Professional Documents
Culture Documents
49
*للمام القرطبي
*وهبو كتاب الجامبع لحكام القرآن ،المشهور ببب "تفسبير القرطببي" ،تأليبف أببو عبدال محمبد ببن
أحمد النصاري القرطبي.
* الملفّ كامل ومدقق بشكل مبدئي ،أما التدقيق النهائي فقد تم إلى نهاية الجزء الرابع.
**1الجزء 1من الطبعة
**2المقدمة
**3القول في الستعاذة
أمببر ال تعالى بالسببتعاذة عنببد أول كببل قراءة فقال تعالى" :فإذا قرأت القرآن فاسببتعذ بال مببن
الشيطان الرجيببم" [النحببل ]98:أي إذا أردت أن تقرأ؛ فأوقببع الماضببي موقببع المسببتقبل كمببا قال
الشاعر:
وإني لتيكم لذكرى الذي مضى من الود واستئناف ما كان في غد
أراد ما يكون في غد؛ وقيل :في الكلم تقديم وتأخير ،وأن كل فعلين تقاربا في المعنى جاز تقديم
أيهمبا شئت؛ كمبا قال تعالى" :ثبم دنبا فتدلى" [النجبم ]8:المعنبى فتدلى ثبم دنبا؛ ومثله" :اقترببت
الساعة وانشق القمر" [القمر ]1:وهو كثير.
@ هذا المبر على الندب فبي قول الجمهور فبي كبل قراءة فبي غيبر الصبلة .واختلفوا فيبه فبي
الصبلة .حكبى النقاش عبن عطاء :أن السبتعاذة واجببة .وكان اببن سبيرين والنخعبي وقوم يتعوذون
في الصلة كل ركعة ،ويمتثلون أمر ال في الستعاذة على العموم ،وأبو حنيفة والشافعي يتعوذان
فبي الركعبة الولى مبن الصبلة ويريان قراءة الصبلة كلهبا قراءة واحدة؛ ومالك ل يرى التعوذ فبي
الصلة المفروضة ويراه في قيام رمضان.
@ أجمبع العلماء على أن التعوذ ليبس مبن القرآن ول آيبة منبه ،وهبو قول القارئ :أعوذ بال مبن
الشيطان الرجيببم .وهذا اللفببظ هبو الذي عليبه الجمهور مبن العلماء فببي التعوذ لنبه لفبظ كتاب ال
تعالى .وروي عبن اببن مسبعود أنبه قال :قلت أعوذ بال السبميع العليبم مبن الشيطان الرجيبم؛ فقال
النبي صلى ال عليه وسلم( :يا ابن أم عبد أعوذ بال من الشيطان الرجيم هكذا أقرأني جبريل عن
اللوح المحفوظ عن القلم).
@ روى أبو داود وابن ماجة في سننهما عن جبير بن مطعم أنه رأى رسول ال صلى ال عليه
وسبلم يصبلي صبلة فقال عمرو :ل أدري أي صبلة هبي؟ فقال( :ال أكببر كببيرًا ال أكببر كببيراً -
ثلثاً -الحمد ل كثيراً الحمد ل كثيراً -ثلثاً -وسبحان ال بكرة وأصيل -ثلثاً -وأعوذ بال من
الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه) .قال عمرو :همزه المؤتة ،ونفثه الشعر ،ونفخه الكبر .وقال ابن
ماجبة :المؤتبة يعنبي الجنون .والنفبث :نفبخ الرجبل مبن فيبه مبن غيبر أن يخرج ريقبه .والكببر :التيبه.
وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا قام من الليل
كبر ثم يقول( :سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ول إله غيرك -ثم يقول - :ل إله
إل ال -ثلثاً ثم يقول - :ال أكبر كبيراً -ثلثاً -أعوذ بال السميع العليم من الشيطان الرجيم من
همزه ونفخه ونفثه)؛ ثم يقرأ .وروى سليمان بن سالم عن أبي القاسم رحمه ال أن الستعاذة :أعوذ
بال العظيم من الشيطان الرجيم إن ال هو السميع العليم بسم ال الرحمن الرحيم .قال ابن عطية:
"وأمبا المقرئون فأكثروا فبي هذا مبن تبديبل الصبفة فبي اسبم ال تعالى وفبي الجهبة الخرى ،كقول
بعضهبم :أعوذ بال المجيبد ،مبن الشيطان المريبد؛ ونحبو هذا ممبا ل أقول فيبه :نعمبت البدعبة ،ول
أقول :إنه ل يجوز".
@ قال المهدوي :أجمبع القراء على إظهار السبتعاذة فبي أول سبورة "الحمبد" أل حمزة فإنبه
أسببرها .وروى السبدي عبن أهبل المدينبة أنهبم كانوا يفتتحون القراءة بالبسبملة .وذكبر أببو الليبث
السمرقندي عن بعض المفسرين أن التعوذ فرض ،فإذا نسيه القارئ وذكره في بعض الحزب قطع
وتعوذ ،ثبم ابتدأ مبن أوله .وبعضهبم يقول :يسبتعيذ ثبم يرجبع إلى موضعبه الذي وقبف فيبه؛ وبالول
قال أسانيد الحجاز والعراق؛ وبالثاني قال أسانيد الشام ومصر.
@ حكبى الزهراوي قال :نزلت اليبة فبي الصبلة وندبنبا إلى السبتعاذة فبي غيبر الصبلة وليبس
بفرض .قال غيره :كانت فرضاً على النبي صلى ال عليه وسلم وحده ،ثم تأسينا به.
روي عبن أببي هريرة أن السبتعاذة بعبد القراءة؛ وقاله داود .قال أببو بكبر ببن العرببي" :انتهبى
العبي بقوم إلى أن قالوا :إذا فرغ القارئ مبن قراءة القرآن يسبتعيذ بال مبن الشيطان الرجيبم" .وقبد
روى أببو سبعيد الخدري أن النببي صبلى ال عليبه وسبلم كان يتعوذ فبي صبلته قببل القراءة؛ وهذا
نبص .فإن قيبل :فمبا الفائدة فبي السبتعاذة مبن الشيطان الرجيبم وقبت القراءة؟ قلنبا :فائدتهبا امتثال
المر؛ وليس للشرعيات فائدة إل القيام بحق الوفاء لها في امتثالها أمرًا أو اجتنابها نهياً؛ وقد قيل:
فائدتها امتثال المر بالستعاذة من وسوسة الشيطان عند القراءة؛ كما قال تعالى" :وما أرسلنا من
قبلك مبن رسبول ول نببي إل إذا تمنبى ألقبى الشيطان فبي أمنيتبه" [الحبج .]52:قال اببن العرببي:
"ومن أغرب ما وجدناه قول مالك في المجموعة في تفسير هذه الية" :فإذا قرأت القرآن فاستعذ
بال من الشيطان الرجيم" [النحل ]98:قال :ذلك بعد قراءة القرآن لمن قرأ في الصلة ،وهذا قول
لم يرد به أثر ،ول يعضده نظر؛ فإن كان هذا كما قال بعض الناس :أن الستعاذة بعد القراءة ،كان
تخصبيص ذلك بقراءة أم القرآن فبي الصبلة دعوى عريضبة ،ول تشببه أصبل مالك ول فهمبه؛ فال
أعلم بسر هذه الرواية.
@ فبي فضبل التعوذ :روى مسبلم عبن سبليمان ببن صبرد قال :اسبتب رجلن عنبد النببي صبلى ال
عليبه وسبلم فجعبل أحدهمبا يغضبب ويحمبر وجهبه وتنتفبخ أوداجبه؛ فنظبر إليبه النببي صبلى ال عليبه
وسببلم فقال( :إنببي لعلم كلمببة لو قالهببا لذهببب ذا عنببه أعوذ بال مببن الشيطان الرجيببم) .فقام إلى
الرجبل رجبل ممبن سبمع النببي صبلى ال عليبه وسبلم فقال :هبل تدري مبا قال رسبول ال صبلى ال
عليه وسلم آنفاً؟ قال( :إني لعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه أعوذ بال من الشيطان الرجيم) .فقال
له الرجبل :أمجنوناً ترانبي! أخرجبه البخاري أيضاً .وروى مسبلم أيضاً عبن عثمان ببن أببي العاص
الثقفبي أنبه أتبى النببي صبلى ال عليبه وسبلم فقال :يبا رسبول ال ،إن الشيطان قبد حال بينبي وبيبن
صببلتي وقراءتببي يلبسببها علي ،فقال له رسببول ال صببلى ال عليببه وسببلم( :ذاك شيطان يقال له
خنزب فإذا أحسبسته فتعوذ بال منبه واتفبل عبن يسبارك ثلثاً) قال :ففعلت فأذهببه ال عنبي .وروى
أبو داود عن ابن عمر قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا سافر فأقبل عليه الليل قال( :يا
أرض ربي وربك ال أعوذ بال من شرك ومن شر ما خلق فيك ومن شر ما يدب عليك ومن أسد
وأسببود ومببن الحيببة والعقرب ومببن سبباكني البلد ووالد ومببا ولد) .وروت خولة بنببت حكيببم قالت:
سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :ما نزل منزلً ثم قال أعوذ بكلمات ال التامات من
شبر مبا خلق لم يضره شيبء حتبى يرتحبل) .أخرجبه الموطبأ ومسبلم والترمذي وقال :حديبث حسبن
غريب صحيح .وما يتعوذ منه كثير ثابت في الخبار ،وال المستعان.
@ معنى الستعاذة في كلم العرب :الستجارة والتحيز إلى الشيء ،على معنى المتناع به من
المكروه؛ يقال :عذت بفلن واسبتعذت ببه؛ أي لجأت إليبه .وهبو عياذي ،أي ملجأي .وأعذت غيري
به وعوذته بمعنى .ويقال :أعوذ بال منك؛ أي أعوذ بال منك؛ قال الراجز:
قالت وفيها حيدة وذعر عوذ بربي منكم وحجر
والعرب تقول عنببد المببر تنكره :حجراً له (بالضببم) أي دفعاً ،وهببو اسببتعاذة مببن المببر .والعوذة
والمعاذة والتعويببذ كله بمعنببى .وأصببل أعوذ :أعوذ نقلت الضمببة إلى العيببن لسببتثقالها على الواو
فسكنت.
@ الشيطان واحبد الشياطيبن؛ على التكسبير والنون أصبلية ،لنبه مبن شطبن إذا بعبد عبن الخيبر.
وشطنت داره أي بعدت؛ قال الشاعر:
نأت بسعاد عنك نوىً شطون فبانت والفؤاد بها رهين
وبئر شطون أي بعيدة القعر .والشطن :الحبل؛ سمي لبعد طرفيه وامتداده .ووصف أعرابي فرساً
ل يحفى فقال :كأنه شيطان في أشطان .وسمي الشيطان شيطاناً لبعده عن الحق وتمرده؛ وذلك أن
كل عات متمرد من الجن والنس والدواب شيطان؛ قال جرير:
أيام يدعونني الشيطان من غزل وهن يهوينني إذ كنت شيطاناً
وقيبل :إن شيطانبا مأخوذ مبن شاط يشيبط إذا هلك ،فالنون زائدة .وشاط إذا احترق .وشيطبت اللحبم
إذا دخنتببه ولم تنضجببه .واشتاط الرجببل إذا احتببد غضباً .وناقببة مشياط التببي يطيببر فيهببا السببمن.
واشتاط إذا هلك؛ قال العشى:
قد نخضب العير من مكنون فائله وقد يشيط على أرماحنا البطل
أي يهلك .ويرد على هذه الفرقببة أن سببيبويه حكببى أن العرب تقول :تشيطببن فلن إذا فعببل أفعال
الشياطيبن ،فهذا بيبن أنبه تفعيبل مبن شطبن ،ولو كان مبن شاط لقالوا :تشيبط ،ويرد عليهبم أيضاً بيبت
أمية بن أبي الصلت:
ورماه في السجن والغلل أيما شاطن عصاه عكاه
فهذا شاطن من شطن ل شك فيه.
@ الرجيم أي المبعد من الخير المهان .وأصل الرجم :الرمي بالحجارة ،وقد رجمته أرجمه ،فهو
رجيبم ومرجوم .والرجبم :القتبل واللعبن والطرد والشتبم ،وقبد قيبل هذا كله فبي قوله تعالى" :لئن لم
تنتببه يببا نوح لتكونببن مببن المرجوميببن" [الشعراء .]116:وقول أبببي إبراهيببم" :لئن لم تنتببه
لرجمنك" [مريم .]46:وسيأتي إن شاء ال تعالى.
@ روى العمش عن أبي وائل عن عبدال قال قال علي بن أبي طالب عليه السلم :رأيت النبي
صبلى ال عليبه وسبلم عنبد الصبفا وهو مقببل على شخبص فبي صبورة الفيبل وهبو يلعنبه ،قلت :ومن
هذا الذي تلعنبببه يبببا رسبببول ال؟ قال( :هذا الشيطان الرجيبببم) فقلت :يبببا عدو ال ،وال لقتلنبببك
ولريحبن المبة منبك؛ قال :مبا هذا جزائي منبك؛ قلت :ومبا جزاؤك منبي يبا عدو ال؟ قال :وال مبا
أبغضك أحد قط أل شركت أباه في رحم أمه.
**3القول في البسملة
@ قال العلماء" :بسم ال الرحمن الرحيم" قسم من ربنا أنزله عند رأس كل سورة ،يقسم لعباده
إن هذا الذي وضعت لكم يا عبادي في هذه السورة حق ،وإني أفي لكم بجميع ما ضمنت في هذه
السورة من وعدي ولطفي وبري .و"بسم ال الرحمن الرحيم" مما أنزله ال تعالى في كتابنا وعلى
هذه المة خصوصا بعد سليمان عليه السلم .وقال بعض العلماء " :إن "بسم ال الرحمن الرحيم"
تضمنت جميع الشرع ،لنها تدل على الذات وعلى الصفات ،وهذا صحيح.
@ قال بن أبي سكينة :بلغني أن علي بن أبي طالب رضي ال عنه نظر إلي رجل يكتب "بسم ال
الرحمن الرحيم" فقال له :جودها فإن رجل جودها فغفر له .قال سعيد :وبلغني أن رجل نظر إلى
قرطاس فيه "بسم ال الرحمن الرحيم" فقبله ووضعه على عينيه فغفر له .ومن هذا المعنى قصة
بشبر الحافبي ،فإنبه لمبا رفبع الرقعبة التبي فيهبا اسبم ال وطيبهبا طيبب اسبمه ،ذكره القشيري .وروى
النسبائي عبن أببي المليبح عبن ردف رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم قال :إن رسبول ال صبلى ال
عليبه وسبلم قال( :إذا عثرت ببك الداببة فل تقبل تعبس الشيطان فإنبه يتعاظبم حتبى يصبير مثبل البيبت
ويقول بقوتبه صبنعته ولكبن قبل بسبم ال الرحمبن الرحيبم فإنبه يتصباغر حتبى يصبير مثبل الذباب).
وقال علي بببن الحسببين فبببي تفسببير قوله تعالى" :وإذا ذكرت ربببك فببي القرآن وحده ولوا على
أدبارهم نفورا" [السراء ]46:قال معناه :إذا قلت "بسم ال الرحمن الرحيم" .وروى وكيع عن
العمش عن أبي وائل عن عبدال بن مسعود قال :من أراد أن ينجيه ال من الزبانية التسعة عشر
فليقرأ "بسم ال الرحمن الرحيم" ليجعل ال تعالى له بكل حرف منها جنة من كل واحد .فالبسملة
تسبعة عشبر حرفبا على عدد ملئكبة أهبل النار الذيبن قال ال فيهبم" :عليهبا تسبعة عشبر" [المدثبر:
]30وهبم يقولون فبي كبل أفعالهبم" :بسبم ال الرحمبن الرحيبم" فمبن هنالك هبي قوتهبم ،وببسبم ال
اسبتضلعوا .قال اببن عطيبة :ونظيبر هذا قولهبم فبي ليلة القدر :إنهبا سببع وعشريبن ،مراعاة للفظبة
"هبي" مبن كلمات سبورة "إنبا أنزلناه" [القدر .]1 :ونظيره أيضبا قولهبم فبي عدد الملئكبة الذيبن
ابتدروا قول القائل :ربنبا ولك الحمبد حمدا كثيرا طيببا مباركبا فيبه ،فإنهبا بضعبة وثلثون حرفببا،
فلذلك قال النببي ال صبلى ال عليبه وسبلم( :لقبد رأيبت بضعبا وثلثيبن ملكبا يبتدرونهبا أيهبم يكتبهبا
أول) .قال ابن عطية :وهذا من ملح التفسير وليس من متين العلم.
@ روى الشعببي والعمبش أن رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم كان يكتبب "باسبمك اللهبم" حتبى
أمبر أن يكتبب "بسبم ال" فكتبهبا ،فلمبا نزلت" :قبل ادعوا ال أو ادعوا الرحمبن" [السبراء]110:
كتبب "بسبم ال الرحمبن الرحيبم" فلمبا نزلت" :إنبه مبن سبليمان وإنبه بسبم ال الرحمبن الرحيبم"
[النمبل ]30:كتبهبا .وفبي مصبنف أببي داود قال الشعببي وأببو مالك وقتادة وثاببت ببن عمارة :إن
النبي ال صلى ال عليه وسلم لم يكتب بسم ال الرحمن الرحيم حتى نزلت سورة "النمل".
@ روي عن جعفر الصادق رضي ال عنه أنه قال :البسملة تيجان السور.
قلت :وهذا يدل على أنها ليست بآية من الفاتحة ول غيرها .وقد اختلف العلماء في هذا المعنى
على ثلثة أقوال( :الول) ليست بآية من الفاتحة ول غيرها ،وهو قول مالك( .الثاني) أنها آية من
كل سورة ،وهو قول عبدال بن المبارك( .الثالث ) قال الشافعي :هي آية في الفاتحة ،وتردد قوله
فبي سائر السور ،فمرة قال :هي آية من كل سورة ،ومرة قال :ليست بآية إل في الفاتحة وحدها.
ول خلف بينهم في أنها آية من القرآن في سورة النمل.
واحتبج الشافعبي بمبا رواه الدارقطنبي مبن حديبث أببي بكبر الحنفبي عبن عبدالحميبد ببن جعفبر عبن
نوح ببن أببي بلل عبن سبعيد ببن أببي سبعيد المقببري عبن أببي هريرة عبن النببي ال صبلى ال عليبه
وسبلم قال( :إذا قرأتبم الحمبد ل رب العالميبن فاقرؤوا بسبم ال الرحمبن الرحيبم إنهبا أم القرآن وأم
الكتاب والسببع المثانبي وبسبم ال الرحمبن الرحيبم أحبد آياتهبا) .رفبع هذا الحديبث عبدالحميبد ببن
جعفبر ،وعبدالحميبد هذا وثقبه أحمبد ببن حنببل ويحيبى ببن سبعيد ويحيبى ببن معيبن ،وأببو حاتبم يقول
فيه :محله الصدق ،وكان سفيان الثوري يضعفه ويحمل عليه .ونوح بن أبي بلل ثقة مشهور.
وحجة ابن المبارك وأحد قولي الشافعي ما رواه مسلم عن أبي أنس قال :بينا رسول ال صلى ال
عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما ،فقلنا :ما أضحكك يا رسول
ال؟ قال( :نزلت علي آنفببا سببورة) فقرأ" :بسببم ال الرحمببن الرحيببم :إنببا أعطيناك الكوثببر .فصببل
لربك وانحر .إن شانئك هو البتر" [الكوثر :الية] .وذكر الحديث ،وسيأتي في سورة الكوثر إن
شاء ال تعالى.
@ الصبحيح من هذه القوال قول مالك ،لن القرآن ل يثبت بأخبار الحاد وإنمبا طريقه التواتر
القطعي الذي ل يختلف فيه .قال ابن العربي" :ويكفيك أنها ليست من القرآن اختلف الناس فيها،
والقرآن ل يختلف فيه" .والخبار الصحاح التي ل مطعن فيها دالة على أن البسملة ليست بآية من
الفاتحة ول غيرها إل في النمل وحدها .روى مسلم عن أبي هريرة قال :سمعت رسول ال صلى
ال عليبه وسبلم يقول( :قال ال عبز وجبل قسبمت الصبلة بينبي وبين عبدي نصبفين ولعبدي مبا سبأل
فإذا قال العبببد "الحمببد ل رب العالميببن" قال ال تعالى حمدنببي عبدي وإذا قال العبببد "الرحمببن
الرحيم" قال ال تعالى أثنى علي عبدي وإذا قال العبد "مالك يوم الدين" قال مجدني عبدي -وقال
مرة فوض إلي عبدي -فإذا قال "إياك نعببد وإياك نسبتعين" قال هذا بينبي وبيبن عبدي ولعبدي مبا
سبأل فإذا قال "اهدنبا الصبراط المسبتقيم صبراط الذيبن أنعمبت عليهبم غيبر المغضوب عليهبم ول
الضالين" قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) .فقوله سبحانه( :قسمت الصلة) يريد الفاتحة ،وسماها
صبلة لن الصلة ل تصح إل بهبا ،فجعبل الثلث اليات الول لنفسه ،واختص بهبا تبارك اسبمه،
ولم يختلف المسلمون فيها .ثم الية الرابعة جعلها بينه وبين عبده ،لنها تضمنت تذلل العبد وطلب
الستعانة منه ،وذلك يتضمن تعظيم ال تعالى ،ثم ثلث آيات تتمة سبع آيات .ومما يدل على أنها
ثلث قوله( :هؤلء لعبدي) أخرجبه مالك ،ولم يقبل :هاتان ،فهذا يدل على أن "أنعمبت عليهبم" آيبة.
قال ابن بكير :قال قال مالك" :أنعمت عليهم" آية ،ثم الية السابعة إلى آخرها .فثبت بهذه القسمة
التببي قسببمها ال تعالى وبقوله عليببه السببلم لبببي( :كيببف تقرأ إذا افتتحببت الصببلة) قال :فقرأت
"الحمبد ل رب العالميبن" حتبى أتيبت على آخرهبا -أن البسبملة ليسبت بآيبة منهبا ،وكذا عبد أهبل
المدينبة وأهبل الشام وأهبل البصبرة ،وأكثبر القراء عدوا "أنعمبت عليهبم" آيبة ،وكذا روى قتادة عبن
أبببي نضرة عببن أبببي هريرة قال :اليببة السببادسة "أنعمببت عليهببم" .وأمببا أهببل الكوفببة مببن القراء
والفقهاء فإنهم عدوا فيها "بسم ال الرحمن الرحيم" ولم يعدوا "أنعمت عليهم".
فإن قيبل :فإنهبا ثبتبت فبي المصبحف وهبي مكتوببة بخطبه ونقلت نقله ،كمبا نقلت فبي النمبل ،وذلك
متواتبر عنهبم .قلنبا :مبا ذكرتموه صبحيح ،ولكبن لكونهبا قرآناً أو لكونهبا فاصبلة بيبن السبور -كمبا
روي عبن الصبحابة :كنبا ل نعرف انقضاء السبورة حتبى تنزل "بسبم ال الرحمبن الرحيبم" أخرجبه
أببو داود -أو تبركبا بهبا ،كمبا قبد اتفقبت المبة على كتبهبا فبي أوائل الكتبب والرسبائل؟ كبل ذلك
محتمل .وقد قال الجريري :سئل الحسن عن "بسم ال الرحمن الرحيم" قال :في صدور الرسائل.
وقال الحسبن أيضبا :لم تنزل "بسبم ال الرحمبن الرحيبم" فبي شيبء مبن القرآن إل فبي "طبس" "إنبه
مبن سبليمان وإنبه بسبم ال الرحمبن الرحيبم" [النمبل .]30 :والفيصبل أن القرآن ل يثببن بالنظبر
والستدلل ،وإنما يثبت بالنقل المتواتر القطعبي الضطراري .ثم قد اضطرب قول الشافعبي فيهبا
في أول كل سورة فدل على أنها ليست بآية من كل سورة؛ والحمد ل.
فإن قيبل :فقبد روى جماعة قرآنيتهبا ،وقبد تولى الدارقطنبي جمبع ذلك فبي جزء صبححه .قلنبا :لسبنا
ننكبر الروايبة بذلك وقبد أشرنبا إليهبا ،ولنبا أخبار ثابتبة فبي مقابلتهبا ،رواهبا الئمبة الثقات والفقهاء
الثبات .روت عائشة في صحيح مسلم قالت :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يستفتح الصلة
بالتكببير ،والقراءة بالحمبد ل رب العالميبن ،الحديبث .وسبيأتي بكماله .وروى مسبلم أيضبا عبن أنبس
بن مالك قال :صليت خلف النبي صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وعمر ،فكانوا يستفتحون بالحمد
ل رب العالميبن؛ ل يذكرون "بسبم ال الرحمبن الرحيبم" ل فبي أول قراءة ول فبي آخرهبا .ثبم إن
مذهبنبا يترجبح فبي ذلك بوجبه عظيبم ،وهبو المعقول؛ وذلك أن مسبجد النببي صبلى ال عليبه وسبلم
بالمدينة انقضت عليه العصور ،ومرت عليه الزمنة والدهور ،من لدن رسول ال صلى ال عليه
وسبلم إلى زمان مالك ،ولم يقرأ أحبد فيبه قبط "بسبم ال الرحمبن الرحيبم" اتباعبا للسبنة؛ وهذا يرد
أحاديثكبم .بيبد أن أصبحابنا اسبتحبوا قراءتهبا فبي النفبل وعليبه تحمبل الثار الواردة فبي قراءتهبا أو
على السعة في ذلك .قال مالك :ول بأس أن يقرأ بها في النافلة ومن يعرض القرآن عرضاً.
وجملة مذهب مالك وأصحابه :أنها ليست عندهم آية من فاتحة الكتاب ول غيرها ،ول يقرأ بها
المصببلي فببي المكتوبببة ول فببي غيرهببا سببرًا ول جهراً؛ ويجوز أن يقرأهببا فببي النوافببل .هذا هببو
المشهور من مذهبه عند أصحابه .وعنه رواية أخرى أنها تقرأ أول السورة في النوافل ،ول تقرأ
أول أم القرآن .وروى عنه اببن نافع ابتداء القراءة بها في الصبلة الفرض والنفل ول تترك بحال.
ومبن أهبل المدينبة مبن يقول :إنبه لببد فيهبا مبن "بسبم ال الرحمبن الرحيبم" منهبم اببن عمبر ،واببن
شهاب؛ وببه قال الشافعبي وأحمبد وإسبحاق وأببو ثور وأببو عبيبد .وهذا يدل على أن المسبألة مسبألة
اجتهاديبة ل قطعيبة ،كمبا ظنبه بعبض الجهال مبن المتفقهبة الذي يلزم على قوله تكفيبر المسبلمين؛
وليس كما ظن لوجود الختلف المذكور؛ والحمد ل.
@ وقد ذهب جمع من العلماء إلى السرار بها مع الفاتحة؛ منهم :أبو حنيفة والثوري؛ وروي ذلك
عن عمر وعلي وابن مسعود وعمار وابن الزبير؛ وهو قول الحكم وحماد؛ وبه قال أحمد بن حنبل
وأبو عبيد؛ وروي عن الوزاعي مثل ذلك؛ حكاه أبو عمر بن عبدالبر في (الستذكار) .واحتجوا
مبن الثبر فبي ذلك بمبا رواه منصبور بن زاذان عن أنبس ببن مالك قال :صبلى بنبا رسبول ال صبلى
ال عليه وسلم فلم سمعنا قراءة "بسم ال الرحمن الرحيم" .وما رواه عمار بن رزيق عن العمش
عن شعبة عن ثابت عن أنس قال :صليت خلف النبي صلى ال عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر،
فلم أسمع أحدًا منهم يجهر ببسم ال الرحمن الرحيم.
قلت :هذا قول حسن ،وعليه تتفق الثار عن أنس ول تتضاد ويخرج به من الخلف في قراءة
البسبملة .وقبد روي عبن سبعيد ببن جببير قال :هذا محمبد يذكبر رحمان اليمامبة -يعنون مسبيلمة -
فأمر أن يخافت ببسم ال الرحمن الرحيم ،ونزل" :ول تجهر بصلتك ول تخافت بها" [السراء:
.]110قال الترمذي الحكيبم أببو عبدال :فبقبي ذلك إلى يومنبا هذا على ذلك الرسبم وإن زالت
العلة ،كمبا بقبي الرمبل فبي الطواف وإن زالت العلة ،وبقيبت المخافتبة فبي صبلة النهار وإن زالت
العلة.
@ اتفقبت المبة على جواز كتبهبا فبي أول كبل كتاب مبن كتبب العلم والرسبائل؛ فإن كان الكتاب
ديوان شعبببر فروى مجالد عبببن الشعببببي قال :أجمعوا أل يكتبوا أمام الشعبببر "بسبببم ال الرحمبببن
الرحيم" .وقال الزهري :مضت السنة أل يكتبوا في الشعر "بسم ال الرحمن الرحيم" .وذهب إلى
رسم التسمية في أول كتب الشعر سعيد بن جبير ،وتابعه على ذلك أكثر المتأخرين .قال أبو بكر
الخطيب :وهو الذي نختاره ونستحبه.
@ قال الماوردي ويقال لمن قال بسبم ال :مبسمل ،وهي لغة مولدة ،وقد جاءت في الشعبر؛ قال
عمر بن أبي ربيعة:
لقد بسملت ليلى غداة لقيتها فيا حبذا ذاك الحبيب المبسمل
قلت :المشهور عبن أهبل اللغبة بسبمل .قال يعقوب ببن السبكيت والمطرز والثعالببي وغيرهبم مبن
أهبل اللغبة :بسبمل الرجبل .إذا قال :بسبم ال .يقال :قبد أكثرت مبن البسبملة؛ أي مبن قول بسبم ال.
ومثله حوقببل الرجببل ،إذا قال :ل حول ول قوة إل بال .وهلل ،إذا قال :ل إله إل ال .وسبببحل ،إذا
قال :سبببحان ال .وحمدل ،إذا قال :الحمببد ل .وحيصببل ،إذا قال :حببي على الصببلة .وجعفببل ،إذا
قال :جعلت فداك .وطبقببل ،إذا قال :أطال ال بقاءك .ودمعببز ،إذا قال :أدام ال عزك .وحيفببل ،إذا
قال :حبي على الفلح .ولم يذكبر المطرز :الحيصبلة ،إذا قال :حبي على الصبلة .وجعفبل ،إذا قال:
جعلت فداك .وطبقل ،إذا قال :أطال ال بقاءك .ودمعز ،إذا قال :أدام ال عزك.
@ ندب الشرع إلى ذكر البسملة في أول كل فعل؛ كالكل والشرب والنحر؛ والجماع والطهارة
وركوب البحر ،إلى غير ذلك من الفعال؛ قال ال تعالى" :فكلوا مما ذكر اسم ال عليه"[ .النعام:
" .]118وقال اركبوا فيهبا بسبم ال مجراهبا ومرسباها" [هود .]41 :وقال رسبول ال صبلى ال
عليه وسلم( :أغلق بابك واذكر اسم ال وأطفئ مصباحك واذكر اسم ال وخمر إناءك واذكر اسم
ال وأوك سببقاءك واذكببر اسببم ال) .وقال( :لو أن أحدكببم إذا أراد أن يأتببي أهله قال بسببم ال اللهببم
جنبنبا الشيطان وجنبب الشيطان مبا رزقتنبا فإنبه إن يقدر بينهمبا ولد فبي ذلك لم يضره شيطان أبداً).
وقال لعمببر ببن أببي سبلمة( :يببا غلم سبم ال وكبل بيمينبك وكببل ممبا يليبك) .وقال( :إن الشيطان
ليستحل الطعام أل يذكر اسم ال عليه) وقال( :من لم يذبح فليذبح باسم ال) .وشكا إليه عثمان بن
أببي العاص وجعبا يجده فبي جسبده منبذ أسبلم ،فقال له رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم( :ضبع يدك
على الذي تألم من جسدك وقل بسم ال ثلثا وقل سبع مرات أعوذ بعزة ال وقدرته من شر ما أجد
وأحاذر) .هذا كله ثاببت فبي الصبحيح .وروى ابن ماجبة والترمذي عبن النببي صبلى ال عليه وسبلم
قال( :سبتر مبا بيبن الجبن وعورات بنبي آدم إذا دخبل الكنيبف أن يقول بسبم ال) .وروى الدارقطنبي
عبن عائشبة قالت :كان رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم إذا مبس طهوره سبمى ال تعالى ،ثبم يفرغ
الماء على يديه.
@ قال علماؤنبا :وفيهبا رد على القدريبة وغيرهبم ممبن يقول :إن أفعالهبم مقدورة لهبم .وموضبع
الحتجاج عليهم من ذلك أن ال سبحانه أمرنا عند البتداء بكل فعل أن نفتتح بذلك ،كما ذكرنا.
فمعنبى "بسبم ال" أي بال .ومعنبى "بال" أي بخلقبه وتقديره يوصبل إلى مبا يوصبل إليبه .وسبيأتي
لهذا مزيببد بيان إن شاء ال .وقال بعضهببم :معنببى قوله "بسببم ال" يعنببي بدأت بعون ال وتوفيقببه
وبركتبه؛ وهذا تعليبم مبن ال تعالى عباده ،ليذكروا اسبمه عنبد افتتاح القراءة وغيرهبا ،حتبى يكون
الفتتاح ببركة ال جل وعز.
@ ذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى إلى أن "اسم" صلة زائدة ،واستشهد يقول لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلم عليكما ومن يبك حول كامل فقد اعتذر
فذكر "اسم" زيادة ،وإنما أراد :ثم السلم عليكما.
وقبد اسبتدل علماؤنبا بقول لبيبد هذا على أن السبم هبو المسبمى .وسبيأتي الكلم فيبه فبي هذا الباب
وغيره ،إن شاء ال تعالى.
@ اختلف فبي معنبى زيادة "اسبم"؛ فقال قطرب :زيدت لجلل ذكره تعالى وتعظيمبه .وقال
الخفبش :زيدت ليخرج بذكرها من حكبم القسبم إلى قصبد التببرك؛ لن أصل الكلم :بال .واختلفوا
أيضبا فبي معنبى دخول الباء عليبه ،هبل دخلت على معنبى المبر؟ والتقديبر :ابدأ بسبم ال .أو على
معنبى الخببر؟ والتقديبر :ابتدأت بسبم ال؛ قولن :الول للفراء ،والثانبي للزجاج .فبب "بسبم ال" فبي
موضببع رفببع خبببر البتداء :وقيببل :الخبببر محذوف؛ أي ابتدائي مسببتقر أو ثابببت باسببم ال؛ فإذا
أظهرته كان "بسم ال" في موضع نصب بثابت أو مستقر ،وكان بمنزلة قولك :زيد في الدار وفي
التنزيل "فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي" [النمل ]40:فب "عنده" في وضع نصب؛
روي هذا عبن نحاة أهبل البصبرة .وقيبل :التقديبر ابتدائي ببسبم ال موجود أو ثاببت ،فبب "بسبم" فبي
موضع نصب بالمصدر الذي هو ابتدائي.
@تكتبب "بسبم ال" بغيبر ألف اسبتغناء عنهبا بباء اللصباق فبي اللفبظ والخبط لكثرة السبتعمال؛
بخلف قوله" :اقرأ باسبم رببك" [العلق ]1:فإنهبا لم تحذف لقلة السبتعمال .واختلفوا فيحذفهبا مبع
الرحمن والقاهر؛ فقال الكسائي وسعيد الخفش :تحذف اللف .وقال يحيى بن وثاب :ل تحذف إل
مبع "بسبم ال" فقبط ،لن السبتعمال إنمبا كثبر فيبه .واختلف فبي تخصبيص باء الجبر بالكسبر على
ثلثبة معان؛ فقيبل :ليناسبب لفظهبا عملهبا .وقيبل :لمبا كانبت الباء ل تدخبل إل على السبماء خصبت
بالخفبض الذي ل يكون إل فبي السبماء .الثالث :ليفرق بينها وبيبن ما قبد يكون من الحروف اسما؛
نحو الكاف في قول الشاعر:
ورحنا بكابن الماء يجنب وسطنا
أي بمثل ابن الماء أو ما كان مثله.
@ اسبم ،وزنبه إفبع ،والذاهبب منبه الواو؛ لنبه مبن سبموت ،وجمعبه أسبماء ،وتصبغيره سبمي.
واختلف في تقدير أصله ،فقيل :فعل ،وقيل :فعل .قال الجوهري :وأسماء يكون جمعا لهذا الوزن،
وهبو مثبل جذع وأجذاع ،وقفبل وأقفال؛ وهذا ل تدرك صبيغته إل بالسبماع .وفيبه أرببع لغات :اسبم
الكسر ،واسم بالضم .قال أحمد ين يحيى :من ضم اللف أخذه من سموت أسمو ،ومن كسر أخذه
من سميت أسمي .ويقال :سم وسم ،وينشد:
وال أسماك سما مباركا آثرك ال به إيثاركا
وقال آخر:
وعامنا أعجبنا مقدمه يدعى أبا السمح وقرضاب سمه
مبتركا لكل عظم يلحمه
قرضب الرجل :إذا أكل شيئا يابسا ،فهو قرضاب" .سمه" بالضم والكسر جميعا.
ومنه قول الخر:
باسم الذي في كل سورة سمه
وسبكنت السين مبن "باسبم" اعتلل غيبر قياس ،وألفه ألف وصبل ،وربمبا جعلهبا الشاعبر ألف قطبع
للضرورة؛ كقول الحوص:
وما أنا بالمخسوس في جذم مالك ول من تسمى ثم يلتزم السما
@ تقول العرب في النسب إلي السم :سموي ،وإن شئت اسمي ،تركته على حاله ،وجمعه أسماء
وجمع السماء أسام .وحكى الفراء :أعيذك بأسماوات ال.
اختلفوا فببي اشتقاق السببم على وجهيببن؛ فقال البصببريون :هببو مشتببق مببن السببمو وهببو العلو
والرفعة ،فقيل :اسم لن صاحبه بمنزلة المرتفع به .وقيل :لن السم يسبمو بالمسمى فيرفعه عن
غيره .وقيبل :إنمبا سبمي السبم اسبما لنبه عل بقوتبه على قسبمي الكلم :الحرف والفعبل؛ والسبم
أقوى منهما بالجماع لنه الصل؛ فلعلوه عليهما سمي اسما؛ فهذه ثلثة أقوال.
وقال الكوفيون :إنه مشتق من السمة وهي العلمة؛ لن السبم علمة لمن وضع له؛ فأصل اسم
على هذا "وسببم" .والول أصببح؛ لنببه يقال فببي التصببغير سببمي وفببي الجمببع أسببماء؛ والجمببع
والتصبغير سبمي وفبي الجمبع أسبماء؛ والجمبع والتصبغير يردان الشياء إلى أصبولها؛ فل يقال:
وسيم ول أوسام .ويدل على صحته أيضا فائدة الخلف وهي:
@ فإن من قال السم مشتق من العلو يقول :لم يزل ال سبحانه موصوفا قبل وجود الخلق وبعد
وجودهم وعند فنائهم ،ول تأثير لهم في أسمائه ول صفاته؛ وهذا قول أهل السنة .ومن قال السم
مشتببق مببن السببمة يقول :كان ال فببي الزل بل اسببم ول صببفة ،فلمببا خلق الخلق جعلوا له أسببماء
وصببفات ،فإذا أفناهببم بقببي بل اسببم ول صببفة؛ وهذا قول المعتزلة وهبو خلف مببا أجمعببت عليببه
المة ،وهو أعظم في الخطأ من قولهم :إن كلمه مخلوق ،تعالى ال عن ذلك! وعلى هذا الخلف
وقع الكلم في السم والمسمى فذهب أهل الحق فيما نقل القاضي أبو بكر بن الطيب إلى أن السم
هبو المسبمى ،وارتضاه اببن فورك؛ وهبو قول أببي عببيدة وسبيبويه .فإذا قال قائل :ال عالم؛ فقوله
دال على الذات الموصبوفة بكونبه عالمبا ،فالسبم كونبه عالمبا وهبو المسبمى بعينبه .وكذلك إذا قال:
ال خالق؛ فالخالق هو الرب ،وهو بعينه السم .فالسم عندهم هو المسمى بعينه من غير تفصيل.
قال اببن الحصبار :مبن ينفبي الصبفات مبن المبتدعبة يزعبم أن ل مدلول للتسبميات إل الذات ،ولذلك
يقولون :السم غير المسمى ،ومن يثبت الصفات يثبت للتسميات مدلول هي أوصاف الذات وهي
غيبر العبارات وهبي السبماء عندهبم .وسبيأتي لهذه مزيبد بيان فبي "البقرة" و"العراف" إن شاء
ال تعالى.
@قوله" :ال" هذا السبم أكببر أسبمائه سببحانه وأجمعهبا ،حتبى قال بعبض العلماء :إنبه اسبم ال
العظبم ولم يتسبم ببه غيره؛ ولذلك لم يثبن ولم يجمبع؛ وهبو أحبد تأويلي قوله تعالى" :وهبل تعلم له
سبميا" [مريبم ]65:أي تسبمى باسبمه الذي هبو "ال" .فال اسبم للموجود الحبق الجامبع لصبفات
اللهيبة ،المنعوت بنعوت الربوبيبة ،المنفرد بالوجود الحقيقبي ،ل إله إل هبو سببحانه .وقيبل :معناه
الذي يستحق أن يعبد .وقيل :معناه واجب الوجود الذي لم يزل ول يزال؛ والمعنى واحد.
@ واختلفوا في هذا السم هل هو مشتق أو موضوع للذات علم؟ .فذهب إلى الول كثير من أهل
العلم .واختلفوا فبي اشتقاقبه وأصبله؛ فروى سبيبويه عبن الخليبل أن أصبله إله ،مثبل فعال؛ فأدخلت
اللف واللم بدل عن الهمزة .قال سيبويه :مثل الناس أصله أناس .وقيل :أصل الكلمة "ل" وعليه
دخلت اللف واللم للتعظيم ،وهذا اختيار سيبويه .وأنشد:
له ابن عمك ل أفضلت في حسب عني ول أنت دياني فتخزوني
كذا الرواية :فتخزوني ،بالخاء المعجمة ومعناه :تسوسني.
وقال الكسببائي والفراء :معنببى "بسببم ال" بسببم الله؛ فحذفوا الهمزة وأدغموا اللم الولى فببي
الثانية فصارتا لما مشددة؛ كما قال عز وجل" :لكنا هو ال ربي" [الكهف ]38:ومعناه :لكن أنا،
كذلك قرأها الحسن .ثم قيل :هو مشتق من "وله" إذا تحير؛ والوله :ذهاب العقل .يقال :رجل واله
وامرأة والهبة وواله ،وماء موله :أرسبل فبي الصبحارى .فال سببحانه تتحيبر اللباب وتذهبب فبي
حقائق صبفاته والفكبر فبي معرفتبه .فعلى هذا أصبل "إله" "وله" وأن الهمزة مبدلة مبن واو كمبا
أبدلت فبي إشاح ووشاح ،وإسبادة ووسبادة؛ وروي عبن الخليبل .وروي عبن الضحاك أنبه قال :إنمبا
سمي "ال" إلها ،لن الخلق يتألهون إليه في حوائجهم ،ويتضرعون إليه عند شدائدهم .وذكر عن
الخليبل ببن أحمبد أنبه قال :لن الخلق يألهون إليبه (بنصبب اللم) ويألهون أيضبا (بكسبرها) وهمبا
لغتان .وقيبل :إنبه مشتبق مبن الرتفاع؛ فكانبت العرب تقول لكبل شيبء مرتفبع :لهاً ،فكانوا يقولون
إذا طلعت الشمس :لهت .وقيل :هو مشتق من أله الرجل إذا تعبد .وتأله إذا تنسك؛ ومن ذلك قوله
تعالى" :ويذرك وإلهتبك" [العراف ]127:على هذه القراءة؛ فإن اببن عباس وغيره قالوا:
وعبادتبببك .قالوا :فاسبببم ال مشتبببق مبببن هذا ،فال سببببحانه معناه المقصبببود بالعبادة ،ومنبببه قول
الموحديببن :إل إله إل ال ،معناه ل معبود غيببر ال .و"إل" فببي الكلمببة بمعنببى غيببر ،ل بمعنببى
السبتثناء .وزعبم بعضهبم أن الصبل فيبه "الهاء" التبي هبي الكنايبة عبن الغائب ،وذلك أنهبم أثبتوه
موجودًا فبي فطبر عقولهبم فأشاروا إليبه بحرف الكنايبة عبن الغائب ،وذلك أنهبم أثبتوه موجودًا فبي
فطبر عقولهبم فأشاروا إليبه بحرف الكنايبة ثبم زيدت فيبه لم الملك إذ قبد علموا أنبه خالق الشياء
ومالكها فصار "له" ثم زيدت فيه اللف واللم تعظيماً وتفخيماً.
القول الثانببي :ذهببب إليببه جماعببة مببن العلماء أيضًا منهببم الشافعببي وأبببو المعالي والخطابببي
والغزالي والمفضببل وغيرهببم ،وروي عببن الخليببل وسببيبويه :أن اللف واللم لزمببة له ل يجوز
حذفهما منه .قال الخطابي :والدليل على أن اللف واللم من بنية هذا السم ،ولم يدخل للتعريف:
دخول حرف النداء عليبه؛ كقولك :يبا ال ،وحروف النداء ل تجتمبع مبع اللف واللم للتعريبف؛ أل
ترى أنك ل تقول :يا الرحمن ول يا الرحيم ،كما تقول :يا ال ،فدل على أنهما من بنية السم .وال
أعلم.
@ واختلفوا أيضًا فبي اشتقاق اسبمه الرحمبن ،فقال بعضهبم :ل اشتقاق له لنبه مبن السبماء
المختصة به سبحانه ،ولنه لو كان مشتقاً من الرحمة ل تصل بذكر المرحوم ،فجاز أن يقال :ال
رحمببن بعباده ،كمببا يقال :رحيببم بعباده .وأيضاً لو كان مشتقًا مببن الرحمببة لم تنكره العرب حيببن
سبمعوه ،إذ كانوا ل ينكرون رحمبة ربهبم ،وقبد قال ال عبز وجبل" :وإذ قيبل لهبم اسبجدوا للرحمبن
قالوا ومبا الرحمبن" [الفرقان ]60:اليبة .ولمبا كتبب علي رضبي ال عنه فبي صبلح الحديبيبة بأمبر
النبي صلى ال عليه وسلم" :بسم ال الرحمن الرحيم" قال سهيل بن عمرو :أما "بسم ال الرحمن
الرحيبم" فمبا ندري مبا "بسبم ال الرحمبن الرحيبم"! ولكبن اكتبب مبا نعرف :باسبمك اللهبم ،الحديبث.
قال ابن العربي :إنما جهلوا الصفة دون الموصوف ،واستدل على ذلك بقولهم :وما الرحمن؟ ولم
يقولوا :ومبن الرحمبن؟ قال اببن الحصبار :وكأنبه رحمبه ال لم يقرأ اليبة الخرى" :وهبم يكفرون
بالرحمبن" [الرعبد ]30:وذهبب الجمهور مبن الناس إلى أن "الرحمبن" مشتبق مبن الرحمبة مبنبي
على المبالغببة؛ ومعناه ذو الرحمببة الذي ل نظيببر له فيهببا ،فلذلك ل يثنببى ول يجمببع كمببا يثنببى
"الرحيم" ويجمع.
قال اببن الحصبار :وممبا يدل على الشتقاق مبا خرجبه الترمذي وصبححه عبن عبدالرحمبن ببن
عوف أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم :يقول( :قال ال عز وجل أنا الرحمن خلقت الرحم
وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته) .وهذا نص من الشتقاق ،فل
معنى للمخالفة والشقاق ،وإنكار العرب له لجهلهم بال وبما وجب له.
@ زعبم المببرد فيمبا ذكبر اببن النباري فبي كتاب "الزاهبر" له :أن "الرحمبن" اسبم عببراني جاء
معه بب "الرحيم" .وأنشد:
لن تدركوا المجد أو تشروا عباءكم بالخز أو تجعلوا الينبوت ضمرانا
أو تتركون إلى القسين هجرتكم ومسحكم صلبهم رحمان قربانا
قال أببو إسبحاق الزجاج فبي معانبي القرآن :وقال أحمبد ببن يحيبى" :الرحيبم" عرببي و"الرحمبن"
عبراني ،فلهذا جمع بينهما .وهذا القول مرغوب عنه .وقال أبو العباس :النعت قد يقع للمدح ،كما
تقول :قال جريببر الشاعببر :وروى مطرف عببن قتادة فببي قول ال عببز وجببل" :بسببم ال الرحمببن
الرحيببم" قال :مدح نفسببه .قال أبببو إسببحاق وهذا قول حسببن .وقال قطرب :يجوز أن يكون جمببع
بينهمبا للتوكيبد .قال أببو إسبحاق :وهذا قول حسبن .وفبي التوكيبد أعظبم الفائدة ،وهبو كثيبر فبي كلم
العرب ،ويستغني عن الستشهاد ،والفائدة في ذلك ما قاله محمد بن يزيد :إنه تفضل بعد تفضل،
وإنعام بعد إنعام ،وتقوية لمطامع الراغبين ،ووعد ل يخيب آمله.
@ واختلفوا هبل همبا بمعنبى واحبد أو بمعنييبن؟ فقيبل :همبا بمعنبى واحبد؛ كندمان ونديبم .قاله أببو
عببيدة .وقيبل :ليبس بناء فعلن كفعيبل ،فإن فعلن ل يقبع أل على مبالغبة الفعبل ،نحبو قولك :رجبل
غضبان ،للمتلىء غضباً .وفعيل قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول .قال عملس:
فأما إذا عضت بك الحرب عضة فإنك معطوف عليك رحيم
فب "الرحمن" خاص السم عام الفعل .و"الرحيم" عام السم خاص الفعل .هذا قول الجمهور .قال
أببو علي الفارسبي" :الرحمبن" اسبم عام فبي جميبع أنواع الرحمبة ،يختصبر به ال" .والرحيبم" إنمبا
هببو فببي وجهببة المؤمنيببن؛ كمببا قال تعالى" :وكان بالمؤمنيببن رحيمببا" [الحزاب .]43:وقال
العرزمي" :الرحمن" بجميع خلقه في المطار ونعم الحواس والنعم العامة" ،والرحيم" بالمؤمنين
فبي الهدايبة لهبم ،واللطبف بهبم .وقال اببن المبارك" :الرحمبن" إذا سبئل أعطبي ،و"الرحيبم" إذا لم
يسأل غضب .وروى ابن ماجة في سننه والترمذي في جامعه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال
قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم" :مبن لم يسبأل ال يغضبب عليبه" لفبظ الترمذي .وقال اببن
ماجبة" :مبن لم يدع ال سببحانه غضبب عليبه" .وقال :سبألت أببا زرعبة عبن أببي صبالح هذا ،فقال:
هبو الذي يقال له :الفارسبي وهبو خوزي ول أعرف اسبمه .وقبد أخبذ بعبض الشعراء هذا المعنبى
فقال:
ال يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب
وقال ابن عباس :هما اسمان رقيقان ،أحدهما أرق من الخر ،أي أكثر رحمة.
قال الخطابي :وهذا مشكل؛ لن الرقة ل مدخل لها في شيء من صفات ال تعالى .وقال الحسين
ببن الفضبل البجلي :هذا وهبم مبن الراوي ،لن الرقبة ليسبت مبن صبفات ال تعالى فبي شيبء ،وإنمبا
هما اسمان رفيقان أحدهما أرفق من الخر ،والرفق من صفات ال عز وجل؛ قال النبي صلى ال
عليه وسلم( :إن ال رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما ل يعطي على العنف).
@ أكثر العلماء على أن "الرحمن" مختص بال عز وجل ،ل يجوز أن يسمى به غيره ،أل تراه
قال" :قبل ادعوا ال أو ادعوا الرحمبن" [السبراء ]110:فعادل السبم الذي ل يشركبه فيبه غيره.
وقال" :واسبأل مبن أرسبلنا مبن قبلك مبن رسبلنا أجعلنبا مبن دون الرحمبن آلهبة يعبدون" [الزخرف:
]45فأخبر أن "الرحمن" هو المستحق للعبادة جل وعز .وقد تجاسر مسيلمة الكذاب -لعنه ال -
فتسببمى برحمان اليمامببة ،ولم يتسببم بببه حتببى قرع مسببامعه نعببت الكذاب فألزمببه ال تعالى نعببت
الكذاب لذلك ،وأن كان كبل كافبر كاذباً ،فقبد صبار هذا الوصبف لمسبيلمة علمًا يعرف ببه ،ألزمبه ال
إياه .وقد قيل في اسمه الرحمن :إنه اسم ال العظم؛ ذكره ابن العربي.
@ "الرحيببم" صببفة مطلقببة للمخلوقيببن ،ولمببا فببي "الرحمببن" مببن العموم قدم فببي كلمنببا على
"الرحيم" مع موافقة التنزيل؛ وقيل :إن معنى "الرحيم" أي بالرحيم وصلتم إلى ال وإلى الرحمن،
فبب "الرحيبم" نعبت محمبد صبلى ال عليبه وسبلم؛ أي وبمحمبد صبلى ال عليبه وسبلم وصبلتم إلي ،أي
باتباعه وبما جاء به وصلتم إلى ثوابي وكرامتي والنظر إلى وجهي؛ وال أعلم.
@ روي عن علي بن أبي طالب كرم ال وجهه أنه قال في قوله "بسم ال" :إنه شفاء من كل داء،
وعون على كل دواء .وأما "الرحمن" هو عون لكل من آمن به ،وهو اسم لم يسم به غيره .وأما
"الرحيم" ،فهو لمن تاب وآمن وعمل صالحاً.
وقد فسره بعضهم على الحروف؛ فروي عن عثمان بن عفان أنه سأل رسول ال صلى ال عليه
وسبلم عبن تفسبير "بسبم ال الرحمبن الرحيبم" فقال( :أمبا الباء فبلء ال وروحبه ونضرتبه وبهاؤه
وأمبا السبين فسبناء ال وأمبا الميبم فملك ال وأمبا ال فل إله غيره وأمبا الرحمبن فالعاطبف على البر
والفاجر من خلقه وأما الرحيم فالرفيق بالمؤمنين خاصة) .وروي عن كعب الحبار أنه قال :الباء
بهاؤه والسين سناؤه فل شيء أعلى منه والميم ملكه وهو على كل شيء قدير فل شيء يعازه .وقد
قيبل :إن كبل حرف هبو افتتاح اسبم مبن أسبمائه؛ فالباء مفتاح اسبمه بصبير ،والسبين مفتاح اسبمه
سميع ،والميم مفتاح اسمه مليك ،واللف مفتاح اسمه ال ،واللم مفتاح اسمه لطيف ،والهاء مفتاح
اسبببمه هادي ،والراء مفتاح اسببمه رازق ،والحاء مفتاح اسبببمه حليببم ،والنون مفتاح اسبببمه نور؛
ومعنى هذا كله دعاء ال تعالى عند افتتاح كل شيء.
@ واختلف فبي وصبل "الرحيبم" ببب "الحمبد ل"؛ فروي عبن أم سبلمة عبن النببي صبلى ال عليبه
وسببلم" :الرحيببم .الحمببد" يسببكن الميببم ويقببف عليهببا ،ويبتدئ بألف مقطوعببة .وقرأ بببه قوم مببن
الكوفييبن .وقرأ جمهور الناس" :الرحيبم الحمبد" ،تعرب "الرحيبم" بالخفبض وبوصبل اللف مبن
"الحمبد" .وحكبى الكسبائي عبن بعبض العرب أنهبا تقرأ "الرحيمَب الحمبد" بفتبح الميبم وصبلة اللف؛
كأنه سكنت الميم وقطعت اللف ثم ألقيت حركتها على الميم وحذفت .قال ابن عطية :ولم ترو عن
هذه قراءة عن أحد فيما علمت .وهذا نظر يحيى بن زياد في قوله تعالى" :الَم ال".
* *2سورة الفاتحة
* *3الباب الول في فضائلها وأسمائها
@ روى الترمذي عن أببي ببن كعبب قال قال رسبول ال صبلى ال عليه وسبلم( :مبا أنزل ال فبي
التوراة ول في النجيل مثل أم القرآن وهي السبع المثاني وهي مقسومة بيني وبين عبدي ولعبدي
ما سأل) .أخرج مالك عن العلء بن عبدالرحمن بن يعقوب :أن أبا سعيد مولى (عبدال بن) عامر
بن كريز أخبره أن رسول ال صلى ال عليه سلم نادى أب يّ بن كعب وهو يصلي ،فذكر الحديث.
قال اببن عبدالبر :أببو سبعيد ل يوقبف له على اسبم وهبو معدود فبي أهبل المدينبة .روايتبه عبن أببي
هريرة وحديثه هذا مرسل ،وقد روي هذا الحديث عن أبي سعيد بن المعلى رجل من الصحابة ل
يوقف على اسمه أيضا ،رواه عنه حفص بن عاصم وعبيد بن حنين.
قلت :كذا قال في التمهيد" :ل يوقف له على اسم" .وذكر في كتاب الصحابة الختلف في اسمه.
والحديبث خرجبه البخاري عبن أببي سبعيد ببن المعلى قال :كنبت أصبلي فبي المسبجد فدعانبي رسبول
ال صلى ال عليه وسلم فلم أجبه فقلت :يا رسول ال إني كنت أصلي فقال :ألم يقل ال "استجيبوا
ل وللرسبول إذا دعاكبم" [النفال - ]24 :ثبم قال( - :إنبي لعلمنبك سبورة هبي أعظبم السبور فبي
القرآن قبل أن تخرج من المسجد ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له :ألم تقل لعلمنك سورة
هبي أعظم سورة فبي القرآن؟ قال :الحمد ل رب العالميبن هبي السبع الثمانبي والقرآن العظيبم الذي
أوتيته) .قال ابن عبدالبر وغيره :أبو سعيد بن المعلى من جلة النصار وسادات النصار تفرد به
البخاري واسبمه رافبع ،ويقال :الحارث ببن نفيبع ببن المعلى ،ويقال :أوس ببن المعلى ،ويقال :أببو
سعيد بن أوس بن المعلى ،توفي سنة أربع وسبعين وهو ابن أربع وستين سنة وهو أول من صلى
إلى القبلة حين حوّلت وسيأتي .وقد أسند حديث أبيّ يزيد بن زريع قال :حدثنا روح بن القاسم عن
العلء ببن عبدالرحمبن عبن أبيبه عبن أببي هريرة قال :خرج رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم على
أبي وهو يصلي فذكر الحديث بمعناه.
وذكبر اببن النباري فبي كتاب الرد له :حدثنبي أببي حدثنبي أببو عببيدال الوراق حدثنبا أببو داود
ن أربع رنات :حين لعن وحين حدثنا شيبان عن منصور عن مجاهد قال :إن إبليس -لعنه ال -ر ّ
أهببط مبن الجنبة وحيبن بعبث محمبد صبلى ال عليبه وسبلم وحيبن أنزلت فاتحبة الكتاب ،وأنزلت
بالمدينة.
@ اختلف العلماء فبي تفضيل بعض السور والي على بعض ،وتفضيل بعض أسماء ال تعالى
الحسبنى على بعبض فقال قوم :ل فضبل لبعبض على بعبض لن الكبل كلم ال وكذلك أسبماؤه ل
مفاضلة بينهبا .ذهبب إلى هذا الشيبخ أببو الحسبن الشعري والقاضبي أببو بكبر ببن الطيبب وأببو حاتبم
محمبد بن حبان البستي وجماعة من الفقهاء .وروي معناه عن مالك .قال يحيبى بن يحيى :تفضيل
بعبض القرآن على بعبض خطبأ ،وكذلك كره مالك أن تعاد سبورة أو تردد دون غيرهبا .وقال عبن
مالك فبي قول ال تعالى" :نأت بخيبر منها أو مثلهبا" [البقرة ]106 :قال :محكمبة مكان منسوخة.
وروى ابببن كنانببة مثببل ذلك كله عببن مالك .واحتببج هؤلء بأن قالوا :إن الفضببل يشعببر بنقببص
المفضول والذاتية في الكل واحدة وهي كلم ال وكلم ال تعالى ل نقص فيه .قال البستي :ومعنى
هذه اللفظبة (مبا فبي التوراة ول فبي النجيبل مثبل أم القرآن) :أن ال تعالى ل يعطبي لقارئ التوراة
والنجيل من الثواب مثل ما يعطي لقارئ أم القرآن إذ ال بفضله هذه المة على غيرها من المم
وأعطاها من الفضل على قراءة كلمه أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلمه وهو
فضبل منبه لهذه المبة .قال ومعنبى قوله( :أعظبم سبورة) أراد ببه فبي الجبر ل أن بعبض القرآن
أفضبل مبن بعبض .وقال قوم بالتفضيبل وأن مبا تضمنبه قوله تعالى "إلهكبم إله واحبد ل إله إل هبو
الرحمببن الرحيببم" [البقرة ]163 :وآيببة الكرسببي وآخببر سببورة الحشببر وسببورة الخلص مببن
الدللت على وحدانيتبه وصفاته ليبس موجودا مثل فبي "تببت يدا أببي لهبب" [المسبد ]1 :ومبا كان
مثلها.
والتفضيبل إنمبا هبو بالمعانبي العجيببة وكثرتهبا ل مبن حيبث الصبفة وهذا هبو الحبق .وممبن قال
بالتفضيبل إسبحاق ببن راهويبة وغيره مبن العلماء والمتكلميبن وهبو اختيار القاضبي أببي بكبر ببن
العربي وابن الحصار لحديث أبي سعيد بن المعلى وحديث أبي بن كعب أنه قال قال لي رسول ال
صلى ال عليه وسلم( :يا أبي أي آية معك في كتاب ال أعظم) قال فقلت" :ال ل إله إل هو الحي
القيوم" [البقرة .]255 :قال :فضرب فبي صبدري وقال( :ليهنبك العلم يبا أببا المنذر) أخرجبه
البخاري ومسلم.
قال ابن الحصار :عجبي ممن يذكر الختلف مع هذه النصوص.
وقال اببن العرببي :قوله( :مبا أنزل ال فبي التوراة ول فبي النجيبل ول فبي القرآن مثلهبا) وسبكت
عبن سبائر الكتبب كالصبحف المنزلة والزبور وغيرهبا لن هذه المذكورة أفضلهبا وإذا كان الشيبء
أفضل الفضل صار أفضل الكل .كقولك :زيد أفضل العلماء فهو أفضل الناس .وفي الفاتحة من
الصبفات مبا ليبس لغيرهبا حتبى قيبل :إن جميبع القرآن فيهبا .وهبي خمبس وعشرون كلمبة تضمنبت
جميع علوم القرآن .ومن شرفها أن ال سبحانه قسمها بينه وبين عبده ول تصح القربة إل بها ول
يلحق عمل بثوابها وبهذا المعنى صارت أم القرآن العظيم كما صارت "قل هو ال أحد" تعدل ثلث
القرآن إذ القرآن توحيبد وأحكام ووعبظ و"قبل هبو ال أحبد" فيهبا التوحيبد كله وبهذا المعنبى وقبع
البيان فبي قول عليبه السبلم لببي( .أي آيبة فبي القرآن أعظبم) قال" :ال ل إله إل هبو الحبي القيوم"
[البقرة .]255 :وإنمبا كانبت أعظبم آيبة لنهبا توحيبد كلهبا كمبا صبار قوله( :أفضبل مبا قلتبه أنبا
والنببيون مبن قبلي ل إله إل ال وحده ل شريبك له) أفضبل الذكبر لنهبا كلمات حوت جميبع العلوم
فبي التوحيبد والفاتحبة تضمنبت التوحيبد والعبادة والوعبظ والتذكيبر ول يسبتبعد ذلك فبي قدرة ال
تعالى.
@ روى علي ببن أببي طالب رضبي ال عنبه قال قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم( :فاتحبة
الكتاب وآية الكرسي وشهد ال أنه ل إله إل هو وقل اللهم مالك الملك هذه اليات معلقات بالعرش
ليس بينهن وبين ال حجاب) .أسنده أبو عمرو الداني في كتاب البيان له.
@ فبي أسبمائها -وهبي اثنبا عشبر اسبما( :الول) :الصبلة ،قال ال تعالى( :قسبمت الصبلة بينبي
وبيبن عبدي نصبفين) الحديبث .وقبد تقدم( .الثانبي)[ :سبورة] الحمبد ،لن فيهبا ذكبر الحمبد كمبا يقال:
سبورة العراف والنفال والتوببة ونحوهبا( .الثالث) :فاتحبة الكتاب ،مبن غيبر خلف بيبن العلماء،
وسبميت بذلك لنبه تفتتبح قراءة القرآن بهبا لفظبا وتفتتبح بهبا الكتاببة فبي المصبحف خطاً وتفتتبح بهبا
الصلوات( .الرابع) :أم الكتاب ،وفي هذا السم خلف جوزه الجمهور وكرهه أنس والحسن وابن
سبببيرين .قال الحسبببن :أم الكتاب الحلل والحرام ،قال ال تعالى" :آيات محكمات هبببن أم الكتاب
وأخبر متشابهات" [آل عمران .]7 :وقال أنبس واببن سبيرين :أم الكتاب اسبم اللوح المحفوظ .قال
ال تعالى" :وإنه في أم الكتاب"[ .الزخرف( .]4 :الخامس) :أم القرآن ،واختلف فيه أيضا فجوزه
الجمهور وكرهبه أنبس واببن سبيرين والحاديبث الثابتبة ترد هذيبن القوليبن .روى الترمذي عبن أببي
هريرة قال قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم( :الحمبد ل أم القران وأم الكتاب والسببع المثانبي)
قال :هذا حديببث حسببن صببحيح .وفببي البخاري قال :وسببميت أم الكتاب لنببه يبتدأ بكتابتهببا فببي
المصباحف ويبدأ بقراءتهبا فبي الصبلة .وقال يحيبى ببن يعمبر :أم القرى :مكة ،وأم خراسبان :مرو،
وأم القرآن :سبورة الحمبد .وقيبل :سبميت أم القرآن لنهبا أوله ومتضمنبة لجميبع علومبه ،وببه سبميت
مكة أم القرى لنها أول الرض ومنها دحيت ،ومنه سميت الم أما لنها أصل النسل ،والرض
أما في قول أمية بن أبي الصلت:
فالرض معقلنا وكانت أمنا فيها مقابرنا وفيها نولد
ويقال لراية الحرب :أم ،لتقدمها واتباع الجيبش لها .وأصبل أم أمهبة ،ولذلك تجمبع على أمهات قال
ال تعالى" :وأمهاتكم" .ويقال أمات بغير هاء .قال:
ت الظلم بأمّاتكا
فَ َرجْ َ
وقيل :إن أمهات في الناس ،وأمّات في البهائم ،حكاه ابن فارس في المجمل.
(السادس) :المثاني ،سميت بذلك لنها تثنى في كل ركعة ،وقيل :سميت بذلك لنها استثنيت لهذه
المبة فلم تنزل على أحبد قبلهبا ذخرا لهبا( .السبابع) :القرآن العظيبم ،سبميت بذلك لتضمنهبا جميبع
علوم القرآن وذلك أنهبا تشتمبل على الثناء على ال عبز وجبل بأوصباف كماله وجلله وعلى المبر
بالعبادات والخلص فيهببا والعتراف بالعجببز عببن القيام بشيببء منهببا إل بإعانتببه تعالى وعلى
البتهال إليه في الهداية إلى الصراط المستقيم وكفاية أحوال الناكثين وعلى بيانه عاقبة الجاحدين.
(الثامن) :الشفاء ،روى الدارمي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
(فاتحة الكتاب شفاء من كل سم)( .التاسع) :الرقية ،ثبت ذلك من حديث أبى سعيد الخدري وفيه:
أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال للرجل الذي رقى سيد الحي( :ما أدراك أنها رقية) فقال :يا
رسبول ال شيبء ألقبى فبي روعبي ...الحديبث .خرّجبه الئمبة وسبيأتي بتمامبه( .العاشبر) :السباس،
شكبا رجبل إلى الشعببي وجبع الخاصبرة ،فقال :عليبك بأسباس القرآن فاتحبة الكتاب ،سبمعت اببن
عباس يقول :لكل شيء أساس وأساس الدنيا مكة لنها منها دحيت ،وأساس السماوات عَريباً وهي
السبماء السبابعة ،وأسباس الرض عجيباً وهبي الرض السبابعة السبفلى ،وأسباس الجنان جنبة عدن
وهبي سبرة الجنان عليهبا أسبست الجنبة ،وأسباس النار جهنبم وهبي الدركبة السبابعة السبفلى عليهبا
أسبست الدركات ،وأسباس الخلق آدم وأسباس النببياء نوح وأسباس بنبي إسبرائيل يعقوب وأسباس
الكتببب القرآن وأسبباس القرآن الفاتحببة وأسبباس الفاتحببة بسببم ال الرحمببن الرحيببم فإذا اعتللت أو
اشتكيت فعليك بالفاتحة تشفى( .الحادي عشر) :الوافية ،قاله سفيان بن عيينة ،لنها ل تتنصف ول
تحتمل الختزال ،ولو قرأ من سائر السور نصفها في ركعة ونصفها الخر في ركعة لجزأ ولو
نصبفت الفاتحبة فبي ركعتيبن لم يجبز( .الثانبي عشبر) :الكافيبة ،قال يحيبى ببن أببي كثيبر :لنهبا تكفبي
عن سواها ول يكفي سواها عنها .يدل عليه ما روى محمد بن خلد السكندراني قال :قال النبي
صلى ال عليه وسلم( :أم القرآن عوض من غيرها وليس غيرها منها عوضا).
@ قال المهلب :إن موضبع الرقيبة منهبا إنمبا هبو "إياك نعببد وإياك نسبتعين" [الفاتحبة :اليبة .]5
وقيل :السورة كلها رقية لقول عليه السلم للرجل لما أخبره( :وما أدراك أنها رقية) ولم يقل :أن
فيهبا رقيبة ،فدل هذا على أن السبورة بأجمعهبا رقيبة لنهبا فاتحبة الكتاب ومبدؤه ومتضمنبة لجميبع
علومه كما تقدم وال أعلم.
@ ليس في تسميتها بالمثاني وأم الكتاب ما يمنع من تسمية غيرها بذلك ،قال ال عز وجل" :كتابا
متشابها مثاني" [الزمر ]23 :فأطلق على كتابه :مثاني لن الخبار تثنى فيه .وقد سميت السبع
الطول أيضا مثاني لن الفرائض والقصص تثنى فيها .قال ابن عباس :أوتى رسول ال صلى ال
عليه وسلم سبعا من المثاني قال :السبع الطول .ذكره النسائي وهي من "البقرة" إلى "العراف"
سبت واختلفوا فبي السبابعة فقيبل :يونبس وقيبل :النفال والتوببة وهبو قول مجاهبد وسبعيد ببن جببير.
وقال أعشى همدان:
فلجوا المسجد وادعوا ربكم وادرسوا هذي المثاني والطّوَل
وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة "الحجر" إن شاء ال تعالى.
@ المثاني جمع مثنى وهي التي جاءت بعد الولى والطول جمع أطول .وقد سميت النفال من
المثاني لنها تتلو الطول في القدر .وقيل :هي التي تزيد آياتها على المفضل وتنقص عن المئين.
والمئون :هي السور التي تزيد كل واحدة منها على مائة آية.
* *3الباب الثاني -في نزولها وأحكامها:
@ أجمعت المة على أن فاتحة الكتاب سبع آيات إل ما روي عن حسين الجعفي :أنها ست وهذا
شاذ .وإل ما روي عن عمرو بن عبيد أنه جعل "إياك نعبد" آية وهي على عدة ثماني آيات وهذا
شاذ .وقوله تعالى" :ولقد آتيناك سبعا من المثاني" [الحجر ]87 :قوله( :قسمت الصلة) الحديث
يرد هذين القولين.
وأجمعت المة أيضا على أنها من القرآن .فإن قيل :لو كانت قرآنا لثبتها عبدال بن مسعود في
مصحفه فلما لم يثبتها دل على أنها ليست من القرآن كالمعوذتين عنده.
فالجواب مبا ذكره أببو بكبر النباري قال :حدثنبا الحسبن ببن الحباب حدثنبا سبليمان ببن الشعبث
حدثنا ابن أبي قدامة حدثنا جرير عن العمش قال :أظنه عن إبراهيم قال :قيل لعبدال بن مسعود:
لِ مَ لَ ْم تكتب فاتحة الكتاب في مصحفك قال لو كتبتها لكتبتها مع كل سورة .قال أبو بكر :يعني أن
كل ركعة سبيلها أن تفتتح بأم القرآن قبل السورة المتلوة بعدها فقال :اختصبرت بإسقاطها ووثقت
بحفبظ المسبلمين لهبا ولم أثبتهبا فبي موضبع فيلزمنبي أن أكتبهبا مبع كبل سبورة ،إذ كانبت تتقدمهبا فبي
الصلة.
@ اختلفوا أهبي مكيبة أم مدنيبة؟ فقال اببن عباس وقتادة وأببو العاليبة الرياحبي -واسبمه رُفيبع -
وغيرهبم :هبي مكيبة .وقال أببو هريرة ومجاهبد وعطاء ببن يسبار والزهري وغيرهبم :هبي مدنيبة.
ويقال :نزل نصفها بمكة ونصفها بالمدينة .حكاه أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي
فبي تفسبيره .والول أصبح لقوله تعالى" :ولقبد آتيناك سببعا مبن المثانبي والقرآن العظيبم" [الحجبر:
]87والحجبر مكيبة بإجماع .ول خلف أن فرض الصبلة كان بمكبة .ومبا حفبظ أنبه كان فبي
السبلم قبط صبلة بغيبر "الحمبد ل رب العالميبن" يدل على هذا قوله عليبه السبلم( :ل صبلة إل
بفاتحة الكتاب) .وهذا خبر عن الحكم ل عن البتداء ،وال أعلم.
وقد ذكر القاضي ابن الطيب اختلف الناس في أول ما نزل من القرآن فقيل :المدثر وقيل :اقرأ
وقيبل :الفاتحبة .وذكبر البيهقبي فبي دلئل النبوة عبن أببي ميسبرة عمرو ببن شَرَحبيبل أن رسبول ال
صبلى ال عليبه وسبلم قال لخديجبة( :إنبي إذا خلوت وحدي سبمعت نداء وقبد وال خشيبت أن يكون
هذا أمراً) قالت :معاذ ال مبا كان ال ليفعبل ببك فوال إنبك لتؤدي المانبة وتصبل الرحبم وتصبدق
الحديث .فلما دخل أبو بكر -وليس رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم -ذكرت خديجة حديثه له
قالت :يا عتيق اذهب مع محمد إلى ورقة بن نوفل .فلما دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم أخذ
أبو بكر بيده فقال :انطلق بنا إلى ورقة فقال( :ومن أخبرك) .قال :خديجة فانطلقا إليه فقصا عليه
فقال( :إذا خلوت وحدي سبمعت نداء خلفبي يبا محمبد يبا محمبد فأنطلق هارببا فبي الرض) فقال :ل
تفعل ،إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني .فلما خل ناداه :يا محمد! قل "بسم ال
الرحمبن الرحيبم الحمبد ل رب العالميبن -حتبى بلغ -ول الضاليبن" ،قبل :ل إله إل ال .فأتبى ورقبة
فذكبر ذلك له ،فقال له ورقبة :أبشبر ثبم أبشبر ،فأنبا أشهبد أنبك الذي بشبر ببه عيسبى اببن مريبم وأنبك
على مثل ناموس موسى وأنك نبي مرسل وأنك سوف تؤمر بالجهاد بعد يومك هذا ،وإن يدركني
ذلك لجاهدن معبك .فلمبا توفبى ورقبة قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم( :لقبد رأيبت القَسّب فبي
الجنبة عليبه ثياب الحريبر لنبه آمبن ببي وصبدقني) يعنبي ورقبة .قال البيهقبي رضبي ال عنبه :هذا
منقطع .يعني هذا الحديث ،فإن كان محفوظا فيحتمل أن يكون خبرا عن نزولها بعد ما نزل عليه
"اقرأ باسم ربك" [العلق ]1 :و"يا أيها المدثر" [المدثر.]1 :
@ قال ابن عطية :ظن بعض العلماء أن جبريل عليه السلم لم ينزل بسورة الحمد لما رواه مسلم
عن ابن عباس قال :بينما جبريل قاعد عند النبي صلى ال عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه فرفع
رأسبه فقال :هذا باب مبن السبماء فتبح اليوم لم يفتبح قبط إل اليوم فنزل منبه ملك فقال :هذا ملك نزل
إلى الرض لم ينزل قبط إل اليوم ،فسبلم وقال :أبشبر بنوريبن أوتيتهمبا لم يؤتهمبا نببي قبلك :فاتحبة
الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إل أعطيته .قال ابن عطية :وليس كما ظن فإن
هذا الحديبث يدل على أن جبريبل عليبه السبلم تقدم الملك إلى النببي صبلى ال عليبه وسبلم ُمعْلِمبا ببه
وبما ينزل معه ،وعلى هذا يكون جبريل شارك في نزولها وال أعلم.
قلت :الظاهبر مبن الحديبث يدل على أن جبريبل عليبه السبلم لم يعلم النببي صبلى ال عليبه وسبلم
بشيبء مبن ذلك .وقبد بينبا أن نزولهبا كان بمكبة نزل بهبا جبريبل عليبه السبلم لقوله تعالى" :نزل ببه
الروح الميبن" [الشعراء ]193 :وهذا يقتضبي جميبع القرآن فيكون جبريبل عليبه السبلم نزل
بتلوتهبا بمكبة ونزل الملك بثوابهبا بالمدينبة .وال أعلم .وقبد قيبل :إنهبا مكيبة مدنيبة نزل بهبا جبريبل
مرتين حكاه الثعلبي .وما ذكرناه أولى .فانه جمع بين القرآن والسنة ول الحمد والمنة.
@ قد تقدم أن البسملة ليست بآية منها على القول الصحيح ،وإذا ثبت ذلك فحكم المصلي إذا كبر
أن يصببله بالفاتحببة ول يسببكت ،ول يذكببر توجيهببا ول تسبببيحا ،لحديببث عائشببة وأنببس المتقدميببن
وغيرهما وقد جاءت أحاديث بالتوجيه والتسبيح والسكوت ،قال بها جماعة من العلماء فروي عن
عمببر بببن الخطاب وعبدال بببن مسببعود رضببي ال عنهمببا أنهمببا كانببا يقولن إذا افتتحببا الصببلة:
سببحانك اللهبم وبحمدك تبارك اسبمك وتعالى جدك ول إله غيرك .وببه قال سبفيان وأحمبد وإسبحاق
وأصبحاب الرأي .وكان الشافعبي يقول بالذي روي عبن علي عبن النببي صبلى ال عليبه وسبلم ،أنبه
كان إذا افتتح الصلة كبر ثم قال( :وجهت وجهي) الحديث ،ذكره مسلم ،وسيأتي بتمامه في آخر
سورة النعام ،وهناك يأتي القول في هذه المسألة مستوفى إن شاء ال.
قال اببن المنذر :ثببت أن رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم كان إذا كببر فبي الصبلة سبكت هنيهبة
قببل أن يقرأ ،يقول( :اللهبم باعبد بينبي وبيبن خطاياي كمبا باعدت بيبن المشرق والمغرب اللهبم نقنبي
مبن خطاياي كمبا ينقبى الثوب البيبض مبن الدنبس اللهبم أغسبلني مبن خطاياي بالماء والثلج والبرد)
واسبتعمل ذلك أببو هريرة .وقال أببو سبلمة ببن عبدالرحمبن :للمام سبكتتان فاغتنموا فيهمبا القراءة.
وكان الوزاعي وسعيد بن عبدالعزيز وأحمد بن حنبل يميلون إلى حديث النبي في هذا الباب.
@ واختلف العلماء في وجوب قراءة الفاتحة في الصلة فقال مالك وأصحابه :هي متعينة للمام
والمنفرد في كل ركعة .قال ابن خويز مَنداد البصري المالكي :لم يختلف قول مالك أنه من نسيها
فبي صبلة ركعبة مبن صبلة ركعتيبن أن صبلته تبطبل ول تجزيبه .واختلف قوله فيمبن تركهبا ناسبيا
فبي ركعبة مبن صبلة رباعيبة أو ثلثيبة فقال مرة :يعيبد الصبلة وقال مرة أخرى :يسبجد سبجدتي
السبهو ،وهبي روايبة اببن عبدالحكبم وغيره عبن مالك .قال اببن خويبز منداد وقبد قيبل :إنبه يعيبد تلك
الركعبة ويسبجد للسبهو بعبد السبلم .قال اببن عبدالبر :الصبحيح مبن القول إلغاء تلك الركعبة ويأتبي
بركعبة بدل منهبا كمبن أسبقط سبجدة سبهوا .وهبو اختيار اببن القاسبم .وقال الحسبن البصبري وأكثبر
أهببل البصببرة والمغيرة بببن عبدالرحمببن المخزومببي المدنببي :إذا قرأ بأم القرآن مرة واحدة فببي
الصلة أجزأه ولم تكن عليه إعادة لنها صلة قد قرأ فيها بأم القرآن وهي تامة لقوله عليه السلم:
(ل صلة لمن لم يقرأ بأم القرآن) وهذا قد قرأ بها.
قلت :ويحتمبل ل صبلة لمن لم يقرأ بها فبي كبل ركعة ،وهو الصحيح على مبا يأتبي .ويحتمبل ل
صلة لمن لم يقرأ بها في أكثر عدد الركعات ،وهذا هو سبب الخلف وال أعلم.
وقال أبو حنيفة والثوري والوزاعي :إن تركها عامدا في صلته كلها وقرأ غيرها أجزأه على
اختلف عن الوزاعي في ذلك .وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن :أقله ثلث آيات أو آية طويلة
كآيبة الديبن .وعن محمبد بن الحسبن أيضبا قال :أسبوغ الجتهاد فبي مقدار آيبة ومقدار كلمبة مفهومة
نحو" :الحمد ل" ول أسوغه في حرف ل يكون كلما.
وقال الطبببري :يقرأ المصببلى بأم القرآن فببي كببل ركعببة فإن لم يقرأ بهببا لم يجزه إل مثلهببا مببن
القرآن عدد آيهبا وحروفهبا .قال اببن عبدالبر :وهذا ل معنبى له لن التعييبن لهبا والنبص عليهبا قبد
خصبها بهذا الحكبم دون غيرهبا ومحال أن يجيبء بالبدل منهبا مبن وجببت عليبه فتركهبا وهبو قادر
عليها وإنما عليه أن يجيء بها ويعود إليها كسائر المفروضات المتعينات في العبادات.
@ وأما المأموم فإن أدرك المام راكعا فالمام يحمل عنه القراءة لجماعهم على أنه إذا أدركه
راكعبا أنبه يكببر ويركبع ول يقرأ شيئا وإن أدركبه قائمبا فإنبه يقرأ ول ينبغبي لحبد أن يدع القراءة
خلف إمامه فبي صلة السبر فإن فعل فقد أساء ول شيبء عليه عند مالك وأصبحابه .وأما إذا جهبر
المام فل قراءة بفاتحببة الكتاب ول غيرهببا فببي المشهور مببن مذهببب مالك لقول ال تعالى" :وإذا
قرئ القرآن فاسبتمعوا له وأنصبتوا" [العراف ]204 :وقول رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم:
(ما لي أنازع القرآن) وقول في المام( :إذا قرأ فأنصتوا) وقول( :من كان له إمام فقراءة المام له
قراءة).
وقال الشافعي فيما حكى عنه البويطي وأحمد بن حنبل :ل تجزئ أحدا صلة حتى يقرأ بفاتحة
الكتاب في كل ركعة ،إماما كان أو مأموما ،جهر إمامه أو أسر .وكان الشافعي بالعراق يقول في
المأموم :يقرأ إذا أسر ول يقرأ إذا جهر كمشهور مذهب مالك .وقال بمصر :فيما يجهر فيه المام
بالقراءة قولن :أحدهمببا أن يقرأ والخببر يجزئه أل يقرأ ويكتفببي بقراءة المام .حكاه ابببن المنذر.
وقال ابن وهب وأشهب وابن عبدالحكم وابن حبيب والكوفيون :ل يقرأ المأموم شيئا جهر إمامه أو
أسبر لقوله عليبه السبلم( :فقراءة المام له قراءة) وهذا عام ولقول جابر :مبن صبلى ركعبة لم يقرأ
فيها بأم القرآن فلم يصل إل وراء المام.
@ الصحيح من هذه القوال قول الشافعي وأحمد ومالك في القول الخر وأن الفاتحة متعينة في
كبل ركعبة لكبل أحبد على العموم لقوله صبلى ال عليبه وسبلم( :ل صبلة لمبن لم يقرأ فيهبا بفاتحبة
الكتاب) وقوله( :مببن صببلى صببلة لم يقرأ فيهببا بأم القران فهببي خداج) ثلثببا .وقال أبببو هريرة:
أمرنبي رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم أن أنادي أنبه( :ل صبلة إل بقراءة فاتحبة الكتاب فمبا زاد)
أخرجبه أببو داود .كمبا ل ينوب سبجود ركعبة ول ركوعهبا عبن ركعبة أخرى فكذلك ل تنوب قراءة
ركعببة عببن غيرهببا ،وبببه قال عبدال بببن عون وأيوب السببختياني وأبببو ثور وغيره مببن أصببحاب
الشافعي وداود بن علي ،وروي مثله عن الوزاعي وبه قال مكحول.
وروي عببن عمببر بببن الخطاب وعبدال بببن عباس وأبببي هريرة وأبببي بببن كعببب وأبببي أيوب
النصاري وعبدال بن عمرو بن العاص وعبادة بن الصامت وأبي سعيد الخدري وعثمان بن أبي
العاص وخوّات بن جُبير أنهم قالوا :ل صلة إل بفاتحة الكتاب .وهو قول ابن عمر والمشهور من
مذهب الوزاعي ،فهؤلء الصحابة بهم القدوة وفيهم السوة كلهم يوجبون الفاتحة في كل ركعة.
وقد أخرج المام أبو عبدال محمد بن يزيد بن ماجه القزويني في سننه ما يرفع الخلف ويزيل
كبل احتمال فقال :حدثنبا أببو ريبب حدثنبا محمبد ببن فضيبل وحدثنبا سبويد ببن سبعيد حدثنبا علي ببن
مسبهر جميعبا عبن أببي سبفيان السبعدي عبن أببي نضرة عبن أببي سبعيد الخدري قال قال رسبول ال
صببلى ال عليببه وسببلم (ل صببلة لمببن لم يقرأ فببي كببل ركعببة بالحمببد ل وسببورة فببي فريضببة أو
غيرها) .وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه عليه السلم قال للذي علمه الصلة( :وأفعل ذلك
فبي صبلتك كلهبا) وسبيأتي .ومبن الحجبة فبي ذلك أيضبا مبا رواه أببو داود عبن نافبع ببن محمود ببن
الربيبع النصباري قال :أبطبأ عبادة ببن الصبامت عبن صبلة الصببح فأقام أببو نعيبم المؤذن الصبلة
فصبلى أببو نعيبم بالناس وأقببل عبادة ببن الصبامت وأنبا معبه حتبى صبففنا خلف أببي نعيبم وأببو نعيبم
يجهر بالقراءة فجعل عبادة يقرأ بأم القرآن ،فلما انصرف قلت لعبادة :سمعتك تقرأ بأم القرآن وأبو
نعيم يجهر؟ قال :أجل! صلى بنا رسول ال صلى ال عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها
بالقراءة فالتبسبت عليبه فلمبا انصبرف أقببل علينبا بوجهبه فقال( :هبل تقرؤون إذا جهرت بالقراءة)
فقال بعضنببا :إنببا نصببنع ذلك قال( :فل .وأنببا أقول مببا لي ينازعنببي القرآن فل تقرؤوا بشيببء مببن
القرآن إذا جهرت إل بأم القرآن) .وهذا نص صريح في المأموم .وأخرجه أبو عيسى الترمذي من
حديبث محمبد ببن إسبحاق بمعناه وقال :حديبث حسبن .والعمبل على هذا الحديبث فبي القراءة خلف
المام عنبد أكثبر أهبل العلم مبن أصبحاب النببي والتابعيبن وهبو قول مالك ببن أنبس واببن المبارك
والشافعبي وأحمبد وإسبحاق يرون القراءة خلف المام .وأخرجبه أيضبا الدارقطنبي قال :هذا إسبناد
حسن ،ورجاله كلهم ثقات ،وذكر أن محمود بن الربيع كان يسكن إيلياء ،وأن أبا نعيم أول من أذن
في بيت المقدس .وقال أبو محمد عبدالحق :ونافع بن محمود لم يذكره البخاري في تاريخه ول ابن
أببي حاتبم ول أخرج له البخاري ومسبلم شيئا .وقال فيبه أببو عمبر :مجهول .وذكبر الدارقطنبي عبن
يزيبد ببن شريبك قال :سبألت عمبر عبن القراءة خلف المام فأمرنبي أن اقرأ قلت :وإن كنبت أنبت؟
قال :وإن كنبببت أنبببا ،قلت :وإن جهرت ،قال :وإن جهرت .قال الدارقطنبببي :هذا إسبببناد صبببحيح.
وروي عبن جابر ببن عبدال قال :قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم( :المام ضامبن فمبا صبنع
فاصبنعوا) .قال أببو حاتبم :هذا يصبح لمبن قال بالقراءة خلف المام وبهذا أفتبى أببو هريرة الفارسبي
أن يقرأ بهبا فبي نفسبه حيبن قال له :إنبي أحيانبا أكون وراء المام ،ثبم اسبتدل بقوله تعالى( :قسبمت
الصبلة بينبي وبيبن عبدي نصبفين فنصبفها لي ونصبفها لعبدي ولعبدي مبا سبأل) .قال رسبول ال
صلى ال عليه وسلم( :اقرؤوا يقول العبد الحمد ل رب العالمين) الحديث.
@ أما ما استدل به الولون بقول عليه السلم( :وإذا قرأ فأنصتوا) أخرجه مسلم من حديث أبي
موسبى الشعري وقال :وفبي حديبث جريبر عبن سبليمان عبن قتادة مبن الزيادة (وإذا قرأ فأنصبتوا)
قال الدارقطنبي :هذه اللفظبة لم يتاببع سبليمان التيمبي فيهبا عبن قتادة ،وخالفبه الحفاظ مبن أصبحاب
قتادة فلم يذكروها ،منهم شعبة وهشام وسعيد بن أبي عروبة وهمام وأبو عوانة ومعمر وعدي بن
أببي عمارة .قال الدارقطنبي :فإجماعهبم يدل على وَ َهمِه .وقبد روي عبن عبدال ببن عامبر عبن قتادة
متابعة التيمي ولكن ليس هو بالقوي تركه القطّعان .وأخرج أيضا هذه الزيادة أبو داود من حديث
أببي هريرة وقال :هذه الزيادة (إذا قرأ فأنصبتوا) ليسبت بمحفوظبة .وذكبر أببو محمبد عبدالحبق :أن
مسلما صحح حديث أبي هريرة وقال :هو عندي صحيح.
قلت :وممبا يدل على صبحتها عنده إدخالهبا فبي كتاببه مبن حديبث أببي موسبى وإن كانبت ممبا لم
يجمعوا عليهببا .وقببد صببححها المام أحمببد بببن حنبببل وابببن المنذر .وأمببا قوله تعالى" :وإذا قرئ
القرآن فاستمعوا له وأنصتوا" [العراف ]204 :فإنه نزل بمكة وتحريم الكلم في الصلة نزل
بالمدينبة -كمبا قال زيبد ببن أرقبم فل حجبة فيهبا فإن المقصبود كان المشركيبن على مبا قال سبعيد بن
المسيب .وقد روى الدارقطني عن أبي هريرة أنها نزلت في رفع الصوت خلف رسول ال .وقال:
عبدال ببن عامبر ضعيبف .وأمبا قوله عليبه السبلم( :مبا لي أنازع القرآن) فأخرجبه مالك عبن اببن
شهاب عبن اببن أكيمبة الليثبي ،واسبمه فيمبا قال مالك :عمرو وغيره يقول عامبر وقيبل يزيبد وقيبل
عمارة وقيل عباد ،يكنى أبا الوليد توفي سنة إحدى ومائة وهو ابن تسع وسبعين سنة ،لم يرو عنه
الزهري إل هذا الحديث الواحد وهو ثقة وروى عنه محمد بن عمرو وغيره .والمعنى في حديثه:
ل تجهروا إذا جهرت فإن ذلك تنازع وتجاذب وتخالج اقرؤوا في أنفسكم .يبينه حديث عبادة وفتيا
الفاروق وأببي هريرة الراوي للحديثيبن .فلو فهبم المنبع جملة مبن قوله( :مبا لي أنازع القرآن) لمبا
أفتبى بخلفبه ،وقول الزهري فبي حديبث اببن أكيمبة :فانتهبى الناس عبن القراءة مبع رسبول ال فيمبا
جهبر فيبه رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم بالقراءة حيبن سبمعوا ذلك مبن رسبول ال يريبد بالحمبد
على ما بينا وبال توفيقنا.
وأما قوله صلى ال عليه وسلم( :من كان له إمام فقراءة المام له قراءة) فحديث ضعيف أسنده
الحسن بن عمارة وهو متروك ،وأبو حنيفة وهو ضعيف ،كلهما عن موسى بن أبي عائشة عن
عبدال ببن شداد عبن جابر .أخرجبه الدارقطنبي وقال :رواه سبفيان الثوري وشعببة وإسبرائيل ببن
يونس وشريك وأبو خالد الدالني وأبو الحوص وسفيان بن عيينة وجرير بن عبدالحميد وغيرهم
عبن موسبى ببن أببي عائشبة عبن عبدال ببن شداد مرسبل عبن النببي صبلى ال عليبه وسبلم وهبو
الصواب .وأما قول جابر :من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إل وراء المام ،فرواه
مالك عن وهب بن كيسان عن جابر قوله .قال ابن عبدالبر :ورواه يحيى بن سلم صاحب التفسير
عن مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان عن جابر عن النبي صلى ال عليه وسلم وصوابه موقوف
على جابر كمبا فبي الموطبأ .وفيبه مبن الفقبه إبطال الركعبة التبي ل يقرأ فيهبا بأم القرآن ،وهبو يشهبد
لصبحة مبا ذهبب إليبه اببن القاسبم ورواه عبن مالك فبي إلغاء الركعبة والبناء على غيرهبا ول يعتبد
المصبلي بركعبة ل يقرأ فيهبا بفاتحبة الكتاب .وفيبه أيضبا أن المام قراءتبه لمبن خلفبه قراءة ،وهذا
مذهب جابر وقد خالفه فيه غيره.
@ قال ابن العربي :لما قال( :ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) واختلف الناس في هذا الصل
هببل يحمببل هذا النفببي على التمام والكمال أو على الجزاء؟ اختلفببت الفتوى بحسببب اختلف حال
الناظبر ،ولمبا كان الشهبر فبي هذا الصبل والقوى أن النفبي على العموم كان القوى مبن روايبة
مالك أن من لم يقرأ الفاتحة في صلته بطلت .ثم نظرنا في تكرارها في كل ركعة ،فمن تأول قول
النببي صبلى ال عليبه وسبلم( :افعبل ذلك فبي صبلتك كلهبا) لزمبه أن يعيبد القراءة كمبا يعيبد الركوع
والسجود .وال أعلم.
@ ما ذكرناه في هذا الباب من الحاديث والمعاني في تعيين الفاتحة يرد على الكوفيين قولهم في
أن الفاتحبة ل تتعيبن ،وأنهبا وغيرهبا مبن آي القرآن سبواء .وقبد عينهبا النببي صبلى ال عليبه وسبلم
بقوله كمبا ذكرناه ،وهبو المببين عبن ال تعالى مراده فبي قوله" :وأقيموا الصبلة" .وقبد روى أببو
داود عن أبي سعيد الخدري قال :أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر .فدل هذا الحديث على أن
قوله عليه السلم للعرابي( :اقرأ ما تيسر معك من القرآن) ما زاد على الفاتحة ،وهو تفسير قوله
تعالى" :فاقرؤوا ما تيسر منه" [المزمل ]20 :وقد روى مسلم عن عبادة بن الصامت أن رسول
ال صلى ال عليه وسلم قال" :ل صلة لمن لم يقرأ بأم القران -زاد في رواية -فصاعدا" .وقوله
عليبه السبلم( :هبي خداج -ثلثبا -غيبر تمام) أي غيبر مجزئة بالدلة المذكورة .والخداج :النقبص
والفسباد .قال الخفبش :خدجبت الناقبة إذا ألقبت ولدهبا لغيبر تمام ،وأخدجبت إذا قذفبت ببه قببل وقبت
الولدة وإن كان تام الخلق.
والنظبر يوجبب فبي النقصبان أل تجوز معبه الصبلة ،لنهبا صبلة لم تتبم ومبن خرج مبن صبلته
وهي لم تتم فعليه إعادتها كما أمر ،على حسب حكمها .ومن أدعى أنها تجوز مع إقراره بنقصها
فعليه الدليل ،ول سبيل إليه من وجه يلزم وال أعلم.
@ روي عن مالك أن القراءة ل تجب فبي شيء فبي الصبلة وكذلك كان الشافعبي يقول بالعراق
فيمبن نسبيها ،ثبم رجبع عبن هذا بمصبر فقال :ل تجزئ صبلة مبن يحسبن فاتحبة الكتاب إل بهبا ول
يجزئه أن ينقص حرفا منها فإن لم يقرأها أو نقص منها حرفا أعاد صلته وإن قرأ بغيرها .وهذا
هو الصحيح في المسألة ،وأما ما روي عن عمر رحمه ال أنه صلى المغرب فلم يقرأ فيها فذكر
ذلك له فقال :كيبف كان الركوع والسجود قالوا :حسن قال :ل بأس إذاً ،فحديث منكبر اللفظ منقطع
السناد ،لنه يرويه إبراهيم بن الحارث التيمي عن عمر ،ومرة يرويه إبراهيم عن أبي سلمة بن
عبدالرحمبن عبن عمبر ،وكلهمبا منقطبع ل حجبة فيبه وقبد ذكره مالك فبي الموطبأ وهبو عنبد بعبض
الرواة وليس عند يحيى وطائفة معه ،لنه رماه مالك من كتابه بأخرة ،وقال ليس عليه العمل لن
النبي صلى ال عليه وسلم قال( :كل صلة ل يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج) وقد روي عن عمر
أنه أعاد تلك الصلة وهو الصحيح عنه .روى يحيى بن يحيى النيسابوري قال :حدثنا أبو معاوية
عبن العمبش عبن إبراهيبم النخعبي عبن همام ببن الحارث أن عمبر نسبي القراءة فبي المغرب فأعاد
بهبم الصبلة .قال اببن عبدالبر :وهذا حديبث متصبل شهده همام مبن عمبر ،روي ذلك مبن وجوه.
وروى أشهبب عبن مالك قال :سبئل مالك عبن الذي نسبي القراءة ،أيعجببك مبا قال عمبر؟ فقال :أنبا
أنكبر أن يكون عمبر فعله -وأنكبر الحديبث -وقال :يرى الناس عمبر يصبنع هذا فبي المغرب ول
يسبحون به! أرى أن يعيد الصلة من فعل هذا.
@ أجمع العلماء على أن ل صلة إل بقراءة ،على ما تقدم من أصولهم في ذلك .وأجمعوا على
أن ل توقيببت فببي ذلك بعببد فاتحببة الكتاب إل أنهببم يسببتحبون أل يقرأ مببع فاتحببة الكتاب إل سببورة
واحدة لنبه الكثبر ممبا جاء عبن النببي .قال مالك :وسبنة القراءة أن يقرأ فبي الركعتيبن الولييبن بأم
القرآن وسببورة ،وفببي الخرييببن بفاتحببة الكتاب .وقال الوزاعببي :يقرأ بأم القرآن فإن لم يقرأ بأم
القران وقرأ بغيرهببا أجزأه ،وقال :وإن نسببي أن يقرأ فببي ثلث ركعات أعاد .وقال الثوري :يقرأ
فبي الركعتيبن الولييبن بفاتحبة الكتاب وسبورة ويسببح فبي الخرييبن إن شاء ،وإن شاء قرأ وإن لم
يقرأ ولم يسببح جازت صبلته ،وهبو قول أببي حنيفبة وسبائر الكوفييبن .قال اببن المنذر :وقبد روينبا
عبن علي ببن أببى طالب رضبي ال عنبه أنبه قال :اقرأ فبي الولييبن وسببح فبي الخرييبن وببه قال
النخعبي .قال سبفيان :فإن لم يقرأ فبي ثلث ركعات أعاد الصبلة لنبه ل تجزئه قراءة ركعبة .قال:
وكذلك إن نسبي أن يقرأ ركعبة فبي صبلة الفجبر .وقال أببو ثور :ل تجزئ صبلة إل بقراءة فاتحبة
الكتاب فبي كبل ركعبة ،كقول الشافعبي المصبري وعليبه جماعبة أصبحاب الشافعبي ،وكذلك قال اببن
خويز منداد المالكي قال :قراءة الفاتحة واجبة عندنا في كل ركعة ،وهذا هو الصحيح في المسألة.
روى مسبلم عبن أببي قتادة قال :كان رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم يصبلي بنبا فيقرأ فبي الظهبر
والعصبر فبي الركعتيبن الولييبن بفاتحبة الكتاب وسبورتين ،ويسبمعنا اليبة أحيانبا ،وكان يطول فبي
الركعبة الولى مبن الظهبر ويقصبر الثانيبة وكذلك فبي الصببح .وفبي روايبة :ويقرأ فبي الركعتيبن
الخرييبن بفاتحبة الكتاب وهذا نبص صبريح وحديبث صبحيح لمبا ذهبب إليبه مالك .ونبص فبي تعيّن
الفاتحة في كل ركعة خلفا لمن أبى ذلك ،والحجة في السنة ل فيما خالفها.
@ ذهب الجمهور إلى أن ما زاد على الفاتحة من القراءة ليس بواجب ،لما رواه مسلم عن أبي
هريرة قال :فبي كبل صبلة قراءة فمبا أسبمعنا النببي صبلى ال عليبه وسبلم أسبمعناكم ،ومبا أخفبى منبا
أخفينبا منكبم ،فمبن قرأ بأم القرآن فقبد أجزأت عنبه ومبن زاد فهبو أفضبل .وفبي البخاري :وإن زدت
فهبو خيبر .وقبد أببى كثيبر مبن أهبل العلم ترك السبورة لضرورة أو لغيبر ضرورة ،منهبم عمران ببن
حصين وأبو سعيد الخدري وخوات بن جبير ومجاهد وأبو وائل وابن عمر وابن عباس وغيرهم
قالوا :ل صلة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وشيء معها من القرآن ،فمنهم من حد آيتين ،ومنهم
مبن حبد آيبة ،ومنهبم مبن لم يحبد ،وقال :شيبء مبن القرآن معهبا وكبل هذا موجبب لتعلم مبا تيسبر مبن
القرآن على كل حال مع فاتحة الكتاب ،لحديث عبادة وأبي سعيد الخدري وغيرهما .وفي المدونة:
وكيع عن العمش عن خيثمة قال :حدثنبي من سمع عمر بن الخطاب يقول :ل تجزئ صلة من
لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وشيء معها .واختلف المذهب في قراءة السورة على ثلثة أقوال :سنة
فضيلة واجبة.
@ من تعذر ذلك عليه بعد بلوغ مجهوده فلم يقدر على تعلم الفاتحة أو شيء من القرآن ول علق
منه بشيء ،لزمه أن يذكر ال في موضع القراءة بما أمكنه من تكبير أو تهليل أو تحميد أو تسبيح
أو تمجيد أو ل حول ول قوة إل بال ،إذا صلى وحده أو مع إمام فيما أسر فيه المام ،فقد روى أبو
داود وغيره عن عبدال بن أبي أوفى قال :جاء رجل إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :إني ل
أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلمني ما يجزئني منه قال( :قل سبحان ال والحمد ل ول إله إل
ال وال أكببببر ول حول ول قوة إل بال) قال :يبببا رسبببول ال هذا ل ،فمبببا لي؟ قال( :قبببل اللهبببم
ارحمني وعافني واهدني وارزقني).
فإن عجز عن إصابة شيء من هذا اللفظ فل يدع الصلة مع المام جهده فالمام يحمل ذلك عنه
إن شاء ال ،وعليببه أبدا أن يجهببد نفسببه فببي تعلم فاتحببة الكتاب فمببا زاد إلى أن يحول الموت دون
ذلك وهو بحال الجتهاد فيعذره ال.
مبن لم يواتبه لسبانه إلى التكلم بالعربيبة مبن العجمييبن وغيرهبم ترجبم له الدعاء العرببي بلسبانه
الذي يفقه لقامة صلته ،فإن ذلك يجزئه إن شاء ال تعالى.
ل تجزئ صبلة مبن قرأ بالفارسبية وهبو يحسبن العربيبة فبي قول الجمهور .وقال أببو حنيفبة:
تجزئه القراءة بالفارسببية وإن أحسببن العربيببة لن المقصببود إصببابة المعنببى .قال ابببن المنذر :ل
يجزئه ذلك ،لنببه خلف مببا أمببر ال بببه وخلف مببا علم النبببي صببلى ال عليببه وسببلم وخلف
جماعات المسلمين .ول نعلم أحدا وافقه على ما قال.
@ مبن افتتبح الصبلة كمبا أمبر وهبو غيبر عالم بالقراءة ،فطرأ عليبه العلم بهبا فبي أثناء الصبلة
ويتصور ذلك بأن يكون سمع من قرأها فعلقت بحفظه من مجرد السماع فل يستأنف الصلة ،لنه
أدى ما مضى على حسب ما أمر به فل وجه لبطاله .قاله في كتاب ابن سحنون.
* *3الباب الثالث :في التأمين:
@ ويسن لقارئ القرآن أن يقول بعد الفراغ من الفاتحة بعد سكتة على نون "ول الضالين" :آمين
ليتميز ما هو قرآن مما ليس بقرآن.
@ ثببت فبي المهات مبن حديبث أببي هريرة أن رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم قال( :إذا أمبن
المام فأمنوا ،فإنه من وافق تأمينه تأمين الملئكة غفر له ما تقدم من ذنبه) .قال علماؤنا رحمة ال
عليهببم :فترتبببت المغفرة للذنببب على مقدمات أربببع تضمنهببا هذا الحديببث :الولى :تأميببن المام،
الثانية :تأمين من خلفه ،الثالثة :تأمين الملئكة ،الرابعة :موافقة التأمين ،قيل في الجابة وقيل في
الزمبن وقيبل فبي الصبفة مبن إخلص الدعاء لقوله عليبه السبلم( :ادعوا ال وأنتبم موقنون بالجاببة
واعلموا أن ال ل يستجيب دعاء من قلب غافل له).
@ روى أببو داود عبن أببي مصّببّح المَقرانبي قال :كنبا نجلس إلى أببي زهيبر النميري وكان مبن
الصبحابة ،فيحدث أحسبن الحديبث فإذا دعبا الرجبل منبا بدعاء قال :اختمبه بآميبن .فإن آميبن مثبل
الطاببع على الصبحيفة .قال أببو زهيبر أل أخببركم عبن ذلك ،خرجنبا مبع رسبول ال صبلى ال عليبه
وسبلم ذات ليلة ،فأتينبا على رجبل قبد ألح فبي المسبألة فوقبف النببي صبلى ال عليبه وسبلم يسبمع منبه
فقال النببي صبلى ال عليبه وسبلم( :أوجبب إن ختبم) فقال له رجبل مبن القوم :بأي شيبء يختبم؟ قال:
(بآمين فإنه ختم بآمين فقد أوجب) فانصرف الرجل الذي سأل النبي فأتى الرجل فقال له :اختم يا
فلن وأبشبر .قال اببن عبدالبر :أببو زهيبر النميري اسبمه يحيبى ببن نفيبر روى عبن النببي صبلى ال
عليه وسلم (ل تقتلوا الجراد فإنه جند ال العظم) .وقال وهب بن منبه :آمين أربعة أحرف يخلق
ال مبن كبل حرف ملكبا يقول :اللهبم اغفبر مبن قال آميبن [فبي النسبخة :آمنبي] .وفبي الخببر (لقننبي
جبريل آمين عند فراغي من فاتحة الكتاب ،وقال إنه كالخاتم على الكتاب) وفي حديث آخر( :آمين
خاتبم رب العالمين) .قال الهروي قال أبو بكبر :معناه أنه طابع ال على عباده ،لنه يدفع به عنهم
الفات والبليبا ،فكان كخاتبم الكتاب الذي يصبونه ويمنبع مبن إفسباده وإظهار مبا فيبه .وفبي حديبث
آخر (آمين درجة في الجنة) .قال أبو بكر :معناه أنه حرف يكتسب به قائله درجة في الجنة.
@ معنى آمين عند أكثر أهل العلم :اللهم استجب لناُ ،وضِع موضع الدعاء .وقال قوم :هو اسم من
أسبماء ال ،روي عبن جعفبر ببن محمبد ومجاهبد وهلل ببن يسباف ،ورواه اببن عباس عبن النببي
صبلى ال عليبه وسبلم ولم يصبح ،قاله ابن العرببي .وقيبل معنبى آميبن :كذلك فليكبن ،قاله الجوهري.
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال :سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم ما معنى
آميبن؟ قال( :رب افعبل) .وقال مقاتبل :هبو قوة للدعاء واسبتنزال للبركبة .وقال الترمذي :معناه ل
تخيب رجاءنا.
@ وفبي آميبن لغتان :المبد على وزن فاعيبل كياسبين .والقصبر على وزن يميبن .قال الشاعبر فبي
المد:
يا رب ل تسلبني حبها أبدا ويرحم ال عبدا قال آمينا
وقال آخر:
آمين آمين ل أرضى بواحدة حتى أبلغها ألفين آمينا
وقال آخر في القصر:
تباعد مني فطحل إذ سألته أمين فزاد ال ما بيننا بعدا
وتشديبد الميبم خطبأ ،قاله الجوهري .وقبد روي عبن الحسبن وجعفبر الصبادق التشديبد ،وهبو قول
الحسببين بببن الفضببل ،مببن أمّب إذا قصببد ،أي نحببن قاصببدون نحوك ومنببه قوله" :ول آميببن البيببت
الحرام" [المائدة .]2 :حكاه أببو نصبر عبدالرحيبم ببن عبدالكريبم القشيري .قال الجوهري :وهبو
مبني على الفتح مثل أين وكيف لجتماع الساكنين .وتقول منه :أمن فلن تأمينا.
@ اختلف العلماء هل يقولها المام وهل يجهر بها ،فذهب الشافعي ومالك في رواية المدنيين إلى
ذلك .وقال الكوفيون وبعبض المدنييبن :ل يجهبر بهبا .وهبو قول الطببري وببه قال اببن حببيب مبن
علمائنا .وقال ابن بكير :هو مخير .وروى ابن القاسم عن مالك أن المام ل يقول آمين وإنما يقول
ذلك مبن خلفبه ،وهبو قول اببن القاسبم والمصبريين مبن أصبحاب مالك .وحجتهبم حديبث أببي موسبى
الشعري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلتنا فقال( :إذا صليتم
فأقيموا صبفوفكم ثبم ليؤمكبم أحدكبم فإذا كببر فكببروا وإذا قال غيبر المغضوب عليهبم ول الضاليبن
س َميّ عن أبي هريرة وأخرجه فقولوا آمين يجبكم ال) وذكر الحديث ،أخرجه مسلم .ومثله حديث ُ
مالك .والصبحيح الول لحديبث وائل ببن حجبر قال :كان رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم إذا قرأ
"ول الضالين" قال" :آمين" يرفع بها صوته ،أخرجه أبو داود والدارقطني وزاد "قال أبو بكر:
هذه سببنة تفرد بهببا أهببل الكوفببة هذا صببحيح والذي بعده" .وترجببم البخاري "باب جهببر المام
بالتأمين".
وقال عطاء" :آميبن" دعاء ،أمبن اببن الزبيبر ومبن وراءه حتبى إن للمسبجد للجّة .قال الترمذي:
وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ومن بعدهم ،يرون أن
يرفببع الرجببل صببوته بالتأميببن ول يخفيهببا .وبببه يقول الشافعببي وأحمببد وإسببحاق .وفببي الموطببأ
والصبحيحين قال اببن شهاب :وكان رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم يقول "آميبن" .وفبي سبنن اببن
ماجبه عبن أببي هريرة قال :ترك الناس آميبن وكان رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم إذا قال" :غيبر
المغضوب عليهم ول الضالين" قال" :آمين" حتى يسبمعها أهل الصبف الول فيرتج بها المسجد.
وأمبا حديبث أببي موسبى وسبمي فمعناهمبا التعريبف بالموضبع الذي يقال فيبه آميبن ،وهبو إذا قال
المام" :ول الضاليببن" ليكون قولهمببا معببا ول يتقدموه بقول :آميببن لمببا ذكرناه وال أعلم .ولقوله
عليبه السبلم( :إذا أمبن المام فأمنوا) .وقال اببن نافبع فبي كتاب اببن الحارث :ل يقولهبا المأموم إل
أن يسببمع المام يقول" :ول الضاليببن" .وإذا كان ببعببد ل يسببمعه فل يقببل .وقال ابببن عبدوس:
يتحرى قدر القراءة ويقول :آمين.
@ قال أصبحاب أببي حنيفبة :الخفاء بآميبن أولى مبن الجهبر بهبا لنبه دعاء وقبد قال ال تعالى:
"ادعوا ربكم تضرعا وخفية" [العراف .]5 :قالوا :والدليل عليه ما روي في تأويل قوله تعالى:
"قد أجيبت دعوتكما" [يونس .]89 :قال :كان موسى يدعو وهارون يؤمن فسماهما ال داعيين.
الجواب :أن إخفاء الدعاء إنمبا كان أفضبل لمبا يدخله مبن الرياء .وأمبا مبا يتعلق بصبلة الجماعبة
فشهودهببا إشهار شعار ظاهببر وإظهار حببق يندب العباد إلى إظهاره ،وقببد ندب المام إلى إشهار
قراءة الفاتحببة المشتملة على الدعاء والتأميببن فببي آخرهببا فإذا كان الدعاء ممببا يسببن الجهببر فيببه
فالتأمين على الدعاء تابع له وجار مجراه وهذا بيّن.
@ كلمبة آميبن لم تكبن قبلنبا إل لموسبى وهارون عليهمبا السبلم .ذكبر الترمذي الحكيبم فبي (نوادر
الصول) :حدثنا عبدالوارث بن عبدالصمد قال حدثنا أبي قال حدثنا رزين مؤذن مسجد هشام بن
حسان قال حدثنا أنس بن مالك قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إن ال أعطى أمتي ثلثا
لم تعبط أحدا قبلهبم السبلم وهبو تحيبة أهبل الجنبة وصبفوف الملئكبة وآميبن إل مبا كان مبن موسبى
وهارون) قال أببو عبدال :معناه أن موسبى دعبا على فرعون وأمبن هارون فقال ال تبارك اسبمه
عندما ذكر دعاء موسى في تنزيله" :قد أجيبت دعوتكما" [يونس ]89 :ولم يذكر مقالة هارون،
وقال موسى :ربنا ،فكان من هارون التأمين ،فسماه داعيا في تنزيله ،إذ صير ذلك منه دعوة .وقد
قيبل :إن آميبن خاص لهذه المبة لمبا روي عبن النببي صبلى ال عليبه وسبلم أنبه قال( :مبا حسبدتكم
اليهود على شيبء مبا حسبدتكم على السبلم والتأميبن) أخرجبه اببن ماجبة مبن حديبث حماد ببن سبلمة
عبن سبهيل ببن أببي صبالح عبن أبيبه عبن عائشبة أن النببي صبلى ال عليبه وسبلم قال ،.. .الحديبث.
وأخرج أيضبا من حديث ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :ما حسدتكم اليهود على
شي ما حسدتكم على آمين فأكثروا من قول آمين) .قال علماؤنا رحمة ال عليهم :إنما حسدنا أهل
الكتاب لن أولهبا حمبد ل وثناء عليبه ثبم خضوع له واسبتكانة ،ثبم دعاء لنبا بالهدايبة إلى الصبراط
المستقيم ثم الدعاء عليهم مع قولنا آمين.
**3الباب الرابع -فيما تضمنته الفاتحة من المعاني والقراءات والعراب وفضل الحامدين:
@قوله سببحانه وتعالى" :الحمبد ل" روى أببو محمبد عبدالغنبي ببن سبعيد الحافبظ مبن حديبث أببي
هريرة وأبي سعيد الخدري عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :إذا قال العبد الحمد ل قال صدق
عبدي الحمد لي) .وروى مسلم عن أنس بن مالك قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إن ال
ليرضى عن العبد أن يأكل الكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها) .وقال الحسن :ما
من نعمة إل والحمد ل أفضل منها .وروى ابن ماجة عن أنس بن مالك قال قال رسول ال صلى
ال عليبه وسبلم( :مبا أنعبم ال على عببد نعمبة فقال الحمبد ل إل كان الذي أعطاه أفضبل ممبا أخبذ).
وفبي (نوادر الصبول) عبن أنبس ببن مالك قال قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم( :لو أن الدنيبا
كلهبا بحذافيرهبا بيبد رجبل مبن أمتبي ثبم قال الحمبد ل لكانبت الحمبد ل أفضبل مبن ذلك) .قال أببو
عبدال :معناه عندنا أنه قد أعطي الدنيا ثم أعطي على أثرها هذه الكلمة حتى نطق بها ،فكانت هذه
الكلمبة أفضبل مبن الدنيبا كلهبا لن الدنيبا فانيبة والكلمبة باقيبة ،هبي مبن الباقيات الصبالحات قال ال
تعالى" :والباقيات الصبالحات خيبر عنبد رببك ثواببا وخيبر أمل" [مريبم .]76 :وقيبل فبي بعبض
الروايات :لكان مبا أعطى أكثبر ممبا أخبذ .فصير الكلمة إعطاء مبن العبد ،والدنيبا أخذا من ال فهذا
فبي التدبيبر .كذاك يجري فبي الكلم أن هذه الكلمبة مبن العببد والدنيبا مبن ال وكلهمبا مبن ال فبي
الصل الدنيا منه والكلمة منه أعطاه الدنيا فأغناه وأعطاه الكلمة فشرفه بها في الخرة .وروى ابن
ماجبة عبن اببن عمبر أن رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم حدثهبم( :أن عبدا مبن عباد ال قال يبا رب
لك الحمبد كمبا ينبغبي لجلل وجهبك وعظيبم سبلطانك فعَضَلت بالملكيبن فلم يدريبا كيبف يكتبانهبا
فصبعدا إلى السبماء وقال يبا ربنبا إن عبدك قبد قال مقالة ل ندري كيبف نكتبهبا ،قال ال عبز وجبل
وهو أعلم بما قال عبده ،ماذا قال عبدي؟ قال يا رب إنه قد قال يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلل
وجهك وعظيم سلطانك ،فقال ال لهما اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها).
قال أهبل اللغبة :أعضبل المبر :اشتبد واسبتغلق ،والمعضّلت [بتشديبد الضاد) :الشدائد .وعضّلت
المرأة والشاة :إذا نشِب ولدهبا فلم يسبهل مخرجبه ،بتشديبد الضاد أيضبا فعلى هذا يكون :أعضلت
الملكين أو عضلت الملكين بغير باء .وال أعلم .وروي عن مسلم عن أبي مالك الشعري قال قال
رسببول ال صببلى ال عليببه وسببلم[ :الطهور شطببر اليمان والحمببد ل تمل الميزان وسبببحان ال
والحمد ل تملن أو تمل ما بين السماء والرض) وذكر الحديث.
@ اختلف العلماء أيمبا أفضبل قول العببد :الحمبد ل رب العالميبن ،أو قول ل إله إل ال؟ فقالت
طائفة :قوله الحمد ل رب العالمين أفضل لن في ضمنه التوحيد الذي هو ل إله إل ال ،ففي قوله
توحيبد وحمبد ،وفبي قوله ل إله إل ال توحيبد فقبط .وقالت طائفبة :ل إله إل ال أفضبل لنهبا تدفبع
الكفر والشراك وعليها يقاتل الخلق ،قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أمرت أن أقاتل الناس
حتبى يقولوا ل إله إل ال) .واختار هذا القول اببن عطيبة قال :والحاكبم بذلك قول النببي صبلى ال
عليه وسلم( :أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي ل إله إل ال وحده ل شريك له).
@ أجمع المسلمون على أن ال محمود على سائر نعمه وأن مما أنعم ال به اليمان فدل على أن
اليمان فعله وخلقببه والدليببل على ذلك قوله" :رب العالميببن" .والعالمون جملة المخلوقات ومببن
جملتهبا اليمان ل كمبا قال القدريبة :إنبه خلق لهبم على مبا يأتبي بيانبه .الحمبد فبي كلم العرب معناه
الثناء الكامل ،واللف واللم لستغراق الجنس من المحامد فهو سبحانه يستحق الحمد بأجمعه إذ
له السماء الحسنى والصفات العل وقد جمع لفظ الحمد جمع القلة في قول الشاعر:
وأبلج محمود الثناء خصصته بأفضل أقوالي وأفضل أحمدي
فالحمد نقيض الذم ،تقول :حمدت الرجل أحمده حمدا فهو حميد ومحمود والتحميد أبلغ من الحمد.
