You are on page 1of 12

‫خلصة التحقيق في بيان حكم التقليد والتلفيق‬

‫عبد الغني النابلسي رحمه ال‬

‫الحمد ل ولي التوفيق‪ ،‬والشكر له على الهداية إلى حقيقة التحقيق‪...‬‬


‫والصلة والسلم على رسوله محمد وعلى آله وأصحابه وتابعيه‪ ،‬وأنصسساره وأحزابسسه السسسالكين‬
‫على أقوم طريق‪.‬‬

‫أما بعد‪،‬‬
‫فيقول العبد الفقير إلى موله الخبير عبد الغني النابلسسسي الحنفسسي‪ ،‬علمسسه الس تعسسالى مسسا لسسم يعلسسم‬
‫وأدامه سالكًا على السنن القوم‪:‬‬

‫قد اطلعت على رسالة في حكم التقليد في المذهب‪ ،‬صنفها مفتي البلد الحرام مكة المشرفة علسسى‬
‫جميع بلد السلم‪ ،‬وهو الشيخ محمد عبد العظيم ابن المنل فّروخ رحمه ال تعالى وعفسسا عنسسه‪.‬‬
‫وقد اشتملت على ستة مقاصد‪ ،‬لم تتحرر على وجه الصواب لكل قاصد‪.‬‬

‫فالمقصد الول‪ :‬هل على النسان التزام مذهب معين أم ل؟‬


‫والثاني‪ :‬هل موافقة المذهب من غير علم به كافية أم ل؟‬
‫والثالث‪ :‬هل يجوز التقليد من غير اعتقاد الرجحية فيما قلده أم ل؟‬
‫والرابع‪ :‬ما حكم القتداء بالمخالف؟ وهل العبرة في ذلك لرأي المقتدي أو المام؟‬
‫والخامس‪ :‬هل يجوز التقليد بعد الفعل أم ل؟‬
‫والسادس‪ :‬في بيان حكم التلفيق‪.‬‬

‫فطلب مني بعض الصحاب تحقيق هذه المقاصد المهمة على وجسسه الصسسواب‪ ،‬مخافسسة أن يغسستر‬
‫ل البداية من الطلب‪ ،‬فشرعت في ذلك مستعينًا بالقدير المالسسك‪ ،‬وقسسد سسسميت مسسا‬ ‫بما لم ُيحّرر أه ُ‬
‫شرعت فيه‪:‬‬
‫خلصة التحقيق في بيان حكم التقليد والتلفيق‪.‬‬
‫وال حسبي ونعم الوكيل‪ ،‬وعلى ال قصد السبيل – أ هس‪.‬‬

‫مطلب‪ :‬هل على النسان التزام مذهب معين أم ل؟‬


‫المقصد الول‪ :‬فهل على النسان التزام مذهب معين أم ل؟‬
‫ل – علمك ال تعالى كل خير – أن مذاهب السلف الماضسسين مسسن الصسسحابة ]والتسسابعين[‬ ‫اعلم أو ً‬
‫وتابعي التابعين – رضوان ال تعالى عليهم أجمعيسسن – كسسثيرة ل تكسساد تنحصسسر الن عسسددًا‪ ،‬أو‬
‫كلها اجتهادات استوفت الشروط‪ ،‬فاستفادت من ال تعالى معونة ومددًا ول يجسوز لحسسد الطعسسن‬
‫في شيء منها أبدًا‪.‬‬
‫كما قال الشيخ عبدالرؤوف المناوي رحمه ال في شرح الجسسامع السسسيوطي‪" :‬ويجسسب علينسسا أن‬
‫نعتقد أن الئمة الربعة والسفيانين – يعني سفيان الثوري‪ ،‬وسسسفيان بسسن عيينسسة – والوزاعسسي‪،‬‬
‫وداود الظاهري‪ ،‬وإسحاق بن راهويه‪ ،‬وسائر الئمة على هدى‪ ،‬ول التفات لمن تكلسسم فيهسسم بمسسا‬
‫هم بريئون منه‪ ".‬انتهى‪.‬‬
‫وفسسي جمسسع الجوامسسع‪ :‬وأن الشسسافعي‪ ،‬ومالسسك‪ ،‬وأبسسا حنيفسسة‪ ،‬والسسسفيانين‪ ،‬وأحمسسد‪ ،‬والوزاعسسي‪،‬‬
‫وإسحاق‪ ،‬وداود‪ ،‬وسائر أئمة المسلمين على هدى من ربهم‪.‬‬

