You are on page 1of 18

‫العولمة والمن العلمي الدولي‬

‫الستاذ الدكتور محمد البخاري‪ :‬مستشار رئيس جامعة طشششقند‬


‫الحكوميششة للدراسششات الشششرقية فششي العلقششات الدوليششة‪/‬أسششتاذ‬
‫محاضر في كلية العلقات الدولية‪.‬‬
‫نشرت في مجلششة معلومششات دوليششة الدمشششقية العششدد ‪ /65‬صششيف‬
‫‪.2000‬‬
‫مخطط البحث‪:‬‬
‫تعريف "العولمة"؛‬
‫مقدمات "العولمة"؛‬
‫"العولمة" والدولة والسيادة الوطنية؛‬
‫المم المتحدة والمن العلمي الدولي؛‬
‫المن العلمي الدولي والتفوق في تكنولوجيا التصال؛‬
‫البنى العلمية الدولية فوق الدولة؛‬
‫التهديدات الجديدة "للعولمة"؛‬
‫"العولمة" والسيطرة على الموارد العلمية؛‬
‫السلح العلمي في خدمة الدول الصناعية المتقدمة؛‬
‫السلح العلمي وإدارة الصراع؛‬
‫مشكلة المن العلمي الدولي؛‬
‫الحرب العلمية ومشكلة المصطلح؛‬
‫الحرب العلمية؛‬
‫التأثير العلمي؛‬
‫السلحة العلمية؛‬
‫المن العلمي؛‬
‫المجال العلمي؛‬
‫الجريمة العلمية؛‬
‫مجالت تأثير الصراع العلمي الدولي؛‬
‫السياسية؛‬
‫الوعي الجتماعي؛‬
‫القتصادية؛‬
‫المالية؛‬
‫الدفاعية؛‬
‫تهديدات المن العلمي الوطني؛‬
‫تهديدات البنى التحتية العلمية؛‬
‫تهديدات المن العلمي؛‬
‫تهديدات الحياة الروحية للمجتمع؛‬
‫تهديدات حقوق الفرد والحريات العامة؛‬
‫الخصائص الساسية للسلحة العلمية وأهدافها؛‬
‫أنظمة نقل المعلومات؛‬
‫الوعي الجتماعي )الرأي العام( ونظم تشكيله؛‬
‫الوعي الفردي أو الشخصي؛‬
‫مجالت استخدام السلح العلمي؛‬
‫الرقابة أو الشراف على المجال العلمي الدولي؛‬
‫سيناريوهات الحرب العلمية؛‬
‫السيناريو الول؛‬
‫السيناريو الثاني؛‬
‫السيناريو الثالث؛‬
‫‪1‬‬
‫المن العلمي الدولي من وجهة نظر المعارضين للمشكلة؛‬
‫المن العلمي الدولي من وجهة نظر البحث العلمي؛‬
‫المن العلمي والتفاهم الدولي‪.‬‬

‫تعريف "العولمة"‪:‬‬

‫"العولمة" ‪ Globalization‬حسب تعبير خبراء السياسة في الششدول الناميششة‪ ،‬تحمششل معنششى "جعششل‬
‫الشيء على مستوى عالمي‪ ،‬أي نقله من حيز المحدود إلى آفاق "اللمحدود"‪ .‬واللمحدود هنا يعنششي العششالم‬
‫بأسششره‪ ،‬فيكششون إطششار النشششاط والعلقششات والتعامششل والتبششادل والتفاعششل علششى اختلف صششوره السياسششية‬
‫والقتصادية والثقافية والعلمية وغيرها‪ ،‬متجاوزًا الحدود الجغرافية المعترف بها لدول العالم‪ ،‬وهذا المعنى‬
‫يجعل "العولمة" تطرح ضمنًا مستقبل الدولة القومية ‪ Nation-State‬وحششدود سششيادتها الوطنيششة‪ ،‬ودورهششا‬
‫على الصعيدين الداخلي و الخارجي"‪ .‬بينما جاء تعريف "العولمة" حسب المفهوم المريكي "بتعميم نمششط‬
‫من النماط الفكرية والسياسية والقتصادية لجماعة معينة‪ ،‬أو نطاق معين‪ ،‬أو أمة معينششة علششى الجميششع‪ ،‬أو‬
‫العالم بأسره"‪ .‬وبما أن "العولمة" بدأت أساسًا من الوليات المتحدة المريكيششة‪ ،‬فقششد جششاءت نظريشًا كششدعوة‬
‫لتبني النموذج المريكي في القتصاد والسياسة والثقافة والعلوم وبالتالي طريقة الحياة بشكل عام‪.‬‬

‫مقدمات "العولمة"‪:‬‬

‫وجاءت "العولمة" أساسًا كنتاج للثورة العلمية والتكنولوجيششة‪ ،‬الششتي كششانت نقلششة نوعيششة فششي تطششور‬
‫الرأسمالية العالمية‪ ،‬في مرحلة ما بعد الثورة الصناعية التي ظهرت فششي منتصششف القششرن ‪ 18‬فششي أوروبششا‪،‬‬
‫ونتيجة لستخدام الطاقة‪ ،‬التي غيرت بشكل جذري أسلوب وعلقات النتاج‪ ،‬لتبدأ معها مرحلة جديششدة مششن‬
‫مراحل التطور النساني‪ ،‬اتصششف بالتوسششع القتصششادي‪ ،‬والبحششث عشن المششوارد الطبيعيششة‪ ،‬وفتشح السششواق‬
‫العالمية‪ .‬وهي المسببات التي أدت لظهور السششتعمار التقليششدي‪ ،‬وقيششام الحششروب الوروبيششة لتلبيششة حاجششات‬
‫الرأسمالية الصاعدة‪.‬‬
‫ومما سارع في شيوع "العولمة" اسشتمرار التطشور العلمشي والتكنولشوجي‪ ،‬ومشا رافقشه مشن تطشور‬
‫هششائل لوسششائل التصششال ونقششل المعلومششات الحديثششة‪ ،‬الششتي شششكلت بششدورها تجديششدًا لنمششط وطبيعششة النتششاج‬
‫والتفاعلت والتعاملت الدولية‪ .‬وبذلك لم تعد الحروب وسيلة لحسم الخلفششات بيششن الششدول الرأسششمالية كمششا‬
‫كان الوضع حششتى الحششرب العالميششة الثانيششة‪ ،‬بششل أصششبحت الحاجششة ملحششة لتوحيششد أسششواق الششدول الصششناعية‬
‫المتقدمة من خلل سوق عالمية واحدة‪ ،‬أي ضرورة تجاوز الحدود السياسية القومية المعترف بها‪ ،‬وإعششادة‬
‫توزيع الششدخل القششومي‪ ،‬والعمششل علششى رفششع المسششتوى المعيشششي للنسششان ليمكششن معششه توسششيع سششوق الششدول‬
‫الصششناعية المتقدمششة‪ ،‬لسششتيعاب المنتجششات الحديثششة‪ ،‬أي خلششق "مجتمششع السششتهلك الكششبير ‪Consumer‬‬
‫‪.Society‬‬
‫وشكلت هذه السمات نقطة التحول من "الرأسمالية القومية" إلى "الرأسمالية العابرة للقوميات" من‬
‫خلل الشركات متعددة الجنسيات‪ ،‬التي ارتبط فيها ظهور مفهوم "العولمة" الذي عششبر عششن ظششاهرة اتسششاع‬
‫مجال النتاج والتجارة‪ ،‬ليشمل السوق العالمية بأسششرها‪ .‬وتجشاوز الفاعليشة القتصششادية الششتي كششانت لمشالكي‬
‫رؤوس الموال‪ ،‬من تجار وصناعيين‪ ،‬الذين كانت تصرفاتهم محكومة فشي السشابق بحشدود الدولشة القوميشة‬
‫التي ينتمون إليها‪ ،‬لتصبح الفاعلية القتصادية مرهونششة بالمجموعششات الماليششة والصششناعية العالميششة الحششرة‪،‬‬
‫المدعومة من قبل الدول المشاركة في رأس مالها‪ ،‬عبر الشركات متعددة الجنسيات‪ .‬وهكششذا لششم تعششد الدولششة‬
‫القومية هي المحرك الرئيسي للفاعلية القتصادية على المستوى العالمي‪ ،‬بل حششل مكانهششا القطششاع الخششاص‬
‫بالدرجة الولى في مجالت النتاج والتسويق والمنافسة العالمية‪.‬‬
‫و"العولمة" ليست نظامًا اقتصششاديًا فقششط‪ ،‬بششل تعششدته إلششى كافششة مجششالت الحيششاة السياسششية والثقافيششة‬
‫والعلمية والعلمية‪ .‬لن النمو القتصادي الرأسمالي العالمي استلزم وجود أسششواق حششرة‪ ،‬ووجششود أنظمششة‬
‫سياسية من شكل معين لدارة الحكم‪ .‬كمششا وتعششددت مراكششز القششوة القتصششادية العالميششة للرأسششمالية الدوليششة‬
‫الحديثة‪ ،‬وتعددت معها مراكز القوة السياسية‪ ،‬مما خلق بشدائل وتعدديشة فششي القشوى علششى مسششتوى السششلطة‪،‬‬

‫‪2‬‬
‫وهو ما دعم إمكانيات التطور الديمقراطي بكل شروطه‪ ،‬من عدم احتكار السلطة‪ ،‬وتداولها‪ ،‬وتعششدد وتنششوع‬
‫مراكز القشوة والنفششوذ فششي المجتمششع‪ ،‬ومنششع تركيششز الششثروة فششي يششد الدولشة وحششدها‪ ،‬محققشة بششذلك نوعشًا مششن‬
‫اللمركزية في الدارة والحكم‪.‬‬
‫ومما ساعد على النتشار السريع "للعولمة" انتصار الرأسمالية على النظمة الخرى‪ ،‬مششن نازيششة‬
‫وفاشية وشيوعية‪ ،‬وانهيار التحاد السوفييتي السششابق‪ ،‬لتحششل محلششه الجمهوريششات المسششتقلة‪ .‬وسششقوط النظششم‬
‫الشمولية في أوروبا الشرقية‪ ،‬وتحول النظمة الجديدة في تلك الدول نحو أشششكال مششن الحكششم الششديمقراطي‪،‬‬
‫الذي يربط في جوهره بين التطور الديمقراطي والنمط الرأسمالي‪ ،‬الذي يعتمد على الديمقراطية في عمليششة‬
‫التنمية القتصادية والجتماعية والثقافية‪ .‬وأتاح التصال المباشر عبر القارات من خلل شبكات التصششال‬
‫العالمية للحاسب اللي ومحطات الذاعة الفضائية المسموعة والمرئية‪ ،‬الفرصة لبراز ملمششح "العولمششة"‬
‫التي أصبحت ملموسة حتى من قبل الشخاص العاديين في أي مكان في العالم‪ .‬ومن المنتظر أن يتيششح هششذا‬
‫التطور الهائل في تكنولوجيا وسائل التصال الحديثة‪ ،‬إمكانية زيادة التواصششل الثقششافي بيششن شششعوب العششالم‪،‬‬
‫ويساعد على إيجاد آمال وأهداف ومصالح مشتركة تتجاوز المصالح القومية ول تتناقض معها‪.‬‬