والحد أعم من الشكر والحمد :الذي كثرت خصال المحمودة .قال الشاعر:
إلى الماجد القرم الجواد المحمد
وبذلك سمي رسول ال صلى ال عليه وسلم .وقال الشاعر:
فشقّ له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
والمحمدة :خلف المذمبة .وأحمبد الرجلُ :صبار أمره إلى الحمبد .وأحمدتبه :وجدتبه محمودا ،تقول:
أتيت موضع كذا فأحمدته ،أي صادفته محمودا موافقا ،وذلك إذا رضيت سكناه أو مرعاه .ورجل
حمَدة النار -بالتحريبك : - ح َمدَة -مثبل ُهمَزة -يكثبر حمبد الشياء ويقول فيهبا أكثبر ممبا فيهبا .و َ
ُ
صوت التهابها.
@ ذهب أبو جعفر الطبري وأبو العباس المبرد إلى أن الحمد والشكر بمعنى واحد سواء وليس
بمرضبي .وحكاه أبو عبدالرحمبن السلمي فبي كتاب "الحقائق" له عن جعفبر الصبادق واببن عطاء.
قال ابن عطاء :معناه الشكر ل إذ كان منه المتنان على تعليمنا إياه حتى حمدناه .واستدل الطبري
على أنهما بمعنى بصحة قولك :الحمد ل شكرا .قال ابن عطية :وهو في الحقيقة دليل على خلف
مبا ذهبب إليبه لن قولك شكرا إنمبا خصبصت ببه الحمبد لنبه على نعمبة مبن النعبم .وقال بعبض
العلماء :إن الشكببر أعببم مببن الحمببد لنببه باللسببان وبالجوارح والقلب والحمببد إنمببا يكون باللسببان
خاصبة .وقيبل :الحمبد أعبم لن فيبه معنبى الشكبر ومعنبى المدح ،وهبو أعبم مبن الشكبر لن الحمبد
يوضبع موضبع الشكبر ول يوضبع الشكبر موضبع الحمبد .وروي عبن اببن عباس أنبه قال :الحمبد ل
كلمة كل شاكر ،وإن آدم عليه السلم قال حين عطس :الحمد ل .وقال ال لنوح عليه السلم" :فقل
الحمبد ل الذي نجانبا مبن القوم الظالميبن" [المؤمنون ]28 :وقال إبراهيبم عليبه السبلم" :الحمبد ل
الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق" [إبراهيم .]3 :وقال في قصة داود وسليمان" :وقال
الحمبد ل الذي فضلنبا على كثيبر مبن عباده المؤمنيبن" [النمبل .]15 :وقال لنببيه صبلى ال عليبه
وسبلم" :وقبل الحمبد ل الذي لم يتخبذ ولدا" [السبراء .]111 :وقال أهبل الجنبة" :الحمبد ل الذي
أذهب عنا الحزن" [فاطر" .]34 :وآخر دعواهم أن الحمد ل رب العالمين" [يونس .]10 :فهي
كلمة كل شاكر.
قلت :الصبحيح أن الحمبد ثناء على الممدوح بصبفاته مبن غيبر سببق إحسبان ،والشكبر ثناء على
المشكور بمبا أولى مبن الحسبان .وعلى هذا الحبد قال علماؤنبا :الحمبد أعبم مبن الشكبر ،لن الحمبد
يقببع على الثناء وعلى التحميببد وعلى الشكببر ،والجزاء مخصببوص إنمببا يكون مكافأة لمببن أولك
معروفا فصار الحمد أعم في الية لنه يزيد على الشكر .ويذكر الحمد بمعنى الرضا يقال :بلوته
فحمدتببه ،أي رضيتببه .ومنببه قوله تعالى" :مقامببا محمودا" [السببراء .]79 :وقال عليببه السببلم:
(أحمد إليكبم غسل الحليبل) أي أرضاه لكم .ويذكر عن جعفر الصادق فبي قوله "الحمبد ل" :من
حمده بصفاته كما وصف نفسه فقد حمد ،لن الحمد حاء وميم ودال ،فالحاء من الوحدانية ،والميم
مبن الملك ،والدال مبن الديموميبة ،فمبن عرفبه بالوحدانيبة والديموميبة والملك فقبد عرفبه ،وهذا هبو
حقيقة الحمد ل .وقال شقيق بن إبراهيم في تفسير "الحمد ل" قال :هو على ثلثة أوجه :أولها إذا
أعطاك ال شيئا تعرف مبن أعطاك .والثانبي أن ترضبى بمبا أعطاك .والثالث مبا دامبت قوتبه فبي
جسدك أل تعصيه ،فهذه شرائط الحمد.
@ أثنى ال سبحانه بالحمد على نفسه وافتتح كتابه بحمده ،ولم يأذن في ذلك لغيره بل نهاهم عن
ذلك فبي كتاببه وعلى لسبان نببيه عليبه السبلم فقال" :فل تزكوا أنفسبكم هبو أعلم بمبن اتقبى" [النجبم:
.]32وقال عليه السلم( :احثوا في وجوه المداحين التراب) رواه المقداد .وسيأتي القول فيه في
"النساء" إن شاء ال تعالى.
فمعنبى "الحمبد ل رب العالميبن" أي سببق الحمبد منبي لنفسبي أن يحمبد نفسبه أحبد مبن العالميبن،
وحمدي نفسبي لنفسبي فبي الزل لم يكبن بعلة ،وحمدي الخلق مشوب بالعلل .قال علماؤنبا :فيسبتقبح
مبن المخلوق الذي لم يعط الكمال أن يحمبد نفسه ليسبتجلب لها المنافع ويدفع عنها المضار .وقيل:
لما علم سبحانه عجز عباده عن حمده حمد نفسه بنفسه لنفسه في الزل فاستفراغ طوق عباده هو
محمل العجز عن حمده .أل ترى سيد المرسلين كيف أظهر العجز بقوله( :ل أحصي ثناء عليك).
وأنشدوا:
إذا نحن أثنينا عليك بصالح فأنت كما نُثني وفوق الذي نثني
حمِد نفسبه فبي الزل لمبا علم مبن كثره نعمبه على عباده وعجزهبم على القيام بواجبب حمده وقيبلَ :
فحمد نفسه عنهم ،لتكون النعمة أهنأ لديهم ،حيث أسقط به ثقل المنة.
@ وأجمع القراء السبعة وجمهور الناس على رفع الدال من "الحمد ل" .وروي عن سفيان بن
عيينبة ورؤببة ببن العجّاج" :الحمبد ل" بنصبب الدال وهذا على إضمار فعبل .ويقال" :الحمبد ل"
بالرفببع مبتدأ وخبببر وسبببيل الخبببر أن يفيببد فمببا الفائدة فببي هذا؟ فالجواب أن سببيبويه قال :إذا قال
الرجبل الحمبد ل بالرفبع ففيبه مبن المعنبى مثبل مبا فبي قولك :حمدت ال حمدا ،إل أن الذي يرفبع
الحمد يخبر أن الحمد منه ومن جميع الخلق ل ،والذي ينصب الحمد يخبر أن الحمد منه وحده ل.
وقال غيببر سببيبويه .إنمببا يتكلم بهذا تعرضببا لعفبو ال ومغفرتببه وتعظيمببا له وتمجيدا ،فهببو خلف
معنبى الخببر وفيبه معنبى السبؤال .وفبي الحديبث( :مبن شغبل بذكري عبن مسبألتي أعطيتبه أفضبل مبا
أعطي السائلين) .وقيل :إن مدحه عز وجل لنفسه وثناءه عليها ليعلم ذلك عباده فالمعنى على هذا:
قولوا الحمبد ل .قال الطببري" :الحمبد ل" ثناء أثنبى ببه على نفسبه وفبي ضمنبه أمبر عباده أن يثنوا
عليه فكأنه قال :قولوا الحمد ل ،وعلى هذا يجيء قولوا إياك .وهذا من حذف العرب ما يدل ظاهر
الكلم عليه كما قال الشاعر:
وأعلم أنني سأكون رمسا إذا سار النواعج ل يسير
فقال السائلون لمن حفرتم فقال القائلون لهم وزير
المعنى :المحفور له وزير ،فحذف لدلك ظاهر الكلم عليه وهذا كثير .وروي عن ابن أبي عبَلة:
"الحمبد ل" بضبم الدال واللم على إتباع الثانبي الول وليتجانبس اللفبظ وطلب التجانبس فبي اللفبظ
كثير في كلمهم نحو :أجودك وهو منحدر من الجبل بضم الدال والجيم .قال:
...اضرب الساقينُ ُأمّك هابل
بضبم النون لجبل ضبم الهمزة .وفبي قراءة لهبل مكبة "مُرُدفيبن" بضبم الراء إتباعبا للميبم ،وعلى
ذلك "مُقُتلين" بضم القاف .وقالوا :لمّك ،فكسروا الهمزة اتباعا للّم ،وأنشد للنعمان بن بشير:
ل امّها في هواء الجو طالبة ول كهذا الذي في الرض مطلوب وي ِ
ل لمها ،فحذفت اللم الولى واستثقل ضم الهمزة بعد الكسرة فنقلها للم ثم أتبع اللم الصل :وي ٌ
الميم .وروي عن الحسن بن أبي الحسن وزيد بن علي" :الحمدِ ل" بكسر الدال على اتباع الول
الثاني.
@قوله تعالى" :رب العالميبن" أي مالكهبم ،وكبل مبن ملك شيئا فهبو رببه ،فالرب :المالك .وفبي
الصحاح :والرب اسم من أسماء ال تعالى ول يقال في غيره إل بالضافة ،وقد قالوه في الجاهلية
للملك قال الحارث بن حِلّزة:
وهو الرب والشهيد على يوم الحيارين والبلء بلء
والرب :السيد :ومن قوله تعالى" :اذكرني عند ربك" [يوسف .]42 :وفي الحديث( :أن تلد المة
ربتهببا) أي سببيدتها وقببد بيناه فببي كتاب (التذكرة) .والرب :المصببلح والمدبر والجابر والقائم .قال
الهروي وغيره :يقال لمن قام بإصلح شيء وإتمامه :قد ربه يربه فهو رب له وراب ،ومنه سمي
الربانيون لقيامهبم بالكتبب .وفبي الحديبث( :هبل لك مبن نعمبة تربّهبا عليبه) أي تقوم بهبا وتصبلحها.
والرب :المعبود ومنه قول الشاعر:
أربّ يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب
ويقال على التكثيبر :رباه وربببه وربتبه ،حكاه النحاس .وفبي الصبحاح :ورب فلن ولده يرببه رببا
ورببه وترببه بمعنىً ،أي رباه .والمربوب :المربى.
@ قال بعض العلماء :إن هذا السم هو اسم ال العظم لكثرة دعوة الداعين به ،وتأمل ذلك في
القرآن كمبا فبي آخبر "آل عمران" وسبورة "إبراهيبم" وغيرهمبا ،ولمبا يشعبر ببه هذا الوصبف مبن
الصلة بين الرب والمربوب مع ما يتضمنه من العطف والرحمة والفتقار في كل حال.
واختلف في اشتقاقه فقيل :إنه مشتق من التربية ،فال سبحانه وتعالى مدبر لخلقه ومربيهم ومنه
قوله تعالى" :وربائبكبم اللتبي فبي حجوركبم" [النسباء .]23 :فسبمى بنبت الزوجبة ربيببة لتربيبة
الزوج لها.
فعلى أنببه مدبر لخلقببه ومربيهببم يكون صببفة فعببل ،وعلى أن الرب بمعنببى المالك والسببيد يكون
صفة ذات.
@ متى أدخلت اللف واللم على "رب" اختص ال تعالى به ،لنها للعهد وإن حذفنا منه صار
مشتركا بين ال وبين عباده ،فيقال :ال رب العباد وزيد رب الدار فال سبحانه رب الرباب يملك
المالك والمملوك ،وهببو خالق ذلك ورازقببه وكببل رب سببواه غيببر خالق ول رازق ،وكببل مملوك
فمُمَلّك بعبد أن لم يكبن ،ومنتزع ذلك مبن يده وإنمبا يملك شيئا دون شيبء وصبفة ال تعالى مخالفبة
لهذه المعاني فهذا الفرق بين صفة الخالق والمخلوقين.
@قوله تعالى" :العالمين" اختلف أهل التأويل في "العالمين" اختلفا كثيراً ،فقال قتادة :العالمون
جمع عالم وهو كل موجود سوى ال تعالى ول واحد له من لفظه مثل رهط وقوم .وقيل :أهل كل
زمان عالم قاله الحسبببين ببببن الفضبببل ،لقوله تعالى" :أتأتون الذكران مبببن العالميبببن" [الشعراء:
]165أي من الناس .وقال العجاج:
فخِ ْن ِدفٌ هامة هذا العأَْلمِ
خطَفي: وقال جرير بن ال َ
َتنَصّفُه البرية وهو سامٍ ويُضحي العالَمون له عيال
وقال اببن عباس :العالمون الجبن والنبس ،دليله قوله تعالى" :ليكون للعالميبن نذيرا" [الفرقان:
]1ولم يكبن نذيرا للبهائم .وقال الفراء وأببو عببيدة :العالم عبارة عمبن يعقبل ،وهبم أربعبة أمبم:
النس والجن والملئكة والشياطين .ول يقال للبهائم :عالم ،لن هذا الجمع إنما هو جمع من يعقل
خاصة.
قال العشى:
ما إن سمعت بمثلهم في العالمينا
وقال زيببد ببن أسبلم :هببم المرتزقون ،ونحوه قول أبببي عمرو ببن العلء :هبم الروحانيون .وهبو
معنى قول ابن عباس أيضا :كل ذي روح دب على وجه الرض .وقال وهب بن منبه :إن ل عز
وجبل ثمانيبة عشبر ألف عالم ،الدنيبا عالم منهبا .وقال أببو سبعيد الخدري :إن ل أربعيبن ألف عالم،
الدنيا من شرقها إلى غربها عالم واحد .وقال مقاتل :العالمون ثمانون ألف عالم ،أربعون ألف عالم
فبي البر وأربعون ألف عالم فبي البحبر .وروى الربيبع ببن أنبس عبن أببي العاليبة قال :الجبن عالم
والنس عالم وسوى ذلك للرض أربع زوايا في كل زاوية ألف وخمسمائة عالم خلقهم لعبادته.
قلت :والقول الول أصبح هذه القوال ،لنبه شامبل لكبل مخلوق وموجود دليله قوله تعالى" :قال
فرعون ومببا رب العالميببن .قال رب السببماوات والرض ومببا بينهمببا" [الشعراء ]23 :ثببم هببو
مأخوذ مبن العلم والعلمبة لنبه يدل على موجده .كذا قال الزجاج قال :العالم كبل مبا خلقبه ال فبي
الدنيببا والخرة .وقال الخليببل :العلم والعلمبة والمعلم :مبا دل على الشيبء ،فالعالم دال على أن له
خالقا ومدبرا وهذا واضح .وقد ذكر أن رجل قال بين يدي الجنيد :الحمد ل فقال له :أتمها كما قال
ال قبل رب العالميبن فقال الرجبل :ومبن العالميبن حتبى تذكبر مبع الحبق؟ قال :قبل يبا أخبي؟ فإن
المحدث إذا قرن مع القديم ل يبقى له أثر.
@ يجوز الرفبع والنصبب فبي "رب" فالنصبب على المدح والرفبع على القطبع ،أي هبو رب
العالمين.
@قوله تعالى" :الرحمن الرحيم" وصف نفسه تعالى بعد "رب العالمين" بأنه "الرحمن الرحيم"
لنبه لمبا كان فبي اتصبافه ببب "رب العالميبن" ترهيبب قرنبه ببب "الرحمبن الرحيبم" لمبا تضمبن مبن
الترغيبب ،ليجمبع فبي صبفاته بيبن الرهببة منبه والرغببة إليبه ،فيكون أعون على طاعتبه وأمنبع كمبا
قال" :نببئ عبادي أنبي أنبا الغفور الرحيبم .وأن عذاببي هبو العذاب الليبم" [الحجبر.]50 ،49 :
وقال" :غافبر الذنبب وقاببل التوب شديبد العقاب ذي الطول" [غافبر .]3 :وفبي صبحيح مسبلم عبن
أببي هريرة أن رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم قال( :لو يعلم المؤمبن مبا عنبد ال مبن العقوببة مبا
طمبع بجنتبه أحبد ،ولو يعلم الكافبر مبا عنبد ال مبن الرحمبة مبا قنبط مبن جنتبه أحبد) .وقبد تقدم مبا فبي
هذين السمين من المعاني فل معنى لعادته.
@قوله تعالى" :مالك يوم الديبن" قرأ محمبد ببن السّبمَيقع بنصبب مالك ،وفيبه أرببع لغات :مالك
ومَلِك ومَلْك -مخففة من مَلِك -ومَليك .قال الشاعر:
وأيام لنا غر طوال عصينا الملك فيها أن ندينا
وقال آخر:
فاقنع بما قسم المليك فإنما قسم الخلئق بيننا علمها
الخلئق :الطبائع التببي جبببل النسببان عليهببا .وروي عببن نافببع إشباع الكسببرة فببي "مَلِكبِ" فيقرأ
"ملكي" على لغة من يشبع الحركات وهي لغة للعرب ذكرها المهدوي وغيره.
@ اختلف العلماء أيمبا أبلغ :ملك أو مالك؟ والقراءتان مرويتان عبن النببي صبلى ال عليبه وسبلم
وأبي بكر وعمر .ذكرهما الترمذي فقيل" :ملك" أعم وأبلغ من "مالك" إذ كل ملك مالك وليس كل
مالك ملكبا ولن الملك نافبذ على المالك فبي ملكبه حتبى ل يتصبرف إل عبن تدبيبر الملك قال أببو
عبيدة والمبرد .وقيل" :مالك" أبلغ لنه يكون مالكا للناس وغيرهم فالمالك أبلغ تصبرفا وأعظم إذ
إليبه إجراء قوانيبن الشرع ،ثبم عنده زيادة التملك .وقال أببو علي :حكبى أببو بكبر ببن السبراج عبن
بعض من اختار القراءة بب "مالك" أن ال سبحانه قد وصف نفسه بأنه مالك كل شيء بقول" :رب
العالمين" فل فائدة في قراءة من قرأ "مالك" لنها تكرار .قال أبو علي :ول حجة في هذا لن في
التنزيبببل أشياء على هذه الصبببورة تقدم العام ثبببم ذكبببر الخاص كقوله" :هبببو ال الخالق البارئ
المصبور" فالخالق يعبم .وذكر المصبور لمبا فيبه من التنبيه على الصبنعة ووجود الحكمبة وكمبا قال
تعالى" :وبالخرة هبم يوقنون" بعبد قوله" :الذيبن يؤمنون بالغيبب" .والغيبب يعبم الخرة وغيرهبا
ولكبن ذكرهبا لعظمهبا والتنببيه على وجوب اعتقادهبا والرد على الكفرة الجاحديبن لهبا وكمبا قال:
"الرحمن الرحيم" فذكر "الرحمن" الذي هو عام وذكر "الرحيم" بعده لتخصيص المؤمنين به في
قوله" :وكان بالمؤمنين رحيما" .وقال أبو حاتم :إن مالكا أبلغ في مدح الخالق من "ملك" و"ملك"
أبلغ في مدح المخلوقين من مالك ،والفرق بينهما أن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك ،وإذا
كان ال تعالى مالكبا كان ملكبا ،واختار هذا القول القاضبي أببو بكبر ببن العرببي وذكبر ثلثبة أوجبه،
الول :أنببببك تضيفببببه إلى الخاص والعام فتقول :مالك الدار والرض والثوب كمببببا تقول :مالك
الملوك .الثانببي :أنببه يطلق على مالك القليببل والكثيببر وإذا تأملت هذيببن القوليببن وجدتهمببا واحدا.
والثالث :أنبك تقول :مالك الملك ول تقول :ملك الملك .قال اببن الحصبار :إنمبا كان ذلك لن المراد
مبن "مالك" الدللة على الملك -بكسبر الميبم -وهبو ل يتضمبن "الملك" -بضبم الميبم -و"ملك"
يتضمبن المريبن جميعبا فهبو أولى بالمبالغبة .ويتضمبن أيضبا الكمال ولذلك اسبتحق الملك على مبن
دونبه ،أل ترى إلى قوله تعالى" :إن ال اصبطفاه عليكبم وزاده بسبطة فبي العلم والجسبم" [البقرة:
]247ولهذا قال عليه السلم( :المامة في قريش) وقريش أفضل قبائل العرب والعرب أفضل
من العجم وأشرف .ويتضمن القتدار والختيار ،وذلك أمر ضروري في الملك ،إن لم يكن قادرا
مختارا نافذا حكمببه وأمره ،قهره عدوه وغلبببه غيره وازدرتببه رعيتببه ،ويتضمببن البطببش والمببر
والنهي والوعد والوعيد ،أل ترى إلى قول سليمان عليه السلم" :ما لي ل أرى الهدهد أم كان من
الغائبيبن .لعذبنبه عذاببا شديدا" [النمبل ]21 ،20 :إلى غيبر ذلك مبن المور العجيببة والمعانبي
الشريفة التي ل توجد في المالك.
قلت :وقببد احتببج بعضهببم على أن مالكببا أبلغ لن فيببه زيادة حرف فلقارئه عشببر حسببنات زيادة
عمن قرأ ملك.
قلت :هذا نظر إلى الصيغة ل إلى المعنى ،وقد ثبتت القراءة بملك وفيه من المعنى ما ليس في
مالك على ما بينا وال أعلم.
@ ل يجوز أن يتسمى أحد بهذا السم ول يدعى به إل ال تعالى ،روى البخاري ومسلم عن أبي
هريرة قال قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم( :يقببض ال الرض يوم القيامبة ويطوي السبماء
بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الرض) وعنه أيضا عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :إن
أخنبع اسبم عنبد ال رجبل تسبمى ملك الملك -زاد مسبلم -ل مالك إل ال عبز وجبل) قال سبفيان:
مثبل :شاهان شاه .وقال أحمبد ببن حنببل :سبألت أببا عمرو الشيبانبي عبن أخنبع فقال :أوضبع .وعنبه
قال :قال رسول ال صبلى ال عليبه وسبلم( :أغيبظ رجل على ال يوم القيامبة وأخبثبه رجل ل[كان]
يسبمى ملك الملك ل ملك إل ال سببحانه) .قال اببن الحصبار :وكذلك "ملك يوم الديبن" و"مالك
الملك" ل ينبغبي أن يختلف فبي أن هذا محرم على جميبع المخلوقيبن كتحريبم ملك الملك سبواء،
وأما الوصف بمالك وملك فيجوز أن يوصف بهما من اتصف بمفهومهما ،قال ال العظيم" :إن ال
قبد بعث لكبم طالوت ملكبا" [البقرة .]247 :وقال صلى ال عليه وسلم( :ناس مبن أمتي عرضوا
علي غزاة في سبيل ال يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على السرة أو مثل الملوك على السرة).
@ إن قال قائل :كيف قال "مالك يوم الدين" ويوم الدين لم يوجد بعد ،فكيف وصف نفسه بملك ما
لم يوجده؟ قيل له :اعلم أن مالكا اسم فاعل من ملك يملك ،واسم الفاعل في كلم العرب قد يضاف
إلى ما بعده وهو بمعنى الفعل المستقبل ،ويكون ذلك عندهم كلما سديدا معقول صحيحا ،كقولك:
هذا ضارب زيد غدا ،أي سيضرب زيدا .وكذلك :هذا حاج بيت ال في العام المقبل ،تأويله سيحج
في العام المقبل أفل ترى أن الفعل قد ينسب إليه وهو لم يفعله بعد ،وإنما أريد به الستقبال ،فكذلك
قول عز وجل" :مالك يوم الدين" على تأويل الستقبال ،أي سيملك يوم الدين أو في يوم الدين إذا
حضر.
ووجببه ثان :أن يكون تأويببل المالك راجببع إلى القدرة ،أي إنببه قادر فببي يوم الديببن ،أو على يوم
الديبن وإحداثبه ،لن المالك للشيبء هبو المتصبرف فبي الشيبء والقادر عليبه وال عبز وجبل مالك
الشياء كلها ومصرفها على إرادته ،ل يمتنع عليه منها شيء.
والوجه الول أمس بالعربية وأنفذ في طريقها ،قاله أبو القاسم الزجاجي.
ووجه ثالث :فيقال لم خصص يوم الدين وهو مالك يوم الدين وغيره؟ قيل له :لن في الدنيا كانوا
منازعين في الملك مثل فرعون ونمروذ وغيرهما وفي ذلك اليوم ل ينازعه أحد في ملكه ،وكلهم
خضعوا له كمببا قال تعالى" :لمببن الملك اليوم" [غافببر ]16 :فأجاب جميببع الخلق" :ل الواحببد
القهار" [غافر ]16 :فلذلك قال :مالك يوم الدين ،أي في ذلك اليوم ل يكون مالك ول قاض ول
مجاز غيره سببحانه ل إله إل هبو .إن وُصبِف ال سببحانه بأنبه ملك كان ذلك مبن صبفات ذاتبه ،وإن
وصف بأنه مالك كان ذلك من صفات فعله.
@ اليوم :عبارة عن وقت طلوع الفجر إلى وقت غروب الشمس ،فاستعير فيما بين مبتدأ القيامة
إلى وقبت اسبتقرار أهبل الداريبن فيهمبا .وقبد يطلق اليوم على السباعة منبه ،قال ال تعالى" :اليوم
أكملت لكم دينكم" [المائدة ]3 :وجمع يوم أيام وأصله أيوام فأدغم،
وربما عبروا عن الشدة باليوم يقال :يوم أيوم كما يقال :ليله ليلء .قال الراجز:
نعم أخو الهيجاء في اليوم اليمي
وهو مقلوب منه أخر الواو وقدم الميم ثم قلبت الواو ياء حيث صارت طرفا ،كما قالوا :أدْلٍ في
جمع دلو.
@ الديبن :الجزاء على العمال والحسباب بهبا ،كذلك قال اببن عباس واببن مسبعود واببن جريبج
وقتادة وغيرهم ،وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم ،ويدل عليه قوله تعالى" :يومئذ يوفيهم ال
دينهبم الحبق" [النور ]25 :أي حسبابهم .وقال" :اليوم تجزى كبل نفبس بمبا كسببت" [غافبر]17 :
و"اليوم تجزون مبا كنتبم تعملون" [الجاثيبة ]28 :وقال" :أئنبا لمدينون" [الصبافات ]53 :أي
مجزيون محاسبون .وقال لبيد:
حصادك يوما ما زرعت وإنما يدان الفتى يوما كما هو دائن
آخر:
إذا رمونا رميناهم ودناهم مثل ما يقرضونا
آخر:
ن كما تدين تدانوأعلم يقينا أن ملكك زائل وأعلم بأ ّ
وحكبى أهبل اللغبة :دِنتبه بفعله دينبا (بفتبح الدال) ودينبا (بكسبرها) جزيتبه ،ومنبه الديان فبي صبفة
الرب تعالى أي المجازي ،وفببي الحديببث( :الكيببس مببن دان نفسببه) أي حاسببب .وقيببل :القضاء،
وروي عن ابن عباس أيضا ومنه قول طرفة:
لعمرك ما كانت حمولة معبد على جدها حربا لدينِك من مضر
ومعاني هذه الثلثة متقاربة .والدين أيضا :الطاعة ،ومنه قول عمرو بن كلثوم:
وأيام لنا غر طوال عصينا المَلْك فيها أن ندينا
فعلى هذا هو لفظ مشترك وهي:
@ قال ثعلب :دان الرجل إذا أطاع ،ودان إذا عصى ،ودان إذا عز ،ودان إذا ذل ،ودان إذا قهر،
فهو من الضداد .ويطلق الدين على العادة والشأن كما قال:
كدينك من أم الحويرث قبلها
وقال المثقب [يذكر ناقته]:
ت لها وضيني أهذا دينُه أبدا وديني تقول إذا درأ ُ
والدين :سيرة الملك .قال زهير:
لئن حللت بجو في بني أسد في دين عمرو وحالت بيننا فدَك
أراد في موضع طاعة عمرو .والدين :الداء عن اللحياني .وأنشد:
يا دين قلبك من سلمى وقد دينا
@قوله تعالى" :إياك نعبد" رجع من الغيبة إلى الخطاب على التلوين ،لن من أول السورة إلى
ههنا خبرا عن ال تعالى وثناء عليه كقوله "وسقاهم ربهم شرابا طهورا" [النسان .]21 :ثم قال:
"إن هذا كان لكم جزاء" .وعكسه" :حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم" [يونس ]22 :على ما
يأتببي .و"نعبببد" معناه نطيببع والعبادة الطاعببة والتذلل .وطريببق معبببد إذا كان مذلل للسببالكين قال
الهروي .ونطق المكلف به إقرار بالربوبية وتحقيق لعبادة ال تعالى ،إذ سائر الناس يعبدون سواه
من أصنام وغير ذلك" .وإياك نستعين" أي نطلب العون والتأييد والتوفيق.
قال السبلمي فبي حقائقبه :سبمعت محمبد ببن عبدال ببن شاذان يقول :سبمعت أببا حفبص الفرغانبي
يقول :من أق ّر بب "إياك نعبد وإياك نستعين" فقد برئ من الجبر والقدر.
@ إن قيبل :لم قدم المفعول على الفعبل؟ قيبل له :قدم اهتمامبا ،وشأن العرب تقديبم الهبم .يذكبر أن
ب آخببر فأعرض المسبببوب عنبه ،فقال له السبباب :إياك أعنببي :فقال له الخببر :وعنببك أعرابيببا سب ّ
أعرض ،فقدما الهم .وأيضا لئل يتقدم ذكر العبد والعبادة على المعبود فل يجوز نعبدك ونستعينك
ول نعبد إياك ونستعين إياك ،فيقدم الفعل على كناية المفعول وإنما يتبع لفظ القرآن .وقال العجاج:
إياك أدعو فتقبل مَلَقي واغفر خطاياي وكثّر ورقي
ويروى :و َثمّر .وأما قول الشاعر:
ت إياكا
إليك حتى بََلغَ ْ
فشاذ ل يقاس عليه .والورق بكسر الراء من الدراهم ،وبفتحها المال .وكرر السم لئل يتوهم إياك
نعبد ونستعين غيرك.
@ الجمهور من القراء والعلماء على شد الياء من "إياك" في الموضعين .وقرأ عمرو بن قائد:
"إياك" بكسر الهمزة وتخفيف الياء ،وذلك أنه كره تضعيف الياء لثقلها وكون الكسرة قبلها .وهذه
قراءة مرغوب عنهبا ،فإن المعنبى يصبير :شمسبك نعببد أو ضوءك وإياة الشمبس (بكسبر الهمزة):
ضوءها وقد تفتح .وقال:
ف فلم تَكدِم عليه بإثمد
س ّ
سقته إياة الشمس إل لِثاتِه ُأ ِ
فإن أسبقطت الهاء مددت .ويقال :الياة للشمبس كالهالة للقمبر وهبي الدارة حولهبا .وقرأ الفضبل
الرقاشببي" :أياك" (بفتببح الهمزة) وهببي لغببة مشهورة .وقرأ أبببو السببّوار ال َغنَوي" :هياك" فببي
الموضعين وهي لغة قال:
فهِيّاك والمر الذي إن توسعت موارده ضاقت عليك مصادره
@قوله تعالى" :وإياك نسببتعين" عطببف جملة على جملة .وقرأ يحيببى بببن وثاب والعمببش:
"نِسبتعين" بكسبر النون وهبي لغبة تميبم وأسبد وقيبس وربيعبة ليدل على أنبه مبن اسبتعان ،فكسبرت
النون كمبا تكسبر ألف الوصبل .وأصبل "نسبتعين" نسبتعون قلببت حركبة الواو إلى العيبن فصبارت
ياء ،والمصبدر اسبتعانة والصبل اسبتعوان ،قلببت حركبة الواو إلى العيبن فانقلببت ألفبا ول يلتقبي
ساكنان فحذفت اللف الثانية لنها زائدة ،وقيل الولى لن الثانية للمعنى ولزمت الهاء عوضا.
@قوله تعالى" :اهدنبا الصبراط المسبتقيم" اهدنبا دعاء ورغببة مبن المربوب إلى الرب ،والمعنبى:
دلنبا على الصبراط المسبتقيم وأرشدنبا إليبه وأرنبا طريبق هدايتبك الموصبلة إلى أنسبك وقرببك .قال
بعبض العلماء :فجعبل ال جبل وعبز عظبم الدعاء وجملتبه موضوعبا فبي هذه السبورة ،نصبفها فيبه
مجمع الثناء ونصفها فيه مجمع الحاجات ،وجعل هذا الدعاء الذي في هذه السورة أفضل من الذي
يدعبو به [الداعبي] لن هذا الكلم قبد تكلم ببه رب العالميبن فأنبت تدعو بدعاء هبو كلمبه الذي تكلم
ببه ،وفبي الحديبث( :ليبس شيبء أكرم على ال مبن الدعاء) .وقيبل المعنبى :أرشدنبا باسبتعمال السبنن
في أداء فرائضك وقيل :الصل فيه المالة ومنه قوله تعالى" :إنا هُدنا إليك" [العراف]156 :
أي ملنا ،وخرج عليه السلم في مرضه يتهادى بين اثنين ،أي يتمايل .ومنه الهدية لنها تمال من
مِلك إلى مِلك .ومنببه الهدي للحيوان الذي يسبباق إلى الحرم ،فالمعنببى مببل بقلوبنببا إلى الحببق .وقال
الفضيبل ببن عياض" :الصبراط المسبتقيم" طريبق الحبج ،وهذا خاص والعموم أولى .قال محمبد ببن
الحنفيبة فبي قوله عبز وجبل "اهدنبا الصبراط المسبتقيم" :هبو ديبن ال الذي ل يقببل مبن العبادة غيره.
وقال عاصببم الحول عببن أبببي العاليببة" :الصببراط المسببتقيم" رسببول ال صببلى ال عليببه وسببلم
وصباحباه مبن بعده .قال عاصبم فقلت للحسبن :إن أببا العاليبة يقول" :الصبراط المسبتقيم" رسبول ال
صلى ال عليه وسلم وصاحباه قال :صدق ونصح.
@ أصل الصراط في كلم العرب الطريق ،قال عامر بن الطفيل:
شحنّا أرضهم بالخيل حتى تركناهم أذل من الصراط
وقال جرير:
أمير المؤمنين على صراط إذا أعوج الموارد مستقيم
وقال آخر :فصدّ عن نهج الصراط الواضح
حكبى النقّاش :الصبراط الطريبق بلغبة الروم ،فقال اببن عطيبة :وهذا ضعيبف جدا .وقرئ :السبراط
(بالسببين) مببن السببتراط بمعنببى البتلع ،كأن الطريببق يسببترط مببن يسببلكه .وقرئ بيببن الزاي
والصبباد .وقرئ بزاي خالصببة والسببين الصببل .وحكببى سببلمة عببن الفراء قال :الزراط بإخلص
الزاي لغببة لعُذرة وكلب وبنببي القَيْبن قال :وهؤلء يقولون [فببي أصببدق] :أزدق .وقببد قالوا :الزْد
والسْد ،ولسق به ولصق به .و"الصراط" نصب على المفعول الثاني لن الفعل من الهداية يتعدى
إلى المفعول الثاني بحرف جر ،قال ال تعالى" :فاهدوهم إلى صراط الجحيم"[ .الصافات.]23 :
وبغيبر حرف كمبا فبي هذه اليبة" .المسبتقيم" صبفة لبب "الصبراط" وهبو الذي ل اعوجاج فيبه ول
انحراف ومنه قوله تعالى" :وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه" [النعام ]153 :وأصله مستقوم،
نقلت الحركة إلى القاف وانقلبت الواو ياء لنكسار ما قبلها.
@قوله تعالى" :صبراط الذيبن أنعمبت عليهبم" صبراط بدل مبن الول بدل الشيبء مبن الشيبء،
كقولك :جاءنبي زيبد أبوك .ومعناه :أدم هدايتنبا ،فإن النسبان قبد يهدى إلى الطريبق ثبم يقطبع ببه.
وقيل :هو صراط آخر ،ومعناه العلم بال جل وعز والفهم عنه ،قاله جعفر بن محمد .ولغة القرآن
"الذين" في الرفع والنصب والجر وهذيل تقول :اللذون في الرفع ،ومن العرب من يقول :اللذو،
ومنهم من يقول الذي ،وسيأتي.
وفبي "عليهبم" عشبر لغات ،قرئ بعامتهبا" :عليهُم" بضبم الهاء وإسبكان الميبم" .وعليهِم" بكسبر
الهاء وإسبكان الميبم .و"عليهمبي" بكسبر الهاء والميبم وإلحاق ياء بعبد الكسبرة .و"عليهمبو" بكسبر
الهاء وضبم الميبم وزيادة واو بعبد الضمبة .و"عليهمبو" بضبم الهاء والميبم كلتيهمبا وإدخال واو بعبد
الميم .و"عليهم" بضم الهاء والميم من غير زيادة واو .وهذه الوجه الستة مأثورة عن الئمة من
القراء .وأوجبه أربعبة منقولة عبن العرب غيبر محكيبة عبن القراء" :عليهمبي" بضبم الهاء وكسبر
الميم وإدخال ياء بعد الميم ،حكاها الحسن البصري عن العرب .و"عليهُمِ" بضم الهاء وكسر الميم
من غير زيادة ياء .و"عليهِ مُ" بكسر الهاء وضم الميم من غير إلحاق واو .و"عليهم" بكسر الهاء
والميم ول ياء بعد الميم .وكلها صواب ،قاله ابن النباري.
@ قرأ عمبر ببن الخطاب واببن الزبيبر رضبي ال عنهمبا "صبراط مبن أنعمبت عليهبم" .واختلف
الناس فببي المنعببم عليهببم ،فقال الجمهور مببن المفسببرين :إنببه أراد صببراط النبببيين والصببديقين
والشهداء والصبالحين .وانتزعوا ذلك مبن قوله تعالى" :ومبن يطبع ال والرسبول فأولئك الذيبن أنعبم
ال عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا" [النساء .]69 :فالية
تقتضببي أن هؤلء على صببراط مسببتقيم ،وهببو المطلوب فببي آيببة الحمببد وجميببع مببا قيببل إلى هذا
يرجع ،فل معنى لتعديد القوال وال المستعان.
@ في هذه الية رد على القدرية والمعتزلة والمامية ،لنهم يعتقدون أن إرادة النسان كافية في
صبدور أفعال منبه طاعة كانت أو معصبية ،لن النسان عندهبم خالق لفعاله فهو غير محتاج فبي
صدورها عنه إلى ربه ،وقد أكذبهم ال تعالى في هذه الية إذ سألوه الهداية إلى الصراط المستقيم
فلو كان المبر إليهبم والختيار بيدهبم دون ربهبم لمبا سبألوه الهدايبة ،ول كرروا السبؤال فبي كبل
صبلة وكذلك تضرعهبم إليبه فبي دفبع المكروه وهبو مبا يناقبض الهدايبة حيبث قالوا" :صبراط الذيبن
أنعمبت عليهبم غيبر المغضوب عليهبم ول الضاليبن" [الفاتحبة :اليبة] .فكمبا سبألوه أن يهديهبم سبألوه
أل يضلهم ،وكذلك يدعون فيقولون" :ربنا ل تزغ قلوبنا بعد إن هديتنا" [آل عمران ]8 :الية.
@قوله تعالى" :غير المغضوب عليهم ول الضالين" اختلف في "المغضوب عليهم" و"الضالين"
مبن هبم؟ فالجمهور أن المغضوب عليهبم اليهود والضاليبن النصبارى ،وجاء ذلك مفسبرا عبن النببي
صبلى ال عليبه وسبلم فبي حديبث عدي ببن حاتبم وقصبة إسبلمه ،أخرجبه أببو داود الطيالسبي فبي
مسبنده والترمذي فبي جامعبه .وشهبد لهذا التفسبير أيضبا قوله سببحانه فبي اليهود" :وباؤوا بغضبب
مبن ال" [البقرة 61 :وآل عمران .]112 :وقال" :وغضبب ال عليهبم" [الفتبح ]6 :وقال فبي
النصبارى" :قبد ضلوا مبن قببل وأضلوا كثيرا وضلوا عبن سبواء السببيل" [المائدة .]77 :وقيبل:
"المغضوب عليهم" المشركون .و"الضالين" المنافقون .وقيل" :المغضوب عليهم" هو من أسقط
فرض هذه السببورة فببي الصببلة و"الضاليببن" عببن بركببة قراءتهببا .حكاه السببلمي فببي حقائقببه
والماوردي فبي تفسبيره وليبس بشيبء .قال الماوردي :وهذا وجبه مردود ،لن مبا تعارضبت فيبه
الخبار وتقابلت فيبببه الثار وانتشبببر فيبببه الخلف لم يجبببز أن يطلق عليبببه هذا الحكبببم .وقيبببل:
"المغضوب عليهم" باتباع البدع و"الضالين" عن سنن الهدى.
قلت :وهذا حسن ،وتفسير النبي صلى ال عليه وسلم أولى وأعلى وأحسن .و"عليهم" في موضع
رفببع لن المعنببى غضببب عليهببم .والغضببب فببي اللغببة الشدة .ورجببل غضوب أي شديببد الخلق.
والغضوب :الحيبة الخبيثبة لشدتهبا .والغضببة :الدرقبة مبن جلد البعيبر ،يطوى بعضهبا على بعبض،
سبميت بذلك لشدتهبا .ومعنبى الغضبب فبي صفة ال تعالى إرادة العقوبة ،فهو صبفة ذات وإرادة ال
تعالى من صفات ذاته أو نفس العقوبة ومنه الحديث( :إن الصدقة لتطفئ غضب الرب) فهو صفة
فعل.
@قوله تعالى" :ول الضاليبن" الضلل فبي كلم العرب هبو الذهاب عبن سبنن القصبد وطريبق
الحبق ،ومنبه :ضبل اللببن فبي الماء أي غاب .ومنبه" :أئذا ضللنبا فبي الرض" [السبجدة ]10 :أي
غبنا بالموت وصرنا ترابا ،قال:
ألم تسأل فتخبرك الديار عن الحي المضلّل أين ساروا
والضَّلضِلَة :حجبر أملس يردده الماء فبي الوادي .وكذلك الغضببة :صبخرة فبي الجببل مخالفبة لونبه
قال :أو غضبة في هضبة ما أمنعا
@ قرأ عمر بن الخطاب وأببي بن كعبب "غير المغضوب عليهم وغيبر الضاليبن" وروي عنهما
في الراء النصب والخفض في الحرفين ،فالخفض على البدل من "الذين" أو من الهاء والميم في
"عليهم" أو صفة للذين والذين معرفة ول توصف المعارف بالنكرات ول النكرات بالمعارف ،إل
أن الذيبن ليبس بمقصبود قصبدهم فهبو عام فالكلم بمنزلة قولك :إنبي لمبر بمثلك فأكرمبه أو لن
"غيبر" تعرفبت لكونهبا بيبن شيئيبن ل وسبط بينهمبا كمبا تقول :الحبي غيبر الميبت والسباكن غيبر
المتحرك والقائم غير القاعد ،قولن :الول للفارسي والثاني للزمخشري .والنصب في الراء على
وجهين :على الحال من الذين أو من الهاء والميم فبي عليهم كأنك قلت :أنعمت عليهم ل مغضوبا
عليهبم .أو على السبتثناء كأنبك قلت :إل المغضوب عليهبم .ويجوز النصبب بأعنبي ،وحكبي عبن
الخليل.
@قوله تعالى" :ل" فبي "ول الضاليبن" اختلف فيهبا فقيبل هبي زائدة ،قاله الطببري .ومنبه قوله
تعالى" :مبا منعبك أل تسبجد" [العراف .]12 :وقيبل :هبي تأكيبد دخلت لئل يتوهبم أن الضاليبن
معطوف على الذيبن ،حكاه مكبي والمهدوي .وقال الكوفيون" :ل" بمعنبى غيبر وهبي قراءة عمبر
وأبي وقد تقدم.
@ الصل في "الضالين" :الضاللين حذفت حركة اللم الولى ثم أدغمت اللم في اللم فاجتمع
سبباكنان مدة اللف واللم المدغمببة .وقرأ أيوب السببختياني" :ول الضاليببن" بهمزة غيببر ممدودة
كأنه فر من التقاء الساكنين ،وهي لغة .حكى أبو زيد قال :سمعت عمرو بن عبيد -يقرأ" :فيومئذ
ل يسبأل عبن ذنببه إنبس ول جأَنبّ" [الرحمبن ]39 :فظننتبه قبد لحبن حتبى سبمعت مبن العرب :دأببة
وشأبة .قال أبو الفتح :وعلى هذه اللغة قول ُك َثيّر :إذا ما العوالي بالعبيط احمأرت
نُجز تفسير سورة الحمد ،ول الحمد والمنة.
**2سورة البقرة
**3مقدمة السورة
@وأول مبدوء به الكلم في نزولها وفضلها وما جاء فيها ،وهكذا كل سورة إن وجدنا لها ذلك،
فنقول :سبورة البقرة مدنيبة ،نزلت فبي ُم َددٍ شتبى .وقيبل :هبي أول سبورة نزلت بالمدينبة ،إل قوله
تعالى" :واتقوا يوما ترجعون فيه إلى ال" [البقرة ]281 :فإنه آخر آية نزلت من السماء ،ونزلت
يوم النحر في حجة الوداع بمنى ،وآيات الربا أيضا من أواخر ما نزل من القرآن.
وهذه السورة فضلها عظيم وثوابها جسيم .ويقال لها :فسطاط القرآن ،قاله خالد بن معدان .وذلك
لعظمها وبهائها ،وكثرة أحكامها ومواعظها .وتعلمها عمر رضي ال عنه بفقهها وما تحتوي عليه
في اثنتي عشرة سنة ،وابنه عبدال في ثماني سنين كما تقدم.
قال اببن العرببي :سبمعت بعبض أشياخبي يقول :فيهبا ألف أمبر وألف نهبي وألف حكبم وألف خببر.
وبعبث رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم بعثبا وهبم ذوو عدد وقدم عليهبم أحدثهبم سبنا لحفظبه سبورة
البقرة ،وقال له( :اذهبب فأنبت أميرهبم) أخرجبه الترمذي عبن أببي هريرة وصبححه .وروى مسبلم
عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :اقرؤوا سورة البقرة فإن
أخذها بركة وتركها حسرة ول يستطيعها البطلة) ،قال معاوية :بلغني أن البطلة :السحرة .وروي
أيضا عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :ل تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان
ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) .وروى الدارمي عن عبدال قال :ما من بيت يقرأ فيه
سورة البقرة إل خرج منه الشيطان وله صراط .وقال :إن لكل شيء سناما وإن سنام القرآن سورة
البقرة ،وإن لكبل شيبء لباباً وإن لباب القرآن المفصبل .قال أببو محمبد الدارمبي .اللباب :الخالص.
وفبي صبحيح البسبتي عبن سبهل ببن سبعد قال قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم( :إن لكبل شيبء
سناما وإن سنام القرآن سورة البقرة ومن قرأها في بيته ليل لم يدخل الشيطان بيته ثلث ليال ومن
قرأها نهارا لم يدخل الشيطان بيته ثلثة أيام) .قال أبو حاتم البستي :قوله صلى ال عليه وسلم( :لم
يدخبل الشيطان بيتبه ثلثبة أيام) أراد :مردة الشياطيبن .وروى الدارمبي فبي مسبنده عبن الشعببي قال
قال عبدال :مببن قرأ عشببر آيات مببن سببورة البقرة فببي ليلة لم يدخببل ذلك البيببت شيطان تلك الليلة
حتبى يصببح ،أربعبا مبن أولهبا وآيبة الكرسبي وآيتيبن بعدهبا وثلثبا خواتيمهبا ،أولهبا" :ل مبا فبي
السموات" [البقرة .]284 :وعن الشعبي عنه :لم يقربه ول أهله يومئذ شيطان ول شيء يكرهه،
ول يقرأن على مجنون إل أفاق .وقال المغيرة بببن سبببيع -وكان مبن أصببحاب عبدال : -لم ينببس
القرآن .وقال إسبحاق ببن عيسبى :لم ينبس مبا قبد حفبظ .قال أببو محمبد الدارمبي :منهبم مبن يقول:
المغيرة ببن سبميع .وفبي كتاب السبتيعاب لببن عبدالبر :وكان لبيبد ببن ربيعبة ببن عام ببن مالك ببن
جعفبر ببن كلب ببن ربيعبة ببن عامبر ببن صبعصعة مبن شعراء الجاهليبة ،أدرك السبلم فحسبن
إسبلمه وترك قول الشعبر فبي السبلم ،سبأل عمبر فبي خلفتبه عبن شعره واسبتنشده ،فقرأ سبورة
البقرة ،فقال :إنما سألتك عن شعرك ،فقال :ما كنت لقول بيتا من الشعر بعد إذ علمني ال البقرة
وآل عمران ،فأعجببب عمببر قوله ،وكان عطاؤه ألفيببن فزاده خمسببمائة .وقببد قال كثيببر مببن أهببل
الخبار :إن لبيدا لم يقل شعرا منذ أسلم .وقال بعضهم :لم يقل في السلم إل قوله:
الحمد ل إذ لم يأتني أجلي حتى اكتسيت من السلم سربال
قال ابن عبدالبر :وقد قيل إن هذا البيت لقردة بن نفاثة السلولي ،وهو أصح عندي .وقال غيره :بل
البيت الذي قال في السلم:
ما عاتب المرء الكريم كنفسه والمرء يصلحه القرين الصالح
وسببيأتي مببا ورد فببي آيببة الكرسببي وخواتيببم البقرة ،ويأتببي فببي أول سببورة آل عمران زيادة بيان
لفضل هذه السورة ،إن شاء ال تعالى.
**3الية { 1:الم}
@قوله تعالى" :الم" اختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السورة ،فقال عامر الشعبي
وسبفيان الثوري وجماعبة مبن المحدثيبن :هبي سبر ال فبي القرآن ،ول فبي كبل كتاب مبن كتببه سبر.
فهبي من المتشابه الذي انفرد ال تعالى بعلمبه ،ول يجبب أن يتكلم فيها ،ولكن نؤمن بهبا ونقرأ كما
جاءت .وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وعن علي بن أبي طالب رضي ال عنهما .وذكر
أببو الليبث السبمرقندي عبن عمبر وعثمان واببن مسبعود أنهبم قالوا :الحروف المقطعبة مبن المكتوم
الذي ل يفسر .وقال أبو حاتم :لم نجد الحروف المقطعة في القرآن إل في أوائل السور ،ول ندري
ما أراد ال جل وعز بها.
قلت :ومن هذا المعنى ما ذكره أبو بكر النباري :حدثنا الحسن بن الحباب حدثنا أبو بكر بن أبي
طالب حدثنبا أببو المنذر الواسبطي عبن مالك ببن مغول عبن سبعيد ببن مسبروق عبن الربيبع ببن خثيبم
قال :إن ال تعالى أنزل هذا القران فاستأثر منه بعلم ما شاء ،وأطلعكم على ما شاء ،فأما ما استأثر
به لنفسه فلستم بنائليه فل تسألوا عنه ،وأما الذي أطلعكم عليه فهو الذي تسألون عنه وتخبرون به،
ومبا بكبل القرآن تعلمون ،ول بكبل مبا تعلمون تعملون .قال أببو بكبر :فهذا يوضبح أن حروفبا مبن
القرآن سبترت معانيهبا عبن جميبع العالم ،اختبارا مبن ال عبز وجبل وامتحانبا ،فمبن آمبن بهبا أثيبب
وسبعد ،ومبن كفبر وشبك أثبم وبعبد .حدثنبا أببو يوسبف ببن يعقوب القاضبي حدثنبا محمبد ببن أببي بكبر
حدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان عن العمش عن عمارة عن حريث بن ظهير عن عبدال
قال :ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب ،ثم قرأ" :الذين يؤمنون بالغيب" [البقرة.]3 :
قلت :هذا القول فبي المتشابه وحكمه ،وهو الصبحيح على مبا يأتبي بيانه فبي (آل عمران) إن شاء
ال تعالى .وقال جمببع مببن العلماء كبببير :بببل يجببب أن نتكلم فيهببا ،ويلتمببس الفوائد التببي تحتهببا،
والمعانببي التببي تتخرج عليهببا ،واختلفوا فببي ذلك على أقوال عديدة ،فروي عببن ابببن عباس وعلي
أيضا :أن الحروف المقطعة في القرآن اسم ال العظم ،إل أنا ل نعرف تأليفه منها .وقال قطرب
والفراء وغيرهمببا :هببي إشارة إلى حروف الهجاء أعلم ال بهببا العرب حيببن تحداهببم بالقرآن أنببه
مؤتلف مبن حروف هبي التبي منهبا بناء كلمهبم ،ليكون عجزهبم عنبه أبلغ فبي الحجبة عليهبم إذ لم
يخرج عبن كلمهبم .قال قطرب :كانوا ينفرون عنبد اسبتماع القرآن ،فلمبا سبمعوا" :الم" و"المبص"
اسبتنكروا هذا اللفبظ ،فلمبا أنصبتوا له صبلى ال عليبه وسبلم أقببل عليهبم بالقرآن المؤتلف ليثبتبه فبي
أسببماعهم وآذانهببم ويقيببم الحجببة عليهببم .وقال قوم :روي أن المشركيببن لمببا أعرضوا عببن سببماع
القرآن بمكبببة وقالوا" :ل تسبببمعوا لهذا القرآن والغوا فيبببه" [فصبببلت ]26 :نزلت ليسبببتغربوها
فيفتحون لها أسماعهم فيسمعون القرآن بعدها فتجب عليهم الحجة .وقال جماعة :هي حروف دالة
على أسماء أخذت منها وحذفت بقيتها ،كقول ابن عباس وغيره :اللف من ال ،واللم من جبريل،
والميبم مبن محمبد صبلى ال عليبه وسبلم .وقيبل :اللف مفتاح اسبمه ال ،واللم مفتاح اسبمه لطيبف،
والميبم مفتاح اسبمه مجيبد .وروى أببو الضحبى عبن اببن عباس فبي قوله" :الم" قال :أنبا ال أعلم،
"الر" أنا ال أرى" ،المص" أنا ال أفضل .فاللف تؤدي عن معنى أنا ،واللم تؤدي عن اسم ال،
والميم تؤدي عن معنى أعلم .واختار هذا القول الزجاج وقال :اذهب إلى أن كل حرف منها يؤدي
عبن معنبى ،وقبد تكلمبت العرب بالحروف المقطعبة نظمبا لهبا ووضعبا بدل الكلمات التبي الحروف
منها ،كقوله:
فقلت لها قفي فقالت قاف
أراد :قالت وقفت .وقال زهير:
بالخير خيرات وإن شرا فا ول أريد الشر إل أن تا
أراد :وإن شرا فشر .وأراد :إل أن تشاء.
وقال آخر:
نادوهم أل الجموا أل تا قالوا جميعا كلهم أل فا
أراد :أل تركبون ،قالوا :أل فاركبوا .وفبي الحديبث( :مبن أعان على قتبل مسبلم بشطبر كلمبة) قال
شقيق :هو أن يقول في أقتل :أقْ ،كما قال عليه السلم (كفى بالسيف شا) معناه :شافيا.
وقال زيببد بببن أسببلم :هببي أسببماء للسببور .وقال الكلبببي :هببي أقسببام أقسببم ال تعالى بهببا لشرفهببا
وفضلهبا ،وهبي مبن أسبمائه ،عبن اببن عباس أيضبا ورد بعبض العلماء هذا القول فقال :ل يصبح أن
يكون قسبما لن القسبم معقود على حروف مثبل :إن وقبد ولقبد ومبا ،ولم يوجبد ههنبا حرف مبن هذه
الحروف ،فل يجوز أن يكون يمينبا .والجواب أن يقال :موضبع القسبم قوله تعالى" :ل ريبب فيبه"
فلو أن إنسببانا حلف فقال :وال هذا الكتاب ل ريببب فيببه ،لكان الكلم سببديدا ،وتكون "ل" جواب
القسم .فثبت أن قول الكلبي وما روي عن ابن عباس سديد صحيح.
فإن قيبل :مبا الحكمبة فبي القسبم مبن ال تعالى ،وكان القوم فبي ذلك الزمان على صبنفين :مصبدق،
ومكذب ،فالمصبدق يصبدق بغيبر قسبم ،والمكذب ل يصبدق مبع القسبم؟ .قيبل له :القرآن نزل بلغبة
العرب ،والعرب إذا أراد بعضهم أن يؤكد كلمه أقسم على كلمه ،وال تعالى أراد أن يؤكد عليهم
الحجببة فأقسببم أن القرآن مببن عنده .وقال بعضهببم" :الم" أي أنزلت عليببك هذا الكتاب مببن اللوح
المحفوظ .وقال قتادة فببي قوله" :الم" قال اسببم مببن أسببماء القرآن .وروي عببن محمببد بببن علي
الترمذي أنه قال :إن ال تعالى أودع جميع ما في تلك السورة من الحكام والقصص في الحروف
التبي ذكرها فبي أول السورة ،ول يعرف ذلك إل نبي أو ولي ،ثبم بين ذلك فبي جميبع السبورة ليفقّه
الناس .وقيل غير هذا من القوال ،فال أعلم.
والوقف على هذه الحروف على السكون لنقصانها إل إذا أخبرت عنها أو عطفتها فإنك تعربها.
واختلف :هبل لهبا محبل مبن العراب؟ فقيبل :ل ،لنهبا ليسبت أسبماء متمكنبة ،ول أفعال مضارعبة،
وإنمبا هبي بمنزلة حروف التهجبي فهبي محكيبة .هذا مذهبب الخليبل وسبيبويه .ومبن قال :إنهبا أسبماء
السبور فموضعهبا عنده الرفبع على أنهبا عنده خببر ابتداء مضمبر ،أي هذه "الم" ،كمبا تقول :هذه
سببورة البقرة .أو تكون رفعببا على البتداء والخبببر ذلك ،كمببا تقول :زيببد ذلك الرجببل .وقال ابببن
كَيسان النحوي" :الم" في موضع نصب ،كما تقول :اقرأ "الم" أو عليك "الم" .وقيل :في موضع
خفض بالقسم ،لقول ابن عباس :إنها أقسام أقسم ال بها.
**3الية{ 2 :ذلك الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين}
@قوله تعالى" :ذلك الكتاب" قيبل :المعنبى هذا الكتاب .و"ذلك" قبد تسبتعمل فبي الشارة إلى
حاضبر ،وإن كان موضوعبا للشارة إلى غائب ،كمبا قال تعالى فبي الخبار عبن نفسبه جبل وعبز:
"ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم" [السجدة ،]6 :ومنه قول خُفاف بن نُدبة:
أقول له والرمح يأطر متنه تأمل خفافا إنني أنا ذلكا
أي أنبا هذا .فبب "ذلك" إشارة إلى القرآن ،موضوع موضبع هذا ،تلخيصبه :الم هذا الكتاب ل ريبب
فيبه .وهذا قول أببي عببيدة وعكرمبة وغيرهمبا ،ومنبه قوله تعالى" :وتلك حجتنبا آتيناهبا إبراهيبم"
[النعام" ]83 :تلك آيات ال نتلوهبا عليبك بالحبق" [البقرة ]252 :أي هذه ،لكنهبا لمبا انقضبت
صبببارت كأنهبببا بعدت فقيبببل تلك .وفبببي البخاري "وقال معمبببر ذلك الكتاب هذا القرآن"" .هدى
للمتقين" بيان ودللة ،كقوله" :ذلكم حكم ال يحكم بينكم" [الممتحنة ]10 :هذا حكم ال.
قلت :وقبد جاء "هذا" بمعنبى "ذلك" ،ومنبه قوله عليبه السبلم فبي حديبث أم حرام( :يركبون ثببج
هذا البحر) أي ذلك البحر ،وال أعلم .وقيل :هو على بابه إشارة إلى غائب.
واختلف فببي ذلك الغائب على أقوال عشرة ،فقيببل" :ذلك الكتاب" أي الكتاب الذي كتبتببُ على
الخلئق بالسبعادة والشقاوة والجبل والرزق ل ريبب فيبه ،أي ل مبدل له .وقيبل :ذلك الكتاب ،أي
الذي كتب تُ على نفسي في الزل (أن رحمتي سبقت غضبي) .وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة
قال قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم( :لمبا قضبى ال الخلق كتبب فبي كتاببه على نفسبه فهبو
موضوع عنده أن رحمتبي تغلب غضببي) فبي روايبة( :سببقت) .وقيبل :إن ال تعالى قبد كان وعبد
نببيه عليبه السبلم أن ينزل عليبه كتاببا ل يمحوه الماء ،فأشار إلى ذلك الوعبد كمبا فبي صبحيح مسبلم
مبن حديبث عياض ببن حِمار المجاشعبي أن رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم قال( :إن ال نظبر إلى
أهبل الرض فمقتهبم عربهم وعجمهبم إل بقايبا مبن أهل الكتاب وقال إنمبا بعثتك لبتليبك وأبتلي ببك
وأنزلت عليك كتابا ل يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان) الحديث .وقيل :الشارة إلى ما قد نزل من
القرآن بمكة .وقيل :إن ال تبارك وتعالى لما أنزل على نبيه صلى ال عليه وسلم بمكة" :إنا سنلقي
عليبك قول ثقيل" [المزمبل ]5 :لم يزل رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم مسبتشرفا (وفبي النسبخة:
مستسرفا) لنجاز هذا الوعد من ربه عز وجل ،فلما أنزل عليه بالمدينة" :الم .ذلك الكتاب ل ريب
فيبه" [البقرة ]2 - 1 :كان فيبه معنبى هذا القرآن الذي أنزلتبه عليبك بالمدينبة ،ذلك الكتاب الذي
وعدتبك أن أوحيبه إليبك بمكبة .وقيبل :إن "ذلك" إشارة إلى مبا فبي التوراة والنجيبل .و"الم" اسبم
للقرآن ،والتقديبر هذا القرآن ذلك الكتاب المفسبر فبي التوراة والنجيبل ،يعنبي أن التوراة والنجيبل
يشهدان بصبحته ويسبتغرق مبا فيهمبا ويزيبد عليهمبا مبا ليبس فيهمبا .وقيبل :إن "ذلك الكتاب" إشارة
إلى التوراة والنجيبل كليهمببا ،والمعنببى :الم ذانبك الكتابان أو مثبل ذينبك الكتابيبن ،أي هذا القرآن
جامع لما في ذينك الكتابين ،فعبر بب "بذلك" عن الثنين بشاهد من القرآن ،قال ال تبارك وتعالى:
"إنها بقرة ل فارض ول بكر عوان بين ذلك" [البقرة ]68 :أي عوان بين تينك :الفارض والبكر،
وسبببيأتي .وقيبببل :إن "ذلك" إشارة إلى اللوح المحفوظ .وقال الكسبببائي" :ذلك" إشارة إلى القرآن
الذي فبي السبماء لم ينزل بعبد .وقيبل :إن ال تعالى قبد كان وعبد أهبل الكتاب أن ينزل على محمبد
صبلى ال عليبه وسبلم كتاببا ،فالشارة إلى ذلك الوعبد .قال المببرد :المعنبى هذا القرآن ذلك الكتاب
الذي كنتببم تسببتفتحون بببه على الذيببن كفروا .وقيببل :إلى حروف المعجببم فببي قول مببن قال" :الم"
الحروف التي تحديتكم بالنظم منها.
والكتاب مصبدر مبن كتبب يكتبب إذا جمبع ،ومنبه قيبل :كتيببة ،لجتماعهبا .وتكتّببت الخيبل صبارت
حمِها بحلقة أو سير ،قال: كتائب .وكتبتُ البغلة :إذا جمعت بين شُفْري َر ِ
ل تأمنن فَزاريا حللت به على قَلوصك واكتبها بأسيار
والكتبة (بضم الكاف) :الخرزة ،والجمع كتب .والكتب :الخزر .قال ذو الرمة:
وفراء غرفية أثأى خوارزها ُمشَلشِل ضيّعتْه بينها الكتبُ
والكتاب :هو خط الكاتب حروف المعجم مجموعة أو متفرقة ،وسمي كتابا وإن كان مكتوبا ،كما
قال الشاعر:
تؤمّل رجعة مني وفيها كتاب مثل ما لصق الغراء
والكتاب :الفرض والحكم والقدر ،قال الجَعدِي:
ن ال ما فعليا ابنة عمي كتاب ال أخرجني عنكم وهل أمنع ّ
@قوله تعالى" :ل ريب" نفي عام ،ولذلك نصب الريب به .وفي الريب ثلثة معان:
أحدها :الشك ،قال عبدال بن الزبعرى:
ليس في الحق يا أميمة ريب إنما الريب ما يقول الجهول
وثانيها :التهمة ،قال جميل:
بثينة قالت يا جميل أربتني فقلت كلنا يا بثين مريب
وثالثها :الحاجة ،قال:
قضينا من تهامة كل ريب وخيبر ثم أجمعنا السيوفا
فكتاب ال تعالى ل شك فيه ول ارتياب ،والمعنى :أنه في ذاته حق وأنه منزل من عند ال ،وصفة
مبن صبفاته ،غيبر مخلوق ول محدث ،وإن وقبع ريبب للكفار .وقيبل :هبو خببر ومعناه النهبي ،أي ل
ترتابوا ،وتم الكلم كأنه قال ذلك الكتاب حقا .وتقول :رابني هذا المر إذا أدخل عليك شكا وخوفا.
وأراب :صار ذا ريبة ،فهو مريب .ورابني أمره .وريب الدهر :صروفه.
@قوله تعالى" :فيبه هدى للمتقيبن" الهاء فبي "فيبه" فبي موضبع خفبض بفبي ،وفيبه خمسبة أوجبه،
أجودها :في هِ هدى .ويليه في ُه هدى (بضم الهاء بغير واو) وهي قراءة الزهري وسلم أبي المنذر.
ويليببه فيهببي هدى (بإثبات الياء) وهببي قراءة ابببن كثيببر .ويجوز فيهببو هدى (بالواو) .ويجوز فيببه
هدى (مدغمبا) وارتفبع "هدى" على البتداء والخببر "فيبه" .والهدى فبي كلم العرب معناه الرشبد
والبيان ،أي فيه كشف لهل المعرفة ورشد وزيادة بيان وهدى.
@ الهدى هُديان :هدى دللة ،وهو الذي تقدر عليه الرسل وأتباعهم ،قال ال تعالى" :ولكل قوم
هاد" [الرعبد .]7 :وقال" :وإنبك لتهدي إلى صبراط مسبتقيم" [الشورى ]52 :فأثببت لهبم الهدى
الذي معناه الدللة والدعوة والتنببيه ،وتفرد هبو سببحانه بالهدى الذي معناه التأييبد والتوفيبق ،فقال
لنببيه صبلى ال عليبه وسبلم" :إنبك ل تهدي مبن أحبببت" [القصبص ]56 :فالهدى على هذا يجيبء
بمعنى خلق اليمان في القلب ،ومنه قوله تعالى" :أولئك على هدى من ربهم" [البقرة ]5 :وقوله:
"ويهدي مببن يشاء" [فاطببر ]8 :والهدى :الهتداء ،ومعناه راجببع إلى معنببى الرشاد كيفمببا
تصببرفت .قال أبببو المعالي :وقببد ترد الهدايببة والمراد بهببا إرشاد المؤمنيببن إلى مسببالك الجنان
والطرق المفضية إليها ،من ذلك قوله تعالى في صفة المجاهدين" :فلن يضل أعمالهبم .سيهديهم"
[محمبد ]5 - 4 :ومنبه قوله تعالى" :فاهدوهبم إلى صبراط الجحيبم" [الصبافات ]23 :معناه
فاسلكوهم إليها.
@ الهدى لفبظ مؤنبث .قال الفراء :بعبض بنبي أسبد تؤنبث الهدى فتقول :هذه هدى حسبنة .وقال
اللحياني :هو مذكر ،ولم يعرب لنه مقصور واللف ل تتحرك ،ويتعدى بحرف وبغير حرف وقد
مضبى فبي "الفاتحبة" ،تقول :هديتبه الطريبق وإلى الطريبق والدار وإلى الدار ،أي عرفتبه .الولى
لغبة أهبل الحجاز ،والثانيبة حكاهبا الخفبش .وفبي التنزيبل" :اهدنبا الصبراط المسبتقيم" و"الحمبد ل
الذي هدانا لهذا" [العراف ]43 :وقيل :إن الهدى اسم من أسماء النهار ،لن الناس يهتدون فيه
لمعايشهم وجميع مأربهم ،ومنه قول ابن مُقبل:
حتى استبنت الهدى والبيد هاجمة يخشعن في الل غلفا أو يصلينا
@قوله تعالى" :للمتقيبن" خبص ال تعالى المتقيبن بهدايتبه وإن كان هدى للخلق أجمعيبن تشريفبا
لهبم ،لنهبم آمنوا وصبدقوا بمبا فيبه .وروي عبن أببى رَوق أنبه قال" :هدى للمتقيبن" أي كرامبة لهبم،
يعني إنما أضاف إليهم إجلل لهم وكرامة لهم وبيانا لفضلهم .وأصل "للمتقين" :للموتقيين بياءين
مخففتيبن ،حذفبت الكسبرة مبن الياء الولى لثقلهبا ثبم حذفبت الياء للتقاء السباكنين وأبدلت الواو تاء
على أصلهم في اجتماع الواو والتاء وأدغمت التاء في التاء فصار للمتقين.
الخامسة :التقوى يقال أصلها في اللغة قلة الكلم ،حكاه ابن فارس .قلت ومنه الحديث (التقي مُ ْلجَم
والمتقببي فوق المؤمببن والطائع) وهببو الذي يتقببي بصببالح عمله وخالص دعائه عذاب ال تعالى،
مأخوذ من اتقاء المكروه بما تجعله حاجزا بينك وبينه ،كما قال النابغة:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد
وقال آخر:
فألقت قناعا دونه الشمس واتقت بأحسن موصولين كف ومعصم
وخرج أبو محمد عبدالغني الحافظ من حديث سعيد بن زَربي أبي عبيدة عن عاصم بن بهدلة عن
زر ببن حببيش عبن ابن مسبعود قال قال يومبا لببن أخيبه :يبا اببن أخبي ترى الناس مبا أكثرهبم؟ قال:
نعم ،قال :ل خير فيهم إل تائب أو تقي ثم قال :يا ابن أخي ترى الناس ما أكثرهم؟ قلت :بلى ،قال:
ل خير فيهم إل عالم أو متعلم .وقال أبو يزيد البسطامي :المتقي من إذا قال قال ل ،ومن إذا عمل
عمبل ل .وقال أببو سبليمان الدارانببي :المتقون الذيبن نزع ال عبن قلوبهبم حبب الشهوات .وقيببل:
المتقبي الذي اتقبى الشرك وبرئ مبن النفاق .قال اببن عطيبة :وهذا فاسبد ،لنبه قبد يكون كذلك وهبو
فاسبق .وسبأل عمبر ببن الخطاب رضبي ال عنبه أُبيبا عبن التقوى ،فقال :هبل أخذت طريقبا ذا شوك؟
قال :نعببم :قال فمببا عملت فيببه؟ قال :تشمرت وحذرت ،قال :فذاك التقوى .وأخببذ هذا المعنببى ابببن
المعتز فنظمه:
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
ل تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
السبادسة :التقوى فيهبا جماع الخيبر كله ،وهبي وصبية ال فبي الوليبن والخريبن ،وهبي خيبر مبا
يستفيده النسان ،كما قال أبو الدرداء وقد قيل له :إن أصحابك يقولون الشعر وأنت ما حفظ عنك
شيء ،فقال:
يريد المرء أن يؤتى مناه ويأبى ال إل ما أرادا
يقول المرء فائدتي ومالي وتقوى ال أفضل ما استفادا
وروى اببن ماجبة فبي سبننه عبن أببى أمامبة عبن النببي صبلى ال عليبه وسبلم أنبه كان يقول( :مبا
استفاد المؤمن بعد تقوى ال خير له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته وإن نظر إليها سرته وإن
أقسم عليها أبرته وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله).
والصبل فبي التقوىَ :وقْوَى على وزن فعلى فقلببت الواو تاء مبن وقيتبه أقيبه أي منعتبه ،ورجبل
تقبي أي خائف ،أصبله وقبي ،وكذلك تقاة كانبت فبي الصبل وقاة ،كمبا قالوا :تجاه وتراث ،والصبل
وجاه ووراث.
* *3الية{3 :الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة ومما رزقناهم ينفقون}
@قوله تعالى" :الذيبن" فبي موضبع خفبض نعبت "للمتقيبن" ،ويجوز الرفبع على القطبع أي هبم
الذيببن ،ويجوز النصببب على المدح" .يؤمنون" يصببدقون .واليمان فببي اللغببة :التصببديق ،وفببي
التنزيل" :وما أنت بمؤمن لنا" [يوسف ]17 :أي بمصدق ،ويتعدى بالباء واللم ،كما قال" :ول
تؤمنوا إل لمن تبع دينكم" [آل عمران" ]73 :فما آمن لموسى" [يونس ]83 :وروى حجاج بن
ق العسل -قال سمعت قتادة يقول :يا ابن آدم ،إن كنت ل تريد أن تأتي حجاج الحول -ويلقب بز ّ
الخيببر إل عببن نشاط فإن نفسببك مائلة إلى السببأمة والفترة والملة ،ولكببن المؤمببن هببو المتحامببل،
والمؤمبن هبو المتقوي ،والمؤمبن هبو المتشدد ،وإن المؤمنيبن هبم العجاجون إلى ال الليبل والنهار،
وال ما يزال المؤمن يقول :ربنا في السر والعلنية حتى استجاب لهم في السر والعلنية.
@قوله تعالى "بالغيب" الغيب في كلم العرب :كل ما غاب عنك ،وهو من ذوات الياء يقال منه:
غاببت الشمبس تغيبب ،والغيببة معروفبة .وأغاببت المرأة فهبي مغيببة إذا غاب عنهبا زوجهبا ،ووقعنبا
في غيبة وغيابة ،أي هبطة من الرض ،والغيابة :الجمة ،وهي جماع الشجر يغاب فيها ،ويسمى
المطمئن من الرض :الغيب ،لنه غاب عن البصر.
واختلف المفسرون في تأويل الغيب هنا ،فقالت فرقة :الغيب في هذه الية :ال سبحانه .وضعفه
اببببن العرببببي .وقال آخرون :القضاء والقدر .وقال آخرون :القرآن ومبببا فيبببه مبببن الغيوب .وقال
آخرون :الغيب كل ما أخبر به الرسول عليه السلم مما ل تهتدي إليه العقول من أشراط الساعة
وعذاب القبر والحشر والنشر والصراط والميزان والجنة والنار .قال ابن عطية :وهذه القوال ل
تتعارض بل يقع الغيب على جميعها.
قلت :وهذا اليمان الشرعي المشار إليه في حديث جبريل عليه السلم حين قال للنبي صلى ال
عليببه وسببلم :فأخبببرني عببن اليمان .قال( :أن تؤمببن بال وملئكتببه وكتبببه ورسببله واليوم الخببر
وتؤمبن بالقدر خيره وشره) .قال :صبدقت .وذكبر الحديبث .وقال عبدال ببن مسبعود :مبا آمن مؤمبن
أفضل من إيمان بغيب ،ثم قرأ" :الذين يؤمنون بالغيب" [البقرة.]3 :
قلت :وفبي التنزيبل" :ومبا كنبا غائبيبن" [العراف ]7 :وقال" :الذيبن يخشون ربهبم بالغيبب"
[النببياء ]49 :فهبو سببحانه غائب عبن البصبار ،غيبر مرئي فبي هذه الدار ،غيبر غائب بالنظبر
والسببتدلل ،فهببم يؤمنون أن لهببم ربببا قادرا يجازي على العمال ،فهببم يخشونببه فببي سببرائرهم
وخلواتهببم التببي يغيبون فيهببا عببن الناس ،لعلمهببم بإطلعببه عليهببم ،وعلى هذا تتفببق الي ول
تتعارض ،والحمد ل .وقيل" :بالغيب" أي بضمائرهم وقلوبهم بخلف المنافقين ،وهذا قول حسن.
وقال الشاعر:
وبالغيب أمنا وقد كان قومنا يصلّون للوثان قبل محمد
@قوله تعالى" :ويقيمون الصبلة" معطوف جملة على جملة .وإقامبة الصبلة أداؤهبا بأركانهبا
وسبننها وهيئاتهبا فبي أوقاتهبا ،على مبا يأتبي بيانبه .يقال :قام الشيبء أي دام وثببت ،وليبس مبن القيام
على الرجل ،وإنما هو من قولك :قام الحق أي ظهر وثبت ،قال الشاعر:
وقامت الحرب بنا على ساق
وقال آخر:
وإذا يقال أتيتم لم يبرحوا حتى تقيم الخيل سوق طعان
وقيببل" :يقيمون" يديمون ،وأقامببه أي أدامببه ،وإلى هذا المعنببى أشار عمببر بقوله :مببن حفظهببا
وحافظ عليها حفظ دينه ،ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
@ إقامة الصلة معروفة ،وهي سنة عند الجمهور ،وأنه ل إعادة على تاركها .وعند الوزاعي
وعطاء ومجاهد وابن أبي ليلى هي واجبة وعلى من تركها العادة ،وبه قال أهل الظاهر ،وروي
عبن مالك ،واختاره اببن العرببي قال :لن فبي حديبث العراببي (وأقبم) فأمره بالقامبة كمبا أمره
بالتكبير والستقبال والوضوء.
قال :فأمببا أنتببم الن وقببد وقفتببم على الحديببث فقببد تعيببن عليكببم أن تقولوا بإحدى روايتببي مالك
الموافقة للحديث وهي أن القامة فرض .قال ابن عبدالبر قوله( :وتحريمها التكبير) دليل على أنه
لم يدخل في الصلة من لم يحرم ،فما كان قبل الحرام فحكمه أل تعاد منه الصلة إل أن يجمعوا
على شيبء فيسبلم للجماع كالطهارة والقبلة والوقبت ونحبو ذلك .وقال بعبض علمائنبا :مبن تركهبا
عمدا أعاد الصببلة ،وليببس ذلك لوجوبهببا إذ لو كان ذلك لسببتوى سببهوها وعمدهببا ،وإنمببا ذلك
للستخفاف بالسنن ،وال أعلم.
@ واختلف العلماء فيمن سمع القامة هل يسرع أو ل؟ فذهب الكثر إلى أنه ل يسرع وإن خاف
فوت الركعبة لقوله عليبه السبلم( :إذا أقيمبت الصبلة فل تأتوهبا تسبعون وأتوهبا تمشون وعليكبم
السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) .رواه أبو هريرة أخرجه مسلم .وعنه أيضا قال :قال
رسببول ال صببلى ال عليببه وسببلم( :إذا ثوب بالصببلة فل يَسبْعَ إليهببا أحدكببم ولكببن ليمببش وعليببه
السبكينة والوقار صبل مبا أدركبت واقبض مبا سببقك) .وهذا نبص .ومبن جهبة المعنبى أنبه إذا أسبرع
انبهبر فشوش عليبه دخوله فبي الصبلة وقراءتهبا وخشوعهبا .وذهبب جماعبة مبن السبلف منهبم اببن
عمبر واببن مسبعود على اختلف عنبه أنبه إذا خاف فواتهبا أسبرع .وقال إسبحاق :يسبرع إذا خاف
فوات الركعببببة ،وروي عببببن مالك نحوه ،وقال :ل بأس لمببببن كان على فرس أن يحرك الفرس،
وتأوله بعضهم على الفرق بين الماشي والراكب ،لن الراكب ل يكاد أن ينبهر كما ينبهر الماشي.
قلت :واستعمال سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم في كل حال أولى ،فيمشي كما جاء الحديث
وعليه السكينة والوقار ،لنه في صلة ومحال أن يكون خبره صلى ال عليه وسلم على خلف ما
أخببر ،فكما أن الداخبل فبي الصبلة يلزم الوقار والسبكون كذلك الماشبي ،حتبى يحصبل له التشبه ببه
فيحصبل له ثوابه .وممبا يدل على صبحة هذا مبا ذكرناه مبن السبنة ،ومبا خرجبه الدارمبي فبي مسبنده
قال :حدثنبا محمبد ببن يوسبف قال حدثنبا سبفيان عبن محمبد ببن عجلن عبن المقببري عبن كعبب ببن
عجْرة قال قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم( :إذا توضأت فعمدت إلى المسبجد فل تشبكبن بيبن ُ
أصابعك فإنك في صلة) .فمنع صلى ال عليه وسلم في هذا الحديث وهو صحيح مما هو أقل من
السبراع وجعله كالمصبلي ،وهذه السبنن تببين معنبى قوله تعالى" :فاسبعوا إلى ذكبر ال" [الجمعبة:
]9وأنبه ليبس المراد ببه الشتداد على القدام ،وإنمبا عنبى العمبل والفعبل ،هكذا فسبره مالك .وهبو
الصواب في ذلك وال أعلم.
@ واختلف العلماء في تأويل قوله عليه السلم( :وما فاتكم فأتموا) وقوله( :واقض ما سبقك) هل
همبا بمعنبى واحبد أو ل؟ فقيبل :همبا بمعنبى واحبد وأن القضاء قبد يطلق ويراد ببه التمام ،قال ال
تعالى" :فإذا قضيبت الصبلة" [الجمعبة ]10 :وقال" :فإذا قضيتبم مناسبككم" [البقرة.]200 :
وقيبل :معناهمبا مختلف وهبو الصبحيح ،ويترتبب على هذا الخلف خلف فيمبا يدركبه الداخبل هبل
هو أول صلته أو أخرها؟ فذهب إلى الول جماعة من أصحاب مالك -منهم ابن القاسم -ولكنه
يقضبي مبا فاتبه بالحمبد وسبورة ،فيكون بانيبا فبي الفعال قاضيبا فبي القوال .قال اببن عبدالبر :وهبو
المشهور مببن المذهببب .وقال ابببن خويببز منداد :وهببو الذي عليببه أصببحابنا ،وهببو قول الوزاعببي
والشافعبي ومحمبد ببن الحسبن وأحمبد ببن حنببل والطببري وداود ببن علي .وروى أشهبب وهبو الذي
ذكره اببن عبدالحكبم عبن مالك ،ورواه عيسبى عبن اببن القاسبم عبن مالك ،أن مبا أدرك فهبو آخبر
صببلته ،وأنببه يكون قاضيببا فببي الفعال والقوال ،وهببو قول الكوفييببن .قال القاضببي أبببو محمببد
عبدالوهاب :وهبو مشهور مذهبب مالك .قال اببن عبدالبر :مبن جعبل مبا أدرك أول صبلته فأظنهبم
راعوا الحرام ،لنبه ل يكون إل فبي أول الصبلة ،والتشهبد والتسبليم ل يكون إل فبي أخرهبا ،فمبن
ههنا قالوا :إن ما أدرك فهو أول صلته ،مع ما ورد في ذلك من السنة من قوله( :فأتموا) والتمام
هو الخر.
واحتببج الخرون بقوله( :فاقضوا) والذي يقضيببه هببو الفائت ،إل أن روايببة مببن روى "فأتموا"
أكثر ،وليس يستقيم على قول من قال :إن ما أدرك أول صلته ويطرد ،إل ما قاله عبدالعزيز بن
أبي سلمة الماجِشون والمزني وإسحاق وداود من أنه يقرأ مع المام بالحمد وسورة إن أدرك ذلك
معببه ،وإذا قام للقضاء قرأ بالحمببد وحدهببا ،فهؤلء اطرد على أصببلهم قولهببم وفعلهببم ،رضببي ال
عنهم.
@ القامة تمنع من ابتداء صلة نافلة ،قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إذا أقيمت الصلة
فل صلة إل المكتوبة) خرجه مسلم وغيره ،فأما إذا شرع في نافلة فل يقطعها ،لقوله تعالى" :ول
تبطلوا أعمالكبم" [محمبد ]33 :وخاصبة إذا صبلى ركعبة منهبا .وقيبل :يقطعهبا لعموم الحديبث فبي
ذلك .وال أعلم.
@ واختلف العلماء فيمن دخل المسجد ولم يكن ركع ركعتي الفجر ثم أقيمت الصلة ،فقال مالك:
يدخبل مبع المام ول يركعهمبا ،وإن كان لم يدخبل المسبجد فإن لم يخبف فوات ركعبة فليركبع خارج
المسجد ،ول يركعهما في شيء من أفنية المسجد -التي تصلى فيها الجمعة -اللصقة بالمسجد،
وإن خاف أن تفوته الركعة الولى فليدخل وليصل معه ،ثم يصليهما إذا طلعت الشمس إن أحب،
ولن يصبليهما إذا طلعبت الشمبس أحبب إلي وأفضبل مبن تركهمبا وقال أببو حنيفبة وأصبحابه :إن
خشي أن تفوته الركعتان ول يدرك المام قبل رفعه من الركوع في الثانية دخل معه ،وإن رجا أن
يدرك ركعة صلى ركعتي الفجر خارج المسجد ،ثم يدخل مع المام وكذلك قال الوزاعي ،إل أنه
يجوز ركوعهما في المسجد ما لم يخف فوت الركعة الخيرة .وقال الثوري :إن خشي فوت ركعة
دخبل معهبم ولم يصبلهما وإل صبلهما وإن كان قبد دخبل المسبجد .وقال الحسبن ببن حبي ويقال اببن
حيان :إذا أخذ المقيم في القامة فل تطوع إل ركعتي الفجر .وقال الشافعي :من دخل المسجد وقد
أقيمت الصلة دخل مع المام ولم يركعهما ل خارج المسجد ول في المسجد .وكذلك قال الطبري
وببه قال أحمبد ببن حنببل وحكبي عبن مالك ،وهبو الصبحيح فبي ذلك ،لقوله عليبه السبلم( .إذا أقيمبت
الصبلة فل صبلة إل المكتوببة) .وركعتبا الفجبر إمبا سبنة ،وإمبا فضيلة ،وإمبا رغيببة ،والحجبة عنبد
التنازع حجبة السبنة .ومبن حجبة قول مالك المشهور وأببي حنيفبة مبا روي عبن اببن عمبر أنبه جاء
والمام يصبلي صبلة الصببح فصبلهما فبي حجرة حفصبة ،ثبم إنبه صبلى مبع المام .ومبن حجبة
الثوري والوزاعبي مبا روي عبن عبدال ببن مسبعود أنبه دخبل المسبجد .وقبد أقيمبت الصبلة فصبلى
إلى أسطوانة في المسجد ركعتي الفجر ،ثم دخل الصلة بمحضر من حذيفة وأبي موسى رضي
ال عنهمبببا .قالوا( :وإذا جاز أن يشتغبببل بالنافلة عبببن المكتوببببة خارج المسبببجد جاز له ذلك فبببي
المسبجد) ،روى مسبلم عبن عبدال ببن مالك اببن ُبحَينبة قال :أقيمبت صبلة الصببح فرأى رسبول ال
صبلى ال عليبه وسبلم رجل يصبلي والمؤذن يقيبم ،فقال( :أتصبلي الصببح أربعبا) وهذا إنكار منبه
صبلى ال عليبه وسبلم على الرجبل لصبلته ركعتبي الفجبر فبي المسبجد والمام يصبلي ،ويمكبن أن
يستدل به أيضا على أن ركعتي الفجر إن وقعت في تلك الحال صحت ،لنه عليه السلم لم يقطع
عليه صلته مع تمكنه من ذلك ،وال أعلم.
@ الصلة أصلها في اللغة الدعاء ،مأخوذة من صلى يصلي إذا دعا ،ومنه قوله عليه السلم( :إذا
دعبي أحدكبم إلى طعام فليجبب فإن كان مفطرا فليطعبم وإن كان صبائما فليصبل) أي فليدع .وقال
بعض العلماء :إن المراد الصلة المعروفة ،فيصلي ركعتين وينصرف ،والول أشهر وعليه من
العلماء الكثبر .ولمبا ولدت أسبماء عبدال ببن الزبيبر أرسبلته إلى النببي صبلى ال عليبه وسبلم ،قالت
أسبماء :ثبم مسبحه وصلى عليه ،أي دعبا له .وقال تعالى" :وصل عليهبم" [التوبة ]103 :أي ادع
لهم .وقال العشى:
تقول بِنتي وقد قرُبتُ مرتحل يا رب جنب أبي الوصاب والوجعا
ك مثلَ الذي صليتِ فاغتمضي نوما فإن لجنب المرء مضطجعا علي ِ
وقال العشى أيضا:
وقابلها الريح في ِدنّها وصلّى على دنها وارتسم
ارتسبم الرجبل :كببر ودعبا ،قال فبي الصبحاح ،وقال قوم :هبي مأخوذة مبن الصبل وهبو عرق فبي
وسط الظهر ويفترق عند العجب فيكتنفه ،ومنه أخذ المصلي في سبق الخيل ،لنه يأتي في الحلبة
ورأسه عند صَلْوَي السابق ،فاشتقت الصلة منه ،إما لنها جاءت ثانية لليمان فشبهت بالمصلي
مبن الخيبل ،وإمبا لن الراكبع تثنبى صبلَواه .والصبلة :مغرز الذنبب مبن الفرس ،والثنان صبلوان.
والمصلي :تالي السابق ،لن رأسبه عنبد صبله .وقال علي رضبي ال عنه :سببق رسبول ال صلى
ال عليبه وسبلم وصبلى أببو بكبر وثلّث عمبر .وقيبل :هبي مأخوذة مبن اللزوم ،ومنبه صبلي بالنار إذا
لزمها ،ومنه "تصلى نارا حامية" [الغاشية .]4 :وقال الحارث بن عُباد:
به وإني بحرها اليوم صال لم أكن من جُناتها علم اللب
أي ملزم لحرهببا ،وكأن المعنببى على هذا ملزمببة العبادة على الحببد الذي أمببر ال تعالى بببه.
وقيل :هي مأخوذة من صليت العود بالنار إذا قومته ولينته بالصلء .والصلء :صلء النار بكسر
الصاد ممدود ،فإن فتحت الصاد قصرت ،فقلت صل النار ،فكأن المصلي يقوم نفسه بالمعاناة فيها
ويلين ويخشع ،قال الخارزنجي:
فل تعجل بأمرك واستدمه فما صلى عصاك كمستديم
والصبلة :الدعاء والصبلة :الرحمبة ،ومنبه( :اللهبم صبل على محمبد) الحديبث .والصبلة :العبادة،
ومنبه قوله تعالى" :ومبا كان صبلتهم عنبد البيبت" [النفال ]35 :اليبة ،أي عبادتهبم .والصبلة:
النافلة ،ومنببه قوله تعالى" :وأمببر أهلك بالصببلة" [طببه .]132 :والصببلة التسبببيح ،ومنببه قوله
تعالى" :فلول أنه كان من المسبحين" [الصافات ]143 :أي من المصلين .ومنه سبحة الضحى.
وقبد قيبل فبي تأويبل "نسببح بحمدك" [البقرة ]30 :نصبلي .والصبلة :القراءة ،ومنبه قوله تعالى:
"ول تجهبر بصبلتك" [السبراء ]110 :فهبي لفبظ مشترك .والصبلة :بيبت يصبلّى فيبه ،قاله اببن
فارس .وقبد قيبل :إن الصبلة اسبم علم وضبع لهذه العبادة ،فإن ال تعالى لم يخبل زمانبا مبن شرع،
ولم يخل شرع من صلة ،حكاه أبو نصر القشيري.
قلت :فعلى هذا القول ل اشتقاق لها ،وعلى قول الجمهور وهي- :
@ اختلف الصبوليون هبل هبي مبقاة على أصبلها اللغوي الوضعبي البتدائي ،وكذلك اليمان
والزكاة والصيام والحج ،والشرع إنما تصرف بالشروط والحكام ،أو هل تلك الزيادة من الشرع
تصبيرها موضوعبة كالوضبع البتدائي مبن قببل الشرع .هنبا اختلفهبم والول أصبح ،لن الشريعبة
ثبتبت بالعربيبة ،والقرآن نزل بهبا بلسبان عرببي مببين ،ولكبن للعرب تحكبم فبي السبماء ،كالداببة
وضعبت لكل مبا يدب ،ثبم خصبصها العرف بالبهائم ،فكذلك لعرف الشرع تحكبم فبي السماء ،وال
أعلم.
واختلف في المراد بالصلة هنا ،فقيل :الفرائض .وقيل :الفرائض والنوافل معا ،وهو الصحيح،
لن اللفظ عام والمتقي يأتي بهما.
@ الصلة سبب للرزق ،قال ال تعالى" :وأمر أهلك بالصلة" [طه ]132 :الية ،على ما يأتي
بيانه في "طه" إن شاء ال تعالى .وشفاء من وجع البطن وغيره ،روى ابن ماجة عن أبي هريرة
قال :هجّر النبي صلى ال عليه وسلم فهجّرت فصليت ثم جلست ،فالتفت إلي النبي صلى ال عليه
وسبلم فقال( :أشكمبت درده) قلت :نعبم يبا رسبول ال ،قال( :قبم فصبل فإن فبي الصبلة شفاء) .فبي
روايبة( :أشكمبت درد) يعنبي تشتكبي بطنبك بالفارسبية ،وكان عليبه الصبلة والسبلم إذا حزببه أمبر
فزع إلى الصلة.
@ الصبلة ل تصبح إل بشروط وفروض ،فمبن شروطهبا :الطهارة ،وسبيأتي بيان أحكامهبا فبي
سببورة النسبباء والمائدة .وسببتر العورة ،يأتببي فببي العراف القول فيهببا إن شاء ال تعالى .وأمببا
فروضهببا :فاسببتقبال القبلة ،والنيببة ،وتكبببيرة الحرام والقيام لهببا ،وقراءة أم القرآن والقيام لهببا،
والركوع والطمأنينببة فيببه ،ورفببع الرأس مببن الركوع والعتدال فيببه ،والسببجود والطمأنينببة فيببه،
ورفبع الرأس مبن السبجود ،والجلوس بيبن السبجدتين والطمأنينبة فيبه ،والسبجود الثانبي والطمأنينبة
فيبه .والصبل في هذه الجملة حديث أببي هريرة فبي الرجبل الذي علمبه النبي صلى ال عليه وسلم
ل بها ،فقال له( :إذا قمت إلى الصلة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة ثم كبر ثم اقرأ الصلة لما أخ ّ
مبا تيسبر معبك مبن القرآن ثبم اركبع حتبى تطمئن راكعبا ثبم ارفبع حتبى تعتدل قائمبا ثبم اسبجد حتبى
تطمئن سباجدا ثبم ارفبع حتبى تطمئن جالسبا ثبم افعبل ذلك فبي صبلتك كلهبا) خرجبه مسبلم .ومثله
حديبث رفاعبة ببن رافبع ،أخرجبه الدارقطنبي وغيره .قال علماؤنبا :فببين قوله صبلى ال عليبه وسبلم
أركان الصبلة ،وسبكت عبن القامبة ورفبع اليديبن وعبن حبد القراءة وعبن تكببير النتقالت ،وعبن
التسببيح فبي الركوع والسبجود ،وعبن الجلسبة الوسبطى ،وعبن التشهبد وعبن الجلسبة الخيرة وعبن
السبلم .أمبا القامبة وتعييبن الفاتحبة فقبد مضبى الكلم فيهمبا .وأمبا رفبع اليديبن فليبس بواجبب عنبد
جماعبة العلماء وعامبة الفقهاء ،لحديبث أببي هريرة وحديبث رفاعبة ببن رافبع .وقال داود وبعبض
أصحابه بوجوب ذلك عند تكبيرة الحرام .وقال بعض أصحابه :الرفع عند الحرام وعند الركوع
وعند الرفع من الركوع واجب ،وإن من لم يرفع يديه فصلته باطلة ،وهو قول الحميدي ،ورواية
عن الوزاعي .واحتجوا بقوله عليه السلم( :صلوا كما رأيتموني أصلي) أخرجه البخاري .قالوا:
فوجبب علينبا أن نفعبل كمبا رأيناه يفعبل ،لنبه المبلغ عبن ال مراده .وأمبا التكببير مبا عدا تكببيرة
الحرام فمسبنون عنبد الجمهور للحديبث المذكور .وكان اببن قاسبم صباحب مالك يقول :مبن أسبقط
مبن التكببيرة فبي الصبلة ثلث تكببيرات فمبا فوقهبا سبجد قببل السبلم ،وإن لم يسبجد بطلت صبلته،
وإن نسبي تكببيرة واحدة أو اثنتيبن سبجد أيضبا للسبهو ،فإن لم يفعبل فبي شيبء عليبه ،وروي عنبه أن
التكببيرة الواحدة ل سبهو على مبن سبها فيهبا .وهذا يدل على أن عظبم التكببير وجملتبه عنده فرض،
وأن اليسير منه متجاوز عنه .وقال أصبغ بن الفرج وعبدال بن عبدالحكم :ليس على من لم يكبر
في الصلة من أولها إلى آخرها شيء إذا كبر تكبيرة الحرام ،فإن تركه ساهيا سجد للسهو ،فإن
لم يسجد فل شيء عليه ،ول ينبغي لحد أن يترك التكبير عامدا ،لنه سنة من سنن الصلة ،فإن
فعل فقد أساء ول شيء عليه وصلته ماضية.
قلت :هذا هببو الصببحيح ،وهببو الذي عليببه جماعببة فقهاء المصببار مببن الشافعييببن والكوفييببن
وجماعة أهل الحديث والمالكيين غير من ذهب مذهب ابن القاسم .وقد ترجم البخاري رحمه ال
(باب إتمام التكبير في الركوع والسجود) وساق حديث مُطرّف بن عبدال قال :صليت خلف علي
ببن أببي طالب أنبا وعمران ببن حصبين ،فكان إذا سبجد كببر ،وإذا رفبع رأسبه كببر ،وإذا نهبض مبن
الركعتين كبر ،فلما قضى الصلة أخذ بيدي عمران بن حصين فقال :لقد ذكرني هذا صلة محمد
صلى ال عليه وسلم ،أو قال :لقد صلى بنا صلة محمد صلى ال عليه وسلم .وحديث عكرمة قال:
رأيت رجل عند المقام يكبر في كل خفض ورفع ،وإذا قام وإذا وضع ،فأخبرت ابن عباس فقال:
أو ليس تلك صلة النبي صلى ال عليه وسلم ل أُمّ لك فدلّك البخاري رحمه ال بهذا الباب على أن
التكبير لم يكن معمول به عندهم .روى أبو إسحاق السبيعي عن يزيد بن أبي مريم عن أبي موسى
الشعري قال :صلى بنا علي يوم الجمل صلة أذكرنا بهذا صلة رسول ال صلى ال عليه وسلم،
كان يكبر في كل خفض ورفع ،وقيام وقعود ،قال أبو موسى :فإما نسيناها وإما تركناها عمدا.
قلت :أتراهببم أعادوا الصببلة فكيببف يقال مببن ترك التكبببير بطلت صببلته ولو كان ذلك لم يكببن
فرق بين السنة والفرض ،والشيء إذا لم يجب أفراده لم يجب جميعه ،وبال التوفيق.
@ وأمبا التسببيح فبي الركوع والسبجود فغيبر واجبب عنبد الجمهور للحديبث المذكور ،وأوجببه
إسبحاق ببن راهويبه ،وأن مبن تركبه أعاد الصبلة ،لقوله عليبه السبلم( :أمبا الركوع فعظموا فيبه
ن أن يستجاب لكم). الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء ف َقمِ ٌ
@ وأما الجلوس والتشهد فاختلف العلماء في ذلك ،فقال مالك وأصحابه :الجلوس الول والتشهد
له سببنتان .وأوجببب جماعببة مببن العلماء الجلوس الول وقالوا :هببو مخصببوص مببن بيببن سببائر
الفروض بأن ينوب عنبه السبجود كالعرايبا مبن المزابنبة ،والقراض مبن الجارات ،وكالوقوف بعبد
الحرام لمن وجد المام راكعا .واحتجوا بأنه لو كان سنة ما كان العامد لتركه تبطل صلته كما
ل تبطببل بترك سببنن الصببلة .احتببج مببن لم يوجبببه بأن قال :لو كان مببن فرائض الصببلة لرجببع
السباهي عنه إليبه حتى يأتبي به ،كما لو ترك سبجدة أو ركعة ،ويراعبى فيبه ما يراعى فبي الركوع
والسجود من الولء والرتبة ،ثم يسجد لسهوه كما يصنع من ترك ركعة أو سجدة وأتى بهما .وفي
حديث عبدال بن بُحينة :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قام من ركعتين ونسي أن يتشهد فسبح
الناس خلفه كيما يجلس فثبت قائما فقاموا ،فلما فرغ من صلته سجد سجدتي السهو قبل التسليم،
فلو كان الجلوس فرضبا لم يسبقطه النسبيان والسبهو ،لن الفرائض فبي الصبلة يسبتوي فبي تركهبا
السهو والعمد إل في المؤتم.
واختلفوا فبي حكبم الجلوس الخيبر فبي الصبلة ومبا الغرض مبن ذلك على خمسبة أقوال :أحدهبا:
أن الجلوس فرض والتشهيبد فرض والسبلم فرض .وممبن قال ذلك الشافعبي وأحمبد ببن حنببل فبي
رواية ،وحكاه أبو مصعب في مختصره عن مالك وأهل المدينة ،وبه قال داود .قال الشافعي :من
ترك التشهبد الول والصبلة على النببي صبلى ال عليبه وسبلم فل إعادة عليبه وعليبه سبجدتا السبهو
لتركه .وإذا ترك التشهد الخير ساهيا أو عامدا أعاد .واحتجوا بأن بيان النبي صلى ال عليه وسلم
في الصلة فرض ،لن أصل فرضها مجمل يفتقر إلى البيان إل ما خرج بدليل وقد قال صلى ال
عليه وسلم( :صلوا كما رأيتموني أصلي).
القول الثانبي :أن الجلوس والتشهبد والسبلم ليبس بواجبب ،وإنمبا ذلك كله سبنة مسبنونة ،هذا قول
بعببض البصببريين ،وإليبه ذهبب إبراهيبم ببن عُليبة ،وصبرح بقياس الجلسبة الخيرة على الولى،
فخالف الجمهور وشبذ ،إل أنبه يرى العادة على مبن ترك شيئا مبن ذلك كله .ومبن حجتهبم حديبث
عبدال ببن عمرو ببن العاص (وفبي النسبخة :العاصبي) عبن النببي صبلى ال عليبه وسبلم قال( :إذا
رفع المام رأسه من آخر سجدة في صلته ثم أحدث فقد تمت صلته) وهو حديث ل يصح على
ما قاله أبو عمر ،وقد بيناه في كتاب المقتبس .وهذا اللفظ إنما يسقط السلم ل الجلوس.
القول الثالث :إن الجلوس مقدار التشهد فرض ،وليس التشهد ول السلم بواجب فرضا .قاله أبو
حنيفة وأصحابه وجماعة من الكوفيين .واحتجوا بحديث ابن المبارك عن الفريقي عبدالرحمن بن
زياد وهبو ضعيبف ،وفيبه أن النببي صبلى ال عليبه وسبلم قال( :إذا جلس أحدكبم فبي آخبر صبلته
فأحدث قببل أن يسبلم فقبد تمبت صبلته) .قال اببن العرببي :وكان شيخنبا فخبر السبلم ينشدنبا فبي
الدرس:
ويرى الخروج من الصلة بضرطة أين الضراط من السلم عليكم
قال اببن العرببي :وسبلك بعبض علمائنبا مبن هذه المسبألة فرعيبن ضعيفيبن ،أمبا أحدهمبا :فروى
عبدالملك عبن عبدالملك أن مبن سبلم مبن ركعتيبن متلعببا ،فخرج البيان أنبه إن كان على أرببع أنبه
يجزئه ،وهذا مذهبب أهبل العراق بعينبه .وأمبا الثانبي :فوقبع فبي الكتبب المنبوذة أن المام إذا أحدث
بعد التشهد متعمدا وقبل السلم أنه يجزئ من خلفه ،وهذا مما ل ينبغي أن يلتفت إليه في الفتوى،
وإن عمرت به المجالس للذكرى.
القول الرابع :إن الجلوس فرض والسلم فرض ،وليس التشهد بواجب .وممن قال هذا مالك بن
أنبس وأصبحابه وأحمبد ببن حنببل فبي روايبة .واحتجوا بأن قالوا :ليبس شيبء مبن الذكبر يجبب إل
تكبيرة الحرام وقراءة أم القرآن.
القول الخامس :أن التشهد والجلوس واجبان ،وليس السلم بواجب ،قاله جماعة منهم إسحاق بن
راهويبه ،واحتبج إسبحاق بحديبث اببن مسبعود حيبن علمبه رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم التشهبد
وقال له( :إذا فرغببت مببن هذا فقببد تمببت صببلتك وقضيببت مببا عليببك) .قال الدارقطنببي :قوله (إذا
فرغبت مبن هذا فقبد تمبت صبلتك) أدرجبه بعضهبم عبن زهيبر فبي الحديبث ،ووصبله بكلم النببي
صلى ال عليه وسلم ،وفصله شبابة عن زهير وجعله من كلم ابن مسعود ،وقوله أشبه بالصواب
من قول من أدرجه في حديث النبي صلى ال عليه وسلم .وشبابة ثقة .وقد تابعه غسان بن الربيع
على ذلك ،جعل آخر الحديث من كلم ابن مسعود ولم يرفعه إلى النبي صلى ال عليه وسلم.
@ واختلف العلماء فبي السبلم ،فقيبل :واجبب ،وقيبل :ليبس بواجبب .والصبحيح وجوببه لحديبث
عائشببة وحديببث علي الصببحيح خرجببه أببو داود والترمذي ورواه سببفيان الثوري عبن عبدال بببن
محمبد ببن عقيبل عبن محمبد ببن الحنفيبة عبن علي قال قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم" :مفتاح
الصببلة الطهور وتحريمهببا التكبببير وتحليلهببا التسببليم) وهذا الحديببث أصببل فببي إيجاب التكبببير
والتسليم ،وأنه ل يجزئ عنهما غيرهما كما ل يجزئ عن الطهارة غيرها باتفاق .قال عبدالرحمن
بن مهدي :لو افتتح رجل صلته بسبعين اسما من أسماء ال عز وجل ولم يكبر تكبيرة الحرام لم
يجزه ،وإن أحدث قببل أن يسبلم لم يجزه ،وهذا تصبحيح مبن عبدالرحمبن ببن مهدي لحديبث علي،
وهو إمام في علم الحديث ومعرفة صحيحه من سقيمه .وحسبك به!
@ وقبد اختلف العلماء فبي وجوب التكببير عنبد الفتتاح فقال اببن شهاب الزهري وسبعيد ببن
المسيب والوزاعي وعبدالرحمن وطائفة :تكبيرة الحرام ليست بواجبة .وقد روي عن مالك في
المأموم مبا يدل على هذا القول ،والصبحيح مبن مذهببه إيجاب تكببيرة الحرام وأنهبا فرض وركبن
من أركان الصلة ،وهو الصواب وعليه الجمهور ،وكل من خالف ذلك فمحجوج بالسنة.
@ واختلف العلماء في اللفظ الذي يدخل به في الصلة ،فقال مالك وأصحابه وجمهور العلماء :ل
يجزئ إل التكبببير ،ل يجزئ منببه تهليببل ول تسبببيح ول تعظيببم ول تحميببد .هذا قول الحجازييببن
وأكثببر العراقييببن ،ول يجزئ عنببد مالك إل "ال أكبببر" ل غيببر ذلك .وكذلك قال الشافعببي وزاد:
ويجزئ "ال الكببر" و"ال الكببير" والحجبة لمالك حديبث عائشبة قالت :كان رسبول ال صبلى ال
عليه وسلم يستفتح الصلة بالتكبير ،والقراءة بب "الحمد ل رب العالمين" .وحديث علي :وتحريمها
التكبير .وحديث العرابي :فكبر .وفي سنن ابن ماجة حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وعلي بن محمد
الطنافسبي قال :حدثنبا أببو أسبامة قال حدثنبي عبدالحميبد ببن جعفبر قال حدثنبا محمبد اببن عمرو ببن
عطاء قال سمعت أبا حميد الساعدي يقول :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا قام إلى الصلة
اسبتقبل القبلة ورفبع يديبه وقال" :ال أكببر" وهذا نبص صبريح وحديبث صبحيح فبي تعييبن لفبظ
التكبير ،قال الشاعر:
رأيت ال أكبر كل شيء محاولة وأعظمه جنودا
ثم إنه يتضمن القدم ،وليس يتضمنه كبير ول عظيم ،فكان أبلغ في المعنى ،وال أعلم.
وقال أبو حنيفة :إن افتتح بل إله إل ال يجزيه ،وإن قال :اللهم اغفر لي لم يجزه ،وبه قال محمد
بن الحسن .وقال أبو يوسف :ل يجزئه إذا كان يحسن التكبير .وكان الحكم بن عتيبة يقول :إذا ذكر
ال مكان التكبير أجزأه .قال ابن المنذر :ول أعلمهم يختلفون أن من أحسن القراءة فهلل وكبر ولم
يقرأ أن صبلته فاسبدة ،فمبن كان هذا مذهببه فاللزم له أن يقول ل يجزيبه مكان التكببير غيره ،كمبا
ل يجزئ مكان القراءة غيرها .وقال أبو حنيفة :يجزئه التكبير بالفارسية وإن كان يحسن العربية.
قال ابن المنذر :ل يجزيه لنه خلف ما عليه جماعات المسلمين ،وخلف ما علم النبي صلى ال
عليه وسلم أمته ،ول نعلم أحدا وافقه على ما قال .وال أعلم.
@ واتفقبت المبة على وجوب النيبة عنبد تكببيرة الحرام إل شيئا روي عبن بعبض أصبحابنا يأتبي
الكلم عليببه فببي آيببة الطهارة ،وحقيقتهببا قصببد التقرب إلى المببر بفعببل مببا أمببر بببه على الوجببه
المطلوب منه .قال ابن العربي :والصل في كل نية أن يكون عقدها مع التلبس بالفعل المنوي بها،
أو قبل ذلك بشرط استصحابها ،فإن تقدمت النية وطرأت غفلة فوقع التلبس بالعبادة في تلك الحالة
لم يعتبد بهبا ،كمبا ل يعتبد بالنيبة إذا وقعبت بعبد التلببس بالفعبل ،وقبد رخبص فبي تقديمهبا فبي الصبوم
لعظبم الحرج فبي اقترانهبا بأوله .قال اببن العرببي :وقال لنبا أببو الحسبن القروي بثغبر عسبقلن:
سمعت إمام الحرمين يقول :يحضر النسان عند التلبس بالصلة النية ،ويجرد النظر في الصانع
وحدوث العالم والنبوات حتى ينتهي نظره إلى نية الصلة ،قال :ول يحتاج ذلك إلى زمان طويل،
وإنما يكون ذلك في أوحى لحظة ،لن تعليم الجمل يفتقر إلى الزمان الطويل ،وتذكارها يكون في
لحظة ،ومن تمام النية أن تكون مستصحبة على الصلة كلها ،إل أن ذلك لما كان أمرا يتعذر عليه
سمح الشرع في عزوب النية في أثنائها .سمعت شيخنا أبا بكر الفهري بالمسجد القصى يقول قال
محمبد ببن سبحنون :رأيبت أببي سبحنونا ربمبا يكمبل الصبلة فيعيدهبا ،فقلت له مبا هذا؟ فقال :عزببت
نيتي في أثنائها فلجل ذلك أعدتها.
قلت :فهذه جملة مبن أحكام الصبلة ،وسبائر أحكامهبا يأتبي بيانهبا فبي مواضعهبا مبن هذا الكتاب
بحول ال تعالى ،فيأتببي ذكببر الركوع وصببلة الجماعببة والقبلة والمبادرة إلى الوقات ،وبعببض
صلة الخوف في هذه السورة ،ويأتي ذكر قصر الصلة وصلة الخوف ،في "النساء" والوقات
فبي "هود وسببحان والروم" وصبلة الليبل فبي "المزمبل" وسبجود التلوة فبي "العراف" وسبجود
الشكر في "ص" كل في موضعه إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :وممبا رزقناهبم ينفقون" رزقناهبم :أعطيناهبم ،والرزق عنبد أهبل السبنة مبا صبح
النتفاع ببه حلل كان أو حرامبا ،خلفبا للمعتزلة فبي قولهبم :إن الحرام ليبس برزق لنبه ل يصبح
تملكه ،وإن ال ل يرزق الحرام وإنما يرزق الحلل ،والرزق ل يكون إل بمعنى الملك.
قالوا :فلو نشبأ صببي مبع اللصبوص ولم يأكبل شيئا إل مبا أطعمبه اللصبوص إلى أن بلغ وقوي
وصبار لصبا ،ثبم لم يزل يتلصبص ويأكبل مبا تلصبصه إلى أن مات ،فإن ال لم يرزقبه شيئا إذ لم
يملكه ،وإنه يموت ولم يأكل من رزق ال شيئا.
وهذا فاسد ،والدليل عليه أن الرزق لو كان بمعنى التمليك لوجب أل يكون الطفل مرزوقا ،ول
البهائم التببي ترتببع فببي الصببحراء ،ول السببخال مببن البهائم ،لن لبببن أمهاتهببا ملك لصبباحبها دون
السخال.
ولمببا اجتمعببت المببة على أن الطفببل والسببخال والبهائم مرزوقون ،وأن ال تعالى يرزقهببم مببع
كونهم غير مالكين علم أن الرزق هو الغذاء ولن المة مجمعة على أن العبيد والماء مرزوقون،
وأن ال تعالى يرزقهم مع كونهم غير مالكين ،فعلم أن الرزق ما قلناه ل ما قالوه .والذي يدل على
أنه ل رازق سواه قول الحق" :هل من خالق غير ال يرزقكبم من السماء والرض" [فاطبر]3 :
وقال" :إن ال هو الرزاق ذو القوة المتين" [الذاريات ]58 :وقال" :وما من دابة في الرض إل
على ال رزقها" [هود ]6 :وهذا قاطع ،فال تعالى رازق حقيقة وابن آدم تجوّزا ،لنه يملك ملكا
منتزعا كما بيناه في الفاتحة ،مرزوق حقيقة كالبهائم التي ل ملك لها ،إل أن الشيء إذا كان مأذونا
له في تناوله فهو حلل حكما ،وما كان منه غير مأذون له في تناوله فهو حرام حكما ،وجميع ذلك
رزق.
وقببد خرّج بعببض النبلء مببن قوله تعالى" :كلوا مببن رزق ربكببم واشكروا له بلدة طيبببة ورب
غفور" [سبأ ]15 :فقال :ذكر المغفرة يشير إلى أن الرزق قد يكون فيه حرام.
@قوله تعالى" :وممببا رزقناهببم" الرزق مصببدر رزق يرزق رَزقببا ورِزقببا ،فالرزق بالفتببح
المصبببدر ،وبالكسبببر السبببم ،وجمعبببه أرزاق ،والرزق :العطاء .والرازقيبببة :ثياب كتان بيبببض.
وارتزق الجنبد :أخذوا أرزاقهبم .والرزقبة :المرة الواحدة ،هكذا قال أهبل اللغبة .وقال اببن السبكيت:
الرزق بلغبة أ ْز ِدشَنوءة :الشكبر ،وهبو قوله عبز وجبل" :وتجعلون رزقكبم أنكبم تكذبون" [الواقعبة:
]82أي شكركم التكذيب .ويقول :رزقني أي شكرني.
@قوله تعالى" :ينفقون" ينفقون :يخرجون .والنفاق :إخراج المال من اليد ،ومنه نفق البيع :أي
جحْر اليربوع الذي خرج من يد البائع إلى المشتري .ونفقت الدابة :خرجت روحها ،ومنه النافقاء ل ُ
يخرج منبه إذا أخبذ مبن جهبة أخرى .ومنبه المنافبق ،لنبه يخرج مبن اليمان أو يخرج اليمان مبن
قلببه .ونَيفبق السبراويل معروفبة وهبو مخرج الرجبل منهبا .ونفِق الزاد :فنبى وأنفقبه صباحبه .وأنفبق
القوم :فني زادهم ،ومنه قوله تعالى" :إذا لمسكتم خشية النفاق" [السراء.]100 :
@ واختلف العلماء فبي المراد بالنفقبة ههنبا ،فقيبل :الزكاة المفروضبة -روي عبن اببن عباس -
لمقارنتهبا الصبلة .وقيبل :نفقبة الرجبل على أهله -روي عبن اببن مسبعود -لن ذلك أفضبل النفقبة.
روى مسبلم عبن أببي هريرة قال قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم( :دينارٌ أنفقتبه فبي سببيل ال
ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي
أنفقته على أهلك) .وروي عن ثوبان قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أفضل دينار ينفقه
الرجبل دينار ينفقبه على عياله ودينار ينفقبه الرجبل على دابتبه فبي سببيل ال عبز وجبل ودينار ينفقبه
على أصحابه في سبيل ال) قال أبو قِلبة :وبدأ بالعيال [ثم] قال أبو قلبة :وأي رجل أعظم أجرا
مبن رجبل ينفبق على عيال صبغار يعفهبم أو ينفعهبم ال ببه ويغنيهبم .وقيبل :المراد صبدقة التطوع -
روي عبن الضحاك نظرا إلى أن الزكاة ل تأتبي إل بلفظهبا المختبص بهبا وهبو الزكاة ،فإذا جاءت
بلفبببظ غيبببر الزكاة احتملت الفرض والتطوع ،فإذا جاءت بلفبببظ النفاق لم تكبببن إل التطوع .قال
جدَتهبم حتبى نزلت فرائض الضحاك :كانبت النفقبة قربانبا يتقربون بهبا إلى ال جبل وعبز على قدر ِ
الصدقات والناسخات في "براءة" .وقيل :إنه الحقوق الواجبة العارضة في الموال ما عدا الزكاة،
لن ال تعالى لمبا قرنبه بالصبلة كان فرضبا ،ولمبا عدل عبن لفظهبا كان فرضبا سبواها .وقيبل :هبو
عام وهو الصحيح ،لنه خرج مخرج المدح في النفاق مما رزقوا ،وذلك ل يكون إل من الحلل،
أي يؤتون ما ألزمهم الشرع من زكاة وغيرها مما يعنّ في بعض الحوال مع ما ندبهم إليه .وقيل:
اليمان بالغيب حظ القلب .وإقام الصلة حظ البدن .ومما رزقناهم ينفقون حظ المال ،وهذا ظاهر.
وقال بعبض المتقدميبن فبي تأويبل قوله تعالى" :وممبا رزقناهبم ينفقون" أي ممبا علّمناهبم يعلّمون،
حكاه أبو نصر عبدالرحيم بن عبدالكريم القُشيري.
**3الية{4 :والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالخرة هم يوقنون}
@قوله تعالى" :والذين يؤمنون بما أنزل إليك" قيل :المراد مؤمنو أهل الكتاب ،كعبدال بن سلم
وفيه نزلت ،ونزلت الولى في مؤمني العرب .وقيل :اليتان جميعا في المؤمنين ،وعليه فإعراب
"الذيبن" خفبض على العطبف ،ويصبح أن يكون رفعبا على السبتئناف أي وهبم الذيبن .ومبن جعلهبا
في صنفين فإعراب "الذين" رفع بالبتداء ،وخبره "أولئك على هدى" ويحتمل الخفض عطفا....
@قوله تعالى" :بما أنزل إليك" يعني القرآن "وما أنزل من قبلك" يعني الكتب السالفة ،بخلف ما
فعله اليهود والنصبارى حسبب مبا أخببر ال عنهبم فبي قوله" :وإذا قيبل لهبم آمنوا بمبا أنزل ال قالوا
نؤمبن بمبا أنزل علينبا" [البقرة ]91 :اليبة .ويقال :لمبا نزلت هذه اليبة" :الذيبن يؤمنون بالغيبب"
قالت اليهود والنصبارى :نحبن آمنبا بالغيبب ،فلمبا قال" :ويقيمون الصبلة" [البقرة ]3 :قالوا :نحبن
نقيبم الصبلة ،فلمبا قال "وممبا رزقناهبم ينفقون" قالوا :نحبن ننفبق ونتصبدق ،فلمبا قال" :والذيبن
يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" نفروا من ذلك .وفي حديث أبي ذر قال قلت :يا رسول
ال كبم كتاببا أنزل ال؟ قال( :مائة كتاب وأربعبة كتبب أنزل ال على شيبث خمسبين صبحيفة وعلى
أخنوخ ثلثيببن صببحيفة وعلى إبراهيببم عشببر صببحائف وأنزل على موسببى قبببل التوراة عشببر
صحائف وأنزل التوراة والنجيل والزبور والفرقان) .الحديث أخرجه الحسين الجرّي وأبو حاتم
البستي.
وهنبا مسبألة :إن قال قائل :كيبف يمكبن اليمان بجميعهبا مبع تنافبي أحكامهبا؟ قيبل له فيبه جوابان:
أحدهمببا -أن اليمان بأن جميعهببا نزل مببن عنببد ال ،وهببو قول مببن أسببقط التعبببد بمببا تقدم مببن
الشرائع .الثاني -أن اليمان بما لم ينسخ منها ،وهذا قول من أوجب التزام الشرائع المتقدمة ،على
ما يأتي بيانه إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :وبالخرة هم يوقنون" أي وبالبعث والنشر هم عالمون .واليقين :العلم دون الشك،
يقال منبه :يَ ِقنْتُب المبر (بالكسبر) يقنبا ،وأيقنبت واسبتيقنت وتيقنبت كله بمعنبى ،وأنبا على يقيبن منبه.
