Professional Documents
Culture Documents
**2سورة يس
**3مقدمة السورة
@وهمي مكيمة بإجماع .وهمي ثلث وثمانون آيمة؛ إل أن فرقمة قالت :إن قوله تعالى "ونكتمب مما
قدموا وآثارهمم" [يمس ]12 :نزلت فمي بنمي سملمة ممن النصمار حيمن أرادوا أن يتركوا ديارهمم،
وينتقلوا إلى جوار مسمجد الرسمول صملى ال عليمه وسملم ،على مما يأتمي .وفمي كتاب أبمي داود عمن
معقل بن يسار قال :قال النبي صلى ال عليه وسلم( :اقرؤوا يس على موتاكم) .وذكر الجري من
حديث أم الدرداء عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :ما من ميت يقرأ عليه سورة يس إل هون
ال عليمه .وفمي مسمند الدارممي عمن أبمي هريرة قال :قال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم( :ممن قرأ
سمورة يمس فمي ليلة ابتغاء وجمه ال غفمر له فمي تلك الليلة) خرجمه أبمو نعيمم الحافمظ أيضما .وروى
الترمذي عمن أنمس قال :قال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم (إن لكمل شيمء قلبما وقلب القرآن يمس
ومن قرأ يس كتب ال له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات) قال :هذا حديث غريب ،وفي إسناده
هارون أبو محمد شيخ مجهول؛ وفي الباب عن أبي بكر الصديق ،ول يصح حديث أبي بكر من
قبل إسناده ،وإسناده ضعيف .وعن عائشة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :إن في القرآن
لسورة تشفع لقرائها ويغفر لمستمعها أل وهي سورة يس تدعى في التوراة المعمة) قيل :يا رسول
ال وممما المعمممة؟ قال( :تعممم صمماحبها بخيممر الدنيمما وتدفممع عنممه أهاويممل الخرة وتدعممى الدافعممة
والقاضية) قيل :يا رسول ال وكيف ذلك؟ قال( :تدفع عن صاحبها كل سوء وتقضي له كل حاجة
ومن قرأها عدلت له عشرين حجة ومن سمعها كانت له كألف دينار تصدق بها في سبيل ال ومن
كتبهما وشربهما أدخلت جوفمه ألف دواء وألف نور وألف يقيمن وألف رحممة وألف رأفمة وألف هدى
ونزع عنمه كمل داء وغمل) .ذكره الثعلبمي ممن حديمث عائشمة ،والترمذي الحكيمم فمي نوادر الصمول
من حديث أبي بكر الصديق رضي ال عنه مسندا .وفي مسند الدارمي عن شهر بن حوشب قال:
قال ابمن عباس :ممن قرأ "يمس" حيمن يصمبح أعطمي يسمر يوممه حتمى يمسمي وممن قرأهما فمي صمدر
ليلتمه أعطمي يسمر ليلتمه حتمى يصمبح .وذكمر النحاس عمن عبدالرحممن بمن أبمي ليلى قال :لكمل شيمء
قلب وقلب القرآن يس من قرأها نهارا كفي همه ومن قرأها ليل غفر ذنبه .وقال شهر بن حوشب:
يقرأ أهل الجنة "طه" و"يس" فقط.
رفممع هذه الخبار الثلثممة الماوردي فقال :روى الضحاك عممن ابممن عباس قال :قال رسممول ال
صلى ال عليه وسلم( :إن لكل شيء قلبا وإن قلب القرآن يس ومن قرأها في ليلة أعطي يسر تلك
الليلة ومن قرأها في يوم أعطي يسر ذلك اليوم وإن أهل الجنة يرفع عنهم القرآن فل يقرؤون شيئا
إل طه ويس) .وقال يحيى بن أبي كثير :بلغني أن من قرأ سورة "يس" ليل لم يزل في فرح حتى
يصبح ،ومن قرأها حين يصبح لم يزل في فرح حتى يمسي؛ وقد حدثني من جربها؛ ذكره الثعلبي
وابن عطية ،قال ابن عطية :ويصدق ذلك التجربة .وذكر الترمذي الحكيم في نوادر الصول عن
عبدالعلى قال :حدثنما محممد بمن الصملت عمن عممر بمن ثابمت عمن محممد بمن مروان عمن أبمي جعفمر
قال :ممن وجمد فمي قلبمه قسماوة فليكتمب "يمس" فمي جام بزعفران ثمم يشربمه؛ حدثنمي أبمي رحممه ال
قال :حدثنما أصمرم بمن حوشمب ،عمن بقيمة بمن الوليمد ،عمن المعتممر بمن أشرف ،عمن محممد بمن علي
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (القرآن أفضل من كل شيء دون ال وفضل القرآن على
سمائر الكلم كفضمل ال على خلقمه فممن وقمر القرآن فقمد وقمر ال وممن لم يوقمر القرآن لم يوقمر ال
وحرممة القرآن عنمد ال كحرممة الوالد على ولده .القرآن شافمع مشفمع ومما حمل مصمدق فممن شفمع له
القرآن شفع ومن محل به القرآن صُدق ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى
النار .وحملة القرآن هم المحفوفون بحرمة ال الملبسون نور ال المعلمون كلم ال من والهم فقد
والى ال ومن عاداهم فقد عادى ال ،يقول ال تعالى :يا حملة القرآن استجيبوا لربكم بتوقير كتابه
يزدكمم حبما ويحببكمم إلى عباده يدفمع عمن مسمتمع القرآن بلوى الدنيما ويدفمع عمن تالي القرآن بلوى
الخرة ومن استمع آية من كتاب ال كان له أفضل مما تحت العرش إلى التخوم وإن في كتاب ال
لسمورة تدعمى العزيزة ويدعمى صماحبها الشريمف يوم القياممة تشفمع لصماحبها فمي أكثمر ممن ربيعمة
ومضر وهي سورة يس) .وذكر الثعلبي عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال:
(من قرأ سورة يس ليلة الجمعة أصبح مغفورا له) .وعن أنس أن رسول ال صلى قال( :من دخل
المقابر فقرأ سورة يس خفف ال عنهم يومئذ وكان له بعدد حروفها حسنات).
**3اليمة{ 5 - 1 :يمس ،والقرآن الحكيمم ،إنمك لممن المرسملين ،على صمراط مسمتقيم ،تنزيمل
العزيز الرحيم}
@قوله تعالى" :يمس" فمي "يمس" أوجمه ممن القراءات :قرأ أهمل المدينمة والكسمائي "يمس والقرآن
الحكيممم" بإدغام النون فممي الواو .وقرأ أبممو عمرو والعمممش وحمزة "يممس" بإظهار النون .وقرأ
عيسى بن عمر "يسن" بنصب النون .وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم "يسن"
بالكسر .وقرأ هارون العور ومحمد بن السميقع "يسن" بضم النون؛ فهذه خمس قراءات .القراءة
الولى بالدغام على ما يجب في العربية؛ لن النون تدغم في الواو .ومن بين قال :سبيل حروف
الهجاء أن يوقف عليها ،وإنما يكون الدغام في الدراج .وذكر سيبويه النصب وجعله من جهتين:
إحداهما أن يكون مفعول ول يصرفه؛ لنه عنده اسم أعجمي بمنزلة هابيل ،والتقدير أذكر يسين.
وجعله سميبويه اسمما للسمورة .وقوله الخمر أن يكون مبنيما على الفتمح مثمل كيمف وأيمن .وأمما الكسمر
فزعم الفراء أنه مشبه بقول العرب جير ل أفعل ،فعلى هذا يكون "يسن" قسما .وقاله ابن عباس.
وقيل :مشبه بأمس وحذام وهؤلء ورقاش .وأما الضم فمشبه بمنذ وحيث وقط ،وبالمنادى المفرد
إذا قلت يما رجمل ،لممن يقمف عليمه .قال ابمن السمميقع وهارون :وقمد جاء فمي تفسميرها رجمل فالولى
بهما الضمم .قال ابمن النباري" "يمس" وقمف حسمن لممن قال همو افتتاح للسمورة .وممن قال :معنمى
"يمس" يما رجمل لم يقمف عليمه .وروي عمن ابمن عباس وابمن مسمعود وغيرهمما أن معناه يما إنسمان،
وقالوا فمي قوله تعالى" :سلم على إل ياسمين" [الصافات ]130 :أي على آل محمد .وقال سعيد
بن جبير :هو اسم من أسماء محمد صلى ال عليه وسلم؛ ودليله "إنك لمن المرسلين " .قال السيد
الحميري:
على المودة إل آل ياسين يا نفس ل تمحضي بالنصح جاهدة
وقال أبمو بكمر الوراق :معناه يما سميد البشمر .وقيمل :إنمه اسمم ممن أسمماء ال؛ قال مالك .روى عنمه
أشهب قال :سألته هل ينبغي لحد أن يتسمى بياسين؟ قال :ما أراه ينبغي لقول ال" :يس والقرآن
الحكيمم" يقول هذا اسممي يمس .قال ابمن العربمي هذا كلم بديمع ،وذلك أن العبمد يجوز له أن يتسممى
باسمم الرب إذا كان فيمه معنمى منمه؛ كقوله :عالم وقادر ومريمد ومتكلم .وإنمما منمع مالك من التسممية
بمم "يسمين"؛ لنمه اسمم ممن أسمماء ال ل يدرى معناه؛ فربمما كان معناه ينفرد بمه الرب فل يجوز أن
يقدم عليمه العبمد .فإن قيمل فقمد قال ال تعالى" :سملم على إل ياسمين" [الصمافات ]130 :قلنما :ذلك
مكتوب بهجاء فتجوز التسممية بمه ،وهذا الذي ليمس بمتهجمى همو الذي تكلم مالك عليمه؛ لمما فيمه ممن
الشكال؛ وال أعلم .وقال بعض العلماء :افتتح ال هذه السورة بالياء والسين وفيهما مجمع الخير:
ودل المفتتممح على أنممه قلب ،والقلب أميممر على الجسممد؛ وكذلك "يممس" أميممر على سممائر السممور،
مشتممل على جميمع القرآن .ثمم اختلفوا فيمه أيضما؛ فقال سمعيد بمن جمبير وعكرممة :همو بلغمة الحبشمة.
وقال الشعمبي :همو بلغمة طمي .الحسمن :بلغمة كلب .الكلبمي :همو بالسمريانية فتكلممت بمه العرب فصمار
من لغتهم .وقد مضى هذا المعنى في "طه" وفي مقدمة الكتاب مستوفى .وقد سرد القاضي عياض
أقوال المفسرين في معنى "يس" فحكى أبو محمد مكي أنه روي عن النبي صلى ال عليه وسلم
قال( :لي عند ربي عشرة أسماء) ذكر أن منها طه ويس اسمان له.
قلت :وذكمر الماوردي عمن علي رضمي ال عنمه قال :سممعت رسمول ال صملى ال عليمه وسملم
يقول( :إن ال تعالى أسمماني فمي القرآن سمبعة أسمماء محممد وأحممد وطمه ويمس والمزممل والمدثمر
وعبدال) قاله القاضممي .وحكممى أبممو عبدالرحمممن السمملمي عممن جعفممر الصممادق أنممه أراد يمما سمميد،
مخاطبمة لنمبيه صملى ال عليمه وسملم وعمن ابمن عباس" :يمس" يما إنسمان أراد محمدا صملى ال عليمه
وسلم .وقال :هو قسم وهو من أسماء ال سبحانه .وقال الزجاج :قيل معناه يا محمد وقيل يا رجل
وقيمل يما إنسمان .وعمن ابمن الحنفيمة" :يمس" يما محممد .وعمن كعمب" :يمس" قسمم أقسمم ال بمه قبمل أن
يخلق السمماء والرض بألفمي عام قال يما محممد" :إنمك لممن المرسملين" ثمم قال" :والقرآن الحكيمم".
فإن قدر أنمه ممن أسممائه صملى ال عليمه وسملم ،وصمح فيمه أنمه قسمم كان فيمه ممن التعظيمم مما تقدم،
مؤكمد فيمه القسمم عطمف القسمم الخمر عليمه .وإن كان بمعنمى النداء فقمد جاء قسمم آخمر بعده لتحقيمق
رسالته والشهادة بهدايته .أقسم ال تعالى باسمه وكتابه أنه لمن المرسلين بوحيه إلى عباده ،وعلى
صراط مستقيم من إيمانه؛ أي طريق ل أعوجاج فيه ول عدول عن الحق .قال النقاش :لم يقسم ال
تعالى لحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إل له ،وفيه من تعظيمه وتمجيده على تأويل من قال إنه
يما سميد مما فيمه ،وقمد قال عليمه السملم( :أنما سميد ولد آدم) انتهمى كلممه .وحكمى القشيري قال ابمن
عباس :قالت كفار قريمش لسمت مرسمل ومما أرسملك ال إلينما؛ فأقسمم ال بالقرآن المحكمم أن محمدا
ممن المرسملين" .الحكيمم" المحكمم حتمى ل يتعرض لبطلن وتناقمض؛ كمما قال" :أحكممت آياتمه"
[هود .]1 :وكذلك أحكم في نظمه ومعانيه فل يلحقه خلل .وقد يكون "الحكيم" في حق ال بمعنى
المحكمم بكسمر الكاف كالليمم بمعنمى المؤلم" .على صمراط مسمتقيم" أي ديمن مسمتقيم وهمو السملم.
وقال الزجاج :على طريمق النمبياء الذيمن تقدموك؛ وقال" :إنمك لممن المرسملين" خمبر إن ،و"على
صمراط مستقيم" خبر ثان ،أي إنك لمن المرسلين ،وإنك على صراط مستقيم .وقيل :المعنى لمن
المرسملين على اسمتقامة؛ فيكون قوله" :على صمراط مسمتقيم" ممن صملة المرسملين؛ أي إنمك لممن
المرسملين الذيمن أرسملوا على طريقمة مسمتقيمة؛ كقوله تعالى" :وإنمك لتهدي إلى صمراط مسمتقيم.
صراط ال" أي الصراط الذي أمر ال به.
@قوله تعالى" :تنزيل العزيز الرحيم" قرأ ابن عامر وحفص والعمش ويحيى وحمزة والكسائي
وخلف" :تنزيممل" بنصممب اللم على المصممدر؛ أي نزل ال ذلك تنزيل .وأضاف المصممدر فصممار
معرفمة كقوله" :فضرب الرقاب" [محممد ]4 :أي فضربما للرقاب .الباقون "تنزيمل" بالرفمع على
خبر ابتداء محذوف أي هو تنزيل ،أو الذي أنزل إليك تنزيل العزيز الرحيم .هذا وقرئ" :تنزيل"
بالجر على البدل من "القرآن" والتنزيل يرجع إلى القرآن .وقيل :إلى النبي صلى ال عليه وسلم؛
أي إنك لمن المرسلين ،وإنك "تنزيل العزيز الرحيم" .فالتنزيل على هذا بمعنى الرسال؛ قال ال
تعالى" :قممد أنزل ال إليكممم ذكرا .رسممول يتلوا عليكممم" [الطلق ]11:ويقال :أرسممل ال المطممر
وأنزله بمعنى .ومحمد صلى ال عليه وسلم رحمة ال أنزلها من السماء .ومن نصب قال :إنك لمن
المرسلين إرسال من العزيز الرحيم .و"العزيز" المنتقم ممن خالفه "الرحيم" بأهل طاعته.
**3اليمة{ 8 - 6 :لتنذر قومما مما أنذر آباؤهمم فهمم غافلون ،لقمد حمق القول على أكثرهمم فهمم ل
يؤمنون ،إنا جعلنا في أعناقهم أغلل فهي إلى الذقان فهم مقمحون}
@قوله تعالى" :لتنذر قومما مما أنذر آباؤهمم" "مما" ل موضمع لهما ممن العراب عنمد أكثمر أهمل
التفسمير ،منهمم قتادة؛ لنهما نفمي والمعنمى :لتنذر قومما مما أتمى آباءهمم قبلك نذيمر .وقيمل :همي بمعنمى
الذي فالمعنى :لتنذرهم مثل ما أنذر آباؤهم؛ قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة أيضا .وقيل :إن "ما"
والفعمل مصمدر؛ أي لتنذر قومما إنذار آبائهمم .ثمم يجوز أن تكون العرب قمد بلغتهمم بالتواتمر أخبار
النممبياء؛ فالمعنممى لم ينذروا برسممول مممن أنفسممهم .ويجوز أن يكون بلغهممم الخممبر ولكممن غفلوا
وأعرضوا ونسوا .ويجوز أن يكون هذا خطابا لقوم لم يبلغهم خبر نبي ،وقد قال ال" :وما آتيناهم
من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير" [سبأ ]44 :وقال" :لتنذر قوما ما أتاهم من
نذيمر ممن قبلك لعلهمم يهتدون" [السمجدة ]3 :أي لم يأتهمم نمبي .وعلى قول ممن قال بلغهمم خمبر
النمبياء ،فالمعنمى فهمم معرضون الن متغافلون عمن ذلك ،ويقال للمعرض عمن الشيمء إنمه غافمل
عنه .وقيل" :فهم غافلون" عن عقاب ال.
@قوله تعالى" :لقمد حمق القول على أكثرهمم" أي وجمب العذاب على أكثرهمم "فهمم ل يؤمنون"
بإنذارك .وهذا فيمن سبق في علم ال أنه يموت على كفره .ثم بين سبب تركهم اليمان فقال" :إنا
جعلنا في أعناقهم أغلل" .قيل :نزلت في أبي جهل بن هشام وصاحبيه المخزوميين؛ وذلك أن أبا
جهل حلف لئن رأى محمدا يصلي ليرضخن رأسه بحجر؛ فلما رآه ذهب فرفع حجرا ليرميه ،فلما
أومأ إليه رجعت يده إلى عنقه ،والتصق الحجر بيده؛ قاله ابن عباس وعكرمة وغيرهما؛ فهو على
هذا تمثيمل أي همو بمنزلة ممن علت يده إلى عنقمه ،فلمما عاد إلى أصمحابه أخمبرهم بمما رأى ،فقال
الرجمل الثانمي وهمو الوليمد بمن المغيرة :أنما أرضمخ رأسمه .فأتاه وهمو يصملي على حالتمه ليرميمه
بالحجمر فأعممى ال بصمره فجعمل يسممع صموته ول يراه ،فرجمع إلى أصمحابه فلم يرهمم حتمى نادوه
فقال :وال مما رأيتمه ولقمد سممعت صموته .فقال الثالث :وال لشدخمن أنما رأسمه .ثمم أخمذ الحجمر
وانطلق فرجع القهقرى ينكص على عقبيه حتى خر على قفاه مغشيا عليه .فقيل له :ما شأنك؟ قال
شأني عظيم رأيت الرجل فلما دنوت منه ،وإذا فحل يخطر بذنبه ما رأيت فحل قط أعظم منه حال
بيني وبينه ،فواللت والعزى لو دنوت منه لكلني .فأنزل ال تعالى" :إنا جعلنا في أعناقهم أغلل
فهمي إلى الذقان فهمم مقمحون" .وقرأ ابمن عباس" :إنما جعلنما فمي أيمانهمم" .وقال الزجاج :وقرئ
"إنا جعلنا في أيديهم" .قال النحاس :وهذه القراءة تفسير ول يقرأ بما خالف المصحف .وفي الكلم
حذف على قراءة الجماعة؛ التقدير :إنا جعلنا في أعناقهم وفي أيديهم أغلل فهي إلى الذقان ،فهي
كنايممة عممن اليدي ل عممن العناق ،والعرب تحذف مثممل هذا .ونظيره" :سممرابيل تقيكممم الحممر"
[النحمل ]81 :وتقديره وسمرابيل تقيكمم البرد فحذف؛ لن مما وقمى ممن الحمر وقمى ممن البرد؛ لن
الغممل إذا كان فممي العنممق فل بممد أن يكون فممي اليممد ،ول سمميما وقممد قال ال عممز وجممل" :فهممي إلى
الذقان" فقمد علم أنه يراد به اليدي" .فهمم مقمحون" أي رافعمو رؤوسمهم ل يستطيعون الطراق؛
لن من علت يده إلى ذقنه ارتفع رأسه .روى عبدال بن يحيى :أن علي بن أبي طالب عليه السلم
أراهمم القماح ،فجعمل يديمه تحمت لحيتمه وألصمقهما ورفمع رأسمه .قال النحاس ،وهذا أجمل مما روي
فيه وهو مأخوذ مما حكاه الصمعي .قال :يقال أقمحت الدابة إذا جذبت لجامها لترفع رأسها .قال
النحاس :والقاف مبدلة مممن الكاف لقربهمما منهمما .كممما يقال :قهرتممه وكهرتممه .قال الصمممعي :يقال
أكمحت الدابة إذا جذبت عنانها حتى ينتصب رأسها .ومنه قول الشاعر:
.. .والرأس مكمح
ويقال :أكمحتهما وأكفحتهما وكبحتهما؛ هذه وحدهما بل ألف عمن الصممعي .وقممح البعيمر قموحما :إذا
رفمع رأسمه عنمد الحوض وامتنمع ممن الشرب ،فهمو بعيمر قاممح وقممح؛ يقال :شرب فتقممح وانقممح
بمعنى إذا رفع رأسه وترك الشرب ريا .وقد قامحت إبلك :إذا وردت ولم تشرب ،ورفعت رأسها
من داء يكون بها أو برد .وهي إبل مقامحة ،وبعير مقامح ،وناقة مقامح أيضا ،والجمع قماح على
غير قياس؛ قال بشر يصف سفينة:
نغض الطرف كالبل القماح ونحن على جوانبها قعود
والقماح :رفع الرأس وغض البصر؛ يقال :أقمحه الغل إذا ترك رأسه مرفوعا من ضيقه .وشهرا
قماح :أشمد مما يكون ممن البرد ،وهمما الكانونان سمميا بذلك؛ لن البمل إذا وردت آذاهما برد الماء
فقامحمت رؤوسمها؛ ومنمه قمحمت السمويق .وقيمل :همو مثمل ضربمه ال تعالى لهمم فمي امتناعكمم ممن
الهدى كامتناع المغلول؛ قال يحيممى بممن سمملم وأبممو عممبيدة .وكممما يقال :فلن حمار؛ أي ل يبصممر
الهدى .وكما قال:
لهم عن الرشد أغلل وأقياد
وفي الخبر :أن أبا ذؤيب كان يهوى امرأة في الجاهلية ،فلما أسلم راودته فأبى وأنشأ يقول:
ولكن أحاطت بالرقاب السلسل فليس كعهد الدار يا أم مالك
سوى العدل شيئا فاستراح العواذل وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل
أراد منعنما بموانمع السملم عمن تعاطمي الزنمى والفسمق .وقال الفراء أيضما :هذا ضرب مثمل؛ أي
حبسممناهم عممن النفاق فممي سممبيل ال؛ وهممو كقوله تعالى" :ول تجعممل يدك مغلولة إلى عنقممك"
[السراء ]29 :وقال الضحاك .وقيل :إن هؤلء صاروا في الستكبار عن الحق كمن جعل في
يده غممل فجمعممت إلى عنقممه ،فبقممي رافعمما رأسممه ل يخفضممه ،وغاضمما بصممره ل يفتحممه .والمتكممبر
يوصف بانتصاب العنق .وقال الزهري :إن أيديهم لما علت عند أعناقهم رفعت الغلل أذقانهم
ورؤوسهم صعدا كالبل ترفع رؤوسها .وهذا المنع بخلق الكفر في قلوب الكفار ،وعند قوم بسلبهم
التوفيمق عقوبمة لهمم على كفرهمم .وقيمل :اليمة إشارة إلى مما يفعمل بأقوام غدا فمي النار ممن وضمع
الغلل في أعناقهم والسلسل؛ كما قال تعالى" :إذ الغلل في أعناقهم والسلسل" [غافر]71 :
وأخمبر عنمه بلفمظ الماضمي" .فهمم مقمحون" تقدم تفسميره .قال مجاهمد" :مقمحون" مغلون عمن كمل
خير.
**3اليمة{ 9 :وجعلنما ممن بيمن أيديهمم سمدا وممن خلفهمم سمدا فأغشيناهمم فهمم ل يبصمرون ،وسمواء
عليهمم أأنذرتهمم أم لم تنذرهمم ل يؤمنون ،إنمما تنذر ممن اتبمع الذكمر وخشمي الرحممن بالغيمب فبشره
بمغفرة وأجر كريم}
@قوله تعالى" :وجعلنما ممن بيمن أيديهمم سمدا وممن خلفهمم سمدا" قال مقاتمل :لمما عاد أبمو جهمل إلى
أصحابه ،ولم يصل إلى النبي صلى ال عليه وسلم ،وسقط الحجر من يده ،أخذ الحجر رجل آخر
ممن بنمي مخزوم وقال :أقتله بهذا الحجمر .فلمما دنما ممن النمبي صملى ال عليمه وسملم طممس ال على
بصره فلم ير النبي صلى ال عليه وسلم ،فرجع إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه ،فهذا معنى
الية .وقال محمد بن إسحاق في روايته :جلس عتبة وشيبة ابنا ربيعة ،وأبو جهل وأمية بن خلف،
يرصمدون النمبي صملى ال عليمه وسملم ليبلغوا ممن أذاه؛ فخرج عليهمم عليمه السملم وهمو يقرأ [يمس]
وفمي يده تراب فرماهمم به وقرأ" :وجعلنا من بيمن أيديهمم سمدا ومن خلفهم سدا" فأطرقوا حتى مر
عليهمم عليمه السملم .وقمد مضمى هذا فمي سمورة [سمبحان] ومضمى فمي "الكهمف" الكلم فمي "سمدا"
بضم السين وفتحها وهما لغتان" ،فأغشيناهم" أي غطينا أبصارهم؛ وقد مضى في أول "البقرة".
وقرأ ابن عباس وعكرمة ويحيى بن يعمر "فأعشيناهم" بالعين غير معجمة من العشاء في العين
وهو ضعف بصرها حتى ل تبصر بالليل قال:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره
وقال تعالى" :وممن يعمش عمن ذكمر الرحممن" [الزخرف ]36 :اليمة .والمعنمى متقارب ،والمعنمى
أعميناهم؛ كما قال:
ضربت علي الرض بالسداد ومن الحوادث ل أبا لك أنني
بين العذب وبين أرض مراد ل أهتدي فيها لموضع تلعة
"فهم ل يبصرون" أي الهدى؛ قاله قتادة .وقيل :محمدا حين ائتمروا على قتله؛ قاله السدي .وقال
الضحاك" :وجعلنما ممن بيمن أيديهمم سمدا" أي الدنيما "وممن خلفهمم سمدا" أي الخرة؛ أي عموا عمن
البعمث وعموا عمن قبول الشرائع فمي الدنيما؛ قال ال تعالى" :وقيضنما لهمم قرناء فزينوا لهمم مما بيمن
أيديهم وما خلفهم" [فصلت ]25 :أي زينوا لهم الدنيا ودعوهم إلى التكذيب بالخرة .وقيل :على
هذا "من بين أيديهم سدا" أي غرورا بالدنيا "ومن خلفهم سدا" أي تكذيبا بالخرة .وقيل" :من بين
أيديهمم" الخرة "وممن خلفهمم" الدنيما" .وسمواء عليهمم أأنذرتهمم أم لم تنذرهمم ل يؤمنون" تقدم فمي
"البقرة" والية رد على القدرية وغيرهم .وعن ابن شهاب :أن عمر بن عبدالعزيز أحضر غيلن
القدري فقال :يما غيلن بلغنمي أنمك تتكلم بالقدر؛ فقال :يكذبون على يما أميمر المؤمنيمن .ثمم قال :يما
أميمر المؤمنيمن أرأيمت قول ال تعالى" :إنما خلقنما النسمان ممن نطفمة أمشاج نبتليمه فجعلناه سمميعا
بصميرا .إنما هديناه السمبيل إمما شاكرا وإمما كفورا" [النسمان ]2 :قال :أقرأ يما غيلن فقرأ حتمى
انتهى إلى قوله" :فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيل" [النسان ]29 :فقال اقرأ فقال" :وما تشاؤون إل
أن يشاء ال" [النسمان ]30 :فقال :وال يما أميمر المؤمنيمن إن شعرت أن هذا فمي كتاب ال قمط.
فقال له :يما غيلن أقرأ أول سمورة [يمس] فقرأ حتمى بلغ "وسمواء عليهمم أأنذرتهمم أم لم تنذرهمم ل
يؤمنون" فقال غيلن :وال يا أمير المؤمنين لكأني لم أقرأها قط قبل اليوم؛ اشهد يا أمير المؤمنين
أنمي تائب .قال عممر :اللهمم إن كان صمادقا فتمب عليمه وثبتمه ،وإن كان كاذبما فسملط عليمه ممن ل
يرحممه واجعله آيمة للمومنيمن؛ فأخذه هشام فقطمع يديمه ورجليمه وصملبه .وقال ابمن عون :فأنما رأيتمه
مصلوبا على باب دمشق .فقلنا :ما شأنك يا غيلن؟ فقال :أصابتني دعوة الرجل الصالح عمر بن
عبدالعزيز.
@قوله تعالى" :إنما تنذر من اتبع الذكر" يعني القرآن وعمل به" .وخشي الرحمن بالغيب" أي ما
غاب ممن عذابمه وناره؛ قاله قتادة .وقيمل :أي يخشاه فمي مغيبمه عمن أبصمار الناس وانفراده بنفسمه.
"فبشره بمغفرة" أي لذنبه "وأجر كريم" أي الجنة.
**3اليمة{ 12 :إنما نحمن نحيمي الموتمى ونكتمب مما قدموا وآثارهمم وكمل شيمء أحصميناه فمي إمام
مبين}
@قوله تعالى" :إنمما نحممن نحيممي الموتممى" أخبرنمما تعالى بإحيائه الموتممى ردا على الكفرة .وقال
الضحاك والحسمن :أي نحييهمم باليمان بعمد الجهمل .والول أظهمر؛ أي نحييهمم بالبعمث للجزاء .ثمم
توعدهم بذكره َكتْب الثار وإحصاء كل شيء وكل ما يصنعه النسان .قال قتادة :معناه من عمل.
وقاله مجاهمد وابمن زيمد .ونظيره قوله" :علممت نفمس مما قدممت وأخرت"[ :النفطار ] 5 :وقوله:
"ينبمأ النسمان يومئذ بمما قدم وأخمر" [القياممة ،]13 :وقال" :اتقوا ال ولتنظمر نفمس مما قدممت لغمد"
[الحشمر ]18 :فآثار المرء التمي تبقمى وتذكمر بعمد النسمان من خيمر أو شمر يجازى عليهما :من أثمر
حسممن؛ كعلم علموه ،أو كتاب صممنفوه ،أو حممبيس احتبسمموه ،أو بناء بنوه مممن مسممجد أو رباط أو
قنطرة أو نحممو ذلك .أو سمميئ كوظيفممة وظفهمما بعممض الظلم على المسمملمين ،وسممكة أحدثهمما فيهمما
تخسيرهم ،أو شيء أحدثه فيه صد عن ذكر ال من ألحان ومله ،وكذلك كل سنة حسنة ،أو سيئة
يسمتن بهما .وقيمل :همي آثار المشائيمن إلى المسماجد .وعلى هذا المعنمى تأول اليمة عممر وابمن عباس
وسمعيد بن جمبير .وعن ابمن عباس أيضما أن معنمى" :وآثارهمم" خطاهمم إلى المسماجد .قال النحاس:
وهذا أولى مما قيمل فيمه؛ لنمه قال :إن اليمة نزلت فمي ذلك؛ لن النصمار كانمت منازلهمم بعيدة عمن
المسجد .وفي الحديث مرفوعا إلى النبي صلى ال عليه وسلم قال( :يكتب له برجل حسنة وتحط
عنه برجل سيئه ذاهبا وراجعا إذا خرج إلى المسجد).
قلت :وفي الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال :كانت بنو سلمة في ناحية المدينة فأردوا النقلة
إلى قرب المسجد فنزلت هذه الية" :إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم" فقال رسول
ال صملى ال عليمه وسملم (إن آثاركمم تكتمب) فلم ينتقلوا .قال :هذا حديمث حسمن غريمب ممن حديمث
الثوري .وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبدال قال :أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد؛
قال :والبقاع خاليمة؛ قال :فبلغ ذلك النمبي صملى ال عليمه وسملم فقال( :يما بنمي سملمة دياركمم تكتمب
آثاركمم دياركمم تكتمب آثاركمم) فقالوا :مما كان يسمرنا أنما كنما تحولنما .وقال ثابمت البنانمي :مشيمت ممع
أنس بن مالك إلى الصلة فأسرعت ،فحبسني فلما انقضت الصلة قال :مشيت مع النبي صلى ال
عليمه وسملم وأسمرعت ،فحبسمني فلمما انقضمت الصملة قال( :أمما علم أن الثار تكتمب) فهذا احتجاج
بالية .وقال قتادة ومجاهد أيضا والحسن :الثار في هذه الية الخطا .وحكى الثعلبي عن أنس أنه
قال :الثار هي الخطا إلى الجمعة .وواحد الثار أثر ويقال أثر.
@ في هذه الحاديث المفسرة لمعنى الية دليل على أن البعد من المسجد أفضل ،فلو كان بجوار
مسمجد ،فهمل له أن يجاوزه إلى البعمد؟ اختلف فيمه ،فروي عمن أنمس أنمه كان يجاوز المحدث إلى
القديمم .وروي عمن غيره :البعمد فالبعمد ممن المسمجد أعظمم أجرا .وكره الحسمن وغيره هذا؛ وقال:
ل يدع مسمجدا قربمه ويأتمي غيره .وهذا مذهمب مالك .وفمي تخطمي مسممجده إلى المسمجد العظمم
قولن .وخرج ابممن ماجممه مممن حديممث أنممس بممن مالك قال :قال رسممول ال صمملى ال عليممه وسمملم.
(صملة الرجمل فمي بيتمه بصملة وصملته فمي مسمجد القبائل بخممس وعشريمن صملة وصملته فمي
المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلة).
@ "دياركمم" منصموب على الغراء أي ألزموا ،و(تكتمب) جزم على جواب ذلك الممر( .وكمل)
نصمب بفعمل مضممر يدل عليمه "أحصميناه" كأنمه قال :وأحصمينا كمل شيمء أحصميناه .ويجوز رفعمه
بالبتداء إل أن نصبه أولى؛ ليعطف ما عمل فيه الفعل على ما عمل فيه الفعل .وهو قول الخليل
وسميبويه .والمام :الكتاب المقتدى بمه الذي همو حجمة .وقال مجاهمد وقتادة وابمن زيمد :أراد اللوح
المحفوظ .وقالت فرقة :أراد صحائف العمال.
**3اليمة{ 13 :واضرب لهمم مثل أصمحاب القريمة إذ جاءهما المرسملون ،إذ أرسملنا إليهمم اثنيمن
فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون ،قالوا ما أنتم إل بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من
شيمء إن أنتمم إل تكذبون ،قالوا ربنما يعلم إنما إليكمم لمرسملون ،ومما علينما إل البلغ الممبين ،قالوا إنما
تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم ،قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم
قوم مسرفون}
@قوله تعالى" :واضرب لهم مثل أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون" خطاب للنبي صلى ال
عليمه وسملم ،أممر أن يضرب لقوممه مثل بأصمحاب القريمة هذه القريمة همي أنطاكيمة فمي قول جميمع
المفسمرين فيمما ذكمر الماوردي .نسمبت إلى أهمل أنطمبيس وهمو اسمم الذي بناهما ثمم غيمر لمما عرب؛
ذكره السمممهيلي .ويقال فيهممما :أنتاكيمممة بالتاء بدل الطاء .وكان بهممما فرعون يقال له أنطيخمممس بمممن
أنطيخمس يعبمد الصمنام؛ ذكره المهدوي ،وحكاه أبمو جعفمر النحاس عمن كعمب ووهمب .فأرسمل ال
إليممه ثلثممة :وهممم صممادق ،وصممدوق ،وشلوم هممو الثالث .هذا قول الطممبري .وقال غيره :شمعون
ويوحنما .وحكمى النقاش :سممعان ويحيمى ،ولم يذكرا صمادقا ول صمدوقا .ويجوز أن يكون "مثل"
و"أصحاب القرية" مفعولين لضرب ،أو "أصحاب القرية" بدل من "مثل" أي اضرب لهم مثل
أصمحاب القريمة فحذف المضاف .أممر النمبي صملى ال عليمه وسملم بإنذار هؤلء المشركيمن أن مما
يحمل بهمم مما حمل بكفار أهمل القريمة المبعوث إليهمم ثلثمة رسمل .قيمل :رسمل ممن ال على البتداء.
وقيممل :إن عيسممى بعثهممم إلى أنطاكيممة للدعاء إلى ال .وهممو قوله تعالى" :إذ أرسمملنا إليهممم اثنيممن"
أضاف الرب ذلك إلى نفسممه؛ لن عيسممى أرسمملهما بأمممر الرب ،وكان ذلك حيممن رفممع عيسممى إلى
السممماء" .فكذبوهممما" قيممل ضربوهممما وسممجنوهما" .فعززنمما بثالث" أي فقوينمما وشددنمما الرسممالة
"بثالث" .وقرأ أبمو بكمر عمن عاصمم" :فعززنما بثالث" بالتخفيمف وشدد الباقون .قال الجوهري:
وقوله تعالى" :فعززنما بثالث" يخفمف ويشدد؛ أي قوينما وشددنما .قال الصممعي :أنشدنمي فيمه أبمو
عمرو بن العلء للمتلمس:
وإذا تشد بنسعها ل تنبس جدّ إذا رحلت تعزز لحمها ُأ ُ
أي ل ترغممو؛ فعلى هذا تكون القراءتان بمعنىً .وقيممل :التخفيممف بمعنممى غلبنمما وقهرنمما؛ ومنممه:
"وعزني في الخطاب" [ص .]23 :والتشديد بمعنى قوينا وكثرنا .وفي القصة :أن عيسى أرسل
إليهممم رسممولين فلقيمما شيخمما يرعممى غنيمات له وهممو حممبيب النجار صمماحب "يممس" فدعوه إلى ال
وقال :نحمن رسمول عيسمى ندعوك إلى عبادة ال .فطالبهمما بالمعجزة فقال :نحمن نشفمي المرضمى
وكان له ابمن مجنون .وقيمل :مريمض على الفراش فمسمحاه ،فقام بإذن ال صمحيحا؛ فآممن الرجمل
بال .وقيمل :همو الذي جاء ممن أقصمى المدينمة يسمعى ،ففشما أمرهمما ،وشفيما كثيرا ممن المرضمى،
فأرسممل الملك إليهممما -وكان يعبممد الصممنام -يسممتخبرهما فقال :نحممن رسممول عيسممى .فقال :وممما
آيتكما؟ قال :نبرئ الكمه والبرص ونبرئ المريض بإذن ال ،وندعوك إلى عبادة ال وحده .فهم
الملك بضربهما .وقال وهب :حبسهما الملك وجلدهما مائة جلدة؛ فانتهى الخبر إلى عيسى فأرسل
ثالثما .قيمل :شمعون الصمفا رأس الحوارييمن لنصممرهما ،فعاشمر حاشيمة الملك حتممى تمكمن منهمم،
واستأنسوا به ،ورفعوا حديثه إلى الملك فأنس به ،وأظهر موافقته في دينه ،فرضي الملك طريقته،
ثم قال يوما للملك :بلغني أنك حبست رجلين دعواك إلى ال ،فلو سألت عنهما ما وراءهما .فقال:
إن الغضممب حال بينممي وبيممن سممؤالهما .قال :فلو أحضرتهممما .فأمممر بذلك؛ فقال لهممما شمعون :ممما
برهانكمما على مما تدعيان؟ فقال :نمبرئ الكممه والبرص .فجيمء بغلم ممسموح العينيمن؛ موضمع
عينيمه كالجبهمة ،فدعوا ربهمما فأنشمق موضمع البصمر ،فأخذا بندقتيمن طينما فوضعاهمما فمي خديمه،
فصمارتا مقلتيمن يبصمر بهمما؛ فعجمب الملك وقال :إن هما هنما غلمما مات منمذ سمبعة أيام ولم أدفنمه
حتمى يجيمء أبوه فهمل يحييمه ربكمما؟ فدعوا ال علنيمة ،ودعاه شمعون سمرا ،فقام الميمت حيما ،فقال
للناس :إنمي ممت منمذ سمبعة أيام ،فوجدت مشركما ،فأدخلت فمي سمبعة أوديمة ممن النار ،فأحذركمم مما
أنتم فيه فآمنوا بال ،ثم فتحت أبواب السماء ،فرأي شابا حسن الوجه يشفع لهؤلء الثلثة شمعون
وصماحبيه ،حتمى أحيانمي ال ،وأنما أشهمد أن ل إله إل ال وحده ل شريمك له ،وأن عيسمى روج ال
وكلمتممه ،وأن هؤلء هممم رسممل ال .فقالوا له وهذا شمعون أيضمما معهممم؟ قال :نعممم وهممو أفضلهممم.
فأعلمهم شمعون أنه رسول المسيح إليهم ،فأثر قوله في الملك ،فدعاه إلى ال ،فآمن الملك في قوم
كثير وكفر آخرون.
وحكمى القشيري أن الملك آممن ولم يؤممن قوممه ،وصماح جبريمل صميحة مات كمل ممن بقمي منهمم
من الكفار .وروي أن عيسى لما أمرهم أن يذهبوا إلى تلك القرية قالوا :يا نبي ال إنا ل نعرف أن
نتكلم بألسمنتهم ولغاتهمم .فدعما ال لهمم فناموا بمكانهمم ،فهبوا من نومتهم قمد حملتهمم الملئكة فألقتهم
بأرضمى أنطاكيمة ،فكلم كمل واحمد صماحبه بلغمة القوم؛ فذلك قوله" :وأيدناه بروح القدس" [البقرة:
]87فقالوا جميعما" :إنما إليكمم مرسملون ،قالوا مما أنتمم إل بشمر مثلنما" تأكلون الطعام وتمشون فمي
السواق "وما أنزل الرحمن من شيء" يأمر به ول من شيء ينهى عنه "إن أنتم إل تكذبون" في
دعواكم الرسالة؛ فقالت الرسل" :ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون" وإن كذبتمونا "وما علينا إل البلغ
الممبين" فمي أن ال واحمد "قالوا" لهمم "إنما تطيرنما بكمم" أي تشاءمنما بكمم .قال مقاتمل :حبمس عنهمم
المطمر ثلث سمنين فقالوا هذا بشؤمكمم .ويقال :إنهمم أقاموا ينذرونهمم عشمر سمنين" .لئن لم تنتهوا"
عمن إنذارنما "لنرجمنكمم" قال الفراء :لنقتلنكمم .قال :وعاممة مما فمي القرآن ممن الرجمم معناه القتمل.
وقال قتادة :همو على بابمه ممن الرجمم بالحجارة .وقيمل :لنشتمنكمم؛ وقمد تقدم جميعمه" .وليمسمنكم منما
عذاب أليم" قيل :هو القتل .وقيل :هو التعذيب المؤلم .وقيل :هو التعذيب المؤلم قبل القتل كالسلخ
والقطمع والصملب .فقالت الرسمل" :طائركمم معكمم" أي شؤمكمم معكمم أي حظكمم ممن الخيمر والشمر
معكم ولزم في أعناقكم ،وليس هو من شؤمنا؛ قال معناه الضحاك .وقال قتادة :أعمالكم معكم .ابن
عباس :معناه الرزاق والقدار تتبعكمم .الفراء" :طائركمم معكمم" رزقكمم وعملكمم؛ والمعنمى واحمد.
وقرأ الحسن" :أطيركم" أي تطيركم" .أئن ذكرتم" قال قتادة :إن ذكرتم تطيرتم .وفيه تسعة أوجه
ممن القراءات :قرأ أهمل المدينمة" :أيمن ذكرتمم" بتخفيمف الهمزة الثانيمة .وقرأ أهمل الكوفمة" :أإن"
بتحقيمق الهمزتيمن .والوجمه الثالث" :أاإن ذكرتمم" بهمزتيمن بينهمما ألف أدخلت اللف كراهمة للجممع
بيممن الهمزتيممن .والوجممه الرابممع" :أاإن" بهمزة بعدهمما ألف وبعممد اللف همزة مخففممة .والقراءة
الخامسممة "أاأن" بهمزتيممن مفتوحتيممن بينهممما ألف .والوجممه السممادس" :أأن" بهمزتيممن محققتيممن
مفتوحتين .وحكى الفراء :أن هذه القراءة قراءة أبي رزين.
قلت :وحكاه الثعلبي عن زر بن حبيش وابن السميقع .وقرأ عيسى بن عمر والحسن البصري:
"قالوا طائركمم معكمم أيمن ذكرتمم" بمعنمى حيمث .وقرأ يزيمد بمن القعقاع والحسمن وطلحمة "ذكرتمم"
بالتخفيمف؛ ذكمر جميعمه النحاس .وذكمر المهدوي عمن طلحمة بمن مصمرف وعيسمى الهمذانمي" :آن
ذكرتمم" بالممد ،على أن همزة الستفهام دخلت على همزة مفتوحة .الماجشون" :أن ذكرتمم" بهمزة
واحدة مفتوحة .فهذه تسع قراءات .وقرأ ابن هرمز "طيركم معك"" .أئن ذكرتم" أي لن وعظتم؛
وهو كلم مستأنف ،أي إن وعظتم تطيرتم .وقيل :إنما تطيروا لما بلغهم أن كل نبي دعا قومه فلم
يجيمب كان عاقبتهمم الهلك" .بمل أنتمم قوم مسمرفون" قال قتادة :مسمرفون فمي تطيركمم .يحيمى بمن
سملم :مسمرفون فمي كفركمم .وقال ابمن بحمر :السمرف هما هنما الفسماد ،ومعناه بمل أنتمم قوم مفسمدون.
وقيل :مسرفون مشركون ،والسراف مجاوزة الحد ،والمشرك يجاوز الحد.
**3الية{ 20 :وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين ،اتبعوا من ل
يسمألكم أجرا وهمم مهتدون ،ومما لي ل أعبمد الذي فطرنمي وإليمه ترجعون ،أأتخمذ ممن دونمه آلهمة إن
يردن الرحممن بضمر ل تغمن عنمي شفاعتهمم شيئا ول ينقذون ،إنمي إذا لفمي ضلل ممبين ،إنمي آمنمت
بربكمم فاسممعون ،قيمل ادخمل الجنمة قال يما ليمت قوممي يعلمون ،بمما غفمر لي ربمي وجعلنمي ممن
المكرمين ،وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ،إن كانت إل صيحة
واحدة فإذا هم خامدون}
@قوله تعالى" :وجاء ممن أقصمى المدينمة رجمل يسمعى" همو حمبيب بمن مري وكان نجارا .وقيمل:
إسكافا .وقيل :قصارا .وقال ابن عباس ومجاهد ومقاتل :هو حبيب بن إسرائيل النجار وكان ينحت
الصنام ،وهو ممن آمن بالنبي صلى ال عليه وسلم وبينهما ستمائة سنة ،كما آمن به تبع الكبر
وورقة بن نوفل وغيرهما .ولم يؤمن بنبي أحد إل بعد ظهوره .قال وهب :وكان حبيب مجذوما،
ومنزله عند أقصى باب من أبواب المدينة ،وكان يعكف على عبادة الصنام سبعين سنة يدعوهم،
لعلهم يرحمونه ويكشفون ضره فما استجابوا له ،فلما أبصر الرسل دعوه إلى عبادة ال فقال :هل
ممن آيمة؟ قالوا :نعمم ،ندعمو ربنما القادر فيفرج عنمك مما بمك .فقال :إن هذا لعجمب! أدعمو هذه اللهمة
سمبعين سمنة تفرج عنمي فلم تسمتطع ،فكيمف يفرجمه ربكمم فمي غداة واحدة؟ قالوا :نعمم ،ربنما على مما
يشاء قدير ،وهذه ل تنفع شيئا ول تضر .فآمن ودعوا ربهم فكشف ال ما به ،كأن لم يكن به بأس،
فحينئذ أقبل على التكسب ،فإذا أمسى تصدق بكسبه ،فأطعم عياله نصفا وتصدق بنصف ،فلما هم
قوممه بقتمل الرسمل جاءهمم .فمم "قال يما قوم اتبعوا المرسملين" اليمة .وقال قتادة :كان يعبمد ال فمي
غار ،فلما سمع بخبر المرسلين جاء يسعى ،فقال للمرسلين :أتطلبون على ما جئتم به أجرا؟ قالوا:
ل ما أجرنا إل على ال .قال أبو العالية :فاعتقد صدقهم وآمن بهم وأقبل على قومه فم "قال يا قوم
اتبعوا المرسمملين"" .اتبعوا مممن ل يسممألكم أجرا" أي لو كانوا متهميممن لطلبوا منكممم المال "وهممم
مهتدون" فاهتدوا بهمم" .ومما لي ل أعبمد الذي فطرنمي" قال قتادة :قال له قوممه أنمت على دينهمم؟!
فقال" :وممما لي ل أعبممد الذي فطرنممي" أي خلقنممي" .وإليممه ترجعون" وهذا احتجاج منممه عليهممم.
وأضاف الفطرة إلى نفسممه؛ لن ذلك نعمممة عليممه توجممب الشكممر ،والبعممث إليهممم؛ لن ذلك وعيممد
يقتضي الزجر؛ فكان إضافة النعمة إلى نفسه اظهر شكرا ،وإضافة البعث إلى الكافر أبلغ أثرا.
@قوله تعالى" :أأتخمذ من دونه آلهة" يعنمي أصناما" .إن يردنمي الرحمن بضر" يعني ما أصابه
ممن السمقم" .ل تغمن عنمي شفاعتهمم شيئا ول ينقذونمي" يخلصموني ممما أنما فيمه ممن البلء "إنمي إذا"
يعنمي إن فعلت ذلك "لفمي ضلل ممبين" أي خسمران ظاهمر" .إنمي آمنمت بربكمم فاسممعون" قال ابن
مسعود :خاطب الرسل بأنه مؤمن بال ربهم .ومعنى "فاسمعون" أي فأشهدوا ،أي كونوا شهودي
باليمان .وقال كعمب ووهمب :إنمما قال ذلك لقوممه إنمى آمنمت بربكمم الذي كفرتمم بمه .وقيمل :إنمه لمما
قال لقومه "اتبعوا المرسلين .اتبعوا من ل يسألكم أجرا" رفعوه إلى الملك وقالوا :قد تبعت عدونا؛
فطول معهمم الكلم ليشغلهمم بذلك عمن قتمل الرسمل ،إلى أن قال" :إنمي آمنمت بربكمم" فوثبوا عليمه
فقتلوه .قال ابمن مسمعود :وطئوه بأرجلهمم حتمى خرج قُصْمبُه ممن دبره ،وألقمي فمي بئر وهمي الرس
وهمم أصمحاب الرس .وفمي روايمة أنهمم قتلوا الرسمل الثلثمة .وقال السمدي :رموه بالحجارة وهمو
يقول :اللهمم اهمد قوممي حتمى قتلوه .وقال الكلبمي :حفروا حفرة وجعلوه فيهما ،وردموا فوقمه التراب
فمات ردمما .وقال الحسمن :حرقوه حرقما ،وعلقوه ممن سور المدينمة وقمبره فمي سمور أنطاكيمة؛ حكاه
الثعلبي .وقال القشيري :وقال الحسن لما أراد القوم أن يقتلوه رفعه ال إلى السماء ،فهو في الجنة
ل يموت إل بفناء السمماء وهلك الجنمة ،فإذا أعاد ال الجنمة أدخلهما .وقيمل :نشروه بالمنشار حتمى
خرج مممن بيممن رجليممه ،فوال ممما خرجممت روحممه إل إلى الجنممة فدخلهمما؛ فذلك قوله" :قيممل ادخممل
الجنة" .فلما شاهدها "قال يا ليت قومي يعلمون ،بما غفر لي ربي" أي بغفران ربي لي؛ فم "ما"
مممع الفعممل بمنزلة المصممدر .وقيممل :بمعنممى الذي والعائد مممن الصمملة محذوف .ويجوز أن تكون
اسمتفهاما فيمه معنمى التعجمب ،كأنمه قال ليمت قوممي يعلمون بأي شيمء غفمر لي ربمي؛ قال الفراء.
واعترضممه الكسممائي فقال :لو صممح هذا لقال بممم مممن غيممر ألف .وقال الفراء :يجوز أن يقال بممما
باللف وهمو اسمتفهام وأنشمد فيمه أبياتما .الزمخشري" :بمم غفمر لي" بطرح اللف أجود ،وإن كان
إثباتها جائزا؛ يقال :قد علمت بما صنعت هذا وبم صنعت .المهدوي :وإثبات اللف في الستفهام
قليمل .فيوقمف على هذا على "يعلمون" .وقال جماعمة :معنمى "قيمل ادخمل الجنمة" وجبمت لك الجنمة؛
فهو خبر بأنه قد استحق دخول الجنة؛ لن دخولها يستحق بعد البعث.
قلت :والظاهمر ممن اليمة أنمه لمما قتمل قيمل له ادخمل الجنمة .قال قتادة :أدخله ال الجنمة وهمو فيهما
حمي يرزق؛ أراد قوله تعالى" :ول تحسمبن الذيمن قتلوا فمي سمبيل ال أمواتما بمل أحياء عنمد ربهمم
يرزقون" [آل عمران ]169 :على ما تقدم في "آل عمران" بيانه .وال أعلم.
@قوله تعالى" :قال يا ليت قومي يعلمون" وهو مرتب على تقدير سؤال سائل عما وجد من قول
عند ذلك الفوز العظيم الذي هو "بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين" وقرئ "من المكرمين"
وفي معنى تمنيه قولن :أحدهما أنه تمنى أن يعلموا بحاله ليعلموا حسن مآله وحميد عاقبته .الثاني
تمنى ذلك ليؤمنوا مثل إيمانه فيصيروا إلى مثل حاله .قال ابن عباس :نصح قومه حيا وميتا .رفعه
القشيري فقال :وفي الخبر أنه عليه السلم قال في هذه الية (إنه نصح لهم في حياته وبعد موته).
سبّاق المم ثلثة لم يكفروا بال طرفة عين :علي بن أبي طالب وهو أفضلهم، وقال ابن أبي ليلىُ :
ومؤممن آل فرعون ،وصماحب يمس ،فهمم الصمديقون؛ ذكره الزمخشري مرفوعما عمن رسمول ال
صلى ال عليه وسلم .وفي هذه الية تنبيه عظيم ،ودللة على وجوب كظم الغيظ ،والحلم عن أهل
الجهمل .والترؤف على ممن أدخمل نفسمه فمي غمار الشرار وأهمل البغمي ،والتشممر فمي تخليصمه،
والتلطمف فمي افتدائه ،والشتغال بذلك عمن الشماتمة بمه والدعاء عليمه .أل ترى كيمف تمنمى الخيمر
لقتلتمه ،والباغيمن له الغوائل وهمم كفرة عبدة أصمنام .فلمما قتمل حمبيب غضمب ال له وعجمل النقممة
على قومه ،فأمر جبريل فصاح بهم صيحة فماتوا عن آخرهم؛ فذلك قوله" :وما أنزلنا على قومه
من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين" أي ما أنزلنا عليهم من رسالة ول نبي بعد قتله؛ قال
قتادة ومجاهمد والحسمن .قال الحسمن :الجنمد الملئكمة النازلون بالوحمي على النمبياء .وقيمل :الجنمد
العسماكر؛ أي لم أحتمج فمي هلكهمم إلى إرسمال جنود ول جيوش ول عسماكر؛ بمل أهلكهمم بصميحة
واحدة .قال معناه ابممن مسممعود وغيره .فقوله" :وممما كنمما منزليممن" تصممغير لمرهممم؛ أي أهلكناهممم
بصميحة واحدة ممن بعمد ذلك الرجمل ،أو ممن بعمد رفعمه إلى السمماء .وقيمل" :ومما كنما منزليمن" على
مممممن كان قبلهممممم .الزمخشري :فان قلت فلم أنزل الجنود مممممن السممممماء يوم بدر والخندق؟ فقال:
"فأرسمملنا عليهممم ريحمما وجنودا لم تروهمما" [الحزاب ،]9 :وقال" :بثلثةآللف مممن الملئكممة
منزلين" [آل عمران" .]124 :بخمسة آلف من الملئكة مسومين" [آل عمران.]125 :
قلت :إنمما كان يكفمي ملك واحمد ،فقمد أهلكمت مدائن قوم لوط بريشمة ممن جناح جبريمل ،وبلد
ثمود وقوم صمالح بصميحة ،ولكمن ال فضمل محمدا صملى ال عليمه وسملم بكمل شيمء على سمائر
النبياء وأولي العزم من الرسل فضل عن حبيب النجار ،وأوله من أسباب الكرامة والعزاز ما
لم يوله أحدا؛ فممن ذلك أنمه أنزل له جنودا ممن السمماء ،وكأنمه أشار بقوله" :ومما أنزلنما"" .ومما كنما
منزلين" إلى أن إنزال الجنود من عظائم المور التي ل يؤهل لها إل مثلك ،وما كنا نفعل لغيرك.
"إن كانمت إل صميحة واحدة" قراءة العاممة "واحدة" بالنصمب على تقديمر مما كانمت عقوبتهمم إل
صيحة واحدة.
وقرأ أبمو جعفمر بمن القعقاع وشيبمة والعرج" :صميحة" بالرفمع هنما ،وفمي قوله" :إن كانمت إل
صميحة واحدة فإذا همم جميمع" جعلوا الكون بمعنمى الوقوع والحدوث؛ فكأنمه قال :مما وقعمت عليهمم
إل صيحة واحدة .وأنكر هذه القراءة أبو حاتم وكثير من النحويين بسبب التأنيث فهو ضعيف؛ كما
تكون ما قامت إل هند ضعيفا؛ من حيث كان المعنى ما قام أحد إل هند .قال أبو حاتم :فلو كان كما
قرأ أبمو جعفمر لقال :إن كان إل صميحة .قال النحاس :ل يمتنمع شيمء ممن هذا ،يقال :مما جاءتنمي إل
جاريتمك ،بمعنمى مما جاءتنمي امرأة أو جاريمة إل جاريتمك .والتقديمر فمي القراءة بالرفمع مما قاله أبمو
إسمحاق ،قال :المعنمى إن كانمت عليهمم صميحة إل صميحة واحدة ،وقدره غيره :مما وقمع عليهمم إل
صميحة واحدة .وكان بمعنمى وقمع كثيمر فمي كلم العرب .وقرأ عبدالرحممن بمن السمود -ويقال إنمه
فممي حرف عبدال كذلك " -إن كانممت إل زقممة واحممذ" .وهذا مخالف للمصممحف .وأيضمما فإن اللغمة
المعروفة زقا يزقو إذا صاح ،ومنه المثل :أثقل من الزواقي؛ فكان يجب على هذا أن يكون زقوة.
ذكره النحاس.
قلت :وقال الجوهري :الزقمو والزقمي مصمدر ،وقمد زقما الصمدى يزقمو زقاء :أي صماح ،وكمل
صائح زاق ،والزقية الصيحة.
قلت :وعلى هذا يقال :زقوة وزقيمممة لغتان؛ فالقراءة صمممحيحة ل اعتراض عليهممما .وال أعلم.
"فإذا هم خامدون" أي ميتون هامدون؛ تشبيها بالرماد الخامد .وقال قتادة :هلكى .والمعنى واحد.
**3الية{ 30 :يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إل كانوا به يستهزئون ،ألم يروا كم
أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم ل يرجعون ،وإن كل لما جميع لدينا محضرون}
@قوله تعالى" :يا حسرة على العباد" منصوب؛ لنه نداء نكرة ول يجوز فيه غير النصب عند
البصمريين .وفمي حرف أبمي "يما حسمرة العباد" على الضافمة .وحقيقمة الحسمرة فمي اللغمة أن يلحمق
النسمان ممن الندم مما يصمير بمه حسميرا .وزعمم الفراء أن الختيار النصمب ،وأنمه لو رفعمت النكرة
الموصولة بالصلة كان صوابا .واستشهد بأشياء منها أنه سمع من العرب :يا مهتم بأمرنا ل تهتم.
وأنشد:
يا دار غيرها البلى تغييرا
قال النحاس :وفي هذا إبطال باب النداء أو أكثره؛ لنه يرفع النكرة المحضة ،ويرفع ما هو بمنزلة
المضاف فمي طول ،ويحذف التنويمن متوسمطا ،ويرفمع مما همو فمي المعنمى مفعول بغيمر علة أوجبمت
ذلك .فأمما مما حكاه عمن العرب فل يشبمه مما أجازه؛ لن تقديمر يما مهتمم بأمرنما ل تهتمم على التقديمم
والتأخير ،والمعنى :يا أيها المهتم ل تهتم بأمرنا .وتقدير البيت :يا أيتها الدار ،ثم حول المخاطبة؛
أي يما هؤلء غيمر هذه الدار البلى؛ كمما قال ال جمل وعمز" :حتمى إذا كنتمم فمي الفلك وجريمن بهمم"
[يونمس .]22 :فمم "حسمرة" منصموب على النداء؛ كمما تقول يما رجل أقبمل ،ومعنمى النداء :هذا
موضمع حضور الحسمرة .الطمبري :المعنمى يما حسمرة ممن العباد على أنفسمهم وتندمما وتلهفما فمي
اسمتهزائهم برسمل ال عليهمم السملم .ابمن عباس" :يما حسمرة على العباد" أي يما ويل على العباد.
وعنه أيضا :حل هؤلء محل من يتحسر عليهم .وروى الربيع عن أنس عن أبي العالية أن العباد
همما هنمما الرسممل؛ وذلك أن الكفار لممما رأوا العذاب قالوا" :يمما حسممرة على العباد" فتحسممروا على
قتلهم ،وترك اليمان بهم؛ فتمنوا اليمان حين لم ينفعهم اليمان؛ وقال مجاهد .وقال الضحاك :إنها
حسرة الملئكة على الكفار حين كذبوا الرسل .وقيل" :يا حسرة على العباد" من قول الرجل الذي
جاء من أقصى المدينة يسعى ،لما وثب القوم لقتله .وقيل :إن الرسل الثلثة هم الذين قالوا لما قتل
القوم ذلك الرجمل الذي جاء ممن أقصمى المدينمة يسمعى ،وحمل بالقوم العذاب :يما حسمرة على هؤلء،
كأنهمم تمنوا أن يكونوا قمد أمنوا .وقيمل :هذا ممن قول القوم قالوا لمما قتلوا الرجمل وفارقتهمم الرسمل،
أو قتلوا الرجمل ممع الرسمل الثلثمة ،على اختلف الروايات :يما حسمرة على هؤلء الرسمل ،وعلى
هذا الرجمل ،ليتنما آمنما بهمم فمي الوقمت الذي ينفمع اليمان .وتمم الكلم على هذا ،ثمم ابتدأ فقال" :مما
يأتيهمم ممن رسمول" .وقرأ ابمن هرممز ومسملم بمن جندب وعكرممة" :يما حسمرة على العباد" بسمكون
الهاء للحرص على البيان وتقريمر المعنمى فمي النفمس؛ إذ كان موضمع وعمظ وتنمبيه والعرب تفعمل
ذلك فمي مثله ،وإن لم يكمن موضعما للوقمف .وممن ذلك مما روي عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم أنمه
كان يقطمع قراءتمه حرفما حرفما؛ حرصما على البيان والفهام .ويجوز أن يكون "على العباد" متعلقما
بالحسمرة .ويجوز أن يكون متعلقما بمحذوف ل بالحسمرة؛ فكأنمه قدر الوقمف على الحسمرة فأسمكن
الهاء ،ثممم قال" :على العباد" أي أتحسممر على العباد .وعممن ابممن عباس والضحاك وغيرهممما" :يمما
حسمرة العباد" مضاف بحذف "على" .وهمو خلف المصمحف .وجاز أن يكون ممن باب الضافمة
إلى الفاعل فيكون العباد فاعلين؛ كأنهم إذا شاهدوا العذاب تحسروا فهو كقولك يا قيام زيد .ويجوز
أن تكون مممن باب الضافممة إلى المفعول ،فيكون العباد مفعوليممن؛ فكأن العباد يتحسممر عليهممم مممن
يشفق لهم .وقراءة من قرأ" :يا حسرة على العباد" مقوية لهذا المعنى.
@قوله تعالى" :ألم يروا كمم أهلكنما قبلهمم ممن القرون أنهمم إليهمم ل يرجعون" قال سميبويه" :أن"
بدل من "كمم" ،ومعنى كم ها هنما الخمبر؛ فلذلك جاز أن يبدل منهما مما ليس باستفهام .والمعنمى :ألم
يروا أن القرون الذيمن أهلكناهمم أنهمم إليهمم ل يرجعون .وقال الفراء" :كمم" فمي موضمع نصمب ممن
وجهيمن :أحدهمما بمم "يروا" واسمتشهد على هذا بأنمه فمي قراءة ابمن مسمعود "ألم يروا ممن أهلكنما".
والوجه الخر أن يكون "كم" في موضع نصب بم "أهلكنا" .قال النحاس :القول الول محال؛ لن
"كمم" ل يعممل فيهما مما قبلهما؛ لنهما اسمتفهام ،ومحال أن يدخمل السمتفهام فمي خمبر مما قبله .وكذا
حكمها إذا كانت خبرا ،وإن كان سيبويه قد أومأ إلى بعض هذا فجعل "أنهم" بدل من كم .وقد رد
ذلك محممد بمن يزيمد أشمد رد ،وقال" :كمم" فمي موضمع نصمب بمم "أهلكنما" و"أنهمم" قمي موضمع
نصمب ،والمعنمى عنده بأنهمم أي "ألم يروا كمم أهلكنما قبلهمم ممن القرون" بالسمتئصال .قال :والدليمل
على هذا أنها في قراءة عبدال "من أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم ل يرجعون" .وقرأ الحسن:
"إنهم إليهم ل يرجعون" بكسر الهمزة على الستئناف .وهذه الية رد على من زعم أن من الخلق
ممن يرجمع قبمل القياممة بعمد الموت" .وإن كمل لمما جميمع لدينما محضرون" يريمد يوم القياممة للجزاء.
وفرأ ابن عامر وعاصم وحمزة" :وإن كل لما" بتشديد "لما" .وخفف الباقون .فم "إن" مخففة من
الثقيلة ومما بعدهما مرفوع بالبتداء ،ومما بعده الخمبر .وبطمل عملهما حيمن تغيمر لفظهما .ولزممت اللم
في الخبر فرقا بينها وبين إن التي بمعنى ما" .وما" عند أبي عبيدة زائدة .والتقدير عنده :وإن كل
لجميع .قال الفراء :ومن شدد جعل "لما" بمعنى إل و"إن" بمعنى ما ،أي ما كل إل لجميع؛ كقوله:
"إن هو إل رجل به جنة" [المؤمنون .]25 :وحكى سيبويه في قوله :سألتك بال لما فعلت .وزعم
الكسمائي أنمه ل يعرف هذا .وقمد مضمى هذا المعنممى فمي "هود" .وفمي حرف أبمي "وإن منهمم إل
جميع لدينا محضرون".
**3الية{ 36 - 33 :وآية لهم الرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون ،وجعلنا
فيهما جنات ممن نخيمل وأعناب وفجرنما فيهما ممن العيون ،ليأكلوا ممن ثمره ومما عملتمه أيديهمم أفل
يشكرون ،سبحان الذي خلق الزواج كلها مما تنبت الرض ومن أنفسهم ومما ل يعلمون}
@قوله تعالى" :وآيمة لهمم الرض الميتمة أحييناهما" نبههمم ال تعالى بهذا على إحياء الموتمى،
وذكرهمم توحيده وكمال قدرتمه ،وهمي الرض الميتمة أحياهما بالنبات وإخراج الحمب منهما" .فمنمه
يأكلون" "فمنه" أي من الحب "يأكلون" وبه يتغذون .وشدد أهل المدينة "الميتة" وخفف الباقون،
وقمد تقدم" .وجعلنما فيهما" أي فمي الرض" .جنات" أي بسماتين" .ممن نخيمل وأعناب" وخصمصهما
بالذكمر؛ لنهمما أعلى الثمار" .وفجرنما فيهما ممن العيون" أي فمي البسماتين" .ليأكلوا ممن ثمره" الهاء
فممي "ثمره" تعود على ماء العيون؛ لن الثمممر منممه أندرج؛ قاله الجرجانممي والمهدوي وغيرهممما.
وقيل :أي ليأكلوا من ثمر ما ذكرنا؛ كما قال" :وإن لكم في النعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه"
[النحمل .]66 :وقرأ حمزة والكسمائي" :ممن ثمره" بضمم الثاء والميمم .وفتحهمما الباقون .وعمن
العممش ضمم الثاء وإسمكان الميمم .وقمد مضمى الكلم فيمه فمي "النعام"" .ومما عملتمه أيديهمم" "مما"
فمي موضمع خفمض على العطمف على "ممن ثمره" أي وممما عملتمه أيديهمم .وقرأ الكوفيون" :ومما
عملت" بغيمر هاء .الباقون "عملتمه" على الصمل ممن غيمر حذف .وحذف الصملة أيضما فمي الكلم
كثيمر لطول السمم .ويجوز أن تكون "مما" نافيمة ل موضمع لهما فل تحتاج إلى صملة ول راجمع .أي
ولم تعمله أيديهممم مممن الزرع الذي أنبتممه ال لهممم .وهذا قول ابممن عباس والضحاك ومقاتممل .وقال
غيرهمم :المعنمى ومن الذي عملته أيديهمم أي من الثمار ،ومن أصمناف الحلوات والطعمة ،وممما
اتخذوا من الحبوب بعلج كالخبز والدهن المستخرج من السمسم والزيتون .وقيل :يرجع ذلك إلى
ما يغرسه الناس .روي معناه عن ابن عباس أيضا" .أفل يشكرون" نعمه.
@قوله تعالى" :سمبحان الذي خلق الزواج كلهما" نزه نفسمه سمبحانه عمن قول الكفار؛ إذ عبدوا
غيره ممع مما رأوه ممن نعممه وآثار قدرتمه .وفيمه تقديمر الممر؛ أي سمبحوه ونزهوه عمما ل يليمق بمه.
وقيمل :فيمه معنمى التعجمب؛ أي عجبما لهؤلء فمي كفرهمم ممع مما يشاهدونمه ممن هذه اليات؛ وممن
تعجمب ممن شيمء قال :سمبحان ال! والزواج النواع والصمناف؛ فكمل زوج صمنف؛ لنمه مختلف
في اللوان والطعوم والشكال والصغر والكبر ،فاختلفها هو ازدواجها .وقال قتادة :يعني الذكر
والنثمى" .ممما تنبمت الرض" يعنمي ممن النبات؛ لنمه أصمناف" .وممن أنفسمهم" يعنمي وخلق منهمم
أولدا أزواجما ذكورا وإناثما" .وممما ل يعلمون" أي ممن أصمناف خلقمه فمي البر والبحمر والسمماء
والرض .ثمم يجوز أن يكون مما يخلقمه ل يعلممه البشمر وتعلممه الملئكمة .ويجوز أل يعلممه مخلوق.
ووجه الستدلل في هذه الية أنه إذا انفرد بالخلق فل ينبغي أن يشرَك به.
**3اليمة{ 37 :وآيمة لهمم الليمل نسملخ منمه النهار فإذا همم مظلمون ،والشممس تجري لمسمتقر لهما
ذلك تقدير العزيز العليم}
@قوله تعالى" :وآية لهم الليل نسلخ منه النهار" أي وعلمة دالة على توحيد ال وقدرته ووجوب
إلهيته .والسلخ :الكشط والنزع؛ يقال :سلخه ال من دينه ،ثم تستعمل بمعنى الخراج .وقد جعل
ذهاب الضوء ومجيمء الظلممة كالسملخ ممن الشيمء وظهور المسملوخ فهمي اسمتعارة .و"مظلمون"
داخلون في الظلم؛ يقال :أظلمنا أي دخلنا في ظلم الليل ،وأظهرنا دخلنا في وقت الظهر ،وكذلك
أصمبحنا وأضحينما وأمسمينا .وقيمل" :منمه" بمعنمى عنمه ،والمعنمى نسملخ عنمه ضياء النهار" .فإذا همم
مظلمون" أي في ظلمة؛ لن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضيء فاذا خرج منه أظلم.
@قوله تعالى" :والشمس تجري لمستقر لها" يجوز أن يكون تقديره وآية لهم الشمس .ويجوز أن
يكون "الشمس" مرفوعا بإضمار فعل يفسره الثانمي .ويجوز أن يكون مرفوعا بالبتداء "تجري"
في موضع الخبر أي جارية .وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال :سألت رسول ال صلى ال عليه
وسلم عن قوله عز وجل" :والشمس تجري لمستقر لها" قال( :مستقرها تحت العرش) .وفيه عن
أبممي ذر أن النممبي صمملى ال عليممه وسمملم قال يوممما( :أتدرون أيممن تذهممب هذه الشمممس)؟ قالوا ال
ورسموله أعلم ،قال( :إن هذه تجري حتمى تنتهمي إلى مسمتقرها تحت العرش فتخمر ساجدة فل تزال
كذلك حتمى يقال لهما ارتفعمي ارجعمي ممن حيمث جئت فترجمع فتصمبح طالعمة ممن مطلعهما ثمم تجري
حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة ول تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي
من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري ل يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي
إلى مسمتقرها ذاك تحمت العرش فيقال لهما ارتفعمي أصمبحي طالعمة ممن مغربمك فتصمبح طالعمة ممن
مغربها) فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أتدرون متى ذلكم ذاك حين "ل ينفع نفسا إيمانها
لم تكمن آمنمت ممن قبمل أو كسمبت فمي إيمانهما خيرا" [النعام .)]158:ولفمظ البخاري عمن أبمي ذر
قال :قال النمبي صملى ال عليمه وسملم لبمي ذر حيمن غربمت الشممس( :تدري أيمن تذهمب) قلت ال
ورسوله أعلم ،قال( :فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فل
يقبمل منهما وتسمتأذن فل يؤذن لهما يقال لهما ارجعمي ممن حيمث جئت فتطلع ممن مغربهما فذلك قوله
تعالى" :والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ") .ولفظ الترمذي عن أبي ذر قال:
دخلت المسمجد حيمن غابمت الشممس والنمبي صملى ال عليمه وسملم جالس .فقال النمبي صملى ال عليمه
وسملم( :يما أبما ذر أتدري أيمن تذهمب هذه) قال قلت :ال ورسموله أعلم؛ قال( :فإنهما تذهمب فتسمتأذن
فمي السمجود فيؤذن لهما وكأنهما قمد قيمل لهما اطلعمي ممن حيمث جئت فتطلع ممن مغربهما) قال :ثمم قرأ
"ذلك مستقر لها" قال وذلك قراءة عبدال .قال أبو عيسى :هذا حديث حسن صحيح .وقال عكرمة:
إن الشممس إذا غربمت دخلت محرابما تحمت العرش تسمبح ال حتمى تصمبح ،فإذا أصمبحت اسمتعفت
ربها من الخروج فيقول لها الرب :ولم ذاك؟ قالت :إني إذا خرجت عبدت من دونك .فيقول الرب
تبارك وتعالى :أخرجممي فليممس عليممك مممن ذاك شيممء ،سممأبعث إليهممم جهنممم مممع سممبعين ألف ملك
يقودونها حتى يدخلوهم فيها.
وقال الكلبمي وغيره :المعنمى تجري إلى أبعمد منازلهما فمي الغروب ،ثمم ترجمع إلى أدنمى منازلهما؛
فمستقرها بلوغها الموضع الذي ل تتجاوزه بل ترجع منه؛ كالنسان يقطع مسافة حتى يبلغ أقصى
مقصمموده فيقضممي وطره ،ثممم يرجممع إلى منزل الول الذي ابتدأ منممه سممفره .وعلى تبليممغ الشمممس
أقصمى منازلهما ،وهمو مسمتقرها إذا طلعمت الهنعمة ،وذلك اليوم أطول اليام فمي السمنة ،وتلك الليلة
أقصمر الليالي ،فالنهار خممس عشرة سماعة والليمل تسمع سماعات ،ثمم يأخمذ فمي النقصمان وترجمع
الشمس ،فإذا طلعت الثريا استوى الليل والنهار ،وكل واحد ثنتا عشرة ساعة ،ثم تبلغ أدنى منازلها
وتطلع النعائم ،وذلك اليوم أقصممر اليام ،والليممل خمممس عشرة سمماعة ،حتممى إذا طلع فرس الدلو
المؤخمر اسمتوى الليمل والنهار ،فيأخمذ الليمل ممن النهار كمل يوم عشمر ثلث سماعة ،وكمل عشرة أيام
ثلث ساعة ،وكل شهر ساعة تامة ،حتى يستويا ويأخذ الليل حتى يبلغ خمس عشرة ساعة ،ويأخذ
النهار من الليل كذلك .وقال الحسن :إن للشمس في السنة ثلثمائة وستين مطلعا ،تنزل في كل يوم
مطلعما ،ثمم ل تنزله إلى الحول؛ فهمي تجري فمي تلك المنازل وهمي مسمتقرها .وهو معنمى الذي قبله
سممواء .وقال ابممن عباس :إنهمما إذا غربممت وانتهممت إلى الموضممع الذي ل تتجاوزه اسممتقرت تحممت
العرش إلى أن تطلع.