‫وقال الشارح المحلي‪ :‬ول التفات لمن تكلم فيهم بما هم بريئون منه‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فإن من اشتمل على ما يعاب به في الدين ولم يطعن فيه أحد‪ ،‬فل إثم على مسسن لسسم يطعسسن‪،‬‬
‫وأما إذا لم يشتمل على شيء من ذلك‪ ،‬ووقع الطعن من أحد‪ ،‬فالثم على الطاعن‪ .‬قال تعسسالى‪( :‬‬
‫تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ول تسألون عما كانوا يعملون )‪ .‬وأما تقليد مذهب‬
‫من مذاهبهم الن غير المذاهب الربعة‪ ،‬فل يجوز ل لنقصان في مذاهبهم‪ ،‬ورجحسسان المسسذاهب‬
‫الربعة عليهم‪ ،‬لن فيهم الخلفاء المفضلين على جميسسع المسسة‪ ،‬بسسل لعسسدم تسسدوين مسسذاهبهم وعسسدم‬
‫معرفتنا الن بشروطها وقيودها‪ ،‬وعدم وصول ذلك إلينا بطريق التواتر‪ ،‬حسستى لسسو وصسسل إلينسسا‬
‫شيء من ذلك كذلك جاز لنا تقليده‪ ،‬لكنه لم يصل كذلك‪.‬‬
‫قال المناوي رحمه ال تعالى في كتابه المذكور‪ :‬ل يجوز تقليد الصسسحابة‪ ،‬وكسسذا تقليسسد التسسابعين؛‬
‫كما قاله إمام الحرمين مسسن كسسل مسسن لسسم يسسدون مسسذهبه‪ ،‬فيمتنسسع تقليسسد غيسسر الربعسسة فسسي القضسساء‬
‫والفتسساء‪ ،‬لن المسسذاهب الربعسسة انتشسسرت وتحسسررت‪ ،‬حسستى ظهسسر تقليسسد مطلقهسسا‪ ،‬وتخصسسيص‬
‫عامتها‪ ،‬بخلف غيرهم لنقراض أتباعهم‪ ،‬وقد نقل المام السسرازي إجمسساع المحققيسسن علسسى منسسع‬
‫العوام من تقليد أعيان الصحابة وأكابرهم‪ .‬قال المناوي رحمه ال تعالى‪ :‬نعم يجوز لغير عسسامي‬
‫من الفقهاء تقليد غير الربعة‪ ،‬في العمل لنفسه إن علم نسبته لمن يجوز تقليده‪ ،‬وجمسسع شسسروطه‬
‫عنده‪ ،‬لكن بشرط أن ل يتتبع الرخص‪ ،‬بأن يأخذ من مذهب الهون بحيث تنحسسل رتبسسة التكليسسف‬
‫من عنقه‪ ،‬وإل من يجز‪.‬‬
‫وقال في الشباه والنظائر لبن نجيم الحنفي رحمسسه الس تعسسالى إنسسه‪ :‬صسسرح فسسي التحريسسر لبسسن‬
‫الهمام إن الجماع انعقد على عدم العمل بمذهب يخالف الربعة لنضباط مذاهبهم‪ ،‬واشسستهارها‬
‫وكثرة اتباعها‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫إذا علمت هذا‪ ،‬فاعلم أن المذاهب الن التي يجوز تقليدها هي هذه المذاهب الربعة ل غير‪.‬‬
‫انحصر الن العمل بشريعة محمد ‪ r‬في العمل بما ذهب إليسسه أحسسد الربعسسة فقسسط علسسى العمسسوم‪،‬‬
‫فالمر المتفق عليسسه المعلسسوم مسسن السسدين بالضسسرورة‪ ،‬ل يحتسساج إلسسى التقليسسد فيسسه لحسسد الربعسسة‪،‬‬
‫كفرضية الصلة‪ ،‬والصوم‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والحج‪ ،‬ونحوها‪ ،‬وحرمة الزنا‪ ،‬واللواط‪ ،‬وشرب الخمسسر‪،‬‬
‫والقتل‪ ،‬والسرقة‪ ،‬والغصب‪ ،‬وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫والمر المختلف فيه هو الذي يحتسساج إلسسى التقليسسد فيسسه‪ ،‬فسسإذا قلسسد فيسسه النسسسان مسسذهبًا معينسًا مسسن‬
‫المذاهب الربعة‪ ،‬فهل يلزم ذلك النسان الدوم عليه‪ ،‬أو يجوز له النتقال عنه؟‬
‫قال الشيخ المام أبو عبد ال محمد بن عبد الملك البغسسدادي الحنفسسي – رحمسسه الس تعسسالى – فسسي‬
‫رسالة له عملها في بيان حقيقة التقليد‪.‬‬
‫اعلم‪ :‬أن التقليد هو قبول قول الغير من غير معرفة دليله‪ ،‬وأمسسا معرفسسة دليلسسه فليسسس إل وظيفسسة‬
‫المجتهد‪ ،‬والتقليد مناط العمل‪ ،‬فكمسا ل يجسوز للمجتهسد العمسل فسي الوقسائع إل باجتهساده ورأيسه‪،‬‬
‫كذلك ل يجوز للمقلد العلم في كل واقعة من العمال والحكام إل بتقليسسده‪ ،‬واسسستفتائه مسسن مفسست‬
‫مجتهد‪ ،‬أو حامل فقه‪ ،‬وقالوا الواجب على المقلد المطلق اتبسساع مجتهسسد فسسي جميسسع المسسسائل‪ ،‬فل‬
‫يجوز له العمل في واقعة إل بتقليد مجتهد‪ ،‬أي مجتهد كان وأما إذا كان مجتهدًا في البعسسض فقسسد‬
‫اختلف فيه‪ ،‬فقيل‪ :‬يقلد فيما يعجز فيه عن الجتهاد ويجتهد فيما ل يعجز بناًء علسسى التجسسزي فسسي‬
‫الجتهاد وهو الراجح عد الكثر‪ ،‬والمقلد إذا اتبع أحد المجتهدين وأخذ بقسسوله‪ ،‬وعمسسل بمسسوجبه‪،‬‬
‫يجوز له أن يقلد غير ذلك المجتهد في حكم آخر يعمل به‪ ،‬كمن قلد أبا حنيفة – رحمه ال تعالى‬
‫ل في مسألة‪ ،‬وثانيًا الشافعي – رحمه ال تعالى – في أخرى‪ ،‬كذا صسسرح ابسسن الهمسسام فسسي‬ ‫– أو ً‬
‫كتابه التحرير في علم الصول؛ وبه قال المدي وابن الحاجب‪ .‬قسسال ابسسن الهمسسام‪ :‬وذلسسك للقطسسع‬
‫بأنهم في كل عصر كانوا يستفتون مرًة واحدًا‪ ،‬ومرًة غيره‪ ،‬غير ملتزمين مفتيًا معينًا‪ .‬وهسسذا إل‬
‫لم يلتزم حكمًا بخصوصه‪ ،‬ولم يعلم بهذا الحكم سابقًا‪ ،‬وأما إذا علم به بعد أن قلده فيه فل يرجسسع‬
‫فيه باتفاق العلماء‪ ،‬كذا قاله المسسدي وابسسن الحسساجب‪ .‬قسسال ابسسن الهمسسام‪ :‬حكسسم المقلسسد فسسي المسسسألة‬
‫الجتهادية كالمجتهد‪ ،‬فإنه إذا كان له رأيين في مسألة وعمسسل بأحسسدهما يتعيسسن لسسه مسسا عمسسل بسسه‪،‬‬
‫وأمضاه بالعمل فل يرجع عنه إلى غيره إل بترجيح ذلك الغير‪ ،‬كمسسن اشسستبهت عليسسه القبلسسة فسسي‬
‫جهتين‪ ،‬أو جهات‪ ،‬فاختار واحدة يتعين له هذه الجهة ما لم يرجح الخر‪ ،‬وكذا القاضي فيمسسا لسسه‬
‫رأيين فيه بعد أن حكم وأمضاه بالحكم في أحدهما‪ ،‬فالمقلد إذا عمل بحكسسم مسسن مسسذهب ل يرجسسع‬
‫عنه إلى آخر‪ ،‬من مذهب آخر‪ .‬انتهى كلم ابن الهمام‪.‬‬
‫واعلم أن مذهب الجمهور‪ ،‬والذي اختاره ابن الهمام‪ ،‬أن أصل اللتزام ليس بواجب ابتسسداًء‪ ،‬بسسل‬
‫ي مفست اختسساره‪ ،‬ويعمسسل بحكمسسه كمسا كسان فسي‬ ‫يجوز لكل أحٍد أن يستفتي في كسل واقعسة عنسسد أ ّ‬
‫القرون الفاضلة من الصحابة والتابعين رضوان ال عليهم أجمعين‪.‬‬
‫ونقل صاحب العقد الفريد عن المام النووي ما يعضد هذا المذهب حيسسث قسسال‪ :‬والسسذي يقتضسسيه‬
‫الدليل أنه ل يلزم التمذهب بمذهب معين‪ ،‬بل يستفتي من شاء ومسسن اتفسسق‪ ،‬لكسسن مسسن غيسسر تلقسسط‬
‫الرخص‪ ،‬فلعل من منعه شاء لم يثق بعدم تلقطه‪ .‬انتهى كلم النووي‪ .‬وقال ابن الهمام في كتسسابه‬
‫"التحرير"‪ :‬فلو التزم المقلسسد مسسذهبًا معينسًا كسأبي حنيفسة والشسسافعي‪ ،‬فقيسسل‪ :‬تلزمسه‪ .‬انتهسسى‪ .‬يعنسسي‬
‫الستمرار عليه فل يعدل عنه في مسسألة مسن المسسائل مسن مسذهب آخسر‪ ،‬لنسه بسالتزامه يصسير‬
‫ملزومًا به كما التزم مسسذهبه فسسي حادثسسة معينسسة ولنسسه اعتقسسد أن المسسذهب السسذي انتسسسب إليسسه هسو‬
‫الصواب فعليه الوفاء بموجب اعتقاده‪ ،‬كذا في شرح التحرير لبن أمير حاج‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ل يلزمه وهو الصح لما وجهه الرافعي وغيره‪ ،‬بأن التزامه غير ملزم إذ ل واجب إل ]‬
‫ما [ أوجبه ال ورسوله‪ ،‬ولم يوجب ال تعالى ورسوله على أحد من النسساس أن يتمسسذهب لرجسسل‬
‫من المة فيقلد دينه في كل ما يأتي ويذر غيره‪ ،‬ول قائل به أحد من المجتهسسدين‪ ،‬أن مسسن تبعنسسي‬
‫فل يتبع أحدًا غيري‪ .‬إل هنا كلم البغدادي في رسالته‪.‬‬
‫وفي شرح الجوامع للمحلي – رحمه ال تعالى والصح أنه يجب على العامي وغيسسره ممسسن لسسم‬
‫تبلغ رتبته الجتهاد التزام مذهب معين من مذاهب المجتهدين‪ ،‬ثم في خروجه عنه أقوال‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬ل يجوز لنه التزمه وإن لم يجب التزامها‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬يجوز‪ ،‬والتزام ما ل يلزم غير ملزم‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬ل يجوز في بعض المسائل‪ ،‬ويجوز في بعض توسطًا بين القولين‪ ،‬والجواز في غيسر مسا‬
‫عمل به أخذًا مما تقدم‪ ،‬في عمل غير الملتزم‪ ،‬فإنه إذا لم يجز له الرجسسوع – قسسال ابسن الحسساجب‬
‫كالمدي اتفاقًا – فالملتزم أولى بذلك‪ ،‬وقد حكيا منه الجواز ويقيد بمسسا قلنسساه يعنسسي فسسي غيسسر مسسا‬
‫عمل به‪ ،‬وقيل‪ :‬ل يجب عليه التزام مذهب معين‪ ،‬فله أن يأخذ فيمسسا يقسسع لسه بهسذا المسذهب تسسارًة‬
‫وبغيره أخرى وهكذا‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وقال والدي – رحمه ال تعالى – في شرحه على شرح الدرر‪ :‬روى البيهقي في المدخل بسنده‬
‫عن ابن عباس – رضي ال عنهما –‪ ،‬أنه قال‪ :‬قال رسول ال ‪ " :r‬مهما أوتيتم مسسن كتسساب ال س‬
‫فالعمل به ل عذر لحد في تركه‪ ،‬فإن لم يكن في كتاب ال فسنة مني ماضية‪ ،‬فإن لسسم تكسسن فسسي‬
‫سنة مني فما قاله أصحابي‪ ،‬إن أصحابي بمنزلة النجسسوم فسسي السسسماء‪ ،‬فأيمسسا أخسسذتم بسسه اهتسسديتم‪،‬‬
‫واختلف أصحابي لكم رحمة "‪.‬‬
‫قسسال لجلل السسسيوطي فسسي " جزيسسل المسسواهب "‪ :‬فسسي هسسذا الحسسديث فسسوائد؛ إخبسساره ‪ r‬بسساختلف‬
‫المذاهب بعده في الفروع‪ ،‬وذلك من معجزاته ‪ r‬ألنه مسن الخبسار بالمغيبسات والتخييسر للمكلسف‬
‫في الخ بأيها شاء من غير تعيين لحدها‪ ،‬ويستنبط منه أن كل المجتهدين على هدى‪ ،‬من غيسسر‬
‫تعيين لحدها‪ ،‬ولكنهم على حق فل لوم على أحد منهم‪ ،‬ول ينسب إلى أحد منهم تخطيئه لقسسوله‪:‬‬
‫" فأيما أخذتم به اهتديتم "‪.‬‬
‫وأخرج الخطيب البغدادي في كتاب " الرواة " عن مالك ن طريق إسسسماعيل بسسن أبسسي المحامسسد‪،‬‬
‫قال هارون الرشيد لمالك بن أنس‪ :‬يا أبا عبدا ل ! تكتب هذه الكتب وتفرقهسسا فسسي آفسساق السسسلم‬
‫لتحمل عليها المة؟! قال‪ :‬يا أمير المؤمنين ! إن اختلف العلماء رحمة من ال على هذه المسسة‪،‬‬
‫كل يتبع ما صح عنده‪ ،‬وكل على هدى‪ ،‬وكل يريد ال‪.‬‬
‫ثم قال الجلل السيوطي‪ :‬واعلم أن اختلف المذاهب في هذه المّلة نعمة كبيرة‪ ،‬وفضسسيلة جزيلسسة‬
‫عظيمة‪ ،‬وله سر لطيف أدركه العالمون‪ ،‬وعمسسي عنسسه الجسساهلون‪ ،‬حسستى سسسمعت بعسسض الجهسسال‬
‫يقول‪ :‬النبي ‪ r‬جاء بشرع واحد فمن أين مذاهب أربعة؟‬
‫ل يسسؤدي إلسسى تنقيسسص‬ ‫ومن العجيب أيضًا من يأخذ في تفضيل بعض المذاهب على بعض تفضي ً‬
‫المفضسسل عليسسه وسسسقوطه‪ ،‬وربمسسا أدى إلسسى الخصسسام بيسسن السسسفهاء‪ ،‬وصسسارت عصسسبة وحميسسة‬
‫الجاهلية‪ ،‬والعلماء منزهون عن ذلك وقد وقع الختلف في الفسسروع بيسسن الصسسحابة رضسسي الس‬
‫تعالى عنهم وهم خير المة‪ ،‬فما خاصم أحٌد منهم أحدًا‪ ،‬ول عادى أحد منهم أحدًا ول نسب أحسٌد‬
‫إلى أحد خطًأ ول قصورًا‪ ،‬والسر الذي أشرت إليه قسسد اسسستنبطته مسسن حسسديث‪" :‬إن اختلف هسسذه‬
‫المة رحمة لها وكان اختلف المم السابقة عذابًا وهلكًا"‪ .‬فعسسرف بسسذلك أن اختلف المسسذاهب‬
‫في هذه الملة خصيصة فاضلة لهسذه المسة‪ ،‬وتوسسسيٌع فسي هسسذه الشسسريعة السسسمحة السسهلة‪ ،‬فكسسان‬
‫النبياء – صلوات ال عليهم – ُيبعث أحدهم بشسسرع واحسسد وحكسسم واحسسد‪ ،‬حسستى أنسسه مسسن ضسسيق‬
‫شريعتهم لم يكن فيها تخيير في كثير من الفروع التي شرع فيها التخيير فسسي شسسريعتنا‪ ،‬كتحريسسم‬
‫عدم القصاص في شريعة اليهود‪ ،‬وتحتم الدية في شريعة النصسسارى‪ ،‬وهسسذه الشسسريعة وقسسع فيهسسا‬
‫التخيير بين أمرين‪ :‬شرع كل منهما في ملسة كالقصساص والديسة‪ ،‬فكأنهسا جمعست بيسن الشسرعين‬
‫معًا‪ ،‬وزادت حسنًا بشرع ثالث وهو التخيير‪ ،‬ومن ذلك مشروعية الختلف في الفروع‪ ،‬فكانت‬
‫المذاهب على اختلفها كشرائع متعددة كل مأمور به في هذه الشسريعة‪ ،‬فصسارت هسذه الشسريعة‬
‫كأنها عّدة شرائع بعث النبي ‪ r‬بجميعها‪ ،‬انتهى كلمه مختصرًا‪.‬‬
‫وإنما ذكرناه لفادته ما نحن بصدده من عدم التزام مذهب معين من المذاهب الربعة‪ ،‬مع ذكسسر‬
‫الفوائد الجليلة‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أن العلماء اختلفوا في لزوم مذهب معين‪ ،‬وصحح كل أحد منهم ما ذهب إليه‪ ،‬وعدم‬
‫اللزم هو الراجح كما ذكرناه بعد أن ل يخرج عن المذاهب الربعة‪ ،‬وال ولي التوفيق‪.‬‬

