Professional Documents
Culture Documents
**2سورة البقرة
**3الية { 75أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلم ال ثم يحرفونه من
بعد ما عقلوه وهم يعلمون}
@قوله تعالى" :أفتطمعون أن يؤمنوا لكم" هذا استفهام فيه معنى النكار ،كأنه أيأسهم من إيمان
هذه الفرقة من اليهود ،أي إن كفروا فلهم سابقة في ذلك .والخطاب لصحاب النبي صلى ال عليه
وسههلم .وذلك أن النصههار كان لهههم حرص على إسههلم اليهود للحلف والجوار الذي كان بينهههم.
وقيهل :الخطاب للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم خاصهة ،عهن ابهن عباس .أي ل تحزن على تكذيبههم
إياك ،وأخهبره أنههم مهن أههل السهوء الذيهن مضوا .و"أن" فهي موضهع نصهب ،أي فهي أن يؤمنوا،
نصهب بأن ،ولذلك حذفهت منهه النون .يقال :طمهع فيهه طمعها وطماعيهة -مخفهف -فههو طمهع ،على
وزن فعهل .وأطمعهه فيهه غيره .ويقال فهي التعجهب :طمهع الرجهل -بضهم الميهم -أي صهار كثيهر
الطمههع .والطمههع :رزق الجنههد ،يقال :أمههر لهههم الميههر بأطماعهههم ،أي بأرزاقهههم .وامرأة مطماع:
تطمع ول تمكن.
@قوله تعالى" :وقهد كان فريهق منههم" الفريهق اسهم جمهع ل واحهد له مهن لفظهه ،وجمعهه فهي أدنهى
العدد أفرقهة ،وفهي الكثيهر أفرقاء .قوله تعالى" :يسهمعون" فهي موضهع نصهب خهبر "كان" .ويجوز
أن يكون الخبر "منهم" ،ويكون "يسمعون" نعتا لفريق وفيه بُعد.
@قوله تعالى" :كلم ال" قراءة الجماعة .وقرأ العمش "كلم ال" على جمع كلمة .قال سيبويه:
واعلم أن ناسا من ربيعة يقولون "منهم" بكسر الهاء اتباعا لكسرة الميم ،ولم يكن المسكن حاجزا
حصههينا عنده" .كلم ال" مفعول بهه "يسههمعون" .والمراد السههبعون الذيههن اختارهههم موسههى عليههه
السههلم ،فسههمعوا كلم ال فلم يمتثلوا أمره ،وحرفوا القول فههي إخبارهههم لقومهههم .هذا قول الربيههع
وابهن إسهحاق ،وفهي هذا القول ضعهف .ومهن قال :إن السهبعين سهمعوا مها سهمع موسهى فقهد أخطهأ،
وأذهب بفضيلة موسى واختصاصه بالتكليم .وقد قال السدي وغيره :لم يطيقوا سماعه ،واختلطت
أذهانهههم ورغبوا أن يكون موسههى يسههمع ويعيده لهههم ،فلمهها فرغوا وخرجوا بدلت طائفهة منهههم مهها
سمعت من كلم ال على لسان نبيهم موسى عليه السلم ،كما قال تعالى" :وإن أحد من المشركين
استجارك فأجره حتى يسمع كلم ال"[ .التوبة.]6 :
فإن قيل :فقد روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن قوم موسى سألوا موسى أن يسأل ربه
أن يسمعهم كلمه ،فسمعوا صوتا كصوت الشبور" :إني أنا ال ل إله إل أنا الحي القيوم أخرجتكم
من مصر بيد رفيعة وذراع شديدة".
قلت :هذا حديث باطل ل يصح ،رواه ابن مروان عن الكلبي وكلهما ضعيف ل يحتج به وإنما
الكلم شيء خص به موسى من بين جميع ولد آدم ،فإن كان كلم قومه أيضا حتى أسمعهم كلمه
فمها فضهل موسهى عليههم ،وقهد قال وقوله الحهق" :إنهي اصهطفيتك على الناس برسهالتي وبكلمهي"
[العراف .]144 :وهذا واضح.
واختلف الناس بماذا عرف موسهى كلم ال ولم يكهن سهمع قبهل ذلك خطابهه ،فمنههم مهن قال :إنهه
سمع كلما ليس بحروف وأصوات ،وليس فيه تقطيع ول نفس ،فحينئذ علم أن ذلك ليس هو كلم
البشهر وإنمها ههو كلم رب العالميهن .وقال آخرون :إنهه لمها سهمع كلمها ل مهن جههة ،وكلم البشهر
يسمع من جهة من الجهات الست ،علم أنه ليس من كلم البشر .وقيل :إنه صار جسده كله مسامع
حتهى سهمع بهها ذلك الكلم ،فعلم أنهه كلم ال .وقيهل فيهه :إن المعجزة دلت على أن مها سهمعه ههو
كلم ال ،وذلك أنههه قيههل له :ألق عصههاك ،فألقاههها فصههارت ثعبانهها ،فكان ذلك علمههة على صههدق
الحال ،وأن الذي يقول له" :إني أنا ربك" [طه ]12 :هو ال جل وعز .وقيل :إنه قد كان أضمر
فهي نفسهه شيئا ل يقهف عليه إل علم الغيوب ،فأخهبره ال تعالى فهي خطابهه بذلك الضميهر ،فعلم أن
الذي يخاطبه هو ال جل وعز .وسيأتي في سورة "القصص" بيان معنى قوله تعالى" :نودي من
شاطئ الوادي اليمن في البقعة المباركة من الشجرة" [القصص ]30 :إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :ثههم يحرفونهه" قال مجاهههد والسهدي :ههم علماء اليهود الذيهن يحرفون التوراة
فيجعلون الحرام حلل والحلل حرامهها اتباعهها لهوائهههم .قوله تعالى" :مههن بعههد مهها عقلوه وهههم
يعلمون" أي عرفوه وعلموه .وهذا توبيهخ لههم ،أي إن هؤلء اليهود قهد سهلفت لبائههم أفاعيهل سهوء
وعناد فهؤلء على ذلك السنن ،فكيف تطمعون في إيمانهم
ودل هذا الكلم أيضها على أن العالم بالحهق المعانهد فيهه بعيهد مهن الرشهد ،لنهه علم الوعهد والوعيهد
ولم ينهه ذلك عن عناده.
* *3اليتان{ 77 - 76 :وإذا لقوا الذيهن آمنوا قالوا آمنها وإذا خل بعضههم إلى بعهض قالوا
أتحدثونهههم بمهها فتههح ال عليكههم ليحاجوكههم بههه عنههد ربكههم أفل تعقلون ،أول يعلمون أن ال يعلم مهها
يسرون وما يعلنون}
@قوله تعالى" :وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا" هذا في المنافقين .أصل لقوا :لقيوا وقد تقدم.
قوله تعالى" :وإذا خل بعضههم إلى بعهض قالوا أتحدثونههم بمها فتهح ال عليكهم" اليهة فهي اليهود،
وذلك أن ناسها منههم أسهلموا ثهم نافقوا فكانوا يحدثون المؤمنيهن مهن العرب بمها عذب بهه آباؤههم،
فقالت لهم اليهود" :أتحدثونهم بما فتح ال عليكم" أي حكم ال عليكم من العذاب ،ليقولوا نحن أكرم
على ال منكم ،عن ابن عباس والسدي .وقيل :إن عليا لما نازل قريظة يوم خيبر سمع سب رسول
ال صههلى ال عليههه وسههلم فانصههرف إليههه وقال :يهها رسههول ال ،ل تبلغ إليهههم ،وعرض له ،فقال:
(أظنك سمعت شتمي منهم لو رأوني لكفوا عن ذلك) ونهض إليهم ،فلما رأوه أمسكوا ،فقال لهم:
(أنقضتهم العههد يها إخوة القردة والخنازيهر أخزاكهم ال وأنزل بكهم نقمتهه) فقالوا :مها كنهت جاهل يها
محمهد فل تجههل علينها ،مهن حدثهك بهذا؟ مها خرج هذا الخهبر إل مهن عندنها! روي هذا المعنهى عهن
مجاهد.
"وإذا خل" الصل في "خل" خلو ،قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ،وتقدم معنى "خل"
في أول السورة .ومعنى "فتح" حكم .والفتح عند العرب :القضاء والحكم ،ومنه قوله تعالى" :ربنا
افتهح بيننها وبيهن قومنها بالحهق وأنهت خيهر الفاتحيهن" أي الحاكميهن ،والفتاح :القاضهي بلغهة اليمهن،
يقال :بينهي وبينهك الفتاح ،قيهل ذلك لنهه ينصهر المظلوم على الظالم .والفتهح :النصهر ،ومنهه قوله:
"يستفتحون على الذين كفروا"[ ،البقرة ،]89 :وقوله" :إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح" [النفال:
.]19ويكون بمعنى الفرق بين الشيئين.
@قوله تعالى" :ليحاجوكهم بهه" نصهب بلم كهي ،وإن شئت بإضمار أن ،وعلمهة النصهب ،حذف
النون .قال يونهس :وناس مهن العرب يفتحون لم كهي .قال الخفهش :لن الفتهح الصهل .قال خلف
الحمهر :ههي لغهة بنهي العنهبر .ومعنهى "ليحاجوكهم" ليعيروكهم ،ويقولوا نحهن أكرم على ال منكهم.
وقيل :المعنى ليحتجوا عليكم بقولكم ،يقولون كفرتم به بعد أن وقفتم على صدقه .وقيل :إن الرجل
من اليهود كان يلقى صديقه من المسلمين فيقول له :تمسك بدين محمد فإنه نبي حقا.
@قوله تعالى" :عنههد ربكههم" قيههل فههي الخرة ،كمهها قال" :ثههم إنكههم يوم القيامههة عنههد ربكههم
تختصمون"[الزمر .]31 :وقيل :عند ذكر ربكم .وقيل" :عند" بمعنى "في" أي ليحاجوكم به في
ربكهم ،فيكونوا أحهق بهه منكهم لظهور الحجهة عليكهم ،وروي عهن الحسهن .والحجهة :الكلم المسهتقيم
على الطلق ،ومههن ذلك محجههة الطريههق .وحاججههت فلنهها فحججتههه ،أي غلبتههه بالحجههة .ومنههه
الحديث( :فحج آدم موسى).
@قوله تعالى" :أفل تعقلون" قيل :هو من قول الحبار للتباع .وقيل :هو خطاب من ال تعالى
للمؤمنيهن ،أي أفل تعقلون أن بنهي إسهرائيل ل يؤمنون وههم بهذه الحوال ،ثهم وبخههم توبيخها يتلى
فقال" :أول يعلمون" اليهة .فههو اسهتفهام معناه التوبيهخ والتقريهع .وقرأ الجمهور "يعلمون" بالياء،
وابن محيصن بالتاء ،خطابا للمؤمنين .والذي أسروه كفرهم ،والذي أعلنوه الجحد به.
* *3الية{ 78 :ومنهم أميون ل يعلمون الكتاب إل أماني وإن هم إل يظنون}
@قوله تعالى" :ومنههم أميون" أي مهن اليهود .وقيهل :مهن اليهود والمنافقيهن أميون ،أي مهن ل
يكتب ول يقرأ ،واحدهم أمي ،منسوب إلى المة المية التي هي على أصل ولدة أمهاتها لم تتعلم
الكتابة ول قراءتها ،ومنه قوله عليه السلم( :إنا أمة أمية ل نكتب ول نحسب) الحديث .وقد قيل
لههم إنههم أميون لنههم لم يصهدقوا بأم الكتاب ،عن ابهن عباس .وقال أبو عهبيدة :إنمها قيهل لههم أميون
لنزول الكتاب عليهم ،كأنهم نسبوا إلى أم الكتاب ،فكأنه قال :ومنهم أهل الكتاب ل يعلمون الكتاب.
عكرمههة والضحاك :هههم نصههارى العرب .وقيههل :هههم قوم مههن أهههل الكتاب ،رفههع كتابهههم لذنوب
ارتكبوها فصاروا أميين .علي رضي ال عنه :هم المجوس .قلت :والقول الول أظهر ،وال اعلم.
@قوله تعالى" :ل يعلمون الكتاب إل أماني" "إل" ههنا بمعنى لكن ،فهو استثناء منقطع ،كقوله
تعالى" :وما لهم به من علم إل اتباع الظن" [النساء .]157 :وقال النابغة:
ول علم إل حسن ظن بصاحب حلفت يمينا غير ذي مثنوية
وقرأ أبهو جعفهر وشيبهة والعرج "إل أمانهي" خفيفهة الياء ،حذفوا إحدى الياءيهن اسهتخفافا .قال أبهو
حاتهم :كهل مها جاء مهن هذا النحهو واحده مشدد ،فلك فيهه التشديهد والتخفيهف ،مثهل أثافهي وأغانهي
وأماني ،ونحوه .وقال الخفش :هذا كما يقال في جمع مفتاح :مفاتيح ومفاتح ،وهي ياء الجمع .قال
النحاس :الحذف في المعتل أكثر ،كما قال الشاعر:
ثلث الثافي والرسوم البلقع وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى
والمانههي جمههع أمنيههة وهههي التلوة ،وأصههلها أمنويههة على وزن أفعولة ،فأدغمههت الواو فههي الياء
فانكسهرت النون مهن أجهل الياء فصهارت أمنيهة ،ومنهه قوله تعالى" :إل إذا تمنهى ألقهى الشيطان فهي
أمنيته" [الحج ]52 :أي إذا تل ألقى الشيطان في تلوته .وقال كعب بن مالك:
وآخره لقى حمام المقادر تمنى كتاب ال أول ليله
وقال آخر:
تمني داود الزبور على رسل تمنى كتاب ال آخر ليله
والماني أيضا الكاذيب ،ومنه قول عثمان رضهي ال عنه :ما تمنيت منهذ أسلمت ،أي ما كذبت.
وقول بعهض العرب لبهن دأب وههو يحدث :أهذا شيهء رويتهه أم شيهء تمنيتهه؟ أي افتعلتهه .وبهذا
المعنى فسر ابن عباس ومجاهد "أماني" في الية .والماني أيضا ما يتمناه النسان ويشتهيه .قال
قتادة" :إل أماني" يعني انهم يتمنون على ال ما ليس لهم .وقيل :الماني التقدير ،يقال :منى له أي
قدر ،قال الجوهري ،وحكاه ابن بحر ،وأنشد قول الشاعر:
حتى تلقي ما يمني لك الماني ل تأمنن وإن أمسيت في حرم
أي يقدر لك المقدر.
@قوله تعالى" :وإن هم" "إن" بمعنهى مها النافيهة ،كما قال تعالى" :إن الكافرون إل فهي غرور"
[الملك .]20 :قوله تعالى" :إل يظنون" يكذبون ويحدثون ،لنههم ل علم لههم بصهحة مها يتلون،
وإنمها ههم مقلدون لحبارههم فيمها يقرؤون بهه .قال أبهو بكهر النباري :وقهد حدثنها أحمهد بهن يحيهى
النحوي أن العرب تجعهل الظهن علمها وشكها وكذبها ،وقال :إذا قامهت براهيهن العلم فكانهت أكثهر مهن
براهيهن الشهك فالظهن يقيهن ،وإذا اعتدلت براهيهن اليقيهن وبراهيهن الشهك فالظهن شهك ،وإذا زادت
براهيهن الشهك على براهيهن اليقيهن فالظهن كذب ،قال ال عهز وجهل "وإن ههم إل يظنون" أراد إل
يكذبون.
* *3الية{ 79 :فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند ال ليشتروا به ثمنا
قليل فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}
@قوله تعالى" :فويل" "فويل" اختلف في الويل ما هو ،فروى عثمان بن عفان عن النبي صلى
ال عليه وسلم أنه جبل من نار .وروى أبو سعيد الخدري أن الويل واد في جهنم بين جبلين يهوي
فيه الهاوي أربعين خريفا .وروى سفيان وعطاء بن يسار :أن الويل في هذه الية واد يجري بفناء
جهنم من صديد أهل النار .وقيل :صهريج في جهنم .وحكى الزهراوي عن آخرين :أنه باب من
أبواب جهنههم .وعههن ابههن عباس :الويههل المشقههة مههن العذاب .وقال الخليههل :الويههل شدة الشههر.
الصهمعي :الويهل تفجهع وترحهم .سهيبويه :ويهل لمهن وقهع فهي الهلكهة ،وويهح زجهر لمهن أشرف على
الهلكهة .ابهن عرفهة :الويهل الحزن :يقال :تويهل الرجهل إذا دعها بالويهل ،وإنمها يقال ذلك عنهد الحزن
والمكروه ،ومنهه قوله" :فويهل للذيهن يكتبون الكتاب بأيديههم" [البقرة .]79 :وقيهل :أصهله الهلكهة،
وكل من وقع في هلكة دعا بالويل ،ومنه قوله تعالى" :يا ويلتنا مال هذا الكتاب" [الكهف.]49 :
وهي الويل والويلة ،وهما الهلكة ،والجمع الويلت ،قال:
له الويل إن أمسى ول أم هاشم
وقال أيضا:
فقالت لك الويلت إنك مرجلي
وارتفههع "ويههل" بالبتداء ،وجاز البتداء بههه وإن كان نكرة لن فيههه معنههى الدعاء .قال الخفههش:
ويجوز النصهب على إضمار فعهل ،أي ألزمههم ال ويل .وقال الفراء :الصهل فهي الويهل "وي" أي
حزن ،كمههها تقول :ويهههل لفلن ،أي حزن له ،فوصهههلته العرب باللم وقدروهههها منهههه فأعربوهههها.
والحسهن فيهه إذا فصهل عهن الضافهة الرفهع ،لنهه يقتضهي الوقوع .ويصهح النصهب على معنهى
الدعاء ،كما ذكرنا.
قال الخليههل :ولم يسههمع على بنائه إل ويههح وويههس وويههه وويههك وويههل وويههب ،وكله يتقارب فههي
المعنههى .وقههد فرق بينههها قوم ،وهههي مصههادر لم تنطلق العرب منههها بفعههل .قال الجرمههي :وممهها
ينتصهب انتصهاب المصهادر ويله وعوله وويحهه وويسهه ،فإذا أدخلت اللم رفعهت فقلت :ويهل له،
وويح له.
@قوله تعالى" :للذين يكتبون الكتاب" الكتابة معروفة .وأول من كتب بالقلم وخط به إدريس عليه
السلم ،وجاء ذلك في حديث أبي ذر ،خرجه الجري وغيره .وقد قيل :إن آدم عليه السلم أعطي
الخط فصار وراثة في ولده.
@قوله تعالى" :بأيديهم" تأكيد ،فإنه قد علم أن الكتب ل يكون إل باليد ،فهو مثل قوله" :ول طائر
يطيهر بجناحيهه" [النعام ،]38 :وقوله" :يقولون بأفواهههم "[آل عمران .]167 :وقيهل :فائدة
"بأيديههم" بيان لجرمههم وإثبات لمجاهرتههم ،فإن مهن تولى الفعهل أشهد مواقعهة ممهن لم يتوله وإن
كان رأيها له وقال ابهن السهراج" :بأيديههم" كنايهة عهن أنههم مهن تلقائههم دون أن ينزل عليههم ،وإن لم
تكن حقيقة في كتب أيديهم.
في هذه الية والتي قبلها التحذير من التبديل والتغيير والزيادة في الشرع ،فكل من بدل وغير أو
ابتدع فهي ديهن ال مها ليهس منهه ول يجوز فيهه فههو داخهل تحهت هذا الوعيهد الشديهد ،والعذاب الليهم،
وقهد حذر رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم أمتهه لمها قهد علم مها يكون فهي آخهر الزمان فقال( :أل إن
مههن قبلكههم مههن أهههل الكتاب افترقوا على اثنتيههن وسههبعين ملة وإن هذه المههة سههتفترق على ثلث
وسبعين فرقة كلها في النار إل واحدة) الحديث ،وسيأتي .فحذرهم أن يحدثوا من تلقاء أنفسهم في
الدين خلف كتاب ال أو سنته أو سنة أصحابه فيضلوا به الناس ،وقد وقع ما حذره وشاع ،وكثر
وذاع ،فإنا ل وإنا إليه راجعون.
@قال علماؤنها رحمهة ال عليههم :نعهت ال تعالى أحبارههم بأنههم يبدلون ويحرفون فقال وقوله
الحهق" :فويهل للذيهن يكتبون الكتاب بأيديههم" [البقرة ]79 :اليهة .وذلك أنهه لمها درس المهر فيههم،
وسههاءت رعيههة علمائهههم ،وأقبلوا على الدنيهها حرصهها وطمعهها ،طلبوا أشياء تصههرف وجوه الناس
إليهههم ،فأحدثوا فههي شريعتهههم وبدلوههها ،وألحقوا ذلك بالتوراة ،وقالوا لسههفهائهم هذا مههن عنههد ال،
ليقبلوهها عنههم فتتأكهد رياسهتهم وينالوا بهه حطام الدنيها وأوسهاخها .وكان ممها أحدثوا فيهه أن قالوا:
ليس علينا في الميين سبيل ،وهم العرب ،أي ما أخذنا من أموالهم فهو حل لنا .وكان مما أحدثوا
فيهه أن قالوا :ل يضرنها ذنهب ،فنحهن أحباؤه وأبناؤه ،تعالى ال عهن ذلك! وإنمها كان فهي التوراة "يها
أحباري ويا أبناء رسلي" فغيروه وكتبوا "يا أحبائي ويا أبنائي" فأنزل ال تكذيبهم" :وقالت اليهود
والنصهارى نحهن أبناء ال وأحباؤه قهل فلم يعذبكهم بذنوبكهم" [المائدة .]18 :فقالت :لن يعذبنها ال،
وإن عذبنهها فأربعيههن يومهها مقدار أيام العجههل ،فأنزل ال تعالى" :وقالوا لن تمسههنا النار إل أيامهها
معدودة قهل أتخذتهم عنهد ال عهدا" [البقرة ]80 :قال ابهن مقسهم :يعنهي توحيدا ،بدليهل قوله تعالى:
"إل من اتخذ عند الرحمن عهدا" [مريم ]87 :يعني ل إله إل ال "فلن يخلف ال عهده أم تقولون
على ال مها ل تعلمون" [البقرة ]80 :ثهم أكذبههم فقال" :بلى مهن كسهب سهيئة وأحاطهت بهه خطيئتهه
فأولئك أصهحاب النار ههم فيهها خالدون .والذيهن آمنوا وعملوا الصهالحات أولئك أصهحاب الجنهة ههم
فيها خالدون"[ .البقرة .]82 - 81 :فبين تعالى أن الخلود في النار والجنة إنما هو بحسب الكفر
واليمان ،ل بما قالوه.
@قوله تعالى" :ليشتروا به ثمنا قليل" وصف ال تعالى ما يأخذونه بالقلة ،إما لفنائه وعدم ثباته،
وإما لكونه حراما ،لن الحرام ل بركة فيه ول يربو عند ال .قال ابن إسحاق والكلبي :كانت صفة
رسول ال صلى ال عليه وسلم في كتابهم ربعة أسمر ،فجعلوه آدم سبطا طويل ،وقالوا لصحابهم
وأتباعهم :انظروا إلى صفة النبي -صلى ال عليه وسلم -الذي يبعث في آخر الزمان ليس يشبهه
نعت هذا ،وكانت للحبار والعلماء رياسة ومكاسب ،فخافوا إن بينوا أن تذهب مآكلهم ورياستهم،
فمن ثم غيروا.
@قوله تعالى" :فويهل لههم ممها كتبهت أيديههم وويهل لههم ممها يكسهبون" قيهل مهن المآكهل .وقيهل مهن
المعاصي .وكرر الويل تغليظا لفعلهم.
* *3الية{ 80 :وقالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودة قل أتخذتم عند ال عهدا فلن يخلف ال
عهده أم تقولون على ال ما ل تعلمون}
@قوله تعالى" :وقالوا" يعني اليهود" .لن تمسنا النار إل أياما معدودة" اختلف ،في سبب نزولها،
فقيل :إن النبي صلى ال عليه وسلم قال لليهود( :من أهل النار) .قالوا :نحن ،ثم تخلفونا أنتم .فقال:
(كذبتم لقد علمتم أنا ل نخلفكم) فنزلت هذه الية ،قال ابن زيد .وقال عكرمة عن ابن عباس :قدم
رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم المدينهة واليهود تقول :إنمها هذه الدنيها سهبعة آلف ،وإنمها يعذب
الناس فهي النار لكهل ألف سهنة مهن أيام الدنيها يوم واحهد فهي النار مهن أيام الخرة ،وإنمها ههي سهبعة
أيام ،فأنزل ال الية ،وهذا قول مجاهد .وقالت طائفة :قالت اليهود إن في التوراة أن جهنم مسيرة
أربعين سنة ،وأنهم يقطعون في كل يوم سنة حتى يكملوها وتذهب جهنم .ورواه الضحاك عن ابن
عباس .وعن ابن عباس :زعم اليهود أنهم وجدوا في التوراة مكتوبا أن ما بين طرفي جهنم مسيرة
أربعيههن سههنة إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم .وقالوا :إنمهها نعذب حتههى ننتهههي إلى شجرة الزقوم
فتذههب جهنهم وتهلك .وعهن ابهن عباس أيضها وقتادة :أن اليهود قالت إن ال أقسهم أن يدخلههم النار
أربعين يوما عدد عبادتهم العجل ،فأكذبهم ال ،كما تقدم.
فهي هذه اليهة رد على أبهي حنيفهة وأصهحابه حيهث اسهتدلوا بقوله عليهه السهلم( :دعهي الصهلة أيام
أقرائك) في أن مدة الحيض ما يسمى أيام الحيض ،وأقلها ثلثة وأكثرها عشرة ،قالوا :لن ما دون
الثلثة يسمى يوما ويومين ،وما زاد على العشرة يقال فيه أحد عشر يوما ول يقال فيه أيام ،وإنما
يقال أيام مهن الثلثههة إلى العشرة ،قال ال تعالى" :فصههيام ثلثهة أيام فههي الحههج" [البقرة،]196 .
"تمتعوا في داركم ثلثة أيام" [هود" ،]65 :سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما" [هود:
.]7
فيقال لههم :فقهد قال ال تعالى فهي الصهوم" :أيامها معدودات" يعنهي جميهع الشههر ،وقال" :لن تمسهنا
النار إل أيامها معدودات" [آل عمران ]24 :يعنهي أربعيهن يومها .وأيضها فإذا أضيفهت اليام إلى
عارض لم يرد بهه تحديهد العدد ،بهل يقال :أيام مشيهك وسهفرك وإقامتهك ،وإن كان ثلثيهن وعشريهن
وما شئت من العدد ،ولعله أراد ما كان معتادا لها ،والعادة ست أو سبع ،فخرج عليه ،وال اعلم.
@قوله تعالى" :قل أتخذتم" تقدم القول في "اتخذ" فل معنى لعادته.
@قوله تعالى" :عند ال عهدا" أي أسلفتم عمل صالحا فآمنتم وأطعتم فتستوجبون بذلك الخروج
مهن النار! أو ههل عرفتهم ذلك بوحيهه الذي عهده إليكهم .قوله تعالى" :فلن يخلف ال عهده أم تقولون
على ال ما ل تعلمون توبيخ وتقريع.
* *3اليهة{ 81 :بلى مهن كسهب سهيئة وأحاطهت بهه خطيئتهه فأولئك أصهحاب النار ههم فيهها
خالدون}
@قوله تعالى" :بلى" أي ليس المهر كما ذكرتهم .قال سيبويه :ليهس "بلى" و"نعهم" اسمين .وإنما
همها حرفان مثهل "بهل" وغيره ،وههي رد لقولههم :إن تمسهنا النار .وقال الكوفيون :أصهلها بهل التهي
للضراب عن الول ،زيدت عليها الياء ليحسن الوقف ،وضمنت الياء معنى اليجاب والنعام .فه
"بل" تدل على رد الجحد ،والياء تدل على اليجاب لما بعد .قالوا :ولو قال قائل :ألم تأخذ دينارا؟
فقلت :نعهم ،لكان المعنهى ل ،لم آخهذ ،لنهك حققهت النفهي ومها بعده .فإذا قلت :بلى ،صهار المعنهى قهد
أخذت .قال الفراء :إذا قال الرجل لصاحبه :ما لك علي شيء ،فقال الخر :نعم ،كان ذلك تصديقا،
لن ل شيهء له عليهه ،ولو قال :بلى ،كان ردا لقوله ،وتقديره :بلى لي عليهك .وفهي التنزيهل "ألسهت
بربكم قالوا بلى" [العراف ]172 :ولو قالوا نعم لكفروا.
@قوله تعالى" :سهيئة" السهيئة الشرك .قال ابهن جريهج قلت لعطاء" :مهن كسهب سهيئة"؟ قال:
الشرك ،وتل "ومهههن جاء بالسهههيئة فكبهههت وجوهههههم فهههي النار" .وكذا قال الحسهههن وقتادة ،قال:
والخطيئة الكبيرة.
لما قال تعالى" :بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته" دل على أن المعلق على شرطين ل يتم
بأقلهمهها ،ومثله قوله تعالى" :إن الذيههن قالوا ربنهها ال ثههم اسههتقاموا" [فصههلت ،]30 :وقوله عليههه
السهلم لسهفيان بهن عبدال الثقفهي وقهد قال له :يها رسهول ال ،قهل لي فهي السهلم قول ل أسهأل عنهه
أحدا بعدك .قال( :قههل آمنههت بال ثههم اسههتقم) .رواه مسههلم .وقههد مضههى القول فههي هذا المعنههى ومهها
للعلماء فيههه عنههد قوله تعالى لدم وحواء" :ول تقربهها هذه الشجرة فتكونهها مههن الظالميههن" [البقرة:
.]35وقرأ نافهع "خطيئاتهه" بالجمهع ،الباقون بالفراد ،والمعنهى الكثرة ،مثهل قوله تعالى" :وإن
تعدوا نعمة ال ل تحصوها".
* *3الية{ 82 :والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}
@ فسرت هذه الية في موضع قبل هذا.
* *3الية{ 83 :وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ل تعبدون إل ال وبالوالدين إحسانا وذي القربى
واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة ثم توليتم إل قليل منكم وأنتم
معرضون}
@قوله تعالى" :وإذ أخذنها ميثاق بنهي إسهرائيل" تقدم الكلم فهي بيان هذه اللفاظ .واختلف فهي
الميثاق هنا ،فقال مكي :هو الميثاق الذي أخذ عليهم حين أخرجوا من صلب آدم كالذر .وقيل :هو
ميثاق أخذ عليهم وهم عقلء في حياتهم على ألسنة أنبيائهم.
@قوله تعالى" :ل تعبدون إل ال" وعبادة ال إثبات توحيده ،وتصديق رسله ،والعمل بما أنزل
فههي كتبههه" .ل تعبدون" قال سههيبويه" :ل تعبدون" متعلق بقسههم ،والمعنههى وإذ اسههتخلفناهم وال ل
تعبدون ،وأجازه المهبرد والكسهائي والفراء .وقرأ أبهي وابهن مسهعود "ل تعبدوا" على النههي ،ولهذا
وصهل الكلم بالمهر فقال" :وقوموا ،وقولوا ،وأقيموا ،وآتوا" .وقيهل :ههو فهي موضهع الحال ،أي
أخذنها ميثاقههم موحديهن ،أو غيهر معانديهن ،قاله قطرب والمهبرد أيضها .وهذا إنمها يتجهه على قراءة
ابهن كثيهر وحمزة والكسهائي "يعبدون" بالياء مهن أسهفل .وقال الفراء والزجاج وجماعهة :المعنهى
أخذنها ميثاقههم بأل يعبدوا إل ال ،وبأن يحسهنوا للوالديهن ،وبأل يسهفكوا الدماء ،ثهم حذفهت أن والباء
فارتفهع الفعهل لزوالهمها ،كقوله تعالى" :أفغيهر ال تأمرونهي" .قال المهبرد :هذا خطهأ ،لن كهل مها
أضمر في العربية فهو يعمل عمله مظهرا ،تقول :وبلد قطعت ،أي رب بلد.
قلت :ليس هذا بخطأ ،بل هما وجهان صحيحان وعليهما أنشد سيبويه:
وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي أل أيها ذا الزاجري أحْضر الوغى
بالنصب والرفع ،فالنصب على إضمار أن ،والرفع على حذفها.
@قوله تعالى" :وبالوالديهن إحسهانا" أي وأمرناههم بالوالديهن إحسهانا .وقرن ال عهز وجهل فهي هذه
اليهة حهق الوالديهن بالتوحيهد ،لن النشأة الولى مهن عنهد ال ،والنشهء الثانهي -وههو التربيهة -مهن
جهة الوالدين ،ولهذا قرن تعالى الشكر لهما بشكره فقال" :أن اشكر لي ولوالديك" [لقمان.]14 :
والحسههان إلى الوالديههن :معاشرتهمهها بالمعروف ،والتواضههع لهمهها ،وامتثال أمرهمهها ،والدعاء
بالمغفرة بعهد مماتهمها ،وصهلة أههل ودهمها ،على مها يأتهي بيانهه مفصهل فهي "السهراء" إن شاء ال
تعالى.
@قوله تعالى" :وذي القربهى" عطهف ذي القربهى على الوالديهن .والقربهى :بمعنهى القرابهة ،وههو
مصدر كالرجعى والعقبى ،أي وأمرناهم بالحسان إلى القرابات بصلة أرحامهم .وسيأتي بيان هذا
مفصل في سورة "القتال" إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :واليتامى" اليتامى عطف أيضا ،وهو جمع يتيم ،مثل ندمى جمع نديم .واليتم في
بني آدم بفقد الب ،وفي البهائم بفقد الم .وحكى الماوردي أن اليتيم يقال في بني آدم في فقد الم،
والول المعروف .وأصله النفراد ،يقال :صبي يتيم ،أي منفرد من أبيه .وبيت يتيم :أي ليس قبله
ول بعده شيء من الشعر .ودرة يتيمة :ليس لها نظير .وقيل :أصله البطاء ،فسمي به اليتيم ،لن
البر يبطئ عنه .ويقال :يتم ييتم يتما ،مثل عظم يعظم .ويتم ييتم يتْما ويتَما ،مثل سمع يسمع ،ذكر
الوجهين الفراء .وقد أيتمه ال .ويدل هذا على الرأفة باليتيم والحض على كفالته وحفظ ماله ،على
ما يأتي بيانه في "النساء" .وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو
كهاتين في الجنة) .وأشار مالك بالسبابة والوسطى ،رواه أبو هريرة وأخرجه مسلم .وخرج المام
الحافظ أبو محمد عبدالغني بن سعيد من حديث الحسن بن دينار أبي سعيد البصري وهو الحسن
بن واصل قال حدثنا السود بن عبدالرحمن عن هِصّان عن أبي موسى الشعري عن النبي صلى
ال عليهه وسهلم قال( :مها قعهد يتيهم مهع قوم على قصهعتهم فيقرب قصهعتهم الشيطان) .وخرج أيضها
من حديث حسين بن قيس وهو أبو علي الرحبي عن عكرمة عن ابن عباس قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وسلم( :من ضم يتيما من بين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه ال عز وجل
غفرت له ذنوبه البتة إل أن يعمل عمل ل يغفر ومن أذهب ال كريمتيه فصبر واحتسب غفرت له
ذنوبههه -قالوا :ومهها كريمتاه؟ قال - :عيناه ومههن كان له ثلث بنات أو ثلث أخوات فأنفههق عليهههن
وأحسن إليهن حتى يبن أو يمتن غفرت له ذنوبه البتة إل أن يعمل عمل ل يغفر) فناداه رجل من
العراب ممهن هاجهر فقال :يها رسهول ال أو اثنتيهن؟ فقال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :أو
اثنتين) .فكان ابن عباس إذا حدث بهذا الحديث قال :هذا وال من غرائب الحديث وغرره.
@السهبابة مهن الصهابع ههي التهي تلي البهام ،وكانهت فهي الجاهليهة تدعهى بالسهبابة ،لنههم كانوا
يسبون بها ،فلما جاء ال بالسلم كرهوا هذا السم فسموها المشيرة ،لنهم كانوا يشيرون بها إلى
ال في التوحيد .وتسمى أيضا بالسباحة ،جاء تسميتها بذلك في حديث وائل بن حجر وغيره ،ولكن
اللغهة سهارت بمها كانهت تعرفهه فهي الجاهليهة فغلبهت .وروي عهن أصهابع رسهول ال صهلى ال عليهه
وسهلم أن المشيرة منهها كانهت أطول من الوسطى ،ثم الوسهطى أقصر منهها ،ثم البنصهر أقصهر مهن
الوسهطى .روى يزيهد بهن هارون قال :أخبرنها عبدال بهن مقسهم الطائفهي قال حدثتنهي عمتهي سهارة
بنت مقسم أنها سمعت ميمونة بنت كردم قالت :خرجت في حجة حجها رسول ال صلى ال عليه
وسهلم فرأيهت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم على راحلتهه وسهأله أبهي عهن أشياء ،فلقهد رأيتنهي
أتعجب وأنا جارية من طول أصبعه التي تلي البهام على سائر أصابعه .فقوله عليه السلم( :أنا
وهو كهاتيهن فهي الجنة) ،وقوله فهي الحديهث الخهر( :أحشهر أنها وأبهو بكهر وعمهر يوم القيامهة هكذا)
وأشار بأصهابعه الثلث ،فإنمها أراد ذكهر المنازل والشراف على الخلق فقال :نحشهر هكذا ونحهن
مشرفون وكذا كافهل اليتيهم تكون منزلتهه رفيعهة .فمهن لم يعرف شأن أصهابع رسهول ال صهلى ال
عليهه وسهلم صهلى حمهل تأويهل الحديهث على النضمام والقتراب بعضههم مهن بعهض فهي محهل
القربهة .وهذا معنهى بعيهد ،لن منازل الرسهل والنهبيين والصهديقين والشهداء والصهالحين مراتهب
متباينة ،ومنازل مختلفة.
@قوله تعالى" :والمساكين" "المساكين" عطف أيضا أي وأمرناهم بالحسان إلى المساكين ،وهم
الذيههن أسههكنتهم الحاجههة وأذلتهههم .وهذا يتضمههن الحههض على الصههدقة والمؤاسههاة وتفقههد أحوال
المسهاكين والضعفاء .روى مسهلم عهن أبهي هريرة عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال( :السهاعي
على الرملة والمسههكين كالمجاهههد فههي سههبيل ال -وأحسههبه قال -وكالقائم ل يفتههر وكالصههائم ل
يفطر) .قال ابن المنذر :وكان طاوس يرى السعي على الخوات أفضل من الجهاد في سبيل ال.
@قوله تعالى" :وقولوا للناس حسهنا" "حسهنا" نصهب على المصهدر على المعنهى ،لن المعنهى
ليحسن قولكم .وقيل :التقدير وقولوا للناس قول ذا حسن ،فهو مصدر ل على المعنى .وقرأ حمزة
والكسائي "حسنا" بفتح الحاء والسين .قال الخفش :هما بمعنى واحد ،مثل البُخل والبَخل ،والرشد
والرشههد .وحكههى الخفههش" :حسههنى" بغيههر تنويههن على فعلى .قال النحاس" :وهذا ل يجوز فههي
العربيههة ،ل يقال مههن هذا شيههء إل باللف واللم ،نحههو الفضلى والكههبرى والحسههنى ،هذا قول
سيبويه وقرأ عيسى بن عمر "حسنا" بضمتين ،مثل "الحلم" .قال ابن عباس :المعنى قولوا لهم ل
إله إل ال ومروههم بهها .ابهن جريهج :قولوا للناس صهدقا فهي أمهر محمهد صهلى ال عليهه وسهلم ول
تغيروا نعته .سفيان الثوري :مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر .أبو العالية :قولوا لهم الطيب
مههن القول ،وجازوهههم بأحسههن مهها تحبون أن تجازوا بههه .وهذا كله حههض على مكارم الخلق،
فينبغي للنسان أن يكون قوله للناس لينا ووجهه منبسطا طلقا مع البر والفاجر ،والسني والمبتدع،
من غير مداهنة ،ومن غير أن يتكلم معه بكلم يظن أنه يرضي مذهبه ،لن ال تعالى قال لموسى
وهارون" :فقول له قول لينا" [طه .]44 :فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون ،والفاجر ليس
بأخبث من فرعون ،وقد أمرهما ال تعالى باللين معه .وقال طلحة بن عمر :قلت لعطاء إنك رجل
يجتمهع عندك ناس ذوو أهواء مختلفهة ،وأنها رجهل فهي حدة فأقول لههم بعهض القول الغليهظ ،فقال :ل
تفعههل! يقول ال تعالى" :وقولوا للناس حسههنا" .فدخههل فههي هذه اليههة اليهود والنصههارى فكيههف
بالحنيفي؟؟ .وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال لعائشة( :ل تكوني فحاشة فإن الفحش
لو كان رجل لكان رجههل سههوء) .وقيههل :أراد بالناس محمدا صههلى ال عليههه وسههلم ،كقوله" :أم
يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله" [النساء .]54 :فكأنه قال :قولوا للنبي صلى ال عليه
وسلم حسنا .وحكى المهدوي عن قتادة أن قوله" :وقولوا للناس حسنا" منسوخ بآية السيف .وحكاه
أبهو نصهر عبدالرحيهم عهن ابهن عباس .قال ابهن عباس :نزلت هذه اليهة فهي البتداء ثهم نسهختها آيهة
السهيف .قال ابهن عطيهة :وهذا يدل على أن هذه المهة خوطبهت بمثهل هذا اللفهظ فهي صهدر السهلم،
وأما الخبر عن بني إسرائيل وما أمروا به فل نسخ فيه ،وال اعلم.
@قوله تعالى" :وأقيموا الصهلة وآتوا الزكاة" تقدم القول فيهه .والخطاب لبنهي إسهرائيل .قال ابهن
عطيهة :وزكاتههم ههي التهي كانوا يضعونهها فتنزل النار على مها يتقبهل ،ول تنزل على مها لم يتقبهل،
ولم تكن كزكاة أمة محمد صلى ال عليه وسلم.
قلت :وهذا يحتاج إلى نقهل ،كمها ثبهت ذلك فهي الغنائم .وقهد روي عهن ابهن عباس أنهه قال :الزكاة
التي أمروا بها طاعة ال والخلص.
@قوله تعالى" :ثهم توليتهم" الخطاب لمعاصهري محمهد صهلى ال عليهه وسهلم ،وأسهند إليههم تولي
أسهلفهم إذ ههم كلههم بتلك السهبيل فهي إعراضههم عهن الحهق مثلههم ،كمها قال" :شنشنهة أعرفهها مهن
أخزم"" .إل قليل منكهم" كعبدال بهن سهلم وأصهحابه .و"قليل" نصهب على السهتثناء ،والمسهتثنى
عند سيبويه منصوب ،لنه مشبه بالمفعول .وقال محمد بن يزيد :هو مفعول على الحقيقة ،المعنى
اسهتثنيت قليل" .وأنتهم معرضون" ابتداء وخهبر .والعراض والتولي بمعنهى واحهد ،مخالف بينهمها
فهي اللفهظ .وقيهل :التولي فيهه بالجسهم ،والعراض بالقلب .قال المهدوي" :وأنتهم معرضون" حال،
لن التولي فيه دللة على العراض.
* *3اليهة{ 84 :وإذ أخذنها ميثاقكهم ل تسهفكون دماءكهم ول تخرجون أنفسهكم مهن دياركهم ثهم
أقررتم وأنتم تشهدون}
@قوله تعالى" :وإذ أخذنها ميثاقكهم" تقدم القول فيهه" .ل تسهفكون دماءكهم" المراد بنهو إسهرائيل،
ودخههل فيههه بالمعنههى مههن بعدهههم" .ل تسههفكون دماءكههم" مثههل "ل تعبدون" [البقرة ]83 :فههي
العراب .وقرأ طلحههة بههن مصههرف وشعيههب بههن أبههي حمزة بضههم الفاء ،وهههي لغههة ،وأبههو نهيههك
"تسفكون" بضم التاء وتشديد الفاء وفتح السين .والسفك :الصب.
@فإن قيل :وهل يسفك أحد دمه ويخرج نفسه من داره؟ قيل له :لما كانت ملتهم واحدة وأمرهم
واحهد وكانوا فهي المهم كالشخهص الواحهد جعهل قتهل بعضههم بعضها وإخراج بعضههم بعضها قتل
لنفسهم ونفيا لها .وقيل :المراد القصاص ،أي ل يقتل أحد فيقتل قصاصا ،فكأنه سفك دمه .وكذلك
ل يزنههي ول يرتههد ،فإن ذلك يبيههح الدم .ول يفسههد فينفههى ،فيكون قههد أخرج نفسههه مههن دياره .وهذا
تأويل فيه بعد وإن كان صحيح المعنى.
وإنمها كان المهر أن ال تعالى قهد أخهذ على بنهي إسههرائيل فههي التوراة ميثاقهها أل يقتههل بعضهههم
بعضا ،ول ينفيه ول يسترقه ،ول يدعه يسرق ،إلى غير ذلك من الطاعات.
قلت :وهذا كله محرم علينهها ،وقههد وقههع ذلك كله بالفتههن فينهها ،فإنهها ل وإنهها إليههه راجعون! وفههي
التنزيهل" :أو يلبسهكم شيعها ويذيهق بعضكهم بأس بعهض" [النعام ]65 :وسهيأتي .قال ابهن خويهز
منداد :وقهد يجوز أن يراد بهه الظاههر ،ل يقتهل النسهان نفسهه ،ول يخرج مهن داره سهفها ،كمها تقتهل
الهند أنفسها .أو يقتل النسان نفسه من جهد وبلء يصيبه ،أو يهيم في الصحراء ول يأوي البيوت
جهل في ديانته وسفها في حلمه ،فهو عموم في جميع ذلك .وقد روي أن عثمان بن مظعون بايع
في عشرة من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فعزموا أن يلبسوا المسوح ،وأن يهيموا في
الصههحراء ول يأووا البيوت ،ول يأكلوا اللحههم ول يغشوا النسههاء ،فبلغ ذلك النههبي صههلى ال عليههه
وسهلم فجاء إلى دار عثمان بهن مظعون فلم يجده ،فقال لمرأتهه( :مها حديهث بلغنهي عهن عثمان)؟
وكرهت أن تفشي سر زوجها ،وأن تكذب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقالت :يا رسول ال،
إن كان قهد بلغهك شيهء فههو كمها بلغهك ،فقال( :قولي لعثمان أخلف لسهنتي أم على غيهر ملتهي ،إنهي
أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأغشى النساء وآوي البيوت وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس
مني) فرجع عثمان وأصحابه عما كانوا عليه.
@قوله تعالى" :ول تخرجون" معطوف .قوله تعالى" :أنفسكم" النفس مأخوذة من النفاسة ،فنفس
النسههان أشرف مهها فيههه .قوله تعالى" :مههن دياركههم" والدار :المنزل الذي فيههه أبنيههة المقام بخلف
منزل الرتحال .وقال الخليههل :كههل موضههع حله قوم فهههو دار لهههم وإن لم تكههن فيههه أبنيههة .وقيههل:
سميت دارا لدورها على سكانها ،كما سمي الحائط حائطا لحاطته على ما يحويه.
@قوله تعالى" :ثهم أقررتهم" مهن القرار ،أي بهذا الميثاق الذي أخهذ عليكهم وعلى أوائلكهم .قوله
تعالى" :وأنتم تشهدون" من الشهادة ،أي شهداء بقلوبكم على هذا وقيل :الشهادة بمعنى الحضور،
أي تحضرون سفك دمائكم ،وإخراج أنفسكم من دياركم.
* *3الية{ 85 :ثم أنتم هؤلء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم
بالثهم والعدوان وإن يأتوكهم أسهارى تفادوههم وههو محرم عليكهم إخراجههم أفتؤمنون ببعهض الكتاب
وتكفرون ببعهض فمها جزاء مهن يفعهل ذلك منكهم إل خزي فهي الحياة الدنيها ويوم القيامهة يردون إلى
أشد العذاب وما ال بغافل عما تعملون}
**4قوله تعالى {ثم أنتم هؤلء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم
بالثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم}.. .
@قوله تعالى" :ثهم أنتهم هؤلء" "أنتهم" فهي موضهع رفهع بالبتداء ،ول يعرب ،لنهه مضمهر.
وضمهت التاء مهن "أنتهم" لنهها كانهت مفتوحهة إذا خاطبهت واحدا مذكرا ،ومكسهورة إذا خاطبهت
واحدة مؤنثهة ،فلما ثنيت أو جمعهت لم يبهق إل الضمة .قوله تعالى" :هؤلء" قال القتبي :التقدير يا
هؤلء .قال النحاس :هذا خطأ على قول سيبويه ،ول يجوز هذا أقبل .وقال الزجاج :هؤلء بمعنى
الذين .قوله تعالى" :تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم" داخل في الصلة ،أي ثم أنتم
الذين تقتلون .وقيل" :هؤلء" رفع بالبتداء ،و"أنتم" خبر مقدم ،و"تقتلون" حال من أولء .وقيل:
"هؤلء" نصهب بإضمار أعنهي .وقرأ الزهري "تقتلون" بضهم التاء مشددا ،وكذلك "فلم تقتلون
أنهبياء ال" [البقرة .]91 :وهذه اليهة خطاب للمواجهيهن ل يحتمهل رده إلى السهلف .نزلت فهي
بنهي قينقاع وقريظهة والنضيهر مهن اليهود ،وكانهت بنهو قينقاع أعداء قريظهة ،وكانهت الوس حلفاء
بنهي قينقاع ،والخزرج حلفاء بنهي قريظهة .والنضيهر والوس والخزرج إخوان ،وقريظهة والنضيهر
أيضا إخوان ،ثم افترقوا فكانوا يقتتلون ،ثم يرتفع الحرب فيفدون أساراهم ،فعيرهم ال بذلك فقال:
"وإن يأتوكم أسارى تفادوهم".
@قوله تعالى" :تظاهرون" معنهى "تظاهرون" تتعاونون ،مشتهق من الظههر ،لن بعضههم يقوي
بعضا فيكون له كالظهر ،ومنه قول الشاعر:
على واحد ل زلتم قرن واحد تظاهرتم أستاه بيت تجمعت
وقرأ أهل المدينة وأهل مكة "تظاهرون" بالتشديد ،يدغمون التاء في الظاء لقربها منها ،والصل
تتظاهرون .وقرأ الكوفيون "تظاهرون" مخففا ،حذفوا التاء الثانية لدللة الولى عليها ،وكذا "وإن
تظاهرا عليه" [التحريم .]4 :وقرأ قتادة "تظهرون عليهم" وكله راجع إلى معنى التعاون ،ومنه:
"وكان الكافر على ربه ظهيرا" [الفرقان ]55 :وقوله" :والملئكة بعد ذلك ظهير" [التحريم]4 :
فاعلمهه" .بالثهم والعدوان" والثهم :الفعهل الذي يسهتحق عليهه صهاحبه الذم .والعدوان :الفراط فهي
الظلم والتجاوز فيه.
@قوله تعالى" :وإن يأتوكهم أسهارى" شرط وجوابهه" :تفادوههم" و"أسهارى" نصهب على الحال.
قال أبهو عبيهد وكان أبهو عمرو يقول :مها صهار فهي أيديههم فههم السهارى ،ومها جاء مسهتأسرا فههم
السهرى .ول يعرف أههل اللغهة مها قال أبهو عمرو ،إنمها ههو كمها تقول :سهكارى وسهكرى .وقراءة
الجماعة "أسارى" ما عدا حمزة فإنه قرأ "أسرى" على فعلى ،جمع أسير بمعنى مأسور ،والباب
-في تكسيره إذا كان كذلك -فعلى ،كما تقول :قتيل وقتلى ،وجريح وجرحى .قال أبو حاتم :ول
يجوز أسهارى .وقال الزجاج :يقال أسهارى كمها يقال سهكارى ،وفعالى ههو الصهل ،وفعالى داخلة
عليها .وحكي عن محمد بن يزيد قال :يقال أسير وأسراء ،كظريف وظرفاء .قال ابن فارس :يقال
في جمع أسير أسرى وأسارى ،وقرئ بهما .وقيل :أسارى (بفتح الهمزة) وليست بالعالية.
السير مشتق من السار ،وهو القد الذي يشد به المحمل فسمي أسيرا ،لنه يشد وثاقه ،والعرب
تقول :قد أسر قتبه ،أي شده ،ثم سمي كل أخيذ أسيرا وإن لم يؤسر ،وقال العشى:
كما قيد السرات الحمارا وقيدني الشعر في بيته
أي أنها فهي بيتهه ،يريهد ذلك بلوغهه النهايهة فيهه .فأمها السهر فهي قوله عهز وجهل" :وشددنها أسهرهم"
[النسان ]28 :فهو الخلق .وأسرة الرجل رهطه ،لنه يتقوى بهم.
@قوله تعالى" :تفادوهم" كذا قرأ نافع وحمزة والكسائي .والباقون "تفدوهم" من الفداء .والفداء:
طلب الفديهة فهي السهير الذي فهي أيديههم .قال الجوهري" :الفداء إذا كسهر أوله يمهد ويقصهر ،وإذا
فتهح فههو مقصهور ،يقال :قهم فدى لك أبهي .ومهن العرب مهن يكسهر "فداء" بالتنويهن إذا جاور لم
الجر خاصة ،فيقول :فداء لك ،لنه نكرة يريدون به معنى الدعاء .وأنشد الصمعي للنابغة:
وما أثمر من مال ومن ولد مهل فداء لك القوام كلهم
ويقال :فداه وفاداه إذا أعطههى فداءه فأنقذه .وفداه بنفسههه ،وفداه يفديههه إذا قال جعلت فداك .وتفادوا،
أي فدى بعضههم بعضها" .والفديهة والفدى والفداء كله بمعنهى واحهد .وفاديهت نفسهي إذا أطلقتهها بعهد
أن دفعت شيئا ،بمعنى فديت ،ومنه قول العباس للنبي صلى ال عليه وسلم :فاديت نفسي وفاديت
عقيل .وهمهها فعلن يتعديان إلى مفعوليههن الثانههي منهمهها بحرف الجههر ،تقول :فديههت نفسههي بمالي
وفاديته بمالي ،قال الشاعر:
وقومك ما أرى لهم اجتماعا قفي فادي أسيرك إن قومي
@قوله تعالى" :وههو محرم عليكهم إخراجههم" "ههو" مبتدأ وههو كنايهة عهن الخراج ،و"محرم"
خبره ،و"إخراجهم" بدل من "هو" وإن شئت كان كناية عن الحديث والقصة ،والجملة التي بعده
خبره ،أي والمر محرم عليكم إخراجهم .فه "إخراجهم "مبتدأ ثان .و"محرم" خبره ،والجملة خبر
عهن "ههو" ،وفهي "محرم" ضميهر مها لم يسهم فاعله يعود على الخراج .ويجوز أن يكون "محرم"
مبتدأ ،و"إخراجههم" مفعول مها لم يسهم فاعله يسهد مسهد خهبر "محرم" ،والجملة خهبر عهن "ههو".
وزعهم الفراء أن "ههو" عماد ،وهذا عنهد البصهريين خطهأ ل معنهى له ،لن العماد ل يكون فهي أول
الكلم .ويقرأ "وهو" بسكون الهاء لثقل الضمة ،كما قال الشاعر:
ماله ل عد من نفره فهْو ل تنمي رميته
وكذلك إن جئت باللم وثم ،وقد تقدم.
**4قوله تعالى { ...أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إل
خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما ال بغافل عما تعملون}
@قوله تعالى" :أفتؤمنون ببعهض الكتاب وتكفرون ببعهض" قال علماؤنها :كان ال تعالى قهد أخهذ
عليهم أربعة عهود :ترك القتل ،وترك الخراج ،وترك المظاهرة ،وفداء أساراهم ،فأعرضوا عن
كههل مهها أمروا بههه إل الفداء ،فوبخهههم ال على ذلك توبيخهها يتلى فقال" :أفتؤمنون ببعههض الكتاب"
[البقرة ]85 :وهو التوراة "وتكفرون ببعض" [البقرة!! ]85 :
قلت :ولعمههر ال لقههد أعرضنهها نحههن عههن الجميههع بالفتههن فتظاهههر بعضنهها على بعههض! ليههت
بالمسهلمين ،بهل بالكافريهن! حتهى تركنها إخواننها أذلء صهاغرين يجري عليههم حكهم المشركيهن ،فل
حول ول قوة إل بال العلي العظيم!.
قال علماؤنها :فداء السهارى واجهب وإن لم يبهق درههم واحهد .قال ابهن خويهز منداد :تضمنهت اليهة
وجوب فهك السهرى ،وبذلك وردت الثار عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أنهه فهك السهارى وأمهر
بفكهم ،وجرى بذلك عمل المسلمين وانعقد به الجماع .ويجب فك السارى من بيت المال ،فإن لم
يكن فهو فرض على كافة المسلمين ،ومن قام به منهم أسقط الفرض عن الباقين .وسيأتي.
@قوله تعالى" :فما جزاء مهن يفعهل ذلك منكهم إل خزي فهي الحياة الدنيها" ابتداء وخبر .والخزي
الهوان .قال الجوهري :وخزي -بالكسهر -يخزى خزيها إذا ذل وهان .قال ابهن السهكيت :وقهع فهي
بلية .وأخزاه ال ،وخزي أيضا يخزى خزاية إذا استحيا ،فهو خزيان .وقوم خزايا وامرأة خزيا.
@قوله تعالى" :ويوم القيامة يردون" "يردون" بالياء قراءة العامة ،وقرأ الحسن "تردون" بالتاء
على الخطاب" .إلى أشد العذاب وما ال بغافل عما تعملون" تقدم القول فيه ،وكذلك" :أولئك الذين
اشتروا" الية فل معنى للعادة" .يوم" منصوب به "يردون".
* *3اليههة {86أولئك الذيههن اشتروا الحياة الدنيهها بالخرة فل يخفههف عنهههم العذاب ول هههم
ينصرون}
* *3الية{ 87 :ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات
وأيدناه بروح القدس أفكلمهها جاءكههم رسههول بمهها ل تهوى أنفسههكم اسههتكبرتم ففريقهها كذبتههم وفريقهها
تقتلون}
@قوله تعالى" :ولقد آتينا موسى الكتاب" يعني التوراة .قوله تعالى" :وقفينا من بعده بالرسل" أي
اتبعنا والتقفية :التباع والرداف ،مأخوذ من اتباع القفا وهو مؤخر العنق .تقول استقفيته إذا جئت
مهن خلفهه ،ومنهه سهميت قافيهة الشعهر ،لنهها تتلو سهائر الكلم .والقافيهة :القفها ،ومنهه الحديهث( :يعقهد
الشيطان على قافيهة رأس أحدكهم) .والقفهي والقفاوة :مها يدخهر مهن اللبهن وغيره لمهن تريهد إكرامهه.
وقفوت الرجل :قذفته بفجور .وفلن قفوتي أي تهمتي .وقفوتي أي خيرتي .قال ابن دريد كأنه من
الضداد .قال العلماء :وهذه اليههة مثههل قوله تعالى" :ثههم أرسههلنا رسههلنا تترى" [المؤمنون.]44 :
وكهل رسهول جاء بعهد موسهى فإنمها جاء بإثبات التوراة والمهر بلزومهها إلى عيسهى عليهه السهلم.
ويقال :رسهل ورسهل لغتان ،الولى لغهة الحجاز ،والثانيهة لغهة تميهم ،وسهواء كان مضافها أو غيهر
مضاف .وكان أبو عمرو يخفف إذا أضاف إلى حرفين ،ويثقل إذا أضاف إلى حرف واحد.
@قوله تعالى" :وآتينا عيسى ابن مريم البينات" أي الحجج والدللت ،وهي التي ذكرها ال في
"آل عمران" و"المائدة" ،قاله ابهن عباس .قوله تعالى" :وأيدناه" أي قويناه .وقرأ مجاههد وابهن
محيصهن "آيدناه" بالمهد ،وهمها لغتان .قوله تعالى" :بروح القدس" روى أبو مالك وأبهو صهالح عهن
ابن عباس ومعمر عن قتادة قال :جبريل عليه السلم .وقال حسان:
وروح القدس ليس به خفاء وجبريل رسول ال فينا
قال النحاس :وسهمي جبريهل روحها وأضيهف إلى القدس ،لنهه كان بتكويهن ال عهز وجهل له روحها
من غير ولدة والد ولده ،وكذلك سمي عيسى روحا لهذا .وروى غالب بن عبدال عن مجاهد قال:
القدس ههو ال عهز وجهل .وكذا قال الحسهن :القدس ههو ال ،وروحهه جبريهل .وروى أبهو روق عهن
الضحاك عن ابن عباس" :بروح القدس" قال :هو السم الذي كان يحيي به عيسى الموتى ،وقاله
سهعيد بهن جهبير وعبيهد بهن عميهر ،وههو اسهم ال العظهم .وقيهل :المراد النجيهل ،سهماه روحها كمها
سهمى ال القرآن روحها فهي قوله تعالى" :وكذلك أوحينها إليهك روحها مهن أمرنها" [الشورى.]52 :
والول أظهر ،وال تعالى اعلم .والقدس :الطهارة .وقد تقدم.
@قوله تعالى" :أفكلمها جاءكهم رسهول بمها ل تهوى أنفسهكم" أي بمها ل يوافقهها ويلئمهها ،وحذفهت
الهاء لطول السم ،أي بما ل تهواه.
@قوله تعالى" :اسهتكبرتم" عهن إجابتهه احتقارا للرسهل ،واسهتبعادا للرسهالة .وأصهل الهوى الميهل
إلى الشيهء ،ويجمهع أهواء ،كمها جاء فهي التنزيهل ،ول يجمهع أهويهة ،على أنههم قهد قالوا فهي ندى
أندية ،قال الشاعر:
ل يبصر الكلب في ظلمائها الطنبا في ليلة من جمادى ذات أندية
قال الجوهري :وهههو شاذ وسههمي الهوى لنههه يهوي بصههاحبه إلى النار ،ولذلك ل يسههتعمل فههي
الغالب إل فيما ليس بحق وفيما ل خير فيه ،وهذه الية من ذلك .وقد يستعمل في الحق ،ومنه قول
عمهر رضهي ال عنهه فهي أسهارى بدر :فهوي رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم مها قال أبهو بكهر ولم
يههو مها قلت .وقالت عائشهة للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي صهحيح الحديهث :وال مها أرى ربهك إل
يسارع في هواك .أخرجهما مسلم.
@قوله تعالى" :ففريقها كذبتهم" "ففريقها" منصهوب بهه "كذبتهم" ،وكذا "وفريقها تقتلون" فكان ممهن
كذبوه عيسى ومحمد عليهما السلم ،وممن قتلوه يحيى وزكريا عليهما السلم ،على ما يأتي بيانه
في "سبحان" [السراء] إن شاء ال تعالى.
* *3الية{ 88 :وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم ال بكفرهم فقليل ما يؤمنون}
@قوله تعالى" :وقالوا" يعنهي اليهود .قوله تعالى" :قلوبنها غلف" بسهكون اللم جمهع أغلف ،أي
عليها أغطية .وهو مثل قوله" :قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه" [فصلت ]5 :أي في أوعية .قال
مجاههد" :غلف" عليهها غشاوة .وقال عكرمهة :عليهها طابهع .وحكهى أههل اللغهة غلفهت السهيف جعلت
له غلفها ،فقلب أغلف ،أي مسهتور عهن الفههم والتمييهز .وقرأ ابهن عباس والعرج وابهن محيصهن
"غلف" بضم اللم .قال ابن عباس :أي قلوبنا ممتلئة علما ل تحتاج إلى علم محمد صلى ال عليه
وسلم ول غيره .وقيل :هو جميع غلف .مثل خمار وخمر ،أي قلوبنا أوعية للعلو فما بالها ل تفهم
عنك وقد وعينا علما كثيرا! وقيل :المعنى فكيف يعزب عنها علم محمد صلى ال عليه وسلم.
@قوله تعالى" :بهل لعنههم ال بكفرههم فقليل مها يؤمنون" بيهن أن السهبب فهي نفورههم عهن اليمان
إنما هو أنهم لعنوا بما تقدم من كفرهم واجترائهم ،وهذا هو الجزاء على الذنب بأعظم منه .وأصل
اللعن في كلم العرب الطرد والبعاد .ويقال للذئب :لعين .وللرجل الطريد :لعين ،وقال الشماخ:
مقام الذئب كالرجل اللعين ذعرت به القطا ونفيت عنه
ووجههه الكلم :مقام الذئب اللعيههن كالرجههل ،فالمعنههى أبعدهههم ال مههن رحمتههه .وقيههل :مههن توفيقههه
وهدايتهه .وقيهل :مهن كهل خيهر ،وهذا عام" .فقليل" نعهت لمصهدر محذوف ،تقديره فإيمانها قليل مها
يؤمنون .وقال معمهر :المعنهى ل يؤمنون إل بقليهل ممها فهي أيديهم ويكفرون بأكثره ،ويكون "قليل"
منصههوب بنزع حرف الصههفة .و"مهها" صههلة ،أي فقليل يؤمنون .وقال الواقدي :معناه ل يؤمنون
قليل ول كثيرا ،كمهها تقول :مهها أقههل مهها يفعههل كذا ،أي ل يفعله البتههة .وقال الكسههائي :تقول العرب
مررنا بأرض قل ما تنبت الكراث والبصل ،أي ل تنبت شيئا.
* *3الية{ 89 :ولما جاءهم كتاب من عند ال مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على
الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة ال على الكافرين}
@قوله تعالى" :ولمها جاءههم" يعنهي اليهود .قوله تعالى" :كتاب مهن عنهد ال" يعنهي القرآن .قوله
تعالى" :مصدق" نعت لكتاب ،ويجوز في غير القرآن نصبه على الحال ،وكذلك هو في مصحف
أبي بالنصب فيما روي .قوله تعالى" :لما معهم" يعني التوراة والنجيل يخبرهم بما فيهما.
@قوله تعالى" :وكانوا مههن قبههل يسههتفتحون على الذيههن كفروا" أي يسههتنصرون .والسههتفتاح
السههتنصار .اسههتفتحت :اسههتنصرت .وفههي الحديههث :كان النههبي صههلى ال عليههه وسههلم يسههتفتح
بصعاليك المهاجرين ،أي يستنصر بدعائهم وصلتهم .ومنه "فعسى ال أن يأتي بالفتح أو أمر من
عنده" [المائدة .]52 :والنصهر :فتهح شيهء مغلق ،فههو يرجهع إلى قولههم فتحهت الباب .وروى
النسهائي عهن أبهي سهعيد الخدري أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال( :إنمها نصهر ال هذه المهة
بضعفائهها بدعوتههم وصهلتهم وإخلصههم) .وروى النسهائي أيضها عهن أبهي الدرداء قال :سهمعت
رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم يقول( :أبغونههي الضعيههف فإنكههم إنمهها ترزقون وتنصههرون
بضعفائكهم" .قال ابهن عباس :كانهت يهود خيهبر تقاتهل غطفان فلمها التقوا هزمهت يهود ،فعادت يهود
بهذا الدعاء وقالوا :إنها نسهألك بحهق النهبي المهي الذي وعدتنها أن تخرجهه لنها فهي آخهر الزمان إل
تنصهرنا عليههم .قال :فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان ،فلمها بعهث النهبي صهلى ال
عليههه وسههلم كفروا ،فأنزل ال تعالى" :وكانوا مههن قبههل يسههتفتحون على الذيههن كفروا" أي بههك يهها
محمد ،إلى قوله" :فلعنة ال على الكافرين".
@قوله تعالى" :فلمها جاءههم مها عرفوا كفروا بهه فلعنهة ال على الكافريهن" "ولمها جاءههم" جواب
"لمها" الفاء ومها بعدهها فهي قوله "فلمها جاءههم مها عرفوا" فهي قول الفراء ،وجواب "لمها" الثانيهة
"كفروا" .وقال الخفهش سهعيد :جواب "لمها" محذوف لعلم السهامع ،وقاله الزجاج .وقال المهبرد:
جواب "لمهها" فههي قوله" :كفروا" ،وأعيدت "لمهها" الثانيههة لطول الكلم .ويفيههد ذلك تقريههر الذنههب
وتأكيدا له.
* *3اليهة{ 90 :بئسهما اشتروا بهه أنفسههم أن يكفروا بمها أنزل ال بغيها أن ينزل ال مهن فضله
على من يشاء من عباده فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين}
@قوله تعالى" :بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل ال" بئس في كلم العرب مستوفية
للذم ،كما أن "نعم" مستوفية للمدح .وفي كل واحدة منها أربع لغاتِ :بئْس َبئْس َبئِس ِبئِسِ .نعْم َنعْم
َنعِم ِنعِم .ومذهب سيبويه أن "ما" فاعلة بئس ،ول تدخل إل على أسماء الجناس والنكرات .وكذا
نِعهم ،فتقول نعهم الرجهل زيهد ،ونعهم رجل زيهد ،فإذا كان معهها اسهم بغيهر ألف ولم فههو نصهب أبدا،
فإذا كان فيهه ألف ولم فههو رفهع أبدا ،ونصهب رجهل على التمييهز .وفهي نعهم مضمهر على شريطهة
التفسهير ،وزيهد مرفوع على وجهيهن :على خهبر ابتداء محذوف ،كأنهه قيهل مهن الممدوح؟ قلت ههو
زيد ،والخر على البتداء وما قبله خبره .وأجاز أبو علي أن تليها "ما" موصولة وغير موصولة
من حيث كانت مبهمة تقع على الكثرة ول تخص واحدا بعينه ،والتقدير عند سيبويه :بئس الشيء
اشتروا بهه أنفسههم أن يكفروا .فهه "أن يكفروا" فهي موضهع رفهع بالبتداء وخهبره فيمها قبله ،كقولك:
بئس الرجهل زيهد ،و"مها" على هذا القول موصهولة .وقال الخفهش" :مها" فهي موضهع نصهب على
التمييهز ،كقولك :بئس رجل زيهد ،فالتقديهر بئس شيئا أن يكفروا .فهه "اشتروا بهه أنفسههم" على هذا
القول صههفة "مهها" .وقال الفراء" :بئسههما" بجملتههه شيههء واحههد ركههب كحبذا .وفههي هذا القول
اعتراض ،لنه يبقى فعل بل فاعل .وقال الكسائي" :ما" و"اشتروا" بمنزلة اسم واحد قائم بنفسه،
والتقديهههر بئس اشتراؤههههم أن يكفروا .وهذا مردود ،فإن نعهههم وبئس ل يدخلن على اسهههم معيهههن
معرف ،والشراء قهد تعرف بإضافتهه إلى الضميهر .قال النحاس :وأبيهن هذه القوال قول الخفهش
وسههيبويه .قال الفراء والكسههائي" :أن يكفروا" إن شئت كانههت "أن" فههي موضههع خفههض ردا على
الهاء فهي بهه .قال الفراء :أي اشتروا أنفسههم بأن يكفروا بمها أنزل ال .فاشترى بمعنهى باع وبمعنهى
ابتاع ،والمعنى :بئس الشيء الذي اختاروا لنفسهم حيث استبدلوا الباطل بالحق ،والكفر باليمان.
@قوله تعالى" :بغيها" معناه حسهدا ،قال قتادة والسهدي ،وهو مفعول مهن أجله ،وههو على الحقيقة
مصهدر .الصهمعي :وههو مأخوذ مهن قولههم :قهد بغهى الجرح إذا فسهد .وقيهل :أصهله الطلب ،ولذلك
سهميت الزانيهة بغيها .قوله تعالى" :أن ينزل ال مهن فضله على مهن يشاء مهن عباده" فهي موضهع
نصهب ،أي لن ينزل ،أي لجهل إنزال ال الفضهل على نهبيه صهلى ال عليهه وسهلم .وقرأ ابهن كثيهر
وأبههو عمرو ويعقوب وابههن محيصههن "أن ينزل" مخففهها ،وكذلك سههائر مهها فههي القرآن ،إل "ومهها
ننزله" [الحجر ،]21 :وفي "النعام" "على أن ينزل آية"[ .النعام.]37 :
@قوله تعالى" :فباؤوا" أي رجعوا ،وأكثر ما يقال في الشر ،وقد تقدم .قوله تعالى" :بغضب على
غضب" تقدم معنى غضب ال عليهم ،وهو عقابه ،فقيل :الغضب الول لعبادتهم العجل ،والثاني
لكفرهم بمحمد صلى ال عليه وسلم ،قال ابن عباس .وقال عكرمة :لنهم كفروا بعيسى ثم كفروا
بمحمهد ،يعنهي اليهود .وروى سهعيد عهن قتادة :الول لكفرههم بالنجيهل ،والثانهي لكفرههم بالقرآن.
وقال قوم :المراد التأبيهد وشدة الحال عليههم ،ل أنهه أراد غضهبين معلليهن بمعصهيتين .قوله تعالى:
"وللكافرين عذاب مهين" مأخوذ من الهوان ،وهو ما اقتضى الخلود في النار دائما بخلف خلود
العصهاة مهن المسهلمين ،فإن ذلك تمحيهص لههم وتطهيهر ،كرجهم الزانهي وقطهع يهد السهارق ،على مها
يأتي بيانه في سورة "النساء" من حديث أبي سعيد الخدري إن شاء ال تعالى.
* *3الية{ 91 :وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل ال قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه
وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء ال من قبل إن كنتم مؤمنين}
@قوله تعالى" :وإذا قيل لهم آمنوا" أي صدقوا" .بما أنزل ال" يعني القرآن" .قالوا نؤمن" أي
نصهدق" .بمها أنزل علينها" يعنهي التوراة" .ويكفرون بمها وراءه" أي بمها سهواه ،عهن الفراء .وقتادة:
بمهها بعده ،وهههو قول أبههي عههبيدة ،والمعنههى واحههد .قال الجوهري :وراء بمعنههى خلف ،وقههد تكون
بمعنههى قدام .وهههي مههن الضداد ،قال ال تعالى" :وكان وراءهههم ملك" أي أمامهههم ،وتصههغيرها
وريئه (بالهاء) وههي شاذة .وانتصهب "وراءه" على الظرف .قال الخفهش :يقال لقيتهه مهن وراء،
فترفعه على الغاية إذا كان غير مضاف تجعله اسما وهو غير متمكن ،كقولك :من قبل ومن بعد،
وأنشد:
لقاؤك إل من وراء وراء إذا أنا لم أومن عليك ولم يكن
قلت :ومنهه قول إبراهيهم عليهه السهلم فهي حديهث الشفاعهة( :إنمها كنهت خليل مهن وراء وراء).
والوراء :ولد الولد أيضا.
@قوله تعالى" :وهو الحق" ابتداء وخبر" .مصدقا" حال مؤكدة عند سيبويه" .لما معهم" ما في
موضع خفض باللم ،و"معهم" صلتها ،و"معهم" نصب بالستقرار ،ومن أسكن جعله حرفا.
@قوله تعالى" :قل فلم تقتلون أنبياء ال من قبل" رد من ال تعالى عليهم في قولهم إنهم آمنوا بما
أنزل عليههم ،وتكذيهب منهه لههم وتوبيهخ ،المعنهى :فكيهف قتلتهم وقهد نهيتهم عهن ذلك! فالخطاب لمهن
حضهر محمدا صهلى ال عليهه وسهلم والمراد أسهلفهم .وإنمها توجهه الخطاب لبنائههم ،لنههم كانوا
يتولون أولئك الذيههن قتلوا ،كمهها قال" :ولو كانوا يؤمنون بال والنههبي ومهها أنزل إليههه مهها اتخذوهههم
أولياء" [المائدة ]81 :فإذا تولوههم فههم بمنزلتههم .وقيهل :لنههم رضوا فعلههم فنسهب ذلك إليههم.
وجاء "تقتلون" بلفهظ السهتقبال وههو بمعنهى المضهي لمها ارتفهع الشكال بقوله" :مهن قبهل" .وإذا لم
يشكل فجائز أن يأتي الماضي بمعنى المستقبل ،والمستقبل بمعنى الماضي ،قال الحطيئة:
أن الوليد أحق بالعذر شهد الحطيئة يوم يلقى ربه
شهد بمعنى يشهد.
@قوله تعالى" :إن كنتهم مؤمنيهن" أي إن كنتهم معتقديهن اليمان فلم رضيتهم بقتهل النهبياء! وقيهل:
"إن" بمعنى ما ،وأصل "لم" لما ،حذفت اللف فرقا بين الستفهام والخبر ،ول ينبغي أن يوقف
عليه ،لنه إن وقف عليه بل هاء كان لحنا ،وإن وقف عليه بالهاء زيد في السواد.
* *3الية{ 92 :ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون}
@قوله تعالى" :ولقهد جاءكهم موسهى بالبينات" اللم لم القسهم .والبينات قوله تعالى" :ولقهد آتينها
موسهى تسهع آيات بينات" [السهراء ]101 :وههي العصها ،والسهنون ،واليهد ،والدم ،والطوفان،
والجراد والقمل ،والضفادع ،وفلق البحر .وقيل :البينات التوراة ،وما فيها من الدللت.
@قوله تعالى" :ثهم اتخذتهم العجهل مهن بعده وأنتهم ظالمون" توبيهخ ،و"ثهم" أبلغ مهن الواو فهي
التقريع ،أي بعد النظر في اليات والتيان بها اتخذتم .وهذا يدل على أنهم إنما فعلوا ذلك بعد مهلة
من النظر في الية ،وذلك أعظم لجرمهم.
* *3اليهة{ 93 :وإذ أخذنها ميثاقكهم ورفعنها فوقكهم الطور خذوا مها آتيناكهم بقوة واسهمعوا قالوا
سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين}
@قوله تعالى" :وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا" تقدم الكلم
فهي هذا .ومعنهى "واسهمعوا" أطيعوا ،وليهس معناه المهر بإدراك القول فقهط ،وإنمها المراد اعلموا
بما سمعتم والتزموه ،ومنه قولهم :سمع ال لمن حمده ،أي قبل وأجاب .قال:
يكون ال يسمع ما أقول دعوت ال حتى خفت أل
أي يقبل ،وقال الراجز:
خير وأعفى لبني تميم والسمع والطاعة والتسليم
@قوله تعالى" :قالوا سمعنا وعصينا" اختلف هل صهدر منههم هذا اللفهظ حقيقة باللسهان نطقا ،أو
يكونوا فعلوا فعل قام مقام القول فيكون مجازا ،كما قال:
مهل رويدا قد ملت بطني امتل الحوض وقال قطني
وهذا احتجاج عليهم في قولهم" :نؤمن بما أنزل علينا".
@قوله تعالى" :وأشربوا فهي قلوبههم العجهل بكفرههم" أي حهب العجهل والمعنهى :جعلت قلوبههم
تشربه ،وهذا تشبيه ومجاز عبارة عن تمكن أمر العجل في قلوبهم .وفي الحديث( :تعرض الفتن
على القلوب كالحصههير عودا عودا فأي قلب أشربههها نكههت فيههه نكتههة سههوداء )...الحديههث ،خرجههه
مسلم .يقال أشرب قلبه حب كذا ،قال زهير:
والحب تشربه فؤادك داء فصحوت عنها بعد حب داخل
وإنمها عهبر عهن حهب العجهل بالشرب دون الكهل لن شرب الماء يتغلغهل فهي العضاء حتهى يصهل
إلى باطنها ،والطعام مجاور لها غير متغلغل فيها .وقد زاد على هذا المعنى أحد التابعين فقال في
زوجته عثمة ،وكان عتب عليها في بعض المر فطلقها وكان محبا لها:
فباديه مع الخافي يسير تغلغل حب عثمة في فؤادي
ول حزن ولم يبلغ سرور تغلغل حيث لم يبلغ شراب
أطير لو أن إنسانا يطير أكاد إذا ذكرت العهد منها
وقال السدي وابن جريج :إن موسى عليه السلم برد العجل وذراه في الماء ،وقال لبني إسرائيل:
اشربوا مهن ذلك الماء ،فشرب جميعههم ،فمهن كان يحهب العجهل خرجهت برادة الذههب على شفتيهه.
وروي أنه ما شربه أحد إل جن ،حكاه القشيري.
قلت :أمها تذريتهه فهي البحهر فقهد دل عليهه قوله تعالى" :ثهم لننسهفنه فهي اليهم نسهفا" [طهه،]97 :
وأمها شرب الماء وظهور البرادة على الشفاه فيرده قوله تعالى" :واشربوا فهي قلوبههم العجهل" وال
تعالى اعلم.
@قوله تعالى" :قهل بئسهما يأمركهم بهه إيمانكهم إن كنتهم مؤمنيهن" وقهد تقدم ذكره" .إيمانكهم" أي
إيمانكم الذي زعمتم في قولكم :نؤمن بما أنزل علينا .وقيل :إن هذا الكلم خطاب للنبي صلى ال
عليه وسلم ،أمر أن يوبخهم ،أي قل لهم يا محمد :بئس هذه الشياء التي فعلتم وأمركم بها إيمانكم.
* *3الية{ :قل إن كانت لكم الدار الخرة عند ال خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم
صادقين}
@قوله تعالى" :قهل إن كانهت لكهم الدار الخرة" لمها ادعهت اليهود دعاوى باطلة حكاهها ال عهز
وجههل عنهههم فههي كتابههه ،كقوله تعالى" :لن تمسههنا النار إل أيامهها معدودة" [البقرة ،]80 :وقوله:
"وقالوا لن يدخهل الجنهة إل مهن كان هودا أو نصهارى" [البقرة ،]111 :وقالوا" :نحهن أبناء ال
وأحباؤه" [المائدة ]18 :أكذبهم ال عز وجل وألزمهم الحجة فقال قل لهم يا محمد" :إن كان لكم
الدار الخرة" يعني الجنة "فتمنوا الموت إن كنتم صادقين".
@قوله تعالى" :عنهد ال خالصهة مهن دون الناس" نصهب على خهبر كان ،وإن شئت كان حال،
ويكون "عند ال" في موضع الخبر" .فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" في أقوالكم ،لن من اعتقد
أنه من أهل الجنة كان الموت أحب إليه من الحياة في الدنيا ،لما يصير إليه من نعيم الجنة ،ويزول
عنهه مهن أذى الدنيها ،فأحجموا عهن تمنهي ذلك فرقها مهن ال لقبهح أعمالههم ومعرفتههم بكفرههم فهي
قولههم" :نحهن أبناء ال وأحبائه" [المائدة ،]18 :وحرصههم على الدنيها تحقيقها لكذبههم .وأيضها لو
تمنوا الموت لماتوا ،كما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :لو أن اليهود تمنوا الموت
لماتوا ورأوا مقامهم من النار) .وقيل :إن ال صرفهم عن إظهار التمني ،وقصرهم على المساك
ليجعل ذلك آية لنبيه صلى ال عليه وسلم ،فهذه ثلثة أوجه في تركهم التمني .وحكى عكرمة عن
ابن عباس في قوله" :فتمنوا الموت" أن المراد ادعوا بالموت على أكذب الفريقين منا ومنكم ،فما
دعوا لعلمهم بكذبهم.
* *3الية{ 95 :ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم وال عليم بالظالمين}
@ فإن قيل :فالتمني يكون باللسان تارة وبالقلب أخرى ،فمن أين علم أنهم لم يتمنوه بقلوبهم؟ قيل
له :نطهق القرآن بذلك بقول "ولن يتمنوه أبدا" ولو تمنوه بقلوبههم لظهروه بألسهنتهم ردا على النهبي
صههلى ال عليههه ،سههلم وإبطال لحجتههه ،وهذا بيههن" .أبدا" ظرف زمان يقههع على القليههل والكثيههر،
كالحيهن والوقهت ،وههو هنها مهن أول العمهر إلى الموت .و"مها" فهي قوله "بمها" بمعنهى الذي والعائد
محذوف ،والتقديههر قدمتههه ،وتكون مصههدرية ول تحتاج إلى عائد .و"أيديهههم" فههي موضههع رفههع،
حذفهت الضمهة مهن الياء لثقلهها مهع الكسهرة ،وإن كانهت فهي موضهع نصهب حركتهها ،لن النصهب
خفيف ،ويجوز إسكانها في الشعر" .وال عليم بالظالمين" ابتداء وخبر.
* *3الية{ 96 :ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف
سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر وال بصير بما يعملون}
@قوله تعالى" :ولتجدنههم أحرص الناس على حياة" يعنهي اليهود" .ومهن الذيهن أشركوا" قيهل:
المعنهى وأحرص ،فحذف "من الذين أشركوا" لمعرفتهم بذنوبههم وأل خير لهم عند ال ،ومشركو
العرب ل يعرفون إل هذه الحياة ول علم لهم من الخرة ،أل ترى قول شاعرهم:
من النشوات والنساء الحسان تمتع من الدنيا فإنك فان
والضمير في "أحدهم" يعود في هذا القول على اليهود .وقيل :إن الكلم تم في "حياة" ثم استؤنف
الخبار عن طائفة من المشركين .قيل :هم المجوس ،وذلك بين في أدعياتهم للعاطس بلغاتهم بما
معناه "عش ألف سنة" .وخص اللف بالذكر لنها نهاية العقد في الحساب .وذهب الحسن إلى أن
"الذين أشركوا" مشركو العرب ،خصوا بذلك لنهم ل يؤمنون بالبعث ،فهم يتمنون طول العمر.
وأصهل سهنة سهنهة .وقيهل :سهنوة .وقيهل :فهي الكلم تقديهم وتأخيهر ،والمعنهى ولتجدنههم وطائفهة مهن
الذين أشركوا أحرص الناس على حياة.
@قوله تعالى" :يود أحدهم لو يعمر ألف سنة" أصل "يود" يودد ،أدغمت لئل يجمع بين حرفين
مههن جنههس واحههد متحركيههن ،وقلبههت حركههة الدال على الواو ،ليدل ذلك على أنههه يفعههل .وحكههى
الكسائي :وددت ،فيجوز على هذا يود بكسر الواو .ومعنى يود :يتمنى.
@قوله تعالى" :وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر" اختلف النحاة في هو ،فقيل :هو ضمير
الحههد المتقدم ،التقديههر مهها أحدهههم بمزحزحههه ،وخههبر البتداء فههي المجرور" .أن يعمههر" فاعههل
بمزحزح وقالت فرقة :هو ضمير التعمير ،والتقدير وما التعمير بمزحزحه ،والخبر في المجرور،
"أن يعمر" بدل من التعمير على هذا القول .وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت" :هو" عماد.
قلت :وفيهه بعهد ،فإن حهق العماد أن يكون بيهن شيئيهن متلزميهن ،مثهل قوله" :إن كان هذا ههو
الحهق" [النفال ،]32 :وقوله" :ولكهن كانوا ههم الظالميهن" [الزخرف ]76 :ونحهو ذلك .وقيهل:
"ما" عاملة حجازية ،و"هو" اسمها ،والخبر في "بمزحزحه" .وقالت طائفة" :هو" ضمير المر
والشأن .ابهن عطيهة :وفيهه بعهد ،فإن المحفوظ عهن النحاة أن يفسهر بجملة سهالمة مهن حرف جهر.
وقوله" :بمزحزحهه" الزحزحهة :البعاد والتنحيهة ،يقال :زحزحتهه أي باعدتهه فتزحزح أي تنحهى
وتباعد ،يكون لزما ومتعديا قال الشاعر في المتعدي:
وغافر الذنب زحزحني عن النار يا قابض الروح من نفس إذا احتضرت
وأنشده ذو الرمة:
وغافر الذنب زحزحني عن النار يا قابض الروح عن جسم عصى زمنا
وقال آخر في اللزم:
وما بال ضوء الصبح ل يتوضح خليلي ما بال الدجى ل يتزحزح
وروى النسائي عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :من صام يوما
في سبيل ال زحزح ال وجهه عن النار سبعين خريفا).
@قوله تعالى" :وال بصير بما يعملون" أي بما يعمل هؤلء الذين يود أحدهم أن يعمر ألف سنة.
ومن قرأ بالتاء فالتقدير عنده .قل لهم يا محمد ال بصير بما تعملون .وقال العلماء :وصف ال عز
وجههل نفسههه بأنههه بصههير على معنههى أنههه عالم بخفيات المور .والبصههير فههي كلم العرب :العالم
بالشيء الخبير به ،ومنه قولهم :فلن بصير بالطب ،وبصير بالفقه ،وبصير بملقاة الرجال ،قال:
بصير بأدواء النساء طبيب فإن تسألوني بالنساء فإنني
قال الخطابي :البصير العالم ،والبصير المبصر .وقيل :وصف تعالى نفسه بأنه بصير على معنى
جاعههل الشياء المبصههرة ذوات إبصههار ،أي مدركههة للمبصههرات بمهها خلق لههها مههن اللة المدركههة
والقوة ،فال بصير بعباده ،أي جاعل عباده مبصرين.
* *3اليهة{ 97 :قهل مهن كان عدوا لجبريهل فإنهه نزله على قلبهك بإذن ال مصهدقا لمها بيهن يديهه
وهدى وبشرى للمؤمنين}
@قوله تعالى" :قهل مهن كان عدوا لجبريهل" سهبب نزولهها أن اليهود قالوا للنهبي صهلى ال عليهه
وسهلم :إنهه ليهس نهبي مهن النهبياء إل يأتيهه ملك مهن الملئكهة مهن عنهد ربهه بالرسهالة وبالوحهي ،فمهن
صههاحبك حتههى نتابعههك؟ قال( :جبريههل) قالوا :ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال ،ذاك عدونهها! لو
قلت :ميكائيل الذي ينزل بالقطر وبالرحمة تابعناك ،فأنزل ال الية إلى قوله" :للكافرين" أخرجه
الترمذي.
@قوله تعالى" :فإنهه نزله على قلبهك" الضميهر فهي "إنهه" يحتمهل معنييهن ،الول :فإن ال نزل
جبريهل على قلبهك .الثانهي :فإن جبريهل نزل بالقرآن على قلبهك .وخهص القلب بالذكهر لنهه موضهع
العقل والعلم وتلقي المعارف .ودلت الية على شرف جبريل عليه السلم وذم معاديه.
@قوله تعالى" :بإذن ال" أي بإرادتهه وعلمهه" .مصهدقا لمها بيهن يديهه" يعنهي التوراة" .وهدى
وبشرى للمؤمنين" تقدم معناه والحمد ل.
* *3الية{98 :من كان عدوا ل وملئكته ورسله وجبريل وميكال فإن ال عدو للكافرين}
@قوله تعالى" :مهن كان عدوا ل" شرط ،وجوابهه "فإن ال عدو للكافريهن" .وهذا وعيهد وذم
لمعادي جبريهل عليهه السهلم ،وإعلن أن عداوة البعهض تقتضهي عداوة ال لههم .وعداوة العبهد ل
هي معصيته واجتناب طاعته ،ومعاداة أوليائه .وعداوة ال للعبد تعذيبه وإظهار أثر العداوة عليه.
فإن قيل :لم خص ال جبريل وميكائيل بالذكر وإن كان ذكر الملئكة قد عمهما؟
قيهل له :خصههما بالذكهر تشريفها لهمها ،كمها قال" :فيهمها فاكههة ونخهل ورمان" [الرحمهن.]68 :
وقيهل :خصها لن اليهود ذكروهمها ،ونزلت اليهة بسهببهما ،فذكرهمها واجهب لئل تقول اليهود :إنها لم
نعاد ال وجميهع ملئكتههه ،فنههص ال تعالى عليهمها لبطال مها يتأولونهه مههن التخصههيص .ولعلماء
اللسان في جبريل وميكائيل عليهما السلم لغات ،فأما التي في جبريل فعشر:
الولى :جبريل ،وهي لغة أهل الحجاز ،قال حسان بن ثابت:
وجبريل رسول ال فينا
الثانيهة :جبريهل (بفتهح الجيهم) وههي قراءة الحسهن وابهن كثيهر ،وروي عهن ابهن كثيهر أنهه قال :رأيهت
النبي صلى ال عليه وسلم في النوم وهو يقرأ جبريل وميكائيل فل أزال أقرؤهما أبدا كذلك.
الثالثة :جبرئيل (بياء بعد الهمزة ،مثال جبرعيل) ،كما قرأ أهل الكوفة ،وأنشدوا:
مدى الدهر إل جبرئيل أمامها شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة
وهي لغة تميم وقيس.
الرابعة :جبرئل (على وزن جبرعل) مقصور ،وهي قراءة أبي بكر عن عاصم.
الخامسة :مثلها ،وهي قراءة يحيى بن يعمر ،إل أنه شدد اللم.
السادسة :جبرائل (بألف بعد الراء ثم همزة) وبها قرأ عكرمة.
السابعة :مثلها ،إل أن بعد الهمزة ياء.
الثامنة :جبرييل (بياءين بغير همزة) وبها قرأ العمش ويحيى بن يعمر أيضا.
التاسعة :جبرئين (بفتح الجيم مع همزة مكسورة بعدها ياء ونون).
العاشرة :جبرين (بكسر الجيم وتسكين الباء بنون من غير همزة) وهي لغة بني أسد .قال الطبري:
ولم يقرأ بههها .قال النحاس -وذكههر قراءة ابههن كثيههر " : -ل يعرف فههي كلم العرب فَعليههل ،وفيههه
فِعليهل ،نحهو دهليهز وقطميهر وبرطيهل ،وليهس ينكهر أن يكون فهي كلم العجهم مها ليهس له نظيهر فهي
كلم العرب ،وليههس ينكههر أن يكثههر تغيره ،كمهها قالوا :إبراهيههم وإبرهههم وإبراهههم وإبراهام" .قال
غيره :جبريل اسم أعجمي عربته العرب ،فلها فيه هذه اللغات ولذلك لم ينصرف.
قلت :قد تقدم في أول الكتاب أن الصحيح فهي هذه اللفاظ عربية نزل بها جبريل بلسان عربي
مبين .قال النحاس :ويجمع جبريل على التكسير جباريل .وأما اللغات التي في ميكائيل فست:
الولى :ميكاييل ،قراءة نافع.
الثانية :وميكائيل (بياء بعد الهمزة) قراءة حمزة.
الثالثة :ميكال ،لغة أهل الحجاز ،وهي قراءة أبي عمرو وحفص عن عاصم .وروي عن ابن كثير
الثلثة أوجه ،قال كعب بن مالك:
فيه مع النصر ميكال وجبريل ويوم بدر لقيناكم لنا مدد
وقال آخر:
وبجبرئيل وكذبوا ميكال عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد
الرابعة :ميكئيل ،مثل ميكعيل ،وهي قراءة ابن محيصن.
الخامسة :ميكاييل (بياءين) وهي قراءة العمش باختلف عنه.
السادسة :ميكاءل ،كما يقال (إسراءل بهمزة مفتوحة) ،وهو اسم أعجمي فلذلك لم ينصرف .وذكر
ابهن عباس أن جهبر وميكها وإسهراف ههي كلهها بالعجميهة بمعنهى :عبهد ومملوك .وإيهل :اسهم ال
تعالى ،ومنه قول أبي بكر الصديق رضي ال عنه حين سمع سجع مسيلمة :هذا كلم لم يخرج من
إل ،وفهي التنزيهل" :ل يرقبون فهي مؤمهن إل ول ذمهة" فهي أحهد التأويليهن ،وسهيأتي .قال الماوردي:
إن جبريهل وميكائيهل اسهمان ،أحدهمها عبدال ،والخهر عهبيدال ،لن إيهل ههو ال تعالى ،وجهبر ههو
عبهد ،وميكها ههو عبيهد ،فكأن جبريهل عبدال ،وميكائيهل عهبيدال ،هذا قول ابهن عباس ،وليهس له فهي
المفسرين مخالف.
قلت :وزاد بعهض المفسهرين :وإسهرافيل عبدالرحمهن .قال النحاس :ومهن تأول الحديهث "جهبر"
عبهد ،و"إل" ال وجب عليه أن يقول :هذا جهبرئل ورأيت جهبرئل ومررت بجبرئل ،وهذا ل يقال،
فوجب أن يكون معنى الحديث أنه مسمى بهذا .قال غيره :ولو كان كما قالوا لكان مصروفا ،فترك
الصرف يدل على أنه اسم واحد مفرد ليس بمضاف .وروى عبدالغني الحافظ من حديث أفلت بن
خليفة -وهو فليت العامري وهو أبو حسان -عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة رضي ال عنها
قالت :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :اللهم رب جبريل وميكايل وإسرافيل أعوذ بك من حر
النار وعذاب القبر).
* *3الية{ 99 :ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إل الفاسقون}
@قال ابن عباس رضي ال عنهما :هذا جواب لبن صوريا حيث قال لرسول ال صلى ال عليه
وسهلم :يها محمهد مها جئتنها بشيهء نعرفهه ،ومها أنزل عليهك مهن آيهة بينهة فنتبعهك بهها؟ فأنزل ال هذه
الية ،ذكره الطبري.
* *3الية{ 100 :أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم ل يؤمنون}
@قوله تعالى" :أوكلمها عاهدوا عهدا" الواو واو العطهف ،دخلت عليها ألف السهتفهام كما تدخل
على الفاء فهي قوله" :أفحكهم الجاهليهة" [المائدة" ،]50 :أفأنهت تسهمع الصهم" [الزخرف،]40 :
"أفتتخذونهه وذريتهه" [الكههف .]50 :وعلى ثهم كقوله" :أثهم إذا مها وقهع" [يونهس ]51 :هذا قول
سهيبويه .وقال الخفهش :الواو زائدة .ومذههب الكسهائي أنهها أو ،حركهت الواو منهها تسههيل .وقرأهها
قوم أو ،ساكنة الواو فتجيء بمعنى بل ،كما يقول القائل :لضربنك ،فيقول المجيب :أو يكفي ال.
قال ابهن عطيهة :وهذا كله متكلف ،والصهحيح قول سهيبويه" .كلمها" نصهب على الظرف ،والمعنهي
في الية مالك بن الصيف ،ويقال فيه ابن الضيف ،كان قد قال :وال ما أخذ علينا عهد في كتابنا
أن نؤمههن بمحمههد ول ميثاق ،فنزلت اليههة .وقيههل :إن اليهود عاهدوا لئن خرج محمههد لنؤمههن بههه
ولنكونهن معهه على مشركهي العرب ،فلمها بعهث كفروا بهه .وقال عطاء :ههي العهود التهي كانهت بيهن
النبي صلى ال عليه وسلم وبين اليهود فنقضوها كفعل قريظة والنضير ،دليله قوله تعالى" :الذين
عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم ل يتقون" [النفال.]56 :
@قوله تعالى" :نبذه فريق منهم" النبذ :الطرح واللقاء ،ومنه النبيذ والمنبوذ ،قال أبو السود:
أخذت كتابي معرضا بشمالكا وخبرني من كنت أرسلت إنما
كنبذك نعل أخلقت من نعالكا نظرت إلى عنوانه فنبذته
آخر:
نبذوا كتابك واستحلوا المحرما إن الذين أمرتهم أن يعدلوا
وهذا مثل يضرب لمن استخف بالشيء فل يعمل به ،تقول العرب :اجعل هذا خلف ظهرك ،ودبرا
منهك ،وتحهت قدمهك ،أي اتركهه وأعرض عنهه ،قال ال تعالى" :واتخذتموه وراءكهم ظهريها" [هود:
.]92وأنشد الفراء:
بظهر فل يعيا علي جوابها تميم بن زيد ل تكونن حاجتي
@قوله تعالى" :بل أكثرهم" ابتداء" .ل يؤمنون" فعل مستقبل في موضع الخبر.
* *3الية{ 101 :ولما جاءهم رسول من عند ال مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا
الكتاب كتاب ال وراء ظهورهم كأنهم ل يعلمون}
@قوله تعالى" :ولمها جاءههم رسهول مهن عنهد ال مصهدق لمها معههم" نعهت لرسهول ،ويجوز نصهبه
على الحال" .نبهذ فريهق" جواب "لمها"" .مهن الذيهن أوتوا الكتاب كتاب ال وراء ظهورههم" نصهب
بهه "نبهذ" ،والمراد التوراة ،لن كفرههم بالنهبي عليهه السهلم وتكذيبههم له نبهذ لهها .قال السهدي :نبذوا
التوراة وأخذوا بكتاب آصههف ،وسههحر هاروت وماروت .وقيههل :يجوز أن يعنههي بههه القرآن .قال
الشعبي :هو بين أيديهم يقرؤونه ،ولكن نبذوا العمل به .وقال سفيان بن عيينة :أدرجوه في الحرير
والديباج ،وحلوه بالذهب والفضة ،ولم يحلوا حلله ولم يحرموا حرامه ،فذلك النبذ .وقد تقدم بيانه
مسهتوفا" .كأنههم ل يعلمون" تشهبيه بمهن ل يعلم إذ فعلوا فعهل الجاههل فيجيهء مهن اللفهظ أنههم كفروا
على علم.
* *3الية{ 102 :واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين
كفروا يعلمون الناس السهحر ومها أنزل على الملكيهن ببابهل هاروت وماروت ومها يعلمان مهن أحهد
حتهى يقول إنمها نحهن فتنهة فل تكفهر فيتعلمون منهمها مها يفرقون بهه بيهن المرء وزوجهه ومها ههم
بضارين به من أحد إل بإذن ال ويتعلمون ما يضرهم ول ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في
الخرة من خلق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون}
**4قوله تعالى {واتبعوا مها تتلوا الشياطيهن على ملك سهليمان ومها كفهر سهليمان ولكهن الشياطيهن
كفروا يعلمون الناس السهحر ومها أنزل على الملكيهن ببابهل هاروت وماروت ومها يعلمان مهن أحهد
حتى يقول إنما نحن فتنة فل تكفر}.. .
@قوله تعالى" :واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان" هذا إخبار من ال تعالى عن الطائفة
الذيهن نبذوا الكتاب بأنههم اتبعوا السهحر أيضها ،وههم اليهود .وقال السهدي :عارضهت اليهود محمدا
صهلى ال عليهه وسهلم بالتوراة فاتفقهت التوراة والقرآن فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصهف وبسهحر
هاروت وماروت .وقال محمهد بهن إسهحاق :لمها ذكهر رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم سهليمان فهي
المرسهلين قال بعهض أحبارههم :يزعهم محمهد أن ابهن داود كان نبيها! وال مها كان إل سهاحرا ،فأنزل
ال عز وجل" :وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا" أي ألقت إلى بني آدم أن ما فعله سليمان
مهن ركوب البحهر واسهتسخار الطيهر والشياطيهن كان سهحرا .وقال الكلبهي :كتبهت الشياطيهن السهحر
والنيرنجيات على لسان آصف كاتب سليمان ،ودفنوه تحت مصله حين انتزع ال ملكه ولم يشعر
بذلك سليمان ،فلما مات سليمان استخرجوه وقالوا للناس :إنما ملككم بهذا فتعلموه ،فأما علماء بني
إسههرائيل فقالوا :معاذ ال أن يكون هذا علم سههليمان! وأمهها السههفلة فقالوا :هذا علم سههليمان ،وأقبلوا
على تعليمه ورفضوا كتب أنبيائهم حتى بعث ال محمدا صلى ال عليه وسلم ،فأنزل ال عز وجل
على نبيه عذر سليمان وأظهر براءته مما رمي به فقال" :واتبعوا ما تتلوا الشياطين" .قال عطاء:
"تتلو" تقرأ من التلوة .وقال ابن عباس" :تتلو" تتبع ،كما تقول :جاء القوم يتلو بعضهم بعضا.
وقال الطبري" :اتبعوا" بمعنى فضلوا.
قلت :لن كهل مهن اتبهع شيئا وجعله أمامهه فقهد فضله على غيره ،ومعنهى "تتلو" يعنهي تلت ،فههو
بمعنى المضي ،قال الشاعر:
كوم الهجان وكل طرف سابح وإذا مررت بقبره فاعقر به
فلقد يكون أخادم وذبائح وانضح جوانب قبره بدمائها
أي فلقهد كان .و"مها" مفعول بهه "اتبعوا" أي اتبعوا مها تقولتهه الشياطيهن على سهليمان وتلتهه .وقيهل:
"ما" نفي ،وليس بشيء ل في نظام الكلم ول في صحته ،قال ابن العربي" .على ملك سليمان"
أي على شرعهه ونبوتهه .قال الزجاج :قال الفراء على عههد ملك سهليمان .وقيهل :المعنهى فهي ملك
سليمان ،يعني في قصصه وصفاته وأخباره .قال الفراء :تصلح على وفي ،في مثل هذا الموضع.
وقال "على" ولم يقل بعد لقوله تعالى" :وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نبي إل إذا تمنى ألقى
الشيطان فهي أمنيتهه" [الحهج ]52 :أي فهي تلوتهه .وقهد تقدم معنهى الشيطان واشتقاقهه ،فل معنهى
لعادته .والشياطين هنا قيل :هم شياطين الجن ،وهو المفهوم من هذا السم .وقيل :المراد شياطين
النس المتمردون في الضلل ،كقول جرير:
وكن يهوينني إذ كنت شيطانا أيام يدعونني الشيطان من غزلي
@قوله تعالى" :ومها كفهر سهليمان" تهبرئة مهن ال لسهليمان ولم يتقدم فهي اليهة أن أحدا نسهبه إلى
الكفهر ،ولكهن اليهود نسهبته إلى السهحر ،ولكهن لمها كان السهحر كفرا صهار بمنزلة مهن نسهبه إلى
الكفر" .ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر" فأثبت كفرهم بتعليم السحر .و"يعلمون" في
موضهع نصهب على الحال ،ويجوز أن يكون فهي موضهع رفهع على أنهه خهبر ثان .وقرأ الكوفيون
سوى عاصم "ولكن الشياطين" بتخفيف "لكن" ،ورفع النون من "الشياطين" ،وكذلك في النفال
"ولكن ال رمى" [النفال ]17 :ووافقهم ابن عامر .الباقون بالتشديد والنصب .و"لكن" كلمة لها
معنيان :نفهي الخهبر الماضهي ،وإثبات الخهبر المسهتقبل ،وههي مبنيهة مهن ثلث كلمات :ل ،ك ،إن.
"ل" نفي ،و"الكاف" خطاب ،و"إن" إثبات وتحقيق ،فذهبت الهمزة استثقال ،وهي تثقل وتخفف،
فإذا ثقلت نصبت كإن الثقيلة ،وإذا خففت رفعت بها كما ترفع بإن الخفيفة.
السههحر ،قيههل :السههحر أصههله التمويههه والتخاييههل ،وهههو أن يفعههل السههاحر أشياء ومعانههي ،فيخيههل
للمسهحور أنهها بخلف مها ههي بهه ،كالذي يرى السهراب مهن بعيهد فيخيهل إليهه أنهه ماء ،وكراكهب
السهفينة السهائرة سهيرا حثيثها يخيهل إليهه أن مها يرى مهن الشجار والجبال سهائرة معهه .وقيهل :ههو
مشتق من سحرت الصبي إذا خدعته ،وكذلك إذا عللته ،والتسحير مثله ،قال لبيد:
عصافير من هذا النام المسحر فإن تسألينا فيم نحن فإننا
آخر:
ونسحر بالطعام وبالشراب أرانا موضعين لمر غيب
وأجرأ من مجلحة الذئاب عصافير وذبان ودود
وقوله تعالى" :إنمها أنهت مهن المسهحرين" [الشعراء ]153 :يقال :المسهحر الذي خلق ذا سهحر،
ويقال من المعللين ،أي ممن يأكل الطعام ويشرب الشراب .وقيل :أصله الخفاء ،فإن الساحر يفعله
في خفية .وقيل :أصله الصرف ،يقال :ما سحرك عن كذا ،أي ما صرفك عنه ،فالسحر مصروف
عن جهته .وقيل :أصله الستمالة ،وكل من استمالك فقد سحرك .وقيل في قوله تعالى" :بل نحن
قوم مسحورون" [الحجر ]15 :أي سحرنا فأزلنا بالتخييل عن معرفتنا .وقال الجوهري :السحر
الخذة ،وكل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر ،وقد سحره يسحره سحرا .والساحر :العالم ،وسحره
أيضا بمعنى خدعه ،وقد ذكرناه .وقال ابن مسعود :كنا نسمي السحر في الجاهلية العضه .والعضه
عند العرب :شدة البهت وتمويه الكذب ،قال الشاعر:
في عضه العاضه المعضه أعوذ بربي من النافثات
واختلف هل له حقيقة أم ل ،فذكر الغزنوي الحنفي في عيون المعاني له :أن السحر عند المعتزلة
خدع ل أصهل له ،وعنهد الشافعهي وسهوسة وأمراض .قال :وعندنها أصهله طلسهم يبنهى على تأثيهر
خصهائص الكواكهب ،كتأثيهر الشمهس فهي زئبهق عصهي فرعون ،أو تعظيهم الشياطيهن ليسههلوا له مها
عسر.
قلت :وعندنها أنهه حهق وله حقيقهة يخلق ال عنده مها شاء ،على مها يأتهي .ثهم مهن السهحر مها يكون
بخفة اليد كالشعوذة .والشعوذي :البريد لخفة سيره .قال ابن فارس في المجمل :الشعوذة ليست من
كلم أههل الباديهة ،وههي خفهة فهي اليديهن وأخذة كالسهحر ،ومنهه مها يكون كلمها يحفهظ ،ورقهى مهن
أسماء ال تعالى .وقد يكون من عهود الشياطين ،ويكون أدوية وأدخنة وغير ذلك.
@ سمى رسول ال صلى ال عليه وسلم الفصاحة في الكلم واللسانة فيه سحرا ،فقال( :إن من
البيان لسهحرا) أخرجهه مالك وغيره .وذلك لن فيهه تصهويب الباطهل حتهى يتوههم السهامع أنهه حهق،
فعلى هذا يكون قوله عليه السلم( :إن من البيان لسحرا) خرج مخرج الذم للبلغة والفصاحة ،إذ
شبههها بالسهحر .وقيهل :خرج مخرج المدح للبلغهة والتفضيهل للبيان ،قاله جماعهة مهن أههل العلم.
والول أصهح ،والدليهل عليهه قوله عليهه السهلم( :فلعهل بعضكهم أن يكون ألحهن بحجتهه مهن بعهض)،
وقوله( :إن أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون) .الثرثرة :كثرة الكلم وترديده ،يقال :ثرثر الرجل
فههو ثرثار مهذار .والمتفيههق نحوه .قال ابهن دريهد .فلن يتفيههق فهي كلمهه إذا توسهع فيهه وتنطهع،
قال :وأصله الفهق وهو المتلء ،كأنه مل به فمه.
قلت :وبهذا المعنهى الذي ذكرناه فسهره عامهر الشعهبي راوي الحديهث وصهعصعة بهن صهوحان
فقال :أمها قوله صهلى ال عليهه وسهلم( :إن مهن البيان لسهحرا) فالرجهل يكون عليهه الحهق وههو ألحهن
بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وهو عليه ،وإنما يحمد العلماء البلغة
واللسهانة مها لم تخرج إلى حهد السههاب والطناب ،وتصهوير الباطهل فهي صهورة الحهق .وهذا بيهن،
والحمد ل.
@ مهن السهحر مها يكون كفرا مهن فاعله ،مثهل مها يدعون مهن تغييهر صهور الناس ،وإخراجههم فهي
هيئة بهيمهة ،وقطهع مسهافة شههر فهي ليلة ،والطيران فهي الهواء ،فكهل مهن فعهل هذا ليوههم الناس أنهه
محق فذلك كفر منه ،قاله أبو نصر عبدالرحيم القشيري .قال أبو عمرو :من زعم أن الساحر يقلب
الحيوان مههن صههورة إلى صههورة ،فيجعههل النسههان حمارا أو نحوه ،ويقدر على نقههل الجسههاد
وهلكهها وتبديلهها ،فهذا يرى قتهل السهاحر لنهه كافهر بالنهبياء ،يدعهي مثهل آياتههم ومعجزاتههم ،ول
يتهيأ مع هذا علم صحة النبوة إذ قد يحصل مثلها بالحيلة .وأما من زعم أن السحر خدع ومخاريق
وتمويهات وتخييلت فلم يجب على أصله قتل الساحر ،إل أن يقتل بفعله أحدا فيقتل به.
@ ذهههب أهههل السههنة إلى أن السههحر ثابههت وله حقيقههة .وذهههب عامههة المعتزلة وأبههو إسههحاق
السهترابادي مهن أصهحاب الشافعهي إلى أن السهحر ل حقيقهة له ،وإنمها ههو تمويهه وتخييهل وإيهام
لكون الشيء على غير ما هو به ،وأنه ضرب من الخفة والشعوذة ،كما قال تعالى" :يخيل إليه من
سحرهم أنها تسعى" [طه ]66 :ولم يقل تسعى على الحقيقة ،ولكن قال "يخيل إليه" .وقال أيضا:
"سهحروا أعيهن الناس "[العراف .]116 :وهذا ل حجهة فيهه ،لنها ل ننكهر أن يكون التخييهل
وغيره مهن جملة السحر ،ولكن ثبهت وراء ذلك أمور جوزها العقل وورد بها السمع ،فمن ذلك ما
جاء في هذه الية من ذكر السحر وتعليمه ،ولو لم يكن له حقيقة لم يمكن تعليمه ،ول أخبر تعالى
أنهم يعلمونه الناس ،فدل على أن له حقيقة .وقوله تعالى في قصة سحرة فرعون" :وجاؤوا بسحر
عظيهم" وسهورة "الفلق" ،مهع اتفاق المفسهرين على أن سهبب نزولهها مها كان مهن سهحر لبيهد بهن
العصهم ،وههو ممها خرجهه البخاري ومسهلم وغيرهمها عهن عائشهة رضهي ال عنهها قالت :سهحر
رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يهودي مهن يهود بنهي زريهق يقال له لبيهد بهن العصهم ،الحديهث.
وفيه :أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لما حل السحر" :إن ال شفاني" .والشفاء إنما يكون برفع
العلة وزوال المرض ،فدل على أن له حقا وحقيقة ،فهو مقطوع به بإخبار ال تعالى ورسوله على
وجوده ووقوعه .وعلى هذا أهل الحل والعقد الذين ينعقد بهم الجماع ،ول عبرة مع اتفاقهم بحثالة
المعتزلة ومخالفتهم أهل الحق .ولقد شاع السحر وذاع في سابق الزمان وتكلم الناس فيه ،ولم يبد
مهن الصهحابة ول مهن التابعيهن إنكار لصهله .وروى سهفيان عهن أبهي العور عهن عكرمهة عهن ابهن
عباس قال :علم السحر في قرية من قرى مصر يقال لها :الفرما ،فمن كذب به فهو كافر ،مكذب
ل ورسوله ،منكر لما علم مشاهدة وعيانا.
@ قال علماؤنا :ل ينكر أن يظهر على يد الساحر خرق العادات مما ليس في مقدور البشر من
مرض وتفريهق وزوال عقهل وتعويهج عضهو إلى غيهر ذلك ممها قام الدليهل على اسهتحالة كونهه مهن
مقدورات العباد .قالوا :ول يبعههد فههي السههحر أن يسههتدق جسههم السههاحر حتههى يتولج فههي الكوات
والخوخات والنتصههاب على رأس قصههبة ،والجري على خيههط مسههتدق ،والطيران فههي الهواء
والمشههي على الماء وركوب كلب وغيههر ذلك .ومههع ذلك فل يكون السههحر موجبهها لذلك ،ول علة
لوقوعهه ول سهببا مولدا ،ول يكون السهاحر مسهتقل بهه ،وإنمها يخلق ال تعالى هذه الشياء ويحدثهها
عنهد وجود السهحر ،كمها يخلق الشبهع عنهد الكهل ،والري عنهد شرب الماء .روى سهفيان عهن عمار
الذهبي أن ساحرا كان عند الوليد بن عقبة يمشي على الحبل ،ويدخل في أست الحمار ويخرج من
فيهه ،فاشتمهل له جندب على السهيف فقتله جندب -هذا ههو جندب بهن كعهب الزدي ويقال البجلي -
وههو الذي قال فهي حقهه النهبي صهلى ال عليهه وسهلم( :يكون فهي أمتهي رجهل يقال له جندب يضرب
ضربهة بالسهيف يفرق بيهن الحهق والباطهل) .فكانوا يرونهه جندبها هذا قاتهل السهاحر .قال علي بهن
المديني :روى عنه حارثة بن مضرب.
@ أجمهع المسهلمون على أنهه ليهس فهي السهحر مها يفعهل ال عنده إنزال الجراد والقمهل والضفادع
وفلق البحههر وقلب العصهها وإحياء الموتههى وإنطاق العجماء ،وأمثال ذلك مههن عظيههم آيات الرسههل
عليهههم السههلم .فهذا ونحوه ممهها يجههب القطههع بأنههه ل يكون ول يفعله ال عنههد إرادة السههاحر .قال
القاضي أبو بكر بن الطيب :وإنما منعنا ذلك بالجماع ولوله لجزناه.
@فهي الفرق بيهن السهحر والمعجزة ،قال علماؤنها :السهحر يوجهد مهن السهاحر وغيره ،وقهد يكون
جماعهة يعرفونهه ويمكنههم التيان بهه فهي وقهت واحهد .والمعجزة ل يمكهن ال أحدا أن يأتهي بمثلهها
وبمعارضتههها ،ثههم السههاحر لم يدع النبوة فالذي يصههدر منههه متميههز عههن المعجزة ،فإن المعجزة
شرطها اقتران دعوى النبوة والتحدي بها ،كما تقدم في مقدمة الكتاب.
واختلف الفقهاء في حكم الساحر المسلم والذمي ،فذهب مالك إلى أن المسلم إذا سحر بنفسه بكلم
يكون كفرا يقتهل ول يسهتتاب ول تقبهل توبتهه ،لنهه أمهر يسهتسر بهه كالزنديهق والزانهي ،ولن ال
تعالى سمى السحر كفرا بقوله" :وما يعلمان من أحد حتى يقول إنما نحن فتنة فل تكفر" وهو قول
أحمهد بهن حنبهل وأبهي ثور وإسهحاق والشافعهي وأبهي حنيفهة .وروي قتهل السهاحر عهن عمهر وعثمان
وابن عمر وحفصة وأبي موسى وقيس بن سعد وعن سبعة من التابعين .وروي عن النبي صلى
ال عليه وسلم( :حد الساحر ضربه بالسيف) خرجه الترمذي وليس بالقوي ،انفرد به إسماعيل بن
مسهلم وههو ضعيهف عندههم ،رواه ابهن المنذر :وقهد روينها عهن عائشهة أنهها باعهت سهاحرة كانهت
سهحرتها وجعلت ثمنهها فهي الرقاب .قال ابهن المنذر :وإذا أقهر الرجهل أنهه سهحر بكلم يكون كفرا
وجهب قتله إن لم يتهب ،وكذلك لو ثبتهت بهه عليهه بينهة ووصهفت البينهة كلمها يكون كفرا .وإن كان
الكلم الذي ذكهر أنهه سهحر بهه ليهس بكفهر لم يجهز قتله ،فإن كان أحدث فهي المسهحور جنايهة توجهب
القصاص اقتص منه إن كان عمد ذلك ،وإن كان مما ل قصاص فيه ففيه دية ذلك .قال ابن المنذر:
وإذا اختلف أصهحاب رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فهي المسهألة وجهب اتباع أشبهههم بالكتاب
والسنة ،وقد يجوز أن يكون السحر الذي أمر من أمر منهم بقتل الساحر سحرا يكون كفرا فيكون
ذلك موافقا لسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ويحتمل أن تكون عائشة رضي ال عنها أمرت
ببيع ساحرة لم يكن سحرها كفرا .فإن احتج محتج بحديث جندب عن النبي صلى ال عليه وسلم:
(حد الساحر ضربه بالسيف) فلو صح لحتمل أن يكون أمر بقتل الساحر الذي يكون سحره كفرا،
فيكون ذلك موافقها للخبار التهي جاءت عهن النهبي صهلى ال عليه وسهلم أنهه قال( :ل يحهل دم امرئ
مسلم إل بإحدى ثلث)...
قلت :وهذا صحيح ،ودماء المسلمين محظورة ل تستباح إل بيقين ول يقين مع الختلف .وال
تعالى اعلم .وقال بعهض العلماء :إن قال أهل الصهناعة أن السهحر ل يتهم إل مهع الكفهر والسهتكبار،
أو تعظيههم الشيطان فالسههحر إذا دال على الكفههر على هذا التقديههر ،وال تعالى اعلم .وروي عههن
الشافعههي :ل يقتههل السههاحر إل أن يقتههل بسههحره ويقول تعمدت القتههل ،وإن قال لم أتعمده لم يقتههل،
وكانهت فيهه الديهة كقتهل الخطهأ ،وإن أضهر بهه أدب على قدر الضرر .قال ابهن العربهي :وهذا باطهل
من وجهين ،أحدهما :أنه لم يعلم السحر ،وحقيقته أنه كلم مؤلف يعظم به غير ال تعالى ،وتنسب
إليهه المقاديهر والكائنات .الثانهي :أن ال سهبحانه قهد صهرح فهي كتابهه بأنهه كفهر فقال" :ومها كفهر
سهليمان" بقول السهحر "ولكهن الشياطيهن كفروا" بهه وبتعليمهه ،وهاروت وماروت يقولن" :إنمها
نحن فتنة فل تكفر" وهذا تأكيد للبيان.
احتهج أصهحاب مالك بأنهه ل تقبهل توبتهه ،لن السهحر باطهن ل يظهره صهاحبه فل تعرف توبتهه
كالزنديهق ،وإنمها يسهتتاب مهن أظههر الكفهر مرتدا ،قال مالك :فإن جاء السهاحر أو الزنديهق تائبها قبهل
أن يشههد عليهمها قبلت توبتهمها ،والحجهة لذلك قوله تعالى" :فلم يهك ينفعههم إيمانههم لمها رأوا بأسهنا"
[غافر ]85 :فدل على أنه كان ينفعهم إيمانهم قبل نزول العذاب ،فكذلك هذان.
وأما ساحر الذمة ،فقيل يقتل .وقال مالك :ل يقتل إل أن يقتل بسحره ويضمن ما جنى ،ويقتل إن
جاء منه ما لم يعاهد عليه .وقال ابن خويز منداد :فأما إذا كان ذميا فقد اختلفت الرواية عن مالك،
فقال مرة :يسههتتاب وتوبتههه السههلم .وقال مرة :يقتههل وإن أسههلم .وأمهها الحربههي فل يقتههل إذا تاب،
وكذلك قال مالك فهي ذمهي سهب النهبي صهلى ال عليهه وسهلم :يسهتتاب وتوبتهه السهلم .وقال مرة:
يقتل ول يستتاب كالمسلم .وقال مالك أيضا في الذمي إذا سحر :يعاقب ،إل أن يكون قتل بسحره،
أو أحدث حدثا فيؤخذ منه بقدره .وقال غيره :يقتل ،لنه قد نقض العهد .ول يرث الساحر ورثته،
لنه كافر إل أن يكون سحره ل يسمى كفرا .وقال مالك في المرأة تعقد زوجها عن نفسها أو عن
غيرها :تنكل ول تقتل.
@ واختلفوا هل يسأل الساحر حل السحر عن المسحور ،فأجازه سعيد بن المسيب على ما ذكره
البخاري ،وإليههه مال المزنههي وكرهههه الحسههن البصههري .وقال الشعههبي :ل بأس بالنشرة .قال ابههن
بطال :وفهي كتاب وههب بهن منبهه أن يأخهذ سهبع ورقات مهن سهدر أخضهر فيدقهه بيهن حجريهن ثهم
يضربه بالماء ويقرأ عليه آية الكرسي ،ثم يحسو منه ثلث حسوات ويغتسل به ،فإنه يذهب عنه
كل ما به ،إن شاء ال تعالى ،وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله.
أنكهر معظهم المعتزلة الشياطين والجن ،ودل إنكارههم على قلة مبالتهم وركاكة دياناتهم ،وليس
فههي إثباتهههم مسههتحيل عقلي ،وقههد دلت نصههوص الكتاب والسههنة على إثباتهههم ،وحههق على اللبيههب
المعتصهم بحبهل ال أن يثبهت مها قضهى العقهل بجوازه ،ونهص الشرع على ثبوتهه ،قال ال تعالى:
"ولكن الشياطين كفروا" وقال" :ومن الشياطين من يغوصون له" [النبياء ]82 :إلى غير ذلك
مههن الي ،وسههورة "الجههن" تقضههي بذلك ،وقال عليههه السههلم( :إن الشيطان يجري مههن ابههن آدم
مجرى الدم) .وقهد أنكهر هذا الخهبر كثيهر مهن الناس ،وأحالوا روحيهن فهي جسهد ،والعقهل ل يحيهل
سهلوكهم فهي النهس إذا كانهت أجسهامهم رقيقهة بسهيطة على مها يقوله بعهض الناس بهل أكثرههم ،ولو
كانوا كثافا لصح ذلك أيضا منهم ،كما يصح دخول الطعام والشراب في الفراغ من الجسم ،وكذلك
الديدان قد تكون في بني آدم وهي أحياء.
@قوله تعالى" :وما أنزل على الملكين" "ما" نفي ،والواو للعطف على قوله" :وما كفر سليمان"
وذلك أن اليهود قالوا :إن ال أنزل جبريههل وميكائيههل بالسههحر ،فنفههى ال ذلك .وفههي الكلم تقديههم
وتأخيهر ،التقديهر ومها كفهر سهليمان ،ومها أنزل على الملكيهن ،ولكهن الشياطيهن كفروا يعلمون الناس
السهحر ببابهل هاروت وماروت ،فهاروت وماروت بدل مهن الشياطيهن فهي قوله" :ولكهن الشياطيهن
كفروا" .هذا أولى مها حملت عليهه اليهة مهن التأويهل ،وأصهح مها قيهل فيهها ول يلتفهت إلى سهواه،
فالسهحر مهن اسهتخراج الشياطيهن للطافهة جوهرههم ،ودقهة أفهامههم ،وأكثهر مها يتعاطاه مهن النهس
النسهاء وخاصهة فهي حال طمثههن ،قال ال تعالى" :ومهن شهر النفاثات فهي العقهد" [الفلق .]4 :وقال
الشاعر:
ت.................. أعوذ بربي من النافثا
إن قال قائل :كيف يكون اثنان بدل من جمع والبدل إنما يكون على حد المبدل ،فالجواب من وجوه
ثلثهة :الول :أن الثنيهن قهد يطلق عليهمها اسهم الجمهع ،كمها قال تعالى" :فإن كان له إخوة فلمهه
السدس" [النساء ]11 :ول يحجبها عن الثلث إلى السدس إل اثنان من الخوة فصاعدا ،على ما
يأتهي بيانهه فهي "النسهاء" .الثانهي :أنهمها لمها كانها الرأس فهي التعليهم نهص عليهمها دون اتباعهمها ،كمها
قال تعالى" :عليها تسعة عشر" [المدثر .]30 :الثالث :إنما خصا بالذكر من بينهم لتمردهما ،كما
قال تعالى" :فيهمها فاكههة ونخهل ورمان" [الرحمهن ]68 :وقوله" :وجبريهل وميكال" .وهذا كثيهر
في القرآن وفي كلم العرب ،فقد ينص بالذكر على بعض أشخاص العموم إما لشرفه وإما لفضله،
كقوله تعالى" :إن أولى الناس بإبراهيهههم للذيهههن اتبعوه وهذا النهههبي" [آل عمران ]68 :وقوله:
"وجبريهل وميكال" [البقرة ،]98 :وإمها لطيبهه كقوله" :فاكههة ونخهل ورمان" [الرحمهن،]68 :
وإمها لكثريتهه ،كقوله صهلى ال عليهه وسهلم( :جعلت لي الرض مسهجدا وتربتهها طهورا) ،وإمها
لتمرده وعتوه كمها فهي هذه اليهة ،وال تعالى اعلم .وقهد قيهل :إن "مها" عطهف على السهحر وههي
مفعولة ،فعلى هذا يكون "مههها" بمعنهههى الذي ،ويكون السهههحر منزل على الملكيهههن فتنهههة للناس
وامتحانها ،ول أن يمتحهن عباده بمها شاء ،كمها امتحهن بنههر طالوت ،ولهذا يقول الملكان :إنمها نحهن
فتنة ،أي محنة من ال ،نخبرك أن عمل الساحر كفر فإن أطعتنا نجوت ،وإن عصيتنا هلكت .وقد
روي عن علي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وكعب الحبار والسدي والكلبي ما معناه :أنه
لما كثر الفساد من أولد آدم عليه السلم -وذلك في زمن إدريس عليه السلم -عيرتهم الملئكة،
فقال ال تعالى :أما إنكم لو كنتم مكانههم ،وركبت فيكهم ما ركبت فيههم لعملتم مثل أعمالهم ،فقالوا:
سهبحانك! مها كان ينبغهي لنها ذلك ،قال :فاختاروا ملكيهن مهن خياركهم ،فاختاروا هاروت وماروت،
فأنزلهمها إلى الرض فركهب فيهمها الشهوة ،فمها مهر بهمها شههر حتهى فتنها بامرأة اسهمها بالنبطيهة
"بيدخهت" وبالفارسهية "ناهيهل" وبالعربيهة "الزهرة" اختصهمت إليهمها ،وراوداهها عهن نفسهها فأبهت
إل أن يدخل في دينها ويشربا الخمر ويقتل النفس التي حرم ال ،فأجاباها وشربا الخمر وألما بها،
فرآهما رجل فقتله ،وسألتهما عن السم الذي يصعدان به إلى السماء فعلماها فتكلمت به فعرجت
فمسخت كوكبا .وقال سالم عن أبيه عن عبدال :فحدثني كعب الحبر أنهما لم يستكمل يومهما حتى
عمل بمها حرم ال عليهمها .وفهي غيهر هذا الحديهث :فخيرا بيهن عذاب الدنيها وعذاب الخرة فاختارا
عذاب الدنيها ،فهمها يعذبان ببابهل فهي سهرب مهن الرض .قيهل :بابهل العراق .وقيهل :بابهل نهاونهد،
وكان ابهن عمهر فيمها يروى عهن عطاء أنهه كان إذا رأى الزهرة وسههيل سهبهما وشتمهمها ،ويقول:
إن سهيل كان عشارا باليمن يظلم الناس ،وإن الزهرة كانت صاحبة هاروت وماروت.
قلنا :هذا كله ضعيف وبعيد عن ابن عمر وغيره ،ل يصح منه شيء ،فإنه قول تدفعه الصول
في الملئكة الذين هم أمناء ال على وحيه ،وسفراؤه إلى رسله "ل يعصون ال ما أمرهم ويفعلون
ما يؤمرون" [التحريم" .]6 :بل عباد مكرمون .ل يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون" [النبياء:
" .]27 - 26يسهبحون الليهل والنهار ل يفترون" [النهبياء .]20 :وأمها العقهل فل ينكهر وقوع
المعصهية مهن الملئكهة ويوجهد منههم خلف مها كلفوه ،ويخلق فيههم الشهوات ،إذ فهي قدرة ال تعالى
كل موهوم ،ومن هذا خوف النبياء والولياء الفضلء العلماء ،لكن وقوع هذا الجائز ل يدرك إل
بالسهمع ولم يصهح .وممها يدل على عدم صهحته أن ال تعالى خلق النجوم وهذه الكواكهب حيهن خلق
السماء ،ففي الخبر( :أن السماء لما خلقت خلق فيها سبعة دوارة زحل والمشتري وبهرام وعطارد
والزهرة والشمس والقمر" .وهذا معنى قول ال تعالى" :وكل في فلك يسبحون" [النبياء.]33 :
فثبههت بهذا أن الزهرة وسهههيل قههد كانهها قبههل خلق آدم ،ثههم إن قول الملئكههة" :مهها كان ينبغههي لنهها"
عورة :ل تقدر على فتنتنها ،وهذا كفهر نعوذ بال منهه ومهن نسهبته إلى الملئكهة الكرام صهلوات ال
عليهم أجمعين ،وقد نزهناهم وهم المنزهون عن كل ما ذكره ونقله المفسرون ،سبحان ربك رب
العزة عما يصفون.
قرأ ابهن عباس وابهن أبزى والضحاك والحسهن" :الملكيهن" بكسهر اللم .قال ابهن أبزى :همها داود
وسهليمان" .فمها" على هذا القول أيضها نافيهة ،وضعهف هذا القول ابهن العربهي .وقال الحسهن :همها
علجان كانا ببابل ملكين ،فه "ما" على هذا القول مفعولة غير نافية..
@قوله تعالى" :ببابهل" بابهل ل ينصهرف للتأنيهث والتعريهف والعجمهة ،وههي قطهر مهن الرض،
قيل :العراق وما واله .وقال ابن مسعود لهل الكوفة :أنتم بين الحيرة وبابل .وقال قتادة :هي من
نصهيبين إلى رأس العيهن .وقال قوم :ههي بالمغرب .قال ابهن عطيهة :وهذا ضعيهف .وقال قوم :ههو
جبل نهاوند ،فال تعالى اعلم.
واختلف فهي تسهميته ببابهل ،فقيهل :سهمي بذلك لتبلبهل اللسهن بهها حيهن سهقط صهرح نمروذ .وقيهل:
سهمي بهه لن ال تعالى لمها أراد أن يخالف بيهن ألسهنة بنهي آدم بعهث ريحها فحشرتههم مهن الفاق إلى
بابهل ،فبلبهل ال ألسهنتهم بهها ،ثهم فرقتههم تلك الريهح فهي البلد .والبلبلة :التفريهق ،قال معناه الخليهل.
وقال أبهو عمهر بهن عبدالبر :مهن أخصهر مها قيهل فهي البلبلة وأحسهنه مها رواه داود بهن أبهي هنهد عهن
علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس أن نوحا عليه السلم لما هبط إلى أسفل الجودي ابتنى
قرية وسماها ثمانين ،فأصبح ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة ،إحداها اللسان العربي،
وكان ل يفهم بعضهم عن بعض.
روى عبدال بن بشر المازني قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :اتقوا الدنيا فوالذي نفسي
بيده إنها لسحر من هاروت وماروت) .قال علماؤنا :إنما كانت الدنيا أسحر منهما لنها تسحرك
بخدعهها ،وتكتمهك فتنتهها ،فتدعوك إلى التحارص عليهها والتنافهس فيهها ،والجمهع لهها والمنهع ،حتهى
تفرق بينهك وبيهن طاعهة ال تعالى ،وتفرق بينهك وبيهن رؤيهة الحهق ورعايتهه ،فالدنيها أسهحر منهمها،
تأخههذ بقلبههك عههن ال ،وعههن القيام بحقوقههه ،وعههن وعده ووعيده .وسههحر الدنيهها محبتههها وتلذذك
بشهواتهها ،وتمنيهك بأمانيهها الكاذبهة حتهى تأخهذ بقلبهك ،ولهذا قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم
(حبك الشيء يعمي ويصم).
@قوله تعالى" :هاروت وماروت" ل ينصههرف "هاروت" ،لنههه أعجمههي معرفههة ،وكذا
"ماروت" ،ويجمع هواريت ومواريت ،مثل طواغيت ،ويقال :هوارتة وهوار ،وموارتة وموار،
ومثله جالوت وطالوت ،فاعلم .وقهد تقدم ههل همها ملكان أو غيرهمها؟ خلف .قال الزجاج :وروي
عهن علي رضهى ال عنهه أنهه قال :أي والذي أنزل على الملكيهن ،وأن الملكيهن يعلمان الناس تعليهم
إنذار مهن السهحر ل تعليهم دعاء إليهه .قال الزجاج :وهذا القول الذي عليهه أكثهر أههل اللغهة والنظهر،
ومعناه أنهمهها يعلمان الناس على النهههي فيقولن لهههم :ل تفعلوا كذا ،ول تحتالوا بكذا لتفرقوا بيههن
المرء وزوجه .والذي أنزل عليهما هو النهي ،كأنه قول للناس :ل تعملوا كذا ،فه "يعلمان" بمعنى
يعلمان ،كما قال" :ولقد كرمنا بني آدم" أي أكرمنا.
@قوله تعالى" :وما يعلمان من أحد" "من" زائدة للتوكيد ،والتقدير :وما يعلمان أحدا .والضمير
في "يعلمان" لهاروت وماروت .وفي "يعلمان" قولن ،أحدهما :أنه على بابه من التعليم .الثاني:
أنهه مهن العلم ل مهن التعليهم ،فهه "يعلمان" بمعنهى يعِلمْان ،وقهد جاء فهي كلم العرب تعلم بمعنهى
أعلم ،ذكره ابن العرابي وابن النباري .قال كعب بن مالك.
وأن وعيدا منك كالخذ باليد تعلم رسول ال أنك مدركي
وقال القطامي:
وأن لذلك الغي انقشاعا تعلم أن بعد الغي رشدا
وقال زهير:
فاقدر بذرعك وانظر أين تنسلك تعلمن ها لعمر ال ذا قسما
وقال آخر:
على متطير وهو الثبور تعلم أنه ل طير إل
"حتى يقول" نصب بحتى فلذلك حذفت منه النون ،ولغة هذيل وثقيف "عتى" بالعين المعجمة.
"إنما نحن فتنة" لما أنبأ بفتنتهما كانت الدنيا أسحر منهما حين كتمت فتنتها" .فل تكفر" قالت فرقة
بتعليهم السهحر ،وقالت فرقهة باسهتعماله .وحكهى المهدوي أنهه اسهتهزاء ،لنهمها إنمها يقولنهه لمهن قهد
تحققا ضلل.
**4قوله تعالى ...{ :فيتعلمون منهمها مها يفرقون به بيهن المرء وزوجهه ومها هم بضارين به مهن
أحهد إل بإذن ال ويتعلمون مها يضرههم ول ينفعههم ولقهد علموا لمهن اشتراه مها له فهي الخرة مهن
خلق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون}
@قوله تعالى" :فيتعلمون منهمها مها يفرقون بهه بيهن المرء وزوجهه" قال سهيبويه :التقديهر فههم
يتعلمون ،قال ومثله "كن فيكون" .وقيل :هو معطوف على موضع "ما يعلمان" ،لن قوله" :وما
يعلمان" وإن دخلت عليهه مها النافيهة فمضمنهه اليجاب فهي التعليهم .وقال الفراء :ههي مردودة على
قوله" :يعلمون الناس السحر" فيتعلمون ،ويكون "فيتعلمون" متصلة بقول "إنما نحن فتنة" فيأتون
فيتعلمون .قال السدي :كانا يقولن لمن جاءهما :إنما نحن فتنة فل تكفر ،فإن أبى أن يرجع قال له:
ائت هذا الرماد فبهل فيهه ،فإذا بال فيهه خرج منهه نور يسهطع إلى السهماء ،وههو اليمان ،ثهم يخرج
منه دخان أسود فيدخل في أذنيه وهو الكفر ،فإذا أخبرهما بما رآه من ذلك علماه ما يفرقون به بين
المرء وزوجه.
ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الساحر ليس يقدر على أكثر مما أخبر ال عنه من التفرقة ،لن
ال ذكهر ذلك فهي معرض الذم للسهحر والغايهة فهي تعليمهه ،فلو كان يقدر على أكثهر مهن ذلك لذكره.
وقالت طائفهة :ذلك خرج على الغلب ،ول ينكهر أن السهحر له تأثيهر فهي القلوب ،بالحهب والبغهض
وبإلقاء الشرور حتهى يفرق السهاحر بيهن المرء وزوجهه ،ويحول بيهن المرء وقلبهه ،وذلك بإدخال
اللم وعظيم السقام ،وكل ذلك مدرك بالمشاهدة وإنكاره معاندة ،وقد تقدم هذا ،والحمد ال.
@قوله تعالى" :وما هم بضارين به من أحد إل بإذن ال" "ما هم" ،إشارة إلى السحرة .وقيل إلى
اليهود ،وقيل إلى الشياطين" .بضارين به" أي بالسحر" .من أحد" أي أحدا ،ومن زائدة" .إل بإذن
ال" بإرادتهههه وقضائه ل بأمره ،لنهههه تعالى ل يأمهههر بالفحشاء ويقضهههي على الخلق بهههها .وقال
الزجاج" :إل بإذن ال" إل بعلم ال .قال النحاس :وقول أبههههي إسههههحاق "إل بإذن ال" إل بعلم ال
غلط ،لنه إنما يقال في العلم أذن ،وقد أذنت أذنا .ولكن لما لم يحل فيما بينهم وبينه وظلوا يفعلونه
كان كأنه أباحه مجازا.
@قوله تعالى" :ويتعلمون ما يضرهم ول ينفعهم" يريه في الخرة وإن أخذوا بها نفعا قليل في
الدنيا .وقيل :يضرهم في الدنيا ،لن ضرر السحر والتفريق يعود على الساحر في الدنيا إذا عثر
عليهه ،لنهه يؤدب ويزجهر ،ويلحقهه شؤم السهحر .وباقهي الي بيهن لتقدم معانيهها" .ولقهد علموا لمهن
اشتراه مها له فهي الخرة مهن خلق" واللم فهي "ولقهد علموا" لم توكيهد" .لمهن اشتراه" لم يميهن،
وهي للتوكيد أيضا .وموضع "من" رفع بالبتداء ،لنه ل يعمل ما قبل اللم فيعمل بعدها .و"من"
بمعنهى الذي .وقال الفراء .ههي للمجازاة .وقال الزجاج :ليهس هذا بموضهع شرط ،و"مهن" بمعنهى
الذي ،كمها تقول :لقهد علمهت ،لمن جاءك مها له عقهل" .مهن خلق" "مهن" زائدة ،والتقديهر مها له فهي
الخرة خلق ،ول تزاد فههههي الواجههههب ،هذا قول البصههههريين .وقال الكوفيون :تكون زائدة فههههي
الواجههب ،واسههتدلوا بقوله تعالى" :يغفههر لكههم مههن ذنوبكههم" [نوح ]4 :والخلق :النصههيب ،قاله
مجاههد .قال الزجاج :وكذلك ههو عنهد أههل اللغهة ،إل أنهه ل يكاد يسهتعمل إل للنصهيب مهن الخيهر.
وسئل عن قوله تعالى" :ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الخرة من خلق" فأخبر أنهم قد علموا.
@قوله تعالى" :ولبئس مها شروا بهه أنفسههم لو كانوا يعلمون" فأخهبر أنههم ل يعلمون ،فالجواب
وهو قول قطرب والخفهش :أن يكون الذيهن يعلمون الشياطيهن ،والذيهن شروا أنفسههم -أي باعوهها
-ههم النهس الذيهن ل يعلمون .قال الزجاج وقال علي بهن سهليمان :الجود عندي أن يكون "ولقهد
علموا" للملكيهن ،لنهمها أولى بأن يعلموا .وقال" :علموا" كمها يقال :الزيدان قاموا .وقال الزجاج:
الذيهن علموا علماء اليهود ،ولكهن قيهل" :لو كانوا يعلمون" أي فدخلوا فهي محهل مهن يقال له :لسهت
بعالم ،لنهم تركوا العمل بعلمهم واسترشدوا من الذين عملوا بالسحر.
* *3الية{ 103 :ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند ال خير لو كانوا يعلمون}
@قوله تعالى" :ولو أنههم آمنوا واتقوا" أي اتقوا السهحر" .لمثوبهة مهن عنهد ال خيهر لو كانوا
يعلمون" المثوبة الثواب ،وهي جواب "ولو أنهم آمنوا" عند قوم .قال الخفش سعيد :ليس له "لو"
هنها جواب فهي اللفهظ ولكهن فهي المعنهى ،والمعنهى لثيبوا .وموضهع "أن" مهن قوله" :ولو أنههم"
موضههع رفههع ،أي لو وقههع إيمانهههم ،لن "لو" ل يليههها إل الفعههل ظاهرا أو مضمرا ،لنههها بمنزلة
حروف الشرط إذ كان ل بهد له مهن جواب ،و"أن" يليه فعهل .قال محمهد بهن يزيهد :وإنمها لم يجاز بهه
"لو" لن سبيل حروف المجازاة كلها أن تقلب الماضي إلى معنى المستقبل ،فلما لم يكن هذا في
"لو" لم يجز أن يجازى بها.