قلت :مما قاله ابمن عباس يجممع القوال فتأمله .وقيمل :إلى انتهاء أمدهما عنمد انقضاء الدنيما وقرأ
ابن مسعود وابن عباس "والشمس تجري ل مستقر لها" أي إنها تجري في الليل والنهار ل وقوف
لها ول قرار ،إلى أن يكورها ال يوم القيامة .وقد احتج من خالف المصحف فقال :أنا أقرأ بقراءة
ابمن مسمعود وابمن عباس .قال أبمو بكمر النباري :وهذا باطمل مردود على ممن نقله؛ لن أبما عممر
وروى عمن مجاهمد عمن ابمن عباس وابمن كثيمر روى عمن مجاهمد عمن ابمن عباس "والشممس تجري
لمسممتقر لهمما" فهذان السممندان عممن ابمن عباس اللذان يشهممد بصممحتهما الجماع -يبطلن ممما روي
بالسند الضعيف مما يخالف مذهب الجماعة ،وما اتفقت عليه المة.
قلت :والحاديممث الثابتممة التممي ذكرناهمما ترد قوله ،فممما أجرأه على كتاب ال ،قاتله ال .وقوله:
"لمسمتقر لهما" أي إلى مسمتقرها ،والمسمتقر موضمع القرار" .ذلك تقديمر" أي الذي ذكمر ممن أممر
الليل والنهار والشمس تقدير "العزيز العليم ".
**3الية{ 39 :والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم}
@قوله تعالى" :والقمممر" يكون تقديره وآيممة لهممم القمممر .ويجوز أن يكون "والقمممر" مرفوعمما
بالبتداء .وقرأ الكوفيون "والقمر" بالنصب على إضمار فعل وهو اختيار أبي عبيد .قال :لن قبله
فعل وبعده فعل؛ قبله "نسمملخ" وبعده "قدرنمما" .النحاس :وأهممل العربيممة جميعمما فيممما علمممت على
خلف مما قال :منهمم الفراء قال :الرفمع أعجمب إلي ،وإنمما كان الرفمع عندهمم أولى؛ لنمه معطوف
على مما قبله ومعناه وآيمة لهمم القممر .وقوله :إن قبله "نسملخ" فقبله مما هو أقرب منمه وهمو "تجري"
وقبله "والشمس" بالرفع .والذي ذكره بعده وهو "قدرناه" قد عمل في الهاء .قال أبو حاتم :الرفع
أولى؛ لنك شغلت الفعل عنه بالضمير فرفعته بالبتداء .ويقال :القمر ليس هو المنازل فكيف قال:
"قدرناه منازل" ففمي هذا جوابان :أحدهمما قدرناه إذا منازل؛ مثمل" :واسمأل القريمة" [يوسمف:
.]82والتقدير الخر قدرنا له منازل ثم حذفت اللم ،وكان حذفها حسنا لتعدي الفعل إلى مفعولين
مثمل "واختار موسمى قوممه سمبعين رجل" [العراف .]155 :والمنازل ثمانيمة وعشرون منزل،
ينزل القمر كل ليلة منها بمنزل؛ وهي :الشرطان .البطين .الثريا .الدبران .الهقعة .الهنعة .الذراع.
النثرة .الطرف .الجبهممة .الخراتان .الصممرفة .العواء .السممماك .الغفممر .الزبانيان .الكليممل .القلب.
الشولة .النعائم .البلدة .سممعد الذابممح .سممعد بلع .سممعد السممعود .سممعد الخبيممة .الفرغ المقدم .الفرغ
المؤجر .بطن الحوت .فإذا صار القمر في آخرها عاد إلى أولها ،فيقطع الفلك في ثمان وعشرين
ليلة .ثم يستسر ثم يطلع هلل ،فيعود في قطع الفلك على المنازل ،وهي منقسمة على البروج لكل
برج منزلن وثلث .فللحمممل السممرطان والبطيممن وثلث الثريمما ،وللثور ثلثمما الثريمما والدبران وثلثمما
الهقعمة ،ثمم كذلك إلى سمائرها .وقمد مضمى فمي "الحجمر" تسممية البروج والحممد ل .وقيمل :إن ال
تعالى خلق الشمس والقمر من نار ثم كسيا النور عند الطلوع ،فأما نور الشمس فمن نور العرش،
وأمما نور القممر فممن نور الكرسمي ،فذلك أصمل الخلقمة وهذه الكسموة .فأمما الشممس فتركمت كسموتها
على حالهمما لتشعشممع وتشرق ،وأممما القمممر فأمرّ الروح الميممن جناح على وجهممه فمحمما ضوءه
بسلطان الجناح ،وذلك أنه روح والروح سلطانه غالب على الشياء .فبقي ذلك المحو على ما يراه
الخلق ،ثم جعل في غلف من ماء ،ثم جعل له مجرى ،فكل ليلة يبدو للخلق من ذلك الغلف قمرا
بمقدار ما يقمر لهم حتى ينتهي بدؤه ،ويراه الخلق بكماله واستدارته .ثم ل يزال يعود إلى الغلف
كمل ليلة شيمء منمه فينقمص ممن الرؤيمة والقمار بمقدار مما زاد فمي البدء .ويبتدئ فمي النقصمان ممن
الناحيممة التممي ل تراه الشمممس وهممي ناحيممة الغروب حتممى يعود كالعرجون القديممم ،وهممو العذق
المتقوس ليبسه ودقته .وإنما قيل القمر؛ لنه يقمر أي يبيض الجو ببياضه إلى أن يستسر.
@قوله تعالى" :حتمى عاد كالعرجون القديم" قال الزجاج :هو عود العذق الذي عليه الشماريمخ،
وهمو فعلون ممن النعراج وهمو النعطاف ،أي سمار فمي منازل ،فإذا كان فمي آخرهما دق واسمتقوس
وضاق حتى صار كالعرجون .وعلى هذا فالنون زائدة .وقال قتادة :هو العذق اليابس المنحني من
النخلة .ثعلب" :كالعرجون القديمم" قال" :العرجون" الذي يبقمى ممن الكباسمة فمي النخلة إذا قطعمت،
و"القديم" البالي .الخليل :في باب الرباعي "العرجون" أصل العذق وهو أصفر عريض يشبه به
الهلل إذا انحنممى .الجوهري" :العرجون" أصممل العذق الذي يعوج وتقطممع منممه الشماريممخ فيبقممى
على النخل يابسا؛ وعرجنه :ضربه بالعرجون .فالنون على قول هؤلء أصلية؛ ومنه شعر أعشى
بني قيس:
فهي صفراء كعرجون القمر شرق المسك والعبير بها
فالعرجون إذا عتق ويبس وتقوس شبه القمر في دقته وصفرته به .ويقال له أيضا الهان والكباسة
والقنو ،وأهل مصر يسمونه السباطة .وقرئ" :العرجون" بوزن الفرجون وهما لغتان كالبُزيون
والبِزيون؛ ذكره الزمخشري وقال :همو عود العذق مما بيمن شماريخمه إلى منبتمه ممن النخلة .واعلم
أن السمنة منقسممة على أربعمة فصمول ،لكمل فصمل سمبعة منازل :فأولهما الربيمع ،وأوله خمسمة عشمر
يومما ممن آذار ،وعدد أياممه اثنان وتسمعون يومما؛ تقطمع فيمه الشممس ثلثمة بروج :الحممل ،والثور،
والجوزاء ،وسبعة منازل :الشرطان والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع .ثم يدخل
فصل الصيف في خمسة عشر يوما من حزيران ،وعدد أيامه اثنان وتسعون يوما؛ تقطع الشمس
فيممه ثلثممة بروج :السممرطان ،والسممد ،والسممنبلة ،وسممبعة منازل :وهممي النثرة والطرف والجبهممة
والخراتان والصرفة والعواء والسماك .ثم يدخل فصل الخريمف في خمسة عشر يوما من أيلول،
وعدد أيامه أحد وتسعون يوما ،تقطع فيه الشمس ثلثة بروج؛ وهي الميزان ،والعقرب ،والقوس،
وسبعة منازل الغفر والزبانان والكليل والقلب والشولة والنعائم والبلدة .ثم يدخل فصل الشتاء في
خمسة عشر يوما من كانون الول ،وعدد أيامه تسعون يوما وربما كان أحدا وتسعين يوما ،تقطع
فيه الشمس ثلثة بروج :وهي الجدي والدلو والحوت ،وسبعة منازل سعد الذابح وسعد بلع وسعد
السممعود وسممعد الخبيممة والفرغ المقدم ،والفرغ المؤخممر وبطممن الحوت .وهذه قسمممة السممريانيين
لشهورهما :تشريمن الول ،تشريمن الثانمي ،كانون الول ،كانون الثانمي ،أشباط ،آذار ،نيسمان ،أيار،
حزيران ،تموز ،آب ،أيلول ،وكلها أحد وثلثون إل تشرين الثاني ونيسان وحزيران وأيلول ،فهي
ثلثون ،وأشباط ثمانيمة وعشرون يومما وربمع يوم .وإنمما أردنما بهذا أن تنظمر فمي قدرة ال تعالى:
فذلك قوله تعالى" :والقممر قدرناه منازل" فإذا كانمت الشممس فمي منزل أهمل الهلل بالمنزل الذي
بعده ،وكان الفجمر بمنزلتيمن ممن قبله .فإذا كانمت الشممس بالثريما فمي خمسمة وعشريمن يومما ممن
نيسان ،كان الفجر بالشرطين ،وأهل الهلل بالدبران ،ثم يكون له في كل ليلة منزلة حتى يقطع في
ثمان وعشريمن ليلة ثمانيما وعشريمن منزلة .وقمد قطعمت الشممس منزلتيمن فيقطعهمما ،ثمم يطلع فمي
المنزلة التي بعد منزلة الشمس فم "ذلك تقدير العزيز العليم".
@قوله تعالى" :القديم" قال الزمخشري :القديم المحول وإذا قدم دق وانحنى واصفر فشبه القمر
بمه ممن ثلثمة أوجمه .وقيمل :أقمل عدة الموصموف بالقديمم الحول ،فلو أن رجل قال :كمل مملوك لي
قديم فهو حر ،أو كتب ذلك في وصيته عتق من مضى له حول أو أكثر.
قلت :قد مضى في "البقرة" ما يترتب على الهلة من الحكام والحمد ل.
**3اليمة{ 40 :ل الشممس ينبغمي لهما أن تدرك القممر ول الليمل سمابق النهار وكمل فمي فلك
يسبحون}
@قوله تعالى" :ل الشمس ينبغمي لهما أن تدرك القممر" رفعمت "الشممس" بالبتداء ،ول يجوز أن
تعممل "ل" فمي معرفمة .وقمد تكلم العلماء فمي معنمى هذه اليمة ،فقال بعضهمم :معناهما أن الشممس ل
تدرك القممر فتبطمل معناه .أي لكمل واحمد منهمما سملطان على حياله ،فل يدخمل أحدهمما على الخمر
فيذهب سلطانه ،إلى أن يبطل ال ما دبر من ذلك ،فتطلع الشمس من مغربها على ما تقدم في آخر
سممورة "النعام" بيانممه .وقيممل :إذا طلعممت الشمممس لم يكممن للقمممر ضوء ،وإذا طلع القمممر لم يكممن
للشمممس ضوء .روي معناه عممن ابممن عباس والضحاك .وقال مجاهممد :أي ل يشبممه ضوء أحدهممما
ضوء الخر .وقال قتادة :لكل حد وعلم ل يعدوه ول يقصر دونه إذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان
هذا .وقال الحسن :إنهما ل يجتمعان في السماء ليلة الهلل خاصة .أي ل تبقى الشمس حتى يطلع
القممر ،ولكمن إذا غربمت الشممس طلع القممر .يحيمى بمن سملم :ل تدرك الشممس القممر ليلة البدر
خاصة لنه يبادر بالمغيب قبل طلوعهما .وقيمل :معناه إذا اجتمعما فمي السماء كان أحدهما بين يدي
الخمر فمي منازل ل يشتركان فيهما؛ قال ابمن عباس أيضما .وقيمل :القممر فمي السمماء الدنيما والشممس
فممي السممماء الرابعممة فهممي ل تدركممه؛ ذكره النحاس والمهدوي .قال النحاس :وأحسممن ممما قيممل فممي
معناها وأبينه مما ل يدفع :أن سير القمر سير سريع والشمس ل تدركه في السير ذكره المهدوي
أيضما .فأمما قوله سمبحانه" :وجممع الشممس والقممر" [القياممة ]9 :فذلك حيمن حبمس الشممس عمن
الطلوع على مما تقدم بيانمه فمي آخمر "النعام" ويأتمي فمي سمورة [القياممة] أيضما .وجمعهمما علممة
لنقضاء الدنيما وقيام السماعة" .وكمل" يعنمي ممن الشممس والقممر والنجوم "فمي فلك يسمبحون" أي
يجرون .وقيل :يدورون .ولم يقل تسبح؛ لنه وصفها بفعل من يعقل .وقال الحسن :الشمس والقمر
والنجوم فمي فلك بيمن السمماء والرض غيمر ملصمقة؛ ولو كانمت ملصمقة مما جرت ذكره الثعلبمي
والماوردي .واسممتدل بعضهممم بقوله تعالى" :ول الليممل سممابق النهار" على أن النهار مخلوق قبممل
الليل ،وأن الليل لم يسبقه بخلق .وقيل :كل واحد منهما يجيء وقته ول يسبق صاحبه إلى أن يجمع
بيمن الشممس والقممر يوم القياممة؛ كمما قال" :وجممع الشممس والقممر" وإنمما هذا التعاقمب الن لتتمم
مصمالح العباد" .لتعلموا عدد السمنين والحسماب" [يونمس ]5:ويكون الليمل للجمام والسمتراحة،
والنهار للتصمرف؛ كمما قال تعالى" :وممن رحمتمه جعل لكمم الليمل والنهار لتسمكنوا فيمه ولتبتغوا ممن
فضله" [القصص ]73 :وقال" :وجعلنا نومكم سباتا" أي راحة لبدانكم من عمل النهار .فقوله:
"ول الليمل سمابق النهار" أي غالب النهار؛ يقال :سمبق فلن فلنما أي غلبمه .وذكمر الممبرد قال:
سمممعت عمارة يقرأ" :ول الليممل سممابق النهار" فقلت ممما هذا؟ قال :أردت سممابق النهار فحذفممت
التنويمن؛ لنمه أخمف .قال النحاس :يجوز أن يكون "النهار" منصموبا بغيمر تنويمن ويكون التنويمن
حذف للتقاء الساكنين.
**3اليمة{ 44 - 41 :وآيمة لهمم أنما حملنما ذريتهمم فمي الفلك المشحون ،وخلقنما لهمم ممن مثله مما
يركبون ،وإن نشأ نغرقهم فل صريخ لهم ول هم ينقذون ،إل رحمة منا ومتاعا إلى حين}
@قوله تعالى" :وآيمة لهمم" يحتممل ثلثمة معان :أحدهما عمبرة لهمم؛ لن فمي اليات اعتبارا .الثانمي
نعمة عليهم؛ لن في اليات إنعاما .الثالث إنذار لهم؛ لن في اليات إنذارا" .أنا حملنا ذريتهم في
الفلك المشحون" من أشكل ما في السورة؛ لنهم هم المحمولون .فقيل :المعنى وآية لهل مكة أنا
حملنمما ذريممة القرون الماضيممة "فممي الفلك المشحون" فالضميران مختلفان؛ ذكره المهدوي .وحكاه
النحاس عمن علي بمن سمليمان أنمه سممعه يقول .وقيمل :الضميران جميعما لهمل مكمة على أن يكون
ذرياتهممم أولدهممم وضعفاءهممم؛ فالفلك على القول الول سممفينة نوح .وعلى الثانممي يكون اسممما
للجنممس؛ خبّر جممل وعممز بلطفممه وامتنانممه أنممه خلق السممفن يحمممل فيهمما مممن يصممعب عليممه المشممي
والركوب ممن الذممة والضعفاء ،فيكون الضميران على هذا متفقيمن .وقيمل :الذريمة الباء والجداد،
حملهم ال تعالى في سفينة نوح عليه السلم؛ فالباء ذرية والبناء ذرية؛ بدليل هذه الية؛ قاله أبو
عثمان .وسممي الباء ذريمة؛ لن منهمم ذرأ البناء .وقول رابمع :أن الذريمة النطمف حملهما ال تعالى
فمممي بطون النسممماء تشبيهممما بالفلك المشحون؛ قاله علي بمممن أبمممى طالب رضمممي ال عنمممه؛ ذكره
الماوردي .وقمد مضمى فمي "البقرة" اشتقاق الذريمة والكلم فيهما مسمتوفى .و"المشحون" المملوء
الموقر ،و"الفلك" يكون واحدا وجمعا .وقد تقدم في "يونس" القول فيه.
@قوله تعالى" :وخلقنا لهم من مثله ما يركبون" والصل يركبونه فحذفت الهاء لطول السم وأنه
رأس آية .وفي معناه ثلثة أقوال :مذهب مجاهد وقتادة وجماعة من أهل التفسير ،وروي عن ابن
عباس أن معنمى "ممن مثله" للبمل ،خلقهما لهمم للركوب فمي البر مثمل السمفن المركوبمة فمي البحمر؛
والعرب تشبه البل بالسفن .قال طرفة:
خليا سفين بالنواصف من َددِ كأن حدوج المالكية غدوة
جمع خلية وهي السفينة العظيمة .والقول الثاني أنه للبل والدواب وكل ما يركب .والقول الثالث
أنمه للسمفن؛ النحاس :وهمو أصمحها لنمه متصمل السمناد عمن ابمن عباس" .وخلقنما لهمم ممن مثله مما
يركبون" قال :خلق لهمم سمفنا أمثالهما يركبون فيهما .وقال أبمو مالك :إنهما السمفن الصمغار خلقهما مثمل
السممفن الكبار؛ وروي عممن ابممن عباس والحسممن .وقال الضحاك وغيره :هممي السممفن المتخذة بعممد
سمفينة نوح .قال الماوردي :ويجيمء على مقتضمى تأويمل علي رضمي ال عنمه فمي أن الذريمة فمي
الفلك المشحون هي النطمف فمي بطون النسماء قول خاممس فمي قوله" :وخلقتما لهمم مثله مما يركبون"
أن يكون تأويله النساء خلقن لركوب الزواج لكن لم أره محكيا.
@قوله تعالى" :وإن نشمأ نغرقهمم" أي فمي البحمر فترجمع الكنايمة إلى أصمحاب الذريمة ،أو إلى
الجميممع ،وهذا يدل على صممحة قول ابممن عباس ومممن قال :إن المراد "مممن مثله" السممفن ل البممل.
"فل صمريخ لهمم" أي ل مغيمث لهمم رواه سمعيد عمن قتادة .وروى شيبان عنمه :فل منعمة لهمم
ومعناهما متقاربان .و"صريخ" بمعنى مصرخ فعيل بمعنى فاعل .ويجوز "فل صريخ لهم"؛ لن
بعده مما ل يجوز فيمه إل الرفمع؛ لنمه معرفمة وهمو "ول همم ينقذون" والنحويون يختارون ل رجمل
في الدار ول زيد .ومعنى" :ينقذون" يخلصون من الغرق .وقيل :من العذاب" .إل رحمة منا" قال
الكسمائي :همو نصمب على السمتثناء .وقال الزجاج :نصمب مفعول ممن أجله؛ أي للرحممة "ومتاعما"
معطوف عليمه" .إلى حيمن" إلى الموت؛ قاله قتادة .يحيمى بمن سملم :إلى القياممة أي إل أن نرحمهمم
ونمتعهمم إلى آجالهمم ،وأن ال عجمل عذاب الممم السمالفة ،وأخمر عذاب أممة محممد صملى ال عليمه
وسلم وإن كذبوه إلى الموت والقيامة.
**3الية{ 45 :وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون ،وما تأتيهم من آية
من آيات ربهم إل كانوا عنها معرضين ،وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم ال قال الذين كفروا للذين
آمنوا أنطعمم ممن لو يشاء ال أطعممه إن أنتمم إل فمي ضلل ممبين ،ويقولون متمى هذا الوعمد إن كنتمم
صمادقين ،مما ينظرون إل صميحة واحدة تأخذهمم وهمم يخصممون ،فل يسمتطيعون توصمية ول إلى
أهلهم يرجعون}
@قوله تعالى" :وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم" قال قتادة :يعني "اتقوا ما بين أيديكم"
أي مممن الوقائع فيمممن كان قبلكممم مممن المممم" ،وممما خلفكممم" مممن الخرة .ابممن عباس وابممن جممبير
ومجاهمد" :مما بيمن أيديكمم" مما مضمى ممن الذنوب" ،ومما خلفكمم" مما يأتمي ممن الذنوب .الحسمن" :مما
بين أيديكم" ما مضى من أجلكم "وما خلفكم" ما بقي منه .وقيل" :ما بين أيديكم" من الدنيا" ،وما
خلفكمم" ممن عذاب الخرة؛ قال سمفيان .وحكمى عكمس هذا القول الثعلبمي عمن ابمن عباس .قال" :مما
بين أيديكم" من أمر الخرة وما عملوا لها" ،وما خلفكم" من أمر الدنيا فاحذروها ول تغتروا بها.
وقيل" :ما بين أيديكم" ما ظهر لكم "وما خلفكم" ما خفي عنكم .والجواب محذوف ،والتقدير :إذا
قيممل لهممم ذلك أعرضوا؛ دليله قول بعممد" :وممما تأتيهممم مممن آيممة مممن آيات ربهممم إل كانوا عنهمما
معرضين" فاكتفى بهذا عن ذلك.
@قوله تعالى" :وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم ال" أي تصدقوا على الفقراء .قال الحسن :يعني
اليهود أمروا بإطعام الفقراء .وقيمل :همم المشركون قال لهمم فقراء أصمحاب النمبي صملى ال عليمه
وسلم :أعطونا ما زعمتم من أموالكم أنها ل؛ وذلك قوله" :وجعلوا ل مما ذرأ من الحرث والنعام
نصميبا" [النعام ]136 :فحرموهمم وقالوا :لو شاء ال أطعمكمم -اسمتهزاء -فل نطعمكمم حتمى
ترجعوا إلى ديننممما .قالوا "أنطعمممم" أي أنرزق "ممممن لو يشاء ال أطعممممه" كان بلغهمممم ممممن قول
المسمملمين :أن الرازق هممو ال .فقالوا هزءا :أنرزق مممن لو يشاء ال أغناه .وعممن ابممن عباس :كان
بمكمة زنادقمة ،فإذا أمروا بالصمدقة على المسماكين قالوا :ل وال! أيفقره ال ونطعممه نحمن .وكانوا
يسممعون المؤمنيمن يعلقون أفعال ال تعالى بمشيئتمه فيقولون :لو شاء ال لغنمى فلنما؛ ولو شاء ال
لعمممز ،ولو شاء ال لكان كذا .فأخرجوا هذا الجواب مخرج السمممتهزاء بالمؤمنيمممن ،وبمممما كانوا
يقولونه من تعليق المور بمشيئة ال تعالى .وقيل :قالوا هذا تعلقا بقول المؤمنين لهم" :أنفقوا مما
رزقكمم ال" أي فإذا كان ال رزقنما فهمو قادر على أن يرزقكمم فلم تلتمسمون الرزق منما؟ .وكان هذا
الحتجاج باطل؛ لن ال تعالى إذا ملك عبدا مال ثمم أوجمب عليمه فيمه حقما فكأنمه انتزع ذلك القدر
منه ،فل معنى للعتراض .وقد صدقوا في قولهم :لو شاء ال أطعمهم ولكن كذبوا في الحتجاج.
ومثله قوله" :سميقول الذيمن أشركوا لو شاء ال مما أشركنما" [النعام ،]148 :وقوله" :قالوا نشهمد
إنك لرسول ال وال يعلم إنك لرسوله وال يشهد إن المنافقين لكاذبون" [المنافقون" .]1 :إن أنتم
إل فمي ضلل ممبين" قيمل همو ممن قول الكفار للمؤمنيمن؛ أي فمي سمؤال المال وفمي اتباعكمم محمدا.
قال معناه مقاتل وغيره .وقيل :هو من قول أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم لهم .وقيل من قول
ال تعالى للكفار حيمن ردوا بهذا الجواب .وقيمل :إن أبما بكمر الصمديق رضمي ال عنمه كان يطعمم
مساكين المسلمين فلقيه أبو جهل فقال :يا أبا بكر أتزعم أن ال قادر على إطعام هؤلء؟ قال :نعم.
قال :فممما باله لم يطعمهممم؟ قال :ابتلى قوممما بالفقمر ،وقوممما بالغنممى ،وأممر الفقراء بالصمبر ،وأمممر
الغنياء بالعطاء .فقال :وال يمما أبمما بكممر ممما أنممت إل فممي ضلل أتزعممم أن ال قادر على إطعام
هؤلء وهمو ل يطعمهمم ثمم تطعمهمم أنمت؟ فنزلت هذه اليمة ،ونزل قوله تعالى" :فأمما ممن أعطمى
واتقى وصدق بالحسنى" [الليل ]6 - 5 :اليات .وقيل :نزلت الية في قوم من الزنادقة ،وقد كان
فيهمممم أقوام يتزندقون فل يؤمنون بالصمممانع واسمممتهزؤوا بالمسممملمين بهذا القول؛ ذكره القشيري
والماوردي.
@قوله تعالى" :ويقولون متمى هذا الوعمد" لمما قيمل لهمم" :اتقوا مما بيمن أيديكمم ومما خلفكمم" قالوا:
"متمى هذا الوعمد" وكان هذا اسمتهزاء منهمم أيضما أي ل تحقيمق لهذا الوعيمد ،قال ال تعالى" :مما
ينظرون" أي مما ينتظرون "إل صميحة واحدة" وهمي نفخة إسمرافيل "تأخذهمم وهمم يخصممون" أي
يختصممون فمي أمور دنياهمم فيموتون فمي مكانهمم؛ وهذه نفخمة الصمعق .وفمي "يخصممون"خممس
قراءات :قرأ أبو عمرو وابن كثير" :وهم يخصمون" بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد .وكذا روى
ورش عمن نافمع .فأمما أصمحاب القراءات وأصمحاب نافمع سموى ورش فرووا عنمه "يخصممون"
بإسمكان الخاء وتشديمد الصماد على الجممع ببمن سماكنين .وقرأ يحيمى بمن وثاب والعممش وحمزة:
"وهممم يخصمممون" بإسممكان الخاء وتخفيممف الصمماد مممن خصمممه .وقرأ عاصممم والكسممائي "وهممم
يخصممون" بكسمر الخاء وتشديمد الصماد ،ومعناه يخصمم بعضهمم بعضما .وقيمل :تأخذهمم وهمم عنمد
أنفسهم يختصمون في الحجة أنهم ل يبعثون .وقد روى ابن جبير عن أبي بكر عن عاصم ،وحماد
عمممن عاصمممم كسمممر الياء والخاء والتشديمممد .قال النحاس :القراءة الولى أبينهممما ،والصمممل فيهممما
يختصمون فأدغمت التاء في الصاد فنقلت حركتها إلى الخاء .وفي حرف أبي "وهم يختصمون"
-وإسمكان الخاء ل يجوز ،لنمه جممع بيمن سماكنين وليمس أحدهمما حرف ممد وليمن .وقيمل :أسمكنوا
الخاء على أصمملها ،والمعنممى يخصممم بعضهممم بعضمما فحذف المضاف ،وجاز أن يكون المعنممى
يخصمممون مجادلهممم عنممد أنفسممهم فحذف المفعول .قال الثعلبممي :وهممي قراءة أبممي بممن كعممب .قال
النحاس :فأمما "يخصممون" فالصمل فيمه أيضما يختصممون ،فأدغممت التاء فمي الصماد ثمم كسمرت
الخاء للتقاء السمماكنين .وزعممم الفراء أن هذه القراءة أجود وأكثممر؛ فترك ممما هممو أولى مممن إلقاء
حركمة التاء على الخاء واجتلب لهما حركمة أخرى وجممع بيمن ياء وكسمرة ،وزعمم أنمه أجود وأكثمر.
وكيمف يكون أكثمر وبالفتمح قراءة الخلق ممن أهل مكمة وأهمل البصمرة وأهمل المدينمة! ومما روي عن
عاصممم مممن كسممر الياء والخاء فللتباع .وقممد مضممى هذا فممي "البقرة" فممي "يخطممف أبصممارهم"
[البقرة ]20 :وفي "يونس" "يهدي" [يونس .]35 :وقال عكرمة في قوله جل وعز" :إل صيحة
واحدة" قال :هممي النفخممة الولى فممي الصممور .وقال أبممو هريرة :ينفممخ فممي الصممور والناس فممي
أسواقهم :فمن حالب لقحة ،ومن ذارع ثوبا ،ومن مار في حاجة .وروى نعيم عن أبي هريرة قال:
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (تقوم الساعة والرجلن قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فل يطويانه
حتمى تقوم السماعة ،والرجمل يليمط حوضمه ليسمقي ماشيتمه فمما يسمقيها حتمى تقوم السماعة ،والرجمل
يخفمض ميزانمه فمما يرفعمه حتمى تقوم السماعة ،والرجمل يرفمع أكلتمه إلى فيمه فمما يبتلعهما حتمى تقوم
الساعة) .وفي حديث عبدال بن عمرو( :وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله -قال -فيصعق
ويصمعق الناس) الحديمث" .فل يسمتطيعون توصمية" أي ل يسمتطيع بعضهمم أن يوصمي بعضما لمما
فمي يده ممن حمق .وقيمل :ل يسمتطيع أن يوصمي بعضهمم بعضما بالتوبمة والقلع؛ بمل يموتون فمي
أسمممواقهم ومواضعهمممم" .ول إلى أهلهمممم يرجعون" إذا ماتوا .وقيمممل :إن معنمممى "ول إلى أهلهمممم
يرجعون" ل يرجعون إليهم قول .وقال قتادة" :ول إلى أهلهم يرجعون" أي إلى منازلهم؛ لنهم قد
أعجلوا عن ذلك.
**3اليمة{ 54 - 51 :ونفخ فمي الصمور فإذا همم من الجداث إلى ربهمم ينسلون ،قالوا يا ويلنما
ممن بعثنما ممن مرقدنما هذا مما وعمد الرحممن وصمدق المرسملون ،إن كانمت إل صميحة واحدة فإذا همم
جميع لدينا محضرون ،فاليوم ل تظلم نفس شيئا ول تجزون إل ما كنتم تعملون}
@قوله تعالى" :ونفمخ فمي الصمور" هذه النفخمة الثانيمة للنشأة .وقمد بينما فمي سمورة (النممل) أنهمما
نفختان ل ثلث .وهذه الية دالة على ذلك .وروى المبارك بن فضالة عن الحسن قال :قال رسول
ال صملى ال عليمه وسملم( :بيمن النفختيمن أربعون سمنة :الولى يميمت ال بهما كمل حمي ،والخرى
يحيي ال بها كل ميت) .وقال قتادة :الصور جمع صورة؛ أي نفخ في الصور والرواح .وصورة
وصور مثل سورة البناء وسور؛ قال العجاج:
ت إليه في أعالي السور سر ُ ورب ذي سرادق محجور
وقد روي عن أبي هريرة أنه قرأ" :ونفخ في الصور" .النحاس :والصحيح أن "الصور" بإسكان
الواو :القرن؛ جاء بذلك التوقيف عن رسول ال ،وذلك معروف في كلم العرب .أنشد أهل اللغة:
بالضابحات في غبار النقعين نحن نطحناهم غداة الغورين
نطحا شديدا ل كنطح الصورين
وقممد مضممى هذا فممي "النعام" مسممتوفى" .فإذا هممم مممن الجداث" أي القبور .وقرئ بالفاء "مممن
الجداف" ذكره الزمخشري .يقال :جدث وجدف .واللغمة الفصميحة الجدث (بالثاء) والجممع أجدث
وأجداث؛ قال المتنخل الهذلي:
علمات كتحبير النماط عرفت بأجدث فنعاف عرق
واجتدث :أي اتخذ جدثا" .إلى ربهم ينسلون" أي يخرجون؛ قال ابن عباس وقتادة ومنه قول امرئ
القيس:
فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي
ومنه قيل للولد نسل؛ لنه يخرج من بطن أمه .وقيل :يسرعون .والنسلن والعسلن :السراع في
السير ،ومنه مشية الذئب؛ قال:
برد الليل عليه فنسل عسلن الذئب أمسى قاربا
يقال :عسل الذئب ونسل ،يعسل وينسل ،من باب ضرب يضرب .ويقال :ينسل بالضم أيضا .وهو
السمراع فمي المشمي؛ فالمعنمى يخرجون مسمرعين .وفمي التنزيمل" :مما خلقكمم ول بعثكمم إل كنفمس
واحدة" [لقمان ،]28 :وقال" :يخرجون من الجداث كأنهم جراد منتشر" [القمر ،]7 :وفي "سأل
سائل" [المعارج" ]1 :يوم يخرجون من الجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون" [المعارج:
]43أي يسمرعون .وفمي الخمبر :شكونما إلى النمبي صملى ال عليمه وسملم الضعمف فقال( :عليكمم
بالنسل) أي بالسراع في المشي فإنه ينشط.
@قوله تعالى" :قالوا ياويلنما" قال ابمن النباري" :يما ويلنما" وقمف حسمن ثمم تبتدئ "ممن بعننما"
وروي عمن بعمض القراء "يما ويلنما ممن بعثنما" بكسمر ممن والثاء ممن البعمث .روي ذلك عمن علي
رضممي ال عنممه؛ فعلى هذا المذهممب ل يحسممن الوقممف على قوله" :يمما ويلنمما" حتممى يقول" :مممن
مرقدنا" .وفي قراءة أبي بن كعب "من هبّنا" بالوصل "من مرقدنا" فهذا دليل على صحة مذهب
العاممة .قال المهدوي :قرأ ابمن أبمي ليلى" :قالوا يما ويلتنما" بزيادة تاء وهمو تأنيمث الوصمل ،ومثله:
"يما ويلتما أألد وأنما عجوز" [هود .]72 :وقرأ علي رضمي ال عنمه "يما ويلتما ممن بعثنما" فمم "ممن"
متعلقة بالويل أو حال من "ويلتا" فتتعلق بمحذوف؛ كأنه قال :يا ويلتا كائنا من بعثنا؛ وكما يجوز
أن يكون خمبرا عنمه كذلك يجوز أن يكون حال منمه .و"ممن" ممن قوله" :ممن مرقدنما" متعلقمة بنفمس
البعمث .ثمم قيمل :كيمف قالوا هذا وهمم ممن المعذبيمن فمي قبورهمم؟ فالجواب أن أبمي بمن كعمب قال:
ينامون نومة .وفي رواية فيقولون :يا ويلتما من أهبنما ممن مرقدنا .قال أبو بكمر النباري :ل يحممل
هذا الحديث على أن "أهبنا" من لفظ القرآن كما قال من طعن في القرآن ،ولكنه تفسير "بعثنا" أو
معبر عن بعض معانيه .قال أبو بكر :وكذا حفظته "من هبنا" بغير ألف في أهبنا مع تسكين نون
من .والصواب فيه على طريق اللغة "من أهبنا" بفتح النون على أن فتحة همزة أهب ألقيت على
نون "من" وأسقطت الهمزة؛ كما قالت العرب :من أخبرك من أعلمك؟ وهم يريدون من أخبرك.
ويقال :أهببت النائم فهب النائم .أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي:
ولم يعتمرني قبل ذاك عذول وعاذلة هبت بليل تلومني
وقال أبمو صمالح :إذا نفمخ النفخمة الولى رفمع العذاب عمن أهمل القبور وهجعوا هجعمة إلى النفخمة
الثانية وبينهما أربعون سنة؛ فذلك قولهم" :من بعثنا من مرقدنا" وقال ابن عباس وقتادة .وقال أهل
المعانمي :إن الكفار إذا عاينوا جهنمم ومما فيهما ممن أنواع العذاب صمار مما عذبوا بمه فمي قبورهمم إلى
جنمب عذابهما كالنوم .قال مجاهمد :فقال لهمم المؤمنون" :هذا مما وعمد الرحممن" .قال قتادة :فقال لهمم
ممن هدى ال" :هذا مما وعمد الرحممن" .وقال الفراء :فقالت لهمم الملئكمة" :هذا مما وعمد الرحممن".
النحاس :وهذه القوال متفقممة؛ لن الملئكممة مممن المؤمنيممن وممممن هدى ال عممز وجممل .وعلى هذا
يتأول قول ال عمز وجمل" :إن الذيمن آمنوا وعملوا الصمالحات أولئك همم خيمر البريمة" [البينمة]7 :
وكذا الحديمث( :المؤممن عنمد ال خيمر ممن كمل مما خلق) .ويجوز أن تكون الملئكمة وغيرهمم ممن
المؤمنيمن قالوا لهمم" :هذا مما وعمد الرحممن" .وقيمل :إن الكفار لمما قال بعضهمم لبعمض" :ممن بعثنما
ممن مرقدنما" صمدقوا الرسمل لمما عاينوا مما أخمبروهم بمه ،ثمم قالوا" :هذا مما وعمد الرحممن وصمدق
المرسملون" فكذبنما بمه؛ أقروا حيمن لم ينفعهمم القرار .وكان حفمص يقمف على "ممن مرقدنما" ثمم
يبتدئ فيقول" :هذا" .قال أبمو بكمر بمن النباري" :ممن بعثنما ممن مرقدنما" وقمف حسمن؛ ثمم تبتدئ:
"هذا مما وعمد الرحممن" ويجوز أن تقمف على مرقدنما هذا" فتخفمض هذا على التباع للمرقمد،
وتبتدئ" :ما وعد الرحمن" على معنى بعثكم ما وعد الرحمن؛ أي بعثكم وعد الرحمن .النحاس:
التمام على "من مرقدنا" و"هذا" في موضع رفع بالبتداء وخبره "ما وعد الرحمن" .ويجوز أن
يكون فممي موضممع خفممض على النعممت لم م "مرقدنمما" فيكون التمام "مممن مرقدنمما هذا"" .ممما وعممد
الرحمن" في موضع رفع من ثلث جهات .ذكر أبو إسحاق منهما اثنتين قال :يكون بإضمار هذا.
والجهة الثانية أن يكون بمعنى حق ما وعد الرحمن بعثكم .والجهة الثالثة أن يكون بمعنى ما وعد
الرحممن" .إن كانمت إل صميحة واحدة" يعنمي إن بعثهمم وإحياءهمم كان بصميحة واحدة وهمي قول
إسرافيل :أيتها العظام البالية ،والوصال المتقطعة والشعور المتمزقة! إن ال يأمركن أن تجتمعن
لفصممل القضاء .وهذا معنممى قول الحممق" :يوم يسمممعون الصمميحة بالحممق ذلك يوم الخروج[ ".ق:
.]42وقال" :مهطعيمن إلى الداعمي" [القممر ]8 :على مما يأتمي .وفمي قراءة ابمن مسمعود إن صمح
عنه "إن كانت إل زقية واحدة" والزقية الصيحة؛ وقد تقدم هذا" .فإذا هم جميع لدينا محضرون"
"فإذا هم" مبتدأ وخبره "جميع" نكرة ،و"محضرون" من صفته .ومعنى "محضرون" مجموعون
أحضروا موقمف الحسماب؛ وهمو كقوله" :ومما أممر السماعة إل كلممح البصمر" [النحمل .]77 :قوله
تعالى" :فاليوم ل تظلم نفس شيئا" أي ل تنقص من ثواب عمل" .ول تجزون إل ما كنتم تعملون"
"مما" فمي محمل نصمب ممن وجهيمن :الول أنمه مفعول ثان لمما لم يسمم فاعله .والثانمي بنزع حرف
الصفة تقديره :إل بما كنتم تعملون؛ أي تعملونه فحذف.
**3الية{ 55 :إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ،هم وأزواجهم في ظلل على الرائك
متكئون ،لهممم فيهمما فاكهممة ولهممم ممما يدعون ،سمملم قول مممن رب رحيممم ،وامتازوا اليوم أيهمما
المجرمون}
@قوله تعالى" :إن أصمحاب الجنمة اليوم فمي شغمل فاكهون" قال ابمن مسمعود وابمن عباس وقتادة
ومجاهممد :شغلهممم افتضاض العذارى .وذكممر الترمذي الحكيممم فممي كتاب مشكممل القرآن له :حدثنمما
محمد بن حميد الرازي ،حدثنا يعقوب القمي ،عن حفص بن حميد ،عن شمر بن عطية ،عن شقيق
بن سلمة ،عن عبدال بن مسعود في قوله" :إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون" قال :شغلهم
افتضاض العذارى .حدثنما محممد بمن حميمد ،حدثنما هارون بمن المغيرة ،عمن نهشمل ،عمن الضحاك،
عمن ابمن عباس بمثله .وقال أبمو قلبمة :بينمما الرجمل ممن أهمل الجنمة ممع أهله إذ قيمل له تحول إلى
أهلك فيقول أنا مع أهلي مشغول؛ فيقال تحول أيضا إلى أهلك .وقيل :أصحاب الجنة في شغل بما
هم فيه من اللذات والنعيم عن الهتمام بأهل المعاصي ومصيرهم إلى النار ،وما هم فيه من أليم
العذاب ،وإن كان فيهمم أقرباؤهمم وأهلوهمم؛ قال سمعيد بمن المسميب وغيره .وقال وكيمع :يعنمي فمي
السمماع .وقال ابمن كيسمان" :فمي شغمل" أي فمي زيارة بعضهمم بعضما .وقيمل :فمي ضيافمة ال تعالى.
وروي أنممه إذا كان يوم القيامممة نادى مناد :أيممن عبادي الذيممن أطاعونممي وحفظوا عهدي بالغيممب؟
فيقومون كأنمما وجوههمم البدر والكوكمب الدري ،ركبانما على نجمب ممن نور أزمتهما ممن الياقوت،
تطيمر بهمم على رؤوس الخلئق ،حتمى يقوموا بيمن يدي العرش ،فيقول ال جمل وعمز لهمم( :السملم
على عبادي الذيمن أطاعونمي وحفظوا عهدي بالغيمب ،أنما اصمطفيتكم وأنما أجتمبيتكم وأنما اخترتكمم،
اذهبوا فادخلوا الجنمة بغيمر حسماب فمم "ل خوف عليكمم اليوم ول أنتمم تحزنون" [الزخرف)]68 :
فيمرون على الصممراط كالبرق الخاطممف فتفتممح لهممم أبوابهمما .ثممم إن الخلق فممي المحشممر موقوفون
فيقول بعضهمم لبعمض :يما قوم أيمن فلن وفلن!؟ وذلك حيمن يسمأل بعضهمم بعضما فينادي مناد "إن
أصممحاب الجشممة اليوم فممي شغممل فاكهون" .و"شُغُل" و"شُغْمل" لغتان قرئ بهممما؛ مثممل الرعممب
والرعممب؛ والسممحت والسممحت؛ وقممد تقدم" .فاكهون" قال الحسممن :مسممرورون .وقال ابممن عباس:
فرحون .مجاهمممد والضحاك :معجبون .السمممدي :ناعمون .والمعنمممى متقارب .والفكاهمممة المزاح
والكلم الطيمب .وقرأ أبو جعفر وشيبة والعرج" :فكهون" بغيمر ألف وهمما لغتان كالفاره والفره،
والحاذر والحذر؛ قاله الفراء .وقال الكسممائي وأبممو عممبيدة :الفاكممه ذو الفاكهممة؛ مثممل شاحممم ولحممم
وتاممر ولبمن ،والفكمه :المتفكمه والمتنعمم .و"فكهون" بغيمر ألف فمي قول قتادة :معجبون .وقال أبمو
زيد :يقال رجل فكه إذا كان طيب النفس ضحوكا .وقرأ طلحة بن مصرف" :فاكهين" نصبه على
الحال" .هممم وأزواجهممم فممي ظلل على الرائك متكئون" مبتدأ وخممبره .ويجوز أن يكون "هممم"
توكيدا "وأزواجهمم" عطمف على المضممر ،و"متكئون" نعمت لقوله "فاكهون .وقراءة العاممة" :فمي
ظلل" بكسممر الظاء واللف .وقرأ ابممن مسممعود وعبيممد بممن عميممر والعمممش ويحيممى وحمزة
والكسمائي وخلف" :فمي ظلل" بضمم الظاء ممن غيمر ألف؛ فالظلل جممع ظمل ،وظلل جممع ظلة.
"على الرائك" يعني السرر في الحجال واحدها أريكة؛ مثل سفينة وسفائن؛ قال الشاعر:
بوقت الضحى في روضه المتضاحك كأن احمرار الورد فوق غصونه
تهادين بالريحان فوق الرائك خدود عذارى قد خجلن من الحيا
وفمي الخمبر عمن أبمي سمعيد الخدري قال النمبي صملى ال عليمه وسملم( :إن أهمل الجنمة كلمما جامعوا
نسماءهم عدن أبكارا) .وقال ابمن عباس :إن الرجمل ممن أهمل الجنمة ليعانمق الحوراء سمبعين سمنة ،ل
يملها ول تمله ،كلما أتاها وجدها بكرا ،وكلما رجع إليها عادت إليه شهوته؛ فيجامعها بقوة سبعين
رجل ،ل يكون بينهمما منمي؛ يأتمي ممن غيمر منمي منمه ول منهما" .لهمم فيهما فاكهمة" ابتداء وخمبر.
"ولهم ما يدعون" الدال الثانية مبدلة من تاء ،لنه يفتعلون من دعا أي من دعا بشيء أعطيه .قاله
أبو عبيدة؛ فمعنى "يدعون" يتمنون من الدعاء .وقيل :المعنى أن من أدعى منهم شيئا فهو له؛ لن
ال تعالى قد طبعهم على أل يدعي منهم أحد إل ما يجمل ويحسن أن يدعيه .وقال يحيى بن سلم:
"يدعون" يشتهون .ابن عباس :يسمألون .والمعنمى متقارب .قال ابمن النباري" :ولهمم مما يدعون"
وقف حسن ،ثم تبتدئ" :سلم" على معنى ذلك لهم سلم .ويجوز أن يرفع السلم على معنى ولهم
ممما يدعون مس ملّم خالص .فعلى هذا المذهممب ل يحسممن الوقممف على "ممما يدعون" .وقال الزجاج:
"سلم" مرفوع على البدل من "ما" أي ولهم أن يسلم ال عليهم ،وهذا ُمنَى أهل الجنة .وروي من
حديث جرير بن عبدال البجلي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :بينا أهل الجنة في نعيمهم
إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب تعالى قد اطلع عليهم من فوقهم فقال السلم عليكم يا
أهمل الجنمة فذلك قوله" :سملم قول ممن رب رحيمم" .فينظمر إليهمم وينظرون إليمه فل يلتفتون إلى
شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركاته عليهم في ديارهم)
ذكره الثعلبمي والقشيري .ومعناه ثابمت فمي صمحيح مسملم ،وقمد بيناه فمي "يونمس" عنمد قوله تعالى:
"للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" [يونس .]26 :ويجوز أن تكون "ما" نكرة؛ و"سلم" نعتا لها؛
أي ولهمم مما يدعون مسملّم .ويجوز أن تكون "مما" رفمع بالبتداء ،و"سملم" خمبر عنهما .وعلى هذه
الوجوه ل يوقمف على "ولهمم مما يدعون" .وفمي قراءة ابمن مسمعود "سملما" يكون مصمدرا ،وإن
شئت فمي موضمع الحال؛ أي ولهمم مما يدعون ذا سملم أو سملمة أو مسملما؛ فعمى هذا المذهمب ل
يحسمن الوقمف على "يدعون" وقرأ محممد بمن كعمب القرظمي "سمِلم" على السمتئناف كأنمه قال :ذلك
سلم لهم ل يتنازعون فيه .ويكون "ولهم ما يدعون" تاما .ويجوز أن يكون "سلم" بدل من قوله:
"ولهم ما يدعون" ،وخبر "ما يدعون" "لهم" .ويجوز أن يكون "سلم" خبرا آخر ،ويكون معنى
الكلم أنمه لهمم خالص ممن غيمر منازع فيمه" .قول" مصمدر على معنمى قال ال ذلك قول .أو بقوله
قول ،ودل على الفعمل المحذوف لفمظ مصمدره .ويجوز أن يكون المعنمى ولهمم مما يدعون قول؛ أي
عدة ممن ال .فعلى هذا المذهمب الثانمي ل يحسمن الوقمف على "يدعون" .وقال السمجستاني :الوقمف
على قوله" :سلم" تام؛ وهذا خطأ لن القول خارج مما قبله.
@قوله تعالى" :وامتازوا اليوم أيهما المجرمون" ويقال تميزوا وأمازوا وامتازوا بمعنىً؛ ومزتمه
فانماز وامتاز ،وميزتمه فتميمز .أي يقال لهمم هذا عنمد الوقوف للسمؤال حيمن يؤممر بأهمل الجنمة إلى
الجنمة؛ أي اخرجوا ممن جملتهمم .قال قتادة :عزلوا عمن كمل خيمر .وقال الضحاك :يمتاز المجرمون
بعضهمم ممن بعمض؛ فيمتاز اليهود فرقمة ،والنصمارى فرقمة ،والمجوس فرقمة ،والصمابئون فرقمة،
وعبدة الوثان فرقة .وعنه أيضا :إن لكمل فرقة فمي النار بيتما تدخل فيه ويرد بابه؛ فتكون فيه أبدا
ل تَرى ول تُرى .وقال داود بممن الجراح :فيمتاز المسمملمون مممن المجرميممن ،إل أصممحاب الهواء
فيكونون مع المجرمين.
**3الية{ 64 - 60 :ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن ل تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ،وأن
اعبدوني هذا صراط مستقيم ،ولقد أضل منكم جبل كثيرا أفلم تكونوا تعقلون ،هذه جهنم التي كنتم
توعدون ،اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون
@قوله تعالى" :ألم أعهد إليكم يا بني آدم" العهد هنا بمعنى الوصية؛ أي ألم أوصكم وأبلغكم على
ألسمنة الرسمل" .أن ل تعبدوا الشيطان" أي ل تطيعوه فمي معصميتي .قال الكسمائي :ل للنهمي" .وأن
اعبدوني" بكسر النون على الصل ،ومن ضم كره كسرة بعدها ضمة" .هذا صراط مستقيم" أي
عبادتي دبن قويم.
@قوله تعالى" :ولقمد أضمل منكمم" أي أغوى "جبل كثيرا" أي خلقما كثيرا؛ قاله مجاهمد .قتادة:
جموعا كثيرة .الكلبي :أمما كثيرة؛ والمعنى واحد .وقرأ أهل المدينة وعاصم" :جبل" بكسر الجيم
والباء .وأبو عمرو وابن عامر "جبل" بضم الجيم وإسكان الباء .الباقون "جبل" ضم الجيم والباء
وتخفيمف اللم ،وشددهما الحسمن وابن أبمي إسمحاق وعيسمى بمن عممر وعبدال بن عبيمد والنضمر بمن
أنممس .وقرأ أبممو يحيمى والشهمب العقيلي "جبل" بكسممر الجيممم وإسمكان الباء وتخفيممف اللم .فهذه
خممس قراءات .قال المهدوي والثعلبمي :وكلهما لغات بمعنمى الخلق .النحاس :أبينهما القراءة الولى؛
والدليممل على ذلك أنهممم قممد أجمعوا على أن قرؤوا "والجبلة الوليممن" [الشعراء ]184 :فيكون
"جبل" جمع جبلة والشتقاق فيه كله واحد .وإنما هو من جبل ال عز وجل الخلق أي خلقهم .وقد
ذكرت قراءة سمادسة وهمي" :ولقمد أضمل منكمم جيل كثيرا" بالياء .وحكمي عمن الضحاك أن الجيمل
الواحممد عشرة آلف ،والكثيممر ممما ل يحصمميه إل ال عممز وجممل؛ ذكره الماوردي" .أفلم تكونوا
تعقلون" عداوتمه وتعلموا أن الواجمب طاعمة ال" .هذه جهنمم" أي تقول لهمم خزنمة جهنمم هذه جهنمم
التمي وعدتمم فكذبتمم بهما .وروي عمن أبمي هريرة أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قال( :إذا كان
يوم القياممة جممع ال النمس والجمن والوليمن والخريمن فمي صمعيد واحمد ثمم أشرف عنمق ممن النار
على الخلئق فأحاط بهممم ثممم ينادي مناد "هذه جهنممم التممي كنتممم توعدون اصمملوها اليوم بممما كنتممم
تكفرون" فحينئذ تجثمو الممم على ركبهما وتضمع كمل ذات حممل حملهما؛ وتذهمل كمل مرضعمة عمما
أرضعت ،وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب ال شديد).
**3الية{ 65 :اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ،ولو
نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ،ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما
استطاعوا مضيا ول يرجعون ،ومن نعمره ننكسه في الخلق أفل يعقلون}
@قوله تعالى" :اليوم نختمم على أفواههمم وتكلمنما أيديهمم وتشهمد أرجلهمم بمما كانوا يكسمبون" فمي
صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال :كنا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم فضحك فقال( :هل
تدرون مم أضحك؟ -قلنا :ال ورسوله أعلم قال - :من مخاطبة العبد ربه ،يقول يا رب ألم تجرني
ممن الظلم قال :يقول بلى فيقول فإنمي ل أجيمز على نفسمي إل شاهدا منمي قال :فيقول كفمى بنفسمك
اليوم عليمك شهيدا وبالكرام الكاتمبين شهودا قال :فيختمم على فيمه فيقال لركانمه انطقمي قال فتنطمق
بأعماله قال :ثمم يخلى بينمه وبيمن الكلم فيقول بعدا لكمن وسمحقا فعنكمن كنمت أناضمل) خرجمه أيضما
ممن حديمث أبمي هريرة .وفيمه( :ثمم يقال له الن نبعمث شاهدنما عليمك ومتفكمر فمي نفسمه ممن ذا الذي
يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله
وذلك ليعذر ممن نفسمه وذلك المنافمق وذلك الذي يسمخط ال عليمه) .وخرج الترمذي عن معاويمة بمن
حيدة عن النبي صلى ال عليه وسلم في حديث ذكره قال :وأشاره بيده إلى الشام فقال( :من ها هنا
إلى هما هنما تحشرون ركبانما ومشاة وتجرون على وجوهكمم يوم القياممة على أفواهكمم الفِدام توفون
سمبعين أمة أنتمم خيرهمم وأكرمهمم على ال وإن أول مما يعرب عمن أحدكمم فخذه) فمي روايمة أخرى:
(فخذه وكفه) الفدام مصفاة الكوز والبريق؛ قال الليث .قال أبو عبيد :يعني أنهم منعوا الكلم حتى
تكلم أفخاذهمم فشبمه ذلك بالفدام الذي يجعمل على البريمق .ثمم قيمل فمي سمبب الختمم أربعمة أوجمه:
أحدها :لنهم قالوا "وال ربنا ما كنا مشركين" [النعام ]23 :فختم ال على أفواههم حتى نطقت
جوارحهم؛ قاله أبو موسى الشعري .الثاني :ليعرفهم أهل الموقف فيتميزون منهم؛ قاله ابن زياد.
الثالث :لن إقرار غير الناطق أبلغ في الحجة من إقرار الناطق لخروجه مخرج العجاز ،إن كان
يوما ل يحتاج إلى إعجاز .الرابع :ليعلم أن أعضاءه التي كانت أعوانا في حق نفسه صارت عليه
شهودا في حق ربه .فإن قيل :لم قال "وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم" فجعل ما كان من اليد كلما،
وممما كان مممن الرجممل شهادة؟ قيممل :إن اليممد مباشرة لعمله والرجممل حاضرة ،وقول الحاضممر على
غيره شهادة ،وقول الفاعمل على نفسمه إقرار بمما قال أو فعمل؛ فلذلك عمبر عمما صمدر ممن اليدي
بالقول ،وعمما صمدر ممن الرجمل بالشهادة .وقمد روي عمن عقبمة بمن عاممر قال :سممعت رسمول ال
صملى ال عليمه وسملم يقول( :أول عظمم ممن النسمان يتكلم يوم يختمم على الفواه فخذه ممن الرجمل
اليسمرى) ذكره الماوردي والمهدوي .وقال أبمو موسمى الشعري :إنمى لحسمب أن أول مما ينطمق
منمه فخذه اليمنمى؛ ذكره المهدوي أيضما .قال الماوردي :فاحتممل أن يكون تقدم الفخمذ بالكلم على
سمائر العضاء؛ لن لذة معاصميه يدركهما بحواسمه التمي همي فمي الشطمر السمفل منهما الفخمذ ،فجاز
لقربمه منهما أن يتقدم فمي الشهادة عليهما .قال :وتقدممت اليسمرى؛ لن الشهوة فمي مياممن العضاء
أقوى منها في مياسرها؛ فلذلك تقدمت اليسرى على اليمنى لقلة شهوتها.
قلت :أو بالعكممس لغلبممة الشهوة ،أو كلهممما معمما والكممف؛ فإن بمجموع ذلك يكون تمام الشهوة
واللذة .وال أعلم.
@قوله تعالى" :ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون" حكى الكسائي:
طمَس يطمِس ويطمُس .والمطموس والطميمس عنمد أهمل اللغمة العممى الذي ليمس فمي عينيمه شمق.
قال ابممن عباس :المعنممى لعميناهممم عممن الهدى ،فل يهتدون أبدا إلى طريممق الحممق .وقال الحسممن
والسمدي :المعنمى لتركناهمم عميما يترددون .فالمعنمى لعميناهمم فل يبصمرون طريقما إلى تصمرفهم
فمي منازلهمم ول غيرهما .وهذا اختيار الطمبري .وقوله "فاسمتبقوا الصمراط" أي اسمتبقوا الطريمق
ليجوزوا "فأنممى يبصممرون" أي فمممن أيممن يبصممرون .وقال عطاء ومقاتممل وقتادة وروي عممن ابممن
عباس :ولو نشاء لفقأنما أعيمن ضللتهمم ،وأعميناهمم عمن غيهمم ،وحولنما أبصمارهم ممن الضللة إلى
الهدى؛ فاهتدوا وأبصممروا رشدهممم ،وتبادروا إلى طريممق الخرة .ثممم قال" :فأنممى يبصممرون" ولم
نفعممل ذلك بهممم؛ أي فكيممف يهتدون وعيممن الهدى مطموسممة ،على الضلل باقيممة .وقممد روي عممن
عبدال بن سلم في تأويل هذه الية غير ما تقدم ،وتأولها على أنها في يوم القيامة .وقال :إذا كان
يوم القيامممة ومممد الصممراط ،.نادى مناد ليقممم محمممد صمملى ال عليممه وسمملم وأمتممه؛ فيقومون برهممم
وفاجرهم يتبعونه ليجوزوا الصراط ،فإذا صاروا عليه طمس ال أعين فجارهم ،فاستبقوا الصراط
فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه .ثم ينادي مناد ليقم عيسى وأمته؛ فيقوم فيتبعونه برهم وفاجرهم
فيكون سمبيلهم تلك السمبيل ،وكذا سمائر النمبياء عليهمم السملم .ذكره النحاس وقمد كتبناه فمي التذكرة
بمعناه حسمب مما ذكره ابمن المبارك فمي رقائقمه .وذكره القشيري .وقال ابمن عباس رضمي ال عنمه:
أخمذ السمود بمن السمود حجرا ومعمه جماعمة ممن بنمي مخزوم ليطرحمه على النمبي صملى ال عليمه
وسملم؛ فطممس ال على بصمره ،وألصمق الحجمر بيده ،فمما أبصمره ول اهتدى ،ونزلت اليمة فيمه.
والمطموس هممو الذي ل يكون بيممن جفنيممه شممق ،مأخوذ مممن طمممس الريممح الثممر؛ قاله الخفممش
والقتبي.
@قوله تعالى" :ولو نشاء لمسمخناهم على مكانتهمم فمما اسمتطاعوا مضيما ول يرجعون" المسمخ:
تبديل الخلقة وقلبها حجرا أو جمادا أو بهيمة .قال الحسن :أي لقعدناهم فل يستطيعون أن يمضوا
أمامهمم ول يرجعوا وراءهمم .وكذلك الجماد ل يتقدم ول يتأخمر .وقمد يكون المسمخ تبديمل صمورة
النسمان بهيممة ،ثمم تلك البهيممة ل تعقمل موضعما تقصمده فتتحيمر ،فل تقبمل ول تدبر .ابمن عباس
رضمي ال عنمه :المعنمى لو نشاء لهلكناهمم فمي مسماكنهم .وقيمل :المعنمى لو نشاء لمسمخناهم فمي
المكان الذي اجترؤوا فيمه على المعصمية .ابمن سملم :هذا كله يوم القياممة يطممس ال تعالى أعينهمم
على الصراط .وقرأ الحسن والسلمي وزر بن حبيش وعاصم في رواية أبي بكر" :مكاناتهم" على
الجمع ،الباقون بالتوحيد .وقرأ أبو حيوة" :فما استطاعوا مضيا" بفتح الميم .والمضى بضم الميم
مصدر يمضى مضيا إذا ذهب.
@قوله تعالى" :وممن نعمره ننكسمه فمي الخلق" قرأ عاصمم وحمزة "ننكسمه" بضمم النون الولى
وتشديمد الكاف ممن التنكيمس .الباقون " َن ْنكُسمه" بفتمح النون الولى وضمم الكاف ممن نكسمت الشيمء
أنكسه نكسا قلبته على رأسه فانتكس .قال قتادة :المعنى أنه يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال
الصبا .وقال سفيان في قوله تعالى" :ومن نعمره ننكسه في الخلق" إذا بلغ ثمانين سنة تغير جسمه
وضعفت قوته .قال الشاعر:
وخانه ثقتاه السمع والبصر من عاش أخلقت اليام جدته
فطول العمر يصير الشباب هرما ،والقوة ضعفا ،والزيادة نقصا ،وهذا هو الغالب .وقد تعوذ صلى
ال عليمه وسملم ممن أن يرد إلى أرذل العممر .وقمد مضمى فمي "النحمل" بيانمه" .أفل يعقلون" أن ممن
فعل هذا بكم قادر على بعثكم .وقرأ نافع وابن ذكوان" :تعقلون" بالتاء .الباقون بالياء".
**3الية{ 69 :وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إل ذكر وقرآن مبين ،لينذر من كان حيا
ويحق القول على الكافرين}
@قوله تعالى" :وما علمناه الشعر وما ينبغي له" أخبر تعالى عن حال نبيه صلى ال عليه وسلم،
ورد قول ممن قال ممن الكفار إنمه شاعمر ،وإن القرآن شعمر ،بقوله" :ومما علمناه الشعمر ومما ينبغمي
له" وكذلك كان رسمول ال صملى عليمه وسملم ل يقول الشعمر ول يزنمه ،وكان إذا حاول إنشاد ببمت
قديم متمثل كسر وزنه ،وإنما كان يحرز المعاني فقط صلى ال عليه وسلم .من ذلك أنه أنشد يوما
قول طرفة:
ويأتيك من لم تزوده بالخبار ستبدي لك اليام ما كنت جاهل
وأنشد يوما وقد قيل له من أشعر الناس فقال الذي يقول:
وجدت بها وإن لم تطب طيبا ألم ترياني كلما جئت طارقا
وأنشد يوما:
ميد بين القرع وعيينة أتجعل نهبي ونهب العبم
وقد كان عليه السلم ربما أنشد البيت المستقيم في النادر .روي أنه أنشد بيت عبدال بن رواحة:
إذا استثقلت بالمشركين المضاجع ببيت يجافي جنبة عن فراشه
وقال الحسن بن أبي الحسن :أنشد النبي عليه السلم:
كفى بالسلم والشيب للمرء ناهيا
فقال أبو بكر رضي ال عنه :يا رسول ال إنما قال الشاعر:
كفى الشيب والسلم للمرء ناهيا هريرة ودع إن تجهزت غاديا
فقال أبمو بكمر أو عممر :أشهمد أنمك رسمول ال ،يقول ال عمز وجمل" :ومما علمناه الشعمر ومما ينبغمي
له" .وعمن الخليمل بمن أحممد :كان الشعمر أحمب إلى رسمول ال صملى ال عليمه وسملم ممن كثيمر ممن
الكلم ،ولكن ل يتأتى له.
@ إصابته الوزن أحيانا ل يوجب أنه يعلم الشعر ،وكذلك ما يأتي أحيانا من نثر كلمه ما يدخل
في ورن ،كقول يوم حنين وغيره:
وفي سبيل ال ما لقيت) (هل أنت إل إصبع دميت
وقوله:
أنا ابن عبدالمطلب) (أنا النبي ل كذب
فقمد يأتمي مثمل ذلك فمي آيات القرآن ،وفمي كمل كلم؛ وليمس ذلك شعرا ول فمي معناه؛ كقوله تعالى:
"لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" [آل عمران ،]92 :وقوله" :نصر من ال وفتح قريب"
[الصف ،]13 :وقوله" :وجفان كالجواب وقدور راسيات" [سبأ ]13 :إلى غير ذلك من اليات.
وقد ذكر ابن العربي منها آيات وتكلم عليها وأخرجها عن الوزن ،على أن أبا الحسن الخفش قال
في قوله( :أنا النبي ل كذب) ليس بشعر .وقال الخليل في كتاب العين :إن ما جاء من السجع على
جزأين ل يكون شعرا .وروي عنه أنه من منهوك الرجز .وقد قيل :ل يكون من منهوك الرجز إل
بالوقمف على الباء ممن قوله( :ل كذب) ،وممن قوله( :عبدالمطلب) .ولم يعلم كيمف قاله النمبي صملى
ال عليمه وسملم .قال ابمن العربمي :والظهمر ممن حال أنمه قال( :ل كذب) الباء مرفوعمة ،ويخفمض
الباء من عبدالمطلب على الضافة .وقال النحاس قال بعضهم :إنما الرواية بالعراب ،وإذا كانت
بالعراب لم يكمن شعرا؛ لنمه إذا فتمح الباء ممن البيمت الول أو ضمهما أو نونهما ،وكسمر الباء ممن
البيممت الثانممي خرج عممن وزن الشعممر .وقال بعضهممم :ليممس هذا الوزن مممن الشعممر .وهذا مكابرة
العيان؛ لن أشعار العرب على هذا قممد رواهمما الخليممل وغيره .وأممما قوله( :هممل أنممت إل إصممبع
دميت) فقيل إنه من بحر السريع ،وذلك ل بكون إل إذا كسرت التاء من دميت ،فإن سكن ل يكون
شعرا بحال؛ لن هاتين الكلمتين على هذه الصفة تكون فعول ،ول مدخل لفعول في بحر السريع.
ولعل النبي صلى ال عليه وسلم قالها ساكنة التاء أو متحركة التاء من غير إشباع .والمعول عليه
في النفصال على تسليم أن هذا شعر ،ويسقط العتراض ،ول يلزم منه أن يكون النبي صلى ال
عليه وسلم عالما بالشعر ول شاعر -أن التمثل بالبيت النزر وإصابة القافيتين من الرجز وغيره،
ل يوجب أن يكون قائلها عالما بالشعر ،ول يسمى شاعرا باتفاق العلماء ،كما أن من خاط خيطا ل
يكون خياطما .قال أبمو إسمحاق الزجاج :معنمى" :ومما علمناه الشعمر" ومما علمناه أن يشعمر أي مما
جعلناه شاعرا ،وهذا ل يمنمع أن ينشمد شيئا ممن الشعمر .قال النحاس :وهذا ممن أحسمن مما قيمل فمي
هذا .وقمد قيمل :إنمما خمبر ال عمز وجمل أنمه مما علممه ال الشعمر ولم يخمبر أنمه ل ينشمد شعرا ،وهذا
ظاهر الكلم .وقيل فيه قول بين؛ زعم صاحبه أنه إجماع من أهل اللغة ،وذلك أنهم قالوا :كل من
قال قول موزونا ل يقصد به إلى شعر فليس بشعر وإنما وافق الشعر .وهذا قول بين .قالوا :وإنما
الذي نفاه ال عمن نمبيه عليمه السملم فهمو العلم بالشعمر وأصمنافه ،وأعاريضمه وقوافيمه والتصماف
بقوله ،ولم يكمن موصموفا بذلك بالتفاق .أل ترى أن قريشما تراوضمت فيمما يقولون للعرب فيمه إذا
قدموا عليهم الموسم ،فقال بعضهم :نقول إنه شاعر .فقال أهل الفطنة منهم :وال لتكذبنكم العرب،
فإنهم يعرفون أصناف الشعر ،فوال ما يشبه شيئا منها ،وما قوله بشعر .وقال أنيس أخو أبي ذر:
لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم أنه شعر .أخرجه مسلم ،وكان أنيس من أشعر العرب.
وكذلك عتبة بن أبي ربيعة لما كلمه :وال ما هو بشعر ول كهانة ول سحر؛ على ما يأتي بيانه من
خممبره فممي سممورة [فصمملت] إن شاء ال تعالى .وكذلك قال غيرهممما مممن فصممحاء العرب العرباء،
واللسمن البلغاء .ثمم إن مما يجري على اللسمان ممن موزون الكلم ل يعمد شعرا ،وإنمما يعمد منمه مما
يجري على وزن الشعممر مممع القصممد إليممه؛ فقممد يقول القائل :حدثنمما شيممخ لنمما وينادي يمما صمماحب
الكسمائي ،ول يعمد هذا شعرا .وقمد كان رجمل ينادي فمي مرضمه وهمو ممن عرض العاممة العقلء:
اذهبوا بي إلى الطبيب وقولوا قد اكتوى.
@ روى ابمن القاسمم عمن مالك أنمه سمئل عمن إنشاد الشعمر فقال :ل تكثرن منمه؛ فممن عيبمه أن ال
يقول" :ومما علمناه الشعمر ومما ينبغمي له" قال :ولقمد بلغنمي أن عممر بمن الخطاب رضمي ال عنمه
كتممب إلى أبممي موسممى الشعري :أن أجمممع الشعراء قِبلك؛ وسمملهم عممن الشعممر ،وهممل بقممي معهممم
معرفة؛ وأحضر لبيدا ذلك؛ قال :فجمعهم فسألهم فقالوا إنا لنعرفه ونقوله .وسأل لبيدا فقال :ما قلت
شعرا منذ سمعت ال عز وجل يقول" :الم .ذلك الكتاب ل ريب فيه" [البقرة ]1 :قال ابن العربي:
هذه اليمة ليسمت ممن عيمب الشعمر؛ كمما لم يكمن قوله" :ومما كنمت تتلو ممن قبله ممن كتاب ول تخطمه
بيمينك" [العنكبوت ]48 :من عيب الكتابة ،فلما لم تكن المية من عيب الخط ،كذلك ل يكون نفي
النظم عن النبي صلى ال عليه وسلم من عيب الشعر .روي أن المأمون قال لبي علي المنقري:
بلغنمي أنمك أممي ،وأنمك ل تقيمم الشعمر ،وأنمك تلحمن .فقال :يما أميمر المؤمنيمن ،أمما اللحمن فربمما سمبق
لساني منه بشيء ،وأما المية وكسر الشعر فقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يكتب ول
يقيمم الشعمر .فقال له :سمألتك عمن ثلثمة عيوب فيمك فزدتنمي رابعما وهمو الجهمل ،يما جاهمل! إن ذلك
كان للنمبي صملى ال عليمه وسملم فضيلة ،وهمو فيمك وفمي أمثالك نقيصمة ،وإنمما منمع النمبي صملى ال
عليه وسلم ذلك لنفي الظنة عنه ،ل لعيب في الشعر والكتابة" .وما ينبغي له" أي وما ينبغي له أن
يقول .وجعل ال جل وعز ذلك علما من أعلم نبيه عليه السلم لئل تدخل الشبهة على من أرسل
إليه؛ فيظن أنه قوي على القرآن بما في طبعه من القوة على الشعر .ول اعتراض لملحد على هذا
بما يتفق الوزن فيه من القرآن وكلم الرسول؛ لن ما وافق وزنه وزن الشعر ،ولم يقصد به إلى
الشعمر ليس بشعر؛ ولو كان شعرا لكان كمل من نطمق بموزون من العاممة الذين ل يعرفون الوزن
شاعرا؛ على مما تقدم بيانمه .وقال الزجاج :معنمى "ومما ينبغمي له" أي مما يتسمهل له قول الشعمر إل
النشاء" .إن هو" أي هذا الذي يتلوه عليكم"ذكر وقرآن مبين"
@قوله تعالى" :لينذر من كان حيا" أي حي القلب؛ قال قتادة .الضحاك :عاقل وقيل :المعنى لتنذر
ممن كان مؤمنما فمي علم ال .هذا على قراءة التاء خطابما للنمبي عليمه السملم ،وهمي قراءة نافمع وابمن
عامر .وقرأ الباقون بالياء على معنى لينذر ال عز وجل؛ أو لينذر محمد صلى ال عليه وسلم ،أو
لينذر القرآن .وروي عن ابن السميقع "لينذر" بفتح الياء والذال" .ويحق القول على الكافرين" أي
وتجب الحجة بالقرآن على الكفرة.
**3الية{ 73 - 71 :أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون ،وذللناها
لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ،ولهم فيها منافع ومشارب أفل يشكرون}
@قوله تعالى" :أولم يروا أنا خلقنا لهم" هذه رؤية القلب؛ أي أو لم ينظروا ويعتبروا ويتفكروا.
"مما عملت أيدينا" أي مما أبدعناه وعملناه من غير واسطة ول وكالة ول شركة .و"ما" بمعنى
الذي وحذفمت الهاء لطول السمم .وإن جعلت "مما" مصمدرية لم تحتمج إلى إضمار الهاء" .أنعامما"
جممع نعمم والنعمم مذكمر" .فهمم لهما مالكون" ضابطون قاهرون" .وذللناهما لهمم" أي سمخرناها لهمم
حتممى يقود الصممبي الجمممل العظيممم ويضربممه ويصممرفه كيممف شاء ل يخرج مممن طاعتممه" .فمنهمما
ركوبهم" قراءة العامة بفتح الراء؛ أي مركوبهم ،كما يقال :ناقة حلوب أي محلوب .وقرأ العمش
والحسن وابن السميقع" :فمنها ركوبهم" بضم الراء على المصدر .وروى عن عائشة أنها قرأت:
"فمنها ركوبتهم" وكذا في مصحفها .والركوب والركوبة واحد ،مثل الحلوب والحلوبة ،والحمول
والحمولة .وحكى النحويون الكوفيون :أن العرب تقول :امرأة صبور وشكور بغير هاء .ويقولون:
شاة حلوبمة وناقمة ركوبمة؛ لنهمم أرادوا أن يفرقوا بيمن مما كان له الفعمل وبيمن مما كان الفعمل واقعما
عليه ،فحذفوا الهاء مما كان فاعل وأثبتوها فيما كان مفعول؛ كما قال:
سودا كخافية الغراب السحم فيها اثنتان وأربعون حلوبة
فيجمب أن يكون على هذا ركوبتهمم .فأمما البصمريون فيقولون :حذفمت الهاء على النسمب .والحجمة
للقول الول مما رواه الجرممي عمن أبمي عمبيدة قال :الركوبمة تكون للواحمد والجماعمة ،والركوب ل
يكون إل للجماعمة .فعلى هذا يكون لتذكيمر الجممع .وزعمم أبمو حاتمم :أنمه ل يجوز "فمنهما ركوبهمم"
بضم الراء لنه مصدر؛ والركوب ما يركب .وأجاز الفراء "فمنها ركوبهم" بضم الراء ،كما تقول
فمنها أكلهم ومنها شربهم" .ومنها يأكلون" من لحمانها "ولهم فيها منافع" من أصوافها وأوبارها
وأشعارهمما وشحومهمما ولحومهمما وغيممر ذلك" .ومشارب" يعنممي ألبانهمما؛ ولم ينصممرفا لنهممما مممن
الجموع التي ل نظير لها في الواحد" .أفل يشكرون" ال على نعمه.
**3الية{ 74 :واتخذوا من دون ال آلهة لعلهم ينصرون ،ل يستطيعون نصرهم وهم لهم جند
محضرون ،فل يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون}
@قوله تعالى" :واتخذوا من دون ال آلهة" أي قد رأوا هذه اليات من قدوتنا ،ثم اتخذوا من دوننا
آلهة ل قدرة لها على فعل" .لعلهم ينصرون" أي لما يرجون من نصرتها لهم إن نزل بهم عذاب.