‫مطلب‪ :‬هل موافقة المذهب من غير علم به كافية أم ل؟‬


‫وأما المقصد الثاني‪ :‬فهل موافقة المذهب من غير علم به كافية أم ل؟‬
‫اعلم‪ :‬أنهم حيث أوجبوا التقليد للمجتهد على غير المجتهد فل شك أن الموافقة من غير قصسسد ل‬
‫تكفي‪ ،‬لكونها غير تقليد كما سبق في تعريف التقليسد‪ :‬بسأنه قبسسول قسول الغسري مسن غيسسر معرفسة‬
‫دليله‪.‬‬
‫وقال المحلي في شرح الجوامع‪ :‬التقليد‪ :‬أخذ القول بأن يعتقد من غير معرفة دليله‪ ،‬فهو اجتهسساد‬
‫وافق اجتهاد القائل‪ .‬ثم قال‪ :‬ويلزم غير المجتهد علميًا كسسان أو غيسسره أي يلزمسسه التقليسسد للمجتهسسد‬
‫لقوله تعالى‪ ( :‬فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون ) انتهى‪ .‬وقد سبق التصريح بمثل ذلك مسسن‬
‫لزوم التقليد للمجتهد‪ ،‬فل تكفي الموافقة على كل حال‪ ،‬غير أن التقليد بعد الفعل جائز عندنا كما‬
‫سنذكره إن شاء ال تعالى‪ .‬فيبقى على هذا ل بد مسن قصسد القلسب فسي العمسل بقسول الغيسر حستى‬
‫يسمى تقليدًا‪ ،‬لكن سواءً قصد ذلك قبل الفعل – وهو الصل المجمع عليه – أو بعسسد الفعسسل فهسسو‬
‫ل قبله وبعده من قصد قلبه للخذ بقسسول الغيسسر مسسن الئمسسة‬ ‫صحيح عندنا أيضًا‪ ،‬وأما إذا خل عم ً‬
‫الربعة فل يكون حين العمل مقلدًا لحد من المجتهسسدين وليسسس هسسو بمجتهسسد فعملسسه حينئذ باطسسل‬
‫اتفاقًا‪.‬‬

‫مطلب‪ :‬هل يجوز التقليد من غير اعتقاد الرجحية فيما قّلده أم ل؟‬
‫وأما القصد الثالث‪ :‬فهل يجوز التقليد من غير اعتقاد الرجحية فيما قلده أم ل؟‬
‫قال الشيخ محمد البغدادي رحمه ال تعالى في رسالته فسسي التقليسسد‪ :‬واختلفسسوا فسسي أنسسه لسسه يجسسوز‬
‫للمقلد تقلدي المفضول مع وجود الفضل؟ فجسّوزه الئمسسة الحنفيسسة‪ ،‬والمالكيسسة وأكسسثر الشسسافعية‪،‬‬
‫ومنعه المام أحمد وطائفة من الفقهاء‪ ،‬كذا في التحرير لبن الهمام وشرحه لبن أمير حاج‪.‬‬
‫ونقل عن المام الغزالي أنه قال‪ :‬إذا اعتقد المقلد أحد المجتهدين بالفضسسل‪ ،‬ل يجسسوز لسسه أن يقلسسد‬
‫غيره‪ .‬وإن كان ل يلزم البحث عن العلم إذا لم يعلم اختصاص أحسسدهم بزيسسادة الفضسسل والعلسسم‪،‬‬
‫وأما إذا علم واعتقد زيادة الفضل في أحدهم يلسسزم تقليسسد أورع العسسالمين‪ ،‬وأعلسسم السسورعين‪ .‬وإن‬
‫تعارضا في العلم والورع قدم العلم على الصح‪ ،‬انتهسسى‪ .‬وقسسال الشسسيخ محمسسد البغسسدادي أيضسًا‬
‫رحمه ال تعالى‪ :‬فإن قلت كيف يذكر ابن الهمام وشارح كلمه من علماء المسسذهب فسسي المسسسألة‬
‫الفقهية قول المخالفين من المالكية والشافعية؟ فيسسستدلن علسسى مسسا اختسساره مسن السسوجه‪ .‬قلسست‪ :‬إن‬
‫المسألة إذا لم يكن لها اختصاص بواحد مسن الئمسة بسل كسانت مشستركة فيمسا بينهسم فسي الحكسم‪،‬‬
‫كمسائل أصول الدين والحكام المتفق عليها من الفروع‪ ،‬فيجوز الستدلل عليها بقول الجميسسع‪،‬‬
‫ومسألة التقليد والفتداء بالمخالف من هذا القبيل‪ .‬فل محذور في إيراد الدليل عليها من أي عالم‬
‫ومجتهد كان‪ ،‬انتهى فاعلم‪ .‬هذا فيما سنذكره‪.‬‬
‫وقال المحلي – رحمه ال تعالى – في شرح جمع الجوامع‪ :‬تقليد المفضول من المجتهسسدين فيسسه‬
‫أقوال‪ :‬أحدها‪ – :‬ورجحه ابن الحاجب – يجوز لوقسسوعه فسسي زمسسن الصسسحابة وغيرهسسم – ‪– y‬‬
‫مشتهرًا متكررًا نم غير إنكار‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬ل يجوز‪ ،‬لن أقوال المجتهدين في حق المقلد كالدلسسة فسسي حسسق المجتهسسدين‪ ،‬فكمسسا يجسسب‬
‫الخذ بالراجح مسسن الدلسسة‪ ،‬يجسسب الخسسذ بالراجسسح مسسن القسسوال‪ :‬والراجسسح منهسسا قسسول الفاضسسل‪،‬‬
‫ل عنسسده أو مسسساويًا لسسه‪،‬‬
‫ويعرفه العامي بالتسامع وغيسسره‪ .‬ثالثهسسا‪ :‬المختسسار يجسسوز لمعتقسسده فاضس ً‬
‫ل ومن ثم لم يجب البحث عن الرجح من المجتهدين‪ ،‬لعدم تعينه‪ .‬فسسإن‬ ‫بخلف من اعتقد مفضو ً‬
‫ل باعتقسساده‬ ‫اعتقد العامي رجحان واحد منهم تعّين‪ ،‬لن تقليده وإن كان مرجوحًا فسسي الواقسسع عم ً‬
‫المبني عليه‪ .‬والراجح علمًا فوق الراجح ورعًا في الصح‪ ،‬لن لزيادة العلم تأثيرًا في الجتهسساد‬
‫بخلف زيادة الورع‪ ،‬وقيل‪ :‬العكس‪ ،‬لن لزيادة الورع تأثيرًا في التثبسست فسسي الجتهسساد وغيسسره‪،‬‬
‫بخلف زيادة العلم‪ .‬ويحتمل التساوي لن لكل مرجحًا‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وقال الشيخ محمد البغدادي في رسالته‪ :‬من أحوال المقلسسد أن يكسسون مسسن العلمسساء فيعتقسسد بحسسسب‬
‫حاله وعلمه رجحان مذهب الغير في تلك المسألة فين له التباع للراجح في ظنه‪ .‬انتهسسى‪ .‬وقسسال‬
‫ل عن السبكي‪ :‬إن المنتقسسل مسن مسذهب لخسر‬ ‫المناوي – رحمه ال تعالى – في شرح الجامع نق ً‬
‫له أحوال‪ ،‬وذكر منها‪ :‬أن يعتقد رجحان مذهب الغير فيجوز عمله بالراجح في ظنسسه‪ ،‬ومنهسسا أن‬
‫ل يعتقد رجحان شيء فيجوز‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وهذا كله يقتضي أنه ل يلسسزم المقلسسد اعتقسساد الرجحيسسة فسسي مسسذهبه‪ ،‬وإن كسسان الولسسى اعتقادهسسا‬
‫للخروج من الخلف الواقع في ذلك كما ترى‪ ،‬وعلى الولوية وعدم اللزوم ما وقع فسسي الشسسباه‬
‫ل عن المصفى‪ :‬إذا سئلنا في مذهبنا ومذهب مخالفنا في الفروع‬ ‫والنظائر في آخر الفن الثالث نق ً‬
‫يجب أن نجيب بأن مذهبنا صواب يحتمل الخطأ‪ ،‬ومذهب مخالفنا خطأ يحتمسسل الصسسواب‪ .‬لنسسك‬
‫لو قطعت القول لما صح قولنسا‪ :‬إن المجتهسسد يخطسسئ ويصسيب‪ .‬وإذا سسسئلنا عسن معتقسدنا ومعتقسد‬
‫خصومنا في العقائد يجب علينا أن نقول‪ :‬الحق ما نحن عليه‪ ،‬والباطل ما عليه خصسسومنا‪ .‬هكسسذا‬
‫نقل عن المشايخ‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫ول يحتاج أن يحمل ذلك على المجتهدين في المذهب أصحاب الترجيح‪ ،‬كأبي الحسسسن الكرخسسي‬
‫والطحاوي والسرخسي ونحوهم‪ .‬كما حمل ذلسسك علسسى أمثسسال هسسؤلء الشسسيخ محمسسد بسسن الفسسروخ‬
‫المكي في رسالته حيث قال‪ :‬بأن هذا في حسسق أئمتنسسا ومسن أخسسذ بقسولهم مسسن أهسل النظسر‪ ،‬كسسأبي‬
‫الحسن الكرخي والطحاوي وأمثالهم‪ .‬إذا سئلوا يجيبوا بما ذكر‪ .‬وليس المراد أن يكلف كل مقلسسد‬
‫أن يعتقد ذلك فيما قلد فيه إلى آخر كلمه‪ ،‬وقد علمت فساد هذا الحمل بما ذكرنا من النقسسول فسسي‬
‫جواز تقليد المفضول مع العلم بالفاضل وإن ذلك ل يختسسص بمقلسسد دون مقلسسد‪ ،‬وإن الخلف فسسي‬
‫ذلك في حق كل مقلد وال الموفق‪.‬‬