* *3الية{ 104 :يا أيها الذين آمنوا ل تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب
أليم}
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا ل تقولوا راعنا" ذكر شيئا آخر من جهالت اليهود والمقصود
نههي المسهلمين عهن مثهل ذلك .وحقيقهة "راعنها" فهي اللغهة أرعنها ولنرعهك ،لن المفاعلة مهن اثنيهن،
فتكون من رعاك ال ،أي احفظنا ولنحفظك ،وارقبنا ولنرقبك .ويجوز أن يكون من أرعنا سمعك،
أي فرغ سمعك لكلمنها .وفهي المخاطبة بهذا جفاء ،فأمهر المؤمنين أن يتخيروا مهن اللفاظ أحسهنها
ومهن المعانهي أرقهها .قال ابهن عباس :كان المسهلمون يقولون للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم :راعنها.
على جهة الطلب والرغبة -من المراعاة -أي التفت إلينا ،وكان هذا بلسان اليهود سبا ،أي اسمع
ل سمعت ،فاغتنموها وقالوا :كنا نسبه سرا فالن نسبه جهرا ،فكانوا يخاطبون بها النبي صلى ال
عليهه وسهلم ويضحكون فيمها بينههم ،فسهمعها سهعد بهن معاذ وكان يعرف لغتههم ،فقال لليهود :عليكهم
لعنهة ال! لئن سهمعتها مهن رجهل منكهم يقولهها للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم لضربهن عنقهه ،فقالوا:
أولسهتم تقولونهها؟ فنزلت اليهة ،ونهوا عنهها لئل تقتدي بهها اليهود فهي اللفهظ وتقصهد المعنهى الفاسهد
فيه.
في هذه الية دليلن[:أحدهما] على تجنب اللفاظ المحتملة التي فيها التعريض للتنقيص والغض،
ويخرج مهن هذا فههم القذف بالتعريهض ،وذلك يوجهب الحهد عندنها خلفها لبهي حنيفهة والشافعههي
وأصهحابهما حيهن قالوا :التعريهض محتمهل للقذف وغيره ،والحهد ممها يسهقط بالشبههة .وسهيأتي فهي
"النور" بيان هذا ،إن شاء ال تعالى[ .الدليهل الثانهي] التمسهك بسهد الذرائع وحمايتهها وههو مذههب
مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل في رواية عنه ،وقد دل على هذا الصل الكتاب والسنة .والذريعة
عبارة عهن أمهر غيهر ممنوع لنفسهه يخاف مهن ارتكابهه الوقوع فهي ممنوع .أمها الكتاب فهذه اليهة،
ووجهه التمسهك بهها أن اليهود كانوا يقولون ذلك وههي سهب بلغتههم ،فلمها علم ال ذلك منههم منهع مهن
إطلق ذلك اللفهظ ،لنهه ذريعهة للسهب ،وقوله تعالى" :ول تسهبوا الذيهن يدعون مهن دون ال فيسهبوا
ال عدوا بغير علم" [النعام ]108 :فمنع من سب آلهتهم مخافة مقابلتهم بمثل ذلك ،وقوله تعالى:
"واسهألهم عهن القريهة التهي كانهت حاضرة البحهر" [العراف ]163 :اليهة ،فحرم عليههم تبارك
وتعالى الصهيد فهي يوم السهبت ،فكانهت الحيتان تأتيههم يوم السهبت شرعها ،أي ظاهرة ،فسهدوا عليهها
يوم السبت وأخذوها يوم الحد ،وكان السد ذريعة للصطياد ،فمسخهم ال قردة وخنازير ،وذكر
ال لنهها ذلك معنههى التحذيههر عههن ذلك ،وقوله تعالى لدم وحواء" :ول تقربهها هذه الشجرة" [البقرة:
]35وقد تقدم .وأما السنة فأحاديث كثيرة ثابتة صحيحة ،منها حديث عائشة رضي ال عنها أن
أم حبيبهة وأم سهلمة رضهي ال عنههن ذكرتها كنيسهة رأياهها بالحبشهة فيهها تصهاوير [فذكرتها ذلك]
لرسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم ،فقال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :إن أولئك إذا كان فيههم
الرجهل الصهالح فمات بنوا على قهبره مسهجدا وصهوروا فيهه تلك الصهور أولئك شرار الخلق عنهد
ال) .أخرجههه البخاري ومسههلم .قال علماؤنهها :ففعههل ذلك أوائلهههم ليتأنسههوا برؤيههة تلك الصههور
ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم ويعبدون ال عز وجل عند قبورهم ،فمضت لهم
بذلك أزمان ،ثهم أنههم خلف مهن بعدههم خلوف جهلوا أغراضههم ،ووسهوس لههم الشيطان أن آباءكهم
وأجدادكهم كانوا يعبدون هذه الصهورة فعبدوهها ،فحذر النهبي صهلى ال عليهه وسهلم عهن مثهل ذلك،
وشدد النكيهر والوعيهد على مهن فعهل ذلك ،وسهد الذرائع المؤديهة إلى ذلك فقال( :اشتهد غضهب ال
على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد) وقال( :اللهم ل تجعل قبري وثنا يعبد) .وروى
مسههلم عههن النعمان بههن بشيههر قال :سههمعت رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم يقول( :الحلل بيّن
والحرام بيهن وبينهمها أمور متشابهات فمهن اتقهى الشبهات اسهتبرأ لدينهه وعرضهه ومهن وقهع فهي
الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه) الحديث ،فمنع من القدام
على الشبهات مخافهة الوقوع فهي المحرمات ،وذلك سهدا للذريعهة .وقال صهلى ال عليهه وسهلم( :ل
يبلغ العبهد أن يكون مهن المتقيهن حتهى يدع مها ل بأس بهه حذرا ممها بهه البأس) .وقال صهلى ال عليهه
وسلم( :إن من الكبائر شتم الرجل والديه) قالوا :يا رسول ال وهل يشتم الرجل والديه؟ قال( :نعم
يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه) .فجعل التعرض لسب الباء كسب الباء .وقال
صلى ال عليه وسلم( :إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط
ال عليكم ذل ل ينزعه منكم حتى ترجعوا إلى دينكم) .وقال أبو عبيد الهروي :العينة هو أن يبيع
الرجل من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى ،ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به.
قال :فإن اشترى بحضرة طالب العينهة سهلعة مهن آخهر بثمهن معلوم وقبضهها ثهم باعهها مهن طالب
العينهة بثمهن أكثهر ممها اشتراه إلى أجهل مسهمى ثهم باعهها المشتري مهن البائع الول بالنقهد بأقهل مهن
الثمهن فهذه أيضها عينهة ،وههي أهون مهن الولى ،وههو جائز عنهد بعضههم .وسهميت عينهة لحصهول
النقهد لصهاحب العينهة ،وذلك لن العيهن ههو المال الحاضهر والمشتري إنمها يشتريهها ليبيعهها بعيهن
حاضهر يصهل إليهه مهن فوره .وروى ابهن وههب عهن مالك أن أم ولد لزيهد بهن الرقهم ذكرت لعائشهة
رضهي ال عنهها أنهها باعهت مهن زيهد عبدا بثمانمائة إلى العطاء ثهم ابتاعتهه منهه بسهتمائة نقدا ،فقالت
عائشة :بئس ما شريت ،وبئس ما اشتريت! أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول ال صلى ال
عليهه وسهلم إن لم يتهب .ومثهل هذا ل يقال بالرأي ،لن إبطال العمال ل يتوصهل إلى معرفتهها إل
بالوحهي ،فثبهت أنهه مرفوع إلى النهبي صهلى ال عليهه وسهلم ال عليهه وسهلم .وقال عمهر بهن الخطاب
رضي ال عنه :دعوا الربا والريبة .ونهى ابن عباس رضي ال عنهما عن دراهم بدراهم بينهما
حريزة.
قلت :فهذه ههي الدلة التهي لنها على سهد الذرائع ،وعليهه بنهى المالكيهة كتاب الجال وغيره مهن
المسههائل فههي البيوع وغيرههها .وليههس عنههد الشافعيههة كتاب الجال .لن ذلك عندهههم عقود مختلفههة
مسهههتقلة ،قالوا :وأصهههل الشياء على الظواههههر ل على الظنون .والمالكيهههة جعلوا السهههلعة محللة
ليتوصل بها إلى دراهم بأكثر منها ،وهذا هو الربا بعينه ،فاعلمه.
"ل تقولوا راعنا" نهي يقتضي التحريم ،على ما تقدم .وقرأ الحسن "راعنا" منونة .وقال :أي
هجرا من القول ،وهو مصدر ونصبه بالقول ،أي ل تقولوا رعونة .وقرأ زر بن حبيش والعمش
"راعونها" ،يقال لمها نتهأ مهن الجبهل :رعهن ،والجبهل أرعهن .وجيهش أرعهن أي متفرق .وكذا رجهل
أرعن ،أي متفرق الحجج وليس عقله مجتمعا ،عن النحاس .وقال ابن فارس :رعن الرجل يرعن
رعنا فهو أرعن ،أي أهوج .والمرأة رعناء .وسميت البصرة رعناء لنها تشبه برعن الجبل ،قال
ابن دريد ذلك ،وأنشد للفرزدق:
مهها كانههت البصههرة الرعناء لي وطنهها@قوله تعالى: لول ابههن عتبههة عمرو والرجاء له
"وقولوا انظرنها" أمروا أن يخاطبوه صهلى ال عليهه وسهلم بالجلل ،والمعنهى :أقبهل علينها وانظهر
إلينا ،فحذف حرف التعدية ،كما قال:
ن كما ينظر الراك الظباء ظاهرات الجمال والحسن ينظر
أي إلى الراك .وقال مجاهد :المعنى فهمنا وبين لنا .وقيل :المعنى انتظرنا وتأن بنا ،قال:
من الدهر ينفعني لدى أم جندب فإنكما إن تنظراني ساعة
والظاهر استدعاء نظر العين المقترن بتدبر الحال ،وهذا هو معنى راعنا ،فبدلت اللفظة للمؤمنين
وزال تعلق اليهود .وقرأ العمههش وغيره "انظرنهها" بقطههع اللف وكسههر الظاء ،بمعنههى أخرنهها
وأمهلنا حتى نفهم عنك ونتلقى منك ،قال الشاعر:
وانظرنا نخبرك اليقينا أبا هند فل تعجل علينا
@قوله تعالى" :واسمعوا وللكافرين عذاب أليم" لما نهى وأمر جل وعز ،حض على السمع الذي
في ضمنه الطاعة واعلم أن لمن خالف أمره فكفر عذابا أليما.
* *3الية{ 105 :ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ول المشركين أن ينزل عليكم من خير
من ربكم وال يختص برحمته من يشاء وال ذو الفضل العظيم}
@قوله تعالى" :مها يود" أي مها يتمنهى ،وقهد تقدم" .الذيهن كفروا مهن أههل الكتاب ول المشركيهن"
معطوف على "أههل" .ويجوز :ول المشركون ،تعطفهه على الذيهن ،قاله النحاس" .أن ينزل عليكهم
من خير من ربكم" "من "زائدة" ،خير" اسم ما لم يسم فاعله .و"أن" في موضع نصب ،أي بأن
ينزل.
@قوله تعالى" :وال يختص برحمته من يشاء" قال علي بن أبي طالب رضي ال عنه" :يختص
برحمتهه" أي بنبوتهه ،خهص بهها محمدا صهلى ال عليهه وسهلم .وقال قوم :الرحمهة القرآن .وقيهل:
الرحمة في هذه الية عامة لجميع أنواعها التي قد منحها ال عباده قديما وحديثا ،يقال :رحم يرحم
إذا رق .والرحههم والمرحمههة والرحمههة بمعنههى ،قال ابهن فارس .ورحمهة ال لعباده :إنعامهه عليهههم
وعفوه لهم.
@قوله تعالى" :وال ذو الفضل العظيم" "ذو" بمعنى صاحب.
* *3الية{ 106 :ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخيهر منها أو مثلها ألم تعلم أن ال على كل
شيء قدير} فيها خمس عشرة مسألة:
@الولى :قوله تعالى" :ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها" "ننسها" عطف على "ننسخ"
وحذفهت الياء للجزم .ومهن قرأ "ننسهأها" حذف الضمهة مهن الهمزة للجزم ،وسهيأتي معناه" .نأت"
جواب الشرط ،وهذه آيهة عظمهى فهي الحكام .وسهببها أن اليهود لمها حسهدوا المسهلمين فهي التوجهه
إلى الكعبهة وطعنوا فهي السهلم بذلك ،وقالوا :إن محمدا يأمهر أصهحابه بشيهء ثهم ينهاههم عنهه ،فمها
كان هذا القرآن إل مهن جهتهه ،ولهذا يناقهض بعضهه بعضها ،فأنزل ال" :وإذا بدلنها آيهة مكان آيهة"
[النحل ]101 :وأنزل "ما ننسخ من آية".
@الثانية :معرفة هذا الباب أكيدة وفائدته عظيمة ،ل يسهتغني عن معرفته العلماء ،ول ينكره إل
الجهلة الغهبياء ،لمها يترتهب عليهه مهن النوازل فهي الحكام ،ومعرفهة الحلل مهن الحرام .روى أبهو
البختري قال :دخههل علي رضههي ال عنههه المسههجد فإذا رجههل يخوف الناس ،فقال :مهها هذا؟ قالوا:
رجل يذكر الناس ،فقال :ليس برجل يذكر الناس! لكنه يقول أنا فلن ابن فلن فاعرفوني ،فأرسل
إليهه فقال :أتعرف الناسهخ مهن المنسهوخ؟! فقال :ل ،قال :فاخرج مهن مسهجدنا ول تذكهر فيهه .وفهي
روايهة أخرى :أعلمهت الناسهخ والمنسهوخ؟ قال :ل ،قال :هلكهت وأهلكهت! .ومثله عهن ابهن عباس
رضي ال عنهما.
@الثالثة :النسخ في كلم العرب على وجهين:
[أحدهمها] النقهل ،كنقهل كتاب مهن آخهر .وعلى هذا يكون القرآن كله منسهوخا ،أعنهي مهن اللوح
المحفوظ وإنزاله إلى بيههت العزة فههي السههماء الدنيهها ،وهذا ل مدخههل له فههي هذه اليههة ،ومنههه قوله
تعالى" :إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون" [الجاثية ]29 :أي نأمر بنسخه وإثباته.
الثاني :البطال والزالة ،وهو المقصود هنا ،وهو منقسم في اللغة على ضربين :أحدهما :إبطال
الشيء وزواله وإقامة آخر مقامه ،ومنه نسخت الشمس الظل إذا أذهبته وحلت محله ،وهو معنى
قوله تعالى" :ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها" .وفي صحيح مسلم( :لم تكن نبوة قط إل
تناسهخت) أي تحولت مهن حال إلى حال ،يعنهي أمهر المهة .قال ابهن فارس :النسهخ نسهخ الكتاب،
والنسهخ أن تزيهل أمرا كان مهن قبهل يعمهل بهه ثهم تنسهخه بحادث غيره ،كاليهة تنزل بأمهر ثهم ينسهخ
بأخرى .وكل شيء خلف شيئا فقد انتسخه ،يقال :انتسخت الشمس الظل ،والشيب الشباب .وتناسخ
الورثة :أن تموت ورثة بعد ورثة وأصل الميراث قائم لم يقسم ،وكذلك تناسخ الزمنة والقرون.
إزالة الشيهء دون أن يقوم آخهر مقامهه ،كقولههم :نسهخت الريهح الثهر ،ومهن هذا المعنهى قوله تعالى
"فينسخ ال ما يلقي الشيطان" [الحج ]52 :أي يزيله فل يتلى ول يثبت في المصحف بدله .وزعم
أبو عبيد أن هذا النسخ الثاني قد كان ينزل على النبي صلى ال عليه وسلم السورة فترفع فل تتلى
ول تكتب.
قلت :ومنه ما روي عن أبي بن كعب وعائشة رضي ال عنهما أن سورة "الحزاب" كانت تعدل
سهورة البقرة فهي الطول ،على مها يأتهي مبينها هناك إن شاء ال تعالى .وممها يدل على هذا مها ذكره
أبو بكر النباري حدثنا أبي حدثنا نصر بن داود حدثنا أبو عبيد حدثنا عبدال بن صالح عن الليث
عهن يونهس وعقيهل عهن ابهن شهاب قال :حدثنهي أبهو أمامهة بهن سههل بهن حنيهف فهي مجلس سهعيد بهن
المسيب أن رجل قام من الليل ليقرأ سورة من القرآن فلم يقدر على شيء منها ،وقام آخر فلم يقدر
على شيء منها ،فغدوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال أحدهم :قمت الليلة يا رسول ال
لقرأ سهورة مهن القرآن فلم أقدر على شيهء منهها ،فقام الخهر فقال :وأنها وال كذلك يها رسهول ال،
فقام الخهر فقال :وأنها وال كذلك يها رسهول ال ،فقال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :إنهها ممها
نسهخ ال البارحهة) .وفهي إحدى الروايات :وسهعيد بهن المسهيب يسهمع مها يحدث بهه أبهو أمامهة فل
ينكره.
@الرابعهة :أنكرت طوائف مهن المنتميهن للسهلم المتأخريهن جوازه ،وههم محجوجون بإجماع
السهلف السهابق على وقوعهه فهي الشريعهة .وأنكرتهه أيضها طوائف مهن اليهود ،وههم محجوجون بمها
جاء فهي توراتههم بزعمههم أن ال تعالى قال لنوح عليهه السهلم عنهد خروجهه مهن السهفينة :إنهي قهد
جعلت كهل دابهة مأكل لك ولذريتهك ،وأطلقهت ذلك لكهم كنبات العشهب ،مها خل الدم فل تأكلوه .ثهم
حرم على موسى وعلى بني إسرائيل كثيرا من الحيوان ،وبما كان آدم عليه السلم يزوج الخ من
الخهت ،وقهد حرم ال ذلك على موسهى عليهه السهلم وعلى غيره ،وبأن إبراهيهم الخليهل أمهر بذبهح
ابنه ثم قال له :ل تذبحه ،وبأن موسى أمر بني إسرائيل أن يقتلوا من عبد منهم العجل ،ثم أمرهم
برفع السيف عنهم ،وبأن نبوته غير متعبد بها قبل بعثه ،ثم تعبد بها بعد ذلك ،إلى غير ذلك .وليس
هذا من باب البداء بل هو نقل العباد من عبادة إلى عبادة ،وحكم إلى حكم ،لضرب من المصلحة،
إظهارا لحكمتهه وكمال مملكتهه .ول خلف بيهن العقلء أن شرائع النهبياء قصهد بهها مصهالح الخلق
الدينية والدنيوية ،وإنما كان يلزم البداء لو لم يكن عالما بمآل المور ،وأما العالم بذلك فإنما تتبدل
خطاباته بحسب تبدل المصالح ،كالطبيب المراعي أحوال العليل ،فراعى ذلك في خليقته بمشيئته
وإرادتههه ،ل إله إل هههو ،فخطابههه يتبدل ،وعلمههه وإرادتههه ل تتغيههر ،فإن ذلك محال فههي جهههة ال
تعالى.
وجعلت اليهود النسههههخ والبداء شيئا واحدا ،ولذلك لم يجوزوه فضلوا .قال النحاس :والفرق بيههههن
النسهخ والبداء أن النسهخ تحويهل العبادة مهن شيهء إلى شيهء قهد كان حلل فيحرم ،أو كان حرامها
فيحلل .وأمها البداء فههو ترك مها عزم عليهه ،كقولك :امهض إلى فلن اليوم ،ثهم تقول ل تمهض إليهه،
فيبدو لك العدول عن القول الول ،وهذا يلحق البشر لنقصانهم .وكذلك إن قلت :ازرع كذا في هذه
السنة ،ثم قلت :ل تفعل ،فهو البداء.
@الخامسة :اعلم أن الناسخ على الحقيقة هو ال تعالى ،ويسمى الخطاب الشرعي ناسخا تجوزا،
إذ بهه يقهع النسهخ ،كمها قهد يتجوز فيسهمى المحكوم فيهه ناسهخا ،فيقال :صهوم رمضان ناسهخ لصهوم
عاشوراء ،فالمنسوخ هو المزال ،والمنسوخ عنه هو المتعبد بالعبادة المزالة ،وهو المكلف.
@السادسة :اختلفت عبارات أئمتنا في حد الناسخ ،فالذي عليه الحذاق من أهل السنة أنه إزالة ما
قهد استقر من الحكهم الشرعهي بخطاب وارد متراخيا ،هكذا حده القاضهي عبدالوهاب والقاضهي أبهو
بكههر ،وزادا :لوله لكان السههابق ثابتهها ،فحافظهها على معنههى النسههخ اللغوي ،إذ هههو بمعنههى الرفههع
والزالة ،وتحرزا مههن الحكههم العقلي ،وذكههر الخطاب ليعههم وجوه الدللة مههن النههص والظاهههر
والمفهوم وغيره ،وليخرج القياس والجماع ،إذ ل يتصور النسخ فيهما ول بهما .وقيدا بالتراخي،
لنهه لو اتصهل بهه لكان بيانها لغايهة الحكهم ل ناسهخا ،أو يكون آخهر الكلم يرفهع أوله ،كقولك :قهم ل
تقم.
@السابعة :المنسوخ عند أئمتنا أهل السنة هو الحكم الثابت نفسه ل مثله ،كما تقوله المعتزلة بأنه
الخطاب الدال على أن مثهل الحكهم الثابهت فيمها يسهتقبل بالنهص المتقدم زائل .والذي قادههم إلى ذلك
مذهبههم فهي أن الوامهر مراده ،وأن الحسهن صهفة نفسهية للحسهن ،ومراد ال حسهن ،وهذا قهد أبطله
علماؤنا في كتبهم.
@الثامنهة :اختلف علماؤنها فهي الخبار ههل يدخلهها النسهخ ،فالجمهور على أن النسهخ إنمها ههو
مختهص بالوامهر والنواههي ،والخهبر ل يدخله النسهخ لسهتحالة الكذب على ال تعالى .وقيهل :إن
الخهبر إذا تضمهن حكمها شرعيها جاز نسهخه ،كقوله تعالى" :ومهن ثمرات النخيهل والعناب تتخذون
منه سكرا "[النحل .]67 :وهناك يأتي القول فيه إن شاء ال تعالى.
@التاسعة :التخصيص من العموم يوهم أنه نسخ وليس به ،لن المخصص لم يتناول العموم قط،
ولو ثبههت تناول العموم لشيههء مهها ثههم أخرج ذلك الشيههء عههن العموم لكان نسههخا ل تخصههيصا،
والمتقدمون يطلقون على التخصيص نسخا توسعا ومجازا.
@العاشرة :اعلم أنهه قهد يرد فهي الشرع أخبار ظاهرهها الطلق والسهتغراق ،ويرد تقييدهها فهي
موضع آخر فيرتفع ذلك الطلق ،كقوله تعالى" :وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة
الداعي إذا دعان" [البقرة .]186 :فهذا الحكم ظاهره خبر عن إجابة كل داع على كل حال ،لكن
قد جاء ما قيده في موضع آخر ،كقوله "فيكشف ما تدعون إليه إن شاء" [النعام .]41 :فقد يظن
مههن ل بصههيرة عنده أن هذا مههن باب النسههخ فههي الخبار وليههس كذلك ،بههل هههو مههن باب الطلق
والتقييد .وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان في موضعها إن شاء ال تعالى.
@الحاديهة عشرة :قال علماؤنها رحمههم ال تعالى :جائز نسهخ الثقهل إلى الخهف ،كنسهخ الثبوت
لعشرة بالثبوت لثنيههن .ويجوز نسههخ الخههف إلى الثقههل ،كنسههخ يوم عاشوراء واليام المعدودة
برمضان ،على ما يأتي بيانه في آية الصيام .وينسخ المثل بمثله ثقل وخفة ،كالقبلة .وينسخ الشيء
ل إلى بدل كصهدقة النجوى .وينسهخ القرآن بالقرآن .والسهنة بالعبارة ،وهذه العبارة يراد بهها الخهبر
المتواتهر القطعهي .وينسهخ خهبر الواحهد بخهبر الواحهد .وحذاق الئمهة على أن القرآن ينسهخ بالسهنة،
وذلك موجود فههي قوله عليههه السههلم( :ل وصههية لوارث) .وهههو ظاهههر مسههائل مالك .وأبههى ذلك
الشافعي وأبو الفرج المالكي ،والول أصح ،بدليل أن الكل حكم ال تعالى ومن عنده وإن اختلفت
في السماء .وأيضا فإن الجلد ساقط في حد الزنى عن الثيب الذي يرجم ،ول مسقط لذلك إل السنة
فعل النبي صلى ال عليه وسلم ،هذا بين .والحذاق أيضا على أن السنة تنسخ بالقرآن وذلك موجود
في القبلة ،فإن الصلة إلى الشام لم تكن في كتاب ال تعالى .وفي قوله تعالى" :فل ترجعوهن إلى
الكفار" [الممتحنهة ]10 :فإن رجوعههن إنمها كان بصهلح النهبي صهلى ال عليهه وسهلم لقريهش.
والحذاق على تجويز نسخ القرآن بخبر الواحد عقل ،واختلفوا هل وقع شرعا ،فذهب أبو المعالي
وغيره إلى وقوعه فهي نازلة مسهجد قباء ،على مها يأتهي بيانهه ،وأبهى ذلك قوم .ول يصح نسهخ نص
بقياس ،إذ مهن شروط القياس أل يخالف نصها .وهذا كله فهي مدة النهبي صهلى ال عليهه وسهلم ،وأمها
بعد موته واستقرار الشريعة فأجمعت المة أنه ل نسخ ،ولهذا كان الجماع ل ينسخ ول ينسخ به
إذ انعقاده بعهد انقطاع الوحهي ،فإذا وجدنها إجماعها يخالف نصها فيعلم أن الجماع اسهتند إلى نهص
ناسخ ل نعلمه نحن ،وأن ذلك النص المخالف متروك العمل به ،وأن مقتضاه نسخ وبقي سنة يقرأ
ويروى ،كمها آيهة عدة السهنة فهي القرآن تتلى ،فتأمهل هذا فإنهه نفيهس ،ويكون مهن باب نسهخ الحكهم
دون التلوة ،ومثله صهدقة النجوى .وقهد تنسهخ التلوة دون الحكهم كآيهة الرجهم .وقهد تنسهخ التلوة
والحكم معا ،ومنه قول الصهديق رضي ال عنه :كنا نقرأ "ل ترغبوا عن آبائكهم فإنه كفهر" ومثله
كثير.
والذي عليهه الحذاق أن مهن لم يبلغهه الناسهخ فههو متعبهد بالحكهم الول ،كمها يأتهي بيانهه فهي تحويهل
القبلة .والحذاق على جواز نسههخ الحكههم قبههل فعله ،وهههو موجود فههي قصههة الذبيههح ،وفههي فرض
خمسهين صهلة قبهل فعلهها بخمهس ،على مها يأتهي بيانهه فهي "السهراء" و"الصهافات" ،إن شاء ال
تعالى.
@الثانية عشر :لمعرفة الناسخ طرق ،منها -أن يكون في اللفظ ما يدل عليه ،كقوله عليه السلم:
(كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن الشربة إل في ظروف الدم فاشربوا في
كههل وعاء غيههر أل تشربوا مسههكرا) ونحوه .ومنههها -أن يذكههر الراوي التاريههخ ،مثههل أن يقول:
سهمعت عام الخندق ،وكان المنسهوخ معلومها قبله .أو يقول :نسهخ حكهم كذا بكذا .ومنهها -أن تجمهع
المة على حكم أنه منسوخ وأن ناسخة متقدم .وهذا الباب مبسوط في أصول الفقه ،نبهنا منه على
ما فيه لمن اقتصر كفاية ،وال الموفق للهداية.
@الثالثهة عشرة :قرأ الجمهور "مها ننسهخ" بفتهح النون ،مهن نسهخ ،وههو الظاههر المسهتعمل على
معنى :ما نرفع من حكم آية ونبقي تلوتها ،كما تقدم .ويحتمل أن يكون المعنى :ما نرفع من حكم
آيهة وتلوتهها ،على مها ذكرناه .وقرأ ابهن عامهر "ننسهخ" بضهم النون ،مهن أنسهخت الكتاب ،على
معنهى وجدتهه منسهوخا .قال أبهو حاتهم :ههو غلط :وقال الفارسهي أبهو علي :ليسهت لغهة ،لنهه ل يقال:
نسهخ وأنسهخ بمعنهى ،إل أن يكون المعنهى مها نجده منسهوخا ،كمها تقول :أحمدت الرجهل وأبخلتهه،
بمعنهى وجدته محمودا وبخيل .قال أبو علي :وليس نجده منسوخا إل بأن ننسخه ،فتتفق القراءتان
فهي المعنهى وإن اختلفتها فهي اللفهظ .وقيهل" :مها ننسهخ" مها نجعهل لك نسهخه ،يقال :نسهخت الكتاب إذا
كتبتههه ،وانتسههخته غيري إذا جعلت نسههخه له .قال مكههي :ول يجوز أن تكون الهمزة للتعدي ،لن
المعنهى يتغيهر ،ويصهير المعنهى مها ننسهخك مهن آيهة يها محمهد ،وإنسهاخه إياهها إنزالهها عليهه ،فيصهير
المعنهى مها ننزل عليهك مهن آيهة أو ننسهها نأت بخيهر منهها أو مثلهها ،فيؤول المعنهى إلى أن كهل آيهة
أنزلت أتهى بخيهر منهها ،فيصهير القرآن كله منسهوخا وهذا ل يمكهن ،لنهه لم ينسهخ إل اليسهير مهن
القرآن .فلمها امتنهع أن يكون أفعهل وفعهل بمعنهى إذ لم يسهمع ،وامتنهع أن تكون الهمزة للتعدي لفسهاد
المعنى ،لم يبق ممكن إل أن يكون من باب أحمدته وأبخلته إذا وجدته محمودا أو بخيل.
@الرابعة عشرة :قوله تعالى" :أو ننسها" قرأ أبو عمرو وابن كثير بفتح النون والسين والهمز،
وبههه قرأ عمههر وابههن عباس وعطاء ومجاهههد وأبههي بههن كعههب وعبيههد بههن عميههر والنخعههي وابههن
محيصهن ،مهن التأخيهر ،أي نؤخهر نسهخ لفظهها ،أي نتركهه فهي آخهر أم الكتاب فل يكون .وهذا قول
عطاء .وقال غير عطاء :معنى أو ننسأها :نؤخرها عن النسخ إلى وقت معلوم ،من قولهم :نسأت
هذا المهر إذا أخرتهه ،ومهن ذلك قولههم :بعتهه نسهأ إذا أخرتهه .قال ابهن فارس :ويقولون :نسهأ ال فهي
أجلك ،وأنسهأ ال أجلك .وقهد انتسهأ القوم إذا تأخروا وتباعدوا ،ونسهأتهم أنها أخرتههم .فالمعنهى نؤخهر
نزولها أو نسخها على ما ذكرنا .وقيل :نذهبها عنكم حتى ل تقرأ ول تذكر .وقرأ الباقون "ننسها"
بضهم النون ،مهن النسهيان الذي بمعنهى الترك ،أي نتركهها فل نبدلهها ول ننسهخها ،قاله ابهن عباس
والسههدي ،ومنههه قوله تعالى" :نسههوا ال فنسههيهم" [التوبههة ]67 :أي تركوا عبادتههه فتركهههم فههي
العذاب .واختار هذه القراءة أبهو عبيههد وأبههو حاتهم ،قال أبهو عبيههد :سهمعت أبها نعيههم القارئ يقول:
قرأت على النبي صلى ال عليه وسلم في المنام بقراءة أبي عمرو فلم يغير علي إل حرفين ،قال:
قرأت عليههه "أرنهها" [البقرة ]128 :فقال :أرنهها ،فقال أبههو عبيههد :وأحسههب الحرف الخههر "أو
ننسأها" فقال" :أو ننسها" .وحكى الزهري "ننسها" نأمر بتركها ،يقال :أنسيته الشيء أي أمرت
بتركه ،ونسيته تركته ،قال الشاعر:
لست بناسيها ول منسيها إن علي عقبة أقضيها
أي ول آمههر بتركههها .وقال الزجاج :إن القراءة بضههم النون ل يتوجههه فيههها معنههى الترك ،ل يقال:
أنسى بمعنى ترك ،وما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "أو ننسها "قال :نتركها ل نبدلها،
فل يصح .ولعل ابن عباس قال :نتركها ،فلم يضبط .والذي عليه أكثر أهل اللغة والنظر أن معنى
"أو ننسها" نبح لكم تركها ،من نسي إذا ترك ،ثم تعديه .وقال أبو علي وغيره :ذلك متجه ،لنه
بمعنهى نجعلك تتركهها .وقيهل :مهن النسهيان على بابهه الذي هو عدم الذكهر ،على معنهى أو ننسهكها يها
محمهد فل تذكرهها ،نقهل بالهمهز فتعدى الفعهل إلى مفعوليهن :وهمها النهبي والهاء ،لكهن اسهم النهبي
محذوف.
@الخامسة عشر :قوله تعالى" :نأت بخير منها" لفظة "بخير" هنا صفة تفضيل ،والمعنى بأنفع
لكهم أيهها الناس فهي عاجهل إن كانهت الناسهخة أخهف ،وفهي آجهل إن كانهت أثقهل ،وبمثلهها إن كانهت
مسهتوية .وقال مالك :محكمهة مكان منسهوخة .وقيهل ليهس المراد بأخيهر التفضيهل ،لن كلم ال ل
يتفاضهل ،وإنمها هو مثهل قوله" :مهن جاء بالحسهنة فله خيهر منهها" [النمهل ]89 :أي فله منهها خيهر،
أي نفع وأجر ،ل الخير الذي هو بمعنى الفضل ،ويدل على القول الول قوله" :أو مثلها".
* *3الية{ 107 :ألم تعلم أن ال له ملك السماوات والرض وما لكم من دون ال من ولي ول
نصير}
@قوله تعالى" :ألم تعلم أن ال له ملك السهماوات والرض" "ألم تعلم" جزم بلم ،وحروف
السههتفهام ل تغيههر عمههل العامههل ،وفتحههت "أن" لنههها فههي موضههع نصههب" .له ملك السههماوات
والرض" أي باليجاد والختراع ،والملك والسهههلطان ،ونفوذ المهههر والرادة .وارتفهههع "ملك"
بالبتداء ،والخبر "له" والجملة خبر "أن" .والخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد أمته.
@قوله تعالى" :وما لكم من دون ال من ولي ول نصير" المعنى أي قل لهم يا محمد ألم تعلموا
أن ل سلطان السموات والرض وما لكم من دون ال من ولي ،من وليت أمر فلن ،أي قمت به،
ومنه ولي العههد ،أي القيم بما عهد إليه مهن أمر المسلمين .ومعنهى "من دون ال" سوى ال وبعهد
ال ،كما قال أمية بن أبي الصلت:
وما على حدثان الدهر من باق يا نفس ما لك دون ال من واق
وقراءة الجماعة "ول نصير" بالخفض عطفا على "ولي" ويجوز "ول نصير" بالرفع عطفا على
الموضع ،لن المعنى ما لكم من دون ال ولي ول نصير.
* *3اليهة{ 108 :أم تريدون أن تسهألوا رسهولكم كمها سهئل موسهى مهن قبهل ومهن يتبدل الكفهر
باليمان فقد ضل سواء السبيل}
@قوله تعالى" :أم تريدون" هذه "أم" المنقطعهة التهي بمعنهى بهل ،أي بهل تريدون ،ومعنهى الكلم
التوبيخ.
"أن تسألوا رسولكم" في موضع نصب "تريدون"" .كما سئل موسى من قبل" الكاف في موضع
نصب نعت لمصدر ،أي سؤال كما .و"موسى" في موضع رفع على ما لم يسم فاعله" .من قبل":
سههؤالهم إياه أن يريهههم ال جهرة ،وسههألوا محمدا أن يأتههي بال والملئكههة قههبيل .عههن ابههن عباس
ومجاهد :سألوا أن يجعل لهم الصفا ذهبا .وقرأ الحسن "كما سيل" ،وهذا على لغة من قال :سلت
أسههأل ،ويجوز أن يكون على بدل الهمزة ياء سههاكنة على غيههر قياس فانكسههرت السههين قبلههها .قال
النحاس :بدل الهمزة بعيد.
@قوله تعالى" :ومن يتبدل الكفر باليمان فقد ضل سواء السبيل" والسواء من كل شيء :الوسط.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى ،ومنه قوله" :في سواء الجحيم" [الصافات .]55 :وحكى عيسى
بهن عمهر قال :مها زلت أكتهب حتهى انقطهع سهوائي ،وأنشهد قول حسهان يرثهي رسهول ال صهلى ال
عليه وسلم.
بعد المغيب في سواء الملحد يا ويح أصحاب النبي ورهطه
وقيهل :السهواء القصهد ،عهن الفراء ،أي ذههب عهن قصهد الطريهق وسهمته ،أي طريهق طاعهة ال عهز
وجهل .وعهن ابهن عباس أيضها أن سهبب نزول هذه اليهة أن رافهع بهن خزيمهة ووههب بهن زيهد قال
للنبي صلى ال عليه وسلم :ائتنا بكتاب من السماء نقرؤه ،وفجر لنا أنهارا نتبعك.
* *3اليهة{109 :ود كثيهر مهن أههل الكتاب لو يردونكهم مهن بعهد إيمانكهم كفارا حسهدا مهن عنهد
أنفسههم مهن بعهد مها تهبين لههم الحهق فاعفوا واصهفحوا حتهى يأتهي ال بأمره إن ال على كهل شيهء
قدير}
@قوله تعالى" :ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم
من بعد ما تبين لهم الحق" فيها مسألتان:
الولى" :ود" تمنهى ،وقهد تقدم" .كفارا" مفعول ثان بهه "يردونكهم"" .مهن عنهد أنفسههم" قيهل :ههو
متعلق "بود" .وقيهل :بهه "حسهدا" ،فالوقهف على قوله" :كفارا" .و"حسهدا" مفعول له ،أي ودوا ذلك
للحسهد ،أو مصهدر دل على ما قبله على الفعل .ومعنى "من عند أنفسهم" أي من تلقائهم من غير
أن يجدوه فههي كتاب ول أمروا بههه ،ولفظههة الحسههد تعطههى هذا .فجاء "مههن عنههد أنفسهههم" تأكيدا
وإلزامهها ،كمهها قال تعالى" :يقولون بأفواههههم" [آل عمران" ،]167 :يكتبون الكتاب بأيديهههم"
[البقرة" ،]79 :ول طائر يطير بجناحيه"[ .النعام .]38 :والية في اليهود.
الثانيههة :الحسههد نوعان :مذموم ومحمود ،فالمذموم أن تتمنههى زوال نعمههة ال عههن أخيههك المسههلم،
وسهواء تمنيهت مهع ذلك أن تعود إليهك أو ل ،وهذا النوع الذي ذمهه ال تعالى فهي كتابهه بقوله" :أم
يحسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله" [النساء ]54 :وإنما كان مذموما لن فيه تسفيه الحق
سهبحانه ،وأنهه أنعهم على مهن ل يسهتحق .وأمها المحمود فههو مها جاء فهي صهحيح الحديهث مهن قوله
عليه السلم( :ل حسد إل في اثنين رجل آتاه ال القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل
آتاه ال مال فهههو ينفقههه آناء الليههل وآناء النهار) .وهذا الحسههد معناه الغبطههة .وكذلك ترجههم عليههه
البخاري "باب الغتباط فهي العلم والحكمهة" .وحقيقتهها :أن تتمنهى أن يكون لك مها لخيهك المسهلم
من الخير والنعمة ول يزول عنه خيره ،وقد يجوز أن يسمى هذا منافسة ،ومنه قوله تعالى" :وفي
ذلك فليتنافس المتنافسون" [المطففين ]26 :أي "من بعد ما تبين لهم الحق" أي من بعد ما تبين
الحق لهم وهو محمد صلى ال عليه وسلم ،والقرآن الذي جاء به.
@قوله تعالى" :فاعفوا واصفحوا" فيه مسألتان:
الولى :قوله تعالى" :فاعفوا" والصههل اعفووا حذفههت الضمههة لثقلههها ،ثههم حذفههت الواو للتقاء
السهاكنين .والعفهو :ترك المؤاخذة بالذنهب .والصهفح :إزالة أثره مهن النفهس .صهفحت عهن فلن إذا
أعرضههت عههن ذنبههه .وقههد ضربههت عنههه صههفحا إذا أعرضههت عنههه وتركتههه ،ومنههه قوله تعالى:
"أفنضرب عنكم الذكر صفحا" [الزخرف.]5 :
الثانيهة :هذه الية منسهوخة بقوله" :قاتلوا الذين ل يؤمنون" [التوبة ]29 :إلى قوله" :صهاغرون"
[التوبة ]29 :عن ابن عباس .وقيل :الناسخ لها "فاقتلوا المشركين" [التوبة .]5 :قال أبو عبيدة:
كهل آيهة فيهها ترك للقتال فههي مكيهة منسهوخة بالقتال .قال ابهن عطيهة :وحكمهه بأن هذه اليهة مكيهة
ضعيف ،لن معاندات اليهود إنما كانت بالمدينة.
قلت :وههو الصهحيح ،روى البخاري ومسهلم عهن أسهامة بهن زيهد أن رسهول ال صهلى ال عليهه
وسلم ركب على حمار عليه قطيفة فدكية وأسامة وراءه ،يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن
الخزرج قبل وقعة بدر ،فسارا حتى مرا بمجلس فيه عبدال بن أبي ابن سلول -وذلك قبل أن يسلم
عبدال بهن أبهي -فإذا فهي المجلس أخلط مهن المسهلمين والمشركيهن عبدة الوثان واليهود ،وفهي
المسلمين عبدال بن رواحة ،فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر ابن أبي أنفه بردائه وقال :ل
تغهبروا علينها! فسهلم رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم ثهم وقهف فنزل ،فدعاههم إلى ال تعالى وقرأ
عليههم القرآن ،فقال له عبدال بهن أبهي بهن سهلول :أيهها المرء ،ل أحسهن ممها تقول إن كان حقها! فل
تؤذنا به في مجالسنا[ ،ارجع إلى رحلك] فمن جاءك فاقصص عليه .قال عبدال بن رواحة :بلى يا
رسهول ال ،فاغشنها فهي مجالسهنا ،فإنها نحهب ذلك .فاسهتتب المشركون والمسهلمون واليهود حتهى
كادوا يتثاورون ،فلم يزل رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يخفضههم حتهى سهكنوا ،ثهم ركهب رسهول
ال صلى ال عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة ،فقال رسول ال صلى ال عليه
وسهلم[( :يها سهعد] ألم تسهمع إلى مها قال أبهو حباب -يريهد عبدال بهن أبهي -قال كذا وكذا) فقال :أي
رسهول ال ،بأبهي أنهت وأمهي! اعهف عنهه واصهفح ،فوالذي أنزل عليهك الكتاب بالحهق لقهد جاءك ال
بالحق الذي أنزل عليك ،ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة ،فلما
رد ال ذلك بالحهق الذي أعطاك شرق بذلك ،فذلك فعهل مها رأيهت ،فعفها عنهه رسهول ال صهلى ال
عليهه وسهلم .وكان رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وأصهحابه يعفون عهن المشركيهن وأههل الكتاب
كمهها أمرهههم ال تعالى ،ويصههبرون على الذى ،قال ال عههز وجههل" :ولتسههمعن مههن الذيههن أوتوا
الكتاب مهن قبلكهم ومهن الذيهن أشركوا أذى كثيرا" [آل عمران ،]186 :وقال" :ود كثيهر مهن أههل
الكتاب" فكان رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يتأول فهي العفهو عنههم مها أمره ال بهه حتهى أذن له
فيههم ،فلمها غزا رسههول ال صهلى ال عليهه وسههلم بدرا فقتهل ال بهه مهن قتههل مههن صهناديد الكفار
وسادات قريش ،فقفل رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه غانمين منصورين ،معهم أسارى
من صناديد الكفار وسادات قريش ،قال عبدال بن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة
الوثان :هذا أمر قد توجه ،فبايعوا رسول ال صلى ال عليه وسلم السلم ،فأسلموا.
@قوله تعالى" :حتهى يأتهي ال بأمره" يعنهي قتهل قريظهة وجلء بنهي النضيهر" .إن ال على كهل
شيء قدير" تقدم ذكره ول الحمد.
* *3الية{110 :وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة وما تقدموا لنفسكم من خير تجدوه عند ال إن
ال بما تعملون بصير}
@قوله تعالى" :وأقيموا الصهلة وآتوا الزكاة" تقدم .والحمهد ل تعالى" .ومها تقدموا لنفسهكم مهن
خيهر تجدوه عنهد ال" جاء فهي الحديهث (أن العبهد إذا مات قال الناس مها خلف وقالت الملئكهة مها
قدم) .وخرج البخاري والنسهائي عهن عبدال قال :قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :أيكهم مال
وارثه أحب إليه من ماله) .قالوا :يا رسول ال ،ما منا من أحد إل ماله أحب إليه من مال وارثه،
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ليس منكم من أحد إل مال وارثه أحب إليه من ماله .مالك ما
قدمت ومال وارثك ما أخرت) ،لفظ النسائي .ولفظ البخاري :قال عبدال قال النبي صلى ال عليه
وسهلم( :أيكهم مال وارثهه أحهب إليهه مهن ماله) قالوا :يها رسهول ال ،مها منها أحهد إل ماله أحهب إليهه،
قال( :فإن ماله مها قدم ومال وارثهه مها أخهر) .وجاء عهن عمهر بهن الخطاب رضهي ال عنهه أنهه مهر
ببقيهع الغرقهد فقال :السهلم عليكهم أههل القبور ،أخبار مها عندنها أن نسهاءكم قهد تزوجهن ،ودوركهم قهد
سهكنت ،وأموالكهم قهد قسهمت .فأجابهه هاتهف :يها ابهن الخطاب أخبار مها عندنها أن مها قدمناه وجدناه،
وما أنفقناه فقد ربحناه ،وما خلفناه فقد خسرناه .ولقد أحسن القائل:
واعمل فليس إلى الخلود سبيل قدم لنفسك قبل موتك صالحا
وقال آخر:
قبل الممات وقبل حبس اللسن قدم لنفسك توبة مرجوة
وقال آخر:
والقوم حولك يضحكون سرورا ولدتك إذ ولدتك أمك باكيا
في يوم موتك ضاحكا مسرورا فاعمل ليوم تكون فيه إذا بكوا
وقال آخر:
فإنما خلفك ما تعلم سابق إلى الخير وبادر به
على الذي قدمه يقدم وقدم الخير فكل امرئ
وأحسن من هذا كله قول أبي العتاهية:
إنما يبقى وراءك مصلح أو مفسد إسعد بمالك في حياتك
وأخو الصلح قليله يتزيد وإذا تركت لمفسد لم يبقه
إن المورث نفسه لمسدد وإن استطعت فكن لنفسك وارثا
"إن ال بما تعملون بصير" تقدم.
* *3اليتان{ 112 - 111 :وقالوا لن يدخل الجنة إل من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم
قهل هاتوا برهانكهم إن كنتهم صهادقين ،بلى مهن أسهلم وجههه ل وههو محسهن فله أجره عنهد ربهه ول
خوف عليهم ول هم يحزنون}
@قوله تعالى" :وقالوا لن يدخل الجنة إل من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم" المعنى :وقالت
اليهود لن يدخهل الجنهة إل مهن كان يهوديها .وقالت النصهارى لن يدخهل الجنهة إل مهن كان نصهرانيا.
وأجاز الفراء أن يكون "هودا" بمعنهههى يهوديههها ،حذف منهههه الزائد ،وأن يكون جمهههع هائد .وقال
الخفهش سهعيد" :إل مهن كان" جعهل "كان" واحدا على لفهظ "مهن" ،ثهم قال هودا فجمهع ،لن معنهى
"من" جمع .ويجوز "تلك أمانيهم" وتقدم الكلم في هذا ،والحمد ل.
@قوله تعالى" :قهل هاتوا برهانكهم" أصهل "هاتوا" هاتيوا ،حذفهت الضمهة لثقلهها ثهم حذفهت الياء
للتقاء السههاكنين ،يقال فههي الواحههد المذكههر :هات ،مثههل رام ،وفههي المؤنههث :هاتههي ،مثههل رامههي.
والبرهان :الدليل الذي يوقع اليقين ،وجمعه براهين ،مثل قربان وقرابين ،وسلطان وسلطين .قال
الطهبري :طلب الدليهل هنها يقضهي إثبات النظهر ويرد على مهن ينفيهه" .إن كنتهم صهادقين" يعنهي فهي
إيمانكهم أو فهي قولكهم تدخلون الجنهة ،أي بينوا مها قلتهم بهبرهان ،ثهم قال تعالى" :بلى" ردا عليههم
وتكذيبا لهم ،أي ليس كما تقولون .وقيل :إن "بلى" محمولة على المعنى ،كأنه قيل أما يدخل الجنة
أحد؟ فقيل" :بلى من أسلم وجهه ل" ومعنى "أسلم" استسلم وخضع .وقيل :أخلص عمله .وخص
الوجه بالذكر لكونه أشرف ما يرى من النسان ،ولنه موضع الحواس ،وفيه يظهر العز والذل.
والعرب تخهبر بالوجهه عهن جملة الشيهء .ويصهح أن يكون الوجهه فهي هذه اليهة المقصهد" .وههو
محسههن فله أجره عنههد ربههه ول خوف عليهههم ول هههم يحزنون" جملة فههي موضههع الحال ،وعاد
الضميههر فههي "وجهههه" و"له" على لفههظ "مههن" وكذلك "أجره" وعاد فههي "عليهههم" على المعنههى،
وكذلك في "يحزنون" وقد تقدم.
* *3الية{ 113 :وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على
شيهء وههم يتلون الكتاب كذلك قال الذيهن ل يعلمون مثهل قولههم فال يحكهم بينههم يوم القيامهة فيمها
كانوا فيه يختلفون}
@قوله تعالى" :وقالت اليهود ليسهت النصهارى على شيهء وقالت النصهارى ليسهت اليهود على
شيء"
معناه ادعهى كهل فريهق منههم أن صهاحبه ليهس على شيهء ،وأنهه أحهق برحمهة ال منهه" .وههم يتلون
الكتاب" يعنههي التوراة والنجيههل ،والجملة فههي موضههع الحال" .كذلك قال الذيههن ل يعلمون مثههل
قولههم فال يحكهم بينههم يوم القيامهة فيمها كانوا فيهه يختلفون" والمراد "بالذيهن ل يعلمون" فهي قول
الجمهور :كفار العرب ،لنههم ل كتاب لههم .وقال عطاء :المراد أمهم كانهت قبهل اليهود والنصهارى.
الربيهع بهن أنهس :المعنهى كذلك قالت اليهود قبهل النصهارى .ابهن عباس :قدم أههل نجران على النهبي
صلى ال عليه وسلم فأتتهم أحبار يهود ،فتنازعوا عند النبي صلى ال عليه وسلم ،وقالت كل فرقة
منهم للخرى لستم على شيء ،فنزلت الية.
* *3الية{ 114 :ومن أظلم ممن منع مساجد ال أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك
ما كان لهم أن يدخلوها إل خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الخرة عذاب عظيم}
@قوله تعالى" :ومهن أظلم ممهن منهع مسهاجد ال أن يذكهر فيهها اسهمه وسهعى فهي خرابهها" "ومهن"
رفهع بالبتداء ،و"أظلم" خهبره ،والمعنهى ل أحهد أظلم .و"أن" فهي موضهع نصهب على البدل مهن
"مساجد" ،ويجوز أن يكون التقدير :كراهية أن يذكر ،ثم حذف .ويجوز أن يكون التقدير :من أن
يذكههر فيههها ،وحرف الخفههض يحذف مههع "أن" لطول الكلم .وأراد بالمسههاجد هنهها بيههت المقدس
ومحاريبهه .وقيهل الكعبهة ،وجمعهت لنهها قبلة المسهاجد أو للتعظيهم .وقيهل :المراد سهائر المسهاجد،
والواحهد مسهجد (بكسهر الجيهم) ،ومهن العرب مهن يقول :مسهجد( ،بفتحهها) .قال الفراء" :كهل مها كان
على فعهل يفعهل ،مثهل دخهل يدخهل ،فالمفعهل منهه بالفتهح اسهما كان أو مصهدرا ،ول يقهع فيهه الفرق،
مثل دخل يدخل مدخل ،وهذا مدخله ،إل أحرفا من السماء ألزموها كسر العين ،من ذلك :المسجد
والمطلع والمغرب والمشرق والمسههقط والمفرق والمجزر والمسههكن والمرفههق (مهن رفههق يرفههق)
والمنبهت والمنسهك (مهن نسهك ينسهك) ،فجعلوا الكسهر علمهة للسهم ،وربمها فتحهه بعهض العرب فهي
السم" .والمسجد (بالفتح) :جبهة الرجل حيث يصيبه ندب السجود .والراب السبعة مساجد ،قاله
الجوهري.
@واختلف الناس في المراد بهذه الية وفيمن نزلت ،فذكر المفسرون أنها نزلت في بخت نصر،
لنه كان أخرب بيت المقدس .وقال ابن عباس وغيره :نزلت في النصارى ،والمعنى كيف تدعون
أيهها النصهارى أنكهم مهن أههل الجنهة! وقهد خربتهم بيهت المقدس ومنعتهم المصهلين مهن الصهلة فيهه.
ومعنهى اليهة على هذا :التعجهب مهن فعهل النصهارى بهبيت المقدس مهع تعظيمههم له ،وإنمها فعلوا مها
فعلوا عداوة لليهود .روى سههعيد عهن قتادة قال :أولئك أعداء ال النصههارى .حملهههم إبغاض اليهود
على أن أعانوا بخهت نصهر البابلي المجوسهي على تخريهب بيهت المقدس .وروي أن هذا التخريهب
بقي إلى زمن عمر رضي ال عنه .وقيل :نزلت في المشركين إذ منعوا المصلين والنبي صلى ال
عليه وسلم ،وصدوهم عن المسجد الحرام عام الحديبية .وقيل :المراد من منع من كل مسجد إلى
يوم القيامههة ،وهههو الصههحيح ،لن اللفههظ عام ورد بصههيغة الجمههع ،فتخصههيصها ببعههض المسههاجد
وبعض الشخاص ضعيف ،وال تعالى اعلم.
@خراب المساجد قد يكون حقيقيا كتخريب بخت نصر والنصارى بيت المقدس على ما ذكر أنهم
غزوا بنهي إسهرائيل مهع بعهض ملوكههم -قيهل :اسهمه نطوس بهن اسهبيسانوس الرومهي فيمها ذكهر
الغزنوي -فقتلوا وسبوا ،وحرقوا التوراة ،وقذفوا في بيت المقدس العذرة وخربوه.
ويكون مجازا كمنع المشركين المسلمين حين صدوا رسول ال صلى ال عليه وسلم عن المسجد
الحرام ،وعلى الجملة فتعطيل المساجد عن الصلة وإظهار شعائر السلم فيها خراب لها.
@قال علماؤنا :ولهذا قلنا ل يجوز منع المرأة من الحج إذا كانت ضرورة ،سواء كان لها محرم
أو لم يكن ،ول تمنع أيضا من الصلة في المساجد ما لم يخف عليها الفتنة ،وكذلك قال النبي صلى
ال عليهه وسهلم( :ل تمنعوا إماء ال مسهاجد ال) ولذلك قلنها :ل يجوز نقهض المسهجد ول بيعهه ول
تعطيله وإن خربههت المحلة ،ول يمنههع بناء المسههاجد إل أن يقصههدوا الشقاق والخلف ،بأن يبنوا
مسههجدا إلى جنههب مسههجد أو قربههه ،يريدون بذلك تفريههق أهههل المسههجد الول وخرابههه واختلف
الكلمهة ،فإن المسهجد الثانهي ينقهض ويمنهع مهن بنيانهه ،ولذلك قلنها :ل يجوز أن يكون فهي المصهر
جامعان ،ول لمسجد واحد إمامان ،ول يصلي في مسجد جماعتان .وسيأتي لهذا كله مزيد بيان في
سورة "براءة" إن شاء ال تعالى ،وفي "النور" حكم المساجد وبنائها بحول ال تعالى .ودلت الية
أيضها على تعظيهم أمهر الصهلة ،وأنهها لمها كانهت أفضهل العمال وأعظمهها أجرا كان منعهها أعظهم
إثما.
@كل موضع يمكن أن يعبد ال فيه ويسجد له يسمى مسجدا ،قال صلى ال عليه وسلم( :جعلت
لي الرض مسهجدا وطهورا) ،أخرجهه الئمهة .وأجمعهت المهة على أن البقعهة إذا عينهت للصهلة
بالقول خرجت عن جملة الملك المختصة بربها وصارت عامة لجميع المسلمين ،فلو بنى رجل
فههي داره مسههجدا وحجزه على الناس واختههص بههه لنفسههه لبقههي على ملكههه ولم يخرج إلى حههد
المسهجدية ،ولو أباحهه للناس كلههم كان حكمهه حكهم سهائر المسهاجد العامهة ،وخرج عهن اختصهاص
الملك.
@قوله تعالى" :أولئك مها كان لههم أن يدخلوهها إل خائفيهن" "أولئك" مبتدأ ومها بعده خهبره.
"خائفين" حال ،يعني إذا استولى عليها المسلمون وحصلت تحت سلطانهم فل يتمكن الكافر حينئذ
مهن دخولهها .فإن دخلوهها ،فعلى خوف مهن إخراج المسهلمين لههم ،وتأديبههم على دخولهها .وفهي هذا
دليهل على أن الكافهر ليهس له دخول المسهجد بحال ،على مها يأتهي فهي "براءة" إن شاء ال تعالى.
ومن جعل الية في النصارى روى أنه مر زمان بعد بناء عمر بيت المقدس في السلم ل يدخله
نصراني إل أوجع ضربا بعد أن كان متعبدهم .ومن جعلها في قريش قال :كذلك نودي بأمر النبي
صهلى ال عليهه وسهلم( :أل ل يحهج بعهد العام مشرك ،ول يطوف بالبيهت عريان) .وقيهل :ههو خهبر
ومقصهوده المهر ،أي جاهدوههم واسهتأصلوهم حتهى ل يدخهل أحهد منههم المسهجد الحرام إل خائفها،
كقوله" :وما كان لكم أن تؤذوا رسول ال" [الحزاب ]53 .فإنه نهي ورد بلفظ الخبر.
@قوله تعالى" :لههم فهي الدنيها خزي ولههم فهي الخرة عذاب عظيهم" قيهل القتهل للحربهي ،والجزيهة
للذمي ،عن قتادة .السدي :الخزي لهم في الدنيا قيام المهدي ،وفتح عمورية ورومية وقسطنطينية،
وغير ذلك من مدنهم ،على ما ذكرناه في كتاب التذكرة .ومن جعلها في قريش جعل الخزي عليهم
في الفتح ،والعذاب في الخرة لمن مات منهم كافرا.
* *3الية{ 115 :ول المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه ال إن ال واسع عليم}
@قوله تعالى" :ول المشرق والمغرب" "المشرق" موضههع الشروق" .والمغرب" موضههع
الغروب ،أي همهها له ملك ومهها بينهمهها مههن الجهات والمخلوقات باليجاد والختراع ،كمهها تقدم.
وخصههما بالذكهر والضافهة إليهه تشريفها ،نحهو بيهت ال ،وناقهة ال ،ولن سهبب اليهة اقتضهى ذلك،
على ما يأتي.
@قوله تعالى" :فأينمها تولوا فثهم وجهه ال" "فأينمها تولوا" شرط ،ولذلك حذفهت النون ،و"أيهن"
العاملة ،و"مها" زائدة ،والجواب "فثهم وجهه ال" .وقرأ الحسهن "تولوا" بفتهح التاء واللم ،والصهل
تتولوا .و"ثم" في موضع نصب على الظرف ،ومعناها البعد ،إل أنها مبنية على الفتح غير معربة
لنها مبهمة ،تكون بمنزلة هناك للبعد ،فإن أردت القرب قلت هنا.
@اختلف العلماء فهي المعنهى الذي نزلت فيهه "فأينمها تولوا" على خمسهة أقوال :فقال عبدال بهن
عامر بن ربيعة :نزلت فيمن صلى إلى غير القبلة في ليلة مظلمة ،أخرجه الترمذي عنه عن أبيه
قال :كنا مع النبي صلى ال عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة ،فصلى كل رجل
منا على حياله ،فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم فنزلت" :فأينما تولوا فثم وجه
ال" .قال أبو عيسى :هذا حديث ليس إسناده بذاك ،ل نعرفه إل من حديث أشعث السمان ،وأشعث
بهن سهعيد أبهو الربيهع يضعهف فهي الحديهث .وقهد ذههب أكثهر أههل العلم إلى هذا ،قالوا :إذا صهلى فهي
الغيهم لغيهر القبلة ثهم اسهتبان له بعهد ذلك أنهه صهلى لغيهر القبلة فإن صهلته جائزة ،وبهه يقول سهفيان
وابن المبارك وأحمد وإسحاق.
قلت :وهو قول أبي حنيفة ومالك ،غير أن مالكا قال :تستحب له العادة في الوقت ،وليس ذلك
بواجب عليه ،لنه قد أدى فرضه على ما أمر ،والكمال يستدرك في الوقت ،استدلل بالسنة فيمن
صلى وحده ثم أدرك تلك الصلة في وقتها في جماعة أنه يعيد معهم ،ول يعيد في الوقت استحبابا
إل مههن اسههتدبر القبلة أو شرق أو غرب جدا مجتهدا ،وأمهها مههن تيامههن أو تياسههر قليل مجتهدا فل
إعادة عليههه فههي وقههت ول غيره .وقال المغيرة والشافعههي :ل يجزيههه ،لن القبلة شرط مههن شروط
الصهلة .ومها قاله مالك أصهح ،لن جههة القبلة تبيهح الضرورة تركهها فهي المسهايفة ،وتبيحهها أيضها
الرخصة حالة السفر .وقال ابن عمر :نزلت في المسهافر يتنفل حيثما توجهت به راحلته .أخرجه
مسهلم عنهه ،قال :كان رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يصهلي وههو مقبهل مهن مكهة إلى المدينهة على
راحلتهه حيهث كان وجههه ،قال :وفيهه نزلت "فأينمها تولوا فثهم وجه ال" .ول خلف بيهن العلماء فهي
جواز النافلة على الراحلة لهذا الحديهث ومها كان مثله .ول يجوز لحهد أن يدع القبلة عامدا بوجههة
من الوجوه إل في شدة الخوف ،على ما يأتي.
واختلف قول مالك في المريض يصلي على محمله ،فمرة قال :ل يصلي على ظهر البعير فريضة
وإن اشتهد مرضهه .قال سهحنون :فإن فعهل أعاد ،حكاه الباجهي .ومرة قال :إن كان ممهن ل يصهلي
بالرض إل إيماء فليصهل على البعيهر بعهد أن يوقهف له ويسهتقبل القبلة وأجمعوا على أنهه ل يجوز
لحد صحيح أن يصلي فريضة إل بالرض إل في الخوف الشديد خاصة ،على ما يأتي بيانه.
واختلف الفقهاء فهي المسهافر سهفرا ل تقصهر فهي مثله الصهلة ،فقال مالك وأصهحابه والثوري :ل
يتطوع على الراحلة إل في سفر تقصر في مثله الصلة ،قالوا :لن السفار التي حكي عن رسول
ال صهلى ال عليهه وسهلم أنهه كان يتطوع فيهها كانهت ممها تقصهر فيهه الصهلة .وقال الشافعهي وأبهو
حنيفهة وأصهحابهما والحسهن بهن حهي والليهث بهن سهعد وداود بهن علي :يجوز التطوع على الراحلة
خارج المصههر فههي كههل سههفر ،وسههواء كان ممهها تقصههر فيههه الصههلة أو ل ،لن الثار ليههس فيههها
تخصهيص سهفر مهن سهفر ،فكهل سهفر جائز ذلك فيهه ،إل أن يخهص شيهء مهن السهفار بمها يجهب
التسهليم له .وقال أبهو يوسهف :يصهلي فهي المصهر على الدابهة باليماء ،لحديهث يحيهى بهن سهعيد عهن
أنس بن مالك أنه صلى على حمار في أزقة المدينة يومئ إيماء .وقال الطبري :يجوز لكل راكب
وماش حاضرا كان أو مسهافرا أن يتنفهل على دابتهه وراحلتهه وعلى رجليهه [باليماء] .وحكهي عهن
بعض أصحاب الشافعي أن مذهبهم جواز التنفل على الدابة في الحضر والسفر .وقال الثرم :قيل
لحمهد بن حنبل الصلة على الدابة في الحضهر ،فقال :أما فهي السفر فقد سمعت ،وما سمعت في
الحضهر .قال ابهن القاسهم :مهن تنفهل فهي محمله تنفهل جالسها ،قيامهه تربهع ،يركهع واضعها يديهه على
ركبتيه ثم يرفع رأسه .وقال قتادة :نزلت في النجاشي ،وذلك أنه لما مات دعا النبي صلى ال عليه
وسلم المسلمين إلى الصلة عليه خارج المدينة ،فقالوا :كيف نصلي على رجل مات؟ وهو يصلي
لغيهر قبلتنها ،وكان النجاشهي ملك الحبشهة -واسهمه أصهحمة وههو بالعربيهة عطيهة -يصهلي إلى بيهت
المقدس حتهى مات ،وقهد صهرفت القبلة إلى الكعبهة فنزلت اليهة ،ونزل فيهه" :وإن مهن أههل الكتاب
لمن يؤمن بال" [آل عمران ]199 :فكان هذا عذرا للنجاشي ،وكانت صلة النبي صلى ال عليه
وسههلم بأصههحابه سههنة تسههع مههن الهجرة .وقههد اسههتدل بهذا مههن أجاز الصههلة على الغائب ،وهههو
الشافعهي .قال ابهن العربهي :ومهن أغرب مسهائل الصهلة على الميهت مها قال الشافعهي :يصهلي على
الغائب ،وقد كنت ببغداد في مجلس المام فخر السلم فيدخل عليه الرجل من خراسان فيقول له:
كيف حال فلن؟ فيقول له :مات ،فيقول :إنا ل وإنا إليه راجعون! ثم يقول لنا :قوموا فلصل لكم،
فيقوم فيصلي عليه بنا ،وذلك بعد ستة أشهر من المدة ،وبينه وبين بلده ستة أشهر.
والصل عندهم في ذلك صلة النبي صلى ال عليه وسلم على النجاشي .وقال علماؤنا رحمة ال
عليهم :النبي صلى ال عليه وسلم بذلك مخصوص لثلثة أوجه:
أحدها :أن الرض دحيت له جنوبا وشمال حتى رأى نعش النجاشي ،كما دحيت له شمال وجنوبا
حتى رأى المسجد القصى .وقال المخالف :وأي فائدة في رؤيته ،وإنما الفائدة في لحوق بركته.
الثانههي :أن النجاشههي لم يكههن له هناك ولي مههن المؤمنيههن يقوم بالصههلة عليههه .قال المخالف :هذا
محال عادة ملك على دين ل يكون له اتباع ،والتأويل بالمحال محال.
الثالث :أن النههبي صههلى ال عليههه وسههلم إنمهها أراد بالصههلة على النجاشههي إدخال الرحمههة عليههه
واسهتئلف بقيهة الملوك بعده إذا رأوا الهتمام بهه حيها وميتها .قال المخالف :بركهة الدعاء مهن النهبي
صلى ال عليه وسلم ومن سواه تلحق الميت باتفاق .قال ابن العربي :والذي عندي في صلة النبي
صلى ال عليه وسلم على النجاشي أنه علم أن النجاشي ومن آمن معه ليس عندهم من سنة الصلة
على الميت أثر ،فعلم أنهم سيدفنونه بغير صلة فبادر إلى الصلة عليه.
قلت :والتأويل الول أحسن ،لنه إذا رآه فما صلى على غائب وإنما صلى على مرئي حاضر،
والغائب ما ل يرى .وال تعالى اعلم.
القول الرابهع :قال ابن زيهد :كانهت اليهود قهد اسهتحسنت صهلة النهبي صهلى ال عليه وسهلم إلى بيهت
المقدس وقالوا :ما اهتدى إل بنا ،فلما حول إلى الكعبة قالت اليهود :ما ولهم عن قبلتهم التي كانوا
عليههها ،فنزلت" :ول المشرق والمغرب" فوجههه النظههم على هذا القول :أن اليهود لمهها أنكروا أمههر
القبلة بين ال تعالى أن له أن يتعبهد عباده بما شاء ،فإن شاء أمرههم بالتوجه إلى بيهت المقدس ،وإن
شاء أمرهم بالتوجه إلى الكعبة ،فعل ل حجة عليه ول يسأل عما يفعل وهم يسألون.
القول الخامهس :أن اليهة منسهوخة بقوله" :وحيهث مها كنتهم فولوا وجوهكهم شطره" [البقرة]144 :
ذكره ابن عباس ،فكأنه كان يجوز في البتداء أن يصلي المرء كيف شاء ثم نسخ ذلك .وقال قتادة:
الناسههخ قوله تعالى" :فول وجهههك شطههر المسههجد الحرام" [البقرة ]144 :أي تلقاءه ،حكاه أبههو
عيسى الترمذي.
وقول سهادس :روي عهن مجاههد والضحاك أنهها محكمهة ،المعنهى :أينمها كنتهم مهن شرق وغرب فثهم
وجهه ال الذي أمرنها باسهتقباله وههو الكعبهة .وعهن مجاههد أيضها وابهن جهبير لمها نزلت" :ادعونهي
اسهتجب لكهم" قالوا :إلى أيهن؟ فنزلت" :فأينمها تولوا فثهم وجهه ال" .وعهن ابهن عمهر والنخعهي :أينمها
تولوا في أسفاركم ومنصرفاتكم فثم وجه ال .وقيل :هي متصلة بقوله تعالى" :ومن أظلم ممن منع
مساجد ال أن يذكر فيها اسمه" [البقرة ]114 :الية ،فالمعنى أن بلد ل أيها المؤمنون تسعكم،
فل يمنعكهم تخريهب مهن خرب مسهاجد ال أن تولوا وجوهكهم نحهو قبلة ال أينمها كنتهم مهن أرضهه.
وقيهل :نزلت حيهن صهد النهبي صهلى ال عليهه وسهلم عهن البيهت عام الحديبيهة فاغتهم المسهلمون لذلك.
فهذه عشرة أقوال .ومهن جعلهها منسهوخة فل اعتراض عليهه مهن جههة كونهها خهبرا ،لنهها محتملة
لمعنهى المهر .يحتمهل أن يكون معنهى "فأينمها تولوا فثهم وجهه ال" :ولوا وجوهكهم نحهو وجهه ال،
وهذه الية هي التي تل سعيد بن جبير رحمه ال لما أمر الحجاج بذبحه إلى الرض.
@اختلف الناس فهي تأويهل الوجهه المضاف إلى ال تعالى فهي القرآن والسهنة ،فقال الحذاق :ذلك
راجههع إلى الوجود ،والعبارة عنههه بالوجههه مههن مجاز الكلم ،إذ كان الوجههه أظهههر العضاء فههي
الشاههد وأجلهها قدرا .وقال ابهن فورك :قهد تذكهر صهفة الشيهء والمراد بهها الموصهوف توسهعا ،كمها
يقول القائل :رأيهت علم فلن اليوم ،ونظرت إلى علمهه ،وإنمها يريهد بذلك رأيهت العالم ونظرت إلى
العالم ،كذلك إذا ذكهر الوجهه هنها ،والمراد مهن له الوجهه ،أي الوجود .وعلى هذا يتأول قوله تعالى:
"إنما نطعمكم لوجه ال" [النسان ]9 :لن المراد به :ل الذي له الوجه ،وكذلك قوله" :إل ابتغاء
وجه ربه العلى" [الليل ]20 :أي الذي له الوجه .قال ابن عباس :الوجه عبارة عنه عز وجل،
كما قال" :ويبقى وجه ربك ذو الجلل والكرام "[الرحمن .]27 :وقال بعض الئمة :تلك صفة
ثابتهة بالسهمع زائدة على مها توجبهه العقول مهن صهفات القديهم تعالى .قال ابهن عطيهة :وضعهف أبهو
المعالي هذا القول ،وهو كذلك ضعيف ،وإنما المراد وجوده .وقيل :المراد بالوجه هنا الجهة التي
وجهنا إليها أي القبلة .وقيل :الوجه القصد ،كما قال الشاعر:
رب العباد إليه الوجه والعمل أستغفر ال ذنبا لست محصيه
وقيل :المعنى فثم رضا ال وثوابه ،كما قال" :إنما نطعمكم لوجه ال" [النسان ]9 :أي لرضائه
وطلب ثوابه ،ومنه قوله صلى ال عليه وسلم( :من بنى مسجدا يبتغي به وجه ل بنى ال له مثله
فهي الجنهة) .وقوله( :يجاء يوم القيامهة بصهحف مختمهة فتنصهب بيهن يدي ال تعالى فيقول عهز وجهل
لملئكته ألقوا هذا واقبلوا هذا فتقول الملئكة وعزتك يا ربنا ما رأينا إل خيرا وهو اعلم فيقول إن
هذا كان لغيههر وجهههي ول أقبههل مههن العمههل إل مهها ابتغههي بههه وجهههي) أي خالصهها لي ،خرجههه
الدارقطنهي .وقيهل :المراد فثهم ال ،والوجهه صهلة ،وههو كقوله" :وههو معكهم" .قاله الكلبهي والقتهبي،
ونحوه قول المعتزلة.
@قوله تعالى" :إن ال واسهع عليهم" أي يوسهع على عباده فهي دينههم ،ول يكلفههم مها ليهس فهي
وسهعهم .وقيهل" :واسهع" بمعنهى أنهه يسهع علمهه كهل شيهء ،كمها قال" :وسهع كهل شيهء علمها" [طهه:
.]98وقال الفراء :الواسع هو الجواد الذي يسع عطاؤه كل شيء ،دليله قوله تعالى" :ورحمتي
وسعت كل شيء" [العراف .]156 :وقيل :واسع المغفرة أي ل يتعاظمه ذنب .وقيل :متفضل
على العباد وغنهي عهن أعمالههم ،يقال :فلن يسهع مها يسهأل ،أي ل يبخهل ،قال ال تعالى" :لينفهق ذو
سعة من سعته" [الطلق ]7 :أي لينفق الغني مما أعطاه ال .وقد أتينا عليه في الكتاب "السنى"
والحمد ل.
* *3الية{ 116 :وقالوا اتخذ ال ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والرض كل له قانتون}
@قوله تعالى" :وقالوا اتخذ ال ولدا" هذا إخبار عن النصارى في قولهم :المسيح ابن ال .وقيل
عن اليهود في قولهم :عزير ابن ال .وقيل عن كفرة العرب في قولهم :الملئكة بنات ال .وقد جاء
مثل هذه الخبار عن الجهلة الكفار في "مريم] و[النبياء].
@قوله تعالى" :سهبحانه بهل له" اليهة .خرج البخاري عهن ابهن عباس عهن النهبي صهلى ال عليهه
وسلم قال( :قال ال تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي
فزعهم أنهي ل أقدر أن أعيده كمها كان وأمها شتمهه إياي فقوله لي ولد فسهبحاني أن اتخهذ صهاحبة أو
ولدا".
@"سهبحان" منصهوب على المصهدر ،ومعناه التهبرئة والتنزيهه والمحاشاة ،مهن قولههم :اتخهذ ال
ولدا ،بهل ههو ال تعالى واحهد فهي ذاتهه ،أحهد فهي صهفاته ،لم يلد فيحتاج إلى صهاحبة" ،أنهى يكون له
ولد ولم تكهن له صهاحبة وخلق كهل شيهء" [النعام ]101 :ولم يولد فيكون مسهبوقا ،جهل وتعالى
عمهها يقول الظالمون والجاحدون علوا كههبيرا" .بههل له مهها فههي السههماوات والرض" "مهها" رفههع
بالبتداء والخههبر فههي المجرور ،أي كههل ذلك له ملك باليجاد والختراع .والقائل بأنههه اتخههذ ولدا
داخل في جملة السموات والرض .وقد تقدم أن معنى سبحان ال :براءة ال من السوء.
@ل يكون الولد إل من جنس الوالد ،فكيف يكون للحق سبحانه أن يتخذ ولدا من مخلوقاته وهو ل
يشبهه شيء ،وقد قال" :إن كل من في السماوات والرض إل آتي الرحمن عبدا" [مريم،]93 :
كمهها قال هنهها" :بههل له مهها فههي السههموات والرض" فالولديههة تقتضههي الجنسههية والحدوث ،والقدم
يقتضي الوحدانية والثبوت ،فهو سبحانه القديم الزلي الواحد الحد ،الفرد الصمد ،الذي لم يلد ولم
يولد ولم يكهن له كفوا أحهد .ثهم إن البنوة تنافهي الرق والعبوديهة - .على مها يأتهي بيانهه فهي سهورة
"مريم" إن شاء ال تعالى -فكيف يكون ولد عبدا هذا محال ،وما أدى إلى المحال محال.
@قوله تعالى" :كل له قانتون" ابتداء وخبر ،والتقدير كلهم ،ثم حذف الهاء والميم" .قانتون" أي
مطيعون وخاضعون ،فالمخلوقات كلها تقنت ل ،أي تخضع وتطبع .والجمادات قنوتهم في ظهور
الصهنعة عليههم وفيههم .فالقنوت الطاعهة ،والقنوت السهكوت ،ومنهه قول زيهد بهن أرقهم :كنها نتكلم فهي
الصهلة ،يكلم الرجهل صهاحبه إلى جنبهه حتهى نزلت" :وقوموا ل قانتيهن" [البقرة ]238 :فأمرنها
بالسكوت ونهينا عن الكلم .والقنوت :الصلة ،قال الشاعر:
وعلى عمد من الناس اعتزل قانتا ل يتلو كتبه
وقال السدي وغيره فهي قوله" :كل له قانتون" أي يوم القيامة .الحسن :كل قائم بالشهادة أنه عبده.
والقنوت في اللغة أصله القيام ،ومنه الحديث( :أفضل الصلة طول القنوت) قاله الزجاج .فالخلق
قانتون ،أي قائمون بالعبودية إما إقرارا وإما أن يكونوا على خلف ذلك ،فأثر الصنعة بين عليهم.
وقيههل :أصههله الطاعههة ،ومنههه قوله تعالى" :والقانتيههن والقانتات" [الحزاب .]35 :وسههيأتي لهذا
مزيد بيان عند قوله تعالى" :وقوموا ل قانتين" [البقرة.]238 :
* *3الية{ 117 :بديع السماوات والرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون}
@قوله تعالى" :بديع السماوات والرض" فعيل للمبالغة ،وارتفع على خبر ابتداء محذوف ،واسم
الفاعهل مبدع ،كبصهير مهن مبصهر .أبدعهت الشيهء ل عهن مثال ،فال عهز وجهل بديهع السهموات
والرض ،أي منشئها وموجدهها ومبدعها ومخترعها على غير حد ول مثال .وكل من أنشأ ما لم
يسهبق إليهه قيهل له مبدع ،ومنهه أصهحاب البدع .وسهميت البدعهة بدعهة لن قائلهها ابتدعهها مهن غيهر
فعل أو مقال إمام ،وفي البخاري (ونعمت البدعة هذه) يعني قيام رمضان.
@كل بدعة صدرت من مخلوق فل يجوز أن يكون لها أصل في الشرع أول ،فإن كان لها أصل
كانهت واقعهة تحهت عموم مها ندب ال إليهه وخهص رسهول عليهه ،فههي فهي حيهز المدح .وإن لم يكهن
مثاله موجودا كنوع مهن الجود والسهخاء وفعهل المعروف ،فهذا فعله مهن الفعال المحمودة ،وإن لم
يكن الفاعل قد سبق إليه .ويعضد هذا قول عمر رضي ال عنه :نعمت البدعة هذه ،لما كانت من
أفعال الخيهر وداخلة فهي حيهز المدح ،وههي وإن كان النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قهد صهلها إل أنهه
تركهها ولم يحافهظ عليهها ،ول جمهع الناس ،عليهها ،فمحافظهة عمهر رضهي ال عنهه عليهها ،وجمهع
الناس لهها ،وندبههم إليهها ،بدعهة لكنهها بدعهة محمودة ممدوحهة .وإن كانهت فهي خلف مها أمهر ال بهه
ورسول فهي في حيز الذم والنكار ،قال معناه الخطابي وغيره.
قلت :وههو معنهى قوله صهلى ال عليهه وسهلم فهي خطبتهه( :وشهر المور محدثاتهها وكهل بدعهة
ضللة) يريهد مها لم يوافهق كتابها أو سهنة ،أو عمهل الصهحابة رضهي ال عنههم ،وقهد بيهن هذا بقول:
(من سن في السلم سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من
أجورهم شيء ومن سن في السلم سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من
غيهر أن ينقهص مهن أوزارههم شيهء) .وهذا إشارة إلى مها ابتدع مهن قبيهح وحسهن ،وههو أصهل هذا
الباب ،وبال العصمة والتوفيق ،ل رب غيره.
@قوله تعالى" :وإذا قضى" أي إذا أراد إحكامه وإتقانه -كما سبق في علمه -قال له كن .قال
ابهن عرفهة :قضاء الشيهء إحكامهه وإمضاؤه والفراغ منهه ،ومنهه سهمي القاضهي ،لنهه إذا حكهم فقهد
فرغ مما ببن الخصمين .وقال الزهري :قضى في اللغة على وجوه ،مرجعها إلى انقطاع الشيء
وتمامه ،قال أبو ذؤيب:
داود أو صنع السوابغ تبع وعليهما مسرودتان قضاهما
وقال الشماخ في عمر بن الخطاب رضي ال عنه:
بواثق في أكمامها لم تفتق قضيت أمورا ثم غادرت بعدها
قال علماؤنها" :قضهى" لفهظ مشترك ،يكون بمعنهى الخلق ،قال ال تعالى" :فقضاههن سهبع سهماوات
في يومين" [فصلت ]12 :أي خلقهن .ويكون بمعنى العلم ،قال ال تعالى" :وقضينا إلى بني
إسرائيل في الكتاب" [السراء ]4 :أي أعلمنا .ويكون بمعنى المر ،كقوله تعالى" :وقضى ربك
أل تعبدوا إل إياه" [السهراء .]23 :ويكون بمعنهى اللزام وإمضاء الحكام ،ومنهه سهمي الحاكهم
قاضيها .ويكون بمعنهى توفيهة الحهق ،قال ال تعالى" :فلمها قضهى موسهى الجهل" [القصهص.]29 :
ويكون بمعنهى الرادة ،كقوله تعالى" :فإذا قضهى أمرا فإنمها يقول له كهن فيكون" [غافهر ]68 :أي
إذا أراد خلق شيء .قال ابن عطية" :قضى" معناه قدر ،وقد يجيء بمعنى أمضى ،ويتجه في هذه
اليهة المعنيان على مذههب أههل السهنة قدر فهي الزل وأمضهى فيهه .وعلى مذههب المعتزلة أمضهى
عند الخلق واليجاد.
@قوله تعالى" :أمرا" المهر واحهد المور ،وليهس بمصهدر أمهر يأمهر .قال علماؤنها :والمهر فهي
القرآن يتصرف على أربعة عشر وجها:
الول :الديههن ،قال ال تعالى" :حتههى جاء الحههق وظهههر أمههر ال" [التوبههة ]48 :يعنههي ديههن ال
السهلم .الثانهي :القول ،ومنهه قوله تعالى" :فإذا جاء أمرنها" يعنهي قولنها ،وقوله" :فتنازعوا أمرههم
بينهم" [طه ]62 :يعني قولهم.
الثالث :العذاب ،ومنه قوله تعالى" :لما قضي المر" [إبراهيم ]22 :يعني لما وجب العذاب بأهل
النار.
الرابههع :عيسههى عليههه السههلم ،قال ال تعالى" :إذا قضههى أمرا" [آل عمران ]47 :يعنههي عيسههى،
وكان في علمه أن يكون من غير أب.
الخامهس :القتهل ببدر ،قال ال تعالى" :فإذا جاء أمهر ال" [غافهر ]78 :يعنهي القتهل ببدر ،وقوله
تعالى" :ليقضي ال أمرا كان مفعول" [النفال ]42 :يعني قتل كفار مكة.
السادس :فتح مكة ،قال ال تعالى" :فتربصوا حتى يأتي ال بأمره" [التوبة ]24 :يعني فتح مكة.
السهابع :قتهل قريظهة وجلء بنهي الضيهر ،قال ال تعالى" :فاعفوا واصهفحوا حتهى يأتهي ال بأمره"
[البقرة.]109 :
الثامن :القيامة ،قال ال تعالى" :أتى أمر ال" [النحل.]1 :
التاسع :القضاء ،قال ال تعالى" :يدبر المر" [يونس ]3 :يعني القضاء.
العاشهر :الوحهي ،قال ال تعالى" :يدبر المهر مهن السهماء إلى الرض "[السهجدة ]5 :يقول :ينزل
الوحي من السماء إلى الرض ،وقوله" :يتنزل المر بينهن" [الطلق ]12 :يعني الوحي.
الحادي عشر :أمر الخلق ،قال ال تعالى" :أل إلى ال تصير المور" [الشورى ]53 :يعني أمور
الخلئق.
الثانهي عشهر :النصهر ،قال ال تعالى" :يقولون ههل لنها مهن المهر مهن شيهء" [آل عمران]154 :
يعنون النصر" ،قل إن المر كله ل" [آل عمران ]154 :يعني النصر.
الثالث عشر :الذنب ،قال ال تعالى" :فذاقت وبال أمرها" [الطلق ]9 :يعني جزاء ذنبها.
الرابههع عشههر :الشأن والفعههل ،قال ال تعالى" :ومهها أمههر فرعون برشيههد" [هود ]97 :أي فعله
وشأنه ،وقال" :فليحذر الذين يخالفون عن أمره" [النور ]63 :أي فعله.
@قوله تعالى" :فإنما يقول له كن" قيل :الكاف من كينونه ،والنون من نوره ،وهي المراد بقوله
عليههه السههلم( :أعوذ بكلمات ال التامات مههن شههر مهها خلق) .ويروى( :بكلمههة ال التامههة) على
الفراد .فالجمع لما كانت هذه الكلمة في المور كلها ،فإذا قال لكل أمر كن ،ولكل شيء كن ،فهن
كلمات .يدل على هذا مها روي عهن أبهي ذر عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فيمها يحكهى عهن ال
تعالى( :عطائي كلم وعذابهي كلم) .خرجهه الترمذي فهي حديهث فيهه طول .والكلمهة على الفراد
بمعنههى الكلمات أيضهها ،لكههن لمهها تفرقههت الكلمههة الواحدة فههي المور فههي الوقات صههارت كلمات
ومرجعههن إلى كلمهة واحدة .وإنمها قيهل "تامهة" لن أقهل الكلم عنهد أههل اللغهة على ثلثهة أحرف:
حرف مبتدأ ،وحرف تحشهى بهه الكلمهة ،وحرف يسهكت عليهه .وإذا كان على حرفيهن فههو عندههم
منقوص ،كيد ودم وفم ،وإنما نقص لعلة .فهي من الدميين المنقوصات لنها على حرفين ،ولنها
كلمههة ملفوظههة بالدوات .ومههن ربنهها تبارك وتعالى تامههة ،لنههها بغيههر الدوات ،تعالى عههن شبههه
المخلوقين.
@قوله تعالى" :فيكون" قرئ برفع النون على الستئناف .قال سيبويه .فهو يكون ،أو فإنه يكون.
وقال غيره :هو معطوف على "يقول" ،فعلى الول كائنا بعد المر ،وإن كان معدوما فإنه بمنزلة
الموجود إذا ههو عنده معلوم ،على مها يأتهي بيانهه .وعلى الثانهي كائنها مهع المهر ،واختاره الطهبري
وقال :أمره للشيهء بهه "كهن" ل يتقدم الوجود ول يتأخهر عنه ،فل يكون الشيهء مأمورا بالوجود إل
وههو موجود بالمهر ،ول موجودا إل وههو مأمور بالوجود ،على مها يأتهي بيانهه .قال :ونظيره قيام
الناس مهن قبورههم ل يتقدم دعاء ال ول يتأخهر عنهه ،كمها قال "ثهم إذا دعاكهم دعوة مهن الرض إذا
أنتم تخرجون" [الروم .]25 :وضعف ابن عطية هذا القول وقال :هو خطأ من جهة المعنى ،لنه
يقتضي أن القول مع التكوين والوجود.
وتلخيهص المعتقهد فهي هذه اليهة :أن ال عهز وجهل لم يزل آمرا للمعدومات بشرط وجودهها ،قادرا
مع تأخر المقدورات ،عالما مع تأخر المعلومات .فكل ما في الية يقتضي الستقبال فهو بحسب
المأمورات ،إذ المحدثات تجيهء بعهد أن لم تكهن .وكهل مها يسهند إلى ال تعالى مهن قدرة وعلم فههو
قديم ولم يزل .والمعنى الذي تقتضيه عبارة "كن" :هو قديم قائم بالذات.
وقال أبو الحسن الماوردي فإن قيل :ففي أي حال يقول له كن فيكون؟ أفي حال عدمه ،أم في حال
وجوده؟ فإن كان فهي حال عدمهه اسهتحال أن يأمهر إل مأمورا ،كمها يسهتحيل أن يكون المهر إل مهن
آمهر ،وإن كان فهي حال وجوده فتلك حال ل يجوز أن يأمهر فيهها بالوجود والحدوث ،لنهه موجود
حادث؟ قيل عن هذا السؤال أجوبة ثلثة:
أحدهها :أنهه خهبر مهن ال تعالى عهن نفوذ أوامره فهي خلقهه الموجود ،كمها أمهر فهي بنهي إسهرائيل أن
يكونوا قردة خاسئين ،ول يكون هذا واردا في إيجاد المعدومات.
الثاني :أن ال عز وجل عالم هو كائن قبل كونه ،فكانت الشياء التي لم تكن وهي كائنة بعلمه قبل
كونها مشابهة للتي هي موجودة ،فجاز أن يقول لها :كوني .ويأمرها بالخروج من حال العدم إلى
حال الوجود ،لتصور جميعها له ولعلمه بها في حال العدم.
الثالث :أن ذلك خهبر مهن ال تعالى عام عهن جميهع مها يحدثهه ويكونهه إذا أراد خلقهه وإنشاءه كان،
ووجهد مهن غيهر أن يكون هناك قول يقوله ،وإنمها ههو قضاء يريده ،فعهبر عنهه بالقول وإن لم يكهن
قول ،كقول أبي النجم:
قد قالت التساع للبطن الحق
ول قول هناك ،وإنما أراد أن الظهر قد لحق بالبطن ،وكقول عمرو بن حممة الدوسي:
إذا رام تطيارا يقال له قع فأصبحت مثل النسر طارت فراخه
وكما قال الخر:
ونجيا لحمكما أن يمزقا قالت جناحاه لساقيه الحقا
* *3الية{ 118 :وقال الذين ل يعلمون لول يكلمنا ال أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم
مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا اليات لقوم يوقنون}
@قوله تعالى" :وقال الذيهن ل يعلمون لول يكلمنها ال أو تأتينها آيهة" قال ابهن عباس :ههم اليهود.
مجاهههد :النصههارى ،ورجحههه الطههبري ،لنهههم المذكورون فههي اليههة أول .وقال الربيههع والسههدي
وقتادة :مشركو العرب .و"لول" بمعنى "هل" تحضيض ،كما قال الشهب بن رميلة:
بني ضوطري لول الكمي المقنعا تعدون عقر النيب أفضل مجدكم
وليسهت هذه "لول" التهي تعطهي منهع الشيهء لوجود غيره ،والفرق بينهمها عنهد علماء اللسهان أن
"لول" بمعنهى التحضيهض ل يليهها إل الفعهل مظهرا أو مقدرا ،والتهي للمتناع يليهها البتداء،
وجرت العادة بحذف الخهبر .ومعنهى الكلم هل يكلمنها ال بنبوة محمهد صهلى ال عليهه وسهلم فنعلم
أنهه نهبي فنؤمهن بهه ،أو يأتينها بآيهة تكون علمهة على نبوتهه .واليهة :الدللة والعلمهة ،وقهد تقدم.
"كذلك قال الذيهن مهن قبلههم مثهل قولههم" "الذيهن مهن قبلههم" اليهود والنصهارى فهي قول مهن جعهل
"الذيهن ل يعلمون كفار العرب ،أو المهم السهالفة فهي قول مهن جعهل "الذيهن ل يعلمون" اليهود
والنصارى ،أو اليهود في قول من جعل "الذين ل يعلمون" النصارى" .تشابهت قلوبهم" قيل :في
التعنيهت والقتراح وترك اليمان .وقال الفراء" .تشابههت قلوبههم" فهي اتفاقههم على الكفهر" .قهد بينها
اليات لقوم يوقنون" تقدم.
* *3الية{ 119 :إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ول تسأل عن أصحاب الجحيم}
@قوله تعالى" :إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا" "بشيرا" نصب على الحال" ،ونذيرا" عطف
عليه ،قد تقدم معناهما" .ول تسأل عن أصحاب الجحيم" قال مقاتل :إن النبي صلى ال عليه وسلم
قال( :لو أنزل ال بأسهه باليهود لمنوا) ،فأنزل ال تعالى" :ول تسهأل عهن أصهحاب الجحيهم" برفهع
تسهأل ،وههي قراءة الجمهور ،ويكون فهي موضهع الحال بعطفهه على "بشيرا ونذيرا" .والمعنهى إنها
أرسههلناك بالحههق بشيرا ونذيرا غيههر مسههؤول .وقال سههعيد الخفههش :ول تسههأل (بفتههح التاء وضههم
اللم) ،ويكون فهي موضهع الحال عطفها على "بشيرا ونذيرا" .والمعنهى :إنها أرسهلناك بالحهق بشيرا
ونذيرا غير سهائل عنههم ،لن علم ال بكفرههم بعهد إنذارهم يغنهي عن سؤاله عنهم .هذا معنهى غير
سهائل .ومعنهى غيهر مسهؤول ل يكون مؤاخذا بكفهر مهن كفهر بعهد التبشيهر والنذار .وقال ابهن عباس
ومحمد بن كعب :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال ذات يوم( :ليت شعري ما فعل أبواي).
فنزلت هذه الية ،وهذا على قراءة من قرأ "ول تسأل" جزما على النهي ،وهي قراءة نافع وحده،
وفيه وجهان:
أحدهما :أنه نهى عن السؤال عمن عصى وكفر من الحياء ،لنه قد يتغير حاله فينتقل عن الكفر
إلى اليمان ،وعن المعصية إلى الطاعة.
والثانههي :وهههو الظهههر ،أنههه نهههى عههن السههؤال عمههن مات على كفره ومعصههيته ،تعظيمهها لحاله
وتغليظها لشأنهه ،وهذا كمها يقال :ل تسهأل عهن فلن! أي قهد بلغ فوق مها تحسهب .وقرأ ابهن مسهعود
"ولن تسهأل" .وقرأ أبهي "ومها تسهأل" ،ومعناهمها موافهق لقراءة الجمهور ،نفهى أن يكون مسهؤول
عنهم .وقيل :إنما سأل أي أبويه أحدث موتا ،فنزلت .وقد ذكرنا في كتاب "التذكرة" أن ال تعالى
أحيها له أباه وأمه وآمنا به ،وذكرنا قول عليه السهلم للرجل( :إن أبي وأباك فهي النار) وبينها ذلك،
والحمد ل.
* *3الية{ 120 :ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى ال هو
الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من ال من ولي ول نصير}
@قوله تعالى" :ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم" فيه مسألتان:
الولى :قوله تعالى" : :ولن ترضهى عنهك اليهود ول النصهارى حتهى تتبهع ملتههم" المعنهى :ليهس
غرضههم يها محمهد بمها يقترحون مهن اليات أن يؤمنوا ،بهل لو أتيتههم بكهل مها يسهألون لم يرضوا
عنك ،وإنما يرضيهم ترك ما أنت عليه من السلم واتباعهم .يقال :رضي يرضى رِضا ورُضا
ورُضوانا ورِضوانا ومَرضاة ،وهو من ذوات الواو ،ويقال في التثنية :رِضوان ،وحكى الكسائي:
رِضَيان .وحكي رضاء ممدود ،وكأنه مصدر راضى يراضي مُراضاة ورِضاء" .تتبع" منصوب
بأن ولكنهها ل تظههر مهع حتهى ،قاله الخليهل .وذلك أن حتهى خافضهة للسهم ،كقوله" :حتهى مطلع
الفجر" [القدر ]5 :وما يعمل في السم ل يعمل في الفعل البتة ،وما يخفض اسما ل ينصب شيئا.
وقال النحاس" :تتبع" منصوب بحتى ،و"حتى" بدل من أن .والملة :اسم لما شرعه ال لعباده في
كتبههه وعلى ألسههنة رسههله .فكانههت الملة والشريعههة سههواء ،فأمهها الديههن فقههد فرق بينههه وبيههن الملة
والشريعة ،فإن الملة والشريعة ما دعا ال عباده إلى فعله ،والدين ما فعله العباد عن أمره.
الثانية :تمسك بهذه الية جماعة من العلماء منهم أبو حنيفة والشافعي وداود وأحمد بن حنبل على
أن الكفهر كله ملة واحدة ،لقوله تعالى" :ملتههم" فوحهد الملة ،وبقوله تعالى" :لكهم دينكهم ولي ديهن"
[الكافرون ،]6 :وبقوله عليه السلم( :ل يتوارث أهل ملتين) على أن المراد به السلم والكفر،
بدليل قوله عليه السلم( :ل يرث المسلم الكافر) .وذهب مالك وأحمد في الرواية الخرى إلى أن
الكفر ملل ،فل يرث اليهودي النصراني ،ول يرثان المجوسي ،أخذا بظاهر قوله عليه السلم( :ل
يتوارث أهل ملتين) ،وأما قوله تعالى" :ملتهم" فالمراد به الكثرة وإن كانت موحدة في اللفظ بدليل
إضافتهها إلى ضميهر الكثرة ،كمها تقول :أخذت عهن علماء أههل المدينهة -مثل -علمههم ،وسهمعت
عليهم حديثهم ،يعني علومهم وأحاديثهم.
@قوله تعالى" :قل إن هدى ال هو الهدى" المعنى ما أنت عليه يا محمد من هدى ال الحق الذي
يضعه في قلب من يشاء هو الهدى الحقيقي ،ل ما يدعيه هؤلء.
@قوله تعالى" :ولئن اتبعت أهواءهم" الهواء جمع هوى ،كما تقول :جمل وأجمال ،ولما كانت
مختلفهة جمعهت ،ولو حمهل على أفراد الملة لقال هواههم .وفهي هذا الخطاب وجهان :أحدهمها :أنهه
للرسول ،لتوجه الخطاب إليه .والثاني :أنه للرسول والمراد به أمته ،وعلى الول يكون فيه تأديب
لمتهه ،إذ منزلتههم دون منزلتهه .وسهبب اليهة أنههم كانوا يسهألون المسهالمة والهديهة ،ويعدون النهبي
صلى ال عليه وسلم بالسلم ،فأعلمه ال أنهم لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم ،وأمره بجهادهم.
@قوله تعالى" :بعد الذي جاءك من العلم ما لك من ال من ولي ول نصير" مثل أحمد بن حنبل
عمهن يقول :القرآن مخلوق ،فقال :كافهر ،فقيهل :بهم كفرتهه؟ فقال :بآيات مهن كتاب ال تعالى" :ولئن
اتبعهت أهواءههم مهن بعهد مها جاءك مهن العلم" [البقرة ]145 :والقرآن مهن علم ال .فمهن زعهم أنهه
مخلوق فقد كفر.
* *3اليات{123 - 122 - 121 :الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلوته أولئك يؤمنون به
ومهن يكفهر بهه فأولئك ههم الخاسهرون ،يها بنهي إسهرائيل اذكروا نعمتهي التهي أنعمهت عليكهم وأنهي
فضلتكهم على العالميهن ،واتقوا يومها ل تجزي نفهس عهن نفهس شيئا ول يقبهل منهها عدل ول تنفعهها
شفاعة ول هم ينصرون}
@قوله تعالى" :الذين آتيناهم الكتاب" قال قتادة :هم أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ،والكتاب
على هذا التأويل القرآن .وقال ابن زيد :هم من أسلم من بني إسرائيل .والكتاب على هذا التأويل:
التوراة ،واليهة تعهم .و"الذيهن" رفهع بالبتداء" ،آتيناههم" صهلته" ،يتلونهه" خهبر البتداء ،وإن شئت
كان الخبر "أولئك يؤمنون به".
واختلف فهي معنهى "يتلونهه حهق تلوتهه" فقيهل :يتبعونهه حهق اتباعه ،باتباع المهر والنههي ،فيحللون
حلله ،ويحرمون حرامهه ،ويعملون بمها تضمنهه ،قاله عكرمهة .قال عكرمهة :أمها سهمعت قول ال
تعالى" :والقمر إذا تلها" [الشمس 2 :أي اتبعها ،وهو معنى قول ابن عباس وابن مسعود رضي
ال عنهما .وقال الشاعر:
قد جعلت دلوي تستتليني
وروى نصر بن عيسى عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله
تعالى" :يتلونه حق تلوته" قال( :يتبعونه حق اتباعه) .في إسناده غير واحد من المجهولين فيما
ذكهر الخطيهب أبهو بكهر أحمهد ،إل أن معناه صهحيح .وقال أبهو موسهى الشعري :مهن يتبهع القرآن
يهبط به على رياض الجنة .وعن عمر بن الخطاب رضي ال عنه :هم الذين إذا مروا بآية رحمة
سهألوها مهن ال ،وإذا مروا بآيهة عذاب اسهتعاذوا منهها .وقهد روي هذا المعنهى عهن النهبي صهلى ال
عليه وسلم :كان إذا مر بآية رحمة سأل ،وإذا مر بآية عذاب تعوذ .وقال الحسن :هم الذين يعملون
بمحكمه ،ويؤمنون بمتشابهه ،ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه .وقيل :يقرؤونه حق قراءته.
قلت :وهذا فيهه بعهد ،إل أن يكون المعنهى يرتلون ألفاظهه ،ويفهمون معانيهه ،فإن بفههم المعانهي
يكون التباع لمن وفق.
* *3الية{ 124 :وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن
ذريتي قال ل ينال عهدي الظالمين} فيه عشرون مسألة:
@الولى :لمها جرى ذكهر الكعبهة والقبلة اتصهل ذلك بذكهر إبراهيهم عليهه السهلم ،وأنهه الذي بنهى
البيهت ،فكان مهن حهق اليهود -وههم مهن نسهل إبراهيهم -أل يرغبوا عهن دينهه .والبتلء :المتحان
والختبار ،ومعناه أمهر وتعبهد .وإبراهيهم تفسهيره بالسهريانية فيمها ذكهر الماوردي ،وبالعربيهة فيمها
ذكهر ابهن عطيهة :أب رحيهم .قال السههيلي :وكثيرا مها يقهع التفاق بيهن السهرياني والعربهي أو يقاربهه
في اللفظ ،أل ترى أن إبراهيم تفسيره أب راحم ،لرحمته بالطفال ،ولذلك جعل هو وسارة زوجته
كافلين لطفال المؤمنين يموتون صغارا إلى يوم القيامة.
قلت :وممها يدل على هذا مها خرجهه البخاري مهن حديهث الرؤيها الطويهل عهن سهمرة ،وفيهه :أن
النهبي صهلى ال عليهه وسهلم رأى فهي الروضهة إبراهيهم عليهه السهلم وحوله أولد الناس .وقهد أتينها
عليه في كتاب التذكرة ،والحمد ل.
وإبراهيم هو ابن تاريخ بن ناخور في قول بعض المؤرخين .وفي التنزيل" :وإذ قال إبراهيم لبيه
آزر" [النعام ]74 :وكذلك في صحيح البخاري ،ول تناقض في ذلك ،على ما يأتي في "النعام"
بيانههه إن شاء ال تعالى .وكان له أربههع بنيههن :إسههماعيل وإسههحاق ومديههن ومدائن ،على مهها ذكره
السهههيلي .وقدم على الفاعههل للهتمام ،إذ كون الرب تبارك وتعالى مبتليهها معلوم ،وكون الضميههر
المفعول فهي العربيهة متصهل بالفاعهل موجهب تقديهم المفعول ،فإنمها بنهي الكلم على هذا الهتمام،
فاعلمه .وقراءة العامة "إبراهيم" بالنصب" ،ربه" بالرفع على ما ذكرنا .وروي عن جابر بن زيد
أنه قرأ على العكس ،وزعم أن ابن عباس أقرأه كذلك .والمعنى دعا إبراهيم ربه وسأل ،وفيه بعد،
لجل الباء في قوله" :بكلمات".
@الثانيهة :قوله تعالى" :بكلمات" الكلمات جمهع كلمهة ،ويرجهع تحقيقهها إلى كلم الباري تعالى،
لكنه عبر عنها عن الوظائف التي كلفها إبراهيم عليه السلم ،ولما كان تكليفها بالكلم سميت به،
كمها سهمي عيسهى كلمهة ،لنهه صهدر عهن كلمهة وههي "كهن" .وتسهمية الشيهء بمقدمتهه أحهد قسهمي
المجاز ،قاله ابن العربي.
@الثالثة :واختلف العلماء في المراد بالكلمات على أقوال :أحدها :شرائع السلم ،وهي ثلثون
سهما ،عشرة منها في سورة براءة" :التائبون العابدون" [التوبة ]112 :إلى آخرها ،وعشرة في
الحزاب" :إن المسهلمين والمسهلمات" [الحزاب ]35 :إلى آخرهها ،وعشرة فهي المؤمنون" :قهد
أفلح المؤمنون" [المؤمنون ]1 :إلى قوله" :على صلواتهم يحافظون" [المؤمنون ]9 :وقوله فهي
"سهأل سهائل"" :إل المصهلين" إلى قوله" :والذيهن ههم على صهلتهم يحافظون" .قال ابهن عباس
رضي ال عنهما :ما ابتلى ال أحدا بهن فقام بها كلها إل إبراهيم عليه السلم ،ابتلي بالسلم فأتمه
فكتهب ال له البراءة فقال" :وإبراهيهم الذي وفهى" [النجهم .]37 :وقال بعضههم :بالمهر والنههي،
وقال بعضههم :بذبهح ابنهه ،وقال بعضههم :بأداء الرسهالة ،والمعنهى متقارب .وقال مجاههد :ههي قوله
تعالى :إنههي مبتليههك بأمههر ،قال :تجعلنههي للناس إمامهها؟ قال نعههم .قال :ومههن ذريتههي؟ قال :ل ينال
عهدي الظالميههن ،قال :تجعههل البيههت مثابههة للناس؟ قال نعههم .قال :وأمنهها؟ قال نعههم .قال :وترينهها
مناسههكنا وتتوب علينهها؟ قال نعههم .قال :وترزق أهله مههن الثمرات؟ قال نعههم .وعلى هذا القول فال
تعالى هو الذي أتم .وأصح من هذا ما ذكره عبدالرزاق عن معمر عن طاوس عن ابن عباس في
قوله" :وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن" قال :ابتله ال بالطهارة ،خمس في الرأس وخمس
في الجسد :قص الشارب ،والمضمضة ،والستنشاق ،والسواك ،وفرق الشعر .وفي الجسد :تقليم
الظفار ،وحلق العانههة ،والختتان ،ونتههف البههط ،وغسههل مكان الغائط والبول بالماء ،وعلى هذا
القول فالذي أتم هو إبراهيم ،وهو ظاهر القرآن .وروى مطر عن أبي الجلد أنها عشر أيضا ،إل
أنهه جعهل موضهع الفرق غسهل البراجهم ،وموضهع السهتنجاء السهتحداد .وقال قتادة :ههي مناسهك
الحج خاصة .الحسن :هي الخلل الست :الكوكب ،والقمر ،والشمس ،والنار ،والهجرة ،والختان.
قال أبهو إسهحاق الزجاج :وهذه القوال ليسهت بمتناقضهة ،لن هذا كله ممها ابتلي بهه إبراهيهم عليهه
السلم.
قلت :وفهي الموطهأ وغيره عهن يحيهى بهن سهعيد أنهه سهمع سهعيد بهن المسهيب يقول :إبراهيهم عليهه
السلم أول من اختتن ،وأول من أضاف الضيف ،وأول من استحد ،وأول من قلم الظفار ،وأول
مهن قهص الشارب ،وأول مهن شاب ،فلمها رأى الشيهب قال :مها هذا؟ قال :وقار ،قال :يها رب زدنهي
وقارا .وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن سعيد بن إبراهيم عن أبيه قال :أول من خطب على المنابر
إبراهيهم خليهل ال .قال غيره :وأول مهن ثرد الثريهد ،وأول مهن ضرب بالسهيف ،وأول مهن اسهتاك،
وأول من استنجى بالماء ،وأول من لبس السراويل .وروى معاذ بن جبل قال :قال النبي صلى ال
عليه وسلم( :إن أتخذ المنبر فقد اتخذه أبي إبراهيم وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم).
قلت :وهذه أحكام يجب بيانها والوقف عليها والكلم فيها ،فأول ذلك "الختان" وما جاء فيه.
@الرابعهة :أجمهع العلماء على أن إبراهيهم عليهه السهلم أول مهن اختتهن .واختلف فهي السهن التهي
اختتهن فيهها ،ففهي الموطهأ عهن أبهي هريرة موقوفها( :وههو ابهن مائة وعشريهن سهنة وعاش بعهد ذلك
ثمانين سنة) .ومثل هذا ل يكون رأيا ،وقد رواه الوزاعي مرفوعا عن يحيى بن سعيد عن سعيد
ابن المسيب عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :اختتن إبراهيم عليه السلم
وهو ابن مائة وعشرين سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة) .ذكره أبو عمر .وروي مسندا مرفوعا
من غير رواية يحيى من وجوه( :أنه اختتن حين بلغ ثمانين سنة واختتن بالقدوم) .كذا في صحيح
مسهلم وغيره "ابهن ثمانيهن سهنة" ،وههو المحفوظ فهي حديهث ابهن عجلن وحديهث العرج عهن أبهي
هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم .قال عكرمة :اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة .قال :ولم
يطهف بالبيهت بعهد على ملة إبراهيهم إل مختون ،هكذا قال عكرمهة وقال المسهيب بهن رافهع ،ذكره
المروزي .و"القدوم" يروي مشددا ومخففا .قال أبو الزناد :القدوم (مشددا) :موضع.
@الخامسة :واختلف العلماء في الختان ،فجمهورهم على أن ذلك من مؤكدات السنن ومن فطرة
السههلم التههي ل يسههع تركههها فههي الرجال .وقالت طائفههة :ذلك فرض ،لقوله تعالى" :أن اتبههع ملة
إبراهيهم حنيفها" [النحهل .]123 :قال قتادة :ههو الختتان ،وإليهه مال بعهض المالكييهن ،وههو قول
الشافعهي .واسهتدل ابهن سهريج على وجوبهه بالجماع على تحريهم النظهر إلى العورة ،وقال :لول أن
الختان فرض لما أبيح النظر إليها من المختون .وأجيب عن هذا بأن مثل هذا يباح لمصلحة الجسم
كنظهر الطهبيب ،والطهب ليهس بواجهب إجماعها ،على مها يأتهي فهي "النحهل" بيانهه إن شاء ال تعالى.
وقد احتج بعض أصحابنا بما رواه الحجاج بن أرطأة عن أبي المليح عن أبيه عن شداد بن أوس
أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :الختان سنة للرجال مكرمة للنساء) .والحجاج ليس ممن
يحتج به.
قلت :أعلى مها يحتهج بهه فهي هذا الباب حديهث أبهي هريرة عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال:
(الفطرة خمس الختتان )...الحديث ،وسيأتي .وروى أبو داود عن أم عطية أن امرأة كانت تختن
النسهاء بالمدينهة ،فقال لهها النهبي صهلى ال عليهه وسهلم( :ل تنهكهي فإن ذلك أحظهى للمرأة وأحهب
للبعل) .قال أبو داود :وهذا الحديث ضعيف راويه مجهول .وفي رواية ذكرها رزين( :ول تنهكي
فإنه أنور للوجه وأحظى عند الرجل).
@السهادسة :فإن ولد الصهبي مختونا فقد كفهي مؤنة الختان .قال الميموني قال لي أحمد :إن ههنها
رجل ولد له ولد مختون ،فاغتهم لذلك غمها شديدا ،فقلت له :إذا كان ال قهد كفاك المؤنهة فمها غمهك
بهذا.
@السهابعة :قال أبهو الفرج الجوزي حدثهت عهن كعهب الحبار قال :خلق مهن النهبياء ثلثهة عشهر
مختونيههن :آدم وشيههث وإدريههس ونوح وسههام ولوط ويوسههف وموسههى وشعيههب وسههليمان ويحيههى
وعيسى والنبي صلى ال عليه وسلم .وقال محمد بن حبيب الهاشمي :هم أربعة عشر :آدم وشيث
ونوح وهود وصههالح ولوط وشعيههب ويوسههف وموسههى وسههليمان وزكريهها وعيسههى وحنظلة بههن
صفوان (نبي أصحاب الرس) ومحمد صلى ال عليه وعليهم أجمعين.
قلت :اختلفهت الروايات فههي النههبي صهلى ال عليهه وسهلم ،فذكههر أبهو نعيههم الحافههظ فههي "كتاب
الحلية" بإسناده أن النبي صلى ال عليه وسلم ولد مختونا .وأسند أبو عمر في التمهيد حدثنا أحمد
بن محمد بن أحمد حدثنا محمد بن عيسى حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي العلف حدثنا محمد بن
أبى السري العسقلني حدثنا الوليد بن مسلم عن شعيب عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن
عباس :أن عبدالمطلب ختههن النههبي صههلى ال عليههه وسههلم يوم سههابعه ،وجعههل له مأدبههة وسههماه
"محمدا" .قال أبو عمر :هذا حديث مسند غريب .قال يحيى بن أيوب :طلبت هذا الحديث فلم أجده
عنهد أحهد مهن أههل الحديهث ممهن لقيتهه إل عنهد ابهن أبهي السهري .قال أبهو عمهر :وقهد قيهل :إن النهبي
صلى ال عليه وسلم ولد مختونا.
@الثامنة :واختلفوا متى يختن الصبي ،فثبت في الخبار عن جماعة من العلماء أنهم قالوا :ختن
إبراهيهم إسهماعيل لثلث عشرة سهنة .وختهن ابنهه إسهحاق لسهبعة أيام .وروي عهن فاطمهة أنهها كانهت
تختهن ولدهها يوم السهابع ،وأنكهر ذلك مالك وقال ذلك مهن عمهل اليهود .ذكره عنهه ابهن وههب .وقال
الليث بن سعد :يختن الصبي ما بين سبع سنين إلى عشر .ونحوه روى ابن وهب عن مالك .وقال
أحمد :لم أسمع في ذلك شيئا .وفي البخاري عن سعيد بن جبير قال :سئل ابن عباس :مثل من أنت
حين قبض رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ قال :أنا يومئذ مختون .قال :وكانوا ل يختنون الرجل
حتى يدرك أو يقارب الحتلم.
واسهتحب العلماء فهي الرجهل الكهبير يسهلم أن يختهن ،وكان عطاء يقول :ل يتهم إسهلمه حتهى يختتهن
وإن بلغ ثمانين سنة .وروي عن الحسن أنه كان يرخص للشيخ الذي يسلم أل يختتن ،ول يرى به
بأسها ول بشهادتهه وذبيحتهه وحجهه وصهلته ،قال ابهن عبدالبر :وعامهة أههل العلم على هذا .وحديهث
بريدة فهي حهج الغلف ل يثبهت .وروي عهن ابهن عباس وجابر بهن زيهد وعكرمهة :أن الغلف ل
تؤكل ذبيحته ول تجوز شهادته.
@التاسعة :قوله[ :وأول من استحد] فالستحداد استعمال الحديد في حلق العانة .وروت أم سلمة
أن النههبي صههلى ال عليههه وسههلم كان إذا اطلى ولي عانتههه بيده .وروى ابههن عباس أن رجل طلى
رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم حتهى إذا بلغ إلى عانتهه قال له :اخرج عنهي ،ثهم طلى عانتهه بيده.
وروى أنهس أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم كان ل يتنور ،وكان إذا كثهر الشعهر على عانتهه حلقهه.
قال ابن خويز منداد :وهذا يدل على أن الكثر من فعله كان الحلق وإنما تنور نادرا ،ليصح الجمع
بين الحديثين.
@العاشرة :فهي تقليهم الظفار .وتقليهم الظفار :قصهها ،والقلمهة مها يزال منهها .وقال مالك :أحهب
للنساء من قص الظفار وحلق العانة مثل ما هو على الرجال .ذكره الحارث بن مسكين وسحنون
عن ابن القاسم .وذكر الترمذي الحكيم في "نوادر الصول" له
@ حدثنها عمهر بهن أبهي عمهر قال :حدثنها إبراهيهم بهن العلء الزبيدي عهن عمهر بهن بلل الفزاري
قال :سمعت عبدال بن بشر المازني يقول :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :قصوا أظافيركم
وادفنوا قلماتكم ونقوا براجمكم ونظفوا لثاتكم من الطعام وتسننوا ول تدخلوا علي قخرا بخرا) ثم
تكلم عليهه فأحسهن .قال الترمذي :فأمها قهص الظفار فمهن أجهل أنهه يخدش ويخمهش ويضهر ،وههو
مجتمع الوسخ ،فربما أجنب ول يصل الماء إلى البشرة من أجل الوسخ فل يزال جنبا .ومن أجنب
فبقهي موضع إبرة من جسده بعد الغسل غير مغسول فهو جنب على حاله حتى يعم الغسل جسهده
كله ،فلذلك ندبههم إلى قهص الظفار .والظافيهر جمهع الظفور ،والظفار جمهع الظفهر .وفهي حديهث
رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم حيهث سهها فهي صهلته فقال( :ومها لي ل أوههم ورفهع أحدكهم بيهن
ظفره وأنملته ويسألني أحدكم عن خبر السماء وفي أظافيره الجنابة والتفث) .وذكر هذا الخبر أبو
الحسهن علي بهن محمهد الطهبري المعروف بالكيها فهي "أحكام القرآن" له ،عهن سهليمان بهن فرج أبهي
واصل قال :أتيت أبا أيوب رضي ال عنه فصافحته ،فرأى في أظفاري طول فقال :جاء رجل إلى
النهبي صهلى ال عليهه وسهلم يسهأله عهن خهبر السهماء فقال( :يجيهء أحدكهم يسهأل عهن خهبر السهماء
وأظفاره كأظفار الطير حتى يجتمع فيها الوسخ والتفث).
وأمها قوله( :ادفنوا قلماتكهم) فإن جسهد المؤمهن ذو حرمهة ،فمها سهقط منهه وزال عنه فحفظهه مهن
الحرمة قائم ،فيحق عليه أن يدفنه ،كما أنه لو مات دفن ،فإذا مات بعضه فكذلك أيضا تقام حرمته
بدفنه ،كي ل يتفرق ول يقع في النار أو في مزابل قذرة .وقد أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم
بدفهن دمهه حيهث احتجهم كهي ل تبحهث عنهه الكلب .حدثنها بذلك أبهي رحمهه ال تعالى قال :حدثنها
موسهى بهن إسهماعيل قال :حدثنها الهنيهد بهن القاسهم بهن عبدالرحمهن بهن ماعهز قال :سهمعت عامهر بهن
عبدال بن الزبير يقول إن أباه حدثه أنه أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يحتجم ،فلما فرغ
قال( :يها عبدال اذههب بهذا الدم فأهرقهه حيهث ل يراك أحهد) .فلمها برز عهن رسهول ال صهلى ال
عليه وسلم عمد إلى الدم فشربه ،فلما رجع قال( :يا عبدال ما صنعت به؟) .قال :جعلته في أخفى
مكان ظننت أنه خافيا عن الناس .قال( :لعلك شربته؟) قال نعم .قال( :لم شربت الدم ،وويل للناس
منهك وويهل لك مهن الناس) .حدثنهي أبهي قال :حدثنها مالك بهن سهليمان الهروي قال :حدثنها داود بهن
عبدالرحمهن عهن هشام بهن عروة عهن أبيهه عهن عائشهة قالت :كان رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم
يأمر بدفن سبعة أشياء من النسان :الشعر ،والظفر ،والدم ،والحيضة ،والسن ،والقلفة ،والبشيمة.
وأمها قوله( :نقوا براجمكهم) فالبراجهم تلك الغضون مهن المفاصهل ،وههي مجتمهع الدرن (واحدهها
برجمة) وهو ظهر عقدة كل مفصل ،فظهر العقدة يسمى برجمة ،وما بين العقدتين تسمى راجبة،
وجمعههها رواجههب ،وذلك ممهها يلي ظهرههها ،وهههي قصهبة الصههبع ،فلكهل أصهبع برجمتان وثلث
رواجهب إل البهام فإن لهها برجمهة وراجبتيهن ،فأمهر بتنقيتهه لئل يدرن فتبقهى فيهه الجنابهة ،ويحول
الدرن بين الماء والبشرة.
وأمهها قوله( :نظفوا لثاتكههم) فاللثههة واحدة ،واللثات جماعههة ،وهههي اللحمههة فوق السههنان ودون
السنان ،وهي منابتها .والعمور :اللحمة القليلة بين السنين ،واحدها عمر .فأمر بتنظيفها لئل يبقى
فيها وضر الطعام فتتغير عليه النكهة وتتنكر الرائحة ،ويتأذى الملكان ،لنه طريق القرآن ،ومقعد
الملكيهن عنهد نابيهه .وروي فهي الخهبر فهي قوله تعالى" :مها يلفهظ مهن قول إل لديهه رقيهب عتيهد" [ق:
]18قال :عند نابيه .حدثنا بذلك محمد بن علي الشقيقي قال :سمعت أبي يذكر ذلك عن سفيان بن
عيينهة ،وجاد مها قال ،وذلك أن اللفهظ ههو عمهل الشفتيهن يلفهظ الكلم عهن لسهانه إلى البراز .وقوله:
"لديه" أي عنده ،واللدى والعند في لغتهم السائرة بمعنى واحد ،وكذلك قولهم "لدن" فالنون زائدة.
فكأن الية تنبئ أن الرقيب عتيد عند مغلظ الكلم وهو الناب.
وأما قوله( :تسننوا) وهو السواك مأخوذ من السن ،أي نظفوا السن.
وقوله( :ل تدخلوا علي قخرا بخرا) فالمحفوظ عندي (قحل وقلحهها) .وسههمعت الجارود يذكههر
عههن النضههر قال :القلح الذي قههد اصههفرت أسههنانه حتههى بخرت مههن باطنههها ،ول أعرف القخههر.
والبخهر :الذي تجهد له رائحهة منكرة لبشرتهه ،يقال :رجهل أبخهر ،ورجال بخهر .حدثنها الجارود قال:
حدثنها جريهر عهن منصهور عهن أبهي علي عهن أبهي جعفهر بهن تمام بهن العباس عهن أبيهه قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :استاكوا ،ما لكم تدخلون علي قلحا).
@الحاديهة عشرة :فهي قهص الشارب .وههو الخهذ منهه حتهى يبدو طرف الشفهة وههو الطار ،ول
يجزه فيمثههل نفسههه ،قاله مالك .وذكههر ابههن عبدالحكههم عنههه قال :وأرى أن يؤدب مههن حلق شاربههه.
وذكهر أشههب عنهه أنهه قال فهي حلق الشارب :هذه بدع ،وأرى أن يوجهع ضربها مهن فعله .وقال ابهن
خويز منداد قال مالك :أرى أن يوجع من حلقه ضربا .كأنه يراه ممثل بنفسه ،وكذلك بنتفه الشعر،
وتقصيره عنده أولى من حلقه .وكذلك روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه كان ذا لمة ،وكان
أصحابه من بين وافر الشعر أو مقصر ،وإنما حلق وحلقوا في النسك .وروي أن رسول ال صلى
ال عليهه وسهلم كان يقهص أظافره وشاربهه قبهل أن يخرج إلى الجمعهة .وقال الطحاوي :لم نجهد عهن
الشافعي في هذا شيئا منصوصا ،وأصحابه الذين رأيناهم :المزني والربيع كانا يحفيان شواربهما،
ويدل ذلك أنهمها أخذا ذلك عهن الشافعهي رحمهه ال تعالى .قال :وأمها أبهو حنيفهة وزفهر وأبهو يوسهف
ومحمهد فكان مذهبههم فهي شعهر الرأس والشارب أن الحفاء أفضهل مهن التقصهير .وذكهر ابهن خويهز
منداد عهن الشافعهي أن مذهبهه فهي حلق الشارب كمذههب أبهي حنيفهة سهواء .وقال أبهو بكهر الثرم:
رأيت أحمد بن حنبل يحفي شاربه شديدا ،وسمعته سئل عن السنة في إحفاء الشارب فقال :يحفى
كما قال النبي صلى ال عليه وسلم( :احفوا الشوارب) .قال أبو عمر :إنما في هذا الباب أصلن:
أحدهمها :أحفوا ،وههو لفهظ محتمهل التأويهل .والثانهي :قهص الشارب ،وههو مفسهر ،والمفسهر يقضهي
على المجمل ،وهو عمل أهل المدينة ،وهو أولى ما قيل به في هذا الباب .روى الترمذي عن ابن
عباس قال :كان رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم يقههص مههن شاربههه ويقول( :إن إبراهيههم خليههل
الرحمهن كان يفعله) .قال :هذا حديهث حسهن غريهب .وخرج مسهلم عن أبهي هريرة عن النهبي صهلى
ال عليههه وسههلم قال( :الفطرة خمههس الختتان والسههتحداد وقههص الشارب وتقليههم الظفار ونتههف
البهط) .وفيهه عهن ابهن عمهر قال :قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :خالفوا المشركيهن احفوا
الشوارب وأوفوا اللحهى) .والعاجهم يقصهون لحاههم ،ويوفرون شواربههم أو يوفرونهمها معا ،وذلك
عكس الجمال والنظافة .ذكر رزين عن نافع أن ابن عمر كان يحفي شاربه حتى ينظر إلى الجلد،
ويأخهذ هذيهن ،يعنهي مها بيهن الشارب واللحية .وفهي البخاري :وكان ابهن عمهر يأخهذ مهن طول لحيتهه
ما زاد على القبضة إذا حج أو اعتمر .وروى الترمذي عن عبدال بن عمرو بن العاص أن رسول
ال صلى ال عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها .قال :هذا حديث غريب.
@الثانيهة عشرة :وأمها البهط فسهنته النتهف ،كمها أن سهنة العانهة الحلق ،فلو عكهس جاز لحصهول
النظافة ،والول أولى ،لنه المتيسر المعتاد.
@الثالثة عشرة :وفرق الشعر :تفريقه في المفرق ،وفي صفته صلى ال عليه وسلم :إن انفرقت
عقيصته فرق ،يقال :فرقت الشعر أفرقه فرقا ،يقال :إن انفرق شعر رأسه فرقه في مفرقه ،فإن لم
ينفرق تركهه وفرة واحدة .خرج النسهائي عهن ابهن عباس أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم كان
يسدل شعره ،وكان المشركون يفرقون شعورهم ،وكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه
بشيهء ،ثهم فرق رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم بعهد ذلك ،أخرجهه البخاري ومسهلم عهن أنهس .قال
القاضهي عياض :سهدل الشعهر إرسهاله ،والمراد بهه ههنها عنهد العلماء إرسهاله على الجهبين ،واتخاذه
كالقصهة ،والفرق فهي الشعهر سهنة ،لنهه الذي رجهع إليهه النهبي صهلى ال عليهه وسهلم .وقهد روي أن
عمر بن عبدالعزيز كان إذا انصرف من الجمعة أقام على باب المسجد حرسا يجزون ناصية كل
من لم يفرق شعره .وقد قيل :إن الفرق كان من سنة إبراهيم عليه السلم ،فال اعلم.
@الرابعهة عشرة :وأمها الشيهب فنور ويكره نتفهه ،ففهي النسهائي وأبهي داود مهن حديهث عمرو بهن
شعيهب عن أبيهه عن جده قال :قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :ل تنتفوا الشيهب مها مهن مسهلم
يشيب شيبة في السلم إل كانت له نورا يوم القيامة وكتب ال له حسنة وحط عنه خطيئة).
قلت :وكمها يكره نتفهه كذلك يكره تغييره بالسهواد ،فأمها تغييره بغيهر السهواد فجائز ،لقوله صهلى
ال عليهه وسهلم فهي حهق أبهي قحافهة -وقهد جيهء بهه ولحيتهه كالثغامهة بياضها ( : -غيروا هذا بشيهء
واجتنبوا السواد) .ولقد أحسن من قال:
ول خير في العلى إذا فسد الصل يسود أعلها ويبيض أصلها
وقال الخر:
سل المليك له سترا من النار يا خاضب الشيب بالحناء تستره
@الخامسهة عشرة :وأمها الثريهد فههو أزكهى الطعام وأكثره بركهة ،وههو طعام العرب ،وقهد شههد له
النهبي صهلى ال عليهه وسهلم بالفضهل على سهائر الطعام فقال( :فضهل عائشهة على النسهاء كفضهل
الثريد على سائر الطعام) .وفي صحيح البستي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت إذا ثردت غطته
شيئا حتههى يذهههب فوره وتقول :إنههي سههمعت رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم يقول( :إنههه أعظههم
للبركة).
@السادسة عشرة :قلت :وهذا كله في معنى ما ذكره عبدالرزاق عن ابن عباس ،وما قاله سعيد
بهن المسهيب وغيره .ويأتههي ذكهر المضمضهة والسهتنشاق والسهواك فههي سهورة "النسهاء" وحكهم
السهتنجاء فهي "براءة" وحكهم الضيافهة فهي "هود" إن شاء ال تعالى .وخرج مسهلم عهن أنهس قال:
وقت لنا في قص الشارب وتقليم الظفار ونتف البط وحلق العانة أل نترك أكثر من أربعين ليلة،
قال علماؤنا :هذا تحديد في أكثر المدة ،والمستحب تفقد ذلك من الجمعة إلى الجمعة ،وهذا الحديث
يرويه جعفر بن سليمان .قال العقيلي :في حديثه نظر .وقال أبو عمر فيه :ليس بحجة ،لسوء حفظه
وكثرة غلطهه .وهذا الحديهث ليهس بالقوي مهن جههة النقهل ،ولكنهه قهد قال بهه قوم ،وأكثرههم على أل
توقيت في ذلك ،وبال التوفيق.
@السهابعة عشرة :قوله تعالى" :قال إنهي جاعلك للناس إمامها" المام :القدوة ،ومنهه قيهل لخيهط
البناء :إمام ،وللطريههق :إمام ،لنههه يؤم فيههه للمسههالك ،أي يقصههد .فالمعنههى :جعلناك للناس إمامهها
يأتمون بهك فهي هذه الخصهال ،ويقتدي بهك الصهالحون .فجعله ال تعالى إمامها لههل طاعتهه ،فلذلك
اجتمعت المم على الدعوى فيه -وال اعلم -أنه كان حنيفا.
@الثامنة عشرة :قوله تعالى" :قال ومن ذريتي" دعاء على جهة الرغباء إلى ال تعالى ،أي من
ذريتهي يها رب فاجعهل .وقيهل :هذا منهه على جههة السهتفهام عنههم ،أي ومهن ذريتهي يها رب ماذا
يكون؟ فأخهبره ال تعالى أن فيههم عاصهيا وظالمها ل يسهتحق المامهة .قال ابهن عباس :سهأل إبراهيهم
عليهه السهلم أن يجعهل مهن ذريتهه إمام ،فأعلمهه ال أن فهي ذريتهه مهن يعصهي فقال" :ل ينال عهدي
الظالمين".
@التاسهعة عشرة :قوله تعالى" :ومهن ذريتهي" أصهل ذريهة ،فعليهة مهن الذر ،لن ال تعالى أخرج
الخلق مهن صهلب آدم عليهه السهلم كالذر حيهن أشهدههم على أنفسههم .وقيهل :ههو مأخوذ مهن ذرأ ال
الخلق يذرؤهم ذرءا خلقهم ،ومنه الذرية وهي نسل الثقلين ،إل أن العرب تركت همزها ،والجمع
الذراري .وقرأ زيد بن ثابت "ذرية" بكسر الذال و"ذرية" بفتحها .قال ابن جني أبو الفتح عثمان:
يحتمل أصل هذا الحرف أربعة ألفاظ :أحدها :ذرأ ،والثانهي :ذرر ،والثالث :ذرو ،والرابع :ذري،
فأمها الهمزة فمهن ذرأ ال الخلق ،وأمها ذرر فمهن لفهظ الذر ومعناه ،وذلك لمها ورد فهي الخهبر (أن
الخلق كان كالذر) وأمها الواو والياء ،فمهن ذروت الحهب وذريتهه يقالن جميعها ،وذلك قوله تعالى:
"فأصهبح هشيمها تذروه الرياح" [الكههف ]45 :وهذا للطفهه وخفتهه ،وتلك حال الذر أيضها .قال
الجوهري :ذرت الريهح التراب وغيره تذروه وتذريهه ذروا وذريها أي نسهفته ،ومنهه قولههم :ذرى
الناس الحنطة ،وأذريت الشيء إذا ألقيته ،كإلقائك الحب للزرع .وطعنه فأذراه عن ظهر دابته ،أي
ألقاه .وقال الخليههل :إنمهها سههموا ذريههة ،لن ال تعالى ذرأههها على الرض كمهها ذرأ الزارع البذر.
وقيل :أصل ذرية ،ذرورة ،لكن لما كثر التضعيف أبدل من إحدى الراءات ياء ،فصارت ذروية،
ثم أدغمت الواو في الياء فصارت ذرية .والمراد بالذرية هنا البناء خاصة ،وقد تطلق على الباء
والبناء ،ومنه قوله تعالى" :وآية لهم أنا حملنا ذريتهم" [يس ]41 :يعني آباءهم.
@عشرون :قوله تعالى" :قال ل ينال عهدي الظالميهن" اختلف فهي المراد بالعههد ،فروى أبهو
صهالح عهن ابهن عباس أنهه النبوة ،وقال السهدي .مجاههد :المامهة .قتادة :اليمان .عطاء :الرحمهة.
الضحاك :دين ال تعالى .وقيل :عهده أمره .ويطلق العهد على المر ،قال ال تعالى" :إن ال عهد
إلينا" [آل عمران ]183 :أي أمرنا .وقال" :ألم أعهد إليكم يا بني آدم" [يس ]60 :يعني ألم أقدم
إليكههم المههر بههه ،وإذا كان عهههد ال هههو أوامره فقوله" :ل ينال عهدي الظالميههن" أي ل يجوز أن
يكونوا بمحهل مهن يقبهل منههم أوامهر ال ول يقيمون عليهها ،على مها يأتهي بيانهه بعهد هذا آنفها إن شاء
ال تعالى .وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى" :ل ينال عهدي الظالمين" قال :ل ينال عهد ال
فهي الخرة الظالميهن ،فأمها فهي الدنيها فقهد ناله الظالم فأمهن بهه ،وأكهل وعاش وأبصهر .قال الزجاج:
وهذا قول حسههن ،أي ل ينال أمانههي الظالميههن ،أي ل أؤمنهههم مههن عذابههي .وقال سههعيد بههن جههبير:
الظالم هنهها المشرك .وقرأ ابههن مسههعود وطلحههة بههن مصههرف "ل ينال عهدي الظالمون" برفههع
الظالمون .الباقون بالنصههب .وأسههكن حمزة وحفههص وابههن محيصههن الياء فههي "عهدي" ،وفتحههها
الباقون.
@استدل جماعة من العلماء بهذه الية على أن المام يكون من أهل العدل والحسان والفضل مع
القوة على القيام بذلك ،وههو الذي أمهر النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أل ينازعوا المهر أهله ،على مها
تقدم من القول فيه .فأما أهل الفسوق والجور والظلم فليسوا له بأهل ،لقوله تعالى" :ل ينال عهدي
الظالميهن" ولهذا خرج ابهن الزبيهر والحسهين بهن علي رضهي ال عنههم .وخرج خيار أههل العراق
وعلماؤههم على الحجاج ،وأخرج أههل المدينهة بنهي أميهة وقاموا عليههم ،فكانهت الحرة التهي أوقعهها
بههم مسهلم بهن عقبهة .والذي عليهه الكثهر مهن العلماء أن الصهبر على طاعهة المام الجائر أولى مهن
الخروج عليه ،لن فهي منازعته والخروج عليهه استبدال المن بالخوف ،وإراقهة الدماء ،وانطلق
أيدي السههفهاء ،وشههن الغارات على المسههلمين ،والفسههاد فههي الرض .والول مذهههب طائفههة مههن
المعتزلة ،وهو مذهب الخوارج ،فاعلمه.
@قال ابن خويز منداد :وكل من كان ظالما لم يكن نبيا ول خليفة ول حاكما ول مفتيا ،ول إمام
صهلة ،ول يقبهل عنهه مها يرويهه عهن صهاحب الشريعهة ،ول تقبهل شهادتهه فهي الحكام ،غيهر أنهه ل
يعزل بفسههقه حتههى يعزله أهههل الحههل والعقههد .ومهها تقدم مههن أحكامههه موافقهها للصههواب ماض غيههر
منقوض .وقد نص مالك على هذا في الخوارج والبغاة أن أحكامهم ل تنقض إذا أصابوا بها وجها
مهن الجتهاد ،ولم يخرقوا الجماع ،أو يخالفوا النصهوص .وإنمها قلنها ذلك لجماع الصهحابة ،وذلك
أن الخوارج قهد خرجوا فهي أيامههم ولم ينقهل أن الئمهة تتبعوا أحكامههم ،ول نقضوا شيئا منهها ،ول
أعادوا أخهذ الزكاة ول إقامهة الحدود التهي أخذوا وأقاموا ،فدل على أنههم إذا أصهابوا وجهه الجتهاد
لم يتعرض لحكامهم.
@قال ابن خويز منداد :وأما أخذ الرزاق من الئمة الظلمة فلذلك ثلثة أحوال :إن كان جميع ما
فههي أيديهههم مأخوذا على موجههب الشريعههة فجائز أخذه ،وقههد أخذت الصههحابة والتابعون مههن يههد
الحجاج وغيره .وإن كان مختلطها حلل وظلمها كمها فهي أيدي المراء اليوم فالورع تركهه ،ويجوز
للمحتاج أخذه ،وههو كلص فهي يده مال مسهروق ،ومال جيهد حلل وقهد وكله فيهه رجهل فجاء اللص
يتصهدق بهه على إنسهان فيجوز أن تؤخهذ منهه الصهدقة ،وإن كان قهد يجوز أن يكون اللص يتصهدق
ببعهض مها سهرق ،إذا لم يكهن شيهء معروف بنههب ،وكذلك لو باع أو اشترى كان العقهد صهحيحا
لزما -وإن كان الورع التنزه عنه -وذلك أن الموال ل تحرم بأعيانها وإنما تحرم لجهاتها .وإن
كان مها فهي أيديههم ظلمها صهراحا فل يجوز أن يؤخهذ مهن أيديههم .ولو كان مها فهي أيديههم مهن المال
مغصهوبا غيهر أنهه ل يعرف له صهاحب ول مطالب ،فههو كمها لو وجهد فهي أيدي اللصهوص وقطاع
الطريههق ،ويجعههل فههي بيههت المال وينتظههر طالبههه بقدر الجتهاد ،فإذا لم يعرف صههرفه المام فههي
مصالح المسلمين.
* *3الية{ 125 :وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا
إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود}
@قوله تعالى" :وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا" فيه مسألتان:
الولى :قوله تعالى" :جعلنا" بمعنى صيرنا لتعديه إلى مفعولين ،وقد تقدم" .البيت" يعني الكعبة.
"مثابة" أي مرجعا ،يقال :ثاب يثوب مثابا ومثابة وثؤوبا وثوبانا .فالمثابة مصدر وصف به ويراد
به الموضع الذي يثاب إليه ،أي يرجع إليه .قال ورقة بن نوفل في الكعبة:
تخب إليها اليعملت الذوامل مثابا لفناء القبائل كلها
وقرأ العمهههش" :مثابات" على الجمهههع .ويحتمهههل أن يكون مهههن الثواب ،أي يثابون هناك .وقال
مجاهد :ل يقضي أحد منه وطرأ ،قال الشاعر:
ليس منه الدهر يقضون الوطر جعل البيت مثابا لهم
والصهل مثوبهة ،قلبهت حركهة الواو على الثاء فقلبهت الواو ألفها اتباعها لثاب يثوب ،وانتصهب على
المفعول الثاني ،ودخلت الهاء للمبالغة لكثرة من يثوب أي يرجع ،لنه قل ما يفارق أحد البيت إل
وهو يرى أنه لم يقض منه وطرا ،فهي كنسابة وعلمة ،قاله الخفش .وقال غيره :هي هاء تأنيث
المصدر وليست للمبالغة.
فإن قيل :ليس كل من جاءه يعود إليه ،قيل :ليس يختص بمن ورد عليه ،وإنما المعنى أنه ل يخلو
من الجملة ،ول يعدم قاصدا من الناس ،وال تعالى اعلم.
الثانية :قوله تعالى" :وأمنا" استدل به أبو حنيفة وجماعة من فقهاء المصار على ترك إقامة الحد
فهي الحرم على المحصهن والسهارق إذا لجهأ إليهه ،وعضدوا ذلك بقوله تعالى" :ومهن دخله كان آمنها
"[آل عمران ]97 :كأنه قال :آمنوا من دخل البيت .والصحيح إقامة الحدود في الحرم ،وأن ذلك
مهن المنسهوخ ،لن التفاق حاصهل أنهه ل يقتهل فهي البيهت ،ويقتهل خارج البيهت .وإنمها الخلف ههل
يقتل في الحرم أم ل؟ والحرم ل يقع عليه اسم البيت حقيقة .وقد أجمعوا أنه لو قتل في الحرم قتل
بهه ،ولو أتهى حدا أقيهد منهه فيهه ،ولو حارب فيهه حورب وقتهل مكانهه .وقال أبهو حنيفهة :مهن لجهأ إلى
الحرم ل يقتهل فيهه ول يتابهع ،ول يزال يضيهق عليهه حتهى يموت أو يخرج .فنحهن نقتله بالسهيف،
وهو يقتله بالجوع والصد ،فأي قتل أشد من هذا .وفي قوله" :وأمنا" تأكيد للمر باستقبال الكعبة،
أي ليس في بيت المقدس هذه الفضيلة ،ول يحج إليه الناس ،ومن استعاذ بالحرم أمن من أن يغار
عليه .وسيأتي بيان هذا في "المائدة" إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" فيه ثلث مسائل:
الولى :قوله تعالى" :واتخذوا" قرأ نافهع وابهن عامهر بفتهح الخاء على جههة الخهبر عمهن اتخذه مهن
متبعهي إبراهيهم ،وههو معطوف على "جعلنها" أي جعلنها البيهت مثابهة واتخذوه مصهلى .وقيهل ههو
معطوف على تقديههر إذ ،كأنههه قال :وإذ جعلنهها البيههت مثابههة وإذ اتخذوا ،فعلى الول الكلم جملة
واحدة ،وعلى الثاني جملتان .وقرأ جمهور القراء "واتخذوا" بكسر الخاء على جهة المر ،قطعوه
مهن الول وجعلوه معطوفها جملة على جملة .قال المهدوي :يجوز أن يكون معطوفها على "اذكروا
نعمتهي" كأنهه قال ذلك لليهود ،أو على معنهى إذ جعلنها البيهت ،لن معناه اذكروا إذ جعلنها .أو على
معنى قوله" :مثابة" لن معناه ثوبوا.