ومممن العرب مممن يقول :لعله أن يفعممل" .ل يسممتطيعون نصممرهم" يعنممي اللهممة .وجمعوا بالواو
والنون؛ لنمه أخمبر عنهمم بخمبر الدمييمن" .وهمم" يعنمي الكفار "لهمم" أي لللهمة "جنمد محضرون"
قال الحسمن :يمنعون منهمم ويدفعون عنهمم .وقال قتادة :أي يغضبون لهمم فمي الدنيما .وقيمل :المعنمى
أنهم يعبدون اللهة ويقومون بها؛ فهم لها بمنزلة الجند وهي ل تستطيع أن تنصرهم .وهذه القوال
الثلثة متقاربة المعنى .وقيل :إن اللهة جند للعابدين محضرون معهم في النار .فل يدفع بعضهم
عمن بعمض .وقيمل :معناه وهذه الصمنام لهؤلء الكفار جنمد ال عليهمم فمي جهنمم؛ لنهمم يلعنونهمم
ويتمبرؤون ممن عبادتهمم .وقيمل :اللهمة جنمد لهمم محضرون يوم القياممة لعانتهمم فمي ظنونهمم .وفمي
الخبر( :إنه يمثل لكل قوم ما كانوا يعبدونه في الدنيا من دون ال فيتبعونه إلى النار؛ فهم لهم جند
محضرون)
قلت :ومعنى هذا الخبر ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ،وفي الترمذي عنه أن
النبي صلى ال عليه وسلم قال( :يجمع ال الناس يوم القيامة فمي صعيد واحد ثم يطلع عليهم رب
العالميممن فيقول أل ليتبممع كممل إنسممان ممما كان يعبممد فيمثممل لصمماحب الصممليب صممليبه ولصمماحب
التصمماوير تصمماويره ولصمماحب النار ناره فيتبعون ممما كانوا يعبدون ويبقممى المسمملمون )...وذكممر
الحديث بطوله.
@قوله تعالى" :فل يحزنمك قولهمم" هذه اللغمة الفصميحة .وممن العرب ممن يقول يحزنمك .والمراد
تسلية نبيه عليه السلم؛ أي ل يحزنك قولهم شاعر ساحر .وتم الكلم .ثم استأنف فقال" :إنا نعلم
ما يسرون وما يعلنون" من القول والعمل وما يظهرون فنجازيهم بذلك.
**3الية{ 77 :أولم ير النسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين}
@قوله تعالى" :أولم يمر النسمان" قال ابمن عباس :النسمان همو عبدال بمن أبمي .وقال سمعيد بمن
جمبير :همو العاص بمن وائل السمهمي .وقال الحسمن :همو أبمي بمن خلف الجمحمي .وقاله ابمن إسمحاق،
ورواه ابن وهب عن مالك" .أنا خلقناه من نطفة" وهو اليسير من الماء؛ نطف إذا قطر" .فإذا هو
خصميم ممبين" أي مجادل فمي الخصمومة ممبين للحجمة .يريمد بذلك أنمه صمار بمه بعمد أن لم يكمن شيئا
مذكورا خصميما مبينما .وذلك أنمه أتمى النمبي صملى ال عليمه وسملم بعظمم حائل فقال :يما محممد أترى
أن ال يحيممي هذا بعممد ممما رم! فقال النممبي صمملى ال عليممه وسمملم (نعممم ويبعثممك ال ويدخلك النار)
فنزلت هذه الية.
**3الية{ 78 :وضرب لنا مثل ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم ،قل يحييها الذي
أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم}
@قوله تعالى" :وضرب لنما مثل ونسمي خلقمه" أي ونسمي أنما أنشأناه ممن نطفمة ميتمة فركبنما فيمه
الحياة .أي جوابمه ممن نفسمه حاضمر؛ ولهذا قال عليمه السملم( :نعمم ويبعثمك ال ويدخلك النار) ففمي
هذا دليل على صحة القياس؛ لن ال جل وعز احتج على منكري البعث بالنشأة الولى" .قال من
يحمي العظام وهمي رميمم" أي باليمة .رم العظمم فهمو رميمم ورمام .وإنمما قال رميمم ولم يقمل رميممة؛
لنهما معدولة عمن فاعلة ،ومما كان معدول عمن وجهمه ووزنمه كان مصمروفا عمن إعرابمه؛ كقول:
"ومما كانمت أممك بغيما" [مريمم ]28 :أسمقط الهاء؛ لنهما مصمروفة عمن باغيمة" .قمل يحييهما الذي
أنشأهما أول مرة" قيمل :إن هذا الكافمر قال للنمبي صملى ال عليمه وسملم :أرأيمت إن سمحقتها وأذريتهما
في الريح أيعيدها ال! فنزلت" :قل يحييها الذي أنشأها أول مرة"أي من غير شيء فهو قادر على
إعادتهما فمي النشأة الثانيمة ممن شيمء وهمو عجمم الذنمب .ويقال عجمب الذنمب بالباء" .وهمو بكمل خلق
عليم" عليم كيف يبدئ ويعيد.
@ في هذه الية دليل على أن في العظام حياة وأنها تنجس بالموت .وهو قول أبي حنيفة وبعض
أصحاب الشافعي .وقال الشافعي رضي ال عنه :ل حياة فيها .وقد تقدم هذا في "النحل" .فإن قيل:
أراد بقوله "من يحي العظام" أصحاب العظام وإقامة المضاف مقام المضاف إليه كثير في اللغة،
موجود فممي الشريعمة .قلنمما :إنمما يكون إذ احتيممج لضرورة وليمس همما هنما ضرورة تدعمو إلى هذا
الضمار ،ول يفتقر إلى هذا التقدير ،إذا الباري سبحانه قد أخبر به وهو قادر عليه والحقيقة تشهد
له؛ فإن الحساس الذي هو علمة الحياة موجود فيه؛ قاله ابن العربي.
**3الية{ 80 :الذي جعل لكم من الشجر الخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ،أوليس الذي خلق
السمماوات والرض بقادر على أن يخلق مثلهمم بلى وهمو الخلق العليمم ،إنمما أمره إذا أراد شيئا أن
يقول له كن فيكون ،فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون}
@قوله تعالى" :الذي جعمل لكمم ممن الشجمر الخضمر نارا" نبمه تعالى على وحدانيتمه ،ودل على
كمال قدرتمه فمي إحياء الموتمى بمما يشاهدونمه ممن إخراج المحرق اليابمس ممن العود الندي الرطمب.
وذلك أن الكافمر قال :النطفمة حارة رطبمة بطبمع حياة فخرج منهما الحياة ،والعظمم بارد يابمس بطبمع
الموت فكيمف تخرج منمه الحياة! فأنزل ال تعالى" :الذي جعمل لكمم ممن الشجمر الخضمر نارا" أي
إن الشجممر الخضممر مممن الماء والماء بارد رطممب ضممد النار وهممما ل يجتمعان ،فأخرج ال منممه
النار؛ فهمو القادر على إخراج الضمد ممن الضمد ،وهمو على كمل شيمء قديمر .معنمي باليمة مما فمي
المرخ والعفار ،وهممي زنادة العرب؛ ومنممه قولهممم :فممي كممل شجممر نار واسممتمجد المرخ والعفار؛
فالعفار الزنمد وهمو العلى ،والمرخ الزندة وهمي السمفل؛ يؤخمذ منهمما غصمنان مثمل المسمواكين
يقطران ماء فيحك بعضهمما إلى بعض فتخرج منهما النار .وقال" :من الشجر الخضمر" ولم يقل
الخضراء وهمو جممع ،لن رده إلى اللفمظ .وممن العرب ممن يقول :الشجمر الخضراء؛ كمما قال عمز
وجل" :من شجر من زقوم فمالئون منها البطون" [الواقعة .]52 :ثم قال تعالى محتجا" :أو ليس
الذي خلق السمموات والرض بفادر على أن يخلق مثلهمم" أي أمثال المنكريمن للبعمث .وقرأ سملم
أبممو المنذر ويعقوب الحضرمممي" :يقدر على أن يخلق مثلهممم" على أنممه فعممل" .بلى" أي إن خلق
السمموات والرض أعظمم ممن خلقهمم؛ فالذي خلق السمموات والرض يقدر على أن يبعثهمم" .وهمو
الخلق العليم" وقرأ الحسن باختلف عنه "الخالق".
@قوله تعالى" :إنمما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كمن فيكون" قرأ الكسمائي "فيكون" بالنصمب
عطفما على "يقول" أي إذا أراد خلق شيمء ل يحتاج إلى تعمب ومعالجمة .وقمد مضمى هذا فمي غيمر
موضممع" .فسممبحان الذي بيده ملكوت كممل شيممء" نزه نفسممه تعالى عممن العجممز والشرك .وملكوت
وملكوتي في كلم العرب بمعنى ملك .والعرب تقول :جبروتي خير من رحموتي .وقال سعيد عن
قتادة" :ملكوت كمل شيمء" مفاتمح كمل شيمء .وقرأ طلحمة بمن مصمرف وإبراهيمم التيممي والعممش
"ملكمة" ،وهمو بمعنمى ملكوت إل أنمه خلف المصمحف" .وإليمه ترجعون" أي تردون وتصميرون
بعمد مماتكمم .وقراءة العاممة بالتاء على الخطاب .وقرأ السملمي وزر بمن حمبيش وأصمحاب عبدال
"يرجعون" بالياء على الخبر.
**2سورة الصافات
**3اليممة{ 1 :والصممافات صممفا ،فالزاجرات زجرا ،فالتاليات ذكرا ،إن إلهكممم لواحممد ،رب
السماوات والرض وما بينهما ورب المشارق}
@قوله تعالى" :والصافات صفا ،فالزاجرات زجرا ،فالتاليات ذكرا" هذه قراءة أكثر القراء .وقرأ
حمزة بالدغام فيهمن .وهذه القراءة التمي نفمر منهما أحممد بن حنبمل لمما سممعها .النحاس :وهمي بعيدة
في العربية من ثلث جهات :إحداهن أن التاء ليست من مخرج الصاد ،ول من مخرج الزاي ،ول
مممن مخرج الذال ،ول مممن أخواتهممن ،وإنممما أختاهمما الطاء والدال ،وأخممت الزاي الصمماد والسممين،
وأخمت الذال الظاء والثاء .والجهمة الثانيمة أن التاء فمي كلممة ومما بعدهما فمي كلممة أخرى .والجهمة
الثالثة أنك إذا أدغمت جمعت بين ساكنين من كلمتين ،وإنما يجوز الجمع بين ساكنين في مثل هذا
إذا كانما فمي كلممة واحدة؛ نحمو دابمة وشابمة .ومجاز قراءة حمزة أن التاء قريبمة المخرج ممن هذه
الحروف" .والصمافات" قسمم؛ الواو بدل ممن الباء .والمعنمى برب الصمافات و"الزاجرات" عطمف
عليمه" .إن إلهكمم لواحمد" جواب القسمم .وأجاز الكسمائي فتمح إن فمي القسمم .والمراد بمم "الصمافات"
ومما بعدهما إلى قوله" :فالتاليات ذكرا" الملئكمة فمي قول ابمن عباس وابمن مسمعود وعكرممة وسمعيد
بمن جمبير ومجاهمد وقتادة .تصمف فمي السمماء كصمفوف الخلق فمي الدنيما للصملة .وقيمل :تصمف
أجنحتهما فمي الهواء واقفمة فيمه حتمى يأمرهما ال بمما يريمد .وهذا كمما تقوم العبيمد بيمن أيدي ملوكهمم
صمفوفا .وقال الحسمن" :صمفا" لصمفوفهم عنمد ربهمم فمي صملتهم .وقيمل :همي الطيمر؛ دليله قوله
تعالى" :أو لم يروا إلى الطيمر فوقهمم صمافات" [الملك .]19 :والصمف ترتيمب الجممع على خمط
كالصمف فمي الصملة" .والصمافات" جممع الجممع؛ يقال :جماعمة صمافة ثمم يجممع صمافات .وقيمل:
الصممافات جماعممة الناس المؤمنيممن إذا قاموا صممفا فممي الصمملة أو فممي الجهاد؛ ذكره القشيري.
"فالزاجرات" الملئكمة فمي قول ابمن عباس وابمن مسمعود ومسمروق وغيرهمم على مما ذكرناه إمما
لنهمما تزجممر السممحاب وتسمموقه فممي قول السممدي .وإممما لنهمما تزجممر عممن المعاصممي بالمواعممظ
والنصممائح .وقال قتادة :هممي زواجممر القرآن" .فالتاليات ذكرا" الملئكممة تقرأ كتاب ال تعالى؛ قال
ابمن مسمعود وابمن عباس والحسمن ومجاهمد وابمن جمبير والسمدي .وقيمل :المراد جبريمل وحده فذكمر
بلفظ الجمع؛ لنه كبير الملئكة فل يخلو من جنود وأتباع .وقال قتادة :المراد كل من تل ذكر ال
تعالى وكتبمه .وقيمل :همي آيات القرآن وصمفها بالتلوة كمما قال تعالى" :إن هذا القرآن يقمص على
بنمي إسمرائيل" [النممل .]76 :ويجوز أن يقال ليات القرآن تاليات؛ لن بعمض الحروف يتبمع
بعضا؛ ذكره القشيري .وذكر الماوردي :أن المراد بالتاليات النبياء يتلون الذكر على أممهمم .فإن
قيمل :مما حكمم الفاء إذا جاءت عاطفمة فمي الصمفات؟ قيمل له :إمما أن تدل على ترتمب معانيهما فمي
الوجود؛ كقوله:
مابح فالغانم فاليب يا لهف زيابة للحارث الصم
كأنممه قال :الذي صممبح فغنممم فآب .وإممما على ترتبهمما فممي التفاوت مممن بعممض الوجوه كقولك :خممذ
الفضل فالكمل ،واعمل الحسن فالجمل .وإما على ترتب موصوفاتها في ذلك كقوله( :رحم ال
المحلقيممن فالمقصممرين) .فعلى هذه القوانيممن الثلثممة ينسمماق أمممر الفاء العاطفممة فممي الصممفات؛ قاله
الزمخشري" .إن إلهكمم لواحمد" جواب القسمم .قال مقاتمل :وذلك أن الكفار بمكمة قالوا أجعمل اللهمة
إلهمما واحدا ،وكيممف يسممع هذا الخلق فرد إله! فأقسممم ال بهؤلء تشريفمما .ونزلت اليممة .قال ابممن
النباري :وهمو وقمف حسمن ،ثمم تبتدئ "رب السمماوات والرض" على معنمى همو رب السمموات.
النحاس :ويجوز أن يكون "رب السممموات والرض" خممبرا بعممد خممبر ،ويجوز أن يكون بدل مممن
"واحد".
قلت :وعلى هذيمن الوجهيمن ل يوقمف على "لواحمد" .وحكمى الخفمش" :رب السمموات -ورب
المشارق" بالنصب على النعت لسم إن .بين سبحانه معنى وحدانيته وألوهيته وكمال قدرته بأنه
"رب السموات والرض" أي خالقهما ومالكهما "ورب المشارق" أي مالك مطالع الشمس .ابن
عباس :للشممس كمل يوم مشرق ومغرب؛ وذلك أن ال تعالى خلق للشممس ثلثمائة وخمسمة وسمتين
كوة في مطلعها ،ومثلها في مغربها على عدد أيام السنة الشمسية ،تطلع في كل يوم في كوة منها،
وتغيممب فممي كوة ،ل تطلع فممي تلك الكوة إل فممي ذلك اليوم مممن العام المقبممل .ول تطلع إل وهممي
كارهة فتقول :رب ل تطلعني على عبادك فإني أراهم يعصونك .ذكره أبو عمر في كتاب التمهيد،
وابمن النباري فمي كتاب الرد عمن عكرممة؛ قال :قلت لبمن عباس أرأيمت مما جاء عمن النمبي صملى
ال عليه وسلم في أمية بن أبي الصلت (آمن شعره وكفر قلبه) قال :هو حق فما أنكرتم من ذلك؟
قلت :أنكرنا قوله:
حمراء يصبح لونها يتورد والشمس تطلع كل آخر ليلة
إل معذبة وإل تجلد ليست بطالعة لهم في رسلها
ما بال الشمس تجلد؟ فقال :والذي نفسي بيده ما طلعت شمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك،
فيقولون لهما اطلعمي اطلعمي ،فتقول ل أطلع على قوم يعبدوننمي ممن دون ال ،فيأتيهما ملك فيسمتقل
لضياء بنمي آدم ،فيأتيهما شيطان يريمد أن يصمدها عمن الطلوع فتطمل بيمن قرنيمه فيحرقمه ال تعالى
تحتهما ،فذلك قول رسمول ال صملى ال عليه وسملم (ما طلعت إل بين قرني شيطان ول غربمت إل
بين قرني شيطان وما غربت قط إل خرت ل ساجدة فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن السجود
فتغرب بيمن قرنيمه فيحرقمه ال تعالى تحتهما) لفمظ ابمن النباري .وذكمر عمن عكرممة عمن ابمن عباس
قال :صدّق رسول ال صلى ال عليه وسلم أمية بن أبي الصلت في هذا الشعر:
والنسر للخرى وليث مرصد زحل وثور تحت رجل يمينه
حمراء يصبح لونها يتورد والشمس تطلع كل آخر ليلة
إل معذبة وإل تجلد ليست بطالعة لهم في رسلها
قال عكرمة :فقلت لبن عباس :يا مولي أتجلد الشمس؟ فقال :إنما اضطره الروي إلى الجلد لكنها
تخاف العقاب .ودل بذكمر المطالع على المغارب؛ فلهذا لم يذكمر المغارب ،وهمو كقوله" :سمرابيل
تقيكم الحر" [النحل .]81 :وخص المشارق بالذكر؛ لن الشروق قبل الغروب .وقال في سورة
[الرحمن] "رب المشرقين ورب المغربين" [الرحمن ]17 :أراد بالمشرقين أقصى مطلع تطلع
منه الشمس في اليام الطوال ،وأقصر يوم في اليام القصار على ما تقدم في "يس" وال أعلم.
**3اليمة{ 6 :إنما زينما السمماء الدنيما بزينمة الكواكمب ،وحفظما ممن كمل شيطان مارد ،ل يسممعون
إلى المل العلى ويقذفون مممن كممل جانممب ،دحورا ولهممم عذاب واصممب ،إل مممن خطممف الخطفممة
فأتبعه شهاب ثاقب}
@قوله تعالى" :إنما زينما السمماء الدنيما بزينمة الكواكمب" قال قتادة :خلقمت النجوم ثلثما؛ رجومما
للشياطيممن ،ونورا يهتدى بهمما ،وزينممة لسممماء الدنيمما .وقرأ مسممروق والعمممش والنخعممي وعاصممم
وحمزة" :بزينمة" مخفوض منون "الكواكمب" خفمض على البدل ممن "زينمة" لنهما همي .وقرأ أبمو
بكمر كذلك إل أنمه نصمب "الكواكمب" بالمصمدر الذي همو زينمة .والمعنمى بأن زينما الكواكمب فيهما.
ويجوز أن يكون منصموبا بإضمار أعنمى؛ كأنمه قال :إنما زيناهما "بزينمة" أعنمي "الكواكمب" .وقيمل:
همي بدل ممن زينمة على الموضمع .ويجوز "بزينمة الكواكمب" بمعنمى أن زينتهما الكواكمب .أو بمعنمى
هممي الكواكممب .الباقون "بزينممة الكواكممب" على الضافممة .والمعنممى زينمما السممماء الدنيمما بتزييممن
الكواكمب؛ أي بحسمن الكواكمب .ويجوز أن يكون كقراءة ممن نون إل أنمه حذف التنويمن اسمتخفافا.
"وحفظا" مصدر أي حفظناها حفظا" .من كل شيطان مارد" لما أخبر أن الملئكة تنزل بالوحي
من السماء،بين أنه حرس السماء عن استراق السمع بعد أن زينها بالكواكب .والمارد :العاتي من
الجن والنس ،والعرب تسميه شيطانا.
@قوله تعالى" :ل يسمعون إلى المل العلى" قال أبو حاتم :أي لئل يسمعوا ثم حذف "أن" فرفع
الفعممل .المل العلى :أهممل السممماء الدنيمما فممما فوقهمما ،وسمممي الكممل منهممم أعلى بالضافممة إلى مل
الرض .الضميممر فممي "يسمممعون" للشياطيممن .وقرأ جمهور الناس "يسمممعون" بسممكون السممين
وتخفيمف الميمم .وقرأ حمزة وعاصمم فمي روايمة حفمص "ل يسممعون" بتشديمد السمين والميمم ممن
التسممميع .فينتفممي على القراءة الولى سممماعهم وإن كانوا يسممتمعون ،وهممو المعنممى الصممحيح،
ويعضده قوله تعالى" :إنهممم عممن السمممع لمعزولون" [الشعراء .]212 :وينتفممي على القراءة
الخيرة أن يقع منهم استماع أو سماع .قال مجاهد :كانوا يتسمعون ولكن ل يسمعون .وروي عن
ابممن عباس "ل يسمممعون إلى المل" قال :هممم ل يسمممعون ول يتسمممعون .وأصممل "يسمممعون"
يتسممعون فأدغممت التاء فمي السمين لقربهما منهما .واختارهما أبمو عبيمد؛ لن العرب ل تكاد تقول:
سمعت إليه وتقول تسمعت إليه" .ويقذفون من كل جانب" أي يرمون من كل جانب؛ أي بالشهب.
"دحورا" مصدر لن معنى "يقذفون" يدحرون .دحرته دحرا ودحورا أي طردته .وقرأ السلمي
ويعقوب الحضرمي "دحورا" بفتح الدال يكون مصدرا على فعول .وأما الفراء فإنه قدره على أنه
اسمم الفاعمل .أي ويقذفون بمما يدحرهمم أي بدحور ثمم حذف الباء؛ والكوفيون يسمتعملون هذا كثيمر
كما أنشدوا:
تمرون الديار ولم تعرجوا
واختلف همل كان هذا القذف قبمل المبعمث ،أو بعده لجمل المبعمث؛ على قوليمن .وجاءت الحاديمث
بذلك على ما يأتي من ذكرها في سورة [الجن] عن ابن عباس .وقد يمكن الجمع بينهما أن يقال:
إن الذين قالوا لم تكن الشياطين ترمى بالنجوم قبل مبعث النبي صلى ال عليه وسلم ثم رميت؛ أي
لم تكن ترمى رميا يقطعها عن السمع ،ولكنها كانت ترمى وقتا ول ترمى وقتا ،وترمى من جانب
ول ترممى ممن جانمب .ولعمل الشارة بقوله تعالى" :ويقذفون ممن كمل جانمب .دحورا ولهمم عذاب
واصممب" إلى هذا المعنممى ،وهممو أنهممم كانوا ل يقذفون إل مممن بعممض الجوانممب فصمماروا يرمون
واصمبا .وإنمما كانوا ممن قبمل كالمتجسمسة ممن النمس ،يبلغ الواحمد منهمم حاجتمه ول يبلغهما غيره،
ويَسلَم واحد ول يَسلَم غيره ،بل يقبض عليه ويعاقب وينكل .فلما بعث النبي صلى ال عليه وسلم
زيد في حفظ السماء ،وأعدت لهم شهب لم تكن من قبل؛ ليدحروا عن جميع جوانب السماء ،ول
يقروا في مقعد من المقاعد التي كانت لهم منها؛ فصاروا ل يقدرون على سماع شيء مما يجري
فيهما ،إل أن يختطمف أحمد منهمم بخفمة حركتمه خطفمة ،فيتبعمه شهاب ثاقمب قبمل أن ينزل إلى الرض
فيلقيهما إلى إخوانمه فيحرقمه؛ فبطلت ممن ذلك الكهانمة وحصملت الرسمالة والنبوة .فإن قيمل :إن هذا
القذف إن كان لجمل النبوة فلم دام بعمد النمبي صملى ال عليمه وسملم؟ فالجواب :أنمه دام بدوام النبوة،
فإن النبي صلى ال عليه وسلم أخبر ببطلن الكهانة فقال( :ليس منا من تكهن) فلو لم تحرس بعد
موته لعادت الجن إلى تسممعها؛ وعادت الكهانة .ول يجوز ذلك بعد أن بطل ،ولن قطع الحراسمة
عن السماء إذا وقع لجل النبوة فعادت الكهانة دخلت الشبهة على ضعفاء المسلمين ،ولم يؤمن أن
يظنوا أن الكهانمة إنمما عادت لتناهمي النبوة ،فصمح أن الحكممة تقضمي دوام الحراسمة فمي حياة النمبي
عليمه السملم ،وبعمد أن توفاه ال إلى كرامتمه صملى ال عليمه وعلى آله" .ولهمم عذاب واصمب" أي
دائم ،عمن مجاهمد وقتادة .وقال ابمن عباس :شديمد .الكلبمي والسمدي وأبمو صمالح :موجمع؛ أي الذي
يصل وجعه إلى القلب؛ مأخوذ من الوصب وهو المرض.
@قوله تعالى" :إل ممن خطمف الخطفمة" اسمتثناء ممن قوله" :ويقذفون ممن كمل جانمب" وقيمل:
السمتثناء يرجمع إلى غيمر الوحمي؛ لقوله تعالى" :إنهمم عمن السممع لمعزولون" [الشعراء]212 :
فيسمترق الواحمد منهمم شيئا ممما يتفاوض فيمه الملئكمة ،ممما سميكون فمي العالم قبمل أن يعلممه أهمل
الرض؛ وهذا لخفممة أجسمممام الشياطيمممن فيرجمون بالشهممب حينئذ .وروي فمممي هذا الباب أحادث
صمحاح ،مضمنهما :أن الشياطيمن كانمت تصمعد إلى السمماء ،فتقعمد للسممع واحدا فوق واحمد ،فيتقدم
الجسر نحو السماء ثم الذي يليه ثم الذي يليه ،فيقضي ال تعالى المر من أمر الرض ،فيتحدث
به أهل السماء فيسمعه منهم الشيطان الدنى ،فيلقيه إلى الذي تحته فربما أحرقه شهاب ،وقد ألقى
الكلم ،وربممما لم يحرقممه على ممما بيناه .فتنزل تلك الكلمممة إلى الكهان ،فيكذبون معهمما مائة كذبممة،
وتصممدق تلك الكلمممة فيصممدق الجاهلون الجميممع كممما بيناه فممي "النعام" .فلممما جاء ال بالسمملم
حرست السماء بشدة ،فل يفلت شيطان سمع َبتّة .والكواكب الراجمة هي التي يراها الناس تنقض.
قال النقاش ومكي :وليست بالكواكب الجارية في السماء؛ لن تلك ل ترى حركتها ،وهذه الراجمة
ترى حركتهما؛ لنهما قريبمة منما .وقمد مضمى فمي هذا الباب فمي سمورة [الحجمر] ممن البيان مما فيمه
كفايمة .وذكرنما فمي "سمبأ" حديمث أبمي هريرة .وفيمه (والشياطيمن بعضهمم فوق بعمض) وقال فيمه
الترمذي حديث حسن صحيح .وفيه عن ابن عباس( :ويختطف الشياطين السمع فيرمون فيقذفونه
إلى أوليائهمم فمما جاؤوا بمه على وجهه فهمو حمق ولكنهمم يحرفونمه ويزيدون) .قال هذا حديمث حسمن
خطّف .والصل خطّف و ِ خطّف و ِ خطِف و َ خطَ فَ و َ
صحيح .والخطف :أخذ الشيء بسرعة؛ يقالَ :
فمي المشددات اختطمف فأدغمم التاء فمي الطاء لنهما أختهما ،وفتحمت الخاء؛ لن حركمة التاء ألقيمت
عليها .ومن كسرها فللتقاء الساكنين .ومن كسر الطاء أتبع الكسر الكسر.
@قوله تعالى" :فأتبعه شهاب ثاقب" أي مضيء؛ قاله الضحاك والحسن وغيرهما .وقيل :المراد
كواكب النار تتبعهم حتى تسقطهم في البحر .وقال ابن عباس في الشهب :تحرقهم من غير موت.
وليست الشهب التي يرجم الناس بها من الكواكب الثوابت .يدل على ذلك رؤية حركاتها ،والثابتة
تجري ول ترى حركاتهما لبعدهما .وقمد مضمى هذا .وجممع شهاب شهمب ،والقياس فمي القليمل أشهبمة
وإن لم يُسمع من العرب و"ثاقب" معناه مضيء؛ قاله الحسن ومجاهد وأبو مجلز .ومته قوله:
وزندك أثقب أزنادها
شهُبٌم ثُقُبٌم وثواقمب وثقاب .وحكمى الكسمائي :ثقبمت النار أي أضوأ .وحكمى الخفمش فمي الجممعُ :
تثقب ثقابةً وثقوبا إذا اتقدت ،وأثقبتها أنا .وقال زيد بن أسلم في الثاقب :إنه المستوقد؛ من قولهم:
أثقب زندك أي استوقد نارك؛ قال الخفش .وأنشد قول الشاعر:
ضرب الدهر سناه فخمد بينما المرء شهاب ثاقب
**3اليمة{ 11 :فاسمتفتهم أهمم أشمد خلقما أم ممن خلقنما إنما خلقناهمم ممن طيمن لزب ،بمل عجبمت
ويسمخرون ،وإذا ذكروا ل يذكرون ،وإذا رأوا آيمة يسمتسخرون ،وقالوا إن هذا إل سمحر ممبين ،أئذا
متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ،أو آباؤنا الولون}
@قوله تعالى" :فاستفتهم" أي سلهم يعني أهل مكة؛ مأخوذ من استفتاء المفتي" .أهم أشد خلقا أم
ممن خلقنما" قال مجاهمد :أي ممن خلقنما ممن السمموات والرض والجبال والبحار .وقيمل :يدخمل فيمه
الملئكة ومن سلف من المم الماضية .يدل على ذلك أنه أخبر عنهم "بمن" قال سعيد بن جبير:
الملئكة .وقال غيره" :من" المم الماضية وقد هلكوا وهم أشد خلقا منهم .نزلت في أبي الشد بن
كلدة ،وسمممى بأبممى الشممد لشدة بطشممه وقوتممه .وسمميأتي فممي "البلد" ذكره .ونظيممر هذه" :لخلق
السممموات والرض أكممبر مممن خلق الناس" غافممر ]57 :وقوله" :أأنتممم أشممد خلقمما أم السممماء"
[النازعات" .]27 :إنما خلقناهمم ممن طيمن لزب" أي لصمق؛ قال ابمن عباس .ومنمه قول علي
رضي ال عنه:
وأخلق خير كلها لك لزب تعلم فإن ال زادك بسطة
وقال قتادة وابمممن زيمممد :معنمممى "لزب" لزق .الماوردي :والفرق بيمممن اللصمممق واللزق أن
اللصمق :همو الذي قمد لصمق بعضمه ببعمض ،واللزق :همو الذي يلتزق بمما أصمابه .وقال عكرممة:
"لزب" لزج .سمعيد بمن جمبير :أي جيمد حمر يلصمق باليمد .مجاهمد" :لزب" لزم .والعرب تقول:
طيممن لزب ولزم ،تبدل الباء مممن الميممم .ومثله قولهممم :ل تممب ولزم .على إبدال الباء بالميممم.
واللزب الثابت؛ تقول :صار الشيء ضربة لزب ،وهو أفصح من لزم .قال النابغة:
ول تحسبون الشر ضربة لزب ول تحسبون الخير ل شر بعده
وحكمى الفراء عمن العرب :طيمن لتمب بمعنمى لزم .واللتمب الثابمت؛ تقول منمه :لتمب يلتمب لتبما
ولتوبا ،مثل لزب يزب بالضم لزوبا؛ وأنشد أبو الجراح في اللتب:
فإني من شرب النبيذ لتائب فإن يك هذا من نبيذ شربته
وغم مع الشراق في الجوف لتب صداع وتوصيم العظام وفترة
واللتمب أيضما :اللصمق مثمل اللزب ،عمن الصممعي حكاه الجوهري .وقال السمدي والكلبمي فمي
اللزب :إنه الخالص .مجاهد والضحاك :إنه المنتن.
@قوله تعالى" :بل عجبت" قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم بفتح التاء خطابا للنبي صلى
ال عليمه وسملم؛ أي بمل عجبمت ممما نزل عليمك ممن القرآن وهمم يسمخرون بمه .وهمي قراءة شريمح
وأنكمر قراءة الضمم وقال :إن ال ل يعجمب ممن شيمء ،وإنمما يعجمب ممن ل يعلم .وقيمل :المعنمى بمل
عجبمت ممن إنكارهمم للبعمث .وقرأ الكوفيون إل عاصمما بضمم التاء .واختارهما أبمو عبيمد والفراء،
وهي مروية عن علي وابن مسعود؛ رواه شعبة عن العمش عن أبي وائل عن عبدال بن مسعود
أنه قرأ" :بل عجبت" بضم التاء .ويروى عن ابن عباس .قال الفراء في قوله سبحانه" :بل عجبت
ويسمخرون" قرأهما الناس بنصمب التاء ورفعهما ،والرفمع أحمب إلي؛ لنهما عمن علي وعبدال وابمن
عباس .وقال أبمو زكريما القراء :العجمب إن أسمند إلى ال عمز وجمل فليمس معناه ممن ال كمعناه ممن
العباد؛ وكذلك قوله" :ال يسمتهزئ بهمم" [البقرة ]15 :ليمس ذلك ممن ال كمعناه ممن العباد .وفمي
هذا بيان الكسر لقول شريح حيث أنكر القراءة بها .روى جرير والعمش عن أبي وائل شقيق بن
سلمة قال :قرأها عبدال يعني ابن مسعود "بل عجبتُ ويسخرون" قال شريح :إن ال ل يعجب من
شيء إنما يعجب من ل يعلم .قال العمش فذكرته لبراهيم فقال :إن شريحا كان يعجبه رأيه ،إن
عبدال كان أعلم ممن شريمح وكان يقرؤهما عبدال "بمل عجبتمُ" .قال الهروي :وقال بعمض الئممة:
معنمى قوله" :بمل عجبمت" بمل جازيتهمم على عجبهمم؛ لن ال تعالى أخمبر عنهمم فمي غيمر موضمع
بالتعجممب مممن الحممق؛ فقال" :وعجبوا أن جاءهممم منذر منهممم" [ص ]4 :وقال" :إن هذا لشيممء
عجاب"" ،أكان للناس عجبا أن أوحينما إلى رجل منهم" [يونس ]2:فقال تعالى" :بل عجبت" بل
جازيتهم على التعجب.
قلت :وهذا تمام معنممى قول الفراء واختاره البيهقممي .وقال علي بممن سممليمان :معنممى القراءتيممن
واحد ،التقدير :قيل يا محمد بل عجبت؛ لن النبي صلى ال عليه وسلم مخاطب بالقرآن .النحاس:
وهذا قول حسممن وإضمار القول كثيممر .البيهقممي :والول أصممح .المهدوي :ويجوز أن يكون إخبار
ال عمن نفسمه بالعجمب محمول على أنمه أظهمر ممن أمره وسمخطه على ممن كفمر بمه مما يقوم مقام
العجب من المخلوقين؛ كما يحمل إخباره تعالى عن نفسه بالضحك لمن يرضى عنه -على ما جاء
فمي الخمبر عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم -على أنمه أظهمر له ممن رضاه عنمه مما يقوم له مقام
الضحممك مممن المخلوقيممن مجازا واتسمماعا .قال الهروي :ويقال معنممى (عجممب ربكممم) أي رضممي
وأثاب؛ فسمماه عجبا وليس بعجب فمي الحقيقة؛ كمما فال تعالى" :ويمكمر ال" [النفال ]30 :معناه
ويجازيهم ال على مكرهم ،ومثله في الحديث (عجب ربكم من إلّكم وقنوطكم) .وقد يكون العجب
بمعنممى وقوع ذلك العممل عنمد ال عظيمما .فيكون معنممى قوله" :بمل عجبمت" أي بمل عظمم فعلهمم
عندي .قال البيهقي :ويشبه أن يكون هذا معنى حديث عقبة بن عامر قال :سمعت رسول ال صلى
ال عليمه وسملم يقول( :عجمب ربمك ممن شاب ليسمت له صمبوة) وكذلك مما خرجمه البخاري عمن أبمي
هريرة عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم قال( :عجمب ال ممن قوم يدخلون الجنمة فمي السملسل) قال
البيهقمي :وقمد يكون هذا الحديمث ومما ورد ممن أمثاله أنمه يعجمب ملئكتمه ممن كرممه ورأفتمه بعباده،
حين حملهم على اليمان به بالقتال والسر في السلسل ،حتى إذا آمنوا أدخلهم الجنة .وقيل :معنى
"بمل عجبمت" بمل أنكرت .حكاه النقاش .وقال الحسمين بمن الفضمل :التعجمب ممن ال إنكار الشيمء
وتعظيمه ،وهو لغة العرب .وقد جاء في الخبر (عجب ربكم من إلّكم وقنوطكم).
@قوله تعالى" :ويسخرون" قيل :الواو واو الحال؛ أي عجبت منهم في حال سخريتهم .وقيل :تم
الكلم عنمد فوله" :بمل عجبمت" ثمم اسمتأنف فقال" :ويسمخرون" أي ممما جئت بمه إذا تلوتمه عليهمم.
وقيمل :يسمخرون منمك إذا دعوتهمم" .وإذا ذكروا" أي وعظوا بالقرآن فمي قول قتادة" :ل يذكرون"
ل ينتفعون به .وقال سعيد بن جبير :أي إذا ذكر لهم ما حل بالمكذبين من قبلهم أعرضوا عنه ولم
يتدبروا" .وإذا رأوا آيممة" أي معجزة "يسممتسخرون" أي يسممخرون فممي قوله قتادة .ويقولون إنهمما
ى مثمل اسمتقر وقمر ،واسمتعجب ،وعجمب .وقيمل" :يسمتسخرون" أي سمحر .واسمتسخر وسمخر بمعن ً
يستدعون السخري من غيرهم .وقال مجاهد :يستهزئون .وقيل :أي يظنون أن تلك الية سخرية.
"وقالوا إن هذا إل سحر مبين" أي إذا عجزوا عن مقابلة المعجزات بشيء قالوا هذا سحر وتخييل
وخداع" .أئذا متنا" أي انبعث إذا متنا؟ .فهو استفهام إنكار منهم وسخرية" .أو آباؤنا الولون" أي
أو تبعث آباؤنا دخلت ألف الستفهام على حرف العطف .قرأ نافع" :أو آباؤنا" بسكون الواو .وقد
مضى هذا في سورة "العراف" .في قوله تعالى" :أو أمن أهل القرى" [العراف.]98 :
**3الية{ 18 :قل نعم وأنتم داخرون ،فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون ،وقالوا يا ويلنا
هذا يوم الدين ،هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون}
@قوله تعالى" :قمل نعمم" أي نعمم تبعثون" .وأنتمم داخرون" أي صماغرون أذلء؛ لنهمم إذا رأوا
وقوع ممما أنكروه فل محالة يذلون .وقيممل :أي سممتقوم القيامممة وإن كرهتممم ،فهذا أمممر واقممع على
رغمكممم وإن أنكرتموه اليوم بزعمكممم" .فإنممما هممي زجرة واحدة" أي صمميحة واحدة ،قاله الحسممن
وهمي النفخمة الثانيمة .وسمميت الصميحة زجرة؛ لن مقصمودها الزجمر أي يزجمر بهما كزجمر البمل
والخيل عند السوق" .فإذا هم" قيام
@قوله تعالى" :ينظرون" أي ينظمر بعضهمم إلى بعمض .وقيمل :المعنمى ينتظرون مما يفعمل بهمم.
وقيل :هي مثل قوله" :فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا" [النبياء .]97 :وقيل :أي ينظرون
إلى البعث الذي أنكروه.
@قوله تعالى" :وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين" نادوا على أنفسهم بالويل؛ لنهم يومئذ يعلمون ما
حل بهمم .وهو منصوب على أنه مصدر عند البصمريين .وزعم الفراء أن تقديره :ياوي لنا ،ووي
بمعنمى حزن .النحاس :ولو كان كمما قال لكان منفصمل وهمو فمي المصمحف متصمل ،ول نعلم أحدا
يكتبمه إل متصمل .و"يوم الديمن" يوم الحسماب .وقيمل :يوم الجزاء" .هذا يوم الفصمل الذي كنتمم بمه
تكذبون" قيمل :همو ممن قول بعضهمم لبعمض؛ أي هذا اليوم الذي كذبنما بمه .وقيمل :همو قول ال تعالى
لهم .وقيل :من قول الملئكة؛ أي هذا يوم الحكم بين الناس فيبين المحق من المبطل .فم "فريق في
الجنة وفريق في السعير" [الشورى.]7 :
**3اليمة{ 22 :احشروا الذيمن ظلموا وأزواجهمم ومما كانوا يعبدون ،ممن دون ال فاهدوهمم إلى
صمراط الجحيمم ،وقفوهمم إنهمم مسمؤولون ،مما لكمم ل تناصمرون ،بمل همم اليوم مسمتسلمون ،وأقبمل
بعضهم على بعض يتساءلون ،قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ،قالوا بل لم تكونوا مؤمنين ،وما
كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين ،فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون ،فأغويناكم إنا كنا
غاوين ،فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون ،إنا كذلك نفعل بالمجرمين ،إنهم كانوا إذا قيل لهم ل إله
إل ال يستكبرون}
@قوله تعالى" :احشروا الذيمن ظلموا وأزواجهمم" همو ممن قول ال تعالى للملئكمة" :احشروا"
المشركيمن "وأزواجهمم" أي أشياعهمم فمي الشرك ،والشرك الظلم؛ قال ال تعالى" :إن الشرك لظلم
عظيم" [لقمان ]13 :فيحشر الكافر مع الكافر؛ قاله قتادة وأبو العالية .وقال عمر بن الخطاب في
قول ال عز وجل" :احشروا الذين ظلموا وأزواجهم" قال :الزاني مع الزاني ،وشارب الخمر مع
شارب الخمر ،وصاحب السرقة مع صاحب السرقة .وقال ابن عباس" :وأزواجهم" أي أشباههم.
وهذا يرجممع إلى قول عمممر .وقيممل" :وأزواجهممم" نسمماؤهم الموافقات على الكفممر؛ قاله مجاهممد
والحسمن ،ورواه النعمان بمن بشيمر عمن عممر بمن الخطاب .وقال الضحاك" :وأزواجهمم" قرناءهمم
من الشياطين .وهذا قول مقاتل أيضا :يحشر كل كافر مع شيطانه في سلسلة" .وما كانوا يعبدون
ممن دون ال" ممن الصمنام والشياطيمن وإبليمس" .فاهدوهمم إلى صمراط الجحيمم" أي سموقوهم إلى
النار .وقيمل" :فأهدوهمم" أي دلوهمم .يقال :هديتمه إلى الطريمق ،وهديتمه الطريمق؛ أي دللتمه عليمه.
وأهديت الهدية وهديت العروس ،ويقال أهديتها؛ أي جعلتها بمنزلة الهدية.
@قوله تعالى" :وقفوهمم" وحكمى عيسمى بمن عممر "أنهمم" بفتمح الهمزة .قال الكسمائي :أي لنهمم
وبأنهمم ،يقال :وقفمت الدابمة أقفهما وقفما فوقفمت همي وقوفما ،يتعدى ول يتعدى؛ أي احسمبوهم .وهذا
يكون قبل السوق إلى الجحيم؛ وفيه تقديم وتأخير ،أي قفوهم للحساب ثم سوقوهم إلى النار .وقيل:
يسمماقون إلى النار أول ثمم يحشرون للسمؤال إذا قربوا ممن النار" .إنهممم مسممؤولون" عمن أعمالهممم
وأقوالهمم وأفعالهمم؛ قال القرظمي والكلبمي .الضحاك :عمن خطاياهمم .ابمن عباس :عمن ل إله إل ال.
وعنه أيضا :عن ظلم الخلق .وفي هذا كله دليل على أن الكافر يحاسب .وقد مضى في "الحجمر"
الكلم فيه .وقيل :سؤالهم أن يقال لهم" :ألم يأتكم رسل منكم" [النعام ]130 :إقامة للحجة .ويقال
لهمم" :مما لكمم ل تناصمرون" على جهمة التقريمع والتوبيمخ؛ أي ينصمر بعضكمم بعضما فيمنعمه ممن
عذاب ال .وقيممل :همو إشارة إلى قول أبممي جهممل يوم بدر" :نحمن جميممع منتصممر" [القمممر.]44 :
وأصله تتناصرون فطرحت إحدى التاءين تخفيفا .وشدد البزي التاء في الوصل.
@قوله تعالى" :بمل همم اليوم مسمتسلمون" قال قتادة :مسمتسلمون فمي عذاب ال عمز وجمل .ابمن
عباس :خاضعون ذليلون .الحسممن :منقادون .الخفممش :ملقون بأيديهممم .والمعنممى متقارب" .وأقبممل
بعضهم على بعض" يعني الرؤساء والتباع "يتساءلون" يتخاصمون .ويقال ل يتساءلون فسقطت
ل .النحاس :وإنممما غلط الجاهممل باللغممة فتوهممم أن هذا مممن قوله" :فل أنسمماب بينهممم يومئذ ول
يتساءلون" [المؤمنون ]101 :إنما هو ل يتساءلون بالرحام ،فيقول أحدهم :أسألك بالرحم الذي
بيني وبينك لما نفعتني ،أو أسقطت لي حقا لك علي ،أو وهبت لي حسنة .وهذا بين؛ لن قبله "فل
أنسماب بينهمم" [المؤمنون .]101 :أي ليمس ينتفعون بالنسماب التمي بينهمم؛ كمما جاء فمي الحديمث:
(إن الرجل ليسر بأن يصبح له على أبيه أو على ابنه حق فيأخذه منه لنها الحسنات والسيئات)،
وفمي حديمث آخمر( :رحمم ال امرأ كان لخيه عنده مظلممة من مال أو عرض فأتاه فاسمتحله قبمل أن
يطالبه به فيأخذ من حسناته فإن لم تكن له حسنات زيد عليه من سيئات المطالب) .و"يتساءلون"
ها هنا إنما هو أن يسأل بعضهم بعضا ويوبخه في أنه أضله أو فتح بابا من المعصية؛ يبين ذلك
أن بعده "إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين" قال مجاهد :هو قول الكفار للشياطين .قتادة :هو قول النس
للجمن .وقيمل :همو ممن قول التباع للمتبوعيمن؛ دليله قوله تعالى" :ولو ترى إذ الظالمون موقوفون
عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول" [سبأ ]31 :الية .قال سعيد عن قتادة :أي تأتوننا عن
طريمق الخيمر وتصمدوننا عنهما .وعمن ابمن عباس نحمو منمه .وقيمل :تأتوننما عمن اليميمن التمي نحبهما
ونتفاءل بهما لتغرونما بذلك ممن جهمة النصمح .والعرب تتفاءل بمما جاء عمن اليميمن وتسمميه السمانح.
وقيمل" :تأتوننما عمن اليميمن" تأتوننما مجيمء ممن إذا حلف لنما صمدقناه .وقيمل :تأتوننما ممن قبمل الديمن
فتهونون علينا أمر الشريعة وتنفروننا عنها.
قلت :وهذا القول حسن جدا؛ لن من جهة الدين يكون الخير والشر ،واليمين بمعنى الدين؛ أي
كنتم تزينون لنا الضللة .وقيل :اليمين بمعنى القوة؛ أي تمنعوننا بقوة وغلبة وقهر؛ قال ال تعالى:
"فراغ عليهم ضربا باليمين" [الصافات ]93 :أي بالقوة وقوة الرجل في يمينه؛ وقال الشاعر:
تلقاها عرابة باليمين إذا ما راية رفعت لمجد
أي بالقوة والقدرة .وهذا قول ابمن عباس .وقال مجاهمد" :تأتوننما عن اليميمن" أي من قبمل الحمق أنه
معكممم؛ وكله متقارب المعنممى" .قالوا بممل لم تكونوا مؤمنيممن" قال قتادة :هذا قول الشياطيممن لهممم.
وقيل :من قول الرؤساء؛ أي لم تكونوا مؤمنين قط حتى ننقلكم منه إلى الكفر ،بل كنتم على الكفر
فأقمتم عليه لللف والعادة" .وما كان لنا عليكم من سلطان" أي من حجة في ترك الحق "بل كنتم
قومما طاغيمن" أي ضاليمن متجاوزيمن الحمد" .فحمق علينما قول ربنما" هو أيضما ممن قول المتبوعيمن؛
أي وجمب علينما وعليكمم قول ربنما ،فكلنما ذائقون العذاب ،كمما كتمب ال وأخمبر على ألسمنة الرسمل
"لملن جهنم من الجنة والناس أجمعين" [السجدة .]13 :وهذا موافق للحديث( :إن ال جل وعز
كتب للنار أهل وللجنة أهل ل يزاد فيهم ول ينقص منهم)" .فأغويناكم" أي زينا لكم ما كنتم عليه
ممن الكفمر "إنما كنما غاويمن" بالوسموسة والسمتدعاء .ثمم قال مخمبرا عنهمم" :فإنهمم يومئذ فمي العذاب
مشتركون" الضال والمضمل" .إنما كذلك" أي مثمل هذا الفعمل "نفعمل بالمجرميمن" أي المشركيمن.
"إنهممم كانوا إذا قيممل لهممم ل إله إل ال يسممتكبرون" أي إذا قيممل لهممم قولوا فأضمممر القول.
و"يسمتكبرون" فمي موضمع نصمب على خمبر كان .ويجوز أن يكون فمي موضمع رفمع على أنمه خمبر
إن ،وكان ملغاة .ولما قال النبي صلى ال عليه وسلم لبي طالب عند موته واجتماع قريش (قولوا
ل إله إل ال تملكوا بهما العرب وتديمن لكمم بهما العجمم) أبوا وأنفوا ممن ذلك .وقال أبمو هريرة عمن
النمبي صملى ال عليمه وسملم قال( :أنزل ال تعالى فمي كتابمه فذكمر قومما اسمتكبروا فقال" :إنهمم كانوا
إذا قيمل لهمم ل إله إل ال يسمتكبرون") وقال تعالى" :إذ جعمل الذيمن كفروا فمي قلوبهمم الحميمة حميمة
الجاهليمة فأنزل ال سمكينته على رسموله وعلى المؤمنيمن وألزمهمم كلممة التقوى وكانوا احمق بهما
وأهلها" [الفتح ]26 :وهي (ل إله إل ال محمد رسول ال) استكبر عنها المشركون يوم الحديبية
يوم كاتبهم رسمول ال صلى ال عليه وسملم على قضيمة المدة؛ ذكر هذا الخمبر البيهقمي ،والذي قبله
القشيري.
**3اليمة{ 40 - 36 :ويقولون أئنما لتاركوا آلهتنما لشاعمر مجنون ،بمل جاء بالحمق وصمدق
المرسلين ،إنكم لذائقوا العذاب الليم ،وما تجزون إل ما كنتم تعملون ،إل عباد ال المخلصين}
@قوله تعالى" :ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون" أي لقول شاعر مجنون؛ فرد ال جل
وعز عليهم فقال" :بل جاء بالحق" يعني القرآن والتوحيد "وصدق المرسلين" فيما جاؤوا به من
التوحيمد" .إنكمم لذائقوا العذاب الليمم" الصمل لذائقون فحذفمت النون اسمتخفافا وخفضمت للضافمة.
ويجوز النصب كما أنشد سيبويه:
ول ذاكر ال إل قليل فألفيته غير مستعتب
وأجاز سميبويه "والمقيممي الصملة" على هذا" .ومما تجزون إل مما كنتمم تعملون" أي إل بمما عملتمم
مممن الشرك "إل عباد ال المخلصممين" اسممتثناء ممممن يذوق العذاب .وقراءة أهممل المدينممة والكوفممة
"المخلصين" بفتح اللم؛ يعني الذين أخلصهم ال لطاعته ودينه ووليته .الباقون بكسر اللم؛ أي
الذيمن أخلصموا ل العبادة .وقيمل :همو اسمتثناء منقطمع ،أي إنكمم أيهما المجرمون ذائقمو العذاب لكمن
عباد ال المخلصين ل يذوقون العذاب.
**3اليمة{ 41 :أولئك لهمم رزق معلوم ،فواكمه وهمم مكرمون ،فمي جنات النعيمم ،على سمرر
متقابليمن ،يطاف عليهمم بكأس ممن معيمن ،بيضاء لذة للشاربيمن ،ل فيهما غول ول همم عنهما ينزفون،
وعندهم قاصرات الطرف عين ،كأنهن بيض مكنون}
@قوله تعالى" :أولئك لهمم رزق معلوم" يعنمي المخلصمين؛ أي لهمم عطيمة معلوممة ل تنقطمع .قال
قتادة :يعنمي الجنمة .وقال غيره :يعنمي رزق الجنمة .وقيمل :همي الفواكمه التمي ذكمر قال مقاتمل :حيمن
يشتهونمه .وقال ابمن السمائب :إنمه بمقدار الغداة والعشمي؛ قال ال تعالى" :ولهمم رزقهمم فيهما بكرة
وعشيما" [مريمم" .]62 :فواكمه" جممع فاكهمة؛ قال ال تعالى" :وأمددناهمم بفاكهمة" [الطور]22 :
وهمي الثمار كلهما رطبهما ويابسمها؛ قاله ابمن عباس" .وهمم مكرمون" أي ولهمم إكرام ممن ال جمل
وعمز برفمع الدرجات وسمماع كلممه ولقائه" .فمي جنات النعيمم" أي فمي بسماتين يتنعمون فيهما .وقمد
تقدم أن الجنان سبع في سورة "يونس" منها النعيم.
@قوله تعالى" :على سرر متقابلين" قال عكرمة ومجاهد :ل ينظر بعضهم في قفا بعض تواصل
وتحاببا .وقيل :السرة تدور كيف شاؤوا فل يرى أحد قفا أحد .وقال ابن عباس :على سرر مكللة
بالدر والياقوت والزبرجد؛ السرير ما بين صنعاء إلى الجابية ،وما بين عدن إلى أيلة .وقيل :تدور
بأهل المنزل الواحد .وال أعلم" .يطاف عليهم بكأس من معين" لما ذكر مطاعمهم ذكر شرابهم.
والكأس عنمد أهمل اللغمة اسمم شاممل لكمل إناء ممع شرابمه؛ فإن كان فارغما فليمس بكأس .قال الضحاك
والسمدي :كمل كأس فمي القرآن فهمي الخممر ،والعرب تقول للناء إذا كان فيمه خممر كأس ،فإذا لم
يكمن فيمه خممر قالوا إناء وقدح .النحاس :وحكمى ممن يوثمق بمه ممن أهمل اللغمة أن العرب تقول للقدح
إذا كان فيممه خمممر :كأس؛ فإذا لم يكممن فيممه خمممر فهممو قدح؛ كممما يقال للخوان إذا كان عليممه طعام:
مائدة؛ فإذا لم يكمن عليمه طعام لم تقمل له مائدة .قال أبمو الحسمن بمن كيسمان :ومنمه ظعينمة للهودج إذا
كان فيه المرأة .وقال الزجاج" :بكأس من معين" أي من خمر تجري كما تجري العيون على وجه
الرض .والمعين :الماء الجاري الظاهر" .بيضاء" صفة للكأس .وقيل :للخمر .قال الحسن :خمر
الجنمة أشمد بياضما ممن اللبمن .وقيمل" :بيضاء" أي لم يعتصمرها الرجال بأقدامهمم" .لذة للشاربيمن"
"لذة" قال الزجاج :أي ذات لذة فحذف المضاف .وقيل :هو مصدر جعل اسما أي بيضاء لذيذة؛
يقال شراب لذ ولذيذ ،مثل نبات غض وغضيض .فأما قول القائل:
بأرض العدا من خشية الحدثان ولذ كطعم الصرخدي تركته
فانمه يريمد النوم" .ل فيهما غول" أي ل تغتال عقولهمم ،ول يصميبهم منهما مرض ول صمداع" .ول
همم عنهما ينزفون" أي ل تذهمب عقولهمم بشربهما؛ يقال :الخممر غول للحلم ،والحرب غول للنفوس؛
أي تذهب بها .وقال :نزف الرجل ينزف فهو منزوف ونزيف إذا سكر .قال امرؤ القيس:
مف يصرعه بالكثيب البهر وإذا هي تمشي كمشي النزيم
وقال أيضا:
تراشي الفؤاد الرخص أل تخرا نزيف إذا قام لوجه تمايلت
وقال آخر:
شرب النزيف ببرد ماء الحشرج فلثمت فاها آخذا بقرونها
وقرأ حمزة والكسممائي بكسممر الزاي؛ مممن أنزف القوم إذا حان منهممم النزف وهممو السممكر .يقال:
أحصممد الزرع إذا حان حصمماده ،وأقطممف الكرم إذا حان قطافممه ،وأركممب المهممر إذا حان ركوبممه.
وقيل :المعنى ل ينفدون شرابهم؛ لنه دأبهم؛ يقال :أنزف الرجل فهو منزوف إذا فنيت خمره .قال
الحطيئة:
لبئس الندامى كنتم آل أبجرا لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم
النحاس :والقراءة الولى أبين وأصح في المعنى؛ لن معنى "ينزفون" عند جلة أهل التفسير منهم
مجاهمد ل تذهمب عقولهمم؛ فنفمى ال عمز وجمل عمن خممر الجنمة الفات التمي تلحمق فمي الدنيما ممن
خمرهمما مممن الصممداع والسممكر .ومعنممى "ينزفون" الصممحيح فيممه أنممه يقال :أنزف الرجممل إذا نفممد
شرابمه ،وهمو يبعمد أن يوصمف بمه شراب الجنمة؛ ولكمن مجازه أن يكون بمعنمى ل ينفمد أبدا .وقيمل:
"ل ينزفون" بكسر الزاي ل يسكرون؛ ذكره الزجاج وأبو علي على ما ذكره القشيري .المهدوي:
ول يكون معناه يسممكرون؛ لن قبله "ل فيهمما غول" .أي ل تغتال عقولهممم فيكون تكرارا؛ ويسمموغ
ذلك فممي "الواقعمة" .ويجوز أن يكون معنممى "ل فيهمما غول" ل يمرضون؛ فيكون معنممى "ول همم
عنهما ينزفون" ل يسمكرون أو ل ينفمد شرابهمم .قال قتادة الغول وجمع البطمن .وكذا روى ابمن أبمي
نجيح عن مجاهد "ل فيها غول" قال ل فيها وجع بطن .الحسن :صداع .وهو قول ابن عباس" :ل
فيها غول" ل فيها صداع .وحكى الضحاك عنه أنه قال :في الخمر أربع خصال :السكر والصداع
والقيء والبول؛ فذكر ال خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال .مجاهد :داء .ابن كيسان :مغص.
وهذه القوال متقاربممة .وقال الكلبممي" :ل فيهمما غول" أي إثممم؛ نظيره" :ل لغممو فيهمما ول تأثيممم"
[الطور .]23 :وقال الشعبي والسدي وأبو عبيدة :ل تغتال عقولهم فتذهب بها .ومنه قول الشاعر:
وتذهب بالول الول وما زالت الكأس تغتالنا
أي تصمرع واحدا واحدا .وإنمما صمرف ال تعالى السمكر عمن أهمل الجنمة لئل ينقطمع اللتذاذ عنهمم
بنعيمهمم .وقال أهمل المعانمي :الغول فسماد يلحمق فمي خفاء .يقال :اغتاله اغتيال إذا أفسمد عليمه أمره
في خفية .ومنه الغول والغيلة :وهو القتل خفية.
@قوله تعالى" :وعندهمم قاصمرات الطرف" أي نسماء قمد قصمرن طرفهمن على أزواجهمن فل
ينظرن إلى غيرهممم؛ قاله ابممن عباس ومجاهممد ومحمممد بممن كعممب وغيرهممم .عكرمممة" :قاصممرات
الطرف" أي محبوسات على أزواجهن .والتفسير الول أبين؛ لنه ليس في الية مقصورات ولكن
في موضع آخر "مقصورات" يأتي بيانه .و"قاصرات" مأخوذ من قولهم :قد اقتصر على كذا إذا
اقتنع به وعدل عن غيره؛ قال امرؤ القيس:
من الذر فوق التب منها لثرا من القاصرات الطرف لو دب محول
ويروى :فوق الخد .والول أبلغ .والتب القميص ،والمحول الصغير من الذر .وقال مجاهد أيضا:
معناه ل يغرن" .عيمن" عظام العيون الواحدة عيناء؛ وقال السمدي .مجاهمد" :عيمن" حسمان العيون.
الحسن :الشديدات بياض العين ،الشديدات سوادها .والول أشهر في اللغة .يقال :رجل أعين واسع
العين بيّن العين ،والجمع عين .وأصله فعل بالضم فكسرت العين؛ لئل تنقلب الواو ياء .ومنه قيل
لبقمر الوحمش عيمن ،والثور أعيمن ،والبقرة عيناء" .كأنهمن بيمض مكنون" أي مصمون .قال الحسمن
وابن زيد :شبهن ببيض النعام ،تكنها النعامة بالريش من الريح والغبار ،فلونها أبيض في صفرة
وهمو حسمن ألوان النسماء .وقال ابمن عباس وابمن جمبير والسمدي :شبهمن ببطمن البيمض قبمل أن يقشمر
وتمسمه اليدي .وقال عطاء :شبهمن بالسمحاء الذي يكون بيمن القشرة العليما ولباب البيمض .وسمحاة
كل شيء :قشره والجمع سحا؛ قاله الجوهري .ونحوه قول الطبري ،قال :هو القشر الرقيق ،الذي
على البيضة بين ذلك .وروي نحوه عن النبي صلى ال عليه وسلم .والعرب تشبه المرأة بالبيضة
لصفائها وبياضها؛ قال امرؤ القيس:
تمتعت من لهو بها غير معجل وبيضة خدر ل يرام خباؤها
وتقول العرب إذا وصمفت الشيمء بالحسمن والنظافمة :كأنمه بيمض النعام المغطمى بالريمش .وقيمل:
المكنون المصممون عممن الكسممر؛ أي إنهممن عذارى .وقيممل :المراد بالبيممض اللؤلؤ؛ كقوله تعالى:
"وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون" [الواقعة ]23 :أي في أصدافه؛ قاله ابن عباس أيضا .ومنه
قول الشاعر:
مواص ميزت من جوهر مكنون وهي بيضاء مثل لؤلؤة الغم
وإنما ذكر المكنون والبيض جمع؛ لنه رد النعت إلى اللفظ.
**3الية{ 61 - 50 :فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ،قال قائل منهم إني كان لي قرين،
يقول أئنك لمن المصدقين ،أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون ،قال هل أنتم مطلعون ،فاطلع
فرآه فمي سمواء الجحيمم ،قال تال إن كدت لترديمن ،ولول نعممة ربمي لكنمت ممن المحضريمن ،أفمما
نحمن بميتيمن ،إل موتتنما الولى ومما نحمن بمعذبيمن ،إن هذا لهمو الفوز العظيمم ،لمثمل هذا فليعممل
العاملون}
@قوله تعالى" :فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون" أي يتفاوضون فيما بينهم أحاديثهم في الدنيا.
وهممو مممن تمام النممس فممي الجنممة .وهممو معطوف على معنممى "يطاف عليهممم" المعنممى يشربون
فيتحادثون على الشراب كعادة الشراب .قال بعضهم:
أحاديث الكرام على المدام وما بقيت من اللذات إل
فيقبل بعضهم على بعض يتساءلون عما جرى لهم وعليهم في الدنيا؛ إل أنه جيء به ماضيا على
عادة ال تعالى فمي إخباره" .قال قائل منهمم" أي ممن أهمل الجنمة "إنمي كان لي قريمن" أي صمديق
ملزم "يقول أئنك لمن المصدقين" أي بالمبعث والجزاء .وقال سعيد بن جبير :قرينه شريكه .وقد
مضممى فممي "الكهممف" ذكرهممما وقصممتهما والختلف فممي اسممميهما مسممتوفى عنممد قوله تعالى:
"واضرب لهم مثل رجلين" [الكهف ]32 :وفيهما أنزل ال جل وعز" :قال قائل منهم إني كان
لي قربن" إلى "من المحضرين" وقيل :أراد بالقرين قرينه من الشيطان كان يوسوس إليه بإنكار
البعث .وقرئ" :أئنك لمن المصدقين" بتشديد الصاد .رواه علي بن كيسة عن سليم عن حمزة .قال
النحاس :ول يجوز "أئنمك لممن المصمَدقين" لنمه ل معنمى للصمدقة هما هنما .وقال القشيري :وفمي
قراءة عمن حمزة "أئنمك لممن المصمدقين" بتشديمد الصماد .واعترض عليمه بأن هذا ممن التصمديق ل
ممن التصمدق .والعتراض باطمل؛ لن القراءة إذا ثبتمت عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم فل مجال
للطعمن فيهما .فالمعنمى "أئنمك لممن المصمدقين" بالمال طلبما فمي ثواب الخرة" .أئذا متنما وكنما ترابما
وعظاما أئنا لمدينون" أي مجزيون محاسبون بعد الموت فم "قال" ال تعالى لهل الجنة" :هل أنتم
مطلعون" .وقيمل :همو ممن قول المؤممن لخوانمه فمي الجنمة همل أنتمم مطلعون إلى النار لننظمر كيمف
حال ذلك القرين .وقيل :هو من قول الملئكة .وليس "هل أنتم مطلعون" باستفهام ،إنما هو بمعنى
الممر ،أي اطلعوا؛ قاله ابمن العرابي وغيره .ومنه لما نزلت آية الخممر ،قام عمر قائمما بين يدي
النمبي صملى ال عليمه وسملم ،ثمم رفمع رأسمه إلى السمماء ،ثمم قال :يما رب بيانما أشفمى ممن هذا فمي
الخممر .فنزلت" :فهمل أنتمم منتهون" [المائدة ]91:قال :فنادى عممر انتهينما يما ربنما .وقرأ ابمن
عباس" :هل أنتم مطلعون" بإسكان الطاء خفيفة "فأُطْلِ عَ" بقطع اللف مخففة على معنى هل أنتمم
مقبلون ،فأقبمل .قال النحاس "فأطلع فرآه" فيمه قولن :أحدهمما أن يكون فعل مسمتقبل معناه فأطلع
أنما ،ويكون منصموبا على أنمه جواب السمتفهام .والقول الثانمي أن يكون فعل ماضيما ويكون اطلع
وأطلع واحدا .قال الزجاج :يقال طلع وأطلع واطلع بمعنمى واحمد .وقمد حكمى "همل أنتمم مطلعون"
بكسر النون وأنكره أبو حاتم وغيره .النحاس :وهو لحن ل يجوز؛ لنه جمع بين النون والضافة،
ولو كان مضافا لكان هل أنتم مطلعي ،وإن كان سيبويه والفراء قد حكيا مثله ،وأنشدا:
إذا ما خشوا من حدث المر معظما هم القائلون الخير والمرونه
وأنشد الفراء :والفاعلونه .وأنشد سيبويه وحده:
ولم يرتفق والناس محتضرونه
وهذا شاذ خارج عن كلم العرب ،وما كان مثل هذا لم يحتج به في كتاب ال عز وجل ،ول يدخل
فمي الفصميح .وقمد قيمل فمي توجيهمه :إنمه أجرى اسمم الفاعمل مجرى المضارع لقربمه منمه ،فجرى
"مطلعون" مجرى يطلعون .ذكره أبو الفتح عثمان بن جني وأنشد:
مرجل ويلبس البرودا أرأيت إن جئت به أملودا
أقائلن أحضروا الشهودا
فأجرى أقائلن مجرى أتقولن .وقال ابمن عباس في قوله تعالى" :همل أنتم مطلعون .فاطلع فرآه" إن
في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى النار وأهلها .وكذلك قال كعب فيما ذكر ابن المبارك ،قال :إن
بيممن الجنممة والنار كوى ،فإذا أراد المؤمممن أن ينظممر إلى عدو كان له فممي الدنيمما اطلع مممن بعممض
الكوى ،قال ال تعالى" :فاطلع فرآه فمي سمواء الجحيمم" أي فمي وسمط النار والحسمك حواليمه؛ قاله
ابمن مسمعود .ويقال :تعبمت حتمى انقطمع سموائي :أي وسمطي .وعمن أبمي عمبيدة :قال لي عيسمى بمن
عمر :كنت أكتب يا أبا عبيدة حتى ينقطع سوائي .وعن قتادة قال :قال بعض العلماء :لول أن ال
جمل وعمز عرفمه إياه لمما عرفمه ،لقمد تغيمر حمبره وسمبره .فعنمد ذلك يقول" :تال إن كدت لترديمن"
"إن" مخففمة ممن الثقيلة دخلت على كاد كمما تدخمل على كان .ونحوه "إن كاد ليضلنما" [الفرقان:
]42واللم همي الفارقمة بينهما وبيمن النافيمة" .ولول نعممة ربمي لكنمت ممن المحضريمن" فمي النار.
وقال الكسمائي" :لترديمن" أي لتهلكنمي ،والردى الهلك .وقال الممبرد :لو قيمل" :لترديمن" لتوقعنمي
في النار لكان جائزا "ولول نعمة ربي" أي عصمته وتوفيقه بالستمساك بعروة السلم والبراءة
مممن القريممن السمموء .وممما بعممد لول مرفوع بالبتداء عنممد سمميبويه والخممبر محذوف" .لكنممت مممن
المحضريممن" قال الفراء :أي لكنممت معممك فممي النار محضرا .وأحضممر ل يسممتعمل مطلقمما إل فممي
الشر؛ قاله الماوردي.
@قوله تعالى" :أفما نحن بميتين" وقرئ "بمائتين" والهمزة في "أفما" للستفهام دخلت على فاء
العطممف ،والمعطوف محذوف معناه أنحممن مخلدون منعمون فممما نحممن بميتيممن ول معذبيممن" .إل
موتتنما الولى" يكون اسمتثناء ليمس ممن الول ويكون مصمدرا؛ لنمه منعوت .وهمو ممن قول أهمل
الجنمة للملئكمة حيمن يذبمح الموت ،ويقال :يما أهمل الجنمة خلود ول موت ،ويما أهمل النار خلود ول
موت .وقيل :هو من قول المؤمن على جهة الحديث بنعمة ال في أنهم ل يموتون ول يعذبون؛ أي
هذه حالنا وصفتنا .وقيل :هو من قول المؤمن توبيخا للكافمر لما كان ينكره من البعث ،وأنه ليس
إل الموت في الدنيا .ثم قال المؤمن مشيرا إلى ما هو فيه؛ "إن هذا لهو الفوز العظيم" يكون "هو"
مبتدأ وممما بعده خممبر عنممه والجملة خممبر إن .ويجوز أن يكون "هممو" فاصممل" .لمثممل هذا فليعمممل
العاملون" يحتمممل أن يكون ممن كلم المؤممن لمما رأى ممما أعمد ال له فممي الجنمة ومما أعطاه قال:
"لمثل هذا" العطاء والفضل "فليعمل العاملون" نظير ما قال له الكافر" :أنا أكثر منك مال وأعز
نفرا" [الكهف .]34 :ويحتمل أن يكون من قول الملئكة .وقيل :هو من قول ال عز وجل لهل
الدنيا؛ أي قد سمعتم ما في الجنة من الخيرات والجزاء ،و"لمثل هذا" الجزاء "فليعمل العاملون".
النحاس :وتقديممر الكلم -وال أعلم -فليعمممل العاملون لمثممل هذا .فإن قال قائل :الفاء فممي العربيممة
تدل على أن الثانمي بعمد الول ،فكيمف صمار مما بعدهما ينوى بمه التقديمم؟ فالجواب أن التقديمم كمثمل
التأخير؛ لن حق حروف الخفض وما بعدها أن تكون متأخرة.
**3الية{ 62 :أذلك خير نزل أم شجرة الزقوم ،إنا جعلناها فتنة للظالمين ،إنها شجرة تخرج
فمي أصمل الجحيمم ،طلعهما كأنمه رؤوس الشياطيمن ،فإنهمم لكلون منهما فمالئون منهما البطون ،ثمم إن
لهم عليها لشوبا من حميم ،ثم إن مرجعهم للى الجحيم}
@قوله تعالى" :أذلك خير" مبتدأ وخبر ،وهو من قول ال جل وعز" .نزل" على البيان؛ والمعنى
أنعيمم الجنمة خيمر نزل" .أم شجرة الزقوم" والنزل فمي اللغمة الرزق الذي له سمعة -النحاس -وكذا
النزل إل أنمه يجوز أن يكون النزل بإسمكان الزاي لغمة ،ويجوز أن يكون أصمله النزل؛ ومنمه أقيمم
للقوم نزلهمم ،واشتقاقمه أنمه الغذاء الذي يصملح أن ينزلوا معمه ويقيموا فيمه .وقمد مضمى هذا فمي آخمر
سمورة "آل عمران" وشجرة الزقوم مشتقمة ممن التزقمم وهمو البلع على جهمد لكراهتهما ونتنهما .قال
المفسمرون :وهمي فمي الباب السمادس ،وأنهما تحيما بلهمب النار كمما تحيما الشجرة بمبرد الماء؛ فل بمد
لهمل النار ممن أن ينحدر إليهما ممن كان فوقهما فيأكلون منهما ،وكذلك يصمعد إليهما ممن كان أسمفل.
واختلف فيهما همل همي ممن شجمر الدنيما التمي تعرفهما العرب أم ل على قوليمن :أحدهمما أنهما معروفمة
ممن شجر الدنيما .ومن قال بهذا اختلفوا فيهما؛ فقال قطرب :إنهما شجرة مرة تكون بتهامة من أخبمث
الشجر .وقال غيره :بل هو كل نبات قاتل .القول الثاني :إنها ل تعرف في شجر الدنيا .فلما نزلت
هذه الية في شجرة الزقوم قالت كفار قريش :ما نعرف هذه الشجرة .فقدم عليهم رجل من إفريقية
فسألوه فقال :هو عندنا الزُبد والتمر .فقال ابن الزبعري :أكثر ال في بيوتنا الزقوم فقال أبو جهل
لجاريته :زقمينا؛ فأتته بزبد وتمر .ثم قال لصحابه :تزقموا؛ هذا الذي يخوفنا به محمد؛ يزعم أن
النار تنبت الشجر ،والنار تحرق الشجر.
@قوله تعالى" :إنا جعلناها فتنة للظالمين" أي المشركين ،وذلك أنهم قالوا :كيف تكون في النار
شجرة وهمي تحرق الشجمر؟ وقمد مضمى هذا المعنمى فمي "سمبحان" واسمتخفافهم فمي هذا كقولهمم فمي
قوله تعالى" :عليها تسعة عشر" [المدثر .]30 :ما الذي يخصص هذا العدد؟ حتى قال بعضهم:
أنما أكفيكمم منهمم كذا فاكفونمي الباقيمن .فقال ال تعالى" :ومما جعلنما عدتهمم إل فتنمة للذيمن كفروا"
[المدثر ]31 :والفتنة الختبار ،وكان هذا القول منهم جهل ،إذ ل يستحيل في العقل أن يخلق ال
فمي النار شجرا ممن جنسمها ل تأكله النار ،كمما يخلق ال فيهما الغلل والقيود والحيات والعقارب
وخزنمة النار .وقيمل :هذا السمتبعاد الذي وقع للكفار هو الذي وقمع الن للملحدة ،حتمى حملوا الجنة
والنار على نعيمممم أو عقاب تتخلله الرواح ،وحملوا وزن العمال والصمممراط واللوح والقلم على
معانمي زوروهما فمي أنفسمهم ،دون مما فهممه المسملمون ممن موارد الشرع ،وإذا ورد خمبر الصمادق
بشيمء موهوم فمي العقمل ،فالواجمب تصمديقه وإن جاز أن يكون له تأويمل ،ثمم التأويمل فمي موضمع
إجماع المسلمين على أنه تأويل باطل ل يجوز ،والمسلمون مجمعون على الخذ بهذه الشياء من
غير مصير إلى علم الباطن .وقيل إنها فتنة أي عقوبة للظالمين؛ كما قال" :ذوقوا فتنتكم هذا الذي
كنتم به تستعجلون" [الذاريات.]14 :
@قوله تعالى" :إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم" أي قعر النار ومنها منشؤها ثم هي متفرعة
في جهنم" .طلعها" أي ثمرها؛ سمي طلعا لطلوعه" .كأنه رؤوس الشياطين" قيل :يعني الشياطين
بأعيانهمم شبههما برؤوسمهم لقبحهمم ،ورؤوس الشياطيمن متصمور فمي النفوس وإن كان غيمر مرئي.