وإنمبا صبارت الياء واوا فبي قولك :موقبن ،للضمبة قبلهبا ،وإذا صبغرته رددتبه إلى الصبل فقلت
مييقبن والتصبغير يرد الشياء إلى أصبولها وكذلك الجمبع .وربمبا عببروا باليقيبن عبن الظبن ،ومنبه
قول علمائنبا فبي اليميبن اللغبو :هبو أن يحلف بال على أمبر يوقنبه ثبم يتببين له أنبه خلف ذلك فل
شيء عليه ،قال الشاعر:
تحسّب هوّاس وأيقن أنني بها مفتد من واحد ل أغامره
يقول :تشمم السد ناقتي ،يظن أنني مفتد بها منه ،وأستحمي نفسي فأتركها له ول أقتحم المهالك
بمقاتلته فأما الظن بمعنى اليقين فورد في التنزيل وهو في الشعر كثير ،وسيأتي .والخرة مشتقة
من التأخر لتأخرها عنا وتأخرنا عنها ،كما أن الدنيا مشتقة من الدنوّ ،على ما يأتي.
**3الية {5أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون}
@قوله تعالى" :أولئك على هدى" قال النحاس أهبل نجبد يقولون :أُلك ،وبعضهبم يقول :أُللك،
والكاف للخطاب .قال الكسببائي :مببن قال أولئك فواحده ذلك ،ومببن قال ألك فواحدة ذاك ،وأللك
مثل أولئك ،وأنشد ابن السكيت:
أللك قومي لم يكونوا أُشابة وهل يعظ الضّلّيل إل أللكا
وربما قالوا :أولئك في غير العقلء ،قال الشاعر:
ش بعد أولئك الياموالعي َ ذُم المنازل بعد منزلة اللوى
وقال تعالى" :إن السببمع والبصببر والفؤاد كببل أولئك كان عنببه مسببؤول" [السببراء ]36 :وقال
علماؤنبا :إن فبي قوله تعالى" :مبن ربهبم" ردا على القدريبة فبي قولهبم :يخلقون إيمانهبم وهداهبم،
تعالى ال عبن قولهبم ولو كان كمبا قالوا لقال" :مبن أنفسبهم" ،وقبد تقدم الكلم فيبه وفبي الهدى فل
معنى لعادة ذلك.
@"وأولئك هبم المفلحون" "هبم" يجوز أن يكون مبتدأ ثانيبا وخببره "المفلحون" ،والثانبي وخببره
خببببر الول ،ويجوز أن تكون "هبببم" زائدة -يسبببميها البصبببريون فاصبببلة والكوفيون عمادا -
و"المفلحون" خبر "أولئك".
والفلح أصله في اللغة الشق والقطع ،قال الشاعر:
إن الحديد بالحديد يُفلَح
أي يشبق ،ومنبه فلحبة الرضيبن إنمبا هبو شقهبا للحرث ،قال أببو عبيبد .ولذلك سبمي الكّار فلحبا.
ويقال للذي شقبت شفتبه السبفلى أفلح ،وهبو بيّن الفلَحبة ،فكأن المفلح قبد قطبع المصباعب حتبى نال
مطلوببه .وقبد يسبتعمل فبي الفوز والبقاء ،وهبو أصبله أيضبا فبي اللغبة ،ومنبه قول الرجبل لمرأتبه:
استفلحي بأمرك ،معناه فوزي بأمرك ،وقال الشاعر:
ي مدرك الفلح أدركه ملعب الرماح لو كان ح ّ
وقال الضبط بن قُرَيع السعدي في الجاهلية الجهلء:
لكل هم من الهموم سعهْ والمُسيُ والصُبح ل فلح معهْ
يقول :ليس مع كر الليل والنهار بقاء .وقال آخر:
نحل بلدا كلها حل قبلنا ونرجو الفلح بعد عاد وحمير
أي البقاء :وقال عبيد:
أفلح بما شئت فقد يدرك بالضب بعف وقد يُخدّع الريب
أي أبببق بمببا شئت مببن كيببس وحمببق فقببد يرزق الحمببق ويحرم العاقببل .فمعنببى "وأولئك هببم
المفلحون" :أي الفائزون بالجنبة والباقون فيهبا .وقال اببن أببي إسبحاق :المفلحون هبم الذيبن أدركوا
مبا طلبوا ونجوا مبن شبر مبا منبه هربوا ،والمعنبى واحبد .وقبد اسبتعمل الفلح فبي السبحور ،ومنبه
الحديببث :حتببى كاد يفوتنببا الفلح مببع رسببول ال صببلى ال عليببه وسببلم .قلت :ومببا الفلح؟ قال:
السبحور .أخرجبه أببو داود .فكأن معنبى الحديبث أن السبحور ببه بقاء الصبوم فلهذا سبماه فلحبا.
والفلح (بتشديد اللم) :المُكاري في قول القائل:
لها رِطل تكيل الزيت فيه وفلح يسوق لها حمارا
ثم الفلح في العرف :الظفر بالمطلوب ،والنجاة من المرهوب.
مسبألة :إن قال كيبف قرأ حمزة :عليهُم وإليهُم ولديهُم ،ولم يقرأ مبن ربهُم ول فيهُم ول جنتيهُم؟
فالجواب أن عليهم وإليهم ولديهم الياء فيه منقلبة من ألف ،والصل علهم ولداهم وإلهم فأقرت
الهاء على ضمتهبا ،وليبس ذلك فبي فيهبم ول مبن ربهبم ول جنتيهبم ،ووافقبه الكسبائي فبي "عليهبم
الذلة" و"إليهم اثنين" على ما هو معروف من القراءة عنهما.
**3الية {6إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ل يؤمنون}
@قوله تعالى" :إن الذين كفروا" لما ذكر المؤمنين وأحوالهم ذكر الكافرين ومآلهم .والكفر ضد
اليمان وهبو المراد فبي اليبة .وقبد يكون بمعنبى جحود النعمبة والحسبان ،ومنبه قوله عليبه السبلم
فبي النسباء فبي حديبث الكسبوف( :ورأيبت النار فلم أر منظرا كاليوم قبط أفظبع ورأيبت أكثبر أهلهبا
النسباء) قيبل :ببم يبا رسبول ال؟ قال( :بكفرهبن) ،قيبل أيكفرن بال؟ قال( :يكفرن العشيبر ويكفرن
الحسببان لو أحسببنت إلى إحداهببن الدهببر كله ثببم رأت منببك شيئا قالت مببا رأيببت منببك خيرا قببط)
أخرجه البخاري وغيره.
وأصل الكفر في كلم العرب :الستر والتغطية ،ومنه قول الشاعر:
في ليلة كفر النجومَ غمامُها
أي سترها .ومنه سمي الليل كافرا ،لنه يغطي كل شيء بسواده ،قال الشاعر:
ألقت ذُكاء يمينها في كافر فتذكرا ثَقل رثيدا بعدما
ذكاء (بضم الذال والمد) :اسم للشمس ،ومنه قول الخر:
فوردت قبل انبلج الفجر وابن ذكاء كامن في كَفر
أي فبي ليبل .والكافبر أيضبا :البحبر والنهبر العظيبم .والكافبر :الزارع ،والجمبع كفار ،قال ال تعالى:
"كمثبل غيبث أعجبب الكفار نباتبه" [الحديبد .]20 :يعنبي الزراع لنهبم يغطون الحبب .ورماد
مكفور :سفت الريح عليه التراب .والكافر من الرض :ما بعد عن الناس ل يكاد ينزله ول يمر به
أحد ،ومن حل بتلك المواضع فهم أهل الكفور .ويقال الكفور :القرى.
@قوله تعالى" :سبواء عليهبم" معناه معتدل عندهبم النذار وتركبه ،أي سبواء عليهبم هذا .وجيبء
بالسبتفهام مبن أجبل التسبوية ،ومثله قوله تعالى" :سبواء علينبا أوعظبت أم لم تكبن مبن الواعظيبن"
[الشعراء .]136 :وقال الشاعر:
وليل يقول الناس من ظلماته سواء صحيحات العيون وعورها
@قوله تعالى" :أأنذرتهبم أم لم تنذرهبم ل يؤمنون" النذار البلغ والعلم ،ول يكاد يكون إل
فبي تخويبف يتسبع زمانبه للحتراز ،فإن لم يتسبع زمانبه للحتراز كان إشعارا ولم يكبن إنذارا ،قال
الشاعر:
أنذرت عَمرا وهو في مهَل قبل الصباح فقد عصى عمرو
وتناذر بنو فلن هذا المر إذا خوفه بعضهم بعضا
واختلف العلماء في تأويل هذه الية ،فقيل :هي عامة ومعناها الخصوص فيمن حقت عليه كلمة
العذاب ،وسبق في علم ال أنه يموت على كفره .أراد ال تعالى أن يعلم أن في الناس من هذه حاله
دون أن يعيبن أحدا .وقال اببن عباس والكلببي :نزلت فبي رؤسباء اليهود ،منهبم حيبي ببن أخطبب
وكعب بن الشرف ونظراؤهما .وقال الربيع بن أنس :نزلت فيمن قتل يوم بدر من قادة الحزاب،
والول أصح ،فإن من عين أحدا فإنمبا مثل بمن كشبف الغيب عنه بموته على الكفر ،وذلك داخل
في ضمن الية.
@قوله تعالى "ل يؤمنون" موضعه رف عٌ خبر "إ نّ" أي إن الذين كفروا ل يؤمنون .وقيل :خبر
"إن" "سبواء" ومبا بعده يقوم مقام الصبلة ،قاله اببن كيسبان .وقال محمبد ببن يزيبد" :سبواء" رفبع
بالبتداء" ،أأنذرتهببم أم لم تنذرهببم" الخبببر ،والجملة خبببر "إن" .قال النحاس :أي إنهببم تبالهوا فلم
تغبببن فيهبببم النذارة شيئا .واختلف القراء فبببي قراءة "أأنذرتهبببم" فقرأ أهبببل المدينبببة وأببببو عمرو
والعمبش وعبدال ببن أببي إسبحاق" :آنذرتهبم" بتحقيبق الولى وتسبهيل الثانيبة ،واختارهبا الخليبل
وسيبويه ،وهي لغة قريش وسعد بن بكر ،وعليها قول الشاعر:
أيا ظبية الوعساء بين جلجل وبين النقا آنت أ ْم أمّ سالم
هجاء "آنت" ألف واحدة .وقال آخر:
تطاللت فاستشرفته فعرفته فقلت له آنت زيد الرانب
وروي عبن اببن ُمحَيصبِن أنبه قرأ" :أنذرتهبم أم لم تنذرهبم" بهمزة ل ألف بعدهبا ،فحذف للتقاء
الهمزتين ،أو لن أم تدل على الستفهام ،كما قال الشاعر:
تروح من الحي أم تبتكر وماذا يضيرك لو تنتظر
أراد :أتروح ،فاكتفبى بأم مبن اللف .وروي عبن اببن أببي إسبحاق أنبه قرأ" :أأنذرتهبم" فحقبق
الهمزتيبن وأدخبل بينهمبا ألفبا لئل يجمبع بينهمبا .قال أببو حاتبم :ويجوز أن تدخبل بينهمبا ألفبا وتخفبف
الثانيبة ،وأببو عمرو ونافبع يفعلن ذلك كثيرا .وقرأ حمزة وعاصبم والكسبائي بتحقيبق الهمزتيبن:
ضنِنوا."أأنذرتهبم" وهبو اختيار أببي عبيبد ،وذلك بعيبد عنبد الخليبل .وقال سبيبويه :يشببه فبي الثقبل َ
قال الخفش :ويجوز تخفيف الولى من الهمزتين وذلك رديء ،لنهم إنما يخففون بعد الستثقال،
وبعببد حصببول الواحدة .قال أبببو حاتببم :ويجوز تخفيببف الهمزتيببن جميعببا .فهذه سبببعة أوجببه مببن
القراءات ،ووجبه ثامبن يجوز فبي غيبر القرآن ،لنبه مخالف للسبواد .قال الخفبش سبعيد :تبدل مبن
الهمزة هاء تقول :هأنذرتهبم ،كمبا يقال هياك وإياك ،وقال الخفبش فبي قوله تعالى" :هبا أنتبم" [آل
عمران ]66 :إنما هو أاأنتم.
**3الية {7ختم ال على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم }
@قوله تعالى" :ختبم ال" َبيّنب سببحانه فبي هذه اليبة المانبع لهبم مبن اليمان بقوله" :ختبم ال".
والختم مصدر ختمت الشيء ختما فهو مختوم ومختم ،شدد للمبالغة ،ومعناه التغطية على الشيء
والستيثاق منه حتى ل يدخله شيء ،ومنه :ختم الكتاب والباب وما يشبه ذلك ،حتى ل يوصل إلى
ما فيه ،ول يوضع فيه غير ما فيه.
وقال أهببل المعانببي :وصببف ال تعالى قلوب الكفار بعشرة أوصبباف :بالختببم والطبببع والضيببق
حمِيببة والنكار .فقال فببي النكار" :قلوبهببم والمرض والرّيببن والموت والقسبباوة والنصببراف وال َ
منكرة وهببم مسببتكبرون" [النحببل .]22 :وقال فببي الحميببة" :إذ جعببل الذيببن كفروا فببي قلوبهببم
الحميبة"[ .الفتبح ]26 :وقال فبي النصبراف" :ثبم انصبرفوا صبرف ال قلوبهبم بأنهبم قوم ل
يفقهون" [التوببة .]127 :وقال فبي القسباوة" :فويبل للقاسبية قلوبهبم مبن ذكبر ال" [الزمبر.]22 :
وقال" :ثم قست قلوبكم من بعد ذلك" [البقرة .]74 :وقال في الموت" :أو من كان ميتا فأحييناه"
[النعام .]122 :وقال" :إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم ال" [النعام .]36 :وقال
فبي الريبن" :كل ببل ران على قلوبهبم مبا كانوا يكسببون"[ .المطففيبن .]14 :وقال فبي المرض:
"فبي قلوبهبم مرض"[ .محمبد ]29 :وقال فبي الضيبق" :ومبن يرد أن يضله يجعبل صبدره ضيقبا
حرجبا"[ .النعام .]125 :وقال فبي الطببع" :وطببع على قلوبهبم فهبم ل يفقهون" [التوببة.]87 :
وقال" :ببل طببع ال عليهبا بكفرهبم" [النسباء .]155 :وقال فبي الختبم" :ختبم ال على قلوبهبم".
[البقرة .]7 :وسيأتي بيانها كلها في مواضعها إن شاء ال تعالى.
@الختم يكون محسوسا كما بينا ،ومعنى كما في هذه الية .فالختم على القلوب :عدم الوعي عن
الحق -سبحانه -مفهوم مخاطباته والفكر في آياته .وعلى السمع :عدم فهمهم للقرآن إذا تلي عليهم
أو دعوا إلى وحدانيتبه .وعلى البصبار :عدم هدايتهبا للنظبر فبي مخلوقاتبه وعجائب مصبنوعاته،
هذا معنى قول ابن عباس وابن مسعود وقتادة وغيرهم.
@ فبي هذه اليبة أدل دليبل وأوضبح سببيل على أن ال سببحانه خالق الهدى والضلل ،والكفبر
واليمان ،فاعتبببروا أيهببا السببامعون ،وتعجبوا أيهببا المفكرون مببن عقول القدريببة القائليببن بخلق
إيمانهم وهداهم ،فإن الختم هو الطبع فمن أين لهم اليمان ولو جهدوا ،وقد طبع على قلوبهم وعلى
سببمعهم وجعببل على أبصببارهم غشاوة ،فمتببى يهتدون ،أو مببن يهديهببم مببن بعببد ال إذا أضلهببم
وأصبمهم وأعمبى أبصبارهم "ومبن يضلل ال فمبا له مبن هاد" [الزمبر ]23 :وكان فعبل ال ذلك
عدل فيمبن أضله وخذله ،إذ لم يمنعبه حقبا وجبب له فتزول صبفة العدل ،وإنمبا منعهبم مبا كان له أن
يتفضل به عليهم ل ما وجب لهم.
فإن قالوا :إن معنى الختم والطبع والغشاوة التسميه والحكم والخبار بأنهم ل يؤمنون ،ل الفعل.
قلنا :هذا فاسد ،لن حقيقة الختم والطبع إنما هو فعل ما يصير به القلب مطبوعا مختوما ،ل يجوز
أن تكون حقيقتبه التسبمية والحكبم ،أل ترى أنبه إذا قيبل :فلن طببع الكتاب وختمبه ،كان حقيقبة أنبه
فعل ما صار به الكتاب مطبوعا ومختوما ،ل التسمية والحكم .هذا ما ل خلف فيه بين أهل اللغة،
ولن المبة مجمعبة على أن ال تعالى قبد وصبف نفسبه بالختبم والطببع على قلوب الكافريبن مجازاة
لكفرهبم ،كمبا قال تعالى" :ببل طببع ال عليهبا بكفرهبم" [النسباء .]155 :وأجمعبت المبة على أن
الطبع والختبم على قلوبهم من جهة النبي عليه السلم والملئكة والمؤمنين ممتنع ،فلو كان الختم
والطبع هو التسمية والحكم لما امتنع من ذلك النبياء والمؤمنون ،لنهم كلهم يسمون الكفار بأنهم
مطبوع على قلوبهببم ،وأنهببم مختوم عليهببا وأنهببم فببي ضلل ل يؤمنون ،ويحكمون عليهببم بذلك.
فثبت أن الختم والطبع هو معنى غير التسمية والحكم ،وإنما هو معنى يخلقه ال في القلب يمنع من
اليمان ببه ،دليله قوله تعالى" :كذلك نسبلكه فبي قلوب المجرميبن .ل يؤمنون ببه" [الحجبر.]12 :
وقال" :وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه" [النعام .]25 :أي يفقهوه ،وما كان مثله.
@قوله تعالى" :على قلوبهبم" فيبه دليبل على فضبل القلب على جميبع الجوارح .والقلب للنسبان
وغيره .وخالص كبل شيبء وأشرفبه قلببه ،فالقلب موضبع الفكبر .وهبو فبي الصبل مصبدر قلببت
الشيبء أقلببه قلببا إذا رددتبه على بداءتبه .وقلبت الناء :رددتبه على وجهه .ثبم نقبل هذا اللفظ فسبمي
به هذا العضو الذي هو أشرف الحيوان ،لسرعة الخواطر إليه ،ولترددها عليه ،كما قيل:
ما سمي القلب إل من تقلبه فاحذر على القلب من قلب وتحويل
ثم لما نقلت العرب هذا المصدر لهذا العضو الشريف التزمت فيه تفخيم قافه ،تفريقا بينه وبين
أصبله .روى اببن ماجبه عبن أببي موسبى الشعري عبن النببي صبلى ال عليبه وسبلم أنبه قال( :مثبل
القلب مثبل ريشبة تقلبهبا الرياح بفلة) .ولهذا المعنبى كان عليبه الصبلة والسبلم يقول( :اللهبم يبا
مثببت القلوب ثببت قلوبنا على طاعتك) .فإذا كان النببي صبلى ال عليه وسلم يقوله مبع عظيم قدره
وجلل منصببببه فنحبببن أولى بذلك اقتداء ببببه ،قال ال تعالى" :واعلموا أن ال يحول بيبببن المرء
وقلبه" [النفال .]24 :وسيأتي.
@ الجوارح وإن كانبت تابعبة للقلب فقبد يتأثبر القلب -وإن رئيسبها وملكهبا -بأعمالهبا للرتباط
الذي بيبن الظاهبر والباطبن ،قال صبلى ال عليبه وسبلم( :إن الرجبل ليصبدق فتنكبت فبي قلببه نكتبة
بيضاء وإن الرجببل ليكذب الكذبببة فيسببود قلبببه) .وروى الترمذي وصببححه عببن أبببي هريرة( :أن
الرجبل ليصبيب الذنبب فيسبود قلببه فإن هبو تاب صبقل قلببه) .قال :وهبو الريبن الذي ذكره ال فبي
القرآن فبي قوله" :كل ببل ران على قلوبهبم مبا كانوا يكسببون" [المطففيبن .]14 :وقال مجاهبد:
القلب كالكف يقبض منه بكل ذنب إصبع ،ثم يطبع.
قلت :وفي قول مجاهد هذا ،وقوله عليه السلم( :إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد
كله وإذا فسبدت فسبد الجسبد كله أل وهبي القلب) دليبل على أن الختبم يكون حقيقيبا ،وال أعلم .وقبد
قيل :إن القلب يشبه الصنوبرة ،وهو يعضد قول مجاهد ،وال أعلم.
وقد روى مسلم عن حذيفة قال حدثنا رسول ال صلى ال عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما
وأنببا أنتظببر الخببر :حدثنببا أن (المانببة نزلت فببي جذر قلوب الرجال ثببم نزل القرآن فعلموا مببن
القرآن وعلموا من السبنة) .ثبم حدثنبا عن رفع المانة قال( :ينام الرجبل النومة فتقببض المانبة من
قلبه فيظل أثرها مثل الوكت ثم ينام النومة فتقبض المانة من قلبه فيظل أثرها مثل ال َمجْل كجمر
دحرجتبه على رجلك فنَفطبَ فتراه منتببرا وليبس فيبه شيبء -ثبم أخبذ حصبى فدحرجبه على رجله
فيصبح الناس يتبايعون ل يكاد أحد يؤدي المانة حتى يقال إن في بني فلن رجل أمينا حتى يقال
للرجبل مبا أجلده مبا أظرفبه مبا أعقله ومبا فبي قلببه مثقال حببة مبن خردل مبن إيمان ولقبد أتبى علي
زمان ومبا أبالي أيكبم بايعبت لئن كان مسبلما ليردنبه علي دينبه ولئن كان نصبرانيا أو يهوديبا ليردنبه
علي ساعيه وأما اليوم فما كنت لبايع منكم إل فلنا وفلنا).
ففي قوله( :الوكت) وهو الثر اليسير .ويقال للبُسر إذا وقعت فيه نكتة من الرطاب :قد وكّت،
فهو موكت .وقوله( :ال َمجْل) ،وهو أن يكون بين الجلد واللحم ماء ،وقد فسره النبي صلى ال عليه
وسبلم بقوله( :كجمبر دحرجتبه) أي دورتبه على رجلك فنفبط( .فتراه منتببرا) أي مرتفعبا -مبا يدل
على أن ذلك كله محسوس في القلب يفعل فيه ،وكذلك الختم والطبع ،وال أعلم .وفي حديث حذيفة
قال سببمعت رسببول ال صببلى ال عليببه وسببلم يقول( :تعرض الفتببن على القلوب كالحصببير عودا
شرِبهبا نُكبت فيبه نكتبة سبوداء وأي قلب أنكرهبا نكبت فيبه نكتبة بيضاء حتبى يصبير عودا فأي قلب ُأ ْ
على قلبين على أبيض مثل الصفا فل تضره فتنة ما دامت السموات والرض والخر أسو ُد مُربادّ
جخّيببا ل يعرف معروفببا ول ينكببر منكرا إل مببا أشرب مببن هواه )...وذكببر الحديببث كالكوز ُم َ
(مجخيا) :يعني مائل.
@ القلب قد يعبر عنه بالفؤاد والصدر ،قال ال تعالى" :كذلك لنثبت به فؤادك" [الفرقان]32 :
وقال" :ألم نشرح لك صبدرك" [الشرح ]1 :يعنبي فبي الموضعيبن قلببك .وقبد يعببر ببه عبن العقبل،
قال ال تعالى" :إن فبي ذلك لذكرى لمبن كان له قلب" [ق ]37 :أي عقبل ،لن القلب محبل العقبل
في قول الكثرين .والفؤاد محل القلب ،والصدر محل الفؤاد ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :وعلى سمعهم" استدل بها من فضل السمع على البصر لتقدمه عليه ،وقال تعالى:
"قبل أرأيتبم إن أخبذ ال سبمعكم وأبصباركم" [النعام .]46 :وقال" :وجعبل لكبم السبمع والبصبار
والفئدة" [السجدة .]9 :قال :والسمع يدرك به من الجهات الست ،وفي النور والظلمة ،ول يدرك
بالبصر إل من الجهة المقابلة ،وبواسطة من ضياء وشعاع .وقال أكثر المتكلمين بتفضيل البصر
على السبمع ،لن السبمع ل يدرك ببه إل الصبوات والكلم ،والبصبر يدرك ببه الجسبام واللوان
والهيئات كلهبا .قالوا :فلمبا كانبت تعلقاتبه أكثبر كان أفضبل ،وأجازوا الدراك بالبصبر مبن الجهات
الست.
@ إن قال قائل :لم جمبع البصبار ووحبد السبمع؟ قيبل له :إنمبا وحده لنبه مصبدر يقبع للقليبل
والكثيبر ،يقال :سبمعت الشيبء أسبمعه سبمعا وسبماعا ،فالسبمع مصبدر سبمعت ،والسبمع أيضبا اسبم
للجارحبة المسبموع بهبا سبميت بالمصبدر .وقيبل :إنبه لمبا أضاف السبمع إلى الجماعبة دل على أنبه
يراد به أسماع الجماعة ،كما قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب
إنما يريد جلودها فوحد ،لنه قد علم أنه ل يكون للجماعة جلد واحد .وقال آخر في مثله:
ل تنكر القتل وقد سبينا في حلقكم عظم وقد شجينا
يريد في حلوقكم ،ومثله قول الخر:
كأنه وجه تركيين قد غضبا مستهدف لطعان غير تذبيب
وإنما يريد وجهين ،فقال وجه تركيين ،لنه قد علم أنه ل يكون للثنين وجه واحد ،ومثله كثير
جدا .وقرئ" :وعلى أسبماعهم" ويحتمبل أن يكون المعنبى وعلى مواضبع سبمعهم ،لن السبمع ل
يختبم وإنمبا يختبم موضبع السبمع ،فحذف المضاف وأقيبم المضاف إليبه مقامبه .وقبد يكون السبمع
س ْمعُك حديثي -أي استماعك إلى حديثي -يعجبني ،ومنه قول ذي الرمة بمعنبى الستماع ،يقالَ :
يصف ثورا تسمع إلى صوت صائد وكلب:
وقد توجس رِكزا مقفر َندُسٌ بنبأة الصوت ما في سمعه كذب
أي مبا فبي اسبتماعه كذب ،أي هبو صبادق السبتماع .والندس :الحاذق .والنبأة :الصبوت الخفبي،
وكذلك الركز .وال سّمع (بكسر السين وإسكان الميم) :ذكر النسان بالجميل ،يقال :ذهب سمعه في
الناس أي ذكره .والسبمع أيضبا :ولد الذئب مبن الضببع .والوقبف هنبا" :وعلى سبمعهم" .و"غشاوة"
رفع على البتداء وما قبله خبر .والضمائر في "قلوبهم" وما عطف عليه لمن سبق في علم ال أنه
ل يؤمبن مبن كفار قريبش ،وقيبل مبن المنافقيبن ،وقيبل مبن اليهود ،وقيبل مبن الجميبع ،وهبو أصبوب،
لنبه يعبم .فالختبم على القلوب والسبماع .والغشاوة على البصبار .والغشاء :الغطاء .ومنبه غاشيبة
السرج ،وغشيت الشيء أغشيه .قال النابغة:
هل سألت بنى ذبيان ما حسبي إذا الدخان تغشى الشمط ال َب َرمَا
وقال آخر:
صحبتك إذ عيني عليها غشاوة فلما انجلت قطعت نفسي ألومها
قال اببببن كيسبببان :فإن جمعبببت غشاوة قلت :غشاء بحذف الهاء .وحكبببى الفراء :غشاوى مثبببل
أداوى .وقرئ" :غشاوة" بالنصب على معنى وجعل ،فيكون من باب قوله:
علفتها تبنا وماء باردا
وقول الخر:
يا ليت زوجك قد غدا متقلدا سيفا ورمحا
المعنببى وأسببقيتها ماء ،وحامل رمحببا ،لن الرمببح ل يتقلد .قال الفارسببي :ول تكاد تجببد هذا
السببتعمال فببي حال سببعة واختيار ،فقراءة الرفببع أحسببن ،وتكون الواو عاطفببة جملة على جملة.
قال :ولم أسبمع مبن الغشاوة فعل متصببرفا بالواو .وقال بعببض المفسبرين :الغشاوة على السببماع
والبصار ،والوقف على "قلوبهم" .وقال آخرون :الختم في الجميع ،والغشاوة هي الختم ،فالوقف
حيْوة بفتحهبا ،وروي عبن على هذا على "غشاوة" .وقرأ الحسبن "غشاوة" بضبم الغيبن ،وقرأ أببو َ
أبببي عمرو :غشوة ،رده إلى أصببل المصببدر .قال ابببن كيسببان :ويجوز غَشوة وغِشوة وأجودهببا
غِشاوة ،كذلك تسببتعمل العرب فببي كببل مببا كان مشتمل على الشيببء ،نحببو عمامبة وكنانببة وقلدة
وعصابة وغير ذلك.
@قوله تعالى" :ولهم" أي للكافرين المكذبين "عذاب عظيم" نعته .والعذاب مثل الضرب بالسوط
والحرق بالنار والقطبع بالحديبد ،إلى غيبر ذلك ممبا يؤلم النسبان .وفبي التنزيبل" :وليشهبد عذابهمبا
عذِبه عن كذا أي طائفة من المؤمنين" [النور ]2 :وهو مشتق من الحبس والمنع ،يقال في اللغة :أ ْ
أحبسبه وأمنعبه ،ومنبه سبمي عذوببة الماء ،لنهبا قبد أعذببت .واسبتعذب بالحببس فبي الوعاء ليصبفو
ويفارقبه مبا خالطبه ،ومنبه قول علي رضبي ال عنبه :أعذبوا نسباءكم عبن الخروج ،أي احبسبوهن.
وعنه رضي ال عنه وقد شيع سرية فقال :أعذبوا عن ذكر النساء [أنفسكم] فإن ذلك يكسركم عن
الغزو ،وكل من منعته شيئا فقد أعذبته ،وفي المثل" :للجمنك لجاما معذِبا" أي مانعا عن ركوب
الناس .ويقال :أعذب أي امتنبع .وأعذب غيره ،فهبو لزم ومتعبد ،فسبمي العذاب عذاببا لن صباحبه
يحبس ويمنع عنه جميع ما يلئم الجسد من الخير ويهال عليه أضدادها.
**3الية {8ومن الناس من يقول آمنا بال وباليوم الخر وما هم بمؤمنين}
@ روى ابن جريج عن مجاهد قال :نزلت أربع آيات من سورة البقرة في المؤمنين ،واثنتان في
نعت الكافرين ،وثلث عشرة في المنافقين .وروى أسباط عن السدي في قوله" :ومن الناس" قال:
هم المنافقون .وقال علماء الصوفية :الناس اسم جنس ،واسم الجنس ل يخاطب به الولياء.
@ واختلف النحاة فبي لفبظ الناس ،فقيبل :هو اسبم مبن أسبماء الجموع ،جمبع إنسبان وإنسبانة ،على
غير اللفظ ،وتصغيره نويس .فالناس من النوس وهو الحركة ،يقال :ناس ينوس أي تحرك ،ومنه
حديث أم زرع" :أنا سَ من حُليّ أذني" .وقيل :أصله من نسي ،فأصل ناس نسي قلب فصار نيس
تحركبت الياء فانفتبح مبا قبلهبا فانقلببت ألفبا ،ثبم دخلت اللف واللم فقيبل :الناس .قال اببن عباس:
نسي آدم عهد ال فسمي إنسانا .وقال عليه السلم( :نسي آدم فنسيت ذريته) .وفي التنزيل" :ولقد
عهدنا إلى آدم من قبل فنسي" [طه ]115 :وسيأتي وعلى هذا فالهمزة زائدة ،قال الشاعر:
ل تنسين تلك العهود فإنما سميت إنسانا لنك ناسي
وقال آخر:
فإن نسيت عهودا منك سالفة فاغفر فأول ناس أول الناس
وقيل :سمي إنسانا لنسه بحواء .وقيل :لنسه بربه ،فالهمزة أصلية ،قال الشاعر:
وما سمي النسان إل لنسه ول القلب إل أنه يتقلب
@ لما ذكر ال جل وتعالى المؤمنين أول ،وبدأ بهم لشرفهم وفضلهم ،ذكر الكافرين في مقابلتهم،
إذ الكفبر واليمان طرفان .ثبم ذكبر المنافقيبن بعدهبم وألحقهبم بالكافريبن قبلهبم ،لنفبي اليمان عنهبم
بقوله الحبق" :ومبا هبم بمؤمنيبن" .ففبي هذا رد على الكرّاميبة حيبث قالوا :إن اليمان قول باللسبان
وإن لم يعتقبد بالقلب ،واحتجوا بقوله تعالى" :فأثابهبم ال بمبا قالوا" [المائدة .]85 :ولم يقبل :بمبا
قالوا وأضمروا ،وبقوله عليبه السبلم( :أمرت أن أقاتبل الناس حتبى يقولوا ل إله إل ال فإذا قالوهبا
عصموا مني دمائهم وأموالهم) .وهذا منهم قصور وجمود ،وترك نظر لما نطق به القرآن والسنة
مبن العمبل مبع القول والعتقاد ،وقبد قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم( :اليمان معرفبة بالقلب
وقول باللسببان وعمببل بالركان) .أخرجببه ابببن ماجببة فببي سببننه .فمببا ذهببب إليببه محمببد بببن كرام
السجستاني وأصحابه هو النفاق وعين الشقاق ،ونعوذ بال من الخذلن وسوء العتقاد.
@ قال علماؤنا رحمة ال عليهم :المؤمن ضربان :مؤمن يحبه ال ويواليه ،ومؤمن ل يحبه ال
ول يواليبه ،ببل يبغضبه ويعاديبه ،فكبل مبن علم ال أنبه يوافبي باليمان ،فال محبب له ،موال له،
راض عنبه .وكبل مبن علم ال أنبه يوافبي بالكفبر ،فال مبغبض له ،سباخط عليبه ،معاد له ،ل لجبل
إيمانبه ،ولكبن لكفره وضلله الذي يوافبي ببه .والكافبر ضربان :كافبر يعاقبب ل محالة ،وكافبر ل
يعاقببب .فالذي يعاقببب هببو الذي يوافببي بالكفببر ،فال سبباخط عليببه معاد له .والذي ل يعاقببب هببو
الموافببي باليمان ،فال غيببر سبباخط على هذا ول مبغببض له ،بببل محببب له موال ،ل لكفره لكببن
ليمانه الموافي به .فل يجوز أن يطلق القول وهي- :
@ بأن المؤمن يستحق الثواب ،والكافر يستحق العقاب ،بل يجب تقييده بالموافاة ،ولجل هذا قلنا:
إن ال راض عن عمر في الوقت الذي كان يعبد الصنام ،ومريد لثوابه ودخوله الجنة ،ل لعبادته
الصنم ،لكن ليمانه الموافي به .وإن ال تعالى ساخط على إبليس في حال عبادته ،لكفره الموافي
به.
وخالفت القدرية في هذا وقالت :إن ال لم يكن ساخطا على إبليس وقت عبادته ،ول راضيا عن
عمبر وقبت عبادتبه للصبنم .وهذا فاسبد ،لمبا ثببت أن ال سببحانه عالم بمبا يوافبي ببه إبليبس لعنبه ال،
وبمبا يوافبي ببه عمبر رضبي ال عنبه فيمبا لم يزل ،فثببت أنبه كان سباخطا على إبليبس محببا لعمبر.
ويدل عليه إجماع المة على أن ال سبحانه وتعالى غير محب لمن علم أنه من أهل النار ،بل هو
سباخط عليبه ،وأنبه محبب لمبن علم أنبه مبن أهبل الجنبة ،وقبد قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم:
(وإنما العمال بالخواتيم) ولهذا قال علماء الصوفية :ليس اليمان ما يتزين به العبد قول وفعل،
جرْيُ السعادة في سوابق الزل ،وأما ظهوره على الهياكل فربما يكون عاريا ،وربما لكن اليمان َ
يكون حقيقة.
قلت :هذا كمبا ثببت فبي صبحيح مسبلم وغيره عبن عبدال ببن مسبعود قال حدثنبا رسبول ال صبلى
ال عليه وسلم وهو الصادق المصدوق( :إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون
فبي ذلك علقبة مثبل ذلك ثبم يكون فبي ذلك مضغبة مثبل ذلك ثبم يرسبل ال الملك فينفبخ فيبه الروح
ويؤمببر بأربببع كلمات يكتببب رزقببه وأجله وعمله وشقببي أو سببعيد فوالذي ل إله غيره إن أحدكببم
ليعمبل بعمبل أهبل الجنبة حتبى مبا يكون بينبه وبينهبا إل ذراع فيسببق عليبه الكتاب فيعمبل بعمبل أهبل
النار فيدخلهبا وإن أحدكبم ليعمبل بعمبل أهبل النار حتبى مبا يكون بينبه وبينهبا إل ذراع فيسببق عليبه
الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) .فإن قيل وهي- :
@ فقبد خرج المام الحافبظ أببو محمبد عبدالغنبي ببن سبعيد المصبري مبن حديبث محمبد ببن سبعيد
الشامي المصلوب في الزندقة ،وهو محمد بن أبي قيس ،عن سليمان بن موسى وهو الشدق ،عن
مجاهبد ببن جببر عبن اببن عباس أخبرنبا أببو رَزيبن العقيلي قال قال لي رسبول ال صبلى ال عليبه
وسلم( :لشربن أنا وأنت يا أبا رزين من لبن لم يتغير طعمه) قال قلت :كيف يحيي ال الموتى؟
قال( :أمبا مررت بأرض لك مجدببة ثبم مررت بهبا مخصببة ثبم مررت بهبا مجدببة ثبم مررت بهبا
مخصببة) قلت :بلى .قال( :كذلك النشور) قال قلت :كيبف لي أن أعلم أنبي مؤمبن؟ قال( :ليبس أحبد
من هذه المة -قال ابن أبي قيس :أو قال من أمتي -عمل حسنة وعلم أنها حسنة وأن ال جازيه
بها خيرا أو عمل سيئة وعلم أنها سيئة وأن ال جازيه بها شرا أو يغفرها إل مؤمن).
قلت :وهذا الحديبث وإن كان سبنده ليبس بالقوي فإن معناه صبحيح وليبس بمعارض لحديبث اببن
مسبعود ،فإن ذلك موقوف على الخاتمبة ،كمبا قال عليبه السبلم( :وإنمبا العمال بالخواتيبم) .وهذا
إنما يدل على أنه مؤمن في الحال ،وال أعلم.
@ قال علماء اللغة :إنما سمي المنافق منافقا لظهاره غير ما يضمر ،تشبيها باليربوع ،له جحر
يقال له :النافقاء ،وآخببر يقال له :القاصببعاء .وذلك أنببه يخرق الرض حتببى إذا كاد يبلغ ظاهببر
الرض أرق التراب ،فإذا رابه ريب دفع ذلك التراب برأسه فخرج ،فظاهر جحره تراب ،وباطنه
حفر .وكذلك المنافق ظاهره إيمان ،وباطنه كفر ،وقد تقدم هذا المعنى.
**3الية {9يخادعون ال والذين آمنوا وما يخدعون إل أنفسهم وما يشعرون}
@قال علماؤنبا :معنبى "يخادعون ال" أي يخادعونبه عنبد أنفسبهم وعلى ظنهبم .وقيبل :قال ذلك
لعملهم عمل المخادع .وقيل :في الكلم حذف ،تقديره :يخادعون رسول ال صلى ال عليه وسلم،
عبن الحسبن وغيره .وجعبل خداعهبم لرسبوله خداعبا له ،لنبه دعاهبم برسبالته ،وكذلك إذا خادعوا
المؤمنين فقد خادعوا ال .ومخادعتهم :ما أظهروه من اليمان خلف ما أبطنوه من الكفر ،ليحقنوا
دماءهبم وأموالهبم ،ويظنون أنهبم قبد نجوا وخدعوا ،قاله جماعبة مبن المتأوليبن .وقال أهبل اللغبة:
أصل المخدع في كلم العرب الفساد ،حكاه ثعلب عن ابن العرابي .وأنشد:
أبيض اللون لذيذ طعمه طيب الريق إذا الريق خدع
قلت :فب ب "يخادعون ال" على هذا ،أي يفسببدون إيمانهببم وأعمالهببم فيمببا بينهببم وبيببن ال تعالى
بالرياء .وكذا جاء مفسبر عبن النببي صبلى ال عليبه وسبلم على مبا يأتبي .وفبي التنزيبل" :يراؤون
الناس"[ .النسباء ]142 :وقيبل :أصبله الخفاء ،ومنبه مخدع البيبت الذي يحرز فيبه الشيبء ،حكاه
ابن فارس وغيره .وتقول العرب :أنخدع الضب في جحره.
@قوله تعالى" :ومبا يخدعون إل أنفسبهم" نفبي وإيجاب ،أي مبا تحبل عاقببة الخدع إل بهبم .ومبن
كلمهبم :مبن خدع مبن ل يخدع فإنمبا يخدع نفسبه .وهذا صبحيح ،لن الخداع إنمبا يكون مبع مبن ل
يعرف البواطبن ،وأمبا مبن عرف البواطبن فمبن دخبل معبه فبي الخداع فإنمبا يخدع نفسبه .ودل هذا
على أن المنافقيبن لم يعرفوا ال إذ لو عرفوه لعرفوا أنبه ل يخدع ،وقبد تقدم مبن قوله عليبه السبلم
أنه قال( :ل تخادع ال فإنبه من يخادع ال يخدعه ال ونفسه يخدع لو يشعبر) قالوا :يا رسول ال،
وكيببف يخادع ال؟ قال( :تعمببل بمببا أمرك ال بببه وتطلب بببه غيره) .وسببيأتي بيان الخدع مببن ال
تعالى كيبف هبو عنبد قوله تعالى" :ال يسبتهزئ بهبم" [البقرة .]15 :وقرأ نافبع واببن كثيبر وأببو
عمرو" :يخادعون" في الموضعين ،ليتجانس اللفظان .وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر:
"يخدعون" الثانبي .والمصبدر خدع (بكسبر الخاء) وخديعبة ،حكبى ذلك أببو زيبد .وقرأ مورّق
العجلي" :يخدّعون ال" (بضببم الياء وفتببح الخاء وتشديببد الدال) على التكثيببر .وقرأ أبببو طالوت
عبدالسبلم ببن شداد والجارود بضبم الياء وإسبكان الخاء وفتبح الدال ،على معنبى ومبا يخدعون إل
عبن أنفسبهم ،فحذف حرف الجبر ،كمبا قال تعالى" :واختار موسبى قومبه" [العراف ]155 :أي
من قومه.
@قوله تعالى" :وما يشعرون" أي يفطنون أن وبال خدعهم راجع عليهم ،فيظنون أنهبم قد نجوا
بخدعهبم وفازوا ،وإنمبا ذلك فبي الدنيبا ،وفبي الخرة يقال لهبم" :ارجعوا وراءكبم فالتمسبوا نورا"
[الحديد ]13 :على ما يأتي .قال أهل اللغة :شعرت بالشيء أي فطنت له ،ومنه الشاعر لفطنته،
لنه يفطن لما ل يفطن له غيره من غريب المعاني .ومنه قولهم :ليت شعري ،أي ليتني علمت.
**3الية {10في قلوبهم مرض فزادهم ال مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون}
@قوله تعالى" :فبي قلوبهبم مرض" ابتداء وخببر .والمرض عبارة مسبتعارة للفسباد الذي فبي
عقائدهم .وذلك إما أن يكون شكا ونفاقا ،وإما جحدا وتكذيبا .والمعنى :قلوبهم مرضى لخلوها عن
العصمة والتوفيق والرعاية والتأييد .قال ابن فارس اللغوي :المرض كل ما خرج به النسان عن
حد الصحة من علة أو نفاق أو تقصير في أمر .والقراء مجمعون على فتح الراء من "مرض" إل
ما روى الصمعي عن أبي عمرو أنه سكن الراء.
@قوله تعالى" :فزادهبم ال مرضبا" قيبل :هبو دعاء عليهبم .ويكون معنبى الكلم :زادهبم ال شكبا
ونفاقا جزاء على كفرهم وضعفا عن النتصار وعجزا عن القدرة ،كما قال الشاعر:
يا مرسل الريح جنوبا وصبا إذ غضبت زيد فزدها غضبا
أي ل تهدها على النتصار فيما غضبت منه .وعلى هذا يكون في الية دليل على جواز الدعاء
على المنافقين والطرد لهم ،لنهم شر خلق ال .وقيل :هو إخبار من ال تعالى عن زيادة مرضهم،
أي فزادهم ال مرضا إلى مرضهم ،كما قال في آية أخرى" :فزادتهم رجسا إلى رجسهم" [التوبة:
.]125وقال أرباب المعاني" :في قلوبهم مرض" أي بسكونهم إلى الدنيا وحبهم لها وغفلتهم عن
الخرة وإعراضهبم عنهبا .وقوله" :فزادهبم ال مرضبا" أي وكلهبم إلى أنفسهم ،وجمبع عليهم هموم
الدنيا فلم يتفرغوا من ذلك إلى اهتمام بالدين" .ولهم عذاب أليم" بما يفنى عما يبقى .وقال الجنيد:
علل القلوب من اتباع الهوى ،كما أن علل الجوارح من مرض البدن.
@قوله تعالى" :ولهم عذاب أليم" (أليم) في كلم العرب معناه مؤلم أي موجع ،مثل السميع بمعنى
المسمع ،قال ذو الرمة يصف إبل:
ونرفع من صدور شمردلت يصُك وجوهها وهج أليم
وآلم إذا أوجبع .واليلم :اليجاع .واللم :الوجبع ،وقبد ألِم يألم ألمبا .والتألم :التوجبع .ويجمبع أليبم
على ألماء مثل كريم وكرماء ،وآلم مثل أشراف.
@قوله تعالى" :بمبا كانوا يكذبون" مبا مصبدرية ،أي بتكذيبهبم الرسبل وردهبم على ال جبل وعبز
وتكذيبهبم بآياتبه ،قاله أببو حاتبم .وقرأ عاصبم وحمزة والكسبائي بالتخفيبف ،ومعناه بكذبهبم وقولهبم
آمنا وليسوا بمؤمنين.
مسبألة :واختلف العلماء فبي إمسباك النببي صبلى ال عليبه وسبلم عبن قتبل المنافقيبن مبع علمبه
بنفاقهم على أربعة أقوال:
القول الول :قال بعبض العلماء :إنمبا لم يقتلهبم لنبه لم يعلم حالهبم أحبد سبواه .وقبد اتفبق العلماء
على بكرة أبيهم على أن القاضي ل يقتل بعلمه ،وإنما اختلفوا في سائر الحكام .قال ابن العربي:
وهذا منتقببض ،فقببد ُقتِلَ بالمُجذّر بببن زياد الحارثُب بببن سببويد بببن الصببامت ،لن المجذر قتببل أباه
سويدا يوم بُعاث ،فأسلم الحارث وأغفله يوم أحد فقتله ،فأخبر به جبريلُ النبيَ صلى ال عليه وسلم
فقتله به ،لن قتله كان غيلة ،وقتل الغيلة حد من حدود ال.
قلت :وهذه غفلة مبن هذا المام ،لنبه إن ثببت الجماع المذكور فليبس بمنتقبض بمبا ذكبر ،لن
الجماع ل ينعقبد ول يثببت إل بعبد موت النببي صبلى ال عليبه وسبلم وانقطاع الوحبي ،وعلى هذا
فتكون تلك قضية في عين بوحي ،فل يحتج بها أو منسوخة بالجماع .وال أعلم.
القول الثانبي :قال أصبحاب الشافعبي :إنمبا لم يقتلهبم لن الزنديبق وهبو الذي يسبر الكفبر ويظهبر
اليمان يسبتتاب ول يقتبل .قال اببن العرببي :وهذا وهبم ،فإن النببي صبلى ال عليبه وسبلم لم يسبتتبهم
ول نقبل ذلك أحبد ،ول يقول أحبد إن اسبتتابة الزنديبق واجببة وقبد كان النببي صبلى ال عليبه وسبلم
معرضا عنهم علمه بهم .فهذا المتأخر من أصحاب الشافعي الذي قال :إن استتابة الزنديق جائزة
قال قول لم يصح لحد.
القول الثالث :إنما لم يقتلهم مصلحة لتأليف القلوب عليه لئل تنفر عنه ،وقد أشار صلى ال عليه
وسلم إلى هذا المعنى بقوله لعمر( :معاذ ال أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي) أخرجه البخاري
ومسبلم .وقبد كان يعطبي للمؤلفبة قلوبهبم مبع علمبه بسبوء اعتقادهبم تألفبا ،وهذا هبو قول علمائنبا
وغيرهم .قال ابن عطية .وهي طريقة أصحاب مالك رحمه ال في كف رسول ال صلى ال عليه
وسلم عن المنافقين ،نص على هذا محمد بن الجهم والقاضي إسماعيل والبهري وابن الماجشون،
واحتج بقوله تعالى" :لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض" [الحزاب ]60 :إلى قوله:
"وقتلوا تقتيل" [الحزاب .]61 :قال قتادة :معناه إذا هبم أعلنوا النفاق .قال مالك رحمبه ال:
النفاق في عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم هو الزندقة فينا اليوم ،فيقتل الزنديق إذا شهد عليه
بهبا دون اسبتتابة ،وهبو أحبد قولي الشافعبي .قال مالك :وإنمبا كبف رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم
عببن المنافقيببن ليبببين لمتببه أن الحاكببم ل يحكببم بعلمببه ،إذ لم يشهببد على المنافقيببن .قال القاضببي
إسبماعيل :لم يشهبد على عبدال ببن أببي إل زيببد ببن أرقببم وحده ،ول على الجُلس ببن سبويد إل
عمير بن سعد ربيبه ،ولو شهد على أحد منهم رجلن بكفره ونفاقه لقتل .وقال الشافعي رحمه ال
محتجا للقول الخر :السنة فيمن شهد عليه بالزندقة فجحد وأعلن باليمان وتبرأ من كل دين سوى
السببلم أن ذلك يمنببع مبن إراقببة دمببه .وبببه قال أصببحاب الرأي وأحمببد والطبببري وغيرهببم .قال
الشافعي وأصحابه .وإنما منع رسول ال صلى ال عليه وسلم من قتل المنافقين ما كانوا يظهرونه
مببن السببلم مببع العلم بنفاقهببم ،لن مببا يظهرونببه يجُبّ مببا قبله .وقال الطبببري :جعببل ال تعالى
الحكام بيبن عباده على الظاهبر ،وتولى الحكبم فبي سبرائرهم دون أحبد مبن خلقبه ،فليبس لحبد أن
يحكم بخلف ما ظهر ،لنه حكم بالظنون ،ولو كان ذلك لحد كان أولى الناس به رسول ال صلى
ال عليه وسلم ،وقد حكم للمنافقين بحكم المسلمين بما أظهروا ،ووكل سرائرهم إلى ال .وقد كذب
ال ظاهرهبم فبي قوله" :وال يشهبد إن المنافقيبن لكاذبون" [المنافقون ]1 :قال اببن عطيبة :ينفصبل
المالكيون عمببا لزموه مببن هذه اليببة بأنهببا لم تعيببن أشخاصببهم فيهببا وإنمببا جاء فيهببا توبيببخ لكببل
مغموص عليه بالنفاق ،وبقي لكل واحد منهم أن يقول :لم أرد بها وما أنا إل مؤمن ،ولو عين أحد
لما جب كذبه شيئا.
قلت :هذا النفصببال فيببه نظببر ،فإن النبببي صببلى ال عليببه وسببلم كان يعلمهببم أو كثيرا منهببم
بأسمائهم وأعيانهم بإعلم ال تعالى إياه ،وكان حذيفة يعلم ذلك بإخبار النبي عليه السلم إياه حتى
كان عمر رضي ال عنه يقول له :يا حذيفة هل أنا منهم؟ فيقول له :ل.
القول الرابع :وهو أن ال تعالى كان قد حفظ أصحاب نبيه عليه السلم بكونه ثبتهم أن يفسدهم
المنافقون أو يفسدوا دينهم فلم يكن في تبقيتهم ضرر ،وليس كذلك اليوم ،لنا ل نأمن من الزنادقة
أن يفسدوا عامتنا وجهالنا.
**3الية {11وإذا قيل لهم ل تفسدوا في الرض قالوا إنما نحن مصلحون}
@قوله" :إذا" فبي موضبع نصبب على الظرف والعامبل فيهبا "قالوا" ،وهبي تؤذن بوقوع الفعبل
المنتظببر .قال الجوهري" :إذا" اسببم يدل على زمان مسببتقبل ،ولم تسببتعمل إل مضافببة إلى جملة،
تقول :أجيئك إذا أحمبر البسبر ،وإذا قدم فلن .والذي يدل على أنهبا اسبم وقوعهبا موقبع قولك :آتيبك
يوم يقدم فلن ،فهبي ظرف وفيهبا معنبى المجازاة .وجزاء الشرط ثلثبة :الفعبل والفاء وإذا ،فالفعبل
قولك :إن تأتنبي آتبك .والفاء :إن تأتنبي فأنبا أحسبن إليبك .وإذا كقوله تعالى" :وإن تصببهم سبيئة بمبا
قدمت أيديهم إذا هم يقنطون" [الروم .]36 :ومما جاء من المجازاة بإذا في الشعر قول قيس بن
الخطيم:
إذا قصرت أسيافنا كان وصلها خطانا إلى أعدائنا فنضارب
فعطببف "فنضارب" بالجزم على "كان" لنببه مجزوم ،ولو لم يكببن مجزومببا لقال :فنضارب،
بالنصب .وقد تزاد على "إذا" "ما" تأكيدا ،فيجزم بها أيضا ،ومنه قول الفرزدق:
فقام أبو ليلى إليه ابن ظالم وكان إذا ما يسلل السيف يضرب
قال سيبويه :والجيد ما قال كعب بن زهير:
وإذا ما تشاء تبعث منها مغرب الشمس ناشطا مذعورا
يعنبي أن الجيبد أل يجزم بإذا ،كمبا لم يجزم فبي هذا البيبت .وحكبي عبن المببرد أنهبا فبي قولك فبي
المفاجأة :خرجبت فإذا زيبد ،ظرف مكان ،لنهبا تضمنبت جُثبة .وهذا مردود ،لن المعنبى خرجبت
فإذا حضور زيبد ،فإنمبا تضمنبت المصبدر كمبا يقتضيبه سبائر ظروف الزمان ،ومنبه قولهبم" :اليوم
خمر وغدا أمر" فمعناه وجود خمر ووقوع أمر.
@قوله" :قيبل" مبن القول وأصبله قَوِل ،نقلت كسبرة الواو إلى القاف فانقلببت الواو ياء .ويجوز:
"قيلْ لّهم" بإدغام اللم في اللم وجاز الجمع بين ساكنين ،لن الياء حرف مد ولين .قال الخفش:
ويجوز "قيبل" بضبم القاف والياء .وقال الكسبائي :ويجوز إشمام القاف الضبم ليدل على أنبه لمبا لم
يسم فاعله ،وهي لغة قيس وكذلك جيء وغيض وحيل وسيق وسيء وسيئت .وكذلك روى هشام
عن ابن عباس ،وروي عن يعقوب .وأشم منها نافع سيء وسيئت خاصة .وزاد ابن ذكوان :حيل
وسبيق ،وكسبر الباقون فبي الجميبع .فأمبا هذيبل وبنود دبيبر مبن أسبد وبنبي فقعبس فيقولون" :قول"
بواو ساكنة.
@قوله" :ل تفسدوا" (ل) نهي .والفساد ضد الصلح ،وحقيقته العدول عن الستقامة إلى ضدها.
فسبد الشيبء فسبادا وفسبودا وهبو فاسبد وفسبيد .والمعنبى فبي اليبة :ل تفسبدوا فبي الرض بالكفبر
وموالة أهله ،وتفريببق الناس عببن اليمان بمحمببد صببلى ال عليببه وسببلم والقران .وقيببل :كانببت
الرض قببل أن يبعبث النببي صبلى ال عليبه وسبلم فيهبا الفسباد ،ويفعبل فيهبا بالمعاصبي ،فلمبا بعبث
النببي صبلى ال عليبه وسبلم ارتفبع الفسباد وصبلحت الرض .فإذا عملوا بالمعاصبي فقبد أفسبدوا فبي
الرض بعببد إصببلحها ،كمببا قال فببي آيببة أخرى" :ول تفسببدوا فببي الرض بعببد إصببلحها"
[العراف.]56 :
@قوله" :في الرض" الرض مؤنثة ،وهي اسم جنس ،وكان حق الواحدة منها أن يقال أرضة،
ولكنهبم لم يقولوا .والجمبع أرضات ،لنهبم قبد يجمعون المؤنبث الذي ليسبت فيبه هاء التأنيبث بالتاء
كقولهم :عرسات .ثم قالوا أرضون فجمعوا بالواو والنون ،والمؤنث ل يجمع بالواو والنون إل أن
يكون منقوصا كثبة وظبة ،ولهم جعلوا الواو والنون عوضا من حذفهم اللف والتاء وتركوا فتحة
الراء على حالهبا ،وربمبا سبكنت .وقبد تجمع على أروض .وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون :أرض
وآراض ،كمبا قالوا :أهبل وآهال .والراضبي أيضبا على غيبر قياس ،كأنهبم جمعوا آرُضبا .وكبل مبا
سفل فهو أرض .وأرض أريضة ،أي زكية بينة الراضة .وقد أرِضت بالضم ،أي زكت .قال أبو
عمرو :نزلنا أرضا أريضة ،أي معجبة للعين ،ويقال :ل أرض لك ،كما يقال :ل أم لك .والرض:
أسفل قوائم الدابة ،قال حميد يصف فرسا:
ولم يقلب أرضها البَيطار ول لحبليه بها حبار
أي أثر والرض :النفضة والرعدة .روى حماد بن سلمة عن قتادة عن عبدال بن الحارث قال:
زلزلت الرض بالبصرة ،فقال ابن عباس :وال ما أدري أزلزلت الرض أم بي أرْض؟ أي أم بي
رعدة ،وقال ذو الرمة يصف صائدا:
إذا توجس ركزا من سنابكها أو كان صاحب أرض أو به الموم
والرض :الزكام .وقبد آرضبه ال إيراضبا ،أي أزكمبه فهبو مأروض .وفسبيل مسبتأرض ،ووديبة
مسبتأرضة (بكسبر الراء) وهبو أن يكون له عرق فبي الرض ،فأمبا إذا نببت على جذع النخبل فهبو
الراكب .والراض (بالكسر) :بساط ضخم من صوف أو وبر .ورجل أريض ،أي متواضع خليق
للخيبر .قال الصبمعي يقال :هبو آرضهبم أن يفعبل ذلك ،أي أخلقهبم .وشيبء عريبض أريبض إتباع
له ،وبعضهم يفرده ويقول :جدي أريض أي سمين.
@قوله" :نحبن" أصبل " َنحْن" َنحُن قلببت حركبة الحاء على النون وأسبكنت الحاء ،قاله هشام ببن
معاويبة النحوي .وقال الزجاج" :نحبن" لجماعبة ،ومبن علمبة الجماعبة الواو ،والضمبة مبن جنبس
الواو ،فلمبا اضطروا إلى حركبة "نحبن" للتقاء السباكنين حركوهبا بمبا يكون للجماعبة .قال :لهذا
ضموا واو الجمبع فبي قوله عبز وجبل" :أولئك الذيبن اشتروا الضللة" [البقرة ]16 :وقال محمبد
ببن يزيبد" :نحبن" مثبل قببل وبعبد ،لنهبا متعلقبة بالخبار عبن اثنيبن وأكثبر ،فبب "أنبا" للواحبد "نحبن"
للتثنيبة والجمبع ،وقبد يخببر ببه المتكلم عبن نفسبه فبي قوله :نحبن قمنبا ،قال ال تعالى" :نحبن قسبمنا
بينهم معيشتهم" [الزخرف ]32 :والمؤنث في هذا إذا كانت متكلمة بمنزلة المذكر ،تقول المرأة:
قمت وذهبت ،وقمنا وذهبنا ،وأنا فعلت ذاك ،ونحن فعلنا .هذا كلم العرب فاعلم.
@قوله تعالى" :مصبلحون" اسبم فاعبل مبن أصبلح .والصبلح :ضبد الفسباد .وصبلح الشيبء (بضبم
اللم وفتحهبا) لغتان ،قال اببن السبكيت .والصبلوح (بضبم الصباد) مصبدر صبلح (بضبم اللم) ،قال
الشاعر:
فكيف بإطراقي إذا ما شتمتني وما بعد شتم الوالدين صلوح
وصلح من أسماء مكة .والصلح (بكسر الصاد) :نهر.
وإنمبا قالوا ذلك على ظنهبم ،لن إفسبادهم عندهبم إصبلح ،أي أن ممالتنبا للكفار إنمبا نريبد بهبا
الصلح بينهم وبين المؤمنين .قال ابن عباس وغيره.
**3الية{12 :أل إنهم هم المفسدون ولكن ل يشعرون}
@قوله عبز وجبل" :أل إنهبم هبم المفسبدون" ردا عليهبم وتكذيببا لقولهبم .قال أرباب المعانبي :مبن
أظهببر الدعوى كذب ،أل ترى أن ال عببز وجببل يقول :أل إنهببم هببم المفسببدون وهذا صببحيح.
وكسبرت "إن" لنهبا مبتدأة ،قال النحاس .وقال علي ببن سبليمان .يجوز فتحهبا ،كمبا أجاز سبيبويه:
حقا أنك منطلق ،بمعنى أل .و"هم" يجوز أن يكون مبتدأ و"المفسدون" خبره والمبتدأ وخبره خبر
"إن" .ويجوز أن تكون "هببببم" توكيدا للهاء والميببببم فببببي "إنهببببم" .ويجوز أن تكون فاصببببلة -
والكوفيون يقولون عمادا -و"المفسبدون" خببر "إن" ،والتقديبر أل إنهبم المفسبدون ،كمبا تقدم فبي
قوله" :وأولئك هم المفلحون" [لقمان.]5 :
@قوله تعالى" :ولكن ل يشعرون" قال ابن كيسان يقال :ما على من لم يعلم أنه مفسد من الذم،
إنما يذم إذا علم أنه مفسد ثم أفسد على علم ،قال :ففيه جوابان :أحدهما -أنهم كانوا يعملون الفساد
سرا ويظهرون الصلح وهم ل يشعرون أن أمرهم يظهر عند النبي صلى ال عليه وسلم .والوجه
الخبر :أن يكون فسبادهم عندهبم صبلحا وهبم ل يشعرون أن ذلك فسباد ،وقبد عصبوا ال ورسبوله
في تركهم تبيين الحق واتباعه "ولكن" حرف تأكيد واستدراك ول بد فيه من نفي وإثبات ،إن كان
قبله نفبي كان بعده إيجاب ،وإن كان قبله إيجاب كان بعده نفبي .ول يجوز القتصبار بعده على اسبم
واحد إذا تقدم اليجاب ،ولكنك تذكر جملة مضادة لما قبلها كما في هذه الية ،وقولك :جاءني زيد
لكن عمرو لم يجئ ،ول يجوز جاءني زيد لكن عمرو ثم تسكت ،لنهم قد استغنوا ببل في مثل هذا
الموضع عن لكن ،وإنما يجوز ذلك إذا تقدم النفي كقولك :ما جاءني زيد لكن عمرو.
**3اليبة{13 :وإذا قيبل لهبم آمنوا كمبا آمبن الناس قالوا أنؤمبن كمبا آمبن السبفهاء أل إنهبم هبم
السفهاء ولكن ل يعلمون}
@قوله تعالى" :وإذا قيل لهم" يعني المنافقين في قول مقاتل وغيره" .آمنوا كما آمن الناس" أي
صبدقوا بمحمبد صبلى ال عليبه وسبلم وشرعبه ،كمبا صبدق المهاجرون والمحققون مبن أهبل يثرب.
وألف "آمنوا" ألف قطببع ،لنببك تقول :يؤمببن ،والكاف فببي موضببع نصببب ،لنهببا نعببت لمصببدر
محذوف ،أي إيمانا كإيمان الناس.
@قوله تعالى" :قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء أل إنهم هم السفهاء" يعني أصحاب محمد صلى ال
عليبه وسبلم ،عبن ابن عباس .وعنبه أيضبا :مؤمنبو أهبل الكتاب .وهذا القول مبن المنافقيبن إنمبا كانوا
يقولونببه فببي خفاء واسببتهزاء فأطلع ال نبببيه والمؤمنيببن على ذلك ،وقرر أن السببفه و ِرقّة ب الحُلوم
وفسباد البصبائر إنمبا هبي فبي حيزهبم وصبفة لهبم ،وأخببر أنهبم هبم السبفهاء ولكبن ل يعلمون للريبن
الذي على قلوبهبم .وروى الكلببي عبن أببي صبالح عبن اببن عباس أنهبا نزلت فبي شأن اليهود ،أي
وإذا قيبل لهبم -يعنبي اليهود -آمنوا كمبا آمبن الناس :عبدال ببن سبلم وأصبحابه ،قالوا أنؤمبن كمبا
آمبن السبفهاء! يعنبي الجهال والخرقاء .وأصبل السّبفَه فبي كلم العرب :الخفبة والرقبة ،يقال :ثوب
سبفيه إذا كان رديبء النسبج خفيفبه ،أو كان باليبا رقيقبا .وتسبفهت الريبح الشجبر :مالت ببه ،قال ذو
الرمة:
مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم
وتسبفهت الشيبء :اسبتحقرته .والسبفه :ضبد الحلم .ويقال :إن السبفه أن يكثبر الرجبل شرب الماء
فل يروى .ويجوز فبي همزتبي السبفهاء أربعبة أوجبه ،أجودهبا أن تحقبق الولى وتقلب الثانيبة واوا
خالصببة ،وهببي قراءة أهببل المدينببة والمعروف مببن قراءة أبببي عمرو .وإن شئت خففتهمببا جميعببا
فجعلت الولى بيببن الهمزة والواو وجعلت الثانيببة واوا خالصببة .وإن شئت خففببت الولى وحققببت
الثانية .وإن شئت حققتهما جميعا.
@قوله تعالى" :ولكن ل يعلمون" مثل "ولكن ل يشعرون" ،وقد تقدم .والعلم معرفة المعلوم على
مبا هبو ببه ،تقول :علمبت الشيبء أعلمبه علمبا عرفتبه ،وعالمبت الرجبل فعلمتبه أعلمبه (بالضبم فبي
المستقبل) .غلبته بالعلم.
* *3الية{ 14 :وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن
مستهزئون}
@قوله تعالى" :وإذا لقوا الذيبن آمنوا قالوا آمنبا" أنزلت هذه اليبة فبي ذكبر المنافقيبن .أصبل لقوا:
لقيوا ،نقلت الضمببة إلى القاف وحذفببت الياء للتقاء السبباكنين .وقرأ محمببد بببن السببميقع اليمانببي:
"لقوا الذين آمنوا" .والصل لقيوا ،تحركت الياء وقبلها فتحة انقلبت ألفا ،اجتمع ساكنان اللف
والواو فحذفت اللف للتقاء الساكنين ثم حركت الواو بالضم.
وإن قيبل :لم ضمبت الواو فبي لقوا فبي الدراج وحذفبت مبن لقوا؟ فالجواب :أن قببل الواو التبي
فبي لقوا ضمبة فلو حركبت الواو بالضبم لثقبل على اللسبان النطبق بهبا فحذفبت لثقلهبا ،وحركبت فبي
لقوا لن قبلها فتحة.
@قوله تعالى" :وإذا خلوا إلى شياطينهبم قالوا إنبا معكبم" إن قيبل :لم وصبلت "خلوا" ببب "إلى"
وعرفها أن توصل بالباء؟ قيل له" :خلوا" هنا بمعنى ذهبوا وانصرفوا ،ومنه قول الفرزدق:
كيف تراني قالبا مجني أضرب أمري ظهره لبطن
قد قتل ال زيادا عني
لمبا أنزل منزلة صبَرَف .وقال قوم" :إلى" بمعنبى مبع ،وفيبه ضعبف .وقال قوم" :إلى" بمعنبى
الباء ،وهذا يأباه الخليبل وسبيبويه .وقيبل :المعنبى وإذا خلوا مبن المؤمنيبن إلى شياطينهبم ،فبب "إلى"
على بابهببا .والشياطيببن جمببع شيطان على التكسببير ،وقببد تقدم القول فببي اشتقاقببه ومعناه فببي
السبتعاذة .واختلف المفسبرون فبي المراد بالشياطيبن هنبا ،فقال اببن عباس والسبدي :هبم رؤسباء
الكفبر .وقال الكلببي :هبم شياطيبن الجبن .وقال جمبع من المفسبرين :هبم الكهان .ولفبظ الشيطنبة الذي
معناه البعد عن اليمان والخير يعم جميع من ذكر .وال أعلم.
@قوله تعالى" :إنمبا نحبن مسبتهزئون" أي مكذبون بمبا ندعبى إليبه .وقيبل :سباخرون .والهزء:
السخرية واللعب ،يقال :هزئ به واستهزأ ،قال الراجز:
قد هزئت مني أم طيسلة قالت أراه معدِما ل مال له
وقيل :أصل الستهزاء :النتقام ،كما قال الخر:
قد استهزؤوا منهم بألفي مدجج سراتهم وسط الصحاصح جثّم
* *3الية { :15ال يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون}
@قوله تعالى" :ال يسببتهزئ بهببم" أي ينتقببم منهببم ويعاقبهببم ،ويسببخر بهببم ويجازيهببم على
استهزائهم ،فسمى العقوبة باسم الذنب .هذا قول الجمهور من العلماء ،والعرب تستعمل ذلك كثيرا
في كلمهم ،من ذلك قول عمرو بن كلثوم:
أل ل يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فسمى انتصاره جهل ،والجهل ل يفتخر به ذو عقل ،وإنما قال ليزدوج الكلم فيكون أخف على
اللسان من المخالفة بينهما .وكانت العرب إذا وضعوا لفظا بإزاء لفظ جوابا له وجزاء ذكروه بمثل
لفظبه وإن كان مخالفبا له فبي معناه ،وعلى ذلك جاء القرآن والسبنة .وقال ال عبز وجبل" :وجزاء
سبيئة سبيئة مثلهبا" [الشورى .]40 :وقال" :فمبن اعتدى عليكبم فاعتدوا عليبه بمثبل مبا اعتدى
عليكبم" [البقرة ]194 :والجزاء ل يكون سبيئة .والقصباص ل يكون اعتداء ،لنبه حبق وجبب،
ومثله" :ومكروا ومكر ال" [آل عمران .]54 :و"إنهم يكيدون كيدا ،وأكيد كيدا" [الطارق15 :
.]16 -و"إنمبا نحبن مسبتهزئون ،ال يسبتهزئ بهبم" وليبس منبه سببحانه مكبر ول هزء إنمبا هبو
جزاء لمكرهم واستهزائهم وجزاء كيدهم ،وكذلك "يخادعون ال وهو خادعهم" [النساء.]142 :
"فيسخرون منهم سخر ال منهم" [التوبة .]79 :وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إن ال ل
يمبل حتبى تملوا ول يسبأم حتبى تسبأموا) .قيبل :حتبى بمعنبى الواو أي وتملوا .وقيبل المعنبى وأنتبم
تملون .وقيبل :المعنبى ل يقطبع عنكبم ثواب أعمالكبم حتبى تقطعوا العمبل .وقال قوم :إن ال تعالى
يفعل بهم أفعال هي في تأمل البشر هزء وخدع ومكر ،حسب ما روى( :إن النار تجمد كما تجمد
الهالة فيمشون عليها ويظنونها منجاة فتخسف بهم) .وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس
فبببي قوله تعالى" :وإذا لقوا الذيبببن آمنوا قالوا أمنبببا "هبببم منافقبببو أهبببل الكتاب ،فذكرهبببم وذكبببر
استهزاءهم ،وأنهم إذا خلوا إلى شياطينهم يعني رؤساءهم في الكفر -على ما تقدم قالوا :إنا معكم
على دينكبم "إنما نحن مستهزئون" بأصحاب محمد صلى ال عليه وسلم" .ال يستهزئ بهم" في
الخرة ،يفتح لهم باب جهنم من الجنة ،ثم يقال لهم :تعالوا ،فيقبلون يسبحون في النار ،والمؤمنون
على الرائك -وهي السرر -في الحجال ينظرون إليهم ،فإذا انتهوا إلى الباب سد عنهم ،فيضحك
المؤمنون منهبم ،فذلك قول ال عبز وجبل" :ال يسبتهزئ بهبم" أي فبي الخرة ،ويضحبك المؤمنون
منهم حين غلقت دونهم البواب ،فذلك قوله تعالى" :فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون .على
الرائك ينظرون" [المطففيبن ]35 - 34 :إلى أهبل النار "هبل ثوب الكفار مبا كانوا يفعلون"
[المطففيبن .]36 :وقال قوم :الخداع مبن ال والسبتهزاء هبو اسبتدراجهم بدرور النعبم الدنيويبة
عليهم ،فال سبحانه وتعالى يظهر لهم من الحسان في الدنيا خلف ما يغيب عنهم ،ويستر عنهم
مبن عذاب الخرة ،فيظنون أنبه راض عنهبم ،وهبو تعالى قبد حتبم عذابهبم ،فهذا على تأمبل البشبر
كأنبه اسبتهزاء ومكبر وخداع ،ودل على هذا التأويبل قوله صبلى ال عليبه وسبلم( :إذا رأيتبم ال عبز
وجبل يعطبي العببد مبا يحبب وهبو مقيبم على معاصبيه فإنمبا ذلك منبه اسبتدراج) .ثبم نزع بهذه اليبة:
"فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا
هبم مبلسبون فقطبع دابر القوم الذيبن ظلموا والحمبد ل رب العالميبن" [النعام .]45 - 44 :وقال
بعببض العلماء فببي قوله تعالى" :سببنستدرجهم مببن حيببث ل يعلمون"[ :العراف ]182 :كلمببا
أحدثوا ذنبا أحدث لهم نعمة.
@قوله تعالى" :ويمدهبم" أي يطيبل لهبم المدة ويمهلهبم ويملي لهبم ،كمبا قال" :إنمبا نملي لهبم
ليزدادوا إثمبا" [آل عمران ]178 :وأصبله الزيادة .قال يونبس ببن حببيب :يقال مبد لهبم فبي الشبر،
وأمبد فببي الخيبر ،قال ال تعالى" :وأمددناكببم بأموال وبنيبن"[ .السببراء .]6 :وقال" :وأمددناهبم
بفاكهة ولحم مما يشتهون" [الطور .]22 :وحكي عن الخفش :مددت له إذا تركته ،وأمددته إذا
أعطيتبه .وعبن الفراء واللحيانبي :مددت ،فيمبا كانبت زيادتبه مبن مثله ،يقال :مبد النهرُ النهرَ ،وفبي
التنزيل" :والبحر يمده من بعده سبعة أبحر" [لقمان .]27 :وأمددت ،فيما كانت زيادته من غيره،
كقولك :أمددت الجيببش بمدد ،ومنببه" :يمددكببم ربكببم بخمسببة آلف مببن الملئكببة"[ .آل عمران:
.]125وأمدّ الجرح ،لن المدة من غيره ،أي صارت فيه مدة.
@قوله تعالى" :في طغيانهم" كفرهم وضللهم .وأصل الطغيان مجاوزة الحد ،ومنه قوله تعالى:
"إنبا لمبا طغبى الماء" [الحاقبة ]11 :أي ارتفبع وعل وتجاوز المقدار الذي قدرتبه الخُزان .وقوله
فبي فرعون" :إنبه طغبى" [طبه ]24 :أي أسبرف فبي الدعوى حيبث قال" :أنبا ربكبم العلى"
[النازعات .]24 :والمعنبى فبي اليبة :يمدهبم بطول العمبر حتبى يزيدوا فبي الطغيان فيزيدهبم فبي
عذابهم.
@قوله تعالى" :يعمهون" يعمون .وقال مجاهبد :أي يترددون متحيريبن فبي الكفبر .وحكبى أهبل
عمِه الرجل يعمه عموها وعمها فهو عمه وعامه إذا حار ،ويقال رجل عامه وعمه :حائر اللغةَ :
متردد ،وجمعبه عُمّه .وذهببت إبله ال ُعمّهبى إذا لم يدر أيبن ذهببت .والعمبى فبي العيبن ،والعمبه فبي
القلب ،وفي التنزيل" :فإنها ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" [الحج]46 :
**3الية{ 16 :أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين}
@قوله تعالى" :أولئك الذيبن اشتروا الضللة بالهدى" قال سبيبويه :ضمبت الواو فبي "اشتروا"
فرقبا بينهبا وبيبن الواو الصبلية ،نحبو" :وأن لو اسبتقاموا على الطريقبة"[ .الجبن .]16 :وقال اببن
كيسان :الضمة في الواو أخف من غيرها لنها من جنسها .وقال الزجاج :حركت بالضم كما فعل
في "نحن" .وقرأ ابن أبي إسحاق ويحيى بن يعمر بكسر الواو على أصل التقاء الساكنين .وروى
أبو زيد النصاري عن قعنب أبي السمال العدوي أنه قرأ بفتح الواو لخفة الفتحة وإن كان ما قبلها
مفتوحبا .وأجاز الكسبائي همبز الواو وضمهبا كأدؤر .واشتروا :مبن الشراء .والشراء هنبا مسبتعار.
والمعنببى اسببتحبوا الكفببر على اليمان ،كمببا قال" :فاسببتحبوا العمببى على الهدى" [فصببلت]17 :
فعبر عنه بالشراء ،لن الشراء إنما يكون فيما يحبه مشتريه .فأما أن يكون معنى شراء المعاوضة
فل ،لن المنافقيببن لم يكونوا مؤمنيببن فيبببيعون إيمانهببم .وقال ابببن عباس :أخذوا الضللة وتركوا
الهدى .ومعناه اسببتبدلوا واختاروا الكفببر على اليمان .وإنمببا أخرجببه بلفببظ الشراء توسببعا ،لن
الشراء والتجارة راجعان إلى الستبدال ،والعرب تستعمل ذلك في كل من استبدل شيئا بشيء .قال
أبو ذؤيب:
فإن تزعميني كنت أجهل فيكم فإني شريت الحلم بعدك بالجهل
وأصبل الضللة :الحيرة .ويسبمى النسبيان ضللة لمبا فيبه مبن الحيرة ،قال له جبل وعبز" :فعلتهبا
إذا وأنبا مبن الضاليبن" [الشعراء ]20 :أي الناسبين .ويسبمى الهلك ضللة ،كمبا قال عبز وجبل:
"وقالوا أإذا ضللنا في الرض" [السجدة.]10 :
@قوله تعالى" :فما ربحت تجارتهم" أسند تعالى الربح إلى التجارة على عادة العرب في قولهم:
رببح بيعبك ،وخسبرت صبفقتك ،وقولهبم :ليبل قائم ،ونهار صبائم ،والمعنبى :ربحبت وخسبرت فبي
بيعك ،وقمت في ليلك وصمت في نهارك ،أي فما ربحوا في تجارتهم .وقال الشاعر:
نهارك هائم وليلك نائم كذلك في الدنيا تعيش البهائم
ابن كيسان :ويجوز تجارة وتجائر ،وضللة وضلئل.
@قوله تعالى" :ومبا كانوا مهتديبن" فبي اشترائهبم الضللة .وقيبل :فبي سبابق علم ال .والهتداء
ضد الضلل ،وقد تقدم.
**3الية{ 17 :مثلهبم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب ال بنورهم وتركهبم
في ظلمات ل يبصرون}
@قوله تعالى" :مثلهم كمثل الذي استوقد نارا" فمثلهم رفع بالبتداء والخبر في الكاف ،فهي اسم،
كما هي في قول العشى:
أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
وقول امرئ القيس:
ورحنا بكابن الماء يُجنَب وسطنا َتصَوّبُ فيه العين طورا وترتقي
أراد مثل الطعن ،وبمثل ابن الماء .ويجوز أن يكون الخبر محذوفا ،تقديره مثلهم مستقر كمثل،
فالكاف على هذا حرف .والمثببل والمثببل والمثيببل واحببد ومعناه الشبببيه .والمتماثلن :المتشابهان،
هكذا قال أهل اللغة.
قوله "الذي" يقبع للواحبد والجمببع .قال ابببن الشجري هببة ال بببن علي :ومبن العرب مبن يأتببي
بالجمع بلفظ الواحد ،كما قال:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
وقيل في قول ال تعالى "والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون" [الزمر :]33 :إنه
بهذه اللغببة ،وكذلك قوله" :مثلهببم كمثببل الذي" قيببل :المعنببى كمثببل الذيببن اسببتوقدوا ،ولذلك قال:
"ذهببب ال بنورهببم" ،فحمببل أول الكلم على الواحببد ،وآخره على الجمببع .فأمببا قوله تعالى:
"وخضتم كالذي خاضوا" [التوبة ]69 :فإن الذي ههنا وصف لمصدر محذوف تقديره وخضتم
كالخوض الذي خاضوا .وقيبل :إنمبا وحبد "الذي" و"اسبتوقد" لن المسبتوقد كان واحدا مبن جماعبة
تولي اليقاد لهم ،فلما ذهب الضوء رجع عليهم جميعا فقال "بنورهم" .واستوقد بمعنى أوقد ،مثل
استجاب بمعنى أجاب ،فالسين والتاء زائدتان ،قاله الخفش ،ومنه قول الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي يجبببه .واختلف النحاة فببي جواب لمببا ،وفببي عود الضميببر مببن "نورهببم" ،فقيببل :جواب لمببا
محذوف وهبو طفئت ،والضميبر فبي "نورهبم" على هذا للمنافقيبن ،والخبار بهذا عبن حال تكون
في الخرة ،كما قال تعالى" :فضرب بينهم بسور له باب" [الحديد .]13 :وقيل :جوابه "ذهب"،
والضمير في "نورهم" عائد على "الذي" ،وعلى هذا القول يتم تمثيل المنافق بالمستوقد ،لن بقاء
المستوقد في ظلمات ل يبصر كبقاء المنافق في حيرته وتردده .والمعنى المراد بالية ضرب مثل
للمنافقيببن ،وذلك أن مببا يظهرونببه مببن اليمان الذي تثبببت لهببم بببه أحكام المسببلمين مببن المناكببح
والتوارث والغنائم والمبن على أنفسبهم وأولدهبم وأموالهبم بمثاببة مبن أوقبد نارا فبي ليلة مظلمبة
فاستضاء بها ورأى ما ينبغي أن يتقيه وأمن منه ،فإذا طفئت عنه أو ذهبت وصل إليه الذى وبقي
متحيرا ،فكذلك المنافقون لمببا آمنوا اغتروا بكلمببة السببلم ،ثببم يصببيرون بعببد الموت إلى العذاب
الليبم -كمبا أخببر التنزيل" :إن المنافقين فبي الدرك السبفل من النار" [النسباء - ]145 :ويذهب
نورهم ،ولهذا يقولون" :انظرونا نقتبس من نوركم" [الحديد .]13 :وقيل :إن إقبال المنافقين إلى
المسبلمين وكلمهبم معهبم كالنار ،وانصبرافهم عبن مودتهبم وارتكاسبهم عندهبم كذهابهبا .وقيبل غيبر
هذا.
قوله" :نارا" النار مؤنثبة وهبي مبن النور وهبو أيضبا الشراق .وهبي مبن الواو ،لنبك تقول فبي
التصغير :نويرة ،وفي الجمع نور وأنوار ونيران ،انقلبت الواو ياء لكسر ما قبلها.
@قوله تعالى" :فلما أضاءت ما حوله" ضاءت وأضاءت لغتان ،يقال :ضاء القمر يضوء ضوءا
وأضاء يضيء ،يكون لزما ومتعديا .وقرأ محمد بن السميقع :ضاءت بغير ألف ،والعامة باللف،
قال الشاعر:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه
"مبا" زائدة مؤكدة .وقيبل :مفعولة بأضاءت .و"حوله" ظرف مكان ،والهاء فبي موضبع خفبض
بإضافته إليها" .ذهب" وأذهب لغتان من الذهاب ،وهو زوال الشيء" .وتركهم" أي أبقاهم" .في
ظلمات" جمببع ظُلْمببة .وقرأ العمببش" :ظلْمات" بإسببكان اللم على الصببل .ومببن قرأهببا بالضببم
فللفرق بيبن السبم والنعبت .وقرأ أشهبب العقيلي" :ظلَمات" بفتبح اللم .قال البصبريون :أبدل مبن
الضمبة فتحبة لنهبا أخبف .وقال الكسبائي" :ظلمات" جمبع الجمبع ،جمبع ظلم ".ل يبصبرون" فعبل.
مستقبل في موضع الحال ،كأنه قال :غير مبصرين ،فل يجوز الوقف على هذا على "ظلمات".
* *3الية{ 18 :صم بكم عمي فهم ل يرجعون}
@قوله تعالى" :صم بكم عمي" (صمّ) أي هم صم ،فهو خبر ابتداء مضمر .وفي قراءة عبدال بن
مسعود وحفصة :صماً بكماً عمياً ،فيجوز النصب على الذم ،كما قال تعالى" :ملعونين أينما ثقفوا"
[الحزاب ،]61 :وكما قال" :وامرأته حمالة الحطب" [المسد ،]4 :وكما قال الشاعر:
سقوني الخمر ثم تكنفوني عداة ال من كذب وزور
فنصب "عداة ال" على الذم .فالوقف على "يبصرون" على هذا المذهب صواب حسن .ويجوز
أن ينصبب صبما ببب "تركهبم" ،كأنبه قال :وتركهبم صبما بكمبا عميبا ،فعلى هذا المذهبب ل يحسبن
الوقف على "يبصرون" .والصمم في كلم العرب :النسداد ،يقال :قناة صماء إذا لم تكن مجوفة.
وصبممت القارورة إذا سبددتها .فالصبم :مبن انسبدت خروق مسبامعه .والبكبم :الذي ل ينطبق ول
يفهبم ،فإذا فهبم فهبو الخرس .وقيبل :الخرس والبكبم واحبد .ويقال :رجبل أبكبم وبكيبم ،أي أخرس
بين الخرس والبكم ،قال:
بكيم ونصف عند مجرى الكواكب فليت لساني كان نصفين منهما
والعمى :ذهاب البصر ،وقد عمي فهو أعمى ،وقوم عمي ،وأعماه ال .وتعامى الرجل :أرى ذلك
مببن نفسببه .وعمببي عليببه المببر إذا التبببس ،ومنببه قوله تعالى" :فعميببت عليهببم النباء يومئذ"
[القصبص .]66 :وليبس الغرض ممبا ذكرناه نفبي الدراكات عبن حواسبهم جملة ،وإنمبا الغرض
نفيها من جهة ما ،تقول :فلن أصم عن الخنا .ولقد أحسن الشاعر حيث قال:
أصم عما ساءه سميع
وقال آخر:
وعوراء الكلم صممت عنها ولو أني أشاء بها سميع
وقال الدارمي:
أعمى إذا ما جارتي خرجت حتى يواري جارتي الجدر
وقال بعضهم في وصاته لرجل يكثر الدخول على الملوك:
أدخل إذا ما دخلت أعمى واخرج إذا ما خرجت أخرس
وقال قتادة" :صم" عن استماع الحق" ،بكم" عن التكلم به" ،عمي" عن البصار له.
قلت :وهذا المعنى هو المراد في وصف النبي صلى ال عليه وسلم ولة آخر الزمان في حديث
جبريل (وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الرض فذاك من أشراطها) .وال أعلم.
@قوله تعالى" :فهبم ل يرجعون" أي إلى الحبق لسبابق علم ال تعالى فيهبم .يقال :رجبع بنفسبه
رجوعببا ،و َرجَعَه غيره ،وهذيببل تقول :أرجعببه غيره .وقوله تعالى" :يرجببع بعضهببم إلى بعببض
القول" [سبأ ]31 :أي يتلومون فيما بينهم ،حسب ما بينه التنزيل في سورة "سبأ".
**3الية{ 19 :أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من
الصواعق حذر الموت وال محيط بالكافرين}
@قوله تعالى" :أو كصيب من السماء" قال الطبري" :أو" بمعنى الواو ،وقاله الفراء.
وأنشد:
وقد زعمت ليلى بأني فاجر لنفسي تقاها أو عليها فجورها
وقال آخر:
نال الخلفة أو كانت له َقدَرا كما أتى ربه موسى على قدر
أي وكانبت .وقيبل" :أو" للتخييبر أي مثّلوهبم بهذا أو بهذا ،ل على القتصبار على أحبد المريبن،
والمعنى أو كأصحاب صيب .والصيب :المطر .واشتقاقه من صاب يصوب إذا نزل ،قال علقمة:
فل تعدلي بيني وبين مغمر سقتك روايا المزن حيث تصوب
وأصله :صَيوب ،اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت ،كما
فعلوا فببي ميببت وسببيد وهيببن وليببن .وقال بعببض الكوفييببن :أصببله صببويب على مثال فعيببل .قال
النحاس" :لو كان كمبا قالوا لمبا جاز إدغامبه ،كمبا ل يجوز إدغام طويبل .وجمبع صبيب صبيايب.
والتقدير في العربية :مثلهم كمثل الذي استوقد نارا أو كمثل صيب".
@قوله تعالى" :مبن السبماء" السبماء تذكبر وتؤنبث ،وتجمبع على أسبمية وسبموات وسبمي ،على
سمِيّ
فُعول ،قال العجاج :تلفه الرياح وال ّ
والسماء :كل ما علك فأظلك ،ومنه قيل لسقف البيت :سماء .والسماء :المطر ،سمي به لنزوله
من السماء .قال حسان بن ثابت:
ديارٌ من بني الحسحاس قفر تعفيها الروامس والسماء
وقال آخر:
رعيناه وإن كانوا غضابا إذا سقط السماء بأرض قوم
ويسبمى الطيبن والكل أيضبا سبماء ،يقال :مبا زلنبا نطبأ السبماء حتبى أتيناكبم .يريدون الكل والطيبن.
ويقال لظهر الفرس أيضا سماء لعلوه ،قال:
فَ َريّا وأما أرضه فمحول وأحمر كالديباج أما سماؤه
والسماء :ما عل .والرض :ما سفل ،على ما تقدم.
@قوله تعالى" :فيه ظلمات" ابتداء وخبر" .ورعد وبرق" معطوف عليه .وقال :ظلمات بالجمع
إشارة إلى ظلمة الليل وظلمة ال ّدجْن ،وهو الغيم ،ومن حيث تتراكب وتتزايد جمعت .وقد مضى ما
فيه من اللغات فل معنى للعادة ،وكذا كل ما تقدم إن شاء ال تعالى.
واختلف العلماء في الرعد ،ففي الترمذي عن ابن عباس قال :سألت اليهود النبي صلى ال عليه
وسلم عن الرعد ما هو؟ قال( :ملك من الملئكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها
السببحاب حيببث شاء ال) .فقالوا :فمببا هذا الصببوت الذي نسببمع؟ قال( :زجره بالسببحاب إذا زجره
حتبى ينتهبي إلى حيبث أمبر ال) قالوا :صبدقت .الحديبث بطوله .وعلى هذا التفسبير أكثبر العلماء.
فالرعد :اسم الصوت المسموع ،وقاله علي رضي ال عنه ،وهو المعلوم في لغة العرب ،وقد قال
لبيد في جاهليته:
َفجّعني الرعد والصواعق بال فارس يوم الكريهة النجد
وروي عبن اببن عباس أنبه قال :الرعبد ريبح تختنبق بيبن السبحاب فتصبوت ذلك الصبوت .واختلفوا
فبي البرق ،فروي عن علي واببن مسبعود واببن عباس رضوان ال عليهبم :البرق مخراق حديبد بيبد
الملك يسوق به السحاب.
قلت :وهبو الظاهبر مبن حديبث الترمذي .وعبن اببن عباس أيضبا هبو سبوط مبن نور بيبد الملك
يزجر به السحاب .وعنه أيضا البرق ملك يتراءى.
وقالت الفلسبفة :الرعبد صبوت اصبطكاك أجرام السبحاب .والبرق مبا ينقدح مبن اصبطكاكها.
وهذا مردود ل يصبح ببه نقبل ،وال أعلم .ويقال :أصبل الرعبد مبن الحركبة ،ومنبه الرعديبد للجبان.
وارتعبد :اضطرب ،ومنبه الحديبث( :فجيبء بهمبا ترعبد فرائصبهما) الحديبث .أخرجبه أببو داود.
والبرق أصله من البريق والضوء ،ومنه البراق :دابة ركبها رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة
أسبري ببه وركبهبا النببياء عليهبم السبلم قبله .ورعدت السبماء مبن الرعبد ،وبرقبت مبن البرق.
ورعدت المرأة وبرقت :تحسنت وتزينت .ورعد الرجل وبرق :تهدد وأوعد ،قال ابن أحمر:
عدِ
وطِلبُنا فابرُق بأرضك وار ُ ل ما بعدت عليك بلدنا يا جُ ّ
وأرعببد القوم وأبرقوا :أصببابهم رعببد وبرق .وحكببى أبببو عبببيدة وأبببو عمرو :أرعدت السببماء
وأبرقت ،وأرعد الرجل وأبرق إذا تهدد وأوعد ،وأنكره الصمعي .واحتج عليه بقول الكميت:
بد فما وعيدك لي بضائر أبرق وأرعد يا يزيب
فقال :ليس الكميت بحجة.
فائدة :روى ابن عباس قال :كنا مع عمر بن الخطاب في سفرة بين المدينة والشام ومعنا كعب
الحبار ،قال :فأصبابتنا ريبح وأصبابنا رعبد ومطبر شديبد وبرد ،وفرق الناس .قال فقال لي كعبب:
إنبه مبن قال حيبن يسبمع الرعبد :سببحان مبن يسببح الرعبد بحمده والملئكبة مبن خيفتبه ،عوفبي ممبا
يكون في ذلك السحاب والبرد والصواعق .قال :فقلتها أنا وكعب ،فلما أصبحنا واجتمع الناس قلت
لعمبر :يبا أميبر المؤمنيبن ،كأنبا كنبا فبي غيبر مبا كان فيبه الناس قال :ومبا ذاك؟ قال :فحدثتبه حديبث
كعبب .قال :سببحان ال أفل قلتبم لنبا فنقول كمبا قلتبم! فبي روايبة فإذا بردة قبد أصبابت أنبف عمبر
فأثرت به .وستأتي هذه الرواية في سورة "الرعد" إن شاء ال .ذكر الروايتين أبو بكر بن علي بن
ثاببت الخطيبب فبي روايات الصبحابة عبن التابعيبن رحمبة ال عليهبم أجمعيبن .وعبن اببن عمبر أن
النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا سمع الرعد والصواعق قال( :اللهم ل تقتلنا بغضبك ول تهلكنا
بعذابك وعافنا قبل ذلك).
@قوله تعالى" :يجعلون أصبابعهم فبي آذانهبم" جعلهبم أصبابعهم فبي آذانهبم لئل يسبمعوا القرآن
فيؤمنوا به وبمحمد عليه السلم ،وذلك عندهم كفر والكفر موت .وفي واحد الصابع خمس لغات:
إصبع بكسر الهمزة وفتح الباء ،وأصبع بفتح الهمزة وكسر الباء ،ويقال بفتحهما جميعا ،وضمهما
جميعا ،وبكسرهما جميعا ،ومؤنثة .وكذلك الذن وتخفف وتثقل وتصغر ،فيقال :أذينة .ولو سميت
بها رجل ثم صغرته قلت :أذين ،فلم تؤنث لزوال التأنيث عنه بالنقل إلى المذكر فأما قولهم :أذينة
فبي السبم العلم فإنمبا سبمي ببه مصبغرا ،والجمبع آذان .وتقول :أذنتبه إذا ضرببت أذنبه .ورجبل أذُن:
إذا كان يسبمع كلم كبل أحبد ،يسبتوي فيبه الواحبد والجمبع .وأذانبي :عظيبم الذنيبن .ونعجبة أذناء،
وكبش آذن .وأذّنت النعل وغيرها تأذينا :إذا جعلت لها أذنا .وأذنت الصبي :عركت أذنه.
@قوله تعالى" :من الصواعق" أي من أجل الصواعق .والصواعق جمع صاعقة .قال ابن عباس
ومجاهد وغيرهما :إذا اشتد غضب الرعد الذي هو الملك طار النار من فيه وهي الصواعق .وكذا
قال الخليبل ،قال :هبي الواقعبة الشديدة مبن صبوت الرعبد ،يكون معهبا أحيانبا قطعبة نار تحرق مبا
أتبت عليبه .وقال أبو زيبد :الصباعقة نار تسقط من السبماء فبي رعبد شديبد .وحكبى الخليبل عن قوم:
السبباعقة (بالسببين) .وقال أبببو بكببر النقاش :يقال صبباعقة وصببعقة وصبباقعة بمعنببى واحببد .وقرأ
الحسن :من "الصواقع" (بتقديم القاف) ،ومنه قول أبي النجم:
يحكون بالمصقولة القواطع َتشَقّق البرق عن الصواقع
قال النحاس :وهببي لغببة تميببم وبعببض بنببي ربيعببة .ويقال :صببعقتهم السببماء إذا ألقببت عليهببم.
الصباعقة .والصباعقة أيضبا صبيحة العذاب ،قال ال عبز وجبل" :فأخذتهبم صباعقة العذاب الهون"
[فصبلت ]17 :ويقال :صبعق الرجبل صبعقة وتصبعاقا ،أي غشبي عليبه ،وفبي قوله تعالى" :وخبر
موسى صعقا" [العراف ]143 :فأصعقه غيره .قال ابن مقبل:
ق تحت لَبانه أُحادَ ومثنى أصعقتها صواهله ترى ال ُنعَرات الزر َ
وقوله تعالى" :فصبعق مبن فبي السبموات ومبن فبي الرض" [الزمبر ]68 :أي مات .وشببه ال
تعالى فبي هذه اليبة أحوال المنافقيبن بمبا فبي الصبيب مبن الظلمات والرعبد والبرق والصبواعق.
فالظلمات مثل لمبا يعتقدونه مبن الكفبر ،والرعد والبرق مثل لما يخوفون به .وقيل :مثبل ال تعالى
القرآن بالصيب لما فيه من الشكال عليهم ،والعمى هو الظلمات ،وما فيه من الوعيد والزجر هو
الرعد ،وما فيه من النور والحجج الباهرة التي تكاد أحيانا أن تبهرهم هو البرق .والصواعق ،مثل
لمبا فبي القرآن مبن الدعاء إلى القتال فبي العاجبل والوعيبد فبي الجبل .وقيبل :الصبواعق تكاليبف
الشرع التي يكرهونها من الجهاد والزكاة وغيرهما.
@قوله" :حذر الموت" حذر وحذار بمعنى ،وقرئ بهما .قال سيبويه :هو منصوب ،لنه موقوع
له أي مفعول من أجله ،وحقيقته أنه مصدر ،وأنشد سيبويه:
وأغفر عوراء الكريم ادخاره وأعرض عن شتم اللئيم تكرما
وقال الفراء :هبو منصبوب على التمييبز والموت :ضبد الحياة .وقبد مات يموت ،ويمات أيضبا،
قال الراجز :بنيتي سيدة البنات عيشي ول يؤمن أن تماتي
فهببو ميببت وميببت ،وقوم موتببى وأموات وميتون وميتون .والموات (بالضببم) :الموت .والموات
(بالفتح) :ما ل روح فيه .والموات أيضا :الرض التي ل مالك لها من الدميين ول ينتفع بها أحد.
وال َموَتان (بالتحريببببك) :خلف الحيوان ،يقال :اشتببببر الموتان ،ول تشتببببر الحيوان ،أي اشتببببر
الرضيبن والدور ،ول تشتبر الرقيبق والدواب .والمُوتان (بالضبم) :موت يقبع فبي الماشيبة ،يقال:
وقع في المال موتان .وأماته ال وموته ،شدد للمبالغة .وقال:
فهأنذا ُأمَوّتُ كل يوم فعروة مات موتا مستريحا
وأماتببت الناقببة إذا مات ولدهببا ،فهببي مميببت ومميتببة .قال أبببو عبيببد :وكذلك المرأة ،وجمعهببا
مماويببت .قال ابببن السببكيت :أمات فلن إذا مات له ابببن أو بنون .والمتماوت مببن صببفة الناسببك
المرائي .وموت مائت ،كقولك :ليببل لئل ،يؤخببذ مببن لفظببه مببا يؤكببد بببه .والمسببتميت للمببر:
المسترسل له ،قال رؤبة:
والليل فوق الماء مستميت وزبد البحر له كتيت
المسببتميت أيضببا :المسببتقتل الذي ل يبالي فببي الحرب مببن الموت ،وفببي الحديببث( :أرى القوم
مسبتميتين) وهبم الذيبن يقاتلون على الموت .والمُوتبة (بالضبم) :جنبس مبن الجنون والصبرع يعتري
النسبان ،فإذا أفاق عاد إليبه كمال عقله كالنائم والسبكران .ومُؤتبة (بضبم الميبم وهمبز الواو) :اسبم
أرض قتل بها جعفر بن أبي طالب عليه السلم.
@قوله تعالى" :وال محيبط بالكافريبن" ابتداء وخبر ،أي ل يفوتونه .يقال :أحاط السلطان بفلن
إذا أخذه أخذا حاصرا من كل جهة ،قال الشاعر:
أحطنا بهم حتى إذا ما تيقنوا بما قد رأوا مالوا جميعا إلى السلم
ومنبه قوله تعالى" :وأحيبط بثمره" [الكهبف .]42 :وأصبله محيبط ،نقلت حركبة الياء إلى الحاء
فسببكنت .فال سبببحانه محيببط بجميببع المخلوقات ،أي هببي فببي قبضتببه وتحببت قهره ،كمببا قال:
"والرض جميعبا قبضتبه يوم القيامبة" [الزمبر .]67 :وقيبل" :محيبط بالكافريبن" أي عالم بهبم.
دليله" :وأن ال قبد أحاط بكبل شيبء علمبا" [الطلق .]12 :وقيبل :مهلكهبم وجامعهبم .دليله قوله
تعالى" :إل أن يحاط بكم" [يوسف ]66 :أي إل أن تهلكوا جميعا .وخص الكافرين بالذكر لتقدم
ذكرهم في الية .وال أعلم.
**3اليبة{ 20 :يكاد البرق يخطبف أبصبارهم كلمبا أضاء لهبم مشوا فيبه وإذا أظلم عليهبم قاموا
ولو شاء ال لذهب بسمعهم وأبصارهم إن ال على كل شيء قدير}
@قوله تعالى" :يكاد البرق يخطف أبصارهم" (يكاد) معناه يقارب ،يقال :كاد يفعل كذا إذا قارب
ولم يفعل .ويجوز في غير القرآن :يكاد أن يفعل ،كما قال رؤبة:
قد كاد من طول البلى أن يمصحا
مشتببق مببن المصببح وهببو الدرس .والجود أن تكون بغيببر "أن" ،لنهببا لمقاربببة الحال ،و"أن"
تصبرف الكلم إلى السبتقبال ،وهذا متناف ،قال ال عبز وجبل" :يكاد سبنا برقبه يذهبب بالبصبار"
[النور .]43 :ومبن كلم العرب :كاد النعام يطيبر ،وكاد العروس يكون أميرا ،لقربهمبا مبن تلك
الحال .وكاد فعبل متصبرف على فعبل يفعبل .وقبد جاء خببره بالسبم وهبو قليبل ،قال" :ومبا كدت
آئببا" .ويجري مجرى كاد كرب وجعبل وقارب وطفبق ،فبي كون خبرهبا بغيبر "أن" ،قال ال عبز
وجببل" :وطفقببا يخصببفان عليهمببا مببن ورق الجنببة" [العراف ]22 :لنهببا كلهببا بمعنببى الحال
والمقاربة ،والحال ل يكون معها "أن" ،فاعلم.
@قوله تعالى" :يخطبف أبصبارهم" الخطبف :الخبذ بسبرعة ،ومنبه سبمي الطيبر خطافبا لسبرعته.
فمن جعل القرآن مثل للتخويف فالمعنى أن خوفهم مما ينزل بهم يكاد يذهب أبصارهم .ومن جعله
مثل للبيان الذي فبي القرآن فالمعنبى أنهبم جاءهبم مبن البيان مبا بهرهبم .ويخْطَف ويخْطِف لغتان
قرئ بهما .وقد خطفه (بالكسر) يخطفه خطفا ،وهي اللغة الجيدة ،واللغة الخرى حكاها الخفش:
خطببف يخطببف .الجوهري :وهببي قليلة رديئة ل تكاد تعرف .وقببد قرأ بهببا يونببس فببي قوله تعالى
"يكاد البرق يخطبف أبصبارهم" وقال النحاس :فبي "يخطبف" سببعة أوجبه ،القراءة الفصبيحة:
يخطَف .وقرأ علي ببن الحسبين ويحيبى ببن وثاب :يخطبف بكسبر الطاء ،قال سبعيد الخفبش :هبي
لغة .وقرأ الحسن وقتادة وعاصم الجحدري وأبو رجاء العطاردي بفتح الياء وكسر الخاء والطاء.
وروي عبن الحسبن أيضبا أنبه قرأ بفتبح الخاء .قال الفراء :وقرأ بعبض أهبل المدينبة بإسبكان الخاء
وتشديبد الطاء .قال الكسبائي والخفبش والفراء :يجوز "يخطبف" بكسبر الياء والخاء والطاء .فهذه
سببتة أوجبه موافقبة للخببط .والسبابعة حكاهبا عبدالوارث قال :رأيببت فببي مصبحف أبببي ببن كعببب
"يتخطبف" ،وزعبم سبيبويه والكسبائي أن مبن قرأ "يخطبف" بكسبر الخاء والطاء فالصبل عنده
يختطف ،ثم أدغم التاء في الطاء فالتقى ساكنان فكسرت الخاء للتقاء الساكنين .قال سيبويه :ومن
فتببح الخاء ألقببى حركببة التاء عليهببا .وقال الكسببائي :ومببن كسببر الياء فلن اللف فببي اختطببف
مكسبورة .فأمبا مبا حكاه الفراء عبن أهبل المدينبة مبن إسبكان الخاء والدغام فل يعرف ول يجوز،
لنه جمع بين ساكنين .قال النحاس وغيره.
خطّفب" .قال اببن مجاهبد :وأظنبه غلطبا ،واسبتدل قلت :وروي عبن الحسبن أيضبا وأببي رجاء "ي ِ
على ذلك بأن "خطِف الخطفة" لم يقرأه أحد بالفتح.
"أبصبارهم" جمبع بصبر ،وهبي حاسبة الرؤيبة .والمعنبى :تكاد حجبج القرآن وبراهينبه السباطعة
تبهرهم .ومن جعل "البرق" مثل للتخويف فالمعنى أن خوفهم مما ينزل بهم يكاد يذهب أبصارهم.
@قوله تعالى" :كلما أضاء لهم مشوا فيه" "كلما" منصوب لنه ظرف .وإذا كان "كلما" بمعنى
"إذا" فهي موصولة والعامل فيه "مشوا" وهو جوابه ،ول يعمل فيه "أضاء" ،لنه في صلة ما.
والمفعول فبي قول المببرد محذوف ،التقديبر عنده :كلمبا أضاء لهبم البرق الطريبق .وقيبل :يجوز أن
يكون فعبل وأفعبل بمعنبى ،كسبكت وأسبكت ،فيكون أضاء وضاء سبراء فل يحتاج إلى تقديبر حذف
مفعول .قال الفراء :يقال ضاء وأضاء ،وقبد تقدم .والمعنبى أنهبم كلمبا سبمعوا القرآن وظهرت لهبم
الحجبج أنسبوا ومشوا معبه ،فإذا نزل مبن القرآن مبا يعمون فيبه ويضلون ببه أو يكلفونبه "قاموا" أي
ثبتوا على نفاقهبم ،عبن اببن عباس .وقيبل :المعنبى كلمبا صبلحت أحوالهبم فبي زروعهبم ومواشيهبم
وتوالت النعبم قالوا :ديبن محمبد ديبن مبارك ،وإذا نزلت بهبم مصبيبة وأصبابتهم شدة سبخطوا وثبتوا
في نفاقهم ،عن ابن مسعود وقتادة .قال النحاس :وهذا قول حسن ،ويدل على صحته" :ومن الناس
مبن يعببد ال على حرف فإن أصبابه خيبر اطمأن ببه وإن أصبابته فتنبة انقلب على وجهبه" [الحبج:
]11وقال علماء الصبوفية :هذا مثبل ضرببه ال تعالى لمبن لم تصبح له أحوال الرادة بدءا،
فارتقببببى مببببن تلك الحوال بالدعاوى إلى أحوال الكابر ،كأن تضيببببء عليببببه أحوال الرادة لو
صببححها بملزمببة آدابهببا ،فلمببا مزجهببا بالدعاوى أذهببب ال عنببه تلك النوار وبقببي فببي ظلمات
دعاويبه ل يبصبر طريبق الخروج منهبا .وروي عبن اببن عباس أن المراد اليهود ،لمبا نصبر النببي
صلى ال عليه وسلم ببدر طمعوا وقالوا :هذا وال النبي الذي بشرنا به موسى ل ترد له راية ،فلما
نكب بأحد ارتدوا وشكوا ،وهذا ضعيف .والية في المنافقين ،وهذا أصح عن ابن عباس ،والمعنى
يتناول الجميع.
@قوله تعالى" :ولو شاء ال لذهبب بسبمعهم وأبصبارهم" "لو" حرف تمبن وفيبه معنبى الجزاء،
وجواببه اللم .والمعنبى :ولو شاء ال لطلع المؤمنيبن عليهبم فذهبب منهبم عبز السبلم بالسبتيلء
عليهم وقتلهم وإخراجهم من بينهم .وخص السمع والبصر لتقدم ذكرهما في الية أول ،أو لنهما
أشرف ما في النسان .وقرئ "بأسماعهم" على الجمع ،وقد تقدم الكلم في هذا.
@قوله تعالى" :إن ال على كبل شيبء قديبر" عموم ،ومعناه عنبد المتكلميبن فيمبا يجوز وصبفه
تعالى بالقدرة عليبه .وأجمعبت المبة على تسبمية ال تعالى بالقديبر ،فهبو سببحانه قديبر قادر مقتدر.
والقديبر أبلغ فبي الوصبف مبن القادر ،قاله الزجاجبي .وقال الهروي :والقديبر والقادر بمعنبى واحبد،
يقال :قدرت على الشيبببببء أقدر قدْرا وقدَرا وم ْقدِرة وم ْقدُرة وقدرانبببببا ،أي قدرة .والقتدار على
الشيبء :القدرة عليبه .فال جبل وعبز قادر مقتدر قديبر على كبل ممكبن يقببل الوجود والعدم .فيجبب
على كببل مكلف أن يعلم أن ال تعالى قادر ،له قدرة بهببا فعببل ويفعببل مببا يشاء على وفببق علمببه
واختياره .ويجببب عليببه أيضببا أن يعلم أن للعبببد قدرة يكتسببب بهببا مببا أقدره ال تعالى عليببه على
مجرى العادة ،وأنه غير مستبد بقدرته .وإنما خص هنا تعالى صفته التي هي القدرة بالذكر دون
غيرها ،لنه تقدم ذكر فعل مضمنه الوعيد والخافة ،فكان ذكر القدرة مناسبا لذلك .وال أعلم.
فهذه عشرون آيبة على عدد الكوفييبن ،أرببع آيات فبي وصبف المؤمنيبن ،ثبم تليهبا آيتان فبي ذكبر
الكافرين ،وبقيتها في المنافقين .وقد تقدمت الرواية فيها عن ابن جريج ،وقاله مجاهد أيضا.
**3الية{ 21 :يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}
@قوله سببحانه وتعالى" :يبا أيهبا الناس اعبدوا ربكبم" قال علقمبة ومجاهبد :كبل آيبة أولهبا "يبا أيهبا
الناس" فإنما نزلت بمكة ،وكل آية أولها "يا أيها الذين آمنوا" فإنما نزلت بالمدينة .قلت :وهذا يرده
أن هذه السببورة والنسبباء مدنيتان وفيهمببا يببا أيهببا الناس .وأمببا قولهمببا فببي "يببا أيهببا الذيببن آمنوا"
[النساء ]19 :الية فصحيح .وقال عروة بن الزبير :ما كان من حد أو فريضة فإنه نزل بالمدينة،
وما كان من ذكر المم والعذاب فإنه نزل بمكة .وهذا واضح.
و"يا" في قوله" :يا أيها" حرف نداء "أي" منادى مفرد مبني على الضم ،لنه منادى في اللفظ،
و"هببا" للتنبببيه" .الناس" مرفوع صببفة لي عنببد جماعببة النحوييببن ،مببا عدا المازنببي فإنببه أجاز
النصبب قياسبا على جوازه فبي :يبا هذا الرجبل .وقيبل :ضمبت "أي" كمبا ضبم المقصبود المفرد،
وجاؤوا بب "ها" عوضا عن ياء أخرى ،وإنما لم يأتوا بياء لئل ينقطع الكلم فجاؤوا بب "ها" حتى
يبقى الكلم متصل .قال سيبويه :كأنك كررت "يا" مرتين وصار السم بينهما ،كما قالوا :ها هو
ذا .وقيبل لمبا تعذر عليهبم الجمبع بيبن حرفبي تعريبف أتوا فبي الصبورة بمنادي مجرد عبن حرف
تعريببف ،وأجروا عليببه المعرف باللم المقصببود بالنداء ،والتزموا رفعببه ،لنببه المقصببود بالنداء،
فجعلوا إعرابه بالحركة التي كان يستحقها لو باشرها النداء تنبيها على أنه المنادي ،فاعلمه.
واختلف مببن المراد بالناس هنببا على قوليببن :أحدهمببا :الكفار الذي لم يعبدوه ،يدل عليببه قوله:
"وإن كنتبم فبي ريبب" [البقرة ]23 :الثانبي :أنبه عام فبي جميبع الناس ،فيكون خطاببه للمؤمنيبن
باستدامة العبادة ،وللكافرين بابتدائها .وهذا حسن.
@قوله تعالى" :اعبدوا" أمبر بالعبادة له .والعبادة هنبا عبارة عبن توحيده والتزام شرائع دينبه.
وأصل العبادة الخضوع والتذلل ،يقال :طريق معبدة إذا كانت موطوءة بالقدام .قال طرفة:
وظيفا وظيفا فوق َم ْورٍ معبّد
والعبادة :الطاعة .والتعبد :التنسك .وعبدت فلنا :اتخذته عبدا.
@قوله تعالى" :الذي خلقكم" خص تعالى خلقه لهم من بين سائر صفاته إذ كانت العرب مقرة بأن
ال خلقها ،فذكر ذلك حجة عليهم وتقريعا لهم .وقيل :ليذكرهم بذلك نعمته عليهم .وفي أصل الخلق
وجهان :أحدهما :التقدير ،يقال :خلقت الديم للسقاء إذا قدرته قبل القطع ،قال الشاعر:
ولنت تفري ما خلقت وبعب بض القوم يخلق ثم ل يفري
وقال الحجاج :ما خلقت إل فريت ،ول وعدت إل وفيت .الثاني :النشاء والختراع والبداع ،قال
ال تعالى" :وتخلقون إفكا" [العنكبوت.]17 :
@قوله تعالى" :والذين من قبلكم" فيقال إذا ثبت عندهم خلقهم ثبت عندهم خلق غيرهم ،فالجواب:
أنبه إنمبا يجري الكلم على التنببيه والتذكيبر ليكون أبلغ فبي العظبة ،فذكرهبم مبن قبلهبم ليعلموا أن
الذي أمات من قبلهم وهو خلقهم يميتهم ،وليفكروا فيمن مضى قبلهم كيف كانوا ،وعلى أي المور
مضوا من إهلك من أهلك ،وليعلموا أنهم يبتلون كما ابتلوا .وال أعلم.
@قوله تعالى" :لعلكم تتقون" "لعل" متصلة باعبدوا ل بخلقكم ،لن من ذرأه ال لجهنم لم يخلقه
ليتقبي .وهذا ومبا كان مثله فيمبا ورد فبي كلم ال تعالى مبن قوله" :لعلكبم تعقلون ،لعلكبم تشكرون،
لعلكم تذكرون ،لعلكم تهتدون" فيه ثلث تأويلت.
الول :أن "لعبل" على بابهبا مبن الترجبي والتوقبع ،والترجبي والتوقبع إنمبا هبو فبي حيبز البشبر،
فكأنببه قيببل لهببم :افعلوا ذلك على الرجاء منكببم والطمببع أن تعقلوا وأن تذكروا وأن تتقوا .هذا قول
سيبويه ورؤساء اللسان قال سيبويه في قوله عز وجل" :اذهبا إلى فرعون إنه طغى ،فقول له قول
لينا لعله يتذكر أو يخشى" [طه ]44 - 43 :قال معناه :اذهبا على طمعكما ورجائكما أن يتذكر
أو يخشى .واختار هذا القول أبو المعالي.
الثانبي :أن العرب اسبتعملت "لعبل" مجردة مبن الشبك بمعنبى لم كبي .فالمعنبى لتعقلوا ولتذكروا
ولتتقوا ،وعلى ذلك يدل قول الشاعر:
وقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا نكف ووثقتم لنا كل موثق
فلما كففنا الحرب كانت عهودكم كلمع سراب في المل متألق
المعنى :كفوا الحروب لنكف ،ولو كانت "لعل" هنا شكا لم يوثقوا لهم كل موثق ،وهذا القول عن
قطرب والطبري.
الثالث :أن تكون "لعبل" بمعنبى التعرض للشيبء ،كأنبه قيبل :افعلوا متعرضيبن لن تعقلوا ،أو
لن تذكروا أو لن تتقوا .والمعنى في قوله "لعلكم تتقون" أي لعلكم أن تجعلوا بقبول ما أمركم ال
ببه وقايبة بينكبم وبيبن النار .وهذا مبن قول العرب :اتقاه بحقبه إذا اسبتقبله ببه ،فكأنبه جعبل دفعبه حقبه
إليه وقاية له من المطالبة ،ومنه قول علي رضي ال عنه :كنا إذا احمر البأس اتقينا بالنبي صلى
ال عليه وسلم ،أي جعلناه وقاية لنا من العدو .وقال عنترة:
ولقد كررت المهر يدمى نحره حتى اتقتني الخيل بابني حِذيم
**3الية{ 22 :الذي جعل لكم الرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
الثمرات رزقا لكم فل تجعلوا ل أندادا وأنتم تعلمون}
@قوله تعالى" :الذي جعل" معناه هنا صير لتعديه إلى مفعولين :ويأتي بمعنى خلق ،ومنه قوله
تعالى" :مبا جعبل ال مبن بحيرة ول سبائبة" [المائدة ]103 :وقوله" :وجعبل الظلمات والنور"
[النعام ]1 :ويأتي بمعنى سمى ،ومنه قوله تعالى" :حم .والكتاب المبين .إنا جعلناه قرآنا عربيا"
[الزخرف .]3 - 1 :وقوله" :وجعلوا له مبن عباده جزءا" [الزخرف" .]15 :وجعلوا الملئكبة
الذين هم عباد الرحمن إناثا" [الزخرف ]19 :أي سموهم .ويأتي بمعنى أخذ ،كما قال الشاعر:
وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة لضغمهما ها يقرع العظم نابها
وقد تأتي زائدة ،كما قال الخر:
وقد جعلت أرى الثنين أربعة والواحد اثنين لما هدني الكبر
وقبد قيبل فبي قوله تعالى "وجعبل الظلمات والنور" :إنهبا زائدة .وجعبل واجتعبل بمعنبى واحبد ،قال
الشاعر:
ناط أمر الضعاف واجتعل اللي ل كحبل العاديّة الممدود
"فراشا" أي وطاء يفترشونها ويستقرون عليها .وما ليس بفراش كالجبال والوعار والبحار فهي
مببن مصببالح مببا يفترش منهببا ،لن الجبال كالوتاد كمببا قال" :ألم نجعببل الرض مهادا .والجبال
أوتادا" [النبأ .]7 - 6 :والبحار تركب إلى سائر منافعها كما قال" :والفلك التي تجري في البحر
بما ينفع الناس" [البقرة.]164 :
@ قال أصحاب الشافعي :لو حلف رجل أل يبيت على فراش أو ل يستسرج بسراج فبات على
الرض وجلس فبي الشمبس لم يحنبث ،لن اللفبظ ل يرجبع إليهمبا عرفبا .وأمبا المالكيبة فبنوه على
أصبلهم فبي اليمان أنهبا محمولة على النيبة أو السببب أو البسباط الذي جرت عليبه اليميبن ،فإن عدم
ذلك فالعرف.
@قوله تعالى" :والسبماء بناء" السبماء للرض كالسبقف للبيبت ،ولهذا قال وقوله الحبق "وجعلنبا
السماء سقفا محفوظا" [النبياء ]32 :وكل ما عل فأظل قيل له سماء ،وقد تقدم القول فيه والوقف
على "بناء" أحسببن منببه على "تتقون" ،لن قوله" :الذي جعببل لكببم الرض فراشببا" نعببت للرب.