الثانيهة :روى ابهن عمهر قال :قال عمهر :وافقهت ربهي فهي ثلث :فهي مقام إبراهيهم ،وفهي الحجاب،
وفهي أسهارى بدر .خرجهه مسهلم وغيره .وخرجهه البخاري عهن أنهس قال :قال عمهر :وافقهت ال فهي
ثلث ،أو وافقنهي ربهي فهي ثلث ...الحديهث ،وأخرجهه أبهو داود الطيالسهي فهي مسهنده فقال :حدثنها
حماد بن سلمة حدثنا علي بن زيد عن أنس بن مالك قال قال عمر :وافقت ربي في أربع ،قلت يا
رسول ال :لو صليت خلف المقام؟ فنزلت هذه الية" :واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" وقلت :يا
رسههول ال ،لو ضربههت على نسههائك الحجاب فإنههه يدخههل عليهههن البر والفاجههر؟ فأنزل ال" :وإذا
سهألتموهن متاعها فاسهألوهن مهن وراء حجاب" [الحزاب ،]53 :ونزلت هذه اليهة" :ولقهد خلقنها
النسهان مهن سهللة مهن طيهن "[المؤمنون ،]12 :فلمها نزلت قلت أنها :تبارك ال أحسهن الخالقيهن،
فنزلت" :فتبارك ال أحسن الخالقين "[المؤمنون ،]14 :ودخلت على أزواج النبي صلى ال عليه
وسههلم فقلت :لتنتهههن أو ليبدلنههه ال بأزواج خيههر منكههن ،فنزلت اليههة" :عسههى ربههه إن طلقكههن
"[التحريم.]5 :
قلت :ليس في هذه الرواية ذكر للسارى ،فتكون موافقة عمر في خمس.
الثالثة :قوله تعالى" :من مقام" المقام في اللغة :موضع القدمين .قال النحاس" :مقام" من قام يقوم،
ويكون مصدرا واسما للموضع .ومقام من أقام ،فأما قول زهير:
وأندية ينتابها القول والفعل وفيهم مقامات حسان وجوههم
فمعناه :فيههم أههل مقامات .واختلف فهي تعييهن المقام على أقوال ،أصهحها -أنهه الحجهر الذي تعرفهه
الناس اليوم الذي يصهههلون عنده ركعتهههي طواف القدوم .وهذا قول جابر بهههن عبدال وابهههن عباس
وقتادة وغيرهم .وفي صحيح مسلم من حديث جابر الطويل أن النبي صلى ال عليه وسلم لما رأى
البيهت اسهتلم الركهن فرمهل ثلثها ،ومشهى أربعها ،ثهم تقدم إلى مقام إبراهيهم فقرأ" :واتخذوا مهن مقام
إبراهيههم مصههلى" فصههلى ركعتيههن قرأ فيهمهها به ه "قههل هههو ال أحههد" [الخلص] و"قههل يهها أيههها
الكافرون" [الكافرون] .وهذا يدل على أن ركعتههي الطواف وغيرهمهها مههن الصههلوات لهههل مكههة
أفضهل ويدل مهن وجهه على أن الطواف للغرباء أفضهل ،على مها يأتهي .وفهي البخاري :أنهه الحجهر
الذي ارتفهع عليهه إبراهيهم حيهن ضعهف عهن رفهع الحجارة التهي كان إسهماعيل يناولهها إياه فهي بناء
البيت ،وغرقت قدماه فيه .قال أنس :رأيت في المقام أثر أصابعه وعقبه وأخمص قدميه ،غير أنه
أذهبههه مسههح الناس بأيديهههم ،حكاه القشيري .وقال السههدي :المقام الحجههر الذي وضعتههه زوجههة
إسههماعيل تحههت قدم إبراهيههم عليههه السههلم حيههن غسههلت رأسههه .وعههن ابههن عباس أيضهها ومجاهههد
وعكرمة وعطاء :الحج كله .وعن عطاء :عرفة ومزدلفة والجمار ،وقاله الشعبي .النخعي :الحرم
كله مقام إبراهيم ،وقاله مجاهد.
قلت :والصحيح في المقام القول الول ،حسب ما ثبت في الصحيح .وخرج أبو نعيم من حديث
محمهد بهن سهوقة عهن محمهد بهن المنكدر عهن جابر قال :نظهر النهبي صهلى ال عليهه وسهلم إلى رجهل
بيهن الركهن والمقام ،أو الباب والمقام وههو يدعهو ويقهل :اللههم اغفهر لفلن ،فقال له النهبي صهلى ال
عليهه وسهلم( :مها هذا)؟ فقال :رجهل اسهتودعني أن أدعهو له فهي هذا المقام ،فقال( :ارجهع فقهد غفهر
لصاحبك) .قال أبو نعيم :حدثناه أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم القاضي قال حدثنا محمد بن
عاصهم بهن يحيهى الكاتهب قال حدثنها عبدالرحمهن بهن القاسهم القطان الكوفهي قال حدثنها الحارث بهن
عمران الجعفري ابهن سهوقه ،فذكره .قال أبهو نعيهم :كذا رواه عبدالرحمهن عهن الحارث عهن محمهد
عههن جابر ،وإنمهها يعرف مههن حديههث الحارث عههن محمههد عههن عكرمههة عههن ابههن عباس .ومعنههى
"مصلى" .مدعى يدعى فيه ،قال مجاهد .وقيل :موضع صلة يصلى عنده ،قال قتادة .وقيل :قبلة
يقف المام عندها ،قال الحسن.
@قوله تعالى" :وعهدنهها إلى إبراهيههم وإسههماعيل أن طهرا بيتههي للطائفيههن والعاكفيههن والركههع
السجود" فيه ست مسائل:
الول :قوله تعالى" :وعهدنهها" قيههل :معناه أمرنهها .وقيههل :أوحينهها" .أن طهرا" "أن" فههي موضههع
نصههب على تقديههر حذف الخافههض .وقال سههيبويه :إنههها بمعنههى أي مفسههرة ،فل موضههع لههها مههن
العراب .وقال الكوفيون :تكون بمعنههى القول .و"طهرا" قيههل معناه :مههن الوثان ،عههن مجاهههد
والزهري .وقال عبيهد بهن عميهر وسهعيد بهن جهبير :مهن الفات والريهب .وقيهل :مهن الكفار .وقال
السهدي :ابنياه وأسهساه على طهارة ونيهة طهارة ،فيجهئ مثهل قوله" :أسهس على التقوى" [التوبهة:
.]108وقال يمان :بخراه وخلقاه" .بيتي" أضاف البيت إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم ،وهي
إضافهة مخلوق إلى خالق ،ومملوك إلى مالك .وقرأ الحسهن وابهن أبهي إسهحاق وأههل المدينهة وهشام
وحفص" :بيتي" بفتح الياء ،والخرون بإسكانها.
الثانيهة :قوله تعالى" :للطائفيهن" ظاهره الذيهن يطفون بهه ،وههو قول عطاء .وقال سهعيد بهن جهبير:
معناه للغرباء الطارئين على مكة ،وفيه بعد" .والعاكفين" المقيمين من بلدي وغريب ،عن عطاء.
وكذلك قوله" :للطائفين" .والعكوف في اللغة :اللزوم والقبال على الشيء ،كما قال الشاعر:
عكف النبيط يلعبون الفنزجا
وقال مجاهد :العاكفون المجاورون .ابن عباس :المصلون .وقيل :الجالسون بغير طواف والمعنى
متقارب" .والركهع السهجود" أي المصهلون عنهد الكعبهة .وخهص الركوع والسهجود بالذكهر لنهمها
أقرب أحوال المصلي إلى ال تعالى .وقد تقدم معنى الركوع والسجود لغة والحمد ل.
الثالثهة :لمها قال ال تعالى "أن طهرا بيتهي" دخهل فيهه بالمعنهى جميهع بيوتهه تعالى ،فيكون حكمهها
حكمه في التطهير والنظافة .وإنما خص الكعبة بالذكر لنه لم يكن هناك غيرها ،أو لكونها أعظم
حرمة ،والول أظهر ،وال أعلم .وفي التنزيل "في بيوت أذن ال أن ترفع" [النور ]36 :وهناك
يأتههي حكههم المسههاجد إن شاء ال تعالى .وروي عههن عمههر بههن الخطاب رضههي ال عنههه أنههه سههمع
صهوت رجهل فهي المسهجد فقال :مها هذا! أتدري أيهن أنهت!؟ وقال حذيفهة قال النهبي صهلى ال عليهه
وسلم( :إن ال أوحى إلي يا أخا المنذرين يا أخا المرسلين أنذر قومك أل يدخلوا بيتا من بيوتي إل
بقلوب سهليمة وألسهنة صهادقة وأيهد نقيهة وفروج طاهرة وأل يدخلوا بيتها مهن بيوتهي مها دام لحهد
عندهم مظلمة فإني ألعنه ما دام قائما بين يدي حتى يرد تلك الظلمة إلى أهلها فأكون سمعه الذي
يسههمع بههه وبصههره الذي يبصههر بههه ويكون مههن أوليائي وأصههفيائي ويكون جاري مههع النههبيين
والصديقين والشهداء والصالحين).
الرابعهة :اسهتدل الشافعهي وأبهو حنيفهة والثوري وجماعهة مهن السهلف بهذه اليهة على جواز الصهلة
الفرض والنفهل داخهل البيهت .قال الشافعهي رحمهه ال :إن صهلى فهي جوفهها مسهتقبل حائطها مهن
حيطانهها فصهلته جائزة ،وإن صهلى نحهو الباب والباب مفتوح فصهلته باطلة ،وكذلك مهن صهلى
على ظهرها ،لنه لم يستقبل منها شيئا .وقال مالك :ل يصلى فيه الفرض ول السنن ،ويصلى فيه
التطوع ،غير أنه إن صلى فيه الفرض أعاد في الوقت .وقال أصبغ :يعيد أبدا.
قلت :وهو الصحيح ،لما رواه مسلم عن ابن عباس قال :أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلى
ال عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل فيه حتى خرج منه ،فلما خرج ركع
في قبل الكعبة ركعتين وقال( :هذه القبلة) وهذا نص.
فإن قيهل :فقهد روى البخاري عهن ابهن عمهر قال :دخهل رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم هو وأسهامة
بن زيد وبلل وعثمان بن طلحة الحجبي البيت فأغلقوا عليهم الباب .فلما فتحوا كنت أول من ولج
فلقيههت بلل فسههألته :هههل صههلى فيههه رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم؟ قال ،نعههم بيههن العموديههن
اليمانييهن .وأخرجهه مسهلم ،وفيهه قال :جعهل عموديهن عهن يسهاره وعمودا عهن يمينهه وثلثهة أعمدة
وراءه ،وكان البيهت يومئذ على سهتة أعمدة .قلنها :هذا يحتمهل أن يكون صهلى بمعنهى دعها ،كمها قال
أسامة ،ويحتمل أن يكون صلى الصلة العرفية ،وإذا احتمل هذا وهذا سقط الحتجاج به.
فإن قيهل :فقهد روى ابهن المنذر وغيره عن أسهامة قال :رأى النهبي صهلى ال عليه وسهلم صهورا فهي
الكعبة فكنت آتية بماء في الدلو يضرب به تلك الصور .وخرجه أبو داود الطيالسي قال :حدثنا ابن
أبهي ذئب عهن عبدالرحمهن بهن مهران قال حدثنها عميهر مولى ابهن عباس عهن أسهامة بهن زيهد قال:
دخلت على رسول ال صلى ال عليه وسلم في الكعبة ورأى صورا قال :فدعا بدلو من ماء فأتيته
به فجعل يمحوها ويقول( :قاتل ال قوما يصورون مال يخلقون) .فيحتمل أن يكون النبي صلى ال
عليه وسلم صلى في حالة مضي أسامة في طلب الماء فشاهد بلل ما لم يشاهده أسامة ،فكان من
أثبت أولى ممن نفى ،وقد قال أسامة نفسه :فأخذ الناس بقول بلل وتركوا قولي .وقد روى مجاهد
عهن عبدال بهن صهفوان قال :قلت لعمهر بهن الخطاب :كيهف صهنع رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم
حين دخل الكعبة؟ قال :صلى ركعتين.
قلنا :هذا محمول على النافلة ،ول نعلم خلفا بين العلماء في صحة النافلة في الكعبة ،وأما الفرض
فل ،لن ال تعالى عين الجهة بقوله تعالى" :فولوا وجوهكم شطره" [البقرة ]144 :على ما يأتي
بيانهه ،وقوله صهلى ال عليهه وسهلم لمها خرج( :هذه القبلة) فعينهها كمها عينهها ال تعالى .ولو كان
الفرض يصههح داخلههها لمهها قال( :هذه القبلة) .وبهذا يصههح الجمههع بيههن الحاديههث ،وههو أولى مههن
إسقاط بعضها ،فل تعارض ،والحمد ل.
الخامسة :واختلفوا أيضا في الصلة على ظهرها ،فقال الشافعي ما ذكرناه .وقال مالك :من صلى
على ظهر الكعبة أعاد في الوقت .وقد روي عن بعض أصحاب مالك :يعيد أبدا .وقال أبو حنيفة:
من صلى على ظهر الكعبة فل شيء عليه.
السهادسة :واختلفوا أيضها أيمها أفضهل الصهلة عنهد البيهت أو الطواف بهه؟ فقال مالك :الطواف لههل
المصهار أفضهل ،والصهلة لههل مكهة أفضهل وذكهر عهن ابهن عباس وعطاء ومجاههد .والجمهور
على أن الصهلة أفضهل .وفهي الخهبر( :لول رجال خشهع وشيوخ ركهع وأطفال رضهع وبهائم رتهع
لصهببنا عليكهم العذاب صهبا) .وذكهر أبهو بكهر أحمهد بهن علي بهن ثابهت الخطيهب فهي كتاب (السهابق
واللحق) عن عبدال بن مسعود قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :لول فيكم رجال خشع
وبهائم رتع وصبيان رضع لصب العذاب على المذنبين صبا) .لم يذكر فيه "وشيوخ ركع" .وفي
حديهث أبهي ذر (الصهلة خيهر موضوع فاسهتكثر أو اسهتقل) .خرجهه الجري .والخبار فهي فضهل
الصلة والسجود كثيرة تشهد لقول الجمهور ،وال تعالى اعلم.
* *3الية{ 126 :وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن
منهم بال واليوم الخر قال ومن كفر فأمتعه قليل ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير}
@قوله تعالى" :وإذ قال إبراهيهم رب اجعهل هذا بلدا آمنها" "بلدا آمنها" يعنهي مكهة ،فدعها لذريتهه
وغيرهم بالمن ورغد العيش .فروي أنه لما دعا بهذا الدعاء أمر ال تعالى جبريل فاقتلع الطائف
من الشام فطاف بها حول البيت أسبوعا ،فسميت الطائف لذلك ،ثم أنزلها تهامة ،وكانت مكة وما
يليهها حيهن ذلك قفرا ل ماء ول نبات ،فبارك ال فيمها حولهها كالطائف وغيرهها ،وأنبهت فيهها أنواع
الثمرات ،على ما يأتي بيانه في سورة "إبراهيم" إن شاء ال تعالى.
@اختلف العلماء في مكة هل صارت حرما آمنا بسؤال إبراهيم أو كانت قبله كذلك على قولين:
أحدهما :أنها لم تزل حرما من الجبابرة المسلطين ،ومن الخسوف والزلزل ،وسائر المثلت التي
تحهل بالبلد ،وجعهل فهي النفوس المتمردة مهن تعظيمهها والهيبهة لهها مها صهار بهه أهلهها متميزيهن
بالمهن مهن غيرههم مهن أههل القرى .ولقهد جعهل فيهها سهبحانه مهن العلمهة العظيمهة على توحيده مها
شوهد من أمر الصيد فيها ،فيجتمع فيها الكلب والصيد فل يهيج الكلب الصيد ول ينفر منه ،حتى
إذا خرجا من الحرم عدا الكلب عليه وعاد إلى النفور والهرب.
وإنمهها سههأل إبراهيههم ربههه أن يجعلههها آمنهها مههن القحههط والجدب والغارات ،وأن يرزق أهله مههن
الثمرات ،ل على مها ظنهه بعهض الناس أنهه المنهع مهن سهفك الدم فهي حهق مهن لزمهه القتهل ،فإن ذلك
يبعهد كونهه مقصهودا لبراهيهم صهلى ال عليهه وسهلم حتهى يقال :طلب مهن ال أن يكون فهي شرعهه
تحريم قتل من التجأ إلى الحرم ،هذا بعيد جدا.
الثانهي :أن مكهة كانهت حلل قبهل دعوة إبراهيهم عليهه السهلم كسهائر البلد ،وأن بدعوتهه صهارت
حرما آمنا كما صارت المدينة بتحريم رسول ال صلى ال عليه وسلم أمنا بعد أن كانت حلل.
احتج أهل المقالة الولى بحديث ابن عباس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم فتح مكة
(إن هذا البلد حرمهه ال تعالى يوم خلق السموات والرض فهو حرام بحرمة ال تعالى إلى يوم
القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لحد قبلي ولم يحل لي إل ساعة من نهار فهو حرام بحرمة ال إلى
يوم القيامة ل يعضد شوكه ول ينفر صيده ول تلتقط لقطته إل من عرفها ول يختلى خلها) فقال
العباس :يها رسهول ال إل الذخههر فإنههه لقينهههم ولبيوتهههم ،فقال( :إل الذخههر) .ونحوه حديههث أبههي
شريح ،أخرجهما مسلم وغيره.
وفي صحيح مسلم أيضا عن عبدال بن زيد بن عاصم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :إن
إبراهيهم حرم مكهة ودعها لهلهها وإنهي حرمهت المدينهة كمها حرم إبراهيهم مكهة وإنهي دعوت فهي
صاعها ومدها بمثلي ما دعا به إبراهيم لهل مكة) .قال ابن عطية" :ول تعارض بين الحديثين،
لن الول إخبار بسهههابق علم ال فيهههها وقضائه ،وكون الحرمهههة مدة آدم وأوقات عمارة القطهههر
بإيمان .والثانهي إخبار بتجديهد إبراهيهم لحرمتهها وإظهاره ذلك بعهد الدثور ،وكان القول الول مهن
النبي صلى ال عليه وسلم ثاني يوم الفتح إخبارا بتعظيم حرمة مكة على المؤمنين بإسناد التحريم
إلى ال تعالى ،وذكر إبراهيم عند تحريم المدينة مثال لنفسه ،ول محالة أن تحريم المدينة هو أيضا
مهن قبهل ال تعالى ومهن نافهذ قضائه وسهابق علمهه" .وقال الطهبري :كانهت مكهة حرامها فلم يتعبدال
الخلق بذلك حتى سأله إبراهيم فحرمها.
@قوله تعالى" :وارزق أهله مهن الثمرات مهن آمهن منههم بال واليوم الخهر" تقدم معنهى الرزق.
والثمرات جمههع ثمرة ،قههد تقدم" .مههن آمههن" بدل مههن أهههل ،بدل البعههض مههن الكههل .واليمان:
التصديق ،وقد تقدم.
"قال ومن كفر فأمتعهه قليل ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصهير" "قال ومن كفهر" "مهن"
فهي قوله "ومهن كفهر" فهي موضهع نصهب ،والتقديهر وارزق مهن كفهر ،ويجوز أن يكون فهي موضهع
رفع بالبتداء ،وهي شرط والخبر "فأمتعه" وهو الجواب.
واختلف هل هذا القول من ال تعالى أو من إبراهيم عليه السلم؟ فقال أبي بن كعب وابن إسحاق
وغيرهمهها :هههو مههن ال تعالى ،وقرؤوا "فأمتعههه" بضههم الهمزة وفتههح الميههم وتشديههد التاء" .ثههم
أضطره" بقطهع اللف وضهم الراء ،وكذلك القراء السهبعة خل ابهن عامهر فإنهه سهكن الميهم وخفهف
التاء .وحكهى أبهو إسهحاق الزجاج أن فهي قراءة أبهي "فنمتعهه قليل ثهم نضطره" بالنون .وقال ابهن
عباس ومجاهد وقتادة :هذا القول من إبراهيم عليه السلم .وقرؤوا "فأمتعه" بفتح الهمزة وسكون
الميهم" ،ثهم اضطره" بوصهل اللف وفتهح الراء ،فكأن إبراهيهم عليهه السهلم دعها للمؤمنيهن وعلى
الكافرين ،وعليه فيكون الضمير في "قال" لبراهيم ،وأعيد "قال" لطول الكلم ،أو لخروجه من
الدعاء لقوم إلى الدعاء على آخريهههن .والفاعهههل فهههي "قال" على قراءة الجماعهههة اسهههم ال تعالى،
واختاره النحاس ،وجعل القراءة بفتح الهمزة وسكون الميم ووصل اللف شاذة ،قال :ونسق الكلم
والتفسير جميعا يدلن على غيرها ،أما نسق الكلم فإن ال تعالى خبر عن إبراهيم عليه السلم أنه
قال" :رب اجعهل هذا بلدا آمنها" ثهم جاء بقوله عهز وجهل" :وارزق أهله مهن الثمرات مهن آمهن منههم
بال واليوم الخر" ولم يفصل بينه بقال ،ثم قال بعد" :قال ومن كفر" فكان هذا جوابا من ال ،ولم
يقهل بعهد :قال إبراهيهم .وأمها التفسهير فقهد صهح عهن ابهن عباس وسهعيد بهن جهبير ومحمهد بهن كعهب.
وهذا لفظ ابن عباس :دعا إبراهيم عليه السلم لمن آمن دون الناس خاصة ،فأعلم ال عز وجل أنه
يرزق مهن كفهر كمها يرزق مهن آمهن ،وأنهه يمتعهه قليل ثهم يضطره إلى عذاب النار .قال أبهو جعفهر:
وقال ال عهز وجهل" :كل نمهد هؤلء وهؤلء مهن عطاء ربهك" [السهراء ]20 :وقال جهل ثناؤه:
"وأمم سنمتعهم" [هود .]48 :قال أبو إسحاق :إنما علم إبراهيم عليه السلم أن في ذريته كفارا
فخص المؤمنين ،لن ال تعالى قال" :ل ينال عهدي الظالمين".
* *3الية{ 127 :وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع
العليم}
@قوله تعالى" :وإذ يرفهع إبراهيهم القواعهد مهن البيهت وإسهماعيل" القواعهد :أسهاسه ،فهي قول أبهي
عهبيدة والفراء .وقال الكسهائي :ههي الجدر .والمعروف أنهها السهاس .وفهي الحديهث( :إن البيهت لمها
هدم أخرجهت منهه حجارة عظام) فقال ابهن الزبيهر :هذه القواعهد التهي رفعهها إبراهيهم عليهه السهلم.
وقيل :إن القواعد كانت قد اندرست فأطلع ال إبراهيم عليها .ابن عباس :وضع البيت على أركان
رآها قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام ثم دحيت الرض من تحته .والقواعد واحدتها قاعدة .والقواعد
من النساء واحدها قاعد.
واختلف الناس فيمهن بنهى البيهت أول وأسهسه ،فقيهل :الملئكهة .روي عهن جعفهر بهن محمهد قال:
سئل أبي وأنا حاضر عن بدء خلق البيت فقال :إن ال عز وجل لما قال" :إني جاعل في الرض
خليفة" [البقرة ]30 :قالت الملئكة" :أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك
ونقدس لك" [البقرة ]30 :فغضهب عليههم ،فعاذوا بعرشهه وطافوا حوله سهبعة أشواط يسهترضون
ربههم حتهى رضهي ال عنههم ،وقال لههم :ابنوا لي بيتها فهي الرض يتعوذ بهه مهن سهخطت عليهه مهن
بني آدم ،ويطوف حوله كما طفتم حول عرشي ،فأرضى عنه كما رضيت عنكم ،فبنوا هذا البيت.
وذكهر عبدالرزاق عهن ابهن جريهج عهن عطاء وابهن المسهيب وغيرهمها أن ال عهز وجهل أوحهى إلى
آدم :إذا هبطهت ابهن لي بيتها ثهم احفهف بهه كمها رأيهت الملئكهة تحهف بعرشهي الذي فهي السهماء .قال
عطاء :فزعههم الناس أنههه بناه مههن خمسههة أجبههل :مههن حراء ،ومههن طور سههينا ،ومههن لبنان ،ومههن
الجودي ،ومهن طور زيتها ،وكان ربضهه مهن حراء .قال الخليهل :والربهض ههنها السهاس المسهتدير
بالبيهت مهن الصهخر ،ومنهه يقال لمها حول المدينهة :ربهض .وذكهر الماوردي عهن عطاء عهن ابهن
عباس قال :لمهها أهبههط آدم مههن الجنههة إلى الرض قال له :يهها آدم ،اذهههب فابههن لي بيتهها وطههف بههه
واذكرنهي عنده كمها رأيهت الملئكهة تصهنع حول عرشهي ،فأقبهل آدم يتخطهى وطويهت له الرض،
وقبضت له المفازة ،فل يقع قدمه على شيء من الرض إل صار عمرانا حتى انتهى إلى موضع
البيت الحرام ،وأن جبريل عليه السلم ضرب بجناحيه الرض فأبرز عن أس ثابت على الرض
السهابعة السهفلى ،وقذفهت إليهه الملئكهة بالصهخر ،فمها يطيهق الصهخرة منهها ثلثون رجل ،وأنهه بناه
مهن خمسهة أجبهل كمها ذكرنها .وقهد روي فهي بعهض الخبار :أنهه أهبهط لدم عليهه السهلم خيمهة مهن
خيام الجنة ،فضربت في موضع الكعبة ليسكن إليها ويطوف حولها ،فلم تزل باقية حتى قبض ال
عهز وجهل آدم ثهم رفعهت .وهذا مهن طريهق وههب بهن منبهه .وفهي روايهة :أنهه أهبهط معهه بيهت فكان
يطوف به والمؤمنون من ولده كذلك إلى زمان الغرق ،ثم رفعه ال فصار فهي السماء ،وهو الذي
يدعى البيت المعمور .روي هذا عن قتادة ذكره الحليمي في كتاب "منهاج الدين" له ،وقال :يجوز
أن يكون معنهى مها قال قتادة مهن أنهه أهبهط مهع آدم بيهت ،أي أهبهط معهه مقدار البيهت المعمور طول
وعرضهها وسههمكا ،ثههم قيههل له :ابههن بقدره ،وتحرى أن يكون بحياله ،فكان حياله موضههع الكعبههة،
فبناهها فيهه .وأمها الخيمهة فقهد يجوز أن تكون أنزلت وضربهت فهي موضهع الكعبهة ،فلمها أمهر ببنائهها
فبناهها كانهت حول الكعبهة طمأنينهة لقلب آدم صهلى ال عليهه وسهلم مها عاش ثهم رفعهت ،فتتفهق هذه
الخبار .فهذا بناء آدم عليه السلم ،ثم بناه إبراهيهم عليه السهلم .قال ابن جريهج وقال ناس :أرسل
ال سهحابة فيهها رأس ،فقال الرأس :يها إبراهيهم ،إن ربهك يأمرك أن تأخهذ بقدر هذه السهحابة ،فجعهل
ينظر إليها ويخط قدرهها ،ثهم قال الرأس :إنه قهد فعلت ،فحفهر فأبرز عن أسهاس ثابهت فهي الرض.
وروي عهن علي بهن أبهي طالب رضهي ال عنهه :أن ال تعالى لمها أمهر إبراهيهم بعمارة البيهت خرج
مهن الشام ومعهه ابنهه إسهماعيل وأمهه هاجهر ،وبعهث معهه السهكينة لهها لسهان تتكلم بهه يغدو معهها
إبراهيهم إذا غدت ،ويروح معهها إذا راحهت ،حتهى انتههت بهه إلى مكهة ،فقالت لبراهيهم :ابهن على
موضعي الساس ،فرفع البيت هو وإسماعيل حتى انتهى إلى موضع الركن ،فقال لبنه :يا بني،
ابغني حجرا أجعله علما للناس ،فجاءه بحجر فلم يرضه ،وقال :ابغني غيره ،فذهب يلتمس ،فجاءه
وقهد أتهى بالركهن فوضعهه موضعهه ،فقال :يها أبة ،مهن جاءك بهذا الحجهر؟ فقال :من لم يكلنهي إليهك.
ابهن عباس :صهالح أبهو قهبيس :يها إبراهيهم ،يها خليهل الرحمهن ،إن لك عندي وديعهة فخذهها ،فإذا ههو
بحجر أبيض من ياقوت الجنة كان آدم قد نزل به من الجنة ،فلما رفع إبراهيم وإسماعيل القواعد
مهن البيهت جاءت سهحابة مربعهة فيهها رأس فنادت :أن ارفعها على تربيعهي .فهذا بناء إبراهيهم عليهه
السهلم .وروي أن إبراهيهم وإسماعيل لما فرغها من بناء البيهت أعطاهما ال الخيهل جزاء عن رفهع
قواعد البيت.
روى الترمذي الحكيم حدثنا عمر بن أبي عمر حدثني نعيم بن حماد حدثنا عبدالوهاب بن همام
أخو عبدالرزاق عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال :كانت الخيل وحشاً كسائر
الوحهش ،فلمها أذن ال لبراهيهم وإسهماعيل برفهع القواعهد قال ال تبارك اسهمه( :إنهي معطيكمها كنزا
ادخرتههه لكمهها) ثههم أوحههى إلى إسههماعيل أن اخرج إلى أجياد فادع يأتههك الكنههز .فخرج إلى أجياد -
وكانهت وطنها -ول يدري مها الدعاء ول الكنهز ،فألهمهه ،فلم يبهق على وجهه الرض فرس بأرض
العرب إل جاءتهه فأمكنتهه مهن نواصهيها وذللهها له ،فاركبوهها واعلفوهها فإنهها مياميهن ،وههي ميراث
أبيكهم إسهماعيل ،فإنمها سهمي الفرس عربيها لن إسهماعيل أمهر بالدعاء وإياه أتهى .وروى عبدالمنعهم
بن إدريس عن وهب بن منبه ،قال :أول من بنى البيت بالطين والحجارة شيث عليه السلم .وأما
بنيان قريهش له فمشهور ،وخهبر الحيهة فهي ذلك مذكور ،وكانهت تمنعههم مهن هدمهه إلى أن اجتمعهت
قريههش عنههد المقام فعجوا إلى ال تعالى وقالوا :ربنهها ،لم ترع ،أردنهها تشريههف بيتههك وتزيينههه ،فإن
كنهت ترضهى بذلك وإل فمها بدا لك فافعهل ،فسهمعوا خواتها مهن السهماء -والخوات :حفيهف جناح
الطيهر الضخهم -فإذا ههو بطائر أعظهم مهن النسهر ،أسهود الظههر أبيهض البطهن والرجليهن ،فغرز
مخاليبهه فهي قفها الحيهة ،ثهم انطلق بهها تجهر ذنبهها أعظهم مهن كذا وكذا حتهى انطلق بهها نحهو أجياد،
فهدمتهها قريهش وجعلوا يبنونهها بحجارة الوادي تحملهها قريهش على رقابهها ،فرفعوهها فهي السهماء
عشرين ذراعا ،فبينا النبي صلى ال عليه وسلم يحمل حجارة من أجياد وعليه نمرة فضاقت عليه
النمرة فذههب يرفهع النمرة على عاتقهه ،فترى عورتهه مهن صهغر النمرة ،فنودي :يها محمهد ،خمهر
عورتك ،فلم ير عريانا بعد .وكان بين بنيان الكعبة وبين ما أنزل عليه خمس سنين ،وبين مخرجه
وبنائهها خمهس عشرة سهنة .ذكره عبدالرزاق عهن معمهر عهن عبدال بهن عثمان عهن أبهي الطفيهل.
وذكر عن معمر عن الزهري :حتى إذا بنوها وبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن،
أي القبائل تلي رفعهه؟ حتهى شجهر بينههم ،فقالوا :تعالوا نحكهم أول مهن يطلع علينها مهن هذه السهكة،
فاصهطلحوا على ذلك ،فاطلع عليههم رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وههو غلم عليهه وشاح نمرة،
فحكموه فأمر بالركن فوضع في ثوب ،ثم أمر سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية من الثوب ،ثم ارتقى هو
فرفعوا إليه الركن ،فكان هو يضعه صلى ال عليه وسلم.
قال ابن إسحاق :وحدثت أن قريشا وجدوا في الركن كتابا بالسريانية فلم يدر ما هو ،حتى قرأه
لههم رجهل مهن يهود ،فإذا فيهه" :أنها ال ذو بكهة خلقتهها يوم خلقهت السهموات والرض وصهورت
الشمههس والقمهر ،وحففتههها بسههبعة أملك حنفاء ل تزول حتههى يزول أخشباههها ،مبارك لهلههها فههي
الماء واللبهن" .وعهن أبهي جعفهر محمهد بهن علي قال :كان باب الكعبهة على عههد العماليهق وجرههم
وإبراهيهم عليهه السهلم بالرض حتهى بنتهه قريهش .خرج مسهلم عهن عائشهة رضهي ال عنهها قالت:
سهألت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم عهن الجدر أمهن البيهت ههو؟ قال( :نعهم) قلت :فلم لم يدخلوه
[فهي البيهت]؟ قال( :إن قومهك قصهرت بههم النفقهة) .قلت :فمها شأن بابهه مرتفعها؟ قال( :فعهل ذلك
قومك ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا ولول أن قومك حديث عهدهم في الجاهلية فأخاف أن
تنكهر قلوبههم لنظرت أن أدخهل الجدر فهي البيهت وأن ألزق بابهه بالرض) .وخرج عهن عبدال بهن
الزبير رضي ال عنه قال :حدثتني خالتي (يعني عائشة) رضي ال عنها قالت قال النبي صلى ال
عليهه وسهلم( :يها عائشهة لول أن قومهك حديثهو عههد بشرك لهدمهت الكعبهة فألزقتهها بالرض وجعلت
لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا وزدت فيها ستة أذرع من الحجر فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت
الكعبهة) .وعهن عروة عهن [أبيهه عهن] عائشهة قالت قال لي رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :لول
حداثهة [عههد] قومهك بالكفهر لنقضهت الكعبهة ولجعلتهها على أسهاس إبراهيهم فإن قريشها حيهن بنهت
الكعبة استقصرت ولجعلت لها خلفا) .وفي البخاري قال هشام بن عروة :يعني بابا .وفي البخاري
أيضها( :لجعلت لهها خلقيهن) يعنهي بابيهن ،فهذا بناء قريهش .ثهم لمها غزا أههل الشام عبدال بهن الزبيهر
ووهت الكعبة من حريقهم ،هدمها ابن الزبير وبناها على ما أخبرته عائشة ،وزاد فيه خمسة أذرع
مهن الحجهر ،حتهى أبدى أسها نظهر الناس إليهه ،فبنهى عليهه البناء ،وكان طول الكعبهة ثمانهي عشرة
ذراعها ،فلمها زاد فيهه اسهتقصره ،فزاد فهي طوله عشرة أذرع ،وجعهل لهها بابيهن أحدهمها يدخهل منهه،
والخهر يخرج منهه ،كذا فهي صهحيح مسهلم ،وألفاظ الحديهث تختلف .وذكهر سهفيان عهن داود بهن
شابور عهن مجاههد قال :لمها أراد ابهن الزبيهر أن يهدم الكعبهة ويبنيهه قال للناس :اهدموا ،قال :فأبوا
أن يهدموا وخافوا أن ينزل عليههم العذاب .قال مجاههد :فخرجنها إلى منهى فأقمنها بهها ثلثها ننتظهر
العذاب .قال :وارتقههى ابههن الزبيههر على جدار الكعبههة هههو بنفسههه ،فلمهها رأوا أنههه لم يصههبه شيههء
اجترؤوا على ذلك ،قال :فهدموا .فلما بناها جعل لها بابين :بابا يدخلون منه ،وبابا يخرجون منه،
وزاد فيهه ممها يلي الحجهر سهتة أذرع ،وزاد فهي طولهها تسهعة أذرع .قال مسهلم فهي حديثهه :فلمها قتهل
ابهن الزبيهر كتهب الحجاج إلى عبدالملك بهن مروان يخهبره بذلك ،ويخهبره أن ابهن الزبيهر قهد وضهع
البناء على أس نظر إليه العدول من أهل مكة ،فكتب إليه عبدالملك :إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير
في شيء ،أما ما زاد في طوله فأقره ،وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه ،وسد الباب الذي
فتحهه ،فنقضهه وأعاده إلى بنائه .فهي روايهة :قال عبدالملك :مها كنهت أظهن أبها خهبيب (يعنهي ابهن
الزبيهر) سهمع مهن عائشهة مها كان يزعهم أنهه سهمعه منهها ،قال الحارث بهن عبدال :بلى ،أنها سهمعته
منهههها ،قال :سهههمعتها تقول ماذا؟ قال :قالت قال رسهههول ال صهههلى ال عليهههه وسهههلم( :إن قومهههك
اسهتقصروا مهن بنيان البيهت ولول حداثهة عهدههم بالشرك أعدت مها تركوا منهه فإن بدا لقومهك مهن
بعدي أن يبنوه فهلمههي لريههك مهها تركوا منههه فأراههها قريبهها مههن سههبعة أذرع) .فههي أخرى :قال
عبدالملك :لو كنهت سهمعته قبهل أن أهدمهه لتركتهه على مها بنهى ابهن الزبيهر .فهذا مها جاء فهي بناء
الكعبة من الثار.
وروي أن الرشيد ذكر لمالك بن أنس أنه يريد هدم ما بنى الحجاج من الكعبة ،وأن يرده على
بناء ابن الزبير لما جاء عن النبي صلى ال عليه وسلم وامتثله ابن الزبير ،فقال له مالك :ناشدتك
ال يا أمير المؤمنين ،أل تجعل هذا البيت ملعبة للملوك ،ل يشاء أحد منهم إل نقض البيت وبناه،
فتذههب هيبتهه مهن صهدور الناس .وذكهر الواقدي :حدثنها معمهر عهن همام بهن نبهه سهمع أبها هريرة
يقول :،نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن سب أسعد الحميري ،وهو تبع ،وهو أول من كسا
البيهت ،وههو تبهع الخهر .قال ابهن إسهحاق :كانهت تكسهى القباطهي ثهم كسهيت البرد ،وأول مهن كسهاها
الديباج الحجاج.
قال العلماء :ول ينبغهي أن يؤخهذ مهن كسهوة الكعبهة شيهء ،فإنهه مهدى إليهها ،ول ينقهص منهها
شيء .روي عن سعيد بن جبير أنه كان يكره أن يؤخذ من طيب الكعبة يستشفى به ،وكان إذا رأى
الخادم يأخذ منه قفدها قفدة ل يألو أن يوجعها .وقال عطاء :كان أحدنا إذا أراد أن يستشفي به جاء
بطيب من عنده فمسح به الحجر ثم أخذه.
@قوله تعالى" :ربنها تقبهل منها" المعنهى :ويقولن "ربنها" ،فحذف .وكذلك ههي فهي قراءة أبهي
وعبدال بن مسعود" :وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ويقولن ربنا تقبل منا"
وتفسير إسماعيل :اسمع يا ال ،لن "إيل" بالسريانية هو ال ،وقد تقدم .فقيل :إن إبراهيم لما دعا
ربه قال :اسمع يا إيل ،فلما أجابه ربه ورزقه الولد سماه بما دعاه .ذكره الماوردي.
@قوله تعالى" :إنهك أنهت السهميع العليهم" اسهمان مهن أسهماء ال تعالى قهد أتينها عليهمها فهي الكتاب
"السنى في شرح أسماء ال الحسنى".
**3الية { 128:ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا
إنك أنت التواب الرحيم}
@قوله تعالى" :ربنها واجعلنها مسهلمين لك" أي صهيرنا ،و"مسهلمين" مفعول ثان ،سهأل التثهبيت
والدوام .والسلم في هذا الموضع :اليمان والعمال جميعا ،ومنه قوله تعالى" :إن الدين عند ال
السهلم" [آل عمران ]19 :ففهي هذا دليهل لمهن قال :إن اليمان والسهلم شيهء واحهد ،وعضدوا
هذا بقوله تعالى في الية الخرى" :فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين .فما وجدنا فيها غير بيت
من المسلمين" [الذاريات .]36 - 35 :وقرأ ابن عباس وعوف العرابي "مسلمين" على الجمع.
@قوله تعالى" :ومهن ذريتنها أمهة مسهلمة لك" أي ومهن ذريتنها فاجعهل ،فيقال :إنهه لم يدع نهبي إل
لنفسهه ولمتهه إل إبراهيهم فإنهه دعها مهع دعائه لنفسهه ولمتهه ولهذه المهة .و"مهن" فهي قوله" :ومهن
ذريتنها" للتبعيهض ،لن ال تعالى قهد كان أعلمهه أن منههم ظالميهن .وحكهى الطهبري :أنهه أراد بقوله
"ومن ذريتنا" العرب خاصة .قال السهيلي :وذريتهما العرب ،لنهم بنو نبت بن إسماعيل ،أو بنو
تيمن بن إسماعيل ،ويقال :قيدر بن نبت بن إسماعيل .أما العدنانية فمن نبت ،وأما القحطانية فمن
قيدر بهن نبهت بهن إسهماعيل ،أو تيمهن على أحهد القوليهن .قال ابهن عطيهة :وهذا ضعيهف ،لن دعوتهه
ظهرت فهي العرب وفيمهن آمهن مهن غيرههم .والمهة :الجماعهة هنها ،وتكون واحدا إذا كان يقتدى بهه
في الخير ،ومنه قوله تعالى" :إن إبراهيم كان أمة قانتا ل" [النحل ،]120 :وقال صلى ال عليه
وسلم في زيد بن عمرو بن نفيل( :يبعث أمة وحده) لنه لم يشرك في دينه غيره ،وال اعلم .وقد
يطلق لفهظ المهة على غيهر هذا المعنهى ،ومنهه قوله تعالى" :إنها وجدنها آبائنها على أمهة" [الزخرف:
]22أي على دين وملة ،ومنه قوله تعالى" :إن هذه أمتكم أمة واحدة" [النبياء .]92 :وقد تكون
بمعنهى الحيهن والزمان ،ومنهه قوله تعالى "وادكهر بعهد أمهة" [يوسهف ]45 :أي بعهد حيهن وزمان.
ويقال :هذه أمهة زيهد ،أي أم زيهد .والمهة أيضها :القامهة ،يقال :فلن حسهن المهة ،أي حسهن القامهة،
قال:
هن حسان الوجوه طوال المم وإن معاوية الكرميه
وقيل :المة الشجة التي تبلغ أم الدماغ ،يقال :رجل مأموم وأميم.
@قوله تعالى" :وأرنا مناسكنا" "أرنا" من رؤية البصر ،فتتعدى إلى مفعولين ،وقيل :من رؤية
القلب ،ويلزم قائله أن يتعدى الفعهل منهه إلى ثلثهة مفاعيهل .قال ابهن عطيهة :وينفصهل بأنهه يوجهد
معدى بالهمزة من رؤية القلب إلى مفعولين [كغير المعدى]؛ قال حطائط بن يعفر أخو السود بن
يعفر:
أرى ما ترين أو بخيل مخلدا أريني جوادا مات هزل لنني
وقرأ عمهر بهن عبدالعزيهز وقتادة وابهن كثيهر وابهن محيصهن والسهدي وروح عهن يعقوب ورويهس
والسهوسي "أرنها" بسهكون الراء فهي القرآن ،واختاره أبهو حاتهم .وقرأ أبهو عمرو باختلس كسهرة
الراء ،والباقون بكسهرها ،واختاره أبهو عبيهد .وأصهله أرئنها بالهمهز ،فمهن قرأ بالسهكون قال :ذهبهت
الهمزة وذهبت حركتها وبقيت الراء ساكنة على حالها ،واستدل بقول الشاعر:
من ماء زمزم إن القوم قد ظمئوا أرنا إداوة عبدال نملؤها
ومهن كسهر فإنهه نقهل حركهة الهمزة المحذوفهة إلى الراء ،وأبهو عمهر وطلب الخفهة .وعهن شجاع بهن
أبي نصر وكان أمينا صادقا أنه رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم في المنام فذاكره أشياء من
حروف أبهي عمرو فلم يرد عليهه إل حرفيهن :هذا ،والخهر "مها ننسهخ مهن آيهة أو ننسهأها" [البقرة:
]106مهموزا.
@قوله تعالى" :مناسكنا" يقال :إن أصل النسك في اللغة الغسل ،يقال منه :نسك ثوبه إذا غسله.
وهو في الشرع اسم للعبادة ،يقال :رجل ناسك إذا كان عابدا.
واختلف العلماء في المراد بالمناسك هنا ،فقيل :مناسك الحج ومعالمه ،قاله قتادة والسدي .وقال
مجاهد وعطاء وابن جريج :المناسك المذابح ،أي مواضع الذبح .وقيل :جميع المتعبدات .وكل ما
يتعبهد بهه إلى ال تعالى يقال له منْسهَك ومنسهِك .والناسهك :العابهد .قال النحاس :يقال نسهك ينسهك،
فكان يجهب أن يقال على هذا :منسهك ،إل أنهه ليهس فهي كلم العرب مفعهل .وعهن زهيهر بهن محمهد
قال :لمها فرغ إبراهيهم عليهه السهلم مهن بناء البيهت الحرام قال :أي رب ،قهد فرغهت فأرنها مناسهكنا،
فبعهث ال تعالى إليهه جبريهل فحهج به ،حتهى إذا رجهع من عرفهة وجاء يوم النحهر عرض له إبليهس،
فقال له :احصبه ،فحصبه بسبع حصيات ،ثم الغد ثم اليوم الثالث ،ثم عل ثبيرا فقال :يا عباد ال،
أجيبوا ،فسهمع دعوتهه مهن بيهن البحهر ممهن فهي قلبهه مثقال ذرة مهن إيمان ،فقال :لبيهك ،اللههم لبيهك،
قال :ولم يزل على وجهه الرض سهبعة مسهلمون فصهاعدا ،لول ذلك لهلكهت الرض ومهن عليهها.
وأول مهن أجابهه أههل اليمهن .وعهن أبهي مجلز قال :لمها فرغ إبراهيهم مهن البيهت جاءه جبريهل عليهه
السلم فأراه الطواف بالبيت -قال :وأحسبه قال" :والصفا والمروة -ثم انطلقا إلى العقبة فعرض
لهمها الشيطان ،فأخهذ جبريهل سهبع حصهيات وأعطهى إبراهيهم سهبع حصهيات ،فرمهى وكهبر ،وقال
لبراهيم :ارم وكبر ،فرميا وكبرا مع كل رمية حتى أفل الشيطان .ثم انطلقا إلى الجمرة الوسطى،
فعرض لهمها الشيطان ،فأخهذ جبريهل سهبع حصهيات وأعطهى إبراهيهم سهبع حصهيات ،وقال :ارم
وكههبر ،فرميهها وكههبرا مههع كههل رميههة حتههى أفههل الشيطان .ثههم أتيهها الجمرة القصههوى فعرض لهمهها
الشيطان ،فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات وقال :ارم وكبر ،فرميا وكبرا
مهع كهل رميهة حتهى أفهل الشيطان .ثهم أتهى بهه جمعها فقال :ههنها يجمهع الناس الصهلوات .ثهم أتهى بهه
عرفات فقال :عرفههت؟ فقال نعههم ،فمههن ثههم سههمي عرفات .وروي أنههه قال له :عرَفْهت ،عرفت هَ،
عرفهههت؟ أي منهههى والجمهههع وهذا ،فقال نعهههم ،فسهههمي ذلك المكان عرفات .وعهههن خصهههيف بهههن
عبدالرحمههن أن مجاهدا حدثههه قال :لمهها قال إبراهيههم عليههه السههلم" :وأرنهها مناسههكنا" أي الصههفا
والمروة ،وهمها مهن شعائر ال بنهص القرآن ،ثهم خرج بهه جبريهل ،فلمها مهر بجمرة العقبهة إذا إبليهس
عليها ،فقال له جبريل :كبر وارمه ،فارتفع إبليس إلى الوسطى ،فقال جبريل :كبر وارمه ،ثم في
الجمرة القصهوى كذلك .ثم انطلق به إلى المشعهر الحرام ،ثهم أتهى بهه عرفة فقال له :هل عرفهت مها
أريتك؟ قال نعم ،فسميت عرفات لذلك فيما قيل ،قال :فأذن في الناس بالحج ،قال :كيف أقول؟ قال
قهل :يها أيهها الناس ،أجيبوا ربكهم ،ثلث مرار ،ففعهل ،فقالوا :لبيهك ،اللههم لبيهك .قال :فمهن أجاب
يومئذ فهو حاج .وفي رواية أخرى :أنه حين نادى استدار فدعا في كل وجه ،فلبى الناس من كل
مشرق ومغرب ،وتطأطأت الجبال حتههى بعههد صههوته .وقال محمههد بههن إسههحاق :لمهها فرغ إبراهيههم
خليهل الرحمهن صلوات ال عليه من بناء البيت الحرام جاءه جبريهل عليه السلم فقال له :طهف به
سهبعا ،فطاف بهه سهبعا ههو وإسهماعيل عليهمها السهلم ،يسهتلمان الركان كلهها فهي كهل طواف ،فلمها
أكمل سبعا صليا خلف المقام ركعتين .قال :فقام جبريل فأراه المناسك كلها :الصفا والمروة ومنى
والمزدلفهة .قال :فلمها دخهل منهى وهبهط مهن العقبهة تمثهل له إبليهس ،....فذكهر نحهو مها تقدم .قال ابهن
إسهحاق :وبلغنهي أن آدم عليهه السهلم كان يسهتلم الركان كلهها قبهل إبراهيهم عليهه السهلم .وقال :حهج
إسحاق وسارة من الشام ،وكان إبراهيم عليه السلم يحجه كل سنة على البراق ،وحجته بعد ذلك
النهبياء والمهم .وروى محمهد بهن سهابط عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أنهه قال( :كان النهبي مهن
النهبياء إذا هلكهت أمتهه لحهق مكهة فتعبهد بهها ههو ومهن آمهن معهه حتهى يموتوا فمات بهها نوح وهود
وصهالح وقبورههم بيهن زمزم والحجهر) .وذكهر ابهن وههب أن شعيبها مات بمكهة ههو ومهن معهه مهن
المؤمنيهن ،فقبورههم فهي غربهي مكهة بيهن دار الندوة وبيهن بنهي سههم .وقال ابهن عباس :فهي المسهجد
الحرام قهبران ليهس فيهه غيرهمها ،قهبر إسهماعيل وقهبر شعيهب عليهمها السهلم ،فقهبر إسهماعيل فهي
الحجر ،وقبر شعيب مقابل الحجر السود .وقال عبدال بن ضمرة السلولي :ما بين الركن والمقام
إلى زمزم قبور تسعة وتسعين نبيا جاؤوا حجاجا فقبروا هنالك ،صلوات ال عليهم أجمعين.
@قوله تعالى" :وتهب علينها" اختلف فهي معنهى قول إبراهيهم وإسهماعيل عليهمها السهلم" :وتهب
علينا" وهم أنبياء معصومون ،فقالت طائفة :طلبا التثبيت والدوام ،ل أنهما كان لهما ذنب.
قلت :وهذا حسههن ،وأحسههن منههه أنهمهها لمهها عرفهها المناسههك وبنيهها البيههت أرادا أن يبينهها للناس
ويعرفاههم أن ذلك الموقهف وتلك المواضهع مكان التنصهل مهن الذنوب وطلب التوبهة .وقيهل :المعنهى
وتهب على الظلمهة منها .وقهد مضهى الكلم فهي عصهمة النهبياء عليههم السهلم فهي قصهة آدم عليهه
السههلم .وتقدم القول فههي معنههى قوله" :إنههك أنههت التواب الرحيههم" [البقرة ]128 :فأغنههى عههن
إعادته.
**3اليهة { 129 :ربنها وابعهث فيههم رسهول منههم يتلو عليههم آياتهك ويعلمههم الكتاب والحكمهة
ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم}
@قوله تعالى" :ربنا وابعث فيهم رسول منهم" يعني محمدا صلى ال عليه وسلم .وفي قراءة أبي
"وابعث في آخرهم رسول منهم" .وقد روى خالد بن معدان :أن نفرا من أصحاب النبي صلى ال
عليهه وسهلم قالوا له :يها رسهول ال ،أخبرنها عهن نفسهك ،قال( :نعهم أنها دعوة أبهي إبراهيهم وبشرى
عيسهى) .و"رسهول" أي مرسهل ،وههو فعول مهن الرسهالة .قال ابهن النباري :يشبهه أن يكون أصهله
مهن قولهم :ناقة مرسال ورسلة ،إذا كانت سهلة السهير ماضيهة أمام النوق .ويقال للجماعة المهملة
المرسهلة :رسهل ،وجمعهه أرسهال .يقال :جاء القوم أرسهال ،أي بعضههم فهي أثهر بعهض ،ومنهه يقال
للبن رسل ،لنه يرسل من الضرع.
@قوله تعالى" :ويعلمههم الكتاب والحكمهة" "الكتاب" القرآن و"الحكمهة" المعرفهة بالديهن ،والفقهه
فهي التأويهل ،والفههم الذي ههو سهجية ونور مهن ال تعالى ،قاله مالك ،ورواه عنهه ابهن وههب ،وقال
ابههن زيههد .وقال قتادة" :الحكمههة" السههنة وبيان الشرائع .وقيههل :الحكههم والقضاء خاصههة ،والمعنههى
متقارب .ونسب التعليم إلى النبي صلى ال عليه وسلم من حيث هو يعطي المور التي ينظر فيها،
ويعلم طريهق النظهر بمها يلقيهه ال إليهه مهن وحيهه" .ويزكيههم" أي يطهرههم مهن وضهر الشرك ،عهن
ابههن جريههج وغيره .والزكاة :التطهيههر ،وقههد تقدم .وقيههل :إن اليات تلوة ظاهههر اللفاظ .والكتاب
معانههي اللفاظ .والحكمههة الحكههم ،وهههو مراد ال بالخطاب مههن مطلق ومقيههد ،ومفسههر ومجمههل،
وعموم وخصهوص ،وههو معنهى مها تقدم ،وال تعالى اعلم" .والعزيهز" معناه المنيهع الذي ل ينال
ول يغالب .وقال ابهن كيسهان :معناه الذي ل يعجزه شيهء ،دليله" :ومها كان ال ليعجزه مهن شيهء
فهي السهماوات ول فهي الرض"[ .فاطهر .]44 :الكسهائي" :العزيهز" الغالب ،ومنهه قوله تعالى:
"وعزني في الخطاب" [ص ]23 :وفي المثل" :من عز بز" أي من غلب سلب .وقيل" :العزيز"
الذي ل مثهل له ،بيانهه "ليهس كمثله شيهء" [الشورى .]11 :وقهد زدنها هذا المعنهى بيانها فهي اسهمه
العزيز في كتاب "السنى في شرح أسماء ال الحسنى" وقد تقدم معنى "الحكيم" والحمد ال.
**3الية { 130 :ومن يرغب عن ملة إبراهيم إل من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه
في الخرة لمن الصالحين}
@قوله تعالى" :ومن يرغهب عن ملة إبراهيهم إل من سهفه نفسهه" "من" اسهتفهام فهي موضع رفهع
بالبتداء ،و"يرغب" صلة "من"" .إل من سفه نفسه" في موضع الخبر .وهو تقريع وتوبيخ وقع
فيهه معنهى النفهي ،أي ومها يرغهب ،قاله النحاس .والمعنهى :يزههد فيهها وينأى بنفسهه عنهها ،أي عهن
الملة وههي الديهن والشرع" .إل مهن سهفه نفسهه" قال قتادة :ههم اليهود والنصهارى ،رغبوا عهن ملة
إبراهيههم واتخذوا اليهوديههة والنصههرانية بدعههة ليسههت مههن ال تعالى .قال الزجاج" :سههفه" بمعنههى
جهل ،أي جهل أمر نفسه فلم يفكر فيها .وقال أبو عبيدة :المعنى أهلك نفسه .وحكى ثعلب والمبرد
أن "سهفه" بكسهر الفاء يتعدى كسهفه بفتهح الفاء وشدهها .وحكهي عهن أبهي الخطاب ويونهس أنهها لغهة.
وقال الخفش" :سفه نفسه" أي فعل بها من السفه ما صار به سفيها .وعنه أيضا هي لغة بمعنى
سفه ،حكاه المهدوي ،والول ذكره الماوردي .فأما سفه بضم الفاء فل يتعدى ،قاله المبرد وثعلب.
وحكهى الكسهائي عهن الخفهش أن المعنهى جههل فهي نفسهه ،فحذفهت "فهي" فانتصهب .قال الخفهش:
ومثله "عقدة النكاح" [البقرة ،]235 :أي على عقدة النكاح .وهذا يجري على مذهب سيبويه فيما
حكاه مهن قولههم :ضرب فلن الظههر والبطهن ،أي فهي الظههر والبطهن .الفراء :ههو تمييهز .قال ابهن
بحر :معناه جهل نفسه وما فيها من الدللت واليات الدالة على أن لها صانعا ليس كمثله شيء،
فيعلم به توحيد ال وقدرته.
قلت :وهذا ههو معنهى قول الزجاج ،فيفكهر فهي نفسهه مهن يديهن يبطهش بهمها ،ورجليهن يمشهي
عليهمها ،وعيهن يبصهر بهها ،وأذن يسهمع بهها ،ولسهان ينطهق بهه ،وأضراس تنبهت له عنهد غناه عهن
الرضاع وحاجتههه إلى الغذاء ليطحههن بههها الطعام ،ومعدة أعدت لطبههخ الغذاء ،وكبههد يصههعد إليههها
صفوه ،وعروق ومعابر ينفذ فيها إلى الطراف ،وأمعاء يرسب إليها ثفل الغذاء ويبرز من أسفل
البدن ،فيستدل بهذا على أن له خالقا قادرا عليما حكيما ،وهذا معنى قوله تعالى" :وفي أنفسكم أفل
تبصهرون" [الذاريات .]21 :أشار إلى هذا الخطابهي رحمه ال تعالى .وسهيأتي له مزيهد بيان فهي
سورة "والذاريات" إن شاء ال تعالى.
وقد استدل بهذه الية من قال :إن شريعة إبراهيم شريعة لنا إل ما نسخ منها ،وهذا كقوله" :ملة
أبيكم إبراهيم" [الحج" ،]78 :أن اتبع ملة إبراهيم" [النحل .]123 :وسيأتي بيانه.
@قوله تعالى" :ولقههد اصههطفيناه فههي الدنيهها" أي اخترناه للرسههالة فجعلناه صههافيا مههن الدناس
والصل في "اصطفيناه" اصتفيناه ،أبدلت التاء طاء لتناسبها مع الصاد في الطباق .واللفظ مشتق
من الصفوة ،ومعناه تخير الصفى.
@قوله تعالى" :وإنه في الخرة لمن الصالحين" الصالح في الخرة هو الفائز .ثم قيل :كيف جاز
تقديههم "فههي الخرة" وهههو داخههل فههي الصههلة ،قال النحاس :فالجواب أنههه ليههس التقديههر إنههه لمههن
الصهالحين فهي الخرة ،فتكون الصهلة قهد تقدمهت ،ولههل العربيهة فيهه ثلثهة أقوال :منهها أن يكون
المعنههى وإنههه صههالح فههي الخرة ،ثههم حذف .وقيههل" :فههي الخرة" متعلق بمصههدر محذوف ،أي
صهلحه فهي الخرة .والقول الثالث :أن "الصهالحين" ليهس بمعنهى الذيهن صهلحوا ،ولكنهه اسهم قائم
بنفسه ،كما يقال الرجل والغلم.
قلت :وقول رابع أن المعنى وإنه في عمل الخرة لمن الصالحين ،فالكلم على حذف مضاف.
وقال الحسهين بن الفضهل :فهي الكلم تقديهم وتأخيهر ،مجازه ولقهد اصهطفيناه فهي الدنيا والخرة وإنه
لمههن الصههالحين .وروى حجاج بههن حجاج -وهههو حجاج السههود ،وهههو أيضهها حجاج الحول
المعروف بزق العسههل -قال :سههمعت معاويههة بههن قرة يقول :اللهههم إن الصههالحين أنههت أصههلحتهم
ورزقتهم أن عملوا بطاعتك فرضيت عنهم ،اللهم كما أصلحتهم فأصلحنا ،وكما رزقتهم أن عملوا
بطاعتك فرضيت عنهم فارزقنا أن نعمل بطاعتك ،وارض عنا.
**3الية { 131 :إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين}
@العامل في "إذ" قوله" :اصطفيناه" أي اصطفيناه إذ قال له ربه أسلم .وكان هذا القول من ال
تعالى حين ابتله بالكوكب والقمر والشمس .قال ابن كيسان والكلبي :أي أخلص دينك ل بالتوحيد.
وقيهل :اخضهع واخشهع .وقال ابهن عباس :إنمها قال له ذلك حيهن خرج مهن السهرب ،على مها يأتهي
ذكره في "النعام" .والسلم هنها على أتم وجوهه .والسلم فهي كلم العرب :الخضوع والنقياد
للمستسلم .وليس كل إسلم إيمانا ،وكل إيمان إسلم ،لن من آمن بال فقد استسلم وانقاد ل .وليس
كههل مههن أسههلم آمههن بال ،لنههه قههد يتكلم فزعهها مههن السههيف ،ول يكون ذلك إيمانهها ،خلفهها للقدريههة
والخوارج حيهث قالوا :إن السهلم ههو اليمان ،فكهل مؤمهن مسهلم ،وكهل مسهلم مؤمهن ،لقوله" :إن
الديهن عنهد ال السهلم" [آل عمران ]19 :فدل على أن السهلم ههو الديهن ،وأن مهن ليهس بمسهلم
فليهههس بمؤمهههن .ودليلنههها قوله تعالى" :قالت العراب آمنههها قهههل لم تؤمنوا ولكهههن قولوا أسهههلمنا"
[الحجرات ]14 :الية .فأخبر ال تعالى أنه ليس كل من أسلم مؤمنا ،فدل على أنه ليس كل مسلم
مؤمنها ،وقال صهلى ال عليهه وسهلم لسهعد بهن أبهي وقاص لمها قال له :اعهط فلنها فإنهه مؤمهن ،فقال
النبي صلى ال عليه وسلم( :أو مسلم) الحديث ،خرجه مسلم ،فدل على أن اليمان ليس السلم،
فإن اليمان باطن ،والسلم ظاهر ،وهذا بين .وقد يطلق اليمان بمعنى السلم ،والسلم ويراد
بههه اليمان ،للزوم أحدهمهها الخههر وصههدوره عنههه ،كالسههلم الذي هههو ثمرة اليمان ودللة على
صحته ،فاعلمه .وبال التوفيق.
**3الية { 132 :ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن ال اصطفى لكم الدين فل تموتن
إل وأنتم مسلمون}
@قوله تعالى" :ووصهى بهها إبراهيهم بنيهه ويعقوب" أي بالملة ،وقيهل :بالكلمهة التهي ههي قوله:
"أسهلمت لرب العالميهن" وههو أصهوب ،لنهه أقرب مذكور ،أي قولوا أسهلمنا .ووصهى وأوصهى
لغتان لقريش وغيرهم بمعنى ،مثل كرمنا وأكرمنا ،وقرئ بهما .وفي مصحف عبدال "ووصى"،
وفهي مصهحف عثمان "وأوصهى" وههي قراءة أههل المدينهة والشام .الباقون "ووصهى" وفيهه معنهى
التكثيهر" .وإبراهيهم" رفهع بفعله" ،ويعقوب" عطهف عليهه ،وقيهل :ههو مقطوع مسهتأنف ،والمعنهى:
وأوصهى يعقوب وقال يها بنهي إن ال اصهطفى لكهم الديهن ،فيكون إبراهيهم قهد وصهى بنيهه ،ثهم وصهى
بعده يعقوب بنيه.
وبنهو إبراهيهم :إسهماعيل ،وأمهه هاجهر القبطيهة ،وههو أكهبر ولده ،نقله إبراهيهم إلى مكهة وههو
رضيهع .وقيهل :كان له سهنتان ،وقيهل :كان له أربهع عشرة سهنة ،والول أصهح ،على مها يأتهي فهي
سورة "إبراهيم" بيانه إن شاء ال تعالى :وولد قبل أخيه إسحاق بأربع عشرة سنة ،ومات وله مائة
وسهبع وثلثون سهنة .وقيهل :مائة وثلثون .وكان سهنه لمها مات أبوه إبراهيهم عليهمها السهلم تسهعا
وثمانيهن سنة ،وهو الذبيهح فهي قول .وإسحاق أمهه سارة ،وهو الذبيح فهي قول آخر ،وهو الصح،
على مها يأتهي بيانهه فهي سهورة "والصهافات" إن شاء ال .ومهن ولده الروم واليونان والرمهن ومهن
يجري مجراههم وبنهو إسهرائيل .وعاش إسهحاق مائة وثمانيهن سهنة ،ومات بالرض المقدسهة ودفهن
عند أبيه إبراهيم الخليل عليهما السلم .ثم لما توفيت سارة تزوج إبراهيم عليه السلم قنطورا بنت
يقطهن الكنعانيهة ،فولدت له مديهن ومدايهن ونهشان وزمران ونشيهق وشيوخ ،ثهم توفهي عليهه السهلم.
وكان بيهن وفاتهه وبيهن مولد النهبي صهلى ال عليهه وسهلم نحهو مهن ألفهي سهنة وسهتمائة سهنة ،واليهود
ينقصهون مهن ذلك نحوا من أربعمائة سنة .وسهيأتي ذكر أولد يعقوب فهي سورة "يوسف" إن شاء
ال تعالى .وقرأ عمرو بن فائد السواري وإسماعيل بن عبدال المكي" :ويعقوب" بالنصب عطفا
على "بنيههه" ،فيكون يعقوب داخل فيمههن أوصههى .قال القشيري :وقرئ "يعقوب" بالنصههب عطفهها
على "بنيه" وهو بعيد ،لن يعقوب لم يكن فيما بين أولد إبراهيم لما وصاهم ،ولم ينقل أن يعقوب
أدرك جده إبراهيم ،وإنما ولد بعد موت إبراهيم ،وأن يعقوب أوصى بنيه أيضا كما فعل إبراهيم.
وسيأتي تسمية أولد يعقوب إن شاء ال تعالى.
قال الكلبههي :لمهها دخههل يعقوب إلى مصههر رآهههم يعبدون الوثان والنيران والبقههر ،فجمههع ولده
وخاف عليهم وقال :ما تعبدون من بعدي؟
ويقال :إنمها سهمي يعقوب لنهه كان ههو والعيهص توأميهن ،فخرج مهن بطهن أمهه آخذا بعقهب أخيهه
العيص .وفي ذلك نظر ،لن هذا اشتقاق عربي ،ويعقوب اسم أعجمي ،وإن كان قد وافق العربية
في التسمية به كذكر الخجل .عاش عليه السلم مائة وسبعا وأربعين سنة ومات بمصر ،وأوصى
أن يحمل إلى الرض المقدسة ،ويدفن عند أبيه إسحاق ،فحمله يوسف ودفنه عنده.
@قوله تعالى" :يا بني" معناه أن يا بني ،وكذلك هو في قراءة أبي وابن مسعود والضحاك .قال
الفراء :ألغيهت أن لن التوصهية كالقول ،وكهل كلم يرجهع إلى القول جاز فيهه دخول أن وجاز فيهه
إلغاؤها .قال :وقول النحويين إنما أراد "أن" فألغيت ليس بشيء .النحاس" :يا بني" نداء مضاف،
وهذه ياء النفههس ل يجوز هنهها إل فتحههها ،لنههها لو سههكنت للتقههى سههاكنان ،ومثله "بمصههرخي"
[إبراهيم.]22 :
@قوله تعالى" :إن ال" كسههرت "إن" لن أوصههى وقال واحههد .وقيههل :على إضمار القول.
"اصطفى" اختار .قال الراجز:
خلفة ال التي أعطاكا يا ابن ملوك ورثوا الملكا
لك اصطفاها ولها اصطفاكا
"لكم الدين" أي السلم ،واللف واللم في "الدين" للعهد ،لنهم قد كانوا عرفوه" .فل تموتن إل
وأنتم مسلمون" إيجاز بليغ .والمعنى :الزموا السلم ودوموا عليه ول تفارقه حتى ،تموتوا .فأتى
بلفظ موجز يتضمن المقصود ،ويتضمن وعظا وتذكيرا بالموت ،وذلك أن المرء يتحقق أنه يموت
ول يدري متهى ،فإذا أمهر بأمهر ل يأتيهه الموت إل وههو عليهه ،فقهد توجهه الخطاب مهن وقهت المهر
دائبها لزما" .ل" نههي "تموتن" فهي موضهع جزم بالنههي ،أكهد بالنون الثقيلة ،وحذفت الواو للتقاء
السهاكنين" .إل وأنتهم مسهلمون" ابتداء وخهبر فهي موضهع الحال ،أي محسهنون بربكهم الظهن ،وقيهل
مخلصون ،وقيل مفوضون ،وقيل مؤمنون.
**3الية { 133 :أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا
نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون}
@قوله تعالى" :أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي"
"أم كنتم شهداء" خبر كان ،ولم يصرف لن فيه ألف التأنيث ،ودخلت لتأنيث الجماعة كما تدخل
الهاء .والخطاب لليهود والنصهارى الذيهن ينسهبون إلى إبراهيهم مها لم يوص بهه بنيهه ،وأنههم على
اليهوديهة والنصهرانية ،فرد ال عليههم قولههم وكذبههم ،وقال لههم على جههة التوبيهخ :أشهدتهم يعقوب
وعلمتهم بمها أوصهى فتدعون عهن علم ،أي لم تشهدوا ،بهل أنتهم تفترون .و"أم" بمعنهى بهل ،أي بهل
أشهههد أسههلفكم يعقوب .والعامههل فههي "إذ" الولى معنههى الشهادة ،و"إذ" الثانيههة بدل مههن الولى.
و"شهداء" جمهع شاههد أي حاضهر .ومعنهى "حضهر يعقوب الموت" أي مقدماتهه وأسهبابه ،وإل فلو
حضههر الموت لمهها أمكههن أن يقول شيئا .وعههبر عههن المعبود "بمهها" ولم يقههل مههن ،لنههه أراد أن
يختبرهم ،ولو قال "من" لكان مقصوده أن ينظهر من لهم الهتداء منهم ،وإنما أراد تجربتهم فقال
"مها" .وأيضها فالمعبودات المتعارفهة مهن دون ال جمادات كالوثان والنار والشمهس والحجارة،
فاستفهم عما يعبدون من هذه .ومعنى "من بعدي" أي من بعد موتي .وحكي أن يعقوب حين خير
كمها تخيهر النهبياء اختار الموت وقال :أمهلونهي حتهى أوصهي بنهي وأهلي ،فجمعههم وقال لههم هذا،
فاهتدوا وقالوا" :نعبد إلهك" الية .فأروه ثبوتهم على الدين ومعرفتهم بال تعالى.
@قوله تعالى" :قالوا نعبهد إلههك وإله آبائك إبراهيهم وإسهماعيل وإسهحاق" "إبراهيهم وإسهماعيل
وإسهحاق" فهي موضهع خفهض على البدل ،ولم تنصهرف لنهها أعجميهة .قال الكسهائي :وإن شئت
صهرفت "إسهحاق" وجعلتهه مهن السهحق ،وصهرفت "يعقوب" وجعلتهه مهن الطيهر .وسهمى ال كهل
واحد من العم والجد أبا ،وبدأ بذكر الجد ثم إسماعيل العم لنه أكبر من إسحاق .و"إلها" بدل من
"إلههك" بدل النكرة مهن المعرفهة ،وكرره لفائدة الصهفة بالوحدانيهة .وقيهل" :إلهها" حال .قال ابهن
عطيههة :وهههو قول حسههن ،لن الغرض إثبات حال الوحدانيههة .وقرأ الحسههن ويحيههى بههن يعمههر
والجحدري وأبو رجاء العطاردي "وإله أبيك" وفيه وجهان :أحدهما :أن يكون أفرد وأراد إبراهيم
وحده ،وكره أن يجعهل إسهماعيل أبها لنهه عهم .قال النحاس :وهذا ل يجهب ،لن العرب تسهمي العهم
أبا .الثاني :على مذهب سيبويه أن يكون "أبيك" جمع سلمة ،حكى سيبويه أب وأبون وأبين ،كما
قال الشاعر:
فقلنا أسلموا إن أخوكم
وقال آخر:
بكين وفديننا بالبينا فلما تبين أصواتنا
قوله تعالى" :ونحههن له مسههلمون" ابتداء وخههبر ،ويحتمههل أن يكون فههي موضههع الحال والعامههل
"نعبد".
**3الية { 134 :تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ول تسألون عما كانوا يعملون}
@قوله تعالى" :تلك أمة قد خلت" "تلك" مبتدأ ،و"أمة" خبر" ،قد خلت" نعت لمة ،وإن شئت
كانت خبر المبتدأ ،وتكون "أمة" بدل من "تلك"" .لها ما كسبت" "ما" في موضع رفع بالبتداء
أو بالصفة على قول الكوفيين" .ولكم ما كسبتم" مثله ،يريد من خير وشر .وفي هذا دليل على أن
العبهد يضاف إليهه أعمال وأكسهاب ،وإن كان ال تعالى أقدره على ذلك ،إن كان خيرا فبفضله وإن
كان شرا فبعدله ،وهذا مذهههب أهههل السههنة ،والي فههي القرآن بهذا المعنههى كثيرة .فالعبههد مكتسههب
لفعاله ،على معنى أنه خلقت له قدرة مقارنة للفعل ،يدرك بها الفرق بين حركة الختيار وحركة
الرعشهة مثل ،وذلك التمكهن ههو مناط التكليهف .وقالت الجبريهة بنفهي اكتسهاب العبهد ،وإنهه كالنبات
الذي تصرفه الرياح .وقالت القدرية والمعتزلة خلف هذين القولين ،وإن العبد يخلق أفعاله.
@قوله تعالى" :ول تسهألون عمها كانوا يعملون" أي ل يؤاخهذ أحهد بذنهب أحهد ،مثهل قوله تعالى:
"ول تزر وازرة وزر أخرى" [النعام ]164 :أي ل تحمل حاملة ثقل أخرى ،وسيأتي.
**3الية { 135 :وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من
المشركين}
@قوله تعالى" :وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا" دعت كل فرقة إلى ما هي عليه ،فرد ال
تعالى ذلك عليههم فقال" :بهل ملة" أي قهل يها محمهد :بهل نتبهع ملة ،فلهذا نصهب الملة .وقيهل :المعنهى
بل نهتدي بملة إبراهيم ،فلما حذف حرف الجر صار منصوبا .وقرأ العرج وابن أبي عبلة" :بل
ملة" بالرفع ،والتقدير بل الهدى ملة ،أو ملتنا دين إبراهيم .و"حنيفا" مائل عن الديان المكروهة
إلى الحق دين إبراهيم ،وهو في موضع نصب على الحال ،قاله الزجاج .أي بل نتبع ملة إبراهيم
فهي هذه الحالة .وقال علي بهن سهليمان :ههو منصهوب على أعنهي ،والحال خطهأ ،ل يجوز جاءنهي
غلم هنهد مسهرعة .وسهمي إبراهيهم حنيفها لنهه حنهف إلى ديهن ال وههو السهلم .والحنهف :الميهل،
ومنهه رجهل حنفاء ،ورجهل أحنهف ،وههو الذي تميهل قدماه كهل واحدة منهمها إلى أختهها بأصهابعها.
قالت أم الحنف:
ما كان في فتيانكم من مثله وال لول حنف برجله
وقال الشاعر:
حنيفا وفي قرن الضحى ينتصر إذا حول الظل العشي رأيته
أي الحرباء تسهههتقبل القبلة بالعشهههي ،والمشرق بالغداة ،وههههو قبلة النصهههارى .وقال قوم :الحنهههف
السهتقامة ،فسهمي ديهن إبراهيهم حنيفها لسهتقامته .وسهمي المعوج الرجليهن أحنهف تفاؤل بالسهتقامة،
كما قيل للديغ سليم ،وللمهلكة مفازة ،في قول أكثرهم.
**3اليهة { 136 :قولوا آمنها بال ومها أنزل إلينها ومها أنزل إلى إبراهيهم وإسهماعيل وإسهحاق
ويعقوب والسهباط ومها أوتهي موسهى وعيسهى ومها أوتهي النهبيون مهن ربههم ل نفرق بيهن أحهد منههم
ونحن له مسلمون}
@قوله تعالى" :قولوا آمنها بال" خرج البخاري عهن أبهي هريرة رضهي ال عنهه قال :كان أههل
الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانيهة ويفسهرونها بالعربيهة لههل السهلم ،فقال رسهول ال صهلى ال
عليه وسلم( :ل تصدقوا أهل الكتاب ول تكذبوهم وقولوا آمنا بال وما أنزل) الية .وقال محمد بن
سهيرين :إذا قيهل لك أنهت مؤمهن؟ فقهل" :آمنها بال ومها أنزل إلينها ومها أنزل إلى إبراهيهم وإسهماعيل
وإسحاق" الية .وكره أكثر السلف أن يقول الرجل :أنا مؤمن حقا ،وسيأتي بيانه في "النفال" إن
شاء ال تعالى .وسئل بعض المتقدمين عن رجل قيل له :أتؤمن بفلن النبي ،فسماه باسم لم يعرفه،
فلو قال نعم ،فلعله لم يكن نبيا ،فقد شهد بالنبوة لغير نبي ،ولو قال ل ،فلعله نبي ،فقد جحد نبيا من
النهبياء ،فكيهف يصهنع؟ فقال :ينبغهي أن يقول :إن كان نبيها فقهد آمنهت بهه .والخطاب فهي هذه اليهة
لهذه المهة ،علمههم اليمان .قال ابهن عباس :جاء نفهر مهن اليهود إلى النهبي صهلى ال عليهه وسهلم
فسهألوه عمهن يؤمهن بهه مهن النهبياء ،فنزلت اليهة .فلمها جاء ذكهر عيسهى قالوا :ل نؤمهن بعيسهى ول
من آمن به.
@قوله تعالى" :وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما
أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم" جمع إبراهيم براهيم ،وإسماعيل سماعيل ،قاله
الخليل وسيبويه ،وقال الكوفيون ،وحكوا براهمة وسماعلة ،وحكوا براهم وسماعل .قال محمد بن
يزيهد :هذا غلط ،لن الهمزة ليهس هذا موضهع زيادتهها ،ولكهن أقول :أباره وأسهامع ،ويجوز أباريهه
وأساميع .وأجاز أحمد بن يحيى براه ،كما يقال في التصغير بريه .وجمع إسحاق أساحيق ،وحكى
الكوفيون أساحقة وأساحق ،وكذا يعقوب ويعاقيب ،ويعاقبة ويعاقب .قال النحاس :فأما إسرائيل فل
نعلم أحدا يجيههز حذف الهمزة مههن أوله ،وإنمهها يقال أسههاريل ،وحكههى الكوفيون أسههارلة وأسههارل.
والباب في هذا كله أن يجمع مسلما فيقال :إبراهيمون وإسحاقون ويعقوبون ،والمسلم ل عمل فيه.
والسهباط :ولد يعقوب عليهه السهلم ،وههم اثنها عشهر ولدا ،ولد لكهل واحهد منههم أمهة مهن الناس،
واحدهم سبط .والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل .وسموا السباط من السبط
وههو التتابهع ،فههم جماعهة متتابعون .وقيهل :أصهله مهن السهبط (بالتحريهك) وههو الشجهر ،أي ههم فهي
الكثرة بمنزلة الشجر ،الواحدة سبطة .قال أبو إسحاق الزجاج :ويبين لك هذا ما حدثنا به محمد بن
جعفهر النباري قال حدثنها أبهو نجيهد الدقاق قال حدثنها السهود بهن عامهر قال حدثنها إسهرائيل عهن
سهماك عهن عكرمهة عهن ابهن عباس قال :كهل النهبياء مهن بنهي إسهرائيل إل عشرة :نوحها وشعيبها
وهودا وصهالحا ولوطها وإبراهيهم وإسهحاق ويعقوب وإسهماعيل ومحمدا صهلى ال عليهه وسهلم .ولم
يكههن أحهد له اسههمان إل عيسهى ويعقوب .والسههبط :الجماعهة والقههبيلة الراجعون إلى أصهل واحهد.
وشعر سبط وسبط :غير جعد" .ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون" قال الفراء :أي ل نؤمن
ببعضهم ونكفر ببعضهم كما فعلت اليهود والنصارى.
**3الية { 137 :فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم
ال وهو السميع العليم}
@قوله تعالى" :فإن آمنوا بمثهل مها آمنتهم بهه فقهد اهتدوا" الخطاب لمحمهد صهلى ال عليهه وسهلم
وأمتهه .المعنهى :فإن آمنوا مثهل إيمانكهم ،وصهدقوا مثهل تصهديقكم فقهد اهتدوا ،فالمماثلة وقعهت بيهن
اليمانين ،وقيل :إن الباء زائدة مؤكدة .وكان ابن عباس يقرأ فيما حكى الطبري" :فإن آمنوا بالذي
آمنتهم بهه فقهد اهتدوا" وهذا ههو معنهى القراءة وإن خالف المصهحف" ،فمثهل" زائدة كمها ههي فهي
قوله" :ليس كمثله شيء" [الشورى ]11 :أي ليس كهو شيء .وقال الشاعر:
فصيروا مثل كعصف مأكول
وروى بقيهة حدثنها شعبهة عهن أبهي حمزة عهن ابهن عباس قال :ل تقولوا فإن آمنوا بمثهل مها آمنتهم بهه
فإن ال ليس له مثل ،ولكن قولوا :بالذي آمنتم به .تابعه علي بن نصر الجهضمي عن شعبة ،ذكره
البيهقهي .والمعنهى :أي فإن آمنوا بنهبيكم وبعامهة النهبياء ولم يفرقوا بينههم كمها لم تفرقوا فقهد اهتدوا،
وإن أبوا إل التفريهق فههم الناكبون عن الديهن إلى الشقاق "فسهيكفيكهم ال" .وحكهى عن جماعة مهن
أههل النظهر قالوا :ويحتمهل أن تكون الكاف فهي قوله" :ليهس كمثله شيهء" زائدة .قال :والذي روي
عهن ابهن عباس مهن نهيهه عهن القراءة العامهة شيهء ذههب إليهه للمبالغهة فهي نفهي التشهبيه عهن ال عهز
وجل .وقال ابن عطية :هذا من ابن عباس على جهة التفسير ،أي هكذا فليتأول .وقد قيل :إن الباء
بمعنى على ،والمعنى :فإن آمنوا على مثل إيمانكم .وقيل" :مثل" على بابها أي بمثل المنزل ،دليله
قوله" :وقل آمنت بما أنزل ال من كتاب" [الشورى ،]15 :وقوله" :وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا
وأنزل إليكم" [العنكبوت.]46 :
@قوله تعالى" :وإن تولوا" أي عهن اليمان "فإنمها ههم فهي شقاق" قال زيهد بهن أسهلم :الشقاق
المنازعهة .وقيهل :الشقاق المجادلة والمخالفهة والتعادي .وأصهله مهن الشهق وههو الجانهب ،فكأن كهل
واحد من الفريقين في شق غير شق صاحبه .قال الشاعر:
وتفجر بالشقاق وبالنفاق إلى كم تقتل العلماء قسرا
وقال آخر:
بغاة ما بقينا في شقاق وإل فاعلموا أنا وأنتم
وقيهل :إن الشقاق مأخوذ مهن فعل ما يشهق ويصعب ،فكأن كل واحد من الفريقين يحرص على ما
يشق على صاحبه.
@قوله تعالى" :فسيكفيكهم ال وهو السميع العليم" أي فسيكفي ال رسوله عدوه .فكان هذا وعدا
مهن ال تعالى لنهبيه عليهه السهلم أنهه سهيكفيه مهن عانده ومهن خالفهه مهن المتوليهن بمهن يهديهه مهن
المؤمنيههن ،فأنجههز له الوعههد ،وكان ذلك فههي قتههل بنههي قينقاع وبنههي قريظههة وإجلء بنههي النضيههر.
والكاف والهاء والميهم فهي موضهع نصهب مفعولن .ويجوز فهي غيهر القرآن :فسهيكفيك إياههم .وهذا
الحرف "فسيكفيكهم ال" هو الذي وقع عليه دم عثمان حين قتل بإخبار النبي صلى ال عليه وسلم
إياه بذلك .و"السهميع" لقول كهل قائل "العليهم" بمها ينفذه فهي عباده ويجريهه عليههم .وحكهي أن أبها
دلمة دخل على المنصور وعليه قلنسوة طويلة ،ودراعة مكتوب بين كتفيها "فسيكفيكهم ال وهو
السميع العليم" ،وسيف معلق في وسطه ،وكان المنصور قد أمر الجند بهذا الزي ،فقال له :كيف
حالك يها أبها دلمهة؟ قال :بشهر يها أميهر المؤمنيهن قال :وكيهف ذاك؟ قال :مها ظنهك برجهل وجههه فهي
وسهطه ،وسهيفه فهي أسهته ،وقهد نبهذ كتاب ال وراء ظهره فضحهك المنصهور منهه ،وأمهر بتغييهر ذلك
الزي من وقته.
**3الية { 138 :صبغة ال ومن أحسن من ال صبغة ونحن له عابدون}
@قوله تعالى" :صهبغة ال" قال الخفهش وغيره :ديهن ال ،وههو بدل مهن "ملة" وقال الكسهائي:
وهههي منصههوبة على تقديههر اتبعوا .أو على الغراء أي الزموا .ولو قرئت بالرفههع لجاز ،أي هههي
صههبغة ال .وروى شيبان عههن قتادة قال :إن اليهود تصههبغ أبناءهههم يهودا ،وإن النصههارى تصههبغ
أبناءهههم نصههارى ،وإن صههبغة ال السههلم .قال الزجاج :ويدلك على هذا أن "صههبغة" بدل مههن
"ملة" .وقال مجاهد :أي فطرة ال التي فطر الناس عليها .قال أبو إسحاق الزجاج :وقول مجاهد
هذا يرجههع إلى السههلم ،لن الفطرة ابتداء الخلق ،وابتداء مهها خلقوا عليههه السههلم .وروي عههن
مجاهههد والحسههن وأبههي العاليههة وقتادة :الصهبغة الديههن .وأصههل ذلك أن النصهارى كانوا يصهبغون
أولدههم فهي الماء ،وهو الذي يسهمونه المعمودية ،ويقولون :هذا تطهيهر لههم .وقال ابهن عباس :هو
أن النصارى كانوا إذا ولد لهم ولد فأتى عليه سبعة أيام غمسوه في ماء لهم يقال له ماء المعمودية،
فصهههبغوه بذلك ليطهروه بهههه مكان الختان ،لن الختان تطهيهههر ،فإذا فعلوا ذلك قالوا :الن صهههار
نصهرانيا حقها ،فرد ال تعالى ذلك عليههم بأن قال" :صهبغة ال" أي صهبغة ال أحسهن صهبغة وههي
السهلم ،فسهمي الديهن صهبغة اسهتعارة ومجازا مهن حيهث تظههر أعماله وسهمته على المتديهن ،كمها
يظهر أثر الصبغ في الثوب .وقال بعض شعراء ملوك همدان.
وصبغة همدان خير الصبغ وكل أناس لهم صبغة
فأكرم بصبغتنا في الصبغ صبغنا على ذاك أبناءنا
وقيهل :إن الصهبغة الغتسهال لمهن أراد الدخول فهي السهلم ،بدل مهن معموديهة النصهارى ،ذكره
الماوردي.
قلت :وعلى هذا التأويل يكون غسل الكافر واجبا تعبدا،
@معنهى "صهبغة ال" غسهل ال ،أي اغتسهلوا عنهد إسهلمكم الغسهل الذي أوجبهه ال عليكهم .وبهذا
المعنى جاءت السنة الثابتة في قيس بن عاصم وثمامة بن أثال حين أسلما .روى أبو حاتم البستي
فهي صهحيح مسهنده عهن أبهي هريرة رضهي ال عنهه :أن ثمامهة الحنفهي أسهر فمهر بهه النهبي صهلى ال
عليهه وسهلم يومها فأسهلم ،فبعهث بهه إلى حائط أبهي طلحهة فأمره أن يغتسهل فاغتسهل وصهلى ركعتيهن،
فقال رسهول ال صهلى ال عليه وسهلم( :حسهن إسهلم صهاحبكم) .وخرج أيضها عن قيهس بن عاصهم
أنهه أسهلم ،فأمره النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أن يغتسهل بماء وسهدر .ذكره النسهائي وصهححه أبهو
محمد عبدالحق .وقيل :إن القربة إلى ال تعالى يقال لها صبغة ،حكاه ابن فارس في المجمل .وقال
الجوهري" :صههبغة ال" دينههه .وقيههل :إن الصههبغة الختان ،اختتههن إبراهيههم فجرت الصههبغة على
الختان لصبغهم الغلمان في الماء ،قاله الفراء" .ونحن له عابدون" ابتداء وخبر.
**3اليهة { 139 :قهل أتحاجوننها فهي ال وههو ربنها وربكهم ولنها أعمالنها ولكهم أعمالكهم ونحهن له
مخلصون}
@قال الحسن :كانت المحاجة أن قالوا :نحن أولى بال منكم ،لنا أبناء ال وأحباؤه .وقيل :لتقدم
آبائنا وكتبنا ،ولنا لم نعبد الوثان .فمعنى الية :قل لهم يا محمد ،أي قل لهؤلء اليهود والنصارى
الذيهن زعموا أنههم أبناء ال وأحباؤه وادعوا أنههم أولى بال منكهم لقدم آبائههم وكتبههم" :أتحاجوننها"
أي أتجاذبوننهها الحجههة على دعواكههم والرب واحههد ،وكههل مجازى بعمله ،فأي تأثيههر لقدم الديههن.
ومعنههى "فههي ال" أي فههي دينههه والقرب منههه والحظوة له .وقراءة الجماعههة" :أتحاجوننهها" .وجاز
اجتماع حرفيههن مثليههن مههن جنههس واحههد متحركيههن ،لن الثانههي كالمنفصههل .وقرأ ابههن محيصههن
"أتحاجونها" بالدغام لجتماع المثليهن .قال النحاس :وهذا جائز إل أنهه مخالف للسهواد .ويجوز
"أتحاجون" بحذف النون الثانية ،كما قرأ نافع "فبم تبشرون" [الحجر.]54 :
@قوله تعالى" :ونحن له مخلصون" أي مخلصون العبادة ،وفيه معنى التوبيخ ،أي ولم تخلصوا
أنتههم فكيههف تدعون مهها نحههن أولى بههه منكههم ،والخلص حقيقتههه تصههفية الفعههل عههن ملحظههة
المخلوقين ،قال صلى ال عليه وسلم( :إن ال تعالى يقول أنا خير شريك فمن أشرك معي شريكا
فههو لشريكهي يها أيهها الناس أخلصهوا أعمالكهم ل تعالى فإن ال تعالى ل يقبهل إل مها خلص له ول
تقولوا هذا ل وللرحم فإنها للرحم وليس ل منها شيء ول تقولوا هذا ل ولوجوهكم فإنها لوجوهكم
وليهس ل تعالى منهها شيهء) .رواه الضحاك بهن قيهس الفهري قال :قال رسهول ال صهلى ال عليهه
وسهلم .فذكره ،خرجهه الدارقطنهي .وقال رويهم :الخلص مهن العمهل ههو أل يريهد صهاحبه عليهه
عوضا في الدارين ول حظا من الملكين .وقال الجنيد :الخلص سر بين العبد وبين ال ،ل يعلمه
ملك فيكتبههه ،ول شيطان فيفسههده ،ول هوى فيميله .وذكههر أبههو القاسههم القشيري وغيره عههن النههبي
صهلى ال عليهه وسهلم أنهه قال( :سهألت جبريهل عهن الخلص مها ههو فقال سهألت رب العزة عهن
الخلص ما هو قال سر من سري استودعته قلب من أحببته من عبادي).
**3الية { 140 :أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط كانوا هودا أو
نصارى قل أأنتم أعلم أم ال ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من ال وما ال بغافل عما تعملون}
@قوله تعالى" :أم تقولون" بمعنهههى قالوا .وقرأ حمزة والكسهههائي وعاصهههم فهههي روايهههة حفهههص
"تقولون" بالتاء وههي قراءة حسهنة ،لن الكلم متسهق ،كأن المعنهى :أتحاجوننها فهي ال أم تقولون
إن النهبياء كانوا على دينكهم ،فههي أم المتصهلة ،وههي على قراءة مهن قرأ بالياء منقطعهة ،فيكون
كلمين وتكون "أم" بمعنى بل" .هودا" خبر كان ،وخبر "إن" في الجملة .ويجوز في غير القرآن
رفع "هودا" على خبر "إن" وتكون كان ملغاة ،ذكره النحاس.
@قوله تعالى" :قل أأنتم أعلم أم ال" تقرير وتوبيخ في ادعائهم بأنهم كانوا هودا أو نصارى .فرد
ال عليهم بأنه أعلم بهم منكم ،أي لم يكونوا هودا ول نصارى.
@قوله تعالى" :ومن أظلم" لفظه الستفهام ،والمعنى :ل أحد أظلم" .ممن كتم شهادة" يريد علمهم
بأن النهبياء كانوا على السهلم .وقيل :مها كتموه مهن صفة محمهد صهلى ال عليهه وسهلم ،قاله قتادة،
والول أشبهه بسهياق اليهة" .ومها ال بغافهل عمها تعملون" وعيهد وإعلم بأنهه لم يترك أمرههم سهدى
وأنه يجازيهم على أعمالهم .والغافل :الذي ل يفطن للمور إهمال منه ،مأخوذ من الرض الغفل
وههي التهي ل علم بهها ول أثهر عمارة .وناقهة غفهل :ل سهمة بهها .ورجهل غفهل :لم يجرب المور.
وقال الكسائي :أرض غفل لم تمطر .غفلت عن الشيء غفلة وغفول ،وأغفلت الشيء :تركته على
ذكر منك.
**3الية { 141 :تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ول تسألون عما كانوا يعملون}
@كررها لنها تضمنت معنى التهديد والتخويف ،أي إذا كان أولئك النبياء على إمامتهم وفضلهم
يجازون بكسبهم فأنتم أحرى ،فوجب التأكيد ،فلذلك كررها.
**3اليهة { 142 :سهيقول السهفهاء مهن الناس مها ولههم عهن قبلتههم التهي كانوا عليهها قهل ل
المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}
@قوله تعالى" :سيقول السفهاء من الناس" أعلم ال تعالى أنهم سيقولون في تحويل المؤمنين من
الشام إلى الكعبهة ،مها ولههم .و"سهيقول" بمعنهى قال ،جعهل المسهتقبل موضهع الماضهي ،دللة على
اسههتدامة ذلك وأنهههم يسههتمرون على ذلك القول .وخههص بقوله" :مههن الناس" لن السههفه يكون فههي
جمادات وحيوانات .والمراد مهن "السهفهاء" جميهع مهن قال" :مها ولههم" .والسهفهاء جمهع ،واحده
سفيه ،وهو الخفيف العقل ،من قولهم :ثوب سفيه إذا كان خفيف النسج ،وقد تقدم .والنساء سفائه.
وقال المؤرج :السهههفيه البهات الكذاب المتعمهههد خلف مههها يعلم .قطرب :الظلوم الجهول ،والمراد
بالسفهاء هنا اليهود الذين بالمدينة ،قاله مجاهد .السدي :المنافقون .الزجاج :كفار قريش لما أنكروا
تحويههل القبلة قالوا :قههد اشتاق محمههد إلى مولده وعههن قريههب يرجههع إلى دينكههم ،وقالت اليهود :قههد
التبس عليه أمره وتحير .وقال المنافقون :ما ولهم عن قبلتهم ،واستهزؤوا بالمسلمين .و"ولهم"
يعني عدلهم وصرفهم.
@ روى الئمة واللفظ لمالك عن ابن عمر قال :بينما الناس بقباء في صلة الصبح إذ جاءهم آت
فقال :رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم قههد أنزل عليههه الليلة قرآن ،وقههد أمههر أن يسههتقبل الكعبههة
فاستقبلوها ،وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة .وخرج البخاري عن البراء أن النبي
صهلى ال عليهه وسهلم صهلى إلى بيهت المقدس سهتة عشهر شهرا أو سهبعة عشهر شهرا ،وكان يعجبهه
أن تكون قبلتهه قبهل البيهت ،وإنهه صهلى أول صهلة صهلها العصهر وصهلى معهه قوم ،فخرج رجهل
ممهن كان صهلى مهع النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فمهر على أههل المسهجد وههم راكعون فقال :أشههد
بال ،لقد صليت مع النبي صلى ال عليه وسلم قبل مكة ،فداروا؟؟ كما هم قبل البيت .وكان الذي
مات على القبلة قبهل أن تحول قبهل البيهت رجال قتلوا لم ندر مها نقول فيههم ،فأنزل ال عهز وجهل:
"وما كان ال ليضيع إيمانكم" [البقرة ،]143 :ففي هذه الرواية صلة العصر ،وفي رواية مالك
صلة الصبح .وقيل :نزل ذلك على النبي صلى ال عليه وسلم في مسجد بني سلمة وهو في صلة
الظههر بعهد ركعتيهن منهها فتحول فهي الصهلة ،فسهمي ذلك المسهجد مسهجد القبلتيهن .وذكهر أبو الفرج
أن عباد بن نهيك كان مع النبي صلى ال عليه وسلم في هذه الصلة .وذكر أبو عمر في التمهيد
عهن نويلة بنهت أسهلم وكانهت مهن المبايعات ،قالت :كنها فهي صهلة الظههر فأقبهل عباد بهن بشهر بهن
قيظهي فقال :إن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم قهد اسهتقبل القبلة -أو قال :البيهت الحرام -فتحول
الرجال مكان النسهاء ،وتحول النسهاء مكان الرجال .وقيهل :إن اليهة نزلت فهي غيهر صهلة ،وههو
الكثر .وكان أول صلة إلى الكعبة العصر ،وال اعلم .وروي أن أول من صلى إلى الكعبة حين
صهرفت القبلة عهن بيهت المقدس أبهو سهعيد بهن المعلى ،وذلك أنهه كان مجتازا على المسهجد فسهمع
رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يخطهب الناس بتحويهل القبلة على المنهبر وهو يقرأ هذه الية" :قهد
نرى تقلب وجههك فهي السهماء" [البقرة ]144:حتهى فرغ مهن اليهة ،فقلت لصهاحبي :تعال نركهع
ركعتيههن قبههل أن ينزل رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم فنكون أول مههن صههلى فتوارينهها نعمهها
فصهليناهما ،ثهم نزل رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فصهلى بالناس الظههر يومئذ .قال أبهو عمهر:
ليهس لبهي سهعيد بهن المعلى غيهر هذا الحديهث ،وحديهث" :كنهت أصهلي" فهي فضهل الفاتحهة ،خرجهه
البخاري ،وقد تقدم.
@ واختلف في وقت تحويل القبلة بعد قدومه المدينة ،فقيل :حولت بعد ستة عشر شهرا أو سبعة
عشهر شهرا ،كمها فهي البخاري .وخرجهه الدارقطنهي عهن البراء أيضها .قال :صهلينا مهع رسهول ال
صهلى ال عليهه وسهلم بعهد قدومهه المدينهة سهتة عشهر شهرا نحهو بيهت المقدس ،ثهم علم ال هوى نهبيه
فنزلت" :قد نرى تقلب وجهك في السماء" الية .ففي هذه الرواية ستة عشر شهرا من غير شك.
وروى مالك عهن يحيهى بهن سهعيد عهن سهعيد بهن المسهيب أن تحويلهها كان قبهل غزوة بدر بشهريهن.
قال إبراهيهم بهن إسحاق :وذلك فهي رجب مهن سنة اثنتيهن .وقال أبو حاتهم البسهتي :صلى المسهلمون
إلى بيهت المقدس سهبعة عشهر شهرا وثلثهة أيام سهواء ،وذلك أن قدومهه المدينهة كان يوم الثنيهن
لثنتهي عشرة ليلة خلت مهن شههر ربيهع الول ،وأمره ال عهز وجهل باسهتقبال الكعبهة يوم الثلثاء
للنصف من شعبان.
@ واختلف العلماء أيضا في كيفية استقباله بيت المقدس على ثلثة أقوال ،فقال الحسن :كان ذلك
منه عن رأي واجتهاد ،وقال عكرمة وأبو العالية .الثاني :أنه كان مخيرا بينه وبين الكعبة ،فاختار
القدس طمعها فهي إيمان اليهود واسهتمالتهم ،قاله الطهبري ،وقال الزجاج :امتحانها للمشركيهن لنههم
ألفوا الكعبهة .الثالث :وههو الذي عليهه الجمهور :ابهن عباس وغيره ،وجهب عليهه اسهتقباله بأمهر ال
تعالى ووحيههه ل محالة ،ثههم نسههخ ال ذلك وأمره ال أن يسههتقبل بصههلته الكعبههة ،واسههتدلوا بقوله
تعالى" :ومهها جعلنهها القبلة التههي كنههت عليههها إل لنعلم مههن يتبههع الرسههول ممههن ينقلب على عقههبيه"
[البقرة ]143 :الية.
@ واختلفوا أيضا حين فرضت عليه الصلة أول بمكة ،هل كانت إلى بيت المقدس أو إلى مكة،
على قوليهن ،فقالت طائفهة :إلى بيهت المقدس وبالمدينهة سهبعة عشهر شهرا ،ثهم صهرفه ال تعالى إلى
الكعبة ،قاله ابن عباس .وقال آخرون :أول ما افترضت الصلة عليه إلى الكعبة ،ولم يزل يصلي
إليهها طول مقامهه بمكهة على مها كانهت عليهه صهلة إبراهيهم وإسهماعيل ،فلمها قدم المدينهة صهلى إلى
بيهت المقدس سهتة عشهر شهرا أو سهبعة عشهر شهرا ،على الخلف ،ثهم صهرفه ال إلى الكعبهة .قال
أبو عمر :وهذا أصح القولين عندي .قال غيره :وذلك أن النبي صلى ال عليه وسلم لما قدم المدينة
أراد أن يستألف اليهود فتوجه إلى قبلتهم ليكون ذلك أدعى لهم ،فلما تبين عنادهم وأيس منهم أحب
أن يحول إلى الكعبة فكان ينظر إلى السماء ،وكانت محبته إلى الكعبة لنها قبلة إبراهيم ،عن ابن
عباس .وقيل :لنها كانت أدعى للعرب إلى السلم ،وقيل :مخالفة لليهود ،عن مجاهد .وروي عن
أبي العالية الرياحي أنه قال :كانت مسجد صالح عليه السلم وقبلته إلى الكعبة ،قال :وكان موسى
عليه السلم يصلي إلى الصخرة نحو الكعبة ،وهي قبلة النبياء كلهم ،صلوات ال عليهم أجمعين.
@ في هذه الية دليل واضح على أن في أحكام ال تعالى وكتابه ناسخا ومنسوخا ،وأجمعت عليه
المهة إل مهن شهذ ،كمها تقدم .وأجمهع العلماء على أن القبلة أول مها نسهخ مهن القرآن ،وأنهها نسهخت
مرتين ،على أحد القولين المذكورين في المسألة قبل.
ودلت أيضها على جواز نسهخ السهنة بالقرآن ،وذلك أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم صهلى نحهو
بيهت المقدس ،وليهس فهي ذلك قرآن ،فلم يكن الحكهم إل مهن جهة السهنة ثم نسخ ذلك بالقرآن ،وعلى
هذا يكون" :كنت عليها" بمعنى أنت عليها.
@ وفيها دليل على جواز القطع بخبر الواحد ،وذلك أن استقبال بيت المقدس كان مقطوعا به من
الشريعهة عندههم ،ثهم أن أههل قباء لمها أتاههم التهي وأخهبرهم أن القبلة قهد حولت إلى المسهجد الحرام
قبلوا قوله واستداروا نحو الكعبة ،فتركوا المتواتر بخبر الواحد وهو مظنون.
وقههد اختلف العلماء فههي جوازه عقل ووقوعههه ،فقال أبههو حاتههم :والمختار جواز ذلك عقل لو
تعبدالشرع به ،ووقوعا في زمن رسول ال صلى ال عليه وسلم بدليل قصة قباء ،وبدليل أنه كان
عليههه السههلم ينفههذ آحاد الولة إلى الطراف وكانوا يبلغون الناسههخ والمنسههوخ جميعهها .ولكههن ذلك
ممنوع بعهد وفاتهه صهلى ال عليهه وسهلم ،بدليهل الجماع مهن الصهحابة على أن القرآن والمتواتهر
المعلوم ل يرفهع بخهبر الواحهد ،فل ذاههب إلى تجويزه من السهلف والخلف .احتج من منهع ذلك بأنه
يفضي إلى المحال وهو رفع المقطوع بالمظنون .وأما قصة أهل قباء وولة النبي صلى ال عليه
وسههلم فمحمول على قرائن إفادة العلم إمهها نقل وتحقيقهها ،وإمهها احتمال وتقديرا .وتتميههم هذا سههؤال
وجوابا في أصول الفقه.
@ وفيهها دليهل على أن مهن لم يبلغهه الناسهخ إنهه متعبهد بالحكهم الول ،خلفها لمهن قال :إن الحكهم
الول يرتفهع بوجود الناسهخ ل بالعلم بهه ،والول أصهح ،لن أههل قباء لم يزالوا يصهلون إلى بيهت
المقدس إلى أن أتاهم التي فأخبرهم بالناسخ فمالوا نحو الكعبة .فالناسخ إذا حصل في الوجود فهو
رافهع ل محالة لكهن بشرط العلم بهه ،لن الناسهخ خطاب ،ول يكون خطابها فهي حهق مهن لم يبلغهه.
وفائدة هذا الخلف فهي عبادات فعلت بعهد النسهخ وقبهل البلغ ههل تعاد أم ل ،وعليهه تنبنهي مسهألة
الوكيههل فههي تصههرفه بعههد عزل موكله أو موتههه وقبههل علمههه بذلك على قوليههن .وكذلك المقارض،
والحاكهم إذا مات مهن وله أو عزل .والصهحيح أن مها فعله كهل واحهد مهن هؤلء ينفهذ فعله ول يرد
حكمه .قال القاضي عياض :ولم يختلف المذهب في أحكام من أعتق ولم يعلم بعتقه أنها أحكام حر
فيمها بينهه وبيهن الناس ،وأمها بينهه وبيهن ال تعالى فجائزة .ولم يختلفوا فهي المعتقهة أنهها ل تعيهد مها
صلت بعد عتقها وقبل علمها بغير ستر ،وإنما اختلفوا فيمن يطرأ عليه موجب بغير حكم عبادته
وهو فيها ،قياسا على مسألة قباء ،فمن صلى على حال ثم تغيرت به حاله تلك قبل أن يتم صلته
إنهه يتمهها ول يقطعهها ويجزيهه مها مضهى .وكذلك كمهن صهلى عريانها ثهم وجهد ثوبها فهي الصهلة ،أو
ابتدأ صهلته صهحيحا فمرض ،أو مريضها فصهح ،أو قاعدا ثهم قدر على القيام ،أو أمهة عتقهت وههي
في الصلة إنها تأخذ قناعها وتبني.
قلت :وكمن دخهل فهي الصلة بالتيمم فطرأ عليه الماء إنه ل يقطهع ،كما يقوله مالك والشافعهي -
رحمهما ال -وغيرهما .وقيل :يقطع ،وهو قول أبي حنيفة رحمه ال تعالى وسيأتي.
@ وفيها دليل على قبول خبر الواحد ،وهو مجمع عليه من السلف معلوم بالتواتر من عادة النبي
صهلى ال عليهه وسهلم فهي توجيههه ولتهه ورسهله آحادا للفاق ،ليعلموا الناس دينههم فيبلغوههم سهنة
رسولهم صلى ال عليه وسلم من الوامر والنواهي.
@ وفيها دليل على أن القرآن كان ينزل على رسول ال صلى ال عليه وسلم شيئا بعد شيء وفي
حال بعهد حال ،على حسهب الحاجهة إليهه ،حتهى أكمهل ال دينهه ،كمها قال" :اليوم أكملت لكهم دينكهم"
[المائدة.]3:
@قوله تعالى" :قهل ل المشرق والمغرب" أقامهه حجهة ،أي له ملك المشارق والمغارب ومها
بينهما ،فله أن يأمر بالتوجه إلى أي جهة شاء ،وقد تقدم.
@قوله تعالى" :يهدي مهن يشاء" إشارة إلى هدايهة ال تعالى هذه المهة إلى قبلة إبراهيهم ،وال
تعالى اعلم .والصراط .الطريق .والمستقيم :الذي ل اعوجاج فيه ،وقد تقدم.
**3الية { 143 :وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم
شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إل لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت
لكبيرة إل على الذين هدى ال وما كان ال ليضيع إيمانكم إن ال بالناس لرؤوف رحيم}
@قوله تعالى" :وكذلك جعلناكم أمة وسطا" المعنى :وكما أن الكعبة وسط الرض كذلك جعلناكم
أمهة وسهطا ،أي جعلناكهم دون النهبياء وفوق المهم .والوسهط :العدل ،وأصهل هذا أن أحمهد الشياء
أوسهطها .وروى الترمذي عهن أبهي سهعيد الخدري عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي قوله تعالى:
"وكذلك جعلناكهم أمهة وسهطا" قال( :عدل) .قال :هذا حديهث حسهن صهحيح .وفهي التنزيهل" :قال
أوسطهم" [القلم ]28 :أي أعدلهم وخيرهم .وقال زهير:
إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم هم وسط يرضى النام بحكمهم
آخر:
بصغير المر أو إحدى الكبر أنتم أوسط حي علموا
وقال آخر:
ل تسألن إن سألت شططا ل تذهبن في المور فرطا
وكن من الناس جميعا وسطا
ووسهط الوادي :خيهر موضهع فيهه وأكثره كل وماء .ولمها كان الوسهط مجانبها للغلو والتقصهير كان
محمودا ،أي هذه المة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم ،ول قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم.
وفهي الحديهث( :خيهر المور أوسهطها) .وفيهه عهن علي رضهي ال عنهه" :عليكهم بالنمهط الوسهط،
فإليه ينزل العالي ،وإليه يرتفع النازل" .وفلن من أوسط قومه ،وإنه لواسطة قومه ،ووسط قومه،
أي من خيارهم وأهل الحسب منهم .وقد وسط وساطة وسطة ،وليس من الوسط الذي بين شيئين
فههي شيههء .والوسههط (بسههكون السههين) الظرف ،تقول :صههليت وسههط القوم .وجلسههت وسههط الدار
(بالتحريك) لنه اسم .قال الجوهري :وكل موضع صلح فيه "بين" فهو وسط ،وإن لم يصلح فيه
"بين" فهو وسط بالتحريك ،وربما يسكن وليس بالوجه.
@قوله تعالى" :لتكونوا" نصب بلم كي ،أي لن تكونوا" .شهداء" خبر كان" .على الناس" أي
فهي المحشهر للنهبياء على أممههم ،كمها ثبهت فهي صهحيح البخاري عهن أبهي سهعيد الخدري قال قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :يدعى نوح عليه السلم يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب
فيقول ههل بلغهت فيقول نعهم فيقال لمتهه ههل بلغكهم فيقولون مها أتانها مهن نذيهر فيقول مهن يشههد لك
فيقول محمهد وأمتهه فيشهدون أنهه قهد بلغ ويكون الرسهول عليكهم شهيدا فذلك قوله عهز وجهل وكذلك
جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا .)...وذكر هذا الحديث
مطول ابن المبارك بمعناه ،وفيه( :فتقول تلك المم كيف يشهد علينا من لم يدركنا فيقول لهم الرب
سهبحانه كيهف تشهدون على مهن لم تدركوا فيقولون ربنها بعثهت إلينها رسهول وأنزلت إلينها عهدك
وكتابهك وقصهصت علينها أنههم قهد بلغوا فشهدنها بمها عهدت إلينها فيقول الرب صهدقوا فذلك قوله عهز
وجههل وكذلك جعلناكههم أمههة وسههطا -والوسههط العدل -لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسههول
عليكهم شهيدا) .قال ابهن أنعهم :فبلغنهي أنهه يشههد يومئذ أمهة محمهد عليهه السهلم ،إل مهن كان فهي قلبهه
حنهة على أخيهه .وقالت طائفهة :معنهى اليهة يشههد بعضكهم على بعهض بعهد الموت ،كمها ثبهت فهي
صهحيح مسهلم عهن أنهس عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أنهه قال حيهن مرت بهه جنازة فأثنهي عليهها
خيهر فقال( :وجبهت وجبهت وجبهت) .ثهم مهر عليهه بأخرى فأثنهي عليهها شهر فقال( :وجبهت وجبهت
وجبههت) .فقال عمههر :فدى لك أبههي وأمههي ،مههر بجنازة فأثنههي عليههها خيههر فقلت( :وجبههت وجبههت
وجبهت) ومهر بجنازة فأثنهي عليهها شهر فقلت( :وجبهت وجبهت وجبهت)؟ فقال رسهول ال صهلى ال
عليه وسلم( :من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء
ال فهي الرض أنتهم شهداء ال فهي الرض أنتهم شهداء ال فهي الرض) .أخرجهه البخاري بمعناه.
وفهي بعهض طرقهه فهي غيهر الصهحيحين وتل" :لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسهول عليكهم
شهيدا" .وروى أبان وليهث عهن شههر بهن حوشهب عهن عبادة بهن الصهامت قال سهمعت رسهول ال
صهلى ال عليهه وسهلم يقول( :أعطيهت أمتهي ثلثها لم تعهط إل النهبياء كان ال إذا بعهث نبيها قال له
ادعنهي اسهتجب لك وقال لهذه المهة ادعونهي اسهتجب لكهم وكان ال إذا بعهث النهبي قال له مها جعهل
عليهك فهي الديهن مهن حرج وقال لهذه المهة ومها جعهل عليكهم فهي الديهن مهن حرج وكان ال إذا بعهث
النهبي جعله شهيدا على قومهه وجعهل هذه المهة شهداء على الناس) .خرجهه الترمذي الحكيهم أبهو
عبدال في "نوادر الصول".
@قال علماؤنها :أنبأنها ربنها تبارك وتعالى فهي كتابهه بمها أنعهم علينها مهن تفضيله لنها باسهم العدالة
وتوليهة خطيهر الشهادة على جميهع خلقهه ،فجعلنها أول مكانها وإن كنها آخرا زمانها ،كمها قال عليهه
السلم( :نحن الخرون الولون) .وهذا دليل على أنه ل يشهد إل العدول ،ول ينفذ قول الغير على
الغير إل أن يكون عدل .وسيأتي بيان العدالة وحكمها في آخر السورة إن شاء ال تعالى.
@وفيهه دليهل على صهحة الجماع ووجوب الحكهم بهه ،لنههم إذا كانوا عدول شهدوا على الناس.
فكهل عصهر شهيهد على مهن بعده ،فقول الصهحابة حجهة وشاههد على التابعيهن ،وقول التابعيهن على
من بعدهم .وإذ جعلت المة شهداء فقد وجب قبول قولهم .ول معنى لقول من قال :أريد به جميع
المة ،لنه حينئذ ل يثبت مجمع عليه إلى قيام الساعة .وبيان هذا في كتب أصول الفقه.
@قوله تعالى" :ويكون الرسهول عليكهم شهيدا" قيهل :معناه بأعمالكهم يوم القيامهة .وقيهل" :عليكهم"
بمعنى لكم ،أي يشهد لكم باليمان .وقيل :أي يشهد عليكم بالتبليغ لكم.
@قوله تعالى" :ومها جعلنها القبلة التهي كنهت عليهها" قيهل :المراد بالقبلة هنها القبلة الولى ،لقوله
"كنت عليها" .وقيل :الثانية ،فتكون الكاف زائدة ،أي أنت الن عليها ،كما تقدم ،وكما قال" :كنتم
خير أمة أخرجت للناس" [آل عمران ]110 :أي أنتم ،في قول بعضهم ،وسيأتي.
@قوله تعالى" :إل لنعلم من يتبع الرسول" قال علي بن أبي طالب رضي ال تعالى عنه :معنى
"لنعلم" لنرى .والعرب تضع العلم مكان الرؤية ،والرؤية مكان العلم ،كقوله تعالى" :ألم تر كيف
فعل ربك" [الفيل ]1 :بمعنى ألم تعلم .وقيل :المعنى إل لتعلموا أننا نعلم ،فإن المنافقين كانوا في
شهك مهن علم ال تعالى بالشياء قبهل كونهها .وقيهل :المعنهى لنميهز أههل اليقيهن مهن أههل الشهك ،حكاه
ابهن فورك ،وذكره الطهبري عهن ابهن عباس .وقيهل :المعنهى إل ليعلم النهبي واتباعهه ،وأخهبر تعالى
بذلك عهن نفسهه ،كمها يقال :فعهل الميهر كذا ،وإنمها فعله اتباعهه ،ذكره المهدوي وههو جيهد .وقيهل:
معناه ليعلم محمد ،فأضاف علمه إلى نفسه تعالى تخصيصا وتفضيل ،كما كنى عن نفسه سبحانه
فهي قوله( :يها ابهن آدم مرضهت فلم تعدنهي) الحديهث .والول أظههر ،وأن معناه علم المعاينهة الذي
يوجهب الجزاء ،وههو سهبحانه عالم الغيهب والشهادة ،علم مها يكون قبهل أن يكون ،تختلف الحوال
على المعلومات وعلمهه ل يختلف بهل يتعلق بالكهل تعلقها واحدا .وهكذا كهل مها ورد فهي الكتاب مهن
هذا المعنههى مههن قوله تعالى" :وليعلم ال الذيههن آمنوا ويتخههذ منكههم شهداء" [آل عمران،]140 :
"ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين" [محمد ]31 :وما أشبه .والية جواب لقريش
فهي قولههم" :مها ولههم عهن قبلتههم التهي كانوا عليهها" [البقرة ]142 :وكانهت قريهش تألف الكعبهة،
فأراد ال عز وجل أن يمتحنهم بغير ما ألفوه ليظهر من يتبع الرسول ممن ل يتبعه .وقرأ الزهري
"إل ليعلم" "فمهن" فهي موضهع رفهع على هذه القراءة ،لنهها اسهم مها لم يسهم فاعله .وعلى قراءة
الجماعهة فهي موضهع نصهب على المفعول" .يتبهع الرسهول" يعنهي فيمها أمهر بهه مهن اسهتقبال الكعبهة.
"ممن ينقلب على عقبيه" يعني ممن يرتد عن دينه ،لن القبلة لما حولت ارتد من المسلمين قوم
ونافهق قوم ،ولهذا قال" :وإن كانهت لكهبيرة" أي تحويلهها ،قال ابهن عباس ومجاههد وقتادة .والتقديهر
في العربية :وإن كانت التحويلة.
@قوله تعالى" :وإن كانت لكبيرة" ذهب الفراء إلى أن "إن" واللم بمعنى ما وإل ،والبصريون
يقولون :ههي إن الثقيلة خففهت .وقال الخفهش :أي وإن كانهت القبلة أو التحويلة أو التوليهة لكهبيرة.
"إل على الذيهن هدى ال" أي خالق الهدى الذي ههو اليمان فهي قلوبههم ،كمها قال تعالى" :أولئك
كتب في قلوبهم اليمان" [المجادلة.]22 :
@قوله تعالى" :وما كان ال ليضيع إيمانكم" اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن مات وهو يصلي
إلى بيههت المقدس ،كمهها ثبههت فههي البخاري مههن حديههث البراء بههن عازب ،على مهها تقدم .وخرج
الترمذي عن ابهن عباس قال :لما وجه النهبي صلى ال عليه وسلم إلى الكعبة قالوا :يا رسول ال،
كيهف بإخواننها الذيهن ماتوا وههم يصهلون إلى بيهت المقدس؟ فأنزل ال تعالى" :ومها كان ال ليضيهع
إيمانكهم" اليهة ،قال :هذا حديهث حسهن صههحيح .فسهمى الصههلة إيمانهها لشتمالهها على نيهة وقول
وعمل .وقال مالك :إني لذكر بهذه الية قول المرجئة :إن الصلة ليست من اليمان .وقال محمد
بههن إسهحاق" :ومها كان ال ليضيههع إيمانكههم" أي بالتوجهه إلى القبلة وتصههديقكم لنههبيكم ،وعلى هذا
معظهم المسهلمين والصهوليين .وروى ابهن وههب وابهن القاسهم وابهن عبدالحكهم وأشههب عهن مالك
"وما كان ال ليضيع إيمانكم" قال :صلتكم.
@قوله تعالى" :إن ال بالناس لرؤوف رحيم" الرأفة أشد من الرحمة .وقال أبو عمرو بن العلء:
الرأفههة أكثههر مههن الرحمههة ،والمعنههى متقارب .وقههد أتينهها على لغتههه وأشعاره ومعانيههه فههي الكتاب
"السهنى فهي شرح أسهماء ال الحسهنى" فلينظهر هناك .وقرأ الكوفيون وأبهو عمرو "لرؤف" على
وزن فعل ،وهي لغة بني أسد ،ومنه قول الوليد بن عقبة:
يقاتل عمه الرؤف الرحيم وشر الطالبين فل تكنه
وحكهى الكسهائي أن لغهة بنهي أسهد "لرأف" ،على فعهل .وقرأ أبهو جعفهر بهن القعقاع "لروف" مثقل
بغير همز ،وكذلك سهل كل همزة في كتاب ال تعالى ،ساكنة كانت أو متحركة.
**3اليهة { 144 :قهد نرى تقلب وجههك فهي السهماء فلنولينهك قبلة ترضاهها فول وجههك شطهر
المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من
ربهم وما ال بغافل عما يعملون}
@قال العلماء :هذه الية مقدمة في النزول على قوله تعالى" :سيقول السفهاء من الناس "[البقرة:
.]142ومعنى "تقلب وجهك" :تحول وجهك إلى السماء ،قاله الطبري .الزجاج :تقلب عينيك في
النظر إلى السماء ،والمعنى متقارب .وخص السماء بالذكر إذ هي مختصة بتعظيم ما أضيف إليها
ويعود منها كالمطر والرحمة والوحي .ومعنى "ترضاها" تحبها .قال السدي :كان إذا صلى نحو
بيت المقدس رفع رأسه إلى السماء ينظر ما يؤمر به ،وكان يحب أن يصلي إلى قبل الكعبة فأنزل
ال تعالى" :قهد نرى تقلب وجههك فهي السهماء" .وروى أبهو إسهحاق عهن البراء قال :كان رسهول ال
صهلى ال عليهه وسهلم صهلى نحهو بيهت المقدس سهتة عشهر شهرا أو سهبعة عشهر شهرا ،وقهد كان
رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم يحههب أن يوجههه نحههو الكعبههة ،فأنزل ال تعالى" :قههد نرى تقلب
وجهك في السماء" .وقد تقدم هذا المعنى والقول فيه ،والحمد ل.
@قوله تعالى" :فول" أمر "وجهك شطر" أي ناحية "المسجد الحرام" يعني الكعبة ،ول خلف
في هذا .قيل :حيال البيت كله ،عن ابن عباس .وقال ابن عمر :حيال الميزاب من الكعبة ،قال ابن
عطية .والميزاب :هو قبلة المدينة وأهل الشام ،وهناك قبلة أهل الندلس.
قلت :قهد روى ابهن جريهج عهن عطاء عهن ابهن عباس رضهي ال عنهمها أن رسهول ال صهلى ال
عليه وسلم قال( :البيت قبلة لهل المسجد والمسجد قبلة لهل الحرم والحرم قبلة لهل الرض في
مشارقها ومغاربها من أمتي).
@قوله تعالى" :شطهر المسهجد الحرام" الشطهر له محامهل :يكون الناحيهة والجههة ،كمها فهي هذه
اليهة ،وههو ظرف مكان ،كمها تقول :تلقاءه وجهتهه .وانتصهب الظرف لنهه فضلة بمنزلة المفعول
[به] ،وأيضا فإن الفعل واقع فيه .وقال داود بن أبي هند :إن في حرف ابن مسعود "فول وجهك
تلقاء المسجد الحرام" .وقال الشاعر:
صدور العيس شطر بني تميم. أقول لم زنباع أقيمي
وقال آخر:
هول له ظلم يغشاكم قطعا وقد أظلكم من شطر ثغركم
وقال آخر:
وما تغني الرسالة شطر عمرو أل من مبلغ عمرا رسول
وشطهر الشيء :نصهفه ،ومنه الحديهث( :الطهور شطهر اليمان) .ويكون من الضداد ،يقال :شطهر
إلى كذا إذا أقبل نحوه ،وشطر عن كذا إذا أبعد منه وأعرض عنه .فأما الشاطر من الرجال فلنه
قد أخذ في نحو غير الستواء ،وهو الذي أعيا أهله خبثا ،وقد شطر وشطر (بالضم) شطارة فيهما
وسئل بعضهم عن الشاطر ،فقال :هو من أخذ في البعد عما نهى ال عنه.
@ل خلف بين العلماء أن الكعبة قبلة في كل أفق ،وأجمعوا على أن من شاهدها وعاينها فرض
عليه استقبالها ،وأنه إن ترك استقبالها وهو معاين لها وعالم بجهتها فل صلة له ،وعليه إعادة كل
مهها صههلى ذكره أبههو عمههر .وأجمعوا على أن كههل مههن غاب عنههها أن يسههتقبل ناحيتههها وشطرههها
وتلقاءهها ،فإن خفيهت عليهه فعليهه أن يسهتدل على ذلك بكهل مها يكنهه مهن النجوم والرياح والجبال
وغيهر ذلك ممها يمكهن أن يسهتدل بهه على ناحيتهها .ومهن جلس فهي المسهجد الحرام فليكهن وجههه إلى
الكعبة وينظر إليها إيمانا واحتسابا ،فإنه يروى أن النظر إلى الكعبة عبادة ،قاله عطاء ومجاهد.
@واختلفوا ههل فرض الغائب اسهتقبال العيهن أو الجههة ،فمنههم مهن قال بالول .قال ابهن العربهي:
وههو ضعيهف ،لنهه تكليهف لمها ل يصهل إليهه .ومنههم مهن قال بالجههة ،وههو الصهحيح لثلثهة أوجهه:
الول :أنهه الممكهن الذي يرتبهط بهه التكليهف .الثانهي :أنهه المأمور بهه فهي القرآن ،لقوله تعالى" :فول
وجهههك شطههر المسههجد الحرام وحيههث مهها كنتههم" يعنههي مههن الرض مههن شرق أو غرب "فولوا
وجوهكم شطره" .الثالث :أن العلماء احتجوا بالصف الطويل الذي يعلم قطعا أنه أضعاف عرض
البيت.
@في هذه الية حجة واضحة لما ذهب إليه مالك ومن وافقه في أن المصلي حكمه أن ينظر أمامه
ل إلى موضهع سهجوده .وقال الثوري وأبهو حنيفهة والشافعهي والحسهن بهن حهي .يسهتحب أن يكون
نظره إلى موضع سجوده .وقال شريك القاضي :ينظر في القيام إلى موضع السجود ،وفي الركوع
إلى موضهع قدميهه ،وفهي السهجود إلى موضهع أنفهه ،وفهي القعود إلى حجره .قال ابهن العربهي :إنمها
ينظهر أمامهه إن حنهى رأسهه ذههب بعهض القيام المفترض عليهه فهي الرأس وههو أشرف العضاء،
وإن أقام رأسهه وتكلف النظهر ببصهره إلى الرض فتلك مشقهة عظيمهة وحرج .ومها جعهل علينها فهي
الدين من حرج ،أما إن ذلك أفضل لمن قدر عليه.
@قوله تعالى" :وإن الذين أوتوا الكتاب" يريد اليهود والنصارى "ليعلمون أنه الحق من ربهم"
يعنهي تحويهل القبلة مهن بيهت المقدس .فإن قيهل :كيهف يعلمون ذلك وليهس مهن دينههم ول فهي كتابههم؟
قيل عنه جوابان :أحدهما :أنهم لما علموا من كتابهم أن محمدا صلى ال عليه وسلم نبي علموا أنه
ل يقول إل الحهق ول يأمهر إل بهه .الثانهي :أنههم علموا مهن دينههم جواز النسهخ وإن جحده بعضههم،
فصاروا عالمين بجواز القبلة.
@قوله تعالى" :ومها ال بغافهل عمها يعملون" تقدم معناه .وقرأ ابهن عامهر وحمزة والكسهائي
"تعملون" بالتاء على مخاطبة أهل الكتاب أو أمة محمد صلى ال عليه وسلم .وعلى الوجهين فهو
إعلم بأن ال تعالى ل يهمل أعمال العباد ول يغفل عنها ،وضمنه الوعيد .وقرأ الباقون بالياء من
تحت.
**3اليهة { 145 :ولئن أتيت الذيهن أوتوا الكتاب بكهل آية مها تبعوا قبلتهك ومها أنت بتابع قبلتههم
ومهها بعضهههم بتابههع قبلة بعههض ولئن اتبعههت أهواءهههم مههن بعههد مهها جاءك مههن العلم إنههك إذا لمههن
الظالمين}
@قوله تعالى" :ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك" لنهم كفروا وقد تبين لهم
الحهق ،وليهس تنفعههم اليات ،أي العلمات .وجمهع قبلة فهي التكسهير :قبهل .وفهي التسهليم :قبلت.
ويجوز أن تبدل مههن الكسههرة فتحههة ،فتقول قبلت .ويجوز أن تحذف الكسههرة وتسههكن الباء فتقول
قبلت .وأجيبت "لئن" بجواب "لو" وهي ضدها في أن "لو" تطلب في جوابها المضي والوقوع،
و"لئن" تطلب السههتقبال ،فقال الفراء والخفههش :أجيبههت بجواب "لو" لن المعنههى :ولو أتيههت.
وكذلك تجاب "لو" بجواب "لئن" ،تقول :لو أحسنت أحسن إليك ،ومثله قوله تعالى" :ولئن أرسلنا
ريحا فرأوه مصفرا لظلوا" [الروم ]51 :أي ولو أرسلنا ريحا .وخالفهما سيبويه فقال :إن معنى
"لئن" مخالف لمعنهى "لو" فل يدخهل واحهد منهمها على الخهر ،فالمعنهى :ولئن أتيهت الذيهن أوتوا
الكتاب بكهل آيهة ل يتبعون قبلتهك .قال سهيبويه :ومعنهى "ولئن أرسهلنا ريحها فرأوه مصهفرا لظلوا"
ليظلن.
@قوله تعالى" :وما أنت بتابع قبلتهم" لفظ خبر ويتضمن المر ،أي فل تركن إلى شيء من ذلك
ثهم أخهبر تعالى أن اليهود ليسهت متبعهة قبلة النصهارى ول النصهارى متبعهة قبلة اليهود ،عن السهدي
وابهن زيهد .فهذا إعلم باختلفههم وتدابرههم وضللههم .وقال قوم :المعنهى ومها مهن اتبعهك ممهن أسهلم
منهم بمتبع قبلة من لم يسلم ،ول من لم يسلم قبلة من أسلم .والول أظهر ،وال تعالى اعلم.
@قوله تعالى" :ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين" الخطاب
للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم ،والمراد أمتهه ممهن يجوز أن يتبهع هواه فيصهير باتباعهه ظالمها ،وليهس
يجوز أن يفعل النبي صلى ال عليه وسلم ما يكون به ظالما ،فهو محمول على إرادة أمته لعصمة
النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وقطعنها أن ذلك ل يكون منهه ،وخوطهب النهبي صهلى ال عليهه وسهلم
تعظيمهها للمههر ولنههه المنزل عليههه .والهواء :جمههع هوى ،وقههد تقدم ،وكذا "مههن العلم" [البقرة:
]120تقدم أيضا ،فل معنى للعادة.
**3الية { 146 :الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منههم ليكتمون
الحق وهم يعلمون}
@قوله تعالى" :الذيهن آتيناههم الكتاب يعرفونهه كمها يعرفون أبناءههم" "الذيهن" فهي موضهع رفهع
بالبتداء والخههبر "يعرفونههه" .ويصههح أن يكون فههي موضههع خفههض على الصههفة "للظالميههن"،
و"يعرفون" فههي موضههع الحال ،أي يعرفون نبوتههه وصههدق رسههالته ،والضميههر عائد على محمههد
صههلى ال عليههه وسههلم ،قاله مجاهههد وقتادة وغيرهمهها .وقيههل" :يعرفون" تحويههل القبلة عههن بيههت
المقدس إلى الكعبهة أنهه حهق ،قال ابهن عباس وابهن جريهج والربيهع وقتادة أيضها .وخهص البناء فهي
المعرفة بالذكر دون النفس وإن كانت ألصق لن النسان يمر عليه من زمنه برهة ل يعرف فيها
نفسه ،ول يمر عليه وقت ل يعرف فيه ابنه .وروي أن عمر قال لعبدال بن سلم :أتعرف محمدا
صهلى ال عليهه وسهلم كمها تعرف ابنهك؟ فقال :نعهم وأكثهر ،بعهث ال أمينهه فهي سهمائه إلى أمينهه فهي
أرضه بنعته فعرفته ،وابني ل أدري ما كان من أمه.
@قوله تعالى" :وإن فريقها منههم ليكتمون الحهق" يعنهي محمدا صهلى ال عليهه وسهلم ،قاله مجاههد
وقتادة وخصيف .وقيل :استقبال الكعبة ،على ما ذكرنا آنفا.
"وهم يعلمون" ظاهر في صحة الكفر عنادا ،ومثله" :وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم" [النمل:
]14وقوله "فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به"[البقرة.]89:
**3الية { 147 :الحق من ربك فل تكونن من الممترين}
@قوله تعالى" :الحق من ربك" يعني استقبال الكعبة ،ل ما أخبرك به اليهود من قبلتهم .وروي
عهن علي رضهي ال عنهه أنهه قرأ "الحهق" منصهوبا بهه "يعلمون" أي يعلمون الحهق .ويصهح نصهبه
على تقديههر الزم الحههق .والرفههع على البتداء أو على إضمار مبتدأ والتقديههر هههو الحههق ،أو على
إضمار فعههل ،أي جاءك الحههق .قال النحاس :فأمهها الذي فههي "النههبياء" "الحههق فهههم معرضون"
[النبياء ]24 :فل نعلم أحدا قرأه إل منصوبا ،والفرق بينهما أن الذي في سورة "البقرة" مبتدأ
آية ،والذي في النبياء ليس كذلك.
@قوله تعالى" :فل تكونن من الممترين" أي من الشاكين .والخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم
والمراد أمتهه .يقال :امترى فلن [فهي] كذا إذا اعترضهه اليقيهن مرة والشهك أخرى فدافهع إحداهمها
بالخرى ،ومنه المراء لن كل واحد منهما يشك في قول صاحبه .والمتراء في الشيء الشك فيه،
وكذا التماري .وأنشد الطبري شاهدا على أن الممترين الشاكون قول العشى:
هن ركضا إذا ما السراب أرجحن تدر على أسؤق الممتريه
قال ابهن عطيهة :ووههم فهي هذا ،لن أبها عهبيدة وغيره قال :الممترون فهي البيهت ههم الذيهن يمرون
الخيهل بأرجلههم همزا لتجري كأنههم يحتلبون الجري منهها ،وليهس فهي البيهت معنهى الشهك كمها قال
الطبري.
قلت :معنهى الشهك فيهه موجود ،لنهه يحتمهل أن يختهبر الفرس صهاحبه ههل ههو على مها عههد مهن
الجري أم ل ،لئل يكون أصابه شيء ،أو يكون هذا عند أول شرائه فيجريه ليعلم مقدار جربه .قال
الجوهري :ومريههت الفرس إذا اسههتخرجت مهها عنده مههن الجري بسههوط أو غيره .والسههم المريههة
(بالكسهر) وقهد تضهم .ومريهت الناقهة مريها :إذا مسهحت ضرعهها لتدر .وأمرت ههي إذا در لبنهها،
والسم المرية (بالكسر) ،والضم غلط .والمرية :الشك ،وقد تضم ،وقرئ بهما.
**3الية { 148 :ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم ال جميعا إن
ال على كل شيء قدير}
@قوله تعالى" :ولكل وجهة" الوجهة وزنها فعلة من المواجهة .والوجهة والجهة والوجه بمعنى
واحهد ،والمراد القبلة ،أي إنههم ل يتبعون قبلتهك وأنهت ل تتبهع قبلتههم ،ولكهل وجههة إمها بحهق وإمها
بهوى.
@قوله تعالى" :ههو موليهها" "ههو" عائد على لفهظ كهل ل على معناه ،لنهه لو كان على المعنهى
لقال :ههم مولوهها وجوهههم ،فالهاء واللف مفعول أول والمفعول الثانهي محذوف ،أي ههو موليهها
وجههه ونفسهه .والمعنهى :ولكهل صهاحب ملة قبلة ،صهاحب القبلة موليهها وجههه ،على لفهظ كهل وههو
قول الربيهع وعطاء وابهن عباس .وقال علي بهن سهليمان" :موليهها" أي متوليهها .وقرأ ابهن عباس
وابن عامر "مولها" على ما لم يسم فاعله .والضمير على هذه القراءة لواحد ،أي ولكل واحد من
الناس قبلة ،الواحهههد مولهههها أي مصهههروف إليهههها ،قاله الزجاج .ويحتمهههل أن يكون على قراءة
الجماعة "هو" ضمير اسم ال عز وجل وإن لم يجر له ذكر ،إذ معلوم أن ال عز وجل فاعل ذلك
والمعنهى :لكهل صهاحب ملة قبلة ال موليهها إياه .وحكهى الطهبري :أن قومها قرؤوا "ولكهل وجههة"
بإضافة كل إلى وجهة .قال ابن عطية :وخطأها الطبري ،وهي متجهة ،أي فاستبقوا الخيرات لكل
وجهة ولكموها ،ول تعترضوا فيما أمركم بين هذه وهذه ،أي إنما عليكم الطاعة في الجميع .وقدم
قول "ولكل وجهة" على المر في قوله" :فاستبقوا الخيرات" للهتمام بالوجهة كما يقدم المفعول،
وذكهر أبهو عمرو الدانهي هذه القراءة عهن ابهن عباس رضهي ال عنهمها .وسهلمت الواو فهي "وجههة"
للفرق بيهن عدة وزنهة ،لن جههة ظرف ،وتلك مصهادر .وقال أبهو علي :ذههب قوم إلى أنهه مصهدر
شهذ عهن القياس فسهلم .وذههب قوم إلى أنهه اسهم وليهس بمصهدر .وقال غيهر أبهي علي :وإذا أردت
المصدر قلت جهة ،وقد يقال الجهة في الظرف.
@قوله تعالى" :فاسهتبقوا الخيرات" أي إلى الخيرات ،فحذف الحرف ،أي بادروا مها أمركهم ال
عز وجل من استقبال البيت الحرام ،وإن كان يتضمن الحث على المبادرة والستعجال إلى جميع
الطاعات بالعموم ،فالمراد مها ذكهر مهن السهتقبال لسهياق الي .والمعنهى المراد المبادرة بالصهلة
أول وقتها ،وال تعالى اعلم .روى النسائي عن أبي هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال
عليهه وسهلم قال( :إنمها مثهل المهجهر إلى الصهلة كمثهل الذي يهدي البدنهة ثهم الذي على أثره كالذي
يهدي البقرة ثههم الذي على أثره كالذي يهدي الكبههش ثههم الذي على أثره كالذي يهدي الدجاجههة ثههم
الذي على أثره كالذي يهدي البيضهة) .وروى الدارقطنهي عهن أبهي هريرة رضهي ال عنهه قال قال
رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :إن أحدكهم ليصهلي الصهلة لوقتهها وقهد ترك مهن الوقهت الول مها
هو خير له من أهله وماله) .وأخرجه مالك عن يحيى بن سعيد قوله .وروى الدارقطني أيضا عن
ابهن عمهر قال قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :خيهر العمال الصهلة فهي أول وقتهها) .وفهي
حديهث ابهن مسهعود "أول وقتهها" بإسهقاط "فهي" .وروي أيضها عهن إبراهيهم بهن عبدالملك عهن أبهي
محذورة عههن أبيههه عههن جده قال قال رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم( :أول الوقههت رضوان ال
ووسط الوقت رحمة ال وآخر الوقت عفو ال) .زاد ابن العربي :فقال أبو بكر :رضوان ال أحب
إلينها مهن عفوه ،فإن رضوانهه عهن المحسهنين وعفوه عهن المقصهرين ،وهذا اختيار الشافعهي .وقال
أبو حنيفة :آخر الوقت أفضل ،لنه وقت الوجوب .وأما مالك ففصل القول ،فأما الصبح والمغرب
فأول الوقهت فيهمها أفضهل ،أمها الصهبح فلحديهث عائشهة رضهي ال عنهها قالت( :إن كان رسهول ال
صلى ال عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس) -
في رواية ( -متلففات) .وأما المغرب فلحديث سلمة بن الكوع أن رسول ال صلى ال عليه وسلم
كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب ،أخرجهما مسلم .وأما العشاء فتأخيرها
أفضل لمن قدر عليه .روى ابن عمر قال :مكثنا [ذات] ليلة ننتظر رسول ال صلى ال عليه وسلم
لصلة العشاء الخرة ،فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده ،فل ندري أشيء شغله في أهله أو
غير ذلك ،فقال حين خرج( :إنكم لتنتظرون صلة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولول أن يثقل على
أمتي لصليت بهم هذه الساعة) .وفي البخاري عن أنس قال :أخر النبي صلى ال عليه وسلم صلة
العشاء إلى نصهف الليهل ثهم صهلى ،...وذكهر الحديهث .وقال أبهو برزة :كان النهبي صهلى ال عليهه
وسهلم يسهتحب تأخيرهها .وأمها الظههر فإنهها تأتهي الناس [على] غفلة فيسهتحب تأخيرهها قليل حتهى
يتأهبوا ويجتمعوا .قال أبهو الفرج قال مالك :أول الوقهت أفضهل فهي كهل صهلة إل للظههر فهي شدة
الحر .وقال ابن أبي أويس :وكان مالك يكره أن يصلي الظهر عند الزوال ولكن بعد ذلك ،ويقول:
تلك صهلة الخوارج .وفهي صهحيح البخاري وصهحيح الترمذي عهن أبهي ذر الغفاري قال :كنها مهع
النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي سهفر فأراد المؤذن أن يؤذن للظههر ،فقال النهبي صهلى ال عليهه
وسهلم( :أبرد) ثهم أراد أن يؤذن فقال له( :أبرد) حتهى رأينها فيهء التلول ،فقال النهبي صهلى ال عليهه
وسلم( :إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلة) .وفي صحيح مسلم عن أنس
أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم كان يصهلي الظههر إذا زالت الشمهس .والذي يجمهع ببن الحديثيهن مها
رواه أنهس أنهه إذا كان الحهر أبرد بالصهلة ،وإذا كان البرد عجهل .قال أبهو عيسهى الترمذي" :وقهد
اختار قوم [مههن أهههل العلم] تأخيههر صههلة الظهههر فههي شدة الحههر ،وهههو قول ابههن المبارك وأحمههد
وإسهحاق .قال الشافعهي :إنمها البراد بصهلة الظههر إذا كان [مسهجدا] ينتاب أهله مهن البعهد ،فأمها
المصهلي وحده والذي يصهلي فهي مسهجد قومهه فالذي أحهب له أل يؤخهر الصهلة فهي شدة الحهر .قال
أبهو عيسهى :ومعنهى مهن ذههب إلى تأخيهر الظههر فهي شدة الحهر ههو أولى وأشبهه بالتباع ،وأمها مها
ذهب إليه الشافعي رحمه ال أن الرخصة لمن ينتاب من البعد وللمشقة على الناس ،فإن في حديث
أبهي ذر رضهي ال عنهه مها يدل على خلف مها قال الشافعهي .قال أبهو ذر :كنها مهع النهبي صهلى ال
عليه وسلم في سفر فأذن بلل بصلة الظهر ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم[( :يا بلل] أبرد ثم
أبرد) .فلو كان المر على ما ذهب إليه الشافعي لم يكن للبراد في ذلك الوقت معنى ،لجتماعهم
فهي السهفر وكانوا ل يحتاجون أن ينتابوا مهن البعهد" .وأمها العصهر فتقديمهها أفضهل .ول خلف فهي
مذهبنها أن تأخيهر الصهلة رجاء الجماعهة أفضهل مهن تقديمهها ،فإن فضهل الجماعهة معلوم ،وفضهل
أول الوقت مجهول وتحصيل المعلوم أولى قاله ابن العربي.