‫"العولمة" والدولة والسيادة الوطنية‪:‬‬

‫ومع ذلك فقد أثارت العديد من الحكومات مخاوف وشكوك كششثيرة‪ .‬منهششا المخششاوف السياسششية الششتي‬
‫يمكن أن تنجششم عششن بششث برامششج معاديششة لنظمششة الحكششم‪ ،‬وأفكششارًا وأيششديولوجيات تهششدد المششن والسششتقرار‬
‫السياسي والجتماعي داخل الدول‪ .‬كما وعبرت بعض القوى السياسية والجتماعية المؤثرة في العديششد مششن‬
‫دول العالم عن خشيتها من النظام العلمي المفتوح الجديد الذي قد يهدد ثقافات وتقاليد وعادات ومقدسششات‬
‫الشعوب‪ ،‬وانطلقت الصوات تطالب بتحقيششق أمششن إعلمششي وطنششي ودولششي‪ .‬وإذا كششانت "العولمششة" ترتبششط‬
‫بسيادة نموذج اقتصاد السشوق‪ ،‬فشإن هشذا النمشوذج بشدوره يشثير قضشية العلقشة بالدولشة ودورهشا‪ ،‬ول يشبرر‬
‫النتقال إلى اقتصاد السوق أبدًا اختفاء دور الدولة‪ ،‬وكل ما هنالششك سششيؤدي إلششى تغييششر محششدود لهششذا الششدور‬
‫الذي اعتادت عليه بعض الدول البطيئة التطور‪ .‬ومعظم من كتب في أهمية نظام السششوق‪ ،‬كششان يقششرن ذلششك‬
‫دائمًا بضرورة وجود دولة قوية‪ ،‬ودونها ل تستطيع السوق أن تقوم بدورها‪.‬‬
‫ومن هنا ليس هناك مجال للحديث عن محاولة إلغاء أو تقليص دور الدولشة‪ ،‬بشل بششالعكس لبششد مششن‬
‫التأكيد على هذا الدور وأهميته وضرورته‪ ،‬مع ضرورة إجراء تعديل معين لهششذا الششدور ليتوافششق مششع نظششام‬
‫السوق المنفتششح‪ .‬فالوليششات المتحششدة المريكيششة وهششي أكششبر دولششة رأسششمالية فششي العششالم‪ ،‬تتششدخل فششي الحيششاة‬
‫القتصادية‪ ،‬وتحدد شروط النشاطات القتصادية‪ ،‬والسياسات النقديششة والماليششة والتجاريششة‪ ،‬والفششارق المهششم‬
‫بين النظم المركزية‪ ،‬ونظم السوق‪ ،‬هو أن الدولة تتششدخل فششي الحيششاة القتصششادية باعتبارهششا سششلطة‪ ،‬وليششس‬
‫باعتبارها منتجًا‪ .‬لن سلطة الدولة ل غنى عنها ول تتناقض مع تطور الحياة القتصادية‪.‬‬
‫والقتصاد الحر ل يعني أبدًا غياب الدولة عششن النظششام القتصششادي‪ .‬والفششرق بيششن النظششام الليششبرالي‬
‫ونظام التخطيط المركزي‪ ،‬ليس في مبدأ "التدخل" ولكن في مضمونه‪.‬‬
‫ففي ظل التخطيط المركزي تقوم الدولة بالنتاج المباشر للسلع والخدمات‪ ،‬وتسششيطر علششى النشششاط‬
‫القتصادي‪ ،‬عن طريق القطاع العام‪ .‬أما في ظل القتصاد الحر‪ ،‬فإن الدولة تششترك النتششاج المباشششر للسششلع‬
‫والخدمات للفراد والمشروعات الخاصة‪ ،‬أي تحقق التكامل بين دور الدولة ودور القطاع الخاص‪ ،‬ويكون‬
‫تدخلها في سير الحياة القتصادية‪ ،‬بوسائل أخرى أكثر فعالية‪ ،‬من حيث الكفششاءة النتاجيششة وتحقيشق العدالشة‬
‫الجتماعية‪ .‬من خلل المحافظة علششى مسششتويات عاليششة فششي نمششو الناتششج القششومي‪ .‬والقيششام بتششوفير الخششدمات‬
‫الساسية في مجالت التعليم والصحة‪ ،‬والقضاء والمن والدفاع‪ ،‬ويدخل فيها قيام الدولة بمشروعات البنية‬
‫الساسية‪.‬‬
‫ومبدأ الحرية القتصادية ل يعني أبششدًا إهمششال مبششدأ العدالششة الجتماعيششة‪ ،‬فششالبلد الششتي أخششذت بهششذا‬
‫المبدأ‪ ،‬هي في مقدمة بلد العالم من حيث الهتمام بششالفقراء‪ ،‬وتحقيششق العدالششة فششي التوزيششع‪ ،‬وتششوفير شششبكة‬
‫المان لكل المواطنين‪ ،‬ضد المخاطر الجتماعية بما في ذلششك البطالششة والعجششز والشششيخوخة‪ ،‬وغيرهششا مششن‬
‫المراض الجتماعية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫وهناك علقة وثيقة بين الكفاءة في الداء القتصادي وبين شششروط العدالششة‪ .‬ذلششك أن الكفششاءة تعنششي‬
‫نمو القتصاد القومي بمعدلت عالية‪ ،‬وتعاظم قشدرة النظشام القتصششادي لتشوفير فششرص العمششل المنتششج لكشل‬
‫القادرين عليه‪ ،‬وهي من المقومات الساسية للعدالة الجتماعية‪ .‬والدور الجديد هشذا للدولشة يؤهلهشا للتكيشف‬
‫مع المتغيرات العالمية الجديدة‪ ،‬دون النتقاص من سيادتها‪ ،‬فششي ظششل انتشششار مفهششوم "العولمششة"‪ ،‬وشششروط‬
‫النظام العالمي الجديد‪ .‬الذي يقوم على مبدأ العتماد المتبادل وليس فرض الراء بين دول وشعوب العالم‪.‬‬
‫والندماج اليجابي والواعي في النظام العالمي الجديششد‪ .‬انطلقشًا مششن حقششائق أن "العولمششة" ليسششت‬
‫ظاهرة بل جذور‪ ،‬بششل هششي ظششاهرة تاريخيششة وموضششوعية نتجششت عششن التطششور الهششائل لتكنولوجيششا وسششائل‬
‫التصال ونقل المعلومات‪ ،‬والطبيعة التوسعية للنتاج الرأسمالي‪ .‬ول يجوز البقاء خارجها‪ ،‬ويجب اللحششاق‬
‫بما يجري في العالم‪ ،‬والتعامل معه بوعي ووفق قواعد محددة تجنبًا للبقاء خارج إطار التاريخ‪.‬‬
‫والنظام القتصششادي الجديششد جششاء نتيجششة لنجششازات كششبرى فششي تاريششخ تطششور البشششرية علششى كافششة‬
‫المستويات العلمية والثقافية والقتصادية والتقنية والسياسية والفكرية‪ ،‬ويمثل نقطة جذرية مختلفة تمامًا عن‬
‫كل ما سبقتها من نظشم‪ .‬وأن الحضششارة العالميششة الحديثششة قشامت علشى أنقششاض حضشارات القششرون الوسشطى‬
‫وثقافاتها‪ ،‬ورفضت فكرة الحق اللهي‪ ،‬وفصلت الدين عن الدولة لتفسح المجال أمششام الجميششع للنتمششاء إلششى‬
‫الوطن المشترك والعمل على رفعته وتقدمه‪ ،‬كما هي الحال في أكثر دول العالم الحديث‪.‬‬
‫وزودت الفكر البشري برؤية عقلنية تاريخية تنويرية‪ ،‬بتوجه ديمقراطي يقوم على أساس احششترام‬
‫الرأي‪ ،‬والرأي الخر‪ ،‬والتعددية‪ ،‬وحرية التعبير‪ ،‬وتكريس مبادئ حقوق النسششان الششتي ل تعششرف الحششدود‬
‫القومية أو الجغرافية أو السياسية‪.‬‬
‫و"العولمة" تفرض على الدول القل تقدمًا‪ ،‬القيششام بمزيششد مششن خطششوات التحششديث الشششامل الششذي ل‬
‫يمكن دون الدور الفاعل للدولة‪ ،‬التي تضطلع به من خلل الترشششيد والداء القتصششادي‪ ،‬وتنظيششم تفششاعلت‬
‫السوق‪ ،‬وما تتطلبه تلك العملية من وسائل وتقنيششات تجعششل السششاحة والمششوارد العلميششة الخاصششة والعامششة‬
‫متاحة للجميع ضمن الطر والنظمة التي تضبط عملها في إطار العلقات على صعيد الدولششة نفسششها وفششي‬
‫علقاتها مع غيرها من دول العالم‪.‬‬
‫ولكن التجاوزات الكثيرة والعمال التخريبية التي تعرضت لها الموارد العلميششة لبعششض الششدول‪،‬‬
‫إضافة للخطار التي يتنبأ بها المختصون بين الفينة والخرى‪ ،‬فرض على المجتمع الدولي ضرورة النظر‬
‫في خطر جديد أصبح يهدد المجتمع النساني ويعرف بالمن العلمي الدولي‪.‬‬

‫المم المتحدة والمن العلمي الدولي‪:‬‬

‫وكان من بين الوثائق الهامة التي صدرت عشن الششدورة ‪ 54‬للهيئة العامششة لمنظمششة المششم المتحششدة‪،‬‬
‫وثيقششة حملششت فششي مضششمونها أبعششادًا سياسششية وإنسششانية عميقششة‪ ،‬تنششاولت موضششوع "العولمششة" واسششتقرار‬
‫إستراتيجية العمل السياسي والدبلوماسي في القششرن الحششادي والعشششرين‪ ،‬بعششد أن اعششترف المجتمششع الششدولي‬
‫وللمرة الولى بوجود مشكلة المن العلمششي الششدولي كنتيجششة حتميششة "للعولمششة"‪ ،‬علششى أنهششا مشششكلة تهششدد‬
‫المجتمع النساني في المرحلة التالية للقرن النووي‪ .‬وجاء هششذا العششتراف مششن خلل القششرار ‪ 54/49‬الششذي‬
‫تناول مشكلة "تحقيق المن الدولي في العلم والتصالت المرئية"‪.‬‬
‫فقد برزت تلك المشكلة بحدة بعد التقدم الهائل في تكنولوجيا العلم ووسائله المختلفة‪ ،‬وخلششق هششذا‬
‫ل جديششدًا‬
‫التقدم إلى جانب النواحي اليجابية التي حملها للبشرية التي تنتظر منه الكثير فششي المسششتقبل‪ ،‬مجششا ً‬
‫تمامًا من التهديد تمثل فشي خطششر اسشتخدام منجششزات التقشدم التكنولشوجي فششي العلم والتصششال لغششراض‬
‫تتعارض والمهام المنتظرة منها في دعم وتعزيز التفاهم والمن والستقرار الدولي‪.‬‬
‫ومشكلة الخطار التي تهدد المن العلمي للدول القل تطورًا‪ ،‬لم تعد مشكلة منتظششرة بششل حقيقششة‬
‫قائمة خلقت نوعًا من التبعية الواقعية لكل مجالت النشاط النسششاني داخششل المجتمعششات المحليششة فششي الششدول‬
‫ذات السيادة‪ ،‬اقتصادية كانت أم سياسية أم علمية‪ ،‬أو ثقافية‪ ،‬وأصبحت الحاجة معها ملحة لتأمين نششوع مششن‬
‫المن القومي والمصالح الدولية المتشششابكة بفعششل "العولمششة" وابتعششاد التبششادل العلمششي الششدولي عششن دوره‬

‫‪4‬‬
‫الطبيعي‪ ،‬وابتعششاد اسشتخدام شششبكات التبشادل العلمششي الدوليشة وشششبكات التصششالت المرئيشة والمسششموعة‬
‫العالمية‪ ،‬وتقنياتها ووسائلها عن أداء وظيفتها اليجابية المنتظرة منها‪.‬‬

‫المن العلمي الدولي والتفوق في تكنولوجيا التصال‪:‬‬

‫وأدى اتسششاع وشششمولية تلششك الشششبكات بفضششل تكنولوجيششا ووسششائل التصششال والعلم الجماهيريششة‬
‫الحديثة‪ ،‬إلى زيادة تأثيرها على وعي الفراد والمجتمعات‪ .‬مما دفع بالكثير من الدول لضافتها أو التفكيششر‬
‫فشي إضشافتها للمكانيشات العسشكرية الهائلشة المتشوفرة لشديها‪ ،‬والشتي تملكهشا بالدرجشة الولشى الشدول عاليشة‬
‫التطور‪ ،‬والمعدة للستخدام في الصراعات والنزاعششات الدوليشة‪ .‬ممششا أدى بششدوره إلششى خلششق تبششدلت هائلششة‬
‫أصبحت تؤثر على توازن القوى القليمية‪.‬‬
‫هذا إن لم نقل أنها أضافت بذلك مصادر جديدة للتوتر بين مراكز القششوى التقليديششة والناشششئة‪ ،‬وإلششى‬
‫خلق مجالت جديدة للصراع لم تكن في الحسبان لفششترة قريبششة‪ .‬فقششد أدى تفششوق الششدول المتقدمششة فششي مجششال‬
‫تكنولوجيا ووسائل التصال والعلم الجماهيرية التي تملكها‪ ،‬إلى احتكششار الششوعي الفكششري والجتمششاعي‪،‬‬
‫وأدى إلى استغلل التفوق التكنولوجي والعلمي والسياسي والقتصادي والثقافي والعسكري‪ ،‬إلى تشجيع‬
‫تلك الدول على استخدام مششا تملكششه مششن إمكانيششات " كسششلح إعلمششي " ل يتعششارض اسششتخدامه مششع قواعششد‬
‫القانون الدولي الذي لم يتعرض جديًا حتى الن لهذه المشششكلة الهامششة والعويصششة الششتي أفرزتهششا "العولمششة"‬
‫العلمية‪ .‬فالتقدم الهائل فششي تقنيششات وتكنولوجيششا التصششال والعلم الجمششاهيري أصششبح اليششوم يعششادل فششي‬
‫خطره‪ ،‬خطر السلح النووي الذي كان سمة من سمات القرن العشرين‪.‬‬
‫وأصبح فرعًا من فروع سباق التسلح‪ ،‬الذي أصبح مرة أخرى يستنزف موارد ضخمة‪ ،‬كان يجششب‬
‫أن توجه لخير البشرية وليس لتهديدها‪ .‬خاصة وأن أكثر دول العالم غير مهيأة حاليًا وغيششر مسششتعدة لقامششة‬
‫أو تحديث وسائلها العلمية المششؤثرة‪ ،‬رغششم أن الكششثير منهششا بششدأت بالميششل نحششو شششراء وامتلك مثششل تلششك‬
‫الوسائل‪ ،‬من الدول المتقدمة التي أصبحت مسيطرة تمامًا على الشكال الجديدة من أسششلحة الششدمار الشششامل‬
‫ومن بينها السلح العلمي‪ .‬ولم يقتصر المر على الدول فقط‪ ،‬بل اتسع ليشمل القششوى السياسششية المختلفششة‬
‫المتصارعة‪ ،‬والتنظيمات الرهابية وعصابات الجريمششة المنظمششة‪ ،‬ممششا خلششق نوعشًا جديششدًا وسششوقًا مربحششة‬
‫لتجارة السلحة الجديدة التي أصبحت تتضمن قوائمها تقنيات وتكنولوجيا وبرامج الحاسششب اللششي ووسششائل‬
‫التصال والعلم الجماهيرية‪.‬‬

