّ‬
‫ن وجودها ل يسوغ وصم الطائفة كّلها بتلك‬ ‫لك ّ‬
‫ما ابن تيمية فلم يكن يوما ً ممن‬ ‫الوصاف‪ .‬وأ ّ‬
‫خلقه‬‫يرمي الناس بالكفر البواح‪ ،‬ول كان ديدنه و ُ‬
‫الّلعن والشتم‪ ،‬بل النصاف والعدل والدب‪،‬‬
‫وكتبه شاهدة‪ ،‬لكّنه لم يكن يحابي في الحق‬
‫أحدًا‪ .‬ولو أن المؤّلف وقف على كتبه بنفسه‬
‫ن المؤّلف‬ ‫دة لبان له ذلك‪ .‬ثم إ ّ‬ ‫وأدمن قراءتها م ّ‬
‫من المحبين لدين الحنيفّية والحنفاء )‪(314‬‬
‫والداعين لتصحيح التوحيد‪ ،‬وكتابه هذا شاهد‪،‬‬
‫وغيرته على التوحيد ظاهرة‪ ،‬وهو في هذا يّتفق‬
‫هاب‪ .‬وابن‬ ‫مد بن عبد الو ّ‬ ‫مع دعوة الشيخ مح ّ‬
‫تيمية‪ ،‬فهو يّتفق معهم في الصول إذن‪ ،‬وهذا‬
‫ما ما يظّنه ويراه منهم‬ ‫كاف في تآلفه معهم‪ .‬وأ ّ‬
‫ي في الصلح فيمكنه علجه‬ ‫مخالفا ً للهدي النبو ّ‬
‫فيهم بالّلين والموعظة الحسنة والرفق‪ ،‬وهو‬
‫لذلك أهل‪.‬‬
‫***‬

‫ثالثًا‪ :‬مسائل متفرقة‪:‬‬

‫مة‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ل‪ :‬تعليق حول سبب ظهور التصوف في ال ّ‬
‫مة سببه‬
‫ن ظهور التصوف في ال ّ‬ ‫الذي يظهر أ ّ‬
‫احتكاك المسلمين بأصحاب الثقافات القديمة‬
‫وكان التصوف معروفا ً لديهم بالضافة إلى وجود‬
‫دعاة لها بين المسلمين وسواء حدث خلف بين‬
‫المسلمين في العصر الول أو لم يحصل لم يكن‬
‫ذلك ليؤّثر في ظهور التصوف لتلك السباب‬
‫وأصل خطأ من يربط ظهور التصوف بما حدث‬
‫من خلفات في عهد الصحابة أّنه يعتمد تفسير‬
‫‪522‬‬

‫التصوف بالزهد وهذا خطأ حّتى أئمة التصوف‬


‫دونه‪.‬‬
‫ير ّ‬
‫ثانيًا‪ :‬اقترح على « الشيخ فريد» أن يقارن بين‬
‫ي ويقارن بينها‬
‫ي والجيل ّ‬
‫أقوال الجنيد والدسوق ّ‬
‫وبين أقوال النقشبندّية هل بينها توافق‪ .‬انظر‬
‫ص ‪80‬‬

‫دس الله سّره» أي‬ ‫ثالثًا‪ :‬في معنى قولهم « ق ّ‬


‫هر الله سّره وبهذا الوجه ل مانع منه ول يلزم‬
‫ط ّ‬
‫لجواز استعماله أن يكون السلف استعملوه غير‬
‫أّنه ل يبعد أن يكون أصل استعماله لدى‬
‫وفة من باب الغلو‪ .‬انظر ص ‪.98‬‬ ‫المتص ّ‬
‫رابعًا‪ :‬تعليق بعد قول المؤّلف ص ‪« 117‬نجد‬
‫أنفسنا ‪ ...‬في مفهوم التصوف» هي كذلك في‬
‫م‬‫دت دخلها أناس ل ه ّ‬
‫بدايتها لكّنها بعد أن توط ّ‬
‫لهم إل الشهوة والشهرة والتعظيم دون أن‬
‫يكونوا في منظمات سّرية قصدها هدم السلم‬
‫إذ قد ترسخ قدمها وصارت جزءا ً من السلم‬
‫تلبيسا ً وتدليسًا‪.‬‬

‫خامسًا‪ :‬في معنى مصطلح ثيوصوفية ص ‪.119‬‬


‫المراد بالثيوصوفية‪ :‬الحكمة اللهّية ]ثيو‪ :‬اللهّية‬
‫[ ] صوفية‪ :‬حكمة[‬

‫سادسًا‪ :‬في الفرق بين فناء المتقدمين‬


‫خرين ص ‪ .129‬الحقيقة إّنه ل فرق بين فناء‬ ‫والمتأ ّ‬
‫خرين فل يصح القول بالتطور‬ ‫القدمين والمتأ ّ‬
‫هنا‪.‬‬

‫سابعًا‪ :‬عقيدة الحلج وهل لوحدة الوجود صور‬


‫أخرى ص ‪ .131‬يذكر الباحثون أن الحلج كان‬
‫حلوليا ّ ل وحدويًا‪ .‬ما ذكره المؤّلف عن وحدة‬
‫الوجود‪ ،‬هو صورة من صور وحدة الوجود يمثلها‬
‫‪523‬‬

‫التلمساني‪ ،‬وثمة صور أخرى يمثلها ابن عربي‬


‫وابن سبعين‪.‬‬

‫ثامنًا‪ :‬في ص ‪ 133‬ذكر المؤّلف عن البوذيين‬


‫ن المشهور عن‬‫عبادتهم للشجر ‪ ...‬الخ‪ .‬ولك ّ‬
‫البوذّية أّنهم يعبدون بوذا فحسب‪.‬‬

‫تاسعًا‪ :‬الحديث عن من يعتذر عن بعض عبارات‬


‫الصوفية الشنيعة ص ‪.138‬‬
‫دعوى من زعم أنها عبارات قيلت في حال‬
‫الغلبة دعوى فارغة وباطلة‪ ،‬بل هي نتاج نظرية‬
‫كاملة في الحلول ظهرت حال غياب العقل‪،‬‬
‫دث إل بما يجول في الصدر‪.‬‬‫فالّلسان ل يتح ّ‬
‫عاشرًا‪ :‬في الفرق بين عقيدة وحدة الشهود‬
‫ووحدة الوجود ص ‪ .140‬حقيقة وحدة الشهود‬
‫تختلف عن حقيقة وحدة الوجود‪ ،‬لكن من غير‬
‫المستبعد أن يتدرع بها الحلولية متى خافوا على‬
‫أنفسهم‪.‬‬

‫الحادي عشر‪ :‬في أنواع التوسل ص ‪ .165‬التوسل‬


‫الشرعي يكون بثلثة أمور‪:‬‬
‫أ‪ -‬بأسماء الله الحسنى ب‪ -‬العمل الصالح ج‪-‬‬
‫بدعاء الرجل الصالح الحي‪.‬‬

‫الثاني عشر‪ :‬في تحليل سبب تعذيب النقشبندّية‬


‫لنفسهم ص ‪ .343‬سبب ذلك أّنهم يقولون أن تلك‬
‫الحقائق ل تنكشف إل بالرياضات حتى يزول عن‬
‫ن ابن عربي له مذهب‬ ‫الروح قيود الجسد على أ ّ‬
‫آخر ل يشترط فيه إل الرياضة الذهنية لحصول‬
‫هذا النكشاف‪.‬‬

‫الثالث عشر‪ :‬في ثناء المؤلف على الرسالة‬


‫النسفية وشرحها للتفتازاني ص ‪ .343‬فيجب أن‬
‫‪524‬‬

‫يعلم أّنها ليست على المنهج الصحيح بل فيها‬


‫مخالفات لمذهب السلف الصالح‪.‬‬

‫الرابع عشر‪ :‬في نقل الصوفّية لبعض جثث‬


‫موتاهم ص ‪ .344‬نقل الرفات مسألة خلفية يسوغ‬
‫فيها الجتهاد‪.‬‬

‫مد بن سليمان‬‫الخامس عشر‪ :‬في ثناء مح ّ‬


‫البغدادي على شيخه ص ‪ .363‬يبدو أن الكلم في‬
‫الوصول إلى مرتبة الولية ل الوصول إلى دولة‬
‫الهند فلهذا ل معنى لن يستشهد بسرعة‬
‫الوصول في هذا العصر‪.‬‬

‫السادس عشر‪ :‬الولى حذف العبارة التي في‬


‫ص ‪ 310‬وهي قولك «إذا صح» في سياق «‪...‬‬
‫واعتقد‪ .‬جحافلهم إلى دولة مستقلة إذا صح»‬
‫هابّيين» ص ‪.314‬‬
‫وعبارة «سفارة الو ّ‬
‫السابع عشر‪ :‬ذكر الشيخ مزيد حفظه الله – أن‬
‫هابّيين وجميع‬‫الخلف بين النقشبنديين والو ّ‬
‫الموحدين كان في مسائل جانبية ثانوية غريبة ل‬
‫علقة لها بلب السلم وأركانه ‪ ..‬وجعلوا هذه‬
‫المسائل التافهة ‪ ...‬ص ‪.316‬‬

‫ثم ذكر هذه المسائل التي خاصم فيها‬


‫هابّيين ومنها الستعانة بالموتى‬‫النقشبنديون الو ّ‬
‫والنذر لهم والتأويلت الكلمية لصفات الله‬
‫كصفة الستواء على العرش فهل هذه مسائل‬
‫جانبية ثانوية غريبة ل علقة لها بلب السلم‬
‫وأركانه وأيضا ً تافهة! هذا ليس بصحيح وهو‬
‫ن بعض نقاط‬ ‫يتناقض مع ما ذكره الشيخ من أ ّ‬
‫هابّيين والنقشبنديين يجمعها‬ ‫الخلف بين الو ّ‬
‫اعتقاد النقشبندّية نسبة مشيئة قدرة خارقة‬
‫تستحيل على البشر إلى من يدعون أّنه ولي مما‬
‫ساهم في الستعانة بغير الله والذبح لهم‬
‫‪525‬‬

‫وعبادتهم من دون الله واعتقاد أنهم يصرفون‬


‫الكون فإذا كانت هذه مسائل كما وصفها‬
‫بالتافهة ول علقة لها بلب السلم‪ ،‬وإيمانه‬
‫فماذا بقى إذن من السلم وأركانه وقد أطاح‬
‫المؤّلف دون أن يقصد بالركين الركين الو ّ‬
‫ل فيه‬
‫وهو شهادة ل إله إل الله شهادة التوحيد‪.‬‬

‫فق الكاتب الشيخ فريد‬‫أسأل الله تعالى أن يو ّ‬


‫صلح الهاشمي لكل خير ويبارك في جهده‬
‫ويتقبل منه العمل والقول‪ ،‬وصلى الله على‬
‫مد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬ ‫نبينا مح ّ‬
‫لطف الله بن عبد العظيم خوجه‬
‫أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة‬
‫‪10/10/1425‬هـ‬

‫***‬

‫ة على النتقادات‬‫الجاب ُ‬
‫الوارِدة في التقرير‬
‫ة في الكتاب‪:‬‬
‫ب اليجابي ّ ُ‬ ‫و ً‬
‫ل‪ :‬الجوان ُ‬ ‫أ ّ‬
‫ل‪،‬‬‫و ِ‬ ‫بالنسبة لتحليلت الستاذ حول القسم ِ ال ّ‬
‫ى على‬ ‫ة – مّرةً أخر َ‬ ‫فأشكره – بهذه المناسب ِ‬
‫ب انطلقا ً من‬ ‫ت هذا الكتا ِ‬ ‫ف من مّيزا ِ‬ ‫ماوص َ‬
‫ن‬‫ة في بيا ِ‬ ‫م ٌ‬
‫ة مه ّ‬ ‫الواقع‪ ،‬وشهدَ على أّنه «وثيق ٌ‬
‫ة عبَر‬ ‫حقيقة النقشبندّية»‪ ،‬وذكر أكثر من مر ٍ‬
‫ة‬
‫ه‪ ،‬فقال‪« :‬فهي وثيق ٌ‬ ‫ع من قيمت ِ‬ ‫ر ما يرف ُ‬ ‫التقري ِ‬
‫ر مجالِتها‬ ‫ة في سائ ِ‬ ‫ة النقشيندي ِ‬ ‫عن الطائف ِ‬
‫ة‪ ،‬وقد‬ ‫الدينّية والجتماعّية والسياسّية والتاريخي ِ‬
‫فق في كتابة هذا المؤّلف القّيم‬ ‫أصاب وو ّ‬
‫ن اليوم مرجعا ً‬ ‫م َ‬‫ث ُيعدّ ِ‬ ‫وإخراجه إلى الوجود‪ ،‬حي ُ‬
‫ِ‬
‫ق‬
‫فَر ِ‬ ‫ة من ال ِ‬ ‫ة الكبير ِ‬ ‫متكامل ً عن هذه الفرق ِ‬
‫ة»‪.‬‬
‫الصوفي ِ‬
‫‪526‬‬

‫ء‬
‫م من علما ِ‬ ‫ن يشهدَ لى عال ٌ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ة عظيم ٌ‬ ‫فهذه نعم ٌ‬
‫ة‬
‫ة فاحص ٍ‬ ‫س ناقد ٍ‬ ‫ّ‬
‫ب بنف ٍ‬ ‫ت هذا الكتا َ‬ ‫متنا‪ :‬أّني ألف ُ‬ ‫أ ّ‬
‫ي‪ ،‬فتقبل‬ ‫ل بالميزان الشرع ّ‬ ‫ل والفعا َ‬ ‫ن القوا َ‬ ‫تز ُ‬
‫د‬
‫منها ما وافق‪ ،‬وترفض ما خالف؛ وأّني لم أتردّ ْ‬
‫ت‬ ‫في أية حال في تخطئ َ‬
‫ة علم ُ‬ ‫ل أو فكَر ٍ‬ ‫ي قو ٍ‬‫ةأ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ة‬
‫ة جليل ٌ‬ ‫ة‪ ...‬نعم‪ ،‬هذه نعم ٌ‬ ‫سن ّ ِ‬
‫ب وال ّ‬ ‫مخالفَتها للكتا ِ‬
‫ل صاحب التقرير‬ ‫ن الفاض َ‬ ‫أحمد الله عليها؛ غير أ ّ‬
‫ة من القسم الول‬ ‫ة السابع ِ‬ ‫أوردَ نقدا ً في المادّ ِ‬
‫صه‪:‬‬‫ما ن ّ‬
‫« من الحقائق الخطيرة التي أبرزها المؤلف في‬
‫سوا هذه‬ ‫َ‬
‫س ُ‬‫هذا الكتاب‪ :‬بيان أن التراك إنما أ ّ‬
‫ن‬
‫خاَرى لتكو َ‬ ‫ة قبل سبعة قرون‪ ،‬في ب ُ َ‬ ‫ري َ‬
‫ق َ‬ ‫الطّ ِ‬
‫ة أخرى للسلم‪ ،‬ليتمّيزوا بها عن العرب‬ ‫نسخ ً‬
‫والفرس في عبادة الله تعالى )ص ‪.(354)(32)(24‬‬
‫وهذا أمر شديد الخطر والوبال‪ ،‬ويحتاج إلى‬
‫ت‬‫ن كان ْ‬‫ة‪ ،‬وهي وإ ْ‬ ‫ة واضح ٍ‬‫ق أكبَر‪ ،‬وأدل ّ ٍ‬ ‫توثي ٍ‬
‫ب‪،‬‬‫ن مطلو ٌ‬ ‫ن البرها َ‬ ‫د من أهلها‪ ،‬إل ّ أ ّ‬ ‫شهادةُ شاه ٍ‬
‫ك باليقين»‪.‬‬ ‫ش ّ‬ ‫حتى يقطع ال ّ‬

‫ن العبارات التي‬ ‫ة‪:-‬إ ّ‬ ‫ت – وبالله الستعان ُ‬ ‫قل ْ ُ‬‫ُ‬


‫ل الشيخ من الصفحات المذكورة‬ ‫ها الفاض ُ‬ ‫س َ‬ ‫قت َب َ َ‬‫ا ْ‬
‫ها من كتابي على سبيل النقد‪ ،‬فقد‬ ‫قل َ َ‬‫ون َ َ‬‫آنفًا‪َ ،‬‬
‫قل ْت ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ة ما ُ‬ ‫ة‪ ،‬وهي من جمل ِ‬ ‫ب في نقِلها بأمان ٍ‬ ‫أصا َ‬
‫ف اّلذي‬ ‫ص ِ‬‫من ْ ِ‬‫قَلمي‪ ،‬فهنيئا ً لهذا العالم ال ْ ُ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫وكتب ْت ُ ُ‬
‫ة من مضمون هذا‬ ‫ة خلفي ّ ٍ‬‫ف على أدنى مسأل ٍ‬ ‫ق َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫م أحدٌ من الخصوم ِ رغم ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫يظ‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ى‬
‫ّ َ‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫ب‬‫ِ‬ ‫الكتا‬
‫ة‬
‫ع وزندق ٍ‬ ‫وب ِدَ ٍ‬
‫ط َ‬ ‫ة من خل ٍ‬ ‫ف من هذه الطائف ِ‬ ‫ُيعَر ُ‬
‫ق هذه‬ ‫ف‪ .‬ولن ُيعجَزني توثي ُ‬ ‫دين الحني ِ‬ ‫ف لل ّ‬ ‫وتحري ٍ‬
‫ب وغيره لكثرِتها‪،‬‬ ‫س الكتا ِ‬‫ة من نف ِ‬ ‫ة بأِدل ّ ٍ‬ ‫الحقيق ِ‬
‫ه تعالى‪.‬‬ ‫س والعياذ بالل ِ‬ ‫ّ‬
‫وليس عن حظ نف ٍ‬
‫ح‬ ‫ّ‬
‫وأما في هذا الصدد‪ ،‬فيجب التركيز على توضي ِ‬
‫ة لتقريب المسألة إلى العقول‬
‫م ٍ‬
‫ر ها ّ‬
‫ة أمو ٍ‬
‫أربع ِ‬
‫‪527‬‬

‫ة الدل ّ ِ‬
‫ة‬ ‫وفتح المجال ِلفهمها‪ .‬إذ ل يسهل إقام ُ‬
‫ة بدوِنها‪.‬‬
‫على القضّية المذكور ِ‬
‫دهم )وهي‬ ‫ل تعب ّ ِ‬ ‫شكا َ ُ‬ ‫ن وأ َ ْ‬ ‫عِتقا َدُ النقشبندّيي َ‬ ‫ل‪ :‬ا ْ‬ ‫أو ً‬
‫ة على علماء‬ ‫ة خافي ٌ‬ ‫ة والتاريخي ِ‬ ‫بجوانبها الصولي ِ‬
‫ب‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ف واضطرا ٌ‬ ‫ن فيها خلط واختل ٌ‬ ‫مِتنا!(‪ ،‬فإ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ن ضبطها‪ ،‬ول عندهم‬ ‫ض إلى حدوٍد ل ُيمك ُ‬ ‫وغمو ٌ‬
‫ه في‬ ‫س ِ‬ ‫ن على أسا ِ‬ ‫معو َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ة يُ ْ‬ ‫ل توقيفي ٌ‬ ‫أصو ٌ‬
‫غ له‬ ‫ع ما ل مسا َ‬ ‫ن ابتدا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل فتمنعهم ِ‬ ‫التفاصي ِ‬
‫م( بله ضوابط السلم؛ وذلك حّتى‬ ‫ه ْ‬ ‫د ِ‬‫ق ِ‬ ‫معت َ َ‬ ‫)في ُ‬
‫سهم‪.‬‬ ‫م طقو ِ‬ ‫ن أه ّ‬ ‫م ْ‬ ‫في صلة الّرابطة التي هي ِ‬
‫ه أثناء الّرابطة‪،‬‬ ‫ض عيني ِ‬ ‫م ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫لذا فمنهم مثل ً َ‬
‫ح زيادةً على ذلك‪،‬‬ ‫ه بِ ِ َ‬ ‫غ ّ‬
‫وشا ٍ‬ ‫ه ُ‬ ‫ج َ‬ ‫و ْ‬ ‫طي َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ومنهم َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ه‪ .‬ومنهم َ‬ ‫سّرت ِ ِ‬ ‫ه إلى ُ‬ ‫دل ُ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫في ُ ْ‬ ‫سه َ‬ ‫ه على رأ ِ‬ ‫ُيرخي ِ‬
‫ة لشيخ‬ ‫حدّقُ النظَر في الصورة الفوتوغرافي ِ‬ ‫يُ َ‬
‫ة وهم‬ ‫ن من هذه الطاِئف ِ‬ ‫ة كما تفعله فئتا ِ‬ ‫الجماع ِ‬
‫‪597‬‬ ‫‪596‬‬
‫دها‬‫ن يع ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ‪ .‬ومنهم َ‬ ‫والمنـزلي ّ ُ‬ ‫ة‬
‫السليماني ّ ُ‬
‫ب‬
‫ل ما وردَ في الكتا ِ‬ ‫أمًرا تعّبدًيا أفضل من ك ّ‬
‫‪598‬‬
‫وقد يتواطأ‬ ‫ك والنوافل‪...‬‬ ‫س ِ‬ ‫ة من الن ّ ُ‬ ‫والسن ّ ِ‬
‫عل ْ َ‬
‫م‬ ‫م‪ .‬على مبدأ ٍ ل ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫صت ِ ِ‬ ‫ل من خا ّ‬ ‫عددٌ قلي ٌ‬
‫ه خافيا ً عليهم‪ ،‬ولكن‬ ‫س ُ‬ ‫ل أسا ُ‬ ‫ك فيظ ّ‬ ‫لكثرهم بذل َ‬
‫ع وتتنتشُر‪،‬‬ ‫م تشي ُ‬ ‫نث ّ‬ ‫ه مع الّزما ِ‬ ‫تظهر تأثيرا َت ُ ُ‬
‫سهم بالتقليد العمى‪.‬‬ ‫فتتشّرُبها نفو ُ‬
‫ب‬‫ت في كتا ٍ‬ ‫ل على ذلك‪ :‬فقد ورد ْ‬ ‫وكمثا ٍ‬
‫ه‬
‫ف ُ‬ ‫ّ‬
‫ه «مناقب الولياء»‪ ،‬أل َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن‪ ،‬اس ُ‬
‫للنقشبندّيي َ‬
‫في‬ ‫‪599‬‬
‫حسن لطفي شوشود بالّلغة التركّية‬
‫سسوا‬ ‫ة الذين أ ّ‬ ‫ترجمة قدماء هذه الطائف ِ‬
‫ت في الصفحة الثالثة‬ ‫ة النقشبندّية‪ ،‬ورد ْ‬ ‫الطريق َ‬
‫ب ‪ -‬ما أمكنني‬ ‫ة من هذا الكتا ِ‬ ‫سّتين بعد المائ ِ‬ ‫وال ّ‬
‫ن من أتباع سليمان حلمي طوناخان )‪1959 -1888‬م‪(.‬‬
‫ة من النقشبنديي ّ َ‬
‫‪ 596‬وهم طائف ٌ‬
‫م‬ ‫ن من أتباع المل ّ عبد الحكيم البلوانسي )‪1972 -1902‬م‪ ،(.‬وينو ُ‬
‫ب عنه اليو َ‬ ‫ة من النقشبنديي ّ َ‬
‫‪ 597‬وهم طائف ٌ‬
‫ة!‬
‫ه عبد الباقي أرول‪ ،‬وهو من مشاهير الزنادق ِ‬
‫د ُ‬
‫حفي ُ‬

‫‪187‬‬ ‫‪ 598‬راجع مكتوب أحمد السرهندي رقم‪:‬‬

‫‪İslam tasavvufunda Menakıbı Evliya, İstanbul-1958‬‬ ‫‪ 599‬حسن لطفي شوشود‪،‬‬


‫‪528‬‬

‫ة‬ ‫ة مرتب ُ‬ ‫ن الولي َ‬ ‫ت يقول فيها‪« :‬إ ّ‬ ‫ه ‪ -‬كلما ٌ‬ ‫تعريب ُ ُ‬


‫ة‪،‬‬
‫و ِ‬
‫ة الن ّب ُ ّ‬
‫ن مرتب ِ‬ ‫م ْ‬
‫ء‪ ،‬وهي أعلى ِ‬ ‫ة الفنا ِ‬ ‫غ حال َ َ‬ ‫ن ب َل َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ة‪ ،‬غير أ ّ‬ ‫ة الولي ِ‬ ‫ء مرتب َ‬ ‫ض النبيا ِ‬ ‫فقد أحرز بع ُ‬
‫ت في ك ّ‬
‫ل‬ ‫ق َ‬
‫ق ْ‬ ‫ة قد تح ّ‬ ‫غي ّ َ‬
‫ة أو الت ّب ِْلي ِ‬ ‫في ّ َ‬‫ري ِ‬ ‫ع ِ‬‫وةَ الت ّ ْ‬ ‫الن ّب ُ ّ‬
‫ة‬
‫ة مطابق ٌ‬ ‫ه‪ .‬نعم هذه ترجم ٌ‬ ‫م ُ‬‫ي»‪ .‬انتهى كل ُ‬ ‫ول ّ‬
‫ص التركي الوارِد في الكتاب المذكور‬ ‫للن ّ‬
‫ن‪.‬‬
‫للنقشبندّيي َ‬
‫ة‪،‬‬
‫ة الجريئ ِ‬ ‫وأما ّ خلصة المقصوِد لهذه المقول ِ‬
‫ي‬‫ن الول ِ ّ‬ ‫ة‪ ،‬وأ ّ‬‫و ِ‬
‫م من الن ّب ُ ّ‬ ‫ة أع ّ‬‫ن الولي ّ‬ ‫فهي‪ :‬أ ّ‬
‫فا بعكس‬ ‫ي مطل ً‬ ‫ي نب ّ‬ ‫ن الول ّ‬‫ي! ل ّ‬ ‫ل من الن ّب ِ ّ‬ ‫ض ُ‬ ‫أ ْ‬
‫ف َ‬
‫ة‬
‫م الولي ِ‬ ‫ن النبياءَ منهم من أحرَز مقا َ‬ ‫ي‪ ،‬فإ ّ‬‫النب ّ‬
‫ه‪.‬‬‫ك على حدّ قول ِ ِ‬ ‫ن ذل َ‬ ‫ن دو َ‬ ‫ومنهم من كا َ‬
‫ر‪،‬‬
‫دعاء الخطي ِ‬ ‫ض من هذا ال ّ‬ ‫ى وما عسى الغر ُ‬ ‫ُتر َ‬
‫ط إلى هذا الدر َ‬
‫ك‬ ‫عي حّتى توّر َ‬ ‫ع ال ْ ُ‬
‫مدّ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫وما الذي دَ َ‬
‫ج على‬ ‫ك في أّنه خرو ٌ‬ ‫ة مما ل ش ّ‬ ‫من السخاف ِ‬
‫السلم ِ من أساسه؟! وهل يقدُّر مدى هذا‬
‫ن إذا كان عددٌ من‬ ‫ر على السلم ِ والمسلمي َ‬ ‫الخط ِ‬
‫ن على هذا العتقاِد‬ ‫ة يتواطؤو َ‬ ‫ة الطائف ِ‬ ‫م ِ‬‫أئ ّ‬
‫ع وسفلة‬ ‫ف من الرعا ِ‬ ‫ويبثونه في عقول آل ٍ‬
‫س؟!‬‫النا ِ‬
‫ل مما ل‬ ‫ب الشافي على هذا السؤا ِ‬ ‫فأما ّ الجوا ُ‬
‫ة )من العنصر‬ ‫قدماءَ هذه الطائف ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ك فيه‪ :‬أ ّ‬ ‫ش ّ‬
‫ن اللياءَ‬ ‫ن على أ ّ‬ ‫ة(‪ ،‬كانوا يتواطأو َ‬ ‫التركي خاص ً‬
‫ر‬
‫ن غي ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ء ِ‬ ‫ر النبيا ِ‬ ‫ل من سائ ِ‬ ‫ض ُ‬‫ف ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن قو ِ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫مد عليهم الصلةُ والسلم‪.‬‬ ‫م بما فيهم مح ّ‬ ‫مه ْ‬ ‫قو ِ‬
‫ر في‬ ‫د الخطي ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫معت َ َ‬‫م لهذا ال ْ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ت َب َّني ِ‬ ‫ولم يك ُ‬
‫ع‬ ‫َ‬ ‫ة إل ّ لّنهم كانوا يأسفو َ‬
‫ن على اّتبا ِ‬ ‫الحقيق ِ‬
‫خت ََلقوا هذا‬ ‫م! فا ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫س من بني ِ ْ‬
‫جلدَت ِ ِ‬ ‫قومهم نيبا ّ لي َ‬
‫ن وليا ّ من التراك‬ ‫م‪« ،‬ل ّ‬ ‫ه ْ‬‫غِليل َ ُ‬
‫شفو به َ‬ ‫قدَ ل ِي َ ْ‬ ‫عت َ َ‬
‫م ْ‬ ‫ال ُ‬
‫ي» عندهم‪ ،‬مع اعترافهم‬ ‫ي عرب ّ‬ ‫ل من نب ّ‬ ‫أفض ُ‬
‫ن‬
‫ر ما دو َ‬ ‫ي ‪ ،‬وإسرا ِ‬ ‫مد النبي العرب ّ‬ ‫وة مح ّ‬ ‫بنب ّ‬
‫م عنه إذا‬ ‫ج ُ‬ ‫فعا ً لمخاطَر قد ت َن ْ ُ‬ ‫ة ودَ ْ‬ ‫ذلك‪ ،‬تقي ّ ً‬
‫‪529‬‬

‫ج عليهم أحدٌ‬ ‫حت َ ّ‬ ‫ول ِئ َل ّ ي َ ْ‬ ‫ت‪ ،‬وحّتى ل يفتضحوا‪َ ،‬‬ ‫ش ْ‬ ‫ف َ‬


‫دين وما‬ ‫في ال ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫عَر ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف َ‬ ‫مَنا َ‬ ‫و ُ‬ ‫د َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مي َ ُ‬ ‫فير ِ‬
‫ل هذا‬ ‫ر وإلحاد! فبقي أص ُ‬ ‫يترّتب على ذلك من كف ٍ‬
‫ن‪ ،‬بحيث ل‬ ‫ة النقشبندّيي َ‬ ‫م ِ‬ ‫العتقاِد خافيا ً على عا ّ‬
‫ن وليا ّ من‬ ‫م يعتقد أ ّ‬ ‫جدُ أحدٌ منهم اليو َ‬ ‫يكادُ ُيو َ‬
‫ه إل ّ‬ ‫ل عند الل ِ‬ ‫مدا ً في الفض ِ‬ ‫أولياءهم يفوقُ مح ّ‬
‫د‬
‫ق ْ‬ ‫و َ‬ ‫م يكتمونه َ‬ ‫ه ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ر شيو ِ‬ ‫ل من كبا ِ‬ ‫عددٌ قلي ٌ‬
‫ك كّلما خلوا إلى‬ ‫ن ذل َ‬ ‫قّر َ‬ ‫م‪ ،‬وي ُ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ُ‬ ‫فو ُ‬ ‫ه نُ ُ‬ ‫قن َت ْ ُ‬ ‫ست َي ْ َ‬‫ا ْ‬
‫ة‬
‫ب راسخ ً‬ ‫ة للعر ِ‬ ‫ت الكراهي ّ ُ‬ ‫شياطينهم! بذلك بقي ْ‬
‫ه‬
‫ء ما ت َب َن ّت ْ ُ‬ ‫ك من جرا ّ ِ‬ ‫ر غالب الترا ِ‬ ‫في صدو ِ‬
‫ت من تشنيع‬ ‫ة وما بث ّ ْ‬ ‫ن هذه الطائف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫شرذم ٌ‬
‫ب وتشويه سمعتهم في المجتمع التركي‪.‬‬ ‫العر ِ‬
‫ة ما ذكر‬ ‫ل على هذه الحقيق ِ‬ ‫ومن أعظم الدلئ ِ‬
‫الشيخ عثمان المدني من مثالب النقشبندّية فيما‬
‫ه‪« :‬تبصرة‬ ‫ن ك َِتاب ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن من الكراهية للعر ِ‬ ‫يبثو ّ‬
‫ء‬
‫السالكين وهتك الماكرين من علماء السو ِ‬
‫ن مرجعا ً‬ ‫ذات كا َ‬ ‫والمشائخ المبتدعين»‪ ،‬مع أّنه بال ّ‬
‫ة‪ .‬ومن البرهان القاطع أيضا ً على‬ ‫لهذه الطائف ِ‬
‫خ هذا‬ ‫س ِ‬ ‫م لن ُ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ة‪ :‬ا ِت ْل َ ُ‬ ‫أّنهم يتواطأون على الزندق ِ‬
‫ه التي تفضحهم‪ .‬فإّني على رغم‬ ‫ب وأمثال ِ‬ ‫الكتا ِ‬
‫ة‬‫ة واحد ٍ‬ ‫د للحصول على نسخ ٍ‬ ‫ت من الجه ِ‬ ‫ما بذل ُ‬
‫كن منها إل ّ ما أطلعني‬ ‫ب‪ ،‬لم أتم ّ‬ ‫من هذا الكتا ِ‬
‫ة منها في لحظات‬ ‫ر قليل ٍ‬ ‫ص على سطو ٍ‬ ‫شخ ٌ‬
‫ة‬
‫ة ما وسعني فيها ضبطها! هذه الكراهي ُ‬ ‫سريع ٍ‬
‫ت في نفوسهم حتى جعلْتهم يحترزون من‬ ‫بلغ ْ‬
‫ن ثلث‬ ‫ة سكا ُ‬ ‫ص ً‬ ‫ي في صلتهم خا ّ‬ ‫ء بعرب ّ‬ ‫القتدا ِ‬
‫ض الّروم‪ ،‬وبايبورت‪،‬‬ ‫َ‬ ‫‪600‬‬
‫مدن في تركيا ‪ :‬أْر ُ‬
‫ة العرب؛‬ ‫صلت فيهم كراهي ُ‬ ‫وگ ُموشخانه‪ ،‬قد تأ ّ‬
‫ن منهم( الصلةَ إن كانوا‬ ‫وقد ُيعيد )النقشبنديو َ‬
‫س‬
‫ت عن بعض النا ِ‬ ‫سمع ُ‬ ‫ة‪َ .‬‬ ‫ي تقي ّ ً‬ ‫قد اقتدوا بعرب ّ‬
‫ى عثمان أغلو )وهو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن محمود أسط َ‬ ‫ة‪ :‬أ ّ‬ ‫غيَر مر ٍ‬
‫ن التراك في‬ ‫ة من الّنقشبندّيي َ‬ ‫ة كثيف ٍ‬ ‫خ جماع ٍ‬ ‫شي ُ‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫ء بأئ ِ ّ‬ ‫قتدا ِ‬ ‫ه من ال ْ‬ ‫مريدي ِ ِ‬ ‫حذَّر ُ‬ ‫إسطنبول(‪َ ،‬‬
‫‪Erzurum, Bayburt, Gumushane‬‬ ‫‪600‬‬
‫‪530‬‬

‫خ‬‫حذَّر شي ٌ‬ ‫ن»‪ .‬ولربما ّ‬ ‫هابّيو َ‬ ‫ن‪« ،‬لّنهم و ّ‬ ‫مي ِ‬ ‫حَر َ‬ ‫ال َ‬


‫ء بهم «لّنهم عرب!»‪.‬‬ ‫أخُر مريديه من القتدا ِ‬
‫وأرجو أن ل يكون لهذا الخبر وجه من حقيقة‪ .‬إل ّ‬
‫ي‬‫م الحقيق ّ‬ ‫ن السل َ‬ ‫كد على أ ّ‬ ‫ل تؤ ّ‬ ‫دلئ ِ‬ ‫ن كثرة ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ت‬‫في نظرهم هو الذي رسمه لهم )السادا ُ‬
‫مد‬‫ه مح ّ‬ ‫النقشبندّية!(‪ ،‬وليس السلم الذي جاءَ ب ِ‬
‫ن إسلمهم‬ ‫مو َ‬‫ي )ص(! وتمييًزا بينهما‪ :‬يس ّ‬ ‫العرب ّ‬
‫ك ‪ .(Muslumanlik‬وقد تناول‬ ‫مان ْل ِ ْ‬ ‫سل ُ َ‬
‫م ْ‬ ‫بتعبير‪ُ ) :‬‬
‫ة‬
‫ة الستاذ أحمد ياشار أوجاك‪ ،‬هذه التسمي َ‬ ‫م ُ‬ ‫العل ّ َ‬
‫ي ت ُْرك َِيا‪ ،‬ودرسها‬ ‫فف ِ‬ ‫عاَر ِ‬ ‫مت َ َ‬‫شاذَةَ للسل َم ِ ال ْ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ة‬
‫ي متين‪ .‬وهي شبيه ٌ‬ ‫ع ّ‬ ‫ضو ِ‬ ‫و ُ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬‫ي َ‬ ‫بأسلوب علم ّ‬
‫ي(‪ .‬فالمسلم‬ ‫ْ‬
‫سلمان ِ‬ ‫م َ‬ ‫م‪ُ ) :‬‬ ‫ة الرافضة للسل ِ‬ ‫بتسمي ِ‬
‫ك بتأثير‬ ‫ن ‪ ،(Musluman‬وذل َ‬ ‫ما ْ‬ ‫سل ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫عند التراك هو ) ُ‬
‫ن ‪ (Mosalmaan‬عند‬ ‫سْلما ْ‬ ‫م َ‬ ‫النقشبندّية‪ ،‬كما هو ) ُ‬
‫ة‪.‬‬
‫الرافض ِ‬
‫ب‬ ‫ة بكتا ٍ‬ ‫ق ٍ‬‫ح َ‬ ‫مل ْ َ‬‫ة ُ‬ ‫جيَزةٌ في قائم ٍ‬ ‫و ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ت كلما ٌ‬ ‫وَردَ ْ‬ ‫َ‬
‫اسمه «السعادة البدية»‪ ،‬للعقيد المتشّيخ حسين‬
‫حلمي إيشك‪ ،‬يحاول من خللها إحياءَ ذكرى‬
‫ء التراك الجاهلّيين‪ ،‬وذلك دون‬ ‫ما ِ‬ ‫عظ َ َ‬ ‫عظيم ٍ من ُ‬
‫ن اْلكتاب المذكور يخلو من هذا‬ ‫ة‪ ،‬ل ّ‬ ‫أدنى مناسب ٍ‬
‫ت هذه الكلمات إلى العربّية ملتزما‬ ‫قل ُ‬ ‫السم! ن َ َ‬
‫ن‪ ،‬رحمة‬ ‫غوْز خا َ ْ‬ ‫ة‪ ،‬وهذه ترجمتها‪ُ« :‬أو ُ‬ ‫م ِ‬‫جانب الذ ّ‬
‫جّزأ في‬ ‫ً‬
‫مت َ َ‬ ‫ك ُ‬ ‫م الت ّْر ِ‬ ‫الله تعالى عليه‪ :‬كان قو ُ‬
‫ب؛‬‫غْر ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬‫ق وُتر ِ‬ ‫شر ِ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫ن‪ُ :‬تر ِ‬ ‫الماضي إلى قسمي ِ‬
‫ل‪ ،‬وُتر ُ‬
‫ك‬ ‫قبا َئ ِ َ‬‫س َ‬ ‫ق من خم ِ‬ ‫شر ِ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫ون ُتر ُ‬ ‫يتك ّ‬
‫ة‬‫ة‪ .‬فكانت قبيل ُ‬ ‫شَرةَ قبيل ً‬ ‫ع ْ‬ ‫ة َ‬ ‫س َ‬‫ب من خم َ‬ ‫غْر ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫غوْز»‬ ‫ق‪ ،‬وقبيلتا «ُأو ُ‬ ‫شر ِ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫غوْر من ُتر ِ‬ ‫ُأي ُ‬
‫ل‬‫ب‪ .‬كانت هذه القبائ ُ‬ ‫غْر ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫جيْز» من وُتر ِ‬ ‫كيْر ِ‬ ‫و« ِ‬ ‫َ‬
‫ة واليرانية‬ ‫منتشرةً على الساحة الهندي ِ‬
‫ة‪ .‬وأما ّ التراك‬ ‫ف سن ٍ‬ ‫ة آل ِ‬ ‫ل خمس ِ‬ ‫والعراقية قب َ‬
‫غوْز‪ ،‬فكانوا قد وصلوا إلى أراضي‬ ‫ة ُأو ُ‬ ‫من قبيل ِ‬
‫‪531‬‬

‫ف‬
‫ة بأل ٍ‬
‫ن‪ ،‬قبل الهجر ِ‬ ‫ة ُأو ُ‬
‫غوْز خا َ ْ‬ ‫الشام ِ تحت قياد ِ‬
‫‪601‬‬
‫ة‪.»...‬‬‫وثلثمائة سن ٍ‬
‫ة‪:‬‬
‫وهنا يتبادر إلى الذهن عدّةُ أسل ٍ‬
‫ة‬
‫ج هذه العبارات في قائم ٍ‬ ‫ب إدرا ِ‬ ‫ل‪ :‬ما سب ُ‬ ‫و ً‬
‫أ ّ‬
‫ظ‬
‫ي‪ ،‬في المواع ِ‬ ‫خ نقشبند ّ‬ ‫ه شي ٌ‬ ‫ب أل ّ َ‬
‫ف ُ‬ ‫ة بكتا ٍ‬ ‫ملحق ٍ‬
‫َ‬
‫سعا َدَةَ الب َدَي ّ َ‬
‫ة» ول‬ ‫والمسائل الدينّية‪ ،‬وسما ّهُ «ال ّ‬
‫ن( في هذا الكتاب أبدًا‪،‬‬ ‫غوْز خا َ ْ‬ ‫يوجد إسم )ُأو ُ‬
‫ة؟‬
‫ض لذكر هذا الرجل من غير مناسب ٍ‬ ‫فلماذا تعّر َ‬
‫ى؟!‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أهكذا ي ُْر َ‬
‫ة يا ُتر َ‬ ‫سعادَةَ الب َدَي ّ َ‬
‫س إلى ال ّ‬ ‫شدُ النا ُ‬
‫ك(‬ ‫س ُ‬ ‫ي المتن ّ‬ ‫ف ّ‬ ‫خ الصو ِ‬ ‫ثانيًا‪ :‬كيف أباح )هذا الشي ُ‬
‫ش‬‫ل عا َ‬ ‫ه لرج ٍ‬ ‫ة من الل ِ‬ ‫ب الرحم َ‬ ‫ه أن يطل َ‬ ‫س ِ‬ ‫لنف ِ‬
‫ة )كما أفاد هو‬ ‫ة سن ٍ‬ ‫ف وثلثمائ ِ‬ ‫ة بأل ٍ‬ ‫قبل الهجر ِ‬
‫ُ‬
‫غوْز‬ ‫م أحدٌ إل ّ الله‪ ،‬هل مات )أو ُ‬ ‫بالذّات(‪ ،‬ول يعل ُ‬
‫حم‬ ‫ن‪ ،‬ولم يتر ّ‬ ‫ر أم على اليما ِ‬ ‫ن( على الكف ِ‬ ‫خا َ ْ‬
‫ك؟!‬ ‫ه كان من أكابر الّتر ِ‬ ‫خ إل ّ لن ّ ُ‬ ‫عليه هذا الشي ُ‬
‫ح بأّنه ل يجوز أن‬ ‫وبهذه المناسبة لبدّ من الفصا ِ‬
‫ة‬
‫ه الطائف ِ‬ ‫ن به كباُر هذ ِ‬ ‫ؤم ُ‬ ‫ت على ما ت ُ ْ‬ ‫نسك َ‬
‫ة‪،‬‬‫ع الزندق ِ‬ ‫مهم!( من أنوا ِ‬ ‫ن عوا ّ‬ ‫النقشبندّية )دو َ‬
‫وة هذا‬ ‫ه‪ ،‬ومنها إيمانهم بُنب ّ‬ ‫ن علي ِ‬ ‫وما يتواطؤو َ‬
‫د ‪ ‬ودينه اّلذي‬ ‫م ٍ‬ ‫ي استخفافا ً بمح ّ‬ ‫ل الجاهل ِ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫الر ُ‬
‫د‬
‫عن ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ارتضاه الله لعباده فقال تعالى إ ِ ّ‬
‫غي َْر‬‫غ َ‬ ‫ن ي َب ْت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫وقال تعالى‪َ :‬‬
‫‪602‬‬
‫سلم‬ ‫الله ال ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫خَر ِ‬ ‫في ال ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫ن يُ ْ‬
‫قب َ َ‬ ‫فل َ ْ‬ ‫سلم ِ ِديًنا َ‬ ‫ال ْ‬
‫ن بالسلم ِ بل‬ ‫قّر َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ء وإ ْ‬ ‫ن هؤل ِ‬ ‫ن ‪،‬إ ّ‬ ‫‪603‬‬
‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م اّلذي يقصدونه إّنما‬ ‫ن السل َ‬ ‫ن به‪ ،‬ولك ّ‬ ‫ويعتّزو َ‬
‫ن( أي‬ ‫گا ْ‬ ‫ج َ‬ ‫وا َ‬ ‫خ َ‬ ‫هي النسخة التي رسمها لهم ) ُ‬
‫دين في‬ ‫وا هذا ال ّ‬ ‫قدماءُ النقشبندّية اّلذين ب َن َ ْ‬
‫ذوها َ من‬ ‫بخارى وسمرقند على أحد عشر ركنا ً أخ ُ‬
‫ت‬‫عْلما ً بأّني اقتبس ُ‬ ‫ة قرون‪ِ .‬‬ ‫البوذّية قبل سبع ِ‬
‫ف )فريد الدين آيدن(‬
‫ي تصّر ٍ‬
‫نأ ّ‬
‫‪ 601‬عّربُتها دو َ‬