ويقال :بنبى فلن بيتبا ،وبنبى على أهله -بناء فيهمبا -أي زفهبا .والعامبة تقول :بنببى بأهله ،وهبو
خطبأ ،وكأن الصبل فيبه أن الداخبل بأهله كان يضرب عليهبا قببة ليلة دخوله بهبا ،فقيبل لكبل داخبل
بأهله :بان .وبنّى (مقصبورا) شدد للكثرة ،وابتنبى دارا وبنبى بمعنبى ،ومنبه بنيان الحائط ،وأصبله
وضع لبنة على أخرى حتى تثبت.
وأصببل الماء موه ،قلبببت الواو ألفببا لتحركهببا وتحرك مببا قبلهببا فقلت ماه ،فالتقببى حرفان خفيان
فأبدلت مببن الهاء همزة ،لنهببا أجلد ،وهببي باللف أشبببه ،فقلت :ماء ،اللف الولى عيببن الفعببل،
وبعدها الهمزة التي هي بدل من الهاء ،وبعد الهمزة بدل من التنوين .قال أبو الحسن :ل يجوز أن
يكتب إل بألفين عند البصريين ،وإن شئت بثلث ،فإذا جمعوا أو صغروا ردوا إلى الصل فقالوا:
مويه وأمواه ومياه ،مثل جمال وأجمال.
@قوله تعالى" :فأخرج ببه مبن الثمرات رزقبا لكبم" الثمرات جمبع ثمرة .ويقال :ثمبر مثبل شجبر.
ويقال ثمر مثل خشب .ويقال :ثمر مثل بدن .وثمار مثل إكام جمع ثمر .وسيأتي لهذا مزيد بيان في
"النعام" إن شاء ال .وثمار السياط :عقد أطرافها.
والمعنبى فبي اليبة أخرجنبا لكبم ألوانبا مبن الثمرات ،وأنواعبا مبن النبات" .رزقبا" طعامبا لكبم،
وعلفا لدوابكم ،وقد بين هذا قوله تعالى" :إنا صببنا الماء صبا .ثم شققنا الرض شقا .فأنبتنا فيها
حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخل .وحدائق غلبا .وفاكهة وأبا .متاعا لكم ولنعامكم" [عبس- 25 :
]32وقد مضى الكلم في الرزق مستوفى والحمد ل.
فإن قيبل :كيبف أطلق اسبم الرزق على مبا يخرج مبن الثمرات قببل التملك؟ قيبل له :لنهبا معدة
لن تملك ويصح بها النتفاع ،فهي رزق.
قلت :ودلت هذه الية على أن ال تعالى أغنى النسان عن كل مخلوق ،ولهذا قال عليه السلم
مشيرا إلى هذا المعنى( :وال لن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يسأل أحدا
أعطاه أو منعه) .أخرجه مسلم .ويدخل في معنى الحتطاب جميع الشغال من الصنائع وغيرها،
فمن أحوج نفسه إلى بشر مثله بسبب الحرص والمل والرغبة في زخرف الدنيا فقد أخذ بطرف
من جعل ل ندا .وقال علماء الصوفية :أعلم ال عز وجل في هذه الية سبيل الفقر ،وهو أن تجعل
الرض وطاء والسماء غطاء ،والماء طيبا والكل طعاما ،ول تعبد أحدا في الدنيا من الخلق بسبب
الدنيبا ،فإن ال عبز وجبل قبد أتاح لك مبا ل ببد لك منبه ،مبن غيبر منبة فيبه لحبد عليبك .وقال نوف
البكالي :رأيبت علي ببن أببي طالب خرج فنظبر إلى النجوم فقال :يبا نوف ،أراقبد أنبت أم رامبق؟
قلت :بل رامق يا أمير المؤمنين ،قال :طوبى للزاهدين في الدنيا والراغبين في الخرة ،أولئك قوم
اتخذوا الرض بسبباطا ،وترابهببا فراشببا ،وماءهببا طيبببا ،والقرآن والدعاء دثارا وشعارا ،فرفضوا
الدنيبا على منهاج المسبيح عليبه السبلم ...وذكبر باقبي الخببر ،وسبيأتي تمامبه فبي هذه السبورة عنبد
قوله تعالى" :أجيب دعوة الداع" [البقرة ]186 :إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :فل تجعلوا" نهي" .ل أندادا" أي أكفاء وأمثال ونظراء ،واحدها ند ،وكذلك قرأ
محمد بن السميقع "ندا" ،قال الشاعر:
نحمد ال ول ند له عنده الخير وما شاء فعل
وقال حسان:
أتهجوه ولست له بند فشركما لخيركما الفداء
ويقال :ند ونديدة على المبالغة ،قال لبيد:
ليكل يكون السندري نديدتي وأجعل أقواما عموما عماعما
وقال أببببو عببببيدة "أندادا" أضدادا .النحاس" :أندادا" مفعول أول ،و"ل" فبببي موضبببع الثانبببي.
الجوهري :والند (بفتح النون) :التل المرتفع في السماء .والند من الطيب ليس بعربي .وند البعير
ينبد ندا وندادا وندودا :نفبر وذهبب على وجهبه ،ومنبه قرأ بعضهبم "يوم التناد" .وندد ببه أي شهره
وسمع به.
@قوله تعالى" :وأنتبم تعلمون" ابتداء وخببر ،والجملة فبي موضبع الحال ،والخطاب للكافريبن
والمنافقين ،عن ابن عباس .فإن قيل :كيف وصفهم بالعلم وقد نعتهم بخلف ذلك من الختم والطبع
والصببمم والعمببى .فالجواب مببن وجهيببن :أحدهمببا " -وأنتببم تعلمون" يريببد العلم الخاص بأن ال
تعالى خلق الخلق وأنزل الماء وأنببت الرزق ،فيعلمون أنبه المنعبم عليهبم دون النداد .الثانبي -أن
يكون المعنى وأنتم تعلمون وحدانيته بالقوة والمكان لو تدبرتم ونظرتم ،وال أعلم .وفي هذا دليل
على المببر باسببتعمال حجببج العقول وإبطال التقليببد .وقال ابببن فورك :يحتمببل أن تتناول اليببة
المؤمنين ،فالمعنبى ل ترتدوا أيها المؤمنون وتجعلوا ل أندادا بعبد علمكبم الذي هو نفي الجهل بأن
ال واحد.
**3الية{ 23 :وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم
من دون ال إن كنتم صادقين}
@قوله تعالى" :وإن كنتبم فبي ريبب" أي فبي شبك" .ممبا نزلنبا" يعنبي القرآن ،والمراد المشركون
الذين تُحدوا ،فإنهم لما سمعوا القرآن قالوا :ما يشبه هذا كلم ال ،وإنا لفي شك منه؛ فنزلت الية.
ووجه اتصالها بما قبلها أن ال سبحانه لما ذكر في الية الولى الدللة على وحدانيته وقدرته ذكر
بعدها الدللة على نبوة نبيه ،وأن ما جاء به ليس مفترى من عنده.
@قوله تعالى" :على عبدنبا" يعنبي محمبد صبلى ال عليبه وسبلم .والعببد مأخوذ مبن التعببد وهبو
التذلل ،فسمى المملوك -من جنس ما يفعله -عبدا لتذل لموله ،قال طرفة:
إلى أن تحامتني العشيرة كلها وأفردت إفراد البعير المعبد
أي المذلل .قال بعضهبم :لمبا كانبت العبادة أشرف الخصبال والتسبمي بهبا أشرف الخطبط ،سبمى
نبيه عبدا ،وأنشدوا:
يا قوم قلبي عند زهراء يعرفه السامع والرائي
ل تدعني إل بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي
@قوله" :فأتوا بسبورة مبن مثله" الفاء جواب الشرط ،ائتوا مقصبور لنبه مبن باب المجيبء ،قاله
اببن كيسبان .وهبو أمبر معناه التعجيبز ،لنبه تعالى علم عجزهبم عنبه .والسبورة واحدة السبور .وقبد
تقدم الكلم فيها وفي إعجاز القرآن ،فل معنى للعادة" .ومن" في قوله "من مثله" زائدة ،كما قال
"فأتوا بسببورة مثله" والضميببر فببي "مثله" عائد على القرآن عنببد الجمهور مببن العلماء ،كقتادة
ومجاهبد وغيرهمبا .وقيبل :يعود على التوراة والنجيبل .فالمعنبى فأتوا بسبورة مبن كتاب مثله فإنهبا
تصبدق مبا فيبه .وقيبل :يعود على النببي صبلى ال عليبه وسبلم .المعنبى :مبن بشبر أمبي مثله ل يكتبب
ول يقرأ .فمبن على هذيبن التأويليبن للتبعيبض والوقبف على "مثله" ليبس بتام ،لن "وادعوا" نسبق
عليه.
@قوله تعالى" :وادعوا شهداءكبم" معناه أعوانكبم ونصبراءكم .الفراء :آلهتكبم .وقال اببن كيسبان:
فإن قيبل كيبف ذكبر الشهداء هاهنبا ،وإنمبا يكون الشهداء ليشهدوا أمرا ،أو ليخببروا بأمبر شهدوه،
وإنما قيل لهم" :فأتوا بسورة من مثله"؟ فالجواب :أن المعنى استعينوا بمن وجدتموه من علمائكم،
وأحضروهم ليشاهدوا ما تأتون به ،فيكون الرد على الجميع أوكد في الحجة عليهم.
قلت :هذا هو معنى قول مجاهد .قال مجاهد :معنى" :وادعوا شهداءكم" أي ادعوا ناسا يشهدون
لكبم ،أي يشهدون أنكبم عارضتموه .النحاس" :شهداءكبم" نصبب بالفعبل جمبع شهيبد ،يقال :شاهبد
وشهيبد ،مثبل قادر وقديبر .وقوله" "مبن دون ال" أي مبن غيره ،ودون نقيبض فوق ،وهبو تقصبير
عن الغاية ،ويكون ظرفا .والدون :الحقير الخسيس ،قال:
إذا ما عل المرء رام العلء ويقنع بالدون من كان دونا
ول يشتبق منبه فعبل ،وبعضهبم يقول منبه :دان يدون دونبا .ويقال :هذا دون ذاك ،أي أقرب منبه.
ويقال فبي الغراء بالشيبء :دونكبه .قالت تميبم للحجاج :أقبرنبا صبالحا -وكان قبد صبلبه -فقال:
دونكموه.
@قوله تعالى" :إن كنتبم صبادقين" فيمبا قلتبم مبن أنكبم تقدرون على المعارضبة ،لقولهبم فبي آيبة
أخرى" :لو نشاء لقلنا مثل هذا" [النفال ]31 :والصدق :خلف الكذب ،وقد صدق في الحديث.
والصبدق :الصبلب مبن الرماح .ويقال :صبدقوهم القتال .والصبديق :الملزم للصبدق .ويقال :رجبل
صدق ،كما يقال :نعم الرجل .والصداقة مشتقة من الصدق في النصح والود.
**3اليبة{ 24 :فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التبي وقودهبا الناس والحجارة أعدت
للكافرين}
@قوله تعالى" :فإن لم تفعلوا" يعني فيما مضى "ولن تفعلوا" أي تطيقوا ذلك فيما يأتي .والوقف
على هذا على "صبادقين" تام .وقال جماعبة مبن المفسبرين :معنبى اليبة وادعوا شهداءكبم مبن دون
ال إن كنتببم صببادقين ولن تفعلوا ،فإن لم تفعلوا فاتقوا النار فعلى هذا التفسببير ل يتببم الوقببف على
"صادقين".
فإن قيل :كيف دخلت "إن" على "لم" ول يدخل عامل على عامل؟ فالجواب أن "إن" ههنا غير
عاملة فبي اللفبظ ،فدخلت على "لم" كمبا تدخبل على الماضبي ،لنهبا ل تعمبل فبي "لم" كمبا ل تعمبل
فببي الماضببي ،فمعنببى إن لم تفعلوا إن تركتببم الفعببل .قوله تعالى "ولن تفعلوا" نصببب بلن ،ومببن
العرب من يجزم بها ،ذكره أبو عبيدة ،ومنه بيت النابغة:
فلن أعرض أبيت اللعن بالصفد
وفي حديث ابن عمر حين ذهب به إلى النار في منامه :فقيل لي "لن ُترَع" .هذا على تلك اللغة.
وفي قوله" :ولن تفعلوا" إثارة لهممهم ،وتحريك لنفوسهم ،ليكون عجزهم بعد ذلك أبدع ،وهذا من
الغيوب التبي أخببر بهبا القرآن قببل وقوعهبا وقال اببن كيسبان" :ولن تفعلوا" توقيفبا لهبم على أنبه
الحبق ،وأنهبم ليسبوا صبادقين فيمبا زعموا مبن أنبه كذب ،وأنبه مفترى وأنبه سبحر وأنبه شعبر ،وأنبه
أساطير الولين ،وهم يدعون العلم ول يأتون بسورة من مثله.
@وقوله "فاتقوا النار التبي وقودهبا الناس والحجارة" جواب "فإن لم تفعلوا" أي اتقوا النار
بتصديق النبي صلى ال عليه وسلم وطاعة ال تعالى .وقد تقدم معنى التقوى فل معنبى لعادتها.
ويقال :إن لغبة تميبم وأسبد "فتقوا النار" .وحكبى سبيبويه :تقبى يتْقبي ،مثبل قضبى يقضبي" .النار"
مفعولة" .التبي" مبن نعتهبا .وفيهبا ثلث لغات :التبي واللتِب (بكسبر التاء) واللتْب (بإسبكانها) .وهبي
اسم مبهم للمؤنث وهي معرفة ،ول يجوز نزع اللف واللم منها للتنكير ،ول تتم إل بصلة .وفي
تثنيتهبا ثلث لغات أيضبا :اللتان واللتبا (بحذف النون) واللتان (بتشديبد النون) وفبي جمعهبا خمبس
لغات :اللتي ،وهي لغة القرآن .واللت (بكسر التاء بل ياء) .واللواتي .واللوات (بل ياء) ،وأنشد
أبو عبيدة:
من اللواتي واللتي واللتي زعمن أن قد كبرت لداتي
واللوا (بإسقاط التاء) ،هذا ما حكاه الجوهري وزاد ابن الشجري :اللئي (بالهمز وإثبات الياء).
واللء (بكسببر الهمزة وحذف الياء) .والل (بحذف الهمزة) فإن جمعببت الجمببع قلت فببي اللتببي:
اللواتبي وفبي اللئي :اللوائي .قال الجوهري :وتصبغير التبي اللتيبا (بالفتبح والتشديبد) ،قال الراجبز:
بعد اللتيا واللتيا والتي إذا علتها أنفس تردت
وبعببض الشعراء أدخببل على "التببي" حرف النداء ،وحروف النداء ل تدخببل على مببا فيببه اللف
واللم إل في قولنا :يا ال ،وحده .فكأنه شبهها به من حيث كانت اللف واللم غير مفارقتين لها،
وقال:
من أجلك يا التي تيمت قلبي وأنت بخيلة بالود عني
ويقال :وقبع فلن فبي اللتيبا والتبي ،وهمبا اسبمان مبن أسبماء الداهيبة .والوقود (بالفتبح) :الحطبب.
وبالضم :التوقد .و"الناس" عموم ،ومعناه الخصوص فيمن سبق عليه القضاء أنه يكون حطبا لها،
أجارنبا ال منهبا" .والحجارة" هبي حجارة الكببريت السبود -عبن اببن مسبعود والفراء -وخصبت
بذلك لنهبا تزيبد على جميبع الحجار بخمسة أنواع من العذاب :سرعة التقاد ،نتبن الرائحة ،كثرة
الدخان ،شدة اللتصبباق بالبدان ،قوة حرهببا إذا حميببت .وليببس فببي قوله تعالى" :وقودهببا الناس
والحجارة" دليل على أن ليس فيها غير الناس والحجارة ،بدليل ما ذكره في غير موضع من كون
الجبن والشياطيبن فيهبا .وقيبل :المراد بالحجارة الصبنام ،لقوله تعالى" :إنكبم ومبا تعبدون مبن دون
ال حصبب جهنبم" [النببياء ]98 :أي حطبب جهنبم .وعليبه فتكون الحجارة والناس وقودا للنار
وذكببر ذلك تعظيمببا للنار أنهببا تحرق الحجارة مببع إحراقهببا للناس .وعلى التأويببل الول يكونون
معذبيبن بالنار والحجارة .وقبد جاء الحديبث عبن النببي صبلى ال عليبه وسبلم أنبه قال( :كبل مؤذ فبي
النار) .وفبي تأويله وجهان :أحدهمبا -أن كبل مبن آذى الناس فبي الدنيبا عذببه ال فبي الخرة بالنار.
الثانبي -أن كبل مبا يؤذي الناس فبي الدنيبا مبن السبباع والهوام وغيرهبا فبي النار معبد لعقوببة أهبل
النار .وذهب بعض أهل التأويل إلى أن هذه النار المخصوصة بالحجارة هي نار الكافرين خاصة.
وال أعلم.
روى مسببلم عببن العباس بببن عبدالمطلب قال قلت :يببا رسببول ال ،إن أبببا طالب كان يحوطببك
وينصبرك ،فهبل نفعبه ذلك؟ قال( :نعبم وجدتبه فبي غمرات مبن النار فأخرجتبه إلى ضحضاح -فبي
رواية -ولول أنا لكان في الدرك السفل من النار)" .وقودها" مبتدأ" .الناس" خبره" .والحجارة"
عطبف عليهبم .وقرأ الحسبن ومجاهبد وطلحة ببن مصبرف" :وُقودهبا" (بضبم الواو) .وقرأ عبيبد ببن
عمير" :وقيدها الناس" .قال الكسائي والخفش :الوقود (بفتح الواو) :الحطب ،و(بالضم) :الفعل،
يقال :وقدت النار تقببد وقودا (بالضببم) و َوقَدا وقِدة ووقيدا ووقْدا ووقدانببا ،أي توقدت .وأوقدتهببا أنببا
واسبتوقدتها أيضبا .والتقاد مثبل التوقبد ،والموضبع موقبد ،مثبل مجلس ،والنار م ْوقَدة .والوقدة :شدة
الحبر ،وهبي عشرة أيام أو نصبف شهبر .قال النحاس :يجبب على هذا أل يقرأ إل "وقودهبا" بفتبح
الواو لن المعنببى حطبهببا ،إل أن الخفببش قال :وحكببي أن بعببض العرب يجعببل الوَقود والوُقود
بمعنبى الحطبب والمصبدر .قال النحاس :وذهبب إلى أن الول أكثبر ،قال :كمبا أن الوضوء الماء،
والوضوء المصدر.
@قوله تعالى" :أعدت للكافرين" ظاهره أن غير الكافرين ل يدخلها وليس كذلك ،بدليل ما ذكره
في غير موضع من الوعيد للمذنبين وبالحاديث الثابتة في الشفاعة ،على ما يأتي .وفيه دليل على
مبا يقوله أهبل الحبق مبن أن النار موجودة مخلوقبة ،خلفبا للمبتدعبة فبي قولهبم إنهبا لم تخلق حتبى
الن .وهو القول الذي سقط فيه القاضي منذر بن سعيد البلوطي الندلسي .روى مسلم عن عبدال
بن مسعود قال كنا مع رسول ال إذ سمع وجبة ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :تدرون ما هذا)
قال قلنبا :ال ورسبوله أعلم ،قال( :هذا حجبر رمبي ببه فبي النار منبذ سببعين خريفبا فهبو يهوي فبي
النار الن حتبى انتهبى إلى قعرهبا) .وروى البخاري عبن أببي هريرة قال قال رسبول ال صبلى ال
عليبه وسبلم( :احتجبت النار والجنبة فقالت هذه يدخلنبي الجبارون والمتكببرون وقالت هذه يدخلنبي
الضعفاء والمسبباكين فقال ال عببز وجببل لهذه :أنببت عذابببي أعذب بببه مببن أشاء وقال لهذه :أنببت
رحمتبي أرحبم ببك مبن أشاء ،ولكبل واحدة منكمبا ملؤهبا) .وأخرجبه مسبلم بمعناه .يقال :احتجبت
بمعنبى تحتبج ،للحديبث المتقدم حديبث اببن مسبعود ،ولن النببي صبلى ال عليبه وسبلم قبد أريهمبا فبي
صبلة الكسبوف ،ورآهمبا أيضبا فبي إسبرائه ودخبل الجنة ،فل معنبى لمبا خالف ذلك .وبال التوفيبق.
و"أعدت" يجوز أن يكون حال للنار على معنبى معدة ،وأضمرت معبه قبد ،كمبا قال" :أو جاؤوكبم
حصبرت صبدورهم" [النسباء ]90 :فمعناه قبد حصبرت صبدورهم ،فمبع "حصبرت" قبد مضمرة
لن الماضبي ل يكون حال إل مبع قبد ،فعلى هذا ل يتبم الوقبف على "الحجارة" .ويجوز أن يكون
كلمبا منقطعبا عمبا قبله ،كمبا قال" :وذلكبم ظنكبم الذي ظننتبم بربكبم أرداكبم" [فصبلت .]23 :وقال
السجستاني" :أعدت للكافرين" من صلة "التي" كما قال في آل عمران" :واتقوا النار التي أعدت
للكافريبن" [آل عمران .]131 :اببن النباري :وهذا غلط ،لن التبي فبي سبوره البقرة قبد وصبلت
بقوله" :وقودهبا الناس" فل يجوز أن توصبل بصبلة ثانيبة ،وفبي آل عمران ليبس لهبا صبله غيبر
"أعدت".
**3اليبة{ 25 :وبشبر الذيبن آمنوا وعملوا الصبالحات أن لهبم جنات تجري مبن تحتهبا النهار
كلمبا رزقوا منهبا مبن ثمرة رزقبا قالوا هذا الذي رزقنبا مبن قببل وأتوا ببه متشابهبا ولهبم فيهبا أزواج
مطهرة وهم فيها خالدون}
@لمبا ذكبر ال عز وجل جزاء الكافريبن ذكبر جزاء المؤمنيبن أيضبا .والتبشيبر الخبار بما يظهبر
أثره على البشرة -وهببي ظاهببر الجلد لتغيرهببا بأول خبببر يرد عليببك ،ثببم الغالب أن يسببتعمل فببي
السرور مقيدا بالخير المبشر به ،وغير مقيد أيضا .ول يستعمل في الغم والشر إل مقيدا منصوصا
على الشببر المبشببر بببه ،قال ال تعالى "فبشرهببم بعذاب أليببم" [النشقاق ]24 :ويقال :بشرتببه
وبشرته -مخفف ومشدد -بشارة (بكسر الباء) فأبشر واستبشر .وبشر يبشر إذا فرح .ووجه بشير
إذا كان حسنا بين البشارة (بفتح الباء) .والبشرى :ما يعطاه المبشر .وتباشير الشيء :أوله.
@أجمع العلماء على أن المكلف إذا قال :من بشرني من عبيدي بكذا فهو حر ،فبشره واحد من
عببيده فأكثبر فإن أولهبم يكون حرا دون الثانبي .واختلفوا إذا قال :مبن أخببرني مبن عببيدي بكذا فهبو
حبر فهبل يكون الثانبي مثبل الول ،فقال أصبحاب الشافعبي :نعبم ،لن كبل واحبد منهبم مخببر .وقال
علماؤنبا :ل ،لن المكلف إنمبا قصبد خببرا يكون بشارة ،وذلك يختبص بالول ،وهذا معلوم عرفبا
فوجبب صبرف القول إليبه .وفرق محمبد ببن الحسبن بيبن قوله :أخببرني ،أو حدثنبي ،فقال :إذا قال
الرجبل أي غلم لي أخببرني بكذا ،أو أعلمنبي بكذا وكذا فهبو حبر -ول نيبة له -فأخببره غلم له
بذلك بكتاب أو كلم أو رسبول فإن الغلم يعتبق ،لن هذا خببر .وإن أخببره بعبد ذلك غلم له عتبق،
لنه قال :أي غلم أخبرني فهو حر .ولو أخبروه كلهم عتقوا ،وإن كان عنى -حين حلف -بالخبر
كلم مشافهبة لم يعتبق واحبد منهبم إل أن يخببره بكلم مشافهبة بذلك الخببر .قال :وإذا قال أي غلم
لي حدثني ،فهذا على المشافهة ،ل يعتق واحد منهم.
@قوله تعالى" :وعملوا الصبالحات" رد على مبن يقول :إن اليمان بمجرده يقتضبي الطاعات،
لنببه لو كان ذلك مببا أعادهببا فالجنببة تنال باليمان والعمببل الصببالح .وقيببل :الجنببة تنال باليمان،
والدرجات تستحق بالعمال الصالحات .وال أعلم.
"أن لهبم" فبي موضبع نصبب ببب "بشبر" والمعنبى وبشبر الذيبن آمنوا بأن لهبم ،أو لن لهبم ،فلمبا
سببقط الخافببض عمببل الفعببل .وقال الكسببائي وجماعببة مببن البصببريين" :أن" فببي موضببع خفببض
بإضمار الباء" .جنات" فبي موضبع نصبب اسبم "أن"" ،وأن ومبا عملت فيبه فبي موضبع المفعول
الثانبي .والجنات :البسباتين ،وإنمبا سبميت جنات لنهبا تجبن مبن فيهبا أي تسبتره بشجرهبا ،ومنبه:
المجن والجنين والجنة" .تجري" في موضع النعت لجنات وهو مرفوع ،لنه فعل مستقبل فحذفت
الضمة من الياء لثقلها معها" .من تحتها" أي من تحت أشجارها ،ولم يجر لها ذكبر ،لن الجنات
دالة عليها.
@"النهار" أي ماء النهار ،فنسب الجري إلى النهار توسعا ،وإنما يجري الماء وحده فحذف
اختصارا ،كما قال تعالى" :واسأل القرية" [يوسف ]82 :أي أهلها .وقال الشاعر:
نبئت أن النار بعدك أوقدت واستب بعدك يا كليب المجلس
أراد :أهل المجلس ،فحذف .والنهر :مأخوذ من أنهرت ،أي وسعت ،ومنه قول قيس بن الخطيم:
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها يرى قائم من دونها ما وراءها
أي وسبعتها ،يصبف طعنبة .ومنبه قول النببي صبلى ال عليبه وسبلم( :مبا أنهبر الدم وذكبر اسبم ال
عليه فكلوه) .معناه :ما وسع الذبح حتى يجري الدم كالنهر .وجمع النهر :نهر وأنهار .ونهر نهر:
كثير الماء ،قال أبو ذؤيب:
أقامت به فابتنت خيمة على قصب وفرات نهر
وروي :أن أنهار الجنبة ليسبت فبي أخاديبد ،إنمبا تجري على سبطح الجنبة منضبطبة بالقدرة حيبث
شاء أهلهبا .والوقبف على "النهار" حسبن وليبس بتام ،لن قوله" :كلمبا رزقوا منهبا مبن ثمرة" مبن
وصبف الجنات" .رزقاً" مصبدره ،وقبد تقدم القول فبي الرزق .ومعنبى "مبن قببل" يعنبي فبي الدنيبا،
وفيه وجهان :أحدهما :أنهم قالوا هذا الذي وعدنا به في الدنيا .والثاني :هذا الذي رزقنا في الدنيا،
لن لونها يشبه لون ثمار الدنيا ،فإذا أكلوا وجدوا طعمه غير ذلك وقيل" :من قبل" يعني في الجنة
لنهم يرزقون ثم يرزقون ،فإذا أتوا بطعام وثمار في أول النهار فأكلوا منها ،ثم أتوا منها في آخر
النهار قالوا :هذا الذي رزقنا من قبل ،يعني أطعمنا في أول النهار ،لن لونه يشبه ذلك ،فإذا أكلوا
منها وجدوا لها طعما غير طعم الول.
@قوله" :وأتوا" فعلوا مبن أتيبت .وقرأه الجماعبة بضبم الهمزة والتاء .وقرأ هارون العور
"وأتوا" بفتبح الهمزة والتاء .فالضميبر فبي القراءة الولى لهبل الجنبة ،وفبي الثانيبة للخدام" .ببه
متشابهاً" حال مبن الضميبر فبي "ببه" ،أي يشببه بعضبه بعضبا فبي المنظبر ويختلف فبي الطعبم .قاله
ابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم .وقال عكرمة :يشبه ثمر الدنيا ويباينه في جل الصفات .ابن
عباس :هذا على وجه التعجب ،وليس في الدنيا شيء مما في الجنة سوى السماء ،فكأنهم تعجبوا
لمببا رأوه مببن حسببن الثمرة وعظببم خلقهببا .وقال قتادة :خيارا ل رذل فيببه ،كقوله تعالى" :كتابببا
متشابها" [الزمر ]23 :وليس كثمار الدنيا التي ل تتشابه ،لن فيها خيارا وغير خيار.
@قوله" :ولهبم فيهبا أزواج" ابتداء وخببر .وأزواج :جمبع زوج .والمرأة :زوج الرجبل .والرجبل
زوج المرأة .قال الصبمعي :ول تكاد العرب تقول زوجبة .وحكبى الفراء أنبه يقال :زوجبة ،وأنشبد
الفرزدق:
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي كساع إلى أسد الشرى يستبيلها
وقال عمار ببن ياسبر فبي شأن عائشبة أم المؤمنيبن رضبي ال عنهبا :وال إنبي لعلم أنهبا زوجتبه
في الدنيا والخرة ،ولكن ال ابتلكم .ذكره البخاري ،واختاره الكسائي.
"مطهرة" نعبت للزواج ومطهرة فبي اللغبة أجمبع مبن طاهرة وأبلغ ،ومعنبى هذه الطهارة مبن
الحيض والبصاق وسائر أقذار الدميات .ذكر عبدالرزاق قال أخبرني الثوري عن ابن أبي نجيح
عبن مجاهبد" :مطهرة" قال :ل يبلن ول يتغوطبن ول يلدن ول يحضبن ول يمنيبن ول يبصبقن .وقبد
أتينا على هذا كله في وصف أهل الجنة وصفة الجنة ونعيمها من كتاب التذكرة .والحمد ل.
"وهبم فيهبا خالدون" "هبم" مبتدأ" .خالدون" خببره ،والظرف ملغبى .ويجوز فبي غيبر القرآن
نصبب خالديبن على الحال .والخلود :البقاء ومنبه جنبة الخلد .وقبد تسبتعمل مجازا فيمبا يطول ،ومنبه
قولهم في الدعاء :خلد ال ملكه أي طوله .قال زهير:
أل ل أرى على الحوادث باقيا ول خالدا إل الجبال الرواسيا
وأما الذي في الية فهو أبدي حقيقة.
**3اليبة{ 26 :إن ال ل يسبتحيي أن يضرب مثل مبا بعوضبة فمبا فوقهبا فأمبا الذيبن آمنوا
فيعلمون أنببه الحببق مببن ربهببم وأمببا الذيببن كفروا فيقولون ماذا أراد ال بهذا مثل يضببل بببه كثيرا
ويهدي به كثيرا وما يضل به إل الفاسقين}
@قوله تعالى" :إن ال ل يسبتحيي أن يضرب مثل مبا بعوضبة" قال اببن عباس فبي روايبة أببي
صبالح :لمبا ضرب ال سببحانه هذيبن المثليبن للمنافقيبن :يعنبي "مثلهبم كمثبل الذي اسبتوقد نارا"
[البقرة ]17 :وقوله" :أو كصبيب مبن السبماء" [البقرة ]19 :قالوا :ال أجبل وأعلى مبن أن
يضرب المثال ،فأنزل ال هذه اليبة .وفبي روايبة عطاء عبن ابببن عباس قال :لمببا ذكببر ال آلهبة
المشركين فقال" :وإن يسلبهم الذباب شيئا ل يستنقذوه منه" [الحج ]73 :وذكر كيد اللهة فجعله
كببيت العنكبوت ،قالوا :أرأيبت حيبث ذكبر ال الذباب والعنكبوت فيمبا أنزل مبن القرآن على محمبد،
أي شيبء يصبنع؟ فأنزل ال اليبة .وقال الحسبن وقتادة :لمبا ذكبر ال الذباب والعنكبوت فبي كتاببه
وضرب للمشركين به المثل ،ضحكت اليهود وقالوا :ما يشبه هذا كلم ال ،فأنزل ال الية.
و"يسبتحيي" أصبله يسبتح ِييُ ،عينبه ولمبه حرفبا علة ،أعلت اللم منبه بأن اسبتثقلت الضمبة على
الياء فسبكنت .واسبم الفاعبل فبي هذا :مسبتحيٍ ،والجمبع مسبتحيون ومسبتحيين .وقرأ اببن محيصبن
"يستحي" بكسر الحاء وياء واحدة ساكنة ،وروى عن ابن كثير ،وهي لغة تميم وبكر ابن وائل،
نقلت فيهبا حركبة الياء الولى إلى الحاء فسبكنت ،ثبم اسبتثقلت الضمبة على الثانيبة فسبكنت ،فحذفبت
إحداهمببا لللتقاء ،واسببم الفاعببل مسببتح ،والجمببع مسببتحون ومسببتحين .قاله الجوهري .واختلف
المتأولون فبي معنبى "يسبتحيي" فبي هذه اليبة فقيبل :ل يخشبى ،ورجحبه الطببري ،وفبي التنزيبل:
"وتخشبى الناس وال أحبق أن تخشاه" [الحزاب ]37 :بمعنبى تسبتحي .وقال غيره :ل يترك.
وقيبل :ل يمتنبع .وأصبل السبتحياء النقباض عبن الشيبء والمتناع منبه خوفبا مبن مواقعبة القبيبح،
وهذا محال على ال تعالى .وفبي صبحيح مسبلم عبن أم سبلمة رضبي ال عنهبا قالت :جاءت أم سبليم
إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقالت :يا رسول ال ،إن ال ل يستحيي من الحق .المعنى ل يأمر
بالحياء فيه ،ول يمتنع من ذكره.
@قوله تعالى" :أن يضرب مثل ما" "يضرب" معناه يبين ،و"أن" مع الفعل في موضع نصب
بتقدير حذف من" .مثل" منصوب بيضرب "بعوضة" في نصبها أربعة أوجه:
الول :تكون "ما" زائدة ،و"بعوضة" بدل من "مثل".
الثاني :تكون "ما" نكرة في موضع نصب على البدل من قوله" :مثل" .و"بعوضة" نعت لما،
فوصفت "ما" بالجنس المنكر لبهامها لنها بمعنى قليل ،قاله الفراء والزجاج وثعلب.
الثالث :نصبت على تقدير إسقاط الجار ،المعنى أن يضرب مثل ما بين بعوضة ،فحذفت "بين"
وأعربت بعوضة بإعرابها ،والفاء بمعنى إلى ،أي إلى ما فوقها .وهذا قول الكسائي والفراء أيضا،
وأنشد أبو العباس:
يا أحسن الناس ما قرنا إلى قدم ول حبال محب واصل تصل
أراد ما بين قرن ،فلما أسقط "بين" نصب.
الرابببع :أن يكون "يضرب" بمعنببى يجعببل ،فتكون "بعوضببة" المفعول الثانببي .وقرأ الضحاك
وإبراهيم بن أبي عبلة ورؤبة بن العجاج "بعوضة" بالرفع ،وهي لغة تميم .قال أبو الفتح :ووجه
ذلك أن "مببا" اسببم بمنزلة الذي ،و"بعوضببة" رفببع على إضمار المبتدأ ،التقديببر :ل يسببتحيي أن
يضرب الذي هببو بعوضببة مثل ،فحذف العائد على الموصببول وهببو مبتدأ .ومثله قراءة بعضهببم:
"تماما على الذي أحسن" أي على الذي هو أحسن .وحكى سيبويه :ما أنا بالذي قائل لك شيئا ،أي
هبو قائل .قال النحاس :والحذف فبي "مبا" أقببح منبه فبي "الذي" ،لن "الذي" إنمبا له وجبه واحبد
والسببم معببه أطول .ويقال :إن معنببى ضربببت له مثل ،مثلت له مثل .وهذه البنيببة على ضرب
واحد ،وعلى مثال واحد ونوع واحد والضرب النوع .والبعوضة :فعولة من َبعَض إذا قطع اللحم،
يقال :بضبع وبعبض بمعنبى ،وقبد بعضتبه تبعيضبا ،أي جزأتبه فتبعبض .والبعوض :الببق ،الواحدة
بعوضة ،سميت بذلك لصغرها .قال الجوهري وغيره.
@قوله تعالى" :فمبا فوقهبا" قبد تقدم أن الفاء بمعنبى إلى ،ومبن جعبل "مبا" الولى صبلة زائدة فبب
"ما" الثانية عطف عليها .وقال الكسائي وأبو عبيدة وغيرهما :معنى "فما فوقها" -وال أعلم -ما
دونهببا ،أي إنهببا فوقهببا فببي الصببغر .قال الكسببائي :وهذا كقولك فببي الكلم :أتراه قصببيرا؟ فيقول
القائل :أو فوق ذلك ،أي هو أقصر مما ترى .وقال قتادة وابن جريج :المعنى في الكبر.
@قوله تعالى" :فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم" الضمير في "أنه" عائد على المثل
أي أن المثل حبق .والحق خلف الباطل .والحق :واحد الحقوق .والحقة (بفتح الحاء) أخص منه،
يقال :هذه حقتبي ،أي حقبي" .وأمبا الذيبن كفروا" لغبة بنبي تميبم وبنبي عامبر فبي "أمبا" أيمبا ،يبدلون
من إحدى الميمين ياء كراهية التضعيف ،وعلى هذا ينشد بيت عمر بن أبي ربيعة:
رأت رجل أيما إذا الشمس عارضت فيضحى وأيما بالعشي فيخصر
قوله تعالى" :فيقولون ماذا أراد ال بهذا مثل" اختلف النحويون فببي "ماذا" ،فقيببل :هببي بمنزلة
اسبم واحبد بمعنبى أي شيبء أراد ال ،فيكون فبي موضبع نصبب ببب "أراد" .قال اببن كيسبان :وهبو
الجيببد .وقيببل" :مببا" اسببم تام فببي موضببع رفببع بالبتداء ،و"ذا" بمعنببى الذي وهببو خبببر البتداء،
ويكون التقديبر :مبا الذي أراده ال بهذا مثل ،ومعنبى كلمهبم هذا :النكار بلفبظ السبتفهام .و"مثل"
منصبوب على القطبع ،التقديبر :أراد مثل ،قاله ثعلب .وقال اببن كيسبان :هبو منصبوب على التمييبز
الذي وقع موقع الحال.
@قوله تعالى" :يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا" قيل :هو من قول الكافرين ،أي ما مراد ال بهذا
المثل الذي يفرق به الناس إلى ضللة وإلى هدى .وقيل :بل هو خبر من ال عز وجل ،وهو أشبه،
لنهبم يقرون بالهدى أنبه مبن عنده ،فالمعنبى :قبل يضبل ال ببه كثيرا ويهدي ببه كثيرا ،أي يوفبق
ويحذل ،وعليببه فيكون فيببه رد على مببن تقدم ذكرهببم مببن المعتزلة وغيرهببم فببي قولهببم :إن ال ل
يخلق الضلل ول الهدى .قالوا :ومعنى "يضل به كثيرا" التسمية هنا ،أي يسميه ضال ،كما يقال:
فسبقت فلنبا ،يعنبي سبميته فاسبقا ،لن ال تعالى ل يضبل أحدا .هذا طريقهبم فبي الضلل ،وهبو
خلف أقاويبل المفسبرين ،وهبو غيبر محتمبل فبي اللغبة ،لنبه يقال :ضلله إذا سبماه ضال ،ول يقال:
أضله إذا سماه ضال ،ولكن معناه ما ذكره المفسرون أهل التأويل من الحق أنه يخذل به كثيرا من
الناس مجازاة لكفرهم.
"وما يضل به إل الفاسقين" ول خلف أن قوله" :وما يضل به إل الفاسقين" أنه من قول ال
تعالى .و"الفاسبقين" نصبب بوقوع الفعبل عليهبم ،والتقديبر :ومبا يضبل ببه أحدا إل الفاسبقين الذيبن
سببق فبي علمبه أنبه ل يهديهبم .ول يجوز أن تنصببهم على السبتثناء لن السبتثناء ل يكون إل بعبد
تمام الكلم .وقال نوف البكالي :قال عزير فيما يناجي ربه عز وجل :إلهي تخلق خلقا فتضل من
تشاء وتهدي مبن تشاء .قال فقيبل :يبا عزيبر اعرض عبن هذا! لتعرضبن عبن هذا أو لمحونبك مبن
النبوة ،إني ل أسأل عما أفعل وهم يسألون .والضلل أصله الهلك ،يقال منه :ضل الماء في اللبن
إذا اسببتهلك ،ومنببه قوله تعالى" :أإذا ضللنببا فببي الرض" [السببجدة ]10:وقببد تقدم فببي الفاتحببة.
والفسق أصله في كلم العرب الخروج عن الشيء ،يقال :فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها،
والفأرة من جحرها .والفويسقة :الفأرة ،وفي الحديث( :خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية
والغراب البقبع والفأرة والكلب العقور والحديبا) .روتبه عائشبة عبن النببي صبلى ال عليبه وسبلم،
أخرجه مسلم .وفي رواية (العقرب) مكان (الحية) .فأطلق صلى ال عليه وسلم عليها اسم الفسق
لذيتهبا ،على مبا يأتبي بيانبه فبي هذا الكتاب إن شاء ال تعالى .وفسبق الرجبل يفسبق ويفسبق أيضبا -
فسقا وفسوقا ،أي فجر .فأما قوله تعالى" :ففسق عن أمر ربه" فمعناه خرج .وزعم ابن العرابي
أنه لم يسمع قط في كلم الجاهلية ول في شعرهم فاسق .قال :وهذا عجب ،وهو كلم عربي حكاه
عنه ابن فارس والجوهري.
قلت :قد ذكر أبو بكر النباري في كتاب "الزاهر" له لما تكلم على معنى الفسق قول الشاعر:
يذهبن في نجد وغورا غائرا فواسقا عن قصدها جوائرا
والفِسبّيق :الدائم الفسبق .ويقال فبي النداء :يبا فسبق ويبا خببث ،يريبد :يبا أيهبا الفاسبق ،ويبا أيهبا
الخبيث .والفسق في عرف الستعمال الشرعي :الخروج من طاعة ال عز وجل ،فقد يقع على من
خرج بكفر وعلى من خرج بعصيان.
**3اليبة{ 27 :الذيبن ينقضون عهبد ال مبن بعبد ميثاقبه ويقطعون مبا أمبر ال ببه أن يوصبل
ويفسدون في الرض أولئك هم الخاسرون}
@قوله تعالى" :الذيبن" (الذيبن) فبي موضبع نصبب على النعبت للفاسبقين ،وإن شئت جعلتبه فبي
موضبع رفبع على أنبه خببر ابتداء محذوف ،أي هبم الذيبن .وقبد تقدم" .ينقضون عهبد ال" النقبض:
إفسباد مبا أبرمتبه مبن بناء أو حببل أو عهبد .والنقاضبة .مبا نقبض مبن حببل الشعبر .والمناقضبة فبي
القول :أن تتكلم بما تناقض معناه .والنقيضة في الشعر :ما ينقض به .والنقض :المنقوض .واختلف
الناس فبي تعييبن هذا العهبد ،فقيبل :هبو الذي أخذه ال على بنبي آدم حيبن اسبتخرجهم مبن ظهره.
وقيبل :هبو وصبية ال تعالى إلى خلقبه ،وأمره إياهبم بمبا أمرهبم ببه مبن طاعتبه ،ونهيبه إياهبم عمبا
نهاهم عنه من معصيته في كتبه على ألسنة رسله ،ونقضهم ذلك ترك العمل به .وقيل :بل نصب
الدلة على وحدانيتبه بالسبماوات والرض وسبائر الصبنعة هبو بمنزلة العهبد ،ونقضهبم ترك النظبر
فبي ذلك .وقيبل :هبو مبا عهده إلى مبن أوتبي الكتاب أن يببينوا نبوة محمبد صبلى ال عليبه وسبلم ول
يكتموا أمره .فاليبة على هذا فبي أهبل الكتاب .قال أببو إسبحاق الزجاج :عهده جبل وعبز مبا أخذه
على النببيين ومبن اتبعهبم أل يكفروا بالنببي صبلى ال عليبه وسبلم .ودليبل ذلك" :وإذ أخبذ ال ميثاق
النببيين" [آل عمران ]81 :إلى قوله تعالى" :وأخذتبم على ذلكبم إصبري" [آل عمران ]81 :أي
عهدي.
قلت :وظاهببر مببا قبببل ومببا بعببد يدل على أنهببا فببي الكفار .فهذه خمسببة أقوال ،والقول الثانببي
يجمعها.
قوله تعالى" :من بعد ميثاقه" الميثاق :العهد المؤكد باليمين ،مفعال من الوثاقة والمعاهدة ،وهي
الشدة فبي العقبد والرببط ونحوه .والجمبع المواثيبق على الصبل ،لن أصبل ميثاق موثاق ،صبارت
الواو ياء لنكسار ما قبلها -والمياثق والمياثيق أيضا ،وأنشد ابن العرابي:
حمى ل يحل الدهر إل بإذننا ول نسأل القوام عهد المياثق
والموثق :الميثاق .والمواثقة :المعاهدة ،ومنه قوله تعالى" :وميثاقه الذي واثقكم به".
@قوله تعالى" :ويقطعون" القطع معروف ،والمصدر -في الرحم -القطيعة ،يقال :قطع رحمه
قطيعة فهو رجل قطَع وقطعة ،مثال همزة .وقطعت الحبل قطعا .وقطعت النهر قطوعا .وقطعت
الطيبر قُطوعا وقُطاعا وقِطاعا إذا خرجت من بلد إلى بلد .وأصباب الناس قطعة :إذا قلت مياههبم.
ورجل به قطع :أي انبهار.
@قوله تعالى" :ما أمر ال به أن يوصل" "ما" في موضع نصب بب "يقطعون" .و"أن" إن شئت
كانبت بدل مبن "مبا" وإن شئت مبن الهاء فبي "ببه" وهبو أحسبن .ويجوز أن يكون لئل يوصبل ،أي
كراهببة أن يوصببل .واختلف مببا الشيببء الذي أمببر بوصببله؟ فقيببل :صببلة الرحام .وقيببل :أمببر أن
يوصبل القول بالعمبل ،فقطعوا بينهمبا بأن قالوا ولم يعملوا .وقيبل :أمبر أن يوصبل التصبديق بجميبع
أنبببيائه ،فقطعوه بتصببديق بعضهببم وتكذيببب بعضهببم .وقيببل :الشارة إلى ديببن ال وعبادتببه فببي
الرض ،وإقامة شرائعه وحفظ حدوده .فهي عامة في كل ما أمر ال تعالى به أن يوصل .هذا قول
الجمهور ،والرحم جزء من هذا.
@قوله تعالى" :ويفسدون في الرض" أي يعبدون غير ال تعالى ويجورون في الفعال ،إذ هي
بحسب شهواتهم ،وهذا غاية الفساد.
@قوله" :أولئك هبم الخاسبرون" ابتداء وخببر .و"هبم" زائدة ،ويجوز أن تكون "هبم" ابتداء ثان،
"الخاسبرون" خببره ،والثانبي وخببره خببر الول كمبا تقدم .والخاسبر :الذي نقبص نفسبه حظهبا مبن
الفلح والفوز .والخسران :النقصان ،كان في ميزان أو غيره ،قال جرير:
إن سليطا في الخسار إنه أولد قوم خلقوا أقنّه
يعنببي بالخسببار مببا ينقببص مببن حظوظهببم وشرفهببم .قال الجوهري :وخسببرت الشيببء (بالفتببح)
وأخسبرته نقصبته .والخسبار والخسبارة والخيسبرى :الضلل والهلك .فقيبل للهالك :خاسبر ،لنبه
خسر نفسه وأهله يوم القيامة ومنع منزله من الجنة.
@في هذه الية دليل على أن الوفاء بالعهد والتزامه وكل عهد جائز ألزمه المرء نفسه فل يحل له
نقضببه سببواء أكان بيببن مسببلم أم غيره ،لذم ال تعالى مببن نقببض عهده .وقببد قال" :أوفوا بالعقود"
[المائدة ]1 :وقبد قال لنببيه عليبه السبلم" :وإمبا تخافبن مبن قوم خيانبة فانببذ إليهبم على سبواء"
[النفال ]58 :فنهاه عن الغدر وذلك ل يكون إل بنقض العهد على ما يأتي بيانه في موضعه إن
شاء ال تعالى.
**3الية{ 28 :كيف تكفرون بال وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون}
@"كيبف" سبؤال عبن الحال ،وهبي اسبم فبي موضبع نصبب ببب "تكفرون" ،وهبي مبنيبة على الفتبح
وكان سببيلها أن تكون سباكنة ،لن فيهبا معنبى السبتفهام الذي معناه التعجبب فأشبهبت الحروف،
واختير لها الفتح لخفته ،أي هؤلء ممن يجب أن يتعجب منهم حين كفروا وقد ثبتت عليهم الحجة.
فإن قيبل :كيبف يجوز أن يكون هذا الخطاب لهبل الكتاب وهبم لم يكفروا بال؟ فالجواب مبا سببق
مبن أنهبم لمبا لم يثبتوا أم محمبد عليبه السبلم ولم يصبدقوه فيمبا جاء ببه فقبد أشركوا ،لنهبم لم يقروا
بأن القرآن مببن عنببد ال .ومبن زعببم أن القرآن كلم البشببر فقببد أشرك بال وصببار ناقضببا للعهببد.
وقيل" :كيف" لفظه لفظ الستفهام وليس به ،بل هو تقرير وتوبيخ ،أي كيف تكفرون نعمه عليكم
وقدرتبه هذه قال الواسبطي :وبخهبم بهذا غايبة التوبيبخ ،لن الموات والجماد ل ينازع صبانعه فبي
شيء ،وإنما المنازعة من الهياكل الروحانية.
@قوله تعالى" :وكنتم أمواتا" هذه الواو واو الحال ،وقد مضمرة .قال الزجاج :التقدير وقد كنتم،
ثم حذفت قد .وقال الفراء" :أمواتا" خبر "كنتم"" .فأحياكم ثم يميتكم" هذا وقف التمام ،كذا قال أبو
حاتبم .ثبم قال" :ثبم يحييكبم" .واختلف أهبل التأويبل فبي ترتيبب هاتيبن الموتتيبن والحياتيبن ،وكبم مبن
موتببة وحياة للنسببان؟ فقال ابببن عباس وابببن مسببعود :أي كنتببم أمواتببا معدوميببن قبببل أن تخلقوا
فأحياكبم -أي خلقكبم -ثبم يميتكبم عنبد انقضاء آجالكبم ،ثبم يحييكبم يوم القيامبة .قال اببن عطيبة :وهذا
القول هبو المراد باليبة ،وهبو الذي ل محيبد للكفار عنبه لقرارهبم بهمبا ،وإذا أذعنبت نفوس الكفار
لكونهبم أمواتبا معدوميبن ،ثبم للحياء فبي الدنيبا ،ثبم للماتبة فيهبا قوي عليهبم لزوم الحياء الخبر
وجاء جحدهبم له دعوى ل حجبة عليهبا .قال غيره :والحياة التبي تكون فبي القببر على هذا التأويبل
فبي حكبم حياة الدنيبا .وقيبل :لم يعتبد بهبا كمبا لم يعتبد بموت مبن أماتبه فبي الدنيبا ثبم أحياه فبي الدنيبا.
وقيبل :كنتبم أمواتبا -أي نطفبا -فبي ثبم أخرجكبم من ظهره كالذر ،ثبم يميتكبم موت الدنيبا ثبم يبعثكبم.
وقيل :كنتم أمواتا -أي نطفا -في أصلب الرجال وأرحام النساء ،ثم نقلكم من الرحام فأحياكم،
ثم يميتكم بعده هذه الحياة ،ثم يحييكم في القبر للمسألة ،ثم يميتكم في القبر ،ثم يحييكم حياة النشر
إلى الحشر ،وهي الحياة التي ليس بعدها موت.
قلت :فعلى هذا التأويبببل هبببي ثلث موتات ،وثلث إحياءات .وكونهبببم موتبببى فبببي ظهبببر آدم،
وإخراجهبم مبن ظهره والشهادة عليهبم غيبر كونهبم نطفبا فبي أصبلب الرجال وأرحام النسباء ،فعلى
هذا تجيء أربع موتات وأربع إحياءات .وقد قيل :إن ال تعالى أوجدهم قبل خلق آدم عليه السلم
كالهباء ثم أماتهم ،فيكون على هذا خمس موتات ،وخمس إحياءات .وموتة سادسة للعصاة من أمة
محمد صلى ال عليه وسلم إذا دخلوا النار ،لحديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول ال صلى ال
عليبه وسبلم( :أمبا أهبل النار الذي هبم أهلهبا فإنهبم ل يموتون فيهبا ول يحيون ولكبن ناس أصبابتهم
النار بذنوبهبم -أو قال بخطاياهبم -فأماتهبم ال إماتبة حتبى إذا كانوا فحمبا أذِن فبي الشفاعبة فجيبء
بهبم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنبة ثبم قيبل يبا أهبل الجنبة أفيضوا عليهبم فينبتون نبات الحببة
تكون في حميل السيل) .فقال رجل من القوم :كأن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد كان يرعى
بالبادية .أخرجه مسلم.
قلت :فقوله (فأماتهم ال) حقيقة في الموت ،لنه أكده بالمصدر ،وذلك تكريما لهم .وقيل :يجوز
أن يكون (أماتهبم) عبارة عن تغييبهبم عن آلمهبا بالنوم ،ول يكون ذلك موتبا على الحقيقة ،والول
أصببح .وقببد أجمببع النحويون على أنببك إذا أكدت الفعببل بالمصببدر لم يكببن مجازا ،وإنمببا هببو على
الحقيقبة ،ومثله" :وكلم ال موسبى تكليمبا" [النسباء ]164 :على مبا يأتبي بيانبه إن شاء ال تعالى.
وقيل :المعنى وكنتم أمواتا بالخمول فأحياكم بأن ذكرتم وشرفتم بهذا الدين والنبي الذي جاءكم ،ثم
يميتكم فيموت ذكركم ،ثم يحييكم للبعث.
@قوله تعالى" :ثم إليه ترجعون" أي إلى عذابه مرجعكم لكفركم .وقيل :إلى الحياة وإلى المسألة،
كمبا قال تعالى" :كمبا بدأنبا أول خلق نعيده" [النببياء ]104 :فإعادتهبم كابتدائهبم ،فهبو رجوع.
و"تُرجَعون" قراءة الجماعة .ويحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق ومجاهد وابن محيصن وسلم بن
يعقوب يفتحون حرف المضارعة ويكسرون الجيم حيث وقعت.
**3اليبة{ 29 :هبو الذي خلق لكبم مبا فبي الرض جميعبا ثبم اسبتوى إلى السبماء فسبواهن سببع
سماوات وهو بكل شيء عليم}
@قوله" :خلق" معناه اخترع وأوجبد بعبد العدَم .وقبد يقال فبي النسبان" :خلق" عنبد إنشائه شيئا،
ومنه قول الشاعر:
من كان يخلق ما يقو ل فحيلتي فيه قليلة
وقبد تقدم هذا المعنبى .وقال اببن كيسبان" :خلق لكبم" أي مبن أجلكبم .وقيبل :المعنبى أن جميبع مبا فبي
الرض منعم به عليكم فهو لكم .وقيل :إنه دليل على التوحيد والعتبار.
قلت وهذا هو الصبحيح على مبا نببينه .ويجوز أن يكون عنبي به مبا هبم إليه محتاجون من جميبع
الشياء.
@ اسبتدل مبن قال إن أصبل الشياء التبي ينتفبع بهبا الباحبة بهذه اليبة ومبا كان مثلهبا -كقوله:
"وسخر لكم ما في السموات وما في الرض جميعا منه" [الجاثية ]13 :الية -حتى يقوم الدليل
على الحظبر .وعضدوا هذا بأن قالوا :إن المآكبل الشهيبة خلقبت مبع إمكان أل تخلق فلم تخلق عبثبا،
فل ببد لهبا مبن منفعبة .وتلك المنفعبة ل يصبح رجوعهبا إلى ال تعالى لسبتغنائه بذاتبه ،فهبي راجعبة
إلينا .ومنفعتنا إما في نيل لذتها ،أو في اجتنابها لنختبر بذلك ،أو في اعتبارنا بها .ول يحصل شيء
مبن تلك المور إل بذوقهبا ،فلزم أن تكون مباحبة .وهذا فاسبد ،لنبا ل نسبلم لزوم العببث مبن خلقهبا
إل لمنفعبة ،ببل خلقهبا كذلك لنبه ل يجبب عليبه أصبل المنفعبة ،ببل هبو الموجبب .ول نسبلم حصبر
المنفعبة فيمبا ذكروه ،ول حصبول بعبض تلك المنافبع إل بالذوق ،ببل قبد اسبتدل على الطعوم بأمور
أخببر كمببا هببو معروف عنببد الطبائعييببن .ثببم هببو معارض بمببا يخاف أن تكون سببموما مهلكببة،
ومعارضون بشبهات أصحاب الحظر .وتوقف آخرون وقالوا :ما من فعل ل ندرك منه حسنا ول
قبحبا إل ويمكبن أن يكون حسبنا فبي نفسبه ،ول معيبن قببل ورود الشرع ،فتعيبن الوقبف إلى ورود
الشرع .وهذه القاويبل الثلثبة للمعتزلة .وقبد أطلق الشيبخ أببو الحسبن وأصبحابه وأكثبر المالكيبة
والصببيرفي فببي هذه المسببألة القول بالوقببف .ومعناه عندهببم أن ل حكببم فيهببا فببي تلك الحال ،وأن
للشرع إذا جاء أن يحكم بما شاء ،وأن العقل ل يحكم بوجوب ول غيره وإنما حظه تعرف المور
على ما هي عليه .قال ابن عطية :وحكى ابن فورك عن ابن الصائغ أنه قال :لم يخل العقل قط من
السبمع ،ول نازلة إل وفيهبا سبمع ،أو لهبا تعلق ببه ،أو لهبا حال تسبتصحب .قال :فينبغبي أن يعتمبد
على هذا ،ويغني عن النظر في حظر وإباحة ووقف.
@ الصحيح في معنى قوله تعالى" :خلق لكم ما في الرض" العتبار .يدل عليه ما قبله وما بعده
مبن نصبب العببر :الحياء والماتبة والخلق والسبتواء إلى السبماء وتسبويتها ،أي الذي قدر على
إحيائكبم وخلقكبم وخلق السبموات والرض ،ل تبعبد منبه القدرة على العادة .فإن قيبل :إن معنبى
"لكبم" النتفاع ،أي لتنفعوا بجميبع ذلك ،قلنبا المراد بالنتفاع العتبار لمبا ذكرنبا .فان قيبل :وأي
اعتبار فبي العقارب والحيات ،قلنبا :قبد يتذكبر النسبان ببعبض مبا يرى مبن المؤذيات مبا أعبد ال
للكفار في النار من العقوبات فيكون سببا لليمان وترك المعاصي ،وذلك أعظم العتبار .قال ابن
العربي :وليس في الخبار بهذه القدرة عن هذه الجملة ما يقتضي حظرا ول إباحة ول وقفا ،وإنما
جاء ذكر هذه الية في معرض الدللة والتنبيه ليستدل بها على وحدانيته .وقال أرباب المعاني في
قوله" :خلق لكبم مبا فبي الرض جميعبا" لتتقووا ببه على طاعتبه ،ل لتصبرفوه فبي وجوه معصبيته.
وقال أبو عثمان :وهب لك الكل وسخره لك لتستدل به على سعة جوده ،وتسكن إلى ما ضمن لك
مبن جزيبل عطائه فبي المعاد ،ول تسبتكثر كثيبر بره على قليبل عملك ،فقبد ابتدأك بعظيبم النعبم قببل
العمل وهو التوحيد.
@ روى زيبد ببن أسبلم عبن أبيبه عبن عمبر ببن الخطاب رضبي ال عنبه ،أن رجل أتبى رسبول ال
صلى ال عليه وسلم فسأله أن يعطيه ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم (ما عندي شيء ولكن
ابتع علي فإذا جاء شيء قضينا) فقال له عمر :هذا أعطيت إذا كان عندك فما كلفك ال ما ل تقدر.
فكره رسول ال صلى ال عليه وسلم قول عمر ،فقال رجل من النصار :يا رسول ال:
أنفق ول تخش من ذي العرش إقلل
فتبسم رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وعرف السرور في وجهه لقول النصاري .ثم قال رسول
ال صبلى ال عليبه وسبلم( :بذلك أمرت) .قال علماؤنبا رحمبة ال عليهبم :فخوف القلل مبن سبوء
الظببن بال ،لن ال تعالى خلق الرض بمببا فيهببا لولد آدم ،وقال فببي تنزيله" :خلق لكببم مببا فببي
الرض جميعبا" "وسبخر لكبم مبا فبي السبموات ومبا فبي الرض جميعبا منه" [الجاثيبة .]13 :فهذه
الشياء كلهبا مسبخرة للدمبي قطعبا لعذره وحجبة عليبه ،ليكون له عبدا كمبا خلقبه عبدا ،فإذا كان
العبد حسن الظن بال لم يخف القلل لنه يخلف عليه ،كما قال تعالى" :وما أنفقتم من شيء فهو
يخلفه وهو خير الرازقين" [سبأ ]39 :وقال" :فإن ربي غني كريم" [النمل ،]40 :وقال رسول
ال صبلى ال عليبه وسبلم (قال ال تعالى :سببقت رحمتبي غضببي يبا اببن آدم أنْفِق أنفبق عليبك يميبن
ال ملى سحّا ل يغيضها شيء الليل والنهار) .وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ما من يوم
يصببح العباد فيبه إل وملكان ينزلن فيقول أحدهمبا اللهبم أعبط منفقبا خلفبا ويقول الخبر اللهبم أعبط
ممسكا تلفا) .وكذا في المساء عند الغروب يناديان أيضا ،وهذا كله صحيح رواه الئمة والحمد ل.
فمن استنار صدره ،وعلم غنى ربه وكرمه أنفق ولم يخف القلل ،وكذلك من ماتت شهواته عن
الدنيبا واجتزأ باليسبير مبن القوت المقيبم لمهجتبه ،وانقطعبت مشيئتبه لنفسبه ،فهذا يعطبي مبن يسبره
وعسره ول يخاف إقلل .وإنما يخاف القلل من له مشيئة في الشياء ،فإذا أعطي اليوم وله غدا
مشيئه في شيء خاف أل يصيب غدا ،فيضيق عليه المر في نفقة اليوم لمخافة إقلله .روى مسلم
عن أسماء بنت أبي بكر قالت قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم (انفحي أو انضحي أو أنفقي
ول تحصبي فيحصبي ال عليبك ول توعبي فيوعبي عليبك) .وروى النسبائي عبن عائشبة قالت :دخبل
علي سبائل مرة وعندي رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم ،فأمرت له بشيبء ثبم دعوت ببه فنظرت
إليه فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أما تريدين أل يدخل بيتك شيء ول يخرج إل بعلمك)
قلت :نعم ،قال( :مهل يا عائشة ل تحصي فيحصي ال عز وجل عليك).
@قوله تعالى" :ثم استوى" "ثم" لترتيب الخبار ل لترتيب المر في نفسه .والستواء في اللغة:
الرتفاع والعلو على الشيء ،قال ال تعالى" :فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك" [المؤمنون:
،]28وقال "لتستووا على ظهوره" [الزخرف ،]13 :وقال الشاعر:
فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة وقد حلق النجم اليماني فاستوى
أي ارتفع وعل ،واستوت الشمس على رأسي واستوت الطير على قمة رأسي ،بمعنى عل .وهذه
الية من المشكلت ،والناس فيها وفيما شاكلها على ثلثة أوجه ،قال بعضهم :نقرؤها ونؤمن بها
ول نفسرها ،وذهب إليه كثير من الئمة ،وهذا كما روى عن مالك رحمه ال أن رجل سأله عن
قوله تعالى" :الرحمن على العرش استوى" [طه ]5 :قال مالك :الستواء غير مجهول ،والكيف
غير معقول ،واليمان به واجب ،والسؤال عنه بدعة ،وأراك رجل سوء أخرجوه .وقال بعضهم:
نقرؤهبا ونفسبرها على مبا يحتمله ظاهبر اللغبة .وهذا قول المشبهبة .وقال بعضهبم :نقرؤهبا ونتأولهبا
ونحيبل حملهبا على ظاهرهبا .وقال الفراء فبي قوله عبز وجبل" :ثبم اسبتوى إلى السبماء فسبواهن"
قال :السبتواء فبي كلم العرب على وجهيبن ،أحدهمبا :أن يسبتوي الرجبل وينتهبي شباببه وقوتبه ،أو
يسبتوي عبن اعوجاج .فهذان وجهان .ووجبه ثالث أن تقول :كان فلن مقبل على فلن ثبم اسبتوى
علي وإلي يشاتمنبي .على معنبى أقببل إلي وعلي .فهذا معنبى قوله" :ثبم اسبتوى إلى السبماء" وال
أعلم .قال وقد قال ابن عباس :ثم استوى إلى السماء صعد .وهذا كقولك :كان قاعدا فاستوى قائما،
وكان قائمبا فاسبتوى قاعدا ،وكبل ذلك فبي كلم العرب جائز .وقال البيهقبي أببو بكبر أحمبد ببن علي
بن الحسين :قوله" :استوى" بمعنى أقبل صحيح ،لن القبال هو القصد إلى خلق السماء ،والقصد
هو الرادة ،وذلك جائز في صفات ال تعالى .ولفظة "ثم" تتعلق بالخلق ل بالرادة .وأما ما حكي
عن ابن عباس فإنما أخذه عن تفسير الكلبي ،والكلبي ضعيف .وقال سفيان بن عيينة وابن كيسان
فبي قوله "ثبم اسبتوى إلى السبماء" :قصبد إليهبا ،أي بخلقبه واختراعبه ،فهذا قول .وقيبل :على دون
تكييبف ول تحديبد ،واختاره الطببري .ويذكبر عبن أببي العاليبة الرياحبي فبي هذه اليبة أنبه يقال:
استوى بمعنى أنه ارتفع .قال البيهقي :ومراده من ذلك -وال أعلم -ارتفاع أمره ،وهو بخار الماء
الذي وقع منه خلق السماء .وقيل :إن المستوى الدخان .وقال ابن عطية :وهذا يأباه وصف الكلم.
وقيل :المعنى استولى ،كما قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
قال ابن عطية :وهذا إنما يجيء في قوله تعالى" :الرحمن على العرش استوى" [طه.]5 :
قلت :قببد تقدم فببي قول الفراء علي وإلي بمعنببى .وسببيأتي لهذا الباب مزيببد بيان فببي سببورة
"العراف" إن شاء ال تعالى .والقاعدة في هذه الية ونحوها منع الحركة والنقلة.
@ يظهر من هذه الية أنه سبحانه خلق الرض قبل السماء ،وكذلك في "حم السجدة" .وقال في
النازعات" :أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها" [النازعات ]27 :فوصف خلقها ،ثم قال" :والرض
بعد ذلك دحاها" [النازعات .]30 :فكأن السماء على هذا خلقت قبل الرض ،وقال تعالى "الحمد
ل الذي خلق السموات والرض" [النعام ]1 :وهذا قول قتادة :إن السماء خلقت أول ،حكاه عنه
الطببري .وقال مجاهبد وغيره مبن المفسبرين :إنبه تعالى أيببس الماء الذي كان عرشبه عليبه فجعله
أرضبا وثار منبه دخان فارتفبع ،فجعله سبماء فصبار خلق الرض قببل خلق السبماء ،ثبم قصبد أمره
إلى السماء فسواهن سبع سماوات ،ثم دحا الرض بعد ذلك ،وكانت إذ خلقها غير مدحوة.
قلت :وقول قتادة يخرج على وجه صحيح إن شاء ال تعالى ،وهو أن ال تعالى خلق أول دخان
السماء ثم خلق الرض ،ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواها ،ثم دحا الرض بعد ذلك.
ومما يدل على أن الدخان خلق أول قبل الرض ما رواه السدي عن أبي مالك ،وعن أبي صالح
عن ابن عباس ،وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول ال صلى ال
عليبه وسبلم فبي قوله عبز وجبل" :هبو الذي خلق لكبم مبا فبي الرض جميعبا ثبم اسبتوى إلى السبماء
فسواهن سبع سماوات" [البقرة ]29 :قال :إن ال تبارك وتعالى كان عرشه على الماء ولم يخلق
شيئا قببل الماء ،فلمبا أراد أن يخلق الخلق أخرج مبن الماء دخانبا فارتفبع فوق الماء ،فسبما عليبه،
فسبماه سبماء ،ثبم أيببس الماء فجعله أرضبا واحدة ،ثبم فتقهبا فجعلهبا سببع أرضيبن فبي يوميبن ،فبي
الحبد والثنيبن .فجعبل الرض على حوت -والحوت هبو النون الذي ذكبر ال تبارك وتعالى فبي
القرآن بقوله" :ن والقلم" [القلم ]1 :والحوت فبي الماء و[الماء] على صبفاة ،والصبفاة على ظهبر
ملك ،والملك على الصبخرة ،والصبخرة فبي الريبح -وهبي الصبخرة التبي ذكبر لقمان :ليسبت فبي
السبببماء ول فبببي الرض -فتحرك الحوت فاضطرب ،فتزلزلت الرض ،فأرسبببل عليهبببا الجبال
فقرت ،فالجبال تفخبر على الرض ،وذلك قوله تعالى" :وألقبى فبي الرض رواسبي أن تميبد بكبم"
[النحل ]15 :وخلق الجبال فيها ،وأقوات أهلها وشجرها ،وما ينبغي لها في يومين ،في الثلثاء
والربعاء ،وذلك حين يقول" :قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الرض في يومين وتجعلون له أندادا
ذلك رب العالميبن .وجعبل فيهبا رواسبي مبن فوقهبا وبارك فيهبا وقدر فيهبا أقواتهبا فبي أربعبة أيام
سبواء للسبائلين" [فصبلت ]10 ،9 :يقول :مبن سبأل فهكذا المبر" ،ثبم اسبتوى إلى السبماء وهبي
دخان" وكان ذلك الدخان مبن تنفبس الماء حيبن تنفبس ،فجعلهبا سبماء واحدة ،ثبم فتقهبا فجعلهبا سببع
سبماوات فبي يوميبن ،فبي الخميبس والجمعبة وإنمبا سبمي يوم الجمعبة لنبه جمبع فيبه خلق السبموات
والرض" ،وأوحبى فبي كبل سبماء أمرهبا" [فصبلت ]12 :قال :خلق فبي كبل سبماء خلقهبا مبن
الملئكبة والخلق الذي فيهبا مبن البحار وجبال البرد ومبا ل يعلم ،ثبم زيبن السبماء الدنيبا بالكواكبب،
فجعلهبا زينبة وحفظبا تحفبظ مبن الشياطيبن .فلمبا فرغ مبن خلق مبا أحبب اسبتوى على العرش ،قال
فذلك حيببن يقول" :خلق السببموات والرض فببي سببتة أيام" [الحديببد ]4 :ويقول" :كانتببا رتقببا
ففتقناهمبا" [النببياء ]30 :وذكبر القصبة فبي خلق آدم عليبه السبلم ،على مبا يأتبي بيانبه فبي هذه
السورة إن شاء ال تعالى .وروى وكيع عن العمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال( :إن أول
مبا خلق ال عبز وجبل مبن شيبء "القلم" فقال له اكتبب .فقال :يبا رب ومبا اكتبب؟ قال :اكتبب القدر.
فجرى بما هو كائن من ذلك اليوم إلى قيام الساعة .قال :ثم خلق النون فدحا الرض عليها ،فارتفع
بخار الماء ففتبببق منبببه السبببموات ،واضطرب النون فمادت الرض فأثبتبببت بالجبال ،فإن الجبال
تفخبر على الرض إلى يوم القيامبة ).ففبي هذه الروايبة خلق الرض قببل ارتفاع بخار الماء الذي
هببببو الدخان ،خلف الروايببببة الولى .والروايببببة الولى عنببببه وعببببن غيره أولى ،لقوله تعالى:
"والرض بعد ذلك دحاها" [النازعات ]30 :وال أعلم بما فعل ،فقد اختلفت فيه القاويل ،وليس
للجتهاد فيه مدخل.
وذكبر أببو نعيبم عبن كعبب الحبار أن إبليبس تغلغبل إلى الحوت الذي على ظهره الرض كلهبا،
فألقببى فببي قلبببه ،فقال :هببل تدري مببا على ظهرك يببا لوثيببا مببن المببم والشجببر والدواب والناس
والجبال لو نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك أجمع .قال :فهم لوثيا بفعل ذلك ،فبعث ال دابة فدخلت في
منخره ،فعبج إلى ال فخرجبت .قال كعبب :والذي نفسبي بيده ،إنبه لينظبر إليهبا بيبن يديبه وتنظبر إليبه
إن هم بشيء من ذلك عادت حيث كانت.
@ أصل خلق الشياء كلها من الماء لما رواه ابن ماجة في سننه ،وأبو حاتم البستي في صحيح
مسنده عن أبى هريرة قال قلت :يا رسول ال ،إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني ،أنبئني عن كل
شيبء .قال( :كبل شيبء خلق مبن الماء) فقلت :أخببرني عبن شيبء إذا علمبت ببه دخلت الجنبة .قال:
(أطعم الطعام وأفش السلم وصل الرحام وقم الليل والناس نيام تدخل الجنة بسلم) .قال أبو حاتم
قول أبي هريرة" :أنبئني عن كل شيء" أراد به عن كل شيء خلق من الماء .والدليل على صحة
هذا جواب المصبطفى عليبه السبلم إياه حيبث قال( :كبل شيبء خلق مبن الماء) وإن لم يكبن مخلوقبا.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يحدث أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :إن
أول شيبء خلقبه ال القلم وأمره فكتبب كبل شيبء يكون) ويروى ذلك أيضبا عبن عبادة ببن الصبامت
مرفوعبا .قال البيهقبي :وإنمبا أراد -وال أعلم -أول شيبء خلقبه بعبد خلق الماء والريبح والعرش
"القلم" .وذلك بين فبي حديبث عمران بن حصبين ،ثم خلق السبموات والرض .وذكبر عبدالرزاق
بن عمر بن حبيب المكي عن حميد بن قيس العرج عن طاووس قال :جاء رجل إلى عبدال بن
عمرو بببن العاص فسببأله :مببم خلق الخلق؟ قال :مببن الماء والنور والظلمببة والريببح والتراب .قال
الرجبل :فمبم خلق هؤلء؟ قال :ل أدري .قال :ثبم أتبى الرجبل عبدال ببن الزبيبر فسبأله ،فقال مثبل
قول عبدال ببن عمرو .قال :فأتبى الرجبل عبدال ببن عباس فسبأله ،فقال :مبم خلق الخلق؟ قال :مبن
الماء والنور والظلمببة والريببح والتراب .قال الرجببل :فمببم خلق هؤلء؟ فتل عبدال بببن عباس:
"وسبخر لكبم مبا فبي السبموات ومبا فبي الرض جميعبا منبه" [الجاثيبة ]13 :فقال الرجبل :مبا كان
ليأتي بهذا إل رجل من أهل بيت النبي صلى ال عليه وسلم .قال البيهقي :أراد أن مصدر الجميع
منه ،أي من خلقه وإبداعه واختراعه .خلق الماء أول ،أو الماء وما شاء من خلقه ل عن أصل ول
على مثال سبق ،ثم جعله أصل لما خلق بعد ،فهو المبدع وهو البارئ ل إله غيره ول خالق سواه،
سبحانه جل وعز.
@قوله تعالى" :فسبواهن سببع سبماوات" ذكبر تعالى أن السبموات سببع .ولم يأت للرض فبي
التنزيبل عدد صبريح ل يحتمبل التأويبل إل قوله تعالى" :ومن الرض مثلهبن" [الطلق ]12 :وقبد
اختلف فيببه ،فقيببل :ومببن الرض مثلهببن أي فببي العدد ،لن الكيفيببة والصببفة مختلفببة بالمشاهدة
والخبار ،فتعيبن العدد .وقيبل" :ومبن الرض مثلهبن" أي فبي غلظهبن ومبا بينهبن .وقيبل :هبي سببع
إل أنبه لم يفتبق بعضهبا مبن بعبض ،قال الداودي .والصبحيح الول ،وأنهبا سببع كالسبماوات سببع.
روى مسلم عن سعيد بن زيد قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :من أخذ شبرا من
الرض ظلمبا طوقبه إلى سببع أرضيبن) .وعبن عائشبة رضبي ال عنهبا مثله ،إل أن فيبه "مبن" بدل
"إلى" .ومن حديث أبي هريرة( :ل يأخذ أحد شبرا من الرض بغير حقه إل طوقه ال إلى سبع
أرضيبن) وروى النسبائي عبن أببي سبعيد الخدري عبن رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم قال( :قال
موسبى عليبه السبلم يبا رب علمنبي شيئا أذكرك ببه وأدعوك ببه قال يبا موسبى قبل ل إله إل ال قال
موسى يا رب كل عبادك يقول هذا قال قل ل إله إل ال قال ل إله إل أنت إنما أريبد شيئا تخصني
به قال يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والرضين السبع في كفة ول إله إل ال
فبي كفبة مالت بهبن ل إله إل ال) .وروى الترمذي عبن أببي هريرة قال :بينمبا نببي ال صبلى ال
عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب ،فقال نبي ال صلى ال عليه وسلم( :هل تدرون
مبببا هذا) فقالوا :ال ورسبببوله أعلم ،قال( :هذا العنان هذه روايبببا الرض يسبببوقه ال إلى قوم ل
يشكرونبه ول يدعونبه -قال -هبل تدرون مبا فوقكبم) قالوا :ال ورسبول أعلم ،قال( :فإنهبا الرقيبع
سقف محفوظ وموج مكفوف -ثم قال -هل تدرون كم بينكم وبينها) قالوا :ال ورسوله أعلم ،قال:
(بينكم وبينها مسيرة خمسمائة عام -ثم قال - :هل تدرون ما فوق ذلك) قالوا :ال ورسوله أعلم،
قال( :فإن فوق ذلك سبماءين بعبد مبا بينهمبا مسبيرة خمسبمائة سبنة) ثبم قال كذلك حتبى عبد سببع
سماوات ما بين كل سماءين ما بين السماء والرض .ثم قال( :هل تدرون ما فوق ذلك) قالوا :ال
ورسوله أعلم ،قال (فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين -ثم قال - :هل
تدرون مبا الذي تحتكبم) قالوا :ال ورسبوله أعلم ،قال( :فإنهبا الرض -ثبم قال - :هبل تدرون مبا
تحببت ذلك) قالوا :ال ورسببوله أعلم ،قال( :فإن تحتهببا الرض الخرى بينهمببا مسببيرة خمسببمائة
سبنة) حتبى عد سببع أرضيبن ،بيبن كبل أرضيبن مسبيرة خمسبمائة سبنة ،ثبم قال( :والذي نفبس محمبد
بيده لو أنكبم دليتبم بحببل إلى الرض السبفلى لهببط على ال -ثبم قرأ -هبو الول والخبر والظاهبر
والباطبن وهبو بكبل شيبء عليبم) .قال أببو عيسبى :قراءة رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم اليبة تدل
على أنه أراد :لهبط على علم ال وقدرته وسلطانه[ ،علم ال وقدرته وسلطانه] في كل مكان وهو
على عرشه كما وصف نفسه في كتابه .قال :هذا حديث غريب ،والحسن لم يسمع من أبي هريرة.
والثار بأن الرضين سبع كثيرة ،وفيما ذكرنا كفاية .وقد روى أبو الضحى -واسمه مسلم -عن
اببن عباس أنبه قال" :ال الذي خلق سببع سبماوات ومن الرض مثلهبن" [الطلق ]12 :قال :سببع
أرضين في كل أرض نبي كنبيكم ،وآدم كآدم ،ونوح كنوح ،وإبراهيم كإبراهيم ،وعيسى كعيسى.
قال البيهقبي :إسبناد هذا عبن اببن عباس صبحيح ،وهبو شاذ بمرة ل أعلم لببي الضحبى عليبه دليل،
وال أعلم.
@قوله تعالى" :هو الذي خلق لكم ما في الرض" ابتداء وخبر" .ما" في موضع نصب "جميعا"
عند سيبويه نصب على الحال "ثم استوى" أهل نجد يميلون ليدلوا على أنه من ذوات الياء ،وأهل
الحجاز يفخمون" .سببع" منصبوب على البدل مبن الهاء والنون ،أي فسبوى سببع سبماوات .ويجوز
أن يكون مفعول على تقديبر يسبوي بينهبن سببع سبماوات ،كمبا قال ال جبل عبز" :واختار موسبى
قومه سبعين رجل" [العراف ]155 :أي من قومه ،قال النحاس .وقال الخفش :انتصب على
الحال" .وهو بكل شيء عليم" ابتداء وخبر والصل في "هو" تحريك الهاء ،والسكان استخفاف.
والسماء تكون واحدة مؤنثة ،مثل عنان ،وتذكيرها شاذ ،وتكون جمعا لسماوة في قول الخفش،
وسبماءة فبي قول الزجاج ،وجمبع الجمبع سبماوات وسبماءات .فجاء "سبواهن" إمبا على أن السبماء
جمبع وإمبا على أنهبا مفرد اسبم جنبس .ومعنبى سبواهن سبوى سبطوحهن بالملس .وقيبل :جعلهبن
سواء.
@قوله تعالى" :وهو بكل شيء عليم" أي بما خلق وهو خالق كل شيء ،فوجب أن يكون عالما
بكبل شيبء ،وقبد قال" :أل يعلم مبن خلق" [الملك ]14 :فهبو العالم والعليبم بجميبع المعلومات بعلم
قديم أزلي واحد قائم بذاته ،ووافقنا المعتزلة على العالمية دون العلمية .وقالت الجهمية :عالم بعلم
قائم ل في محل ،تعالى ال عن قول أهل الزيغ والضللت ،والرد على هؤلء في كتب الديانات.
وقبد وصبف نفسبه سببحانه بالعلم فقال" :أنزله بعلمبه والملئكبة يشهدون" [النسباء ،]166 :وقال:
"فاعلموا أنمبا أنزل بعلم ال" [هود ،]14 :وقال" :فلنقصبن عليهبم بعلم" [العراف ،]7 :وقال:
"وما تحمل من أنثى ول تضع إل بعلمه" [فاطر ،]11 :وقال" :وعنده مفاتح الغيب ل يعلمها إل
هبو" [النعام ]59 :اليبة .وسبندل على ثبوت علمبه وسبائر صبفاته فبي هذه السبورة عنبد قوله:
"يريبد ال بكبم اليسبر ول يريبد بكبم العسبر" [البقرة ]185 :إن شاء ال تعالى .وقرأ الكسبائي
وقالون عبن نافبع بإسبكان الهاء مبن :هبو وهبي ،إذا كان قبلهبا فاء أو واو أو لم أو ثبم ،وكذلك فعبل
أببو عمرو إل مبع ثبم .وزاد أببو عون عبن الحلوانبي عبن قالون إسبكان الهاء مبن "أن يمبل هبو"
والباقون بالتحريك.
**3اليبة{30 :وإذ قال رببك للملئكبة إنبي جاعبل فبي الرض خليفبة قالوا أتجعبل فيهبا مبن يفسبد
فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما ل تعلمون}
@قوله تعالى "وإذ قال رببك للملئكبة" إذ وإذا حرفبا توقيبت ،فإذ للماضبي ،وإذا للمسبتقبل ،وقبد
توضع إحداهما موضع الخرى .وقال المبرد :إذا جاء "إذ" مع مستقبل كان معناه ماضيا،
نحو قوله" :وإذ يمكر بك" [النفال" ]30 :وإذ تقول للذي أنعم ال عليه" [الحزاب ]37 :معناه
مكروا ،وإذ قلت .وإذا جاء "إذا" مببببع الماضببببي كان معناه مسببببتقبل ،كقوله تعالى" :فإذا جاءت
الطامبة" [النازعات" ]34 :فإذا جاءت الصباخة" [عببس ]33 :و"إذا جاء نصبر ال" [النصبر:
]1أي يجيء .وقال معمر بن المثنى أبو عبيدة" :إذ" زائدة ،والتقدير :وقال ربك ،واستشهد بقول
السود بن يعفر:
والدهر يعقب صالحا بفساد فإذ وذلك ل مهاة لذكره
وأنكر هذا القول الزجاج والنحاس وجميع المفسرين .قال النحاس :وهذا خطأ ،لن "إذ" اسم وهي
ظرف زمان ليبس ممبا تزاد .وقال الزجاج :هذا اجترام مبن أببي عببيدة ،ذكبر ال عبز وجبل خلق
الناس وغيرهبم ،فالتقديبر وابتدأ خلقكبم إذ قال ،فكان هذا مبن المحذوف الذي دل عليبه الكلم ،كمبا
قال:
فسوف تصادفه أينما فإن المنية من يخشها
يريبد أينمبا ذهبب .ويحتمبل أن تكون متعلقبة بفعبل مقدر تقديره واذكبر إذ قال .وقيبل :هبو مردود إلى
قوله تعالى" :اعبدوا ربكبم الذي خلقكبم" [البقرة ]21 :فالمعنبى الذي خلقكبم إذ قال رببك للملئكبة.
وقول ال تعالى وخطابه للملئكة متقرر قديم في الزل بشرط وجودهم وفهمهم .وهكذا الباب كله
فبي أوامبر ال تعالى ونواهيبه ومخاطباتبه .وهذا مذهبب الشيبخ أببي الحسبن الشعري ،وهبو الذي
ارتضاه أببو المعالي .وقبد أتينبا عليبه فبي كتاب السبنى فبي شرح أسبماء ال الحسبنى وصبفات ال
العلى .والرب :المالك والسيد والمصلح والجابر ،وقد تقدم بيانه.
@قوله تعالى" :للملئكبة" الملئكبة واحدهبا ملك .قال اببن كيسبان وغيره :وزن ملك فعبل مبن
الملك .وقال أببو عببيدة ،هبو مفعبل مبن لك إذا أرسبل .واللوكبة والمألَكبة والمألُكبة :الرسبالة ،قال
لبيد:
بألوك فبذلنا ما سأل وغلم أرسلته أمه
وقال آخر:
إنني قد طال حبسي وانتظاري أبلغ النعمان عني مألكا
ويقال :ألكني أي أرسلني ،فأصله على هذا مألك ،الهمزة فاء الفعل فإنهم قلبوها إلى عينه فقالوا:
ملك ،ثم سهلوه فقالوا ملك .وقيل أصله ملك من ملك يملك ،نحو شمأل من شمل ،فالهمزة زائدة
عن ابن كيسان أيضا ،وقد تأتي في الشعر على الصل ،قال الشاعر:
تنزل من جو السماء يصوب فلست لنسي ولكن لملك
وقال النضبر ببن شميبل .ل اشتقاق للملك عنبد العرب .والهاء فبي الملئكبة تأكيبد لتأنيبث الجمبع،
ومثله الصبلدمة .والصبلدم :الخيبل الشداد ،واحدهبا صبلدم .وقيبل :هبي للمبالغبة ،كعلمبة ونسبابة.
وقال أرباب المعاني :خاطب ال الملئكة ل للمشورة ولكن لستخراج ما فيهم من رؤية الحركات
والعبادة والتسبيح والتقديس ،ثم ردهم إلى قيمتهم ،فقال عز وجل" :اسجدوا لدم" [البقرة.]34 :
@قوله تعالى" :إني جاعل في الرض خليفة" "جاعل" هنا بمعنى خالق ،ذكره الطبري عن أبي
روق ،ويقضبي بذلك تعديهبا إلى مفعول واحبد ،وقبد تقدم .والرض قيبل إنهبا مكبة .روى اببن سبابط
عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :دحيت الرض من مكة) ولذلك سميت أم القرى ،قال :وقبر
نوح وهود وصبالح وشعيبب بيبن زمزم والركبن والمقام .و"خليفبة" يكون بمعنبى فاعبل ،أي يخلف
من كان قبله من الملئكة في الرض ،أو من كان قبله من غير الملئكة على ما روي .ويجوز أن
يكون "خليفة" بمعنى مفعول أي مخلف ،كما يقال :ذبيحة بمعنى مفعولة .والخلف (بالتحريك) من
الصالحين ،وبتسكينها من الطالحين ،هذا هو المعروف ،وسيأتي له مزيد بيان في "العراف" إن
شاء ال .و"خليفبة" بالفاء قراءة الجماعبة ،إل مبا روي عبن زيبد ببن علي فإنبه قرأ "خليقبة" بالقاف.
والمعنبي بالخليفبة هنبا -فبي قول اببن مسبعود واببن عباس وجميبع أهبل التأويبل -آدم عليبه السبلم،
وهو خليفة ال في إمضاء أحكامه وأوامره ،لنه أول رسول إلى الرض ،كما في حديث أبي ذر،
قال قلت :يا رسول ال أنبيا كان مرسل؟ قال( :نعم) الحديث ويقال :لمن كان رسول ولم يكن /في
الرض أحد؟ فيقال :كان رسول إلى ولده ،وكانوا أربعين ولدا في عشرين بطنا في كل بطن ذكر
وأنثى ،وتوالدوا حتى كثروا ،كما قال ال تعالى" :خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث
منهمبا رجال كثيرا ونسباء" [النسباء .]1 :وأنزل عليهبم تحريبم الميتبة والدم ولم الخنزيبر .وعاش
تسعمائة وثلثين سنة ،هكذا ذكر أهل التوراة وروي عن وهب بن منبه أنه عاش ألف سنة ،وال
أعلم.
@ هذه اليبة أصبل فبي نصبب إمام وخليفبة يسبمع له ويطاع ،لتجتمبع ببه الكلمبة ،وتنفبذ ببه أحكام
الخليفبة .ول خلف فبي وجوب ذلك بيبن المبة ول بيبن الئمبة إل مبا روي عبن الصبم حيبث كان
عن الشريعة أصم ،وكذلك كل من قال بقوله واتبعه على رأيه ومذهبه ،قال :إنها غير واجبة فبي
الديبن ببل يسبوغ ذلك ،وأن المبة متبى أقاموا حجهبم وجهادهبم ،وتناصبفوا فيمبا بينهبم ،وبذلوا الحبق
من أنفسهم ،وقسموا الغنائم والفيء والصدقات على أهلها ،وأقاموا الحدود على من وجبت عليه،
أجزأهم ذلك ،ول يجب عليهم أن ينصبوا إماما يتولى ذلك .ودليلنا قول ال تعالى" :إني جاعل في
الرض خليفبة" [البقرة ،]30 :وقوله تعالى" :يبا داود إنبا جعلناك خليفبة فبي الرض" [ص:
،]26وقال" :وعبد ال الذيبن آمنوا منكبم وعملوا الصبالحات ليسبتخلفنهم فبي الرض" [النور:
]55أي يجعل منهم خلفاء ،إلى غير ذلك من الي.
وأجمعت الصحابة على تقديم الصديق بعد اختلف وقع بين المهاجرين والنصار في سقيفة بني
ساعدة في التعيين ،حتى قالت النصار :منا أمير ومنكم أمير ،فدفعهم أبو بكر وعمر والمهاجرون
عبن ذلك ،وقالوا لهبم :إن العرب ل تديبن إل لهذا الحبي مبن قريبش ،ورووا لهبم الخببر فبي ذلك،
فرجعوا وأطاعوا لقريببش .فلو كان فرض المام غيببر واجببب ل فببي قريببش ول فببي غيرهببم لمببا
سبباغت هذه المناظرة والمحاورة عليهببا ،ولقال قائل :إنهببا ليسببت بواجبببة ل فببي قريببش ول فببي
غيرهبم ،فمبا لتنازعكبم وجبه ول فائدة فبي أمبر ليبس بواجبب .ثبم إن الصبديق رضبي ال عنبه لمبا
حضرتبه الوفاة عهبد إلى عمبر فبي المامبة ،ولم يقبل له أحبد هذا أمبر غيبر واجبب علينبا ول عليبك،
فدل على وجوبها وأنها ركن من أركان الدين الذي به قوام المسلمين ،والحمد ل رب العالمين.
وقالت الرافضبة :يجبب نصببه عقل ،وإن السبمع إنمبا ورد على جهبة التأكيبد لقضيبة العقبل ،فأمبا
معرفببة المام فإن ذلك مدرك مبن جهببة السبمع دون العقبل .وهذا فاسبد ،لن العقببل ل يوجببب ول
يحظبر ول يقببح ول يحسبن ،وإذا كان كذلك ثببت أنهبا واجببة مبن جهبة الشرع ل مبن جهبة العقبل،
وهذا واضح .فإن قيل وهي:
@ إذا سبلم أن طريبق وجوب المامبة السبمع ،فخبرونبا هبل يجبب مبن جهبة السبمع بالنبص على
المام مبن جهبة الرسبول صبلى ال عليبه وسبلم ،أم مبن جهبة اختيار أهبل الحبل والعقبد له ،أم بكمال
خصال الئمة فيه ،ودعاؤه مع ذلك إلى نفسه كاف فيه؟.
فالجواب أن يقال :اختلف الناس فبي هذا الباب ،فذهببت الماميبة وغيرهبا إلى أن الطريبق الذي
يعرف به المام هو النص من الرسول عليه السلم ول مدخل للختيار فيه .وعندنا :النظر طريق
إلى معرفبة المام ،وإجماع أهبل الجتهاد طريبق أيضبا إليبه ،وهؤلء الذيبن قالوا ل طريبق إليبه إل
النببص بنوه على أصببلهم أن القياس والرأي والجتهاد باطببل ل يعرف بببه شيببء أصببل ،وأبطلوا
القياس أصبل وفرعبا .ثبم اختلفوا على ثلث فرق :فرقبة تدعبي النبص على أببي بكبر ،وفرقبة تدعبي
النبص على العباس ،وفرقبة تدعبي النبص على علي ببن أببي طالب رضبي ال عنهبم .والدليبل على
فقبد النبص وعدمبه على إمام بعينبه هبو أنبه صبلى ال عليبه وسبلم لو فرض على المبة طاعبة إمام
بعينه بحيث ل يجوز العدول عنه إلى غيره لعلم ذلك ،لستحالة تكليف المة بأسرها طاعة ال في
غيبر معيبن ،ول سببيل لهبم إلى العلم بذلك التكليبف ،وإذا وجبب العلم ببه لم يخبل ذلك العلم مبن أن
يكون طريقبه أدلة العقول أو الخببر ،وليبس فبي العقبل مبا يدل على ثبوت المامبة لشخبص معيبن،
وكذلك ليس في الخبر ما يوجب العلم بثبوت إمام معين ،لن ذلك الخبر إما أن يكون تواترا أوجب
العلم ضرورة أو استدلل ،أو يكون من أخبار الحاد ،ول يجوز أن يكون طريقه التواتر الموجب
للعلم ضرورة أو دللة ،إذ لو كان كذلك لكان كبل مكلف يجبد مبن نفسبه العلم بوجوب الطاعبة لذلك
المعيبن وأن ذلك مبن ديبن ال عليبه ،كمبا أن كبل مكلف علم أن مبن ديبن ال الواجبب عليبه خمبس
صلوات ،وصوم رمضان ،وحج البيت ونحوها ،ول أحد يعلم ذلك من نفسه ضرورة ،فبطلت هذه
الدعوى ،وبطببل أن يكون معلومببا بأخبار الحاد لسببتحالة وقوع العلم بببه .وأيضببا فإنببه لو وجببب
المصير إلى نقل النص على المام بأي وجه كان ،وجب إثبات إمامة أبي بكر والعباس ،لن لكل
واحد منهما قوما ينقلون النص صريحا في إمامته ،وإذا بطل إثبات الثلثة بالنص في وقت واحد
-على ما يأتي بيانه -كذلك الواحد ،إذ ليس أحد الفرق أولى بالنص من الخر .وإذا بطل ثبوت
النبص لعدم الطريبق الموصبل إليبه ثببت الختيار والجتهاد .فإن تعسبف متعسبف وادعبى التواتبر
والعلم الضروري بالنبص فينبغبي أن يقابلوا على الفور بنقيبض دعواهبم فبي النبص على أببي بكبر
وبأخبار فبي ذلك كثيرة تقوم أيضبا فبي جملتهبا مقام النبص ،ثبم ل شبك فبي تصبميم مبن عدا الماميبة
على نفي النص ،وهم الخلق الكثير والجم الغفير .والعلم الضروري ل يجتمع على نفيه من ينحط
عبن معشار أعداد مخالفبي الماميبة ،ولو جاز رد الضروري فبي ذلك لجاز أن ينكبر طائفبة بغداد
والصين القصى وغيرهما.
@ فبي رد الحاديبث التبي احتبج بهبا الماميبة فبي النبص على علي رضبي ال عنبه ،وأن المبة
كفرت بهذا النص وارتدت ،وخالفت أمبر الرسول عنادا ،منها قوله عليه السبلم( :من كنبت موله
فعلي موله اللهبم وال مبن واله وعاد مبن عاداه) .قالوا :والمولى فبي اللغبة بمعنبى أولى ،فلمبا قال:
(فعلي موله) بفاء التعقيبب علم أن المراد بقوله "مولى" أنبه أحبق وأولى .فوجبب أن يكون أراد
بذلك المامة وأنه مفترض الطاعة ،وقوله عليه السلم لعلي( :أنت مني بمنزلة هارون من موسى
إل أنبه ل نببي بعدي) .قالوا :ومنزلة هارون معروفبة ،وهبو أنبه كان مشاركبا له فبي النبوة ولم يكبن
ذلك لعلي ،وكان أخا له ولم يكن ذلك لعلي ،وكان خليفة ،فعلم أن المراد به الخلفة ،إلى غير ذلك
مما احتجوا به على ما يأتي ذكره في هذا الكتاب إن شاء ال تعالى.
والجواب عبن الحديبث الول :أنبه ليبس بمتواتبر ،وقبد اختلف فبي صبحته ،وقبد طعبن فيبه أببو داود
السبجستاني وأببو حاتبم الرازي ،واسبتدل على بطلنبه بأن النببي صبلى ال عليبه وسبلم قال( :مزينبة
وجهينة وغفار وأسلم موالي دون الناس كلهم ليس لهم مولى دون ال ورسوله) .قالوا :فلو كان قد
قال( :مبن كنبت موله فعلي موله) لكان أحبد الخببرين كذببا .جواب ثان :وهبو أن الخببر وإن كان
صحيحا رواه ثقة عن ثقة فليس فيه ما يدل على إمامته ،وإنما يدل على فضيلته ،وذلك أن المولى
بمعنبى الولي ،فيكون معنبى الخببر :مبن كنبت وليبه فعلي وليبه ،قال ال تعالى" :فإن ال هبو موله"
[التحريبم ]4 :أي وليبه .وكان المقصبود مبن الخببر أن يعلم الناس أن ظاهبر علي كباطنبه ،وذلك
فضيلة عظيمببة لعلي .جواب ثالث :وهببو أن هذا الخبببر ورد على سبببب ،وذلك أن أسببامة وعليببا
اختصبما ،فقال علي لسبامة :أنبت مولي .فقال :لسبت مولك ،ببل أنبا مولى رسبول ال صبلى ال
عليه وسلم ،فذكر للنبي صلى ال عليه وسلم ،فقال( :من كنت موله فعلي موله).
جواب راببع :وهبو أن عليبا عليبه السبلم لمبا قال للنببي صبلى ال عليبه وسبلم فبي قصبة الفبك فبي
عائشة رضي ال عنها :النساء سواها كثير .شق ذلك عليها ،فوجد أهل النفاق مجال فطعنوا عليه
وأظهروا البراءة منبه ،فقال النببي صبلى ال عليبه وسبلم هذا المقال ردا لقولهبم ،وتكذيببا لهبم فيمبا
قدموا عليه من البراءة منه والطعن فيه ،ولهذا ما روي عن جماعة من الصحابة أنهم قالوا :ما كنا
نعرف المنافقيبن على عهبد رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم إل ببغضهبم لعلي عليبه السبلم .وأمبا
الحديبث الثانبي فل خلف أن النببي صلى ال عليه وسلم لم يرد بمنزلة هارون من موسى الخلفبة
بعده ،ول خلف أن هارون مات قببل موسبى عليهمبا السبلم -على مبا يأتبي مبن بيان وفاتيهمبا فبي
سورة "المائدة" -وما كان خليفة بعده وإنما كان الخليفة يوشع بن نون ،فلو أراد بقوله( :أنت مني
بمنزلة هارون مبن موسبى) الخلفبة لقال :أنبت منبي بمنزلة يوشبع مبن موسبى ،فلمبا لم يقبل هذا دل
على أنه لم يرد هذا ،وإنما أراد أني استخلفتك على أهلي في حياتي وغيبوبتي عن أهلي ،كما كان
هارون خليفبة موسبى على قومبه لمبا خرج إلى مناجاة رببه .وقبد قيبل :إن هذا الحديبث خرج على
سبب ،وهو أن النبي صلى ال عليه وسلم لما خرج إلى غزوة تبوك استخلف عليا عليه السلم في
المدينبة على أهله وقومبه ،فأرجبف ببه أهبل النفاق وقالوا :إنمبا خلفبه بغضبا وقلى له ،فخرج علي
فلحق بالنبي صلى ال عليه وسلم وقال له :إن المنافقين قالوا كذا وكذا! فقال( :كذبوا بل خلفتك كما
خلف موسى هارون) .وقال( :أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) .وإذا ثبت أنه
أراد السبتخلف على زعمهبم فقبد شارك عليبا فبي هذه الفضيلة غيره ،لن النببي صبلى ال عليبه
وسبلم اسبتخلف فبي كبل غزاة غزاهبا رجل مبن أصبحابه ،منهبم :اببن أم مكتوم ،ومحمبد ببن مسبلمة
وغيرهما من أصحابه ،على أن مدار هذا الخبر على سعد بن أبي وقاص وهو خبر واحد .وروي
في مقابلته لبي بكر وعمر ما هو أولى منه .وروي أن النبي صلى ال عليه وسلم لما أنفذ معاذ بن
جببل إلى اليمبن قيبل له :أل تنفبذ أببا بكبر وعمبر؟ فقال( :إنهمبا ل غنبى ببي عنهمبا إن منزلتهمبا منبي
بمنزلة السببمع والبصببر مببن الرأس) .وقال( :همببا وزيراي فببي أهببل الرض) .وروي عنببه عليببه
السبلم أنبه قال( :أببو بكبر وعمبر بمنزلة هارون مبن موسبى) .وهذا الخببر ورد ابتداء ،وخببر علي
ورد على سبب ،فوجب أن يكون أبو بكر أولى منه بالمامة ،وال أعلم.
@ واختلف فيمبا يكون ببه المام إمامبا وذلك ثلث طرق ،أحدهبا :النبص ،وقبد تقدم الخلف فيبه،
وقال به أيضا الحنابلة وجماعة من أصحاب الحديث والحسن البصري وبكر ابن أخت عبدالواحد
وأصحابه وطائفة من الخوارج .وذلك أن النبي صلى ال عليه وسلم نص على أبي بكر بالشارة،
وأبو بكر على عمر .فإذا نص المستخلف على واحد معين كما فعل الصديق ،أو على جماعة كما
فعبل عمبر ،وهبو الطريبق الثانبي ،ويكون التخييبر إليهبم فبي تعييبن واحبد منهبم كمبا فعبل الصبحابة
رضبي ال عنهبم فبي تعييبن عثمان ببن عفان رضبي ال عنبه .الطريبق الثالث :إجماع أهبل الحبل
والعقبد ،وذلك أن الجماعبة فبي مصبر مبن أنصبار المسبلمين إذا مات إمامهبم ولم يكبن لهبم إمام ول
اسبتخلف فأقام أهبل ذلك المصبر الذي هبو حضرة المام وموضعبه إمامبا لنفسبهم اجتمعوا عليبه
ورضوه فإن كل من خلفهم وأمامهم من المسلمين في الفاق يلزمهم الدخول في طاعة ذلك المام،
إذا لم يكن المام معلنا بالفسق والفساد ،لنها دعوة محيطة بهم تجب إجابتها ول يسع أحد التخلف
عنهبا لمبا فبي إقامبة إماميبن مبن اختلف الكلمبة وفسباد ذات البيبن ،قال رسبول ال صبلى ال عليبه
وسبلم( :ثلث ل يغبل عليهبن قلب مؤمبن إخلص العمبل ل ولزوم الجماعبة ومناصبحة ولة المبر
فإن دعوة المسلمين من ورائهم محيطة).
@ فإن عقدها واحد من أهل الحل والعقد فذلك ثابت ويلزم الغير فعله ،خلفا لبعض الناس حيث
قال :ل تنعقبد إل بجماعبة مبن أهبل الحبل والعقبد ،ودليلنبا أن عمبر رضبي ال عنبه عقبد البيعبة لببي
بكر ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك ،ولنه عقد فوجب أل يفتقر إلى عدد يعقدونه كسائر العقود.
قال المام أببو المعالي :مبن انعقدت له المامبة بعقبد واحبد فقبد لزمبت ،ول يجوز خلعبه مبن غيبر
حدث وتغير أمر ،قال :وهذا مجمع عليه.
@ فإن تغلب من له أهلية المامة وأخذها بالقهر والغلبة فقد قيل إن ذلك يكون طريقا رابعا ،وقد
سئل سهل بن عبدال التستري :ما يجب علينا لمن غلب على بلدنا وهو إمام؟ قال :تجيبه وتؤدي
إليه ما يطالبك من حقه ،ول تنكر فعاله ول تفر منه ،وإذا ائتمنك على سر من أمر الدين لم تفشه.
وقال اببن خويبز منداد :ولو وثبب على المبر مبن يصبلح له مبن غيبر مشورة ول اختيار وبايبع له
الناس تمت له البيعة ،وال أعلم.
@ واختلف فبي الشهادة على عقبد المامبة ،فقال بعبض أصبحابنا :إنبه ل يفتقبر إلى الشهود ،لن
الشهادة ل تثببت إل بسبمع قاطبع ،وليبس ههنبا سبمع قاطبع يدل على إثبات الشهادة .ومنهبم مبن قال:
يفتقبر إلى شهود ،فمبن قال بهذا احتبج بأن قال :لو لم تعقبد فيبه الشهادة أدى إلى أن يدعبي كبل مدع
أنه عقد له سرا ،وتؤدي إلى الهرج والفتنة ،فوجب أن تكون الشهادة معتبرة ويكفي فيها شاهدان،
جبّائي حيث قال باعتبار أربعة شهود وعاقد ومعقود له ،لن عمر حيث جعلها شورى في خلفا لل ُ
سبتة دل على ذلك .ودليلنبا أنبه ل خلف بيننبا وبينبه أن شهادة الثنيبن معتببرة ،ومبا زاد مختلف فيبه
ولم يدل عليه الدليل فيجب أل يعتبر.
@شرائط المام ،وهي أحد عشر :الول :أن يكون من صميم قريش ،لقوله صلى ال عليه وسلم:
(الئمة من قريش) .وقد اختلف في هذا .الثاني :أن يكون ممن يصلح أن يكون قاضيا من قضاة
المسببلمين مجتهدا ل يحتاج إلى غيره فببي السببتفتاء فببي الحوادث ،وهذا متفببق عليببه .الثالث :أن
يكون ذا خببرة ورأي حصبيف بأمبر الحرب وتدبيبر الجيوش وسبد الثغور وحمايبة البيضبة وردع
المبة والنتقام مبن الظالم والخبذ للمظلوم .الراببع :أن يكون ممبن ل تلحقبه رقبة فبي إقامبة الحدود
ول فزع مببن ضرب الرقاب ول قطببع البشار والدليببل على هذا كله إجماع الصببحابة رضببي ال
عنهببم ،لنببه ل خلف بينهببم أنببه ل بببد مببن أن يكون ذلك كله مجتمعببا فيببه ،ولنببه هببو الذي يولي
القضاة والحكام ،وله أن يباشبر الفصبل والحكبم ،ويتفحبص أمور خلفائه وقضاتبه ،ولن يصبلح لذلك
كله إل من كان عالما بذلك كله قيما به .وال أعلم.
الخامس :أن يكون حرا ،ول خفاء باشتراط حرية المام وإسلمه وهو السادس.
السببابع :أن يكون ذكرا ،سببليم العضاء وهببو الثامببن .وأجمعوا على أن المرأة ل يجوز أن تكون
إماما وإن اختلفوا في جواز كونها قاضية فيما تجوز شهادتها فيه .التاسع والعاشر :أن يكون بالغا
عاقل ،ول خلف في ذلك .الحادي عشر :أن يكون عدل ،لنه ل خلف بين المة أنه ل يجوز أن
تعقبد المامبة لفاسبق ،ويجبب أن يكون مبن أفضلهبم فبي العلم ،لقوله عليبه السبلم( :أئمتكبم شفعاؤكبم
فانظروا بمبن تسبتشفعون) .وفبي التنزيبل فبي وصبف طالوت" :إن ال اصبطفاه عليكبم وزاده بسبطة
في العلم والجسم" [البقرة ]247 :فبدأ بالعلم ثم ذكر ما يدل على القوة وسلمة العضاء .وقوله:
"اصبطفاه" معناه اختاره ،وهذا يدل على شرط النسب .وليبس من شرطه أن يكون معصوما مبن
الزلل والخطبأ ،ول عالمبا بالغيبب ،ول أفرس المبة ول أشجعهبم ،ول أن يكون مبن بنبي هاشبم فقبط
دون غيرهم من قريش ،فإن الجماع قد انعقد على إمامة أبي بكر وعثمان وليسوا من بني هاشم.
@ يجوز نصب المفضول مع وجود الفاضل خوف الفتنة وأل يستقيم أمر المة ،وذلك أن المام
إنمببا نصببب لدفببع العدو وحمايببة البيضببة وسببد الخلل واسببتخراج الحقوق وإقامببة الحدود وجبايببة
الموال لبيت المال وقسمتها على أهلها .فإذا خيف بإقامة الفضل الهرج والفساد وتعطيل المور
التببي لجلهببا ينصببب المام كان ذلك عذرا ظاهرا فببي العدول عببن الفاضببل إلى المفضول ،ويدل
على ذلك أيضبا علم عمبر وسبائر المبة وقبت الشورى بأن السبتة فيهبم فاضبل ومفضول ،وقبد أجاز
العقد لكل واحد منهم إذا أدى المصلحة إلى ذلك واجتمعت كلمتهم عليه من غير إنكار أحد عليهم،
وال أعلم.
@ المام إذا نصبب ثبم فسبق بعبد انببرام العقبد فقال الجمهور :إنبه تنفسبخ إمامتبه ويخلع بالفسبق
الظاهببر المعلوم ،لنببه قببد ثبببت أن المام إنمببا يقام لقامببة الحدود واسببتيفاء الحقوق وحفببظ أموال
اليتام والمجانيبن والنظبر فبي أمورهبم إلى غيبر ذلك ممبا تقدم ذكره ،ومبا فيبه مبن الفسبق يقعده عبن
القيام بهذه المور والنهوض بها .فلو جوزنا أن يكون فاسقا أدى إلى إبطال ما أقيم لجله ،أل ترى
فبي البتداء إنمبا لم يجبز أن يعقبد للفاسبق لجبل أنبه يؤدي إلى إبطال مبا أقيبم له ،وكذلك هذا مثله.
وقال آخرون :ل ينخلع إل بالكفبببر أو بترك إقامبببة الصبببلة أو الترك إلى دعائهبببا أو شيبببء مبببن
الشريعبة ،لقوله عليبه السبلم فبي حديبث عبادة( :وأل ننازع المبر أهله قال إل أن تروا كفرا بواحبا
عندكببم مببن ال فيبه برهان) .وفببي حديببث عوف ببن مالك( :ل مببا أقاموا فيكبم الصبلة) الحديببث.
أخرجهمبا مسبلم .وعبن أم سبلمه عبن النببي صبلى ال عليبه وسبلم قال( :إنبه يسبتعمل عليكبم أمراء
فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع -قالوا :يا رسول
ال أل نقاتلهم؟ قال - :ل ما صلوا) .أي من كره بقلبه وأنكر بقلبه .أخرجه أيضا مسلم.
ويجب عليه أن يخلع نفسه إذا وجد في نفسه نقصا يؤثر في المامة .فأما إذا لم يجد نقصا فهل
له أن يعزل نفسه ويعقد لغيره؟ اختلف الناس فيه ،فمنهم من قال :ليس له أن يفعل ذلك وإن فعل لم
تنخلع إمامتبه .ومنهبم مبن قال :له أن يفعبل ذلك .والدليبل على أن المام إذا عزل نفسبه انعزل قول
أببي بكبر الصبديق رضبي ال عنبه :أقيلونبي أقيلونبي .وقول الصبحابة :ل نقيلك ول نسبتقيلك ،قدمبك
رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم لديننبا فمبن ذا يؤخرك! رضيبك رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم
لديننا فل نرضاك! فلو لم يكن له أن يفعل ذلك لنكرت الصحابة ذلك عليه ولقالت له :ليس لك أن
تقول هذا ،وليببس لك أن تفعله .فلمببا أقرتببه الصببحابة على ذلك علم أن للمام أن يفعببل ذلك ،ولن
المام ناظبر للغيبب فيجبب أن يكون حكمبه حكبم الحاكبم ،والوكيبل إذا عزل نفسبه .فإن المام هبو
وكيل المة ونائب عنها ،ولما اتفق على أن الوكيل والحاكم وجميع من ناب عن غيره في شيء له
أن يعزل نفسه ،وكذلك المام بجب أن يكون مثله .وال أعلم.
@ إذا انعقدت المامبة باتفاق أهبل الحبل والعقبد أو بواحبد على مبا تقدم وجبب على الناس كافبة
مبايعتبه على السبمع والطاعبة ،وإقامبة كتاب ال وسبنة رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم .ومبن تأببى
عبن البيعبة لعذر عذر ،ومبن تأببى لغيبر عذر جببر وقهبر ،لئل تفترق كلمبة المسبلمين .وإذا بويبع
لخليفتين فالخليفة الول وقتل الخر ،واختلف في قتله هل هو محسوس أو معنى فيكون عزله قتله
وموتببه .والول أظهببر ،قال رسببول ال صببلى ال عليببه وسببلم( :إذا بويببع لخليفتيببن فاقتلوا الخببر
منهمبا) .رواه أببو سبعيد الخدري أخرجبه مسبلم .وفبي حديبث عبدال ببن عمرو عبن النببي صبلى ال
عليه وسلم أنه سمعه يقول( :ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه أن استطاع فإن
جاء آخببر ينازعببه فاضربوه عنببق الخببر) .رواه مسببلم أيضببا ،ومببن حديببث عرفجببة( :فاضربوه
بالسببيف كائنببا مببن كان) .وهذا أدل دليببل على منببع إقامببة إماميببن ،ولن ذلك يؤدي إلى النفاق
والمخالفبببة والشقاق وحدوث الفتبببن وزوال النعبببم ،لكبببن إن تباعدت القطار وتباينبببت كالندلس
وخراسان جاز ذلك ،على ما يأتي بيانه إن شاء ال تعالى.
@ لو خرج خارجبي على إمام معروف العدالة وجبب على الناس جهاده ،فإن كان المام فاسبقا
والخارجبي مظهبر للعدل لم ينببغ للناس أن يسبرعوا إلى نصبرة الخارجبي حتبى يتببين أمره فيمبا
يظهبر مبن العدل ،أو تتفبق كلمبة الجماعبة على خلع الول ،وذلك أن كبل مبن طلب مثبل هذا المبر
أظهر من نفسه الصلح حتى إذا تمكن رجع إلى عادته من خلف من ما أظهر.
@ فأما إقامة إمامين أو ثلثة في عصر واحد وبلد واحد فل يجوز إجماعا لما ذكرنا .قال المام
أبو المعالي :ذهب أصحابنا إلى منع عقد المامة لشخصين في طرفي العالم ،ثم قالوا :لو اتفق عقد
المامببة لشخصببين نزل ذلك منزلة تزويببج ولييببن امرأة واحدة مببن زوجيببن مببن غيببر أن يشعببر
أحدهمبا بعقبد الخبر .قال :والذي عندي فيبه أن عقبد المامبة لشخصبين فبي صبقع واحبد متضايبق
الخطبط والمخاليبف غيبر جائز وقبد حصبل الجماع عليبه .فأمبا إذا بعبد المدى وتخلل بيبن الماميبن
شسبوع النوى فللحتمال فبي ذلك مجال وهبو خارج عبن القواطبع .وكان السبتاذ أببو إسبحاق يجوز
ذلك فبي إقليميبن متباعديبن غايبة التباعبد لئل تتعطبل حقوق الناس وأحكامهبم .وذهببت الكراميبة إلى
جواز نصبب إماميبن مبن غيبر تفصبيل ،ويلزمهبم إجازة ذلك فبي بلد واحبد ،وصباروا إلى أن عليبا
ومعاوية كانا إمامين .قالوا :وإذا كانا اثنين في بلدين أو ناحيتين كان كل واحد منهما أقوم بما في
يديبه وأضببط لمبا يليبه ،ولنبه لمبا جاز بعثبة نببيين فبي عصبر واحبد ولم يؤد ذلك إلى إبطال النبوة
كانببت المامببة أولى ،ول تؤدي ذلك إلى إبطال المامببة .والجواب أن ذلك جائز لول منببع الشرع
منه ،لقوله( :فاقتلوا الخر منهما) ولن المة عليه .وأما معاوية فلم يدع المامة لنفسه وإنما ادعى
وليبة الشام بتوليبة مبن قبله مبن الئمبة .وممبا يدل على هذا إجماع المبة فبي عصبرهما على أن
المام أحدهمبا ،ول قال أحدهمبا إنبي إمام ومخالفبي إمام .فإن قالوا :العقبل ل يحيبل ذلك وليبس فبي
السمع ما يمنع منه .وقلنا :أقوى السمع الجماع ،وقد وجد على المنع.
@ قبد علمنبا قطعبا أن الملئكبة ل تعلم إل مبا أعلمبت ول تسببق بالقول ،وذلك عام فبي جميبع
الملئكة ،لن قوله" :ل يسبقونه بالقول" خرج على جهة المدح لهم ،فكيف قالوا" :أتجعل فيها من
يفسبد فيهبا"؟ فقيبل :المعنبى أنهبم لمبا سبمعوا لفبظ خليفبة فهموا أن فبي بنبي آدم مبن يفسبد ،إذ الخليفبة
المقصود منه الصلح وترك الفساد ،لكن عمموا الحكم على الجميع بالمعصية ،فبين الرب تعالى
أن فيهبم مبن يفسبد ومبن ل يفسبد فقال تطييببا لقلوبهبم" :إنبي أعلم" وحقبق ذلك بأن علم آدم السبماء،
وكشف لهم عن مكنون علمه .وقيل :إن الملئكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم
الدماء .وذلك لن الرض كان فيهبا الجبن قببل خلق آدم فأفسبدوا وسبفكوا الدماء ،فبعبث ال إليهبم
إبليس في جند من الملئكة فقتلهم وألحقهم بالبحار ورؤوس الجبال ،فمن حينئذ دخلته العزة .فجاء
قولهم" :أتجعل فيها" على جهة الستفهام المحض :هل هذا الخليفة على طريقة من تقدم من الجن
أم ل؟ قاله أحمد بن يحيى ثعلب .وقال ابن زيد وغيره .إن ال تعالى أعلمهم أن الخليفة سيكون من
ذريته قوم يفسدون في الرض ويسفكون الدماء ،فقالوا لذلك هذه المقالة ،إما على طريق التعجب
مبن اسبتخلف ال مبن يعصبيه أو مبن عصبيان ال مبن يسبتخلفه فبي أرضبه وينعبم عليبه بذلك ،وإمبا
على طريببق السببتعظام والكبار للفصببلين جميعببا :السببتخلف والعصببيان .وقال قتادة :كان ال
أعلمهم أنه إذا جعل في الرض خلقا أفسبدوا وسفكوا الدماء ،فسألوا حين قال تعالى" :إني جاعل
في الرض خليفة" أهو الذي أعلمهم أم غيره.
وهذا قول حسبن ،رواه عبدالرزاق قال :أخبرنبا معمبر عبن قتادة فبي قوله "أتجعبل فيهبا مبن يفسبد
فيهبا" قال :كان ال أعلمهبم أنبه إذا كان فبي الرض خلق أفسبدوا فيهبا وسبفكوا الدماء ،فلذلك قالوا:
"أتجعل فيها من يفسد فيها" .وفي الكلم حذف على مذهبه ،والمعنى إني جاعل في الرض خليفة
يفعبل كذا ويفعبل كذا ،فقالوا :أتجعبل فيهبا الذي أعلمتناه أم غيره؟ والقول الول أيضبا حسبن جدا،
لن فيبه اسبتخراج العلم واسبتنباطه مبن مقتضبى اللفاظ وذلك ل يكون إل مبن العلماء ،ومبا بيبن
القوليبن حسبن ،فتأمله .وقبد قيبل :إن سبؤاله تعالى للملئكبة بقوله( :كيبف تركتبم عبادي) -على مبا
ثبت في صحيح مسلم وغيره -إنما هو على جهة التوبيخ لمن قال :أتجعل فيها ،وإظهار لما سبق
في معلومه إذ قال لهم" :إني أعلم ما ل تعلمون".