@قوله تعالى" :أين ما تكونوا" شرط ،وجوابه" :يأت بكم ال جميعا" يعني يوم القيامة" .إن ال
على كل شيء قدير" ثم وصف نفسه تعالى بالقدرة على كل شيء لتناسب الصفة مع ما ذكر من
العادة بعد الموت والبلى.
**3اليتان {150 - 149 :ومهن حيهث خرجهت فول وجههك شطهر المسهجد الحرام وإنهه للحهق
من ربك وما ال بغافل عما تعملون ،ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث
مهها كنتههم فولوا وجوهكههم شطره لئل يكون للناس عليكههم حجهة إل الذيههن ظلموا منههم فل تخشوههم
واخشوني ولتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون}
@قوله تعالى" :ومهن حيهث خرجهت فول وجههك شطهر المسهجد الحرام" قيهل :هذا تأكيهد للمهر
باسهتقبال الكعبهة واهتمام بهها ،لن موقهع التحويهل كان صهعبا فهي نفوسههم جدا ،فأكهد المهر ليرى
الناس الهتمام به فيخف عليهم وتسكن نفوسهم إليه .وقيل :أراد بالول :ول وجهك شطر الكعبة،
أي عاينها إذا صليت تلقاءها .ثم قال ::وحيث ما كنتم" معاشر المسلمين في سائر المساجد بالمدينة
وغيرههها "فولوا وجوهكههم شطره" ثههم قال "ومههن حيههث خرجههت" يعنههي وجوب السههتقبال فههي
السفار ،فكان هذا أمرا بالتوجه إلى الكعبة في جميع المواضع من نواحي الرض.
قلت :هذا القول أحسهن مهن الول ،لن فيهه حمهل كهل آيهة على فائدة .وقهد روى الدارقطنهي عهن
أنهس بهن مالك قال :كان النهبي صهلى ال عليهه وسهلم إذا كان فهي سهفر فأراد أن يصهلي على راحلتهه
اسهتقبل القبلة وكهبر ثهم صهلى حيهث توجههت بهه .أخرجهه أبهو داود أيضها ،وبهه قال الشافعهي وأحمهد
وأبو ثور .وذهب مالك إلى أنه ل يلزمه الستقبال ،لحديث ابن عمر قال :كان رسول ال صلى ال
عليهه وسهلم يصهلي وههو مقبهل مهن مكهة إلى المدينهة على راحلتهه ..قال :وفيهه نزل "فأينمها تولوا فثهم
وجه ال" [البقرة ]115 :وقد تقدم.
قلت :ول تعارض بين الحديثين ،لن هذا من باب المطلق والمقيد ،فقول الشافعي أولى ،وحديث
أنهس فهي ذلك حديهث صهحيح .ويروى أن جعفهر بهن محمهد سهئل مها معنهى تكريهر القصهص فهي
القرآن؟ فقال :علم ال أن كل الناس ل يحفظ القرآن ،فلو لم تكن القصة مكررة لجاز أن تكون عند
بعض الناس ول تكون عند بعض ،فكررت لتكون عند من حفظ البعض.
@قوله تعالى" :لئل يكون للناس عليكهم حجهة إل الذيهن ظلموا منههم" قال مجاههد :ههم مشركهو
العرب .وحجتهههم قولههم :راجعهت قبلتنهها ،وقههد أجيبوا عهن هذا بقوله" :قهل ل المشرق والمغرب"
[البقرة .]142 :وقيل :معنى "لئل يكون للناس عليكم حجة" لئل يقولوا لكم :قد أمرتم باستقبال
الكعبة ولستم ترونها ،فلما قال عز وجل" :وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره" زال هذا .وقال
أبهو عهبيدة :إن "إل" ههنها بمعنهى الواو ،أي والذيهن ظلموا ،فههو اسهتثناء بمعنهى الواو ،ومنهه قول
الشاعر:
دار الخليفة إل دار مروانا ما بالمدينة دار غير واحدة
كأنهههه قال :إل دار الخليفهههة ودار مروان ،وكذا قيهههل فهههي قوله تعالى" :إل الذيهههن آمنوا وعملوا
الصالحات فلهم أجر غير ممنون" [التين ]6 :أي الذين آمنوا .وأبطل الزجاج هذا القول وقال :هذا
خطههأ عنههد الحذاق مههن النحوييههن ،وفيههه بطلن المعانههي ،وتكون "إل" ومهها بعدههها مسههتغنى عههن
ذكرهما .والقول عندهم أن هذا استثناء ليس من الول ،أي لكن الذين ظلموا منهم فإنهم يحتجون.
قال أبههو إسههحاق الزجاج :أي عرفكههم ال أمههر الحتجاج فههي القبلة فههي قوله" :ولكههل وجهههة هههو
موليهها" "لئل يكون للناس عليكهم حجهة" إل مهن ظلم باحتجاجهه فيمها قهد وضهح له ،كمها تقول :مالك
علي حجة إل الظلم أو إل أن تظلمني ،أي مالك حجة البتة ولكنك تظلمني ،فسمى ظلمه حجة لن
المحتهج بهه سهماه حجهة وإن كانهت داحضهة .وقال قطرب :يجوز أن يكون المعنهى لئل يكون للناس
عليكهم حجهة إل على الذيهن ظلموا ،فالذيهن بدل مهن الكاف والميهم فهي "عليكهم" .وقالت فرقهة" :إل
الذيهن" اسهتثناء متصهل ،روي معناه عهن ابهن عباس وغيره ،واختاره الطهبري وقال :نفهى ال أن
يكون لحد حجة على النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه في استقبالهم الكعبة .والمعنى :ل حجة
لحد عليكم إل الحجة الداحضة .حيث قالوا :ما ولهم ،وتحير محمد في دينه ،وما توجه إلى قبلتنا
إل أنا كنا أهدى منه ،وغير ذلك من القوال التي لم تنبعث إل من عابد وثن أو يهودي أو منافق.
والحجهة بمعنهى المحاجهة التهي ههي المخاصهمة والمجادلة .وسهماها ال حجهة وحكهم بفسهادها حيهث
كانهت مهن ظلمهة .وقال ابهن عطيهة :وقيهل إن السهتثناء منقطهع ،وهذا على أن يكون المراد بالناس
اليهود ،ثهم اسهتثنى كفار العرب ،كأنهه قال :لكهن الذيهن ظلموا يحاجونكهم ،وقوله "منهههم" يرد هذا
التأويهل .والمعنهى لكهن الذيهن ظلموا ،يعنهي كفار قريهش فهي قولههم :رجهع محمهد إلى قبلتنها وسهيرجع
إلى ديننها كله .ويدخهل فهي ذلك كهل مهن تكلم فهي النازلة مهن غيهر اليهود .وقرأ ابهن عباس وزيهد بهن
علي وابهن زيهد "أل الذيهن ظلموا" بفتهح الهمزة وتخفيهف اللم على معنهى اسهتفتاح الكلم ،فيكون
"الذين ظلموا" ابتداء ،أو على معنى الغراء ،فيكون "الذين" منصوبا بفعل مقدر.
@قوله تعالى" :فل تخشوههم" يريهد الناس "واخشونهي" الخشيهة أصهلها طمأنينهة فهي القلب تبعهث
على التوقهي .والخوف :فزع القلب تخهف له العضاء ،ولخفهة العضاء بهه سهمي خوفها .ومعنهى
الية التحقير لكل من سوى ال تعالى ،والمر بإطراح أمرهم ومراعاة أمر ال تعالى.
@قوله تعالى" :ولتهم نعمتهي عليكهم" معطوف على "لئل يكون" أي ولن أتهم ،قاله الخفهش.
وقيهل :مقطوع فهي موضهع رفهع بالبتداء والخهبر مضمهر ،التقديهر :ولتهم نعمتهي عليكهم عرفتكهم
قبلتهي ،قاله الزجاج .وإتمام النعمهة الهدايهة إلى القبلة ،وقيهل :دخول الجنهة .قال سهعيد بهن جهبير :ولم
تتم نعمة ال على عبد حتى يدخله الجنة .و"لعلكم تهتدون" تقدم.
**3اليهة{ 151 :كمها أرسهلنا فيكهم رسهول منكهم يتلو عليكهم آياتنها ويزكيكهم ويعلمكهم الكتاب
والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون}
@قوله تعالى" :كمها أرسهلنا" الكاف فهي موضهع نصهب على النعهت لمصهدر محذوف ،المعنهى:
ولتهم نعمتهي عليكهم إتمامها مثهل مها أرسهلنا ،قاله الفراء .قال ابهن عطيهة :وهذا أحسهن القوال ،أي
ولتم نعمتي عليكم في بيان سنة إبراهيم عليه السلم مثل ما أرسلنا .وقيل :المعنى ولعلكم تهتدون
اهتداء مثل ما أرسلنا .وقيل :هي في موضع نصب على الحال ،والمعنى :ولتم نعمتي عليكم في
هذه الحال .والتشبيه واقع على أن النعمة في القبلة كالنعمة في الرسالة ،وأن الذكر المأمور به في
عظمهه كعظهم النعمهة .وقيهل :معنهى الكلم على التقديهم والتأخيهر ،أي فاذكرونهي كمها أرسهلنا روي
عن علي رضي ال عنه واختاره الزجاج .أي كما أرسلنا فيكم رسول تعرفونه بالصدق فاذكروني
بالتوحيد والتصديق به .والوقف على "تهتدون" على هذا القول جائز.
قلت :وهذا اختيار الترمذي الحكيهم فهي كتابهه ،أي كمها فعلت بكهم هذا مهن المنهن التهي عددتهها
عليكم فاذكروني بالشكر أذكركم بالمزيد ،لن في ذكركم ذلك شكرا لي ،وقد وعدتكم بالمزيد على
الشكر ،وهو قوله" :لئن شكرتم لزيدنكم" [إبراهيم ،]7 :فالكاف في قوله "كما" هنا ،وفي النفال
"كما أخرجك ربك" [النفال ]5 :وفي آخر الحجر "كما أنزلنا على المقتسمين" [الحجهر]90 :
متعلقة بما بعده ،على ما يأتي بيانه.
**3الية{ 152 :فاذكروني أذكركم واشكروا لي ول تكفرون}
@قوله تعالى" :فاذكروني أذكركم" أمر وجوابه ،وفيه معنى المجازاة فلذلك جزم .وأصل الذكر
التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ له .وسمي الذكر باللسان ذكرا لنه دللة على الذكر القلبي ،غير أنه
لما كثر إطلق الذكر على القول اللساني صار هو السابق للفهم.
ومعنهى اليهة :اذكرونهي بالطاعهة أذكركهم بالثواب والمغفرة ،قاله سهعيد بهن جهبير .وقال أيضها:
الذكهر طاعهة ال ،فمهن لم يطعهه لم يذكره وإن أكثهر التسهبيح والتهليهل وقراءة القرآن ،وروي عهن
النهبي صهلى ال عليهه وسهلم( :مهن أطاع ال فقهد ذكهر ال وإن أقهل صهلته وصهومه وصهنيعه للخيهر
ومن عصى ال فقد نسي ال وإن كثر صلته وصومه وصنيعه للخير) ،ذكره أبو عبدال محمد بن
خويهز منداد فهي "أحكام القرآن" له .وقال أبهو عثمان النهدي :إنهي لعلم السهاعة التهي يذكرنها ال
فيهها ،قيهل له :ومهن أيهن تعلمهها؟ قال يقول ال عهز وجهل" :فاذكرونهي أذكركهم" .وقال السهدي :ليهس
من عبد يذكر ال إل ذكره ال عز وجل ،ل يذكره مؤمن إل ذكره ال برحمته ،ول يذكره كافر إل
ذكره ال بعذاب .وسهئل أبهو عثمان فقيهل له :نذكهر ال ول نجهد فهي قلوبنها حلوة؟ فقال :احمدوا ال
تعالى على أن زين جارحة من جواركم بطاعته .وقال ذو النون المصري رحمه ال :من ذكر ال
تعالى ذكرا على الحقيقة نسي في جنب ذكره كل شيء ،وحفظ ال عليه كل شيء ،وكان له عوضا
من كل شيء .وقال معاذ بن جبل رضي ال عنه :ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب ال
من ذكر ال .والحاديث في فضل الذكر وثوابه كثيرة خرجها الئمة .روى ابن ماجة عن عبدال
بن بسر أن أعرابيا قال لرسول ال صلى ال عليه وسلم :إن شرائع السلم قد كثرت علي فأنبئني
منها بشيء أتشبث به ،قال( :ل يزال لسانك رطبا من ذكر ال عز وجل) .وخرج عن أبي هريرة
عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :إن ال عز وجل يقول أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت
بهي شفتاه) .وسهيأتي لهذا الباب مزيهد بيان عنهد قوله تعالى" :يها أيهها الذيهن آمنوا اذكروا ال ذكرا
كثيرا" [الحزاب ]41:وأن المراد ذكر القلب الذي يجب استدامته في عموم الحالت.
@قوله تعالى" :واشكروا لي" قال الفراء يقال :شكرتهك وشكرت لك ،ونصهحتك ونصهحت لك،
والفصيح الول .والشكر معرفة الحسان والتحدث به ،وأصله في اللغة الظهور ،وقد تقدم .فشكر
العبد ل تعالى ثناؤه عليه بذكر إحسانه إليه ،وشكر الحق سبحانه للعبد ثناؤه عليه بطاعته له ،إل
أن شكر العبد نطق باللسان وإقرار بالقلب بإنعام الرب مع الطاعات.
@قوله تعالى" :ول تكفرون" نهي ،ولذلك حذفت منه نون الجماعة ،وهذه نون المتكلم .وحذفت
الياء لنها رأس آية ،وإثباتها أحسن في غير القرآن ،أي ل تكفروا نعمتي وأيادي .فالكفر هنا ستر
النعمة ل التكذيب .وقد مضى القول في الكفر لغة.
**3الية{ 153 :يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلة إن ال مع الصابرين}
@قد تقدم شرح هذه الية.
**3الية{ 154 :ول تقولوا لمن يقتل في سبيل ال أموات بل أحياء ولكن ل تشعرون}
@هذا مثهل قوله تعالى في الية الخرى" :ول تحسهبن الذين قتلوا في سبيل ال أمواتا بل أحياء
عند ربهم يرزقون" [آل عمران ،]169 :وهناك يأتي الكلم في الشهداء وأحكامهم ،إن شاء ال
تعالى.
وإذا كان ال تعالى يحييههههم بعههد الموت ليرزقههههم -على مهها يأتههي -فيجوز أن يحيههي الكفار
ليعذبههم ،ويكون فيهه دليهل على عذاب القهبر .والشهداء أحياء كمها قال ال تعالى ،وليهس معناه أنههم
سيحيون ،إذ لو كان كذلك لم يكن بين الشهداء وبين غيرهم فرق إذ كل أحد سيحيا .ويدل على هذا
قوله تعالى" :ولكهههن ل تشعرون" والمؤمنون يشعرون أنههههم سهههيحيون .وارتفهههع "أموات" على
إضمار مبتدأ ،وكذلك "بل أحياء" أي هم أموات وهم أحياء ،ول يصح إعمال القول فيه لنه ليس
بينه وبينه تناسب ،كما يصح في قولك :قلت كلما وحجة.
**3الية{ 155 :ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الموال والنفس والثمرات
وبشر الصابرين}
@قوله تعالى" :ولنبلونكهم" هذه الواو مفتوحهة عنهد سهيبويه للتقاء السهاكنين .وقال غيره :لمها
ضمهت إلى النون الثقيلة بنهي الفعهل فصهار بمنزلة خمسهة عشهر .والبلء يكون حسهنا ويكون سهيئا.
وأصهله المحنهة ،وقهد تقدم .والمعنهى لنمتحننكهم لنعلم المجاههد والصهابر علم معاينهة حتهى يقهع عليهه
الجزاء ،كمها تقدم .وقيهل :إنمها ابتلوا بهذا ليكون آيهة لمهن بعدههم فيعلموا أنههم إنمها صهبروا على هذا
حين وضح لهم الحق .وقيل :أعلمهم بهذا ليكونوا على يقين منه أنه يصيبهم ،فيوطنوا أنفسهم عليه
فيكونوا أبعد لهم من الجزع ،وفيه تعجيل ثواب ال تعالى على العز وتوطين النفس.
@قوله تعالى" :بشيهء" لفهظ مفرد ومعناه الجمهع .وقرأ الضحاك "بأشياء" على الجمهع .وقرأ
الجمهور بالتوحيهد ،أي بشيهء مهن هذا وشيهء مهن هذا ،فاكتفهى بالول إيجازا "مهن الخوف" أي
خوف العدو والفزع فهههي القتال ،قاله ابهههن عباس .وقال الشافعهههي :ههههو خوف ال عهههز وجهههل.
"والجوع" يعنهي المجاعهة بالجدب والقحهط ،فهي قول ابهن عباس .وقال الشافعهي :ههو الجوع فهي
شههر رمضان" .ونقهص مهن الموال بسهبب الشتغال بقتال الكفار .وقيهل :بالجوائح المتلفهة .وقال
الشافعهههي :بالزكاة المفروضهههة" .والنفهههس" قال ابهههن عباس :بالقتهههل والموت فهههي الجهاد .وقال
الشافعههي :يعنههي بالمراض" .والثمرات" قال الشافعههي :المراد موت الولد ،وولد الرجههل ثمرة
قلبه ،كما جاء في الخبر ،على ما يأتي .وقال ابن عباس :المراد قلة النبات وانقطاع البركات.
@قوله تعالى" :وبشر الصابرين" أي بالثواب على الصبر .والصبر أصله الحبس ،وثوابه غير
مقدر ،وقهد تقدم .لكهن ل يكون ذلك إل بالصهبر عنهد الصهدمة الولى ،كمها روى البخاري عهن أنهس
عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :إنما الصبر عند الصدمة الولى) .وأخرجه مسلم أتم منه ،أي
إنمها الصهبر الشاق على النفهس الذي يعظهم الثواب عليهه إنمها ههو عنهد هجوم المصهيبة وحرارتهها،
فإنه يدل على قوة القلب وتثبته في مقام الصبر ،وأما إذا بردت حرارة المصيبة فكل أحد يصبر إذ
ذاك ،ولذلك قيل :يجب على كل عاقل أن يلتزم عند المصيبة ما ل بد للحمق منه بعد ثلث .وقال
سهههل بههن عبدال التسههتري :لمهها قال تعالى" :وبشههر الصههابرين" صههار الصههبر عيشهها .والصههبر
صهبران :صهبر عهن معصهية ال ،فهذا مجاههد ،وصهبر على طاعهة ال ،فهذا عابهد .فإذا صهبر عهن
معصهية ال وصهبر على طاعهة ال أورثهه ال الرضها بقضائه ،وعلمهة الرضها سهكون القلب بمها
ورد على النفههس مههن المكروهات والمحبوبات .وقال الخواص :الصههبر الثبات على أحكام الكتاب
والسهنة .وقال رويهم :الصهبر ترك الشكوى .وقال ذو النون المصهري :الصهبر ههو السهتعانة بال
تعالى .وقال السهتاذ أبهو علي :الصهبر حدة أل تعترض على التقديهر ،فأمها إظهار البلوى على غيهر
وجهه الشكوى فل ينافهي الصهبر ،قال ال تعالى فهي قصهة أيوب" :إنها وجدناه صهابرا نعهم العبهد"
[ص ]44 :مع أخبر عنه أنه قال" :مسني الضر" [النبياء.]83 :
**3اليتان{ 157 - 156 :الذيهن إذا أصهابتهم مصهيبة قالوا إنها ل وإنها إليهه راجعون ،أولئك
عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}
@قوله تعالى" :مصهيبة" المصهيبة :كهل مها يؤذي المؤمهن ويصهيبه ،يقال :أصهابه إصهابة ومصهابة
ومصهابا .والمصهيبة واحدة المصهائب .والمصهوبة (بضهم الصهاد) مثهل المصهيبة .وأجمعهت العرب
على همهز المصهائب ،وأصهله الواو ،كأنههم شبهوا الصهلي بالزائد ،ويجمهع على مصهاوب ،وههو
الصل .والمصاب الصابة ،قال الشاعر:
أهدى السلم تحية ظلم أسليم إن مصابكم رجل
وصهاب السههم القرطاس يصهيب صهيبا ،لغهة فهي أصهابه .والمصهيبة :النكبهة ينكبهها النسهان وإن
صغرت ،وتستعمل في الشر ،روى عكرمة أن مصباح رسول ال صلى ال عليه وسلم انطفأ ذات
ليلة فقال" :إنها ل وإنها إليهه راجعون" فقيهل :أمصهيبة ههي يها رسهول ال؟ قال( :نعهم كهل مها آذى
المؤمن فهو مصيبة).
قلت :هذا ثابهت معناه فهي الصهحيح ،خرج مسهلم عهن أبهي سهعيد وعهن أبهي هريرة رضهي ال
عنهما أنهما سمعا رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :ما يصيب المؤمن من وصب ول نصب
ول سقم ول حزن حتى الهم يهمه إل كفر به من سيئاته).
@خرج ابن ماجة في سننه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح عن هشام ابن زياد
عهن أمهه عهن فاطمهة بنهت الحسهين عهن أبيهها قال قال رسهول ال صهلى ال عليه وسهلم( :مهن أصهيب
بمصههيبة فذكههر مصههيبته فأحدث اسههترجاعا وإن تقادم عهدههها كتههب ال له مههن الجههر مثله يوم
أصيب).
@من أعظم المصهائب المصيبة في الدين ،ذكر أبو عمر عن الفريابي قال حدثنا فطر بن خليفة
حدثنها عطاء بهن أبهي رباح قال قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :إذا أصهاب أحدكهم مصهيبة
فليذكر مصابه بي فإنها من أعظم المصائب) .أخرجه السمرقندي أبو محمد في مسنده ،أخبرنا أبو
نعيهم قال :أنبأنها فطهر ،...فذكهر مثله سواء .وأسهند مثله عن مكحول مرسهل .قال أبو عمر :وصدق
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،لن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى
يوم القيامهة ،انقطهع الوحهي وماتهت النبوة .وكان أول ظهور الشهر بارتداد العرب وغيهر ذلك ،وكان
أول انقطاع الخيهر وأول نقصهانه .قال أبهو سهعيد :مها نفضنها أيدينها مهن التراب مهن قهبر رسهول ال
صلى ال عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا .ولقد أحسن أبو العتاهية في نظمه معنى هذا الحديث حيث
يقول:
واعلم بأن المرء غير مخلد اصبر لكل مصيبة وتجلد
وترى المنية للعباد بمرصد أو ما ترى أن المصائب جمة
هذا سبيل لست فيه بأوحد من لم يصب ممن ترى بمصيبة؟
فاذكر مصابك بالنبي محمد فإذا ذكرت محمدا ومصابه
@قوله تعالى" :قالوا إنا ل وإنا إليه راجعون" جعل ال تعالى هذه الكلمات ملجأ لذوي المصائب،
وعصمة للممتحنين :لما جمعت من المعاني المباركة ،فإن قوله" :إنا ل" توحيد وإقرار بالعبودية
والملك .وقوله" :وإنهها إليههه راجعون" إقرار بالهلك على أنفسههنا والبعههث مههن قبورنهها ،واليقيههن أن
رجوع المر كله إليه كما هو له .قال سعيد بن جبير رحمه ال تعالى :لم تعط هذه الكلمات نبيا قبل
نبينا ،ولو عرفها يعقوب لما قال :يا أسفي على يوسف.
@قال أبهو سهنان :دفنهت ابنهي سهنانا ،وأبهو طلحهة الخولنهي على شفيهر القهبر ،فلمها أردت الخروج
أخذ بيدي فأنشطني وقال :أل أبشرك يا أبا سنان ،حدثني الضحاك عن أبي موسى أن النبي صلى
ال عليههه وسههلم قال( :إذا مات ولد العبههد قال ال لملئكتههه أقبضتههم ولد عبدي فيقولون نعههم فيقول
أقبضتهم ثمرة فؤاده فيقولون نعهم فيقول فماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسهترجع فيقول ال تعالى
ابنوا لعبدي بيتها فهي الجنة وسهموه بيهت الحمهد) .وروى مسهلم عهن أم سهلمة قالت سهمعت رسهول ال
صلى ال عليه وسلم يقول( :ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره ال عز وجل إنا ل وإنا إليه
راجعون اللههم أجرنهي فهي مصهيبتي وأخلف لي خيرا منهها إل أخلف ال له خيرا منهها) .فهذا تنهبيه
على قوله تعالى" :وبشر الصابرين" [البقرة ]155 :إما بالخلف كما أخلف ال لم سلمة رسول
ال صهلى ال عليهه وسهلم ،فإنهه تزوجهها لمها مات أبهو سهلمة زوجهها .وإمها بالثواب الجزيهل ،كمها فهي
حديث أبي موسى ،وقد يكون بهما.
@قوله تعالى" :أولئك عليهههم صههلوات مههن ربهههم ورحمههة" هذه نعههم مههن ال عههز وجههل على
الصهابرين المسهترجعين .وصهلة ال على عبده :عفوه ورحمتهه وبركتهه وتشريفهه إياه فههي الدنيهها
والخرة .وقال الزجاج :الصهلة مهن ال عهز وجهل الغفران والثناء الحسهن .ومهن هذا الصهلة على
الميت إنما هو الثناء عليه والدعاء له ،وكرر الرحمة لما اختلف اللفظ تأكيدا وإشباعا للمعنى ،كما
قال" :مهن البينات والهدى" [البقرة ،]159 :وقوله "أم يحسهبون أنها ل نسهمع سهرهم ونجواههم"
[الزخرف .]80 :وقال الشاعر:
رب كريم وشفيع مطاع صلى على يحيى وأشياعه
وقيهل :أراد بالرحمهة كشهف الكربهة وقضاء الحاجهة .وفهي البخاري وقال عمهر رضهي ال عنهه :نعهم
العدلن ونعههم العلوة" :الذيههن إذا أصههابتهم مصههيبة قالوا إنهها ل وإنهها إليههه راجعون .أولئك عليهههم
صههلوات مههن ربهههم ورحمههة وأولئك هههم المهتدون" .أراد بالعدليههن الصههلة والرحمههة ،وبالعلوة
الهتداء .قيل :إلى استحقاق الثواب وإجزال الجر ،وقيل :إلى تسهيل المصائب وتخفيف الحزن.
**3الية{ 158 :إن الصفا والمروة من شعائر ال فمن حج البيت أو اعتمر فل جناح عليه أن
يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن ال شاكر عليم}
@روى البخاري عن عاصم بن سليمان قال :سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة فقال :كنا
نرى أنهمها مهن أمهر الجاهليهة ،فلمها كان السهلم أمسهكنا عنهمها ،فأنزل ال عهز وجهل" :إن الصهفا
والمروة من شعائر ال فمن حج البيت أو اعتمر فل جناح عليه أن يطوف بهما" وخرج الترمذي
عهن عروة قال( :قلت لعائشهة مها أرى على أحهد لم يطهف بيهن الصهفا والمروة شيئا ،ومها أبالي أل
أطوف بينهمها .فقالت :بئس مها قلت يها ابهن أختهي ،طاف رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وطاف
المسهلمون ،وإنمها كان مهن أههل لمناة الطاغيهة التهي بالمشلل ل يطوفون بيهن الصهفا والمروة ،فأنزل
ال تعالى" :فمن حج البيت أو اعتمر فل جناح عليه أن يطوف بهما" ولو كانت كما تقول لكانت:
"فل جناح عليهه أل يطوف بهمها") قال الزهري :فذكرت ذلك لبهي بكهر بهن عبدالرحمهن بهن
الحارث بهن هشام فأعجبهه ذلك وقال :إن هذا لعلم ،ولقهد سهمعت رجال مهن أههل العلم يقولون :إنمها
كان مهن ل يطوف بيهن الصهفا والمروة مهن العرب يقولون إن طوافنها بيهن هذيهن الحجريهن مهن أمهر
الجاهليههة .وقال آخرون مههن النصههار :إنمهها أمرنهها بالطواف [بالبيههت] ولم نؤمههر بههه بيههن الصههفا
والمروة ،فأنزل ال تعالى" :إن الصههفا والمروة مههن شعائر ال" قال أبههو بكههر بههن عبدالرحمههن:
فأراهها قهد نزلت فهي هؤلء وهؤلء .قال" :هذا حديهث حسهن صهحيح" .أخرجهه البخاري بمعناه،
وفيه بعد قوله فأنزل ال تعالى "إن الصفا والمروة من شعائر ال"" :قالت عائشة وقد سن رسول
ال صلى ال عليه وسلم الطواف بينهما ،فليس لحد أن يترك الطواف بينهما" ،ثم أخبرت أبا بكر
بهن عبدالرحمهن فقال :إن هذا لعلم مها كنهت سهمعته ،ولقهد سهمعت رجال مهن أههل العلم يذكرون أن
الناس -إل من ذكرت عائشة -ممن كان يهل بمناة كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة ،فلما ذكر
ال تعالى الطواف بالبيههت ولم يذكههر الصههفا والمروة فههي القرآن قالوا :يهها رسههول ال ،كنهها نطوف
بالصهفا والمروة ،وإن ال أنزل الطواف بالبيهت فلم يذكهر الصهفا ،فههل علينها مهن حرج أن نطوف
بالصهفا والمروة؟ فأنزل ال عهز وجهل" :إن الصهفا والمروة مهن شعائر ال" اليهة .قال أبهو بكهر:
فأسهمع هذه اليهة نزلت فهي الفريقيهن كليهمها :فهي الذيهن كانوا يتحرجون أن يطوفوا فهي الجاهليهة
بالصهفا والمروة ،والذيهن يطوفون ثهم تحرجوا أن يطوفوا بهمها فهي السهلم ،مهن أجهل أن ال تعالى
أمههر بالطواف بالبيههت ،ولم يذكههر الصههفا حتههى ذكههر ذلك بعههد مهها ذكههر الطواف بالبيههت" .وروى
الترمذي عن عاصم بن سليمان الحول قال( :سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة فقال :كانا
من شعائر الجاهلية ،فلما كان السلم أمسكنا عنهما ،فأنزل ال عز وجل" :إن الصفا والمروة من
شعائر ال فمن حج البيت أو اعتمر فل جناح عليه أن يطوف بهما" قال :هما تطوع "ومن تطوع
خيرا فإن ال شاكر عليم") قال :هذا حديث حسن صحيح .خرجه البخاري أيضا .وعن ابن عباس
قال :كان فهي الجاهليهة شياطيهن تعزف الليهل كله بيهن الصهفا والمروة وكان بينهمها آلههة ،فلمها ظههر
السهلم قال المسهلمون :يها رسهول ال ،ل نطوف بيهن الصهفا والمروة فإنهمها شرك ،فنزلت .وقال
الشعههبي :كان على الصهفا فههي الجاهليهة صههنم يسهمى "إسههافا" وعلى المروة صههنم يسهمى "نائلة"
فكانوا يمسحونهما إذا طافوا ،فامتنع المسلمون من الطواف بينهما من أجل ذلك ،فنزلت الية.
@أصل الصفا في اللغة الحجر الملس ،وهو هنا جبل بمكة معروف ،وكذلك المروة جبل أيضا،
ولذلك أخرجهمها بلفهظ التعريهف .وذكهر الصهفا لن آدم المصهطفى صهلى ال عليهه وسهلم وقهف عليهه
فسهمي بهه ،ووقفهت حواء على المروة فسهميت باسهم المرأة ،فأنهث لذلك ،وال اعلم .وقال الشعهبي:
كان على الصههفا صههنم يسههمى [إسههافا] وعلى المروة صههنم يدعههى [نائلة] فاطرد ذلك فههي التذكيههر
والتأنيث وقدم المذكر ،وهذا حسن ،لن الحاديث المذكورة تدل على هذا المعنى .وما كان كراهة
مهن كره الطواف بينهمها إل مهن أجهل هذا ،حتهى رفهع ال الحرج فهي ذلك .وزعهم أههل الكتاب أنهمها
زنيا في الكعبة فمسخهما ال حجرين فوضعهما على الصفا والمروة ليعتبر بهما ،فلما طالت المدة
عبدا من دون ال ،وال تعالى أعلم .والصفا (مقصور) :جمع صفاة ،وهي الحجارة الملس .وقيل:
الصفا اسم مفرد ،وجمعه صفي (بضم الصاد) وأصفاء على مثل أرحاء .قال الراجز:
مواقع الطير على الصفي كأن متنيه من النفي
وقيههل :مههن شروط الصههفا البياض والصههلبة ،واشتقاقههه مهن صههفا يصههفو ،أي خلص مهن التراب
والطيهن .والمروة (واحدة المرو) وههي الحجارة الصهغار التهي فيهها ليهن .وقهد قيهل إنهها الصهلب.
والصهحيح أن المرو الحجارة صهليبها ورخوهها الذي يتشظهى وترق حاشيتهه ،وفهي هذا يقال :المرو
أكثر ويقال في الصليب .قال الشاعر:
فإذا ما صادف المرو رضخ وتولى الرض خفا ذابل
وقال أبو ذؤيب:
بصفا المشقر كل يوم تقرع حتى كأني للحوادث مروة
وقد قيل :إنها الحجارة السود .وقيل :حجارة بيض براقة تكون فيها النار.
@قوله تعالى" :من شعائر ال" أي من معالمه ومواضع عباداته ،وهي جمع شعيرة .والشعائر:
المتعبدات التههي أشعرههها ال تعالى ،أي جعلههها أعلمهها للناس ،مههن الموقههف والسههعي والنحههر.
والشعار :العلمههة ،يقال :أشعههر الهدي أعلمههه بغرز حديدة فههي سههنامه ،مههن قولك :أشعرت أي
أعلمت ،وقال الكميت:
شعائر قربان بهم يتقرب نقلهم جيل فجيل تراهم
@قوله تعالى" :فمن حج البيت" أي قصد .وأصل الحج القصد ،قال الشاعر:
يحجون سب الزبرقان المزعفرا فأشهد من عوف حلول كثيرة
السب :لفظ مشترك .قال أبو عبيدة :السب (بالكسر) الكثير السباب .وسبك أيضا الذي يسابك ،قال
الشاعر:
إن سبي من الرجال الكريم ل تسبنني فلست بسبي
والسب أيضا الخمار ،وكذلك العمامة ،قال المخبل السعدي:
يحجون سب الزبرقان المزعفرا
والسب أيضا الحبل في لغة هذيل ،قال أبو ذؤيب:
بجرداء مثل الوكف يكبو غرابها تدلى عليها بين سب وخيطة
والسههبوب :الحبال .والسههب :شقههة كتان رقيقههة ،والسههبيبة مثله ،والجمههع السههبوب والسههبائب ،قاله
الجوهري .وحج الطبيب الشجة إذا سبرها بالميل ،قال الشاعر:
يحج مأمومة في قعرها لجف
اللجهف :الخسهف .تلجفهت البئر :انخسهف أسهفلها .ثهم اختهص هذا السهم بالقصهد إلى البيهت الحرام
لفعال مخصوصة.
@قوله تعالى" :أو اعتمر" أي زار والعمرة :الزيارة ،قال الشاعر:
مغزى بعيدا من بعيد وضبر لقد سما ابن معمر حين اعتمر
@قوله تعالى" :فل جناح عليهه" أي ل إثهم .وأصهله مهن الجنوح وههو الميهل ،ومنهه الجوانهح
للعضاء لعوجاجهها .وقهد تقدم تأويهل عائشهة لهذه اليهة .قال ابهن العربهي" :وتحقيهق القول فيهه أن
قول القائل :ل جناح عليههك أن تفعههل ،إباحههة الفعههل .وقوله :ل جناح عليههك أل تفعههل ،إباحههة لترك
الفعهل ،فلمها سهمع عروة قول ال تعالى" :فل جناح عليهه أن يطوف بهمها" قال :هذا دليهل على أن
ترك الطواف جائز ،ثهم رأى الشريعهة مطبقهة على أن الطواف ل رخصهة فهي تركهه فطلب الجمهع
بيهن هذيهن المتعارضيهن .فقالت له عائشهة :ليهس قوله" :فل جناح عليهه أن يطوف بهمها" دليل على
ترك الطواف ،إنمهها كان يكون دليل على تركههه لو كان "فل جناح عليهه أل يطوف بهمهها" فلم يأت
هذا اللفههظ لباحههة ترك الطواف ،ول فيههه دليههل عليههه ،وإنمهها جاء لفادة إباحههة الطواف لمههن كان
يتحرج منهه فهي الجاهليهة ،أو لمهن كان يطوف بهه فهي الجاهليهة قصهدا للصهنام التهي كانهت فيهه،
فأعلمهم ال سبحانه أن الطواف ليس بمحظور إذا لم يقصد الطائف قصدا باطل".
فإن قيل :فقد روى عطاء عن ابن عباس أنه قرأ "فل جناح عليه أل يطوف بهما" وهي قراءة
ابهن مسهعود ،ويروى أنهها فهي مصهحف أبهي كذلك ،ويروى عهن أنهس مثهل هذا .والجواب أن ذلك
خلف مها فهي المصهحف ،ول يترك مها قهد ثبهت فهي المصهحف إلى قراءة ل يدرى أصهحت أم ل،
وكان عطاء يكثر الرسال عن ابن عباس من غير سماع .والرواية في هذا عن أنس قد قيل إنها
ليست بالمضبوطة ،أو تكون "ل" زائدة للتوكيد ،كما قال:
لما رأين الشمط القفندرا وما ألوم البيض أل تسخرا
@روى الترمذي عن جابر أن النبي صلى ال عليه وسلم حين قدم مكة فطاف بالبيت سبعا فقرأ:
"واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" [البقرة ]125 :وصلى خلف المقام ،ثم أتى الحجر فاستلمه ثم
قال( :نبدأ بمها بدأ ال بهه) فبدأ بالصهفا وقال" :إن الصهقا والمروة مهن شعائر ال" قال :هذا حديهث
حسهن صهحيح ،والعمهل على هذا عنهد أههل العلم أنهه يبدأ بالصهفا قبهل المروة ،فإن بدأ بالمروة قبهل
الصفا لم يجزه ويبدأ بالصفا.
@واختلف العلماء فهي وجوب السهعي بيهن الصهفا والمروة ،فقال الشافعهي وابهن حنبهل :ههو ركهن،
وههو المشهور مهن مذههب مالك ،لقوله عليهه السهلم( :اسهعوا فإن ال كتهب عليكهم السهعي) .خرجهه
الدارقطني .وكتب بمعنى أوجب ،لقوله تعالى" :كتب عليكم الصيام" [البقرة ،]183 :وقوله عليه
السهلم( :خمهس صهلوات كتبههن ال على العباد) .وخرج ابهن ماجهة عهن أم ولد لشيبهة قالت :رأيهت
رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يسهعى بيهن الصهفا والمروة وههو يقول( :ل يقطهع البطهح إل شدا)
فمن تركه أو شوطا منه ناسيا أو عامدا رجع من بلده أو من حيث ذكر إلى مكة ،فيطوف ويسعى،
لن السعي ل يكون إل متصل بالطواف .وسواء عند مالك كان ذلك في حج أو عمرة وإن لم يكن
فهي العمرة فرضا ،فإن كان قد أصاب النساء فعليه عمرة وهدي عند مالك مع تمام مناسهكه .وقال
الشافعههي :عليههه هدي ،ول معنههى للعمرة إذا رجههع وطاف وسههعى .وقال أبههو حنيفههة وأصههحابه
والثوري والشعبي :ليس بواجب ،فإن تركه أحد من الحاج حتى يرجع إلى بلده جبره بالدم ،لنه
سنة من سنن الحج .وهو قول مالك في العتبية .وروي عن ابن عباس وابن الزبير وأنس بن مالك
وابهههن سهههيرين أنهههه تطوع ،لقوله تعالى" :ومهههن تطوع خيرا" .وقرأ حمزة والكسهههائي "يطوع"
مضارع مجزوم ،وكذلك "فمهن تطوع خيرا فههو خيهر له" الباقون "تطوع" ماض ،وههو مها يأتيهه
المؤمهن مهن قبهل نفسهه فمهن أتهى بشيهء مهن النوافهل فإن ال يشكره .وشكهر ال للعبهد إثابتهه على
الطاعهة .والصهحيح مها ذههب إليهه الشافعهي رحمهه ال تعالى لمها ذكرنها ،وقوله عليهه السهلم( :خذوا
عنهي مناسهككم) فصهار بيانها لمجمهل الحهج ،فالواجهب أن يكون فرضها ،كهبيانه لعدد الركعات ،ومها
كان مثهل ذلك إذا لم يتفهق على أنهه سهنة أو تطوع .وقال طليهب :رأى ابهن عباس قومها يطوفون بيهن
الصفا والمروة فقال :هذا ما أورثتكم أمكم أم إسماعيل.
قلت :وهذا ثابت في صحيح البخاري ،على ما يأتي بيانه في سورة "إبراهيم".
@ول يجوز أن يطوف أحد بالبيت ول بين الصفا والمروة راكبا إل من عذر ،فإن طاف معذورا
فعليهه دم ،وإن طاف غيهر معذور أعاد إن كان بحضرة البيهت ،وإن غاب عنهه أهدى .إنمها قلنها ذلك
لن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم طاف بنفسهه وقال( :خذوا عنهي مناسهككم) .وإنمها جوزنها ذلك مهن
العذر ،لن النبي صلى ال عليه وسلم طاف على بعيره واستلم الركن بمحجنه ،وقال لعائشهة وقد
قالت له :إني اشتكي ،فقال( :طوفي من وراء الناس وأنت راكبة) .وفرق أصحابنا بين أن يطوف
على بعيهر أو يطوف على ظههر إنسهان ،فإن طاف على ظههر إنسهان لم يجزه ،لنهه حينئذ ل يكون
طائفها ،وإنمها الطائف الحامهل .وإذا طاف على بعيهر يكون ههو الطائف .قال ابهن خويهز منداد :وهذه
تفرقهة اختيار ،وأمها الجزاء فيجزئ ،أل ترى أنهه لو أغمهي عليهه فطيهف بهه محمول ،أو وقهف بهه
بعرفات محمول كان مجزئا عنه.
**3اليهة{ 159 :إن الذيهن يكتمون مها أنزلنها مهن البينات والهدى مهن بعهد مها بيناه للناس فهي
الكتاب أولئك يلعنهم ال ويلعنهم اللعنون}
@قوله تعالى" :إن الذيهن يكتمون مها أنزلنها" أخهبر ال تعالى أن الذي يكتهم مها أنزل مهن البينات
والهدى ملعون .واختلفوا مهن المراد بذلك ،فقيهل :أحبار اليهود ورهبان النصهارى الذيهن كتموا أمهر
محمد صلى ال عليه وسلم ،وقد كتم اليهود أمر الرجم .وقيل :المراد كل من كتم الحق ،فهي عامة
في كل من كتم علما من دين ال يحتاج إلى بثه ،وذلك مفسر في قوله صلى ال عليه وسلم( :من
سههئل عههن علم يعلمههه فكتمههه ألجمههه ال يوم القيامههة بلجام مههن نار) .رواه أبههو هريرة وعمرو بههن
العاص ،أخرجه ابن ماجة .ويعارضه قول عبدال بن مسعود :ما أنت بمحدث قوما حديثا ل تبلغه
عقولههم إل كان لبعضههم فتنهة .وقال عليهه السهلم( :حدث الناس بمها يفهمون أتحبون أن يكذب ال
ورسهوله) .وهذا محمول على بعهض العلوم ،كعلم الكلم أو مها ل يسهتوي فهي فهمهه جميهع العوام،
فحكم العالم أن يحدث بما يفهم عنه ،وينزل كل إنسان منزلته ،وال تعالى اعلم.
@هذه اليهة ههي التهي أراد أبهو هريرة رضهي ال عنهه فهي قوله :لول آيهة فهي كتاب ال تعالى مها
حدثتكهم حديثها .وبهها اسهتدل العلماء على وجوب تبليهغ العلم الحهق ،وتهبيان العلم على الجملة ،دون
أخهذ الجرة عليهه ،إذ ل يسهتحق الجرة على مها عليهه فعله ،كمها ل يسهتحق الجرة على السهلم،
وقد مضى القول في هذا.
وتحقيهق اليهة ههو :أن العالم إذا قصهد كتمان العلم عصهى ،وإذا لم يقصهده لم يلزمهه التبليهغ إذا
عرف أنهه مهع غيره .وأمها مهن سهئل فقهد وجهب عليهه التبليهغ لهذه اليهة وللحديهث .أمها أنهه ل يجوز
تعليهم الكافهر القرآن والعلم حتهى يسهلم ،وكذلك ل يجوز تعليهم المبتدع الجدال والحجاج ليجادل بهه
أهل الحق ،ول يعلم الخصم على خصمه حجة يقطع بها ماله ،ول السلطان تأويل يتطرق به إلى
مكاره الرعية ،ول ينشر الرخص في السفهاء فيجلوا ذلك طريقا إلى ارتكاب المحظورات ،وترك
الواجبات ونحهو ذلك .يروى عههن النههبي صههلى ال عليهه وسههلم أنهه قال( :ل تمنعوا الحكمههة أهلههها
فتظلموههم ول تضعوهها فهي غيهر أهلهها فتظلموهها) .وروي عنهه صهلى ال عليهه وسهلم أنهه قال( :ل
تعلقوا الدر فهي أعناق الخنازيهر) ،يريهد تعليهم الفقهه مهن ليهس مهن أهله .وقهد قال سهحنون :إن حديهث
أبهي هريرة وعمرو بهن العاص إنمها جاء فهي الشهادة .قال ابهن العربهي :والصهحيح خلفهه ،لن فهي
الحديث (من سئل عن علم) ولم يقل عن شهادة ،والبقاء على الظاهر حتى يرد عليه ما يزيله ،وال
اعلم.
@قوله تعالى" :من البينات والهدى" يعم المنصوص عليه والمستنبط ،لشمول اسم الهدى للجميع.
وفيهه دليهل على وجوب العمهل بقول الواحهد ،لنهه ل يجهب عليهه البيان إل وقهد وجهب قبول قوله،
وقال" :إل الذين تابوا وأصلحوا وبينوا" [البقرة ]160 :فحكم بوقوع البيان بخبرهم.
فإن قيل :إنه يجوز أن يكون كل واحد منهم منهيا عن الكتمان ومأمورا بالبيان ليكثر المخبرون
ويتواتهر بههم الخهبر .قلنها :هذا غلط ،لنههم لم ينهوا عهن الكتمان إل وههم ممهن يجوز عليههم التواطهؤ
عليه ،ومن جاز منهم التواطؤ على الكتمان فل يكون خبرهم موجبا للعلم ،وال تعالى اعلم.
@لما قال" :من البينات والهدى" دل على أن ما كان من غير ذلك جائز كتمه ،ل سيما إن كان
مهع ذلك خوف فإن ذلك آكهد فهي الكتمان .وقهد ترك أبهو هريرة ذلك حيهن خاف فقال :حفظهت عهن
رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وعاءيهن ،فأمها أحدهمها فبثثتهه ،وأمها الخهر فلو بثثتهه قطهع هذا
البلعوم .أخرجهه البخاري .قال أبهو عبدال :البلعوم مجرى الطعام .قال علماؤنها :وهذا الذي لم يبثهه
أبو هريرة وخاف على نفسه فيه الفتنة أو القتل إنما هو مما يتعلق بأمر الفتن والنص على أعيان
المرتدين والمنافقين ،ونحو هذا مما ل يتعلق بالبينات والهدى ،وال تعالى اعلم.
@قوله تعالى" :مهن بعهد مها بيناه" الكنايهة فهي "بيناه" ترجهع إلى مها أنزل مهن البينات والهدى.
والكتاب :اسم جنس ،فالمراد جميع الكتب المنزلة.
@قوله تعالى" :أولئك يلعنهم ال" أي يتبرأ منهم ويبعدهم من ثوابه ويقول لهم :عليكم لعنتي ،كما
قال للّعين" :وإن عليك لعنتي" [ص .]78 :وأصل اللعن في اللغة البعاد والطرد ،وقد تقدم.
@قوله تعالى" :ويلعنههم اللعنون" قال قتادة والربيع :المراد "باللعنون" الملئكهة والمؤمنون.
قال ابههن عطيههة :وهذا واضههح جار على مقتضههى الكلم .وقال مجاهههد وعكرمههة :هههم الحشرات
والبهائم يصيبهم الجدب بذنوب علماء السوء الكاتمين فيلعنونهم .قال الزجاج :والصواب قول من
قال" :اللعنون" الملئكههة والمؤمنون ،فأمهها أن يكون ذلك لدواب الرض فل يوقههف على حقيقتههه
إل بنص أو خبر لزم ولم نجد من ذينك شيئا.
قلت :قهد جاء بذلك خهبر رواه البراء بهن عازب رضهي ال عنهه قال قال رسهول ال صهلى ال
عليههه وسههلم فههي قوله تعالى" :يلعنهههم ال ويلعنهههم اللعنون" قال( :دواب الرض) .أخرجههه ابههن
ماجة عن محمد بن الصباح أنبأنا عمار بن محمد عن ليث عن أبي المنهال عن زاذان عن البراء،
إسناد حسن.
فإن قيل :كيف جمع من ل يعقل جمع من يعقل؟ قيل :لنه أسند إليهم فعل من يعقل ،كما قال:
"رأيتهم لي ساجدين" [يوسف ]4 :ولم يقل ساجدات ،وقد قال" :لم شهدتم علينا" [فصلت،]21 :
وقال" :وتراهم ينظرون إليك" [العراف ،]198 :ومثله كثير ،وسيأتي إن شاء ال تعالى .وقال
البراء بن عازب وابن عباس" :اللعنون" كل المخلوقات ما عدا الثقلين :الجن والنس ،وذلك أن
النبي صلى ال عليه وسلم قال( :الكافر إذا ضرب في قبره فصاح سمعه الكل إل الثقلين ولعنه كل
سهامع) .وقال ابهن مسهعود والسهدي( :ههو الرجهل يلعهن صهاحبه فترتفهع اللعنهة إلى السهماء ثهم تنحدر
فل تجهد صهاحبها الذي قيلت فيهه أهل لذلك ،فترجهع إلى الذي تكلم بهها فل تجده أهل فتنطلق فتقهع
على اليهود الذين كتموا ما أنزل ال تعالى ،فهو قوله" :ويلعنهم اللعنون" فمن مات منهم ارتفعت
اللعنة عنه فكانت فيمن بقي من اليهود).
**3الية{ 160 :إل الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم}
@قوله تعالى" :إل الذيهن تابوا" اسهتثنى تعالى التائبيهن الصهالحين لعمالههم وأقوالههم المنيهبين
لتوبتههم .ول يكفهي فهي التوبهة عنهد علمائنها قول القائل :قهد تبهت ،حتهى يظههر منهه فهي الثانهي خلف
الول ،فإن كان مرتدا رجهع إلى السهلم مظهرا شرائعهه ،وإن كان مهن أههل المعاصهي ظههر منهه
العمهل الصهالح ،وجانهب أههل الفسهاد والحوال التهي كان عليهها ،وإن كان مهن أههل الوثان جانبههم
وخالط أهل السلم ،وهكذا يظهر عكس ما كان عليه .وسيأتي بيان التوبة وأحكامها في "النساء"
إن شاء ال تعالى .وقال بعض العلماء في قوله" :وبينوا" أي بكسر الخمر وإراقتها .وقيل" :بينوا"
يعنهي مها فهي التوراة مهن نبوة محمهد صهلى ال عليهه وسهلم ووجوب اتباعهه .والعموم أولى على مها
بيناه ،أي بينوا خلف مها كانوا عليهه ،وال تعالى اعلم" .فأولئك أتوب عليههم وأنها التواب الرحيهم"
تقدم ول الحمد والمنة.
**3اليهة{ 161 :إن الذيهن كفروا وماتوا وههم كفار أولئك عليههم لعنهة ال والملئكهة والناس
أجمعين}
@قوله تعالى" :وهم كفار" الواو واو الحال .قال ابن العربي :قال لي كثير من أشياخي إن الكافر
المعين ل يجوز لعنه ،لن حاله عند الموافاة ل تعلم ،وقد شرط ال تعالى في هذه الية في إطلق
اللعنة :الموافاة على الكفر ،وأما ما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه لعن أقواما بأعيانههم
من الكفار فإنما كان ذلك لعلمه بمآلهم .قال ابن العربهي :والصحيح عندي جواز لعنه لظاههر حاله
ولجواز قتله وقتاله ،وقد روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :اللهم إن عمرو بن العاص
هجانهي وقهد علم أنهي لسهت بشاعهر فالعنهه واهجهه عدد مها هجانهي) .فلعنهه ،وإن كان اليمان والديهن
والسلم مآله .وانتصف بقوله( :عدد ما هجاني) ولم يزد ليعلم العدل والنصاف .وأضاف الهجو
إلى ال تعالى فههي باب الجزاء دون البتداء بالوصههف بذلك ،كمهها يضاف إليههه المكههر والسههتهزاء
والخديعة ،سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
قلت :أمهها لعههن الكفار جملة مههن غيههر تعييههن فل خلف فههي ذلك ،لمهها رواه مالك عهن داود بهن
الحصههين أنههه سههمع العرج يقول :مهها أدركههت الناس إل وهههم يلعنون الكفرة فههي رمضان .قال
علماؤنها :وسهواء كانهت لههم ذمهة أم لم تكهن ،وليهس ذلك بواجهب ،ولكنهه مباح لمهن فعله ،لجحدههم
الحهق وعداوتههم للديهن وأهله ،وكذلك كهل مهن جاههر بالمعاصهي كشراب الخمهر وأكلة الربها ،ومهن
تشبه من النساء بالرجال ومن الرجال بالنساء ،إلى غير ذلك مما ورد في الحاديث لعنه.
@ليس لعن الكافر بطريق الزجر له عن الكفر ،بل هو جزاء على الكفر وإظهار قبح كفره ،كان
الكافر ميتا أو مجنونا .وقال قوم من السلف :إنه ل فائدة في لعن من جن أو مات منهم ،ل بطريق
الجزاء ول بطريق الزجر ،فإنه ل يتأثر به.
والمراد باليهة على هذا المعنهى أن الناس يلعنونهه يوم القيامهة ليتأثهر بذلك ويتضرر ويتألم قلبهه،
فيكون ذلك جزاء على كفره ،كمها قال تعالى" :ثهم يوم القيامهة يكفهر بعضكهم ببعهض ويلعهن بعضكهم
بعضا" [العنكبوت ،]25 :ويدل على هذا القول أن الية دالة على الخبار عن ال تعالى بلعنهم،
ل على المهر .وذكهر ابهن العربهي أن لعن العاصهي المعين ل يجوز اتفاقها ،لما روي عن النهبي أنه
أتي بشارب خمر مرارا ،فقال بعض من حضره :لعنه ال ،ما أكثر ما يؤتى به ،فقال النبي صلى
ال عليههه وسههلم( :ل تكونوا عون الشيطان على أخيكههم) فجعههل له حرمههة الخوة ،وهذا يوجههب
الشفقة ،وهذا حديث صحيح.
قلت :خرجهه البخاري ومسهلم ،وقهد ذكهر بعهض العلماء خلفها فهي لعهن العاصهي المعيهن ،قال:
وإنما قال عليه السلم( :ل تكونوا عون الشيطان على أخيكم) في حق نعيمان بعد إقامة الحد عليه،
ومهن أقيهم عليهه حهد ال تعالى فل ينبغهي لعنهه ،ومهن لم يقهم عليهه الحهد فلعنتهه جائزة سهواء سهمي أو
عين أم ل ،لن النبي صلى ال عليه وسلم ل يلعن إل من تجب عليه اللعنة ما دام على تلك الحالة
الموجبهة للعهن ،فإذا تاب منهها وأقلع وطهره الحهد فل لعنهة تتوجهه عليهه .وبيهن هذا قوله صهلى ال
عليهه وسهلم( :إذا زنهت أمهة أحدكهم فليجلدهها الحهد ول يثرب) .فدل هذا الحديهث مهع صهحته على أن
التثريب واللعن إنما يكون قبل أخذ الحد وقبل التوبة ،وال تعالى اعلم.
قال ابن العربهي :وأمها لعن العاصي مطلقا فيجوز إجماعا ،لمها روي عن النبي صلى ال عليه
وسلم أنه قال( :لعن ال السارق يسرق البيضة فتقطع يده).
@قوله تعالى" :أولئك عليهم لعنة ال والملئكة والناس أجمعين" أي إبعادهم من رحمته وأصل
اللعن :الطرد والبعاد ،وقد تقدم .فاللعنة من العباد الطرد ،ومن ال العذاب .وقرأ الحسن البصري
"والملئكهة والناس أجمعون" بالرفهع .وتأويلهها :أولئك جزاؤههم أن يلعنههم ال ويلعنههم الملئكهة
ويلعنههم الناس أجمعون ،كمها تقول :كرههت قيام زيهد وعمرو وخالد ،لن المعنهى :كرههت أن قام
زيد .وقراءة الحسن هذه مخالفة للمصاحف.
فإن قيل :ليس يلعنهم جميع الناس لن قومهم ل يلعنونهم ،قيل عن هذا ثلثة أجوبة ،أحدها :أن
اللعنهة مهن أكثهر الناس يطلق عليهها لعنهة الناس تغليبها لحكهم الكثهر على القهل .الثانهي :قال السهدي:
كهل أحهد يلعهن الظالم ،وإذا لعهن الكافهر الظالم فقهد لعهن نفسهه .الثالث :قال أبهو العاليهة :المراد بهه يوم
القيامة يلعنهم قومهم مع جميع الناس ،كما قال تعالى" :ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن
بعضكم بعضا" [العنكبوت]25 :
**3الية{ 162 :خالدين فيها ل يخفف عنهم العذاب ول هم ينظرون}
@قوله تعالى" :خالدين فيها" يعني في اللعنة ،أي في جزائها .وقيل :خلودهم في اللعنة أنها مؤبدة
عليههم "ول ههم ينظرون" أي ل يؤخرون عهن العذاب وقتها مهن الوقات .و"خالديهن" نصهب على
الحال مههن الهاء والميههم فههي "عليهههم" ،والعامههل فيههه الظرف مههن قوله" :عليهههم" لن فيههها معنههى
استقرار اللعنة.
**3الية{ 163 :وإلهكم إله واحد ل إله إل هو الرحمن الرحيم}
@قوله تعالى" :وإلهكهم إله واحهد" لمها حذر تعالى مهن كتمان الحهق بيهن أن أول مها يجهب إظهاره
ول يجوز كتمانهه أمهر التوحيهد ،ووصهل ذلك بذكهر البرهان ،وعلم طريهق النظهر ،وههو الفكهر فهي
عجائب الصنع ،ليعلم أنه ل بد له من فاعل ل يشبهه شيء .قال ابن عباس رضي ال عنهما :قالت
كفار قريههش :يهها محمههد انسههب لنهها ربههك ،فأنزل ال تعالى سههورة "الخلص" وهذه اليههة .وكان
للمشركين ثلثمائة وستون صنما ،فبين ال أنه واحد.
@قوله تعالى" :ل إله إل ههو" نفهي وإثبات .أولهها كفهر وآخرهها إيمان ،ومعناه ل معبود إل ال.
وحكهي عهن الشبلي رحمهه ال أنهه كان يقول :ال ،ول يقول :ل إله ،فسهئل عهن ذلك فقال أخشهى أن
آخذ في كلمة الجحود ول أصل إلى كلمة القرار.
قلت :وهذا مهن علومههم الدقيقهة ،التهي ليسهت لهها حقيقهة ،فإن ال جهل اسهمه ذكهر هذا المعنهى فهي
كتابه نفيا وإثباتا وكرره ،ووعد بالثواب الجزيل لقائله على لسان نبيه صلى ال عليه وسلم ،خرجه
الموطهأ والبخاري ومسهلم وغيرههم .وقال صهلى ال عليهه وسهلم( :من كان آخهر كلمهه ل إله إل ال
دخههل الجنههة) خرجههه مسههلم .والمقصههود القلب ل اللسههان ،فلو قال :ل إله ومات ومعتقده وضميره
الوحدانيهة ومها يجهب له مهن الصهفات لكان مهن أههل الجنهة باتفاق أههل السهنة .وقهد أتينها على معنهى
اسهمه الواحهد ،ول إله إل ههو والرحمهن الرحيهم فهي (الكتاب السهنى فهي شرح أسهماء ال الحسهنى).
والحمد ل.
**3اليهة{ 164 :إن فهي خلق السهماوات والرض واختلف الليهل والنهار والفلك التهي تجري
فهي البحهر بمها ينفهع الناس ومها أنزل ال مهن السهماء من ماء فأحيها به الرض بعهد موتهها وبهث فيهها
من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والرض ليات لقوم يعقلون}
@قال عطاء :لما نزلت "وإلهكم إله واحد" قالت كفار قريش :كيف يسع الناس إله واحد ،فنزلت
"إن فهي خلق السهماوات والرض" .ورواه سهفيان عهن أبيهه عهن أبهي الضحهى قال :لمها نزلت
"وإلهكههم إله واحههد" قالوا هههل مههن دليههل على ذلك؟ فأنزل ال تعالى "إن فههي خلق السههموات
والرض" فكأنهم طلبوا آية فبين لهم دليل التوحيد ،وأن هذا العالم والبناء العجيب ل بد له من بان
وصهانع .وجمهع السهموات لنهها أجناس مختلفهة كهل سهماء مهن جنهس غيهر جنهس الخرى .ووحهد
الرض لنها كلها تراب ،وال تعالى اعلم.
فآيههة السههموات :ارتفاعههها بغيههر عمههد مههن تحتههها ول علئق مههن فوقههها ،ودل ذلك على القدرة
وخرق العادة .ولو جاء نبي فتحدي بوقوف جبل في الهواء دون علقة كان معجزا .ثم ما فيها من
الشمس والقمر والنجوم السائرة والكواكب الزاهرة شارقة وغاربة نيرة وممحوة آية ثانية.
وآية الرض :بحارها وأنهارها ومعادنها وشجرها وسهلها ووعرها.
@قوله تعالى" :واختلف الليل والنهار" قيل :اختلفهما بإقبال أحدهما وإدبار الخر من حيث ل
يعلم .وقيهل :اختلفهمها فهي الوصهاف مهن النور والظلمهة والطول والقصهر .والليهل جمهع ليلة ،مثهل
تمرة وتمر ونخلة ونخل .ويجمع أيضا ليالي وليال بمعنى ،وهو مما شذ عن قياس الجموع ،كشبه
ومشابهه وحاجهة وحوائج وذكهر ومذاكهر ،وكأن ليالي فهي القياس جمهع ليلة .وقهد اسهتعملوا ذلك فهي
الشعر قال:
في كل يوم وكل ليلة
وقال آخر:
حتى يقول كل راء إذ رآه في كل يوم ما وكل ليله
يا ويحه من جمل ما أشقاه
قال ابههن فارس فههي المجمههل :ويقال إن بعههض الطيههر يسههمى ليل ،ول أعرفههه والنهار يجمههع نهههر
وأنهرة .قال أحمد بن يحيى ثعلبَ :نهَر جمع ُنهُر وهو جمع الجمع للنهار ،وقيل النهار اسم مفرد
لم يجمع لنه بمعنى المصدر ،كقولك الضياء ،يقع على القليل والكثير .والول أكثر ،قال الشاعر:
ثريد ليل وثريد بالنهر لول الثريدان هلكنا بالضمر
قال ابن فارس :النهار معروف ،والجمع نهر وأنهار .ويقال :إن النهار يجمع على النهر .والنهار:
ضياء مها بيهن طلوع الفجهر إلى غروب الشمهس .ورجهل نههر :صهاحب نهار .ويقال إن النهار فرخ
الحبارى .قال النضهر بهن شميهل :أول النهار طلوع الشمهس ،ول يعهد مها قبهل ذلك مهن النهار .وقال
ثعلب :أوله عند العرب طلوع الشمس ،استشهد بقول أمية بن أبي الصلت.
حمراء يصبح لونها يتورد والشمس تطلع كل آخر ليلة
وأنشد قول عدي بن زيد:
بين النهار وبين الليل قد فصل وجاعل الشمس مصرا ل خفاء به
وأنشد الكسائي:
أمارة تسليمي عليك فسلمي إذا طلعت شمس النهار فإنها
قال الزجاج فهي كتاب النواء :أول النهار ذرور الشمهس .وقسهم ابهن النباري الزمهن ثلثهة أقسهام:
قسهما جعله ليل محضها ،وههو مهن غروب الشمهس إلى طلوع الفجهر .وقسهما جعله نهارا محضها،
وههو مهن طلوع الشمهس إلى غروبهها .وقسهما جعله مشتركها بيهن النهار والليهل ،وههو مها بيهن طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس ،لبقايا ظلمة الليل ومبادئ ضوء النهار.
قلت :والصههحيح أن النهار مههن طلوع الفجههر إلى غروب الشمههس ،كمهها رواه ابههن فارس فههي
المجمهل ،يدل عليهه مها ثبهت فهي صهحيح مسهلم عهن عدي بهن حاتهم قال :لمها نزلت "حتهى يتهبين لكهم
الخيهط البيهض مهن الخيهط السهود مهن الفجهر" [البقرة ]187 :قال له عدي :يها رسهول ال ،إنهي
أجعل تحت وسادتي عقالين :عقال أبيض وعقال أسود ،أعرف بهما الليل من النهار .فقال رسول
ال صهلى ال عليهه وسهلم( :إن وسهادك لعريهض إنمها ههو سهواد الليهل وبياض النهار) .فهذا الحديهث
يقضي أن النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ،وهو مقتضى الفقه في اليمان ،وبه ترتبط
الحكام .فمههن حلف أل يكلم فلنهها نهارا فكلمههه قبههل طلوع الشمههس حنههث ،وعلى الول ل يحنههث.
وقول النهبي ههو الفيصهل فهي ذلك والحكهم .وأمها على ظاههر اللغهة وأخذه مهن السهنة فههو مهن وقهت
السفار إذا اتسع وقت النهار ،كما قال:
يرى قائم من دونها ما وراءها ملكت بها كفي فأنهرت فتقها
وقهد جاء عهن حذيفهة مها يدل على هذا القول ،خرجهه النسهائي .وسهيأتي فهي آي الصهيام إن شاء ال
تعالى.
@قوله تعالى" :والفلك التي تجري في البحر" الفلك :السفن ،وإفراده وجمعه بلفظ واحد ،ويذكر
ويؤنهث .وليسهت الحركات فهي المفرد تلك بأعيانهها فهي الجمهع ،بهل كأنهه بنهى الجمهع بناء آخهر ،يدل
على ذلك توسهط التثنيهة فهي قولههم :فلكان .والفلك المفرد مذكهر ،قال تعالى" :فهي الفلك المشحون"
[يس ]41 :فجاء به مذكرا ،وقال" :والفلك التي تجري في البحر" فأنث .ويحتمل واحدا وجمعا،
وقال" :حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة" [يونس ]22 :فجمع ،فكأنه يذهب بها إذا
كانت واحدة إلى المركب فيذكر ،وإلى السفينة فيؤنث .وقيل :واحده فلك ،مثل أسد وأسد ،وخشب
وخشهب ،وأصهله مهن الدوران ،ومنهه :فلك السهماء التهي تدور عليهه النجوم .وفلكهت الجاريهة اسهتدار
ثديها ،ومنه فلكة المغزل .وسميت السفينة فلكا لنها تدور بالماء أسهل دور.
ل إياهها حتهى تجري على وجهه الماء ووقوفهها فوقهه مهع ثقلهها. ووجهه اليهة فهي الفلك :تسهخير ا ّ
وأول من عملها نوح عليه السلم كما أخبر تعالى ،وقال له جبريل :اصنعها على جؤجؤ الطائر،
فعملهها نوح عليهه السهلم وراثهة فهي العالميهن بمها أراه جبريهل .فالسهفينة طائر مقلوب والماء فهي
أسفلها نظير الهواء في أعلها ،قاله ابن العربي.
هذه اليههة ومهها كان مثلههها دليههل على جواز ركوب البحههر مطلقهها لتجارة كان أو عبادة ،كالحههج
ل صهلى الّ عليهه وسهلم فقال: والجهاد .ومهن السهنة حديهث أبهي هريرة قال :جاء رجهل إلى رسهول ا ّ
يها رسهول الّ ،إنها نركهب البحهر ونحمهل معنها القليهل مهن الماء .الحديهث .وحديهث أنهس بهن مالك فهي
قصهة أم حرام ،أخرجهمها الئمهة :مالك وغيره .روى حديهث أنهس عنهه جماعهة عهن إسهحاق بهن
عبدال بن أبي طلحة عن أنس ،ورواه بشر بن عمر عن مالك عن إسحاق عن أنس عن أم حرام،
جعله مهن مسهند أم حرام ل مهن مسهند أنهس .هكذا حدث عنهه بهه بندار محمهد بهن بشار ،ففيهه دليهل
واضههح على ركوب البحههر فههي الجهاد للرجال والنسههاء ،وإذا جاز ركوبههه للجهاد فركوبههه للحههج
المفترض أولى وأوجهب .وروي عهن عمهر بهن الخطاب وعمهر بهن عبدالعزيهز رضهي الّ عنهمها
المنههع مههن ركوبههه .والقرآن والسههنة يرد هذا القول ،ولو كان ركوبههه يكره أو ل يجوز لنهههى عنههه
النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم الذيهن قالوا له :إنها نركهب البحهر .وهذه اليهة ومها كان مثلهها نهص فهي
الغرض وإليهها المفزع .وقهد تؤول مها روي عهن العمريهن فهي ذلك بأن ذلك محمول على الحتياط
وترك التغرير بالمهج في طلب الدنيا والستكثار منها ،وأما في أداء الفرائض فل .ومما يدل على
ل تعالى ضرب البحههر وسههط الرض وجعههل الخلق فههي جواز ركوبههه مههن جهههة المعنههى أن ا ّ
ل سهبيلهالعدوتيهن ،وقسهم المنافهع بيهن الجهتيهن فل يوصهل إلى جلبهها إل بشهق البحهر لهها ،فسههل ا ّ
بالفلك ،قاله ابهن العربهي .قال أبهو عمهر :وقهد كان مالك يكره للمرأة الركوب للحهج فهي البحهر ،وههو
للجهاد لذلك أكره .والقرآن والسنة يرد قوله ،إل أن بعض أصحابنا من أهل البصرة قال :إنما كره
ذلك مالك لن السفن بالحجاز صغار ،وأن النساء ل يقدرن على الستتار عند الخلء فيها لضيقها
وتزاحهم الناس فيهها ،وكان الطريهق مهن المدينهة إلى مكهة على البر ممكنها ،فلذلك كره مالك ذلك.
وأمها السهفن الكبار نحهو سهفن أههل البصهرة فليهس بذلك بأس .قال :والصهل أن الحهج على كهل مهن
اسههتطاع إليههه سههبيل مههن الحرار البالغيههن ،نسههاء كانوا أو رجال ،إذا كان الغلب مههن الطريههق
المن ،ولم يخص بحرا من بر.
قلت :فدل الكتاب والسهنة والمعنهى على إباحهة ركوبهه للمعنييهن جميعها :العبادة والتجارة ،فههي
الحجة وفيها السوة .إل أن الناس في ركوب البحر تختلف أحوالهم ،فرب راكب يسهل عليه ذلك
ول يشق ،وآخر يشق عليه ويضعف به ،كالمائد المفرط الميد ،ومن لم يقدر معه على أداء فرض
الصلة ونحوها من الفرائض ،فالول ذلك له جائز ،والثاني يحرم عليه ويمنع منه.
ول خلف بيهن أههل العلم أن البحهر إذا أرتهج لم يجهز ركوبهه لحهد بوجهه مهن الوجوه فهي حيهن
ارتجاجه ول في الزمن الذي الغلب فيه عدم السلمة ،وإنما يجوز عندهم ركوبه في زمن تكون
السلمة فيه الغلب ،فإن الذين يركبونه حال السلمة وينجون ل حاصر لهم ،والذين يهلكون فيه
محصورون.
@قوله تعالى" :بمها ينفهع الناس" أي بالذي ينفعههم مهن التجارات وسهائر المآرب التهي تصهلح بهها
أحوالهم .وبركوب البحر تكتسب الرباح ،وينتفع من يحمل إليه المتاع أيضا .وقد قال بعض من
طعهن فهي الديهن :إن الّ تعالى يقول فهي كتابكهم" :مها فرطنها فهي الكتاب مهن شيهء" [النعام]38 :
فأيهن ذكهر التوابهل المصهلحة للطعام مهن الملح والفلفهل وغيهر ذلك؟ فقيهل له فهي قوله" :بمها ينفهع
الناس".
@قوله تعالى" :وما أنزل ال من السماء من ماء فأحيا به الرض بعد موتها" يعني بها المطار
التي بها إنعاش العالم وإخراج النبات والرزاق ،وجعل منه المخزون عدة للنتفاع في غير وقت
نزوله ،كما قال تعالى" :فأسكناه في الرض" [المؤمنون.]18 :
@قوله تعالى" :وبث فيها من كل دابة" أي فرق ونشر ،ومنه "كالفراش المبثوث" [القارعة]4 :
ل تعالى" :ومها مهن ودابهة تجمهع الحيوان كله ،وقهد أخرج بعهض الناس الطيهر ،وههو مردود ،قال ا ّ
دابة في الرض إل على ال رزقها" [هود ]6 :فإن الطير يدب على رجليه في بعض حالته ،قال
العشى:
دبيب قطا البطحاء في كل منهل
وقال علقمة بن عبدة:
صواعقها لطيرهن دبيب
@قوله تعالى" :وتصهريف الرياح" تصهريفها :إرسهالها عقيمها وملقحهة ،وصهرا ونصهرا وهلكها،
وحارة وباردة ،ولينهة وعاصهفة .وقيهل :تصهريفها إرسهالها جنوبها وشمال ،ودبورا وصهبا ،ونكباء،
وهههي التههي تأتههي بيههن مهههبي ريحيههن .وقيههل :تصههريفها أن تأتههي السههفن الكبار بقدر مهها تحملههها،
والصغار كذلك ،ويصهرف عنهمها مها يضهر بهمها ،ول اعتبار بكهبر القلع ول صغرها ،فإن الريهح
لو جاءت جسهدا واحدا لصهدمت القلع وأغرقهت .والرياح جمهع ريهح سهميت بهه لنهها تأتهي بالروح
غالبا .روى أبو داود عن أبي هريرة قال سمعت رسول الّ صلى الّ عليه وسلم يقول( :الريح من
ل خيرها واستعيذوا بالّ ل تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فإذا رأيتموها فل تسبوها واسألوا ا ّ روح ا ّ
من شرها) .وأخرجه أيضا ابن ماجة في سننه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن سعيد
عن الوزاعي عن الزهري حدثنا ثابت الزرقي عن أبي هريرة قال قال رسول الّ صلى الّ عليه
ل مههن خيرههها وسههلم( :ل تسههبوا الريههح فإنههها مههن روح ال تأتههي بالرحمههة والعذاب ولكههن سههلوا ا ّ
وتعوذوا بالّ من شرها) .وروي عن النبي صلى الّ عليه وسلم أنه قال( :ل تسبوا الريح فإنها من
نفس الرحمن) .المعنى :أن الّ تعالى جعل فيها التفريج والتنفيس والترويح ،والضافة من طريق
ل تعالى جعلها كذلك .وفي صحيح مسلم عن ابن عباس عن النبي صلى الّ الفعل .والمعنى :أن ا ّ
عليهه وسهلم أنهه قال( :نصهرت بالصهبا وأهلكهت عاد بالدبور) .وهذا معنهى مها جاء فهي الخهبر أن الّ
سهبحانه وتعالى فرج عهن نهبيه صهلى الّ عليهه وسهلم بالريهح يوم الحزاب ،فقال تعالى" :فأرسهلنا
عليههم ريحها وجنودا لم تروهها" [الحزاب .]9 :ويقال :نفهس الّ عهن فلن كربهة من كرب الدنيها،
أي فرج عنه .وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الّ عنه( :من نفس عن مسلم كربة
من كرب الدنيا نفس الّ عنه كربة من كرب يوم القيامة) .أي فرج عنه .وقال الشاعر:
على كبد مهموم تجلت هموهما كأن الصبا ريح إذا ما تنسمت
قال ابن العرابي :النسيم أول هبوب الريح .وأصل الريح روح ،ولهذا قيل في جمع القلة أرواح،
ول يقال :أرياح ،لنها من ذوات الواو ،وإنما قيل :رياح من جهة الكثرة وطلب تناسب الياء معها.
وفي مصحف حفصة "وتصريف الرواح".
@قوله تعالى" :وتصريف الرياح" قرأ حمزة والكسائي "الريح" على الفراد ،وكذا في العراف
والكهف وإبراهيم والنمل والروم وفاطر والشورى والجاثية ،ل خلف بينهما في ذلك 0ووافقهما
ابهن كثيهر فهي العراف والنمهل والروم وفاطهر والشورى .وأفرد حمزة "الرياح لواقهح" [الحجهر:
.]22وأفرد ابن كثير "وهو الذي أرسل الرياح" [الفرقان ]48 :في الفرقان وقرأ الباقون بالجمع
فهي جميعهها سهوى الذي فهي إبراهيهم والشورى فلم يقرأهمها بالجمهع سهوى نافهع ،ولم يختلف السهبعة
فيمها سهوى هذه المواضهع .والذي ذكرناه فهي الروم ههو الثانهي "ال الذي يرسهل الرياح" [الروم:
.]48ول خلف بينههم فهي "الرياح مبشرات" [الروم .]46 :وكان أبهو جعفهر يزيهد بهن القعقاع
يجمههع الرياح إذا كان فيههها ألف ولم فههي جميههع القرآن ،سههوى "تهوي بههه الريههح" [الحههج]31 :
و"الريهح العقيهم" [الذاريات ]41 :فإن لم يكهن فيهه ألف ولم أفرد .فمهن وحهد الريهح فلنهه اسهم
للجنهس يدل على القليهل والكثيهر .ومهن جمهع فلختلف الجهات التهي تههب منهها الرياح .ومهن جمهع
مهع الرحمهة ووحد مع العذاب فإنه فعل ذلك اعتبارا بالغلب فهي القرآن ،نحو" :الرياح مبشرات"
والريح العقيم" فجاءت في القرآن مجموعة مع الرحمة مفردة مع العذاب ،إل في يونس في قوله:
"وجرين بهم بريح طيبة" [يونس .]22 :وروي أن رسول الّ صلى الّ عليه وسلم كان يقول إذا
هبت الريح( :اللهم اجعلها رياحا ول تجعلها ريحا) .وذلك لن ريح العذاب شديدة ملتئمة الجزاء
كأنها جسم واحد ،وريح الرحمة لينة متقطعة فلذلك هي رياح .فأفردت مع الفلك في "يونس" ،لن
ريح إجراء السفن إنما هي ريح واحدة متصلة ثم وصفت بالطيب فزال الشتراك بينها وبين ريح
العذاب.
@قال العلماء :الريهح تحرك الهواء ،وقهد يشتهد ويضعهف .فإذا بدت حركهة الهواء مهن تجاه القبلة
ذاهبهة إلى سهمت القبلة قيهل لتلك الريهح" :الصهبا" .وإذا بدت حركهة الهواء مهن وراء القبلة وكانهت
ذاهبة إلى تجاه القبلة قيل لتلك الريح" :الدبور" .وإذا بدت حركة الهواء عن يمين القبلة ذاهبة إلى
يسارها قيل لها" :ريح الجنوب" .وإذا بدت حركة الهواء عن يسار القبلة ذاهبة إلى يمينها قيل لها:
"ريهح الشمال" .ولكهل واحدة مهن هذه الرياح طبهع ،فتكون منفعتهها بحسهب طبعهها ،فالصهبا حارة
يابسههة ،والدبور باردة رطبههة ،والجنوب حارة رطبههة ،والشمال باردة يابسههة .واختلف طباعههها
كاختلف طبائع فصول السنة .وذلك أن الّ تعالى وضع للزمان أربعة فصول مرجعها إلى تغيير
أحوال الهواء ،فجعهل الربيهع الذي ههو أول الفصهول حارا رطبها ،ورتهب فيهه النشهء والنمهو فتنزل
فيهه المياه ،وتخرج الرض زهرتهها وتظههر نباتهها ،ويأخهذ الناس فهي غرس الشجار وكثيهر مهن
الزرع ،وتتوالد فيهه الحيوانات وتكثهر اللبان .فإذا انقضهى الربيهع تله الصهيف الذي ههو مشاكهل
للربيهع فهي إحدى طهبيعتيه وههي الحرارة ،ومبايهن له فهي الخرى وههي الرطوبهة ،لن الهواء فهي
الصهيف حار يابهس ،فتنضهج فيهه الثمار وتيبهس فيهه الحبوب المزروعهة فهي الربيهع .فإذا انقضهى
الصهيف تبعهه الخريهف الذي ههو مشاكهل للصهيف فهي إحدى طهبيعتيه وههي اليبهس ،ومبايهن له فهي
الخرى وههي الحرارة ،لن الهواء فهي الخريهف بارد يابهس ،فيتناههى فيهه صهلح الثمار وتيبهس
وتجههف فتصهير إلى حال الدخار ،فتقطههف الثمار وتحصههد العناب وتفرغ مههن جمعهها الشجار.
فإذا انقضهى الخريهف تله الشتاء وههو ملئم للخريهف فهي إحدى طهبيعتيه وههي البرودة ،ومبايهن له
في الخرى وهو اليبس ،لن الهواء في الشتاء بارد رطب ،فتكثر المطار والثلوج وتهمد الرض
ل تبارك وتعالى إليها حرارة الربيع ،فإذا اجتمعت مع كالجسد المستريح ،فل تتحرك إل أن يعيد ا ّ
ل سهبحانه وتعالى .وقهد تههب رياح كثيرة سهوى مها الرطوبهة كان عنهد ذلك النشهء والنمهو بإذن ا ّ
ذكرناه ،إل أن الصول هذه الربع .فكل ريح تهب بين ريحين فحكمها حكم الريح التي تكون في
هبوبها أقرب إلى مكانها وتسمى "النكباء".
@قوله تعالى" :والسهحاب المسهخر بيهن السهماء والرض" سهمي السهحاب سهحابا لنسهحابه فهي
الهواء 0وسهحبت ذيلي سهحبا .وتسهحب فلن على فلن :اجترأ .والسهحب :شدة الكهل والشرب.
والمسهخر :المذلل ،وتسهخيره بعثهه مهن مكان إلى آخهر .وقيهل :تسهخيره ثبوتهه بيهن السهماء والرض
مهن غيهر عمهد ول علئق ،والول أظههر .وقهد يكون بماء وبعذاب ،روى مسهلم عهن أبهي هريرة
رضي الّ عنه عن النبي صلى الّ عليه وسلم قال( :بينما رجل بفلة من الرض فسمع صوتا في
سهحابة اسهق حديقهة فلن فتنحهى ذلك السهحاب فأفرغ ماءه فهي حرة فإذا شرجهة مهن تلك الشراج قهد
اسههتوعبت ذلك الماء كله فتتبههع الماء فإذا رجههل قائم فههي حديقتههه يحول الماء بمسههحاته فقال له يهها
عبدال مها اسهمك قال فلن للسهم الذي سهمع فهي السهحابة فقال له يها عبدال لم تسهألني عهن اسهمي
فقال إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول اسق حديقة فلن لسمك فما تصنع فيها؟
قال أمها إذ قلت هذا فإنهي أنظهر إلى مها يخرج منهها فأتصهدق بثلثهه وآكهل أنها وعيالي ثلثها وأرد فيهها
ثلثهه) .وفهي روايهة "وأجعهل ثلثهه فهي المسهاكين والسهائلين وابهن السهبيل) .وفهي التنزيهل" :وال الذي
أرسهل الرياح فتثيهر سهحابا فسهقناه إلى بلد ميهت" [فاطهر ،]9 :وقال" :حتهى إذا أقلت سهحابا ثقال
سهقناه لبلد ميهت" [العراف ]57 :وههو فهي التنزيهل كثيهر .وخرج ابهن ماجهة عهن عائشهة أن النهبي
صهلى الّ عليهه وسهلم كان إذا رأى سهحابا مقبل مهن أفهق مهن الفاق ترك مها ههو فيهه وإن كان فهي
صهلة حتهى يسهتقبله فيقول( :اللههم إنها نعوذ بهك مهن شهر مها أرسهل بهه) فإن أمطهر قال( :اللههم سهيبا
ل على ذلك .أخرجه مسلم بمعناه عن عائشة نافعا) مرتين أو ثلثا ،وإن كشفه الّ ولم يمطر حمد ا ّ
ل صهلى الّ عليهه وسهلم إذا كان يوم الريهح زوج النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم قالت :كان رسهول ا ّ
والغيههم عرف ذلك فههي وجههه وأقبههل وأدبر ،فإذا مطرت سههر بههه وذهههب عنههه ذلك .قالت عائشههة:
فسهألته فقال( :إنهي خشيهت أن يكون عذابها سهلط على أمتهي) .ويقول إذا رأى المطهر( :رحمهة) .فهي
رواية فقال( :لعله يا عائشة كما قال قوم عاد "فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض
ممطرنها") [الحقاف .]24 :فهذه الحاديهث والي تدل على صهحة القول الول وأن تسهخيرها
ل تعالى أعلم .فإن الثبوت يدل على عدم النتقال ،فإن أريههد بالثبوت كونههها فههي ليههس ثبوتههها ،وا ّ
الهواء ليسهت فهي السهماء ول فهي الرض فصهحيح ،لقوله "بيهن" وههي مهع ذلك مسهخرة محمولة،
ل تعالى" :ألم يروا إلى الطيهر مسهخرات فهي جهو وذلك اعظهم فهي القدرة ،كالطيهر فهي الهواء ،قال ا ّ
السماء ما يمسكهن إل ال" [النحل ]79 :وقال" :أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما
يمسكهن إل الرحمن" [الملك.]19 :
@قال كعب الحبار :السحاب غربال المطر ،لول السحاب حين ينزل الماء من السماء لفسد ما
يقهع عليهه مهن الرض ،رواه عنهه ابهن عباس .ذكره الخطيهب أبهو بكهر أحمهد بهن علي عهن معاذ بهن
عبدال بن خبيب الجهني قال :رأيت ابن عباس مر على بغلة وأنا في بني سلمة ،فمر به تبيع ابن
امرأة كعهب فسهلم على ابهن عباس فسهأله ابهن عباس :ههل سهمعت كعهب الحبار يقول فهي السهحاب
شيئا ؟ قال :نعم ،قال :السحاب غربال المطر ،لول السحاب حين ينزل الماء من السماء لفسد ما
يقهع عليهه مهن الرض .قال :سهمعت كعبها يقول فهي الرض تنبهت العام نباتها ،وتنبهت عامها قابل
غيره؟ قال نعههم ،سههمعته يقول :إن البذر ينزل مههن السههماء .قال ابههن عباس :وقههد سههمعت ذلك مههن
كعب.
@قوله تعالى" :ليات" أي دللت تدل على وحدانيتهه وقدرتهه ،ولذلك ذكهر هذه المور عقيهب
قوله" :وإلهكهم إله واحهد" ليدل على صهدق الخهبر عمها ذكره قبلهها مهن وحدانيتهه سهبحانه ،وذكهر
رحمته ورأفته بخلقه .وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :ويل لمن قرأ هذه الية فمج
بها) أي لم يتفكر فيها ولم يعتبرها.
فإن قيل :فما أنكرت أنها أحدثت أنفسها .قيل له :هذا محال ،لنها لو أحدثت أنفسها لم تخل من
أن تكون أحدثتههها وهههي موجودة أو هههي معدومههة ،فإن أحدثتههها وهههي معدومههة كان محال ،لن
الحداث ل يتأتى إل من حي عالم قادر مريد ،وما ليس بموجود ل يصح وصفه بذلك ،وإن كانت
موجودة فوجودهها يغنهي عهن إحداث أنفسهها .وأيضها فلو جاز مها قالوه لجاز أن يحدث البناء نفسهه
ل تعالى لم يقتصهر بهها وكذلك النجارة والنسهج ،وذلك محال ،ومها أدى إلى المحال محال .ثهم أن ا ّ
فهي وحدانيتهه على مجرد الخبار حتهى قرن ذلك بالنظهر والعتبار فهي آي مهن القرآن ،فقال لنهبيه
صههلى الّ عليههه وسههلم" :قههل انظروا ماذا فههي السههموات والرض" [يونههس ]101 :والخطاب
للكفار ،لقوله تعالى" :ومهها تغنههي اليات والنذر عههن قوم ل يؤمنون" ،وقال" :أو لم ينظروا فههي
ملكوت السموات والرض" [العراف ]185 :يعني بالملكوت اليات .وقال" :وفي أنفسكم أفل
تبصرون" [الذاريات .]21 :يقول :أو لم ينظروا في ذلك نظر تفكر وتدبر حتى يستدلوا بكونها
محل للحوادث والتغييرات على أنهها محدثات ،وأن المحدث ل يسهتغني عهن صهانع يصهنعه ،وأن
ذلك الصانع حكيم عالم قدير مريد سميع بصير متكلم ،لنه لو لم يكن بهذه الصفات لكان النسان
أكمهل منهه وذلك محال .وقال تعالى" :ولقهد خلقنها النسهان مهن سهللة مهن طيهن" [المؤمنون]12 :
يعنهي آدم عليهه السهلم" ،ثهم جعلناه" أي جعلنها نسهله وذريتهه "نطفهة فهي قرار مكيهن" [المؤمنون:
]13إلى قوله "تبعثون" .فالنسهان إذا تفكهر بهذا التنهبيه بمها جعهل له مهن العقهل فهي نفسهه رآهها
مدبرة وعلى أحوال شتى مصرفة .كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم لحما وعظما ،فيعلم أنه لم ينقل
نفسهه مهن حال النقهص إلى حال الكمال ،لنهه ل يقدر على أن يحدث لنفسهه فهي الحال الفضهل التهي
ههي كمال عقله وبلوغ أشده عضوا مهن العضاء ،ول يمكنهه أن يزيهد فهي جوارحهه جارحهة ،فيدله
ذلك على أنهه فهي حال نقصهه وأوان ضعفهه عهن فعهل ذلك أعجهز .وقهد يرى نفسهه شابها ثهم كهل ثهم
شيخا وهو لم ينقل نفسه من حال الشباب والقوة إلى حال الشيخوخة والهرم ،ول اختاره لنفسه ول
فههي وسهعه أن يزايهل حال المشيهب ويراجهع قوة الشباب ،فيعلم بذلك أنهه ليهس ههو الذي فعهل تلك
الفعال بنفسهه ،وأن له صهانعا صهنعه وناقل نقله مهن حال إلى حال ،ولول ذلك لم تتبدل أحواله بل
ناقهل ول مدبر .وقال بعهض الحكماء :إن كهل شيهء فهي العالم الكهبير له نظيهر فهي العالم الصهغير،
الذي ههو بدن النسهان ،ولذلك قال تعالى" :لقهد خلقنها النسهان فهي أحسهن تقويهم" [التيهن ]4 :وقال:
"وفهي أنفسهكم أفل تبصهرون" [الذاريات .]21 :فحواس النسهان أشرف مهن الكواكهب المضيئة،
والسمع والبصر منها بمنزلة الشمس والقمر في إدراك المدركات بها ،وأعضاؤه تصير عند البلى
ترابا من جنس الرض ،وفيه من جنس الماء العرق وسائر رطوبات البدن ،ومن جنس الهواء فيه
الروح والنفهس ،ومهن جنهس النار فيهه المرة الصهفراء .وعروقهه بمنزلة النهار فهي الرض ،وكبده
بمنزلة العيون التههي تسههتمد منههها النهار ،لن العروق تسههتمد مههن الكبههد .ومثانتههه بمنزلة البحههر،
لنصباب ما في أوعية البدن إليها كما تنصب النهار إلى البحر .وعظامه بمنزلة الجبال التي هي
أوتاد الرض .وأعضاؤه كالشجار ،فكما أن لكل شجر ورقا وثمرا فكذلك لكل عضو فعل أو أثر.
والشعهر على البدن بمنزلة النبات والحشيش على الرض ثم إن النسان يحكهي بلسانه كهل صهوت
حيوان ،ويحاكهي بأعضائه صهنيع كهل حيوان ،فههو العالم الصهغير مهع العالم الكهبير مخلوق محدث
لصانع واحد ،ل إله إل هو.
**3الية{ 165 :ومن الناس من يتخذ من دون ال أندادا يحبونهم كحب ال والذين آمنوا أشد
حبا ل ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة ل جميعا وأن ال شديد العذاب}
@لما أخبر الّ سبحانه وتعالى في الية قبل ما دل على وحدانيته وقدرته وعظم سلطانه أخبر أن
مهع هذه اليات القاهرة لذوي العقول مهن يتخهذ معهه أندادا ،وواحدهها نهد ،وقهد تقدم .والمراد الوثان
والصنام التي كانوا يعبدونها كعبادة الّ مع عجزها ،قاله مجاهد.
@قوله تعالى" :يحبونههم كحهب ال والذيهن آمنوا أشهد حبها ل" أي يحبون أصهنامهم على الباطهل
كحههب المؤمنيههن ل على الحههق ،قاله المههبرد ،وقال معناه الزجاج .أي أنهههم مههع عجههز الصههنام
يحبونهههم كحههب المؤمنيههن ل مههع قدرتههه .وقال ابههن عباس والسههدي :المراد بالنداد الرؤسههاء
المتبعون ،يطيعونهم في معاصي الّ .وجاء الضمير في "يحبونهم" على هذا على الصل ،وعلى
الول جاء ضميهر الصهنام ضميهر مهن يعقهل على غيهر الصهل .وقال ابهن كيسهان والزجاج أيضها:
ل تعالى فهي المحبهة .قال أبهو إسهحاق:معنهى "يحبونههم كحهب الّ" أي يسهوون بيهن الصهنام وبيهن ا ّ
وهذا القول الصحيح ،والدليل على صحته" :والذين آمنوا أشد حبا ل" وقرأ أبو رجاء "يحبونهم"
بفتح الياء .وكذلك ما كان منه في القرآن ،وهي لغة ،يقال :حببت الرجل فهو محبوب .قال الفراء:
أنشدني أبو تراب:
حببت لحبها سود الكلب أحب لحبها السودان حتى
@و"من" في قوله "من يتخذ" في موضع رفع بالبتداء ،و"يتخذ" على اللفظ ،ويجوز فهي غير
القرآن "يتخذون" على المعنى ،و"يحبونهم" على المعنى ،و"يحبهم" على اللفظ ،وهو في موضع
نصههب على الحال مههن الضميههر الذي فههي "يتخههذ" أي محههبين ،وإن شئت كان نعتهها للنداد ،أي
محبوبهة .والكاف مهن "كحهب" نعهت لمصهدر محذوف ،أي يحبونههم حبها كحهب الّ" .والذيهن آمنوا
أشهد حبها ل" أي أشهد مهن حهب أههل الوثان لوثانههم والتابعيهن لمتبوعههم .وقيهل :إنمها قال "والذيهن
آمنوا أشهد حبها ل" لن الّ تعالى أحبههم أول ثهم أحبوه .ومهن شههد له محبوبهه بالمحبهة كانهت محبتهه
ل تعالى" :يحبهم ويحبونه" [المائدة .]54 :وسيأتي بيان حب المؤمنين ل تعالى وحبه أتم ،قال ا ّ
ل تعالى.لهم في سورة "آل عمران" إن شاء ا ّ
@قوله تعالى" :ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة ل جميعا وأن ال شديد العذاب"
قراءة أهل المدينة وأهل الشام بالتاء ،وأهل مكة وأهل الكوفة وأبو عمرو بالياء ،وهو اختيار أبي
عبيههد .وفههي اليههة إشكال وحذف ،فقال أبههو عبيههد :المعنههى لو يرى الذيههن ظلموا فههي الدنيهها عذاب
الخرة لعلموا حين يرونه أن القوة ل جميعا .و"يرى" على هذا من رؤية البصر .قال النحاس في
كتاب "معانههي القرآن" له :وهذا القول هههو الذي عليههه أهههل التفسههير .وقال فههي كتاب "إعراب
القرآن" له :وروي عهن محمهد بهن يزيهد أنهه قال :هذا التفسهير الذي جاء بهه أبهو عبيهد بعيهد ،وليسهت
عبارته فيه بالجيدة ،لنه يقدر :ولو يرى الذين ظلموا العذاب ،فكأنه يجعله مشكوكا فيه وقد أوجبه
الّ تعالى ،ولكهن التقديهر وههو قول الخفهش :ولو يرى الذيهن ظلموا أن القوة ل .و"يرى" بمعنهى
يعلم ،أي لو يعلمون حقيقههة قوة الّ عههز وجههل وشدة عذابههه ،فههه "يرى" واقعههة على أن القوة ل،
وسدت مسد المفعولين .و"الذين" فاعل "يرى" ،وجواب "لو" محذوف ،أي لتبينوا ضرر اتخاذهم
اللههة ،كمها قال عهز وجهل" .ولو ترى إذ وقفوا على ربههم" [النعام" ،]30 :ولو ترى إذ وقفوا
على النار" [النعام ]27 :ولم يأت لهه "لو" جواب .قال الزهري وقتادة :الضمار أشهد للوعيهد،
ومثله قول القائل :لو رأيهت فلنها والسهياط تأخذه ومهن قرأ بالتاء فالتقديهر :ولو ترى يها محمهد الذيهن
ظلموا فهي حال رؤيتههم العذاب وفزعههم منهه واسهتعظامهم له لقروا أن القوة ل ،فالجواب مضمهر
على هذا النحو من المعنى وهو العامل في "أن" .وتقدير آخر :ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في
حال رؤيتههم العذاب وفزعههم منهه لعلمهت أن القوة ل جميعها .وقهد كان النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم
علم ذلك ،ولكههن خوطههب والمراد أمتههه ،فإن فيهههم مههن يحتاج إلى تقويههة علمههه بمشاهدة مثههل هذا.
ويجوز أن يكون المعنى :قل يا محمد للظالم هذا .وقيل" :أن" في موضع نصب مفعول من أجله،
أي لن القوة ل جميعا .وأنشد سيبويه.
وأعرض عن شتم اللئيم تكرما وأغفر عوراء الكريم ادخاره
أي لدخاره ،والمعنى :ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب لن القوة ل لعلمت
مبلغهههم مههن النكال ولسههتعظمت مهها حههل بهههم .ودخلت "إذ" وهههي لمهها مضههى فههي إثبات هذه
المسهتقبلت تقريبها للمهر وتصهحيحا لوقوعهه .وقرأ ابهن عامهر وحده "يرون" بضهم الياء ،والباقون
بفتحهها .وقرأ الحسهن ويعقوب وشيبهة وسهلم وأبهو جعفهر "إن القوة ،وإن الّ" بكسهر الهمزة فيهمها
على السههتئناف أو على تقديههر القول ،أي ولو ترى الذيههن ظلموا إذ يرون العذاب يقولون إن القوة
ل .وثبت بنص هذه الية القوة ل ،بخلف قول المعتزلة في نفيهم معاني الصفات القديمة ،تعالى
الّ عن قولهم.
**3الية{ 166 :إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم السباب}
@قوله تعالى" :إذ تبرأ الذين اتبعوا" يعني السادة والرؤساء تبرؤوا ممن اتبعهم على الكفر .عن
قتادة وعطاء والربيع .وقال قتادة أيضا والسدي :هم الشياطين المضلون تبرؤوا من النس .وقل:
ههو عام فهي كهل متبوع" .ورأوا العذاب" يعنهي التابعيهن والمتبوعيهن ،قيهل :بتيقنههم له عنهد المعاينهة
في الدنيا .وقيل :عند العرض والمساءلة في الخرة.
قلت :كلهمهها حاصههل ،فهههم يعاينون عنههد الموت مهها يصههيرون إليههه مههن الهوان ،وفههي الخرة
يذوقون أليم العذاب والنكال.
@قوله تعالى" :وتقطعهت بههم السهباب" أي الوصهلت التهي كانوا يتواصهلون بهها فهي الدنيها مهن
رحم وغيره ،عن مجاهد وغيره .الواحد سبب ووصلة .وأصل السبب الحبل يشد بالشيء فيجذبه،
ثم جعل كل ما جر شيئا سببا .وقال السدي وابن زيد :إن السباب أعمالهم .والسبب الناحية ،ومنه
قول زهير:
ولو رام أسباب السماء بسلم ومن هاب أسباب المنايا ينلنه
**3الية{ 167 :وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا كذلك يريهم ال
أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار}
@قوله تعالى" :وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة" "أن" في موضع رفع ،أي لو ثبت أن لنا رجعة
"فنتبرأ منهم" جواب التمني .والكرة :الرجعة والعودة إلى حال قد كانت ،أي قال التباع :لو رددنا
إلى الدنيها حتهى نعمهل صهالحا ونتهبرأ منههم "كمها تهبرؤوا منها" أي تهبرأ كمها ،فالكاف فهي موضهع
نصههب على النعههت لمصههدر محذوف .ويجوز أن يكون نصههبا على الحال ،تقديرههها متههبرئين،
والتبرؤ النفصال.
@قوله تعالى" :كذلك يريهم ال أعمالهم حسرات عليهم" الكاف في موضع رفع ،أي المر كذلك.
ل العذاب كذلك يريههم الّ أعمالههم .و"يريههم الّ" قيهل :ههي ،مهن رؤيهة البصهر، أي كمها أراههم ا ّ
فيكون متعديها لمفعوليهن :الول الهاء والميهم فهي "يريههم" ،والثانهي "أعمالههم" ،وتكون "حسهرات"
حال .ويحتمهههل أن يكون مهههن رؤيهههة القلب ،فتكون "حسهههرات" المفعول الثالث" .أعمالههههم" قال
الربيههع :أي العمال الفاسههدة التههي ارتكبوههها فوجبههت لهههم بههها النار .وقال ابههن مسههعود والسههدي:
العمال الصهالحة التهي تركوهها ففاتتههم الجنهة ،ورويهت فهي هذا القول أحاديهث .قال السهدي :ترفهع
لهم الجنة فينظرون إليها وإلى بيوتهم فيها لو أطاعوا الّ تعالى ،ثم تقسم بين المؤمنين فذلك حين
يندمون .وأضيفهت هذه العمال إليههم مهن حيهث ههم مأمورون بهها ،وأمها إضافهة العمال الفاسهدة
إليههم فمهن حيهث عملوهها .والحسهرة واحدة الحسهرات ،كتمرة وتمرات ،وجفنهة وجفنات ،وشهوة
وشهوات .هذا إذا كان اسهههما ،فإن نعتهههه سهههكنت ،كقولك :ضخمهههة وضخمات ،وعبلة وعبلت.
والحسرة أعلى درجات الندامة على شيء فائت .والتحسر :التلهف ،يقال :حسرت عليه (بالكسر)
أحسهر حسهرا وحسهرة .وههي مشتقهة مهن الشيهء الحسهير الذي قهد انقطهع وذهبهت قوتهه ،كالبعيهر إذا
عيههي .وقيههل :هههي مشتقههة مههن حسههر إذا كشههف ،ومنههه الحاسههر فههي الحرب :الذي ل درع معههه.
والنحسار .النكشاف.
@قوله تعالى" :وما هم بخارجين من النار" دليل على خلود الكفار فيها وأنهم ل يخرجون منها.
وهذا قول جماعة أهل السنة ،لهذه الية ولقوله تعالى" :ول يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم
الخياط" [العراف .]40 :وسيأتي.
**3اليهة{ 168 :يها أيهها الناس كلوا ممها فهي الرض حلل طيبها ول تتبعوا خطوات الشيطان
إنه لكم عدو مبين}
@قوله تعالى" :يها أيهها الناس" قيهل :إنهها نزلت فهي ثقيهف وخزاعهة وبنهي مدلج فيمها حرموه على
أنفسههم مهن النعام ،واللفهظ عام .والطيهب هنها الحلل ،فههو تأكيهد لختلف اللفهظ ،وهذا قول مالك
فهي الطيهب .وقال الشافعهي :الطيهب المسهتلذ ،فههو تنويهع ،ولذلك يمنهع أكهل الحيوان القذر .وسهيأتي
ل تعالى.
بيان هذا في "النعام" و"العراف" إن شاء ا ّ
@قوله تعالى" :حلل طيبها" "حلل" حال ،وقيهل مفعول .وسهمي الحلل حلل لنحلل عقدة
الحظهر عنه .قال سهل بن عبدال :النجاة فهي ثلثة :أكل الحلل ،وأداء الفرائض ،والقتداء بالنبي
صلى الّ عليه وسلم .وقال أبو عبدال الساجي واسمه سعيد بن يزيد :خمس خصال بها تمام العلم،
وهي :معرفة الّ عز وجل ،ومعرفة الحق وإخلص العمل ل ،والعمل على السنة ،وأكل الحلل،
فإن فقدت واحدة لم يرفع العمل .قال سهل :ول يصح أكل الحلل إل بالعلم ،ول يكون المال حلل
حتهى يصهفو مهن سهت خصهال :الربها والحرام والسهحت -وههو اسهم مجمهل -والغلول والمكروه
والشبهة.
@قوله تعالى" :ول تتبعوا" نههي "خطوات الشيطان" "خطوات" جمهع خطوة وخطوة بمعنهى
واحههد .قال الفراء :الخطوات جمههع خطوة ،بالفتههح .وخطوة (بالضههم) :مهها بيههن القدميههن .وقال
الجوهري :وجمههع القلة خطوات وخطوات وخطوات ،والكثيههر خطهها .والخطوة (بالفتههح) :المرة
الواحدة ،والجمع خطوات (بالتحريك) وخطاء ،مثل ركوة وركاء ،قال امرؤ القيس:
فواد خطاء وواد مطر لها وثبات كوثب الظباء
وقرأ أبو السمال العدوي وعبيد بن عمير "خطوات" بفتح الخاء والطاء .وروي عن علي بن أبي
طالب وقتادة والعرج وعمرو بهن ميمون والعمهش "خطؤات" بضهم الخاء والطاء والهمزة على
الواو .قال الخفش :وذهبوا بهذه القراءة إلى أنها جمع خطيئة ،من الخطهأ ل من الخطو .والمعنى
على قراءة الجمهور :ول تقفوا أثهههر الشيطان وعمله ،ومههها لم يرد بهههه الشرع فههههو منسهههوب إلى
الشيطان .قال ابن عباس" :خطوات الشيطان" أعماله .مجاهد :خطاياه .السدي :طاعته .أبو مجلز:
هي النذور في المعاصي.
قلت :والصههحيح أن اللفههظ عام فههي كههل مهها عدا السههنن والشرائع مههن البدع والمعاصههي .وتقدم
القول في "الشيطان" مستوفى.
@قوله تعالى" :إنه لكم عدو مبين" أخبر تعالى بأن الشيطان عدو ،وخبره حق وصدق .فالواجب
على العاقل أن يأخذ حذره من هذا العدو الذي قد أبان عداوته من زمن آدم ،وبذل نفسه وعمره في
ل تعالى بالحذر منههه فقال جههل مههن قائل" :ول تتبعوا خطوات إفسههاد أحوال بنههي آدم ،وقههد أمههر ا ّ
الشيطان إنهه لكهم عدو مهبين"" ،إنمها يأمركهم بالسهوء والفحشاء وأن تقولوا على ال مها ل تعلمون"
[البقرة ]169 :وقال" :الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء" [البقرة ]268 :وقال" :ويريد
الشيطان أن يضلهم ضلل بعيدا" [النساء ]60 :وقال" :إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة
والبغضاء فهي الخمهر والميسهر ويصهدكم عهن ذكهر ال وعهن الصهلة فههل أنتهم منتهون" [المائدة:
]91وقال" :إنهه عدو مضهل مهبين" [القصهص ]15 :وقال" :إن الشيطان لكهم عدو فاتخذه عدوا
إنمها يدعوا حزبهه ليكونوا مهن أصهحاب السهعير" [فاطهر .]6 :وهذا غايهة فهي التحذيهر ،ومثله فهي
القرآن كثيهر .وقال عبدال بهن عمهر :إن إبليهس موثهق فهي الرض السهفلى ،فإذا تحرك فإن كهل شهر
الرض بيهن اثنيهن فصهاعدا مهن تحركهه .وخرج الترمذي مهن حديهث أبهي مالك الشعري وفيهه:
ل فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتهى إذا أتى على (وآمركم أن تذكروا ا ّ
حصهن حصهين فأحرز نفسهه منههم كذلك العبهد ل يحرز نفسهه مهن الشيطان إل بذكهر الّ) الحديهث.
وقال فيه :حديث حسن صحيح غريب.
**3الية{ 169 :إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على ال ما ل تعلمون}
@قوله تعالى" :إنمها يأمركهم بالسهوء والفحشاء" سهمي السهوء سهوءا لنهه يسهوء صهاحبه بسهوء
عواقبه .وهو مصدر ساءه يسوءه سوءا ومساءة إذا أحزنه .وسؤته فسيء إذا أحزنته فحزن ،قال
الّ تعالى" :سيئت وجوه الذين كفروا" [الملك .]27 :وقال الشاعر:
فطالما قد سرني الدهر إن يك هذا الدهر قد ساءني
لذاك شكر ولذاك صبر المر عندي فيهما واحد
والفحشاء أصله قبح المنظر ،كما قال:
وجيد كجيد الريم ليس بفاحش
ثهم اسهتعملت اللفظهة فيمها يقبهح مهن المعانهي .والشرع ههو الذي يحسهن ويقبهح ،فكهل مها نههت عنهه
الشريعهة فههو مهن الفحشاء .وقال مقاتهل :إن كهل مها فهي القرآن مهن ذكهر الفحشاء فإنهه الزنهى ،إل
قوله" :الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء" [البقرة ]268 :فإنه منع الزكاة.
قلت :فعلى هذا قيل :السوء ما ل حد فيه ،والفحشاء ما فيه حد .وحكي عن ابن عباس وغيره،
ل تعالى أعلم.
وا ّ
@قوله تعالى" :وأن تقولوا على ال مها ل تعلمون" قال الطهبري :يريهد مها حرموا مهن البحيرة
والسههائبة ونحوههها ممهها جعلوه شرعهها" .وأن تقولوا" فههي موضههع خفههض عطفهها على قوله تعالى:
"بالسوء والفحشاء".
**3اليهة{ 170 :وإذا قيهل لههم اتبعوا مها أنزل ال قالوا بهل نتبهع مها ألفينها عليهه آباءنها أولو كان
آباؤهم ل يعقلون شيئا ول يهتدون}
@قوله تعالى" :وإذا قيل لهم" يعني كفار العرب .ابن عباس :نزلت في اليهود .الطبري :الضمير
فهي "لههم" عائد على الناس مهن قوله تعالى" :يها أيهها الناس كلوا" .وقيهل :ههو عائد على "مهن" فهي
قوله تعالى" :ومهن الناس مهن يتخهذ مهن دون ال" [البقرة ]165 :اليهة .وقوله" :اتبعوا مها أنزل
ال" أي بالقبول والعمل" .قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا" ألفينا :وجدنا .وقال الشاعر:
ول ذاكر ال إل قليل فألفيته غير مستعتب
@قوله تعالى" :أولو كان آباؤهم" اللف للستفهام ،وفتحت الواو لنها واو عطف ،عطفت جملة
كلم على جملة ،لن غايهة الفسهاد فهي اللتزام أن يقولوا :نتبهع آباءنها ولو كانوا ل يعقلون ،فقرروا
على التزامهم هذا ،إذ هي حال آبائهم.
مسألة :قال علماؤنا :وقوة ألفاظ هذه الية تعطي إبطال التقليد ،ونظيرها" :وإذا قيل لهم تعالوا
إلى مها أنزل ال وإلى الرسهول قالوا حسهبنا مها وجدنها عليهه آباءنها" [المائدة ]104 :اليهة .وهذه
الية والتي قبلها مرتبطة بما قبلهما ،وذلك أن الّ سبحانه أخبر عن جهالة العرب فيما تحكمت فيه
بآرائها السفيهة في البحيرة والسائبة والوصيلة ،فاحتجوا بأنه أمر وجدوا عليه آباءهم فاتبعوهم في
ل على رسهوله وأمهر بهه فهي دينهه ،فالضميهر فهي "لههم" عائد عليههم فهي ذلك ،وتركوا مها أنزل ا ّ
اليتين جميعا.
ل تعالى الكفار باتباعهم لبائهم في الباطل ،واقتدائهم بهم @تعلق قوم بهذه الية في ذم التقليد لذم ا ّ
فهي الكفهر والمعصهية .وهذا فهي الباطهل صهحيح ،أمها التقليهد فهي الحهق فأصهل مهن أصهول الديهن،
وعصهمة مهن عصهم المسهلمين يلجهأ إليهها الجاههل المقصهر عهن درك النظهر .واختلف العلماء فهي
جوازه في مسائل الصول على ما يأتي ،وأما جوازه في مسائل الفروع فصحيح.
التقليهد عنهد العلماء حقيقتهه قبول قول بل حجهة ،وعلى هذا فمهن قبهل قول النهبي صهلى الّ عليهه
وسلم من غير نظر في معجزته يكون مقلدا ،وأما من نظر فيها فل يكون مقلدا .وقيل :هو اعتقاد
صحة فتيا من ل يعلم صحة قوله .وهو في اللغة مأخوذ من قلدة البعير ،فإن العرب تقول :قلدت
البعيهر إذا جعلت فهي عنقهه حبل يقاد بهه ،فكأن المقلد يجعهل أمره كله لمهن يقوده حيهث شاء ،وكذلك
قال شاعرهم:
ثبت الجنان بأمر الحرب مضطلعا وقلدوا أمركم ل دركم
التقليهد ليهس طريقها للعلم ول موصهل له ،ل فهي الصهول ول فهي الفروع ،وههو قول جمهور
العقلء والعلماء ،خلفها لمها يحكهى عهن جهال الحشويهة والثعلبيهة مهن أنهه طريهق إلى معرفهة الحهق،
وأن ذلك هو الواجب ،وأن النظر والبحث حرام ،والحتجاج عليهم في كتب الصول.
@فرض العامي الذي ل يشتغل باستنباط الحكام من أصولها لعدم أهليته فيما ل يعلمه من أمر
دينهه ويحتاج إليهه أن يقصهد أعلم مهن فهي زمانهه وبلده فيسهأله عهن نازلتهه فيمتثهل فيهها فتواه ،لقوله
تعالى" :فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون" [النحل ،]43 :وعليه الجتهاد في أعلم أهل وقته
بالبحث عنه ،حتى يقع عليه التفاق من الكثر من الناس .وعلى العالم أيضا فرض أن يقلد عالما
مثله فهي نازلة خفهي عليهه فيهها وجهه الدليهل والنظهر ،وأراد أن يجدد الفكهر فيهها والنظهر حتهى يقهف
على المطلوب ،فضاق الوقههت عههن ذلك ،وخاف على العبادة أن تفوت ،أو على الحكههم أن يذهههب،
سههواء كان ذلك المجتهههد الخههر صههحابيا أو غيره ،وإليههه ذهههب القاضههي أبههو بكههر وجماعههة مههن
المحققين.
@قال ابهن عطيهة :أجمعهت المهة على إبطال التقليهد فهي العقائد .وذكهر فيهه غيره خلفها كالقاضهي
أبي بكر بن العربي وأبي عمر وعثمان بن عيسى بن درباس الشافعي .قال ابن درباس في كتاب
"النتصهار" له :وقال بعهض الناس يجوز التقليهد فهي أمهر التوحيهد ،وههو خطهأ لقوله تعالى" :إنها
وجدنها آباءنها على أمهة" [الزخرف .]23 :فذمههم بتقليدههم آباءههم وتركههم اتباع الرسهل ،كصهنيع
أهل الهواء في تقليدهم كبراءهم وتركهم اتباع محمد صلى الّ عليه وسلم في دينه ،ولنه فرض
على كل مكلف تعلم أمر التوحيد والقطع به ،وذلك ل يحصل إل من جهة الكتاب والسنة ،كما بيناه
ل يهدي من يريد.في آية التوحيد ،وا ّ
قال ابن درباس :وقد أكثر أهل الزيغ القول على من تمسك بالكتاب والسنة أنهم مقلدون .وهذا
خطأ منهم ،بل هو بهم أليق وبمذاهبهم أخلق ،إذ قبلوا قول ساداتهم وكبرائهم فيما خالفوا فيه كتاب
الّ وسنة رسوله وإجماع الصحابة رضي الّ عنهم ،فكانوا داخلين فيمن ذمهم الّ بقوله" :ربنا إنا
أطعنها سهادتنا وكبراءنها" [الحزاب ]67 :إلى قوله" :كهبيرا" وقوله" :إنها وجدنها آباءنها على أمهة
وإنها على آثارههم مقتدون" [الزخرف .]23 :ثهم قال لنهبيه" :قال أو لو جئتكهم بأهدى ممها وجدتهم
عليهه آباءكهم قالوا إنها بمها أرسهلتم بهه كافرون" [الزخرف ]24 :ثهم قال لنهبيه عليهه السهلم "فانتقمنها
منههم" اليهة .فهبين تعالى أن الهدى فيمها جاءت بهه رسهله عليههم السهلم .وليهس قول أههل الثهر فهي
عقائدههم :إنها وجدنها أئمتنها وآباءنها والناس على الخهذ بالكتاب والسهنة وإجماع السهلف الصهالح مهن
المهة ،مهن قولههم :إنها وجدنها آباءنها وأطعنها سهادتنا وكبراءنها بسهبيل ،لن هؤلء نسهبوا ذلك إلى
التنزيل وإلى متابعة الرسول ،وأولئك نسبوا إفكهم إلى أهل الباطيل ،فازدادوا بذلك في التضليل،
أل ترى أن الّ سبحانه أثنى على يوسف عليه السلم في القرآن حيث قال" :إني تركت ملة قوم ل
يؤمنون بال وههم بالخرة ههم كافرون .واتبعهت ملة آبائي إبراهيهم وإسهحاق ويعقوب مها كان لنها أن
نشرك بال مهن شيهء ذلك مهن فضهل ال علينها وعلى الناس" [يوسهف .]38:فلمها كان آباؤه عليهه
وعليههم السهلم أنهبياء متبعيهن للوحهي وههو الديهن الخالص الذي ارتضاه ال ،كان اتباعهه آباءه مهن
صفات المدح .ولم يجئ فيما جاؤوا به ذكر العراض وتعلقها بالجواهر وانقلبها فيها ،فدل على
أن ل هدى فيها ول رشد في واضعيها.
قال ابهن الحصهار :وإنمها ظههر التلفهظ بهها فهي زمهن المأمون بعهد المائتيهن لمها ترجمهت كتهب
الوائل وظههر فيهها اختلفههم فهي قدم العالم وحدوثهه ،واختلفههم فهي الجوههر وثبوتهه ،والعرض
وماهيتههه ،فسههارع المبتدعون ومههن فههي قلبههه زيههغ إلى حفههظ تلك الصههطلحات ،وقصههدوا بههها
الغراب على أهل السنة ،وإدخال الشبه على الضعفاء من أهل الملة .فلم يزل المر كذلك إلى أن
ظهرت البدعهة ،وصهارت للمبتدعهة شيعهة ،والتبهس المهر على السهلطان ،حتهى قال الميهر بخلق
القرآن ،وجبر الناس عليه ،وضرب أحمد بن حنبل على ذلك.
فانتدب رجال مهن أههل السهنة كالشيهخ أبهي الحسهن الشعري وعبدال بهن كلب وابهن مجاههد
والمحاسهبي وأضرابههم ،فخاضوا مهع المبتدعهة فهي اصهطلحاتهم ،ثهم قاتلوههم وقتلوههم بسهلحهم
وكان مههن درج مههن المسههلمين مههن هذه المههة متمسههكين بالكتاب والسههنة ،معرضيههن عههن شبههه
الملحدين ،لم ينظروا في الجوهر والعرض ،على ذلك كان السلف.
قلت :ومهن نظهر الن فهي اصهطلح المتكلميهن حتهى يناضهل بذلك عهن الديهن فمنزلتهه قريبهة مهن
النبيين .فأما من يهجن من غلة المتكلمين طريق من أخذ بالثر من المؤمنين ،ويحض على درس
كتهب الكلم ،وأنهه ل يعرف الحهق إل مهن جهتهها بتلك الصهطلحات فصهاروا مذموميهن لنقضههم
طريق المتقدمين من الئمة الماضين ،والّ أعلم .وأما المخاصمة والجدال بالدليل والبرهان فذلك
ل تعالى.
بين في القرآن ،وسيأتي بيانه إن شاء ا ّ
**3الية{ 171 :ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما ل يسمع إل دعاء ونداء صم بكم عمي
فهم ل يعقلون}
@شبهه تعالى واعهظ الكفار وداعيههم وههو محمهد صهلى الّ عليهه وسهلم بالراعهي الذي ينعهق بالغنهم
والبهل فل تسهمع إل دعاءه ونداءه ،ول تفههم مها يقول ،هكذا فسهره ابهن عباس ومجاههد وعكرمهة
والسههدي والزجاج والفراء وسههيبويه ،وهذه نهايههة اليجاز .قال سههيبويه :لم يشبهوا بالناعههق إنمهها
شبهوا بالمنعوق بهه .والمعنهى :ومثلك يها محمهد ومثهل الذيهن كفروا كمثهل الناعهق والمنعوق بهه مهن
البهائم التهي ل تفههم ،فحذف لدللة المعنهى .وقال ابهن زيهد :المعنهى مثهل الذيهن كفروا فهي دعائههم
اللهة الجماد كمثل الصائح في جوف الليل فيجيبه الصدى ،فهو يصيح بما ل يسمع ،ويجيبه ما ل
حقيقة فيه ول منتفع .وقال قطرب :المعنى مثل الذين كفروا في دعائهم ما ل يفهم ،يعني الصنام،
كمثل الراعي إذا نعق بغنمه وهو ل يدري أين هي .قال الطبري :المراد مثل الكافرين في دعائهم
آلهتههم كمثهل الذي ينعهق بشيهء بعيهد فههو ل يسهمع مهن أجهل البعهد ،فليهس للناعهق مهن ذلك إل النداء
الذي يتعبهه وينصهبه .ففهي هذه التأويلت الثلثهة يشبهه الكفار بالناعهق الصهائح ،والصهنام بالمنعوق
بهه .والنعيهق :زجهر الغنهم والصهياح بهها ،يقال :نعهق الراعهي بغنمهه ينعهق نعيقها ونعاقها ونعقانها ،أي
صاح بها وزجرها .قال الخطل:
منتك نفسك في الخلء ضلل انعق بضأنك يا جرير فإنما
قال القتهبي :لم يكهن جريهر راعهي ضأن ،وإنمها أراد أن بنهي كليهب يعيرون برعهي الضأن ،وجريهر
منهم ،فهو في جهلهم .والعرب تضرب المثل براعي الغنم في الجهل ويقولون" :أجهل من راعي
ضأن" .قال القتبي :ومن ذهب إلى هذا في معنى الية كان مذهبا ،غير أنه لم يذهب إليه أحد من
العلماء فيمها نعلم .والنداء للبعيهد ،والدعاء للقريهب ،ولذلك قيهل للذان بالصهلة نداء لنهه للباعهد.
وقهد تضهم النون فهي النداء والصهل الكسهر .ثهم شبهه تعالى الكافريهن بأنههم صهم بكهم عمهي .وقهد تقدم
في أول السورة.
**3اليهة{ 172 :يها أيهها الذيهن آمنوا كلوا مهن طيبات مها رزقناكهم واشكروا ل إن كنتهم إياه
تعبدون}
@هذا تأكيد للمر الول ،وخص المؤمنين هنا بالذكر تفضيل .والمراد بالكل النتفاع من جميع
الوجوه .وقيههل :هههو الكههل المعتاد .وفههي صههحيح مسههلم عههن أبههي هريرة رضههي الّ عنههه قال قال
ل أمههرل تعالى طيههب ل يقبههل إل طيبهها وإن ا ّل صههلى الّ عليههه وسههلم( :أيههها الناس إن ا ّ
رسههول ا ّ
المؤمنيهن بمها أمهر بهه المرسهلين فقال "يها أيهها الرسهل كلوا مهن الطيبات واعملوا صهالحا إنهي بمها
تعملون عليم" [المؤمنون ]51 :وقال" :يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم" ثم ذكر
الرجهل يطيهل السهفر أشعهث أغهبر يمهد يديهه إلى السهماء يها رب يها رب ومطعمهه حرام [ومشربهه
حرام] وملبسههه حرام [وغذي بالحرام] فأنههى يسههتجاب لذلك)" .واشكروا ل إن كنتههم إياه تعبدون"
تقدم معنى الشكر فل معنى للعادة.
**3الية{ 173 :إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير ال فمن اضطر
غير باغ ول عاد فل إثم عليه إن ال غفور رحيم}
@قوله تعالى" :إنما حرم عليكم" "إنما" كلمة موضوعة للحصر ،تتضمن النفي والثبات ،فتثبت
مها تناوله الخطاب وتنفي ما عداه ،وقهد حصهرت ههنا التحريهم ،ل سهيما وقد جاءت عقيب التحليهل
في قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم" فأفادت الباحة على الطلق ،ثم
عقبها بذكر المحرم بكلمة "إنما" الحاصرة ،فاقتضى ذلك اليعاب للقسمين ،فل محرم يخرج عن
هذه الية ،وهي مدنية ،وأكدها بالية الخرى التي روي أنها نزلت بعرفة" :قل ل أجد فيما أوحي
ي محرما على طاعم يطعمه" [النعام ]145 :إلى آخرها ،فاستوفى البيان أول وآخرا ،قاله ابن إل ّ
ل تعالى.
العربي .وسيأتي الكلم في تلك في "النعام" إن شاء ا ّ
@قوله تعالى" :الميتة" نصهب بهه "حرّم" ،و"ما" كافة .ويجوز أن تجعلهها بمعنهى الذي ،منفصلة
فهي الخهط ،وترفهع "الميتهة والدم ولحهم الخنزيهر" على خهبر "إن" وههي قراءة ابهن أبهي عبلة .وفهي
"حرم" ضمير يعود على الذي ،ونظيره قوله تعالى" :إنما صنعوا كيد ساحر" [طه .]69 :وقرأ
أبهو جعفهر "حرم" بضهم الحاء وكسهر الراء ورفهع السهماء بعدهها ،إمها على مها لم يسهم فاعله ،وإمها
على خهبر إن .وقرأ أبهو جعفهر بهن القعقاع أيضها "الميتهة" بالتشديهد .الطهبري :وقال جماعهة مهن
اللغويين :التشديد والتخفيف في ميت وميت لغتان .وقال أبو حاتم وغيره :ما قد مات فيقالن فيه،
ومهها لم يمههت بعههد فل يقال فيههه "ميههت" بالتخفيههف ،دليله قوله تعالى" :إنههك ميههت وإنهههم ميتون"
[الزمر .]30 :وقال الشاعر:
إنما الميت ميت الحياء ليس من مات فاستراح بميت
ولم يقرأ أحد بتخفيف ما لم يمت ،إل ما روى البزي عن ابن كثير "وما هو بميت" والمشهور عنه
التثقيل ،وأما قول الشاعر:
فسرك أن يعيش فجئ بزاد إذا ما مات ميت من تميم
فل أبلغ فهي الهجاء مهن أنهه أراد الميهت حقيقهة ،وقهد ذههب بعهض الناس إلى أنهه أراد مهن شارف
الموت ،والول أشهر.
@الميتهة :مها فارقتهه الروح مهن غيهر ذكاة ممها يذبهح ،ومها ليهس بمأكول فذكاتهه كموتهه ،كالسهباع
ل تعالى.وغيرها ،على ما يأتي بيانه هنا وفي "النعام" إن شاء ا ّ
هذه اليهة عامهة دخلهها التخصهيص بقوله عليهه السهلم( :أحلت لنها ميتتان الحوت والجراد ودمان
الكبههد والطحال) .أخرجههه الدار قطنههي ،وكذلك حديههث جابر فههي العنههبر يخصههص عموم القرآن
بصحة سنده .خرجه البخاري ومسلم مع قوله تعالى" :أحل لكم صيد البحر" [المائدة ،]96 :على
ل تعالى .وأكثهر أههل العلم على جواز أكهل جميهع دواب البحهر حيهها مها يأتهي بيانهه هناك ،إن شاء ا ّ
وميتهها ،وههو مذههب مالك .وتوقهف أن يجيهب فهي خنزيهر الماء وقال :أنتهم تقولون خنزيرا قال ابهن
القاسم :وأنا أتقيه ول أراه حراما.
@ وقد اختلف الناس في تخصيص كتاب الّ تعالى بالسنة ،ومع اختلفهم في ذلك اتفقوا على أنه
ل يجوز تخصيصه بحديث ضعيف ،قاله ابن العربي .وقد يستدل على تخصيص هذه الية أيضا
ل صهلى الّ عليهه بمها فهي صهحيح مسهلم مهن حديهث عبدال بهن أبهي أوفهى قال :غزونها مهع رسهول ا ّ
وسهلم سهبع غزوات كنها نأكهل الجراد معهه .وظاهره أكله كيهف مها مات بعلج أو حتهف أنفهه ،وبهذا
قال ابهن نافهع وابهن عبدالحكهم وأكثهر العلماء ،وههو مذههب الشافعهي وأبهي حنيفهة وغيرهمها .ومنهع
مالك وجمهور أصههحابه مههن أكله إن مات حتههف أنفههه ،لنههه مههن صههيد البر ،أل ترى أن المحرم
يجزئه إذا قتله ،فأشبهه الغزال .وقال أشههب :إن مات مهن قطهع رجهل أو جناح لم يؤكهل ،لنهها حالة
قههد يعيههش بههها وينسههل .وسههيأتي لحكههم الجراد مزيههد بيان فههي "العراف" عنههد ذكره ،إن شاء الّ
تعالى.
@ واختلف العلماء هل يجوز أن ينتفع بالميتة أو بشيء من النجاسات ،واختلف عن مالك في ذلك
أيضها ،فقال مرة :يجوز النتفاع بهها ،لن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم مهر على شاة ميمونهة فقال:
(هل أخذتم إهابها) الحديث .وقال مرة :جملتها محرم ،فل يجوز النتفاع بشيء منها ،ول بشيء
مههن النجاسههات على وجههه مههن وجوه النتفاع ،حتههى ل يجوز أن يسههقى الزرع ول الحيوان الماء
النجس ،ول تعلف البهائم النجاسات ،ول تطعم الميتة الكلب والسباع ،وإن أكلتها لم تمنع .ووجه
هذا القول ظاهههر قوله تعالى" :حرمههت عليكههم الميتههة والدم" [المائدة ]3 :ولم يخههص وجههها مههن
وجههه ،ول يجوز أن يقال :هذا الخطاب مجمههل ،لن المجمههل مهها ل يفهههم المراد مههن ظاهره ،وقههد
فهمهت العرب المراد مهن قوله تعالى" :حرمهت عليكهم الميتهة" ،وأيضها فإن النهبي صهلى الّ عليهه
وسهلم قال( :ل تنتفعوا مهن الميتهة بشيهء) .وفهي حديهث عبدال بهن عكيهم؟؟ (ل تنتفعوا مهن الميتهة
بإهاب ول عصب) .وهذا آخر ما ورد به كتابه قبل موته بشهر ،وسيأتي بيان هذه الخبار والكلم
ل تعالى.
عليها في "النحل" إن شاء ا ّ
@ فأما الناقة إذا نحرت ،أو البقرة أو الشاة إذا ذبحت ،وكان في بطنها جنين ميت فجائز أكله من
غير تذكية له في نفسه ،إل أن يخرج حيا فيذكى ،ويكون له حكم نفسه ،وذلك أن الجنين إذا خرج
منهها بعهد الذبهح ميتها جرى مجرى العضهو مهن أعضائهها .وممها يهبين ذلك أنهه لو باع الشاة واسهتثنى
مها فهي بطنهها لم يجهز ،كمها لو اسهتثنى عضوا منهها ،وكان مها فهي بطنهها تابعها لهها كسهائر أعضائهها.
وكذلك لو أعتقها من غير أن يوقع على ما في بطنها عتقا مبتدأ ،ولو كان منفصل عنها لم يتبعها
ل صهلى الّ عليهه وسهلم سهئل عهن فهي بيهع ول عتهق .وقهد روى جابر رضهي الّ عنهه أن رسهول ا ّ
البقرة والشاة تذبهح ،والناقهة تنحهر فيكون فهي بطنهها جنيهن ميهت ،فقال( :إن شئتهم فكلوه لن ذكاتهه
ذكاة أمه) .خرجه أبو داود بمعناه من حديث أبي سعيد الخدري وهو نص ل يحتمل .وسيأتي لهذا
مزيد بيان في سورة "المائدة" إن شاء الّ تعالى.
@ واختلفت الرواية عن مالك في جلد الميتة هل يطهر بالدباغ أو ل ،فروي عنه أنه ل يطهر،
وههو ظاههر مذهبهه .وروي عنهه أنهه يطههر ،لقوله عليهه السهلم (أيمها إهاب دبهغ فقهد طههر) .ووجهه
قوله :ل يطههر ،بأنهه جزء مهن الميتهة لو أخهذ منهها فهي حال الحياة كان نجسها ،فوجهب أل يطهره
الدباغ قياسها على اللحهم .وتحمهل الخبار بالطهارة على أن الدباغ يزيهل الوسهاخ عهن الجلد حتهى
ينتفهع بهه فهي الشياء اليابسهة وفهي الجلوس عليهه ،ويجوز أيضها أن ينتفهع بهه فهي الماء بأن يجعهل
سهقاء ،لن الماء على أصهل الطهارة مها لم يتغيهر له وصهف على مها يأتهي مهن حكمهه فهي سهورة
"الفرقان" .والطهارة في اللغة متوجهة نحو إزالة الوساخ كما تتوجه إلى الطهارة الشرعية ،والّ
تعالى أعلم.
@ وأما شعر الميتة وصوفها فطاهر ،لما روي عن أم سلمة رضي الّ عنها عن النبي صلى الّ
عليه وسلم أنه قال( :ل بأس بمسك الميتة إذا دبغ وصوفها وشعرها إذا غسل) .ولنه كان طاهرا
لو أخذ منها في حال الحياة فوجب أن يكون كذلك بعد الموت ،إل أن اللحم لما كان نجسا في حال
الحياة كان كذلك بعهد الموت ،فيجهب أن يكون الصهوف خلفهه فهي حال الموت كمها كان خلفهه فهي
حال الحياة استدلل بالعكس .ول يلزم على هذا اللبن والبيضة من الدجاجة الميتة ،لن اللبن عندنا
طاههر بعهد الموت ،وكذلك البيضهة ،ولكنهمها حصهل فهي وعاء نجهس فتنجسها بمجاورة الوعاء ل
أنهما نجسا بالموت .وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة والتي قبلها وما للعلماء فيهما من الخلف في
سورة "النحل" إن شاء الّ تعالى.
@ وأما ما وقعت فيه الفأرة فله حالتان :حالة تكون إن أخرجت الفأرة حية فهو طاهر .وإن ماتت
فيهه فله حالتان :حالة يكون مائعها فإنهه ينجهس جميعهه .وحالة يكون جامدا فإنهه ينجهس مها جاورهها،
فتطرح ومها حولهها ،وينتفهع بمها بقهي وههو على طهارتهه ،لمها روي أن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم
سهئل عهن الفأرة تقهع فهي السهمن فتموت ،فقال عليهه السهلم( :إن كان جامدا فاطرحوهها ومها حولهها
وإن كان مائعها فأريقوه) .واختلف العلماء فيهه إذا غسهل ،فقيهل :ل يطههر بالغسهل ،لنهه مائع نجهس
فأشبهه الدم والخمهر والبول وسهائر النجاسهات .وقال ابهن القاسهم :يطههر بالغسهل ،لنهه جسهم تنجهس
بمجاورة النجاسهة فأشبهه الثوب ،ول يلزم على هذا الدم ،لنهه نجهس بعينهه ،ول الخمهر والبول لن
الغسل يستهلكهما ول يتأتى فيه.
فإذا حكمنا بطهارته بالغسل رجع إلى حالته الولى في الطهارة وسائر وجوه النتفاع ،لكن ل
يهبيعه حتهى يهبين ،لن ذلك عيهب عنهد الناس تأباه نفوسههم .ومنههم مهن يعتقهد تحريمهه ونجاسهته ،فل
يجوز بيعهه حتهى يهبين العيهب كسهائر الشياء المعيبهة .وأمها قبهل الغسهل فل يجوز بيعهه بحال ،لن
النجاسهات عنده ل يجوز بيعهها ،ولنهه مائع نجهس فأشبهه الخمهر ،ولن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم
ل اليهود حرمت عليهم الشحوم فحملوها فباعوها وأكلوا أثمانها سئل عن ثمن الخمر فقال( :لعن ا ّ
وأن الّ إذا حرم شيئا حرم ثمنه) وهذا المائع محرم لنجاسته فوجب أن يحرم ثمنه بحكم الظاهر.
@ واختلف إذا وقع في القدر حيوان ،طائر أو غيره فمات فروى ابن وهب عن مالك أنه قال :ل
يؤكهل مها فهي القدر ،وقهد تنجهس بمخالطهة الميتهة إياه .وروى ابهن القاسهم عنهه أنهه قال :يغسهل اللحهم
ويراق المرق .وقهد سهئل ابهن عباس عهن هذه المسهألة فقال :يغسهل اللحهم ويؤكهل .ول مخالف له فهي
المرق من أصحابه ،ذكره ابن خويز منداد.
@ فأمهها أنفحههة الميتههة ولبههن الميتههة فقال الشافعههي :ذلك نجههس لعموم قوله تعالى "حرمههت عليكههم
الميتهة" [المائدة .]3 :وقال أبهو حنيفهة بطهارتهمها ،ولم يجعهل لموضهع الخلقهة أثرا فهي تنجهس مها
جاوره ممها حدث فيهه خلقهة ،قال :ولذلك يؤكهل اللحهم بمها فيهه مهن العروق ،مهع القطهع بمجاورة الدم
لدواخلهها مهن غيهر تطهيهر ول غسهل إجماعها .وقال مالك نحهو قول أبهي حنيفهة إن ذلك ل ينجهس
بالموت ،ولكههن ينجههس بمجاورة الوعاء النجههس وهههو ممهها ل يتأتههى فيههه الغسههل .وكذلك الدجاجههة
تخرج منها البيضة بعد موتها ،لن البيضة لينة في حكم المائع قبل خروجها ،وإنما تجمد وتصلب
بالهواء.
قال ابن خويز منداد فإن قيل :فقولكم يؤدي إلى خلف الجماع ،وذلك أن النبي صلى الّ عليه
وسهلم والمسهلمين بعده كانوا يأكلون الجبهن وكان مجلوبها إليههم مهن أرض العجهم ،ومعلوم أن ذبائح
العجم وهم مجوس ميتة ،ولم يعتدوا بأن يكون مجمدا بأنفحة ميته أو ذكي .قيل له :قدر ما يقع من
النفحهة فهي اللبهن المجبهن يسهير ،واليسهير مهن النجاسهة معفهو عنهه إذا خالط الكثيهر مهن المائع .هذا
جواب على إحدى الروايتين .وعلى الرواية الخرى إنما كان ذلك في أول السلم ،ول يمكن أحد
أن ينقل أن الصحابة أكلت الجبن المحمول من أرض العجم ،بل الجبن ليس من طعام العرب ،فلما
انتشر المسلمون في أرض العجم بالفتوح صارت الذبائح لهم ،فمن أين لنا أن النبي صلى الّ عليه
وسههلم والصههحابة أكلت جبنهها فضل عههن أن يكون محمول مههن أرض العجههم ومعمول مههن أنفخههة
ذبائحهم.
وقال أبهو عمهر :ول بأس بأكهل طعام عبدة الوثان والمجوس وسهائر مهن ل كتاب له مهن الكفار
ما لم يكن من ذبائحهم ولم يحتج إلى ذكاة إل الجبن لما فيه من أنفحة الميتة .وفي سنن ابن ماجة
"الجبن والسمن" حدثنا إسماعيل بن موسى السدي حدثنا سيف بن هارون عن سليمان التيمي عن
ل صهلى الّ عليهه وسهلم عهن السهمن أبهي عثمان النهدي عهن سهلمان الفارسهي قال :سهئل رسهول ا ّ
والجبن والفراء .فقال( :الحلل ما أحل الّ في كتابه والحرام ما حرم الّ في كتابه وما سكت عنه
فهو مما عفا عنه).
@قوله تعالى" :والدم" اتفق العلماء على أن الدم حرام نجس ل يؤكل ول ينتفع به .قال ابن خويز
منداد :وأمها الدم فمحرم مها لم تعهم بهه البلوى ،ومعفهو عمها تعهم بهه البلوى .والذي تعهم بهه البلوى ههو
الدم فهي اللحهم وعروقهه ،ويسهيره فهي البدن والثوب يصهلى فيهه .وإنمها قلنها ذلك لن الّ تعالى قال:
"حرمهت عليكهم الميتهة والدم" [المائدة ،]3 :وقال فهي موضهع آخهر "قهل ل أجهد فيمها أوحهى إليّه
محرمها على طاعهم يطعمهه إل أن يكون ميتهة أو دمها مسهفوحا" [النعام .]145 :فحرم المسهفوح
من الدم .وقد روت عائشة رضي الّ عنها قالت( :كنا نطبخ البرمة على عهد رسول الّ صلى الّ
عليههه وسههلم تعلوههها الصههفرة مههن الدم فنأكههل ول ننكره) لن التحفههظ مههن هذا إصههر وفيههه مشقههة،
والصهر والمشقهة فهي الديهن موضوع .وهذا أصهل فهي الشرع ،أن كلمها حرجهت المهة فهي أداء
العبادة فيهه وثقهل عليهها سهقطت العبادة عنهها فيهه ،أل ترى أن المضطهر يأكهل الميتهة ،وأن المريهض
يفطر ويتيمم في نحو ذلك.