ومن ذلك قولهم لكل قبيح هو كصورة الشيطان ،ولكل صورة حسنة هي كصورة ملك .ومنه قوله
تعالى مخمبرا عمن صمواحب يوسمف" :مما هذا بشرا إن هذا إل ملك كريمم" [يوسمف ]31 :وهذا
تشبيه تخييلي؛ روي معناه عن ابن عباس والقرظي .ومنه قول امرئ القيس:
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وإن كانت الغول ل تعرف؛ ولكن لما تصور من قبحها في النفوس .وقد قال ال تعالى" :شياطين
النمس والجمن" [النعام ]112 :فمردة النمس شياطيمن مرئيمة .وفمي الحديمث الصمحيح (ولكأن
نخلهمما رؤوس الشياطيممن) وقممد أدعممى كثيممر مممن العرب رؤيممة الشياطيممن والغيلن .وقال الزجاج
والفراء :الشياطين حيات لها رؤوس وأعراف ،وهي من أقبح الحيات وأخبثها وأخفها جسما .قال
الراجز وقد شبه المرأة بحية لها عرف:
كمثل شيطان الحماط أعرف عنجرد تحلف حين أحلف
الواحدة حماطة .والعرف الذي له عف .وقال الشاعر يصف ناقته:
تعمج شيطان بذي خروع قفر تلعب مثنى حضرمي كأنه
التعمممج :العوجاج فممي السممير .وسممهم عموج :يتلوى فممي ذهابممه .وتعمجممت الحيممة :إذا تلوت فممي
سيرها .وقال يصف زمام الناقة:
تعمج شيطان بذي خروع قفر تلعب مثنى حضرمي كأنه
وقيممل :إنممما شبممه ذلك بنبممت قبيممح فممي اليمممن يقال له السممتن والشيطان .قال النحاس :وليممس ذلك
معروفما عنمد العرب .الزمخشري :همو شجمر خشمن منتمن ممر منكمر الصمورة يسممى ثمره رؤوس
الشياطيمن .النحاس :وقيمل :الشياطيمن ضرب ممن الحيات قباح" .فإنهمم لكلون منهما فمالئون منهما
البطون" فهذا طعامهم وفاكهتهم بدل رزق أهل الجنة .وقال في "الغاشية]" :ليس لهم طعام إل من
ضريع" [الغاشية ]6 :وسيأتي" .ثم إن لهم عليها" أي بعمد الكل من الشجرة "لشوبا من حميم"
الشوب الخلط ،والشممب والشوب لغتان كالفَقممر والفُقممر والفتممح أشهممر .قال الفراء :شاب طعامممه
وشرابمه إذا خلطهمما بشيمء يشوبهمما شوبما وشيابمة .فأخمبر أنمه يشاب لهمم .والحميمم :الماء الحار
ليكون أشنع؛ قال ال تعالى" :وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم" [محمد .]15 :السدي :يشاب لهم
الحميم بغساق أعينهم وصديد من قيحهم ودمائهم .وقيل :يمزج لهم الزقوم بالحميم ليجمع لهم بين
مرارة الزقوم وحراوة الحميم؛ تغليظا لعذابهم وتجديدا لبلئهم" .ثم إن مرجعهم للى الجحيم" قيل:
إن هذا يدل على أنهمم كانوا حيمن أكلوا الزقوم فمي عذاب غيمر النار ثمم يردون إليهما .وقال مقاتمل:
الحميمم خارج الجحيمم فهمم يوردون الحميمم لشربمه ثمم يردون إلى الجحيمم؛ لقوله تعالى" :هذه جهنمم
التمي يكذب بها المجرمون .يطوفون بينها وبيمن حميم آن" [الرحمن .]44:وقرأ ابن مسمعود" :ثمم
إن منقلبهم للى الجحيم" قال أبو عبيدة :يجوز أن تكون "ثم" بمعنى الواو .القشيري :ولعل الحميم
في موضع من جهنم على طرف منها.
**3اليمة{ 74 - 69 :إنهمم ألفوا آباءهمم ضاليمن ،فهمم على آثارهمم يهرعون ،ولقمد ضمل قبلهمم
أكثممر الوليممن ،ولقممد أرسمملنا فيهممم منذريممن ،فانظممر كيممف كان عاقبممة المنذريممن ،إل عباد ال
المخلصين}
@قوله تعالى" :إنهمم ألفوا آباءهمم ضاليمن" أي صمادفوهم كذلك فاقتدوا بهمم" .فهمم على آثارهمم
يهرعون" أي يسممرعون؛ عممن قتادة .وقال مجاهممد :كهيئة الهرولة .قال الفراء :الهراع السممراع
برعدة .وقال أبممو عممبيدة" :يهرعون" يسممتحثون مممن خلفهممم .ونحوه قول المممبرد .قال :المهرع
المسمممتحث؛ يقال :جاء فلن يهرع إلى النار إذا اسمممتحثه البرد إليهممما .وقيمممل :يزعجون ممممن شدة
السراع؛ قال الفضل .الزجاج :يقال هرع وأهرع إذا استحث وأزعج.
@قوله تعالى" :ولقد ضل قبلهم أكثر الولين" أي من المم الماضية" .ولقد أرسلنا فيهم منذرين"
أي رسمل أنذروهمم العذاب فكفروا" .فانظمر كيمف كان عاقبمة المنذريمن" أي آخمر أمرهمم" .إل عباد
ال المخلصين" أي الذين استخلصهم ال من الكفر .وقد تقدم .ثم قيل :هو استثناء من "المنذَرين".
وقيل هو من قوله تعالى" :ولقد ضل قبلهم أكثر الولين".
**3الية{ 75 :ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ،ونجيناه وأهله من الكرب العظيم ،وجعلنا ذريته
هم الباقين ،وتركنا عليه في الخرين ،سلم على نوح في العالمين ،إنا كذلك نجزي المحسنين ،إنه
من عبادنا المؤمنين ،ثم أغرقنا الخرين}
@قوله تعالى" :ولقمد نادانما نوح" ممن النداء الذي همو السمتغاثة؛ ودعما قيمل بمسمألة هلك قوممه
فقال" :رب ل تذر على الرض ممممن الكافريمممن ديارا" [نوح" .]26 :فلنعمممم المجيبون" قال
الكسائي :أي "فلنعم المجيبون" له كنا" .ونجيناه وأهله" يعني أهل دينه ،وهم من آمن معه وكانوا
ثمانين على ما تقدم" .من الكرب العظيم" وهو الغرق" .وجعلنا ذريته هم الباقين" قال ابن عباس:
لما خرج نوح من السفينة مات من معه من الرجال والنساء إل ولده ونساءه؛ فذلك قوله" :وجعلنا
ذريته هم الباقين" .وقال سعيد بن المسيب :كان ولد نوح ثلثة والناس كلهم من ولد نوح :فسام أبو
العرب وفارس والروم واليهود والنصممارى .وحام أبممو السممودان مممن المشرق إلى المغرب :السممند
والهنممد والنوب والزنممج والحبشممة والقبممط والبربر وغيرهممم .ويافممث أبممو الصممقالبة والترك واللن
والخزر ويأجوج ومأجوج وممما هنالك .وقال قوم :كان لغيممر ولد نوح أيضمما نسممل؛ بدليممل قوله:
"ذريمة ممن حملنما ممع نوح" [السمراء .]3 :وقوله" :قيمل يما نوح اهبمط بسملم منما وبركات عليمك
وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم" [هود ]48 :فعلى هذا معنى الية:
"وجعلنا ذريته هم الباقين" دون ذرية من كفر أنا أغرقنا أولئك.
@قوله تعالى" :وتركنا عليه في الخرين" أي تركنا عليه ثناء حسنا في كل أمة ،فإنه محبب إلى
الجميممع؛ حتممى إن فممي المجوس مممن يقول إنممه أفريدون .روى معناه عممن مجاهممد وغيره .وزعممم
الكسمائي أن فيمه تقديريمن :أحدهمما "وتركنما عليمه فمي الخريمن" يقال" :سملم على نوح" أي تركنما
عليمه هذا الثناء الحسمن .وهذا مذهمب أبمي العباس الممبرد .أي تركنما عليمه هذه الكلممة باقيمة؛ يعنمي
يسملمون له تسمليما ويدعون له؛ وهمو ممن الكلم المحكمي؛ كقوله تعالى" :سمورة أنزلناهما"[ .النور:
.]1والقول الخر أن يكون المعنى وأبقينا عليه .وتم الكلم ثم ابتدأ فقال" :سلم على نوح" أي
سملمة له ممن أن يذكمر بسموء "فمي الخريمن" .قال الكسمائي :وفمي قراءة ابمن مسمعود "سملما"
منصموب بمم "تركنما" أي تركنما عليمه ثناء حسمنا سملما .وقيمل" :فمي الخريمن" أي فمي أممة محممد
صملى ال عليمه وسملم .وقيمل :فمي النمبياء إذ لم يبعمث بعده نمبي إل أممر بالقتداء بمه؛ قال ال تعالى:
"شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا" [الشورى .]13 :وقال سعيد بن المسيب :وبلغني أنه من
قال حيمن يسممي "سملم على نوح فمي العاميمن" لم تلدغمه عقرب .ذكره أبمو عممر فمي التمهيمد .وفمي
الموطمأ عمن خولة بنمت حكيمم أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قال( :ممن نزل منزل فليقمل أعوذ
بكلمات ال التامات ممن شمر مما خلق فإنمه لن يضره شيمء حتمى يرتحمل) .وفيمه عمن أبمي هريرة أن
رجل من أسلم قال :ما نمت هذه الليلة؛ فقال وسول ال صلى ال عليه وسلم( :من أي شيء) فقال:
لدغتني عقرب؛ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات
ال التامات من شر ما خلق لم تضرك).
@قوله تعالى" :إنما كذلك نجزي المحسمنين" أي نبقمي عليهمم الثناء الحسمن .والكاف فمي موضمع
نصممب؛ أي جزاء كذلك" .إنممه مممن عبادنمما المؤمنيممن" هذا بيان إحسممانه .قوله تعالى" :ثممم أغرقنمما
الخرين" أي من كفر .وجمعه أُخر .والصل فيه أن يكون معه "من" إل أنها حذفت؛ لن المعنى
معروف ،ول يكون آخرا إل وقبله شيء من جنسه" .ثم" ليس للتراخي ها هنا بل هو لتعديد النعم؛
كقول" :أو مسمكينا ذا متربمة .ثمم كان ممن الذيمن آمنوا" [البلد ]16 :أي ثمم أخمبركم أنمي قمد أغرقمت
الخرين ،وهم الذين تأخروا عن اليمان.
**3اليمة{ 83 :وإن ممن شيعتمه لبراهيمم ،إذ جاء ربمه بقلب سمليم ،إذ قال لبيمه وقوممه ماذا
تعبدون ،أإفكما آلهمة دون ال تريدون ،فمما ظنكمم برب العالميمن ،فنظمر نظرة فمي النجوم ،فقال إنمي
سقيم ،فتولوا عنه مدبرين}
@قوله تعالى" :وإن من شيعته لبراهيم" قال ابن عباس :أي من أهل دينه .وقال مجاهد :أي على
منهاجمه وسمنته .قال الصممعي :الشيعمة العوان ،وهمو مأخوذ ممن الشياع ،وهمو الحطمب الصمغار
الذي يوقمد ممع الكبار حتمى يسمتوقد .وقال الكلبمي والفراء :المعنمى وإن ممن شيعمة محممد لبراهيمم.
فالهاء في "شيعته" على هذا لمحمد عليه السلم .وعلى الول لنوح وهو أظهر ،لنه هو المذكور
أول ،ومما كان بيمن نوح وإبراهيمم إل نمبيان هود وصمالح ،وكان بيمن نوح وإبراهيمم ألفان وسمتمائة
وأربعون سنة؛ حكاه الزمخشري.
@قوله تعالى" :إذ جاء ربمه بقلب سمليم" أي مخلص ممن الشرك والشمك .وقال عوف العرابمي:
سألت محمد بن سيرين ما القلب السليم؟ فقال :الناصح ل عز وجل في خلقه .وذكر الطبري عن
غالب القطان وعوف وغيرهما عن محمد بن سيرين أنه كان يقول للحجاج :مسكين أبو محمد! إن
عذبمه ال فبذنبمه ،وإن غفمر له فهنيئا له ،وإن كان قلبمه سمليما فقمد أصماب الذنوب ممن همو خيمر منمه.
قال عوف :فقلت لمحمممد ممما القلب السممليم؟ قال :أن يعلم أن ال حممق ،وأن السمماعة قائمممة ،وأن ال
يبعمث ممن فمي القبور .وقال هشام بمن عروة :كان أبمي يقول لنما :يما بنمي ل تكونوا لعانيمن ،ألم تروا
إلى إبراهيممم لم يلعممن شيئا قممط ،فقال تعالى" :إذ جاء ربممه بقلب سممليم" .ويحتمممل مجيئه إلى ربممه
وجهين :أحدهما عند دعائه إلى توحيده وطاعته؛ الثاني عند إلقائه في النار.
"إذ قال لبيمه" "لبيمه" وهمو آزر ،وقمد مضمى الكلم فيمه" .وقوممه ماذا تعبدون" تكون "مما" فمي
موضمع رفمع بالبتداء و"ذا" خمبره .ويجوز أن تكون "مما" و"ذا" فمي موضمع نصمب بمم "تعبدون".
"أئفكا" نصب على المفعول به؛ بمعنى أتريدون إفكا .قال المبرد :والفك أسوأ الكذب ،وهو الذي
ل يثبممت ويضطرب ،ومنممه ائتفكممت بهممم الرض" .آلهممة" بدل مممن إفممك "دون ال تريدون" أي
تعبدون .ويجوز أن يكون حال بمعنى أتريدون ألهة من دون ال آفكين" .فما ظنكم برب العالمين"
أي مما ظنكمم بمه إذا لقيتموه وقمد عبدتمم غيره؟ فهمو تحذيمر ،مثمل قوله" :مما غرك بربمك الكريمم"
[النفطار .]6:وقيل :أي شيء أوهمتموه حتى أشركتم به غيره.
@قوله تعالى" :فنظمر نظرة فمي النجوم" قال ابمن زيمد عمن أبيمه :أرسمل إليمه ملكهمم إن غدا عيدنما
فاخرج معنا ،فنظر إلى نجم طالع فقال :إن هذا يطلع مع سقمي .وكان علم النجوم مستعمل عندهم
منظورا فيه ،فأوهمهم هو من تلك الجهة ،وأراهم من معتقدهم عذرا لنفسه؛ وذلك أنهم كانوا أهل
رعايمة وفلحمة ،وهاتان المعيشتان يحتاج فيهمما إلى نظمر فمي النجوم .وقال ابمن عباس :كان علم
النجوم ممن النبوة ،فلمما حبمس ال تعالى الشممس على يوشمع بمن نون أبطمل ذلك ،فكان نظمر إبراهيمم
فيها علما نبويا .وحكى جويبر عن الضحاك .كان علم النجوم باقيا إلى زمن عيسى عليه السلم،
حتمى دخلوا عليمه فمي موضمع ل يطلع عليمه منمه ،فقالت لهمم مريمم :ممن أيمن علمتمم بموضعمه؟ قالوا:
ممن النجوم .فدعما ربمه عنمد ذلك فقال :اللهمم ل تفهمهمم فمي علمهما ،فل يعلم علم النجوم أحمد؛ فصمار
حكمها في الشرع محظورا ،وعلمها في الناس مجهول .قال الكلبي :وكانوا في قرية بين البصرة
والكوفمة يقال لهمم هرممز جرد ،وكانوا ينظرون فمي النجوم .فهذا قول .وقال الحسمن :المعنمى أنهمم
لمما كلفوه الخروج معهمم تفكمر فيمما يعممل .فالمعنمى على هذا أنمه نظمر فيمما نجمم له ممن الرأي؛ أي
فيما طلع له منه ،فعلم أن كل حي يسقم فقال" .إني سقيم" .الخليل والمبرد :يقال للرجل إذا فكر في
الشيء يدبره :نظر في النجوم .وقيل :كانت الساعة التي دعوه إلى الخروج معهم فيها ساعة تغشاه
فيهما الحممى .وقيمل :المعنمى فنظمر فيمما نجمم ممن الشياء فعلم أن لهما خالقما .ومدبرا ،وأنمه يتغيمر
كتغيرها .فقال" :إني سقيم" .وقال الضحاك :معنى "سقيم" سأسقم سقم الموت؛ لن من كتب عليه
الموت يسمقم فمي الغالب ثمم يموت ،وهذا توريمة وتعريمض؛ كمما قال للملك لمما سمأل عمن سمارة همي
أختمي؛ يعنمي أخوة الديمن .وقال ابن عباس وابمن جمبير والضحاك أيضما أشار لهمم إلى مرض وسمقم
يعدي كالطاعون ،وكانوا يهربون ممن الطاعون" ،فمم" لذلك "تولوا عنمه مدبريمن" أي فاريمن منمه
خوفما ممن العدوى .وروى الترمذي الحكيمم قال :حدثنما أبمي قال حدثنما عمرو بمن حماد عمن أسمباط
عن السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس ،وعن سمرة عن الهمداني عن ابن مسعود
قال :قالوا لبراهيمم :إن لنما عيدا لو خرجمت معنما لعجبمك ديننما .فلمما كان يوم العيمد خرجوا إليمه
وخرج معهمم ،فلمما كان ببعمض الطريمق ألقمى بنفسمه ،وقال إنمي سمقيم أشتكمي رجلي ،فوطئوا رجله
وهمو صممريع ،فلممما مضوا نادى فممي آخرهممم "وتال لكيدن أصممنامكم" [النممبياء .]57 :قال أبممو
عبدال :وهذا ليمس بمعارض لمما قال ابمن عباس وابمن جمبير؛ لنمه يحتممل أن يكون قمد اجتممع له
أمران.
قلت :وفمي الصمحيح عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم( :لم يكذب إبراهيمم النمبي عليمه السملم إل
ثلث كذبات )...الحديمث .وقمد مضمى فمي سمورة "النمبياء" وهمو يدل على أنمه لم يكمن سمقيما وإنمما
عرض لهمم .وقمد قال جمل وعمز" :إنمك ميمت وإنهمم ميتون" [الزممر .]30 :فالمعنمى إنمي سمقيم فيمما
استقبل فتوهموا هم أنه سقيم الساعة .وهذا من معاريض الكلم على ما ذكرنا ،ومنه المثل السائر
[كفى بالسلمة داء] وقول لبيد:
ليصحني فإذا السلمة داء فدعوت ربي بالسلمة جاهدا
وقممد مات رجممل فجأة فالتممف عليممه الناس فقالوا :مات وهممو صممحيح! فقال أعرابممي :أصممحيح مممن
الموت فمي عنقمه! فإبراهيمم صمادق ،لكمن لمما كان النمبياء لقرب محلهمم واصمطفائهم عمد هذا ذنبما؛
ولهذا قال" :والذي أطممع أن يغفمر لي خطيئتمي يوم الديمن" [الشعراء ]82 :وقمد مضمى هذا كله
مبينا والحمد ل .وقيل :أراد سقيم النفس لكفرهم .والنجوم يكون جمع نجم ويكون واحدا مصدرا.
**3الية{ 96 - 91 :فراغ إلى آلهتهم فقال أل تأكلون ،ما لكم ل تنطقون ،فراغ عليهم ضربا
باليمين ،فأقبلوا إليه يزفون ،قال أتعبدون ما تنحتون ،وال خلقكم وما تعملون}
@قوله تعالى" :فراغ إلى آلهتهم" قال السدي :ذهب إليهم .وقال أبو مالك :جاء إليهم .وقال قتادة:
مال إليهم .وقال الكلبي :أقبل عليهم .وقيل :عدل .والمعنى متقارب .فراغ يروغ روغا وروغانا إذا
مال .وطريق رائغ أي مائل .وقال الشاعر:
ويروغ عنك كما يروغ الثعلب ويريك من طرف اللسان حلوة
فقال" :أل تأكلون" فخاطبها كما يخاطب من يعقل؛ لنهم أنزلوها بتلك المنزلة .وكذا قيل :كان بين
يدي الصممنام طعام تركوه ليأكلوه إذا رجعوا مممن العيممد ،وإنممما تركوه لتصمميبه بركممة أصممنامهم
بزعمهممم .وقيممل :تركوه للسممدنة .وقيممل :قرب هممو إليهمما طعاممما على جهممة السممتهزاء؛ فقال" :أل
تأكلون ممما لكممم ل تنطقون"" .فراغ عليهممم ضربمما باليميممن" خممص الضرب باليميممن لنهمما أقوى
والضرب بهما أشمد؛ قال الضحاك والربيمع بمن أنمس .وقيمل :المراد باليميمن اليميمن التمي حلفهما حيمن
قال" :وتال لكيدن أصمنامكم" [النمبياء .]57 :وقال الفراء وثعلب :ضربما بالقوة واليميمن القوة.
وقيل :بالعدل واليمين ها هنا العدل .ومنه قوله تعالى" :ولو تقول علينا بعض القاويل .لخذنا منه
باليمين" [الحاقة ]44 :أي بالعدل ،فالعدل لليمين والجور للشمال .أل ترى أن العدو عن الشمال
والمعاصممي عممن الشمال والطاعممة عممن اليميممن؛ ولذلك قال" :إنكممم كنتممم تأتوننمما عممن اليميممن"
[الصمافات ]28 :أي ممن قبمل الطاعمة .فاليميمن همو موضمع العدل ممن المسملم ،والشمال موضمع
الجور .أل ترى أنمه بايمع ال بيمينمه يوم الميثاق ،فالبيعمة باليميمن؛ فلذلك يعطمى كتابمه غدا بيمينمه؛
لنمه وفمي بالبيعمة ،ويعطمى الناكمث للبيعمة الهارب برقبتمه ممن ال بشماله؛ لن الجور هناك .فقوله:
"فراغ عليهم ضربا باليمين" أي بذلك العدل الذي كان بايع ال عليه يوم الميثاق ثم وفى له ها هنا.
فجعممل تلك الوثان جذاذا ،أي فتاتمما كالجذيذة وهممي السممويق وليممس مممن قبيممل القوة؛ قاله الترمذي
الحكيمم" .فأقبلوا إليمه يزفون" قرأ حمزة "يزفون" بضمم الياء .الباقون بفتحهما .أي يسمرعون؛ قاله
ابمن زيمد .قتادة والسمدي :يمشون .وقيمل :المعنمى يمشون بجمعهمم على مهمل آمنيمن أن يصميب أحمد
آلهتهممم بسمموء .وقيممل :المعنممى يتسممللون تسمملل بيممن المشممي والعدو؛ ومنممه زفيممف النعامممة .وقال
الضحاك :يسعون وحكى يحيى بن سلم :يرعدون غضبا .وقيل :يختالون وهو مشي الخيلء؛ قاله
مجاهد .ومنه ُأخِذ زفاف العروس إلى زوجها .وقال الفرزدق:
يزف وجاءت خلفه وهي زفف وجاء قريع الشول قبل إفالها
وممممن قرأ" :يزفون" فمعناه يزفون غيرهمممم أي يحملونهمممم على التزفيمممف .وعلى هذا فالمفعول
محذوف .قال الصمعي :أزففت البل أي حملتها على أن تزف .وقيل :هما لغتان يقال :زف القوم
وأزفوا ،وزففمت العروس وأزففتهما وازدففتهما بمعنمى ،والمزفمة :المحفمة التمي تزف فيهما العروس؛
حكي ذلك عن الخليل .النحاس" :ويزفون" بضم الياء .زعم أبو حاتم أنه ل يعرف هذه اللغة ،وقد
عرفهمما جماعممة مممن العلماء منهممم الفراء وشبههمما بقولهممم :أطردت الرجممل أي صمميرته إلى ذلك.
وطردته نحيته؛ وأنشد هو وغيره:
فأمسى حصين قد أذل وأ قهرا تمنى حصين أن يسود جذاعة
أي صير إلى ذلك؛ فكذلك "يزفون" يصيرون إلى الزفيف .قال محمد بن يزيد :الزفيف السراع.
وقال أبو إسحاق :الزفيف أول عدو النعام .وقال أبو حاتم :وزعم الكسائي أن قوما قرؤوا "فأقبلوا
إليه يزفون" خفيفة؛ من وزف يزف ،مثل وزن يزن .قال النحاس :فهذه حكاية أبي حاتم وأبو حاتم
لم يسمممع مممن الكسممائي شيئا .وروى الفراء وهممو صمماحب الكسممائي عممن الكسممائي أنممه ل يعرف
"يزفون" مخففة .قال الفراء :وأنا ل أعرفها .قال أبو إسحاق :وقد عرفها غيرهما أنه يقال وزف
يزف إذا أسرع .قال النحاس :ول نعلم أحدا قرأ "يزفون".
قلت :همممي قراءة عبدال بمممن يزيمممد فيمممما ذكمممر المهدوي .الزمخشري :و"يزفون" على البناء
للمفعول" .يزفون" من زفاه إذا حداه؛ كأن بعضهم يزف بعضا لتسارعهم إليه .وذكر الثعلبي عن
الحسممن ومجاهممد وابممن السممميقع" :يزفون" بالراء مممن رفيممف النعام ،وهممو ركممض بيممن المشممي
والطيران.
@قوله تعالى" :قال أتعبدون ما تنحتون" فيه حذف؛ أي قالوا من فعل هذا بآلهتنما ،فقال محتجا:
"أتعبدون ما تنحون" أي أتعبدون أصناما أنتم تنحتونها بأيديكم تنجرونها .والنحت النجر والبري
نحتممه ينحتممه بالكسممر نحتمما أي براه .والنحاتممة البرايممة والمنحممت ممما ينحممت بممه" .وال خلقكممم وممما
تعملون" "مما" فمي موضمع نصمب أي وخلق مما تعملونمه ممن الصمنام ،يعنمي الخشمب والحجارة
وغيرهمما؛ كقوله" :بمل ربكمم رب السمموات والرض الذي فطرهمن" [النمبياء ]56 :وقيمل :إن
"مما" اسمتفهام ومعناه التحقيمر لعملهمم .وقيمل :همي نفمي ،والمعنمى ومما تعملون ذلك لكمن ال خالقمه.
والحسن أن تكون "ما" مع الفعل مصدرا ،والتقدير وال خلقكم وعملكم وهذا مذهب أهل السنة:
أن الفعال خلق ل عمز وجمل واكتسماب للعباد .وفمي هذا إبطال مذاهمب القدريمة والجبريمة .وروى
أبمو هريرة عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم قال( :إن ال خالق كمل صمانع وصمنعته) ذكره الثعلبمي.
وخرجمه البيهقمي ممن حديمث حذيفمة قال :قال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم( :إن ال عمز وجمل
صمنع كمل صمانع وصمنعته فهمو الخالق وهمو الصمانع سمبحانه) وقمد بيناهمما فمي الكتاب السمنى فمي
شرح أسماء ال الحسنى.
**3الية{ 97 :قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم ،فأرادوا به كيدا فجعلناهم السفلين}
@قوله تعالى" :قالوا ابنوا له بنيانما" أي تشاوروا فمي أمره لمما غلبهمم بالحجمة حسمب مما تقدم فمي
"النبياء" بيانه فم "قالوا ابنوا له بنيانا" تملؤونه حطبا فتضرمونه ،ثم ألقوه فيه وهو الجحيم .قال
ابمن عباس :بنوا حائطما ممن حجارة طوله فمي السمماء ثلثون ذراعما ،وملوه نارا وطرحوه فيهما.
وقال ابن عمرو بن العاص :فلما صار في البنيان قال :حسبي ال ونعم الوكيل .واللف واللم في
"الجحيم" تدل على الكناية؛ أي في جحيمه؛ أي في جحيم ذلك البنيان .وذكر الطبري :أن قائل ذلك
اسمه الهيزن رجل من أعراب فارس وهم الترك ،وهو الذي جاء فيه الحديث( :بينما رجل يمشى
في حلة له يتبختر فيها فخسف به فهو يتجلجل في الرض إلى يوم القيامة) وال أعلم" .فأرادوا به
كيدا" أي بإبراهيم .والكيد المكر؛ أي احتالوا لهلكه" .فجعلناهم السفلين" المقهورين المغلوبين
إذ نفذت حجته من حيث لم يمكنهم دفعها ،ولم ينفذ فيه مكرهم ول كيدهم.
**3اليمة{ 101 - 99 :وقال إنمي ذاهمب إلى ربمي سميهدين ،رب همب لي ممن الصمالحين،
فبشرناه بغلم حليم}
@ هذه اليمة أصمل فمي الهجرة والعزلة .وأول ممن فعمل ذلك إبراهيمم عليمه السملم ،وذلك حيمن
خلصمه ال ممن النار "قال إن ذاهمب إلى ربمي" أي مهاجمر ممن بلد قوممي ومولدي إلى حيمث أتمكمن
من عبادة ربي فإنه "سيهدين" فيما نويت إلى الصواب .قال مقاتل :هو أول من هاجر من الخلق
ممع لوط وسمارة ،إلى الرض المقدسمة وهمي أرض الشام .وقيمل :ذاهمب بعملي وعبادتمي ،وقلبمي
ونيتي .فعلى هذا ذهابه بالعمل ل بالبدن .وقد مضى بيان هذا في "الكهف" مستوفى .وعلى الول
بالمهاجرة إلى الشام وبيممت القدس .وقيممل :خرج إلى حران فأقام بهمما مدة .ثممم قيممل :قال ذلك لمممن
فارقمه ممن قوممه؛ فيكون ذلك توبيخما لهمم .وقيمل :قاله لممن هاجمر معمه ممن أهله؛ فيكون ذلك منمه
ترغيبما .وقيمل :قال هذا قبمل إلقائه فمي النار .وفيمه على هذا القول تأويلن :أحدهمما :إنمي ذاهمب إلى
مما قضاه علي ربمي .الثانمي :إنمي ميمت؛ كمما يقال لممن مات :قمد ذهمب إلى ال تعالى؛ لنمه عليمه
السملم تصمور أنمه يموت بإلقائه فمي النار ،على المعهود ممن حالهما فمي تلف مما يلقمى فيهما ،إلى أن
قيمل لهما" :كونمي بردا وسملما" فحينئذ سملم إبراهيمم منهما .وفمي قوله" :سميهدين" على هذا القول
تأويلن :أحدهمما "سميهدين" إلى الخلص منهما .الثانمي :إلى الجنمة .وقال سمليمان ابمن صمرد وهمو
ممممن أدرك النممبي صمملى ال عليممه وسمملم :لممما أرادوا إلقاء إبراهيممم فممي النار جعلوا يجمعون له
الحطمب؛ فجعلت المرأة العجوز تحممل على ظهرهما وتقول :اذهمب بمه إلى هذا الذي يذكمر آلهتنما؛
فلمما ذهمب بمه ليطرح فمي النار "قال إنمي ذاهمب إلى ربمي" .فلمما طرح فمي النار قال( :حسمبي ال
ونعم الوكيل) فقال ال تعالى" :يا نار كوني بردا وسلما" [النبياء ]69 :فقال أبو لوط وكان ابن
عمه :إن النار لم تحرقه من أجل قرابته مني .فأرسل ال عنقا من النار فأحرقه.
@قوله تعالى" :رب هب لي من الصالحين" لما عرفه ال أنه مخلصه دعا ال ليعضده بولد يأنس
بمه فمي غربتمه .وقمد مضمى فمي "آل عمران" القول فمي هذا .وفمي الكلم حذف؛ أي همب لي ولدا
صمالحا ممن الصمالحين ،وحذف مثمل هذا كثيمر .قال ال تعالى" :فبشرناه بغلم حليمم" أي أنمه يكون
حليمما فمي كمبره فكأنمه بشمر ببقاء ذلك الولد؛ لن الصمغير ل يوصمف بذلك ،فكانمت البشرى على
ألسنة الملئكة كما تقدم في "هود" .ويأتي أيضا في "الذاريات".
**3الية{ 113 - 102 :فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر
ماذا ترى قال يما أبمت افعمل مما تؤممر سمتجدني إن شاء ال ممن الصمابرين ،فلمما أسملما وتله للجمبين،
وناديناه أن يما إبراهيمم ،قمد صمدقت الرؤيما إنما كذلك نجزي المحسمنين ،إن هذا لهمو البلء الممبين،
وفديناه بذبمح عظيمم ،وتركنما عليمه فمي الخريمن ،سملم على إبراهيمم ،كذلك نجزي المحسمنين ،إنمه
ممن عبادنما المؤمنيمن ،وبشرناه بإسمحاق نبيما ممن الصمالحين ،وباركنما عليمه وعلى إسمحاق وممن
ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين}
@قوله تعالى" :فلما بلغ معه السعي" أي فوهبنا له الغلم؛ فلما بلغ مع المبلغ الذي يسعى مع أبيه
فمي أمور دنياه معينما له على أعماله "قال يما بنمي إنمي أرى فمي المنام أنمي أذبحمك" .وقال مجاهمد:
"فلمما بلغ معمه السمعي" أي شمب وأدرك سمعيه سمعي إبراهيمم .وقال الفراء :كان يومئذ ابمن ثلث
عشرة سمنة .وقال ابمن عباس :همو احتلم .قتادة :مشمى ممع أبيمه .الحسمن ومقاتمل :همو سمعي العقمل
الذي تقوم به الحجة .ابن زيد :هو السعي في العبادة .ابن عباس :صام وصلى ،ألم تسمع ال عز
وجل يقول" :وسعى لها سعيها" [السراء.]19 :
واختلف العلماء فمي المأمور بذبحمه .فقال أكثرهمم :الذبيمح إسمحاق .ومممن قال بذلك العباس بمن
عبدالمطلب وابنمه عبدال وهمو الصمحيح عنمه .روى الثوري وابمن جريمج يرفعانمه إلى ابمن عباس
قال :الذبيح إسحاق .وهو الصحيح عن عبدال بن مسعود أن رجل قال له :يا ابن الشياخ الكرام.
فقال عبدال :ذلك يوسمف بمن يعقوب بمن إسمحاق ذبيمح ال ابمن إبراهيمم خليمل ال صملى ال عليمه
وسملم .وقمد روى حماد بمن زيمد يرفعمه إلى رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قال( :إن الكريمم ابمن
الكريمم ابمن الكريمم ابمن الكريمم يوسمف بمن يعقوب بمن إسمحاق بمن إبراهيمم صملى ال عليهمم وسملم).
وروى أبو الزبير عن جابر قال :الذبيح إسحاق .وذلك مروي أيضا عن علي بن أبي طالب رضي
ال عنمه .وعمن عبدال بمن عممر :أن الذبيمح إسمحاق .وهمو قول عممر رضمي ال عنمه .فهؤلء سمبعة
ممن الصمحابة .وقال بمه ممن التابعيمن وغيرهمم علقممة والشعمبي ومجاهمد وسمعيد بمن جمبير وكعمب
الحبار وقتادة ومسمروق وعكرممة والقاسمم بمن أبمي بزة وعطاء ومقاتمل وعبدالرحممن بمن سمابط
والزهري والسدي وعبدال بن أبي الهذيل ومالك بن أنس ،كلهم قالوا :الذبيح إسحاق .وعليه أهل
الكتابيمن اليهود والنصمارى ،واختاره غيمر واحمد منهمم النحاس والطمبري وغيرهمما .قال سمعيد بمن
جمبير :أرى إبراهيمم ذبمح إسمحاق فمي المنام ،فسمار بمه مسميرة شهمر فمي غداة واحدة ،حتمى أتمى بمه
المنحمر من منى؛ فلمما صمرف ال عنه الذبح وأمره أن يذبح الكبش فذبحه ،وسار به مسيرة شهر
فمي روحة واحدة طويت له الودية والجبال .وهذا القول أقوى فمي النقل عن النبي صلى ال عليه
وسمملم وعممن الصممحابة والتابعيممن .وقال آخرون :هممو إسممماعيل .وممممن قال ذلك أبممو هريرة وأبممو
الطفيمل عاممر بمن واثلة .وروي ذلك عمن ابمن عممر وابمن عباس أيضما ،وممن التابعيمن سمعيد بمن
المسيب والشعبي ويوسف بن مهران ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي والكلبي
وعلقمة .وسئل أبو سعيد الضرير عن الذبيح فأنشد:
نطق الكتاب بذاك والتنزيل إن الذبيح هديت إسماعيل
وأتى به التفسير والتأويل شرف به خص الله نبينا
شرفا به قد خصه التفضيل إن كنت أمته فل تنكر له
وعمن الصممعي قال :سمألت أبما عمرو بمن العلء عمن الذبيمح ،فقال :يما أصممعي أيمن عزب عنمك
عقلك! ومتى كان إسحاق بمكة؟ وإنما كان إسماعيل بمكة ،وهو الذي بنى البيت مع أبيه والمنحر
بمكة .وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم( :أن الذبيح إسماعيل) والول أكثر عن النبي صلى
ال عليه وسلم وعن أصحابه وعن التابعين .واحتجوا بأن ال عز وجل قد أخبر عن إبراهيم حين
فارق قومممه ،فهاجممر إلى الشام مممع امرأتممه سممارة وابممن أخيممه لوط فقال" :إنممي ذاهممب إلى ربممي
سيهدين" أنه دعا فقال" :رب هب لي من الصالحين" فقال تعالى" :فلما اعتزلهم وما يعبدون من
دون ال وهبنما له إسمحاق ويعقوب" [مريمم]49:؛ ولن ال قال" :وفديناه بذبمح عظيمم" فذكمر أن
الفداء فمي الغلم الحليمم الذي بشره بمه إبراهيمم وإنمما بشمر بإسمحاق؛ لنمه قال" :وبشرناه بإسمحاق"،
وقال هنما" :بغلم حليمم" وذلك قبمل أن يتزوج هاجمر وقبمل أن يولد له إسمماعيل ،وليمس فمي القرآن
أنمه بشمر بولد إل إسمحاق .احتمج ممن قال إنمه إسمماعيل :بأن ال تعالى وصمفه بالصمبر دون إسمحاق
فمي قوله تعالى" :وإسمماعيل وإدريمس وذا الكفمل كمل ممن الصمابرين" [النمبياء ]85 :وهمو صمبره
على الذبح ،ووصفه بصدق الوعد في قوله" :إنه كان صادق الوعد" [مريم]54 :؛ لنه وعد أباه
ممن نفسمه الصمبر على الذبمح فوفمى بمه؛ ولن ال تعالى قال" :وبشرناه بإسمحاق نبيما" فكيمف يأمره
بذبحمه وقمد وعده أن يكون نبيما ،وأيضما فإن ال تعالى قال" :فبشرناهما بإسمحاق وممن وراء إسمحاق
يعقوب" [هود ]71 :فكيمف يؤممر بذبمح إسمحاق قبمل إنجاز الوعمد فمي يعقوب .وأيضما ورد فمي
الخبار تعليمق قرن الكبمش فمي الكعبمة ،فدل على أن الذبيمح إسمماعيل ،ولو كان إسمحاق لكان الذبمح
يقمع بمبيت المقدس .وهذا السمتدلل كله ليمس بقاطمع؛ أمما قولهمم :كيمف يأمره بذبحمه وقمد وعده بأنمه
يكون نبيما ،فإنمه يحتممل أن يكون المعنمى :وبشرناه بنبوتمه بعمد أن كان ممن أمره مما كان؛ قال ابمن
عباس وسميأتي .ولعله أممر بذبمح إسمحاق بعمد أن ولد لسمحاق يعقوب .قال :لم يرد فمي القرآن أن
يعقوب يولد مممن إسممحاق .وأممما قولهممم :ولو كان الذبيممح إسممحاق لكان الذبممح يقممع بممبيت المقدس،
فالجواب عنممه ممما قاله سممعيد بممن جممبير على ممما تقدم .وقال الزجاج :ال أعلم أيهممما الذبيممح .وهذا
مذهب ثالث.
@قوله تعالى" :قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى" قال مقاتل :رأى ذلك
إبراهيم عليه السلم ثلث ليال متتابعات .وقال محمد بن كعب :كانت الرسل يأتيهم الوحي من ال
تعالى أيقاظما ورقودا؛ فإن النمبياء ل تنام قلوبهمم .وهذا ثابمت فمي الخمبر المرفوع ،قال صملى ال
عليه وسلم( :إنا معاشر النبياء تنام أعيننا ول تنام قلوبنا) .وقال ابن عباس :رؤيا النبياء وحي؛
واستدل بهذه الية .وقال السدي :لما بشر إبراهيم بإسحاق قبل أن يولد له قال هو إذا ل ذبيح .فقيل
له في منامه :قد نذرت فف بنذرك .ويقال :إن إبراهيم رأى في ليلة التروية كأن قائل يقول :إن ال
يأمرك بذبمح ابنمك؛ فلمما أصمبح روى فمي نفسمه أي فكمر أهذا الحلم ممن ال أم ممن الشيطان؟ فسممي
يوم التروية .فلما كانت الليلة الثانية رأى ذلك أيضا وقيل له الوعد ،فلما أصبح عرف أن ذلك من
ال فسممي يوم عرفمة .ثمم رأى مثله فمي الليلة الثالثمة فهمم بنحره فسممي يوم النحمر .وروي أنمه لمما
ذبحمه قال جبريمل :ال أكمبر ال أكمبر .فقال الذبيمح :ل إله إل ال وال أكمبر .فقال إبراهيمم :ال أكمبر
والحممد ل؛ فبقمي سمنة .وقمد اختلف الناس فمي وقوع هذا الممر فقال أهمل السمنة :إن نفمس الذبمح لم
يقع ،وإنما وقع المر بالذبح قبل أن يقع الذبح ،ولو وقع لم يتصور رفعه ،فكان هذا من باب النسخ
قبل الفعل؛ لنه لو حصل الفراغ من امتثال المر بالذبح ما تحقق الفداء .وقوله تعالى" :قد صدقت
الرؤيا" :أي حققت ما نبهناك عليه ،وفعلت ما أمكنك ثم امتنعت لما منعناك .هذا أصح ما قيل به
فمي هذا الباب .وقالت طائفمة :ليمس هذا ممما ينسمخ بوجمه؛ لن معنمى ذبحمت الشيمء قطعتمه .واسمتدل
على هذا بقول مجاهممد :قال إسممحاق لبراهيممم ل تنظممر آلي فترحمنممي ،ولكممن اجعممل وجهممي إلى
الرض؛ فأخذ إبراهيم السكين فأمرها على حلقة فانقلبت .فقال له ما لك؟ قال :انقلبت السكين .قال
اطعنمي بهما طعنما .وقال بعضهمم :كان كلمما قطمع جزءا التأم .وقالت طائفمة :وجمد حلقمه نحاسما أو
مغشى بنحاس ،وكان كلما أراد قطعا وجد منعا .وهذا كله جائز في القدرة اللهية .لكنه يفتقر إلى
نقمل صحيح ،فإنه أممر ل يدرك بالنظمر وإنما طريقه الخمبر .ولو كان قد جرى ذلك لبينمه ال تعالى
تعظيما لرتبة إسماعيل وإبراهيم صلوات ال عليهما ،وكان أولى بالبيان من الفداء .وقال بعضهم:
إن إبراهيم ما أمر بالذبح الحقيقي الذي هو فري الوداج وإنهار الدم ،وإنما رأى أنه أضجعه للذبح
فتوهم أنه أمر بالذبح الحقيقي ،فلما أتى بما أمر به من الضجاع قيل له" :قد صدقت الرؤيا" وهذا
كله خارج عمن المفهوم .ول يظمن بالخليمل والذبيمح أن يفهمما ممن هذا الممر مما ليمس له حقيقمة حتمى
يكون منهما التوهم .وأيضا لو صحت هذه الشياء لما احتيج إلى الفداء.
@قوله تعالى" :فانظمر ماذا ترى" قرأ أهمل الكوفمة غيمر عاصمم "ماذا ترى" بضمم التاء وكسمر
الراء ممن أرِى يُري .قال الفراء :أي فانظمر ماذا ترى ممن صمبرك وجزعمك .قال الزجاج :لم يقمل
هذا أحد غيره ،وإنما قال العلماء ماذا تشير؛ أي ما تريك نفسك من الرأي .وأنكر أبو عبيد "تُرى"
وقال :إنممما يكون هذا مممن رؤيممة العيممن خاصممة .وكذلك قال أبممو حاتممم .النحاس :وهذا غلط ،وهذا
يكون من رؤية العين وغيرها وهو مشهور ،يقال :أريت فلنا الصواب ،وأريته رشده ،وهذا ليس
ممن رؤيمة العيمن .الباقون "ترى" مضارع رأيمت .وقمد روي عمن الضحاك والعممش "ترى" غيمر
مسممى الفاعمل .ولم يقمل له ذلك على وجمه المؤامرة فمي أممر ال ،وإنمما شاوره ليعلم صمبره لممر
ال؛ أو لتقر عينه إذا رأى من ابنه طاعة في أمر ال فم "قال ياأبت افعل ما تؤمر" أي ما تؤمر به
فحذف الجار كما حذف من قوله:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
فوصممل الفعممل إلى الضميممر فصممار تؤمره ثممم حذفممت الهاء؛ كقول" :وسمملم على عباده الذيممن
اصطفى" [النمل ]59 :أي اصطفاهم على ما تقدم .و"ما" بمعنى الذي" .ستجدني إن شاء ال من
الصمابرين" قال بعض أهمل الشارة :لمما استثنى وفقه ال للصبر .وقمد مضمى الكلم فمي "يما أبمت"
[يوسف ]4 :وكذلك في "يا بني" [يوسف ]5 :في "يوسف" وغيرها.
@قوله تعالى" :فلما أسلما" أي انقادا لمر ال .وقرأ ابن مسعود وابن عباس وعلي وضوان ال
عليهم "فلما سلما" أي فوضا أمرهما إلى ال .وقال ابن عباس :استسلما .وقال قتادة :أسلم أحدهما
نفسممه ل عممز وجممل وأسمملم الخممر ابنممه" .وتله للجممبين" قال قتادة :كبممه وحول وجهممه إلى القبلة.
وجواب "لممما" محذوف عنممد البصممريين تقديره "فلممما أسمملما وتله للجممبين" فديناه بكبممش .وقال
الكوفيون :الجواب "ناديناه" والواو زائدة مقحممة؛ كقوله" :فلمما ذهبوا بمه وأجمعوا أن يجعلوه فمي
غيابمة الجمب وأوحينما" [يوسمف ]15 :أي أوحينما .وقول" :وهمم ممن كمل حدب ينسملون" [النمبياء:
" .]96واقترب" أي اقترب .وقوله" :حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال" [الزمر ]73 :أي
قال لهم .وقال امرؤ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى
أي انتحى ،والواو زائدة .وقال أيضا:
ورأيتم أبناءكم شبوا حتى إذا حملت بطونكم
إن اللئيم الفاجر الخب وقلبتم ظهر المجن لنا
أراد قلبتممم .النحاس :والواو مممن حروف المعانممي ل يجوز أن تزاد .وفممي الخممبر :إن الذبيممح قال
لبراهيمم عليمه السملم حيمن أراد ذبحمه :يما أبمت أشدد رباطمي حتمى ل أضطرب؛ واكفمف ثيابمك لئل
ينتضمح عليهما شيمء ممن دممي فتراه أممي فتحزن ،وأسمرع ممر السمكين على حلقمى ليكون الموت
أهون علي وأقذفنمي للوجمه؛ لئل تنظمر إلى وجهمي فترحمنمي ،ولئل أنظمر إلى الشفرة فأجزع ،وإذا
أتيت إلى أمي فأقرئها مني السلم .فلما جر إبراهيم عليه السلم السكين ضرب ال عليه صفيحة
ممن نحاس ،فلم تعممل السمكين شيئا ،ثمم ضرب بمه على جمبينه وحمز فمي قفاه فلم تعممل السمكين شيئا؛
فذلك قوله تعالى" :وتله للجبين" كذلك فال ابن عباس :معناه كبه على وجهه فنودي "يا إبراهيم قد
صممدقت الرؤيمما" فالتفممت فإذا بكبممش؛ ذكره المهدوي .وقممد تقدمممت الشارة إلى عدم صممحته ،وأن
المعنى لما اعتقد الوجوب وتهيأ للعمل؛ هذا بهيئة الذبح ،وهذا بصورة المذبوح ،أعطيا محل للذبح
فداء ولم يكمن هناك ممر سمكين .وعلى هذا يتصمور النسمخ قبمل الفعمل على مما تقدم .وال أعلم .قال
الجوهري" :وتله للجمبين" أي صمرعه؛ كمما تقول :كبمه لوجهمه .الهروي :والتمل الدفمع والصمرع؛
ومنه حديث أبي الدرداء رضي ال عنه( :وتركوك لمتلك) أي لمصرعك .وفي حديث آخر( :فجاء
بناقمة كوماء فتلهما) أي أناخهما .وفمي الحديمث( :بينما أنما نائم أتيمت بمفاتيمح خزائن الرض فتلت فمي
يدي) قال ابممن النباري :أي فألقيممت فممي يدي؛ يقال :تللت الرجممل إذا ألقيتممه .قال ابممن العرابممي:
فصبت في يدي؛ والتل الصب؛ يقال :تل يتل إذا صب ،وتل يتل بالكسر إذا سقط.
قلت :وفمي صمحيح مسملم عمن سمهل بمن سمعد السماعدي أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم أتمي
بشراب فشرب منممه ،وعممن يمينممه غلم وعممن يسمماره أشياخ؛ فقال للغلم( :أتأذن لي أن أعطممي
هؤلء) فقال الغلم :ل وال ،ل أوثر بنصيبي منك أحدا .قال؛ فتله رسول ال صلى ال عليه وسلم
فمي يده؛ يريمد جعله فمي يده .وقال بعمض أهمل الشارة :إن إبراهيمم ادعمى محبمة ال ،ثمم نظمر إلى
الولد بالمحبة ،فلم يرض حبيبه محبة مشتركة؛ فقيل له :يا إبراهيم اذبح ولدك في مرضاتي ،فشمر
وأخمذ السمكين وأضجمع ولده ،ثمم قال :اللهمم تقبله منمي فمي مرضاتمك .فأوحمى ال إليمه :يما إبراهيمم لم
يكمن المراد ذبمح الولد ،وإنمما المراد أن ترد قلبمك إلينما ،فلمما رددت قلبمك بكليتمه إلينما رددنما ولدك
إليك .وقال كعب وغيره :لما أرى إبراهيم ذبح ولده في منامه ،قال الشيطان :وال لئن لم أفتن عند
هذا آل إبراهيمم ل أفتمن منهمم أحدا أبدا .فتمثمل الشيطان لهمم فمي صمورة الرجمل ،ثمم أتمى أم الغلم
وقال :أتدرين أين يذهب إبراهيم بابنك؟ قالت :ل .قال :إنه يذهب به ليذبحه .قالت :كل هو أرأف
بمه ممن ذلك .فقال :إنمه يزعمم أن ربمه أمره بذلك .قالت :فإن كان ربمه قمد أمره بذلك فقمد أحسمن أن
يطيمع ربمه .ثمم أتمى الغلم فقال :أتدري أيمن يذهمب بمك أبوك؟ قال :ل .قال :فإنمه يذهمب بمك ليذبحمك.
قال :ولم؟ قال :زعمم أن ربمه أمره بذلك .قال :فليفعمل مما أمره ال بمه ،سممعا وطاعمة لممر ال .ثمم
جاء إبراهيمم فقال :أيمن تريمد؟ وال إنمي لظمن أن الشيطان قمد جاءك فمي مناممك فأمرك بذبمح ابنمك.
فعرفمه إبراهيمم فقال :إليمك عنمي يما عدو ال ،فوال لمضيمن لممر ربمي .فلم يصمب ،الملعون منهمم
شيئا .وقال ابن عباس :لما أمر إبراهيم بذبح ابنه عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع
حصميات حتمى ذهمب ،ثمم عرض له عنمد الجمرة الوسمطى فرماه بسمبع حصميات حتمى ذهمب ،ثمم
عرض له عند الجمرة الخرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم مضى إبراهيم لمر ال تعالى.
واختلف فمي الموضمع الذي أراد ذبحمه فيمه فقيمل :بمكمة فمي المقام .وقيمل :فمي المنحمر بمنمى عنمد
الجمار التمي رممى بهما إبليمس لعنمه ال؛ قاله ابمن عباس وابمن عممر ومحممد بمن كعمب وسمعيد بمن
المسميب .وحكمي عمن سمعيد بمن جمبير :أنمه ذبحمه على الصمخرة التمي بأصمل ثمبير بمنمى .وقال ابمن
جريمج :ذبحمه بالشام وهمو ممن بيمت المقدس على ميليمن .والول أكثمر؛ فإنمه ورد فمي الخبار تعليمق
قرن الكبش في الكعبة ،فدل على أنه ذبحه بمكة .وقال ابن عباس :فوالذي نفسي بيده لقد كان أول
السلم ،وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه من ميزاب الكعبة وقد يبس .أجاب من قال بأن الذبح وقع
بالشام :لعل الرأس حمل من الشام إلى مكة .وال أعلم.
@قوله تعالى" :إنا كذلك نجزي المحسنين" أي نجزيهم بالخلص من الشدائد في الدنيا والخرة.
"إن هذا لهو البلء المبين" أي النعمة الظاهرة؛ يقال :أبله ال إبلء وبلء إذا أنعم عليه .وقد يقال
بله .قال زهير:
فأبلهما خير البلء الذي يبلو
فزعممم قوم أنممه جاء باللغتيممن .وقال آخرون :بممل الثانممي مممن بله يبلوه إذا اختممبره ،ول يقال مممن
الختبار إل بله يبلوه ،ول يقال مممن البتلء يبلوه .وأصممل هذا كله مممن الختبار أن يكون بالخيممر
والشمر؛ قال ال عز وجل" :ونبلوكم بالشمر والخير فتنمة" [النمبياء .]35 :وقال أبو زيمد :هذا من
البلء الذي نزل به في أن يذبح ابنه؛ قال :وهذا من البلء المكروه.
@قوله تعالى" :وفديناه بذبمح عظيمم" الذبمح اسمم المذبوح وجمعمه ذبوح؛ كالطحمن اسمم المطحون.
والذبح بالفتمح المصمدر" .عظيمم" أي عظيمم القدر ولم يرد عظيمم الجثمة .وإنمما عظمم قدره لنه فدى
به الذبيح؛ أو لنه متقبل .قال النحاس :عظيم في اللغة يكون للكبير وللشريف .وأهل التفسير على
أنمه ههنما للشريمف ،أو المتقبمل .وقال ابمن عباس :هو الكبمش الذي تقرب بمه هابيمل ،وكان فمي الجنمة
يرعمى حتمى فدى ال بمه إسمماعيل .وعنمه أيضما :أنمه كبمش أرسمله ال ممن الجنمة كان قمد رعمى فمي
الجنمة أربعيمن خريفما .وقال الحسمن :مما فدي إسمماعيل إل بتيمس ممن الروى هبمط عليمه ممن ثمبير،
فذبحه إبراهيم فداء عن ابنه ،وهذا قول علي رصي ال عنه .فلما رآه إبراهيم أخذه فذبحه وأعتق
ابنمه .وقال :يما بنمي اليوم وهبمت لي .وقال أبمو إسمحاق الزجاج :قمد قيمل أنمه فدي بوعمل ،والوعمل:
التيس الجبلي .وأهل التفسير على أنه فدي بكبش.
@ فمي هذه اليمة دليمل على أن الضحيمة بالغنمم أفضمل ممن البمل والبقمر .وهذا مذهمب مالك
وأصممحابه .قالوا :أفضممل الضحايمما الفحول مممن الضأن ،وإناث الضأن أفضممل مممن فحممل المعممز،
وفحول المعز خير من إناثها ،وإناث المعز خير من البل والبقر .وحجتهم قوله سبحانه وتعالى:
"وفديناه بذبح عظيم" أي ضخم الجثة سمين ،وذلك كبش ل جمل ول بقرة .وروى مجاهد وغيره
عمن ابمن عباس أنمه سمأل رجمل :إنمي نذرت أن أنحمر ابنمي؟ فقال :يجزيمك كبمش سممين ،ثمم قرأ:
"وفديناه بذبح عظيم" .وقال بعضهم :لو علم ال حيوانا أفضل من الكبش لفدى به إسحاق .وضحى
رسول ال صلى ال عليه وسلم بكبشين أملحين .وأكثر ما ضحي به الكباش .وذكر ابن أبي شيبة
عن ابن علية عن الليث عن مجاهد قال :الذبح العظيم الشاة.
@ واختلفوا أيهمما أفضمل :الضحيمة أو الصمدقة بثمنهما .فقال مالك وأصمحابه :الضحيمة أفضمل إل
بمنمى؛ لنمه ليمس موضمع الضحيمة؛ حكاه أبمو عممر .وقال ابمن المنذر :روينما عمن بلل أنمه قال :مما
أبالي أل أضحي إل بديك ولن أضعه في يتيم قد ترب فيه -هكذا قال المحدث -أحب إلي من أن
أضحممي بممه .وهذا قول الشعممبي إن الصممدقة أفضممل .وبممه قال مالك وأبممو ثور .وفيممه قول ثان :إن
الضحيمة أفضمل؛ هذا قول ربيعمة وأبمي الزناد .وبمه قال أصمحاب الرأي .زاد أبمو عممر وأحممد بمن
حنبل قالوا :الضحية أفضل من الصدقة؛ لن الضحية سنة مؤكدة كصلة العيد .ومعلوم أن صلة
العيمد أفضمل ممن سمائر النوافمل .وكذلك صملوات السمنن أفضمل ممن التطوع كله .فال أبمو عممر :وقمد
روي في فضل الضحايا آثار حسان؛ فمنها ما رواه سعيد بن داود بن أبي زنبر عن مالك عن ثور
بمن زيمد عمن عكرممة عمن ابمن عباس قال :قال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم( :مما ممن نفقمة بعمد
صملة الرحمم أفضمل عنمد ال ممن إهراق الدم) قال أبمو عممر :وهمو حديمث غريمب ممن حديمث مالك.
وعمن عائشمة قالت :يما أيهما الناس ضحوا وطيبوا أنفسما؛ فإنمي سممعت رسمول ال صملى ال عليمه
وسمملم يقول( :ممما مممن عبممد توجممه بأضحيتممه إلى القبلة إل كان دمهمما وقرنهمما وصمموفها حسممنات
محضرات فمي ميزانمه يوم القياممة فإن الدم إن وقمع فمي التراب فإنمما يقمع فمي حرز ال حتمى يوفيمه
صماحبه يوم القياممة) ذكره أبمو عممر فمي كتات التمهيمد .وخرج الترمذي أيضما عنهما أن رسمول ال
صملى ال عليمه وسملم قال( :مما عممل آدممي ممن عممل يوم النحمر أحمب إلى ال ممن إهراق الدم إنهما
لتأتممي يوم القيامممة بقرونهمما وأشعارهمما وأظلفهمما ،وإن الدم ليقممع مممن ال بمكان قبممل أن يقممع إلى
الرض فطيبوا بهما نفسما) قال :وفمي الباب عمن عمران بمن حصمين وزيمد بمن أرقمم .وهذا حديمث
حسن.
@ الضحيمة ليسمت بواجبمة ولكنهما سمنة ومعروف .وقال عكرممة :كان ابمن عباس يبعثنمي يوم
الضحى بدرهمين اشتري له لحما ،ويقول :ممن لقيمت فقل هذه أضحية ابن عباس .قال أبو عمر:
ومجمممل هذا وممما روي عممن أبممي بكممر وعمممر أنهممما ل يضحيان عنممد أهممل العلم؛ لئل يعتقممد فممي
المواظبمة عليهما أنهما واجبمة فرض ،وكانوا أئممة يقتدي بهمم ممن بعدهمم مممن ينظمر فمي دينمه إليهمم؛
لنهمم الواسمطة بيمن النمبي صملى ال عليمه وسملم وبيمن أمتمه ،فسماغ لهمم ممن الجتهاد فمي ذلك مما ل
يسموغ اليوم لغيرهمم .وقمد حكمى الطحاوي فمي مختصمره :وقال أبمو حنيفمة :الضحيمة واجبمة على
المقيميممن الواجديممن مممن أهممل المصممار ،ول تجممب على المسممافر .قال :ويجممب على الرجممل مممن
الضحيمة على ولده الصمغير مثمل الذي يجمب عليمه ممن نفسمه .وخالفمه أبمو يوسمف ومحممد فقال:
ليست بواجبة ولكنها سنة غير مرخص لمن وجد السبيل إليها في تركها .قال :وبه نأخذ .قال أبو
عمر :وهذا قول مالك؛ قال :ل ينبغي لحد تركها مسافرا كان أو مقيما ،فإن تركها فبئس ما صنع
إل أن يكون له عذر إل الحاج بمنى .وقال المام الشافعي :هي سنة على جميع الناس وعلى الحاج
بمنى وليست بواجبة .وقد احتج من أوجبها بأن النبي صلى ال عليه وسلم أمر أبا بردة بن نيار أن
يعيد ضحية أخرى؛ لن ما لم يكن فرضا ل يؤمر فيه بالعادة .احتج آخرون بحديث أم سلمة عن
النمبي صملى ال عليه وسلم أنمه قال( :إذا دخل العشمر وأراد أحدكمم أن يضحمى) قالوا :فلو كان ذلك
واجبا لم يجعل ذلك إلى إرادة المضي .وهو قول أبي بكر وعمر وأبي مسعود البدري وبلل.
@ والذي يضحى به بإجماع المسلمين الزواج الثمانية :وهي الضأن والمعز والبل والبقر .قال
ابمن المنذر :وقمد حكمي عمن الحسمن بمن صمالح أنمه قال :يضحمى ببقرة الوحمش عمن سمبعة ،وبالظمبي
عممن رجممل .وقال المام الشافعممي :لو نزا ثور وحشممي على بقرة إنسممية ،أو ثور إنسممي على بقرة
وحشيمة ل يجوز شيمء ممن هذا أضحيمة .وقال أصمحاب الرأي :جائز؛ لن ولدهما بمنزلة أممه .وقال
أبو ثور :يجوز إذا كان منسوبا إلى النعام.
@ وقمد مضمى فمي سمورة "الحمج" الكلم فمي وقمت الذبمح والكمل ممن الضحيمة مسمتوفى .وفمي
صحيح مسلم عن أنس قال( :ضحى النبي صلى ال عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده
وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما) في رواية قال( :ويقول بسم ال وال أكبر) وقد مضى
فمي آخر "النعام" حديث عمران بن حصين ،ومضى في "المائدة" القول في التذكية وبيانها وما
يذكمى به ،وأن ذكاة الجنين ذكاة أممه مستوفى .وفمي صمحيح مسلم عن عائشة أن رسول ال صلى
ال عليه وسلم (أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي
بمه) فقال لهما( :يما عائشمة هلممي المديمة) ثمم قال( :اشحذيهما بحجمر ففعلت ،ثمم أخذهما وأخمذ الكبمش
فأضجعه ثم ذبحه ،ثم قال( :بسم ال اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد) ثم ضحى به.
وقمد اختلف العلماء فمي هذا فكان الحسمن البصمري يقول فمي الضحية :بسمم ال وال أكمبر هذا منك
ولك تقبمممل ممممن فلن .وقال مالك :إن فعمممل ذلك فحسمممن ،وإن لم يفعمممل وسممممى ال أجزأه .وقال
الشافعي :والتسمية على الذبيحة بسم ال ،فإن زاد بعد ذلك شيئا من ذكر ال ،أو صلى على محمد
عليه السلم لم أكرهه ،أو قال اللهم تقبل مني ،أو قال تقبل من فلن فل بأس .وقال النعمان :يكره
أن يذكمر ممع اسمم ال غيره؛ يكره أن يقول :اللهمم تقبمل ممن فلن عنمد الذبمح .وقال :ل بأس إذا كان
قبمل التسممية وقبمل أن يضجمع للذبمح .وحديمث عائشمة يرد هذا القول .وقمد تقدم أن إبراهيممم عليمه
السلم قال لما أراد ذبح ابنه :ال أكبر والحمد ل .فبقي سنة.
@ روى البراء بن عازب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سئل :ماذا يتقى من الضحايا؟ فأشار
بيده وقال( :أربعما -وكان البراء يشيمر بيده ويقول يدي أقصمر ممن يمد رسمول ال صملى ال عليمه
وسملم -العرجاء البيمن ظلعهما والعوراء البيمن عورهما والمريضمة البيمن مرضهما والعجفاء التمي ل
تنقمي) لفمظ مالك ول خلف فيمه .واختلف فمي اليسمير ممن ذلك .وفمي الترمذي عمن علي رضمي ال
عنه قال :أمرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أن نستشرف العين والذن وأل نضحي بمقابلة ول
مدابرة ول شرقاء ول خرقاء .قال :والمقابلة مما قطمع طرف أذنهما ،والمدابرة مما قطمع ممن جانمب
الذن ،والشرقاء المشقوقمة ،والخرقاء المثقوبمة؛ قال هذا حديمث حسمن صمحيح .وفمي الموطمأ عمن
نافع :أن عبدال بمن عممر كان يتقمي من الضحايما والبدن التي لم تسمنن والتمي نقص ممن خلقهما .قال
مالك :وهذا أحب ما سمعت إلي .قال القتبي :لم تسنن أي لم تنبت أسنانها كأنها لم تعط أسنانا .وهذا
كمما يقال :فلن لم يلبمن أي لم يعمط لبنما ،ولم يسممن أي لم يعمط سممنا ،ولم يعسمل أي لم يعمط عسمل.
وهذا مثمل النهمي فمي الضاحمي عمن الهتماء .قال أبمو عممر :ول بأس أن يضحمى عنمد مالك بالشاة
الهتماء إذا كان سمقوط أسمنانها ممن الكمبر والهرم وكانمت سممينة؛ فإن كانمت سماقطة السمنان وهمي
فتية لم يجز أن يضحى بها؛ لنه عيب غير خفيف .والنقصان كله مكروه ،وشرحه وتفصيله في
كتب الفقه .وفي الخبر عن النبي صلى ال عليه وسلم( :استشرقوا ضحاياكمم فإنها على الصمراط
مطاياكم) ذكره الزمخشري.
@ ودلت الية على أن من نذر نحر ابنه أو ذبحه أنه يفديه بكبش كما فدى به إبراهيم ابنه؛ قال
ابممن عباس .وعنممه روايممة أخرى :ينحممر مائة مممن البممل كممما فدى بهمما عبدالمطلب ابنممه؛ روى
الروايتيمن عنه الشعبي .وروى عنه القاسمم بن محممد :يجزيمه كفارة يمين .وقال مسمروق :ل شيمء
عليمه .وقال الشافعمي :همو معصمية يسمتغفر ال منهما .وقال أبمو حنيفة :همي كلممة يلزممه بهما فمي ولده
ذبح شاة ول يلزمه في غير ولده شيء .قال محمد :عليه في الحلف بنحر عبده مثل الذي عليه في
الحلف بنحمر ولده إذا حنمث .وذكمر ابمن عبدالحكمم عمن مالك فيممن قال :أنما أنحمر ولدي عنمد مقام
إبراهيمم فمي يميمن ثمم حنمث فعليمه هدي .قال :وممن نذر أن ينحمر ابنمه ولم يقمل عنمد مقام إبراهيمم ول
أراد فل شيء عليه .قال :ومن جعل ابنه هديا أهدى عنه؛ قال القاضي ابن العربي :يلزمه شاة كما
قال أبمو حنيفمة؛ لن ال تعالى جعمل ذبمح الولد عبارة عمن ذبمح الشاة شرعما ،فألزم ال إبراهيمم ذبمح
الولد ،وأخرجمه عنمه بذبمح شاة .وكذلك إذا نذر العبمد ذبمح ولده يلزممه أن يذبمح شاة؛ لن ال تعالى
قال" :ملة أبيكمم إبراهيمم" [الحمج ]78 :واليمان التزام أصملي ،والنذر التزام فرعمي؛ فيجمب أن
يكون محمول عليمه .فإن قيمل :كيمف يؤممر إبراهيمم بذبمح الولد وهمو معصمية والممر بالمعصمية ل
يجوز .قلنما :هذا اعتراض على كتاب ال ،ول يكون ذلك مممن يعتقمد السملم ،فكيمف بممن يفتمي فمي
الحلل والحرام ،وقمد قال ال تعالى" :أفعمل مما تؤممر" والذي يجلو اللباس عمن قلوب الناس فمي
ذلك :أن المعاصمي والطاعات ليسمت بأوصماف ذاتيمة للعيان ،وإنمما الطاعات عبارة عمما تعلق بمه
الممر ممن الفعال ،والمعصمية عبارة عمما تعلق بمه النهمي ممن الفعال ،فلمما تعلق الممر بذبمح الولد
إسمماعيل ممن إبراهيمم صمار طاعمة وابتلء ،ولهذا قال ال تعالى" :إن هذا لهمو البلء الممبين" فمي
الصمبر على ذبح الولد والنفمس ،ولمما تعلق النهي بنا فمي ذبمح أبنائنما صمار معصمية .فإن قيمل :كيمف
يصير نذرا وهو معصية .قلنا :إنما يكون معصية لو كان يقصد ذبح الولد بنذره ول ينوي الفداء؟
فإن قيمل :فلو وقمع ذلك وقصمد المعصمية ولم ينمو الفداء؟ قلنما :لو قصمد ذلك لم يضره فمي قصمده ول
أثر في نذره؛ لن نذر الولد صار عبارة عن ذبح الشاة شرعا.
@قوله تعالى" :وتركنما عليمه فمي الخريمن" أي على إبراهيمم ثناء جميل فمي الممم بعده؛ فمما ممن
أممة إل تصملي عليمه وتحبمه .وقيمل :همو دعاء إبراهيمم عليمه السملم "واجعمل لي لسمان صمدق فمي
الخرين" [الشعراء .]84 .وقال عكرمة :هو السلم على إبراهيم أي سلما منا .وقيل :سلمة له
ممن الفات مثمل" :سملم على نوح فمي العالميمن" [الصمافات ]79 :حسمب مما تقدم" .كذلك نجزي
المحسنين .إنه من عبادنا المؤمنين" أي من الذين أعطوا العبودية حقها حتى استحقوا الضافة إلى
ال تعالى.
@قوله تعالى" :وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين" قال ابن عباس :بشر بنبوته وذهب إلى أن
البشارة كانت مرتين؛ فعلى هذا الذبيح هو إسحاق بشر بنبوته جزاء على صبره ورضاه بأمر ربه
واسمتسلمه له" .وباركنما عليمه وعلى إسمحاق" أي ثنينما عليهمما النعممة وقيمل كثرنما ولدهمما؛ أي
باركنما على إبراهيمم وعلى أولده ،وعلى إسمحاق حيمن أخرج أنمبياء بنمي إسمرائيل ممن صملبه .وقمد
قيمل :إن الكنايمة في "عليه" تعود على إسماعيل وأنه هو الذبيح .قال المفضل :الصمحيح الذي يدل
عليمه القرآن أنمه إسمماعيل ،وذلك أنمه قمص قصمة الذبيمح ،فلمما قال فمي آخمر القصمة" :وفديناه بذبمح
عظيممم" ثممم قال" :سمملم عممل إبراهيممم .كذلك نجزي المحسممنين" قال" :وبشرناه بإسممحاق نبيمما مممن
الصمالحين .وباركنما عليمه" أي على إسمماعيل "وعلى إسمحاق" كنمى عنمه؛ لنمه قمد تقدم ذكره .ثمم
قال" :ومن ذريتهما" فدل على أنها ذرية إسماعيل وإسحاق ،وليس تختلف الرواة في أن إسماعيل
كان أكبر من إسحاق بثلث عشرة سنة.
قلت :قد ذكرنا أول ما يدل على أن إسحاق أكبر من إسماعيل ،وأن المبشر به هو إسحاق بنص
التنزيمل؛ فإذا كانمت البشارة بإسمحاق نصما فالذبيمح ل شمك همو إسمحاق ،وبشمر بمه إبراهيمم مرتيمن؛
الولى بولدتمه والثانيمة بنبوتمه؛ كمما قال ابمن عباس .ول تكون النبوة إل فمي حال الكمبر و"نبيما"
نصب على الحال والهاء في "عليه" عائدة إلى إبراهيم وليس لسماعيل في الية ذكر حتى ترجع
الكناية إليه .وأما ما روي من طريق معاوية قال :سمعت رجل يقول للنبي صلى ال عليه وسلم:
يما ابن الذبيحيمن؛ فضحمك النمبي صملى ال عليمه وسملم .ثمم قال معاويمة :إن عبدالمطلب لمما حفمر بئر
زمزم ،نذر ل إن سهل عليمه أمرها ليذبحمن أحد ولده ل ،فسمهل ال عليه أمرهما ،فوقمع السمهم على
عبدال ،فمنعمه أخواله بنمو مخزوم؛ وقالوا :أفمد ابنمك؛ ففداه بمائة من البمل وهمو الذبيمح ،وإسمماعيل
هو الذبيح الثاني فل حجة فيه؛ لن سنده ل يثبت على ما ذكرناه في كتاب العلم في معرفة مولد
المصمطفى عليمه الصملة والسملم؛ ولن العرب تجعمل العمم أبما؛ قال ال تعالى" :قالوا نعبمد إلهمك
وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق" [البقرة ]133 :وقال تعالى" :ورفع أبويه على العرش"
[يوسف ]100 :وهما أبوه وخالته .وكذلك ما روي عن الشاعر الفرزدق عن أبي هريرة رضي
ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم لو صح إسناده فكيف وفي الفرزدق نفسه مقال.
@قوله تعالى" :ومن ذريتهما محسن وظالم" لما ذكر البركة في الذرية والكثرة قال :منهم محسن
ومنهمم مسميء ،وإن المسميء ل تنفعمه بنوة النبوة؛ فاليهود والنصمارى وإن كانوا ممن ولد إسمحاق،
والعرب وإن كانوا ممن ولد إسمماعيل ،فل بمد ممن الفرق بيمن المحسمن والمسميء والمؤممن والكافمر،
وفمي التنزيمل" :وقالت اليهود والنصمارى نحمن أبناء ال وأحباؤه" [المائدة ]18 :اليمة؛ أي أبناء
رسل ال فرأوا لنفسهم فضل .وقد تقدم.
**3اليمة{ 122 - 114 :ولقمد مننما على موسمى وهارون ،ونجيناهمما وقومهمما ممن الكرب
العظيم ،ونصرناهم فكانوا هم الغالبين ،وآتيناهما الكتاب المستبين ،وهديناهما الصراط المستقيم،
وتركنما عليهمما فمي الخريمن ،سملم على موسمى وهارون ،إنما كذلك نجزي المحسمنين ،إنهمما ممن
عبادنا المؤمنين}
@قوله تعالى" :ولقد مننا على موسى وهارون" لما ذكر إنجاء إسحاق من الذبح ،وما من به عليه
بعمد النبوة ،ذكمر مما ممن بمه أيضما على موسمى وهرون ممن ذلك .وقوله" :ممن الكرب العظيمم" قيمل:
ممن الرق الذي لحمق بنمي إسمرائيل .وقيمل ممن الغرق الذي لحمق فرعون" .ونصمرناهم" قال الفراء:
الضميممممر لموسمممى وهرون وحدهمممما؛ وهذا على أن الثنيمممن جمممممع؛ دليله قوله" :وآتيتاهممممما"
"وهديناهمما" .وقيمل :الضميمر لموسمى وهرون وقومهمما وهذا همو الصمواب؛ لن قبله "ونجيناهمما
وقومهمما" .و"الكتاب المسمتبين" التوراة؛ يقال اسمتبان كذا أي صمار بينما؛ واسمتبانه فلن مثمل تمبين
الشيممء بنفسممه وتممبينه فلن .و"الصممراط المسممتقيم" الديممن القويممم الذي ل اعوجاج فيممه وهممو ديممن
السلم" .وتركنا عليهما في الخرين" يريد الثناء الجميل" .سلم على موسى وهارون ،إنا كذلك
نجزي المحسنين ،إنهما من عبادنا المؤمنين" تقدم.
**3اليمة{ 123 :وإن إلياس لممن المرسملين ،إذ قال لقوممه أل تتقون ،أتدعون بعل وتذرون
أحسن الخالقين ،ال ربكم ورب آبائكم الولين ،فكذبوه فإنهم لمحضرون ،إل عباد ال المخلصين،
وتركنمما عليممه فممي الخريممن ،سمملم على إل ياسممين ،إنمما كذلك نجزي المحسممنين ،إنممه مممن عبادنمما
المؤمنين}
@قوله تعالى" :وإن إلياس لمن المرسلين" قال المفسرون :إلياس نبي من بني إسمرائيل .وروي
عن ابن مسعود قال :إسرائيل هو يعقوب وإلياس هو إدريس .وقرأ" :وإن إدريس" وقاله عكرمة.
وقال :هو في مصحف عبدال" :وإن إدريس لمن المرسلين" وانفرد بهذا القول .وقال ابن عباس:
هو عم اليسع .وقال ابن إسحاق وغيره :كان القيم بأمر بني إسرائيل بعد يوشع كالب بن يوقنا ثم
حزقيل ،ثم لما قبض ال حزقيل النبي عظمت الحداث في بني إسرائيل ،ونسوا عهد ال وعبدوا
الوثان من دونه ،فبعث ال إليهم إلياس نبيا وتبعه اليسع وآمن به ،فلما عتا عليه بنو إسرائيل دعا
ربممه أن يريحممه منهممم فقيممل له :اخرج يوم كذا وكذا إلى موضممع كذا وكذا فممما اسممتقبلك مممن شيممء
فاركبممه ول تهبممه .فخرج ومعممه اليسممع فقال :يمما إلياس ممما تأمرنممي .فقذف إليممه بكسممائه مممن الجممو
العلى ،فكان ذلك علممة اسمتخلفه إياه على بنمي إسمرائيل ،وكان ذلك آخمر العهمد بمه .وقطمع ال
على إلياس لذة المطعمم والمشرب ،وكسماه الريمش وألبسمه النور ،فطار ممع الملئكمة ،فكان إنسميا
ملكيا سماويا أرضيا .قال ابن قتيبة :وذلك أن ال تعالى قال للياس" :سلني أعطك" .قال :ترفعني
إليمك وتؤخمر عنمي مذاقمة الموت .فصمار يطيمر ممع الملئكمة .وقال بعضهمم :كان قمد مرض وأحمس
الموت فبكمى ،فأوحمى ال إليمه :لم تبمك؟ حرصما على الدنيما ،أو جزعما ممن الموت ،أو خوفما ممن
النار؟ قال :ل ،ول شيمء من هذا وعزتك ،إنمما جزعمي كيمف يحمدك الحامدون بعدي ول أحمدك!
ويذكرك الذاكرون بعدي ول أذكرك! ويصوم الصائمون بعدي ول أصوم! ويصلي المصلون ول
أصلي!! فقيل له" :يا إلياس وعزتي لؤخرنك إلى وقت ل يذكرني فيه ذاكر" .يعني يوم القيامة.