‫عمران‪19/‬‬ ‫‪ 602‬سورة آل‬

‫عمران‪85/‬‬ ‫‪ 603‬سورة آل‬


‫‪532‬‬

‫ة‬
‫ة التاسع ِ‬ ‫ت المذكورةَ آنفا ً من الطبع ِ‬ ‫العبارا ِ‬
‫سعا َدَ َ‬
‫ة‬ ‫ن من الكتاب الموسوم‪« :‬ال ّ‬ ‫والسبعي َ‬
‫ر‬
‫ل على مدي انتشا ِ‬ ‫ة» )ص‪ ،(1157/‬مما يد ّ‬ ‫ال َب َدَي ّ َ‬
‫ة التركّية‪ .‬وبل َ َ‬
‫غَنا‬ ‫ة على الساح ِ‬ ‫ة هذه الطائف ِ‬ ‫دعو ِ‬
‫في الماضي القريب‪ ،‬أّنهم قد أسقطوا هذه‬
‫العبارات من كتابهم المذكور في طبعاتها‬
‫ة تصاعدت من‬ ‫ت شديد ِ‬ ‫ة بعد استنكارا ٍ‬ ‫الخير ِ‬
‫حنفاء‪.‬‬‫معات المؤمنين ال ُ‬ ‫تج ّ‬
‫ة فإّنما‬ ‫ن دّلت على حقيق ٍ‬ ‫هذه التفاصيل كّلها إ ْ‬
‫ة دون‬ ‫ص ً‬ ‫ن )التراك خا ّ‬ ‫ن النقشبندّيي َ‬ ‫ل على أ ّ‬ ‫تد ّ‬
‫دين اّلذي أحدثوه قبل‬ ‫ن هذا ال ّ‬ ‫غيرهم!(‪ ،‬إّنما يرو َ‬
‫ى للسلم ِ ُتمي ُّزهم‬ ‫ة أخر َ‬ ‫خ ً‬ ‫س َ‬ ‫ن‪ ،‬يرونه ن ُ ْ‬ ‫ة قرو ٍ‬ ‫سبع ِ‬
‫ه‬
‫س في عبادة الل ِ‬ ‫ب‪ ،‬بل عن سائر النا ِ‬ ‫عن العر ِ‬
‫تعالى؛ فيستغني العالم العاقل بهذه الدلئل عن‬
‫ل حّتى بعد هذا القدر من‬ ‫ق ُ‬ ‫ة أخرى‪ ،‬ول ُيع َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫يح ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ة‬
‫البراهين )وما اكثرها!(‪ ،‬أن نبحث عن وثيق ٍ‬
‫ة‬ ‫ة النقشبندّية نسخ ٌ‬ ‫ن الطريق َ‬ ‫ة فيها‪« :‬أ ّ‬ ‫ثاني ٍ‬
‫ن سائر‬ ‫ه التراك دو َ‬ ‫أخرى للسلم ِ اّلذي اعتنق ُ‬
‫ن هذا لشيءٌ‬ ‫ه تعالى»‪ .‬وإ ّ‬ ‫س في عبادة الل ِ‬ ‫النا ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ةأ ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫قي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ذ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫عَلى َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ما ي ُب َْر ِ‬ ‫م ّ‬ ‫و ِ‬ ‫عجاب! َ‬ ‫ُ‬
‫سل َم ِ‬ ‫ه ِلل ْ‬ ‫حب ّت ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت َ‬ ‫غ ْ‬ ‫ما ب َل َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الت ّْرك ِ ّ‬ ‫سا َ‬ ‫ال ِن ْ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫فإ ِن ّ ُ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫عت َِزاُزهُ ب ِ ِ‬ ‫وت َأك ّدَ ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫صل َت ُ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫و ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫ة‪،‬‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬ ‫قب َ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ْ‬
‫ر ال ّ‬ ‫هو ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫في ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ما َ‬ ‫د َ‬ ‫ل ال ِن ْ ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫حي ِ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ل ي َأَبى إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ها! ب َ ْ‬ ‫من ْ َ‬ ‫جّزأ ِ‬ ‫جْزءٌ ل َ ي َت َ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ع ب ِأن ّ ُ‬ ‫قن َ َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫في ك ّ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ٌ َ‬ ‫س‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫ية‬ ‫ّ‬ ‫القوم‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫زا‬
‫َ ِ َ ّ َ ِ ِ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫تَ‬
‫ذا‪،‬‬ ‫ه َ‬ ‫ه‪َ ...‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫عائ ِ ِ‬ ‫ودُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫صل َت ِ ِ‬ ‫في َ‬ ‫حّتى ِ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫دات ِ ِ‬ ‫عَبا َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫صل َت ِ ِ‬
‫ه‬ ‫في َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ّ‬ ‫ص الّترك ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫يأ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬‫خ ِ‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ول َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ما‬ ‫ف ماث ِل ً أ َ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ن‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫َ َ‬ ‫َ ِ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ ُ ْ ِ ّ‬ ‫أ َ ُ َ َ‬
‫ي‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ش‬
‫ه‬
‫ع ِ‬ ‫كو ِ‬ ‫في ُر ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫وي َُبال ِ ُ‬ ‫دا‪َ ،‬‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫صاًبا َ‬ ‫ب ان ْت ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ه‪ ،‬ي َن ْت َ ِ‬ ‫ر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫آ ِ‬
‫غي َْر‬ ‫ها َ‬ ‫ض َ‬ ‫عَرا ِ‬ ‫ست ِ ْ‬ ‫ل ِبا ْ‬ ‫غو ٌ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫عوِد ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫جوِد ِ‬ ‫س ُ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫ما َيأِتي‬ ‫و‬
‫ْ ِ ّ ٍ َ َ‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫رآ‬ ‫ق‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫يا‬
‫ُ ِ ْ َ ٍ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬
‫َ َ ْ‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ني‬ ‫عا‬
‫ُ َ ٍ ِ َ َ ِ‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫م‬
‫ه‬ ‫ّ‬
‫ذا كل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه َ‬ ‫و َ‬ ‫ه‪َ .‬‬ ‫صل َت ِ ِ‬ ‫عب َْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ٍ‬ ‫سِبي َ‬ ‫وت َ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ن ت َك ِْبيَرا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫بِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫عَبادَت ِ ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫في ِدَيان َت ِ ِ‬ ‫ماي ََز ِ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫ريدُ أ ْ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫س إل ّ لن ّ ُ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫‪533‬‬

‫و‪»..‬‬ ‫خ ِ‬ ‫ط الّر ْ‬ ‫سي ِ‬ ‫ج الب َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ساِذ‬ ‫ي ال َ‬ ‫عَرب ِ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬


‫سا ِ‬ ‫ن «ال ِن ْ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫و َ‬‫ك‪َ ،‬‬ ‫ن الت َْر ِ‬ ‫شٌر ب َي ْ َ‬‫من ْت َ ِ‬‫ن ُ‬ ‫هذَ الظّ ّ‬ ‫و َ‬‫ه) َ‬ ‫حدّ ظَن ّ ِ‬ ‫عَلى َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫غِني ِ‬ ‫ن الظّ ّ‬
‫ن ل َ يُ ْ‬ ‫م إ ِل ّ ظَن ّا ً إ َ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع أك ْث َُر ُ‬ ‫ي َت ّب ِ ُ‬
‫عُلون(‪.‬‬ ‫ف َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عَلي ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫شْيئا ً إ ِ ّ‬ ‫َ‬

‫ة‬
‫ة المذكور ِ‬ ‫والمر الثاني من المور الربع ِ‬
‫ع ِ ْ‬ ‫ن الترا َ‬
‫علم ٍ‬ ‫م َ‬ ‫جت َ َ‬‫م ْ‬
‫متهم ليسوا ُ‬ ‫ك بعا ّ‬ ‫باليجاز‪ :‬أ ّ‬
‫ة‪ ،‬وإّنما كانوا بدوا ً وجنودا ً في ماضيهم؛‬ ‫ومعرف ٍ‬
‫ة في‬ ‫ة راسخ ً‬ ‫ل الروح العسكري ّ ُ‬ ‫لذا‪ ،‬ل تزا ُ‬
‫نفوسهم حّتى اليوم‪ ،‬وهذا الذي منعتهم عن‬
‫ر مما جعل ك ّ‬
‫ل ما‬ ‫ل عصو ٍ‬ ‫ة طوا َ‬‫ممارسة الكتاب ِ‬
‫يتعّلق بتاريخهم ودياناتهم ومعتقداتهم محصورةً‬
‫ص والروايات التي ل يمكن توثيقها‬ ‫في القص ِ‬
‫ة في الكتب‪ ،‬وإّنما تثبت‬ ‫ل مسطور ٍ‬ ‫م بدلئ َ‬ ‫اليو َ‬
‫ة‪ ،‬كما إذا‬ ‫ق غير مباشر ٍ‬ ‫بعض الحقائق منها بطر ٍ‬
‫ظماتهم‬ ‫ة لبعض من ّ‬ ‫ص ِ‬‫ف الخا ّ‬ ‫س أحدٌ في صفو ِ‬ ‫اند ّ‬
‫ِ‬
‫ة فيأتي‬ ‫ت سّري َ ٍ‬ ‫معا ٍ‬ ‫التي مازالت تتسم بتج ّ‬
‫بخبرهم‪.‬‬

‫م‬
‫ن أه ّ‬‫ة‪ :‬أ ّ‬
‫ث من هذه المور الربع ِ‬ ‫والمر الثال ُ‬
‫س غالب‬ ‫ب في نفو ِ‬‫ة للعر ِ‬‫أسباب الكراهي ّ ِ‬
‫التراك‪ ،‬إّنما نشأ بدافع الطريقة النقشبندّية‪،‬‬
‫ب ذكرناها آنفا‪ً،‬‬ ‫وهذا يرتبط بما سبق من أسبا ٍ‬
‫ة من هذه‬ ‫ة‪ ،‬فهي نظرة فئ ٍ‬‫دها خطور ً‬ ‫وأما ّ أش ّ‬
‫ف‬
‫ة إلى طريقتهم أَنها السلم الذي يختل ُ‬ ‫الطاِئف ِ‬
‫عما ّ يعتنقه العر ُ‬
‫ب‪.‬‬

‫مها‬
‫ة وأه ّ‬‫وأما ّ المر الرابع من هذه المور الربع ِ‬
‫ْ‬
‫ن كانت أكثر‬ ‫ن الطريقة النقشبندّية وإ ْ‬ ‫شأنًا‪ :‬هو أ ّ‬
‫ي‬‫ة انتشاًرا في المجتمع الترك ّ‬ ‫الطرق الصوفي ِ‬
‫م‪،‬‬ ‫ً‬
‫س هذا القوم ِ منذ القدي ِ‬ ‫دها تأثيرا في نفو ِ‬ ‫وأش ّ‬
‫ب قد صانهم الله‬ ‫ن جمهوًرا من هذا الشع ِ‬ ‫إل ّ أ ّ‬
‫ن‬
‫حّزبو َ‬ ‫ة‪ ،‬ل ي ُ َ‬
‫ة الخطير ِ‬ ‫تعالى من هذه الزندق ِ‬
‫ن‬‫ب‪ ،‬بل يرو َ‬ ‫شك ْل ً للعر ِ‬
‫و َ‬
‫ك َ‬‫شك ْل ً منه للّتر ِ‬ ‫م َ‬
‫السل َ‬
‫ة وعلى‬ ‫ب والسن ّ ِ‬ ‫ة على الكتا ِ‬ ‫ع ً‬
‫م َ‬
‫ج ِ‬‫م ْ‬ ‫ة السلم ِ ُ‬ ‫م َ‬‫أ ّ‬
‫‪534‬‬

‫ى من الله‪ ،‬كما ينبغي اسنثناءُ جماهير‬ ‫هد ً‬


‫ن الكراد والعرب أيضا ً من أصحا ِ‬
‫ب‬ ‫النقشبندّيي َ‬
‫ن‬
‫ن مع النقشبندّيي َ‬‫م يّتحدو َ‬
‫ه ْ‬
‫ن ُ‬ ‫ة‪ ،‬وإ ْ‬‫هذه الفكر ِ‬
‫ل طريقتهم ورسومها‬ ‫التراك في أصو ِ‬
‫هابّيين» فحسب دون‬ ‫وطقوسها والكراهية «للو ّ‬
‫غيرهم من سائر العرب‪.‬‬

‫ل‬‫ت دلئ ُ‬ ‫ة‪ ،‬قد قام ْ‬ ‫ة الجلي ّ ِ‬ ‫ل الواضح ِ‬ ‫بهذه التفاصي ِ‬


‫ن هذه‬ ‫ن يرو َ‬ ‫ة من النقشبندّيي َ‬ ‫ن طائف ً‬ ‫عدّةٌ على أ ّ‬
‫ص‬‫ة للسلم ِ الخا ّ‬ ‫سخ ً‬‫ة نُ ْ‬
‫ة الصوفي ّ َ‬ ‫الطريق َ‬
‫مة دلئ ُ‬
‫ل‬ ‫ب‪ .‬وث َ ّ‬ ‫مي ُّزهم عن إسلم العر ِ‬ ‫بقومهم‪ ،‬ت ُ َ‬
‫كد أيضا على هذه الحقيقة‪ .‬ومن أقواها‬ ‫ً‬ ‫أخرى تؤ ّ‬
‫سس هذه‬ ‫الّرؤيا التي سبق ذكُرها على لسان مؤ ّ‬
‫‪604‬‬
‫ة‬
‫م ُ‬ ‫والطا ّ‬ ‫الطريقة‪ :‬محمد بهاء الدين البخاري‪،‬‬
‫ن هذه الفكرة الخطيرة قد انتشرت‬ ‫الكبرى‪ ،‬أ ّ‬
‫ذا‬ ‫ه َ‬ ‫ت بِ َ‬‫كتفي ُ‬ ‫وقد ا ْ‬ ‫ن! َ‬ ‫ط النقشبندّيي َ‬ ‫فتجاوزت محي َ‬
‫ل للتقرير‪،‬‬ ‫و ِ‬
‫س اليسير من القسم ال ّ‬ ‫القتبا ِ‬
‫تفاديا ً للمل ِ‬
‫ل‪.‬‬
‫***‬

‫ثانيًا‪ :‬الجوان ُ‬
‫ب السلبّية‪:‬‬

‫دة الولى من نقده‪:‬‬ ‫قال الفاضل الشيخ في الما ّ‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫ؤل ّ ُ‬
‫ل‬‫ه ِ‬
‫على أ ْ‬ ‫ن ث ََنا ٍ‬
‫ء َ‬ ‫م ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ما ذَك ََرهُ ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫عَلى َ‬
‫عِليقا ً َ‬‫«ت َ ْ‬
‫ْ‬
‫م‪....‬إلخ‪.».‬‬‫الك َل َ ِ‬
‫ه الثناءَ‬‫ة لم يكن قصدي فيما قلت ُ ُ‬ ‫في الحقيق ِ‬
‫ت‬
‫جدْ ُ‬ ‫و َ‬
‫م‪ ،‬وإّنما َ‬ ‫ة على أهل الكل ِ‬ ‫ص ٍ‬
‫خا ّ‬ ‫وب ِ َ‬
‫ض َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ َ‬
‫ة‬
‫ع الصوفي ِ‬ ‫ن ما يردّ ب ِدَ َ‬ ‫ب بعض الكلمّيي َ‬ ‫في ك ُت ُ ِ‬
‫ن‬
‫تأ ْ‬ ‫ه آخَر‪ ،‬أرد ُ‬ ‫ه؛ ومن وج ٍ‬ ‫ج ٍ‬‫و ْ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫ذبهم‪ ،‬هذا ِ‬ ‫وي ُك َ ّ‬
‫ن ومدى غباِئهم‬ ‫ُ‬
‫ن على حماقة النقشبندّيي َ‬ ‫أبره َ‬
‫ب في‬ ‫ن هذه الك ُت ُ َ‬ ‫ن وي ُدَّرسو َ‬ ‫و َ‬ ‫أّنهم َيدُرس ُ‬
‫ب من‬ ‫وَردَ في هذه ال ْك ُت ُ ِ‬ ‫ن ما َ‬ ‫مدارسهم مع أ ّ‬
‫‪27‬؛ الهامش‪36/‬‬ ‫‪ 604‬أنظر الصفحة‪:‬‬
‫‪535‬‬

‫ة‪،‬‬‫جهم الواهي َ‬ ‫ج َ‬ ‫ح َ‬
‫ض ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة ت ُك َذُّبهم وت ُدْ ِ‬ ‫جدَل ِي ّ ٍ‬
‫ت َ‬ ‫تعقيبا ٍ‬
‫وهذا أشدّ عليهم من ادحاضهم بما ورد في كتب‬
‫ء‪ ،‬كشرح‬ ‫فا ِ‬ ‫حن َ َ‬‫ل التوحيد ال ْ ُ‬ ‫ن أه ِ‬ ‫السلفيي ّ َ‬
‫ة وكتاب التوحيد‬ ‫ة‪ ،‬والعقيدة الواسطي ِ‬ ‫الطحاوي ِ‬
‫ة‬
‫ج ِ‬
‫حا ّ‬ ‫ب من ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن في هذا السلو ِ‬ ‫وأمثالها‪ .‬ل ّ‬
‫إثارةٌ لما في باطنهم من الحقد والضغينة على‬
‫ع‬
‫ة للدفا ِ‬ ‫ص‪ ،‬فيّتخذونه ذريع ً‬ ‫أهل التوحيد الخال ِ‬
‫ما إدحاضهم في‬ ‫ء غليلهم‪ .‬وأ ّ‬ ‫شفا ِ‬ ‫عن باطلهم ول ِ ِ‬
‫ة إلى ما هم فيه من‬ ‫ع عن التوحيد بالشار ِ‬ ‫الدفا ِ‬
‫ن‬
‫ب الكلميي ّ َ‬ ‫م ك ُت ُ َ‬‫ه ْ‬‫ست ِ ِ‬ ‫داَر َ‬ ‫م َ‬ ‫الضطراب والتناقض ب ِ ُ‬
‫عا في نفوسهم‪،‬‬ ‫م وأشدّ وق ً‬ ‫ذبهم‪ ،‬أسل ُ‬ ‫وهي تك ّ‬
‫ل!‬ ‫قَتا َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ْ‬
‫فى الله ال ُ‬ ‫وك َ َ‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ة‪ :‬ديباجت ِ‬
‫ي في هذه المقول ِ‬ ‫ومن شواهد إخلص ِ‬
‫ن لنظم )بدأ‬ ‫حي ْ ِ‬
‫ر َ‬ ‫ت َ‬
‫شا ِ‬ ‫ها من عبارا ِ‬‫عت ُ َ‬
‫م ْ‬
‫ج َ‬
‫ة َ‬
‫لرسال ٍ‬
‫ت فيها‪:‬‬‫المالي(‪ ،‬قل ُ‬
‫ث والنظُر في‬ ‫« أما بعد‪ ،‬فإّنه اّتفق لي البح ُ‬
‫ة بدأ ِ المالي‬ ‫ن على قصيد ِ‬ ‫ن لطيفي ِ‬ ‫شرحي ِ‬
‫ة‬ ‫ّ‬
‫ض جوانبهما الدبية واللغوي ّ ِ‬ ‫ن في بع ِ‬ ‫مفيدي ِ‬
‫)للديب الشيخ أبي الحسن سراج الدين علي بن‬
‫عثمان الوشي نسبة إلى أوش‪ ،‬وهي قرية من‬
‫ي بن سلطان‬ ‫لمة عل ّ‬ ‫قرى فرغانة(‪ ،‬أحدهما للع ّ‬
‫مى‪ :‬ضوءُ المعالي(‪،‬‬ ‫مد القاري )وهو المس ّ‬ ‫بن مح ّ‬
‫ي‬
‫ي الريحاو ِ‬ ‫وثانيهما لمحمد بن سليمان الحلب ّ‬
‫ت أن ألتقطَ‬ ‫ة اّلللي(؛ فأحبب ُ‬ ‫خب ُ‬ ‫مى‪ :‬ن ُ ْ‬ ‫)وهو المس ّ‬
‫ت ل يستغني عنها الطالب مما ّ‬ ‫من كليهما عبارا ٍ‬
‫ف‬
‫جها وأضي َ‬‫ُ‬
‫ها وأمُز َ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ج َ‬ ‫ة‪ ،‬فأ ْ‬
‫سن ّ َ‬‫ب وال ّ‬ ‫توافق الكتا َ‬
‫ت ومن كتب‬ ‫لحظا ٍ‬ ‫م َ‬
‫ء نفسي ُ‬ ‫إليها من تلقا ِ‬
‫ُ‬
‫ب‬‫ب‪ ،‬فأَرك َّبها في قال ِ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن كّلما نا َ‬ ‫سلفّيي َ‬ ‫ء ال ّ‬ ‫العلما ِ‬
‫ن‪ ،‬فيتضاعف بذلك‬ ‫ل الشرحي ِ‬ ‫ل مح ّ‬ ‫د لعّله يح ّ‬ ‫جدي ٍ‬
‫ن أن يتوّرطَ‬ ‫ّ‬
‫ث ويزداد منه حظه دو َ‬ ‫ع للباح ِ‬ ‫الّنف ُ‬
‫ل‪،‬‬ ‫م والشارحان فيه من الّزل ِ‬ ‫فيما وقع الناظ ُ‬
‫ي القاري‪ .‬هذا‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ة عل ّ‬ ‫ة ِبديباج ِ‬ ‫ت هذه الرسال َ‬ ‫فب َدّأ ُ‬
‫‪536‬‬

‫ن‬
‫حي ْ ِ‬‫ر َ‬ ‫شا ِ‬ ‫ض عبارات ال ّ‬ ‫ل بع ِ‬ ‫ت في نق ِ‬ ‫وقد تصّرف ُ‬
‫ت‬‫ب‪ ،‬مع نقد ما فيها من مخالفا ٍ‬ ‫عب َْر التركي ِ‬ ‫َ‬
‫ك تحريفا ً‬ ‫ة‪ ،‬ليس ذل ِ َ‬ ‫ب والسن ّ ِ‬ ‫ص الكتا ِ‬ ‫لنصو ِ‬
‫لكلماتهما أو أسلوبهما‪ ،‬بل تحسينا ً لهذا القالب‬
‫ة‬
‫ة لكثر ِ‬ ‫الجديد‪ ،‬إذ ل يمكن تحريفهما في الحقيق ِ‬
‫رنا هذا‬ ‫ض في عص ِ‬ ‫ما‪ .‬فقد ضاقت الر ُ‬ ‫خه َ‬ ‫س ِ‬ ‫نُ َ‬
‫ن والحمد لله الذي‬ ‫ن والمنتحلي َ‬ ‫على المحّرفي َ‬
‫ث في‬ ‫أحبط أعمالهم بعونه لهل العلم ِ والبح ِ‬
‫ل‬
‫ف بفض ِ‬ ‫ث‪ .‬ول يفوتني أن اعتر َ‬ ‫ضبط الترا ِ‬
‫ن‬
‫ف وتابعيهم من السلفّيي َ‬ ‫ء السل ِ‬ ‫علما ِ‬
‫ن في تأليف العقيدة السلمّية على‬ ‫المعاصري َ‬
‫ة‪ .‬وأما اهتمامي بهذا النظم ِ‬ ‫ب والسن ّ ِ‬ ‫وفق الكتا ِ‬
‫ي‬
‫ن ليس لن ّ‬ ‫ه‪ ،‬وأمثالها من كتب الكلميي َ‬ ‫حي ْ ِ‬‫شْر َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ب بهم وبأسلوبهم‪ ،‬بل في هذه الطريق ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫مع ِ‬ ‫ُ‬
‫ن من‬ ‫كني َ‬ ‫ف مخاطُر على غير المتم ّ‬ ‫من التألي ِ‬
‫حذُّر المبتديئين من ذلك! أما‬ ‫ُ‬ ‫الحقائق العلمّية‪َ .‬‬
‫فأ َ‬
‫ة‬
‫ة والصوفي ِ‬ ‫مطالعتي ودراستي لكتب الفلسف ِ‬
‫ن‪ ،‬فإنه لم يكن‬ ‫ة والكلميي َ‬ ‫ة والّرافض ِ‬ ‫والمعتزل ِ‬
‫ل منطلقاتهم‬ ‫ث حو َ‬ ‫ك إل ّ بغرض البح ِ‬ ‫ذل َ‬
‫ة إلى مواطن الفساد‬ ‫وأهدافهم‪ ،‬والشار ِ‬
‫ث كما‬ ‫والخطر فيها! وفي هذا معذرةٌ لهل البح ِ‬
‫س‬
‫شم ِ‬ ‫ة‪ِ :‬بـ ) َ‬ ‫ت هذه الرسال َ‬ ‫مي ْ ُ‬ ‫س َ‬‫ل يخفى‪ .‬و َ‬
‫ة بدأ ِ‬ ‫ن على منظوم ِ‬ ‫المعالي في دراسة الشرحي ِ‬
‫ب على هذا‬ ‫ق والمثي ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ي(‪ ،‬والله تعالى المو ّ‬ ‫المال ِ‬
‫ه على الهالي»‬ ‫ع ِ‬‫العمل وتعميم ِ نف ِ‬
‫ة أيضا ً على ما جا ِ‬
‫ء في تقرير‬ ‫وفي هذا إجاب ٌ‬
‫الشيخ حفظه الله تعالى حيث يقول‪« :‬لكنه‬
‫ل عمره انصرف في فهم‬ ‫معذور‪ ،‬إذ يظهر أن ج ّ‬
‫سر له النظر في‬‫وف والردّ عليه‪ ،‬فلم يتي ّ‬ ‫التص ّ‬
‫حقيقة علم الكلم بالقدر نفسه‪!».‬‬

‫ه‬ ‫ما ل ش ّ‬
‫ك في ِ‬ ‫م ّ‬
‫ة ليس المر كذلك‪ .‬و ِ‬
‫في الحقيق ِ‬
‫ل أوقاتي )طوال أربعين عامًا(‬ ‫تج ّ‬
‫أّني قد صرف ُ‬
‫‪537‬‬

‫ن‪،‬‬ ‫ب‪ ،‬والديا ِ‬


‫ه ِ‬
‫ق والمذا ِ‬ ‫فَر ِ‬
‫ث حول ال ِ‬ ‫في البح ِ‬
‫ت؛‬‫ت واليديولوجيا ّ ِ‬ ‫ل‪ ،‬والفلسفا ِ‬ ‫ل والّنح ِ‬
‫والمل ِ‬
‫ع‬ ‫ّ‬ ‫فتم ّ‬
‫ت بعون الله وكرمه تعالى من الطل ِ‬ ‫كن ُ‬
‫على كنه غال ِِبها‪ ،‬وعلى أساليبها‪ ،‬ومقاصدها‪،‬‬
‫ومواطن اّتفاقها وافتراقها‪ ،‬وأسرار ضللتها‪،‬‬
‫ة‪...‬‬
‫ومخالفاتها للكتاب والسن ّ ِ‬
‫ة‬
‫ج ُ‬ ‫ت اْلحا َ‬
‫ع ْ‬‫ل فيما إذا دَ َ‬ ‫شكا َ‬
‫ومع هذا‪ ،‬فل إ ِ ْ‬
‫ت من كتاِبنا )الطريقة‬ ‫ط كلما ٍ‬‫ة لسقا ِ‬ ‫ح ُ‬
‫المل ّ‬
‫م القاريءُ بسب َِبها أّني‬ ‫ه ُ‬
‫النقشبندّية( إذا كان يتو ّ‬
‫ض وليس‬ ‫د المح ِ‬ ‫ت على أهل الكلم ِ بالقص ِ‬ ‫أثني ُ‬
‫ن‪.‬‬‫ل حجج النقشبندّيي َ‬ ‫ض إبطا ِ‬‫بغر ِ‬
‫دة الثانية من نقده‪:‬‬
‫قال الفاضل الشيخ في الما ّ‬
‫ي‪،‬‬
‫ل خلف في ضلل الفكر والعتقاد النقشبند ّ‬
‫غير أن المنتسبين إليه يغلب عليهم الجهل‪،‬‬
‫وقّلة العلم‪ .‬وطريقة دعوتهم واستصلحهم‬
‫يحتاج إلى رؤية وكلمة طّيبة‪ ،‬وموعظة حسنة‪،‬‬
‫ومجادلة باّلتي هي أحسن‪...‬إلخ‪.‬‬

‫ل يخفى على الشيخ حفظه الله تعالى ما ورد‬


‫ث على هذا الجانب الهام ِ‬ ‫في ثنايا كتابي من الح ّ‬
‫ذات‬ ‫و ِبال ّ‬ ‫ة الرشاِد والصلح‪ ،‬كما أشاَر ه َ‬ ‫م ِ‬‫في مه ّ‬
‫ن لم يسلكوا‬ ‫ه من النكير على اّلذي َ‬ ‫إلى ما صرفت ُ ُ‬
‫و مع‬ ‫حن ُ ّ‬ ‫ف وال ُ‬ ‫ن والعط ِ‬ ‫ّ‬
‫في دعوتهم جانب اللي ِ‬
‫ن‬‫خ بعي ِ‬ ‫هدَ الشي ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ة من عباد الله‪ .‬وقد ا ْ‬ ‫الجهل ِ‬
‫ه من الكتاب العزيز‪ ،‬وهو قوله تعالى‪:‬‬ ‫ما أوردت ُ ُ‬
‫ة‬
‫سن َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫عظ َ ِ‬ ‫و ِ‬‫م ْ‬ ‫وال ْ َ‬‫ة َ‬ ‫حك ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ك ِبال ْ ِ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫سِبي ِ‬‫ع إ َِلى َ‬ ‫ا ُدْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م بِ َ‬‫عل َ ُ‬‫وأ ْ‬ ‫ه َ‬
‫ك ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫م ِبال ِّتي ِ‬ ‫ه ْ‬‫جاِدل ْ ُ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫‪605‬‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ض ّ‬
‫دي َ‬ ‫هت َ ِ‬‫م ْ‬
‫م ِبال ُ‬ ‫عل ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬‫سِبيل ِ ِ‬
‫ن َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ل َ‬ ‫َ‬
‫ما قول الشيخ حفظه الله تعالى‪« :‬والملحظ‬ ‫أ ّ‬
‫أن المؤّلف قد بالغ في التقبيح والتشنيع على‬
‫المنتسبين‪ ،‬وهذا ربما منعهم من النتفاع من‬
‫السراء‪125/‬‬ ‫‪ 605‬سورة‬
‫‪538‬‬

‫كلمه القّيم في النقد‪ ،‬لنه حينئذ تأخذهم العّزة‬


‫ن قال‪:‬‬ ‫بالثم‪ ،‬فيتعصبون جاهلية‪ ...‬إلى أ ْ‬
‫ن‬ ‫ّ‬
‫والواضح إّنه مدرك لهمّية السلوب اللي ّ ِ‬
‫الحسن في الدعوة والستصلح‪...‬إلخ»‬

‫ب‬‫في الحقيقة تحتاج هذه الكلمات إلى تعقي ٍ‬


‫ة من‬ ‫ه في دعوة هذه الطائف ِ‬ ‫يوافي ما تكّبدت ُ ُ‬
‫ة بله‬
‫ن سن ً‬ ‫ة أكثر من ثلثي َ‬ ‫ء والمشق ِ‬ ‫السهر والعنا ِ‬
‫د‬
‫ن وتشري ٍ‬ ‫ر وشتم ٍ ولع ٍ‬
‫ت له من استحقا ٍ‬ ‫ما تعّرض ُ‬
‫ب في‬ ‫ضت مضجعي فجعلتني أتقل ّ ُ‬ ‫ومخاطر أق ّ‬
‫ق ما ل يمكن حّتى‬ ‫ج من الهموم والقل ِ‬ ‫أموا ٍ‬
‫م‪ .‬ولكن أستحسن‬ ‫ل هذا المقا ِ‬ ‫صه في مث ِ‬ ‫تلخي ُ‬
‫دم‬
‫ل يق ّ‬ ‫ء منه في منتهى اليجاز لع ّ‬ ‫ذكر شي ٍ‬
‫ق عن هذا المجتمع ليكون‬ ‫ً‬
‫عكوسا من الحقائ ِ‬
‫عبرة لولي اللباب‪.‬‬
‫***‬

‫صة حياتي‬
‫نبذة من ق ّ‬
‫وذكرياتي‬
‫ن بين شيوخ‬ ‫م الشخصّيات البارزي َ‬ ‫ت من أه ّ‬ ‫كن ُ‬
‫النقشبندّية في تركيا ومرجعا ً روحيا ّ لهذه‬
‫ة‬
‫ت مكان ٍ‬
‫ة ذا ِ‬‫ت في أسر ٍ‬ ‫ت ونشأ ُ‬
‫وِلد ُ‬
‫ة‪ .‬إذ ُ‬
‫الطائف ِ‬
‫‪539‬‬

‫س لما لها‬
‫ة تتهافت عليها جمهوٌر من النا ِ‬ ‫مرموق ٍ‬
‫مي ُّزها َ عن بقّية شيوخ الطاِئف ِ‬
‫ة‪.‬‬ ‫ت تُ َ‬
‫من صفا ٍ‬
‫ي‪،‬‬ ‫و ً‬
‫ل‪ :‬أّنها أسرةٌ مشهورةٌ من البيت الهاشم ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ي رض الله عنهما )إذا‬
‫تنتهي إلى الحسن بن عل ّ‬
‫ح‪ ،‬والله أعلم(‪.‬‬‫ص ّ‬
‫ة‬
‫ي في هذه السر ِ‬ ‫ثانيًا‪ :‬لم تتغّير الطابع العرب ّ‬
‫ئها لقب آيدن ‪Aydın‬‬ ‫رغم سياسة التتريك بإعطا ِ‬
‫ة‬
‫ة )العربّية( قداس ً‬‫ت بهذه الصف ِ‬ ‫إجبارًا‪ .‬لذا تمي َّز ْ‬
‫ة بين‬ ‫في نظر الذين يجعلون من هذا الطابع صل ً‬
‫ي‬
‫ب والسلم ِ أو بين البيت الهاشم ّ‬ ‫العر ِ‬
‫ب على بقّية المسلمين‬ ‫ضُلو َ‬
‫ن العر َ‬ ‫ف ّ‬ ‫في ُ َ‬
‫م! َ‬‫والسل ِ‬
‫ء‬
‫ن الخاطي ِ‬ ‫ب هذا الظ ّ‬ ‫ة‪) .‬أصحا ُ‬ ‫مي ّ ٍ‬ ‫ج ِ‬‫ع َ‬‫من عناصَر َ‬
‫ب تركيا‪ ،‬وما‬‫ب بجنو ِ‬ ‫ة من الكراِد والعر ِ‬ ‫كانوا قل ّ ً‬
‫عب َأ ُ بهذه الفكرة(‪.‬‬ ‫م يَ ْ‬ ‫كاد أحدٌ اليو َ‬
‫ن والوافدين‬ ‫ف الزائري َ‬ ‫وئ ِل ً لل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن بيُتنا َ َ‬ ‫ثالثًا‪ :‬كا َ‬
‫ن يأتي‬ ‫م ْ‬ ‫ف البلِد حتى عام ‪1960‬م‪ .‬منهم َ‬ ‫من أطرا ِ‬
‫ة من‬ ‫سنا َ )التي كانت ك ُل ّي َ ً‬ ‫ر ِ‬ ‫مدا َ ِ‬ ‫ة في َ‬ ‫للدراس ِ‬
‫ليتعل ّ َ‬ ‫كّليا ِ‬
‫‪606‬‬
‫ة‬‫م فيها اللغ َ‬ ‫ء(‬‫ت الجامعة الزهرا ِ‬
‫ة‬
‫م السلمّية من عقيد ٍ‬ ‫قى العلو َ‬ ‫العربّية ويتل ّ‬
‫ن يأتي فارا ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ث‪ ...‬ومنهم َ‬ ‫ر وحدي ٍ‬ ‫ه وتفسي ٍ‬ ‫وفق ٍ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ة‪ ،‬ومنهم َ‬ ‫ه يستغيث ويطلب الحماي َ‬ ‫و ِ‬‫من عد ّ‬
‫ه‬
‫م ِ‬ ‫يأتي للتظل ّم ِ يطلب القضاءَ بينه وبين خص ِ‬
‫ه عن‬ ‫م‪ ،‬لتبّري ِ‬ ‫ّ‬
‫وهو يرفض اللجوءَ إلى المحاك ِ ِ‬
‫ن يأتي ليتبّر َ‬
‫ك‬ ‫م ْ‬
‫ة‪ ،‬ومنهم َ‬ ‫القوانين الوضعي ِ‬
‫م والدعاءَ والشفاءَ‬ ‫ب التمائ ِ َ‬ ‫بأعتاِبنا يطل ُ‬
‫ه!‬ ‫ة وربما المغفرةَ لمي ّت ِ ِ‬ ‫ة يوم القيام ِ‬ ‫والشفاع َ‬
‫ن‬‫ب هذه العقلّية يزورو َ‬ ‫ت الوفودُ من أصحا ِ‬ ‫فكان ْ‬
‫ة‬
‫ة عظيم ٌ‬ ‫مد الحزين وهي قب ّ ٌ‬ ‫ي الشيخ مح ّ‬ ‫ة جدّ ِ‬ ‫ُ‬
‫قب ّ َ‬
‫ة‬
‫ف(‪ ،‬على مقرب ٍ‬ ‫فْرسا َ ُ‬ ‫ة اسمها ) ُ‬ ‫ة بقري ٍ‬ ‫فوقَ هضب ٍ‬
‫د( من جهة الشمال‪ ،‬سكا ُّنها‬ ‫َ‬
‫عْر َ‬‫س ِ‬ ‫ة )أ ْ‬ ‫من مدين ِ‬
‫ة كّلية الدعوة السلمّية في الجماهيرية الليبية‪،‬‬
‫ت في مجل ّ ِ‬
‫شَر ْ‬
‫ة‪ ،‬فن ُ ِ‬
‫ة حول هذه الجامع ِ‬
‫ة تفصيلي ً‬
‫ت مقال ً‬
‫‪ 606‬كتب ُ‬
‫العدد الخامس‪ ،‬عام ‪1988‬م‪.‬‬
‫‪540‬‬

‫ة مزارا ً‬
‫ل هذه القب ُ‬ ‫ب‪ .‬وللسف الشديد ل تزا ُ‬ ‫عر ٌ‬
‫ى‬ ‫ُ‬ ‫ة إلى ُ‬
‫ب أخر َ‬ ‫قب َ ٍ‬ ‫ن‪ ،‬بالضاف ِ‬
‫س حّتى ال َ‬ ‫للنا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مي‪ ،‬منهم‬ ‫عما َ ِ‬
‫ةل ْ‬ ‫عْردَ فيها أضرح ٌ‬
‫س ِ‬‫بمدينة أ ْ‬
‫مد موسى الكاظم الذي مّر ذكره في‬ ‫الشيح مح ّ‬
‫كتابي )ص‪ ،356/‬الطبعة الثانية(‪ ،‬وقد رثاه الشيخ‬
‫زكي أوران وهو شخص من مريديه بهذه الكلمات‬
‫الخطيرة‪:‬‬

‫ب‬ ‫في اْلـك ُُرو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م ٌ‬ ‫خ كا َ ِ‬ ‫شـي ْ ٌ‬‫ه َ‬ ‫في ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م َ‬ ‫زُْر ذا َ المقا َ‬


‫و ُ‬
‫ل‬ ‫ع ّ‬ ‫م َ‬
‫ه ُ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫َلنا َ َ‬
‫ن َ‬ ‫كا َظِ ٌ‬ ‫شي ْ ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ج ُ‬
‫‪607‬‬
‫في‬ ‫ه ِ‬‫ضل ِ ِ‬‫ف ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مد‬ ‫خ مح ّ‬ ‫زي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫ه ُ‬
‫ل‬ ‫ج َ‬ ‫س يُ ْ‬ ‫س لي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫الن َا ِ‬
‫ه‬
‫عْنـدَ َرب ّ ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫سـ ُ‬ ‫و ّ‬ ‫ه فَالت ّ َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫سـل َ ْ‬ ‫و ّ‬ ‫وت َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ضـو ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫وَت َأدّب َ ْ‬
‫قَبـ ُ‬
‫ل‬ ‫يُ ْ‬
‫ت‬ ‫جنا ّ ِ‬‫ه ال ْ َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ع ْ‬‫جـ َ‬ ‫وا ْ‬ ‫ة َ‬‫م ٍ‬ ‫ح َ‬‫ك ب َِر ْ‬ ‫من ْ َ‬ ‫مـدْهُ ِ‬ ‫غ ّ‬ ‫ياَ َرّبنا َ َ‬
‫‪608‬‬
‫ف ُ‬
‫ل‬ ‫فيـها َ ي َْر َ‬ ‫ِ‬
‫ن‬‫ة وشؤو ٍ‬ ‫ر متناقض ٍ‬ ‫ة بأمو ٍ‬ ‫ة مليئ ٍ‬ ‫ت في منطق ٍ‬ ‫نشأ ُ‬
‫ت‬‫ة وسلل ٍ‬ ‫ت متباين ٍ‬ ‫ة وطبقا ٍ‬ ‫ت مختلف ٍ‬ ‫ة ولغا ٍ‬ ‫غريب ٍ‬
‫س ومجالس‬ ‫ة والتدري ُ‬ ‫م والمعرف ُ‬ ‫ة؛ فيها العل ُ‬ ‫عريق ٍ‬
‫ت‬ ‫ع والخرافا ُ‬ ‫ع‪ ،‬وفيها الب ِدَ ُ‬ ‫ر والسما ِ‬ ‫الذك ِ‬
‫م والجاهلّية‬ ‫ك والسل ُ‬ ‫ل والتوحيدُ والشر ُ‬ ‫والباطي ُ‬
‫ن‬
‫ك في حي ٍ‬ ‫ن وتتشاب ُ‬ ‫ك في حي ٍ‬ ‫د‪ ،‬تشتب ُ‬ ‫ح ٍ‬ ‫ن وا ِ‬ ‫في آ ٍ‬
‫ط‬‫ب هذا الخل َ‬ ‫ن يستغر ُ‬ ‫م ْ‬
‫ل َ‬ ‫آخَر‪ ،‬مع ذلك ق ّ‬
‫ف‬
‫ر ِ‬ ‫ل الجا ِ‬‫ف هذا السي ِ‬ ‫كر في إيقا ِ‬ ‫ث‪ ،‬ول يف ّ‬ ‫والعب َ‬
‫ة التي‬‫ن البيئ َ‬ ‫ن‪ ،‬غيَر أ ّ‬ ‫ث والسمي َ‬ ‫ل الغ ّ‬ ‫الذي يحم ُ‬
‫ة‬‫م طفولتي وشبابي كانت ساح ً‬ ‫ت فيها أّيا َ‬ ‫قضي ُ‬
‫ن جموعا ً من‬ ‫م‪ ،‬تحتض ُ‬ ‫ط هذا الظل ِ‬ ‫ني َّرةً في وس ِ‬
‫عمها كباُر أسرتي وعلى‬ ‫ء يتز ّ‬ ‫ة والعلما ِ‬ ‫طلب ِ‬ ‫ال ّ‬
‫رأسها المغفور له والدي الشيخ صلح بن عبد‬
‫مد الحزين الهاشمي‪ .‬ول يفوتني أن‬ ‫الله بن مح ّ‬
‫أقّر هنا بشهادة الحق لهذا الرجل العالم الفقيه‬
‫ه‬
‫ه ل يشوب ُ ُ‬ ‫حدا ً في إيمان ِ ِ‬ ‫و ّ‬
‫م َ‬‫ي إّنه كان ُ‬ ‫الصالح التق ّ‬
‫‪ 607‬بالعراب المحكي‬

‫م العين‪ .‬والشعر من )الكامل(‬


‫ل( بض ّ‬ ‫‪ 608‬و )ي َْر ُ‬
‫ف ُ‬
‫‪541‬‬

‫دفا ً‬
‫مسَته َ‬ ‫ك‪ .‬ولهذا ظ ّ‬
‫ل ُ‬ ‫قطميٌر من الشرا ِ‬
‫ة حتى أتاه اليقين‪.‬‬‫لضغينة شيوخ الطائف ِ‬
‫ة‬
‫غ َ‬ ‫ت الل ّ َ‬‫ب العزيَز عليه‪ ،‬ودرس ُ‬ ‫ت الكتا َ‬ ‫حفظ ُ‬
‫ة من‬ ‫م السلمّية على ُنخب ٍ‬ ‫ب والعلو َ‬ ‫العربّية والدا َ‬
‫ت من‬ ‫ب مادرس ُ‬ ‫ب‪ ،‬بجان ِ‬ ‫جّلهم من العر ِ‬ ‫ء ُ‬‫العلما ِ‬
‫ت‬
‫ة‪ ،‬فحظي ُ‬ ‫ة في المدارس الرسمي ِ‬ ‫العلوم الحديث ِ‬
‫ت‬‫ة حّتى أصبح ُ‬ ‫ة والثقاف ِ‬ ‫فرا ً من المعرف ِ‬ ‫نصيبا ً وا ِ‬
‫ن مما ّ‬ ‫جي َ‬‫ن أصحابي وأمثالي من الخّري ِ‬ ‫محسودا ً بي َ‬
‫ن العجَز في استخدام ِ اللغة العربّية‬ ‫كانوا يعانو َ‬
‫ى‬ ‫ل شائعا ً حت ّ‬ ‫ب ل يزا ُ‬ ‫ة‪ .‬وهذا العي ُ‬ ‫نطقا ً وكتاب ً‬
‫س بسمة العلم ِ‬ ‫م النا ُ‬ ‫ه ُ‬‫ف ُ‬ ‫ص ُ‬
‫ن تَ ِ‬
‫م ْ‬
‫ن في جميع َ‬ ‫ال َ‬
‫عربا ً وكردا ً وتركا ً في بلِدنَا‪.‬‬

‫ة بين العائلت‬ ‫ة الشائع ِ‬ ‫ت من العاد ِ‬ ‫ولما ّ كان ْ‬


‫ن‬
‫ة‪ :‬أ ّ‬ ‫ة لجماعات الصوفي ِ‬ ‫ة في الزعام ِ‬ ‫المشهور ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫م باعداِد شخصّية من أبناِئها ليتولى‬ ‫كل ّ منها تقو ُ‬
‫ة حوَلها حفظا ً‬ ‫ة الملت ّ‬
‫ف ِ‬ ‫ة والجماع ِ‬ ‫ة السر ِ‬ ‫رئاس َ‬
‫حت ِْني‬ ‫ش َ‬ ‫حهَا‪ ،‬ر ّ‬ ‫زها ومكانِتها ومصال ِ ِ‬ ‫على مرك ِ‬
‫ي(‪،‬‬ ‫الصوف ّ‬ ‫غ في أوحال الشرك‬ ‫السرةُ )إذ أتمّر ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ر ّ‬
‫قي َ‬
‫ط أن أ ِ‬ ‫ة بشر ِ‬ ‫م ِ‬
‫حت ِْني للقيام ِ بهذه المه ّ‬ ‫ش َ‬
‫ن إلى‬ ‫ه المنتسبي َ‬ ‫في اسطنبول‪ ،‬فأتوّلى توجي َ‬
‫رها َ سعيا ً‬ ‫ك المدينة وجوا ِ‬ ‫ة في تل َ‬ ‫العائلة الحزيني ّ ِ‬
‫د‬ ‫ُ‬
‫د صلتهم بها‪ ،‬ض ّ‬ ‫سَرت َِنا وتوطي ِ‬ ‫د ثقِتهم بأ ْ‬ ‫لتأكي ِ‬
‫محاولة بعض الشيوخ اّلذين يعملون على‬
‫رهم‪ .‬إذ هناك‬ ‫س من مريدي غي ِ‬ ‫ة النا ِ‬ ‫استمال ِ‬
‫ف بين شيوخ الطرائق‬ ‫ع عني ٌ‬ ‫ة وصرا ٌ‬ ‫منافس ٌ‬
‫ة‬
‫ه والشهر ِ‬ ‫ة قديما ً وحديثًا‪ ،‬ذلك طلبا ً للجا ِ‬ ‫الصوفي ِ‬
‫ر من المؤّيدين‬ ‫ق والكثا ِ‬ ‫ح بتوسيع النطا ِ‬ ‫والمصال ِ‬
‫ر‪.‬‬ ‫والنصا ِ‬
‫م الثالث عشر من‬ ‫ت إلى اسطنبول يو َ‬ ‫سافر ُ‬
‫ع‬
‫شهر أبريل‪/‬نيسان عام ‪1968‬م‪ .‬بعد أن حضَر جم ٌ‬
‫ة تطوان‬‫ر بمدين ِ‬‫ة القطا ِ‬‫ن محطّ َ‬
‫غفيٌر من المريدي َ‬
‫ن أقلع‬ ‫ة بشرقي تركيا لتوديعي‪ .‬وما أ ْ‬ ‫الواقع ِ‬
‫‪542‬‬