قلت :ذكههر الّ سههبحانه وتعالى الدم ههنهها مطلقهها ،وقيده فههي النعام بقوله "مسههفوحا" [النعام:
]145وحمل العلماء ههنا المطلق على المقيد إجماعا .فالدم هنا يراد به المسفوح ،لن ما خالط
اللحم فغير محرم بإجماع ،وكذلك الكبد والطحال مجمع عليه .وفي دم الحوت المزايل له اختلف،
وروي عن القابسي أنه طاهر ،ويلزم على طهارته أنه غير محرم .وهو اختيار ابن العربي ،قال:
لنه لو كان دم السمك نجسا لشرعت ذكاته.
قلت :وهو مذهب أبي حنيفة في دم الحوت ،سمعت بعض الحنفية يقول :الدليل على أنه طاهر
أنه إذا يبس أبيض بخلف سائر الدماء فإنه يسود .وهذه النكتة لهم في الحتجاج على الشافعية.
ل تعالى ذكهر اللحهم مهن الخنزيهر ليدل على تحريهم عينهه @قوله تعالى" :ولحهم الخنزيهر" خهص ا ّ
ذكي أو لم يذك ،وليعم الشحم وما هنالك من الغضاريف وغيرها.
أجمعت المة على تحريم شحم الخنزير .وقد استدل مالك وأصحابه على أن من حلف أل يأكل
شحمها فأكهل لحمها لم يحنهث بأكهل اللحهم .فإن حلف أل يأكهل لحمها فأكهل شحمها حنهث لن اللحهم مهع
الشحم يقع عليه اسم اللحم ،فقد دخل الشحم في اسم اللحم ول يدخل اللحم في اسم الشحم .وقد حرم
الّ تعالى لحهم الخنزيهر فناب ذكهر لحمهه عهن شحمهه ،لنهه دخهل تحهت اسهم اللحهم .وحرم الّ تعالى
على بنهي إسهرائيل الشحوم بقوله" :حرمنها عليههم شحومهمها" [النعام ]146 :فلم يقهع بهذا عليههم
تحريم اللحم ولم يدخل في اسم الشحم ،فلهذا فرق مالك بين الحالف في الشحم والحالف في اللحم،
إل أن يكون للحالف نيههة فههي اللحههم دون الشحههم فل يحنههث والّ تعالى أعلم .ول يحنههث فههي قول
الشافعهي وأبهي ثور وأصهحاب الرأي إذا حلف أل يأكهل لحمها فأكهل شحمها .وقال أحمهد :إذا حلف أل
يأكل لحما فأكل الشحم ل بأس به إل أن يكون أراد اجتناب الدسم.
@ ل خلف أن جملة الخنزير محرمة إل الشعر فإنه يجوز الخرازة به .وقد روي أن رجل سأل
رسول الّ صلى الّ عليه وسلم عن الخرازة بشعر الخنزير ،فقال( :ل بأس بذلك) ذكره ابن خويز
ل صههلى الّ عليههه وسههلم كانههت ،وبعده موجودة منداد ،قال :ولن الخرازة على عهههد رسههول ا ّ
ل صهلى الّ عليهه وسهلم أنكرهها ول أحهد مهن الئمهة بعده .ومها أجازه ظاهرة ،ل نعلم أن رسهول ا ّ
الرسول صلى الّ عليه وسلم فهو كابتداء الشرع منه.
ل خلف في تحريم خنزير البر كما ذكرنا ،وفي خنزير الماء خلف .وأبى مالك أن يجيب فيه
ل تعالى. بشيء ،وقال :أنتم تقولون خنزيرا وقد تقدم ،وسيأتي بيانه في "المائدة" إن شاء ا ّ
@ ذهب أكثر اللغويين إلى أن لفظة الخنزير رباعية .وحكى ابن سيده عن بعضهم أنه مشتق من
خزر العيهن ،لنهه كذلك ينظهر ،واللفظهة على هذا ثلثيهة .وفهي الصهحاح :وتخازر الرجهل إذا ضيهق
جفنه ليحدد النظهر .والخزر :ضيهق العين وصهغرها .رجهل أخزر بيهن الخزر .ويقال :هو أن يكون
النسان كأنه ينظر بمؤخرها .وجمع الخنزير خنازير .والخنازير أيضا علة معروفة ،وهي قروح
صلبة تحدث في الرقبة.
@قوله تعالى" :وما أهل به لغير ال" أي ذكر عليه غير اسم الّ تعالى ،وهي ذبيحة المجوسي
والوثني والمعطل .فالوثني يذبح للوثن ،والمجوسي للنار ،والمعطل ل يعتقد شيئا فيذبح لنفسه .ول
خلف بيهن العلماء أن مها ذبحهه المجوسهي لناره والوثنهي لوثنهه ل يؤكهل ،ول تؤكهل ذبيحتهمها عنهد
مالك والشافعهي وغيرهمها وإن لم يذبحها لناره ووثنهه ،وأجازهمها ابهن المسهيب وأبهو ثور إذا ذبهح
ل تعالى فههي سههورة "المائدة" .والهلل :رفههع لمسههلم بأمره .وسههيأتي لهذا مزيههد بيان إن شاء ا ّ
الصوت ،يقال :أهل بكذا ،أي رفع صوته .قال ابن أحمر يصف فلة:
كما يهل الراكب المعتمر يهل بالفرقد ركبانها
وقال النابغة:
بهيج متى يرها يهل ويسجد أو درة صدفية غواصها
ومنه إهلل الصبي واستهلله ،وهو صياحه عند ولدته .وقال ابن عباس وغيره :المراد ما ذبح
للنصهاب والوثان ،ل مها ذكهر عليهه اسهم المسهيح ،على مها يأتهي بيانهه فهي سهورة "المائدة" إن شاء
ال تعالى .وجرت عادة العرب بالصهياح باسهم المقصهود بالذبيحهة ،وغلب ذلك فهي اسهتعمالهم حتهى
عبر به عن النية التي هي علة التحريم ،أل ترى أن علي بن أبي طالب رضي الّ عنه راعى النية
ل بهه ،فتركهها الناس .قال ابهنفهي البهل التهي نحرهها غالب أبهو الفرزدق فقال :إنهها ممها أهل لغيهر ا ّ
عطيهة :ورأيهت فهي أخبار الحسهن بهن أبهي الحسهن أنهه سهئل عهن امرأة مترفهة صهنعت للعبهها عرسها
فنحرت جزورا ،فقال الحسن :ل يحل أكلها فإنها إنما نحرت لصنم.
قلت :ومن هذا المعنى ما رويناه عن يحيى بن يحيى التميمي شيخ مسلم قال :أخبرنا جرير عن
قابوس قال :أرسههل أبههي امرأة إلى عائشههة رضههي الّ عنههها وأمرههها أن تقرأ عليههها السههلم منههه،
ل صهلى الّ عليهه وسهلم يدوم عليهها .قالت( :كان وتسهألها أيهة صهلة كانهت أعجهب إلى رسهول ا ّ
يصهلي قبهل الظههر أربهع ركعات يطيهل فيههن القيام ويحسهن الركوع والسهجود ،فأمها مها لم يدع قهط،
صهحيحا ول مريضها ول شاهدا ،ركعتيهن قبهل صهلة الغداة .قالت امرأة عنهد ذلك مهن الناس :يها أم
المؤمنين ،إن لنا أظآرا من العجهم ل يزال يكون لههم عيد فيهدون لنا منه ،أفنأكهل منه شيئا؟ قالت:
أما ما ذبح لذلك اليوم فل تأكلوا ولكن كلوا من أشجارهم).
@قوله تعالى" :فمهن اضطهر" قرئ بضهم النون للتباع وبالكسهر وههو الصهل للتقاء السهاكنين،
وفيههه إضمار ،أي فمههن اضطههر إلى شيههء مههن هذه المحرمات أي أحوج إليههها ،فهههو افتعههل مههن
الضرورة .وقرأ ابهن محيصهن "فمهن اطّر" بإدغام الضاد فهي الطاء .وأبهو السهمال "فمهن اضطهر"
بكسر الطاء .وأصله اضطرر فلما أدغمت نقلت حركة الراء إلى الطاء.
الضطرار ل يخلو أن يكون بإكراه من ظالم أو بجوع فهي مخمصهة .والذي عليه الجمهور مهن
الفقهاء والعلماء في معنى الية هو من صيره العدم والغرث وهو الجوع إلى ذلك ،وهو الصحيح.
وقيههل :معناه أكره وغلب على أكههل هذه المحرمات .قال مجاهههد :يعنههي أكره عليههه كالرجههل يأخذه
ل تعالى ،إل أن الكراه يبيح ذلك إلى العدو فيكرهونه على أكل لحم الخنزير وغيره من معصية ا ّ
آخر الكراه.
وأما المخمصة فل يخلو أن تكون دائمة أو ل ،فإن كانت دائمة فل خلف في جواز الشبع من
الميتهة ،إل أنهه ل يحهل له أكلهها وههو يجهد مال مسهلم ل يخاف فيهه قطعها ،كالتمهر المعلق وحريسهة
الجبهل ،ونحهو ذلك ممها ل قطهع فيهه ول أذى .وهذا ممها ل اختلف فيهه ،لحديهث أبهي هريرة رضهي
الّ عنه قال :بينما نحن مع رسول الّ صلى الّ عليه وسلم في سفر إذ رأينا إبل مصرورة بعضاه
ل صهلى الّ عليهه وسهلم فرجعنها إليهه فقال( :إن هذه البهل لههل الشجهر فثبنها إليهها فنادانها رسهول ا ّ
بيهت مهن المسهلمين ههو قوتههم ويمنههم بعهد الّ أيسهركم لو رجعتهم إلى مزاودكهم فوجدتهم مها فيهها قهد
ذهههب بههه أترون ذلك عدل) قالوا ل ،فقال( :إن هذه كذلك) .قلنهها :أفرأيههت إن احتجنهها إلى الطعام
والشراب؟ فقال( :كههل ول تحمههل واشرب ول تحمههل) .خرجههه ابههن ماجههة رحمههه الّ ،وقال :هذا
الصل عندي .وذكره ابن المنذر قال :قلنا يا رسول الّ ،ما يحل لحدنا من مال أخيه إذا اضطر
إليه؟ قال( :يأكل ول يحمل ويشرب ول يحمل) .قال ابن المنذر :وكل مختلف فيه بعد ذلك فمردود
إلى تحريهم الّ الموال .قال أبهو عمهر :وجملة القول فهي ذلك أن المسهلم إذا تعيهن عليهه رد رمهق
مهجههة المسههلم ،وتوجههه الفرض فههي ذلك بأل يكون هناك غيره قضههي عليههه بترميههق تلك المهجههة
الدميهة .وكان للممنوع منهه مها له مهن ذلك محاربهة مهن منعهه ومقاتلتهه ،وإن أتهى ذلك على نفسهه،
وذلك عند أهل العلم إذا لم يكن هناك إل واحد ل غير ،فحينئذ يتعين عليه الفرض .فإن كانوا كثيرا
أو جماعهة وعددا كان ذلك عليههم فرضها على الكفايهة .والماء فهي ذلك وغيره ممها يرد نفهس المسهلم
ويمسكها سواء .إل أنهم اختلفوا في وجوب قيمة ذلك الشيء على الذي ردت به مهجته ورمق به
نفسهه ،فأوجبهها موجبون ،وأباهها آخرون ،وفهي مذهبنها القولن جميعها .ول خلف بيهن أههل العلم
متأخريههم ومتقدميهم في وجوب رد مهجة المسلم عند خوف الذهاب والتلف بالشيء اليسير الذي
ل مضرة فيه على صاحبه وفيه البلغة.
@خرج ابن ماجة أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة أنبأنا شبابة (ح) وحدثنا محمد ابن بشار ومحمد بن
الوليهد قال حدثنها محمهد بهن جعفهر حدثنها شعبهة عهن أبهي بشهر جعفهر بهن إياس قال :سهمعت عباد بهن
شرحبيل -رجل من بني غبر -قال :أصابنا عام مخمصة فأتيت المدينة فأتيت حائطا من حيطانها
فأخذت سنبل ففركته وأكلته وجعلته في كسائي ،فجاء صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي ،فأتيت
رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم فأخهبرته ،فقال للرجهل( :مها أطعمتهه إذ كان جائعها أو سهاغبا ول
علمته إذ كان جاهل) فأمره النبي صلى الّ عليه وسلم فرد إليه ثوبه ،وأمر له بوسق من طعام أو
نصف وسق.
قلت :هذا حديث صحيح اتفق على رجاله البخاري ومسلم ،إل ابن أبي شيبة فإنه لمسلم وحده.
وعباد بن شرحبيل الغبري اليشكري لم يخرج له البخاري ومسلم شيئا ،وليس له عن النبي صلى
الّ عليهه وسهلم غيهر هذه القصهة فيمها ذكهر أبهو عمهر رحمهه الّ ،وههو ينفهي القطهع والدب فهي
المخمصة .وقد روى أبو داود عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الّ عليه وسلم قال( :إذا أتى
أحدكهم على ماشيهة فإن كان فيهها صهاحبها فليسهتأذنه فإن أذن له فليحتلب وليشرب وإن لم يكهن فيهها
فليصهوت ثلثها فإن أجاب فليسهتأذنه فإن أذن له وإل فليحتلب وليشرب ول يحمهل) .وذكهر الترمذي
عن يحيهى بن سليم عن عبيدالّ عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الّ عليه وسلم قال( :من
دخل حائطا فليأكل ول يتخذ خبنة) .قال :هذا حديث غريب ل نعرفه إل من حديث يحيى بن سليم.
وذكر من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الّ عليه وسلم سئل عن الثمر
المعلق ،فقال( :مهن أصهاب منهه مهن ذي حاجهة غيهر متخهذ خبنهة فل شيهء عليهه) .قال فيهه :حديهث
حسن .وفي حديث عمر رضي الّ عنه( :إذا مر أحدكم بحائط فليأكل ول يتخذ ثبانا) .قال أبو عبيد
قال أبو عمر :وهو الوعاء الذي يحمل فيه الشيء ،فإن حملته بين يديك فهو ثبان ،يقال :قد تثبنت
ثبانا ،فإن حملته على ظهرك فهو الحال ،يقال منه :قد تحولت كسائي إذا جعلت فيه شيئا ثم حملته
على ظهرك .فإن جعلته في حضنك فهو خبنة ،ومنه حديث عمرو بن شعيب المرفوع (ول يتخذ
خبنهة) .يقال منهه :خبنت أخبهن خبنها .قال أبو عبيد :وإنما يوجه هذا الحديهث أنه رخهص فيهه للجائع
المضطر الذي ل شيء معه يشتري به أل يحمل إل ما كان في بطنه قدر قوته.
قلت :لن الصل المتفق عليه تحريم مال الغير إل بطيب نفس منه ،فإن كانت هناك عادة بعمل
ذلك كمها كان فهي أول السهلم ،أو كمها ههو الن فهي بعهض البلدان ،فذلك جائز .ويحمهل ذلك على
أوقات المجاعة والضرورة ،كما تقدم والّ أعلم.
وإن كان الثانهي وههو النادر فهي وقهت مهن الوقات ،فاختلف العلماء فيهها على قوليهن :أحدهمها:
أنه يأكل حتى يشبع ويتضلع ،ويتزود إذا خشي الضرورة فيما بين يديه من مفازة وقفر ،وإذا وجد
عنهها غنهى طرحهها .قال معناه مالك فهي موطئه ،وبهه قال الشافعهي وكثيهر مهن العلماء .والحجهة فهي
ذلك أن الضرورة ترفهع التحريهم فيعود مباحها .ومقدار الضرورة إنمها ههو فهي حالة عدم القوت إلى
حالة وجوده .وحديث العنبر نص في ذلك ،فإن أصحاب النبي صلى الّ عليه وسلم لما رجعوا من
سههفرهم وقههد ذهههب عنهههم الزاد ،انطلقوا إلى سههاحل البحههر فرفههع لهههم على سههاحله كهيئة الكثيههب
الضخهم ،فلمها أتوه إذا ههي دابهة تدعهى العنهبر ،فقال أبهو عهبيدة أميرههم :ميتهة .ثهم قال :ل ،بهل نحهن
ل صهلى الّ عليهه وسهلم وفهي سهبيل الّ ،وقهد اضطررتهم فكلوا .قال :فأقمنها عليهها رسهل رسهول ا ّ
شهرا ونحهن ثلثمائة حتهى سهمنا ،الحديهث .فأكلوا وشبعوا -رضوان الّ عليههم -ممها اعتقدوا أنهه
ميتهة وتزودوا منهها إلى المدينهة ،وذكروا ذلك للنهبي صهلى الّ عليهه وسهلم فأخهبرهم صهلى الّ عليهه
وسلم أنه حلل وقال( :هل معكم من لحمه شيء فتطعمونا) فأرسلوا إلى رسول الّ صلى الّ عليه
وسهلم منهه فأكله .وقالت طائفهة .يأكهل بقدر سهد الرمهق .وبهه قال ابهن الماجشون وابهن حهبيب وفرق
أصهحاب الشافعهي بيهن حالة المقيهم والمسهافر فقالوا :المقيهم يأكهل بقدر مها يسهد رمقهه ،والمسهافر
يتضلع ويتزود :فإذا وجههد غنههى عنههها طرحههها ،وإن وجههد مضطرا أعطاه إياههها ول يأخههذ منههه
عوضا ،فإن الميتة ل يجوز بيعها.
@ فإن اضطر إلى خمر فإن كان بإكراه شرب بل خلف ،وإن كان بجوع أو عطش فل يشرب،
وبه قال مالك فهي العتبية قال :ول يزيده الخمر إل عطشها .وهو قول الشافعهي ،فإن الّ تعالى حرم
الخمههر تحريمهها مطلقهها ،وحرم الميتههة بشرط عدم الضرورة .وقال البهري :إن ردت الخمههر عنهه
ل تعالى قال فهي الخنزيهر "فإنهه رجهس" ثهم أباحهه للضرورة .وقال جوعها أو عطشها شربهها ،لن ا ّ
تعالى في الخمر إنها "رجس" فتدخل في إباحة الخنزير للضرورة بالمعنى الجلي الذي هو أقوى
من القياس ،ول بد أن تروي ولو ساعة ،وترد الجوع ولو مدة.
@ روى أصبغ عن ابن القاسم أنه قال :يشرب المضطر الدم ول يشرب الخمر ،ويأكل الميتة ول
يقرب ضوال البههل -وقاله ابههن وهههب -ويشرب البول ول يشرب الخمههر ،لن الخمههر يلزم فيههها
الحد فهي أغلظ .نص عليه أصحاب الشافعي.
@ فإن غهص بلقمهة فههل يسهيغها بخمهر أو ل ،فقيهل .ل ،مخافهة أن يدعهي ذلك .وأجاز ذلك ابهن
حههبيب ،لنههها حالة ضرورة .ابههن العربههي" :أمهها الغاص بلقمههة فإنههه يجوز له فيمهها بينههه وبيههن الّ
تعالى ،وأمهها فيمهها بيننهها فإن شاهدناه فل تخفههى علينهها بقرائن الحال صههورة الغصههة مههن غيرههها،
ل تعالى باطنها .ثهم إذافيصهدق إذا ظههر ذلك ،وإن لم يظههر حددناه ظاهرا وسهلم مهن العقوبهة عنهد ا ّ
وجد المضطر ميتة وخنزيرا ولخم ابن آدم أكل الميتة ،لنها حلل في حال .والخنزير وابن آدم ل
يحهل بحال .والتحريهم المخفهف أولى أن يقتحهم مهن التحريهم المثقهل ،كمها لو أكره أن يطهأ أختهه أو
أجنبيهة ،وطهئ الجنبيهة لنهها تحهل له بحال .وهذا ههو الضابهط لهذه الحكام .ول يأكهل ابهن آدم ولو
مات ،قاله علماؤنا ،وبه قال أحمد وداود .احتج أحمد بقوله عليه السلم( :كسر عظم الميت ككسره
حيا) .وقال الشافعي :يأكل لحم ابن آدم .ول يجوز له أن يقتل ذميا لنه محترم الدم ،ول مسلما ول
أسهيرا لنهه مال الغيهر .فإن كان حربيها أو زانيها محصهنا جاز قتله والكهل منهه .وشنهع داود على
المزني بأن قال :قد أبحت أكل لحوم النبياء فغلب عليه ابن شريح بأن قال :فأنت قد تعرضت لقتل
النهبياء إذ منعتههم مهن أكهل الكافهر .قال ابهن العربهي :الصهحيح عندي أل يأكهل الدمهي إل إذا تحقهق
أن ذلك ينجيه ويحييه ،والّ أعلم.
@ سئل مالك عن المضطر إلى أكل الميتة وهو يجد مال الغير تمرا أو زرعا أو غنما ،فقال :إن
أمن الضرر على بدنه بحيث ل يعد سارقا ويصدق في قوله ،أكل من أي ذلك وجد ما يرد جوعه
ول يحمهل منهه شيئا ،وذلك أحهب إليّه مهن أن يأكهل الميتهة ،وقهد تقدم هذا المعنهى مسهتوفى .وإن ههو
خشههي أل يصههدقوه وأن يعدوه سههارقا فإن أكهل الميتههة أجوز عندي ،وله فههي أكههل الميتهة على هذه
المنزلة سعة.
@ روى أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد عن سماك بن حرب عن جابر
بههن سههمرة أن رجل نزل الحرة ومعههه أهله وولده ،فقال رجههل :إن ناقههة لي ضلت فإن وجدتههها
فأمسكها ،فوجدها فلم يجد صاحبها فمرضت ،فقالت امرأته :انحرها ،فأبىّ فنفقت .فقالت :اسلخها
ل صهلى الّ عليهه وسهلم فأتاه فسهأله،
حتهى نقدد لحمهها وشحمهها ونأكله ،فقال :حتهى أسهأل رسهول ا ّ
فقال( :هل عندك غنى يغنيك) قال ل ،قال( :فكلوها) قال :فجاء صاحبها فأخبره الخبر ،فقال :هل
كنههت نحرتههها فقال :اسههتحييت منههك .قال ابههن خويههز منداد :فههي هذا الحديههث دليلن :أحدهمهها :أن
المضطر يأكل من الميتة وإن لم يخف التلف ،لنه سأله عن الغنى ولم يسأله عن خوفه على نفسه.
والثاني :يأكل ويشبع ويدخر ويتزود ،لنه أباحه الدخار ولم يشترط عليه أل يشبع .قال أبو داود:
وحدثنها هارون بهن عبدال قال حدثنها الفضهل بهن دكيهن قال أنبأنها عقبهة بهن وههب بهن عقبهة العامري
قال :سمعت أبي يحدث عن الفجيع العامري أنه أتى رسول الّ صلى الّ عليه وسلم فقال :ما يحل
لنا الميتة؟ قال( :ما طعامكم) قلنا :نغتبق ونصطبح .قال أبو نعيم :فسره لي عقبة :قدح غدوة وقدح
عشيهة قال( :ذاك وأبهي الجوع) .قال :فأحهل لههم الميتهة على هذه الحال .قال أبهو داود :الغبوق مهن
آخهر النهار والصهبوح مهن أول النهار .وقال الخطابهي :الغبوق العشاء ،والصهبوح الغداء ،والقدح
مهن اللبهن بالغداة ،والقدح بالعشهي يمسهك الرمهق ويقيهم النفهس ،وإن كان ل يغذي البدن ول يشبهع
الشبهع التام ،وقهد أباح لههم مهع ذلك تناول الميتهة ،فكان دللتهه أن تناول الميتهة مباح إلى أن تأخههذ
النفهس حاجتهها من القوت .وإلى هذا ذهب مالك وهو أحهد قولي الشافعهي .قال ابن خويهز منداد :إذا
جاز أن يصطبحوا ويغتبقوا جاز أن يشبعوا ويتزودوا .وقال أبو حنيفة والشافعي في القول الخر:
ل يجوز له أن يتناول من الميتة إل قدر ما يمسك رمقه ،وإليه ذهب المزني .قالوا :لنه لو كان في
البتداء بهذه الحال لم يجهز له أن يأكهل منهها شيئا ،فكذلك إذا بلغهها بعهد تناولهها .وروى نحوه عهن
الحسهههن .وقال قتادة :ل يتضلع منهههها بشيهههء .وقال مقاتهههل بهههن حيان :ل يزداد على ثلث لقهههم.
والصحيح خلف هذا ،كما تقدم.
وأمههها التداوي بهههها فل يخلو أن يحتاج إلى اسهههتعمالها قائمهههة العيهههن أو محرقهههة ،فإن تغيرت
بالحراق فقال ابن حبيب :يجوز التداوي بها والصلة .وخففه ابن الماجشون بناء على أن الحرق
تطهير لتغير الصفات .وفي العتبية من رواية مالك في المرتك يصنع من عظام الميتة إذا وضعه
في جرحه ل يصلي به حتى يغسله .وإن كانت الميتة قائمة بعينها فقد قال سحنون :ل يتداوى بها
بحال ول بالخنزيهر ،لن منهها عوضها حلل بخلف المجاعهة .ولو وجهد منهها عوض فهي المجاعهة
لم تؤكهل .وكذلك الخمهر ل يتداوى بهها ،قاله مالك ،وههو ظاههر مذههب الشافعهي ،وههو اختيار ابهن
أبي هريرة من أصحابه .وقال أبو حنيفة :يجوز شربها للتداوي دون العطش ،وهو اختيار القاضي
الطهبري مهن أصهحاب الشافعهي ،وههو قول الثوري .وقال بعهض البغدادييهن مهن الشافعيهة :يجوز
شربههها للعطههش دون التداوي ،لن ضرر العطههش عاجههل بخلف التداوي .وقيههل :يجوز شربههها
للمرين جميعا .ومنع بعض أصحاب الشافعي التداوي بكل محرم إل بأبوال البل خاصة ،لحديث
العرنييهن .ومنهع بعضههم التداوي بكهل محرم ،لقوله عليهه السهلم( :إن الّ لم يجعهل شفاء أمتهي فيمها
حرم عليههم) ،ولقوله عليهه السهلم لطارق بهن سهويد وقهد سهأله عهن الخمهر فنهاه أو كره أن يصهنعها
فقال ،إنما أصنعها للدواء ،فقال( :إنه ليس بدواء ولكنه داء) .رواه مسلم في الصحيح .وهذا يحتمل
أن يقيد بحالة الضطرار ،فإنه يجوز التداوي بالسم ول يجوز شربه ،والّ أعلم.
@قوله تعالى" :غيهر باغ" "غيهر" نصهب على الحال ،وقيهل :على السهتثناء .وإذا رأيهت "غيهر"
يصلح في موضعه "في" فهي حال ،وإذا صلح موضعها "إل" فهي استثناء ،فقس عليه .و"باغ"
أصهله باغهي ،ثقلت الضمهة على الياء فسهكنت والتنويهن سهاكن ،فحذفهت الياء والكسهرة تدل عليهها.
والمعنى فيما قال قتادة والحسن والربيع وابن زيد وعكرمة "غير باغ" في أكله فوق حاجته" ،ول
عاد" بأن يجههد عههن هذه المحرمات مندوحههة ويأكلههها .وقال السههدي" :غيههر باغ" فههي أكلههها شهوة
وتلذذا" ،ول عاد" باستيفاء الكل إلى حد الشبع .وقال مجاهد وابن جبير وغيرهما :المعنى "غير
باغ" على المسهلمين "ول عاد" عليههم ،فيدخهل فهي الباغهي والعادي قطاع الطريهق والخارج على
السهلطان والمسهافر فهي قطهع الرحهم والغارة على المسهلمين ومها شاكله .وهذا صهحيح ،فإن أصهل
ل تعالى" :ول تكرهوا البغي في اللغة قصد الفساد ،يقال :بغت المرأة تبغي بغاء إذا فجرت ،قال ا ّ
فتياتكهم على البغاء" [النور .]33 :وربمها اسهتعمل البغهي فهي طلب غيهر الفسهاد .والعرب تقول:
خرج الرجل في بغاء إبل له ،أي في طلبها ،ومنه قول الشاعر:
ء الخير تعقاد الرتائم ل يمنعك من بغا
من واليامن كالشائم إن الشائم كاليا
@قوله تعالى" :ول عاد" أصهل "عاد" عائد ،فههو مهن المقلوب ،كشاكهي السهلح وهار ولث.
ل فهههي حالة الضطرار أكهههل جميهههع والصهههل شائك وهائر ولئث ،مهههن لثهههت العمامهههة .فأباح ا ّ
المحرمات لعجزه عن جميع المباحات كما بينا ،فصار عدم المباح شرطا في استباحة المحرم.
@ واختلف العلماء إذا اقترن بضرورته معصية ،بقطع طريق وإخافة سبيل ،فحظرها عليه مالك
ل سهبحانه أباح ذلك عونها ،والعاصهي ل يحهل أن والشافعهي فهي أحهد قوليهه لجهل معصهيته ،لن ا ّ
يعان ،فإن أراد الكهل فليتهب وليأكهل .وأباحهها له أبهو حنيفهة والشافعهي فهي القول الخهر له ،وسهويا
فهي اسهتباحته بيهن طاعتهه ومعصهيته .قال ابهن العربهي :وعجبها ممهن يبيهح له ذلك مهع التمادي على
المعصية ،وما أظن أحدا يقوله ،فإن قاله فهو مخطئ قطعا.
قلت :الصحيح خلف هذا ،فإن إتلف المرء نفسه في سفر المعصية أشد معصية مما هو فيه،
ل تعالى" :ول تقتلوا أنفسهكم" [النسهاء ]29 :وهذا عام ،ولعله يتوب فهي ثانهي حال فتمحهو قال ا ّ
التوبهة عنهه مها كان ،وقهد قال مسهروق :مهن اضطهر إلى أكهل الميتهة والدم ولحهم الخنزيهر فلم يأكهل
حتهى مات دخهل النار ،إل أن يعفهو الّ عنهه .قال أبهو الحسهن الطهبري المعروف بالكيها :وليهس أكهل
الميتة عند الضرورة رخصة بل هو عزيمة واجبة ،ولو امتنع من أكل الميتة كان عاصيا ،وليس
تناول الميتة من رخص السفر أو متعلقا بالسفر بل هو من نتائج الضرورة سفرا كان أو حضرا،
وههو كالفطار للعاصهي المقيهم إذا كان مريضها ،وكالتيمهم للعاصهي المسهافر عنهد عدم الماء .قال:
وهو الصحيح عندنا.
قلت :واختلفههت الروايات عههن مالك فههي ذلك ،فالمشهور مههن مذهبههه فيمهها ذكره الباجههي فههي
المنتقى :أنه يجوز له الكل في سفر المعصية ول يجوز له القصر والفطر .وقال ابن خويز منداد:
فأمهها الكههل عنههد الضطرار فالطائع والعاصههي فيههه سههواء ،لن الميتههة يجوز تناولههها فههي السههفر
والحضر ،وليس بخروج الخارج إلى المعاصي يسقط عنه حكم المقيم بل أسوأ حالة من أن يكون
مقيمها ،وليهس كذلك الفطهر والقصهر ،لنهمها رخصهتان متعلقتان بالسهفر .فمتهى كان السهفر سهفر
معصهية لم يجهز أن يقصهر فيهه ،لن هذه الرخصهة تختهص بالسهفر ،ولذلك قلنها :إنهه يتيمهم إذا عدم
الماء فهي سفر المعصية ،لن التيمم فهي الحضهر والسفر سواء .وكيف يجوز منعه من أكل الميتة
والتيمهم لجهل معصهية ارتكبهها ،وفهي تركهه الكهل تلف نفسهه ،وتلك أكهبر المعاصهي ،وفهي تركهه
التيمهم إضاعة للصلة .أيجوز أن يقال له :ارتكبهت معصهية فارتكب أخرى أيجوز أن يقال لشارب
الخمهر :ازن ،وللزانهي :اكفهر أو يقال لهمها :ضيعها الصهلة؟ ذكهر هذا كله فهي أحكام القرآن له ،ولم
يذكههر خلفهها عههن مالك ول عههن أحههد مههن أصههحابه .وقال الباجههي" :وروى زياد بههن عبدالرحمههن
الندلسهي أن العاصهي بسهفره يقصهر الصهلة ،ويفطهر فهي رمضان .فسهوى بيهن ذلك كله ،وهو قول
أبهي حنيفهة .ول خلف أنهه ل يجوز له قتهل نفسهه بالمسهاك عهن الكهل ،وأنهه مأمور بالكهل على
وجههه الوجوب ،ومههن كان فههي سههفر معصههية ل تسههقط عنههه الفروض والواجبات مههن الصههيام
والصهلة ،بهل يلزمهه التيان بهها ،فكذلك مها ذكرناه .وجهه القول الول أن هذه المعانهي إنمها أبيحهت
فهي السهفار لحاجهة الناس إليهها ،فل يباح له أن يسهتعين بهها على المعاصهي وله سهبيل إلى أل يقتهل
نفسهه .قال ابهن حهبيب :وذلك بأن يتوب ثهم يتناول لحهم الميتهة بعهد توبتهه .وتعلق ابهن حهبيب فهي ذلك
بقوله تعالى" :فمهن اضطهر غيهر باغ ول عاد" فاشترط فهي إباحهة الميتهة للضرورة أل يكون باغيها.
والمسهافر على وجه الحرابهة أو القطهع ،أو فهي قطهع رحهم أو طالب إثهم -باغ ومعتهد ،فلم توجهد فيهه
شروط الباحة ،والّ أعلم ".
قلت :هذا اسههتدلل بمفهوم الخطاب ،وهههو مختلف فيههه بيههن الصههوليين ،ومنظومهها اليههة أن
المضطهر غيهر باغ ول عاد ول إثهم عليهه ،وغيره مسهكوت عنهه ،والصهل عموم الخطاب ،فمهن
ادعى زواله لمر ما فعليه الدليل.
@قوله تعالى" :إن ال غفور رحيم" أي يغفر المعاصي ،فأولى أل يؤاخذ بما رخص فيه ،ومن
رحمته أنه رخص.
**3اليهة{ 174 :إن الذيهن يكتمون مها أنزل ال مهن الكتاب ويشترون بهه ثمنها قليل أولئك مها
يأكلون في بطونهم إل النار ول يكلمهم ال يوم القيامة ول يزكيهم ولهم عذاب أليم}
@قوله تعالى" :إن الذين يكتمون ما أنزل ال من الكتاب" يعني علماء اليهود ،كتموا ما أنزل الّ
في التوراة من صفة محمد صلى الّ عليه وسلم وصحة رسالته .ومعنى "أنزل" :أظهر ،كما قال
تعالى" :ومهن قال سهأنزل مثهل مها أنزل ال" [النعام ]93 :أي سهأظهر .وقيهل :ههو على بابهه مهن
النزول ،أي مها أنزل بهه ملئكتهه على رسهله" .ويشترون بهه" أي بالمكتوم "ثمنها قليل" يعنهي أخهذ
الرشاء .وسهماه قليل لنقطاع مدتهه وسهوء عاقبتهه .وقيهل :لن مها كانوا يأخذونهه مهن الرشاء كان
قليل.
قلت :وهذه اليهة وإن كانهت فهي الخبار فإنهها تتناول مهن المسهلمين مهن كتهم الحهق مختارا لذلك
بسبب دنيا يصيبها ،وقد تقدم هذا المعنى.
@قوله تعالى" :في بطونهم" ذكر البطون دللة وتأكيدا على حقيقة الكل ،إذ قد يستعمل مجازا
في مثل أكل فلن أرضي ونحوه .وفي ذكر البطون أيضا تنبيه على جشعهم وأنهم باعوا آخرتهم
بحظهههم مههن المطعههم الذي ل خطههر له .ومعنههى "إل النار" أي إنههه حرام يعذبهههم الّ عليههه بالنار،
فسهمي مها أكلوه مهن الرشاء نارا لنهه يؤديههم إلى النار ،هكذا قال أكثهر المفسهرين .وقيهل :أي إنهه
يعاقبههم على كتمانههم بأكهل النار فهي جهنهم حقيقهة .فأخهبر عهن المآل بالحال ،كمها قال تعالى" :إن
الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا" [النساء ]10 :أي أن عاقبته تؤول
إلى ذلك ،ومنه قولهم:
لدوا للموت وابنوا للخراب
قال:
فللموت ما تلد الوالدة
آخر:
ودورنا لخراب الدهر نبنيها
وهو في القرآن والشعر كثير.
@قوله تعالى" :ول يكلمههم ال" عبارة عهن الغضهب عليههم وإزالة الرضها عنههم ،يقال :فلن ل
يكلم فلنهها إذا غضههب عليههه .وقال الطههبري :المعنههى "ول يكلمهههم" بمهها يحبونههه .وفههي التنزيههل
"اخسؤوا فيها ول تكلمون" [المؤمنون .]108 :وقيل :المعنى ول يرسل إليهم الملئكة بالتحية.
"ول يزكيههم" أي ل يصهلح أعمالههم الخبيثهة فيطهرههم .وقال الزجاج :ل يثنهي عليههم خيرا ول
يسهميهم أزكياء" .أليهم" بمعنهى مؤلم ،وقهد تقدم .وفهي صهحيح مسهلم عهن أبهي هريرة رضهي الّ عنهه
ل صهلى الّ عليهه وسهلم( :ثلثهة ل يكلمههم الّ يوم القيامهة ول يزكيههم ول ينظهر قال قال رسهول ا ّ
إليهههم ولههم عذاب أليهم شيهخ زان وملك كذاب وعائل مسهتكبر) .وإنمها خهص هؤلء بأليههم العذاب
وشدة العقوبهة لمحهض المعاندة والسهتخفاف الحامهل لههم على تلك المعاصهي ،إذ لم يحملههم على
ذلك حاجهة ،ول دعتههم إليهه ضرورة كمها تدعهو مهن لم يكهن مثلههم .ومعنهى "ل ينظهر إليههم" ل
ل تعالى.
يرحمهم ول يعطف عليهم .وسيأتي في "آل عمران" إن شاء ا ّ
**3اليهة{ 175 :أولئك الذيهن اشتروا الضللة بالهدى والعذاب بالمغفرة فمها أصهبرهم على
النار}
@قوله تعالى" :أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى والعذاب بالمغفرة" تقدم القول فيه .ولما كان
العذاب تابعا للضللة وكانت المغفرة تابعة للهدى الذي طرحوه دخل في تجوز الشراء.
@قوله تعالى" :فما أصبرهم على النار" مذهب الجمهور -منهم الحسن ومجاهد -أن "ما" معناه
التعجهب وههو مردود إلى المخلوقيهن ،كأنهه قال :اعجبوا مهن صهبرهم على النار ومكثههم فيهها .وفهي
التنزيل" :قتل النسان ما أكفره" [عبس ]17 :و"أسمع بهم وأبصر" [مريم .]38 :وبهذا المعنى
صهدر أبهو علي .قال الحسهن وقتادة وابهن جهبير والربيهع :مها لههم والّ عليهها مهن صهبر ،ولكهن مها
أجرأهم على النار وهي لغة يمنية معروفة .قال الفراء أخبرني الكسائي قال :أخبرني قاضي اليمن
أن خصهمين اختصهما إليهه فوجبهت اليميهن على أحدهمها فحلف ،فقال له صهاحبه :مها أصهبرك على
الّ؟ أي مهها أجرأك عليههه .والمعنههى :مهها أشجعهههم على النار إذ يعملون عمل يؤدي إليههها .وحكههى
الزجاج أن المعنهى مها أبقاههم على النار ،مهن قولههم :مها أصهبر فلنها على الحبهس أي مها أبقاه فيهه.
وقيهل :المعنهى فمها أقهل جزعههم مهن النار ،فجعهل قلة الجزع صهبرا وقال الكسهائي وقطرب :أي مها
أدومههم على عمهل أههل النار .وقيهل" :مها" اسهتفهام معناه التوبيهخ ،قاله ابهن عباس والسهدي وعطاء
وأبو عبيدة معمر بن المثنى ،ومعناه :أي أكثر شيء صبرهم على عمل أهل النار؟ وقيل :هذا على
وجه الستهانة بهم والستخفاف بأمرهم.
**3الية{ 176 :ذلك بأن ال نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}
@قوله تعالى" :ذلك" في موضع رفع ،وهو إشارة إلى الحكم ،كأنه قال :ذلك الحكم بالنار .وقال
الزجاج :تقديره المهههر ذلك ،أو ذلك المهههر ،أو ذلك العذاب لههههم .قال الخفهههش :وخهههبر "ذلك"
مضمههر ،معناه ذلك معلوم لهههم .وقيههل :محله نصههب ،معناه فعلنهها ذلك بهههم" .بأن ال نزل الكتاب"
يعنههي القرآن فههي هذا الموضههع "بالحههق" أي بالصههدق .وقيههل بالحجههة" .وإن الذيههن اختلفوا فههي
الكتاب" يعنهي التوراة ،فادعى النصهارى أن فيها صفة عيسهى ،وأنكهر اليهود صفته .وقيل :خالفوا
آباءهم وسلفهم في التمسك بها .وقيل :خالفوا ما في التوراة من صفة محمد صلى الّ عليه وسلم
واختلفوا فيههها .وقيههل :المراد القرآن ،والذيههن اختلفوا كفار قريههش ،يقول بعضهههم :هههو سههحر،
وبعضهههم يقول :أسههاطير الوليههن ،وبعضهههم :مفترى ،إلى غيههر ذلك وقههد تقدم القول فههي معنههى
الشقاق ،والحمد ل.
**3اليهة{ 177 :ليهس البر أن تولوا وجوهكهم قبهل المشرق والمغرب ولكهن البر مهن آمهن بال
واليوم الخهر والملئكهة والكتاب والنهبيين وآتهى المال على حبهه ذوي القربهى واليتامهى والمسهاكين
وابههن السههبيل والسههائلين وفههي الرقاب وأقام الصههلة وآتههى الزكاة والموفون بعهدهههم إذا عاهدوا
والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون}
@قوله تعالى" :ليس البر" اختلف من المراد بهذا الخطاب ،فقال قتادة :ذكر لنا أن رجل سأل نبي
الّ صلى الّ عليه وسلم عن البر ،فأنزل الّ هذه الية .قال :وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد
أن ل إله إل الّ ،وأن محمدا عبده ورسههوله ،ثههم مات على ذلك وجبههت له الجنههة ،فأنزل الّ هذه
اليهة ،وقال الربيهع وقتادة أيضها :الخطاب لليهود والنصهارى لنههم اختلفوا فهي التوجهه والتولي،
فاليهود إلى المغرب قبل بيت المقدس ،والنصارى إلى المشرق مطلع الشمس ،وتكلموا في تحويل
القبلة وفضلت كل فرقة توليتها ،فقيل لهم :ليس البر ما أنتم فيه ،ولكن البر من آمن بالّ.
@ قرأ حمزة وحفهص "البر" بالنصهب ،لن ليهس مهن أخوات كان ،يقهع بعدهها المعرفتان فتجعهل
أيهما شئت السهم أو الخبر ،فلما وقع بعد "ليس"" :البر" نصبه ،وجعل "أن تولوا" السم ،وكان
المصههدر أولى بأن يكون اسههما لنههه ل يتنكههر ،والبر قههد يتنكههر والفعههل أقوى فههي التعريههف .وقرأ
الباقون "البر" بالرفهع على أنهه اسهم ليهس ،وخهبره "أن تولوا" ،تقديره ليهس البر توليتكهم وجوهكهم،
وعلى الول ليس توليتكم وجوهكم البر ،كقوله" :ما كان حجتهم إل أن قالوا" [الجاثية" ،]25 :ثم
كان عاقبههة الذيههن أسههاؤوا السههوءى أن كذبوا" [الروم" ]10 :فكان عاقبتهمهها أنهمهها فههي النار"
[الحشهر ]17 :ومها كان مثله .ويقوي قراءة الرفهع أن الثانهي معهه الباء إجماعها فهي قوله" :وليهس
البر بأن تأتوا البيوت مهن ظهورهها" [البقرة ]189 :ول يجوز فيهه إل الرفهع ،فحمهل الول على
الثانهي أولى مهن مخالفتهه له .وكذلك ههو فهي مصهحف أبهي بالباء "ليهس البر بأن تولوا" وكذلك فهي
مصحف ابن مسعود أيضا ،وعليه أكثر القراء ،والقراءتان حسنتان.
@قوله تعالى" :ولكن البر من آمن بال" البر ههنا اسم جامع للخير ،والتقدير :ولكن البر بر من
آمههن ،فحذف المضاف ،كقوله تعالى" :واسههأل القريههة" [يوسههف" ،]82 :وأشربوا فههي قلوبهههم
العجل" [البقرة ]93 :قاله الفراء وقطرب والزجاج .وقال الشاعر:
فإنما هي إقبال وإدبار
أي ذات إقبال وذات إدبار وقال النابغة:
خللته كأبي مرحب وكيف تواصل من أصبحت
أي كخللة أبهي مرحهب ،فحذف .وقيهل :المعنهى ولكهن ذا البر ،كقوله تعالى" :ههم درجات عنهد ال"
[آل عمران ]163 :أي ذوو درجات .وذلك أن النبي صلى الّ عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة
وفرضهت الفرائض وصهرفت القبلة إلى الكعبهة وحدت الحدود أنزل الّ هذه اليهة فقال :ليهس البر
كله أن تصهلوا ول تعملوا غيهر ذلك ،ولكهن البر -أي ذا البر -مهن آمهن بالّ ،إلى آخرهها ،قاله ابهن
عباس ومجاهههد والضحاك وعطاء وسههفيان والزجاج أيضهها .ويجوز أن يكون "البر" بمعنههى البار
والبر ،والفاعل قد يسمى بمعنى المصدر ،كما يقال :رجل عدل ،وصوم وفطر .وفي التنزيل" :إن
أصبح ماؤكم غورا" [الملك ]30 :أي غائرا ،وهذا اختيار أبي عبيدة .وقال المبرد :لو كنت ممن
يقرأ القرآن لقرأت "ولكن البر" بفتح الباء.
@قوله تعالى" :وآتهى المال على حبهه" اسهتدل بهه مهن قال :إن فهي المال حقها سهوى الزكاة وبهها
كمال البر .وقيل :المراد الزكاة المفروضة ،والول أصح ،لما خرجه الدارقطني عن فاطمة بنت
ل صهلى الّ عليهه وسهلم( :إن فهي المال حقها سهوى الزكاة) ثهم تل هذه اليهة قيهس قالت قال رسهول ا ّ
"ليس البر أن تولوا وجوهكم" إلى آخر الية .وأخرجه ابن ماجة في سننه والترمذي في جامعه
وقال" :هذا حديهث ليهس إسهناده بذاك ،وأبهو حمزة ميمون العور يضعهف .وروى بيان وإسهماعيل
بن سالم عن الشعبي هذا الحديث قوله وهو أصح".
قلت :والحديث وإن كان فيه مقال فقد دل على صحته معنى ما في الية نفسها من قوله تعالى:
"وأقام الصهلة وآتهى الزكاة" فذكهر الزكاة مهع الصهلة ،وذلك دليهل على أن المراد بقوله" :وآتهى
المال على حبههه" ليههس الزكاة المفروضههة ،فإن ذلك كان يكون تكرارا ،والّ أعلم .واتفههق العلماء
على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها .قال مالك رحمه
الّ :يجهب على الناس فداء أسهراهم وإن اسهتغرق ذلك أموالههم .وهذا إجماع أيضها ،وههو يقوي مها
اخترناه ،والموفق الله.
@قوله تعالى" :على حبه" الضمير في "حبه" اختلف في عوده ،فقيل :يعود على المعطي للمال،
وحذف المفعول وهههو المال .ويجوز نصههب "ذوي القربههى" بالحههب ،فيكون التقديههر على حههب
المعطهي ذوي القربهى 0وقيهل :يعود على المال ،فيكون المصهدر مضافها إلى المفعول .قال ابهن
عطية :ويجيء قوله "على حبه" اعتراضا بليغا أثناء القول.
قلت :ونظيره قوله الحههق" :ويطعمون الطعام على حبههه مسههكينا" [النسههان ]8 :فإنههه جمههع
المعنييهن ،العتراض وإضافهة المصهدر إلى المفعول ،أي على حهب الطعام .ومهن العتراض قوله
الحهق" :ومهن يعمهل مهن الصهالحات مهن ذكهر أو أنثهى وههو مؤمهن فأولئك" [النسهاء ]124 :وهذا
عندهم يسمى التتميم ،وهو نوع من البلغة ،ويسمى أيضا الحتراس والحتياط ،فتمم بقوله "على
حبه" وقوله" :وهو مؤمن" [النساء ،]124 :ومنه قول زهير:
يلق السماحة منه والندى خلقا من يلق يوما على علته هرما
وقال امرؤ القيس:
أفانين جري غير كز ول وان على هيكل يعطيك قبل سؤاله
فقوله" :على علته" و"قبل سؤاله" تتميم حسن ،ومنه قول عنترة:
سهل مخالفتي إذا لم أظلم أثني علي بما علمت فإنني
فقوله" :إذا لم أظلم" تتميم حسن .وقال طرفة:
صوب الربيع وديمة تهمي فسقى ديارك غير مفسدها
وقال الربيع بن ضبع الفزاري:
وكل امرئ إل أحاديثه فان فنيت وما يفنى صنيعي ومنطقي
فقوله" :غير مفسدها" ،و"إل أحاديثه" تتميم واحتراس .وقال أبو هفان:
وأفنى الندى أموالنا غير عائب فأفنى الردى أرواحنا غير ظالم
فقوله" :غير ظالم" و"غير عائب" تتميم واحتياط ،وهو في الشعر كثير .وقيل :يعود على اليتاء،
لن الفعل يدل على مصدره ،وهو كقوله تعالى" :ول يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم ال من فضله
هو خيرا لههم" [آل عمران ]180 :أي البخهل خيرا لهم ،فإذا أصهابت الناس حاجة أو فاقة فإيتاء
ل تعالى في قوله "من آمن بالّ" .والمعنى المقصود أن المال حبيب إليهم .وقيل :يعود على اسم ا ّ
يتصدق المرء في هذه الوجوه وهو صحيح شحيح يخشى الفقر ويأمن البقاء.
واختلف ههل يعطهى اليتيهم مهن صهدقة التطوع بمجرد اليتهم على وجهه الصهلة وإن كان غنيها ،أو ل
يعطهى حتهى يكون فقيرا ،قولن للعلماء .وهذا على أن يكون إيتاء المال غيهر الزكاة الواجبهة ،على
ما نبينه آنفا.
ل تعالى وفيمها بينههم وبيهن
@قوله تعالى" :والموفون بعهدههم إذا عاهدوا" أي فيمها بينههم وبيهن ا ّ
الناس" .والصهابرين فهي البأسهاء والضراء" البأسهاء :الشدة والفقهر .والضراء :المرض والزمانهة،
ل تعالى أيمها عبهد مهن عبادي ابتليتهه ببلء فهي فراشهه قاله ابهن مسهعود .وقال عليهه السهلم( :يقول ا ّ
فلم يشهك إلى عواده أبدلتهه لحمها خيرا مهن لحمهه ودمها خيرا مهن دمهه فإن قبضتهه فإلى رحمتهي وإن
عافيته عافيته وليس له ذنب) قيل :يا رسول الّ ،ما لحم خير من لحمه؟ قال( :لحم لم يذنب) قيل:
فما دم خير من دمه؟ قال( :دم لم يذنب) .والبأساء والضراء اسمان بنيا على فعلء ،ول فعل لهما،
لنهما اسمان وليسا بنعت" .وحين البأس" أي وقت الحرب.
@قوله تعالى" :والموفون بعهدههم إذا عاهدوا والصهابرين" فقيهل :يكون "الموفون" عطفها على
"من" لن من في موضع جمع ومحل رفع ،كأنه قال :ولكن البر المؤمنون والموفون ،قاله الفراء
والخفهش" .والصهابرين" نصهب على المدح ،أو بإضمار فعهل .والعرب تنصهب على المدح وعلى
الذم كأنههم يريدون بذلك إفراد الممدوح والمذموم ول يتبعونهه أول الكلم ،وينصهبونه .فأمها المدح
فقوله" :والمقيمين الصلة" [النساء .]162 :وأنشد الكسائي:
إل نميرا أطاعت أمر غاويها وكل قوم أطاعوا أمر مرشدهم
والقائلون لمن دار نخليها الظاعنين ولما يظعنوا أحدا
وأنشد أبو عبيدة:
سم العداة وآفة الجزر ل يبعدن قومي الذين هم
والطيبون معاقد الزر النازلين بكل معترك
وقال آخر:
نحن بني ضبة أصحاب الجمل
فنصهب على المدح .وأمهها الذم فقوله تعالى" :ملعونيهن أينمهها ثقفوا" [الحزاب ]61 :اليههة .وقال
عروة بن الورد:
عداة ال من كذب وزور سقوني الخمر ثم تكنفوني
وهذا مهيهع فهي النعوت ،ل مطعهن فيهه مهن جههة العراب ،موجود فهي كلم العرب كمها بينها.
وقال بعههض مههن تعسههف فههي كلمههه :إن هذا غلط مههن الكتاب حيههن كتبوا مصههحف المام ،قال:
والدليل على ذلك ما روي عن عثمان أنه نظر في المصحف فقال :أرى فيه لحنا وستقيمه العرب
بألسهنتها .وهكذا قال فهي سهورة النسهاء "والمقيميهن الصهلة" [النسهاء ،]162 :وفهي سهورة المائدة
"والصهابئون" [المائدة .]69 :والجواب مها ذكرناه .وقيهل" :الموفون" رفهع على البتداء والخهبر
محذوف ،تقديره وهههم الموفون .وقال الكسههائي" :والصهابرين" عطههف على "ذوي القربههى" كأنهه
قال :وآتهى الصهابرين .قال النحاس" :وهذا القول خطهأ وغلط بيهن ،لنهك إذا نصهبت "والصهابرين"
ونسهقته على "ذوي القربهى" دخهل فهي صهلة "مهن" وإذا رفعهت "والموفون" على أنهه نسهق على
"من" فقد نسقت على "من" من قبل أن تتم الصلة ،وفرقت بين الصلة والموصول بالمعطوف".
وقال الكسائي :وفي قراءة عبدال "والموفين ،والصابرين" .وقال النحاس" :يكونان منسوقين على
"ذوي القربهى" أو على المدح .قال الفراء :وفهي قراءة عبدال فهي النسهاء "والمقيميهن الصهلة
والمؤتون الزكاة" [النسههاء .]162 :وقرأ يعقوب والعمههش "والموفون والصههابرون" بالرفههع
فيهمهها .وقرأ الجحدري "بعهودهههم" .وقههد قيههل :إن "والموفون" عطههف على الضميههر الذي فههي
"آمهن" .وأنكره أبهو علي وقال :ليهس المعنهى عليهه ،إذ ليهس المراد أن البر بر مهن آمهن بالّ ههو
والموفون ،أي آمنهها جميعهها .كمهها تقول :الشجاع مههن أقدم ههو وعمرو ،وإنمهها الذي بعههد قوله "مههن
آمن" تعداد لفعال من آمن وأوصافهم.
@ قال علماؤنها :هذه آيهة عظيمهة مهن أمهات الحكام ،لنهها تضمنهت سهت عشرة قاعدة :اليمان
بال وبأسههمائه وصههفاته -وقههد أتينهها عليههها فههي "الكتاب السههنى" -والنشههر والحشههر والميزان
والصهراط والحوض والشفاعهة والجنهة والنار -وقهد أتينها عليهها فهي كتاب "التذكرة" -والملئكهة
والكتهب المنزلة وأنهها حهق مهن عنهد ال -كمها تقدم -والنهبيين وإنفاق المال فيمها يعهن مهن الواجهب
والمندوب وإيصال القرابة وترك قطعهم وتفقد اليتيم وعدم إهماله والمساكين كذلك ،ومراعاة ابن
السههبيل -قيههل المنقطههع بهه ،وقيههل :الضيههف -والسههؤال وفههك الرقاب .وسههيأتي بيان هذا فههي آيهة
الصدقات ،والمحافظة على الصلة وإيتاء الزكاة والوفاء بالعهود والصبر في الشدائد .وكل قاعدة
مههن هذه القواعههد تحتاج إلى كتاب .وتقدم التنههبيه على أكثرههها ،ويأتههي بيان باقيههها بمهها فيههها فههي
موضعها إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :أولئك الذيهن صهدقوا وأولئك ههم المتقون" وصهفهم بالصهدق والتقوى فهي أمورههم
والوفاء بههها ،وأنهههم كانوا جاديههن فههي الديههن ،وهذا غايههة الثناء .والصههدق :خلف الكذب ويقال:
صدقوهم القتال .والصديق :الملزم للصدق ،وفي الحديث( :عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى
البر وإن البر يهدي إلى الجنههة ومهها يزال الرجههل يصههدق ويتحرى الصههدق حتههى يكتههب عنههد الّ
صديقا).
**3الية{ 178 :يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد
والنثى بالنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من
ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}
@ روى البخاري والنسائي والدارقطني عن ابن عباس قال" :كان في بني إسرائيل القصاص ولم
تكهن فيههم الديهة ،فقال الّ لهذه المهة" :كتهب عليكهم القصهاص فهي القتلى الحهر بالحهر والعبهد بالعبهد
والنثهى بالنثهى فمهن عفهي له مهن أخيهه شيهء" فالعفهو أن يقبهل الديهة فهي العمهد "فاتباع بالمعروف
وأداء إليهه بإحسهان" يتبهع بالمعروف ويؤدي بإحسهان "ذلك تخفيهف مهن ربكهم ورحمهة" ممها كتهب
على من كان قبلكم "فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم" قتل بعد قبول الدية" .هذا لفظ البخاري:
حدثنها الحميدي حدثنها سهفيان حدثنها عمرو قال سهمعت مجاهدا قال سهمعت ابهن عباس يقول :وقال
الشعهبي فهي قوله تعالى" :الحهر بالحهر والعبهد بالعبهد والنثهى بالنثهى" قال :أنزلت فهي قهبيلتين مهن
قبائل العرب اقتتلتا فقالوا ،نقبل بعبدنا فلن بن فلن ،وبأمتنا فلنة بنت فلن ،ونحوه عن قتادة.
@قوله تعالى" :كتهب عليكهم القصهاص" "كتهب" معناه فرض وأثبهت ،ومنهه قول عمهر بهن أبهي
ربيعة:
وعلى الغانيات جر الذيول كتب القتل والقتال علينا
وقد قيل :إن "كتب" هنا إخبار عما كتب في اللوح المحفوظ وسبق به القضاء .والقصاص مأخوذ
من قص الثر وهو اتباعه ،ومنه القاص لنه يتبع الثار والخبار .وقص الشعر اتباع أثره ،فكأن
القاتل سلك طريقا من القتل فقص أثره فيها ومشى على سبيله في ذلك ،ومنه "فارتدا على آثارهما
قصصا" [الكهف .]64 :وقيل :القص القطع ،يقال :قصصت ما بينهما .ومنه أخذ القصاص ،لنه
يجرحه مثل جرحه أو يقتله به ،يقال :أقص الحاكم فلنا من فلن وأباءه به فأمثله فامتثل منه ،أي
اقتص منه.
@ صورة القصاص هو أن القاتل فرض عليه إذا أراد الولي القتل الستسلم لمر الّ والنقياد
لقصاصه المشروع ،وأن الولي فرض عليه الوقوف عند قاتل وليه وترك التعدي على غيره ،كما
كانت العرب تتعدى فتقتل غير القاتل ،وهو معنى قوله عليه السلم( :إن من أعتى الناس على الّ
يوم القيامهة ثلثهة رجهل قتهل غيهر قاتله ورجهل قتهل فهي الحرم ورجهل أخهذ بذحول الجاهليهة) .قال
الشعبي وقتادة وغيرهما :إن أهل الجاهلية كان فيهم بغي وطاعة للشيطان ،فكان الحي إذا كان فيه
عهز ومنعهة فقتهل لههم عبهد ،قتله عبهد قوم آخريهن قالوا :ل نقتهل بهه إل حرا ،وإذا قتلت منههم امرأة
قالوا :ل نقتل بها إل رجل ،وإذا قتل لهم وضيع قالوا :ل نقتل به إل شريفا ،ويقولون[ :القتل أوقى
للقتل] بالواو والقاف ،ويروي [أبقى] بالباء والقاف ،ويروى [أنفى] بالنون والفاء ،فنهاهم الّ عن
البغهي فقال" :كتهب عليكهم القصهاص فهي القتلى الحهر بالحهر والعبهد بالعبهد" اليهة ،وقال "ولكهم فهي
القصاص حياة" [البقرة .]179 :وبين الكلمين في الفصاحة والجزل بون عظيم.
@ل خلف أن القصهاص فهي القتهل ل يقيمهه إل أولو المهر ،فرض عليههم النهوض بالقصهاص
وإقامة الحدود وغير ذلك ،لن الّ سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص ،ثم ل يتهيأ للمؤمنين
جميعها أن يجتمعوا على القصهاص ،فأقاموا السهلطان مقام أنفسههم فهي إقامهة القصهاص وغيره مهن
الحدود .وليهس القصهاص بلزم إنمها اللزم أل يتجاوز القصهاص وغيره مهن الحدود إلى العتداء،
فأما إذا وقع الرضا بدون القصاص من دية أو عفو فذلك مباح ،على ما يأتي بيانه .فإن قيل :فإن
قوله تعالى "كتهب عليكهم" معناه فرض وألزم ،فكيهف يكون القصهاص غيهر واجهب؟ قيهل له :معناه
إذا أردتههم ،فأعلم أن القصههاص هههو الغايههة عنههد التشاح .والقتلى جمههع قتيههل ،لفههظ مؤنههث تأنيههث
الجماعهة ،وههو ممها يدخهل على الناس كرهها ،فلذلك جاء على هذا البناء كجرحهى وزمنهى وحمقهى
وصرعى وغرقى ،وشبههن.
@قوله تعالى" :الحر بالحر والعبد بالعبد والنثى بالنثى" الية .اختلف في تأويلها ،فقالت طائفة:
جاءت اليهة مبينهة لحكهم النوع إذا قتهل نوعهه ،فهبينت حكهم الحهر إذا قتهل حرا ،والعبهد إذا قتهل عبدا،
والنثى إذا قتلت أنثى ،ولم تتعرض لحد النوعين إذا قتل الخر ،فالية محكمة وفيها إجمال يبينه
قوله تعالى" :وكتبنها عليههم فيهها أن النفهس بالنفهس" [المائدة ،]45 :وبينهه النهبي صهلى الّ عليهه
وسلم بسنته لما قتل اليهودي بالمرأة ،قاله مجاهد ،وذكره أبو عبيد عن ابن عباس .وروي عن ابن
عباس أيضا أنها منسوخة بآية "المائدة" وهو قول أهل العراق.
@ قال الكوفيون والثوري :يقتهل الحهر بالعبهد ،والمسهلم بالذمهي ،واحتجوا بقوله تعالى" :يها أيهها
الذيهن آمنوا كتهب عليكهم القصهاص فهي القتلى" فعهم ،وقوله" :وكتبها عليههم فيهها أن النفهس بالنفهس"
[المائدة ،]45 :قالوا :والذمهي مهع المسهلم متسهاويان فهي الحرمهة التهي تكفهي فهي القصهاص وههي
حرمهة الدم الثابتهة على التأبيهد ،فإن الذمهي محقون الدم على التأبيهد ،والمسهلم كذلك ،وكلهمها قهد
صهار مهن أههل دار السهلم ،والذي يحقهق ذلك أن المسهلم يقطهع بسهرقة مال الذمهي ،وهذا يدل على
أن مال الذمهي قهد سهاوى مال المسهلم ،فدل على مسهاواته لدمهه إذ المال إنمها يحرم بحرمهة مالكهه.
واتفهق أبهو حنيفهة وأصهحابه والثوري وابهن أبهي ليلى على أن الحهر يقتهل بالعبهد كمها يقتهل العبهد بهه،
وههو قول داود ،وروي ذلك عهن علي وابهن مسهعود رضهي الّ عنهمها ،وبهه قال سهعيد بهن المسهيب
وقتادة وإبراهيهم النخعهي والحكهم بهن عيينهة .والجمهور مهن العلماء ل يقتلون الحهر بالعبهد ،للتنويهع
والتقسيم في الية .وقال أبو ثور :لما اتفق جميعهم على أنه ل قصاص بين العبيد والحرار فيما
دون النفوس كانههت النفوس أحرى بذلك ،ومهن فرق منههم بيهن ذلك فقهد ناقههض .وأيضهها فالجماع
فيمهن قتهل عبدا خطهأ أنهه ليهس عليهه إل القيمهة ،فكمها لم يشبهه الحهر فهي الخطهأ لم يشبههه فهي العمهد.
وأيضها فإن العبهد سهلعة مهن السهلع يباع ويشترى ،ويتصهرف فيهه الحهر كيهف شاء ،فل مسهاواة بينهه
وبين الحر ول مقاومة.
قلت :هذا الجماع صهحيح ،وأمها قوله أول" :ولمها اتفهق جميعههم -إلى قوله -فقهد ناقهض" فقهد
قال ابن أبي ليلى وداود بالقصاص بين الحرار والعبيد في النفس وفي جميع العضاء ،واستدل
داود بقوله عليهه السهلم( :المسهلمون تتكافهأ دماؤههم) فلم يفرق بيهن حهر وعبهد .وسهيأتي بيانهه فهي
ل تعالى.
"النساء" إن شاء ا ّ
@ والجمهور أيضها على أنهه ل يقتهل مسهلم بكافهر ،لقوله صهلى الّ عليهه وسهلم( :ل يقتهل مسهلم
بكافر) أخرجه البخاري عن علي بن أبي طالب .ول يصح لهم ما رووه من حديث ربيعة أن النبي
صهلى الّ عليهه وسهلم قتهل يوم خيهبر مسهلما بكافهر ،لنهه منقطهع ،ومهن حديهث ابهن البيلمانهي وههو
ضعيهف عهن ابهن عمهر عهن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم مرفوعها .قال الدارقطنهي" :لم يسهنده غيهر
إبراهيهم بهن أبهي يحيهى وههو متروك الحديهث .والصهواب عهن ربيعهة عهن ابهن البيلمانهي مرسهل عهن
النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم ،وابهن البيلمانهي ضعيهف الحديهث ل تقوم بهه حجهة إذا وصهل الحديهث،
فكيف بما يرسله".
قلت :فل يصهح فهي الباب إل حديهث البخاري ،وههو يخصهص عموم قوله تعالى" :كتهب عليكهم
القصاص في القتلى" الية ،وعموم قوله" :النفس بالنفس" [المائدة.]45 :
@ روي عهن علي بهن أبهي طالب والحسهن بهن أبهي الحسهن البصهري أن اليهة نزلت مبينهة حكهم
المذكورين ،ليدل ذلك على الفرق بينهم وبين أن يقتل حر عبدا أو عبد حرا ،أو ذكر أنثى أو أنثى
ذكرا ،وقال :إذا قتل رجل امرأة فإن أراد أولياؤها قتلوا صاحبهم ووفوا أولياءه نصف الدية ،وإن
أرادوا اسهههتحيوه وأخذوا منهههه ديهههة المرأة .وإذا قتلت امرأة رجل فإن أراد أولياؤه قتلهههها قتلوهههها
وأخذوا نصف الدية ،وإل أخذوا دية صاحبهم واستحيوها .روى هذا الشعبي عن علي ،ول يصح،
لن الشعبي لم يلق عليا .وقد روى الحكم عن علي وعبدال قال :إذا قتل الرجل المرأة متعمدا فهو
بهها قود ،وهذا يعارض روايهة الشعهبي عهن علي .وأجمهع العلماء على أن العور والشهل إذا قتهل
رجل سهالم العضاء أنهه ليهس لوليهه أن يقتهل العور ،ويأخهذ منهه نصهف الديهة مهن أجهل أنهه قتهل ذا
عينين وهو أعور ،وقتل ذا يدين وهو أشل ،فهذا يدل على أن النفس مكافئة للنفس ،ويكافئ الطفل
فيها الكبير.
ويقال لقائل ذلك :إن كان الرجههل ل تكافئه المرأة ول تدخههل تحههت قول النههبي صههلى الّ عليههه
وسههلم( :المسههلمون تتكافههأ دماؤهههم) فلم قتلت الرجههل بههها وهههي ل تكافئه ثههم تأخههذ نصههف الديههة،
والعلماء قههد أجمعوا أن الديههة ل تجتمههع مههع القصههاص ،وأن الديههة إذا قبلت حرم الدم وارتفههع
القصهاص ،فليهس قولك هذا بأصهل ول قياس ،قاله أبهو عمهر رضهي الّ عنهه .وإذا قتهل الحهر العبهد،
فإن أراد سهيد العبهد قتهل وأعطهى ديهة الحهر إل قيمهة العبهد ،وإن شاء اسهتحيا وأخهذ قيمهة العبهد ،هذا
مذكور عن ،علي والحسن ،وقد أنكر ذلك عنهم أيضا.
@ وأجمع العلماء على قتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل ،والجمهور ل يرون الرجوع بشيء.
وفرقة ترى التباع بفضل الديات .قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والثوري وأبو ثور :وكذلك
القصهاص بينهمها فيمها دون النفهس .وقال حماد بهن أبهي سهليمان وأبهو حنيفهة :ل قصهاص بينهمها فيمها
دون النفهس وإنمها ههو فهي النفهس بالنفههس ،وهمهها محجوجان بإلحاق مهها دون النفههس بالنفهس على
طريق الحرى والولى ،على ما تقدم.
قال ابن العربهي :ولقد بلغت الجهالة بأقوام إلى أن قالوا :يقتل الحهر بعبد نفسه ،ورووا في ذلك
ل صهلى الّ عليهه وسهلم قال( :مهن قتهل عبده قتلناه) وههو حديثها عهن الحسهن عهن سهمرة أن رسهول ا ّ
حديهث ضعيهف .ودليلنها قوله تعالى" :ومهن قتهل مظلومها فقهد جعلنها لوليهه سهلطانا فل يسهرف فهي
القتل" [السراء ]33 :والولي ههنا السيد ،فكيف يجعل له سلطان على نفسه" .وقد اتفق الجميع
على أن السيد لو قتل عبده خطأ أنه ل تؤخذ منه قيمته لبيت المال ،وقد روى عمرو بن شعيب عن
أبيهه عهن جده أن رجل قتهل عبده متعمدا فجلده النهبي صهلى ال عليهه وسهلم (ونفاه سهنة ومحها سههمه
من المسلمين ولم يقده به).
فإن قيههل :فإذا قتههل الرجههل زوجتههه لم لم تقولوا :ينصههب النكاح شبهههة فههي درء القصههاص عهن
الزوج ،إذ النكاح ضرب مهن الرق ،وقهد قال ذلك الليهث بهن سهعد .قلنها :النكاح ينعقهد لهها عليهه ،كمها
ينعقهد له عليهها ،بدليهل أنهه ل يتزوج أختهها ول أربعها سهواها ،وتطالبهه فهي حهق الوطهء بمها يطالبهها،
ولكهن له عليهها فضهل القوامهة التهي جعهل الّ له عليهها بمها أنفهق مهن ماله ،أي بمها وجهب عليهه مهن
صداق ونفقة ،فلو أورث شبهة لورثها في الجانبين.
قلت :هذا الحديهث الذي ضعفهه ابهن العربهي وههو صهحيح ،أخرجهه النسهائي وأبهو داود ،وتتميهم
متنهه( :ومهن جدعهه جدعناه ومهن أخصهاه أخصهيناه) .وقال البخاري عهن علي بهن المدينهي :سهماع
الحسههن مههن سههمرة صههحيح ،وأخههذ بهذا الحديههث .وقال البخاري :وأنهها أذهههب إليههه ،فلو لم يصههح
الحديث لما ذهب إليه هذان المامان ،وحسبك بهما .ويقتل الحر بعبد نفسه .قال النخعي والثوري
فهي أحهد قوليهه وقهد قيهل :إن الحسهن لم يسهمع مهن سهمرة إل حديهث العقيقهة ،والّ أعلم .واختلفوا فهي
القصهاص بيهن العبيهد فيمها دون النفهس ،هذا قول عمهر بهن عبدالعزيهز وسهالم بهن عبدال والزهري
وقران ومالك والشافعي وأبو ثور .وقال الشعبي والنخعي والثوري وأبو حنيفة :ل قصاص بينهم
إل في النفس .قال ابن المنذر :الول أصح.
@ روى الدارقطني وأبو عيسى الترمذي عن سراقة بن مالك قال :حضرت رسول الّ صلى الّ
عليهه وسهلم يقيهد الب مهن ابنهه ،ول يقيهد البهن مهن أبيهه .قال أبهو عيسهى" :هذا حديهث ل نعرفهه مهن
حديهث سهراقة إل من هذا الوجهه ،وليهس إسهناده بصهحيح ،رواه إسهماعيل بن عياش عهن المثنهى بهن
الصهباح ،والمثنهى يضعهف فهي الحديهث ،وقهد روى هذا الحديهث أبهو خالد الحمهر عهن الحجاج عهن
عمرو بهن شعيهب عهن أبيهه عهن جده عهن عمهر عهن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم .وقهد روي هذا
الحديهث عهن عمرو بهن شعيهب مرسهل ،وهذا الحديهث فيهه اضطراب ،والعمهل على هذا عنهد أههل
العلم أن الب إذا قتهل ابنهه ل يقتهل بهه ،وإذا قذفهه ل يحهد" .وقال ابهن المنذر :اختلف أههل العلم فهي
الرجل يقتل ابنه عمدا ،فقالت طائفة :ل قود عليه وعليه ديته ،وهذا قول الشافعي وأحمد وإسحاق
وأصحاب الرأي ،وروي ذلك عن عطاء ومجاهد .وقال مالك وابن نافع وابن عبدالحكم :يقتل به.
وقال ابن المنذر :وبهذا نقول لظاهر الكتاب والسنة ،فأما ظاهر الكتاب فقوله تعالى" :كتب عليكم
ل صهلى الّ عليهه وسهلم: القصهاص فهي القتلى الحهر بالحهر والعبهد بالعبهد" ،والثابهت عهن رسهول ا ّ
(المؤمنون تتكافأ دماؤهم) ول نعلم خبرا ثابتا يجب به استثناء الب من جملة الية ،وقد روينا فيه
أخبارا غيهر ثابتهة .وحكهى الكيها الطهبري عهن عثمان البتهي أنهه يقتهل الوالد بولده ،للعمومات فهي
القصاص .وروي مثل ذلك عن مالك ،ولعلهما ل يقبلن أخبار الحاد في مقابلة عمومات القرآن.
قلت :ل خلف فههي مذههب مالك أنهه إذا قتهل الرجهل ابنههه متعمدا مثهل أن يضجعهه ويذبحهه أو
يصههبره ممهها ل عذر له فيههه ول شبهههة فههي ادعاء الخطههأ ،أنههه يقتههل بههه قول واحدا .فأمهها إن رماه
بالسهلح أدبها أو حنقها فقتله ،ففيهه فهي المذههب قولن :يقتهل بهه ،ول يقتهل بهه وتغلظ الديهة ،وبهه قال
جماعة العلماء .ويقتل الجنبي بمثل هذا .ابن العربي" :سمعت شيخنا فخر السلم الشاشي يقول
فهي النظهر :ل يقتهل الب بابنهه ،لن الب كان سهبب وجوده ،فكيهف يكون ههو سهبب عدمهه؟ وهذا
يبطل بما إذا زنى بابنته فإنه يرجم ،وكان سبب وجودها وتكون هي سبب عدمه ،ثم أي فقه تحت
ل صهلى الّ ل تعالى فهي ذلك .وقهد أثروا عهن رسهول ا ّ هذا ،ولم ل يكون سهبب عدمهه إذا عصهى ا ّ
عليهه وسهلم أنهه قال( :ل يقاد الوالد بولده) وههو حديهث باطهل ،ومتعلقههم أن عمهر رضهي الّ عنهه
قضهى بالديهة مغلظهة في قاتهل ابنهه ولم ينكهر أحد من الصهحابة عليه ،فأخذ سائر الفقهاء رضي الّ
عنهم المسألة مسجلة ،وقالوا :ل يقتل الوالد بولده ،وأخذها مالك محكمة مفصلة فقال :إنه لو حذفه
بالسهيف وهذه حالة محتملة لقصهد القتهل وعدمهه ،وشفقهة البوة شبههة منتصهبة شاهدة بعدم القصهد
إلى القتهل تسهقط القود ،فإذا أضجعهه كشهف الغطاء عهن قصهده فالتحهق بأصهله" .قال ابهن المنذر:
وكان مالك والشافعي وأحمد وإسحاق يقولون :إذا قتل البن الب قتل به.
@ وقد استدل المام أحمد بن حنبل بهذه الية على قوله :ل تقتل الجماعة بالواحد ،قال :لن الّ
سهبحانه شرط المسهاواة ول مسهاواة بيهن الجماعهة والواحهد .وقهد قال تعالى" :وكتبنها عليههم فيهها أن
النفس بالنفس والعين بالعين" [المائدة .]45 :والجواب أن المراد بالقصاص في الية قتل من قتل
كائنها مهن كان ،ردا على العرب التهي كانهت تريهد أن تقتهل بمهن قتهل مهن لم يقتهل ،وتقتهل فهي مقابلة
ل سهبحانه بالعدل والمسهاواة ،وذلك بأن الواحهد مائة ،افتخارا واسهتظهارا بالجاه والمقدرة ،فأمهر ا ّ
يقتل من قتل ،وقد قتل عمر رضي الّ عنه سبعة برجل بصنعاء وقال :لو تمال عليه أهل صنعاء
لقتلتهم به جميعا .وقتل علي رضي الّ عنه الحرورية عبدالّ بن خباب فإنه توقف عن قتالهم حتى
ل أكهبر نادوههم أنيحدثوا ،فلمها ذبحوا عبدال بهن خباب كمها تذبهح الشاة ،وأخهبر علي بذلك قال( :ا ّ
أخرجوا إلينها قاتهل عبدال بهن خباب ،فقالوا :كلنها قتله ،ثلث مرات ،فقال علي لصهحابه :دونكهم
القوم ،فمها لبهث أن قتلههم علي وأصهحابه) خرج الحديثيهن الدارقطنهي فهي سهننه .وفهي الترمذي عهن
أبي سعيد وأبي هريرة عن رسول الّ صلى الّ عليه وسلم قال( :لو أن أهل السماء وأهل الرض
اشتركوا في دم مؤمن لكبهم الّ في النار) .وقال فيه :حديث غريب .وأيضا فلو علم الجماعة أنهم
إذا قتلوا الواحهد لم يقتلوا لتعاون العداء على قتهل أعدائههم بالشتراك فهي قتلههم وبلغوا المهل مهن
التشفهي ،ومراعاة هذه القاعدة أولى مهن مراعاة اللفاظ والّ أعلم .وقال ابهن المنذر :وقال الزهري
وحبيب بن أبي ثابت وابن سيرين :ل يقتل اثنان بواحد .روينا ذلك عن معاذ بن جبل وابن الزبير
وعبدالملك ،قال ابهن المنذر :وهذا أصهح ،ول حجهة مهع مهن أباح قتهل جماعهة بواحهد .وقهد ثبهت عهن
ابن الزبير ما ذكرناه.
@ روى الئمة عن أبي شريح الكعبي قال قال رسول الّ صلى الّ عليه وسلم( :أل إنكم معشر
خزاعهة قتلتهم هذا القتيهل مهن هذيهل وإنهي عاقله فمهن قتهل له بعهد مقالتهي هذه قتيهل فأهله بيهن خيرتيهن
أن يأخذوا العقهل أو يقتلوا) ،لفهظ أبهي داود .وقال الترمذي :حديهث حسهن صهحيح .وروي عهن أبهي
شريح الخزاعي عن النبي صلى الّ عليه وسلم قال( :من قتل له قتيل فله أن يقتل أو يعفو أو يأخذ
الدية) .وذهب إلى هذا بعض أهل العلم ،وهو قول أحمد وإسحاق.
@ اختلف أههل العلم فهي أخهذ الديهة مهن قاتهل العمهد ،فقالت طائفهة :ولي المقتول بالخيار إن شاء
اقتص وإن شاء أخذ الدية وإن لم يرض القاتل .يروى هذا عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن،
ورواه أشهب عن مالك ،وبه قال الليث والوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور .وحجتهم
حديهث أبهي شريهح ومها كان فهي معناه ،وههو نهص فهي موضهع الخلف ،وأيضها مهن طريهق النظهر
ل تعالى" :ول تقتلوا فإنمهها لزمتههه الديههة بغيههر رضاه ،لن فرضهها عليههه إحياء نفسههه ،وقههد قال ا ّ
أنفسكم" [النساء .]29 :وقوله" :فمن عفي له من أخيه شيء" أي ترك له دمه في أحد التأويلت،
ورضي منه بالدية "فاتباع بالمعروف" أي فعلى صاحب الدم اتباع بالمعروف في المطالبة بالدية،
وعلى القاتهل أداء إليهه بإحسهان ،أي مهن غيهر مماطلة وتأخيهر عهن الوقهت "ذلك تخفيهف مهن ربكهم
ورحمة" أي أن من كان قبلنا لم يفرض الّ عليهم غير النفس بالنفس ،فتفضل الّ على هذه المة
بالدية إذا رضي بها ولي الدم ،على ما يأتي بيانه .وقال آخرون :ليس لولي المقتول إل القصاص،
ول يأخههذ الديههة إل إذا رضههي القاتههل ،رواه ابههن القاسههم عههن مالك وهههو المشهور عنههه ،وبههه قال
الثوري والكوفيون .واحتجوا بحديهث أنهس فهي قصهة الربيهع حيهن كسهرت ثنيهة المرأة ،رواه الئمهة
قالوا :فلما حكم رسول الّ صلى الّ عليه وسلم بالقصاص وقال( :القصاص كتاب الّ ،القصاص
كتاب الّ) ولم يخيهر المجنهي عليهه بيهن القصهاص والديهة ثبهت بذلك أن الذي يجهب بكتاب الّ وسهنة
رسهوله فهي العمهد ههو القصهاص ،والول أصهح ،لحديهث أبهي شريهح المذكور .وروى الربيهع عهن
الشافعهي قال :أخهبرني أبهو حنيفهة بهن سهماك بهن الفضهل الشهابهي قال :وحدثنهي ابهن أبهي ذئب عهن
ل صلى الّ عليه وسلم قال عام الفتح( :من قتل له قتيل المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول ا ّ
فهو بخير النظرين إن أحب أخذ العقل وإن أحب فله القود) .فقال أبو حنيفة :فقلت لبن أبي ذئب:
أتأخهذ بهذا يها أبها الحارث فضرب صهدري وصهاح علي صهياحا كثيرا ونال منهي وقال :أحدثهك عن
رسول الّ صلى الّ عليه وسلم وتقول :تأخذ به نعم آخذ به ،وذلك الفرض علي وعلى من سمعه،
إن الّ عز وجل ثناؤه اختار محمدا صلى الّ عليه وسلم من الناس فهداهم به وعلى يديه ،واختار
لهههم مهها اختاره له وعلى لسههانه ،فعلى الخلق أن يتبعوه طائعيههن أو داخريهن ،ل مخرج لمسهلم مهن
ذلك ،قال :وما سكت عني حتى تمنيت أن يسكت.
@قوله تعالى" :فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان" اختلف العلماء
في تأويل "من" و"عفي" على تأويلت خمس:
أحدهها أن "مهن" يراد بهها القاتهل ،و"عفهي" تتضمهن عافيها ههو ولي الدم ،والخ ههو المقتول،
و"شيههء" هههو الدم الذي يعفههى عنههه ويرجههع إلى أخههذ الديههة ،هذا قول ابههن عباس وقتادة ومجاهههد
وجماعهة مهن العلماء .والعفهو فهي هذا القول على بابهه الذي ههو الترك .والمعنهى :أن القاتهل إذا عفها
عنهه ولي المقتول عهن دم مقتوله وأسهقط القصهاص فإنهه يأخهذ الديهة ويتبهع بالمعروف ،ويؤدي إليهه
القاتل بإحسان.
الثانهي :وههو قول مالك أن "مهن" يراد بهه الولي "وعفهي" يسهر ،ل على بابهها فهي العفهو ،والخ
يراد به القاتل ،و"شيء" هو الدية ،أي أن الولي إذا جنح إلى العفو عن القصهاص على أخذ الدية
فإن القاتهل مخيهر بيهن أن يعطيهها أو يسهلم نفسهه ،فمرة تيسهر ومرة ل تيسهر .وغيهر مالك يقول :إذا
رضي الولياء بالدية فل خيار للقاتل بل تلزمه .وقد روي عن مالك هذا القول ،ورجحه كثير من
أصهحابه .وقال أبهو حنيفهة :إن معنهى "عفهي" بذل ،والعفهو فهي اللغهة :البذل ،ولهذا قال الّ تعالى:
"خذ العفو" [العراف ]199 :أي ما سهل .وقال أبو السود الدؤلي:
خذي العفو مني تستديمي مودتي
وقال صلى الّ عليه وسلم( :أول الوقت رضوان الّ وآخره عفو الّ) يعني شهد الّ على عباده.
فكأنههه قال :مههن بذل له شيههء مههن الديههة فليقبههل وليتبههع بالمعروف .وقال قوم :وليؤد إليههه القاتههل
بإحسان ،فندبه تعالى إلى أخذ المال إذا سهل ذلك من جهة القاتل ،وأخبر أنه تخفيف منه ورحمة،
كمها قال ذلك عقهب ذكهر القصهاص فهي سهورة "المائدة" "فمهن تصهدق بهه فههو كفارة له" [المائدة:
]45فندب إلى رحمة العفو والصدقة ،وكذلك ندب فيما ذكر في هذه الية إلى قبول الدية إذا بذلها
الجاني بإعطاء الدية ،ثم أمر الولي باتباع وأمر الجاني بالداء بالحسان.
وقهد قال قوم :إن هذه اللفاظ فهي المعينيهن الذين نزلت فيههم الية كلها وتساقطوا الديات فيما بينههم
مقاصهة .ومعنهى اليهة :فمهن فضهل له مهن الطائفتيهن على الخرى شيهء مهن تلك الديات ،ويكون
"عفي" بمعنى فضل.
روى سفيان بن حسين بن شوعة عن الشعبي قال :كان بين حيين من العرب قتال ،فقتل من هؤلء
وهؤلء .وقال أحههد الحييههن :ل نرضههى حتههى يقتههل بالمرأة الرجههل وبالرجههل المرأة ،فارتفعوا إلى
رسول الّ صلى الّ عليه وسلم ،فقال عليه السلم( :القتل سواء) فاصطلحوا على الديات ،ففضل
أحهد الحييهن على الخهر ،فههو قوله" :كتهب" إلى قوله" :فمهن عفهي له مهن أخيهه شيهء" يعنهي فمهن
فضهل له على أخيهه فضهل فليؤده بالمعروف ،فأخهبر الشعهبي عهن السهبب فهي نزول اليهة ،وذكهر
سفيان العفو هنا الفضل ،وهو معنى يحتمله اللفظ.
وتأويل خامس :وهو قول علي رضي الّ عنه والحسن في الفضل بين دية الرجل والمرأة والحر
والعبهد ،أي مهن كان له ذلك الفضهل فاتباع بالمعروف ،و"عفهي" فهي هذا الموضهع أيضهها بمعنههى
فضل.
ل تعالى على حسهن القتضاء مهن الطالب ،وحسهن القضاء مهن المؤدي، @هذه اليهة حهض مهن ا ّ
وههههل ذلك على الوجوب أو الندب .فقراءة الرفهههع تدل على الوجوب ،لن المعنهههى فعليهههه اتباع
بالمعروف .قال النحاس" :فمهن عفهي له" شرط والجواب ،لن المعنهى فعليهه اتباع بالمعروف .قال
النحاس" :فمهههن عفهههي له" شرط والجواب "فاتباع" وههههو رفهههع بالبتداء ،والتقديهههر فعليهههه اتباع
بالمعروف .ويجوز فهي غيهر القرآن "فاتباعها" و"أداء" بجعلهمها مصهدرين .قال ابهن عطيهة :وقرأ
إبراهيههم بههن أبههي عبلة "فاتباعهها" بالنصههب .والرفههع سههبيل للواجبات ،كقوله تعالى" :فإمسههاك
بمعروف" [البقرة .]229 :وأما المندوب إليه فيأتي منصوبا ،كقوله" :فضرب الرقاب" [محمد:
.]4
@قوله تعالى" :ذلك تخفيف من ربكم ورحمة" لن أهل التوراة كان لهم القتل ولم يكن لهم غير
ل تعالى ذلك تخفيفها لهذه ذلك ،وأههل النجيهل كان لههم العفهو ولم يكهن لههم قود ول ديهة ،فجعهل ا ّ
المة ،فمن شاء قتل ،ومن شاء أخذ الدية ،ومن شاء عفا.
@قوله تعالى" :فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم" شرط وجوابه ،أي قتل بعد أخذ الدية وسقوط
[الدم] قاتل وليه" .فله عذاب أليم" قال الحسن :كان الرجل في الجاهلية إذا قتل قتيل فر إلى قومه
فيجيهء قومهه فيصهالحون بالديهة فيقول ولي المقتول :إنهي أقبهل الديهة ،حتهى يأمهن القاتهل ويخرج،
فيقتله ثم يرمي إليهم بالدية.
واختلف العلماء فيمهن قتهل بعهد أخهذ الديهة ،فقال جماعهة مهن العلماء منههم مالك والشافعهي :ههو
كمههن قتههل ابتداء ،إن شاء الولي قتله وإن شاء عفهها عنههه وعذابههه فههي الخرة .وقال قتادة وعكرمههة
والسهدي وغيرههم :عذابهه أن يقتهل البتهة ،ول يمكهن الحاكهم الولي مهن العفهو .وروى أبهو داود عهن
جابر بن عبدال قال قال رسول الّ صلى الّ عليه وسلم( :ل أعفى من قتل بعد أخذ الدية) .وقال
الحسهن :عذابهه أن يرد الديهة فقهط ويبقهى إثمهه إلى عذاب الخرة .وقال عمهر بهن عبدالعزيهز :أمره
إلى المام يصنع فيه ما يرى .وفي سنن الدارقطني عن أبي شريح الخزاعي قال :سمعت رسول
الّ صهلى الّ عليهه وسهلم يقول( :مهن أصهيب بدم أو خبهل -والخبهل عرج -فههو بالخيار بيهن إحدى
ثلث فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه بين أن يقتص أو يعفو أو يأخذ العقل فإن قبل شيئا من ذلك
ثم عدا بعد ذلك فله النار خالدا فيها مخلدا).
**3الية{ 179 :ولكم في القصاص حياة يا أولي اللباب لعلكم تتقون}
@قوله تعالى" :ولكم في القصاص حياة" هذا من الكلم البليغ الوجيز كما تقدم .ومعناه :ل يقتل
بعضكهم بعضها ،رواه سهفيان عهن السهدي عهن أبهي مالك .والمعنهى :أن القصهاص إذا أقيهم وتحقهق
الحكم فيه ازدجر من يريد قتل آخر ،مخافة أن يقتص منه فحييا بذلك معا .وكانت العرب إذا قتل
الرجههل الخههر حمههي قبيلهمهها وتقاتلوا وكان ذلك داعيهها إلى قتههل العدد الكثيههر ،فلمهها شرع الّ
القصاص قنع الكل به وتركوا القتتال ،فلهم في ذلك حياة.
اتفق أئمة الفتوى على أنه ل يجوز لحد أن يقتص من أحد حقه دون السلطان ،وليس للناس أن
يقتص بعضهم من بعض ،وإنما ذلك لسلطان أو من نصبه السلطان لذلك ،ولهذا جعل الّ السلطان
ليقبض أيدي الناس بعضهم عن بعض.
وأجمع العلماء على أن على السلطان أن يقتص من نفسه إن تعدى على أحد من رعيته ،إذ هو
واحهد منههم ،وإنمها له مزيهة النظهر لههم كالوصهي والوكيهل ،وذلك ل يمنهع القصهاص ،وليهس بينههم
وبيهن العامهة فرق فهي أحكام الّ عهز وجهل ،لقوله جهل ذكره" :كتهب عليكهم القصهاص فهي القتلى"،
وثبهت عهن أبهي بكهر الصهديق رضهي الّ عنهه أنهه قال لرجهل شكها إليهه أن عامل قطهع يده :لئن كنهت
ل صهلى الّ عليهه صهادقا لقيدنهك منهه .وروى النسهائي عهن أبهي سهعيد الخدري قال :بينها رسهول ا ّ
وسهلم يقسهم شيئا إذ أكهب عليهه رجهل ،فطعنهه رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم بعرجون كان معهه،
ل صهلى الّ عليهه وسهلم( :تعال فاستقد) .قال :بل عفوت يها رسهول فصاح الرجل ،فقال له رسول ا ّ
الّ .وروى أبو داود الطيالسي عن أبي فراس قال :خطب عمر بن الخطاب رضي الّ عنه فقال:
أل مهن ظلمهه أميره فليرفهع ذلك إلي أقيده منهه .فقام عمرو بهن العاص فقال :يها أميهر المؤمنيهن ،لئن
أدب رجهل منها رجل مهن أههل رعيتهه لتقصهنه منهه؟ قال :كيهف ل أقصهه منهه وقهد رأيهت رسهول الّ
صلى الّ عليه وسلم يقص من نفسه .ولفظ أبي داود السجستاني عنه قال :خطبنا عمر بن الخطاب
فقال :إنهي لم أبعهث عمالي ليضربوا أبشاركهم ول ليأخذوا أموالكهم ،فمهن فعهل ذلك بهه فليرفعهه إلي
أقصه منه .وذكر الحديث بمعناه.
@قوله تعالى" :لعلكم تتقون" تقدم معناه .والمراد هنا "تتقون" القتل فتسلمون من القصاص ،ثم
ل يثيههب بالطاعههة على الطاعههة .وقرأ أبههويكون ذلك داعيههة لنواع التقوى فههي غيههر ذلك ،فإن ا ّ
الجوزاء أوس بههن عبدال الربعههي "ولكههم فههي القصههص حياة" .قال النحاس :قراءة أبههي الجوزاء
شاذة .قال غيره :يحتمهل أن يكون مصهدرا كالقصهاص .وقيهل :أراد بالقصهص القرآن ،أي لكهم فهي
ل الذي شرع فيه القصص حياة ،أي نجاة. كتاب ا ّ
**3الية{ 180 :كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والقربين
بالمعروف حقا على المتقين}
@قوله تعالى" :كتهب عليكهم" هذه آيهة الوصهية ،ليهس فهي القرآن ذكهر للوصهية إل فهي هذه اليهة،
وفي "النساء"" :من بعد وصية" [النساء ]12 :وفي "المائدة"" :حين الوصية"[ .المائدة]106 :
والتهي فهي البقرة أتمهها وأكملهها ونزلت قبهل نزول الفرائض والمواريهث ،على مها يأتهي بيانهه .وفهي
الكلم تقديههر واو العطههف ،أي وكتههب عليكههم ،فلمهها طال الكلم أسههقطت الواو .ومثله فههي بعههض
القوال" :ل يصههلها إل الشقههى .الذي كذب وتولى" [الليههل ]16 - 15 :أي والذي ،فحذف.
وقيهل :لمها ذكهر أن لولي الدم أن يقتهص ،فهذا الذي أشرف على مهن يقتهص منهه وههو سهبب الموت
فكأنما حضره الموت ،فهذا أوان الوصية ،فالية مرتبطة بما قبلها ومتصلة بها فلذلك سقطت واو
العطهف .و"كتهب" معناه فرض وأثبهت ،كمها تقدم .وحضور الموت :أسهبابه ،ومتهى حضهر السهبب
كنت به العرب عن المسبب ،قال شاعرهم:
سائل بني أسد ما هذه الصوت يا أيها الراكب المزجي مطيته
قول يبرئكم إني أنا الموت وقل لهم بادروا بالعذر والتمسوا
وقال عنترة:
وصلت بنانها بالهندوان وإن الموت طوع يدي إذا ما
وقال جرير في مهاجاة الفرزدق:
فليس لهارب مني نجاء أنا الموت الذي حدثت عنه
إن قيهل :لم قال "كتهب" ولم يقهل كتبهت ،والوصهية مؤنثهة؟ قيهل له :إنمها ذلك لنهه أراد بالوصهية
اليصهاء .وقيهل :لنهه تخلل فاصهل ،فكان الفاصهل كالعوض مهن تاء التأنيهث ،تقول العرب :حضهر
القاضي اليوم امرأة .وقد حكى سيبويه :قام امرأة .ولكن حسن ذلك إنما هو مع طول الحائل.
@قوله تعالى" :إن ترك خيرا" "إن" شرط ،وفهي جوابهه لبهي الحسهن الخفهش قولن ،قال
الخفش :التقدير فالوصية ،ثم حذفت الفاء ،كما قال الشاعر:
ل يشكرها والشر بالشر عند الّ مثلن من يفعل الحسنات ا ّ
والجواب الخهر :أن الماضهي يجوز أن يكون جوابهه قبله وبعده ،فيكون التقديهر الوصهية للوالديهن
والقربيههههن إن ترك خيرا .فإن قدرت الفاء فالوصههههية رفههههع بالبتداء ،وإن لم تقدر الفاء جاز أن
ترفعههها بالبتداء ،وأن ترفعههها على مهها لم يسههم فاعله ،أي كتههب عليكههم الوصههية .ول يصههح عنههد
جمهور النحاة أن تعمل "الوصية" في "إذا" لنها في حكم الصلة للمصدر الذي هو الوصية وقد
تقدمهت ،فل يجوز أن تعمهل فيهها متقدمهة .ويجوز أن يكون العامهل فهي "إذا"" :كتهب" والمعنههى:
توجهه إيجاب الّ إليكهم ومقتضهى كتابهه إذا حضهر ،فعهبر عهن توجهه اليجاب بكتهب لينتظهم إلى هذا
المعنههى أنهه مكتوب فهي الزل .ويجوز أن يكون العامههل فههي "إذا" اليصههاء يكون مقدرا دل على
الوصية ،المعنى :كتب عليكم اليصاء إذا.
@قوله تعالى" :خيرا" الخير هنا المال من غير خلف ،واختلفوا في مقداره ،فقيل :المال الكثير،
روي ذلك عهن علي وعائشهة وابهن عباس وقالوا فهي سهبعمائة دينار إنهه قليهل .قتادة عهن الحسهن:
الخيهر ألف دينار فمها فوقهها .الشعهبي :مها بيهن خمسهمائة دينار إلى ألف .والوصهية عبارة عهن كهل
شيهء يؤمهر بفعله ويعههد به فهي الحياة وبعهد الموت .وخصهصها العرب بمها يعههد بفعله وتنفيذه بعهد
الموت ،والجمهع وصهايا كالقضايها جمهع قضيهة .والوصهي يكون الموصهي والموصهى إليهه ،وأصهله
من وصى مخففا .وتواصى النبت تواصيا إذا اتصل .وأرض واصية :متصلة النبات .وأوصيت له
بشيهء وأوصهيت إليهه إذا جعلتهه وصهيك .والسهم الوصهاية والوصهاية (بالكسهر والفتهح) .وأوصهيته
ووصهيته أيضها توصهية بمعنهى ،والسهم الوصهاة .وتواصهى القوم أوصهى بعضههم بعضها .وفهي
الحديث( :استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم) .ووصيت الشيء بكذا إذا وصلته به.
@ اختلف العلماء في وجوب الوصية على من خلف مال ،بعد إجماعهم على أنها واجبة على من
قبله ودائع وعليهه ديون .واكثهر العلماء على أن الوصهية غيهر واجبهة على مهن ليهس قبله شيهء مهن
ذلك ،وههو قول مالك والشافعهي والثوري ،موسهرا كان الموصهي أو فقيرا .وقالت طائفهة :الوصهية
واجبهههة على ظاههههر القرآن ،قال الزهري وأبهههو مجلز ،قليل كان المال أو كثيرا .وقال أبهههو ثور:
ليسهت الوصهية واجبهة إل على رجهل عليهه ديهن أو عنده مال لقوم ،فواجهب عليهه أن يكتهب وصهيته
ويخهبر بمها عليهه .فأمها مهن ل ديهن عليهه ول وديعهة عنده فليسهت بواجبهة عليهه إل أن يشاء .قال ابهن
المنذر :وهذا حسن ،لن الّ فرض أداء المانات إلى أهلها ،ومن ل حق عليه ول أمانة قبله فليس
واجب عليه أن يوصي .احتج الولون بما رواه الئمة عن ابن عمر أن رسول الّ صلى الّ عليه
وسهلم قال( :مها حهق امرئ مسهلم له شيهء يريهد أن يوصهي فيهه يهبيت ليلتيهن إل ووصهيته مكتوبهة
عنده) وفهي روايهة (يهبيت ثلث ليال) وفيهها قال عبدال بهن عمهر :مها مرت عليّه ليلة منهذ سهمعت
رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم قال ذلك إل وعندي وصهيتي .احتهج مهن لم يوجبهها بأن قال :لو
كانت واجبة لم يجعلهها إلى إرادة الموصهي ،ولكان ذلك لزما على كل حال ،ثم لو سلم أن ظاهره
الوجوب فالقول بالموجهب يرده ،وذلك فيمهن كانهت عليهه حقوق للناس يخاف ضياعهها عليههم ،كمها
قال أبههو ثور .وكذلك إن كانههت له حقوق عنههد الناس يخاف تلفههها على الورثههة ،فهذا يجههب عليههه
الوصية ول يختلف فيه.
ل تعالى" :كتب عليكم" وكتب فرض ،فدل على وجوب الوصية قيل لهم :قد فإن قيل :فقد قال ا ّ
تقدم الجواب عنه في الية قبل ،والمعنى :إذا أردتم الوصية ،والّ أعلم .وقال النخعي :مات رسول
الّ صهلى الّ عليهه وسهلم ولم يوص ،وقهد أوصهى أبهو بكهر ،فإن أوصهى فحسهن ،وإن لم يوص فل
شيء عليه.
ل تعالى في كتابه مقدار ما يوصى به من المال ،وإنما قال" :إن ترك خيرا" والخير @ لم يبين ا ّ
المال ،كقوله" :وما تنفقوا من خير" [البقرة" ،]272 :وإنه لحب الخير" [العاديات ]8 :فاختلف
العلماء فهي مقدار ذلك ،فروي عهن أبهي بكهر الصهديق رضهي الّ عنهه أنهه أوصهى بالخمهس .وقال
علي رضهي الّ عنهه مهن غنائم المسهلمين بالخمهس .وقال معمهر عهن قتادة .أوصهى عمهر بالربهع.
وذكره البخاري عهن ابهن عباس .وروي عهن علي رضهي الّ عنهه أنهه قال( :لن أوصهي بالخمهس
أحب إليّ من أن أوصي بالربع ،ولن أوصي بالربع أحب إليّ من أوصي بالثلث) واختار جماعة
لمههن ماله قليههل وله ورثههة ترك الوصههية ،روي ذلك عههن علي وابههن عباس وعائشههة رضوان الّ
عليههم أجمعيهن .روى بهن أبهي شيبهة مهن حديهث ابهن أبهي مليكهة عهن عائشهة قال لهها :إنهي أريهد أن
ل تعالى أوصههي :قالت :وكههم مالك؟ قال :ثلثههة آلف .قالت :فكههم عيالك؟ قال أربعههة .قالت( :إن ا ّ
يقول" :إن ترك خيرا" وهذا شيء يسير فدعه لعيالك فإنه أفضل لك)
@ ذههب الجمهور مهن العلماء إلى أنهه ل يجوز لحهد أن يوصهي بأكثهر مهن الثلث إل أبها حنيفهة
وأصهههحابه فإنههههم قالوا :إن لم يترك الموصهههي ورثهههة جاز له أن يوصهههي بمال كله .وقالوا :إن
القتصار على الثلث في الوصية إنما كان من أجل أن يدع ورثته أغنياء ،لقوله عليه السلم( :إنك
أن تذر ورثتههك أغنياء خيههر مههن أن تذرهههم عالة يتكففون الناس) الحديههث ،رواه الئمههة .ومههن ل
وارث له فليس ممن عني بالحديث ،روي هذا القول عن ابن عباس ،وبه قال أبو عبيدة ومسروق،
وإليه ذههب إسهحاق ومالك فهي أحهد قوليهه ،وروي عن علي وسهبب الخلف مهع مها ذكرنها ،الخلف
في بيت المال هل هو وارث أو حافظ لما يجعل فيه؟ قولن:
أجمهع العلماء على أن مهن مات وله ورثهة فليهس له أن يوصهي بجميهع ماله .وروي .عهن عمرو
بهن العاص رضهي الّ عنهه أنهه قال حيهن حضرتهه الوفاة لبنهه عبدال( :إنهي قهد أردت أن أوصهي،
فقال له :أوص ومالك فههي مالي ،فدعهها كاتبهها فأملى ،فقال عبدال :فقلت له مهها أراك إل وقههد أتيههت
على مالي ومالك ،ولو دعوت إخوتي فاستحللتهم).
وأجمعوا أن للنسههان أن يغيههر وصههيته ويرجههع فيمهها شاء منههها ،إل أنهههم اختلفوا مههن ذلك فههي
المدبر ،فقال مالك رحمهه الّ :المهر المجمهع عليهه عندنها أن الموصهي إذا أوصهى فهي صهحته أو
مرضهه بوصهية فيهها عتاقهة رقيهق مهن رقيقهه أو غيهر ذلك فإنهه يغيهر مهن ذلك مها بدا له ويصهنع مهن
ذلك مهها شاء حتههى يموت ،وإن أحههب أن يطرح تلك الوصههية ويسههقطها فعههل ،إل أن يدبر فإن دبر
ل صهلى الّ عليهه وسهلم قال( :مها حهق مملوكها فل سهبيل له إلى تغييهر مها دبر ،وذلك أن رسهول ا ّ
امرئ مسهلم له شيهء يوصهي فيهه يهبيت ليلتيهن إل ووصهيته مكتوبهة عنده) .قال أبهو الفرج المالكهي:
المدبر في القياس كالمعتق إلى شهر ،لنه أجل آت ل محالة .وأجمعوا أل يرجع في اليمين بالعتق
والعتهق إلى أجهل فكذلك المدبر ،وبهه قال أبهو حنيفهة .وقال الشافعهي وأحمهد وإسهحاق :ههو وصهية،
لجماعهم أنه في الثلث كسائر الوصايا .وفي إجازتهم وطء المدبرة ما ينقض قياسهم المدبر على
العتق إلى أجل ،وقد ثبت أن النبي صلى الّ عليه وسلم باع مدبرا ،وأن عائشة دبرت جارية لها ثم
باعتها ،وهو قول جماعة من التابعين .وقالت طائفة :يغير الرجل من وصيته ما شاء إل العتاقة.
وكذلك قال الشعبي وابن سيرين وابن شبرمة والنخعي ،وهو قول سفيان الثوري.
@ واختلفوا في الرجل يقول لعبده :أنت حر بعد موتي ،وأراد الوصية ،فله الرجوع عند مالك في
ذلك .وإن قال :فلن مدبر بعههد موتههي ،لم يكههن له الرجوع فيههه .وإن أراد التدبيههر بقوله الول لم
يرجهع أيضها عنهد أكثهر أصهحاب مالك .وأمها الشافعهي وأحمهد وإسهحاق وأبهو ثور فكهل هذا عندههم
وصهية ،لنهه فهي الثلث ،وكهل مها كان فهي الثلث فههو وصهية ،إل أن الشافعهي قال :ل يكون الرجوع
فهي المدبر إل بأن يخرجهه عهن ملكهه بهبيع أو هبهة .وليهس قوله - :قهد رجعهت -رجوعها ،وإن لم
يخرج المدبر عن ملكه حتى يموت فإنه يعتق بموته .وقال في القديم :يرجع في المدبر كما يرجع
فهي الوصهية .واختاره المزنهي قياسها على إجماعههم على الرجوع فيمهن أوصهى بعتقهه .وقال أبهو
ثور :إذا قال قههد رجعههت فههي مدبري فقههد بطههل التدبيههر ،فإن مات لم يعتههق .واختلف ابههن القاسههم
وأشهههب فيمههن قال :عبدي حههر بعههد موتههي ،ولم يرد الوصههية ول التدبيههر ،فقال ابههن القاسههم :هههو
وصية .وقال أشهب :هو مدبر وإن لم يرد الوصية.
@ اختلف العلماء في هذه الية هل هي منسوخة أو محكمة ،فقيل :هي محكمة ،ظاهرها العموم
ومعناها الخصوص في الوالدين اللذين ل يرثان كالكافرين والعبدين وفي القرابة غير الورثة ،قاله
الضحاك وطاوس والحسهن ،واختاره الطهبري .وعهن الزهري أن الوصهية واجبهة فيمها قهل أو كثهر.
وقال ابن المنذر :أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الوصية للوالدين اللذين ل يرثان
والقرباء الذين ل يرثون جائزة .وقال ابن عباس والحسن أيضا وقتادة :الية عامة ،وتقرر الحكم
بهها برههة مهن الدههر ،ونسهخ منهها كهل مهن كان يرث بآيهة الفرائض .وقهد قيهل :إن آيهة الفرائض لم
تستقل بنسخها بل بضميمة أخرى ،وهي قوله عليه السلم( :إن الّ قد أعطى لكل ذي حق حقه فل
وصية لوارث) .رواه أبو أمامة ،أخرجه الترمذي وقال :هذا حديث حسن صحيح .فنسخ الية إنما
كان بالسهنة الثابتهة ل بالرث ،على الصهحيح مهن أقوال العلماء .ولول هذا الحديهث لمكهن الجمهع
بيههن اليتيههن بأن يأخذوا المال عههن المورث بالوصههية ،وبالميراث إن لم يوص ،أو مهها بقههي بعههد
الوصهية ،لكهن منهع مهن ذلك هذا الحديهث والجماع .والشافعهي وأبهو الفرج وإن كانها منعها مهن نسهخ
ل تبارك وتعالى ومن عنده وإن اختلفت فهي الكتاب بالسنة فالصهحيح جوازه بدليل أن الكهل حكم ا ّ
السهماء ،وقهد تقدم هذا المعنهى .ونحهن وإن كان هذا الخهبر بلغنها آحادا لكهن قهد انضهم إليهه إجماع
المسهلمين أنهه ل تجوز وصهية لوارث .فقهد ظههر أن وجوب الوصهية للقربيهن الوارثيهن منسهوخ
بالسنة وأنها مستند المجمعين .والّ أعلم.
وقال ابههن عباس والحسههن :نسههخت الوصههية للوالديههن بالفرض فههي سههورة "النسههاء" وثبتههت
للقربيهن الذيهن ل يرثون ،وههو مذههب الشافعهي وأكثهر المالكييهن وجماعهة مهن أههل العلم .وفهي
البخاري عهن ابهن عباس قال :كان المال للولد وكانهت الوصهية للوالديهن ،فنسهخ مهن ذلك مها أحهب،
فجعهل للذكهر مثهل حهظ النثييهن ،وجعهل للبويهن لكهل واحهد منهمها السهدس ،للمرأة الثمهن والربهع،
وللزوج الشطر والربع.
وقال ابن عمر وابن عباس وابن زيد :الية منسوخة ،وبقيت الوصية ندبا ،ونحو هذا قول مالك
رحمهه الّ ،وذكره النحاس عهن الشعهبي والنخعهي .وقال الربيهع بهن خثيهم :ل وصهية .قال عروة بهن
ثابهت :قلت للربيهع بهن خثيههم أوص لي بمصهحفك ،فنظهر إلى ولده وقرأ "وأولوا الرحام بعضهههم
أولى ببعض في كتاب ال" [النفال .]75 :ونحو هذا صنع ابن عمر رضي الّ عنه.
@قوله تعالى" :والقربين" القربون جمع أقرب .قال قوم :الوصية للقربين أولى من الجانب،
ل تعالى عليهم ،حتى قال الضحاك :إن أوصى لغير قرابته فقد ختم عمله بمعصية .وروي لنص ا ّ
عن ابن عمر أنه أوصى لمهات أولده لكل واحدة بأربعة آلف .وروي أن عائشة وصت لمولة
لهها بأثاث البيهت .وروي عهن سهالم بهن عبدال بمثهل ذلك .وقال الحسهن :إن أوصهى لغيهر القربيهن
ردت الوصية للقربين ،فإن كانت لجنبي فمعهم ،ول تجوز لغيرهم مع تركهم .وقال الناس حين
مات أبو العالية :عجبا له أعتقته امرأة من رياح وأوصهى بماله لبني هاشم .وقال الشعبي :لم يكن
له ذلك ول كرامههة .وقال طاوس :إذا أوص لغيههر قرابتههه ردت الوصههية إلى قرابتههه ونقههض فعله،
وقاله جابر بن زيد ،وقد روي مثل هذا عن الحسن أيضا ،وبه قال إسحاق بن راهوية .وقال مالك
والشافعهي وأبهو حنيفهة وأصهحابهم والوزاعهي وأحمهد بهن حنبهل :مهن أوصهى لغيهر قرابتهه وترك
قرابته محتاجين فبئسما صنع وفعله مع ذلك جائز ماض لكل من أوصى له من غني وفقير ،قريب
وبعيد ،مسلم وكافر .وهو معنى ما روي عن ابن عمر وعائشة ،وهو وقول ابن عمر وابن عباس.
قلت :القول الول أحسن ،وأما أبو العالية رضي الّ عنه فلعله نظر إلى أن بني هاشم أولى من
معتقتهه لصهحبته ابهن عباس وتعليمهه إياه وإلحاقهه بدرجهة العلماء فهي الدنيها والخرى .وهذه البوة
وإن كانهت معنويهة فههي الحقيقيهة ،ومعتقتهه غايتهها أن ألحقتهه بالحرار فهي الدنيها ،فحسهبها ثواب
عتقها ،والّ أعلم.
@ ذهب الجمهور من العلماء إلى أن المريض يحجر عليه في ماله ،وشذ أهل الظاهر فقالوا :ل
يحجر عليه وهو كالصحيح ،والحديث والمعنى يرد عليهم .قال سعد :عادني رسول الّ صلى الّ
عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت فقلت يا رسول الّ ،بلغ بي ما ترى
مههن الوجههع ،وأنهها ذو مال ول يرثنههي إل بنههت واحدة ،أفأتصههدق بثلثههي مالي؟ قال( :ل) ،قلت:
أفأتصدق بشطره؟ قال( :ل ،الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة
يتكففون الناس) الحديث.
ومنهع أههل الظاههر أيضها الوصهية بأكثهر مهن الثلث وإن أجازهها الورثهة .وأجاز ذلك الكافهة إذا
أجازههها الورثههة ،وهههو الصههحيح ،لن المريههض إنمهها منههع مههن الوصههية بزيادة على الثلث لحههق
الوارث ،فإذا أسههقط الورثههة حقهههم كان ذلك جائزا صههحيحا ،وكان كالهبههة مههن عندهههم .وروى
الدارقطني عن ابن عباس ،قال قال رسول الّ صلى الّ عليه وسلم( :ل تجوز الوصية لوارث إل
ل صههلى الّ عليههه وسههلم( :ل أن يشاء الورثههة) .وروي عههن عمرو بههن خارجههة قال قال رسههول ا ّ
وصية لوارث إل أن تجيز الورثة).
@ واختلفوا في رجوع المجيزين للوصية للوارث في حياة الموصي بعد وفاته ،فقالت طائفة :ذلك
جائز عليههم وليهس لههم الرجوع فيهه .هذا قول عطاء بهن أبهي رباح وطاوس والحسهن وابهن سهيرين
وابهن أبهي ليلى والزهري وربيعهة والوزاعهي .وقالت طائفهة :لههم الرجوع فهي ذلك إن أحبوا .هذا
قول ابهن مسهعود وشريهح والحكهم وطاوس والثوري والحسهن بهن صهالح وأبهي حنيفهة والشافعهي
وأحمهد وأبهي ثور ،واختاره ابهن المنذر .وفرق مالك فقال :إذا أذنوا فهي صهحته فلههم أن يرجعوا،
وإن أذنوا له فهي مرضهه حيهن يحجهب عهن ماله فذلك جائز عليههم ،وههو قول إسهحاق .احتهج أههل
المقالة الولى بأن المنهع وقهع مهن أجهل الورثهة ،فإذا أجازوه جاز .وقهد اتفقوا أنهه إذا أوصهى بأكثهر
من ثلثه لجنبي جاز بإجازتهم ،فكذلك ههنا .واحتج أهل القول الثاني بأنهم أجازوا شيئا لم يملكوه
في ذلك الوقت ،وإنما يملك المال بعد وفاته ،وقد يموت الوارث المستأذن قبله ول يكون وارثا وقد
يرثهه غيره ،فقهد أجاز مهن ل حهق له فيهه فل يلزمهه شيهء .واحتهج مالك بأن قال :إن الرجهل إذا كان
صهحيحا فههو أحهق بماله كله يصهنع فيهه مها شاء ،فإذا أذنوا له فهي صهحته فقهد تركوا شيئا لم يجهب
لهم ،وإذا أذنوا له في مرضه فقد تركوا ما وجب لهم من الحق ،فليس لهم أن يرجعوا فيه إذا كان
قد أنفذه لنه قد فات.
فإن لم ينفهذ المريهض ذلك كان للوارث الرجوع فيهه لنهه لم يفهت بالتنفيهذ ،قال البهري .وذكهر
ابهن المنذر عهن إسهحاق بهن راهويهة أن قول مالك فهي هذه المسهألة أشبهه بالسهنة مهن غيره .قال ابهن
المنذر :واتفهق قول مالك والثوري والكوفييهن والشافعهي وأبهي ثور أنههم إذا أجازوا ذلك بعهد وفاتهه
لزمهم.
@ واختلفوا في الرجل يوصي لبعض ورثته بمال ،ويقول في وصيته :إن أجازها الورثة فهي له،
وإن لم يجيزوه فهو في سبيل الّ ،فلم يجيزوه .فقال مالك :إن لم تجز الورثة ذلك رجع إليهم .وفي
قول الشافعي وأبي حنيفة ومعمر صاحب عبدالرزاق يمضي في سبيل الّ.
@ ل خلف في وصية البالغ العاقل غير المحجور عليه ،واختلف فهي غيره ،فقال مالك :المهر
المجمهع عليهه عندنها أن الضعيهف فهي عقله والسهفيه والمصهاب الذي يفيهق أحيانها وصهاياهم إذا كان
معههم مهن عقولههم مها يعرفون مها يوصهون بهه .وكذلك الصهبي الصهغير إذا كان يعقهل مها أوصهى بهه
ولم يأت بمنكههر مههن القول فوصههيته جائزة ماضيههة .وقال أبههو حنيفههة وأصههحابه :ل تجوز وصههية
الصبي .وقال المزني :وهو قياس قول الشافعي ،ولم أجد للشافعي في ذلك شيئا ذكره ونص عليه.
واختلف أصحابه على قولين :أحدهما كقول مالك ،والثاني كقول أبي حنيفة .وحجتهم أنه ل يجوز
طلقه ول عتاقه ول يقتص منه في جناية ول يحد في قذف ،فليس كالبالغ المحجور عليه ،فكذلك
وصيته .قال أبو عمر :قد اتفق هؤلء على أن وصية البالغ المحجور عليه جائزة .ومعلوم أن من
يعقهل مهن الصهبيان مها يوصهي بهه فحاله حال المحجور عليهه فهي ماله ،وعلة الحجهر تبذيهر المال
وإتلفه ،وتلك علة مرتفعة عنه بالموت ،وهو بالمحجور عليه في ماله أشبه منه بالمجنون الذي ل
يعقل ،فوجب أن تجوز وصيته مع المر الذي جاء فيه عن عمر رضي الّ عنه .وقال مالك :إنه
المر المجمع عليه عندهم بالمدينة ،وبالّ التوفيق .وقال محمد بن شريح :من أوصى من صغير
أو كبير فأصاب الحق فالّ قضاه على لسانه ليس للحق مدفع.
@قوله تعالى" :بالمعروف" يعني بالعدل ،ل وكس فيه ول شطط ،وكان هذا موكل إلى اجتهاد
ل سهبحانه تقديهر ذلك على لسهان نهبيه عليهه السهلم ،فقال عليهه الميهت ونظهر الموصهي ،ثهم تولى ا ّ
السهلم( :الثلث والثلث كثيهر) ،وقهد تقدم مها للعلماء فهي هذا .وقال صهلى الّ عليهه وسهلم( :إن الّ
تصههدق عليكههم بثلث أموالكههم عنههد وفاتكههم زيادة لكههم فههي حسههناتكم ليجعلههها لكههم زكاة) .أخرجههه
الدارقطني عن أبي أمامة عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الّ عليه وسلم .وقال الحسن :ل تجوز
وصهية إل فهي الثلث ،وإليهه ذههب البخاري واحتهج بقوله تعالى" :وأن احكهم بينههم بمها أنزل ال"
[المائدة ]49 :وحكهم النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم بأن الثلث كثيهر ههو الحكهم بمها أنزل الّ .فمهن
ل صهلى الّ عليهه وسهلم وزاد على الثلث فقهد أتهى مها نههى النهبي صهلى الّ تجاوز مها حده رسهول ا ّ
ل صلى الّ عليه وسلم عالما .وقال عليه وسلم عنه ،وكان بفعله ذلك عاصيا إذا كان بحكم رسول ا ّ
الشافعي :وقوله (الثلث كثير) يريد أنه غير قليل.
@قوله تعالى" :حقها على المتقيهن" يعنهي ثابتها ثبوت نظهر وتحصهين ،ل ثبوت فرض ووجوب
بدليههل قوله" :على المتقيههن" وهذا يدل على كونههه ندبهها ،لنههه لو كان فرضهها لكان على جميههع
المسهلمين ،فلمها خهص الّ من يتقهي ،أي يخاف تقصهيرا ،دل على أنه غيهر لزم إل فيمها يتوقهع تلفه
إن مات ،فيلزمهه فرضها المبادرة بكتبهه والوصهية بهه ،لنهه إن سهكت عنهه كان تضييعها له وتقصهيرا
منه ،وقد تقدم هذا المعنى .وانتصب "حقا" على المصهدر المؤكد ،ويجوز في غير القرآن "حق"
بمعنى ذلك حق.
@ قال العلماء :المبادرة بكتهب الوصهية ليسهت مأخوذة مهن هذه اليهة .وإنمها ههي مهن حديهث ابهن
عمر .وفائدتها :المبالغة في زيادة الستيثاق وكونها مكتوبة مشهودا بها وهي الوصية المتفق على
العمل بها ،فلو أشهد العدول وقاموا بتلك الشهادة لفظا لعمل بها وإن لم تكتب خطا ،فلو كتبها بيده
ولم يشهد فلم يختلف قول مالك أنه ل يعمل بها إل فيما يكون فيها من إقرار بحق لمن ل يتهم عليه
فيلزمه تنفيذه.
@ روى الدارقطني عن أنس بن مالك قال :كانوا يكتبون في صدور وصاياهم (هذا ما أوصى به
فلن بن فلن أنه يشهد أن ل إله إل الّ وحده ل شريك له ،وأن محمدا عبده ورسوله ،وأن الساعة
ل حهق ل يبعهث مهن فهي القبور .وأوصهى مهن ترك بعده مهن أهله بتقوى ا ّ آتيهة ل ريهب فيهها ،وأن ا ّ
تقاتهه وأن يصهلحوا ذات بينههم ،ويطيعوا الّ ورسهوله إن كانوا مؤمنيهن ،وأوصهاهم بمها وصهى بهه
ل أصطفى لكم الدين فل تموتن إل وأنتم مسلمون). إبراهيم بنيه ويعقوب :يا بني إن ا ّ
**3الية{ 181 :فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن ال سميع عليم}
@قوله تعالى" :فمن بدله" شرط ،وجوابه "فإنما إثمه على الذين يبدلونه" و"ما" كافة "لن" عن
العمهل .و"إثمهه" رفهع بالبتداء" ،على الذيهن يبدلونهه" موضهع الخهبر .والضميهر فهي "بدله" يرجهع
إلى اليصهاء ،لن الوصهية فهي معنهى اليصهاء ،وكذلك الضميهر فهي "سهمعه" ،وههو كقوله" :فمهن
جاءه موعظهة مهن ربهه" [البقرة ]275:أي وعهظ ،وقوله" :إذا حضهر القسهمة" [النسهاء ]8 :أي
المال ،بدليل قوله "منه" .ومثله قول الشاعر:
ما هذه الصوت
أي الصيحة .وقال امرؤ القيس:
كخرعوبة البانة المنفطر برهرهة رؤدة رخصة
والمنفطههر المنتفههخ بالورق ،وهههو أنعههم مهها يكون ،ذهههب إلى القضيههب وترك لفههظ الخرعوبههة.
و"سهمعه" يحتمهل أن يكون سهمعه مهن الوصهي نفسهه ،ويحتمهل أن يكون سهمعه ممهن يثبهت بهه ذلك
عنده ،وذلك عدلن .والضميهر فهي "إثمهه" عائد على التبديهل ،أي إثهم التبديهل عائد على المبدل ل
على الميهت ،فإن الموصهي خرج بالوصهية عهن اللوم وتوجههت على الوارث أو الولي .وقيهل :إن
هذا الموصي إذا غير الوصية أو لم يجزها على ما رسم له في الشرع فعليه الثم.
@ في هذه الية دليل على أن الدين إذا أوصى به الميت خرج به عن ذمته وحصل الولي مطلوبا
به ،له الجر في قضائه ،وعليه الوزر في تأخيره .وقال القاضي أبو بكر بن العربي" :وهذا إنما
يصهح إذا كان الميهت لم يفرط فهي أدائه ،وأمها إذا قدر عليهه وتركهه ثهم وصهى بهه فإنهه ل يزيله عهن
ذمته تفريط الولي فيه".
ول خلف أنه إذا أوصى بما ل يجوز ،مثل أن يوصي بخمر أو خنزير أو شيء من المعاصي
أنه يجوز تبديله ول يجوز إمضاؤه ،كما ل يجوز إمضاء ما زاد على الثلث ،قاله أبو عمر.
@قوله تعالى" :إن ال سهميع عليهم" صهفتان ل تعالى ل يخفهى معهمها شيهء مهن جنهف الموصهين
وتبديل المعتدين.
**3اليهة{ 182 :فمهن خاف مهن موص جنفها أو إثمها فأصهلح بينههم فل إثهم عليهه إن ال غفور
رحيم}
@قوله تعالى" :فمهن خاف" "مهن" شرط ،و"خاف" بمعنهى خشهي .وقيهل :علم .والصهل خوف،
قلبهت الواو ألفها لتحركهها وتحرك مها قبلهها .وأههل الكوفهة يميلون "خاف" ليدلوا على الكسهرة مهن
فعلت" .مههن موص" بالتشديههد قراءة أبههي بكههر عههن عاصههم وحمزة والكسههائي ،وخفههف الباقون،
والتخفيف أبين ،لن أكثر النحويين يقولون "موص" للتكثير .وقد يجوز أن يكون مثل كرم وأكرم.
"جنفها" مهن جنهف يجنهف إذا جار ،والسهم منهه جنهف وجانهف ،عهن النحاس .وقيهل :الجنهف الميهل.
قال العشى:
وما قصدت من أهلها لسوائكا تجانف عن حجر اليمامة ناقتي
وفهي الصهحاح" :الجنهف" الميهل .وقهد جنهف بالكسهر يجنهف جنفها إذا مال ،ومنهه قوله تعالى" :فمهن
خاف من موص جنفا" .قال الشاعر:
وإنا من لقائهم لزور هم المولى وإن جنفوا علينا
قال أبو عبيدة :المولى ههنا في موضع الموالي ،أي بني العم ،كقوله تعالى" :ثم يخرجكهم طفل".
وقال لبيد:
ضيمي وقد جنفت علي خصومي إني امرؤ منعت أرومة عامر
قال أبو عبيدة :وكذلك الجانئ (بالهمز) وهو المائل أيضا .ويقال :أجنف الرجل ،أي جاء بالجنف.
كمها يقال :ألم ،أي أتهى بمها يلم عليهه .وأخهس ،أي أتهى بخسهيس .وتجانهف لثهم ،أي مال .ورجهل
أجنهف ،أي منحنهي الظههر .وجنفهى (على فعلى بضهم الفاء وفتهح العيهن" :اسهم موضهع ،عهن ابهن
السهكيت .وروي عهن علي أنهه قرأ "حيفها" بالحاء والياء ،أي ظلمها .وقال مجاههد" :فمهن خاف" أي
من خشي أن يجنف الموصي ويقطع ميراث طائفة ويتعمد الذية ،أو يأتيها دون تعمد ،وذلك هو
الجنف دون إثم ،فإن تعمد فهو الجنف في إثم .فالمعنى من وعظ في ذلك ورد عنه فأصلح بذلك ما
بينهه وبيهن ورثتهه وبيهن الورثهة فهي ذاتههم فل إثهم عليهه" .فل إثهم عليهه" أي ل يلحقهه إثهم المبدل
المذكور قبل .وإن كان في فعله تبديل ما ول بد ،ولكنه تبديل لمصلحة .والتبديل الذي فيه الثم إنما
هههو تبديههل الهوى" .إن ال غفور" عههن الموصههي إذا عملت فيههه الموعظههة ورجههع عمهها أراد مههن
الذيهة .وقال ابهن عباس وقتادة والربيهع وغيرههم :معنهى اليهة مهن خاف أي علم ورأى وأتهى علمهه
عليهه بعهد موت الموصهي أن الموصهي جنهف وتعمهد أذيهة بعهض ورثتهه فأصهلح مها وقهع بيهن الورثهة
من الضطراب والشقاق.
@ الخطاب بقوله" :فمن خاف" لجميع المسلمين .قيل لهم :إن خفتم من موص ميل في الوصية
وعدول عهن الحههق ووقوعها فههي إثهم ولم يخرجههها بالمعروف ،وذلك بأن يوصههي بالمال إلى زوج
ابنته أو لولد ابنته لينصرف المال إلى ابنته ،أو إلى ابن ابنه والغرض أن ينصرف المال إلى ابنه،
أو أوصى لبعيد وترك القريب ،فبادروا إلى السعي في الصلح بينهم ،فإذا وقع الصلح سقط الثم
عن المصلح .والصلح فرض على الكفاية ،فإذا قام أحدهم به سقط عن الباقين ،وإن لم يفعلوا أثم
الكل.
@ في هذه الية دليل على الحكم بالظن ،لنه إذا ظن قصد الفساد وجب السعي في الصلح ،وإذا
تحقق الفساد لم يكن صلحا إنما يكون حكما بالدفع وإبطال للفساد وحسما له.
@قوله تعالى" :فأصلح بينهم" عطف على "خاف" ،والكناية عن الورثة ،ولم يجر لهم ذكر لنه
قد عرف المعنى ،وجواب الشرط "فل إثم عليه".
@ ل خلف أن الصدقة في حال الحياة والصحة أفضل منها عند الموت ،لقوله عليه السلم وقد
سئل :أي الصدقة أفضل؟ فقال( :أن تصدق وأنت صحيح شحيح) الحديث ،أخرجه أهل الصحيح.
ل صهلى الّ عليهه وسهلم قال( :لن يتصهدق وروى الدارقطنهي عهن أبهي سهعيد الخدري أن رسهول ا ّ
المرء في حياته بدرهم خير له من أن يتصدق عند موته بمائة) .وروى النسائي عن أبي الدرداء
عن النبي صلى الّ عليه وسلم قال( :مثل الذي ينفق أو يتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعد ما
يشبع).
@ من لم يضر في وصيته كانت كفارة لما ترك من زكاته .روى الدارقطني عن معاوية ابن قرة
عن أبيه قال قال رسول الّ صلى الّ عليه وسلم( :من حضرته الوفاة فأوصى فكانت وصيته على
ل كانت كفارة لما ترك من زكاته) .فإن ضر في الوصية وهي :فقد روى الدار قطني أيضا كتاب ا ّ
عهن ابهن عباس عهن رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم قال( :الضرار فهي الوصهية مهن الكبائر).
وروى أبههو داود عههن أبههي هريرة رضههي الّ عنههه أن رسههول الّ صههلى الّ عليههه وسههلم قال( :إن
ل سهتين سهنة ثهم يحضرهمها الموت فيضاران فهي الوصهية فتجهب الرجهل أو المرأة ليعمهل بطاعهة ا ّ
لهما النار) .وترجم النسائي "الصلة على من جنف في وصيته" أخبرنا علي بن حجر أنبأنا هشيم
عهن منصهور وههو ابهن زاذان عهن الحسهن عهن عمران بهن حصهين رضهي الّ عنهه أن رجل أعتهق
سهتة مملوكيهن له عنهد موتهه ولم يكهن له مال غيرههم ،فبلغ ذلك النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم فغضهب
من ذلك وقال( :لقد هممت أل أصلي عليه) [ثم دعا مملوكيه] فجزأهم ثلثة أجزاء ثم أقرع بينهم
فأعتهق اثنيهن وأرق أربعهة .وأخرجهه مسهلم بمعناه إل أنهه قال فهي آخره :وقال له قول شديدا ،بدل
قوله( :لقد هممت أل أصلي عليه).
**3اليهة{ 183 :يها أيهها الذيهن آمنوا كتهب عليكهم الصهيام كمها كتهب على الذيهن مهن قبلكهم لعلكهم
تتقون}
@قوله تعالى" :يها أيهها الذيهن آمنوا كتهب عليكهم الصهيام" لمها ذكهر مها كتهب على المكلفيهن مهن
القصاص والوصية ذكر أيضا أنه كتب عليهم الصيام وألزمهم إياه وأوجبه عليهم ،ول خلف فيه،
قال صهلى الّ عليهه وسهلم( :بنهي السهلم على خمهس شهادة أن ل إله إل الّ وأن محمدا رسهول الّ
وإقام الصهلة وإيتاء الزكاة وصهوم رمضان والحهج) رواه ابهن عمهر .ومعناه فهي اللغهة :المسهاك،
ل تعالىوترك التنقههل مههن حال إلى حال .ويقال للصههمت صههوم ،لنههه إمسههاك عههن الكلم ،قال ا ّ
مخهبرا عهن مريهم" :إنهي نذرت للرحمهن صهوما" [مريهم ]26 :أي سهكوتا عهن الكلم .والصهوم:
ركود الريهح ،وههو إمسهاكها عهن الهبوب .وصهامت الدابهة على آريهها :قامهت وثبتهت فلم تعتلف.
وصام النهار :اعتدل .ومصام الشمس حيث تستوي في منتصف النهار ،ومنه قول النابغة:
تحت العجاج وخيل تعلك اللجما خيل صيام وخيل غير صائمة
أي خيل ثابتة ممسكة عن الجري والحركة ،كما قال:
كأن الثريا علقت في مصامها
أي هي ثابتة في مواضعها فل تنتقل ،وقوله:
والبكرات شرهن الصائما
يعني التي ل تدور .وقال امرؤ القيس:
ذمول إذا صام النهار وهجرا فدعها وسل الهم عنك بجسرة
أي أبطأت الشمس عن النتقال والسير فصارت بالبطاء كالممسكة .وقال آخر:
وسال للشمس لعاب فنزل حتى إذا صام النهار واعتدل
وقال آخر:
د ما تطعم النوم إل صياما نعاما بوجرة صفر الخدو
أي قائمة .والشعر في هذا المعنى كثير.
والصهوم فهي الشرع :المسهاك عهن المفطرات مهع اقتران النيهة بهه مهن طلوع الفجهر إلى غروب
الشمههس ،وتمامههه وكماله باجتناب المحظورات وعدم الوقوع فههي المحرمات ،لقوله عليههه السههلم:
(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس ل حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
@ فضل الصوم عظيم ،وثوابه جسيم ،جاءت بذلك أخبار كثيرة صحاح وحسان ذكرها الئمة في
ل بالضافة إليه ،كما مسانيدهم ،وسيأتي بعضها ،ويكفيك الن منها في فضل الصوم أن خصه ا ّ
ثبت في الحديث عن النبي صلى الّ عليه وسلم أنه قال مخبرا عن ربه( :يقول الّ تبارك وتعالى
كهل عمهل ابهن آدم له إل الصهوم فإنهه لي وأنها أجزي بهه) الحديهث .وإنمها خهص الصهوم بأنهه له وإن
كانت العبادات كلها له لمرين باين الصوم بهما سائر العبادات .أحدهما :أن الصوم يمنع من ملذ
النفس وشهواتها ما ل يمنع منه سائر العبادات .الثاني :أن الصوم سر بين العبد وبين ربه ل يظهر
إل له ،فلذلك صار مختصا به .وما سواه من العبادات ظاهر ،ربما فعله تصنعا ورياء ،فلهذا صار
أخص بالصوم من غيره .وقيل غير هذا.
@قوله تعالى" :كما كتب" الكاف في موضع نصب على النعت ،التقدير كتابا كما ،أو صوما كما.
أو على الحال من الصيام أي كتب عليكم الصيام مشبها كما كتب على الذين من قبلكم .وقال بعض
النحاة :الكاف فهي موضع رفهع نعتها للصيام ،إذ ليهس تعريفه بمحهض ،لمكان الجمال الذي فيهه بما
فسهرته الشريعهة ،فلذلك جاز نعتهه "بكمها" إذ ل ينعهت بهها إل النكرات ،فههو بمنزلة كتهب عليكهم
صهيام ،وقهد ضعهف هذا القول .و"مها" فهي موضهع خفهض ،وصهلتها" :كتهب على الذيهن مهن قبلكهم".
والضمير في "كتب" يعود على "ما" .واختلف أهل التأويل في موضع التشبيه وهي:
ل تعالى كتب قال الشعبي وقتادة وغيرهما :التشبيه يرجع إلى وقت الصوم وقدر الصوم ،فإن ا ّ
على قوم موسى وعيسى صوم رمضان فغيروا ،وزاد أحبارهم عليهم عشرة أيام ثم مرض بعض
ل أن يزيهد فهي صهومهم عشرة أيام ففعهل ،فصهار صهوم النصهارى خمسهين أحبارههم فنذر إن شفاه ا ّ
يوما ،فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الربيع .واختار هذا القول النحاس وقال :وهو الشبه بما
في الية .وفيه حديث يدل على صحته أسنده عن دغفل بن حنظلة عن النبي صلى الّ عليه وسلم
قال( :كان على النصارى صوم شهر فمرض رجل منهم فقالوا لئن شفاه الّ لنزيدن عشرة ثم كان
ل لنزيدن سههبعة ثههم كان ملك آخههر فقالوا لنتمههن هذه
آخههر فأكههل لحمهها فأوجههع فاه فقالوا لئن شفاه ا ّ
السهبعة اليام ونجعهل صهومنا فهي الربيهع قال فصهار خمسهين) .وقال مجاههد :كتهب الّ عهز وجهل
صهوم شههر رمضان على كهل أمة .وقيهل :أخذوا بالوثيقة فصهاموا قبل الثلثين يومها وبعدها يومها،
قرنهها بعههد قرن ،حتههى بلغ صههومهم خمسههين يومهها ،فصههعب عليهههم فههي الحههر فنقلوه إلى الفصههل
الشمسي .قال النقاش :وفي ذلك حديث عن دغفل بن حنظلة والحسن البصري والسدي.
قلت :ولهذا -والّ أعلم -كره الن صهوم يوم الشهك والسهتة مهن شوال بإثهر يوم الفطهر متصهل
به .قال الشعبي :لو صمت السنة كلها لفطرت يوم الشك ،وذلك أن النصارى فرض عليهم صوم
شهههر رمضان كمها فرض علينها ،فحولوه إلى الفصهل الشمسهي ،لنهه قههد كان يوافهق القيهظ فعدوا
ثلثين يوما ،ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالوثيقة لنفسهم فصاموا قبل الثلثين يوما وبعدها يوما،
ثهم لم يزل الخهر يسهتن بسهنة مهن كان قبله حتهى صهاروا إلى خمسهين يومها فذلك قوله تعالى" :كمها
كتهب على الذيهن مهن قبلكهم" .وقيهل :التشهبيه راجهع إلى أصهل وجوبهه على مهن تقدم ،ل فهي الوقهت
والكيفيهة .وقيهل :التشهبيه واقهع على صهفة الصهوم الذي كان عليههم مهن منعههم مهن الكهل والشرب
والنكاح ،فإذا حان الفطار فل يفعهل هذه الشياء مهن نام .وكذلك كان فهي النصهارى أول وكان فهي
أول السلم ،ثم نسخه الّ تعالى بقوله" :أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" [البقرة]187 :
على ما يأتي بيانه ،قاله السدي وأبو العالية والربيع .وقال معاذ بن جبل وعطاء :التشبيه واقع على
الصههوم ل على الصههفة ول على العدة وإن اختلف الصههيامان بالزيادة والنقصههان .المعنههى" :كتههب
عليكم الصيام" أي في أول السلم ثلثة أيام من كل شهر ويوم عاشوراء" ،كما كتب على الذين
من قبلكم" وهم اليهود -في قول ابن عباس -ثلثة أيام ويوم عاشوراء .ثم نسخ هذا في هذه المة
بشهر رمضان .وقال معاذ بن جبل :نسخ ذلك "بأيام معدودات" ثم نسخت اليام برمضان.
@قوله تعالى" :لعلكههم تتقون" "لعههل" ترج فههي حقهههم ،كمهها تقدم .و"تتقون" قيههل :معناه هنهها
تضعفون ،فإنهه كلمها قهل الكهل ضعفهت الشهوة ،وكلمها ضعفهت الشهوة قلت المعاصهي وهذا وجهه
مجازي حسهن .وقيهل :لتتقوا المعاصهي .وقيهل :ههو على العموم ،لن الصهيام كمها قال عليهه السهلم:
(الصيام جنة ووجاء) وسبب تقوى ،لنه يميت الشهوات.
**3الية{ 184 :أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى
الذيهن يطيقونهه فديهة طعام مسهكين فمهن تطوع خيرا فههو خيهر له وأن تصهوموا خيهر لكهم إن كنتهم
تعلمون}
@قوله تعالى" :أيامها معدودات" "أيامها" مفعول ثان "بكتهب" ،قاله الفراء .وقيهل :نصهب على
الظرف "لكتهب" ،أي كتهب عليكهم الصهيام فهي أيام .واليام المعدودات :شههر رمضان ،وهذا يدل
على خلف ما روي عن معاذ ،والّ أعلم.
@قوله تعالى" :فمن كان منكم مريضا" للمريض حالتان :إحداهما :أل يطيق الصوم بحال ،فعليه
الفطهر واجبها .الثانيهة :أن يقدر على الصهوم بضرر ومشقهة ،فهذا يسهتحب له الفطهر ول يصهوم إل
جاهل .قال ابن سيرين :متى حصل النسان في حال يستحق بها اسم المرض صح الفطر ،قياسا
على المسهافر لعلة السهفر ،وإن لم تدع إلى الفطهر ضرورة .قال طريهف بهن تمام العطاردي :دخلت
على محمههد بههن سههيرين فههي رمضان وههو يأكههل ،فلمهها فرع قال :إنهه وجعههت أصههبعي هذه .وقال
جمهور مههن العلماء :إذا كان بههه مرض يؤلمههه ويؤذيههه أو يخاف تماديههه أو يخاف تزيده صههح له
الفطههر .قال ابههن عطيههة :وهذا مذهههب حذاق أصههحاب مالك وبههه يناظرون .وأمهها لفههظ مالك فهههو
المرض الذي يشهق على المرء ويبلغ بهه .وقال ابهن خويهز منداد :واختلفهت الروايهة عهن مالك فهي
المرض المبيهح للفطهر ،فقال مرة :ههو خوف التلف مهن الصهيام .وقال مرة :شدة المرض والزيادة
فيه والمشقة الفادحة .وهذا صحيح مذهبه وهو مقتضى الظاهر ،لنه لم يخص مرضا من مرض
فهو مباح في كل مرض ،إل ما خصه الدليل من الصداع والحمى والمرضى اليسير الذي ل كلفة
معهه فهي الصهيام .وقال الحسهن :إذا لم يقدر مهن المرض على الصهلة قائمها أفطهر ،وقاله النخعهي.
