Professional Documents
Culture Documents
أما بعد،
فيقول العبد الفقير إلى موله الخبير عبد الغني النابلسسسي الحنفسسي ،علمسسه الس تعسسالى مسسا لسسم يعلسسم
وأدامه سالكًا على السنن القوم:
قد اطلعت على رسالة في حكم التقليد في المذهب ،صنفها مفتي البلد الحرام مكة المشرفة علسسى
جميع بلد السلم ،وهو الشيخ محمد عبد العظيم ابن المنل فّروخ رحمه ال تعالى وعفسسا عنسسه.
وقد اشتملت على ستة مقاصد ،لم تتحرر على وجه الصواب لكل قاصد.
فطلب مني بعض الصحاب تحقيق هذه المقاصد المهمة على وجسسه الصسسواب ،مخافسسة أن يغسستر
ل البداية من الطلب ،فشرعت في ذلك مستعينًا بالقدير المالسسك ،وقسسد سسسميت مسسا بما لم ُيحّرر أه ُ
شرعت فيه:
خلصة التحقيق في بيان حكم التقليد والتلفيق.
وال حسبي ونعم الوكيل ،وعلى ال قصد السبيل – أ هس.
وقال الشارح المحلي :ول التفات لمن تكلم فيهم بما هم بريئون منه .انتهى.
قلت :فإن من اشتمل على ما يعاب به في الدين ولم يطعن فيه أحد ،فل إثم على مسسن لسسم يطعسسن،
وأما إذا لم يشتمل على شيء من ذلك ،ووقع الطعن من أحد ،فالثم على الطاعن .قال تعسسالى( :
تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ول تسألون عما كانوا يعملون ) .وأما تقليد مذهب
من مذاهبهم الن غير المذاهب الربعة ،فل يجوز ل لنقصان في مذاهبهم ،ورجحسسان المسسذاهب
الربعة عليهم ،لن فيهم الخلفاء المفضلين على جميسسع المسسة ،بسسل لعسسدم تسسدوين مسسذاهبهم وعسسدم
معرفتنا الن بشروطها وقيودها ،وعدم وصول ذلك إلينا بطريق التواتر ،حسستى لسسو وصسسل إلينسسا
شيء من ذلك كذلك جاز لنا تقليده ،لكنه لم يصل كذلك.
قال المناوي رحمه ال تعالى في كتابه المذكور :ل يجوز تقليد الصسسحابة ،وكسسذا تقليسسد التسسابعين؛
كما قاله إمام الحرمين مسسن كسسل مسسن لسسم يسسدون مسسذهبه ،فيمتنسسع تقليسسد غيسسر الربعسسة فسسي القضسساء
والفتسساء ،لن المسسذاهب الربعسسة انتشسسرت وتحسسررت ،حسستى ظهسسر تقليسسد مطلقهسسا ،وتخصسسيص
عامتها ،بخلف غيرهم لنقراض أتباعهم ،وقد نقل المام السسرازي إجمسساع المحققيسسن علسسى منسسع
العوام من تقليد أعيان الصحابة وأكابرهم .قال المناوي رحمه ال تعالى :نعم يجوز لغير عسسامي
من الفقهاء تقليد غير الربعة ،في العمل لنفسه إن علم نسبته لمن يجوز تقليده ،وجمسسع شسسروطه
عنده ،لكن بشرط أن ل يتتبع الرخص ،بأن يأخذ من مذهب الهون بحيث تنحسسل رتبسسة التكليسسف
من عنقه ،وإل من يجز.
وقال في الشباه والنظائر لبن نجيم الحنفي رحمسسه الس تعسسالى إنسسه :صسسرح فسسي التحريسسر لبسسن
الهمام إن الجماع انعقد على عدم العمل بمذهب يخالف الربعة لنضباط مذاهبهم ،واشسستهارها
وكثرة اتباعها .انتهى.
إذا علمت هذا ،فاعلم أن المذاهب الن التي يجوز تقليدها هي هذه المذاهب الربعة ل غير.
انحصر الن العمل بشريعة محمد rفي العمل بما ذهب إليسسه أحسسد الربعسسة فقسسط علسسى العمسسوم،
فالمر المتفق عليسسه المعلسسوم مسسن السسدين بالضسسرورة ،ل يحتسساج إلسسى التقليسسد فيسسه لحسسد الربعسسة،
كفرضية الصلة ،والصوم ،والزكاة ،والحج ،ونحوها ،وحرمة الزنا ،واللواط ،وشرب الخمسسر،
والقتل ،والسرقة ،والغصب ،وما أشبه ذلك.