‫ل‬ ‫مث ُ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫حّتى زارني كبيُر الموظفي َ‬ ‫القطاُر‪َ ،‬‬


‫ت‬‫ل‪ :‬يا مولنا! قد أعدد ُ‬ ‫ي باحترام ٍ قائ ً‬ ‫بين ي َدَ ّ‬
‫ر‬
‫ف ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن فيها مدّةَ ال َ‬ ‫ة تقضو َ‬ ‫ص ً‬ ‫جَرةً خا ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫لسماحتكم ُ‬
‫جتي إلى‬ ‫ت مع زو َ‬ ‫إلى اسطنبول‪ ...‬فانتقل ُ‬
‫قب َل َْتنا َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ة لنا؛ وهكذا‪ ،‬إلى أ ْ‬ ‫صص ِ‬ ‫الحجرة المخ ّ‬
‫ل‬‫ة الوصو ِ‬ ‫ن في محطّ ِ‬ ‫ة من المريدي َ‬ ‫ة كثيف ٌ‬ ‫جماع ٌ‬
‫ة‬
‫ت داري في هذه المدين ِ‬ ‫بإسطنبول‪ ،‬ثم أصبح ْ‬
‫ذ‬
‫ت يومئ ٍ‬ ‫ن‪ ،‬وكن ُ‬ ‫صدا ً للّزائري َ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫منذ بدأ ِ إقامتنا َ‬
‫ن عاما‪ .‬ورغم هذه‬ ‫ً‬ ‫ة وعشري َ‬ ‫ر ثلث ً‬ ‫م ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫بالغا ً من ال ُ‬
‫ت‬‫ر كان ْ‬ ‫ن المبك ّ ِ‬ ‫ة في مثل هذا الس ّ‬ ‫المكانة الوراثي ّ ِ‬
‫ب بها نفسي‪- :‬‬ ‫س ُ‬ ‫س أحا ِ‬ ‫ت وهواج ُ‬ ‫تنتاب ُِني تساؤل ٌ‬
‫شم والتماُيز! وما أرى‬ ‫ح َ‬ ‫هة وال َ‬ ‫ُ‬
‫ما لنا وهذه الب ّ َ‬
‫ة‬
‫فيَنا )نحن زمر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫س يعتقدو َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫ك إل ّ ل ّ‬ ‫ذل َ‬
‫ة ما‬ ‫ة( من الكرامة والبرك ِ‬ ‫ق الصوفي ِ‬ ‫ّ‬
‫خ الطرائ ِ‬ ‫شيو ِ‬
‫كنا ّ‬ ‫رنا‪ .‬نعم كان المُر كذلك‪ ،‬ف ُ‬ ‫َ‬ ‫ن في غي ِ‬ ‫ل يعتقدو َ‬
‫في اعتقاِدهم‪ :‬زمرةً من المصطفين الخيار‪،‬‬
‫سنا َ ول ي َُردّ لنا‬ ‫ن البرار‪ ،‬ل يشقى جلي ُ‬ ‫والمجتبي َ‬
‫كنا ّ أيضا ً‬ ‫د‪ ،‬بل ُ‬ ‫ء‪ ...‬ولم ينته المُر عند هذا الح ّ‬ ‫دعا ٌ‬‫ُ‬
‫ف‬ ‫ه‪ ،‬نتصّر ُ‬ ‫ن من طرف الل ِ‬ ‫وضي َ‬ ‫ف ّ‬‫م َ‬ ‫في اعتقاِدهم‪ُ :‬‬
‫ب‪ ،‬وتنطوي لنا‬ ‫م الغي َ‬ ‫ء‪ ،‬ونعل ُ‬ ‫ف نشا ُ‬ ‫ه كي َ‬ ‫ملك ِ ِ‬ ‫في ُ‬
‫ت‪،‬‬ ‫حظا ٍ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‪ ،‬نقطع المسافات البعيدةَ في ل َ‬ ‫الر ُ‬
‫ن فُنصّلي في الكعبة المشرف ِ‬
‫ة‬ ‫قف لنا الزما ُ‬ ‫ويتو ّ‬
‫ك‬ ‫ر ذل َ‬ ‫د‪ ...‬إلى غي ِ‬ ‫ن واح ٍ‬ ‫ي في آ ٍ‬ ‫وفي مسجد الح ّ‬
‫ة لها دينا وعق ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ت ل صح َ‬ ‫من خزعبل ٍ‬
‫ح‬ ‫َ َ‬
‫د» في مصطل ِ‬ ‫خ المه ِ‬ ‫ذ مجّردَ «شي ِ‬ ‫ت يومئ ٍ‬ ‫كن ُ‬
‫نك ّ‬
‫ل‬ ‫د»‪ :‬أ ّ‬ ‫خ المه ِ‬ ‫ك‪ .‬ومعنى «شي ِ‬ ‫ة الّتر ِ‬‫صوفي ِ‬
‫ول َدَت ْ ُ‬
‫ه‬ ‫خ أيضا ً من يوم ِ َ‬ ‫ة شي ٌ‬ ‫مولوٍد لشيخ الطريق ِ‬
‫ه‬ ‫ك َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سلوك ِ ِ‬ ‫ح بعد ُ‬ ‫ج َ‬ ‫فن َ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ودََر َ‬‫م إذا نشأ َ‬ ‫ه! ث ّ‬‫م ُ‬
‫أ ّ‬
‫ة عند الصوفية‬ ‫ل من التربية الرياضي ِ‬ ‫)وهو شك ٌ‬
‫ة‬
‫شدُهُ بِإجاز ٍ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ة(‪ُ ،‬يجيُزهُ ُ‬ ‫ص ً‬‫النقشبندّية خا ّ‬
‫ث‬‫م بب ّ‬ ‫ن له بها القيا َ‬ ‫)بمعنى شهادة التخّرج(‪ ،‬يأذ ُ‬
‫ط في‬ ‫س للنخرا ِ‬ ‫ل النا ِ‬ ‫ة وقبو ِ‬ ‫تعاليم ِ الطريق ِ‬
‫ب شيخ‬ ‫ص َ‬ ‫من ْ ِ‬
‫رُز َ‬ ‫ة(‪ُ ،‬يح ِ‬ ‫ف ً‬ ‫خلي ِ َ‬
‫ك) َ‬ ‫ن بذل َ‬ ‫كها‪ .‬فيكو ُ‬ ‫سل ِ‬
‫‪543‬‬

‫ف إذن في‬ ‫ي‪ ،‬فيتصّر ُ‬ ‫ة بالمعنى الحقيق ّ‬ ‫الطريق ِ‬


‫دهم وتوجيههم وطردهم‬ ‫ن ور ّ‬ ‫قبول المريدي َ‬
‫د‬
‫س»! على ح ّ‬ ‫«أوتدريجهم إلى حضرات القد ِ‬
‫سّرونه غاية السرار‪) .‬وهو مقام‬ ‫م الذي ي ُ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫قول ِ ِ‬
‫َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫ه ِ‬
‫وا ِ‬ ‫نأ ْ‬
‫ف َ‬ ‫م ْ‬‫ج ِ‬
‫خُر ُ‬‫ة تَ ْ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬
‫م ً‬ ‫الحلول والّتحاد(‪ .‬ك َب َُر ْ‬
‫ن ِإل ك َ ِ‬
‫ذًبا‪.‬‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫إِ ْ‬
‫ة‬
‫ل هذه الجاز ِ‬ ‫ة إلى مث ِ‬ ‫ذ أّني بحاج ٍ‬ ‫ت يومئ ٍ‬ ‫أيقن ُ‬
‫خ عند ما‬ ‫ُ‬
‫ن أمثالي من الشيو ِ‬ ‫لب َّرَر بها مكاني بي َ‬
‫ُ‬
‫َ‬ ‫معت ََرفا ً ب ِ ِ‬ ‫يقتضي ذل َ‬
‫ه في عالم ِ‬ ‫ح ُ‬‫صب ِ َ‬
‫ك فأ ْ‬
‫ب‬
‫ج ُ‬ ‫ث قد تستو ِ‬ ‫ف والحدا َ‬ ‫ن الظرو َ‬ ‫ة‪ ،‬ل ّ‬ ‫الصوفي ّ ِ‬
‫فهم!‬ ‫عر ِ‬ ‫ك في ُ‬ ‫ذل َ‬

‫ن هذه‬ ‫د أساطي ِ‬ ‫ة إلى أح ِ‬ ‫ب الستجاز ِ‬ ‫ت بطل ِ‬ ‫م ُ‬ ‫تقدّ ْ‬


‫ل منهم‪،‬‬ ‫ت مدّةً لختاَر المث َ‬ ‫َ‬ ‫الطائ ِ َ‬
‫مل ُ‬‫ة بعد أن تأ ّ‬ ‫ف ِ‬
‫فاستقّر رأيي على الشيخ سليمان بن عبد الله‬
‫ب‪:‬‬ ‫الخالدي المخزومي )‪ (1976-1868‬وذلك لسبا ٍ‬
‫ب شاعٌر‬ ‫م أدي ٌ‬ ‫ي‪ ،‬ومنها إّنه عال ٌ‬ ‫منها إّنه عرب ّ‬
‫ة‪ ،‬له تآليف في‬ ‫ت مختلف ٍ‬ ‫مشارك في اختصاصا ٍ‬
‫سنا من‬‫ّ‬ ‫ف‪ ،609‬ومنها إّنه أكبُر ِ‬ ‫و ِ‬ ‫الفقه والتص ّ‬
‫ذ‬
‫ن عمره يومئ ٍ‬ ‫جميع شيوخ النقشبندّية‪ ،‬إذ كا َ‬
‫ه‬
‫س علي ِ‬ ‫من در َ‬ ‫ة‪ ،‬ومنها إّنه م ّ‬ ‫ُيربي على المائ ِ‬
‫م لبي في‬ ‫ع ّ‬ ‫ة َ‬ ‫ن خليف َ‬ ‫والدي‪ ،‬ومنها إّنه كا َ‬
‫ث‬ ‫م بب ّ‬ ‫ت منه أن يجيزني لقو َ‬ ‫ة‪ .‬فطلب ُ‬ ‫الطريق ِ‬
‫ه في إسطنبول‪ .‬إل ّ‬ ‫ة عن ُ‬ ‫الطريقة النقشبندّية نياب ً‬
‫ن مخالفا لعرف النقشبندّية؛‬ ‫ً‬ ‫ب كا َ‬ ‫ن هذا السلو َ‬ ‫أ ّ‬
‫ة‪) ،‬من‬ ‫ة بعيد ٍ‬ ‫ب من مساف ٍ‬ ‫ت بهذا الطل ِ‬ ‫ي قم ُ‬ ‫لن ّ‬
‫ذ في مدينة‬ ‫م يومئ ٍ‬ ‫مدينة إسطنبول(‪ ،‬وهو يقي ُ‬
‫ت له طُب ِ َ‬
‫ع منها مايلي‪:‬‬ ‫ة مؤّلفا ٍ‬
‫د ِ‬
‫ت على ع ّ‬
‫‪ 609‬عثر ُ‬
‫مد الحزين الفرسافي الهاشمي‬
‫ة للشيخ مح ّ‬
‫* الهدية السليمانية شرح القصيدة التجلي ِ‬

‫* هبة المنان‪ ،‬شرح قصيدة )أيا إنسان(‪ ،‬أيضا ً للشيخ مح ّ‬


‫مد الحزين الفرسافي الهاشمي‪.‬‬

‫* نور الصباح في أحكام النكاح‪.‬‬


‫*ح ّ‬
‫ل المشكلت‪.‬‬

‫ة والصيام‪.‬‬
‫* نفع النام في اسقاط الصل ِ‬
‫مة‪.‬‬
‫مة في مسائل الزكاة المه ّ‬
‫* بذل اله ّ‬
‫ويغلب أن له مؤّلفات أخرى لم ُتطبع‪ ،‬لّنها ذهبت صحي ً‬
‫ة للهمال أو أتلفْتها سياسة التتريك!!!‬
‫‪544‬‬

‫َ‬
‫ه عن‬ ‫خ ِ‬‫د إلى شي ِ‬ ‫ب المري ِ‬ ‫عْرد ‪ ،Siirt‬وأما ّ خطا ُ‬ ‫س ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ة بأدب‬ ‫عدّ من الساء ِ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫طريق المراسلة الكتابي ِ‬
‫ن‬‫ة وأ ّ‬ ‫ص ً‬ ‫ق ذلك عليه‪ ،‬خا ّ‬ ‫ة إل ّ إذا تعذَّر أو ش ّ‬ ‫الطائف ِ‬
‫فك ّ‬
‫ل‬ ‫ن يختل ُ‬ ‫م الحترام ِ عند النقشبندّيي َ‬ ‫مفهو َ‬
‫د‬
‫ن المري َ‬ ‫س ويعتادونه‪ .‬إ ّ‬ ‫ف عما ّ يفهمه النا ُ‬ ‫الختل ِ‬
‫ن‬
‫ة يجب عليه أن يكو َ‬ ‫ب لهذه الصف ِ‬ ‫أو الطال ِ َ‬
‫ع‬
‫ء يملكه‪ ،‬وأن ل يمتن َ‬ ‫ل شي ٍ‬ ‫ء بك ّ‬ ‫مستعدا ّ للفدا ِ‬ ‫ُ‬
‫ه ولو كان‬ ‫خ ُ‬ ‫ي به َ‬
‫شي ْ َ‬ ‫ر ُيرض ِ‬ ‫ي أم ٍ‬‫عن القيام ِ بأ ّ‬
‫ر‪ .‬ومن‬ ‫ة خاط ٍ‬ ‫حّرمًا! فل بدّ أن يمتثل له عن طيب ِ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ب هذه‬ ‫د أو على طال ِ ِ‬ ‫جملة ما يجب على المري ِ‬
‫ه وليس‬ ‫خ ِ‬ ‫ه إلى شي ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م بنف ِ‬‫ن يتقدّ َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫الصف ِ‬
‫ل‪ ،‬بل‬ ‫ب‪ .‬بيد أّنه أغضى عن ذلك فض ً‬ ‫بإرسال كتا ٍ‬
‫ر‪ ،‬قّلما ُرز َ‬
‫ق‬ ‫د قصي ٍ‬ ‫ضعا ً فأجازني في أم ٍ‬ ‫زاد توا ُ‬
‫ب مثله‪.‬‬ ‫طال ِ ٌ‬
‫ة الرشار»‬ ‫جاد ِ‬‫ة على س ّ‬ ‫ت «خليف ً‬ ‫ن أصبح ُ‬ ‫وما أ ْ‬
‫ت‬‫ت عن ساعد الجدّ فبدأ ُ‬ ‫مر ُ‬ ‫حّتى َ‬
‫ش ّ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫وَر وفات ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ف ْ‬
‫مسا ً‬ ‫بإقامة حلقات الذكر؛ ولم يكن ذلك إل ّ تح ّ‬
‫مّني لثارة الشوق في قلوب المنتسبين إلى‬
‫م بها ردعا ً‬ ‫كه ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م ّ‬
‫د ثقِتهم وت َ َ‬ ‫أسرتنا وتوطي ِ‬
‫ن‬
‫مى بـ «صيد المريدين»‪ .‬ذلك أ ّ‬ ‫س ّ‬ ‫لمحاولة ما ي ُ َ‬
‫ن في‬ ‫ة طالما يطمعو َ‬ ‫خ الطرق الصوفي ِ‬ ‫شيو َ‬
‫ل بعضهم أحيانا ً‬ ‫غ ُ‬ ‫ق نفوِذهم‪ ،‬فيتو ّ‬ ‫توسيع نطا ِ‬
‫ب‬
‫خ آخر‪ ،‬يدعو مريديه للنتسا ِ‬ ‫ة شي ٍ‬ ‫في منطق ِ‬
‫ة‬
‫ت سياسي ٌ‬ ‫ورا ٌ‬ ‫ك تتط ّ‬ ‫ض عن ذل َ‬ ‫ه‪ ،‬وقد تتمخ ُ‬ ‫إلي ِ‬
‫ة‪.‬‬‫واجتماعي ٌ‬

‫جَلساُتنا هكذا بين أعوام ‪-1969‬‬ ‫ت حلقاُتنا و َ‬ ‫دام ْ‬


‫ة‬‫ء هذه الطريق ِ‬ ‫ً‬
‫ل مبدءا من مبادي ِ‬ ‫م ُ‬ ‫‪1974‬م‪ ،.‬لُنه ِ‬
‫ة أيّام‬ ‫شَر‪ ،‬نجتمع في عشي ِ‬ ‫وفقا ً لركاِنها الحدَ ع َ‬
‫خت ْم ِ‬‫ة« َ‬ ‫م حلق َ‬ ‫س بعد صلة المغرب‪ ،‬فُنقي ُ‬ ‫الخمي ِ‬
‫ر على‬ ‫ج َ‬
‫ء مع الصرا ِ‬ ‫ة العشا ِ‬ ‫ن» بعد صل ِ‬ ‫گا ْ‬ ‫وا َ‬
‫خ َ‬
‫ُ‬
‫د‬‫ل التعب ّ ِ‬ ‫ل من أشكا ِ‬ ‫د‪ ،‬وهي شك ٌ‬ ‫ش ِ‬
‫ة المر ِ‬ ‫رابط ِ‬
‫ي!‬
‫في الدين النقشبند ّ‬
‫‪545‬‬

‫ة‬
‫ن هذه الموَر في الحقيق ِ‬ ‫ن‪ ،‬أ ّ‬ ‫حي َْرةُ ال َ‬ ‫خذُِني ال ْ َ‬ ‫ت َأ ْ ُ‬
‫ت‬ ‫ل السرة التي نشأ ُ‬ ‫ف داخ َ‬ ‫مَتعا ََر ِ‬ ‫لم تكن من ال ْ ُ‬
‫ن والدي وأعمامي المأذونين في هذه‬ ‫فيها؛ فإ ّ‬
‫الطريقة‪ ،‬على رغم ماكان معروفا ً من أّنهم‬
‫ت‬‫ك في الوق ِ‬ ‫شيوخ الطريقة النقشبندّية )ول أش ّ‬
‫ن‬ ‫ن ماعدا والدي!(‪ ،‬ما كا َ‬ ‫ه أنهم كانوا قبوريي ّ َ‬ ‫ذات ِ ِ‬
‫س ول كانت هي‬ ‫م هذه الطقو َ‬ ‫أحدٌ منهم يقي ُ‬
‫ن كباَر أسرِتنا‬ ‫ة بين أتباعنا‪ .‬فيبدو لي أ ّ‬ ‫معروف ً‬
‫ض‬
‫كانوا قد انتبهوا إلى مخاطرها‪ ،‬لّني أذكر بع َ‬
‫ة‬‫م في الونة الخير ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫وك َ ُ‬ ‫شك ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫كلمهم الذي يو ِ‬
‫ب على‬ ‫ة «أّنها تيا ٌّر غري ٌ‬ ‫ل هذه الطريق ِ‬ ‫حو َ‬
‫ة‪.»...‬‬ ‫ر روي ّ ٍ‬ ‫ن من غي ِ‬ ‫م‪ ،‬ابتلى به المسلمو َ‬ ‫السل ِ‬
‫س‬
‫ة والتدري ِ‬ ‫ك‪ ،‬لّنهم كانوا من أهل المعرف ِ‬ ‫ذل َ‬
‫ة‬
‫ص في شّتى العلوم السلمّية من عقيد ٍ‬ ‫ص ِ‬ ‫والتخ ّ‬
‫عب‬ ‫ش َ‬‫ث وغير ذلك من ُ‬ ‫ر وحدي ٍ‬ ‫ه وتفسي ٍ‬ ‫وفق ٍ‬
‫عها‬ ‫ن من أصوِلها وفرو ِ‬ ‫كني َ‬ ‫ن‪ .‬فكانوا متم ّ‬ ‫الفنو ِ‬
‫ق تفاصيلها‪ ،‬بالضافة‬ ‫ومنقولها ومعقولها ودقائ ِ‬
‫ص‪،‬‬
‫ي الخال ِ‬ ‫ن بالذوق العرب ّ‬ ‫إلى أّنهم كانوا يمتازو َ‬
‫ن يرضخوا ل َِتعاليم ِ‬ ‫هم أ ْ‬ ‫هم وضمائ ُِر ُ‬ ‫س ُ‬‫ت نفو ُ‬ ‫فأب ْ‬
‫ض مع‬ ‫ل الذي يتعاَر ُ‬ ‫ي الدخي ِ‬ ‫ر الصوف ّ‬ ‫هذا الت ّّيا ِ‬
‫ه‪ ،‬إل ّ أّنهم ربما كانوا يحسبو َ‬
‫ن‬ ‫م ِ‬ ‫السلم ِ بتما ِ‬
‫ل‪ :‬يخافون‬ ‫ف )ول أقو ُ‬ ‫ظرو ٍ‬ ‫بو ُ‬ ‫حسابهم لسبا ٍ‬
‫ت‬ ‫ن بالسكو ِ‬ ‫على أنفسهم أو ينافقون(‪ ،‬فيكتفو َ‬
‫ة‬
‫ت حاذق ٍ‬ ‫ة وتوجيها ٍ‬ ‫ق ٍ‬ ‫ب ل َب ِ َ‬ ‫أحيانا ً وباتخاِذ أسالي َ‬
‫خ ذوي الصول العربّية‬ ‫ف بقّية الشيو ِ‬ ‫أحيانًا‪ ،‬بخل ِ‬
‫ة الذين انصهروا في بوتقة الكرد‬ ‫في المنطق ِ‬
‫ك‪ ،‬ول يكاد أحد منهم ينطق ويكتب بالعربّية‬ ‫والتر ِ‬
‫سها السرة الرواسّية‪ ،‬وهي من‬ ‫م‪ ،‬وعلى رأ ِ‬ ‫اليو َ‬
‫غل ّْتها َ جماع ٌ‬
‫ة‬ ‫ست َ َ‬ ‫امتداد السللة الحسينية‪ ،‬ا ْ‬
‫صَنما ً‬ ‫ت منها َ‬ ‫َ‬
‫عل ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن‪َ ،‬‬ ‫ة من النقشبندّيي َ‬ ‫طوراني ٌ‬
‫س في تركيا‪ .‬أما‬ ‫ن من النا ِ‬ ‫م مليي ُ‬ ‫يعبدها اليو َ‬
‫ل‬ ‫سها رج ٌ‬ ‫س َ‬ ‫ة خطيرةٌ أ ّ‬ ‫م ٌ‬ ‫من ّظّ َ‬ ‫ة فهي ُ‬ ‫هذه الجماع ُ‬
‫ي )وهو العقيد حسين حلمي إيشك‪ ،‬مات‬ ‫ر ّ‬ ‫عسك ِ‬
‫ن الدكتور أنور أورين‬ ‫ب عنه ال َ‬ ‫قبل عامين‪َ ،‬ينو ُ‬
‫‪546‬‬

‫ة‬
‫ة عاِئل ُ‬ ‫ء هذه السر ِ‬ ‫خَلفا ِ‬
‫‪ .(Dr. Enver Oren‬ومن ُ‬
‫المل ّ عبد الحكيم البلوانسي‪ .‬هذه السرة أيضا ً‬
‫ة(‪ ،‬استغّلها‬ ‫كردية النشأ ِ‬ ‫ل‪ُ ،‬‬‫ة )عربية الص ِ‬ ‫سي ْن ِي ّ ٌ‬ ‫ح َ‬‫ُ‬
‫ه‪ ،‬فجعلوا منها صنما ً ثانيا‪ً.‬‬ ‫َ‬
‫وب ِطان َت ُ ُ‬‫س الرجل َ‬ ‫نف ُ‬
‫ن(‪ .‬يقوم‬ ‫ة قاعدةٌ بقرب مدينة )آِديَاما َ ْ‬ ‫لهذه السر ِ‬
‫ء‬
‫ة إليها في أنحا ِ‬ ‫ن للدعو ِ‬ ‫شري َ‬ ‫ف من المب ّ‬ ‫آل ٌ‬
‫دها‬ ‫تركيا‪ ،‬وهي أقوى مراكز النقشبندّية وأش ّ‬
‫م‪ ،‬ون َظَْر ب َْر‬ ‫دردَ ْ‬
‫ش َ‬
‫و ْ‬‫سكا ً بالتعاليم البوذّية‪) :‬ه ُ‬ ‫تم ّ‬
‫ن‪...‬والّرابطة والختم‬ ‫وط ْ‬ ‫َ‬ ‫فْر دَْر َ‬‫س َ‬
‫و َ‬ ‫م‪َ ،‬‬ ‫قدَ ْ‬ ‫َ‬
‫گان ِّية‪ ...‬إلخ(‪.‬‬ ‫ج َ‬ ‫وا َ‬ ‫خ َ‬ ‫ُ‬

‫م بهذه المراكز‬ ‫ن أميركا تهت ّ‬ ‫ك في أ ّ‬ ‫ول ش ّ‬


‫ع الشرق الوسط(‪ .‬وهذا‬ ‫لتجنيدها ضمن )مشرو ِ‬
‫ه في كتابي ضمن الكلمة‬ ‫ت إلي ِ‬ ‫الذي أشر ُ‬
‫ة )ص‪ ،(369/‬قبل سنين‪ ،‬إذ لم يكن هذا‬ ‫الختامي ِ‬
‫ذ شيئا ً مذكورا‪ ،‬ولكن بفراسة‬ ‫المشروع يومئ ٍ‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫ه‪ ،‬وأما ّ ب ِن ِ ْ‬
‫ع َ‬ ‫د والحمد لل ِ‬‫ح ِ‬
‫و ّ‬
‫م َ‬
‫الرجل المؤمن ال ُ‬
‫ث‪.‬‬‫حدّ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ك َ‬

‫ت‬ ‫كن ُ‬ ‫ة أّني ُ‬ ‫صتي‪ :‬في الحقيق ِ‬ ‫عدنا إلى ق ّ‬ ‫وإذا ُ‬


‫منعم‬ ‫ريّا‪ ،‬كما يقول الستاذ عبد ال ُ‬ ‫صوفيا ّ قبو ِ‬
‫م طفولتي‬ ‫ت أيا ّ َ‬ ‫الجداوي في اعترافاته‪ .‬قضي ُ‬
‫ة من‬ ‫ة حالك ٍ‬ ‫وفترةً من أيا ّم ِ شبابي في ظلم ٍ‬
‫س قياما ً بما فرض‬ ‫ه وأنا أشدّ النا ِ‬ ‫ك بالل ِ‬ ‫الشرا ِ‬
‫ج‬‫ة والصوم ِ والح ّ‬ ‫الله على عباده من الصل ِ‬
‫ء ما‬ ‫ل‪ ،‬بإزا ِ‬ ‫ر من النواف ِ‬ ‫ل والكثا ِ‬ ‫ة والتبت ّ ِ‬ ‫والزكا ِ‬
‫گان ِّية‬ ‫ج َ‬ ‫وا َ‬ ‫خ َ‬ ‫ه من الّرابطة والختم ُ‬ ‫مب ِ‬ ‫ت ألتز ُ‬ ‫كن ُ‬
‫ر والستمداِد من‬ ‫ة وتعظيم القبو ِ‬ ‫وزيارة الضرح ِ‬
‫ن‬‫ت اليما ِ‬ ‫وِبقا ِ‬ ‫م ْ‬‫ك من َ‬ ‫ر ذل َ‬ ‫ء»‪ ،‬وغي ِ‬ ‫أرواح «الوليا ِ‬
‫م‬‫حّر َ‬‫قدْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك ِبالل ِ‬ ‫ر ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬‫وقد قال تعالى‪ « :‬إّنه َ‬
‫ما ِلل ّ‬ ‫ةو ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫و َ‬ ‫واهُ الّناُر َ‬ ‫مأ َ‬
‫جن ّ َ َ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫عل َي ْ ِ‬‫ه َ‬ ‫الل ُ‬
‫َ‬
‫ة من صفة‬ ‫ن هذه الحال َ‬ ‫ر» ‪ .‬إل ّ أ ّ‬ ‫‪610‬‬
‫صا ٍ‬ ‫أن َ‬
‫ن‬
‫ن بي َ‬ ‫عو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫المشهورين من شيوخ النقشبندّية‪ ،‬ي َ ْ‬

‫المائدة‪72/‬‬ ‫‪ 610‬سورة‬
‫‪547‬‬

‫ه على‬
‫ة الل ِ‬
‫تعاليم السلم ِ وتعاليم ِ بوذا في عباد ِ‬
‫مّر حياتهم والعياذ بالله!‬

‫ط‬
‫ث والخل ِ‬ ‫ة من العب ِ‬ ‫وبينا أنا على هذه الصف ِ‬
‫ب‬‫ك من اضطرا ٍ‬ ‫ه إلى ما في ذل َ‬ ‫دونما انتبا ٍ‬
‫ل من‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ض‪ ،‬فضل ً عما أب ْذُ ُ‬ ‫وتنا ُ‬
‫ب وتعاُر ٍ‬ ‫ض وتضاُر ٍ‬ ‫ق ٍ‬
‫جهم‬ ‫الجهد للهيمنة على نفوس المريدين لستدر َ‬
‫ة‬
‫ت عشي ّ ٍ‬ ‫ق هذا العال َم ِ المظلم‪ ،‬زاَرني ذا َ‬ ‫إلى أعما ِ‬
‫ن من أتباعي‪ ،‬اسمه موسى‬ ‫ص من البارزي َ‬ ‫شخ ٌ‬
‫ة من الوقات التي‬ ‫ي‪ ،‬فلم تكن الساع ُ‬ ‫أبار ِ‬
‫ت في‬ ‫ف‪ .‬قل ُ‬ ‫ضيو َ‬ ‫ن وال ّ‬ ‫ل فيها الزائري َ‬ ‫أستقب ِ ُ‬
‫ه؛‬‫ل يستفتيني في ِ‬ ‫ر عاج ٍ‬ ‫ي لعّله جائني بأم ٍ‬ ‫نفس ِ‬
‫س‪،‬‬‫ه بالجلو ِ‬ ‫تل ُ‬ ‫ن أِذن ْ ُ‬ ‫فلما ّ استقّر جاِلسا ً بعدَ أ ْ‬
‫م‪،‬‬‫ه ُ‬‫صدُ بها المت ّ ِ‬ ‫ة يق ُ‬ ‫جيءَ بتهم ٍ‬ ‫أخب ََرِني‪ :‬أّنه فو ِ‬
‫مدُ إلى‬ ‫ع ِ‬‫ه كّلما ن َ ْ‬ ‫ك بالل ِ‬ ‫ب الشر َ‬ ‫أّني وأتباعي نرتك ُ‬
‫الّرابطة!‬

‫ب‬
‫ت الغض ِ‬ ‫خَلجا ُ‬‫ت َ‬‫ض ْ‬‫ت‪ ،‬ن َب َ َ‬‫ت هذه الكلما ِ‬ ‫فلما ّ سمع ُ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ش بي َ‬‫ت عما ّ بدأ يجي ُ‬ ‫في ضميري‪ ،‬إل ّ أّني أحجم ُ‬
‫ء‪- .‬‬
‫ة على هذا الّتهام الجري ِ‬ ‫جوانحي من الثور ِ‬
‫ك ونحن‬ ‫ى من يكون هذا الذي يرمينا بالشر ِ‬ ‫ُتر َ‬
‫س إليه تعالى‬ ‫ع النا ُ‬ ‫عباد الله الصالحون‪ ،‬يتضّر ُ‬
‫ل أن يحلفوا بالله‪،‬‬ ‫ن ِبهَاما َِتنا َ قب َ‬ ‫و َ‬
‫سم ُ‬
‫ق ِ‬ ‫هنَا‪َ ،‬‬
‫وي ُ ْ‬ ‫بجا ِ‬
‫ب إلى‬ ‫ه التقّر ُ‬ ‫ب إلينا أحدٌ إل ّ غايت ُ ُ‬ ‫ول يتقّر ُ‬
‫ت‬
‫ت وأنا في صم ٍ‬ ‫حظا ٍ‬ ‫ت لَ َ‬
‫ور ُ‬‫الله؟!‪ ...‬هكذا تص ّ‬
‫وجموٍد‪.‬‬

‫ث حّتى ناب َْتني َأنا َةٌ وأدركني انتباهٌ كأّني‬ ‫فلم يلب ْ‬
‫ت عميق‪.‬‬ ‫سبا ٍ‬ ‫ظ من ُ‬ ‫ة أو أستيق ُ‬ ‫ق من غشي ٍ‬ ‫أستفي ُ‬
‫ه بالصبر‬ ‫حت ُ ُ‬ ‫ه ونص ْ‬ ‫فل َطَ ْ‬
‫فت ُ ُ‬ ‫ت إلى مريدي‪َ ،‬‬ ‫ف ّ‬‫فال ْت َ َ‬
‫َ‬
‫خب َِرهُ بما‬ ‫ة فأ ُ ْ‬ ‫وضبط النفس حّتى أتدب َّر المسأل َ‬
‫ن يقتضي ذلك‪ ...‬وإل ّ‬ ‫ن كا َ‬ ‫م به إ ْ‬‫يجب القيا ُ‬
‫ل‪ ،‬دفعا ً‬ ‫ل هذه الهفوات أفض ُ‬ ‫هل لمث ِ‬ ‫فالتجا ُ‬
‫ق‪،‬‬ ‫ر ْ‬ ‫صَر ْ‬ ‫ظا للمرو َ‬ ‫للفتنة وحف ً‬
‫ف ٍ‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫فت ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ة‪ ...‬ث ّ‬ ‫ؤ ِ‬
‫ك‬ ‫ث عن حقيقة الّرابطة بعد تل َ‬ ‫ت بالبح ِ‬ ‫وبدأ ُ‬
‫‪548‬‬

‫ي‬
‫ل جذر ّ‬
‫و ٍ‬
‫ح ّ‬
‫ة تَ َ‬
‫عت َب َُر نقط َ‬
‫ث يُ ْ‬ ‫الّلحظ ِ‬
‫ة‪ ،‬وهذا الحد ُ‬
‫في حياتي‪.‬‬

‫ل الله تبارك‬ ‫ض فض ِ‬ ‫َ‬


‫هذا‪ ،‬فإّنما كانت هدايتي بمح ِ‬
‫ة‬‫د ول بإشار ِ‬ ‫ة من أح ٍ‬ ‫ن بدعو ٍ‬ ‫وتعالى‪ ،‬ولم تك ْ‬
‫ما ك ُّنا‬ ‫و َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه َ‬
‫داَنا ل ِ َ‬‫ه َ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫مدُ لل ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫و«ال ْ َ‬ ‫د‪َ ،‬‬ ‫مرش ٍ‬
‫َ‬
‫داَنا الله‪ .»...‬لذا‪ ،‬تمتاز هذه‬ ‫ه َ‬‫ن َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫ي لَ ْ‬ ‫د َ‬ ‫هت َ ِ‬‫ل ِن َ ْ‬
‫ب‬ ‫ل والذنا ِ‬ ‫ع والذيو ِ‬ ‫ة عن هداية الْتبا ِ‬ ‫الهداي ُ‬
‫ن من‬ ‫ّ‬
‫ض‪ .‬فإّنهم قد يتخلصو َ‬ ‫بطريق التقليد المح ِ‬
‫ن بشبه‬ ‫ة‪ ،‬ولكّنهم بعد ذلك يتشبثو َ‬ ‫أصنام ٍ عديد ٍ‬
‫د‬
‫ي الوحي َ‬ ‫د‪ ،‬إذ يرونه المصدَر الحقيق ّ‬ ‫صنم ٍ واح ٍ‬
‫ف بها‬ ‫ه نعوتا ل يّتص ُ‬ ‫ً‬ ‫ن علي ِ‬ ‫لهدايتهم‪ ،‬فيخلعو َ‬
‫ء‬
‫ة والعلم ِ والذكا ِ‬ ‫غيُرهُ من المكانة والعظم ِ‬
‫ك تمّلقا ً ورياءا ً واستغلل ً‬ ‫ل ذل َ‬ ‫ء! ك ّ‬ ‫والدها ِ‬
‫ل ‪ ‬يقول‪:‬‬ ‫ر‪ ،‬أو جهل ً وتقليدًا‪ ...‬والرسو ُ‬ ‫للضمائ ِ ِ‬
‫فل َ ها َِد َ‬
‫ي‬ ‫ل َ‬ ‫ضل ِ ْ‬‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬‫ه‪َ ،‬‬‫ل لَ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫م ِ‬ ‫فل َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫د ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫لَ ُ‬
‫‪611‬‬
‫ه‪.‬‬

‫ة‬
‫ة شّيق ٌ‬ ‫ص ٌ‬
‫لق ّ‬ ‫ء الذيو ِ‬ ‫ة من هؤل ِ‬ ‫ولي مع فئ ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن شاء الله تعالى‪.‬‬ ‫موها فيما بعد إ ْ‬ ‫سأوافيك ُ ُ‬
‫ه‪.‬‬
‫م ِ‬‫فالله سبحانه الذي هداني وثب َّتني عليها بكر ِ‬
‫زقَ منها‬‫ن ما ُر ِ‬
‫ن هدايتي وبي َ‬ ‫فالفرقُ إذن بي َ‬
‫ن ظاهٌر‬ ‫ه الصالحي َ‬ ‫د من عباِد ِ‬ ‫د أح ٍ‬ ‫غيري على ي ِ‬
‫ن به ويّتخذونه شبه صنم ٍ وهو بريءٌ‬ ‫ن يتشبثو َ‬ ‫حي َ‬
‫م‪،‬‬
‫ن على عبدة الصنا ِ‬ ‫كرو َ‬ ‫منهم‪ ،‬بله على ما ي ُن ْ ِ‬
‫ن أنفسهم من خلصة السلفّيين‪ .‬فهذا‬ ‫دو َ‬
‫ويع ّ‬
‫مبلغهم من العلم بالتوحيد!‬

‫ة بهذه المفاجأة‬ ‫ولما ّ أيقظني رّبي من نوم الغفل ِ‬


‫ب في روعي‪ ،‬وتجعلني‬ ‫ت الشكو ُ‬ ‫َ‬
‫ك ت َدُ ّ‬ ‫ة‪ ،‬ب َدَأ ْ‬‫الغريب ِ‬
‫ت هذه الّرابطة‬ ‫ل في نفسي عما ّ إذا كان ْ‬ ‫أَتسا َءَ ُ‬
‫ن‪ ،‬ولكن ِّني‬ ‫ع الشيطا ِ‬ ‫صن ِ‬‫التي نتعب ّدُ بها من ُ‬
‫خنَا‪ ،‬فأقول‪:‬‬‫مشا َئ ِ ِ‬ ‫ن في َ‬ ‫ء الظّ ّ‬ ‫أّتهمها أحيانا ً بسو ِ‬
‫د الل ّ ِ‬
‫ه‪) .‬سنن‬ ‫عب ْ ِ‬
‫ن َ‬
‫ر بْ ِ‬
‫جاب ِ ِ‬
‫ن َ‬
‫ع ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن أ َِبي ِ‬‫ع ْ‬ ‫مد َ‬ ‫ن مح ّ‬‫ر بْ ِ‬
‫ف ِ‬‫ع َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ع ْ‬
‫ن َ‬ ‫س ْ‬
‫فَيا َ‬ ‫ن ُ‬‫ع ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مَباَر ِ‬ ‫ن اب ْ ِ‬
‫ع ْ‬ ‫د الل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫عب ْ ِ‬
‫ة ْبن َ‬
‫عت ْب َ َ‬
‫ن ُ‬‫ع ْ‬
‫‪َ 611‬‬
‫ر‪) .‬سنن أحمد‪(14455 /‬‬ ‫ب‬‫جا‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫بي‬‫عن أ َ‬‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫يا‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ع‬ ‫كي‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫كذ‬ ‫بسيط‪،‬‬ ‫وباختلف‬ ‫(‪.‬‬ ‫النسائي‪/‬‬
‫ِ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫‪1560‬‬
‫‪549‬‬

‫ه من عباده اّلذين‬ ‫صت ُ ُ‬ ‫ه وخا ّ‬ ‫«وهم أولياءُ الل ِ‬


‫ه من‬ ‫ة الدنيا طمعا ً فيما عند الل ِ‬ ‫ة الحيا ِ‬ ‫رفضوا زين َ‬
‫ب‬
‫ن فيها»‪ .‬حس َ‬ ‫دو َ‬ ‫ف يخل ّ‬ ‫ن سو َ‬ ‫نعيم ٍ وجنا ٍ‬
‫ك في‬ ‫ذ‪ .‬ولم يكن المُر كذل َ‬ ‫اعتقادي يومئ ٍ‬
‫ة لم‬ ‫ن أولياءَ الصوفي ِ‬ ‫ل‪ :‬أ ّ‬ ‫ن‪ .‬أو ً‬ ‫ة من وجهي ِ‬ ‫الحقيق ِ‬
‫ن‪ ،‬بل‬ ‫ه طمعا ً فيما عنده من نعيم ٍ وجنا ٍ‬ ‫يعبدوا الل َ‬
‫ل فيه‪ ،‬تعالى َرّبنا عما ّ‬ ‫بغرض الّتحاِد معه والحلو ِ‬
‫ء لم يكونوا أصل ً‬ ‫ن هؤل ِ‬ ‫يقوله الفاسفون‪ .‬ثانيًا‪ :‬أ ّ‬
‫ن بل‬ ‫ه بل كانوا أولياء الشيطا ِ‬ ‫ء الل ِ‬ ‫من أوليا ِ‬
‫ت‬ ‫صل ْ‬ ‫ن الضللة متى تأ ّ‬ ‫ل على أ ّ‬ ‫ب‪ ...‬وهذا يد ّ‬ ‫ري ٍ‬
‫منا ً في أعماق‬ ‫مْز ِ‬ ‫ت مرضا ً ُ‬ ‫ن وأصبح ْ‬ ‫في النسا ِ‬
‫ل‬‫ق من الباط ِ‬ ‫ه غبيا ل يكاد يمي ُّز الح ّ‬ ‫ّ‬ ‫علت ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ج َ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫وجدان ِ ِ‬
‫ه‪ .‬وللسف كنا على هذه‬ ‫م ُ‬ ‫عل ْ ُ‬ ‫ث ل ينفعه ِ‬ ‫بحي ُ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫الحالة التي ُيرثى عليها‪ ...‬وعلى ما كان ِ‬
‫ء‬
‫ف بهؤل ِ‬ ‫ت أقول‪ :‬وكي َ‬ ‫ص اعتقادي بهم‪ ،‬كن ُ‬ ‫خال ِ‬
‫د‬
‫ن وهم أش ّ‬ ‫الفاضل أن يقعوا في حبال الشيطا ِ‬
‫ة حّتى في نومهم‪.‬‬ ‫ة ل تعتريهم غفل ٌ‬ ‫س يقظ ً‬ ‫النا ِ‬
‫مد بهاء‬ ‫ة منهم مح ّ‬ ‫ص ً‬ ‫هكذا كنا نعتقد فيهم‪) ،‬وخا ّ‬ ‫ّ‬
‫ن ِبشا َ ِ‬
‫ه‬ ‫الدين البخاري المعروف بين النقشبندّيي َ‬
‫نقشبند‪ ،‬وأحمد القاروقي السرهندي الذي‬
‫ة بصفة المام الّربّاني‪ ،‬وخالد‬ ‫ه الطائف ُ‬ ‫م ُ‬ ‫عظ ّ ُ‬ ‫تُ َ‬
‫البغدادي المشهور بصفة ذي الجناحين بين‬
‫مد الحزين‬ ‫دي الشيخ مح ّ‬ ‫س‪ ،‬وكذلك ج ّ‬ ‫ن النا ِ‬ ‫مليي ِ‬
‫س أضرحَتهم‪،‬‬ ‫وأمثالهم( الذين يزور آلف النا ِ‬
‫ء؛ فكيف‬ ‫ة والمغفرةَ والشفا َ‬ ‫دونها الشفاع َ‬ ‫ويستم ّ‬
‫ت‬‫ن قد غّرهم؟! ولقد كن ُ‬ ‫ن الشيطا ُ‬ ‫بهم أن يكو َ‬
‫ما‬‫و َ‬ ‫ة عما قال تعالى‪َ :‬‬ ‫ّ‬ ‫م الغفل ِ‬ ‫ذ تما َ‬ ‫غافل ً يومئ ٍ‬
‫َ‬
‫مّنى‬ ‫ذا ت َ َ‬ ‫ي ِإل إ ِ َ‬ ‫ول ن َب ِ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫قب ْل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫أْر َ‬
‫قي‬ ‫ما ي ُل ْ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫قى ال ّ‬ ‫أ َل ْ َ‬
‫ه َ‬ ‫خ الل ُ‬ ‫في َن ْ َ‬ ‫من ِي ّت ِ ِ‬ ‫في أ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬
‫م‬‫عِلي ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ه آَيات ِ ِ‬ ‫م الل ُ‬ ‫حك ِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫‪612‬‬
‫ء من‬ ‫ما ننظر إلى ما ورد عن هؤل ِ‬ ‫فل ّ‬ ‫م‪.‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ل في أشعارهم ومكاتيبهم وتوجيهاتهم‪،‬‬ ‫أقوا ٍ‬
‫ن في أمنيتهم‬ ‫نجد كثيرا مما ألقى الشيطا ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ج‪52/‬‬
‫الح ّ‬ ‫‪ 612‬سورة‬
‫‪550‬‬