‫مطلب‪ :‬حكم القتداء بالمخالف؛ وهل العبرة لرأي المقتدي أو المام؟‬


‫وأما المقصد الرابع فهو‪ :‬مسا حكسم القتسداء بالمخسالف وهسل العسبرة فسي ذلسك لسرأي المقتسدي أو‬
‫المام؟‬
‫اعلم‪ :‬أن هذه المسألة قد صنف فيها المام العلمة – رحمه الس تعسسالى – السسسندي تلميسسذ المسسام‬
‫ابن الهمام – رسالة فيها الكلم‪ ،‬فنورد بعضه على وجه الختصار‪ ،‬وفسسي كتسسب فقهنسسا عبسسارات‬
‫أيضًا كثيرة تشابه ما ذكر في هذه الرسالة للسندي رحمه ال تعالى‪ ،‬تركناها خوف الطالسسة فسسي‬
‫هذه العجالة‪.‬‬
‫والذي قاله السندي في رسالته – رحمه ال تعالى – هو قوله‪ :‬اعلم أنه قد اختلسسف علماؤنسسا – ‪y‬‬
‫– قديمًا وحديثًا في جوازه يعني القتداء ] بالمخالف [ على أربعة أقوال‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬أنه يجوز القتداء بسسه إذا كسسان يحتسساط فسسي مواضسسع الخلف‪ ،‬وإل فل‪ .‬وعلسسى هسسذا‬
‫أكثر المشايخ رحمهم ال تعالى‪ ،‬منه المام شمسا الئمة الحلسسواني‪ ،‬وشسسمس الئمسسة السرخسسسي‪،‬‬
‫وصدر السلم‪ ،‬وأبو الليسث السسمرقندي وصساحب الهدايسة‪ ،‬وصساحب الكسافي‪ ،‬وقاضسي خسان‪،‬‬
‫والتمرتاشي‪ ،‬وصاحب التاتارخانية‪ ،‬والصدر الشسسهيد‪ ،‬وتسساج الشسسريعة‪ ،‬وصسساحب المضسسمرات‪،‬‬
‫وصاحب النهاية‪ ،‬وقوام الدين شارح الهداية‪ ،‬وفخر الدين شسسارح الكنسسز وشسسيخنا المحقسسق كمسسال‬
‫الدين بن الهمام شارح‪ ،‬وغيرهم من المشايخ‪ ،‬والصل في هذا أن المذهب الصحيح الذي عليسسه‬
‫المشايخ سلفًا وخلفًا هو أن العبرة في جواز الصسسلة وعسسدمه لسسرأي المقتسسدي فسسي حسسق نفسسسه‪ ،‬ل‬
‫لرأي إمامه‪ ،‬فلو علم المقتدي من المام ما يفسد الصلة على زعم المام – كمس المرأة وغيره‬
‫– يجوز القتداء به لنه يرى جوازها‪ ،‬والمعتبر في حقه رأيه ل غير‪ ،‬فوجب القول بجوازهسسا‪.‬‬
‫ولو علم منه ما يفسد الصلة عنده ل عند المام ل يجوز القتداء به‪ ،‬لمسسا قلنسسا أن العسسبرة لسسرأي‬
‫المقتدي‪ ،‬وأنه لم ير القتداء به جائزًا‪ ،‬فوجب القول بعدم الجواز‪ ،‬فإن ‪ r‬معسسه يعيسسد‪ .‬صسسرح بسه‬
‫الصدر الشهيد‪ .‬وهذا هو الصل الذي ل محيد عنه للحنفي فإنه إما أن يسسلم هسذا الصسل أو ل‪،‬‬
‫فإن كان الثاني فل خطاب معه لتركه المسسذهب‪ ،‬وإن كسسان الول فل محيسسص عنسسه أو يسسسلم فسسي‬
‫مسائل دون أخرى‪ ،‬فيحتاج إلى الفرق‪.‬‬
‫ل عديدة‪ ،‬ثم قال‪ :‬اعلسم أنسه احتساط جميسع مواضسع الخلف ولسم‬ ‫ثم إنه رحمه ال تعالى سرد نقو ً‬
‫يعلم منه مفسد‪ ،‬هل يجوز القتداء به‪ ،‬بل كراهسسة أو بهسسا؟ وهسسل عليسسه إسسساءة أم ل ففسسي الكفايسسة‬
‫شرح الهداية وشرح المجمع ومفتاح السعادة أنه مع الكراهة‪ .‬وفي فتاوى قاضي خان‪ :‬ومع هذا‬
‫لو صلى الحنفي خلف الشافعي كان مسيئًا وفسسي بعسسض كتسسب أخسسر‪ :‬يكسسره خلسسف المحسسترز عمسسا‬
‫يبطلها عندنا وهو المختار‪ .‬ثم قال رحمه ال تعالى‪:‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أنه يجوز القتداء بالشافعي إذا لم يعمل منه المخالفة فيما تقدم من الشروط‪ ،‬وهسسذا‬
‫القول مختار ركن السلم على السغدي وذكره التمرتاشي وصححه شيخ السلم خواهر زاده‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أنه ل يجوز القتداء به مطلقًا وإن راعى مواضع الخلف لنه ل يؤدي ذلك بنيسسة‬
‫الفرض‪.‬‬
‫القول الرابع‪ :‬أنه يجوز القتداء به مطلقًا‪ ،‬قياسًا على قول أبي بكر الرازي مسسن صسسحة القتسسداء‬
‫بمن رعف‪ .‬ثم اعلم أن هذا القول انفرد به الرازي وخالفه جمهور العلمسساء‪ ،‬فلهسسذا قسسال صسساحب‬
‫الرشاد‪ :‬ل يجوز القتداء به‪ ،‬أي بالشسسافعي فسسي السسوتر بإجمسساع أصسسحابنا‪ ،‬يعنسسي إذا سسسلم علسسى‬
‫رأس الركعتين‪ .‬وقال الزيعلي‪ :‬وهو الصحيح‪ .‬ولم يعتبر قول الرازي لمخالفة الكثر‪ .‬حتى قال‬
‫صاحب الدرر‪ :‬وخلف الواحد في مسألة واحدة ل يكون معتبرًا‪ ،‬ويكون ردًا عليه‪.‬‬
‫والحاصل أن الحتجاج بقول الرازي ل يكاد يصح لمرجوحيته‪ .‬وقد قالوا‪ :‬المرجوح في مقابلسسة‬
‫الراجح بمنزلة المعدوم‪ .‬انتهى كلم السسسعدي – رحمسسه الس تعسسالى‪ :‬باختصسسار‪ ،‬وتمسسامه مفصسسل‬
‫هناك‪ .‬وقال الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي رحمه ال تعالى في كتابه "تصحيح القدوري"‪ :‬إنسسي‬
‫قد رأيت من عمل في مذهب أئمتنا بالتشسسهي‪ ،‬حسستى سسسمعت مسسن لفسسظ بعسسض القضسساة‪ :‬وهسسل ثسّم‬
‫حجر؟ فقلت‪ :‬نعم‪ .‬اتباع الهوى حرام‪ ،‬والمرجوح في مقابلسسة الراجسسح بمنزلسسة العسسدم‪ ،‬والترجيسسح‬
‫بغير مرجح في المتقابلت ممنوع‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وقد ذكر الشيخ محمسد بسن فسروخ المكسي فسي رسسالته قسول السرازي هسذا‪ ،‬وبنسى رسسالته عليسه‪،‬‬
‫واعتمده كما صرح بذلك فيها حيث قسال‪ :‬وهسسذا القسول – يعنسسي قسول السرازي – هسو المنصسسور‬
‫دراية‪ ،‬وإن اعتمد خلفه رواية عندنا‪ ،‬وهو الذي أميل إليه وعليه يتمشى ما ذهبنا إليه فسسي هسسذه‬
‫الوريقات‪ ،‬انتهى كلمه‪ .‬فهسسذا هسسو التشسسهي واتبسساع المسسروح‪ ،‬ول حسول ول قسسوة إل بسسال العلسسي‬
‫العظيم‪ .‬واستدل فسسي رسسسالته المسسذكورة علسسى جسسواز القتسسداء بالمخسسالف مسسن غيسسر مراعسساة منسسه‬
‫لمواضع الخلف كما هو مقتضى كلمه فيها بما كانت عليه الصحابة ‪ y‬من أنهسسم كسسانوا يقتسسدي‬
‫بعضهم ببعض‪ ،‬وكذا التابعون وفيهم المجتهدون بل نكير منهم فسسي ذلسسك‪ ،‬وقسسد تسسرك السسستدلل‬
‫بنقول المسسذهب الصسسريحة وعسسدل إلسسى السسستدلل بمسسا كسسانت عليسسه الصسسحابة؛ فيقسسال لسسه‪ :‬كسسانت‬
‫ل‪ ،‬فكيسسف تقيسس‬ ‫الصحابة ‪ y‬مجتهدين بصريح قولك‪ ،‬وأنت تابع لمجتهد آخر هسو أبسو حنيفسة مث ً‬
‫اجتهادهم على اجتهاد أبي حنيفة؟ فقد كانت مذاهبهم تقتضي ذلك‪ ،‬ومذهبك ل يقتضسسيه‪ ،‬مسسع أنسسه‬
‫لم يثبت عنهم الجتهاد على ذلك إل بطريق الجمال‪ ،‬ومن أنهم كانوا يصلون كلهم بالجماعة ل‬
‫منفردين‪ ،‬ونحن ل نعلم كيف كانوا على وجه التفصسسيل‪ ،‬فل يصسسح السسستدلل بسسذلك فسسي مقابلسسة‬
‫الصريح من المذهب كما رأيت‪ ،‬ومذاهب الصحابة ل يجسسوز تقليسدها الن كمسا قسسدمنا عسن إمسام‬
‫الحرمين‪ ،‬بل ل يجوز تقليد غير المذاهب الربعة كما سبق وال أعلم‪.‬‬