والمر المختلف فيه هو الذي يحتسساج إلسسى التقليسسد فيسسه ،فسسإذا قلسسد فيسسه النسسسان مسسذهبًا معينسًا مسسن
المذاهب الربعة ،فهل يلزم ذلك النسان الدوم عليه ،أو يجوز له النتقال عنه؟
قال الشيخ المام أبو عبد ال محمد بن عبد الملك البغسسدادي الحنفسسي – رحمسسه الس تعسسالى – فسسي
رسالة له عملها في بيان حقيقة التقليد.
اعلم :أن التقليد هو قبول قول الغير من غير معرفة دليله ،وأمسسا معرفسسة دليلسسه فليسسس إل وظيفسسة
المجتهد ،والتقليد مناط العمل ،فكمسا ل يجسوز للمجتهسد العمسل فسي الوقسائع إل باجتهساده ورأيسه،
كذلك ل يجوز للمقلد العلم في كل واقعة من العمال والحكام إل بتقليسسده ،واسسستفتائه مسسن مفسست
مجتهد ،أو حامل فقه ،وقالوا الواجب على المقلد المطلق اتبسساع مجتهسسد فسسي جميسسع المسسسائل ،فل
يجوز له العمل في واقعة إل بتقليد مجتهد ،أي مجتهد كان وأما إذا كان مجتهدًا في البعسسض فقسسد
اختلف فيه ،فقيل :يقلد فيما يعجز فيه عن الجتهاد ويجتهد فيما ل يعجز بناًء علسسى التجسسزي فسسي
الجتهاد وهو الراجح عد الكثر ،والمقلد إذا اتبع أحد المجتهدين وأخذ بقسسوله ،وعمسسل بمسسوجبه،
يجوز له أن يقلد غير ذلك المجتهد في حكم آخر يعمل به ،كمن قلد أبا حنيفة – رحمه ال تعالى
ل في مسألة ،وثانيًا الشافعي – رحمه ال تعالى – في أخرى ،كذا صسسرح ابسسن الهمسسام فسسي – أو ً
كتابه التحرير في علم الصول؛ وبه قال المدي وابن الحاجب .قسسال ابسسن الهمسسام :وذلسسك للقطسسع
بأنهم في كل عصر كانوا يستفتون مرًة واحدًا ،ومرًة غيره ،غير ملتزمين مفتيًا معينًا .وهسسذا إل
لم يلتزم حكمًا بخصوصه ،ولم يعلم بهذا الحكم سابقًا ،وأما إذا علم به بعد أن قلده فيه فل يرجسسع
فيه باتفاق العلماء ،كذا قاله المسسدي وابسسن الحسساجب .قسسال ابسسن الهمسسام :حكسسم المقلسسد فسسي المسسسألة
الجتهادية كالمجتهد ،فإنه إذا كان له رأيين في مسألة وعمسسل بأحسسدهما يتعيسسن لسسه مسسا عمسسل بسسه،
وأمضاه بالعمل فل يرجع عنه إلى غيره إل بترجيح ذلك الغير ،كمسسن اشسستبهت عليسسه القبلسسة فسسي
جهتين ،أو جهات ،فاختار واحدة يتعين له هذه الجهة ما لم يرجح الخر ،وكذا القاضي فيمسسا لسسه
رأيين فيه بعد أن حكم وأمضاه بالحكم في أحدهما ،فالمقلد إذا عمل بحكسسم مسسن مسسذهب ل يرجسسع
عنه إلى آخر ،من مذهب آخر .انتهى كلم ابن الهمام.
واعلم أن مذهب الجمهور ،والذي اختاره ابن الهمام ،أن أصل اللتزام ليس بواجب ابتسسداًء ،بسسل
ي مفست اختسساره ،ويعمسسل بحكمسسه كمسا كسان فسي يجوز لكل أحٍد أن يستفتي في كسل واقعسة عنسسد أ ّ
القرون الفاضلة من الصحابة والتابعين رضوان ال عليهم أجمعين.