‫كمت فيهم‪ ،‬وهي شاهدةٌ عليهم‬ ‫ت وتح ّ‬


‫صل ْ‬
‫فتأ ّ‬
‫‪613‬‬
‫ة!‬
‫إلى يوم القيام ِ‬
‫ي الّرابطة منذ الّلحظة التي أخبرني فيها‬ ‫شغلتن ْ‬
‫ة‬ ‫ق ِبنا َ ُته َ‬
‫م َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن شخصا ً ُيل ِ‬ ‫الشيخ موسى أباري بأ ّ‬
‫ح‬‫ي وتجر ُ‬ ‫جن ِ‬ ‫ر ُ‬ ‫ح ِ‬‫قدَةً ت ُ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫سب َِبهَا؛ فأصبح ْ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫شر ِ‬ ‫ال ّ‬
‫مْنها َ حّتى أطمئ ّ‬
‫ن‬ ‫ق ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫وجداني وُتجب ُِرني على التح ّ‬
‫ت الشخ‬ ‫ن صرف ُ‬ ‫ل‪ .‬وما أ ْ‬ ‫ق أم باط ٌ‬ ‫عما إذا هي ح ٌ‬
‫ه‬
‫ه لنا وصلت ِ ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ه على إخل ِ‬ ‫موسى بعد أن شكرت ُ ُ‬
‫ب(‬ ‫ر القلو ِ‬ ‫ب )تنوي ِ‬ ‫كتا َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ة بطريقِتنا‪ ،‬تناول ُ‬ ‫القوي ّ ِ‬
‫ي الربلي )ت‪1332 .‬هـ‪،(.‬‬ ‫مد أمين الكرد ّ‬ ‫ه مح ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫لمؤل ِ ِ‬
‫ه وهو يشتمل على‬ ‫ث من ُ‬ ‫م الثال َ‬ ‫ت القس َ‬ ‫فح ُ‬ ‫فتص ّ‬
‫ع‬ ‫ت على موضو ٍ‬ ‫وف‪ .‬حّتى إذا عثر ُ‬ ‫مسائل التص ّ‬
‫ة العلّية على العمل‬ ‫ه‪« :‬ومبنى هذه الطريق ِ‬ ‫عنوان ُ ُ‬
‫بإحدى عشرة كلمة فارسية )ص‪ .» (506/‬فأخذتني‬
‫من «علماء‬ ‫ن رجل ً ِ‬ ‫ة في الوهلة الولى أ ّ‬ ‫دهش ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ن يذكروا الله على‬ ‫س بأ ْ‬ ‫السلم»! ينصح النا َ‬
‫ة؟ هذا‪ ،‬ويجب‬ ‫ت فارسي ٌ‬ ‫ة مبناها مصطلحا ٌ‬ ‫طريق ٍ‬
‫الّتركيز هنا على أّني ل أقول بنفي ذكر الله‬
‫ة‪ .‬بل يجوز )بقدر ما يجوز!( أن‬ ‫ت مختلف ٍ‬ ‫ِبلغا ٍ‬
‫ف كتابا ً‬ ‫ن أل ّ َ‬‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه‪ ،‬ولكن ما با ُ‬ ‫ه بلغت ِ ِ‬‫يذكر العبدُ َرب ّ ُ‬
‫ضخما ً بالّلغة العربّية في العقيدة السلمّية‬
‫ه من العلم والبركة‬ ‫ب إلي ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ه‪ ،‬فضل ً عما ّ ي ُن ْ َ‬ ‫والفق ِ‬
‫والكرامة وبأّنه «شيخ شيوخ العصر‪ ،‬وقدوة‬
‫ل مصر‪ ،‬ونوٌر أضاءَ من عين المّنة‬ ‫جهابذة ك ّ‬
‫م أينع‬ ‫ي عا ّ‬ ‫ث ربا ّن ِ ّ‬ ‫اللهّية على هذا القطر‪ ،‬وغي ٌ‬

‫دوا َن ِ ّ‬
‫ي من‬ ‫ج َ‬ ‫ة مبادىءَ على ما جاءَ به ال ْ ُ‬
‫غ ْ‬ ‫مد بهاء الدين البخاري‪ :‬أّنه زاد ثلث َ‬
‫فمما روي عن شاه نقشبند مح ّ‬ ‫‪613‬‬

‫ة منها لمحمد بهاء الدين البخاري‪) .‬راجع‪:‬‬ ‫دوا َن ِ ّ‬


‫ي‪ ،‬وثلث ٌ‬ ‫ج َ‬ ‫ة منها ل ِل ْ ُ‬
‫غ ْ‬ ‫هرطقة البوذّية‪ ،‬وهي أحد عشر ُركنًا‪ :‬ثماني ٌ‬
‫ة في‬
‫ه ظاهر ٌ‬
‫ن ضللت ِ ِ‬
‫مد الحزين‪ ،‬فإ ّ‬ ‫ه‪ ،‬وأما ّ ج ّ‬
‫دي الشيخ مح ّ‬ ‫الفصل الثاني(‪ .‬وأما ّ السرهند ّ‬
‫ي فمكاتيبه شاهدةُ علي ِ‬
‫ه خاطبه‪:‬‬
‫ة له‪ :‬أن الل َ‬
‫ه‪ .‬قال في مناجا ٍ‬
‫ر ِ‬
‫ة من أشعا ِ‬
‫مواطن كثير ٍ‬
‫ه جمَالي‬
‫ج ِ‬
‫ب عن و ْ‬ ‫ت لَ َ‬
‫ك الّنقا َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ل * وَر َ‬
‫ف ْ‬ ‫وصـا ِ‬
‫ى بال ِ‬ ‫ن قد قّرب ْت ُ َ‬
‫ك إل ّ‬ ‫يا حزي ُ‬
‫فـان ُ‬
‫ظـْرني وعانقني ول تبالـي‬ ‫ن *‬
‫د السائلي َ‬
‫ب لم أُر ّ‬
‫هاب مجي ٌ‬
‫فإّني و ّ‬

‫ه من كتاب الهدّية السليمانّية للشيخ سليمان الخالدي المخزومي ص‪ .7/‬طُب ِ َ‬


‫ع في حلب – المطبعة السورية‬ ‫)نقلت ُ ُ‬
‫باشراف المل أحمد الزفنكي عام ‪1387‬هـ‪.(.‬‬
‫‪551‬‬

‫ك من مبالغات‬ ‫ل قفر‪ 614»...‬إلى غير ذل َ‬ ‫به نبات ك ّ‬


‫ن‬
‫م للمسلي َ‬ ‫ط وإسراف‪ ...‬ما باله يقدّ ُ‬ ‫وإفرا ٍ‬
‫م‪،‬‬
‫ة على السل ِ‬ ‫ر غريب ً‬ ‫ة شاذّةً من ال ّ‬
‫ذك ِ‬ ‫طريق ً‬
‫ة‪،‬‬
‫ت هندي ّ ٌ‬ ‫ة‪ ،‬ومستوحاها ديانا ٌ‬ ‫مصطلحاتها فارسي ّ ٌ‬
‫ة؟!‬ ‫وتوجيهاتها كفري ّ ٌ‬

‫ت النطَر على‬ ‫ل قادني حتى ألقي ُ‬ ‫ؤ َ‬‫ن هذا التسا ُ‬ ‫إ ّ‬


‫ة‬
‫ن الّرابطة وطريق ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت فيها نبذةٌ ِ‬ ‫ر ورد ْ‬ ‫سطو ٍ‬
‫إجراِئها في الصفحة الحادية عشرة والثانية‬ ‫َ‬
‫حها‬ ‫ة من هذا الكتاب؛ يشر ُ‬ ‫سمائ َ ِ‬‫عشرة بعد الخم ِ‬
‫شدُ المريدَ إلى‬ ‫طها وهو ُير ِ‬ ‫عدّدُ شرو َ‬ ‫ف وي ُ ّ‬ ‫المؤل ّ ُ‬
‫د‪ .‬وهي‬ ‫ش ِ‬‫ة المر ِ‬ ‫ذكر الله فيقول‪« :‬التاسع‪ ،‬رابط ُ‬
‫ه‬
‫ظ صورت ِ ِ‬ ‫ه‪ ،‬وحف ُ‬ ‫خ ِ‬‫ب شي ِ‬ ‫د بقل ِ‬ ‫ة قلب المري ِ‬ ‫مقابل ُ‬
‫ب‬‫ن قل َ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫ه‪ ،‬وملحظ ُ‬ ‫ل ولو في غيبت ِ ِ‬ ‫في الخيا ِ‬
‫ط‬
‫محي ِ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫ر ِ‬‫ض من بح ِ‬ ‫ب ينـزل الفي ُ‬ ‫خ كالميزا ِ‬ ‫الشي ِ‬
‫ة منه‬ ‫سِتمدادُ ال ْب ََرك َ ِ‬‫ط‪ ،‬وا ْ‬ ‫د المراب ِ ِ‬ ‫إلى قلب المري ِ‬
‫ل‪»...‬‬‫ص ِ‬ ‫ة إلى التو ّ‬ ‫سط َ ُ‬ ‫لّنه الوا ِ‬
‫ت بعدها‬ ‫ة عندما قرأ ُ‬ ‫زادْتني هذه السطوُر دهش ً‬
‫ف أّنه يقول فيها‪« :‬ول‬ ‫ت المؤل ّ ِ‬ ‫مباشرةً من كلما ِ‬
‫ث »‪،‬‬ ‫ت والحادي ِ‬ ‫ك من اليا ِ‬ ‫يخفى ما في ذل َ‬
‫َ‬
‫قوا‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫ل بقوله تعالى‪َ :‬ياأي ّ َ‬ ‫فيستد ّ‬
‫ه‬
‫سِبيل ِ ِ‬‫في َ‬ ‫دوا ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫جا ِ‬‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫سيل َ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫و ِ‬ ‫غوا إ ِل َي ْ ِ‬ ‫واب ْت َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫الل َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫ها ال ّ ِ‬ ‫وقوله تعالى‪َ :‬ياأي ّ َ‬
‫‪615‬‬
‫ن‬‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬
‫لَ َ‬
‫‪616‬‬
‫ن‪.‬‬ ‫قي َ‬ ‫صاِد ِ‬ ‫ع ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫آ َ‬
‫ل الفاسد‪ ،‬زادني أضعافا ً‬ ‫ن مثل هذا الستدل ِ‬ ‫إ ّ‬
‫ة كما زاد من عدد‬ ‫مما ينتابني من الدهش ِ‬
‫ص إلى‬ ‫ز خا ّ‬ ‫ل منها بحاف ٍ‬ ‫السباب التي دفعني ك ّ‬
‫ث حول الّرابطة النقشبندّية‪ .‬ومن‬ ‫مجال البح ِ‬
‫مجازا ً على‬ ‫ت شيخا ً ُ‬ ‫ة بمكان‪ ،‬إّني كن ُ‬
‫الغراب ِ‬
‫ة‬
‫ذ عن حقيق ِ‬ ‫ل يومئ ٍ‬ ‫ة النقشبندّية وأنا غاف ٌ‬‫سجاد ِ‬
‫ي الربلي‪.‬‬
‫مد أمين الكرد ّ‬
‫‪ 614‬لمتابعة البقّية من هذه الهفوات‪ ،‬راجع مقدمة كتاب تنوير القلوب لمح ّ‬
‫المائدة‪35/‬‬ ‫‪ 615‬سورة‬

‫التوبة‪119/‬‬ ‫‪ 616‬سورة‬
‫‪552‬‬

‫ة ومبناها ومستوحاها ونسيجها‬ ‫هذه الطريق ِ‬


‫ة!‬
‫ر من السلم ِ والبوذي ِ‬‫المتضاف ِ‬
‫وك َت َ َ‬
‫ب‬ ‫ة َ‬
‫ث هذه الّتهم ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫فلما ّ نّبهني رّبي ببا ِ‬
‫ى‬
‫ت أتحّر َ‬ ‫ر مديد‪ ،‬بدأ ُ‬ ‫د غي ِ‬ ‫ة في أم ٍ‬ ‫لنفسي الهداي َ‬
‫ي‬
‫ن حول ِ‬ ‫في َ‬ ‫ْ‬
‫ملت َ ّ‬ ‫ْ‬
‫ف ال ُ‬ ‫ول ً من آل َ ِ‬ ‫صأ ّ‬ ‫طريق الخل ِ‬
‫ن أن يشعروا بما‬ ‫ة‪ ،‬دو َ‬ ‫والمفتتنين بهذه الطريق ِ‬
‫ي؛ ليس‬ ‫ر في آرائي وضمير ِ‬ ‫ث لي من التغي ّ ِ‬ ‫حد َ‬
‫ي‪،‬‬‫ه حياتي ومال ِ‬ ‫ضل ُ‬ ‫ء تتعّر ُ‬ ‫ي عدا ٍ‬ ‫ً‬
‫ك خوفا من أ ّ‬ ‫ذل َ‬
‫ح في دعوتي لهم‬ ‫ت أّني لن أنج َ‬ ‫ل!‪ ...‬ولكن أيقن ُ‬ ‫ك ّ‬
‫ة النقشبندّية‬ ‫ق بمجّرِد تخطيئي للطريق ِ‬ ‫إلى الح ِ‬
‫ة في تلك‬ ‫ص ً‬ ‫ة‪ ،‬خا ّ‬ ‫ب والسن ِ‬ ‫ي بالكتا ِ‬ ‫لل ِ‬ ‫واستد َ‬
‫حدُ الله في هذا‬ ‫و ّ‬ ‫المرحلة التي لم أعلم أحدا ً ي ُ َ‬
‫ل لهذه‬ ‫ن ل بدّ أول ً من تمهيد السبي ِ‬ ‫البلد! إذًا‪ ،‬فكا َ‬
‫ن مثل‬ ‫ل طبعًا‪ ،‬ل ّ‬ ‫ك من السه ِ‬ ‫ة ولم يكن ذل ً‬ ‫الدعو ِ‬
‫ل‬
‫ر وتنظيم ٍ وما ٍ‬ ‫ض يحتاج إلى تفكي ٍ‬ ‫هذا النهو ِ‬
‫ل ووقت‪...‬‬ ‫ورجا ٍ‬
‫ةل‬ ‫مة الخطير ِ‬ ‫ن الستعدادَ لهذه المه ّ‬ ‫تأ ّ‬ ‫فإيقن ُ‬
‫ت إلى ليبيا بذريعة‬ ‫يمكن إل ّ خارج البلد‪ .‬فسافر ُ‬
‫ت في سلك الموظفين‬ ‫البحوث العلمّية‪ ،‬فانخرط ُ‬
‫ن هذا‬ ‫ة‪ .‬فكا َ‬ ‫ت التركّية للمقاول ِ‬ ‫باحدى الشركا ِ‬
‫سكاَنها لم يكونوا من‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن ُ‬
‫ة‪ ،‬إذ أ ّ‬ ‫البلدُ أرضا ً صالح ً‬
‫ت‪ ،‬كما لم يكن للطرق‬ ‫ع والخرافا ِ‬ ‫أهل البد ِ‬
‫ة أثٌر ي ُذْك َُر على الغلبّية منهم‪ .‬بل وجد ُ‬
‫ت‬ ‫الصوفي ِ‬
‫خلوقا ً‬ ‫ضل ً َ‬ ‫ً‬
‫ن على وجه العموم ِ مجتمعا فا ِ‬ ‫الليبيي ّ َ‬
‫ت لي المجا َ‬
‫ل‬ ‫ت منهم حفاوةً أفسح ْ‬ ‫كريمًا‪ ،‬ولقي ُ‬
‫ة والنقشبندّية‬ ‫م ً‬ ‫ث حول الصوفية عا ّ‬ ‫في البح ِ‬
‫ة من‬ ‫ة مكتباتهم كانت خالي ً‬ ‫ة‪ .‬في الحقيق ِ‬ ‫ص ً‬
‫خا ّ‬
‫ل هذه‬ ‫المصادر التي أحتاج إليها‪ ،‬إذ كانت ج ّ‬
‫ت إسطنبول‪ ،‬ولم يكن من‬ ‫المصادر في مكتبا ِ‬
‫ب إلى ليبيا‪ .‬فلم‬ ‫ل مثل هذه الكت ِ‬ ‫السهل إدخا ُ‬
‫ع الموظفين في‬ ‫ذ من إقنا ِ‬ ‫ن يومئ ٍ‬ ‫أظن أّني أتمك ّ ُ‬
‫ث‪ ،‬فأذكَر‬ ‫وابات الدخول‪ ،‬بإّني رجل باح ٌ‬ ‫أمن ب ّ‬
‫‪553‬‬

‫ة حتى أكسب ثقتهم‪.‬‬ ‫ة الطويل ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ل هذه الق ّ‬ ‫لهم ك ّ‬


‫ج أو‬‫ي إزعا ٍ‬ ‫ك‪ .‬تجّنبا ً أ ّ‬ ‫ة في ذل َ‬ ‫ت إلى تجرب ٍ‬ ‫مدْ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ول َ‬
‫ل‬ ‫ت عناءً شديدا ً في نق ِ‬ ‫تشكيك‪ .‬لذا تكّبد ُ‬
‫ة والطريقة‬ ‫ة بالصوفي ِ‬ ‫ص ِ‬‫المعلومات الخا ّ‬
‫ت إلى‬ ‫عدْ ُ‬ ‫ت كّلما ُ‬ ‫النقشبندّية إلى ليبيا‪ .‬فكن ُ‬
‫ت المكتبات الشهيرةَ وعلى رأسها‬ ‫بلدي‪ ،‬طف ُ‬
‫ت ضخمة‬ ‫ة ملحظا ِ‬ ‫ت بكتاب ِ‬ ‫مكتبة السليمانّية‪ ،‬وقم ُ‬
‫ت ولكن بإيجاز‪ ،‬مع ذكر أرقام الصحف‬ ‫في كّراسا ٍ‬
‫ة‬
‫ث والتطورات الخاص ِ‬ ‫للمصادر‪ ،‬وتاريخ الحدا ِ‬
‫ة ورجالتها‪ ،‬وأحفظ البقّية من‬ ‫بالطرق الصوفي ِ‬
‫ت هذه‬ ‫ن تراكم ْ‬ ‫ب‪ ،‬إلى أ ْ‬ ‫تفاصيلها عن ظهر قل ٍ‬
‫ة‬
‫ة متكامل ٌ‬ ‫ت منها مكتب ٌ‬ ‫ون ْ‬ ‫الكّراسات عندي‪ ،‬فتك ّ‬
‫ة بموقع‬ ‫ة في عمار ٍ‬ ‫ة من حجرتي الواقع ِ‬ ‫بناحي ٍ‬
‫ة في طرابلس‪ .‬ولم يكن أحدٌ من اخوتنا‬ ‫الظهر ِ‬
‫ك يقيم‬ ‫ذ أن رجل ً من الترا َ‬ ‫ن يعلم يومئ ٍ‬ ‫الليبيي ّ َ‬
‫ل ما‬ ‫خك ّ‬ ‫س َ‬ ‫ست َن ْ َ‬
‫ةا ْ‬ ‫ة ضخم ً‬ ‫في بلدهم‪ ،‬يملك مكتب ً‬
‫ة منهل ً غزيرا ً في‬ ‫ل هذه المكتب ُ‬ ‫مث ّ ُ‬ ‫ه‪ ،‬وت ُ َ‬ ‫م ِ‬‫فيها بقل ِ ِ‬
‫ن‬‫ة فيما يفضحهم! وكم كا َ‬ ‫ص ً‬ ‫ف خا ّ‬ ‫و ِ‬ ‫مجال التص ّ‬
‫ن الّليبّيو َ‬
‫ن‬ ‫ة والباحثو َ‬ ‫ن والعلماءُ والطَل َب َ ُ‬ ‫قفو َ‬ ‫المث ّ‬
‫ة‪.‬‬‫ة القّيم ِ‬ ‫ة إلى هذه المكتب ِ‬ ‫س ٍ‬ ‫ة ما ّ‬ ‫بحاج ٍ‬
‫ة‬
‫ت عن هذه المكتب ِ‬ ‫م استغني ُ‬ ‫ي يو َ‬ ‫من ِ‬ ‫هذا‪ ،‬وكم ي ُ ْ‬
‫ؤل ِ ُ‬
‫ى‬‫ت فيها الناَر حت ّ‬ ‫ة فأنشب ُ‬ ‫فجمعُتها في حاوي ٍ‬
‫ن المجتمع‬ ‫ت ُركاما ً من رماٍد هامد‪ .‬ذل َ‬
‫كأ ّ‬ ‫عاد ْ‬
‫ي أيضا ً جزءٌ من أمِتنا التي قد خسرت ثروة‬ ‫الليب ّ‬
‫ق‬
‫مح ّ‬ ‫درونه اليو َ‬ ‫ق ّ‬‫ن يُ َ‬
‫م‪ ،‬فل يكاد المسلمو َ‬ ‫العل َ‬
‫ظهم‬ ‫ق ُ‬ ‫ث لهم من ُيو ِ‬ ‫ه إلى أن يشاءَ الله فيبع َ‬ ‫ر ِ‬ ‫قد ِ‬
‫ن لم‬‫ن ذلك مّني أ ْ‬ ‫ة‪ .‬فكا َ‬ ‫عن هذه النومة الخطير ِ‬
‫ة‬
‫ك يهتم بهذه المكتب ِ‬ ‫د هنا َ‬ ‫قع من أح ٍ‬ ‫أتو ّ‬
‫فأحرقُتها!‬

‫ب الذي‬ ‫ن هذا الكتا َ‬ ‫س من ذلك‪ ،‬ل ّ‬‫غيَر أّنه ل بأ َ‬


‫ه ما‬
‫ف ِ‬
‫ق لتألي ِ‬‫ت الوثائ ِ َ‬
‫ر وطارد ُ‬‫ت على المصاد ِ‬‫عكف ُ‬
‫عصارةُ‬ ‫ن أعوام ‪1997-1974‬م‪ .‬هو في الحقيقة ُ‬ ‫بي َ‬
‫‪554‬‬

‫سه في ليبيا عام ‪1976‬م‪.‬‬ ‫ت أسا َ‬ ‫ه‪ .‬فبني ُ‬ ‫هذه المكتب ِ‬


‫ت‬ ‫م قم ُ‬ ‫ب؛ ث ّ‬ ‫فوَر إقامتي في هذا البلد الطي ّ ِ‬
‫ت‬‫ع ْ‬ ‫ه عام ‪1982‬م‪ .‬وكّلما دَ َ‬ ‫ه وأبواب ِ ِ‬ ‫ب فصول ِ ِ‬ ‫بترتي ِ‬
‫ر هذه‬ ‫ر مع كبا ِ‬ ‫ب أو حوا ٍ‬ ‫ة أو كتا ٍ‬ ‫ة إلى وثيق ٍ‬ ‫الحاج ُ‬
‫ل إليه ؛‬ ‫ت جهدا ً في شدّ الرحا ِ‬ ‫ة‪ ،‬ما ألو ُ‬ ‫الطريق ِ‬
‫ف‬ ‫ل أطرا ِ‬ ‫ب جامعا ً شامل ً لك ُ ّ‬ ‫ل ذلك ليصدر الكتا ُ‬ ‫ك ّ‬
‫س‬
‫ي لم ألتم ْ‬ ‫ع‪ .‬وعلى الرغم من أن ّ ِ‬ ‫الموضو ِ‬
‫ل هذا‬ ‫ن لكما ِ‬ ‫د من إخوتي الليبيي ّ َ‬ ‫مساعدةَ أح ٍ‬
‫ب‪ ،‬ولكّني أشكرهم جميعا‪ ،‬ول يفوتني أن‬ ‫ً‬ ‫الكتا ِ‬
‫ة والكرم ِ وحسن‬ ‫ت منهم من الحفاو ِ‬ ‫أذكر ما ليقي ُ‬
‫ة‬
‫ن المدّ َ‬ ‫ف بأ ّ‬ ‫ي لعتر ُ‬ ‫القرى ولين الجانب‪ ،‬وإن ّ ِ‬
‫ة ‪-‬وهي في‬ ‫ض ليبيا الحبيب ِ‬ ‫التي قضيُتها على أر ِ‬
‫ت أحلى أيّامي‪،‬‬ ‫ة‪ -‬كان ْ‬ ‫ن مدّةً قصير ً‬ ‫ة لم تك ْ‬ ‫الحقيق ِ‬
‫ة‬
‫مَر ً‬ ‫مث ْ ِ‬‫م شبابي‪ ،‬وكانت فترةً سعيدةً ُ‬ ‫إذ كانت أيا ّ َ‬
‫ة‬‫رْزقا ً حل َل ً واسعا ً أغناني عن الحاج ِ‬ ‫ت خل ََلها ِ‬ ‫ِنل ُ‬
‫ه‬‫فت ََرك ْت ُ ُ‬ ‫م َ‬‫ث القي ّ َ‬ ‫ت هذا البح َ‬ ‫إلى غيري حّتى أكمل ُ‬
‫ب ومصباحا ً لمن‬ ‫ُ‬
‫ن وعبرةً للي اللبا ِ‬ ‫زخرا ً للباحثي َ‬
‫ة‬
‫ه على خطورة الصوفي ِ‬ ‫ع في ضوئ ِ ِ‬ ‫يريدُ أن يطّل ِ َ‬
‫ن‬‫م والمسلمو َ‬ ‫ض له السل ُ‬ ‫عّر َ‬ ‫ف وما ت َ َ‬ ‫و ِ‬ ‫والتص ّ‬
‫ر‬
‫ن الماك ِ‬ ‫ء هذا السرطا ِ‬ ‫ر من جّرا ِ‬ ‫على مّر العصو ِ‬
‫س في‬ ‫س المتلب ّ ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫ش الد ّ‬ ‫ه هذا الوح ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫وما خل ّ َ‬
‫ب والدمار في‬ ‫د والتقوى من الخرا ِ‬ ‫ثوب الزه ِ‬
‫صرح اليمان والتوحيد‪.‬‬

‫ه‬
‫م الذي لم تأخذ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ي لشكُر كذل َ‬ ‫هذا‪ ،‬وإن ّ ِ‬
‫ه‬
‫س ِ‬‫ة ظال ِم ٍ إذ خاطََر ب َِنف ِ‬ ‫ة لئم ٍ ول خشي ُ‬ ‫لوم ُ‬
‫ن‬
‫ن للمّرة الولى على الساحة التركّية‪ :‬أ ّ‬ ‫فأعل ّ‬
‫صلةَ الّرابطة في الطريقة النقشبندّية إشرا ٌ‬
‫ك‬
‫م بلغني أّنه قد اّتهمني‬ ‫ه‪ ،‬وذلك عام ‪1974‬م‪.‬؛ ث ّ‬ ‫بالل ِ‬
‫واتباعي بهذا الذنب العظيم حّتى ألهمني رّبي‬
‫ث الذي أخذ‬ ‫ت بهذا البح ِ‬ ‫على أثره الرشدَ فقم ُ‬
‫ن عامًا‪ .‬وللعلم ِ لم يكن‬ ‫ة وعشري َ‬ ‫من عمري ثلث ً‬
‫ب‬
‫ل‪ ،‬إذ استفتاني قري ُ‬ ‫ة من السه ِ‬ ‫إبداءُ هذه الجرأ ِ‬
‫ة‬
‫ن عبر ً‬ ‫ل يكو ُ‬ ‫ن منه بشك ٍ‬ ‫ذات‪َ« ،‬لينتقم ّ‬ ‫هم ِ بال ّ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مت َ ِ‬
‫‪555‬‬

‫ص له ذلك‪ .‬فإّني‬ ‫خ َ‬‫ت أن أ َُر ّ‬ ‫لمن بعده!» فأبي ُ‬


‫ح الجريءَ الذي أطلعه الله‬ ‫ل الصال َ‬ ‫أشكر هذا الرج َ‬
‫س‪،‬‬
‫ن من النا ِ‬ ‫ف بل مليي ُ‬ ‫ر هلك فيه آل ٌ‬ ‫على خط ٍ‬
‫ة‬
‫ه من نقم ٍ‬ ‫فأعلن عنه وهو ل يبالي بما قد يصيب ُ ُ‬
‫ه )شفيق‬ ‫م ُ‬ ‫ط اس ُ‬ ‫ل خاّيا ٌ‬ ‫ت أّنه رج ٌ‬ ‫م عِلم ُ‬ ‫ونكال‪ .‬ث ّ‬
‫ي الفاتخ في‬ ‫أركويونجو ‪ ( Şefik Erkoyuncu‬بح ّ‬
‫إسطنبول‪ ،‬وهذا الشخص‪ ،‬لم يكن قد درس شيئا ً‬
‫ه علمًا! وما أشدّ حزني وأسفي إذ‬ ‫مما نسمي ِ‬
‫ة من عودتي إلى‬ ‫ة قصير ٍ‬ ‫ت بعدَ فتر ٍ‬ ‫سمع ُ‬
‫إسطنبول أّنه قد ذهب إلى الرفيق العلى‪ ،‬فلم‬
‫ألقاه في هذه الحياة الدنيا بعد أن اّتهمني‬
‫ه‪ ،‬وحشرهُ مع‬ ‫مده الله تعالى برحمت ِ‬ ‫ك! فتغ ّ‬ ‫بالشر ِ‬
‫ن‬
‫س َ‬ ‫ن وح ُ‬‫ء والصالحي َ‬ ‫ن والشهدا ِ‬ ‫ديقي َ‬ ‫ص ّ‬
‫ن وال ّ‬ ‫النبّيي َ‬
‫ه‪،‬‬‫م مثوا ُ‬‫ر ْ‬‫م اغفر لنا وله‪ ،‬وأك ِ‬ ‫ك رفيقًا‪ .‬ألّله ّ‬ ‫أولئ َ‬
‫ة‬
‫ة والّزلفى‪ ،‬والكرام َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن والّرا َ‬ ‫ه الم َ‬ ‫ول ّ‬
‫ق ِ‬
‫ع مجيب‪.‬‬ ‫ك سمي ٌ‬ ‫والبشرى‪ ،‬إن ّ َ‬

‫هابّية» في ثنايا كتابي‬ ‫ة ِبـ«الو ّ‬ ‫وأما ّ وص ُ‬


‫ف طائف ٍ‬
‫م هنا أن‬
‫وبواعث استعمالها‪ :‬فقد ناسب المقا ُ‬
‫وَردَ من‬
‫ة على ما َ‬‫ة إجاب ً‬‫أتطّرقَ إلى هذه التسمي ِ‬
‫د في تقرير الفاضل الشخ لطف الله بن عبد‬ ‫النق ِ‬
‫العظيم‪ ،‬حفظه الله تعالى‪.‬‬

‫قال الشيخ‪« :‬للمؤلف نظرة سلبية تجاه من‬


‫هابّية )‪ ،(312،313 ،311 ،229‬وكذلك‬
‫ُيسميهم بالو ّ‬
‫شيخ السلم ابن تيمية ) ‪ ،(340‬حيث يصف أتباع‬
‫هاب بالعنف والجبر‬ ‫مد بن عبد الو ّ‬ ‫الشيخ مح ّ‬
‫وبعدم الكفاءة في إرشاد الناس وإصلحهم‪،‬‬
‫ّ‬
‫وابن تيمية بأنه يمطر المخالفين بالشتم واللعن‬
‫ويرمي بالكفر البواح»‪.‬‬

‫ة الشيخ إلى صفحات من‬ ‫لقد أشاَر فضيل ُ‬


‫كتابي‪ 617‬وردت فيها وصف طائفة بـ «الو ّ‬
‫هابّية»‪.‬‬

‫‪ 617‬نعم‪ ،‬ورد هذا الوصف في الصفحات ‪ .313 ،312 ،311‬أما ّ الصفحة‪ 229/‬فلم يرد فيها شيءٌ من ذلك‪.‬‬
‫‪556‬‬

‫ة‬ ‫وإذا كانت هذه اللفا ُ‬


‫ظ تحتاج مّني إلى إعاد ِ‬
‫ها فأقول‪:‬‬‫في َ‬
‫ر ِ‬
‫الّنط ِ‬
‫ة‬
‫ت منها طاِئف ً‬ ‫هابّية»‪ ،‬فقد قصد ُ‬ ‫ة «الو ّ‬ ‫أما ّ صف ُ‬
‫مد‬‫ب إلى الشيخ مح ّ‬ ‫ن النتسا َ‬ ‫دعو َ‬ ‫من ي ّ‬ ‫ةم ّ‬ ‫متطّرف ً‬
‫هاب رحمه الله تعالى وهو بريءٌ منهم‬ ‫بن عبد الو ّ‬
‫ة أهل‬ ‫ت كثيرا ً بوحد ِ‬ ‫لتصّرفاتهم التي أضّر ْ‬
‫ة‪ .‬هذا‪ ،‬ول‬ ‫ة للعبر ِ‬ ‫د كما سأذكر منها أمثل ً‬ ‫التوحي ِ‬
‫ع‬
‫ف جمي َ‬ ‫ت بهذا الوص ِ‬ ‫ن قد قصدْ ُ‬ ‫ل أن أكو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ع َ‬
‫يُ ْ‬
‫ُ‬
‫ن بجزيرة‬ ‫مِتنا َ القاطني َ‬ ‫ءأ ّ‬ ‫ن من أبنا ِ‬ ‫فيي ّ َ‬ ‫سل َ ِ‬
‫ال ّ‬
‫ة مما ّ ل‬ ‫ط ل محال َ‬ ‫ن ذلك من الشط ِ‬ ‫ب؛ فإ ّ‬ ‫العر ِ‬
‫ه‬ ‫ّ‬
‫ن يطلع على كتابي بكلي ّت ِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ق ُ‬‫يكادُ يصدّ ُ‬
‫ق‬‫ن في إطل ِ‬ ‫ن يزعم أ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ة‪ .‬ومما ّ ي ُك َذّ ُ‬ ‫الجامع ِ‬
‫ة في الصفحة‪/‬‬ ‫م‪ :‬كلماتي الوارد ِ‬ ‫ة تعمي ٌ‬ ‫هذه الصف ِ‬
‫صها‪:‬‬ ‫ن كتابي وهذا ن ّ‬ ‫م ْ‬ ‫‪ِ 316‬‬
‫هابّيون‪ ،‬فإّنهم لم يجعلوا النقشبندّيين‬ ‫ما الو ّ‬‫«أ ّ‬
‫صا لنتقاداتهم؛ بل قد‬ ‫فا خا ً‬ ‫بالتحديد هد ً‬
‫دهم‬ ‫جهوا نق َ‬‫ما أو كادوا‪ .‬وإّنما و ّ‬‫تجاهلوهم تما ً‬
‫إلى الصوفّية على وجه العموم‪ .‬كما قد دافعوا‬
‫ل المعارضين‬ ‫قب َ ِ‬
‫ن تسميتهم من ِ‬ ‫عن أنفسهم بأ ّ‬
‫هابّية تسمية خاطئة‪ .‬إذ يقول في هذا أحد‬ ‫بالو ّ‬
‫ملوكهم‪:‬‬

‫ي‪،‬‬
‫هاب ّ‬
‫مون مذهبنا بالو ّ‬‫هابّيين‪ ،‬ويس ّ‬
‫موننا بالو ّ‬ ‫«يس ّ‬
‫ص‪ ،‬وهذا خطأ فاحش نشأ‬ ‫باعتبار أّنه مذهب خا ّ‬
‫ت الكاذبة اّلتي كان يبّثها أهل‬
‫عاَيا ِ‬
‫عن الدّ َ‬
‫الغراض‪.‬‬

‫نحن لسنا أصحاب مذهب جديد‪ ،‬وعقيدة جديدة‪،‬‬


‫فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح‪ ،‬ونحن‬
‫نحترم الئمّة الربعة‪ ،‬ول فرق عندنا بين مالك‬
‫‪557‬‬

‫ي و أحمد وأبي حنيفة‪ ،‬وكّلهم‬


‫والشافع ّ‬
‫‪618‬‬
‫محترمون في نظرنا»‪.‬‬

‫ن جعْلنا الشيخ عبد الرحمن دمشقية في‬ ‫هذا‪ ،‬ول ْ‬


‫ء‬
‫هابّيين‪ ،‬فإّنه قد تناول النقشبندّية بهدو ٍ‬ ‫عداد الو ّ‬
‫ه في تحليل‬‫ع ُ‬
‫ضو َ‬
‫و ُ‬
‫م ْ‬
‫حدّدَ َ‬‫سع فيها‪ .‬بل َ‬ ‫ولم يتو ّ‬
‫ل من قدمائهم فحسب»‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬لثلثة رجا ٍ‬
‫ة أقوا ٍ‬ ‫ثلث ِ‬
‫يل‬
‫ل الوع ِ‬
‫طلع على هذا السلوب بكما ِ‬ ‫ن من ي ّ‬
‫إ ّ‬
‫ن‪:‬‬
‫ه إلى أمري ِ‬
‫يفوته أن يتنب ّ َ‬
‫هابّيين قّلة وإن كان زما ُ‬
‫م‬ ‫أحدهما‪ :‬كون الو ّ‬
‫ة‬
‫ة الخير ُ‬‫ك الجمل ُ‬‫ل على ذل َ‬
‫الحكم بيدهم‪ ،‬وتد ّ‬
‫ن‬
‫ل عما إذا كا َ‬ ‫ص وهي تتمثل في تسا ُ‬
‫ؤ ٍ‬ ‫لهذا الن ّ‬
‫الشيخ عبد الرحمن دمشقّية يدخل في عداد‬
‫هابّيين؟!‬
‫الو ّ‬
‫مّني للجبهة‬ ‫ح ِ‬ ‫والمر الثاني‪ :‬هو النتصاُر الواض ُ‬
‫ل كلمات‬ ‫هابّية في وجه النقشبنديّين بنق ِ‬ ‫الو ّ‬
‫هابّيين‬ ‫ن الو ّ‬ ‫المغفور له الملك عبد العزيز‪ .‬إذ أ ّ‬
‫على وجه العموم )مهما كانوا(‪ ،‬هم أهل التوحيد‬
‫ن‪ ،‬وأما ّ‬ ‫ف النقشبنديي ّ َ‬ ‫ص بخل ِ‬ ‫ن الخال ِ ِ‬
‫واليما ِ‬
‫ه‬
‫ن بالل ِ‬ ‫ة مشركو َ‬ ‫ن غالبهم زنادق ٌ‬ ‫ء‪ ،‬فإ ّ‬‫هؤل ِ‬
‫ن عن المل ّ ِ‬
‫ة!‬ ‫خارجو َ‬
‫ح أّني لم‬
‫صّر ُ‬
‫وهذه وثيقة أخرى من كتابي ت ُ َ‬
‫ء‬
‫هابّية» من منطلق العدا ِ‬ ‫ة «الو ّ‬
‫استعمل صف َ‬
‫ف بهم‪ ،‬بل على سبيل النقد‬ ‫السافر‪ ،‬والستخفا ِ‬
‫ب‪.‬‬
‫والعتا ِ‬
‫ت في الصفحة )‪ :(361‬فلم يكن لوجودهم هناك‬ ‫قل ُ‬
‫ء مما ّ‬‫)أي في أفغانستان( من الحكمة في شي ٍ‬
‫ت‬‫ة أسفرت عن خسارا ٍ‬ ‫ت خطير ٍ‬
‫ورا ٍ‬
‫دعا إلى تط ّ‬

‫دمة شرح العقيدة الطحاوية ‪) .1/39‬نقل ً من‬


‫ي‪ -‬شعيب الرنؤوط‪ ،‬مق ّ‬
‫در‪ .‬عبد الله بن عبد المحسن الترك ّ‬ ‫‪618‬‬
‫كلمات الملك عبد العزيز آل سعود‪ ،‬من كتاب‪ :‬الملك الراشد ص‪(369 /‬‬
‫‪558‬‬

‫ت من‬ ‫ل والرواح‪ ،‬بله ما جّر ْ‬ ‫ة في الموا ِ‬ ‫جسيم ٍ‬


‫ة زادت من أزماتها في هذه‬ ‫م ِ‬‫ت على ال ّ‬ ‫تبعا ٍ‬
‫ت أخيرا ً هذه الحقائ ُ‬
‫ق‬ ‫ة‪ .‬فأثب َت َ ْ‬‫المرحلة العصيب ٍ‬
‫ب كفائ َ ٍ‬
‫ة‬ ‫هابّيين لم يكونوا أصحا َ‬ ‫كّلها أن الو ّ‬
‫م‪ .‬لذلك‬ ‫ً‬
‫س وإصلحهم يوما من الّيا ِ‬ ‫لرشاِد النا ِ‬
‫هابّيين‬‫ف كّلما كان للو ّ‬ ‫دخل الشقاقُ بين الصفو ِ‬
‫دوٌر في التوجيه‪ ،‬وإن كانوا مخلصين في‬
‫نيا ِّتهم‪...‬‬

‫ة‬
‫قي صف َ‬ ‫فهذه المبّررات كّلها تفيد أ ّ‬
‫ن إطل ِ‬
‫م ول‬
‫هابّية»‪ ،‬لم يكن القصدُ منه التعمي َ‬ ‫«الو ّ‬
‫ة للشيخ‬ ‫ُ‬
‫ء‪ ،‬كما ل أوافق على هذه النسب ِ‬ ‫العدا َ‬
‫هاب رحمه الله تعالى‪.‬‬ ‫مد بن عبد الو ّ‬ ‫مح ّ‬
‫ن‪:‬‬
‫ن سؤال ِ‬
‫ة يتبادُر إلى الذه ِ‬
‫هنا‪ ،‬وبهذه المناسب ِ‬
‫هابّيون؟‬
‫ن هم الو ّ‬
‫م ْ‬
‫ولهما‪َ - :‬‬
‫أ ّ‬
‫وثانيهما‪ - :‬ما هي مّيزاتهم التي جعل َْتهم هدفا ً‬
‫ة؟‬‫ص ً‬
‫ة في كتاِبنا خا ّ‬
‫بهذه الصف ِ‬
‫هابّيين‬ ‫ن الو ّ‬ ‫ل‪ :‬فإ ّ‬‫و ِ‬ ‫ة على السؤال ال ّ‬ ‫أما ّ الجاب ُ‬
‫مد بن‬ ‫ب إلى الشيخ مح ّ‬ ‫ن بالنتسا ِ‬ ‫ن يتظاهرو َ‬ ‫اّلذي َ‬
‫ه‬
‫ر ِ‬
‫ن من ذك ِ‬ ‫هاب رحمه الله تعالى‪ ،‬وي ُك ِْثرو َ‬ ‫عبد الو ّ‬
‫قهم‬ ‫قوا شيئا ً يصدّ ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن أن ي ُ َ‬ ‫ه دو َ‬ ‫ر ِ‬‫ه ومآث ِ ِ‬ ‫ودعوت ِ ِ‬
‫م وتصّرفاتهم‬ ‫ه ْ‬ ‫سُلوك ُ ُ‬ ‫ن‪ ،‬بل ُ‬ ‫فيما يزعمو َ‬
‫َ‬
‫هم في‬ ‫ل ي ُك َذّب ُ ُ‬
‫م في التعام ِ‬ ‫ه ْ‬
‫ساِليب ُ ُ‬
‫وأ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫سات ُ ُ‬ ‫سَيا َ‬ ‫و ِ‬
‫ة‬
‫ن على هذه الحقيق ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ك ما ي َُبر ِ‬ ‫ك‪ ...‬وإلي َ‬ ‫ل ذل ِ َ‬ ‫ك ّ‬
‫ي‬
‫دني رب ّ ِ‬ ‫ع علقاتهم بالقدر الذي أشه َ‬ ‫من واق ِ‬
‫ه‪:‬‬
‫علي ِ‬
‫ة في‬
‫دعو ِ‬ ‫ن للقيام ِ بأمر ال ّ‬ ‫هابّيون َر ُ َ‬ ‫وك ّ َ‬
‫جلي ْ ِ‬ ‫ل الو ّ‬ ‫‪َ (1‬‬
‫ن‬ ‫ً‬
‫ن شخصا من القبوريي ّ َ‬ ‫عأ ّ‬ ‫م ْ‬
‫س َ‬
‫تركيا‪ ،‬فلم ي ُ ْ‬
‫د منهما؛ رغم الدعم الذي‬ ‫اهتدى على يد أح ٍ‬
‫هابّيين منذ عشرات‬ ‫ن من خزانة الو ّ‬ ‫قيا ِ‬ ‫يتل ّ‬
‫‪559‬‬

‫هابّيين‬
‫السنين‪ .‬وهذا يبرهن على مدى عقلية الو ّ‬
‫ل ومستوى مهارتهم في‬ ‫في المعرفة بالرجا ِ‬
‫ة‪...‬‬
‫ك ومتابعة أمر الدعو ِ‬‫كفاح الشر ِ‬
‫ي اسمه عبد الله السبت‪) ،‬على ما‬ ‫هاب ّ‬
‫لو ّ‬ ‫ج ٌ‬‫‪َ (2‬ر ُ‬
‫ب‬‫ة من الكت ُ ِ‬ ‫ت ضخم ٍ‬ ‫ّ‬
‫ت( يقوم بتوزيع كميا ٍ‬ ‫سمع ُ‬
‫ة إلى التوحيد وتثقيف‬ ‫تبّرعا ً منه لنشر الدعو ِ‬
‫ة من هذه‬ ‫م ولو نسخ ً‬ ‫المسلمين؛ لم نسمع أّنه قدّ َ‬
‫الكتب إلى شباِبنا الحنفاءَ اّلذين يدرسو َ‬
‫ن‬
‫ة في الوقت‬ ‫ن ضدّ كفريات الصوفي ِ‬ ‫ويكافحو َ‬
‫ة ل يحتاج تلمذُتنا إلى الكتب‬ ‫ذاته‪ .‬في الحقيق ِ‬
‫ه‬‫د وفق ٍ‬ ‫ة في العلوم السلمّية من توحي ٍ‬ ‫الشائع ِ‬
‫فرةٌ في‬ ‫ب متو ّ‬ ‫ن هذه الك ُت ُ َ‬ ‫ر وحديث‪ ،‬ل ّ‬ ‫وتفسي ٍ‬
‫ة‬
‫ف مكاني ّ ٍ‬ ‫ن إلى توفير ظرو ٍ‬ ‫بلدنا‪ ،‬وإّنما يحتاجو َ‬
‫ي مستواهم‬ ‫وما ينهض بهم من البرامج وي ُْرق ِ‬
‫ة‪ .‬لنهم‬ ‫في المعرفة بالّلغة العربّية نطقا ً وكتاب ً‬
‫ر البرامج التقليدّية اّلتي تقوم‬ ‫مازالوا في أس ِ‬
‫و‪ ،‬بجانب ما في‬ ‫على حفظ متون الصرف والنح ِ‬
‫م من‬ ‫ة ما تض ّ‬ ‫ت من خطور ِ‬ ‫هذه البرامج والمقّررا ِ‬
‫ة‬ ‫ن والكلميين! لّنها مو ّ‬
‫كل ٌ‬ ‫مخّلفات القبوريي ّ َ‬
‫ة‬‫ت من الصوفي ِ‬ ‫بحماية وتوجيه جماعا ٍ‬
‫غي َّر شيئا ً‬ ‫ن يُ َ‬ ‫سساتهم‪ .‬فل يستطيع أحد أ ْ‬ ‫ومؤ ّ‬
‫منها‪.‬‬

‫س رهطا ً من طلبة‬ ‫ُ‬


‫وعلى سبيل المثال‪ :‬فإّني أدَّر ُ‬
‫م السلمّية منذ‬ ‫ة الغربّية والعلو َ‬ ‫غ َ‬‫ت الل ّ َ‬
‫الجامعا ِ‬
‫لا أّننا نواجه مضايقات شديدةً من‬ ‫عام ‪1987‬م‪ .‬إ ّ‬
‫ما ترفضنا‪ ،‬أو‬ ‫ت‪ ،‬فإّنها إ ّ‬ ‫سسات والجمعّيا ِ‬ ‫المؤ ّ‬
‫ة‬‫تعرقل أعمالنا‪ .‬وأخيًرا لجأَنا إلى جمعي ٍ‬
‫ة مّنا بأحد‬ ‫ن(؛ ثق ً‬ ‫ف الْنسا ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫و ْ‬
‫بإسطنبول إسمها ) َ‬
‫ة‪ ،‬الدكتور شرف الدين‬ ‫سس ِ‬ ‫مسؤولي هذه المؤ ّ‬
‫ى‪ .‬فلما ّ‬‫قر َ‬ ‫م ال ُ‬‫ةأ ّ‬ ‫ن خّريجي جامع ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كالي‪ .‬وهو ِ‬
‫س‪ ،‬في‬ ‫دمنا إليه بطلب السماح لنا بالتدري ِ‬ ‫تق ّ‬
‫قاعة هذه الجمعية‪ ،‬سألني عن المصادر التي‬
‫‪560‬‬