‫البنى العلمية الدولية فوق الدولة‪:‬‬

‫ففي ظروف العولمة وتشابك الحياة على الكرة الرضية‪ ،‬وظهور وتشششكل شششبكات وبنششى إعلميششة‬
‫دولية فششوق الششدول‪ ،‬أصشبحت بمششا ل يششدع المجششال لي ششك تسشتخدم كسشلح إعلمششي مشؤثر علشى العقشول‬
‫والمواقف‪ ،‬ووسيلة لشن حروب واسعة النطاق تطال النسان أينما كان‪ ،‬بفاعلية يمكن أن تؤدي نتائجها بششل‬
‫وتعادل قوتها وتأثيرها التدميري وتتفوق في بعض الظروف على أسلحة الدمار الشامل التقليدية المعروفة‪.‬‬
‫وليس عبثًا أن ترصد بعض الدول المتقدمة في ميزانياتهششا مخصصششات للمششن العلمششي تعششادل بمسششتواها‬
‫المخصصات التي ترصد لمواجهة أخطار استخدام أسلحة الدمار الشامل التقليدية‪.‬‬
‫رغم اختلف اسشتخدام السشلح العلمشي فشي الحشرب عشن الششكال التقليديشة مشن أسشلحة الشدمار‬
‫الشامل‪ ،‬لن تأثيرها يمكن أن يطال الجبهة الداخلية في الصميم‪ .‬مششع إمكانيششة اسششتخدام السششلحة العلميششة‬
‫الدولية التي تتميز بالقدرة المؤثرة الكبيرة ضد الهداف المدنية‪ ،‬كوسيلة من وسائل الصراع على السششلطة‪،‬‬
‫وفي الصراعات القومية والعرقية والدينية‪.‬‬
‫والمثلة على ذلك في عالم اليوم كثيرة‪ ،‬ول ينحصر تهديدها الواقعي على القوى البشرية فقط‪ ،‬بششل‬
‫اتسع ليشمل النظمة العلمية التي تملكها الدول‪ ،‬والمنظمات والهيئات الدولية‪ ،‬مششن قبششل دول معاديششة أو‬
‫قوى الرهاب والجرام المنظم على السواء‪ ،‬مما أعطى لطابع تأثيرها طبيعة كارثية من خلل ليس التسلل‬
‫لداخل تلك النظمة وحسب‪ ،‬بل وفي تخريب تلك النظمة‪ ،‬والتأثير على محتوياتها من معلومات وإتلفهششا‪.‬‬
‫وهو ما كان الدافع لتخاذ القرار ‪ 54/49‬أثناء الدورة ‪ 54‬للهيئة العامة للمم المتحدة في ‪.1/12/1999‬‬
‫‪5‬‬
‫التهديدات الجديدة "للعولمة"‪:‬‬

‫وكان من الطبيعي أن تتوصل الدول العضاء في منظمة المم المتحدة للتفاهم حول موضوع هششام‬
‫يمس البشرية بأسرها في ظل العولمة‪ .‬سبق ونوقش في أيار‪/‬مايو ‪ 1996‬أثناء المؤتمر الدولي للعولمة فششي‬
‫المجتمع العلمي الذي انعقد في ميدراند‪.‬‬
‫واستعرض بجدية موضوع التهديدات الجديد للعولمة‪ ،‬وأسفر عن نتائج واستجابة عاصفة من قبششل‬
‫كل المشاركين في المؤتمر‪ .‬مما رفع من مستوى القضية لتصبح من بين القضايا الملحة الشتي تنتظشر الحشل‬
‫من قبل المجتمع الدولي‪ ،‬وتتطلب إيجاد حل ملئم لها قبل أن تتفاقم وتصبح مستعصية كغيرها من المشاكل‬
‫العالقة في إطار الدبلوماسية الدولية حتى اليوم‪ .‬وقد تبلورت المشكلة أكششثر أثنششاء التحضششيرات الششتي جششرت‬
‫للعداد للقاء القمة بين رئيس الوليات المتحدة المريكية والرئيس الروسي في أيلول‪/‬سبتمبر ‪.1998‬‬
‫فقد اقترح الجانب الروسي مشروع بيان مشترك للقاء القمة تنششاول مشششكلة المششن العلمششي‪ .‬لكششن‬
‫المريكيين اكتفوا بالطلع على المشروع‪ ،‬وامتنعوا عن مناقشته‪ .‬ورغم ذلك فقششد تضششمن البيششان الختششامي‬
‫للقاء القمة‪ ،‬إششارة صششريحة للتهديشدات العامششة للمشن علششى عتبشة القشرن الحششادي والعشششرين‪ ،‬حيششث أعلششن‬
‫الجانبان أنهما‪ :‬وافقا على "تنشيط الجهشود المششتركة للتصشدي للتهديشدات العشابرة للقوميشات فشي القتصشاد‬
‫والمن للبلدين‪ ،‬بما فيها تلك التي تعتبر جرائم عن طريق استخدام تكنولوجيا الحاسششب اللششي وغيرهششا مششن‬
‫التكنولوجيا المتقدمة"؛ واعترفا "بأهمية الجهود اليجابية المشششتركة لضششعاف التششأثيرات السششلبية الجاريششة‬
‫الن نتيجة لثورة تكنولوجيا التصال‪ ،‬التي تعتبر مهمة وجادة فششي الجهششود الراميششة لحمايششة مصششالح المششن‬
‫الستراتيجي للبلدين في المستقبل"‪.‬‬
‫وأصبح واضحًا بعد ذلك عزم روسيا إثارة المشكلة أبعد من ذلششك‪ ،‬فقششام وزيششر الخارجيششة الروسششي‬
‫ي‪.‬س‪ .‬إيفانوف بتوجيه رسالة خاصة إلى المين العام لمنظمششة المششم المتحششدة فششي ‪ 23/9/1998‬تضششمنت‬
‫اقتراحًا بإدراج مشكلة المن العلمي الششدولي بيشن مواضششيع عمشل المنظمششة‪ ،‬والنظشر فششي مشششروع قششرار‬
‫خاص حول هذا الموضوع‪.‬‬
‫وأعلن في كلمتششه مششن علششى منششبر الششدورة ‪ 53‬للهيئة العامششة للمششم المتحششدة‪ ،‬بششأن جششوهر القششتراح‬
‫الروسي يتضمن القتراح على الدول العضاء فششي منظمششة المششم المتحششدة‪ ،‬التوصششل لمفهششوم محششدد حششول‬
‫التهديد في مجال المن العلمي‪ ،‬وأن تقدم كل دولة تقديراتها الخاصة للمشكلة‪ ،‬بما في ذلك إعششداد مبششادئ‬
‫دولية توفر المن في ظروف عولمة المنظومات العلمية الدولية‪ .‬وأن تتضمن تلك التقييمات التي تقششدمها‬
‫الدول العضاء في المنظمة إلى المين العام للمم المتحدة‪ ،‬إلزامه بتقديم تقرير خاص يبحث خلل الدورة‬
‫التالية للهيئة العامة لمنظمة المم المتحدة‪ .‬بشششكل تتوضششح معشه جششوانب الصششراع المبششدئي حششول موضششوع‬
‫التهديد باستخدام المنجزات العلمية والتقنية والتكنولوجية الحديثة في أغراض تتعارض مششع أهششداف تعزيششز‬
‫المن والستقرار الدولي‪.‬‬
‫وجاء القرار الذي استند على القتراح الروسششي خلل الششدورة ‪ 53‬للجمعيششة العامششة لمنظمششة المششم‬
‫المتحششدة ‪ 53/70‬عششن "المنجششزات فششي مجششال العلم والتصششالت المرئيششة ضششمن المششن الششدولي" فششي‬
‫‪ ،4/12/1998‬بشكل ملطف عن المشروع الروسي حيث اختفت مششن القششرار الكششثير مششن المقترحششات الششتي‬
‫حددت الجراءات اللزمة حسب التصور الروسي‪ ،‬لتنظيم عملية التصششدي لمكانيششة اسششتخدام التكنولوجيششا‬
‫العلمية في الحرب‪ ،‬وشرح خطر تطوير السلح العلمي‪ ،‬وإشعال الحروب العلمية‪.‬‬
‫وبششذلك اعششترف المجتمششع الششدولي مششن خلل منظمششة المششم المتحششدة ولول مششرة بوجششود الحششرب‬
‫العلمية على المستوى الدولي‪ .‬واعتبر هذا النجاز تقدمًا سياسيًا هامًا رغششم عششدم اسششتعداد أكثريششة الششدول‬
‫العضاء في منظمة المم المتحدة لتقبل القضية كمشكلة من كل جوانبها‪.‬‬
‫وعاد المجتمع الدولي وغير من موقفه من المشكلة خلل الدورة ‪ 54‬للجمعية العامة لمنظمة المششم‬
‫المتحدة‪ .‬فما الذي حدث بين الدورتين ‪ 54-53‬لمنظمة المم المتحدة ؟ وهل جاء تغيير المواقف تلششك نتيجششة‬
‫للجهود الدبلوماسية والمجاملت السياسية بين الدول ؟ أم لن العالم استطاع خلل تلك الفشترة مشن التعشرف‬
‫أكثر على أخطار "العولمة" العلمية‪ ،‬والدور المتصاعد للعلم فششي عششالم اليششوم‪ .‬واسششتخلص العششبر مششن‬

‫‪6‬‬
‫استخدام سلح العلم في الحروب التي جرت خلل تلك الفترة‪ .‬ومن خلل أمثلة محددة تششم فيهششا اسشتخدام‬
‫السلح العلمي في عمليات محددة‪ ،‬عبر من خللها الحدود المعترف بها لمختلف دول العششالم‪ ،‬جنب شًا إلششى‬
‫جنب مع السلحة المتقدمة الخرى المستخدمة في العمليات العسكرية‪ ،‬للقضشاء علششى الخصشم أو الحشد مشن‬
‫إمكانيات دفاعه الذاتية‪.‬‬

‫"العولمة" والسيطرة على الموارد العلمية‪:‬‬

‫فالمعارك للسيطرة على عقول الكثير مششن الشخصششيات السياسششية هششي "حششرب غيششر مرئيششة" علششى‬
‫الرض رغم أنها أخذت خطًا واقعيًا‪ ،‬وأصبحت بالتدريشج تهشدد جشوهر الصشراع مشن أجشل السشيطرة علشى‬
‫وعي صاحب القرار‪ ،‬ولتحد من إمكانيات أي مواجهة جششادة للخطششار الخارجيششة‪ ،‬إضششافة لخطششار التششأثير‬
‫والتخريششب المتعمششد للمششوارد العلميششة المتاحششة لكششل دولششة‪ ،‬ووسششائل الحصششول عليهششا وحفظهششا ونشششرها‬
‫واستعادتها والتعامل معها‪.‬‬
‫مما دفع ببعض الدول إلى الشروع بتطبيق برامج حكومية طويلشة المشدى علشى المسشتوى القشومي‪،‬‬
‫الهدف منها تأمين المن العلمي وسلمة البنى التحتية العلمية الوطنية الساسية‪ .‬في نفس الوقت الذي‬
‫بششدأت فيششه بالتعامششل مششع "العولمششة" وآثششار التشششابك المتبششادل بيششن المجششالين العلمششي الششوطني والششدولي‪.‬‬
‫واضطرت مجبرة على العتراف بأن نجاح الجهود الوطنية للحفاظ على الموارد العلمية الخاصششة بكششل‬
‫دولة‪ ،‬ليست في النهاية سوى جهود حثيثة لرفع مستوى المناعة "السششلمية" للنظششام العلمششي الششوطني فششي‬
‫ل بعيششدة جغرافي شًا عنهششا‪ ،‬وليششس‬
‫مواجهششة السششاحات العلميششة للششدول الخششرى الششتي أصششبحت تشششمل دو ً‬
‫بالضرورة أن تكون تلك الدول مجاورة‪ ،‬ولكن يكفي أن تكون متشششابكة معهششا مششن خلل شششبكات التصششال‬
‫الدولية في الموارد العلمية بشكل موضوعي ومتشعب يصعب فصله‪.‬‬
‫وموضوع السلح العلمي والحرب العلمية أصبح مثارًا للمناقشة من قبل المتخصصين بشكل‬
‫واسع‪ ،‬منذ بداية الشتسعينات من القرن العشرين‪ .‬ومنذ ذلك الوقت بدأت تظهششر أعششدادًا كششبيرة مششن المقششالت‬
‫والدراسات حول هذا الموضوع الهام في العديد من الصششحف والمجلت‪ .‬وبششدأ ينششاقش ضششمن موضششوعات‬
‫الكثير من المؤتمرات واللقاءات العلمية الوطنية والقليمية والدولية‪ ،‬التي صششبت اهتمامهششا بمعظمهششا علششى‬
‫مواضيع البحاث التي ل تتفششق ومبششادئ السششلم العششالمي‪ ،‬وبرامششج التطششوير التكنولوجيششة الخاصششة بطششرق‬
‫حماية الموارد العلمية من التأثير الخارجي‪.‬‬
‫ولكن كل تلك المناقشات والمقالت والدراسات المنشورة حملت طابع المحليششة‪ ،‬وكششانت بعيششدة كششل‬
‫البعد عشن المناقششات الدوليشة الشتي كشان يجشب أن تتنشاول مششاكل "العولمشة" والمشن العلمشي‪ .‬رغشم أن‬
‫المشكلة حظيت ليششس باهتمششام المتخصصششين وحسششب‪ ،‬بششل واسششتحوذت علششى اهتمششام عششدد كششبير مششن غيششر‬
‫المتخصصين وقادة الرأي‪.‬‬
‫ولهذا يمكننا اعتبار صدور القشرار ‪ 53/70‬عشن منظمشة المشم المتحشدة بمثابشة إنشذار يششير بجديشة‬
‫للخطر الجاثم‪ ،‬الذي وقعت فيه البشرية ويهدد صميم النظم العلمية الوطنية‪ ،‬ويهدد النسششانية علششى عتبششة‬
‫ل للشك‪ ،‬أنه أصبح متوفرًا لششدى‬ ‫القرن الحادي والعشرين‪ .‬بعد أن ظهر جليًا للمجتمع الدولي بما ل يدع مجا ً‬
‫العديد من الدول المتقدمة تكنولوجيا إعلمية متطورة‪ ،‬ونتائج أبحاث جششاهزة وهامششة يمكششن اسششتخدامها فششي‬
‫التأثير على الموارد العلمية للغير‪ .‬وحقشائق ل تقبششل الجشدل مشن أن نتشائج البحششاث تلششك أدت إلششى صششنع‬
‫وسائل تستخدم في الغراض العسكرية البحتة‪ ،‬حتى ولو لم يتم تسميتها بالسلحة العلمية‪.‬‬