ونقل صاحب العقد الفريد عن المام النووي ما يعضد هذا المذهب حيسسث قسسال :والسسذي يقتضسسيه
الدليل أنه ل يلزم التمذهب بمذهب معين ،بل يستفتي من شاء ومسسن اتفسسق ،لكسسن مسسن غيسسر تلقسسط
الرخص ،فلعل من منعه شاء لم يثق بعدم تلقطه .انتهى كلم النووي .وقال ابن الهمام في كتسسابه
"التحرير" :فلو التزم المقلسسد مسسذهبًا معينسًا كسأبي حنيفسة والشسسافعي ،فقيسسل :تلزمسه .انتهسسى .يعنسسي
الستمرار عليه فل يعدل عنه في مسسألة مسن المسسائل مسن مسذهب آخسر ،لنسه بسالتزامه يصسير
ملزومًا به كما التزم مسسذهبه فسسي حادثسسة معينسسة ولنسسه اعتقسسد أن المسسذهب السسذي انتسسسب إليسسه هسو
الصواب فعليه الوفاء بموجب اعتقاده ،كذا في شرح التحرير لبن أمير حاج.
وقيل :ل يلزمه وهو الصح لما وجهه الرافعي وغيره ،بأن التزامه غير ملزم إذ ل واجب إل ]
ما [ أوجبه ال ورسوله ،ولم يوجب ال تعالى ورسوله على أحد من النسساس أن يتمسسذهب لرجسسل
من المة فيقلد دينه في كل ما يأتي ويذر غيره ،ول قائل به أحد من المجتهسسدين ،أن مسسن تبعنسسي
فل يتبع أحدًا غيري .إل هنا كلم البغدادي في رسالته.
وفي شرح الجوامع للمحلي – رحمه ال تعالى والصح أنه يجب على العامي وغيسسره ممسسن لسسم
تبلغ رتبته الجتهاد التزام مذهب معين من مذاهب المجتهدين ،ثم في خروجه عنه أقوال:
أحدها :ل يجوز لنه التزمه وإن لم يجب التزامها.
ثانيها :يجوز ،والتزام ما ل يلزم غير ملزم.
ثالثها :ل يجوز في بعض المسائل ،ويجوز في بعض توسطًا بين القولين ،والجواز في غيسر مسا
عمل به أخذًا مما تقدم ،في عمل غير الملتزم ،فإنه إذا لم يجز له الرجسسوع – قسسال ابسن الحسساجب
كالمدي اتفاقًا – فالملتزم أولى بذلك ،وقد حكيا منه الجواز ويقيد بمسسا قلنسساه يعنسسي فسسي غيسسر مسسا
عمل به ،وقيل :ل يجب عليه التزام مذهب معين ،فله أن يأخذ فيمسسا يقسسع لسه بهسذا المسذهب تسسارًة
وبغيره أخرى وهكذا .انتهى.
وقال والدي – رحمه ال تعالى – في شرحه على شرح الدرر :روى البيهقي في المدخل بسنده
عن ابن عباس – رضي ال عنهما – ،أنه قال :قال رسول ال " :rمهما أوتيتم مسسن كتسساب ال س
فالعمل به ل عذر لحد في تركه ،فإن لم يكن في كتاب ال فسنة مني ماضية ،فإن لسسم تكسسن فسسي
سنة مني فما قاله أصحابي ،إن أصحابي بمنزلة النجسسوم فسسي السسسماء ،فأيمسسا أخسسذتم بسسه اهتسسديتم،
واختلف أصحابي لكم رحمة ".
قسسال لجلل السسسيوطي فسسي " جزيسسل المسسواهب " :فسسي هسسذا الحسسديث فسسوائد؛ إخبسساره rبسساختلف
المذاهب بعده في الفروع ،وذلك من معجزاته rألنه مسن الخبسار بالمغيبسات والتخييسر للمكلسف
في الخ بأيها شاء من غير تعيين لحدها ،ويستنبط منه أن كل المجتهدين على هدى ،من غيسسر
تعيين لحدها ،ولكنهم على حق فل لوم على أحد منهم ،ول ينسب إلى أحد منهم تخطيئه لقسسوله:
" فأيما أخذتم به اهتديتم ".
وأخرج الخطيب البغدادي في كتاب " الرواة " عن مالك ن طريق إسسسماعيل بسسن أبسسي المحامسسد،
قال هارون الرشيد لمالك بن أنس :يا أبا عبدا ل ! تكتب هذه الكتب وتفرقهسسا فسسي آفسساق السسسلم
لتحمل عليها المة؟! قال :يا أمير المؤمنين ! إن اختلف العلماء رحمة من ال على هذه المسسة،
كل يتبع ما صح عنده ،وكل على هدى ،وكل يريد ال.