@قوله" :مبن يفسبد فيهبا" "مبن" فبي موضبع نصبب على المفعول بتجعبل والمفعول الثانبي يقوم
مقامبه "فيهبا"" .يفسبد" على اللفبظ ،ويجوز فبي غيبر القرآن يفسبدون على المعنبى .وفبي التنزيبل:
"ومنهببم مببن يسببتمع إليببك" [النعام ]25 :على اللفببظ" ،ومنهببم مببن يسببتمعون" على المعنببى.
"ويسفك" عطف عليه ،ويجوز فيه الوجهان .وروى أسيد عن العرج أنه قرأ" :ويسفك الدماء"
بالنصب ،يجعله جواب الستفهام بالواو كما قال:
وبينكم المودة والخاء ألم أك جاركم وتكون بيني
والسبفك :الصبب .سبفكت الدم أسبفكه سبفكا :صبببته ،وكذلك الدمبع ،حكاه اببن فارس والجوهري.
والسببفاك :السببفاح ،وهببو القادر على الكلم .قال المهدوي :ول يسببتعمل السببفك إل فببي الدم ،وقببد
يسبتعمل فبي نثبر الكلم يقال سبفك الكلم إذا نثره .وواحبد الدماء دم ،محذوف اللم .وقيبل :أصبله
دمي .وقيل :دمي ،ول يكون اسم على حرفين إل وقد حذف منه ،والمحذوف منه ياء وقد نطق به
على الصل ،قال الشاعر:
جرى الدميان بالخبر اليقين فلو أنا على حجر ذبحنا
@قوله تعالى" :ونحبن نسببح بحمدك" أي ننزهبك عمبا ل يليبق بصبفاتك .والتسببيح فبي كلمهبم
التنزيه من السوء على وجه التعظيم ،ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
سبحان من علقمة الفاخر أقول لما جاءني فخره
أي براءة مبن علقمبة .وروى طلحبة ببن عببيدال قال :سبألت رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم عبن
تفسير سبحان ال فقال( :هو تنزيه ال عز وجل عن كل سوء) .وهو مشتق من السبح وهو الجري
والذهاب ،قال ال تعالى" :إن لك فبي النهار سببحا طويل" [المزمبل ]7 :فالمسببح جار فبي تنزيبه
ال تعالى وتببرئته مبن السبوء .وقبد تقدم الكلم فبي "نحبن" ،ول يجوز إدغام النون فبي النون لئل
يلتقي ساكنان.
مسألة :واختلف أهل التأويل في تسبيح الملئكة ،فقال ابن مسعود وابن عباس :تسبيحهم صلتهم،
ومنببه قول ال تعالى" :فلول أنببه كان مببن المسبببحين" [الصببافات ]143 :أي المصببلين .وقيببل:
تسبيحهم رفع الصوت بالذكر ،قاله المفضل ،واستشهد بقول جرير:
سبح الحجيج وكبروا إهلل قبح الله وجوه تغلب كلما
وقال قتادة :تسبيحهم :سبحان ال ،على عرفه في اللغة ،وهو الصحيح لما رواه أبو ذر أن رسول
ال صبلى ال عليبه وسبلم سبئل :أي الكلم أفضبل؟ قال( :مبا اصبطفى ال لملئكتبه أو لعباده سببحان
ال وبحمده) .أخرجبه مسبلم .وعبن عبدالرحمبن ببن قرط أن رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم ليلة
أسري به سمع تسبيحا في السموات العل :سبحان العلي العلى سبحانه وتعالى ،ذكره البيهقي.
قوله تعالى" :بحمدك" أي وبحمدك نخلط التسببيح بالحمبد ونصبله ببه .والحمبد :الثناء ،وقبد تقدم.
ويحتمبل أن يكون قولهبم" :بحمدك" اعتراضبا بيبن الكلميبن ،كأنهبم قالوا :ونحبن نسببح ونقدس ،ثبم
اعترضوا على جهة التسليم ،أي وأنت المحمود في الهداية إلى ذلك .وال أعلم.
@قوله تعالى" :ونقدس لك" أي نعظمبك ونمجدك ونطهبر ذكرك عما ل يليق بك مما نسبك إليه
الملحدون ،قاله مجاهببد وأبببو صببالح وغيرهمببا .وقال الضحاك وغيره :المعنببى نطهببر أنفسببنا لك
ابتغاء مرضاتببك .وقال قوم منهببم قتادة" :نقدس لك" معناه نصببلي .والتقديببس :الصببلة .قال ابببن
عطية :وهذا ضعيف.
قلت :بل معناه صحيح ،فإن الصلة تشتمل على التعظيم والتقديس والتسبيح ،وكان رسول ال
صبلى ال عليبه وسبلم يقول فبي ركوعبه وسبجوده( :سببوح قدوس رب الملئكبة والروح) .روتبه
عائشبة أخرجبه مسبلم .وبناء "قدس" كيفمبا تصبرف فإن معناه التطهيبر ،ومنبه قوله تعالى" :ادخلوا
]23يعنببي الرض المقدسببة" [المائدة ]21 :أي المطهرة .وقال" :الملك القدوس" [الحشببر:
الطاهببر ،ومثله" :بالواد المقدس طوى" [طببه ]12 :وبيببت المقدس سببمي بببه لنببه المكان الذي
يتقدس فيببه مببن الذنوب أي يتطهببر ،ومنببه قيببل للسببطلَ :قدَس ،لنببه يتوضببأ فيببه ويتطهببر ،ومنببه
القادوس .وفي الحديث( :ل قدست أمة ل يؤخذ لضعيفها من قويها) .يريد ل طهرها ال ،أخرجه
ابن ماجة في سننه .فالقدس :الطهر من غير خلف ،وقال الشاعر:
كما شبرق الولدان ثوب المقدس فأدركنه يأخذن بالساق والنسا
أي المطهر .فالصلة طهرة للعبد من الذنوب ،والمصلي يدخلها على أكمل الحوال لكونها أفضل
العمال ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :إنبي أعلم" فيه تأويلن ،قيل :إنه فعبل مسبتقبل .وقيل :إنبه اسم بمعنبى فاعبل ،كما
يقال :ال أكبر ،بمعنى كبير ،وكما قال:
على أينا تعدو المنية أول لعمرك ما أدري وإني لوجل
فعلى أنه فعل تكون "ما" في موضع نصب بأعلم ،ويجوز إدغام الميم في الميم .وإن جعلته اسما
بمعنبى عالم تكون "مبا" فبي موضبع خفبض بالضافبة .قال اببن عطيبة :ول يصبح فيبه الصبرف
بإجماع مببن النحاة ،وإنمببا الخلف فببي "أفعببل" إذا سببمي بببه وكان نكرة ،فسببيبويه والخليببل ل
يصبرفانه ،والخفبش يصبرفه .قال المهدوي :يجوز أن تقدر التنويبن فبي "أعلم" إذا قدرتبه بمعنبى
عالم ،وتنصببب "مببا" بببه ،فيكون مثببل حواج بيببت ال .قال الجوهري :ونسببوة حواج بيببت ال،
بالضافة إذا كن قبد حججن ،وإن لم يكن حججن قلت :حواج بيت ال ،فتنصب البيت ،لنك تريد
التنوين في حواج.
@قوله تعالى "ما ل تعلمون" اختلف علماء التأويل في المراد بقوله تعالى" :ما ل تعلمون" .فقال
ابن عباس :كان إبليس -لعنه ال -قد أعجب ودخله الكبر لما جعله خازن السماء وشرفه ،فاعتقد
أن ذلك لمزيبة له ،فاسبتخف الكفبر والمعصبية فبي جانبب آدم عليبه السبلم .وقالت الملئكبة" :ونحبن
نسببح بحمدك ونقدس لك" [البقرة ]30 :وهبي ل تعلم أن فبي نفبس إبليبس خلف ذلك ،فقال ال
تعالى لهم" :إني أعلم ما ل تعلمون"[ .البقرة .]30 :وقال قتادة :لما قالت الملئكة "أتجعل فيها"
[البقرة ]30 :وقد علم ال أن فيمن يستخلف في الرض أنبياء وفضلء وأهل طاعة قال لهم "إني
أعلم ما ل تعلمون".
قلت :ويحتمل أن يكون المعنى إني أعلم ما ل تعلمون مما كان ومما يكون ومما هو كائن ،فهو
عام.
* *3الية{ 31 :وعلم آدم السماء كلها ثم عرضهم على الملئكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلء
إن كنتم صادقين}
@قوله تعالى" :وعلم آدم السماء كلها" (علّم) عرّف .وتعليمه هنا إلهام علمه ضرورة .ويحتمل
أن يكون بواسببطة ملك وهببو جبريببل عليببه السببلم ،على مببا يأتببي .وقرئ" :وعُلّم" غيببر مسببمى
الفاعل .والول أظهر ،على ما يأتي .قال علماء الصوفية :علمها بتعليم الحق إياه وحفظها بحفظه
عليه ونسي ما عهد إليه ،لن وكله فيه إلى نفسه فقال" :ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد
له عزمبا"[ .طبه .]115 :وقال اببن عطاء :لو لم يكشبف لدم علم تلك السبماء لكان أعجبز مبن
الملئكة في الخبار عنها .وهذا واضح.
وآدم عليه السلم يكنى أبا البشر .وقيل :أبا محمد ،كني بمحمد خاتم النبياء صلوات ال عليهم،
قاله السبهيلي .وقيبل :كنيتبه فبي الجنبة أببو محمبد ،وفبي الرض أببو البشبر .وأصبله بهمزتيبن ،لنبه
أفعل إل أنهم لينوا الثانية ،فإذا احتجت إلى تحريكها جعلتها واوا فقلت :أوادم في الجمع ،لنه ليس
لها أصل في الياء معروف ،فجعلت الغالب عليها الواو ،عن الخفش.
واختلف فبي اشتقاقبه ،فقيبل :هبو مشتبق مبن أدمبة الرض وأديمهبا وهبو وجههبا ،فسبمي بمبا خلق
منببه ،قال ابببن عباس .وقيببل :إنببه مشتببق مببن الدمببة وهببي السببمرة .واختلفوا فببي الدمببة ،فزعببم
الضحاك أنهبا السبمرة ،وزعبم النضبر أنهبا البياض ،وأن آدم عليبه السبلم كان أبيبض ،مأخوذ مبن
قولهبم :ناقبة أدماء ،إذا كانبت بيضاء .وعلى هذا الشتقاق جمعبه أدم وأوادم ،كحمبر وأحامبر ،ول
ينصرف بوجه .وعلى أنه مشتق من الدمة جمعه آدمون ،ويلزم قائلو هذه المقالة صرفه.
قلت :الصحيح أنه مشتق من أديم الرض .قال سعيد بن جبير :إنما سمي آدم لنه خلق من أديم
الرض ،وإنمبا سبمي إنسبانا لنبه نسبي ،ذكره اببن سبعد فبي الطبقات .وروى السبدي عبن أببي مالك
وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود في قصة خلق آدم عليه السلم
قال :فبعبث ال جبريبل عليبه السبلم إلى الرض ليأتيبه بطيبن منهبا ،فقالت الرض :أعوذ بال منبك
أن تنقبص منبي أو تشيننبي ،فرجبع ولم يأخبذ وقال :يبا رب إنهبا عاذت ببك فأعذتهبا .فبعبث ميكائيبل
فعاذت منبه فأعاذهبا ،فرجبع فقال كمبا قال جبريبل ،فبعبث ملك الموت فعاذت منبه فقال :وأنبا أعوذ
بال أن أرجبع ولم أنفبذ أمره .فأخبذ مبن وجبه الرض وخلط ،ولم يأخبذ مبن مكان واحبد ،وأخبذ مبن
ترببة حمراء وبيضاء وسبوداء ،فلذلك خرج بنبو آدم مختلفيبن -ولذلك سبمي آدم لنبه أخبذ مبن أديبم
الرض -فصبعد ببه ،فقال ال تعالى له( :أمبا رحمبت الرض حيبن تضرعبت إليبك) فقال :رأيبت
أمرك أوجبب مبن قولهبا .فقال( :أنبت تصبلح لقببض أرواح ولده) فببل التراب حتبى عاد طينبا لزببا،
اللزب :هو الذي يلتصق بعضه ببعض ،ثم ترك حتى أنتن ،فذلك حيث يقول" :من حمأ مسنون"
[الحجر ]26 :قال :منتن .ثم قال للملئكة" :إني خالق بشرا من طين .فإذا سويته ونفخت فيه من
روحبي فقعوا له سباجدين" [ص .]71 :فخلقبه ال بيده لكيل يتكببر إبليبس عنبه .يقول :أتتكببر عمبا
خلقببت بيدي ولم أتكبببر أنببا عنببه! فخلقببه بشرا فكان جسببدا مببن طيببن أربعيببن سببنة مببن مقدار يوم
الجمعبة ،فمرت ببه الملئكبة ففزعوا منبه لمبا رأوه وكان أشدهببم منبه فزعبا إبليبس فكان يمبر ببه
فيضرببه فيصبوت الجسبد كمبا يصبوت الفخار تكون له صبلصلة ،فذلك حيبن يقول" :مبن صبلصال
كالفخار" [الرحمبن .]14 :ويقول لمبر مبا خلقبت! .ودخبل مبن فمبه وخرج مبن دبره ،فقال إبليبس
للملئكة :ل ترهبوا من هذا فإنه أجوف ولئن سلطت عليه لهلكنه .ويقال :إنه كان إذا مر عليه مع
الملئكة يقول :أرأيتم هذا الذي لم تروا من الخلئق يشبهه إن فضل عليكم وأمرتم بطاعته ما أنتم
فاعلون! قالوا :نطيع أمر ربنا ،فأسر إبليس في نفسه لئن فضل علي فل أطيعه ،ولئن فضلت عليه
لهلكنبه ،فلمبا بلغ الحيبن الذي أريبد أن ينفبخ فيبه الروح قال للملئكبة :إذا نفخبت فيبه مبن روحبي
فاسجدوا له ،فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح فبي رأسه عطس ،فقالت له الملئكة :قل الحمد ل،
فقال :الحمبد ل ،فقال ال له :رحمبك رببك ،فلمبا دخبل الروح فبي عينيبه نظبر إلى ثمار الجنبة ،فلمبا
دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن يبلغ الروح رجليه عجلن إلى ثمار الجنة ،فذلك حين
يقول" :خلق النسان من عجل" [النبياء" ]37 :فسجد الملئكة كلهم أجمعون ،إل إبليس أبي أن
يكون مبع السباجدين" [العراف ]11 :وذكبر القصبة .وروى الترمذي عبن أببي موسبى الشعري
قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :إن ال عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من
جميبع الرض فجاء بنبو آدم على قدر الرض فجاء منهبم الحمبر والبيبض والسبود وبيبن ذلك
والسهل والحزن والخبيث والطيب) .قال أبو عيسى :هذا حديث حسن صحيح .أديم :جمع أدم ،قال
الشاعر:
وكلهم يجمعهم وجه الدم الناس أخياف وشتى في الشيم
فآدم مشتق من الديم والدم ل من الدمة ،وال أعلم .ويحتمل أن يكون منهما جميعا .وسيأتي لهذا
الباب مزيد بيان في خلق آدم في "النعام" وغيرها إن شاء ال تعالى.
و"آدم" ل ينصبرف .قال أببو جعفبر النحاس" :آدم ل ينصبرف فبي المعرفبة بإجماع النحوييبن،
لنه على أفعل وهو معرفة ،ول يمتنع شي من الصرف عند البصريين إل لعلتين .فإن نكرته ولم
يكن نعتا لم يصرفه الخليل وسيبويه ،وصرفه الخفش سعيد ،لنه كان نعتا وهو على وزن الفعل،
فإذا لم يكن نعتبا صبرفه .قال أبو إسبحاق الزجاج :القول قول سبيبويه ،ول يفرق بيبن النعبت وغيره
لنه هو ذاك بعينه".
@قوله تعالى" :السبماء كلهبا" "السبماء" هنبا بمعنبى العبارات ،فإن السبم قبد يطلق ويراد ببه
المسبمى ،كقولك :زيبد قائم ،والسبد شجاع .وقبد يراد ببه التسبمية ذاتهبا ،كقولك :أسبد ثلثبة أحرف،
ففبي الول يقال :السبم هبو المسبمى بمعنبى يراد ببه المسبمى ،وفبي الثانبي ل يراد المسبمى ،وقبد
يجرى اسبم فبي اللغبة مجرى ذات العبارة وهبو الكثبر مبن اسبتعمالها ،ومنبه قوله تعالى" :وعلم آدم
السماء كلها" [البقرة ]31 :على أشهر التأويلت ،ومنه قول النبي صلى ال عليه وسلم( :إن ل
تسببعة وتسبعين اسببما) .ويجري مجرى الذات ،يقال :ذات ونفبس وعيبن واسببم بمعنبى ،وعلى هذا
حمببل أكثببر أهببل العلم قوله تعالى" :سبببح اسببم ربببك العلى" [العلى" ]1 :تبارك اسببم ربببك"
[الرحمن" ]78 :إن هي إل أسماء سميتموها" [النجم.]23 :
@ واختلف أهل التأويل في معنى السماء التي علمها لدم عليه السلم ،فقال ابن عباس وعكرمة
وقتادة ومجاهبد واببن جببير :علمبه أسبماء جميبع الشياء كلهبا جليلهبا وحقيرهبا .وروى عاصبم ببن
كليبب عبن سبعد مولى الحسبن ببن علي قال :كنبت جالسبا عنبد اببن عباس فذكروا اسبم النيبة واسبم
السوط ،قال ابن عباس" :وعلم آدم السماء كلها".
قلت :وقبد روي هذا المعنبى مرفوعبا على مبا يأتبي ،وهبو الذي يقتضيبه لفبظ "كلهبا" إذ هبو اسبم
موضوع للحاطبة والعموم ،وفبي البخاري مبن حديبث أنبس عبن النببي صبلى ال عليبه وسبلم قال:
(ويجتمع المؤمنون يوم القيامبة فيقولون لو اسبتشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنبت أبو الناس
خلقك ال بيده وأسجد لك ملئكته وعلمك أسماء كل شيء) الحديث .قال ابن خويز منداد :في هذه
اليببة دليبل على أن اللغبة مأخوذة توقيفبا ،وأن ال تعالى علمهببا آدم عليبه السببلم جملة وتفصببيل.
وكذلك قال ابن عباس :علمه أسماء كل شيبء حتبى الجفنة والمحلب .وروى شيبان عن قتادة قال:
علم آدم مبن السبماء أسبماء خلقبه مبا لم يعلم الملئكبة ،وسبمي كبل شيبء باسبمه وأنحبى منفعبة كبل
شيء إلى جنسه .قال النحاس :وهذا أحسن ما روي في هذا .والمعنى علمه أسماء الجناس وعرفه
منافعهببا ،هذا كذا ،وهببو يصببلح لكذا .وقال الطبببري :علمببه أسببماء الملئكببة وذريتببه ،واختار هذا
ورجحبه بقوله" :ثبم عرضهبم على الملئكبة" قال اببن زيبد :علمبه أسبماء ذريتبه ،كلهبم .الربيبع اببن
خثيم :أسماء الملئكة خاصة .القتبي :أسماء ما خلق في الرض .وقيل :أسماء الجناس والنواع.
قلت :القول الول أصح ،لما ذكرناه آنفا ولما نبينه إن شاء ال تعالى.
@ واختلف المتأولون أيضببا هببل عرض على الملئكببة أسببماء الشخاص أو السببماء دون
الشخاص ،فقال ابن مسعود وغيره :عرض الشخاص لقوله تعالى" :عرضهم" وقوله" :أنبئوني
بأسبماء هؤلء" .وتقول العرب :عرضبت الشيبء فأعرض ،أي أظهرتبه فظهبر .ومنبه :عرضبت
الشيبء للبيبع .وفبي الحديبث (إنبه عرضهبم أمثال الذر) .وقال اببن عباس وغيره :عرض السبماء
وفببي حرف ابببن مسببعود" :عرضهببن" ،فأعاد على السببماء دون الشخاص ،لن الهاء والنون
أخص بالمؤنث .وفي حرف أبي" :عرضها" .مجاهد :أصحاب السماء .فمن قال في السماء إنها
التسببميات فاسببتقام على قراءة أبببي "عرضهببا" .وتقول فببي قراءة مببن قرأ "عرضهببم" :إن لفببظ
السبماء يدل على أشخاص ،فلذلك سباغ أن يقال للسبماء" :عرضهبم" .وقال فبي "هؤلء" المراد
بالشارة :إلى أشخاص السببماء ،لكببن وإن كانببت غائبببة فقببد حضببر مببا هببو منهببا بسبببب وذلك
أسببماؤها .قال ابببن عطيببة :والذي يظهببر أن ال تعالى علم آدم السببماء وعرضهببن عليببه مببع تلك
الجناس بأشخاصها ،ثم عرض تلك على الملئكة وسألهم عن تسمياتها التي قد تعلمها ،ثم إن آدم
قال لهبببم :هذا اسبببمه كذا ،وهذا اسبببمه كذا .وقال الماوردي :وكان الصبببح توجبببه العرض إلى
المسبمين .ثبم فبي زمبن عرضهبم قولن :أحدهمبا أنبه عرضهبم بعبد أن خلقهبم .الثانبي -أنبه صبورهم
لقلوب الملئكة ثم عرضهم.
@ واختلف في أول من تكلم باللسان العربي ،فروي عن كعب الحبار :أن أول من وضع الكتاب
العربي والسرياني والكتب كلها باللسنة كلها آدم عليه السلم .وقاله غير كعب الحبار.
فإن قيل :قد روي عن كعب الحبار من وجه حسن قال :أول من تكلم بالعربية جبريل عليه السلم
وهو الذي ألقاها على لسان نوح عليه السلم وألقاها نوح على لسان ابنه سام ،ورواه ثور ابن زيد
عن خالد بن معدان عن كعب .وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :أول من فتق لسانه
بالعربية المبينة إسماعيل وهو ابن عشر سنين) .وقد روي أيضا :أن أول من تكلم بالعربية يعرب
ببن قحطان ،وقبد روي غيبر ذلك .قلنبا :الصبحيح أن أول مبن تكلم باللغات كلهبا مبن البشبر آدم عليبه
السبلم ،والقرآن يشهبد له ،قال ال تعالى" :وعلم آدم السبماء كلهبا" [البقرة ]31 :واللغات كلهبا
أسبماء فهبي داخلة تحتبه وبهذا جاءت السبنة ،قال صبلى ال عليبه وسبلم( :وعلم آدم السبماء كلهبا
حتبى القصبعة والقصبيعة) ومبا ذكروه يحتمبل أن يكون المراد ببه أول مبن تكلم بالعربيبة مبن ولد
إبراهيبم عليبه السبلم إسبماعيل عليبه السبلم .وكذلك إن صبح مبا سبواه فإنبه يكون محمول على أن
المذكور أول مبن تكلم مبن قببيلته بالعربيبة بدليبل مبا ذكرنبا ،وال أعلم .وكذلك جبريبل أول مبن تكلم
بها من الملئكة وألقاها على لسان نوح بعد أن علمها ال آدم أو جبريل ،على ما تقدم ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :هؤلء" لفبظ مبنبي على الكسبر .ولغبة تميبم وبعبض قيبس وأسبد فيبه القصبر ،قال
العشى:
هؤل ثم هؤل كل أعطيب بت نعال محذوة بمثال
ومن العرب من يقول :هولء ،فيحذف اللف والهمزة.
@قوله تعالى" :إن كنتم صادقين" شرط ،والجواب محذوف تقديره :إن كنتم صادقين أن بني آدم
يفسبدون فبي الرض فأنبئونبي ،قاله المببرد .ومعنبى "صبادقين" عالميبن ،ولذلك لم يسبغ للملئكبة
الجتهاد وقالوا" :سبببحانك"! حكاه النقاش قال :ولو لم يشترط عليهببم إل الصببدق فببي النباء لجاز
لهبم الجتهاد كمبا جاز للذي أماتبه ال مائة عام حيبن قال له" :كبم لبثبت" فلم يشترط عليبه الصبابة،
فقال ولم يصب ولم يعنف ،وهذا بين ل خفاء فيه .وحكى الطبري وأبو عبيد :أن بعض المفسرين
قال إن معنبى "إن كنتبم" :إذ كنتبم ،وقال :هذا خطبأ .و"أنبئونبي" معناه أخببروني .والنببأ :الخببر،
ومنه النبيء بالهمزة ،وسيأتي بيانه إن شاء ال تعالى.
@ قال بعض العلماء :يخرج من هذا المر بالنباء تكليف ما ل يطاق لنه علم أنهم ل يعلمون.
وقال المحققون مببن أهببل التأويببل :ليببس هذا على جهببة التكليببف وإنمببا هببو على جهببة التقريببر
والتوقيف .وسيأتي القول في تكليف ما ل يطاق -هل وقع التكليف به أم ل -في آخر السورة ،إن
شاء ال تعالى.
* *3الية {32 :قالوا سبحانك ل علم لنا إل ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم}
@قوله تعالى" :سببحانك" أي تنزيهبا لك عن أن يعلم الغيب أحبد سبواك .وهذا جوابهبم عن قوله:
"أنبئوني" فأجابوا أنهم ل يعلمون إل ما أعلمهم به ولم يتعاطوا ما ل علم لهم به كما يفعله الجهال
منا .و"ما" في "ما علمتنا" بمعنى الذي ،أي إل الذي علمتنا ،ويجوز أن تكون مصدرية بمعنى إل
تعليمك إيانا.
@ الواجبب على مبن سبئل عبن علم أن يقول إن لم يعلم :ال أعلم ول أدري ،اقتداء بالملئكبة
والنببياء والفضلء مبن العلماء ،لكبن قبد أخببر الصبادق أن بموت العلماء يقببض العلم ،فيبقبى ناس
جهال يسبتفتون فيفتون برأيهبم فيضلون ويضلون .وأمبا مبا ورد مبن الخبار عبن النببي صبلى ال
عليه وسلم وأصحابه والتابعين بعدهم في معنى الية فروى البستي في المسند الصحيح له عن ابن
عمبر أن رجل سبأل رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم :أي البقاع شبر؟ قال( :ل أدري حتبى أسبأل
جبريببل) فسببأل جبريببل ،فقال :ل أدري حتببى أسببأل ميكائيببل ،فجاء فقال :خيببر البقاع المسبباجد،
وشرهبا السبواق .وقال الصبديق للجدة :ارجعبي حتبى أسأل الناس .وكان علي يقول :وأبردهبا على
الكببد ،ثلث مرات .قالوا ومبا ذلك يبا أميبر المؤمنيبن؟ قال :أن يسبأل الرجبل عمبا ل يعلم فيقول :ال
أعلم .وسأل ابن عمر رجل عن مسألة فقال :ل علم لي بها ،فلما أدبر الرجل .قال ابن عمر :نعم ما
قال اببن عمبر ،سبئل عمبا ل يعلم فقال ل علم لي ببه! ذكره الدارمبي فبي مسبنده .وفبي صبحيح مسبلم
عن أبي عقيل يحيى بن المتوكل صاحب بهية قال :كنت جالسا عند القاسم بن عبيدال ويحيى بن
سبعيد ،فقال يحيبى للقاسبم :يبا أببا محمبد إنبه قبيبح على مثلك عظيبم أن يسبأل عبن شيبء مبن أمبر هذا
الديبن فل يوجبد عندك منبه علم ول فرج ،أو علم ول مخرج؟ فقال له القاسبم :وعبم ذاك؟ قال :لنبك
ابن إمامي هدى :ابن أبي بكر وعمر .قال يقول له القاسبم :أقبح من ذاك عند من عقل عن ال أن
أقول بغيبر علم أو آخبذ عبن غيبر ثقبة .فسبكت فمبا أجاببه .وقال مالك ببن أنبس :سبمعت اببن هرمبز
يقول :ينبغبي للعالم أن يورث جلسباءه مبن بعده ل أدري حتبى يكون أصبل فبي أيديهبم ،فإذا سبئل
أحدهبم عمبا ل يدري قال :ل أدري .وذكبر الهيثبم ببن جميبل قال :شهدت مالك ببن أنبس سبئل عبن
ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلثين منها :ل أدري.
قلت :ومثله كثير عن الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين .وإنما يحمل على ترك ذلك الرياسة
وعدم النصباف فبي العلم .قال اببن عبدالبر :مبن بركبة العلم وآداببه النصباف فيبه ،ومبن لم ينصبف
لم يفهبم ولم يتفهبم .روى يونبس ببن عبدالعلى قال :سبمعت اببن وهبب يقول :سبمعت مالك ببن أنبس
يقول :ما في زماننا شيء أقل من النصاف.
قلت :هذا فبي زمبن مالك فكيبف فبي زماننبا اليوم الذي عبم فينبا الفسباد وكثبر فيبه الطغام! وطلب
فيبه العلم للرياسبة ل للدرايبة ،ببل للظهور فببي الدنيبا وغلببة القران بالمراء والجدال الذي يقسبي
القلب ويورث الضغببن ،وذلك ممببا يحمببل على عدم التقوى وترك الخوف مببن ال تعالى .أيببن هذا
ممبا روي عبن عمبر رضبي ال عنبه وقبد قال :ل تزيدوا فبي مهور النسباء على أربعيبن أوقيبة ولو
كانت بنت ذي العصبة -يعني يزيد بن الحصين الحارثي -فمن زاد ألقيت زيادته في بيت المال،
فقامبت امرأة مبن صبوب النسباء طويلة فيهبا فطبس فقالت :مبا ذلك لك! قال :ولم؟ قالت لن ال عبز
وجل يقول" :وآتيتم إحداهن قنطارا فل تأخذوا منه شيئا" [النساء ]20 :فقال عمر :امرأة أصابت
ورجبل أخطبأ! وروى وكيبع عبن أببي معشبر عبن محمبد ببن كعبب القرظبي قال :سبأل رجبل عليبا
رضبي ال عنبه عبن مسبألة فقال فيهبا ،فقال الرجبل :ليبس كذلك يبا أميبر المؤمنيبن ،ولكبن كذا وكذا،
فقال علي :أصببت وأخطأت ،وفوق كبل ذي علم عليبم .وذكبر أببو محمبد قاسبم ببن أصببغ قال :لمبا
رحلت إلى المشرق نزلت القيروان فأخذت على بكبر ببن حماد حديبث مسبدد ،ثبم رحلت إلى بغداد
ولقيبت الناس ،فلمبا انصبرفت عدت إليبه لتمام حديبث مسبدد ،فقرأت عليبه فيبه يومبا حديبث النببي
صبلى ال عليبه وسبلم( :أنبه قدم عليبه قوم مبن مضبر مبن مجتاببي النمار) فقال :إنمبا هبو مجتاببي
الثمار ،فقلت إنما هو مجتابي النمار ،هكذا قرأته على كل من قرأته عليه بالندلس والعراق ،فقال
لي :بدخولك العراق تعارضنا وتفخر علينا! أو نحو هذا .ثم قال لي :قم بنا إلى ذلك الشيخ -لشيخ
كان في المسجد -فإن له بمثل هذا علما ،فقمنا إليه فسألناه عن ذلك فقال :إنما هو مجتابي النمار،
كمبا قلت .وهبم قوم كانوا يلبسبون الثياب مشققبة ،جيوبهبم أمامهبم .والنمار جمبع نمرة .فقال بكبر ببن
حماد وأخذ بأنفه :رغم أنفي للحق ،رغم أنفي للحق .وانصرف .وقال يزيد بن الوليد بن عبدالملك
فأحسن:
إذا ما تحدثت في مجلس تناهى حديثي إلى ما علمت
وكان إذا ما تناهى سكت ولم أعد علمي إلى غيره
@قوله تعالى" :سبحانك" (سبحان) منصوب على المصدر عند الخليل وسيبويه ،يؤدي عن معنى
نسبببحك تسبببيحا .وقال الكسببائي :هببو منصببوب على أنببه نداء مضاف .و"العليببم" فعيببل للمبالغببة
والتكبير في المعلومات في خلق ال تعالى .و"الحكيم" معناه الحاكم ،وبينهما مزيد المبالغة .وقيل
معناه المحكم ويجيء الحكيم على هذا من صفات الفعل ،صرف عن مفعل إلى فعيل ،كما صرف
عن مسمع إلى سميع ومؤلم إلى أليم ،قاله ابن النباري .وقال قوم :الحكيم المانع من الفساد ،ومنه
سميت حكمة اللجام ،لنها تمنع الفرس من الجري والذهاب في غير قصد .قال جرير:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم إني أخاف عليكم أن أغضبا
أي امنعوهم من الفساد .وقال زهير:
القائد الخيل منكوبا دوابرها قد أحكمت حكمات القد والبقا
القببد :الجلد .والبببق :القنببب .والعرب تقول :أحكببم اليتيببم عببن كذا وكذا ،يريدون منعببه .والسببورة
المحكمة :الممنوعة من التغيير وكل التبديل ،وأن يلحق بها ما يخرج عنها ،ويزاد عليها ما ليس
منهبا ،والحكمبة مبن هذا ،لنهبا تمنبع صباحبها مبن الجهبل .ويقال :أحكبم الشيبء إذا أتقنبه ومنعبه مبن
الخروج عما يريد .فهو محكم وحكيم على التكثير.
* *3اليبة{33 :قال يبا آدم أنبئهم بأسبمائهم فلمبا أنبأهبم بأسبمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيبب
السماوات والرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون}
@قوله تعالى" :أنبئهبم بأسبمائهم" أمره ال أن يعلمهبم بأسبمائهم بعبد أن عرضهبم على الملئكبة
ليعلموا أنبه أعلم بمبا سبألهم عنبه تنبيهبا على فضله وعلو شأنبه ،فكان أفضبل منهبم بأن قدمبه عليهبم
وأسبجدهم له وجعلهبم تلمذتبه وأمرهبم بأن يتعلموا منبه .فحصبلت له رتببة الجلل والعظمبة بأن
جعله مسجودا له ،مختصا بالعلم.
فبي هذه اليبة دليبل على فضبل العلم وأهله ،وفبي الحديبث( :وإن الملئكبة لتضبع أجنحتهبا رضبا
لطالب العلم) أي تخضع وتتواضع وإنما تفعل ذلك لهل العلم خاصة من بين سائر عيال ال ،لن
ال تعالى ألزمهببا ذلك فببي آدم عليببه السببلم فتأدبببت بذلك الدب .فكلمببا ظهببر لهببا علم فببي بشببر
خضعبت له وتواضعبت وتذللت إعظامبا للعلم وأهله ،ورضبا منهبم بالطلب له والشغبل ببه .هذا فبي
الطلب منهم فكيف بالحبار فيهم والربانيين منهم جعلنا ال منهم وفيهم ،إنه ذو فضل عظيم.
@ اختلف العلماء من هذا الباب ،أيما أفضل الملئكة أو بنو آدم على قولين :فذهب قوم إلى أن
الرسبل مبن البشبر أفضبل مبن الرسبل مبن الملئكبة ،والولياء مبن البشبر أفضبل مبن الولياء مبن
الملئكببة .وذهببب آخرون إلى أن المل العلى أفضببل .احتببج مببن فضببل الملئكببة بأنهببم "عباد
مكرمون .ل يسبببقونه بالقول وهببم بأمره يعملون" [النبببياء" ]27 :ل يعصببون ال مببا أمرهببم
ويفعلون ما يؤمرون" [التحريم .]6 :وقوله" :لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا ل ول الملئكة
المقربون" [النسباء ]172 :وقوله" :قبل ل أقول لكبم عندي خزائن ال ول أعلم الغيبب ول أقول
لكم إني ملك" [النعام .]50 :وفي البخاري( :يقول ال عز وجل" :من ذكرني في مل ذكرته في
مل خيببر منهببم) .وهذا نببص .احتببج مببن فضببل بنببي آدم بقوله تعالى" :إن الذيببن آمنوا وعملوا
الصالحات أولئك هم خير البريئة" [النعام ]50 :بالهمز ،من برأ ال الخلق .وقوله عليه السلم:
(وإن الملئكبة لتضبع أجنحتهبا رضبي لطالب العلم) الحديبث .أخرجبه أببو داود ،وبمبا جاء فبي
أحاديبث مبن أن ال تعالى يباهبي بأهبل عرفات الملئكبة ،ول يباهبي إل بالفضبل ،وال أعلم .وقال
بعض العلماء :ول طريق إلى القطع بأن النبياء أفضل من الملئكة ،ول القطع بأن الملئكة خير
منهبم ،لن طريبق ذلك خببر ال تعالى وخببر رسبوله أو إجماع المبة ،وليبس ههنبا شيبء مبن ذلك
خلفبا للقدريبة والقاضبي أببي بكبر رحمبه ال حيبث قالوا :الملئكبة أفضبل .قال :وأمبا مبن قال مبن
أصببحابنا والشيعببة :إن النبببياء أفضببل لن ال تعالى أمببر الملئكببة بالسببجود لدم ،فيقال لهببم:
المسجود له ل يكون أفضل من الساجد ،أل ترى أن الكعبة مسجود لها والنبياء والخلق يسجدون
نحوهبا ،ثبم إن النببياء خيبر مبن الكعببة باتفاق المبة .ول خلف أن السبجود ل يكون إل ل تعالى،
لن السجود عبادة ،والعبادة ل تكون إل ل ،فإذا كان كذلك فكون السجود إلى جهة ل يدل على أن
الجهة خير من الساجد العابد ،وهذا واضح .وسيأتي له مزيد بيان في الية بعد هذا.
@قوله تعالى" :إني أعلم غيب السماوات والرض" دليل على أن أحدا ل يعلم من الغيب إل ما
أعلمبه ال كالنببياء أو مبن أعلمبه مبن أعلمبه ال تعالى فالمنجمون والكهان وغيرهبم كذببة .وسبيأتي
بيان هذا فبي "النعام" إن شاء ال تعالى عنبد قوله تعالى" :وعنده مفاتبح الغيبب ل يعلمهبا إل هبو"
0
@قوله تعالى" :وأعلم مببا تبدون "أي مببن قولهببم" :أتجعببل فيهببا مببن يفسببد فيهببا" حكاه مكببي
والماوردي .وقال الزهراوي :مببا أبدوه هببو بدارهببم بالسببجود لدم" .ومببا كنتببم تكتمون" قال ابببن
عباس وابن مسعود وسعيد بن جبير :المراد ما كتمه إبليس في نفسه من الكبر والمعصية .قال ابن
عطيبة :وجاء "تكتمون" للجماعبة ،والكاتبم واحبد فبي هذا القول على تجوز العرب واتسباعها ،كمبا
يقال لقوم قبد جنبى سبفيه منهبم :أنتبم فعلتبم كذا .أي منكبم فاعله ،وهذا مبع قصبد تعنيبف ،ومنبه قوله
تعالى" :إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم ل يعقلون" [الحجرات ]4 :وإنما ناداه منهم
عيينبة ،وقيبل القرع .وقالت طائفبة :البداء والمكتوم ذلك على معنبى العموم فبي معرفبة أسبرارهم
وظواهرهبم أجمبع .وقال مهدي ببن ميمون :كنبا عنبد الحسبن فسبأله الحسبن ببن دينار مبا الذي كتمبت
الملئكبة؟ قال :إن ال عبز وجبل لمبا خلق آدم رأت الملئكبة خلقبا عجببا ،وكأنهبم دخلهبم مبن ذلك
شيء ،قال :ثم أقبل بعضهم على بعض وأسروا ذلك بينهم ،فقالوا :وما يهمكم من هذا المخلوق إن
ال لم يخلق خلقا إل كنا أكرم عليه منه .و"ما" في قوله" :ما تبدون" يجوز أن ينتصب بب "أعلم"
على أنه فعل ،ويجوز أن يكون بمعنى عالم وتنصب به "ما" فيكون مثل حواج بيت ال ،وقد تقدم.
* *3اليبة{ 34 :وإذ قلنبا للملئكبة اسبجدوا لدم فسبجدوا إل إبليبس أببي واسبتكبر وكان مبن
الكافرين}
@قوله تعالى" :وإذ قلنبا" أي واذكبر .وأمبا قول أببي عببيدة :إن "إذ" زائدة فليبس بجائز ،لن إذ
ظرف .وقال" :قلنا" ولم يقل قلت لن الجبار العظيم يخبر عن نفسه بفعل الجماعة تفخيما وإشادة
بذكره .والملئكبة جمبع ملك ،وروي عبن اببن جعفبر ببن القعقاع أنبه ضبم تاء التأنيبث مبن الملئكبة
إتباعا لضم الجيم في "اسجدوا" .ونظيره "الحمد ل"0 .
@قوله تعالى" :اسجدوا" السجود معناه في كلم العرب التذلل والخضوع ،قال الشاعر:
ترى الكم فيها سجدا للحوافر يجمع تضل البلق في حجراته
الكبم :الجبال الصبغار .جعلهبا سبجدا للحوافبر لقهبر الحوافبر إياهبا وأنهبا ل تمتنبع عليهبا .وعيبن
سباجدة ،أي فاترة عبن النظبر ،وغايتبه وضبع الوجبه بالرض .قال اببن فارس :سبجد إذا تطامبن،
وكل ما سجد فقد ذل .والسجاد :إدامة النظر .قال أبو عمرو :وأسجد إذا طأطأ رأسه ،قال:
سجود النصارى لحبارها فضول أزمتها أسجدت
قال أبو عبيدة :وأنشدني أعرابي من بني أسد:
وقلن له أسجد لليلى فأسجدا
يعني البعير إذا طأطأ رأسه .ودراهم السجاد :دراهم كانت عليها صور كانوا يسجدون لها ،قال:
وافى بها كدراهم السجاد
@ اسبتدل مبن فضبل آدم وبنيبه بقوله تعالى للملئكبة" :اسبجدوا لدم" .قالوا :وذلك يدل على أنبه
كان أفضبل منهبم .والجواب أن معنبى "اسبجدوا لدم" اسبجدوا لي مسبتقبلين وجبه آدم .وهبو كقوله
تعالى" :أقم الصلة لدلوك الشمس" [السراء ]78 :أي عند دلوك الشمس وكقوله" :ونفخت فيه
من روحي فقعوا له ساجدين" [ص ]72 :أي فقعوا لي عند إتمام خلقه ومواجهتكم إياه ساجدين.
وقد بينا أن المسجود له ل يكون أفضل من الساجد بدليل القبلة.
فإن قيبل :فإذا لم يكبن أفضبل منهبم فمبا الحكمبة فبي المبر بالسبجود له؟ قيبل له :إن الملئكبة لمبا
اسبتعظموا بتسببيحهم وتقديسبهم أمرهبم بالسبجود لغيره ليريهبم اسبتغناءه عنهبم وعبن عبادتهبم .وقال
بعضهببم :عيروا آدم واسببتصغروه ولم يعرفوا خصببائص الصببنع بببه فأمروا بالسببجود له تكريمببا.
ويحتمل أن يكون ال تعالى أمرهم بالسجود له معاقبة لهم على قولهم" :أتجعل فيها من يفسد فيها"
لمبا قال لهبم" :إنبي جاعبل فبي الرض خليفبة" [البقرة ]30 :وكان علم منهبم أنبه إن خاطبهبم أنهبم
قائلون هذا ،فقال لهم" :إني خالق بشرا من طين" [ص ]71 :وجاعله خليفة ،فإذا نفخت فيه من
روحبي فقعوا له سباجدين .والمعنبى :ليكون ذلك عقوببة لكبم فبي ذلك الوقبت على مبا أنتبم قائلون لي
الن .فإن قيل :فقد استدل ابن عباس على فضل البشبر بأن ال تعالى أقسم بحياة رسوله صلى ال
عليبه وسبلم فقال" :لعمرك إنهبم لفبي سبكرتهم يعمهون" [الحجبر .]72 :وأمنبه مبن العذاب بقوله:
"ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر" [الفتح .]2 :وقال للملئكة" :و من يقل منهم إني إله
من دونه فذلك نجزيه جهنم" [النبياء .]29 :قيل له :إنما لم يقسم بحياة الملئكة كما لم يقسم بحياة
نفسببه سبببحانه ،فلم يقببل :لعمري .وأقسببم بالسببماء والرض ،ولم يدل على أنهمببا أرفببع قدرا مببن
العرش والجنان السببع .وأقسبم بالتيبن والزيتون .وأمبا قول سببحانه" :ومبن يقبل منهبم إنبي إله مبن
دونه" [النبياء ]29 :فهو نظير قوله لنبيه عليه السلم" :لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من
الخاسرين" [الزمر ]65 :فليس فيه إذا دللة ،وال أعلم.
@ واختلف الناس في كيفية سجود الملئكة لدم بعد اتفاقهم على أنه لم يكن سجود عبادة ،فقال
الجمهور :كان هذا أمرا للملئكبة بوضبع الجباه على الرض ،كالسبجود المعتاد فبي الصبلة ،لنبه
الظاهبر مبن السبجود فبي العرف والشرع ،وعلى هذا قيبل :كان ذلك السبجود تكريمبا لدم وإظهارا
لفضله ،وطاعة ل تعالى ،وكان آدم كالقبلة لنا .ومعنى "لدم" :إلى آدم ،كما يقال صلى للقبلة ،أي
إلى القبلة .وقال قوم :لم يكبن هذا السبجود المعتاد اليوم الذي هبو وضبع الجبهبة على الرض ولكنبه
مبقبى على أصبل اللغبة ،فهبو مبن التذلل والنقياد ،أي اخضعوا لدم وأقروا له بالفضبل" .فسبجدوا"
أي امتثلوا ما أمروا به.
واختلف أيضبا هبل كان ذلك السبجود خاصبا بآدم عليبه السبلم فل يجوز السبجود لغيره مبن جميبع
العالم إل ل تعالى ،أم كان جائزا بعده إلى زمان يعقوب عليبه السببلم ،لقوله تعالى" :ورفببع أبويبه
على العرش وخروا له سجدا" [يوسف ]100 :فكان آخر ما أبيح من السجود للمخلوقين؟ والذي
عليه الكثر أنه كان مباحا إلى عصر رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وأن أصحابه قالوا له حين
سببجدت له الشجرة والجمبل :نحببن أولى بالسببجود لك مبن الشجرة والجمببل الشارد ،فقال لهببم( :ل
ينبغي أن يسجد لحد إل ل رب العالمين) .روى ابن ماجة في سننه والبستي في صحيحه عن أبي
واقبد قال :لمبا قدم معاذ ببن جببل مبن الشام سبجد لرسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم ،فقال رسبول ال
صببلى ال عليببه وسببلم( :مببا هذا) فقال :يببا رسببول ال ،قدمببت الشام فرأيتهببم يسببجدون لبطارقتهببم
وأسباقفتهم ،فأردت أن أفعبل ذلك ببك ،قال( :فل تفعبل فإنبي لو أمرت شيئا أن يسبجد لشيبء لمرت
المرأة أن تسبجد لزوجهبا ل تؤدي المرأة حبق ربهبا حتبى تؤدي حبق زوجهبا حتبى لو سبألها نفسبها
وهي على قتب لم تمنعه) .لفظ البستي .ومعنى القتب أن العرب يعز عندهم وجود كرسي للولدة
فيحملون نساءهم على القتب عند الولدة .وفي بعض طرق معاذ :ونهى عن السجود للبشر وأمر
بالمصافحة.
قلت :وهذا السجود المنهي عنه قد اتخذه جهال المتصوفة عادة في سماعهم وعند دخولهم على
مشايخهبم واسبتغفارهم ،فيرى الواحبد منهبم إذا أخذه الحال بزعمبه يسبجد للقدام لجهله سبواء أكان
للقبلة أم غيرها جهالة منه ،ضل سعيهم وخاب عملهم.
@ قوله" :إل إبليس" نصب على الستثناء المتصل ،لنه كان من الملئكة على قول الجمهور:
ابن عباس وابن مسعود وابن جريج وابن المسيب وقتادة وغيرهم ،وهو اختيار الشيخ أبي الحسن،
ورجحببه الطبببري ،وهببو ظاهببر اليببة .قال ابببن عباس :وكان اسببمه عزازيببل وكان مببن أشراف
الملئكبة وكان مبن الجنحبة الربعبة ثبم أبلس بعبد .روى سبماك ببن حرب عبن عكرمبة عبن اببن
عباس قال :كان إبليبس مبن الملئكبة فلمبا عصبى ال غضبب عليبه فلعنبه فصبار شيطانبا .وحكبى
الماوردي عن قتادة :أنه كان من أفضل صنف من الملئكة يقال لهم الجنة .وقال سعيد بن جبير:
إن الجبن سببط مبن الملئكبة خلقوا مبن نار وإبليبس منهبم ،وخلق سبائر الملئكبة مبن نور .وقال اببن
زيبد والحسبن وقتادة أيضبا :إبليبس أبو الجن كمبا أن آدم أببو البشبر ولم يكن ملكبا ،وروى نحوه عن
اببن عباس وقال :اسبمه الحارث .وقال شهبر ببن حوشبب وبعبض الصبوليين :كان مبن الجبن الذيبن
كانوا فبي الرض وقاتلتهبم الملئكبة فسببوه صبغيرا وتعببد مبع الملئكبة وخوطبب ،وحكاه الطببري
عن ابن مسعود .والستثناء على هذا منقطع ،مثل قوله تعالى" :ما لهم به من علم إل اتباع الظن"
[النساء ]175 :وقوله" :إل ما ذكيتم" [المائدة ]3 :في أحد القولين ،وقال الشاعر:
ليس عليك عطش ول جوع إل الرقاد والرقاد ممنوع
واحتبج بعببض أصبحاب هذا القول بأن ال جبل وعبز وصببف الملئكببة فقال" :ل يعصبون ال مبا
أمرهبم ويفعلون مبا يؤمرون" [التحريبم ،]6 :وقوله تعالى" :إل إبليبس كان مبن الجبن" [الكهبف:
]50والجبن غيبر الملئكبة .أجاب أهبل المقالة الولى بأنبه ل يمتنبع أن يخرج إبليبس مبن جملة
الملئكة لما سبق في علم ال بشقائه عدل منه ،ل يسأل عما يفعل ،وليس في خلقه من نار ول في
تركيب الشهوة حين غضب عليه ما يدفع أنه من الملئكة .وقول من قال :إنه كان من جن الرض
فسبي ،فقد روي في مقابلته أن إبليس هو الذي قاتل الجن في الرض مع جند من الملئكة ،حكاه
المهدوي وغيره .وحكبى الثعلببي عبن اببن عباس :أن إبليبس كان مبن حبي مبن أحياء الملئكبة يقال
لهببم الجببن خلقوا مببن نار السببموم ،وخلقببت الملئكببة مببن نور ،وكان اسببمه بالسببريانية عزازيببل،
وبالعربيبة الحارث ،وكان مبن خزان الجنبة وكان رئيبس ملئكبة السبماء الدنيبا وكان له سبلطانها
وسبلطان الرض ،وكان مبن أشبد الملئكبة اجتهادا وأكثرهبم علمبا ،وكان يسبوس مبا بيبن السبماء
والرض ،فرأى لنفسبه بذلك شرفبا وعظمبة ،فذلك الذي دعاه إلى الكفبر فعصبى ال فمسبخه شيطانبا
رجيما .فإذا كانت خطيئة الرجل في كبر فل ترجه ،وإن كانت خطيئته في معصية فارجه ،وكانت
خطيئة آدم عليبه السبلم معصبية ،وخطيئة إبليبس كببرا .والملئكبة قبد تسبمى جنبا لسبتتارها ،وفبي
التنزيل" :وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا" [الصافات ،]158 :وقال الشاعر في ذكر سليمان عليه
السلم:
قياما لديه يعملون بل أجر وسخر من جن الملئك تسعة
وأيضبا لمبا كان مبن خزان الجنبة نسبب إليهبا فاشتبق اسبمه مبن اسبمها ،وال أعلم .وإبليبس وزنبه
إفعيل ،مشتق من البلس وهو اليأس من رحمة ال تعالى .ولم ينصرف ،لنه معرفة ول نظير له
فبي السماء فشببه بالعجمية ،قال أبو عبيدة وغيره .وقيبل :هو أعجمبي ل اشتقاق له فلم ينصبرف
للعجمة والتعريف ،قاله الزجاج وغيره.
@قوله تعالى" :أبى" معناه امتنع من فعل ما أمر به ،ومنه الحديث الصحيح عن أبي هريرة عن
النببي صبلى ال عليبه وسبلم( :إذا قرأ اببن آدم السبجدة فسبجد اعتزل الشيطان يبكبي يقول يبا ويله -
وفبي راويبة :يبا ويلي -أمبر اببن آدم بالسبجود فسبجد فله الجنبة وأمرت بالسبجود فأبيبت فلي النار).
خرجببه مسببلم .يقال :أبببي يأبببى إباء ،وهببو حرف نادر جاء على فعببل يفعببل ليببس فيببه حرف مببن
حروف الحلق ،وقبد قيبل :إن اللف مضارعبة لحروف الحلق .قال الزجاج :سبمعت إسبماعيل ببن
إسبحاق القاضبي يقول :القول عندي أن اللف مضارعبة لحروف الحلق .قال النحاس :ول أعلم أن
أبا إسحاق روى إسماعيل نحوا غير هذا الحرف.
@قوله تعالى" :واستكبر "الستكبار :الستعظام ،فكأنه كره السجود في حقه واستعظمه في حق
آدم ،فكان ترك السجود لدم تسفيها لمر ال وحكمته .وعن هذا الكبر عبر عليه السلم بقوله( :ل
يدخبل الجنبة مبن كان فبي قلببه مثقال حببة مبن خردل مبن كببر) .فبي روايبة فقال رجبل :إن الرجبل
يحبب أن يكون ثوببه حسبنا ونعله حسبنة .قال( :إن ال جميبل يحبب الجمال الكببر بطبر الحبق وغمبط
الناس) .أخرجه مسلم .ومعنى بطر الحق :تسفيهه وإبطاله .وغمط الناس :الحتقار لهم والزدراء
بهبببم .ويروى" :وغمببص" بالصببباد المهملة ،والمعنبببى واحببد ،يقال :غمصبببه يغمصبببه غمصبببا
واغتمصه ،أي استصغره ولم يره شيئا .وغمص فلن النعمة إذا لم يشكرها .وغمصت عليه قول
قاله ،أي عبته عليه .وقد صرح اللعين بهذا المعنى فقال" :أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من
طيبن" [ص" .]76 :أأسبجد لمبن خلقبت طينبا" [السبراء" .]61 :لم أكبن لسبجد لبشبر خلقتبه مبن
صلصال من حمأ مسنون" [الحجر ]26 :فكفره ال بذلك .فكل من سفه شيئا من أوامر ال تعالى
أو أمر رسوله عليه السلم كان حكمه حكمه ،وهذا ما ل خلف فيه .وروى ابن القاسم عن مالك
أنببه قال بلغنببي أن أول معصببية كانببت الحسببد والكبببر ،حسببد إبليببس آدم ،وشببح آدم فببي أكله مببن
الشجرة .وقال قتادة :حسبد إبليبس آدم ،على مبا أعطاه ال مبن الكرامبة فقال :أنبا ناري وهذا طينبي.
وكان بدء الذنوب الكبر ،ثم الحرص حتى أكل آدم من الشجرة ،ثم الحسد إذ حسد ابن آدم أخاه.
@قوله تعالى" :وكان مبن الكافريبن "قيبل :كان هنبا بمعنبى صبار ،ومنبه قوله تعالى" :فكان مبن
المغرقين" .وقال الشاعر:
قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها بتيهاء قفر والمطي كأنها
أي صبببارت .وقال اببببن فورك" .كان" هنبببا بمعنبببى صبببار خطبببأ ترده الصبببول .وقال جمهور
المتأولين :المعنى أي كان في علم ال تعالى أنه سيكفر ،لن الكافر حقيقة والمؤمن حقيقة هو الذي
قد علم ال منه الموافاة.
قلت :وهذا صبببحيح ،لقوله صبببلى ال عليبببه وسبببلم فبببي صبببحيح البخاري( :وإنمبببا العمال
بالخواتيبم) .وقيبل :إن إبليبس عبدال تعالى ثمانيبن ألف سبنة ،وأعطبي الرياسبة والخزانبة فبي الجنبة
على السبتدراج ،كمبا أعطبي المنافقون شهادة أن ل إله إل ال على أطراف ألسبنتهم ،وكمبا أعطبي
بلعام السبم العظبم على طرف لسانه ،فكان فبي رياسبته والكببر فبي نفسه متمكبن .قال ابن عباس:
كان يرى لنفسبه أن له فضيلة على الملئكبة بمبا عنده ،فلذلك قال :أنبا خيبر منبه ،ولذلك قال ال عبز
وجببل" :مببا منعببك أن تسببجد لمببا خلقببت بيدي أسببتكبرت أم كنببت مببن العاليببن" [ص ]75 :أي
استكبرت ول كبر لك ،ولم أتكبر أنا حين خلقته بيدي والكبر لي فلذلك قال" :وكان من الكافرين".
[ص .]74 :وكان أصبل خلقتبه مبن نار العزة ،ولذلك حلف بالعزة فقال" :فبعزتبك لغوينهبم
أجمعيبن" [ص ]82 :فالعزة أورثته الكببر حتى رأى الفضبل له على آدم عليه السبلم .وعن أببي
صالح قال :خلقت الملئكة من نور العزة وخلق إبليس من نار العزة.
@ قال علماؤنبا -رحمبة ال عليهبم : -ومبن أظهبر ال تعالى على يديبه ممبن ليبس بنببي كرامات
وخوارق للعادات فليبس ذلك دال على وليتبه ،خلفبا لبعبض الصبوفية والرافضبة حيبث قالوا :إن
ذلك يدل على أنبه ولي ،إذ لو لم يكبن وليبا مبا أظهبر ال على يديبه مبا أظهبر .ودليلنبا أن العلم بأن
الواحبد منبا ولي ل تعالى ل يصبح إل بعبد العلم بأنبه يموت مؤمنبا ،وإذا لم يعلم أنبه يموت مؤمنبا لم
يمكنببا أن نقطببع على أنببه ولي ل تعالى ،لن الولي ل تعالى مببن علم ال تعالى أنببه ل يوافببي إل
باليمان .ولمبا اتفقنبا على أننبا ل يمكننبا أن نقطبع على أن ذلك الرجبل يوافبي باليمان ،ول الرجبل
نفسه يقطع على أنه يوافي باليمان ،علم أن ذلك ليس يدل على وليته ل .قالوا :ول نمنع أن يطلع
بعببض أوليائه على حسببن عاقبتببه وخاتمببة عمله وغيره معببه ،قال الشيببخ أبببو الحسببن الشعري
وغيره .وذهب الطبري إلى أن ال تعالى أراد بقصة إبليس تقريع أشباهه من بني آدم ،وهم اليهود
الذين كفروا بمحمد عليه السلم مع علمهم بنبوته ،ومع قدم نعم ال عليهم وعلى أسلفهم.
@ واختلف هل كان قبل إبليس كافر أو ل؟ فقيل :ل ،وإن إبليس أول من كفر .وقيل :كان قبله قوم
كفار وهبم الجبن وهبم الذيبن كانوا فبي الرض .واختلف أيضبا هبل كفبر إبليبس جهل أو عنادا على
قولين بين أهل السنة ،ول خلف أنه كان عالما بال تعالى قبل كفره .فمن قال إنه كفر جهل قال:
إنه سلب العلم عند كفره .ومن قال كفر عنادا قال :كفر ومعه علمه .قال ابن عطية :والكفر عنادا
مع بقاء العلم مستبعد ،إل أنه عندي جائز ل يستحيل مع خذل ال لمن يشاء.
* *3اليبة{ 35 :وقلنبا يبا آدم اسبكن أنبت وزوجبك الجنبة وكل منهبا رغدا حيبث شئتمبا ول تقرببا
هذه الشجرة فتكونا من الظالمين }
@قوله تعالى" :وقلنبا يبا آدم اسبكن" ل خلف أن ال تعالى أخرج إبليبس عنبد كفره وأبعده عبن
الجنة ،وبعد إخراجه قال لدم :اسكن ،أي لزم القامة واتخذها مسكنا ،وهو محل السكون .وسكن
إليه يسكن سكونا .والسكن :النار ،قال الشاعر:
قد قومت بسكن وأدهان
والسكن :كل ما سكن إليه .والسكين معروف سمي به لنه يسكن حركة المذبوح ،ومنه المسكين
لقلة تصرفه وحركته .وسكان السفينة عربي ،لنه يسكنها عن الضطراب.
@ فبي قوله تعالى" :اسبكن" تنببيه على الخروج ،لن السبكنى ل تكون ملكبا ،ولهذا قال بعبض
العارفين :السكنى تكون إلى مدة ثم تنقطع ،فدخولهما في الجنة كان دخول سكنى ل دخول إقامة.
قلت :وإذا كان هذا فيكون فيببه دللة على مببا يقول الجمهور مببن العلماء :إن مببن أسببكن رجل
مسبكنا له أنبه ل يملكبه بالسبكنى ،وأن له أن يخرجبه إذا انقضبت مدة السبكان .وكان الشعببي يقول:
إذا قال الرجل داري لك سكنى حتى تموت فهي له حياته وموته ،وإذا قال :داري هذه اسكنها حتى
تموت فإنهبا ترجبع إلى صباحبها إذا مات .ونحبو مبن السبكنى العمرى ،إل أن الخلف فبي العمرى
أقوى منببه فببي السببكنى .وسببيأتي الكلم فببي العمرى فببي "هود" إن شاء ال تعالى .قال الحربببي:
سبمعت اببن العراببي يقول :لم يختلف العرب فبي أن هذه الشياء على ملك أربابهبا ومنافعهبا لمبن
جعلت له العمرى والرقبببى والفقار والخبال والمنحببة والعريببة والسببكنى والطراق .وهذا حجببة
مالك وأصحابه في أنه ل يملك شيء من العطايا إل المنافع دون الرقاب ،وهو قول الليث بن سعد
والقاسم بن محمد ،ويزيد بن قسيط.
والعمرى :هبو إسبكانك الرجبل فبي دار لك مدة عمرك أو عمره .ومثله الرقببى :وهبو أن يقول :إن
مبت قبلي رجعبت إلي وإن مبت قبلك فهبي لك ،وهبي مبن المراقببة .والمراقببة :أن يرقبب كبل واحبد
منهمبا موت صباحبه ،ولذلك اختلفوا فبي إجازتهبا ومنعهبا ،فأجازهبا أببو يوسبف والشافعبي ،وكأنهبا
وصببية عندهببم .ومنعهببا مالك والكوفيون ،لن كببل واحببد منهببم يقصببد إلى عوض ل يدري هببل
يحصببل له ،ويتمنببى كببل واحببد منهمببا موت صبباحبه .وفببي الباب حديثان أيضببا بالجازة والمنببع
ذكرهما ابن ماجة في سننه ،الول رواه جابر بن عبدال قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
(العمرى جائزة لمبن أعمرهبا والرقببى جائزة لمبن أرقبهبا) ففبي هذا الحديبث التسبوية بيبن العمرى
والرقبى في الحكم .الثاني رواه ابن عمر قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ل رقبى فمن
أرقبب شيئا فهبو له حياتبه ومماتبه) .قال :والرقببى أن يقول هبو للخبر :منبي ومنبك موتبا .فقوله( :ل
رقببى) نهبي يدل على المنبع ،وقوله( :مبن أرقبب شيئا فهبو له) يدل على الجواز ،وأخرجهمبا أيضبا
النسبائي .وذكبر عبن اببن عباس قال :العمرى والرقببى سبواء .وقال اببن المنذر :ثببت أن رسبول ال
صبلى ال عليبه وسبلم قال( :العمرى جائزة لمبن أعمرهبا والرقببى جائزة لمبن أرقبهبا) .فقبد صبحح
الحديبث اببن المنذر ،وهبو حجبة لمبن قال بأن العمرى والرقببى سبواء .وروي عبن علي وببه قال
الثوري وأحمد ،وأنها ل ترجع إلى الول أبدا ،وبه قال إسحاق .وقال طاوس :من أرقب شيئا فهو
سببيل الميراث .والفقار مأخوذ مبن فقار الظهبر .أفقرتبك ناقتبي :أعرتبك فقارهبا لتركبهبا .وأفقرك
الصيد إذا أمكنك من فقاره حتى ترميه .ومثله الخبال ،يقال :أخبلت فلنا إذا أعرته ناقة يركبها أو
فرسا يغزو عليه ،قال زهير:
يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا وإن
والمنحبة :العطيبة .والمنحبة :منحبة اللببن .والمنيحبة :الناقبه أو الشاة يعطيهبا الرجبل آخبر يحتلبهبا ثبم
يردهببا ،قال رسببول ال صببلى ال عليببه وسببلم( :العاريببة مؤداة والمنحببة مردودة والديببن مقضببي
والزعيببم غارم) .رواه أبببو أمامبببة ،أخرجببه الترمذي والدارقطنبببي وغيرهمبببا ،وهببو صبببحيح.
والطراق :إعارة الفحببل ،اسببتطرق فلن فلنببا فحله :إذا طلبببه ليضرب فببي إبله ،فأطرقببه إياه،
ويقال :أطرقنبي فحلك أي أعرنبي فحلك ليضرب فبي إبلي .وطرق الفحبل الناقبة يطرق طروقبا أي
قعا عليها .وطروقة الفحل :أنثاه ،يقال :ناقة طروقة الفحل للتي بلغت أن يضربها الفحل.
@قوله تعالى" :أنت وزوجك" "أنت" تأكيد للمضمر الذي في الفعل ،ومثله "فاذهب أنت وربك".
ول يجوز اسكن وزوجك ،ول اذهب وربك ،إل في ضرورة الشعر ،كما قال:
كنعاج المل تعسفن رمل قلت إذ أقبلت وزهر تهادى
ف "زهبر" معطوف على المضمبر فبي "أقبلت" ولم يؤكبد ذلك المضمبر .ويجوز فبي غيبر القرآن
على بعد :قم وزيد.
@قوله تعالى" :وزوجبك" لغبة القرآن "زوج" بغيبر هاء ،وقبد جاء فبي صبحيح مسبلم" :زوجبة"
حدثنبا عبدال ببن مسبلمة ببن قعنبب قال حدثنبا حماد ببن سبلمة عبن ثاببت البنانبي عبن أنبس أن النببي
صبلى ال عليبه وسبلم كان مبع إحدى نسبائه فمبر ببه رجبل فدعاه فجاء فقال( :يبا فلن هذه زوجتبي
فلنبة) :فقال يبا رسبول ال ،مبن كنبت أظبن ببه فلم أكبن أظبن ببك ،فقال رسبول ال صبلى ال عليبه
وسببلم( :إن الشيطان يجري مببن النسببان مجرى الدم) .وزوج آدم عليببه السببلم هببي حواء عليهببا
السلم ،وهو أول من سماها بذلك حين خلقت من ضلعه من غير أن يحس آدم عليه السلم بذلك،
ولو ألم بذلك لم يعطف رجل على امرأته ،فلما انتبه قيل له :من هذه؟ قال :امرأة قيل :وما اسمها؟
قال :حواء ،قيل :ولم سميت امرأة؟ قال :لنها من المرء أخذت ،قيل :ولم سميت حواء؟ قال :لنها
خلقت من حي .روي أن الملئكة سألته عن ذلك لتجرب علمه ،وأنهم قالوا له :أتحبها يا آدم؟ قال:
نعبم ،قالوا لحواء :أتحببينه يبا حواء؟ قالت :ل ،وفبي قلبهبا أضعاف مبا فبي قلببه مبن حببه .قالوا :فلو
صدقت امرأة في حبها لزوجها لصدقت حواء .وقال ابن مسعود وابن عباس :لما أسكن آدم الجنة
مشى فيها مستوحشا ،فلما نام خلقت حواء من ضلعه القصرى من شقه اليسر ليسكن إليها ويأنس
بهبا ،فلمبا انتببه رآهبا فقال :مبن أنبت؟ قالت :امرأة خلقبت مبن ضلعبك لتسبكن إلي ،وهبو معنبى قوله
تعالى" :هببو الذي خلقكببم مبن نفببس واحدة وجعببل منهببا زوجهببا ليسببكن إليهببا" [الزمببر .]6 :قال
العلماء :ولهذا كانبت المرأة عوجاء ،لنهبا خلقبت مبن أعوج وهبو الضلع .وفبي صبحيح مسبلم عبن
أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إن المرأة خلقت من ضلع -في رواية :وإن
أعوج شيبء فبي الضلع أعله -لن تسبتقيم لك على طريقبة واحدة فإن اسبتمتعت بهبا اسبتمتعت بهبا
وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلقها) .وقال الشاعر:
هي الضلع العوجاء ليست تقيمها أل إن تقويم الضلوع انكسارها
أليس عجيبا ضعفها واقتدارها أتجمع ضعفا واقتدارا على الفتى
ومن هذا الباب استدل العلماء على ميراث الخنثى المشكل إذا تساوت فيه علمات النساء والرجال
في اللحية والثدي والمبال بنقص العضاء .فإن نقصت أضلعه عن أضلع المرأة أعطي نصيب
رجل -روي ذلك عن علي رضي ال عنه -لخلق حواء من أحد أضلعه ،وسيأتي في المواريث
بيان هذا إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :الجنبة "الجنبة :البسبتان ،وقبد تقدم القول فيهبا .ول التفات لمبا ذهببت إليبه المعتزلة
والقدرية من أنه لم يكن في جنة الخلد وإنما كان في جنة بأرض عدن .واستدلوا على بدعتهم بأنها
لو كانبت جنبة الخلد لمبا وصبل إليبه إبليبس ،فإن ال يقول" :ل لغبو فيهبا ول تأثيبم" [الطور]23 :
وقال "ل يسبمعون فيهبا لغوا ول كذاببا" [النببأ ]35 :وقال" :ل يسبمعون فيهبا لغوا ول تأثيمبا .إل
قيل سلما" [الواقعة .]25 :وأنه ل يخرج منها أهلها لقوله" :وما هم منها بمخرجين" [الحجر:
.]48وأيضا فإن جنة الخلد هي دار القدس ،قدست عن الخطايا والمعاصي تطهيرا لها .وقد لغا
فيها إبليس وكذب ،وأخرج منها آدم وحواء بمعصيتهما .قالوا :وكيف يجوز على آدم مع مكانه من
ال وكمال عقله أن يطلب شجرة الخلد وهببو فببي دار الخلد والملك الذي ل يبلى؟ فالجواب :أن ال
تعالى عرف الجنبة باللف واللم ،ومبن قال :أسبأل ال الجنبة ،لم يفهبم منبه فبي تعارف الخلق إل
طلب جنة الخلد .ول يستحيل في العقل دخول إبليس الجنة لتغرير آدم ،وقد لقي موسى آدم عليهما
السبلم فقال له موسبى :أنبت أشقيبت ذريتبك وأخرجتهبم مبن الجنبة ،فأدخبل اللف واللم ليدل على
أنهبا جنبة الخلد المعروفبة ،فلم ينكبر ذلك آدم ،ولو كانبت غيرهبا لرد على موسبى ،فلمبا سبكت آدم
على مبا قرره موسبى صبح أن الدار التبي أخرجهبم ال عبز وجبل منهبا بخلف الدار التبي أخرجوا
إليهبا .وأمبا مبا احتجوا ببه مبن الي فذلك إنمبا جعله ال فيهبا بعبد دخول أهلهبا فيهبا يوم القيامبة ،ول
يمتنبع أن تكون دار الخلد لمبن أراد ال تخليده فيهبا وقبد يخرج منهبا مبن قضبي عليبه بالفناء .وقبد
أجمببع أهببل التأويببل على أن الملئكببة يدخلون الجنببة على أهببل الجنببة ويخرجون منهببا ،وقببد كان
مفاتيحهبا بيبد إبليبس ثبم انتزعبت منبه بعبد المعصبية ،وقبد دخلهبا النببي صبلى ال عليبه وسبلم ليلة
السبراء ثبم خرج منهبا وأخبر بما فيهبا وأنها هي جنة الخلد حقبا .وأمبا قولهبم :إن الجنة دار القدس
وقبد طهرهبا ال تعالى مبن الخطايبا فجهبل منهبم ،وذلك أن ال تعالى أمبر بنبي إسبرائيل أن يدخلوا
الرض المقدسببة وهببي الشام ،وأجمببع أهببل الشرائع على أن ال تعالى قدسببها وقببد شوهببد فيهببا
المعاصبي والكفبر والكذب ولم يكبن تقديسبها ممبا يمنبع فيهبا المعاصبي ،وكذلك دار القدس .قال أببو
الحسبن ببن بطال :وقبد حكبى بعبض المشايبخ أن أهبل السبنة مجمعون على أن جنبة الخلد هبي التبي
أهببط منهبا آدم عليبه السبلم ،فل معنبى لقول مبن خالفهبم .وقولهبم :كيبف يجوز على آدم فبي كمال
عقله أن يطلب شجرة الخلد وهبو فبي دار الخلد ،فيعكبس عليهبم ويقال :كيبف يجوز على آدم وهبو
فبي كمال عقله أن يطلب شجرة الخلد فبي دار الفناء هذا مبا ل يجوز على مبن له أدنبى مسبكة مبن
عقل ،فكيف بآدم الذي هو أرجح الخلق عقل ،على ما قال أبو أمامة على ما يأتي.
@قوله تعالى" :وكل منها رغدا حيث شئتما" قراءة الجمهور "رغدا" بفتح الغين .وقرأ النخعي
وابن وثاب بسكونها .والرغد :العيش الدار الهني الذي ل عناء فيه ،قال:
يأمن الحداث في عيش رغد بينما المرء تراه ناعما
ويقال :رغبد عيشهبم ورغبد (بضبم الغيبن وكسبرها) .وأرغبد القوم :أخصببوا وصباروا فبي رغبد مبن
العيببش .وهببو منصببوب على الصببفة لمصببدر محذوف ،وحيثبُ وحيثبَ وحيثبِ ،وحوثبَ وحوثبِ
وحاث ،كلها لغات ،ذكرها النحاس وغيره.
قوله تعالى "وكل منهبببا رغدا" حذفبببت النون مبببن "كل" لنبببه أمبببر ،وحذفبببت الهمزة لكثرة
الستعمال ،وحذفها شاذ .قال سيبويه :من العرب من يقول أأكل ،فيتم .يقال منه :أكلت الطعام أكل
ومأكل .والكلة (بالفتببح) :المرة الواحدة حتببى تشبببع .والكلة (بالضببم) :اللقمببة ،تقول :أكلت أكلة
واحدة ،أي لقمة ،وهي القرصة أيضا .وهذا الشيء أكلة لك ،أي طعمة لك .والكل أيضا ما أكل.
ويقال :فلن ذو أكبل إذا كان ذا حبظ مبن الدنيبا ورزق واسبع" .رغدا" نعبت لمصبدر محذوف ،أي
أكل رغدا .قال ابن كيسان :ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال .وقال مجاهد" :رغدا" أي
ل حسبباب عليهببم .والرغببد فببي اللغببة .الكثيببر الذي ل يعنيببك ،ويقال :أرغببد القوم ،إذا وقعوا فببي
خصب وسعة .وقد تقدم هذا المعنى" .حيث" مبنية على الضم ،لنها خالفت أخواتها الظروف في
أنهبا ل تضاف ،فأشبهبت قببل وبعد إذا أفردتا فضمت .قال الكسبائي :لغة قيس وكنانة الضبم ،ولغة
تميببم الفتببح .قال الكسببائي :وبنببو أسبد يخفضونهبا فببي موضبع الخفبض ،وينصبببونها فبي موضبع
النصببب ،قال ال تعالى" :سببنستدرجهم مببن حيببث ل يعلمون" [العراف ]182 :وتضببم وتفتببح.
"ول تقربا هذه الشجرة "الهاء من "هذه" بدل من ياء الصل ،لن الصل هذي .قال النحاس :ول
أعلم فبي العربيبة هاء تأنيبث مكسبورا مبا قبلهبا إل هاء "هذه" ومبن العرب مبن يقول :هاتبا هنبد،
ومنهم من يقول :هاتي هند .وحكى سيبويه :هذه هند ،بإسكان الهاء .وحكى الكسائي عن العرب:
ول تقرببا هذي الشجرة .وعبن شببل ابن عباد قال :كان اببن كثيبر واببن محيصبن ل يثبتان الهاء فبي
"هذه" فبي جميبع القرآن .وقراءة الجماعبة "رغدا" بفتبح الغيبن .وروي عبن اببن وثاب والنخعبي
أنهما سكّنا الغين .وحكى سلمة عن الفراء قال يقال :هذه فعلت وهذي فعلت ،بإثبات ياء بعد الذال.
وه ِذ فعلت ،بكسر الذال من غير إلحاق ياء ول هاء .وتا فعلت .قال هشام ويقال :تا فعلت .وأنشد:
خليلي لول ساكن الدار لم أقم بتا الدار إل عابر ابن سبيل
قال ابن النباري :وتا بإسقاط ها بمنزلة ذي بإسقاط ها من هذي ،وبمنزلة ذه بإسقاط ها من هذه.
وقد قال الفراء :من قال هذ قامت ل يسقط ها ،لن السم ل يكون على ذال واحدة.
@قوله تعالى" :ول تقرببا هذه الشجرة" أي ل تقرباهبا بأكبل ،لن الباحبة فيبه وقعبت .قال اببن
العرببي :سبمعت الشاشبي فبي مجلس النضبر [ببن شميبل] يقول :إذا قيبل ل تقرب (بفتبح الراء) كان
معناه ل تلببس بالفعبل ،وإذا كان (بضبم الراء) فإن معناه ل تدن منبه .وفبي الصبحاح :قرب الشيبء
يقرب قربا أي دنا .وقربته (بالكسر) أقربه قربانا أي دنوت منه .وقربت أقرب قرابة -مثل كتبت
أكتب كتابة -إذا سرت إلى الماء وبينك وبينه ليلة ،والسم القرب .قال الصمعي :قلت لعرابي:
مبا القرب؟ فقال :سبير الليبل لورد الغبد .وقال اببن عطيبة :قال بعبض الحذاق :إن ال تعالى لمبا أراد
النهبي عبن أكبل الشجرة نهبى عنبه بلفبظ يقتضبي الكبل ومبا يدعبو إليبه العرب وهبو القرب .قال اببن
عطيببة :وهذا مثال بيببن فببي سببد الذرائع .وقال بعببض أرباب المعانببي قوله" :ول تقربببا" إشعار
بالوقوع فببي الخطيئة والخروج مببن الجنببة ،وأن سببكناه فيهببا ل يدوم ،لن المخلد ل يحظببر عليببه
شيبء ول يؤمبر ول ينهبى .والدليبل على هذا قوله تعالى "إنبي جاعبل فبي الرض خليفبة" [البقرة:
]30فدل على خروجه منها.
@قوله تعالى" :هذه الشجرة" السبم المبهبم ينعبت بمبا فيبه اللف واللم ل غيبر ،كقولك :مررت
بهذا الرجبل وبهذه المرأة وهذه الشجرة .وقرأ اببن محيصبن" :هذي الشجرة" بالياء وهبو الصبل،
لن الهاء فبي هذه بدل مبن ياء ولذلك انكسبر مبا قبلهبا ،وليبس فبي الكلم هاء تأنيبث قبلهبا كسبرة
سواها ،وذلك لن أصلها الياء.
والشجرة والشجرة والشيرة ،ثلث لغات وقرئ "الشجرة" بكسببر الشيببن .والشَجرة والشِجرة :مببا
كان على سبباق مببن نبات الرض .وأرض شجيرة وشجراء أي كثيرة الشجار ،وواد شجيببر ،ول
يقال :واد أشجبر .وواحبد الشجراء شجرة ،ولم يأت مبن الجمبع على هذا المثال إل أحرف يسبيرة:
شجرة وشجراء ،وقصبببة وقصببباء ،وطرفببة وطرفاء ،وحلفببة وحلفاء .وكان الصببمعي يقول فببي
واحبد الحلفاء :حلفبة ،بكسبر اللم مخالفبة لخواتهبا .وقال سبيبويه :الشجراء واحبد وجمبع ،وكذلك
القصبباء والطرفاء والحلفاء .والمشجرة :موضبع الشجار .وأرض مشجرة ،وهذه الرض أشجبر
من هذه أي أكثر شجرا ،قال الجوهري.
@التاسبعة :واختلف أهبل التأويبل فبي تعييبن هذه الشجرة التبي نهبي عنهبا فأكبل منهبا ،فقال اببن
مسبعود واببن عباس وسبعيد ببن جببير وجعدة ببن هببيرة :هبي الكرم ،ولذلك حرمبت علينبا الخمبر.
وقال اببن عباس أيضبا وأببو مالك وقتادة :هبي السبنبلة ،والحببة منهبا ككلى البقبر ،أحلى مبن العسبل
وألين من الزبد ،قاله وهب بن منبه .ولما تاب ال على آدم جعلها غذاء لبنيه .وقال ابن جريج عن
بعبض الصبحابة :هبي شجرة التيبن ،وكذا روى سبعيد عبن قتادة ،ولذلك تعببر فبي الرؤيبا بالندامبة
لكلها من أجل ندم آدم عليه السلم على أكلها ،ذكره السهيلي .قال ابن عطية :وليس في شيء من
هذا التعيين ما يعضده خبر ،وإنما الصواب أن يعتقد أن ال تعالى نهى آدم عن شجرة فخالف هو
إليهبا وعصبى فبي الكبل منهبا .وقال القشيري أببو نصبر :وكان المام والدي رحمبه ال يقول :يعلم
على الجملة أنها كانت شجرة المحنة.
@ واختلفوا كيف أكل منها مع الوعيد المقترن بالقرب وهو قوله تعالى" :فتكونا من الظالمين"،
فقال قوم أكل من غيبر التبي أشيبر إليها فلم يتأول النهي واقعبا على جميبع جنسها ،كأن إبليس غره
بالخبذ بالظاهبر قال اببن العرببي :وهبي أول معصبية عصبي ال بهبا على هذا القول .قال" :وفيبه
دليل على أن من حلف أل يأكل من هذا الخبز فأكل من جنسه حنث .وتحقيق المذاهب فيه أن أكثر
العلماء قالوا :ل حنبث فيبه .وقال مالك وأصبحابه :إن اقتضبى بسباط اليميبن تعييبن المشار إليبه لم
يحنبث بأكبل جنسبه ،وإن اقتضبى بسباط اليميبن أو سبببها أو نيتهبا الجنبس حمبل عليبه وحنبث بأكبل
غيره ،وعليه حملت قصة آدم عليه السلم فإنه نهي عن شجرة عينت له وأريد بها جنسها ،فحمل
القول على اللفظ دون المعنى.
وقد اختلف علماؤنا في فرع من هذا ،وهو أنه إذا حلف أل يأكل هذه الحنطة فأكل خبزا منها على
قوليبن ،قال فبي الكتاب :يحنبث ،لنهبا هكذا تؤكبل .وقال اببن المواز :ل شيبء عليبه ،لنبه لم يأكبل
حنطبة وإنمبا أكبل خبزا فراعبى السبم والصبفة .ولو قال فبي يمينبه :ل آكبل مبن هذه الحنطبة لحنبث
بأكبل الخببز المعمول منهبا وفيمبا اشترى بثمنهبا مبن طعام وفيمبا أنبتبت خلف .قال آخرون :تأول
النهبي على الندب .قال اببن العرببي :وهذا وإن كان مسبألة مبن أصبول الفقبه فقبد سبقط ذلك ههنبا،
لقوله" :فتكونببا مببن الظالميببن" [البقرة ]35 :فقرن النهببي بالوعيببد ،وكذلك قوله سبببحانه" :فل
يخرجنكمبا مبن الجنبة فتشقبى" [طبه .]117 :وقال اببن المسبيب :إنمبا أكبل آدم بعبد أن سبقته حواء
الخمر فسكر وكان في غير عقله .وكذلك قال يزيد بن قسيط ،وكانا يحلفان بال أنه ما أكل من هذه
الشجرة وهو يعقل .قال ابن العربي :وهذا فاسد نقل وعقل ،أما النقل فلم يصح بحال ،وقد وصف
ال عز وجل خمر الجنة فقال" :ل فيها غول" .وأما العقل فلن النبياء بعد النبوة معصومون عما
يؤدي إلى الخلل بالفرائض واقتحام الجرائم.
قلت :قبد اسبتنبط بعبض العلماء نبوة آدم عليبه السبلم قببل إسبكانه الجنبة مبن قوله تعالى" :فلمبا
أنبأهم بأسمائهم" [البقرة ]33 :فأمره ال تعالى أن ينبئ الملئكة بما ليس عندهم من علم ال جل
وعز .وقيل :أكلها ناسيا ،ومن الممكن أنهما نسيا الوعيد.
قلت :وهبو الصبحيح لخبار ال تعالى فبي كتاببه بذلك حتمبا وجزمبا فقال" :ولقبد عهدنبا إلى آدم
مبن قببل فنسبي ولم نجبد له عزمبا" [طبه .]115 :ولكبن لمبا كان النببياء عليهبم السبلم يلزمهبم مبن
التحفببظ والتيقببظ لكثرة معارفهببم وعلو منازلهببم مببا ل يلزم غيرهببم كان تشاغله عببن تذكببر النهببي
تضييعبا صبار ببه عاصبيا ،أي مخالفبا .قال أببو أمامبة :لو أن أحلم بنبي آدم منبذ خلق ال الخلق إلى
يوم القيامبة وضعبت فبي كفبة ميزان ووضبع حلم آدم فبي كفبة أخرى لرجحهبم ،وقبد قال ال تعالى:
"ولم نجد له عزما".
قلت :قول أببي أمامبة هذا عموم فبي جميبع بنبي آدم .وقبد يحتمبل أن يخبص مبن ذلك نبينبا محمبد
صلى ال عليه وسلم ،فإنه كان أوفبر الناس حلما وعقل .وقد يحتمل أن يكون المعنى لو أن أحلم
بني آدم من غير النبياء .وال أعلم.
قلت :والقول الول أيضبا حسبن ،فظنبا أن المراد العيبن وكان المراد الجنبس ،كقول النببي صبلى
ال عليه وسلم حين أخذ ذهبا وحريرا فقال( :هذان حرامان على ذكور أمتي) .وقال في خبر آخر:
(هذان مهلكان أمتي) .وإنما أراد الجنس ل العين.
@ يقال :إن أول من أكل من الشجرة حواء بإغواء إبليس إياها -على ما يأتي بيانه -وإن أول
كلمبه كان معهبا لنهبا وسبواس المخدة ،وهبي أول فتنبة دخلت على الرجال مبن النسباء ،فقال :مبا
منعتما هذه الشجرة إل أنها شجرة الخلد ،لنه علم منهما أنهما كانا يحبان الخلد ،فأتاهما من حيث
أحبا " -حبك الشيء يعمي ويصم" -فلما قالت حواء لدم أنكر عليها وذكر العهد ،فألح على حواء
وألحبت حواء على آدم ،إلى أن قالت :أنبا آكبل قبلك حتبى إن أصبابني شيبء سبلمت أنبت ،فأكلت فلم
يضرهبا ،فأتبت آدم فقالت :كبل فإنبي قبد أكلت فلم يضرنبي ،فأكبل فبدت لهمبا سبوآتهما وحصبل فبي
حكببم الذنببب ،لقول ال تعالى" :ول تقربببا هذه الشجرة" فجمعهمببا فببي النهببي ،فلذلك لم تنزل بهببا
العقوبببة حتببى وجببد المنهببي عنببه منهمببا جميعببا ،وخفيببت على آدم هذه المسببألة ،ولهذا قال بعببض
العلماء :إن مبببن قال لزوجتيبببه أو أمتيبببه :إن دخلتمبببا الدار فأنتمبببا طالقتان أو حرتان ،إن الطلق
والعتبق ل يقبع بدخول إحداهمبا .وقبد اختلف علماؤنبا فبي ذلك على ثلثبة أقوال ،قال اببن القاسبم :ل
تطلقان ول تعتقان إل باجتماعهمبببا فبببي الدخول ،حمل على هذا الصبببل وأخذا بمقتضبببى مطلق
اللفبظ .وقاله سبحنون .وقال اببن القاسبم مرة أخرى :تطلقان جميعبا وتعتقان جميعبا بوجود الدخول
مبن إحداهمبا ،لن بعبض الحنبث حنبث ،كمبا لو حلف أل يأكبل هذيبن الرغيفيبن فإنبه بحنبث بأكبل
أحدهما بل بأكل لقمة منهما .وقال أشهب :تعتق وتطلق التي دخلت وحدها ،لن دخول كل واحدة
منهما شرطا في طلقها أو عتقها .قال ابن العربي :وهذا بعيد ،لن بعض الشرط ل يكون شرطا
إجماعا.
قلت :الصحيح الول ،وإن النهي إذا كان معلقا على فعلين ل تتحقق المخالفة إل بهما ،لنك إذا
قلت :ل تدخل الدار ،فدخبل أحدهمبا مبا وجدت المخالفبة منهمبا ،لن قول ال تعالى "ول تقرببا هذه
الشجرة" [البقرة ]35 :نهبي لهمبا "فتكونبا مبن الظالميبن" [البقرة ]35 :جواببه ،فل يكونبا مبن
الظالمين حتى يفعل ،فلما أكلت لم يصبها شيء ،لن المنهي عنه ما وجد كامل .وخفي هذا المعنى
على آدم فطمبع ونسبي هذا الحكبم ،وهبو معنبى قوله تعالى" :ولقبد عهدنبا إلى آدم مبن قببل فنسبي"
[طه ]115 :وقيل :نسي قوله" :إن هذا عدو لك ولزوجك فل يخرجنكما من الجنة فتشقى" [طه:
.]115وال أعلم.
@ واختلف العلماء في هذا الباب هل وقع من النبياء -صلوات ال عليهم أجمعين -صغائر من
الذنوب يؤاخذون بها ويعاتبون عليها أم ل -بعد اتفاقهم على أنهم معصومون من الكبائر ومن كل
رزيلة فيها شين ونقص إجماعا عند القاضي أبي بكر ،وعند الستاذ أبي إسحاق أن ذلك مقتضى
دليبل المعجزة ،وعنبد المعتزلة أن ذلك مقتضبى دليبل العقبل على أصبولهم ، -فقال الطببري وغيره
مببن الفقهاء والمتكلميببن والمحدثيببن :تقببع الصببغائر منهببم .خلفببا للرافضببة حيببث قالوا :إنهببم
معصومون من جميع ذلك ،واحتجوا بما وقع من ذلك في التنزيل وثبت من تنصلهم من ذلك في
الحديببث ،وهذا ظاهببر ل خفاء فيببه .وقال جمهور مببن الفقهاء مببن أصببحاب مالك وأبببي حنيفببة
والشافعي :إنهم معصومون من الصغائر كلها كعصمتهم من الكبائر أجمعها ،لنا أمرنا باتباعهم
في أفعالهم وآثارهم وسيرهم أمرا مطلقا من غير التزام قرينة ،فلو جوزنا عليهم الصغائر لم يمكن
القتداء بهم ،إذ ليس كل فعل من أفعالهم يتميز مقصده من القربة والباحة أو الحظر أو المعصية،
ول يصح أن يؤمر المرء بامتثال أمر لعله معصية ،ل سيما على من يرى تقديم الفعل على القول
إذا تعارضبا مبن الصبوليين .قال السبتاذ أببو إسبحاق السبفرايني :واختلفوا فبي الصبغائر ،والذي
عليه الكثبر أن ذلك غيبر جائز عليهم ،وصبار بعضهبم إلى تجويزها ،ول أصبل لهذه المقالة .وقال
بعبض المتأخريبن ممبن ذهبب إلى القول الول :الذي ينبغبي أن يقال إن ال تعالى قبد أخببر بوقوع
ذنوب مبن بعضهبم ونسببها إليهبم وعاتبهبم عليهبا ،وأخببروا بهبا عبن نفوسبهم وتنصبلوا منهبا وأشفقوا
منهبا وتابوا ،وكبل ذلك ورد فبي مواضبع كثيرة ل يقببل التأويبل جملتهبا وإن قببل ذلك أحادهبا ،وكبل
ذلك ممبا ل يزري بمناصببهم ،وإنمبا تلك المور التبي وقعبت منهبم على جهبة الندور وعلى جهبة
الخطبأ والنسبيان ،أو تأويبل دعبا إلى ذلك فهبي بالنسببة إلى غيرهبم حسبنات وفبي حقهبم سبيئات،
[بالنسببة] إلى مناصببهم وعلو أقدارهبم ،إذ قبد يؤاخبذ الوزيبر بمبا يثاب عليبه السبائس ،فأشفقوا مبن
ذلك فبي موقبف القيامبة مبع علمهبم بالمبن والمان والسبلمة .قال :وهذا هبو الحبق .ولقبد أحسبن
الجنيد حيث قال :حسنات البرار سيئات المقربين .فهم -صلوات ال وسلمه عليهم -وإن كان قد
شهدت النصبوص بوقوع ذنوب منهبم فلم يخبل ذلك بمناصببهم ول قدح فبي رتبهبم ،ببل قبد تلفاهبم
واجتباهم وهداهم ومدحهم وزكاهم واختارهم واصطفاهم ،صلوات ال عليهم وسلمه.
@قوله تعالى" :فتكونبا مبن الظالميبن" (فتكونبا) عطبف على "تقرببا" فلذلك حذفبت النون .وزعبم
الجرمي أن الفاء هي الناصبة ،وكلهما جائز.
الظلم أصبله وضبع الشيبء فبي غيبر موضعبه .والرض المظلومبة :التبي لم تحفبر قبط ثبم حفرت.
قال النابغة:
عيت جوابا وما بالربع من أحد وقفت فيها أصيل ل وأسائلها
والنؤيَ كالحوض بالمظلومة الجلد إل الواري ليا ما أبينها
ويسمى ذلك التراب الظليم .قال الشاعر:
العيش مردود عليها ظليمها فأصبح في غبراء بعد إشاحة على
وإذا نحر البعير من غير داء به فقد ظلم ،ومنه ..:ظلمون للجزر
ويقال :سبقانا ظليمبة طيببة ،إذا سبقاهم اللببن قببل إدراكبه .وقبد ظلم وطببه ،إذا سبقى منبه قببل أن
يروب ويخرج زبده .واللبن مظلوم وظليم .قال:
وهل يخفى على العكد الظليم وقائلة ظلمت لكم سقائي
ورجل ظليم :شديد الظلم .والظلم :الشرك ،قال ال تعالى" :إن الشرك لظلم عظيم"[ .لقمان]13 :
* *3الية{36 :فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو
ولكم في الرض مستقر ومتاع إلى حين}
@قوله تعالى" :فأزلهمبا الشيطان عنهبا" قرأ الجماعبة "فأزلهمبا" بغيبر ألف ،مبن الزلة وهبي
الخطيئة ،أي استزلهما وأوقهما فيها .وقرأ حمزة "فأزالهما" بألف ،من التنحية ،أي نحاهما .يقال:
أزلتبه فزال .قال اببن كيسبان :فأزالهمبا مبن الزوال ،أي صبرفهما عمبا كانبا عليبه مبن الطاعبة إلى
المعصية.
قلت :وعلى هذا تكون القراءتان بمعنببى ،إل أن قراءة الجماعببة أمكببن فببي المعنببى .يقال منببه:
أزللتببه فزل .ودل على هذا قوله تعالى" :إنمببا اسببتزلهم الشيطان ببعببض مببا كسبببوا" [آل عمران:
،]155وقوله" :فوسبوس لهمبا الشيطان" والوسبوسة إنمبا هبي إدخالهمبا فبي الزلل بالمعصبية،
وليببس للشيطان قدرة على زوال أحببد مببن مكان إلى مكان ،إنمببا قدرتببه [على] إدخاله فببي الزلل،
فيكون ذلك سببببا إلى زواله مببن مكان إلى مكان يذنبببه .وقببد قيببل :إن معنببى أزلهمببا مببن زل عببن
المكان إذا تنحى ،فيكون في المعنى كقراءة حمزة من الزوال .قال امرؤ القيس:
ويلوي بأثواب العنيف المثقل يزل الغلم الخف عن صهواته
وقال أيضا:
كما زلت الصفواء بالمتنزل كميت يزل اللبد عن حال متنه
@قوله تعالى" :فأخرجهما مما كانا فيه" إذا جعل أزال من زال عن المكان فقوله" :فأخرجهما"
تأكيبد وبيان للزوال ،إذ قبد يمكبن أن يزول عبن مكان كانبا فيبه إلى مكان آخبر مبن الجنبة ،وليبس
كذلك ،وإنمببا كان إخراجهمببا مببن الجنببة إلى الرض ،لنهمببا خلقببا منهببا ،وليكون آدم خليفببة فببي
الرض .ولم يقصبد إبليبس -لعنبه ال -إخراجبه منهبا وإنمبا قصبد إسبقاطه مبن مرتبتبه وإبعاده كمبا
أبعبد هبو ،فلم يبلغ مقصبده ول أدرك مراده ،ببل ازداد سبخنة عيبن وغيبظ نفبس وخيببة ظبن .قال ال
جبل ثناؤه" :ثبم اجتباه رببه فتاب عليبه وهدى" [طبه ]122 :فصبار عليبه السبلم خليفبة ال فبي
أرضه بعد أن كان جارا له في داره ،فكم بين الخليفة والجار صلى ال عليه وسلم .ونسب ذلك إلى
إبليس ،لنه كان بسببه وإغوائه .ول خلف بين أهل التأويل وغيرهم أن إبليس كان متولي إغواء
آدم ،واختلف فبي الكيفيبة ،فقال اببن مسبعود واببن عباس وجمهور العلماء أغواهمبا مشافهبة ،ودليبل
ذلك قوله تعالى" :وقاسببمهما إنببي لكمببا لمببن الناصببحين" والمقاسببمة ظاهرهببا المشافهببة .وقال
بعضهم ،وذكره عبدالرزاق عن وهب بن منبه :،دخل الجنة في فم الحية وهى ذات أربع كالبختية
مبن أحسبن داببة خلقهبا ال تعالى بعبد أن عرض نفسبه على كثيبر مبن الحيوان فلم يدخله إل الحيبة،
فلما دخلت به الجنة خرج من جوفها إبليس فأخذ من الشجرة التي نهى ال آدم وزوجه عنها فجاء
بهبا إلى حواء فقال :انظري إلى هذه الشجرة ،مبا أطيبب ريحهبا وأطيبب طعمهبا وأحسبن لونهبا فلم
يزل يغويهببا حتببى أخذتهببا حواء فأكلتهببا .ثببم أغوى آدم ،وقالت له حواء :كببل فإنببي قببد أكلت فلم
يضرنبي ،فأكبل منهبا فبدت لهمبا سبوآتهما وحصبل فبي حكبم الذنبب ،فدخبل آدم فبي جوف الشجرة،
فناداه رببه :أيبن أنبت؟ فقال :أنبا هذا يبا رب ،قال :أل تخرج؟ قال أسبتحي منبك يبا رب ،قال :أهببط
إلى الرض التبي خلقبت منهبا .ولعنبت الحيبة وردت قوائمهبا فبي جوفهبا وجعلت العداوة بينهبا وبيبن
بنبي آدم ،ولذلك أمرنبا بقتلهبا ،على مبا يأتبي بيانبه .وقيبل لحواء :كمبا أدميبت الشجرة فكذلك يصبيبك
الدم كببل شهببر وتحمليببن وتضعيببن كرهببا تشرفيببن بببه على الموت مرارا .زاد الطبببري والنقاش:
وتكوني سفيهة وقد كنت حليمة .وقالت طائفة :إن إبليس لم يدخل الجنة إلى آدم بعد ما أخرج منها
وإنما أغوى بشيطانه وسلطانه ووسواسه التي أعطاه ال تعالى ،كما قال صلى ال عليه وسلم( :إن
الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) .وال أعلم .وسيأتي في العراف أنه لما أكل بقي عريانا
وطلب مبا يسبتتر ببه فتباعدت عنبه الشجار وبكتوه بالمعصبية ،فرحمتبه شجرة التيبن ،فأخبذ مبن
ورقه فاستتر به ،فبلي بالعري دون الشجر .وال أعلم .وقيل :إن الحكمة في إخراج آدم من الجنة
عمارة الدنيا.
@يذكبر أن الحيبة كانبت خادم آدم عليبه السبلم فبي الجنبة فخانتبه بأن مكنبت عدو ال مبن نفسبها
وأظهرت العداوة له هناك ،فلمبا أهبطوا تأكدت العداوة وجعبل رزقهبا التراب ،وقيبل لهبا :أنبت عدو
بني آدم وهم أعداؤك وحيث لقيك منهم أحد شدخ رأسك .روى ابن عمر عن رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال( :خمس يقتلهن المحرم) فذكر الحية فيهن .وروى أن إبليس قال لها :أدخليني الجنة
وأنبت فبي ذمتبي ،فكان اببن عباس يقول :أخفروا ذمبة إبليبس .وروت سباكنه بنبت الجعبد عبن سبراء
بنبت نبهان الغنويبة قالت :سبمعت رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم يقول( :اقتلوا) الحيات صبغيرها
وكبيرهببا وأسببودها وأبيضهببا فإن مببن قتلهببا كانببت له فداء مببن النار ومببن قتلتببه كان شهيدا) .قال
علماؤنا :وإنما كانت له فداء من النار لمشاركتهبا إبليبس وإعانته على ضرر آدم وولده ،فذلك كان
من قتل حية فكأنما قتل كافرا .وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ل يجتمع كافر وقاتله في
النار أبدا) .أخرجه مسلم وغيره.
@روى اببن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي عبيدة بن عبدال بن مسبعود قال :كنبا مبع النبي
صلى ال عليه وسلم :بمنى فمرت حية فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :اقتلوها) فسبقتنا إلى
حجبر فدخلتبه ،فقال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم( :هاتوا بسبعفة ونار فأضرموهبا عليبه نارا).
قال علماؤنببا :وهذا الحديببث يخببص نهيببه عليببه السببلم عبن المثلة وعببن أن يعذب أحببد بعذاب ال
تعالى ،قالوا :فلم يبق لهذا العدو حرمة حيث فاته حتى أوصل إليه الهلك من حيث قدر.
فإن قيبل :قبد روي عبن إبراهيبم النخعبي أنبه كره أن تحرق العقرب بالنار ،وقال :هبو مثلة .قيبل له:
يحتمبل أن يكون لم يبلغبه هذا الثبر عبن النببي صبلى ال عليبه وسبلم ،وعمبل على الثبر الذي جاء:
(ل تعذبوا بعذاب ال) فكان على هذا سبيل العمل عنده.
فإن قيبل :فقبد روى مسبلم عبن عبدال ببن مسبعود قال :كنبا مبع النببي صبلى ال عليبه وسبلم فبي غار
وقبد أنزلت عليبه" :والمرسبلت عرفبا" [المرسبلت ]1 :فنحبن نأخذهبا مبن فيبه رطببة ،إذ خرجبت
علينببا حيببة ،فقال( :اقتلوهببا) ،فابتدرناهببا لنقتلهببا فسبببقتنا ،فقال رسببول ال صببلى ال عليببه وسببلم:
(وقاها ال شركم كما وقاكم شرها) .فلم يضرم نارا ول احتال في قتلها .قيل له :يحتمل أن يكون
لم يجد نارا فتركها ،أو لم يكن الحجر بهيئة ينتفع بالنار هناك مع ضرر الدخان وعدم وصوله إلى
الحيوان .وال أعلم .وقوله( :وقاها ال شركم) أي قتلكم إياها (كما وقاكم شرها) أي لسعها.
@المبر بقتبل الحيات مبن باب الرشاد إلى دفبع المضرة المخوفبة مبن الحيات ،فمبا كان منهبا
متحقبق الضرر وجببت المبادرة إلى قتله ،لقوله( :اقتلوا الحيات واقتلوا ذا الطفيتيبن والبتبر فإنهمبا
يخطفان البصر ويسقطان الحبل) .فخصهما بالذكر مع أنهما دخل في العموم ونبه على ذلك بسبب
عظم ضررهما .وما لم يتحقق ضرره فما كان منها في غير البيوت قتل أيضا لظاهر المر العام،
ولن نوع الحيات غالبه الضرر ،فيستصحب ذلك فيه ،ولنه كله مروع بصورته وبما في النفوس
من النفرة عنه ،ولذلك قال صلى ال عليه وسلم( :إن ال يحب الشجاعة ولو على قتل حية) .فشجع
على قتلها .وقال فيما خرجه أبو داود من حديث عبدال بن مسعود مرفوعا( :اقتلوا الحيات كلهن
فمن خاف ثأرهن فليس مني) .وال أعلم.
@ما كان من الحيات في البيوت فل يقتل حتى يؤذن ثلثة أيام ،لقوله عليه السلم( :إن بالمدينة
جنبا قبد أسبلموا فإذا رأيتبم منهبم شيئا فآذنوه ثلثبة أيام) .وقبد حمبل بعبض العلماء هذا الحديبث على
المدينة وحدها لسلم الجن بها ،قالوا :ول نعلم هل أسلم من جن غير المدينة أحد أو ل ،قاله ابن
نافبع .وقال مالك :نهبى عبن قتبل جنان البيوت فبي جميبع البلد .وهبو الصبحيح ،لن ال عبز وجبل
قال" :وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن" [الحقاف ]29 :الية .وفي صحيح مسلم
عن عبدال بن مسعود عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :أتاني داعي الجن فذهبت معهم فقرأت
عليهبم القرآن) وفيبه :وسبألوه الزاد وكانوا مبن جبن الجزيرة ،الحديبث .وسبيأتي بكماله فبي سبورة
"الجن" إن شاء ال تعالى .وإذا ثبت هذا فل يقتل شيء منها حتى يحرج عليه وينذر ،على ما يأتي
بيانه إن شاء ال تعالى.
@روى الئمة عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته،
قال :فوجدتبه يصبلي ،فجلسبت انتظره حتبى يقضبي صبلته ،فسبمعت تحريكبا فبي عراجيبن ناحيبة
البيت ،فالتفت فإذا حية ،فوثبت لقتلها ،فأشار إلي أن أجلس فجلست ،فلما انصرف أشار إلى بيت
فببي الدار فقال :أترى هذا البيببت؟ فقلت نعببم ،فقال :كان فيببه فتببى منببا حديببث عهببد بعرس ،قال:
فخرجنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى الخندق ،فكان ذلك الفتى يستأذن رسول ال صلى
ال عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله ،فاستأذنه يوما ،فقال له رسول ال صلى ال عليه
وسلم (خذ عليك سلحك فإني أخشى عليك قريظة) .فأخذ الرجل سلحه ثم رجع ،فإذا امرأته بين
البابيببن قائمببة فأهوى إليهببا بالرمببح ليطعنهببا ببه وأصببابته غيرة ،فقالت له :اكفببف عليببك رمحببك،
وادخل البيت حتبى تنظبر مبا الذي أخرجنبي فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش ،فأهوى
إليها بالرمح فانتظمها به ،ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه ،فما يدرى أيهما كان أسرع
موتا ،الحية أم الفتى قال :فجئنا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكرنا ذلك له ،وقلنا :ادع ال
يحييبه لنبا ،فقال( :اسبتغفروا لخيكبم -ثبم قال - :إن بالمدينبة جنبا قبد أسبلموا فإذا رأيتبم منهبم شيئا
فآذنوه ثلثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان) .وفي طريق أخرى فقال رسول ال
صبلى ال عليبه وسبلم( :إن لهذه البيوت عوامبر فإذا رأيتبم شيئا منهبا فحرجوا عليهبا ثلثبا فإن ذهبب
وإل فاقتلوه فإنبه كافبر -وقال لهبم - :اذهبوا فادفنوا صباحبكم) .قال علماؤنبا رحمبة ال عليهبم :ل
يفهبم مبن هذا الحديبث أن هذا الجان الذي قتله هذا الفتبى كان مسبلما وأن الجبن قتلتبه ببه قصباصا،
لنه لو سلم أن القصاص مشروع بيننا وبين الجن لكان إنما يكون في العمد المحض ،وهذا الفتى
لم يقصد ولم يتعمد قتل نفس مسلمة ،إذ لم يكن عنده علم من ذلك ،وإنما قصد إلى قتل ما سوغ قتل
نوعبه شرعببا ،فهذا قتببل خطببأ ول قصبباص فيببه .فالولى أن يقال :إن كفار الجببن أو فسببقتهم قتلوا
بصاحبهم عدوا وانتقاما .وقد قتلت سعد بن عبادة رضي ال عنه ،وذلك أنه وجد ميتا في مغتسله
وقد اخضر جسده ،ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائل يقول ول يرون أحدا:
قد قتلنا سيد الخز رج سعد بن عباده
ورميناه بسهمي ن فلم نخط فؤاده
وإنما قال النبي صلى ال عليه وسلم( :إن بالمدينة جنا قد أسلموا) ليبين طريقا يحصل به التحرز
من قتل المسلم منهم ويتسلط به على قتل الكافر منهم .روي من وجوه أن عائشة زوج النبي صلى
ال عليببه وسببلم قتلت جانببا فأريببت فببي المنام أن قائل يقول لهببا :لقببد قتلت مسببلما ،فقالت :لو كان
مسبلما لم يدخبل على أزواج النببي صبلى ال عليبه وسبلم ،قال :مبا دخبل عليبك إل وعليبك ثياببك.
فأصبحت فأمرت باثني عشر ألف درهم فجعلت في سبيل ال .وفي رواية :ما دخل عليك إل وأنت
مستترة ،فتصدقت وأعتقت رقابا .وقال الربيع بن بدر :الجان من الحيات التي نهى النبي صلى ال
عليه وسلم عن قتلها هي التي تمشي ول تلتوي ،وعن علقمة نحوه.
@في صفة النذار ،قال مالك :أحب إلي أن ينذروا ثلثة أيام .وقاله عيسى بن دينار ،وإن ظهر
في اليوم مرارا .ول يقتصر على إنذاره ثلث مرار في يوم واحد حتى يكون في ثلثة أيام .وقيل:
يكفببي ثلث مرار ،لقوله عليبه السببلم( :فليؤذنببه ثلثببا) ،وقوله( :حرجوا عليببه ثلثببا) ولن ثلثببا
للعدد المؤنبث ،فظهبر أن المراد ثلث مرات .وقول مالك أولى ،لقوله عليبه السبلم( :ثلثبة أيام).
وهبو نبص صبحيح مقيبد لتلك المطلقات ،ويحمبل ثلثبا على إرادة ليالي اليام الثلث ،فغلب الليلة
على عادة العرب في باب التاريخ فإنها تغلب فيها التأنيث .قال مالك :ويكفي في النذار أن يقول:
أحرج عليك بال واليوم الخر أل تبدوا لنا ول تؤذونا .وذكر ثابت البناني عن عبدالرحمن بن أبي
ليلى أنه ذكر عنده حيات البيوت فقال :إذا رأيتم منها شيئا في مساكنكم فقولوا :أنشدكم بالعهد الذي
أخذ عليكم نوح عليه السلم ،وأنشدكم بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان عليه السلم ،فإذا رأيتم منهن
شيئا بعد فاقتلوه.
قلت :وهذا يدل بظاهره أنبه يكفبي فبي الذن مرة واحدة ،والحديبث يرده .وال أعلم .وقبد حكبى
اببن حببيب عبن النببي صبلى ال عليبه وسبلم أنبه يقول( :أنشدكبن بالعهبد الذي أخبذ عليكبن سبليمان -
عليه السلم -أل تؤذينا وأل تظهرن علينا)0
@روى جببير عبن نفيبر عبن أببي ثعلببة الخشنبي -واسبمه جرثوم -أن رسبول ال صبلى ال عليبه
وسلم قال( :الجن على ثلثة أثلث فثلث لهم أجنحة يطيرون في الهواء وثلث حيات وكلب وثلث
يحلون ويظعنون) .وروى أبو الدرداء -واسمه عويمر -قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
(خلق الجن ثلثة أثلث فثلث كلب وحيات وخشاش الرض وثلث ريح هفافة وثلث كبني آدم لهم
الثواب وعليهببم العقاب وخلق ال النببس ثلثببة أثلث فثلث لهببم قلوب ل يفقهون بهببا وأعيببن ل
يبصرون بها وآذان ل يسمعون بها إن هم إل كالنعام بل هم أضل سبيل وثلث أجسادهم كأجساد
بني آدم وقلوبهم قلوب الشياطين وثلث في ظل ال يوم ل ظل إل ظله).
@مبا كان مبن الحيوان أصبله الذايبة فإنبه يقتبل ابتداء ،لجبل إذايتبه مبن غيبر خلف ،كالحيبة
والعقرب والفأر والوزغ ،وشبهبه .وقبد قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم( :خمبس فواسبق يقتلن
في الحل والحرم .)...وذكر الحديث.
فالحية أبدت جوهرها الخبيث حيث خانت آدم بأن أدخلت إبليس الجنة بين فكيها ،ولو كانت تبرزه
ما تركها رضوان تدخل به .وقال لها إبليس أنت في ذمتي ،فأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم
بقتلها وقال( :اقتلوها ولو كنتم في الصلة) يعني الحية والعقرب .والوزغة نفخت على نار إبراهيم
عليه السلم من بين سائر الدواب فلعنت .وهذا من نوع ما يروى في الحية .وروي عن رسول ال
صبلى ال عليبه وسبلم أنبه قال( :مبن قتبل وزغبة فكأنمبا قتبل كافرا) .وفبي صبحيح مسبلم عبن أببي
هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم( :من قتل وزغة في أول ضربة كتبت له مائة حسنة وفي
الثانيببة دون ذلك وفبي الثالثبة دون ذلك) وفببي راويبة أنبه قال( :فبي أول ضرببة سبببعون حسبنة).
والفأرة أبدت جوهرهبا بأن عمدت إلى حبال سبفينة نوح عليبه السبلم فقطعتهبا .وروى عبدالرحمبن
ببن أببي نعبم عبن أببي سبعيد الخدري أن رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم قال( :يقتبل المحرم الحيبة
والعقرب والحدأة والسببع العادي والكلب العقور والفويسبقة) .واسبتيقظ رسبول ال صبلى ال عليبه
وسبلم وقبد أخذت فتيلة لتحرق البيبت فأمبر رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم بقتلهبا .والغراب أبدى
جوهره حيث بعثه نبي ال نوح عليه السلم من السفينة ليأتيه بخبر الرض فترك أمره وأقبل على
جيفببة .هذا كله فببي معنببى الحيببة ،فلذلك ذكرناه .وسببيأتي لهذا الباب مزيببد بيان فببي التعليببل فببي
"المائدة" وغيرها إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى "وقلنبا اهبطوا" حذفبت اللف مبن "اهبطوا" فبي اللفبظ لنهبا ألف وصبل .وحذفبت
اللف مبن "قلنبا" فبي اللفبظ لسبكونها وسبكون الهاء بعدهبا .وروى محمبد ببن مصبفى عبن أببي حيوة
ضبم الباء فبي "اهبطوا" ،وهبي لغبة يقويهبا أنبه غيبر متعبد والكثبر فبي غيبر المتعدي أن يأتبي على
يفعببل .والخطاب لدم وحواء والحيببة والشيطان ،فببي قول ابببن عباس .وقال الحسببن :آدم وحواء
والوسوسة .وقال مجاهد والحسن أيضا :بنو آدم وبنو إبليس .والهبوط :النزول من فوق إلى أسفل،
فأهبط آدم بسرنديب في الهند بجبل يقال له "بوذ" ومعه ريح الجنة فعلق بشجرها وأوديتها فامتل
ما هناك طيبا ،فمن ثم يؤتى بالطيب من ريح آدم عليه السلم .وكان السحاب يمسح رأسه فأصلع،
فأورث ولده الصلع .وفي البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :خلق ال
آدم وطوله سبتون ذراعبا) الحديبث .وأخرجبه مسبلم وسبيأتي .وأهبطبت حواء بجدة وإبليبس بالبلة،
والحية ببيسان ،وقيل :بسجستان .وسجستان أكثر بلد ال حيات ،ولول العربد الذي يأكلها ويفني
كثيرا منها لخليت سجستان من أجل الحيات ،ذكره أبو الحسن المسعودي.
@قوله تعالى "بعضكبم لبعبض عدو" "بعضكبم" مبتدأ" ،عدو" خببره والجملة فبي موضبع نصبب
على الحال ،والتقديبر وهذه حالكبم .وحذفبت الواو مبن و"بعضكبم" لن فبي الكلم عائدا ،كمبا يقال:
رأيتبك السبماء تمطبر عليبك .والعدو :خلف الصبديق ،وهبو مبن عدا إذا ظلم .وذئب عدوان :يعدو
على الناس .والعدوان :الظلم الصبراح .وقيبل :هبو مأخوذ مبن المجاوزة ،مبن قولك :ل يعدوك هذا
المبر ،أي ل يتجاوزك .وعداه إذا جاوزه ،فسبمي عدوا لمجاوزة الحبد فبي مكروه صباحبه ،ومنبه
العدو بالقدم لمجاوزة الشيء ،والمعنيان متقاربان ،فإن من ظلم فقد تجاوز.
قلت :وقبد حمبل بعبض العلماء قوله تعالى" :بعضكبم لبعبض عدو" [البقرة ]36 :على النسبان
نفسبه ،وفيبه بعبد وإن كان صبحيحا معنبى .يدل عليبه قوله عليبه السبلم( :إن العببد إذا أصببح تقول
جوارحه للسانه اتق ال فينا فإنك إذا استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا) .فإن قيل :كيف قال
"عدو" ولم يقل أعداء ،ففيه جوابان أحدهما :أن بعضا وكل يخبر عنهما بالواحد على اللفظ وعلى
المعنى ،وذلك في القرآن ،قال ال تعالى" :وكلهم آتيه يوم القيامة فردا" [مريم ]95 :على اللفظ،
وقال تعالى" :وكل أتوه داخرين" [النمل ]87 :على المعنى .والجواب الخر :أن عدوا يفرد في
موضببع الجمببع ،قال ال عببز وجببل" :وهببم لكببم عدو بئس للظالميببن بدل" [الكهببف ]50 :بمعنببى
أعداء ،وقال تعالى" :يحسببون كبل صبيحة عليهبم هبم العدو" [المنافقون .]4 :وقال اببن فارس:
العدو اسم جامع للواحد والثنين والثلثة والتأنيث ،وقد يجمع.
@لم يكبن إخراج ال تعالى آدم مبن الجنبة وإهباطبه منهبا عقوببة له لنبه أهبطبه بعبد أن تاب عليبه
وقبل توبته وإنما أهبطه إما تأديبا وإما تغليظا للمحنة والصحيح في إهباطه وسكناه في الرض ما
قبد ظهبر مبن الحكمبة الزليبة فبي ذلك وهبي نشبر نسبله فيهبا ليكلفهبم ويمتحنهبم ويرتبب على ذلك
ثوابهبم وعقابهبم الخروي إذ الجنبة والنار ليسبتا بدار تكليبف فكانبت تلك الكلة سببب إهباطبه مبن
الجنبة ول أن يفعبل مبا يشاء وقبد قال "إنبي جاعبل فبي الرض خليفبة" وهذه منقببة عظيمبة وفضيلة
كريمة شريفة وقد تقدمت الشارة إليها مع أنه خلق من الرض وإنما قلنا إنما أهبطه بعد أن تاب
عليه لقول ثانية "قلنا أهبطوا" وسيأتي.
@قوله تعالى" :ولكم في الرض مستقر" ابتداء وخبر ،أي موضع استقرار .قاله أبو العالية وابن
زيببد .وقال السببدي" :مسببتقر" يعنببي القبور .قلت :وقول ال تعالى" :جعببل لكببم الرض قرارا"
[النمبل ]61 :يحتمبل المعنييبن .وال أعلم .قوله تعالى" :ومتاع "المتاع مبا يسبتمتع ببه مبن أكبل
ولبس وحياة وحديث وأنس وغير ذلك ،ومنه سميت متعة النكاح لنها يتمتع بها وأنشد سليمان بن
عبدالملك حين وقف على قبر ابنه أيوب إثر دفنه:
متاع قليل من حبيب مفارق وقفت على قبر غريب بقفرة
@قوله تعالى" :إلى حين "اختلف المتأولون في الحين على أقوال ،فقالت فرقة إلى الموت وهذا
قول من يقول المستقر هو المقام في الدنيا وقيل إلى قيام الساعة ،وهذا قول من يقول المستقر هو
القبور وقال الربيببع "إلى حيببن" إلى أجببل والحيببن الوقببت البعيببد فحينئذ تبعيببد مببن قولك الن قال
خويلد :
حين الشتاء كحوض المنهل اللقف كأبي الرماد عظيم القدر جفنته
لقف الحوض لقفا ،أي تهور من أسفله واتسع .وربما أدخلوا عليه التاء قال أبو وجزة:
والمطعمون زمان أين المطعم العاطفون تحين ما من عاطف
والحيبن أيضبا :المدة ومنبه قوله تعالى" :هبل أتبى على النسبان حيبن مبن الدهبر" [النسبان]1 :
والحيبن السباعة قال ال تعالى "أو تقول حيبن ترى العذاب" [الزمبر ]58 :قال اببن عرفبة الحيبن
القطعة من الدهر كالساعة فما فوقها وقوله "فذرهم في غمرتهم حتى حين" [المؤمنون ]54 :أي
حتبى تفنبى آجالهبم وقوله تعالى "تؤتبي أكلهبا كبل حيبن" [إبراهيبم ]25 :أي كبل سبنة وقيبل ببل كبل
سبتة أشهبر وقيبل ببل غدوة وعشيبا قال الزهري الحيبن اسبم كالوقبت يصبلح لجميبع الزمان كلهبا
طالت أو قصبرت .والمعنبى أنبه ينتفبع بهبا فبي كبل وقبت ول ينقطبع نفعهبا البتبة قال والحيبن يوم
القيامة .والحين الغدوة والعشية قال ال تعالى "فسبحان ال حين تمسون وحين تصبحون" [الروم:
]17ويقال عاملته محاينة من الحين وأحينت بالمكان إذا أقمت به حينا وحان حين كذا أي قرب.