‫السلح العلمي في خدمة الدول الصناعية المتقدمة‪:‬‬

‫وأصبح واضحًا أيضًا بعد توفر معلومات كافية‪ ،‬تتحدث عن شششروع العديششد مششن الششدول الصششناعية‬
‫المتقدمششة فششي إجششراء أبحششاث للحصششول علششى تقنيششات وتكنولوجيششا متطششورة فششي مجششال التصششال‪ ،‬وإعششداد‬
‫تكنولوجيا متطورة وتقنيات وطرق لستخدامها بهدف السيطرة المباشرة على الموارد العلميششة للخصششم‪،‬‬
‫والتأثير المباشر عليه‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫حيث أشارت بعض المصادر إلى أن أكثر من ‪ 120‬دولة مششن دول العششالم وصششلت وفششي مسششتويات‬
‫مختلفة لنتائج ملموسة في هذا المجال الذي ل يقل خطورة عن السلح النووي‪ .‬بينما تجرى أبحاث لتطششوير‬
‫السلح النووي في ‪ 20‬دولة من دول العالم تقريبًا فقط‪.‬‬
‫وتذكر بعض المصادر أن بعض الدول أصبحت تملك وسائل جاهزة للدفاع العلمششي ضششد العششدو‬
‫المتوقع في ظروف الصششراعات العسششكرية علششى مختلششف المجششالت والمسششتويات‪ ،‬حششتى فششي زمششن السششلم‪.‬‬
‫ويشمل الطارين الستراتيجي والعملياتي التكتيكي‪ ،‬وصولً إلى أرض المعركة‪.‬‬
‫وأن الهتمام منصب الن على مواضيع تتعلق بحماية المجال العلمي الخشاص بتلشك الشدول مشن‬
‫تششأثير اسششتخدام السششلح العلمششي مشن قبششل دول معاديششة‪ ،‬تفاديشًا لتششأثير الحششرب غيششر المعلنششة فششي المجششال‬
‫ل بشن الحرب العلمية‪ ،‬أو شنتها قششد‬ ‫العلمي‪ .‬كما وبات معروفًا أيضًا من أن بعض الدول التي تقوم فع ً‬
‫ل في نظمها العسكرية وتقوم بإعداد وحدات عسكرية مدربة خاصة ومدعومششة‬ ‫أدخلت السلح العلمي فع ً‬
‫بالمتخصصين في هذا المجال الهام‪ ،‬للقيام بالعمليات العلمية الهجومية كأداة من أدوات الصراع الخرى‬
‫لتحقيق النصر العسكري الحاسم على العدو‪.‬‬
‫ل عششن اسششتخدم السششلح العلمششي عمليشًا فششي‬
‫ويعتبر المهتمون بالمشكلة أن الستار قششد انكشششف فع ً‬
‫الحروب الهلية الجارية هنا وهناك‪ ،‬وفي الصراع على السلطة فششي معظششم دول العششالم‪ ،‬وفششي الصششراعات‬
‫القوميششة والعرقيششة والدينيششة سششمة الحقبششة الخيششرة مششن القششرن العشششرين‪ .‬وأن السششلحة العلميششة أظهششرت‬
‫مقدراتها الفريدة على أرض المعركة سواء في وقشت السشلم أو فشي وقشت الحشرب‪ ،‬وتجاوزهشا عمليشًا لكافشة‬
‫الحدود الوطنية والسياسية والجغرافية دون اعتراف ل باستقلل ول بسيادة تلك الدول‪.‬‬

‫السلح العلمي وإدارة الصراع‪:‬‬

‫ومن خلل الصراعات الداخلية الخيرة والهامة‪ ،‬أكتشف المراقبون أنها تتم ومع السف بمسششاعدة‬
‫ودعم كبيرين من الخارج‪ .‬لنستشف مششن ذلششك أن تلششك الصششراعات لششم تنجششو مششن اسششتخدام بعششض الوسششائل‬
‫الحديثة في الصراع في المجال العلمي‪ ،‬والتي يمكن اعتبارها أسلحة إعلمية‪.‬‬
‫وأصبح واضحًا‪ :‬أن وقت الشششكال التقليديششة مششن "التخريششب اليششديولوجي" و"عمليششات الخششتراق‬
‫الفكري" قد ذهبت‪ ،‬لتحل محلها الوسائل الحديثة‪ ،‬وعلى مسشتوى جديشد مشن التششأثير‪ .‬وأن مسشتوى اسشتخدام‬
‫تلك الوسائل قد ارتفع بشكل ل يوصف‪.‬‬
‫إذ ل يمكن مقارنة الخطابششة أمششام حشششد مششن الجمهششور يمكششن تفريقششه‪ ،‬أو مقالششة فششي صششحيفة يمكششن‬
‫مصادرتها‪ ،‬أو برنامج إذاعي يمكن التشويش عليشه‪ ،‬بسشرعة انتششار المعلومشات فشي كشل أنحشاء العشالم‪ ،‬أو‬
‫اختفاء تلك المعلومات مباشرة وبسرعة هائلة من كل أنحاء العالم‪ ،‬عششبر شششبكات الحاسششب اللششي وأشششهرها‬
‫شششبكة "النششترنيت" العالميششة‪ ،‬وهششي معلومششات أصششبحت اليششوم مششزودة بالصششورة‪ ،‬والتسششجيلت المرئيششة‬
‫والمسموعة‪.‬‬
‫وكلها يمكن أن تعادل بفعاليتها السلحة العلمية‪ ،‬التي يهدف استخدامها أن تكون فوق القوميات‪،‬‬
‫وفوق الدول‪ ،‬وثبت عمليًا أن في كل أنواع "الحروب العلميشة الهليششة" وبششكل غيششر مباشششر هنشاك قشوة‬
‫ثالثة‪ ،‬وضعت ضمن أهدافها الحيوية الختراق وتخطي الحششدود لشداخل ضشمير تلششك المجتمعششات الضشحية‪.‬‬
‫وظهر ذلك جليًا خلل العام الماضي عندما استخدمت أراض الغير لدارة هذا النوع مششن الصششراعات كمششا‬
‫حدث في إندونيسيا )تيمور الشرقية(‪ ،‬وجمهورية إشكيريا )الشيشان( وفي يوغوسلفيا السابقة‪.‬‬
‫فعلى مثال يوغوسلفيا انكشفت محاولت توريط التحاد الدولي للتصالت اللكترونية من خلل‬
‫مبادرة المم المتحدة في كوسوفو‪ ،‬وقرار تحديد نهايات القنيششة المسششتقلة للتصششالت التلفونيششة والسششتيلء‬
‫على الرمز الدولي لتلك الدولة‪ ،‬وكان من الممكن أن يبقى ذلك الجراء شبه مجهول لو لم يعلن‪ .‬ومثل تلششك‬
‫الخطوة يمكن اعتبارها بالكامل جهودًا إضافية‪ ،‬الهدف منها عزل القنية العلميششة للخصشم وبالتشالي الحششد‬
‫من تأثيرها وإخراجها من معادلة الصراع‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ومثشششال أدوات الصششراع مشششن أجششل اسشششتقلل تيمششور الشششرقية‪ ،‬قيششام منظمششة “‪East Timor‬‬
‫‪ "campaign‬مباشرة بعد القتراع على استقلل المحافظة الندونيسية السابقة تلك‪ ،‬ومن أراضششي إسششبانيا‬
‫والبرتغال وفرنسا بهجوم كاسشح اسشتهدف المواقشع الحكوميشة الندونيسشية فشي ششبكة النشترنيت العالميشة‪،‬‬
‫خربت بنتيجتها صفحات ‪ ،WEB‬الخاصة ليس بالحكومة وحدها‪ ،‬بششل وصششفحات المنظمششات الندونيسششية‪،‬‬
‫وأطلقت فيروسات كمبيوتر جديدة‪ ،‬بدأت بالعمل مباشرة للقضاء علششى المواقششع العلميششة الندونيسششية فششي‬
‫شبكات الكمبيوتر العالمية‪.‬‬
‫ول يمكن أن تعتبر تلك العملية العلمية المنفذة من أراضي دول أوروبية بعيدة جششدًا عششن جنششوب‬
‫شششرق آسششيا‪ ،‬إل حقيقششة تثبششت "ل حدوديششة" اسششتخدام السششلحة العلميششة‪ ،‬ومثششال لسششتخدامات السششلحة‬
‫العلمية بشكل مباشر من أجل الوصول إلى أهداف سياسية داخلية محددة رغششم البعششد الجغرافششي الشاسششع‬
‫بين المؤثر والمتأثر من استخدام السلح العلمي‪ .‬وفششي الصشراع الشدائر بيشن قششوات الحكومششة الششكيرية‬
‫المتطلعة للستقلل عن الفيدرالية الروسية‪ ،‬والمقاتلين الشيشان من جهة‪ ،‬والقوات الفيدرالية الروسششية مششن‬
‫جهة أخرى على الرض الشيشششانية‪ ،‬فنششرى أن السششلحة العلميششة لششم تبقششى جانبشًا فقششد اسششتخدم المقششاتلون‬
‫الشيشان مختلف وسائل العلم‪ ،‬وكانت صفحات النترنيت واحدة من ساحات القتششال مششن أجششل "اسششتقلل‬
‫إشكيريا" والتخلص من الظلم الروسي‪ .‬وبفضششلها اطلششع العششالم كلششه علششى مششواد إعلميششة ملموسششة وواقعيششة‬
‫تتحدث عن الوضع فششي شششمال القفقششاس‪ ،‬وعششن جهششود أعضششاء الحكومششة والدبلوماسششية الشششكيرية لطلع‬
‫العاملين في مؤسسات العلقات الخارجيشة الرسششمية بالششدول المتقدمشة فششي العششالم علششى الحقشائق‪ ،‬مشن خلل‬
‫محاضراتهم التي دعتهم للقائها بعض أقسام الجامعات في تلششك الششدول وتحششدثوا مششن خللهششا عششن الششؤون‬
‫الشيشانية‪.‬‬
‫وفي الحالة العراقية عندما أجبرت الحكومة العراقية على إغلق مواقعها في النترنيت بعشد أن تشم‬
‫التسلل إليها‪ ،‬وتغيير مضمونها لصالح المعارضة العراقية‪ ،‬وفق النبششأ الششذي أذاعتششه إذاعششة صششوت العششراق‬
‫الحر من براغ يوم ‪.3/6/2000‬‬
‫هذا إن لم نتحدث عن العزل العلمي والتعششتيم العلمششي شششبه الكامششل‪ ،‬مششن قبششل وسششائل العلم‬
‫الدولية المؤثرة والتي هي فوق الدول‪ ،‬لرأي الجانب العربي في الصراع الدائر من أجل تحقيق سلم عادل‬
‫وحقيقي بين العرب وإسرائيل‪ ،‬والستعاضة عنه بإبراز رأي الجششانب السششرائيلي فقششط‪ .‬ممششا يششوحي بخلششق‬
‫رأي عام دولي متحيز أحادي الجانب يشوه الحقائق وينصر المعتدي على الضشحية‪ ،‬ممشا أدى إلشى حرمشان‬
‫المعتدى عليه ضمن إطار هذا الوضع غير الطبيعي من التعبير عن رأيه عالميًا‪.‬‬
‫ناهيك عن الحرب العلمية غير المعلنة من الخارج لشعال نار الفتنة وتفعيل الخلفششات العربيششة‬
‫العربية‪ ،‬والعربية مع دول الجوار القليمي‪ .‬وهي أحادية الجانب ل تواجه أية مقاومة تذكر لضششعف أدوات‬
‫وفعاليات العلم العربي الدولي حاليًا على القل‪ .‬ولبد أن تلك الصورة هي التي أثرت بشكل نهائي علششى‬
‫تقدير المشكلة بالكامل من قبل دول العالم القل تطورًا‪.‬‬
‫وهي التي أدت إلى تغيير مواقف الكثير منها بشكل جذري عما كان فششي السششابق‪ .‬وظهششر هششذا مششن‬
‫خلل مؤتمر جينيف حول المن العلمي الذي انعقد في آب‪/‬أغسطس ‪ ،1999‬والششذي نظمششه معهششد المششم‬
‫المتحدة لمشششاكل نششزع السششلح )يونيششدير(‪ ،‬وإدارة قضششية نششزع السششلح فششي المانششة العامششة لمنظمششة المششم‬
‫المتحدة‪ ،‬من ضمن إطار إجراءات تطبيق القرار ‪ 53/70‬للهيئة العامة للمم المتحدة‪ .‬وشارك في المششؤتمر‬
‫ممثلين عن أكثر من ‪ 50‬بلدًا‪ ،‬من بينهم كل اللعبين الساسيين علششى أرض تكنولوجيششا التصششال والعلم‬
‫الدولية المتقدمة‪ ،‬مما سمح برفع مستوى نتائجه‪ ،‬ولو في إثارة المشكلة على مستوى عششالمي بعششد أن كششانت‬
‫حصرًا بلقاءات المتخصصين‪.‬‬