‫أستفيد منها في إعداد برنامج المحاضرات‪ .‬وما‬


‫حّتى‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫ة شرح العقيدة الطحاوي ِ‬ ‫ه بتسمي ِ‬ ‫أن أجبت ُ ُ‬
‫ي‬
‫ط عل ّ‬ ‫سَر‪ ،‬فاشتر َ‬ ‫س وب َ َ‬ ‫عب َ َ‬ ‫هو َ‬ ‫اشمئّز في لحظت ِ ِ‬
‫ب )البداية في أصول الدين(‬ ‫ُ‬
‫س كتا َ‬ ‫أن أدّر َ‬
‫ه‬ ‫ن مؤل ّ َ‬
‫ف ُ‬ ‫تل ّ‬ ‫ي‪ ،‬علم ُ‬ ‫لمؤّلفه نور الدين الصابون ّ‬
‫ي!!! والدكتور شرف الدين كالي‬ ‫م ّ‬ ‫ي وكل ِ‬ ‫ُترك ِ ّ‬
‫م تعليمه‬ ‫كة المكّرمة وأت ّ‬ ‫س في م ّ‬ ‫ل دََر َ‬ ‫هذا‪ ،‬رج ٌ‬
‫عَلى َ‬
‫ما‬ ‫حدٌ ) َ‬ ‫و ّ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬‫ض ٌ‬‫ى‪ ،‬وهو فا ِ‬ ‫قر َ‬ ‫م ال ُ‬ ‫في جامعة أ ّ‬
‫َ‬
‫ه «العلماءَ»‬ ‫ج ُ‬ ‫و ّ‬‫من ي ُ َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫ن(‪ ،‬وما بال َ‬ ‫أظ ُ ّ‬
‫ن في هذا البلد من شيوخ النقشبندّية‬ ‫والمدّرسي َ‬
‫وبطانتهم مثل «أمين السراج»‪ ،‬و«محمود‬
‫جّبلي أحمد» و«عمر‬ ‫أوسطى عثمان أوعلو»‪ ،‬و« ُ‬ ‫َُ‬
‫ت» وأمثالهم المتطّرفين القبوريّين؟! هذا‪،‬‬ ‫گو ْ‬ ‫ُأون ْ‬
‫ة بإيقاف‬ ‫سس ِ‬ ‫ولم يلبث حّتى أخطرني مدير المؤ ّ‬
‫ة! والدكتور شرف الدين‬ ‫ر قليل ٍ‬ ‫التدريس بعد شهو ٍ‬
‫ت‪.‬‬ ‫سَبا ِ‬ ‫َ‬ ‫كالي ي َ َ‬
‫و ُ‬‫ز َ‬ ‫ج ٍ‬‫ع ْ‬ ‫في َ‬ ‫مَر ِ‬ ‫هدَ ال ْ‬ ‫شا ِ‬
‫ن من جماعة محمود ُأسطى‬ ‫ل من القبوريي ّ َ‬ ‫‪ (3‬رج ٌ‬
‫ص َ‬
‫ل‬ ‫عثمان أوغلو )اسمه أحمد وانلي أوغلو(‪ ،‬ات ّ َ‬
‫هابّيين في إسطنبول عام ‪1984‬م‪.‬‬ ‫بقنصل الو ّ‬
‫م عيني!‬ ‫ت ذلك بأ ّ‬ ‫ى منه دعما ً ماليا ّ شهدْ ُ‬ ‫وتلق َ‬
‫هابيا ّ في تركيا إل ّ وكاَنت له‬ ‫تو ّ‬ ‫‪ (4‬ما وجد ُ‬
‫ن مثل نجم الدين‬ ‫ة مع كبار القبوريي ّ َ‬ ‫ودّي ّ ٌ‬ ‫ت ُ‬ ‫علقا ٌ‬
‫أرباكان‪ ،‬ومحمد زاهد كوتكو‪ ،‬وأمين السّراج‪،‬‬
‫وكوركوت أوزال )أخو ترغوت أوزال(‪ ،‬ومحمد‬
‫ل أعمال‬ ‫شوكت أيكي )الصحفي( وأمثالهم‪ ...‬ك ّ‬
‫سي ُّرها‬ ‫هابّيين وشركاتهم في تركيا تتو ّ‬
‫لها وت ُ َ‬ ‫الو ّ‬
‫ن‪ ،‬ول يكاد‬ ‫ن النقشبنديي ّ َ‬ ‫ت من القبوريي ّ َ‬ ‫جماعا ٌ‬
‫ء التراك في هذه‬ ‫حنفا ِ‬ ‫ن من ال ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫جدُ مؤ ِ‬ ‫يو َ‬
‫ت‪.‬‬ ‫الشركا ِ‬
‫ي من أهل‬ ‫ف أن ّ ِ‬‫عَر َ‬
‫ف َ‬‫هابيا ّ في تركيا َ‬ ‫تو ّ‬‫‪ (5‬ما لقي ُ‬
‫ة‬
‫ة والمان َ ِ‬
‫م ِ‬‫ة والذّ ّ‬‫ف ِ‬‫مَتمي ًّزا بالع ّ‬‫ص ُ‬‫التوحيد الخال ِ ِ‬
‫ظ من الثقافة‬ ‫ح ّ‬‫فَر ال ْ َ‬
‫وا ِ‬‫ة‪َ ،‬‬
‫عشر ِ‬ ‫ب ال ُ‬
‫وطي ِ‬
‫‪561‬‬

‫كا في‬ ‫مْرت َب ِ ً‬ ‫ددا ً ُ‬ ‫ه متر ّ‬ ‫السلمّية والعربّية‪ ،‬إل ّ وجدت ُ ُ‬


‫وفًا‪ ،‬يعتذر‬ ‫خ ّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫حَتاطا ً في معاملتي‪ُ ،‬‬ ‫م ْ‬ ‫أمري‪ُ ،‬‬
‫ة‪) .‬نعم‪ ،‬في هذا البلد‬ ‫قِني في أقرب فرص ٍ‬ ‫ر َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ل ِي ُ َ‬
‫ن‬
‫ق ُ‬ ‫ن عددَ من ي ُت ْ ِ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫ة سّري ّ ٌ‬ ‫ت إحصائي ّ ٌ‬ ‫الذي أثبت ْ‬
‫ه‪ ،‬ل‬ ‫كان ِ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫ة من جملة ُ‬ ‫ة العربّية نطقا ً وكتاب ً‬ ‫الّلغ َ‬
‫ة عشر شخصًا! وهذا ما يبرهن‬ ‫يتجاوز عن سبع َ‬
‫ة إلى من يتقن اللغتين‬ ‫ح ِ‬ ‫على الحاجة المل ّ‬
‫هابّيين‬ ‫ب وللو ّ‬ ‫العربّية والتركّية بالنسبة للعر ِ‬
‫ي‬
‫هاب ّ‬ ‫صو ّ‬ ‫ى من يأتي بشخ ٍ‬ ‫ة(‪ .‬لذا أتحد ّ‬ ‫ص ً‬ ‫منهم خا ّ‬
‫مني‬ ‫ت ما ّ ول ََز َ‬ ‫ي في وق ٍ‬ ‫ف عل ّ‬ ‫ف أّنه تعّر َ‬ ‫يعتر ُ‬
‫ه إَلى‬ ‫جت ِ ِ‬ ‫حا َ‬ ‫ة َ‬ ‫شدّ ِ‬ ‫ب‪ ،‬رغم ِ‬ ‫ح ٍ‬ ‫ر َر ْ‬ ‫صدْ ٍ‬ ‫وب ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مئ َْنا ٍ‬ ‫ِباطْ ِ‬
‫في‬‫ء ِ‬ ‫دا ِ‬ ‫سن ال َ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫و ُ‬ ‫د‪َ ،‬‬ ‫ه ِ‬ ‫ع ْ‬‫ء ِبال ْ َ‬ ‫فا ِ‬ ‫و َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫في ك َ َ‬ ‫مث َْلي ِ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫وَر ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫غ َ‬ ‫جاح‪َ ،‬‬ ‫ها ب ِن َ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ست ِن َْتا ِ‬ ‫ر وا ْ‬ ‫مو ِ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫مَتاب َ َ‬ ‫قَيام ِ ب ِ ُ‬ ‫ال ِ‬
‫م في إسطنبول‬ ‫ه ْ‬ ‫قيت ُ ُ‬ ‫هابّيين اّلذين ل َ ِ‬ ‫كثرة عدد الو ّ‬
‫َ‬
‫م منذ عشرات السنين!!!‬ ‫ه ْ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫خدَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مت ُ ُ‬‫وأك َْر ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫على‬ ‫ن َ‬ ‫سا ٌ‬ ‫ة‪ :‬إن ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫عَنى الكل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬‫ع َ‬ ‫ي إ ِذَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫هاب ّ‬ ‫فالو ّ‬
‫سل َم ٍ‬ ‫ة وال ْ‬ ‫حَيا ِ‬ ‫ن وال ْ َ‬ ‫كو ِ‬ ‫ق ال ْ َ‬ ‫قائ ِ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫مام ِ ال ْ َ‬ ‫تَ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ع ُ‬‫كو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫ت ل َ يَ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫مت ََز ّ‬ ‫م‪ُ ،‬‬ ‫سِلي ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫عا ُ‬ ‫والت ّ َ‬
‫ه!‬ ‫ع ِ‬‫ُبو ِ‬
‫ل كتابي )الطريقة‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫ر أن ي ُ ْ‬ ‫قدَ ِ‬ ‫ن في ال ْ َ‬ ‫‪ (6‬ولما ّ كا َ‬
‫النقشبندّية بين ماضيها وحاضرها َ( إلى البلد‬
‫هل ِ َ‬ ‫مًرا َ‬ ‫قضي الل َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫عول ً ل ِي َ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫المين‪ ،‬ل ِي َ ْ ِ َ‬
‫ة‪ ،‬تناول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ن ب َي ّن َ ٍ‬ ‫ع ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫حَيا َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ن ب َي ّن َ ٍ‬‫ع ْ‬ ‫ك َ‬ ‫هل َ َ‬
‫َ‬
‫م‪ ،‬فتكّلف مشكورا ً عناءَ‬ ‫ء السل ِ‬ ‫م من علما ِ‬ ‫عال ٌ‬
‫ه الّلطيف َ‬
‫ة‪،‬‬ ‫ى فيه نظَرت َ ُ‬ ‫ه‪ ،‬فأجر َ‬ ‫م ُ‬ ‫قي ّ َ‬‫ف َ‬ ‫دراسته‪َ ،‬‬
‫ه‪ ،‬حّتى أظهر‬ ‫ة في مضمون ِ ِ‬ ‫وأبرَز آراءَهُ الحكيم َ‬
‫ة‬
‫هابّيين مر ً‬ ‫ة الو ّ‬ ‫ك حقيق َ‬ ‫ه تبارك وتعالى بذل َ‬ ‫الل ُ‬
‫ن به‪.‬‬ ‫ن القبوريي َ‬ ‫ضح النقشبنديي َ‬ ‫أخرى‪ ،‬كما ف ّ‬
‫ف‬‫ع ِ‬ ‫ض َ‬‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن على عبده هذا ال ْ ُ‬ ‫والحمد لله الذي م ّ‬
‫ب من ظلمات‬ ‫ه بإخراج هذا الكتا ِ‬ ‫وأقّر عين ُ‬
‫ن هذا العا َل ِ َ‬
‫م‬ ‫نأ ّ‬ ‫ن‪ .‬ول أظ ّ‬ ‫ن إلى أنوار العيا ِ‬ ‫الكتما ِ‬
‫ة بإعادة النظر في‬ ‫ة عظيم ً‬ ‫م خدم ً‬ ‫ل الذي قدّ َ‬ ‫الجلي َ‬
‫ة وأظهر هذا‬ ‫هنا َ بتوصياته الحكيم ِ‬ ‫ب ونب ّ َ‬ ‫هذا الكتا ِ‬
‫‪562‬‬

‫هدا ً‬ ‫ضط َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫حب ُ ُ‬‫ن مكتوما ً وصا ِ‬ ‫ب بعد أن كا َ‬ ‫الكتا َ‬


‫ة العربّية‪ ،‬لّني‬ ‫ء الجزير ِ‬ ‫ن أبنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫مظلومًا‪ ،‬ل أظن ّ ُ‬
‫أستوحي ذلك من خصوصيات اسمه الكريم ِ‬
‫)لطف الله بن عبد العظيم خوجه(‪ ،‬إذ ليس من‬
‫عادة عرب الجزيرة تسميتهم بمثل هذا السم‪،‬‬
‫ن‬
‫حّبي َ‬ ‫م ِ‬‫هابّيين‪ ،‬بل إّنه من ال ْ ُ‬ ‫ن الو ّ‬ ‫م َ‬
‫ه ِ‬ ‫كما ل أظن ّ ُ‬
‫ة وأحمد‬ ‫هاب وابن تيمي ّ َ‬ ‫مد بن عبد الو ّ‬ ‫للشيح مح ّ‬
‫ن رضي الله عنهم‬ ‫متنا الصالحي َ‬ ‫بن حنبل وعلماء أ ّ‬
‫ف لي بمبادرة هذا الشيخ‬ ‫ش ُ‬ ‫أجمعين‪ .‬وقد يتك ّ‬
‫هابّيين‬ ‫ن الشيوخ الو ّ‬ ‫الفاضل إلى دراسة كتابي‪ :‬أ ّ‬
‫ب‬ ‫ربما استنكفوا عن الهتمام ِ بهذا الكتا ِ‬
‫وأظهروا مكابرتهم مّرةً أخرى وهي من طبعهم‪،‬‬
‫ى‬
‫قر َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫م َ‬‫جا َ‬ ‫ريَر ِباسم َ‬ ‫ق ِ‬ ‫دُروا هذا الت ّ ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫فَلم ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫فا‬‫ك اسخفا ً‬ ‫وذَل ِ َ‬ ‫مًيا‪َ ،‬‬ ‫س ِ‬ ‫ب َر ْ‬ ‫حّتى ل َ يعترفوا ِبال ْك َِتا ِ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ة التوب ِ‬ ‫م فضيل ُ‬ ‫ه ْ‬‫فات َت ْ ُ‬‫ف َ‬ ‫ة‪َ ،‬‬ ‫ة العظيم ِ‬ ‫بهذه الخدم ِ‬
‫ع‬ ‫ق ِ‬‫صدََر التقريُر ب َِتو ِ‬ ‫م‪ ،‬بل َ‬ ‫من هذا الذنب العظي ِ‬
‫الفاضل الشيخ )لطف الله بن عبد العظيم‬
‫ل هذه‬ ‫خوجه(‪ ،‬فأطلعني رّبي أخيرا ً وبعد ك ّ‬
‫ب‬‫هابّيين‪ ،‬والحمد لله ر ّ‬ ‫ن على حقيقة الو ّ‬ ‫البراهي ِ‬
‫ن!‬ ‫العالمي َ‬
‫مد بن عبد‬ ‫ة بالشيخ مح ّ‬ ‫ة هذه النحل ِ‬ ‫أما ّ علق ُ‬
‫ن تيمية وأحمد بن حنبل رضي الله‬ ‫هاب واب ِ‬ ‫الو ّ‬
‫س له‬
‫دى عن زعم ٍ ل أسا َ‬ ‫عنهم أجمعين‪ ،‬فل تتع ّ‬
‫ء الفحول‬ ‫ء العلما ِ‬ ‫ة إذ أن كل ّ من هؤل ِ‬ ‫ح ِ‬‫من الص ّ‬
‫ة إلى‬ ‫م ِ‬ ‫ه في إرشاد ال ّ‬ ‫ى عمَرهُ ون َذََر حيات َ ُ‬ ‫قد أفن َ‬
‫س إلى‬ ‫ب‪ ،‬والقيام بدعوة النا ِ‬ ‫ق والصوا ِ‬ ‫الح ّ‬
‫ل‬‫ع والباطي ِ‬ ‫ذ البد ِ‬ ‫ص‪ ،‬ونب ِ‬‫التوحيد الخال ِ‬
‫ل من الضطهاِد‬ ‫والكفريات‪ ...‬وقد تعّرضوا لشكا ٍ‬
‫ك من‬ ‫ة؛ فلم تمنعهم ذل َ‬ ‫ر والفري ِ‬ ‫ظلم ِ والقه ِ‬ ‫وال ّ‬
‫ة إلى أن‬ ‫ع وإظهار الجرأ ِ‬ ‫ة والدفا ِ‬ ‫الصبر والمقاوم ِ‬
‫ن يقتدي‬ ‫نصرهم الله وجعلهم من المحبوبين الذي َ‬
‫مدّية‬ ‫ة المح ّ‬ ‫م ِ‬‫ء هذه ال ّ‬ ‫بهم الصالحون من أبنا ِ‬
‫مِتنا‬‫ءأ ّ‬ ‫ن أحدا ً من أبنا ِ‬ ‫نأ ّ‬ ‫الكريمة‪ .‬ولهذا ل أظ ّ‬
‫‪563‬‬

‫ة إذا‬
‫ص ً‬‫هابّيين‪ ،‬خا ّ‬‫ة يغتّر بالو ّ‬ ‫ن بالفراس ِ‬ ‫المتمّتعي َ‬
‫ن شاء‬ ‫م طبعه ونشره إ ْ‬ ‫م وت ّ‬‫ح هذا العمل الها ّ‬ ‫ج َ‬
‫نَ َ‬
‫ز!‬
‫زي ٍ‬
‫ع ِ‬ ‫عَلى الل ِ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ما ذَل ِ َ‬
‫و َ‬
‫الله تعالى َ‬
‫ول ً‬
‫ه عظيم ٍ أ ّ‬ ‫ة في تنبي ٍ‬ ‫م ُ‬‫ت الها ّ‬ ‫ل هذه التوصيا ّ ُ‬ ‫تتمث ّ ُ‬
‫ب‪،‬‬‫ة العر ِ‬ ‫ن بجزير ِ‬ ‫سلفيي ّ َ‬ ‫هابّيين وال ّ‬ ‫إلى جميع الو ّ‬
‫ص في‬ ‫ن والخل ِ‬ ‫ة واليما ِ‬ ‫م إلى أصحاب الحمي ّ ِ‬ ‫ث ّ‬
‫ملوا‬‫ي‪ ،‬وهو‪ :‬أن يتح ّ‬ ‫ء العالم السلم ّ‬ ‫ة انحا ِ‬ ‫ف ِ‬‫كا ّ‬
‫ن‪:‬‬‫ن خطيري ِ‬ ‫ة في أمري ِ‬ ‫المسؤولي ّ َ‬

‫ب كّلفني ما لُيطاق م ّ‬
‫دة‬ ‫ن هذا الكتا َ‬ ‫ولهما‪ :‬أ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫مّر‪،‬‬ ‫نك ّ‬
‫ل ُ‬ ‫م ْ‬
‫ت فيها ِ‬ ‫ن عاما ً ذُ ْ‬
‫ق ُ‬ ‫ة وعشري َ‬ ‫ثلث ٍ‬
‫ت‬‫ن محاول ِ‬ ‫م ْ‬
‫ت‪ِ :‬‬‫ع المؤامرا ِ‬ ‫ت لنوا ِ‬ ‫فتعّرض ُ‬
‫ت سي ّئ َ ِ‬
‫ة‬ ‫س سموم ٍ في طعامي‪ ،‬ودعايا ٍ‬ ‫ل‪ ،‬ود ّ‬ ‫اغتيا ٍ‬
‫ي وغير ذلك ما يضيق‬ ‫عرض ِ‬ ‫ت كرامتي و ِ‬ ‫ف ْ‬‫استهد َ‬
‫م عن السهاب فيه‪.‬‬ ‫المقا ُ‬
‫ب عظيم ٍ حين‬ ‫هابّيين بذن ٍ‬ ‫س الكثيُر من الو ّ‬ ‫لقد ت َل َب ّ َ‬
‫ف‬‫ل من مؤل ّ ِ‬ ‫م المتجاه ِ‬ ‫ن بموقفه ْ‬ ‫مدوا الخزل َ َ‬ ‫تع ّ‬
‫ة من‬ ‫ت بأحدهم أو بجماع ٍ‬ ‫ب كّلما التقي ُ‬ ‫هذا الكتا ِ‬
‫ض الله‬‫ن قي ّ َ‬ ‫ه إلى أ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ب نف ِ‬ ‫م من ال ْك َِتا ِ‬ ‫وفوِدهم‪ ،‬ث ّ‬
‫م‬‫م‪ ،‬أل وهو العال ِ ُ‬ ‫ه بعين الهتما ِ‬ ‫ول َ ُ‬
‫ن َتنا َ َ‬
‫م ْ‬ ‫له َ‬
‫ل‪ ،‬الشيخ لطف الله بن عبد العظيم‬ ‫مفضا ُ‬ ‫ال ِ‬
‫حفظه الله تعالى وجزاه خيرا ً كثيرًا‪.‬‬

‫ق‬
‫ب والوثائ ِ ِ‬ ‫لفا ً من الك ُت ُ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫والمر الثاني‪ :‬أ ّ‬
‫ة‬
‫معاصر ِ‬ ‫بالّلهجة العثمانّية وبالّلهجة التركّية ال ُ‬
‫ف والكلم ِ‬ ‫و ِ‬‫ف مسائل التص ّ‬ ‫ة في مختل ِ‬ ‫ون َ ِ‬
‫مد ّ ّ‬
‫وال ُ‬
‫ة في‬ ‫فَرةٌ في تركا ومتداول ٌ‬ ‫ة‪ ،‬متو ّ‬ ‫وتراجم الصوفي ِ‬
‫ها موجودةٌ في‬ ‫خ َ‬‫س ِ‬‫م نُ َ‬ ‫عظ َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫و ُ‬
‫س؛ َ‬‫أيدي النا ِ‬
‫ة منها‪ ،‬ول‬ ‫خزانتي؛ بينما البلدُ العربّية خالي ٌ‬
‫ة من هذه الك ُت ُ ِ‬
‫ب‬ ‫ة واحد ٍ‬ ‫ل على نسخ ٍ‬ ‫يمكن الحصو ُ‬
‫ة في الجزيرة‬ ‫ص ً‬‫ي‪ ،‬خا ّ‬ ‫ر عرب ّ‬ ‫ة في قط ٍ‬ ‫الخطير ِ‬
‫ء‬
‫العربّية ومنطقة الحجاز‪ .‬وما أشدّ حاجة العلما ِ‬
‫ب إلى هذه الكتب‬ ‫ن العر ِ‬ ‫قفي َ‬ ‫ن والمث ّ‬ ‫والباحثي َ‬
‫‪564‬‬

‫ن‬
‫صصي َ‬ ‫ة متخ ّ‬ ‫ر أو جماع ٍ‬ ‫والوثاِئق‪ .‬ول بدّ من خبي ٍ‬
‫ء )بالّلغتين التركّية والعربّية( أن‬ ‫خبرا ِ‬ ‫من ال ُ‬
‫ب والوثاِئق‬ ‫ة هذه الكت ِ‬ ‫ف وترجم ِ‬ ‫يقوموا بتصني ِ‬
‫ن وتتبلور ما في بطوِنها من‬ ‫حّتى تظهر للعيا ِ‬
‫ُ‬
‫ق منها من‬ ‫مِتنَا‪ ،‬وما كادَ ينبث ِ ُ‬ ‫ة على أ ّ‬ ‫الخطور ِ‬
‫ن‬‫ة وفت ٍ‬‫دام ٍ‬ ‫جه ّ‬ ‫ة السلم ِ ونتائ َ‬ ‫ه لحقيق ِ‬ ‫تشوي ٍ‬
‫ق بين‬
‫ة فتزيد من الشقا ِ‬ ‫م ِ‬‫ع ال ُ ّ‬ ‫ستتفاقم في ربو ِ‬
‫ر بعيد‪ ،‬فتشتدّ بسببها‬ ‫د غي ِ‬ ‫فها في أم ٍ‬ ‫صفو ِ‬
‫ة في هذه‬ ‫م ُ‬
‫ت لها ال ّ‬ ‫ض ْ‬ ‫ب التي تعّر َ‬ ‫المصائ ُ‬
‫ة الحسّاسة‪.‬‬ ‫المرحل ِ‬
‫ع‬
‫ب ما يزيد على أرب ِ‬ ‫ع وترتي ِ‬ ‫ت بجم ِ‬ ‫وقد قم ُ‬
‫ت في مسائل‬ ‫ة من المعلوما ِ‬ ‫ت ضخم ٍ‬ ‫مجّلدا ٍ‬
‫فها السياسّية‬ ‫ع أطرا ِ‬ ‫ة بجمي ِ‬ ‫ف والصوفي ّ ِ‬ ‫و ِ‬ ‫التص ّ‬
‫ة‬‫ة والروحي ّ ِ‬ ‫ة والعقدي ّ ِ‬ ‫والجتماعّية والتاريخي ّ ِ‬
‫ن هذه‬‫ة‪ ،‬وذلك بالّلغة التركّية‪ .‬إ ّ‬ ‫والخلقي ّ ِ‬
‫ت من الك ُت ُ ِ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ة مآ ٍ‬ ‫ة من عصار ِ‬ ‫م َ‬‫ة العظي َ‬ ‫صل َ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬‫ال ْ ُ‬
‫ج إلى التعريب‪ ،‬بل‬ ‫ل الجّباَر أيضا ً يحتا ُ‬ ‫والعم َ‬
‫ن قبل أن تعبث‬ ‫ن أمي ٍ‬ ‫ظ في مكا ٍ‬ ‫ج إلى الحف ِ‬ ‫يحتا ُ‬
‫ة والتلف!!!‬ ‫ر بالباد ِ‬ ‫ف والغد ِ‬ ‫به أيدي العس ِ‬
‫ث يحتاج‬ ‫مة ليست من السهل طبعا ً حي ُ‬ ‫وهذه المه ّ‬
‫فر فيه أجهزةٌ من الحاسب‬ ‫ص تتو ّ‬ ‫ن خا ّ‬ ‫إلى مكا ٍ‬
‫ة‬
‫ة ومكتب ٍ‬ ‫ط وآلت التصوير والطباع ِ‬ ‫اللي والمشا ّ ِ‬
‫ة بالموسوعات والمعاجم‪ ...‬فإّني أقترح‬ ‫هز ٍ‬ ‫مج ّ‬
‫ن‬
‫ن بأّنهم مسؤولو َ‬ ‫هابّيين والسلفيي ّ َ‬ ‫أول ً على الو ّ‬
‫ف العظيم‪،‬‬ ‫بالدرجة الولى عن تحقيق هذا الهد ِ‬
‫ة‬
‫ل هذه المصادر إلى البلد المين وبصور ٍ‬ ‫بنق ِ‬
‫ة! وما على الرسول إل ّ البلغ‪.‬‬ ‫عاجل ٍ‬
‫ما المسائل المتفّرقة التي وردت في نهاية‬ ‫وأ ّ‬
‫ت‬
‫التقرير‪ ،‬وهي سبعة عشرة مسألة؛ فقد رأي ُ‬
‫ة من‬‫وي ٍ‬
‫ن‪ ،‬لحاجة النظر فيها بر ّ‬ ‫ءها إلى حي ٍ‬‫إرجا َ‬
‫ت‬
‫ة أو جلسا ٍ‬ ‫ج في جلس ٍ‬‫ن ُتعال َ َ‬
‫جديد‪ .‬بل النسب أ ْ‬
‫ن‬
‫مة‪ ،‬ول أظ ّ‬ ‫ة من علماء ال ّ‬ ‫ضُرها مع نخب ٍ‬‫ة أح ُ‬
‫ص ٍ‬‫خا ّ‬
‫‪565‬‬

‫ن درسناها في‬‫أّني أختلف معهم في نتائجها إ ْ‬


‫ء‪ .‬ولربما وجدوا في مواضع من الكتاب‬ ‫و هادي ٍ‬‫ج ّ‬
‫ض فأسفر عن بعض‬ ‫ة أو الغمو ِ‬ ‫شيًئا من الركاك ِ‬
‫ت منها‬
‫ر ما قصد ُ‬ ‫ن ظهو ِ‬‫المشاكل فحالت دو َ‬
‫على حقيقته‪ ،‬والعصمة لله‪.‬‬

‫سر لي تقديم‬ ‫أيها القارئ الكريم‪ ،‬إّنه بعد ما تي ّ‬


‫م‬
‫ة على تقرير جامعة أ ّ‬ ‫ر من الجاب ِ‬ ‫هذا القد ِ‬
‫ت‬
‫القرى‪ ،‬ل يفوتني أن أقول مّرة أخرى‪ ،‬وقد قل ُ‬
‫مرارًا‪ ،‬كما ضبطها بعض الباحثين والصحفّيين‪:‬‬
‫ل‬‫ف والباط َ‬ ‫ف والعن َ‬ ‫ب الّتطّر َ‬ ‫ر َ‬‫حا ِ‬ ‫ت لُ َ‬ ‫ق ُ‬‫خل ِ ْ‬‫«كأّني ُ‬
‫ل من عرفني من‬ ‫ل أشكاله‪ .‬ولهذا عاداني ك ّ‬ ‫بك ّ‬
‫ة‬
‫سياس ِ‬ ‫ة ال ّ‬‫ة‪ ،‬وكره لقائي دجاجل ُ‬ ‫ء الحماق ِ‬ ‫أبنا ِ‬
‫دين‪ ،‬حّتى مراسلوا‬ ‫والعلم‪ ،‬وسماسرةُ ال ّ‬
‫سهم‬ ‫الصحافة العربّية في إسطنبول وعلى رأ ِ‬
‫ت‬
‫هادَن ْ ُ‬ ‫ث! ولكّني ما َ‬ ‫خبي ِ ٌ‬ ‫م ّ‬
‫كاٌر َ‬ ‫ل َ‬ ‫ي حّيا ٌ‬ ‫ل تونس ّ‬ ‫ج ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫ق يرائي‪ ،‬بل‬ ‫ت لمناف ٍ‬ ‫ق‪ ،‬ول ابتسم ُ‬ ‫وا للح ّ‬ ‫عد ّ‬
‫ل صنم ٍ‬ ‫تك ّ‬ ‫م‪ ،‬واستحقر ُ‬ ‫سل ِ‬ ‫ت أعداءَ ال ّ‬ ‫فضح ُ‬
‫ه‬
‫قّر ُ‬ ‫ن مقّرا لما ي ُ ِ‬ ‫ت إل ّ أن أكو َ‬ ‫ة‪ ،‬وأبي ُ‬ ‫وأسطور ٍ‬
‫ب العزيز‬ ‫م والّتجربة والكتا ُ‬ ‫م والعل ُ‬ ‫سلي ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫العق ُ‬
‫ة‪» ...‬‬ ‫هر ُ‬
‫سّنة المط ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ء‬
‫ث بين يدي علما ِ‬ ‫ت هذا البح َ‬ ‫دم ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫م أقول‪« :‬إّني َ‬ ‫ث ّ‬
‫ْ‬
‫ت في هذه‬ ‫م؛ وقد تكّبد ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫مِتنا ليروا ْ فيها رأي َ ُ‬ ‫أ ّ‬
‫ه! ومتى وجدوا فيها‬ ‫ح ُ‬ ‫شْر ُ‬ ‫ة ما ل يسهل َ‬ ‫المسير ِ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ة في السلو ِ‬ ‫ة والمنهجي ّ ِ‬ ‫ل بالموضوعي ّ ِ‬ ‫خ ّ‬ ‫شيئا ً ي ُ ِ‬
‫ب‬
‫ف الكتا َ‬ ‫ئ العلمّية ويخال ُ‬ ‫ض مع المباد ِ‬ ‫ويتعار ُ‬
‫ه‬
‫لزم ِ علي ِ‬ ‫ل ال ّ‬
‫ء الّتعدي ِ‬ ‫ة‪ ،‬فأنا مستعدّ لجرا ِ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫وال ّ‬
‫ه‬
‫غّرت ْ ُ‬‫ما من َ‬ ‫د‪ ،‬وأشكرهم على ذلك‪ .‬وأ ّ‬ ‫لو ّ‬ ‫بك ّ‬
‫ج هذا العمل ‪ -‬الذي تحتاج‬ ‫ن إخرا ِ‬ ‫ل دو َ‬‫ه فحا َ‬ ‫س ُ‬ ‫نف ُ‬
‫ة‬
‫ساس ِ‬ ‫ة الح ّ‬ ‫ل هذه المرحل ِ‬ ‫ة في مث ِ‬ ‫م ُ‬ ‫إليه ال ّ‬
‫دين‬ ‫ث بال ّ‬ ‫ك للعب ِ‬ ‫حا ُ‬ ‫ليساعد أبناءها على فهم ما ت ُ َ‬
‫ة‬ ‫ة خطير ٍ‬ ‫ة صوفي ٍ‬ ‫م ٍ‬‫ل منظّ َ‬ ‫الحنيف من خل ِ‬
‫ن‬
‫ل دو َ‬ ‫ى ‪ ،-‬أو حا َ‬ ‫د والّتقو َ‬ ‫س الّزه ِ‬ ‫ة بلبا ِ‬ ‫مص ٍ‬ ‫متق ّ‬
‫‪566‬‬

‫ن‬
‫م ْ‬
‫ة بعد تمام طبعه‪ ،‬نعم‪َ ،‬‬ ‫م ِ‬
‫ء ال ّ‬
‫وصوله إلى أبنا ِ‬
‫مَرهُ إلى‬ ‫س‪ ،‬فإّني أحي ُ‬
‫لأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫صدَ هذا عن حظ نف ٍ‬ ‫ق َ‬
‫هار‪ ،‬أن يعامله بما‬ ‫ك الق ّ‬
‫ز الجبار‪ ،‬والمل ِ‬ ‫الله العزي ِ‬
‫قه!!!»‬‫يستح ّ‬

‫ة فيما أبلني به‬ ‫كان هذا موجًزا للخطوط العريض ِ‬


‫ن منذ عام ‪1972‬م‪ .‬وأنت أّيها‬ ‫رّبي البلءَ الحس َ‬
‫ه كتابي هذا في‬ ‫صل َ ُ‬‫نو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ئ الكريم‪ ،‬آخر َ‬ ‫القار ُ‬
‫ف هذا‬ ‫ت على مؤل ّ ِ‬ ‫ض بما رحب ْ‬ ‫ن قد ضاقت الر ُ‬ ‫حي ٍ‬
‫ك في‬ ‫شاَر َ‬ ‫ب إذ يحيط به حصاٌر شديدٌ َ‬ ‫الكتا ِ‬
‫و‬
‫ه عديدٌ من فئات البغي والظلم والعل ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬
‫كا ِ‬ ‫إِ ْ‬
‫ن‬
‫مصو َ‬ ‫ن الذين يتق ّ‬ ‫ّ‬ ‫هابّيو َ‬ ‫ل‪ ،‬بما فيهم الو ّ‬ ‫والضل ٍ‬
‫ة‬‫ن كلم ً‬ ‫نأ ّ‬ ‫ة كذًبا وزوًرا‪ .‬ول أظ ّ‬ ‫ح السل ّ‬
‫في ّ ِ‬ ‫بوشا ِ‬
‫ء من‬ ‫من هذه العبارات تتوارى بأدنى شي ٍ‬
‫ة‪ ،‬ول كتبُتها‬ ‫ت أقصد بها مصلح ً‬ ‫غموض‪ ،‬كما لس ُ‬
‫ل‬‫ن في ك ّ‬ ‫ت هدفي ِ‬ ‫ة‪ .‬بل تبّني ُ‬ ‫رياءً ول طلًبا لسمع ٍ‬
‫ة في‬ ‫م ِ‬‫ج َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ة ال ُ‬‫ك ومكافح َ‬ ‫شر ِ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫جهودي‪ :‬محارب َ‬
‫قق الله فيك آمالي‬ ‫دين‪ .‬وعسى أن يح ّ‬ ‫ال ّ‬
‫م َ‬
‫ك‬ ‫ع ِ‬‫ء من دَ ْ‬ ‫ل أمري بشي ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫وأحلمي فيس ّ‬
‫ة‬
‫ك‪ ،‬حّتى أرى هذه العمال مطبوع ً‬ ‫ومساعدت ِ َ‬
‫ء‪.‬‬‫للمّرة الثالثة يتداولها القّرا ُ‬

‫ب لتمام ِ‬ ‫ف الكتا ِ‬ ‫فق عبدَهُ مؤل ّ َ‬ ‫والحمد لله اّلذي و ّ‬


‫عظَم ِ الوثائق‬ ‫م ْ‬
‫ع ُ‬ ‫كنه من جم ِ‬ ‫م‪ ،‬وم ّ‬ ‫هذا العمل الها ّ‬
‫ر‬
‫وى عدٍد يسي ٍ‬ ‫س َ‬ ‫المتعّلقة بالفرقة النقشبندّية‪ِ ،‬‬
‫ل سلطانه‬ ‫ل لله سبحانه‪ .‬وأحمده ج ّ‬ ‫منها والكما ُ‬
‫على ما أكرمني بنصره في مواجهة صناديد هذه‬
‫ب‪،‬‬‫ن من هذا الكتا ِ‬ ‫النحلة بعد أن وصلتهم طبعتا ِ‬
‫ة‪ ،‬فلم ينبس أحدهم‬ ‫ه الّثالث ُ‬ ‫عت ُ ُ‬‫وقد أوشكت طَب ْ َ‬
‫ك‬‫ة‪ ،‬فغلبوا هنال ِ َ‬ ‫ة حّتى هذه الّلحظ ِ‬ ‫ببنت شف ٍ‬
‫وانقلبوا صاغرين‪ .‬وله الحمد سبحانه على ما‬
‫ة من‬ ‫ي فئ ٍ‬ ‫ص وأ ّ‬ ‫ي شخ ٍ‬ ‫أغناني عن مؤازرة أ ّ‬
‫ة‬
‫ها بـ«السلفي ّ ِ‬ ‫ض َ‬‫ع ِ‬‫ر بَ ْ‬‫ه ِ‬ ‫وت َ َ‬
‫ظا ُ‬ ‫ها َ‬ ‫س على ك َث َْرت ِ َ‬‫الّنا ِ‬
‫ة‬
‫ت بذلك‪ ،‬الفرق ُ‬ ‫د!» فافتضح ْ‬ ‫وأنصار التوحي ِ‬
‫‪567‬‬

‫ج هذا‬ ‫وخوار ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ة والهزيم ِ‬ ‫ة رموُز الفتن ِ‬ ‫هابي ّ ُ‬‫الو ّ‬


‫د‬
‫م ُ‬ ‫وال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫موا ْ َ‬‫ن ظَل َ ُ‬‫ذي َ‬‫وم ِ ال ّ ِ‬ ‫داب ُِر ال ْ َ‬
‫ق ْ‬ ‫ع َ‬
‫قط ِ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫العصر‪َ .‬‬
‫ن‬
‫مي َ‬‫عال َ ِ‬
‫ب ال ْ َ‬ ‫لله َر ّ‬
‫فريد صلح‬
‫الهاشمي‬
‫‪Feriduddin AYDIN‬‬

‫الربعاء‪ 09 ,‬جمادى‬
‫الخرة‪ 1427 ,‬هـ‪.‬‬
‫موز‪ -‬يوليو‬‫‪ 05‬ت ّ‬
‫‪2006‬م‪.‬‬

‫أسماء العلم‬

‫‪-‬أ‪-‬‬
‫)‬ ‫اللوسي‪ ،‬أبو الثناء شهاب الدين محمود بن عبد الله‬
‫‪1270-1217‬هـ‪ /1885-1802/.‬م‪.297 ،170 (.‬‬
‫)‬ ‫اللوسي‪ ،‬أبو البركات خير الدين نعمان بن محمود‬
‫‪1317-1252‬هـ‪1899-1836/.‬م‪297 (.‬‬
‫)‪1848-1789‬م‪.90-62 (.‬‬ ‫مد أسعد أفندي‪.‬‬
‫السطنبولي‪ ،‬مح ّ‬
‫‪568‬‬

‫)‪193-149‬‬ ‫أبان بن عبد الحميد بن لحق بن عفير الرقاشي‬


‫هـ‪ 809-766/.‬م‪.23 (.‬‬
‫‪.247 ،107‬‬ ‫إبراهيم النبي عليه السلم‪.‬‬
‫ي‪271 .‬‬ ‫إبراهيم البيار ّ‬
‫مد الحسيني‬ ‫إبراهيم بن أبي المجد بن قريش بن مح ّ‬
‫الدسوقي )‪ 676-633‬هـ‪ 1277-1235/.‬م‪،440 ،92 (.‬‬
‫إبراهيم الشاشي‪238 .‬‬
‫إبراهيم الفصيح )‪1882-1820‬م‪،151 ،104 (.‬‬
‫مد بن داود الصنهاجي‬ ‫مد بن مح ّ‬ ‫إبن آجّروم‪ ،‬مح ّ‬
‫الفاسي‪ 723-627) ،‬هـ‪ 1323-1273/.‬م‪.352 (.‬‬
‫إبن الثير‪ ،‬عّز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم‬
‫ي )‪ 630-555‬هـ‪ 1233-1160/.‬م‪.212 ،15 (.‬‬‫الشيبان ّ‬
‫إبن تيمّية‪ ،‬أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم‬
‫راني‪ 728-661) ،‬هـ‪ 1228-1263/.‬م‪،203 (.‬‬ ‫الدمشقي الحنبلي الح ّ‬
‫‪.467 ،439 ،394‬‬
‫)‬ ‫مد‬
‫إبن الجوزي‪ ،‬أبوالفرج عبد الرحمن بن علي بن مح ّ‬
‫‪ 597-510‬هـ‪ 1201-1116/.‬م‪.409 ،9 (.‬‬
‫مد‬‫إبن حجر‪ ،‬شهاب الدين أبو العباس أحمد بن مح ّ‬
‫الهيتني )‪ 973-909‬هـ‪ 1566-1503/.‬م‪177. (.‬‬
‫مد‬
‫إبن حجر‪ ،‬أبو الفضل أحمد بن علي بن مح ّ‬
‫ي )‪ 852-773‬هـ‪ 1449-1372/.‬م‪.205 (.‬‬
‫العسقلن ّ‬
‫مد بن‬ ‫إبن خّلكان‪ ،‬أبو العّباس شمس الدين أحمد بن مح ّ‬
‫أبي بكر‪ 681-608) .‬هـ‪ 1282-1211/.‬م‪.205 ،22 (.‬‬
‫مد بن سعد بن منيع الزهري‪ 230-168) .‬هـ‪/.‬‬ ‫إبن سعد‪ ،‬مح ّ‬
‫‪ 845-784‬م‪.205 (.‬‬
‫ي‬
‫ي القرش ّ‬ ‫إبن عباس‪ ،‬عبد الله بن عبد المطلب الهاشم ّ‬
‫ي )ت ‪688‬م‪.204 ،143 ،85 ،84 (.‬‬
‫الصحاب ّ‬
‫مد أمين بن عمر بن عبد العزيز‪-1198) .‬‬ ‫إبن عابدين‪ ،‬مح ّ‬
‫‪ 1252‬هـ‪ 1836-1784/.‬م‪.308،415 ،75 ،28 (.‬‬
‫مد بن‬ ‫مد بن علي بن مح ّ‬ ‫ابن عربي‪ ،‬محي الدين بن مح ّ‬
‫ي‪ 638-560) .‬هـ‪ 1240-1160/.‬م‪(.‬‬
‫ي الحاتمي المرس ّ‬‫أحمد الطاء ّ‬
‫‪.441 ،440 ،397 ،396 ،394 ،162 ،161 ،158 ،156 ،155 ،153 ،152 ،150‬‬
‫مد بن عماد‬ ‫ابن العماد عبد الحي بن أحمد بن مح ّ‬
‫دمشقي الحنبلي‪ 1089-1032) .‬هـ‪ 16231679/.‬م‪،205 (.‬‬
‫العكري ال ّ‬
‫‪.215 ،212‬‬
‫)‪-700‬‬ ‫إبن كثير‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر القرشي‪.‬‬
‫‪ 774‬هـ‪ 1373-1301/.‬م‪.208 ،163 ،162 ،118 ،85 ،15 (.‬‬
‫)‪ 181-118‬هـ‪ 797-736/.‬م‪،22 (.‬‬ ‫ي‪.‬‬
‫ابن المبارك‪ ،‬عبد الله المروز ّ‬
‫‪.462‬‬
‫‪.205 ،86 ،84 ،82‬‬ ‫إبن مسعود‪ /‬راجع ع‪ :‬عبد الله ابن مسعود‪.‬‬
‫مر‪ 209-110) .‬هـ‪ 824-728/.‬م‪،23 (.‬‬ ‫ابن المثّنى‪ ،‬أبي عبيدة مع ّ‬
‫ابن المق ّ‬
‫فع‪ ،‬عبد الله‪ 145-109) .‬هـ‪ 762-727/.‬م‪.23 (.‬‬
‫‪569‬‬

‫‪.462 ،80‬‬‫إبن وكيع‪.‬‬


‫أبو بكر البغدادي‪.314 .‬‬
‫أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام‪ ،‬أحد‬
‫الفقهاء السبعة‪.205 .‬‬
‫ديق )الخليفة الراشد(‪) .‬ت‪ 13 .‬هـ‪ 634/.‬م‪،70 ،25 (.‬‬ ‫ص ّ‬
‫أبو بكر ال ّ‬
‫‪.403 ،402 ،(210-191) ،191‬‬
‫مد بن جرير الطبري‪ /‬راجع‪ :‬الطبري‪.‬‬ ‫أبو جعفر مح ّ‬
‫أبو الحسن علي بن أبي جعفر الخرقاني‪) .‬ت‪ 425 .‬هـ‪1034/.‬‬
‫م‪.212 ،،211 ،196 ،191 ،175 ،174 (.‬‬
‫‪،245 ،150 ،56 ،55‬‬ ‫أبو الحسن الّندوي‪ ،‬فاضل هندي معاصر‪.‬‬
‫‪.274 ،267 ،257 ،254 ،253 ،251 ،249 ،248‬‬
‫)‪ 150-80‬هـ‪-699/.‬‬ ‫أبو حنيفة‪ ،‬نعمان بن ثابت الكوفي المام‪.‬‬
‫‪ 767‬م‪.357 (.‬‬
‫مد بن مصطفى العمادي‪ ،‬شيخ‬ ‫مد بن مح ّ‬
‫أبو السعود‪ ،‬مح ّ‬
‫السلم في عهد سليمان القانوني‪ 982-898) .‬هـ‪1574-1493/.‬‬
‫م‪.327 ،87 (.‬‬
‫)ت‪ 286 .‬هـ‪899/.‬‬ ‫أبو سعيد‪ ،‬أحمد بن عيسى الصوفي الخّراز‪.‬‬
‫م‪.397 ،155 (.‬‬
‫‪.296 ،280 ،279‬‬ ‫أبو سعيد عثما الجليلي الموصلي‪.‬‬
‫نى‪ 209-110) .‬هـ‪ 824-728/.‬م‪.23 (.‬‬
‫مر بن المث ّ‬
‫أبو عبيدة مع ّ‬
‫مد جمال الدين عبد الله بن يوسف بن أحمد بن‬ ‫أبو مح ّ‬
‫عبد الله بن هشام النصاري‪ 761-708) .‬هـ‪ 1360-1309/.‬م‪،205 (.‬‬
‫‪.352 ،342‬‬
‫دمة‬‫أبو منه‪ ،‬بطرس‪ ،‬باحث عربي معاصر‪ /‬راجع‪ :‬مق ّ‬
‫لف‪.4 .‬‬‫المؤ ّ‬
‫ول بن صباح‪-145) .‬‬ ‫واس الحسن بن هناء بن عبد ال ّ‬ ‫أبو ن ّ‬
‫‪ 196‬هـ‪ 812-762/.‬م‪.23 (.‬‬
‫)‬ ‫هَية إسماعيل بن قاسم بن سويد بن كيسان‪.‬‬ ‫أبو ال ْ َ‬
‫عَتا ِ‬
‫‪ 211-130‬هـ‪ 826-748/.‬م‪.23 (.‬‬
‫‪.207‬‬ ‫ي‪.‬‬
‫أبو علي السند ّ‬
‫ي )ت‪ 478 .‬هـ‪ 1085/.‬م‪.213 ،212 ،196 ،191 ،101 (.‬‬
‫أبو علي الفارمد ّ‬
‫أبو الفرج‪ ،‬عبد الرحمن ابن الجوزي‪ /‬راجع‪ :‬ابن‬
‫الجوزي‪.409 ،209 ،9 .‬‬
‫ُ‬
‫أبو الفضل‪ ،‬بن عبد الله القنوي‪.157 .‬‬
‫أبو الفيض المنوفي‪ /‬راجع‪ :‬محمود أبو الفيض‬
‫المنوفي‪.136 ،22 ،21 .‬‬
‫أبو القاسم‪ ،‬جار الله محمود بن عمر الزمخشري‪ /‬راجع‪:‬‬
‫الزمخشري‪.90 ،80 .‬‬
‫أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق‬
‫الصفهاني‪ 430-336) .‬هـ‪ 1038-948/.‬م‪.209 ،207 ،205 (.‬‬
‫أبو يزيد السطامي‪ /‬راجع البسطامي‪.‬‬
‫أبو يعقوب يوسف الهمداني‪ /‬راحع‪ :‬الهمداني‪.‬‬
‫‪570‬‬