وقال عبدالعزيمز بن أبمي رواد :إن إلياس والخضمر عليهمما السملم يصومان شهمر رمضان فمي كل
عام بمبيت المقدس يوافيان الموسمم فمي كمل عام .وذكمر ابمن أبمي الدنيما؛ إنهمما يقولن عنمد افتراقهمما
عمن الموسمم :مما شاء ال مما شاء ال ،ل يسموق الخيمر إل ال ،مما شاء ال مما شاء ال ،ل يصمرف
السموء إل ال؛ مما شاء ال مما شاء ال ،مما يكون ممن نعممة فممن ال؛ مما شاء ال مما شاء ال؛ توكلت
على ال حسبنا ال ونعم الوكيل .وقد مضى في "الكهف" .وذكر من طريق مكحول عن أنس قال:
غزونما ممع رسمول ال صملى ال عليمه وسملم حتمى إذا كنما بفمج الناقمة عنمد الحجمر ،إذا نحمن بصموت
يقول :اللهمم اجعلنمي ممن أممة محممد المرحوممة ،المغفور لهما ،المتوب عليهما ،المسمتجاب لهما .فقال
رسمول ال صملى ال عليمه وسملم( :يما أنمس ،انظمر مما هذا الصموت) .فدخلت الجبمل ،فإذا أنما برجمل
أبيمض اللحيمة والرأس ،عليمه ثياب بيمض ،طوله أكثمر ممن ثلثمائة ذراع ،فلمما نظمر إلي قال :أنمت
رسول النبي؟ قلت :نعم؛ قال :ارجع إليه فأقرئه مني السلم وقل له :هذا أخوك إلياس يريد لقاءك.
فجاء النبي صلى ال عليه وسلم وأنا معه ،حتى إذا كنا قريبا منه ،تقدم النبي صلى ال عليه وسلم
وتأخرت ،فتحدثما طويل ،فنزل عليهمما شيمء ممن السمماء شبمه السمفرة فدعوانمي فأكلت معهمما ،فإذا
فيهما كمأة ورمان وكرفمس ،فلمما أكلت قممت فتنحيمت ،وجاءت سمحابة فاحتملتمه فإذا أنما أنظمر إلى
بياض ثيابمه فيهما تهوي؛ فقلت للنمبي صملى ال عليمه وسملم :بأبمي أنمت وأممي! هذا الطعام الذي أكلنما
أمن السماء نزل عليه؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :سألته عنه فقال يأتيني به جبريل في كل
أربعين يوما أكلة ،وفي كل حول شربة من ماء زمزم ،وربما رأيته على الجب يمل بالدلو فيشرب
وربما سقاني).
@ قال ثعلب :اختلف الناس في قوله عز وجل ها هنا "بعل" فقالت طائفة :البعل ها هنا الصنم.
وقال طائفممة :البعممل همما هنمما ملك .وقال ابممن إسممحاق :امرأة كانوا يعبدونهمما .والول أكثممر .وروى
الحكمم بمن أبان عمن عكرممة عمن ابمن عباس" :أتدعون بعل" قال :صمنما .وروى عطاء بمن السمائب
عمن عكرممة عمن ابمن عباس" :أتدعون بعل" قال :ربما .النحاس :والقولن صمحيحان؛ أي أتدعون
صمنما عملتموه ربمما .يقال :هذا بعمل الدار أي ربهما .فالمعنمى أتدعون ربما اختلقتموه ،و"أتدعون"
بمعنى أتسمون .حكى ذلك سيبويه .وقال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي :البعل الرب بلغة اليمن.
وسممع ابمن عباس رجل ممن أهمل اليممن يسموم ناقمة بمنمى فقال :ممن بعمل هذه؟ .أي ممن ربهما؛ ومنمه
سمي الزوج بعل .قال أبو دواد:
متقلدا سيفا ورمحا ورأيت بعلك في الوغى
مقاتمل :صمنم كسمره إلياس وهرب منهمم .وقيمل :كان ممن ذهمب وكان طوله عشريمن ذراعما ،وله
أربعممة أوجممه ،فتنوا بممه وعظموه حتممى أخدموه أربعمائة سممادن وجعلوهممم أنممبياءه ،فكان الشيطان
يدخمل فمي جوف بعمل ويتكلم بشريعمة الضللة ،والسمدنة يحفظونهما ويعلمونهما الناس ،وهمم أهمل
بعلبك من بلد الشام .وبه سميت مدينتهم بعلبك كما ذكرنا" .وتذرون أحسن الخالقين" أي أحسن
ممن يقال له خالق .وقيمل :المعنمى أحسمن الصمانعين؛ لن الناس يصمنعون ول يخلقون" .ال ربكمم
ورب آبائكمم الولين" بالنصب فمي السماء الثلثة قرأ الربيع بن خيثمم والحسن وابن أبي إسحاق
وابمن وثاب والعممش وحمزة والكسمائي .وإليهما يذهمب أبمو عبيمد وأبمو حاتمم .وحكمى أبمو عبيمد أنهما
على النعمت .النحاس :وهمو غلط وإنمما همو على البدل ول يجوز النعمت هما هنما؛ لنمه ليمس بتخليمة.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وأبو جعفر وشيبة ونافع بالرفع .قال أبو حاتم :بمعنى هو ال
ربكممم .قال النحاس :وأولى مممما قال -أنممه مبتدأ وخممبر بغيممر إضمار ول حذف .ورأيممت علي بممن
سليمان يذهب إلى أن الرفع أولى وأحسن؛ لن قبله رأس آية فالستئناف أولى .ابن النباري :من
نصمب أو رفمع لم يقمف على "أحسمن الخالقيمن" على جهمة التمام؛ لن ال عمز وجمل مترجمم عمن
"أحسن الخالقين" من الوجهين جميعا.
@قوله تعالى" :فكذبوه" أخمبر عمن قوم إلياس أنهمم كذبوه" .فإنهمم لمحضرون" أي فمي العذاب.
"إل عباد ال المخلصمين" أي ممن قوممه فإنهمم نجوا ممن العذاب .وقرئ "المخلصمين" بكسمر اللم
وقمد تقدم" .وتركنما عليمه فمي الخريمن" تقدم" .سملم على إل ياسمين" قراءة العرج وشيبمة ونافمع.
وقرأ عكرمة وأبو عمرو وابن كثير وحمزة والكسائي" :سلم على إلياسين" .وقرأ الحسن" :سلم
على الياسمين" بوصل اللف كأنها ياسمين دخلت عليها اللف واللم التمي للتعريمف .والمراد إلياس
عليه السلم ،وعليه وقع التسليم ولكنه اسم أعجمي .والعرب تضطرب في هذه السماء العجمية
ويكثمر تغييرهمم لهما .قال ابمن جنمي :العرب تتلعمب بالسمماء العجميمة تلعبما؛ فياسمين وإلياس
والياسمين شيمء واحمد .الزمخشري :وكان حمزة إذا وصمل نصمب وإذا وقمف رفمع .وقرئ" :على
إلياسمين" و"إدريسمين وإدرسمين وإدراسمين" على أنهما لغات فمي إلياس وإدريمس .ولعمل لزيادة الياء
والنون في السريانية معنى .النحاس :ومن قرأ" :سلم على آل ياسين" فكأنه وال أعلم جعل اسمه
إلياس وياسين ثم سلم على آله؛ أي أهل دينه ومن كان على مذهبه ،وعلم أنه إذا سلم على آله من
أجله فهمو داخمل فمي السملم؛ كمما قال النمبي صملى ال عليمه وسملم( :اللهمم صمل على آل أبمي أوفمى)
وقال ال تعالى" :أدخلوا آل فرعون أشمد العذاب" [غافمر .]46 :وممن قرأ "إلياسمين" فللعلماء فيمه
غير قول .فروى هرون عن ابن أبي إسحاق قال :إلياسين مثل إبراهيم يذهب إلى أنه اسم له .وأبو
عبيدة يذهب إلى أنه جمع جمع التسليم على أنه وأهل بيته سلم عليهم؛ وأنشد:
قدني من نصر الخبيبين قدي
يقال :قدنمي وقدي لغتان بمعنمى حسمب .وإنمما يريمد أبما خمبيب عبدال بمن الزبيمر فجمعمه على أن ممن
كان على مذهبه داخل معه .وغير أبي عبيدة يرويه :الخبيبين على التثنية ،يريد عبدال ومصعبا.
ورأيمت علي بمن سمليمان يشرحمه بأكثمر ممن هذا؛ قال :فإن العرب تسممي قوم الرجمل باسمم الرجمل
الجليمل منهمم ،فيقولون :المهالبمة على أنهمم سمموا كمل رجمل منهمم بالمهلب .قال :فعلى هذا "سملم
على إلياسين" سمي كل رجل منهم بإلياس .وقد ذكر سيبويه عي كتابه شيئا من هذا ،إل أنه ذكر
أن العرب تفعل هذا على جهة النسبة؛ فيقولون :الشعرون يريدون به النسب .المهدوي :ومن قرأ
"إلياسين" فهو جمع يدل فيه إلياس فهو جمع إلياسي فحذفت ياء النسبة؛ كما حذفت ياء النسبة في
جميع المكسر في نحو المهالبة في جمع مهلبي ،كذلك حذفت في المسلم فقيل المهلبون .وقد حكى
سيبويه :الشعرون والنميرون يريدون الشعريين والنميريين .السهيلي :وهذا ل يصح بل هي لغة
في إلياس ،ولو أراد ما قالوه لدخل اللف واللم كما تدخل في المهالبة والشعريين؛ فكان يقول:
"سملم على اللياسمين" لن العلم إذا جممع ينكمر حتمى يعرف باللف واللم؛ ل تقول :سملم على
زيديمن ،بمل على الزيديمن باللف واللم .فإلياس عليمه السملم فيمه ثلث لغات .النحاس :واحتمج أبمو
عبيمد فمي قراءتمه "سملم على إلياسمين" وأنه اسممه كمما أن اسممه إلياس لنه ليمس فمي السمورة سملم
على "آل" لغيره مممن النممبياء صمملى ال عليهممم وسمملم ،فكممما سمممي النممبياء كذا سمممي هممو .وهذا
الحتجاج أصله لبي عمرو وهو غير لزم؛ لنا بينا قول أهل اللغة أنه إذا سلم على آله من أجله
فهمو سملم عليمه .والقول بأن اسممه "إلياسمين" يحتاج إلى دليمل وروايمة؛ فقمد وقمع فمي الممر إشكال.
قال الماوردي :وقرأ الحسمن "سملم على ياسمين" بإسمقاط اللف واللم وفيمه وجهان :أحدهمما أنهمم
آل محمد صلى ال عليه وسلم؛ قال ابن عباس .والثاني أنهم آل ياسين؛ فعلى هذا في دخول الزيادة
فممي ياسممين وجهان :أحدهممما :أنهمما زيدت لتسمماوي الي ،كممما قال فممي موضممع" :طور سمميناء"
[المؤمنون ]20 :وفي موضع آخر "طور سينين" [التين ]2 :فعلى هذا يكون السلم على أهله
دونمه ،وتكون الضافمة إليمه تشريفما له .الثانمي :أنهما دخلت للجممع فيكون داخل فمي جملتهمم فيكون
السملم عليمه وعليهمم .قال السمهيلي :قال بعمض المتكلميمن فمي معانمي القرآن :آل ياسمين آل محممد
عليممه السمملم ،ونزع إلى قول مممن قال فممي تفسممير "يممس" يمما محمممد .وهذا القول يبطممل ممن وجوه
كثيرة :أحدهما :أن سمياقة الكلم فمي قصمة إلياسمين يلزم أن تكون كمما همي فمي قصمة إبراهيمم ونوج
وموسمى وهارون وأن التسمليم راجمع عليهمم ،ول معنمى للخروج عمن مقصمود الكلم لقول قيمل فمي
تلك اليمة الخرى ممع ضعمف ذلك القول أيضما؛ فإن "يمس" و"حمم" و"الم" ونحمو ذلك القول فيهما
واحمد ،إنمما همي حروف مقطعمة ،إمما مأخوذة ممن أسمماء ال تعالى كمما قال ابمن عباس ،وإمما ممن
صفات القرآن ،وإما كما قال الشعبي :ل في كل كتاب سر ،وسره في القرآن فواتح القرآن .وأيضا
فإن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قال( :لي خمسمة أسمماء) ولم يذكمر فيهما "يمس" .وأيضما فإن
"يس" جاءت التلوة فيها بالسكون والوقف ،ولو كان اسما للنبي صلى صلى ال عليه وسلم لقال:
"يسمن" بالضمم؛ كمما قال تعالى" :يوسمف أيهما الصمديق" [يوسمف ]46 :وإذا بطمل هذا القول لمما
ذكرناه؛ فمم "إلياسمين" همو إلياس المذكور وعليمه وقمع التسمليم .وقال أبمو عمرو بمن العلء :همو مثمل
إدريمس وإدراسمين ،كذلك همو فمي مصمحف ابمن مسمعود" .وإن إدريمس لممن المرسملين" ثمم قال:
"سلم على إدراسين"" .إنا كذلك نجزي المحسنين ،إنه من عبادنا المؤمنين" تقدم.
**3اليمة{ 138 - 133 :وإن لوطا لمن المرسملين ،إذ نجيناه وأهله أجمعيمن ،إل عجوزا في
الغابرين ،ثم دمرنا الخرين ،وإنكم لتمرون عليهم مصبحين ،وبالليل أفل تعقلون}
@قوله تعالى" :وإن لوطا لمن المرسلين ،إذ نجيناه وأهله أجمعين ،إل عجوزا في الغابرين" تقدم
قصمة لوط" .ثمم دمرنما الخريمن" أي بالعقوبمة" .وإنكمم لتمرون عليهمم مصمبحين" خاطمب العرب:
أي تمرون عمل منازلهمم وآثارهمم "مصمبحين" وقمت الصمباح "وبالليمل" تمرون عليهمم أيضما بالليمل
وتم الكلم" .أفل تعقلون" أي تعتبرون وتتدبرون.
**3الية{ 144 - 139 :وإن يونس لمن المرسلين ،إذ أبق إلى الفلك المشحون ،فساهم فكان
ممن المدحضيمن ،فالتقممه الحوت وهمو مليمم ،فلول أنمه كان ممن المسمبحين ،للبمث فمي بطنمه إلى يوم
يبعثون}
@قوله تعالى" :وإن يونس لمن المرسلين" يونس هو ذو النون ،وهو ابن متى ،وهو ابن العجوز
التمي نزل عليهما إلياس ،فاسمتخفى عندهما ممن قوممه سمتة أشهمر ويونمس صمبي يرضمع ،وكانمت أم
يونمس تخدممه بنفسمها وتؤانسمه ،ول تدخمر عنمه كراممة تقدر عليهما .ثمم إن إلياس سمئم ضيمق البيوت
فلحمق بالجبال ،ومات ابمن المرأة يونمس ،فخرجمت فمي أثمر إلياس تطوف وراءه فمي الجبال حتمى
وجدته ،فسألته أن يدعو ال لها لعله يحيى لها ولدها؛ فجاء إلياس إلى الصبي بعد أربعة عشر يوما
من موته ،فتوضأ وصلى ودعا ال فأحيا ال يونس بن متى بدعوة إلياس عليه السلم .وأرسل ال
يونمس إلى أهمل نينوى ممن أرض الموصمل وكانوا يعبدون الصمنام ثمم تابوا ،حسمبما تقدم بيانمه فمي
سورة "يونس" ومضى في "النبياء" قصة يونس في خروجه مغاضبا .واختلف في رسالته هل
كانت قبل التقام الحوت إياه أو بعده .قال الطبري عن شهر بن حوشب :إن جبريل عليه السلم أتي
يونمس فقال :انطلق إلى أهمل نينوى فأنذرهمم أن العذاب قمد حضرهمم .قال :ألتممس دابمة .قال :الممر
أعجمل ممن ذلك .قال :ألتممس حذاء .قال :الممر أعجمل ممن ذلك .قال :فغضمب فانطلق إلى السمفينة
فركمب ،فلمما ركمب السمفينة احتبسمت السمفينة ل تتقدم ول تتأخمر .قال :فتسماهموا ،قال :فسمهم ،فجاء
الحوت يبصمبص بذنبمه؛ فنودي الحوت :أيما حوت! إنما لم نجعمل لك يونمس رزقما؛ إنمما جعلناك له
حرزا ومسجدا .قال :فالتقمه الحوت من ذلك المكان حتى مر به إلى البلة ،ثم انطلق به حتى مر
به على دجلة ،ثم انطلق حتى ألقاه في نينوى .حدثنا الحارث قال حدثنا الحسن قال حدثنا أبو هلل
قال حدثنما شهمر بمن حوشمب عمن ابمن عباس قال :إنمما كانمت رسمالة يونمس بعمد مما نبذه الحوت؛
واسمتدل هؤلء بأن الرسمول ل يخرج مغاضبما لربمه ،فكان مما جرى منمه قبمل النبوة .وقال آخرون:
كان ذلك منمه بعمد دعائه ممن أرسمل إليهمم إلى مما أمره ال بدعائهمم إليمه ،وتبليغمه إياهمم رسمالة ربمه،
ولكنممه وعدهممم نزول ممما كان حذرهممم مممن بأس ال فممي وقممت وقتممه لهممم ففارقهممم إذ لم يتوبوا ولم
يراجعوا طاعة ال ،فلما أظل القوم العذاب وغشيهم -كما قال ال تعالى في تنزيله -تابوا إلى ال،
فرفع ال العذاب عنهم ،وبلغ يونس سلمتهم وارتفاع العذاب الذي كان وعدهموه فغضب من ذلك
وقال :وعدتهممم وعدا فكذب وعدي .فذهممب مغاضبمما ربممه وكره الرجوع إليهممم ،وقممد جربوا عليممه
الكذب؛ رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس .وقد مضى هذا في "النبياء" وهو الصحيح على ما
يأتممي عنممد قوله تعالى" :وأرسمملناه إلى مائة ألف أو يزيدون" [الصممافات .]147 :ولم ينصممرف
يونس؛ لنه اسم أعجمي ولو كان عربيا لنصرف وإن كانت في أول الياء؛ لنه ليس في الفعال
يفعل كما أنك إذا سميت بيُعفر صرفته؛ وإن سميت بيَعفر لم تصرفه.
@قوله تعالى" :إذ أبمق" قال الممبرد :أصمل أبمق تباعمد؛ ومنمه غلم آبمق .وقال غيره :إنمما قيمل
ليونممس أبممق؛ لنممه خرج بغيممر أمممر ال عممز وجممل مسممتترا مممن الناس" .إلى الفلك المشحون" أي
المملوءة "والفلك" يذكمر ويؤنمث ويكون واحدا وجمعما وقمد تقدم .قال الترمذي الحكيمم :سمماه آبقما
لنمه أبمق عن العبوديمة ،وإنمما العبوديمة ترك الهوى وبذل النفمس عنمد أمور ال؛ فلمما لم يبذل النفمس
عندما اشتدت عليه العزمة من الملك حسبما تقدم بيانه في "النبياء" ،وآثر هواه لزمه اسم البق،
وكانت عزمة الملك في أمر ال ل في أمر نفسه ،وبحظ حق ال ل بحظ نفسه؛ فتحرى يونس فلم
يصب الصواب الذي عند ال فسماه آبقا ومليما.
@قوله تعالى" :فساهم" قال المبرد :فقارع ،قال :وأصله من السهام التي تجال.
"فكان من المدحضين" قال :من المغلوبين .قال الفراء :دحضت حجته وأدحضها ال .وأصله من
الزلق؛ قال الشاعر:
فقد قرت بقتلهم العيون قتلنا المدحضين بكل فج
أي المغلوبيممن" .فالتقمممه الحوت وهممو مليممم" أي أتممى بممما يلم عليممه .فأممما الملوم فهممو الذي يلم،
اسمتحق ذلك أو لم يسمتحق .وقيل :المليمم المعيب .يقال :لم الرجل إذا عمل شيئا فصار معيبما بذلك
العممل" .فلول أنمه كان ممن المسمبحين" قال الكسمائي :لم تكسمر "أن" لدخول اللم؛ لن اللم ليسمت
لهما .النحاس :والممر كمما قال؛ إنمما اللم فمي جواب لول" .فلول أنمه كان ممن المسمبحين" أي ممن
المصملين "للبمث فمي بطنمه إلى يوم يبعثون" أي عقوبمة له؛ أي يكون بطمن الحوت قمبرا له إلى يوم
القياممة .واختلف كمم أقام فمي بطمن الحوت .فقال السمدي والكلبمي ومقاتمل بمن سمليمان :أربعيمن يومما.
الضحال :عشريمن يومما .عطاء :سمبعة أيام .مقاتمل بمن حيان :ثلثمة أيام .وقيمل :سماعة واحدة .وال
أعلم.
@ روى الطبري من حديث أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :لما أراد ال
تعالى ذكره -حبممس يونممس فممي بطممن الحوت أوحممى ال إلى الحوت أن خذه ول تخدش لحممما ول
تكسمر عظمما فأخذه ثمم هوى بمه إلى مسمكنه ممن البحمر؛ فلمما أنتهمى بمه إلى أسمفل البحمر سممع يونمس
حسما فقال فمي نفسمه مما هذا؟ فأوحمى ال تبارك وتعالى إليمه وهمو فمي بطمن الحوت( :إن هذا تسمبيح
دواب البحر) قال( :فسبح وهو في بطن الحوت) قال( :فسمعت الملئكة تسبيحه فقالوا :يا ربنا إنا
نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة) قال( :ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في
البحمر) قالوا :العبمد الصمالح الذي كان يصمعد إليمك منمه فمي كمل يوم وليلة عممل صمالح؟ قال نعمم.
فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت بقذفه في الساحل كما قال تعالى" :وهو سقيم") .وكان سقمه الذي
وصممفه بممه ال -تعالى ذكره -أنممه ألقاه الحوت على السمماحل كالصممبى المنفوس قممد نشممر اللحممم
والعظم .وقد روي :أن الحوت سار مع السفينة رافعا رأسه يتنفس فيه يونس ويسبح ،ولم يفارقهم
حتى انتهوا إلى البر ،فلفظه سالما لم يغير منه شيء فأسلموا؛ ذكره الزمخشري في تفسيره .وقال
ابمن العربمي :أخمبرني غير واحد من أصمحابنا عن إمام الحرمين أبمي المعالي عبدالملك بمن عبدال
بن يوسف الجويني :أنه سئل عن الباري في جهة؟ فقال :ل ،هو يتعالى عن ذلك .قيل له :ما الدليل
عليمه؟ قال :الدليمل عليمه قول النمبي صملى ال عليمه وسملم( :ل تفضلونمي على يونمس بمن متمى) فقيمل
له :ما وجه الدليل في هذا الخبر؟ فقال :ل أقوله حتى يأخذ ضيفي هذا ألف دينار يقضي بها دينا.
فقام رجلن فقال :همي علينما .فقال ل يتبمع بهما اثنيمن؛ لنمه يشمق عليمه .فقال واحمد :همي علي .فقال:
إن يونس بن متى رمى بنفسه في البحر فالتقمه الحوت ،فصار في قعر البحر في ظلمات ثلث،
ونادى "ل إله إل أنمت سمبحانك إنمي كنمت ممن الظالميمن" [النمبياء ]87 :كمما أخمبر ال عنمه ،ولم
يكن محمد صلى ال عليه وسلم حين جلس على الرفرف الخضر وارتقى به صعدا ،حتى انتهى
به إلى موضع يسمع فيه صريف القلم ،ومناجاه ربه بما ناجاه به ،وأوحى إليه ما أوحى بأقرب
إلى ال تعالى من يونس في بطن الحوت في ظلمة البحر.
@ ذكمر الطمبري :أن يونمس عليمه السملم لمما ركمب فمي السمفينة أصماب أهلهما عاصمفة ممن الريمح،
فقالوا :هذه بخطيئة أحدكمم .فقال يونمس وعرف أنمه همو صماحب الذنمب :هذه خطيئتمي فألقونمي فمي
البحممر ،وأنهممم أبوا عليممه حتممى أفاضوا بسممهامهم" .فسمماهم فكان مممن المدحضيممن" فقال لهممم :قممد
أخبرتكم أن هذا المر بذنبي .وأنهم أبوا عليه حتى أفاضوا بسهامهم الثانية فكان من المدحضين،
وأنهم أبوا أن يلقوه في البحر حتى أعادوا سهامهم الثالثة فكان من المدحضين .فلما رأى ذلك ألقى
نفسمه فمي البحمر ،وذلك تحمت الليمل فابتلعمه الحوت .وروي أنمه لمما ركمب فمي السمفينة تقنمع ورقمد
فسمماروا غيممر بعيممد إذ جاءتهممم ريممح كادت السممفينة أن تغرق ،فاجتمممع أهممل السممفينة فدعوا فقالوا:
أيقظوا الرجمل النائم يدعوا معنما؛ فدعما ال معهمم فرفمع ال عنهمم تلك الريمح .ثمم انطلق يونمس إلى
مكانه فرقد ،فجاءت ريح كادت السفينة أن تغرق ،فأيقظوه ودعوا فارتفعت الريح .قال :فبينما هم
كذلك إذ رفع حوت عظيم رأسه إليهم أراد أن يبتلع السفينة ،فقال لهم يونس :يا قوم هذا من أجلي
فلو طرحتموني في البحر لسرتم ولذهب الريح عنكم والروع .قالوا :ل نطرحك حتى نتساهم ،فمن
وقعمت عليمه رميناه فمي البحمر .قال :فتسماهموا فوقمع على يونمس؛ فقال لهمم :يما قوم اطرحونمي فممن
أجلي أوتيتمم؛ فقالوا :ل نفعمل حتمى نتسماهم مرة أخرى .ففعلوا فوقمع على يونمس .فقال لهمم :يما قوم
اطرحونمي فممن أجلي أوتيتمم؛ فذلك قول ال عمز وجمل" :فسماهم فكان ممن المدحضيمن" أي وقمع
السهم عليه؛ فانطلقوا به إلى صدر السفينة ليلقوه في البحر ،فإذا الحوت فاتح فاه ،ثم جاؤوا به إلى
جانب السفينة ،فإذا بالحوت ،ثم رجعوا به إلى الجانب الخر ،فإذا بالحوت فاتح فاه؛ فلما رأى ذلك
ألقممى بنفسممه فالتقمممه الحوت؛ فأوحممى ال تعالى إلى الحوت :إنممي لم أجعله لك رزقمما ولكممن جعلت
بطنممك له وعاء .فمكممث فممي بطممن الحوت أربعيممن ليلة فنادى فممي الظلمات" :أن ل إله إل أنممت
سمبحانك إنمي كنمت ممن الظالميمن .فاسمتجبنا له ونجيناه ممن الغمم وكذلك ننجمي المؤمنيمن" [النمبياء:
]87وقد تقدم ويأتي.
ففمي هذا ممن الفقمه أن القرعمة كانمت معمول بهما فمي شرع ممن قبلنما ،وجاءت فمي شرعنما على مما
تقدم فمي "آل عمران" قال ابمن العربمي :وقمد وردت القرعمة فمي الشرع فمي ثلثمة مواطمن .الول:
كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ،فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه.
الثاني :أن النبي صلى ال عليه وسلم رفع إليه أن رجل أعتق ستة أعبد ل مال له غيرهم ،فأقرع
بينهمم؛ فأعتمق اثنيمن وأرق أربعمة .الثالث :أن رجليمن اختصمما إليمه فمي مواريمث قمد درسمت فقال:
(اذهبا وتوخيا الحق واستهما وليحلل كل واحد منكما صاحبه) .فهذه ثلثة مواطن ،وهي القسم في
النكاح ،والعتق ،والقسمة ،وجريان القرعة فيها لرفع الشكال وحسم داء التشهي .واختلف علماؤنا
في القرعة بين الزوجات في الغزو على قولين؛ الصحيح منهما القراع؛ وبه قال فقهاء المصار.
وذلك أن السممفر بجميعهممن ل يمكممن ،واختيار واحدة منهممن إيثار فلم يبممق إل القرعممة .وكذلك فممي
مسمألة العبمد السمتة؛ فإن كمل اثنيمن منهمما ثلث ،وهمو القدر الذي يجوز له فيمه العتمق فمي مرض
الموت ،وتعيينهممما بالتشهممي ل يجوز شرعان فلم يبممق إل القرعممة .وكذلك التشاجممر إذا وقممع فممي
أعيان المواريمث لم يميمز الحمق إل القرعمة ،فصمارت أصمل فمي تعييمن المسمتحق إذا أشكمل .قال:
والحمق عندي أن تجري فمي كمل مشكمل ،فذلك بيمن لهما ،وأقوى لفصمل الحكمم فيهما ،وأجلى لرفمع
الشكال عنها؛ ولذلك قلنا :إن القرعة بين الزوجات في الطلق كالقرعة بين الماء في العتق.
@ القتراع على إلقاء الدمي في البحر ل يجوز .وإنما كان ذلك في يونس وزمانه مقدمة لتحقيق
برهانه ،وزيادة في إيمانه؛ فإنه ل يجوز لمن كان عاصيا أن يقتل ول يرمى به في النار أو البحر،
وإنمما تجرى عليمه الحدود والتعزيمر على مقدار جنايتمه .وقمد ظمن بعمض الناس أن البحمر إذا هال
على القوم فاضطروا إلى تخفيمف السمفينة أن القرعمة تضرب عليهمم ،فيطرح بعضهمم تخفيفما؛ وهذا
فاسد؛ فإنها ل تخف برمي بعض الرجال وإنما ذلك في الموال ،ولكنهم يصبرون على قضاء ال
عز وجل.
@ أخبر ال عز وجل أن يونس كان من المسبحين ،وأن تسبيحه كان سبب نجاته؛ ولذلك قيل :إن
العممل الصمالح يرفمع صماحبه إذا عثمر .قال ابمن عباس" :ممن المسمبحين" ممن المصملين .قال قتادة:
كان يصملي قبمل ذلك لحفمظ ال عمز وجمل له فنجاه .وقال الربيمع بمن أنمس :لول أنمه كان له قبمل ذلك
عمل صالح "للبث في بطنه إلى يوم يبعثون" قال :ومكتوب في الحكمة -إن العمل الصالح يرفع
ربه إذا عثر .وقال مقاتل" :من المسبحين" من المصلين المطيعين قبل المعصية .وقال وهب :من
العابدين .وقال الحسن :ما كان له صلة في بطن الحوت؛ ولكنه قدم عمل صالحا في حال الرخاء
فذكره ال به في حال البلء ،وإن العمل الصالح ليرفع صاحبه ،وإذا عثر وجد متكأ.
قلت :وممن هذا المعنمى قوله صملى ال عليمه وسملم( :ممن اسمتطاع منكمم أن تكون له خمبيئة ممن
عمل صالح فليفعل) فيجتهد العبد ،ويحرص على خصلة من صالح عمله ،يخلص فيها بينه وبين
ربمه ،ويدخرهما ليوم فاقتمه وفقره ،ويخبؤهما بجهده ،ويسمترها عمن خلقمه ،يصمل إليمه نفعهما أحوج مما
كان إليه .وقد خرج البخاري ومسلم من حديث ابن عمر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه
قال( :بينما ثلثة نفر -في رواية ممن كان قبلكم -يتماشون أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل
فانحطمت على فممم الغار صمخرة ممن الجبمل فانطبقمت عليهمم فقال بعضهمم لبعمض انظروا أعمال
عملتموهما صمالحة ل فادعوا ال بهما لعله يفرجهما عنكمم )...الحديمث بكماله وهمو مشهور ،شهرتمه
أغنت عن تمامه .وقال سعيد بن جبير :لما قال في بطن الحوت" :ل إله إل أنت سبحانك إني كنت
من الظالمين" [النبياء ]87 :قذفه الحوت .وقيل" :من المسبحين" من المصلين في بطن الحوت.
قلت :والظهمر أنمه تسمبيح اللسمان الموافمق للجنان ،وعليمه يدل حديمث أبمي هريرة المذكور قبمل
الذي ذكره الطبري .قال :فسبح في بطن الحوت .قال :فسمعت الملئكة تسبيحه؛ فقالوا :يا ربنا إنا
نسممممع صممموتا ضعيفممما بأرض غريبمممة .وتكون "كان" على هذا القول زائدة؛ أي فلول أنمممه ممممن
المسمبحين .وفمي كتاب أبمي داود عمن سمعد بمن أبمي وقاص عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم قال:
(دعاء ذي النون في بطن الحوت "ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" [النبياء]87 :
لم يدع بمه رجمل مسملم فمي شيمء قمط إل اسمتجيب له) وقمد مضمى هذا فمي سمورة [النمبياء" فيونمس
عليمه السملم كان قبمل مصمليا مسمبحا ،وفمي بطمن الحوت كذلك .وفمي الخمبر :فنودي الحوت :إنما لم
نجعل يونس لك رزقا؛ إنما جعلناك له حرزا ومسجدا .وقد تقدم.
**3الية{ 148 - 145 :فنبذناه بالعراء وهو سقيم ،وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ،وأرسلناه
إلى مائة ألف أو يزيدون ،فآمنوا فمتعناهم إلى حين}
@قوله تعالى" :فنبذناه بالعراء وهو سقيم ،وأنبتنا عليه شجرة من يقطين" روي أن الحوت قذفه
بسماحل قريمة من الموصمل .وقال ابن قسميط عن أبمي هريرة :طرح يونمس بالعراء وأنبمت ال عليمه
يقطينمة؛ فقلنما :يما أبما هريرة ومما اليقطينمة؟ قال :شجرة الدباء؛ هيمأ ال له أرويمة وحشيمة تأكمل ممن
خشاش الرض -أو هشاش الرض -فتفشمج عليمه فترويمه ممن لبنهما كمل عشيمة وبكرة حتمى نبمت.
وقال سمعيد بمن جمبير عمن ابمن عباس قال :خرج بمه -يعنمي الحوت -حتمى لفظمه فمي سماحل البحمر،
فطرحمه مثمل الصمبي المنفوس لم ينقمص ممن خلقمه شيمء .وقيمل :إن يونمس لمما ألقاه الحوت على
ساحل البحر أنبت ال عليه شجرة من يقطين ،وهي فيما ذكر شجرة القرع تتقطر عليه من اللبن
حتى رجعت إليه قوته .ثم رجع ذات يوم إلى الشجرة فوجدها يبست ،فحزن وبكى عليها فعوتب؛
فقيل له :أحزنت على شجرة وبكيت عليها ،ولم تحزن على مائة ألف وزيادة من بني إسرائيل ،من
أولد إبراهيممم خليلي ،أسممرى فممي أيدي العدو ،وأردت إهلكهممم جميعما .وقيمل :هممي شجرة التيمن.
وقيمل :شجرة الموز تغطمى بورقهما ،واسمتظل بأغصمانها ،وأفطمر على ثمارهما .والكثمر على أنهما
شجرة اليقطين على ما يأتي .ثم إن ال تبارك وتعالى اجتباه فجعله من الصالحين .ثم أمره أن يأتي
قومه ويخبرهم أن ال تعالى قد تاب عليهم ،فعمد إليهم حتى لقي راعيا فسأله عن قوم يونس وعن
حالهم وكيف هم ،فأخبره أنهم بخير ،وأنهم على رجاء أن يرجع إليهم رسولهم .فقال له :فأخبرهم
أنمي قمد لقيمت يونمس .قال :وماذا؟ قال :وهذه البقعمة التمي أنمت فيهما تشهمد لك أنمك لقيمت يونمس ،قال:
وماذا؟ قال وهذه الشجرة تشهد لك أنك لقيت يونس .وأنه رجع الراعي إلى قومه فأخبرهم أنه لقى
يونس فكذبوه وهموا به شرا فقال :ل تعجلوا علي حتى أصبح ،فلما أصبح غدا بهم إلى البقعة التي
لقي فيها يونس ،فاستنطقها فأخبرتهم أنه لقي يونس؛ واستنطق الشاة والشجرة فأخبرتاهم أنه لقي
يونس ،ثم إن يونس أتاهم بعد ذلك .ذكر هذا الخبر وما قبله الطبري رحمه ال" .فنبذناه" طرحناه.
وقيل :تركناه" .بالعراء" بالصحراء؛ قال ابن العرابي .الخفش :بالفضاء .أبو عبيدة :الواسع من
الرض .الفراء :العراء المكان الخالي .قال :وقال أبمو عمبيدة :العراء وجمه الرض؛ وأنشمد لرجمل
من خزاعة:
ونبذت بالبلد العراء ثيابي ورفعت رجل ل أخاف عثارها
وحكمى الخفمش فمي قوله" :وهمو سمقيم" جممع سمقيم سمقمى وسمقامى وسمقام .وقال فمي هذه السمورة:
"فنبذناه بالعراء" وقال في "ن والقلم" [القلم" :]1 :لول أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو
مذموم" [القلم ]49 :والجواب :أن ال عمز وجمل خمبر هما هنما أنمه نبذه بالعراء وهمو غيمر مذموم
ولول رحمة ال عمز وجل لنبمذ بالعراء وهو مذموم؛ قاله النحاس .وقوله" :وأنبتنا عليه شجرة من
يقطين" يعني "عليه" أي عنده؛ كقوله تعالى" :ولهم على ذنب" [الشعراء ]14 :أي عندي .وقيل:
"عليه" بمعنى له" .شجرة من يقطين" اليقطين :شجر الدباء :وقيل غيرها؛ ذكره ابن العرابي.
وفمي الخمبر( :الدباء والبطيمخ ممن الجنمة) وقمد ذكرناه فمي كتاب التذكرة .وقال الممبرد :يقال لكمل
شجرة ليمس لهما سماق يفترش ورقهما على الرض يقطينمة نحمو الدباء والبطيمخ والحنظمل ،فإن كان
لهما سماق يقلهما فهمي شجرة فقمط ،وإن كانمت قائممة أي بعروق تفترش فهمي نجممة وجمعهما نجمم .قال
ال تعالى" :والنجم والشجر يسجدان" [الرحمن ]6 :وروي نحوه عن ابن عباس والحسن ومقاتل.
قالوا :كل نبت يمتد ويبسط على الرض ول يبقى على استواء وليس له ساق نحو القثاء والبطيخ
والقرع والحنظل فهو يقطين .وقال سعيد بن جبير :هو كل شيء ينبت ثم يموت من عامه فيدخل
في هذا الموز.
قلت :وهممو مممما له سمماق .الجوهري :واليقطيممن ممما ل سمماق له كشجممر القرع ونحوه .الزجاج:
اشتقاق اليقطين من قطن بالمكان إذا أقام به فهو يفعيل .وقيل :هو اسم اعجمي .وقيل :إنما خص
اليقطيمن بالذكمر ،لنمه ل ينزل عليمه ذباب .وقيمل :مما كان ثمم يقطيمن فأنبتمه ال فمي الحال .القشيري:
وفممي اليممة ممما يدل على أنممه كان مفروشمما ليكون له ظممل .الثعلبممي :كانممت تظله فرأى خضرتهمما
فأعجبتمه ،فيبسمت فجعمل يتحزن عليهما؛ فقيمل له :يما يونمس أنمت الذي لم تخلق ولم تسمق ولم تنبمت
تحزن على شجيرة ،فأنما الذي خلقمت مائة ألف ممن الناس أو يزيدون تريمد منمي أن أسمتأصلهم فمي
ساعة واحدة ،وقد تابوا وتبت عليهمم فأين رحمتي يا يونس أنا أرحمم الراحمين .وروي عن النبي
صملى ال عليمه وسملم أنمه كان يأكمل الثريمد باللحمم والقرع وكان يحمب القرع ويقول( :إنهما شجرة
أخمي يونمس) وقال أنمس :قدم للنمبي صملى ال عليمه وسملم مرق فيمه دباء وقديمد فجعمل يتبمع الدباء
حوالي القصعة .قال أنس :فلم أزل أحب الدباء من يومئذ .أخرجه الئمة.
@قوله تعالى" :وأرسملناه إلى مائة ألف أو يزيدون" وقمد تقدم عمن ابمن عباس أن رسمالة يونمس
عليمه السملم إنمما كانمت بعمد مما نبذه الحوت .وليمس له طريمق إل عمن شهمر بمن حوشمب .النحاس:
وأجود منمه إسمنادا وأصمح مما حدثناه عمن علي بمن الحسمين قال :حدثنما الحسمن بمن محممد قال حدثنما
عمرو بن العنقزي قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال حدثنا عبدال بن
مسمعود فمي بيمت المال عمن يونمس النمبي صملى ال عليمه وسملم قال :إن يونمس وعمد قوممه العذاب
وأخممبرهم أن يأتيهممم إلى ثلثممة أيام ،ففرقوا بيممن كممل والدة وولدهمما ،وخرجوا فجأروا إلى ال عممز
وجل واستغفروا ،فكف ال عز وجل عنهم العذاب ،وغدا يونس عليه السلم ينتظر العذاب فلم ير
شيئا -وكان ممن كذب ولم تكمن له بينمة قتمل -فخرج يونمس مغاضبما ،فأتمى قومما فمي سمفينة فحملوه
وعرفوه ،فلما دخل السفينة ركدت السفينة والسفن تسير يمينا وشمال؛ فقالوا :ما لسفينتكم؟ فقالوا:
ل ندري .فقال يونس عليه السلم :إن فيها عبدا آبقا من ربه جل وعز وإنها لن تسير حتى تلقوه.
قالوا أما أنت يا نبي ال فإنا ل نلقيك .قال :فأقرعوا فمن قرع فليقع ،فاقترعوا فقرعهم يونس فأبوا
أن يدعوه ،فال :فاقترعوا ثلثما فممن قرع فليقمع .فاقترعوا فقرعهمم يونمس ثلث مرات أو قال ثلثما
فوقع .وقد وكل ال به جل وعز حوتا فابتلعه وهو يهوي به إلى قرار الرض ،فسمع يونس عليه
السملم تسمبيح الحصمى "فنادى فمي الظلمات أن ل إله إل أنمت سمبحانك إنمي كنمت ممن الظالميمن"
[النمبياء ]87 :قال :ظلممة الليمل وظلممة البحمر وظلممة بطمن الحوت .قال" :فنبذناه بالعراء وهمو
سمقيم" قال :كهيئة الفرخ الممعوط الذي ليمس عليمه ريمش .قال :وأنبمت ال عليمه شجرة ممن يقطيمن
فنبتت ،فكان يستظل بها ويصيب منها ،فيبست فبكى عليها؛ فأوحى ال جل وعز إليه :أتبكي على
شجرة يبسمت ،ول تبكمي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تهلكهمم قال :وخرج رسمول ال يونمس
فإذا همو بغلم يرعمى؛ قال :يما غلم ممن أنمت؟ قال :ممن قوم يونمس .قال :فإذا جئت إليهمم فأخمبرهم
أنك قد لقيت يونس .قال :إن كنت يونس فقد علمت أنه من كذب قتل إذا لم تكن له بينة فمن يشهد؟
قال :هذه الشجرة وهذه البقعمة .قال :فمرهمما؛ فقال لهمما يونممس :إذا جاءكممما هذا الغلم فأشهدا له.
قالتا نعم .قال :فرجع الغلم إلى قومه وكان في منعة وكان له إخوة ،فأتى الملك فقال :إني قد لقيت
يونس وهو يقرأ عليك السلم .قال :فأمر به أن يقتل؛ فقالوا :إن له بينة فأرسلوا معه .فأتى الشجرة
والبقعمة فقال لهمما :نشدتكمما بال جمل وعمز أتشهدان أنمي لقيمت يونمس؟ قالتما :نعمم قال :فرجمع القوم
مذعوريمممن يقولون له :شهدت له الشجرة والرض فأتوا الملك فأخمممبروه بمممما رأوا .قال عبدال:
فتناول الملك يد الغلم فأجلسه في مجلسه ،وقال :أنت أحق بهذا المكان مني .قال عبدال :فأقام لهم
ذلك الغلم أمرهم أربعين سنة .قال أبو جعفر النحاس :فقد تبين في هذا الحديث أن يونس كان قد
أرسل قبل أن يلقمه الحوت بهذا السناد الذي ل يؤخذ بالقياس .وفيه أيضا من الفائدة أن قوم يونس
آمنوا وندموا قبمل أن يروا العذاب؛ لن فيمه أنمه أخمبرهم أنمه يأتيهمم العذاب إلى ثلثمة أيام ،ففرقوا
ببن كل والدة وولدها ،وضجوا ضجة واحدة إلى ال عز وجل.
وهذا همو الصمحيح فمي الباب ،وأنمه لم يكمن حكمم ال عمز وجمل فيهمم كحكممه فمي غيرهمم فمي قول
عز وجل" :فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا" [غافر ]85 :وقول عز وجل" :وليست التوبة
للذيمن يعملون السميئات حتمى إذا حضمر أحدهمم الموت" [النسماء ]18 :اليمة .وقال بعمض العلماء:
إنهممم رأوا مخائل العذاب فتابوا .وهذا ل يمنممع ،وقممد تقدم ممما للعلماء فممي هذا فممي سممورة "يونممس"
فلينظر هناك.
@قوله تعالى" :أو يزيدون" قد مضى في "البقرة" محامل "أو" في قوله تعالى" :أو أشد قسوة"
[البقرة .]74 :وقال القراء" :أو" بمعنى بل .وقال غيره :إنها بمعنى الواو ،ومنه قول الشاعر:
تأملنا رياحا أو رزاما فلما اشتد أمر الحرب فينا
أي ورزامما .وهذا كقوله تعالى" :ومما أممر السماعة إل كلممح البصمر أو همو أقرب" [النحمل.]77 :
وقرأ جعفر بن محمد "إلى مائة ألف ويزيدون" بغير همز؛ فم "يزيدون" في موضع رفع بأنه خبر
مبتدأ محذوف أي وهممم يزيدون .النحاس :ول يصممح هذان القولن عنممد البصممريين ،وأنكروا كون
"أو" بمعنى بل وبمعنى الواو؛ لن بل للضراب عن الول واليجاب لما بعده ،وتعالى ال عز
وجمل عمن ذلك ،أو خروج ممن شيمء إلى شيمء وليمس هذا موضمع ذلك؛ والواو معناه خلف معنمى
"أو" فلو كان أحدهمما بمعنمى الخمر لبطلت المعانمي؛ ولو جاز ذلك لكان وأرسملناه إلى أكثمر ممن
مائتمي ألف أخصمر .وقال الممبرد :المعنمى وأرسملناه إلى جماعمة لو رأيتموهمم لقلتمم همم مائة ألف أو
أكثمر ،وإنمما خوطمب العباد على مما يعرفون .وقيمل :همو كمما تقول :جاءنمي زيمد أو عمرو وأنمت
تعرف من جاءك منهما إل أنك أبهمت على المخاطب .وقال الخفش والزجاج :أي أو يزيدون في
تقديركمم .قال ابمن عباس :زادوا على مائة ألف عشريمن ألفما .ورواه أبمي بمن كعمب مرفوعما .وعمن
ابمن عباس أيضما :ثلثيمن ألفما .الحسمن والربيمع :بضعما وثلثيمن ألفما .وقال مقاتمل بمن حيان :سمبعين
ألفا" .فآمنوا فمتعناهم إلى حين" أي إلى منتهى آجالهم.
**3اليمة{157 - 149 :فاسمتفتهم ألربمك البنات ولهمم البنون ،أم خلقنما الملئكمة إناثما وهمم
شاهدون ،أل إنهمم ممن إفكهمم ليقولون ،ولد ال وإنهمم لكاذبون ،أصمطفى البنات على البنيمن ،مما لكمم
كيف تحكمون ،أفل تذكرون ،أم لكم سلطان مبين ،فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين}
@قوله تعالى" :فاسمتفتهم ألربمك البنات ولهمم البنون" لمما ذكمر أخبار الماضيمن تسملية للنمبي صملى
ال عليمه وسملم احتمج على كفار قريمش فمي قولهمم :إن الملئكمة بنات ال؛ فقال" :فاسمتفتهم" .وهمو
معطوف على مثله في أول السورة وإن تباعدت بينهم المسافة؛ أي فسل يا محمد أهل مكة "ألربك
البنات" وذلك أن جهينة وخزاعة وبني مليح وبنى سلمة وعبد الدار زعموا أن الملئكة بنات ال.
وهذا سؤال توبيخ.
"أم خلقنما الملئكمة إناثما وهمم شاهدون" أي حاضرون لخلقنما إياهمم إناثما؛ وهذا كمما قال ال عمز
وجمل" :وجعلوا الملئكمة الذيمن همم عباد الرحممن إناثما أشهدوا خلقهمم" [الزخرف .]19 :ثمم قال:
"أل إنهم من إفكهم" وهو أسوأ الكذب "ليقولون ،ولد ال وإنهم لكاذبون" في قولهم إن ل ولدا وهو
الذي ل يلد ول يولد .و"إن" بعمد "أل" مكسمورة؛ لنهما مبتدأة .وحكمى سميبويه أنهما تكون بعمد أمما
مفتوح أو مكسمورة؛ فالفتمح على أن تكون أمما بمعنمى حقما ،والكسمر على أن تكون أمما بمعنمى أل.
النحاس :وسمعت علي بن سليمان يقول يجوز فتحها بعد أل تشبيها بأما ،وأما في الية فل يجوز
إل كسرها؛ لن بعدها الرفع .وتمام الكلم "كاذبون" .ثم يبتدئ "أصطفى"
على معنمى التقريمع والتوبيمخ كأنمه قال :ويحكمم "أصمطفى البنات" أي اختار البنات وترك البنيمن.
وقراءة العاممة "أصمطفى" بقطمع اللف؛ لنهما ألف اسمتفهام دخلت على ألف الوصمل ،فحذفمت ألف
الوصل وبقيت ألف الستفهام مفتوح مقطوعة على حالهما مثل" :أطلع الغيب" على ما تقدم .وقرأ
أبو جعفر وشيبة ونافع وحمزة "اصطفى" بوصل اللف على الخبر بغير استفهام .وإذا ابتدأ كسر
الهمزة .وزعمم أبمو حاتمم أنمه ل وجمه لهما؛ لن بعدهما "مما لكمم كيمف تحكمون" فالكلم جار على
التوبيمخ ممن جهتيمن :إحداهمما أن يكون تبيينما وتفسمير لمما قالوه ممن الكذب ويكون "مما لكمم كيمف
تحكمون" منقطعا مما قبله .والجهة الثانية أنه قد حكى النحويون -منهم الفراء -أن التوبيخ يكون
باسمتفهام وبغيمر اسمتفهام كمما قال جمل وعمز" :أذهبتمم طيباتكمم فمي حياتكمم الدنيما" [الحقاف.]20 :
وقيمل :همو على إضمار القول؛ أي ويقولون "أصمطفى البنات" .أو يكون بدل ممن قوله" :ولد ال"
لن ولدة البنات واتخاذهمن اصمطفاه لهمن ،فأبدل مثال الماضمي ممن مثال الماضمي فل يوقمف على
هذا على "لكاذبون"" .أفل تذكرون" الكلم جار على التوبيمخ ممن جهتيمن :إحداهمما أن يكون تبيينما
وتفسير لما قالوه من الكذب ويكون "ما لكم كيف تحكمون" منقطعا مما قبله .والجهة الثانية أنه قد
حكممى النحويون -منهممم الفراء -أن التوبيممخ يكون باسممتفهام وبغيممر اسممتفهام كممما قال جممل وعممز:
"أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا" [الحقاف .]20 :وقيل :هو على إضمار القول؛ أي ويقولون
"أصمطفى البنات" .أو يكون بدل من قوله" :ولد ال" لن ولدة البنات واتخاذهمن اصمطفاه لهن،
فأبدل مثال الماضمي مثال الماضمي فل يوقمف على هذا على "لكاذبون"" .أفل تذكرون" فمي أنمه ل
يجوز أن يكون له ولد" .أم لكممم سمملطان مممبين" حجممة وبرهان" .فأتوا بكتابكممم" أي بحججكممم "إن
كنتم صادقين" في قولكم.
**3اليمة{160 - 158 :وجعلوا بينمه وبيمن الجنمة نسمبا ولقمد علممت الجنمة إنهمم لمحضرون،
سبحان ال عما يصفون ،إل عباد ال المخلصين}
@قوله تعالى" :وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا" أكثر أهل التفسير أن الجنة ها هنا الملئكة .روى
ابن أبي نجيح عن مجاهد قال :قالوا -يعني كفار قريش -الملئكة بنات ال؛ جل وتعالى .فقال أبو
بكمر الصمديق رضمي ال عنمه :فممن أمهاتهمن .قالوا :مخدرات الجمن .وقال أهمل الشتقاق :قيمل لهمم
جنمة لنهمم ل يرون .وقال مجاهمد :إنهمم بطمن ممن بطون الملئكمة يقال لهمم الجنمة .وروي عمن ابمن
عباس .وروى إسمرائيل عن السمدي عن أبمي مالك قال :إنمما قيمل لهمم جنمة لنهم خزان على الجنان
والملئكمة كلهمم جنمة" .نسمبا" مصماهرة .فال قتادة والكلبمي ومقاتمل :قالت اليهود لعنهمم ال إن ال
صماهر الجمن فكانمت الملئكمة ممن بينهمم .وقال مجاهمد والسمدي ومقاتمل أيضما .القائل ذلك كنانمة
وخزاعمة؛ قالوا :إن ال خطمب إلى سمادات الجمن فزوجوه ممن سمروات بناتهمم ،فالملئكمة بنات ال
من سروات بنات الجن .وقال الحسن :أشركوا الشيطان في عبادة ال فهو النسب الذي جعلوه.
قلت :قول الحسممن فممي هذا أحسممن؛ دليله قوله تعالى" :إذ نسممويكم برب العالميممن" [الشعراء:
]98أي فمي العبادة .وقال ابن عباس والضحاك والحسمن أيضما :هو قولهم إن ال تعالى وإبليمس
أخوان؛ تعالى ال عن قولهم علوا كبيرا.
@قوله تعالى" :ولقمد علممت الجنمة" أي الملئكمة "إنهمم" يعنمي قائل هذا القول "لمحضرون" فمي
النار؛ قال قتادة .وقال مجاهد :للحساب .الثعلبي :الول أولى؛ لن الحضار تكرر في هذه السورة
ولم يرد ال بمه غيمر العذاب" .سمبحان ال عمما يصمفون" أي تنزيهما ل عمما يصمفون" .إل عباد ال
المخلصين" فإنهم ناجون من النار.
**3الية{163 - 161 :فإنكم وما تعبدون ،ما أنتم عليه بفاتنين ،إل من هو صال الجحيم}
@قوله تعالى" :فإنكم وما تعبدون" "ما" بمعنى الذي .وقيل :بمعنى المصدر ،أي فإنكم وعبادتكم
لهذه الصمنام .وقيمل :أي فإنكمم مع مما تعبدون من دون ال؛ يقال :جاء فلن وفلن .وجاء فلن ممع
فلن" .مما أنتمم عليمه" أي على ال بمضليمن .النحاس .أهمل التفسمير مجمعون فيمما علممت على أن
المعنى :ما أنتم بمضلين أحدا إل من قدّر ال عز وجل عليه أن يضل:
عليه وكان لنا فاتنا فرد بنعمته كيده
أي مضل.
@ في هذه الية رد على القدرية .قال عمرو بن ذر :قدمنا على عمر بن عبدالعزيز فذكر عنده
القدر ،فقال عمر :لو أراد ال أل يعصى ما خلق إبليس وهو رأس الخطيئة ،وإن في ذلك لعلما في
كتاب ال عز وجل ،عرفه من عرفه ،وجهله من جهله؛ ثم قرأ" :فإنكم وما تعبدون .ما أنتم عليه
بفاتنيمن" إل ممن كتمب ال عمز وجمل عليمه أن يصملى الجحيمم .وقال :فصملت هذه اليمة بيمن الناس،
وفيها من المعاني أن الشياطين ل يصلون إلى إضلل أحد إل من كتب ال عليه أنه ل يهتدي ،ولو
علم ال جممل وعممز أنممه يهتدي لحال بينممه وبينهممم؛ وعلى هذا قوله تعالى" :وأجلب عليهممم بخيلك
ورجلك" [السراء ]64 :أي لست تصل منهم إلى شيء إل إلى ما في علمي .وقال لبيد بن ربيعة
في تثبيت القدر فأحسن:
وبإذن ال ريثي وعجل إن تقوى ربنا خير نفل
بيديه الخير ما شاء فعل أحمد ال فل ند له
ناعم البال ومن شاء أضل من هداه سبل الخير اهتدى
قال الفراء :أهل الحجاز يقولون فتنت الرجل ،وأهل نجد يقولون أفتنته.
@ روي عن الحسن أنه قرأ" :إل من وصال الجحيم" بضم اللم .النحاس :وجماعة أهل التفسير
يقولون إنمه لحمن؛ لنمه ل يجوز هذا قاض المدينمة .وممن أحسمن مما قيمل فيمه مما سممعت علي بمن
سمليمان يقول؛ قال :هو محمول عل المعنى؛ لن معنمى" .من" جماعة؛ فالتقدير صمالون ،فحذفت
النون للضافممة ،وحذفممت الواو للتقاء السمماكنين .وقيممل :أصممله فاعممل إل أنممه قلب مممن صممال إلى
صمايل وحذفمت الياء وبقيمت اللم مضموممة فهمو مثمل "شفما جرف هار" [التوبمة .]109 :ووجمه
ثالث أن تحذف لم "صال" تخفيفا وتجري العراب على عينه ،كما حذف من قولهم :ما باليت به
بالة .وأصمملها باليممة مممن بالي كعافيممة مممن عافممي؛ ونظيره قراءة مممن قرأ" ،وجنممى الجنتيممن دان"
[الرحممن" ،]54 :وله الجوار المنشآت" [الرحممن ]24 :أجرى العراب على العيمن .والصمل
ني قراءة الجماعة صالي بالياء فحذفها الكاتب من الخط لسقوطها في اللفظ.
**3الية{ 164 :وما منا إل له مقام معلوم ،وإنا لنحن الصافون ،وإنا لنحن المسبحون}
@ هذا ممن قول الملئكمة تعظيمما ل عمز وجمل ،وإنكارا منهمم عبادة ممن عبدهمم" .وإنما لنحمن
الصافون .وإنا لنحن المسبحون" قال مقاتل :هذه الثلث اليات نزلت ورسول ال صلى ال عليه
وسلم عند سدرة المنتهى ،فتأخر جبريل ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :أهنا تفارقني) فقال ما
اسممتطيع أن أتقدم عممن مكانممي .وأنزل ال تعالى حكايممة عممن قول الملئكممة" :وممما منمما إل له مقام
معلوم" اليات .والتقديمر عنمد الكوفييمن :ومما منما إل ممن له مقام معلوم .فحذف الموصمول .وتقديره
عنمد البصمريين :وما منا ملك إل له مقام معلوم؛ أي مكان معلوم فمي العبادة؛ قال ابن مسمعود وابن
جمبير .وقال ابمن عباس :مما فمي السمموات موضمع شمبر إل وعليمه ملك يصملي سمبح .وقالت عائشمة
رضي ال عنها :قال النبي صلى ال عليه وسلم( :ما في السماء موضع قدم إل عليه ملك ساجد أو
قائم) .وعن أبي ذر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إني أرى ما ل ترون وأسمع ما ل
تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إل وملك واضع جبهته ساجدا
ل وال لو تعلمون مما أعلم لضحكتمم قليل ولبكيتمم كثيرا ومما تلذذتمم بالنسماء على الفرش ولخرجتمم
إلى الصمعدات تجأرون إلى ال لوددت أنمي كنمت شجرة تعضمد) خرجمه أبمو عيسمى الترمذي وقال
فيممه حديممث حسممن غريممب .ويروى مممن غيممر هذا الوجممه أن أبمما ذر قال :لوددت أنممي كنممت شجرة
تعضمد .ويروى عمن أبمي ذر موقوفما .وقال قتادة :كان يصملي الرجال والنسماء جميعما حتمى نزلت
هذه اليمة" :ومما منما إل له مقام معلوم" .قال :فتقدم الرجال وتأخمر النسماء" .وإنما لنحمن الصمافون"
قال الكلبي :صفوفهم كصفوف أهل الدنيا في الرض .وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال:
خرج علينما رسمول ال صملى ال عليمه وسملم ونحمن فمي المسمجد؛ فقال( :أل تصمفون كمما تصمف
الملئكمة عنمد ربهما) فقلنما يما رسمول ال كيمف تصمف الملئكمة عنمد ربهما؟ قال؟ (يتمون الصمفوف
الول ويتراصون في الصف) وكان عمر يقول إذا قام للصلة :أقيموا صفوفكم واستووا إنما يريد
ال بكم هدي الملئكة عند ربها ويقرأ" :وإنا لنحن الصافون" تأخر يا فلن تقدم يا فلن؛ ثم يتقدم
فيكبر .وقد مضى في سورة [الحجر] بيانه .وقال أبو مالك :كان الناس يصلون متبددين فأنزل ال
تعالى" :وإنا لنحن الصافون" فأمرهم النبي صلى ال عليه وسلم أن يصطفوا .وقال الشعبي .جاء
جبريمل أو ملك إلى النمبي صملى ال عليمه وسملم فقال :تقوم أدنمى ممن ثلثمي الليمل ونصمفه وثلثمه؛ إن
الملئكمة لتصملي وتسمبح مما فمي السمماء ملك فارغ .وقيمل :أي لنحمن الصمافون أجنحتنما فمي الهواء
وقوفما ننتظمر مما نؤممر بمه .وقيمل :أي نحمن الصمافون حول العرش" .وإنما لنحمن المسمبحون" أي
المصملون؛ قال قتادة .وقيمل :أي المنزهون ال عمما أضافمه إليمه المشركون .والمراد أنهمم يخمبرون
أنهممم يعبدون ال بالتسممبيح والصمملة وليسمموا معبوديممن ول بنات ال .وقيممل" :وممما منمما إل له مقام
معلوم" من قول الرسول صلى ال عليه وسلم والمؤمنين للمشركين؛ أي لكل واحد منا ومنكم في
الخرة مقام معلوم وهو مقام الحساب .وقيل :أي منا من له مقام الخوف ،ومنا من له مقام الرجاء،
ومنا من له مقام الخلص ،ومنا من له مقام الشكر .إلى غيرها من المقامات.
قلت :والظهر أن ذلك راجع إلى قول الملئكة" :وما منا إل له مقام معلوم" وال أعلم.
**3الية{ 167 :وإن كانوا ليقولون ،لو أن عندنا ذكرا من الولين ،لكنا عباد ال المخلصين،
فكفروا به فسوف يعلمون}
@ عاد إلى الخبار عن قول المشركين ،أي كانوا قبل بعثة محمد صلى ال عليه وسلم إذا عيروا
بالجهمل قالوا" :لو أن عندنما ذكرا ممن الوليمن" أي لو بعمث إلينما نمبي بمبيان الشرائع لتبعناه .ولمما
خففمت "إن" دخلت على الفعمل ولزمتهما اللم فرقما بيمن النفمي واليجاب .والكوفيون يقولون" :إن"
بمعنى ما واللم بمعنى إل .وقيل :معنى "لو أن عندنا ذكرا" أي كتابا من كتب النبياء" .لكنا عباد
ال المخلصمين" أي لو جاءنما ذكمر كمما جاء الوليمن لخلصمنا العبادة ل" .فكفروا بمه" أي بالذكمر.
والفراء يقدره على حذف ،أي فجاءهم محمد صلى ال عليه وسلم بالذكر فكفروا به .وهذا تعجيب
منهم ،أي فقد جاءهم نبي وأنزل عليهم كتاب فيه بيان ما يحتاجون إليه فكفروا وما وفوا بما قالوا.
"فسوف يعلمون" قال الزجاج :يعلمون مغبة كفرهم.
**3اليمة{ 179 - 171 :ولقمد سمبقت كلمتنما لعبادنما المرسملين ،إنهمم لهمم المنصمورون ،وإن
جندنا لهم الغالبون ،فتول عنهم حتى حين ،وأبصرهم فسوف يبصرون ،أفبعذابنا يستعجلون ،فإذا
نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين ،وتول عنهم حتى حين ،وأبصر فسوف يبصرون}
@قوله تعالى" :ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين" قال الفراء :أي بالسعادة .وقيل :أراد بالكلمة
قوله عز وجل" :كتب ال لغلبن أنا ورسلي" [المجادلة ]21 :قال الحسن :لم يقتل من أصحاب
الشرائع قط أحد "إنهم لهم المنصورون" أي سبق الوعد بنصرهم بالحجة والغلبة" .وإن جندنا لهم
الغالبون" على المعنممى ولو كان على اللفممظ لكان هممو الغالب مثممل "جنممد ممما هنالك مهزوم مممن
الحزاب" [ص .]11 :وقال الشيباني :جاء ها هنا على الجمع من أجل أنه رأس آية.
@قوله تعالى" :فتول عنهم" أي أعرض عنهم" .حتى حين" قال قتادة :إلى الموت .وقال الزجاج:
إلى الوقت الذي أمهلوا إليه .وقال ابن عباس :يعني القتل ببدر .وقيل :يعني فتح مكة .وقيل :الية
منسموخة بآيمة السميف" .وأبصمرهم فسموف يبصمرون" قال قتادة :سموف يبصمرون حيمن ل ينفعهمم
البصمار .وعسمى ممن ال للوجوب وعمبر بالبصمار عمن تقريمب الممر؛ أي عمن قريمب يبصمرون.
وقيمل :المعنمى فسموف يبصمرون العذاب يوم القياممة" .أفبعذابنما يسمتعجلون" كانوا يقولون ممن فرط
تكذيبهم متى هذا العذاب؛ أي ل تستعجلوه فإنه واقع بكم.
@قوله تعالى" :فإذا نزل بساحتهم" أي العذاب .قال الزجاج :وكان عذاب هؤلء بالقتل .ومعنى
"بساحتهم" أي بدارهم؛ عن السدي وغيره .والساحة والسحسة في اللغة فناء الدار الواسع .الفراء:
"نزل بساحته" ونزل بهم سواء" .فسماء صباح المنذرين" أي بئس صباح الذين أنذروا بالعذاب.
وفيه إضمار أي فساء الصباح صباحهم .وخص الصباح بالذكر؛ لن العذاب كان يأتيهم فيه .ومنه
الحديث الذي رواه أنس رضي ال عنه قال :لما أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم خيبر ،وكانوا
خارجيمن إلى مزارعهمم ومعهمم المسماحي ،فقالوا :محمممد والخميمس ،ورجعوا إلى حصمنهم؛ فقال
صلى ال عليه وسلم( :ال أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) وهو
يمبين معنمى" :فإذا نزل بسماحتهم" يريمد :النمبي صملى ال عليمه وسملم" .وتول عنهمم" كرر تأكيدا.
"وأبصر فسوف يبصرون" تأكيدا أيضا.
**3الية{ 180 :سبحان ربك رب العزة عما يصفون ،وسلم على المرسلين ،والحمد ل رب
العالمين}
@قوله تعالى" :سمبحان ربك" نزه سبحانه نفسه عما أضاف إليه المشركون" .رب العزة" على
البدل .ويجوز النصب على المدح ،والرفع بمعنى هو رب العزة" .عما يصفون" أي من الصاحبة
والولد .وسئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن معنى "سبحان ال" فقال( :هو تنزيه ال عن كل
سوء) وقد مضى في "البقرة" مستوفى.
@ سئل محمد بن سحنون عن معنى "رب العزة" لم جاز ذلك والعزة من صفات الذات ،ول يقال
رب القدرة ونحوهما ممن صمفات ذاتمه جمل وعمز؟ فقال :العزة تكون صمفة ذات وصمفة فعمل ،فصمفة
الذات نحممو قوله" :فلله العزة جميعمما" وصممفه الفعممل نحممو قوله" :رب العزة" والمعنممى رب العزة
التي يتعاز بها الخلق فيما بينهم فهي من خلق ال عز وجل .قال :وقد جاء في التفسير إن العزة ها
هنا يراد بها الملئكة .قال :وقال بعض علمائنا :من حلف بعزة ال فإن أراد عزته التي هي صفته
فحنمث فعليمه الكفارة ،وإن أراد التمي جعلهما ال بيمن عباده فل كفارة عليمه .الماوردي" :رب العزة"
يحتمل وجهين :أحدهما مالك العزة ،والثاني رب كل شيء متعزز من ملك أو متجبر.
قلت :وعلى الوجهين فل كفارة إذا نواها الحالف.
@ روي من حديث أبى سعيد الخدري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقول قبل أن يسلم:
"سبحان ربك رب العزة" إلى آخر السورة؛ ذكره الثعلبي.
قلت :قرأت على الشيمخ المام المحدث الحافمظ أبمي علي الحسمن بمن محممد بمن محممد بمن محممد بمن
عمروك البكري بالجزيرة قبالة المنصممورة مممن الديار المصممرية ،قال أخبرتنمما الحرة أم المؤيممد
زينب بنت عبدالرحمن بن الحسن الشعري بنيسابور في المرة الولى ،أخبرنا أبو محمد إسماعيل
بن أبي بكر القارئ ،قال حدثنا أبو الحسن عبدالقادر بن محمد الفارسي ،قال حدثنا أبو سهل بشر
بن أحمد السفرايني ،قال حدثنا أبو سليمان داود بن الحسين البيهقي ،قال حدثنا أبو زكرياء يحيى
بمن يحيمى بمن عبدالرحممن التميممي النيسمابوري ،قال حدثنما هشيمم عمن أبمي هارون العبدي عمن أبمي
سمعيد الخدري قال :سممعت رسمول ال صملى ال عليمه وسملم غيمر مرة ول مرتيمن يقول فمي آخمر
صلته أو حين ينصرف "سبحان ربك رب العزة عما يصفون .وسلم على المرسلين .والحمد ل
رب العالمين" .قال الماوردي :روى الشعبي قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :من سره
أن يكتال بالمكيال الوفمى ممن الجمر يوم القياممة فليقمل آخمر مجلسمه حيمن يريمد أن يقوم" :سمبحان
ربك رب العزة عما يصفون .وسلم على المرسلين .والحمد ل رب العالمين") .ذكره الثعلبي من
حديت علي رضي ال عنه مرفوعا.
@قوله تعالى" :وسلم على المرسلين" ي الذين بلغوا عن ال تعالى التوحيد والرسالة .وقال أنس
قال النممبي صمملى ال عليممه وسمملم( :إذا سمملمتم علي فسمملموا على المرسمملين فإنممما أنمما رسممول مممن
المرسلين) وقيل :معنى "وسلم على المرسلين" أي أمن لهم من ال جل وعز يوم الفزع الكبر.
"والحمد ل رب العالمين" أي على إرسال المرسلين مبشرين ومنذرين .وقيل :أي على جميع ما
أنعمم ال بمه على الخلق أجمعيمن .وقيمل :أي على هلك المشركيمن؛ دليله" :فقطمع دابر القوم الذيمن
ظلموا والحمد ل رب العالمين" [النعام.]45 :
قلت :والكل مراد والحمد يعم .ومعنى "يصفون" يكذبون ،والتقدير عما يصفون من الكذب.
**2سورة ص
**3مقدمة السورة
@ مكية وآياتها 88نزلت بعد القمر وهي مكية في قول الجميع ،وهي ست وثمانون آية .وقيل
ثمان وثمانون آية.
**3الية{ 3 - 1 :ص والقرآن ذي الذكر ،بل الذين كفروا في عزة وشقاق ،كم أهلكنا من قبلهم
من قرن فنادوا ولت حين مناص}
@قوله تعالى" :ص" قراءة العامة "ص" بجزم الدال على الوقف؛ لنه حرف من حروف الهجاء
مثل" :الم" و"المر" .وقرأ أبي بن عب والحسن وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم "صاد" بكسر
الدال بغيمر تنويمن .ولقراءتمه مذهبان :أحدهمما أنمه ممن صمادى يصمادي إذا عارض ،ومنمه "فأنمت له
تصدى" [عبس ]6 :أي تعرض .والمصاداة المعارضة ،ومنه الصدى وهو ما يعارض الصوت
فمي الماكمن الخاليمة .فالمعنمى صماد القرآن بعملك؛ أي عارضمه بعملك وقابله بمه ،فاعممل بأوامره،
وانتمه عمن نواهيمه .النحاس :وهذا المذهمب يروى عمن الحسمن أنمه فسمر بمه قراءتمه روايمة صمحيحة.
وعنه أن المعنى اتله وتعرض لقراءته .والمذهب الخر أن تكون الدال مكسورة للتقاء الساكنين.
وقرأ عيسمى بمن عممر "صماد" بفتمح الدال مثله" :قاف" و"نون" بفتمح آخرهما .وله فمي ذلك ثلثمة
مذاهب :أحدهن أن يكون بمعنى أتل .والثاني أن يكون فتح للتقاء الساكنين واختار الفتح للتباع؛
ولنممه أخممف الحركات .والثالث أن يكون منصمموبا على القسممم بغيممر حرف؛ كقولك :ال لفعلن،
وقيمل :نصمب على الغراء .وقيمل :معناه صماد محممد قلوب الخلق واسمتمالها حتمى آمنوا بمه .وقرأ
ابمن أبمي إسمحاق أيضما "صماد" بكسمر الدال والتنويمن على أن يكون مخفوضما على حذف حرف
القسممم ،وهذا بعيممد وإن كان سمميبويه قممد أجاز مثله .ويجوز أن يكون مشبهمما بممما ل يتمكممن مممن
الصمموات وغيرهمما .وقرأ هارون العور ومحمممد بممن السممميقع" :صمماد" و"قاف" و"نون" بضممم
آخرهن :لنه المعروف بالبناء في غالب الحال ،نحو منذ وقط وقبل وبعد .و"ص" إذا جعلته اسما
للسمورة لم ينصمرف؛ كمما أنمك إدا سمميت مؤنثما بمذكمر ل ينصمرف وإن قلت حروفمه .وقال ابمن
عباس وجابر بن عبدال وقمد سمئل عمن "ص" فقال :ل ندري مما همي .وقال عكرممة :سمأل نافمع بمن
الزرق ابمن عباس عمن "ص" فقال" :ص" كان بحرا بمكمة وكان عليمه عرش الرحممن إذ ل ليمل
ول نهار .وقال سمعيد بمن جمبير" :ص" بحمر يحيمي ال بمه الموتمى بيمن النفختيمن .وقال الضحاك:
معناه صدق ال .وعنه أن "ص" قسم أقسم ال به وهو من أسمائه تعالى .وقال السدي ،وروي عن
ابن عباس .وقال محمد بن كعب :هو مفتاح أسماء ال تعالى صمد وصانع المصنوعات وصادق
الوعد .وقال قتادة :هو اسم من أسماء الرحمن .وعنه أنه اسم من أسماء القرآن .وقال مجاهد :هو
فاتحة السورة .وقيل :هو مما استأثر ال تعالى بعلمه وهو معنى القول الول .وقد تقدم جميع هذا
في "البقرة".
@قوله تعالى" :والقرآن" خفض بواو القسم والواو بدل من الباء؛ أقسم بالقرآن تنبيها على جللة
قدره؛ فإن فيمه بيان كل شيمء ،وشفاء لمما فمي الصمدور ،ومعجزة للنمبي صملى ال عليه وسلم" .ذي
الذكر" خفض على النعت وعلمة خفضه الياء ،وهو اسم معتل والصل فيه ذوى على فعل .قال
ابن عباس :ومقاتل معنى "ذي الذكر" ذي البيان .الضحاك :ذي الشرف أي من آمن به كان شرفا
له فمي الداريمن؛ كمما قال تعالى" :لقمد أنزلنما إليكمم كتابما فيمه ذكركمم" [النمبياء ]10 :أي شرفكمم.
وأيضمما القرآن شريممف فممي نفسممه لعجازه واشتماله على ممما ل يشتمممل عليممه غيره .وقيممل" :ذي
الذكمر" أي فيمه ذكمر مما يحتاج إليمه ممن أممر الديمن .وقيمل" :ذي الذكمر" أي فيمه ذكمر أسمماء ال
وتمجيده .وقيمل :أي ذي الموعظمة والذكمر .وجواب القسمم محذوف .واختلف فيمه على أوجمه :فقيمل
جواب القسم "ص"؛ لن معناه حق فهي جواب لقوله" :والقرآن" كما تقول :حقا وال ،نزل وال،
وجب وال؛ فيكون الوقف من هذا الوجه على قوله" :والقرآن ذي الذكر" حسنا ،وعلى "في عزة
وشقاق" تماممما .قال ابممن النباري .وحكممى معناه الثعلبممي عممن الفراء .وقيممل :الجواب "بممل الذيممن
كفروا في عزة وشقاق" لن "بل" نفي لمر سبق وإثبات لغيره؛ قاله القتبي؛ فكأنه قال" :والقرآن
ذي الذكمر بمل الذيمن كفروا فمي عزة وشقاق" عمن قبول الحمق وعداوة لمحممد صملى ال عليمه وسملم.