‫مشكلة المن العلمي الدولي‪:‬‬

‫كما ويمكننا اعتبار أن الهدف الرئيسي لكثرية المشاركين في المؤتمر كششان إظهششار الطريقششة الششتي‬
‫تتعامل فيها كل جهة من الجهات المشاركة‪ ،‬مع مشكلة المن العلمي الدولي‪ ،‬من خلل المناقشششات الششتي‬
‫جرت في إطار مواضيع الدورة ‪ 54‬للهيئة العامة لمنظمة المم المتحدة‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫ولكن كان من الملحظ أنها لم تكن مستعدة لششذلك ممششا أدى إلششى حصششر المناقشششات حششول القششتراح‬
‫الروسي فقط‪ ،‬ومتابعة إعداد كل المواضيع المتعلقة بالمن العلمشي الشدولي علشى مسشتوى خشبراء الشدول‬
‫المهتمة‪ ،‬تحت رعاية منظمة المم المتحدة‪.‬‬
‫وهذا من حيث الجوهر يعتبر اعترافًا دوليًا بأهمية المشششكلة ونجششاح للدبلوماسششية الروسششية باختيششار‬
‫توقيت عرضها للقتراح‪ .‬ومحاولة التأثير في مضمون المشكلة وتوجيههششا نحششو مششداخل تعتششبر ذات أهميششة‬
‫خاصة لروسيا‪ ،‬وتعتبر المدخل للتحديد الدقيق لتصششور دولششي ونهششائي تششدور مششن خللششه المناقشششات التاليششة‬
‫لمشاكل المن العلمي الدولي‪ .‬والتي يرى البعض أنها تنحصر في إطارين‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫الطار الول‪ :‬الذي يششؤدي عمليشًا إلششى إلغششاء الوحششدة الموضششوعية للمشششكلة ويحششاول تجزئتهششا إلششى‬
‫قضيتين فرعيتين هي‪:‬‬
‫الولى‪ :‬وتتناول الجريمة العلمية؛‬
‫والثانييية‪ :‬وتتنشاول الرهشاب العلمشي‪ .‬وفشي هشذا الطشار يمكشن السشتمرار فشي إعشداد السشلحة‬
‫العلمية وتطويرها مما يهدد بخطر اندلع الحروب العلمية‪ .‬ول يعترف المؤيدين لهذا الطششار بوجششود‬
‫المشكلة أساسًا‪ ،‬بل يعتبرونها مرض ثانوي يمكن علجه‪ .‬وبالتالي وبشكل منطقي كامل تصبح وفق وجهششة‬
‫النظر تلك مشكلة نزع السلح العلمي ملغاة تلقائيًا‪ ،‬ول حاجة لمناقشها‪.‬‬
‫وهششو مششا يسششمح بإخراجهششا مششن إطششار منظمششة المششم المتحششدة وتحويلهششا إلششى المنششابر القليميششة‬
‫والمتخصصة‪ ،‬لتبقى مشكلة هامشية عالقة إلى البد تتحول من لجنة إلى أخرى وهكذا دواليك‪.‬‬
‫الطار الثاني‪ :‬ويمثل خط الدول التي أظهرت استعدادها الفشوري للمششاركة فشي إعشداد آليشة دوليشة‬
‫محددة تواجه إقامة وسائل مؤثرة على الموارد العلمية خارج إطار القانون الدولي‪ .‬واقترحت بذلك تقديم‬
‫المشكلة للمجتمع الدولي‪ ،‬واتخاذ تدابير من بينها إحداث محكمة دولية خاصة للنظر في الجرائم العلميششة‪.‬‬
‫والقيام في نفس الوقت بإعداد تكنولوجيا عالمية للوقاية من الهجمات والتعديات العلمية الدولية‪.‬‬
‫ورغم ذلك فإنه يمكننا اعتبار العتراف بالمشكلة وضششرورة إيجششاد حلشول لهشا فشي إطشار قششرارات‬
‫الشرعية الدولية مشن خلل قشرارات الهيئة العامشة للمشم المتحشدة‪ ،‬ودفعهشا إلشى المشام لتصشبح واحشدة مشن‬
‫المشاكل التي تناقش في إطار منظمة المم المتحدة من أهم نتائج المؤتمر‪.‬‬
‫وبذلك يكون الهدف النهائي من القضية إعداد برامج عملية تمكن الدول من اتخششاذ إجششراءات ذاتيششة‬
‫أو مشتركة لمواجهة خطر التهديدات العلمية الدولية‪ .‬لتتحول نتائج هذا المؤتمر مششن حيششث الجششوهر إلششى‬
‫مرحلة تحضيرية لنقل المشكلة الناتجة عن العولمة إلى إطار الهيئة العامة للمم المتحدة‪ ،‬بغض النظر عششن‬
‫الخلفات في وجهات النظر حول العشتراف بهشا‪ ،‬أو بطشرق التعامشل معهشا بششكل مكششوف‪ ،‬انطلقشًا مشن‬
‫مصالح المن الوطني والعالمي‪.‬‬

‫الحرب العلمية ومشكلة المصطلح‪:‬‬

‫ومن القضايا الهامة التي تنتظر الحل مشن قبشل المجتمششع الششدولي‪ ،‬وخاصششة منشه الوسشط الكشاديمي‬
‫الدولي في إطار المنظمات الدولية المتخصصة‪ ،‬مشكلة التفاق من حيث المبدأ علششى المصششطلح والتوصششل‬
‫لتعريف مشترك لماهية الحرب العلمية غير المرئية تلششك‪ ،‬وأسششلحتها وأدواتهششا ووسششائلها المشششتركة فششي‬
‫جوهر الصراع‪ .‬لتششؤدي فششي النهايششة إلششى العششتراف بششالحرب العلميششة‪ ،‬مثلهششا مثششل العششتراف بششالحرب‬
‫التقليدية‪ ،‬والحرب النووية‪ ،‬والحرب الباردة‪ ،‬والسلحة التقليدية وغير التقليدية المستخدمة في الصششراعات‬
‫بين الدول‪.‬‬
‫ورغم ضيق الهوة بين فهم الخبراء في الدول المختلفة حول المصطلح‪ ،‬فقد لوحظ تباين واضح في‬
‫التوجهات‪ .‬التي يمكن تحديدها ببعض التجاهات الرئيسية والتي نلخصها بالتالي‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫الحرب العلمية‪ :‬وهششي المواجهششات العلميششة الششتي تهششدف إلحششاق الضششرر أو تخريششب النظمششة‬
‫العلميششة الهامششة للخصششم‪ ،‬وتخريششب نظمششه السياسششية والجتماعيششة‪ ،‬وزعزعششة المششن والسششتقرار داخششل‬
‫المجتمع والدولة الخصم؛‬
‫والصراع العلمي‪ :‬وهو شكل من أشكال الصراع بين الدول‪ ،‬مششن خلل تششأثير دولششة مششا إعلميشاً‬
‫على نظم إدارة الصراع في غيرهششا مششن الششدول أو علششى قواتهششا المسششلحة‪ ،‬والتششأثير علششى القيششادة السياسششية‬
‫والعسكرية وحشتى المجتمشع بأسشره‪ .‬وكشذلك التشأثير علشى النظمشة العلميششة ووسشائل التصشال والعلم‬
‫الجماهيرية لتلك الدول من أجل تحقيق أهداف محددة ومناسبة لها‪ ،‬والحد من تأثير أيششة ممارسششات مشششابهة‬
‫قد تخرق المجال العلمي للقائم بالصراع؛‬
‫والتأثير العلمي‪ :‬وهو الفعل الموجه ضد الخصم باستخدام السلحة العلمية المختلفة؛‬
‫والسلحة العلمية‪ :‬وهي مجموعة مششن الوسششائل التكنولوجيششة وغيرهششا مششن التقنيششات والسششاليب‬
‫والتقنيات المسشتخدمة مشن قبشل القشائم بالصشراع بغشرض‪ :‬السشيطرة علشى المشوارد العلميشة والمكانيشات‬
‫المتاحة للخصم؛ والتدخل في عمل أنظمة إدارة الخصم وشبكاته العلمية‪ ،‬ونظم اتصاله وغيرهششا‪ ،‬بهششدف‬
‫تخريبها عمليًا‪ ،‬وإخراجها تمامًا من حيز العمل‪ .‬والتسلل للمواقع العلمية للخصم بهششدف السششتيلء علششى‬
‫موارده العلمية فيها‪ ،‬وتحريف مضششمونها أو إدخششال معلومششات مغششايرة‪ ،‬أو اسششتبدالها بمعلومششات أخششرى‬
‫بشكل موجه ومدروس؛ ونشر معلومات أخرى‪ ،‬أو معلومات مضششللة مششن خلل نظششم تشششكيل الششرأي العششام‬
‫ومراكز اتخاذ القرار‪ ،‬لصالح القائم بالصراع؛ وإتبششاع مجموعششة مششن السششاليب الخاصششة باسششتخدام وسششائل‬
‫تؤثر على وعي وسلوك القيادة السياسية والعسكرية‪ ،‬وتؤثر على الحالة المعنوية للقوات المسلحة‪ ،‬وأجهزة‬
‫المن الوطني‪ ،‬ومواطني الدولة الخصمة‪ ،‬لتحقيق التفوق عليها أو إضعاف تأثيرها العلمي؛‬
‫والمن العلمييي‪ ،‬ويتضششمن‪ :‬إجششراءات محششددة لحمايششة المجششال العلمششي والمشوارد العلميششة‪،‬‬
‫بشكل يششؤمن تشششكلها وتطورهششا لصششالح المشواطنين والمؤسسشات والمنظمشات والششدول؛ وإجشراءات محششددة‬
‫لحماية نظم العلم الخاصة بالفراد والمنظمات والدول‪ ،‬التي يتم من خللها استخدام المعلومششات بأشششكال‬
‫محددة ودقيقة‪ ،‬وضمان عدم التأثير السلبي عليها أثنششاء السششتخدام؛ وإجششراءات محششددة لحمايششة المعلومششات‬
‫التي تحمششل طششابع السششرية‪ ،‬لضششمان عششدم وصششول الغيششر إليهششا بسششهولة‪ ،‬وتشوفير إجششراءات تؤكششد صششعوبة‬
‫الوصول إليها أو تخريبها‪ ،‬والمحافظة على خصائصها وسريتها وسلمتها‪ ،‬واسترجاعها عنششد الحاجششة مششن‬
‫قبل الشخاص والجهات المصرح لها بالوصول إلى تلك المعلومات؛‬
‫والمجال العلمي‪ :‬وهو مجششال النشششاط النسششاني الششذي يتضششمن إحششداث وتشششكيل واسششتخدام نظششم‬
‫المعلومات من أجل‪ :‬تشكيل الششوعي الفششردي والجتمششاعي؛ وتششوفير المشوارد العلميششة‪ ،‬أي البنيششة التحتيششة‬
‫العلمية بما فيها مجموعة الجهزة والنظمة‪ ،‬والتجهيزات التكنولوجية‪ ،‬والبرامج وغيرهششا‪ ،‬الششتي تششؤمن‬
‫تكششوين وحفششظ المعلومششات‪ ،‬وإعششدادها والتعامششل معهششا وإرسششالها واسششتردادها وتششدفقها؛ وتكششوين وتششوفير‬
‫المعلومات الخاصة وتأمين تدفقها؛‬
‫والجريمة العلمية‪ :‬وهشي أي تصشرف يشؤدي إلشى حشدوث تشأثير سشلبي علشى المجشال العلمشي‬
‫وموارده‪ ،‬لفرد أو منظمة أو دولة‪ ،‬أو لي جزء منه بشكل مخالف للقانون‪ .‬وينتج عنها أضششرارًا اقتصششادية‬
‫أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية بما فيها تخريب المجال العلمي للغيششر ومششوارده‪ ،‬لهششداف اقتصششادية أو‬
‫سياسية أو عسكرية‪.‬‬