وقالت فرقههة :ل يفطههر بالمرض إل مههن دعتههه ضرورة المرض نفسههه إلى الفطههر ،ومتههى احتمههل
ل تعالى. الضرورة معه لم يفطر .وهذا قول الشافعي رحمه ا ّ
ل تعالى .قال البخاري :اعتللت قلت :قول ابهههن سهههيربن أعدل شيهههء فهههي هذا الباب إن شاء ا ّ
بنيسابور علة خفيفة وذلك في شهر رمضان ،فعادني إسحاق بن راهوية نفر من أصحابه فقال لي:
أفطرت يها أبها عبدال؟ فقلت نعهم .فقال :خشيهت أن تضعهف عهن قبول الرخصهة .قلت :حدثنها عبدان
عن ابن المبارك عن ابن جريج قال قلت لعطاء :من أي المرض أفطر؟ قال :من أي مرض كان،
كما قال الّ تعالى" :فمن كان منكم مريضا" قال البخاري :وهذا الحديث لم يكن عند إسحاق .وقال
أبهو حنيفهة :إذا خاف الرجهل على نفسهه وههو صهائم إن لم يفطهر أن تزداد عينهه وجعها أو حماه شدة
أفطر.
@قوله تعالى" :أو على سهفر" اختلف العلماء فهي السهفر الذي يجوز فيهه الفطهر والقصهر ،بعهد
إجماعهههم على سههفر الطاعههة كالحههج والجهاد ،ويتصههل بهذيههن سههفر صههلة الرحههم وطلب المعاش
الضروري .أمها سهفر التجارات والمباحات فمختلف فيهه بالمنهع والجازة ،والقول بالجواز أرجهح.
وأمها سهفر العاصهي فيختلف فيهه بالجواز والمنهع ،والقول بالمنهع أرجهح ،قاله ابهن عطيهة .ومسهافة
الفطر عند مالك حيث تقصر الصلة واختلف العلماء في قدر ذلك ،فقال مالك :يوم وليلة ،ثم رجع
فقال :ثمانيهة وأربعون ميل قال ابهن خويهز منداد :وههو ظاههر مذهبهه ،وقال مرة :اثنان وأربعون
ميل وقال مرة سهههتة وثلثون ميل وقال مرة :مسهههيرة يوم وليلة ،وروى عنهههه يومان ،وههههو قول
الشافعي .وفصل مرة بين البر والبحر ،فقال في البحر مسيرة يوم وليلة ،وفي البر ثمانية وأربعون
ميل ،وفههي المذهههب ثلثون ميل ،وفههي غيههر المذهههب ثلثههة أميال .وقال ابههن عمرو وابههن عباس
والثوري :الفطر في سفر ثلثة أيام ،حكاه ابن عطية.
قلت :والذي فهي البخاري :وكان ابهن عمهر وابهن عباس يفطران ويقصهران فهي أربعهة برد وههي
ستة عشر فرسخا.
@ اتفق العلماء على أن المسافر في رمضان ل يجوز له أن يبيت الفطر ،لن المسافر ل يكون
مسهافرا بالنيهة بخلف المقيهم ،وإنمها يكون مسهافرا بالعمهل والنهوض ،والمقيهم ل يفتقهر إلى عمهل،
لنه إذا نوى القامة كان مقيما في الحين ،لن القامة ل تفتقر إلى عمل فافترقا .ول خلف بينهم
أيضا في الذي يؤمل السفر أنه ل يجوز له أن يفطر قبل أن يخرج ،فإن أفطر فقال ابن حبيب :إن
كان قههد تأهههب لسههفره وأخههذ فههي أسههباب الحركههة فل شيههء عليههه ،وحكههى ذلك عههن أصههبغ وابههن
الماجشون ،فإن عاقه عن السفر عائق كان عليه الكفارة ،وحسبه أن ينجو إن سافر .وروى عيسى
عهن ابهن القاسهم أنهه ليهس عليهه إل قضاء يوم ،لنهه متأول فهي فطره .وقال أشههب :ليهس عليهه شيهء
مهن الكفارة سهافر أو لم يسهافر .وقال سهحنون :عليهه الكفارة سهافر أو لم يسهافر ،وههو بمنزلة المرأة
تقول :غدا تأتينههي حيضتههي ،فتفطههر لذلك ،ثههم رجههع إلى قول عبدالملك وأصههبغ وقال :ليههس مثههل
المرأة ،لن الرجل يحدث السفر إذا شاء ،والمرأة ل تحدث الحيضة.
قلت :قول ابن القاسم وأشهب في نفي الكفارة حسن ،لنه فعل ما يجوز له فعله ،والذمة بريئة،
فل يثبت فيها شيء إل بيقين ول يقين مع الختلف ،ثم إنه مقتضى قوله تعالى" :أو على سفر".
وقال أبو عمر :هذا أصح أقاويلهم في هذه المسألة ،لنه غير منتهك لحرمة الصوم بقصد إلى ذلك
وإنمها ههو متأول ،ولو كان الكهل مهع نيهة السهفر يوجهب عليهه الكفارة لنهه كان قبهل خروجهه مها
أسهقطها عنهه خروجهه ،فتأمهل ذلك تجده كذلك ،إن شاء الّ تعالى .وقهد روى الدارقطنهي :حدثنها أبهو
بكر النيسابوري حدثنا إسماعيل بن إسحاق بن سهل بمصر قال حدثنا ابن أبي مريم حدثنا محمد
بن جعفر أخبرني زيد بن أسلم قال :أخبرني محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب أنه قال :أتيت
أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر وقد رحلت دابته ولبس ثياب السفر وقد تقارب غروب
الشمهس ،فدعها بطعام فأكهل منهه ثهم ركهب .فقلت له :سهنة؟ قال نعهم .وروي عهن أنهس أيضها قال قال
لي أبهو موسهى :ألم أنبئنهك إذا خرجهت خرجهت صهائما ،وإذا دخلت دخلت ،صهائما ،فإذا خرجهت
فأخرج مفطرا ،وإذا دخلت فادخل مفطرا .وقال الحسن البصري :يفطر إن شاء في بيته يوم يريد
أن يخرج .وقال أحمههد :يفطههر إذا برز عههن البيوت .وقال إسههحاق :ل ،بههل حيههن يضههع رجله فههي
الرحل .قال ابن المنذر :قول أحمد صحيح ،لنهم يقولون لمن أصبح صحيحا ثم اعتل :إنه يفطر
بقيهة يومه ،وكذلك إذا أصهبح فهي الحضهر ثهم خرج إلى السهفر فله كذلك أن يفطهر .وقالت طائفهة :ل
يفطههر يومههه ذلك وإن نهههض فههي سههفره ،كذلك قال الزهري ومكحول ويحيههى النصههاري ومالك
والوزاعهي والشافعهي وأبهو ثور وأصهحاب الرأي .واختلفوا إن فعهل ،فكلههم قال يقضهي ول يكفهر.
قال مالك :لن السهفر عذر طارئ ،فكان كالمرض يطرأ عليهه .وروي عهن بعهض أصهحاب مالك
أنهه يقضهي ويكفهر ،وههو قول ابهن كنانهة والمخزومهي ،وحكاه الباجهي عهن الشافعهي ،واختاره ابهن
العربههي وقال بههه ،قال :لن السههفر عذر طرأ بعههد لزوم العبادة ويخالف المرض والحيههض ،لن
المرض يبيح له الفطر ،والحيض يحرم عليها الصوم ،والسفر ل يبيح له ذلك فوجبت عليه الكفارة
لهتههك حرمتههه .قال أبههو عمههر :وليههس هذا بشيههء ،لن الّ سههبحانه قههد أباح له الفطههر فههي الكتاب
والسنة .وأما قولهم ل يفطر فإنما ذلك استحباب لما عقده فإن أخذ برخصة الّ كان عليه القضاء،
ل ول رسهوله صهلى الّ عليهه وأمها الكفارة فل وجهه لهها ،ومهن أوجبهها فقهد أوجهب مها لم يوجبهه ا ّ
وسهلم .وقهد روي عهن ابهن عمهر فهي هذه المسهألة( :يفطهر إن شاء فهي يومهه ذلك إذا خرج مسهافرا)
وهو قول الشعبي وأحمد وإسحاق.
قلت :وقهد ترجهم البخاري رحمهه الّ على هذه المسهألة [باب مهن أفطهر فهي السهفر ليراه الناس]
ل صهلى الّ عليهه وسهلم مهن المدينهة إلى مكهة وسهاق الحديهث عهن ابهن عباس قال( :خرج رسهول ا ّ
فصهام حتهى بلغ عسهفان ،ثهم دعها بماء فرفعهه إلى يديهه ليريهه الناس فأفطهر حتهى قدم مكهة وذلك فهي
رمضان .وأخرجه مسلم أيضا عن ابن عباس وقال فيه :ثم دعا بإناء فيه شراب شربه نهارا ليراه
ل التوفيهق .وفيهه أيضها
الناس ثهم أفطهر حتهى دخهل مكهة) .وهذا نهص فهي الباب فسهقط مها خالفهه ،وبا ّ
حجة على من يقول :إن الصوم ل ينعقد في السفر .روي عن عمر وابن عباس وأبي هريرة وابن
عمر .قال ابن عمر( :من صام في السفر قضى في الحضر) وعن عبدالرحمن بن عوف( :الصائم
فهي السهفر كالمفطهر فهي الحضهر) وقال بهه قوم مهن أههل الظاههر ،واحتجوا بقوله تعالى" :فعدة مهن
أيام أخر" على ما يأتي بيانه ،وبما روى كعب بن عاصم قال :سمعت النبي صلى الّ عليه وسلم
يقول( :ليس من البر الصيام في السفر) .وفيه أيضا حجة على من يقول :إن من بيت الصوم في
السههفر فله أن يفطههر وإن لم يكههن له عذر ،وإليههه ذهههب مطرف ،وهههو أحههد قولي الشافعههي وعليههه
جماعهة مهن أههل الحديهث .وكان مالك يوجهب عليهه القضاء والكفارة لنهه كان مخيرا فهي الصهوم
والفطهر ،فلمها اختار الصهوم وبيتهه لزمهه ولم يكهن له الفطهر ،فإن أفطهر عامدا مهن غيهر عذر كان
عليه القضاء والكفارة .وقد روي عنه أنه ل كفارة عليه ،وهو قول أكثر أصحابه إل عبدالملك فإنه
قال :إن أفطهر بجماع كفهر ،لنهه ل يقوى بذلك على سهفره ول عذر له ،لن المسهافر إنمها أبيهح له
الفطههر ليقوى بذلك على سههفره .وقال سههائر الفقهاء بالعراق والحجاز :إنههه ل كفارة عليههه ،منهههم
الثوري والوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفة ،قاله أبو عمر.
@ واختلف العلماء في الفضل من الفطر أو الصوم في السفر ،فقال مالك والشافعي في بعض ما
روي عنهما :الصوم أفضل لمن قوي عليه .وجل مذهب مالك التخيير وكذلك مذهب الشافعي .قال
الشافعي ومن اتبعه :هو مخير ،ولم يفصل ،وكذلك ابن علية ،لحديث أنس قال( :سافرنا مع النبي
صهلى الّ عليهه وسهلم فهي رمضان فلم يعهب الصهائم على المفطهر ول المفطهر على الصهائم) خرجهه
مالك والبخاري ومسهلم .وروي عن عثمان بهن أبي العاص الثقفهي وأنس بهن مالك صهاحبي رسهول
الّ صلى الّ عليه وسلم أنهما قال( :الصوم في السفر أفضل لمن قدر عليه) وهو قول أبي حنيفة
وأصحابه .وروي عن ابن عمر وابن عباس :الرخصة أفضل ،وقال به سعيد بن المسيب والشعبي
وعمههر بههن عبدالعزيههز ومجاهههد وقتادة والوزاعههي وأحمههد وإسههحاق .كههل هؤلء يقولون الفطههر
ل تعالى" :يريد ال بكم اليسر ول يريد بكم العسر" [البقرة]185: أفضل ،لقول ا ّ
@قوله تعالى" :فعدة من أيام أخر" في الكلم حذف ،أي من يكن منكم مريضا أو مسافرا فأفطر
فليقهض .والجمهور من العلماء على أن أهل البلد إذا صهاموا تسعة وعشرين يومها وفهي البلد رجهل
مريض لم يصح فإنه يقضهي تسهعة وعشرين يوما .وقال قوم منههم الحسهن بن صهالح بن حهي :إنه
يقضي شهرا بشهر من غير مراعاة عدد اليام .قال الكيا الطبري :وهذا بعيد ،لقوله تعالى" :فعدة
مهن أيام أخهر" ولم يقهل فشههر من أيام أخهر .وقوله" :فعدة" يقتضهي اسهتيفاء عدد مها أفطهر فيهه ،ول
شههك أنهه لو أفطههر بعهض رمضان وجهب قضاء مهها أفطههر بعده بعدده ،كذلك يجههب أن يكون حكههم
إفطاره جميعه في اعتبار عدده.
@قوله تعالى" :فعدة" ارتفهع "عدة" على خبر البتداء ،تقديره فالحكهم أو فالواجب عدة ،ويصح
فعليهه عدة .وقال الكسهائي :ويجوز فعدة ،أي فليصهم عدة مهن أيام .وقيهل :المعنهى فعليهه صهيام عدة،
فحذف المضاف وأقيمت العدة مقامة .والعدة فعلة من العد ،وهي بمعنى المعدود ،كالطحن بمعنى
المطحون ،تقول :أسههمع جعجعههة ول أرى طحنهها .ومنههه عدة المرأة" .مههن أيام أخههر" لم ينصههرف
"أخر" عند سيبوبه لنها معدولة عن اللف واللم ،لن سبيل فعل من هذا الباب أن يأتي باللف
واللم ،نحو الكبر والفضل .وقال الكسائي :هي معدولة عن آخر ،كما تقول :حمراء وحمر ،فلذلك
لم تنصهرف .وقيهل :منعهت مهن الصهرف لنهها على وزن جمهع وههي صهفة ليام ،ولم يجيهء أخرى
لئل يشكهل بأنهها صهفة للعدة .وقيهل :إن "أخهر" جمهع أخرى كأنهه أيام أخرى ثهم كثرت فقيهل :أيام
أخر .وقيل :إن نعت اليام يكون مؤنثا فلذلك نعتت بأخر.
@اختلف الناس في وجوب تتابعها على قولين ذكرهما الدار قطني في "سننه" ،فروي عن عائشة
رضههي الّ عنههها قالت :نزلت "فعدة مههن أيام أخههر متتابعات" فسههقطت "متتابعات" قال هذا إسههناد
صحيح .وروي عن أبي هريرة قال قال رسول الّ صلى الّ عليه وسلم( :من كان عليه صوم من
رمضان فليسرده ول يقطعه) في إسناده عبدالرحمن بن إبراهيم ضعيف الحديث .وأسنده عن ابن
عباس فهي قضاء رمضان "صهمه كيهف شئت" .وقال ابهن عمهر" :صهمه كمها أفطرتهه" .وأسهند عهن
أبي عبيدة بن الجراح وابن عباس وأبي هريرة ومعاذ بن جبل وعمرو بن العاص .وعن محمد بن
المنكدر قال :بلغني أن رسول الّ صلى الّ عليه وسلم سئل عن تقطيع صيام رمضان فقال( :ذلك
ل أحهق أن يعفهو إليهك أرأيهت لو كان على أحدكهم ديهن فقضهى الدرههم والدرهميهن ألم يكهن قضاه فا ّ
ويغفهر) .إسهناده حسهن إل أنهه مرسهل ول يثبهت متصهل .وفهي موطهأ مالك عهن نافهع أن عبدال بهن
عمر كان يقول :يصوم رمضان متتابعا من أفطره متتابعا من مرض أو في سفر .قال الباجي في
المنتقهى :يحتمهل أن يريهد الخبار عهن الوجوب ،ويحتمهل أن يريهد الخبار عهن السهتحباب ،وعلى
السهتحباب جمهور الفقهاء .وإن فرقهه أجزأه ،وبذلك قال مالك والشافعهي .والدليهل على صهحة هذا
قوله" :فعدة مهن أيام أخهر" ولم يخهص متفرقهة مهن متتابعهة ،وإذا أتهى بهها متفرقهة فقهد صهام عدة مهن
أيام أخهر ،فوجهب أن يجزيهه" .ابهن العربهي :إنمها وجهب التتابهع فهي الشههر لكونهه معينها ،وقهد عدم
التعييههن فههي القضاء فجاز التفريههق .لمهها قال تعالى" :فعدة مههن أيام أخههر" دل ذلك على وجوب
القضاء مهن غيهر تعييهن لزمان ،لن اللفهظ مسهترسل على الزمان ل يختهص ببعضهها دون بعهض.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الّ عنها قالت :يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن
أقضيه إل في شعبان ،الشغل من رسول الّ ،أو برسول الّ صلى الّ عليه وسلم .في رواية :وذلك
ل صهلى الّ عليهه وسهلم .وهذا نهص وزيادة بيان لليهة .وذلك يرد على داود قوله: لمكان رسهول ا ّ
إنهه يجهب عليه قضاؤه ثانهي شوال .ومن لم يصهمه ثهم مات فههو آثهم عنده ،وبنهى عليهه أنهه لو وجهب
عليهه عتهق رقبهة فوجهد رقبهة تباع بثمهن فليهس له أن يتعداهها ويشتري غيرهها ،لن الفرض عليهه أن
يعتهق أول رقبهة يجدهها فل يجزيهه غيرهها .ولو كانهت عنده رقبهة فل يجوز له أن يشتري غيرهها،
ولو مات الذي عنده فل يبطل العتق ،كما يبطل فيمن نذر أن يعتق رقبة بعينها فماتت يبطل نذره،
وذلك يفسهد قوله .وقال بعهض الصهوليين :إذا مات بعهد مضهي اليوم الثانهي مهن شوال ل يعصهي
على شرط العزم .والصههحيح أنههه غيههر آثههم ول مفرط ،وهههو قول الجمهور ،غيههر أنههه يسههتحب له
تعجيل القضاء لئل تدركه المنية فيبقى عليه الفرض.
@مهن كان عليهه قضاء أيام مهن رمضان فمضهت عليهه عدتهها مهن اليام بعهد الفطهر أمكنهه فيهها
صهيامه فأخهر ذلك ثهم جاءه مانهع منعهه مهن القضاء إلى رمضان آخهر فل إطعام عليهه ،لنهه ليهس
بمفرط حيهن فعهل مها يجوز له مهن التأخيهر .هذا قول البغدادييهن مهن المالكييهن ،ويرونهه قول ابهن
القاسم في المدونة.
فإن أخهر قضاءه عهن شعبان الذي ههو غايهة الزمان الذي يقضهى فيهه رمضان فههل يلزمهه لذلك
كفارة أو ل ،فقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق :نعم .وقال أبو حنيفة والحسن والنخعي وداود:
ل.
قلت :وإلى هذا ذهب البخاري لقوله ،ويذكر عن أبي هريرة مرسل وابن عباس أنه يطعم ،ولم
يذكر الّ الطعام ،إنما قال" :فعدة من أيام أخر".
قلت :قهد جاء عهن أبهي هريرة مسهندا فيمهن فرط فهي قضاء رمضان حتهى أدركهه رمضان آخهر
قال( :يصهوم هذا مهع الناس ،ويصهوم الذي فرط فيهه ويطعهم لكهل يوم مسهكينا) خرجهه الدارقطنهي
وقال :إسناد صحيح .وروي عنه مرفوعا إلى النبي صلى الّ عليه وسلم في رجل أفطر في شهر
رمضان مهن مرض ثهم صهح ولم يصهم حتهى أدركهه رمضان آخهر قال( :يصهوم الذي أدركهه ثهم
يصوم الشهر الذي أفطر فيه ويطعم لكل يوم مسكينا) .في إسناده ابن نافع وابن وجيه ضعيفان.
فإن تمادى به المرض فلم يصح حتى جاء رمضان آخر ،فروى الدارقطني عن ابن عمر (أنه
يطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة ،ثم ليس عليه قضاء) وروي أيضا عن أبي هريرة أنه
قال( :إذا لم يصح بين الرمضانين صام عن هذا وأطعم عن الثاني ول قضاء عليه ،وإذا صح فلم
يصهم حتهى إذا أدركهه رمضان آخهر صهام عهن هذا وأطعهم عهن الماضهي ،فإذا أفطهر قضاه) إسهناد
صحيح .قال علماؤنا :وأقوال الصحابة على خلف القياس قد يحتج بها .وروي عن ابن عباس أن
رجل جاء إليهه فقال :مرضهت رمضانيهن؟ فقال له ابهن عباس( :اسهتمر بهك مرضهك ،أو صهححت
بينهما؟) فقال :بل صححت ،قال( :صم رمضانين وأطعم ستين مسكينا) وهذا بدل من قوله :إنه لو
تمادى بههه مرضههه ل قضاء عليههه .وهذا يشبههه مذهبهههم فههي الحامههل والمرضههع أنهمهها يطعمان ول
قضاء عليهما ،على ما يأتي.
واختلف من أوجب عليه الطعام في قدر ما يجب أن يطعم ،فكان أبو هريرة والقاسم بن محمد
ومالك والشافعي يقولون :يطعم عن كل يوم مدا .وقال الثوري :يطعم نصف صاع عن كل يوم.
@ واختلفوا فيمن أفطر أو جامع في قضاء رمضان ماذا يجب عليه ،فقال مالك :من أفطر يوما
من قضاء رمضان ناسيا لم يكن عليه شيء غير قضائه ،ويستحب له أن يتمادى فيه للختلف ثم
يقضيهه ،ولو أفطره عامدا أثهم ولم يكهن عليهه غيهر قضاء ذلك اليوم ول يتمادى ،لنهه ل معنهى لكفهه
عمها يكهف الصهائم ههنها إذ ههو غيهر صهائم عنهد جماعهة العلماء لفطاره عامدا .وأمها الكفارة فل
خلف عنهد مالك وأصهحابه أنهها ل تجهب فهي ذلك ،وههو قول جمهور العلماء .قال مالك :ليهس على
مهن أفطهر يومها مهن قضاء رمضان بإصهابة أهله أو غيهر ذلك كفارة ،وإنمها عليهه قضاء ذلك اليوم.
وقال قتادة :على مهن جامهع فهي قضاء رمضان القضاء والكفارة .وروى ابهن القاسهم عهن مالك أن
من أفطر في قضاء رمضان فعليه يومان ،وكان ابن القاسم يفتي به ثم رجع عنه ثم قال :إن أفطر
عمدا فهي قضاء القضاء كان عليهه مكانهه صهيام يوميهن ،كمهن أفسهد حجهه بإصهابة أهله ،وحهج قابل
فأفسهد حجهه أيضها بإصهابة أهله كان عليهه حجتان .قال أبهو عمهر :قهد خالفهه فهي الحهج ابهن وههب
وعبدالملك ،وليهس يجهب القياس على أصهل مختلف فيهه .والصهواب عندي -والّ أعلم -أنهه ليهس
عليه في الوجهين إل قضاء يوم واحد ،لنه يوم واحد أفسده مرتين.
قلت :وههو مقتضهى قوله تعالى" :فعدة مهن أيام أخهر" فمتهى أتهى بيوم تام بدل عمها أفطره فهي
قضاء رمضان فقد أتى بالواجب عليه ،ول يجب عليه غير ذلك ،والّ أعلم.
@ والجمهور على أن من أفطر في رمضان لعلة فمات من علته تلك ،أو سافر فمات في سفره
ذلك أنه ل شيء عليه .وقال طاوس وقتادة في المريض يموت قبل أن يصح :يطعم عنه.
واختلفوا فيمههن مات وعليههه صههوم مههن رمضان لم يقضههه ،فقال مالك والشافعههي والثوري :ل
يصوم أحد عن أحد .وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور والليث وأبو عبيد وأهل الظاهر :يصام عنه،
إل أنهههم خصههصوه بالنذر ،وروي مثله عههن الشافعههي .وقال أحمههد وإسههحاق فههي قضاء رمضان:
ل صهلى الّ عليهه وسهلم يطعهم عنهه .احتهج مهن قال بالصهوم بمها رواه مسهلم عهن عائشهة أن رسهول ا ّ
قال( :من مات وعليه صيام صام عنه وليه) .إل أن هذا عام في الصوم ،يخصصه ما رواه مسلم
ل صهلى الّ عليهه وسهلم فقالت :يها رسهول الّ، أيضها عهن ابهن عباس قال :جاءت امرأة إلى رسهول ا ّ
إن أمي قد ماتت وعليها صوم نذر -وفي رواية صوم شهر -أفأصوم عنها؟ قال( :أرأيت لو كان
على أمهك ديهن فقضيتيهه أكان يؤدي ذلك عنهها) قالت :نعهم ،قال( :فصهومي عهن أمهك) .احتهج مالك
ومههن وافقههه بقول سههبحانه" :ول تزر وازرة وزر أخرى" [النعام ]164 :وقوله" :وأن ليههس
للنسان إل ما سعى" [النجم ]39 :وقوله" :ول تكسب كل نفس إل عليها" [النعام ]164 :وبما
خرجه النسائي عن ابن عباس عن النبي صلى الّ عليه وسلم أنه قال( :ل يصلي أحد عن أحد ول
يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان يوم مدا من حنطة).
قلت :وهذا الحديههث عام ،فيحتمههل أن يكون المراد بقوله( :ل يصههوم أحههد عههن أحههد) صههوم
رمضان .فأما صوم النذر فيجوز ،بدليل حديث ابن عباس وغيره ،فقد جاء في صحيح مسلم أيضا
مهن حديهث بريدة نحهو حديهث ابهن عباس ،وفهي بعهض طرقهه :صهوم شهريهن أفأصهوم عنهها؟ قال:
(صومي عنها) قالت :إنها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال( :حجي عنها) .فقولها :شهرين ،يبعد أن
يكون رمضان ،والّ أعلم .وأقوى ما يحتج به لمالك أنه عمل أهل المدينة ،ويعضده القياس الجليّ،
وههو أنهه عبادة بدنيهة ل مدخهل للمال فيهها فل تفعهل عمهن وجبهت عليهه كالصهلة .ول ينقهض هذا
بالحج لن للمال فيه مدخل.
ل تعالى
@ اسهتدل بهذه اليهة مهن قال :إن الصهوم ل ينعقهد فهي السهفر وعليهه القضاء أبدا ،فإن ا ّ
يقول" :فمههن كان منكههم مريضهها أو على سههفر فعدة مههن أيام أخههر" أي فعليههه عدة ،ول حذف فههي
الكلم ول إضمار وبقوله عليه الصلة والسلم( :ليس من البر الصيام في السفر).
قال :مها لم يكهن مهن البر فههو مهن الثهم ،فيدل ذلك على أن صهوم رمضان ل يجوز فهي السهفر].
والجمهور يقولون :فيهه محذوف فأفطهر ،كمها تقدم .وههو الصهحيح ،لحديهث أنهس قال( :سهافرنا مهع
رسههول الّ صههلى الّ عليههه وسههلم فههي رمضان فلم يعههب الصههائم على المفطههر ول المفطههر على
الصهائم) رواه مالك عهن حميهد الطويهل عهن أنهس .وأخرجهه مسهلم عهن أبهي سهعيد الخدري قال:
(غزونا مع رسول الّ صلى الّ عليه وسلم لست عشرة مضت من رمضان فمنا من صام ومنا
من أفطر ،فلم يعب الصائم على المفطر ول المفطر على الصائم).
@قوله تعالى" :وعلى الذين يطيقونه" قرأ الجمهور بكسر الطاء وسكون الياء ،وأصله يطوقونه
نقلت الكسههرة إلى الطاء وانقلبههت الواو ياء لنكسههار مها قبلهها .وقرأ حميههد على الصههل مهن غيهر
اعتلل ،والقياس العتلل .ومشهور قراءة ابن عباس "يطوقونه" بفتح الطاء مخففة وتشديد الواو
بمعنهى يكلفونهه .وقهد روى مجاههد "يطيقونهه" بالياء بعهد الطاء على لفهظ "يكيلونهه" وههي باطلة
ومحال ،لن الفعل مأخوذ من الطوق ،فالواو لزمة واجبة فيه ول مدخل للياء في هذا المثال .قال
أبو بكر النباري :وأنشدنا أحمد بن يحيى النحوي لبي ذؤيب:
مطبعة من يأتها ل يضيرها فقيل تحمل فوق طوقك إنها
فأظهر الواو في الطوق ،وصح بذلك أن واضع الياء مكانها يفارق الصواب .وروى ابن النباري
عهن ابهن عباس "يطيقونهه" بفتهح الياء وتشديهد الطاء والياء مفتوحتيهن بمعنهى يطيقونهه ،يقال :طاق
وأطاق وأطيق بمعنى .وعن ابن عباس أيضا وعائشة وطاوس وعمرو بن دينار "يطوقونه" بفتح
الياء وشهد الطاء مفتوحهة ،وههي صهواب فهي اللغهة ،لن الصهل يتطوقونهه فأسهكنت التاء وأدغمهت
في الطاء فصارت طاء مشددة ،وليست من القرآن ،خلفا لمن أثبتها قرآنا ،وإنما هي قراءة على
التفسهير .وقرأ أههل المدينهة والشام "فديهة طعام" مضافها "مسهاكين" جمعها .وقرأ ابهن عباس "طعام
مسكين" بالفراد فيما ذكر البخاري وأبو داود والنسائي عن عطاء عنه .وهي قراءة حسنة ،لنها
بينت الحكم في اليوم ،واختارها أبو عبيد ،وهي قراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي .قال أبو عبيد:
فهبينت أن لكهل يوم إطعام واحهد ،فالواحهد مترجهم عهن الجميهع ،وليهس الجميهع بمترجهم عهن واحهد.
وجمع المساكين ل يدري كم منهم في اليوم إل من غير الية .وتخرج قراءة الجمع في "مساكين"
لمها كان الذيهن يطيقونه جمهع وكهل واحهد منههم يلزمهه مسهكين فجمهع لفظهه ،كمها قال تعالى" :والذيهن
يرمون المحصهنات ثهم لم يأتوا بأربعهة شهداء فاجلدوههم ثمانيهن جلدة" [النور ]4 :أي اجلدوا كهل
واحد منهم ثمانين جلدة ،فليست الثمانون متفرقة في جميعهم ،بل لكل واحد ثمانون ،قال معناه أبو
عليّ .واختار قراءة الجمع النحاس قال :وما اختاره أبو عبيد مردود ،لن هذا إنما يعرف بالدللة،
فقهد علم أن معنهى "وعلى الذيهن يطيقونهه فديهة طعام مسهاكين" أن لكهل يوم مسهكينا ،فاختيار هذه
القراءة لترد جمعا على جمع .قال النحاس :واختار أبو عبيد أن يقرأ "فدية طعام" قال :لن الطعام
هو الفدية ،ول يجوز أن يكون الطعام نعتا لنه جوهر ولكنه يجوز على البدل ،وأبين من أن يقرأ
"فدية طعام" بالضافة ،لن "فدية" مبهمة تقع للطعام وغيره ،قصار مثل قولك :هذا ثوب خز.
@ واختلف العلماء في المراد بالية ،فقيل :هي منسوخة .روى البخاري" :وقال ابن نمير حدثنا
العمش حدثنا عمرو بن مرة حدثنا ابن أبي ليلى حدثنا أصحاب محمد صلى الّ عليه وسلم :نزل
رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك
فنسهختها "وأن تصهوموا خيهر لكهم" .وعلى هذا قراءة الجمهور "يطيقونهه" أي يقدرون عليهه ،لن
فرض الصههيام هكذا :مههن أراد صههام ومهن أراد أطعههم مسههكينا .وقال ابههن عباس :نزلت هده اليههة
رخصة للشيوخ والعجزة خاصة إذا أفطروا وهم يطيقون الصوم ،ثم نسخت بقوله "فمن شهد منكم
الشههر فليصهمه" [البقرة ]185 :فزالت الرخصهة إل لمهن عجهز منههم .قال الفراء :الضميهر فهي
"يطيقونه" يجوز أن يعود على الصيام ،أي وعلى الذين يطيقون الصيام أن يطعموا إذا أفطروا،
ثم نسخ بقوله،" :وأن تصوموا" .ويجوز أن يعود على الفداء ،أي وعلى الذين يطيقون الفداء فدية.
وأمها قراءة "يطوقونهه" على معنهى يكلفونهه مهع المشقهة اللحقهة لههم ،كالمريهض والحامهل فإنهمها
يقدران عليهه لكهن بمشقهة تلحقههم فهي أنفسههم ،فإن صهاموا أجزأههم وإن افتدوا فلههم ذلك .ففسهر ابهن
عباس -إن كان السهناد عنهه صهحيحا " -يطيقونهه" بيطوقونهه ويتكلفونهه فأدخله بعهض النقلة فهي
القرآن .روى أبههو داود عههن ابههن عباس "وعلى الذيههن يطيقونههه" قال :أثبتههت للحبلى والمرضههع.
وروي عنهه أيضها "وعلى الذيهن يطيقونهه فديهة طعام مسهكين" قال :كانهت رخصهة للشيهخ الكهبير
والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصوم أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا ،والحبلى والمرضع
إذا خافتها على أولدهمها أفطرتها وأطعمتها .وخرج الدارقطنهي عنهه أيضها قال :رخهص للشيهخ الكهبير
أن يفطهر ويطعهم عهن كهل يوم مسهكينا ول قضاء عليهه ،هذا إسهناد صهحيح .وروي عنهه أيضها أنهه
قال" :وعلى الذيههن يطيقونهه فديههة طعام" ليسههت بمنسههوخة ،ههو الشيههخ الكهبير والمرأة الكهبيرة ل
يستطيعان أن يصوما ،فيطعما مكان كل يوم مسكينا ،وهذا صحيح .وروي عنه أيضا أنه قال لم
ولد له حبلى أو مرضهع :أنهت من الذيهن ل يطيقون الصهيام ،عليهك الجزاء ول عليهك القضاء ،وهذا
إسناد صحيح .وفي رواية :كانت له أم ولد ترضع -من غير شك -فأجهدت فأمرها أن تفطر ول
تقضي ،هذا صحيح.
قلت :فقد ثبت بالسانيد الصحاح عن ابن عباس أن الية ليست بمنسوخة وأنها محكمة في حق
مهن ذكهر .والقول الول صهحيح أيضها ،إل أنهه يحتمهل أن يكون النسهخ هناك بمعنهى التخصهيص،
فكثيرا مها يطلق المتقدمون النسهخ بمعناه ،والّ أعلم .وقال الحسهن البصهري وعطاء بهن أبهي رباح
والضحاك والنخعهي والزهري وربيعهة والوزاعهي وأصهحاب الرأي :الحامهل والمرضهع يفطران
ول إطعام عليهمها ،بمنزلة المريهض يفطهر ويقضهي ،وبهه قال أبهو عبيهد وأبهو ثور .وحكهى ذلك أبهو
عبيهد عهن أبهي ثور ،واختاره ابهن المنذر ،وههو قول مالك فهي الحبلى إن أفطرت ،فأمها المرضهع إن
أفطرت فعليههها القضاء والطعام .وقال الشافعههي وأحمههد :يفطران ويطعمان ويقضيان ،وأجمعوا
على أن المشايههخ والعجائز الذيههن ل يطيقون الصههيام أو يطيقونههه على مشقههة شديدة أن يفطروا.
واختلفوا فيمها عليههم ،فقال ربيعهة ومالك :ل شيهء عليههم ،غيهر أن مالكها قال :لو أطعموا عهن كهل
يوم مسهكينا كان أحهب إليهّ .وقال أنهس وابهن عباس وقيهس بهن السهائب وأبهو هريرة :عليههم الفديهة.
وهههو قول الشافعههي وأصههحاب الرأي وأحمههد وإسههحاق ،اتباعهها لقول الصههحابة رضههي الّ عههن
جميعههم ،وقوله تعالى" :فمهن كان منكهم مريضها أو على سهفر فعدة مهن أيام أخهر" ثهم قال" :وعلى
الذيهن يطيقونهه فديهة طعام مسهكين" وهؤلء ليسهوا بمرضهى ول مسهافرين ،فوجبهت عليههم الفديهة.
والدليههل لقول مالك :أن هذا مفطههر لعذر موجود فيههه وهههو الشيخوخههة والكههبر فلم يلزمههه إطعام
كالمسافر والمريض .وروي هذا عن الثوري ومكحول ،واختاره ابن المنذر.
@ واختلف من أوجب الفدية على من ذكر في مقدارها ،فقال مالك :مد بمد النبي صلى الّ عليه
وسهلم عهن كهل يوم أفطره ،وبهه قال الشافعهي .وقال أبهو حنيفهة :كفارة كهل يوم صهاع تمهر أو نصهف
صاع بر .وروي عن ابن عباس نصف صاع من حنطة ،ذكره الدارقطني .وروي عن أبي هريرة
قال :مهن أدركهه الكهبر فلم يسهتطع أن يصهوم فعليهه لكهل يوم مهد مهن قمهح .وروي عهن أنهس بن مالك
أنه ضعف عن الصوم عاما فصنع جفنة من طعام ثم دعا بثلثين مسكينا فأشبعهم.
@قوله تعالى" :فمن تطوع خيرا فهو خير له" قال ابن شهاب :من أراد الطعام مع الصوم .وقال
مجاهد :من زاد في الطعام على المد .ابن عباس" :فمن تطوع خيرا" قال :مسكينا آخر فهو خير
له .ذكره الدارقطنههي وقال :إسههناد صههحيح ثابههت .و"خيههر" الثانههي صههفة تفضيههل ،وكذلك الثالث
و"خيهر" الول .وقرأ عيسهى بهن عمرو ويحيهى بهن وثاب وحمزة والكسهائي "يطوع خيرا" مشددا
وجزم العين على معنى يتطوع .الباقون "تطوع" بالتاء وتخفيف الطاء وفتح العين على الماضي.
@قوله تعالى" :وأن تصوموا خير لكم" أي والصيام خير لكم .وكذا قرأ أبيّ ،أي من الفطار مع
الفديهة وكان هذا قبهل النسهخ .وقيهل" :وأن تصهوموا" فهي السهفر والمرض غيهر الشاق والّ أعلم.
وعلى الجملة فإنه يقتضي الحض على الصوم ،أي فاعلموا ذلك وصوموا.
**3الية{ 185 :شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان
فمهن شههد منكهم الشههر فليصهمه ومهن كان مريضها أو على سهفر فعدة مهن أيام أخهر يريهد ال بكهم
اليسر ول يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا ال على ما هداكم ولعلكم تشكرون}
@قوله تعالى" :شههر رمضان" قال أههل التاريهخ :أول مهن صهام رمضان نوح عليهه السهلم لمها
ل رمضان على كل أمة ،ومعلوم أنه كان قبل نوح خرج من السفينة .وقد تقدم قول مجاهد :كتب ا ّ
أمم ،والّ أعلم .والشهر مشتق من الشهار لنه مشتهر ل يتعذر علمه على أحد يريده ،ومنه يقال:
شهرت السههيف إذا سههللته .ورمضان مأخوذ مههن رمههض الصههائم يرمههض إذا حههر جوفههه مههن شدة
العطهش .والرمضاء ممدودة :شدة الحهر ،ومنهه الحديهث( :صهلة الوابيهن إذا رمضهت الفصهال).
خرجه مسلم .ورمض الفصال أن تحرق الرمضاء أخفافها فتبرك من شدة حرها .فرمضان -فيما
ذكروا -وافهق شدة الحهر ،فههو مأخوذ مهن الرمضاء .قال الجوهري :وشههر رمضان يجمهع على
رمضانات وأرمضاء ،يقال إنههم لمها نقلوا أسهماء الشهور عهن اللغهة القديمهة سهموها بالزمنهة التهي
وقعت فيها ،فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر فسمي بذلك .وقيل :إنما سمي رمضان لنه يرمض
الذنوب أي يحرقهها بالعمال الصهالحة ،مهن الرماض وههو الحراق ،ومنهه رمضهت قدمهه مهن
الرمضاء أي احترقت .وأرمضتني الرمضاء أي أحرقتني ،ومنه قيل :أرمضني المر .وقيل :لن
القلوب تأخهذ فيه من حرارة الموعظة والفكرة في أمر الخرة كما يأخذ الرمل والحجارة من حر
الشمس .والرمضاء :الحجارة المحماة .وقيل :هو من رمضت النصل أرمضه وأرمضه رمضا إذا
دققته بيهن حجريهن ليرق .ومنه نصهل رميهض ومرموض -عهن ابن السهكيت ، -وسهمي الشههر بهه
لنهههم كانوا يرمضون أسههلحتهم فههي رمضان ليحاربوا بههها فههي شوال قبههل دخول الشهههر الحرم.
وحكى الماوردي أن اسمه في الجاهلية "ناتق" وأنشد للمفضل:
وولت على الدبار فرسان خثعما وفي ناتق أجلت لدى حومة الوغي
و"شهههر" بالرفههع قراءة الجماعههة على البتداء ،والخههبر "الذي أنزل فيههه القرآن" .أو يرتفههع على
إضمار مبتدأ ،المعنى :المفروض عليكم صومه شهر رمضان ،أو فيما كتب عليكم شهر رمضان.
ويجوز أن يكون "شهر" مبتدأ ،و"الذي أنزل فيه القرآن" صفة ،والخبر "فمن شهد منكم الشهر".
وأعيهد ذكهر الشههر تعظيمها ،كقوله تعالى" :الحاقهة مها الحاقهة" [الحاقهة .]2 - 1 :وجاز أن يدخله
معنى الجزاء ،لن شهر رمضان وإن كان معرفة فليس معرفة بعينها لنه شائع في جميع القابل،
قاله أبهو علي .وروي عهن مجاههد وشههر بهن حوشهب نصهب "شههر" ،ورواهها هارون العور عهن
أبههي عمرو ،ومعناه :الزموا شهههر رمضان أو صههوموا .و"الذي أنزل فيههه القرآن" نعههت له ،ول
يجوز أن ينتصههب بتصههوموا ،لئل يفرق بيههن الصههلة والموصههول بخههبر أن وهههو "خيههر لكههم".
الرماني :يجوز نصبه على البدل من قول "أياما معدودات" [البقرة.]184 :
@ واختلف هل يقال "رمضان" دون أن يضاف إلى شهر ،فكره ذلك مجاهد وقال :يقال كما قال
الّ تعالى .وفي الخبر( :ل تقولوا رمضان بل انسبوه كما نسبه الّ في القرآن فقال شهر رمضان).
وكان يقول :بلغنهي أنهه اسهم مهن أسهماء الّ .وكان يكره أن يجمهع لفظهه لهذا المعنهى .ويحتهج بمها
ل تعالى ،وهذا ليس بصحيح فإنه من حديث أبي معشر نجيح وهو روي :رمضان اسم من أسماء ا ّ
ضعيهف .والصهحيح جواز إطلق رمضان مهن غيهر إضافهة كمها ثبهت فهي الصهحاح وغيرهها .روى
ل صههلى الّ عليههه وسههلم قال( :إذا جاء رمضان فتحههت أبواب مسههلم عههن أبههي هريرة أن رسههول ا ّ
الرحمهة وغلقهت أبواب النار وصهفدت الشياطيهن) .وفهي صهحيح البسهتي عنهه قال قال رسهول الّ
صهلى الّ عليهه وسهلم( :إذا كان رمضان فتحهت له أبواب الرحمهة وغلقهت أبواب جهنهم وسهلسلت
الشياطين) .وروي عن ابن شهاب عن أنس بن أبي أنس أن أباه حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول،...
فذكره .قال البسهتي :أنهس بهن أبهي أنهس هذا ههو والد مالك بهن أنهس ،واسهم أبهي أنهس مالك بهن أبهي
عامر من ثقات أهل المدينة ،وهو مالك ابن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن عثمان بن جثيل
بن عمرو من ذي أصبح من أقيال اليمن .وروى النسائي عن أبي هريرة قال قال رسول الّ صلى
الّ عليهه وسهلم( :أتاكهم رمضان شههر مبارك فرض الّ عهز وجهل عليكهم صهيامه تفتهح فيهه أبواب
السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين ل فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم
خيرههها فقههد حرم) .وأخرجههه أبههو حاتههم البسههتي أيضهها وقال :فقوله (مردة الشياطيههن) تقييههد لقوله:
(صفدت الشياطين وسلسلت) .وروى النسائي أيضا عن ابن عباس قال قال رسول الّ صلى الّ
عليهه وسهلم لمرأة مهن النصهار( :إذا كان رمضان فاعتمري فإن عمرة فيهه تعدل حجهة) .وروى
ل تعالىالنسهائي أيضها عهن عبدالرحمهن بهن عوف قال قال رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم( :إن ا ّ
فرض صيام رمضان [عليكم] وسننت لكم قيامه فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه
كيوم ولدته أمه) .والثار في هذا كثيرة ،كلها بإسقاط شهر .وربما أسقطت العرب ذكر الشهر من
رمضان .قال الشاعر:
أبيض من أخت بني إباض جارية في درعها الفضفاض
تقطع الحديث باليماض جارية في رمضان الماضي
وفضل رمضان عظيم ،وثوابه جسيم ،يدل على ذلك معنى الشتقاق من كونه محرقا للذنوب ،وما
كتبناه من الحاديث.
@ فرض الّ صيام شههر رمضان أي مدة هلله ،وبه سمي الشهر ،كما جاء في الحديث( :فإن
غمي عليكم الشهر) أي الهلل ،وسيأتي ،وقال الشاعر:
والشهر مثل قلمة الظفر أخوان من نجد على ثقة
في أربع زادت على عشر حتى تكامل في استدارته
وفرض علينها عنهد غمهة الهلل إكمال عدة شعبان ثلثيهن يومها ،وإكمال عدة رمضان ثلثيهن يومها،
حتى ندخل في العبادة بيقين ونخرج عنها بيقين ،فقال في كتابه "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما
نزل إليههم" [النحهل .]44 :وروى الئمهة الثبات عهن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم قال( :صهوموا
لرؤيتهه وأفطروا لرؤيتهه فإن غهم عليكهم فاكملوا العدد) فهي روايهة (فإن غمهي عليكهم الشههر فعدوا
ثلثيهن) .وقهد ذههب مطرف بهن عبدال بهن الشخيهر وههو من كبار التابعيهن وابهن قتيبهة مهن اللغوييهن
فقال :يعول على الحسهاب عنهد الغيهم بتقديهر المنازل واعتبار حسهابها فهي صهوم رمضان ،حتهى إنهه
لو كان صحوا لرؤي ،لقوله عليه السلم( :فإن أغمي عليكم فاقدروا له) أي استدلوا عليه بمنازله،
وقدروا إتمام الشهههر بحسههابه .وقال الجمهور :معنههى (فاقدروا له) فأكملوا المقدار ،يفسههره حديههث
أبهههي هريرة (فأكملوا العدة) .وذكهههر الداودي أنهههه قيهههل فهههي معنهههى قوله "فاقدروا له" :أي قدروا
المنازل .وهذا ل نعلم أحدا قال بهه إل بعهض أصهحاب الشافعهي أنهه يعتهبر فهي ذلك بقول المنجميهن،
والجماع حجهة عليههم .وقهد روى ابهن نافهع عهن مالك فهي المام ل يصهوم لرؤيهة الهلل ول يفطهر
لرؤيتهه ،وإنمها يصهوم ويفطهر على الحسهاب :إنهه ل يقتدى بهه ول يتبهع .قال ابهن العربهي :وقهد زل
بعض أصحابنا فحكى عن الشافعي أنه قال :يعول على الحساب ،وهي عثرة ل لعاً لها.
@ واختلف مالك والشافعي هل يثبت هلل رمضان .بشهادة واحد أو شاهدين ،فقال مالك :ل يقبل
فيهه شهادة الواحهد لنهها شهادة على هلل فل يقبهل فيهها أقهل مهن اثنيهن ،أصهله الشهادة على هلل
شوال وذي الحجة .وقال الشافعي وأبو حنيفة :يقبل الواحد ،لما رواه أبو داود عن ابن عمر قال:
ل صهلى الّ عليهه وسهلم أنهي رأيتهه ،فصهام وأمهر الناس تراءى الناس الهلل فأخهبرت بهه رسهول ا ّ
بصهيامه .وأخرجهه الدارقطنهي وقال :تفرد بهه مروان بهن محمهد عهن ابهن وههب وههو ثقهة .روى
الدارقطنهي "أن رجل شههد عنهد علي بهن أبهي طالب على رؤيهة هلل رمضان فصهام ،أحسهبه قال:
وأمر الناس أن يصوموا ،وقال :أصوم يوما من شعبان أحب إلى من أن أفطر يوما من رمضان.
قال الشافعهههي :فإن لم تهههر العامهههة هلل شههههر رمضان ورآه رجهههل عدل رأيهههت أن أقبله للثهههر
والحتياط .وقال الشافعهههي بعهههد :ل يجوز على رمضان إل شاهدان .قال الشافعهههي وقال بعهههض
أصحابنا :ل أقبل عليه إل شاهدين ،وهو القياس على كل مغيب".
@ واختلفوا فيمن رأى هلل رمضان وحده أو هلل شوال ،فروى الربيع عن الشافعي :من رأى
هلل رمضان وحده فليصههمه ،ومههن رأى هلل شوال وحده فليفطههر ،وليخههف ذلك .وروى ابههن
وهب عن مالك في الذي يرى هلل رمضان وحده أنه يصوم ،لنه ل ينبغي له أن يفطر وهو يعلم
أن ذلك اليوم مهن شههر رمضان .ومهن رأى هلل شوال وحده فل يفطهر ،لن الناس يتهمون على
أن يفطهر منههم مهن ليهس مأمونها ،ثهم يقول أولئك إذا ظههر عليههم :قهد رأينها الهلل .قال ابهن المنذر:
وبهذا قال الليهث بهن سهعد وأحمهد بهن حنبهل .وقال عطاء وإسهحاق :ل يصهوم ول يفطهر .قال ابهن
المنذر :يصوم ويفطر.
@ واختلفوا إذا أخبر مخبر عن رؤية بلد ،فل يخلو أن يقرب أو يبعد ،فإن قرب فالحكهم واحد،
وإن بعد فلهل كل بلد رؤيتهم ،روي هذا عن عكرمة والقاسم وسالم ،وروي عن ابن عباس ،وبه
قال إسهحاق ،وإليهه أشار البخاري حيهث بوب[ :لههل كهل بلد رؤيتههم] وقال آخرون .إذا ثبهت عنهد
الناس أن أههل بلد قهد رأوه فعليههم قضاء مها أفطروا ،هكذا قال الليهث بهن سهعد والشافعهي .قال ابهن
المنذر :ول أعلمه إل قول المزني والكوفي.
قلت :ذكهر الكيها الطهبري فهي كتاب أحكام القرآن له :وأجمهع أصهحاب أبهي حنيفهة على أنهه إذا
صهام أههل بلد ثلثيهن يومها للرؤيهة ،وأههل بلد تسهعة وعشريهن يومها أن على الذيهن صهاموا تسهعة
وعشرين يوما قضاء يوم .وأصحاب الشافعي ل يرون ذلك ،إذ كانت المطالع في البلدان يجوز أن
تختلف .وحجهة أصهحاب أبهي حنيفهة قوله تعالى" :ولتكملوا العدة" وثبهت برؤيهة أههل بلد أن العدة
ثلثون فوجهب على هؤلء إكمالهها .ومخالفههم يحتهج بقوله صهلى الّ عليهه وسهلم( :صهوموا لرؤيتهه
وأفطروا لرؤيته) الحديث ،وذلك يوجب اعتبار عادة كل قوم في بلدهم .وحكى أبو عمر الجماع
على أنه ل تراعى الرؤية فيمها بعد من البلدان كالندلس من خراسان ،قال :ولكل بلد رؤيتهم ،إل
مها كان كالمصهر الكهبير ومها تقاربهت أقطاره مهن بلدان المسهلمين .روى مسهلم عهن كريهب أن أم
الفضهل بنهت الحارث بعثتهه إلى معاويهة بالشام قال :فقدمهت الشام فقضيهت حاجتهها واسهتهل عليّه
رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلل ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبدال بن
عباس رضهي الّ عنهمها ،ثهم ذكهر الهلل فقال :متهى رأيتهم الهلل؟ فقلت :رأيناه ليلة الجمعهة .فقال:
أنهت رأيتهه؟ فقلت نعهم ،ورآه الناس وصهاموا وصهام معاويهة .فقال :لكنها رأيناه ليلة السهبت فل نزال
نصوم حتى نكمل ثلثين أو نراه .فقلت :أو ل تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال ل ،هكذا أمرنا
ل صهلى الّ رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم .قال علماؤنها :قول ابهن عباس (هكذا أمرنها رسهول ا ّ
عليهه وسهلم) كلمهة تصهريح برفهع ذلك إلى النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم وبأمره .فههو حجهة على أن
البلد إذا تباعدت كتباعهد الشام مهن الحجاز فالواجهب على أههل كهل بلد أن تعمهل على رؤيتهه دون
رؤيهة غيره ،وإن ثبهت ذلك عنهد المام العظهم ،مها لم يحمهل الناس على ذلك ،فإن حمهل فل تجوز
ل صهلى الّ عليهه وسهلم) يحتمهل أن يكون مخالفتهه .وقال الكيها الطهبري :قوله (هكذا أمرنها رسهول ا ّ
تأول فيههه قول رسههول الّ صههلى الّ عليههه وسههلم( :صههوموا لرؤيتههه وأفطروا لرؤيتههه) .وقال ابههن
العربي :واختلف في تأويل قول ابن عباس هذا فقيل :رده لنه خبر واحد ،وقيل :رده لن القطار
مختلفهة فهي المطالع ،وههو الصهحيح ،لن كريبها لم يشههد وإنمها أخهبر عهن حكهم ثبهت بالشهادة ،ول
خلف فهي الحكهم الثابهت أنهه يجزي فيهه خهبر الواحهد .ونظيره مها لو ثبهت أنهه أههل ليلة الجمعهة
بأغمات وأهل بأشبيلية ليلة السبت فيكون لهل كل بلد رؤيتهم ،لن سهيل يكشف من أغمات ول
يكشف من أشبيلية ،وهذا يدل على اختلف المطالع.
ل فههي هذه المسههألة فروى ابهن وهههب وابهن القاسههم عنهه فههيقلت :وأمهها مذههب مالك رحمههه ا ّ
المجموعة أن أهل البصرة إذا رأوا هلل رمضان ثم بلغ ذلك إلى أهل الكوفة والمدينة واليمن أنه
يلزمههم الصهيام أو القضاء إن فات الداء .وروي القاضهي أبهو إسهحاق عهن ابهن الماجشون أنهه إن
كان ثبهت بالبصهرة بأمهر شائع ذائع يسهتغنى عهن الشهادة والتعديهل له فإنهه يلزم غيرههم مهن أههل
البلد القضاء ،وإن كان إنمها ثبهت عنهد حاكمههم بشهادة شاهديهن لم يلزم ذلك مهن البلد إل مهن كان
يلزمهه حكهم ذلك الحاكهم ممهن ههو فهي وليتهه ،أو يكون ثبهت ذلك عنهد أميهر المؤمنيهن فيلزم القضاء
جماعة المسلمين .قال :وهذا قول مالك.
@ قرأ جمهور الناس "شههر" بالرفهع على أنه خهبر ابتداء مضمهر ،أي ذلكهم شههر ،أو المفترض
عليكهم صهيامه شههر رمضان ،أو الصهوم أو اليام .وقيهل :ارتفهع على أنهه مفعول لم يسهم فاعله بهه
"كتب" أي كتب عليكم شهر رمضان .و"رمضان" ل ينصرف لن النون فيه زائدة .ويجوز أن
يكون مرفوعها على البتداء ،وخهبره "الذي أنزل فهي القرآن" .وقيهل :خهبره "فمهن شههد" ،و"الذي
أنزل" نعهت له .وقيهل :ارتفهع على البدل مهن الصهيام .فمهن قال :إن الصهيام فهي قوله "كتهب عليكهم
الصهيام" ههي ثلثهة أيام وعاشوراء قال هنها بالبتداء .ومهن قال :إن الصهيام هناك رمضان قال هنها
بالبتداء أو بالبدل مهن الصهيام ،أي كتهب عليكهم شههر رمضان .وقرأ مجاههد وشههر بهن حوشهب
"شههر" بالنصهب .قال الكسهائي :المعنهى كتهب عليكهم الصهيام ،وأن تصهوموا شههر رمضان .وقال
الفراء :أي كتب عليكم الصيام أي أن تصوموا شهر رمضان .قال النحاس" :ل يجوز أن ينتصب
"شههر رمضان" بتصهوموا ،لنهه يدخهل فهي الصهلة ثهم يفرق بيهن الصهلة والموصهول ،وكذلك إن
نصهبته بالصهيام ،ولكهن يجوز أن تنصهبه على الغراء ،أي الزموا شههر رمضان ،وصهوموا شههر
رمضان ،وهذا بعيد أيضا لنه لم يتقدم ذكر الشهر فيعرى به".
قلت :قوله "كتهب عليكهم الصهيام" يدل على الشههر فجاز الغراء ،وههو اختيار أبهي عبيهد .وقال
الخفهش :انتصهب على الظرف .وحكهي عهن الحسهن وأبهي عمرو إدغام الراء فهي الراء ،وهذا ل
يجوز لئل يجتمع ساكنان ،ويجوز أن تقلب حركة الراء على الهاء فتضم الهاء ثم تدغم ،وهو قول
الكوفيين.
@قوله تعالى" :الذي أنزل فيه القرآن" نص في أن القرآن نزل في شهر رمضان ،وهو يبين قوله
عهز وجهل" :حهم .والكتاب المهبين .إنها أنزلناه فهي ليلة مباركهة" [الدخان ]3 - 1 :يعنهي ليلة القدر،
ولقوله" :إنها أنزلناه فهي ليلة القدر" [القدر .]1 :وفهي هذا دليهل على أن ليلة القدر إنمها تكون فهي
رمضان ل فههي غيره .ول خلف أن القرآن أنزل مههن اللوح المحفوظ ليلة القدر -على مهها بيناه -
جملة واحدة ،فوضع في بيت العزة في سماء الدنيا ،ثم كان جبريل صلى الّ عليه وسلم ينزل به
نجما نجما في الوامر والنواهي والسباب ،وذلك في عشرين سنة .وقال ابن عباس :أنزل القرآن
من اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى الكتبة في سماء الدنيا ،ثم أنزل به جبريل عليه السلم نجوما -
يعنهي اليهة واليتيهن -فهي أوقات مختلفهة فهي إحدى وعشريهن سهنة .وقال مقاتهل فهي قوله تعالى:
"شههر رمضان الذي أنزل فيهه القرآن" قال أنزل مهن اللوح المحفوظ كهل عام فهي ليلة القدر إلى
سههماء الدنيهها ،ثههم نزل إلى السههفرة مههن اللوح المحفوظ فههي عشريههن شهرا ،ونزل بههه جبريههل فههي
عشرين سنة.
قلت :وقول مقاتهههل هذا خلف مههها نقهههل مهههن الجماع "أن القرآن أنزل جملة واحدة" والّ أعلم.
وروى واثلة بهن السهقع عهن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم أنهه قال( :أنزلت صهحف إبراهيهم أول ليلة
من شهر رمضان والتوراة لست مضين منه والنجيل لثلث عشرة والقرآن لربع وعشرين).
قلت :وفههي هذا الحديههث دللة على مهها يقول الحسههن أن ليلة القدر تكون ليلة أربههع وعشريههن.
ل تعالى بيان هذا.وسيأتي إن شاء ا ّ
ل تعالى ،وهو بمعنى المقروء ،كالمشروب يسمى @قوله تعالى" :القرآن" (القرآن) :اسم لكلم ا ّ
شرابهها ،والمكتوب يسههمى كتابهها ،وعلى هذا قيههل :هههو مصههدر قرأ يقرأ قراءة وقرآنهها بمعنههى .قال
الشاعر:
يقطع الليل تسبيحا وقرآنا ضحوا بأشمط عنوان السجود به
أي قراءة .وفي صحيح مسلم عن عبدال بن عمر (أن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان
عليهه السهلم يوشهك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنها) أي قراءة .وفهي التنزيهل" :وقرآن الفجهر إن
قرآن الفجهر كان مشهودا" [السهراء ]78 :أي قراءة الفجهر .ويسهمى المقروء قرآنها على عادة
العرب في تسميتها المفعول باسم المصدر ،كتسميتهم للمعلوم علما وللمضروب ضربا للمشروب
شربها ،كمها ذكرنها ،ثهم اشتههر السهتعمال فهي هذا واقترن بهه العرف الشرعهي ،فصهار القرآن اسهما
لكلم الّ ،حتهههى إذا قيهههل :القرآن غيهههر مخلوق ،يراد بهههه المقروء ل القراءة لذلك .وقهههد يسهههمى
ل قرآنهها توسههعا ،وقههد قال صههلى الّ عليههه وسههلم( :ل تسههافروا
المصههحف الذي يكتههب فيههه كلم ا ّ
بالقرآن إلى أرض العدو) أراد به المصحف .وهو مشتق من قرأت الشيء جمعته .وقيل :هو اسم
علم لكتاب الّ ،غير مشتق كالتوراة والنجيل ،وهذا يحكى عن الشافعي .والصحيح الشتقاق في
الجميع ،وسيأتي.
@قوله تعالى" :هدى للناس" (هدى) فهي موضهع نصهب على الحال مهن القرآن ،أي هاديها لههم.
"وبينات" عطف عليه .و"الهدى" الرشاد والبيان ،كما تقدم أي بيانا لهم وإرشادا .والمراد القرآن
بجملتهه مهن محكهم ومتشابهه وناسهخ ومنسهوخ ،ثهم شرف بالذكهر والتخصهيص البينات منهه ،يعنهي
الحلل والحرام والمواعههظ والحكام" .وبينات" جمههع بينههة ،مههن بان الشيههء يههبين إذا وضههح.
"والفرقان" ما فرق بين الحق والباطل ،أي فصل ،وقد تقدم.
@قوله تعالى" :فمن شهد منكم الشهر فليصمه" قراءة العامة بجزم اللم .وقرأ الحسن والعرج
بكسهر اللم ،وههي لم المهر وحقهها الكسهر إذا أفردت ،فإذا وصهلت بشيهء ففيهها وجهان :الجزم
والكسههر .وإنمهها توصههل بثلثههة أحرف :بالفاء كقوله "فليصههمه" "فليعبدوا" [قريههش .]3 :والواو
كقوله" :وليوفوا" [الحهج .]29 :وثهم كقوله" :ثهم ليقضوا" [الحهج ]29 :و"شههد" بمعنهى حضهر،
وفيه إضمار ،أي من شههد منكهم المصهر فهي الشههر عاقل بالغها صهحيحا مقيما فليصمه ،وهو يقال
عام فيخصص بقوله" :فمن كان منكم مريضا أو على سفر" الية .وليس الشهر بمفعول وإنما هو
ظرف زمان .وقهد اختلف العلماء فهي تأويهل هذا ،فقال علي بهن أبهي طالب وابهن عباس وسهويد بهن
غفلة وعائشهة -أربعة من الصهحابة -وأبو مجلز لحهق بن حميهد وعبيدة السلماني( :من شههد أي
من حضر دخول الشهر وكان مقيما في أوله في بلده وأهله فليكمل صيامه ،سافر بعد ذلك أو أقام،
وإنما يفطر في السفر من دخل عليه رمضان وهو في سفر) والمعنى عندهم :من أدركه رمضان
مسافرا أفطر وعليه عدة من أيام أخر ،ومن أدركه حاضرا فليصمه .وقال جمهور المة :من شهد
أول الشههر وآخره فليصهم مها دام مقيمها ،فإن سهافر أفطهر ،وهذا ههو الصهحيح وعليهه تدل الخبار
الثابتهة .وقهد ترجهم البخاري رحمهه الّ ردا على القول الول "باب إذا صهام أيامها مهن رمضان ثهم
سافر" حدثنا عبدال بن يوسف قال أنبأنا مالك عن ابن شهاب عن عبيدالّ بن عبدال بن عتبة عن
ل صهلى الّ عليهه وسهلم خرج إلى مكهة فهي رمضان فصهام حتهى بلغ الكديهد ابهن عباس أن رسهول ا ّ
أفطر فأفطر الناس .قال أبو عبدال :والكديد ما بين عسفان وقديد.
قلت :قهد يحتمهل أن يحمهل قول علي رضهي الّ عنهه ومهن وافقهه على السهفر المندوب كزيارة
الخوان مههن الفضلء والصههالحين ،أو المباح فههي طلب الرزق الزائد على الكفايههة .وأمهها السههفر
الواجب في طلب القوت الضروري ،أو فتح بلد إذا تحقق ذلك ،أو دفع عدو ،فالمرء فيه مخير ول
يجب عليه المساك ،بل الفطر فيه أفضل للتقوى ،وإن كان شهد الشهر في بلده وصام بعضه فيه،
لحديهههث ابهههن عباس وغيره ،ول يكون فهههي هذا خلف إن شاء الّ والّ أعلم .وقال أبهههو حنيفهههة
وأصحابه :من شهد الشهر بشروط التكليف غير مجنون ول مغمى عليه فليصمه ،ومن دخل عليه
رمضان وهو مجنون وتمادى به طول الشهر فل قضاء عليه ،لنه لم يشهد الشهر بصفة يجب بها
الصهيام .ومهن جن أول الشههر وآخره فإنهه يقضهي أيام جنونهه .ونصهب الشههر على هذا التأويهل هو
على المفعول الصريح به "شهد".
@قهد تقرر أن فرض الصهوم مسهتحق بالسهلم والبلوغ والعلم بالشههر ،فإذا أسهلم الكافهر أو بلغ
الصهبي قبهل الفجهر لزمهمها الصهوم صهبيحة اليوم ،وإن كان الفجهر اسهتحب لهمها المسهاك ،وليهس
عليهمها قضاء الماضهي مهن الشههر ول اليوم الذي بلغ فيهه أو أسهلم .وقهد اختلف العلماء فهي الكافهر
يسهلم فهي آخهر يوم مهن رمضان ،ههل يجهب عليهه قضاء رمضان كله أول؟ وههل يجهب عليهه قضاء
اليوم الذي أسلم فيه؟ فقال المام مالك والجمهور :ليس عليه قضاء ما مضى ،لنه إنما شهد الشهر
مههن حيههن إسههلمه .قال مالك :وأحههب إليهّ أن يقضههي اليوم الذي أسههلم فيههه .وقال عطاء والحسههن:
يصهوم مها بقهي ويقضهي مها مضهى .وقال عبدالملك بهن الماجشون :يكهف عهن الكهل فهي ذلك اليوم
ويقضيه .وقال أحمد وإسحاق مثله .وقال ابن المنذر :ليس عليه أن يقضي ما مضى من الشهر ول
ذلك اليوم .وقال الباجي :من قال من أصحابنا أن الكفار مخاطبون بشرائع السلم -وهو مقتضى
قول مالك وأكثهر أصهحابه -أوجهب عليهه المسهاك فهي بقية يومهه .ورواه فهي المدونهة ابهن نافهع عهن
مالك ،وقاله الشيهخ أبهو القاسهم .ومهن قال مهن أصهحابنا ليسهوا مخاطهبين قال :ل يلزمهه المسهاك فهي
بقية يومه ،وهو مقتضى قول أشهب وعبدالملك بن الماجشون ،وقاله ابن القاسم.
قلت :وههو الصهحيح لقوله تعالى" :يها أيهها الذيهن آمنوا" فخاطهب المؤمنيهن دون غيرههم ،وهذا
واضهح ،فل يجهب عليهه المسهاك فهي بقيهة اليوم ول قضاء مها مضهى .وتقدم الكلم فهي معنهى قوله:
"ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر" [البقرة ]184:والحمد ل.
@قوله تعالى" :يريد ال بكم اليسر" قراءة جماعة "اليسر" بضم السين لغتان ،وكذلك "العسر".
قال مجاههد والضحاك" :اليسهر" الفطهر فهي السهفر ،و"العسهر" الصهيام فهي السهفر .والوجهه عموم
اللفظ في جميع أمور الدين ،كما قال تعالى" :وما جعل عليكم في الدين من حرج" [الحج،]78 :
ل يسهر) ،وقال صهلى الّ عليهه وسهلم( :يسهروا ول وروي عهن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم (ديهن ا ّ
تعسروا) .واليسر من السهولة ،ومنه اليسار للغنى .وسميت اليد اليسرى تفاؤل ،أو لنه يسهل له
المهر بمعاونتهها لليمنهى ،قولن .وقوله" :ول يريهد بكهم العسهر" ههو بمعنهى قوله "يريهد الّ بكهم
اليسر" فكرر تأكيدا.
ل سهبحانه مريهد بإرادة قديمهة أزليهة زائدة على الذات .هذا مذههب أههل
@ دلت اليهة على أن ا ّ
السهنة ،كمها أنهه عالم بعلم ،قادر بقدرة ،حهي بحياة ،سهميع بسهمع ،بصهير ببصهر ،متكلم بكلم .وهذه
كلها معان وجودية أزلية زائدة على الذات .وذهب الفلسفة والشيعة إلى نفيها ،تعالى الّ عن قول
الزائغيهن وإبطال المبطليهن .والذي يقطهع دابر أههل التعطيهل أن يقال :لو لم يصهدق كونهه ذا إرادة
لصهدق أنهه ليهس بذي إرادة ،ولو صهح ذلك لكان كهل مها ليهس بذي إرادة ناقصها بالنسهبة إلى مهن له
إرادة ،فإن من كانت له الصفات الرادية فله أن يخصص الشيء وله أل يخصصه ،فالعقل السليم
يقضهي بأن ذانك؟؟ كمال له وليس بنقصان ،حتى أنه لو قدر بالوهم سلب ذلك المر عنه لقد كان
حاله أول أكمهل بالنسهبة إلى حال ثانيها ،فلم يبهق إل أن يكون مها لم يتصهف أنقهص ممها ههو متصهف
به ،ول يخفي ما فيه من المحال ،فإنه كيف يتصور أن يكون المخلوق أكمل من الخالق ،والخالق
أنقص منه ،والبديهة تقضي برده وإبطاله .وقد وصف نفسه جل جلله وتقدست أسماؤه بأنه مريد
فقال تعالى" :فعال لمها يريهد" [هود ]107 :وقال سهبحانه" :يريهد ال بكهم اليسهر ول يريهد بكهم
العسهر" [البقرة ]185 :وقال" :يريهد ال أن يخفهف عنكهم" [النسهاء ،]28 :إذا أراد أمراً فإنمها
يقول كن فيكون .ثم إن هذا العالم على غاية من الحكمة والتقان والنتظام والحكام ،وهو مع ذلك
جائز وجوده وجائز عدمه ،فالذي خصصه بالوجود يجب أن يكون مريدا له قادرا عليه عالما به،
فإن لم يكهن عالمها قادرا ل يصهح منهه صهدور شيهء ،ومهن لم يكهن عالمها وإن كان قادرا لم يكهن مها
صههدر منههه على نظام الحكمههة والتقان ،ومههن لم يكههن مريدا لم يكههن تخصههيص بعههض الجائزات
بأحوال وأوقات دون البعهض بأولى مهن العكهس ،إذ نسهبتها إليهه نسهبة واحدة .قالوا :وإذ ثبهت كونهه
قادرا مريدا وجههب أن يكون حيهها ،إذ الحياة شرط هذه الصههفات ،ويلزم مههن كونههه حيهها أن يكون
سههميعا بصههيرا متكلمهها ،فإن لم تثبههت له هذه الصههفات فإنههه ل محالة متصههف بأضدادههها كالعمههى
والطرش والخرس على ما عرف فهي الشاههد ،والبارئ سبحانه وتعالى يتقدس عن أن يتصهف بمها
يوجب في ذاته نقصا.
@قوله تعالى" :ولتكملوا العدة" فيهه تأويلن :أحدهمها :إكمال عدة الداء لمهن أفطهر فهي سهفره أو
مرضه .الثاني :عدة الهلل سواء كانت تسعا وعشرين أو ثلثين .قال جابر ابن عبدال قال النبي
صلى الّ عليه وسلم( :إن الشهر يكون تسعا وعشرين) .وفي هذا رد لتأويل من تأول قوله صلى
الّ عليهه وسهلم( :شهرا عيهد ل ينقصهان رمضان وذو الحجهة) أنهمها ل ينقصهان عهن ثلثيهن يومها،
أخرجهه أبهو داود .وتأوله جمهور العلماء على معنهى أنهمها ل ينقصهان فهي الجهر وتكفيهر الخطايها،
سواء كانا من تسع وعشرين أو ثلثين.
@ ول اعتبار برؤية هلل شوال يوم الثلثين من رمضان نهارا بل هو لليلة التي تأتي ،هذا هو
الصهحيح .وقهد اختلف الرواة عهن عمهر فهي هذه المسهألة فروى الدارقطنهي عهن شقيهق قال :جاءنها
كتاب عمهر ونحهن بخانقيهن قال فهي كتابهه( :إن الهلة بعضهها أكهبر مهن بعهض ،فإذا رأيتهم الهلل
نهارا فل تفطروا حتهى يشههد شاهدان أنهمها رأياه بالمهس) وذكره أبهو عمهر مهن حديهث عبدالرزاق
عهن معمهر عهن العمهش عهن أبهي وائل قال :كتهب إلينها عمهر ،...فذكره .قال أبهو عمهر :وروي عهن
علي بهن أبهي طالب مثهل مها ذكره عبدالرزاق أيضها ،وههو قول ابهن مسهعود وابهن عمهر وأنهس بهن
مالك ،وبهه قال مالك والشافعهي وأبهو حنيفهة ومحمهد بهن الحسهن والليهث والوزاعهي ،وبهه قال أحمهد
وإسحاق .وقال سفيان الثوري وأبو يوسف :إن رئي بعد الزوال فهو لليلة التي تأتي ،وإن رئي قبل
الزوال فههو لليلة الماضيهة .وروي مثهل ذلك عهن عمهر ،ذكره عبدالرزاق عهن الثوري عهن مغيرة
عهن شباك عهن إبراهيهم قال :كتهب عمهر إلى عتبهة بهن فرقهد "إذا رأيتهم الهلل نهارا قبهل أن تزول
الشمس لتمام ثلثين فأفطروا ،وإذا رأيتموه بعد ما تزول الشمس فل تفطروا حتى تمسوا" ،وروي
عن علي مثله .ول يصح في هذه المسألة شيء من جهة السناد على علي .وروي عن سليمان بن
ربيعهة مثهل قول الثوري ،وإليهه ذههب عبدالملك بهن حهبيب ،وبهه كان يفتهي بقرطبهة .واختلف عهن
عمر بن عبدالعزيز في هذه المسألة ،قال أبو عمر :والحديث عن عمر بمعنى ما ذهب إليه مالك
والشافعهي وأبهو حنيفهة متصهل ،والحديهث الذي روي عنهه بمذههب الثوري منقطهع ،والمصهير إلى
المتصهل أولى .وقهد احتهج مهن ذههب مذههب الثوري بأن قال :حديهث العمهش مجمهل لم يخهص فيهه
قبل الزوال ول بعده ،وحديث إبراهيم مفسر ،فهو أولى أن يقال به.
قلت :قد روي مرفوعا معنى ما روي عن عمر متصل موقوفا روته عائشة زوج النبي صلى
الّ عليه وسلم قالت :أصبح رسول الّ صلى الّ عليه وسلم صائما صبح ثلثين يوما ،فرأى هلل
شوال نهارا فلم يفطر حتى أمسى .أخرجه الدارقطني من حديث الواقدي وقال :قال الواقدي حدثنا
معاذ بهن محمهد النصهاري قال :سهألت الزهري عهن هلل شوال إذا رئي باكرا ،قال سهمعت سهعيد
بهن المسهيب يقول :إن رئي هلل شوال بعهد أن طلع الفجهر إلى العصهر أو إلى أن تغرب الشمهس
فهو من الليلة التي تجيء ،قال أبو عبدال :وهذا مجمع عليه.
@ روى الدارقطني عن ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب النبي صلى الّ عليه وسلم :قال:
اختلف الناس في آخر يوم من رمضان فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الّ عليه وسلم لهل
ل صههلى الّ عليههه وسههلم الناس أن يفطروا وأن يغدوا إلى الهلل أمههس عشيههة( ،فأمههر رسههول ا ّ
مصلهم) قال الدارقطني :هذا إسناد حسن ثابت .قال أبو عمر :ل خلف عن مالك وأصحابه أنه
ل تصهلى صهلة العيهد فهي غيهر يوم العيهد ول فهي يوم العيهد بعهد الزوال ،وحكهي عهن أبهي حنيفهة.
واختلف قول الشافعي في هذه المسألة ،فمرة قال بقول مالك ،واختاره المزني وقال :إذا لم يجز أن
تصلى في يوم العيد بعد الزوال فاليوم الثاني أبعد من وقتها وأحرى أل تصلى فيه .وعن الشافعي
روايهة أخرى أنهها تصهلى فهي اليوم الثانهي ضحهى .وقال البويطهي :ل تصهلى إل أن يثبهت فهي ذلك
حديث .قال أبو عمر :لو قضيت صلة العيد بعد خروج وقتها لشبهت الفرائض ،وقد أجمعوا في
سهائر السهنن أنهها ل تقضهى ،فهذه مثلهها .وقال الثوري والوزاعهي وأحمهد بهن حنبهل :يخرجون مهن
الغههد ،وقاله أبههو يوسههف فههي الملء .وقال الحسههن بههن صههالح بههن حههي :ل يخرجون فههي الفطههر
ويخرجون في الضحى .قال أبو يوسف :وأما في الضحى فيصليها بهم في اليوم الثالث .قال أبو
عمهر :لن الضحهى أيام عيهد وههي صهلة عيهد ،وليهس الفطهر يوم عيهد إل يوم واحهد ،فإذا لم تصهل
فيهه لم تقهض فهي غيره ،لنهها ليسهت بفريضهة فتقضهى .وقال الليهث بهن سهعد :يخرجون فهي الفطهر
والضحى من الغد.
قلت :والقول بالخروج إن شاء الّ أصهح ،للسهنة الثابتهة فهي ذلك ،ول يمتنهع أن يسهتثني الشارع
مهن السهنن مها شاء فيأمهر بقضائه بعهد خروج وقتهه .وقهد روى الترمذي عهن أبهي هريرة قال قال
رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم( :مهن لم يصهل ركعتهي الفجهر فليصهلهما بعهد مها تطلع الشمهس).
صححه أبو محمد .قال الترمذي :والعمل على هذا عند بعض أهل العلم ،وبه يقول سفيان الثوري
والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المبارك .وروي عن عمر أنه فعله.
قلت :وقد قال علماؤنا :من ضاق عليه الوقت وصلى الصبح وترك ركعتي الفجر فإنه يصليهما
بعد طلوع الشمس إن شاء .وقيل :ل يصليهما حينئذ .ثم إذا قلنا :يصليهما فهل ما يفعله قضاء ،أو
ركعتان ينوب له ثوابهمها عهن ثواب ركعتهي الفجهر .قال الشيهخ أبهو بكهر :وهذا الجاري على أصهل
المذهب ،وذكر القضاء تجوز.
قلت :ول يبعد أن يكون حكم صلة الفطر في اليوم الثاني على هذا الصل ،ل سيما مع كونها
مرة واحدة في السنة مع ما ثبت من السنة .روى النسائي قال :أخبرني عمرو بن علي قال حدثنها
يحيهى قال حدثنها شعبهة قال حدثنهي أبهو بشهر عهن أبهي عميهر بهن أنهس عهن عمومهة له :أن قومها رأوا
الهلل فأتوا النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم فأمرههم أن يفطروا بعهد مها ارتفهع النهار وأن يخرجوا إلى
العيد من الغد .في رواية :ويخرجوا لمصلهم من الغد.
@ قرأ أبهو بكهر عهن عاصهم وأبهو عمرو -فهي بعهض مها روي عنهه -والحسهن وقتادة والعرج
"ولتكملوا العدة" بالتشديد .والباقون بالتخفيف .واختار الكسائي التخفيف ،كقوله عز وجل" :اليوم
أكملت لكم دينكم" [المائدة .]3 :قال النحاس :وهما لغتان بمعنى واحد ،كما قال عز وجل" :فمهل
الكافريهن أمهلههم رويدا" [الطارق .]17 :ول يجوز "ولتكلموا" بإسهكان اللم ،والفرق بيهن هذا
وبيهن مها تقدم أن التقديهر :ويريهد لن تكملوا ،ول يجوز حذف أن والكسهرة ،هذا قول البصهريين،
ونحوه قول كثير أبو صخر:
أريد لنسى ذكرها
أي لن أنسى ،وهذه اللم هي الداخلة على المفعول ،كالتي في قولك :ضربت لزيد ،المعنى ويريد
إكمال العدة .وقيههل :هههي متعلقههة بفعههل مضمههر بعههد ،تقديره :ولن تكملوا العدة رخههص لكههم هذه
الرخصههة .وهذا قول الكوفييههن وحكاه النحاس عههن الفراء .قال النحاس :وهذا قول حسههن ،ومثله:
"وكذلك نري إبراهيهم ملكوت السهماوات والرض وليكون مهن الموقنيهن" [النعام ]75 :أي
وليكون مهن الموقنيهن فعلنها ذلك .وقيهل :الواو مقحمهة .وقيهل :يحتمهل أن تكون هذه اللم لم المهر
والواو عاطفهة جملة كلم على جملة كلم .وقال أبهو إسهحاق إبراهيهم بهن السهري :ههو محمول على
ل ذلك ليسهل عليكم ولتكملوا العدة ،قال :ومثله ما أنشده سيبويه. المعنى ،والتقدير :فعل ا ّ
إل رواكد جمرهن هباء بادت وغير آيهن مع البلى
فبدا وغيب ساره المعزاء ومشجج أما سواء قذاله
شاده يشيده شيدا جصهصه ،لن معناه بادت إل رواكهد بهها رواكهد ،فكأنهه قال :وبهها مشجهج أو ثهم
مشجج.
@قوله تعالى" :ولتكبروا ال" عطف عليه ،ومعناه الحض على التكبير في آخر رمضان في قول
جمهور أهل التأويل .واختلف الناس في حده ،فقال الشافعي :روي عن سعيد ابن المسيب وعروة
وأبي سلمة أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر ويحمدون ،قال :وتشبه ليلة النحر بها .وقال ابن عباس:
حهق على المسهلمين إذا رأوا هلل شوال أن يكهبروا وروي عنهه :يكهبر المرء مهن رؤيهة الهلل إلى
انقضاء الخطبة ،ويمسك وقت خروج المام ويكبر بتكبيره .وقال قوم :يكبر من رؤية الهلل إلى
خروج المام للصهلة .وقال سهفيان :ههو التكهبير يوم الفطهر .زيهد بهن أسهلم :يكهبرون إذا خرجوا إلى
المصلى فإذا انقضت الصلة انقضى العيد .وهذا مذهب مالك ،قال مالك :هو من حين يخرج من
داره إلى أن يخرج المام .وروى ابهن القاسهم وعلي بهن زياد :أنهه إن خرج قبهل طلوع الشمهس فل
يكههبر فههي طريقههه ول جلوسههه حتههى تطلع الشمههس ،وإن غدا بعههد الطلوع فليكههبر فههي طريقههه إلى
المصههلى وإذا جلس حتههى يخرج المام .والفطههر والضحههى فههي ذلك سههواء عنههد مالك ،وبههه قال
الشافعههي .وقال أبههو حنيفههة :يكههبر فههي الضحههى ول يكههبر فههي الفطههر ،والليههل عليههه قوله تعالى:
"ولتكهبروا الّ" ولن هذا يوم عيهد ل يتكرر فهي العام فسهن الكهبير فهي الخروج إليهه كالضحهى.
وروى الدارقطنهي عهن أبهي عبدالرحمهن السهلمي قال :كانوا فهي التكهبير فهي الفطهر أشهد منههم فهي
الضحى .وروي عن ابن عمر( :أن رسول الّ صلى الّ عليه وسلم كان يكبر يوم الفطر من حين
يخرج مهن بيتهه حتهى يأتهي المصهلى) وروي عهن ابهن عمهر :أنهه كان إذا غدا يوم الضحهى ويوم
الفطهر يجههر بالتكهبير حتهى يأتهي ثهم يكهبر حتهى يأتهي المام .وأكثهر أههل العلم على التكهبير فهي عيهد
الفطهر مهن أصهحاب النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم وغيرههم فيمها ذكهر ابهن المنذر قال :وحكهى ذلك
الوزاعههي عههن إلياس .وكان الشافعههي يقول إذا رأى هلل شوال :أحببههت أن يكههبر الناس جماعههة
وفرادى ،ول يزالون يكهبرون ويظهرون التكهبير حتهى يغدوا إلى المصهلى وحيهن يخرج المام إلى
الصهلة ،وكذلك أحهب ليلة الضحهى لمهن لم يحهج .وسهيأتي حكهم صهلة العيديهن والتكهبير فيهمها فهي
ل تعالى.
"سبح اسم ربك العلى" [العلى] و"الكوثر" [الكوثر] إن شاء ا ّ
@ ولفهظ التكهبير عنهد مالك وجماعهة مهن العلماء :الّ أكهبر الّ أكهبر الّ أكهبر ،ثلثها ،وروي عهن
ل أكهبرجابر بهن عبدال .ومهن العلماء مهن يكهبر ويهلل ويسهبح أثناء التكهبير .ومنههم مهن يقول :ا ّ
ل بكرة وأصههيل .وكان ابههن المبارك يقول إذا خرج مههن يوم كههبيرا ،والحمههد ل كثيرا ،وسههبحان ا ّ
ل أكهبر على مها هدانها .قال ابهنل أكهبر ول الحمهد ،ا ّ ل أكهبر ،ل إله إل الّ ،وا ّالفطهر :الّ أكهبر ا ّ
المنذر :وكان مالك ل يحههد فيههه حدا .وقال أحمههد :هههو واسههع .قال ابههن العربههي" :واختار علماؤنهها
التكبير المطلق ،وهو ظاهر القرآن وإليه أميل".
@قوله تعالى" :على ما هداكم" قيل :لما ضل فيه النصارى من تبديل صيامهم .وقيل :بدل عما
كانت الجاهلية تفعله من التفاخر بالباء والتظاهر بالحساب وتعديد المناقب .وقيل :لتعظموه على
ما أرشدكم إليه من الشرائع ،فهو عام.
وتقدم معنى "ولعلكم تشكرون"
**3الية{ 186 :وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي
وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}
@قوله تعالى" :وإذا سهألك" المعنهى وإذا سهألوك عهن المعبود فأخهبرهم أنهه قريهب يثيهب على
الطاعهة ويجيهب الداعهي ،ويعلم مها يفعله العبهد مهن صهوم وصهلة وغيهر ذلك .واختلف فهي سهبب
نزولهها ،فقال مقاتهل :إن عمهر رضهي الّ عنهه واقهع امرأتهه بعهد مها صهلى العشاء فندم على ذلك
وبكى ،وجاء إلى رسول الّ صلى الّ عليه وسلم فأخبره بذلك ورجع مغتما ،وكان ذلك قبل نزول
الرخصهة ،فنزلت هذه اليهة" :إذا سهألك عبادي عنهي فإنهي قريهب" .وقيهل :لمها وجهب عليههم فهي
البتداء ترك الكهل بعهد النوم فأكهل بعضههم ثهم ندم ،فنزلت هذه اليهة فهي قبول التوبهة ونسهخ ذلك
الحكهم ،على مها يأتهي بيانهه .وروى الكلبهي عهن أبهي صهالح عهن ابهن عباس قال :قالت اليهود كيهف
يسهمع ربنها دعاءنها ،وأنهت تزعهم أن بيننها وبيهن السهماء خمسهمائة عام ،وغلظ كهل سهماء مثهل ذلك؟
فنزلت هذه اليههة .وقال الحسههن :سههببها أن قومهها قالوا للنههبي صههلى الّ عليههه وسههلم :أقريههب ربنهها
فنناجيه ،أم بعيد فنناديه؟ فنزلت .وقال عطاء وقتادة :لما نزلت" :وقال ربكم ادعوني أستجب لكم"
[غافر ]60 :قال قوم :في أي ساعة ندعوه؟ فنزلت.
قوله تعالى" :فإنههي قريههب" أي بالجابههة .وقيههل بالعلم .وقيههل :قريههب مههن أوليائي بالفضال
والنعام.
@قوله تعالى" :أجيب دعوة الداعي إذا دعان" أي أقبل عبادة من عبدني ،فالدعاء بمعنى العبادة،
والجابهة بمعنهى القبول .دليله مها رواه أبهو داود عهن النعمان بهن بشيهر عهن النهبي صهلى الّ عليهه
وسهلم قال( :الدعاء ههو العبادة قال ربكهم ادعونهي أسهتجب لكهم) فسههمي الدعاء عبادة ،ومنهه قوله
تعالى" :إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" [غافر ]60 :أي دعائي .فأمر
تعالى بالدعاء وحض عليه وسماه عبادة ،ووعد بأن يستجيب لهم .روى ليث عن شهر بن حوشب
عهن عبادة بهن الصهامت قال سهمعت رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم يقول( :أعطيهت أمتهي ثلثها لم
ل إذا بعث نبيها قال ادعني أستجب لك وقال لهذه المة ادعوني أستجب لكم تعهط إل النبياء كان ا ّ
ل إذا بعهث النهبي قال له مها جعهل عليهك فهي الديهن مهن حرج وقال لهذه المة مها جعهل عليكهم وكان ا ّ
ل إذا بعهث النهبي جعله شهيدا على قومهه وجعهل هذه المهة شهداء على فهي الديهن مهن حرج وكان ا ّ
الناس) .وكان خالد الربعههي يقول :عجبههت لهذه المههة فههي "ادعونههي أسههتجب لكههم" [غافههر]60 :
أمرهههم بالدعاء ووعدهههم بالجابههة ،وليههس بينهمهها شرط .قال له قائل :مثههل ماذا؟ قال مثههل قوله:
"وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات" [البقرة ]25 :فههنا شرط ،وقوله" :وبشر الذين آمنوا أن
لهم قدم صدق" [يونس ]2 :فليس فيه شرط العمل ،ومثل قوله" :فادعوا ال مخلصين له الدين"
[غافر ]14 :فههنا شرط ،وقوله" :ادعوني أستجب لكم" ليس فيه شرط .وكانت المم تفزع إلى
أنبيائها في حوائجهم حتى تسأل النبياء لهم ذلك.
فإن قيهل :فمها للداعهي قهد يدعهو فل يجاب؟ فالجواب أن يعلم أن قوله الحهق فهي اليتيهن "أجيهب"
"أسهتجب" ل يقتضهي السهتجابة مطلقها لكهل داع على التفصهيل ،ول بكهل مطلوب على التفصهيل،
فقهد قال ربنها تبارك وتعالى فهي آيهة أخرى" :ادعوا ربكهم تضرعها وخفيهة إنهه ل يحهب المعتديهن"
[العراف ]55 :وكهل مصهر على كهبيرة عالمها بهها أو جاهل فههو معتهد ،وقهد أخهبر أنهه ل يحهب
المعتديهن فكيهف يسهتجيب له .وأنواع العتداء كثيرة ،يأتهي بيانههنها وفهي "العراف" إن شاء الّ
تعالى .وقال بعهض العلماء :أجيهب إن شئت ،كمها قال" :فيكشهف مها تدعون إليهه إن شاء" [النعام:
]41فيكون هذا من باب المطلق والمقيد .وقد دعا النبي صلى الّ عليه وسلم فهي ثلث فأعطهي
ل تعالى .وقيهل :إنمها مقصهود هذا اثنتيهن ومنهع واحدة ،على مها يأتهي بيانهه فهي "النعام" إن شاء ا ّ
الخبار تعريهف جميهع المؤمنيهن أن هذا وصهف ربههم سهبحانه أن يجيهب دعاء الداعيهن فهي الجملة،
وأنهه قريهب مهن العبهد يسهمع دعاءه ويعلم اضطراره فيجيبهه بمها شاء وكيهف شاء "ومهن أضهل ممهن
يدعوا من دون ال من ل يستجيب له" [الحقاف ]5 :الية .وقد يجيب السيد عبده والوالد ولده ثم
ل يعطيهه سهؤله .فالجابهة كانهت حاصهلة ل محالة عنهد وجود الدعوة ،لن أجيهب وأسهتجب خهبر ل
ينسخ فيصير المخبر كذابا .يدل على هذا التأويل ما روى ابن عمر عن النبي صلى الّ عليه وسلم
قال( :مهن فتهح له فهي الدعاء فتحهت له أبواب الجابهة) .وأوحهى الّ تعالى إلى داود :أن قهل للظلمهة
من عبادي ل يدعوني فإني أوجبت على نفسي أن أجيب من دعاني وإني إذا أجبت الظلمة لعنتهم.
ل يجيهب كهل الدعاء ،فإمها أن تظههر الجابهة فهي الدنيها ،وإمها أن يكفهر عنهه ،وإمها أن
وقال قوم :إن ا ّ
يدخر له في الخرة ،لما رواه أبو سعيد الخدري قال قال رسول الّ صلى الّ عليه وسلم( :ما من
مسهلم يدعهو بدعوة ليهس فيهها إثهم ول قطيعهة رحهم إل أعطاه الّ بهها إحدى ثلث إمها أن يعجهل له
دعوتهه وإمها أن يدخهر له وإمها أن يكهف عنهه مهن السهوء بمثلهها) .قالوا :إذن نكثهر؟ قال( :ل أكثهر).
خرجه أبو عمر بن عبدالبر ،وصححه أبو محمد عبدالحق ،وهو في الموطأ منقطع السند .قال أبو
ل تعالى "ادعوني أستجب لكم" [غافر]60 : عمر :وهذا الحديث يخرج في التفسير المسند لقول ا ّ
فهذا كله مهن الجابهة .وقال ابهن عباس :كهل عبهد دعها اسهتجيب له ،فإن كان الذي يدعهو بهه رزقها له
في الدنيا أعطيه ،وإن لم يكن رزقا له في الدنيا ذخر له.
قلت :وحديث أبي سعيد الخدري وإن كان إذنا بالجابة في إحدى ثلث فقد دلك على صحة ما
تقدم مهن اجتناب العتداء المانهع مهن الجابهة حيهث قال فيهه( :مها لم يدع بإثهم أو قطيعهة رحهم) وزاد
مسهلم( :مها لم يسهتعجل) .رواه عهن أبهي هريرة عهن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم أنهه قال( :ل يزال
يسهتجاب للعبهد مها لم يدع بإثهم أو قطيعهة رحهم مها لم يسهتعجل -قيهل :يها رسهول الّ ،مها السهتعجال؟
قال -يقول قههد دعوت وقههد دعوت فلم أر يسههتجيب لي فيسههتحسر عنههد ذلك ويدع الدعاء) .وروى
البخاري ومسههلم وأبههو داود عههن أبههي هريرة أن رسههول الّ صههلى الّ عيههه وسههلم قال( :يسههتجاب
لحدكههم مهها لم يعجههل يقول دعوت فلم يسههتجب لي) .قال علماؤنهها رحمههة الّ عليهههم :يحتمههل قوله
(يسهتجاب لحدكهم) الخبار عهن وجوب وقوع الجابهة ،والخبار عهن جواز وقوعهها ،فإذا كان
بمعنهى الخبار عهن الوجوب والوقوع فإن الجابهة تكون بمعنهى الثلثهة الشياء المتقدمهة .فإذا قال:
قهد دعوت فلم يسهتجب لي ،بطهل وقوع أحهد هذه الثلثهة الشياء وعري الدعاء مهن جميعهها .وإن
كان بمعنهى جواز الجابهة فإن الجابهة حينئذ تكون بفعهل مها دعها بهه خاصهة ،ويمنهع مهن ذلك قول
الداعي :قد دعوت فلم يستجب لي ،لن ذلك من باب القنوط وضعف اليقين والسخط.
قلت :ويمنهع مهن إجابهة الدعاء أيضها أكهل الحرام ومها كان فهي معناه ،قال صهلى الّ عليهه وسهلم:
(الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام
وملبسههه حرام وغذي بالحرام فأنّىه يسههتجاب لذلك) وهذا اسههتفهام على جهههة السههتبعاد مههن قبول
دعاء مهن هذه صهفته ،فإن إجابهة الدعاء ل بهد لهها مهن شروط فهي الداعهي وفهي الدعاء وفهي الشيهء
المدعهو بهه .فمهن شرط الداعهي أن يكون عالمها بأن ل قادر على حاجتهه إل الّ ،وأن الوسهائط فهي
ل ل يسهتجيب دعاء مهن قبضتهه ومسهخرة بتسهخيره ،وأن يدعهو بنيهة صهادقة وحضور قلب ،فإن ا ّ
قلب غافهل له ،وأن يكون مجتنبها لكهل الحرام ،وأل يمهل مهن الدعاء .ومهن شرط المدعهو فيهه أن
يكون مهن المور الجائزة الطلب والفعهل شرعها ،كمها قال( :مها لم يدع بإثهم أو قطيعهة رحهم) فيدخهل
فهي الثهم كهل مها يأثهم بهه مهن الذنوب ،ويدخهل فهي الرحهم جميهع حقوق المسهلمين ومظالمههم .وقال
سهههل بههن عبدال التسههتري :شروط الدعاء سههبعة :أولههها التضرع والخوف والرجاء والمداومههة
والخشوع والعموم وأكهل الحلل .وقال ابهن عطاء :إن للدعاء أركانها وأجنحهة وأسهبابا وأوقاتها ،فإن
وافهق أركانهه قوي ،وإن وافهق أجنحتهه طار فهي السهماء ،وإن وافهق مواقيتهه فاز ،وإن وافهق أسهبابه
أنجح .فأركانه حضور القلب والرأفة والستكانة والخشوع ،وأجنحته الصدق ،ومواقيته السحار،
وأسهبابه الصهلة على محمهد صهلى الّ عليهه وسهلم .وقيهل :شرائطهه أربهع :أولهها حفهظ القلب عنهد
الوحدة ،وحفظ اللسان مع الخلق ،وحفظ العين عن النظر إلى ما ل يحل ،وحفظ البطن من الحرام.
وقد قيل :إن بن من شرط الدعاء أن يكون سليما من اللحن ،كما أنشد بعضهم:
كذاك إذا دعاه ل يجيب ينادي ربه باللحن ليث
ل فلم تطيعوه ،وعرفتم وقيل لبراهيم بن أدهم :ما بالنا ندعو فل يستجاب لنا؟ قال :لنكم عرفتم ا ّ
ل فلم تؤدوا شكرهها ،وعرفتهم الرسهول فلم تتبعوا سهنته ،وعرفتهم القرآن فلم تعملوا بهه ،وأكلتهم نعهم ا ّ
الجنهههة فلم تطلبوهههها ،وعرفتهههم النار فلم تهربوا منهههها ،وعرفتهههم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه،
وعرفتههم الموت فلم تسههتعدوا له ،ودفنتههم الموات فلم تعتههبروا ،وتركتههم عيوبكههم واشتغلتههم بعيوب
الناس .قال علي رضهههي الّ عنهههه لنوف البكالي :يههها نوف ،إن الّ أوحهههى إلى داود أن مهههر بنهههي
إسرائيل أل يدخلوا بيتا من بيوتي إل بقلوب طاهرة ،وأبصار خاشعة ،وأيد نقية ،فإني ل أستجيب
لحهد منههم ،مها دام لحهد مهن خلقهي مظلمهة .يها نوف ،ل تكونهن شاعرا ول عريفها ول شرطيها ول
جابيها ول عشارا ،فإن داود قام فهي سهاعة مهن الليهل فقال :إنهها سهاعة ل يدعهو عبهد إل اسهتجيب له
فيهها ،إل أن يكون عريفها أو شرطيها أو جابيها أو عشارا ،أو صهاحب عرطبهة ،وههي الطنبور ،أو
صهاحب كوبة ،وههي الطبهل .قال علماؤنها :ول يقهل الداعهي :اللههم أعطنهي إن شئت ،اللههم اغفهر لي
إن شئت ،اللهم ارحمني إن شئت ،بل يعري سؤاله ودعاءه من لفظ المشيئة ،ويسأل سؤال من يعلم
أنه ل يفعل إل أن يشاء .وأيضا فإن في قوله" :إن شئت" نوع من الستغناء عن مغفرته وعطائه
ورحمتهه ،كقول القائل :إن شئت أن تعطينهي كذا فافعهل ،ل يسهتعمل هذا إل مهع الغنهي عنهه ،وأمها
المضطهر إليهه فإنهه يعزم فهي مسهألته ويسهأل سهؤال فقيهر مضطهر إلى مها سهأله .روى الئمهة واللفهظ
للبخاري عههن أنههس بههن مالك قال قال رسههول الّ صههلى الّ عليههه وسههلم( :إذا دعهها أحدكههم فليعزم
المسهألة ول يقولن اللههم إن شئت فأعطنهي فإنهه ل مسهتكره له) .وفهي الموطهأ( :اللههم اغفهر لي أن
شئت ،اللههم ارحمنهي إن شئت) .قال علماؤنها :قوله (فليعزم المسهألة) دليهل على أنهه ينبغهي للمؤمهن
أن يجتههد فهي الدعاء ويكون على رجاء مهن الجابهة ،ول يقنهط مهن رحمهة الّ ،لنهه يدعهو كريمها.
ل قد أجاب دعاء شر الخلق قال سفيان بن عيينة :ل يمنعن أحدا من الدعاء ما يعلمه من نفسه فإن ا ّ
إبليس ،قال :رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ،قال فإنك من المنظرين .وللدعاء أوقات وأحوال يكون
الغالب فيههها الجابههة ،وذلك كالسههحر ووقههت الفطههر ،ومهها بيههن الذان والقامههة ،ومهها بيههن الظهههر
والعصهههر فهههي يوم الربعاء ،وأوقات الضطرار وحالة السهههفر والمرض ،وعنهههد نزول المطهههر
والصهف فهي سهبيل الّ .كهل هذا جاءت بهه الثار ،ويأتهي بيانهها فهي مواضعهها .وروى شههر بهن
حوشهب أن أم الدرداء قالت له :يها شههر ،أل تجهد القشعريرة؟ قلت نعهم .قالت :فادع الّ فإن الدعاء
ل صهلى الّ عليهه وسهلم فهي مسهجد الفتهح مسهتجاب عنهد ذلك .وقال جابر بهن عبدال :دعها رسهول ا ّ
ثلثا يوم الثنين ويوم الثلثاء فاستجيب له يوم الربعاء بين الصلتين فعرفت السرور في وجهه.
قال جابر :ما نزل بي أمر مهم غليظ إل توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الجابة.
@قوله تعالى" :فليستجيبوا لي" قال أبو رجاء الخراساني :فليدعوا لي .وقال ابن عطية :المعنى
فليطلبوا أن أجيبهم .وهذا هو باب استفعل أي طلب الشيء إل ما شذ مثل استغنى الّ .وقال مجاهد
وغيره :المعنههى فليجيبوا إلي ّه فيمهها دعوتهههم إليههه مههن اليمان ،أي الطاعههة والعمههل ويقال :أجاب
واستجاب بمعنى ،ومنه قول الشاعر:
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي لم يجبه والسين زائدة واللم لم المر .وكذا "وليؤمنوا" وجزمت لم المر لنها تجعل الفعل
مستقبل ل غير فأشبهت إن التي للشرط .وقيل :لنها ل تقع إل على الفعل.
@قوله تعالى" :وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون" اللم لم المر وجزمت لنها تجعل الفعل مستقبل
ل غيهر ،فأشبههت إن التهي للشرط .وقيهل :لنهها ل تقهع إل على الفعهل .والرشاد خلف الغهي .وقهد
رشهد يرشهد رشدا .ورشهد بالكسهر يرشهد رشدا ،لغهة فيهه .وأرشده الّ .والمراشهد :مقاصهد الطرق.
والطريق الرشد :نحو القصد .وتقول :هو لرشدة .خلف قولك :لزنية وأم راشد كنية للفأرة وبنو
رشدان :بطهههن مههههن العرب ،عهههن الجوهري .وقال الهروي :الرّشههههد والرّشههههد والرشاد :الهدى
والستقامة ،ومنه قوله" :لعلهم يرشدون".
**3الية{ 187 :أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم ال
أنكهم كنتهم تختانون أنفسهكم فتاب عليكهم وعفها عنكهم فالن باشروههن وابتغوا مها كتهب ال لكهم وكلوا
واشربوا حتى يتبين لكم الخيط البيض من الخيط السود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ول
تباشروههن وأنتهم عاكفون فهي المسهاجد تلك حدود ال فل تقربوهها كذلك يهبين ال آياتهه للناس لعلههم
يتقون}
@قوله تعالى" :أحهل لكهم" لفهظ "أحهل" يقتضهي أنهه كان محرمها قبهل ذلك ثهم نسهخ .روى أبهو داود
عن ابن أبي ليلى قال وحدثنا أصحابنا قال :وكان الرجل إذا أفطر فنام قبل أن يأكل لم يأكل حتى
يصهبح ،قال :فجاء عمهر فأراد امرأتهه فقالت :إنهي قهد نمهت ،فظهن أنهها تعتهل فأتاهها .فجاء رجهل مهن
النصهار فأراد طعامها فقالوا :حتهى نسهحن؟؟ لك شيئا فنام ،فلمها أصهبحوا أنزلت هذه اليهة ،وفيهها:
"أحهل لكهم ليلة الصيام الرفث إلى نسهائكم" .وروى البخاري عن البراء قال :كان أصهحاب محمد
صهلى الّ عليهه وسهلم إذا كان الرجهل صهائما فحضهر الفطار فنام قبهل أن يفطهر لم يأكهل ليلتهه ول
يومهه حتهى يمسهي ،وأن قيهس بهن صهرمة النصهاري كان صهائما -وفهي روايهة :كان يعمهل فهي
النخيهل بالنهار وكان صهائما -فلمها حضهر الفطار أتهى امرأتهه فقال لهها :أعندك طعام؟ قالت ل،
ولكهن أنطلق فأطلب لك ،وكان يومهه يعمهل ،فغلبتهه عيناه ،فجاءتهه امرأتهه فلمها رأتهه قالت :خيبهة لك
فلما انتصف النهار غشي عليه ،فذكر ذلك للنبي صلى الّ عليه وسلم فنزلت هذه الية" :أحل لكم
ليلة الصههيام الرفههث إلى نسههائكم" ففرحوا فرحهها شديدا ،ونزلت" :وكلوا واشربوا حتههى يتههبين لكههم
الخيط البيض من الخيط السود من الفجر" .وفي البخاري أيضا عن البراء قال :لما نزل صوم
ل تعالى: رمضان كانوا ل يقربون النسههههاء رمضان كله ،وكان رجال يخونون أنفسهههههم ،فأنزل ا ّ
"علم الّ أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم" يقال :خان واختان بمعنى من الخيانة،
ل فقههد خان نفسههه إذ جلب إليهههاأي تخونون أنفسههكم بالمباشرة فههي ليالي الصههوم .ومههن عصههى ا ّ
العقاب .وقال القتههبي :أصههل الخيانههة أن يؤتمههن الرجههل على شيههء فل يؤدي المانههة فيههه .وذكههر
ل تعالى عنه رجع من عند النبي صلى الّ عليه وسهلم وقد سمر عنده الطهبري :أن عمهر رضهي ا ّ
ليلة فوجهد امرأتهه قهد نامهت فأرادهها فقالت له :قهد نمهت ،فقال لهها :مها نمهت ،فوقهع بهها .وصهنع كعهب
بهن مالك مثله ،فغدا عمهر على النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم فقال :أعتذر إلى الّ وإليهك ،فإن نفسهي
زينت؟؟ لي فواقعت أهلي ،فهل تجد لي من رخصة؟ فقال لي( :لم تكن حقيقا يا عمر) فلما بلغ بيته
أرسهل إليهه فأنبأه بعذره فهي آيهة مهن القرآن .وذكره النحاس ومكهي ،وأن عمهر نام ثهم وقهع بامرأتهه،
ل أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب وأنه أتى النبي صلى الّ عليه وسلم فأخبره بذلك فنزلت" :علم ا ّ
عليكم وعفا عنكم فالن باشروهن" الية.
@قوله تعالى" :ليلة الصيام الرفث" (ليلة) نصب على الظرف وهي اسم جنس فلذلك أفردت.
@قوله تعالى" :الرفث إلى نسائكم" والرفث :كناية عن الجماع لن الّ عز وجل كريم يكني ،قاله
ابهن عباس والسهدي .وقال الزجاج :الرفهث كلمهة جامعهة لكهل مها يريهد الرجهل مهن امرأتهه ،وقال
الزهري أيضا .وقال ابن عرفة :الرفث ههنا الجماع .والرفث :التصريح بذكر الجماع والعراب
به .قال الشاعر:
وبهن عن رفث الرجال نفار ويرين من أنس الحديث زوانيا
وقيل :الرفث أصله قول الفحش ،يقال :رفث وأرفث إذا تكلم بالقبيح ،ومنه قول الشاعر:
عن اللغا ورفث التكلم ورب أسراب حجيج كظم
وتعدى "الرفث" بإلى في قوله تعالى جده" :الرفث إلى نسائكم" .وأنت ل تقول :رفثت إلى النساء،
ولكنهه جيهء بهه محمول على الفضاء الذي يراد بهه الملبسهة فهي مثهل قوله" :وقهد أفضهى بعضكهم
إلى بعض" [النساء .]21 :ومن هذا المعنى" :وإذا خلوا إلى شياطينهم" [البقرة ]14 :كما تقدم.
وقوله" :يوم يحمى عليها" [التوبة ]35 :أي يوقد ،لنك تقول :أحميت الحديدة في النار ،وسيأتي،
ومنه قوله" :فليحذر الذين يخالفون عن أمره[ "،النور ]63 :حمل على معنى ينحرفون عن أمره
أو يروغون عههن أمره ،لنههك تقول :خالفههت زيدا .ومثله قوله تعالى" :وكان بالمؤمنيههن رحيمهها"
[الحزاب ]43 :حمهل على معنهى رؤوف فهي نحو "بالمؤمنيهن رؤوف رحيهم" [التوبة،]128 :
أل ترى أنهك تقول :رؤفهت بهه ،ول تقول رحمهت بهه ،ولكنهه لمها وافقهه فهي المعنهى نزل منزلتهه فهي
التعدية .ومن هذا الضرب قول أبي كبير الهذلي:
كرها وعقد نطاقها لم يحلل حملت به في ليلة مزؤودة
عدى "حملت" بالباء ،وحقه أن يصل إلى المفعول بنفسه ،كما جاء في التنزيل" :حملته أمه كرها
ووضعته كرها" [الحقاف ،]15 :ولكنه قال :حملت به ،لنه في معنى حبلت به.
@قوله تعالى" :هن لباس لكم" ابتداء وخبر ،وشددت النون من "هن" لنها بمنزلة الميم والواو
فهي المذكهر" .وأنتهم لباس لههن" أصهل اللباس فهي الثياب ،ثهم سهمي امتزاج كهل واحهد مهن الزوجيهن
بصاحبه لباسا ،لنضمام الجسد وامتزاجهما وتلزمهما تشبيها بالثوب .وقال النابغة الجعدي:
تداعت فكانت عليه لباسا إذا ما الضجيع ثنى جيدها
وقال أيضا:
وأفنيت بعد أناس أناسا لبست أناسا فأفنيتهم
وقال بعضههم :يقال لمها سهتر الشيهء وداراه :لباس .فجائز أن يكون كهل واحهد منهمها سهترا لصهاحبه
عمها ل يحهل ،كمها ورد فهي الخهبر .وقيهل :لن كهل واحهد منهمها سهتر لصهاحبه فيمها يكون بينهمها مهن
الجماع مهن أبصهار الناس .وقال أبهو عبيهد وغيره :يقال للمرأة ههي لباسهك وفراشهك وإزارك .قال
رجل لعمر بن الخطاب:
فدى لك من أخي ثقة إزاري أل أبلغ أبا حفص رسول
قال أبو عبيد :أي نسائي .وقيل نفسي .وقال الربيع :هن فراش لكم ،وأنتم لحاف لهن .مجاهد :أي
سكن لكم ،أي يسكن بعضكم إلى بعض.
@قوله تعالى" :علم ال أنكم كنتهم تختانون أنفسهكم" يستأمر بعضكهم بعضا فهي مواقعهة المحظور
من الجماع والكل بعد النوم في ليالي الصوم ،كقوله تعالى" :تقتلون أنفسكم" [البقرة ]85 :يعني
يقتل بعضكم بعضا .ويحتمل أن يريد به كل واحد منهم في نفسه بأنه يخونها ،وسماه خائنا لنفسه
من حيث كان ضرره عائدا عليه ،كما تقدم .وقوله" :فتاب عليكم" يحتمل معنيين :أحدهما -قبول
التوبهة مهن خيانتههم لنفسههم .والخهر -التخفيهف عنههم بالرخصهة والباحهة ،كقوله تعالى" :علم أن
لن تحصهوه فتاب عليكهم" [المزمهل ]20 :يعنهي خفهف عنكهم .وقوله عقيهب القتهل الخطهأ" :فمهن لم
يجهد فصهيام شهريهن متتابعيهن توبهة مهن ال" [النسهاء ]92 :يعنهي تخفيفها ،لن القاتهل خطهأ لم يفعهل
شيئا تلزمهه التوبهة منهه ،وقال تعالى" :لقهد تاب ال على النهبي والمهاجريهن والنصهار الذيهن اتبعوه
فهي سهاعة العسهرة" [التوبهة ]117 :وإن لم يكهن مهن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم مها يوجهب التوبهة
منه .وقوله" :وعفا عنكم" يحتمل العفو من الذنب ،ويحتمل التوسعة والتسهيل ،كقول النبي صلى
الّ عليه وسلم( :أول الوقت رضوان الّ وآخره عفو الّ) يعني تسهيله وتوسعته .فمعنى "علم الّ"
أي علم وقوع هذا منكهم مشاهدة "فتاب عليكهم" بعهد مها وقهع ،أي خفهف عنكهم "وعفها" أي سههل.
و"تختانون" مههن الخيانههة ،كمهها تقدم .قال ابههن العربههي" :وقال علماء الزهههد :وكذا فلتكههن العنايههة
ل تعالى شريعهة ،وخفهف مهن أجله عهن وشرف المنزلة ،خان نفسهه عمهر رضهي الّ عنهه فجعلهها ا ّ
المة فرضي الّ عنه وأرضاه".
@قوله تعالى" :فالن باشروهن" كناية عن الجماع ،أي قد أحل لكم ما حرم عليكم .وسمي الوقاع
مباشرة لتلصهق البشرتين فيه .قال ابن العربي :وهذا يدل على أن سبب الية جماع عمر رضي
الّ عنهه ل جوع قيهس ،لنهه لو كان السهبب جوع قيهس لقال :فالن كلوا ،ابتدأ بهه لنهه المههم الذي
نزلت الية لجله.
@قوله تعالى" :وابتغوا مها كتهب ال لكهم" قال ابهن عباس ومجاههد والحكهم بهن عيينهة وعكرمهة
والحسههن والسههدي والربيههع والضحاك :معناه وابتغوا الولد ،يدل عليههه أنههه عقيههب قوله" :فالن
ل لنها ههو القرآن .الزجاج :أي ابتغوا القرآن بمها أبيهح لكهم
باشروههن" .وقال ابهن عباس :مها كتهب ا ّ
فيه وأمرتهم به .وروي عن ابن عباس ومعاذ بن جبل أن المعنى وابتغوا ليلة القدر .وقيل :المعنى
اطلبوا الرخصة والتوسعة ،قاله قتادة .قال ابن عطية :وهو قول حسن .وقيل" :ابتغوا ما كتب الّ
لكههم" مههن الماء والزوجات .وقرأ الحسههن البصههري والحسههن بههن قرة "واتبعوا" مههن التباع،
وجوزها ابن عباس ،ورجح "ابتغوا" من البتغاء.
@قوله تعالى" :وكلوا واشربوا" هذا جواب نازلة قيهس ،والول جواب عمهر ،وقهد ابتدأ بنازلة
عمر لنه المهم فهو المقدم.
قوله تعالى" :حتى يتبين لكم الخيط البيض من الخيط السود من الفجر" "حتى" غاية للتبيين،
ول يصهح أن يقهع التهبيين لحهد ويحرم عليهه الكهل إل وقهد مضهى لطلوع الفجهر قدر .واختلف فهي
الحهد الذي بتهبينه يجهب المسهاك ،فقال الجمهور :ذلك الفجهر المعترض فهي الفهق يمنهه ويسهرة،
وبهذا جاءت الخبار ومضت عليه المصار .روى مسلم عن سمرة بن جندب رضي الّ عنه قال
ل صههلى الّ عليههه وسههلم( :ل يغرنكههم مههن سههحوركم أذان بلل ول بياض الفههق قال رسههول ا ّ
المسههتطيل هكذا حتههى يسههتطير هكذا) .وحكاه حماد بيديههه قال :يعنههي معترضهها .وفههي حديههث ابههن
مسهعود( :إن الفجهر ليهس الذي يقول هكذا -وجمهع أصهابعه ثهم نكسهها إلى الرض -ولكهن الذي
يقول هكذا -ووضهع المسهبحة على المسهبحة ومهد يديهه) .وروى الدارقطنهي عهن عبدالرحمهن بهن
عباس أنه بلغه أن رسول الّ صلى الّ عليه وسلم قال( :هما فجران فأما الذي كأنه ذنب السرحان
فإنه ل يحل شيئا ول يحرمه وأما المستطيل الذي عارض الفق ففيه تحل الصلة ويحرم الطعام)
هذا مرسهل وقالت طائفهة :ذلك بعهد طلوع الفجهر وتهبينه فهي الطرق والبيوت ،روي ذلك عهن عمهر
وحذيفة وابن عباس وطلق بن علي وعطاء بن أبي رباح والعمش سليمان وغيرهم أن المساك
يجهب بتهبيين الفجهر فهي الطرق وعلى رؤوس الجبال .وقال مسهروق :لم يكهن يعدون الفجهر فجركهم
إنما كانوا يعدون الفجر الذي يمل البيوت .وروى النسائي عن عاصم عن زر قال قلنا لحذيفة :أي
ساعة تسحرت مع رسول الّ صلى الّ عليه وسلم؟ قال :هو النهار إل أن الشمس لم تطلع .وروى
الدارقطنهي عهن طلق بهن علي أن نهبي الّ قال( :كلوا وأشربوا ول يغرنكهم السهاطع المصهعد وكلوا
واشربوا حتهى يعرض لكهم الحمهر) .قال الدارقطنهي :قيهس بهن طلق ليهس بالقوي .وقال أبهو داود:
هذا ممهها تفرد بههه أهههل اليمامههة .قال الطههبري :والذي قادهههم إلى هذا الصههوم إنمهها هههو فههي النهار،
والنهار عندههم مهن طلوع الشمهس ،وآخره غروبهها ،وقهد مضهى الخلف فهي هذا بيهن اللغوييهن.
ل صهلى الّ عليهه وسهلم ذلك بقوله( :إنمها ههو سهواد الليهل وبياض النهار) الفيصهل وتفسهير رسهول ا ّ
في ذلك ،وقوله "أياما معدودات" [البقرة .]184 :وروى الدارقطني عن عائشة رضي الّ عنها
عن النبي صلى الّ عليه وسلم قال( :من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فل صيام له) .تفرد به
عبدال بهن عباد عهن المفضهل بهن فضالة بهذا السهناد ،وكلههم ثقات .وروي عهن حفصهة أن النهبي
صلى الّ عليه وسلم قال( :من لم يجمع الصيام قبل الفجر فل صيام له) .رفعه عبدال بن أبي بكر
وهو من الثقات الرفعاء ،وروي عن حفصة مرفوعا من قولها .ففي هذين الحديثين دليل على ما
قاله الجمهور فهي الفجهر ،ومنهع مهن الصهيام دون نيهة قبهل الفجهر ،خلفها لقول أبهي حنيفهة ،وذلك أن
الصيام من جملة العبادات فل يصح إل بنية ،وقد وقتها الشارع قبل الفجر ،فكيف يقال :إن الكل
والشرب بعهد الفجهر جائز وروى البخاري ومسهلم عهن سههل بهن سهعد قال :نزلت "وكلوا واشربوا
حتهى يتهبين لكهم الخيهط البيهض مهن الخيهط السهود" ولم ينزل "مهن الفجهر" وكان رجال إذا أرادوا
الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط البيض والخيط السود ،ول يزال يأكل ويشرب حتى يتبين
له رؤيتهمها ،فأنزل الّ بعهد "مهن الفجهر" فعلموا أنهه إنمها يعنهي بذلك بياض النهار .وعهن عدي بهن
حاتهم قال قلت :يها رسهول الّ ،مها الخيهط البيهض مهن الخيهط السهود أهمها الخيطان؟ قال( :إنهك
لعريههض القفهها إن أبصههرت الخيطيههن -ثههم قال -ل بههل هههو سههواد الليههل وبياض النهار) .أخرجههه
البخاري .وسمي الفجر خيطا لن ما يبدو من البياض يرى ممتدا كالخيط .قال الشاعر:
والخيط السود جنح الليل مكتوم الخيط البيض ضوء الصبح منفلق
والخيط في كلمههم عبارة عن اللون .والفجر مصهدر فجرت الماء أفجره فجرا إذا جرى وانبعث،
وأصله الشق ،فلذلك قيل للطالع من تباشير ضياء الشمس من مطلعها :فجرا لنبعاث ضوئه ،وهو
أول بياض النهار الظاههر المسهتطير فهي الفهق المنتشهر ،تسهميه العرب الخيهط البيهض ،كمها بينها.
قال أبو دواد اليادي:
ولح من الصبح خيط أنارا فلما أضاءت لنا سدفة
وقال آخر:
وسدف الليل البهيم ساتره قد كاد يبدو وبدت تباشره
وقهد تسهميه أيضها الصهديع ،ومنهه قولههم :انصهدع الفجهر ،قال بشهر بهن أبهي خازم أو عمرو بهن معهد
يكرب:
كأن بياض لبته صديع ترى السرحان مفترشا يديه
وشبهه الشماخ بمفرق الرأس فقال:
أشق كمفرق الرأس الدهين إذا ما الليل كان الصبح فيه
ويقولون في المر الواضح :هذا كفلق الصبح ،وكانبلج الفجر ،وتباشير الصبح .قال الشاعر:
وابن ذكاء كامن في كفر فوردت قبل انبلج الفجر
ل جهل ذكره الليهل ظرفها للكهل والشرب @قوله تعالى" :ثهم أتموا الصهيام إلى الليهل" جعهل ا ّ
والجماع ،والنهار ظرفا للصيام ،فبين أحكام الزمانين وغاير بينهما .فل يجوز في اليوم شيء مما
أباحهه بالليهل إل لمسهافر أو مريهض ،كمها تقدم بيانهه .فمهن أفطهر فهي رمضان مهن غيهر مهن ذكهر فل
يخلو إما أن يكون عامدا أو ناسيا ،فإن كان الول فقال مالك :من أفطر في رمضان عامدا بأكل أو
شرب أو جماع فعليهه القضاء والكفارة ،لمها رواه مالك فهي موطئه ،ومسهلم فهي صهحيحه عهن أبهي
هريرة أن رجل أفطر في رمضان فأمره رسول الّ صلى ال عليه وسلم (أن يكفر بعتق رقبة أو
صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا) الحديث .وبهذا قال الشعبي .وقال الشافعي وغيره:
إن هذه الكفارة إنمهها تختههص بمههن أفطههر بالجماع ،لحديههث أبههي هريرة أيضهها قال :جاء رجههل إلى
ل صهلى ال عليهه وسهلم فقال :هلكهت يها رسهول الّ قال( :ومها أهلكهك) قال :وقعهت على رسهول ا ّ
امرأتههي فههي رمضان )...الحديههث .وفيههه ذكههر الكفارة على الترتيههب ،أخرجههه مسههلم .وحملوا هذه
القضية على القضية الولى فقالوا :هي واحدة ،وهذا غير مسلم به بل هما قضيتان مختلفتان ،لن
مسهاقهما مختلف ،وقهد علق الكفارة على مهن أفطهر مجردا عهن القيوم فلزم مطلقها .وبهذا قال مالك
وأصههحابه والوزاعههي وإسههحاق وأبههو ثور والطههبري وابههن المنذر ،وروي ذلك عههن عطاء فههي
رواية ،وعن الحسن والزهري .ويلزم الشافعي القول به فإنه يقول :ترك الستفصال مع تعارض
الحوال يدل على هموم الحكم .وأوجب الشافعي عليه مع القضاء العقوبة لنتهاك حرمة الشهر.
@ واختلفوا أيضا فيما يجب على المرأة يطؤها زوجها في شهر رمضان ،فقال مالك وأبو يوسف
وأصهحاب الرأي :عليهها مثهل مها على الزوج .وقال الشافعهي :ليهس عليهها إل كفارة واحدة ،وسهواء
طاوعته أو أكرهها ،لن النبي صلى الّ عليه وسلم أجاب السائل بكفارة واحدة ولم يفصل .وروي
عن أبي حنيفة :إن طاوعتهه فعلى كل واحد منهما كفارة ،وإن أكرههها فعليهه كفارة واحدة ل غيهر.
وهو قول سهحنون بهن سهعيد المالكهي .وقال مالك :عليه كفارتان ،وهو تحصهيل مذهبهه عنهد جماعهة
أصحابه.
واختلفوا أيضا فيمن جامع ناسيا لصومه أو أكل ،فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق:
ليهس عليهه فهي الوجهيهن شيهء ،ل قضاء ول كفارة .وقال مالك والليهث والوزاعهي :عليهه القضاء
ول كفارة ،وروي مثل ذلك عن عطاء .وقد روي عن عطاء أن عليه الكفارة إن جامع ،وقال :مثل
هذا ل ينسى .وقال قوم من أهل الظاهر :سواء وطئ ناسيا أو عامدا فعليه القضاء والكفارة ،وهو
قول ابهن الماجشون عبدالملك ،وإليهه ذههب أحمهد بهن حنبهل ،لن الحديهث الموجهب للكفارة لم يفرق
فيه بين الناسي والعامد .قال ابن المنذر :ل شيء عليه.
قال مالك والشافعهي وأبهو ثور وأصهحاب الرأي :إذا أكهل ناسهيا فظهن أن ذلك قهد فطّره فجامهع
عامدا أن عليه القضاء ول كفارة عليه .قال ابن المنذر :وبه نقول .وقيل في المذهب :عليه القضاء
والكفارة إن كان قاصدا لهتك حرمة صومه جرأة وتهاونا .قال أبو عمر :وقد كان يجب على أصل
مالك أل يكفر ،لن من أكل ناسيا فهو عنده مفطر يقضي يومه ذلك ،فأي حرمة هتك وهو مفطر.
وعند غير مالك :ليس بمفطر كل من أكل ناسيا لصومه.
قلت :وهههو الصههحيح ،وبههه قال الجمهور :إن مههن أكههل أو شرب ناسههيا فل قضاء عليههه وإن
صومه تام ،لحديث أبي هريرة قال قال رسول الّ صلى الّ عليه وسلم( :إذا أكل الصائم ناسيا أو
شرب ناسيا فإنما هو رزق ساقه الّ تعالى إليه ول قضاء عليه -في رواية -وليتم صومه فإن الّ
أطعمه وسقاه) .أخرجه الدارقطني .وقال :إسناد صحيح وكلهم ثقات .قال أبو بكر الثرم :سمعت
أبا عبدال يسأل عمن أكل ناسيا في رمضان ،قال :ليس عليه شيء على حديث أبي هريرة .ثم قال
أبهو عبدال مالك :وزعموا أن مالكها يقول عليهه القضاء وضحهك .وقال ابهن المنذر :ل شيهء عليهه،
لقول النبي صلى الّ عليه وسلم لمن أكل أو شرب ناسيا( :يتم صومه) وإذا قال (يتم صومه) فأتمه
فهو صوم تام كامل.
قلت :وإذا كان من أفطر ناسيا ل قضاء عليه وصومه صوم تام فعليه إذا جامع عامدا القضاء
والكفارة -والّ أعلم -كمههن لم يفطههر ناسههيا .وقههد احتههج علماؤنهها على إيجاب القضاء بأن قالوا:
المطلوب منهه صهيام يوم تام ل يقهع فيهه خرم ،لقوله تعالى" :ثهم أتموا الصهيام إلى الليهل" وهذا لم
يأت بهه على التمام فههو باق عليهه ،ولعهل الحديهث فهي صهوم التطوع لخفتهه .وقهد جاء فهي صهحيحي
البخاري ومسهلم( :مهن نسهي وههو صهائم فأكهل أو شرب فليتهم صهومه) فلم يذكهر قضاء ول تعرض
له ،بهل الذي تعرض له سهقوط المؤاخذة والمهر بمضيهه على صهومه وإتمامهه ،هذا إن كان واجبها
فدل على ما ذكرناه من القضاء .وأما صوم التطوع فل قضاء فيه لمن أكل ناسيا ،لقوله صلى ال
عليه وسلم( :ل قضاء عليه).
قلت :هذا مها احتهج بهه علماؤنها وههو صهحيح ،لول مها صهح عهن الشارع مها ذكرناه ،وقهد جاء
بالنص الصريح الصحيح وهو ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الّ عليه وسلم قال( :من أفطر
في شهر رمضان ناسيا فل قضاء عليه ول كفارة) أخرجه الدارقطني وقال :تفرد به ابن مرزوق
وهو ثقة عن النصاري ،فزال الحتمال وارتفع الشكال ،والحمد ل ذي الجلل والكمال.
@ لمها بيهن سهبحانه محظورات الصهيام وههي الكهل والشرب والجماع ،ولم يذكهر المباشرة التهي
ههي اتصهال البشرة بالبشرة كالقبلة والجسهة وغيرهها ،دل ذلك على صهحة صهوم مهن قبهل وباشهر،
لن فحوى الكلم إنمهها يدل على تحريههم مهها أباحههه الليههل وهههو الشياء الثلثههة ،ول دللة فيههه على
غيرهها بهل ههو موقوف على الدليهل ،ولذلك شاع الختلف فيهه ،واختلف علماء السهلف فيهه ،فمهن
ذلك المباشرة .قال علماؤنها :يكره لمهن ل يأمهن على نفسهه ول يملكهها ،لئل يكون سهببا إلى مها يفسهد
الصوم .روى مالك عن نافع أن عبدال بن عمر رضي الّ عنهما كان ينهي عن القبلة والمباشرة
للصههائم ،وهذا -والّ أعلم -خوف مهها يحدث عنهمهها ،فإن قبههل وسههلم فل جناح عليههه ،وكذلك إن
باشر .وروى البخاري عن عائشة قالت :كان النبي صلى الّ عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم.
وممهن كره القبلة للصهائم عبدال بهن مسهعود وعروة بهن الزبيهر .وقهد روي عهن ابهن مسهعود أنهه
يقضهي يومها مكانهه ،والحديهث حجهة عليههم .قال أبهو عمهر :ول أعلم أحدا رخهص فيهها لمهن يعلم أنهه
يتولد عليه منها ما يفسد صومه ،فإن قبل فأمنى فعليه القضاء ول كفارة ،قال أبو حنيفة وأصحابه
والثوري والحسهن والشافعهي ،واختاره ابهن المنذر وقال :ليهس لمهن أوجهب عليهه الكفارة حجهة .قال
أبهو عمهر :ولو قبهل فأمذى لم يكهن عليهه شيهء عندههم .وقال أحمهد :مهن قبهل فأمذى أو أمنهى فعليهه
القضاء ول كفارة عليههه ،إل على مههن جامههع فأولج عامدا أو ناسههيا .وروى ابههن القاسههم عههن مالك
فيمهن قبهل أو باشهر فأنعهظ ولم يخرج منهه ماء جملة عليهه القضاء .وروى ابهن وههب عنهه ل قضاء
عليهه حتهى يمذي .قال القاضهي أبهو محمهد :واتفهق أصهحابنا على أنهه ل كفارة عليهه .وإن كان منيها
فهههل تلزمههه الكفارة مههع القضاء ،فل يخلو أن يكون قبههل قبلة واحدة فأنزل ،أو قبههل فالتههذ فعاود
فأنزل ،فإن كان قبهل قبلة واحدة أو باشهر أو لمهس مرة فقال أشههب وسهحنون :ل كفارة عليهه حتهى
يكرر .وقال ابهن القاسهم :يكفهر فهي ذلك كله ،إل فهي النظهر فل كفارة عليهه حتهى يكرر .وممهن قال
بوجوب الكفارة عليههه إذا قبههل أو باشههر أو لعههب امرأتههه أو جامههع دون الفرج فأمنههى :الحسههن
البصههري وعطاء وابههن المبارك وأبههو ثور وإسههحاق ،وهههو قول مالك فههي المدونههة .وحجههة قول
أشههب :أن اللمهس والقبلة والمباشرة ليسهت تفطهر فهي نفسهها ،وإنمها يبقهى أن تؤول إلى المهر الذي
يقهع بهه الفطهر ،فإذا فعهل مرة واحدة لم يقصهد النزال وإفسهاد الصهوم فل كفارة عليهه كالنظهر إليهها،
وإذا كرر ذلك فقههد قصههد إفسههاد صههومه فعليههه الكفارة كمهها لو تكرر النظههر .قال اللخمههي :واتفههق
جميعهم في النزال عن النظر أن ل كفارة عليه إل أن يتابع .والصل أنه ل تجب الكفارة إل على
مهن قصهد الفطهر وانتهاك حرمهة الصهوم ،فإذا كان ذلك وجهب أن ينظهر إلى عادة مهن نزل بهه ذلك،
فإذا كان ذلك شأنهه أن ينزل عهن قبلة أو مباشرة مرة ،أو كانهت عادتهه مختلفهة :مرة ينزل ،ومرة ل
ينزل ،رأيت عليه الكفارة ،لن فاعل ذلك قاصد لنتهاك صومه أو متعرض له .وإن كانت عادته
السههلمة فقدر أن كان منههه خلف العادة لم يكههن عليههه كفارة ،وقههد يحتمههل قول مالك فههي وجوب
الكفارة ،لن ذلك ل يجري إل ممهن يكون ذلك طبعهه واكتفهي بمها ظههر منهه .وحمهل أشههب المهر
على الغالب من الناس أنهم يسلمون من ذلك ،وقولهم في النظر دليل على ذلك.
قلت :ما حكاه من التفاق في النظر وجعله أصل ليس كذلك ،فقد حكى الباجي في المنتقى "فإن
نظهر نظرة واحدة يقصهد بهها اللذة فأنزل فقهد قال الشيهخ أبهو الحسهن :عليهه القضاء والكفارة .قال
الباجهي :وههو الصهحيح عندي ،لنهه إذا قصهد بهها السهتمتاع كانهت كالقبلة وغيهر ذلك مهن أنواع
السهتمتاع ،والّ أعلم" .وقال جابر بهن زيهد والثوري والشافعهي وأبهو ثور وأصهحاب الرأي فيمهن
ردد النظهر إلى المرأة حتهى أمنهى :فل قضاء عليهه ول كفارة ،قاله ابهن المنذر .قال الباجهي :وروى
في المدنية ابن نافع عن مالك أنه إن نظر إلى امرأة متجردة فالتذ فأنزل عليه القضاء دون الكفارة.
@ والجمهور مهن العلماء على صهحة صهوم مهن طلع عليهه الفجهر وههو جنهب .وقال القاضهي أبهو
بكهر بهن العربهي" :وذلك جائز إجماعها ،وقهد كان وقهع فيهه بيهن الصهحابة كلم ثهم اسهتقر المهر على
أن من أصبح جنبا فإن صومه صحيح".
قلت :أما ما ذكر من وقوع الكلم فصحيح مشهور ،وذلك قول أبي هريرة :من أصبح جنبا فل
صهوم له ،أخرجهه الموطهأ وغيره .وفهي كتاب النسهائي أنهه قال لمها روجهع :والّ مها أنها قلتهه ،محمهد
صهلى الّ عليهه وسهلم والّ قاله .وقهد اختلف فهي رجوعهه عنهها ،وأشههر قوليهه عنهد أههل العلم أنهه ل
صهوم له ،حكاه ابهن المنذر ،وروي عهن الحسهن بهن صهالح .وعهن أبهي هريرة أيضها قول ثالث قال:
إذا علم بجنابته ثم نام حتى يصبح فهو مفطر ،وإن لم يعلم حتى أصبح فهو صائم ،روي ذلك عن
عطاء وطاوس وعروة بهههن الزبيهههر .وروي عهههن الحسهههن والنخعهههي أن ذلك يجزي فهههي التطوع
ويقضى في الفرض.
قلت :فهذه أربعهة أقوال للعلماء فيمهن أصهبح جنبها ،والصهحيح منهها مذههب الجمهور ،لحديهث
ل صهلى الّ عليهه وسهلم كان يصهبح جنبها مهن جماع عائشهة رضهي الّ عنهها وأم سهلمة أن رسهول ا ّ
ل صهلى الّ عليهه وسهلم غيهر احتلم ثهم يصهوم .وعهن عائشهة رضهي الّ عنهها قالت :كان رسهول ا ّ
يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من غير احتلم فيغتسل ويصوم ،أخرجهما البخاري ومسلم.
وههو الذي يفههم مهن ضرورة قوله تعالى" :فالن باشروههن" اليهة ،فإنهه لمها مهد إباحهة الجماع إلى
طلوع الفجر فبالضرورة يعلم أن الفجر يطلع عليه وهو جنب ،وإنما يتأتى الغسل بعد الفجر .وقد
قال الشافعههي :ولو كان الذكههر داخههل المرأة فنزعههه مههع طلوع الفجههر أنههه ل قضاء عليههه .وقال
المزني :عليه القضاء لنه من تمام الجماع ،والول اصح لما ذكرنا ،وهو قول علمائنا.
@ واختلفوا في الحائض تطهر قبل الفجر وتترك التطهر حتى تصبح ،فجمهورهم على وجوب
الصهوم عليهها وإجزائه ،سهواء تركتهه عمدا أو سههوا كالجنهب ،وههو قول مالك وابهن القاسهم .وقال
عبدالملك :إذا طهرت الحائض قبهل الفجر فأخرت غسلها حتى طلع الفجهر فيومهها يوم فطهر ،لنها
فهي بعضهه غيهر طاهرة ،وليسهت كالجنهب لن الحتلم ل ينقهض الصهوم ،والحيضهة تنقضهه .هكذا
ذكره أبو الفرج في كتابه عن عبدالملك .وقال الوزاعي :تقضي لنها فرطت في الغتسال .وذكر
ابهن الجلب عهن عبدالملك أنهها إن طهرت قبهل الفجهر فهي وقهت يمكنهها فيهه الغسهل ففرطهت ولم
تغتسههل حتههى أصههبحت لم يضرههها كالجنههب ،وإن كان الوقههت ضيقهها ل تدرك فيههه الغسههل لم يجههز
صومها ويومها يوم فطر ،وقاله مالك ،وهي كمن طلع عليها الفجر وهي حائض .وقال محمد بن
مسلمة في هذه :تصوم وتقضي ،مثل قول الوزاعي .وروي عنه أنه شذ فأوجب على من طهرت
قبل الفجر ففرطت وتوانت وتأخرت حتى تصبح -الكفارة مع القضاء.
وإذا طهرت المرأة ليل في رمضان فلم تدر أكان ذلك قبل الفجر أو بعده ،صامت وقضت ذلك
اليوم احتياطا ،ول كفارة عليها.
@ روي عهن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم أنهه قال" :أفطهر الحاجهم والمحجوم" .مهن حديهث ثوبان
وحديث شداد بن أوس وحديث رافع بن خديج ،وبه قال أحمد وإسحاق ،وصحح أحمد حديث شداد
بهن أوس ،وصهحح علي بهن المدينهي حديهث رافهع بهن خديهج .وقال مالك والشافعهي والثوري :ل
قضاء عليه ،إل أنه يكره له ذلك من أجل التغرير .وفي صحيح مسلم من حديث أنس أنه قيل له:
أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال ل ،إل من أجل الضعف .وقال أبو عمر :حديث شداد ورافع
ل صههلى الّ عليههه وسههلم (احتجههم صههائماوثوبان عندنهها منسههوخ بحديههث ابههن عباس أن رسههول ا ّ
محرمها) لن فهي حديهث شداد بهن أوس وغيره أنهه صهلى الّ عليهه وسهلم مهر عام الفتهح على رجهل
يحتجم لثمان عشره ليلة خلت من رمضان فقال( :أفطر الحاجم والمحجوم) .واحتجم هو صلى الّ
عليهه وسهلم عام حجهة الوداع وههو محرم صهائم ،فإذا كانهت حجتهه صهلى الّ عليهه وسهلم عام حجهة
الوداع فهي ناسخة ل محالة ،لنه صلى الّ عليه وسلم لم يدرك بعد ذلك رمضان ،لنه توفي في
ربيع الول ،صلى الّ عليه وسلم.
@قوله تعالى" :ثم أتموا الصيام إلى الليل" أمر يقتضي الوجوب من غير خلف .و"إلى" غاية،
فإذا كان مها بعدهها مهن جنهس مها قبلهها داخهل فهي حكمهه ،كقولك :اشتريهت الفدان إلى حاشيتهه ،أو
اشتريههت منههك مههن هذه الشجرة إلى هذه الشجرة -والمههبيع شجههر ،فإن الشجرة داخلة فههي المههبيع.
بخلف قولك :اشتريههت الفدان إلى الدار ،فإن الدار ل تدخههل فههي المحدود إذ ليسههت مههن جنسههه.
فشرط تعالى تمام الصوم حتى يتبين الليل ،كما جوز الكل حتى يتبين النهار.
@ ومن تمام الصوم استصحاب النيهة دون رفعها ،فإن رفعها فهي بعهض النهار ونوى الفطهر إل
أنهه لم يأكهل ولم يشرب فجعله فهي المدونهة مفطرا وعليهه القضاء .وفهي كتاب ابهن حهبيب أنهه على
صومه ،قال :ول يخرجه من الصوم إل الفطار بالفعل وليس بالنية .وقيل :عليه القضاء والكفارة.
وقال سههحنون :إنمهها يكفههر مههن بيههت الفطههر ،فأمهها مههن نواه فههي نهاره فل يضره ،وإنمهها يقضههي
استحسانا .قلت :هذا حسن.
@قوله تعالى" :إلى الليل" إذا تبين الليل سن الفطر شرعا ،أكل أو لم يأكل .قال ابن العربي :وقد
سهئل المام أبهو إسهحاق الشيرازي عهن رجهل حلف بالطلق ثلثها أنهه ل يفطهر على حار ول بارد،
فأجاب أنه بغروب الشمس مفطر ل شيء عليه ،واحتج بقوله صلى الّ عليه وسلم( :إذا جاء الليل
مهن ههنها وأدبر النهار مهن ههنها فقهد أفطهر الصهائم) .وسهئل عنهها المام أبهو نصهر بهن الصهباغ
صاحب الشامل فقال :ل بد أن يفطر على حار أو بارد .وما أجاب به المام أبو إسحاق أولى ،لنه
مقتضى الكتاب والسنة.