ثم قال الجلل السيوطي :واعلم أن اختلف المذاهب في هذه المّلة نعمة كبيرة ،وفضسسيلة جزيلسسة
عظيمة ،وله سر لطيف أدركه العالمون ،وعمسسي عنسسه الجسساهلون ،حسستى سسسمعت بعسسض الجهسسال
يقول :النبي rجاء بشرع واحد فمن أين مذاهب أربعة؟
ل يسسؤدي إلسسى تنقيسسص ومن العجيب أيضًا من يأخذ في تفضيل بعض المذاهب على بعض تفضي ً
المفضسسل عليسسه وسسسقوطه ،وربمسسا أدى إلسسى الخصسسام بيسسن السسسفهاء ،وصسسارت عصسسبة وحميسسة
الجاهلية ،والعلماء منزهون عن ذلك وقد وقع الختلف في الفسسروع بيسسن الصسسحابة رضسسي الس
تعالى عنهم وهم خير المة ،فما خاصم أحٌد منهم أحدًا ،ول عادى أحد منهم أحدًا ول نسب أحسٌد
إلى أحد خطًأ ول قصورًا ،والسر الذي أشرت إليه قسسد اسسستنبطته مسسن حسسديث" :إن اختلف هسسذه
المة رحمة لها وكان اختلف المم السابقة عذابًا وهلكًا" .فعسسرف بسسذلك أن اختلف المسسذاهب
في هذه الملة خصيصة فاضلة لهسذه المسة ،وتوسسسيٌع فسي هسسذه الشسسريعة السسسمحة السسهلة ،فكسسان
النبياء – صلوات ال عليهم – ُيبعث أحدهم بشسسرع واحسسد وحكسسم واحسسد ،حسستى أنسسه مسسن ضسسيق
شريعتهم لم يكن فيها تخيير في كثير من الفروع التي شرع فيها التخيير فسسي شسسريعتنا ،كتحريسسم
عدم القصاص في شريعة اليهود ،وتحتم الدية في شريعة النصسسارى ،وهسسذه الشسسريعة وقسسع فيهسسا
التخيير بين أمرين :شرع كل منهما في ملسة كالقصساص والديسة ،فكأنهسا جمعست بيسن الشسرعين
معًا ،وزادت حسنًا بشرع ثالث وهو التخيير ،ومن ذلك مشروعية الختلف في الفروع ،فكانت
المذاهب على اختلفها كشرائع متعددة كل مأمور به في هذه الشسريعة ،فصسارت هسذه الشسريعة
كأنها عّدة شرائع بعث النبي rبجميعها ،انتهى كلمه مختصرًا.
وإنما ذكرناه لفادته ما نحن بصدده من عدم التزام مذهب معين من المذاهب الربعة ،مع ذكسسر
الفوائد الجليلة.
والحاصل :أن العلماء اختلفوا في لزوم مذهب معين ،وصحح كل أحد منهم ما ذهب إليه ،وعدم
اللزم هو الراجح كما ذكرناه بعد أن ل يخرج عن المذاهب الربعة ،وال ولي التوفيق.
مطلب :هل يجوز التقليد من غير اعتقاد الرجحية فيما قّلده أم ل؟
وأما القصد الثالث :فهل يجوز التقليد من غير اعتقاد الرجحية فيما قلده أم ل؟
قال الشيخ محمد البغدادي رحمه ال تعالى في رسالته فسسي التقليسسد :واختلفسسوا فسسي أنسسه لسسه يجسسوز
للمقلد تقلدي المفضول مع وجود الفضل؟ فجسّوزه الئمسسة الحنفيسسة ،والمالكيسسة وأكسسثر الشسسافعية،
ومنعه المام أحمد وطائفة من الفقهاء ،كذا في التحرير لبن الهمام وشرحه لبن أمير حاج.