‫مطلب‪ :‬حكم التقليد بعد الفعل‬


‫وأما المقصد الخامس‪ :‬فهل يجوز التقليد بعد الفعل أم ل؟‬
‫ل عسن العقسد الفريسد لشسيخه الشسيخ‬ ‫قال والدي رحمه ال تعالى في شرحه علسى شسرح السدرر نق ً‬
‫حسن الشرنبللي رحمه ال تعالى‪:‬‬
‫اعلم أنه يصح التقليد بعد الفعل كما إذا صلى ظانًا صسحتها علسى مسسذهبه‪ ،‬ثسم تسبين بطلنهسسا فسي‬
‫مذهبه وصحتها على مذهب غيره‪ ،‬فله تقليده ويجتزئ بتلك الصلة على ما في البزازيسسة‪ ،‬روي‬
‫ل مسن الحمسسام‬ ‫عن المام الثاني وهو أبو يوسف رحمه ال تعالى‪ :‬أنه صسسلى يسسوم الجمعسسة مغتسس ً‬
‫بالناس‪ ،‬وتفرقوا‪ ،‬ثم أخبر بوجود فأرة ميتة في بئر الحمام‪ ،‬فقسسال‪ :‬إذن نأخسسذ بقسسول إخواننسسا مسسن‬
‫أهل المدينة المنورة‪ " :‬إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثسًا "‪ .‬انتهسسى‪ .‬ونقلسسه ابسسن أميسسر حسساج عسسن‬
‫القنية على جهة الستشكال‪ :‬في أحد المجتهد بعد اجتهاده في حكم ممنسسوع مسسن تقليسسد غيسسره مسسن‬
‫المجتهدين‪ ،‬انتهى‪ .‬ول يرد علينا‪ ،‬لن اليراد على المجتهد ل المقلد في ذلك‪ .‬انتهى كلم الوالد‬
‫رحمه ال تعالى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويمكن الجواب عن أبي يوسف رحمه ال تعالى أنه اجتهد في دليل الشافعي – رحمسسه الس‬
‫تعالى – وأخذ به‪ ،‬والمجتهد المقيد في المذهب له أن يجتهسسد فسي أصسول غيسر إمسامه‪ ،‬لنسه فسسي‬
‫معنى المقلد الذي ل يلزمه التزام مذهب معين كمسا سسبق‪ ،‬إذ هسو ليسس بمجتهسد مطلسق صساحب‬
‫مذهب مستقل حتى يمتنع عليه ذلك‪ ،‬ويؤد هذا قوله‪ :‬نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة المنسسورة‬
‫" إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا "‪ .‬وهذا لفظ الحديث‪ ،‬فقد ذكر أنه أخذ بسسدليلهم وسسسماه قسسولهم‬
‫مجازًا‪ ،‬وسبق الكلم في المجتهد في البعض بأنه يقلد فيما يعجز فيه عن الجتهاد‪ ،‬ويجتهد فيمسسا‬
‫ل يعجز بناًء على التجزي في الجتهاد وهو الراجح‪ ،‬وأبو يوسسسف مسسن هسسذا القبيسسل‪ ،‬لنسسه ليسسس‬
‫بمجتهد مطلق من غير شبهة‪ ،‬ولما أخذ أبو يسف رحمسه الس تعسالى بسدليل الشسافعي ‪ t‬فسي تلسك‬
‫المسألة لم يقل أحد من الحنفية بجواز الطهارة من القلستين‪ ،‬مسع أنسه صسار اجتهسادًا لسه فسي ذلسك‬
‫الحين‪ ،‬ولم يثبت رجوعه عنه إلى مذهبه الصلي بعد ذلسسك‪ ،‬فكيسسف اسسستدلوا بسسواقعته هسسذه علسسى‬
‫صحة التقليد بعد الفعل؟ ! والقضية واحدة ولم يرد ذلك عن أحد غيره من الئمسسة‪ ،‬وهسسذا عنسسدي‬
‫من أشكل المور؛ وربما يستأنس له بما قالوه في اقتداء المقيمين بالمسافر إذا لسسم يعلمسسوا حسساله‪:‬‬
‫أن القتداء غير صحيح ول يجب عليه أن يعلمهم بأنه مسافر‪ ،‬وإنما يستحب له أن يقول‪ :‬أتمسسوا‬
‫صلتكم فإني مسافر‪ ،‬فإذا سلم على الركعتين في الرباعية ومضى يتمون صلتهم موقوفة على‬
‫علمهم بسفر المام‪ ،‬فإذا علموا ذلك ولو بعد مدة صسسحت صسسلتهم‪ ،‬وإذا علمسسوا أنسسه كسسان مقيمسًا‬
‫يعيدون صلتهم‪ ،‬فكانت هذه المسألة من هسسذا القبيسسل ولهسسذا نظسسائر فسسي الحكسسام الثابتسسة بطريسسق‬
‫الستناد كالصلة التي صححت خمسًا المذكورة في قضاء الفوائت‪ ،‬فإنها تظهر صسسحة الخمسسس‬
‫الفواسد عند المام العظم أبي حنيفة ‪ ،t‬وكالمضسسمونات تملسسك عنسسد أداء الضسسمان مسسستندًا إلسسى‬
‫وقت وجود السبب‪ ،‬وكالنصاب فإنه تجب فيه الزكاة عند تمام الحول مستندًا إلى وقسست وجسسوده‪،‬‬
‫وغير ذلك مما ذكره في الشباه والنظائر في الفن الثالث في بحث السسستناد وفسسي مسسسألتنا هسسذه‪،‬‬
‫لما قلد المكلف غير إمامه في عمل – سبق منه – فاسد عد إمامه فقد صح عملسسه بسسسبب التقليسسد‬
‫مستندًا إلى وقت وجوده فل يلزمه إعادته‪ ،‬كما وقع لبي يوسف – رحمه ال تعالى – في أخسذه‬
‫بدليل الشافعي ‪ t‬وهو حديث القلتين واجتهاده فيه كما سبق في أن تقليد المقلد كاجتهسساد المجتهسسد‬
‫فسسي أنسسه ل يجسسوز لسسه العمسسل إل باجتهسساده‪ ،‬والمقلسسد ل يجسسوز لسسه العمسسل إل بتقليسسد مجتهسسد مسسن‬
‫المجتهدين‪ ،‬فاعلم هذا وال ولي الهداية‪.‬‬