‫مجالت تأثير الصراع العلمي الدولي‪:‬‬

‫ول يسششتطيع أحششد فششي الششوقت الحاضششر‪ ،‬أن ينكششر الصششعاب الكششثيرة الششتي تعششترض تششوفير المششن‬
‫العلمي في ظروف الصراع العلمي الدولي‪ .‬الذي أصبح يستهدف كل مجالت حياة النسششان اليوميششة‪.‬‬
‫المر الذي دعى الكثير من الخبراء للنظر في ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلشة تشوفر المشن العلمشي فشي‬
‫المجالت التالية‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫السياسية‪ :‬بما فيها بنيششة النظششام السياسششي والجتمششاعي والحكششومي للدولشة‪ ،‬ونظششم دراسششة وإعششداد‬
‫واتخاذ القرار السياسي‪ .‬والجهزة المختصة بإجراء النتخابات والستفتاء العام وغيرها مششن أدوات قيششاس‬
‫الرأي العام‪ .‬ونظم الدارة المحلية والمركزية والقليمية‪ ،‬والهياكل العلمية ووسائل التصششالت المرئيششة‬
‫والمسموعة‪ ،‬وشبكات الحاسب اللي التابعة لجهزة السلطات الحكومية والدارية؛‬
‫والوعي الجتماعي‪ :‬وتشمل وسائل تشششكيل الشرأي العشام‪ ،‬ووسششائل العلم الجماهيريشة المقششروءة‬
‫والمسموعة والمرئية‪ ،‬والحزاب السياسية والمنظمات والتحادات والهيئات الجتماعية والثقافيششة والدينيششة‬
‫القومية والوطنية؛‬
‫والقتصادية‪ :‬وتشمل نظم الدارة القتصادية‪ ،‬ونظم جمع وتخزيششن واسششترداد وإعششداد المعلومششات‬
‫الخاصششة بالمقششدرات النتاجيششة للقتصششاد الششوطني‪ ،‬ونظششم التحليششل القتصششادي العامششة‪ ،‬وتوقعششات تطششور‬
‫القتصشششاد الشششوطني العشششام والخشششاص‪ ،‬ونظشششم الدارة والتنسشششيق فشششي المجشششالت الصشششناعية والزراعيشششة‬
‫والمواصلت‪ ،‬ونظم الدارة والمداد المركزية للطاقة‪ ،‬ونظم اتخاذ القرار والتنسيق في حالت الطششوارئ‪،‬‬
‫ونظم العلم القتصادي المقروءة والمسموعة والمرئية‪ ،‬وشبكات الحاسب اللي؛‬
‫والمالية‪ :‬بما فيها بنوك المعلومات وشبكات التصال وتبادل المعلومات‪ ،‬بيشن البنشوك والتحششادات‬
‫المصرفية‪ ،‬ونظم التصال الخاصة بالتبادل المالي والحسابات المالية‪ ،‬الخاصة والحكومية والدولية؛‬
‫والدفاعييية‪ :‬وتشششمل مششوارد المعلومششات الخاصششة بششالقوات المسششلحة‪ ،‬والهيئات العلميششة والمنشششآت‬
‫العاملة في المجالت الصناعة الدفاعية‪ ،‬ونظششم إمششداد وإدارة القششوات المسششلحة‪ ،‬ونظششم السششيطرة والمراقبششة‬
‫الدائمششة‪ ،‬وقنششوات تششدفق المعلومششات ذات الطبيعششة السششتراتيجية والعملياتيششة والسششتطلعية؛ والعلمييية‬
‫والتكنولوجية‪ :‬بما فيها نظم إجراء البحششوث العلميششة النظريششة والتطبيقيششة‪ ،‬ونظششم جمششع وتخزيششن واسششتعادة‬
‫المعلومات الخاصة بالبحوث العلمية الجارية‪ ،‬والكتشافات العلمية‪ ،‬والختراعات التي تششم التوصششل إليهششا‪،‬‬
‫سواء أكانت في المجالت التكنولوجية أم في مجالت العلوم النسانية أم في مجالت العلوم الحية وغيرهششا‬
‫من المواضيع الخاصة بالملكية الفكرية؛ والمن الداخلي‪ :‬وتشمل نظام التحقيق‪ ،‬والتأكششد‪ ،‬والنيابششة العامششة‪،‬‬
‫والجششراءات العدليششة‪ ،‬والمششوارد العلميششة لجهششزة المششن‪ ،‬ومنظومششة جمششع وحفششظ وإعششداد واسششترجاع‬
‫المعلومات والحصائيات الخاصة بالجريمة‪ ،‬بما فيها بنوك معلومات الشرطة الدولية )النتربول(‪.‬‬

‫تهديدات المن العلمي الوطني‪:‬‬

‫لن المن العلمي الدولي يقصد به أساسًا كل ما يدخل في مجال تهديد المن العلمي الوطني‪،‬‬
‫من‪:‬‬
‫تهديدات البنى التحتية العلمية‪ :‬التي تسششتهدف تخريششب مواقششع تبششادل المعلومششات الفوريششة عششبر‬
‫شبكات الحاسششب اللششي‪ ،‬وتكنولوجيششا معالجششة المعلومششات‪ ،‬وتقنيششات التسششلل للمواقششع الخاصششة فششي شششبكات‬
‫الحاسب اللي‪ ،‬وجمع واستخدام ونشر المعلومات بشكل مخالف للقانون؛‬
‫ل ضششد الخصششائص الهامششة الششتي يجششب أن تتمتششع بهششا‬
‫وتهديييدات الميين العلمييي‪ :‬الموجهششة أصش ً‬
‫المعلومات مثل السلمة والسرية وقيود أو حرية الوصول إليها؛‬
‫وتهديدات الحياة الروحية للمجتمع‪ :‬والتي تتم من خلل إدخال معلومات سياسية أو دينية مغلوطة‬
‫في أجهزة العلم الحكومية ووسائل التصال والعلم الجماهيريشة بشششكل يهششدد المصشالح الوطنيشة العليشا‬
‫والمصالح الخاصشة‪ ،‬ومصشالح المجتمشع والدولشة بشششكل عشام‪ .‬أو عشن طريشق الحتكشار والحجششب المتعمشد‬
‫للمعلومات الموجهة للمواطنين‪ .‬أو في ترويج وبث النباء الكاذبة‪ ،‬والخفاء أو تحريف المتعمد للمعلومششات‬
‫بشكل يؤدي إلى تحريف وتشويه الوسششط العلمششي المحلششي ويزعششزع الحالششة النفسششية للمجتمششع‪ ،‬ويخششرب‬
‫ويشوه التقاليد الثقافية‪ ،‬ويفسد الخلق العامة‪ ،‬ويشوه القيم الجمالية والتربوية لدى الفرد والمجتمع؛‬
‫وتهديدات حقوق الفييرد والحريييات العاميية‪ :‬والششتي تطششال المجششال العلمششي ‪ ،‬مششن خلل القواعششد‬
‫القانونيششة المتبعششة‪ ،‬والششتي تحششد مششن حقششوق وحريششات المششواطنين فششي مجششالت الحيششاة الخاصششة والعامششة‪،‬‬
‫والمعتقدات الدينية والسياسية‪ ،‬والنشاطات العلمية الفردية‪ .‬بما فيها الفعال التي تهششدد نظششم جمششع وحفششظ‬
‫‪12‬‬
‫واسترداد وتدفق المعلومات الشخصية التي من خصائصششها السششرية فششي التششداول مثششل المعلومششات الطبيششة‪،‬‬
‫والوثائق المدنية الشخصية‪ ،‬والمعلومات الخاصة عن عمل ودخل المششواطنين وغيرهششا‪ .‬فششالمن العلمششي‬
‫الوطني مطششالب فششي مجتمششع الديمقراطيششة وسششيادة القششانون بتششأمين سششرية المعلومششات عششن الحيششاة الخاصششة‬
‫للمواطنين والحاديث الصريحة والخاصة التي تتم بين شخصين عبر وسائل التصال الحديثة‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن الهدف الرئيسي مششن اسششتخدام السششلحة العلميششة هششو تحقيششق أهششداف إسششتراتيجية‬
‫موجهة ضد الجهزة الحكومية الحساسة‪ ،‬وتطال وعي وأمن المجتمع بأسره‪ .‬وهو مششا يسششمح ولششو بالتلميششح‬
‫بأن نقول أنه سلح مدمر جديد قد دخل ترسانة أسلحة الدمار الشامل‪ .‬وتلك هي بعض ملمششح هششذا السششلح‬
‫الجديد الخذ بالتطور والنتشار السريع‪ .‬فماذا سيحدث لو لششم تتمكششن البحششاث العلميششة الحديثششة مششن وضششع‬
‫أسس ملموسة للوقاية منه‪ ،‬أو الحد من تأثيره كما هي الحال مع السششلحة التقليديششة وأسششلحة الششدمار الشششامل‬
‫الخرى ؟ لن السلحة العلمية الجديدة تتميششز عششن غيرهششا مششن الشششكال التقليديششة مششن السششلحة السششابقة‬
‫بسرعة النتشار والتأثير الفعال والسريع على الهدف الذي تستخدم ضده‪.‬‬

‫الخصائص الساسية للسلحة العلمية وأهدافها‪:‬‬

‫ومن تحليل لما تم نشره من أبحاث حتى الن يمكننا إلقاء بعششض الضششوء علششى بعششض الخصششائص‬
‫الساسية للسلحة العلمية‪ ،‬انطلقًا من إمكانياتها الساسية في التأثير على الهداف المسششتخدمة ضششدها‪،‬‬
‫وهي‪:‬‬
‫أنظمة نقل المعلومات‪ :‬من نظم وشبكات التصال‪ ،‬ونظششم وشششبكات المعلومششات والحاسششب اللششي‪،‬‬
‫وبنوك خزن وإعداد وتوزيع وتبادل المعلومات إلخ؛‬
‫والوعي الجتماعي )الرأي العام( ونظم تشكيله‪ :‬ويتضمن التأثير على الحالة النفسية الجتماعية‪،‬‬
‫وأدوات تشكل القيم الخلقية والدينيششة والتربويششة فششي المجتمششع‪ ،‬ووسششائل العلم والتصششال الجماهيريششة‪،‬‬
‫ونظم إعداد وتنشئة وتربية الطفال والشباب وغيرها؛‬
‫وأخيرًا الوعي الفردي أو الشخصي‪ :‬فالسلحة العلمية ليست وسائل "للتخريب الفكششري" فقششط‪،‬‬
‫بل هي وسائل يقصد منها أساسًا التأثير على البنية التحتيششة لتششدفق المعلومششات الضششرورية للنشششاط الفكششري‬
‫والتي تطال وتصب داخل الوعي الجتماعي‪ .‬والهدف منها أساسًا‪ ،‬هو‪ :‬التأثير الفعال على نظم المعلومات‬
‫العلمية والسياسية والقتصادية والمالية والعسكرية والثقافية والتربوية والحصائية‪.‬‬
‫وحتى المعلومات المخزنة داخل أجهزة السيطرة وإطلق وتفجير أسلحة الدمار الشامل والسششلحة‬
‫المتطورة التي تسششتخدم الحاسششب اللششي لمراقبششة وتحديششد واختيششار والوصشول إلششى الهشداف وتشدميرها‪ .‬أو‬
‫تضليل أسلحة العدو المتطورة أو شلها أو إخراجها مششن سشاحة المعركششة؛ والتششأثير النفسشي والتخشدير وششل‬
‫قدرات العدو على استخدام نظم معلوماته أو السششيطرة عليهششا‪ ،‬والقضششاء علششى إمكانيششاته المتاحششة للتصششال‬
‫والتنسيق داخل الدولة أو بالعالم الخارجي‪.‬‬

‫مجالت استخدام السلح العلمي‪:‬‬

‫وتتم عادة من خلل حاسب آلي )كمبيوتر شخصي( مزود ببرامج خاصة‪ ،‬أو من خلل غيرها من‬
‫أشكال السلحة العلمية الخرى‪ .‬فالفيروس المرسل من كمبيوتر شخصي عبر شبكة النششترنيت العالميششة‬
‫هو الن أكثر فتكًا من تأثير السلح النووي أو الجرثومي من حيث النتائج على الحضارة النسششانية‪ .‬فنشششر‬
‫الجراثيم الحية لحمى إيبول‪ ،‬أو القرحة السيبيرية‪ ،‬أو مرض نقص المناعة "اليدز" وغيرها من المراض‬
‫الخطيششرة‪ ،‬يمكششن التصششدي لهششا وحصششرها ووقششف انتشششارها ومعالجتهششا‪ ،‬أمششا فيروسششات الحاسششب اللششي‬
‫"الكمبيوتر" مثل‪ (( Melissa :‬و) ‪ ( I Love you‬أو "تشرنوبل" أو)‪ ( DIR‬وغيرها من الفيروسات‬
‫الجديدة التي تظهر كل يوم‪ ،‬من خلل شبكات الحاسب اللي الدولية‪ ،‬لها مفعول مدمر ل يمكن التصدي لششه‬
‫حتى الن وخلل ثوان فقط تدمر محتويات ملفات كاملة‪ ،‬وجهود سنوات طويلة في جمع وإعششداد وتخزيششن‬

‫‪13‬‬
‫المعلومات وتختفي إلى البد من على شاشات الحاسششب اللششي ومششن ذاكرتششه‪ .‬والمصششيبة أن ذلششك يششأتي فششي‬
‫ظروف غير متوقعة‪ ،‬وفي لحظة حرجة‪ ،‬وتؤدي إلى إرباك كبير‪.‬‬
‫ولنتصور معًا نتائج تخريب مواقششع شششبكات الحاسششب اللششي للعمليششات الماليششة الدوليششة‪ ،‬أو شششبكات‬
‫خطوط النقل الجوي والبري والبحري العالمية‪ ،‬أو شبكات السيطرة على أسلحة التدمير الشامل‪ ،‬أو شبكات‬
‫الشرطة الدولية "النتربول"‪.‬‬
‫فالنسانية أصبحت اليوم أكثر تهديدًا من قبل‪ ،‬بسششلح جديششد فتششاك يصششعب مششواجهته‪ ،‬ول نقششول ل‬
‫يمكن مواجهته‪ ،‬لن هذا يحتاج إلى رغبة الدول التي أصبحت تملك مثل تلك السلحة والقادرة على تطوير‬
‫وسائل قادرة على التصدي لمثل تلك السلحة‪ ،‬وعلى القل ضد أولئك الذين يستخدمون تلك السلحة بشكل‬
‫مخالف للقانون‪ .‬وعلى مستوى قرار تلك الدول وجديتهم في تطوير واستخدام هذا السششلح الجديششد ووسششائل‬
‫الوقاية منه يتوقف الكثير‪.‬‬
‫ولبد أن قرار دولي من هذا النوع سيكون من الهمية أكششثر بكششثير مششن الهميششة الششتي تمتعششت بهششا‬
‫اتفاقية الحد من انتشار السلحة النووية في العالم لعام ‪.1968‬‬