قالت بثينة:
الدهر ما حانت ول حان حينها وإن سُلُوّي عن جميل لساعة من
@لما اختلف أهل اللسان في الحين اختلف فيه أيضا علماؤنا وغيرهم في فقال الفراء الحين حينان
حيببن ل يوقببف على حده والحيببن الذي ذكببر ال جببل ثناؤه "تؤتببي أكلهببا كببل حيببن بإذن ربهببا"
[إبراهيم ]25 :ستة أشهر :قال ابن العربي الحين المجهول ل يتعلق به حكم والحين المعلوم هو
الذي تتعلق ببه الحكام ويرتببط ببه التكليبف وأكثبر المعلوم سبنة .ومالك يرى فبي الحكام واليمان
أعبم السبماء والزمنبة والشافعبي يرى القبل وأببو حنيفبة توسبط فقال سبتة أشهبر .ول معنبى لقوله
لن المقدرات عنده ل تثبت قياسا وليس فيه نص عن صاحب الشريعة وإنما المعول على المعنى
بعبد معرفبة مقتضبى اللفبظ لغبة فمبن نذر أن يصبلي حينبا فيحمبل على ركعبة عنبد الشافعبي لنبه أقبل
النافلة قياسبا على ركعبة الوتبر .وقال مالك وأصبحابه أقبل النافلة ركعتان فيقدر الزمان بقدر الفعبل
وذكر ابن خويز منداد في أحكامه أن من حلف أل يكلم فلنا حينا أول يفعل كذا حينا أن الحين سنة
قال واتفقوا فبي الحكام أن مبن حلف أل يفعبل كذا حينبا أول يكلم فلنبا حينبا أن الزيادة على سبنة لم
تدخل في يمينه.
قلت هذا التفاق إنمبا هبو فبي المذهبب .قال مالك رحمبه ال :مبن حلف أل يفعبل شيئا إلى حيبن أو
زمان أو دهبر ،فذلك كله سبنة .وقال عنبه اببن وهبب :إنبه شبك فبي الدهبر أن يكون سبنة .وحكبى اببن
المنذر عبن يعقوب واببن الحسبن أن الدهبر سبتة أشهبر .وعن اببن عباس وأصبحاب الرأي وعكرمبة
وسعيد بن جبير وعامر الشعبي وعبيدة في قوله تعالى "تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها" [إبراهيم:
]25أنبه سبتة أشهبر وقال الوزاعبي وأببو عببيدالحين سبتة أشهبر وليبس عنبد الشافعبي فبي الحيبن
وقت معلوم ول للحين غاية قد يكون الحين عنده مدة الدنيا وقال ل نحنثه أبدا ،والورع أن يقضيه
قببل انقضاء يوم وقال أببو ثور وغيره الحيبن والزمان على مبا تحتمله اللغبة يقال قبد جئت مبن حيبن
ولعله لم يجببئ مببن نصببف يوم قال الكيببا الطبببري الشافعببي وبالجملة الحيببن له مصببارف ولم يببر
الشافعبي تعييبن محمبل مبن هذه المحامبل لنبه مجمبل لم يوضبع فبي اللغبة لمعنبى معيبن وقال بعبض
العلماء في قوله تعالى "إلى حين" قائدة بشارة إلى آدم عليه السلم ليعلم أنه غير باق فيها ومنتقل
إلى الجنة التي وعد بالرجوع إليها وهي لغير آدم دالة على المعاد فحسب وال أعلم.
**3الية{ 37 :فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم}
@قوله تعالى "فتلقى آدم من ربه كلمات" تلقى قيل معناه فهم وفطن .وقيل :قبل وأخذ وكان عليه
السبلم يتلقبى الوحبي أي يسبتقبله ويأخذه ويتلقفبه .تقول خرجنبا نتلقبى الحجيبج أي نسبتقبلهم .وقيبل
معنبى تلقى تلقن هذا في المعنى صحيح ولكن ل يجوز أن يكون التلقي من التلقن فبي الصل لن
أحبد الحرفيبن إنمبا يقلب ياء إذا تجانسبا ،مثبل تظنوا مبن تظنبن وتقصبى مبن تقصبص ومثله تسبريت
مبن تسبررت ،وأمليبت من أمللت وشببه ذلك ولهذا ل يقال :تقببل مبن تقببل ول تلقبى مبن تلقن فاعلم.
وحكى مكي أنه ألهمها فانتفع بها .وقال الحسن قبولها تعلمه لها وعمله بها
@ واختلف أهبل التأويبل فبي الكلمات ،فقال اببن عباس والحسبن وسبعيد ببن جببير والضحاك
ومجاهد هي قوله "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" [العراف:
]23وعبن مجاهبد أيضبا :سببحانك اللهبم ل إله إل أنبت رببي ظلمبت نفسبي فاغفبر لي إنبك أنبت
الغفور الرحيم :وقالت طائفة رأى مكتوبا على ساق العرش "محمد رسول ال" فتشفع بذلك ،فهي
الكلمات .وقالت طائفببة :المراد بالكلمات البكاء والحياء والدعاء وقيببل :الندم والسببتغفار والحزن.
قال اببن عطيبة :وهذا يقتضبي أن آدم عليبه السبلم لم يقبل شيئا إل السبتغفار المعهود .وسبئل بعبض
السلف عما ينبغي أن يقول المذنب فقال يقول ما قاله أبواه "ربنا ظلمنا أنفسنا" الية وقال موسى
"رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي" [القصص ]16 :وقال يونس "ل إله إل أنت سبحانك إني كنت
مبن الظالميبن" [النببياء ]87 :وعبن اببن عباس ووهبب ببن منببه :أن الكلمات "سببحانك اللهبم
وبحمدك ل إله إل أنبت عملت سبوءا وظلمبت نفسبي اغفبر لي إنبك خيبر الغافريبن سببحانك اللهبم
وبحمدك ل إله إل أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم" وقال محمد
ببن كعبب هبي قوله" :ل إله إل أنبت سببحانك وبحمدك عملت سبوءا وظلمبت نفسبي فتبب علي إنبك
أنبت التواب الرحيبم .ل إله إل أنبت سببحانك وبحمدك عملت سبوءا وظلمبت نفسبي فارحمنبي إنبك
أنبت الغفور الرحيبم .ل إله إل أنبت سببحانك وبحمدك عملت سبوءا وظلمبت نفسبي فارحمنبي إنبك
أرحبم الراحميبن" وقيبل :الكلمات قوله حيبن عطبس "الحمبد ل" والكلمات :جمبع كلمبة والكلمبة تقبع
على القليل والكثير وقد تقدم:
@قوله تعالى" :فتاب عليه" أي قبل توبته ،أو وفقه للتوبة .وكان ذلك في يوم عاشوراء في يوم
جمعبة على مبا يأتبي بيانبه إن شاء ال تعالى .وتاب العببد :رجبع إلى طاعبة رببه وعببد تواب :كثيبر
الرجوع إلى الطاعة وأصل التوبة الرجوع يقال :تاب وثاب وأب وأناب :رجع.
@ إن قيل :لم قال "عليه" لم يقل عليهما وحواء مشاركة له في الذنب بإجماع وقد قال "ول تقربا
هذه الشجرة" [البقرة ]35 :و"قال ربنبا ظلمنبا أنفسبنا" [العراف ]23 :فالجواب :أن آدم عليبه
السلم لما خاطب في أول القصة بقوله "اسكن" خصه بالذكر في التلقي فلذلك كملت القصة بذكره
وحده وأيضبا فلن المرأة حرمبة ومسبتورة فأراد ال السبتر لهبا ولذلك لم يذكرهبا فبي المعصبية فبي
قوله "وعصى آدم ربه فغوى" [طه ]121 :وأيضا لما كانت المرأة تابعة للرجل في غالب المر
لم تذكبر كمبا لم يذكبر فتبى موسبى مبع موسبى فبي قوله "ألم أقبل لك" [الكهبف ]75 :وقيبل :إنبه دل
بذكبر التوببة عليبه أنبه تاب عليهبا إذ أمرهمبا سبواء ،قاله الحسبن .وقيبل :إنبه مثبل قوله تعالى "وإذا
رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليهبا" [الجمعبة ]11 :أي التجارة لنهبا كانبت مقصبود القوم فأعاد
الضمير عليها ولم يقل إليهما والمعنى متقارب .وقال الشاعر:
بريئا ومن فوق الطوي رماني رماني بأمر كنت منه ووالدي
وفي التنزيل "وال ورسوله أحق أن يرضوه" [التوبة ]62 :فحذف إيجازا واختصارا
@قوله تعالى" :إنبه هبو التواب الرحيبم" وصبف نفسبه سببحانه وتعالى بأنبه التواب وتكرر فبي
القرآن معرفبا ومنكرا واسبما وفعل ،وقبد يطلق على العببد أيضبا تواب قال ال تعالى "إن ال يحبب
التوابيبن ويحبب المتطهريبن" [البقرة .]222 :قال اببن العرببي :ولعلمائنبا فبي وصبف الرب بأنبه
تواب ثلثة أقوال أحدها :أنه يجوز في حق الرب سبحانه وتعالى فيدعى به كما في الكتاب والسنة
ول يتأول وقال آخرون :هبو وصبف حقيقبي ل سببحانه وتعالى وتوببة ال على العببد رجوعبه مبن
حال المعصبية إلى حال الطاعبة وقال آخرون :توببة ال على العبببد قبوله توبتبه ،وذلك يحتمبل أن
يرجع إلى قوله سبحانه وتعالى قبلت توبتك وأن يرجع إلى خلقه النابة والرجوع في قلب المسيء
وإجراء الطاعات على جوارحه الظاهرة.
@ ل يجوز أن يقال فبي حبق ال تعالى :تائب اسبم فاعبل مبن تاب يتوب لنبا أن نطلق عليبه مبن
السبماء والصبفات إل مبا أطلقبه هو على نفسبه أو نببيه عليبه السبلم أو جماعبة المسبلمين ،وإن كان
في اللغة محتمل جائزا .هذا هو الصحيح في هذا الباب على ما بيناه في (الكتاب السنى في شرح
أسببماء ال الحسببنى) قال ال تعالى "لقببد تاب ال على النبببي والمهاجريببن والنصببار" [التوبببة:
]117وقال" :وهو الذي يقبل التوبة عن عباده" [التوبة ]104 :وإنما قيل ل عز وجل تواب،
لمبالغة الفعل وكثرة قبوله توبة عباده لكثرة من يتوب إليه.
@ اعلم أنه ليس لحد قدرة على خلق التوبة ،لن ال سبحانه وتعالى هو المنفرد بخلق العمال،
خلفا للمعتزلة ومن قال بقولهم .وكذلك ليس لحد أن يقبل توبة من أسرف على نفسه ول أن يعفو
عنبه قال علماؤنبا :وقبد كفرت اليهود والنصبارى بهذا الصبل العظيبم فبي الديبن "اتخذوا أحبارهبم
ورهبانهبم أرباببا مبن دون ال" [التوببة ]31 :جبل وعبز ،وجعلوا لمبن أذنبب أن يأتبي الحببر أو
الراهبب فيعطيبه شيئا ويحبط عنبه ذنوببه "افتراء على ال قبد ضلوا ومبا كانوا مهتديبن" [النعام:
]140
@ قرأ ابن كثير "فتلقى آدم من ربه كلمات" والباقون برفع "آدم" ونصب "كلمات" والقراءتان
ترجعان إلى معنبى ،لن آدم إذا تلقبي الكلمات فقبد تلقتبه .وقيبل لمبا كانبت الكلمات هبي المنقذة لدم
بتوفيببق ال تعالى له لقبوله إياهبا ودعائه بهبا كانبت الكلمات فاعله وكأن الصبل على هذه القراءة
"فتلقت آدم من ربه كلمات" ولكن لما بعد ما بين المؤنث وفعله حسن حذف علمة التأنيث .وهذا
أصل يجري في كل القرآن والكلم إذ ا جاء فعل المؤنث بغير علمة ومنه قولهم :حضر القاضي
اليوم امرأة .وقيل :إن الكلمات لما لم يكن تأنيثه حقيقيا حمل على معنى الكلم فذكر .وقرأ العمش
"آدم مبن رببه" مدغمبا .وقرأ أببو نوفبل ببن أببي عقرب "أنبه" بفتبح الهمزة على معنبى لنبه وكسبر
الباقون على السبتئناف .وأدغبم الهاء فبي الهاء عمرو وعيسبى وطلحبة فيمبا حكبى أببو حاتبم عنهبم
وقيببل ل يجوز لن بينهمببا واوا فببي اللفببظ ل فببي الخببط .قال النحاس أجاز سببيبويه أن تحذف هذه
الواو وأنشد:
إذا طلب الوسيقة أو زمير له زجل كأنه صوت حاد
فعلى هذا يجوز الدغام وهبو رفببع بالبتداء "التواب" خبببره والجملة خبببر "إن" ويجوز أن يكون
"هو" توكيدا للهاء ويجوز أن تكون فاصلة ،على ما تقدم.
وقال سبعيد ببن جببير لمبا أهببط آدم إلى الرض لم يكبن فيهبا شيبء غيبر النسبر فبي البر والحوت
فبي البحبر فكان النسبر يأوي إلى الحوت فيببيت عنده فلمبا رأى النسبر آدم قال :يبا حوت لقبد أهببط
اليوم إلى الرض شيء يمشى على رجليه ويبطش بيديه فقال الحوت :لئن كنت صادقا لي منه في
البحر منجى ول لك في البر منه مخلص.
* *3الية{ 38 :قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فل خوف عليهم
ول هم يحزنون}
@قوله تعالى" :قلنا اهبطوا" كرر المر على جهة التغليظ وتأكيده ،كما تقول لرجل :قم قم .وقيل:
كرر المبر لمبا علق بكبل أمبر منهمبا حكمبا غيبر حكبم الخبر فعلق بالول العداوة وبالثانبي إتيان
الهدى .وقيل :الهبوط الول من الجنة إلى السماء والثاني من السماء إلى الرض وعلى هذا يكون
فيه دليل على أن الجنة في السماء السابعة كما دل عليه حديث السراء على ما يأتي
@"جميعبا" نصبب على الحال وقال وهبب ببن منببه :لمبا هببط آدم عليبه السبلم إلى الرض قال
إبليببس للسببباع إن هذا عدو لكببم فأهلكوه فاجتمعوا وولوا أمرهببم إلى الكلب وقالوا أنببت أشجعنببا
وجعلوه رئيسبا فلمبا رأى ذلك آدم عليبه السبلم تحيبر فبي ذلك فجاءه جبريبل عليبه السبلم وقال له
امسح يدك على رأس الكلب ففعل فلما رأت السباع أن الكلب ألف آدم تفرقوا واستأمنه الكلب فأمنه
آدم فبقببى معببه ومببع أولده وقال الترمذي الحكيببم نحببو هذا وأن آدم عليببه السببلم لمببا أهبببط إلى
الرض جاء إبليببس إلى السببباع فأشلهببم على آدم ليؤذوه وكان أشدهببم عليببه الكلب فأميببت فؤاده
فروي في الخبر أن جبريل عليه السلم أمره أن يضع يده على رأسه فوضعها فاطمأن إليه وألفه
فصبار ممبن يحرسبه ويحرس ولده ويألفهبم وبموت فؤاده يفزع مبن الدمييبن فلو رمبي بمدر ولى
هاربا ثم يعود آلفا لهم ففيه شعبة من إبليس وفيه شعبة من مسحة آدم عليه السلم فهو بشعبة إبليس
ينببح ويهبر ويعدو على الدمبي وبمسبحة آدم مات فؤاده حتبى ذل وانقاد وألف ببه وبولده يحرسبهم
ولهثه على كل أحواله من موت فؤاده ولذلك شبه ال سبحانه وتعالى العلماء السوء بالكلب على ما
يأتبي بيانبه فبي "العراف" إن شاء ال تعالى ونزلت عليبه تلك العصبا التبي جعلهبا ال آيبة لموسبى
فكان يطرد بها السباع عن نفسه
@قوله تعالى" :فإما يأتينكم مني هدى" اختلف في معنى قوله "هدى" فقيل :كتاب ال قاله السدي
وقيل التوفيق للهداية ،وقالت فرقة :الهدى الرسل ،وهي إلى آدم من الملئكة وإلى بنيه من البشر
كمبا جاء فبي حديبث أببي ذر وخرجبه الجري وفبي قوله "منبي" إشارة إلى أن أفعال العباد خلق ل
تعالى خلفببا للقدريببة وغيرهببم كمببا تقدم .وقرأ الجحدري "هديبّ" وهببو لغببة هذيببل يقولون :هدي
وعصي ومحيي وأنشد النحويون لبي ذؤيب يرثي بنيه
سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم فتخرموا ولكل جنب مصرع
قال النحاس :وعلة هذه اللغبة عنبد الخليبل وسبيبويه أن سببيل ياء الضافبة أن يكسبر مبا قبلهبا فلمبا لم
يجببز أن تتحرك اللف أبدلت ياء وأدغمببت و"مببا" فببي قوله "إمببا" زائدة على "إن" التببي للشرط
وجواب الشرط الفاء مببع الشرط الثانببي فببي قوله "فمببن تبببع" و"مببن" فببي موضببع رفببع بالبتداء
و"تبع" في موضع جزم بالشرط "فل خوف" جوابه قال سيبويه الشرط الثاني وجوابه هما جواب
الول وقال الكسائي "فل خوف عليهم" جواب الشرطين جميعا
@قوله تعالى" :فل خوف عليهم ول هم يحزنون" الخوف هو الذعر ول يكون إل في المستقبل
وخاوفني فلن فخفته أي كنت أشد خوفا منه والتخوف التنقص ومنه قوله تعالى "أو يأخذهم على
تخوف" [النحبل ]47 :وقرأ الزهري والحسبن وعيسبى ببن عمبر واببن أببي إسبحاق ويعقوب "فل
خوف" بفتبح الفاء على التببرئة والختيار عنبد النحوييبن الرفبع والتنويبن على البتداء لن الثانبي
معرفبة ل يكون فيبه إل الرفبع لن "ل" ل تعمبل فبي معرفبة فاختاروا فبي الول الرفبع أيضبا ليكون
الكلم من وجه واحد ويجوز أن تكون "ل" في قولك فل خوف بمعنى ليس.
والحُزن والحَزَن ضببد السببرور ول يكون إل على ماض ،وحزن الرجببل (بالكسببر) فهببو حزن
وحزين وأحزنه غيره وحزنه أيضا مثل أسلكه وسلكه ومحزون بني عليه .قال اليزيدي حزنه لغة
قريبش وأحزنبه لغبة تميبم وقبد قرئ بهمبا .واحتزن وتحزن بمعنىً ،والمعنبى فبي اليبة فل خوف
عليهبم فيمبا بيبن أيديهبم مبن الخرة ول هبم يحزنون على مبا فاتهبم مبن الدنيبا .وقيبل :ليبس فيبه دليبل
على نفي أهوال يوم القيامة وخوفها على المطيعين لما وصفه ال تعالى ورسوله من شدائد القيامة
إل أنه يخففه عن المطيعين وإذا صاروا إلى رحمته فكأنهم لم يخافوا وال أعلم.
* *3الية{ 39 :والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}
@قوله تعالى" :والذيببن كفروا" أي أشركوا ،لقوله" :وكذبوا بآياتنببا أولئك أصببحاب النار"
الصببحبة :القتران بالشيببء فببي حالة مببا فببي زمان مببا فإن كانببت الملزمببة والخلطببة فهببي كمال
الصحبة وهكذا هي صحبة أهل النار لها .وبهذا القول ينفك الخلف في تسمية الصحابة رضي ال
عنهببم إذ مراتبهببم متباينببة على مببا نبببينه فببي "براءة" إن شاء ال .وباقببي ألفاظ اليببة تقدم معناهببا
والحمد ل.
* *3الية{ 40 :يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم
وإياي فارهبون}
@قوله تعالى" :يببا بنببي إسببرائيل" نداء مضاف علمببة النصببب فيببه الياء وحذفببت منبه النون
للضافبة .الواحبد اببن والصبل فيبه بنبي وقيبل بنبو فمبن قال المحذوف منبه واو احتبج بقولهبم البنوة
وهذا ل حجبة فيبه لنهبم قبد قالوا الفتوة وأصبله الياء .وقال الزجاج :المحذوف منبه عندي ياء كأنبه
من بنيت .الخفش اختار أن يكون المحذوف منه الواو لن حذفها أكثر لثقلها ويقال ابن بين البنوة
والتصغير بني .قال الفراء يقال يا بنيّ ويا بنيّ لغتان ،مثل يا أبت ويا أبت وقرئ بهما وهو مشتق
مبن البناء وهبو وضبع الشيبء على الشيبء والببن فرع للب وهبو موضوع عليبه .وإسبرائيل هبو
يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلم قال أبو الفرج الجوزي وليس في النبياء من له اسمان
غيره إل نبينا محمد صلى ال عليه وسلم فإن له أسماء كثيرة ذكره في كتاب "فهوم الثار" له
قلت :وقبد قيبل فبي المسبيح أنبه اسبم علم لعيسبى عليبه السبلم غيبر مشتبق وقبد سبماه ال روحبا
وكلمة ،وكانوا يسمونه أبيل البيلين ،ذكره الجوهري في الصحاح .وذكر البيهقي في دلئل النبوة
عبن الخليبل ببن أحمبد :خمسبة مبن النببياء ذوو اسبمين محمبد وأحمبد نبينبا صبلى ال عليبه وسبلم
وعيسى والمسيح وإسرائيل ويعقوب ويونس وذو النون وإلياس وذو الكفل صلى ال عليهم وسلم.
قلت :ذكرنبا أن لعيسبى أربعبة أسبماء وأمبا نبينبا صبلى ال عليبه وسبلم فله أسبماء كثيرة بيانهبا فبي
مواضعها .وإسرائيل :اسم أعجمي ولذلك لم ينصرف وهو في موضع خفض بالضافة وفيه سبع
لغات إسرائيل وهي لغة القرآن وإسرائيل بمدة مهموزة مختلسة حكاها شنبوذ عن ورش وإسراييل
بمدة بعبد الياء من غير همبز وهبي قراءة العمش وعيسى بن عمر ،وقرأ الحسن والزهري بغيبر
همز ول مد وإسرائِل بغير ياء بهمزة مكسورة ،وإسراءَل بهمزة مفتوحة ،وتميم يقولون إسرائين
بالنون .ومعنى إسرائيل عبدال قال ابن عباس :إسرا بالعبرانية هو عبد وإيل هو ال ،وقيل إسرا
هبو صبفوة ال وإيبل هبو ال وقيبل إسبرا مبن الشبد فكأن إسبرائيل الذي شده ال وأتقبن خلقبه ،ذكره
المهدوي .وقال السبهيلي :سبمي إسبرائيل لنبه أسببرى ذات ليلة حيبن هاجبر إلى ال تعالى فسبمي
إسبرائيل أي أسبرى إلى ال ،ونحبو هذا فيكون بعبض السبم عبرانيبا وبعضبه موافقبا للعرب وال
أعلم.
@قوله تعالى" :اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم" الذكر اسم مشترك ،فالذكر بالقلب ضد النسيان
والذكبر باللسبان ضبد النصبات وذكرت الشيبء بلسباني وقلببي ذكرا واجعله منبك على ذكبر (بضبم
الذال) أي ل تنسه .قال الكسائي :ما كان بالضمير فهو مضموم الذال وما كان باللسان فهو مكسور
الذال .وقال غيره همبا لغتان يقال ذِكبر وذُكبر ،ومعناهما واحبد والذكبر (بفتح الذال) خلف النثبى،
والذكببر أيضببا الشرف ومنببه قوله "وإنببه لذكببر لك ولقومببك" [الزخرف ]44قال ابببن النباري
والمعنبى فبي اليبة :اذكروا شكبر نعمتبي فحذف الشكبر اكتفاء بذكبر النعمبة .وقيبل إنبه أراد الذكبر
بالقلب وهو المطلوب أي ل تغفلوا عن نعمتي التي أنعمت عليكم ول تناسوها وهو حسن .والنعمة
هنا اسم جنس فهي مفردة بمعنى الجمع قال ال تعالى "وإن تعدوا نعمة ال ل تحصوها" [إبراهيم:
]34أي نعمه ومن نعمه عليهم أن أنجاهم من آل فرعون وجعل منهم أنبياء وأنزل عليهم الكتب
والمبن والسبلوى وفجبر لهبم فبي الحجبر الماء إلى مبا اسبتودعهم مبن التوراة التبي فيهبا صبفة محمبد
صبلى ال عليبه وسبلم ونعتبه ورسبالته والنعبم على الباء نعبم على البناء لنهبم يشرفون بشرف
آبائهم.
تنبيه :قال أرباب المعاني ربط سبحانه وتعالى بني إسرائيل بذكر النعمة وأسقطه عن أمة محمد
صبلى ال عليبه وسبلم ودعاهبم إلى ذكره فقال "اذكرونبي أذكركبم" [البقرة ]152 :ليكون نظبر
المم من النعمة إلى المنعم ونظر أمة محمد صلى ال عليه وسلم من المنعم إلى النعمة.
@قوله تعالى" :وأوفوا بعهدي أوف بعهدكبم" أمبر وجواببه .وقرأ الزهري "أوَفّ" (بفتبح الواو
وشد الفاء) للتكثير .واختلف في هذا العهد ما هو فقال الحسن :عهده قوله" :خذوا ما آتيناكم بقوة"
[البقرة ]63 :وقوله "ولقبد أخبذ ال ميثاق بنبي إسبرائيل وبعثنبا منهبم اثنبي عشبر نقيببا" [المائدة:
]12وقيبل هبو قوله "وإذ أخبذ ال ميثاق الذيبن أوتوا الكتاب لتببيننه للناس ول تكتمونبه" [آل
عمران ]187 :وقال الزجاج "أوفوا بعهدي" الذي عهدت إليكم في التوراة من اتباع محمد صلى
ال عليبه وسبلم "أوف بعهدكبم" بمبا ضمنبت لكبم على ذلك إن أوفيتبم ببه فلكبم الجنبة وقيبل "أوفوا
بعهدي" فبي أداء الفرائض على السبنة والخلص "أوف" بقبولهبا منكبم ومجازاتكبم [فبي النسبخة:
مجاراتكببم] عليهببا .وقال بعضهببم "أوفوا بعهدي" فببي العبادات "أوف بعهدكببم" أي أوصببلكم إلى
منازل الرعايات .وقيبل "أوفوا بعهدي" فبي حفبظ آداب الظواهبر "أوف بعهدكبم" بتزييبن سبرائركم
وقيل هو عام في جميع أوامره ونواهيه ووصاياه فيدخل في ذلك ذكر محمد صلى ال عليه وسلم
الذي فبي التوراة وغيره .هذا قول الجمهور مبن العلماء وهبو الصبحيح .وعهده سببحانه وتعالى هبو
أن يدخلهم الجنة.
قلت :ومببا طلب مببن هؤلء مببن الوفاء بالعهببد هببو مطلوب منببا قال ال تعالى "أوفوا بالعقود"
[المائدة" ]1 :أوفوا بعهد ال" [النحل ،]91 :وهو كثير ووفاؤهم بعهد ال أمارة لوفاء ال تعالى
لهم ل علة له بل ذلك تفضل منه عليهم
@قوله تعالى" :وإياي فارهبون" أي خافون والرهبب والرهبب والرهببة الخوف ويتضمبن المبر
به معنى التهديد وسقطت الياء بعد النون لنها رأس آية .وقرأ ابن أبي إسحاق "فارهبوني" بالياء
وكذا "فاتقونببي" على الصببل "وإياي" منصببوب بإضمار فعببل وكذا الختيار فببي المببر والنهببي
والستفهام ،التقدير :وإياي ارهبوا فارهبون .ويجوز في الكلم وأنا فارهبون على البتداء والخبر
وكون "فارهبون" الخبر على تقدير الحذف ،المعنى وأنا ربكم فارهبون.
* *3الية{ 41 :وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ول تكونوا أول كافر به ول تشتروا بآياتي
ثمنا قليل وإياي فاتقون}
@قوله تعالى" :وآمنوا بمبا أنزلت" أي صبدقوا ،يعنبي بالقرآن" .مصبدقا" حال مبن الضميبر فبي
"أنزلت" ،التقديبر بمبا أنزلتبه مصبدقا ،والعامبل فيبه أنزلت .ويجوز أن يكون حال مبن مبا والعامبل
فيببه آمنوا التقديببر آمنوا بالقران مصببدقا .ويجوز أن تكون مصببدرية التقديببر آمنوا بإنزال" .لمببا
معكم" يعني من التوراة.
@قوله تعالى" :ول تكونوا أول كافبر ببه" الضميبر فبي "ببه" قيبل هبو عائد على محمبد صبلى ال
عليه وسلم ،قاله أبو العالية .وقال ابن جريج :هو عائد على القرآن ،إذ تضمنه قوله "بما أنزلت".
وقيبل :على التوراة ،إذ تضمنهبا قوله" :لمبا معكبم" فإن قيبل كيبف قال "كافبر" ولم يقبل كافريبن قيبل
التقديبر ول تكونوا أول فريبق كافبر ببه وزعبم الخفبش والفراء أنبه محمول على معنبى الفعبل لن
المعنبى أول مبن كفبر ببه .وحكبى سبيبويه هبو أظرف الفتيان وأجمله وكان ظاهبر الكلم هبو أظرف
فتى وأجمله وقال "أول كافر به" وقد كان قد كفر قبلهم كفار قريش فإنما معناه من أهل الكتاب إذ
هبم منظور إليهبم فبي مثبل هذا لنهبم حجبة مظنون بهبم علم .و"أول" عنبد سبيبويه نصبب على خببر
كان وهو مما لم ينطق منه بفعل وهو على أفعل عينه وفاؤه واو وإنما لم ينطق منه بفعل لئل يعتل
من جهتين العين والفاء ،وهذا مذهب البصريين .وقال الكوفيون :هو من وأل إذا نجا فأصله أوأل
ثم خففت الهمزة وأبدلت واوا وأدغمت فقيل أول كما تخفف همزة خطيئة ،قال الجوهري :والجمع
الوائل والوالي أيضببا على القلب وقال قوم أصببله وولّ على فوعببل فقلبببت الواو الولى همزة
وإنمبا لم يجمبع على أواول لسبتثقالهم اجتماع الواويبن بينهمبا ألف الجمبع وقيبل هبو أفعبل مبن آل
يؤول فأصله أأول قلب فجاء أعفل مقلوبا من أفعل فسهل وأبدل وأدغم.
مسبألة :ل حجبة فبي هذه اليبة لمبن يمنبع القول بدليبل الخطاب ،وهبم الكوفيون ومبن وافقهبم ،لن
المقصود من الكلم النهي عن الكفر أول وآخرا ،وخص الول بالذكر لن التقدم فيه أغلظ ،فكان
حكم المذكور والمسكوت عنه واحدا ،وهذا واضح.
@قوله تعالى" :ول تشتروا" معطوف على قوله "ول تكونوا" نهاهم عن أن يكونوا أول من كفر
وأل يأخذوا على آيات ال ثمنببا أي على تغييببر صببفة محمببد صببلى ال عليببه وسببلم رشببى .وكان
الحبار يفعلون ذلك فنهوا عنه قال قوم من أهل التأويل منهم الحسن وغيره .وقيل كانت لهم مأكل
يأكلونها على العلم كالراتب فنهوا عن ذلك وقيل إن الحبار كانوا يعلمون دينهم بالجرة فنهوا عن
ذلك وفي كتبهم يا ابن آدم علم مجانا كما علمت مجانا أي باطل بغير أجرة ،قاله أبو العالية وقيل
المعنى ول تشتروا بأوامري ونواهي وآياتي ثمنا قليل يعني الدنيا ومدتها والثمن الذي هو نزر ل
خطر له ،فسمي ما اعتاضوه عن ذلك ثمنا لنهم جعلوه عوضا فانطلق عليه اسم الثمن وإن لم يكن
ثمنا وقد تقدم هذا المعنى وقال الشاعر:
إن كنت حاولت ذنبا أو ظفرت به فما أصبت بترك الحج من ثمن
قلت :وهذه اليبة وإن كانبت خاصبة ببنبي إسبرائيل فهبي تتناول مبن فعبل فعلهبم فمبن أخبذ رشوة
على تغييبر حبق أو إبطاله أو امتنبع مبن تعليبم مبا وجبب عليبه أو أداء مبا علمبه وقبد تعيبن عليبه حتبى
يأخبذ عليبه أجرا فقبد دخبل فبي مقتضبى اليبة وال أعلم وقبد روى أببو داود عبن أببي هريرة قال قال
رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم (مبن تعلم علمبا ممبا يبتغبى ببه وجبه ال عبز وجبل ل يتعلمبه إل
ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة) يعني ريحها
@وقبد اختلف العلماء فبي أخبذ الجرة على تعليبم القرآن والعلم -لهذه اليبة ومبا كان فبي معناهبا
فمنببع ذلك الزهري وأصببحاب الرأي وقالوا ل يجوز أخببذ الجرة على تعليببم القرآن لن تعليمببه
واجبب مبن الواجبات التبي يحتاج فيهبا إلى نيبة التقرب والخلص فل يؤخبذ عليهبا أجرة كالصبلة
والصيام وقد قال تعالى "ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل" .وروى ابن عباس أن النبي صلى ال عليه
وسلم قال (معلمو صبيانكم شراركم أقلهم رحمة باليتيم وأغلظهم على المسكين .روى أبو هريرة
قال قلت يبا رسبول ال مبا تقول فبي المعلميبن قال (درهمهبم حرام وثوبهبم سبحت وكلمهبم رياء)
وروى عبادة بن الصامت قال :علمت ناسا من أهل الصفة القرآن والكتابة ،فأهدى إلي رجل منهم
قوسبا فقلت ليسبت بمال وأرمبي عنهبا فبي سببيل ال فسبألت عنهبا رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم
فقال( :إن سبرك أن تطوق بهبا طوقبا مبن نار فاقبلهبا) .وأجاز أخبذ الجرة على تعليبم القرآن مالك
والشافعبي وأحمبد وأببو ثور وأكثبر العلماء لقوله عليبه السبلم حديبث اببن عباس حديبث الرقيبة (إن
أحبق مبا أخذتبم عليبه أجرا كتاب ال) أخرجبه البخاري وهبو نبص يرفبع الخلف فينبغبي أن يعول
عليه.
وأمبا مبا احتبج ببه المخالف مبن القياس على الصبلة والصبيام فاسبد لنبه فبي مقابلة النبص ثبم إن
بينهمبا فرقانبا وهو أن الصبلة والصبوم عبادات مختصبة بالفاعبل وتعليبم القرآن عبادة متعديبة لغيبر
المعلم فتجوز الجرة على محاولته النقل كتعليم كتابة القرآن قال ابن المنذر وأبو حنيفة يكره تعليم
القرآن بأجرة ويجوز أن يسببتأجر الرجببل يكتببب له لوحببا أو شعرا أو غناء معلومببا بأجببر معلوم،
فيجوز الجارة فيما هو معصية ويبطلها فيما هو طاعة.
وأما الجواب عن الية -فالمراد بها بنو إسرائيل ،وشرع من قبلنا هل هو شرع لنا ،فيه خلف،
وهو ل يقول به.
جواب ثان :وهبو أن تكون اليبة فيمبن تعيبن عليبه التعليبم فأببى حتبى يأخبذ عليبه أجرا فأمبا إذا لم
يتعيبن فيجوز له أخبذ الجرة بدليبل السبنة فبي ذلك وقبد يتعيبن عليبه إل أنبه ليبس عنده مبا ينفقبه على
نفسبه ول على عياله فل يجبب عليبه التعليبم وله أن يقببل على صبنعته وحرفتبه .ويجبب على المام
أن يعيبن لقامبة الديبن إعانتبه وإل فعلى المسبلمين لن الصبديق رضبي ال عنبه لمبا ولي الخلفبة
وعين لها لم يكن عنده ما يقيم به أهله فأخذ ثيابا وخرج إلى السوق فقيل له في ذلك فقال ومن أين
أنفبق على عيالي فردوه وفرضوا له كفايتبه .وأمبا الحاديبث فليبس شيبء منهبا يقوم على سباق ول
يصبح منهبا شيبء عنبد أهبل العلم بالنقبل أمبا حديبث اببن عباس فرواه سبعيد ببن طريبف عبن عكرمبة
عنبه وسبعيد متروك .وأمبا حديبث أببي هريرة فرواه علي ببن عاصبم عبن حماد ببن سبلمة عبن أببي
جرهم عنه وأبو جرهم مجهول ل يعرف ولم يرو حماد بن سلمة عن أحد يقال له أبو جرهم وإنما
رواه عبن أببي المهزم وهبو متروك الحديبث أيضبا وهبو حديبث ل أصبل له .وأمبا حديبث عبادة ببن
الصامت فرواه أبو داود من حديث المغيرة بن زياد الموصلي عن عبادة بن نسي عن السود بن
ثعلبة عنه ،والمغيرة معروف عند أهل العلم ولكنه له مناكير هذا منها ،قاله أبو عمر .ثم قال وأما
حديث القوس فمعروف عند أهل العلم لنه روي عن عبادة من وجهين ،وروي عن أبي بن كعب
من حديث موسى بن علي عن أبيه عن أبي ،وهو منقطع .وليس في الباب حديث يجب العمل به
من جهة النقل ،وحديث عبادة وأبي يحتمل التأويل لنه جائز أن يكون علمه ل ثم أخذ عليه أجرا.
وروي عبن النببي صبلى ال عليبه وسبلم أنبه قال (خيبر الناس وخيبر مبن يمشبي على جديبد الرض
المعلمون كلمبا خلق الديبن جددوه ،أعطوهبم ول تسبتأجروهم فتحرجوهبم فإن المعلم إذا قال للصببي
قبل بسبم ال الرحمبن الرحيبم فقال الصببي بسبم ال الرحمبن الرحيبم كتبب ال براءة للصببي وبراءة
للمعلم وبراءة لبويه من النار)
@واختلف العلماء فبي حكبم المصبلي بأجرة ،فروى أشهبب عبن مالك أنبه سبئل عبن الصبلة خلف
مببن اسببتؤجر فببي رمضان يقوم للناس ،فقال :أرجببو أل يكون بببه بأس ،وهببو أشببد كراهببة له فببي
الفريضبة .وقال الشافعبي وأصبحابه وأببو ثور :ل بأس بذلك ول بالصبلة خلفبه .وقال الوزاعبي ل
صلة له .وكرهه أبو حنيفة وأصحابه على ما تقدم :قال ابن عبدالبر وهذه المسألة معلقة من التي
قبلها وأصلهما واحد.
قلت :ويأتببي لهذا أصببل آخببر مببن الكتاب فببي "براءة" إن شاء ال تعالى .وكره ابببن القاسببم أخببذ
الجرة على تعليبم الشعبر والنحبو .وقال اببن حببيب ل بأس بالجارة على تعليبم ا لشعبر والرسبائل
وأيام العرب ويكره مبن الشعبر مبا فيبه الخمبر والخنبا والهجاء ،قال أببو الحسبن اللخمبي ويلزم على
قوله أن يجيز الجارة على كتبه .وأما الغناء والنوح فممنوع على كل حال.
@روى الدارمبي أببو محمبد فبي مسبنده أخبرنبا يعقوب ببن إبراهيبم قال حدثنبا محمبد ببن عمبر ببن
الكميبت قال حدثنبا علي ببن وهبب الهمدانبي قال أخبرنبا الضحاك ببن موسبى قال مبر سبليمان ببن
عبدالملك بالمدينبة وهبو يريبد مكبة فأقام بهبا أيامبا فقال هبل بالمدينبة أحبد أدرك أحدا مبن أصبحاب
النبي قالوا له أبو حازم فأرسل إليه فلما دخل عليه قال له :يا أبا حازم ما هذا الجفاء قال أبو حازم
يببا أميببر المؤمنيببن وأي جفاء رأيببت منببي ،قال أتانببي وجوه أهببل المدينببة ولم تأتنببي قال يببا أميببر
المؤمنيبن أعيذك بال أن تقول مبا لم يكبن مبا عرفتنبي قببل هذا اليوم ول أنبا رأيتبك .قال فالتفبت إلى
محمد بن شهاب الزهري فقال أصاب الشيخ وأخطأت ،قال سليمان يا أبا حازم ما لنا نكره الموت
قال لنكم أخربتم الخرة وعمرتم الدنيا فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب ،قال أصبت يا
أببا حازم فكيبف القدوم غدا على ال تعالى ،قال أمبا المحسبن فكالغائب يقدم على أهله وأمبا المسبيء
فكالببق يقدم على موله فبكبى سبليمان وقال ليبت شعري مبا لنبا عنبد ال قال اعرض عملك على
كتاب ال قال وأي مكان أجده قال "إن البرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم" [النفطار- 13 :
]14قال سليمان فأين رحمة ال يا أبا حازم؟ قال أبو حازم رحمة ال قريب من المحسنين قال له
سببليمان يببا أبببا حازم فأي عباد ال أكرم؟ قال أولو المروءة والنهببى قال له سببليمان فأي العمال
أفضبل قال أببو حازم أداء الفرائض مبع اجتناب المحارم قال سبليمان :فأي الدعاء أسبمع قال دعاء
المحسبن إليبه للمحسبن ،فقال أي الصبدقة أفضبل قال للسبائل البائس وجهبد المقبل ليبس فيهبا منٌب ول
أذى قال :فأي القول أعدل قال :قول الحبق عنبد مبن تخافبه أو ترجوه قال فأي المؤمنيبن أكيبس قال
رجل عمل بطاعة ال ودل الناس عليها ،قال :فأي المؤمنين أحمق قال رجل انحط في هوى أخيه
وهببو ظالم فباع آخرتببه بدنيببا غيره قال له سببليمان أصبببت فمببا قولك فيمببا نحببن فيببه قال يببا أميببر
المؤمنيبن أوتعفينبي قال له سبليمان ل ولكبن نصبيحة تلقيهبا إلي ،قال يبا أميبر المؤمنيبن إن آباءك
قهروا الناس بالسبيف وأخذوا هذا الملك عنوة على غيبر مشورة مبن المسبلمين ول رضاهبم حتبى
قتلوا منهببم مقتلة عظيمببة فقبد ارتحلوا عنهبا فلو شعرت مببا قالوه ومببا قيببل لهببم فقال له رجببل مبن
جلسبائه بئس مبا قلت يبا أببا حازم ،قال أببو حازم كذببت إن ال أخبذ ميثاق العلماء ليببينه للناس ول
يكتمونبه قال له سبليمان فكيبف لنبا أن نصبلح قال :تدعون الصبلف وتتمسبكون بالمروءة وتقسبمون
بالسبوية قال له سبليمان فكيبف لنبا بالمأخبذ ببه قال أببو حازم تأخذه مبن حله وتضعبه فبي أهله قال له
سليمان هل لك يا أبا حازم أن تصحبنا فتصيب منا ونصيب منك .قال أعوذ بال قال له سليمان ولم
ذاك قال أخشى أن أركن إليكم شيئا قليل فيذيقني ال ضعف الحياة وضعف الممات .قال له سليمان
ارفع إلينا حوائجك قال تنجيني من النار وتدخلني الجنة قال له سليمان ليس ذاك إلي قال أبو حازم
فما لي إليك حاجة غيرها قال فادع لي قال أبو حازم اللهم إن كان سليمان وليك فيسره لخير الدنيا
والخرة وإن كان عدوك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى .قال له سليمان قط قال أبو حازم قد
أوجزت وأكثرت إن كنبت مبن أهله وإن لم تكبن مبن أهله فمبا ينبغبي أن أرمبي عبن قوس ليبس لهبا
وتبر .قال له سبليمان أوصبني قال سبأوصيك وأوجبز :عظبم رببك ونزهبه أن يراك حيبث نهاك أو
يفقدك حيث أمرك فلما خرج من عنده بعث إليه بمائة دينار وكتب إليه أن أنفقها ولك عندي مثلها
كثيبر ،قال :فردهبا عليبه وكتبب إليبه يبا أميبر المؤمنيبن أعيذك بال أن يكون سبؤالك إياي هزل أو
ردي عليك بذل وما أرضاها لك فكيبف أرضاها لنفسبي ،إن موسى بن عمران لما ورد ماء مدين
وجبد عليبه رعاء يسبقون ووجبد مبن دونهبم جاريتيبن تذودان فسبألهما فقالتبا ل نسبقي حتبى يصبدر
الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل ،فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير
وذلك أنه كان جائعا خائفا ل يأمن فسأل ربه ولم يسأل الناس فلم يفطن الرعاء وفطنت الجاريتان
فلما رجعتا إلى أبيهما أخبرتاه بالقصة وبقوله فقال أبوهما وهو شعيب عليه السلم هذا رجل جائع
فقالت إحداهما اذهبي فادعيه فلما أتته عظمته وغطت وجهها وقالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر
ما سقيت لنا فشق على موسى حين ذكرت "أجر ما سقيت لنا" ولم يجد بدا من أن يتبعها لنه كان
بيبن الجبال جائعبا مسبتوحشا فلمبا تبعهبا هببت الريبح فجعلت تصبفق ثيابهبا على ظهرهبا فتصبف له
عجيزتهبا وكانبت ذات عجبز وجعبل موسبى يعرض مرة ويغبض أخرى فلمبا عيبل صببره ناداهبا يبا
أمة ال كوني خلفي وأريني السمت بقولك فلما دخل على شعيب إذ هو بالعشاء مهيأ فقال له شعيب
اجلس يبا شاب فتعشبى فقال له موسبى عليبه السبلم :أعوذ بال فقال له شعيبب لم؟ أمبا أنبت جائع؟
قال :بلى ولكن أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما وأنا من أهل بيت ل نبيع شيئا من ديننا
بملء الرض ذهببا فقال له شعيبب ل يبا شاب ولكنهبا عادتببي وعادة آبائي نقري الضيبف ونطعببم
الطعام فجلس موسى فأكل فإن كانت هذه المائة دينار عوضا لما حدثت فالميتة
قلت :هكذا يكون القتداء بالكتاب والنببياء .انظروا إلى هذا المام الفاضبل والحببر العالم كيبف
لم يأخذ على عمله عوضا ول على وصيته بدل ول على نصيحته قصدا بل بين الحق وصدع ولم
يلحقه في ذلك خوف ول فزع .قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (ل يمنعن أحدكم هيبة أحد أن
يقول بالحببق حيببث كان) وفببي التنزيببل "يجاهدون فببي سبببيل ال ول يخافون لومببة لئم" [المائدة
]54
@قوله تعالى" :وإياي فاتقون" قد تقدم معنى التقوى .وقرئ "فاتقوني" بالياء وقد تقدم وقال سهل
ببن عبدال قوله "وإياي فاتقون" قال موضبع علمبي السبابق فيكبم" .وإياي فارهبون" قال موضبع
المكبر والسبتدراج لقول ال تعالى "سبنستدرجهم مبن حيبث ل يعلمون" [العراف" ]182 :فل
يأمن مكر ال إل القوم الخاسرون" [العراف ]99 :فما استثنى نبيا ول صديقاً
* *3الية {42ول تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}
@قوله تعالى" :ول تلبسوا الحق بالباطل" اللبس :الخلط ،لبست عليه المر ألبسه ،إذا مزجت بينه
بمشكله وحقبه بباطله قال ال تعالى "وللبسبنا عليهبم مبا يلبسبون" [النعام ]9 :وفبي المبر لبسبة أي
ليبس بواضبح ومبن هذا المعنبى قول علي رضبي ال عنبه للحارث ببن حوط يبا حارث (إنبه ملبوس
عليك ،إن الحق ل يعرف بالرجال ،اعرف الحق تعرف أهله) وقالت الخنساء:
ترى الجليس يقول الحق تحسبه رشدا وهيهات فانظر ما به التبسا
والبس عليه أمورا مثل ما لبسا صدق مقالته واحذر عداوته
وقال العجاج:
غنين واستبدلن زيدا مني لما لبسن الحق بالتجني
روى سببعيد عببن قتادة فببي قوله" :ول تلبسببوا الحببق بالباطببل" [البقرة ،]42 :يقول :ل تلبسببوا
اليهوديببة والنصببرانية بالسببلم وقببد علمتببم أن ديببن ال -الذي ل يقبببل غيره ول يجزئ إل بببه -
السلم ،وأن اليهودية والنصرانية بدعة وليست من ال .والظاهر من قول عنترة:
وكتيبة لبستها بكتيبة
أنبه مبن هذا المعنبى ،ويحتمبل أن يكون مبن اللباس .وقبد قيبل هذا فبي معنبى اليبة ،أي ل تغطوا.
ومنه لبس الثوب يقال لبست الثوب ألبسه ولباس الرجل زوجته وزوجها لباسها .قال الجعدي
إذا ما الضجيع ثنى جيدها تثنت عليه فكانت لباسا
وقال الخطل:
وقد لبست لهذا المر أعصره حتى تجلل رأسي الشيب فاشتعل
واللبوس :كل ما يلبس من ثياب ودرع ،قال ال تعالى "وعلمناه صنعة لبوس لكم" [النبياء]80 :
ولبست فلنا حتى عرفت باطنه .وفي فلن ملبس أي مستمتع قال:
أل إن بعد العدم للمرء قنوة وبعد المشيب طول عمر وملبسا
ولببس الكعببة والهودج مبا عليهمبا مبن لباس (بكسبر اللم) .قوله تعالى "بالباطبل" الباطبل فبي كلم
العرب خلف الحبق ،ومعناه الزائل قال لبيبد :أل كبل شيبء مبا خل ال باطبل .وبطبل الشيبء يبطبل
بطل وبطول وبطلنا ذهب ضياعا وخسرا وأبطله غيره ويقال ذهب دمه بطل أي هدرا والباطل
الشيطان والبطل الشجاع سمي بذلك لنه يبطل شجاعة صاحبه ،قال النابغة:
ل يقطع الخرق إل طرفه سامي لهم لواء بأيدي ماجد بطل
والمرأة بطلة .وقبد بطبل الرجبل (أي بالضبم) يبطبل بطولة وبطالة أي صبار شجاعبا وبطبل الجيبر
(بالفتح) بطالة أي تعطل فهو بطال .واختلف أهل التأويل في المراد بقوله" :الحق بالباطل" فروي
عبن اببن عباس وغيره ل تخلطوا مبا عندكبم مبن الحبق فبي الكتاب بالباطبل وهبو التغييبر والتبديبل.
وقال أببو العاليبة قالت اليهود محمبد مبعوث ولكبن إلى غيرنبا .فإقرارهبم ببعثبه حبق وجحدهبم أنبه
بعث إليهم باطل .وقال ابن زيد :المراد بالحق التوراة ،والباطل ما بدلوا فيها من ذكر محمد عليه
السلم وغيره .وقال مجاهد :ل تخلطوا اليهودية والنصرانية بالسلم .وقاله قتادة وقد تقدم.
قلت :وقول ابن عباس أصوب ،لنه عام فيدخل فيه جميع القوال وال المستعان.
@قوله تعالى" :وتكتموا الحق" يجوز أن يكون معطوفا على "تلبسوا" فيكون مجزوما ويجوز أن
يكون منصببوبا بإضمار أن ،التقديببر ل يكببن منكببم لبببس الحببق وكتمانببه أي وأن تكتموه قال ابببن
عباس( :يعني كتمانهم أمر النبي صلى ال عليه وسلم وهم يعرفونه) وقال محمد بن سيرين:
نزل عصبابة مبن ولد هارون يثرب لمبا أصباب بنبي إسبرائيل مبا أصبابهم مبن ظهور العدو عليهبم
والذلة ،وتلك العصببابة هببم حملة التوراة يومئذ فأقاموا بيثرب يرجون أن يخرج محمببد صببلى ال
عليه وسلم بين ظهرانيهم ،وهم مؤمنون مصدقون بنبوته فمضى أولئك الباء وهم مؤمنون وخلف
البناء وأبناء البناء فأدركوا محمدا صبلى ال عليبه وسبلم فكفروا ببه وهبم يعرفونبه ،وهبو معنبى
قوله تعالى "فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به" [البقرة]89 :
@قوله تعالى" :وأنتبم تعلمون" جملة فبي موضبع الحال أي أن محمدا عليبه السبلم حبق ،فكفرهبم
كان كفبر عناد ولم يشهبد تعالى لهبم بعلم وإنمبا نهاهبم عبن كتمان مبا علموا .ودل هذا على تغليبظ
الذنببب على مببن واقعببه على علم وأنببه أعصببى مببن الجاهببل .وسببيأتي بيان هذا عنببد قوله تعالى:
"أتأمرون الناس بالبر" [البقرة ]44 :الية.
**3الية{ 43 :وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} (فيه أربع وثلثين مسألة)
@الولى :قوله تعالى" :وأقيموا الصلة" أمر معناه الوجوب ول خلف فيه ،وقد تقدم القول في
معنى إقامة الصلة واشتقاقها وفي جملة من أحكامها ،والحمد ل.
@الثانيبة :قوله تعالى" :وآتوا الزكاة" أمبر أيضبا يقتضبي الوجوب .واليتاء :العطاء ،آتيتبه:
أعطيته .قال ال تعالى "لئن آتانا من فضله لنصدقن" [التوبة ]75 :وأتيته -بالقصر من غير مد
-جئته ،فإذا كان المجيبء بمعنبى السبتقبال ُمدّ ،ومنه الحديبث (ولتين رسبول ال صلى ال عليه
وسلم فلخبرنه) وسيأتي.
@الثالثبة :الزكاة مأخوذة مبن زكبا الشيبء إذا نمبا وزاد .يقال زكبا الزرع والمال يزكبو ،إذا كثبر
وزاد ورجبل زكبي أي زائد الخيبر وسبمي الخراج مبن المال زكاة وهبو نقبص منبه مبن حيبث ينمبو
بالبركة أو بالجر الذي يثاب به المزكي ويقال :زرع زاك بين الزكاء .وزكأت الناقة بولدها تزكأ
ببه إذا رمبت ببه مبن بيبن رجليهبا وزكبا الفرد :إذا صبار زوجبا بزيادة الزائد عليبه حتبى صبار شفعبا.
قال الشاعر:
كانوا خسا أو زكا من دون أربعة لم يخلقوا وجدود الناس تعتلج
جمبع جبد وهبو الحبظ والبخبت .تعتلج :أي ترتفبع اعتلجبت الرض طال نباتهبا .فخسبا :الفرد وزكبا:
الزوج
وقيل :أصلها الثناء الجميل ومنه زكّى القاضي الشاهد .فكأن من يخرج الزكاة يحصل لنفسه الثناء
الجميل وقيل الزكاة مأخوذة من التطهير ،كما يقال زكا فلن أي طهر من دنس الجرحة والغفال.
فكأن الخارج من المال يطهره من تبعة الحق الذي جعل ال فيه للمساكين ،أل ترى أن النبي صلى
ال عليبه وسبلم سبمى مبا يخرج مبن الزكاة أوسباخ الناس ،وقبد قال تعالى "خبذ مبن أموالهبم صبدقه
تطهرهم وتزكيهم بها" [التوبة]103 :
@الرابعة :واختلف في المراد بالزكاة هنا فقيل :الزكاة المفروضة لمقارنتها الصلة وقيل :صدقة
الفطر قاله مالك في سماع ابن القاسم.
قلت :فعلى الول -وهبو قول أكثبر العلماء -فالزكاة فبي الكتاب مجملة بينهبا النببي صبلى ال عليبه
وسبلم فروى الئمبة عبن أببي سبعيد الخدري أن النببي صبلى ال عليبه وسبلم قال (ليبس فبي حبب ول
تمبر صبدقة حتبى تبلغ خمسبة أوسبق ول فيمبا دون خمبس ذود صبدقة ول فيمبا دون خمبس أواق
صبدقة) وقال البخاري( :خمبس أواق مبن الورق) وروى البخاري عبن اببن عمبر عبن النببي صبلى
ال عليبه وسبلم قال (فيمبا سبقت السبماء والعيون أو كان عثريبا العشبر ومبا سبقي بالنضبح نصبف
العشببر) وسببيأتي بيان هذا الباب فببي "النعام" إن شاء ال تعالى .ويأتببي فببي "براءة" زكاة العيببن
والماشيبة وبيان المال الذي ل يؤخبذ منبه زكاة عنبد قوله تعالى "خبذ مبن أموالهبم صبدقة" [التوببة:
]103وأما زكاة الفطر فليس لها في الكتاب نص عليها إل ما تأوله مالك هنا ،وقوله تعالى "قد
أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى" [العلى ]15 :والمفسرون يذكرون الكلم عليها في سورة
"العلى" ،ورأيت الكلم عليها في هذه السورة عند كلمنا على آي الصيام لن رسول ال صلى
ال عليه وسلم فرض زكاة الفطر في رمضان ،الحديث .وسيأتي ،فأضافها إلى رمضان.
@الخامسبة :قوله تعالى" :واركعوا" الركوع فبي اللغبة النحناء بالشخبص وكبل منحبن راكبع قال
لبيد
أخبر أخبار القرون التي مضت أدب كأني كلما قمت راكع
وقال ابن دريد :الركعة الهوة في الرض لغة يمانية وقيل النحناء يعم الركوع والسجود ويستعار
أيضا في النحطاط في المنزلة .قال:
ول تعاد الضعيف علك أن تركع يوما والدهر قد رفعه
@السبادسة :واختلف الناس فبي تخصبيص الركوع بالذكبر فقال قوم جعبل الركوع لمبا كان مبن
أركان الصلة عبارة عن الصلة.
قلت :وهذا ليبس مختصبا بالركوع وحده فقبد جعبل الشرع القراءة عبارة عبن الصبلة والسبجود
عبارة عن الركعة بكمالها فقال" :وقرآن الفجر" أي صلة الفجر .وقال رسول ال صلى ال عليه
وسبلم (مبن أدرك سبجدة مبن الصبلة فقبد أدرك الصبلة) وأهبل الحجاز يطلقون على الركعبة سبجدة
وقيبل إنمبا خبص الركوع بالذكبر لن بنبي إسبرائيل لم يكبن فبي صبلتهم ركوع وقيبل لنبه كان أثقبل
على القوم في الجاهلية حتى لقد قال بعض من أسلم أظنه عمران بن حصين للنبي صلى ال عليه
وسلم :وعلى أل أخر إل قائما فمن تأويله على أل أركع فلما تمكن السلم من قلبه اطمأنت بذلك
نفسه وأمتثل ما أمر به من الركوع.
@السبابعة :الركوع الشرعبي هبو أن يحنبي الرجبل صبلبه ويمبد ظهره وعنقبه ويفتبح أصبابع يديبه
ويقبض على ركبتيه ثم يطمئن راكعا يقول سبحان ربي العظيم ثلثا وذلك أدناه (روى مسلم عن
عائشة قالت(:كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يستفتح الصلة بالتكبير والقراءة بالحمد ل رب
العالميبن وكان إذا ركبع لم يشخبص رأسبه ولم يصبوبه ولكبن بيبن ذلك) وروى البخاري عبن أببي
حميبد السباعدي قال :رأيبت رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم إذا كببر جعبل يديبه حذو منكببيه وإذا
ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره الحديث.
@الثامنبة :الركوع فرض ،قرآنبا وسبنة ،وكذلك السبجود لقوله تعالى فبي آخبر الحبج "اركعوا
واسبجدوا" [الحبج .]77 :وزادت السبنة الطمأنينبة فيهمبا والفصبل بينهمبا ،وقبد تقدم القول فبي ذلك
وبينا صفة الركوع آنفا وأما السجود فقد جاء مبينا من حديث أبي حميد الساعدي أن النبي صلى
ال عليبه وسبلم كان (إذا سبجد مكبن جبهتبه وأنفبه مبن الرض ونحبى يديبه عبن جنببيه ووضبع كفيبه
حذو منكبيه) .خرجه الترمذي وقال :حديث حسن صحيح .وروى مسلم عن أنس قال :قال رسول
ال صبلى ال عليبه وسبلم( :اعتدلوا فبي السبجود ول يبسبط أحدكبم ذراعيبه انبسباط الكلب) .وعبن
البراء قال قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم (إذا سبجدت فضبع كفيبك وارفبع مرفقيبك) .وعبن
ميمونة زوج النبي صلى ال عليه وسلم قالت :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا سجد خوّى
بيديه -يعني جنح حتى يرى وضح إبطيه من ورائه -وإذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى.
@التاسبعة :واختلف العلماء فيمبن وضبع جبهتبه فبي السبجود دون أنفبه أو أنفبه دون جبهتبه ،فقال
مالك :يسبجد على جبهتبه وأنفبه ،وببه قال الثوري وأحمبد ،وهبو قول النخعبي .قال أحمبد :ل يجزئه
السبجود على أحدهمبا دون الخبر ،وببه قال أببو خيثمبة واببن أببي شيببة .قال إسبحاق :إن سبجد على
أحدهما دون الخر فصلته فاسدة .وقال الوزاعي وسعيد بن عبدالعزيز ،وروي عن ابن عباس
وسعيد بن جبير وعكرمة وعبدالرحمن بن أبي ليلى كلهم أمر بالسجود على النف .وقالت طائفة:
يجزئ أن يسبجد على جبهتبه دون أنفبه ،هذا قول عطاء وطاوس وعكرمبة واببن سبيرين والحسبن
البصببري ،وبببه قال الشافعببي وأبببو ثور ويعقوب ومحمببد .قال ابببن المنذر :وقال قائل :إن وضببع
جبهته ولم يضع أنفه أو وضع أنفه ولم يضع جبهته فقد أساء وصلته تامة ،هذا قول النعمان .قال
ابن المنذر :ول أعلم أحدا سبقه إلى هذا القول ول تابعه عليه.
قلت :الصحيح في السجود وضع الجبهة والنف ،لحديث أبي حميد ،وقد تقدم .وروى البخاري
عبن اببن عباس قال قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم( :أمرت أن أسبجد على سببعة أعظبم على
الجبهبة -وأشار بيده إلى أنفبه -واليديبن والركبتيبن وأطراف القدميبن ول نكفبت الثياب والشعبر).
وهذا كله بيان لمجمل الصلة فتعين القول به .وال أعلم وروي عن مالك أنه يجزيه أن يسجد على
جبهتببه دون أنفببه ،كقول عطاء والشافعببي والمختار عندنببا قول الول ول يجزئ عنببد مالك إذا لم
يسجد على جبهته.
@العاشرة :ويكره السبجود على كور العمامبة ،وإن كان طاقبة أو طاقتيبن مثبل الثياب التبي تسبتر
الركبب والقدميبن فل بأس ،والفضبل مباشرة الرض أو مبا يسبجد عليبه فإن كان هناك مبا يؤذيبه
أزاله قببل دخول فل الصبلة ،فإن لم يفعبل فليمسبحه مسبحة واحدة .وروى مسبلم عبن معيقيبب أن
رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم قال فبي الرجبل يسبوي التراب حيبث يسبجد قال (إن كنبت فاعل
فواحدة) وروي عبن أنبس ببن مالك قال( :كنبا نصبلي مبع رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم فبي شدة
الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الرض بسط ثوبه فسجد عليه).
@الحاديبة عشرة :لمبا قال تعالى" :اركعوا واسبجدوا" [الحبج ]77 :قال بعبض علمائنبا وغيرهبم
يكفبي منهبا مبا يسبمى ركوعبا وسبجودا ،وكذلك مبن القيام ولم يشترطوا الطمأنينبة فبي ذلك فأخذوا
بأقبل السبم فبي ذلك وكأنهبم لم يسبمعوا الحاديبث الثابتبة فبي إلغاء الصبلة قال اببن عبدالبر :ول
يجزي ركوع ول سببجود ول وقوف بعببد الركوع ول جلوس بيببن السببجدتين حتببى يعتدل راكعببا
وواقفبا وسباجدا وجالسبا .وهبو الصبحيح فبي الثبر وعليبه جمهور العلماء وأهبل النظبر وهبى روايبة
ابن وهب وأبي مصعب عن مالك .وقال القاضي أبو بكر بن العربي :وقد تكاثرت الرواية عن ابن
القاسبم وغيره بوجوب الصبل وسبقوط الطمأنينبة وهبو وهبم عظيبم لن النببي صبلى ال عليبه وسبلم
فعلهبا وأمبر بهبا وعلمهبا .فإن كان لببن القاسبم عذر أن كان لم يطلع عليهبا فمبا لكبم أنتبم وقبد انتهبى
العلم إليكم وقامت الحجة به عليكم روى النسائي والدارقطني وعلي بن عبدالعزيز عن رفاعة بن
رافبع قال :كنبت جالسبا عنبد رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم إذ جاءه رجبل فدخبل المسبجد فصبلى،
فلمبا قضبى الصبلة جاء فسبلم على رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم وعلى القوم فقال رسبول ال
صلى ال عليه وسلم (ارجع فصل فإنك لم تصل) وجعل يصلي وجعلنا نرمق صلته ل ندري ما
يعيب منها فلما جاء فسلم على النبي صلى ال عليه وسلم وعلى القوم فقال له النبي صلى ال عليه
وسبلم (وعليبك ارجبع فصبل فانبك لم تصبل) قال همام فل ندري أمره بذلك مرتيبن أو ثلثبا فقال له
الرجبل مبا ألوت فل ادري مبا عببت علي مبن صبلتي فقال صبلى ال عليبه وسبلم (إنبه ل تتبم صبلة
أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره ال فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه
إلى الكعبين ثم يكبر ال تعالى ويثني عليه ثم يقرأ أم القرآن وما أذن له فيه وتيسر ثم يكبر فيركع
فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله ويسترخي ثم يقول سمع ال لمن حمده ويستوي قائما
حتى يقيم صلبه ويأخذ كل عظم مأخوذه ثم يكبر فيسجد فيمكن وجهه .قال همام وربما قال جبهته
مببن الرض حتببى تطمئن مفاصببله ويسببترخي ثببم يكبببر فيسببتوي قاعدا على مقعده ويقيببم صببلبه
فوصبف الصبلة هكذا أرببع ركعات حتبى فرغ ثبم قال ل تتبم صبلة أحدكبم حتبى يفعبل ذلك) ومثله
حديث أبي هريرة خرجه مسلم وقد تقدم.
قلت :فهذا بيان الصبلة المجملة فبي الكتاب بتعليبم النببي عليبه السبلم وتبليغبه إياهبا جميبع النام
فمن لم يقف عند هذا البيان وأخل بما فرض عليه الرحمن ولم يمتثل ما بلغه عن نبيه عليه السلم
كان مبببن جملة مبببن دخبببل فبببي قوله تعالى" :فخلف مبببن بعدهبببم خلف أضاعوا الصبببلة واتبعوا
الشهوات" [مريبم ]59 :على مبا يأتبي بيانبه هناك إن شاء ال تعالى .روى البخاري عبن زيبد ببن
وهبب قال رأى حذيفبة رجل ل يتبم الركوع ول السبجود فقال (مبا صبلت ولو مبت لمبت على غيبر
الفطرة التي فطر ال عليها محمدا صلى ال عليه وسلم)
@الثانية عشرة :قوله تعالى" :مع الراكعين" (مع) تقتضي المعية والجمعية ولهذا قال جماعة من
أهبل التأويبل بالقرآن إن المبر بالصبلة أول لم يقتبض شهود الجماعبة فأمرهبم بقوله "مبع" شهود
الجماعة وقد اختلف العلماء في شهود الجماعة على قولين فالذي عليه الجمهور أن ذلك من السنن
المؤكدة ويجبب على مبن أدمبن التخلف عنهبا مبن غيبر عذر العقوببة وقبد أوجبهبا بعبض أهبل العلم
فرضا على الكفاية قال ابن عبدالبر وهذا قول صحيح لجماعهم على أنه ل يجوز أن يجتمع على
تعطيل المساجد كلها من الجماعات فإذا قامت الجماعة في المسجد فصلة المنفرد في بيته جائزة
لقوله عليه السلم (صلة الجماعة أفضل من صلة الفذ بسبع وعشرين درجة) أخرجه مسلم من
حديبث اببن عمبر .وروي عبن أببي هريرة رضبي ال عنبه أن رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم قال:
(صبلة الجماعبة أفضبل مبن صبلة أحدكبم وحده بخمسبة وعشريبن جزءا) .وقال داود الصبلة فبي
الجماعبة فرض على كبل أحبد فبي خاصبته كالجمعبة واحتبج بقوله عليبه السبلم( :ل صبلة لجار
المسبجد إل فبي المسبجد) خرجبه أببو داود وصبححه أببو محمبد عبدالحبق ،وهبو قول عطاء ببن أببي
رباح وأحمبد ببن حنببل وأببي ثور وغيرهبم .وقال الشافعبي :ل أرخبص لمبن قدر على الجماعبة فبي
ترك إتيانهبا إل مبن عذر .حكاه اببن المنذر وروى مسبلم عبن أببي هريرة قال أتبى النببي صبلى ال
عليبه وسبلم رجبل أعمبى فقال يبا رسبول ال إنبه ليبس لي قائد يقودنبي إلى المسبجد فسبأل رسبول ال
صبلى ال عليبه وسبلم أن يرخبص له فيصبلي فبي بيتبه فرخبص له فلمبا ولى دعاه فقال (هبل تسبمع
النداء بالصبلة) قال نعبم قال (فأجبب) وقال أببو داود فبي هذا الحديبث (ل أجبد لك رخصبة) .خرجبه
من حديث ابن أم مكتوم وذكر أنه كان هو السائل وروي عن ابن عباس رضي ال عنهما قال قال
رسبول ال (مبن سبمع النداء فلم يمنعبه مبن إتيانبه عذر قالوا ومبا العذر قال خوف أو مرض لم تقببل
منبه الصبلة التبي صبلى) قال أببو محمبد عبدالحبق :هذا يرويبه مغراء العبدي والصبحيح موقوف
على اببن عباس (مبن سبمع النداء فلم يأت فل صبلة له) على أن قاسبم ببن أصببغ ذكره فبي كتاببه
فقال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي
ثابت عن سعيد جبير عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم قال (من سمع النداء فلم يجب
فل صلة له إل من عذر) وحسبك بهذا السناد صحة ومغراء العبدي روى عنه أبو إسحاق وقال
اببن مسبعود ولقبد رأيتنبا ومبا يتخلف عنهبا إل منافبق معلوم النفاق وقال عليبه السبلم (بيننبا وبيبن
المنافقيبن شهود العتمبة والصببح ل يسبتطيعونهما) قال اببن المنذر ولقبد روينبا عبن غيبر واحبد مبن
أصبحاب النببي صبلى ال عليبه وسبلم أنهبم قالوا (من سبمع النداء فلم يجبب مبن غيبر عذر فل صبلة
له) منهبم اببن مسبعود وأببو موسبى الشعري وروى أببو داود عبن أببي هريرة قال قال رسبول ال
(لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزما من حطب ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست لهم علة
فأحرقها عليهم) هذا ما احتج به من أوجب الصلة في الجماعة فرضا وهى ظاهرة في الوجوب
وحملها الجمهور على تأكيد أمر شهود الصلوات في الجماعة بدليل حديث ابن عمر وأبي هريرة
وحملوا قول الصحابة وما جاء في الحديث من أنه (ل صلة له) على الكمال والفضل وكذلك قول
عليببه السببلم لبببن أم مكتوم (فأجببب) على الندب وقوله عليببه السببلم (لقببد هممببت) ل يدل على
الوجوب الحتببم لنببه هببم ولم يفعببل وإنمببا مخرجببه مخرج التهديببد والوعيببد للمنافقيببن الذيببن كانوا
يتخلفون عن الجماعة والجمعة يبين هذا المعنى ما رواه مسلم عن عبدال قال( :من سره أن يلقى
ال غدا مسلما فليحافظ على هؤلء الصلوات حيث ينادى بهن ،فإن ال شرع لنبيكم صلى ال عليه
وسلم سنن الهدى ،وإنهن من سنن الهدى ،ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في
بيتبه لتركتبم سبنة نببيكم صبلى ال عليبه وسبلم ،ولو تركتبم سبنة نببيكم صبلى ال عليبه وسبلم لضللتبم،
ومبا مبن رجبل يتطهبر فيحسبن الطهور ثبم يعمبد إلى مسبجد مبن هذه المسباجد إل كتبب ال له بكبل
خطوة يخطوهبا حسبنة ويرفعبه بهبا درجبة ويحبط عنبه بهبا سبيئة ولقبد رأيتنبا ومبا يتخلف عنهبا إل
منافبق معلوم النفاق ولقبد كان الرجبل يؤتبى ببه يهادى بيبن الرجليبن حتبى يقام فبي الصبف .فببين
رضي ال عنه في حديثه أن الجتماع سنة من سنن الهدى وتركه ضلل ،ولهذا قال القاضي أبو
الفضببل عياض :اختلف فببي التمالؤ على ترك ظاهببر السببنن ،هببل يقاتببل عليهببا أو ل ،والصببحيح
قتالهم ،لن في التمالؤ عليها إماتتها.
قلت :فعلى هذا إذا أقيمببت السببنة وظهرت جازت صببلة المنفرد وصببحت روى مسببلم عبن أبببي
هريرة قال قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم (صبلة الرجبل فبي جماعبة تزيبد على صبلته فبي
بيته وصلته في سوقه بضعا وعشرين درجة وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى
المسجد ل ينهزه إل الصلة ل يريد إل الصلة فلم يخط خطوة إل رفع له بها درجة وحط عنه بها
خطيئة حتببى يدخببل المسببجد فإذا دخببل المسببجد كان فببي الصببلة مببا كانببت الصببلة هببي تحبسببه
والملئكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون اللهم أرحمه اللهم اغفر له
اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه) .قيل لبي هريرة :ما يحدث؟ قال :يفسو أو يضرط.
@الثالثة عشرة :واختلف العلماء في هذا الفضل المضاف للجماعة هل لجل الجماعة فقط حيث
كانبت أو إنمبا يكون ذلك الفضبل للجماعبة التبي تكون فبي المسبجد لمبا يلزم ذلك مبن أفعال تختبص
بالمسباجد كمبا جاء فبي الحديبث قولن .والول أظهبر لن الجماعبة هبو الوصبف الذي علق عليبه
الحكبم .وال أعلم ومبا كان مبن إكثار الخطبى إلى المسباجد وقصبد التيان إليهبا والمكبث فيهبا فذلك
زيادة ثواب خارج عن فضل الجماعة وال أعلم.
@الرابعة عشرة :واختلفوا أيضا هل تفضل جماعة جماعة بالكثرة وفضيلة المام؟ فقال مالك ل
وقال اببن حببيب نعبم لن النببي صبلى ال عليبه وسبلم قال( :صبلة الرجبل مبع الرجبل أزكبى مبن
صلته وحده وصلته مع الرجلين أزكى من صلته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى ال) رواية
أبي بن كعب وأخرجه أبو داود وفي إسناده لين.
@الخامسة عشرة :واختلفوا أيضا فمن صلى في جماعة هل يعيد صلته تلك في جماعة أخرى
فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم إنما يعيد الصلة في جماعة مع المام من صلى وحده
في بيته وأهله أو في غير بيته ،وأما من صلى في جماعة وإن قلت فإنه ل يعيد في جماعة أكثر
منها ول أقل .وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي جائز لمن صلى في جماعة
ووجد أخرى في تلك الصلة أن يعيدها معهم إن شاء لنها نافلة وسنة .وروي ذلك عن حذيفة بن
اليمان وأبي موسى الشعري وأنس بن مالك وصلة بن زفر والشعبي والنخعي ،وبه قال حماد بن
زيبد وسبليمان ببن حرب احتبج مالك بقوله صبلى ال عليبه وسبلم( :ل تصبلى صبلة فبي يوم مرتيبن)
ومنهم من يقول ل تصلوا رواه سليمان بن يسار عن ابن عمر واتفق أحمد وإسحاق على أن معنى
هذا الحديبث أن يصبلي النسبان الفريضبة ثبم يقوم فيصبليها ثانيبة ينوي بهبا الفرض مرة أخرى فأمبا
إذا صبلها مبع المام على أنهبا سبنة أو تطوع فليبس بإعادة الصبلة ،وقبد قال رسبول ال صبلى ال
عليه وسلم للذين أمرهم بإعادة الصلة في جماعة (إنها لكم نافلة) من حديث أبي ذر وغيره.
@السبادسة عشرة :روى مسبلم عبن أببي مسبعود عبن النببي صبلى ال عليبه وسبلم قال( :يؤم القوم
أقرؤهبم لكتاب ال فإن كانوا فبي القراءة سبواء فأعلمهبم بالسبنة فإن كانوا فبي السبنة سبواء فأقدمهبم
هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سِلْما ،ول يؤمّن الرجلُ الرجلَ في سلطانه ول يقعد في
بيتبه على تكرمتبه إل بإذنبه) وفبي روايبة (سبناً) مكان (سبلما) ،وأخرجبه أببو داود وقال :قال شعببة
فقلت لسماعيل :ما تكرمته؟ قال :فراشه .وأخرجه الترمذي وقال حديث أبي مسعود حديث حسن
صحيح والعمل عليه عند أهل العلم.
قالوا :أحببق الناس بالمامببة أقرؤهببم لكتاب ال وأعلمهببم بالسببنة وقالوا صبباحب المنزل أحببق
بالمامة .وقال بعضهم إذا أذن صاحب المنزل لغيره فل بأس أن يصلي به .وكرهه بعضهم وقالوا
السنة أن يصلي صاحب البيت .قال ابن المنذر :روينا عن الشعث بن قيس أنه قّدم غلما ،وقال
إنما أقّدم القرآن .وممن قال يؤم القوم أقرؤهم ابن سيرين والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي .قال
ابن المنذر :بهذا نقول لنه موافق للسنة .وقال مالك :يتقدم القوم أعلمهم إذا كانت حاله حسنة وإن
للسن حقا .وقال الوزاعي :يؤمهم أفقههم وكذلك قال الشافعي وأبو ثور إذا كان يقرأ القرآن وذلك
لن الفقيه أعرف بما ينوبه من الحوادث في الصلة .وتأولوا الحديث بأن القرأ من الصحابة كان
الفقببه لنهببم كانوا يتفقهون فببي القرآن ،وقببد كان مببن عرفهببم الغالب تسببميتهم الفقهاء بالقراء،
واسبتدلوا بتقديبم النببي صبلى ال عليبه وسبلم فبي مرضبه الذي مات فيبه أببا بكبر لفضله وعلمبه وقال
إسحاق :إنما قدمه النبي صلى ال عليه وسلم ليدل على أنه خليفته بعده .ذكره أبو عمر في التمهيد
وروى أببو بكبر البزار بإسبناد حسبن عبن أببي هريرة قال قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم (إذا
سبافرتم فليؤمكبم أقرؤكبم وإن كان أصبغركم وإذا أمّكبم فهبو أميركبم) قال ل نعلمبه يروى عبن النببي
صلى ال عليه وسلم إل من رواية أبي هريرة بهذا السناد.
قلت :إمامة الصبغير جائزة إذا كان قارئا .ثبت فبي صحيح البخاري عن عمبر ببن سلمة قال :كنا
بماء ممبر الناس وكان يمبر بنبا الركبان فنسبألهم مبا للناس؟ مبا هذا الرجبل؟ فيقولون :يزعبم أن ال
أرسله أوحى إليه كذا أوحى إليه كذا فكنت أحفظ ذلك الكلم فكأنما يقر في صدري ،وكانت العرب
تلوم بإسلمها فيقولون :اتركوه وقومه ،فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق فلما كانت وقعة الفتح
بادر كبل قوم بإسبلمهم وبدر أببي قومبي بإسبلمهم فلمبا قدم قال :جئتكبم وال مبن عنبد نببي ال حقبا،
قال( :صبلوا صبلة كذا فبي حيبن كذا فإذا حضرت الصبلة فليؤذن أحدكبم وليؤمكبم أكثركبم قرآنبا).
فنظروا فلم يكن أحد أكثر مني قرآنا لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني ببن أيديهم وأنا ابن ست
أو سببع سبنين ،وكانبت علي بردة إذا سبجدت تقلصبت عنبي فقالت امرأة مبن الحبي :أل تغطون عنبا
است قارئكم فاشتروا فقطعوا لي قميصا فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص .وممن أجاز إمامة
الصبي غير البالغ الحسن البصري وإسحاق بن راهويه واختاره ابن المنذر إذا عقل الصلة وقام
بها لدخوله في جملة قوله صلى ال عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم) ولم يستثن ،ولحديث عمرو بن
سلمة وقال الشافعي في أحد قوليه يؤم في سائر الصلوات ول يؤم فبي الجمعة وقد كان قبل يقول
ومن أجزأت إمامته فبي المكتوببة أجزأت إمامتبه فبي العياد غيبر أنبي أكره فيهبا إمامة غير الوالي
وقال الوزاعبي :ل يؤم الغلم فبي الصبلة المكتوببة حتبى يحتلم إل أن يكون قوم ليبس معهبم مبن
القرآن شيبء فإنبه يؤمهبم الغلم المراهبق .وقال الزهري إن اضطروا إليبه أمهبم ومنبع ذلك جملة
مالك والثوري وأصحاب الرأي.
@السابعة عشرة :الئتمام بكل إمام بالغ مسلم حر على استقامة جائز من غير خلف إذا كان يعلم
حدود الصلة ولم يكن يلحن في أم القرآن لحنا يخل بالمعنى مثل أن يكسر الكاف من "إياك نعبد"
[الفاتحبة ]5 :ويضبم التاء فبي "أنعمبت" ومنهبم مبن راعبى تفريبق الطاء مبن الضاد وإن لم يفرق
بينهما ل تصح إمامته ،لن معناهما يختلف ومنهم من رخص في ذلك كله إذا كان جاهل بالقراءة
وأم مثله ول يجوز الئتمام بامرأة ول خنثبى مشكبل ول كافبر ول مجنون ول أميّب ول يكون واحبد
مببن هؤلء إمامببا بحال مببن الحوال عنببد أكثببر العلماء على مببا يأتببي ذكره إل المببي لمثله ،قال
علماؤنبا ل تصبح إمامبة المبي الذي ل يحسبن القراءة مبع حضور القارئ له ول لغيره وكذلك قال
الشافعبي فإن أم أميبا مثله صبحت صبلتهم عندنبا وعنبد الشافعبي .وقال أببو حنيفبة إذا صبلى المبي
بقوم يقرؤون وبقوم أميين فصلتهم كلهم فاسدة .وخالفه أبو يوسف فقال صلة المام ومن ل يقرأ
تامة .وقالت فرقة :صلتهم كلهم جائزة لن كل مؤد فرضه وذلك مثل المتيمم يصلي بالمتطهرين
بالماء والمصبلي قاعدا يصبلي بقوم قيام صبلتهم مجزئة فبي قول مبن خالفنبا ،لن كل مؤد فرض
نفسه.
قلت :وقبد يحتبج لهذا القول بقول عليبه السبلم (أل ينظبر المصبلي إذا صبلى كيبف يصبلي فإنمبا
يصبلي لنفسبه) أخرجبه مسبلم وإن صبلة المأموم ليسبت مرتبطبة بصبلة المام ،وال أعلم .وكان
عطاء ببن أببي رباح يقول إذا كانبت امرأتبه تقرأ كببر هبو ،وتقرأ هبي فإذا فرغبت مبن القراءة كببر
وركع وسجد وهى خلفه تصلي ،وروي هذا المعنى عن قتادة.
@الثامنة عشرة :ول بأس بإمامة العمى والعرج والشل والقطع والخصي والعبد إذا كان كل
واحد منهم عالما بالصلة .وقال ابن وهب ل أرى أن يؤم القطع والشل لنه منتقص عن درجة
الكمال وكرهبت إمامتبه لجبل النقبص .وخالفبه جمهور أصبحابه وهبو الصبحيح لنبه عضبو ل يمنبع
فقده فرضا من فروض الصلة فجازت المامة الراتبة مع فقده كالعين ،وقد روى أنس (أن النبي
صببلى ال عليببه وسببلم اسببتخلف ابببن أم مكتوم يؤم الناس وهببو أعمببى )،وكذا العرج والقطببع
والشبل والحصبى قياسبا ونظرا وال أعلم .وقبد روي عبن أنبس ببن مالك أنبه قال فبي العمبى :ومبا
حاجتهم إليه وكان ابن عباس وعتبان بن مالك يؤمان وكلهما أعمى ،وعليه عامة العلماء.
@التاسبعة عشرة :واختلفوا فبي إمامة ولد الزنى فقال مالك أكره أن يكون إماما راتبا وكره ذلك
عمر بن عبدالعزيز ،وكان عطاء بن أبي رباح يقول له أن يؤم إذا كان مرضيا ،وهو قول الحسن
البصبري والزهري والنخعبي وسبفيان الثوري والوزاعبي وأحمبد وإسبحاق وتجزئ الصبلة خلفبه
عنبد أصبحاب الرأي وغيره أحبب إليهبم .وقال الشافعبي أكره أن ينصبب إمامبا راتببا مبن ل يعرف
أبوه ومبن صبلى خلفبه أجزأه وقال عيسبى ببن دينار ل أقول بقول مالك فبي إمامبة ولد الزنبى وليبس
عليه من ذنب أبويه شيء .ونحوه قال ابن عبدالحكم إذا كان في نفسه أهل للمامة قال ابن المنذر
يؤم لدخوله جملة قول رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم (يؤم القوم أقرؤوهبم) وقال أببو عمبر :ليبس
في شيء من الثار الواردة في شرط المامة ما يدل على مراعاة نسب وإنما فيها دللة على الفقه
والقراءة والصلح في الدين.
@الموفيبة عشريبن :وأمبا العببد فروى البخاري عبن اببن عمبر قال :لمبا قدم المهاجرون الولون
العصببة -موضبع بقباء -قببل مقدم النببي صبلى ال عليبه وسبلم كان يؤمهبم سبالم مولى أببي حذيفبة
وكان أكثرهم قرآناً .وعنه قال :كان سالم مولى أبي حذيفة يوم المهاجرين الولين وأصحاب النبي
صبلى ال عليبه وسبلم فبي مسبجد قباء فهبم أببو بكبر وعمبر وزيبد وعامبر ببن ربيعبة وكانبت عائشبة
يؤمها عبدها ذكوان من المصحف .قال ابن المنذر وأم أبو سعيد مولى أبي أسيد -وهو عبد -نفرا
من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم منهم حذيفة وأبو مسعود.
ورخص في إمامة العبد النخعي والشعبي والحسن البصري والحكم والثوري والشافعي وأحمد
وإسحاق وأصبحاب الرأي وكره ذلك أبو مجلز ،وقال مالك ل يؤمهم إل أن يكون العبد قارئا ومن
معبه مبن الحرار ل يقرؤون إل أن يكون فبي عيبد أو جمعبة فإن العببد ل يؤمهبم فيهبا ويجزئ عنبد
الوزاعبي إن صبلوا وراءه .قال اببن المنذر العببد داخبل فبي جمله قول النببي صبلى ال عليبه وسبلم
(يؤم القوم أقرؤهم ).
@الحادية والعشرون :وأما المرأة فروى البخاري عن أبي بكرة قال :لما بلغ رسول ال صلى ال
عليبه وسبلم أن أهبل فارس قبد ملكوا بنبت كسبرى قال (لن يفلح قوم ولوا أمرهبم امرأة) وذكبر أببو
داود عبن عبدالرحمبن ببن خلد عبن أم ورقبه بنبت عبدال قال( :وكان رسبول ال صبلى ال عليبه
وسلم يزورها في بيتها قال :وجعل لها مؤذنا يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها) قال عبدالرحمن
(فأنبا رأيبت مؤذنهبا شيخبا كببيرا) قال اببن المنذر :والشافعبي يوجبب العادة على مبن صبلى مبن
الرجال خلف المرأة .قال أبو ثور ل إعادة عليهم .وهذا قياس قول المزني.
قلت :وقال علماؤنبا ل تصبح إمامتهبا للرجال ول للنسباء وروى اببن أيمبن جواز إمامتهبا للنسباء.
وأمبا الخنثبى المشكبل فقال الشافعبي :ل يؤم الرجال ويؤم النسباء .وقال مالك :ل يكون إمامبا بحال،
وهو قول أكثر الفقهاء..
@الثانية والعشرون :الكافر المخالف للشرع كاليهودي والنصراني يؤم المسلمين وهم ل يعلمون
بكفره .وكان الشافعبي وأحمبد يقولن ل يجزئهبم ويعيدون وقاله مالك وأصبحابه لنبه ليبس مبن أهبل
القرببة .وقال الوزاعبي :يعاقبب .وقال أببو ثور والمزنبي ل إعادة على مبن صبلى خلفبه ول يكون
بصلته مسلما عند الشافعي وأبي ثور .وقال أحمد :يجبر على السلم.
@الثالثببة والعشرون :وأمببا أهببل البدع مببن أهببل الهواء كالمعتزلة والجهميببة وغيرهمببا فذكببر
البخاري عن الحسن :صل وعليه بدعته .وقال أحمد ل يصلى خلف أحد من أهل الهواء إذا كان
داعيببة إلى هواه وقال مالك ويصببلى خلف أئمببة الجور ول يصببلى خلف أهببل البدع مببن القدريببة
وغيرهم وقال ابن المنذر كل من أخرجته بدعته إلى الكفر لم تجز الصلة خلفه ومن لم يكن كذلك
فالصلة خلفه جائزة ول يجوز تقديم من هذه صفته.
@الرابعة والعشرون :وأما الفاسق بجوارحه كالزاني وشارب الخمر ونحو ذلك فاختلف المذهب
فيه فقال ابن حبيب من صلى وراء من شرب الخمر فإنه يعيد أبدا إل أن يكون الوالي الذي تؤدى
إليبه الطاعبة فل إعادة على مبن صبلى خلفبه إل أن يكون حينئذ سبكران قال مبن لقيبت مبن أصبحاب
مالك وروي مبن حديبث جابر ببن عبدال أن رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم قال على المنببر (ل
تؤمن امرأة رجل ول يؤمن أعرابي مهاجرا ول يؤمن فاجر برا إل أن يكون ذلك ذا سلطان) قال
أببو محمبد عبدالحبق :هذا يرويبه علي ببن زيبد ببن جدعان عبن سبعيد ببن المسبيب والكثبر يضعبف
علي بن زيد وروى الدارقطني عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (إن سركم
أن تزكوا صلتكم فقدموا خياركم) في إسناده أبو الوليد خالد بن إسماعيل المخزومي وهو ضعيف
قاله الدارقطنبي .وقال فيبه أبو أحمبد ببن عدي :كان يضبع الحديبث على ثقات المسبلمين وحديثبه هذا
يرويه عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة وذكر الدارقطني عن سلم بن سليمان عن عمر
عبن محمبد ببن واسبع عبن سبعيد ببن جببير عبن اببن عمبر قال قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم
(اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفد فيما بينكم وبين ال) قال الدارقطني عمر هذا هو عندي عمر بن
يزيد قاضي وسلم بن سليمان أيضا مدائني ليس بالقوي قاله عبدالحق.
@الخامسبة والعشرون :روى الئمبة أن رسبول ال صبلى قال (إنمبا جعبل المام ليؤتبم ببه فل
تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع ال لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك
الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون).
وقد اختلف العلماء فيمن ركع أو خفض قبل المام عامدا على قولين :أحدهما :أن صلته فاسدة
إن فعل ذلك فيها كلها أو في أكثرها وهو قول أهل الظاهر وروي عن ابن عمر .ذكبر سنيد قال:
حدثنا ابن علية عن أيوب عن أبي قلبة عن أبي الورد النصاري قال صليت إلى جنب ابن عمر
فجعلت أرفع قبل المام وأضع قبله فلما سلم المام أخذ ابن عمر بيدي فلواني وجذبني فقلت مالك
قال مبن أنبت؟ قلت فلن ببن فلن قال أنبت مبن أهبل بيبت صبدق فمبا يمنعبك أن تصبلي قلت أومبا
رأيتنبي إلى جنببك قال قبد رأيتبك ترفبع قببل المام وتضبع قبله وإنبه (ل صبلة لمبن خالف المام).
وقال الحسبن ببن حبي فيمبن ركبع أو سبجد قببل المام ثبم رفبع مبن ركوعبه أو سبجوده قببل أن يركبع
المام أو يسجد لم يعتد بذلك ولم يجزه .وقال أكثبر الفقهاء من فعل ذلك فقد أساء ولم تفسد صلته
لن الصبل فبي صبلة الجماعبة والئتمام فيهبا بالئمبة سبنه حسبنة فمبن خالفهبا بعبد أن أدى فرض
صلته بطهارتها وركوعها وسجودها وفرائضها فليس عليه إعادتها وإن أسقط بعض سننها لنه
لو شاء أن ينفرد فصلى قبل إمامه تلك الصلة أجزأت عنه وبئس ما فعل في تركه الجماعة قالوا
ومن دخل في صلة المام فركع بركوعه وسجد بسجوده ولم يكن في ركعة وإمامه في أخرى فقد
افتدى وإن كان يرفبع قبله ويخفبض قبله لنبه بركوعبه يركبع وبسبجوده يسبجد ويرفبع وهبو فبي ذلك
تبع له إل أنه مسيء في فعله ذلك لخلفه سنة المأموم المجتمع عليها.
قلت :ما حكاه ابن عبدالبر عن الجمهور ينبئ على أن صلة المأموم عندهم غير مرتبطة بصلة
المام لن التباع الحسببي والشرعببي مفقود وليببس الم هكذا عنببد أكثرهببم والصببحيح فببي الثببر
والنظر القول الول فإن المام إنما جعل ليؤتم به ويقتدى به بأفعاله ومنه قوله تعالى "إني جاعلك
للناس إماما" [البقرة ]124 :أي يأتمون بك على ما يأتي بيانه.
هذا حقيقة المام لغة وشرعا فمن خالف إمامه لم يتبعه ثم أن النبي صلى ال عليه وسلم بين فقال
(إذا كبر فكبروا) الحديث .فأتى بالفاء التي توجب التعقيب وهو المبين عن ال مراده .ثم أوعد من
رفبع أو ركبع قببل وعيدا شديدا فقال (أمبا يخشبى الذي يرفبع رأسبه قببل المام أن يحول ال رأسبه
رأس حمار أو صبورته صبورة حمار) أخرجبه الموطبأ والبخاري ومسبلم وأببو داود وغيرهبم وقال
أببو هريرة إنمبا ناصبيته بيبد شيطان وقال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم (كبل عمبل ليبس عليبه
أمرنبا فهبو رد) يعنبي مردود فمبن تعمبد خلف إمامبه عالمبا بأنبه مأمور باتباعبه منهبي عبن مخالفتبه
فقد استخف بصلته وخالف ما أمر به فواجب أل تجزي عنه صلته تلك وال أعلم.
@السبادسة والعشرون :فإن رفبع رأسبه سباهيا قببل المام فقال مالك رحمبه ال :السبنة فيمبن سبها
ففعبل ذلك فبي ركوع أو فبي سبجود أن يرجبع راكعبا أو سباجدا وينتظبر المام وذلك خطبأ ممبن فعله
لن النببي صبلى ال عليبه وسبلم قال (إنمبا جعبل المام ليؤتم به فل تختلفوا عليه) قال ابن عبدالبر:
ظاهبر قول مالك هذا ل يوجبب العادة على فعله عامدا لقوله "وذلك خطبأ ممبن فعله" لن السباهي
الثم عنه موضوع.
@السابعة والعشرون :وهذا الخلف إنما هو فيما عدا تكبيرة الحرام والسلم أما السلم فقد تقدم
القول فيه وأما تكبيرة الحرام فالجمهور على أن تكبير المأموم ل يكون إل بعد تكبير المام إل ما
روي عبن الشافعبي فبي أحبد قوليبه :أنبه إن كببر قببل إمامبه تكببيرة الحرام أجزأت عنبه لحديبث أببي
هريرة أن رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم جاء إلى الصبلة فلمبا كببر انصبرف وأومبأ إليهبم -أي
كما أنتم -ثم خرج ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم فلما انصرف قال( :إني كنت جنبا فنسيت أن
أغتسبل) ومبن حديبث أنبس (فكببر وكبرنبا معبه) وسبيأتي بيان هذا عنبد قوله تعالى" :ول جنببا" فبي
"النساء" [النساء ]43 :إن شاء ال تعالى.
@الثامنبة والعشرون :وروى مسبلم عبن أببي مسبعود قال :كان رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم
يمسببح مناكبنببا فببي الصببلة ويقول (اسببتووا ول تختلفوا فتختلف قلوبكببم ليلنببي منكببم أولو الحلم
والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) قال أبو مسعود (فأنتم اليوم أشد اختلفا) .زاد من حديث
عبدال (وإياكبم وهيشات السبواق) .وقوله (اسبتووا) أمبر بتسبوية الصبفوف وخاصبة الصبف الول
وهبو الذي يلي المام على مبا يأتبي بيانبه فبي سبورة "الحجبر" إن شاء ال تعالى وهناك يأتبي الكلم
على معنى هذا الحديث بحول ال تعالى.
@التاسبعة والعشرون :واختلف العلماء فبي كيفيبة الجلوس فبي الصبلة لختلف الثار فبي ذلك
فقال مالك وأصببحابه :يفضببي المصببلي بأليتيببه إلى الرض وينصببب رجله اليمنببى ويثنببي رجله
اليسرى ،لما رواه في موطئه عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد (أراهم الجلوس في التشهد
فنصبب رجله اليمنبى وثنبى رجله اليسبرى وجلس على وركبه اليسبر ولم يجلس على قدمبه) ،ثبم
قال :أراني هذا عبدال بن عمر وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك..
قلت :وهذا المعنى قد جاء في صحيح مسلم عن عائشة قالت كان رسول ال صلى ال عليه وسلم
(يسبتفتح الصبلة بالتكببير والقراءة بالحمبد ل رب العالميبن ،وكان إذا ركبع لم يشخبص رأسبه ولم
يصوبه ولكن بين ذلك ،وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما وكان إذا رفع
رأسبه مبن السبجدة لم يسبجد حتبى يسبتوي جالسبا وكان يقول فبي كبل ركعتيبن التحيبة ،وكان يفرش
رجله اليسببرى وينصببب رجله اليمنببى وكان ينهببى عببن عقبببة الشيطان وينهببى أن يفترش الرجببل
ذراعيه افتراش السبع ،وكان يختم الصلة بالتسليم.
قلت :ولهذا الحديث -وال أعلم -قال ابن عمر :إنما سنة الصلة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني
اليسرى وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن صالح بن حي (ينصب اليمنى ويعقد على
اليسرى) ،لحديث وائل بن حجر ،وكذلك قال الشافعي وأحمد وإسحاق في الجلسة الوسطى .وقالوا
فبي الخرة مبن الظهبر أو العصبر أو المغرب أو العشاء كقول مالك لحديبث أببي حميبد السباعدي
رواه البخاري قال :رأيبت النببي صبلى ال عليبه وسبلم (إذا كببر جعبل يديبه حذو منكببيه وإذا ركبع
أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع استوى حتى يعود كل فقار مكانه فإذا سجد وضع
يديبه غيبر مفترش ول قابضهمبا واسبتقبل بأطراف أصبابع رجليبه القبلة وإذا جلس فبي الركعتيبن
جلس على رجله اليسبببرى ونصبببب الخرى وإذا جلس فبببي الركعبببة الخرة قدم رجله اليسبببرى
ونصبب اليمنبى وقعبد على مقعدتبه) .قال الطببري إن فعبل هذا فحسبن كبل ذلك قبد ثببت عبن النببي
صلى ال عليه وسلم.
@الثلثين الموفية :مالك عن مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبدالرحمن المعاوي أنه قال :رآني
عبدال بن عمر وأنا أعبث بالحصباء في الصلة ،فلما انصرف نهاني فقال اصنع كما كان رسول
ال صلى ال عليه وسلم يصنع قلت وكيف كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصنع ؟ قال :كان
(إذا جلس فبي الصبلة وضبع كفبه اليمنبى على فخذه اليمنبى وقببض أصبابعه كلهبا وأشار بأصببعه
التي تلي البهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى وقال :هكذا كان يفعل) .قال ابن عبدالبر:
(ومبا وصبفه اببن عمبر مبن وضعبه كفبه اليمنبى على فخذه اليمنبى وقببض أصبابع يده تلك كلهبا إل
السبابة منها فإنه يشير بها ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى مفتوحة مفروجة الصابع ،كل
ذلك سنة في الجلوس في الصلة مجمع عليه ول خلف علمته بين العلماء فيها وحسبك بهذا .إل
أنهم اختلفوا في تحريك أصبعه السبابة فمنهم من رأى تحريكها ومنهم من لم يره وكل ذلك مروي
في الثار الصحاح المسندة عن النبي صلى ال عليه وسلم وجميعه مباح والحمد ل .وروى سفيان
بن عيينة هذا الحديث عن مسلم بن أبي مريم بمعنى ما رواه مالك وزاد فيه قال سفيان وكان يحيى
بن سعيد حدثناه عن مسلم ثم لقيته فسمعته منه وزادني فيه قال (هي مذبة الشيطان ل يسهو أحدكم
ما دام يشير بإصبعه ويقول هكذا).
قلت :روى أببو داود فبي حديبث اببن الزبيبر أنبه عليبه السبلم (كان يشيبر بإصببعه إذا دعبا ول
يحركهبا) وإلى هذا ذهبب بعبض العراقييبن فمنبع مبن تحريكهبا وبعبض علمائنبا رأوا أن مدهبا إشارة
إلى دوام التوحيد وذهب أكثر العلماء من أصحاب مالك وغيرهم إلى تحريكها إل أنهم اختلفوا في
الموالة بالتحريبك على قوليبن تأول مبن واله بأن قال إن ذلك يذكبر بموالة الحضور فبي الصبلة
وبأنها مقمعة ومدفعة للشيطان على ما روى سفيان ومن لم يوال رأى تحريكها عند التلفظ بكلمتي
الشهادة وتأول في الحركة كأنها نطق بتلك الجارحة بالتوحيد وال أعلم.
@الحاديبة والثلثون :واختلفوا فبي جلوس المرأة فبي الصبلة فقال مالك هبي كالرجبل ول تخالفبه
فيما بعد الحرام إل في اللباس والجهر وقال الثوري تسدل المرأة جلبابها من جانب واحد ورواه
عن إبراهيم النخعي وقال أبو حنيفة وأصحابه تجلس المرأة كأيسر ما يكون لها وهو قول الشعبي
تقعد كيف تيسر لها وقال الشافعي تجلس بأستر ما يكون لها.
@الثانية والثلثون :روى مسلم عن طاوس قال قلنا لبن عباس في القعاء على القدمين ،فقال:
(هي السنة فقلنا له إنا لنراه جفاء بالرجل فقال ابن عباس بل هي سنة نبيك صلى ال عليه وسلم)
وقببد اختلف العلماء فببي صببفة القعاء فقال أبببو عبيببد( :القعاء جلوس الرجببل على أليتيببه ناصبببا
فخذيبه مثبل إقعاء الكلب والسببع) قال اببن عبدالبر وهذا إقعاء مجتمبع عليبه ل يختلف العلماء فيبه.
وهذا تفسبير أهبل اللغبة وطائفبة مبن أهبل الفقبه .وقال أببو عبيبد :وأمبا أهبل الحديبث فانهبم يجعلون
القعاء أن يجعبل أليتيبه على عقببيه بيبن السبجدتين قال القاضبي عياض :والشببه عندي فبي تأويبل
القعاء الذي قال فيه ابن عباس إنه من السنة ،الذي فسر به الفقهاء من وضع الليتين على العقبين
بين السجدتين ،وكذا جاء مفسرا عن ابن عباس :من السنة أن تمس عقبك أليتك .رواه إبراهيم بن
ميسرة عن طاوس عنه ،ذكره أبو عمر قال القاضي :وقد روي عن جماعة من السلف والصحابة
أنهبم كانوا يفعلونبه ،ولم يقبل بذلك عامبة فقهاء المصبار وسبموه إقعاء .ذكبر عبدالرزاق عبن معمبر
عن ابن طاوس عن أبيه أنه رأى ابن عمر وابن عباس وابن الزبير يقعون بين السجدتين.
@الثالثبة والثلثون :لم يختلف مبن قال مبن العلماء بوجوب التسبليم وبعدم وجوببه أن التسبليمة
الثانيبة ليسبت بفرض إل مبا روي عبن الحسبن ببن حبي أنبه أوجبب التسبليمتين معبا .قال أببو جعفبر
الطحاوي :لم نجد عن أحد من أهل العلم الذين ذهبوا إلى التسليمتين أن الثانية من فرائضها غيره.
قال ابن عبدالبر من حجة الحسبن بن صبالح فبي إيجاببه التسليمتين جميعبا وقوله إن من أحدث بعد
الولى وقببل الثانيبة فسبدت صبلته -قوله صبلى ال عليبه وسبلم (تحليلهبا التسبليم) ثبم بيبن كيبف
التسليم فكان يسلم عن يمينه وعن يساره ومن حجة من أوجب التسليمة الواحدة دون الثانية قوله
صلى ال عليه وسلم (تحليلها التسليم) قالوا :والتسليمة الواحدة يقع عليها اسم تسليم.
قلت :هذه المسبألة مبنيبة على الخبذ بأقبل السبم أو بآخره ولمبا كان الدخول فبي الصبلة بتكببيرة
واحدة بإجماع فكذلك الخروج منهبا بتسبليمة واحدة إل أنبه تواردت السبنن الثابتبة مبن حديبث اببن
مسبعود -وهبو أكثرهبا تواترا -ومبن حديبث وائل ببن حجبر الحضرمبي وحديبث عمار وحديبث
البراء بن عازب وحديث بن عمر وحديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى ال عليه وسلم كان
يسبلم تسبليمتين .روى اببن جريبج وسبليمان ببن بلل وعبدالعزيبز ببن محمبد الدرداوردي كلهبم عبن
عمرو ابن يحيى المازني .عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان قال :قلت لبن
عمبر :حدثنبي عبن صبلة رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم كيبف كانبت؟ فذكبر التكببير كلمبا رفبع
رأسه وكلما خفضه وذكر السلم عليكم ورحمة ال عن يمينه السلم عليكم ورحمة ال عن يساره
قال اببن عبدالبر وهذا إسبناد مدنبي صبحيح ،والعمبل المشهور بالمدينبة التسبليمة الواحدة وهبو عمبل
قد توارثه أهل المدينة كابرا عن كابر ،ومثله يصح فيه الحتجاج بالعمل في كل بلد لنه ل يخفى
لوقوعبه فبي كبل يوم مرارا وكذلك العمبل بالكوفبة وغيرهبا مسبتفيض عندهبم بالتسبليمتين ومتوارث
عنهم أيضا وكل ما جرى هذا المجرى فهو اختلف في المباح كالذان ،وكذلك ل يروى عن عالم
بالحجاز ول بالعراق ول بالشام ول بمصببر إنكار التسببليمة الواحدة ول إنكار التسببليمتين بببل ذلك
عندهم معروف وحديث التسليمة الواحدة رواه سعد بن أبي وقاص وعائشة وأنس إل أنها معلولة
ل يصححها أهل العلم بالحديث.
@الرابعبة والثلثون :روى الدارقطنبي عبن اببن مسبعود أنبه قال :مبن السبنة أن يخفبى التشهبد.
واختار مالك تشهبببد عمبببر ببببن الخطاب رضبببي ال عنبببه وهبببو التحيات ل الزكيات ل الطيبات
الصلوات ل ،السلم عليك أيها النبي ورحمة ال وبركاته السلم علينا وعلى عباد ال الصالحين،
أشهد أن ل اله إل ال وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .واختار الشافعي وأصحابه والليث بن سعد
تشهبد اببن عباس ،قال :كان رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم يعلمنبا التشهبد كمبا يعلمنبا السبورة مبن
القرآن فكان يقول ( :التحيات المباركات الصلوات الطيبات ل ،السلم عليك أيها النبي ورحمة ال
وبركاتبه ،السبلم علينبا وعلى عباد ال الصبالحين ،أشهبد أن ل اله إل ال وأشهبد أن محمدا رسبول
ال).
واختار الثوري والكوفيون وأكثبر أهبل الحديبث تشهبد ابن مسبعود الذي رواه مسبلم أيضبا ،قال :كنبا
نقول فبي الصبلة خلف رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم السبلم على ال السبلم على فلن ،فقال
رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم ذات يوم (إن ال هبو السبلم فإذا قعبد أحدكبم فبي الصبلة فليقبل
التحيات ل والصبلوات والطيبات السبلم عليبك أيهبا النببي ورحمبة ال وبركاتبه السبلم علينبا وعلى
عباد ال الصالحين فإذا قالها أصابت كل عبد ل صالح في السماء والرض أشهد أن ل إله إل ال
وأشهد أن محمدا عبده ورسول ثم يتخير من المسألة ما شاء) وبه قال أحمد وإسحاق وداود .وكان
أحمد بن خالد بالندلس يختاره ويميل إليه وروي عن أبي موسى الشعري مرفوعا وموقوفا نحو
تشهبد ابن مسعود .وهذا كله اختلف في مباح ليس شيء منه على الوجوب والحمد ل وحده فهذه
جملة مبن أحكام المام والمأموم تضمنهبا قوله جبل وعبز "واركعوا مبع الراكعيبن" [البقرة]43 :
وسبيأتي القول فبي القيام فبي الصبلة عنبد قوله تعالى "وقوموا ل قانتيبن" [البقرة .]238 :ويأتبي
هناك حكم المام المريض وغيره من أحكام الصلة ويأتي في "آل عمران" حكم صلة المريض
غيبر المام ويأتبي فبي "النسباء" فبي صبلة الخوف حكبم المفترض خلف المتنفبل ويأتبي فبي سبورة
"مريبم" حكبم المام يصبلي أرفبع مبن المأموم إلى غيبر ذلك مبن الوقات والذان والمسباجد وهذا
كله بيان لقوله تعالى "وأقيموا الصببلة" وقببد تقدم فببي أول السببورة جملة مببن أحكامهببا والحمببد ل
على ذلك.
* *3الية { 44أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفل تعقلون}
@قوله تعالى" :أتأمرون الناس بالبر" هذا اسبتفهام التوبيبخ والمراد فبي قول أهبل التأويبل علماء
اليهود .قال ابن عباس (كان يهود المدينة يقول الرجل منهم لصهره ولذي قرابته ولمن بينه وبينه
رضاع من المسلمين اثبت على الذي أنت عليه وما يأمرك به هذا الرجل يريدون محمد صلى ال
عليببه وسببلم فإن أمره حببق فكانوا يأمرون الناس بذلك ول يفعلونببه) وعببن ابببن عباس أيضببا (كان
الحبار يأمرون مقلديهبم وأتباعهبم باتباع التوراة وكانوا يخالفونهبا فبي جحدهبم صبفة محمبد صبلى
ال عليبببه وسبببلم) وقال اببببن جريبببج :كان الحبار يحضون على طاعبببة ال وكانوا هبببم يواقعون
المعاصبي وقالت فرقبة :كانوا يحضون على الصبدقة ويبخلون والمعنبى متقارب وقال بعبض أهبل
الشارات المعنى أتطالبون الناس بحقائق المعاني وأنتم تخالقون عن ظواهر رسومها.
@ في شدة عذاب من هذه صفته روى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أنس قال قال رسول
ال صلى ال عليه وسلم (ليلة أسري بي مررت على ناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت
يا جبريل من هؤلء؟ قال هؤلء الخطباء من أهل الدنيا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم
يتلون الكتاب أفل يعقلون) وروى أببو أمامبة قال قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم (إن الذيبن
يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم يجرون قصبهم في نار جهنم فيقال لهم من أنتم فيقولون نحن
الذين كنا نأمر الناس بالخير وننسى أنفسنا).
قلت :وهذا الحديببث وإن كان فيببه ليببن ،لن فببي سببنده الخصببيب بببن جحدر كان المام أحمببد
يسبتضعفه وكذلك اببن معيبن يرويبه عبن أببي غالب عبن أببي أمامبة صبدي ببن عجلن الباهلي وأببو
غالب هو -فيما حكى يحيى بن معين -حزور القرشي مولى خالد بن عبدال بن أسيد وقيل مولى
باهلة .وقيبل مولى عبدالرحمبن الحضرمبي .كان يختلف إلى الشام فبي تجارتبه قال يحيبى ببن معيبن
هبو صبالح الحديبث فقبد رواه مسبلم فبي صبحيحه بمعناه عبن أسبامة ببن زيبد قال سبمعت رسبول ال
صلى ال عليه وسلم يقول (يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها
كمبا يدور الحمار بالرحبى فيجتمبع إليبه أهبل النار فيقولون يبا فلن مبا لك ألم تكبن تأمبر بالمعروف
وتنهبى عبن المنكبر فيقول بلى قبد كنبت آمبر بالمعروف ول آتيبه وأنهبى عبن المنكبر وآتيبه) القصبب
(بضبم القاف) المعبى وجمعبه أقصباب والقتاب المعاء واحدهبا قتبب ومعنبى "فتندلق" :فتخرج
بسرعة .وروينا "فتنفلق".
قلت :فقد دل الحديث الصحيح وألفاظ الية على أن عقوبة من كان عالما بالمعروف وبالمنكبر
وبوجوب القيام بوظيفة كل واحد منهما أشد ممن لم يعلمه وإنما ذلك لنه كالمستهين بحرمات ال
تعالى ومستخف بأحكامه وهو ممن ل ينتفع بعلمه قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (اشد
الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه ال بعلمه ) أخرجه ابن ماجه في سننه.
@ اعلم وفقك ال تعالى أن التوبيخ في الية بسبب ترك فعل البر ل بسبب المر بالبر ولهذا ذم
ال تعالى فبي كتاببه قومبا كانوا يأمرون بأعمال البر ول يعملون بهبا وبخهبم ببه توبيخبا يتلى على
طول الدهر إلى يوم القيامة فقال "أتأمرون الناس بالبر" الية وقال منصور الفقيه فأحسن:
بالذي ل يفعلونا إن قوما يأمرونا
لم يكونوا يصرعونا لمجانين وإن هم
وقال أبو العتاهية:
وريح الخطايا من ثيابك تسطع وصفت التقى حتى كأنك ذو تقى
وقال أبو السود الدؤلي:
عار عليك إذا فعلت عظيم ل تنه عن خلق وتأتي مثله
فإن انتهت عنه فأنت حكيم وابدأ بنفسك فانهها عن غيها
بالقول منك وينفع التعليم فهناك يقبل إن وعظت ويقتدى
وقال أببو عمرو ببن مطبر :حضرت مجلس أببي عثمان الحيري الزاهبد فخرج وقعبد على موضعبه
الذي كان يقعد عليه للتذكير ،فسكت حتى طال سكوته ،فناداه رجل كان يعرف بأبي العباس :ترى
أن تقول في سكوتك شيئا؟ فأنشأ يقول:
طبيب يداوي والطبيب مريض وغير تقي يأمر الناس بالتقى
قال :فارتفعت الصوات بالبكاء والضجيج.
@ قال إبراهيبم النخعبي :إنبي لكره القصبص لثلث آيات ،قوله تعالى" :أتأمرون الناس بالبر"
[البقرة ]44 :الية ،وقوله" :لم تقولون ما ل تفعلون" [الصف ،]2 :وقوله" :وما أريد أن أخالفكم
إلى ما أنهاكم عنه" [هود .]88 :وقال سلم بن عمرو:
يزهد الناس ول يزهد ما أقبح التزهيد من واعظ
أضحى وأمسى بيته المسجد لو كان في تزهيده صادقا
يستمنح الناس ويسترفد إن رفض الدنيا فما باله
يناله البيض والسود والرزق مقسوم على من ترى
وقال الحسن لمطرف بن عبدال :عظ أصحابك ،فقال إني أخاف أن أقول ما ل أفعل ،قال :يرحمك
ال وأينا يفعل ما يقول ويود الشيطان أنه قد ظفر بهذا ،فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر.
وقال مالك عبن ربيعبة ببن أببي عبدالرحمبن سبمعت سبعيد ببن جببير يقول :لو كان المرء ل يأمبر
بالمعروف ول ينهى عن المنكر حتى ل يكون فيه شيء ،ما أمر أحد بمعروف ول نهى عن منكر.
قال مالك :وصدق ،من ذا الذي ليس فيه شيء.
@قوله تعالى" :البر" البر هنا الطاعة والعمل الصالح .والبر :الصدق .والبر :ولد الثعلب .والبر:
سببوق الغنببم ،ومنببه قولهببم" :ل يعرف هرا مببن بر" أي ل يعرف دعاء الغنببم مببن سببوقها .فهببو
مشترك ،وقال الشاعر:
يبرك الناس ويفجرونكا ل هم رب إن بكرا دونكا
أراد بقوله "يبرك الناس" :أي يطيعونك .ويقال :إن البر الفؤاد في قوله:
واجعل ما لي دونه وأوامره أكون مكان البر منه ودونه
والبر (بضبم الباء) معروف ،و(بفتحهبا) الجلل والتعظيبم ،ومنبه ولد بر وبار ،أي يعظبم والديبه
ويكرمهما.
@قوله تعالى" :وتنسون أنفسكم" أي تتركون .والنسيان (بكسر النون) يكون بمعنى الترك ،وهو
المراد هنا ،وفي قوله تعالى" :نسوا ال فنسيهم" [التوبة ،]67 :وقوله" :فلما نسوا ما ذكروا به"
[النعام ،]44 :وقوله" :ول تنسوا الفضل بينكم" [البقرة .]237 :ويكون خلف الذكر والحفظ،
ومنبه الحديبث( :نسبي آدم فنسبيت ذريتبه) .وسبيأتي .يقال :رجبل نسبيان (بفتبح النون) :كثيبر النسبيان
للشيبء .وقبد نسبيت الشيبء نسبيانا ،ول تقبل نَسبَيانا (بالتحريبك) ،لن النسبَيان إنمبا هبو تثنيبة نسبا
العرق .وأنفس :جمع نفس ،جمع قلة .والنفس :الروح ،يقال :خرجت نفسه ،قال أبو خراش:
ولم ينج إل جفن سيف ومئزرا نجا سالم والنفس منه بشدقه
أي بجفبن سبيف ومئزر .ومبن الدليبل على أن النفبس الروح قوله تعالى" :ال يتوفبى النفبس حيبن
موتها" [الزمر ]42 :يريد الرواح في قول جماعة من أهل التأويل على ما يأتي ،وذلك بين في
قول بلل للنببي صبلى ال عليبه وسبلم فبي حديبث اببن شهاب :أخبذ بنفسبي يبا رسبول ال الذي أخبذ
بنفسك .وقوله عليه السلم في حديث زيد بن أسلم (إن ال قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في
حيببن غيببر هذا) رواهمببا مالك .وهببو أولى مببا يقال بببه .والنفببس أيضببا الدم يقال سببالت نفسببه قال
الشاعر:
وليست على غير الظبات تسيل تسيل على حد السيوف نفوسنا
وقال إبراهيم النخعبي ما ليس له نفس سائلة فإنه ل ينجس الماء إذا مات فيه والنفس أيضا الجسبد
قال الشاعر:
أبياتهم تامور نفس المنذر نبئت أن بني سحيم أدخلوا
والتامور أيضا :الدم.
@قوله تعالى" :وأنتم تتلون الكتاب" توبيخ عظيم لمن فهم" .وتتلون" :تقرؤون "الكتاب" التوراة.
وكذا مبن فعبل فعلهبم كان مثلهبم وأصبل التلوة التباع ،ولذلك اسبتعمل فبي القراءة لنبه يتببع بعبض
الكلم ببعبض فبي حروفبه حتبى يأتبي على نسبقه :يقال :تلوتبه إذا تبعتبه تلوا وتلوت القرآن تلوة.
وتلوت الرجبل تلوا إذا خذلتبه .والتليبة والتلوة (بضبم التاء) البقيبة يقال تليبت لي مبن حقبي تلوة
وتليبة أي بقيبت .وأتليبت أبقيبت وتتّليبت حقبي إذا تتبعتبه حتبى تسبتوفيه .قال أببو زيبد تلى الرجبل إذا
كان بآخر رمق.
@قوله تعالى" :أفل تعقلون" أي أفل تمنعون أنفسكم من مواقعة هذه الحال المردية لكم .والعقل
المنع ،ومنه عقال البعير لنه يمنع عن الحركة ومنه العقل للدية لنه يمنع ولي المقتول عن قتل
الجاني ،ومنه اعتقال البطن واللسان ،ومنه يقال للحصن معقل والعقل نقيض الجهل والعقل ثوب
أحمر تتخذه نساء العرب تغشي به الهوادج .قال علقمة:
كأنه من دم الجواف مدموم عقل ورقما تكاد الطير تخطفه
المدموم (بالدال المهملة) الحمر وهو المراد هنا والمدموم الممتلئ شحما من البعير وغيره .ويقال
هما ضربان من البرود قال ابن فارس :والعقل من شيات الثياب ما كان نقشه طول وما كان نقشه
مستديرا فهو الرقم .وقال الزجاج :العاقل من عمل بما أوجب ال عليه فمن لم يعمل فهو جاهل.