أو "والقرآن ذي الذكمر" مما الممر كمما يقولون ممن أنمك سماحر كذاب؛ لنهمم يعرفونمك بالصمدق
والمانمة بمل همم فمي تكمبر عمن قبول الحمق .وهمو كقوله" :ق والقرآن المجيمد .بمل عجبوا" [ق.]2 :
وقيمل :الجواب "وكمم أهلكنما" [ق ]36 :كأنمه قال :والقرآن لكمم أهلكنما؛ فلمما تأخرت "كمم" حذفمت
اللم منها؛ كقوله تعالى" :والشمس وضحاها" [الشمس ]1 :ثم قال" :قد أفلح" [الشمس ]9 :أي
لقد أفلح .قال المهدوي :وهذا مذهب الفراء .ابن النباري :فمن هذا الوجه ل يتم الوقف على قوله:
"في عزة وشقاق" .وقال الخفش :جواب القسم "إن كل إل كذب الرسل فحق عقاب" ونحو منه
قوله تعالى" :تال إن كنا لفي ضلل مبين" [الشعراء ]97 :وقوله" :والسماء والطارق" إلى قوله
"إن كمل نفمس" [الطارق .]4 - 1 :ابمن النباري :وهذا قبيمح؛ لن الكلم قمد طال فيمما بينهمما
وكثرت اليات والقصمص .وقال الكسمائي :جواب القسمم قوله" :إن ذلك لحمق تخاصمم أهمل النار"
[ص .]64:ابمن النباري :وهذا أقبمح ممن الول؛ لن الكلم أشمد طول فيمما بيمن القسمم وجوابمه.
وقيمل الجواب قوله" :إن هذا لرزقنما مما له ممن نفاد" [ص .]54 :وقال قتادة :الجواب محذوف
تقديره "والقرآن ذي الذكر" لتبعثن ونحوه.
@قوله تعالى" :بل الذين كفروا في عزة" أي تكبر وامتناع من قبول الحق؛ كما قال جل وعز:
"وإذا قيل له اتق ال أخذته العزة بالثم" [البقرة ]206 :والعزة عند العرب :الغلبة والقهر .يقال:
ممن عمز بمز؛ يعنمي ممن غلب سملب .ومنمه" :وعزنمي فمي الخطاب" [ص ]23 :أراد غلبنمي .وقال
جرير:
كما ابترك الخليع على القداح يعز على الطريق بمنكبيه
أراد يغلب" .وشقاق" أي فمي إظهار خلف ومباينمة .وهمو ممن الشمق كأن هذا فمي شمق وذلك فمي
شق .وقد مضى في "البقرة" مستوفى.
@قوله تعالى" :كم أهلكنا من قبلهم من قرن" أي قوم كانوا أمنع من هؤلء .و"كم" لفظة التكثير
"فنادوا" أي بالستغاثة والتوبة .والنداء رفع الصوت؛ ومنه الخبر( :ألقه على بلل فإنه أندى منك
صوتا) أي أرفع" .ولت حين مناص" قال الحسن :نادوا بالتوبة وليس حين التوبة ول حين ينفع
العممل .النحاس :وهذا تفسمير منمه لقوله عمز وجمل" :ولت حيمن مناص" فأمما إسمرائيل فروى عمن
أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس":ولت حين مناص" قال :ليس بحين نزو ول فرار؛ قال:
ضبمط القوم جميعما قال الكلبمي :كانوا إذا قاتلوا فاضطروا قال بعضهمم لبعمض مناص؛ أي عليكمم
بالفرار والهزيممة ،فلمما أتاهمم العذاب قالوا مناص؛ فقال ال عمز وجمل" :ولت حيمن مناص" قال
القشيري :وعلى هذا فالتقديمر :فنادوا مناص فحذف لدللة بقيمة الكلم عليمه؛ أي ليمس الوقمت وقمت
مما تنادون بمه .وفمي هذا نوع تحكمم؛ إذ يبعمد أن يقال :كمل ممن هلك ممن القرون كانوا يقولون مناص
عنمد الضطرار .وقيمل :المعنمى "ولت حيمن مناص" أي ل خلص وهمو نصمب بوقوع ل عليمه.
قال القشيري :وفيمه نظمر لنمه ل معنمى على هذا للواو فمي "ولت حيمن مناص" وقال الجرجانمي:
أي فنادوا حيمن ل مناص؛ أي سماعة ل منجمى ول فوت .فلمما قدم "ل" وأخمر "حيمن" اقتضمى ذلك
الواو ،كممما يقتضممي الحال إذا جعممل ابتداء وخممبرا؛ مثممل قولك :جاء زيممد راكبمما؛ فإذا جعلتممه مبتدأ
وخمبر اقتضمى الواو مثمل جاءنمي زيمد وهمو راكمب ،فحيمن ظرف لقوله :فنادوا" .والمناص بمعنمى
التأخمممر والفرار والخلص؛ أي نادوا لطلب الخلص فمممي وقمممت ل يكون لهمممم فيمممه خلص .قال
الفراء:
أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص
يقال :ناص عن قرنه ينوص نوصا ومناصا أي فر وزاغ .النحاس :ويقال :ناص ينوص إذا تقدم.
قلت :فعلى هذا يكون ممممن الضداد ،والنوص الحمار الوحشمممي .واسمممتناص أي تأخمممر؛ قاله
الجوهري .وتكلم النحويون فمي "ولت حيمن" وفمي الوقمف عليمه ،وكثمر فيمه أبمو عمبيدة القاسمم بمن
سملم فمي كتاب القراءات وكمل مما جاء بمه إل يسميرا مردود .فقال سميبويه" :لت" مشبهمة بليمس
والسمم فيهما مضممر؛ أي ليسمت أحياننما حيمن مناص .وحكمي أن ممن العرب ممن يرفمع بهما فيقول:
ولت حيممن مناص .وحكممي أن الرفممع قليممل ويكون الخممبر محذوفمما كممما كان السممم محذوفمما فممي
النصمب؛ أي ولت حيمن مناص لنما .والوقمف عليهما عنمد سميبويه والفراء "ولت" بالتاء ثمم تبتدئ
"حين مناص" هو قول ابن كيسان والزجاج .قال أبو الحسن بن كيسان :والقول كما قال سيبويه؛
لن شبههما بليمس فكمما يقال ليسمت يقال لت .والوقوف عليهما عتمد الكسمائي بالهاء وله .وهمو قول
الممبرد محممد بمن يزيمد .وحكمى عنمه علي بمن سمليمان أن الحجمة فمي ذلك أنهما دخلت عليهما الهاء
لتأنيمث الكلممة ،كمما يقال ثُممه ورُبمه .وقال القشيري :وقمد يقال ثُممت بعنمي ثُم ،وربمت بمعنمى رب؛
فكأنهم زادوا في ل هاء فقالوا له ،كما قالوا في ثمه عند الوصل صارت تاء .وقال الثعلبي :وقال
أهل اللغة :و"لت حين" مفتوحتان كأنهما كلمة واحدة ،وإنما هي "ل" زيدت فيها التاء نحو رب
وربت ،وثم وثمت .قال أبو زبيد الطائي:
فأجبنا أن ليس حين بقاء طلبوا صلحنا ولت أوان
وقال آخر:
وأمسى الشيب قد قطع القرينا تذكر حب ليلى لت حينا
ومن العرب من يخفض بها؛ وأنشد الفراء:
ولتندمن ولت ساعة مندم فلتعرفن خلئقا مشمولة
وكان الكسائي والفراء والخليل وسيبويه والخفش يذهبون إلى أن "ولت حين" التاء منقطعة من
حين ،ويقولون معناها وليست .وكذلك هو في المصاحف الجدد والعتق بقطع التاء من حين .وإلى
هذا كان يذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى .وقال أبو عبيد القاسم بن سلم :الوقف عندي على هذا
الحرف "ول" والبتداء "تحيممن مناص" فتكون التاء مممع حيممن .وقال بعضهممم" :لت" ثممم يبتدئ
فيقول" :حيمن مناص" .قال المهدوي :وذكمر أبمو عبيمد أن التاء فمي المصمحف متصملة بحيمن وهمو
غلط عنمد النحوييمن ،وهمو خلف قول المفسمرين .وممن حجمة أبمي عبيمد أن قال :إنما لم نجمد العرب
تزيد هذه التاء إل في حين وأوان والن؛ وأنشد لبي وجزة السعدي:
والمطعمون زمان ابن المطعم العاطفون تحين ما من عاطف
وأنشد لبي زبيد الطائي:
فأجبنا أن ليس حين بقاء طلبوا صلحنا ول تأوان
فأدخل التاء في أوان .قال أبو عبيد :ومن إدخالهم التاء في الن ،حديث ابن عمر وسأله رجل عن
عثمان بن عفان رضي ال عنه ،فذكر مناقبه ثم قال :اذهب بها تلن معك .وكذلك قول الشاعر:
وصلينا كما زعمت تلنا نولي قبل نأي داري جمانا
فال أبممو عبيممد :ثممم مممع هذا كله إنممي تعمدت النظممر فممي الذي يقال له المام -مصممحف عثمان -
فوجدت التاء متصلة مع حين قد كتبت تحين .قال أبو جعفر النحاس :أما البيت الول الذي أنشده
لبممي وجزة فرواه العلماء باللغممة على أربعممة أوجممه ،كلهمما على خلف ممما أنشده؛ وفممي أحدهمما
تقديران؛ رواه أبو العباس محمد بن يزيد:
العاطفون ولت ما من عاطف
والرواية الثانية:
العاطفون ولت حين تعاطف
والرواية الثالثة رواها ابن كيسان:
العاطفونةَ حين ما من عاطف
جعلهما هاء فمي الوقمف وتاء فمي الدراج ،وزعمم أنهما لبيان الحركمة شبهمت بهاء التأنيمث .الروايمة
الرابعة:
العاطفونهُ حين ما من عاطف
وفمي هذه الروايمة تقديران؛ أحدهمما وهمو مذهمب إسمماعيل بمن إسمحاق أن الهاء فمي موضمع نصمب؛
كمما تقول :الضاربون زيدا فإذا كنيمت قلت الضاربوه .وأجاز سميبويه فمي الشعمر الضاربونمه ،فجاء
إسمماعيل بالتأنيمث على مذهمب سميبويه فمي إجازتمه مثله .والتقديمر الخمر العاطفون على أن الهاء
لبيان الحركة ،كما تقول :مر بنا المسلمونه في الوقف ،ثم أجريت في الوصل مجراها في الوقف؛
كما قرأ أهل المدينة" :ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه" [الحاقة ]29:وأما البيت الثاني فل
حجممة له فيممه؛ لنممه يوقممف عليممه :ولت أوان ،غيممر أن فيممه شيئا مشكل؛ لنممه يروى :ولت أوان
بالخفمض ،وإنمما يقمع مما بعمد لت مرفوعما أو منصموبا .وإن كان قمد روي عمن عيسمى بمن عممر أنمه
قرأ "ولت حين مناص" بكسر التاء من لت والنون من حين فإن الثبت عنه أنه قرأ "ولت حين
مناص" فبنمى "لت" على الكسمر ونصمب "حيمن" .فأمما :ولت أوان ففيمه تقديران؛ قال الخفمش:
فيمه مضممر أي ولت حيمن أوان .قال النحاس :وهذا القول بيمن الخطمأ .والتقديمر الخمر عمن أبمي
إسحاق قال :تقديره ولت أواننا فحذف ،المضاف إليه فوجب أل يعرب ،وكسره للتقاء الساكنين.
وأنشده محممد بمن يزيمد ولت أوان بالرفمع .وأمما البيمت الثالث فمبيت مولد ل يعرف قائله ول تصمح
بمه حجمة .على أن محممد بمن يزيمد رواه :كمما زعممت الن .وقال غيره :المعنمى كمما زعممت أنمت
الن .فأسمقط الهمزة ممن أنمت والنون .وأمما احتجاجمه بحديمث ابمن عممر ،لمما ذكمر للرجمل مناقمب
عثمان فقال له :اذهممب بهمما تلن إلى أصممحابك فل حجممة ،فيممه؛ لن المحدث إنممما يروي هذا على
المعنمى .والدليمل على هذا أن مجاهدا يروي عمن ابمن عممر هذا الحديمث وقال فيمه :اذهمب فاجهمد
جهدك .ورواه آخر :اذهب بها الن معك .وأما احتجاجه بأنه وجدها في المام "تحين" .فل حجة
فيه؛ لن معنى المام أنه إمام المصاحف فإن كان مخالفا لها فليس بإمام لها ،وفي المصاحف كلها
"ولت" فلو لم يكن في هذا إل هذا الحتجاج لكان مقنعا .وجمع مناص مناوص.
**3الية{ 4 :وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب ،أجعل اللهة إلها
واحدا إن هذا لشيء عجاب}
@قوله تعالى" :وعجبوا أن جاءهم منذر منهم" "أن" في موضع نصب والمعنى من أن جاءهم.
قيممل :هممو متصممل بقوله" :فممي عزة وشقاق" أي فممي عزة وشقاق وعجبوا ،وقوله" :كممم أهلكنمما"
معترض .وقيل :ل بل هذا ابتداء كلم؛ أي ومن جهلهمم أنهمم أظهروا التعجمب من أن جاءهم منذر
منهممم" .وقال الكافرون هذا سمماحر" أي يجيممء بالكلم المموه الذي يخدع بممه الناس؛ وقيممل :يفرق
بسحره بين الوالد وولده والرجل وزوجته "كذاب" أي في دعوى النبوة.
@قوله تعالى" :أجعمل اللهمة إلهما واحدا" مفعولن أي صمير اللهمة إلهما واحدا" .إن هذا لشيمء
عجاب" أي عجيممب .وقرأ السمملمي" :عجاب" بالتشديممد .والعجاب والعجّاب والعجممب سممواء .وقممد
فرق الخليمل بيمن عجيمب وعجاب فقال :العجيمب العجمب ،والعجاب الذي قمد تجاوز حمد العجمب،
والطويمل الذي فيمه طول ،والطوال ،الذي قمد تجاوز حمد الطول .وقال الجوهري :العجيمب الممر
الذي يتعجمب منمه ،وكذلك العجاب بالضمم ،والعجاب بالتشديمد أكثمر منمه ،وكذلك العجوبمة .وقال
مقاتمل" :عجاب" لغمة أزد شنوءة .وروى سمعيد بمن جمبير عمن ابمن عباس قال :مرض أبمو طالب
فجاءت قريمش إليمه ،وجاء النمبي صملى ال عليمه وسملم ،وعنمد رأس أبمي طالب مجلس رجمل ،فقام
أبو جهل كي يمنعه ،قال :وشكوه إلى أبي طالب ،فقال :يا ابن أخي ما تريمد من قومك؟ فقال( :يا
عم إنما أريد منهم كلمة تذل لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها الجزية العجم) فقال :وما هي؟ قال:
(ل إله إل ال) قال :فقالوا "أجعمل اللهمة إلهما واحدا" قال :فنزل فيهمم القرآن" :ص والقرآن ذي
الذكممر .بممل الذيممن كفروا فممي عزة وشقاق" حتممى بلغ "إن هذا إل اختلق" خرجممه الترمذي أيضمما
بمعناه .وقال :هذا حديث حسن صحيح .وقيل :لما أسلم عمر بن الخطاب رضي ال عنه شق على
قريمش إسملمه فاجتمعوا إلى أبمي طالب وقالوا :اقمض بيننما وبيمن ابمن أخيمك .فأرسمل أبمو طالب إلى
النبي صلى ال عليه وسلم فقال :بابن أخي هؤلء قومك يسألونك السواء ،فل تمل كل الميل على
قومك .قال( :وماذا يسألونني) قالوا :ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك .فقال النبي صلى
ال عليه وسلم( :أتعطونني كلمة واحدة وتملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم) فقال أبو جهل:
ل أبوك لنعطينكهما وعشمر أمثالهما .فقال النمبي صملى ال عليمه وسملم( :قولوا ل إله إل ال) فنفروا
من ذلك وقاموا؛ فقالوا" :أجعل اللهة إلها واحدا" فكيف يسع الخلق كلهم إله واحد .فأنزل ال فيهم
هذه اليات إلى قوله" :كذبت قبلهم قوم نوح" [ص]12:
**3الية{ 11 - 6 :وانطلق المل منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ،ما
سممعنا بهذا فمي الملة الخرة إن هذا إل اختلق ،أأنزل عليمه الذكمر ممن بيننما بمل همم فمي شمك ممن
ذكري بمل لمما يذوقوا عذاب ،أم عندهمم خزائن رحممة ربمك العزيمز الوهاب ،أم لهمم ملك السمماوات
والرض وما بينهما فليرتقوا في السباب ،جند ما هنالك مهزوم من الحزاب}
@قوله تعالى" :وانطلق المل منهم أن امشوا" "المل" الشراف ،والنطلق الذهاب بسرعة؛ أي
انطلق هؤلء الكافرون مممن عنممد الرسممول عليممه السمملم يقول بعضهممم لبعممض" :أن امشوا" أي
امضوا على ممما كنتممم عليممه ول تدخلوا فممي دينممه" .واصممبروا على آلهتكممم" وقيممل :همو إشارة إلى
مشيهم إلى أبي طالب في مرضه كما سبق .وفي رواية محمد بن إسحاق أنهم أبو جهل بن هشام،
وشيبة وعتبة أبناء ربيعة بن عبد شمس ،وأمية بن خلف ،والعاص بن وائل ،وأبو معيط؛ وجاؤوا
إلى أبي طالب فقالوا :أنت سيدنا وأنصفنا في أنفسنا ،فاكفنا أمر ابن أخيك وسفهاء معه ،فقد تركوا
ألهتنمما وطعنوا فممي ديننمما؛ فأرسممل أبممو طالب إلى النممبي صمملى ال عليممه وسمملم فقال له :إن قومممك
يدعونمك إلى السمواء والنصمفة .فقال النمبي صملى ال عليمه وسملم( :إنمما أدعوهمم إلى كلممة واحدة)
فقال أبممو جهممل وعشرا .قال( :تقولون ل إله إل ال) فقاموا وقالوا" :أجعممل اللهممة إلهمما واحممد"
اليات" .أن امشوا" "أن" فممي موضممع نصممب والمعنممى بأن امشوا .وقيممل" :أن" بمعنممى أي؛ أي
"وانطلق المل منهمم" أي أمشوا؛ وهذا تفسمير انطلقهمم ل أنهمم تكلموا بهذا اللفمظ .وقيمل :المعنمى
انطلق الشراف منهممم فقالوا للعوام" :امشوا واصممبروا على آلهتكممم" أي على عبادة آلهتكممم" .إن
هذا" أي هذا الذي جاء بمه محممد عليمه السملم "لشيمء يراد" أي يراد بأهمل الرض ممن زوال نعمم
قوم وغِيَر تنزل بهممم .وقيممل" :إن هذا لشيممء يراد" كلمممة تحذيممر؛ أي إنممما يريممد محمممد بممما يقول
النقياد له ليعلو علينا ،ونكون له أتباعا فيتحكم فينا بما يريد ،فاحذروا أن تطيعوه .وقال مقاتل :إن
عمر لما أسلم وقوي به السلم شق ذلك على قريش فقالوا :إن إسلم عمر في قوة السلم لشيء
يراد.
@قوله تعالى" :ما سمعنا بهذا في الملة الخرة" قال ابن عباس والقرظي وقتادة ومقاتل والكلبي
والسمدي :يعنون ملة عيسمى النصمرانية وهمي آخمر الملل .والنصمارى يجعلون ممع ال إلهما .وقال
مجاهمد وقتادة أيضما :يعنون ملة قريمش .وقال الحسمن :مما سممعنا أن هذا يكون فمي آخمر الزمان.
وقيمممل :أي مممما سمممعنا ممممن أهممل الكتاب أن محمدا رسمممول حمممق" .إن هذا إل اختلق" أي كذب
وتخرص؛ عممن ابممن عباس وغيره .يقال :خلق واختلق أي ابتدع .وخلق ال عممز وجممل الخلق مممن
هذا؛ أي ابتدعهم على غير مثال.
@قوله تعالى" :أؤنزل عليمه الذكمر ممن بيننما" همو اسمتفهام إنكار ،والذكمر هما هنما القرآن .أنكروا
اختصماصه بالوحمي ممن بينهمم" .بمل همم فمي شمك ممن ذكري" أي ممن وحيمي وهمو القرآن .أي قمد
علموا أنمك لم تزل صمدوقا فيمما بينهمم ،وإنمما شكوا فيمما أنزلتمه عليمك همل همو ممن عندي أم ل" .بمل
لما يذوقوا عذاب" أي إنما اغتروا بطول المهال ،ولو ذاقوا عذابي على الشرك لزال عنهم الشك،
ولممما قالوا ذلك؛ ولكممن ل ينفممع اليمان حينئذ .و"لممما" بمعنممى لم وممما زائدة كقوله" :عممما قليممل"
المؤمنون ]40 :وقوله "فبما نقضهم ميثاقهم" [النساء.]155 :
@قوله تعالى" :أم عندهمم خزائن رحممة ربمك العزيمز الوهاب" قيمل :أم لهمم هذا فيمنعوا محمدا
عليه السلم مما أنعم ال عز وجل به عليه من النبوة .و"أم" قد ترد بمعنى التقريع إذا كان الكلم
متصممل بكلم قبله؛ كقوله تعالى" :الم تنزيممل الكتاب ل ريممب فيممه مممن رب العالميممن أم يقولون
افتراه" [السجدة ]1 :وقد قيل إن قوله" :أم عندهم خزائن رحمة ربك" متصل بقول" :وعجبوا أن
جاءهمم منذر منهمم" [ص ]4 :فالمعنمى أن ال عمز وجمل يرسمل ممن يشاء؛ لن خزائن السمموات
والرض له" :أم لهممم ملك السممماوات والرض وممما بينهممما" أي فإن ادعوا ذلك" :فليرتقوا فممي
السباب"
@قوله تعالى" :فليرتقوا في السباب" أي فليصعدوا إلى السموات ،وليمنعوا الملئكة من إنزال
الوحي على محمد .يقال :رقي يرقى وارتقى إذا صعد .ورقى يرقي رقيا مثل رمى يرمي رميا من
الرقية .قال الربيع بن أنس :السباب أرق من الشعر وأشد من الحديد ولكن ل ترى .والسبب في
اللغة كل ما يوصل به إلى المطلوب من حبل أو غيره .وقيل :السباب أبواب السموات التي تنزل
الملئكة منها؛ قاله مجاهد وقتادة .قال زهير:
ولو رام أسباب السماء بسلم
وقيمل :السمباب السمموات نفسمها؛ أي فليصمعدوا سمماء سمماء .وقال السمدي" :فمي السمباب" فمي
الفضل والدين .وقيل :أي فليعلوا في أسباب القوة إن ظنوا أنها مانعة .وهو معنى قول أبي عبيدة.
وقيل :السباب الحبال؛ يعني إن وجدوا حبل أو سببا يصعدون فيه إلى السماء فليرتقوا؛ وهذا أمر
توبيمخ وتعجيمز .ثمم وعمد نمبيه صملى النصمر عليهمم فقال" :جنمد مما هنالك" "مما" صملة وتقديره همم
جنممد ،فم م "جنممد" خممبر ابتداء محذوف" .مهزوم" أي مقموع ذليممل قممد انقطعممت حجتهممم؛ لنهممم ل
يصمملون إلى أن يقولوا هذا لنمما .ويقال :تهزمممت القربممة إذا انكسممرت ،وهزمممت الجيممش كسممرته.
والكلم مرتبط بما قبل؛ أي" :بل الذين كفروا في عزة وشقاق" وهم جند من الحزاب مهزومون،
فل تغممك عزتهمم وشقاقهمم ،فإنمي أهزم جمعهمم وأسملب عزهمم .وهذا تأنيمس للنمبي صملى ال عليمه
وسلم؛ وقد فعل بهم هذا في يوم بدر .قال قتادة :وعد ال أنه سيهزمهم وهم بمكة فجاء تأويلها يوم
بدر .و"هنالك" إشارة لبدر وهمو موضمع تحزبهمم لقتال محممد صملى ال عليمه وسملم .وقيمل :المراد
بالحزاب الذيممن أتوا المدينممة وتحزبوا على النممبي صمملى ال عليممه وسمملم .وقممد مضممى ذلك فممي
"الحزاب" .والحزاب الجنمد ،كمما يقال :جنمد ممن قبائل شتمى .وقيمل :أراد بالحزاب القرون
الماضيمة ممن الكفار .أي هؤلء جنمد على طريقمة أولئك كقوله تعالى" :فممن شرب منمه فليمس منمي
وممن لم يطعممه فإنمه منمي" [البقرة ]249 :أي على دينمي ومذهمبي .وقال الفراء :المعنمى همم جنمد
مغلوب؛ أي ممنوع عمن أن يصمعد إلى السمماء .وقال القتمبي :يعنمي أنهمم جنمد لهذه اللهمة مهزوم،
فهمم ل يقدرون على أن يدعوا لشيمء ممن آلهتهمم ،ول لنفسمهم شيئا ممن خزائن رحممة ال ،ول ممن
ملك السموات والرض.
**3اليمة{ 12 :كذبمت قبلهمم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الوتاد ،وثمود وقوم لوط وأصمحاب
اليكة أولئك الحزاب ،إن كل إل كذب الرسل فحق عقاب}
@قوله تعالى" :كذبمت قبلهمم قوم نوح" ذكرهما تعزيمة للنمبي صملى ال عليمه وسملم وتسملية له؛ أي
هؤلء من قومك يا محمد جند من الحزاب المتقدمين الذين تحزبوا على أنبيائهم ،وقد كانوا أقوى
من هؤلء فأهلكوا .وذكر ال تعالى القوم بلفظ التأنيث ،واختلف أهل العربية في ذلك على قولين:
أحدهمما :أنمه قمد يجوز فيمه التذكيمر والتأنيمث .الثانمي :أنمه مذكمر اللفمظ ل يجوز تأنيثمه ،إل أن يقمع
المعنمى على العشيرة والقمبيلة ،فيغلب فمي اللفمظ حكمم المعنمى المضممر تنبيهما عليمه؛ كقوله تعالى:
"كل إنها تذكرة فمن شاء ذكره" [المدثر ]55 :ولم يقل ذكرها؛ لنه لما كان المضمر فيه مذكرا
ذكره؛ وإن كان اللفمظ مقتضيما للتأنيمث .ووصمف فرعون بأنمه ذو الوتاد .وقمد اختلف فمي تأويمل
ذلك؛ فقال ابمن عباس :المعنمى ذو البناء المحكمم .وقال الضحاك :كان كثيمر البنيان ،والبنيان يسممى
أوتادا .وعن ابن عباس أيضا وقتادة وعطاء :أنه كانت له أوتاد وأرسان وملعب يلعب له عليها.
وعن الضحاك أيضا :ذو القوة والبطش .وقال الكلبي ومقاتل :كان يعذب الناس بالوتاد ،وكان إذا
غضمب على أحمد مده مسمتلقيا بيمن أربعمة أوتاد فمي الرض ،ويرسمل عليمه العقارب والحيات حتمى
يموت .وقيل :كان يشبح المعذب بين أربع سوار؛ كل طرف من أطرافه إلى سارية مضروب فيه
وتمد ممن حديمد ويتركمه حتمى يموت .وقيمل :ذو الوتاد أي ذو الجنود الكثيرة فسمميت الجنود أوتادا؛
لنهمم يقوون أمره كمما يقوي الوتمد البيمت .وقال ابمن قتيبمة :العرب تقول همم فمي عمز ثابمت الوتاد،
يريدون دائما شديدا .وأصل هذا أن البيت من بيوت الشعر إنما يثبت ويقوم بالوتاد .وقال السود
بن يعفر:
في ظل ملك ثابت الوتاد ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة
وواحمد الوتاد وتمد بالكسمر ،وبالفتمح لغمة .وقال الصممعي :يقال وتمد واتمد كمما يقال :شغمل شاغمل.
وأنشد:
ولم يكن يخلفها المواعدا لقت على الماء جذيل واتدا
قال :شبه الرجل بالجذل" .وثمود وقوم لوط وأصحاب اليكة" أي الغيضة .وقد مضى ذكرها في
"الشعراء] .وقرأ نافمع وابمن كثيمر وابمن عاممر" :ليكمة" بفتمح اللم والتاء ممن غيمر هممز .وهممز
الباقون وكسممروا التاء .وقممد تقدم هذا" .أولئك الحزاب" أي هممم الموصمموفون بالقوة والكسممرة؛
كقولك فلن همو الرجمل" .إن كمل" بمعنمى مما كمل" .إل كذب الرسمل فحمق عقاب" أي فنزل بهمم
العذاب لذلك التكذيب .وأثبت يعقوب الياء في "عذابي" و"عقابي" في الحالين وحذفها الباقون في
الحاليممن .ونظيممر هذه اليممة قوله عممز وجممل" :وقال الذي آمممن يمما قوم إنممي أخاف عليكممم مثممل يوم
الحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود" [غافر ]31:فسمى هذه المم أحزابا.
**3الية{ 15 :وما ينظر هؤلء إل صيحة واحدة ما لها من فواق ،وقالوا ربنا عجل لنا قطنا
قبل يوم الحساب}
@قوله تعالى" :ومما ينظمر هؤلء إل صميحة واحدة" "ينظمر" بمعنمى ينتظمر؛ ومنمه قوله تعالى:
"انظرونما نقتبمس ممن نوركمم" [الحديمد" .]13 :هؤلء" يعنمي كفار مكمة" .إل صميحة واحدة" أي
نفخمة القياممة .أي مما ينتظرون بعمد مما أصميبوا ببدر إل صميحة القياممة .وقيمل :مما ينتظمر أحياؤهمم
الن إل الصمميحة التممي هممي النفخممة فممي الصممور ،كممما قال تعالى" :ممما ينظرون إل صمميحة واحدة
تأخذهممم وهممو يخصمممون فل يسممتطيعون توصممية" [يممس ]49 :وهذا إخبار عممن قرب القيامممة
والموت .وقيمل :أي مما ينتظمر كفار آخمر هذه الممة المتدينيمن بديمن أولئك إل صميحة واحدة وهمي
النفخمة .وقال عبدال بمن عمرو :لم تكمن صميحة فمي السمماء إل بغضمب ممن ال عمز وجمل على أهمل
الرض" .ما لها من فواق" أي من ترداد؛ عن ابن عباس .مجاهد :ما لها رجوع .قتادة :ما لها من
مثنويمة .السمدي :مالهما ممن إفاقمة .وقرأ حمزة والكسمائي" :مما لهما ممن فواق" بضمم الفاء .الباقون
بالفتممح .الجوهري :والفَواق والفُواق ممما بيممن الحلبتيممن مممن الوقممت؛ لنهمما تحلب ثممم تترك سممويعة
يرضعهمما الفصمميل لتدر ثممم تحلب .يقال :ممما أقام عنده إل فواقمما؛ وفممي الحديممث( :العيادة قدر فواق
الناقمة) .وقوله تعالى" :مما لهما ممن فواق" يقرأ بالفتمح والضمم أي مما لهما ممن نظرة وراحمة وإفاقمة.
والفيقة بالكسر اسم اللبن الذي يجتمع بين الحلبتين :صارت الواو ياء لكسر ما قبلها؛ قال العشى
يصف بقرة:
جاءت لترضع شق النفس لو رضعا حتى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت
والجمع فيق ثم أفواق مثل شبر وأشبار ثم أفاويق .قال ابن همام السلولي:
أفاويق حتى ما يدر لها ثعل وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها
والفاويق أيضا ما اجتمع في السحاب من ماء ،فهو يمطر ساعة بعد ساعة .وأفاقت الناقة إفاقة أي
اجتمعمت الفيقمة فمي ضرعهما؛ فهمي مفيمق ومفيقمة -عمن أبمي عمرو -والجممع مفاويمق .وقال الفراء
وأبممو عممبيدة وغيرهممما" :مممن فواق" بفتممح الفاء أي راحممة ل يفيقون فيهمما ،كممما يفيممق المريممض
والمغشي عليه .و"من فواق" بضم الفاء من انتظار .وقد تقدم أنهما بمعنى وهو ما بين الحلبتين.
قلت :والمعنمى المراد أنهما ممتدة ل تقطيمع فيهما .وروى أبمو هريرة قال :حدثنما رسمول ال صملى
ال عليه وسلم ونحن في طائفة من أصحابه ...الحديث .وفيه( :يأمر ال عز وجل إسرافيل بالنفخة
الولى فيقول انفخ نفخة الفزع أهل السموات وأهل الرض إل من شاء ال ويأمره فيمدها ويديمها
ويطولها يقول ال عز وجل" :ما ينظر هؤلء إل صيحة واحدة ما لها من فواق" وذكر الحديث،
خرجه علي بن معبد وغيره كما ذكرناه في كتاب التذكرة.
@قوله تعالى" :وقالوا ربنما عجمل لنما قطنما" قال مجاهمد :عذابنما .وكذا قال قتادة :نصميبنا ممن
العذاب .الحسن :نصيبنا من الجنة لنتنعم به في الدنيا .وقال سعيد بن جبير .ومعروف في اللغة أن
يقال للنصممميب قمممط وللكتاب المكتوب بالجائزة قمممط .قال الفراء :القمممط فمممي كلم العرب الحمممظ
والنصيب .ومنه قيل للصك قط .وقال أبو عبيدة والكسائي :القط الكتاب بالجوائز والجمع القطوط؛
قال العشى:
بغبطته يعطي القطوط ويأفق ول الملك النعمان يوم لقيته
يعنمي كتمب الجوائز .ويروى :بأمتمه بدل بغبطتمه ،أي بنعمتمه وحال الجليلة ،ويأفمق يصملح .ويقال:
في جمع قط أيضا قططة وفي القليل أقط وأقطاط .ذكره النحاس .وقال السدي :سألوا أن يمثل لهم
منازلهمم ممن الجنمة ليعلموا حقيقمة مما يوعدون بمه .وقال إسمماعيل بمن أبمي خالد :المعنمى عجمل لنما
أرزاقنما .وقيمل :معناه عجمل لنما مما يكفينما؛ ممن قولهمم :قطنمي؛ أي يكفينمي .وقيمل :إنهمم قالوا ذلك
اسمتعجال لكتهمم التمي يعطونهما بأيمانهمم وشمائلهمم حيمن تلى عليهمم بذلك القرآن .وهمو قوله تعالى:
"فأما من أوتي كتابه بيمينه" [الحاقة" .]19 :وأما من أوتي كتابه وراء ظهره" [النشقاق.]10 :
وأصل القمط القمط وهو القطمع ،ومنه قمط القلم؛ فالقمط اسمم للقطعمة من الشيمء كالقسمم والقمس فأطلق
على النصميب والكتاب والرزق لقطعمه عمن غيره ،إل أنمه فمي الكتاب أكثمر اسمتعمال وأقوى حقيقمة.
قال أمية بن أبى الصلت:
يجبى إليه والقط والقلم قوم لهم ساحة العراق وما
"قبمل يوم الحسماب" أي قبمل يوم القياممة فمي الدنيما إن كان الممر كمما يقول محممد .وكمل هذا
استهزاء منهم.
**3الية{ 17 :اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا اليد إنه أواب}
@قوله تعالى" :اصبر على ما يقولون" أمر نبيه صلى ال عليه وسلم بالصبر لما استهزؤوا به.
وهذه منسموخة بآيمة السميف" .واذكمر عبدنما داود" لمما ذكمر ممن أخبار الكفار وشقاقهمم وتقريعهمم
بإهلك القرون من قبلهم ،أمر نبيه عليه الصلة والسلم بالصبر على أذاهم ،وسله بكل ما تقدم
ذكره .ثمم أخمذ فمي ذكمر داود وقصمص النمبياء؛ ليتسملى بصمبر ممن صمبر منهمم؛ وليعلم أن له فمي
الخرة أضعاف مما أعطيمه داود وغيره ممن النمبياء .وقيمل :المعنمى اصمبر على قولهمم ،واذكمر لهمم
أقاصيص النبياء؛ لتكون برهانما على صحة نبوتك .وقول" :عبدنا" إظهارا لشرفه بهذه الضافة
"ذا اليمد" ذا القوة فمي العبادة .وكان يصموم يومما ويفطمر يومما وذلك أشمد الصموم وأفضله؛ وكان
يصلي نصف الليل ،وكان ل يفر إذا لقى العدو ،وكان قويا في الدعاء إلى ال تعالى .ويقال :اليد
والد كما تقول العيب والعاب .قال:
لم يك يناد فأمسى أنادا
ومنه رجل أيد أي قوي .وتأيد الشيء تقوى ،قال الشاعر:
رمى فأصاب الكلى والذوا إذا القوس وترها أيد
يقول :إذا ال وتر القوس التي في السحاب رمى كلى البل وأسمنها بالشحم .يعني من النبات الذي
يكون ممن المطمر" .إنمه أواب" قال الضحاك :أي تواب .وعمن غيره :أنمه كلمما ذكمر ذنبمه أو خطمر
على باله استغفر منه؛ كما قال النبي صلى ال عليه وسلم( :إني لستغفر ال في اليوم والليلة مائة
مرة) .ويقال آب يؤوب إذا رجع؛ كما قال:
وغائب الموت ل يؤوب وكل ذي غيبة يؤوب
فكان داود رجاعا إلى طاعة ال ورضاه في كل أمر فهو أهل لن يقتدى به.
**3الية{ 18 :إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والشراق}
@قوله تعالى" :إنما سمخرنا الجبال معمه يسمبحن" "يسمبحن" فمي موضمع نصمب على الحال .ذكمر
تعالى ما آتاه من البرهان والمعجزة وهو تسبيح الجبال معه .قال مقاتل :كان داود إذا ذكر ال جل
وعمز ذكرت الجبال معممه ،وكان يفقمه تسممبيح الجبال .وقال ابمن عباس" :يسممبحن" يصمملين .وإنمما
يكون هذا معجزة إذا رآه الناس وعرفوه .وقال محمد بن إسحاق :أوتي داود من حسن الصوت ما
يكون له فممي الجبال دوي حسممن ،وممما تصممغي لحسممنه الطيممر وتصمموت معممه ،فهذا تسممبيح الجبال
والطير .وقيل :سخرها ال عز وجل لتسير معه فذلك تسبيحها؛ لنها دالة على تنزيه ال عن شبه
المخلوقين .وقد مضى القول في هذا في "سبأ" وفي "سبحان" عند قوله تعالى" :وإن من شيء إل
يسمبح بحمده ولكن ل تفقهون تسمبيحهم" [السمراء ]44 :وأن ذلك تسمبيح مقال على الصمحيح من
القوال .وال أعلم" .بالعشممي والشراق" الشراق أيضمما أبيضاض الشمممس بعممد طلوعهمما .يقال:
شرقمت الشممس إذا طلعمت ،وأشرقمت إذا أضاءت .فكان داود يسمبح إثمر صملته عنمد طلوع الشممس
وعند غروبها.
@ روي عمن ابمن عباس أنمه قال :كنمت أممر بهذه اليمة" :بالعشمي والشراق" ول أدري مما همي،
حتمى حدثتنمي أم هانمئ أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم دخمل عليهما ،فدعما بوضوء فتوضمأ ،ثمم
صلى صلة الضحى ،وقال( :يا أم هانئ هذه صلة الشراق) .وقال عكرمة قال ابن عباس :كان
فمي نفسمي شيمء ممن صملة الضحمى حتمى وجدتهما فمي القرآن "يسمبحن بالعشمي والشراق" .قال
عكرممة :وكان ابمن عباس ل يصملي صملة الضحمى ثمم صملها بعمد .وروي أن كعمب الحبار قال
لبن عباس :إني أجد في كتب ال صلة بعد طلوع الشمس هي صلة الوابين .فقال ابن عباس:
وأنا أوجدك في القرآن؛ ذلك في قصة داود" :يسبحن بالعشي والشراق".
@ صملة الضحمى نافلة مسمتحبة ،وهمي فمي الغداة بإزاء العصمر فمي العشمي ،ل ينبغمي أن تصملى
حتمى تمبيض الشممس طالعمة؛ ويرتفمع كدرهما؛ وتشرق بنورهما؛ كمما ل تصملى العصمر إذا اصمفرت
الشممس .وفمي صمحيح مسملم عمن زيمد بمن أرقمم أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قال( :صملة
الوابين حين ترمض الفصال) الفصال والفصلن جمع فصيل ،وهو الذي يفطم من الرضاعة من
البل .والرمضاء شدة الحر في الرض .وخص الفصال هنا بالذكر؛ لنها هي التي ترمض قبل
انتهاء شدة الحمر التمي ترممض بهما أمهاتهما لقلة جلدهما ،وذلك يكون فمي الضحمى أوبعده بقليمل وهمو
الوقمت المتوسمط بيمن طلوع الشممس وزوالهما؛ قاله القاضمي أبمو بكمر بمن العربمي .وممن الناس ممن
يبادر بها قبل ذلك استعجال ،لجل شغله فيخسر عمله؛ لنه يصليها في الوقت المنهي عنه ويأتي
بعمل هو عليه ل له.
@ روى الترمذي من حديث أنس بن مالك قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :من صلى
الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى ال له قصرا من ذهب في الجنة) قال حديث غريب .وفي صحيح
مسملم عمن أبمي ذر عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم أنمه قال( :يصمبح على كمل سملمى ممن أحدكمم
صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن
المنكر صدقة ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى) .وفي الترمذي عن أبي هريرة قال:
قال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم( :ممن حافمظ على شفعمة الضحمى غفرت له ذنوبمه وإن كانمت
مئل زبمد البحمر) .وروى البخاري ومسملم عمن أبمي هريرة قال( :أوصماني خليلي بثلث ل أدعهمن
حتمى أموت صموم ثلثمة أيام ممن كمل شهمر وصملة الضحمى ونوم على وتمر) لفمظ البخاري .وقال
مسملم( :وركعتمي الضحمى) وخرجمه ممن حديمث أبمي الدرداء كمما خرجمه البخاري ممن حديمث أبمي
هريرة .وهذا كله يدل على أن أقل الضحى ركعتان وأكثره ثنتا عشرة .وال أعلم .وأصل السلمى
(بضمم السمين) عظام الصمابع والكمف والرجمل ،ثمم اسمتعمل فمي سمائر عظام الجسمد ومفاصمله.
وروي ممن حديمث عائشمة رضمي ال عنهما أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قال( :إنمه خلق كمل
إنسممان مممن بنممي آدم على سممتين وثلثمائة مفصممل فمممن كممبر ال وحمممد ال وهلل ال وسممبح ال
واستغفر ال وعزل حجرا عن طريق الناس ،أو شوكة أو عظما عن طريق الناس وأمر بمعروف
أو نهمى عمن منكمر عدد تلك السمتين والثلثمائة سملمى فإنمه يمشمي يومئذ وقمد زحزح نفسمه عمن
النار) قال أبو توبة :وربمما قال( :يمسمي) كذا خرجه مسملم .وقوله( :ويجزي من ذلك ركعتان) أي
يكفي من هذه الصدقات عن هذه العضاء ركعتان .وذلك أن الصلة عمل بجميع أعضاء الجسد؛
فإذا صلى فقد قام كل عضو بوظيفته التي عليه في الصل .وال أعلم.
**3الية{ 19 :والطير محشورة كل له أواب ،وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب}
@قوله تعالى" :والطيممر محشورة" معطوف على الجبال .قال الفراء :ولو قرئ "والطيممر
محشورة" لجاز؛ لنممه لم يظهممر الفعممل .قال ابممن عباس :كان داود عليممه السمملم إذا سممبح جاوبتممه
الجبال واجتمعممت إليممه الطيممر فسممبحت معممه .فاجتماعهمما إليممه حشرهمما .فالمعنممى وسممخرنا الطيممر
مجموعمة إليمه لتسمبح ال معمه .وقيمل :أي وسمخرنا الريمح لتحشمر الطيور إليمه لتسمبح معمه .أو أمرنما
الملئكمة تحشمر الطيور" .كمل له" أي لداود "أواب" أي مطيمع؛ أي تأتيمه وتسمبح معمه .وقيمل :الهاء
ل عز وجل.
@قوله تعالى" :وشددنما ملكمه" أي قويناه حتمى ثبمت .قيمل :بالهيبمة وإلقاء الرعمب منمه فمي القلوب.
وقيمل :بكثرة الجنود .وقيمل :بالتأييمد والنصمر .وهذا اختيار ابمن العربمي .فل ينفمع الجيمش الكثيمر
التفافممه على غيممر منصممور وغيممر معان .وقال ابممن عباس رضممي ال عنممه :كان داود أشممد ملوك
الرض سلطانا .كان يحرس محرابه كل ليلة نيف وثلثون ألف رجل فإذا أصبح قيل :ارجعوا فقد
رضمي عنكمم نمبي ال .والملك عبارة عمن كثرة الملك ،فقمد يكون للرجمل ملك ولكمن ل يكون ملكما
حتى يكثر ذلك؛ فلو ملك الرجل دارا وامرأة لم يكن ملكا حتى يكون له خادم يكفيه مؤنة التصرف
فمي المنافمع التمي يفتقمر إليهما لضرورتمه الدميمة .وقمد مضمى هذا المعنمى فمي "براءة" وحقيقمة الملك
في "النمل"مستوفى.
@قوله تعالى" :وآتيناه الحكمة" أي النبوة؛ قال السدي .مجاهد :العدل .أبو العالية :العلم بكتاب ال
تعالى .قتادة :السمنة .شريمح :العلم والفقمه" .وفصمل الخطاب" قال أبمو عبدالرحممن السملمي وقتادة:
يعنمي الفصمل فمي القضاء .وهمو قول ابمن مسمعود والحسمن والكلبمي ومقاتمل .وقال ابمن عباس :بيان
الكلم .علي بمن أبمي طالب :همو البينمة على المدعمي واليميمن على ممن أنكمر .وقاله شريمح والشعمبي
وقتادة أيضا .وقال أبو موسى الشعري والشعبي أيضا :هو قوله أما بعد ،وهو أول من تكلم بها.
وقيل" :فصل الخطاب" البيان الفاصل بين الحق والباطل .وقيل :هو اليجاز بجعل المعنى الكثير
فمي اللفمظ القليمل .والمعنمى فمي هذه القوال متقارب .وقول علي رضمي ال عنمه يجمعمه؛ لن مدار
الحكم عليه في القضاء ما عدا قول أبي موسى.
@ قال القاضمي أبمو بكمر بمن العربمي :فأمما علم القضاء فلعممر إلهمك إنمه لنوع ممن العلم مجرد،
وفصمل منمه مؤكمد ،غيمر معرفمة الحكام والبصمر بالحلل والحرام؛ ففمي الحديمث( :أقضاكمم علي
وأعلمكم بالحلل والحرام معاذ بن جبل) .وقد يكون الرجل بصيرا بأحكام الفعال ،عارفا بالحلل
والحرام ،ول يقوم بفصمل القضاء .يروى أن علي بمن أبمي طالب رضمي ال عنمه قال :لمما بعثنمي
رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى اليمن حفر قوم زبية للسمد؛ فوقع فيها السد؛ وازدحمم الناس
على الزبية فوقع فيها رجل وتعلق بآخر ،وتعلق الخر بآخر ،حتى صاروا أربعة ،فجرحهم السد
فيها فهلكوا ،وحمل القوم السلح وكاد يكون بينهم قتال؛ قال فأتيتهم فقلت :أتقتلون مائتي رجل من
أجل أربعة إناس! تعالوا أقض بينكم بقضاء؛ فإن رضيتموه فهو قضاء بينكم ،وإن أبيتم رفعتم ذلك
إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فهو أحق بالقضاء .فجعل للول ربع الدية ،وجحل للثاني ثلث
الديمة ،وجعمل للثالث نصمف الديمة ،وجعمل للرابمع الديمة ،وجعمل الديات على حفمر الزبيمة على قبائل
الربعمة؛ فسمخط بعضهمم ورضمي بعضهمم ،ثمم قدموا على رسمول ال صملى ال عليمه وسملم فقصموا
عليه القصة؛ فقال( :أنا أقضي بينكم) فقال قائل :إن عليا قد قضى بيننا .فأخبروه بما قضى علي؛
فقال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم( :القضاء كمما قضمى علي) فمي روايمة :فأمضمى رسمول ال
صلى ال عليه وسلم قضاء علي.
وكذلك يروى فمي المعرفمة بالقضاء أن أبما حنيفمة جاء إليمه رجمل فقال :إن ابمن أبمي ليلى -وكان
قاضيا بالكوفة -جلد امرأة مجنونة قالت لرجل يا ابن الزانيين حدين في المسجد وهي قائمة .فقال:
أخطأ من ستة أوجه .قال ابن العربي :وهذا الذي قال أبو حنيفة بالبديهة ل يدركه أحد بالرؤية إل
العلماء .فأممما قضيممة علي فل يدركهمما الشادي ،ول يلحقهمما بعممد التمرن فممي الحكام إل العاكممف
المتمادى .وتحقيقهما أن هؤلء الربعمة المقتوليمن خطمأ بالتدافمع على الحفرة ممن الحاضريمن عليهما،
فلهم الديات على من حضر على وجه الخطأ ،بيد أن الول مقتول بالمدافعة قاتل ثلثة بالمجاذبة،
فله الديمة بمما قتمل ،وعليمه ثلثمة أرباع الديمة بالثلثمة الذيمن قتلهمم .وأمما الثانمي فله ثلث الديمة وعليمه
الثلثان بالثنين اللذين قتلهما بالمجاذبة .وأما الثالث فله نصف الدية وعليه النصف؛ لنه قتل واحدا
بالمجاذبة فوقعت المحاصة وغرمت العواقل هذا التقدير بعد القصاص الجاري فيه .وهذا من بديع
السمتنباط .وأمما أبمو حنيفمة فإنمه نظمر إلى المعانمي المتعلقمة فرأهما سمتة :الول أن المجنون ل حمد
عليمه؛ لن الجنون يسمقط التكليمف .وهذا إذا كان القذف فمي حالة الجنون ،وأمما إذا كان يجمن مرة
ويفيق أخرى فإنه يحد بالقذف في حالة إفاقته .والثاني قولها يا ابن الزانيين فجلدها حدين لكل أب
حمد ،فإنمما خطأه أبمو حنيفمة على مذهبمه فمي أن حمد القذف يتداخمل ،لنمه عنده حمق ل تعالى كحمد
الخمممر والزنممى ،وأممما الشافعممي ومالك فإنهممما يريان أن الحممد بالقذف حممق للدمممي ،فيتعدد بتعدد
المقذوف .الثالث أنمه جلد بغيمر مطالبمة المقذوف ،ول تجوز إقاممة حمد القذف بإجماع ممن الممة إل
بعمد المطالبمة بإقامتمه مممن يقول إنمه حمق ل تعالى ،وممن يقول إنمه حمق الدممي .وبهذا المعنمى وقمع
الحتجاج لمن يرى أنه حق للدمي؛ إذ لو كان حقا ل لما توقف على المطالبة كحد الزنى .الرابع
أنه والى بين الحدين ،ومن وجب عليه حدان لم يوال بينهما ،بل يحد لحدهما ثم يترك حتى يندمل
الضرب ،أو يستبل المضروب ثم يقام عليه الحد الخر .الخامس أنه حدها قائمة ،ول تحد المرأة
إل جالسة مستورة ،قال بعض الناس :في زنبيل .السادس أنه أقام الحد في المسجد ول تقام الحدود
فيمه إجماعما .وفمي القضاء فمي المسمجد والتعزيمر فيمه خلف .قال القاضمي :فهذا همو فصمل الخطاب
وعلم القضاء ،الذي وقعمت الشارة إليمه على أحمد التأويلت فمي الحديمث المروي (أقضاكمم علي).
وأما من قال :إنه اليجاز فذلك للعرب دون العجم ،ولمحمد صلى ال عليه وسلم دون العرب؛ وقد
بين هذا بقوله( :وأوتيت جوامع الكلم) .وأما من قال :إنه قوله أما بعد؛ فكان النبي صلى ال عليه
وسملم يقول فمي خطبتمه( :أمما بعمد) .ويروى أن أول ممن قالهما فمي الجاهليمة سمحبان بمن وائل ،وهمو
أول من آمن بالبعث ،وأول من توكأ على عصا ،وعمر مائة وثمانين سنة .ولو صح أن داود عليه
السلم قالها ،لم يكن ذلك منه بالعربية على هذا النظم ،وإنما كان بلسانه .وال أعلم.
**3اليمة{ 25 - 21 :وهمل أتاك نبمأ الخصمم إذ تسموروا المحراب ،إذ دخلوا على داود ففزع
منهمم قالوا ل تخمف خصممان بغمى بعضنما على بعمض فاحكمم بيننما بالحمق ول تشطمط واهدنما إلى
سمواء الصمراط ،إن هذا أخمي له تسمع وتسمعون نعجمة ولي نعجمة واحدة فقال أكفلنيهما وعزنمي فمي
الخطاب ،قال لقممد ظلمممك بسممؤال نعجتممك إلى نعاجممه وإن كثيرا مممن الخلطاء ليبغممي بعضهممم على
بعمض إل الذيمن آمنوا وعملوا الصمالحات وقليمل مما همم وظمن داود أنمما فتناه فاسمتغفر ربمه وخمر
راكعا وأناب ،فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}
@قوله تعالى" :وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب" "الخصم" يقع على الواحد والثنين
والجماعة؛ لن أصله المصدر .قال الشاعر:
كنفض البراذين العراب المخاليا وخصم غضاب ينفضون لحاهم
النحاس :ول خلف بيمن أهمل التفسمير أنمه يراد بمه هما هنما ملكان .وقيمل" :تسموروا" وإن كان اثنيمن
حمل على الخصمم ،إذ كان بلفمظ الجممع ومضارعما له ،مثمل الركمب والصمحب .تقديره للثنيمن ذوا
خصممم وللجماعممة ذوو خصممم .ومعنممى" :تسمموروا المحراب" أتوه مممن أعلى سمموره .يقال :تسممور
الحائط تسلقه ،والسور حائط المدينة وهو بغير همز ،وكذلك السور جمع سورة مئل بسرة وبسر
وهي كل منزلة من البناء .ومنه سورة القرآن؛ لنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الخرى .وقد
مضى في مقدمة الكتاب بيان هذا .وقول النابغة:
ترى كل ملك دونها يتذبذب ألم تر أن ال أعطاك سورة
يريمد شرفما ومنزلة .فأمما السمؤر بالهممز فهمو بقيمة الطعام فمي الناء .ابمن العربمي :والسمؤر الوليممة
بالفارسي .وفي الحديث :أن النبي صلى ال عليه وسلم قال يوم الحزاب( :إن جابرا قد صنع لكم
سؤرا فحيهل بكم) .والمحراب هنا الغرفة؛ لنهم تسوروا عليه فيها؛ قال يحيى بن سلم .وقال أبو
عبيدة :إنه صدر المجلس ،ومنه محراب المسجد .وقد مضى القول فيه في غير موضع" .إذ دخلوا
على داود" جاءت "إذ" مرتين؛ لنهما فعلن .وزعم الفراء :أن إحداهما بمعنى لما .وقول آخر أن
تكون الثانيمة ممع مما بعدهما تبيينما لمما قبلهما .قيمل :إنهمما كانما إنسميين؛ قاله النقاش .وقيمل :ملكيمن؛ قال
جماعة .وعينهما جماعة فقالوا :إنهما جبريل وميكائيل .وقيل :ملكين في صورة إنسيين بعثهما ال
إليه في يوم عبادته .فمنعهما الحرس الدخول ،فتسوروا المحراب عليه ،فما شعر وهو في الصلة
إل وهمما بيمن يديمه جالسمين؛ وهمو قوله تعالى" :وهمل أتاك نبمأ الخصمم إذ تسموروا المحراب" أي
علوا ونزلوا عليمه ممن فوق المحراب؛ قال سمفيان الثوري وغيره .وسمبب ذلك مما حكاه ابمن عباس
أن داود عليمه السملم حدث نفسمه إن ابتلي أن يعتصمم .فقيمل له :انمك سمتبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى
فيه فخذ حذرك .فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه ،فبينا هو يقرأ الزبور إذ جاء
طائر كأحسن ما يكون من الطير ،فجعل يدرج بين يديه .فهم أن يتناوله بيده ،فاستدرج حتى وقع
فمي كوة المحراب ،فدنما منمه ليأخذه فطار ،فاطلع ليبصمره فأشرف على امرأة تغتسمل ،فلمما رأتمه
غطت جسدها بشعرها .قال السدي :فوقعت في قلبه .قال ابن عباس :وكان زوجها غازيا في سبيل
ال وهمو أوريما بمن حنان ،فكتمب داود إلى أميمر الغزاة أن يجعمل زوجهما فمي حملة التابوت ،وكان
حملة التابوت إمما أن يفتمح ال عليهمم أو يقتلوا ،فقدممه فيهمم فقتمل ،فلمما انقضمت عدتهما خطبهما داود،
واشترطمت عليمه إن ولدت غلمما أن يكون الخليفمة بعده ،وكتبمت عليمه بذلك كتابما ،وأشهدت عليمه
خمسين رجل من بني إسرائيل ،فلم تستقر نفسه حتى ولدت سليمان وشب ،وتسور الملكان وكان
من شأنهما ما قص ال في كتابه .ذكره الماوردي وغيره .ول يصح .قال ابن لعربي :وهو أمثل ما
روي في ذلك.
قلت :ورواه مرفوعا بمعناه الترمذي الحكيمم فمي نوادر الصمول عن يزيد الرقاشي ،سمع أنس
بمن مالك يقول :سممعت رسمول ال صملى ال عليمه وسملم يقول( :إن داود النمبي عليمه السملم حيمن
نظر إلى المرأة فهم بها قطع على بني إسرائيل بعثا وأوصى صاحب البعث فقال :إذا حضر العدو
قرب فلنممما وسمممماه ،قال فقربمممه بيمممن يدي التابوت -قال -وكان ذلك التابوت فمممي ذلك الزمان
يسمتنصر بمه فممن قدم بيمن يدي التابوت لم يرجمع حتمى يقتمل أو ينهزم عنمه الجيمش الذي يقاتله فقدم
فقتمل زوج المرأة ونزل الملكان على داود فقصما عليمه القصمة) .وقال سمعيد عمن قتادة :كتمب إلى
زوجهمما وذلك فممي حصمار عمان مدينمة بلقاء أن يأخذوا بحلقمة الباب ،وفيمه الموت الحمممر ،فتقدم
فقتمل .وقال الثعلبمي قال قوم ممن العلماء :إنمما امتحمن ال داود بالخطيئة؛ لنمه تمنمى يومما على ربمه
منزلة إبراهيمم وإسمحاق ويعقوب ،وسمأله أن يمتحنمه نحمو مما امتحنهمم ،ويعطيمه نحمو مما أعطاهمم.
وكان داود قمد قسمم الدهمر ثلثمة أيام ،يوم يقضمي فيمه بيمن الناس ،ويوم يخلو فيمه بعبادة ربمه ،ويوم
يخلو فيه بنسائه وأشغاله .وكان يجد فيما يقرأ من الكتب فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب .فقال :يا
رب إن الخيمر كله قمد ذهمب بمه آبائي ،فأوحمى ال تعالى إليمه :إنهمم ابتلوا ببليما لم يبتمل بهما غيرهمم
فصمبروا عليهما؛ ابتلي إبراهيمم بنمروذ وبالنار وبذبمح ابنمه ،وابتلي إسمحاق بالذبمح ،وابتلي يعقوب
بالحزن على يوسف وذهاب بصره ،ولم تبتل أنت بشيء من ذلك .فقال داود عليه السلم :فابتلني
بمثل ما ابتليتهم ،وأعطني مثل ما أعطيتهم ،فأوحى ال تعالى إليه :إنك مبتلى في شهر كذا في يوم
الجمعة .فلما كان ذلك اليوم دخل محرابه وأغلق بابه ،وجعل يصلي ويقرأ الزبور .فبينا هو كذلك
إذ مثمل له الشيطان فمي صمورة حماممة ممن ذهمب ،فيهما ممن كمل لون حسمن ،فوقمف بيمن رجليمه ،فممد
يده ليأخذهما فيدفعهما لبمن له صمغير ،فطارت غيمر بعيمد ولم تؤيسمه ممن نفسمها ،فامتمد إليهما ليأخذهما
فتنحمت ،فتبعهما فطارت حتمى وقعمت فمي كوة ،فذهمب ليأخذهما فطارت ونظمر داود يرتفمع فمي إثرهما
ليبعث إليها من يأخذها ،فنظر امرأة في بستان على شط بركة تغتسل؛ قاله الكلبي .وقال السدي:
تغتسمل عريانمة على سمطح لهما؛ فرأى أجممل النسماء خلقما ،فأبصمرت ظله فنفضمت شعرهما فغطمى
بدنهما ،فزاده إعجابما بهما .وكان زوجهما أوريما بمن حنان ،فمي غزوة ممع أيوب بمن صموريا ابمن أخمت
داود ،فكتب داود إلى أيوب أن ابعث بأوريا إلى مكان كذا وكذا ،وقدمه قبل التابوت ،وكان من قدم
قبمل التابوت ل يحمل له أن يرجمع وراءه حتمى يفتمح ال عليمه أو يسمتشهد .فقدممه ففتمح له فكتمب إلى
داود يخمبره بذلك .قال الكلبمي :وكان أوريما سميف ال فمي أرضمه فمي زمان داود ،وكان إذا ضرب
ضربمة وكمبر كمبر جبريمل عمن يمينمه وميكائيمل عمن شماله ،وكمبرت ملئكمة السمماء بتكمبيره حتمى
ينتهي ذلك إلى العرش ،فتكبر ملئكة العرش بتكبيره .قال :وكان .سيوف ال ثلثة؛ كالب بن يوفنا
في زمن موسى ،وأوريا في زمن داود ،وحمزة بن عبدالمطلب في زمن رسول ال صلى ال عليه
وسلم .فلما كتب أيوب إلى داود يخبره أن ال قد فتح على أوريا كتب داود إليه :أن ابعثه في بعث
كذا وقدمممه قبممل التابوت؛ ففتممح ال عليممه ،فقتممل فممي الثالث شهيدا .فتزوج داود تلك المرأة حيممن
انقضت عدتها .فهي أم سليمان بن داود .وقيل :سبب امتحان داود عليه السلم أن نفسه حدثته أنه
يطيمق قطمع يوم بغيمر مقارفمة شيمء .قال الحسمن :إن داود جزأ الدهمر أربعمة أجزاء؛ جزء لنسمائه،
وجزءا للعبادة ،وجزءا لبنممي إسممرائيل يذاكرونممه ويذاكرهممم ويبكونممه ويبكيهممم ،ويوممما للقضاء.
فتذاكروا هل يمر على النسان يوم ل يصيب فيه ذنبما؟ فأضمر داود أنه يطيق ذلك؛ فأغلق الباب
على نفسمه يوم عبادتمه ،وأممر أل يدخمل عليمه أحمد ،وأكمب على قراءة الزبور ،فوقعمت حماممة ممن
ذهب بين يديه .وذكر نحو ما تقدم.
@ قال علماؤنما :وفمي هذا دليمل على أنمه ليمس على الحاكمم أن ينتصمب للناس كمل يوم ،وأنمه ليمس
للنسممان أن يترك وطممء نسممائه وإن كان مشغول بالعبادة .وقممد مضممى هذا المعنممى فممي "النسمماء".
وحكم كعب بذلك في زمن عمر بمحضره رضي ال عنهما .وقد قال عليه السلم لعبدال بن عمر:
(إن لزوجمك عليمك حقما )...الحديمث .وقال الحسمن أيضما ومجاهمد :إن داود عليمه السملم قال لبنمي
إسممرائيل حيمن اسممتخلف :وال لعدلن بينكممم ،ولم يسممتثن فابتلي بهذا .وقال أبمو بكممر الوراق :كان
داود كثير العبادة فأعجب بعمله وقال :هل في الرض أحد يعمل كعملي .فأرسل ال إليه جبريل؛
فقال :إن ال تعالى يقول لك :أعجبمت بعبادتمك ،والعجمب يأكمل العبادة كمما تأكمل النار الحطمب ،فإن
أعجبت ثانية وكلتك إلى نفسك .قال :يا رب كلني إلى نفسي سنة .قال :إن ذلك لكثير .قال :فشهرا.
قال :إن ذلك لكثيممر .قال :فيوممما .قال :إن ذلك لكثيممر .قال :يمما رب فكلنممي إلى نفسممي سمماعة .قال:
فشأنك بها .فوكل الحراس ،ولبس الصوف ،ودخل المحراب ،ووضع الزبور بين يديه؛ فبينما هو
فمي عبادتمه إذ وقمع الطائر بيمن يديمه ،فكان ممن أممر المرأة مما كان .وقال سمفيان الثوري :قال داود
ذات يوم :يا رب ما من يوم إل ومن آل داود لك فيه صائم ،وما من ليلة إل ومن آل داود لك فيها
قائم .فأوحى ال إليه :يا داود منك ذلك أو مني؟ وعزتي لكلنك إلى نفسك .قال :يا رب اعف عني.
قال :أكلك إلى نفسممك سممنة .قال :ل بعزتممك .قال :فشهرا .قال :ل بعزتممك .قال :فأسممبوعا .قال :ل
بعزتمك .قال :فيومما .قال :ل بعزتمك .قال :فسماعة .قال :ل بعزتمك .قال :فلحظمة .فقال له الشيطان:
ومما قدر لحظمة .قال :كلنمي إلى نفسمي لحظمة .فوكله ال إلى نفسمه لحظمة .وقيمل له :همي فمي يوم كذا
فمي وقمت كذا .فلمما جاء ذلك اليوم جعله للعبادة ،ووكمل الحراس حول مكانمه .قيمل :أربعمة آلف.
وقيل :ثلثين ألفا أو ثلثة وثلثين ألفا .وخل بعبادة ربه ،ونشر الزبور بين يديه ،فجاءت الحمامة
فوقعمت له ،فكان ممن أمره فمي لحظتمه ممع المرأة مما كان .وأرسمل ال عمز وجمل إليمه الملكيمن بعمد
ولدة سليمان ،وضربا له المثل بالنعاج؛ فلما سمع المثل ذكر خطيئته فخر ساجدا أربعين ليلة على
ما يأتي.
@قوله تعالى" :ففزع منهم" لنهما أتياه ليل في غير وقت دخول الخصوم .وقيل :لدخولهم عليه
بغيممر إذنممه .وقيممل :لنهممم تسمموروا عليممه المحراب ولم يأتوه مممن الباب .قال ابممن العربممي :وكان
محراب داود عليه السلم من المتناع بالرتفاع ،بحيث ل يرتقي إليه آدمي بحيلة إل أن يقيم إليه
أيامما أو أشهرا بحسمب طاقتمه ،ممع أعوان يكثمر عددهمم ،وآلت جممة مختلفمة النواع .ولو قلنما :إنمه
يوصمل إليمه ممن باب المحراب لمما قال ال تعالى مخمبرا عمن ذلك" :تسموروا المحراب" إذ ل يقال
تسمور المحراب والغرفمة لممن طلع إليهما ممن درجهما ،وجاءهما ممن أسمفلها إل أن يكون ذلك مجازا؛
وإذا شاهدت الكوة التمي يقال إنمه دخمل منهما الخصممان علممت قطعما أنهمما ملكان؛ لنهما ممن العلو
بحيث ل ينالها إل علوي .قال الثعلبي :وقد قيل :كان المتسوران أخوين من بني إسرائيل لب وأم.
فلما قضى داود بينهما بقضية قال له ملك من الملئكة :فهل قضيت بذلك على نفسك يا داود .قال
الثعلبي :والول أحسن أنهما كانا ملكين نبها داود على ما فعل.
قلت :وعلى هذا أكثممر أهممل التأويممل .فإن قيممل :كيممف يجوز أن يقول الملكان "خصمممان بغممى
بعضنا على بعض" وذلك كذب والملئكة عن مثله منزهون .فالجواب عنه أنه ل بد في الكلم من
تقديمر؛ فكأنهمما قال :قدرنما كأننما خصممان بغمى بعضنما على بعمض فاحكمم بيننما بالحمق ،وعلى ذلك
يحممل قولهمما" :إن هذا أخمي له تسمع وتسمعون نعجمة" لن ذلك وإن كان بصمورة الخمبر فالمراد
إيراده على طريق التقدير لينبه داود على ما فعل؛ وال أعلم.
@ إن قيل :لم فزع داود وهو نبي ،وقد قويت نفسه بالنبوة ،واطمأنت بالوحي ،ووثقت بما آتاه ال
من المنزلة ،وأظهر على يديه من اليات ،وكان من الشجاعة في غاية المكانة؟ قيل له :ذلك سبيل
النممبياء قبله ،لم يأمنوا القتممل والذيممة ومنهممما كان يخاف .أل ترى إلى موسممى وهارون عليهممما
السملم كيمف قال" :إننما نخاف أن يفرط علينما أو أن يطغمى" [طمه ]45 :فقال ال عمز وجمل" :ل
تخافمما" .وقالت الرسممل للوط :ل تخممف "إنمما رسممل ربممك لن يصمملوا إليممك" [هود ]81:وكذا قال
الملكان هنما" :ل تخمف " .قال محممد بمن إسمحاق :بعمث ال إليمه ملكيمن يختصممان إليمه وهمو فمي
محرابمه -مثل ضربمه ال ولوريما فرآهمما واقفيمن على رأسمه؛ فقال :مما أدخلكمما علي؟ قال" :ل
تخف خصمان بغى بعضنا على بعض" فجئناك لتقضي بيننا.
@ قال ابن العربي :فإن قيل كيف لم يأمر بإخراجهما إذ قد علم مطلبهما ،وهل أدبهما وقد دخل
عليممه بغيممر إذن؟ فالجواب عليممه مممن أربعممة أوجممه :الول :أنمما لم نعلم كيفيممة شرعممه فممي الحجاب
والذن ،فيكون الجواب بحسمممب تلك الحكام وقمممد كان ذلك فمممي ابتداء شرعنممما مهمل فمممي هذه
الحكام ،حتمممى أوضحهممما ال تعالى بالبيان .الثانمممي :أنممما لو نزلنممما الجواب على أحكام الحجاب،
لحتمل أن يكون الفزع الطارئ عليه أذهله عما كان يجب في ذلك له .الثالث :أنه أراد أن يستوفي
كلمهمما الذي دخل له حتمى يعلم آخمر الممر منمه ،ويرى همل يحتممل التقحمم فيمه بغيمر إذن أم ل؟
وهمل يقترن بذلك عذر لهمما أم ل يكون لهمما عذر فيمه؟ فكان ممن آخمر الحال مما انكشمف أنمه بلء
ومحنة ،ومثل ضربه ال في القصة ،وأدب وقع على دعوى العصمة .الرابع :أنه يحتمل أن يكون
في مسجد ول إذن في المسجد لحد إذ ل حجر فيه على أحد.
قلت :وقول خامس ذكره القشيري؛ وهو أنهما قال :لما لم يأذن لنا الموكلون بالحجاب ،توصلنا
إلى الدخول بالتسور ،وخفنا أن يتفاقم المر بيننا .فقبل داود عذرهم ،وأصغى إلى قولهم.
@قوله تعالى" :خصمان" إن قيل :كيف قال" :خصمان" وقبل هذا" :إذ تسوروا المحراب" فقيل:
لن الثنيمن جممع؛ قال الخليمل :كمما تقول نحمن فعلنما إذا كنتمما اثنيمن .وقال الكسمائي :جممع لمما كان
خممبرا ،فلممما انقضممى الخممبر وجاءت المخاطبممة ،خممبر الثنان عممن أنفسممهما فقال خصمممان .وقال
الزجاج :المعنى نحن خصمان .وقال غيره :القول محذوف؛ أي يقول" :خصمان بغى بعضنا على
بعممض" قال الكسممائي :ولو كان بغممى بعضهممما على بعممض ،لجاز .الماوردي :وكانمما ملكيممن ،ولم
يكونا خصمين ول باغيين ،ول يتأتى منهما كذب؛ وتقدير كلمهما ما تقول :إن أتاك خصمان قال
بغمى بعضنما على بعمض .وقيمل :أي نحمن فريقان ممن الخصموم بغمى بعضنما على بعمض .وعلى هذا
يحتممل أن تكون الخصمومة بيمن اثنيمن وممع كمل واحمد جممع .ويحتممل أن يكون لكمل واحمد ممن هذا
الفريمق خصمومة ممع كمل واحمد ممن الفريمق الخمر ،فحضروا الخصمومات ولكمن ابتدأ منهمم اثنان،
فعرف داود بذكمر النكاح القصمة .وأغنمى ذلك عمن التعرض للخصمومات الخمر .والبغمي التعدي
والخروج عمن الواجمب .يقال :بغمى الجرح إذا أفرط وجعمه وتراممى ،إلى مما يفحمش ،ومنمه بغمت
المرأة إذا أتت الفاحشة.
@قوله تعالى" :فاحكم بيننا بالحق ول تشطط" أي ل تجُر؛ قال السدي .وحكى أبو عبيد :شططت
عليه وأشططت أي جرت .وفي حديث تميم الداري( :إنك لشاطي) أي جائر علي في الحكم .وقال
قتادة :ل تمل .الخفش :ل تسرف .وقيل :ل تفرط .والمعنى متقارب .والصل فيه البعد من شطت
الدار أي بعدت؛ شطت الدار تشط وتشط شطا وشطوطا بعدت .وأشط في القضية أي جار ،وأشط
في السوم واشتط أي أبعد ،وأشطوا في طلبي أي امعنوا .قال أبو عمرو :الشطط مجاوزة القدر في
كممل شيممء .وفممي الحديممث( :لهمما مهممر مثلهمما ل وكممس ول شطممط) أي ل نقصممان ول زيادة .وفممي
التنزيمل" :لقمد قلنما إذا شططما" [الكهمف ]14 :أي جورا ممن القول وبعدا عمن الحمق" .واهدنما إلى
سواء الصراط" أي أرشدنا إلى قصد السبيل.
@قوله تعالى" :إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة" أي قال الملك الذي تكلم عن أوريا "إن هذا
أخي" أي على ديني ،وأشار إلى المدعى عليه .وقيل :أخي أي صاحبي" .له تسع وتسعون نعجة"
وقرأ الحسمن" :تسمع وتسمعون نعجمة" بفتمح التاء فيهمما وهمي لغمة شاذة ،وهمي الصمحيحة ممن قراءة
الحسممن؛ قال النحاس .والعرب تكنممي عممن المرأة بالنعجممة والشاة؛ لممما هممي عليممه مممن السممكون
والمعجزة وضعمف الجانمب .وقمد يكنمى عنهما بالبقرة والحجرة والناقمة ،لن الكمل مركوب .قال ابمن
عون:
رابعة في البيت صغراهنه أنا أبوهن ثلث هنّه
أل فتى سمح يغذيهنه ونعجتي خمسا توفيهنه
ويل الرغيف ويله منهنه طي النقا في الجوع يطويهنه
وقال عنترة:
حرمت علي وليتها لم تحرم يا شاة ما قنص لمن حلت له
فتجسسي أخبارها لي واعلمي فبعثت جاريتي فقلت لها اذهبي
والشاة ممكنة لمن هو مرتم قالت رأيت من العادي غرة
رشأ من الغزلن حر أرثم فكأنما التفتت بجيد جداية
وقال آخر:
فأصبت حبة قلبها وطحالها فرميت غفلة عينه عن شاته
وهذا من أحسن التعريض حيث كنى بالنعاج عن النساء .قال الحسين بن الفضل :هذا من الملكين
تعريض وتنبيه كقولهم ضرب زيد عمرا ،وما كان ضرب ول نعاج على التحقيق ،كأنه قال :نحن
خصمان هذه حالنا .قال أبو جعفر النحاس :وأحسن ما قيل في هذا أن المعنى :يقول :خصمان بغى
بعضنا على بعض على جهة المسألة؛ كما تقول :رجل يقول لمرأته كذا ،ما يجب عليه؟
قلت :وقد تأول المزني صاحب الشافعي هذه الية ،وقوله صلى ال عليه وسلم في حديث ابن
شهاب الذي خرجه الموطأ وغيره( :هو لك يا عبد بن زمعة) على نحو هذا؛ قال المزني :يحتمل
هذا الحديمث عندي -وال أعلم -أن يكون النمبي صملى ال عليمه وسملم أجاب عمن المسمألة فأعلمهمم
بالحكمم أن هذا يكون إذا ادعمى صماحب فراش وصماحب زنمى ،ل أنمه قبمل على عتبمة قول أخيمه
سمعد ،ول على زمعمة قول ابنمه إنمه ولد زنمى ،لن كمل ،واحمد منهمما أخمبر عمن غيره .وقمد أجممع
المسملمون أنمه ل يقبمل إقرار أحمد على غيره .وقمد ذكمر ال سمبحانه فمي كتابمه مثمل ذلك فمي ،قصمة
داود والملئكمة؛ إذ دخلوا عليمه ففزع منهمم ،قالوا :ل تخمف خصممان ولم يكونوا خصممين ،ولكان
لواحد منهم تسع وتسعون نعجة ،ولكنهم كلموه على المسألة ليعرف بها ما أرادوا تعريفه .فيحتمل
أن يكون النمبي صملى ال عليمه وسملم حكمم فمي هذه القصمة على المسمألة ،وإن لم يكمن أحمد يؤنسمني
على هذا التأويل في الحديث؛ فإنه عندي صحيح .وال أعلم.