ونقل عن المام الغزالي أنه قال :إذا اعتقد المقلد أحد المجتهدين بالفضسسل ،ل يجسسوز لسسه أن يقلسسد
غيره .وإن كان ل يلزم البحث عن العلم إذا لم يعلم اختصاص أحسسدهم بزيسسادة الفضسسل والعلسسم،
وأما إذا علم واعتقد زيادة الفضل في أحدهم يلسسزم تقليسسد أورع العسسالمين ،وأعلسسم السسورعين .وإن
تعارضا في العلم والورع قدم العلم على الصح ،انتهسسى .وقسسال الشسسيخ محمسسد البغسسدادي أيضسًا
رحمه ال تعالى :فإن قلت كيف يذكر ابن الهمام وشارح كلمه من علماء المسسذهب فسسي المسسسألة
الفقهية قول المخالفين من المالكية والشافعية؟ فيسسستدلن علسسى مسسا اختسساره مسن السسوجه .قلسست :إن
المسألة إذا لم يكن لها اختصاص بواحد مسن الئمسة بسل كسانت مشستركة فيمسا بينهسم فسي الحكسم،
كمسائل أصول الدين والحكام المتفق عليها من الفروع ،فيجوز الستدلل عليها بقول الجميسسع،
ومسألة التقليد والفتداء بالمخالف من هذا القبيل .فل محذور في إيراد الدليل عليها من أي عالم
ومجتهد كان ،انتهى فاعلم .هذا فيما سنذكره.
وقال المحلي – رحمه ال تعالى – في شرح جمع الجوامع :تقليد المفضول من المجتهسسدين فيسسه
أقوال :أحدها – :ورجحه ابن الحاجب – يجوز لوقسسوعه فسسي زمسسن الصسسحابة وغيرهسسم – – y
مشتهرًا متكررًا نم غير إنكار.
ثانيها :ل يجوز ،لن أقوال المجتهدين في حق المقلد كالدلسسة فسسي حسسق المجتهسسدين ،فكمسسا يجسسب
الخذ بالراجح مسسن الدلسسة ،يجسسب الخسسذ بالراجسسح مسسن القسسوال :والراجسسح منهسسا قسسول الفاضسسل،
ل عنسسده أو مسسساويًا لسسه،
ويعرفه العامي بالتسامع وغيسسره .ثالثهسسا :المختسسار يجسسوز لمعتقسسده فاضس ً
ل ومن ثم لم يجب البحث عن الرجح من المجتهدين ،لعدم تعينه .فسسإن بخلف من اعتقد مفضو ً
ل باعتقسساده اعتقد العامي رجحان واحد منهم تعّين ،لن تقليده وإن كان مرجوحًا فسسي الواقسسع عم ً
المبني عليه .والراجح علمًا فوق الراجح ورعًا في الصح ،لن لزيادة العلم تأثيرًا في الجتهسساد
بخلف زيادة الورع ،وقيل :العكس ،لن لزيادة الورع تأثيرًا في التثبسست فسسي الجتهسساد وغيسسره،
بخلف زيادة العلم .ويحتمل التساوي لن لكل مرجحًا .انتهى.
وقال الشيخ محمد البغدادي في رسالته :من أحوال المقلسسد أن يكسسون مسسن العلمسساء فيعتقسسد بحسسسب
حاله وعلمه رجحان مذهب الغير في تلك المسألة فين له التباع للراجح في ظنه .انتهسسى .وقسسال
ل عن السبكي :إن المنتقسسل مسن مسذهب لخسر المناوي – رحمه ال تعالى – في شرح الجامع نق ً
له أحوال ،وذكر منها :أن يعتقد رجحان مذهب الغير فيجوز عمله بالراجح في ظنسسه ،ومنهسسا أن
ل يعتقد رجحان شيء فيجوز .انتهى.
وهذا كله يقتضي أنه ل يلسسزم المقلسسد اعتقسساد الرجحيسسة فسسي مسسذهبه ،وإن كسسان الولسسى اعتقادهسسا
للخروج من الخلف الواقع في ذلك كما ترى ،وعلى الولوية وعدم اللزوم ما وقع فسسي الشسسباه
ل عن المصفى :إذا سئلنا في مذهبنا ومذهب مخالفنا في الفروع والنظائر في آخر الفن الثالث نق ً
يجب أن نجيب بأن مذهبنا صواب يحتمل الخطأ ،ومذهب مخالفنا خطأ يحتمسسل الصسسواب .لنسسك
لو قطعت القول لما صح قولنسا :إن المجتهسسد يخطسسئ ويصسيب .وإذا سسسئلنا عسن معتقسدنا ومعتقسد
خصومنا في العقائد يجب علينا أن نقول :الحق ما نحن عليه ،والباطل ما عليه خصسسومنا .هكسسذا
نقل عن المشايخ .انتهى.