‫الرقابة أو الشراف على المجال العلمي الدولي‪:‬‬

‫ولكن الخوف بعد مؤتمر جينيششف يششأتي مششن إمكانيششة فششرض الششدول المتقدمششة نوعشًا مششن الرقابيية أو‬
‫الشراف على المجال العلمي العالمي ! وهنا يبرز خطر حقيقششي يهششدد التششدفق العلمششي الششدولي الحششر‪.‬‬
‫ويحد من الدور الحقيقي للعلم‪ ،‬ويجعل من الدول القل تطورًا والدول النامية رهينة لمشيئة تلششك الششدول‪،‬‬
‫وتصبح الساحات العلمية للدول القل تطورًا والنامية مكشوفة أمام تلك الدول‪ ،‬ويحرمها وهششي مششن دون‬
‫ذلك محرومة مششن التششدفق العلمششي القششادم مششن الششدول المتقدمششة الحريصششة علششى عششدم انتقششال التكنولوجيششا‬
‫المتطورة للدول القل تطورًا والدول النامية بشكل عام‪.‬‬
‫وهو ما يعني أيضًا إشراف بعض الدول المتقدمة على الساحة العلمية الدولية على الرض وفي‬
‫الفضاء الكوني في آن معًا‪ ،‬وعلى مختلف أوجه النشاط النساني وتوجيها لصالحها والسيطرة عليها‪.‬‬

‫سيناريوهات الحرب العلمية‪:‬‬

‫وانطلقًا من تلك التوقعات نرى أن الكششثير مششن مراكششز البحششث العلمششي المتخصصششة فششي مجششالت‬
‫التصششال والعلم والحششرب العلميششة‪ ،‬راحششت منششذ مششدة تعششد خططشًا وسششيناريوهات للحششرب العلميششة‬
‫المحتملة‪ .‬وراحت تعد إستراتيجيات خاصة بها‪ ،‬الغرض منها السيطرة على الساحة العلميششة ليشس للغيششر‬
‫وحسب‪ ،‬بل ومن أجل أن تكون "عولمة" العلم تحت إشششرافها فقششط‪ .‬ولنسشتعرض الن بعضشًا مشن نتشائج‬
‫تلك البحاث العلمية من خلل السيناريوهات التي أصبحت معروفة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫السيناريو الول‪ :‬وفيه الدولة هي المبادر الساسي في شن الحرب العلمية بمششا تملششك مششن تفششوق‬
‫ساحق في مجال السلحة العلمية الهجومية‪ ،‬ومن إمكانيات الحشد مشن صشلحية النظشم الدفاعيشة لي مشن‬
‫الدول الخرى "الحالة العراقية" و"الحالة اليوغسلفية"‪ .‬وفي هذه الحالة تفرز تلك الدولة قسمًا ممششا تملكششه‬
‫من وسائل وأسلحة الحرب العلمية لتسشتخدم مشن قبشل حلفائهشا‪ ،‬أخشذة علشى نفسشها مهمشة تنسشيق الجهشود‬
‫والعمليات‪ ،‬في الهجوم وفي الحد من التهديدات العلمية المشابهة التي قد تتعرض لهششا مششن قبششل الخصششم‪،‬‬
‫والمواقع التي يمكن أن ينطلق منها الخصم لتوجيه الضربة المعاكسة‪.‬‬
‫بحيث تضمن لنفسها التفوق وتحقيق النصر مهمششا كششان نشوع "العششدوان العلمششي" الششذي تقشوم بشه‬
‫وحلفائها ضد الخصم‪ ،‬أو الذي تتعرض له هي أو أي من حلفائها مششن قبششل الخصششم فششي الحششرب العلميششة‬
‫غير المعلنة وغير المرئية في أكثر الحالت‪.‬‬
‫والسيييناريو الثيياني‪ :‬احتفششاظ عششدد محششدود مششن الششدول المتقدمششة بقششدرات وإمكانيششات شششن الحششرب‬
‫العلمية واحتكار تلك الدول للسلح العلمششي‪ ،‬بشششكل يسششمح لهششا بششالتفوق الكامششل والقششدرة علششى امتلك‬
‫أجهزة وشبكات معلومات مستقلة‪ .‬في هذه الحالة لبد لواحدة من تلك الدول من الحتفششاظ بششالتفوق فششي هششذا‬
‫‪14‬‬
‫المجال‪ .‬وبذلك يصبح هذا الوضع عامل تخويف للدول الخرى‪ ،‬تمنعهششا مششن اسششتخدام السششلحة العلميششة‬
‫ضدها أو ضد أي من الدول التي تشرف عليها وبذلك تضمن التفوق حتى في المستقبل‪.‬‬
‫والسيناريو الثالث‪ :‬ويركز على الدولة المتفوقة إعلميًا‪ ،‬ونظم دفاعاتها غير القابلة للقهر ضششد أي‬
‫شكل من أشكال السلحة العلمية‪ .‬ممششا يجششبر أكشثر دول العشالم علششى المتنششاع عشن امتلك أي شششكل مششن‬
‫أشكال السلحة العلميششة الهجوميشة‪ ،‬أي الرضشوخ التشام‪ .‬لنهشا ل تسششتطيع مواجهشة الهجمشات العلميشة‬
‫ضدها بسبب عدم امتلك التكنولوجيا المعادلة للدولة المتفوقة‪.‬‬
‫وفي هذه الحالة تستطيع الدولة المتفوقة إعلميًا فرض نظامها الخشاص للششراف الجبشاري علشى‬
‫السلحة العلمية ونزعها وتدميرها‪ ،‬بما يششبه مششا تفعلشه الوليشات المتحشدة المريكيششة مشن خلل برنامشج‬
‫تدمير أسلحة الدمار الشششامل العراقيششة منششذ مطلششع التسششعينات فششي الرقابششة اللكترونيششة والسششتطلع الششدائم‪.‬‬
‫وبالنتيجة يمكن منع الحرب العلمية ضد الدولة المتفوقة أو تخفيض خطرها إلى الحد الدنى‪ ،‬والسششيطرة‬
‫على وسائل استعمالها المتوفرة لدى الخصم المتوقع بمششا يمكششن مششن إزالتهششا وتششدميرها‪ .‬ممششا يششوفر أرضششية‬
‫منطقية لعطاء مثل هذه الخطوات في ظروف التفوق الساحق لتلك الدولة‪ ،‬لتفرض علششى المجتمششع الششدولي‬
‫اتخاذ قرارات دولية مناسبة تتفق ومصالح تلك الدولة المتفوقة‪.‬‬
‫وإشراف كهذا على المجال العلمي العالمي أصبح شبه واقعيًا على ضششوء التفششوق الشششامل الششذي‬
‫يسمح لدولة معينة‪ ،‬أو لمجموعة قليلة من الدول‪ ،‬بالتأثير على النظم العلمية الدولية من خلل المكانيات‬
‫الفعلية التي تملكها‪ ،‬وهو ما يسمح لهم بفرض رأيهم علششى الخريششن‪ ،‬بمشا يعنشي أن تكشون العولمشة مقرونشة‬
‫بإشراف المتفوق‪ .‬وهو ما يؤكد وفق المعايير القليمية والنسانية أنهشا ملكشت وبالتأكيشد الحشد القصشى مشن‬
‫إمكانيات القناع أثناء الحروب المعلوماتية وفرض النباء التي تراها مناسبة‪ ،‬وعمليات حفظ السششلم وفششق‬
‫منظورها الخاص‪.‬‬

‫المن العلمي الدولي من وجهة نظر المعارضين للمشكلة‪:‬‬

‫لهذا يعتمد خصوم وجهة النظر التي تطالب بالنظر العاجل في قضششايا المششن العلمششي فششي إطششار‬
‫منظمة المم المتحدة على حجج ترى مششن وجهششة نظرهششم‪ :‬أن المشششكلة ل تتضششمن جششوانب عسششكرية؛ وأن‬
‫الحقيقة هي في خطر استخدام المعلوماتية في المجالت الجرامية والرهابية فقط‪.‬‬
‫وهنا يبرز سؤال هام‪ ،‬ماذا سيفعل المجتمع الدولي حيال إرهاب الدولة‪ ،‬وحيششال الجششرائم المرتكبششة‬
‫من قبل دولة ضد دولة أخرى‪ ،‬أو شعب ضد شعب آخر لهداف التطهير العرقي أو إبادة العششرق الخششر أو‬
‫لهداف توسعية واقتصادية وسياسية‪ ،‬وعدم العتراف بالحقوق الشرعية للغير كما هي الحال في الصراع‬
‫العربي السرائيلي من أجل تحقيق السلم العادل ؟ فهل يمكن تسمية ذلك بغير الحششرب المسششتمرة ؟ أليسششت‬
‫الحروب وفق المفاهيم النسانية جرائم ترتكب بحق البشرية ؟ حتى ولو قامت بها دولة معينششة أو مجموعششة‬
‫من الدول ضد دولة أخرى أو مجموعة من الدول بقصد العدوان وليس الدفاع عن النفس‪.‬‬
‫ومن يستطيع إثبششات أن تلششك الحششروب والجششرائم والعمششال الرهابيششة تتششم دون اسششتخدام السششلحة‬
‫العلمية التي هي سمة من سششمات الحقبششة الخيششرة مشن القششرن العشششرين ؟ ومششن الخطششأ إخششراج الجريمششة‬
‫المنظمة والرهاب الدولي من مفهوم المن العلمي الدولي‪ ،‬لنها تهدد الكيان النساني برمته؛‬
‫وأنه ل وجود للسلحة العلمية وهي ليست سوى عبششارة عششن وسششائل للتششأثير علششى نظششم العلم‬
‫وشبكات التصال فقط‪ ،‬ول تشمل غيرها من الوسائل والطرق التي هي من أشكال السششلحة الششتي تسششتخدم‬
‫في تنفيذ الحروب النفسية؛ وأنه ل يمكن متابعة وتسجيل وضبط القائمين في التأثير العلمي‪.‬‬
‫وهذه بحد ذاتها حجة واهية لن الحقائق تثبت عكس ذلك‪ ،‬والتاريخ يتضمن أمثلة محددة على ذلششك‬
‫منهششا‪ :‬حششل مشششكلة تحديششد مواقششع إطلق الصششواريخ العششابرة للقششارات‪ ،‬والحجششم الكششبير للقضششايا الجنائيششة‬
‫المرفوعة ضد المتسللين إلى شبكات الحاسب اللي الخاصة‪ ،‬ومخربي محتويششات شششبكات الحاسششب اللششي‪،‬‬
‫مما يثبت إمكانية وفعالية الجراءات المتبعة حتى الن والتي يمكن تطويرها والزيادة من فعاليتها كل يوم؛‬

‫‪15‬‬
‫وأن غياب المصطلحات الموحدة وغيششاب المششداخل الموحششدة لمفهششوم المششن العلمششي يششؤدي إلششى‬
‫الخلف في التجاهات نحو تناول المشكلة وفق المفهوم الدولي‪ .‬وهي مشكلة تحتششاج للحششل قبششل النظششر فششي‬
‫المشكلة جديًا ضمن إطار منظمة المم المتحدة كهيئة سياسششية دوليششة وحيششدة تملششك حششق النظششر فششي قضششايا‬
‫"العولمة" وآثارها؛‬
‫وأن القوانين الوطنية التي تلبي المصالح القومية العليا لمختلف الششدول غيششر متوافقششة‪ ،‬وهششو وضششع‬
‫يجب تصحيحه؛‬
‫وهنا يبرز السؤال التالي‪ :‬على أي أساس يجب تصحيحه ؟ هل علششى أسششاس قششوانين دولششة مختششارة‬
‫من دول العالم ؟ ومن هي تلك الدولة المختششارة صششاحبة الحششظ السششعيد ؟ ومششن يملششك الحششق بنشششر مفششاهيمه‬
‫القانونية الوطنية ومصالحه القومية العليا على كافة دول العالم ؟ ومن هي تلك الدولة التي ستكون المبششادرة‬
‫في فرض قوانينها الوطنية والمبادرة لفرض مفهومها وإجراءاتها في الدفاع عششن المجششال العلمششي وأمنششه‬
‫على غيرها من دول العالم ؟ فهذا من غير الواقعي تمامًا‪ .‬لن المرجعية والساس يجششب أن يكششون للقششانون‬
‫الدولي فقط‪ ،‬وهو ما دعت إليه الهيئة العامة لمنظمة المم المتحدة في قراريهششا ‪ 53/70‬و ‪54/49‬؛ وأخيششرًا‬
‫حجة عدم كفاية الدراسات اللزمة للعداد لعرض الموضوع على الهيئة العامة للمم المتحششدة‪ ،‬وضششرورة‬
‫النتظار حتى اكتمال واستلم نتائج البحوث العلمية والقانونية‪.‬‬