@ قال النحاس :وفي قراءة ابن مسعود "إن هذا أخي كان له تسع وتسعون نعجة أنثى" و"كان"
هنما مثمل قول عمز وجمل" :وكان ال غفورا رحيمما" [النسماء ]96 :فأمما قوله" :أنثمى" فهمو تأكيمد،
كما يقال :هو رجل ذكر وهو تأكيد .وقيل :لما كان يقال هذه مائة نعجة ،وإن كان فيها من الذكور
شيمء يسمير ،جاز أن يقال :أنثمى ليعلم أنمه ل ذكمر فيهما .وفمي التفسمير :له تسمع وتسمعون امرأة .قال
ابمن العربمي :إن كان جميعهن أحرارا فذلك شرعه ،وإن كمن إماء فذلك شرعنا .والظاهمر أن شرع
ممن تقدم قبلنما لم يكمن محصمورا بعدد ،وإنمما الحصمر فمي شريعمة محممد صملى ال عليمه وسملم،
لضعممف البدان وقلة العمار .وقال القشيري :ويجوز أن يقال :لم يكممن له هذا العدد بعينممه ،ولكممن
المقصمود ضرب مثمل ،كمما تقول :لو جئتنمي مائة مرة لم أقمض حاجتمك ،أي مرارا كثيرة .قال ابمن
العربي :قال بعض المفسرين :لم يكن لداود مائة امرأة ،وإنما ذكر التسعة والتسعين مثل؛ المعنى:
هذا غنمي عمن الزوجمة وأنما مفتقمر إليهما .وهذا فاسمد ممن ،وجهيمن :أحدهمما :أن العدول عمن الظاهمر
بغير دليل ،ل معنى له ،ول دليل يدل على أن شرع من قبلنا كان مقصورا من النساء على ما في
شرعنما .الثانمي :أنمه روى البخاري وغيره أن سمليمان قال( :لطوفمن الليلة على مائة امرأة تلد كمل
امرأة غلما يقاتل في سبيل ال ونسي أن يقول إن شاء ال) وهذا نص
@قوله تعالى" :ولي نعجمة واحدة" أي امرأة واحدة" :فقال أكفلنيهما" أي أنزل لي عنهما حتمى
أكفلهما .وقال ابمن عباس :أعطنيهما .وعنمه :تحول لي عنهما .وقال ابمن مسمعود .وقال أبمو العاليمة:
ضمهمما إلي حتممى أكفلهمما .وقال ابممن كيسممان :اجعلهمما كفلي ونصمميبي" .وعزنممي فممي الخطاب" أي
غلبنممي .قال الضحاك :إن تكلم كان أفصممح منممي ،وإن حارب كان أبطممش منممي .يقال :عزه يعزه
بضم العين في المستقبل عزا غلبه .وفي المثل :من عزيز؛ أي من غلب سلب .والسم العزة وهي
القوة والغلبة .قال الشاعر:
تجاذبه وقد علق الجناح قطاة عزها شرك فباتت
وقرأ عبدال بمن مسمعود وعبيمد بمن عميمر" :وعازنمي فمي الخطاب" أي غالبنمي؛ ممن المعازة وهمي
المغالبمة؛ عازه أي غالبمه .قال ابمن العربمي :واختلف فمي سمبب الغلبمة؛ فقيمل :معناه غلبنمي بمبيانه.
وقيل :غلبني بسلطانه؛ لنه لما سأله لم يستطع خلفه .كان ببلدنا أمير يقال له :سير بن أبي بكر
فكلمتمه فمي أن يسمأل لي رجل حاجمة ،فقال لي :أمما علممت أن طلب السملطان للحاجمة غصمب لهما.
فقلت :أما إذا كان عدل فل .فعجبت من عجمته وحفظه لما تمثل به وفطنته ،كما عجب من جوابي
له واستغربه.
@قوله تعالى" :قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه" قال النحاس :فيقال إن هذه كانت خطيئة
داود عليمه السملم؛ لنمه قال :لقمد ظلممك ممن غيمر تثبمت ببينمة ،ول إقرار ممن الخصمم؛ همل كان هذا
كذا أولم يكن .فهذا قول.
وسيأتي بيانه في المسألة بعد هذا ،وهو حسن إن شاء ال تعالى .وقال أبو جعفر النحاس :فأما
قول العلماء الذيمن ل يدفمع قولهمم؛ منهمم عبدال بمن مسمعود وابمن عباس ،فإنهمم قالوا :مما زاد داود
صلى ال على نبينا وعليه على أن قال للرجل انزل لي عن امرأتك .قال أبو جعفر :فعاتبه ال عز
وجل على ذلك ونبهه عليه ،وليس هذا بكبير من المعاصي ،ومن تخطى إلى غير هذا فإنما يأتي
بمما ل يصمح عمن عالم ،ويلحقمه فيمه إثمم عظيمم .كذا قال :فمي كتاب إعراب القرآن .وقال :فمي كتاب
معانمي القرآن له بمثله .قال رضمي ال عنمه :قمد جاءت أخبار وقصمص فمي أممر داود عليمه السملم
وأوريمما ،وأكثرهمما ل يصممح ول يتصممل إسممناده ،ول ينبغممي أن يجترأ على مثلهمما إل بعممد المعرفممة
بصحتها .وأصح ما روي في ذلك ما رواه مسروق عن عبدال بن مسعود قال :ما زاد داود عليه
السلم على أن قال" :أكفلنيها" أي انزل لي عنها .وروى المنهال عن سعيد بن جبير قال :ما زاد
داود صلى ال عليه وسلم على أن قال" :أكفلنيها" أي تحول لي عنها وضمها إلي .قال أبو جعفر:
فهذا أجمل مما روي فمي هذا ،والمعنمى عليمه أن داود عليمه السملم سمأل أوريما أن يطلق امرأتمه ،كمما
يسأل الرجل الرجل أن يبيعه جاريته ،فنبهه ال عز وجل على ذلك ،وعاتبه لما كان نبيا وكان له
تسمع وتسمعون أنكمر عليمه أن يتشاغمل بالدنيما بالتزيمد منهما ،فأمما غيمر هذا فل ينبغمي الجتراء عليمه.
قال ابن العربي :وأما قولهم إنها لما أعجبته أمر بتقديم زوجها للقتل في سبيل ال فهذا باطل قطعا؛
فإن داود صملى ال عليمه وسملم لم يكمن ليريمق دممه فمي غرض نفسمه ،وإنمما كان ممن الممر أن داود
قال لبعض أصحابه :انزل لي عن أهلك وعزم عليه في ذلك ،كما يطلب الرجل من الرجل الحاجة
برغبة صادقة؛ كانت في الهل أو في المال .وقد قال سعيد بن الربيع لعبدالرحمن بن عوف حين
آخى رسول ال صلى ال عليه وسلم بينهما :إن لي زوجتين أنزل لك عن أحسنهما؛ فقال له :بارك
ال لك فمممي أهلك .ومممما يجوز فعله ابتداء يجوز طلبمممه ،وليمممس فمممي القرآن أن ذلك كان ،ول أنممه
تزوجها بعد زوال عصمة الرجل عنها ،ول ولدتها لسليمان ،فعمن يروى هذا ويسند؟! وعلى من
فمي نقله يعتممد ،وليمس يأثره عمن الثقات الثبات أحمد .أمما أن فمي سمورة "الحزاب" نكتمة تدل على
أن داود قمد صمارت له المرأة زوجمة ،وذلك قوله" :مما كان على النمبي ممن حرج فيمما فرض ال له
سنة ال في الذين خلوا من قبل" [الحزاب ]38 :يعني في أحد القوال :تزويج داود المرأة التي
نظر إليها ،كما تزوج النبي صلى ال عليه وسلم زينب بنت جحش؛ إل أن تزويج زينب كان من
غيمر سمؤال الزوج فمي فراق ،بمل أمره بالتمسمك بزوجتمه ،وكان تزويمج داود للمرأة بسمؤال زوجهما
فراقها .فكانت ،هذه المنقبة لمحمد صلى ال عليه وسلم على داود مضافة إلى مناقبه العلية صلى
ال عليمه وسملم .ولكمن قمد قيمل :إن معنمى"سمنة ال فمي الذيمن خلوا ممن قبمل" تزويمج النمبياء بغيمر
صمداق ممن وهبمت نفسمها لهمم ممن النسماء بغيمر صمداق .وقيمل :أراد بقوله" :سمنة ال فمي الذيمن خلوا
من قبل" [الحزاب ]38 :أن النبياء صلوات ال عليهم فرض لهم ما يمتثلونه في النكاح وغيره.
وهذا أصح القوال .وقد روى المفسرون أن داود عليه السلم نكح مائة امرأة؛ وهذا نص القرآن.
وروي أن سليمان كانت له ثلثمائة امرأة وسبعمائة جارية؛ وربك أعلم.
وذكمر الكيما الطمبري فمي أحكاممه فمي قول ال عمز وجمل" :وهمل أتاك نبمأ الخصمم إذ تسموروا
المحراب" الية :ذكر المحققون الذين يرون تنزيه النبياء عليهم السلم عن الكبائر ،أن داود عليه
السملم كان قمد أقدم على خطبمة امرأة قمد خطبهما غيره ،يقال :همو أوريما؛ فمال القوم إلى تزويجهما
من داود راغبين فيه ،وزاهدين في الخاطب الول ،ولم يكن بذلك داود عارفا ،وقد كان يمكنه أن
يعرف ذلك فيعدل عن هذه الرغبة ،وعن الخطبة بها فلم يفعل ذلك ،من حيث أعجب بها إما وصفا
أومشاهدة على غيمر تعممد؛ وقمد كان لداود عليمه السملم ممن النسماء العدد الكثيمر ،وذلك الخاطمب ل
امرأة له ،فنبه ال تعالى على ما فعل بما كان من تسور الملكين ،وما أورداه من التمثيل على وجه
التعريممض؛ لكممى يفهممم مممن ذلك موقممع العتممب فيعدل عممن هذه الطريقممة ،ويسممتغفر ربممه مممن هذه
الصغيرة.
@قوله تعالى" :قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه" فيه الفتوى في النازلة بعد السماع من
أحمد الخصممين ،وقبمل أن يسممع ممن الخمر بظاهمر هذا القول .قال ابمن العربمي :وهذا ممما ل يجوز
عند أحد ،ول في ملة من الملل ،ول يمكن ذلك للبشر .وإنما تقدير الكلم أن أحد الخصمين أدعى
والخر سلم فمي الدعوى ،فوقعت بعد ذلك الفتوى .وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم( :إذا جلس
إليمك الخصممان فل تقضمى لحدهمما حتمى تسممع ممن الخمر) وقيمل :إن داود لم يقمض للخمر حتمى
اعترف صماحبه بذلك .وقيمل :تقديره لقمد ظلممك إن كان كذلك .وال أعلم بتعييمن مما يمكمن ممن هذه
الوجوه.
قلت :ذكممر هذيممن الوجهيممن القشيري والماوردي وغيرهممما .قال القشيري :وقوله" :لقممد ظلمممك
بسؤال نعجتك" من غير أن يسمع كلم الخصم مشكل؛ فيمكن أن يقال :إنما قال هذا بعد مراجعة
الخصم الخر وبعد اعترافه .وقد روي هذا وإن لم تثبت روايته ،فهذا معلوم من قرائن الحال ،أو
أراد لقد ظلمك إن كان المر على ما تقول ،فسكته بهذا وصبره إلى أن يسأل خصمه .قال ويحتمل
أن يقال :كان ممن شرعهمم التعويمل على قول المدعمي عنمد سمكوت المدعمى عليمه ،إذا لم يظهمر منمه
إنكار بالقول .وقال الحليمممي أبممو عبدال فممي كتاب منهاج الديممن له :ومممما جاء فممي شكممر النعمممة
المنتظرة إذا حضرت ،أوكانمت خافيمة فظهرت :السمجود ل عمز وجمل .قال والصمل فمي ذلك قول
عمز وجمل" :وهمل أتاك نبمأ الخصمم" إلى قوله" :وحسمن مآب" .أخمبر ال عمز وجمل عمن داود عليمه
السلم :أنه سمع قول المتظلم من الخصمين ،ولم يخبر عنه أنه سأل الخر ،إنما حكى أنه ظلمه،
فكان ظاهمر ذلك أنمه رأى فمي المتكلم مخائل الضعمف والهضيممة ،فحممل أمره على أنمه مظلوم كمما
يقول ،ودعاه ذلك إلى أل يسمأل الخصمم؛ فقال له مسمتعجل" :لقمد ظلممك" ممع إمكان أنمه لو سمأله
لكان يقول :كانت لي مائة نعجة ول شيء لهذا ،فسرق مني هذه النعجة ،فلما وجدتها عنده قلت له
ارددهما ،ومما قلت له أكفلنيهما ،وعلم أنمي مرافعمه إليمك ،فجرنمي قبمل أن أجره ،وجاءك متظلمما ممن
قبل أن أحضره ،لتظن أنه هو المحق وأني أنا الظالم .ولما تكلم داود بما حملته العجلة عليه ،علم
أن ال عمز وجمل خله ونفسمه فمي ذلك الوقمت ،وهمو الفتنمة التمي ذكرناهما ،وأن ذلك لم يكمن إل عمن
تقصمير منمه ،فاسمتغفر ربمه وخمر راكعما ل تعالى شكرا على أن عصممه ،بأن اقتصمر على تظليمم
المشكو ،ولم يزده على ذلك شيئا من انتهار أو ضرب أو غيرهما ،مما يليق بمن تصور في القلب
أنه ظالم ،فغفر ال له ثم أقبل عليه يعاتبه؛ فقال" :يا داود إنا جعلناك خليفة في الرض فاحكم بين
الناس بالحق ول تتبع الهوى فيضلك عن سبيل ال" [ص ]26 :فبان بما قصه ال تعالى من هذه
الموعظمة ،التمي توخاه بهما بعمد المغفرة ،أن خطيئتمه إنمما كانمت التقصمير فمي الحكمم ،والمبادرة إلى
تظليم من لم يثبت عنده ظلمه .ثم جاء عن ابن عباس أنه قال :سجدها داود شكرا ،وسجدها النبي
صلى ال عليه وسلم اتباعا ،فثبت أن السجود للشكر سنة متواترة عن النبياء صلوات ال عليهم.
"بسؤال نعجتك"أي بسؤاله نعجتك؛ فأضاف المصدر إلى المفعول ،وألقى الهاء من السؤال؛ وهو
كقوله تعالى" :ل يسأم النسان من دعاء الخير" [فصلت ]49 :أي من دعائه الخير.
@قوله تعالى" :وإن كثيرا ممن الخلطاء" يقال :خليمط وخلطاء ،ول يقال طويمل وطولء؛ لثقمل
الحركة في الواو .وفيه وجهان :أحدهما أنهما الصحاب .الثاني أنهما الشركاء.
قلت :إطلق الخلطاء على الشركاء .فيمه بعمد ،وقمد اختلف العلماء فمي صمفة الخلطاء فقال أكثمر
العلماء :همو أن يأتمي كمل واحمد بغنممه فيجمعهمما راع واحمد والدلو والمراح .وقال طاوس وعطاء:
ل يكون الخلطاء إل الشركاء .وهذا خلف الخمبر؛ وهمو قوله صملى ال عليمه وسملم( :ل يجممع بيمن
مفترق ول يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجحان بينهما بالسوية)
وروي (فإنهمما يترادان الفضمل) ول موضمع لتراد الفضمل بيمن الشركاء؛ فاعلممه .وأحكام الخلطمة
مذكورة فمي كتمب الفقمه .ومالك وأصمحابه وجممع ممن العلماء ل يرون الصمدقة على ممن ليمس فمي
حصمته مما تجمب فيمه الزكاة .وقال الربيمع والليمث وجممع ممن العلماء منهمم الشافعمي :إذا كان فمي
جميعهما مما تجمب فيمه الزكاة أخذت منهمم الزكاة .قال مالك :وإن أخمذ المصمدق بهذا ترادوا بينهمم
للختلف في ذلك ،وتكون كحكم حاكم اختلف فيه.
@قوله تعالى" :ليبغممي بعضهممم على بعممض" أي يتعدى ويظلم" .إل الذيممن آمنوا وعملوا
الصالحات" فإنهم ل يظلمون أحدا" .وقليل ما هم" يعني الصالحين ،أي وقليل هم فم "ما" زائدة.
وقيمل :بمعنمى الذيمن وتقديره وقليمل الذيمن همم .وسممع عممر رضمي ال عنمه رجل يقول فمي دعائه:
اللهمم اجعلنمي ممن عبادك القليمل .فقال له عممر :مما هذا الدعاء .فقال أردت قول ال عمز وجمل" :إل
الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم" فقال عمر :كل الناس أفقه منك يا عمر!
@قوله تعالى" :وظن داود أنما فتناه" أي ابتليناه" .وظن" معناه أيقن .قال أبو عمرو والفراء :ظن
بمعنممى أيقممن ،إل أن الفراء شرحممه بأنممه ل يجوز فممي المعايممن أن يكون الظممن إل بمعنممى اليقيممن.
والقراءة "فتناه" بتشديمد النون دون التاء .وقرأ عممر بمن الخطاب رضمي ال عنمه "فتناه" بتشديمد
التاء والنون على المبالغة .وقرأ قتادة وعبيد بن عمير وابن السميقع "فتناه" بتخفيفهما .ورواه علي
بن نصر عن أبي عمرو ،والمراد به الملكان اللذان دخل على داود عليه السلم.
@ قيمل :لمما قضمى داود بينهمما فمي المسمجد ،نظمر أحدهمما إلى صماحبه فضحمك فلم يفطمن داود؛
فأحبمما أن يعرفهممما ،فصممعدا إلى السممماء حيال وجهممه ،فعلم داود عليممه السمملم أن ال تعالى ابتله
بذلك ،ونبهه على ما ابتله.
قلت :وليمس فمي القران مما يدل على ،القضاء فمي المسمجد إل هذه اليمة ،وبهما اسمتدل ممن قال
بجواز القضاء فممي المسممجد ،ولو كان ذلك ل يجوز كممما قال الشافعممي لممما أقرهممم داود على ذلك.
ويقول :انصممرفا إلى موضممع القضاء .وكان النممبي صمملى ال عليممه وسمملم والخلفاء يقضون فممي
المسمجد ،وقمد قال مالك :القضاء فمي المسمجد ممن الممر القديمم .يعنمي فمي أكثمر المور .ول بأس أن
يجلس فممي رحبتممه؛ ليصممل إليممه الضعيممف والمشرك والحائض ،ول يقيممم فيممه الحدود؛ ول بأس
بخفيف الدب .وقد قال أشهب :يقضي في منزله وأين أحب.
@ قال مالك رحممه ال :وكان الخلفاء يقضون بأنفسمهم ،وأول ممن اسمتقضى معاويمة .قال مالك:
وينبغي للقضاة مشاورة العلماء .وقال عمر بن عبدالعزيز :ل يستقضي حتى يكون عالما بآثار من
مضى ،مستشيرا لذوي الرأي ،حليما نزها .قال :ويكون ورعا .قال مالك :وينبغي أن يكون متيقظا
كثيممر التحذر مممن الحيممل ،وأن يكون عالممما بالشروط ،عارفمما بممما ل بممد له منممه مممن العربيممة؛ فإن
الحكام تختلف باختلف العبارات والدعاوى والقرارات والشهادات والشروط التممممي تتضمممممن
حقوق المحكوم له .وينبغممي له أن يقول قبممل إنجاز الحكممم للمطلوب :أبقيممت لك حجممة؟ فإن قال ل
حكمم عليمه ،ول يقبمل منمه حجمة بعمد إنفاذ حكممه إل أن يأتمي بمما له وجمه أوبينمة .وأحكام القضاء
والقضاة فيما لهم وعليهم مذكورة في غير هذا الموضع.
@قوله تعالى" :فاستغفر ربه" اختلف المفسرون في الذنب الذي استغفر منه
على أقوال سمتة :الول :أنمه نظمر إلى المرأة حتمى شبمع منهما .قال سمعيد بمن جمبير :إنمما كانمت فتنتمه
النظرة .قال أبو إسحاق :ولم يتعمد داود النظر إلى المرأة لكنه عاود النظر إليها ،فصارت الولى
له والثانيمة عليه .الثانمي :أنه أغزى زوجهما فمي حملة التابوت .الثالث :أنمه نوى إن مات زوجهما أن
يتزوجهما .الرابمع :أن أوريما كان خطمب تلك المرأة ،فلمما غاب خطبهما داود فزوجمت منمه لجللتمه،
فاغتمم لذلك أوريما .فعتمب ال على داود إذ لم يتركهما لخاطبهما .وقمد كان عنده تسمع وتسمعون امرأة.
الخامس :أنه لم يجزع على قتل أوريا ،كما كان يجزع على من هلك من الجند ،ثم تزوج امرأته،
فعاتبمه ال تعالى على ذلك؛ لن ذنوب النمبياء وإن صمغرت فهمي عظيممة عنمد ال .السمادس :أنمه
حكم لحد الخصمين قبل أن يسمع من الخر .قال القاضي ابن العربي :أما قول من قال :إنه حكم
لحمد الخصممين قبمل أن يسممع ممن الخمر فل يجوز على النمبياء ،وكذلك تعريمض زوجهما للقتمل.
وأممما مممن قال :إنممه نظممر إليهمما حتممى شبممع فل يجوز ذلك عندي بحال؛ لن طموح النظممر ل يليممق
بالولياء المتجردين للعبادة ،فكيف بالنبياء الذين هم وسائط ال المكاشفون بالغيب! وحكى السدي
عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه قال :لو سمعت رجل يذكر أن داود عليه السلم قارف من
تلك المرأة محرممما لجلدتممه سممتين ومائة؛ لن حممد قاذف الناس ثمانون وحممد قاذف النممبياء سممتون
ومائة .ذكره الماوردي والثعلبممي أيضمما .قال الثعلبممي :وقال الحارث العور عممن علي :مممن حدث
بحديث داود على ما ترويه القصاص معتقدا جلدته حدين؛ لعظم ما ارتكب برمي من قد رفع ال
محله ،وارتضاه من خلقه رحمة للعالمين ،وحجة للمجتهدين .قال ابن العربي :وهذا مما لم يصح
عن علي .فإن قيل :فما حكمه عندكم؟ قلنا :أما من قال إن نبيا زنى فإنه يقتل ،وأما من نسب إليه
مما دون ذلك ممن النظمر والملمسمة ،فقمد اختلف نقمل الناس فمي ذلك؛ فإن صممم أحمد على ذلك فيمه
ونسمبه إليمه قتلتمه ،فإنمه يناقمض التعزيمر المأمور بمه ،فأمما قولهمم :إنمه وقمع بصمره على امرأة تغتسمل
عريانمة ،فلمما رأتمه أسمبلت شعرهما فسمترت جسمدها ،فهذا ل حرج عليمه فيمه بإجماع ممن الممة؛ لن
النظرة الولى تكشمف المنظور إليمه ول يأثمم الناظمر بهما ،فأمما النظرة الثانيمة فل أصمل لهما .وأمما
قولهم :إنه .نوى إن مات زوجها تزوجها فل شيء فيه إذ لم يعرضه للموت.
وأمما قولهمم :إنمه خطمب على خطبمة أوريما فباطمل يرده القرآن والثار التفسميرية كلهما .وقمد روى
أشهمب عمن مالك قال :بلغنمي أن تلك الحماممة أتمت فوقعمت قريبما ممن داود عليمه السملم وهمي ممن
ذهب ،فلما رآها أعجبته فقام ليأخذها فكانت قرب يده ،ثم صنع مثل ذلك مرتين ،ثم طارت واتبعها
ببصمره فوقعت عينه على تلك المرأة وهمي ،تغتسمل ولها شعمر طويل؛ فبلغنمي أنه أقام أربعيمن ليلة
سماجدا حتمى نبمت العشمب ممن دموع عينمه .قال ابمن العربمي :وأمما قول المفسمرين إن الطائر درج
عنده فهمم بأخذه واتبعمه فهذا ل يناقمض العبادة؛ لنمه مباح فعله ،ل سميما وهمو حلل وطلب الحلل
فريضمة ،وإنمما أتبمع الطيمر لذاتمه ل لجماله فإنمه ل منفعمة له فيمه ،وإنمما ذكرهمم لحسمن الطائر خرق
في الجهالة .أما أنه روي أنه كان طائرا من ذهب فاتبعه ليأخذه؛ لنه من فضل ال سبحانه وتعالى
كمما روي فمي الصمحيح( :إن أيوب عليمه السملم كان يغتسمل عريانما فخمر عليمه رجمل ممن جراد ممن
ذهب فجعل يحثي منه ويجعل في ثوبه ،فقال ال تعالى له" :يا أيوب ألم أكن أغنيتك" قال( :بلى يا
رب ولكمن ل غنمى لي عمن بركتمك) .وقال القشيري :فهمم داود بأن يأخذه ليدفعمه إلى ابمن له صمغير
فطار ووقع على كوة البيت؛ وقاله الثعلبي أيضا وقد تقدم.
@قوله تعالى" :وخر راكعا وأناب" أي خر ساجدا ،وقد يعبر عن السجود بالركوع .قال الشاعر:
وتاب إلى ال من كل ذنب فخر على وجهه راكعا
قال ابن العربي :ل خلف بين العلماء أن المراد بالركوع ها هنا السجود؛ فإن السجود هو الميل،
والركوع هو النحناء ،وأحدهما يدخل على الخر ،ولكنه قد يختص كل واحد بهيئه ،ثم جاء هذا
على تسمية أحدهما بالخر ،فسمي السجود ركوعا .وقال المهدوي :وكان ركوعهم سجودا .وقيل:
بل كان سجودهم ركوعا .وقال مقاتل :فوقع من ركوعه ساجدا ل عز وجل .أي لما أحس بالمر
قام إلى الصملة ،ثمم وقمع ممن الركوع إلى السمجود؛ لشتمالهمما جميعما على النحناء" .وأناب" أي
تاب من خطيئته ورجع إلى ال .وقال الحسن بن الفضل :سألني عبدال بن طاهر وهو الوالي عن
قول ال عمز وجمل" :وخمر راكعما" فهمل يقال للراكمع خمر؟ .قلت :ل .قال :فمما معنمى اليمة؟ قلت:
معناها فخر بعد أن كان راكعا أي سجد.
@ واختلف فمي سمجدة داود همل همي ممن عزائم السمجود المأمور بمه فمي القرآن أم ل؟ فروى أبمو
سمعيد الخدري أن النمبي صملى ال عليمه وسملم قرأ على المنمبر" :ص والقرآن ذي الذكمر" فلمما بلغ
السممجدة نزل فسممجد وسممجد الناس معممه ،فلممما كان يوم آخممر قرأ بهمما فتشزن الناس للسممجود ،فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إنها توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود) ونزل وسجد .وهذا
لفمظ أبمي داود .وفمي البخاري وغيره عن ابمن عباس أنه قال" :ص" ليسمت ممن عزائم القرآن ،وقمد
رأيت النبي صلى ال عليه وسلم يسجد فيها .وقد روي من طريق عن ابن مسعود أنه قال" :ص"
توبمة نمبي ول يسمجد فيهما؛ وعمن ابمن عباس أنهما توبمة نمبي ونمبيكم مممن أممر أن يقتدى بمه .قال ابمن
العربمي :والذي عندي أنهما ليسمت موضمع سمجود ،ولكمن النمبي صملى ال عليمه وسملم سمجد فيهما
فسجدنا بالقتداء به .ومعنى السجود أن داود سجد خاضعا لربه ،معترفا بذنبه .تائبا من خطيئته؛
فإذا سجد أحد فيها فليسجد بهذه النية ،فلعل ال أن يغفر له بحرمة داود الذي اتبعه ،وسواء قلنا إن
شرع من قبلنا شرع لنا أم ل؟ فإن هذا أمر مشروع في كل أمة لكل أحد .وال أعلم.
خوَي ِزمَنداد :قوله" :وخمر راكعما وأناب" فيمه دللة على ،أن السمجود للشكمر مفردا ل @ قال ابمن ُ
يجوز؛ لنمه ذكمر معمه الركوع؛ وإنمما الذي يجوز أن يأتمي بركعتيمن شكرا فأمما سمجدة مفردة فل؛
وذلك أن البشارات كانمت تأتمي رسمول ال صملى ال عليمه وسملم والئممة بعده ،فلم ينقمل عمن أحمد
منهم أنه سجد شكرا ،ولو كان ذلك مفعول لهم لنقل نقل متظاهرا لحاجة العامة إلى جوازه وكونه
قربة.
قلت :وفمي سمنن ابمن ماجمة عمن عبدال بمن أبمي أوفمى أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم صملى
يوم بشر برأس أبي جهل ركعتين .وخرج من حديث أبي بكرة أن النبي صلى ال عليه وسلم كان
إذا أتاه أمر يسره -أو يسر به -خر ساجدا شكرا ل .وهذا قول الشافعي وغيره.
@ روى الترمذي وغيره واللفمظ للغيمر :أن رجل ممن النصمار على عهمد رسمول ال صملى ال
عليممه وسمملم كان يصمملي مممن الليممل يسممتتر بشجرة وهممو يقرأ" :ص والقرآن ذي الذكممر" فلممما بلغ
السممجدة سممجد وسممجدت معممه الشجرة ،فسمممعها وهممي تقول :اللهممم أعظممم لي بهذه السممجدة أجرا،
وارزقني بها شكرا.
قلت :خرج ابمن ماجمة فمي سمننه عن ابمن عباس قال :كنمت عنمد النمبي صملى ال عليه وسملم،فأتاه
رجمل فقال :إنمي رأيمت البارحمة فيمما يرى النائم ،كأنمي أصملي إلى أصمل شجرة ،فقرأت السمجدة
فسمجدت فسمجدت الشجرة لسمجودي ،فسممعتها تقول :اللهمم أحطمط بهما عنمي وزرا ،واكتمب لي بهما
أجرا ،وأجعلهمما لي عندك ذخرا .قال ابممن عباس فرأيممت رسممول ال صمملى ال عليممه وسمملم قرأ
"السجدة" فسجد ،فسمعته يقول في سجوده مثل الذي أخبره الرجل عن قول الشجرة .ذكره الثعلبي
عمن أبمي سمعيد الخدري؛ قال :قلت يما رسمول ال رأيتنمي فمي النوم كأنمي تحمت شجرة والشجرة تقرأ
"ص" فلما بلغت السجدة سجدت فيها ،فسمعتها تقول في سجودها :اللهم أكتب لي بها أجرا ،وحط
عني بها وزرا ،وارزقني بها شكرا ،وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود سجدته .فقال لي النبي
صلى ال عليه وسلم( :أفسجدت أنت يا أبا سعيد) فقلت :ل وال يا رسول ال .فقال( :لقد كنت أحق
بالسجود من الشجرة) ثم قرأ النبي صلى ال عليه وسلم "ص" حتى بلغ السجدة فسجد ،ثم قال مثل
ما قالت الشجرة.
@قوله تعالى" :فغفرنما له ذلك" أي فغفرنما له ذنبمه .قال ابمن النباري" :فغفرنما له ذلك" تام ،ثمم
تبتدئ "وإن له" وقال القشيري :ويجوز الوقممف على "فغفرنمما له" ثممم تبتدئ "ذلك وإن له" كقوله:
"هذا وإن للطاغيمن" [ص ]55 :أي الممر ذلك .وقال عطاء الخراسماني وغيره :إن داود سمجد
أربعين يوما حتى نبت المرعى من حر جوفه وغمر رأسه ،فنودي :أجائع فتطعم وأعار فتكسى؛
فنحمب نحبمة هاج المرعمى ممن حمر جوفمه ،فغفمر له وسمتر بهما .فقال :يما رب هذا ذنمبي فيمما بينمي
وبينك قد غفرته ،وكيف بفلن وكذا وكذا رجل من بني إسرائيل ،تركت أولدهم أيتاما ،ونساءهم
أرامل؟ قال :يا داود ل يجاوزني يوم القيامة ظلم أمكنه منك ثم أستوهبك منه بثواب الجنة .قال :يا
رب هكذا تكون المغفرة الهينة .ثم قيل :يا داود ارفع رأسك .فذهب ليرفع رأسه فإذا به قد نشب في
الرض ،فأتاه جبريمل فاقتلعمه عمن وجمه الرض كمما يقتلع ممن الشجرة صممغها .رواه الوليمد بمن
مسلم عن ابن جابر عن عطاء .قال الوليد :وأخبرني منير بن الزبير ،قال :فلزق مواضع مساجده
على الرض من فروة وجهه ما شاء ال .قال الوليد قال ابن لهيعة :فكان يقول في سجوده سبحانك
هذا شرابمي دموعمي وهذا طعاممي فمي رماد بيمن يدي .فمي روايمة :إنمه سمجد أربعيمن يومما ل يرفمع
رأسمه إل للصملة المكتوبمة ،فبكمى حتمى نبمت العشمب ممن دموعمه .وروي مرفوعما ممن حديمث أبمي
هريرة عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم( :إن داود مكمث أربعيمن ليلة سماجدا حتمى نبمت العشمب ممن
دموعه على رأسه وأكلت الرض من جبينه وهو يقول في سجوده :يا رب داود زل زلة بعد بها
مما بيمن المشرق والمغرب رب إن لم ترحمم ضعمف داود وتغفمر ذنبمه جعلت ذنبمه حديثما فمي الخلق
ممن بعده فقال له جبريمل بعمد أربعيمن سمنة يما داود إن ال قمد غفمر لك الهمم الذي همممت بمه) وقال
وهب :إن داود عليه السلم نودي أني قد غفرت لك .فلم يرفع رأسه حتى جاءه جبريل فقال :لم ل
ترفع رأسك وربك قد غفر لك؟ قال يا رب كيف وأنت ل تظلم أحدا .فقال ال لجبريل :اذهب إلى
داود فقمل له يذهمب إلى قمبر أوريما فيتحلل منمه ،فأنما أسممعه نداءه .فلبمس داود المسموح وجلس عنمد
قمبر أوريما ونادى يما أوريما فقال :لبيمك ! ممن هذا الذي قطمع علي لذتمي وأيقظنمي؟ فقال :أنما أخوك
داود أسمألك أن تجعلنمي فمي حمل فإنمي عرضتمك للقتمل قال :عرضتنمي للجنمة فأنمت فمي حمل .وقال
الحسممن وغيره :كان داود عليممه السمملم بعممد الخطيئة ل يجالس إل الخاطئيممن ،ويقول :تعالوا إلى
داود الخطاء ،ول يشرب شرابمما إل مزجممه بدموع عينيممه .وكان يجعممل خبممز الشعيممر اليابممس فممي
قصمعة فل يزال يبكمي حتمى يبتمل بدموعمه ،وكان يذر عليمه الرماد والملح فيأكمل ويقول :هذا أكمل
الخاطئين .وكان قبل الخطيئة يقوم نصف اليل ويصوم نصف الدهر .ثم صام بعده الدهر كله وقام
الليل كله .وقال :يا رب اجعل خطيئتي في كفي فصارت خطيئته منقوشة في كفه .فكان ل يبسطها
لطعام ول شراب ول شيممء إل رأهمما فأبكتممه ،وإن كان ليؤتممى بالقدح ثلثاه ماء ،فإذا تناوله أبصممر
خطيئتمه فمما يضعمه عمن شفتمه حتمى يفيمض ممن دموعمه .وروى الوليمد بمن مسملم :حدثنمي أبمو عمرو
الوزاعي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :إنما مثل عيني داود مثل القربتين تنطفان ولقد
خدد الدموع في وجه داود خديد الماء في الرض).
قال الوليمد :وحدثنما عثمان بمن ابمن العاتكمة أنمه كان فمي قول داود .إذ همو خلو ممن الخطيئة شدة
قوله فمي الخطائيمن أن كان يقول :اللهمم ل تغفمر للخطائيمن .ثمم صمار إلى أن يقول :اللهمم رب اغفمر
للخاطئيمن لكمي تغفمر لداود معهمم؛ سمبحان خالق النور .إلهمي خرجمت أسمأل أطباء عبادك أن يداووا
خطيئتي فكلهم عليك يدلني .إلهي أخطأت خطيئة قد خفت أن تجعل حصادها عذابك يوم القيامة إن
لم تغفرهمما؛ سممبحان خالق النور .إلهممي إذا ذكرت خطيئتممي ضاقممت الرض برحبهمما علي ،وإذا
ذكرت رحمتمك أرتمد إلى روحمي .وفمي الخمبر :أن داود عليمه السملم كان إذا عل المنمبر رفمع يمينمه
فاسممتقبل بهمما الناس ليريهممم نقممش خطيئتممه؛ فكان ينادي :إلهممي إذا ذكرت خطيئتممي ضاقممت علي
الرض برحبها ،وإذا ذكرت رحمتك أرتد إلي روحي؛ رب اغفر للخاطئين كي تغفر لداود معهم.
وكان يقعمد على سمبعة أفرشمة ممن الليمف محشوة بالرماد ،فكانمت تسمتنقع دموعمه تحمت رجليمه حتمى
تنفممذ مممن الفرشممة كلهمما .وكان إذا كان يوم نوحممه نادى مناديممه فممي الطرق والسممواق والوديممة
والشعاب وعلى رؤوس الجبال وأفواه الغيران :أل إن هذا يوم نوح داود ،فممن أراد أن يبكمي على
ذنبممه فليأت داود فيسممعده؛ فيهبممط السممياح مممن الغيران والوديممة ،وترتممج الصمموات حول منممبره
والوحوش والسممباع والطيممر عكممف؛ وبنممو إسممرائيل حول منممبره؛ فإذا أخممذ فممي العويممل والنوح،
وأثارت الحرقات منابمع دموعمه ،صمارت الجماعمة ضجمة واحدة نوحما وبكاء ،حتمى يموت حول
منمبره بشمر كثيمر فمي مثمل ذلك اليوم .ومات داود عليمه السملم فيمما قيمل يوم السمبت فجأة؛ أتاه ملك
الموت وهمو يصمعد فمي محرابمه وينزل؛ فقال :جئت لقبمض روحمك .فقال :دعنمي حتمى أنزل أو
أرتقممي .فقال :مالي إلى ذلك سممبيل؛ نفدت اليام والشهور والسممنون والثار والرزاق ،فممما أنممت
بمؤثمر بعدهما أثرا .قال :فسمجد داود على مرقاة ممن الدرج فقبمض نفسمه على تلك الحال .وكان بينمه
وبين موسى عليهما السلم خمسمائة وتسع وتسعون سنة .وقيل :تسع وسبعون ،وعاش مائة سنة،
وأوصى إلى ابنه سليمان بالخلفة.
@قوله تعالى" :وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب" قال محمد بن كعب ومحمد بن قيس" :وإن له
عندنما لزلفمى" قربمة بعمد المغفرة" .وحسمن مآب" قال :وال إن أول ممن يشرب الكأس يوم القياممة
داود .وقال مجاهمد عن عبدال بن عمر :الزلفى الدنو من ال عز وجل يوم القيامة .وعن مجاهد:
يبعث داود يوم القيامة وخطيئته منقوشة في يده :فإذا رأى أهاويل يوم القيامة لم يجد منها محرزا
إل أن يلجمأ إلى رحممة ال تعالى .قال :ثمم يرى خطيئتمه فيقلق فيقال له هما هنما؛ ثمم يرى فيقلق فيقال
له هاهنما ،ثمم يرى فيقلق فيقال له هاهنما؛ حتمى يقرب فيسمكن فذلك قوله عمز وجمل" :وإن له عندنما
لزلفمى وحسمن مآب" ذكره الترمذي الحكيمم .قال :حدثنما الفضمل بمن محممد ،قال حدثنما عبدالملك بمن
الصمبغ قال :حدثنما الوليمد بمن مسملم ،قال حدثنما إبراهيمم بمن محممد الفزاري عمن عبدالملك بمن أبمي
سمليمان عمن مجاهمد فذكره .قال الترمذي :ولقمد كنمت أممر زمانما طويل بهذه اليات فل ينكشمف لي
المراد والمعنمى ممن قوله" :ربنما عجمل لنما قطنما" والقمط الصمحيفة فمي اللغمة؛ وذلك أن رسمول ال
صملى ال عليمه وسملم تل عليهمم" :فأمما ممن أوتمي كتابمه بيمينمه" [الحاقمة :]19 :وقال لهمم( :إنكمم
ستجدون هذا كله في صحائفكم تعطونها بشمائلكم) قالوا" :ربنا عجل لنا قطنا" أي صحيفتنا "قبل
يوم الحسمماب" قال ال تعالى" :أصممبر على ممما يقولون واذكممر عبدنمما داود ذا اليممد" فقممص قصممة
خطيئتمه إلى منتهاهما ،فكنمت أقول :أمره بالصمبر على مما قالوا ،وأمره بذكمر داود فأي شيمء أريمد
ممن هذا الذكمر؟ وكيمف اتصمل هذا بذاك؟ فل أقمف على شيمء يسمكن قلبمي عليمه ،حتمى هدانمي ال له
يومما فألهمتمه أن هؤلء أنكروا قول أنهمم يعطون كتبهمم بشمائلهمم ،فيهما ذنوبهمم وخطاياهمم اسمتهزاء
بأمممر ال؛ وقالوا" :ربنمما عجممل لنمما قطنمما قبممل يوم الحسمماب" فأوجعممه ذلك مممن اسممتهزائهم ،فأمره
بالصبر على مقالتهم ،وأن يذكر عبده داود؛ سأل تعجيل خطيئته أن يراها منقوشة في كفه ،فنزل
به ما نزل من أنه كان إذا رآها اضطرب وامتل القدح من دموعه ،وكان إذا رآها بكى حتى تنفذ
سبعة أفرشة من الليف محشوة بالرماد ،فإنما سألها بعد المغفرة وبعد ضمان تبعة الخصم ،وأن ال
تبارك وتعالى آسمه يسمتوهبه منه ،وهو حمبيبه ووليه وصفيه؛ فرؤية نقش الخطيئة بصمورتها ممع
هذه المرتبمة صمنعت بمه هكذا ،فكيمف كان يحمل بأعداء ال وبعصماته ممن خلقمه وأهمل خزيمه ،لو
عجلت لهمم صمحائفهم فنظروا إلى صمورة تلك الخطايما التمي عملوهما على الكفمر والجحود ،وماذا
يحمل بهمم إذا نظروا إليهما فمي تلك الصمحائف ،وقمد أخمبر ال عنهمم فقال" :فترى المجرميمن مشفقيمن
مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب ل يغادر صغيرة ول كبيرة إل أحصاها" [الكهف]49 :
فداود صملوات ال عليمه ممع المغفرة والبشرى والعطمف لم يقمم لرؤيمة صمورتها .وقمد روينما فمي
الحديمث :إذا رآهما يوم القياممة منقوشمة فمي كفمه قلق حتمى يقال له هما هنما ،ثمم يرى فيقلق ثمم يقال هما
هنا ،ثم يرى فيقلق حتى يقرب فيسكن.
**3اليمة{ 26 :يما داود إنما جعلناك خليفمة فمي الرض فاحكمم بيمن الناس بالحمق ول تتبمع الهوى
فيضلك عن سبيل ال إن الذين يضلون عن سبيل ال لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}
@قوله تعالى" :إنما جعلناك خليفة فمي الرض" أي ملكناك لتأممر بالمعروف وتنهمى عن المنكمر،
فتخلف ممن كان قبلك ممن النمبياء والئممة الصمالحين وقمد مضمى فمي "البقرة" القول فمي الخليفمة
وأحكامه مستوفى والحمد ل.
@قوله تعالى" :فاحكم بين الناس بالحمق" أي بالعدل وهو أمر على الوجوب وقد ارتبمط هذا بما
قبله ،وذلك أن الذي عوتمب عليمه داود طلبمه المرأة ممن زوجهما وليمس ذلك بعدل .فقيمل له بعمد هذا؛
فاحكممم بيممن الناس بالعدل "ول تتبممع الهوى" أي ل تقتممد بهواك المخالف لمممر ال" .فيضلك عممن
سمبيل ال" أي عمن طريمق الجنمة" .إن الذيمن يضلون عمن سمبيل ال" أي يحيدون عنهما ويتركونهما
"لهم عذاب شديد" في النار "بما نسوا يوم الحساب" أي بما تركوا من سلوك طريق ال؛ فقوله:
"نسوا" أي تركوا اليمان به ،أو تركوا العمل به فصاروا كالناسين .ثم قيل :هذا لداود لما أكرمه
ال بالنبوة .وقيل :بعد أن تاب عليه وغفر خطيئته.
@ الصمل فمي القضيمة قوله تعالى" :يما داود إنما جعلناك خليفمة فمي الرض فاحكمم بيمن الناس
بالحق" وقوله" :وأن احكم بينهم بما أنزل ال" [المائدة ]49 :وقوله تعالى" :لتحكم بين الناس بما
أراك ال" [النسماء ]105:وقوله تعالى" :يما أيهما الذيمن آمنوا كونوا قواميمن ل شهداء بالقسمط"
[المائدة ]8 :الية .وقد تقدم الكلم فيه.
قال ابن عباس في قوله تعالى" :يا داود إنا جعلناك خليفة في الرض فاحكم بين الناس بالحق ول
تتبمع الهوى فيضلك عمن سمبيل ال" قال :إن ارتفمع لك الخصممان فكان لك فمي أحدهمما هوى ،فل
تشتممه فممي نفسممك الحممق له ليفلح على صمماحبه ،فإن فعلت محوت اسمممك مممن نبوتممي ،ثممم ل تكون
خليفتمي ول أهمل كرامتمي .فدل هذا على بيان وجوب الحكمم بالحمق ،وأل يميمل إلى أحمد الخصممين
لقرابمة أو رجاء نفمع ،أو سمبب يقتضمي الميمل ممن صمحبة أوصمداقة ،أوغيرهمما .وقال ابمن عباس:
إنمما ابتلي سمليمان بمن داود عليمه السملم ،لنمه تقدم إليمه خصممان فهوي أن يكون الحمق لحدهمما.
وقال عبدالعزيمز بمن أبمي رواد :بلغنمي أن قاضيما كان فمي زممن بنمي إسمرائيل ،بلغ ممن اجتهاده أن
طلب إلى ربمه أن يجعمل بينمه وبينمه علمما ،إذا همو قضمى بالحمق عرف ذلك؛ وإذا همو قصمر عرف
ذلك ،فقيممل له :ادخممل منزلك ،ثممم مممد يدك فممي جدارك ،ثممم انظممر حيممث تبلغ أصممابعك مممن الجدار
فاخطط عندها خطا؛ فإذا أنت قمت من مجلس القضاء ،فارجع إلى ذلك الخط فامدد يدك إليه ،فإنك
متمى مما كنمت على الحمق فإنمك سمتبلغه ،وإن قصمرت عمن الحمق قصمر بمك ،فكان يغدو إلى القضاء
وهمو مجتهمد فكان ل يقضمي إل بحمق ،وإذا قام ممن مجلسمه وفرغ لم يذق طعامما ول شرابما ،ولم
يفض إلى أهله بشيء من المور حتى يأتي ذلك الخط ،فإذا بلغه حمد ال وأفضى إلى كل ما أحل
ال له ممن أهمل أو مطعمم أو مشرب .فلمما كان ذات يوم وهمو فمي مجلس القضاء ،أقبمل إليمه رجلن
يريدانه :فوقع في نفسه أنهما يريدان أن يختصما إليه ،وكان أحدهما له صديقا وخدنا ،فتحرك قلبه
عليمه محبمة أن يكون الحمق له فيقضمي له ،فلمما أن تكلمما دار الحمق على صماحبه فقضمى عليمه ،فلمما
قام ممن مجلسمه ذهمب إلى خطمه كمما كان يذهمب كمل يوم ،فممد يده إلى الخمط فإذا الخمط قمد ذهمب
وتشمر إلى السقف ،وإذا هو ل يبلغه فخر ساجدا وهو يقول :يا رب شيئا لم أتعمده ولم أرده فبينه
لي .فقيل له :أتحسبن أن ال تعالى لم يطلع على خيانة قلبك ،حيث أحببت أن يكون الحق لصديقك
لتقضي له به ،قد أردته وأحببته ولكن ال قد رد الحق إلى أهله وأنت كاره.
وعمن ليمث قال :تقدم إلى عممر بمن الخطاب خصممان فأقامهمما ،ثمم عادا فأقامهمما ،ثمم عادا ففصمل
بينهمما ،فقيمل له فمي ذلك ،فقال :تقدمما إلي فوجدت لحدهمما مما لم أجمد لصماحبه ،فكرهمت أن أفصمل
بينهممما على ذلك ،ثممم،عادا فوجدت بعممض ذلك له ،ثممم عادا وقممد ذهممب ذلك ففصمملت بينهممما .وقال
ي خصومة ،فتقاضيا إلى زيد بن ثابت ،فلما دخل عليه أشار لعمر إلى الشعبي :كان بين عمر وأُب ّ
وسادته ،فقال عمر :هذا أول جورك؛ أجلسني وإياه مجلسا واحدا؛ فجلسا بين يديه.
@ هذه الية تمنع من حكم الحاكم بعلمه؛ لن الحكام لو مكنوا أن يحكموا بعلمهم لم يشأ أحدهم إذا
أراد أن يحفمظ وليمه ويهلك عدوه إل ادعمى علممه فيمما حكمم بمه .ونحمو ذلك روي عمن جماعمة ممن
الصحابة منهم أبو بكر؛ قال :لو رأيت رجل على حد من حدود ال ،ما أخذته حتى يشهد على ذلك
غيري .وروي أن امرأة جاءت إلى عمر فقالت له :احكم لي على فلن بكذا فإنك تعلم ما لي عنده.
فقال لها :إن أردت أن أشهد لك فنعم وأما الحكم فل .وفي صحيح مسلم عن ابن عباس :أن رسول
ال صملى ال عليمه وسملم قضمى بيميمن وشاهمد؛ وروى عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم أنمه اشترى
فرسما فجحده البائع ،فلم يحكمم عليمه بعلممه وقال( :ممن يشهمد لي) فقام خزيممة فشهمد فحكمم .خرج
الحديث أبو داود وغيره وقد مضى في "البقرة".
**3الية{ 27 :وما خلقنا السماء والرض وما بينهما باطل ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين
كفروا من النار ،أم نجعمل الذيمن آمنوا وعملوا الصمالحات كالمفسدين في الرض أم نجعل المتقيمن
كالفجار ،كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا اللباب}
@قوله تعالى" :وما خلقنا السماء والرض وما بينهما باطل" أي هزل ولعبا .أي ما خلقناهما إل
لممر صمحيح وهمو الدللة على قدرتنما" .ذلك ظمن الذيمن كفروا" أي حسمبان الذيمن كفروا أن ال
خلقهممما باطل" .فويممل للذيممن كفروا مممن النار" ثممم وبخهممم فقال" :أم نجعممل الذيممن آمنوا وعملوا
الصمالحات" والميمم صملة تقديره :أنجعمل الذيمن آمنوا وعملوا الصمالحات "كالمفسدين فمي الرض"
فكان فممي هذا رد على المرجئة؛ لنهممم يقولون :يجوز أن يكون المفسممد كالصممالح أو أرفممع درجممة
منمه .وبعده أيضما" :نجعمل المتقيمن كالفجار" أي أنجعمل أصمحاب محممد عليمه السملم كالكفار؛ قاله
ابممن عباس .وقيممل هممو عام فممي المسمملمين المتقيممن والفجار الكافريممن وهممو أحسممن ،وهممو رد على
منكري البعث الذين جعلوا مصير المطيع والعاصي إلى شيء واحد.
@قوله تعالى" :كتاب" أي هذا كتاب "أنزلناه إليمك مبارك" أي "أنزلناه إليمك مبارك" يما محممد
"ليدبروا" أي ليتدبروا فأدغمت التاء في الدال .وفي هذا دليل على ،وجوب معرفة معاني القرآن،
ودليل على أن الترتيل أفضل من الهذ؛ إذ ل يصح التدبر مع الهذ على ما بيناه في كتاب التذكار.
وقال الحسمن :تدبر آيات ال اتباعهما .وقراءة العاممة "ليدبروا " .وقرأ أبمو حنيفمة وشيبمة" :لتدبروا"
بتاء وتخفيممف الدال ،وهممي قراءة علي رضممي ال عنممه ،والصممل لتتدبروا فحذف إحدى التاءيممن
تخفيفما "وليتذكمر أولو اللباب" أي أصمحاب العقول واحدهما لب ،وقمد جممع على ألب ،كمما جممع
بؤس على أبؤس ،ونعم على أنعم؛ قال أبو طالب:
قلبي إليه مشرف اللب
وربما أظهروا التضعيف في ضرورة الشعر؛ قال الكميت:
نوازع من قلبي ظماء وألبب إليكم ذوي آل النبي تطلعت
**3اليمة{ 33 - 30 :ووهبنما لداود سمليمان نعمم العبمد إنمه أواب ،إذ عرض عليمه بالعشمي
الصمافنات الجياد ،فقال إني أحببت حب الخيمر عن ذكمر ربي حتمى توارت بالحجاب ،ردوهما علي
فطفق مسحا بالسوق والعناق}
@قوله تعالى" :ووهبنما لداود سمليمان نعمم العبمد إنمه أواب" لمما ذكمر داود ذكمر سمليمان و"أواب"
معناه مطيمع" .إذ عرض عليمه بالعشمي الصمافنات الجياد" يعنمي الخيمل جممع جواد للفرس إذا كان
شديد الحضر؛ كما يقال للنسان جواد إذا كان كثير العطية غزيرها؛ يقال :قوم أجواد وخيل جياد،
جاد الرجممل بماله يجود جودا فهممو جواد ،وقوم جود مثال قذال وقذل ،وإنممما سممكنت الواو لنهمما
حرف علة ،وأجواد وأجاود وجوداء ،وكذك امرأة جواد ونسممممممموة جود مثمممممممل نوار ونور ،قال
الشاعر:
جواد بقوت البطن والعرق زاخر صناع بإشفاها حصان بشكرها
وتقول :سممرنا عقبممة جوادا ،وعقبتيممن جواديممن ،وعقبمما جيادا .وجاد الفرس أي صممار رائعمما يجود
جودة بالضم فهو جواد للذكر والنثى ،من خيل جياد وأجياد وأجاويد .وقيل :إنها الطوال العناق
مأخوذ ممن الجيمد وهمو العنمق؛ لن طول العناق فمي الخيمل ممن صمفات فراهتهما .وفمي الصمافنات
أيضا وجهان :أحدهما أن صفونها قيامها .قال القتبي والفراء :الصافن في كلم العرب الواقف من
الخيمل أوغيرهما .ومنمه مما روي عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم أنمه قال( :ممن سمره أن يقوم له
الرجال صفونا فليتبوأ مقعده من النار) أي يديمون له القيام؛ حكاه قطرب أيضا وأنشد قول النابغة:
عتاق المهارى والجياد الصوافن لنا قبة مضروبة بفنائها
وهذا قول قتادة .الثاني أن صفونها رفع إحدى اليدين على طرف الحافر حتى يقوم على ثلث كما
قال الشاعر:
مما يقوم على الثلث كسيرا ألف الصفون فما يزال كأنه
وقال عمرو بن كلثوم:
مقلدة أعنتها صفونا تركنا الخيل عاكفة عليه
وهذا قول مجاهمد .قال الكلبمي :غزا سمليمان أهمل دمشمق ونصميبين فأصماب منهمم ألف فرس .وقال
مقاتل :ورث سليمان من أبيه داود ألف فرس ،وكان أبوه أصابها من العمالقة .وقال الحسن :بلغني
أنها كانت خيل خرجت من البحر لها أجنحة .وقاله الضحاك .وأنها كانت خيل أخرجت لسليمان
ممن البحمر منقوشمة ذات أجنحمة .ابمن زيمد :أخرج الشيطان لسمليمان الخيمل ممن البحمر ممن مروج
البحمر ،وكانمت لهما أجنحمة .وكذلك قال علي رضمي ال عنمه :كانمت عشريمن فرسما ذوات أجنحمة.
وقيمل :كانمت مائة فرس .وفمي الخمبر عن إبراهيمم التيممي :أنهما كانمت عشريمن ألفما ،فال أعلم .فقال:
"إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي" يعني بالخير الخيل ،والعرب تسميها كذلك ،وتعاقب بين
الراء واللم؛ فتقول :انهملت العيمن وانهمرت ،وختلت وخترت إذا خدعمت .قال الفراء :الخيمر فمي
كلم العرب والخيممل واحممد .النحاس :فممي الحديممث( :الخيممل معقود فممي نواصمميها الخيممر إلى يوم
القيامة) فكأنها سميت خيرا لهذا .وفي الحديث :لما وفد زيد الخيل على النبي صلى ال عليه وسلم،
قال له( :أنت زيد الخير) وهو زيد بن مهلهل الشاعر .وقيل :إنما سميت خيرا لما فيها من المنافع.
وفممي الخممبر :إن ال تعالى عرض على آدم جميممع الدواب ،وقيممل له :اختممر منهمما واحدا فاختار
الفرس؛ فقيمل له :اخترت عزك؛ فصمار اسممه الخيمر ممن هذا الوجمه .وسممي خيل؛ لنهما موسمومة
بالعز .وسمي فرسا لنه يفترس مسافات الجو افتراس السد وثبانا ،ويقطعها كاللتهام بيديه على
كل شيء خبطا وتناول .وسمي عربيا لنه جيء به من بعد آدم لسماعيل جزاء عن رفع قواعد
البيت ،وإسماعيل عربي فصارت له نحلة من ال؛ فسمى عربيا .و"حب" مفعول في قول الفراء.
والمعنمى إنمي آثرت حمب الخيمر .وغيره يقدره مصمدرا أضيمف إلى المفعول؛ أي أحببمت الخيمر حبما
فألهاني عن ذكر ربي .وقيل :إن معنى "أحببت" قعدت وتأخرت من قولهم :أحب البعير إذا برك
وتأخمر .وأحمب فلن أي طأطمأ رأسمه .قال أبمو زيمد :يقال :بعيمر محمب ،وقمد أحمب إحبابما وهمو أن
يصيبه مرض أو كسر فل يبرح مكانه حتى يبرأ أو يموت .وقال ثعلب :يقال أيضا للبعير الحسير
محمب؛ فالمعنمى قعدت عمن ذكمر ربمي .و"حمب" على هذا مفعول له .وذكمر أبمو الفتمح الهمدانمي فمي
كتاب التبيان :أحببت بمعنى لزمت؛ من قوله:
مثل بعير السوء إذ أحبا
@قوله تعالى" :حتمى توارت بالحجاب" يعنمي الشممس كنايمة عمن غيمر مذكور؛ مثمل قوله تعالى:
"مما ترك على ظهرهما ممن دابمة" [فاطمر ]45 :أي على ظهمر الرض؛ وتقول العرب :هاجمت
باردة أي هاجت الريح باردة .وقال ال تعالى" :فلول إذا بلغت الحلقوم" [الواقعة ]83 :أي بلغت
النفس الحلقوم .وقال تعالى" :إنها ترمي بشرر كالقصر" [المرسلت ]32 :ولم يتقدم للنار ذكر.
وقال الزجاج :إنمما يجوز الضمار إذا جرى ذكمر الشيمء أو دليمل الذكمر ،وقمد جرى هما هنما الدليمل
وهمو قوله" :بالعشمي" .والعشمي مما بعمد الزوال ،والتواري السمتتار عمن البصمار ،والحجاب جبمل
أخضمر محيمط بالخلئق؛ قاله قتادة وكعمب .وقيمل :همو جبمل قاف .وقيمل :جبمل دون قاف .والحجاب
الليل سمي حجابا لنه يستر ما فيه .وقيل" :حتى توارت" أي الخيل في المسابقة .وذلك أن سليمان
كان له ميدان مستدير يسابق فيه بين الخيل ،حتى توارت عنه وتغيب عن عينه في المسابقة؛ لن
الشممس لم يجمر لهما ذكمر .وذكمر النحاس أن سمليمان عليمه السملم كان فمي صملة فجيمء إليمه بخيمل
لتعرض عليه قد غنمت فأشار بيده لنه كان يصلي حتى توارت الخيل وسترتها جدر الصطبلت
فلما فرغ من صلته قال" :ردوها علي فطفق مسحا" أي فأقبل يمسحها مسحا .وفي معناه قولن:
أحدهما أنه أقبل يمسح سوقها وأعناقها بيده إكراما منه لها ،وليرى أن الجليل ل يقبح أن يفعل مثل
هذا بخيله .وقال قائل هذا القول :كيف يقتلها؟ وفي ذلك إفساد المال ومعاقبة من ل ذنب له .وقيل:
المسمح هما هنما همو القطمع أذن له فمي قتلهما .قال الحسمن والكلبمي ومقاتمل :صملى سمليمان الصملة
الولى وقعد على كرسيه وهي تعرض عليه ،وكانت ألف فرس؛ فعرض عليه منها تسعمائة فتنبه
لصلة العصر ،فإذا الشمس قد غربت وفاتت الصلة ،ولم يعلم بذلك هيبة له فاغتم؛ فقال" :ردوها
علي" فردت فعقرها بالسيف؛ قربة ل وبقي منها مائة ،فما في أيدي الناس من الخيل العتاق اليوم
فهمي ممن نسمل تلك الخيمل .قال القشيري :وقيمل :مما كان فمي ذلك الوقمت صملة الظهمر ول صملة
العصر ،بل كانت تلك الصلة نافلة فشغل عنها .وكان سليمان عليه السلم رجل مهيبا ،فلم يذكره
أحمد مما نسمي ممن الفرض أو النفمل وظنوا التأخمر مباحما ،فتذكمر سمليمان تلك الصملة الفائتمة ،وقال
على سمبيل التلهمف" :إنمي أحببمت حمب الخيمر عمن ذكمر ربمي" أي عمن الصملة ،وأممر برد الفراس
إليممه ،وأمممر بضرب عراقيبهمما وأعناقهمما ،ولم يكممن ذلك معاقبممة للفراس؛ إذ ذبممح البهائم جائز إذا
كانمت مأكولة ،بمل عاقمب نفسمه حتمى ل تشغله الخيمل بعمد ذلك عمن الصملة .ولعله عرقبهما ليذبحهما
فحبسمها بالعرقبمة عمن النفار ،ثمم ذبحهما فمي الحال ،ليتصمدق بلحمهما؛ أو لن ذلك كان مباحما فمي
شرعه فأتلفها لما شغلته عن ذكر ال ،حتى يقطع عن نفسه ما يشغله عن ال ،فأثنى ال عليه بهذا،
وبين أنه أثابه بأن سخر له الريح ،فكان يقطع عليها من المسافة في يوم ما يقطع مثله على الخيل
في شهرين غدوا ورواحا .وقد قيل :إن الهاء في قوله" :ردوها علي" للشمس ل للخيل.
قال ابممن عباس :سممألت عليمما عمن هذه اليمة فقال :ممما بلغممك فيهمما؟ فقلت سمممعت كعبمما يقول :إن
سممليمان لممما اشتغممل بعرض الفراس حتممى توارت الشمممس بالحجاب وفاتتممه الصمملة ،قال" :إنممي
أحببت حب الخير عن ذكر ربي" أي آثرت "حب الخير عن ذكر ربي" الية "ردوها علي" يعني
الفراس وكانمت أربمع عشرة؛ فضرب سموقها وأعناقهما بالسميف ،وأن ال سملبه ملكمه أربعمة عشمر
يومما؛ لنمه ظلم الخيمل .فقال علي بمن أبمي طالب :كذب كعمب لكمن سمليمان اشتغمل بعرض الفراس
للجهاد حتممى توارت أي غربممت الشمممس بالحجاب فقال بأمممر ال للملئكممة الموكليممن بالشمممس:
"ردوهما" يعنمي الشممس فردوهما حتمى صملى العصمر فمي وقتهما ،وأن أنمبياء ال ل يظلمون لنهمم
معصومون.
قلت :الكثر في التفسير أن التي توارت بالحجاب هي الشمس ،وتركها لدللة السامع عليها بما
ذكر مما يرتبط بها ومتعلق بذكرها ،حسب ما تقدم بيانه .وكثيرا ما يضمرون الشمس؛ قال لبيد:
وأجن عورات الثغور ظلمها حتى إذا ألقت يدا في كافر
والهاء فممي "ردوهمما" للخيممل ،ومسممحها قال الزهري وابممن كيسممان :كان يمسممح سمموقها وأعناقهمما،
ويكشمف الغبار عنهما حبما لهما .وقال الحسمن وقتادة وابمن عباس .وفمي الحديمث أن النمبي صملى ال
عليه وسلم رئي وهو يمسح فرسه بردائه .وقال( :إني عوتبت الليلة في الخيل) خرجه الموطأ عن
يحيى بن سعيد مرسل .وهوفي غير الموطأ مسند متصل عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أنس.
وقمد مضمى فمي "النفال" قوله عليمه السملم( :وامسمحوا بنواصميها وأكفالهما) وروى ابمن وهمب عمن
مالك أنه مسح أعناقها وسوقها بالسيوف.
قلت :وقمد اسمتدل الشبلي وغيره ممن الصموفية فمي تقطيمع ثيابهمم وتخريقهما بفعمل سمليمان ،هذا.
وهو استدلل فاسد؛ لنه ل يجوز أن ينسب إلى نبي معصوم أنه فعل الفساد .والمفسرون اختلفوا
فمي معنمى اليمة؛ فمنهمم ممن قال :مسمح على أعناقهما وسموقها إكرامما لهما وقال :أنمت فمي سمبيل ال؛
فهذا إصملح .ومنهمم ممن قال :عرقبهما ثمم ذبحهما ،وذبمح الخيمل وأكمل لحمهما جائز .وقمد مضمى فمي
"النحل" بيانه .وعلى هذا فما فعل شيئا عليه فيه جناح .فأما إفساد ثوب صحيح ل لغرض صحيح
فإنه ل يجوز .ومن الجائز أن يكون فمي شريعمة سليمان جواز ما فعل ،ول يكون فمي شرعنا .وقد
قيل :إنما فعل بالخيل ما فعل بإباحة ال جل وعز له ذلك .وقد قيل :إن مسحه إياها وسمها بالكي
وجعلهما فمي سمبيل ال؛ فال أعلم .وقمد ضعمف هذا القول ممن حيمث أن السموق ليسمت بمحمل للوسمم
بحال .وقد يقال :الكمي على السماق علط ،وعلى العنمق وثاق .والذي فمي الصحاح للجوهري :علط
البعير علطا كواه في عنقه بسمة العلط .والعلطان جانبا العنق.
قلت :وممن قال إن الهاء فمي "ردوهما" ترجمع للشممس فذلك ممن معجزاتمه .وقمد اتفمق مثمل ذلك
لنبينا صلى ال عليه وسلم .خرج الطحاوي في مشكل الحديث عن أسماء بنت عميس من طريقين
أن النمبي صملى ال عليمه وسملم كان يوحمى إليمه ورأسمه فمي حجمر علي ،فلم يصمل العصمر حتمى
غربمت الشممس؛ فقال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم( :أصمليت يما علي) قال :ل .فقال رسمول ال
صلى ال عليه وسلم( :اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فأردد عليه الشمس) قالت أسماء:
فرأيتهما غربمت ثمم رأيتهما بعدمما غربمت طلعمت على الجبال والرض ،وذلك بالصمهباء فمي خيمبر.
قال الطحاوي :وهذان الحديثان ثابتان ،ورواتهما ثقات.
قلت :وضعمف أبمو الفرج ابمن الجوزي هذا الحديمث فقال :وغلو الرافضمة فمي حمب علي عليمه
السلم حملهم على أن وضعوا أحاديث كثيرة في فضائله؛ منها أن الشمس غابت ففاتت عليا عليه
السملم العصمر فردت له الشممس ،وهذا ممن حيمث النقمل محال ،وممن حيمث المعنمى فإن الوقمت قمد
فات وعودهما طلوع متجدد ل يرد الوقمت .وممن قال :أن الهاء ترجمع إلى الخيمل ،وأنهما كانمت تبعمد
عن عين سليمان في السباق ،ففيه دليل على المسابقة بالخيل وهو أمر مشروع .وقد مضى القول
فيه في "يوسف".
**3اليمة{ 40 - 34 :ولقد فتنا سليمان وألقينما على كرسميه جسمدا ثمم أناب ،قال رب اغفمر لي
وهمب لي ملكما ل ينبغمي لحمد ممن بعدي إنمك أنمت الوهاب ،فسمخرنا له الريمح تجري بأمره رخاء
حيث أصاب ،والشياطين كل بناء وغواص ،وآخرين مقرنين في الصفاد ،هذا عطاؤنا فامنن أو
أمسك بغير حساب ،وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}
@قوله تعالى" :ولقمد فتنما سمليمان" قيمل :فتمن سمليمان بعمد مما ملك عشريمن سمنة ،وملك بعمد الفتنمة
عشريمن سمنة؛ ذكره الزمخشري .و"فتنما" أي ابتلينما وعاقبنما .وسمبب ذلك مما رواه سمعيد بمن جمبير
عن ابن عباس قال :اختصم إلى سليمان عليه السلم فريقان أحدهما من أهل جرادة امرأة سليمان؛
وكان يحبهما فهوى أن يقمع القضاء لهمم ،ثمم قضمى بينهمما بالحمق ،فأصمابه الذي أصمابه عقوبمة لذلك
الهوى .وقال سعيد بن المسيب :إن سليمان عليه السلم احتجب عن الناس ثلثة أيام ل يقضي بين
أحد ،ول ينصمف مظلوما من ظالم ،فأوحى ال تعالى إليه" :إنمى لم أستخلفك لتحتجب عن عبادي
ولكن لتقضي بينهم وتنصف مظلومهم" .وقال شهر بن حوشب ووهب بن منبه :إن سليمان عليه
السلم سبى بنت ملك غزاه في البحر ،في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون .فألقيت عليه
محبتها وهي تعرض عنه ،ل تنظر إليه إل شزرا ،ول تكلمه إل نزرا ،وكان ل يرقأ لها دمع حزنا
على أبيها ،وكانت في غاية من الجمال ،ثم إنها سألته أن يصنع لها تمثال على صورة أبيها حتى
تنظر إليه ،فأمر فصنع لها فعظمته وسجدت له ،وسجدت معها جواريها ،وصار صنما معبودا في
داره وهو ل يعلم ،حتى مضت أربعون ليلة ،وفشا خبره في بني إسرائيل وعلم به سليمان فكسره،
وحرقمه ثمم ذراه فمي البحمر .وقيمل :إن سمليمان لمما أصماب ابنمة ملك صميدون واسممها جرادة -فيمما
ذكممر الزمخشري -أعجممب بهمما ،فعرض عليهمما السمملم فأبممت ،فخوفهمما فقالت :اقتلنممي ول أسمملم
فتزوجها وهي مشركة فكانت تعبد صنما لها من ياقوت أربعين يوما في خفية من سليمان إلى أن
أسملمت فعوقمب سمليمان بزوال ملكمه أربعيمن يومما .وقال كعمب الحبار :إنمه لمما ظلم الخيمل بالقتمل
سملب ملكمه .وقال الحسمن :إنمه قارب بعمض نسمائه فمي شيمء ممن حيمض أوغيره .وقيمل :إنمه أممر أل
يتزوج امرأة إل من بني إسرائيل ،فتزوج امرأة من غيرهم ،فعوقب على ذلك؛ وال أعلم.
@قوله تعالى" :وألقينا على كرسيه جسدا" قيل :شيطان في قول أكثر أهل التفسير؛ ألقى ال شبه
سمليمان عليمه السملم عليمه ،واسممه صمخر بمن عميمر صماحب البحمر ،وهمو الذي دل سمليمان على
الماس حيمن أممر سمليمان ببناء بيمت المقدس ،فصموتت الحجارة لمما صمنعت بالحديمد ،فأخذوا الماس
فجعلوا يقطعون به الحجارة والفصوص وغيرها ول تصوت .قال ابن عباس :كان ماردا ل يقوى
عليمه جميمع الشياطيمن ،ولم يزل يحتال حتمى ظفمر بخاتمم سمليمان بمن داود ،وكان سمليمان ل يدخمل
الكنيف بخاتمه ،فجاء صخر في صورة سليمان حتى أخذ الخاتم من امرأة من نساء سليمان أم ولد
له يقال لها المينة؛ قال شهر ووهب .وقال ابن عباس وابن جبير :اسمها جرادة .فقام أربعين يوما
على ملك سمليمان وسمليمان هارب ،حتمى رد ال عليمه الخاتمم والملك .وقال سمعيد بمن المسميب :كان
سليمان قد وضع خاتمه تحت فراشه ،فأخذه الشيطان من تحته .وقال مجاهد :أخذه الشيطان من يد
سممليمان؛ لن سممليمان سممأل الشيطان وكان اسمممه آصممف :كيممف تضلون الناس؟ فقال له الشيطان:
أعطني خاتمك حتى أخبرك .فأعطاه خاتمه ،فلما أخذ الشيطان الخاتم جلس على كرسي سليمان،
متشبها بصورته ،داخل على نسائه ،يقضي بغير الحق ،ويأمر بغير الصواب.
واختلف فمي إصمابته لنسماء سمليمان ،فحكمي عمن ابمن عباس ووهمب بمن منبمه :أنمه كان يأتيهمن فمي
حيضهمن .وقال مجاهمد :منمع ممن إتيانهمن وزال عمن سمليمان ملكمه فخرج هاربما إلى سماحل البحمر
يتضيمف الناس؛ ويحممل سمموك الصميادين بالجمر ،وإذا أخمبر الناس أنمه سمليمان أكذبوه .قال قتادة:
ثم إن سليمان بعد أن استنكر بنو إسرائيل حكم الشيطان أخذ حوته من صياد .قيل :إنه استطعمها.
وقال ابن عباس :أخذها أجرة في حمل حوت .وقيل :إن سليمان صادها فلما شق بطنها وجد خاتمه
فيها ،وذلك بعد أربعين يوما من زوال ملكه ،وهي عدد اليام التي عبد فيها الصنم في داره ،وإنما
وجمد الخاتمم فمي بطمن الحوت؛ لن الشيطان الذي أخذه ألقاه فمي البحمر .وقال علي بمن أبمي طالب
رضي ال عنه :بينما سليمان على شاطئ البحر وهو يعبث بخاتمه ،إذ سقط منه في البحر وكان
ملكه في خاتمه .وقال جابر بن عبدال :قال النبي صلى ال عليه وسلم( :كان نقش خاتم سليمان بن
داود ل إله إل ال محمد رسول ال) .وحكى يحيى بن أبي عمرو الشيباني أن سليمان وجد خاتمه
بعسقلن ،فمشى منها إلى بيت المقدس تواضعا ل تعالى .قال ابن عباس وغيره :ثم إن سليمان لما
رد ال عليه ملكمه ،أخمذ صمخرا الذي أخمذ خاتممه ،ونقمر له صمخرة وأدخله فيهما ،وسمد عليمه بأخرى
وأوثقهما بالحديمد والرصماص ،وختمم عليهما بخاتممه وألقاهما فمي البحمر ،وقال :هذا محبسمك إلى يوم
القيامة.
وقال علي رضي ال عنه :لما أخذ سليمان الخاتم ،أقبلت إليه الشياطين والجن والنس والطير
والوحممش والريممح ،وهرب الشيطان الذي خلف فممي أهله ،فأتممى جزيرة فممي البحممر ،فبعممث إليممه
الشياطين فقالوا :ل نقدر عليه ،ولكنه يرد عينا في الجزيرة في كل سبعة أيام يوما ،ول نقدر عليه
حتمى يسمكر! قال :فنزح سمليمان ماءهما وجعمل فيهما خمرا ،فجاء يوم وروده فإذا همو بالخممر ،فقال:
وال إنك لشراب طيب إل أنك تطيشين الحليم ،وتزيدين الجاهل جهل .ثم عطش عطشا شديدا ثم
أتاه فقال مثممل مقالتممه ،ثممم شربهمما فغلبممت على عقله؛ فأروه الخاتممم فقال :سمممعا وطاعممة .فأتوا بممه
سليمان فأوثقه وبعث به إلى جبل ،فذكروا أنه جبل الدخان فقالوا :إن الدخان الذي ترون من نفسه،
والماء الذي يخرج من الجبل من بوله .وقال مجاهد :اسم ذلك الشيطان آصف .وقال السدي اسمه
حبقيق؛ فال أعلم .وقد ضعف هذا القول من حيث إن الشيطان ل يتصور بصورة النبياء ،ثم من
المحال أن يلتبمس على أهمل مملكمة سمليمان الشيطان بسمليمان حتمى يظنوا أنهمم ممع نمبيهم فمي حمق،
وهمم ممع الشيطان فمي باطمل .وقيمل :إن الجسمد وَلدٌ وُِل َد لسمليمان ،وأنمه لمما ولد اجتمعمت الشياطيمن؛
وقال بعضهم لبعض :إن عاش له ابن لم ننفك مما نحن فيه من البلء والسخرة ،فتعالوا نقتل ولده
أو نخبله .فعلم سليمان بذلك فأمر الريح حتى حملته إلى السحاب ،وغدا ابنه في السحاب خوفا من
مضرة الشياطيمن ،فعاقبمه ال بخوفمه ممن الشياطيمن ،فلم يشعمر إل وقمد وقمع على كرسميه ميتما .قال
معناه الشعبي .فهو الجسد الذي قال ال تعالى" :والقينا على كرسيه جسدا".
وحكى النقاش وغيره :إن أكثر ما وطئ سليمان جواريه طلبا للولد ،فولد له نصف إنسان ،فهو
كان الجسد الملقى على كرسيه جاءت به القابلة فألقته هناك .وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي
هريرة قال :قال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم( :قال سمليمان لطوفمن الليلة على تسمعين امرأة
كلهمن تأتمي بفارس يجاهمد فمي سمبيل ال فقال له صماحبه قمل إن شاء ال ،فلم يقمل إن شاء ال فطاف
عليهن جميعا فلم تحمل منهن إل امرأة واحدة جاءت بشق رجل ،وأيم الذي نفس محمد بيده لو قال
إن شاء ال لجاهدوا في سبيل ال فرسانا أجمعون) وقيل :إن الجسد هو آصف بن برخيا الصديق
كاتب سليمان ،وذلك أن سليمان لما فتن سقط الخاتم من يده وكان فيه ملكه ،فأعاده إلى يده فسقط
فأيقمن بالفتنمة؛ فقال له آصمف :إنمك مفتون ولذلك ل يتماسمك فمي يدك ،ففمر إلى ال تعالى تائبما ممن
ذلك ،وأنما أقوم مقاممك فمي عالممك إلى أن يتوب ال عليمك ،ولك ممن حيمن فتنمت أربعمة عشمر يومما.