ول يحتاج أن يحمل ذلك على المجتهدين في المذهب أصحاب الترجيح ،كأبي الحسسسن الكرخسسي
والطحاوي والسرخسي ونحوهم .كما حمل ذلسسك علسسى أمثسسال هسسؤلء الشسسيخ محمسسد بسسن الفسسروخ
المكي في رسالته حيث قال :بأن هذا في حسسق أئمتنسسا ومسن أخسسذ بقسولهم مسسن أهسل النظسر ،كسسأبي
الحسن الكرخي والطحاوي وأمثالهم .إذا سئلوا يجيبوا بما ذكر .وليس المراد أن يكلف كل مقلسسد
أن يعتقد ذلك فيما قلد فيه إلى آخر كلمه ،وقد علمت فساد هذا الحمل بما ذكرنا من النقسسول فسسي
جواز تقليد المفضول مع العلم بالفاضل وإن ذلك ل يختسسص بمقلسسد دون مقلسسد ،وإن الخلف فسسي
ذلك في حق كل مقلد وال الموفق.
ونقل الشيخ عبدالرؤوف المناوي الشافعي رحمسه الس فسي شسرح الجسامع الصسغير عسن السسبكي
رحمه ال تعالى " :أن التقليد إن اجتمعت فيه حقيقة مركبة ممتنعة بالجماع يمتنع .انتهى".
ونقل والدي رحمه ال تعالى في شرحه على شرح الدرر عن العقد الفريد للشرنبللي رحمه ال
تعالى أنه قال -بعد ذكره النقل العديدة " : -والعبارات المعتمدة المفيدة فتحصل لنا ممسسا ذكرنسساه
أنله ليس على النسان التزام مذهب معين ،وأنه يجوز له العمل بما يخالف ما علمه على مذهبه
مقلدًا غير إمامه،مستجمعًا شروطه ،ويعمل بأمرين متضادين في حادثتين ل تعلق لواحدة منهما
بالخرى،وليس له إبطال عيسسن مسسا فعلسسه بتقليسسد إمسسام آخسسر ،لن إمضسساء الفعسسل كإمضسساء قضسساء
القاضي ل ينقض " .انتهى .فانظر قوله" :مستجمعًا شروطه" أي :شروط ذلك المام الذي قلسسده
وهو قاض بعدم صحة التلفيق.
وقال الشيخ عبدالرحمن العمادي رحمه ال تعالى فسي مقسدمته " :اعلسم أنسه يجسوز للحنفسي تقليسد
غير إمامه من الئمة الثلثة رضي ال عنهم فيما تدعو إليه الضرورة بشرط أن يلتزم جميع ما
ل إذا قلد الشافعي في الوضوء من القلستين فعليسه أن يراعسي النيسةيوجبه ذلك المام في ذلك ،مث ً
والترتيب في الوضوء ،والفاتحة وتعديل الركان في الصلة بذلك الوضوء وإل كسسانت الصسسلة
باطلة إجماعًا فافهم .انتهى .وإن كان قوله" :فيما تدعو إليه الضرورة" – غير لزم لما عرفسست
من قبل عدم النسان لمذهب معين على الراجح .وقد تعقبت ذلسسك فسسي شسسرحي لمقدمسسة العمسسادي
رحمة ال تعالى وبسطت الكلم فيه.
ونقل المناوي رحمه ال تعالى في شرح الجامع الصغير للسسسيوطي عسسن المالكيسسة أنسه قسسال فسسي
ل عن الزناتي" :أن التقليد جائز إذا لم يجمع بينهما على وجه يخالف الجمسساع التنقيح للقرافي نق ً
كمن تزوج بل صداق ول ولي ول شهود فإنه لم يقل به أحد" .انتهى.