@ اتفبق أهبل الحبق على أن العقبل كائن موجود ليبس بقديبم ول معدوم لنبه لو كان معدومبا لمبا
اختبص بالتصباف ببه بعبض الذوات دون بعبض وإذا ثببت وجوده فيسبتحيل القول بقدمبه ،إذ الدليبل
قبد قام على أن ل قديم إل ال تعالى على ما يأتبي بيانه فبي هذه السورة وغيرها إن شاء ال تعالى.
وقبد صبارت الفلسبفة إلى أن العقبل قديبم ثبم منهبم مبن صبار إلى أنبه جوهبر لطيبف فبي البدن ينببث
شعاعبه منبه بمنزلة السبراج فبي البيبت يفصبل ببه بيبن حقائق المعلومات ومنهبم مبن قال إنبه جوهبر
بسيط أي غير مركب .ثم اختلفوا في محله فقالت طائفة منهم محله الدماغ لن الدماغ محل الحس،
وقالت طائفبة أخرى محله القلب لن القلب معدن الحياة ومادة الحواس وهذا القول فبي العقبل بأنبه
جوهبر فاسبد مبن حيبث إن الجواهبر متماثلة فلو كان جوهبر عقل لكان كبل جوهبر عقل وقيبل إن
العقبل هبو المدرك للشياء على مبا هبي عليبه مبن حقائق المعانبي وهذا القول وإن كان أقرب ممبا
قبله فيبعبد عبن الصبواب مبن جهبة أن الدراك مبن صبفات الحبي والعقبل عرض يسبتحيل ذلك منبه
كمببا يسببتحيل أن يكون ملتذا ومشتهيببا .وقال الشيببخ أبببو الحسببن الشعري والسببتاذ أبببو إسببحاق
السبفرايني وغيرهمبا مبن المحققيبن العقبل هبو العلم بدليبل أنبه ل يقال عقلت ومبا علمبت أو علمبت
ومببا عقلت .وقال القاضببي أبببو بكببر العقببل علوم ضروريببة بوجوب الواجبات وجواز الجائزات
واستحالة المستحيلت ،وهو اختيار أبي المعالي في الرشاد .واختار في البرهان أنه صفة يتأتى
بها درك العلوم واعترض على مذهب القاضي واستدل على فسباد مذهبه وحكي في البرهان عن
المحاسبي أنه قال العقل غريزة .وحكى الستاذ أبو بكر عن الشافعي وأبي عبدال بن مجاهد أنهما
قال :العقبل آلة التمييبز .وحكبى عبن أببي العباس القلنسبي أنبه قال العقبل قوة التمييبز .وحكبي عبن
المحاسببي أنبه قال العقبل أنوار وبصبائر ثبم رتبب هذه القوال وحملهبا على محامبل فقال :والولى
أل يصببح هذا النقببل عببن الشافعببي ول عببن ابببن مجاهببد فإن اللة إنمببا تسببتعمل فببي اللة المثبتببة
واسببتعمالها فببي العراض مجاز وكذلك قول مببن قال إنببه قوة فإنببه ل يعقببل مببن القوة إل القدرة.
والقلنسبي أطلق مبا أطلقبه توسبعا فبي العبارات وكذلك المحاسببي .والعقبل ليبس بصبورة ول نور
ولكن تستفاد به النوار والبصائر ،وسيأتي في هذه السورة بيان فائدته في آية التوحيد إن شاء ال
تعالى.
**3الية{ 45 :واستعينوا بالصبر والصلة وإنها لكبيرة إل على الخاشعين}
@قوله تعالى" :واسبتعينوا بالصببر والصبلة" الصببر الحببس فبي اللغبة :وقتبل فلن صببرا أي
أمسبك وحببس حتبى أتلف .وصببرت نفسبي على الشيبء :حبسبتها .والمصببورة التبي نهبي عنهبا فبي
الحديث هي المحبوسة على الموت ،وهي المجثّمة .وقال عنترة:
ترسو إذا نفس الجبان تطلع فصبرتُ عارف ًة لذلك حرة
أمر تعالى بالصبر على الطاعة وعن المخالفة في كتابه فقال "واصبروا" يقال فلن صابر عن
المعاصبي ،وإذا صببر عبن المعاصبي فقبد صببر على الطاعبة ،هذا أصبح مبا قيبل .قال النحاس ول
يقال لمبن صببر على المصبيبة :صبابر ،إنمبا يقال صبابر على كذا .فإذا قلت صبابر مطلقبا فهبو على
ما ذكرنا ،قال ال تعالى "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" [الزمر.]10 :
@قوله تعالى" :والصلة" خص الصلة بالذكر من بين سائر العبادات تنويها بذكرها ،وكان عليه
السلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلة .ومنه ما روي أن عبدال بن عباس نعي له أخوه قثم -وقيل
بنت له -وهو في سفر فاسترجع وقال( :عورة سترها ال ،ومؤونة كفاها ال ،وأجر ساقه ال .ثم
تنحبى عبن الطريبق وصبلى ثبم انصبرف إلى راحلتبه وهبو يقرأ" :واسبتعينوا بالصببر والصبلة"
فالصلة على هذا التأويل هي الشرعية ،وقال قوم :هي الدعاء على عرفها في اللغة ،فتكون الية
على هذا التأويبل مشبهبة لقوله تعالى" :إذا لقيتبم فئة فاثبتوا واذكروا ال" [النفال ]45لن الثبات
هبو الصببر ،والذكبر هبو الدعاء .وقول ثالث قال مجاهبد الصببر فبي هذه اليبة الصبوم ومنبه قيبل
لرمضان شهر الصبر فجاء الصوم والصلة على هذا القول في الية متناسبا في أن الصيام يمنع
من الشهوات ويزهد في الدنيا والصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتخشع ويقرأ فيها القرآن الذي
يذكر الخرة وال أعلم.
@ الصبر على الذى والطاعات من باب جهاد النفس وقمعها عن شهواتها ومنعها من تطاولها
وهو من أخلق النبياء والصالحين ،قال يحيى بن اليمان :الصبر أل تتمنى حال سوى ما رزقك
ال والرضا بما قضى ال من أمر دنياك وآخرتك .وقال الشعبي قال علي رضي ال عنه :الصبر
مبن اليمان بمنزلة الرأس مبن الجسبد .قال الطببري :وصبدق علي رضبي ال منبه وذلك أن اليمان
معرفبة بالقلب وإقرار باللسبان وعمبل بالجوارح فمبن لم يصببر على العمبل بجوارحبه لم يسبتحق
اليمان بالطلق .فالصببر على العمبل بالشرائع نظيبر الرأس مبن الجسبد للنسبان الذي ل تمام له
إل به.
@ وصبف ال تعالى جزاء العمال وجعبل لهبا نهايبة وحدا فقال" :مبن جاء بالحسبنة فله عشبر
أمثالهبا" [النعام ]160وجعبل جزاء الصبدقة فبي سببيل ال فوق هذا فقال" :مثبل الذيبن ينفقون
أموالهم في سبيل ال كمثل حبة" [البقرة ]261 :الية .وجعل أجر الصابرين بغير حساب ومدح
أهله فقال "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" [الزمر ]10 :وقال "ولمن صبر وغفر إن
ذلك لمبن عزم المور" [الشورى .]43 :وقبد قيبل أن المراد بالصبابرين فبي قوله "إنمبا يوفبى
الصابرون" [الزمر ]10 :أي الصائمون ،لقوله تعالى في صحيح السنة عن النبي صلى ال عليه
وسلم :الصيام لي وأنا أجزي به .فلم يذكر ثوابا مقدرا كما لم يذكره في الصبر وال اعلم.
@ من فضل الصبر وصف ال تعالى نفسه به كما في حديث أبي موسى عن النبي صلى ال عليه
وسلم قال( :ليس أحد أو ليس شيء أصبر على أذى سمعه من ال تعالى ،إنهم ليدعون له ولدا وإنه
ليعافيهم ويرزقهم) .أخرجه البخاري .قال علماؤنا :وصف ال تعالى بالصبر إنما هو بمعنى الحلم
ومعنبى وصبفه تعالى بالحلم هبو تأخيبر العقوببة عبن المسبتحقين لهبا ،ووصبفه تعالى بالصببر لم يرد
فبي التنزيبل وإنمبا ورد فبي حديبث أببي موسبى وتأوله أهبل السبنة على تأويبل الحلم قال اببن فورك
وغيره :وجاء في أسمائه "الصبور" للمبالغة في الحلم عمن عصاه.
@قوله تعالى" :وإنها لكبيرة" اختلف المتأولون في عود الضمير من قوله" :وإنها" ،فقيل :على
الصبلة وحدها خاصة ،لنهبا تكببر على النفوس ما ل يكبر الصبوم .والصبر هنبا الصبوم فالصلة
فيها سجن النفوس والصبوم إنمبا فيبه منع الشهوة فليبس مبن منع شهوة واحدة أو شهوتين كمبن منع
جميع الشهوات .فالصائم إنما منع شهوة النساء والطعام والشراب ثم ينبسط في سائر الشهوات من
الكلم والمشبي والنظبر إلى غيبر ذلك مبن ملقاة الخلق ،فيتسبلى بتلك الشياء عمبا منبع والمصبلي
يمتنببع مببن جميببع ذلك فجوارحببه كلهببا مقيدة بالصببلة عببن جميببع الشهوات .وإذا كان ذلك كانببت
الصلة أصعب على النفس ومكابدتها أشد فلذلك قال "وإنها لكبيرة" وقيل عليهما ،ولكنه كنى عن
الغلب وهو الصبلة ،كقوله "والذيبن يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونهبا فبي سببيل ال" [التوبة:
]34وقوله "وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها" [الجمعة .]11 :فرد الكناية إلى الفضة لنها
الغلب والعبم وإلى التجارة لنهبا الفضبل والهبم .وقيبل إن الصببر لمبا كان داخل فبي الصبلة
أعاد عليها كما قال" :وال ورسوله أحق أن يرضوه" [التوبة ]62 :ولم يقل يرضوهما لن رضا
الرسول داخل في رضا ال جل وعز ومنه قول الشاعر:
إن شرخ الشباب والشعر السب بود ما لم يعاص كان جنونا
ولم يقبل يعاصبيا ،رد إلى الشباب لن الشعبر داخبل فيبه وقيبل رد الكنايبة إلى كبل واحبد منهبم لكبن
حذف اختصارا ،قال ال تعالى "وجعلنا ابن مريم وأمه آية" [المؤمنون ]50 :ولم يقل آيتين ومنه
قول الشاعر:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيار بها لغريب
وقال آخر:
لكل هم من الهموم سعه والصبح والمسي ل فلح معه
أراد :لغريبان ،ل فلح معهمبا ،وقيبل على العبادة التبي يتضمنهبا بالمعنبى ذكبر الصببر والصبلة
وقيل على المصدر وهى الستعانة التي يقتضيها قوله" :واستعينوا" وقيل على أجابه محمد عليه
السبلم ،لن الصببر والصبلة ممبا كان يدعبو إليبه .وقيبل على الكعببة لن المبر بالصبلة إنمبا هبو
إليهببا" .وكبببيرة" معناه ثقيلة شاقببة ،خبببر "إن" ويجوز فببي غيببر القرآن" :وإنببه لكبببيرة إل على
الخاشعيبن" فإنهبا خفيفبة عليهبم .قال أرباب المعانبي إل على مبن أيبد فبي الزل بخصبائص الجتباء
والهدى.
@قوله تعالى" :على الخاشعين" الخاشعون جمع خاشع وهو المتواضع والخشوع هيئة في النفس
يظهببر منهببا فببي الجوارح سببكون وتواضببع .وقال قتادة الخشوع فببي القلب وهببو الخوف وغببض
البصببر فببي الصببلة .قال الزجاج الخاشببع الذي يرى أثبر الذل والخشوع عليبه كخشوع الدار بعببد
القوان؟؟ هذا هو الصل قال النابغة:
رماد ككحل العين ليا أبينه ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع
ومكان خاشبع :ل يهتدى له .وخشعبت الصبوات أي سبكنت ،وخشعبت خراشبي صبدره إذا ألقبى
بصباقا لزجبا .وخشبع ببصبره إذا غضبه .والخشعبة قطعبة مبن الرض رخوة .وفبي الحديبث (كانبت
خشعببة على الماء ثببم دحيببت بعببد) .وبلدة خاشعببة مغبببرة ل منزل بهببا .قال سببفيان الثوري سببألت
العمبش عبن الخشوع فقال يبا ثوري أنبت تريبد أن تكون إمامبا للناس ول تعرف الخشوع سبألت
إبراهيبم النخعبي عبن الخشوع فقال أعيمبش تريبد أن تكون إمامبا للناس ول تعرف الخشوع ليبس
الخشوع بأكبل الخشبن ولببس الخشبن وتطأطبؤ الرأس ،لكبن الخشوع أن ترى الشريبف والدنيبء فبي
الحبق سبواء ،وتخشع ل فبي كبل فرض افترض عليبك .ونظر عمر بن الخطاب إلى شاب قبد نكبس
رأسبه فقال يبا هذا! ارفبع رأسبك فإن الخشوع ل يزيبد على مبا فبي القلب .وقال علي ببن أببي طالب:
الخشوع فببي القلب ،وأن تليببن كفيببك للمرء المسبلم وأل تلتفبت فببي صببلتك .وسبيأتي هذا المعنببى
مجودا عنبد قوله تعالى "قبد أفلح المؤمنون الذيبن هبم فبي صبلتهم خاشعون" [المؤمنون]2 - 1 :
فمن أظهر للناس خشوعا فوق ما في قلبه فإنما أظهر نفاقا على نفاق .قال سهل بن عبدال ل يكون
خاشعا حتى تخشع كل شعرة على جسده لقول ال تبارك وتعالى" :تقشعر منه جلود الذين يخشون
ربهم" [الزمر.]23 :
قلت :هذا هببو الخشوع المحمود لن الخوف إذا سبببكن القلب أوجبببب خشوع الظاهبببر فل يملك
صاحبه دفعه فتراه مطرقا متأدبا متذلل .وقد كان السلف يجتهدون في ستر ما يظهر من ذلك وأما
المذموم فتكلفبه والتباكبي ومطأطأة الرأس كمبا يفعله الجهال ليروا بعيبن البر والجلل وذلك خدع
مبن الشيطان وتسبويل مبن نفبس النسبان .روى الحسبن أن رجل تنفبس عنبد عمبر ببن الخطاب كأنبه
يتحازن فلكزه عمبر أو قال لكمبه .وكان عمبر رضبي ال عنبه إذا تكلم أسبمع وإذا مشبى أسبرع وإذا
ضرب أوجع وكان ناسكا صدقا وخاشعا حقا .وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال :الخاشعون هم
المؤمنون حقا.
**3الية{ 46 :الذين يظنون أنهم ملقو ربهم وأنهم إليه راجعون}
@قوله تعالى" :الذيبن يظنون" (الذيبن) فبي موضبع خفبض على النعبت للخاشعيبن ،ويجوز الرفبع
على القطبع .والظبن هنبا فبي قول الجمهور بمعنبى اليقيبن ومنبه قوله تعالى "إنبي ظننبت أنبي ملق
حسابيه" [الحاقة ]20 :وقوله" :فظنوا أنهم مواقعوها" [الكهف .]53 :قال دريد بن الصمة:
سراتهم في الفارسي المسرد فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج
وقال أبو داود:
وغيوب كشفتها بظنون رب هم فرجته بغريم
وقبد قيبل :إن الظبن فبي اليبة يصبح أن يكون على باببه ويضمبر فبي الكلم بذنوبهبم فكأنهبم يتوقعون
لقاءه مذنبين ذكر المهدوي والماوردي قال ابن عطية :وهذا تعسف .وزعم الفراء أن الظن قد يقع
بمعنبى الكذب ول يعرف ذلك البصبريون .وأصبل الظبن وقاعدتبه الشبك مبع ميبل إلى أحبد معتقديبه
وقبد يوقبع موقبع اليقيبن ،كمبا فبي هذه اليبة وغيرهبا لكنبه ل يوقبع فيمبا قبد خرج إلى الحبس ل تقول
العرب فبي رجبل مرئي حاضبر :أظبن هذا إنسبانا .وإنمبا تجبد السبتعمال فيمبا لم يخرج إلى الحبس
بمعنبى كهذه اليبة والشعبر ،وكقوله تعالى "فظنوا أنهبم مواقعوهبا" .وقبد يجيبء اليقيبن بمعنبى الظبن
وقد تقدم بيانه أول السورة وتقول :سؤت به ظنا وأسأت به الظن .يدخلون اللف إذا جاؤوا باللف
واللم .ومعنى "ملقو ربهم" جزاء ربهم .وقيل :إذا جاء على المفاعلة وهو من واحد ،مثل عافاه
ال" .وأنهبم" بفتبح الهمزة عطبف على الول ويجوز "وإنهبم" بكسبرها على القطبع" .إليبه" أي إلى
ربهم ،وقيل إلى جزائه" .راجعون" إقرار بالبعث والجزاء والعرض على الملك العلى.
* *3الية{ 47 :يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين}
@قوله تعالى" :يبا بنبي إسبرائيل اذكروا نعمتبي التبي أنعمبت عليكبم" تقدم" .وأنبي فضلتكبم على
العالمين" يريد على عالمي زمانهم ،وأهل كل زمان عالم .وقيل :على كل العالمين بما جعل فيهم
من النبياء .وهذا خاصة لهم وليست لغيرهم.
**3الية{ 48 :واتقوا يوما ل تجزي نفس عن نفس شيئا ول يقبل منها شفاعة ول يؤخذ منها
عدل ول هم ينصرون}
@قوله تعالى" :واتقوا يوما ل تجزي نفس عن نفس شيئا" أمر معناه الوعيد ،وقد مضى الكلم
في التقوى" .يوماً" يريد عذابه وهوله وهو يوم القيامة .وتنصب على المفعول بب "اتقوا" .ويجوز
فببي غيببر القرآن يوم ل تجزي على الضافببة .وفببي الكلم حذف بيببن النحوييببن فيببه اختلف .قال
البصريون :التقدير يوما ل تجزي فيه نفس عن نفس شيئا ثم حذف فيه كما قال:
ويوما شهدناه سليما وعامرا
أي شهدنا فيه .وقال الكسائي :هذا خطأ ل يجوز حذف "فيه" ولكن التقدير :واتقوا يوما ل تجزيه
نفس ،ثم حذف الهاء .وإنما يجوز حذف الهاء لن الظروف عنده ل يجوز حذفها قال :ل يجوز أن
تقول هذا رجل قصبدت ،ول رأيبت رجل أرغبب ،وأنبت تريبد قصبدت إليبه وأرغبب فيبه قال :ولو
جاز ذلك لجاز الذي تكلمبت زيبد بمعنبى تكلمبت فيبه زيبد .وقال الفراء يجوز أن تحذف الهاء وفيبه.
وحكى المهدوي أن الوجهين جائزان عند سيبويه والخفش والزجاج .ومعنى "ل تجزي نفس عن
نفس شيئا" أي ل تؤاخذ نفس بذنب أخرى ول تدفع عنها شيئا تقول :جزى عني هذا المر يجزي،
كما تقول قضى عني واجتزأت بالشيء اجتزاء إذا اكتفيت به ،قال الشاعر:
وأن الحر يجزأ بالكراع فإن الغدر في القوام عار
أي يكتفبي بهبا وفبي حديبث عمبر (إذا أجريبت الماء على الماء جزى عنبك) يريبد إذا صبببت الماء
على البول فبي الرض فجرى عليبه طهبر المكان ول حاجبة ببك إلى غسبل ذلك الموضبع وتنشيبف
الماء بخرقة أو غيرها كما يفعل كثيبر من الناس .وفي صحيح الحديث عن أبي بردة بن نيار فبي
الضحيبة (لن تجزي عبن أحبد بعدك) أي لن تغنبي .فمعنبى ل تجزي ل تقضبي ول تغنبي ول تكفبي
إن لم يكن عليها شيء ،فإن كان فإنها تجزي وتقضي وتغني ،بغير اختيارها من حسناتها ما عليها
مبن الحقوق ،كمبا فبي حديبث أببي هريرة أن رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم قال (مبن كانبت عنده
مظلمة لخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أل يكون دينار ول درهم إن كان له عمل
صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) .خرجه
البخاري .ومثله حديثبه الخبر فبي المفلس وقبد ذكرناه فبي التذكرة خرجبه مسبلم .وقرئ "تجزئ"
بضببم التاء والهمببز .ويقال جزى وأجزى بمعنببى واحببد وقببد فرق بينهمببا قوم فقالوا جزى بمعنببى
قضى وكافأ ،وأجزى بمعنى أغنى وكفى .أجزأني الشيء يجزئني :أي كفاني قال الشاعر
ليجزئ إل كامل وابن كامل وأجزأت أمر العالمين ولم يكن
@قوله تعالى" :ول يقبل منها شفاعة" الشفاعة مأخوذة من الشفع وهما الثنان ،تقول كان وترا
فشفعتبه شفعبا والشفعبة منبه لنبك تضبم ملك شريكبك إلى ملكبك .والشفيبع صباحب الشفعبة وصباحب
الشفاعبة وناقبة شافبع :إذا اجتمبع لهبا حمبل وولد يتبعهبا ،تقول منبه :شفعبت الناقبة شفعبا وناقبة شفوع
وهي التي تجمع بين محلبين في حلبة واحدة واستشفعته إلى فلن سألته أن يشفع لي إليه .وتشفعت
إليبه فبي فلن فشفعنبي فيبه فالشفاعبة إذا ضبم غيرك إلى جاهبك ووسبيلتك فهبي على التحقيبق إظهار
لمنزلة الشفيع عند المشفع وإيصال منفعته للمشفوع.
@ مذهبب أهبل الحبق أن الشفاعبة حبق ،وأنكرهبا المعتزلة وخلدوا المؤمنيبن مبن المذنببين الذيبن
دخلوا النار فبي العذاب والخبار متظاهرة بأن مبن كان مبن العصباة المذنببين الموحديبن مبن أمبم
النببيين هبم الذيبن تنالهبم شفاعبة الشافعيبن مبن الملئكبة والنببيين والشهداء والصبالحين .وقبد تمسبك
القاضي عليهم في الرد بشيئين أحدهما :الخبار الكثيرة التي تواترت في المعنى والثاني الجماع
مبن السبلف على تلقبي هذه الخبار بالقبول ولم يببد مبن أحبد منهبم فبي عصبر مبن العصبار نكيبر
فظهور روايتها وإطباقهم على صحتها وقبولهم لها دليل قاطع على صحة عقيدة أهل الحق وفساد
دين المعتزلة.
فإن قالوا قد وردت نصوص من الكتاب بما يوجب رد هذه الخبار مثل قوله "ما للظالمين من
حميم ول شفيع يطاع" [غافر ]18 :قالوا :وأصحاب الكبائر ظالمون وقال "من يعمل سوءا يجز
به" [النساء" ]123 :ول يقبل منها شفاعة" [البقرة ]48 :قلنا :ليست هذه اليات عامة في كل
ظالم والعموم ل صبيغة له فل تعبم هذه اليات كبل مبن يعمبل سبوءا وكبل نفبس ،وإنمبا المراد بهبا
الكافرون دون المؤمنيبن بدليبل الخبار الواردة فبي ذلك وأيضبا فإن ال تعالى أثببت شفاعبة لقوام
ونفاها عن أقوام فقال في صفة الكافرين "فما تنفعهم شفاعة الشافعين" [المدثر ]48 :وقال "ول
يشفعون إل لمبن ارتضبى" [النببياء ]28 :وقال "ول تنفبع الشفاعبة عنده إل لمبن أذن له" [سببأ:
]23فعلمنا بهذه الجملة أن الشفاعة إنما تنفع المؤمنين دون الكافرين .وقد أجمع المفسرون على
أن المراد بقوله تعالى "واتقوا يومبا ل تجزى نفبس عبن نفبس شيئا ول يقببل منهبا شفاعبة" النفبس
الكافرة ل كببل نفبس .ونحبن وإن قلنببا بعموم العذاب لكببل ظالم عاص فل نقول إنهببم مخلدون فيهببا
بدليل الخبار التي رويناها وبدليل قوله "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء ]48 :وقوله "انه
ل ييأس من روح ال إل القوم الكافرون" [يوسف.]87 :
فإن قالوا :فقد قال تعالى" :ول يشفعون إل لمن ارتضى" والفاسق غير مرتضى قلنا لم يقل لمن
ل يرضببى وإنمببا قال "لمببن ارتضببى" ومببن ارتضاه ال للشفاعببة هببم الموحدون ،بدليببل قوله "ل
يملكون الشفاعة إل من اتخذ عند الرحمن عهدا" [مريم ]87وقيل للنبي صلى ال عليه وسلم ما
عهد ال مع خلقه قال (أن يؤمنوا ول يشركوا به شيئا) وقال المفسرون إل من قال ل إله إل ال
فإن قالوا المرتضبى هو التائب الذي اتخذ عند ال عهدا بالناببة إليه بدليل أن الملئكبة استغفروا
لهم ،وقال "فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك" [غافر ]7 :وكذلك شفاعة النبياء عليهم السلم إنما
هبي لهبل التوببة دون أهبل الكبائر .قلنبا :عندكبم يجبب على ال تعالى قبول التوبة فإذا قببل ال توبة
المذنببب فل يحتاج إلى الشفاعببة ول إلى السببتغفار .وأجمببع أهببل التفسببير على أن المراد بقوله
"فاغفر للذين تابوا" أي من الشرك "واتبعوا سبيلك" أي سبيل المؤمنين .سألوا ال تعالى أن يغفر
لهم ما دون الشرك من ذنوبهم كما قال تعالى "ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء.]48 :
فإن قالوا جميبع المبة يرغبون فبي شفاعبة النببي صبلى ال عليبه وسبلم فلو كانبت لهبل الكبائر
خاصة بطل سؤالهم.
قلنا :إنما يطلب كل مسلم شفاعة الرسول ويرغب إلى ال في أن تناله لعتقاده انه غير سالم من
الذنوب ول قائم ل سبحانه بكل ما افترض عليه بل كل واحد معترف على نفسه بالنقص فهو لذلك
يخاف العقاب ويرجبو النجاة وقال صبلى ال عليبه وسبلم (ل ينجبو أحبد إل برحمبة ال تعالى فقيبل:
ول أنت يا رسول ال فقال ول أنا إل أن يتغمدني ال برحمته).
@قوله تعالى" :ول يقبل" قرأ ابن كثير وأبو عمرو "تقبل" بالتاء لن الشفاعة مؤنثة وقرأ الباقون
بالياء على التذكيبر لنهبا بمعنبى الشفيبع وقال الخفبش حسبن التذكيبر لنبك قبد فرقبت ،كمبا تقدم فبي
قوله "فتلقى آدم من ربه كلمات" [البقرة.]37 :
@قوله تعالى" :ول يؤخذ منها عدل "أي فداء .والعدل (بفتح العين) الفداء و(بكسرها) المثل يقال
عدل وعديبل للذي يماثلك فبي الوزن والقدر .ويقال :عدل الشيبء هبو الذي يسباويه قيمبة وقدرا وإن
لم يكن من جنسه والعدل (بالكسر) هو الذي يساوي الشيء من جنسه وفي جرمه وحكى الطبري
أن من العرب من يكسر العين من معنى الفدية فأما واحد العدال فبالكسر ل غير
@قوله تعالى" :ول هم ينصرون "أي يعانون والنصر العون والنصار العوان ومنه قوله "من
أنصباري إلى ال" [آل عمران ]52 :أي مبن يضبم نصبرته إلى نصبرتي وانتصبر الرجبل أنتقبم
والنصر التيان يقال نصرت أرض بني فلن أتيتها قال الشاعر :
بلد تميم وانصري أرض عامر إذا دخل الشهر الحرام فودعي
والنصر المطر يقال نصرت الرض مطرت والنصر العطاء قال :
لقائل يا نصر نصرا نصرا إني وأسطار سطرن سطرا
وكان سبببب هذه اليببة فيمببا ذكروا أن بنببي إسببرائيل قالوا :نحببن أبناء ال وأحباؤه وأبناء أنبببيائه
وسبيشفع لنا آباؤنا فأعلمهم ال تعالى عن يوم القيامبة أنه ل تقببل فيه الشفاعات ول يؤخبذ فيه فديبة
وإنما خص الشفاعة والفدية والنصر بالذكر ،لنها هي المعاني التي اعتادها بنو آدم في الدنيا فإن
الواقع في الشدة ل يتخلص إل بأن يشفع له أو ينصر أو يفتدي.
**3الية{ 49 :وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون
نساءكم وفي ذلكم بلء من ربكم عظيم} (فيها ثلثة عشرة مسألة):
@الولى :قوله تعالى" :وإذ نجيناك" "إذ" في موضع نصب عطف على "اذكروا نعمتي" وهذا
ومبا بعده تذكيبر ببعبض النعبم التبي كانبت له عليهبم أي اذكروا نعمتبي بإنجائكبم مبن عدوكبم وجعبل
النببياء فيكببم .والخطاب للموجوديبن والمراد مبن سبلف مبن الباء كمبا قال "إنبا لمبا طغببى الماء
حملناكبم فبي الجاريبة" [الحاقبة ]11 :أي حملنبا آباءكبم وقيبل إنمبا قال "نجيناكبم" لن نجاة الباء
كانبت سبببا لنجاة هؤلء الموجوديبن .ومعنبى "نجيناكبم" ألقيناكبم على نجوة مبن الرض وهبي مبا
ارتفبع منهبا هذا هو الصل ثم سمى كل فائز ناجيبا فالناجبي من خرج من ضيبق إلى سعة وقرىء
"وإذ نجيتكم" على التوحيد.
@الثانيبة :قوله تعالى" :مبن آل فرعون ""آل فرعون" قومبه وأتباعبه وأهبل دينبه وكذلك آل
الرسبول صبلى ال عليبه وسبلم مبن هبو على دينبه وملتبه فبي عصبره وسبائر العصبار سبواء كان
نسبيبا له أو لم يكبن .ومبن لم يكبن على دينبه وملتبه فليبس مبن آله ول أهله وإن كان نسبيبه وقريببه.
خلفا للرافضة حيث قالت :إن آل الرسول ال صلى ال عليه وسلم فاطمة والحسن والحسين فقط.
دليلنبا قوله تعالى "وأغرقنبا آل فرعون" [البقرة" ]50 :أدخلوا آل فرعون أشبد العذاب" [غافبر:
]46أي آل دينه إذ لم يكن له ابن ول بنت ول أب ول عم ول أخ ول عصبة ولنه ل خلف أن
مبن ليبس بمؤمبن ول موحبد فإنبه ليبس مبن آل محمبد وإن كان قريببا له ولجبل هذا يقال إن أببا لهبب
وأبا جهل ليسا من آله ول من أهله وإن كان بينهما وبين النبي صلى ال عليه وسلم قرابة ولجل
هذا قال ال تعالى في ابن نوح "إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح" [هود ]46 :وفي صحيح
مسلم عن عمرو بن العاص قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم جهارا غير سر يقول (أل
إن آل أبي -يعني فلنا -ليسوا لي بأولياء إنما وليي ال وصالح المؤمنين) وقالت طائفة آل محمد
أزواجه وذريته خاصة لحديث أبي حميد الساعدي أنهم قالوا يا رسول ال كيف نصلي عليك؟ قال
(قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صلت على آل إبراهيم وبارك على محمد
وعلى أزواجه وذريته كمبا باركت على آل إبراهيم إنك حميبد مجيبد) رواه مسبلم وقالت طائفة من
أهبل العلم الهبل معلوم والل التباع والول أصبح لمبا ذكرناه ولحديبث عبدال ببن أببي أوفبى أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال (اللهم صل عليهم) فأتاه أبي بصدقته
فقال (اللهم صل على آل أبي أوفى)
@الثالثة :اختلف النحاة هل يضاف الل إلى البلدان أو ل؟ فقال الكسائي :إنما يقال آل فلن وآل
فلنبة ول يقال فبي البلدان هو من آل حمبص ول مبن آل المدينة قال الخفش إنما يقال في الرئيبس
العظم نحو آل محمد صلى ال عليه وسلم وآل فرعون لنه رئيسهم في الضللة قال وقد سمعناه
في البلدان قالوا :أهل المدينة وآل المدينة.
@الرابعبة :واختلف النحاة أيضبا هبل يضاف الل إلى المضمبر أو ل؟ فمنبع مبن ذلك النحاس
والزبيدي والكسائي فل يقال إل اللهم صل على محمد وآل محمد ول يقال وآله والصواب أن يقال
أهله وذهببت طائفبة أخرى إلى أن ذلك يقال منهبم اببن السبيد وهبو الصبواب لن السبماع الصبحيح
يعضده فإنه قد جاء في قول عبدالمطلب:
بنع رحله فامنع حللك ل هم إن العبد يمب
بب وعابديه اليوم آلك وانصر على آل الصليب
وقال ندبة:
وآلي كما تحمي حقيقة آلكا أنا الفارس الحامي حقيقة والدي
الحقيقة [بقافين] ما يحق على النسان أن يحميه أي تجب عليه حمايته
@الخامسبة :واختلفوا أيضبا فبي أصبل آل فقال النحاس أصبله أهبل ثبم أبدل مبن الهاء ألفبا فإن
صبغرته رددتبه إلى أصبله فقلت :أهيبل وقال المهدوي :أصبله أول وقيبل :أهبل ،قبلت الهاء همزة ثبم
أبدلت الهمزة ألفبا وجمعبه آلون وتصبغيره أويبل فيمبا حكبى الكسبائي .وحكبى غيره أهيبل وقبد ذكرنبا
عن النحاس وقال أبو الحسن بن كيسان :إذا جمعت آل قلت آلون فإن جمعت آل الذي هو السراب
قلت آوال مثل مال وأموال.
@السادسة :قوله تعالى" :فرعون" قيل :إنه اسم ذلك الملك بعينه وقيل إنه اسم كل ملك من ملوك
العمالقبة مثبل كسبرى للفرس وقيصبر للروم والنجاشبي للحبشبة وأن اسبم فرعون موسبى قابوس فبي
قول أهبل الكتاب .وقال وهبب اسبمه الوليبد ببن مصبعب ببن الريان ويكنبى أببا مرة وهبو مبن بنبي
عمليق بن لوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السلم .قال السهيلي :وكل من ولى القبط ومصر فهو
فرعون وكان فارسببيا مببن أهببل اصببطخر قال المسببعودي ل يعرف لفرعون تفسببير بالعربيببة قال
الجوهري فرعون لقببب الوليببد بببن مصببعب ملك مصببر وكببل عات فرعون والعتاة الفراعنببة وقببد
تفرعبن وهبو ذو فرعنبة أي دهاء ونكبر .وفبي الحديبث (أخذنبا فرعون هذه المبة) "وفرعون" فبي
موضع خفض إل أنه ل ينصرف لعجمته
@السابعة :قوله تعالى" :يسومونكم "قيل معناه يذيقونكم ويلزمونكبم إياه وقال أبو عبيدة يولونكبم
يقال سامه خطة خسف إذا أوله إياها ومنه قول عمرو بن كلثوم
أبينا أن نقر الخسف فينا إذا ما الملك سام الناس خسفا
وقيبل يديمون تعذيبكبم والسبوم الدوام ومنبه سبائمة الغنبم لمداومتهبا الرعبي قال الخفبش :وهبو فبي
موضع رفع على البتداء وإن شئت كان في موضع نصب على الحال أي سائمين لكم
@الثامنة :قوله تعالى" :سوء العذاب "مفعول ثان لب "يسومونكم" ومعناه أشد العذاب ويجوز أن
يكون بمعنبى سبوم العذاب وقبد يجوز أن يكون نعتبا بمعنبى سبوما سبيئا فروي أن فرعون جعبل بنبي
إسببرائيل خدمببا وخول وصببنفهم فببي أعماله فصببنف يبنون وصببنف يحرثون ويزرعون وصببنف
يتخدمون وكان قومه جندا ملوكا ومن لم يكن منهم في عمل من هذه العمال ضربت عليه الجزية
فذلك سوء العذاب.
@التاسعة :قوله تعالى" :يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ""يذبحون" بغير واو على البدل من
قومه "يسومونكم" كما قال أنشده سيبويه:
تجد حطبا جزل ونارا تأججا متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا
قال الفراء وغيره "يذبحون" بغيبببر واو على التفسبببير لقوله "يسبببومونكم سبببوء العذاب" [البقرة:
]49كما تقول أتاني القوم زيد وعمرو فل تحتاج إلى الواو في زيد ونظيره" :ومن يفعل ذلك يلق
أثامبا يضاعبف له العذاب" [الفرقان ]69 - 68 :وفبي سبورة إبراهيبم "ويذبحون" بالواو لن
المعنى يعذبونكم بالذبح وبغير الذبح فقوله "ويذبحون أبناءكم" جنس آخر من العذاب ل تفسير لما
قبله وال أعلم
قلت قد يحتمل أن يقال إن الواو زائدة بدليل سورة "البقرة" والواو قد تزاد كما قال:
فلما اجزنا ساحة الحي وانتحى
أي قد انتحى وقال آخر:
وليث الكتيبة في المزدحم إلى الملك القرم وابن الهمام
أراد إلى الملك القرم ابن الهمام ليث الكتيبة وهو كثير
@العاشرة :قوله تعالى" :يذبحون" قراءة الجماعبة بالتشديبد على التكثيبر وقرأ اببن محيصبن
"يذبحون" بفتح الباء والذبح الشق والذبح المذبوح والذباح تشقق في أصول الصابع وذبحت الدن
بزلتبه أي كشفتبه وسبعد الذاببح أحبد السبعود والمذاببح المحاريبب والمذاببح جمبع مذببح وهبو إذا جاء
السبيل فخبد فبي الرض فمبا كان كالشببر ونحوه سبمي مذبحبا فكان فرعون يذببح الطفال ويبقبي
البنات وعببر عنهبم باسبم النسباء بالمآل وقالت طائفبة "يذبحون أبناءكبم" يعنبي الرجال وسبموا أبناء
لما كانوا كذلك واستدل هذا القائل بقوله "نساءكم" والول أصح لنه الظهر وال أعلم
@الحاديبة عشرة :نسبب ال تعالى الفعبل إلى آل فرعون وهبم إنمبا كانوا يفعلون بأمره وسبلطانه
لتوليهم ذلك بأنفسهم وليعلم أن المباشر مأخوذ بفعله قال الطبري :ويقتضي أن من أمره ظالم بقتل
أحد فقتله المأمور فهو المأخوذ به.
قلت :وقببد اختلف العلماء فببي هذه المسببألة على ثلثببة أقوال يقتلن جميعببا هذا بأمره والمأمور
بمباشرتبه هكذا قال النخعبي وقال الشافعبي ومالك فبي تفصبيل لهمبا قال الشافعبي إذا أمبر السبلطان
رجل بقتبل رجبل والمأمور يعلم أنبه أمبر بقتله ظلمبا كان عليبه وعلى المام القود كقاتليبن معبا وإن
أكرهه المام عليه وعلم أنه يقتله ظلما كان على المام القود وفي المأمور قولن أحدهما أن عليه
القود والخبر ل قود عليبه وعليبه نصبف الديبة حكاه اببن المنذر وقال علماؤنبا ل يخلو المأمور أن
يكون ممبن تلزمبه طاعبة المبر ويخاف شره كالسبلطان والسبيد لعبده فالقود فبي ذلك لزم لهمبا أو
يكون ممبن ل يلزمبه ذلك فيقتبل المباشبر وحده دون المبر وذلك كالب يأمبر ولده أو المعلم بعبض
صببيانه أو الصبانع بعبض متعلميبه إذا كان محتلمبا فان كان غيبر محتلم فالقتبل على المبر وعلى
عاقلة الصببي نصبف الديبة وقال اببن نافبع ل يقتبل السبيد إذا أمبر عبده وإن كان أعجميبا بقتبل إنسبان
قال اببن حببيب وبقول اببن القاسبم أقول إن القتبل عليهمبا فأمبا أمبر مبن ل خوف على المأمور فبي
مخالفته فإنه ل يلحق بالكراه بل يقتل المأمور دون المر ويضرب المر ويحبس وقال أحمد في
السبيد يأمبر عبده أن يقتبل رجل يقتبل السبيد وروي هذا القول عبن علي ببن أببي طالب وأببي هريرة
رضبي ال عنهمبا وقال علي ويسبتودع العببد السبجن وقال أحمبد ويحببس العببد ويضرب ويؤدب
وقال الثوري يعزر السيد وقال الحكم وحماد يقتل العبد وقال قتادة يقتلن جميعا وقال الشافعي إن
كان العببد فصبيحا يعقبل قتبل العببد وعوقبب السبيد وإن كان العببد أعجميبا فعلى السبيد القود وقال
سبليمان ببن موسبى ل يقتبل المبر ولكبن تقطبع يديبه ثبم يعاقبب ويحببس وهبو القول الثانبي ويقتبل
المأمور للمباشرة وكذلك قال عطاء والحكببم وحماد والشافعببي وأحمببد وإسببحاق فببي الرجببل يأمببر
الرجبل بقتبل الرجبل وذكره اببن المنذر وقال زفبر ل يقتبل واحبد منهمبا وهبو القول الثالث حكاه أببو
المعالي في البرهان ورأى أن المر والمباشر ليس كل واحد منهما مستقل في القود فلذلك يقتل ل
واحد منهما عنده وال أعلم
@الثانيبة عشرة :قرأ الجمهور "يذبحون" بالتشديبد على المبالغبة وقرأ اببن محيصبن "يذبحون"
بالتخفيببف والولى أرجببح إذ الذبببح متكرر وكان فرعون على مببا روي قببد رآه فببي منامببه نارا
خرجبت مبن بيبت المقدس فأحرقبت بيوت مصبر فأولت له رؤياه أن مولودا مبن بنبي إسبرائيل ينشبأ
فيكون خراب ملكه على يديه وقيل غير هذا والمعنى متقارب
@الثالثة عشرة :قوله تعالى" :وفي ذلكم بلء من ربكم عظيم "إشارة إلى جملة المر إذ هو خبر
فهببو كمفرد حاضببر أي وفببي فعلهببم ذلك بكببم بلء أي امتحان واختبار و"بلء" نعمببة ومنببه قوله
تعالى "وليبلي المؤمنيبن منبه بلء حسبنا" [النفال ]17 :قال أببو الهيثبم البلء يكون حسبنا ويكون
سبيئا وأصبله المحنبة وال عبز وجبل يبلو عبده بالصبنع الجميبل ليمتحبن شكره ويبلوه بالبلوى التبي
يكرههبا ليمتحبن صببره فقيبل للحسبن بلء وللسبيئ بلء حكاه الهروي وقال قوم الشارة ببب "ذلكبم"
إلى التنجيببة فيكون البلء على هذا فببي الخيببر أي تنجيتكببم نعمببة مببن ال عليكببم وقال الجمهور
الشارة إلى الذبببح ونحوه والبلء هنببا فببي الشببر والمعنببى وفببي الذبببح مكروه وامتحان وقال ابببن
كيسان ويقال في الخير أبله ال وبله وأنشد
وأبلهما خير البلء الذي يبلو جزى ال بالحسان ما فعل بكم
فجمبع بيبن اللغتيبن والكثبر فبي الخيبر أبليتبه وفبي الشبر بلوتبه وفبي الختبار أبتليتبه وبلوتبه قاله
النحاس..
* *3الية { 50وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون}
@قوله تعالى" :وإذ فرقنا ""إذا" في موضع نصب و"فرقنا" فلقنا فكان كل فرق كالطود العظيم
أي الجبببل العظيببم وأصببل الفرق الفصببل ومنببه فرق الشعببر ومنببه الفرقان لنببه يفرق بيببن الحببق
والباطبل أي يفصبل ومنبه" :فالفارقات فرقبا" [المرسبلت ]4 :يعنبي الملئكبة تنزل بالفرق بببن
الحق والباطل ومنه "يوم الفرقان" [النفال ]41 :يعني يوم بدر كان ،فيه فرق بين الحق والباطل
ومنبه "وقرآنبا فرقناه" [السبراء ]106 :أي فصبلناه وأحكمناه .وقرأ الزهري "فرقنبا" بتشديبد
الراء أي جعلناه فرقبا ومعنبى "بكبم" أي لكبم فالباء بمعنبى اللم وقيبل الباء فبي مكانهبا أي فرقنبا
البحر بدخولكم إياه أي صاروا بين الماءين فصار الفرق بهم وهذا أولى يبينه "فانفلق".
@قوله تعالى" :بكبم البحبر "البحبر معروف سبمي بذلك لتسباعه ويقال فرس بحبر إذا كان واسع
الجري أي كثيره ،ومبن ذلك قول رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم فبي مندوب فرس أببي طلحبة
(وإن وجدناه لبحرا) والبحر الماء الملح ويقال أبحر الماء ملح قال نصيب وقد عاد ماء الرض
بحرا فزادنبي إلى مرضبي أن أبحبر المشرب العذب والبحبر البلدة يقال هذه بحرتنبا أي بلدتنبا .قال
الموي والبحببر السببلل يصببيب النسببان .ويقولون لقيتببه صببحرة بحرة أي بارزا مكشوفببا .وفببي
الخببر عبن كعبب الحبار قال إن ل ملكبا يقال له صبندفاييل البحار كلهبا فبي نقرة إبهامبه .ذكره أببو
نعيم في ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن كعب.
@قوله تعالى" :فأنجيناكبم "أي أخرجناكبم منبه يقال نجوت مبن كذا نجاء ممدود ونجاة مقصبور
والصدق منجاة .وأنجيت غيري ونجيته وقرئ بهما "وإذ نجيناكم" "فأنجيناكم".
@قوله تعالى" :وأغرقنبا آل فرعون "يقال غرق فبي الماء غرقبا فهبو غرق وغارق أيضبا ومنبه
قول أبي النجم :
من بين مقتول وطاف غارق
وأغرقبه غيره وغرقبه فهبو مغرق وغريبق .ولجام مغرق بالفضبة أي محلى والتغريبق :القتبل قال
العشى :
أل ليت قيسا غرقته القوابل
وذلك أن القابلة كانبت تغرق المولود فبي ماء السبلى عام القحبط ذكرا كان أو أنثبى حتبى يموت ثبم
جعل كل قتل تغريقا ومنه قول ذي الرمة:
بتيهاء لم تصبح رؤوما سلوبها إذا غرقت أرباضها ثني بكرة
والرباض الحبال والبكرة الناقة الفتية وثنيها بطنها الثاني ،وإنما لم تعطف على ولدها لما لحقها
من التعب.
القول في اختلف العلماء في كيفية إنجاء بني إسرائيل
فذكر الطبري أن موسى عليه السلم أوحي إليه أن يسري من مصر ببني إسرائيل فأمرهم موسى
أن يستعيروا الحلي والمتاع من القبط وأحل ال ذلك لبني إسرائيل فسرى بهم موسى من أول الليل
فأعلم فرعون فقال :ل يتبعهبم أحبد حتبى تصبيح الديكبة فلم يصبح تلك الليلة بمصبر ديبك وأمات ال
تلك الليلة كثيرا مببن أبناء القبببط فاشتغلوا فببي الدفببن وخرجوا فببي التباع مشرقيببن كمببا قال تعالى
"فأتبعوهم مشرقين" [الشعراء ]60 :وذهب موسى إلى ناحية البحر حتى بلغه .وكانت عدة بني
إسرائيل نيفا على ستمائة ألف .وكانت عدة فرعون ألف ألف ومائتي ألف وقيل :إن فرعون اتبعه
في ألف ألف حصان سوى الناث وقيل دخل إسرائيل -وهو يعقوب عليه السلم -مصر في ستة
وسببعين نفسبا مبن ولده وولد ولده فأنمبى ال عددهبم وبارك فبي ذريتبه حتبى خرجوا إلى البحبر يوم
فرعون وهبم سبتمائة ألف مبن المقاتلة سبوى الشيوخ والذريبة والنسباء وذكبر أببو بكبر عبدال ببن
محمبد ببن أببي شيببة قال :حدثنبا شباببة ببن سبوار عبن يونبس ببن أببي إسبحاق عبن أببي إسبحاق عبن
عمرو ببن ميمون عبن عبدال ببن مسبعود أن موسبى عليبه السبلم حيبن أسبرى ببنبي إسبرائيل بلغ
فرعون فأمبر بشاة فذبحبت ،ثبم قال :ل وال ل يفرغ مبن سبلخها حتبى تجتمبع لي سبتمائة ألف مبن
القببط ،قال :فانطلق موسبى حتبى انتهبى إلى البحبر فقال له أفرق فقال له البحبر لقبد اسبتكبرت يبا
موسى وهل فرقت لحد من ولد آدم فأفرق لك قال :ومع موسى رجل على حصان له قال :فقال له
ذلك الرجبل :أيبن أمرت يبا نببي ال؟ قال :مبا أمرت إل بهذا الوجبه قال فأقحبم فرسبه فسببح فخرج.
فقال أيبن أمرت يبا نببي ال قال مبا أمرت إل بهذا الوجبه قال وال مبا كذببت ول كذببت ثبم أقتحبم
الثانية فسبح به حتى خرج فقال أين أمر ت يا نبي ال؟ فقال ما أمرت إل بهذا الوجه قال وال ما
كذبببت ول كذبببت قال فأوحببى ال إليببه "أن اضرب بعصبباك البحببر" [العراف ]160فضربببه
موسبى بعصباه "فانفلق فكان كبل فرق كالطود العظيبم" [الشعراء ]63فكان فيبه اثنبا عشبر فرقبا
لثنبي عشبر سببطا ،لكبل سببط طريبق يتراءون ،وذلك أن أطواد الماء صبار فيهبا طيقانبا وشبابيبك
يرى منهبا بعضهبم بعضبا فلمبا خرج أصبحاب موسبى وقام أصبحاب فرعون التطبم البحبر عليهبم
فأغرقهبم ويذكبر أن البحبر هبو بحبر القلزم وأن الرجبل الذي كان مبع موسبى على الفرس هبو فتاه
يوشبع ببن نون وأن ال تعالى أوحبى إلى البحبر أن انفلق لموسبى إذا ضرببك فبات البحبر تلك الليلة
يضطرب فحين أصبح ضرب البحر وكناه أبا خالد ذكره ابن أبي شيبة أيضا وقد أكثر المفسرون
في قصص هذا المعنى وما ذكرناه كاف وسيأتي في سورة "يونس والشعراء" زيادة بيان أن شاء
ال تعالى.
فصبل :ذكبر ال تعالى النجاء والغراق ولم يذكبر اليوم الذي كان ذلك فيبه فروى مسبلم عبن اببن
عباس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم
رسبول ال صبلى صبلى ال عليبه وسبلم (مبا هذا اليوم الذي تصبومونه) فقالوا :هذا يوم عظيبم أنجبى
ال فيه موسبى وقومه وغرق فرعون وقومه فصبامه موسبى شكرا فنحن نصومه .فقال رسول ال
صبلى ال عليبه وسبلم( :فنحبن أحبق وأولى بموسبى منكبم) فصبامه رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم
وأمببر بصببيامه .وأخرجببه البخاري أيضببا عببن ابببن عباس وأن النبببي صببلى ال عليببه وسببلم قال
لصحابه (أنتم أحق بموسى منهم فصوموا).
مسبألة :ظاهبر هذه الحاديبث تدل على أن النببي صبلى ال عليبه وسبلم إنمبا صبام عاشوراء وأمبر
بصيامه اقتداء بموسى عليه السلم على ما أخبره به اليهود .وليس كذلك لما روته عائشة رضي
ال عنها قالت :كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول ال صلى يصومه في
الجاهلية فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك صيام يوم عاشوراء فمن
شاء صامه ومن شاء تركه أخرجه البخاري ومسلم.
فإن قيبل :يحتمبل أن تكون قريبش إنمبا صبامته بإخبار اليهود لهبا لنهبم كانوا يسبمعون منهبم لنهبم
كانوا عندهم أهل علم فصامه النبي عليه السلم كذلك في الجاهلية أي بمكة فلما قدم المدينة ووجد
اليهود يصومونه قال (نحن أحق وأولى بموسى منكم) فصامه اتباعا لموسى( .وأمر بصيامه) أي
أوجبه وأكد أمره حتى كانوا يصومونه الصغار قلنا :هذه شبهة من قال :إن النبي صلى لعله كان
متعبدا بشريعببة موسببى وليببس كذلك على مببا يأتببي بيانببه فببي "النعام" عنببد قوله تعالى "فبهداهببم
اقتده" [النعام]90 :
مسبألة :اختلف فبي يوم عاشوراء هبل هبو التاسبع مبن المحرم أو العاشبر؟ فذهبب الشافعبي إلى أنبه
التاسع لحديث الحكم بن العرج قال :انتهيت إلى ابن عباس رضي ال عنهما وهو متوسد رداءه
فبي زمزم فقلت له :أخببرني عبن صبوم عاشوراء فقال إذا رأيبت هلل المحرم فاعدد وأصببح يوم
التاسبع صبائما قلت هكذا كان محمبد صبلى ال عليبه وسبلم يصبومه؟ قال نعبم خرجبه مسبلم .وذهبب
سبعيد ببن المسبيب والحسبن البصبري ومالك وجماعبة مبن السبلف إلى أنبه العاشبر .وذكبر الترمذي
حديبث الحكبم ولم يصبفه بصبحة ول حسبن .ثبم أردفبه :أنبأنبا قتيببة أنبأنبا عبدالوارث عبن يونبس عبن
الحسن عن ابن عباس قال :أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم العاشر .قال
أببو عيسبى حديبث اببن عباس حديبث حسبن صبحيح .قال الترمذي :وروي عبن اببن عباس أنبه قال:
صبوموا التاسبع والعاشبر وخالفوا اليهود .وبهذا الحديبث يقول الشافعبي وأحمبد ببن حنببل وإسبحاق.
قال غيره :وقول اببن عباس للسبائل (فاعدد وأصببح يوم التاسبع صبائما) ليبس فيبه دليبل على ترك
صبوم العاشبر ببل وعبد أن يصبوم التاسبع مضافبا إلى العاشبر .قالوا :فصببيام اليوميبن جمبع بيبن
الحاديث .وقول ابن عباس للحكبم لمبا قال له :هكذا كان محمبد صلى ال عليه وسلم يصومه؟ قال
نعم معناه أن لو عاش وإل فما كان النبي صلى ال عليه وسلم صام التاسع قط يبينه ما خرجه ابن
ماجة فبي سننه ومسلم في صبحيحه عن ابن عباس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (لئن
بقيت إلى قابل لصومن اليوم التاسع).
فضيلة :روى أبو قتادة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال (صيام يوم عاشوراء أحتسب على ال
أن يكفبر السبنة التبي قبله) أخرجبه مسبلم والترمذي وقال :ل نعلم فبي شيبء مبن الروايات أنبه قال:
(صيام يوم عاشوراء كفارة سنة) إل في حديث أبي قتادة.
@قوله تعالى" :وأنتبم تنظرون "جملة فبي موضبع الحال ومعناه بأبصباركم فيقال إن آل فرعون
طفوا على الماء فنظروا إليهبم يغرقون وإلى أنفسبهم ينجون ففبي هذا أعظبم المنبة .وقبد قيبل :إنهبم
أخرجوا لهم حتى رأوهم فهذه منة بعد منة وقيل :المعنى "وأنتم تنظرون" أي ببصائركم العتبار
لنهبم كانوا فبي شغبل عبن الوقوف والنظبر بالبصبار وقيبل :المعنبى وأنتبم بحال مبن ينظبر لو نظبر
كما تقول هذا المر منك بمرأى ومسمع أي بحال تراه وتسمعه إن شئت .وهذا القول والول أشبه
بأحوال بنبي إسبرائيل لتوالى عدم العتبار فيمبا صبدر مبن بنبي إسبرائيل بعبد خروجهبم مبن البحبر
وذلك أن ال تعالى لمبا أنجاهبم وغرق عدوهبم قالوا :يبا موسبى إن قلوبنبا ل تطمئن إن فرعون قبد
غرق حتى أمر ال البحر فلفظه فنظروا إليه.
ذكبر أببو بكبر ببن أببي شيببة عبن قيبس ببن عباد أن بنبي إسبرائيل قالت :مبا مات فرعون ومبا كان
ليموت أبدا قال :فلمبا أن سبمع ال تكذيبهبم نببيه عليبه السبلم رمبى ببه على سباحل البحبر كأنبه ثور
أحمر يتراءاه بنو إسرائيل فلما اطمأنوا وبعثوا من طريق البر إلى مدائن فرعون حتى نقلوا كنوزه
وغرقوا فبي النعمبة رأوا قومبا يعكفون على أصبنام لهبم قالوا يبا موسبى اجعبل لنبا إلهبا كمبا لهبم آلهبة
حتبى زجرهبم موسبى وقال :أغيبر ال أبغيكبم إلهبا وهبو فضلكبم على العالميبن أي عالمبي زمانبه ثبم
أمرهبم أن يسبيروا إلى الرض المقدسبة التبي كانبت مسباكن آبائهبم ويتطهروا مبن أرض فرعون
وكانت الرض المقدسة في أيدي الجبارين قد غلبوا عليها فاحتاجوا إلى دفعهم عنها بالقتال فقالوا
أتريبد أن تجعلنبا لحمبة للجباريبن فلو أنبك تركتنبا فبي يبد فرعون كان خيرا لنبا قال" :يبا قوم ادخلوا
الرض المقدسة التي كتب ال لكم" [المائدة ]21 :إلى قول "قاعدون" حتى دعا عليهم وسماهم
فاسقين .فبقوا في التيه أربعين سنة عقوبة ثم رحمهم فمن عليهم بالسلوى وبالغمام -على ما يأتي
بيانبه -ثبم سبار موسبى إلى طور سبيناء ليجيئهبم بالتوراة فاتخذوا العجبل -على مبا يأتبي بيانبه -ثبم
قيبل لهبم :قبد وصبلتم إلى بيبت المقدس فادخلوا الباب سبجدا وقولوا حطبة -على مبا يأتبي -وكان
موسبى عليبه السبلم شديبد الحياء سبتيرا فقالوا إنبه آدر .فلمبا أغتسبل وضبع على الحجبر ثوببه فعدا
الحجبر بثوببه إلى مجالس بنبي إسبرائيل وموسبى على أثره عريان وهبو يقول :يبا حجبر ثوببي فذلك
قوله تعالى "يا أيها الذين أمنوا ل تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه ال مما قالوا" [الحزاب]69 :
-على ما يأتي بيانه -ثم لما مات هارون قالوا له :أنت قتلت هارون وحسدته حتى نزلت الملئكة
بسببريره وهارون ميببت عليببه -وسببيأتي فببي المائدة -ثببم سببألوه أن يعلموا آيببة فببي قبول قربانهببم
فجعلت نار تجيء من السماء فتقبل قربانهم ثم سألوه أن بين لنا كفارات ذنوبنا في الدنيا فكان من
أذنب ذنبا أصبح على بابه مكتوب (عملت كذا وكفارته قطع عضو من أعضائك) يسميه له ومن
أصابه بول لم يطهر حتى يقرضه ويزيل جلدته من بدنه ثم بدلوا التوراة وافتروا على ال وكتبوا
بأيديهم واشتروا به عرضا ثم صار أمرهم إلى أن قتلوا أنبياءهم ورسلهم .فهذه معاملتهم مع ربهم
وسيرتهم في دينهم وسوء أخلقهم وسيأتي بيان كل فصل من هذه الفصول مستوفى في موضعه
إن شاء ال تعالى وقال الطببري :وفبي أخبار القرآن على لسبان محمبد عليبه السبلم بهذه المغيبات
التي لم تكن من علم العرب ول وقعت إل في حق بني إسرائيل دليل واضح عند بن إسرائيل قائم
عليهم بنبوة محمد صلى ال عليه وسلم.
* *3الية{ 51 :وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون}
@قوله تعالى" :وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة" قرأ أبو عمرو "وعدنا" بغير ألف ،واختاره أبو
عبيد ورجحه وأنكر "واعدنا" قال :لن المواعدة إنما تكون من البشر فأما ال جل وعز فإنما هو
المنفرد بالوعد والوعيد .على هذا وجدنا القرآن ،كقوله عز وجل" :وعدكم وعد الحق" (إبراهيم:
)22وقوله" :وعد ال الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات" (الفتح )29 :وقوله" :وإذ يعدكم ال
إحدى الطائفتين أنها لكم" [النفال ]7 :قال مكي :وأيضا فإن ظاهر اللفظ فيه وعد من ال تعالى
لموسى ،وليس فيه وعد من موسى ،فوجب حمله على الواحد ،لظاهر النص أن الفعل مضاف إلى
ال تعالى وحده ،وهبي قراءة الحسبن وأببي رجاء وأببي جعفبر وشيببة وعيسبى ببن عمبر ،وببه قرأ
قتادة واببن أببي إسبحاق .قال أببو حاتبم :قراءة العامبة عندنبا "وعدنبا" بغيبر ألف ،لن المواعدة أكثبر
مببا تكون بيببن المخلوقيببن والمتكافئيببن ،كببل واحببد منهمببا يَعِبد صبباحبه .قال الجوهري :الميعاد:
المواعدة والوقت والموضع .قال مكي :المواعدة أصلها من اثنين ،وقد تأتي المفاعلة من واحد في
كلم العرب ،قالوا :طارقت النعل ،وداويت العليل ،وعاقبت اللص ،والفعل من واحد .فيكون لفظ
المواعدة من ال خاصة لموسى كمعنى وعدنا ،فتكون القراءتان بمعنى واحد .والختبار "واعدنا"
باللف لنه بمعنى "وعدنا" في أحد معنييه ،ولنه ل بدّ لموسى من وعد أو قبول يقوم مقام الوعد
فتصبببح المفاعلة .قال النحاس :وقراءة "واعدنبببا" باللف أجود وأحسبببن ،وهبببي قراءة مجاهبببد
والعرج واببن كثيبر ونافبع والعمبش وحمزة والكسبائي ،وليبس قوله عبز وجبل" :وعبد ال الذيبن
آمنوا منكم وعملوا الصالحات" من هذا في شيء ،لن "واعدنا موسى" إنما هو من باب الموافاة،
وليببس هذا مببن الوعببد والوعيببد فببي شيببء ،وإنمببا هببو مببن قولك :موعدك يوم الجمعببة ،وموعدك
موضبع كذا .والفصبيح فبي هذا أن يقال :واعدتبه .قال أببو إسبحاق الزجاج" :واعدنبا" ههنبا باللف
جيبد ،لن الطاعبة فبي القبول بمنزلة المواعدة ،فمبن ال جبل وعبز وعبد ،ومبن موسبى قبول واتباع
يجري مجرى المواعدة .قال اببن عطيبة .ورجبح أببو عببيدة "وعدنبا" وليبس بصبحيح ،لن قبول
موسى لوعد ال والتزامه وارتقابه يشبه المواعدة.
@قوله تعالى" :موسبى" اسبم أعجمبي ل ينصبرف للعجمبة والتعريبف والقببط على -مبا يروى -
يقولون للماء :مبو ،وللشجبر :شبا .فلمبا وجبد موسبى فبي التابوت عنبد ماء وشجبر سبمي موسبى .قال
السدي :لما خافت عليه أمه جعلته في التابوت وألقته في اليَمّ -كما أوحى ال إليها -فألقته في اليم
بيبن أشجار عنبد بيبت فرعون ،فخرج جواري آسبية امرأة فرعون يغتسبلن فوجدنبه ،فسبمي باسبم
المكان .وذكر النقاش وغيره :أن اسم الذي التقطته صابوث .قال ابن إسحاق :وموسى هو موسى
ببن عمران ببن يصبهر ببن قاهبث ببن لوى ببن يعقوب إسبرائيل ال ببن إسبحاق ببن إبراهيبم عليبه
السلم.
@قوله تعالى" :أربعين ليلة" أربعين نصب على المفعول الثاني ،وفي الكلم حذف قال الخفش:
التقديبر وإذ واعدنبا موسبى تمام أربعيبن ليلة كمبا قال "واسبأل القريبة" والربعون كلهبا داخلة فبي
الميعاد.
والربعون فببي قول أكثببر المفسببرين ذو القعدة وعشرة مببن ذي الحجببة وكان ذلك بعببد أن جاوز
البحببر وسببأل قومببه أن يأتيهببم بكتاب مببن عنببد ال فخرج إلى الطور فببي سبببعين مببن خيار بنببي
إسبرائيل وصبعدوا الجببل وواعدهبم إلى تمام أربعيبن ليلة فعدوا -فيمبا ذكبر المفسبرون -عشريبن
يومبا وعشريبن ليلة وقالوا قبد أخلفنبا موعده .فاتخذوا العجبل وقال لهبم السبامري :هذا إلهكبم وإله
موسى فاطمأنوا إلى قوله .ونهاهم هارون وقال" :يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني
وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى" [طه ]90 :فلم يتبع هارون
ولم يطعه في ترك عبادة العجل إل اثنا عشر ألفا فيما روي في الخبر .وتهافت في عبادته سائرهم
وهم أكثر من ألفي ألف فلمبا رجع موسبى ووجدهم على تلك الحال ألقى اللواح فرفبع من جملتها
سبتة أجزاء وبقبي جزء واحبد وهبو الحلل والحرام ومبا يحتاجون وأحرق العجبل وذراه فبي البحبر
فشربوا مبن مائه حببا للعجبل فظهرت على شفاههبم صبفرة وورمبت بطونهبم فتابوا ولم تقببل توبتهبم
دون أن يقتلوا أنفسبهم فذلك قوله تعالى" :فتوبوا إلى بارئكبم فاقتلوا أنفسبكم" [البقرة ]54 :فقاموا
بالخناجبر والسبيوف بعضهبم إلى بعبض مبن لدن طلوع الشمبس إلى ارتفاع الضحبى فقتبل بعضهبم
بعضا ل يسأل والد عن ولده ول ولد عن والده ول أخ عن أخيه ول أحد عن أحد كل من استقبله
ضربببه بالسببيف وضربببه الخببر بمثله حتببى عبج موسببى إلى ال صببارخا :يببا رباه قببد فنيببت بنببو
إسبرائيل فرحمهبم ال وجاد عليهبم بفضله فقببل توببة مبن بقبي وجعبل مبن قتبل فبي الشهداء على مبا
يأتي.
@ إن قيل :لم خص الليالي بالذكر دون اليام؟ قيل له :لن الليلة أسبق من اليوم قبله في الرتبة
ولذلك وقع بها التاريخ فالليالي أول الشهور واليام تبع لها.
@ قال النقاش :في هذه الية إشارة إلى صلة الصوم لنه تعالى لو ذكر اليام لمكن أن يعتقد أنه
كان يفطبر بالليبل فلمبا نبص على الليالي اقتضبت قوة الكلم أنبه عليبه السبلم واصبل أربعيبن يومبا
بلياليهببا .قال ابببن عطيببة :سببمعت أبببي يقول :سببمعت الشيببخ الزاهببد المام الواعببظ أبببا الفضببل
الجوهري رحمه ال يعظ الناس في الخلوة بال والدنو منه في الصلة ونحوه وأن ذلك يشغل عن
كبل طعام وشراب ويقول :اببن حال موسبى فبي القرب مبن ال ووصبال ثمانيبن مبن الدهبر مبن قول
حين سار إلى الخضر لفتاه في بعض يوم "آتنا غداءنا" [الكهف]62 :
قلت :وبهذا اسبتدل علماء الصبوفية على الوصبال وأن أفضله أربعون يومبا وسبيأتي الكلم فبي
الوصال في آي الصيام من هذه السورة إن شاء ال تعالى ويأتي في "العراف" زيادة أحكام لهذه
اليبة عنبد قوله تعالى "وواعدنبا موسبى ثلثيبن ليلة" [العراف ]142 :ويأتبي لقصبة العجبل ببان
في كيفيته وخواره هناك وفي "طه" إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :ثم اتخذتم العجل من بعده" أي اتخذتموه إلها من بعد موسى وأصل اتخذتم ائتخذتم
مبن الخبذ ووزنبه أفتعلتبم سبهلت الهمزة الثانيبة لمتناع همزتيبن فجاء إيتخذتبم فاضطرببت الياء فبي
التصريف جاءت ألفا في ياتخذ وواوا في موتخذ فبدلت بحرف جلد ثابت من جنس ما بعدها وهي
التاء وأدغمت ثم اجتلبت ألف الوصل للنطق وقد يستغنى عنها إذا كان معنى الكلم التقرير كقوله
تعالى "قببل اتخذتببم عنبد ال عهدا" [البقرة ]80 :فاسببتغنى عبن ألف الوصبل بألف التقريبر قال
الشاعر:
أم راجع القلب من أطرابه طرب استحدث الركب عن أشياعهم خبرا
ونحوه فبي القرآن "أطلع الغيبب" [مريبم" ]78 :أصبطفى البنات" [الصبافات" ]153 :أسبتكبرت
أم كنت" [ص ]75 :ومذهب أبي علي الفارسي أن "اتخذتم" من تخذ ل من أخذ.
@قوله تعالى" :وأنتم ظالمون "جملة في موضع الحال وقد تقدم معنى الظلم والحمد ل.
* *3الية { 52ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون}
@قوله تعالى" :ثم عفونا عنكم "العفو عفو ال جل وعز عن خلقه وقد يكون بعد العقوبة وقبلها
بخلف الغفران فإنبه ل يكون معبه عقوببة البتبة .وكبل مبن اسبتحق عقوببة فتركبت له فقبد عفبي عنبه
فالعفو محو الذنب أي محونا ذنوبكم وتجاوزنا عنكم مأخوذ من قولك عفت الريح الثر أي أذهبته
وعفا الشيء كثر فهو من الضداد ومنه قوله تعالى "حتى عفوا"[ .العراف ]95
@قوله تعالى" :من بعد ذلك "أي من بعد عبادتكم العجل وسمي العجل عجل لستعجالهم عبادته.
وال أعلم والعجل ولد البقرة والعجول مثله والجمع العجاجيل والنثى عجلة عن أبي الجراح.
@قوله تعالى" :لعلكم تشكرون" كي تشكروا عفو ال عنكم وقد تقدم معنى لعل وأما الشكر فهو
في اللغة الظهور من قول دابة شكور إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تعطى من العلف وحقيقته
الثناء على النسببان بمعروف يوليكببه .كمببا تقدم فببي الفاتحببة .قال الجوهري :الشكببر الثناء على
المحسببن بمببا أولكببه مببن المعروف يقال :شكرتببه وشكرت له وباللم أفصببح والشكران خلف
الكفران وتشكرت له مثبل شكرت له .وروى الترمذي وأببو داود عبن أببي هريرة عبن النببي صبلى
ال عليبه وسبلم قال (ل يشكبر ال مبن ل يشكبر الناس) قال الخطاببي :هذا الكلم يتأول على معنييبن
أحدهمبا -أن مبن كان مبن طبعبه كفران نعمبة الناس وترك الشكبر لمعروفهبم كان مبن عادتبه كفران
نعمببة ال عببز وجببل وترك الشكببر له .والوجببه الخببر -أن ال سبببحانه ل يقبببل شكببر العبببد على
إحسببانه إليبه إذا كان العبببد ل يشكببر إحسببان الناس إليببه ويكفببر معروفهببم لتصببال أحببد المريببن
بالخر.
@ في عبارات العلماء في معنى الشكر فقال سهل بن عبدال الشكر :الجتهاد في بذل الطاعة مع
الجتناب للمعصببية فببي السببر والعلنيببة .وقالت فرقببة أخرى :الشكببر هببو العتراف فببي تقصببير
الشكبر للمنعبم ولذلك قال تعالى "اعملوا آل داود شكرا" [سببأ ]13 :فقال داود :كيبف أشكرك يبا
رب والشكبر نعمبة منبك قال الن قبد عرفتنبي وشكرتنبي إذ قبد عرفبت أن الشكبر منبي نعمبة قال :يبا
رب فأرني أخفى نعمك علي قال :يا داود تنفس فتنفس داود فقال ال تعالى من يحصي هذه النعمة
الليبل والنهار وقال موسبى عليبه السبلم :كيبف أشكرك وأصبغر نعمبة وضعتهبا بيدي مبن نعمبك ل
يجازى بها عملي كله فأوحى ال إليه يا موسى الن شكرتني وقال الجنيد :حقيقة الشكر العجز عن
الشكبر وعنبه قال :كنبت بيبن يدي السبري السبقطي ألعبب وأنبا اببن سببع سبنين وبببن يديبه جماعبة
يتكلمون فبي الشكبر فقال لي :يبا غلم مبا الشكبر؟ فقلت :أل يعصبى ال بنعمبه فقال لي :أخشبى أن
يكون حظبك مبن ال لسبانك قال الجنيبد فل أزال أبكبي على هذه الكلمبة التبي قالهبا السبري لي وقال
الشبلي الشكببر :التواضببع والمحافظببة على الحسببنات ومخالفببة الشهوات وبذل الطاعات ومراقبببة
جبار الرض والسماوات وقال ذو النون المصري أبو الفيض الشكر لمن فوقك بالطاعة ولنظيرك
بالمكافأة ولمن دونك بالحسان والفضال.
* *3الية { 53وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون}
@قوله تعالى" :وإذ آتينبا موسبى الكتاب والفرقان" "إذا" اسبم للوقبت الماضبي و"إذا" اسم للوقبت
المسبتقبل و"آتينبا" أعطينبا وقبد تقدم جميبع هذا والكتاب :التوراة بإجماع مبن المتأوليبن واختلف فبي
الفرقان فقال الفراء وقطرب :المعنبببى آتينبببا موسبببى التوراة ومحمدا عليبببه السبببلم الفرقان قال
النحاس :هذا خطبأ فبي العراب والمعنبى أمبا العراب فإن المعطوف على الشيبء مثله وعلى هذا
القول يكون المعطوف على الشيبء خلفبه وأمبا المعنبى فقبد قال تعالى "ولقبد آتينبا موسبى وهارون
الفرقان" قال أببو إسبحاق الزجاج :يكون الفرقان هبو الكتاب أعيبد ذكره باسبمين تأكيدا وحكبي عبن
الفراء ومنه قول الشاعر:
وألفى قولها كذبا ومينا وقدمت الديم لراهشيه
وقال آخر :
وهند أتى من دونها النأي والبعد أل حبذا هند وأرض بها هند
فنسق البعد على النأي والمين على الكذب لختلف اللفظين تأكيدا ومنه قول عنترة:
أقوى وأقفر بعد أم الهيثم حييت من طلل تقادم عهده
قال النحاس :وهذا إنمبا يجيبء فبي الشعبر وأحسبن مبا قيبل فبي هذا قول مجاهبد :فرقبا بيبن الحبق
والباطبل أي الذي علمبه إياه وقال ابن زيبد الفرقان انفراق البحبر له حتبى صبار فرقا فعببروا وقيبل:
الفرقان الفرج من الكرب لنهم كانوا مستعبدين مع القبط ومنه قوله تعالى "إن تتقوا ال يجعل لكم
فرقانا" [النفال ]29 :أي فرجا ومخرجا وقيل :إنه الحجة والبيان قال ابن بحر وقيل الواو صلة
والمعنى آتينا موسى الكتاب الفرقان والواو قد تزاد في النعوت كقولهم فلن حسن وطويل وأنشد :
وليث الكتيبة في المزدحم إلى الملك القرم وبن الهمام
أراد إلى الملك القرم ببن الهمام ليبث الكتيببة ودليبل هذا التأويبل قوله عبز وجبل" :ثبم آتينبا موسبى
الكتاب تمامبا على الذي أحسبن وتفصبيل لكبل شيبء" [النعام ]154 :أي بيبن الحرام والحلل
والكفبر واليمان والوعبد والوعيبد وغيبر ذلك .وقيبل :الفرقان الفرق بينهبم وبيبن قوم فرعون أنجبى
هؤلء وأغرق أولئك ونظيره" :يوم الفرقان" فقيل يعني به يوم بدر نصر ال فيه محمدا صلى ال
عليه وسلم وأصحابه وأهلك أبا جهل وأصحابه.
@قوله تعالى" :لعلكم تهتدون "لكي تهتدوا من الضللة وقد تقدم.
* *3اليبة { 54وإذ قال موسبى لقومبه يبا قوم إنكبم ظلمتبم أنفسبكم باتخاذكبم العجبل فتوبوا إلى
بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم}
@قوله تعالى" :وإذ قال موسبى لقومبه" القوم :الجماعبة الرجال دون النسباء قال ال تعالى" :ل
يسبخر قوم مبن قوم" [الحجرات ]11 :ثبم قال" :ول نسباء مبن نسباء" [الحجرات ]11 :وقال
زهير:
أقوم آل حصن أم نساء وما أدري وسوف إخال أدري
وقال تعالى" :ولوطا إذ قال لقومه" [العراف ]80 :أراد الرجال دون النساء وقد يقع القوم على
الرجبل والنسباء قال ال تعالى" :إنبا أرسبلنا نوحبا إلى قومبه" [نوح ]1 :وكذا كبل نببي مرسبل إلى
النساء والرجال جميعا.
@قوله تعالى" :يبا قوم" منادى مضاف وحذفبت الياء فبي "يبا قوم" لنبه موضبع حذف والكسبرة
تدل عليهبا وهبي بمنزلة التنويبن فحذفتهبا كمبا تحذف التنويبن مبن المفرد ويجوز فبي غيبر القرآن
إثباتهبا سباكنة فتقول :يبا قومبي لنهبا اسبم وهبي فبي موضبع خفبض وإن شئت فتحتهبا وإن شئت
ألحقبت معهبا هاء فقلت :يبا قوميبه وإن شئت أبدلت منهبا ألفبا لنهبا أخبف فقلت :يبا قومبا وإن شئت
قلت :يبا قوم بمعنبى يبا أيهبا القوم وإن جعلتهبم نكرة نصببت ونونبت وواحبد القوم امرؤ على غيبر
اللفظ وتقول :قوم وأقوام وأقاوم جمع الجمع والمراد هنا بالقوم عبدة العجل وكانت مخاطبته عليه
السلم لهم بأمر من ال تعالى.
@قوله تعالى" :إنكم ظلمتم أنفسكم" استغنى بالجمع القليل عن الكثير والكثير نفوس وقد يوضع
الجمببع الكثيببر موضببع جمببع القلة والقليببل موضببع الكثرة قال ال تعالى" :ثلثببة قروء" "البقرة:
]228وقال "وفيهبا مبا تشتهيبه النفبس" [الزخرف ]71 :ويقال لكبل مبن فعبل فعل يعود عليبه
ضرره :إنما أسأت إلى نفسك وأصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه.
@قوله تعالى" :باتخاذكبم العجبل" قال بعبض أرباب المعانبي :عجبل كبل إنسبان نفسبه فمبن أسبقطه
وخالف مراده فقد برئ من ظلمه والصحيح أنه هنا عجل على الحقيقة عبدوه كما نطق به التنزيل
والحمد ل
@قوله تعالى" :فتوبوا إلى بارئكبم فاقتلوا أنفسبكم ذلكبم خيبر لكبم عنبد بارئكبم" لمبا قال لهبم فتوبوا
إلى بارئكبم قالوا كيبف؟ قال "فاقتلوا أنفسبكم" قال أرباب الخواطبر ذللوهبا بالطاعات وكفوهبا عبن
الشهوات والصبحيح أنبه قتبل على الحقيقبة هنبا والقتبل :إماتبة الحركبة وقتلت الخمبر :كسبرت شدتهبا
بالماء قال سبفيان ببن عينبه التوببة نعمبة مبن ال أنعبم ال بهبا على هذه المبة دون غيرهبا مبن المبم
وكانبت توببة بنبي إسبرائيل القتبل .وأجمعوا على أنبه لم يؤمبر كبل واحبد مبن عبدة العجبل بأن يقتبل
نفسه بيده قال الزهري :لما قيل لهم" :فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم" قاموا صفين وقتل بعضهم
بعضببا حتببى قيببل لهببم :كفوا فكان ذلك شهادة للمقتول وتوبببة للحببي على مببا تقدم وقال بعببض
المفسرين :أرسل ال عليهم ظلما ففعلوا ذلك وقيل :وقف الذين عبدوا العجل صفا ودخل الذين لم
يعبدوه عليهبم بالسبلح فقتلوهبم .وقيبل :قام السببعون الذيبن كانوا مبع موسبى فقتلوا -إذ لم يعبدوا
العجل -من عبدالعجل .ويروى أن يوشع بن نون خرج عليهم وهم محتبون فقال :ملعون من حل
حبوته أو مد طرفه إلى قاتله أو أتقاه .بيد أو رجل فما حل أحد منهم حبوته حتى قتل منهم -يعني
من قتل -وأقبل الرجل يقتل من يليه ذكره النحاس وغيره وإنما عوقب الذين لم يعبدوا العجل بقتل
أنفسببهم -على القول الول -لنهببم لم يغيروا المنكببر حيببن عبدوه وإنمببا اعتزلوا وكان الواجببب
عليهبم أن يقاتلوا مبن عبده .وهذه سبنة ال فبي عباده إذا فشبا المنكبر ولم يغيبر عوقبب الجميبع روى
جريبر قال :قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم (مبا مبن قوم يعمبل فيهبم بالمعاصبي هبم أعبز منهبم
وأمنبع ل يغيرون إل عمهبم ال بعقاب) أخرجبه اببن ماجبة فبي سبننه وسبيأتي الكلم فبي هذا المعنبى
إن شاء ال تعالى .فلمبا اسبتحر فيهبم القتبل وبلغ سببعين ألفبا عفبا ال عنهبم قاله اببن عباس وعلي
رضي ال عنهما .وإنما رفع ال عنهم القتل لنهم أعطوا المجهود في قتل أنفسهم فما أنعم ال على
هذه المبة نعمبة بعبد السبلم هبي أفضبل مبن التوببة وقرأ قتادة فأقيلوا أنفسبكم -مبن القالة -أي
استقبلوها من العثرة بالقتل.
@قوله تعالى :بارئكم" البارئ الخالق وبينهما فرق وذلك أن البارئ هو المبدع المحدث والخالق
هبو المقدر الناقبل مبن حال إلى حال والبريبة :الخلق وهبي فعيلة بمعنبى مفعولة غيبر أنهبا ل تهمبز
وقرأ أبو عمرو "بارئكم" -بسكون الهمزة -ويشعركم وينصركم ويأمركم واختلف النحاة في هذا
فمنهبم مبن يسبكن الضمبه والكسبرة فبي الوصبل وذلك فبي الشعبر وقال أببو العباس المببرد :ل يجوز
التسبكين مبع توالي الحركات فبي حرف العراب فبي كلم ول شعبر وقراءة أببي عمرو لحبن قال
النحاس وغيره :وقد أجاز ذلك النحويون القدماء الئمة وأنشدوا:
بالدو أمثال السفين العوم إذا اعوججن قلت صاحب قوم
وقال امرؤ القيس:
إثما من ال ول واغل فاليوم أشرب غير مستحقب
وقال آخر :قالت سليمى اشتر لنا سويقا
وقد بدا هنك من المئزر وقال الخر :رحت وفي رجليك ما فيهما
فمبن أنكبر التسبكين فبي حرف العراب فحجتبه أن ذلك ل يجوز مبن حيبث كان علمبا للعراب قال
أبو علي :وأما حركة البناء فلم يختلف النحاة في جواز تسكينها مع توالي الحركات وأصل برأ من
تبري الشيء من الشيء وهو انفصاله منه فالخلق قد فصلوا من العدم إلى الوجود ومنه برئت من
المرض برءا (بالفتببح) كذا يقول أهببل الحجاز وغيرهببم يقول :برئت مببن المرض برءا (بالضببم)
وبرئت منك ومن الديون والعيوب براءة ومنه المبارأة للمرأة وقد بارأ شريكه وامرأته
@قوله تعالى" :فتاب عليكم" في الكلم حذف تقديره ففعلتم "فتاب عليكم" أي فتجاوز عنكم أي
على الباقين منكم.
@قوله تعالى" :إنه هو التواب الرحيم" تقدم معناه والحمد ل.
* *3اليبة { 55وإذ قلتبم يبا موسبى لن نؤمبن لك حتبى نرى ال جهرة فأخذتكبم الصباعقة وأنتبم
تنظرون}
@قوله تعالى" :وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى ال" "وإذ قلتم" معطوف "يا موسى"
نداء مفرد "لن نؤمبن لك" أي نصبدقك "حتبى نرى ال جهرة" قيبل :هبم السببعون الذيبن اختارهبم
موسببى وذلك أنهببم لمببا أسببمعهم كلم ال تعالى قالوا له بعببد ذلك" :لن نؤمببن لك" [البقرة]55 :
واليمان بالنبياء واجب بعد ظهور معجزاتهم فأرسل ال عليهم نارا من السماء فأحرقهم ثم دعا
موسبى رببه فأحياهبم كمبا قال تعالى" :ثبم بعثناكبم مبن بعبد موتكبم" [البقرة ]56 :وسبتأتي قصبة
السبعين في العراف إن شاء ال تعالى قال ابن فورك :يحتمل أن تكون معاقبتهم لخراجهم طلب
الرؤية عن طريقة بقولهم لموسى "أرنا ال جهرة" [النساء ]153 :وليس ذلك من مقدور موسى
عليه السلم
وقد اختلف في جواز رؤية ال تعالى فأكثر المبتدعة على إنكارها في الدنيا والخرة وأهل السنة
والسلف على جوازها فيهمبا ووقوعها فبي الخرة فعلى هذا لم يطلبوا من الرؤيبة محال وقبد سألها
موسى عليه السلم .وسيأتي الكلم في الرؤية في "النعام" و"العراف" إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :جهرة "مصدر في موضع الحال ومعناه علنية وقيل عيانا قاله ابن عباس وأصل
الجهببر الظهور ومنببه الجهببر بالقراءة إنمببا هببو إظهارهببا والمجاهرة بالمعاصببي :المظاهرة بهببا
ورأيبت الميبر جهارا وجهرة أي غيبر مسبتتر بشيبء وقرأ اببن عباس "جهرة" بفتبح الهاء وهمبا
لغتان مثل زهرة وزهرة وفي الجهر وجهان:
أحدهمببا -أنببه صببفة لخطابهببم لموسببى أنهببم جهروا بببه وأعلنوا فيكون فببي الكلم تقديببم وتأخيببر
والتقدير :وإذ قلتم جهرة يا موسى.
الثانبي -أنبه صبفة لمبا سبألوه مبن رويبة ال تعالى أن يروه جهرة وعيانبا فيكون الكلم عله نسبقه ل
تقديم فيه ول تأخير وأكد بالجهر فرقا بين رؤية العيان ورؤية المنام.
@قوله تعالى" :فأخذتكبم الصباعقة" قبد تقدم فبي أول السبورة معنبى الصباعقة وقرأ عمبر وعثمان
وعلي "الصعقة" وهي قراءة ابن محيصين في جميع القرآن.
@قوله تعالى" :وأنتبم تنظرون" جملة فبي موضبع الحال ويقال :كيبف يموتون وهبم ينظرون؟
فالجواب أن العرب تقول دور آل فلن تراءى أي يقاببل بعضهبا بعضبا وقيبل :المعنبى "تنظرون"
أي إلى حالكم وما نزل بكم من الموت وآثار الصعقة.
* *3الية { 56ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون}
@أي أحييناكبم .قال قتادة :ماتوا وذهببت أرواحهبم ثبم ردوا لسبتيفاء آجالهبم .قال النحاس :وهذا
احتجاج على مبن لم يؤمبن بالبعبث مبن قريبش ،واحتجاج على أهبل الكتاب إذ خببروا بهذا والمعنبى
"لعلكبم تشكرون" مبا فعبل بكبم مبن البعبث بعبد الموت وقيبل :ماتوا موت همود يعتببر ببه الغيبر ،ثبم
أرسلوا وأصل البعث الرسال .وقيل :بل أصله إثارة الشيء من محله ،يقال :بعثت الناقة :أثرتها،
أي حركتها ،قال امرؤ القيس:
فقاموا جميعا بين ونشوان وفتيان صدق قد بعثت بسحرة
وقال عنترة:
ليل وقد مال الكرى بطلها وصحابة شم النوف بعثتهم
وقال بعضهم" :بعثناكم من بعد موتكم" [البقرة ]56 :علمناكم من بعد جهلكم.
قلت :والول أصح ،لن الصل الحقيقة ،وكان موت عقوبة ،ومنبه قوله تعالى" :ألم تبر إلى الذين
خرجوا مبن ديارهبم وهبم ألوف حذر الموت فقال لهبم ال موتوا ثبم أحياهبم" على مبا يأتبي [البقرة:
]243
قال الماوردي :واختلف فببي بقاء تكليببف مببن أعيببد بعببد موتببه ومعاينببة الحوال المضطرة إلى
المعرفة على قولين :أحدهما -بقاء تكليفهم لئل يخلو عاقل من تعبد .الثاني :سقوط تكليفهم معتبرا
بالستدلل دون الضطرار.
قلت :والول أصح ،فإن بني إسرائيل قد رأوا الجبل في الهواء ساقطا عليهم والنار محيطة بهم
وذلك مما اضطرهم إلى اليمان ،وبقاء التكليف ثابت عليهم ،ومثلهم قوم يونس .ومحال أن يكونوا
غير مكلفين وال أعلم.
* *3الية{ 57 :وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم
وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}
@قوله تعالى" :وظللنبا عليكبم الغمام" أي جعلناه عليكبم كالظلة .والغمام جمبع غمامبة كسبحابة
وسحاب قاله الخفش سعيد .قال الفراء :ويجوز غمائم وهي السحاب لنها تغم المساء أي تسترها
وكبل مغطبى فهبو مغموم ومنبه المغموم على عقله .وغبم الهلل إذا غطاه الغيبم والغيبن مثبل الغيبم
ومنبه قول عليبه السبلم( :إنبه ليغان على قلببي) قال صباحب العيبن :غيبن عليبه غطبى عليبه والغيبن
شجر ملتف وقال السدي :الغمام السحاب البيض وفعل هذا بهم ليقيهم حر الشمس نهارا وينجلي
فبي آخره ليسبتضيؤوا بالقمبر ليل وذكبر المفسبرون أن هذا جرى فبي التيبه بيبن مصبر والشام لمبا
امتنعوا مبن دخول مدينبة الجباريبن وقتالهبم وقالوا لموسبى" :فاذهبب أنبت ورببك فقاتل" [المائدة:
]24فعوقبوا فبي ذلك الفحبص أربعيبن سبنة يتيهون فبي خمسبة فراسبخ أو سبتة روي أنهبم كانوا
يمشون النهار كله وينزلون للمبيت فيصبحون حيت كانوا بكرة أمس .وإذا كانوا بأجمعهم في التيه
قالوا لموسبى :مبن لنبا بالطعام فأنزل ال عليهبم المبن والسبلوى قالوا مبن لنبا مبن حبر الشمبس فظلل
عليهم الغمام .قالوا :فبم نستصبح فضرب لهم عمود نور في وسط محلتهم وذكر مكي :عمود من
نار قالوا :مبن لنبا بالماء فأمبر موسبى بضرب الحجبر قالوا :مبن لنبا باللباس فأعطوا أل يبلى لهبم
ثوب ول يخلق ول يدرن وأن تنمو صغارها حسب نمو الصبيان وال أعلم.
@قوله تعالى" :وأنزلنبا عليكبم المبن والسبلوى" اختلف فبي المبن مبا هبو وتعيينبه على أقوال فقيبل:
الترنجبين -بتشديد الراء وتسكين النون ذكره النحاس ويقال :الطرنجبين بالطاء -وعلى هذا أكثر
المفسرين وقيل :صمغة حلوة وقيل عسل :وقيل شراب حلو .وقيل :خبز الرقاق عن وهب بن منبه
وقيل" :المن" مصدر يعم جميع ما من ال به على عباده من غير تعب ول زرع ومنه قول رسول
ال صبلى ال عليبه وسبلم فبي حديبث سبعيد ببن زيبد ببن عمرو ببن نفيبل( :الكمأة مبن المبن الذي أنزل
ال على بني إسرائيل وماؤها شفاء للعين) في رواية (من المن الذي أنزل ال على موسى) .رواه
مسلم قال علماؤنا :وهذا الحديث يدل على أن الكمأة مما أنزل ال على بني إسرائيل أي مما خلقه
ال لهم في الية قال أبو عبيد :إنما شبهها بالمن لنه ل مؤونة فيها ببذر ول سقي ول علج فهي
منبه أي مبن جنبس مَن بنبي إسبرائيل فبي أنبه كان دون تكلف روي أنبه كان ينزل عليهبم مبن طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس كالثلج فيأخذ الرجل ما يكفيه ليومه فإن ادخر منه شيئا فسد عليه إل في
يوم الجمعبة فإنهبم كانوا يدخرون ليوم السببت فل يفسبد عليهبم لن يوم السببت يوم عبادة ومبا كان
ينزل عليهم يوم السبت شيء.
@ لمبا نص عليه السبلم على أن ماء الكمأة شفاء للعين قال بعبض أهل العلم بالطب :أما لتبريبد
العيبن مبن بعبض مبا يكون فيهبا مبن الحرارة فتسبتعمل بنفسبها مفردة وأمبا لغيبر ذلك فمركببة مبع
غيرهبا وذهبب أببو هريرة رضبي ال عنبه إلى اسبتعمالها بحتبا فبي جميبع مرض العيبن .وهذا كمبا
اسبتعمل أببو وجزة العسبل فبي جميبع المراض كلهبا حتبى فبي الكحبل على مبا يأتبي بيانبه فبي سبورة
"النحل" إن شاء ال تعالى وقال أهل اللغة :الكمء واحد وكمآن اثنان وأكمؤ ثلثة فإذا زادوا قالوا
كمأة -بالتاء -على عكس شجرة وشجر والمن اسم جنس ل واحد له لفظه مثل الخير والشر قاله
الخفش.
@قوله تعالى" :والسبلوى" اختلف فبي السبلوى فقيبل :هبو السبماني بعينبه قاله الضحاك قال اببن
عطية :السلوى طير بإجماع المفسرين وقد غلط الهذلي فقال:
ألذ من السلوى إذا ما نشورها وقاسمها بال جهدا لنتم
ظن السلوى العسل.
قلت :مبا ادعاه مبن الجماع ل يصبح وقبد قال المؤرج أحبد علماء اللغبة والتفسبير :إنبه العسبل
واستدل ببيت الهذلي وذكر أنه كذلك بلغة كنانة سمي به لنه يسلى به ومنه عين السلوان ،وأنشد:
ما بي غنى عنك وإن غنيت لو أشرب السلوان ما سليت
وقال الجوهري :والسلوى العسل وذكر بيت الهذلي:
ألذ من السلوى إذا ما نشورها
ولم يذكر غلطا والسلوانة (بالضم) :خرزة كانوا يقولون إذا صب عليها ماء المطر فشربه العاشق
سل قال:
فل وجديد العيش ياميّ ما أسلو شربت على سلوانة ماء مزنة
واسم ذلك الماء السلوان وقال بعضهم السلوان دواء يسقاه الحزين فيسلو والطباء يسمونه المفرح
يقال :سليت وسلوت لغتان .وهو في سلوة من العيش أي في رغد عن أبى زيد.
@ واختلف في السلوى هل هو جمع أو مفرد فقال الخفش :جمع ل واحد له من لفظه مثل الخير
والشبر وهبو يشببه أن يكون واحده سبلوى مثبل جماعتبه كمبا قالوا :دفلى للواحبد والجماعبة وسبمانى
وشكاعى في الواحد والجميع .وقال الخليل :واحده سلواة وأنشد:
كما أنتفض السلواة من بلل القطر وإني لتعروني لذكرك هزة
وقال الكسائي :السلوى واحدة وجمعه سلوى
@ "السلوى" عطف على "المن" ولم يظهر فيه العراب لنه مقصور ووجب هذا في المقصور
كله لنه ل يخلو من أن يكون في آخره ألف .قال الخليل :واللف حرف هوائي ل مستقر له فأشبه
الحركة فاستحالت حركته وقال الفراء :لو حركت اللف صارت همزة.
@قوله تعالى" :كلوا من طيبات ما رزقناكم" "كلوا" فيه حذف تقديره وقلنا كلوا فحذف اختصار
الدللة الظاهر عليه والطيبات هنا قد جمعت الحلل واللذيذ.
@قوله تعالى" :ومبا ظلمونبا" يقدر قبله فعصبوا ولم يقابلوا النعبم بالشكبر "ولكبن كانوا أنفسبهم
يظلمون" لمقابلتهم النعم بالمعاصي.
* *3اليبة{ 58 :وإذ قلنبا ادخلوا هذه القريبة فكلوا منهبا حيبث شئتبم رغدا وادخلوا الباب سبجدا
وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين}
@قوله تعالى" :وإذ قلنبا ادخلوا" حذفبت اللف مبن "قلنبا" لسبكونها وسبكون الدال بعدهبا واللف
التي يبتدأ بها قبل الدال ألف وصل لنه من يدخل..
@قوله تعالى" :هذه القرية" أي المدينة سميت بذلك لنها تقرت أي اجتمعت ومنه قريت الماء في
الحوض أي جمعتبه واسبم ذلك الماء قرى (بكسبر القاف) مقصبور وكذلك مبا قري ببه الضيبف قال
الجوهري :والمقراة للحوض والقري لمسيل الماء والقرا للظهر ومنه قوله:
لحق بطن بقرا سمين
والمقاري :الجفان الكبار .قال:
عظام المقاري ضيفهم ل يفزع
وواحبد المقاري مقراة وكله بمعنبى الجمبع غيبر مهموز والقريبة (بكسبر القاف) لغبة اليمبن واختلف
في تعيينها فقال الجمهور :هي بيت المقدس وقيل :أريحاء من بيت المقدس قال عمر بن شبة كانت
قاعدة ومسبكن ملوك .اببن كيسبان الشام :الضحاك :الرملة والردن وفلسبطين وتدمبر .وهذه نعمبه
أخرى وهى أنه أباح لهم دخول البلدة وأزال عنهم التيه.
@قوله تعالى" :فكلوا منها حيث شئتم" إباحة.
@قوله تعالى" :رغدا" كثيرا واسعا وهو نعت لمصدر محذوف أي أكلً رغداً ويجوز أن يكون
في موضع الحال على ما تقدم وكانت أرضا مباركة عظيمة الغلة فلذلك قال "رغدا"
@قوله تعالى" :وادخلوا الباب سجدا" الباب يجمع أبوابا وقد قالوا :أبوبة للزدواج قال الشاعر:
يخلط بالبر منه الجد واللينا هتاك أخيية ولج أبوبة
ولو أفرده لم يجبز .ومثله قول عليبه السبلم( :مرحببا بالقوم -أو بالوفبد -غيبر خزايبا ول ندامبى)
وتبوببت بواببا اتخذتبه .وأبواب مبوببة كمبا قالوا :أصبناف مصبنفة .وهذا شيبء مبن بابتبك أي يصبلح
لك .وقد تقدم معنى السجود فل معنى لعادته والحمد ل.
والباب الذي أمروا بدخول هبو باب فبي بيبت المقدس يعرف اليوم ببب "باب حطبه" عبن مجاهبد
وغيره وقيبل :باب القببة التبي كان يصبلي إليهبا موسبى وبنبو إسبرائيل و"سبجدا" قال اببن عباس:
منحنين ركوعا وقيل :متواضعين خشوعا ل على هية متعينة.
@قوله تعالى" :وقولوا" عطف على أدخلوا.
@قوله تعالى" :حطبة" بالرفبع قراءة الجمهور على إضمار مبتدأ أي مسبألتنا حطبة أو يكون
حكايبة .قال الخفبش :وقرئت "حطبة" بالنصبب على معنبى احطبط عنبا ذنوبنبا حطبة .قال النحاس:
الحديث عن ابن عباس أنه قيل لهم :قولوا ل إله إل ال وفي حديث آخر عنه قيل لهم قولوا مغفرة
-تفسبير للنصبب ،أي قولوا شيئا يحبط ذنوبكبم كمبا يقال :قبل خيرا والئمبة مبن القراء على الرفبع.
وهو أولى في اللغة لما حكي عن العرب في معنى بدل قال أحمد بن يحيى :يقال بدلته ،أي غيرته
ولم أزل عينه .وأبدلته أزلت عينه وشخصه كما قال:
عزل المير للمير المبدل
وقال ال عببز وجببل" :قال الذيببن ل يرجون لقاءنببا ائت بقرآن غيببر هذا أو بدله" [يونببس]15 :
وحديبث اببن مسبعود قالوا "حطبة" تفسبير على الرفبع هذا كله قول النحاس وقال الحسبن وعكرمبة:
"حطه" بمعنى حط ذنوبنا ،أمروا أن يقولوا ل إله إل ال ليحط بها ذنوبهم .وقال ابن جبير :معناه
الستغفار أبان بن تغلب :التوبة قال الشاعر:
به بها ذنب عبده مغفورا فاز بالحطة التي جعل اللب
وقال ابن فارس في المجمل" :حطة" كلمة أمر بها بنو إسرائيل لو قالوها لحطت أوزارهم وقاله
الجوهري أيضا في الصحاح.
قلت :يحتمبل أن يكونوا تعبدوا بهذا اللفبظ بعينبه وهبو الظاهبر مبن الحديبث روى مسبلم عبن أببي
هريرة :قال قال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم( :قيبل لبنبي إسبرائيل أدخلوا الباب سبجدا وقولوا
حطببة يغفببر لكببم خطاياكببم فبدلوا فدخلوا الباب يزحفون على أسببتاههم وقالوا حبببة فببي شعرة)
وأخرجبه البخاري وقال( :فبدلوا وقالوا حطبة حببة فبي شعرة) فبي غيبر الصبحيحين" :حنطبة فبي
شعر" وقيل :قالوا هطا سمهاثا وهي لفظة عبرانية تفسيرها :حنطة حمراء حكاها ابن قتيبة وحكاه
الهروي عبن السبدي ومجاهبد وكان قصبدهم خلف مبا أمرهبم ال ببه فعصبوا وتمردوا واسبتهزؤوا
فعاقبهبم ال بالرجبز وهبو العذاب وقال اببن زيبد :كان طاعونبا أهلك منهبم سببعين ألفبا .وروي أن
الباب جعل فصيرا ليدخلوه ركعا فدخلوه متوركين على أستاههم وال أعلم.
اسبتدل بعبض العلماء بهذه اليبة على أن تبديبل القوال المنصبوص عليهبا فبي الشريعبة ل يخلو أن
يقع التعبد بلفظها أو بمعناها فإن كان التعبد وقع بلفظها فل يجوز تبديلها لذم ال تعالى من بدل ما
أمره بقوله وإن وقبع بمعناهبا جاز تبديلهبا بمبا يؤدي إلى ذلك المعنبى ول يجوز تبديلهبا بمبا يخرج
عنه.
وقد اختلف العلماء في هذا المعنى فحكي عن مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم أنه يجوز
للعالم بمواقبع الخطاب البصبير بآحاد كلماتببه نقبل الحديببث بالمعنببى لكبن بشرط المطابقبة للمعنببى
بكماله وهبو قول الجمهور .ومنبع ذلك جمبع كثيبر مبن العلماء منهبم اببن سبيرين والقاسبم ببن محمبد
ورجاء بن حيوة وقال مجاهبد :انقص من الحديث إن شئت ول تزد فيه .وكان مالك بن أنس يشدد
فببي حديببث رسببول ال صببلى ال عليببه وسببلم التاء والياء ونحببو هذا وعلى هذا جماعببة مببن أئمببة
الحديبث ل يرون إبدال اللفبظ ول تغييره حتبى إنهبم يسبمعون ملحونبا ويعلمون ذلك ول يغيرونبه.
وروى أبو مجلز عن قيس بن عباد قال قال عمر بن الخطاب من سمع حديثبا فحدث به كما سمع
فقبد سبلم .وروى نحوه عبن عبدال ببن عمرو وزيبد ببن أرقبم .وكذا الخلف فبي التقديبم والتأخيبر
والزيادة والنقصان فإن منهم من يعتد بالمعنى ول يعتد باللفظ ومنهم من يشدد في ذلك ول يفارق
اللفظ.
وذلك هو الحوط في الدين والتقى والولى ولكن أكثر العلماء على خلفه .والقول بالجواز هو
الصبحيح إن شاء ال تعالى وذلك أن المعلوم مبن سبيرة الصبحابة رضبي ال عنهبم هبو أنهبم كانوا
يروون الوقائع المتحدة بألفاظ مختلفببة ومببا ذاك إل أنهببم كانوا يصببرفون عنايتهببم للمعانببي ولم
يلتزموا التكرار على الحاديث ول كتبها .وروي عن واثلة بن السقع أنه قال :ليس كل ما أخبرنا
ببه رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم نقلناه إليكبم حسببكم المعنبى .وقال قتادة عبن زرارة ببن أوفبى:
لقيبت عده مبن أصبحاب النببي صبلى ال عليبه وسبلم فاختلفوا علي فبي اللفبظ واجتمعوا فبي المعنبى
وكان النخعي والحسن والشعبي رحمهم ال يأتون بالحديث على المعاني وقال الحسن :إذا أصبت
المعنى أجزأك .وقال سفيان الثوري رحمه ال :إذا قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فل تصدقوني
إنمبا هبو المعنبى .وقال وكيبع رحمبه ال :إن لم يكبن المعنبى واسبعا فقبد هلك الناس .واتفبق العلماء
على جواز نقل الشرع للعجم بلسانهم وترجمته لهم وذلك هو النقل بالمعنبى .وقد فعل ال ذلك في
كتابه فيما قص من أنباء ما قد سلف فقص قصصا ذكر بعضها في مواضع بألفاظ مختلقة والمعنى
واحد ونقلها من ألسنتهم إلى اللسان العربي وهو مخالف لها في التقديم والتأخير والحذف واللغاء
والزيادة والنقصان .وإذا جاز إبدال العربية بالعجمية فلن يجوز بالعربية أولى .احتج بهذا المعنى
الحسن والشافعي وهو الصحيح في الباب.
فإن قيبل :فقبد قال النببي صبلى ال عليبه وسبلم( :نضبر ال امرأ سبمع مقالتبي فبلغهبا كمبا سبمعها)
وذكر الحديث .وما ثبت عنه صلى ال عليه وسلم أنه أمر رجل أن يقول عند مضجعه في دعاء
علمبه( :آمنبت بكتاببك الذي أنزلت ونبيبك الذي أرسبلت) فقال الرجبل :ورسبولك الذي أرسبلت فقال
النببي صبلى ال عليبه وسبلم (ونبيبك الذي أرسبلت) قالوا :أفل ترى أنبه لم يسبوغ لمبن علمبه الدعاء
مخالفبة اللفبظ وقال( :فأداهبا كمبا سبمعها) قيبل لهبم :أمبا قوله (فأداهبا كمبا سبمعها) فالمراد حكمهبا ل
لفظهبا لن اللفبظ غيبر معتبد ببه .ويدلك على أن المراد مبن الخطاب حكمبه قوله( :فرب حامبل فقبه
غيبر فقيبه ورب حامبل فقبه إلى مبن هبو أفقبه منبه) ثبم إن هذا الحديبث بعينبه قبد نقبل بألفاظ مختلفبة
والمعنببى واحببد وإن أمكببن أن يكون جميببع اللفاظ قول النبببي صببلى ال عليببه وسببلم فببي أوقات
مختلفبة ،لكبن الغلب أنبه حديبث واحبد نقبل بألفاظ مختلفبة وذلك أدل على الجواز وأمبا رده عليبه
السلم الرجل من قوله( :ورسولك -إلى قوله -ونبيك) لن لفظ النبي صلى ال عليه وسلم أمدح
ولكبل نعبت مبن هذيبن النعتيبن موضبع .أل ترى أن اسبم الرسبول يقبع على الكافبة واسبم النببي صبلى
ال عليبه وسبلم يسبتحقه إل النببياء عليهبم السبلم وإنمبا فضبل المرسبلون مبن النببياء لنهبم جمعوا
النبوة والرسببالة .فلمببا قال( :ونبيببك) جاء بالنعببت المدح ثببم قيده بالرسببالة بقوله( :الذي أرسببلت)
وأيضا فإن نقله من قوله( :ورسولك -إلى قوله -ونبيك) ليجمع بين النبوة والرسالة .ومستقبح في
الكلم أن تقول :هذا رسول فلن الذي أرسله وهذا قتيل زيد الذي قتله لنك تجتزئ بقولك :رسول
فلن وقتيبل فلن عبن إعادة المرسبل والقاتبل إذ كنبت ل تفيبد ببه إل المعنبى الول .وإنمبا يحسبن أن
تقول :هذا رسبول عبدال الذي أرسبله إلى عمرو وهذا قتيبل زيبد الذي قتله بالمبس أوفبي وقعبة كذا
وال ولي التوفيق.
فإن قيبل :إذا جاز للراوي الول تغييبر ألفاظ الرسبول عليبه السبلم جاز للثانبي تغييبر ألفاظ الول
ويؤدي ذلك إلى طمبس الحديبث بالكليبة لدقبة الفروق وخفائهبا .قيبل له :الجواز مشروط بالمطابقبة
والمسباواة كمبا ذكرنبا فإن عدمبت لم يجبز .قال اببن العرببي :الخلف فبي هذه المسبألة إنمبا يتصبور
بالنظر إلى عصر الصحابة والتابعين لتساويهم في معرفة اللغة الجبلية الذوقية وأما من بعدهم فل
نشبك فبي أن ذلك ل يجوز إذ الطباع قبد تغيرت والفهوم قبد تباينبت والعوائد قبد اختلفبت وهذا هبو
الحق وال أعلم.
قال بعبض علمائنبا :لقبد تعاجبم اببن العرببي رحمبه ال فإن الجواز إذا كان مشروطبا بالمطابقبة فل
فرق بيبن زمبن الصبحابة والتابعيبن وزمبن غيرهبم ولهذا لم يفصبل أحبد مبن الصبوليين ول أهبل
الحديث هذا التفصيل .نعم ،لو قال :المطابقة في زمنه أبعد كان أقرب وال اعلم.
@قوله تعالى" :نغفر لكم خطاياكم" قراءة نافع بالياء مع ضمها وابن عامر بالتاء مع ضمها وهي
قراءة مجاهببد وقرأهبا الباقون بالنون مبع نصببها وهبي أبينهبا لن قبلهببا "وإذ قلنبا ادخلوا" فجرى
"نغفر" على الخبار عن ال تعالى ،والتقدير وقلنا ادخلوا الباب سجدا نغفر ولن بعده "وسنزيد"
بالنون .و"خطاياكببم" اتباعبا للسبواد وأنبه على باببه .ووجبه مببن قرأ بالتاء أنبه أثبببت لتأنيبث لفبظ
الخطايبا لنهبا جمبع خطيئة على التكسبير .ووجبه القراءة بالياء أنبه ذكبر لمبا حال بيبن المؤنبث وبيبن
فعله على ما تقدم في قوله" :فتلقى آدم من ربه كلمات" [البقرة ]37 :وحسن الياء والتاء وإن كان
قبله إخبار عببن ال تعالى فببي قوله "وإذ قلنببا" لنببه قببد علم أن ذنوب الخاطئيببن ل يغفرهببا إل ال
تعالى فاستغنى عن النون ورد الفعل إلى الخطايا المغفورة.
واختلف فبي أصبل خطايبا جمبع خطيبة بالهمزة فقال الخليبل :الصبل فبي خطايبا أن يقول :خطايبئ
ثم وجب بهذه أن تهمز الياء كما همزتها في مدائن فتقول :خطائىء ول تجتمع همزتان في كلمة،
فأبدلت مببن الثانيببة ياء فقلت :خطائى ثببم عملت كمببا عملت فببي الول .وقال الفراء :خطايببا جمببع
خطية بل همزة كما تقول :هدية وهدايا .قال الفراء :ولو جمعت خطيئة مهموزة لقلت خطاءا وقال
الكسائي :لو جمعتها مهموزة أدغمت الهمزة في الهمزة كما قلت :دواب.
@قوله تعالى" :وسنزيد المحسنين" أي في إحسان من لم يعبد العجل .ويقال :يغفر خطايا من رفع
المبن والسبلوى للغبد وسبنزيد فبي إحسبان مبن لم يرفبع للغبد .ويقال :يغفبر خطايبا مبن هبو عاص
وسيزيد في إحسان من هو محسن أي نزيدهم إحسانا على الحسان المتقدم عندهم .وهو اسم فاعل
من أحسن .والمحسن من صحح عقد توحيده وأحسن سياسة نفسه وأقبل على أداء فرائضه وكفى
المسلمين شره .وفي حديث جبريل عليه السلم( :ما الحسان قال أن تعبدال كأنك تراه فإن لم تكن
تراه فإنه يراك قال صدقت )...وذكر الحديث .خرجه مسلم.
* *3اليبة{59 :فبدل الذيبن ظلموا قول غيبر الذي قيبل لهبم فأنزلنبا على الذيبن ظلموا رجزا مبن
السماء بما كانوا يفسقون}
@قوله تعالى" :فبدل الذيبن ظلموا قول غيبر الذي قيبل لهبم" "الذيبن" فبي موضبع رفبع أي فبدل
الظالمون منهبم قول غيبر الذي قيبل لهم .وذلك أنه قيبل لهبم :قولوا حطة فقالوا حنطبة ،على مبا تقدم
فزادوا حرفبا فبي الكلم فلقوا مبن البلء مبا لقوا تعريفبا أن الزيادة فبي الديبن والبتداع فبي الشريعبة
عظيمبة الخطببر شديدة الضرر .هذا فببي تغيبر كلمبة هبي عبارة عبن التوببة أوجببت كبل ذلك مبن
العذاب فمبا ظنبك بتغييبر مبا هبو مبن صبفات المعبود هذا والقول أنقبص مبن العمبل فكيبف بالتبديبل
والتغيير في الفعل.
"فبدل" تقدم معنبى بدل وأبدل وقرئ "عسبى ربنبا أن يبدلنبا" على الوجهيبن قال الجوهري:
وأبدلت الشيبء بغيره .وبدله ال مبن الخوف أمنبا .وتبديبل الشيبء أيضبا تغييره وإن لم يأت ببدل.
واستبدل الشيء بغيره ،وتبدل به إذا أخذه مكانه .والمبادلة التبادل .والبدال :قوم من الصالحين ل
تخلو الدنيا منهم إذا مات واحد منهم أبدل ال مكانه بآخر .قال ابن دريد الواحد بديل والبديل البدل.
شبْه ومثَلَ و ِمثْل ونكَلَ و ِنكْل قال أبو عبيد:
وبدل الشيء :غيره يقال :بدل وبدل لغتان مصل :شبَه و ِ
لم يسمع في فعَلَ و ِفعْل غير هذه الربعة اليدين والرجلين .وقد بدل (بالكسر) يبدل بدل.
@قوله تعالى" :فأنزلنببا على الذيببن ظلموا" كرر لفببظ "ظلموا" ولم يضمره تعظيمببا للمببر.
والتكريبر يكون على ضربيبن أحدهمبا اسبتعماله بعبد تمام الكلم كمبا فبي هذه اليبة وقوله" :فويبل
للذين يكتبون الكتاب بأيديهم" [البقرة ]79 :ثم قال بعد" :فويل لهم مما كتبت أيديهم" ولم يقل :مما
كتبوا وكرر الويل تغليظا لفعلهم ومنه قول الخنساء:
وأوجعني الدهر قرعا وغمزا تعرقني الدهر نهسا وحزا
أرادت أن الدهبر أوجعهبا بكببريات نوائببه وصبغيرياتها والضرب الثانبي :مجبي تكريبر الظاهبر فبي
موضع المضمر قبل أن يتم الكلم كقوله تعالى "الحاقة ما الحاقة" [الحاقة ]2 - 1:و"القارعة ما
القارعبة" [القارعبة ]2 - 1 :كان القياس لول مبا أريبد ببه مبن التعظيبم والتفخيبم :الحاقبة مبا هبي،
والقارعبة مبا هبي ،ومثله" :فأصبحاب الميمنبة مبا أصبحاب الميمنبة وأصبحاب المشأمبة مبا أصبحاب
المشأمبة ".كرر "أصبحاب الميمنبة" تفخيمبا لمبا ينيلهبم مبن جزيبل الثواب وكرر لفبظ "أصبحاب
المشأمة" لما ينالهم من أليم العذاب .ومن هذا الضرب قول الشاعر:
كان الغراب مقطع الوداج ليت الغراب غداة ينعب دائبا
وقد جمع عدي بن زيد المعنيين فقال:
نغص الموت ذا الغنى والفقيرا ل أرى الموت يسبق الموت شيء
فكرر لفظ الموت ثلثا وهو من الضرب الول ومنه قول الخر:
وهند أتى من دونها النأي والبعد أل حبذا هند وأرض بها هند
فكرر ذكر محبوبته ثلثا تفخيما لها
@قوله تعالى" :رجزا من السماء" قراءة الجماعة "رجزا" بكسر الراء وابن محيصن بضم الراء
والرجز :العذاب (بالزاي) و(بالسين) النتن والقذر ومنه قوله تعالى "فزادتهم رجسا إلى رجسهم"
[التوبة ]125 :أي نتنا إلى نتنهم قاله الكسائي وقال الفراء الرجز هو الرجس .قال أبو عبيد :كما
يقال السدغ والزدغ وكذا رجس ورجز بمعنى .قال الفراء :وذكر بعضهم أن الرجز (بالضم) اسم
صبنم كانوا يعبدونبه وقرئ بذلك فبي قوله تعالى" :والرجبز فاهجبر" والرجبز (بفتبح الراء والجيبم)
نوع مبن الشعبر وأنكبر الخليبل أن يكون شعرا وهبو مشتبق مبن الرجبز وهبو داء يصبيب الببل فبي
أعجازها فإذا ثارت ارتعشت أفخاذها.
@قوله تعالى" :بمببا كانوا يفسببقون "أي بفسببقهم والفسببق الخروج وقببد تقدم .وقرأ ابببن وثاب
والنخعي "يفسقون" بكسر السين..
* *3اليبة { 60وإذ اسبتسقى موسبى لقومبه فقلنبا اضرب بعصباك الحجبر فانفجرت منبه اثنتبا
عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق ال ول تعثوا في الرض مفسدين}
@قوله تعالى" :وإذ اسبتسقى موسبى لقومبه" كسبرت الذال للتقاء السباكنين والسبين سبين السبؤال
مثبل اسبتعلم واسبتخبر واسبتنصر ونحبو ذلك أي طلب وسبأل السبقيَ لقومبه .والعرب تقول :سبقيته
وأسقيته لغتان بمعنى ،قال::
نميرا والقبائل من هلل سقى قومي بني مجد وأسقى
وقيل :سقيته من سقي الشفة وأسقيته دللته على الماء.
السبتسقاء إنمبا يكون عنبد عدم الماء وحببس القطبر وإذا كان كذلك فالحكبم حينئذ إظهار العبوديبة
والفقبر والمسبكنة والذلة مبع التوببة النصبوح .وقبد اسبتسقى نبينبا محمبد صبلى ال عليبه وسبلم فخرج
إلى المصبلى متواضعبا متذلل متخشعبا مترسبل متضرعبا وحسببك ببه فكيبف بنبا ول توببة معنبا إل
العناد ومخالفبة رب العباد فأنبى نسبقى لكبن قبد قال صبلى فبي حديبث اببن عمبر( :ولم يمنعوا زكاة
أموالهم إل منعوا القطر من السماء ولول البهائم لم يمطروا) الحديث .وسيأتي بكماله إن شاء ال.
سبنة السبتسقاء الخروج إلى المصبلى -على الصبفة التبي ذكرنبا -والخطببة والصبلة وبهذا قال
جمهور العلماء .وذهب أبو حنيفة إلى أنه ليس من سنته صلة ول خروج وإنما هو دعاء ل غير.
واحتج بحديبث أنبس الصبحيح أخرجبه البخاري ومسلم .ول حجبة له فيبه فإن ذلك كان دعاء عجلت
إجابتبه فاكتفبي ببه عمبا سبواه ولم يقصبد بذلك بيان سبنة ولمبا قصبد البيان بيبن بفعله حسبب مبا رواه
عبدال بن يزيد المازني قال :خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى وحول
رداءه ثم صلى ركعتين رواه مسلم .وسيأتي من أحكام الستسقاء زيادة في سورة "هود" إن شاء
ال.
@قوله تعالى" :فقلنبا اضرب بعصباك الحجبر" العصبا :معروف وهبو اسبم مقصبور مؤنبث وألفبه
منقلبة عن واو ،قال:
على عصويها سابري مشبرق
والجمبع عُصِبيّ وعِصِبيّ وهو فعول وإنمبا كسبرت العيبن لمبا بعدهبا مبن الكسبرة وأعص أيضبا مثله
مثبل زمبن وأزمبن وفبي المثبل" :العصبا مبن العصبية" أي بعبض المبر مبن بعبض وقولهبم "ألقبى
عصاه" أي أقام وترك السفار وهو َمثَل .قال:
كما قر عينا بالياب المسافر فألقت عصاها واستقر بها النوى
وفي التنزيل" :وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها" [طه ]18 - 17:وهناك
يأتبي الكلم فبي منافعهبا إن شاء ال تعالى .قال الفراء :أول لحبن سبمع بالعراق هذه عصباتي وقبد
يعبببر بالعصببا عببن الجتماع والفتراق ،ومنببه يقال فببي الخوارج :قببد شقوا عصببا المسببلمين أي
اجتماعهم وائتلفهم .وانشقت العصا أي وقع الخلف قال الشاعر:
فحسبك والضحاك سيف مهند إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا
أي يكفيبك ويكفبي الضحاك .وقولهبم :ل ترفبع عصباك عن أهلك براد به الدب وال أعلم .والحجبر
معروف وقياس جمعبه فبي أدنبى العدد أحجار ،وفبي الكثيبر حجار وحجارة ،والحجارة نادر .وهبو
كقولنا :جمل وجمالة ،وذكر وذكارة ،كذا قال ابن فارس والجوهري.