‫الحرار‪ /‬راجع‪ :‬عبيد الله الحرار‪.‬‬


‫أحمد آقجندوز‪ ،‬باحث تركي معاصر‪.385 .‬‬
‫أحمد الربلي الخطيب‪.314 .‬‬
‫أحمد الرواسي‪.390 ،389 .‬‬
‫أحمد الغربوزي‪.314 .‬‬
‫أحمد البدوي‪ /‬راجع‪:‬‬
‫ي‪.34 .‬‬
‫خار ّ‬
‫أحمد الب ُ َ‬
‫أحمد البرزنحي‪.314 .‬‬
‫أحمد البقاعي‪.397 ،176 ،147 ،127 ،57 ،43 .‬‬
‫أحمد بن حنبل‪ 241-164) .‬هـ‪ 855-78/0/.‬م‪.473 ،472 ،212 ،203 (.‬‬
‫أحمد بن زيني دحلن‪ 1304-1231) .‬هـ‪ 1886-1816/.‬م‪.375 (.‬‬
‫ددي‪.104 .‬‬ ‫أحمد بن سعيد المج ّ‬
‫أحمد بن سليمان الروادي‪) .‬مات في حدود ‪ 1275‬هـ‪ 1885/.‬م‪،104 (.‬‬
‫‪.320 ،314‬‬
‫أحمد بن عبد الرحيم بن وجيه الدين ‪ /‬راحع‪ :‬شاه ولي‬
‫الله الدهلوي‪.‬‬
‫أحمد الخزنوي‪.386 :‬‬
‫أحمد شاه الدراني‪.270 .‬‬
‫گير‪) .‬ت ‪1759‬م‪.268 ،262 (.‬‬‫م ِ‬ ‫َ‬
‫عل ْ‬ ‫أحمد شاه عزيز الدين َ‬
‫ي‪ 1311-1227) .‬هـ‪ 1893-1812/.‬م‪(.‬‬
‫و ّ‬
‫خان َ ِ‬‫ش َ‬ ‫مو ْ‬‫دين ال ْگُ ُ‬
‫أحمد ضياء ال ّ‬
‫‪.382 ،327 ،320 ،181 ،136 ،127 ،120 ،106 ،104 ،95 ،94 ،67 ،43‬‬
‫‪43‬‬ ‫أحمد فاروق ميان‪.‬‬
‫أحمد الفاروقي السرهندي المعروف بالمام الرباني‪/‬‬
‫راجع‪ :‬السرهندي‪.‬‬
‫أحمد القسطموني‪.314 .‬‬
‫كي أفندي بن عبد الحكيم الرواسي‪.383 .‬‬ ‫أحمد م ّ‬
‫أحمد ولي الله‪ /‬راجع ‪ :‬شاه ولي الله الدهلوي‪.‬‬
‫أحمد ياشار أوجاك )أستاذ في جامعة حاجت تبه في‬
‫أنفره(‪.447 ،216 ،14 .‬‬
‫أدهم جبه جي أوغلو‪ .‬باحث معاضر تركي‪.149 .‬‬
‫مد أمين الكردي‪ /‬راجع‪ :‬الكردي‪.‬‬ ‫الربلي‪ ،‬مح ّ‬
‫أريج فروم‪.57 .‬‬
‫أسعد الربلي‪) .‬ت‪1931-1848 .‬م‪.375 ،(335-332) ،105 (.‬‬
‫أسعد الصاحب‪ 1347-1271) .‬هـ‪ 1928-1855/.‬م‪،(316-295) ،282 ،9 .(.‬‬
‫‪401‬‬
‫أسعد الخسخيري‪.‬‬
‫‪.379‬‬
‫‪.429‬‬ ‫أسعد السمحراني )باحث عربي معاصر(‪.‬‬
‫إسماعيل الناراني‪.314 .‬‬
‫إسماعيل البرزنجي‪.314 .‬‬
‫إسماعيل البصري‪.314 .‬‬
‫‪571‬‬

‫‪.380‬‬ ‫قي أهرامجي‪.‬‬ ‫إسماعيل ح ّ‬


‫إسماعيل الزلزلوي‪.314 .‬‬
‫إسماعيل الشيرواني‪.(314-310) ،76 .‬‬
‫أشرف الكابلي‪ /‬راجع‪ :‬الكابلي‪.‬‬
‫أفلطون )الفيلسوف اليوناني ق‪.‬م‪.148 .‬‬
‫أكبر شاه‪ ،‬جلل الدين محمود بن همايون بن ظهير‬
‫الدين بن بابر شاه‪ 1605-1542) .‬م‪.(258-243) (.‬‬
‫أكرم إيشن‪.332 ،33 .‬‬
‫أكمل الدين البابرتي‪ 786-710) .‬هـ‪ 1384-1310/.‬م‪.90 (.‬‬
‫إلياس أيوب )باحث صيدلي عربي معاصر(‪.(68-57) .‬‬
‫ي‪ /‬راجع‪ :‬السرهندي‪.‬‬ ‫المام الرّبان ّ‬
‫المام الزهبي‪ /‬راحع‪ :‬الزهبي‪.‬‬
‫المام الشافعي‪ /‬راجع‪ :‬الشافعي‪.‬‬
‫المام الهروي‪ /‬راجع الهروي‪.‬‬
‫مد الخواجگي‪ 1008-918) .‬هـ‪ 1599-1512/.‬م‪-192) .(.‬‬ ‫المﮑنگي‪ ،‬مح ّ‬
‫‪(244-237) ،(196‬‬
‫أمين القدسي‪.‬‬
‫‪.157‬‬
‫أنس بن مالك‪712-612) .‬م‪.78 (.‬‬
‫مد بن أحمد السنيكي‪.‬‬
‫النصاري‪ ،‬أبو يحيى زكريا بن مح ّ‬
‫)‪ 926-826‬هـ‪ 1520-1423/.‬م‪.9 (.‬‬
‫النصاري القادري‪ ،‬بهاء الدين‪.‬‬
‫‪.254 ،55‬‬
‫أنور الجندي )باحث – كاتب عربي معاص(‪.18 .‬‬
‫)‬ ‫مد شاه جهان‪.‬‬ ‫أورنكزيب علمكير بن شهاب الدين مح ّ‬
‫‪1707-1618‬م‪.268 ،262 (.‬‬
‫ي‬
‫ي التابع ّ‬
‫أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرن ّ‬
‫الزاهد‪) .‬ت‪37 .‬هـ‪657/‬م‪.209 ،174 (.‬‬

‫‪-‬ب‪-‬‬
‫باتانجالي ‪Patanjali‬الراهب الهندي‪.‬‬
‫‪.117‬‬
‫بارمينيديس )الفيلسوف اليوناني ت‪ .‬حوالى )‪450-540‬ق‪.‬م‪(.‬‬
‫‪.148‬‬
‫)‪ 403-338‬هـ‪9501013/.‬‬ ‫مدد أبو بكر بن الطّيب‪.‬‬
‫الباقلني‪ ،‬مح ّ‬
‫م‪.144 ،115 (.‬‬
‫مد الباقي بالله‬ ‫الباقي بالله الكابولي‪ /‬راجع‪ :‬مح ّ‬
‫الكابولي‪.‬‬
‫مد بهاء الدين‪ /‬راجع‪ :‬شاه نقشبند‪.‬‬ ‫ي‪ ،‬مح ّ‬
‫البخار ّ‬
‫مد زاهد‪) .‬ت‪ 936 .‬هـ‪ 1529/.‬م‪.242 ،241 ،192 (.‬‬‫البدخشي‪ ،‬مح ّ‬
‫بدرخان باشا‪ ،‬آخر أمير كردستان‪1868-1802) .‬م‪.285 (.‬‬
‫بدر الدين بابا‪.34 .‬‬
‫‪572‬‬

‫مد البدواني‪.‬‬
‫البدواني‪ /‬راجع‪ :‬نور مح ّ‬
‫البرزنجي‪ ،‬معروف النودهي‪ 1254-1166) .‬هـ‪ 1838-1752/.‬م‪) ،57 (.‬‬
‫‪.422 ،(314-277‬‬
‫ب‪ .‬ريال‪.‬‬
‫‪.58 ،57‬‬
‫مد بن الحسين‪ 482-400) .‬هـ‪1089-1010/.‬‬
‫ي بن مح ّ‬
‫ي‪ ،‬عل ّ‬
‫البزدو ّ‬
‫م‪.19 (.‬‬
‫البسطامي‪ ،‬أبو يزيد طيفور بن عيسى بن آدم بن‬
‫سروشان‪ 261-188) .‬هـ‪ 874-803/.‬م( ‪-207) ،201 ،196 ،191 ،175 ،174‬‬
‫‪(211‬‬
‫ي بن عبد‬‫بشر الحافي‪ ،‬أبو نصر بشر بن الحارث بن عل ّ‬
‫ي الحافي‪ 227-150) .‬هـ‪ 841-767/.‬م( ‪.22‬‬
‫الرحمن المروز ّ‬
‫ي‪ ،‬أبو البهاء خالد ضياء الدين ذو الجناحين )‪-1193‬‬ ‫البغداد ّ‬
‫‪ 1242‬هـ‪ 1876-1776/.‬م‪(320-270) (.‬‬
‫مد بن‬ ‫ي‪ /‬راجع‪ :‬مح ّ‬ ‫مد بن سليمان البغداد ّ‬
‫ي‪ ،‬مح ّ‬
‫البغداد ّ‬
‫سليمان‪.‬‬
‫البلذري‪ ،‬أحمد بن يحيى بن جابر بن داود‪) .‬ت‪ -279 .‬هـ‪892/.‬‬
‫م‪.231 ،15 (.‬‬
‫)‪ 270-205‬م‪.148 (.‬‬‫بلوتينوس )الفيلسوف اليوناني‪.‬‬
‫يين‪ 1278-1221) .‬هـ‪.268 (.‬‬ ‫بهادر شاه‪ ،‬آخر الملوك التيمور ّ‬
‫سس الديانة البوذية‪،‬‬ ‫بوذا الراهب‪ ،‬سيدهارتا غوتاما )مؤ ّ‬
‫حوالى )‪ 483-563‬ق‪.‬م‪.460 ،441 ،386 ،265 ،120 ،119 ،53 (.‬‬
‫البيضاوي‪ ،‬أبو سعيد ناصر الدين عبد الله بن عمر‪) .‬ت‪.‬‬
‫‪ 685‬هـ‪ 1286/.‬م‪.183 ،182 (.‬‬
‫)‪-1462‬‬ ‫ي‪ ،‬علي بن الحسين الواعظ الكاشفي‪.‬‬
‫البيهق ّ‬
‫‪1533‬م‪.435 ،240 ،239 ،236 ،113 ،101 ،70 ،56 ،55 ،(.‬‬

‫‪-‬ت‪-‬‬
‫)ت‪ 1050 .‬هـ‪ 1640/.‬م‪(.‬‬ ‫ي‪.‬‬
‫تاج الدين بن زكرّيا بن سلطان الهند ّ‬
‫‪.451 ،157 ،71‬‬
‫)‪ 771-727‬هـ‪-1327/.‬‬ ‫هاب بن علي السبكي‪.‬‬
‫تاج الدين عبد الو ّ‬
‫‪ 1370‬م‪.344 ،212 (.‬‬
‫)ت‪.‬‬ ‫ترغوت أوزال‪ ،‬رئيس الجمهورية التركية السابق‪.‬‬
‫‪1993‬م‪471 ،388 ،382 (.‬‬
‫)كان حًيا في‬ ‫مد بن علي بن الحسين‪.‬‬
‫الترمزي الحكيم‪ ،‬مح ّ‬
‫‪ 318‬هـ‪ 930/.‬م‪.216 (.‬‬
‫مد سهل بن عبد الله بن يونس بن‬ ‫ي‪ ،‬أبو مح ّ‬ ‫ر ّ‬‫ست َ ِ‬
‫الت ْ‬
‫عيسى‪ 283-200) .‬هـ‪ 896-815/.‬م‪.22 (.‬‬
‫ي‪ ،‬مسعود بن عمر بن عبد الله‪ 791-712) .‬هـ‪-1312/.‬‬ ‫التفتازان ّ‬
‫‪ 1389‬م‪.(343-341) (.‬‬
‫‪573‬‬

‫الله‪).‬ت‪ 690 .‬هـ‪،128 (.‬‬ ‫التلمساني‪ ،‬سليمان بن علي بن عبد‬


‫‪.440 ،155 ،148‬‬
‫)‪1405-1336‬م‪.258 ،238 ،225 (.‬‬ ‫تيمورلنك‪.‬‬

‫‪-‬ث‪-‬‬
‫ي‪ ،‬أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق‬ ‫الثور ّ‬
‫الكوفي‪ 161-97) .‬هـ‪ 778-716/.‬م‪.85 ،22 (.‬‬

‫‪-‬ج‪-‬‬
‫ج‪ .‬توندريو‪.‬‬
‫‪.68 ،58 ،57‬‬
‫ّ‬
‫الجامي‪ ،‬مل عبد الرحمن نور الدين‪ 898-819) .‬هـ‪1492-1414/.‬‬
‫م‪.343 ،342 ،239 ،233 ،33 (.‬‬
‫جان جانان‪ /‬راجع‪ :‬شمس الدين حبيب الله ميرزا مظهر‪.‬‬
‫الجرجاني‪ /‬راجع‪ :‬السيد شريف الجرجاني‪.‬‬
‫ي‪.‬‬‫خ ّ‬‫ي ‪ /‬راجع‪ :‬يعقوب الﭽر ِ‬ ‫خ ّ‬‫الﭽر ِ‬
‫ي‪ 348-252) .‬هـ‪ 959-866/.‬م‪.198 ،197 (.‬‬
‫جعفر الخلد ّ‬
‫مد الباقر بن علي زين العابدين بن‬ ‫جعفر الصادق بن مح ّ‬
‫الحسين السبط‪ 148-80) .‬هـ‪ 765-699/.‬م‪،207 ،206 ،196 ،191 ،175 (.‬‬
‫‪.209‬‬
‫مد أمين‬‫ي‪ ،‬أبو سعيد عثمان بن سليمان بن مح ّ‬ ‫الجليل ّ‬
‫بن حسين بن إسماعيل بن عبد الجليل الحيائي‬
‫الموصلي‪ 1245-1187) .‬هـ‪ 1829-1773/.‬م‪.301 ،296 ،280 ،279 (.‬‬
‫ي‪ ،‬سليمان باشا‪.296 ،295 ،284 ،279 .‬‬ ‫الجليل ّ‬
‫وام‪.55 .‬‬ ‫الجنبوري‪ ،‬علي بن ق ّ‬
‫مد بن الجنيد‬ ‫ي‪ ،‬أبو القاسم بن مح ّ‬ ‫جنيد البغداد ّ‬
‫زار‪) .‬ت‪ 298 .‬هـ‪ 910/.‬م‪.440 ،92 (.‬‬
‫القواريري الخ ّ‬

‫‪-‬ح‪-‬‬
‫‪.309‬‬‫ي‪.‬‬
‫داغستان ّ‬
‫الحاج حمدي ال ّ‬
‫)‪ 1067-1017‬هـ‪/.‬‬ ‫حاجي خليفة‪ ،‬مصطفى بن عبد الله‪.‬‬
‫‪ 16091657‬م‪.236 (.‬‬
‫ي‪ /‬راجع‪ :‬بشر بن الحارث‪.‬‬
‫الحاف ّ‬
‫‪574‬‬

‫حالت أفندي )من كبار رجال الدولة العثمانّية في عهد‬


‫محمود الثاني‪1823-1760 .‬م‪.284 (.‬‬
‫حامد المارديني‪.395 ،379 ،326 ،321 .‬‬
‫الحسن بن علي بن أبي طالب‪ 50-3) .‬هـ‪ 670-624/.‬م‪(.‬‬
‫حسن القوزاني‪.314 .‬‬
‫حسن حلمي القسطموني‪.95 .‬‬
‫حسن حلمي بن علي‪.95 .‬‬
‫الحسين بن علي بن أبي طالب‪) .‬ت‪ 61.‬هـ‪ 680/.‬م‪،331 ،224 (.‬‬
‫‪.389‬‬
‫)ت‪699 .‬هـ‪.128 (.‬‬ ‫حسين بن علي بن هود‪.‬‬
‫حسين بن علي‪ ،‬نظام الملك‪ /‬راجع‪ :‬نظام الملك‪.‬‬
‫حسين حسام الدين عبديزاده أفندي‪.32 .‬‬
‫حسين حلمي إيشيك )عقيد متقاعد مدسوس في‬
‫صفوف النقشبنديين‪ .‬مات يوم ‪ 25‬أكتوبر ‪ 2001‬في‬
‫إسطنبول(‪.459 ،447 ،383 ،380 ،355 ،331 ،65 .‬‬
‫حسين الدوسري‪.424 ،314 ،(93-91) .‬‬
‫حسين علي نوري بن عباس بن بزرك المازندراني‪،‬‬
‫زعيم البهائية‪ 1309-1233) .‬هـ‪ 1892-1817/.‬م‪.429 (.‬‬
‫حكيم آتا‪.27 .‬‬
‫لج‪ ،‬حسين بن منصور‪) .‬ت‪ 309.‬هـ‪ 922/.‬م‪،(154-148) ،128 ،18 (.‬‬ ‫الح ّ‬
‫‪.293‬‬
‫لف‪.4 .‬‬ ‫دمة المؤ ّ‬ ‫حميد آلغار‪ :‬راجع‪ :‬مق ّ‬
‫ي‪.181 ،176 ،170 ،165 .‬‬
‫حمد الله الداجو ّ‬
‫حيدر بابا‪.32 .‬‬

‫‪-‬خ‪-‬‬
‫ي‪.‬‬
‫ي‪ /‬راحع‪ :‬البغداد ّ‬ ‫خالد البغداد ّ‬
‫خالد الجزري‪.395 ،326 ،314 .‬‬
‫خالد الزيباري‪.395 ،379 .‬‬
‫خالد الزيلني‪.379 .‬‬
‫خارجة بن زيد بن ثابت النصاري‪ ،‬أحد الفقهاء السبعة‪.‬‬
‫)ت‪ 99 .‬هـ‪717/.‬م‪.205 (.‬‬
‫)‬ ‫مد بن إبراهيم الشحي‪.‬‬
‫الخازن‪ ،‬علء الدين علي بن مح ّ‬
‫‪ 741-678‬هـ‪ 1340-1279/.‬م‪.85 ،84 (.‬‬
‫)‪ 1319-1263‬هـ‪-1847/.‬‬ ‫مد‬‫مد بن مح ّ‬ ‫ي‪ ،‬عبد المجيد بن مح ّ‬‫الخان ّ‬
‫‪ 1901‬م‪ .(.‬مبعثر في كثير من صفحات الكتاب‪.‬‬
‫مد بن عبد الله )‪ 1279-1213‬هـ‪ 1862-1798/.‬م‪،41 ،29 .(.‬‬
‫ي‪ ،‬مح ّ‬‫الخان ّ‬
‫‪.421 ،408 ،404 ،(319-314) ،277 ،215 ،177 ،121 ،111 ،103 ،65‬‬
‫‪575‬‬

‫خرشيد باشا‪.‬‬
‫)ت‪1822 .‬م‪.284 .(.‬‬
‫الخرقاني‪ /‬راجع‪ :‬أبو الحسن علي بن أبي جعفر‪.‬‬
‫الخضر‪ /‬راجع‪ :‬أسطورة الخضر في قائمة المفاهيم‪.‬‬
‫الخلدي‪ /‬راجع‪ :‬جعفر الخلدي‪.‬‬
‫خليل آتا‪232 .‬‬
‫خليل فوزي‪.333 .‬‬
‫خليل كوننج‪ ،‬فقيه عربي الصل‪ ،‬تركي الوطن‪.393 .‬‬
‫خواجه أشرف الكابلي‪.70 .‬‬
‫خواجهء عزيزان‪ /‬راجع‪ :‬الرامتني‪.‬‬
‫خير الدين زركلي‪ /‬راجع زركلي‪.‬‬

‫‪-‬د‪-‬‬
‫)‪1922-1853‬م‪.324 (.‬‬ ‫داماد فريد باشا‪.‬‬
‫داود باشا‪ ،‬والي بغداد‪1851-1774) .‬م‪.285 ،284 (.‬‬
‫درويش أحمد الطربزوني‪.‬‬
‫شاش الذي استخدمته‬ ‫مد )كش مهمد(‪ ،‬الح ّ‬ ‫درويش مح ّ‬
‫ة في مدينة منامن التابعة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ة عميل لتنفيذ خط ٍ‬ ‫الحكوم ُ‬
‫فذَ فيه حكم العدام مع زميله لز إبراهيم‬ ‫لولية إزمير‪.‬ن ُ ِ‬
‫خواجه سنة )‪1930‬م‪.374 (.‬‬
‫مد السمرقندي‪ /‬راجع‪ :‬السمرقندي‪.242 ،192 .‬‬ ‫درويش مح ّ‬
‫الدهلوي‪ ،‬شاه ولي الله‪ /‬راجع شاه ولي الله‪.‬‬
‫ي‪ ،‬غلم علي عبد الله‪ 1240-1158) .‬هـ‪ 1824-1745/.‬م‪،43 (.‬‬ ‫الدهلو ّ‬
‫‪402 ،(275-267) ،192 ،158 ،53‬‬
‫الدوسري‪ /‬راجع‪ :‬حسين الدوسري‪.‬‬
‫ّ‬
‫دمة المؤلف‪.4 .‬‬ ‫الدمشقيه‪ ،‬عبد الرحمن ‪ :‬راجع‪ :‬مق ّ‬
‫ديفيد دين كومينس ‪.David Dean Commins. 98‬‬

‫‪-‬ذ‪-‬‬
‫ي‬
‫مد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركمان ّ‬ ‫ي مح ّ‬‫الذهب ّ‬
‫الحافظ‪ 748-673) .‬هـ‪ 1348-1274/.‬م‪.209 ،208 ،207 (.‬‬

‫‪-‬ر‪-‬‬
‫‪.138‬‬ ‫رابعة العدوية‪.‬‬
‫رادلوف‪ ،‬فريديريك ولهلم‪Friedrich Wilhelm Radlof (1837- .‬‬
‫‪1918‬م‪.15 (.‬‬
‫‪576‬‬

‫مد بن عمر بن الحسين اّلتيم ّ‬


‫ي‬ ‫الرازي‪ ،‬فخر الدين مح ّ‬
‫ي‪ 606-543) .‬هـ‪ 1210-1149/.‬م‪.438 ،342 ،81 ،80 ،19 (.‬‬‫البكر ّ‬
‫رحمي سرين‪.399 ،120 ،113 ،108 ،106 ،56 ،48 ،43 .‬‬
‫رشاد أونْـگوران‪ ،‬باحث تركي معاصر‪.32 .‬‬
‫قاشي‪ ،‬أّبان بن عبد الحميد بن لحق بن عفير‬ ‫الر ّ‬
‫ي‪.23 .‬‬
‫) هـ‪.‬؟‪ /‬م‪.‬؟( أديب شاعر عاصر الرشيد العباس ّ‬
‫ي‪.32 .‬‬
‫خار ّ‬‫ركن الدين محمود الب ُ َ‬
‫ري‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ري‪ /‬راجع‪ :‬عارف الّريَوگ ِ‬ ‫الّريَوگ ِ‬

‫‪-‬ز‪-‬‬
‫زركلي‪ ،‬خير الدين‪ 1396-1310) .‬هـ‪ 1976-1893/.‬م‪،174 ،138 ،22 (.‬‬
‫‪.248 ،246 ،244 ،239 ،234 ،215 ،207 ،189‬‬
‫مد زاهد بن الحسن بن علي‬ ‫زاهد الكوثري‪ /‬راجع‪ :‬مح ّ‬
‫الكوثري الﭽركسي‪.‬‬
‫الزمخشري‪ ،‬أبو القاسم جار الله محمود بن عمر‪-467) .‬‬
‫‪ 538‬هـ‪ 1144-1075/.‬م‪.90 ،80 (.‬‬
‫)‪263-335‬ق‪.‬م‪.148 (.‬‬ ‫زنون‪ ،‬الفيلسوف اليواني‪.‬‬

‫‪-‬س‪-‬‬
‫مد بن أحكد بن أبي بكر‪.‬‬
‫السرخسي‪ ،‬شمس الئمة‪ ،‬مح ّ‬
‫)ت‪ 490 .‬هـ‪ 1097/.‬م‪.19 (.‬‬
‫السرهندي‪ ،‬أحمد الفاروقي العروف بالمام الرباني )‬
‫‪ 1034-971‬هـ‪ 1625-1563/.‬م‪-237) ،192 ،182 ،180 ،159 ،158 ،102 ،70 ،43 (.‬‬
‫‪.462 ،(285‬‬
‫‪.295 ،294 ،290 ،278‬‬ ‫سعيد باشا‪ ،‬والي بغداد‪.‬‬
‫سعيد الﭙالوي‪) .‬ت‪1925 .‬م‪.370 ،351 ،350 ،331 ،328 ،323 (.‬‬
‫يب‪ ،‬أحد الفقاء السبعة‪) .‬ت‪ 94 .‬هـ‪ 712/.‬م‪(.‬‬ ‫سعيد بن المس ّ‬
‫‪.205‬‬
‫سعيد سيدا الجزري‪.‬‬
‫)‪1968-1889‬م‪.379 ،(99-96) (.‬‬
‫سعيد الكردي النورسي‪1960-1873) .‬م‪.384-379-378-347 (.‬‬
‫سفيان الثوري‪ /‬راجع‪ :‬الثوري‪.‬‬
‫لس‪) .‬ت‪ 251 .‬هـ‪865/.‬‬‫ي ابن المغ ّ‬‫ر ّ‬
‫س ِ‬
‫ي‪ ،‬أبو الحسن َ‬
‫قط ّ‬‫الس َ‬
‫م‪.22 (.‬‬
‫سلجوق أرايدين‪ ،‬باحث تركي معاضر‪.‬‬
‫‪.159 ،147‬‬
‫السلطان بايزيد الول‪ ،‬يلدرم بن مراد‪ ،‬السلطان‬
‫العثماني‪1402-1347) .‬م‪.238 (.‬‬
‫‪577‬‬

‫مد‬
‫السلطان بايزيد الثاني‪ ،‬صوفي بايزيد الولي بن مح ّ‬
‫الفاتح‪1512-1448) .‬م‪.96 ،95 ،34 ،33 ،32 (.‬‬
‫السلطان تيبو‪ ،‬قائد عسكري هندي‪1799-1749) .‬م‪.368 (.‬‬
‫ول‪1566-1494) .‬م‪(.‬‬ ‫السلطان سليمان القانوني بن سليم ال ّ‬
‫‪.32‬‬
‫)‪1918-1842‬م‪(.‬‬ ‫السلطان عبد الحميد الثاني بن عبد المجيد‪.‬‬
‫‪.370 ،334 ،332 ،327 ،322 ،150‬‬
‫)‪1595-1546‬م‪.101 (.‬‬ ‫السلطان مراد الثالث بن سليم الثاني‪.‬‬
‫)‪-32‬‬ ‫مد الفاتح بن مراد الثاني‪1481-1432) .‬م‪(.‬‬
‫السلطان مح ّ‬
‫‪(34‬‬
‫)‪1839-1784‬م‪(.‬‬ ‫ول‪.‬‬
‫السلطان محمو الثاني بن عبد الحميد ال ّ‬
‫‪.362 ،338 ،284 ،168 ،37‬‬
‫)‪1926-1861‬م‪.324 (.‬‬ ‫السلطان وحيد الدين بن عبد المجيد‪.‬‬
‫سلمان الفارسي‪) .‬ت‪656 .‬م‪.403 ،(205-191) (.‬‬
‫سليمان بن يسار‪ ،‬أحد الفقاء السبعة‪ 107-34) .‬هـ‪ 725-654/.‬م‪(.‬‬
‫‪.205‬‬
‫سليمان زهدي‪.‬‬
‫‪.424 ،423 ،127 ،103 ،93‬‬
‫ب إليه الفرقة السليمانية‬ ‫س ُ‬‫سليمان حلمي طوناخان‪ُ ،‬تن َ‬
‫يين‪1959-1888) .‬م‪،385 ،384 ،379 ،75 (.‬‬ ‫وهم طائفة من النقشبند ّ‬
‫‪.444 ،417‬‬
‫مد بابا السماسي‪.‬‬
‫‪.223 ،196 ،192‬‬ ‫السماسي‪ /‬راجع‪ :‬مح ّ‬
‫مد‪) .‬ت‪ 936 .‬هـ‪ 1529/.‬م‪.242 ،196 ،192 (.‬‬
‫السمرقندي‪ ،‬درويش مح ّ‬
‫مد‬‫السهروردي‪ ،‬شهاب الدين أبو الحفص عمر بن مح ّ‬
‫بن عبد الله ابن عمويه‪ 632-539) .‬هـ‪ 1234-1145/.‬م‪.90 (.‬‬
‫سهل بن عبد الله بن يونس بن عيسى التستري‪-200) .‬‬
‫‪ 283‬هـ‪ 896-815/.‬م‪.22 (.‬‬
‫‪،163 ،125 ،18 ،9‬‬ ‫سميح عاطف الزين‪ ،‬باحث عربي معاصر‪.‬‬
‫‪.293 ،216‬‬
‫)ت‪ 364 .‬هـ‪975/.‬‬ ‫مد بن إسحاق‪.‬‬
‫السني‪ ،‬أبو بكر أحمد بن مح ّ‬
‫م‪.112 (.‬‬
‫‪.296 ،295 ،279 ،278‬‬ ‫مد أمين بن علي‪.‬‬ ‫السويدي‪ /‬راجع مح ّ‬
‫السيد شريف الجرجاني‪ 816-740) .‬هـ‪ 1413-1339/.‬م‪(.‬‬
‫فذَ فيه‬‫السيد علي بن صبغة الله الحيزاني الرواسي‪ ،‬ن ُ ِ‬
‫حكم العدام سنة ‪1913‬م‪.329 .‬‬
‫السيد فهيم الرواسي‪1895-1825) .‬م‪.330 (.‬‬
‫سيف الدين الفاروقي‪ /‬راجع‪ :‬الفاروقي‪.‬‬
‫السيوطي‪ ،‬جلل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر‪911-849) .‬‬
‫هـ‪ 1505-1445/.‬م‪.342 ،153 ،90 ،88 ،87 (.‬‬

‫‪-‬ش‪-‬‬
‫‪578‬‬

‫الشاذلي‪ ،‬أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار‬


‫بن يوسف بن هرمز المغربي‪ 656-591) .‬هـ‪ 1258-1195/.‬م‪،96 (.‬‬
‫‪.436‬‬
‫)‪ 204-150‬هـ‪ 819-767/.‬م‪،214 ،187 (.‬‬ ‫مد بن إدريس‪.‬‬
‫الشافعي‪ ،‬مح ّ‬
‫‪.410 ،409 ،340‬‬
‫رؤوف أحمد‪.‬‬
‫‪.267‬‬ ‫شاه‬
‫مد أكبر الثاني‪) .‬ت‪1221-1172 .‬م‪.268 (.‬‬
‫عالم مح ّ‬ ‫شاه‬
‫عباس الصفوي‪ /‬راجع‪ :‬الصفوي‪.‬‬ ‫شاه‬
‫مد بهاء الدين البخاري‪ 791-718) .‬هـ‪-1318/.‬‬ ‫نقشبند‪ /‬مح ّ‬ ‫شاه‬
‫‪ 1389‬م‪.463 ،462 ،228 ،226 ،217 ،192 ،179 ،174 ،32 (.‬‬
‫)‪1176-1114‬‬ ‫شاه ولي الله الدهلوي‪ ،‬أحمد بن عبد الرحيم‪.‬‬
‫هـ‪ 1766-1704/.‬م‪.301 ،300 ،299 ،270 ،244 ،46 ،45 (.‬‬
‫شريف أحمد بن علي‪.‬‬
‫‪.181 ،102 ،56‬‬
‫الشريف الجرجاني‪ /‬راجع‪ :‬السيد شريف الجرجاني‪.‬‬
‫دمة المؤ ّ‬
‫لف‪.4 .‬‬ ‫شريف ماردين‪ :‬راجع‪ :‬مق ّ‬
‫هاب الشعراني‪.‬‬ ‫الشعراني‪ /‬راجع عبد الو ّ‬
‫شمس الئمة‪ /‬راجع السرخسي‪.‬‬
‫شمس الدين حبيب الله ميرزا مظهر جان جانان‪-1111) .‬‬
‫‪ 1195‬هـ‪ 1781-1699/.‬م‪.266 ،265 ،264 ،192 ،53 (.‬‬
‫شمس الدين سامي‪.‬‬
‫)‪1904-1850‬م‪.207 (.‬‬
‫شهاب الدين الشيرواني‪.235 .‬‬
‫فذَ فيه حكم‬
‫شهاب الدين بن صبغة الله الرواسي‪ .‬ن ُ ِ‬
‫العدام سنة ‪1913‬م‪.398 ،325 ،323 .‬‬
‫شهاب الدين محمود بن عبد الله اللوسي‪ /‬راجع‬
‫اللوسي‪.‬‬
‫طاري‪ ،‬عبد الله‪.254 ،55 .‬‬ ‫الش ّ‬
‫مد‪.254 ،55 .‬‬‫طاري‪ ،‬مح ّ‬ ‫الش ّ‬
‫الشيباني‪ ،‬ابن الثير عّز الدين أبو الحسن على بن أبي‬
‫الكرم‪ 630-555) .‬هـ‪ 1233-1160/.‬م‪.212 ،15 (.‬‬
‫الشيخ شادي‪.180 .‬‬
‫الشيرازي‪،‬آية الله ناصر مكارم‪ .‬من علماء الشيعة‬
‫المعاصرين‪.88 .‬‬

‫‪-‬ص‪-‬‬
‫‪.243‬‬ ‫صادق الحلوائي‪.‬‬
‫صالح باشا‪.284 .‬‬
‫كي‪.326 .‬‬ ‫سيب ْ ِ‬
‫صالح ال ّ‬
‫‪579‬‬

‫)ت‪1870.‬م‪،329 ،325 ،324 ،323 (.‬‬ ‫صبغة الله الحيزاني الرواسي‪.‬‬


‫‪.395‬‬
‫صُتوك ُبو ْ‬
‫غراخان‪959) .‬م‪.12 (.‬‬
‫صدر الدين البخاري‪.216 .‬‬
‫مد بن إسحاق‪) .‬ت‪ 672 .‬هـ‪ 1273/.‬م‪(.‬‬‫صدر الدين القنوي‪ ،‬مح ّ‬
‫‪.152‬‬
‫)‪1629-1571‬م‪،258 (.‬‬ ‫الصفوي‪ ،‬شاه عباس الكبير‪ ،‬شاه إيران‪.‬‬
‫‪.357‬‬
‫صلح الدين بن السيد علي بن صبغة الله الحيزاني‬
‫الرواسي‪.329 .‬‬

‫‪-‬ط‪-‬‬
‫‪.314‬‬‫طاهر العقري‪.‬‬
‫عبد الرحمن الكردي العقري‪.314 .‬‬
‫طه الحريري‪.333 ،105 .‬‬
‫كاري‪.‬‬ ‫كاري‪ /‬راجع‪ :‬اله ّ‬ ‫النهري اله ّ‬
‫مد بن جرير‪ 310-224) .‬هـ‪ 923-839/.‬م‪(.‬‬ ‫الطبري‪ ،‬أبو جعفر مح ّ‬
‫‪.80 ،79 ،15‬‬
‫)‪ 1232-1173‬هـ‪/.‬‬ ‫مد صالح‪.‬‬
‫مد أمين بن مح ّ‬
‫الطبقجلي‪ ،‬مح ّ‬
‫‪ 1816-1760‬م‪.295 (.‬‬
‫‪.314‬‬ ‫الطويلي‪ ،‬عمر بن عثمان‪.‬‬

‫‪-‬ع‪-‬‬
‫عابد شلبي‪.‬‬
‫‪.34‬‬
‫ري‪) .‬ت‪606 .‬هـ‪1209/.‬م‪.218 ،196 ،191 (.‬‬ ‫َ‬
‫عارف الّريَوگ ِ‬
‫رةُ بن الربيع‪.79 .‬‬ ‫مَرا َ‬
‫العامري‪ُ ،‬‬
‫عباس الصفوي‪ /‬راجع‪ :‬الصفوي‪.‬‬
‫زاوي‪) .‬ت‪1971 .‬م‪،294 ،285 ،283 ،277 ،193 ،104 ،102 ،97 (.‬‬ ‫عباس الع ّ‬
‫‪.394 ،309 ،308 ،296 ،295‬‬
‫‪.398 ،326‬‬ ‫مد الكفروي‪.‬‬ ‫عبد الباقي بن مح ّ‬
‫عبد الجميل‪.216 .‬‬
‫عبد الحكيم الرواسي‪1943-1865) .‬م‪،355 ،331 ،330 ،328 ،96 ،95 (.‬‬
‫‪.389 ،383 ،375‬‬
‫عبد الحميد البريفكاني‪.‬‬
‫‪.333‬‬
‫مد بن العماد العكري الحنبلي‪.‬‬
‫عبد الحي بن أحمد بن مح ّ‬
‫‪.212‬‬
‫‪580‬‬

‫)ت‪ 575 .‬هـ‪ 1179/.‬م‪،191 ،174 ،127 ،113 (.‬‬ ‫ي‪.‬‬


‫وان ِ ّ‬
‫جد ُ َ‬ ‫عبد الخالق ال ْ ُ‬
‫غ ْ‬
‫‪.231 ،218 ،217 ،215 ،210 ،196‬‬
‫عبد الرحمن الدمشقيه‪ ،‬باحث عربي معاصر‪ /‬راجع‪:‬‬
‫مقدمة المؤّلف‪.‬‬
‫عبد الرحمن خان‪.243 .‬‬
‫عبد الرحمن عبد الخالق‪ ،‬باحث عربي معاصر‪،156 ،155 .‬‬
‫‪.397‬‬
‫‪.156 ،155 ،9‬‬‫عبد الرحمن الوكيل‪ ،‬باحث عربي معاصر‪.‬‬
‫عبد الرحيم البرزنجي‪.270 .‬‬
‫عبد العزيز بن شاه ولي الله الدهلوي‪ 1239-1159) .‬هـ‪-1746/.‬‬
‫‪ 1824‬م‪.244 (.‬‬
‫‪.314‬‬ ‫عبد الغفور الكردي الكركوكي‪.‬‬
‫عبد الغفور المشاهدي‪.314 .‬‬
‫عبد الغني النابلسي‪ 1143-1050) .‬هـ‪ 1731-1641/.‬م‪.420 ،153 (.‬‬
‫عبد القادر البرزنجي‪.314 .‬‬
‫عبد القادر بن حبيب الله السندي‪ ،‬باحث مستعرب‬
‫معاصر‪.208 ،207 ،9 .‬‬
‫عبد القادر بن شيبة الحمد‪ ،‬باحث عربي معاصر‪.124 .‬‬
‫عبد القادر بن عبيد الله بن طه النهري‪1925-1850) .‬م‪،322 (.‬‬
‫‪.324 ،323‬‬
‫‪.314‬‬ ‫القادر الديملني‪.‬‬ ‫عبد‬
‫القادر الجزائري‪1883-1807) .‬م‪.319 (.‬‬ ‫عبد‬
‫القادر الجيلي أو الجيلني‪ 561-470) .‬هـ‪ 1166-1077/.‬م‪.214 (.‬‬ ‫عبد‬
‫القادر الحيدري‪.355 ،282 .‬‬ ‫عبد‬
‫القهّار الذوقيدي‪.380 .‬‬ ‫عبد‬
‫الكريم البرزنجي‪.270 .‬‬ ‫عبد‬
‫رس‪.411 ،402 ،312 ،310 ،282 .‬‬ ‫الكريم البياري المد ّ‬ ‫عبد‬
‫الكريم الجيلي‪1428-1365) .‬م‪.148 ،128 (.‬‬ ‫عبد‬
‫مد الكفروي‪.326 .‬‬ ‫الهادي بن مح ّ‬ ‫عبد‬
‫هاب الشعراني‪ 973-898) .‬هـ‪ 1565-1493/.‬م‪.153 (.‬‬ ‫الو ّ‬ ‫عبد‬
‫هاب السوسي‪.(435-401) ،(309-302) ،76 .‬‬ ‫الو ّ‬ ‫عبد‬
‫الله الرزنجاني‪.324 .‬‬ ‫عبد‬
‫الله اللهي )مل ّ إلهي(‪) .‬ت‪1487 .‬م‪.32 .(.‬‬ ‫عبد‬
‫كا(‪.403 ،402 .‬‬ ‫الله باشا )حاكم ع ّ‬ ‫عبد‬
‫كي‪ 768-700) .‬هـ‪/.‬‬ ‫الله بن أسعد اليافعي اليمني الم ّ‬ ‫عبد‬
‫‪ 1367-1301‬م‪.209 .(.‬‬
‫)‪ 181-118‬هـ‪ 736797/.‬م‪،22 .(.‬‬ ‫عبد الله ابن المبارك المروزي‪.‬‬
‫‪.462‬‬
‫)‪653‬م‪.205 ،86 ،84 ،82 .(.‬‬‫عبد الله ابن مسعود‪.‬‬
‫عبد الله ابن المقفع‪ 145-109) .‬هـ‪ 762-727/.‬م‪.23 .(.‬‬
‫عبد الله الجلي‪ ،‬من خلفاء خالد البغدادي‪.314 .‬‬
‫‪581‬‬

‫عبد الله الخالدي المخزومي‪ ،‬والد الشيخ سليمان‬


‫الخالدي السعردي الشهير بتصانيفه‪.380 .‬‬
‫عبد الله الخرباني‪.270 .‬‬
‫طاري‪.254 ،55 .‬‬‫عبد الله الش ّ‬
‫عبد الله الفردي‪.314 .‬‬
‫كي‪ ،‬من خلفاء خالد البغدادي‪.103 .‬‬ ‫عبد الله الم ّ‬
‫عبد الله الهروي‪ ،‬من خلفاء خالد البغدادي‪.314 .‬‬
‫تاح الكردي العقري‪) .‬ت‪1860 .‬م‪.307 .(.‬‬ ‫عبد الف ّ‬
‫مد الخاني‪ /‬راجع‪ :‬الخاني‪.‬‬ ‫مد بن مح ّ‬ ‫عبدالمجيد بن مح ّ‬
‫عبيد الله ناصر الدين الحرار‪) .‬ت‪ 895 .‬هـ‪ 1490/.‬م‪-70) ،35 ،23 .(.‬‬
‫‪.(246-101) ،(74‬‬
‫عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهزلي‪ ،‬أحد‬
‫الفقهاء السبعة‪.205 .‬‬
‫عبيد الله بن طه النهري‪) .‬ت‪1888 .‬م‪.324 ،323 ،205 .(.‬‬
‫عبيد الله الحيدري‪.314 ،295 .‬‬
‫عثمان بن ع ّ‬
‫فان‪) .‬ت‪ 35 .‬هـ‪ 656/.‬م‪.21 .(.‬‬
‫عثمان الطويلي‪ /‬راجع‪ :‬الطويلي‪.‬‬
‫ريس )رئيس وزراء تركيا السبق )‪1961-1899‬م‪.(.‬‬ ‫من ْدَ ِ‬
‫عدنان َ‬
‫)‪.(390-376‬‬
‫عرفان جندوز‪.‬‬
‫‪.333 ،106 ،104 ،100 ،96‬‬
‫وام السدي‪ ،‬أحد الفقهاء السبعة‬
‫عروة بن الزبير بن الع ّ‬
‫)‪ 93-22‬هـ‪ 712-643/.‬م‪.205 .(.‬‬
‫‪.103‬‬ ‫عصمت غريب الله‪.‬‬
‫طار‪) .‬ت‪ 802 .‬هـ‪ 1400/.‬م‪.235 ،234 ،233 ،192 .(.‬‬‫علء الدين الع ّ‬
‫رگ ُﱯ‪.283 .‬‬
‫ُ‬
‫علي أفندي أ ْ‬
‫علي باشا تبه دلنلي‪.284 .‬‬
‫علي بن أبي طالب‪23) .‬ق‪ .‬هـ‪40 .‬هـ‪ 661-600/.‬م‪،231 ،224 ،203 ،21 .(.‬‬
‫‪.324 ،321 ،266‬‬
‫)‪1533-1462‬م‪.(.‬‬ ‫علي بن حسين الواعظ الكاشف البيهقي‪.‬‬
‫‪.435 ،238 ،236 ،215 ،101 ،70 ،56 ،55‬‬
‫‪.55‬‬ ‫علي بن قوام الجنبوري‪.‬‬
‫علي الرامتني‪ ،‬خواجهء عزيزان‪) .‬ت‪ 721 .‬أو ‪ 728‬هـ‪،196 ،192 .(.‬‬
‫‪.222 ،221‬‬
‫‪.52‬‬ ‫علي شربجي‪ ،‬محقق عربي معاصر‪.‬‬
‫علي بن سلطان الهروي القاري‪) .‬ت‪ 1014 .‬هـ‪ 1606/.‬م‪،149.(.‬‬
‫‪.،177 ،157‬‬
‫‪.399 ،120 ،113 ،108 ،106‬‬ ‫قدري‪.‬‬ ‫علي‬
‫القدسي‪.157 .‬‬ ‫علي‬
‫مد البلخي‪.103 .‬‬ ‫مح ّ‬ ‫علي‬
‫نائلي‪.104 .‬‬ ‫علي‬
‫‪582‬‬