إذا علمت هذا كله ظهر لك بطلن ما ذهب إليه الشيخ محمد بن الفروخ المكي فسسي رسسسالته مسسن
صحة التلفيق ،رأيًا منه ،وقد استدل عليه بعبارة وقعت في تحرير ابن الهمام ليسسس معناهسسا ذلسسك
فقال :قد أشار إلى عدم منعه المحقق في التحرير ،وأنه لم يدر ما يمنع منسه .مسسع أن عبسسارة ابسن
الهمام ليس فيها ذلك ،وقد نقلها الشيخ محمد البغدادي رحمه الس تعسسالى فسسي رسسسالته عسسن شسسرح
الهداية المسمى " فتح القدر " ،ونقلها أيضًا المناوي الشافعي رحمه الس تعسسالى عسن فتسسح القسدير
وهي قوله" :التنقل من مذهب إلى مذهب باجتهاد وبرهان إثسسم يسسستوجب التغريسسر ،وبل اجتهسساد
وبرهان أولى .ثم حقيقة النتقال إنما تتحقق في مسألة خاصسسة قلسسد فيهسسا وعمسسل بهسسا وإل فقسسوله:
ل ،و "التزمت العمل به علسسى الجمسسال" – وهسسو ل "قلدت أبا حنيفة فيا أفتى به من المسائل" مث ً
يعرف صورها – ليس حقيقة التقليد بل تعليسسق لسسه ،وبسه فسسإن أراد بهسسذا اللسستزام فل دليسسل علسسى
ل أو نيسسة شسسرعًا بسسل السسدليل اقتضسسى العمسسل بقسسول
وجوب اتباع المجتهد بإلزامه نفسسسه بسسذلك قسسو ً
المجتهد فيما يحتاج إليه ،لقوله تعالى } :فاسألوا أهل الذكر إن كنتسسم ل تعلمسسون { والسسسؤال إنمسسا
يتحقق عند طلب الحكم ،وغالب الظن أن مثل هذه اللزامات من المشايخ لكف الناس عسسن تتبسسع
الرخص وإل فأخذ العامي في كل مسألة بقول مجتهد أخذ عليه ،وأنا ل أدري ما يمنسسع هسسذا مسسن
النقل والعقل فكون النسان يتتبع ما هو أخف على نفسه من قول مجتهد مسوغ لسسه الجتهسساد مسسا
علمت من الشرع ذمة عليه وكان صلى ال عليه وسلم يحب ما خف على أمته" .إلسسى هنسسا كلم
ابن الهمام.
فانظر كيف فهم منه هذا القاصر الفهم أن مراده صحة التلفيق؛ فأخذ العامي في كل مسألة بقول
مجتهد أخف عليه ،فإن المراد بالمسألة تمام الحكم ل بعضه لنه في مقابلة التزام مذهب معيسسن،
وقد صرح في كتابه التحرير المذكور بمنع التلفيق،فكيف الشارة تعارض الصريح على فرض
صحتها؟ واستدل أيضًا بعبارة وقعت لبن نجيم رحمه ال تعالى فسسي رسسسالة لسه عملهسا فسي بيسع
الوقف ل على وجه الستبدال ،وعبارته :قال مولنا قاضي خسسان فسسي فتسساواه" :ولسسو بسساع أرض
الوقف بثمن غبن فاحش ل يجوز بيعه في قول أبي يوسف وهلل لن القيم بمنزلسسة الواقسسف فل
يملك البيع بغبن فاحش ولو كان أبو حنيفة يجوز الوقف بشرط الستبدال لجاز بيع القيم إذا كان
بغبن فاحش كالوكيل بالبيع" .انتهى كلم قاضي خان .قال ابن نجيم رحمه ال تعالى :ويمكن أن
تؤخذ صحة الستبدال بقول أبي يوسف وصحة البيع بغبن فسساحش بقسسول أبسسي حنيفسسة بنسساًء علسسى
جواز التلفيق في الحكم من قولين.
قال في الفتاوي البزازية من كتاب الصلة مسسن فصسسل زلسسة القسسارئ :ومسسن علمسساء خسسوارزم مسسن
اختار عدم الفساد بالخطأ فسسي القسسراءة أخسسذ بمسسذهب المسسام الشسسافعي فقيسسل لسه :مسسذهبه فسسي غيسسر
الفاتحة ،قال :اخترت من مذهبه الطلق وترك القيد لما تقرر في كلم محمد رحمه ال تعسسالى:
أن المجتهد يتبع الدليل ل القائل حتى صح القضاء بصحة النكسساح بعبسسارة النسسساء علسسى الغسسائب،
انتهى كلم البزازية.
وما وقع في آخر تحرير ابن الهمام من منع التلفيسسق ،إنمسسا عسسزاه لبعسسض المتسسأخرين وليسسس هسسذا
المذهب .انتهت عبارة ابن نجيم رحمه ال تعالى.