قلت :وفبي القرآن "فهبي كالحجارة" [البقرة" ]74 :وإن مبن الحجارة" [البقرة" ]74 :قبل كونوا
حجارة" [السراء" ]50 :ترميهم بحجارة" [الفيل" ]4 :وأمطرنا عليهم حجارة" [الحجر]74 :
فكيف يكون نادرا ،إل أن يريدا أنه نادر في القياس كثير في الستعمال فصيح .وال أعلم.
@قوله تعالى" :فانفجرت منه "فبي الكلم حذف تقديره فضرب فانفجرت .وقبد كان تعالى قادرا
على تفجيبر الماء وفلق الحجبر مبن غيبر ضرب لكبن أراد أن برببط المسبببات بالسبباب حكمبة منبه
للعباد فبي وصبولهم إلى المراد وليرتبب على ذلك ثوابهبم وعقابهبم فبي المعاد .والنفجار :النشقاق
ومنبه انشبق الفجبر .وانفجبر الماء انفجارا :انفتبح .والفجرة :موضبع تفجبر الماء .والنبجاس أضيبق
مبن النفجار ،لنبه يكون انبجاسبا ثبم يصبير انفجارا .وقيبل :انبجبس وتبجبس وتفجبر وتفتبق بمعنبى
واحد حكاه الهروي وغيره.
@قوله تعالى" :اثنتا عشرة عينا" "اثنتا" في موضع رفع بب "انفجرت" وعلمة الرفع فيها اللف
وأعرببت دون نظائرهبا لن التثنيبة معرببة أبدا لصببحة معناهبا" .عينبا" نصبب على البيان .وقرأ
مجاهد وطلحة وعيسى "عشرة" بكسر الشين وهي لغة بني تميم وهذا من لغتهم نادر ،لن سبيلهم
التخفيبف .ولغبة أهبل الحجاز "عشْرة" وسببيلهم التثقيبل .قال جميعبه النحاس .والعيبن مبن السبماء
المشتركبة يقال :عبن الماء وعيبن النسبان وعيبن الركببة وعيبن الشمبس .والعَيْن :سبحابة تقببل مبن
ناحيبة القبلة والعيبن :مطبر يدوم خمسبا أو سبتا ل يقلع .وبلد قليبل العَيْن :أي قليبل الناس .ومبا بهبا
عين ،محركة الياء والعين :الثقب في المزادة والعَين من الماء مشبهة بالعين من الحيوان لخروج
الماء منهبا كخروج الدمع من عين الحيوان .وقيبل :لما كان عين الحيوان أشرف ما فيه شبهبت به
عين الماء لنها أشرف ما في الرض.
لمبا اسبتسقى موسبى عليبه السبلم لقومبه أمبر أن يضرب عنبد اسبتسقائه بعصباه حجرا قيبل مربعبا
طوريبا (مبن الطور) على قدر رأس الشاة يلقبى فبي كسبر جوالق ويرحبل ببه ،فإذا نزلوا وضبع فبي
وسبط محلتهبم وذكبر أنهبم لم يكونوا يحملون الحجبر لكنهبم كانوا يجدونبه فبي كبل مرحله فبي منزلتبه
مببن المرحلة الولى وهذا أعظببم فببي اليببة والعجاز .وقيببل :إنببه أطلق له اسببم الحجببر ليضرب
موسى أي حجر شاء وهذا أبلغ في العجاز .وقيل :إن ال تعالى أمره أن يضرب حجرا بعينه بينه
لموسبى عليبه السبلم ولذلك ذكبر بلفبظ التعريبف .قال سبعيد ببن جببير :هبو الحجبر الذي وضبع عليبه
موسى ثوبه لما اغتسل وفر بثوبه حتى برأه ال مما رماه به قومه .قال ابن عطية :ول خلف أنه
كان حجرا منفصل مربعا تطرد من كل جهة ثلث عيون إذا ضربه موسى وإذا استغنوا عن الماء
ورحلوا جفت العيون.
قلت :ما أوتى نبينا محمد صلى ال عليه وسلم من نبع الماء وانفجاره من يده وبين أصابعه أعظم
في المعجزة فإنا نشاهد الماء يتفجر من الحجار آناء الليل وآناء النهار ومعجزة نبينا عليه السلم
لم تكبن لنببي قببل نبينبا صبلى ال عليبه وسبلم يخرج الماء مبن بيبن لحبم ودم .روى الئمبة الثقات
والفقهاء الثبات عبن عبدال قال :كنبا مبع النببي صبلى ال عليبه وسبلم فلم نجببد ماء فأتببي بتور؟؟
فأدخبل يده فيبه فلقبد رأيبت الماء يتفجبر مبن بيبن أصبابعه ويقول( :حبي على الطهور) قال العمبش:
فحدثني سالم بن أبي الجعد قال :قلت لجابر :كم كنتم يومئذ؟ قال ألفا وخمسمائة .لفظ النسائي.
@قوله تعالى" :قد علم كل أناس مشربهم" يعني أن لكل سبط منهم عينا قد عرفها ل يشرب من
غيرهببا .والمشرب :موضببع الشرب وقيببل :المشروب .والسببباط فببي بنببي إسببرائيل كالقبائل فببي
العرب وهبم ذريبة الثنبي عشبر أولد يعقوب عليبه السبلم وكان لكبل سببط عيبن مبن تلك العيون ل
يتعداهبا .قال عطاء :كان للحجبر أربعبة أوجبه يخرج مبن كبل وجبه ثلث أعيبن لكبل سببط عيبن ل
يخالطهم سواهم .وبلغنا أنه كان في كل سبط خمسون ألف مقاتل سوى خيلهم ودوابهم .قال عطاء:
كان يظهر على كل موضع من ضربة موسى مثل ثدي المرأة على الحجر فيعرق أول ثم يسيل.
@قوله تعالى" :كلوا واشربوا من رزق ال" في الكلم حذف تقديره وقلنا لهم كلوا المن والسلوى
واشربوا الماء المتفجر من الحجر المنفصل..
@قوله تعالى" :ول تعثوا في الرض" أي ل تفسدوا والعيث :شدة الفساد ،نهاهم عن ذلك .يقال:
عث يعث عثيا وعثا يعثو عثوا ،وعاث يعيث عيثا وعيوثا ومعاثا والول لغة القرآن .ويقال :عث
يعث في المضاعف أفسد ومنه العثة ،وهي السوسة التي تلحس الصوف.
@قوله تعالى" :مفسبدين" حال وتكرر المعنبى تأكيدا لختلف اللفبظ .وفبي هذه الكلمات إباحبة
النعم وتعدادها والتقدم في المعاصي والنهي عنها..
* *3الية{ 61 :وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت
الرض مبن بقلهبا وقثائهبا وفومهبا وعدسبها وبصبلها قال أتسبتبدلون الذي هبو أدنبى بالذي هبو خيبر
اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسبكنة وباؤوا بغضب من ال ذلك بأنهم
كانوا يكفرون بآيات ال ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}
@قوله تعالى" :وإذ قلتبم يبا موسبى لن نصببر" كان هذا القول منهبم فبي التيبه حيبن ملوا المبن
والسبلوى وتذكروا عيشهببم الول بمصببر قال الحسببن :كانوا نتانببى أهببل كراث وأبصببال وأعداس
فنزعوا إلى عكرهبم عكبر السبوء واشتاقبت طباعهبم إلى مبا جرت عليبه عادتهبم فقالوا :لن نصببر
على طعام واحبد وكنوا عبن المبن والسبلوى بطعام واحبد وهمبا اثنان لنهبم كانوا يأكلون أحدهمبا
بالخر فلذلك قالوا طعام واحد وقيل لتكرارهما :في كل يوم غذاء كما تقول لمن يداوم على الصوم
والصلة والقراءة :هو على أمر واحد لملزمته لذلك .وقيل :المعنى لن نصبر على الغنى فيكون
جميعنبا أغنياء فل يقدر بعضنبا على السبتعانة ببعبض لسبتغناء كبل واحبد منبا بنفسبه وكذلك كانوا
فهم أول من اتخذ العبيد والخدم.
@قوله تعالى" :على طعام واحبد" الطعام يطلق على مبا يطعبم ويشرب قال ال تعالى "ومبن لم
يطعمبه فإنبه منبي" وقال" :ليبس على الذيبن آمنوا وعملوا الصبالحات جناح فيمبا طعموا" [المائدة:
]93أي ما شربوه من الخمر على ما يأتي بيانه .وإن كان السلوى العسل -كما حكى المؤرج -
فهبو مشروب أيضبا .وربمبا خبص بالطعام البر والتمبر كمبا فبي حديبث أببي سبعيد الخدري قال :كنبا
نخرج صبدقة الفطبر على عهبد رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم صباعا مبن طعام أو صباعا مبن
شعيبر الحديبث .والعرف جار بأن القائل :ذهببت إلى سبوق الطعام فليبس يفهبم منبه إل موضبع ببه
دون غيره ممبا يؤكبل أو يشرب والطعبم (بالفتبح) :هبو مبا يؤديبه الذوق يقال :طعمبه مبر .والطعبم
أيضبا :مبا يشتهبى منبه يقال :ليبس له طعبم .ومبا فلن بذي طعبم :إذا كان غثبا .والطعبم (بالضبم):
الطعام قال أبو خراش:
وأوثر غيري من عيالك بالطعم أرد شجاع البطن لو تعلمينه
إذا الزاد أمسى للمزلج ذا طعم وأغتبق الماء القراح فأنتهي
أراد بالول الطعام وبالثانبي مبا يشتهبى .منبه وقبد طعبم يطعبم فهبو طاعبم إذا أكبل وذاق ومنبه قوله
تعالى "ومن لم يطعمه فإنه مني" [البقرة ]249 :أي من لم يذقه .وقال" :فإذا طعمتم فانتشروا"
[الحزاب ]53 :أي أكلتم وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم في زمزم( :إنها طعام طعم وشفاء
سقم) واستطعمني فلن الحديث إذا أراد أن تحدثه .وفي الحديث( :إذا استطعمكم المام فأطعموه)
يقول :إذا استفتح فافتحوا عليه وفلن ما يطعم النوم إل قائما .وقال الشاعر:
د ما تطعم النوم إل صياما نعاما بوجرة صفر الخدو
@قوله تعالى" :فادع لنبا رببك يخرج لنبا ممبا تنببت الرض" لغبة بنبي عامبر "فادع" بكسبر العيبن
للتقاء السباكنين ،يجرون المعتل مجرى الصبحيح ول يراعون المحذوف .و"يخرج" مجزوم على
معنبى سبلْه وقبل له :أخرج ،يخرج .وقيبل :هبو على معنبى الدعاء على تقديبر حذف اللم وضعفبه
الزجاج .و"مبن" فبي قول "ممبا" زائدة فبي قول الخفبش وغيبر زائدة فبي قول سبيبويه لن الكلم
موجبب .قال النحاس :وإنمبا دعبا الخفبش إلى هذا لنبه لم يجبد مفعول لبب "يخرج" فأراد أن يجعبل
"مبا" مفعول .والوْلى أن يكون المفعول محذوفبا دل عليبه سبائر الكلم ،التقديبر :يخرج لنبا ممبا
تنبت الرض مأكول .فب "من" الولى على هذا للتبعيض والثانية للتخصيص.
@قوله تعالى" :من بقلها" بدل من "ما" بإعادة الحرف ،والبقل معروف وهو كل نبات ليس له
سباق .والشجبر :مبا له سباق .و" وقثائهبا" عطبف عليبه وكذا مبا بعده فاعلمبه والقثاء أيضبا معروف
وقد تضم قافه وهى قراءة يحيى بن وثاب وطلحة بن مصرف لغتان والكسر .أكثر وقيل في جمع
قثاء :قثائي مثببل علباء وعلبببي إل أن قثاء مببن ذوات الواو تقول :اقثأئت القوم أي أطعمتهببم ذلك.
وقثأت القدر سكنت غليانها بالماء قال الجعدي:
ونفثؤها عنا إذا حميها غل تفور علينا قدرهم فنديمها
وقثأت الرجل إذا كسرته عنك بقول أو غيره وسكنت غضبه .وعدا حتى أفثأ أي أعيا وانبهر وأفثأ
الحر أي سكن وفتر ومن أمثالهم في اليسير من البر قولهم :إن الرثيئة تفثأ في الغضب .وأصله أن
رجل كان غضببب على قوم وكان مببع غضبببه جامعببا فسببقوه رثيئة فسببكن غضبببه وكببف عنهببم.
الرثيئة :اللبن المحلوب على الحامض ليخثر .رثأت اللبن رثأ إذا حلبته على حامض فخثر والسم
الرثيئة وارتثأ اللبن خثر.
وروى ابن ماجه حدثنا محمد بن عبدال بن نمير حدثنا يونس بن بكير حدثنا هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة قالت :كانت أمي تعالجني للسمنة تريد أن تدخلني على رسول ال صلى ال عليه
وسلم فما استقام لها ذلك حتى أكلت القثاء بالرطب فسمنت كأحسن سمنة وهذا إسناد صحيح.
@قوله تعالى" :وفومها" اختلف في الفوم فقيل هو الثوم لنه المشاكل للبصل .رواه جويبر عن
الضحاك والثاء تبدل مبن الفاء كمبا قالوا :مغافيبر ومغاثيبر .وجدث وجدف للقببر .وقرأ اببن مسبعود
"ثومها" بالثاء المثلثة وروي ذلك عن ابن عباس .وقال أمية بن أبي الصلت:
فيها الفراديس والفومان والبصل كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة
الفراديس :واحدها فرديس .وكرم مفردس أي معرش .وقال حسان:
طعامكم الفوم والحوقل وأنتم أناس لئام الصول
يعني الثوم والبصل وهو قول الكسائي والنضر بن شميل .وقيل :الفوم الحنطة .روي عباس أيضا
وأكثر المفسرين واختاره النحاس قال :وهو أولى ومن قال به أعلى وأسانيده صحاح وليس جويبر
بنظيببر لروايتببه وإن كان الكسببائي والفراء قببد اختارا القول الول لبدال العرب الفاء مببن الثاء
والبدال ل يقاس عليبه وليبس ذلك بكثيبر فبي كلم العرب .وأنشبد عباس لمبن سبأله عبن الفوم وأنبه
الحنطة قول أحيحة بن الجلح:
ورد المدينة عن زراعة فوم قد كنت أغنى الناس شخصا واجدا
وقل أبو إسحاق الزجاج :وكيف يطلب القوم طعاما ل بر فيه والبر أصل الغذاء! .وقال الجوهري
أبو نصر :الفوم الحنطة .وأنشد الخفش:
نزل المدينة عن زراعة فوم قد كنت أحسبني كأغنى واجد
وقال ابن دريد :الفومة السنبلة وأنشد:
بكفه فومة أو فومتان وقال ربيئهم لما أتانا
والهاء فبي "كفبه" غيبر مشبعبة .وقال بعضهبم :الفوم الحمبص لغبة شاميبة .وبائعبه فامبي مغيبر عبن
فومبي لنهبم قبد يغيرون فبي النسبب ،كمبا قالوا :سبهلي ودهري .ويقال :فوموا لنبا أي اختبزوا .قال
الفراء :هي لغة قديمة .وقال عطاء وقتادة :الفوم كل حب يختبز.
مسبألة :اختلف العلماء فبي أكبل البصبل والثوم ومبا له رائحبة كريهبة مبن سبائر البقول .جمهور
العلماء إلى إباحة ذلك ،للحاديث الثابتة في ذلك وذهبت طائفة من أهل الظاهر -القائلين بوجوب
الصبلة فبي الجماعبة فرضبا -إلى المنبع ،وقالوا :كبل مبا منبع مبن إتيان الفرض والقيام ببه فحرام
عمله والتشاغببل بببه .واحتجوا بأن رسببول ال صببلى ال عليببه وسببلم سببماها خبيثببة ،وال عببز قببد
وصبف نببيه عليبه السبلم بأنبه يحرم الخبائث .ومبن الحجبة للجمهور مبا ثببت عبن جابر أن النببي
صبلى ال عليبه وسبلم أتبي ببدر فيبه خضرات مبن بقول فوجبد لهبا ريحبا ،قال :فأخببر بمبا فيهبا مبن
البقول ،فقال( :قربوها) -إلى بعض أصحابه كان معه -فلما رآه كره أكلها ،قال( :كل فإني أناجي
من ل تناجبي) .أخرجه مسلم وأبو داود .فهذا بين في الخصوص له والباحة لغيره .وفي صبحيح
مسلم أيضا عن أبي أيوب أن النبي صلى ال عليه وسلم نزل على أبي أيوب ،فصنع للنبي صلى
ال عليبه وسبلم طعامبا فيبه ثوم ،فلمبا رد إليبه سبأل عبن موضبع أصبابع النببي صبلى ال عليبه وسبلم،
فقيبل له :لم يأكبل .ففزع وصبعد إليبه فقال :أحرام هبو؟ قال النببي صبلى ال عليبه وسبلم( :ل ولكنبي
أكرهه) .قال :فإني أكره ما تكره أو ما كرهت ،قال :وكان النبي صلى ال عليه وسلم يؤتى (يعني
يأتيه الوحي) .فهذا نص على عدم التحريم .وكذلك ما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى ال
عليه وسلم حين أكلوا الثوم زمن خيبر وفتحها( :أيها الناس إنه ليس لي تحريم ما أحل ال ولكنها
شجرة أكره ريحها) الحاديث تشعبر بأن الحكم خاص به ،إذ هو المخصوص بمناجاة الملك .لكن
قد علمنا هذا الحكم في حديث جابر بما يقتضي التسوية بينه وبين غيره في هذا الحكم حيث قال:
(من أكل من هذه البقلة الثوم وقال مرة :من أكل البصل والثوم والكراث فل يقربن مسجدنا فإن
الملئكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) وقال عمر بن الخطاب رضي ال عنه في حديث فيه طول
إنكبم أيهبا الناس تأكلون شجرتيبن ل أراهمبا إل خببيثتين ،هذا البصبل والثوم .ولقبد رأيبت رسبول ال
صلى ال عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع ،فمن أكلهما
فليمتهما طبخا .خرجه مسلم.
@قوله تعالى" :وعدسها وبصلها" العدس معروف .والعدسة :بثرة تخرج بالنسان ،وربما قتلت.
وعدس :زجر للبغال ،قال:
نجوت وهذا تحملين طليق عدس ما لعباد عليك إمارة
والعدس :شدة الوطبء ،والكدح أيضبا ،يقال :عدسبة .وعدس فبي الرض :ذهبب فيهبا .وعدسبت إليبه
المنية أي سارت ،قال الكميت:
أخا الليل معدوسا إلي وعادسا أكلفها هول الظلم ولم أزل
أي يسار إلي بالليل .وعدس :لغة في حدس ،قاله الجوهري .ويؤثر عن النبي صلى ال عليه وسلم
مبن حديبث علي أنبه قال( :عليكبم بالعدس فإنبه مبارك مقدس وإنبه يرق القلب ويكثبر الدمعبة فإنبه
بارك فيبه سببعون نبيبا آخرهبم عيسبى اببن مريبم) ،ذكره الثعلببي وغيره .وكان عمبر ببن عبدالعزيبز
يأكبببل يومبببا خبزا بزيبببت ،ويومبببا بلحبببم ،ويومبببا بعدس .قال الحليمبببي :والعدس والزيبببت طعام
الصبالحين ،ولو لم يكبن له فضيلة إل أنبه ضيافبة إبراهيبم عليبه السبلم فبي مدينتبه ل تخلو منبه لكان
فيببه كفايببة .وهببو ممببا يخفببف البدن فيخببف للعبادة ،ل تثور منببه الشهوات كمببا تثور مببن اللحببم.
والحنطببة مببن جملة الحبوب وهببي الفوم على الصببحيح ،والشعيببر قريببب منهببا وكان طعام أهببل
المدينبة ،كمبا كان العدس مبن طعام قريبة إبراهيبم عليبه السبلم ،فصبار لكبل واحبد مبن الحبتيبن بأحبد
النبيين عليهما السلم فضيلة ،وقد روي أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يشبع هو وأهله من خبز
بر ثلثة أيام متتابعة منذ قدم المدينة إلى أن توفاه ال عز وجل.
@قوله تعالى" :قال أتسبتبدلون الذي هبو أدنبى بالذي هبو خيبر" السبتبدال :وضبع الشيبء موضبع
الخبر ،ومنبه البدل ،وقبد تقدم .و"أدنبى" مأخوذ عنبد الزجاج مبن الدنبو أي القرب فبي القيمبة ،مبن
قولهبم :ثوب مقارب ،أي قليبل الثمبن .وقال علي ببن سبليمان :هبو مهموز مبن الدنيبء البيبن الدناءة
بمعنى الخس ،إل أنه خفف همزته .وقيل :هو مأخوذ من الدون أي الحط ،فأصله أدون ،أفعل،
قلب فجاء أفلع ،وحولت الواو ألفبا لتطرفهبا .وقرئ فبي الشواذ "أدنبى" .ومعنبى اليبة :أتسبتبدلون
البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل الذي هو أدنى بالمن والسلوى الذي هو خير.
واختلف في الوجوه التي توجب فضل المن والسلوى على الشيء الذي طلبوه وهى خمسة:
الول :أن البقول لما كانت ل خطر لها بالنسبة إلى المن والسلوى كانا أفضل ،قاله الزجاج.
الثاني :لما كان المن والسلوى طعاما مّن ال به عليهم وأمرهم بأكله وكان في استدامة أمر ال
وشكببر نعمتببه أجببر وذخببر فببي الخرة ،والذي طلبوه عار مببن هذه الخصببائل كان أدنببى فببي هذا
الوجه.
الثالث :لمبا كان مبا مّن ال ببه عليهبم أطيبب وألذ مبن الذي سبألوه ،كان مبا سبألوه أدنبى مبن هذا
الوجه ل محالة.
الراببع :لمبا كان مبا أعطوا ل كلفبة فيبه ول تعبب ،والذي طلبوه ل يجيبء إل بالحرث والزراعبة
والتعب كان أدنى.
الخامبس :لمبا كان مبا ينزل عليهبم ل مريبة فبي حله وخلوصبه لنزوله مبن عنبد ال ،والحبوب
والرض يتخللها البيوع والغصوب وتدخلها الشبه ،كانت أدنى من هذا الوجه.
مسألة :في هذه الية دليل على جواز أكل الطيبات والمطاعم المستلذات ،وكان النبي صلى ال
عليبه وسبلم يحبب الحلوى والعسبل ،ويشرب الماء البارد العذب ،وسبيأتي هذا المعنبى فبي "المائدة"
و"النحل" إن شاء ال مستوفى.
@قوله تعالى" :اهبطوا مصرا" تقدم معنى الهبوط ،وهذا أمر معناه التعجيز ،كقوله تعالى" :قل
كونوا حجارة أو حديدا"[السراء ]50 :لنهم كانوا في التيه وهذا عقوبة لهم .وقيل :إنهم أعطوا
مبا طلبوه .و"مصبرا" بالتنويبن منكرا قراءة الجمهور ،وهبو خبط المصبحف ،قال مجاهبد وغيره:
فمببن صببرفها أراد مصببرا مببن المصببار غيببر معيببن .وروى عكرمببة عببن ابببن عباس فببي قوله:
"اهبطوا مصبرا" قال :مصبرا مبن هذه المصبار .وقالت طائفبة ممبن صبرفها أيضبا :أراد مصبر
فرعون بعينهبا .اسبتدل الولون بمبا اقتضاه ظاهبر القرآن مبن أمرهبم دخول القريبة ،وبمبا تظاهرت
ببه الروايبة أنهبم سبكنوا الشام بعبد التيبه .واسبتدل الخرون بمبا فبي القرآن مبن أن ال أورث ،بنبي
إسرائيل ديار آل فرعون وأثارهم ،وأجازوا صرفها .قال الخفش والكسائي :لخفتها وشبهها بهند
ودعد ،وأنشد:
دعد ولم تسق دعد في العلب لم تتلفع بفضل مئزرها
فجمببع بيببن اللغتيببن .وسببيبويه والخليببل والفراء ل يجيزون هذا ،لنببك لو سببميت امرأة بزيببد لم
تصرف .وقال غير الخفش :أراد المكان فصرف .وقرأ الحسن وأبان بن تغلب وطلحة" :مصر"
بترك الصبرف .وكذلك هبي فبي مصبحف أببى ببن كعبب وقراءة اببن مسبعود .وقالوا :هبي مصبر
فرعون .قال أشهببب قال لي مالك :هببي عندي مصببر قريتببك مسببكن فرعون ،ذكره ابببن عطيببة.
والمصر أصله في اللغة الحد .ومصر الدار :حدودها .قال ابن فارس ويقال :إن أهل هجر يكتبون
في شروطهم "اشترى فلن الدار بمصورها" أي حدودها ،قال عدي:
بين النهار وبين الليل قد فصل وجاعل الشمس مصرا ل خفاء به
@قوله تعالى" :فإن لكبم مبا سبألتم" "مبا" نصبب بإن ،وقرأ اببن وثاب والنخعبي "سبألتم" بكسبر
السين ،يقال :سألت وسلت بغير همز .وهو من ذوات الواو ،بدليل قولهم :يتساولن.
@قوله تعالى" :وضرببت عليهبم الذلة والمسبكنة" أي ألزموهمبا وقضبي عليهبم بهمبا ،مأخوذ مبن
ضرب القباب ،قال الفرزدق في جرير:
وقضى عليك به الكتاب المنزل ضربت عليك العنكبوت بنسجها
وضرب الحاكببم على اليببد ،أي حمببل وألزم .والذلة :الذل والصببغار .والمسببكنة :الفقببر .فل يوجببد
يهودي وإن كان غنيبا خاليبا مبن زي الفقبر وخضوعبه ومهانتبه .وقيبل :الذلة فرض الجزيبة ،عبن
الحسن وقتادة .والمسكنة الخضوع ،وهي مأخوذة من السكون ،أي قلل الفقر حركته ،قاله الزجاج.
وقال أببو عببيدة :الذلة الصبغار .والمسبكنة مصبدر المسبكين .وروى الضحاك ببن مزاحبم عبن اببن
عباس" :وضربت عليهم الذلة والمسكنة" قال :هم أصحاب القبالت.
@قوله تعالى" :وباؤوا بغضبب مبن ال" أي انقلبوا ورجعوا ،أي لزمهبم ذلك .ومنبه قوله عليبه
السبلم فبي دعائه ومناجاتبه( :أببو ء بنعمتبك علي) أي أقبر بهبا وألزمهبا نفسبي .وأصبله فبي اللغبة
الرجوع ،يقال باء بكذا ،أي رجببع بببه ،وباء إلى المباءة وهببي المنزل أي رجببع .والبواء :الرجوع
بالقود .وهم في هذا المر بواء ،أي سواء ،يرجعون فيه إلى معنى واحد .وقال الشاعر:
محارمنا ل يبؤؤ الدم بالدم أل تنتهي عنا ملوك وتتقي
أي ل يرجع الدم بالدم في القود .وقال:
وأبنا بالملوك مصفدينا فآبوا بالنهاب وبالسبايا
أي رجعوا ورجعنا .وقد تقدم معنى الغضب في الفاتحة.
@قوله تعالى" :ذلك" تعليببل" .بأنهببم كانوا يكفرون" أي يكذبون" ،بآيات ال" أي بكتابببه
ومعجزات أنببيائه ،كعيسبى ويحيبى وزكريبا ومحمبد عليهبم السبلم .و" ويقتلون النببيين" معطوف
على "يكفرون" وروي عبن الحسبن "يقتلون" وعنبه أيضبا كالجماعبة .وقرأ نافبع "النببيئين" بالهمبز
حيبث وقبع فبي القرآن إل فبي موضعيبن :فبي سبورة الحزاب" :إن وهببت نفسبها للنببي إن أراد"
[الحزاب .]50 .و"ل تدخلوا بيوت النبي إل" [الحزاب ]53 :فإنه قرأ بل مد ول همز .وإنما
ترك همبز هذيبن لجتماع همزتيبن مكسبورتين .وترك الهمبز فبي جميبع ذلك الباقون .فأمبا مبن همبز
فهو عنده من أنبأ إذا أخر ،واسم فاعله منبئ .ويجمع نبيء أنبياء ،وقد جاء في جمع نبي نبآء ،قال
العباس بن مرداس السلمي يمدح النبي صلى ال عليه وسلم:
بالحق كل هدى السبيل هداكا يا خاتم النبآء إنك مرسل
هذا معنى قراءة الهمز .واختلف القائلون بترك الهمز ،فمنهم من اشتق اشتقاق من همز ،ثم سهل
الهمبز .ومنهبم مبن قال :هبو مشتبق مبن نببا ينببو إذا ظهبر .فالنببي مبن النبوة وهبو الرتفاع ،فمنزلة
النببي رفيعبة .والنببي بترك الهمبز أيضبا الطريبق ،فسبمي الرسبول نبيبا لهتداء الخلق ببه كالطريبق،
قال الشاعر:
مكان النبي من الكاثب لصبح رتما دقاق الحصى
رتمببت الشيببء :كسببرته ،يقال :رتببم أنفببه ورثمببه ،بالتاء والثاء جميعببا .والرتببم أيضببا المرتوم أي
المكسبور .والكاثبب اسبم جببل .فالنببياء لنبا كالسببل فبي الرض .ويروى أن رجل قال للنببي صبلى
ال عليه وسلم :السلم عليك يا نبيء ال ،وهمز .فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :لست بنبيء ال
-وهمز -ولكني نبي ال) ولم يهمز .قال أبو علي :ضعف سند هذا الحديث ،ومما يقوي ضعفه
أنه عليه السلم قد أنشده المادح:
يا خاتم النبآء...
ولم يؤثر في ذلك إنكار.
@قوله تعالى" :بغيبر الحبق" تعظيبم للشنعبة والذنبب الذي أتوه" .فإن قيبل :هذا دليبل على أنبه قبد
يصبح أن يقتلوا بالحبق ،ومعلوم أن النببياء معصبومون مبن أن يصبدر منهبم مبا يقتلون ببه .قيبل له:
ليبس كذلك ،وإنمبا خرج هذا مخرج الصبفة لقتلهبم أنبه ظلم وليبس بحبق ،فكان هذا تعظيمبا للشنعبة
عليهم ،ومعلوم أنه ل يقتل نبي بحق ،ولكن يقتل على الحق ،فصرح قوله" :بغير الحق" عن شنعة
الذنب ووضوحه ،ولم يأت نبي قط بشيء يوجب قتله.
فإن قيل :كيف جاز أن يخلى بين الكافرين وقتل النبياء؟ قيل :ذلك كرامة لهم وزيادة في منازلهم،
كمثل من يقتل في سبيل ال من المؤمنين ،وليس ذلك بخذلن لهم .قال ابن عباس والحسن :لم يقتل
نبي قط من النبياء إل من لم يؤمر بقتال ،وكل من أمر بقتال نصر.
@قوله تعالى" :ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون" "ذلك" رد على الول وتأكيد للشارة إليه .والباء
في "بما" باء السبب .قال الخفش :أي بعصيانهم .والعصيان :خلف الطاعة .واعتصت النواة إذا
اشتدت .والعتداء :تجاوز الحد في كل شيء ،وعرف في الظلم والمعاصي.
* *3الية { 62إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بال واليوم الخر
وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هم يحزنون}
@قوله تعالى" :إن الذيبن آمنوا" أي صبدقوا بمحمبد صبلى ال عليبه وسبلم .وقال سبفيان :المراد
المنافقون .كأنه قال :الذين أمنوا في ظاهر أمرهم ،فلذلك قرنهم باليهود والنصارى والصابئين ،ثم
بين حكم من آمن بال واليوم الخر من جميعهم
@قوله تعالى" :والذين هادوا "معناه صاروا يهودا ،نسبوا إلى يهوذا وهو أكبر ولد يعقوب عليه
السبلم ،فقلببت العرب الذال دال ،لن العجميبة إذا عرببت غيرت عبن لفظهبا .وقيبل :سبموا بذلك
لتوبتهم عن عبادة العجل .هاد :تاب .والهائد :التائب ،قال الشاعر:
إني امرؤ من حبه هائد
أي تائب .وفبي التنزيبل" :إنبا هدنبا إليبك" [العراف ]156 :أي تبنبا .وهاد القوم يهودون هودا
وهيادة إذا تابوا .وقال اببن عرفبة" :هدنبا إليبك" أي سبكنا إلى أمرك .والهوادة السبكون والموادعبة.
قال :ومنه قوله تعالى" :إن الذين أمنوا والذين هادوا" .وقرأ أبو السمال" :هادوا" بفتح الدال.
@قوله تعالى" :والنصبارى "جمبع واحده نصبراني .وقيبل :نصبران بإسبقاط الياء ،وهذا قول
سيبويه .والنثى نصرانة ،كندمان وندمانة .وهو نكرة يعرف باللف واللم ،قال الشاعر:
ساقي نصارى قبيل الفصح صوام صدت كما صد عما ل يحل له
فوصبفه بالنكرة .وقال الخليبل :واحبد النصبارى نصبري ،كمهري ومهارى .وأنشبد سبيبويه شاهدا
على قوله:
ويضحي لديه وهو نصران شامس تراه إذا دار العشا متحنفا
وأنشد:
كما أسجدت نصرانة لم تحنف فكلتاهما خرت وأسجد رأسها
يقال :أسببجد إذا مال .ولكببن ل يسببتعمل نصببران ونصببرانة إل بياءي النسببب ،لنهببم قالوا :رجببل
نصبراني وامرأة نصبرانية .ونصبره :جعله نصبرانيا .وفبي الحديبث( :فأبواه يهودانبه أو ينصبرانه).
وقال عليه السلم( :ل يسمع بي أحد من هذه المة يهودي ول نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت
بببه إل كان مببن أصببحاب النار) .وقببد جاءت جموع على غيببر مببا يسببتعمل واحدهببا ،وقياسببه
النصرانيون .ثم قيل :سموا بذلك لقرية تسمى "ناصرة" كان ينزلها عيسى عليه السلم فنسب إليها
فقيببل :عيسببى الناصببري ،فلمببا نسببب أصببحابه إليببه قيببل النصببارى ،قاله ابببن عباس وقتادة .وقال
الجوهري :ونصران قرية بالشام ينسب إليها النصارى ،ويقال ناصرة .وقيل :سموا بذلك لنصرة
بعضهم بعضا ،قال الشاعر:
شمرت عن ركبتي الزارا لما رأيت نبطا أنصارا
كنت لهم من النصارى جارا
وقيببل :سببموا بذلك لقول" :مببن أنصبباري إلى ال قال الحواريون نحببن أنصببار ال" [آل عمران:
.]52
@قوله تعالى" :والصببابئين" جمببع صببابئ ،وقيببل :صبباب ،ولذلك اختلفوا فببي همزه ،وهمزه
الجمهور إل نافعا .فمن همزه جعله من صبأت النجوم إذا طلعت ،وصبأت ثنية الغلم إذا خرجت.
ومن لم يهمز جعله من صبا يصبو إذا مال .فالصابئ في اللغة :من خرج ومال من دين إلى دين،
ولهذا كانت العرب تقول لمن أسلم قد صبأ .فالصابئون قد خرجوا من دين أهل الكتاب.
ل خلف في أن اليهود والنصارى أهل كتاب ولجل كتابهم جاز نكاح نسائهم وأكل طعامهم على
مبا يأتبي بيانبه فبي المائدة وضرب الجزيبة عليهبم ،على مبا يأتبي فبي ،سبورة "براءة" إن شاء ال.
واختلف في الصبابئين ،فقال السدي :هم فرقة من أهل الكتاب ،وقاله إسحاق بن راهويه .قال ابن
المنذر وقال إسبحاق :ل بأس بذبائح الصبابئين لنهبم طائفبة مبن أهبل الكتاب .وقال أببو حنيفبة :ل
بئس بذبائحهم ومناكحة نسائهم .وقال الخليل :هم قوم يشبه دينهم دين النصارى ،إل أن قبلتهم نحو
مهبب الجنوب ،يزعمون أنهبم على ديبن نوح عليبه السبلم .وقال مجاهبد والحسبن واببن أببي نجيبح:
هبم قوم تركبب دينهبم بيبن اليهوديبة والمجوسبية ،ل تؤكبل ذبائحهبم .اببن عباس :ول تنكبح نسباؤهم.
وقال الحسبن أيضبا وقتادة هبم قوم يعبدون الملئكبة ويصبلون إلى القبلة ويقرؤون الزبور ويصبلون
الخمبس ،رآهبم زياد اببن أببي سبفيان فأراد وضبع الجزيبة عنهبم حيبن عرف أنهبم يعبدون الملئكبة.
والذي تحصبل مبن مذهبهبم فيمبا ذكره بعبض علمائنبا أنهبم موحدون معتقدون تأثيبر النجوم وأنهبا
فعالة ،ولهذا أفتى أبو سعيد الصطخري القادر بال بكفرهم حين سأله عنهم.
@قوله تعالى" :مبن آمبن بال واليوم الخبر وعمبل صبالحا فلهبم أجرهبم عنبد ربهبم "أي صبدق.
و"مبن" فبي قوله" :مبن آمبن" فبي موضبع نصبب بدل مبن "الذيبن" .والفاء فبي قوله "فلهبم" داخلة
بسبب البهام الذي في "من" .و"لهم أجرهم" ابتداء وخبر في موضع خبر إن .ويحسن أن يكون
"مبن" فبي موضبع رفبع بالبتداء ،ومعناهبا الشرط .و"آمبن" فبي موضبع جزم بالشرط ،والفاء
الجواب .و"لهبم أجرهبم" خببر "مبن" ،والجملة كلهبا خببر "إن" ،والعائد على "الذيبن" محذوف،
تقديره من آمن منهم بال .وفي اليمان بال واليوم الخر اندراج اليمان بالرسل والكتب والبعث.
إن قال قائل :لم جمع الضمير في قوله تعالى" :لهم أجرهم" و"آمن" لفظ مفرد ليس بجمع ،وإنما
كان يستقيم لو قال :له أجره .فالجواب أن "من" يقع على الواحد والتثنية والجمع ،فجائز أن يرجع
الضمير مفردا ومثنى ومجموعا ،قال ال تعالى" :ومنهم من يستمعون إليك" [يونس ]42 :على
المعنى .وقال" :ومنهم من يستمع إليك" على اللفظ .وقال الشاعر:
وقول لها عوجي على من تخلفوا ألما بسلمى عنكما إن عرضتما
وقال الفرزدق:
نكن مثل من يا ذئب يصطحبان تعال فإن عاهدتني ل تخونني
فحمببل على المعنببى ولو حمببل على اللفببظ لقال :يصببطحب وتخلف .قال تعالى" :ومببن يطببع ال
ورسبوله يدخله جنات" فحمبل على اللفبظ .ثبم قال" :خالديبن" فحمبل على المعنبى ،ولو راعبى اللفبظ
لقال :خالدا فيها .وإذا جرى ما بعد "من" على اللفظ فجائز أن يخالف به بعد على المعنى كما في
هذه الية .وإذا جرى ما بعدها على المعنى لم يجز أن يخالف به بعد على اللفظ لن اللباس يدخل
في الكلم .وقد مضى الكلم في قوله تعالى" :فل خوف عليهم ولهم يحزنون" .وال أعلم.
روي عبن اببن عباس أن قوله" :إن الذيبن آمنوا والذيبن هادو" [الحبج ]17 :اليبة .منسبوخ بقوله
تعالى" :يبتببغ غيببر السببلم دينببا فلن يقبببل منببه" [آل عمران ]85 :اليببة .وقال غيره :ليسببت
بمنسوخة .وهى فيمن ثبت على إيمانه من المؤمنين بالنبي عليه السلم.
* *3اليبة { 63وإذ أخذنبا ميثاقكبم ورفعنبا فوقكبم الطور خذوا مبا آتيناكبم بقوة واذكروا مبا فيبه
لعلكم تتقون}
@قوله تعالى" :وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور" هذه الية تفسر معنى قوله تعالى" :وإذ
نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة"[العراف .]171 :قال أبو عبيدة :المعنى زعزعناه فاستخرجناه من
مكانبه .قال :وكبل شيبء قلعتبه فرميبت ببه فقبد نتقتبه .وقيبل :نتقناه رفعناه .قال اببن العراببي :الناتبق
الرافبع ،والناتبق الباسبط ،والناتبق الفاتبق .وامرأة ناتبق ومنتاق :كثيرة الولد .وقال القتببي :أخبذ ذلك
مبن نتبق السبقاء ،وهبو نفضبه حتبى تقتلع الزبدة منبه .قال وقوله" :وإذ نتقنبا الجببل فوقهبم كأنبه ظلة"
قال :قلع من أصله.
واختلف في الطور ،فقيل :الطور اسم للجبل الذي كلم ال عليه موسى عليه السلم وأنزل عليه فيه
التوراة دون غيره ،رواه اببن جريبج عبن اببن عباس .وروى الضحاك عنبه أن الطور مبا أنببت مبن
الجبال خاصة دون ما لم ينبت .وقال مجاهد وقتادة :أي جبل كان .إل أن مجاهدا قال :هو اسم لكل
جببل بالسبريانية ،وقال أببو العاليبة .وقبد مضبى الكلم هبل وقبع فبي القرآن ألفاظ مفردة غيبر معرببة
مبن غيبر كلم فبي مقدمبة الكتاب .والحمبد ل .وزعبم البكري أنبه سبمي بطور ببن إسبماعيل عليبه
السلم ،وال تعالى أعلم.
القول في سبب رفع الطور
وذلك أن موسبى عليبه السبلم لمبا جاء بنبي إسبرائيل مبن عنبد ال باللواح فيهبا التوراة قال لهبم:
خذوها والتزموها .فقالوا :ل! إل أن يكلمنا ال بها كما كلمك .فصعقوا ثم أحيوا .فقال لهم :خذوها.
فقالوا ل ،فأمبر ال الملئكبة فاقتلعبت جبل مبن جبال فلسبطين طوله فرسبخ فبي مثله ،وكذلك كان
عسبكرهم ،فجعبل عليهبم مثبل الظلة ،وأتوا ببحبر مبن خلفهبم ،ونار مبن قببل وجوههبم ،وقيبل لهبم:
خذوهبا وعليكبم الميثاق أل تضيعوهبا ،وإل سبقط عليكبم الجببل .فسبجدوا توببة ال وأخذوا التوراة
بالميثاق .قال الطبري عن بعض العلماء :لو أخذوها أول مرة لم يكن عليهم ميثاق .وكان سجودهم
على شق ،لنهم كانوا يرقبون الجبل خوفا ،فلما رحمهم ال قالوا :ل سجدة أفضل من سجدة تقبلها
ال ورحم بها عباده ،فأمروا سجودهم على شق واحد .قال ابن عطية :والذي ل يصح سواه أن ال
تعالى اخترع وقت سجودهم اليمان في قلوبهم ل أنهم آمنوا كرها وقلوبهم غير مطمئنة بذلك.
@قوله تعالى" :خذوا" أي فقلنا خذوا ،فحذف" .ما آتيناكبم" أعطيناكم" .بقوة" أي بجد واجتهاد،
قال اببن عباس وقتادة والسبدي .وقيبل :بنيبة وإخلص .مجاهبد :القوة العمبل بمبا فيبه .وقيبل :بقوة،
بكثرة درس" .واذكروا ما فيه" أي تدبروه واحفظوا أوامره ووعيده ،ول تنسوه ول تضيعوه.
قلت :هذا هو المقصود من الكتب ،العمل بمقتضاها ل تلوتها باللسان وترتيلها ،فإن ذلك نبذ لها،
على مبا قاله الشعببي واببن عيينبة ،وسبيأتي قولهمبا عنبد قوله تعالى" :نببذ فريبق مبن الذيبن أوتوا
الكتاب" [البقرة .]101 :وقد روى النسائي عن أبي سعيد الخدري أن رسول ال صلى ال عليه
وسبلم قال( :إن مبن شبر الناس وجل فاسبقا يقرأ القرآن ل يرعوي إلى شيبء منبه) .فببين صبلى ال
عليه وسلم أن المقصود العمل كما بينا .وقال مالك :قد يقرأ القرآن من ل خير فيه .فما لزم إذا من
قبلنبا وأخبذ عليهبم لزم لنبا وواجبب علينبا .قال ال تعالى" :واتبعوا أحسبن مبا أنزل إليكبم من ربكبم"
[الزمببر ]55 :فأمرنببا باتباع كتابببه والعمببل بمقتضاه ،لكببن تركنببا ذلك ،كمببا تركببت اليهود
والنصبارى ،وبقيت أشخاص الكتب والمصباحف ل تفيبد شيئا ،لغلببة الجهل وطلب الرياسة واتباع
الهواء .روى الترمذي عبن جببير ببن نفيبر عبن أببي الدرداء قال :كنبا مبع النببي صبلى ال عليبه
وسبلم ،فشخبص ببصبره إلى السبماء ثبم قال( :هذا أوان يختلس فيبه العلم مبن الناس حتبى ل يقدروا
منبه على شيبء) .فقال زياد ببن لبيبد النصباري :كيبف يختلس منبا وقبد قرأنبا القرآن! فوال لنقرأنبه
ولنقرئنبه نسباءنا وأبناءنبا .فقال( :ثكلتبك أمبك يبا زياد أن كنبت لعدك مبن فقهاء المدينبة هذه التوراة
والنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم) وذكر الحديث ،وسيأتي .وخرجه النسائي من
حديث جبير بن نفير أيضا عن عوف بن مالك الشجعي من طريق صحيحة ،وأن النبي صلى ال
عليبه وسبلم قال لزياد( :ثكلتبك أمبك يبا زياد هذه التوراة والنجيبل عنبد اليهود والنصبارى) .وفبي
الموطبأ عبن عبدا ل ببن مسبعود قال لنسبان" :إنبك فبي زمان كثيبر فقهاؤه ،قليبل قراؤه ،تحفبظ فيبه
حدود القرآن وتضيبع حروفبه ،قليبل مبن يسبأل ،كثيبر مبن يعطبي ،يطيلون الصبلة ويقصبرون فيبه
الخطببة ،يبدؤون فيبه أعمالهبم قببل أهوائهبم .وسبيأتي على الناس زمان قليبل فقهاؤه ،كثيبر قراؤه،
تحفبظ فيبه حروف القرآن ،وتضيع حدوده ،كثيبر مبن يسأل ،قليل من يعطبي ،يطيلون فيبه الخطبة،
ويقصبرون الصبلة ،يبدؤون فيبه أهواءهبم قببل أعمالهبم" .وهذه نصبوص تدل على مبا ذكرنبا .وقبد
قال يحيبى :سبألت اببن نافبع عبن قوله .يبدؤون أهواءهبم قببل أعمالهبم؟ قال يقول :يتبعون أهواءهبم
ويتركون العمل بالذي افترض عليهم.
@قوله تعالى" :لعلكم تتقون" وتقدم القول في معناه فل معنى لعادته.
* *3الية { 64ثم توليتم من بعد ذلك فلول فضل ال عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين}
@قوله تعالى" :ثبم توليتبم "تولى تفعبل ،وأصبله العراض والدبار عبن الشيبء بالجسبم ،ثبم ا
ستعمل في العراض عن الوامر والديان والمعتقدات اتساعا ومجازا.
@قوله تعالى" :من بعد ذلك" أي من بعد البرهان ،وهو أخذ الميثاق ورفع الجبل.
@قوله تعالى" :فلول فضل ال عليكم" "فضل" مرفوع بالبتداء عند سيبويه والخبر محذوف ل
يجوز إظهاره ،لن العرب اسببببتغنت عببببن إظهاره ،إل أنهببببم إذا أرادوا إظهاره جاؤوا بأن ،فإذا
جاؤوا بها لم يحذفوا الخبر .والقدير فلول فضل ال تدارككم.
@قوله تعالى" :ورحمتبه" عطبف على "فضبل" أي لطفبه وإمهاله" .لكنتبم" جواب "لول" "مبن
الخاسببرين" خببر كنتببم .والخسببران :النقصبان ،وقببد تقدم .وقيببل :فضله قبول التوببة ،و"رحمتببه"
العفبو .والفضبل :الزيادة على مبا وجبب .والفضال :فعبل مبا لم يجبب .قال اببن فارس فبي المجمبل:
الفضل الزيادة والخير ،والفضال :الحسان.
* *3الية { 65ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين}
@قوله تعالى" :ولقبد علمتبم الذيبن اعتدوا منكبم" "علمتبم" معناه عرفتبم أعيانهبم .وقيبل :علمتبم
أحكامهم .والفرق بينهما أن المعرفة متوجهة إلى ذات المسمى .والعلم متوجه إلى أحوال المسمى.
فإذا قلت :عرفبت زيدا ،فالمراد شخصبه وإذا قلت :علمبت زيدا ،فالمراد ببه العلم بأحواله من فضبل
ونقبص .فعلى الول يتعدى الفعبل إلى مفعول واحبد ،وهبو قول سبيبويه" :علمتبم" بمعنبى عرفتبم.
وعلى الثانبي إلى مفعوليبن وحكبى الخفبش ولقبد علمبت زيدا ولم أكبن أعلمبه .وفبي التنزيبل" :ل
تعلمونهبم ال يعلمهبم" [النفال ]60 :كبل هذا بمعنبى المعرفبة ،فاعلم" .الذيبن اعتدوا منكبم فبي
السبت" [البقرة ]65 :صلة "الذين" .والعتداء .التجاوز ،وقد تقدم.
روى النسبائي عبن صبفوان ببن عسبال قال :قال يهودي لصباحبه :اذهبب بنبا إلى هذا النببي .فقال له
صاحبه :ل تقل نبي لو سمعك فإن له أربعة أعين .فأتيا رسول ال صلى ال عليه وسلم وسأله عن
تسع آيات بينات ،فقال لهم( :ل تشركوا بال شيئا ول تسرفوا ول تزنوا ول تقتلوا النفس التي حرم
ال إل بالحبق ول تمشوا ببريء إلى سلطان ول تسبحروا ول تأكلوا الرببا ول تقذفوا المحصبنة ول
تولوا يوم الزحف وعليكم خاصة يهود أل تعدوا في السبت) .فقبلوا يديه ورجليه وقالوا :نشهد أنك
نببي .قال( :فمبا يمنعكبم أن تتبعونبي) قالوا :إن داود دعبا بأل يزال مبن ذريتبه نببي وإنبا نخاف إن
اتبعناك أن تقتلنبا يهود .وخرجبه الترمذي وقال :حديبث حسبن صبحيح .وسبيأتي لفظبه فبي سبورة
"سبحان" إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :في السبت" معناه في يوم السبت ،ويحتمل أن يريد في حكم السبت .والول قول
الحسبن وأنهبم أخذوا فيبه الحيتان على جهبة السبتحلل .وروى أشهبب عبن مالك قال :زعبم اببن
رومان أنهم كانوا يأخذ الرجل منهم خيطا ويضع فيه وهقة وألقاها في ذنب الحوت ،وفي الطرف
الخر من الخيط وتد وتركه كذلك إلى الحد ،ثم تطرق الناس حين رأوا من صنع ل يبتلى ،حتى
كثبر صبيد الحوت ومشبي ببه فبي السبواق ،وأعلن الفسبقة بصبيده .فقامبت فرقبة فنهبت وجاهرت
بالنهي واعتزلت .ويقال :إن الناهين قالوا :ل نساكنكم ،فقسموا القرية بجدار .فأصبح الناهون ذات
يوم فبي مجالسبهم ولم يخرج مبن المعتديبن أحبد ،فقالوا :إن للناس لشأنبا ،فعلوا على الجدار فنظروا
فإذا هبم قردة ،ففتحوا الباب ودخلوا عليهبم ،فعرفبت القردة أنسبابها مبن النبس ،ول يعرف النبس
أنسبابهم مبن القردة ،فجعلت القردة تأتبي نسبيبها مبن النبس فتشبم ثياببه وتبكبي ،فيقول :ألم ننهكبم
فتقول برأسبها نعبم .قال قتادة :صبار الشبان قردة ،والشيوخ خنازيبر ،فمبا نجبا إل الذيبن نهوا وهلك
سبائرهم .وسبيأتي فبي "العراف" قول مبن قال :إنهبم كانوا ثلث فرق .وهبو أصبح مبن قول مبن
قال :إنهم لم يفترقوا إل فرقتين .وال أعلم.
والسببت مأخوذ مبن السببت وهبو القطبع ،فقيبل :إن الشياء سببتت وتمبت خلقتهبا .وقيبل :هبو مأخوذ
من السبوت الذي هو الراحة والدعة.
واختلف العلماء فببي الممسببوخ هببل ينسببل على قوليببن .قال الزجاج :قال قوم يجوز أن تكون هذه
القردة منهبم .واختاره القاضبي أببو بكبر ببن العرببي .وقال الجمهور :الممسبوخ ل ينسبل وإن القردة
والخنازيبر وغيرهمبا كانبت قببل ذلك ،والذيبن مسبخهم ال قبد هلكوا ولم يببق لهبم نسبل ،لنبه قبد
أصابهم السخط والعذاب ،فلم يكن لهم قرار في الدنيا بعد ثلثة أيام .قال ابن عباس :لم يعش مسخ
قبط فوق ثلثبة أيام ،ولم يأكبل ولم يشرب ولم ينسبل .قال اببن عطيبة :وروي عبن النببي صبلى ال
عليه وسلم وثبت أن الممسوخ ل ينسل ول يأكل ول يشرب ول يعيش أكثر من ثلثة أيام.
قلت :هذا هو الصحيح من القولين .وأما ما احتج به ابن العربي وغيره على صحة القول الول
مبن قوله صبلى ال عليبه وسبلم( :فقدت أمبة مبن بنبي إسبرائيل ل يدرى مبا فعلت ول أراهبا إل الفأر
أل ترونها إذا وضع لها ألبان البل لم تشربه وإذا وضع لها ألبان الشاء شربته) .رواه أبو هريرة
أخرجه مسلم ،وبحديث الضب رواه مسلم أيضا عن أبي سعيد وجابر ،قال جابر :أتي ،النبي صلى
ال عليبه وسبلم بضبب فأببى أن يأكبل منبه ،وقال( :ل أدري لعله مبن القرون التبي مسبخت) فمتأول
على مبا يأتبي .قال اببن العرببي :وفبي البخاري عبن عمرو ببن ميمون أنبه قال :رأيبت فبي الجاهليبة
قردة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم .ثبت في بعض نسخ البخاري وسقط في بعضها ،وثبت في
نبص الحديبث "قبد زنبت" وسبقط هذا اللفبظ عنبد بعضهبم .قال اببن العرببي :فإن قيبل :وكأن البهائم
بقيبت فيهبم معارف الشرائع حتبى ورثوهبا خلفبا عبن سبلف إلى زمان عمرو؟ قلنبا :نعبم كذلك كان،
لن اليهود غيروا الرجم فأراد ال أن يقيمه في مسوخهم حتى يكون أبلغ في الحجة على ما أنكروه
مببن ذلك وغيروه ،حتببى تشهببد عليهببم كتبهببم وأحبارهببم ومسببوخهم ،حتببى يعلموا أن ال يعلم مببا
يسبرون ومبا يعلنون ،ويحصبي مبا يبدلون ومبا يغيرون ،ويقيبم عليهبم الحجبة مبن حيبث ل يشعرون
وينصر نبيه عليه السلم وهم ل ينصرون.
قلت :هذا كلمبه فبي الحكام ،ول حجبة فبي شيبء منبه .وأمبا مبا ذكره مبن قصبة عمرو فذكبر
الحميدي فببي جمببع الصببحيحين :حكببى أبببو مسببعود الدمشقببي أن لعمرو بببن ميمون الودي فببي
الصببحيحين حكايببة مببن روايببة حصببين عنببه قال :رأيببت فببي الجاهليببة قردة اجتمببع عليهببا قردة
فرجموهبا فرجمتهبا معهبم .كذا حكبى أببو مسبعود ولم يذكبر فبي أي موضبع أخرجبه البخاري مبن
كتاببه ،فبحثنبا عبن ذلك فوجدناه فبي بعبض النسبخ ل فبي كلهبا ،فذكبر فبي كتاب أيام الجاهليبة .وليبس
فبي روايبة النعيمبي عبن الفربري أصبل شيبء مبن هذا الخببر فبي القردة ،ولعلهبا مبن المقحمات فبي
كتاب البخاري .والذي قال البخاري فبي التاريبخ الكببير :قال نعيبم ببن حماد أخبرنبا هشيبم عبن أببي
بلج وحصبين عبن عمرو ببن ميمون قال :رأيبت فبي الجاهليبة فردة اجتمبع عليهبا قرود فرجموهبا
فرجمتهبا معهبم .وليبس فيبه "قبد زنبت" .فإن صبحت هذه الرواية فإنمبا أخرجهبا البخاري دللة على
أن عمرو بن ميمون قبد أدرك الجاهليبة ولم يبال بظنبه الذي ظنبه فبي الجاهليبة .وذكبر أبو عمبر فبي
السبتيعاب عمرو ببن ميمون وأن كنيتبه أببو عبدال "معدود فبي كبار التابعيبن مبن الكوفييبن ،وهبو
الذي رأى الرجبم فبي الجاهليبة مبن القردة إن صبح ذلك ،لن رواتبه مجهولون .وقبد ذكره البخاري
عبن نعيبم عبن هشيبم عبن حصبين عبن عمرو ببن ميمون الودي مختصبرا قال :رأيبت فبي الجاهليبة
قردة زنت فرجموها -يعني القردة -فرجمتها معهم .ورواه عباد بن العوام عن حصين كما رواه
هشيبم مختصبرا .وأمبا القصبة بطولهبا فإنهبا تدور على عبدالملك ببن مسبلم عبن عيسبى ببن حطان،
وليسبا ممبن يحتبج بهمبا .وهذا عنبد جماعبة أهبل العلم منكبر إضافبة الزنبى إلى غيبر مكلف ،وإقامبة
الحدود في البهائم .ولو صح لكانوا من الجن ،لن العبادات في النس والجن دون غيرهما" .وأما
قوله عليبه السبلم فبي حديبث أببي هريرة( :ول أراهبا إل الفأر) وفبي الضبب( :ل أدري لعله مبن
القرون التي مسخت) وما كان مثله ،فإنما كان ظنا وخوفبا لن يكون الضب والفأر وغيرهما مما
مسبخ ،وكان هذا حدسبا منبه صبلى ال عليبه وسبلم قببل أن يوحبى إليبه أن ال لم يجعبل للمسبخ نسبل،
فلمبا أوحبى إليبه بذلك زال عنبه ذلك التخوف ،وعلم أن الضبب والفأر ليسبا ممبا مسبخ ،وعنبد ذلك
أخبرنا بقوله صلى ال عليه وسلم لمن سأله عن القردة والخنازير :هي مما مسخ؟ فقال( :إن ال لم
يهلك قومببا أو يعذب قومببا فيجعببل لهببم نسببل وإن القردة والخنازيببر كانوا قبببل ذلك) .وهذا نببص
صبريح صبحيح رواه عبدال ببن مسبعود أخرجبه مسبلم فبي كتاب القدر .وثبتبت النصبوص بأكبل
الضبب بحضرتبه وعلى مائدتبه ولم ينكبر ،فدل على صبحة مبا ذكرنبا .وبال توفيقنبا .وروي عبن
مجاهبد فبي تفسبير هذه اليبة أنبه إنمبا مسبخت قلوبهبم فقبط ،وردت أفهامهبم كأفهام القردة .ولم يقله
غيره من المفسرين فيما أعلم ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :فقلنبا لهبم كونوا قردة خاسبئين" "قردة" خببر كان" .خاسبئين" نعبت ،وإن شئت
جعلتببه خبببرا ثانيببا لكان ،أوحال مببن الضميببر فببي "كونوا" .ومعناه مبعديببن .يقال :خسببأته فخسببأ
وخسئ ،وانخسأ أي أبعدته فبعد .وقوله تعالى" :ينقلب إليك البصر خاسئا" [الملك ]4 :أي مبعدا.
وقوله" :اخسبؤوا فيهبا" [المؤمنون ]108 :أي تباعدوا .تباعبد سبخط .قال الكسبائي :خسبأ الرجبل
خسبوءا ،وخسبأته خسبأ .ويكون الخاسبئ بمعنبى الصباغر القميبء .يقال :قمبؤ الرجبل قماء وقماءة
صار قميئا ،وهو الصاغر الذليل .وأقمأته :صغرته وذللته ،فهو قميء على فعيل.
* *3الية { 66فجعلناها نكال لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين}
@قوله تعالى" :فجعلناهبا نكال" نصبب على المفعول الثانبي .وفبي المجعول نكال أقاويبل ،قيبل:
العقوببة .وقيبل :القريبة ،إذ معنبى الكلم يقتضيهبا وقيبل :المبة التبي مسبخت .وقيبل :الحيتان ،وفيبه
بعبد .والنكال :الزجبر والعقاب .والنكبل والنكال :القيود .وسبميت القيود أنكال لنهبا ينكبل بهبا ،أي
يمنبع .ويقال للجام الثقيبل :نَكبل ونِكبل ،لن الداببة تمنبع ببه ونكبل عبن المبر ينكبل ،ونكبل ينكبل إذا
امتنبع .والتنكيبل :إصبابة العداء بعقوببة تنكبل مبن وراءهبم ،أي تجبنهبم .وقال الزهري :النكال
العقوبة .ابن دريد :والمنكل :الشيء الذي ينكل بالنسان ،قال:
فارم على أقفائهم بمنكل
@قوله تعالى" :لما بين يديها" قال ابن عباس والسدي :لما بين يدي المسخة ما قبلهبا من ذنوب
القوم.
@قوله تعالى" :ومبا خلفهبا" لمبن يعمبل مثبل تلك الذنوب .قال الفراء :جعلت المسبخة نكال لمبا
مضبى مبن الذنوب ،ولمبا يعمبل بعدهبا ليخافوا المسبخ بذنوبهبم .قال اببن عطيبة :وهذا قول جيبد،
والضميران للعقوبة .وروى الحكم عن مجاهد عن ابن عباس :لمن حضر معهم ولمن يأتي بعدهم.
واختاره النحاس ،قال :وهبو أشببه بالمعنبى ،وال أعلم .وعبن اببن عباس أيضبا" .لمبا بيبن يديهبا ومبا
خلفها" من القرى .وقال قتادة" :لما بين يديها" من ذنوبهم "وما خلفها" من صيد الحيتان.
@قوله تعالى" :وموعظبة للمتقيبن" عطبف على نكال ،ووزنهبا مفعلة مبن التعاظ والنزجار.
والوعبظ :التخويبف .والعظبة السبم .قال الخليبل :الوعبظ التذكيبر بالخيبر فيمبا يرق له القلب .قال
الماوردي :وخص المتقين وإن كانت موعظة للعالمين لتفردهم بها عن الكافرين المعاندين قال ابن
عطيبة :واللفبظ يعبم كبل متبق مبن كبل أمبة وقال الزجاج "وموعظبة للمتقيبن" لمبة محمبد صبلى ال
عليه وسلم أن ينتهكوا من حرم ال جل وعز ما نهاهم عنه :فيصيبهم ما أصاب أصحاب السبت إذ
انتهكوا حرم ال في سبتهم.
* *3اليبة { 67وإذ قال موسبى لقومبه إن ال يأمركبم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنبا هزوا قال
أعوذ بال أن أكون من الجاهلين}
@قوله تعالى" :إن ال يأمركم" حكي عن أبي عمرو أنه قرأ "يأمركم" بالسكون ،وحذف الضمة
مبن الراء لثقلهبا .قال أببو العباس المببرد :ل يجوز هذا لن الراء حرف العراب ،وإنمبا الصبحيح
عببن أبببي عمرو انببه كان يختلس الحركببة" .أن تذبحوا" فببي موضببع نصببب ببب "يأمركببم" أي بأن
تذبحوا" .بقره" نصب "تذبحوا" .وقد تقدم معنى الذبح فل معنى لعادته.
قوله تعالى" :أن ال يأمركببم أن تذبحوا بقرة" مقدم فببي التلوة وقوله "قتلتببم نفسببا" مقدم فببي
المعنبى على جميبع مبا ابتدأ ببه مبن شأن البقرة .ويجوز أن يكون قوله" :قتلتبم" فبي النزول مقدمبا،
والمبر بالذببح مؤخرا .ويجوز أن يكون ترتيبب نزولهبا على حسبب تلوتهبا ،فكأن ال أمرهبم بذببح
البقرة حتى ذبحوها ثم وقع ما وقع في أمر القتل ،فأمروا أن يضربوه ببعضها ،ويكون "وإذ قتلتم"
مقدمبا فبي المعنبى على القول الول حسبب مبا ذكرنبا ،لن الواو ل توجبب الترتيبب .ونظيره فبي
التنزيل في قصة نوج بعد ذكر الطوفان وانقضائه فبي قوله" :حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا
أحمل فيها من كل زوجين اثنين" إلى قوله "إل قليل" [هود .]40 :فذكر إهلك من هلك منهم ثم
عطبف عليبه بقوله" :وقال اركبوا فيهبا بسبم ال مجراهبا ومرسباها" [هود .]41 :فذكبر الركوب
متأخرا فببي الخطاب ،ومعلوم أن ركوبهببم كان قبببل الهلك .وكذلك قوله تعالى" :الحمببد ل الذي
أنزل على عبده الكتاب ولم يجعبل له عوجبا قيمبا" [هود .]19 :وتقديره :أنزل على عبده الكتاب
قيما ولم يجعل له عوجا ،ومثله في القرآن كثير.
@ل خلف بين العلماء أن الذبح أولى في الغنم ،والنحر أولى في البل ،والتخير في البقر .وقيل:
الذبببح أولى ،لنببه الذي ذكره ال ،ولقرب المنحببر مببن المذبببح .قال ابببن المنذر :ل أعلم أحدا حرم
أكبل مبا نحبر ممبا يذببح ،أو ذببح ممبا ينحبر .وكره مالك ذلك .وقبد يكره المرء الشيبء ول يحرمبه.
وسبيأتي فبي سبورة "المائدة" أحكام الذببح والذاببح وشرائطهمبا عنبد قوله تعالى" :إل مبا ذكيتبم"
[المائدة ]3 :مستوفى إن شاء ال تعالى .قال الماوردي :وإنما أمروا -وال أعلم -بذبح بقرة دون
غيرهبا ،لنهبا مبن جنبس مبا عبدوه مبن العجبل ليهون عندهبم مبا كان يرونبه مبن تعظيمبه ،وليعلم
بإجابتهبم مبا كان فبي نفوسبهم مبن عبادتبه .وهذا المعنبى علة فبي ذببح البقرة ،وليبس بعلة فبي جواب
السبائل ،ولكبن المعنبى فيبه أن يحيبا القتيبل بقتبل حبي ،فيكون أظهبر لقدرتبه فبي اختراع الشياء مبن
أضدادها.
@قوله تعالى" :بقرة" البقرة اسم للنثى ،والثور اسم للذكر مثل ناقه وجمل وامرأة ورجل .وقيل:
البقرة واحبد البقبر ،النثبى والذكببر سبواء .واصبله مبن قولك :بقبر بطنبه ،أي شقبه ،فالبقرة تشببق
الرض بالحرث وتثيره .ومنبه الباقبر لببى جعفبر محمبد ببن علي زيبن العابديبن ،لنبه بقبر العلم
وعرف أصبله ،أي شقبه .والبقيرة :ثوب يشبق فتلقيبه المرأة فبي عنقهبا مبن غيبر كميبن .وفبي حديبث
اببن عباس فبي شأن الهدهبد (فبقبر الرض) .قال شمبر :بقبر نظبر موضبع الماء ،فرأى الماء تحبت
الرض .قال الزهري :البقر اسم للجنس وجمعه باقر .ابن عرفة :يقال بقير وباقر وبيقور .وقرأ
عكرمة وابن يعمر "إن الباقر" .والثور :واحد الثيران .والثور :السيد من الرجال .والثور القطعة
من القط .والثور :الطحلب .وثور :الجبل .وثور :قبيلة من العرب .وفي الحديث( :ووقت العشاء
مببا لم يغببب ثور الشفببق) يعنببي انتشاره ،يقال :ثار يثور ثورا وثورانببا إذا انتشببر فببي الفببق وفببي
الحديث( :من أراد العلم فليثور القرآن) .قال شمر :تثوير القرآن قراءته ومفاتشة العلماء به.
@قوله تعالى" :قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بال أن أكون من الجاهلين" هذا جواب منهم لموسى
عليه السبلم لمبا قال ،لهبم" :إن ال يأمركبم أن تذبحوا بقرة" [البقرة ]67 :وذلك أنهبم وجدوا قتيل
بين أظهرهم قيل :اسمه عاميل واشتبه أمر قاتله عليهم ،ووقع بينهم خلف ،فقالوا :نقتتل ورسول
ال بيببن أظهرنببا ،فأتوه وسببألوه البيان -وذلك قبببل نزول القسببامة فببي التوراة ،فسببألوا موسببى أن
يدعو ال فسأل موسى عليه السلم ربه فأمرهم بذبح بقرة ،فلما سمعوا ذلك من موسى وليس في
ظاهره جواب عما سألوه عنه واحتكموا فيه عنده ،قالوا :أتتخذنا هزؤا؟ والهزء :اللعب والسخرية،
وقد تقدم .وقرأ الجحدري "أيتخذنا" بالياء ،أي قال ذلك بعضهم لبعض فأجابهم موسى عليه السلم
بقوله" :أعوذ بال أن أكون مبببن الجاهليبببن" [البقرة ]67 :لن الخروج عبببن جواب السبببائل
المسبترشد إلى الهزء جهبل ،فاسبتعاذ منبه عليبه السبلم ،لنهبا صبفة تنتفبي عبن النببياء .والجهبل
نقيض العلم .فاستعاذ من الجهل ،كما جهلوا في قولهم :أتتخذنا هزؤا ،لمن يخبرهم عن ال تعالى،
وظاهببر هذا القول يدل على فسبباد اعتقاد مببن قاله .ول يصببح إيمان مببن قال لنبببي قببد ظهرت
معجزتبه ،وقال :إن ال يأمرك بكذا :أتتخذنبا هزؤا؟ ولو قال ذلك اليوم أحبد عبن بعبض أقوال النببي
صلى لوجب تكفيره .وذهب قوم إلى أن ذلك منهم على جهة غلظ الطبع والجفاء والمعصية ،على
نحو ما قال القائل للنبي صلى ال عليه وسلم في قسمة غنائم حنين :إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه
ال .وكما قال له الخر :اعدل يا محمد وفي هذا كله أدل دليل على قبح الجهل ،وأنه مفسد للدين.
"هزوا" مفعول ثان ،ويجوز تخفيبف الهمزة تجعلهبا بيبن الواو والهمزة .وجعلهبا حفبص واوا
مفتوحة ،لنها همزة مفتوحة قبلها ضمة فهي تجري على البدل ،كقوله" :السفهاء ولكن" .ويجوز
حذف الضمبة مبن الزاي كمبا تحذفهبا مبن عضبد ،فتقول :هزؤا ،كمبا قرأ أهبل الكوفبة ،وكذلك "ولم
يكن له كفؤا أحد" .وحكى الخفش عن عيسى بن عمر أن كل اسم على ثلثة أحرف أوله مضموم
ففيه لغتان :التخفيف والتثقيل ،نحو العسر واليسر والهزء.
ومثله ما كان مبن الجمع على فعل ككتبب وكتب ،ورسبل ورسل ،وعون وعون .وأما قوله تعالى:
"وجعلوا له مبن عباده جزءا" [الزخرف ]15 :فليبس مثبل هزء وكفبء ،لنبه على فعبل ،مبن
الصل .على ما يأتي في موضعه إن شاء ال تعالى.
مسبألة :فبي اليبة دليبل على منبع السبتهزاء بديبن ال وديبن المسبلمين ومبن يجبب تعظيمبه ،وأن
ذلك جهل وصاحبه مستحق للوعيد .وليس المزاح من الستهزاء بسبيل ،أل ترى أن النبي صلى
ال عليبه وسبلم كان يمزح والئمبة بعده .قال اببن خويبز منداد :وقبد بلغنبا أن رجل تقدم إلى عببيدال
بن الحسن وهو قاضي الكوفة فمازحه عبيدال فقال :جبتك هذه من صوف نعجة أو صوف كبش؟
فقال له :ل تجهبل أيهبا القاضبي فقال له عببيدال :واببن وجدت المزاج جهل فتل عليبه هذه اليبة،
فأعرض عنبه عببيدال ،لنبه رآه جاهل ل يعرف المزح مبن السبتهزاء ،وليبس أحدهمبا مبن الخبر
بسبيل.
* *3اليبة { 68قالوا ادع لنبا رببك يببين لنبا مبا هبي قال إنبه يقول إنهبا بقرة ل فارض ول بكبر
عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون}
@قوله تعالى" :قالوا ادع لنا ربك" هذا تعنيت منهم وقلة طواعية ،ولو امتثلوا المر وذبحوا أي
بقرة كانببت لحصببل المقصببود ،لكنهببم شددوا على أنفسببهم فشدد ال عليهببم ،قاله ابببن عباس وأبببو
العاليبة وغيرهمبا .ونحبو ذلك روى الحسبن البصبري عبن النببي صبلى ال عليبه وسبلم .ولغبة بنبى
عامر "ادع".
@قوله تعالى" :يببين لنبا" مجزوم على جواب المبر" ،مبا هبي" ابتداء وخببر وماهيبة الشيبء:
حقيقته وذاته التي هو عليها.
@قوله تعالى" :قال إنبه يقول إنهبا بقرة ل فارض ول بكبر عوان بيبن ذلك" فبي هذا دليبل على
جواز النسخ قبل وقت الفعل ،لنه لما أمر ببقرة اقتضى أي بقرة كانت ،فلما زاد في الصفة نسخ
الحكبم الول بغيره ،كمبا لو قال :فبي ثلثيبن مبن الببل بنبت مخاض ،ثبم نسبخه بابنبة لبون أو حقبة.
وكذلك ههنببا لمببا عيببن الصببفة صببار ذلك نسببخا للحكببم المتقدم .والفارض :المسببنة .وقببد فرضببت
تفرض فروضا ،أي أسنت .ويقال للشيء القديم فارض ،قال الراجز:
محامل فيها رجال فرض شيب أصداغي فرأسي أبيض
يعني هرمي ،قال آخر:
تساق إليه ما تقوم على رجل لعمرك قد أعطيت جارك فارضا
أي قديما ،وقال آخر:
له قروء كقروء الحائض يا رب ذي ضغن علي فارض
أي قديبم .و"ل فارض" رفبع على الصبفة لبقرة" .ول بكبر" عطبف .وقيبل" :ل فارض" خببر مبتدأ
مضمبر ،أي ل هبي فارض وكذا "ل ذلول" ،وكذلك "ل تسبق الحرث" وكذلك "مسبلمة" فاعلمبه.
وقيببل :الفارض التببي قببد ولدت بطونببا كثيرة فيتسببع جوفهببا لذلك ،لن معنببى الفارض فببي اللغببة
الواسبع ،قال بعبض المتأخريبن .والبكبر :الصبغيرة التبي لم تحمبل .وحكبى القتببي أنهبا التبي ولدت.
والبكر :الول من الولد ،قال:
أصبحت مني كذراع من عضد يا بكر بكرين ويا خلب الكبد
والبكر أيضا في إناث البهائم وبني آدم :ما لم يفتحله الفحل ،وهي مكسورة الباء .وبفتحها الفتي من
الببل .والعوان :النصبف التبي قبد ولدت بطنبا أو بطنيبن ،وهبي أقوى مبا تكون مبن البقبر وأحسبنه،
بخلف الخيل ،قال الشاعر يصف فرسا:
ول بعوان ذات لون مخصف كميت بهيم اللون ليس بفارض
فرس أخصبف :إذا ارتفبع البلق مبن بطنبه إلى جنببه .وقال مجاهبد :العوان مبن البقرة هبي التبي قبد
ولدت مرة بعببد مرة .وحكاه أهببل اللغببة .ويقال :إن العوان النخلة الطويلة ،وهببي فيمببا زعموا لغببة
يمانية .وحرب عوان :إذا كان قبلها حرب بكر ،قال زهير:
ضروس تهر الناس أنيابها عصل إذا لقحت حرب عوان مضرة
أي ل هببي صببغيرة ول هببي مسببنة ،أي هببي عوان ،وجمعهببا "عون" بضببم العيببن وسببكون الواو
وسمع "عون" بضم الواو كرسل .وقد تقدم .وحكى الفراء من العوان عونت تعوينا.
@قوله تعالى" :فافعلوا ما تؤمرون" تجديد للمر وتأكيد وتنبيه على ترك التعنت فما تركوه وهذا
يدل على أن مقتضببى المببر الوجوب كمببا تقول الفقهاء ،وهببو الصببحيح على مببا هببو مذكور فببي
أصول الفقه ،وعلى أن المر على الفور ،وهو مذهب أكثر الفقهاء أيضا ويدل على صحة ذلك أنه
تعالى اسببتقصرهم حيببن لم يبادروا إلى فعببل مببا أمروا بببه فقال" :فذبحوهببا ومببا كادوا يفعلون"
[البقرة .]71 :وقيل :ل ،بل على التراخي ،لنه لم يعنفهم على التأخير والمراجعة في الخطاب.
قال ابن خويز منداد.
* *3اليبة { 69قالوا ادع لنبا رببك يببين لنبا مبا لونهبا قال إنبه يقول إنهبا بقرة صبفراء فاقبع لونهبا
تسر الناظرين}
@قوله تعالى" :قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها" "ما" استفهام مبتدأة و"لونها" الخبر .ويجوز
نصبب "لونهبا" ببب "يببين" ،وتكون "مبا" زائدة .واللون واحبد اللوان وهبو هيئة كالسبواد والبياض
والحمرة .واللون :النوع .وفلن متلون :إذا كان ل يثبت على خلق واحد وحال واحد ،قال:
غير هذا بك أجمل كل يوم تتلون
ولون البسر تلوينا :إذا بدا فيه أثر النضج .واللون :الدقل ،وهو ضرب من النخل .قال الخفش هو
جماعة ،واحدها لينة.
@قوله تعالى" :قال إنبه يقول إنهبا بقرة صبفراء" جمهور المفسبرين أنهبا صبفراء اللون ،مبن
الصبفرة المعروفبة .قال مكبي عبن بعضهبم :حتبى القرن والظلف .وقال الحسبن واببن جببير :كانبت
صفراء القرن والظلف فقط .وعن الحسن أيضا" :صفراء" معناه سوداء ،قال الشاعر:
هن صفر أولدها كالزبيب تلك خيلي منه وتلك ركابي
قلت :والول أصح لنه الظاهر ،وهذا شاذ ل يستعمل مجازا إل في البل ،قال ال تعالى "كأنه
جمالة صبفر" [المرسبلت ]33 :وذلك أن السبود مبن الببل سبوادها صبفرة .ولو أراد السبواد لمبا
أكده بالفقوع ،وذلك نعبت مختص بالصبفرة ،وليس يوصبف السواد بذلك تقول العرب :أسبود حالك
وحَلَكوك وحُلْكوك ،ودجوجي وغربيب ،وأحمر قانئ ،وأبيض ناصع ولهق ولهاق ويقق ،وأخضر
ناضر ،وأصفر فاقع ،هكذا نص نقلة اللغة عن العرب .قال الكسائي :يقال فقع لونها يفقع فقوعا إذا
خلصبت صبفرته .والفقاع :سبوء الحال .وفواقبع الدهبر بوائقبه .وفقبع بأصبابعه إذا صبوت ،ومنبه
حديث ابن عباس :نهى عن التفقيع في الصلة ،وهي الفرقعة ،وهي غمز الصبابع حتبى تنقض.
ولم ينصبرف "صبفراء" فبي معرفبة ول نكرة ،لن فيهبا ألف التأنيبث وهبى ملزمبة فخالفبت الهاء،
لن ما فيه الهاء ينصرف في النكرة ،كفاطمة وعائشة.
@قوله تعالى" :فاقع لونها" يريد خالصا لونها ل لون فيها سوى لون جلدها.
@قوله تعالى" :تسر الناظرين "قال وهب :كأن شعاع الشمس يخرج من جلدها ،ولهذا قال ابن
عباس :الصبفرة تسبر النفبس .وحبض على لباس النعال الصبفر ،حكاه عنبه النقاش .وقال علي ببن
أبى طالب رضي ال عنه :من لبس نعلي جلد أصفر قل همه ،لن ال تعالى يقول" :صفراء فاقع
لونهبا تسبر الناظريبن" حكاه عنبه الثعلببي .ونهبى ابن الزبيبر ومحمبد بن أببي كثيبر عن لباس النعال
السبود ،لنهبا تهبم .ومعنبى "تسبر" تعجبب .وقال أببو العاليبة :معناه فبي سبمتها ومنظرهبا فهبي ذات
وصفين ،وال أعلم.
* *3الية { 70قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء ال لمهتدون}
@قوله تعالى" :قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا" سألوا سؤال رابعا ،ولم
يمتثلوا المر بعد البيان .وذكر البقر لنه بمعنى الجمع ،ولذلك قال" :إن البقر تشابه علينا" فذكره
للفظ تذكير البقر .قال قطرب :جمع البقرة باقبر وباقور وبقر .وقال الصبمعي :الباقر جمع باقرة،
قال :ويجمبع بقبر على باقورة ،حكاه النحاس .وقال الزجاج :المعنبى إن جنبس البقبر .وقرأ الحسبن
فيمبا ذكبر النحاس ،والعرج فيمبا ذكبر الثعلببي "إن البقبر تشاببه" بالتاء وشبد الشيبن ،جعله فعل
مسبتقبل وأنثه .والصل تتشاببه ،ثم أدغبم التاء فبي الشين .وقرأ مجاهد "تشببه" كقراءتهمبا ،إل أنه
بغير ألف .وفي مصحف أبي "تشابهت" بتشديد الشين .قال أبو حاتم :وهو غلط ،لن التاء في هذا
الباب ل تدغبم إل فبي المضارعبة .وقرأ يحيبى ببن يعمبر "إن الباقبر يشاببه" جعله فعل مسبتقبل،
وذكبر البقبر وأدغبم .ويجوز "إن البقبر تشاببه" بتخفيبف الشيبن وضبم الهاء ،وحكاهبا الثعلببي عبن
الحسن .النحاس :ول يجوز "يشابه" بتخفيف الشين والياء ،وإنما جاز في التاء لن الصل تتشابه
فحذفبت لجتماع التاءيبن .والبقبر والباقبر والبيقور والبقيبر لغات بمعنبى ،والعرب تذكره وتؤنثبه،
وإلى ذلك ترجع معانبي القراءات في "تشابه" .وقيل إنما قالوا" :إن البقر تشابه علينا" لن وجوه
البقر تشابه ،ومنه حديث حذيفة بن اليمان عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه ذكر (فتنا كقطع الليل
تأتي كوجوه البقر) .يريد أنها يشبه بعضها بعضا .ووجوه البقر تتشابه ،ولذلك قالت بنو إسرائيل:
إن البقر تشابه علينا.
@قوله تعالى" :وإنبا إن شاء ال لمهتدون" اسبتثناء منهبم ،وفبي اسبتثنائهم فبي هذا السبؤال الخيبر
إناببة وانقياد ،ودليبل ندم على عدم موافقبة المبر .وروي عبن النببي صبلى ال عليبه وسبلم أنبه قال:
(لوما استثنوا ما اهتدوا إليها أبدا) .وتقدير الكلم وإنا لمهتدون إن شاء ال .فقدم على ذكر الهتداء
اهتمامبا ببه .و"شاء" فبي موضبع جزم بالشرط ،وجواببه عنبد سبيبويه الجملة "إن" ومبا عملت فيبه.
وعند أبي العباس المبرد محذوف.
* *3الية { 71قال إنه يقول إنها بقرة ل ذلول تثيبر الرض ول تسقي الحرث مسلمة ل شية
فيها قالوا الن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون}
@قوله تعالى" :قال إنبه يقول إنهبا بقرة ل ذلول "قرأ الجمهور "ل ذلول" بالرفبع على ،الصبفة
لبقرة .قال الخفببش" :ل ذلول" نعتببه ول يجوز نصبببه .وقرأ أبببو عبدالرحمببن السببلمي "ل ذلول"
بالنصببب على النفببي والخبببر مضمببر .ويجوز ل هببي ذلول ،ل هببي تسببقى الحرث ،هببي مسببلمة.
ومعنى "ل ذلول" لم يذللها العمل ،يقال :بقرة مذللة بينة الذل (بكسر الذال) .ورجل ذليل بين الذل
(بضم الذال) .أي هي بقرة صعبة غير ريضة لم تذلل بالعمل.
@قوله تعالى" :تثير الرض ول تسقي الحرث" "تثير" في موضع رفع على الصفة للبقرة أي
هبي بقرة ل ذلول مثيرة .قال الحسبن :وكانبت تلك البقرة وحشيبة ولهذا وصبفها ال تعالى بأنهبا ل
تثير الرض ول تسقي الحرث أي ل يسنى بها لسقي الزرع ول يسقى عليها .والوقف ههنا حسن.
وقال قوم" :تثير" فعل مستأنف والمعنى إيجاب الحرث لها وأنها كانت تحرث ول تسقي .والوقف
على هذا التأويبل "ل ذلول" والقول الول أصبح لوجهيبن :أحدهمبا :مبا ذكره النحاس ،عن علي ببن
سبببليمان أنبببه قال :ل يجوز أن يكون "تثيبببر" مسبببتأنفا ،لن بعده "ول تسبببقي الحرث" ،فلو كان
مستأنفا لما جمع بين الواو و"ل" .الثاني أنها لو كانت تثير الرض لكانت الثارة قد ذللتها ،وال
تعالى قبد نفبى عنهبا الذل بقوله" :ل ذلول" قلت :ويحتمبل أن تكون "تثيبر الرض "فبي غيبر العمبل
مرحا ونشاطا ،كما قال امرؤ القيس:
إثارة نباث الهواجر مخمس يهيل ويذري تربه ويثيره
فعلى هذا يكون "تثيببر" مسببتأنفا" ،ول تسببقي" معطوف عليببه ،فتأمله .وإثارة الرض :تحريكهببا
وبحثهبا ،ومنبه الحديبث( :أثيروا القرآن فإنبه علم الوليبن والخريبن) وفبي روايبة أخرى( :مبن أراد
العلم فليثور القرآن) وقبد تقدم .وفبي التنزيبل" :وأثاروا الرض" [الروم ]9 :أي قلبوهبا للزراعبة.
والحرث :ما حرث وزرع .وسيأتي.
مسبألة :فبي هذه اليبة أدل دليبل على حصبر الحيوان بصبفاته ،وإذا ضببط بالصبفة وحصبر بهبا جاز
السبلم فيبه .وببه قال مالك وأصبحابه والوزاعبي والليبث والشافعبي .وكذلك كبل مبا يضببط بالصبفة،
لوصبف ال تعالى فبي كتاببه وصبفا يقوم مقام التعييبن ،وقال رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم( :ل
تصبف المرأة المرأة لزوجهبا حتبى كأنبه ينظبر إليهبا) .أخرجبه مسبلم .فجعبل النببي صبلى ال عليبه
وسلم الصفة تقوم مقام الرؤية ،وجعل صلى ال عليه وسلم دية الخطأ في ذمة من أوجبها عليه دينا
إلى أجل ولم يجعلها على الحلول .وهو يرد قول الكوفيين أبي حنيفة وأصبحابه والثوري والحسن
بن صالح حيث قالوا :ل يجوز السلم في الحيوان .وروي عن ابن مسعود وحذيفة وعبدالرحمن بن
سمرة ،لن الحيوان ل يوقف على حقيقة صفته من مشي وحركة ،وكل ذلك يزيد في ثمنه ويرفع
من قيمته .وسيأتي حكم السلم وشروطه في آخر السورة في آية الدين ،إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :مسلمة" أي هي مسلمة .ويجوز أن يكون وصفا ،أي أنها بقرة مسلمة من العرج
وسبائر العيوب ،قاله قتادة وأببو العاليبة .ول يقال :مسبلمة مبن العمبل لنفبي ال العمبل عنهبا .وقال
الحسن :يعني سليمة القوائم ل أثر فيها للعمل.
@قوله تعالى" :ل شية فيها" أي ليس فيها لون يخالف معظم لونها ،هي صفراء كلها ل بياض
فيها ول حمرة ول سواد ،كما قال" :فاقع لونها" .وأصل "شية" وشي حذفت الواو كما حذفت من
يشبي ،والصبل يوشبي ،ونظيره الزنبة والعدة والصبلة .والشيبة مأخوذة مبن وشبي الثوب إذا نسبج
على لونين مختلفين .وثور موشى :في وجهه وقوائمه سواد .قال ابن عرفة :الشية اللون .ول يقال
لمببن نببم :واش ،حتببى يغيببر الكلم ويلونببه فجعله ضروبببا ويزيببن منببه مببا شاء .والوشببي :الكثرة.
ووشى بنو فلن :كثروا .ويقال :فرس أبلق ،وكبش أخرج ،وتيس أبرق ،وغراب أبقع ،وثور أشيه
كل ذلك بمعنى البلقة ،هكذا نص أهل اللغة.
وهذه الوصباف فبي البقرة سبببها أنهبم شددوا فشدد ال عليهبم ،وديبن ال يسبر ،والتعمبق فبي سبؤال
النبببياء وغيرهببم مببن العلماء مذموم ،نسببأل ال العافيببة .وروي فببي قصببص هذه البقرة روايات
تلخيصها :أن رجل من بني إسرائيل ولد له ابن ،وكانت له عجلة فأرسلها في غيضة وقال :اللهم
إني أستودعك هذه العجلة لهذا الصبي .ومات الرجل ،فلما كبر الصبي قالت له أمه وكان برا بها:
إن أباك استودع ال عجلة لك فاذهب فخذها ،فذهب فلما رأته البقرة جاءت إليه حتى أخذ بقرنيها
وكانت مستوحشة فجعل يقودها نحو أمه ،فلقيه بنو إسرائيل ووجدوا بقرة على الصفة التي أمروا
بهبا ،فسباموه فاشتبط عليهبم .وكان قيمتهبا على مبا روي عبن عكرمبة ثلثبة دنانيبر ،فأتوا ببه موسبى
عليبه السبلم وقالوا :إن هذا اشتبط علينبا ،فقال لهبم :أرضوه فبي ملكبه ،فاشتروهبا منبه بوزنهبا مرة،
قاله عببيدة .السبدي :بوزنهبا عشبر مرات .وقيبل :بملء مسبكها دنانيبر .وذكبر مكبي :أن هذه البقرة
نزلت من السماء ولم تكن من بقر الرض فال أعلم.
@قوله تعالى" :قالوا الن جئت بالحق" أي بينت الحق ،قاله قتادة .وحكى الخفش" :قالوا الن"
قطع ألف الوصل ،كما يقال :يا ال .وحكى وجها آخر "قالوا لن" بإثبات الواو .نظيره قراءة أهل
المدينببة وأبببي عمرو "عادا لولى" وقرأ الكوفيون "قالوا الن" بالهمببز .وقراءة أهببل المدينببة "قال
لن" بتخفيببف الهمببز مببع حذف الواو للتقاء السبباكنين .قال الزجاج" :الن" مبنببي على الفتببح
لمخالفتبه سبائر مبا فيبه اللف واللم ،لن اللف واللم دخلتبا لغيبر عهبد ،تقول :أنبت إلى الن هنبا،
فالمعنى إلى هذا الوقت .فبنيت كما بني هذا ،وفتحت النون للتقاء الساكنين .وهو عبارة عما بين
الماضي والمستقبل.
@قوله تعالى" :فذبحوها وما كادوا يفعلون" أجاز سيبويه :كاد أن يفعل ،تشبيها بعسى .وقد تقدم
أول السبورة .وهذا إخبار عبن تثببيطهم فبي ذبحهبا وقلة مبادرتهبم إلى أمبر ال .وقال القرظبي محمبد
بن كعب :لغلء ثمنها .وقيل :خوفا من الفضيحة على أنفسهم في معرفة القاتل منهم ،قاله وهب بن
منبه.
* *3الية { 72وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها وال مخرج ما كنتم تكتمون}
@هذا الكلم مقدم على أول القصبة ،التقديبر :وإذ قتلتبم نفسبا فادارأتبم فيهبا .فقال موسبى :إن ال
يأمركببم بكذا .وهذا كقوله" :الحمببد ل الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعببل له عوجببا .قيمببا"
[الكهف ]2 - 1 :أي أنزل على عبده قيما ولم يجعل له عوجا ،ومثله كثير ،وقد بيناه أول القصة.
وفبي سببب قتله قولن :أحدهمبا :لبنبة له حسبناء احبب أن يتزوجهبا اببن عمهبا فمنعبه عمبه ،فقتله
وحمله مبن قريتبه إلى قريبة أخرى فألقاه هناك .وقيبل :ألقاه بيبن قريتيبن .الثانبي :قتله طلببا لميراثبه،
فإنبه كان فقيرا وادعبى قتله على بعبض السبباط .قال عكرمبة :كان لبنبي إسبرائيل مسبجد له اثنبا
عشببر بابببا لكببل باب قوم يدخلون منببه ،فوجدوا قتيل فببي سبببط مببن السببباط ،فادعببى هؤلء على
هؤلء ،وادعى هؤلء على هؤلء ،ثم أتوا موسى يختصمون إليه فقال" :إن ال يأمركم أن تذبحوا
بقرة" [البقرة ]67 :اليببة .ومعنببى "ادارأتببم" [البقرة ]72 :اليببة .ومعنببى "ادارأتببم" :اختلفتببم
وتنازعتم ،قال مجاهد .وأصله تدارأتم ثم أدغمت التاء في الدال ،ول يجوز البتداء بالمدغم ،لنه
ساكن فزيد ألف الوصل.
@قوله تعالى" :وال مخرج" ابتداء وخببر" .مبا كنتبم" فبي موضبع نصبب ببب "مخرج" ،ويجوز
حذف التنويببن على الضافببة" .تكتمون" جمله فببي موضببع خبببر كان والعائد محذوف التقديببر
تكتمونه.
وعلى القول بأنبه قتله طلببا لميراثبه لم يرث قاتبل عمبد مبن حينئذ ،قاله عببيدة السبلماني .قال اببن
عباس :قتل هذا الرجل عمه ليرثه .قال ابن عطية :وبمثله جاء شرعنا .وحكى مالك رحمه ال في
"موطئه" أن قصة أحيحة بن الجلح في عمه هي كانت سبب أل يرث قاتل ،ثم ثبت ذلك السلم
كما ثبت كثيرا من نوازل الجاهلية .ول خلف بين العلماء أنه ل يرث قاتل العمد من الدية ول من
المال ،إل فرقة شذت عن الجمهور كلهم أهل بدع .ويرث قاتل الخطأ من المال ول يرث من الدية
فبي قول مالك والوزاعبي وأببي ثور والشافعبي ،لنبه ل يتهبم على أنبه قتله ليرثبه ويأخبذ ماله 0
وقال سبفيان الثوري وأببو حنيفبة وأصبحابه ،والشافعبي فبي قول له آخبر :ل يرث القاتبل عمدا ول
خطبأ شيئا مبن المال ول مبن الديبة .وهبو قول شريبح وطاوس والشعببي والنخعبي .ورواه الشعببي
عمببر وعلي وزيببد قالوا :ل يرث القاتبل عمدا ول خطببا شيئا .وروي عبن مجاهبد القولن جميعببا.
وقالت طائفة مبن البصبريين :يرث قاتبل الخطبأ مبن الديبة ومبن المال جميعبا ،حكاه أبو عمبر .وقول
مالك أصح ،على ما يأتي بيانه في آية المواريث إن شاء ال تعالى.
* *3الية { 73فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي ال الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون}
@قوله تعالى" :فقلنا اضربوه ببعضها" قيل :باللسان لنه آلة الكلم .وقيل :بعجب الذنب ،إذ فيه
يركب خلق النسان .وقيل :بالفخذ .وقيل :بعظم من عظامها ،والمقطوع به عضو من أعضائها،
فلما ضرب به حيي وأخبر بقاتله ثم عاد ميتا كما كان.
مسألة :استدل مالك رحمه ال في رواية ابن وهب وابن القاسم على صحة القول بالقسامة بقول
المقتول :دمبي عنبد فلن ،أو فلن قتلنبي .ومنعبه الشافعبي وجمهور العلماء ،قالوا :وهبو الصبحيح،
لن قول المقتول :دمبي عنبد فلن ،أو فلن قتلنبي ،خببر يحتمبل الصبدق والكذب .ول خلف أن دم
المدعبى عليبه معصبوم إباحتبه إل بيقيبن ،ول يقيبن مبع الحتمال ،فبطبل اعتبار قول المقتول دمبي
عنبد فلن .وأمبا قتيبل بنبي إسبرائيل فكانبت معجزة وأخببر تعالى أنبه يحييبه ،وذلك يتضمبن الخبار
بقاتله خبرا جزما ل يدخله احتمال ،فافترقا .قال ابن العربي :المعجزة كانت في إحيائه ،فلما صار
حيبا كان كلمبه كسبائر كلم الناس كلهبم فبي القبول والرد .وهذا فبن دقيبق مبن العلم لم يتفطبن له إل
مالك ،وليببس فببي القرآن أنببه إذا أخبببر وجببب صببدقه ،فلعله أمرهببم بالقسببامة معببه واسببتبعد ذلك
البخاري والشافعببي وجماعببة مببن العلماء فقالوا :كيببف يقبببل قوله فببي الدم وهببو ل يقبببل قوله فببي
درهم.
مسبألة :اختلف العلماء فبي الحكبم بالقسبامة ،فروي عبن سبالم وأببي قلببة وعمبر ببن عبدالعزيبز
والحكبم ببن عيينبة التوقبف فبي الحكبم بهبا .وإليبه مال البخاري ،لنبه أتبى بحديبث القسبامة فبي غيبر
موضعه .وقال الجمهور :الحكم بالقسامة ثابت عن النبي صلى ال عليه وسلم ،ثم اختلفوا في كيفية
الحكم بها ،فقالت طائفة :يبدأ فيها المدعون باليمان فإن حلفوا] استحقوا ،وإن نكلوا حلف المدعى
عليهببم خمسببين يمينببا وبرئوا .هذا قول أهببل المدينببة والليببث والشافعببي وأحمببد وأبببي ثور .وهببو
مقتضى حديث حويصة ومحيصة ،خرجه الئمة مالك وغيره .وذهبت طائفة إلى أنه يبدأ باليمان
المدعبى عليهبم فيحلفون ويببرؤون .روي هذا عبن عمبر ببن الخطاب والشعببي والنخعبي ،وببه قال
الثوري والكوفيون ،واحتجوا بحديببث شعبببة بببن عبيببد عببن بشيببر بببن يسببار ،وفيببه :فبدأ باليمان
المدعبى عليهبم وهبم اليهود .وبمبا رواه أببو داود عبن الزهري عبن أببى سبلمة ببن عبدالرحمبن عبن
رجال مبن النصبار أن النببي صبلى ال عليبه وسبلم قال لليهود وبدأ بهبم( :أيحلف منكبم خمسبون
رجل) .فأببو ا ،فقال للنصبار( :اسبتحقوا) فقالوا :نحلف على الغيبب يبا رسبول ال فجعلهبا رسبول
ال صلى ال عليه وسلم دية على يهود ،لنه وجد بين أظهرهم .وبقوله عليه السلم( :ولكن اليمين
على المدعى عليه) فعينوا.
قالوا :وهذا هببو الصببل المقطوع بببه فببي الدعاوى الذي نبببه الشرع على حكمتببه بقوله عليببه
السبلم (لو يعطبى الناس بدعواهبم لدعبى ناس دماء رجال وأموالهبم ولكبن اليميبن على المدعبى
عليبه) رد عليهبم أهبل المقالة الولى فقالوا :حديبث سبعيد ببن عبيبد فبي تبديبة اليهود وهبم عنبد أهبل
الحديبث ،وقبد أخرجبه النسبائي وقال :ولم يتاببع سبعيد فبي هذه الروايبة فيمبا أعلم ،وقبد أسبند حديبث
بشير عن سهل أن النبي صلى ال عليه وسلم بدأ بالمدعين يحيى بن سعيد وابن عيينة وحماد بن
زيد وعبدالوهاب الثقفي وعيسى بن حماد وبشر بن المفضل ،فهؤلء سبعة .وإن كان أرسله مالك
فقد وصله جماعة الحفاظ ،وهو أصح من حديث سعيد بن عبيد .قال أبو محمد الصيلي :فل يجوز
أن يعترض بخببر واحبد على خببر جماعبة ،مبع أن سبعيد ببن عبيبد قال فبي حديثبه :فوداه رسبول ال
صلى ال عليه وسلم مائة من أبل الصدقة ،والصدقة ل تعطى في الديات ول يصالح بها عن غير
أهلها ،وحديث أبي داود مرسل فل تعارض به الحاديث الصحاح المتصلة ،وأجابوا عن التمسك
بالصبل بأن هذا الحكبم أصبل بنفسبه لحرمبة الدماء .قال اببن المنذر :ثببت أن رسبول ال صبلى ال
عليه وسلم جعل البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ،والحكم بظاهر ذلك يجب ،إل أن
يخبص ال فبي كتاببه أو على لسبان نببيه صبلى ال عليبه وسبلم حكمبا فبي شيبء مبن الشياء فيسبتثنى
من جملة هذا الخبر .فمما دل عليه الكتاب إلزام القاذف حد المقذوف إذا لم يكن معه أربعة شهداء
يشهدون له على صدق ما رمي به المقذوف وخص من رمى زوجته بأن أسقط عنه الحد إذا شهد
أربع شهادات .ومما خصته السنة حكم النبي صلى ال عليه وسلم بالقسامة .وقد روى ابن جريج
عن عطاء عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :البينة على من ادعى واليمين على
مبن أنكبر إل فبي القسبامة) .خرجبه الدارقطنبي .وقبد احتبج مالك لهذه المسبألة فبي موطئه بمبا فيبه
كفاية ،فتأمله هناك.
مسبألة :واختلفوا أيضبا فبي وجوب القود بالقسبامة ،فأوجببت طائفبة القود بهبا ،وهبو قول مالك
والليببث وأحمببد وأبببي ثور ،لقوله عليببه السببلم لحويصببة ومحيصببة وعبدالرحمببن( :أتحلفون
وتستحقون دم صاحبكم) .وروى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى
ال عليه وسلم قتل رجل بالقسامة من بني نضر بن مالك .قال الدارقطني :نسخة عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده صحيحة ،وكذلك أبو عمر بن عبدالبر يصحح حديث عمرو بن شعيب ،ويحتج
بببه ،وقال البخاري :رأيببت علي بببن المدينببي وأحمببد بببن حنبببل والحميدي وإسببحاق بببن راهويببه
يحتجون ببه قاله الدارقطنبي فبي السبنن .وقالت طائفبة :ل قود بالقسبامة ،وإنمبا توجبب الديبة .روي
هذا عبن عمبر واببن عباس ،وهبو قول النخعبي والحسبن ،وإليبه ذهبب الثوري والكوفيون الشافعبي
وإسحاق ،واحتجوا بما رواه مالك عن ابن أببي ليلى بن عبدال عن سبهل بن أببي حثمبة عن النببي
صبلى ال عليبه وسبلم قوله للنصبار( :إمبا أن يدوا صباحبكم وإمبا أن يؤذنوا بحرب) .قالوا :وهذا
يدل على الديبة ل على القود ،قالوا :ومعنبى قوله عليبه السبلم( :وتسبتحقون دم صباحبكم) ديبة دم
قتيلكبم لن اليهود ليسبوا بأصبحاب لهبم ،ومبن اسبتحق ديبة صباحبه فقبد اسبتحق دمبه ،لن الديبة قبد
تؤخذ في العمد فيكون ذلك استحقاقا للدم.
مسألة :الموجب للقسامة اللوث ول بد منه .واللوث :أمارة تغلب على الظن صدق مدعي القتل،
كشهادة العدل الواحبد على رؤيبة القتبل ،أو يرى المقتول يتشحبط فبي دمبه ،والمتهبم نحوه أو قرببه
عليبه آثار القتبل .وقبد اختلف فبي اللوث والقول ببه ،فقال مالك :هبو قول المقتول دمبي عنبد فلن.
والشاهبد العدل لوث .كذا فبي روايبة اببن القاسبم عنبه .وروى أشهبب عبن مالك أنبه يقسبم مبع الشاهبد
غيبر العدل ومبع المرأة .وروى اببن وهبب أن شهادة النسباء لوث .وذكبر محمبد عبن اببن القاسبم أن
شهادة المرأتيببن لوث دون شهادة المرأة الواحدة .قال القاضببي أبببو بكببر بببن العربببي :اختلف فببي
اللوث اختلفا كثيرا ،مشهور المذهب أنه الشاهد العدل .وقال محمد :هو أحب إلي .قال :وأخذ به
اببن القاسبم واببن عبدالحكبم .وروي عبن عبدالملك ببن مروان :أن المجروح أو المضروب إذا قال
دمببي عنببد فلن ومات كانببت القسببامة .وبببه قال مالك والليببث بببن سببعد .واحتببج مالك بقتيببل بنببي
إسبرائيل أنبه قال :قتلنبي فلن .وقال الشافعبي :اللوث الشاهبد العدل ،أو يأتبي ببينبة وإن لم يكونوا
عدول .وأوجب الثوري والكوفيون القسامة بوجود القتيل فقط ،واستغنوا عن مراعاة قول المقتول
وعبن الشاهبد ،قالوا :إذا وجبد قتيبل فبي محلة قوم وببه أثبر حلف أهبل ذلك الموضبع أنهبم لم يقتلوه
ويكون عقله عليهبم ،وإذا لم يكبن ،ببه أثبر لم يكبن على العاقلة شيبء إل أن تقوم البينبة على واحبد.
وقال سبفيان :وهذا ممبا أجمبع عليبه عندنبا ،وهبو قول ضعيبف خالفوا فيبه أهبل العلم ،ول سبلف لهبم
فيببه ،وهببو مخالف للقرآن والسببنة ،ولن فيببه إلزام العاقلة مال بغيببر بينببة ثبتببت عليهببم ول إقرار
منهببم .وذهببب مالك والشافعببي إلى أن القتيببل إذا وجببد فببي محلة قوم أنبه هدر ،ل يؤخبذ ببه أقرب
الناس دارا ،لن القتيل قد يقتل ثم يلقى على باب قوم ليلطخوا به ،فل يؤاخذ بمثل ذلك حتى تكون
السبباب التبي شرطوهبا فبي وجوب القسبامة .وقبد قال عمبر ببن عبدالعزيبز هذا ممبا يؤخبر فيبه
القضاء حتى يقضي ال فيه يوم القيامة.
مسبألة :قال القاسبم ببن مسبعدة قلت للنسبائي :ل يقول مالك بالقسبامة إل باللوث ،فلم أورد حديبث
القسامة ول لوث فيه؟ قال النسائي :أنزل مالك العداوة التي كانت بينهم وببن اليهود بمنزلة اللوث،
وأنزل اللوث أو قول الميبت بمنزلة العداوة .قال اببن أببي زيبد :وأصبل هذا فبي قصبة بنبي إسبرائيل
حيببن أحيببا ال الذي ضرب ببعببض البقرة فقال :قتلنببي فلن ،وبأن العداوة لوث قال الشافعببي :ول
نرى قول المقتول لوثا ،كما تقدم .قال الشافعي :إذا كان بين قوم وقوم عداوة ظاهرة كالعداوة التي
كانت بين النصار واليهود ،ووجد قتيل في أحد الفريقين ول يخالطهم غيرهم وجبت القسامة فيه.
مسألة :واختلفوا في القتيل بوجد في المحلة التي أكراها أربابها ،فقال أصحاب الرأي :هو على
أهل الخطة وليس على السكان شيء ،فإن باعوا دورهم ثم وجد قتيل فالدية على المشتري وليس
على السبكان شيبء ،وإن كان أرباب الدور غيببا وقبد أكروا دورهببم فالقسببامة والديبة على أرباب
الدور الغيب وليس على السكان الذين وجد القتيل بين أظهرهم شيء.
ثبم رجبع يعقوب مبن بينهبم عبن هذا القول فقال :القسبامة والديبة على السبكان فبي الدور .وحكبى هذا
القول عبن اببن أببي ليلى ،واحتبج بأن أهبل خيببر كانوا عمال سبكانا يعملون فوجبد القتيبل فيهبم .قال
الثوري ونحن نقول :هو على أصحاب الصل ،يعني أهل الدور .وقال أحمد :القول قول ابن أبي
ليلى فبي القسبامة ل فبي الديبة .وقال الشافعبي :وذلك كله سبواء ،ول عقبل ول قود إل ببينبة تقوم ،أو
ما يوجب القسامة فيقسم الولياء .قال ابن المنذر :وهذا أصح.
مسبألة :ول يحلف فبي القسبامة أقبل مبن خمسبين يمينبا ،لقول عليبه السبلم فبي حديبث حويصبة
ومحيصبة( :يقسبم خمسبين منكبم على رجبل منهبم) .فإن كان المسبتحقون خمسبين حلف كبل واحبد
منهببم يمينببا واحدة ،فإن كانوا أقببل مببن ذلك أو نكببل منهببم مببن ل يجوز عفوه ردت اليمان عليهببم
بحسب عددهم .ول يحلف في العمد أقل من اثنين من الرجال ،ل يحلف فيه الواحد من الرجال ول
النسبباء ،يحلف الولياء ومببن يسببتعين بهببم الولياء مببن العصبببة خمسببين يمينببا .هذا مذهببب مالك
والليبث والثوري والوزاعبي وأحمبد وداود .وروى مطرف عبن مالك أنبه ل يحلف مبع المدعبى
عليه أحد ويحلف هم أنفسهم كما لو كانوا واحدا فأكثر خمسين يمينا يبرئون بها أنفسهم ،وهو قول
الشافعي .قال الشافعي :ل يقسم إل وارث ،كان القتل عمدا أو خطأ .ول يحلف على مال ويستحقه
إل مبن له الملك لنفسبه أومبن جعبل ال له الملك مبن الورثبة ،والورثبة يقسبمون على قدر مواريثهبم.
وببه قال أببو ثور واختاره اببن المنذر وهبو الصبحيح ،لن مبن لم يدع عليبه لم يكبن له سببب يتوجبه
عليبه فيبه يميبن .ثبم مقصبود هذه اليمان البراءة مبن الدعوى ومبن لم يدع عليبه بريبء .وقال مالك
فبي الخطبأ :يحلف فيهبا الواحبد مبن الرجال والنسباء ،فمهمبا كملت خمسبين يمينبا مبن واحبد أو أكثبر
اسبتحق الحالف ميراثبه ،ومبن نكبل لم يسبتحق شيئا ،فإن جاء مبن غاب حلف مبن اليمان مبا كان
يجب عليه لو حضر بحسب ميراثه .هذا قول مالك المشهور عنه ،وقد روى عنه أنه .ل يرى في
الخطأ قسامة.
وتتميم مسائل القسامة وفروعها وأحكامها مذكور في كتب الفقه والخلف ،وفيما ذكرناه كفاية،
وال الموفق.
مسببألة :فببي قصببة البقرة هذه دليببل على أن شرع مببن قبلنببا شرع لنببا ،وقال بببه طوائف مببن
المتكلميبن وقوم مبن الفقهاء ،واختاره الكرخبي ونبص عليبه اببن بكيبر القاضبي مبن علمائنبا ،وقال
القاضببي أبببو محمببد عبدالوهاب :هببو الذي تقتضيببه أصببول مالك ومنازعببه فببي كتبببه ،وإليببه مال
الشافعي ،وقد قال ال" :فبهداهم اقتده" [النعام ]90 :على ما يأتي إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :كذلك يحي ال الموتى "أي كما أحيا هذا بعد موته كذلك يحيي ال كل من مات
فالكاف فبي موضبع نصبب ،لنبه نعبت لمصبدر محذوف" .ويريكبم آياتبه" أي علماتبه وقدرتبه.
"لعلكم تعقلون" كي تعقلوا وقد تقدم أي تمتنعون من عصيانه وعقلت نفسي عن كذا أي منعتها منه
والمعاقل :الحصون.
* *3الية { 74ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما
يتفجبر منبه النهار وإن منهبا لمبا يشقبق فيخرج منبه الماء وإن منها لما يهببط من خشية ال وما ال
بغافل عما تعملون}
@قوله تعالى" :ثبم قسبت قلوبكبم مبن بعبد ذلك" القسبوة :الصبلبة والشدة واليببس وهبي عبارة عبن
خلوهبا مبن الناببة والذعان ليات ال تعالى .قال أببو العاليبة وقتادة وغيرهمبا :المراد قلوب جميبع
بني إسرائيل .وقال ابن عباس :المراد قلوب ورثة القتيل ،لنهم حين حيي وأخبر بقاتله وعاد إلى
موتبه أنكروا قتله ،وقالوا :كذب ،بعبد مبا رأوا هذه اليبة العظمبى ،فلم يكونوا قبط أعمبى قلوببا ،ول
أشبد تكذيببا لنببيهم منهبم عنبد ذلك ،لكبن نفبذ حكبم ال بقتله .روى الترمذي عبن عبدال ببن عمبر قال:
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ل تكثروا الكلم بغير ذكر ال فإن كثرة الكلم بغير ذكر ال
قسوة للقلب وإن أبعد الناس من ال القلب القاسي) .وفي مسند البزار عن أنس قال :قال رسول ال
صبلى ال عليبه وسبلم( :أربعبة مبن الشقاء جمود العيبن وقسباء القلب وطول المبل والحرص على
الدنيا).
@قوله تعالى" :فهبي كالحجارة أو أشبد قسبوة" "أو" قيبل هبي بمعنبى الواو كمبا قال" :آثمبا أو
كفورا" [النسان" .]24 :عذرا أو نذرا" وقال الشاعر:
نال الخلفة أو كانت له قدرا
أي وكانبت .وقيبل :هبي بمعنبى ببل ،كقوله تعالى" :وأرسبلناه إلى مائة ألف أو يزيدون" [الصبافات:
]147المعنى بل يزيدون .وقال الشاعر:
وصورتها أو أنت في العين أملح بدت مثل الشمس في رونق الضحى
أي بل أنت وقيل :معناها البهام على المخاطب ،ومنه قول أبي السود الدؤلي:
وعباسا وحمزة أو عليا أحب محمدا حبا شديدا
ولست بمخطئ إن كان غيا فإن يك حبهم رشدا أصبه
ولم يشك أبو السود أن حبهم رشد ظاهر ،وإنما قصد البهام .وقد قيل لبي السود حين قال ذلك:
شككبت قال :كل ،ثبم اسبتشهد بقوله تعالى" :وإنبا أو إياكبم لعلى هدى أو فبي ضلل مببين" [سببأ:
]24وقال :أو كان شاكا من أخبر بهذا! وقيل :معناها التخيير ،أي شبهوها بالحجارة تصيبوا ،أو
بأشد من الحجارة تصيبوا ،وهذا كقول القائل :جالس الحسن أو ابن سيرين ،وتعلم الفقه أو الحديث
أو النحبو .قيبل :ببل هبي على بابهبا مبن الشبك ،ومعناهبا عندكبم أيهبا المخاطبون وفبي نظركبم أن لو
شاهدتم قسوتها لشككتم :أهي كالحجارة أو أشد من الحجارة؟ وقد قيل هذا المعنى في قوله تعالى:
"إلى مائة ألف أو يزيدون" [الصافات ]147 :وقالت فرقة :إنما أراد ال تعالى أن فيهم من قلبه
كالحجر ،وفيهم من قلبه أشد من الحجر فالمعنى :هم فرقتان.
"أو أشبد" أشبد مرفوع بالعطبف على موضبع الكاف فبي قوله "كالحجارة" ،لن المعنبى فهبي مثبل
الحجارة أو أشببد .ويجوز أو "أشبد" بالفتبح عطببف على الحجارة .و"قسبوة" نصبب على التمييببز.
وقرأ أبو حيوة "قساوة" والمعنى واحد.
@قوله تعالى" :وإن من الحجارة لما يتفجر منه النهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء" قد
تقدم معنبى النفجار .ويشقبق أصبله بتشقبق ،أدغمبت التاء فبي الشيبن ،وهذه عبارة عبن العيون التبي
لم تعظببم حتببى تكون أنهارا ،أو عببن الحجارة التببي تتشقببق وإن لم يجببر ماء منفسببح .وقرأ ابببن
مصبرف "ينشقبق" بالنون ،وقرأ "لمبا يتفجبر" "لمبا يتشقبق" بتشديبد "لمبا" فبي الموضعيبن .وهبي
قراءة غير متجهة .وقرأ مالك بن دينار "ينفجر" بالنون وكسر الجيم .قال قتادة :عذر الحجارة ولم
يعذر شقي بني آدم .قال أبو حاتم :يجوز لما تتفجر بالتاء ،ول يجوز لما تتشقق بالتاء ،لنه إذا قال
تتفجبر أنثبه بتأنيبث النهار ،وهذا ل يكون فبي تشقبق .قال النحاس :يجوز مبا أنكره على المعنبى،
لن المعنى وأن منها لحجارة تتشقق ،وأما يشقق فمحمول على لفظ ما .والشق واحد الشقوق ،فهو
فببي الصببل مصببدر ،تقول :بيببد فلن ورجليببه شقوق ،ول تقببل :شقاق ،إنمببا الشقاق داء يكون
بالدواب ،وهبو تشقبق يصبيب أرسباغها وربمبا ارتفبع إلى وظيفهبا ،عبن يعقوب .والشبق :الصببح.
و"ما" في قوله" :لما يتفجر" في موضع نصب ،لنها اسم إن واللم للتأكيد" .منه" على لفظ ما،
ويجوز منهبا على المعنبى ،وكذلك "وإن منهبا لمبا يشقبق فيخرج منبه الماء" .وقرأ قتادة "وإن" فبي
الموضعين ،مخففة من الثقيلة.
@قوله تعالى" :وإن منها لما يهبط من خشية ال" يقول إن من الحجارة ما هو أنفع من قلوبكم،
لخروج الماء منها وترديها .قال مجاهد :ما تردى حجر من رأس جبل ،ول تفجر نهر .من حجر،
ول خرج منبه ماء إل مبن خشيبة ال ،نزل بذلك القرآن الكريبم .ومثله عبن اببن جريبج .وقال بعبض
المتكلميبن فبي قوله" :وإن منهبا لمبا يهببط مبن خشيبة ال" :البرد الهاببط مبن السبحاب .وقيبل :لفظبة
الهبوط مجاز ،وذلك أن الحجارة لمبا كانبت القلوب تعتببر بخلقهبا ،وتخشبع بالنظبر إليهبا ،أضيبف
تواضبع الناظبر إليهبا ،كمبا قالت العرب :ناقبة تاجرة ،أي تبعبث مبن يراهبا على شرائهبا .وحكبى
الطبري عن فرقة أن الخشية للحجارة مستعارة ،كما استعيرت الرادة للجدار في قوله" :يريد أن
ينقض" ،وكما قال زيد الخيل:
سور المدينة والجبال الخشع لما أتى خبر الزبير تواضعت
وذكبر ابن بحبر أن الضميبر فبي قوله تعالى" :وإن منهبا" راجبع إلى القلوب ل إلى الحجارة أي مبن
القلوب لما يخضع من خشيه ال.
قلت :كببل مببا قيببل يحتمله اللفببظ ،والول صببحيح ،فإنببه ل يمتنببع أن يعطببى بعببض الجمادات
المعرفبة فيعقبل ،كالذي روي عبن الجذع الذي كان يسبتند إليبه رسبول ال صبلى ال عليبه وسبلم إذا
خطببب ،فلمببا تحول عنبه حبن ،وثبببت عنبه أنبه قال( :إن حجرا كان يسببلم علي فببي الجاهليبة إنببي
لعرفبه الن) .وكمبا روي أن النببي صبلى ال عليبه وسبلم قال( :قال لي ثببير اهببط فإنبي أخاف أن
يقتلوك على ظهري فيعذبنببي ال) .فناداه حراء :إلي يببا رسببول ال .وفببي التنزيببل" :إنببا عرضنببا
المانبة على السبموات والرض والجبال" [الحزاب ]72 :اليبة .وقال" :لو أنزلنبا هذا القرآن
على جببل لرأيتبه خاشعبا متصبدعا مبن خشيبة ال" [الحشبر ]21 :يعنبي تذلل وخضوعبا ،وسبيأتي
لهذا مزيد بيان في سورة "سبحان" إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :ومبا ال بغافبل عمبا تعملون" "بغافبل" فبي موضبع نصبب على لغبة أهبل الحجاز،
وعلى لغة تميم في موضع رفع .والياء توكيد "عما تعملون" أي عن عملكم حتى ل يغادر صغيرة
ول كببيرة إل يحصبيها عليكبم" ،فمبن يعمبل مثقال ذرة خيرا يره .ومبن يعمبل مثقال ذرة شرا يره"
[الزلزلة ]8 ،7 :ول تحتاج "ما" إلى عائد إل أن يجعلها بمعنى الذي فيحذف العائد لطول السم،
أي عن الذي تعملونه .وقرأ ابن كثير "يعلمون" بالياء ،والمخاطبة على هذا لمحمد عليه السلم.