فإن ظهن أن الشمهس قهد غابهت لغيهم أو غيره فأفطهر ثهم ظهرت الشمهس فعليهه القضاء فهي قول
أكثهر العلماء .وفهي البخاري عهن أسهماء بنهت أبهي بكهر رضهي الّ عنهمها قالت :أفطرنها على عههد
رسول الّ صلى الّ عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس ،قيل لهشام :فأمروا بالقضاء ،قال :ل بد
مهن قضاء؟ .قال عمهر فهي الموطهأ فهي هذا :الخطهب يسهير ،وقهد اجتهدنها فهي الوقهت يريهد القضاء.
وروي عن عمر أنه قال :ل قضاء عليه ،وبه قال الحسن البصري :ل قضاء عليه كالناسي ،وهو
ل تعالى" :إلى الليل" يرد هذا القول ،والّ أعلم.
قول إسحاق وأهل الظاهر .وقول ا ّ
@ فإن أفطهر وههو شاك فهي غروبهها كفهر مهع القضاء ،قال مالك إل أن يكون الغلب عليهه
غروبها .ومهن شك عنده فهي طلوع الفجهر لزمهه الكف عن الكل ،فإن أكهل مع شكه فعليهه القضاء
كالناسهي ،لم يختلف فهي ذلك قوله .ومهن أههل العلم بالمدينهة وغيرهها مهن ل يرى عليهه شيئا حتهى
يتبين له طلوع الفجر ،وبه قال ابن المنذر .وقال الكيا الطبري :وقد ظن قوم أنه إذا أبيح له الفطر
إلى أول الفجر فإذا أكل على ظن أن الفجر لم يطلع فقد أكل بإذن الشرع في وقت جواز الكل فل
قضاء عليهه ،كذلك قال مجاههد وجابر بهن زيهد .ول خلف فهي وجوب القضاء إذا غهم عليهه الهلل
فهي أول ليلة مهن رمضان فأكهل ثهم بان أنهه مهن رمضان ،والذي نحهن فيهه مثله .وكذلك السهير فهي
دار الحرب إذا أكل ظنا أنه من شعبان ثم بان خلفه.
@قوله تعالى" :إلى الليهل" فيهه مها يقتضهي النههي عهن الوصهال ،إذ الليهل غايهة الصهيام ،وقالتهه
عائشهة .وهذا موضهع اختلف فيهه ،فمهن واصهل عبدال بهن الزبيهر وإبراهيهم التيمهي وأبهو الجوزاء
وأبهو الحسهن الدينوري وغيرههم .كان ابهن الزبيهر يواصهل سهبعا ،فإذا أفطهر شرب السهمن والصهبر
حتى يفتق أمعاءه ،قال :وكانت تيبس أمعاؤه .وكان أبو الجوزاء يواصل سبعة أيام وسبع ليال ولو
قبض على ذراع الرجل الشديد لحطمها .وظاهر القرآن والسنة يقتضي المنع ،قال صلى الّ عليه
وسلم( :إذا غابت الشمس من ههنا وجاء الليل من ههنا فقد أفطر الصائم) .خرجه مسلم من حديث
عبدال بن أبي أوفى .ونهى عن الوصال ،فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما
ثم رأوا الهلل فقال( :لو تأخر الهلل لزدتكم) كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا .أخرجه مسلم عن
أبهي هريرة .وفهي حديهث أنهس( :لو مهد لنها الشههر لواصهلنا وصهال يدع المتعمقون تعمقههم) .خرجهه
مسلم أيضا .وقال صلى الّ عليه وسلم( :إياكم والوصال إياكم والوصال) تأكيدا في المنع لهم منه،
وأخرجه البخاري .وعلى كراهية الوصال -لما ذكرنا ولما فيه من ضعف القوى وإنهاك البدان -
جمهور العلماء .وقد حرمه بعضهم لما فيه من مخالفة الظاهر والتشبه بأهل الكتاب ،قال صلى الّ
عليهه وسهلم( :إن فصهل مها بيهن صهيامنا وصهيام أههل الكتاب أكلة السهحر) .خرجهه مسهلم وأبهو داود.
وفي البخاري عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الّ صلى الّ عليه وسلم يقول( :ل تواصلوا
فأيكههم أراد أن يواصههل فليواصههل حتههى السههحر) قالوا :فإنههك تواصههل يهها رسههول الّ؟ قال( :لسههت
كهيئتكهم إنهي أبيهت لي مطعهم وسهاق يسهقيني) .قالوا :وهذا إباحهة لتأخيهر الفطهر إلى السهحر ،وههو
الغايهة فهي الوصهال لمهن أراده ،ومنهع مهن اتصهال يوم بيوم ،وبهه قال أحمهد وإسهحاق وابهن وههب
صاحب مالك .واحتج من أجاز الوصال بأن قال :إنما كان النهي عن الوصال لنهم كانوا حديثي
عهد بالسلم ،فخشي رسول الّ صلى الّ عليه وسلم أن يتكلفوا الوصال وأعلى المقامات فيفتروا
أو يضعفوا عمها كان أنفهع منهه مهن الجهاد والقوة على العدو ،ومهع حاجتههم فهي ذلك الوقهت .وكان
ههو يلتزم فهي خاصهة نفسهه الوصهال وأعلى مقامات الطاعات ،فلمها سهألوه عهن وصهالهم أبدى لههم
فارقها بينهه وبينههم ،وأعلمههم أن حالتهه فهي ذلك غيهر حالتههم فقال( :لسهت مثلكهم إنهي أبيهت يطعمنهي
ربهي ويسهقيني) .فلمها كمهل اليمان فهي قلوبههم واسهتحكم فهي صهدورهم ورسهخ ،وكثهر المسهلمون
وظهروا على عدوهم ،واصل أولياء الّ وألزموا أنفسهم أعلى المقامات والّ أعلم.
قلت :ترك الوصهههال مهههع ظهور السهههلم وقههههر العداء أولى ،وذلك أرفهههع الدرجات وأعلى
المنازل والمقامات ،والدليهل على ذلك مها ذكرناه .وأن الليهل ليهس بزمان صهوم شرعهي ،حتهى لو
شرع إنسهان فيهه الصهوم بنيهة مها أثيهب عليهه ،والنهبي صهلى الّ عليهه وسهلم مها أخهبر عهن نفسهه أنهه
واصههل ،وإنمهها الصههحابة ظنوا ذلك فقالوا :إنههك تواصههل ،فأخههبر أنههه يطعههم ويسههقى .وظاهههر هذه
الحقيقة :أنه صلى الّ عليه وسلم يؤتى بطعام الجنة وشرابها .وقيل :إن ذلك محمول على ما يرد
على قلبه من المعاني واللطائف ،وإذا احتمل اللفظ الحقيقة والمجاز فالصل الحقيقة حتى يرد دليل
يزيلهها .ثهم لمها أبوا أن ينتهوا عهن الوصهال واصهل بههم وههو على عادتهه كمها أخهبر عهن نفسهه ،وههم
على عادتهم حتى يضعفوا ويقل صبرهم فل يواصلوا .وهذه حقيقة التنكيل حتى يدعوا تعمقهم وما
أرادوه مهن التشديهد على أنفسههم .وأيضها لو تنزلنها على أن المراد بقوله( :أطعهم وأسهقى) المعنهى
لكان مفطرا حكما ،كما أن من اغتاب في صومه أو شهد بزور مفطر حكما ،ول فرق بينهما ،قال
صههلى الّ عليههه وسههلم( :مههن لم يدع قول الزور والعمههل بههه فليههس ل حاجههة فههي أن يدع طعامههه
وشرابهه) .وعلى هذا الحهد مها واصهل النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم ول أمهر بهه ،فكان تركهه أولى.
وبالّ التوفيق.
@ ويستحب للصهائم إذا أفطهر أن يفطهر على رطبات أو تمرات أو حسوات مهن الماء ،لمها رواه
ل صهلى الّ عليهه وسهلم يفطهر على رطبات قبهل أن يصهلي، أبهو داود عهن أنهس قال :كان رسهول ا ّ
فإن لم تكهن رطبات فعلى تمرات ،فإن لم تكهن تمرات حسها حسهوات مهن ماء .وأخرجهه الدارقطنهي
وقال فيه :إسناد صحيح .وروى الدارقطني عن ابن عباس قال :كان النبي صلى الّ عليه وسلم إذا
أفطر قال( :لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك أنت السميع العليم) .وعن ابن عمر قال
كان رسول الّ صلى الّ عليه وسلم يقول إذا أفطر( :ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الجر إن
شاء الّ) .خرجهه أبو داود أيضها .وقال الدارقطنهي :تفرد به الحسهين بن واقهد إسهناده حسهن .وروى
ابن ماجة عن عبدال بن الزبير قال :أفطر رسول الّ صلى الّ عليه وسلم عند سعد بن معاذ فقال:
(أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم البرار وصلت عليكم الملئكة) .وروي أيضا عن زيد بن
ل صهلى الّ عليهه وسهلم( :مهن فطهر صهائما كان له مثهل أجرههم مهن خالد الجهنهي قال :قال رسهول ا ّ
غير أن ينقص من أجورهم شيئا) .وروي أيضا عن عبدال بن عمرو بن العاص قال :قال رسول
الّ صلى الّ عليه وسلم( :إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد) .قال ابن أبي مليكة :سمعت عبدال
بهن عمرو يقول إذا أفطهر :اللههم إنهي أسهألك برحمتهك التهي وسهعت كهل شيهء أن تغفهر لي .وفهي
صحيح مسلم عن النبي صلى الّ عليه وسلم( :للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا
لقي ربه فرح بصومه).
@ ويستحب له أن يصوم من شوال ستة أيام ،لما رواه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن
ماجهة عهن أبهي أيوب النصهاري قال قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :مهن صهام رمضان ثهم
أتبعهه سهتا مهن شوال كان له كصهيام الدههر) هذا حديهث حسهن صهحيح مهن حديهث سهعد بهن سهعيد
النصهاري المدنهي ،وههو ممهن لم يخرج له البخاري شيئا ،وقهد جاء بإسهناد جيهد مفسهرا مهن حديهث
أبي أسماء الرحبي عن ثوبان مولى النبي صلى الّ عليه وسلم أنه سمع رسول الّ صلى الّ عليه
ل الحسنة بعشر أمثالها فشهر رمضان بعشرة أشهر وستة أيام بعد الفطر تمام وسلم يقول( :جعل ا ّ
السنة) .رواه النسائي .واختلف في صيام هذه اليام ،فكرهها مالك في موطئه خوفا أن يلحق أهل
الجهالة برمضان مها ليهس منهه ،وقهد وقهع مها خافهه حتهى أنهه كان فهي بعهض بلد خراسهان يقومون
لسحورها على عادتهم في رمضان .وروى مطرف عن مالك أنه كان يصومها في خاصة نفسه.
واستحب صيامها الشافعي ،وكرهه أبو يوسف.
@قوله تعالى" :ول تباشروههن وأنتهم عاكفون فهي المسهاجد" بيهن جهل تعالى أن الجماع يفسهد
العتكاف .وأجمهع أههل العلم على أن مهن جامهع امرأتهه وههو معتكهف عامدا لذلك فهي فرجهها أنهه
مفسد لعتكافه ،واختلفوا فيما عليه إذا فعل ذلك ،فقال الحسن البصري :عليه ما على المواقع أهله
فهي رمضان .فأمها المباشرة مهن غيهر جماع فإن قصهد بهها التلذذ فههي مكروههة ،وإن لم يقصهد لم
يكره ،لن عائشهة كانهت ترجهل رأس رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم وههو معتكهف ،وكانهت ل
ل صهلى الّ عليهه وسهلم بيدهها ،فدل بذلك على أن المباشرة بغيهر شهوة محالة تمهس بدن رسهول ا ّ
غيهر محظورة ،هذا قول عطاء والشافعهي وابهن المنذر .قال أبهو عمهر :وأجمعوا على أن المعتكهف
ل يباشهر ول يقبهل .واختلفوا فيمها عليهه إن فعهل ،فقال مالك والشافعهي :إن فعهل شيئا مهن ذلك فسهد
اعتكافهه ،قال المزنهي .وقال فهي موضهع آخهر مهن مسهائل العتكاف :ل يفسهد العتكاف مهن الوطهء
إل ما يوجب الحد ،واختاره المزني قياسا على أصله في الحج والصوم.
@قوله تعالى" :وأنتهم عاكفون" جملة فهي موضهع الحال .والعتكاف فهي اللغهة :الملزمهة ،يقال
عكف على الشيء إذا لزمه مقبل عليه .قال الراجز:
عكف النبيط يلعبون الفنزجا
وقال الشاعر:
عكوف البواكي بينهن صريع وظل بنات الليل حولي عكفا
ولما كان المعتكف ملزما للعمل بطاعة الّ مدة اعتكافه لزمه هذا السم .وهو في عرف الشرع:
ملزمهة طاعهة مخصهوصة فهي وقهت مخصهوص على شرط مخصهوص فهي موضهع مخصهوص.
وأجمع العلماء على أنه ليس بواجب ،وهو قربة من القرب ونافلة من النوافل عمل بها رسول الّ
صهلى الّ عليهه وسهلم وأصهحابه وأزواجهه ،ويلزمهه إن ألزمهه نفسهه ،ويكره الدخول فيهه لمهن يخاف
عليه العجز عن الوفاء بحقوقه.
ل تعالى" :فهي المسهاجد"@ أجمهع العلماء على أن العتكاف ل يكون إل فهي المسهجد ،لقول ا ّ
واختلفوا في المراد بالمساجد ،فذهب قوم إلى أن الية خرجت على نوع من المساجد ،وهو ما بناه
نهبي كالمسهجد الحرام ومسهجد النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم ومسهجد إيلياء ،روي هذا عهن حذيفهة بهن
اليمان وسهعيد بهن المسهيب ،فل يجوز العتكاف عندههم فهي غيرهها .وقال آخرون :ل اعتكاف إل
في مسجد تجمع فيه الجمعة ،لن الشارة في الية عندهم إلى ذلك الجنس من المساجد ،روي هذا
عن علي بن أبي طالب وابن مسعود ،وهو قول عروة والحكم وحماد والزهري وأبي جعفر محمد
بن علي ،وهو أحد قولي مالك .وقال آخرون :العتكاف في كل مسجد جائز ،يروى هذا القول عن
سهعيد بهن جهبير وأبهي قلبهة وغيرههم ،وههو قول الشافعهي وأبهي حنيفهة وأصهحابهما .وحجتههم حمهل
الية على عمومها في كل مسجد له إمام ومؤذن ،وهو أحد قولي مالك ،وبه يقول ابن علية وداود
بن علي والطبري وابن المنذر .وروى الدارقطني عن الضحاك عن حذيفة قال :سمعت رسول ا ّ
ل
صهلى الّ عليهه وسهلم يقول( :كهل مسهجد له مؤذن وإمام فالعتكاف فيهه يصهلح) .قال الدارقطنهي:
والضحاك لم يسمع من حذيفة.
@ وأقل العتكاف عند مالك وأبي حنيفة يوم وليلة ،فإن قال :ل عليّ اعتكاف ليلة لزمه اعتكاف
ليلة ويوم .وكذلك إن نذر اعتكاف يوم لزمهههه يوم وليلة .وقال سهههحنون :مهههن نذر اعتكاف ليلة فل
شيهء عليهه .وقال أبهو حنيفهة وأصهحابه :إن نذر يومها فعليهه يوم بغيهر ليلة ،وإن نذر ليلة فل شيهء
عليهه ،كمها قال سهحنون .قال الشافعهي :عليهه مها نذر ،إن نذر ليلة فليلة ،وإن نذر يومها فيومها .قال
الشافعهي :أقله لحظهة ول حهد لكثره .وقال بعهض أصهحاب أبهي حنيفهة :يصهح العتكاف سهاعة.
وعلى هذا القول فليس من شرطه صوم ،وروي عن أحمد بن حنبل في أحد قوليه ،وهو قول داود
بن علي وابن علية ،واختاره ابن المنذر وابن العربي .واحتجوا بأن اعتكاف رسول الّ صلى الّ
عليههههه وسههههلم كان فههههي رمضان ،ومحال أن يكون صههههوم رمضان لرمضان ولغيره .ولو نوى
المعتكهف فهي رمضان بصومه التطوع والفرض فسد صومه عند مالك وأصحابه .ومعلوم أن ليل
المعتكهف يلزمهه فيهه مهن اجتناب مباشرة النسهاء مها يلزمهه فهي نهاره ،وأن ليله داخهل فهي اعتكافهه،
وأن الليل ليس بموضع صوم ،فكذلك نهاره ليس بمفتقر إلى الصوم ،وإن صام فحسن .وقال مالك
وأبو حنيفة وأحمد في القول الخر :ل يصح إل بصوم .وروي عن ابن عمر وابن عباس وعائشة
رضهي الّ عنههم .وفهي الموطهأ عهن القاسهم بهن محمهد ونافهع مولى عبدال بهن عمهر :ل اعتكاف إل
بصيام ،لقول الّ تعالى في كتابه" :وكلوا واشربوا" إلى قوله" :في المساجد" وقال :فإنما ذكر الّ
العتكاف مهع الصهيام .قال يحيهى قال مالك :وعلى ذلك المهر عندنها .واحتجوا بمها رواه عبدال بهن
بديهل عهن عمرو بهن دينار عهن ابهن عمهر أن عمهر جعهل عليهه أن يعتكهف فهي الجاهليهة ليلة أو يومها
عنههد الكعبههة فسههأل النههبي صههلى الّ عليههه وسههلم فقال( :اعتكههف وصههم) .أخرجههه أبههو داود .وقال
الدارقطني :تفرد به ابن بديل عن عمرو وهو ضعيف .وعن عائشة أن النبي صلى الّ عليه وسلم
قال( :ل اعتكاف إل بصهيام) .قال الدارقطنهي :تفرد بهه سهويد بهن عبدالعزيهز عهن سهفيان بهن حسهين
عن الزهري عن عروة عن عائشة .وقالوا :ليس من شرط الصوم عندنا أن يكون للعتكاف ،بل
يصههح أن يكون الصههوم له ولرمضان ولنذر ولغيره ،فإذا نذره الناذر فإنمهها ينصههرف إلى مقتضاه
في أصل الشرع ،وهذا كمن نذر صلة فإنها تلزمه ،ولم يكن عليه أن يتطهر لها خاصة بل يجزئه
أن يؤديها بطهارة لغيرها.
@ وليس للمعتكف أن يخرج من معتكفه إل لما ل بد له منه ،لما روى الئمة عن عائشة قالت:
(كان رسول الّ صلى الّ عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلى رأسه فأرجله ،وكان ل يدخل البيت إل
لحاجههة النسههان) تريههد الغائط والبول .ول خلف فههي هذا بيههن المههة ول بيههن الئمههة ،فإذا خرج
المعتكف لضرورة وما ل بد له منه ورجع في فوره بعد زوال الضرورة بنى على ما مضى من
اعتكافهه ول شيهء عليهه .ومهن الضرورة المرض البيهن والحيهض .واختلفوا فهي خروجهه لمها سهوى
ذلك ،فمذههب مالك مها ذكرنها ،وكذلك مذههب الشافعهي وأبهي حنيفهة .وقال سهعيد بهن جهبير والحسهن
والنخعهي :يعود المريهض ويشههد الجنائز ،وروي عهن علي وليهس بثابهت عنهه .وفرق إسهحاق بيهن
العتكاف الواجههب والتطوع ،فقال فههي العتكاف الواجههب :ل يعود المريههض ول يشهههد الجنائز،
وقال فهي التطوع :يشترط حيهن يبتدئ حضور الجنائز وعيادة المرضهى والجمعهة .وقال الشافعهي:
يصح اشتراط الخروج من معتكفه لعيادة مريض وشهود الجنائز وغير ذلك من حوائجه .واختلف
فيه عن أحمد ،فمنع منه مرة وقال مرة :أرجو أل يكون به بأس .وقال الوزاعي كما قال مالك :ل
يكون فهي العتكاف شرط .قال ابهن المنذر :ل يخرج المعتكهف مهن اعتكافهه إل لمها ل بهد له منهه،
وهو الذي كان النبي صلى الّ عليه وسلم يخرج له.
@ واختلفوا فهي خروجهه للجمعهة ،فقالت طائفهة :يخرج للجمعهة ويرجهع إذا سهلم ،لنهه خرج إلى
فرض ول ينتقهض اعتكافهه .ورواه ابهن الجههم عهن مالك ،وبهه قال أبهو حنيفهة ،واختاره ابهن العربهي
وابن المنذر .ومشهور مذهب مالك أن من أراد أن يعتكف عشرة أيام أو نذر ذلك لم يعتكف إل في
المسجد الجامع .وإذ ا اعتكف في غيره لزمه الخروج إلى الجمعة وبطل اعتكافه .وقال عبدالملك:
يخرج إلى الجمعة فيشهدها ويرجع مكانه ويصح اعتكافه.
قلت :وهههو صههحيح لقوله تعالى" :وأنتههم عاكفون فههي المسههاجد" فعههم .وأجمههع العلماء على أن
العتكاف ليههس بواجههب وأنههه سههنة ،وأجمههع الجمهور مههن الئمههة على أن الجمعههة فرض على
العيان ،ومتى اجتمع واجبان أحدهما آكد من الخر قدم الكد ،فكيف إذا اجتمع مندوب وواجب،
ولم يقل بترك الخروج إليها ،فكان الخروج إليها في معنى حاجة النسان.
المعتكهف إذا أتهى كهبيرة فسهد اعتكافهه ،لن الكهبيرة ضهد العبادة ،كمها أن الحدث ضهد الطهارة
ل تعالى عليهه أعلى منازل العتكاف فهي العبادة .قاله ابهن خويهز منداد والصهلة ،وترك مها حرم ا ّ
عن مالك.
@ روى مسلم عن عائشة قالت( :كان رسول الّ صلى الّ عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى
الفجهر ثهم دخهل معتكفهه )...الحديهث .واختلف العلماء فهي وقهت دخول المعتكهف فهي اعتكافهه ،فقال
الوزاعهي بظاههر هذا الحديهث ،وروي عهن الثوري والليهث بهن سهعد فهي أحهد قوليهه ،وبهه قال ابهن
المنذر وطائفة مهن التابعين .وقال أبو ثور :إنما يفعل هذا مهن نذر عشرة أيام ،فإن زاد عليهها فقبهل
غروب الشمس .وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم :إذا أوجب على نفسه اعتكاف شهر،
دخهل المسهجد قبهل غروب الشمهس مهن ليلة ذلك اليوم .قال مالك :وكذلك كهل مهن أراد أن يعتكهف
يومهها أو أكثههر .وبههه قال أبههو حنيفههة وابههن الماجشون عبدالملك ،لن أول ليلة أيام العتكاف داخلة
فيها ،وأنه زمن للعتكاف فلم يتبعض كاليوم .وقال الشافعي :إذا قال ل عل يّ يوم دخل قبل طلوع
الفجر وخرج بعد غروب الشمس ،خلف قوله في الشهر .وقال الليث في أحد قوليه وزفر :يدخل
قبل طلوع الفجر ،والشهر واليوم عندهم سواء .وروي مثل ذلك عن أبي يوسف ،وبه قال القاضي
عبدالوهاب ،وأن الليلة إنمها تدخهل فهي العتكاف على سهبيل التبهع ،بدليهل أن العتكاف ل يكون إل
بصوم وليس الليل بزمن للصوم .فثبت أن المقصود بالعتكاف هو النهار دون الليل.
قلت :وحديث عائشة يرد هذه القوال وهو الحجة عند التنازع ،وهو حديث ثابت ل خلف في
صحته.
@ استحب مالك لمن اعتكف العشر الواخر أن يبيت ليلة الفطر في المسجد حتى يغدو منه إلى
المصلى ،وبه قال أحمد .وقال الشافعي والوزاعي :يخرج إذا غابت الشمس ،ورواه سحنون عن
ابهن القاسهم ،لن العشهر يزول بزوال الشههر ،والشههر ينقضهي بغروب الشمهس مهن آخهر يوم مهن
شهر رمضان .وقال سحنون :إن ذلك على الوجوب ،فإن خرج ليلة الفطر بطل اعتكافه .وقال ابن
الماجشون :وهذا يرده مها ذكرنها مهن انقضاء الشههر ،ولو كان المقام ليلة الفطهر مهن شرط صهحة
العتكاف لمهها صههح اعتكاف ل يتصههل بليلة الفطههر ،وفههي الجماع على جواز ذلك دليههل على أن
مقام ليلة الفطهر للمعتكهف ليهس شرطها فهي صهحة العتكاف .فهذه جمهل كافيهة مهن أحكام الصهيام
والعتكاف اللئقة باليات ،فيها لممن اقتصر عليها كفاية ،والّ الموفق للهداية.
ل فل تخالفوهها" ،فتلك" إشارة إلى هذه @قوله تعالى" :تلك حدود ال" أي هذه الحكام حدود ا ّ
الوامهر والنواههي .والحدود :الحواجهز .والحهد :المنهع ،ومنهه سهمي الحديهد حديدا ،لنهه يمنهع مهن
وصهول السهلح إلى البدن .وسهمي البواب والسهجان حدادا ،لنهه يمنهع مهن فهي الدار مهن الخروج
منهها ،ويمنهع الخارج مهن الدخول فيهها .وسهميت حدود الّ لنهها تمنهع أن يدخهل فيهها مها ليهس منهها،
وأن يخرج منهها مها ههو منهها ،ومنهها سهميت الحدود فهي المعاصهي ،لنهها تمنهع أصهحابها مهن العود
إلى أمثالها .ومنه سميت الحاد في العدة ،لنها تمتنع من الزينة.
@قوله تعالى" :كذلك يهبين ال آياتهه للناس" أي كمها بيهن هذه الحدود يهبين جميهع الحكام لتتقوا
مجاوزتههها .واليات :العلمات الهاديههة إلى الحههق .و"لعلهههم" ترج فههي حقهههم ،فظاهههر ذلك عموم
ل للهدى ،بدللة اليات التي تتضمن أن الّ يضل من يشاء. ومعناه خصوص فيمن يسره ا ّ
**3الية{ 188 :ول تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال
الناس بالثم وأنتم تعلمون}
@قوله تعالى" :ول تأكلوا أموالكهم بينكهم" قيهل :إنهه نزل فهي عبدان بهن أشوع الحضرمهي ،ادعهى
مال على امرئ القيس الكندي واختصما إلى النبي صلى الّ عليه وسلم ،فأنكر امرؤ القيس وأراد
أن يحلف فنزلت هذه الية ،فكف عن اليمين وحكم عبدان في أرضه ولم يخاصمه.
@الخطاب بهذه اليهة يتضمهن جميهع أمهة محمهد صهلى الّ عليهه وسهلم ،والمعنهى :ل يأكهل بعضكهم
مال بعض بغير حق .فيدخل في هذا :القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق ،وما ل تطيب به
نفهس مالكهه ،أو حرمتهه الشريعهة وإن طابهت بهه نفهس مالكهه ،كمههر البغهي وحلوان الكاههن وأثمان
الخمور والخنازيهر وغيهر ذلك .ول يدخهل فيهه الغبهن فهي البيهع مهع معرفهة البائع بحقيقهة مها باع لن
الغبن كأنه هبة ،على ما يأتي بيانه في سورة "النساء" .وأضيفت الموال إلى ضمير المنهي لما
كان كل واحد منهما منهيا ومنهيا عنه ،كما قال" :تقتلون أنفسكم" [البقرة .]85 :وقال قوم :المراد
بالية "ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" [النساء ]29 :أي في الملهي والقيان والشرب والبطالة،
فيجيء على هذا إضافة المال إلى ضمير المالكين.
@مهن أخهذ مال غيره ل على وجهه إذن الشرع فقهد أكله بالباطهل ،ومهن الكهل بالباطهل أن يقضهي
القاضههي لك وأنههت تعلم أنههك مبطههل ،فالحرام ل يصههير حلل بقضاء القاضههي ،لنههه إنمهها يقضههي
بالظاههر .وهذا إجماع فهي الموال ،وإن كان عنهد أبهي حنيفهة قضاؤه ينفهذ فهي الفروج باطنها ،وإذا
كان قضاء القاضي ل يغير حكم الباطن في الموال في الفروج أولى .وروى الئمة عن أم سلمة
ل صهلى الّ عليهه وسهلم( :إنكهم تختصهمون إلي ولعهل بعضكهم أن يكون ألحهن قالت قال رسهول ا ّ
بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما أسمع فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فل يأخذه فإنما
أقطع له قطعة من نار -في رواية -فليحملها أو يذرها) .وعلى القول بهذا الحديث جمهور العلماء
وأئمهة الفقهاء .وههو نهص فهي أن حكهم الحاكهم على الظاههر ل يغيهر حكهم الباطهن ،وسهواء كان ذلك
فهي الموال والدماء والفروج ،إل مها حكهي عهن أبهي حنيفهة فهي الفروج ،وزعهم أنهه لو شههد شاهدا
زور على رجل بطلق زوجته وحكم الحاكم بشهادتهما لعدالتهما عنده فإن فرجها يحل لمتزوجها
-ممهن يعلم أن القضيهة باطهل -بعهد العدة .وكذلك لو تزوجهها أحهد الشاهديهن جاز عنده ،لنهه لمها
حلت للزواج فهي الظاههر كان الشاههد وغيره سهواء ،لن قضاء القاضهي قطهع عصهمتها ،وأحدث
فهي ذلك التحليهل والتحريهم فهي الظاههر والباطهن جميعها ،ولول ذلك مها حلت للزواج .واحتهج بحكهم
اللعان وقال :معلوم أن الزوجة إنمها وصهلت إلى فراق زوجها باللعان الكاذب ،الذي لو علم الحاكهم
كذبها فيه لحدهها ومها فرق بينهمها ،فلم يدخهل هذا فهي عموم قوله عليهه السلم( :فمن قضيت له من
حق أخيه شيئا فل يأخذه )...الحديث.
@وهذه اليهة متمسهك كهل مؤالف ومخالف فهي كهل حكهم يدعونهه لنفسههم بأنهه ل يجوز ،فيسهتدل
عليه بقوله تعالى" :ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" [النساء .]29 :فجوابه أن يقال له :ل نسلم أنه
باطل حتى تبينه بالدليل ،وحينئذ يدخل في هذا العموم ،فهي دليل على أن الباطل في المعاملت ل
يجوز ،وليس فيها تعيين الباطل.
@قوله تعالى" :بالباطهل" الباطهل فهي اللغهة :الذاههب الزائل ،يقال :بطهل يبطهل بطول وبطلنها،
وجمههع الباطههل بواطههل .والباطيههل جمههع البطولة .وتبطههل أي اتبههع اللّهههو .وأبطههل فلن إذا جاء
بالباطل .وقوله تعالى" :ل يأتيه الباطل" [فصلت ]42 :قال قتادة :هو إبليس ،ل يزيد في القرآن
ول ينقص .وقوله" :ويمح ال الباطل" [الشورى ]24 :يعني الشرك .والبطلة :السحرة.
@قوله تعالى" :وتدلوا بهها إلى الحكام" اليهة .قيهل :يعنهي الوديعهة ومها ل تقوم فيهه بينهة ،عهن ابهن
عباس والحسهن .وقيهل :ههو مال اليتيهم الذي فهي أيدي الوصهياء ،يرفعهه إلى الحكام إذا طولب بهه
ليقتطع بعضه وتقوم له الظاهر حجة .وقال الزجاج :تعملون ما يوجبه ظاهر الحكام وتتركون ما
علمتهم أنهه الحهق .يقال :أدلى الرجهل بحجتهه أو بالمهر الذي يرجهو النجاح بهه ،تشبيهها بالذي يرسهل
الدلو فهي البئر ،يقال :أدلى دلوه :أرسهلها .ودلهها :أخرجهها .وجمهع الدلو والدلء :أدل ودلء ودلي.
والمعنهى فهي اليهة :ل تجمعوا بيهن أكهل المال بالباطهل وبيهن الدلء إلى الحكام بالحجهج الباطلة،
وههو كقوله" :ول تلبسهوا الحهق بالباطهل وتكتموا الحهق" [البقرة .]42 :وههو مهن قبيهل قولك :ل
تأكل السمك وتشرب اللبن .وقيل :المعنى ل تصانعوا بأموالكم الحكام وترشوهم ليقضوا لكم على
أكثهر منهها ،فالباء إلزاق مجرد .قال ابهن عطيهة :وهذا القول يترجهح ،لن الحكام مظنهة الرشاء إل
من عصم وهو القل .وأيضا فإن اللفظين متناسبان :تدلوا من إرسال الدلو ،والرشوة من الرشاء،
كأنه يمد بها ليقضي الحاجة.
قلت :ويقوي هذا قوله" :وتدلوا بهها" تدلوا فهي موضهع جزم عطفها على تأكلوا كمها ذكرنها .وفهي
مصهههحف أبهههي "ول تدلوا" بتكرار حرف النههههي ،وهذه القراءة تؤيهههد جزم "تدلوا" فهههي قراءة
الجماعهة .وقيهل" :تدلوا" فهي موضهع نصهب على الظرف ،والذي ينصهب فهي مثهل هذا عنهد سهيبويه
"أن" مضمرة .والهاء في قوله "بها" ترجع إلى الموال ،وعلى القول الول إلى الحجة ولم يجر
لها ذكر ،فقوي القول الثاني لذكر الموال ،والّ أعلم .في الصحاح" .والرشوة معروفة ،والرشوة
بالضههم مثله ،والجمههع رُشههى ورِشههى ،وقههد رشاه يرشوه .وارتشههى :أخههذ الرشوة .واسههترشى فههي
حكمه :طلب الرشوة عليه".
قلت :فالحكام اليوم عين الرشا ل مظنته ،ول حول ول قوة إل بالّ.
@قوله تعالى" :لتأكلوا" نصهب بلم كهي" .فريقها" أي قطعهة وجزءا ،فعهبر عهن الفريهق بالقطعهة
والبعهض .والفريهق :القطعهة مهن الغنهم تشهذ عهن معظمهها .وقيهل :فهي الكلم تقديهم وتأخيهر ،التقديهر:
لتأكلوا أموال فريق من الناس" .بالثم" معناه بالظلم والتعدي ،وسمي ذلك إثما لما كان الثم يتعلق
بفاعله" .وأنتم تعلمون" أي بطلن ذلك وإثمه ،وهذه مبالغة في الجرأة والمعصية.
@اتفق أهل السنة على أن من أخذ ما وقع عليه اسم مال قل أو كثر أنه يفسق بذلك ،وأنه محرم
عليهه أخذه .خلفها لبشهر بهن المعتمهر ومهن تابعهه مهن المعتزلة حيهث قالوا :إن المكلف ل يفسهق إل
بأخهذ مائتهي درههم ول يفسهق بدون ذلك .وخلفها لبهن الجبائي حيهث قال :إنهه يفسهق بأخهذ عشرة
دراهم ول يفسق بدونها .وخلفا لبن الهذيل حيث قال :يفسق بأخذ خمسة دراهم .وخلفا لبعض
قدريهة البصهرة حيهث قال :يفسهق بأخهذ درههم فمها فوق ،ول يفسهق بمها دون ذلك .وهذا كله مردود
بالقرآن والسهنة وباتفاق علماء المهة ،قال صهلى الّ عليه وسهلم( :إن دماءكهم وأموالكهم وأعراضكهم
عليكم حرام) الحديث ،متفق على صحته.
**3الية{ 189 :يسألونك عن الهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت
من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا ال لعلكم تفلحون}
@قوله تعالى" :يسألونك عن الهلة" هذا مما سأل عنه اليهود واعترضوا به على النبي صلى الّ
عليه وسلم ،فقال معاذ :يا رسول الّ ،إن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الهلة فما بال الهلل
يبدو دقيقا ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ،ثم ينتقص حتى يعود كما كان؟ فأنزل الّ هذه الية.
وقيهل :إن سهبب نزولهها سهؤال قوم مهن المسهلمين النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم عهن الهلل ومها سهبب
محاقه وكماله ومخالفته لحال الشمس ،قال ابن عباس وقتادة والربيع وغيرهم.
قوله تعالى" :عهن الهلة" الهلة جمهع الهلل ،وجمهع وههو واحهد فهي الحقيقهة مهن حيهث كونهه
هلل واحدا فهي شههر ،غيهر كونهه هلل فهي آخهر ،فإنمها جمهع أحواله مهن الهلة .ويريهد بالهلة
شهورها ،وقد يعبر بالهلل عن الشهر لحلوله فيه ،كما قال:
والشهر مثل قلمة الظفر أخوان من نجد على ثقة
وقيل :سمي شهرا لن اليدي تشهر بالشارة إلى موضع الرؤية ويدلون عليه .ويطلق لفظ الهلل
لليلتيهن مهن آخهر الشههر ،وليلتيهن مهن أوله .وقيهل :لثلث مهن أوله .وقال الصهمعي :ههو هلل حتهى
يحجر ويستدير له كالخيط الرقيق .وقيل :بل هو هلل حتى يبهر بضوئه السماء ،وذلك ليلة سبع.
قال أبههو العباس :وإنمهها قيههل له هلل لن الناس يرفعون أصههواتهم بالخبار عنههه .ومنههه اسههتهل
الصهبي إذا ظهرت حياتهه بصهراخه .واسهتهل وجههه فرحها وتهلل إذا ظههر فيهه السهرور .قال أبهو
كبير:
برقت كبرق العارض المتهلل وإذا نظرت إلى أسرة وجهه
ويقال :أهللنها الهلل إذا دخلنها فيهه .قال الجوهري" :وأههل الهلل واسهتهل على مها لم يسهم فاعله.
ويقال أيضها :اسهتهل بمعنهى تبين ،ول يقال :أههل ويقال :أهللنها عن ليلة كذا ،ول يقال :أهللناه فههل،
كما يقال :أدخلناه فدخل ،وهو قياسه" :قال أبو نصر عبدالرحيم القشيري في تفسيره :ويقال :أهل
الهلل واستهل وأهللنا الهلل واستهللنا.
@قال علماؤنا :من حلف ليقضين غريمه أو ليفعلن كذا في الهلل أو رأس الهلل أو عند الهلل،
ففعههل ذلك بعههد رؤيههة الهلل بيوم أو يوميههن لم يحنههث .وجميههع الشهور تصههلح لجميههع العبادات
والمعاملت على ما يأتي.
@قوله تعالى" :قل هي مواقيت للناس والحج" تبيين لوجه الحكمة في زيادة القمر ونقصانه ،وهو
زوال الشكال فهههي الجال والمعاملت واليمان والحههج والعدد والصههوم والفطهههر ومدة الحمههل
والجارات والكرية ،إلى غير ذلك من مصالح العباد .ونظيره قوله الحق" :وجعلنا الليل والنهار
آيتيهن فمحونها آيهة الليهل وجعلنها آيهة النهار مبصهرة لتبتغوا فضل مهن ربكهم ولتعلموا عدد السهنين
والحسهاب" [السهراء ]12 :على مها يأتهي .وقوله" :ههو الذي جعهل الشمهس ضياء والقمهر نورا
وقدره منازل لتعلموا عدد السههنين والحسههاب" [يونههس .]5 :وإحصههاء الهلة أيسههر مههن إحصههاء
اليام.
@وبهذا الذي قررناه يرد على أههل الظاههر ومهن قال بقولههم :إن المسهاقاة تجوز إلى الجهل
المجهول سههنين غيهر معلومههة ،واحتجوا بأن رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم عامههل اليهود على
ل صهلى الّ عليهه وسهلم مهن غيهر توقيهت .وهذا ل دليهل فيهه، شطهر الزرع والنخهل مها بدا لرسهول ا ّ
لنه عليه السلم قال لليهود( :أقركم فيها ما أقركم الّ) .وهذا أدل دليل وأوضح سبيل على أن ذلك
خصهوص له ،فكان ينتظههر فهي ذلك القضاء مهن ربهه ،وليهس كذلك غيره .وقهد أحكمهت الشريعهة
معاني الجارات وسائر المعاملت ،فل يجوز شيء منها إل على ما أحكمه الكتاب والسنة ،وقال
به علماء المة.
@قوله تعالى" :مواقيهت" المواقيهت :جميهع الميقات وههو الوقهت .وقيهل :الميقات منتههى الوقهت.
و"مواقيهت" ل تنصهرف ،لنهه جمهع ل نظيهر له فهي الحاد ،فههو جمهع ونهايهة جمهع ،إذ ليهس يجمهع
فصههار كأن الجمههع تكرر فيههها .وصههرفت "قواريههر" فههي قوله" :قواريرا" [النسههان ]16:لنههها
وقعهت فهي رأس آيهة فنونهت كمها تنون القوافهي ،فليهس ههو تنويهن الصهرف الذي يدل على تمكهن
السم.
@قوله تعالى" :والحهج" بفتهح الحاء قراءة الجمهور .وقرأ ابهن أبهي إسهحاق بالكسهر فهي جميهع
القرآن ،وفي قوله" :حج البيت" [آل عمران ]97 :في "آل عمران" .سيبويه :الحج كالرد والشد،
والحج كالذكر ،فهما مصدران بمعنى وقيل :الفتح مصدر ،والكسر السم.
أفرد سبحانه الحج بالذكر لنه مما يحتاج فيه إلى معرفة الوقت ،وأنه ل يجوز النسيء فيه عن
وقتهه ،بخلف مها رأتهه العرب ،فإنهها كانهت تحهج بالعدد وتبدل الشهور ،فأبطهل الّ قولههم وفعلههم،
على ما يأتي بيانه في "براءة" إن شاء الّ تعالى.
@استدل مالك رحمه الّ وأبو حنيفة وأصحابهما في أن الحرام بالحج يصح في غير أشهر الحج
ل تعالى جعل الهلة كلها ظرفا لذلك ،فصح أن يحرم في جميعها بالحج ،وخالف بهذه الية ،لن ا ّ
في ذلك الشافعي ،لقوله تعالى" :الحج أشهر معلومات" [البقرة ]197 :على ما يأتي .وأن معنى
هذه اليههة أن بعضههها مواقيههت للناس ،وبعضههها مواقيههت للحههج ،وهذا كمهها تقول :الجاريههة لزيههد
وعمرو ،وذلك يقضهي أن يكون بعضهها لزيهد وبعضهها لعمرو ،ول يجوز أن يقال :جميعهها لزيهد
وجميعههها لعمرو .والجواب أن يقال :إن ظاهههر قوله "هههي مواقيههت للناس والحههج" يقتضههي كون
جميعهها مواقيهت للناس وجميعهها مواقيهت للحهج ،ولو أراد التبعيهض لقال :بعضهها مواقيهت للناس
وبعضهها مواقيهت للحهج .وهذا كمها تقول :إن شههر رمضان ميقات لصهوم زيهد وعمرو .ول خلف
أن المراد بذلك أن جميعهه ميقات لصهوم كهل واحهد منهمها .ومها ذكروه مهن الجاريهة فصهحيح ،لن
كونهها جمعاء لزيهد مهع كونهها جمعاء لعمرو مسهتحيل ،وليهس كذلك فهي مسهألتنا ،فإن الزمان يصهح
أن يكون ميقاتا لزيد وميقاتا لعمرو ،فبطل ما قالوه.
@ل خلف بيهن العلماء أن مهن باع معلومها مهن السهلع بثمهن معلوم إلى أجهل معلوم مهن شهور
العرب أو إلى أيام معروفهههة العدد أن البيهههع جائز .وكذلك قالوا فهههي السهههلم إلى الجهههل المعلوم.
واختلفوا فهي مهن باع إلى الحصهاد أو إلى الدياس أو إلى العطاء وشبهه ذلك ،فقال مالك :ذلك جائز
لنههه معروف ،وبههه قال أبههو ثور .وقال أحمههد :أرجههو أل يكون بههه بأس .وكذلك إلى قدوم الغزاة.
ل تعالى وقههت وعههن ابههن عمههر أنههه كان يبتاع إلى العطاء .وقالت طائفههة .ذلك غيههر جائز ،لن ا ّ
المواقيهت وجعلهها علمها لجالههم فهي بياعاتههم ومصهالحهم .كذلك قال ابهن عباس ،وبهه قال الشافعهي
والنعمان .قال ابن المنذر :قول ابن عباس صحيح.
@إذا رئي الهلل كهبيرا فقال علماؤنها :ل يعول على كهبره ول على صهغره وإنمها ههو ابهن ليلتهه.
روى مسهلم عهن أبهي البختري قال :خرجنها للعمرة فلمها نزلنها ببطهن نخلة قال :تراءينها الهلل ،فقال
بعض القوم :هو ابن ثلث ،وقال بعض القوم :هو ابن ليلتين .قال :فلقينا ابن عباس فقلنا :إنا رأينا
الهلل فقال بعهض القوم ههو ابهن ثلث ،وقال بعهض القوم ههو ابهن ليلتيهن .فقال :أي ليلة رأيتموه؟
قال فقلنها :ليلة كذا وكذا .فقال :إن رسهول الّ صهلى الّ عليهه وسهلم قال( :إن الّ مده للرؤيهة) فههو
لليلة رأيتموه.
@قوله تعالى" :وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها" اتصل هذا بذكر مواقيت الحج لتفاق
وقوع القضيتين في وقت السؤال عن الهلة وعن دخول البيوت من ظهورها ،فنزلت الية فيهما
جميعها .وكان النصار إذا حجوا وعادوا ل يدخلون من أبواب بيوتهم ،فإنهم كانوا إذا أهلوا بالحج
أو العمرة يلتزمون شرعا أل يحول بينهم وبين السماء حائل ،فإذا خرج الرجل منهم بعد ذلك ،أي
مهن بعهد إحرامهه مهن بيتهه ،فرجهع لحاجهة ل يدخهل مهن باب الحجرة مهن أجهل سهقف البيهت أن يحول
بينهه وبيهن السهماء ،فكان يتسهنم ظههر بيتهه على الجدران ثهم يقوم فهي حجرتهه فيأمهر بحاجتهه فتخرج
إليهه مهن بيتهه .فكانوا يرون هذا مهن النسهك والبر ،كمها كانوا يعتقدون أشياء نسهكا ،فرد عليههم فيهها،
وبيهن الرب تعالى أن البر فهي امتثال أمره .وقال ابهن عباس فهي روايهة أبهي صهالح :كان الناس فهي
الجاهليهة وفهي أول السهلم إذا أحرم رجهل منههم بالحهج فإن كان مهن أههل المدر -يعنهي مهن أههل
البيوت -نقب في ظهر بيته فمنه يدخل ومنه يخرج ،أو يضع سلما فيصعد منه وينحدر عليه .وإن
كان مهن أههل الوبر -يعنهي أههل الخيام -يدخهل مهن خلف الخيام الخيمهة ،إل مهن كان مهن الحمهس.
وروى الزهري أن النهبي صهلى الّ عليهه وسهلم أههل زمهن الحديبيهة بالعمرة فدخهل حجرتهه ودخهل
خلفه رجل أنصاري من بني سلمة ،فدخل وخرق عادة قومه ،فقال له النبي صلى الّ عليه وسلم:
(لم دخلت وأنهت قهد أحرمهت) .فقال :دخلت أنهت فدخلت بدخولك .فقال له النهبي صهلى الّ عليهه
وسهلم( :إنهي أحمهس" أي مهن قوم ل يدينون بذلك .فقال له الرجهل :وأنها دينهي دينهك ،فنزلت اليهة،
وقال ابن عباس وعطاء وقتادة ،وقيل :إن هذا الرجل هو قطبة بن عامر النصاري.
والحمهس :قريهش وكنانهة وخزاعهة وثقيهف وجشهم وبنهو عامهر بهن صهعصعة وبنهو نصهر بهن
معاوية .وسموا حمسا لتشديدهم في دينهم .والحماسة الشدة .قال العجاج:
وكم قطعنا من قفاف حمس
أي شداد .ثهم اختلفوا فهي تأويلهها ،فقيهل مها ذكرنها ،وههو الصهحيح .وقيهل :إنهه النسهيء وتأخيهر الحهج
به ،حتى كانوا يجعلون الشهر الحلل حراما بتأخير الحج إليه ،والشهر الحرام حلل بتأخير الحج
عنهه ،فيكون ذكهر البيوت على هذا مثل لمخالفهة الواجهب فهي الحهج وشهوره .وسهيأتي بيان النسهيء
فههي سههورة [براءة] إن شاء ال تعالى .وقال أبههو عههبيدة :اليههة ضرب مثههل ،المعنههى ليههس البر أن
تسهألوا الجهال ولكهن اتقوا ال واسهألوا العلماء ،فهذا كمها تقول :أتيهت هذا المهر مهن بابهه .وحكهى
المهدوي ومكهي عهن ابهن النباري ،والماوردي عهن ابهن زيهد أن اليهة مثهل فهي جماع النسهاء ،أمهر
بإتيانههن فهي القبهل ل مهن الدبر .وسهمي النسهاء بيوتها لليواء إليههن كاليواء إلى البيوت .قال ابهن
عطيهة :وهذا بعيهد مغيهر نمهط الكلم .وقال الحسهن :كانوا يتطيرون ،فمهن سهافر ولم تحصهل حاجتهه
كان يأتهي بيتهه مهن وراء ظهره تطيرا مهن الخيبهة ،فقيهل لههم :ليهس فهي التطيهر بر ،بهل البر أن تتقوا
ال وتتوكلوا عليه.
قلت :القول الول أصههح هذه القوال ،لمهها رواه البراء قال :كان النصههار إذا حجوا فرجعوا لم
يدخلوا البيوت من أبوابها ،قال :فجاء رجل من النصار فدخل من بابه ،فقيل له فهي ذلك ،فنزلت
هذه اليههة" :وليههس البر بأن تأتوا البيوت مههن ظهورههها" وهذا نههص فههي البيوت حقيقههة .خرجههه
البخاري ومسهلم .وأمها تلك القوال فتؤخهذ مهن موضهع آخهر ل مهن اليهة ،فتأمله .وقهد قيهل :إن اليهة
خرجت مخرج التنبيه من ال تعالى على أن يأتوا البر من وجهه ،وهو الوجه الذي أمر ال تعالى
بهه ،فذكهر إتيان البيوت مهن أبوابهها مثل ليشيهر بهه إلى أن نأتهي المور مهن مأتاهها الذي ندبنها ال
تعالى إليه.
قلت :فعلى هذا يصههح مهها ذكههر مههن القوال .والبيوت جمههع بيههت ،وقرئ بضههم الباء وكسههرها.
وتقدم معنى التقوى والفلح ولعل ،فل معنى للعادة.
@في هذه الية بيان أن ما لم يشرعه ال قربة ول ندب إليه ل يصير قربة بأن يتقرب به متقرب.
قال ابهن خويهز منداد :إذا أشكهل مها ههو بر وقربهة بمها ليهس ههو بر وقربهة أن ينظهر فهي ذلك العمهل،
فإن كان له نظيههر فهي الفرائض والسهنن فيجوز أن يكون ،وإن لم يكهن فليهس بهبر ول قربههة .قال:
وبذلك جاءت الثار عن النبي صلى ال عليه وسلم .وذكر حديث ابن عباس قال :بينما رسول ال
صلى ال عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس فسأل عنه ،فقالوا :هو أبو إسرائيل ،نذر
أن يقوم ول يقعهد ول يسهتظل ول يتكلم ويصهوم .فقال النهبي صهلى ال عليهه وسهلم( :مروه فليتكلم
وليستظل وليقعد وليتم صومه) .فأبطل النبي صلى ال عليه وسلم ما كان غير قربة مما ل أصل
له في شريعته ،وصحح ما كان قربة مما له نظير في الفرائض والسنن.
**3الية{ 190 :وقاتلوا في سبيل ال الذين يقاتلونكم ول تعتدوا إن ال ل يحب المعتدين}
@قوله تعالى" :وقاتلوا" هذه الية أول آية نزلت في المر بالقتال ،ول خلف في أن القتال كان
محظورا قبههل الهجرة بقوله" :ادفههع بالتههي هههي أحسههن" [فصههلت ]34 :وقوله" :فاعههف عنهههم
واصهفح" [المائدة ]13 :وقوله" :واهجرههم هجرا جميل" [المزمهل ]10 :وقوله" :لسهت عليههم
بمسيطر" [الغاشية ]22 :وما كان مثله مما نزل بمكة .فلما هاجر إلى المدينة أمر بالقتال فنزل:
"وقاتلوا في سبيل ال الذين يقاتلونكم" قاله الربيع بن أنس وغيره .وروي عن أبي بكر الصديق
أن أول آيهة نزلت فهي القتال" :أذن للذيهن يقاتلون بأنههم ظلموا" [الحهج .]39 :والول أكثهر ،وأن
آية الذن إنما نزلت في القتال عامة لمن قاتل ولمن لم يقاتل من المشركين ،وذلك أن النبي صلى
ال عليهه وسهلم خرج مهع أصهحابه إلى مكهة للعمرة ،فلمها نزل الحديبيهة بقرب مكهة -والحديبيهة اسهم
بئر ،فسهمي ذلك الموضهع باسهم تلك البئر -فصهده المشركون عهن البيهت ،وأقام بالحديبيهة شهرا،
فصهالحوه على أن يرجهع مهن عامهه ذلك كمها جاء ،على أن تخلى له مكهة فهي العام المسهتقبل ثلثهة
أيام ،وصالحوه على أل يكون بينهم قتال عشر سنين ،ورجع إلى المدينة .فلما كان من قابل تجهز
لعمرة القضاء ،وخاف المسلمون غدر الكفار وكرهوا القتال في الحرم وفي الشهر الحرام ،فنزلت
هذه اليهة ،أي يحهل لكهم القتال إن قاتلكهم الكفار .فاليههة متصهلة بمها سهبق مهن ذكهر الحهج وإتيان
البيوت مهن ظهورهها ،فكان عليهه السهلم يقاتهل مهن قاتله ويكهف عمهن كهف عنهه ،حتهى نزل "فاقتلوا
المشركين" [التوبة ]5 :فنسخت هذه الية ،قاله جماعة من العلماء .وقال ابن زيد والربيع :نسخها
"وقاتلوا المشركيهن كافهة" [التوبهة ]36 :فأمهر بالقتال لجميهع الكفار .وقال ابهن عباس وعمهر بهن
عبدالعزيز ومجاهد :هي محكمة أي قاتلوا الذين هم بحالة من يقاتلونكم ،ول تعتدوا في قتل النساء
والصهبيان والرهبان وشبهههم ،على مها يأتهي بيانهه .قال أبهو جعفهر النحاس :وهذا أصهح القوليهن فهي
السهنة والنظهر ،فأمها السهنة فحديهث ابهن عمهر أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم رأى فهي بعهض
مغازيهه امرأة مقتولة فكره ذلك ،ونههى عهن قتهل النسهاء والصهبيان ،رواه الئمهة .وأمها النظهر فإن
"فاعل" ل يكون في الغالب إل من اثنين ،كالمقاتلة والمشاتمة والمخاصمة ،والقتال ل يكون في
النسههاء ول فههي الصههبيان ومههن أشبههههم ،كالرهبان والزمنههى والشيوخ والجراء فل يقتلون .وبهذا
أوصهى أبهو بكهر الصهديق رضهي ال عنهه يزيهد بهن أبهي سهفيان حيهن أرسهله إلى الشام ،إل أن يكون
لهؤلء إذاية ،أخرجه مالك وغيره ،وللعلماء فيهم صور ست:
الولى :النسهاء إن قاتلن قتلن ،قال سهحنون :فهي حالة المقاتلة وبعدهها ،لعموم قوله" :وقاتلوا فهي
سهبيل ال الذيهن يقاتلونكهم"" ،واقتلوههم حيهث ثقفتموههم" [البقرة .]191 :وللمرأة آثار عظيمهة فهي
القتال ،منههها المداد بالموال ،ومنههها التحريههض على القتال ،وقههد يخرجههن ناشرات شعورهههن
نادبات مثيرات معيرات بالفرار ،وذلك يبيهح قتلههن ،غيهر أنههن إذا حصهلن فهي السهر فالسهترقاق
أنفع لسرعة إسلمهن ورجوعهن عن أديانهن ،وتعذر فرارهن إلى أوطانهن بخلف الرجال.
الثانيهة :الصهبيان فل يقتلون للنههي الثابهت عهن قتهل الذريهة ،ولنهه ل تكليهف عليههم ،فإن قاتهل
الصبي قتل.
الثالثهة :الرهبان ل يقتلون ول يسهترقون ،بهل يترك لههم مها يعيشون بهه مهن أموالههم ،وهذا إذا
انفردوا عن أهل الكفر ،لقول أبي بكر ليزيد" :وستجد أقواما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم ل ،فذرهم
ومهها زعموا أنهههم حبسههوا أنفسهههم له" فإن كانوا مههع الكفار فههي الكنائس قتلوا .ولو ترهبههت المرأة
فروى أشهههب أنههها ل تهاج .وقال سههحنون :ل يغيههر الترهههب حكمههها .قال القاضههي أبههو بكههر بههن
العربي" :والصحيح عندي رواية أشهب ،لنها داخلة تحت قوله" :فذرهم وما حبسوا أنفسهم له".
الرابعههة :الزمنههى .قال سههحنون :يقتلون .وقال ابههن حههبيب :ل يقتلون .والصههحيح أن تعتههبر
أحوالههم ،فإن كانهت فيههم إذايهة قتلوا ،وإل تركوا ومها ههم بسهبيله مهن الزمانهة وصهاروا مال على
حالهم وحشوة.
الخامسههة :الشيوخ .قال مالك فههي كتاب محمههد :ل يقتلون .والذي عليههه جمهور الفقهاء :إن كان
شيخها كهبيرا هرمها ل يطيهق القتال ،ول ينتفهع بهه فهي رأي ول مدافعهة فإنهه ل يقتهل ،وبهه قال مالك
وأبو حنيفة .وللشافعي قولن :أحدهما :مثل قول الجماعة .والثاني :يقتل هو والراهب .والصحيح
الول لقول أبهي بكهر ليزيهد ،ول مخالف له فثبهت أنهه إجماع .وأيضها فإنهه ممهن ل يقاتهل ول يعيهن
العدو فل يجوز قتله كالمرأة ،وأما إن كان ممن تخشى مضرته بالحرب أو الرأي أو المال فهذا إذا
أسهر يكون المام فيهه مخيرا بيهن خمسهة أشياء :القتهل أو المهن أو الفداء أو السهترقاق أو عقهد الذمهة
على أداء الجزية.
السهههادسة :العسهههفاء ،وههههم الجراء والفلحون ،فقال مالك فهههي كتاب محمهههد :ل يقتلون وقال
الشافعهي :يقتهل الفلحون والجراء والشيوخ الكبار إل أن يسهلموا أو يؤدوا الجزيهة .والول أصهح،
لقوله عليهه السهلم فهي حديهث رباح بهن الربيهع (الحهق بخالد بهن الوليهد فل يقتلن ذريهة ول عسهيفا).
وقال عمهر بهن الخطاب :اتقوا ال فهي الذريهة والفلحيهن الذي ل ينصهبون لكهم الحرب .وكان عمهر
بن عبدالعزيز ل يقتل حراثا ،ذكره ابن المنذر.
@روى أشههب عهن مالك أن المراد بقوله" :وقاتلوا فهي سهبيل ال الذيهن يقاتلونكهم" أههل الحديبيهة
أمروا بقتال من قاتلهم .والصحيح أنه خطاب لجميع المسلمين ،أمر كل أحد أن يقاتل من قاتله إذ ل
يمكن سواه .أل تراه كيف بينها في سورة "براءة" بقوله" :قاتلوا الذين يلونكم من الكفار" [التوبة:
]123وذلك أن المقصود أول كان أهل مكة فتعينت البداءة بهم ،فلما فتح ال مكة كان القتال لمن
يلي ممن كان يؤذي حتى تعم الدعوة وتبلغ الكلمة جميع الفاق ول يبقى أحد من الكفرة ،وذلك باق
متماد إلى يوم القيامة ،ممتد إلى غاية هي قوله عليه السلم( :الخيل معقود في نواصيها الخير إلى
يوم القيامة الجر والمغنم) .وقيل :غايته نزول عيسى ابن مريم عليه السلم ،وهو موافق للحديث
الذي قبله ،لن نزوله من أشراط الساعة.
@قوله تعالى" :ول تعتدوا" قيل في تأويله ما قدمناه ،فهي محكمة .فأما المرتدون فليس إل القتل
أو التوبهة ،وكذلك أههل الزيهغ والضلل ليهس إل السهيف أو التوبهة .ومهن أسهر العتقاد بالباطهل ثهم
ظههر عليهه فههو كالزنديهق يقتهل ول يسهتتاب .وأمها الخوارج على أئمهة العدل فيجهب قتالههم حتهى
يرجعوا إلى الحهق .وقال قوم :المعنهى ل تعتدوا فهي القتال لغيهر وجهه ال ،كالحميهة وكسهب الذكهر،
بل قاتلوا في سبيل ال الذين يقاتلونكم ،يعني دينا وإظهارا للكلمة .وقيل" :ل تعتدوا" أي ل تقاتلوا
من لم يقاتل .فعلى هذا تكون الية منسوخة بالمر بالقتال لجميع الكفار ،وال أعلم.
**3الية{ 191 :واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل
ول تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين}
@قوله تعالى" :ثقفتموههم" يقال :ثقِف يثقِف ثقْفها وثقَفها ،ورجهل ثقهف لقهف :إذا كان محكمها لمها
يتناوله مهن المور .وفهي هذا دليهل على قتهل السهير ،وسهيأتي بيان هذا فهي "النفال" إن شاء ال
تعالى" .وأخرجوههم مهن حيهث أخرجوكهم" أي مكهة .قال الطهبري :الخطاب للمهاجريهن والضميهر
لكفار قريش.
@قوله تعالى" :والفتنهة أشهد مهن القتهل" أي الفتنهة التهي حملوكهم عليهها وراموا رجوعكهم بهها إلى
الكفر أشد من القتل .قال مجاهد :أي من أن يقتل المؤمن ،فالقتل أخف عليه من الفتنة .وقال غيره:
أي شركهم بال وكفرهم به أعظم جرما وأشد من القتل الذي عيروكم به .وهذا دليل على أن الية
نزلت فهي شأن عمرو بهن الحضرمهي حيهن قتله واقهد بهن عبدال التميمهي فهي آخهر يوم مهن رجهب
الشهر الحرام ،حسب ما هو مذكور في سرية عبدال بن جحش ،على ما يأتي بيانه ،قاله الطبري
وغيره.
@قوله تعالى" :ول تقاتلوههم عند المسهجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه" اليهة .للعلماء فهي هذه الية
قولن :أحدهمها :أنهها منسهوخة ،والثانهي :أنهها محكمهة .قال مجاههد :اليهة محكمهة ،ول يجوز قتال
أحهد فهي المسهجد الحرام إل بعهد أن يقاتهل ،وبهه قال طاوس ،وههو الذي يقتضيهه نهص اليهة ،وههو
الصهحيح مهن القوليهن ،وإليهه ذههب أبهو حنيفهة وأصهحابه .وفهي الصهحيح عهن ابهن عباس قال قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم فتح مكة( :إن هذا البلد حرمه ال يوم خلق السموات والرض
فهههو حرام بحرمههة ال تعالى إلى يوم القيامههة وإنههه لم يحههل القتال فيههه لحههد قبلي ولم يحههل لي إل
سههاعة مههن نهار فهههو حرام بحرمههة ال إلى يوم القيامههة) .وقال قتادة :اليههة منسههوخة بقوله تعالى:
"فإذا انسهلخ الشههر الحرم فاقتلوا المشركيهن حيث وجدتموههم" [التوبهة .]5 :وقال مقاتل :نسخها
قوله تعالى" :واقتلوههم حيهث ثقفتموههم" ثهم نسهخ هذا قوله" :اقتلوا المشركيهن حيهث وجدتموههم".
فيجوز البتداء بالقتال فهي الحرم .وممها احتجوا بهه أن "براءة" نزلت بعهد سهورة "البقرة" بسهنتين،
وأن النبي صلى ال عليه وسلم دخل مكة وعليه المغفر ،فقيل :إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة،
فقال( :اقتلوه).
وقال ابن خويز منداد" :ول تقاتلوهم عند المسجد الحرام" منسوخة ،لن الجماع قد تقرر بأن
عدوا لو استولى على مكة وقال :لقاتلكم ،وأمنعكم من الحج ول أبرح من مكة لوجب قتاله وإن لم
يبدأ بالقتال ،فمكهة وغيرهها مهن البلد سهواء .وإنمها قيهل فيهها :ههي حرام تعظيمها لهها ،أل ترى أن
رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم بعهث خالد بهن الوليهد يوم الفتهح وقال( :احصهدهم بالسهيف حتهى
تلقانهي على الصهفا) حتهى جاء العباس فقال :يها رسهول ال ،ذهبهت قريهش ،فل قريهش بعهد اليوم .أل
ترى أنهه قال فهي تعظيمهها( :ول يلتقهط لقطتهها إل منشهد) واللقطهة بهها وبغيرهها سهواء .ويجوز أن
تكون منسهوخة بقوله" :وقاتلوههم حتهى ل تكون فتنهة" [البقرة .]193 :قال ابهن العربهي :حضرت
فهي بيهت المقدس -طهره ال -بمدرسهة أبهي عقبهة الحنفهي ،والقاضهي الزنجانهي يلقهي علينها الدرس
فهي يوم جمعهة ،فبينها نحهن كذلك إذ دخهل علينها رجهل بههي المنظهر على ظهره أطمار ،فسهلم سهلم
العلماء وتصدر في صدر المجلس بمدارع الرعاء ،فقال القاضي الزنجاني :من السيد؟ فقال :رجل
سلبه الشطار أمس ،وكان مقصدي هذا الحرم المقدس ،وأنا رجل من أهل صاغان من طلبة العلم.
فقال القاضهي مبادرا :سهلوه -على العادة فهي إكرام العلماء بمبادرة سهؤالهم -ووقعهت القرعهة على
مسهألة الكافهر إذا التجهأ إلى الحرم ههل يقتهل أم ل؟ فأفتهى بأنهه ل يقتهل .فسهئل عهن الدليهل ،فقال قوله
تعالى" :ول تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه" قرئ "ول تقتلوهم ،ول تقاتلوهم" فإن
قرئ "ول تقتلوههم" فالمسهألة نهص ،وإن قرئ "ول تقاتلوههم" فههو تنهبيه ،لنهه إذا نههى عهن القتال
الذي هو سبب القتل كان دليل بينا ظاهرا على النهي عن القتل .فاعترض عليه القاضي منتصرا
للشافعهي ومالك ،وإن لم يهر مذهبهمها ،على العادة ،فقال :هذه اليهة منسهوخة بقوله تعالى" :فاقتلوا
المشركيهن حيهث وجدتموههم" [التوبهة .]5 :فقال له الصهاغاني :هذا ل يليهق بمنصهب القاضهي
وعلمهه ،فإن هذه اليهة التهي اعترضهت بهها عامهة فهي الماكهن ،والتهي احتججهت بهها خاصهة ،ول
يجوز لحهد أن يقول :إن العام ينسهخ الخاص .فبههت القاضهي الزنجانهي ،وهذا مهن بديهع الكلم .قال
ابن العربي :فإن لجأ إليه كافر فل سبيل إليه ،لنص الية والسنة الثابتة بالنهي عن القتال فيه .وأما
الزاني والقاتل فل بد من إقامة الحد عليه ،إل أن يبتدئ الكافر بالقتال فيقتل بنص القرآن.
قلت :وأمها مها احتجوا بهه مهن قتهل ابهن خطهل وأصهحابه فل حجهة فيهه ،فإن ذلك كان فهي الوقهت
الذي أحلت له مكهة وههي دار حرب وكفهر ،وكان له أن يريهق دماء مهن شاء مهن أهلهها فهي السهاعة
التي أحل له فيها القتال .فثبت وصح أن القول الول أصح ،وال أعلم.
@قال بعض العلماء :في هذه الية دليل على أن الباغي على المام بخلف الكافر ،فالكافر يقتل
إذا قاتل بكل حال ،والباغي إذا قاتل يقاتل بنية الدفع .ول يتبع مدبر ول يجهز على جريح .على ما
يأتي بيانه من أحكام الباغين في "الحجرات" إن شاء ال تعالى.
**3الية{ 192 :فإن انتهوا فإن ال غفور رحيم}
@قوله تعالى" :فإن انتهوا" أي عن قتالكم باليمان فإن ال يغفر لهم جميع ما تقدم ،ويرحم كل
منههم بالعفهو عمها اجترم ،نظيره قوله تعالى" :قهل للذيهن كفروا إن ينتهوا يغفهر لههم مها قهد سهلف"
[النفال .]38 :وسيأتي.
**3اليهة{ 193 :وقاتلوههم حتهى ل تكون فتنهة ويكون الديهن ل فإن انتهوا فل عدوان إل على
الظالمين}
@قوله تعالى" :وقاتلوههم" أمهر بالقتال لكهل مشرك فهي كهل موضهع ،على مهن رآهها ناسهخة .ومهن
رآها غير ناسخة قال :المعنى قاتلوا هؤلء الذين قال ال فيهم" :فإن قاتلوكم" والول أظهر ،وهو
أمههر بقتال مطلق ل بشرط أن يبدأ الكفار .دليههل ذلك قوله تعالى" :ويكون الديههن ل" ،وقال عليههه
السههلم( :أمرت أن أقاتههل الناس حتههى يقولوا ل إله إل ال) .فدلت اليههة والحديههث على أن سههبب
القتال ههو الكفهر ،لنهه قال" :حتهى ل تكون فتنهة" أي كفهر ،فجعهل الغايهة عدم الكفهر ،وهذا ظاههر.
قال ابن عباس وقتادة والربيع والسدي وغيرهم :الفتنة هناك الشرك وما تابعه من أذى المؤمنين.
وأصهل الفتنهة :الختبار والمتحان مأخوذ مهن فتنهت الفضهة إذا أدخلتهها فهي النار لتميهز رديئهها مهن
جيدها .وسيأتي بيان محاملها إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :فإن انتهوا" أي عن الكفر ،إما بالسلم كما تقدم في الية قبل ،أو بأداء الجزية
فههي حههق أهههل الكتاب ،على مهها يأتههي بيانههه فههي "براءة" وإل قوتلوا وهههم الظالمون ل عدوان إل
عليههم .وسهمي مها يصهنع بالظالميهن عدوانها مهن حيهث ههو جزاء عدوان ،إذ الظلم يتضمهن العدوان،
فسهمي جزاء العدوان عدوانها ،كقوله" :وجزاء سهيئة سهيئة مثلهها" [الشورى .]40 :والظالمون ههم
على أحد التأويلين :من بدأ بقتال ،وعلى التأويل الخر :من بقي على كفر وفتنة.
**3الية{ 194 :الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا
عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا ال واعلموا أن ال مع المتقين}
@قوله تعالى" :الشههر الحرام" قهد تقدم اشتقاق الشههر .وسهبب نزولهها مها روي عهن ابهن عباس
وقتادة ومجاههد ومقسهم والسهدي والربيهع والضحاك وغيرههم قالوا :نزلت فهي عمرة القضيهة وعام
الحديبيههة( ،وذلك أن رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم خرج معتمرا حتههى بلغ الحديبيههة) فههي ذي
القعدة سههنة سههت ،فصههده المشركون كفار قريههش عههن البيههت فانصههرف ،ووعده ال سههبحانه أنههه
سهيدخله ،فدخله سهنة سهبع وقضهى نسهكه ،فنزلت هذه اليهة .وروي عهن الحسهن أن المشركيهن قالوا
للنهبي صهلى ال عليهه وسهلم :أنهيهت يها محمهد عهن القتال فهي الشههر الحرام؟ قال( :نعهم) .فأرادوا
قتاله ،فنزلت اليهة .المعنهى :إن اسهتحلوا ذلك فيهه فقاتلههم ،فأباح ال باليهة مدافعتههم ،والقول الول
أشهر وعليه الكثر.
@قوله تعالى" :والحرمات قصهاص" الحرمات جمهع حرمهة ،كالظلمات جمهع ظلمهة ،والحجرات
جمهع حجرة .وإنمها جمعهت الحرمات لنهه أراد حرمهة الشههر الحرام وحرمهة البلد الحرام ،وحرمهة
الحرام .والحرمة :ما منعت من انتهاكه .والقصاص المساواة ،أي اقتصصت لكم منهم إذ صدوكم
سنة ست فقضيتم العمرة سنة سبع .فه "الحرمات قصاص" على هذا متصل بما قبله ومتعلق .به.
وقيل :هو مقطوع منه ،وهو ابتداء أمر كان في أول السلم :إن من انتهك حرمتك نلت منه مثل
مها اعتدى عليهك ،ثهم نسهخ ذلك بالقتال .وقالت طائفهة :مها تناولت اليهة مهن التعدي بيهن أمهة محمهد
صههلى ال عليههه وسههلم والجنايات ونحوههها لم ينسههخ ،وجاز لمههن تعدي عليههه فههي مال أو جرح أن
يتعدى بمثهل مها تعدي بهه عليهه إذا خفهي له ذلك ،وليهس بينهه وبيهن ال تعالى فهي ذلك شيهء ،قاله
الشافعهي وغيره ،وههي روايهة فهي مذههب مالك .وقالت طائفهة مهن أصهحاب مالك :ليهس ذلك له،
وأمور القصهاص وقهف على الحكام .والموال يتناولهها قوله صهلى ال عليهه وسهلم( :أد المانهة إلى
مهن ائتمنهك ول تخهن مهن خانهك) .خرجهه الدارقطنهي وغيره .فمهن ائتمنهه مهن خانهه فل يجوز له أن
يخونه ويصل إلى حقه مما ائتمنه عليه ،وهو المشهور من المذهب ،وبه قال أبو حنيفة تمسكا بهذا
الحديهث ،وقوله تعالى" :إن ال يأمركهم أن تؤدوا المانات إلى أهلهها" [النسهاء .]58 :وههو قول
عطاء الخراساني .قال قدامة بن الهيثم :سألت عطاء بن ميسرة الخراساني فقلت له :لي على رجل
حق ،وقد جحدني به وقد أعيا علي البينة ،أفأقتص من ماله؟ قال :أرأيت لو وقع بجاريتك ،فعلمت
ما كنت صانعا.
قلت :والصحيح جواز ذلك كيف ما توصل إلى أخذ حقه ما لم يعد سارقا ،وهو مذهب الشافعي
وحكاه الداودي عهن مالك ،وقال بهه ابهن المنذر ،واختاره ابهن العربهي ،وأن ذلك ليهس خيانهة وإنمها
هو وصول إلى حق .وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :انصر أخاك ظالما أو مظلوما) وأخذ
الحق من الظالم نصر له .وقال صلى ال عليه وسلم لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان لما قالت له:
إن أبها سهفيان رجهل شحيهح ل يعطينهي من النفقة مها يكفينهي ويكفهي بنهي إل مها أخذت مهن ماله بغيهر
علمههه ،فهههل علي جناح؟ فقال رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم( :خذي مهها يكفيههك ويكفههي ولدك
بالمعروف) .فأباح لها الخذ وأل تأخذ إل القدر الذي يجب لها .وهذا كله ثابت في الصحيح ،قوله
تعالى" :فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" قاطع في موضع الخلف.
@واختلفوا إذا ظفر له بمال من غير جنس ماله ،فقيل :ل يأخذ إل بحكم الحاكم .وللشافعي قولن،
أصههحهما الخههذ ،قياسهها على مهها لو ظفههر له مههن جنههس ماله .والقول الثانههي ل يأخههذ لنههه خلف
الجنس .ومنهم من قال :يتحرى قيمة ما له عليه ويأخذ مقدار ذلك .وهذا هو الصحيح لما بيناه من
الدليل ،وال أعلم.
وإذا فرعنا على الخذ فهل يعتبر ما عليه من الديون وغير ذلك ،فقال الشافعي :ل ،بل يأخذ ما
له عليه .وقال مالك :يعتبر ما يحصل له مع الغرماء في الفلس ،وهو القياس ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :فمهن اعتدى عليكهم فاعتدوا عليهه بمثهل مها اعتدى عليكهم" عموم متفهق عليهه ،إمها
بالمباشرة إن أمكهن ،وإمها بالحكام .واختلف الناس فهي المكافأة ههل تسهمى عدوانها أم ل ،فمهن قال:
ليههس فههي القرآن مجاز ،قال :المقابلة عدوان ،وههو عدوان مباح ،كمهها أن المجاز فههي كلم العرب
كذب مباح ،لن قول القائل:
فقالت له العينان سمعا وطاعة
وكذلك:
امتل الحوض وقال قطني
وكذلك:
شكا إلي جملي طول السرى
ومعلوم أن هذه الشياء ل تنطهق .وحهد الكذب :إخبار عهن الشيهء على خلف مها ههو بهه .ومهن قال
فههي القرآن مجاز سههمى هذا عدوانهها على طريههق المجاز ومقابلة الكلم بمثله ،كمهها قال عمرو بههن
كلثوم:
فنجهل فوق جهل الجاهلينا أل ل يجهلن أحد علينا
وقال الخر:
ولي فرس للجهل بالجهل مسرج ولي فرس للحلم بالحلم ملجم
ومن رام تعويجي فإني معوج ومن رام تقويمي فإني مقوم
يريد :أكافئ الجاهل والمعوج ،ل أنه امتدح بالجهل والعوجاج.
@واختلف العلماء فيمن استهلك أو أفسد شيئا من الحيوان أو العروض التي ل تكال ول توزن،
فقال الشافعهي وأبهو حنيفهة وأصهحابهما وجماعهة مهن العلماء :عليهه فهي ذلك المثهل ،ول يعدل إلى
القيمهة إل عنهد عدم المثهل ،لقوله تعالى" :فمهن اعتدى عليكهم فاعتدوا عليهه بمثهل مها اعتدى عليكهم"
وقوله تعالى" :وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به" [النحل.]126 :
قالوا :وهذا عموم فهي جميهع الشياء كلهها ،وعضدوا هذا بأن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم حبهس
القصهعة المكسهورة فهي بيهت التهي كسهرتها ودفهع الصهحيحة وقال( :إناء بإناء وطعام بطعام) خرجهه
أبو داود قال :حدثنا مسهدد حدثنا يحيهى ح وحدثنا محمهد بن المثنى حدثنا خالد عن حميهد عن أنس
أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم كان عنهد بعهض نسهائه ،فأرسهلت إحدى أمهات المؤمنيهن مهع
خادم قصهعة فيهها طعام ،قال :فضربهت بيدهها فكسهرت القصهعة .قال ابهن المثنهى :فأخهذ النهبي صهلى
ال عليهه وسهلم الكسهرتين فضهم إحداهمها إلى الخرى ،فجعهل يجمهع فيهها الطعام ويقول( :غارت
أمكم) .زاد ابن المثنى (كلوا) فأكلوا حتى جاءت قصعتها التي في بيتها .ثم رجعنا إلى لفظ حديث
مسهدد وقال( :كلوا) وحبهس الرسهول والقصهعة حتهى فرغوا ،فدفهع القصهعة الصهحيحة إلى الرسهول
وحبهس المكسهورة فهي بيتهه .حدثنها أبهو داود قال :حدثنها مسهدد حدثنها يحيهى عهن سهفيان قال وحدثنها
فليهت العامري -قال أبهو داود :وههو أفلت بهن خليفهة -عهن جسهرة بنهت دجاجهة قالت قالت عائشهة
رضهى ال عنهها :مها رأيهت صهانعا طعامها مثهل صهفية ،صهنعت لرسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم
طعامها فبعثهت بهه ،فأخذنهي أفكهل فكسهرت الناء ،فقلت :يها رسهول ال ،مها كفارة مها صهنعت؟ قال:
(إناء مثل إناء وطعام مثل طعام) .قال مالك وأصحابه :عليه في الحيوان والعروض التي ل تكال
ول توزن القيمهة ل المثل ،بدليهل تضمين النهبي صلى ال عليه وسلم الذي أعتق نصهف عبده قيمهة
نصههف شريكههه ،ولم يضمنههه مثههل نصههف عبده .ول خلف بيههن العلماء على تضميههن المثههل فههي
المطعومات والمشروبات والموزونات ،لقوله عليه السلم( :طعام بطعام).
@ل خلف بين العلماء أن هذه الية أصل في المماثلة في القصاص ،فمن قتل بشيء قتل بمثل ما
قتهل بهه ،وههو قول الجمهور ،مها لم يقتله بفسهق كاللوطيهة وإسهقاء الخمهر فيقتهل بالسهيف .وللشافعيهة
قول :إنهه يقتهل بذلك ،فيتخهذ عود على تلك الصهفة ويطعهن بهه فهي دبره حتهى يموت ،ويسهقى عهن
الخمهر ماء حتهى يموت .وقال ابهن الماجشون :إن مهن قتهل بالنار أو بالسهم ل يقتهل بهه ،لقول النهبي
صهلى ال عليهه وسهلم( :ل يعذب بالنار ،إل ال) .والسهم نار باطنهة .وذههب الجمهور إلى أنهه يقتهل
بذلك ،لعموم الية.
@وأما القَوَد بالعصا فقال مالك في إحدى الروايتين :إنه إن كان في القتل بالعصا تطويل وتعذيب
قتهل بالسهيف ،رواه عنهه ابهن وههب ،وقاله ابهن القاسهم .وفهي الخرى :يقتهل بهها وإن كان فيهه ذلك،
وهو قول الشافعي .وروى أشهب وابن نافع عن مالك في الحجر والعصا أنه يقتل بهما إذا كانت
الضربههة مجهزة ،فأمهها أن يضرب ضربات فل .وعليههه ل يرمههى بالنبههل ول بالحجارة لنههه مههن
التعذيب ،وقاله عبدالملك .قال ابن العربي" :والصحيح من أقوال علمائنا أن المماثلة واجبة ،إل أن
تدخل في حد التعذيب فلتترك إلى السيف" .واتفق علماؤنا على أنه إذا قطع يده ورجله وفقأ عينه
بقصد التعذيب فعل به ذلك ،كما فعل النبي صلى ال عليه وسلم بقتلة الرعاء .وإن كان في مدافعة
أو مضاربة قتل بالسيف .وذهبت طائفة إلى خلف هذا كله فقالوا :ل قود إل بالسيف ،وهو مذهب
أبي حنيفة والثعبي والنخعي .واحتجوا على ذلك بما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :ل
قود إل بحديدة) ،وبالنههي عهن ال ُمثْلة ،وقوله( :ل يعذب بالنار إل رب النار) .والصهحيح مها ذههب
إليهه الجمهور ،لمها رواه الئمهة عهن أنهس بهن مالك أن جاريهة وجهد رأسهها قهد رض بيهن حجريهن،
فسهألوها :مهن صهنع هذا بهك! أفلن ،أفلن؟ حتههى ذكروا يهوديها فأومأت برأسهها ،فأخههذ اليهودي
فأقر ،فأمر به رسول ال صلى ال عليه وسلم أن ترض رأسه بالحجارة .وفي رواية :فقتله رسول
ال صلى ال عليه وسلم بين حجرين .وهذا نص صريح صحيح ،وهو مقتضى قوله تعالى" :وإن
عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به" [النحل .]126 :وقوله" :فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم".
وأما ما استدلوا به من حديث جابر فحديث ضعيف عند المحدثين ،ل يروى عن طريق صحيح،
لو صهح قلنها بموجبهه ،وأنهه إذا قتهل بحديدة قتهل بهها ،يدل على ذلك حديهث أنهس :أن يهوديها رض
رأس جاريهة بيهن حجريهن فرض رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم رأسهه بيهن حجريهن .وأمها النههي
عن المثلة فنقول أيضا بموجبها إذا لم يمثل ،فإذا مثل مثلنا به ،يدل على ذلك حديث العرنيين ،وهو
صههحيح أخرجههه الئمههة .وقوله( :ل يعذب بالنار إل رب النار) صههحيح إذا لم يحرق ،فإن حرق
حرق ،يدل عليههه عموم القرآن .قال الشافعههي :إن طرحههه فههي النار عمدا طرحههه فههي النار حتههى
يموت ،وذكره الوقار فههي مختصههره عهن مالك ،وههو قول محمههد بههن عبدالحكههم .قال ابههن المنذر:
وقول كثيهر من أههل العلم فهي الرجهل يخنهق الرجهل :عليهه القود ،وخالف فهي ذلك محمهد بهن الحسهن
فقال :لو خنقهه حتهى مات أو طرحهه فهي بئر فمات ،أو ألقاه مهن جبهل أو سهطح فمات ،لم يكهن عليهه
قصهاص وكان على عاقلتهه الديهة ،فإن كان معروفها بذلك -قهد خنهق غيهر واحهد -فعليهه القتهل .قال
ابهن المنذر :ولمها أقاد النهبي صهلى ال عليهه وسهلم مهن اليهودي الذي رض رأس الجاريهة بالحجهر
كان هذا في معناه ،فل معنى لقوله.
قلت :وحكهى هذا القول غيره عهن أبهي حنيفهة فقال :وقهد شهذ أبهو حنيفهة فقال فيمهن قتهل بخنهق أو
بسهم أو ترديهة مهن جبهل أو بئر أو بخشبهة :إنهه ل يقتهل ول يقتهص منهه ،إل إذا قتهل بمحدد حديهد أو
حجههر أو خشههب أو كان معروفهها بالخنههق والترديههة وكان على عاقلتههه الديههة .وهذا منههه رد للكتاب
والسنة ،وإحداث ما لم يكن عليه أمر المة ،وذريعة إلى رفع القصاص الذي شرعه ال للنفوس،
فليس عنه مناص.
@واختلفوا فيمهن حبهس رجل وقتله آخهر ،فقال عطاء :يقتهل القاتهل ويحبهس الحابهس حتهى يموت.
وقال مالك :إن كان حبسههه وهههو يرى أنههه يريههد قتله قتل جميعهها ،وفههي قول الشافعههي وأبههي ثور
والنعمان يعاقب الحابس .واختاره ابن المنذر.
قلت :قول عطاء صهحيح ،وههو مقتضهى التنزيهل .وروى الدارقطنهي عهن ابهن عمهر عهن النهبي
صلى ال عليه وسلم قال( :إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الخر يقتل القاتل ويحبس الذي أمسكه).
رواه سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر ،ورواه معمر وابن جريج عن
إسماعيل مرسل.
@قوله تعالى" :فمن اعتدى" العتداء هو التجاوز ،قال ال تعالى" :ومن يتعد حدود ال" [البقرة:
]229أي يتجاوزها ،فمن ظلمك فخذ حقك منه بقدر مظلمتك ،ومن شتمك فرد عليه مثل قوله،
ومهن أخهذ عرضهك فخهذ عرضهه ،ل تتعدى إلى أبويهه ول إلى ابنهه أو قريبهه ،وليهس لك أن تكذب
عليهه وإن كذب عليهك ،فإن المعصهية ل تقابهل بالمعصهية ،فلو قال لك مثل :يها كافهر ،جاز لك أن
تقول له :أنهت الكافهر .وإن قال لك :يها زان ،فقصهاصك أن تقول له :يها كذاب يها شاههد زور .ولو
قلت له يها زان ،كنهت كاذبها وأثمهت فهي الكذب .وإن مطلك وههو غنهي دون عذر فقال :يها ظالم ،يها
آكل أموال الناس ،قال النبي صلى ال عليه وسلمَ( :ليّ الواجد يحل عرضه وعقوبته) .أما عرضه
فبمها فسهرناه ،وأمها عقوبتهه فالسهجن يحبهس فيهه .وقال ابهن عباس :نزل هذا قبهل أن يقوى السهلم،
فأمر من أوذي من المسلمين أن يجازي بمثل ما أوذي به ،أو يصبر أو يعفو ،ثم نسخ ذلك بقوله:
"وقاتلوا المشركيهن كافهة" [التوبهة .]36 :وقيهل :نسهخ ذلك بتصهييره إلى السهلطان .ول يحهل لحهد
أن يقتص من أحد إل بإذن السلطان.
**3اليهة{ 195 :وأنفقوا فهي سهبيل ال ول تلقوا بأيديكهم إلى التهلكهة وأحسهنوا إن ال يحهب
المحسنين}
@ روى البخاري عن حذيفة" :وأنفقوا في سبيل ال ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" قال :نزلت في
النفقة .وروى يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال :غزونا القسطنطينية ،وعلى الجماعة
عبدالرحمهن بهن الوليهد ،والروم ملصهقو ظهورههم بحائط المدينهة ،فحمهل رجهل على العدو ،فقال
الناس :مه مه! ل إله إل ال ،يلقي بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب :سبحان ال! أنزلت هذه الية
فينا معاشر النصار لما نصر ال نبيه وأظهر دينه ،قلنا :هلم نقيم في أموالنا ونصلحها ،فأنزل ال
عهز وجهل" :وأنفقوا فهي سهبيل ال" اليهة .واللقاء باليهد إلى التهلكهة أن نقيهم فهي أموالنها ونصهلحها
وندع الجهاد .فلم يزل أبههو أيوب مجاهدا فههي سههبيل ال حتههى دفههن بالقسههطنطينية ،فقههبره هناك.
فأخبرنها أبهو أيوب أن اللقاء باليهد إلى التهلكهة ههو ترك الجهاد فهي سهبيل ال ،وأن اليهة نزلت فهي
ذلك .وروي مثله عن حذيفة والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك.
قلت :وروى الترمذي عهن يزيهد بهن أبهي حهبيب عهن أسهلم أبهي عمران هذا الخهبر بمعناه فقال:
"كنا بمدينة الروم ،فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم ،فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر،
وعلى أهل مصر عقبة بن عامر ،وعلى الجماعة فضالة بن عبيد ،فحمل رجل من المسلمين على
صهف الروم حتهى دخهل فيههم ،فصهاح الناس وقالوا :سهبحان ال يلقهي بيديهه إلى التهلكهة .فقام أبهو
أيوب النصهاري فقال :يها أيهها الناس ،إنكهم تتأولون هذه اليهة هذا التأويهل ،وإنمها أنزلت هذه اليهة
فينا معاشر النصار لما أعز ال السلم وكثر ناصروه ،فقال بعضنا لبعض سرا دون رسول ال
صلى ال عليه وسلم :إن أموالنا قد ضاعت ،وإن ال قد أعز السلم وكثر ناصروه ،فلو أقمنا في
أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها ،فأنزل ال على نبيه صلى ال عليه وسلم يرد عليه ما قلنا" :وأنفقوا
في سبيل ال ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" .فكانت التهلكة القامة على الموال وإصلحها وتركنا
الغزو ،فمهها زال أبههو أيوب شاخصهها فههي سههبيل ال حتههى دفههن بأرض الروم .قال أبهو عيسههى :هذا
حديههث حسههن غريههب صههحيح" .وقال حذيفههة بههن اليمان وابههن عباس وعكرمههة وعطاء ومجاهههد
وجمهور الناس :المعنههى ل تلقوا بأيديكههم بأن تتركوا النفقههة فههي سههبيل ال وتخافوا العيلة ،فيقول
الرجهل :ليهس عندي ،مها أنفقهه .وإلى هذا المعنهى ذههب البخاري إذ لم يذكهر غيره ،وال أعلم .قال
ابن عباس :أنفق في سبيل ال ،وإن لم يكن لك إل سهم أو مشقص ،ول يقولن أحدكم :ل أجد شيئا.
ونحوه عهن السهدي :أنفهق ولو عقال ،ول تلقهي بيدك إلى التهلكهة فتقول :ليهس عندي شيهء .وقول
ثالث .قاله ابههن عباس ،وذلك أن رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم لمهها أمههر الناس بالخروج إلى
الجهاد قام إليههه أناس مههن العراب حاضريههن بالمدينههة فقالوا :بماذا نتجهههز! فوال مهها لنهها زاد ول
يطعمنا أحد ،فنزل قوله تعالى" :وأنفقوا في سبيل ال" يعني تصدقوا يا أهل الميسرة في سبيل ال،
يعني في طاعة ال" .ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" يعني ول تمسكوا بأيديكم عن الصدقة فتهلكوا،
وهكذا قال مقاتهل .ومعنهى ابهن عباس :ول تمسهكوا عهن الصهدقة فتهلكوا ،أي ل تمسهكوا عهن النفقهة
على الضعفاء ،فإنهم إذا تخلفوا عنكم غلبكم العدو فتهلكوا .وقول رابع -قيل للبراء بن عازب في
هذه الية :أهو الرجل يحمل على الكتيبة؟ فقال ل ،ولكنه الرجل يصيب الذنب فيلقي بيديه ويقول:
قههد بالغههت فههي المعاصههي ول فائدة فههي التوبههة ،فييأس مههن ال فينهمههك بعههد ذلك فههي المعاصههي.
فالهلك :اليأس مهن ال ،وقاله عهبيدة السهلماني .وقال زيهد بهن أسهلم :المعنهى ل تسهافروا فهي الجهاد
بغير زاد ،وقد كان فعل ذلك قوم فأداهم ذلك إلى النقطاع في الطريق ،أو يكون عالة على الناس.
فهذه خمسهة أقوال" .سهبيل ال" هنها :الجهاد ،واللفهظ يتناول بعهد جميهع سهبله .والباء فهي "بأيديكهم"
زائدة ،التقديههههر تلقوا أيديكههههم .ونظيره" :ألم يعلم بأن ال يرى" [العلق .]14 :وقال المههههبرد:
"بأيديكهم" أي بأنفسهكم ،فعهبر بالبعهض عهن الكهل ،كقوله" :فبمها كسهبت أيديكهم"[ ،الشورى،]30 :
"بمها قدمهت يداك" [الحهج .]10 :وقيهل :هذا ضرب مثهل ،تقول :فلن ألقهى بيده فهي أمهر كذا إذا
استسلم ،لن المستسلم في القتال يلقي سلحه بيديه ،فكذلك فعل كل عاجز في أي فعل كان ،ومنه
قول عبدالمطلب[ :وال إن إلقاءنها بأيدينها للموت لعجهز] وقال قوم :التقديهر ل تلقوا أنفسهكم بأيديكهم،
كما تقول :ل تفسد حالك برأيك .التهلكة بضم اللم مصدر من هلك يهلك هلكا وهلكا وتهلكة ،أي
ل تأخذوا فيمها يهلككهم ،قاله الزجاج وغيره .أي إن لم تنفقوا عصهيتم ال وهلكتهم .وقيهل :إن معنهى
اليهة ل تمسهكوا أموالكهم فيرثهها منكهم غيركهم ،فتهلكوا بحرمان منفعهة أموالكهم .ومعنهى آخهر :ول
تمسهكوا فيذههب عنكهم الخلف فهي الدنيها والثواب فهي الخرة .ويقال" :ل تلقوا بأيديكهم إلى التهلكهة"
يعنههي ل تنفقوا مههن حرام فيرد عليكههم فتهلكوا .ونحوه عههن عكرمههة قال" :ول تلقوا بأيديكههم إلى
التهلكهة" قال" :ول تيمموا الخهبيث منهه تنفقون" [البقرة ]267 :وقال الطهبري :قوله "ول تلقوا
بأيديكم إلى التهلكة" عام في جميع ما ذكر لدخوله فيه ،إذ اللفظ يحتمله.
@اختلف العلماء في اقتحام الرجل في الحرب وحمله على العدو وحده ،فقال القاسم ابن مخيمرة
والقاسهم بهن محمهد وعبدالملك مهن علمائنها :ل بأس أن يحمهل الرجهل وحده على الجيهش العظيهم إذا
كان فيهه قوة ،وكان ل بنيهة خالصهة ،فان لم تكهن فيهه قوة فذلك مهن التهلكهة .وقيهل :إذا طلب الشهادة
وخلصهت النيهة فليحمهل ،لن مقصهوده واحهد منههم ،وذلك بيهن فهي قوله تعالى" :ومهن الناس مهن
يشري نفسهه ابتغاء مرضات ال" [البقرة .]207 :وقال ابهن خويهز منداد :فأمها أن يحمهل الرجهل
على مائة أو على جملة العسههكر أو جماعههة اللصههوص والمحاربيههن والخوارج فلذلك حالتان :إن
علم وغلب على ظنهه أن سهيقتل مهن حمهل عليهه وينجهو فحسهن ،وكذلك لو علم وغلب على ظنهه أن
يقتهل ولكهن سهينكي نكايهة أو سهيبلي أو يؤثهر أثرا ينتفهع بهه المسهلمون فجائز أيضها .وقهد بلغنهي أن
عسهكر المسهلمين لمها لقي الفرس نفرت خيل المسلمين من الفيلة ،فعمهد رجل منهم فصهنع فيل مهن
طيهن وأنهس بهه فرسهه حتهى ألفهه ،فلمها أصهبح لم ينفهر فرسهه مهن الفيهل فحمهل على الفيهل الذي كان
يقدمها فقيل له :إنه قاتلك .فقال :ل ضير أن أقتل ويفتح للمسلمين .وكذلك يوم اليمامة لما تحصنت
بنو حنيفة بالحديقة ،قال رجل من المسلمين :ضعوني في الحجفة؟؟ وألقوني إليهم ،ففعلوا وقاتلهم
وحده وفتح الباب.
قلت :ومن هذا ما روي أن رجل قال للنبي صلى ال عليه وسلم :أرأيت إن قتلت في سبيل ال
صهابرا محتسهبا؟ قال( :فلك الجنهة) .فانغمهس فهي العدو حتهى قتهل .وفهي صهحيح مسهلم عهن أنهس بهن
مالك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من النصار ورجلين من قريش،
فلمها رهقوه قال( :مهن يردههم عنها وله الجنهة) أو (ههو رفيقهي فهي الجنهة) فتقدم رجهل مهن النصهار
فقاتل حتى قتل .ثم رهقوه أيضا فقال( :من يردهم عنا وله الجنة) أو (هو رفيقي في الجنة) .فتقدم
رجهل مهن النصهار فقاتهل حتهى قتهل .فلم يزل كذلك حتهى قتهل السهبعة ،فقال النهبي صهلى ال عليهه
وسهلم( :مها أنصهفنا أصهحابنا) .هكذا الروايهة (أنصهفنا) بسهكون الفاء (أصهحابنا) بفتهح الباء ،أي لم
ندلهههم للقتال حتههى قتلوا .وروي بفتههح الفاء ورفههع الباء ،ووجهههها أنههها ترجههع لمههن فههر عنههه مههن
أصهحابه ،وال أعلم .وقال محمهد بهن الحسهن :لو حمهل رجهل واحهد على ألف رجهل مهن المشركيهن
وههو وحده ،لم يكهن بذلك بأس إذا كان يطمهع فهي نجاة أو نكايهة فهي العدو ،فإن لم يكهن كذلك فههو
مكروه ،لنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين .فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم
حتى يصنعوا مثل صنيعه فل يبعد جوازه ،ولن فيه منفعة للمسلمين على بعض الوجوه .وإن كان
قصده إرهاب العدو وليعلم صلبة المسلمين في الدين فل يبعد جوازه .وإذا كان فيه نفع للمسلمين
فتلفت نفسه لعزاز دين ال وتوهين الكفر فهو المقام الشريف الذي مدح ال به المؤمنين في قوله:
"إن ال اشترى من المؤمنين أنفسهم" [التوبة ]111 :الية ،إلى غيرها من آيات المدح التي مدح
ال بهها مهن بذل نفسهه .وعلى ذلك ينبغهي أن يكون حكهم المهر بالمعروف والنههي عهن المنكهر أنهه
متهى رجها نفعها فهي الديهن فبذل نفسهه فيهه حتهى قتهل كان فهي أعلى درجات الشهداء ،قال ال تعالى:
"وأمهر بالمعروف وانهه عهن المنكهر واصهبر على مها أصهابك إن ذلك مهن عزم المور" [لقمان:
.]17وقد روى عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :أفضل الشهداء
حمزة بهن عبدالمطلب ورجهل تكلم بكلمهة حهق عنهد سهلطان جائر فقتله) .وسهيأتي القول فهي هذا فهي
"آل عمران" إن شاء تعالى.
@قوله تعالى" :وأحسنوا إن ال يحب المحسنين" أي في النفاق في الطاعة ،وأحسنوا الظن بال
في إخلفه عليكم .وقيل" :أحسنوا" في أعمالكم بامتثال الطاعات ،روي ذلك عن بعض الصحابة.
**3اليهة{ 196 :وأتموا الحهج والعمرة ل فإن أحصهرتم فمها اسهتيسر مهن الهدي ول تحلقوا
رؤوسهكم حتهى يبلغ الهدي محله فمهن كان منكهم مريضها أو بهه أذى مهن رأسهه ففديهة مهن صهيام أو
صهدقة أو نسهك فإذا أمنتهم فمهن تمتهع بالعمرة إلى الحهج فمها اسهتيسر مهن الهدي فمهن لم يجهد فصهيام
ثلثهة أيام فهي الحهج وسهبعة إذا رجعتهم تلك عشرة كاملة ذلك لمهن لم يكهن أهله حاضري المسهجد
الحرام واتقوا ال واعلموا أن ال شديد العقاب}
**4قوله تعالى{ :وأتموا الحج والعمرة ل}
@اختلف العلماء في المعنى المراد بإتمام الحج والعمرة ل ،فقيل :أداؤهما والتيان بهما ،كقوله:
"فأتمهن" [البقرة ]124 :وقوله" :ثم أتموا الصيام إلى الليل" [البقرة ]187 :أي ائتوا بالصيام،
وهذا على مذهههب مههن أوجههب العمرة ،على مهها يأتههي .ومههن لم يوجبههها قال :المراد تمامهمهها بعههد
الشروع فيهمها ،فإن مهن أحرم بنسهك وجهب عليهه المضهي فيهه ول يفسهخه ،قال معناه الشعهبي وابهن
زيهد .وعهن علي بهن أبهي طالب رضهي ال عنهه :إتمامهمها أن تحرم بهمها مهن دويرة أهلك .وروي
ذلك عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص ،وفعله عمران بن حصين .وقال سفيان الثوري:
إتمامهمههها أن تخرج قاصهههدا لهمههها ل لتجارة ول لغيهههر ذلك ،ويقوي هذا قوله "ل" .وقال عمهههر:
إتمامهما أن يفرد كل واحد منهما من غير تمتع وقران ،وقاله ابن حبيب .وقال مقاتل :إتمامهما أل
تستحلوا فيهما ما ل ينبغي لكم ،وذلك أنهم كانوا يشركون في إحرامهم فيقولون :لبيك اللهم لبيك،
ل شريك لك إل شريكا هو لك ،تملكه وما ملك .فقال :فأتموهما ول تخلطوهما بشيء آخر.
قلت :أمها مها روي عهن علي وفعله عمران بهن حصهين فهي الحرام قبهل المواقيهت التهي وقتهها
رسول ال صلى ال عليه وسلم فقد قال به عبدال بن مسعود وجماعة من السلف ،وثبت أن عمر
أهل من إيلياء ،وكان السود وعلقمة وعبدالرحمن وأبو إسحاق يحرمون من بيوتهم ،ورخص فيه
الشافعي .وروى أبو داود والدارقطني عن أم سلمة قالت قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :من
أحرم مهن بيهت المقدس بحهج أو عمرة كان مهن ذنوبهه كيوم ولدتهه أمهه) فهي روايهة (غفهر له مها تقدم
مهن ذنبهه ومها تأخهر) .وخرجهه أبهو داود وقال" :يرحهم ال وكيعها أحرم مهن بيهت المقدس ،يعنهي إلى
مكههة" .ففههي هذا إجازة الحرام قبههل الميقات .وكره مالك رحمههه ال أن يحرم أحههد قبههل الميقات،
ويروى ذلك عن عمر بن الخطاب ،وأنه أنكر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة .وأنكر
عثمان على ابهن عمهر إحرامهه قبهل الميقات .وقال أحمهد وإسهحاق :وجهه العمهل المواقيهت ،ومهن
الحجة لهذا القول أن رسول ال صلى ال عليه وسلم وقت المواقيت وعينها ،فصارت بيانا لمجمل
الحج ،ولم يحرم صلى ال عليه وسلم من بيته لحجته ،بل أحرم من ميقاته الذي وقته لمته ،وما
فعله صههلى ال عليههه وسههلم فهههو الفضههل إن شاء ال .وكذلك صههنع جمهور الصههحابة والتابعيههن
بعدهم .واحتج أهل المقالة الولى بأن ذلك أفضل بقول عائشة :ما خير رسول ال صلى ال عليه
وسهلم بيهن أمريهن إل اختار أيسهرهما ،وبحديهث أم سهلمة مهع مها ذكهر عهن الصهحابة فهي ذلك ،وقهد
شهدوا إحرام رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم فههي حجتههه مههن ميقاتههه ،وعرفوا مغزاه ومراده،
وعلموا أن إحرامه من ميقاته كان تيسيرا على أمته.
@ روى الئمهة أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وقهت لههل المدينهة ذا الحليفهة ،ولههل الشام
الجحفة ،ولهل نجد قرن ،ولهل اليمن يلملم ،هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد
الحهج والعمرة .ومهن كان دون ذلك فمهن حيهث أنشهأ ،حتهى أههل مكهة مهن مكهة يهلون منهها .وأجمهع
أهل العلم على القول بظاهر هذا الحديث واستعماله ،ل يخالفون شيئا منه .واختلفوا في ميقات أهل
العراق وفيمن وقته ،فروى أبو داود والترمذي عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم وقت
لههل المشرق العقيهق .قال الترمذي :هذا حديهث حسهن .وروي أن عمهر وقهت لههل العراق ذات
عرق .وفي كتاب أبي داود عن عائشة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم وقت لهل العراق ذات
عرق ،وهذا ههو الصهحيح .ومهن روى أن عمهر وقتهه لن العراق فهي وقتهه افتتحهت ،فغفلة منهه ،بهل
وقته رسول ال صلى ال عليه وسلم كما وقت لهل الشام الجحفة .والشام كلها يومئذ دار كفر كما
كانت العراق وغيرها يومئذ من البلدان ،ولم تفتح العراق ول الشام إل على عهد عمر ،وهذا ما ل
خلف فيهه بيهن أههل السهير .قال أبهو عمهر :كهل عراقهي أو مشرقهي أحرم مهن ذات عرق فقهد أحرم
عنهد الجميهع مهن ميقاتهه ،والعقيهق أحوط عندههم وأولى مهن ذات عرق ،وذات عرق ميقاتههم أيضها
بإجماع.
@ أجمع أهل العلم على أن من أحرم قبل أن يأتي الميقات أنه محرم ،وإنما منع من ذلك من رأى
الحرام عنههد الميقات أفضههل ،كراهيههة أن يضيههق المرء على نفسههه مهها قههد وسههع ال عليههه ،وأن
يتعرض بمهها ل يؤمههن أن يحدث فههي إحرامههه ،وكلهههم ألزمههه الحرام إذا فعههل ذلك ،لنههه زاد ولم
ينقص.
@ فهي هذه اليهة دليهل على وجوب العمرة ،لنهه تعالى أمهر بإتمامهها كمها أمهر بإتمام الحهج .قال
الصبي بن معبد :أتيت عمر رضي ال عنه فقلت إني كنت نصرانيا فأسلمت ،وإني وجدت الحج
والعمرة مكتوبتيهن علي ،وإنهي أهللت بهمها جميعها .فقال له عمهر هديهت لسهنة نبيهك قال ابهن المنذر:
ولم ينكهر عليهه قوله" :وجدت الحهج والعمرة مكتوبتيهن علي" .وبوجوبهمها قال علي بهن أبهي طالب
وابهن عمهر وابهن عباس .وروى الدارقطنهي عهن ابهن جريهج قال :أخهبرني نافهع أن عبدال بهن عمهر
كان يقول :ليس من خلق ال أحد إل عليه حجة وعمرة واجبتان من استطاع ذلك سبيل ،فمن زاد
بعدهها شيئا فههو خيهر وتطوع .قال :ولم أسهمعه يقول فهي أههل مكهة شيئا .قال ابهن جريهج :وأخهبرت
عن عكرمة أن ابن عباس قال :العمرة واجبة كوجوب الحج من استطاع إليه سبيل .وممن ذهب
إلى وجوبها من التابعين عطاء وطاوس ومجاهد والحسن وابن سيرين والشعبي وسعيد بن جبير
وأبههو بردة ومسههروق وعبدال بههن شداد والشافعههي وأحمههد وإسههحاق وأبههو عبيههد وابههن الجهههم مههن
المالكييهن .وقال الثوري :سهمعنا أنهها واجبهة .وسهئل زيهد بهن ثابهت عهن العمرة قبهل الحهج ،فقال:
صلتان ل يضرك بأيهما بدأت ،ذكره الدارقطني .وروي مرفوعا عن محمد بن سيرين عن زيد
بهن ثابهت قال قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :إن الحهج والعمرة فريضتان ل يضرك بأيهمها
بدأت) .وكان مالك يقوله :العمرة سهههنة ول نعلم أحدا أرخهههص فهههي تركهههها .وههههو قول النخعهههي
وأصهحاب الرأي فيمها حكهى ابهن المنذر .وحكهى بعهض القزوينييهن والبغدادييهن عهن أبهي حنيفهة أنهه
كان يوجبهها كالحهج ،وبأنهها سهنة ثابتهة ،قاله ابهن مسهعود وجابر بهن عبدال .روى الدارقطنهي حدثنها
محمهد بهن القاسهم بهن زكريها حدثنها محمهد بهن العلء أبهو كريهب حدثنها عبدالرحيهم بهن سهليمان عهن
حجاج عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدال قال :سأل رجل رسول ال صلى ال عليه وسلم
عن الصلة والزكاة والحج :أواجب هو؟ قال( :نعم) فسأله عن العمرة :أواجبة هي؟ قال( :ل وأن
تعتمهر خيهر لك) .رواه يحيهى بهن أيوب عهن حجاج وابهن جريهج عهن ابهن المنكدر عهن جابر موقوفها
من قول جابر فهذه حجة من لم يوجبها من السنة .قالوا :وأما الية فل حجة فيها للوجوب ،لن ال
سههبحانه إنمهها قرنههها فههي وجوب التمام ل فههي البتداء ،فإنههه ابتدأ الصههلة والزكاة فقال "وأقيموا
الصلة وآتوا الزكاة" [المزمل .]20 :وابتدأ بإيجاب الحج فقال" :ول على الناس حج البيت" [آل
عمران ]97 :ولمها ذكهر العمرة أمهر بإتمامهها ل بابتدائهها ،فلو حهج عشهر حجهج ،أو اعتمهر عشهر
عمر لزم التمام في جميعها ،فإنما جاءت الية للزام التمام ل للزام البتداء ،وال أعلم .واحتج
المخالف مههن جهههة النظههر على وجوبههها بأن قال :عماد الحههج الوقوف بعرفههة ،وليههس فههي العمرة
وقوف ،فلو كانهت كسهنة الحهج لوجهب أن تسهاويه فهي أفعاله ،كمها أن سهنة الصهلة تسهاوي فريضتهها
في أفعالها.
@ قرأ الشعبي وأبو حيوة برفع التاء في "العمرة" ،وهي تدل على عدم الوجوب .وقرأ الجماعة
"العمرة" بنصب التاء ،وهي تدل على الوجوب .وفي مصحف ابن مسعود "وأتموا الحج والعمرة
إلى البيت ل" وروي عنه "وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت" .وفائدة التخصيص بذكر ال هنا أن
العرب كانههت تقصههد الحههج للجتماع والتظاهههر والتناضههل والتنافههر وقضاء الحاجههة وحضور
السواق ،وكل ذلك ليس ل فيه طاعة ،ول حظ بقصد ،ول قربة بمعتقد ،فأمر ال سبحانه بالقصد
إليه لداء فرضه وقضاء حقه ،ثم سامح في التجارة ،على ما يأتي.
@ ل خلف بيهن العلماء فيمهن شههد مناسهك الحهج وههو ل ينوي حجها ول عمرة هه والقلم جار له
وعليهه هه أن شهودهها بغيهر نيهة ول قصهد غيهر مغهن عنهه ،وأن النيهة تجهب فرضها ،لقوله تعالى:
{وأتموا} ومن تمام العبادة حضور النية ،وهي فرض كالحرام عند الحرام ،لقوله عليه السلم
لمها ركهب راحلتهه( :لبيهك بحجهة وعمرة معها) على مها يأتهي .وذكهر الربيهع فهي كتاب البويطهي عهن
الشافعهي قال :ولو لبهى رجهل ولم ينهو حجها ول عمرة لم يكهن حاجها ول معتمرا ،ولو نوى ولم يلب
حتهى قضهى المناسهك كان حجهه تامها ،واحتهج بحديهث النهبي صهلى ال عليهه وسهلم( :إنمها العمال
بالنيات) .قال :ومن فعل مثل ما فعل علي حين أهل على إهلل النبي صلى ال عليه وسلم أجزته
تلك النية ،لنها وقعت على نية لغيره قد تقدمت ،بخلف الصلة.
@ واختلف العلماء فهي المراههق والعبهد يحرمان بالحهج ثهم يحتلم هذا ويعتهق هذا قبهل الوقوف
بعرفهة ،فقال مالك :ل سهبيل لهمها إلى رفض الحرام ول لحهد متمسهكا بقوله تعالى{ :وأتموا الحهج
والعمرة ل} ومهن رفهض إحرامهه فل يتهم حجهه ول عمرتهه .وقال أبهو حنيفهة :جائز للصهبي إذا بلغ
قبل الوقوف بعرفة أن يجدد إحراما ،فإن تمادى على حجه ذلك لم يجزه من حجة السلم .واحتج
بأنهه لمها لم يكهن الحهج يجزي عنهه ،ولم يكهن الفرض لزمها له حيهن أحرم بالحهج ثهم لزمهه حيهن بلغ
استحال أن يشغل عن فرض قد تعين عليه بنافلة ويعطل فرضه ،كمن دخل في نافلة وأقيمت عليه
المكتوبة وخشي فوتها قطع النافلة ودخل في المكتوبة .وقال الشافعي :إذا أحرم الصبي ثم بلغ قبل
الوقوف بعرفهة فوقهف بهها محرمها أجزأه مهن حجهة السهلم ،وكذلك العبهد .قال :ولو عتهق بمزدلفهة
وبلغ الصبي بها فرجعا إلى عرفة بعد العتق والبلوغ فأدركا الوقوف بها قبل طلوع الفجر أجزت
عنهمها مهن حجهة السهلم ،ولم يكهن عليهمها دم ،ولو احتاطها فأهراقها دمها كان أحهب إلي ،وليهس ذلك
بالبيهن عندي .واحتهج فهي إسهقاط تجديهد الحرام بحديهث علي رضهي ال عنهه إذ قال له رسهول ال
صهلى ال عليهه وسهلم حيهن أقبهل مهن اليمهن مهل بالحهج( :بهم أهللت) قال قلت :لبيهك اللههم بإهلل
كإهلل نبيههك .فقال رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم( :فإنههي أهللت بالحههج وسههقت الهدي) .قال
الشافعهي :ولم ينكهر عليهه رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم مقالتهه ،ول أمره بتجديهد نيهة لفراد أو
تمتع أو قران .وقال مالك في النصراني يسلم عشية عرفة فيحرم بالحج :أجزأه من حجة السلم،
وكذلك العبهد يعتهق ،والصهبي يبلغ إذا لم يكونوا محرميهن ول دم على واحهد منههم ،وإنمها يلزم الدم
مهن أراد الحهج ولم يحرم مهن الميقات .وقال أبهو حنيفهة :يلزم العبهد الدم .وههو كالحهر عندههم فهي
تجاوز الميقات ،بخلف الصبي والنصراني فإنهما ل يلزمهما الحرام لدخول مكة لسقوط الفرض
عنهما .فإذا أسلم الكافر وبلغ الصبي كان حكمهما حكم المكي ،ول شيء عليهما في ترك الميقات.
**4قوله تعالى{ :فإن أحصرتم}
عضْلة من العُضل. @قال ابن العربي :هذه آية مشكلةُ ،
قلت :ل إشكال فيههها ،ونحههن نبينههها غايههة البيان فنقول :الحصههار هههو المنههع مههن الوجههه الذي
تقصهده بالعوائق جملة ،فهه "جملة" أي بأي عذر كان ،كان حصهر عدو أو جور سهلطان أو مرض
أو ما كان .واختلف العلماء في تعيين المانع هنا على قولين :الول :قال علقمة وعروة بن الزبير
وغيرهما :هو المرض ل العدو .وقيل :العدو خاصة ،قاله ابن عباس وابن عمر وأنس والشافعي.
قال ابن العربي :وهو اختيار علمائنا .ورأى أكثر أهل اللغة ومحصليها على أن "أحصر" عرض
للمرض ،و"حصر" نزل به العدو.
قلت :مها حكاه ابهن العربهي مهن أنهه اختيار علمائنها فلم يقهل بهه إل أشههب وحده ،وخالفهه سهائر
أصههحاب مالك فههي هذا وقالوا :الحصههار إنمهها هههو المرض ،وأمهها العدو فإنمهها يقال فيههه :حصههر
حصرا فهو محصور ،قاله الباجي في المنتقى .وحكى أبو إسحاق الزجاج أنه كذلك عند جميع أهل
اللغههة ،على مهها يأتههي .وقال أبههو عههبيدة والكسههائي" :أحصههر" بالمرض ،و"حصههر" بالعدو .وفههي
المجمهل لبهن فارس على العكهس ،فحصهر بالمرض ،وأحصهر بالعدو .وقالت طائفهة :يقال أحصهر
فيهما جميعا من الرباعي ،حكاه أبو عمر.
قلت :وههو يشبهه قول مالك حيهث ترجهم فهي موطئه "أحصهر" فيهمها ،فتأمله .وقال الفراء :همها
بمعنهى واحهد فهي المرض والعدو .قال القشيري أبهو نصهر :وادعهت الشافعيهة أن الحصهار يسهتعمل
في العدو ،فأما المرض فيستعمل فيه الحصر ،والصحيح أنهما يستعملن فيهما.
قلت :مها ادعتهه الشافعيهة قهد نهص الخليهل بهن أحمهد وغيره على خلفهه .قال الخليهل :حصهرت
الرجهل حصهرا منعتهه وحبسهته ،وأحصهر الحاج عهن بلوغ المناسهك مهن مرض أو نحوه ،هكذا قال،
جعهل الول ثلثيها مهن حصهرت ،والثانهي فهي المرض رباعيها .وعلى هذا خرج قول ابهن عباس :ل
حصهر إل حصهر العدو .وقال ابهن السهكيت :أحصهره المرض إذا منعهه مهن السهفر أو مهن حاجهة
يريدها .وقد حصره العدو يحصرونه إذا ضيقوا عليه فأطافوا به ،وحاصروه محاصرة وحصارا.
قال الخفههش :حصههرت الرجههل فهههو محصههور ،أي حبسههته .قال :وأحصههرني بولي ،وأحصههرني
مرضهي ،أي جعلنهي أحصهر نفسهي .قال أبهو عمرو الشيبانهي :حصهرني الشيهء وأحصهرني ،أي
حبسني.
قلت :فالكثر من أهل اللغة على أن "حصر" في العدو ،و"أحصر" في المرض ،وقد قيل ذلك
في قول ال تعالى" :للفقراء الذين أحصروا في سبيل ال" [البقرة .]273 :وقال ابن ميادة:
عليك ول أن أحصرتك شغول وما هجر ليلى أن تكون تباعدت
وقال الزجاج :الحصار عند جميع أهل اللغة إنما هو من المرض ،فأما من العدو فل يقال فيه إل
حصر ،يقال :حصر حصرا ،وفي الول أحصر إحصارا ،فدل على ما ذكرناه .وأصل الكلمة من
الحبهس ،ومنهه الحصهير للذي يحبهس نفسهه عهن البوح بسهره .والحصهير :الملك لنهه كالمحبوس مهن
وراء الحجاب .والحصههير الذي يجلس عليههه لنضمام بعههض طاقات البردي إلى بعههض ،كحبههس
الشيء مع غيره.
@ ولمها كان أصهل الحصهر الحبهس قالت الحنفيهة :المحصهر مهن يصهير ممنوعها مهن مكهة بعهد
الحرام بمرض أو عدو أو غيهر ذلك .واحتجوا بمقتضهى الحصهار مطلقها ،قالوا :وذكهر المهن فهي
آخههر اليههة ل يدل على أنههه ل يكون مههن المرض ،قال صههلى ال عليههه وسههلم( :الزكام أمان مههن
الجذام) ،وقال( :مهن سهبق العاطهس بالحمهد أمهن مهن الشوص واللوص والعلوص) .الشوص :وجهع
السهن .واللوص :وجهع الذن .والعلوص :وجهع البطهن .أخرجهه ابهن ماجهة فهي سهننه .قالوا :وإنمها
جعلنا حبس العدو حصارا قياسا على المرض إذا كان في حكمه ،ل بدللة الظاهر .وقال ابن عمر
وابهن الزبيهر وابهن عباس والشافعهي وأههل المدينهة :المراد باليهة حصهر العدو ،لن اليهة نزلت فهي
سهنة سهت فهي عمرة الحديبيهة حيهن صهد المشركون رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم عهن مكهة .قال
ابهن عمهر :خرجنها مهع رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فحال كفار قريهش دون البيهت فنحهر النهبي
صهلى ال عليهه وسهلم هديهه وحلق رأسهه .ودل على هذا قوله تعالى" :فإذا أمنتهم" .ولم يقهل :برأتهم،
وال أعلم.
@ جمهور الناس على أن المحصر بعدو يحل حيث أحصر وينحر هديه إن كان ثم هدي ويحلق
رأسه .وقال قتادة وإبراهيم :يبعث بهديه إن أمكنه ،فإذا بلغ محله صار حلل .وقال أبو حنيفة :دم
الحصار ل يتوقف على يوم النحر ،بل يجوز ذبحه قبل يوم النحر إذا بلغ محله ،وخالفه صاحباه
فقال :يتوقف على يوم النحر ،وإن نحر قبله لم يجزه .وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان.
@ الكثر من العلماء على أن من أحصر بعدو كافر أو مسلم أو سلطان حبسه في سجن أن عليه
الهدي ،وهو قول الشافعهي ،وبه قال أشهب .وكان ابن القاسم يقول :ليس على من صد عن البيت
فهي حهج أو عمرة هدي إل أن يكون سهاقه معهه ،وههو قول مالك .ومهن حجتهمها أن النهبي صهلى ال
عليهه وسهلم إنمها نحهر يوم الحديبيهة هديها قهد كان أشعره وقلده حيهن أحرم بعمرة ،فلمها لم يبلغ ذلك
الهدي محله للصهد أمهر بهه رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فنحهر ،لنهه كان هديها وجهب بالتقليهد
والشعار ،وخرج ل فلم يجهز الرجوع فيهه ،ولم ينحره رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم مهن أجهل
الصهد ،فلذلك ل يجهب على مهن صهد عهن البيهت هدي .واحتهج الجمهور بأن رسهول ال صهلى ال
عليهه وسهلم لم يحهل يوم الحديبيهة ولم يحلق رأسهه حتهى نحهر الهدي ،فدل ذلك على أن مهن شرط
إحلل المحصههر ذبههح هدي إن كان عنده ،وإن كان فقيرا فمتههى وجده وقدر عليههه ل يحههل إل بههه،
وههو مقتضهى قوله" :فإن أحصهرتم فمها اسهتيسر مهن الهدي" .وقهد قيهل :يحهل ويهدي إذا قدر عليهه،
والقولن للشافعي ،وكذلك من ل يجد هديا يشتريه ،قولن.
@ قال عطاء وغيره :المحصر بمرض كالمحصر بعدو .وقال مالك والشافعي وأصحابهما :من
أحصره المرض فل يحله إل الطواف بالبيت وإن أقام سنين حتى يفيق .وكذلك من أخطأ العدد أو
خفي عليه الهلل .قال مالك :وأهل مكة في ذلك كأهل الفاق .قال :وإن احتاج المريض إلى دواء
تداوى بهه وافتدى وبقهي على إحرامهه ل يحهل مهن شيهء حتهى يهبرأ مهن مرضهه ،فإذا برىء مهن
مرضه مضى إلى البيت فطاف به سبعا ،وسعى بين الصفا والمروة ،وحل من حجته أو عمرته.
وهذا كله قول الشافعهي ،وذههب فهي ذلك إلى مها روي عهن عمهر وابهن عباس وعائشهة وابهن عمهر
وابن الزبير أنهم قالوا في المحصر بمرض أو خطأ العدد :إنه ل يحله إل الطواف بالبيت .وكذلك
من أصابه كسر أو بطن منخرق .وحكم من كانت هذه حاله عند مالك وأصحابه أن يكون بالخيار
إذا خاف فوت الوقوف بعرفههة لمرضههه ،إن شاء مضههى إذا أفاق إلى البيههت فطاف وتحلل بعمرة،
وإن شاء أقام على إحرامه إلى قابل ،وإن أقام على إحرامه ولم يواقع شيئا مما نهي عنه الحاج فل
هدي عليهه .ومهن حجتهه فهي ذلك الجماع مهن الصهحابة على أن مهن أخطهأ العدد أن هذا حكمهه ل
يحله إل الطواف بالبيههت .وقال فههي المكههي إذا بقههي محصههورا حتههى فرغ الناس مههن حجهههم :فإنههه
يخرج إلى الحل فيلبي ويفعل ما يفعله المعتمر ويحل ،فإذا كان قابل حج وأهدى .وقال ابن شهاب
الزهري فهي إحصهار مهن أحصهر بمكهة مهن أهلهها :ل بهد له مهن أن يقهف بعرفهة وإن نعهش نعشها.
واختار هذا القول أبههو بكههر محمههد بههن أحمههد بههن عبدال بههن بكيههر المالكههي فقال :قول مالك فههي
المحصهر المكهي أن عليهه مها على الفاق مهن إعادة الحهج والهدي خلف ظاههر الكتاب ،لقول ال
عههز وجههل" :ذلك لمههن لم يكههن أهله حاضري المسههجد الحرام" .قال :والقول عندي فههي هذا قول
الزهري فهي أن الباحهة مهن ال عهز وجهل لمهن لم يكهن أهله حاضري المسهجد الحرام أن يقيهم لبعهد
المسافة يتعالج وإن فاته الحج ،فأما من كان بينه وبين المسجد الحرام ما ل تقصر في مثله الصلة
فإنه يحضر المشاهد وإن نعش نعشا لقرب المسافة بالبيت .وقال أبو حنيفة وأصحابه :كل من منع
مههن الوصههول إلى البيههت بعدو أو مرض أو ذهاب نفقههة أو إضلل راحلة أو لدغ هامههة فإنههه يقههف
مكانهه على إحرامهه ويبعهث بهديهه أو بثمهن هديهه ،فإذا نحهر فقهد حهل مهن إحرامهه .كذلك قال عروة
وقتادة والحسهن وعطاء والنخعهي ومجاههد وأههل العراق ،لقوله تعالى" :فإن أحصهرتم فمها اسهتيسر
من الهدي" الية.
@ قال مالك وأصهحابه :ل ينفهع المحرم الشتراط فهي الحهج إذا خاف الحصهر بمرض أو عدو،
وههو قول الثوري وأبهي حنيفهة وأصهحابهم .والشتراط أن يقول إذا أههل :لبيهك اللههم لبيهك ،ومحلي
حيث حبستني من الرض .وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور :ل بأس أن يشترط
وله شرطهه ،وقاله غيهر واحهد مهن الصهحابة والتابعيهن ،وحجتههم حديهث ضباعهة بنهت الزبيهر بهن
عبدالمطلب أنهها أتهت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فقالت :يها رسهول ال ،إنهي أردت الحهج،
أأشترط؟ قال( :نعهم) .قالت :فكيهف أقول؟ قال( :قولي لبيهك اللههم لبيهك ومحلي مهن الرض حيهث
حبسهتني) .أخرجهه أبهو داود والدارقطنهي وغيرهمها .قال الشافعهي :لو ثبهت حديهث ضباعهة لم أعده،
وكان محله حيث حبسه ال.
قلت :قهد صهححه غيهر واحهد ،منههم أبهو حاتهم البسهتي وابهن المنذر ،قال ابهن المنذر :ثبهت أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لضباعة بنت الزبير( :حجي واشترطي) .وبه قال الشافعي إذ
هو بالعراق ،ثم وقف عنه بمصر .قال ابن المنذر :وبالقول الول أقول .وذكره عبدالرزاق أخبرنا
ابن جريج قال :أخبرني أبو الزبير أن طاوسا وعكرمة أخبراه عن ابن عباس قال :جاءت ضباعة
بنهت الزبيهر إلى رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فقالت :إنهي امرأة ثقيلة وإنهي أريهد الحهج ،فكيهف
تأمرنههي أن أهههل؟ قال( :أهلي واشترطههي أن محلي حيههث حبسههتني) .قال :فأدركههت .وهذا إسههناد
صحيح.
@ واختلفت العلماء أيضا في وجوب القضاء على من أحصر ،فقال مالك والشافعي :من أحصر
بعدو فل قضاء عليه بحجه ول عمرته ،إل أن يكون ضرورة لم يكن حج ،فيكون عليه الحج على
حسهب وجوبهه عليهه ،وكذلك العمرة عنهد مهن أوجبهها فرضها .وقال أبهو حنيفهة :المحصهر بمرض أو
عدو عليهه حجهة وعمرة ،وههو قول الطهبري .قال أصهحاب الرأي :إن كان مهل بحهج قضهى حجهة
وعمرة ،لن إحرامههه بالحهج صههار عمرة .وإن كان قارنهها قضههى حجههة وعمرتيههن .وإن كان مهل
بعمرة قضههى عمرة .وسههواء عندهههم المحصههر بمرض أو عدو ،على مهها تقدم .واحتجوا بحديههث
ميمون ابن مهران قال :خرجت معتمرا عام حاصر أهل الشام ابن الزبير بمكة وبعث معي رجال
مهن قومهي بهدي ،فلمها انتهيهت إلى أههل الشام منعونهي أن أدخهل الحرم ،فنحرت الهدي مكانهي ثهم
حللت ثهم رجعهت ،فلمها كان مهن العام المقبهل خرجهت لقضهي عمرتهي ،فأتيهت ابهن عباس فسهألته،
فقال :أبدل الهدي ،فإن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم أمهر أصهحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا
عام الحديبيهة فهي عمرة القضاء .واسهتدلوا بقوله عليهه السهلم( :مهن كسهر أو عرج فقهد حهل وعليهه
حجة أخرى أو عمرة أخرى) .رواه عكرمة عن الحجاج بن عمرو النصاري قال :سمعت رسول
ال صهلى ال عليهه وسهلم يقول( :مهن عرج أو كسهر فقهد حهل وعليهه حجهة أخرى) .قالوا :فاعتمار
رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وأصهحابه فهي العام المقبهل مهن عام الحديبيهة إنمها كان قضاء لتلك
العمرة ،قالوا :ولذلك قيهل لهها عمرة القضاء .واحتهج مالك بأن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم لم
يأمر أحدا من أصحابه ول ممن كان معه أن يقضوا شيئا ول أن يعودوا لشيء ،ول حفظ ذلك عنه
بوجه من الوجوه ،ول قال في العام المقبل :إن عمرتي هذه قضاء عن العمرة التي حصرت فيها،
ولم ينقل ذلك عنه .قالوا :وعمرة القضاء وعمرة القضية سواء ،وإنما قيل لها ذلك لن رسول ال
صهلى ال عليهه وسهلم قاضهى قريشها وصهالحهم فهي ذلك العام على الرجوع عهن البيهت وقصهده مهن
قابل ،فسميت بذلك عمرة القضية.
@ لم يقهل أحهد مهن الفقهاء فيمهن كسهر أو عرج أنهه يحهل مكانهه بنفهس الكسهر غيهر أبهي ثور على
ظاهر حديث الحجاج بن عمرو ،وتابعه على ذلك داود بن علي وأصحابه .وأجمع العلماء على أنه
يحل من كسر ،ولكن اختلفوا فيما به يحل ،فقال مالك وغيره :يحل بالطواف بالبيت ل يحله غيره.
ومن خالفه من الكوفيين يقول :يحل بالنية وفعل ما يتحلل به ،على ما تقدم من مذهبه.
@ ل خلف بيهن علماء المصهار أن الحصهار عام فهي الحهج والعمرة .وقال ابهن سهيرين :ل
إحصهار فهي العمرة ،لنهها غيهر مؤقتهة .وأجيهب بأنهها وإن كانهت غيهر مؤقتهة لكهن فهي الصهبر إلى
زوال العذر ضرر ،وفي ذلك نزلت الية .وحكي عن ابن الزبير أن من أحصره العدو أو المرض
فل يحله إل الطواف بالبيت ،وهذا أيضا مخالف لنص الخبر عام الحديبية.
@ الحاصهر ل يخلو أن يكون كافرا أو مسهلما ،فإن كان كافرا لم يجهز قتاله ولو وثهق بالظهور
عليههه ،ويتحلل بموضعههه ،لقوله تعالى" :ول تقاتلوهههم عنههد المسههجد الحرام" كمهها تقدم .ولو سههأل
الكافههر جعل لم يجههز ،لن ذلك وهههن فههي السههلم .فإن كان مسههلما لم يجههز قتاله بحال ،ووجههب
التحلل ،فإن طلب شيئا ويتخلى عهن الطريهق جاز دفعهه ،ولم يجهز القتال لمها فيهه مهن إتلف المههج،
وذلك ل يلزم فههي أداء العبادات ،فإن الديههن أسههمح .وأمهها بذل الجعههل فلمهها فيههه مههن دفههع أعظههم
الضررين بأهونهما ،ولن الحج مما ينفق فيه المال ،فيعد هذا من النفقة.
@ والعدو الحاصهر ل يخلو أن يتيقهن بقاؤه واسهتيطانه لقوتهه وكثرتهه أو ل ،فإن كان الول حهل
المحصهر مكانهه مهن سهاعته .وإن كان الثانهي وههو ممها يرجهى زواله فهذا ل يكون محصهورا حتهى
يبقهى بينهه وبيهن الحهج مقدار مها يعلم أنهه إن زال العدو ل يدرك فيهه الحهج ،فيحهل حينئذ عنهد ابهن
القاسم وابن الماجشون .وقال أشهب :ل يحل من حصر عن الحج بعدو حتى يوم النحر ،ول يقطع
التلبية حتى يروح الناس إلى عرفة .وجه قول ابن القاسم :أن هذا وقت يأس من إكمال حجه لعدو
غالب ،فجاز له أن يحهل فيهه ،أصهل ذلك يوم عرفهة .ووجهه قول أشههب أن عليهه أن يأتهي مهن حكهم
الحرام بمها يمكنهه والتزامهه له إلى يوم النحهر ،الوقهت الذي يجوز للحاج التحلل بمها يمكنهه التيان
به فكان ذلك عليه.
@قوله تعالى" :فما استيسر من الهدي" "ما" في موضع رفع ،أي فالواجب أو فعليكم ما استيسر.
ويحتمل أن يكون في موضع نصب ،أي فانحروا أو فاهدوا .و"ما استيسر" عند جمهور أهل العلم
شاة .وقال ابن عمر وعائشة وابن الزبير" :ما استيسر" جمل دون جمل ،وبقرة دون بقرة ل يكون
مهن غيرهمها .وقال الحسهن :أعلى الهدي بدنهة ،وأوسهطه بقرة ،وأخسهه شاة .وفهي هذا دليهل على مها
ذههب إليهه مالك مهن أن المحصهر بعدو ل يجهب عليهه القضاء ،لقوله" :فمها اسهتيسر مهن الهدي" ولم
يذكر قضاء .وال أعلم.
@قوله تعالى" :من الهدي" ال َهدْي وال َهدِ يّ لغتان .وهو ما يهدى إلى بيت ال من بدنة أو غيرها.
والعرب تقول :كم هدي بني فلن ،أي كم إبلهم .وقال أبو بكر :سميت هديا لن منها ما يهدى إلى
بيهت ال ،فسهميت بمها يلحهق بعضهها ،كمها قال تعالى" :فإن أتيهن بفاحشهة فعليههن نصهف مها على
المحصنات من العذاب" [النساء .]25 :أراد فإن زنى الماء فعلى المة منهن إذا زنت نصف ما
على الحرة البكههر إذا زنههت ،فذكههر ال المحصههنات وهههو يريههد البكار ،لن الحصههان يكون فههي
أكثرههن فسهمين بأمهر يوجهد فهي بعضههن .والمحصهنة مهن الحرائر ههي ذات الزوج ،يجهب عليهها
الرجهم إذا زنهت ،والرجهم ل يتبعهض ،فيكون على المهة نصهفه ،فانكشهف بهذا أن المحصهنات يراد
بهههن البكار ل أولت الزواج .وقال الفراء :أهههل الحجاز وبنههو أسههد يخفون الهدي ،قال :وتميههم
وسفلى قيس يثقلون فيقولون :هدي .قال الشاعر:
وأعناق الهدي مقلدات حلفت برب مكة والمصلى
قال :وواحد الهدي هدية .ويقال في جمع الهدي :أهداء.
**4قوله تعالى{ :ول تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله}
@قوله تعالى" :ول تحلقوا رؤوسهكم حتهى يبلغ الهدي محله" الخطاب لجميهع المهة محصهر
ومخلى .ومن العلماء من يراها للمحصرين خاصة ،أي ل تتحللوا من الحرام حتى ينحر الهدي.
والمحهل :الموضهع الذي يحهل فيهه ذبحهه .فالمحهل فهي حصهر العدو عنهد مالك والشافعهي :موضهع
الحصهر ،اقتداء برسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم زمهن الحديبيهة ،قال ال تعالى" :والهدي معكوفها
أن يبلغ محله" [الفتهح ]25 :قيهل :محبوسها إذا كان محصههرا ممنوعها مهن الوصهول إلى البيهت
العتيهق .وعنهد أبهي حنيفهة محهل الهدي فهي الحصهار :الحرم ،لقوله تعالى" :ثهم محلهها إلى البيهت
العتيق" [الحج .]33 :وأجيب عن هذا بأن المخاطب به المن الذي يجد الوصول إلى البيت .فأما
المحصر فخارج من قول ال تعالى" :ثم محلها إلى البيت العتيق" بدليل نحر النبي صلى ال عليه
وسهلم وأصهحابه هديههم بالحديبيهة وليسهت مهن الحرم .واحتجوا مهن السهنة بحديهث ناجيهة بهن جندب
صهاحب النهبي صلى ال عليه وسلم أنه قال للنهبي صلى ال عليه وسلم :ابعهث معهي الهدي فأنحره
بالحرم .قال( :فكيهف تصهنع بهه) قال :أخرجهه فهي الوديهة ل يقدرون عليهه ،فأنطلق بهه حتهى أنحره
فهي الحرم .وأجيهب بأن هذا ل يصهح ،وإنمها ينحهر حيهث حهل ،اقتداء بفعله عليهه السهلم بالحديبيهة،
وهو الصحيح الذي رواه الئمة ،ولن الهدي تابع للمهدي ،والمهدي حل بموضعه ،فالمهدى أيضا
يحل معه.
@ واختلف العلماء على ما قررناه في المحصر هل له أن يحلق أو يحل بشيء من الحل قبل أن
ينحر ما استيسر من الهدي ،فقال مالك :السنة الثابتة التي ل اختلف فيها عندنا أنه ل يجوز لحد
أن يأخذ من شعره حتى ينحر هديه ،قال ال تعالى" :ول تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله".
وقال أبهو حنيفهة وأصهحابه :إذا حهل المحصهر قبهل أن ينحهر هديهه فعليهه دم ،ويعود حرامها كمها كان
حتهى ينحهر هديهه .وإن أصهاب صهيدا قبهل أن ينحهر الهدي فعليهه الجزاء .وسهواء فهي ذلك الموسهر
والمعسهر ل يحهل أبدا حتهى ينحهر أو ينحهر عنهه .قالوا :وأقهل مها يهديهه شاة ،ل عمياء ول مقطوعهة
الذنين ،وليس هذا عندهم موضع صيام .قال أبو عمر :قول الكوفيين فيه ضعف وتناقض ،لنهم
ل يجيزون لمحصهر بعدو ول مرض أن يحهل حتهى ينحهر هديهه فهي الحرم .وإذا أجازوا للمحصهر
بمرض أن يبعهث بهدي ويواعهد حامله يومها ينحره فيهه فيحهل ويحلق فقهد أجازوا له أن يحهل على
غيهر يقيهن مهن نحهر الهدي وبلوغهه ،وحملوه على الحلل بالظنون .والعلماء متفقون على أنهه ل
يجوز لمهن لزمهه شيهء مهن فرائضهه أن يخرج منهه بالظهن ،والدليهل على أن ذلك ظهن قولههم :لو
عطهب ذلك الهدي أو ضهل أو سهرق فحهل مرسهله وأصهاب النسهاء وصهاد أنهه يعود حرامها وعليهه
جزاء مها صهاد ،فأباحوا له فسهاد الحهج وألزموه مها يلزم مهن لم يحهل مهن إحرامهه .وهذا مها ل خفاء
فيهه مهن التناقهض وضعهف المذاههب ،وإنمها بنوا مذهبههم هذا كله على قول ابهن مسهعود ولم ينظروا
فههي خلف غيره له .وقال الشافعههي فههي المحصههر إذا أعسههر بالهدي :فيههه قولن :ل يحههل أبدا إل
بهدي .والقول الخر :أنه مأمور أن يأتي بما قدر عليه ،فإن لم يقدر على شيء كان عليه أن يأتي
بههه إذا قدر عليههه .قال الشافعههي :ومههن قال هذا قال :يحههل مكانههه ويذبههح إذا قدر ،فإن قدر على أن
يكون الذبهح بمكهة لم يجزه أن يذبهح إل بهها ،وإن لم يقدر ذبهح حيهث قدر .قال ويقال ل يجزيهه إل
هدي .ويقال :إذا لم يجهد هديها كان عليهه الطعام أو الصهيام .وإن لم يجهد واحدا مهن هذه الثلثهة أتهى
بواحد منها إذا قدر .وقال في العبد :ل يجزيه إل الصوم ،تقوم له الشاة دراهم ثم الدراهم طعاما ثم
يصوم عن كل مد يوما.
@ واختلفوا إذا نحهر المحصهر هديهه ههل له أن يحلق أو ل ،فقالت طائفهة :ليهس عليهه أن يحلق
رأسه ،لنه قد ذهب عنه النسك .واحتجوا بأنه لما سقط عنه بالحصار جميع المناسك كالطواف
والسعي -وذلك مما يحل به المحرم من إحرامه -سقط عنه سائر ما يحل به المحرم من أجل أنه
محصهر .وممن احتج بهذا وقال به أبو حنيفهة ومحمهد بهن الحسن قال :ليس على المحصهر تقصهير
ول حلق .وقال أبههو يوسههف :يحلق المقصههر ،فإن لم يحلق فل شيههء عليههه .وقههد حكههى ابههن أبههي
عمران عهن ابهن سهماعة عهن أبهي يوسهف فهي نوادره أن عليهه الحلق ،والتقصهير ل بهد له منهه.
واختلف قول الشافعهي فهي هذه المسهألة على قوليهن :أحدهمها أن الحلق للمحصهر مهن النسهك ،وههو
قول مالك .والخهر ليهس من النسهك كما قال أبو حنيفهة .والحجة لمالك أن الطواف بالبيت والسهعي
بين الصفا والمروة قد منع من ذلك كله المحصر وقد صد عنه ،فسقط عنه ما قد حيل بينه وبينه.
وأمها الحلق فلم يحهل بينهه وبينه ،وهو قادر على أن يفعله ،ومها كان قادرا على أن يفعله فههو غيهر
ساقط عنه ومما يدل على أن الحلق باق على المحصر كما هو باق على من قد وصل إلى البيت
سواء قوله تعالى" :ول تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله" ،وما رواه الئمة من دعاء رسول
ال صلى ال عليه وسلم للمحلقين ثلثا وللمقصرين واحدة .وهو الحجة القاطعة والنظر الصحيح
فهي هذه المسهألة ،،وإلى هذا ذههب مالك وأصهحابه .والحلق عندههم نسهك على الحاج الذي قهد أتهم
حجه ،وعلى من فاته الحج ،والمحصر بعدو والمحصر بمرض.