‫َُ‬
‫‪،417 ،387 ،384 ،333‬‬ ‫ي معاصر‪.‬‬
‫ت‪ ،‬متشّيخ نقشبند ّ‬
‫گو ْ‬ ‫عمر ُأون ْ‬
‫‪.471 ،418‬‬
‫عمر بن الخ ّ‬
‫طاب‪ 40) .‬ق‪ .‬هـ‪ 23 .‬هـ‪ 644-584/.‬م‪.174 .(.‬‬
‫عمر بن الفارض‪ 632-576) .‬هـ‪ 1235-1181/.‬م‪.149 ،138 .(.‬‬
‫عمر دميرجان‪ ،‬باحث تركي معاصر‪.41 .‬‬
‫عمر فاروق أفندي‪ ،‬نحل الشيخ سعيد شيدا الجزري‪.98 .‬‬
‫عمر فريد كام‪1944-1864) .‬م‪.149 .(.‬‬
‫عيسى عليه السلم‪.247 ،133 ،108 ،84 .‬‬

‫‪-‬غ‪-‬‬
‫)‪ 505-450‬هـ‪-1058/.‬‬ ‫مد‪.‬‬
‫مد بن مح ّ‬
‫الغزالي حجة السلم مح ّ‬
‫‪ 1111‬م‪.352 ،313 ،212 ،101 ،90 .(.‬‬
‫غلم علي عبد الله الدهلوي‪ /‬راجع‪ :‬الدهلوي‪.‬‬

‫‪-‬ف‪-‬‬
‫)‪ 1079-1007‬هـ‪ 1668-1599/.‬م‪،196 .(.‬‬ ‫مد المعصوم‪.‬‬
‫الفاروقي‪ ،‬مح ّ‬
‫‪.276 ،262 ،261‬‬
‫)‪ 1098-1049‬هـ‪ 16301696/.‬م‪،197 ،192 (.‬‬ ‫الفاروقي سيف الدين‪.‬‬
‫‪.264 ،263 ،262‬‬
‫)‪1966-1890‬م‪.337 ،214 ،41 .(.‬‬ ‫فؤاد كوبرولو‪.‬‬
‫فتح الله الورقانسي‪.380 .‬‬
‫مد الحزين الفرسافي الحسني‬ ‫فخر الدين بن مح ّ‬
‫الهاشمي‪) .‬ت‪1914 .‬م‪.407 .(.‬‬
‫فخر الدين الرازي‪ /‬راجع الرازي‪.‬‬
‫طار‪) .‬ت‪ 627 .‬هـ‪1230/.‬م‪.156 ،148 ،128 .(.‬‬ ‫فريد الدين الع ّ‬
‫فريديريك ويلهلم رادلوف‪ /‬راجع‪ :‬رادلوف‪.‬‬
‫ي‪-105) .‬‬
‫ي اليربوع ّ‬ ‫الفضيل ابن عياض بن مسعود التميم ّ‬
‫‪ 187‬هـ‪ 803-723/.‬م‪(.‬‬
‫مد بن يعقوب بن‬ ‫الفيروزآبادي‪ ،‬أبو طاهر مجد الدين مح ّ‬
‫مد بن إبراهيم الشيرازي‪ 817-729) .‬هـ‪ 1414-1329/.‬م‪.86 .(.‬‬
‫مح ّ‬

‫‪-‬ق‪-‬‬
‫مد مراد بن عبد الله‪ ،‬معّرب الرشحات‬ ‫القازاني‪ ،‬مح ّ‬
‫باني‪) .‬ت‪ -1352 .‬هـ‪ 1933/.‬م‪.(250-246) .(.‬‬‫ومكتوبات الر ّ‬
‫‪583‬‬

‫سته الحكومة‬ ‫قاسم آتاج‪ ،‬عميل يهود سالونيك الذي د ّ‬


‫يين عام ‪1925‬م‪.370 .‬‬ ‫وار النقشبند ّ‬ ‫التركية في صفوف الث ّ‬
‫ديق‪ ،‬أحد الفقهاء‬ ‫ص ّ‬
‫مد بن أبي بكر ال ّ‬ ‫قاسم بن مح ّ‬
‫السبعة‪ 106-31) .‬هـ‪ 721-653/.‬م‪.403 ،206 ،205 ،95 .(.‬‬
‫قاسم النوري‪ ،‬محقق عربي معاصر‪.52 .‬‬
‫قاضي عياض بن موسى اليحصبي السبتي المالكي‪) .‬‬
‫‪ 544-496‬هـ‪ 1149-1103/.‬م‪.151 .(.‬‬
‫القّراب‪ /‬راجع‪ :‬الهروي‪.‬‬
‫مد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح النصاري‬ ‫القرطبي‪ ،‬مح ّ‬
‫الخزرجي‪) .‬ت‪ 671 .‬هـ‪ 1273/.‬م‪.82 .(.‬‬
‫قسيم السنندجي‪.271 .‬‬
‫قسيم الكفروي‪ /‬راجع‪ :‬الكفروي‪.‬‬
‫جاج‪ 261-206) .‬هـ‪ 875-810/.‬م‪.115 .(.‬‬ ‫القشيري‪ ،‬مسلم بن ح ّ‬
‫القشيري‪ ،‬أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد‬
‫الملك بن طاحة‪ 465-376) .‬هـ‪ 1073-986/.‬م‪،211 ،246 ،141 ،116 .(.‬‬
‫‪.213 ،212‬‬
‫القنوي‪ /‬راجع‪ :‬صدر الدين القنوي‪.‬‬

‫‪-‬ك‪-‬‬
‫ي معاصر وعضو في‬ ‫كامران إينان ‪ ،Kamran Inan‬سيايس ّ‬
‫البرلمان التركي‪.339 .‬‬
‫كامل يلماز‪ ،‬باحث معاصر تركي‪.333 .‬‬
‫حاله‪ ،‬عمر رضاء‪ ،‬باحث عربي معاصر‪ .‬اسمه مبعثر في‬ ‫ك ّ‬
‫الحواشي السفلية‪.‬‬
‫ي‪ ،‬أبو محفوظ معروف بن فيروز‪) .‬ت‪ 200 .‬هـ‪ 815/.‬م‪.(.‬‬ ‫الكرخ ّ‬
‫‪.22‬‬
‫مد أمين الربلي‪) .‬ت‪ 1332 .‬هـ‪ 1913/.‬م‪،49 ،47 ،43 .(.‬‬ ‫الكردي‪ ،‬مح ّ‬
‫‪،199 ،196 ،193 ،148 ،139 ،129 ،127 ،123 ،121 ،118 ،114 ،109 ،108 ،56‬‬
‫‪.463 ،296 ،295 ،279‬‬
‫)ت‪ 901 .‬هـ‪ 1460/.‬م‪.173 .(.‬‬‫مد‪.‬‬
‫الكستلي‪ ،‬مصطفى بن مح ّ‬
‫كعب بن مالك‪.86 ،79 .‬‬
‫الكفروي‪ ،‬الشيخ قسيم‪1992-1920) .‬م‪،265 ،240 ،197 ،53 ،31 .(.‬‬
‫‪.398 ،373 ،328 ،307‬‬
‫كلل بن حمزة‪ /‬راجع‪ /‬المير كلل‪.‬‬
‫كمال قاجار‪ ،‬من شيوخ النقشبندّيين المعاصرين في‬
‫تركيا‪ ،‬ورئيس الفرقة السليمانية‪.417 .‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫كوبيلي‪ ،‬مصطفى فهمي‪ ،‬ملزم ثاني؛ قت ِل في وقعة‬
‫منامن )‪1930-1906‬م‪.374 .(.‬‬
‫‪584‬‬

‫مد زاهد بن الحسن بن علي‬


‫الكوثري‪ /‬راحع‪ :‬مح ّ‬
‫الكوثري الﭽركسي‪.‬‬

‫‪-‬ل‪-‬‬
‫شاش الذي استخدمته الحكومة‬ ‫لز إبراهيم خواجه‪) ،‬الح ّ‬
‫ة في مدينة منامن التابعة لولية‬ ‫عميل ً لتنفيذ خطّ ٍ‬
‫فذَ فيه حكم العدام مع زميله كش مهمد‪ ،‬إي‬ ‫إزمير‪ .‬ن ُ ِ‬
‫شاش وذلك عام ‪1930‬م‪.374 .‬‬ ‫مد الح ّ‬ ‫مح ّ‬
‫لطف الله السكوبي‪.34 .‬‬
‫لطف الله بن عبد العظيم خوجه‪،472 ،443 ،433 ،432 ،431 ،6 .‬‬
‫‪،476 ،473‬‬

‫‪-‬م‪-‬‬
‫ي‪.‬‬
‫مد الماتريد ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫الماتريدي‪ ،‬المام أبو منصور مح ّ‬
‫)ت‪ 333.‬هـ‪ 944/.‬م‪144 .(.‬‬
‫مالك بن أنس‪ ،‬إمام دار الهجرة‪.‬‬
‫)‪ 179-93‬هـ‪ 712795/.‬م‪.215 .(.‬‬
‫المحّلي‪ ،‬جلل الدين بن مح ّ‬
‫مد بن أحمد‪ 864-791) .‬هـ‪-1389/.‬‬
‫‪ 1459‬م‪.87 .(.‬‬
‫مدد أبو بكر بن الطّيب الباقلني‪ /‬راجع‪ :‬الباقلني‪.‬‬ ‫مح ّ‬
‫مد امين بن علي السويدي‪ 1246-1200) .‬هـ‪ 1831-1785/.‬م‪.(.‬‬‫مح ّ‬
‫‪.296 ،295 ،279 ،278‬‬
‫‪.295‬‬ ‫مد صالح الطبقجلي‪.‬‬ ‫أمين بن مح ّ‬ ‫مد‬
‫مح ّ‬
‫أسعد أفندي‪ /‬راجع‪ :‬السطنبولي‪.‬‬ ‫مد‬‫مح ّ‬
‫إسماعيل الشهيد‪.299 .‬‬ ‫مد‬ ‫مح ّ‬
‫بابا سماسي‪755) .‬هـ‪1354-.‬م‪.223 ،196 ،192 .(.‬‬ ‫مد‬ ‫مح ّ‬
‫البغدادي المام‪.314 .‬‬ ‫مد‬ ‫مح ّ‬
‫دثين‪ 256-194) .‬هـ‪/.‬‬ ‫بن إسماعيل البخاري‪ ،‬إمام المح ّ‬ ‫مد‬ ‫مح ّ‬
‫‪ 870-810‬م‪.115 .(.‬‬
‫مد بن جرير الطبري‪ /‬راجع‪ :‬الطبري‪.‬‬ ‫مح ّ‬
‫مد أمين الكردي الربلي‪ /‬راجع‪ :‬الكردي‪.‬‬ ‫مح ّ‬
‫مد الباقي بالله الكابلي‪ 1012-971) .‬هـ‪ 1603-1563/.‬م‪،53 .(.‬‬ ‫مح ّ‬
‫‪.196‬‬
‫ي‪ /‬راجع‪ :‬شاه نقشبند‪.‬‬ ‫خار ّ‬‫مد بهاء الدين الب ُ َ‬
‫مح ّ‬
‫مد بهاء الدين بن عبد الغني بن حسن بن إبراهيم‬ ‫مح ّ‬
‫البيطار‪1328-1265) .‬هـ‪ 1910-1849/.‬م‪.156 .(.‬‬
‫‪585‬‬

‫مد بن سليمان بن مراد بن عبد الرحمن العبيدي‬ ‫مح ّ‬


‫البغدادي‪ ،‬من خلفاء خالد البغدادي‪) .‬ت‪ 1234.‬هـ‪ 1819/.‬م‪،29 .(.‬‬
‫‪.302‬‬
‫مد بن عبد الله الخاني‪ /‬راجع‪ :‬الخاني‪.‬‬ ‫مح ّ‬
‫مد بن عبد الله بن عبد الملك الطائي‪ ،‬ناظم اللفية‬ ‫مح ّ‬
‫الشهيرة في النحو‪ 672-600).‬هـ‪ 1274-1204/.‬م‪.352 ،342 .(.‬‬
‫هاب بن سليمان التميمي النجدي‪).‬‬ ‫مد بن عبد الو ّ‬ ‫مح ّ‬
‫‪ 1206-1115‬هـ‪ 1792-1703/.‬م‪،472 ،470 ،469 ،467 ،439 ،438 ،365 ،358 .(.‬‬
‫‪.473‬‬
‫مد الجديد البغدادي‪.‬‬
‫‪.314‬‬ ‫مح ّ‬
‫مد الحزين الفرسافي الحسني الهاشمي‪-1816).‬‬ ‫مح ّ‬
‫‪1892‬م‪.463 ،462 ،458 ،455 ،416 ،412 ،407 ،395 ،379 ،326 ،325 .(.‬‬
‫مﮑ َن َ ِ‬
‫گي‪ /‬راجع‪ :‬المﮑنگي‪.‬‬ ‫گي ال ْ‬
‫ج ِ‬
‫وا َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫خ َ‬ ‫مد‬
‫مح ّ‬
‫رائف‪.‬‬ ‫مد‬‫مح ّ‬
‫رشيد باشا )الفريق(‬ ‫مد‬ ‫مح ّ‬
‫زاهد البدخشي‪ /‬راجع‪ :‬البدخشي‪.‬‬ ‫مد‬ ‫مح ّ‬
‫زاهد بن الحسن بن علي الكوثري الجركسي‪).‬‬ ‫مد‬ ‫مح ّ‬
‫‪1371-1296‬هـ‪1952-1879 /.‬م‪.337 ،197 ،157 ،156 ،105 ،95 .(.‬‬
‫مد زاهد كوتكو‪.‬‬
‫)ت‪1980 .‬م‪.471 ،189 ،105 .(.‬‬ ‫مح ّ‬
‫مد سعيد بن أحمد الفاروقي السمرقندي‪.262 ،181 .‬‬ ‫مح ّ‬
‫مد شريف العباسي‪.101 .‬‬ ‫مح ّ‬
‫طاري‪.254 ،55 .‬‬‫مد الش ّ‬ ‫مح ّ‬
‫فذَ فيه حكم‬ ‫مد شيرين بن صبغة الله الحيزاني‪ .‬ن ُ ِ‬ ‫مح ّ‬
‫العدام سنة ‪1913‬م‪.325 .‬‬
‫مد صالح بن أحمد الغرسي‪.301 ،300 ،299 ،9 .‬‬ ‫مح ّ‬
‫ديق خان بن الحسن القنوجي البخاري‪-1248) .‬‬ ‫مد ص ّ‬ ‫مح ّ‬
‫‪ 1307‬هـ‪ 1889-1832/.‬م‪.299 ،298 ،297 ،97 .(.‬‬
‫‪.314‬‬ ‫عاشق‪.‬‬ ‫مد‬
‫مح ّ‬
‫عبده‪ 1323-1266) .‬هـ‪ 1905-1850/.‬م‪.320 .(.‬‬ ‫مد‬‫مح ّ‬
‫علي باشا‪ ،‬حاكم مصر‪1849-1769) .‬م‪.285 .(.‬‬ ‫مد‬ ‫مح ّ‬
‫الغريب‪.325 .‬‬ ‫مد‬ ‫مح ّ‬
‫الفراقي الكردي‪.314 .‬‬ ‫مد‬ ‫مح ّ‬
‫فوزي )المفتي السبق لمدينة أدرنة(‪.415 .‬‬ ‫مد‬ ‫مح ّ‬
‫الكردي‪.271 .‬‬ ‫مد‬ ‫مح ّ‬
‫الكفروي‪.407 .‬‬ ‫مد‬ ‫مح ّ‬
‫الناصح‪.314 .‬‬ ‫مد‬ ‫مح ّ‬
‫نامق باشا )المشير(‪.316 .‬‬ ‫مد‬ ‫مح ّ‬
‫المجذوب العمادي‪.314 .‬‬ ‫مد‬ ‫مح ّ‬
‫مطيع الحافظ‪ ،‬باحث عربي معاصر‪،271 ،270 ،62 ،57 .‬‬ ‫مد‬ ‫مح ّ‬
‫‪.404 ،313 ،278‬‬
‫‪.262‬‬ ‫مد المعصوم الفاروقي‪ /‬راجع‪ :‬الفتروقي‪.‬‬
‫مح ّ‬
‫‪586‬‬

‫مد الفاتح‪.‬‬
‫) ‪1481-1432‬م‪.(34-32) .(.‬‬ ‫مح ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مد المحلي‪ /‬راجع‪ :‬المحلي‪.‬‬ ‫مح ّ‬
‫ة من‬ ‫محمود أسطى عثمان أوغلو‪ ،‬شيخ طائف ٍ‬
‫يين في إسطنبول‪،447 ،425 ،181 ،165 ،106 ،103 ،56 .‬‬ ‫النقشبند ّ‬
‫‪.472‬‬
‫محمود النجيرفغنوي‪.‬‬
‫)ت‪ 715.‬هـ‪ 1315/.‬م‪.220 ،196 ،192 .(.‬‬
‫يين وأشعرهم‪-970) .‬‬
‫محمود سبكتكين‪ ،‬ثالث ملوك الغزنو ّ‬
‫‪1030‬م‪.211 .(.‬‬
‫محمود سامي رمضان أوغلو‪ ،‬شيخ نقشبندي تركي‪.‬‬
‫‪.334،380‬‬
‫‪.247 ،198‬‬‫محمود شاكر‪ ،‬فاضل عربي معاصر ‪.‬‬
‫محمود شلبي‪.32 .‬‬
‫محمود الصاحب‪ ،‬شقيق خالد البغدادي‪.(319-315) .‬‬
‫محي الدين بن عربي‪ /‬راجع‪ :‬ابن عربي‪.‬‬
‫مراد بن علي الزبكي المنـزوي‪ ،‬خليفو معصوم‬
‫الفاروقي‪ 1132-1054) .‬هـ‪ 1719-1644/.‬م‪.34 .(.‬‬
‫مَراَرةُ بن ربيع العامري‪ /‬راجع‪ :‬العامري‪.‬‬ ‫ُ‬
‫‪،273‬‬ ‫مد درويش العظيم آبادي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مح‬ ‫بيك‬ ‫الله‬ ‫رحيم‬ ‫مرزا‬
‫‪.275‬‬
‫)‪ 669-614‬هـ‪/.‬‬ ‫المرسي‪ ،‬عبد الحق بن إبراهيم بن سبعين‪.‬‬
‫‪ 1271-1217‬م‪.441 ،128 .(.‬‬
‫‪،156 ،133 ،9‬‬ ‫مروان إبراهيم القيسي‪ ،‬باحث عربي معاصر‪.‬‬
‫‪.253‬‬
‫مسلم بن حجاج القشيري‪ /‬راجع‪ :‬القشيري‪.‬‬
‫مصطفى أبو يوسف الحمامي‪) .‬ت‪ 1368 .‬هـ‪ 1949/.‬م‪.181 .(.‬‬
‫مد الكستلي‪ /‬راجع‪ :‬الكستلي‪.‬‬ ‫مصطفى بن مح ّ‬
‫مصطفى صبري‪ ،‬آخر من احتل منصب المشيخة‬
‫ية‪ 1373-1277) .‬هـ‪ 1954-1860/.‬م‪.(.‬‬ ‫السلمية في الدولة العثمان ّ‬
‫‪.328 ،157‬‬
‫مصطفى فهمي كوبيلي‪ /‬راجع‪ :‬كوبيلي‪.‬‬
‫مصطفى فوزي‪1924-1871) .‬م‪.95 ،94 ،92 .67 .(.‬‬
‫ي‪.314 .‬‬‫ر ّ‬ ‫مصطفى ال ْگ ُل ْ َ‬
‫عن ْب َ ِ‬
‫مصطفى موغللي‪.375 .‬‬
‫مصلح الدين الطويل‪.34 .‬‬
‫يد‪) .‬ت‪ 610 .‬هـ‪ 1213/.‬م‪.238 .(.‬‬‫المطرزي‪ ،‬ناصر الدين عبد الس ّ‬
‫معروف التكريتي‪.314 .‬‬
‫معاوية بن أبي سفيان‪680-610) .‬م‪.82 ،22 ،21 .(.‬‬
‫المقتدر بالله جعفر بن أحمد المعتضد‪ ،‬الخليفة الثامن‬
‫عشر من سللة العباس بن عبد المطلب‪ 310-295) .‬هـ‪-908/.‬‬
‫‪ 923‬م‪.18 .(.‬‬
‫‪.138‬‬ ‫مل ّ أحمد الجزري‪.‬‬
‫‪587‬‬

‫مل ّ جامي‪ /‬راحغ الجامي‪.‬‬


‫مل ّ خالد الكردي‪.314 .‬‬
‫مل ّ خضر أفندي‪.386 .‬‬
‫مل ّ عباس الكوكي‪.314 .‬‬
‫مد شريف‪.96 .‬‬ ‫مل ّ مح ّ‬
‫مل ّ هداية الله الربلي‪.314 .‬‬
‫مل ّ رسول‪.311 ،310 .‬‬
‫موسى الجبوري‪.314 .‬‬
‫موسى صفوتي باشا‪.317 ،316 .‬‬
‫موسى كاظم الحزيني الهاشمي‪) .‬ت‪1997 .‬م‪.412 .(.‬‬
‫مؤمن الشبلنجي‪) .‬كان حّيا في ‪ 1290‬هـ‪ 1873/.‬م‪.207 .(.‬‬
‫منير بعلبكي‪ ،‬فاضل وباحث عربي معاصر‪.57 .‬‬
‫ميرزا مظهر‪ /‬راجع شمس الدين حبيب الله‪.‬‬
‫ول‪.240 .‬‬ ‫المير عبد ال ّ‬
‫المير كلل بن حمزة‪) .‬ت‪ 772 .‬هـ‪ 1370/.‬م‪.225 .(.‬‬
‫المنوفي‪ ،‬السيد محمود أبو الفيض‪.136 ،22 ،21 .‬‬
‫داح‪.232 .‬‬‫ميمون بن ديصان الق ّ‬

‫‪-‬ن‪-‬‬
‫ناصر الدين عبيد الله الحرار‪ /‬راجع‪ :‬الحرار‪.‬‬
‫ناصر الدين عبد السيد المطرزي‪ /‬راجع‪ :‬المطرزي‪.‬‬
‫النابلسي‪ /‬راجع‪ :‬عبد الغني النابلسي‪.‬‬
‫النبهاني‪ ،‬يوسف بن إسماعيل‪ 1350-1265) .‬هـ‪ 1932-1849/.‬م‪.(.‬‬
‫‪.215 ،190 ،189 ،181 ،177 ،78‬‬
‫‪.471 ،417 ،382‬‬ ‫ي معاصر‪.‬‬ ‫ي ترك ّ‬
‫نحم الدين أرباكان‪ ،‬سياس ّ‬
‫نجم الدين دادروك‪.230 .‬‬
‫نجيب فاضل‪ ،‬شاعر تركي‪1983-1905) .‬م‪.331 ،95 .(.‬‬
‫نزار أباظة‪ ،‬باحث عربي معاصر‪.404 ،62 ،57 .‬‬
‫ي‪.‬‬
‫ي‪ / ،‬راجع‪ :‬أبو الحسن الندو ّ‬‫الندو ّ‬
‫دث‪ 303-215) .‬هـ‪ 915-830/.‬م‪.(.‬‬ ‫النسائي‪ ،‬أبو عبد الرحمن المح ّ‬
‫‪.462 ،112‬‬
‫)ت‪.‬‬ ‫النسفي‪ ،‬أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود‪.‬‬
‫‪ 710‬هـ‪ 1310/.‬م‪.83 .(.‬‬
‫)‪ 537-461‬هـ‪1142-1069/.‬‬ ‫مد‪.‬‬
‫ي‪ ،‬أبو حفص عمر بن مح ّ‬
‫النسف ّ‬
‫م‪.398 ،173 ،144 ،19 .(.‬‬
‫‪.249‬‬ ‫نظام التهانيسري‪.‬‬
‫نظام الملك‪ ،‬حسن بن علي‪1092-1018) .‬م‪.213 .(.‬‬
‫نعمان بن محمود اللوسي‪ /‬راجع‪ :‬اللوسي‪.297 .‬‬
‫نعمة الله بن عمر‪.399 ،147 ،56 ،43 .‬‬
‫‪588‬‬

‫اله ّ‬
‫كاري‪.‬‬ ‫كاري‪ /‬راحع‪:‬‬ ‫النهري‪ ،‬طه اله ّ‬
‫نوح عليه السلم‪247 ،107 .‬‬
‫نور الدين البريفكاني‪.333 ،302 .‬‬
‫مد البدواني )ت‪ 1135 .‬هـ‪ 1772/.‬م‪.265 ،264 ،263 ،197 ،192 (.‬‬‫نور مح ّ‬
‫ي‪ ،‬محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف الدين‪) .‬‬ ‫النوو ّ‬
‫‪ 677-631‬هـ‪ 12331278/.‬م‪.115 ،112 ،52 .(.‬‬

‫‪ -‬هـ ‪-‬‬
‫مد بن عبد‬ ‫ي‪ ،‬إسماعيل بن إبراهيم بن مح ّ‬ ‫الهرو ّ‬
‫راب‪ 414-330) .‬هـ‪ 1023-942/.‬م‪.19 .(.‬‬
‫الرحمن الق ّ‬
‫ي‪) .‬ت‪1853 .‬م‪.(.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫اله ّ‬
‫كاري‪ ،‬طه النهري الشمزيناني الگيلن ّ‬
‫‪.(415-406) ،(395-320) ،151 ،105‬‬
‫‪.225 ،79‬‬ ‫الهلل بن أمية الواقفي‪ /‬راجع‪ :‬الوتقفي‪.‬‬
‫الهمداني‪ ،‬أبو يعقوب يوسف‪ 535-440) .‬هـ‪ 1140-1048/.‬م‪-191) .(.‬‬
‫‪.398 ،338 ،(216‬‬

‫‪-‬و‪-‬‬
‫الواقفي‪/ ،‬راجع‪ :‬الهلل بن أمّية‪.‬‬
‫ولهلم‪ ،‬فريديريك رادلوف‪ /‬راجع‪ :‬رادلوف‪.‬‬

‫‪-‬ي‪-‬‬
‫ياسين بن إبراهيم السنهوتي‪.‬‬
‫‪.177‬‬
‫اليافعي‪ /‬راجع‪ :‬عبد الله بن أسعد اليافعي‪.209 .‬‬
‫ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي‪ 626-574) .‬هـ‪1229-1178/.‬‬
‫م‪.212 .(.‬‬
‫)ت‪ 1252 .‬هـ‪ 1836/.‬م‪.295 .(.‬‬‫يحيى المزوري‪.‬‬
‫يزيد بن أسلم‪.80 .‬‬
‫ي )ت‪ 851 .‬هـ‪ 1447/.‬م‪(341-335) ،196 ،192 (.‬‬‫خ ّ‬‫يعقوب الﭽر ِ‬
‫داد‪.67 .‬‬ ‫يعلى بن ش ّ‬
‫ي من سكان مدينة إزمير‪ ،‬استخدمته‬ ‫يقو‪) ،‬يهود ّ‬
‫ن التابعة‬
‫م ْ‬‫مَنا َ‬‫ة في مدينة َ‬ ‫ّ‬
‫الحكومة عميل ً لتنفيذ خط ٍ‬
‫لولية إزمير‪-‬تركيا(‪.234 .‬‬
‫ي من سكان مدينة إزمير‪ ،‬استخدمته‬ ‫يودا‪) ،‬يهود ّ‬
‫ن التابعة‬‫م ْ‬‫مَنا َ‬‫ة في مدينة َ‬ ‫الحكومة عميل ً لتنفيذ خطّ ٍ‬
‫لولية إزمير‪-‬تركيا(‪.234 .‬‬
‫يوسف بن إسماعيل النبهاني‪/‬راجع‪ :‬الّنبهاني‪.‬‬
‫يونس بن عبد العلى‪.409 .‬‬
‫‪589‬‬

‫‪.148‬‬ ‫يونس أمراه التركماني‪.‬‬

‫***‬

‫المصطلحات والمفاهيم‬
‫والتعبيرات‬
‫صة والملل والنخل‬‫الخا ّ‬
‫‪-‬أ‪-‬‬
‫* التراك‪ :‬وردت هذه الكلمة مبعثرة في ثنايا الكتاب‬
‫أكثر من سبعين مرةً ‪.‬‬
‫نظر في المام‪.120 ،119 :‬‬ ‫* إثبات ال ّ‬
‫دعاء النقشبندّيين‪ :‬أن معتقدهم هو معتقد أهل‬ ‫*إ ّ‬
‫نة‪.210 ،193 ،113 .‬‬
‫الس ّ‬
‫يين‪ :‬أنهم لم يزيدوا ولم ينقصوا‪،193 .‬‬ ‫دعاء النقشبند ّ‬ ‫*إ ّ‬
‫‪.210‬‬
‫* السترخاء‪:‬‬
‫‪.127‬‬
‫* استحضار صورة الشيخ في الذهن ‪.436 ،93 ،76 ،61 :‬‬
‫* الستمداد من روحانية الشيخ‪،229 ،207 ،200 ،176 ،112 ،111 :‬‬
‫‪.460 ،402 ،388 ،376‬‬
‫ف‪:‬‬‫و ِ‬
‫‪.204 ،199 ،134 ،133 ،10 ،9‬‬ ‫* إشتقاق كلمة الّتص ّ‬
‫* العتكاف ‪.137 :‬‬
‫* إغلق الباب‪.69 ،67 :‬‬
‫ية ‪.30 ،29 :‬‬
‫* القاب الطريقة النقشبند ّ‬
‫* إَلهّيات ‪ :Ilâhiyat‬تسمية ماكرة أطلقها ح ّ‬
‫كام النظام‬
‫العلماني على كليات العلوم السلمية في جامعات‬
‫تركيا‪.99 .‬‬
‫* الويسية‪.255 ،209 ،207 ،204 ،174 ،135 ،131 :‬‬

‫‪-‬ب‪-‬‬
‫ية‪ :‬وردت بكثرة في تضاعيف الكتاب‪،42 ،21 ،14 .‬‬ ‫* البرهم ّ‬
‫‪،276 ،274 ،269 ،256 ،254 ،251 ،223 ،216 ،89 ،70 ،67 ،61 ،60 ،57 ،53 ،46‬‬
‫‪.405 ،399 ،395 ،287 ،278‬‬
‫‪590‬‬

‫ية ‪ :‬وردت بكثرة في تضاعيف الكتاب‪،46 ،16 ،14 .‬‬ ‫* البوذ ّ‬


‫‪،223 ،150 ،139 ،134 ،132 ،125 ،124 ،121 ،119 ،116 ،115 ،70 ،61 ،60 ،53‬‬
‫‪.464 ،463 ،448،460 ،441 ،411 ،269 ،265 ،254‬‬
‫‪.348 ،168 ،21‬‬ ‫البكتاشّية ‪:‬‬ ‫*‬
‫ية ‪.21 :‬‬ ‫البنجر ّ‬ ‫*‬
‫ة ‪.21 :‬‬
‫البيرمي ّ‬ ‫*‬
‫البيعة ‪.43 :‬‬ ‫*‬

‫‪-‬ت‪-‬‬
‫‪.Consantration‬‬ ‫* التركيز الفزيولوجي ‪physiologic: 129‬‬
‫* ترانس )‪.Trence): 59‬‬
‫* التصوف ‪.Theosophy: 132‬‬
‫* الت ّك ِّية ‪:‬‬
‫‪.50‬‬
‫‪.51‬‬ ‫* تغميض العينين‪:‬‬

‫‪-‬ج‪-‬‬
‫‪.294 ،21‬‬ ‫* الجراحّية ‪:‬‬
‫* الجوكية‪.293 ،290 ،279 ،278 ،139 ،137 ،127 ،57 ،53 :‬‬

‫‪-‬ح‪-‬‬
‫‪.395 ،393 ،279 ،276 ،269 ،254 ،(68-53) ،30 ،9‬‬ ‫س‪:‬‬‫ف ِ‬ ‫حبس الن َ َ‬ ‫*‬
‫ية ‪.21 :‬‬ ‫الحروف ّ‬ ‫*‬
‫س ‪.117 ،114 :‬‬ ‫ف ِ‬ ‫حفظ الن ّ َ‬ ‫*‬
‫ية ‪.269 ،133 :‬‬‫مد ّ‬
‫الحقيقة المح ّ‬ ‫*‬

‫‪-‬خ‪-‬‬
‫ه ‪ :‬كلمة فارسية بمعنى الشيخ والعالم‪ ،‬جمعها ‪:‬‬ ‫ج ْ‬
‫وا َ‬‫خ َ‬
‫* ُ‬
‫ن‪ :‬مبعثرة في ثنايا الكتاب‬ ‫َ‬
‫جگا ِ‬ ‫وا َ‬‫خ َ‬
‫ُ‬
‫* الخوارج ‪.21 :‬‬
‫ية ‪.21 :‬‬ ‫* الخلوت ّ‬
‫* الخلوة‪.145 ،137 ،136 ،124 ،122 ،116 :‬‬
‫ية ‪.21 :‬‬‫* الخفيف ّ‬

‫‪-‬ذ‪-‬‬
‫‪591‬‬

‫‪51‬‬ ‫* الذكر ‪:‬‬

‫‪-‬ر‪-‬‬
‫رابطة‪:‬‬
‫‪.61‬‬ ‫*‬
‫ية ‪.21 :‬‬
‫الروشن ّ‬ ‫*‬
‫رؤيا شاه نقشبند‪.450 ،27 :‬‬ ‫*‬
‫الرياضة البوذية ‪.124 :‬‬ ‫*‬

‫‪-‬ز‪-‬‬
‫هاد ‪:‬‬
‫‪.115 ،21‬‬ ‫* ُز ّ‬
‫‪.116 ،24‬‬ ‫* زنادقة العجم‪:‬‬

‫‪-‬س‪-‬‬
‫‪.136‬‬ ‫سُلوك‪:‬‬
‫سي ُْر وال ّ‬
‫* ال ّ‬

‫‪-‬ش‪-‬‬
‫‪.399 ،53 ،21 ،16 ،14‬‬‫* الشامانّية‪:‬‬
‫* الشيعة ‪.357 ،266 ،259 ،258 ،251 ،198 ،88 ،33 ،25 ،21 :‬‬

‫‪-‬ص‪-‬‬
‫‪،281‬‬ ‫* «صاحب» ‪:‬‬

‫‪-‬ط‪-‬‬ ‫ُ‬
‫ة اّلتي‬ ‫ة الفغاني ِ‬
‫ق على الحكوم ِ‬ ‫م أطل ِ َ‬
‫* طالبان‪ :‬إس ٌ‬
‫ة الجامعات السلمّية ذوات‬ ‫ة من طلب ِ‬ ‫ها جماع ٌ‬ ‫شك ّل َت ْ َ‬
‫الطابع القديم والمتخّلف في باكستان‪ ،‬وذلك ب ِدَ ْ‬
‫عم ٍ من‬
‫ن‪.24 .‬‬
‫هابّيي َ‬ ‫الو ّ‬
‫ية‪.320 ،198 :‬‬
‫* طابع الطريقة النقشبند ّ‬

‫‪-‬ع‪-‬‬
‫‪.145 ،144 ،44‬‬ ‫* العارف بالله ‪:‬‬
‫ي ‪.138 :‬‬
‫ق الله ّ‬‫* العش َ‬
‫‪592‬‬

‫‪.78‬‬‫ل )اسم فبيلة من العرب(‪:‬‬ ‫عك ْ ٌ‬


‫* ُ‬
‫يخ‪.447 ،383 ،380 ،365 ،356 :‬‬
‫* عقيد متش ّ‬

‫‪-‬غ‪-‬‬
‫)‪.(117-115‬‬ ‫* الغفلة ‪:‬‬
‫‪.Transcendental‬‬ ‫‪absance: 129‬‬ ‫* الغيبوبة‬

‫‪-‬ف‪-‬‬
‫‪.159 ،147 ،146 ،138 ،129 ،126 ،121 ،120 ،116‬‬ ‫* الفناء في الله ‪:‬‬
‫* الفناء والبقاء ‪.145 :‬‬

‫‪ -‬ق‪-‬‬
‫‪.440 ،151 ،113‬‬ ‫دس الله سّره»‪:‬‬
‫«ق ّ‬

‫‪-‬ك‪-‬‬
‫ة‪:‬‬ ‫* الگ ُْلـ َ‬
‫شن ِي ّ ُ‬

‫‪-‬ل‪-‬‬
‫‪108 ،107 ،105 ،54 ،38 ،9‬ـ ‪.369‬‬ ‫* الّلطائف الخمس‪:‬‬
‫* لوطوس ‪.Lotus : 127‬‬

‫‪-‬م‪-‬‬
‫‪.Mantra‬‬ ‫را )‪: om, mani, padme, hum): 187‬‬
‫ماْنت َ‬
‫* َ‬
‫المانوّية‪:‬‬
‫‪.53 ،21 ،14‬‬ ‫*‬
‫مديتيشن )‪.Meditation): 57، 59‬‬ ‫*‬
‫ية‪.53 ،21 ،14 :‬‬
‫المزدك ّ‬ ‫*‬
‫ية‪.463 ،218 ،217 ،111:‬‬‫مصطلحات فارسّية للصوف ّ‬ ‫*‬
‫ية‪.41 :‬‬‫مصطلحات عربّية للصوف ّ‬ ‫*‬
‫‪،260 ،195 ،194 ،142 ،135 ،132 ،121 ،73 ،53‬‬ ‫* مفاهيم دخيلة ‪:‬‬
‫‪.394 ،316 ،269‬‬
‫‪.348 ،316 ،206 ،140 ،135 ،110 ،17‬‬ ‫* مفاهيم باطنّية ‪:‬‬
‫‪.440 ،151 ،113‬‬ ‫دس الله سّره»‪:‬‬
‫* مقولة «ق ّ‬
‫ة مبعثرة في‬ ‫ة فارسي ّ ٌ‬ ‫م َ‬
‫ل(‪ :‬كلم ُ‬ ‫و َ‬ ‫م ّ‬
‫ل‪َ ،‬‬ ‫مل ّ ) َ‬
‫و َ‬ ‫* ُ‬
‫م‪ .‬ي َك ْث ُُر‬
‫خ والعال ِ‬‫ثنايا الكتاب؛ تأتي بمعنى الشي ِ‬
‫‪593‬‬

‫ها في إيران وأفغانستان وباكستان‪،‬‬ ‫مال ُ َ‬


‫ع َ‬‫ست ِ ْ‬‫ا ْ‬
‫وكذلك في تركيا على سبيل الوصف لرجال‬
‫مل َِلي(‬
‫ة) َ‬
‫ة بصيغ ِ‬
‫ع هذه الكلم ِ‬
‫ن‪ .‬يأتي جم ُ‬ ‫دي ِ‬ ‫ال ّ‬
‫على لسان العرب‪.‬‬
‫‪.404 ،77 ،32‬‬ ‫الملمّية ‪:‬‬ ‫*‬
‫المعرفة بالله‪.237 ،234 ،145 ،142 ،141 ،135 ،131 ،125 ،124 ،44 :‬‬ ‫*‬
‫«من ل شيخ له‪ ....‬إلخ» ‪.399 ،395 ،43 :‬‬ ‫*‬
‫«ميان»‪.281 :‬‬ ‫*‬

‫‪-‬ن‪-‬‬
‫‪.58‬‬‫س الموزون ‪:‬‬ ‫* الن ّ َ‬
‫ف ُ‬
‫* نقشبند‪.8 :‬‬
‫* نيرفانا ‪.Nirvana : 59‬‬

‫‪ -‬هـ ‪-‬‬
‫هَياطِل َ ُ‬
‫ة‪:‬‬
‫‪.335 ،15‬‬ ‫* ال َ‬
‫مة والبركة‪.485 ،402 :‬‬ ‫* اله ّ‬

‫‪-‬و‪-‬‬
‫وحدة الشهود‪:‬‬
‫‪.158‬‬ ‫*‬
‫وحدة الوجود‪148 :‬‬ ‫*‬
‫يت عند مغسل»‪.49 :‬‬ ‫«وكن عنده كالم ّ‬ ‫*‬
‫الواصل إلى الله‪.44 :‬‬ ‫*‬

‫‪-‬ي‪-‬‬
‫‪.57‬‬ ‫* اليوغا ‪:‬‬

‫***‬

‫أسماء الماكن والمعالم‬


‫التاريخية والجغرافية‬
‫‪594‬‬

‫‪-‬أ‪-‬‬
‫* أربل‪:‬‬
‫‪.333‬‬
‫* أفغانستان‪.469 ،409 ،398 ،392 ،362 ،361 ،243 ،235 ،172 ،24 :‬‬
‫* آماسيا ‪.32 :‬‬

‫‪-‬ب‪-‬‬
‫* بخارى‪:‬‬
‫‪.448 ،444 ،429 ،(242-215) ،180 ،115 ،25 ،15‬‬
‫* بخيرة آرال‪،15 :‬‬
‫* البشتون‪.25 :‬‬

‫‪-‬ت‪-‬‬
‫‪.398 ،275 ،237 ،221 ،31‬‬ ‫* تركستان‪:‬‬

‫‪-‬ج‪-‬‬
‫‪.99‬‬ ‫* جامعة مرمرا‪:‬‬
‫يحون ‪.15 :‬‬
‫ج ْ‬
‫* َ‬

‫‪-‬خ‪-‬‬
‫خراسان‪.280 ،279 ،213 ،207 ،32 ،24 ،18 :‬‬ ‫*‬
‫م ‪.233 ،225 ،180 ،15:‬‬
‫رز ْ‬
‫وا ِ‬
‫خ َ‬
‫* ُ‬

‫‪-‬س‪-‬‬
‫‪.243 ،241 ،238 ،172 ،34‬‬ ‫* سمرقند‪:‬‬
‫يحون ‪.15 :‬‬
‫س ْ‬
‫* َ‬

‫‪-‬ط‪-‬‬
‫‪.238‬‬‫* طاشكند‪:‬‬
‫* طربزون‪.380 ،103 :‬‬
‫‪595‬‬

‫‪-‬غ‪-‬‬
‫‪.137‬‬ ‫* غار حراء ‪:‬‬

‫‪-‬ف‪-‬‬
‫‪.451 ،15‬‬ ‫* فرغانة‪:‬‬

‫‪-‬ك‪-‬‬
‫‪.32‬‬ ‫* الكداهية ‪:‬‬

‫‪-‬م‪-‬‬
‫‪.224 ،221 ،24 ،19 ،18‬‬‫* ماوراء النهر ‪:‬‬
‫* مسجد إسماعيل آغا‪.380 ،103 :‬‬
‫* مكتبة السليمانّية‪ :‬مكتبة قديمة ضخمة في إسطنبول‪،‬‬
‫مشهورة بمخطوطاتها‪ .‬يزيد عدد الكتب الموجودة فيها‬
‫لد‪ ،‬كثير منها أثرية‪،222 ،104 ،102 ،98 .‬‬ ‫عن أربعمائة ألف مج ّ‬
‫‪.465 ،394 ،284 ،279 ،278‬‬

‫***‬

‫المراجع العربية‬
‫‪596‬‬

‫‪-‬أ‪-‬‬
‫مد زكي إبراهيم – ‪1995‬م‪.‬‬ ‫ي‪ ،‬مح ّ‬ ‫وف السلم ّ‬ ‫أبجدية التص ّ‬
‫الطبعة الخامسة‪.‬‬
‫إثبات المسالك في رابطة السالك‪ ،‬مصطفى فوزي‪.‬‬
‫ي‪.‬‬
‫وة‪ ،‬أحمد الفاروقي السرهند ّ‬ ‫إثبات النب ّ‬
‫مد بن داود‬‫مد بن مح ّ‬ ‫الجرمّية‪ ،‬ابن آجّروم‪ ،‬مح ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫الصنهاجي الفاس ّ‬
‫الذكار المنتخبة من كلم سّيد البرار )الذكار النووية (‬
‫ي‪.‬‬
‫محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف الدين النوو ّ‬
‫إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم‪ ،‬أبو‬
‫ي‪.‬‬
‫السعود العماد ّ‬
‫مد زاهد الكوثري‪.‬‬ ‫إرغام المريد‪ ،‬مح ّ‬
‫ي‪ ،‬مكتبة السليمانية‬ ‫اصطلحات الصوفية‪ ،‬خالد البغداد ّ‬
‫خزانة لل إسماعيل رقم‪ 699/5 :‬إسطنبول‪.‬‬
‫ي‪ ،‬حسن شرقاوي‪ ،‬دار‬ ‫أصول التصوف السلم ّ‬
‫المعرفة‪ .‬الجامعة‪ .‬إسكندرية – ‪1991‬م‪.‬‬
‫العلم‪ ،‬خير الدين زيركلي‪.‬‬
‫مد بن عبد الله بن مالك الطائي‪.‬‬ ‫ألفية ابن مالك‪ ،‬مح ّ‬
‫النتباه في سلسل الولياء‪ ،‬أحمد بن عبد الحليم شاه‬
‫ي‪.‬‬‫ولي الله الدهلو ّ‬
‫أنوار التنـزيل وأسرار التأويل‪ ،‬أبو سعيد ناصر الدين‬
‫ي‪.‬‬‫عبد الله بن عمر البيضاو ّ‬
‫النوار القدسية في مناقب النقشبندّية‪ ،‬ياسين بن‬
‫إبراهيم السنهوتي‪.‬‬
‫ي‪ ،‬مكتبة السليمانية‬ ‫إيضاح الطريقة‪ ،‬عبد الله الدهلو ّ‬
‫خزانة حسني باشا رقم‪ 7421 :‬إسطنبول‬

‫‪-‬ب‪-‬‬
‫ي‪.‬‬
‫سل بالمقابر‪ ،‬حمد الله الداجو ّ‬‫البصائر لمنكري التو ّ‬
‫بغية الواجد‪ ،‬أسعد بن محمود الصاحب‪.‬‬
‫ي‪.‬‬‫البهائية والقاديانية‪ ،‬أسعد السمحران ّ‬
‫‪597‬‬

‫مد بن‬
‫البهجة السنّية في آداب الطريقة النقشبندّية‪ ،‬مح ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫عبد الله الخان ّ‬