‫المن العلمي الدولي من وجهة نظر البحث العلمي‪:‬‬

‫والجدال حول هذه النقطة صعب لن البحوث العلمية الساسية المنتهية والمنشورة والمناقشة على‬
‫مستوى الخبراء كثيرة‪ ،‬وتم اقتراح الكثير من الحلول التطبيقية للمشكلة من قبلهم‪ .‬مما يفسح المجششال للشششك‬
‫في النوايا التي يمكن أن يكون الغرض منها النتظار حتى تنتهي بعض الدول من إعداد الوسائل العسكرية‬
‫التي تعمل على إنشائها‪ ،‬للوصششول إلششى التفششوق المنتظششر الششذي يتيششح لتلششك الششدول الفرصششة الكاملششة لفششرض‬
‫وجهات نظرها على الغير‪ .‬ولعزل الدول التي لم تبدأ بعد بالقيششام بمثششل تلششك الجششراءات والحيلولششة دون أن‬
‫يكون لها صوت مؤثر في حل تلك المشكلة الخطيرة‪.‬‬
‫ولتبقششى الثغششرات فششي النظمششة العلميششة لمختلششف دول العششالم قائمششة‪ ،‬ولتبقششى عرضششة للعششدوان‬
‫العلمي دون القدرة حتى على الرد‪ .‬وليبقى الطريق أمام الدول المتفوقة مفتوحًا لشن الحشروب العلميشة‬
‫وفرض السيطرة والشراف العلمي على النظم العلمية للدول الضعف‪ .‬ولكن هل ستقبل الدول القششل‬
‫تقدمًا بهذا الوضع المختل ؟ في حال غياب آلية دولية للحد من السباق في مجششال امتلك واسششتخدام السششلح‬
‫العلمي‪ ،‬وبالتالي منع قيام الحروب العلمية‪.‬‬
‫ففي ذلك الوضع ستفقد المششم المتحششدة دورهشا الريشادي فشي "العولمشة"‪ ،‬ممشا يشؤدي إلشى الفوضشى‬
‫العلمية الدولية مع كل النتائج الوخيمة التي لبد وأن تؤثر في صميم الثقافة النسششانية‪ ،‬وتششدفن إلششى البششد‬
‫أية إمكانية لقيام حوار ديمقراطششي عششادل بيششن الثقافششات‪ ،‬ولتحششل مكششانه الثقافششة المفروضششة مشن قبششل الدولشة‬
‫القوى‪.‬‬

‫المن العلمي والتفاهم الدولي‪:‬‬

‫ومن الصعب الن أيجاد شكل محدد لتلك اللية الدولية دون تحقيق التفاهم داخل المجتمششع الششدولي‪.‬‬
‫ويكون مبنيًا على مبادئ عامة دوليشة‪ ،‬مدعومشة مششن البدايششة بوثيقشة دوليششة متعششددة الطششراف تحششت رعايششة‬
‫منظمة المششم المتحششدة‪ ،‬تتضششمن تصششور شششامل للمشن العلمششي الششدولي‪ .‬ويأخششذ فششي اعتبششاره طبيعششة كششل‬
‫التهديدات العسكرية والجرامية والرهابية‪ ،‬بما فيها استخدام سياسة الفرض والكراه لفرض هيبة القانون‬
‫سواء في المجال العسكري أو في المجال المدني‪ .‬وهشذا يتطلشب مشن وجهشة نظشر أنصشار "عولمشة" المشن‬
‫العلمي القيام بما يلي‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫إعششداد نظششم للفهششم المشششترك‪ ،‬تسششتخدم أثنششاء تحليششل ومناقشششة المشششاكل المطروحششة حششول المششن‬
‫العلمششي‪ ،‬وتحديششد المصششادر التكنولوجيششة وطبيعششة الخطششار المتوقعششة؛ وإعششداد المبششادئ الساسششية لبنششاء‬
‫"عولمة" النظم لتأمين المن العلمي الدولي؛‬
‫وإصدار بيان متعدد الطراف في أطار منظمة المم المتحدة يخلق تصور للمن العلمي الدولي‬
‫على أساس المبادئ الساسية المعلنة؛‬
‫وإعششداد اتفاقيششة تتضششمن المواضششيع الخاصششة‪ ،‬مثششل قضششايا مكافحششة الرهششاب العلمششي الششدولي‬
‫والجريمششة فششي مجششال العلم‪ ،‬تتفششق ومبششادئ المنظمششات الدوليششة العاملششة والقائمششة فششي مجششال العلم‬
‫والتصالت المرئية‪ ،‬ووسائل التصال والعلم الجماهيرية وحقوق النسان؛‬
‫وإعداد المبادئ الساسية الخاضعة للمحاسبة فششي إطششار منظمششة المششم المتحششدة للنظششر فششي ملئمششة‬
‫القوانين الوطنية بهدف التوفيق بينها؛‬
‫وإدخال جميشع الشدول العضشاء لضشافات وتغييشرات فشي قوانينهشا الساسشية بمشا يتفشق والمبشادئ‬
‫الساسية المعلنشة؛ وإعشداد المبشادئ الساسشية لتنظيشم آليشة للرقابشة والسشيطرة فشي مجشال المشن العلمشي‬
‫الدولي‪ ،‬وضمان تناسقه مع النظششم العالميششة العاملششة فششي مجششال المعلوماتيششة والتصششالت المرئيششة ووسششائل‬
‫العلم والتصال الجماهيرية وحقوق النسان‪ ،‬والرقابة علششى تصششدير مششواد وتكنولوجيششا العلم‪ .‬ويعنششي‬
‫هذا العمل المشترك في أجهزة الرقابة على تصدير المنتجات والخدمات في مجال المعلوماتية والتصالت‬
‫المرئية‪ ،‬وخاصة منها التي يمكن أن تستخدم عسكريًا أو للستخدامات الثنائية‪ ،‬بما فيها المشواد المخصصششة‬
‫لنتاج أسلحة الحرب النفسية‪.‬‬
‫ويرى أنصار هذا التجاه أن تتوج المرحلة الختامية بتوقيع كششل الششدول فششي المجتمششع الششدولي علششى‬
‫اتفاقية متعددة الطراف لها صبغة نهائية تؤكد مبادئ المن العلمي الدولي‪ ،‬وتفششرض آليششة دوليششة معينششة‬
‫لمراقبة مجال المن العلمي الدولي ووضعه حيز التطبيق‪ .‬على أن يجري كل ذلك في إطار الدبلوماسششية‬
‫الدولية وضمن إطار منظمة المم المتحشدة‪ ،‬وعلشى مسشتوى المنظمشات القليميشة‪ ،‬وهنشا يشبرز دور جامعشة‬
‫الدول العربية‪ ،‬ومجلس تعاون دول الخليج العربية وغيرها مششن التجمعششات القليميششة والدبلوماسششية الثنائيششة‬
‫بين الدول‪ ،‬لتحقيق أوسع تعشاون دولشي مفيشد وواقعشي وممكشن يسشاعد علشى حشل مششاكل المشن العلمشي‬
‫الدولي‪.‬‬
‫ويضمن تنفيذ الجراءات المتخذة لحشل المشششاكل الجديشدة والصشعبة الناتجشة عشن دخششول النسششانية‬
‫عصر "العولمة" المعلوماتية‪ .‬وتوفر المن العلمي الدولي الواقعي بما يضمن المصشالح الوطنيششة لجميشع‬
‫دول العالم صغيرها وكبيرها‪ ،‬فقيرها وغنيها‪ .‬ويتصدى لي عدوان خارجي أو إجرامششي أو إرهششابي علششى‬
‫المجال العلمي لي دولة من دول العالم‪.‬‬
‫لمزيد من المعلومات حول الموضوع أنظر‪:‬‬
‫د‪ .‬أسامة الغزالي حرب‪ :‬الحزاب السياسية في العالم الثالث‪ .‬سلسلة المعرفة‪ 1987 .‬سبتمبر‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫أندريه فلديميروفيتش كروتسكيخ‪ ،‬وأليكساندر فلديميروفيتش فيدروف‪ :‬عن المن العلمششي‬ ‫‪.2‬‬
‫الدولي‪ // .‬موسكو‪ :‬مجلة الحياة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 2‬لعام ‪) .2000‬باللغة الروسية(‬
‫إسلم كريموف‪ :‬أوزبكستان‪ ،‬طريقها الخاص للتجديد والتقدم‪.‬ترجمششة‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬محمييد البخيياري‪ .‬دار‬ ‫‪.3‬‬
‫السروات‪ ،‬جدة ‪.1999‬‬
‫إسلم كريموف‪ :‬أوزبكستان‪ ،‬نموذجها الخاص للنتقال إلى اقتصاد السششوق‪ .‬ترجمششة‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬محمييد‬ ‫‪.4‬‬
‫البخاري‪ .‬دار السروات‪ ،‬جدة ‪.1999‬‬
‫إسلم كريموف‪ :‬أوزبكستان على طريق الصششلحات القتصششادية‪ .‬شششركة المطبوعششات للتوزيششع‬ ‫‪.5‬‬
‫والنشر‪ .‬بيروت ‪.1996‬‬
‫د‪ .‬بطييرس بطييرس غييالي‪ :‬حقششوق النسششان فششي ‪ 30‬عام شًا‪ // .‬القششاهرة‪ :‬مجلششة السياسششة الدوليششة‬ ‫‪.6‬‬
‫‪/1979‬يناير‪.‬‬
‫د‪ .‬حازم الببلوي‪ :‬العرب والعولمة‪ .‬القاهرة‪ :‬الهرام ‪.1997/12.30‬‬ ‫‪.7‬‬
‫د‪ .‬صابر فلحوط‪ ،‬د‪ .‬محمد البخاري‪ :‬العولمة والتبادل العلمي الدولي‪ .‬دار علء الشدين‪ .‬دمششق‬ ‫‪.8‬‬
‫‪.1999‬‬
‫‪17‬‬
‫عاطف الغمري‪ :‬السلحة الجديدة في ترسششانة الهجششوم القتصششادي العششالمي‪ // .‬القششاهرة‪ .‬صششحيفة‬ ‫‪.9‬‬
‫الهرام ‪/1996‬يناير ‪.30‬‬
‫د‪ .‬محمد سامي عبد الحميد‪ :‬أصول القانون الدولي العام‪.1979 .‬‬ ‫‪.10‬‬
‫د‪ .‬محمد عابد الجابري‪ :‬قضايا فششي الفكششر العربششي المعاصششر‪ .‬مركششز دراسششات الوحششدة العربيششة‪.‬‬ ‫‪.11‬‬
‫بيروت ‪.1997‬‬
‫د‪ .‬محمد علي العويني‪ :‬العلم الدولي بين النظرية والتطبيق‪ .‬مكتبة النجلو المصششرية‪ ،‬القششاهرة‬ ‫‪.12‬‬
‫‪.1990‬‬
‫د‪ .‬محمد البخاري‪ :‬مبادئ الصحافة الدولية والتبادل العلمي الدولي‪ .‬جامعة ميرزة أولششوغ بيششك‬ ‫‪.13‬‬
‫الحكومية‪ .‬طشقند ‪.1997‬‬
‫د‪ .‬ممييدوح شييوقي‪ :‬المششن القششومي والعلقششات الدوليششة‪ // .‬القششاهرة‪ .‬مجلششة السياسششة الدوليششة‬ ‫‪.14‬‬
‫‪/1997‬العدد ‪.127‬‬
‫د‪ .‬هالة مصطفى‪ :‬العولمة ‪ ..‬دور جديد للدولة‪ // .‬القاهرة‪ .‬مجلششة السياسششة الدوليششة‪ 1998 ،‬العششدد‬ ‫‪.15‬‬
‫‪.134‬‬
‫د‪ .‬هاليية مصييطفى‪ :‬المشششروع القششومي فششي مصششر‪ :‬دور الدولششة الساسششي‪ //.‬القششاهرة‪ :‬الهششرام‬ ‫‪.16‬‬
‫‪.1997/4.28‬‬
‫ل‪ // .‬القاهرة‪ :‬الهرام ‪.1997/3.31‬‬ ‫د‪ .‬هالة مصطفى‪ :‬المشروع القومي بناء الداخل أو ً‬ ‫‪.17‬‬
‫د‪ .‬هالة مصطفى‪ :‬حقوق النسان‪ ،‬وفلسفة الحرية الفردية‪" .‬نشطاء" البرنامج القليمي لدراسششات‬ ‫‪.18‬‬
‫حقوق النسان‪ 1997 .‬العدد ‪ .3‬أكتوبر‪.‬‬
‫‪19.‬‬ ‫‪Francis Fukuyama, End of History, National Interest, summer. 1989.‬‬
‫‪20.‬‬ ‫‪James N. Rosenau, New Dimensions of Security: The Interaction of‬‬
‫‪Globalizing and Localizing Dynamics, Security Dialogue, 1994, Vol. 25 (3).‬‬
‫‪21.‬‬ ‫‪Paul Kennedy, Globalization and its Discontents, New Perspectives Quarterly,‬‬
‫‪Vol. 13, No. 4. Fall 1996.‬‬
‫‪22.‬‬ ‫‪Peter Drucker, The Second Infuriation Revolution, New Perspectives‬‬
‫‪Quarterly, Vol. 14, No. 2, Spring 1997.‬‬
‫‪23.‬‬ ‫‪Jan AART SCHOLTE, Global Capitalism and the State, International Affairs,‬‬
‫‪Vol. 73, No. 3, July 1997.‬‬
‫‪24.‬‬ ‫‪“Joint Doctrine for Information Operations", Joint Chief of Staffs, Joint Pub.‬‬
‫‪3-13, October 9, 1998.‬‬
‫‪25. Hans Morganthue, Political Nations, Calcutta, Scientific Book Agency, 1965, Chap.‬‬
‫‪28.‬‬
‫‪26. Edward N. Luttwak, The Global Setting of U.S. Military Power-Washington. 1996.‬‬

‫‪18‬‬

You might also like