‫وأما المقصد السادس‪ :‬فهو في بيان حكم التلفيق‬


‫ل أن الناس على قسمين‪ :‬اجتهاد مطلق واجتهاد مقيد‪.‬‬ ‫وهو الهم العم؛ فاعلم أو ً‬
‫فأهل الجتهاد المطلق ل يجوز لهم تقلد غيرهم مطلقًا‪ ،‬وإنما الواجب عليهسسم العمسسل باجتهسسادهم‪،‬‬
‫كما ذكرناه فيما سبق‪ ،‬وأهل الجتهاد المقيد يجب عليهم تقليد أهل الجتهاد المطلسسق فسسي أصسسول‬
‫مذاهبهم فقط دون الفروع‪ ،‬كأبي يوسف ومحمد ونحوهما من أهل اجتهاد المقيد‪ .‬والظسساهر أنهسسم‬
‫ل يختص وجوب تقليدهم في الصول لهل الجتهاد المطلسسق بمجتهسسد دون مجتهسسد‪ ،‬بسسل يجسسوز‬
‫لهم تقليد أصول أي مجتهد أرادوا‪ .‬ويحمل على هذا واقعسسة أبسسي يوسسسف رحمسسه الس تعسسالى كمسسا‬
‫ذكرنا‪ ،‬وكل ما ورد من هذا التقليد يخرج على ذلك‪.‬‬
‫وأما غير المجتهدين فهم عامة الناس‪ ،‬فل يجب عليهم التزام العمل بمذهب معيسن مسسن المسذاهب‬
‫الربعة على القول الراجح كما سبق‪ ،‬بل يجوز لكل أحسٍد منهسسم أن يعمسسل فسسي عبسسادٍة أو معاملسسة‬
‫على أي مذهب شاء‪ ،‬لكن بعد استيفاء جميسع الشسروط الستي يشسترطها ذلسك المسذهب‪ ،‬وإل كسان‬
‫ل بإجماع كما سنذكره‪ .‬ول يلزمه اعتقاد أرجحية ذلسسك المسسذهب السسذي قلسسده‪ ،‬والولسسى‬ ‫عمله باط ً‬
‫اعتقاد الرجحية للخروج من الخلف في ذلك كما تقدم بيانه‪ ،‬ومتى عمل عبادة أو معاملة ملفقة‬
‫ل بقول به صاحب المذهب الخر فقسسد خسسرج عسسن المسسذاهب الربعسسة‪،‬‬ ‫أخذ لها من كل مذهب قو ً‬
‫واخترع له مذهبًا خاصًا فعبادته باطلة‪ ،‬ومعاملته غير صحيحة وهو متلعب في السسدين‪ ،‬وغيسسر‬
‫عامل بمذهب من مذاهب المجتهدين‪ ،‬لنه لو سأل كل مفت من أهل المذاهب الربعة فل يسوغ‬
‫له أن يفتي بصحة تلك العبادة أو المعاملة لفقد شسسروط صسسحتها عنسسده فسسأين قسسولهم‪ " :‬العسسامي ل‬
‫مذهب له " يعني معينًا كما ذكرنا‪ ،‬وإنما مذهبه فتوى مفتيه‪ ،‬فأي فقيه أفتاه جاز له العمل بقوله‪،‬‬
‫ت شافعي يفتي بصحة الوضسسوء مسسن‬ ‫كما صرح به في البحر وغيره في قضاء الفوائت‪ .‬وأي مف ٍ‬
‫غير نية ول ترتيب؟ ! وأي مالكي يفتي بصحة الوضوء من غير ذلك ول موالة؟ ! وأي حنبلي‬
‫يفتي بصحة الوضوء من غير تسمية ! فلو توضأ رجل من ماء القلتين المذكور من غير خلف‬
‫فلو حكم هو بصحته وهو مقلد لكان مخترعًا مذهبًا خامسًا كمسسا ذكرنسسا‪ ،‬وذلسسك باطسسل حسستى ولسسو‬
‫ل خامس يخالف ما اجتمعسست عليسسه الئمسسة الربعسسة علسسى مسسا‬ ‫كان مجتهدًا ل يسوغ له إحداث قو ٍ‬
‫سنذكره‪ ،‬فكيف وهو مقلد؟ ! وقد صرح الصوليون في مبحث الجماع‪ .‬بذلك قال في التوضيح‬
‫شرح التنقيح لصدر الشريعة‪ :‬إذا اختلف الصحابة في قولين يكون إجماعًا على نفسي قسول ثسسالث‬
‫عندنا‪ ،‬وأما في غير الصحابة فكذا عند بعض مشايخنا وبعضسسهم خصسسوا ذلسسك بالصسسحابة‪ ،‬إذ ل‬
‫ل‪ ،‬نظيره أنهم‪:‬‬ ‫يجوز أن ُيظن بهم الجهل أص ً‬
‫اختلفوا في عدة حامل توفي عنها زوجها‪ ،‬فعند البعض تعتد بأبعد الجلين‪ ،‬وعند البعض بوضع‬
‫الحمل‪ .‬فالكتفاء بالشهر قبل وضع الحمل قول ثالث لم يقل به أحد‪ .‬واختلفوا فسسي فسسسخ النكسساح‬
‫بالعيوب الخمسة‪ ،‬فعند البعض ل فسخ في شيء منها‪ ،‬وعند البعض حسسق الفسسسخ ثسسابت فسسي كسسل‬
‫منها‪ .‬فالفسخ في البعض دون البعض قسسول ثسسالث‪ ،‬لسم يقسسل بسه أحسد‪ .‬واختلفسوا فسي الخسسارج مسن‬
‫السبيلين‪ ،‬فعند البعض غسل المخرج فقط واجب‪ ،‬وعند البعسسض غسسسل العضسساء الربعسسة فقسسط‬
‫واجب‪ .‬فشمول العدم أو شمول الوجود ثالث لم يقل به أحد‪ .‬وأيضًا الخروج مسسن غيسسر السسسبيلين‬
‫ناقض عندنا‪ ،‬لمس المرأة‪ ،‬وعند الشافعي رحمه ال تعالى‪ :‬المس نسساقض ل الخسسروج‪ ،‬فشسسمول‬
‫الوجود أو شمول العدم لم يقل به أحد‪.‬‬
‫وقال بعض المتأخرين‪ :‬الحق هو التفضيل‪ ،‬وهو أن القول الثالث إن اسسستلزم إبطسال مسا أجمعسوا‬
‫عليه لم يجز إحداثه‪ ،‬وإل جاز‪.‬‬
‫مثال الول‪ :‬الصورة الولى فإن الكتفاء بالشهر قبل الوضع منتف إجماعسًا‪ ،‬إمسسا لن السسواجب‬
‫أبعد الجلين‪ ،‬وإما لن الواجب وضع الحمل‪ ،‬فهذا يسمى إجماعًا مركب سًا‪ ،‬فآيسسة الشسستراك وهسسو‬
‫عدم الكتفاء بالشهر مجمٌع عليه‪.‬‬
‫ومثال الثاني‪ :‬المثلة الخيرة‪ ،‬وأنسسه ليسسس فسسي كسسل صسسورة إل مخالفسسة مسسذهب واحسسد ل مخالفسسة‬
‫الجماع‪ ،‬ولو كان مثل هذا مردودًا يلزم كل مجتهد وافق صحابيًا أو مجتهسدًا فسسي مسسألة يلزمسسه‬
‫أن يوافقه في جميع المسائل‪ ،‬وهذا باطل إجماعسًا‪ .‬ثسسم بسسسط الكلم فسسي ذلسسك‪ ،‬ثسسم قسسال‪ :‬فسسإن مسسن‬
‫احتجم ومس المرأة ل تجوز صلته بالجماع‪ .‬أما عندما فللحتجام‪ ،‬وأما عند الشسسافعي رضسسي‬
‫ال تعالى عنه فللمس‪ .‬فالذي يخطر ببالي أنسسه ل يقسسال‪" :‬إن هسسذه الصسسلة باطلسسة بالجمسساع" لن‬
‫الحكم عندنا أنها ل تجوز للحتجام‪ ،‬والحكم عند الشافعي رحمه ال تعالى أنها ل تجوز للمسسس‪،‬‬
‫وكل من الحكمين منفصل عن الخر‪ ،‬ل تعلق لحدهما بسسالخر‪ ،‬فيمكسسن أن أبسسا حنيفسسة ‪ t‬يكسسون‬
‫مخطئًا في الخروج ومصيبًا فسسي المسسس‪ ،‬والشسسافعي رحمسسه الس تعسسالى يكسسون مخطئًا فسسي المسسس‬
‫مصيبًا في الخروج‪ ،‬إذ ليس من ضرورة كونه مخطئًا في أحدهما أن يكون مخطئًا فسسي الخسسر‪،‬‬
‫إلى آخر ما بسطه من الكلم‪.‬‬
‫وقال السعد التفتازاني رحمه ال تعالى في التلويسح حاشسسية التوضسسيح وإنمسسا قسسال‪ :‬فالسسذي يخطسسر‬
‫ببالي‪ ،‬لن الظاهر أنه ل خلف في بطلن الصلة‪ ،‬وإنما الخلف فسسي جهسسة البطلن فالجهتسسان‬
‫ل وإنما التغاير في العلة‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫متحدان ل تغاير بينهما أص ً‬
‫وقال في مرآة الصول للمنل خسرو – رحمه ال تعالى –‪ :‬أهل العصر الول إذا اختلفوا على‬
‫قولين يكون إجماعًا على نفي قول ثالث‪ ،‬وبعضهم خصوا لخلف بالصحابة‪ ،‬وإنما يسسستقيم عنسسد‬
‫من حصر الجماع على الصحابة‪ ،‬فالصح الطلق انتهى‪.‬‬
‫وقال المحلي رحمه ال تعالى في شرح جمع الجوامع‪ ،‬فسسي بحسسث الجمسساع‪ :‬وخرقسسه بالمخالفسسة‬
‫حرام للتوعد عليه حيث توعد على اتباع غير سبيل المؤمنين في اليسسة فعلسسم تحريسسم قسسول ثسسالث‬
‫في مسألة اختلف أهل عصر فيها على قولين وإحداث التفصيل بيسسن مسسسألتين لسسم يفصسسل بينهمسسا‬
‫أهل عصر إن خرقاه‪ ،‬أي إن خرق الثالث‪ ،‬والتفصيل الجمسساع بسسأن خالفسسا مسسا اتفسسق عليسسه أهسسل‬
‫العصر بخلف ما إذا لم يخرقاه‪ ،‬وقيل‪ :‬هما خارقان مطلقسًا أي أبسسدًا لن الختلف علسسى قسسولين‬
‫يستلزم التفاق على امتناع العدول عنهما‪ .‬وعسسدم التفضسسيل بيسسن مسسسألتين يسسستلزم التفسساق علسسى‬
‫امتناعه وتمامه مفصل هناك‪.‬‬
‫إذا علمت هذا لم تتوقف في بطلن العمل الملفق من مذهبين أو ثلثسة أو أربعسة‪ ،‬إذ التلفيسق فسي‬
‫مثل ذلك خرق للجماع‪ ،‬فل يجوز للمجتهد‪ ،‬فما بالك بالمقلد القاصر؟!‪.‬‬
‫وإن أردت صريح النقول من كتب الفروع فأنا أذكر لك ما يحضرني من ذلك‪ .‬قال الشيخ قاسسسم‬
‫رحمه ال تعالى في "تصسسحيح القسسدوري"‪ :‬قسسال المسسام الحسسسن الخطيسسب فسسي كتسساب "الفتسساوى"‪:‬‬
‫المفتي على مذهب إذا أفتى بكون الشيء كذا على مسسذهب إمسسام ليسسس لسسه أن يقلسسد غيسسره‪ ،‬ويفسستي‬
‫بخلفه لنه محض تشهي‪.‬‬
‫وقال أيضًا‪ :‬إنه بالتزامه مذهب إمام يكلف به ما لم يظهر له بخلف المجتهسسد‪ ،‬حيسسث ينتقسسل مسسن‬
‫إمارة إلى إمارة‪ .‬ووجه هذا مسألة الصول التي حكى فيها التفسساق وقسسالوا ل يصسسح التقليسسد فسسي‬
‫شيء مركب من اجتهادين مختلفين بالجماع‪ ،‬ومثلوا له بما إذا توضأ ومسسسح بعسسض شسسعره ثسسم‬
‫صلى بنجاسة الكلب‪.‬‬
‫قال في كتاب "توفيق الحكام علسسى غسسوامض الحكسسام"‪ :‬بطلسست بالجمسساع‪ .‬وقسسال فيسسه‪" :‬والحكسسم‬
‫الملفق باطل بإجماع المسلمين‪ .‬انتهى"‪ .‬وقال الشيخ محمد البغدادي الحنفي رحمه ال تعالى فسسي‬
‫رسالة التقليد‪:‬‬
‫اعلم أن الصحة تقليد المذهب المخالف بشروطات‪:‬‬
‫منها‪ :‬ما ذكره ابن الهمام في تحريره أنه إن عمل المقلد بحكم مسسن أحكسسام مسسذهبه السسذي تقلسسده ل‬
‫يرجع عنه‪ ،‬ويقلد مذهبًا آخر وفي غير ما عمل به له أن يقلد غيره من المجتهدين‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما نقله ابن الهمام عن القرافي واعتمد عليه في تحريره أن ل يترتب على تقليد من قلده‪،‬‬
‫ل ما يجتمع على بطلنه كل المذهبين فمن قلد الشسسافعي رحمسه الس تعسسالى فسي عسدم فرضسسية‬ ‫أو ً‬
‫السسدلك للعضسساء المغسسسولة فسسي الوضسسوء والغسسسل‪ ،‬ومالك سًا فسسي عسسدم نقسسض اللمسسس بل شسسهوة‬
‫للوضوء‪ ،‬فتوضأ ولمس بل شهوة وصلى‪ .‬إن كسسان الوضسسوء بسسذلك صسسحت صسسلته عسسن مالسسك‬
‫والشافعي انتهى كلم ابن الهمام مع شرحه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن ل يتتبع الرخص ويلتقطها‪ ،‬وهسسذا الشسسرط اعتسسبره المسسام النسووي وغيسسره‪ ،‬لكسسن ابسن‬
‫الهمام لم يعتبره ولم يلتفت إلهي‪ ،‬وبعضهم شسسرط أن ل يكسسون مسسا قلسسده مخالفسًا لصسسريح الكتسساب‬
‫والسنة وإن قال به مجتهد‪ .‬وهذا الشرط أيضًا لما لم يكن معتسسبرًا عنسسد المحققيسسن لسسم يسسذكره ابسسن‬
‫ل‪.‬‬
‫الهمام ل ردًا ول قبو ً‬
‫ثم ذكر الشيخ محمد البغدادي رحمه ال تعالى في أحوال المقلد‪ :‬أن من أحواله أن ل يجتمع مسسن‬
‫تقليده حالة مركبة ممتنعة بالجماع كما ذكره ابن الهمام بقسوله‪" :‬أن ل يسسترتب عليسه مسا يجتمسع‬
‫على بطلنه كالمذهبين" فهذه الصورة مما يمنع التقليد فيها عنسسد الجمهسسور‪ ،‬مثسساله‪ :‬كمسسن صسسلى‬
‫بخروج الدم من غير السبيلين تقليدًا للمام الشافعي رحمه ال تعالى والمقلد حنفي المسسذهب ولسسم‬
‫يزل النجاسة القليلة عن بدنه أو ثوبه بناًء على مذهبه‪ ،‬فصلته حينئذ باطلة بالتفسساق‪ ،‬أمسسا علسسى‬
‫مذهبه فلخروج النجاسة من البدن‪ ،‬وأما على مذهب من قلده فقليل النجاسة مانعة عنسسد الشسسافعي‬
‫رحمه ال تعالى‪ .‬وذكر صاحب العقد الفريد عسن المسسام السسنوي مسسن الشسافعية أنسه قسال‪ " :‬إذا‬
‫نحك بل ولي تقليدًا لبي حنيفة رحمه الس تعسسالى‪ ،‬أو بل شسسهود تقليسسدًا للمسسام مالسسك رحمسسه الس‬
‫تعالى ووطئ ل يحد ولو نكح بل ولي ول شهود أيضًا تقليسسدًا لهمسسا حسسد كمسسا قسساله الرافعسسي‪ .‬لن‬
‫المامين أبا حنيفة ومالكًا قد اتفقا على البطلن‪ " .‬انتهى كلمه وهسسذا الشسسرط أصسسعب الشسسروط‬
‫على العوام ولهذا قالوا ل يصح للعامي التقليد إل بالستفتاء عن خصوص ما أراد تقليده‪ .‬انتهى‬
‫كلم الشيخ محمد البغدادي رحمه ال تعالى‪.‬‬
‫وقال الشيخ الرملي الشافعي رحمه الس تعسسالى فسسي شسسرح الوقايسسة‪" :‬إذا دونسست المسسذاهب وانتقسسل‬
‫المقلد من مذهب إلى مذهب جاز ولو قلد مجتهدا في مسائل أخرى جاز‪ ،‬لكن ل يتبع الرخسسص‪،‬‬
‫وإذا استفتى فأفتاه مفت لزمه الخذ بقوله إن لم يكن هناك مفت آخر وإل فل إذ له سؤال غيسسره‪.‬‬
‫وشرط تقليد مذهب الغير أن ل يكون موقعًا في أمر يجتمع على إبطاله المسسام السسذي كسسان علسسى‬
‫ل فسسي عسسدم النقسسض بسساللمس الخسسالي عسسن‬ ‫مذهبه والمام الذي انتقل إلى مذهبه فمن قلد مالكسًا مث ً‬
‫الشهوة فل بد أن يدلك بدنه ويمسح جميع رأسه‪.‬انتهى"‪.‬‬