‫‪-‬ت‪-‬‬
‫التاج المكّلل من جواهر مآثر الطراز الخر وال ّ‬
‫ول‪،‬‬
‫ي‪.‬‬
‫ي البخار ّ‬ ‫ديق خان بن الحسن القنوج ّ‬ ‫مد ص ّ‬ ‫مح ّ‬
‫ي‪ ،‬محمود شاكر‪.‬‬ ‫التاريخ السلم ّ‬
‫ي عن طعن ابن عربي‪ ،‬جلل الدين عبد‬ ‫تبرئة الغب ّ‬
‫ي‪.‬‬ ‫سيوط ّ‬ ‫الرحمن ال ّ‬
‫تبصرة الفاصلين عن أصول الواصلين‪ ،‬سليمان زهدي‪.‬‬
‫ذاب‪ ،‬معروف‬ ‫تحرير الخطاب في الردّ على خالد الك ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫النودهي البرزنج ّ‬
‫شاق‪ ،‬إبراهيم الفصيح‪.‬‬ ‫تحفة الع ّ‬
‫تذكرة الرجال‪ ،‬عبد الكريم البياري‪.‬‬
‫مد بن أحمد بن‬ ‫ي مح ّ‬ ‫فاظ‪ ،‬الحافظ الذهب ّ‬ ‫تذكرة الح ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫عثمان بن قايماز التركمان ّ‬
‫تفسير القرآن العظيم‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل بن كثير‪.‬‬
‫تفسير نمونة )بالفارسية(‪ ،‬لجنة بإشراف آية الله ناصر‬
‫مكارم شيرازي‪.‬‬
‫تكملة النفحات القدسية في شرح الصلوات العظيمة‬
‫مد بهاء الدين بن عيد الغني بن حسن بن‬ ‫الدريسية‪ ،‬مح ّ‬
‫إبراهيم البيطار‪.‬‬
‫مد‬‫تلبيس إبليس‪ ،‬أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن مح ّ‬
‫ي‪.‬‬ ‫ابن الجوز ّ‬
‫مد جلل شرف‪،‬‬ ‫ة‪ ،‬مح ّ‬ ‫ة ونظري ً‬ ‫ي مدرس ً‬ ‫وف السلم ّ‬ ‫التص ّ‬
‫دار العلوم العربية – بيروت ‪1990‬م‪.‬‬
‫كا‪ ،‬عبد الرحمن عميرة‪،‬‬ ‫جا وسلو ً‬ ‫ي منه ً‬ ‫وف السلم ّ‬ ‫التص ّ‬
‫مكتبة الكليات الزهرية – القاهرة‪.‬‬
‫مد ياسر شرف‪ ،‬دار الهلل القاهرة‬ ‫ي‪ ،‬مح ّ‬ ‫وف العرب ّ‬ ‫التص ّ‬
‫– ‪1982‬م‪.‬‬
‫وف في ميزان البحث والتحقيق‪ ،‬عبد القادر حبيب‬ ‫التص ّ‬
‫ورة – ‪1990‬م‪.‬‬ ‫ي‪ .‬مكتبة ابن القيم‪ ،‬المدينة المن ّ‬ ‫الله السند ّ‬
‫وفك ظفرلري‪ ،‬شيخ صوفوت‪ .‬إسطنبول – ‪ 1343‬هـ‪.‬‬ ‫تص ّ‬
‫مد أمين‬ ‫ّ‬
‫تنوير القلوب في معاملة علم الغيوب‪ ،‬مح ّ‬
‫ي‪.‬‬‫ي الربل ّ‬ ‫الكرد ّ‬
‫‪598‬‬

‫تنوير المقباس في تفسير ابن عّباس‪ ،‬أبو طاهر مجد‬


‫مد بن إبراهيم الشيرازي‬
‫مد بن يعقوب بن مح ّ‬
‫الدين مح ّ‬
‫الفيروزآبادي‬
‫مدد‬‫تهذيب التهذيب‪ ،‬أبو الفضل أحمد بن علي بن مح ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫ابن حجر العسقلن ّ‬

‫‪-‬ج‪-‬‬
‫ي‪.‬‬
‫و ّ‬
‫خان َ ِ‬
‫ش َ‬ ‫جامع الصول‪ ،‬أحمد ضياء الدين الگ ُ ُ‬
‫مو ْ‬
‫جامع البيان في تفسير القرآن‪ ،‬أبو جعفر بن جرير‬
‫ي‪.‬‬
‫الطبر ّ‬
‫جامع كرامات الولياء‪ ،‬يوسف بن إسماعيل النبهاني‪.‬‬

‫‪-‬ح‪-‬‬
‫مد‬
‫الحجج البّينات في ثبوت الستغاثة بالموات‪ ،‬علي مح ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫البلخ ّ‬
‫ّ‬
‫الحدائق الوردية في حقائق أجلء النقشبندّية‪ ،‬عبد‬
‫ي‪.‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬‫المجيد بن مح ّ‬
‫مد بن‬
‫الحديقة الّندية في الطريقة النقشبندّية‪ ،‬مح ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫سليمان البغداد ّ‬
‫دعوة والذكار‬ ‫حّلية البرار وشعار الخيار في تلخيص ال ّ‬
‫)الذكار النووية( ( محي الدين أبو زكريا يحيى بن‬
‫ي‪.‬‬
‫شرف الدين النوو ّ‬
‫حّلية الولياء‪ ،‬أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن‬
‫إسحاق الصفهاني‪.‬‬

‫‪-‬د‪-‬‬
‫هابية‪ ،‬أحمد بن زيني‬
‫سنية في الردّ على الو ّ‬‫الدرر ال ّ‬
‫دحلن‪.‬‬
‫مد‬
‫دفع الظلوم عن الوقوع في عرض هذا المظلوم‪ ،‬مح ّ‬
‫سويدي‪.‬‬ ‫أمين بن علي ال ّ‬
‫‪599‬‬

‫ديق خان بن الحسن‬ ‫مد ص ّ‬ ‫دين الله الخالص‪ ،‬مح ّ‬


‫ي‪ ،‬دار الكتب العلمّية – بيروت ‪1995‬م‪.‬‬ ‫القنوجي البخار ّ‬
‫ع كاذب‪ ،‬أبو سعيد‬‫ر مبتد ٍ‬
‫ل منك ٍ‬ ‫دين الله الغالب على ك ّ‬
‫مد أمين بن حسين بن‬ ‫عثمان بن سليمان بن مح ّ‬
‫ي‬
‫إسماعيل بن عبد الجليل الحيائي الموصل ّ‬

‫‪-‬ر‪-‬‬
‫ي‪.‬‬
‫رجال الفكر والدعوة في السلم‪ ،‬أبو الحسن الندو ّ‬
‫الرحمة الهابطة في ذكر اسم الذات والّرابطة‪ ،‬حسين‬
‫ي‪.‬‬
‫دوسر ّ‬ ‫ال ّ‬
‫الردّ المتين على منتقص العارف بالله محي الدين‪ ،‬عبد‬
‫الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي‪.‬‬
‫الردّ على القائلين بوحدة الوجود‪ ،‬مل ّ علي بن سلطان‬
‫ي‪.‬‬
‫القار ّ‬
‫ي‪.‬‬‫الرسالة السعدية‪ ،‬أسعد الربل ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫الرسالة التاجية‪ ،‬تاج الدين بن زكريا الهند ّ‬
‫ي‪.‬‬‫الرسالة الخالدّية‪ ،‬خالد البغداد ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫ي القادر ّ‬ ‫طارية‪ ،‬بهاء الدين النصار ّ‬ ‫الرسالة الش ّ‬
‫رسالة في آداب الطريقة النقشبندّية‪ ،‬أحمد خليل‬
‫ي‪.‬‬
‫البقاع ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫رسالة في تحقيق الّرابطة‪ ،‬خالد البغداد ّ‬
‫الرسالة القدسية‪ ،‬عصمت غريب الله‪.‬‬
‫الرسالة القشيرية‪ ،‬أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن‬
‫ي‪.‬‬‫بن عبد الملك بن طلحة القشير ّ‬
‫الرسالة المدنية‪ ،‬نعمة الله بن عمر‪.‬‬
‫ي‪.‬‬‫دد ّ‬‫الرسالة المشغولية‪ ،‬أحمد سعيد المج ّ‬
‫الرسالة البهائية علي قدري )ترجمة‪ :‬رحمي سرين(‪.‬‬
‫إسطنبول‪1994-‬م‪.‬‬

‫‪-‬ز‪-‬‬
‫ة‪.‬‬ ‫ة من رسائ َ‬
‫ل مختلف ٍ‬ ‫ون َ ٌ‬
‫الزمرد العنقاء‪ ،‬مجمعوة مك ّ‬

‫‪-‬س‪-‬‬
‫السطرايات )تعاليم باتانجالي الراهب(‬
‫السعادة البدية فيما حاء به النقشبندّية‪ ،‬عبد المجيد بن‬
‫ي‪.‬‬
‫مد الخان ّ‬
‫مد بن مح ّ‬
‫مح ّ‬
‫‪600‬‬

‫ل الحسام الهندي في نصرة مولنا خالد النقشبندي‪،‬‬ ‫س ّ‬


‫مد أمين بن عمر بن عبد العزيز إبن عابدين‪.‬‬‫مح ّ‬
‫مد زاهد‬‫ديقين‪ ،‬مح ّ‬
‫سلسلة العارفين وتذكرة الص ّ‬
‫البدخشي‪.‬‬

‫‪-‬ش‪-‬‬
‫ذهب في أخبار من ذهب‪ ،‬ابن العماد عبد‬ ‫شذرات ال ّ‬
‫دمشقي‬ ‫مد بن عماد العكري ال ّ‬‫الحي بن أحمد بن مح ّ‬
‫الحنبلي‪.‬‬
‫ي‪.‬‬
‫شرح السلسلة المرادية‪ ،‬درويش أحمد الطرابزون ّ‬
‫شرح العقائد النسفية‪ ،‬سعد الدين مسعود بن عمر‬
‫ي‪.‬‬
‫التفتازان ّ‬
‫مد بن‬ ‫شرح العقيدة الطحاوية‪ ،‬أبو جعفر أحمد بن مح ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫سلمة الزد ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫مد بن سليمان الحلب ّ‬ ‫شرح منظومة المالي‪ ،‬مح ّ‬
‫الشفاء‪ ،‬قاضي عياض بن موسى اليحصبي السبتي‬
‫ي‪.‬‬
‫المالك ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫ق‪ ،‬يوسف بن إسماعيل النبهان ّ‬ ‫شواهد الح ّ‬

‫‪-‬ص‪-‬‬
‫صحيفة الصفا لهل الوفاء‪ ،‬سليمان زهدي‪.‬‬
‫ي‪.‬‬
‫مد إسماعيل الشهيد الدهلو ّ‬ ‫الصراط المستقيم‪ ،‬مح ّ‬
‫صفات الصفوة‪ ،‬أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن‬
‫ي‪.‬‬
‫مد ابن الجوز ّ‬ ‫مح ّ‬
‫الصوفية في إلهامهم‪ ،‬حسن كامل الطنطاوي‪ ،‬القاهرة‬
‫– ‪1992‬م‪.‬‬
‫الصوفية في نظر السلم‪ ،‬سميح عاطف الّزين دار‬
‫الكتاب اللبناني الطبعة الثالثة بيروت – ‪1985‬م‪.‬‬
‫فا‪ ،‬ليلى بنت عبد الله‪.‬دار الوطن‬ ‫الصوفية عقيدة وأهدا ً‬
‫للنشر – الرياض‪.‬‬
‫وف‪ ،‬عدنان حقي‪ ،‬مركز البحوث‬ ‫الصوفية والتص ّ‬
‫السلمية رقم‪ 297،7 :‬مال‪.‬س‪ 1-20682 .‬إسطنبول‪.‬‬

‫‪-‬ض‪-‬‬
‫ي‪.‬‬
‫الضابطة في الّرابطة‪ ،‬سعيد سيدا الجزر ّ‬
‫‪601‬‬

‫‪-‬ط‪-‬‬
‫ي‪.‬‬
‫مد بن سعد بن منيع الزهر ّ‬ ‫طبقات ابن سعد‪ ،‬مح ّ‬
‫هاب بن علي‬‫طبقات الشافعية‪ ،‬تاج الدين بن عبد الو ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫السبك ّ‬
‫الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر‬
‫المعاصرة‪ ،‬زكريا سليمان البّيومي‪ ،‬مركز البحوث‬
‫السلمية رقم‪ 297،75 :‬بيت‪.‬‬
‫طواسين‪ ،‬حسين بن منصور الح ّ‬
‫لج‪.‬‬

‫‪-‬ع‪-‬‬
‫ي‪.‬‬
‫مد النسف ّ‬ ‫العقائد النسفية‪ ،‬أبو حفص عمر بن مح ّ‬
‫ي في السلم‪ ،‬علي شلق‪ ،‬دار‬ ‫العقل الصوف ّ‬
‫المدى‪.‬بيروت – ‪1985‬م‪.‬‬
‫ي‪.‬‬
‫العلم الشامخ‪ ،‬صالح المقبل ّ‬
‫مد مطيع الحافظ – نزار‬ ‫علماء دمشق وأعياُنها‪ ،‬مح ّ‬
‫أباظة‪.‬‬
‫س‬
‫ونة من خم ِ‬ ‫هابّيون‪ ،‬مجموعة مك ّ‬ ‫علماء السلم والو ّ‬
‫ل‪ ،‬قام بنشرها عقيد مدسوس في صفوف‬ ‫رسائ َ‬
‫النقشبنديين‪ .‬مكتبة إيشق‪ ،‬إسطنبول – ‪1972‬م‬
‫عمل اليوم والليلة‪ ،‬أبو عبد الرحمن النسائي‪.‬‬
‫مد بن إسحاق‬ ‫عمل اليوم والليلة‪ ،‬أبو بكر أحمد بن مح ّ‬
‫ي‪.‬‬‫السن ّ‬
‫مد فوزي‪ ،‬مفتي‬ ‫عين الحقيقة في رابطة الطريقة‪ ،‬مح ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫ول ية أدرنة في أواخر العهد العثمان ّ‬

‫‪-‬غ‪-‬‬
‫غوث العباد‪ ،‬ببيان الرشاد‪ ،‬مصطفى أبو يوسف‬
‫ي‪.‬‬
‫الحمام ّ‬

‫‪-‬ف‪-‬‬
‫‪602‬‬

‫ي‪ ،‬مكتبة السليمانية‬ ‫الفتح الرّباني‪ ،‬عبد القادر الجيلن ّ‬


‫خزانة طاهر آغا رقم‪ 14 :‬إسطنبول‪.‬‬
‫الفتوحات السلمية‪ ،‬أحمد زيني دحلن‪.‬مطبعة المدني‬
‫القاهرة – ‪1968‬م‪.‬‬
‫مد بن‬‫كية‪ ،‬ابن عربي‪ ،‬محي الدين بن مح ّ‬ ‫الفتوحات الم ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫مد بن أحمد الطاء ّ‬ ‫علي بن مح ّ‬
‫ّ‬
‫حكم‪ ،‬للمؤلف السابق‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فصوص ال ِ‬
‫سّنة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬
‫ي في ضوء الكتاب وال ّ‬ ‫الفكر الصوف ّ‬
‫عبد الرحمن عبد الخالق‪ .‬مكتبة ابن القيم‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫وف‪ ،‬قدرات وطاقات‪ ،‬هاني يحيى نصر‪،‬‬ ‫فلسفة التص ّ‬
‫منشورا مجّلة الثقافة‪ .‬دمشق – ‪1990‬م‪.‬‬

‫‪-‬ق‪-‬‬
‫قاموس العلم‪ ،‬شمس الدين سامي‪.‬‬
‫مد أسيد‬ ‫سّنة‪ ،‬مح ّ‬
‫قضايا الصوفّية في ضوء الكتاب وال ّ‬
‫الجليند‪ ،‬مكتبة الزهراء – القاهرة ‪1990‬م‪.‬‬
‫مد عبد الله جمال‬ ‫قطر الّندى وبل الصدى‪ ،‬أبو مح ّ‬
‫الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام‪.‬‬
‫سبيل‪ ،‬أحمد بن عبد‬ ‫القول الجميل في بيان سواء ال ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫الحليم شاه ولي الله الدهلو ّ‬
‫مي بتحرير الخطاب‪ / ،‬راجع‬ ‫س ّ‬
‫القول الصواب في ردّ ما ُ‬
‫دفع الظلوم‪......‬‬

‫‪-‬ك‪-‬‬
‫الكبريت الحمر في بيان علوم الشيخ الكبر‪ ،‬عبد‬
‫ي‪.‬‬
‫هاب الشعران ّ‬‫الو ّ‬
‫كتاب الربعين في شيوخ الصوفية‪ ،‬أبو سعيد أحمد بن‬
‫مد بن احمد الماليني‪ ،‬مركز البحوث السلمية رقم‪:‬‬ ‫مح ّ‬
‫‪ 297،72‬مال‪.‬ك‪ 51558 .‬إسطنبول‪.‬‬
‫حُلم‪ ،‬على زيغور‪،‬‬
‫الكرامة الصوفية والسطورة وال ُ‬
‫مركز البحوث السلمية رقم‪ 297،7 :‬زيك‪ .‬ك‪ .‬إسطنبول‪.‬‬
‫الكشاف عن حقائق غوامض التنـزيل وعيون القاويل‬
‫في وجوه التأويل‪ ،‬أبو القاسم جار الله محمود بن عمر‬
‫ي‪.‬‬
‫الزمخشر ّ‬
‫كشف الظنون‪ ،‬حاجي خليفة مصطفى بن عبد الله‪.‬‬
‫داوي‪ .‬الطبعة‬‫ت قبورّيا )اعترافات(‪ ،‬عبد المنعم الج ّ‬ ‫كن ُ‬
‫الرابعة‪ .‬الرياض – ‪1981‬م‪.‬‬
‫ي‪.‬‬
‫كنـز العرفان‪ ،‬أسعد الربل ّ‬
‫‪603‬‬

‫‪-‬ل‪-‬‬
‫الّلباب في تهذيب النساب‪ ،‬ابن الثير عّز الدين أبو‬
‫ي‪.‬‬‫الحسن علي ابن أبي الكرم الشيبان ّ‬

‫‪-‬م‪-‬‬
‫هاب‪.‬‬‫مجامع الحقائق في أصول الحنفية‪ ،‬عبد الو ّ‬
‫المجد التالد‪ ،‬إبراهيم الفصيح‪.‬‬
‫مجلة المجمع العلمي الكردي )مولنا خالد( عباس‬
‫العزّاو ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫لن‪.‬‬ ‫مختصر شرح بن ع ّ‬
‫مدارك التنـزيل وحقائق التأويل‪ ،‬أبو البركات عبد الله‬
‫ي‪.‬‬
‫بن احمد بن محمود النسف ّ‬
‫ي‪ ،‬أبو الوفاء الغنيمي‬ ‫وف السلم ّ‬ ‫ل إلى التص ّ‬ ‫مدخ ٌ‬
‫ي‪ .‬دار الثقافة القاهرة – ‪1991‬م‪.‬‬ ‫التفتازان ّ‬
‫المذاهب الصوفية ومدارسها‪ ،‬عبد الكريم عبد الغني‬
‫قاسم‪ ،‬مكتبة مدبولي القاهرة – ‪1989‬م‪.‬‬
‫ي‬
‫مرآة الجنان وعبرة اليقظان‪ ،‬عبد الله بن أسعد اليافع ّ‬
‫ي المك ّ ّ‬
‫ي‪.‬‬ ‫اليمن ّ‬
‫ي‪.‬‬‫مد زاهد البدخش ّ‬ ‫المسموعات‪ ،‬مح ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫معالم الطريق إلى الله‪ ،‬محمود أبو الفيض المنوف ّ‬
‫ي‬
‫معجم البلدان‪ ،‬ياقوت بن عبد الله الرومي الحمو ّ‬
‫حالة ‪.‬‬ ‫معجم المؤلفين‪ ،‬عمر رضاء ك ّ‬
‫مد بن‬ ‫مفاتيح الغيب )التفسير الكبير(‪ ،‬فخر الدين مح ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫ي الراز ّ‬ ‫ي البكر ّ‬ ‫عمر بن الحسين التّيم ّ‬
‫مد رائف‪.‬‬ ‫مقاصد الطالبين‪ ،‬مح ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫المقامات المظهرية‪ ،‬غلم علي عبد الله الدهلو ّ‬
‫مد بن أحمد‬ ‫وف‪ ،‬أبو عبد الرحمن مح ّ‬ ‫دمة في التص ّ‬ ‫المق ّ‬
‫ي‪) ،‬تحقيق يوسف زيدان( مكتبة‬ ‫بن الحسين السلم ّ‬
‫الكليات الزهرية القاهرة – ‪1987‬م‪.‬‬
‫ي‪.‬‬‫مكاتيب شريفة‪ ،‬عبد الله الدهلو ّ‬
‫ي‪.‬‬‫مكتوبات السرهند ّ‬
‫ي‪ ،‬فضل الله بن روزبهان‬ ‫وان ِ ّ‬
‫جد ُ َ‬‫غ ْ‬ ‫ْ‬
‫ق ال ُ‬ ‫د الخال ِ‬ ‫ب عب ِ‬ ‫مناق ُ‬
‫ي‪ ،‬مكتبة السليمانية خزانة يحيى توفيق رقم‪:‬‬ ‫الصفهان ّ‬
‫‪ 54‬إسطنبول‪.‬‬
‫‪604‬‬

‫ي‪.‬‬
‫منتخبات من مكتوبات السرهند ّ‬
‫هابية‪ ،‬داود بن سليمان‬ ‫المنحة الوهبية في ردّ الو ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫البغداد ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫منشورات المجمع العلمي الكرمان ّ‬
‫منهج البحث عن اليقين بين السلف والصوفية‪ ،‬عبد‬
‫المقصود عبد الغني‪ ،‬مكتبة الزهراء القاهرة – ‪1993‬م‪.‬‬
‫المؤامرة على السلم‪ ،‬أنور الجندي‪ .‬الطبعة الثالثة‪ ،‬دار‬
‫العتصام القاهرة – ‪1978‬م‪.‬‬
‫المواهب السرمدية في مناقب السادات النقشبندّية‪،‬‬
‫ي‪.‬‬‫ي الربل ّ‬‫مد أمين الكرد ّ‬‫مح ّ‬
‫مة للنشر‬ ‫موسوعة بهجة المعرفة‪ ،‬نشرتها الشركة العا ّ‬
‫والتوزيع والعلن في ليبيا‪.‬‬
‫موسوعة المورد‪ ،‬منير بعلبكي‪.‬‬
‫الموفي بمعرفة الصوفي‪ ،‬كمال الدين أبو الفضل‬
‫مد عيسى صالحة‪.‬‬ ‫ي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مح ّ‬ ‫جعفر بن تغلب المصر ّ‬
‫مكتبة دار العربية‪ .‬الكويت – ‪1988‬م‪.‬‬
‫وف‪ ،‬فريد صلح‬ ‫موقف ابن عابدين من الصوفية والتص ّ‬
‫الهاشمي‪.‬‬
‫مد‬‫ي مح ّ‬‫ميزان العتدال في نقد الرجال‪ ،‬المام الذهب ّ‬
‫ي‪.‬‬‫بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركمان ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫المصباح‪ ،‬ناصر الدين عبد السيد النمطرز ّ‬

‫‪-‬ن‪-‬‬
‫نظرية الّتصال عند الصوفية في ضوء السلم سارة‬
‫دة – ‪1991‬م‪.‬‬
‫بنت عبد المحسن بن عبد الله آل سعود‪ .‬ج ّ‬
‫النقشبندّية‪ ،‬عبد الرحمن الدمشقية‪ .‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‬
‫– ‪1984‬م‪.‬‬
‫نهجة السالكين وبهجة المسلكين‪ ،‬سليمان زهدي‪.‬‬
‫ي‪.‬‬
‫نور البصار‪ ،‬مؤمن الشبانج ّ‬

‫‪ -‬هـ ‪-‬‬
‫صوفية‪ ،‬عبد الرحمن الوكيل‪ .‬الطبعة الرابعة‪،‬‬ ‫هذه هي ال ّ‬
‫دار الكتب العلمّية بيروت – ‪1984‬م‪.‬‬

‫‪-‬و‪-‬‬
605

‫ ابن خّلكان أبو‬،‫وفيات العيان وأنباء أبناء الزمان‬


‫مد بن أبي بكر‬ّ ‫العباس شمس الدين أحمد بن مح‬

-‫ي‬-
‫ إلياس‬:‫ ترجمة‬،‫ رئال‬.‫ توندريو – ب‬.‫ ج‬،‫اليوغا‬
.‫م‬1988 – ‫ بيروت‬،‫ مكتبة المعارف‬.‫أيوب‬

***

‫المراجع الجنبية‬
A. Faruk Meyan, Şah-ı Nakşibend. İstanbul-1970
A Group of Naqshabandis, Râbıta ve Tevessül İstanbul-1994
A Group of Naqshabandis, Ruhul Fukkan İstanbul-1991
Ahmet Yaşar Ocak, Menâkıbnâmeler. Ankara-1992
Ahmet Yaşar Ocak, Türk Sufîliğine Bakışlar İstanbul-1996.
Ahmet Yaşar Ocak, Osmanlı Toplumunda Zındıklar ve Mülhidler İstanbul-
1998.
Ahmet Yaşar Ocak, Bektaşî Menâkıbnâmelerinde İslâm Öncesi İnanç
Motifleri, İstanbul-1983.
Ahmet Yaşar Ocak, Babaîler İsyanı, İstanbul-1996
Ahmed Faruqî Serhindî, Mektûbât (Translation: Abdulkadir Akçiçek)
İstanbul-1979
Ali Kadri, Tarikat-ı Nakşibendiyye Prensipleri, İstanbul-1994.
David Dean Commins, Change in late Ottoman Syria. New York-1960.
Erich From, Budhism and Psychoanalysis. New York-1960.
Ancyclopedia of Meydan Larousse, İstanbul
Ancyclopedia of «Dünden Bugane İstanbul», İtem: Otman Babab
Velâyetnamesi.
Ferîduddin Aydın, Tarikatta Rabıta ve Nakşibendîlik. İstanbul-1996.
Fuad Köprülü, Türk Edebiyatında Mutasavvıflar. Ankara-1993.
H. A. Rose, Rites and Ceremonies of Hindus and Muslims. Undated.
Hasan Küçük, Osmanlı Devletini Tarih Sahnesine Çıkaran Kuvvetlerden
biri, tasavvuf ve Tarikatlar. İstanbul-1976.
Hasan Lütfi Şuşud, Menâkıb-ı Evliya, İstanbul-1958.
606

Hüseyin Hilmi Işık, Vehhabiye Nasihat. İstanbul-1970


İslâm Alimleri Ansiklopedisi (Ancyclopedia of The Muslim Doctors)
İrfan Gündüz, Tasavvufî Bir terim Olarak Râbıta. No printed.
İrfan Gündüz, Ahmed Zıyâüddîn Gümüşhânevî, Hayatı ve Eserleri.
İstanbul-1984
James Dexter, Meditation. (Translation: Gönül Üzmez) İstanbul-1996.
Kasım Kufralı, Nakşibendîliğin Kuruluşu ve Yayılışı. İstanbul-1949.
Mahir İz, Tasavvuf. İstanbul-1981.
Martin Lings, What’s Suffism? Britain-1975.
Mehmed Esad Erbilli, Mektûbât, İstanbul-1983.
Mehmed Zahid Kotku, Tasavvufî Ahlâk. İstanbul-1982.
Mohammad Yahya Tamizi, Sufi Muvement in eastern İndia. Delhi-1992.
Muhammed İhsan Oğuz, Mektuplar. TDV. İSAM. 297.7
Nikki R. Keddie, Scholars, Saint and Sufiis Muslim Religius İnstitutions
Since 1500 USA-1978.
Ömer Demircan, Dünden Bugüne Türkiye’de Yabancıdil. İstanbul-1988
Ömer Öngüt, Hakiki Mutasavvıflar,Hakiki Vahdet-i Vücutçular. İstanbul-
1996.
Ömer Öngüt, Refah Dini’ne Mensup Mahmut Efendi’nin Mollalarına
Cevaptır. İstanbul-1996.
Ömer Öngüt, Süleymancıların İçyüzü. İstanbul-1996.
Reşat Öngören, VI. Asırda Anadolu’da Tasavvuf (Doktora Tezi) İSAM. İst.
R. A. Nicholson., Studies in İslamic Mysticisme. Britain-1980.
R. S. Bhatnagar, Dimensions Of Classical Sufi Thought. Delhi-1984.
S. Ahmet Arvasî, Doğuanadolu Gerçeği. Ankara-1992.
Selçuk Eraydın, Tasavvuf ve Tarikatlar. İstanbul-1994.
Sir James Bolevard, Meditation. (Translation: Şebnem Gürpınar) İstanbul-
1993.
Vahdet-i Vücûd Risâlesi, Ömer Ferid Kam. İstanbul.

‫محتويات الكتاب‬
‫ول‬
ّ ‫الفصل ال‬
‫ق‬
ُ ‫ ومناط‬،‫وُرها‬
ّ ‫ وتط‬،‫* النقشبندّية؛ ظهوُرها‬
.‫رها‬ِ ‫انتشا‬
‫ت على ظهور الطريقة‬ ْ ‫* أهم السباب اّلتي عمل‬
.‫النقشبندّية‬
‫رقم‬ ‫الموضوع‬
‫الصف‬
‫حة‬
3 ‫دمة‬ّ ‫مق‬
ّ ‫المؤ‬
.......................................................................................:‫لف‬
................
10 ‫السبب الول لظهور الطريقة‬
.......................................................: ‫ية‬
ّ ‫النقشبند‬
14 ‫السبب‬
‫‪607‬‬

‫الثاني‪:‬‬
‫‪..........................................................................................‬‬
‫‪.............‬‬
‫‪17‬‬ ‫السبب‬
‫الثالث‪..........................................................................................:‬‬
‫‪..........‬‬
‫‪19‬‬ ‫السبب‬
‫الرابع‪...........................................................................................:‬‬
‫‪..........‬‬
‫‪21‬‬ ‫السبب‬
‫الخامس‪......................................................................................:‬‬
‫‪............‬‬
‫‪24‬‬ ‫السبب‬
‫السادس‪.....................................................................................:‬‬
‫‪...........‬‬
‫‪27‬‬ ‫التغّيرات اّلتي طرأت على هذه الطريقة‬
‫ية‪.............................................:‬‬
‫الترك ّ‬
‫‪31‬‬ ‫المناطق التي انتشرت فيها الطريقة‬ ‫ّ‬
‫ية ودواعي انتشارها‪................:‬‬ ‫النقشبند ّ‬

‫الفصل الثاني‬
‫ها‪،‬‬
‫صاِدُر َ‬
‫م َ‬
‫ة النقشبندّية‪ ،‬و َ‬
‫ب الطريق ِ‬‫* آدا ُ‬
‫ومّيزاُتها‪.‬‬
‫رقم‬ ‫الموضوع‬
‫الصف‬
‫حة‬
‫آداب الذّك ْ ِ‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫‪50‬‬

‫عندهم ‪.......................................................................................:‬‬
‫‪....‬‬
‫‪43‬‬ ‫ه‪،‬‬‫خ ِ‬‫د مع شي ِ‬ ‫ب المري ِ‬ ‫ة‪ ،‬وآدا ُ‬ ‫ب المشيخ ِ‬ ‫البيعةُ وآدا ُ‬
‫ة منها‪.............................:‬‬ ‫والغاي ُ‬
‫‪51‬‬ ‫الذّكُر بلسان‬
‫القلب‪..........................................................................................:‬‬
‫‪..‬‬
‫‪61‬‬ ‫الرابطة ‪:‬‬
‫‪.....................................................................................‬‬
‫‪............................‬‬
‫‪65‬‬ ‫شروطُ الرابطة وصورة‬
‫أدائها ‪...........................................................................:‬‬
‫‪70‬‬ ‫ن أحدث‬ ‫م ْ‬‫ول َ‬
‫أ ّ ُ‬
‫الرابطة ‪.....................................................................................:‬‬
‫‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫الغاية من‬
‫ُ‬
‫الرابطة ‪.....................................................................................:‬‬
‫‪608‬‬

‫‪...........‬‬
‫‪74‬‬ ‫عقوبة المخ ّ‬
‫ل بآداب الرابطة‪:‬‬ ‫ُ‬
‫‪...............................................................................‬‬
‫‪76‬‬ ‫ة استدللهم في إثبات الرابطة‪،‬‬ ‫أسلوبُهم وطريق ُ‬
‫دها‬
‫دفاع عنها‪،‬وما قيل في ر ّ‬ ‫ومقالتهم في ال ّ‬
‫‪90‬‬ ‫كتب في مسألة‬ ‫ما ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ّ‬ ‫ن َأ َ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫الرابطة ‪.....................................................................:‬‬
‫‪107‬‬ ‫ف‬ ‫س الّلطائ ِ‬ ‫ن آدابهم‪ :‬الذّكُر على أسا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫الخمس ‪...............................................:‬‬
‫‪109‬‬
‫خت ْم ِ‬‫ى عندهم « َ‬ ‫م َ‬ ‫ة اّلتي ُتس ّ‬ ‫سّري ّ ُ‬‫الحلقة ال ّ‬
‫ُ‬
‫ن »‪.....................................:‬‬ ‫گا ْ‬ ‫ج َ‬‫وا َ‬ ‫خ َ‬
‫ُ‬
‫‪111‬‬ ‫ة النقشبندّية‬ ‫ة في الطريق ِ‬ ‫المصطلحات الفارسي ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫رها ‪..................................:‬‬ ‫وأسرا ُ‬

‫مبادئ الطريقة النقشبندّية بالفارسّية‪ ،‬وهي أحد‬


‫ُ‬
‫ءا‬
‫عشر مبد ً‬
‫‪114‬‬ ‫ش‬
‫هو ْ‬ ‫‪ُ .1‬‬
‫م ‪............................................................................................:‬‬
‫دَْردَ ْ‬
‫‪.........‬‬
‫‪118‬‬ ‫‪ .2‬ن َظَْر ب َْر‬
‫م ‪............................................................................................ :‬‬ ‫َ‬
‫قد َ ْ‬
‫‪.......‬‬
‫‪121‬‬ ‫فْر‬ ‫س َ‬‫‪َ .3‬‬
‫ن ‪......................................................................................:‬‬ ‫وط َ ْ‬ ‫دَْر َ‬
‫‪............‬‬
‫‪122‬‬ ‫وت دَْر‬ ‫خل َ ْ‬ ‫‪ْ .4‬‬
‫ن ‪........................................................................................:‬‬
‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ج َ‬ ‫أن ْ ُ‬
‫‪.‬‬
‫‪123‬‬ ‫د‬
‫‪َ .5‬يا ْ‬
‫ردْ ‪..............................................................................................:‬‬ ‫كَ ْ‬
‫‪...........‬‬
‫‪126‬‬ ‫‪َ .6‬باْز‬
‫ت ‪..........................................................................................:‬‬‫ش ْ‬ ‫كَ ْ‬
‫‪...........‬‬
‫‪126‬‬
‫كاهْ‬‫‪ .7‬ن ِ َ‬
‫ت‪......................................................................................... :‬‬‫ش ْ‬ ‫دا ْ‬
‫َ‬
‫‪..........‬‬
‫‪127‬‬ ‫د‬
‫‪َ .8‬يا ْ‬
‫شت ‪.........................................................................................:‬‬ ‫دَا ْ ْ‬
‫‪............‬‬
‫‪129‬‬ ‫ف‬‫قو ِ‬ ‫و ُ‬‫‪ُ .9‬‬
‫ني ‪........................................................................................:‬‬ ‫ما ِ‬
‫َز َ‬
‫‪.........‬‬
‫‪609‬‬

‫‪129‬‬ ‫ف‬‫قو ِ‬ ‫و ُ‬
‫‪ُ .10‬‬
‫دي ‪..........................................................................................:‬‬ ‫عد َ ِ‬
‫َ‬
‫‪..‬‬
‫‪129‬‬ ‫قل ِْبي‪:‬‬
‫ف َ‬ ‫و ُ‬
‫قو ِ‬ ‫‪ُ .11‬‬
‫‪................................................................................................‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫* مفاهيم‪ ،‬ومصطلحات‪ ،‬ومعتقدات أخرى عند‬
‫هذه الطائفة‪.‬‬
‫‪132‬‬ ‫وف ‪:‬‬
‫‪....................................................................................‬‬ ‫التص ّ‬
‫‪..........................‬‬
‫‪136‬‬ ‫سي ُْر‬
‫ال ّ‬
‫سُلو ُ‬
‫ك ‪..................................................................................:‬‬ ‫وال ّ‬‫َ‬
‫‪...............‬‬
‫‪138‬‬ ‫العشق‬
‫اللهي ‪........................................................................................:‬‬
‫ّ‬
‫‪..............‬‬
‫‪141‬‬ ‫المعرفة‬
‫بالله ‪............................................................................................:‬‬
‫‪..............‬‬
‫‪145‬‬ ‫الفناء‬
‫والبقاء ‪.......................................................................................:‬‬
‫‪...............‬‬
‫‪148‬‬ ‫وحدة‬
‫الوجود ‪.......................................................................................:‬‬
‫‪..............‬‬
‫‪158‬‬ ‫وحدة‬
‫الشهود ‪......................................................................................:‬‬
‫‪...............‬‬
‫‪162‬‬ ‫الولية‪ ،‬والوليّ‪ ،‬وتصّرف‬
‫يت ‪.........................................................................:‬‬ ‫الم ّ‬
‫‪171‬‬ ‫المكاشفة واللهام‪ ،‬وعلم‬
‫الغيب ‪..........................................................................:‬‬
‫‪174‬‬ ‫ة ‪...................................................................................:‬‬ ‫سي ّ ُ‬
‫وي ْ ِ‬‫الُ َ‬
‫‪...............................‬‬
‫‪176‬‬ ‫الكرامة‪،‬‬
‫والمناقب‪...................................................................................:‬‬
‫‪................‬‬
‫‪186‬‬ ‫سل في معتقد النقشبندّية وما‬ ‫مفهوم التو ّ‬
‫ر ّ‬
‫كبوا عليه من أمور ‪............................. :‬‬
‫‪610‬‬

‫الفصل الرابع‬
‫ه النقشبندّية «سلسلة‬ ‫مي ِ‬
‫* حقيقة ما ُتس ّ‬
‫ن»‪ ،‬وأسماءُ اّلذين هم بمنـزلة حلقاتها‬ ‫گا ْ‬‫ج َ‬
‫وا َ‬
‫خ َ‬
‫ُ‬
‫دسة في اعتقادهم‪.‬‬ ‫المق ّ‬
‫* مزعمة «سلسلة السادات»‪.‬‬
‫* الروحانّيون في هذه الطريقة المعروفون بـ‬
‫«رجال السلسلة»‪.‬‬
‫* شخصّياتهم‪ ،‬ومستوياتهم العلمّية والجتماعّية‪،‬‬
‫وترجمة أحوالهم بالتفصيل‪.‬‬
‫‪201‬‬ ‫ديق رضي الله‬ ‫‪ .1‬أبو بكر الص ّ‬
‫عنه ‪....................................................................:‬‬
‫‪203‬‬ ‫‪ .2‬سلمان الفارسي رضي الله‬
‫عنه ‪.....................................................................:‬‬
‫‪205‬‬ ‫ديق رضي‬ ‫مد بن أبي بكر الص ّ‬ ‫‪ .3‬قاسم بن مح ّ‬
‫الله عنهم ‪..................................:‬‬
‫‪206‬‬ ‫مد الباقر رضي الله‬ ‫‪ .4‬جعفر الصادق بن مح ّ‬
‫عنهما ‪.........................................:‬‬
‫‪207‬‬ ‫‪ .5‬أبو يزيد‬
‫ي ‪...............................................................................:‬‬ ‫البسطام ّ‬
‫‪.......‬‬
‫‪211‬‬ ‫‪ .6‬أبو الحسن‬
‫ي ‪.................................................................................:‬‬
‫الخرقان ّ‬
‫‪....‬‬
‫‪212‬‬ ‫‪ .7‬أبو علي‬
‫ي ‪.................................................................................:‬‬
‫الفارمد ّ‬
‫‪.....‬‬
‫‪213‬‬ ‫‪ .8‬أبو يعقوب يوسف‬
‫ي ‪........................................................................:‬‬‫الهمدان ّ‬
‫‪215‬‬ ‫‪ .9‬عبد الخالق‬
‫ي ‪...............................................................................:‬‬‫وان ِ ّ‬
‫جد ُ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫غ ْ‬
‫‪.‬‬
‫‪218‬‬ ‫‪ .10‬عارف‬
‫ري ‪..................................................................................:‬‬ ‫الّري َ َ‬
‫وگ ِ‬ ‫‪...‬‬
‫‪220‬‬ ‫‪ .11‬محمود‬
‫ي ‪.........................................................................:‬‬
‫و ّ‬
‫غن َ ِ‬ ‫جيْر َ‬
‫ف ْ‬ ‫الن ْ ِ‬
‫‪.......‬‬
‫‪221‬‬ ‫‪ .12‬علي‬
‫ي ‪...................................................................................:‬‬
‫مَتن ّ‬
‫الّرا ِ‬
‫‪..........‬‬
‫‪611‬‬

‫‪222‬‬ ‫مد َباَبا‬‫‪ .13‬مح ّ‬


‫ي ‪................................................................................:‬‬ ‫ماس ّ‬‫الس ّ‬
‫‪...‬‬
‫‪224‬‬ ‫ل بن‬ ‫‪ .14‬أمير ك ُل َ ْ‬
‫حمزة ‪...................................................................................:‬‬
‫‪226‬‬ ‫ي المعروف بـ «شاه‬ ‫خار ّ‬ ‫مد بهاء الدين الب ُ َ‬ ‫‪ .15‬مح ّ‬
‫نقشبند» ‪........................:‬‬
‫‪233‬‬ ‫مد علء الدين‬ ‫‪ .16‬مح ّ‬
‫طار ‪...........................................................................:‬‬ ‫الع ّ‬
‫‪235‬‬ ‫‪ .17‬يعقوب‬
‫ي ‪.....................................................................................:‬‬ ‫خ ّ‬
‫الﭽر ِ‬
‫‪...‬‬
‫‪237‬‬ ‫‪ .18‬ناصر الدين عبيد الله‬
‫الحرار ‪...................................................................:‬‬
‫‪241‬‬ ‫مد زاهد‬ ‫‪ .19‬مح ّ‬
‫ي ‪.................................................................................:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫خ ِ‬ ‫ال ْب َدَ ْ‬
‫‪241‬‬ ‫مد‬ ‫‪ .20‬درويش مح ّ‬
‫ي ‪.......................................................................:‬‬ ‫السمرقند ّ‬
‫‪242‬‬ ‫گي‬ ‫ج ِ‬ ‫وا َ‬ ‫مد ال ْ ُ‬
‫خ َ‬ ‫‪ .21‬مح ّ‬
‫گي ‪....................................................................:‬‬ ‫مﮑ َن َ ِ‬ ‫ال ْ‬
‫‪243‬‬ ‫مد باقي بالله‬ ‫‪ .22‬مح ّ‬
‫ي ‪............................................................................:‬‬ ‫الكاُبل ّ‬
‫‪245‬‬ ‫ي المعروف بـ‬ ‫ي السرهند ّ‬ ‫‪ .23‬أحمد الفاروق ّ‬
‫ي» ‪...................:‬‬ ‫«المام الرّبان ّ‬
‫‪261‬‬ ‫مد معصوم‬ ‫‪ .24‬مح ّ‬
‫ي ‪............................................................................:‬‬ ‫الفاروق ّ‬
‫‪262‬‬ ‫مد سيف الدين‬ ‫‪ .25‬مح ّ‬
‫ي ‪....................................................................:‬‬ ‫الفاروق ّ‬
‫‪263‬‬ ‫مد‬‫‪ .26‬نور مح ّ‬
‫ي ‪...................................................................................:‬‬ ‫وان ِ ّ‬ ‫ال ْب َدَ َ‬
‫‪265‬‬ ‫ن‬
‫جا ِ‬ ‫هر َ‬ ‫مظْ َ‬ ‫مي ْْرَزا َ‬ ‫‪ .27‬شمس الدين حبيب الله ِ‬
‫ن ‪....................................:‬‬ ‫جاَنا ْ‬ ‫َ‬
‫‪267‬‬ ‫‪ .28‬غلم علي عبد الله‬
‫ي ‪...................................................................:‬‬ ‫و ّ‬ ‫هل َ ِ‬ ‫الدّ ْ‬
‫‪270‬‬ ‫ي المعروف بين النقشبندّيين بـ‬ ‫‪ .29‬خالد البغداد ّ‬
‫«ذي الجناحين» ‪.........:‬‬
‫‪289‬‬ ‫ي‬
‫* خالد البغداد ّ‬
‫ومعارضوه ‪............................................................................:‬‬
‫‪310‬‬ ‫ي وأسلوب تعامله‬ ‫* خلفاء البغداد ّ‬
‫‪612‬‬

‫معهم ‪:‬‬
‫‪......................................................‬‬

‫* المّيزات الشخصّية لشيوخ الطريقة النقشبندّية‬


‫‪335‬‬
‫ومستوياتهم العلمّية‬
‫ية ‪.................................................................................:‬‬
‫والثقاف ّ‬
‫‪...........................................‬‬

‫الفصل الخامس‬
‫* أثر الطريقة النقشبندّية على الحياة‬
‫الجتماعّية والثقافّية في المناطق اّلتي‬
‫انتشرت فيها‪.‬‬
‫‪354‬‬ ‫د‬
‫استغلل السلطة للنقشبندّيين ضِ ّ‬
‫هابية ‪....................................................:‬‬
‫الو ّ‬
‫هابّيين منذ‬ ‫النـزاع القائم بين النقشبندّيين والو ّ‬
‫‪358‬‬
‫م على السلم‬ ‫دا ُ‬‫وأث َُرهُ اله ّ‬ ‫قرنين َ‬
‫والمسلمين ‪.............................................................................:‬‬
‫‪................................‬‬
‫‪368‬‬ ‫العلقات بين السلطة والنقشبندّيين في العهد‬
‫ي ‪..............................:‬‬ ‫الجمهور ّ‬
‫‪382‬‬ ‫فَرقُ الرئيسة للنقشبندّيين في تركيا‬ ‫ال ِ‬
‫اليوم ‪....................................................:‬‬
‫‪387‬‬ ‫ة‬
‫ت السلط ُ‬ ‫أهم الحركات السياسّية اّلتي استخدم ْ‬ ‫ّ‬
‫يين في مقاومتها‪...‬‬ ‫النقشبند ّ‬
‫تلفيقات النقشبندّيين في كثير من أقوالهم‬
‫‪391‬‬
‫ومواقفهم؛ وما جاء في كلمهم من ضروب‬
‫التعارض‬
‫والضعف ‪...................................................................................:‬‬
‫‪..........‬‬
‫‪392‬‬ ‫ن‬
‫دعوا أنها من الدّي ِ‬ ‫مقتطفات من آرائهم اّلتي ا ّ‬
‫ة لهم في إثباتها‪.........‬‬ ‫ج َ‬
‫ول ح ّ‬
‫حا‪،‬‬ ‫فا صري ً‬ ‫ة اختلفوا فيها اختل ً‬ ‫مسائل متفّرق ٌ‬
‫‪396‬‬
‫بحيث جاء مقال بعضهم تكذيًبا لبعضهم الخر؛‬
‫وكذلك أقوال بعضهم فيها تضادّ وتناقض للقائل‬
‫نفسه ‪.................:‬‬

‫أمثلة من معاداة النقشبندّيين فيما بينهم‪،‬‬


‫‪413‬‬
‫ومناهضتهم وتباغضهم وتشنيع بعضهم على‬
‫البعض ‪........................................................................................:‬‬
‫‪.......................‬‬
‫‪418‬‬ ‫أسلوب المعارضة عند‬
‫يين ‪................................................................:‬‬
‫النقشبند ّ‬
‫‪613‬‬

‫‪426‬‬ ‫الكلمة‬
‫الختامي‪......................................................................................:‬‬
‫‪.............‬‬
‫ت توضيحّية في سياق الجابة على التقرير‬ ‫كلما ٌ‬
‫‪431‬‬ ‫م ال ُ‬
‫قَرى ِبشأن هذا‬ ‫الصادر من جامعة أ ّ‬
‫الكتاب‪.........................................................................................:‬‬
‫‪.......................‬‬

You might also like