@ روى الئمة واللفظ لمالك عن نافع عن عبدال بن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم.
قال( :اللههم ارحهم المحلقيهن) قالوا :والمقصهرين يها رسهول ال ،قال( :اللههم ارحهم المحلقيهن) قالوا:
والمقصرين يا رسول ال ،قال( :والمقصرين) .قال علماؤنا :ففي دعاء رسول ال صلى ال عليه
وسلم للمحلقين ثلثا وللمقصرين مرة دليل على أن الحلق في الحج والعمرة أفضل من التقصير،
وههو مقتضهى قوله تعالى" :ول تحلقوا رؤوسهكم" اليهة ،ولم يقهل تقصهروا .وأجمهع أههل العلم على
أن التقصهير يجزئ عهن الرجال ،إل شيهء ذكهر عهن الحسهن أنهه كان يوجهب الحلق فهي أول حجهة
يحجها النسان.
@ لم تدخل النساء في الحلق ،وأن سنتهن التقصير ،لما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه
قال( :ليهس على النسهاء حلق إنمها عليههن التقصهير) .خرجهه أبهو داود عهن ابهن عباس .وأجمهع أههل
العلم على القول بهه .ورأت جماعهة أن حلقهها رأسهها مهن المثلة ،واختلفوا فهي قدر مها تقصهر مهن
رأسهها ،فكان ابهن عمهر والشافعهي وأحمهد وإسهحاق يقولون :تقصهر مهن كهل قرن مثهل النملة .وقال
عطاء :قدر ثلث أصابع مقبوضة .وقال قتادة :تقصر الثلث أو الربع .وفرقت حفصة بنت سيرين
بين المرأة التي قعدت فتأخذ الربع ،وفي الشابة أشارت بأنملتها تأخذ وتقلل .وقال مالك :تأخذ من
جميهع قرون رأسهها ،ومها أخذت مهن ذلك فههو يكفيهها ،ول يجزي عنده أن تأخهذ مهن بعهض القرون
وتبقي بعضا .قال ابن المنذر :يجزي ما وقع عليه اسم تقصير ،وأحوط أن تأخذ من جميع القرون
قدر أنملة.
@ ل يجوز لحد أن يحلق رأسه حتى ينحر هديه ،وذلك أن سنة الذبح قبل الحلق .والصل في
ذلك قوله تعالى" :ول تحلقوا رؤوسهكم حتههى يبلغ الهدي محله" وكذلك فعهل رسهول ال صههلى ال
عليهه سهلم ،بدأ فنحهر هديهه ثهم حلق بعهد ذلك ،فمهن خالف هذا فقدم الحلق قبهل النحهر فل يخلو أن
يقدمههه خطههأ وجهل أو عمدا وقصههدا ،فإن كان الول فل شيههء عليههه ،رواه ابههن حههبيب عههن ابههن
القاسم ،وهو المشهور من مذهب مالك .وقال ابن الماجشون :عليه الهدي ،وبه قال أبو حنيفة .وإن
كان الثانهي فقهد روى القاضهي أبهو الحسهن أنهه يجوز تقديهم الحلق على النحهر ،وبهه قال الشافعهي.
والظاههر مهن المذهب المنهع ،والصهحيح الجواز ،لحديهث ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم
قيهل له فهي الذبهح والحلق والرمهي والتقديهم والتأخيهر فقال( :ل حرج) رواه مسلم .وخرج ابن ماجهة
عن عبدال بن عمرو أن النبي صلى ال عليه وسلم سئل عمن ذبح قبل أن يحلق ،أو حلق قبل أن
يذبح فقال( :ل حرج).
@ ل خلف أن حلق الرأس في الحج نسك مندوب إليه وفي غير الحج جائز ،خلفا لمن قال :إنه
مثلة ،ولو كان مثلة مها جاز فهي الحهج ول غيره ،لن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم نههى عهن
المثلة ،وقد حلق رؤوس بني جعفر بعد أن أتاه قتله بثلثة أيام ،ولو لم يجز الحلق ما حلقهم .وكان
علي بهن أبهي طالب رضهي ال عنهه يحلق رأسهه .قال ابهن عبدالبر :وقهد أجمهع العلماء على حبهس
الشعر وعلى إباحة الحلق .وكفى بهذا حجة ،وبال التوفيق.
**4قوله تعالى{ :فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}
@قوله تعالى" :فمن كان منكم مريضا" استدل بعض علماء الشافعية بهذه الية على أن المحصر
في أول الية العدو ل المرض ،وهذا ل يلزم ،فإن معنى قوله" :فمن كان منكم مريضا أو به أذى
مهن رأسهه" فحلق "ففديهة" أي فعليهه فديهة ،وإذا كان واردا فهي المرض بل خلف كان الظاههر أن
أول اليهة ورد فيمهن ورد فيهه وسهطها وآخرهها ،لتسهاق الكلم بعضهه على بعهض ،وانتظام بعضهه
ببعض ،ورجوع الضمار في آخر الية إلى من خوطب في أولها ،فيجب حمل ذلك على ظاهره
حتههى يدل الدليههل على العدول عنههه .وممهها يدل على مهها قلناه سههبب نزول هذه اليههة ،روى الئمههة
واللفظ للدارقطني :عن كعب بن عجرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رآه وقمله يتساقط على
وجههه فقال( :أيؤذيهك هوامهك) قال نعهم( .فأمره أن يحلق وههو بالحديبيهة ،ولم يهبين لههم أنههم يحلون
بهها وههم على طمهع أن يدخلوا مكهة ،فأنزل ال الفديهة ،فأمره رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم أن
يطعههم فرقهها بيههن سههتة مسههاكين ،أو يهدي شاة ،أو يصههوم ثلثههة أيام) .خرجههه البخاري بهذا اللفههظ
أيضا .فقوله :ولم يبين لهم أنهم يحلون بها ،يدل على أنهم ما كانوا على يقين من حصر العدو لهم،
فإذا الموجب للفدية الحلق للذى والمرض ،وال أعلم.
قال الوزاعي في المحرم يصيبه أذى في رأسه :إنه يجزيه أن يكفر بالفدية قبل الحلق.
قلت :فعلى هذا يكون المعنهى "فمهن كان منكهم مريضها أو بهه أذى مهن رأسهه ففديهة مهن صهيام أو
صدقة أو نسك" إن أراد أن يحلق ،ومن قدر فحلق ففدية ،فل يفتدي حتى يحلق ،وال أعلم.
@ قال ابهن عبدالبر :كهل مهن ذكهر النسهك فهي هذا الحديهث مفسهرا فإنمها ذكره بشاة ،وههو أمهر ل
خلف فيههه بيههن العلماء .وأمهها الصههوم والطعام فاختلفوا فيههه ،فجمهور فقهاء المسههلمين على أن
الصهوم ثلثهة أيام ،وههو محفوظ صهحيح فهي حديهث كعهب بهن عجرة .وجاء عهن الحسهن وعكرمهة
ونافهع قالوا :الصهوم فهي فديهة الذى عشرة أيام ،والطعام عشرة مسهاكين ،ولم يقهل أحهد بهذا مهن
فقهاء المصار ول أئمة الحديث .وقد جاء من رواية أبي الزبير عن مجاهد عن عبدالرحمن عن
كعهب بهن عجرة أنهه حدثهه أنهه كان أههل فهي ذي القعدة ،وأنهه قمهل رأسهه فأتهى عليهه النهبي صهلى ال
عليهه وسهلم وههو يوقهد تحهت قدر له ،فقال له( :كأنهك يؤذيهك هوام رأسهك) .فقال أجهل .قال( :احلق
واهد هديا) .فقال :ما أجد هديا .قال( :فأطعم ستة مسهاكين) .فقال :ما أجد .قال( :صم ثلثة أيام).
قال أبو عمر :كان ظاهر هذا الحديث على الترتيب وليس كذلك ،ولو صح هذا كان معناه الختيار
أول فأول ،وعامههة الثار عههن كعههب بههن عجرة وردت بلفههظ التخييههر ،وهههو نههص القرآن ،وعليههه
مضى عمل العلماء في كل المصار وفتواهم ،وبال التوفيق.
@ اختلف العلماء فهي الطعام فهي فديهة الذى ،فقال مالك والشافعهي وأبهو حنيفهة وأصهحابهم:
الطعام فههي ذلك مدان بمههد النههبي صههلى ال عليههه وسههلم ،وهههو قول أبههي ثور وداود .وروي عههن
الثوري أنه قال في الفدية :من البر نصف صاع ،ومن التمر والشعير والزبيب صاع .وروي عن
أبي حنيفة أيضا مثله ،جعل نصف صاع بر عدل صاع تمر .قال ابن المنذر :وهذا غلط ،لن في
بعهض أخبار كعهب أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال له( :أن تصهدق بثلثهة أصهوع مهن تمهر على
ستة مساكين) .وقال أحمد بن حنبل مرة كما قال مالك والشافعي ،ومرة قال :إن أطعم برا فمد لكل
مسكين ،وإن أطعم تمرا فنصف صاع.
ول يجزئ أن يغدي المساكين ويعشيهم في كفارة الذى حتى يعطي كل مسكين مدين بمد النبي
صهلى ال عليهه وسهلم .وبذلك قال مالك والثوري والشافعهي ومحمهد بهن الحسهن .وقال أبهو يوسهف:
يجزيه أن يغديهم ويعشيهم.
@ أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من حلق شعره وجزه وإتلفه بحلق أو نورة أو غير
ذلك إل فهي حالة العلة كما نص على ذلك القرآن .وأجمعوا على وجوب الفديهة على من حلق وهو
محرم بغير علة ،واختلفوا فيما على من فعل ذلك ،أو لبس أو تطيب بغير عذر عامدا ،فقال مالك:
بئس ما فعل وعليه الفدية ،وهو مخير فيها ،وسواء عنده العمد في ذلك والخطأ ،لضرورة وغير
ضرورة .وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما وأبو ثور :ليس بمخير إل في الضرورة ،لن ال
تعالى قال" :فمهن كان منكهم مريضها أو بهه أذى مهن رأسهه" فإذا حلق رأسهه عامدا أو لبهس عامدا
لغير عذر فليس بمخير وعليه دم ل غير.
@ واختلفوا فيمن فعل ذلك ناسيا ،فقال مالك رحمه ال :العامد والناسي في ذلك سواء في وجوب
الفديهة ،وههو قول أبهي حنيفهة والثوري والليهث .وللشافعهي فهي هذه المسهألة قولن :أحدهمها :ل فديهة
عليهه ،وههو قول داود وإسهحاق .والثانهي :عليهه الفديهة .وأكثهر العلماء يوجبون الفديهة على المحرم
بلبس المحيط وتغطية الرأس أو بعضه ،ولبس الخفين وتقليم الظافر ومس الطيب وإماطة الذى،
وكذلك إذا حلق شعر جسده أو اطلى ،أو حلق مواضع المحاجم .والمرأة كالرجل في ذلك ،وعليها
الفدية في الكحل وإن لم يكن فيه طيب .وللرجل أن يكتحل بما ل طيب فيه .وعلى المرأة الفدية إذا
غطهت وجههها أو لبسهت القفازيهن ،والعمهد والسههو والجههل فهي ذلك سهواء ،وبعضههم يجعهل عليهمها
دما في كل شيء من ذلك .وقال داود :ل شيء عليهما في حلق شعر الجسد.
@ واختلف العلماء في موضع الفدية المذكورة ،فقال عطاء :ما كان من دم فبمكة ،وما كان من
طعام أو صههيام فحيههث شاء ،وبنحههو ذلك قال أصههحاب الرأي .وعههن الحسههن أن الدم بمكههة .وقال
طاوس والشافعي :الطعام والدم ل يكونان إل بمكة ،والصوم حيث شاء ،لن الصيام ل منفعة فيه
لههل الحرم ،وقهد قال ال سهبحانه "هديها بالغ الكعبهة" [المائدة ]95 :رفقها لمسهاكين جيران بيتهه،
فالطعام فيه منفعة بخلف الصيام ،وال أعلم .وقال مالك :يفعل ذلك أين شاء ،وهو الصحيح من
القول ،وههو قول مجاههد .والذبهح هنها عنهد مالك نسهك وليهس بهدي لنهص القرآن والسهنة ،والنسهك
يكون حيهث شاء ،والهدي ل يكون إل بمكهة .ومهن حجتهه أيضها مها رواه عهن يحيهى بهن سهعيد فهي
موطئه ،وفيه :فأمر علي بن أبي طالب رضي ال عنه برأسه -يعني رأس حسين -فحلق ثم نسك
عنه بالسقيا فنحر عنه بعيرا .قال مالك قال يحيى بن سعيد :وكان حسين خرج مع عثمان في سفره
ذلك إلى مكة .ففي هذا أوضح دليل على أن فدية الذى جائز أن تكون بغير مكة ،وجائز عند مالك
فهي الهدي إذا نحهر فهي الحرم أن يعطاه غيهر أههل الحرم ،لن البغيهة فهي إطعام مسهاكين المسهلمين.
قال مالك :ولمهها جاز الصههوم أن يؤتههى بههه بغيههر الحرم جاز إطعام غيههر أهههل الحرم ،ثههم إن قوله
تعالى" :فمن كان منكم مريضا" الية ،أوضح الدللة على ما قلناه ،فإنه تعالى لما قال" :ففدية من
صهيام أو صهدقة أو نسهك" لم يقهل فهي موضهع دون موضهع ،فالظاههر أنهه حيثمها فعهل أجزأه .وقال:
"أو نسك" فسقى ما يذبح نسكا ،وقد سماه رسول ال صلى ال عليه وسلم كذلك ولم يسمه هديا،
فل يلزمنها أن نرده قياسها على الهدي ،ول أن نعتهبره بالهدي مهع مها جاء فهي ذلك عهن علي .وأيضها
فإن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم لمها أمهر كعبها بالفديهة مها كان فهي الحرم ،فصهح أن ذلك كله يكون
خارج الحرم ،وقد روي عن الشافعي مثل هذا في وجه بعيد.
@قوله تعالى" :أو نسك" النسك :جمع نسيكة ،وهي الذبيحة ينسكها العبد ل تعالى .ويجمع أيضا
على نسهائك .والنسهك :العبادة في الصهل ،ومنه قوله تعالى" :وأرنها مناسهكنا" [البقرة ]128 :أي
متعبداتنها .وقيهل :إن أصهل النسهك فهي اللغهة الغسهل ،ومنهه نسهك ثوبهه إذا غسهله ،فكأن العابهد غسهل
نفسهه مهن أدران الذنوب بالعبادة .وقيهل :النسهك سهبائك الفضهة ،كهل سهبيكة منهها نسهيكة ،فكأن العابهد
خلص نفسه من دنس الثام وسبكها.
**4قوله تعالى{ :فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}
@قوله تعالى" :فإذا أمنتم" قيل :معناه برأتم من المرض .وقيل :من خوفكم من العدو المحصر،
قاله ابهن عباس وقتادة .وههو أشبهه باللفهظ إل أن يتخيهل الخوف مهن المرض فيكون المهن منهه ،كمها
تقدم ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :فمن تمتع بالعمرة إلى الحج" اختلف العلماء من المخاطب بهذا؟ فقال عبدال بن
الزبيهر وعلقمهة وإبراهيهم :اليهة فهي المحصهرين دون المخلى سهبيلهم .وصهورة المتمتهع عنهد ابهن
الزبير :أن يحصر الرجل حتى يفوته الحج ،ثم يصل إلى البيت فيحل بعمرة ،ثم يقضي الحج من
قابهل ،فهذا قهد تمتهع بمها بيهن العمرة إلى حهج القضاء .وصهورة المتمتهع المحصهر عنهد غيره :أن
يحصهر فيحهل دون عمرة ويؤخرهها حتهى يأتهي مهن قابهل فيعتمهر فهي أشههر الحهج ويحهج مهن عامهه.
وقال ابن عباس وجماعة :الية في المحصرين وغيرهم ممن خلي سبيله.
@ ل خلف بين العلماء في أن التمتع جائز على ما يأتي تفصيله ،وأن الفراد جائز وأن القرآن
جائز ،لن رسول ال صلى ال عليه وسلم رضي كل ولم ينكره في حجته على أحد من أصحابه،
بهل أجازه لههم ورضيهه منههم ،صهلى ال عليهه وسهلم .وإنمها اختلف العلماء فيمها كان بهه رسهول ال
صهلى ال عليهه وسهلم محرمها فهي حجتهه وفهي الفضهل مهن ذلك ،لختلف الثار الواردة فهي ذلك،
فقال قائلون منههم مالك :كان رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم مفردا ،والفراد أفضهل مهن القران.
قال :والقران أفضل من التمتع .وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت :خرجنا مع رسول ال صلى
ال عليه وسلم فقال( :من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليهل ومن
أراد أن يهل بعمرة فليهل) قالت عائشة :فأهل رسول ال صلى ال عليه وسلم بحج ،وأهل به ناس
معهه ،وأههل ناس بالعمرة والحهج ،وأههل ناس بعمرة ،وكنهت فيمهن أههل بالعمرة ،رواه جماعهة عهن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة .وقال بعضهم فيه :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :وأما
أنا فأهل بالحج) وهذا نص في موضع الخلف ،وهو حجة من قال بالفراد وفضله .وحكى محمد
بن الحسن عن مالك أنه قال :إذا جاء عن النبي صلى ال عليه وسلم حديثان مختلفان وبلغنا أن أبا
بكهر وعمهر عمل بأحهد الحديثيهن وتركها الخهر كان فهي ذلك دللة على أن الحهق فيمها عمل بهه.
واستحب أبو ثور الفراد أيضا وفضله على التمتع والقران ،وهو أحد قولي الشافعي في المشهور
عنه .واستجب آخرون التمتع بالعمرة إلى الحج ،قالوا :وذلك أفضل .وهو مذهب عبدال بن عمر
وعبدال بن الزبير ،وبه قال أحمد بن حنبل ،وهو أحد قولي الشافعي .قال الدارقطني قال الشافعي:
اخترت الفراد ،والتمتهع حسهن ل نكرههه .احتهج مهن فضهل التمتهع بمها رواه مسهلم عهن عمران بهن
حصهين قال :نزلت آيهة المتعهة فهي كتاب ال -يعنهي متعهة الحهج -وأمرنها بهها رسهول ال صهلى ال
عليه وسلم ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج ،ولم ينه عنها رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى
مات ،قال رجل برأيه بعد ما شاء .وروى الترمذي حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن ابن
شهاب عن محمد بن عبدال بن الحارث بن نوفل أنه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس
عام حج معاوية بن أبي سفيان وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج ،فقال الضحاك بن قيس :ل
يصهنع ذلك إل مهن جههل أمهر ال تعالى .فقال سهعد :بئس مها قلت يها ابهن أخهي! فقال الضحاك :فإن
عمههر بههن الخطاب قههد نهههى عههن ذلك .فقال سههعد :قههد صههنعها رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم
وصنعناها معه ،هذا حديث صحيح.
وروى ابهن إسهحاق عهن الزهري عهن سهالم قال :إنهي لجالس مهع ابهن عمهر فهي المسهجد إذ جاءه
رجهل مهن أههل الشام فسهأل عهن التمتهع بالعمرة إلى الحهج ،فقال ابهن عمهر( :حسهن جميهل .قال :فإن
أباك كان ينهى عنها .فقال :ويلك فإن كان أبي نهى عنها وقد فعله رسول ال صلى ال عليه وسلم
وأمههر بههه ،أفبقول أبههي آخههذ ،أم بأمههر رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم !؟ قههم عنههي ).أخرجههه
الدارقطنهي ،وأخرجهه أبهو عيسهى الترمذي مهن حديهث صهالح بهن كيسهان عهن ابهن شهاب عهن سهالم.
وروي عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال( :تمتع رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر
وعمر وعثمان ،وأول من نههى عنهها معاوية) حديهث حسن .قال أبو عمر :حديث ليث هذا حديث
منكر ،وهو ليث بن أبي سليم ضعيف .والمشهور عن عمر وعثمان أنهما كانا ينهيان عن التمتع،
وإن كان جماعة من أهل العلم قد زعموا أن المتعة التي نهى عنها عمر وضرب عليها فسخ الحج
في العمرة .فأما التمتع بالعمرة إلى الحج فل .وزعم من صحح نهي عمر عن التمتع أنه إنما نهى
عنهه لينتجهع البيهت مرتيهن أو أكثهر فهي العام حتهى تكثهر عمارتهه بكثرة الزوار له فهي غيهر الموسهم،
وأراد إدخال الرفهق على أههل الحرم بدخول الناس تحقيقها لدعوة إبراهيهم" :فاجعهل أفئدة مهن الناس
تهوي إليههم" [إبراهيهم .]37 :وقال آخرون :إنمها نههى عنهها لنهه رأى الناس مالوا إلى التمتهع
ليسارته وخفته ،فخشي أن يضيع الفراد والقران وهما سنتان للنبي صلى ال عليه وسلم .واحتج
أحمد في اختياره التمتع بقوله صلى ال عليه وسلم( :لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت
الهدي ولجعلتهها عمرة) .أخرجهه الئمهة .وقال آخرون :القران أفضهل ،منههم أبهو حنيفهة والثوري،
وبههه قال المزنههي قال :لنههه يكون مؤديهها للفرضيههن جميعهها ،وهههو قول إسههحاق .قال إسههحاق :كان
رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم قارنها ،وههو قول علي بهن أبهي طالب .واحتهج مهن اسهتحب القران
وفضله بمها رواه البخاري عهن عمهر بهن الخطاب قال :سهمعت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم
بوادي العقيهق يقول( :أتانهي الليلة آت مهن ربهي فقال صهل فهي هذا الوادي المبارك وقهل عمرة فهي
حجهة) .وروى الترمذي عهن أنهس قال سهمعت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يقول( :لبيهك بعمرة
وحجهة) .وقال :حديهث حسهن صهحيح .قال أبهو عمهر :والفراد إن شاء ال أفضهل ،لن رسهول ال
صهلى ال عليهه وسهلم كان مفردا ،فلذلك قلنها إنهه أفضهل ،لن الثار أصهح عنهه فهي إفراده صهلى ال
عليهه وسهلم ،ولن الفراد أكثهر عمل ثهم العمرة عمهل آخهر .وذلك كله طاعهة والكثهر منهها أفضهل.
وقال أبهو جعفهر النحاس :المفرد أكثهر تعبها مهن المتمتهع ،لقامتهه على الحرام وذلك أعظهم لثوابهه.
والوجهه فهي اتفاق الحاديهث أن رسهول ال صهلى ال عليه وسهلم لمها أمرنها بالتمتهع والقران جاز أن
يقال :تمتع رسول ال صلى ال عليه وسلم وقرن ،كما قال جل وعز" :ونادى فرعون في قومه"
[الزخرف .]51 :وقال عمهر بهن الخطاب :رجمنها ورجهم رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم ،وإنمها
أمر بالرجم.
قلت :الظههر فهي حجتهه عليهه السهلم القران ،وأنهه كان قارنها ،لحديهث عمهر وأنهس المذكوريهن.
وفي صحيح مسلم عن بكر عن أنس قال( :سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة
معا) .قال بكر :فحدثت بذلك ابن عمر فقال :لبى بالحج وحده ،فلقيت أنسا فحدثته بقول ابن عمر،
فقال أنهس :مها تعدوننها إل صهبيانا! سهمعت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم يقول( :لبيهك عمرة
وحجا) .وفي صحيح مسلم أيضا عن ابن عباس قال :أهل النبي صلى ال عليه وسلم بعمرة وأهل
أصحابه بحج ،فلم يحل النبي صلى ال عليه وسلم ول من ساق الهدي من أصحابه ،وحل بقيتهم.
قال بعض أهل العلم :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم قارنا ،وإذا كان قارنا فقد حج واعتمر،
واتفقهت الحاديهث .وقال النحاس :ومهن أحسهن مها قيهل فهي هذا أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم
أههل بعمرة ،فقال مهن رآه :تمتهع ثهم أههل بحجهة .فقال مهن رآه :أفرد ثهم قال( :لبيهك بحجهة وعمرة).
فقال من سمعه :قرن .فاتفقت الحاديث .والدليل على هذا أنه لم يرو أحد عن النبي صلى ال عليه
وسهلم أنهه قال :أفردت الحهج ول تمتعهت .وصهح عنهه أنهه قال( :قرنهت) كمها رواه النسهائي عهن علي
أنهه قال :أتيهت رسهول ال صهلى ال عليه وسهلم فقال لي( :كيهف صهنعت) قلت :أهللت بإهللك .قال
(فإني سقت الهدي وقرنت) .قال وقال صلى ال عليه وسلم لصحابه( :لو استقبلت من أمري كما
اسهتدبرت لفعلت كمها فعلتهم ولكنهي سهقت الهدي وقرنهت) .وثبهت عهن حفصهة قالت قلت :يها رسهول
ال ،مها بال الناس قهد حلوا مهن عمرتههم ولم تحلل أنهت؟ قال( :إنهي لبدت رأسهي وسهقت هدي فل
أحل حتى أنحر) .وهذا يبين أنه كان قارنا ،لنه لو كان متمتعا أو مفردا لم يمتنع من نحر الهدي.
قلت :مها ذكره النحاس أنهه لم يرو أحهد أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال( :أفردت الحهج) فقهد
تقدم من رواية عائشة أنه قال( :وأما أنا فأهل بالحج) .وهذا معناه :فأنا أفرد الحج ،إل أنه يحتمل
أن يكون قهد أحرم بالعمرة ،ثهم قال :فأنها أههل بالحهج .وممها يهبين هذا مها رواه مسهلم عهن ابهن عمهر،
وفيهه :وبدأ رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فأههل بالعمرة ثهم أههل بالحهج ،فلم يبهق فهي قوله( :فأنها
أهل بالحج) دليل على الفراد .وبقي قوله عليه السلم( :فإني قرنت) .وقول أنس خادمه أنه سمعه
يقول( :لبيك بحجة وعمرة معا) نص صريح في القران ل يحتمل التأويل .وروى الدارقطني عن
عبدال بن أبي قتادة عن أبيه قال :إنما جمع رسول ال صلى ال عليه وسلم بين الحج والعمرة لنه
علم أنه ليس بحاج بعدها.
@ وإذا مضى القول في الفراد والتمتع والقران وأن كل ذلك جائز بإجماع فالتمتع بالعمرة إلى
الحهج عنهد العلماء على أربعهة أوجهه ،منهها وجهه واحهد مجتمهع عليهه ،والثلثهة مختلف فيهها .فأمها
الوجهه المجتمهع عليهه فههو التمتهع المراد بقول ال جهل وعهز" :فمهن تمتهع بالعمرة إلى الحهج فمها
اسهتيسر مهن الهدي" وذلك أن يحرم الرجهل بعمرة فهي أشههر الحهج -على مها يأتهي بيانهها -وأن
يكون مهن أههل الفاق ،وقدم مكهة ففرغ منهها ثهم أقام حلل بمكهة إلى أن أنشهأ الحهج منهها فهي عامهه
ذلك قبل رجوعه إلى بلده ،أو قبل خروجه إلى ميقات أهل ناحيته ،فإذا فعل ذلك كان متمتعا وعليه
مها أوجب ال على المتمتهع ،وذلك مها استيسر من الهدي ،يذبحه ويعطيهه للمساكين بمنهى أو بمكة،
فإن لم يجهد صهام ثلثهة أيام ،وسهبعة إذا رجهع إلى بلده -على مها يأتهي -وليهس له صهيام يوم النحهر
بإجماع من المسلمين .واختلف في صيام أيام التشريق على ما يأتي.
فهذا إجماع مهن أههل العلم قديمها وحديثها فهي المتعهة ،ورابطهها ثمانيهة شروط :الول :أن يجمهع
بين الحج والعمرة .الثاني :في سفر واحد .الثالث :في عام واحد .الرابع :في أشهر الحج .الخامس:
تقديم العمرة .السادس :أل يمزجها ،بل يكون إحرام الحج بعد الفراغ من العمرة .السابع :أن تكون
العمرة والحهج عهن شخهص واحهد .الثامهن :أن يكون مهن غيهر أههل مكهة .وتأمهل هذه الشروط فيمها
وصفنا من حكم التمتع تجدها.
والوجهه الثانهي مهن وجوه التمتهع بالعمرة إلى الحهج :القران ،وههو أن يجمهع بينهمها فهي إحرام
واحهد فيههل بهمها جميعها فهي أشههر الحهج أو غيرهها ،يقول :لبيهك بحجهة وعمرة معها ،فإذا قدم مكهة
طاف لحجتهه وعمرتهه طوافها واحدا وسهعى سهعيا واحدا ،عنهد مهن رأى ذلك ،وههم مالك والشافعهي
وأصهحابهما وإسهحاق وأبهو ثور ،وههو مذههب عبدال بهن عمهر وجابر بهن عبدال وعطاء بهن أبهي
رباح والحسهن ومجاههد وطاوس ،لحديهث عائشهة رضهي ال عنهها قالت( :خرجنها مهع رسهول ال
صهلى ال عليهه وسهلم فهي حجهة الوداع فأهللنها بعمرة )...الحديهث .وفيهه( :وأمها الذيهن جمعوا بيهن
الحهج والعمرة فإنمها طافوا طوافها واحدا) أخرجهه البخاري .وقال صهلى ال عليهه وسهلم لعائشهة يوم
النفر ولم تكن طافت بالبيت وحاضت( :يسعك طوافك لحجك وعمرتك) في رواية( :يجزئ عنك
طوافهك بالصهفا والمروة عهن حجهك وعمرتهك) .أخرجهه مسهلم -أو طاف طوافيهن وسهعى سهعيين،
عنهد مهن رأى ذلك ،وههو أبهو حنيفهة وأصهحابه والثوري والوزاعهي والحسهن بهن صهالح وابهن أبهي
ليلى ،وروي عن علي وابن مسعود ،وبه قال الشعبي وجابر بن زيد .واحتجوا بأحاديث عن علي
عليهه السهلم أنهه جمهع بيهن الحهج والعمرة فطاف لهمها طوافيهن وسهعى لهمها سهعيين ،ثهم قال :هكذا
رأيهت رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فعهل .أخرجهمها الدارقطنهي فهي سهننه وضعفهها كلهها ،وإنمها
جعل القران من باب التمتع ،لن القارن يتمتع بترك النصب في السفر إلى العمرة مرة وإلى الحج
أخرى ،ويتمتهع بجمعهمها ،ولم يحرم لكهل واحهد مهن ميقاتهه ،وضهم الحهج إلى العمرة ،فدخهل تحهت
قول ال عز وجل" :فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي" .وهذا وجه من التمتع ل
خلف بيههن العلماء فههي جوازه .وأهههل المدينههة ل يجيزون الجمههع بيههن العمرة والحههج إل بسههياق
الهدي ،وهو عندهم بدنة ل يجوز دونها .ومما يدل على أن القران تمتع قول ابن عمر :إنما جعل
القران لهههل الفاق ،وتل قول ال جههل وعههز" :ذلك لمههن لم يكههن أهله حاضري المسههجد الحرام"
فمهن كان مهن حاضري المسهجد الحرام وتمتهع أو قرن لم يكهن عليهه دم قران ول تمتهع .قال مالك:
وما سمعت أن مكيها قرن ،فإن فعل لم يكهن عليه هدي ول صيام ،وعلى قول مالك جمهور الفقهاء
فهي ذلك .وقال عبدالملك بهن الماجشون :إذا قرن المكهي الحهج مهع العمرة كان عليهه دم القران مهن
أجل أن ال إنما أسقط عن أهل مكة الدم والصيام في التمتع.
والوجه الثالث من التمتع :هو الذي توعد عليه عمر بن الخطاب وقال( :متعتان كانتا على عهد
رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم أنها أنههى عنهمها وأعاقهب عليهمها :متعهة النسهاء ومتعهة الحهج) وقهد
تنازع العلماء فهي جواز هذا بعهد هلم جرا ،وذلك أن يحرم الرجهل بالحهج حتهى إذا دخهل مكهة فسهخ
حجه في عمرة ،ثم حل وأقام حلل حتى يهل بالحج يوم التروية .فهذا هو الوجه الذي تواردت به
الثار عهن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم (فيهه أنهه أمهر أصهحابه فهي حجتهه مهن لم يكهن معهه هدي ولم
يسهقه وقهد كان أحرم بالحهج أن يجعلهها عمرة) وقهد أجمهع العلماء على تصهحيح الثار بذلك عنهه
صلى ال عليه وسلم ولم يدفعوا شيئا منها ،إل أنهم اختلفوا في القول بها والعمل لعلل فجمهورهم
على ترك العمل بها ،لنها عندهم خصوص خص بها رسول ال صلى ال عليه وسلم أصحابه في
حجته تلك .قال أبو ذر( :كانت المتعة لنا في الحج خاصة) أخرجه مسلم .وفي رواية عنه أنه قال:
(ل تصلح المتعتان إل لنا خاصة ،يعني متعة النساء ومتعة الحج) والعلة في الخصوصية ووجه
الفائدة فيهها مها قاله ابهن عباس رضهي ال عنهه قال( :كانوا يرون أن العمرة فهي أشههر الحهج مهن
أفجهر الفجور فهي الرض ويجعلون المحرم صهفرا ويقولون :إذا برأ الدبر ،وعفها الثهر ،وانسهلخ
صهفر ،حلت العمرة لمهن اعتمهر .فقدم النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وأصهحابه صهبيحة رابعهة مهليهن
بالحج ،فأمرهم أن يجعلوها عمرة ،فتعاظم ذلك عندهم فقالوا :يا رسول ال ،أي الحل؟ قال( :الحل
كله) .أخرجه مسلم .وفي المسند الصحيح لبي حاتم عن ابن عباس قال( :وال ما أعمر رسول ال
صهلى ال عليهه وسهلم عائشهة فهي ذي الحجهة إل ليقطهع بذلك أمهر أههل الشرك ،فإن هذا الحهي مهن
قريهش ومهن دان دينههم كانوا يقولون :إذا عفها الوبر ،وبرأ الدبر ،وانسهلخ صهفر ،حلت العمرة لمهن
اعتمهر .فقهد كانوا يحرمون العمرة حتهى ينسهلخ ذو الحجهة ،فمها أعمهر رسهول ال صهلى ال عليهه
وسلم عائشة إل لينقض ذلك من قولهم) ففي هذا دليل علي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم إنما
فسههخ الحههج فههي العمرة ليريهههم أن العمرة فههي أشهههر الحههج ل بأس بههها .وكان ذلك له ولمههن معههه
خاصة ،لن ال عز وجل قد أمر بإتمام الحج والعمرة كل من دخل فيها أمرا مطلقا ،ول يجب أن
يخالف ظاهر كتاب ال إل إلى ما ل إشكال فيه من كتاب ناسخ أو سنة مبينة .واحتجوا بما ذكرناه
عهن أبهي ذر وبحديهث الحارث بهن بلل عهن أبيهه قال قلنها :يها رسهول ال ،فسهخ الحهج لنها خاصهة أم
للناس عامههة؟ قال( :بههل لنهها خاصههة) .وعلى هذا جماعههة فقهاء الحجاز والعراق والشام ،إل شيههء
يروى عهن ابهن عباس والحسهن والسهدي ،وبهه قال أحمهد بهن حنبهل .قال أحمهد :ل أرد تلك الثار
الواردة المتواترة الصحاح في فسخ الحج في العمرة بحديث الحارث بن بلل عن أبيه وبقول أبي
ذر .قال :ولم يجمعوا على مها قال أبهو ذر ،ولو أجمعوا كان حجهة ،قال :وقهد خالف ابهن عباس أبها
ذر ولم يجعله خصوصا .واحتج أحمد بالحديث الصحيح ،حديث جابر الطويل في الحج ،وفيه :أن
النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال( :لو أنهي اسهتقبلت مهن أمري مها اسهتدبرت لم أسهق الهدي وجعلتهها
عمرة) فقام سهراقة بهن مالك بهن جعشهم فقال :يها رسهول ال ،ألعامنها هذا أم لبهد؟ فشبهك رسهول ال
صهلى ال عليهه وسهلم أصهابعه واحدة فهي الخرى وقال( :دخلت العمرة فهي الحهج -مرتيهن -ل بهل
لبهد أبهد) لفهظ مسهلم .وإلى هذا وال أعلم مال البخاري حيهث ترجهم [باب مهن لبهى بالحهج وسهماه]
وساق حديث جابر بن عبدال :قدمنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ونحن نقول :لبيك بالحج،
فأمرنها رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فجعلناهها عمرة .وقال قوم :إن أمهر النهبي صهلى ال عليهه
وسلم بالحلل كان على وجه آخر .وذكهر مجاهد ذلك الوجه ،وهو أن أصحاب رسول ال صلى
ال عليهه وسهلم مها كانوا فرضوا الحهج أول ،بهل أمرههم أن يهلوا مطلقها وينتظروا مها يؤمرون بهه،
وكذلك أهههل علي باليمههن .وكذلك كان إحرام النههبي صههلى ال عليههه وسههلم ،ويدل عليههه قوله عليههه
السلم( :لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى وجعلتها عمرة) فكأنه خرج ينتظر ما
يؤمهر بهه ويأمهر؟؟ أصهحابه بذلك ،ويدل على ذلك قوله عليهه السهلم( :أتانهي آت مهن ربهي فهي هذا
الوادي المبارك وقال قل حجة في عمرة).
والوجه الرابع من المتعة :متعة المحصر ومن صد عن البيت ،ذكر يعقوب بن شيبة قال حدثنا
أبو سلمة التبوذكي حدثنا وهيب حدثنا إسحاق بن سويد قال سمعت عبدال بن الزبير وهو يخطب
يقول :أيهها الناس ،إنهه وال ليهس التمتهع بالعمرة إلى الحهج كمها تصهنعون ،ولكهن التمتهع أن يخرج
الرجل حاجا فيحبسه عدو أو أمر يعذر به حتى تذهب أيام الحج ،فيأتي البيت فيطوف ويسعى بين
الصفا والمروة ،ثم يتمتع بحله إلى العام المستقبل ثم يحج ويهدي.
وقد مضى القول في حكم المحصر وما للعلماء في ذلك مبينا ،والحمد ل.
فكان من مذهبه أن المحصر ل يحل ولكنه يبقى على إحرامه حتى يذبح عنه الهدي يوم النحر،
ثم يحلق ويبقى على إحرامه حتى يقدم مكة فيتحلل من حجه بعمل عمرة .والذي ذكره ابن الزبير
خلف عموم قوله تعالى" :فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" بعد قوله" :وأتموا الحج والعمرة
ل" ولم يفصل في حكم الحصار بين الحج والعمرة ،والنبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه حين
أحصروا بالحديبية حلوا وحل ،وأمرهم بالحلل.
واختلف العلماء أيضها لم سهمي المتمتهع متمتعها ،فقال ابهن القاسهم :لنهه تمتهع بكهل مها ل يجوز
للمحرم فعله مهن وقهت حله فهي العمرة إلى وقهت إنشائه الحهج .وقال غيره :سهمي متمتعها لنهه تمتهع
بإسهقاط أحهد السهفرين ،وذلك أن حهق العمرة أن تقصهد بسهفر ،وحهق الحهج كذلك ،فلمها تمتهع بإسهقاط
أحدهما ألزمه ال هديا ،كالقارن الذي يجمع بين الحج والعمرة في سفر واحد ،والوجه الول أعم،
فإنهه يتمتهع بكهل مها يجوز للحلل أن يفعله ،وسهقط عنهه السهفر بحجهه مهن بلده ،وسهقط عنهه الحرام
مهن ميقاتهه فهي الحهج .وهذا ههو الوجهه الذي كرههه عمهر وابهن مسهعود ،وقال أو قال أحدهمها :يأتهي
أحدكهم منهي وذكره يقطهر منيها ،وقهد أجمهع المسهلمون على جواز هذا .وقهد قال جماعهة مهن العلماء:
إنما كرهه عمر لنه أحب أن يزار البيت في العام مرتين :مرة في الحج ،ومرة في العمرة .ورأى
الفراد أفضهل ،فكان يأمهر بهه ويميهل إليهه وينههى عهن غيره اسهتحبابا ،ولذلك قال( :افصهلوا بيهن
حجكم وعمرتكم ،فإنه أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج)
@ اختلف العلماء فيمهن اعتمهر فهي أشههر الحهج ثهم رجهع إلى بلده ومنزله ثهم حهج مهن عامهه ،فقال
الجمهور مهن العلماء :ليهس بمتمتهع ،ول هدي عليهه ول صهيام .وقال الحسهن البصهري :ههو متمتهع
وإن رجهع إلى أهله ،حهج أو لم يحهج .قال لنهه كان يقال :عمرة فهي أشههر الحهج متعهة ،رواه هشيهم
عن يونس عن الحسن .وقد روي عن يونس عن الحسن :ليس عليه هدي .والصحيح القول الول،
هكذا ذكهر أبهو عمهر حهج أو لم يحهج ولم يذكره ابهن المنذر .قال ابهن المنذر :وحجتهه ظاههر الكتاب
قوله عز وجل" :فمن تمتع بالعمرة إلى الحج" ولم يستثن :راجعا إلى أهله وغير راجع ،ولو كان
ل جل ثناؤه في ذلك مراد لبينه في كتابه أو على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم .وقد روي
عهن سهعيد بهن المسهيب مثهل قول الحسهن .قال أبهو عمهر :وقهد روي عهن الحسهن أيضها فهي هذا الباب
قول لم يتابع عليه أيضا ،ول ذهب إليه أحد من أهل العلم .وذلك أنه قال :من اعتمر بعد يوم النحر
فههي متعهة .وقهد روي عهن طاوس قولن همها أشهد شذوذا ممها ذكرنها عهن الحسهن ،أحدهمها :أن مهن
اعتمر في غير أشهر الحج ثم أقام حتى دخل وقت الحج ،ثم حج من عامه أنه متمتع .هذا لم يقل
بهه أحهد مهن العلماء غيره ،ول ذههب إليهه أحهد مهن فقهاء المصهار .وذلك -وال أعلم -أن شهور
الحههج أحههق بالحههج مههن العمرة ،لن العمرة جائزة فههي السههنة كلههها ،والحههج إنمهها موضعههه شهور
معلومة ،فإذا جعل أحد العمرة في أشهر الحج فقد جعلها في موضع كان الحج أولى به ،إل أن ال
تعالى قد رخص في كتابه وعلى لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم في عمل العمرة في أشهر
الحج للمتمتع وللقارن ولمن شاء أن يفردها ،رحمة منه ،وجمل فيه ما استيسر من الهدي .والوجه
الخهر قاله فهي المكهي إذا تمتهع مهن مصهر مهن المصهار فعليهه الهدي ،وهذا لم يعرج عليهه ،لظاههر
قوله تعالى" :ذلك لمهن لم يكهن أهله حاضري المسهجد الحرام" والتمتهع الجائز عنهد جماعهة العلماء
ما أوضحناه بالشرائط التي ذكرناها ،وبال توفيقنا.
@ أجمع العلماء على أن رجل من غير أهل مكة لو قدم مكة معتمرا في أشهر الحج عازما على
القامهة بهها ثهم أنشهأ الحهج مهن عامهه فحهج أنهه متمتهع ،عليهه مها على المتمتهع .وأجمعوا فهي المكهي
يجيء من وراء الميقات محرما بعمرة ،ثم ينشئ الحج من مكة وأهله بمكة ولم يسكن سواها أنه ل
دم عليهه ،وكذلك إذا سهكن غيرهها وسهكنها وكان له فيهها أههل وفهي غيرهها .وأجمعوا على أنهه إن
انتقل من مكة بأهله ثم قدمها في أشهر الحج معتمرا فأقام بها حتى حج من عامه أنه متمتع.
@ واتفهق مالك والشافعهي وأبهو حنيفهة وأصهحابهم والثوري وأبهو ثور على أن المتمتهع يطوف
لعمرته بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ،وعليه بعد أيضا طواف آخر بحجة وسعي بين الصفا
والمروة .وروي عن عطاء وطاوس أنه يكفيه سعي واحد بين الصفا والمروة ،والول المشهور،
وهو الذي عليه الجمهور ،وأما طواف القارن فقد تقدم.
@ واختلفوا فيمن أنشأ عمرة في غير أشهر الحج ثم عمل لها في أشهر الحج ،فقال مالك :عمرته
فهي الشههر الذي حل فيهه ،يريهد إن كان حل منهها فهي غيهر أشههر الحج فليهس بمتمتهع ،وإن كان حهل
منهها فهي أشههر الحهج فههو متمتهع إن حهج مهن عامهه .وقال الشافعهي :إذا طاف بالبيهت فهي الشههر
الحرم للعمرة فههو متمتهع إن حهج مهن عامهه ،وذلك أن العمرة إنمها تكمهل بالطواف بالبيهت ،وإنمها
ينظر إلى كمالها ،وهو قول الحسن البصري والحكم بن عيينة وابن شبرمة وسفيان الثوري .وقال
قتادة وأحمد وإسحاق :عمرته للشهر الذي أهل فيه ،وروي معنى ذلك عن جابر بن عبدال .وقال
طاوس :عمرته للشهر الذي يدخل فيه الحرم .وقال أصحاب الرأي :إن طاف لها ثلثة أشواط في
رمضان ،وأربعههة أشواط فههي شوال فحههج مههن عامههه أنههه متمتههع .وإن طاف فههي رمضان أربعههة
أشواط ،وفي شوال ثلثة أشواط لم يكن متمتعا .وقال أبو ثور :إذا دخل في العمرة في غير أشهر
الحهج فسهواء أطاف لهها فهي رمضان أو فهي شوال ل يكون بهذه العمرة متمتعها .وههو معنهى قول
أحمد وإسحاق :عمرته للشهر الذي أهل فيه.
@ أجمهع أههل العلم على أن لمهن أههل بعمرة فهي أشههر الحهج أن يدخهل عليهها الحهج مها لم يفتتهح
الطواف بالبيهت ،ويكون قارنها بذلك ،يلزمهه مها يلزم القارن الذي أنشهأ الحهج والعمرة معها .واختلقوا
في إدخال الحج على العمرة بعد أن افتتح الطواف ،فقال مالك :يلزمه ذلك ويصير قارنا ما لم يتم
طوافهه ،وروي مثله عهن أبهي حنيفهة ،والمشهور عنهه أنهه ل يجوز إل قبهل الخهذ فهي الطواف ،وقهد
قيهل :له أن يدخهل الحهج على العمرة مها لم يركهع ركعتهي الطواف .وكهل ذلك قول مالك وأصهحابه.
فإذا طاف المعتمر شوطا واحد لعمرته ثم أحرم بالحج صار قارنا ،وسقط عنه باقي عمرته ولزمه
دم القران .وكذلك مههن أحرم بالحههج فههي أضعاف طوافههه أو بعههد فراغههه منههه قبههل ركوعههه .وقال
بعضهم :له أن يدخل الحج على العمرة ما لم يكمل السعي بين الصفا والمروة .قال أبو عمر :وهذا
كله شذوذ عند أهل العلم .وقال أشهب :إذا طاف لعمرته شوطا واحدا لم يلزمه الحرام به ولم يكن
قارنها ،ومضهى على عمرتهه حتهى يتمهها ثهم يحرم بالحهج ،وهذا قول الشافعهي وعطاء ،وبهه قال أبهو
ثور.
@ واختلفوا فهي إدخال العمرة على الحهج ،فقال مالك وأبهو ثور وإسهحاق :ل تدخهل العمرة على
الحهج ،ومهن أضاف العمرة إلى الحهج فليسهت العمرة بشيهء ،قاله مالك ،وههو أحهد قولي الشافعهي،
وههو المشهور عنهه بمصهر .وقال أبهو حنيفهة وأصهحابه والشافعهي فهي القديهم :يصهير قارنها ،ويكون
عليه ما على القارن ما لم يطف بحجته شوطا واحدا ،فإن طاف لم يلزمه ،لنه قد عمل في الحج.
قال ابن المنذر :وبقول مالك أقول في هذه المسألة.
@ قال مالك :من أهدى هديا للعمرة وهو متمتع لم يجز ذلك ،وعليه هدي آخر لمتعته ،لنه إنما
يصير متمتعا إذا أنشأ الحج بعد أن حل من عمرته ،وحينئذ يجب على الهدي .وقال أبو حنيفة وأبو
ثور وإسهحاق :ل ينحهر هديهه إل يوم النحهر .وقال أحمهد :إن قدم المتمتهع قبهل العشهر طاف وسهعى
ونحهر هديهه ،وإن قدم فهي العشهر لم ينحهر إل يوم النحهر ،وقاله عطاء .وقال الشافعهي :يحهل مهن
عمرته إذا طاف وسعى ،ساق هديا أو لم يسقه.
@ واختلف مالك والشافعهي فهي المتمتهع يموت ،فقال الشافعهي :إذا أحرم بالحهج وجهب عليهه دم
المتعة إذا كان واجدا لذلك ،حكاه الزعفراني عنه .وروى ابن وهب عن مالك أنه سئل عن المتمتع
يموت بعهد مها يحرم بالحهج بعرفهة أو غيرهها ،أترى عليهه هديها؟ قال :مهن مات مهن أولئك قبهل أن
يرمي جمرة العقبة فل أرى عليه هديا ،ومن رمى الجمرة ثم مات فعليه الهدي .قيل له :من رأس
المال أو من الثلث؟ قال :بل من رأس المال.
**4قوله تعالى{ :فمن لم يجد فصيام ثلثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك
لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا ال واعلموا أن ال شديد العقاب}
@قوله تعالى" :فمهن لم يجهد" يعنهي الهدي ،إمها لعدم المال أو لعدم الحيوان ،صهام ثلثهة أيام فهي
الحج وسبعة إذا رجع إلى بلده .والثلثة اليام في الحج آخرها يوم عرفة ،هذا قول طاوس ،وروي
عهن الشعهبي وعطاء ومجاههد والحسهن البصهري والنخعهي وسهعيد بهن جهبير وعلقمهة وعمرو بهن
دينار وأصهحاب الرأي ،حكاه ابهن المنذر .وحكهى أبهو ثور عهن أبهي حنيفهة يصهومها فهي إحرامهه
بالعمرة ،لنهه أحهد إحرامهي التمتهع ،فجاز صهوم اليام فيهه كإحرامهه بالحهج .وقال أبهو حنيفهة أيضها
وأصهحابه :يصهوم قبهل يوم الترويهة يومها ،ويوم الترويهة ويوم عرفهة .وقال ابهن عباس ومالك بهن
أنهس :له أن يصهومها منهذ يحرم بالحهج إلى يوم النحهر ،لن ال تعالى قال" :فصهيام ثلثهة أيام فهي
الحههج" فإذا صههامها فههي العمرة فقههد أتاه قبههل وقتههه فلم يجزه .وقال الشافعههي وأحمههد بههن حنبههل:
يصهومهن مها بيهن أن يههل بالحهج إلى يوم عرفهة ،وههو قول ابهن عمهر وعائشهة ،وروي هذا عهن
مالك ،وهههو مقتضههى قوله فههي موطئه ،ليكون يوم عرفههة مفطرا ،فذلك أتبههع للسههنة ،وأقوى على
العبادة ،وسهههيأتي .وعهههن أحمهههد أيضههها :جائز أن يصهههوم الثلثهههة قبهههل أن يحرم .وقال الثوري
والوزاعي :يصومهن من أول أيام العشر ،وبه قال عطاء .وقال عروة :يصومها ما دام بمكة في
أيام منى ،وقاله أيضا مالك وجماعة من أهل المدينة.
وأيام منهى ههي أيام التشريهق الثلثهة التهي تلي يوم النحهر .روى مالك فهي الموطهأ عهن عائشهة أم
المؤمنيهن أنهها كانهت تقول" :الصهيام لمهن تمتهع بالعمرة إلى الحهج لمهن لم يجهد هديها مها بيهن أن يههل
بالحهج إلى يوم عرفهة ،فإن لم يصهم صهام أيام منهى" .وهذا اللفهظ يقتضهي صهحة الصهوم مهن وقهت
يحرم بالحج المتمتع إلى يوم عرفة ،وأن ذلك مبدأ ،إما لنه وقت الداء وما بعد ذلك من ذلك من
أيام منى وقت القضاء ،على ما يقول أصحاب الشافعي ،وإما لن في تقديم الصيام قبل يوم النحر
إبراء للذمهة ،وذلك مأمور بهه .والظههر مهن المذههب أنهها على وجهه الداء ،وإن كان الصهوم قبلهها
أفضهل ،كوقهت الصهلة الذي فيهه سهعة للداء وإن كان أوله أفضهل مهن آخره .وهذا ههو الصهحيح
وأنها أداء ل قضاء ،فإن قوله" :أيام في الحج" يحتمل أن يريد موضع الحج ويحتمل أن يريد أيام
الحهج ،فإن كان المراد أيام الحهج فهذا القول صهحيح ،لن آخهر أيام الحهج يوم النحهر ،ويحتمهل أن
يكون آخر أيام الحج أيام الرمي ،لن الرمي عمل من عمل الحج خالصا وإن لم يكن من أركانه.
وإن كان المراد موضهع الحهج صهامه مها دام بمكهة فهي أيام منهى ،كمها قال عروة ،ويقوى جدا .وقهد
قال قوم :له أن يؤخرها ابتداء إلى أيام التشريق ،لنه ل يجب عليه الصيام إل بأل يجد الهدي يوم
النحهر .فإن قيهل :فقهد ذههب جماعهة مهن أههل المدينهة والشافعهي فهي الجديهد وعليه أكثهر أصهحابه إلى
أنه ل يجوز صوم أيام التشريق لنهي رسول ال صلى ال عليه وسلم عن صيام أيام منى ،قيل له:
إن ثبت النهي فهو عام يخصص منه المتمتع بما ثبت في البخاري أن عائشة كانت تصومها .وعن
ابههن عمههر وعائشههة قال :لم يرخههص فههي أيام التشريههف أن يصههمن إل لمههن لم يجههد الهدي .وقال
الدارقطني :إسناده صحيح ،ورواه مرفوعها عن ابن عمر وعائشة مهن طرق ثلثة ضعفهها .وإنمها
رخهص فهي صهومها لنهه لم يبهق مهن أيامه إل بمقدارها ،وبذلك يتحقهق وجوب الصوم لعدم الهدي.
قال ابن المنذر :وقد روينا عن علي بن أبي طالب أنه قال :إذا فاته الصوم صام بعد أيام التشريق،
وقال الحسهن وعطاء .قال ابهن المنذر :وكذلك نقول .وقالت طائفهة :إذا فاتهه الصهوم فهي العشهر لم
يجزه إل الهدي .روي ذلك عن ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس ومجاهد ،وحكاه أبو عمر عن
أبي حنيفة وأصحابه عنه ،فتأمله.
@ أجمع العلماء على أن الصوم ل سبيل للمتمتع إليه إذا كان يجد الهدي ،واختلفوا فيه إذا كان
غير واجد للهدي فصام ثم وجد الهدي قبل إكمال صومه ،فذكر ابن وهب عن مالك قال :إذا دخل
فهي الصهوم ثهم وجهد هديها فأحهب إلي أن يهدي ،فإن لم يفعهل أجزاه الصهيام .وقال الشافعهي :يمضهي
في صومه وهو فرضه ،وكذلك قال أبو ثور ،وهو قول الحسن وقتادة ،واختاره ابن المنذر .وقال
أبو حنيفة :إذا أيسر في اليوم الثالث من صومه بطل الصوم ووجب عليه الهدي ،وإن صام ثلثة
أيام فهي الحهج ثهم أيسهر كان له أن يصهوم السهبعة اليام ل يرجهع إلى الهدي ،وبهه قال الثوري وابهن
أبي نجيح وحماد.
@قوله تعالى" :وسهبعة" قراءة الجمهور بالخفهض على العطهف .وقرأ زيهد بهن علي "وسهبعة"
بالنصههب ،على معنههى :وصههوموا سههبعة" .إذا رجعتههم" يعنههي إلى بلدكههم ،قاله ابههن عمههر وقتادة
والربيهع ومجاههد وعطاء ،وقاله مالك فهي كتاب محمهد ،وبهه قال الشافعهي .قال قتادة والربيهع :هذه
رخصة من ال تعالى ،فل يجب على أحد صوم السبعة إل إذا وصل وطنه ،إل أن يتشدد أحد ،كما
يفعل من يصوم في السفر في رمضان .وقال أحمد وإسحاق :يجزيه الصوم في الطريق ،وروي
عههن مجاهههد وعطاء .قال مجاهههد :إن شاء صههامها فههي الطريههق ،إنمهها هههي رخصههة ،وكذلك قال
عكرمة والحسن .والتقدير عند بعض أهل اللغة :إذا رجعتم من الحج ،أي إذا رجعتم إلى ما كنتم
عليه قبل الحرام من الحل .وقال مالك في الكتاب :إذا رجع من منى فل بأس أن يصوم وقال ابن
العربي :إن كان تخفيفا ورخصة فيجوز تقديم الرخص وترك الرفق فيها إلى العزيمة إجماعا .وإن
كان ذلك توقيتا فليس فيه نص ،ول ظاهر أنه أراد البلد ،وأنها المراد في الغلب.
قلت :بهل فيهه ظاههر يقرب إلى النهص ،يهبينه مها رواه مسهلم عهن ابهن عمهر قال :تمتهع رسهول ال
صلى ال عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى ،فساق معه الهدي من ذي الحليفة،
وبدأ رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم فأههل بالعمرة ثهم أههل بالحهج ،وتمتهع الناس مهع رسهول ال
صلى ال عليه وسلم بالعمرة إلى الحج ،فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ،ومنهم من لم يهد،
فلمها قدم رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم مكهة قال للناس( :مهن كان منكهم أهدى فإنهه ل يحهل مهن
شيههء حرم منههه حتههى يقضههي حجههه ومههن لم يكههن منكههم أهدى فليطههف بالبيههت وبالصههفا والمروة
وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد هديا فليصم ثلثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع
إلى أهله) الحديث .وهذا كالنص في أنه ل يجوز صوم السبعة اليام إل في أهله وبلده ،وال أعلم.
وكذا قال البخاري فهي حديهث ابهن عباس( :ثهم أمرنها عشيهة الترويهة أن نههل بالحهج فإذا فرغنها مهن
المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وقد تم حجنا وعلينا الهدي ،كما قال ال تعالى" :فما
اسهتيسر مهن الهدي فمهن لم يجهد فصهيام ثلثهة أيام فهي الحهج وسهبعة إذا رجعتهم إلى أمصهاركم)...
[البقرة ]196 :الحديث وسيأتي .قال النحاس :وكان هذا إجماعا.
@قوله تعالى" :تلك عشرة كاملة" يقال :كمهل يكمهل ،مثهل نصهر ينصهر .كمهل يكمهل ،مثهل عظهم
يعظم .وكمل يكمل ،مثل حمد يحمد ،ثلث لغات .واختلفوا في معنى قوله" :تلك عشرة" وقد علم
أنهها عشرة ،فقال الزجاج :لمها جاز أن يتوههم متوههم التخييهر بيهن ثلثهة أيام فهي الحهج أو سهبعة إذا
رجههع بدل منههها ،لنههه لم يقههل وسههبعة أخرى -أزيههل ذلك بالجملة مههن قوله "تلك عشرة" ثههم قال:
"كاملة" .وقال الحسن" :كاملة" في الثواب كمن أهدى .وقيل" :كاملة" في البدل عن الهدي ،يعني
العشرة كلهها بدل عهن الهدي .وقيهل" :كاملة" فهي الثواب كمهن لم يتمتهع .وقيهل :لفظهها لفهظ الخبار
ومعناهها المهر ،أي أكملوهها فذلك فرضهها .وقال المهبرد" :عشرة" دللة على انقضاء العدد ،لئل
يتوهم متوهم أنه قد بقي منه شيء بعد ذكر السبعة .وقيل :هو توكيد ،كما تقوله :كتبت بيدي .ومنه
قول الشاعر:
وسادسة تميل إلى شمامي ثلث واثنتان فهن خمس
فقول "خمس" تأكيد .ومثله قول الخر:
وست حين يدركني العشاء ثلث بالغداة فذاك حسي
وشرب المرء فوق الري داء فذلك تسعة في اليوم ريي
وقوله" :كاملة" تأكيهد آخهر ،فيهه زيادة توصهية بصهيامها وأل ينقهص مهن عددهها ،كمها تقول لمهن
تأمره بأمر ذي بال :ال ال ل تقصر.
@قوله تعالى" :ذلك لمهن لم يكهن أهله حاضري المسهجد الحرام" أي إنمها يجهب دم التمتهع عهن
الغريهب الذي ليهس مهن حاضري المسهجد الحرام .خرج البخاري "عهن ابهن عباس أنهه سهئل عهن
متعهة الحهج فقال :أههل المهاجرون والنصهار وأزواج النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فهي حجهة الوداع
وأهللنا ،فلما قدمنا مكة قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :اجعلوا إهللكم بالحج عمرة إل من
قلد الهدي) طفنا بالبيت وبالصفا والمروة وأتينا النساء ولبسنا الثياب ،وقال( :من قلد الهدي فإنه ل
يحهل حتهى يبلغ الهدي محله) ثهم أمرنها عشيهة الترويهة أن نههل بالحهج ،فإذا فرغنها مهن المناسهك جئنها
فطفنها بالبيهت وبالصهفا والمروة فقهد تهم حجنها وعلينها الهدي ،كمها قال ال تعالى" :فمها اسهتيسر مهن
الهدي فمهن لم يجهد فصهيام ثلثهة أيام فهي الحهج وسهبعة إذا رجعتهم" إلى أمصهاركم ،الشاة تجزي،
فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة فإن ال أنزله في كتابه وسنة نبيه صلى ال عليه وسلم
وأباحه للناس غير أهل مكة ،قال ال عز وجل" :ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام"
وأشهر الحج التي ذكر ال عز وجل شوال وذو القعدة وذو الحجة ،فمن تمتع في هذه الشهر فعليه
دم أو صوم .والرفث :الجماع والفسوق :المعاصي .والجدال :المراء.
@ اللم في قوله "لمن" بمعنى على ،أي وجوب الدم على من لم يكن من أهل مكة ،كقوله عليه
السهلم( :اشترطهي لههم الولء) .وقوله تعالى" :وإن أسهأتم فلهها" [السهراء ]7 :أي فعليهها .وذلك
إشارة إلى التمتهع والقران للغريب عنهد أبي حنيفة وأصحابه ،ل متعهة ول قران لحاضري المسجد
الحرام عندهم .ومن فعل ذلك كان عليه دم جناية ل يأكل منه ،لنه ليس بدم تمتع .وقال الشافعي:
لهههم دم تمتههع وقران .والشارة ترجههع إلى الهدي والصههيام ،فل هدي ول صههيام عليهههم .وفرق
عبدالملك بهن الماجشون بيهن التمتهع والقران ،فأوجهب الدم فهي القران وأسهقطه فهي التمتهع ،على مها
تقدم عنه.
@ واختلف الناس في حاضري المسجد الحرام -بعد الجماع على أن أهل مكة وما اتصل بها
من حاضريه .وقال الطبري :بعد الجماع على أهل الحرم .قال ابن عطية :وليس كما قال -فقال
بعض العلماء :من كان يجب عليه الجمعة فهو حضري ،ومن كان أبعد من ذلك فهو بدوي ،فجعل
اللفظة من الحضارة والبداوة .وقال مالك وأصحابه هم أهل مكة وما اتصل بها خاصة .وعند أبي
حنيفة وأصحابه :هم أهل المواقيت ومن وراءها من كل ناحية ،فمن كان من أهل المواقيت أو من
أههل مها وراءهها فههم مهن حاضري المسهجد الحرام .وقال الشافعهي وأصهحابه :ههم مهن ل يلزمهه
تقصير الصلة من موضعه إلى مكة ،وذلك أقرب المواقيت .وعلى هذه القوال مذاهب السلف في
تأويل الية.
@قوله تعالى" :واتقوا ال" أي فيما فرضه عليكم .وقيل :هو أمر بالتقوى على العموم ،وتحذير
من شدة عقابه.
**3اليهة{ 197 :الحهج أشههر معلومات فمهن فرض فيههن الحهج فل رفهث ول فسهوق ول جدال
في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه ال وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي اللباب}
@قوله تعالى" :الحج أشهر معلومات" لما ذكر الحج والعمرة سبحانه وتعالى في قوله" :وأتموا
الحج والعمرة ل" [البقرة ]196 :بين اختلفهما في الوقت ،فجميع السنة وقت للحرام بالعمرة،
ووقهت العمرة .وأمها الحهج فيقهع فهي السهنة مرة ،فل يكون فهي غيهر هذه الشههر .و"الحهج أشههر
معلومات" ابتداء وخهبر ،وفهي الكلم حذف تقديره :أشههر الحهج أشههر ،أو وقهت الحهج أشههر ،أو
وقهت عمهل الحهج أشههر .وقيهل التقديهر :الحهج فهي أشههر .ويلزمهه مهع سهقوط حرف الجهر نصهب
الشهههر ،ولم يقرأ أحههد بنصههبها ،إل أنههه يجوز فههي الكلم النصههب على أنههه ظرف .قال الفراء:
الشهههر رفههع ،لن معناه وقههت الحههج أشهههر معلومات .قال الفراء :وسههمعت الكسههائي يقول :إنمهها
الصيف شهران ،وإنما الطيلسان ثلثة أشهر .أراد وقت الصيف ،ووقت لباس الطيلسان ،فحذف.
@ واختلف فههي الشهههر المعلومات ،فقال ابههن مسههعود وابههن عمههر وعطاء والربيههع ومجاهههد
والزهري :أشهههر الحههج شوال وذو العقدة وذو الحجههة كله .وقال ابههن عباس والسههدي والشعههبي
والنخعههي :هههي شوال وذو القعدة وعشرة مههن ذي الحجههة ،وروي عههن ابههن مسههعود ،وقاله ابههن
الزبيهر ،والقولن مرويان عهن مالك ،حكهى الخيهر ابهن حهبيب ،والول ابهن المنذر .وفائدة الفرق
تعلق الدم ،فمهن قال :إن ذا الحجهة كله مهن أشههر الحهج لم يهر دمها فيمها يقهع مهن العمال بعهد يوم
النحر ،لنها في أشهر الحج .وعلى القول الخير ينقضي الحج بيوم النحر ،ويلزم الدم فيما عمل
بعد ذلك لتأخيره عن وقته.
لم يسم ال تعالى أشههر الحهج فهي كتابهه ،لنهها كانت معلومة عندههم .ولفهظ الشهر قهد يقهع على
شهريهن وبعهض الثالث ،لن بعهض الشههر يتنزل منزلة كله ،كمها يقال :رأيتهك سهنة كذا ،أو على
عهد فلن .ولعله إنما رآه في ساعة منها ،فالوقت يذكر بعضه بكله ،كما قال النبي صلى ال عليه
وسهلم( :أيام منهى ثلثهة) .وإنمها ههي يومان وبعهض الثالث .ويقولون :رأيتهك اليوم ،وجئتهك العام.
وقيل :لما كان الثنان وما فوقهما جمع قال أشهر ،وال أعلم.
@اختلف في الهلل بالحج في غير أشهر الحج ،فروي عن ابن عباس :من سنة الحج أن يحرم
به في أشهر الحج .وقال عطاء ومجاهد وطاوس والوزاعي :من أحرم بالحج قبل أشهر الحج لم
يجزه ذلك عن حجة ويكون عمرة ،كمن دخل في صلة قبل وقتها فإنه ل تجزيه وتكون نافلة ،وبه
قال الشافعهي وأبهو ثور .وقال الوزاعهي :يحهل بعمرة .وقال أحمهد بهن حنبهل :هذا مكروه ،وروي
عن مالك ،والمشهور عنه جواز الحرام بالحهج فهي جميهع السهنة كلها ،وهو قول أبي حنيفة .وقال
النخعهي :ل يحهل حتهى يقضهي حجهه ،لقوله تعالى" :يسهألونك عهن الهلة قهل ههي مواقيهت للناس
والحج" [البقرة ]189 :وقد تقدم القول فيها .وما ذهب إليه الشافعي أصح ،لن تلك عامة ،وهذه
اليهة خاصهة .ويحتمهل أن يكون مهن باب النهص على بعهض أشخاص العموم ،لفضهل هذه الشههر
على غيرها ،وعليه فيكون قول مالك صحيح ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :فمههن فرض فيهههن الحههج" أي الزمههه نفسههه بالشروع فيههه بالنيههة قصههدا باطنهها،
وبالحرام فعل ظاهرا ،وبالتلبيهة نطقها مسهموعا ،قاله ابهن حهبيب وأبهو حنيفهة فهي التلبيهة .وليسهت
التلبيهة عنهد الشافعهي مهن أركان الحهج ،وههو قول الحسهن بهن حهي .قال الشافعهي :تكفهي النيهة فهي
الحرام بالحهج .وأوجهب التلبيهة أههل الظاههر وغيرههم .وأصهل الفرض فهي اللغهة :الحهز والقطهع،
ومنهه فرضهة القوس والنههر والجبهل .ففرضيهة الحهج لزمهة للعبهد الحهر كلزوم الحهز للقدح .وقيهل:
"فرض" أي أبان ،وهذا يرجهع إلى القطهع ،لن مهن قطهع شيئا فقهد أبانهه عهن غيره .و"مهن" رفهع
بالبتداء ومعناهها الشرط ،والخهبر قوله" :فرض" ،لن "مهن" ليسهت بموصهولة ،فكأنهه قال :رجهل
فرض .وقال" :فيهن" ولم يقل فيها ،فقال قوم :هما سواء في الستعمال .وقال المازني أبو عثمان:
الجمهع الكثيهر لمها ل يعقهل يأتهي كالواحدة المؤنثهة ،والقليهل ليهس كذلك ،تقول :الجذاع انكسهرن،
والجذوع انكسرت ،ويؤيد ذلك قول ال تعالى" :إن عدة الشهور" [التوبة ]36 :ثم قال" :منها".
@قوله تعالى" :فل رفث" قال ابن عباس وابن جبير والسدي وقتادة والحسن وعكرمة والزهري
ومجاهههد ومالك :الرفههث الجماع ،أي فل جماع لنههه يفسههده .وأجمههع العلماء على أن الجماع قبههل
الوقوف بعرفههة مفسههد للحههج ،وعليههه حههج قابههل والهدي .وقال عبدال بههن عمههر وطاوس وعطاء
وغيرهم :الرفث الفحاش للمرأة بالكلم ،لقوله :إذا أحللنا فعلنا بك كذا ،من غير كناية ،وقاله ابن
عباس أيضا ،وأنشد وهو محرم:
إن تصدق الطير ننك لميسا وهن يمشين بنا هميسا
فقال له صهاحبه حصهين بهن قيهس :أترفهث وأنهت محرم فقال :إن الرفهث مها قيهل عنهد النسهاء .وقال
قوم :الرفث الفحاش بذكر النساء ،كان ذلك بحضرتهن أم ل .وقيل :الرفث كلمة جامعة لما يريده
الرجل من أهله .وقال أبو عبيدة :الرفث اللغا من الكلم ،وأنشد:
عن اللغا ورفث التكلم ورب أسراب حجيج كظم
يقال :رفههث يرفههث ،بضههم الفاء وكسههرها .وقرأ ابههن مسههعود "فل رفوث" على الجمههع .قال ابههن
العربي :المراد بقوله "فل رفث" نفيه مشروعا ل موجدا ،فإنا نجد الرفث فيه ونشاهده ،وخبر ال
سههبحانه ل يجوز أن يقههع بخلف مخههبره ،وإنمهها يرجههع النفههي إلى وجوده مشروعهها ل إلى وجوده
محسوسا ،كقوله تعالى" :والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء" [البقرة ]228 :معناه :شرعا
ل حسها ،فإنها نجهد المطلقات ل يتربصهن ،فعاد النفهي إلى الحكهم الشرعهي ل إلى الوجود الحسهي.
وهذا كقوله تعالى" :ل يمسه إل المطهرون" [الواقعة ]79 :إذا قلنا :إنه وارد في الدميين -وهو
الصهحيح -أن معناه ل يمسهه أحهد منههم شرعها ،فإن وجهد المهس فعلى خلف حكهم الشرع ،وهذه
الدقيقة هي التي فاتت العلماء فقالوا :إن الخبر يكون بمعنى النهي ،وما وجد ذلك قط ،ول يصح أن
يوجد ،فإنهما مختلفان حقيقة ومتضادان وصفا.
@قوله تعالى" :ول فسوق" يعني جميع المعاصي كلها ،قاله ابن عباس وعطاء والحسن .وكذلك
قال ابن عمر وجماعة :الفسوق إتيان معاصي ال عز وجل في حال إحرامه بالحج ،كقتل الصيد
وقهص الظفهر وأخهذ الشعهر ،وشبهه ذلك .وقال ابهن زيهد ومالك :الفسهوق الذبهح للصهنام ،ومنهه قوله
تعالى" :أو فسهقا أههل لغيهر ال بهه" [النعام .]145 :وقال الضحاك :الفسهوق التنابهز باللقاب،
ومنه قوله" :بئس السم الفسوق" [الحجرات .]11 :وقال ابن عمر أيضا :الفسوق السباب ،ومنه
قوله عليههه السههلم( :سههباب المسههلم فسههوق وقتاله كفههر) .والقول الول أصههح ،لنههه يتناول جميههع
القوال .قال صهلى ال عليهه وسهلم( :مهن حهج فلم يرفهث ولم يفسهق رجهع كيوم ولدتهه أمهه)( ،والحهج
المهبرور ليهس له جزاء إل الجنهة) خرجهه مسهلم وغيره .وجاء عنهه صهلى ال عليهه وسهلم أنهه قال:
(والذي نفسهي بيده مها بيهن السهماء والرض مهن عمهل أفضهل مهن الجهاد فهي سهبيل ال أو حجهة
مهبرورة ل رفهث فيهها ول فسهوق ول جدال) .وقال الفقهاء :الحهج المهبرور ههو الذي لم يعهص ال
تعالى فيهه أثناء أدائه .وقال الفراء :ههو الذي لم يعهص ال سهبحانه بعده ،ذكهر القوليهن ابهن العربهي
رحمه ال.
قلت :الحج المبرور هو الذي لم يعص ال سبحانه فيه ل بعده .قال الحسن :الحج المبرور هو أن
يرجع صاحبه زاهدا في الدنيا راغبا في الخرة .وقيل غير هذا ،وسيأتي.
@قوله تعالى" :ول جدال فهي الحهج" قرئ "فل رفهث ول فسهوق" بالرفهع والتنويهن فيهمها .وقرئا
بالنصهب بغيهر تنويهن .وأجمعوا على الفتهح فهي "ول جدال" ،وههو يقوي قراءة النصهب فيمها قبله،
ولن المقصود النفي العام من الرفث والفسوق والجدال ،وليكون الكلم على نظام واحد في عموم
المنفهي كله ،وعلى النصهب أكثهر القراء .والسهماء الثلثهة فهي موضهع رفهع ،كهل واحهد مهع "ل".
وقوله "فهي الحهج" خهبر عهن جميعهها .ووجهه قراءة الرفهع أن "ل" بمعنهى "ليهس" فارتفهع السهم
بعدها ،لنه اسمها ،والخبر محذوف تقديره :فليس رفث ول فسوق في الحج ،دل عليه "في الحج"
الثاني الظاهر وهو خبر "ل جدال" .وقال أبو عمرو بن العلء :الرفع بمعنى فل يكونن رفث ول
فسوق ،أي شيء يخرج من الحج ،ثم ابتدأ النفي فقال :ول جدال.
قلت :فيحتمهههل أن تكون كان تامهههة ،مثهههل قوله" :وإن كان ذو عسهههرة" فل تحتاج إلى خهههبر.
ويحتمههل أن تكون ناقصههة والخههبر محذوف ،كمهها تقدم آنفهها .ويجوز أن يرفههع "رفههث وفسههوق"
بالبتداء" ،ول" للنفههي ،والخههبر محذوف أيضهها .وقرأ أبهو جعفههر بههن القعقاع بالرفههع فههي الثلثههة.
ورويهت عهن عاصهم فهي بعهض الطرق وعليهه يكون "فهي الحهج" خهبر الثلثهة ،كمها قلنها فهي قراءة
النصب ،وإنما لم يحسن أن يكون "في الحج" خبر عن الجميع مع اختلف القراءة ،لن خبر ليس
منصهوب وخهبر "ول جدال" مرفوع ،لن "ول جدال" مقطوع مهن الول وههو فهي موضهع رفهع
بالبتداء ،ول يعمهل عاملن فهي اسهم واحهد .ويجوز "فل رفهث ول فسهوق" تعطفهه على الموضهع.
وأنشد النحويون:
اتسع الخرق على الراقع ل نسب اليوم ول خلة
ويجوز فهي الكلم "فل رفهث ول فسهوقا ول جدال فهي الحهج" عطفها على اللفهظ على مها كان يجهب
في "ل" قال الفراء :ومثله:
إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا فل أب وابنا مثل مروان وابنه
وقال أبهو رجاء العطاردي" :فل رفهث ول فسهوق" بالنصهب فيهمها" ،ول جدال" بالرفهع والتنويهن.
وأنشد الخفش:
ل أم لي إن كان ذاك ول أب هذا وجدكم الصغار بعينه
وقيههل :إن معنههى "فل رفههث ول فسههوق" النهههي ،أي ل ترفثوا ول تفسههقوا .ومعنههى "ول جدال"
النفهي ،فلمها اختلفها فهي المعنهى خولف بينهمها فهي اللفهظ .قال القشيري :وفيهه نظهر ،إذ قيهل" :ول
جدال" نهي أيضا ،أي ل تجادلوا ،فلم فرق بينهما.
@قوله تعالى" :ول جدال" الجدال وزنه فعال من المجادلة ،وهي مشتقة من الجدل وهو الفتل،
ومنه زمام مجدول .وقيل :هي مشتقة من الجدالة التي هي الرض فكأن كل واحد من الخصمين
يقاوم صاحبه حتى يغلبه ،فيكون كمن ضرب به الجدالة .قال الشاعر:
وأترك العاجز بالجداله قد أركب اللة بعد الله
منعفرا ليست له محالة
واختلفت العلماء في المعنى المراد به هنا على أقوال ستة ،فقال ابن مسعود وابن عباس وعطاء:
الجدال هنها أن تماري مسهلما حتهى تغضبهه فينتههي إلى السهباب ،فأمها مذاكرة العلم فل نههي عنهها.
وقال قتادة :الجدال السههباب .وقال ابههن زيههد ومالك بههن أنههس :الجدال هنهها أن يختلف الناس :أيهههم
صادف موقف إبراهيم عليه السلم ،كما كانوا يفعلون في الجاهلية حين كانت قريش تقف في غير
موقههف سههائر العرب ،ثههم يتجادلون بعههد ذلك ،فالمعنههى على هذا التأويههل :ل جدال فههي مواضعههه.
وقالت طائفههة :الجدال هنهها أن تقول طائفههة :الحههج اليوم ،وتقول طائفههة :الحههج غدا .وقال مجاهههد
وطائفهة معهه :الجدال المماراة فهي الشهور حسهب مها كانهت عليهه العرب مهن النسهيء ،كانوا ربمها
جعلوا الحهج فهي غيهر ذي الحجهة ،ويقهف بعضههم بجمهع وبعضههم بعرفهة ،ويتمارون فهي الصهواب
من ذلك.
قلت :فعلى هذين التأويلين ل جدال في وقته ول في موضعه ،وهذان القولن أصح ما قيل في
تأويهل قوله "ول جدال" ،لقوله صهلى ال عليهه وسهلم( :إن الزمان قهد اسهتدار كهيئتهه يوم خلق ال
السموات والرض )...الحديث ،وسيأتي في "براءة" .يعني رجع أمر الحج كما كان ،أي عاد إلى
يومهه ووقتهه .وقال صهلى ال عليهه وسهلم لمها حهج( :خذوا عنهي مناسهككم) فهبين بهذا مواقهف الحهج
ومواضعهه .وقال محمهد بهن كعهب القرظهي :الجدال أن تقول طائفهة :حجنها أبر مهن حجكهم .ويقول
الخر مثل ذلك .وقيل :الجدال كان في الفخر بالباء ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :ومها تفعلوا مهن خيهر يعلمهه ال" شرط وجوابهه ،والمعنهى :أن ال يجازيكهم على
أعمالكهم ،لن المجازاة إنمها تقهع مهن العالم بالشيهء .وقيهل :ههو تحريهض وحهث على حسهن الكلم
مكان الفحهش ،وعلى البر والتقوى فهي الخلق مكان الفسهوق والجدال .وقيهل :جعهل فعهل الخيهر
عبارة عن ضبط أنفسهم حتى ل يوجد ما نهوا عنه.
@قوله تعالى" :وتزودوا" أمهر باتخاذ الزاد .قال ابهن عمهر وعكرمهة ومجاههد وقتادة وابهن زيهد:
نزلت اليهة فهي طائفهة مهن العرب كانهت تجيهء إلى الحهج بل زاد ،ويقول بعضههم :كيهف نحهج بيهت
ال ول يطعمنههها ،فكانوا يبقون عالة على الناس ،فنهوا عهههن ذلك ،وأمهههر بالزاد .وقال عبدال بهههن
الزبيههر :كان الناس يتكههل بعضهههم على بعههض بالزاد ،فأمروا بالزاد .وكان للنههبي صههلى ال عليههه
وسهلم فهي مسهيره راحلة عليهها زاد ،وقدم عليهه ثلثمائة رجهل مهن مزينهة ،فلمها أرادوا أن ينصهرفوا
قال( :يها عمهر زود القوم) .وقال بعهض الناس" :تزودوا" الرفيهق الصهالح .وقال ابهن عطيهة :وهذا
تخصيص ضعيف ،والولى في معنى الية :وتزودوا لمعادكم من العمال الصالحة.
قلت :القول الول أصح ،فإن المراد الزاد المتخذ في سفر الحج المأكول حقيقة كما ذكرنا ،كما
روى البخاري عههههن ابههههن عباس قال :كان أهههههل اليمههههن يحجون ول يتزودون ويقولون :نحههههن
المتوكلون ،فإذا قدموا مكهة سهألوا الناس ،فأنزل ال تعالى" :وتزودوا فإن خيهر الزاد التقوى" وهذا
نهص فيمها ذكرنها ،وعليهه أكثهر المفسهرين :قال الشعهبي :الزاد التمهر والسهويق .ابهن جهبير :الكعهك
والسويق .قال ابن العربي" :أمر ال تعالى بالتزود لمن كان له مال ،ومن لم يكن له مال فإن كان
ذا حرفهة تنفهق فهي الطريهق أو سهائل فل خطاب عليهه ،وإنمها خاطهب ال أههل الموال الذيهن كانوا
يتركون أموالههم ويخرجون بغيهر زاد ويقولون :نحهن المتوكلون .والتوكهل له شروط ،مهن قام بهها
خرج بغيهر زاد ول يدخهل فهي الخطاب ،فإنهه خرج على الغلب مهن الخلق وههم المقصهرون عهن
درجة التوكل الغافلون عن حقائقه ،وال عز وجل أعلم" .قال أبو الفرج الجوزي :وقد لبس إبليس
على قوم يدعون التوكهل ،فخرجوا بل زاد وظنوا أن هذا ههو التوكهل وههم على غايهة الخطهأ .قال
رجهل لحمهد بهن حنبهل :أريهد أن أخرج إلى مكهة على التوكهل بغيهر زاد ،فقال له أحمهد :اخرج فهي
غير القافلة .فقال ل ،إل معهم .قال :فعلى جرب الناس توكلت؟!
@قوله تعالى" :فإن خيهر الزاد التقوى" أخهبر تعالى أن خيهر الزاد اتقاء المنهيات فأمرههم أن
يضموا إلى التزود التقوى .وجاء قول "فإن خيههر الزاد التقوى" محمول على المعنههى ،لن معنههى
"وتزودوا" اتقوا ال في اتباع ما أمركم به من الخروج بالزاد :وقيل :يحتمل أن يكون المعنى :فإن
خير الزاد ما اتقى به المسافر من الهلكة أو الحاجة إلى السؤال والتكفف .وقيل :فيه تنبيه على أن
هذه الدار ليسهت بدار قرار .قال أههل الشارات :ذكرههم ال تعالى سهفر الخرة وحثههم على تزود
التقوى ،فإن التقوى زاد الخرة .قال العشى:
ولقيت بعد الموت من قد تزودا إذ أنت لم ترحل بزاد من التقى
وأنك لم ترصد كما كان أرصدا ندمت على أل تكون كمثله
وقال آخر:
تذهب فيه حيلة السابح الموت بحر طامح موجه
مقالة من مشفق ناصح يا نفس إني قائل فاسمعي
غير التقى والعمل الصالح ل يصحب النسان في قبره
@قوله تعالى" :واتقون يا أولي اللباب" خص أولي اللباب بالخطاب -وإن كان المر يعم الكل
-لنهم الذين قامت عليهم حجة ال ،وهم قابلو أوامره والناهضون بها .واللباب جمع لب ،ولب
كهل شيهء :خالصهه ،ولذلك قيهل للعقهل :لب .قال النحاس :سهمعت أبها إسهحاق يقول قال لي أحمهد بهن
يحيهى ثعلب :أتعرف فهي كلم العرب شيئا مهن المضاعهف جاء على فعهل؟ قلت نعهم ،حكهى سهيبويه
عن يونس :لببت تلب ،فاستحسنه وقال :ما أعرف له نظيرا.
**3الية{ 198 :ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضل من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا
ال عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين}
@قوله تعالى" :جناح" أي إثم ،وهو اسم ليس" .أن تبتغوا" في موضع نصب خبر ليس ،أي في
أن تبتغوا .وعلى قول الخليهل والكسهائي أنهها فهي موضهع خفهض .ولمها أمهر تعالى بتنزيهه الحهج عهن
الرفهث والفسهوق والجدال ورخهص فهي التجارة ،المعنهى :ل جناح عليكهم فهي أن تبتغوا فضهل ال.
وابتغاء الفضهل ورد فهي القرآن بمعنهى التجارة ،قال ال تعالى" :فانتشروا فهي الرض وابتغوا مهن
فضل ال" [الجمعة .]10 :والدليل على صحة هذا ما رواه البخاري عن ابن عباس قال( :كانت
عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت" :ليس عليكم
جناح أن تبتغوا فضل من ربكم" في مواسم الحج".
@إذا ثبت هذا ففي الية دليل على جواز التجارة في الحج للحاج مع أداء العبادة ،وأن القصد إلى
ذلك ل يكون شركها ول يخرج بهه المكلف عهن رسهم الخلص المفترض عليهه ،خلفها للفقراء .أمها
إن الحهج دون تجارة أفضهل ،لعروهها عهن شوائب الدنيها وتعلق القلب بغيرهها .روى الدارقطنهي فهي
سننه عن أبي أمامة التيمي قال قلت لبن عمر :إني رجل أكرى في هذا الوجه ،وإن ناسا يقولون:
إنه ل حج لك .فقال ابن عمر :جاء رجل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فسأله مثل هذا الذي
سهألتني ،فسهكت حتهى نزلت هذه اليهة" :ليهس عليكهم جناح أن تبتغوا فضل مهن ربكهم" فقال رسهول
ال صلى ال عليه وسلم( :إن لك حجا).
@قوله تعالى" :فإذا أفضتهم" أي اندفعتهم .ويقال :فاض الناء إذا امتل حتهى ينصهب عهن نواحيهه.
ورجل فياض ،أي مندفق بالعطاء .قال زهير:
على معتفيه ما تغب فواضله وأبيض فياض يداه غمامة
وحديث مستفيض ،أي شائع.
@قوله تعالى" :مههن عرفات" قراءة الجماعههة "عرفات" بالتنويههن ،وكذلك لو سههميت امرأة
بمسهلمات ،لن التنويهن هنها ليهس فرقها بيهن مها ينصهرف ومها ل ينصهرف فتحذفهه ،وإنمها ههو بمنزلة
النون في مسلمين .قال النحاس :هذا الجيهد .وحكى سيبويه عن العرب حذف التنوين من عرفات،
يقوله :هذه عرفات يهها هذا ،ورأيههت عرفات يهها هذا ،بكسههر التاء وبغيههر تنويههن ،قال :لمهها جعلوههها
معرفة حذفوا التنوين .وحكى الخفش والكوفيون فتح التاء ،تشبيها بتاء فاطمة وطلحة .وأنشدوا:
بيثرب أدنى دارها نظر عال تنورتها من أذرعات وأهلها
والقول الول أحسههن ،وأن التنويههن فيههه على حده فههي مسههلمات ،الكسههرة مقابلة الياء فههي مسههلمين
والتنوين مقابل النون .وعرفات :اسم علم ،سمي بجمع كأذرعات .وقيل :سمي بما حوله ،كأرض
سهباسب .وقيهل :سهميت تلك البقعهة عرفات لن الناس يتعارفون بهها .وقيهل :لن آدم لمها هبهط وقهع
بالهنهد ،وحواء بجدة ،فاجتمعها بعهد طول الطلب بعرفات يوم عرفهة وتعارفها ،فسهمي اليوم عرفهة،
والموضع عرفات ،قاله الضحاك .وقيل غير هذا لما تقدم ذكره عند قوله تعالى" :وأرنا مناسكنا"
[البقرة .]128 :قال ابهن عطيهة :والظاههر أن اسهمه مرتجهل كسهائر أسهماء البقاع .وعرفهة ههي
نعمان الراك ،وفيها يقول الشاعر:
لهند ولكن لم يبلغه هندا تزودت من نعمان عوذ أراكة
وقيهل :ههي مأخوذة مهن العرف وههو الطيهب ،قال ال تعالى" :عرفهها لههم" [محمهد ]6 :أي طيبهها،
فهههي طيبههة بخلف منههى التههي فيههها الفروث والدماء ،فلذلك سههميت عرفات .ويوم الوقوف ،يوم
عرفة .وقال بعضهم :أصل هذين السمين من الصبر ،يقال :رجل عارف .إذا كان صابرا خاشعا
ويقال في المثل :النفس عروف وما حملتها تتحمل .قال:
فصبرت عارفة لذلك حرة
أي نفس صابرة .وقال ذو الرمة:
عروف لما خطت عليه المقادر
أي صههبور على قضاء ال ،فسههمي بهذا السههم لخضوع الحاج وتذللهههم ،وصههبرهم على الدعاء
وأنواع البلء واحتمال الشدائد ،لقامة هذه العبادة.
@أجمع أهل العلم على أن من وقف بعرفة يوم عرفة قبل الزوال ثم أفاض منها قبل الزوال أنه ل
يعتهد بوقوفهه ذلك قبهل الزوال .وأجمعوا على تمام حهج مهن وقهف بعرفهة بعهد الزوال وأفاض نهارا
قبل الليل ،إل مالك بن أنس فإنه قال :ل بد أن يأخذ من الليل شيئا .وأما من وقف بعرفة بالليل فإنه
ل خلف بين المة في تمام حجه .والحجة للجمهور مطلق قوله تعالى" :فإذا أفضتم من عرفات"
ولم يخهص ليل مهن نهار ،وحديهث عروة بهن مضرس قال :أتيهت النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وههو
فهي الموقهف مهن جمهع ،فقلت يها رسهول ال ،جئتهك مهن جبلي طيهء أكللت مطيتهي ،وأتعبهت نفسهي،
وال إن تركت من جبل إل وقفت عليه ،فهل لي من حج يا رسول ال؟ فقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم( :من صهلى معنا صهلة الغداة بجمهع وقهد أتهى عرفات قبل ذلك ليل أو نهارا فقد قضهى
تفثه وتم حجه) .أخرجه غير واحد من الئمة ،منهم أبو داود والنسائي والدارقطني واللفظ له وقال
الترمذي :حديهث حسهن صهحيح .وقال أبهو عمهر :حديهث عروة بهن مضرس الطائي حديهث ثابهت
صهحيح ،رواه جماعهة مهن أصهحاب الشعهبي الثقات عهن الشعهبي عهن عروة بهن مضرس ،منههم
إسماعيل بن أبي خالد وداود بن أبي هند وزكريا بن أبي زائدة وعبدال بن أبي السفر ومطرف،
كلهم عن الشعبي عن عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لم .وحجة مالك من السنة الثابتة:
حديث جابر الطويل ،خرجه مسلم ،وفيه :فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليل
حتى غاب القرص .وأفعاله على الوجوب ،ل سيما في الحج وقد قال( :خذوا عني مناسككم).
@واختلف الجمهور فيمن أفاض قبل غروب الشمس ولم يرجع ماذا عليه مع صحة الحج ،فقال
عطاء وسههفيان الثوري والشافعههي وأحمههد وأبههو ثور وأصههحاب الرأي وغيرهههم :عليههه دم .وقال
الحسهن البصهري :عليهه هدي .وقال ابهن جريهج :عليهه بدنهة .وقال مالك :عليهه حهج قابهل ،والهدي
ينحره فهي حهج قابهل ،وههو كمهن فاتهه الحهج .فإن عاد إلى عرفهة حتهى يدفهع بعهد مغيهب الشمهس فقال
الشافعههي :ل شيههء عليههه ،وهههو قول أحمههد وإسههحاق وداود ،وبههه قال الطههبري .وقال أبههو حنيفههة
وأصحابه والثوري :ل يسقط عنه الدم وإن رجع بعد غروب الشمس ،وبذلك قال أبو ثور.
@ول خلف بين العلماء في أن الوقوف بعرفة راكبا لمن قدر عليه أفضل ،لن النبي صلى ال
عليه وسلم كذلك وقف إلى أن دفع منها بعد غروب الشمس ،وأردف أسامة بن زيد ،وهذا محفوظ
فهي حديث جابر الطويل وحديث علي ،وفي حديث ابن عباس أيضا .قال جابر( :ثم ركب رسول
ال صلى ال عليه وسلم حتى أتى الموقف ،فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ،وجعل حبل
المشاة بين يديه واستقبل القبلة ،فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليل حتى غاب
القرص ،وأردف أسههامة بههن زيههد خلفههه )...الحديههث .فإن لم يقدر على الركوب وقههف قائمهها على
رجليههه داعيهها ،مهها دام يقدر ،ول حرج عليههه فههي الجلوس إذا لم يقدر على الوقوف ،وفههي الوقوف
راكبا مباهاة وتعظيم للحج "ومن يعظم شعائر ال فإنها من تقوى القلوب" [الحج .]32 :قال ابن
وههب فهي موطئه قال لي مالك :الوقوف بعرفهة على الدواب والبهل أحهب إلي مهن أن أقهف قائمها،
قال :ومن وقف قائما فل بأس أن يستريح.
@ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أسامة بن زيد أنه عليه السلم (كان إذا أفاض من عرفة يسير
العنق فإذا وجد فجوة ن صّ) قال هشام بن عروة :والنص فوق العنق وهكذا ينبغي على أئمة الحاج
فمهن دونههم ،لن فهي اسهتعجال السهير إلى المزدلفهة اسهتعجال الصهلة بهها ،ومعلوم أن المغرب ل
تصلى تلك الليلة إل مع العشاء بالمزدلفة ،وتلك سنتها ،على ما يأتي بيانه إن شاء ال تعالى.
@ظاههر عموم القرآن والسهنة الثابتهة يدل على أن عرفهة كلهها موقهف ،قال صهلى ال عليهه وسهلم:
(ووقفهت ههنها وعرفهة كلهها موقهف) رواه مسهلم وغيره مهن حديهث جابر الطويهل .وفهي موطهأ مالك
أنهه بلغهه أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم قال( :عرفهة كلهها موقهف وارتفعوا عهن بطهن عرنهة
والمزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن ُمحَسّر) .قال ابن عبدالبر :هذا الحديث يتصل من حديث
جابر بن عبدال ،ومن حديث ابن عباس ،ومن حديث علي بن أبي طالب ،وأكثر الثار ليس فيها
استثناء بطن عرنة من عرفة ،وبطن محسر من المزدلفة ،وكذلك نقلها الحفاظ الثقات الثبات من
أههل الحديهث فهي حديهث جعفهر بهن محمهد عهن أبيهه عهن جابر .قال أبهو عمهر :واختلف الفقهاء فيمهن
وقف بعرفة بعرنة ،فقال مالك فيما ذكر ابن المنذر عنه :يهريق دما وحجه تام .وهذه رواية رواها
خالد بن نزار عن مالك .وذكر أبو المصهعب أنه كمن لم يقف وحجه فائت ،وعليه الحج من قابل
إذا وقهف ببطهن عرنهة .وروي عن ابهن عباس قال :مهن أفاض مهن عرنهة فل حهج له .وهو قول ابهن
القاسهم وسهالم ،وذكهر ابهن المنذر هذا القول عهن الشافعهي ،قال وبهه أقول :ل يجزيهه أن يقهف بمكان
أمهر رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم أل يوقهف بهه .قال ابهن عبدالبر :السهتثناء ببطهن عرنهة مهن
عرفة لم يجىء مجيئا تلزم حجته ،ل من جهة النقل ول من جهة الجماع .وحجة من ذهب مذهب
أبهي المصهعب أن الوقوف بعرفهة فرض مجمهع عليهه فهي موضهع معيهن ،فل يجوز أداؤه إل بيقيهن،
ول يقين مع الختلف .وبطن عرنة يقال بفتح الراء وضمها ،وهو بغربي مسجد عرفة ،حتى (لقد
قال بعهض العلماء :إن الجدار الغربهي مهن مسهجد عرفهة لو سهقط سهقط فهي بطهن عرنهة .وحكهى
الباجي عن ابن حبيب أن عرفة في الحل ،وعرنة في الحرم .قال أبو عمر :وأما بطن محسر فذكر
وكيهع :حدثنها سهفيان عهن أبهي الزبيهر عهن جابر أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم (أوضهع فهي بطهن
حسّر)ُم َ
@ول بأس بالتعريهف فهي المسهاجد يوم عرفهة بغيهر عرفهة ،تشبيهها بأههل عرفهة .روى شعبهة عهن
قتادة عهن الحسهن قال :أول مهن صهنع ذلك ابهن عباس بالبصهرة .يعنهي اجتماع الناس يوم عرفهة فهي
المسجد بالبصرة .وقال موسى بن أبي عائشة :رأيت عمر بن حريث يخطب يوم عرفة وقد اجتمع
الناس إليهه .وقال الثرم :سهألت أحمهد بهن حنبهل عهن التعريهف فهي المصهار ،يجتمعون يوم عرفهة،
فقال :أرجهو أل يكون بهه بأس ،قهد فعله غيهر واحهد :الحسهن وبكهر وثابهت ومحمهد بهن واسهع ،كانوا
يشهدون المسجد يوم عرفة.
@ فهي فضهل يوم عرفهة ،يوم عرفهة فضله عظيهم وثوابهه جسهيم ،يكفهر ال فيهه الذنوب العظام،
ويضاعهف فيهه الصهالح مهن العمال ،قال صهلى ال عليهه وسهلم( :صهوم يوم عرفهة يكفهر السهنة
الماضيهة والباقيهة) .أخرجهه الصهحيح .وقال صهلى ال عليهه وسهلم( :أفضهل الدعاء دعاء يوم عرفهة
وأفضهل مها قلت أنها والنهبيون مهن قبلي ل إله إل ال وحده ل شريهك له) .وروى الدارقطنههي عهن
عائشهة أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم قال( :مها مهن يوم أكثهر أن يعتهق ال فيهه عددا مهن النار
من يوم عرفة وإنه ليدنو عز وجل ثم يباهي بهم الملئكة يقول ما أراد هؤلء) .وفي الموطأ عن
عهبيدال بهن كريهز أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم قال( :مها رئي الشيطان يومها ههو فيهه أصهغر
ول أحقهر ول أدحهر ول أغيهظ منهه فهي يوم عرفهة ومها ذاك إل لمها رأى مهن تنزل الرحمهة وتجاوز
ال عن الذنوب العظام إل ما رأى يوم بدر) .قيل :وما رأى يوم بدر يا رسول ال؟ قال( :أما إنه قد
رأى جبريهل يزع الملئكهة) .قال أبهو عمهر :روى هذا الحديهث أبهو النضهر إسهماعيل بهن إبراهيهم
العجلي عن مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة عن طلحة بن عبيد بن كريز عن أبيه ،ولم يقل في هذا
الحديهث عهن أبيهه غيره وليهس بشيهء ،والصهواب مها فهي الموطهأ .وذكهر الترمذي الحكيهم فهي نوادر
الصول :حدثنا حاتم بن نعيم التميمي أبو روح قال حدثنا هشام بن عبدالملك أبو الوليد الطيالسي
قال حدثنا عبدالقاهر بن السري السلمي قال حدثني ابن لكنانة بن عباس بن مرداس عن أبيه عن
جده عباس بههن مرداس أن رسههول ال صههلى ال عليههه وسههلم (دعهها لمتههه عشيههة عرفههة بالمغفرة
والرحمة ،وأكثر الدعاء فأجابه :إني قد فعلت إل ظلم بعضهم بعضا فأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم
فقهد غفرتهها .قال :يها رب إنهك قادر أن تثيهب هذا المظلوم خيرا مهن مظلمتهه وتغفهر لهذا الظالم فلم
يجبه تلك العشية ،فلما كان الغداة غداة المزدلفة اجتهد في الدعاء فأجابه :إني قد غفرت لهم ،فتبسم
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقيل له :تبسمت يا رسول ال في ساعة لم تكن تتبسم فيها؟ فقال:
تبسمت من عدو ال إبليس إنه لما علم أن ال قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور
ويحثهي التراب على رأسهه ويفهر) .وذكهر أبهو عبدالغنهي الحسهن بهن علي حدثنها عبدالرزاق حدثنها
مالك عهن أبهي الزناد عهن العرج عهن أبهي هريرة قال قال رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :إذا
كان يوم عرفهة غفهر ال للحاج الخالص وإذا كان ليلة المزدلفهة غفهر ال للتجار وإذا كان يوم منهى
غفر ال للجمالين وإذا كان يوم جمرة العقبة غفر ال للسؤال ول يشهد ذلك الموقف خلق ممن قال
ل إله إل ال إل غفهر له) .قال أبهو عمهر :هذا حديهث غريهب مهن حديهث مالك ،وليهس محفوظها عنهه
إل مهن هذا الوجهه ،وأبهو عبدالغنهي ل أعرفهه ،وأههل العلم مها زالوا يسهامحون أنفسههم فهي روايات
الرغائب والفضائل عن كل أحد ،وإنما كانوا يتشددون في أحاديث الحكام.
@استحب أهل العلم صوم يوم عرفة إل بعرفة .روى الئمة واللفظ للترمذي عن ابن عباس أن
النهبي صهلى ال عليهه وسهلم أفطهر بعرفهة ،وأرسهلت إليهه أم الفضهل بلبهن فشرب .قال :حديهث حسهن
صهحيح .وقهد روي عهن ابهن عمهر قال( :حججهت مهع النهبي صهلى ال عليهه وسهلم فلم يصهمه -يعنهي
يوم عرفة -ومع أبي بكر فلم يصمه ،ومع عمر فلم يصمه) والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم،
يسهتحبون الفطار بعرفهة ليتقوى بهه الرجهل على الدعاء ،وقهد صهام بعهض أههل العلم يوم عرفهة
بعرفهة .وأسهند عهن ابهن عمهر مثهل الحديهث الول ،وزاد فهي آخره :ومهع عثمان فلم يصهمه ،وأنها ل
أصهومه ول آمهر بهه ول أنههى عنهه ،حديهث حسهن .وذكره ابهن المنذر .وقال عطاء فهي صهوم يوم
عرفهة :أصهوم فهي الشتاء ول أصهوم فهي الصهيف .وقال يحيهى النصهاري :يجهب الفطهر يوم عرفهة.
وكان عثمان بهن أبهي العاصهي وابهن الزبيهر وعائشهة يصهومون يوم عرفهة .قال ابهن المنذر :الفطهر
يوم عرفهة بعرفات أحهب إلي ،اتباعها لرسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم ،والصهوم بغيهر عرفهة أحهب
إلي ،لقول رسهول ال صههلى ال عليهه وسهلم وقههد سههئل عهن صهوم يوم عرفهة فقال( :يكفهر السهنة
الماضيهة والباقيهة) .وقهد روينها عهن عطاء أنهه قال :مهن أفطهر يوم عرفهة ليتقوى على الدعاء فإن له
مثل أجر الصائم.
@قوله تعالى" :فاذكروا ال عند المشعر الحرام" أي اذكروه بالدعاء والتلبية عند المشعر الحرام.
ويسههمى جمعهها لنههه يجمههع ثههم المغرب والعشاء ،قاله قتادة .وقيههل :لجتماع آدم فيههه مههع حواء،
وازدلف إليههها ،أي دنهها منههها ،وبههه سههميت المزدلفههة .ويجوز أن يقال :سههميت بفعههل أهلههها ،لنهههم
يزدلفون إلى ال ،أي يتقربون بالوقوف فيهها .وسهمي مشعرا مهن الشعار وههو العلمهة ،لنهه معلم
للحج والصلة والمبيت به ،والدعاء عنده من شعائر الحج .ووصف بالحرام لحرمته.
@ثبت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا .وأجمع أهل
العلم -ل اختلف بينههم -أن السهنة أن يجمهع الحاج بجمهع بيهن المغرب والعشاء .واختلفوا فيمهن
صهلها قبهل أن يأتهي جمعها ،فقال مالك :مهن وقهف مهع المام ودفهع بدفعهه فل يصهلي حتهى يأتهي
المزدلفة فيجمهع بينهها ،واسهتدل على ذلك بقوله لسهامة بن زيهد( :الصهلة أمامهك) .قال ابن حهبيب:
مهن صهلى قبهل أن يأتهي المزدلفهة دون عذر يعيهد متهى مها علم ،بمنزلة مهن قهد صهلى قبهل الزوال،
لقوله عليههه السههلم( :الصههلة أمامههك) .وبههه قال أبههو حنيفههة .وقال أشهههب :ل إعادة عليههه ،إل أن
يصليهما قبل مغيب الشفق فيعيد العشاء وحدها ،وبه قال الشافعي ،وهو الذي نصره القاضي أبو
الحسن ،واحتج له بأن هاتين صلتان سن الجمع بينهما ،فلم يكن ذلك شرطا في صحتهما ،وإنما
كان على معنهى السهتحباب ،كالجمهع بيهن الظههر والعصهر بعرفهة .واختار ابهن المنذر هذا القول،
وحكاه عهن عطاء بهن أبهي رباح وعروة بهن الزبيهر والقاسهم بهن محمهد وسهعيد بهن جهبير وأحمهد
وإسهحاق وأبهي ثور ويعقوب .وحكهي عهن الشافعهي أنهه قال :ل يصهلي حتهى يأتهي المزدلفهة ،فإن
أدركه نصف الليل قبل أن يأتي المزدلفة صلهما.
@ومهن أسهرع فأتهى المزدلفهة قبهل مغيهب الشفهق فقهد قال ابهن حهبيب :ل صهلة لمهن عجهل إلى
المزدلفهة قبهل مغيهب الشفهق ،ل لمام ول غيره حتهى يغيهب الشفهق ،لقوله عليهه السهلم( :الصهلة
أمامهك) ثهم صهلها بالمزدلفهة بعهد مغيهب الشفهق ومهن جههة المعنهى أن وقهت هذه الصهلة بعهد مغيهب
الشفق ،فل يجوز أن يؤتى بها قبله ،ولو كان لها وقت قبل مغيب الشفق لما أخرت عنه.
@وأما من أتى عرفة بعد دفع المام ،أو كان له عذر ممن وقف مع المام فقد قال ابن المواز:
مهن وقهف بعهد المام فليصهل كهل صهلة لوقتهها .وقال مالك فيمهن كان له عذر يمنعهه أن يكون مهع
المام :إنه يصلي إذا غاب الشفق الصلتين يجمع بينهما .وقال ابن القاسم فيمن وقف بعد المام:
إن رجها أن يأتهي المزدلفهة ثلث الليهل فليؤخهر الصهلة حتهى يأتهي المزدلفهة ،وإل صهلى كهل صهلة
لوقتهها .فجعهل ابهن المواز تأخيهر الصهلة إلى المزدلفهة لمهن وقهف مهع المام دون غيره ،وراعهى
مالك الوقههت دون المكان ،واعتههبر ابههن القاسههم الوقههت المختار للصههلة والمكان ،فإذا خاف فوات
الوقت المختار بطل اعتبار المكان ،وكان مراعاة وقتها المختار أولى.
@اختلف العلماء في هيئة الصلة بالمزدلفة على وجهين :أحدهما :الذان والقامة .والخر :هل
يكون جمعهما متصل ل يفصل بينهما بعمل ،أو يجوز العمل بينهما وحط الرحال ونحو ذلك ،فأما
الذان والقامهة فثبهت أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم صهلى المغرب والعشاء بالمزدلفهة بأذان
واحد وإقامتين .أخرجه الصحيح من حديث جابر الطويل ،وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وابن
المنذر .وقال مالك :يصليهما بأذانين وإقامتين ،وكذلك الظهر والعصر بعرفة ،إل أن ذلك في أول
وقت الظهر بإجماع .قال أبو عمر :ل أعلم فيما قاله مالك حديثا مرفوعا إلى النبي صلى ال عليه
وسهلم بوجهه مهن الوجوه ،ولكنهه روي عهن عمهر بهن الخطاب ،وزاد ابهن المنذر ابهن مسهعود .ومهن
الحجهة لمالك فهي هذا الباب مهن جههة النظهر أن رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم سهن فهي الصهلتين
بمزدلفة وعرفة أن الوقت لهما جميعا وقت واحد ،وإذا كان وقتهما واحدا وكانت كل صلة تصلى
فهي وقتهها لم تكهن واحدة منهمها أولى بالذان والقامهة مهن الخرى ،لن ليهس واحدة منهمها تقضهى،
وإنمها ههي صهلة تصهلى فهي وقتهها ،وكهل صهلة صهليت فهي وقتهها سهنتها أن يؤذن لهها وتقام فهي
الجماعة ،وهذا بين ،وال أعلم .وقال آخرون :أما الولى منهما فتصلى بأذان وإقامة ،وأما الثانية
فتصلى بل أذان ول إقامة .قالوا :وإنما أمر عمر بالتأذين الثاني لن الناس قد تفرقوا لعشائهم فأذن
ليجمعههههم .قالوا :وكذلك نقول إذا تفرق الناس عهههن المام لعشاء أو غيره ،أمهههر المؤذنيهههن فأذنوا
ليجمعهم ،وإذا أذن أقام .قالوا :فهذا معنى ما روي عن عمر ،وذكروا حديث عبدالرحمن بن يزيد
قال :كان ابن مسعود يجعل العشاء بالمزدلفة بين الصلتين ،وفي طريق أخرى وصلى كل صلة
بأذان وإقامهة ،ذكره عبدالرزاق .وقال آخرون :تصهلى الصهلتان جميعها بالمزدلفهة بإقامهة ول أذان
فهي شيهء منهمها ،روي عهن ابهن عمهر وبهه قال الثوري .وذكهر عبدالرزاق وعبدالملك بهن الصهباح
عن الثوري عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال( :جمع رسول ال صلى ال
عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع ،صلى المغرب ثلثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة) وقال
آخرون :تصلى الصلتان جميعا بين المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامة واحدة .وذهبوا في
ذلك إلى ما رواه هشيم عن يونس بن عبيد عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أنه جمع بين المغرب
والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامة واحدة ،لم يجعل بينهما شيئا .وروي مثل هذا مرفوعا من حديث
خزيمة بن ثابت ،وليس بالقوي .وحكى الجوزجاني عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن أبي
حنيفههة أنهمهها تصههليان بأذان واحههد وإقامتيههن ،يؤذن للمغرب ويقام للعشاء فقههط .وإلى هذا ذهههب
الطحاوي لحديث جابر ،وهو القول الول وعليه المعول .وقال آخرون :تصلى بإقامتين دون أذان
لواحدة منهمها .وممهن قال ذلك الشافعهي وأصهحابه وإسهحاق وأحمهد بهن حنبهل فهي أحهد قوليهه ،وههو
قول سهالم بهن عبدال والقاسهم بهن محمهد ،واحتجوا بمها ذكره عبدالرزاق عهن معمهر عهن ابهن شهاب
عهن سهالم عهن ابهن عمهر (أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم لمها جاء المزدلفهة جمهع بيهن المغرب
والعشاء ،صلى المغرب ثلثا والعشاء ركعتين بإقامة لكل واحدة منهما ولم يصل بينهما شيئا) قال
أبو عمر :والثار عن ابن عمر في هذا القول من أثبت ما روي عنه في هذا الباب ،ولكنها محتملة
للتأويهل ،وحديهث جابر لم يختلف فيهه ،فههو أولى ،ول مدخهل فهي هذه المسهألة للنظهر ،وإنمها فيهها
التباع.
@وأما الفصل بين الصلتين بعمل غير الصلة فثبت عن أسامة بن زيد (أن النبي صلى ال عليه
وسلم لما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ،ثم أقيمت الصلة فصلى المغرب ،ثم أناخ كل
إنسان بعيره في منزله ،ثم أقيمت الصلة فصهلها ،ولم يصل بينهما شيئا) في رواية( :ولم يحلوا
حتى أقام العشاء الخرة فصلى ثم حلوا) وقد ذكرنا آنفا عن ابن مسعود أنه كان يجعل العشاء بين
الصهلتين ،ففهي هذا جواز الفصهل بيهن الصهلتين بجمهع .وقهد سهئل مالك فيمهن أتهى المزدلفهة :أيبدأ
بالصههلة أو يؤخههر حتههى يحههط عههن راحلتههه؟ فقال :أمهها الرحههل الخفيههف فل بأس أن يبدأ بههه قبههل
الصلة ،وأما المحامل والزوامل فل أرى ذلك ،وليبدأ بالصلتين ثم يحط عن راحلته .وقال أشهب
فهي كتبه :له حط رحله قبل الصلة ،وحطه له بعد أن يصلي المغرب أحب إلي ما لم يضطر إلى
ذلك ،لما بدابته من الثقل ،أو لغير ذلك من العذر .وأما التنفل بين الصلتين فقال ابن المنذر :ول
أعلمهم يختلفون أن من السنة أل يتطوع بينهما الجامع بين الصلتين وفي حديث أسامة :ولم يصل
بينهما شيئا.
@وأما المبيت بالمزدلفة فليس ركنا في الحج عند الجمهور .واختلفوا فيما يجب على من لم يبت
بالمزدلفهة ليلة النحهر ولم يقهف بجمهع ،فقال مالك :مهن لم يبهت بهها فعليهه دم ،ومهن قام بهها أكثهر ليله
فل شيء عليه ،لن المبيت بها ليلة النحر سنة مؤكدة عند مالك وأصحابه ،ل فرض ،ونحوه قول
عطاء والزهري وقتادة وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي فيمن لم يبت.
وقال الشافعي :إن خرج منها بعد نصف الليل فل شيء عليه ،وإن خرج قبل نصف الليل فلم يعد
إلى المزدلفههة افتدى ،والفديههة شاة .وقال عكرمههة والشعههبي والنخعههي والحسههن البصههري :الوقوف
بالمزدلفة فرض ،ومن فاته جمع ولم يقف فقد فاته الحج ،ويجعل إحرامه عمرة .وروي ذلك عن
ابهن الزبيهر ههو قول الوزاعهي .وروي عهن الثوري مثهل ذلك ،والصهح عنهه أن الوقوف بهها سهنة
مؤكدة .وقال حماد بن .أبي سليمان .من فاتته الفاضة من جمع فقد فاته الحج ،وليتحلل بعمرة ثم
ليحج قابل .واحتجوا بظاهر الكتاب والسنة ،فأما الكتاب فقول ال تعالى" :فإذا أفضتم من عرفات
فاذكروا ال عنهد المشعهر الحرام" وأمها السهنة فقوله صهلى ال عليهه وسهلم( :مهن أدرك جمعها فوقهف
مهههع الناس حتهههى يفيهههض فقهههد أدرك ومهههن لم يدرك ذلك فل حهههج له) .ذكره ابهههن المنذر .وروى
الدارقطنهي عهن عروة بهن مضرس :قال أتيهت النهبي صهلى ال عليهه وسهلم وههو بجمهع فقلت له :يها
رسهول ال ،ههل لي مهن حهج؟ فقال( :مهن صهلى معنها هذه الصهلة ثهم وقهف معنها حتهى نفيهض وقهد
أفاض قبل ذلك من عرفات ليل أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه) .قال الشعبي :من لم يقف بجمع
جعلههها عمرة .وأجاب مههن احتههج للجمهور بأن قال :أمهها اليههة فل حجههة فيههها على الوجوب فههي
الوقوف ول المبيت ،إذ ليس ذلك مذكورا فيها ،وإنما فيها مجرد الذكر .وكل قد أجمع أنه لو وقف
بمزدلفهة ولم يذكهر ال أن حجهه تام ،فإذا لم يكهن الذكهر المأمور به مهن صهلب الحج فشهود الموطهن
أولى بأل يكون كذلك .قال أبو عمر :وكذلك أجمعوا أن الشمس إذا طلعت يوم النحر فقد فات وقت
الوقوف بجمههع ،وإن مههن أدرك الوقوف بههها قبههل طلوع الشمههس فقههد أدرك ،ممههن يقول إن ذلك
فرض ،ومهن يقول إن ذلك سهنة .وأمها حديهث عروة بهن مضرس فقهد جاء فهي بعهض طرقهه بيان
الوقوف بعرفههة دون المههبيت بالمزدلفههة ،ومثله حديههث عبدالرحمههن بههن يعمههر الديلي قال :شهدت
رسول ال صلى ال عليه وسلم بعرفة ،وأتاه ناس من أهل نجد فسألوه عن الحج ،فقال رسول ال
صلى ال عليه وسلم( :الحج عرفة من أدركها قبل أن يطلع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه) رواه
النسهائي قال :أخبرنها إسهحاق بهن إبراهيهم قال حدثنها وكيهع قال حدثنها سهفيان -يعنهي الثوري -عهن
بكير بن عطاء عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي قال :شهدت ،...فذكره .ورواه ابن عيينة عن بكير
عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي قال :شهدت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :الحج عرفات
فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك وأيام منى ثلثة فمن تعجل في يومين فل إثم عليه
ومههن تأخههر فل إثههم عليههه) .وقوله فههي حديههث عروة( :مههن صههلى صههلتنا هذه) .فذكههر الصههلة
بالمزدلفة ،فقد أجمع العلماء أنه لو بات بها ووقف ونام عن الصلة فلم يصل مع المام حتى فاتته
أن حجه تام .فلما كان حضور الصلة مع المام ليس من صلب الحج كان الوقوف بالموطن الذي
تكون فيههه الصههلة أحرى أن يكون كذلك .قالوا :فلم يتحقههق بهذا الحديههث ذلك الفرض إل بعرفههة
خاصة.
@قوله تعالى" :واذكروه كمها هداكهم" كرر المهر تأكيدا ،كمها تقول :ارم .ارم .وقيهل :الول أمهر
بالذكهر عنهد المشعهر الحرام .والثانهي أمهر بالذكهر على حكهم الخلص وقيهل :المراد بالثانهي تعديهد
النعمهة وأمهر بشكرهها ،ثهم ذكرههم بحال ضللههم ليظههر قدر النعام فقال" :وإن كنتهم مهن قبله لمهن
الضاليهن" والكاف فهي "كمها" نعهت لمصهدر محذوف ،و" مها" مصهدرية أو كافهة والمعنهى :اذكروه
ذكرا حسهنا كمها هداكهم هدايهة حسهنة ،واذكروه كمها علمكهم كيهف تذكرونهه ل تعدلوا عنهه .و"إن"
مخففههة مههن الثقيلة ،يدل على ذلك دخول اللم فههي الخههبر ،قال سههيبويه .الفراء :نافيههة بمعنههى مهها،
واللم بمعنى إل ،كما قال:
حلت عليك عقوبة الرحمن ثكلتك أمك إن قتلت لمسلما
أو بمعنى قد أي قد كنتم ثلثة أقوال والضمير في "قبله" عائد إلى الهدي .وقيل إلى القرآن ،أي ما
كنتم من قبل إنزاله إل ضالين .وإن شئت على النبي صلى ال عليه وسلم كناية عن غير مذكور،
والول أظهر وال أعلم.
**3الية{ 199 :ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا ال إن ال غفور رحيم}
@قوله تعالى" :ثهم أفيضوا مهن حيهث أفاض الناس" قيهل :الخطاب للحمهس ،فإنههم كانوا ل يقفون
مهع الناس بعرفات ،بهل كانوا يقفون بالمزدلفهة وههي مهن الحرم ،وكانوا يقولون :نحهن قطيهن ال،
فينبغهي لنها أن نعظهم الحرم ،ول نعظهم شيئا مهن الحهل ،وكانوا مهع معرفتههم وإقرارههم إن عرفهة
موقهف إبراهيهم عليهه السهلم ل يخرجون مهن الحرم ،ويقفون بجمهع ويفيضون منهه ويقهف الناس
بعرفهة ،فقيهل لههم :أفيضوا مهع الجملة .و"ثهم" ليسهت فهي هذه اليهة للترتيهب وإنمها ههي لعطهف جملة
كلم ههي منهها منقطعهة .وقال الضحاك :المخاطهب باليهة جملة المهة ،والمراد بهه "الناس" إبراهيهم
عليه السلم ،كما قال" :الذين قال لهم الناس" [آل عمران ]173 :وهو يريد واحدا .ويحتمل على
هذا أن يؤمروا بالفاضهة مهن عرفهة ،ويحتمهل أن تكون إفاضهة أخرى ،وههي التهي مهن المزدلفهة،
فتجيهء "ثهم" على هذا الحتمال على بابهها ،وعلى هذا الحتمال عول الطهبري .والمعنهى :أفيضوا
مهن حيهت أفاض إبراهيهم مهن مزدلفهة جمهع ،أي ثهم أفيضوا إلى منهى لن الفاضهة مهن عرفات قبهل
الفاضة من جمع.
قلت :ويكون فههي هذا حجهة لمههن أوجههب الوقوف بالمزدلفهة ،للمههر بالفاضههة منههها ،وال أعلم
والصهحيح فهي تأويهل هذه اليهة مهن القوليهن القول الول .روى الترمذي عهن عائشهة قالت :كانهت
قريش ومن كان على دينها وهم الحمس يقفون بالمزدلفة يقولون :نحن قطين ال ،وكان من سواهم
يقفون بعرفههة ،فأنزل ال تعالى" :ثههم أفيضوا مههن حيههث أفاض الناس" هذا حديههث حسههن صههحيح.
وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت :الحمس هم الذين أنزل ال فيهم" :ثم أفيضوا من حيث أفاض
الناس" قالت :كان الناس يفيضون مهن عرفات ،وكان الحمهس يفيضون مهن المزدلفهة ،يقولون :ل
نفيض إل من الحرم ،فلما نزلت" :أفيضوا من حيث أفاض الناس" رجعوا إلى عرفات .وهذا نص
صههريح ،ومثله كثيههر صههحيح ،فل معول على غيره مههن القوال .وال المسههتعان .وقرأ سههعيد بههن
جهبير "الناسهي" وتأويله آدم عليهه السهلم ،لقوله تعالى" :فنسهي ولم نجهد له عزمها" [طهه.]115 :
ويجوز عند بعضهم تخفيف الياء فيقول الناس ،كالقاض والهاد .ابن عطية :أما جوازه في العربية
فذكره سهيبويه ،وأمها جوازه مقروءا بهه فل أحفظهه .وأمهر تعالى بالسهتغفار لنهها مواطنهه ،ومظان
القبول ومسهاقط الرحمهة .وقالت فرقهة :المعنهى واسهتغفروا ال مهن فعلكهم الذي كان مخالفها لسهنة
إبراهيم في وقوفكم بقزح من المزدلفة دون عرفة.
@ روى أبو داود عن علي قال :فلما أصبح -يعنهي النبي صلى ال عليه وسلم وقف على قزح
فقال( :هذا قزح وههو الموقهف وجمهع كلهها موقهف ونحرت ههنها ومنهى كلهها منحهر فانحروا فهي
رحالكهم) .فحكهم الحجيهج إذا دفعوا مهن عرفهة إلى المزدلفهة أن يهبيتوا بهها ثهم يغلس بالصهبح المام
بالناس ويقفون بالمشعهر الحرام .وقزح ههو الجبهل الذي يقهف عليهه المام ،ول يزالون يذكرون ال
ويدعون إلى قرب طلوع الشمهههس ،ثهههم يدفعون قبهههل الطلوع ،على مخالفهههة العرب ،فإنههههم كانوا
يدفعون بعههد الطلوع ويقولون :أشرق ثههبير ،كيمهها نغيههر ،أي كيمهها نقرب مههن التحلل فنتوصههل إلى
الغارة .وروى البخاري عهن عمرو بهن ميمون قال :شهدت عمهر صهلى بجمهع الصهبح ثهم وقهف
فقال :إن المشركيهن كانوا ل يفيضون حتهى تطلع الشمهس ويقولون :أشرق ثهبير ،وأن النهبي صهلى
ال عليه وسلم خالفهم فدفع قبل أن تطلع الشمس .وروى ابن عيينة عن ابن جريج عن محمد بن
مخرمهة عهن ابهن طاوس عهن أبيهه أن أههل الجاهليهة كانوا يدفعون مهن عرفهة قبهل غروب الشمهس،
وكانوا يدفعون من المزدلفة بعد طلوع الشمس ،فأخر رسول ال صلى ال عليه وسلم هذا وعجل
هذا ،أخر الدفع من عرفة ،وعجل الدفع من المزدلفة مخالفا هدي المشركين.
@ فإذا دفعوا قبهل الطلوع فحكمههم أن يدفعوا على هيئة الدفهع مهن عرفهة ،وههو أن يسهير المام
بالناس سهير العنهق ،فإذا وجهد أحدههم فرجهة زاد فهي العنهق شيئا .والعنهق :مشهي للدواب معروف ل
يجهل .والنص :فوق العنق ،كالخبب أو فوق ذلك .وفي صحيح مسلم عن أسامة بن زيد رضي ال
عنهمها وسهئل :كيهف كان يسهير رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم حيهن أفاض مهن عرفهة؟ قال :كان
يسير العنق ،فإذا وجد فجوة نص .قال هشام :والنص فوق العنق ،وقد تقدم .ويستحب له أن يحرك
فهي بطهن محسهر قدر رميهة بحجهر ،فإن لم يفعهل فل حرج ،وههو مهن منهى .وروى الثوري وغيره
عهن أبهي الزبيهر عهن جابر قال :دفهع رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم وعليهه السهكينة وقال لههم:
(أوضعوا فهي وادي محسهر) وقال لههم( :خذوا عنهي مناسهككم) .فإذا أتوا منهى وذلك غدوة يوم
النحههر ،رموا جمرة العقبههة بههها ضحههى ركبانهها إن قدروا ،ول يسههتحب الركوب فههي غيرههها مههن
الجمار ،ويرمونها بسبع حصيات ،كل حصاة منها مثل حصى الخذف -على ما يأتي بيانه -فإذا
رموهها حهل لههم كهل مها حرم عليههم مهن اللباس والتفهث كله ،إل النسهاء والطيهب والصهيد عنهد مالك
وإسحاق في رواية أبي داود الخفاف عنه .وقال عمر بن الخطاب وابن عمر :يحل له كل شيء إل
النساء والطيب .ومن تطيب عند مالك بعد الرمي وقبل الفاضة لم ير عليه فدية ،لما جاء في ذلك.
ومن صاد عنده بعد أن رمى جمرة العقبة وقبل أن يفيض كان عليه الجزاء .وقال الشافعي وأحمد
وإسحاق وأبو ثور :يحل له كل شيء إل النساء ،وروي عن ابن عباس.
ويقطههع الحاج التلبيههة بأول حصههاة يرميههها مهن جمرة العقبهة ،وعلى هذا أكثههر أهههل العلم بالمدينههة
وغيرهها ،وههو جائز مباح عنهد مالك .والمشهور عنهه قطعهها عنهد زوال الشمهس مهن يوم عرفهة،
على ما ذكر في موطئه عن علي ،وقال :هو المر عندنا.
قلت :والصهل فهي هذه الجملة مهن السهنة مها رواه مسهلم عهن الفضهل بهن عباس ،وكان رديهف
رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم أنهه قال فهي عشيهة عرفهة وغداة جمهع للناس حيهن دفعوا( :عليكهم
بالسهكينة) وههو كاف ناقتهه حتهى دخهل محسهرا وههو مهن منهى قال( :عليكهم بحصهى الخذف الذي
يرمى به الجمرة) ،وقال :لم يزل رسول ال صلى ال عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة .في
روايهة :والنهبي صهلى ال عليهه وسهلم يشيهر بيده كمها يخذف النسهان .وفهي البخاري عهن عبدال أنهه
انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ،ورمى بسبع وقال :هكذا رمى
الذي أنزلت عليههه سههورة البقرة صههلى ال عليههه وسههلم وروى الدار قطنههي عههن عائشههة قالت قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إذا رميتم وحلقتم وذبحتم فقد حل لكم كل شيء إل النساء وحل
لكم الثياب والطيب) .وفي البخاري عن عائشة قالت :طيبت رسول ال صلى ال عليه وسلم بيدي
هاتين ،حين أحرم ،ولحله حين أحل قبل أن يطوف ،وبسطت يديها .وهذا هو التحلل الصغر عند
العلماء .والتحلل الكههبر :طواف الفاضههة ،وهههو الذي يحههل النسههاء وجميههع محظورات الحرام
وسيأتي ذكره في سورة "الحج" إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :إن ال غفور رحيم" أي يغفر المعاصي ،فأولى أل يؤاخذ بما رخص فيه ،ومن
رحمته أنه رخص.
**3الية{ 200 :فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا ال كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من
يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الخرة من خلق}
@قوله تعالى" :فإذا قضيتهم مناسهككم" قال مجاههد :المناسهك الذبائح وهراقهة الدماء وقيهل :ههي
شعائر الحج ،لقوله عليه السلم( :خذوا عني مناسككم) .المعنى :فإذا فعلتم منسكا من مناسك الحج
فاذكروا ال وأثنوا عليههه بآلئه عندكههم .وأبههو عمرو يدغههم الكاف فههي الكاف وكذلك "مهها سههلككم"
لنهما مثلن و"قضيتم" هنا بمعنى أديتم وفرغتم ،قال ال تعالى" :فإذا قضيت الصلة" [الجمعة:
]10أي أديتم الجمعة .وقد يعبر بالقضاء عما فعل من العبادات خارج وقتها المحدود لها.
@قوله تعالى" :فاذكروا ال كذكركهم آباءكهم" كانهت عادة العرب إذا قضهت حجهها تقهف عنهد
الجمرة ،فتفاخهر بالباء ،وتذكهر أيام أسهلفها مهن بسهالة وكرم ،وغيهر ذلك ،حتهى أن الواحهد منههم
ليقول :اللهم إن أبي كان عظيم القبة ،عظيم الجفنة ،كثير المال ،فأعطني مثل ما أعطيته فل يذكر
غير أبيه ،فنزلت الية ليلزموا أنفسهم ذكر ال أكثر من التزامهم ذكر آبائهم أيام الجاهلية هذا قول
جمهور المفسههرين .وقال ابههن عباس وعطاء والضحاك والربيههع :معنههى اليههة واذكروا ال كذكههر
الطفال آباءهم وأمهاتهم :أبه أمه ،أي فاستغيثوا به والجؤوا إليه كما كنتم تفعلون في حال صغركم
بآبائكم .وقالت طائفة :معنى الية اذكروا ال وعظموه وذبوا عن حرمه ،وادفعوا من أراد الشرك
فهي دينهه ومشاعره ،كمها تذكرون آباءكهم بالخيهر إذا غهض أحهد منههم ،وتحمون جوانبههم وتذبون
عنههم .وقال أبهو الجوزاء لبهن عباس :إن الرجهل اليوم ل يذكهر أباه ،فمها معنهى اليهة؟ قال :ليهس
كذلك ،ولكهن أن تغضهب ل تعالى إذا عصهي أشهد مهن غضبهك لوالديهك إذا شتمها والكاف مهن قول
"كذكركهم" فهي موضهع نصهب ،أي ذكرا كذكركهم" .أو أشهد" قال الزجاج " :أو أشهد" فهي موضهع
خفهض عطفها على ذكركهم ،المعنهى :أو كأشهد ذكرا ،ولم ينصهرف لنهه "أفعهل" صهفة ،ويجوز أن
يكون في موضع نصب بمعنى أو اذكروه أشد .و" ذكرا "نصب على البيان.
@قوله تعالى" :فمهن الناس مهن يقول ربنها" "مهن" فهي موضهع رفهع بالبتداء وإن شئت بالصهفة
يقول "ربنا آتنا في الدنيا" صلة "من" والمراد المشركون .قال أبو وائل والسدي وابن زيد :كانت
العرب فهي الجاهليهة تدعو في مصهالح الدنيها فقهط ،فكانوا يسهألون البل والغنهم والظفر بالعدو ،ول
يطلبون الخرة ،إذ كانوا ل يعرفونههها ول يؤمنون بههها ،فنهوا عههن ذلك الدعاء المخصههوص بأمههر
الدنيها ،وجاء النههي فهي صهيغة الخهبر عنههم ويجوز أن يتناول هذا الوعيهد المؤمهن أيضها إذا قصهر
دعواتههه فههي الدنيهها ،وعلى هذا فه ه "مهها له فههي الخرة مههن خلق" أي كخلق الذي يسههأل الخرة
والخلق النصيب .و"من" زائدة وقد تقدم.
**3الية{ 201 :ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الخرة حسنة وقنا عذاب النار}
@قوله تعالى" :ومنهم" أي من الناس ،وهم المسلمون يطلبون خير الدنيا والخرة .واختلف في
تأويهل الحسهنتين على أقوال عديدة ،فروي عهن علي بهن أبهي طالب رضهي ال عنهه أن الحسهنة فهي
الدنيا المرأة الحسناء ،وفي الخرة الحور العين" .وقنا عذاب النار" :المرأة السوء.
قلت :وهذا فيه بعد ،ول يصح عن علي ،لن النار حقيقة في النار المحرقة ،وعبارة المرأة عن
النار تجوز .وقال قتادة :حسهنة الدنيها العافيهة فهي الصهحة وكفاف المال .وقال الحسهن :حسهنة الدنيها
العلم والعبادة .وقيل غير هذا .والذي عليه أكثر أهل العلم أن المراد بالحسنتين نعم الدنيا والخرة.
وهذا ههو الصهحيح ،فإن اللفهظ يقتضهي هذا كله ،فإن "حسهنة" نكرة فهي سهياق الدعاء ،فههو محتمهل
لكل حسنة من الحسنات على البدل .وحسنة الخرة :الجنة بإجماع .وقيل :لم يرد حسنة واحدة ،بل
أراد :أعطنا في الدنيا عطية حسنة ،فحذف السم.
@قوله تعالى" :وقنا عذاب النار" أصل "قنا" أو قنا حذفت الواو كما حذفت في يقي ويشي ،لنها
بين ياء وكسرة ،مثل يعد ،هذا قول البصريين .وقال الكوفيون :حذفت فرقا بين اللزم والمتعدي.
قال محمهد بهن يزيهد :هذا خطهأ ،لن العرب تقول .ورم يرم ،فيحذفون الواو .والمراد باليهة الدعاء
في أل يكون المرء ممن يدخلها بمعاصيه وتخرجه الشفاعة .ويحتمل أن يكون دعاء مؤكدا لطلب
دخول الجنهة ،لتكون الرغبهة فهي معنهى النجاة والفوز مهن الطرفيهن ،كمها قال أحهد الصهحابة للنهبي
صلى ال عليه وسلم أنا إنما أقول في دعائي :اللهم أدخلني الجنة وعافني من النار ،ول أدري ما
دندنتهك ول دندنهة معاذ .فقال له رسهول ال صهلى ال عليهه وسهلم( :حولهها ندندن) خرجهه أبهو داود
في سننه وابن ماجة أيضا.
@ هذه الية من جوامع الدعاء التي عمت الدنيا والخرة .قيل لنس :ادع ال لنا ،فقال :اللهم آتنا
فهي الدنيها حسهنة وفهي الخرة حسهنة وقنها عذاب النار .قالوا :زدنها .قال :مها تريدون قهد سهألت الدنيها
والخرة وفهي الصهحيحين عهن أنهس قال :كان أكثهر دعوة يدعهو بهها النهبي صهلى ال عليهه وسهلم
يقول( :اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الخرة حسنة وقنا عذاب النار) .قال :فكان أنس إذا أراد أن
يدعهو بدعوة دعها بهها ،فإذا أراد أن يدعهو بدعاء دعها بهها فيهه .وفهي حديهث عمهر أنهه كان يطوف
بالبيهت وههو يقول :ربنها آتنها فهي الدنيها حسهنة وفهي الخرة حسهنة وقنها عذاب النار .مها له هجيرى
غيرهها ،ذكره أبهو عبيهد .وقال ابهن جريهج :بلغنهي أنهه كان يأمهر أن يكون أكثهر دعاء المسهلم فهي
الموقهف هذه اليهة" :ربنها آتنها فهي الدنيها حسهنة وفهي الخرة حسهنة وقنها عذاب النار" .وقال ابهن
عباس :إن عند الركن ملكا قائما منذ خلق ال السموات والرض يقول آمين ،فقولوا" :ربنا آتنا في
الدنيها حسهنة وفهي الخرة حسهنة وقنها عذاب النار" وسهئل عطاء بهن أبهي رباح عهن الركهن اليمانهي
وههو يطوف بالبيهت ،فقال عطاء :حدثنهي أبهو هريرة أن النهبي صهلى ال عليهه وسهلم قال( :وكهل بهه
سهبعون ملكها فمهن قال اللههم إنهي أسهألك العفهو والعافيهة فهي الدنيها والخرة ربنها آتنها فهي الدنيها حسهنة
وفهي الخرة حسهنة وقنها عذاب النار قالوا آميهن )...الحديهث .خرجهه ابهن ماجهة فهي السهنن ،وسهيأتي
بكماله مسندا في "الحج] إن شاء ال.
**3الية{ 202 :أولئك لهم نصيب مما كسبوا وال سريع الحساب}
@قوله تعالى" :أولئك لهم نصيب مما كسبوا" هذا يرجع إلى الفريق الثاني فريق السلم ،أي لهم
ثواب الحهههج أو ثواب الدعاء ،فإن دعاء المؤمهههن عبادة .وقيهههل :يرجهههع "أولئك" إلى الفريقيهههن،
فللمؤمن ثواب عمله ودعائه ،وللكافر عقاب شركه وقصر نظره على الدنيا ،وهو مثل قوله تعالى:
"ولكل درجات مما عملوا" [النعام.]132 :
@قوله تعالى" :وال سريع الحساب" من سرع يسرع -مثل عظم يعظم -سرعا وسرعة ،فهو
سريع" .الحساب" :مصدر كالمحاسبة ،وقد يسمى المحسوب حسابا .والحساب العد ،يقال :حسب
يحسب حسابا وحسابة وحُسبانا وحِسبانا وحسبا ،أي عد وأنشد ابن العرابي:
سقيا مليك حسن الربابه يا جمل أسقاك بل حسابه
قتلتني بالدل والخلبه
والحسهب :مها عهد مهن مفاخهر المرء .ويقال :حسهبه دينهه .ويقال :ماله ،ومنهه الحديهث :الحسهب المال
والكرم التقوى) رواه سههمرة بههن جندب ،أخرجههه ابههن ماجههة ،وهههو فههي الشهاب أيضهها .والرجههل
حسيب ،وقد حسب حسابة (بالضم) ،مثل خطب خطابة .والمعنى في الية :إن ال سبحانه سريع
الحسهاب ،ل يحتاج إلى عهد ول إلى عقهد ول إلى إعمال فكهر كمها يفعله الحسهاب ،ولهذا قال وقول
الحهق" :وكفهى بنها حاسهبين" [النهبياء ،]47 :وقال رسهول ال صهلى ال عليه وسهلم( :اللههم منزل
الكتاب سريع الحساب) الحديث .فال جل وعز عالم بما للعباد وعليهم فل يحتاج إلى تذكر وتأمل،
إذ قهد علم مها للمحاسهب وعليهه ،لن الفائدة فهي الحسهاب علم حقيقتهه .وقيهل :سهريع المجازاة للعباد
بأعمالههم وقيهل :المعنهى ل يشغله شأن عهن شأن ،فيحاسهبهم فهي حالة واحدة ،كمها قال وقوله الحهق:
"ما خلقكم ول بعثكم إل كنفس واحدة" [لقمان .]28 :قال الحسن :حسابه أسرع من لمح البصر،
وفهي الخهبر (إن ال يحاسهب فهي قدر حلب شاة) .وقيهل :ههو أنهه إذا حاسهب واحدا فقهد حاسهب جميهع
الخلق .وقيل لعلي بن أبي طالب رضي ال عنه :كيف يحاسب ال العباد في يوم؟ قال :كما يرزقهم
فهي يوم .ومعنهى الحسهاب :تعريهف ال عباده مقاديهر الجزاء على أعمالههم ،وتذكيره إياههم بمها قهد
نسهوه ،بدليهل قوله تعالى" :يوم يبعثههم ال جميعها فينبئههم بمها عملوا أحصهاه ال ونسهوه" [المجادلة:
.]6وقيل :معنى الية سريع بمجيء يوم الحساب ،فالمقصد بالية النذار بيوم القيامة.
قلت :والكل محتمل فيأخذ العبد لنفسه في تخفيف الحساب عنه بالعمال الصالحة ،وإنما يخف
الحساب في الخرة على من حاسب نفسه في الدنيا.
@قال ابهن عباس فهي قوله تعالى" :أولئك لههم نصهيب ممها كسهبوا" ههو الرجهل يأخهذ مال يحهج بهه
عهن غيره ،فيكون له ثواب .وروي عنهه فهي هذه اليهة أن رجل قال :يها رسهول ال ،مات أبهي ولم
يحج ،أفأحج عنه؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم ( :لو كان على أبيك دين فقضيته أما كان ذلك
يجزي) .قال نعههم .قال( :فديههن ال أحههق أن يقضههى) .قال :فهههل لي مههن أجههر؟ فأنزل ال تعالى:
"أولئك لههم نصهيب ممها كسهبوا" يعنهي مهن حهج عهن ميهت كان الجهر بينهه وبيهن الميهت .قال أبهو
عبدال محمهد بهن خويهز منداد فهي أحكامهه :قول ابهن عباس نحهو قول مالك ،لن تحصهيل مذههب
مالك أن المحجوج عنه يحصل له ثواب النفقة ،والحجة للحاج ،فكأنه يكون له ثواب بدنه وأعماله،
وللمحجوج عنهه ثواب ماله وإنفاقهه ،ولهذا قلنها :ل يختلف فهي هذا حكهم مهن حهج عهن نفسهه حجهة
السلم أو لم يحج ،لن العمال التي تدخلها النيابة ل يختلف حكم المستناب فيها بين أن يكون قد
أدى عههن نفسههه أو لم يؤد ،اعتبارا بأعمال الديههن والدنيهها .أل ترى أن الذي عليههه زكاة أو كفارة أو
غيهر ذلك يجوز أن يؤدي عهن غيره وإن لم يؤد عهن نفسهه ،وكذلك مهن لم يراع مصهالحه فهي الدنيها
يصح أن ينوب عن غيره من مثلها فتتم لغيره وإن لم تتم لنفسه ،ويزوج غيره وإن لم يزوج نفسه.