‫ونقل الشيخ عبدالرؤوف المناوي الشافعي رحمسه الس فسي شسرح الجسامع الصسغير عسن السسبكي‬
‫رحمه ال تعالى‪ " :‬أن التقليد إن اجتمعت فيه حقيقة مركبة ممتنعة بالجماع يمتنع‪ .‬انتهى‪".‬‬

‫ونقل والدي رحمه ال تعالى في شرحه على شرح الدرر عن العقد الفريد للشرنبللي رحمه ال‬
‫تعالى أنه قال ‪ -‬بعد ذكره النقل العديدة ‪" : -‬والعبارات المعتمدة المفيدة فتحصل لنا ممسسا ذكرنسساه‬
‫أنله ليس على النسان التزام مذهب معين‪ ،‬وأنه يجوز له العمل بما يخالف ما علمه على مذهبه‬
‫مقلدًا غير إمامه‪،‬مستجمعًا شروطه‪ ،‬ويعمل بأمرين متضادين في حادثتين ل تعلق لواحدة منهما‬
‫بالخرى‪،‬وليس له إبطال عيسسن مسسا فعلسسه بتقليسسد إمسسام آخسسر‪ ،‬لن إمضسساء الفعسسل كإمضسساء قضسساء‬
‫القاضي ل ينقض "‪ .‬انتهى‪ .‬فانظر قوله‪" :‬مستجمعًا شروطه" أي‪ :‬شروط ذلك المام الذي قلسسده‬
‫وهو قاض بعدم صحة التلفيق‪.‬‬

‫وقال الشيخ عبدالرحمن العمادي رحمه ال تعالى فسي مقسدمته‪ " :‬اعلسم أنسه يجسوز للحنفسي تقليسد‬
‫غير إمامه من الئمة الثلثة رضي ال عنهم فيما تدعو إليه الضرورة بشرط أن يلتزم جميع ما‬
‫ل إذا قلد الشافعي في الوضوء من القلستين فعليسه أن يراعسي النيسة‬‫يوجبه ذلك المام في ذلك‪ ،‬مث ً‬
‫والترتيب في الوضوء‪ ،‬والفاتحة وتعديل الركان في الصلة بذلك الوضوء وإل كسسانت الصسسلة‬
‫باطلة إجماعًا فافهم‪ .‬انتهى‪ .‬وإن كان قوله‪" :‬فيما تدعو إليه الضرورة" – غير لزم لما عرفسست‬
‫من قبل عدم النسان لمذهب معين على الراجح‪ .‬وقد تعقبت ذلسسك فسسي شسسرحي لمقدمسسة العمسسادي‬
‫رحمة ال تعالى وبسطت الكلم فيه‪.‬‬