فأما نقله عن قاضي خان جواز التلفيق منقول أبي حنيفسسة وأبسسي يوسسسف فهسسو تلفيسسق مسسن مسسذهب
واحد إذ أصول القولين واحدة على أن مسألة البيع بغبن فساحش ل يصسح فسي قسول أبسي يوسسف
وهلل لن القيم كالوكيسل ولسو أجساز أبسو حنيفسة الوقسف بشسرط السستبدال لجساز السبيع بسالغبن
الفاحش كما هو مذهبه في بيع الوكيل به ،فأين التلفيق في هذا؟
وأما واقعة بعض علماء خوارزم في تلفيقه المذكور فهي مشروطة بالجتهاد كما صرح به بعسسد
ذاك بقوله لما تقرر من كلم محمد " :أن المجتهد يتبع السسدليل " أي دليسسل المجتهسسد الخسسر السسذي
أراد موافقته في ذلك الحكم ل القائل أن ل يتبع قول المجتهد الخسسر لن المجتهسسد ل يسسسوغ لسسه
اتباع مجتهد آخر .ومن هذا الباب ما ينقل عن المام الشافعي رحمه ال تعالى :أنه تسسرك قنسسوت
الفجر عند ] قبر [ أبي حنيفسة رحمسه الس تعسالى يسوم زيسارته لسه فسي بغسداد فسإنه محمسول علسى
اجتهاده ذلك اليوم فقط في دليل أبي حنيفة رحمه ال تعالى في نسخ قنوت الفجر لرجحان دليلسسه
عنده ،ثم رجح بعده إلى اجتهاده ،ول يقاس المقلد على المجتهد في هسسذا المسسر عنسسد كسسل واقعسسة
وإن جاز للمقلد اتباع المجتهد في هذا الواقعة بعينها إن دام المجتهد فيها على ما ذهب إليسسه مسسن
الموافقة للمجتهد الخر وإن رجع بطل الحكم بصحة ذلك ،وهذا كله على القول بجواز الجتهاد
المخالف للجماع على قولين أو ثلثة كما سبق بيانه.
وأما قول ابن نجيم رحمه ال تعالى" :وليس هذا المذهب" .فيحتمل رجوعه إلى الغيسسر ولبعسسض
المتأخرين لقربه ،ويحتمل رجوعه إلى منع التلفيق فيكون مراده أن منع التلفيق مطلق سًا المتبسسادر
من عبارة ابن الهمام سواء كان في المجتهد وغيره ومن مذهب ومن مذاهب ليسس هسو المسسذهب
بل يسوغ الحكم بذلك للقاضي المجتهد ولو على قول ل سيما من مذهب واحسسد كمسسا هسسي مسسسألة
المبرهن عليها قبل ذلك على أن كلم ابن نجيم هذا وإن فرضنا صحة دللته على جواز التلفيق
مطلقًا ل يناقض ما سبق التصريح بسسه مسسن عبسسارات كتسسب الصسسول والفسسروع فسسي منسسع التلفيسسق
بالجماع وأين الصريح من الشارة؟ ولبن نجيم رحمه ال تعالى – في كتابه "شرح الكنسسز" –
ل فسسي عبسسارة صريحة في اشتراط المراعاة من المام لصحة القتداء بالمخالف فكيسسف يكسن قسسائ ً
هذه بصحة التلفيق مطلقًا من مجتهد ومقلد.
وقد استدل مصنف الرسالة أيضًا بواقعة أبي يوسسسف المسسذكورة فيمسسا سسسبق علسسى صسسحة التلفيسسق
ل فقد حصل التلفيق منه وهو أوفى حجًة لنا ،ومراده أن أبا يوسف صلى علسسى مسسذهبه وإنمسسا قائ ً
قلد في خصوص الوضوء من القلتين وعلى فرض تسليم التلفيسسق فسسي ذلسسك فسسإن المجتهسسد لسسه أن
يجتهد في دليل آخر كما ذكرنا ول كذلك المقلد على أن صلة أبسسي يوسسسف علسسى مسسذهب ليسسست
فاسدة على مذهب غيره حتى يكون ذلك تلفيقًا.
والحاصل أن جميع هذه الوجوه الذي استدل بها هسسذا القسسائل بسسالتلفيق الخسسارق للجمسساع المعتسسبر
بذلك فاسدة ل اعتداد بها ول يجوز اعتبار ذلك منه لمخالفته للصريح في منع التلفيق كما ذكرنا
وإذا كان المجتهد ل يسسسوغ التلفيسسق إذ أدى اجتهسساده إليسسه علسسى حسسسب مسسا قسسدمناه فكيسسف بالمقلسسد
القاصر ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم ،وصلى ال على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.