‫ونقل المناوي رحمه ال تعالى في شرح الجامع الصغير للسسسيوطي عسسن المالكيسسة أنسه قسسال فسسي‬
‫ل عن الزناتي‪" :‬أن التقليد جائز إذا لم يجمع بينهما على وجه يخالف الجمسساع‬ ‫التنقيح للقرافي نق ً‬
‫كمن تزوج بل صداق ول ولي ول شهود فإنه لم يقل به أحد"‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫إذا علمت هذا كله ظهر لك بطلن ما ذهب إليه الشيخ محمد بن الفروخ المكي فسسي رسسسالته مسسن‬
‫صحة التلفيق‪ ،‬رأيًا منه‪ ،‬وقد استدل عليه بعبارة وقعت في تحرير ابن الهمام ليسسس معناهسسا ذلسسك‬
‫فقال‪ :‬قد أشار إلى عدم منعه المحقق في التحرير‪ ،‬وأنه لم يدر ما يمنع منسه‪ .‬مسسع أن عبسسارة ابسن‬
‫الهمام ليس فيها ذلك‪ ،‬وقد نقلها الشيخ محمد البغدادي رحمه الس تعسسالى فسسي رسسسالته عسسن شسسرح‬
‫الهداية المسمى " فتح القدر "‪ ،‬ونقلها أيضًا المناوي الشافعي رحمه الس تعسسالى عسن فتسسح القسدير‬
‫وهي قوله‪" :‬التنقل من مذهب إلى مذهب باجتهاد وبرهان إثسسم يسسستوجب التغريسسر‪ ،‬وبل اجتهسساد‬
‫وبرهان أولى‪ .‬ثم حقيقة النتقال إنما تتحقق في مسألة خاصسسة قلسسد فيهسسا وعمسسل بهسسا وإل فقسسوله‪:‬‬
‫ل‪ ،‬و "التزمت العمل به علسسى الجمسسال" – وهسسو ل‬ ‫"قلدت أبا حنيفة فيا أفتى به من المسائل" مث ً‬
‫يعرف صورها – ليس حقيقة التقليد بل تعليسسق لسسه‪ ،‬وبسه فسسإن أراد بهسسذا اللسستزام فل دليسسل علسسى‬
‫ل أو نيسسة شسسرعًا بسسل السسدليل اقتضسسى العمسسل بقسسول‬
‫وجوب اتباع المجتهد بإلزامه نفسسسه بسسذلك قسسو ً‬
‫المجتهد فيما يحتاج إليه‪ ،‬لقوله تعالى‪ } :‬فاسألوا أهل الذكر إن كنتسسم ل تعلمسسون { والسسسؤال إنمسسا‬
‫يتحقق عند طلب الحكم‪ ،‬وغالب الظن أن مثل هذه اللزامات من المشايخ لكف الناس عسسن تتبسسع‬
‫الرخص وإل فأخذ العامي في كل مسألة بقول مجتهد أخذ عليه‪ ،‬وأنا ل أدري ما يمنسسع هسسذا مسسن‬
‫النقل والعقل فكون النسان يتتبع ما هو أخف على نفسه من قول مجتهد مسوغ لسسه الجتهسساد مسسا‬
‫علمت من الشرع ذمة عليه وكان صلى ال عليه وسلم يحب ما خف على أمته"‪ .‬إلسسى هنسسا كلم‬
‫ابن الهمام‪.‬‬

‫فانظر كيف فهم منه هذا القاصر الفهم أن مراده صحة التلفيق؛ فأخذ العامي في كل مسألة بقول‬
‫مجتهد أخف عليه‪ ،‬فإن المراد بالمسألة تمام الحكم ل بعضه لنه في مقابلة التزام مذهب معيسسن‪،‬‬
‫وقد صرح في كتابه التحرير المذكور بمنع التلفيق‪،‬فكيف الشارة تعارض الصريح على فرض‬
‫صحتها؟ واستدل أيضًا بعبارة وقعت لبن نجيم رحمه ال تعالى فسسي رسسسالة لسه عملهسا فسي بيسع‬
‫الوقف ل على وجه الستبدال‪ ،‬وعبارته‪ :‬قال مولنا قاضي خسسان فسسي فتسساواه‪" :‬ولسسو بسساع أرض‬
‫الوقف بثمن غبن فاحش ل يجوز بيعه في قول أبي يوسف وهلل لن القيم بمنزلسسة الواقسسف فل‬
‫يملك البيع بغبن فاحش ولو كان أبو حنيفة يجوز الوقف بشرط الستبدال لجاز بيع القيم إذا كان‬
‫بغبن فاحش كالوكيل بالبيع"‪ .‬انتهى كلم قاضي خان‪ .‬قال ابن نجيم رحمه ال تعالى‪ :‬ويمكن أن‬
‫تؤخذ صحة الستبدال بقول أبي يوسف وصحة البيع بغبن فسساحش بقسسول أبسسي حنيفسسة بنسساًء علسسى‬
‫جواز التلفيق في الحكم من قولين‪.‬‬

‫قال في الفتاوي البزازية من كتاب الصلة مسسن فصسسل زلسسة القسسارئ‪ :‬ومسسن علمسساء خسسوارزم مسسن‬
‫اختار عدم الفساد بالخطأ فسسي القسسراءة أخسسذ بمسسذهب المسسام الشسسافعي فقيسسل لسه‪ :‬مسسذهبه فسسي غيسسر‬
‫الفاتحة‪ ،‬قال‪ :‬اخترت من مذهبه الطلق وترك القيد لما تقرر في كلم محمد رحمه ال تعسسالى‪:‬‬
‫أن المجتهد يتبع الدليل ل القائل حتى صح القضاء بصحة النكسساح بعبسسارة النسسساء علسسى الغسسائب‪،‬‬
‫انتهى كلم البزازية‪.‬‬
‫وما وقع في آخر تحرير ابن الهمام من منع التلفيسسق‪ ،‬إنمسسا عسسزاه لبعسسض المتسسأخرين وليسسس هسسذا‬
‫المذهب‪ .‬انتهت عبارة ابن نجيم رحمه ال تعالى‪.‬‬
‫فأما نقله عن قاضي خان جواز التلفيق منقول أبي حنيفسسة وأبسسي يوسسسف فهسسو تلفيسسق مسسن مسسذهب‬
‫واحد إذ أصول القولين واحدة على أن مسألة البيع بغبن فساحش ل يصسح فسي قسول أبسي يوسسف‬
‫وهلل لن القيم كالوكيسل ولسو أجساز أبسو حنيفسة الوقسف بشسرط السستبدال لجساز السبيع بسالغبن‬
‫الفاحش كما هو مذهبه في بيع الوكيل به‪ ،‬فأين التلفيق في هذا؟‬
‫وأما واقعة بعض علماء خوارزم في تلفيقه المذكور فهي مشروطة بالجتهاد كما صرح به بعسسد‬
‫ذاك بقوله لما تقرر من كلم محمد‪ " :‬أن المجتهد يتبع السسدليل " أي دليسسل المجتهسسد الخسسر السسذي‬
‫أراد موافقته في ذلك الحكم ل القائل أن ل يتبع قول المجتهد الخسسر لن المجتهسسد ل يسسسوغ لسسه‬
‫اتباع مجتهد آخر‪ .‬ومن هذا الباب ما ينقل عن المام الشافعي رحمه ال تعالى‪ :‬أنه تسسرك قنسسوت‬
‫الفجر عند ] قبر [ أبي حنيفسة رحمسه الس تعسالى يسوم زيسارته لسه فسي بغسداد فسإنه محمسول علسى‬
‫اجتهاده ذلك اليوم فقط في دليل أبي حنيفة رحمه ال تعالى في نسخ قنوت الفجر لرجحان دليلسسه‬
‫عنده‪ ،‬ثم رجح بعده إلى اجتهاده‪ ،‬ول يقاس المقلد على المجتهد في هسسذا المسسر عنسسد كسسل واقعسسة‬
‫وإن جاز للمقلد اتباع المجتهد في هذا الواقعة بعينها إن دام المجتهد فيها على ما ذهب إليسسه مسسن‬
‫الموافقة للمجتهد الخر وإن رجع بطل الحكم بصحة ذلك‪ ،‬وهذا كله على القول بجواز الجتهاد‬
‫المخالف للجماع على قولين أو ثلثة كما سبق بيانه‪.‬‬
‫وأما قول ابن نجيم رحمه ال تعالى‪" :‬وليس هذا المذهب"‪ .‬فيحتمل رجوعه إلى الغيسسر ولبعسسض‬
‫المتأخرين لقربه‪ ،‬ويحتمل رجوعه إلى منع التلفيق فيكون مراده أن منع التلفيق مطلق سًا المتبسسادر‬
‫من عبارة ابن الهمام سواء كان في المجتهد وغيره ومن مذهب ومن مذاهب ليسس هسو المسسذهب‬
‫بل يسوغ الحكم بذلك للقاضي المجتهد ولو على قول ل سيما من مذهب واحسسد كمسسا هسسي مسسسألة‬
‫المبرهن عليها قبل ذلك على أن كلم ابن نجيم هذا وإن فرضنا صحة دللته على جواز التلفيق‬
‫مطلقًا ل يناقض ما سبق التصريح بسسه مسسن عبسسارات كتسسب الصسسول والفسسروع فسسي منسسع التلفيسسق‬
‫بالجماع وأين الصريح من الشارة؟ ولبن نجيم رحمه ال تعالى – في كتابه "شرح الكنسسز" –‬
‫ل فسسي عبسسارة‬ ‫صريحة في اشتراط المراعاة من المام لصحة القتداء بالمخالف فكيسسف يكسن قسسائ ً‬
‫هذه بصحة التلفيق مطلقًا من مجتهد ومقلد‪.‬‬
‫وقد استدل مصنف الرسالة أيضًا بواقعة أبي يوسسسف المسسذكورة فيمسسا سسسبق علسسى صسسحة التلفيسسق‬
‫ل فقد حصل التلفيق منه وهو أوفى حجًة لنا‪ ،‬ومراده أن أبا يوسف صلى علسسى مسسذهبه وإنمسسا‬ ‫قائ ً‬
‫قلد في خصوص الوضوء من القلتين وعلى فرض تسليم التلفيسسق فسسي ذلسسك فسسإن المجتهسسد لسسه أن‬
‫يجتهد في دليل آخر كما ذكرنا ول كذلك المقلد على أن صلة أبسسي يوسسسف علسسى مسسذهب ليسسست‬
‫فاسدة على مذهب غيره حتى يكون ذلك تلفيقًا‪.‬‬
‫والحاصل أن جميع هذه الوجوه الذي استدل بها هسسذا القسسائل بسسالتلفيق الخسسارق للجمسساع المعتسسبر‬
‫بذلك فاسدة ل اعتداد بها ول يجوز اعتبار ذلك منه لمخالفته للصريح في منع التلفيق كما ذكرنا‬
‫وإذا كان المجتهد ل يسسسوغ التلفيسسق إذ أدى اجتهسساده إليسسه علسسى حسسسب مسسا قسسدمناه فكيسسف بالمقلسسد‬
‫القاصر ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم‪ ،‬وصلى ال على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬

‫ددد ددد دد دددددد دد دددد ددددد ددددددد‬


‫ددددددددد ددددد دددددد ددد دددد ددددددد دد‬
‫دد ددددد ددد ددد ددد دددد ددد ددددد دد‬
‫ددددددد دددد دددددددد دددد ددد ددددد‬
‫ددددددد ددد ددد ددددددد دددد ددددد دددد‬
‫دددد دددددد‪.‬‬

You might also like