ففر سليمان هاربا إلى ربه ،وأخذ آصف الخاتم فوضعه في يده فثبت ،وكان عنده علم من الكتاب.
وقام آصمف فمي ملك سمليمان وعياله ،يسمير بسميره ويعممل بعمله ،إلى أن رجمع سمليمان إلى منزله
تائبا إلى ال تعالى ،ورد ال عليه ملكه؛ فأقام آصف في مجلسه ،وجلس على كرسيه وأخذ الخاتم.
وقيل :إن الجسد كان سليمان نفسه؛ وذلك أنه مرض مرضا شديدا حتى صار جسدا .وقد يوصف
به المريض المضنى فيقال :كالجسد الملقى.
صفة كرسي سليمان وملكه
روي عن ابن عباس قال :كان سليمان يوضع له ستمائة كرسي ،ثم يجيء أشراف الناس فيجلسون
مما يليه ،ثم يأتي أشراف الجن فيجلسون مما يلي النس ،ثم يدعو الطير فتظلهم ،ثم يدعو الريح
فتقلهم ،وتسير بالغداة الواحدة مسيرة شهر .وقال وهب وكعب وغيرهما :إن سليمان عليه السلم
لمما ملك بعمد أبيمه ،أممر باتخاذ كرسمي ليجلس عليمه للقضاء ،وأممر أن يعممل بديعما مهول بحيمث إذا
رأه مبطمل أو شاهمد زور ارتدع وتهيمب؛ فأممر أن يعممل ممن أنياب الفيلة مفصمصة بالدر والياقوت
والزبرجمد ،وأن يحمف بنخيمل الذهمب؛ فحمف بأربمع نخلت ممن ذهمب ،شماريخهما الياقوت الحممر
والزمرد الخضر ،على رأس نخلتين منهما طاووسان من ذهب ،وعلى رأس نخلتين نسران من
ذهمب بعضهما مقابمل لبعمض ،وجعلوا ممن جنمبي الكرسمي أسمدين ممن ذهمب ،على رأس كمل واحمد
منهممما عمود مممن الزمرد الخضممر .وقممد عقدوا على النخلت أشجار كروم مممن الذهممب الحمممر،
واتخذوا عناقيدها من الياقوت الحمر ،بحيث أظل عريش الكروم النخل والكرسي .وكان سليمان
عليمه السملم إذا أراد صمعوده وضمع قدميمه على الدرجمة السمفلى ،فيسمتدير الكرسمي كله بمما فيمه
دوران الرحممى المسممرعة ،وتنشممر تلك النسممور والطواويممس أجنحتهمما ،ويبسممط السممدان أيديهممما،
ويضربان الرض بأذنابهما .وكذلك يفعل في كل درجة يصعدها سليمان ،فإذا استوى بأعله أخذ
النسران اللذان على النخلتين تاج سليمان فوضعاه على رأسه ،ثم يستدير الكرسي بما فيه ،ويدور
معه النسران والطاووسان والسدان مائلن برؤوسهما إلى سليمان ،وينضحن عليه من أجوافهن
المسمك والعنمبر ،ثمم تناول حماممة ممن ذهمب قائممة على عمود ممن أعمدة الجواهمر فوق الكرسمي
التوراة ،فيفتحهمما سممليمان عليممه السمملم ويقرؤهمما على الناس ويدعوهممم إلى فصممل القضاء .قالوا:
ويجلس عظماء بنمي إسمرائيل على كراسمي الذهمب المفصمصة بالجواهمر ،وهمي ألف كرسمي عمن
يمينه ،ويجلس عظماء الجن على كراسي الفضة عن يساره وهي ألف كرسي ،ثم تحف بهم الطير
تظلهمم ،ويتقدم الناس لفصمل القضاء .فإذا تقدممت الشهود للشهادات ،دار الكرسمي بمما فيمه وعليمه
دوران الرحمى المسمرعة ،ويبسمط السمدان أيديهمما ويضربان الرض بأذنابهمما ،وينشمر النسمران
والطاووسان أجنحتهما ،فتفزع الشهود فل يشهدون إل بالحق.
وقيل :إن الذي كان يدور بذلك الكرسي تنين من ذهب ذلك الكرسمي عليه ،وهو عظم مما عمله
له صخر الجني؛ فإذا أحست بدورانه تلك النسور والسد والطواويس التي في أسفل الكرسي إلى
أعله درن معمه ،فإذا وقفمن وقفمن كلهمن عمل رأس سمليمان وهمو جالس ،ثمم ينضحمن جميعما على
رأسه ما في أجوافهن من المسمك والعنبر .فلما توفي سليمان بعث بختنصر فأخمذ الكرسمي فحمله
إلى أنطاكية ،فأراد أن يصعد إليه ولم يكن له علم كيف يصعد إليه؛ فلما وضع رجله ضرب السد
رجله فكسمرها ،وكان سمليمان إذا صمعد وضمع قدميمه جميعما .ومات بختنصمر وحممل الكرسمي إلى
بيت المقدس ،فلم يستطع قط ملك أن يجلس عليه ،ولكن لم يدر أحد عاقبة أمره ولعله رفع.
@قوله تعالى" :ثم أناب" أي رجع إلى ال وتاب .وقد تقدم.
@قوله تعالى" :قال رب اغفر لي" أي اغفر لي ذنمبي "وهمب لي ملكا ل ينبغمي لحد من بعدي
إنك أنت الوهاب" يقال :كيف أقدم سليمان على طلب الدنيا ،مع ذمها من ال تعالى ،وبغضه لها،
وحقارتهما لديمه؟ .فالجواب أن ذلك محمول عنمد العلماء على أداء حقوق ال تعالى وسمياسة ملكمه،
وترتيب منازل خلقه ،وإقامة حدوده ،والمحافظة على رسومه ،وتعظيم شعائره ،وظهور عبادته،
ولزوم طاعته ،ونظم قانون الحكم النافذ عليهم منه ،وتحقيق الوعود في أنه يعلم ما ل يعلم أحد من
خلقممه حسممب ممما صممرح بذلك لملئكتممه فقال" :إنممي أعلم ممما ل تعلمون" [البقرة ]30 :وحوشممي
سليمان عليه السلم أن يكون سؤاله طلبا لنفس الدنيا؛ لنه هو والنبياء أزهد خلق ال فيها ،وإنما
سأل مملكتها ل ،كما سأل نوح دمارها وهلكها ل؛ فكانا محمودين مجابين إلى ذلك ،فأجيب نوح
فأهلك ممن عليهما ،وأعطمى سمليمان المملكمة .وقمد قيمل :أن ذلك كان بأممر ممن ال جمل وعمز على
الصمفة التمي علم ال أنمه ل يضبطمه إل همو وحده دون سمائر عباده ،أو أراد أن يقول ملكما عظيمما
فقال" :ل ينبغمي لحمد ممن بعدي" وهذا فيه نظمر .والول أصح .ثمم قال له" :هذا عطاؤنما فأمنن أو
أمسك بغير حساب" قال الحسن :ما من أحد إل ول عليه تبعة في نعمه غير سليمان بن داود عليه
السلم فإنه قال" :هذا عطاؤنا" الية.
قلت :وهذا يرد مما روي فمي الخمبر :إن آخمر النمبياء دخول الجنمة سمليمان بمن داود عليمه السملم
لمكان ملكه في الدنيا .وفي بعض الخبار :يدخل الجنة بعد النبياء بأربعين خريفا؛ ذكره صاحب
القوت وهمو حديمث ل أصمل له؛ لنمه سمبحانه إذا كان عطاؤه ل تبعمة فيمه لنمه ممن طريمق المنمة،
فكيمف يكون آخمر النمبياء دخول الجنمة ،وهمو سمبحانه يقول" :وإن له عندنما لزلفمى وحسمن مآب".
وفي الصحيح( :لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته )...الحديث .وقد تقدم فجعل له من
قبمل السمؤال حاجة مقضيمة ،فلذلك لم تكن عليه تبعة .ومعنمى قوله" :ل ينبغمي لحمد ممن بعدي" أي
أن يسمأله .فكأنمه سمأل منمع السمؤال بعده ،حتمى ل يتعلق به أممل أحمد ،ولم يسمأل منمع الجابمة .وقيمل:
إن سمؤاله ملكما ل ينبغمي لحمد ممن بعده؛ ليكون محله وكرامتمه ممن ال ظاهرا فمي خلق السمموات
والرض؛ فإن النبياء عليهم السلم لهم تنافس في المحل عنده ،فكل يحب أن تكون له خصوصية
يستدل بها على محله عنده ،ولهذا لما أخذ النبي صلى ال عليه وسلم العفريت الذي أراد أن يقطع
عليه صلته وأمكنه ال منه ،أراد ربطه ثم تذكر قوله أخيه سليمان" :رب اغفر لي وهب لى ملكا
ل ينبغمي لحمد ممن بعدي" فرده خاسمئا .فلو أعطمي أحمد بعده مثله ذهبمت الخصموصية ،فكأنمه كره
صلى ال عليه وسلم أن يزاحمه في تلك الخصوصية ،بعد أن علم أنه شيء هو الذي خص به من
سخرة الشياطين ،وأنه أجيب إلى أل يكون لحد بعده .وال أعلم.
@قوله تعالى" :فسمخرنا له الريمح تجري بأمره رخاء" أي لينمة ممع قوتهما وشدتهما حتمى ل تضمر
بأحمد ،وتحمله بعسمكره وجنوده وموكبمه .وكان موكبمه فيمما روي فرسمخا فمي فرسمخ ،مائة درجمة
بعضهما فوق بعمض ،كمل درجمة صمنف ممن الناس ،وهمو فمي أعلى درجمة ممع جواريمه وحشممه
وخدمه؛ صملوات ال وسملمه عليه .وذكمر أبو نعيمم الحافمظ قال :حدثنما أحممد بن جعفر ،قال حدثنما
عبدال بن أحمد بن حنبمل ،قال حدثنا أحمد بن محممد بمن أيوب ،قال حدثنا أبو بكمر بن عياش عن
إدريس بن وهب بن منبه ،قال حدثني أبي قال :كان لسليمان بن داود عليه السلم ألف بيت أعله
قواريمر وأسمفله حديمد ،فركمب الريمح يومما فممر بحراث فنظمر إليمه الحراث فقال :لقمد أوتمي آل داود
ملكما عظيمما فحملت الريمح كلممه فألقتمه فمي أذن سمليمان ،قال فنزل حتمى أتمى الحراث فقال :إنمي
سممعت قولك ،وإنمما مشيمت إليمك لئل تتمنمى مما ل تقدر عليمه؛ لتسمبيحة واحدة يقبلهما ال منمك لخيمر
مما أوتي آل داود .فقال الحراث :أذهب ال همك كما أذهبت همي.
@قوله تعالى" :حيمث أصماب" أي أراد؛ قاله مجاهمد .والعرب تقول :أصماب الصمواب وأخطمأ
الجواب .أي أراد الصواب وأخطأ الجواب؛ قال ابن العرابي .وقال الشاعر:
فأخطأ الجواب لدى المفصل أصاب الكلم فلم يستطع
وقيمل :أصماب أراد بلغمة حميمر .وقال قتادة :همو بلسمان هجمر .وقيمل" :حيمث أصماب" حينمما قصمد،
وهمو مأخوذ ممن إصمابة السمهم الغرض المقصمود" .والشياطيمن" أي وسمخرنا له الشياطيمن ومما
سخرت لحد قبله" .كل بناء" بدل من الشياطين أي كل بناء منهم ،فهم يبنون له ما يشاء .قال:
قم في البرية فاحددها عن الفند إل سليمان إذ قال الله له
يبنون تدمر بالصفاح والعمد وخيس الجن إني قد أذنت لهم
"وغواص" يعني في البحر يستخرجون له الدر .فسليمان أول من استخرج له اللؤلؤ من البحر.
"وآخريمن مقرنيمن فمي الصمفاد" أي وسمخرنا له مردة الشياطيمن حتمى قرنهمم فمي سملسل الحديمد
وقيود الحديد؛ قال قتادة .السدي :الغلل .ابن عباس :في وثاق .ومنه قول الشاعر:
وأبنا بالملوك مصفدينا فآبوا بالنهاب وبالسبايا
قال يحيى بن سلم :ولم يكن يفعل ذلك إل بكفارهم ،فإذا آمنوا أطلقهم ولم يسخرهم.
@قوله تعالى" :هذا عطاؤنا" الشارة بهذا إلى الملك ،أي هذا الملك عطاؤنا فأعط من شئت أو
امنع من شئت ل حساب عليك؛ عن الحسن والضحاك وغيرهما .قال الحسن :ما أنعم ال على أحد
نعمة إل عليه فيها تبعة إل سليمان عليه السلم؛ فإن ال تعالى يقول" :هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك
بغيمر حسماب" .وقال قتادة :الشارة فمي قوله تعالى" :هذا عطاؤنما" إلى مما أعطيمه ممن القوة على
الجماع ،وكانمت له ثلثمائة امرأة وسمبعمائة سمرية ،وكان فمي ظهره ماء مائة رجمل ،رواه عكرممة
عممن ابممن عباس .ومعناه فممي البخاري" .فامنممن أو أمسممك بغيممر حسمماب" وعلى هذا "فامنممن" مممن
المنمي؛ يقال :أمنمى يمنمي ومنمى يمنمي لغتان ،فإذا أمرت ممن أمنمى قلت أممن؛ ويقال :ممن منمى يمنمي
فمي الممر آممن ،فإذا جئت بنون الفعمل نون الخفيفمة قلت امنمن .وممن ذهمب بمه إلى المنمة قال :ممن
عليه؛ فإذا أخرجه مخرج المر أبرز النونين؛ لنه كان مضاعفا فقال امنن .فيروى في الخبر أنه
سمخر له الشياطيمن ،فممن شاء ممن عليمه بالعتمق والتخليمة ،وممن شاء أمسمكه؛ قال قتادة والسمدي.
وعلى مما روى عكرممة عمن ابمن عباس :أي جاممع ممن شئت ممن نسمائك ،واترك جماع ممن شئت
منهمن ل حسماب عليمك" .وإن له عندنما لزلفمى وحسمن مآب" أي إن أنعمنما عليمه فمي الدنيما فله عندنما
في الخرة قربة وحسن مرجع.
**3اليمة{ 43 - 41 :واذكمر عبدنما أيوب إذ نادى ربمه أنمي مسمني الشيطان بنصمب وعذاب،
اركمض برجلك هذا مغتسمل بارد وشراب ،ووهبنما له أهله ومثلهمم معهمم رحممة منما وذكرى لولي
اللباب}
@قوله تعالى" :واذكر عبدنا أيوب" أمر للنبي صلى ال عليه وسلم بالقتداء بهم في الصبر على
المكاره".أيوب" بدل" .إذ نادى ربمه أنمي مسمني الشيطان بنصمب وعذاب" وقرأ عيسمى بمن عممر
"إنمي" بكسمر الهمزة أي قال .قال الفراء :وأجمعمت القراء على أن قرؤوا "بنصمب" بضمم النون
والتخفيممف .النحاس :وهذا غلط وبعده مناقضممة وغلط أيضمما؛ لنممه قال :أجمعممت القراء على هذا،
وحكى بعده أنهم ذكروا عن يزيد بن القعقاع أنه قرأ" :بنصب" بفتح النون والصاد فغلط على أبي
جعفر ،وإنما قرأ أبو جعفر" :بنصب" بضم النون والصاد؛ كذا حكاه أبو عبيد وغيره وهو مروي
عن الحسن .فأما "بنصب" فقراءة عاصمم الجحدري ويعقوب الحضرمي .وقد رويت هذه القراءة
عمن الحسمن وقمد حكمي "بنصمب" بفتمح النون وسمكون الصماد عمن أبمي جعفمر .وهذا كله عنمد أكثمر
النحوييمن بمعنمى النصمب فنصمب ونصمب كحزن وحزن .وقمد يجوز أن يكون نصمب جممع نصمب
كوُثممن ووَثممن .ويجوز أن يكون نصممب بمعنممى نصممب حذفممت منممه الضمممة ،فأممما "وممما ذبممح على
النصمب" [المائدة ]3 :فقيمل :إنمه جممع نصماب .وقال أبمو عمبيدة وغيره :النصمب الشمر والبلء.
والنصب التعب والعياء .وقد قيل في معنى" :أني مسني الشيطان بنصب وعذاب" أي ما يلحقه
من وسوسته ل غير .وال أعلم .ذكره النحاس .وقيل :إن النصب ما أصابه في بدنه ،والعذاب ما
أصابه في ماله؛ وفيه بعد .وقال المفسرون :إن أيوب كان روميا من البثنية وكنيته أبو عبدال في
قول الواقدي؛ اصمممطفاه ال بالنبوة ،وأتاه جملة عظيممممة ممممن الثروة فمممي أنواع الموال والولد.
وكان شاكرا لنعمم ال؛ مواسميا لعباد ال ،برا رحيمما .ولم يؤممن بمه إل ثلثمة نفمر .وكان لبليمس
موقمف ممن السمماء السمابعة فمي يوم ممن اليام ،فوقمف بمه إبليمس على عادتمه؛ فقال ال له أوقيمل له
عنمه :أقدرت ممن عبدي أيوب على شيمء؟ فقال :يما رب وكيمف أقدر منمه على شيمء ،وقمد ابتليتمه
بالمال والعافيمة ،فلو ابتليتمه بالبلء والفقمر ونزعمت منمه مما أعطيتمه لحال عمن حاله ،ولخرج عمن
طاعتك ،قال ال :قد سلطتك على أهله وماله .فانحط عدو ال فجمع عفاريت الجن فأعلمهم ،وقال
قائل منهمم :أكون إعصمارا فيمه نار أهلك ماله فكان؛ فجاء أيوب فمي صمورة قيمم ماله فأعلممه بمما
جرى؛ فقال :الحمممد ل هممو أعطاه وهممو منعممه .ثممم جاء قصممره بأهله وولده ،فاحتمممل القصممر مممن
نواحيمه حتمى ألقاه على أهله وولده ،ثمم جاء إليمه وأعلممه فألقمى التراب على رأسمه ،وصمعد إبليمس
إلى السمماء فسمبقته توبمة أيوب .قال :يما رب سملطني على بدنمه .قال :قمد سملطتك على بدنمه إل على
لسانه وقلبه وبصره ،فنفخ في جسده نفخة اشتعل منها فصار في جسده ثآليل فحكها بأظفاره حتى
دميت ،ثم بالفخار حتى تساقط لحمه .وقال عند ذلك" :مسني الشيطان" .ولم يخلص إلى شيء من
حشوة البطمن؛ لنمه ل بقاء للنفمس إل بهما فهمو يأكمل ويشرب ،فمكمث كذلك ثلث سمنين .فلمما غلبمه
أيوب اعترض لمرأتممه فممي هيئة أعظممم مممن هيئة بنممي آدم فممي القدر والجمال ،وقال لهمما :أنمما إله
الرض ،وأنما الذي صمنعت بصماحبك مما صمنعت ،ولو سمجدت لي سمجدة واحدة لرددت عليمه أهله
وماله وهمم عندي .وعرض لهما فمي بطمن الوادي ذلك كله فمي صمورته؛ أي أظهره لهما ،فأخمبرت
أيوب فأقسم أن يضربها إن عافاه ال.
وذكروا كلما طويل في سبب بلئه ومراجعته لربه وتبرمه من البلء الذي نزل به ،وأن النفر
الثلثمة الذيمن آمنوا بمه نهوه عمن ذلك واعترضوا عليمه ،وقيمل :اسمتعان بمه مظلوم فلم ينصمره فابتلي
بسمبب ذلك .وقيمل :اسمتضاف يومما الناس فمنمع فقيرا الدخول فابتلي بذلك .وقيمل :كان أيوب يغزو
ملكا وكان له غنم في وليته ،فداهنه لجلها بترك غزوه فابتلي .وقيل :،كان الناس يتعدون امرأته
ويقولون نخشممى العدوى وكانوا يسممتقذرونها؛ فلهذا قال" .مسممني الشيطان" .وامرأتممه ليمما بنممت
يعقوب .وكان أيوب فمي زممن يعقوب وكانمت أممه ابنمة لوط .وقيمل :كانمت زوجمة أيوب رحممة بنمت
إفرائيمم بمن يوسمف بمن يعقوب عليهمم السملم .ذكمر القوليمن الطمبري رحممه ال .قال ابمن العربمي :مما
ذكره المفسمرون ممن أن إبليمس كان له مكان فمي السمماء السمابعة يومما ممن العام فقول باطمل؛ لنمه
أهبط منها بلعنة وسخط إلى الرض ،فكيف يرقى إلى محل الرضا ،ويجول في مقامات النبياء،
ويخترق السموات العلى ،ويعلو إلى السماء السابعة إلى منازل النبياء ،فيقف موقف الخليل؟! إن
هذا لخطمب ممن الجهالة عظيمم .وأمما قولهمم :إن ال تعالى قال له همل قدرت ممن عبدي أيوب على
شيء فباطل قطعما؛ لن ال عز وجل ل يكلم الكفار الذين هم من جند إبليس الملعون؛ فكيمف يكلم
ممن تولى إضللهمم؟! وأمما قولهمم :إن ال قال قمد سملطتك على ماله وولده فذلك ممكمن فمي القدرة،
ولكنمه بعيمد فمي هذه القصمة .وكذلك قولهمم :إنمه نفخ فمي جسمده حيمن سملطه عليمه فهمو أبعمد ،والباري
سمبحانه قادر على أن يخلق ذلك كله ممن غيمر أن يكون للشيطان فيمه كسمب حتمى تقمر له -لعنمة ال
عليه -عين بالتمكن من النبياء في أموالهم وأهليهم وأنفسهم .وأما قولهم :إنه قال لزوجته أنا إله
الرض ،ولو تركممت ذكممر ال وسممجدت أنممت لي لعافيتممه ،فاعلموا وإنكممم لتعلمون أنممه لو عرض
لحدكم وبه ألم وقال هذا الكلم ما جاز عنده أن يكون إلها في الرض ،وأنه يسجد له ،وأنه يعافي
ممن البلء ،فكيمف أن تسمتريب زوجمة نمبي؟! ولو كانمت زوجمة سموادي أو فدم بربري مما سماغ ذلك
عندهما .وأمما تصمويره الموال والهمل فمي واد للمرأة فذلك مما ل يقدر عليمه إبليمس بحال ،ول همو
فمي طريمق السمحر فيقال إنمه ممن جنسمه .ولو تصمور لعلممت المرأة أنمه سمحر كمما نعلممه نحمن وهمي
فوقنا في المعرفة بذلك؛ فإنه لم يخل زمان قط من السحر وحديثه وجريه بين الناس وتصويره.
قال القاضمي :والذي جرأهمم على ذلك وتذرعوا بمه إلى ذكمر هذا قوله تعالى" :إذ نادى ربمه أنمي
مسمني الشيطان بنصمب وعذاب" فلمما رأوه قمد شكما ممس الشيطان أضافوا إليمه ممن رأيهمم مما سمبق
ممن التفسمير فمي هذه القوال .وليمس الممر كمما زعموا والفعال كلهما خيرهما وشرهما .فمي إيمانهما
وكفرهما ،طاعتهما وعصميانها ،خالقهما همو ال ل شريمك له فمي خلقمه ،ول فمي خلق شيمء غيرهما،
ولكمن الشمر ل ينسمب إليمه ذكرا ،وإن كان موجودا منمه خلقما؛ أدبما أدبنما بمه ،وتحميدا علمناه .وكان
من ذكر محمد صلى ال عليه وسلم لربه به قول من جملته( :والخير في يديك والشر ليس إليك)
على هذا المعنممى .ومنممه قول إبراهيممم" :وإذا مرضممت فهممو يشفيممن" [الشعراء ]80 :وقال الفتممى
للكليمم" :ومما أنسمانيه إل الشيطان" [الكهمف ]63 :وأمما قولهمم :انمه اسمتعان بمه مظلوم فلم ينصمره،
فمن لنا بصحة هذا القول .ول يخلو أن يكون قادرا على نصره ،فل يحل لحد تركه فيلم على أنه
عصمى وهمو منزه عمن ذلك ،أو كان عاجزا فل شيمء عليمه فمي ذلك ،وكذلك قولهمم :إنمه منمع فقيرا
ممن الدخول؛ إن كان علم بمه فهمو باطمل عليمه وإن لم يعلم بمه فل شيمء عليمه فيمه .وأمما قولهمم :إنمه
داهمن على غنممه الملك الكافمر فل تقمل داهمن ولكمن قمل دارى .ودفمع الكافمر والظالم عمن النفمس أو
المال بالمال جائز؛ نعم وبحسن الكلم .قال ابن العربي القاضي أبو بكر رضى ال عنه :ولم يصح
عن أيوب في أمره إل ما أخبرنا ال عنه في كتابه في آيتين؛ الولى قوله تعالى" :وأيوب إذ نادى
ربه أني مسني الضر" [النبياء ]83 :والثانية في[ :ص] "أني مسني الشيطان بنصب وعذاب".
وأما النبي صلى ال عليه وسلم فلم يصح عنه أنه ذكره بحرف واحمد إل قوله( :بينا أيوب يغتسمل
إذ خمر عليمه رِجمل ممن جراد ممن ذهمب )...الحديمث .وإذ لم يصمح عنمه فيمه قرآن ول سمنة إل مما
ذكرناه ،فمممن الذي يوصممل السممامع إلى أيوب خممبره ،أم على أي لسممان سمممعه؟ والسممرائيليات
مرفوضمة عنمد العلماء على البتات؛ فأعرض عمن سمطورها بصمرك ،وأصممم عمن سمماعها أذنيمك،
فإنهما ل تعطمي فكرك إل خيال ،ول تزيمد فؤادك إل خبال وفمي الصمحيح واللفمظ للبخاري أن ابمن
عباس قال :يما معشمر المسملمين تسمألون أهمل الكتاب وكتابكمم الذي أنزل على نمبيكم أحدث الخبار
بال ،تقرؤونمه محضما لم يشمب ،وقمد حدثكمم أن أهمل الكتاب قمد بدلوا ممن كتمب ال وغيروا وكتبوا
بأيديهم الكتب؛ فقالوا" :هذا من عند ال ليشتروا به ثمنا قليل" [البقرة ]79 :ول ينهاكم ما جاءكم
من العلم عن مسألتهم ،فل وال ما رأينا رجل منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم ،وقد أنكر النبي
صلى ال عليه وسلم في حديث الموطأ على عمر قراءته التوراة.
@قوله تعالى" :اركض برجلك" الركض الدفع بالرجل .يقال :ركض الدابة وركض ثوبه برجله.
وقال المبرد :الركض التحريك؛ ولهذا قال الصمعي :يقال ركضت الدابة ول يقال ركضت هي؛
لن الركمض إنمما همو تحريمك راكبهما رجليمه ول فعمل لهما فمي ذلك .وحكمى سميبويه :ركضمت الدابمة
فركضمت مثمل جمبرت العظمم فجمبر وحزنتمه فحزن؛ وفمي الكلم إضمار أي قلنما له" :اركمض" قال
الكسائي .وهذا لما عافاه ال" .هذا مغتسل بارد وشراب" أي فركض فنبعت عين ماء فاغتسل به،
فذهب الداء من ظاهره ،ثم شرب منه فذهب الداء من باطنه .وقال قتادة :هما عينان بأرض الشام
في أرض يقال لها الجابية ،فاغتسل من إحداهما فأذهب ال تعالى ظاهر دائه ،وشرب من الخرى
فأذهب ال تعالى باطن دائه .ونحوه عن الحسن ومقاتل؛ قال مقاتل :نبعت عين حارة واغتسل فيها
فخرج صمحيحا ،ثمم نبعمت عين أخرى فشرب منهما ماء عذبما .وقيمل :أممر بالركمض بالرجمل ليتناثمر
عنمه كمل داء فمي جسمده .والمغتسمل الماء الذي يغتسمل بمه؛ قال القتمبي .وقيمل :إنمه الموضمع الذي
يغتسممل فيممه؛ قال مقاتممل .الجوهري :واغتسمملت بالماء ،والغسممول الماء الذي يغتسممل بممه ،وكذلك
المغتسمل ،قال ال تعالى" :هذا مغتسمل بارد وشراب" والمغتسمل أيضما الذي يغتسمل فيمه ،والمغسمل
والمغسل بكسمر السمين وفتحهما مغسمل الموتى والجممع المغاسل .واختلف كم بقي أيوب فمي البلء؛
فقال ابن عباس :سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات .وقال وهب بن منبه :أصاب
أيوب البلء سبع سنين ،وترك يوسف ،في السجن سبع سنين ،وعذب بختنصر وحول في السباع
سمبع سمنين .ذكره أبمو نعيمم .وقيمل :عشمر سمنين .وقيمل :ثمان عشرة سمنة .رواه أنمس مرفوعما فيمما
ذكر الماوردي:
قلت :وذكره ابمن المبارك؛ أخبرنما يونمس بمن يزيمد ،عمن عقيمل عمن ابمن شهاب أن رسمول ال
صلى ال عليه وسلم ذكر يوما أيوب ،وما أصابه من البلء ،وذكر أن البلء الذي أصابه كان به
ثمان عشرة سنة .وذكر الحديث القشيري .وقيل :أربعين سنة.
استدل بعض جهال المتزهدة؛ وطغام المتصوفة بقوله تعالى ليوب" :اركض برجلك" على جواز
الرقص قال أبو الفرج الجوزي :وهذا احتجاج بارد؛ لنه لوكان أمر بضرب الرجل فرحا كان لهم
فيمه شبهمة ،وإنمما أممر بضرب الرجمل لينبمع الماء .قال ابمن عقيمل :أيمن الدللة فمي مبتلى أممر عنمد
كشمف البلء بأن يضرب برجله الرض لينبمع الماء إعجازا ممن الرقمص ولئن جاز قوله سمبحانه
لموسمى" :اضرب بعصماك الحجمر" [البقرة ]60 :دللة على ضرب المحاد بالقضبان نعوذ بال
ممن التلعمب بالشرع .وقمد احتمج بعمض قاصمريهم بأن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قال لعلي:
(أنت مني وأنا منك) فحجل ،وقال لجعفر( :أشبهت خلقي وخلقي) فحجل .وقال لزيد( :أنت أخونا
ومولنما) فحجمل .ومنهمم ممن احتمج بأن الحبشمة زفنمت والنمبي صملى ال عليمه وسملم ينظمر إليهمم.
والجواب :أما الحجل فهو نوع من المشي يفعل عند الفرج فأين هو والرقص ،وكذلك زفن الحبشة
نوع من المشي يفعل عند اللقاء للحرب.
@قوله تعالى" :ووهبنما له أهله ومثلهمم معهمم" تقدم" .رحممة منما" أي نعممة منما" .وذكرى لولي
اللباب" أي عبرة لذوي العقول.
**3الية{ 44 :وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ول تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب}
@ كان أيوب حلف في مرضه أن يضرب امرأته مائة جلدة؛ وفي سبب ذلك
أربعمة أقوال :أحدهما :مما حكاه ابمن عباس أن إبليمس لقيهما فمي صمورة طمبيب فدعتمه لمداواة أيوب،
فقال أداويمه عل أنه إذا برئ قال أنمت شفيتنمي ،ل أريمد جزاء سواه .قالت :نعمم فأشارت على أيوب
بذلك فحلف ليضربنها .وقال :ويحك ذلك الشيطان .الثاني :ما حكاه سعيد بن المسيب ،أنها جاءته
بزيادة على مما كانمت تأتيمه ممن الخبمز ،فخاف خيانتهما فحلف ليضربنهما .الثالث :مما حكاه يحيمى بمن
سلم وغيره :أن الشيطان أغواها أن تحمل أيوب على أن يذبح سخلة تقربا إليه وأنه يبرأ ،فذكرت
ذلك له فحلف ليضربنها إن عوفي مائة .الرابع :قيل :باعت ذوائبها برغيفين إذ لم تجد شيئا تحمله
إلى أيوب ،وكان أيوب يتعلق بها إذا أراد القيام ،فلهذا حلف ليضربنها ،فلما شفاه ال أمره أن يأخذ
ضغثا فيضرب به ،فأخمذ شماريخ قدر مائة فضربهما ضربة واحدة .وقيل :الضغث قبضة حشيش
مختلطة الرطب باليابس .وقال ابن عباس :إنه إثكال النخل الجامع بشماريخه.
@ تضمنمت هذه اليمة جواز ضرب الرجمل امرأتمه تأديبما .وذلك أن امرأة أيوب أخطأت فحلف
ليضربنها مائة ،فأمره ال تعالى أن يضربها بعثكول من عثاكيل النخل ،وهذا ل يجوز في الحدود.
إنمما أمره ال بذلك لئل يضرب امرأتمه فوق حمد الدب .وذلك أنمه ليمس للزوج أن يضرب امرأتمه
فوق حممد الدب؛ ولهذا قال عليممه السمملم( :واضربوهممن ضربمما غيممر مممبرح) على ممما تقدم فممي
"النساء" بيانه.
@ واختلف العلماء في هذا الحكم هل هو عام أوخاص بأيوب وحده ،فروى عن مجاهد أنه عام
للناس .ذكره ابمن العربمي .وحكمي عمن القشيري أن ذلك خاص بأيوب .وحكمى المهدوي عمن عطاء
بمن أبمي رباح أنمه ذهمب إلى أن ذلك حكمم باق ،وأنمه إذا ضرب بمائة قضيمب ونحوه ضربمة واحدة
بر .وروي نحوه الشافعي .وروى نحوه عن النبي صلى ال عليه وسلم في المقعد الذي حملت منه
الوليدة ،وأمر أن يضرب بعثكول فيه مائة شمراخ ضربة واحدة .وقال القشيري :وقيل لعطاء هل
يعممل بهذا اليوم؟ فقال :مما أنزل القرآن إل ليعممل بمه ويتبمع .ابمن العربمي :وروي عمن عطاء أنهما
ليوب خاصممة .وكذلك روى أبممو زيممد عممن ابممن القاسممم عممن مالك :مممن حلف ليضربممن عبده مائة
فجمعهما فضربمه بهما ضربمة واحدة لم يمبر .قال بعمض علمائنما :يريمد مالك قوله تعالى" :لكمل جعلنما
منكم شرعة ومنهاجا" [المائدة ]48 :أي إن ذلك منسوخ بشريعتنا .قال ابن المنذر :وقد روينا عن
علي أنمه جلد الوليممد بمن عقبمة بسموط له طرفان أربعيمن جلدة .وأنكممر مالك هذا وتل قول ال عمز
وجمل" :فاجلدوا كمل واحمد منهمما مائة جلدة" [النور ]2 :وهذا مذهمب أصمحاب الرأي .وقمد احتمج
الشافعي لقوله بحديث ،وقد تكلم في إسناده؛ وال أعلم.
قلت :الحديمث الذي احتمج بمه الشافعمي خرجمه أبمو داود فمي سمننه قال :حدثنما أحممد بمن سمعيد
الهمدانمي ،قال حدثنما ابمن وهمب ،قال :أخمبرني يونمس عمن ابمن شهاب ،قال :أخمبرني أبمو أماممة بمن
سمهل بمن حنيمف أنمه أخمبره بعمض أصمحاب النمبي صملى ال عليمه وسملم ممن النصمار ،أنمه اشتكمى
رجل منهم حتى أضنى ،فعاد جلدة على عظم ،فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها،
فلمما دخمل عليمه رجال قوممه يعودونمه أخمبرهم بذلك وقال :اسمتفتوا لي رسمول ال صملى ال عليمه
وسملم؛ فإنممي قممد وقعمت على جاريمة دخلت علي .فذكروا ذلك لرسمول ال صملى ال عليمه وسملم،
وقالوا :مما رأينما بأحمد ممن الناس ممن الضمر مثمل الذي همو بمه؛ لو حملناه إليمك لتفسمخت عظاممه ،مما
همو إل جلد على عظمم؛ فأممر رسمول ال صملى ال عليمه وسملم أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه
بها ضربة واحدة .قال الشافعي :إذا حلف ليضربن فلنا مائة جلدة ،أو ضربا ولم يقل ضربا شديدا
ولم ينو ذلك بقلبه يكفيه مثل هذا الضرب المذكور في الية ول يحنث .قال ابن المنذر :وإذا حلف
الرجل ليضربن عبده مائة فضربه ضربا خفيفا فهو بار عند الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي.
وقال مالك :ليس الضرب إل الضرب الذي يؤلم.
@قوله تعالى" :ول تحنث" دليل على أن الستثناء في اليمين ل يرفع حكما إذا كان متراخيا .وقد
مضمى القول فيمه فمي "المائدة" يقال :حنمث فمي يمينمه يحنمث إذا لم يمبر بهما .وعنمد الكوفييمن الواو
مقحمة أي فاضرب ل تحنث.
@ قال ابن العربي :قوله تعالى" :فاضرب به ول تحنث" يدل على أحد وجهين :إما أن يكون أنه
لم يكمن فمي شرعهمم كفارة ،وإنمما كان البر والحنمث .والثانمي أن يكون صمدر منمه نذر ل يميمن وإذا
كان النذر معينا فل كفارة فيه عند مالك وأبي حنيفة .وقال الشافعي :في كل نذر كفارة.
قلت :قول إنه لم يكن في شرعهم كفارة ليس بصحيح؛ فإن أيوب عليه السلم لما بقي في البلء
ثمان عشرة سمنة ،كمما فمي حديمث ابمن شهاب ،قال له صماحباه :لقمد أذنبمت ذنبما مما أظمن أحدا بلغمه.
فقال أيوب صملى ال عليمه وسملم :مما أدري مما تقولن ،غيمر أن ربمي عمز وجمل يعلم أنمي كنمت أممر
على الرجليممن يتزاعمان فكممل يحلف بال ،أو على النفممر يتزاعمون فأنقلب إلى أهلى ،فأكفممر عممن
أيمانهمم إرادة أل يأثمم أحمد يذكره ول يذكره إل بحمق فنادى ربمه "أنمي مسمني الضمر وأنمت أرحمم
الراحميمن" [النمبياء ]83 :وذكمر الحديمث .فقمد أفادك هذا الحديمث أن الكفارة كانمت ممن شرع
أيوب ،وأن من كفر عن غيره بغير إذنه فقد قام بالواجب عنه وسقطت عنه الكفارة.
@قوله تعالى" :إنا وجدناه صابرا" أي على البلء" .نعم العبد إنه أواب" أي تواب رجاع مطيع.
وسئل سفيان عن عبدين ابتلى أحدهما فصبر ،وأنعم على الخر فشكر؛ فقال :كلهما سواء؛ لن
ال تعالى أثنى على عبدين؛ أحدهما صابر والخر شاكر ثناء واحدا؛ فقال في وصف أيوب" :نعم
العبد إنه أواب" وقال في وصف سليمان" :نعم العبد إنه أواب".
قلت :وقمد رد هذا الكلم صماحب (القوت) واسمتدل بقصمة أيوب فمي تفضيمل الفقيمر على الغنمي
وذكر كلما كثيرا شيد به كلمه ،وقد ذكرناه في غير هذا الموضع من كتاب [منهج العباد ومحجة
السمالكين والزهاد] .وخفمي عليمه أن أيوب عليمه السملم كان أحمد الغنياء ممن النمبياء قبمل البلء
وبعده ،وإنمما ابتلي بذهاب ماله وولده وعظيمم الداء فمي جسمده .وكذلك النمبياء صملوات ال عليهمم
وسلمه صبروا على ما به امتحنوا وفتنوا .فأيوب عليه السلم دخل في البلء على صفة ،فخرج
منمه كمما دخمل فيمه ،ومما تغيمر منمه حال ول مقال ،فقمد اجتممع ممع أيوب فمي المعنمى المقصمود ،وهمو
عدم التغيممر الذي يفضممل فيممه بعممض الناس بعضمما .وبهذا العتبار يكون الغنممي الشاكممر والفقيممر
الصمابر سمواء .وهمو كمما قال سمفيان .وال أعلم .وفمي حديمث ابمن شهاب عمن النمبي صملى ال عليمه
وسلم( :إن أيوب خرج لما كان يخرج إليه من حاجته فأوحى ال إليه" :اركض برجلك هذا مغتسل
بارد وشراب" فاغتسل فأعاد ال لحمه وشعره وبشره على أحسن ما كان ثم شرب فأذهب ال كل
مما كان فمي جوفمه ممن ألم أو ضعمف وأنزل ال عليمه ثوبيمن ممن السمماء أبيضيمن فائتزر بأحدهمما
وارتدى بالخمر ثمم أقبمل يمشمي إلى منزله وراث على امرأتمه فأقبلت حتمى لقيتمه وهمي ل تعرفمه
فسمملمت عليمه وقالت أي يرحمممك ال هممل رأيممت هذا الرجممل المبتلى؟ قال مممن هممو؟ قالت نممبي ال
أيوب ،أمما وال مما رأيمت أحدا قمط أشبمه بمه منمك إذ كان صمحيحا .قال فإنمي أيوب وأخمذ ضغثما
فضربها به) فزعم ابن شهاب أن ذلك الضغث كان ثماما .ورد ال إليه أهله ومثلهم معهم ،فأقبلت
سحابة حتى سجلت في أندر قمحه ذهبا حتى امتل ،وأقبلت سحابة أخرى إلى أندر شعيره وقطانيه
فسجلت فيه ورقا حتى امتل.
**3اليمة{ 47 - 45 :واذكمر عبادنما إبراهيمم وإسمحاق ويعقوب أولي اليدي والبصمار ،إنما
أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ،وإنهم عندنا لمن المصطفين الخيار}
@قوله تعالى" :واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب" قرأ ابن عباس" :عبدنا" بإسناد صحيح؛
رواه ابن عيينة عن عمرو عن عطاء عنه ،وهي قراءة مجاهد وحميد وابن محيصن وابن كثير؛
فعلى هذه القراءة يكون "إبراهيمم" بدل ممن "عبدنما" و"إسمحاق ويعقوب" عطمف .والقراءة بالجممع
أبيمن ،وهمي اختيار أبمي عبيمد وأبمي حاتمم ،ويكون "إبراهيمم" ومما بعده على البدل .النحاس :وشرح
هذا ممن العربيمة أنمك إذا قلت :رأيمت أصمحابنا زيدا وعمرا وخالدا ،فزيمد وعمرو وخالد بدل وهمم
الصممحاب ،وإذا قلت رأيممت صمماحبنا زيدا وعمرا وخالدا فزيممد وحده بدل وهممو صمماحبنا ،وزيممد
وعمرو عطف على صاحبنا وليسا بداخلين في المصاحبة إل بدليل غير هذا ،غير أنه قد علم أن
قوله" :وإسمحاق ويعقوب"داخمل فمي العبوديمة .وقمد اسمتدل بهذه اليمة ممن قال :إن الذبيمح إسمحاق ل
إسممماعيل ،وهممو الصممحيح على ممما ذكرناه فممي كتاب (العلم بمولد النممبي عليممه السمملم)" .أولي
اليدي والبصار" قال النحاس :أما "البصار" فمتفق على تأويلها أنها البصائر في الدين والعلم.
وأممما "اليدي" فمختلف فممي تأويلهمما؛ فأهممل التفسممير يقولون :إنهمما القوة فممي الديممن .وقوم يقولون:
"اليدي" جمع يد وهي النعمة؛ أي هم أصحاب النعم؛ أي الذين أنعم ال عز وجل عليهم .وقيل:
همم أصمحاب النعمم والحسمان؛ لنهمم قمد أحسمنوا وقدموا خيرا .وهذا اختيار الطمبري" .وإنهمم عندنما
لممن المصمطفين الخيار" أي الذيمن اصمطفاهم ممن الدناس واختارهمم لرسمالته ومصمطفين جممع
مصطفى والصل مصتفى وقد مضى في "البقرة" عند قوله" :إن ال اصطفى لكم الدين" [البقرة:
" ]132والخيار" جمع خير .وقرأ العمش وعبدالوارث والحسن وعيسى الثقفي "أولي اليد"
بغير ياء في الوصل والوقف على معنى أولي القوة في طاعة ال .ويجوز أن يكون كمعنى قراءة
الجماعة وحذف الياء تخفيفا.
@قوله تعالى" :إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار" قراءة العامة "بخالصة" منونة وهي اختيار
أبمي عبيمد وأبمي حاتمم .وقرأ نافع وشيبمة وأبو جعفمر وهشام عن ابمن عاممر "بخالصمة ذكرى الدار"
بالضافمة فممن نون خالصمة فمم "ذكرى الدار" بدل منهما؛ التقديمر إنما أخلصمناهم بأن يذكروا الدار
الخرة ويتأهبوا لهممما ويرغبوا فيهممما ويرغبوا الناس فيهممما .ويجوز أن يكون "خالصمممة" مصمممدرا
لخلص و"ذكرى" في موضع رفع بأنها فاعلة ،والمعنى أخلصناهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار؛
أي تذكيممر الدار الخرة .ويجوز أن يكون "خالصممة" مصممدرا لخلصممت فحذفممت الزيادة ،فيكون
"ذكرى" على هذا في موضع نصب ،التقدير :بأن أخلصوا ذكرى الدار .والدار يجوز أن يراد بها
الدنيمما؛ أي ليتذكروا الدنيمما ويزهدوا فيهمما ،ولتخلص لهممم بالثناء الحسممن عليهممم ،كممما قال تعالى:
"وجعلنا لهم لسان صدق عليا" [مريم ]50 :ويجوز أن يراد بها الدار الخرة وتذكير الخلق بها.
وممن أضاف خالصمة إلى الدار فهمي مصمدر بمعنمى الخلص ،والذكرى مفعول بمه أضيمف إليمه
المصممدر؛ أي بإخلصممهم ذكرى الدار .ويجوز أن يكون المصممدر مضافمما إلى الفاعممل والخالصممة
مصمدر بمعنمى الخلوص؛ أي بأن خلصمت لهمم ذكرى الدار ،وهمي الدار الخرة أو الدنيما على مما
تقدم .وقال ابممن زيمممد :معنمممى أخلصمممناهم أي بذكمممر الخرة؛ أي يذكرون الخرة ويرغبون فيهممما
ويزهدون في الدنيا .وقال مجاهد :المعنى إنا أخلصناهم بأن ذكرنا الجنة لهم.
**3اليمة{ 54 - 48 :واذكمر إسمماعيل واليسمع وذا الكفمل وكمل ممن الخيار ،هذا ذكمر وإن
للمتقيممن لحسممن مآب ،جنات عدن مفتحممة لهممم البواب ،متكئيممن فيهمما يدعون فيهمما بفاكهممة كثيرة
وشراب ،وعندهمم قاصمرات الطرف أتراب ،هذا مما توعدون ليوم الحسماب ،إن هذا لرزقنما مما له
من نفاد}
@قوله تعالى" :واذكمر إسمماعيل واليسمع وذا الكفمل" وقمد مضمى ذكرهمم" .وكمل ممن الخيار" أي
مممن اختيمر للنبوة" .هذا ذكمر" بمعنمى هذا ذكمر جميمل فمي الدنيما وشرف يذكرون به فمي الدنيما أبدا.
"وإن للمتقيمن لحسمن مآب" أي لهمم ممع هذا الذكمر الجميمل فمي الدنيما حسمن المرجمع فمي القياممة.
"جنات عدن" والعدن في اللغة القامة؛ يقال :عدن بالمكان إذا أقام .وقال عبدال بن عمر :إن في
الجنمة قصمرا يقال له عدن حوله البروج والمروج فيمه خمسمة آلف باب على كمل باب خمسمة آلف
حبرة ل يدخله إل نبي أو صديق أو شهيد" .مفتحة" حال "لهم البواب" رفعت البواب لنه اسم
ما لم يسم فاعله .قال الزجاج :أي مفتحة لهم البواب منها .وقال الفراء :مفتحة لهم أبوابها .وأجاز
الفراء" :مفتحمة لهمم البواب" بالنصمب .قال الفراء :أي مفتحمة البواب ثمم جئت بالتنويمن فنصمبت.
وأنشد هو وسيبويه:
أجب الظهر ليس له سنام ونأخذ بعده بذناب عيش
وإنمما قال" :مفتحمة"ولم يقمل مفتوحمة؛ لنهما تفتمح لهمم بالممر ل بالممس .قال الحسمن :تُكلم :انفتحمي
فتنفتح انغلقي فتنغلق .وقيل :تفتح لهم الملئكة البواب.
@قوله تعالى" :متكئيمن فيهما" همو حال قدممت على العاممل فيهما وهمو قوله" :يدعون فيهما" أي
يدعون في الجنات متكئين فيها" .بفاكهة كثيرة" أي بألوان الفواكه
@قوله تعالى" :وشراب" أي وشراب كثير فحذف لدللة الكلم عليه.
@قوله تعالى" :وعندهم قاصرات الطرف" أي على أزواجهن ل ينظرن إلى غيرهم وقد مضى.
"أتراب" أي على سن واحد .وميلد امرأة واحدة ،وقد تساوين في الحسن والشباب ،بنات ثلث
وثلثيمن سمنة .قال ابمن عباس :يريمد الدميات .و"أتراب" جممع ترب وهمو نعمت لقاصمرات؛ لن
"قاصمرات" نكرة وإن كان مضافما إلى المعرفمة .والدليمل على ذلك أن اللف واللم يدخلنمه كمما
قال:
من الذر فوق التب منها لثرا من القاصرات الطرف لو دب محول
@قوله تعالى" :هذا مما توعدون ليوم الحسماب" أي هذا الجزاء الذي وعدتمم بمه .وقراءة العاممة
بالتاء أي ما توعدون أيها المؤمنون .وقرأ ابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو ويعقوب بالياء على
الخبر ،وهي قراءة السلمي واختيار أبي عبيد وأبي حاتم؛ لقوله تعالى" :وإن للمتقين لحسن مآب"
فهو خبر" .ليوم الحساب" أي في يوم الحساب ،قال العشى:
المهينين ما لهم لزمان السم موء حتى إذا أفاق أفاقوا
أي في زمان السموء" .إن هذا لرزقنما ما له من نفاد" دليل على أن نعيمم الجنمة دائم ل ينقطع؛ كمما
قال" :عطاء غير مجذوذ" [هود ]108 :وقال" :لهم أجر غير ممنون" [التين.]6 :
**3اليمة{ 55 :هذا وإن للطاغيمن لشمر مآب ،جهنمم يصملونها فبئس المهاد ،هذا فليذوقوه حميمم
وغسماق ،وآخمر ممن شكله أزواج ،هذا فوج مقتحمم معكمم ل مرحبما بهمم إنهمم صمالوا النار ،قالوا بمل
أنتمم ل مرحبما بكمم أنتمم قدمتموه لنما فبئس القرار ،قالوا ربنما ممن قدم لنما هذا فزده عذابما ضعفما فمي
النار}
@قوله تعالى" :هذا وإن للطاغيمن لشمر مآب" "هذا" لمما ذكمر مما للمتقيمن ذكمر مما للطاغيمن قال
الزجاج" :هذا" خممبر ابتداء محذوف أي المممر هذا فيوقممف على "هذا" قال ابممن النباري" :هذا"
وقمف حسمن .ثمم ابتداء "وإن للطاغيمن" وهمم الذيمن كذبوا الرسمل" .لشمر مآب" أي منقلب يصميرون
إليمه" .جهنمم يصملونها فبئس المهاد" أي بئس مما مهدوا لنفسمهم ،أو بئس الفراش لهمم .ومنمه مهمد
الصمبي .وقيمل :فيمه حذف أي بئس موضمع المهاد .وقيمل :أي هذا الذي وصمفت لهؤلء المتقيمن ،ثمم
قال :وإن للطاغين لشر مرجع فيوقف على "هذا" أيضا.
@قوله تعالى" :هذا فليذوقوه حميم وغساق" "هذا" في موضع رفع بالبتداء وخبره "حميم" على
التقديممم والتأخيممر؛ أي هذا حميممم وغسمماق فليذوقوه .ول يوقممف على "فليذوقوه" ويجوز أن يكون
"هذا" فمي موضمع رفمع بالبتداء و"فليذوقوه" فمي موضمع الخمبر ،ودخلت الفاء للتنمبيه الذي فمي
"هذا" فيوقمف على "فليذوقوه" ويرتفمع "حميمم" على تقديمر هذا حميمم .قال النحاس :ويجوز أن
يكون المعنممى المممر هذا ،وحميممم وغسمماق إذا لم تجمعهممما خممبرا فرفعهممما على معنممى هممو حميممم
وغساق .والفراء يرفعهما بمعنى منه حميم ومنه غساق وأنشد:
وغودر البقل ملوى ومحصود حتى إذا ما أضاء الصبح في غلس
وقال آخر:
قتب وغرب إذا ما أفرغ أنسحقا لها متاع وأعوان غدون به
ويجوز أن يكون "هذا" في موضع نصب بإضمار فعل يفسره "فليذوقوه" كما تقول زيدا اضربه.
والنصمب فمي هذا أولى فيوقمف على "فليذوقوه" وتبتدئ "حميمم وغسماق" على تقديمر الممر حميمم
وغساق .وقراءة أهل المدينة وأهل البصرة وبعض الكوفيين بتخفيف السين في "وغساق" .وقرأ
يحيى بن وثاب والعمش وحمزة والكسائي "وغساق" بالتشديد ،وهما لغتان بمعنى واحد في قول
الخفش .وقيل :معناهما مختلف؛ فمن خفف فهو اسم مثل عذاب وجواب وصواب ،ومن شدد قال:
همو اسمم فاعمل نقمل إلى فعال للمبالغمة ،نحمو ضراب وقتال وهمو فعال ممن غسمق يغسمق فهمو غسماق
وغاسق .قال ابن عباس :هو الزمهرير يخوفهم ببرده .وقال مجاهد ومقاتل :هو الثلج البارد الذي
قمد انتهمى برده .وقال غيرهمما .إنمه يحرق بمبرده كمما يحرق الحميمم بحره .وقال عبدال بمن عمرو:
هو قيح غليظ لو وقع منه شيء بالمشرق لنتن من فمي المغرب ،ولو وقع منه شيء في المغرب
لنتمن ممن فمي المشرق .وقال قتادة :هومما يسميل ممن فروج الزناة وممن نتمن لحوم الكفرة وجلودهمم
من الصديد والقيح والنتن .وقال محمد بن كعب :هو عصارة أهل النار .وهذا القول أشبه باللغة؛
يقال :غسق الجرح يغسق غسقا إذا خرج منه ماء أصفر؛ قال الشاعر:
إلي جرى دمع من الليل غاسق إذا ما تذكرت الحياة وطيبها
أي بارد .ويقال :ليمل غاسمق؛ لنمه أبرد ممن النهار .وقال السمدي :الغسماق الذي يسميل ممن أعينهمم
ودموعهممم يسممقونه مممع الحميممم .وقال ابممن زيممد :الحميممم دموع أعينهممم ،يجمممع فممي حياض النار
فيسقونه ،والصديد الذي يخرج من جلودهم .والختيار على هذا "وغساق" حتى يكون مثل سيال.
وقال كعب :الغساق عين في جهنم يسيل إليها سم كل ذي حمة من عقرب وحية .وقيل :هو مأخوذ
ممن الظلممة والسمواد .والغسمق أول ظلممة اليمل ،وقمد غسمق الليمل يغسمق إذا أظلم .وفمي الترمذي ممن
حديمث أبمي سمعيد الخدري عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم :قال (لوأن دلوا ممن غسماق يهراق فمي
الدنيا لنتن أهل الدنيا).
قلت :وهذا أشبه على الشتقاق الول كما بينا ،إل أنه يحتمل أن يكون الغساق مع سيلنه أسود
مظلما فيصح الشتقاقان .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وآخمر ممن شكله أزواج" قرأ أبمو عمرو" :وأخمر" جممع أخرى مثمل الكمبرى
والكممبر .الباقون" :وآخممر" مفرد مذكممر .وأنكممر أبممو عمرو "وآخممر" لقوله تعالى" :أزواج" أي ل
يخمبر بواحمد عمن جماعمة .وأنكمر عاصمم الجحدري "وأخمر" قال :ولو كانمت "وأخمر" لكان ممن
شكلهمما .وكل الرديممن ل يلزم والقراءتان صممحيحتان" .وآخممر" أي وعذاب آخممر سمموى الحميممم
والغسمماق" .مممن شكله" قال قتادة :مممن نحوه .قال ابممن مسممعود :هممو الزمهريممر .وارتفممع "وآخممر"
بالبتداء و"أزواج" مبتدأ ثان و"من شكله" خبره والجملة خبر "آخمر" .ويجوز أن يكون "وآخر"
مبتدأ والخبر مضمر دل عليه "هذا فليذوقوه حميم وغساق" لن فيه دليل على أنه لهم ،فكأنه قال:
ولهمم آخمر ويكون "ممن شكله أزواج" صمفة لخمر فالمبتدأ متخصمص بالصمفة و"أزواج" مرفوع
بالظرف .وممن قرأ "وأخمر" أراد وأنواع ممن العذاب أُخَر ،وممن جممع وهمو يريمد الزمهريمر فعلى
أنه جعل الزمهرير أجناسا فجمع لختلف الجناس .أو على أنه جعل لكل جزء منه زمهريرا ثم
جممع كمما قالوا :شابمت مفارقه .أو على أنه جمع لما فمي الكلم ممن الدللة على جواز الجمع؛ لنه
جعممل الزمهريممر الذي هممو نهايممة البرد بإزاء الجمممع فممي قوله" :هذا فليذوقوه حميممم وغسمماق"
والضمير في "شكله" يجوز أن يعود على الحميم أو الغساق .أو على معنى "وآخر من شكله" ما
ذكرنا ،ورفع "آخر" على قراءة الجمع بالبتداء و"من شكله" صفة له وفيه ذكر يعود على المبتدأ
و"أزواج" خممبر المبتدأ .ول يجوز أن يحمممل على تقديممر ولهممم آخممر و"مممن شكله" صممفة لخممر
و"أزواج" مرتفعممة بالظرف كممما جاز فممي الفراد؛ لن الصممفة ل ضميممر فيهمما مممن حيممث ارتفممع
"أزواج" مفرد،؛ قاله أبمو علي .و"أزواج" أي أصمناف وألوان من العذاب .وقال يعقوب :الشكل
بالفتح المثل وبالكسر الدل.
@قوله تعالى" :هذا فوج مقتحم معكم" قال ابن عباس :هو أن القادة إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم
التباع ،قالت الخزنمة للقادة" :هذا فوج" يعنمي التباع والفوج الجماعمة "مقتحمم معكمم" أي داخمل
النار معكم؛ فقالت السادة" :ل مرحبا بهم"
@قوله تعالى" :ل مرحبما بهمم" أي ل اتسمعت منازلهمم فمي النار .والرحمب السمعة ،ومنمه رحبمة
المسجد وغيره .وهو في مذهب الدعاء فلذلك نصب؛ قال النابغة:
إن كان تفريق الحبة في غد ل مرحبا بغد ول أهل به
قال أبمو عمبيدة العرب تقول :ل مرحبما بمك؛ أي ل رحبمت عليمك الرض ول اتسمعت" .إنهمم صمالو
النار" قيمل :همو ممن قول القادة ،أي إنهمم صمالو النار كمما صمليناها .وقيمل :همو ممن قول الملئكمة
متصل بقولهم" :هذا فوج مقتحم معكم" و"قالوا بل أنتم ل مرحبا بكم" هو من قول التباع وحكى
النقاش :إن الفوج الول قادة المشركين ومطعموهم يوم بدر ،والفوج الثاني أتباعهم ببدر والظاهر
ممن اليمة أنهما عاممة فمي كمل تابمع ومتبوع" .أنتمم قدمتموه لنما" أي دعوتمونما إلى العصميان "فبئس
القرار" لنما ولكمم "قالوا" يعنمي التباع "ربنما ممن قدم لنما هذا" قال الفراء :ممن سموغ لنما هذا وسمنه
وقال غيره من قدم لنا هذا العذاب بدعائه إيانا إلى المعاصي "فزده عذابا ضعفا في النار" وعذابا
بدعائه إيانما فصمار ذلك ضعفما .وقال ابمن مسمعود :معنمى عذابما ضعفما فمي النار الحيات والفاعمي.
ونظير هذه الية قوله تعالى" :ربنا هؤلء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار" [العراف.]38 :
**3الية{ 64 - 62 :وقالوا ما لنا ل نرى رجال كنا نعدهم من الشرار ،أتخذناهم سخريا أم
زاغت عنهم البصار ،إن ذلك لحق تخاصم أهل النار}
@قوله تعالى" :وقالوا" يعني أكابر المشركين "ما لنا ل نرى رجال كنا نعدهم من الشرار" قال
ابمن عباس :يريدون أصمحاب محممد صملى ال عليمه وسملم؛ يقول أبمو جهمل :أيمن بلل أيمن صمهيب
أيمن عمار أولئك فمي الفردوس واعجبما لبمي جهمل مسمكين؛ أسملم ابنمه عكرممة ،وابنتمه جويريمة،
وأسلمت أمه ،وأسلم أخوه ،وكفر هو؛ قال:
وموضع رجلي منه أسود مظلم ونورا أضاء الرض شرقا ومغربا
"أتخذناهم سخريا" قال مجاهد :أتخذناهم سخريا في الدنيا فأخطأنا "أم زاغت عنهم البصار"
فلم نعلم مكانهم .قال الحسن :كل ذلك قد فعلوا؛ اتخذوهم سخريا ،وزاغت عنهم أبصارهم في الدنيا
محقرة لهمم .وقيمل :معنمى "أم زاغمت عنهمم البصمار" أي أهمم معنما فمي النار فل نراهمم .وكان ابمن
كثيمر والعممش وأبمو عممر وحمزة والكسمائي يقرؤون "ممن الشرار اتخذناهمم" بحذف اللف فمي
الوصل .وكان أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم وابن عامر يقرؤون "أتخذناهم" بقطع اللف على
السممتفهام وسممقطت ألف الوصممل؛ لنممه قممد اسممتغنى عنهمما؛ فمممن قرأ بحذف اللف لم يقممف على
"الشرار" لن "أتخذناهم" حال .وقال النحاس والسجستاني :هو نعت لرجال .قال ابن النباري:
وهذا خطأ؛ لن النعت ل يكون ماضيا ول مستقبل .ومن قرأ" :أتخذناهم" بقطع اللف وقف على
"الشرار" قال الفراء :والسمتفهام هنما بمعنمى التوبيمخ والتعجمب" .أم زاغمت عنهمم البصمار" إذا
قرأت بالستفهام كانت أم للتسوية ،وإذا قرأت بغير الستفهام فهي بمعنى بل .وقرأ بو جعفر ونافع
وشيبمة والمفضمل وهمبيرة ويحيمى والعممش وحمزة والكسمائي" :،سمخريا" بضمم السمين .الباقون
بالكسر .قال أبو عبيدة :من كسر جعله من الهزء ومن ضم جعله من التسخير .وقد تقدم" .إن ذلك
لحمق تخاصمم أهمل النار" "لحمق" خمبر إن و"تخاصمم" خمبر مبتدأ محذوف بمعنمى همو تخاصمم.
ويجوز أن يكون بدل مممن حممق .ويجوز أن يكون خممبرا بعممد خممبر .ويجوز أن يكون بدل مممن ذلك
على الموضع .أي إن تخاصم أهل النار في النار لحق .يعني قولهم" :ل مرحبا بكم" الية وشبهه
من قول أهل النار.
**3الية{ 65 :قل إنما أنا منذر وما من إله إل ال الواحد القهار ،رب السماوات والرض وما
بينهمما العزيمز الغفار ،قمل همو نبمأ عظيمم ،أنتمم عنه معرضون ،مما كان لي من علم بالمل العلى إذ
يختصمون ،إن يوحى إلي إل أنما أنا نذير مبين}
@قوله تعالى" :قل إنما أنا منذر" أي مخوف عقاب ال لمن عصاه وقد تقدم" .وما من إله" أي
معبود "إل ال الواحممد القهار" الذي ل شريممك له "رب السممماوات والرض وممما بينهممما" بالرفممع
على النعمت وإن نصمبت الول نصمبته .ويجوز رفمع الول ونصمب مما بعده على المدح" .العزيمز"
معناه المنيع الذي ل مثل له" .الغفار" الستار لذنوب خلقه.
@قوله تعالى" :قل" أي وقل لهم يا محمد "هو نبأ عظيم" أي ما أنذركم به من الحساب والثواب
والعقاب خممبر عظيممم القدر فل ينبغممي أن يسممتخف بممه .قال معناه قتادة .نظيره قوله تعالى" :عممم
يتسماءلون عمن النبمأ العظيمم" [النبمأ .]2 - 1 :وقال ابمن عباس ومجاهمد وقتادة :يعنمي القرآن الذي
أنبأكم به خبر جليل .وقيل :عظيم المنفعة "أنتم عنه معرضون"
@قوله تعالى" :مما كان لي ممن علم بالمل العلى إذ يختصممون" المل العلى همم الملئكمة فمي
قول ابمن عباس والسمدي اختصمموا فمي أممر آدم حيمن خلق فمم "قالوا أتجعمل فيهما ممن يفسمد فيهما"
[البقرة ]30 :وقال إبليس" :أنا خير منه" [العراف ]12:وفي هذا بيان أن محمدا صلى ال عله
وسلم أخبر عن قصة آدم وغيره ،وذلك ل يتصور إل بتأييد إلهي؛ فقد قامت المعجزة على صدقه،
فما بالهم أعرضوا عن تدبر القرآن ليعرفوا صدقه؛ ولهذا وصل قوله بقوله" :قل هو نبأ عظيم أنتم
عنممه معرضون" .وقول ثان رواه أبممو الشهممب عممن الحسممن قال :قال رسممول ال صمملى ال عليممه
وسملم( :سمألني ربمي فقال يما محممد فيمم اختصمم المل العلى قلت فمي الكفارات والدرجات قال ومما
الكفارات قلت المشممي على القدام إلى الجماعات وإسممباغ الوضوء فممي السممبرات والتعقيممب فممي
المساجد بانتظار الصلة بعد الصلة قال وما الدرجات قلت إفشاء السلم وإطعام الطعام والصلة
بالليل والناس نيام) خرجه الترمذي بمعناه عن ابن عباس ،وقال فيه حديث غريب .وعن معاذ بن
جبمل أيضما وقال حديمث حسمن صمحيح .وقمد كتبناه بكماله فمي كتاب السمنى فمي شرح أسمماء ال
الحسمنى ،وأوضحنما إشكاله والحممد ل .وقمد مضمى فمي "يمس" القول فمي المشمي إلى المسماجد ،وأن
الخطما تكفمر السميئات ،وترفمع الدرجات .وقيمل :المل العلى الملئكمة والضميمر فمي "يختصممون"
لفرقتين .يعني قول من قال منهم الملئكة بنات ال ،ومن قال آلهة تعبد .وقيل :المل العلى ها هنا
قريش؛ يعني اختصامهم فيما بينهم سرا ،فأطلع ال نبيه على ذلك" .إن يوحى إلي إل أنما أنا نذير
مممبين" أي إن يوحممى إلي إل النذار .وقرأ أبممو جعفممر بممن القعقاع "إل إنممما" بكسممر الهمزة؛ لن
الوحي قول ،كأنه قال :يقال لي إنما أنت نذير مبين ،ومن فتحها جعلها في موضع رفع؛ لنها اسم
مما لم يسمم فاعله .قال الفراء :كأنمك قلت مما يوحمى إلي إل النذار ،النحاس :ويجوز أن تكون فمي
موضع نصب بمعنى إل لنما .وال أعلم.
**3اليمة{ 71 :إذ قال ربمك للملئكمة إنمي خالق بشرا ممن طيمن ،فإذا سمويته ونفخمت فيمه ممن
روحي فقعوا له ساجدين ،فسجد الملئكة كلهم أجمعون ،إل إبليس استكبر وكان من الكافرين}
@قوله تعالى" :إذ قال ربمك للملئكمة " إذ" ممن صملة "يختصممون" المعنمى؛ مما كان لي ممن علم
بالمل العلى حين يختصمون حين "قال ربك للملئكة إني خالق بشرا من طين" .وقيل" :إذ قال"
بدل ممن "إذ يختصممون" و"يختصممون" يتعلق بمحذوف؛ لن المعنمى مما كان لي ممن علم بكلم
المل العلى وقت اختصامهم" .فإذا سويته" "إذا" ترد الماضي إلى المستقبل؛ لنها تشبه حروف
الشرط وجوابها كجوابه؛ أي خلقته" .ونفخت فيه من روحي" أي من الروح الذي أملكه ول يملكه
غيري .فهذا معنممى الضافممة ،وقممد مضممى هذا المعنممى مجودا فممي "النسمماء" فممي قوله فممي عيسممى
"وروح منه" [النساء" .]171 :فقعوا له ساجدين" نصب على الحال .وهذا سجود تحية ل سجود
عبادة .وقممد مضممى فممي "البقرة"" .فسممجد الملئكممة كلهممم أجمعون" أي امتثلوا المممر وسممجدوا له
خضوعما له وتعظيمما ل بتعظيممه "إل إبليمس" أنمف ممن السجود له جهل بأن السمجود له طاعة ل؛
والنفمة ممن طاعمة ال اسمتكبارا كفمر ،ولذلك كان ممن الكافريمن باسمتكباره عمن أممر ال تعالى .وقمد
مضى الكلم في ،هذا في "البقرة" مستوفى.
**3اليمة{ 83 - 75 :قال يما إبليمس مما منعمك أن تسمجد لمما خلقمت بيدي أسمتكبرت أم كنمت ممن
العالين ،قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ،قال فاخرج منها فإنك رجيم ،وإن عليك
لعنتمي إلى يوم الديمن ،قال رب فأنظرنمي إلى يوم يبعثون ،قال فإنمك ممن المنظريمن ،إلى يوم الوقمت
المعلوم ،قال فبعزتك لغوينهم أجمعين ،إل عبادك منهم المخلصين}
@قوله تعالى" :قال يما إبليمس مما منعمك" أي صمرفك وصمدك "أن تسمجد" أي عمن أن تسمجد "لمما
خلقممت بيدي" أضاف خلقممه إلى نفسممه تكريممما له ،وإن كان خالق كممل شيممء وهذا كممما أضاف إلى
نفسمه الروح والبيمت والناقمة والمسماجد .فخاطمب الناس بمما يعرفونمه فمي تعاملهمم ،فإن الرئيمس ممن
المخلوقيممن ل يباشممر شيئا بيده إل على سممبيل العظام والتكرم ،فذكممر اليممد هنمما بمعنممى هذا .قال
مجاهممد :اليممد همما هنمما بمعنممى التأكممد والصمملة؛ مجازه لممما خلقممت أنمما كقوله" :ويبقممى وجممه ربممك"
[الرحمن ]27 :أي يبقى ربك .وقيل :التشبيه في اليد في خلق ال تعالى دليل على أنه ليس بمعنى
النعممة والقوة والقدرة؛ وإنمما همما صمفتان ممن صمفات ذاتمه تعالى .وقيمل :أراد باليمد القدرة؛ يقال:
مالي بهذا الممر يمد .ومما لي بالحممل الثقيمل يدان .ويدل عليمه أن الخلق ل يقمع إل بالقدرة بالجماع.
وقال الشاعر:
ول للجبال الراسيات يدان تحملت من عفراء ما ليس لي به
وقيمل" :لمما خلقمت بيدي" لمما خلقمت بغيمر واسمطة" .أسمتكبرت" أي عمن السمجود "أم كنمت ممن
العالين" أي المتكبرين على ربك .وقرأ محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير وأهل مكة "بيدي
اسممتكبرت" موصممولة اللف على الخممبر وتكون أم منقطعممة بمعنممى بممل مثممل" :أم يقولون افتراه"
[السمجدة ]3 :وشبهمه .وممن اسمتفهم فمم "أم" معادلة لهمزة السمتفهام وهمو تقريمر وتوبيمخ .أي
استكبرت بنفسك حين أبيت السجود لدم ،أم كنت من القوم الذين يتكبرون فتكبرت لهذا.
@قوله تعالى" :قال أنا خير منه" قال الفراء :من العرب من يقول أنا أخير منه وأشر منه؛ وهذا
همو الصمل إل أنمه حذف لكثرة السمتعمال" .خلقتنمي ممن نار وخلقتمه ممن طيمن" فضمل النار على
الطيمن وهذا جهمل منمه؛ لن الجواهمر متجانسمة فقاس فأخطمأ القياس .وقمد مضمى فمي "العراف"
بيانه" .قال فاخرج منها" يعني من الجنة "فإنك رجيم" أي مرجوم بالكواكب والشهب "وإن عليك
لعنتمي" أي طردي وإبعادي ممن رحمتمي "إلى يوم الديمن" تعريمف بإصمراره على الكفمر لن اللعمن
منقطممع حينئذ ،ثممم بدخوله النار يظهممر تحقيممق اللعممن "قال رب فأنظرنممي إلى يوم يبعثون" أراد
الملعون أل يموت فلم يجممب إلى ذلك ،وأخممر إلى وقممت معلوم ،وهمو يوم يموت الخلق فيممه ،فأخممر
تهاونا به" .قال فبعزتك لغوينهم أجمعين" لما طرده بسبب آدم حلف بعزة ال أنه يضل بنمي آدم
بتزييمن الشهوات وإدخال الشبهمة عليهمم ،فمعنمى" :لغوينهمم" لسمتدعينهم إلى المعاصمي وقمد علم
أنممه ل يصممل إل إلى الوسمموسة ،ول يفسممد إل مممن كان ل يصمملح لو لم يوسمموسه؛ ولهذا قال" :إل
عبادك منهمم المخلصمين" أي الذي أخلصمتهم لعبادتمك ،وعصممتهم منمي .وقمد مضمى فمي "الحجمر"
بيانه.
**3اليمة{ 84 :قال فالحمق والحمق أقول ،لملن جهنمم منمك ومممن تبعمك منهمم أجمعيمن ،قمل مما
أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ،إن هو إل ذكر للعالمين ،ولتعلمن نبأه بعد حين}
@قوله تعالى" :قال فالحق والحق أقول" هذه قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة والكسائي .وقرأ
ابممن عباس ومجاهممد وعاصممم والعمممش وحمزة برفممع الول .وأجاز الفراء فيممه الخفممض .ول
اختلف فممي الثانممي فممي أنممه منصمموب بم م "أقول" ونصممب الول على الغراء أي فاتبعوا الحممق
واسمتمعوا الحمق ،والثانمي بإيقاع القول عليمه .وقيمل :همو بمعنمى أحمق الحمق أي أفعله .قال أبمو علي:
الحمق الول منصموب بفعمل مضممر أي يحمق ال الحمق ،أو على القسمم وحذف حرف الجمر؛ كمما
تقول :ال لفعلن؛ ومجازه :قال فبالحممممق وهممممو ال تعالى أقسممممم بنفسممممه" .والحممممق أقول" جملة
اعترضت بين القسم والمقسم عليه ،وهو توكيد القصة ،وإذا جعل الحق منصوبا بإضمار فعل كان
"لملن" على إرادة القسمم .وقمد أجاز الفراء وأبمو عمبيدة أن يكون الحمق منصموبا بمعنمى حقما
"لملن جهنمم" وذلك عند جماعة ممن النحويين خطمأ؛ ل يجوز زيدا لضربن؛ لن ما بعد اللم
مقطوع ممما قبلهما فل يعممل فيمه .والتقديمر على قولهمما لملن جهنمم حقما .وممن رفمع "الحمق" رفعمه
بالبتداء؛ أي فأنا الحق أو الحق مني .رويا جميعا عن مجاهد .ويجوز أن يكون التقدير هذا الحق.
وقول ثالث على مذهب سيبويه والفراء أن معنى فالحق لملن جهنم بمعنى فالحق أن أمل جهنم.
وفمي الخفمض قولن وهمي قراءة ابمن السمميقع وطلحمة بمن مصمرف :أحدهمما أنمه على حذف حرف
القسمم .هذا قول الفراء قال كمما يقول :ال عمز وجمل لفعلن .وقمد أجاز مثمل هذا سميبويه وغلطمه فيمه
أبمو العباس ولم يجمز الخفمض؛ لن حروف الخفمض ل تضممر ،والقول الخمر أن تكون الفاء بدل
من واو القسم؛ كما أنشدوا:
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع
@قوله تعالى" :لملن جهنم منك" أي من نفسك وذريتك "وممن تبعك منهم أجمعين" من بني
آدم "أجمعين" .قوله تعالى" :قل ما أسألكم عليه من أجر" أي من جعل على تبليغ الوحي وكنى به
عن غير مذكور .وقيل هو راجع إلى قوله" :أأنزل عليه الذكر من بيننا" [ص" .]8 :وما أنا من
المتكلفيمن" أي ل أتكلف ول أتخرص مما لم أوممر بمه .وروى مسمروق عمن عبدال بمن مسمعود قال:
ممن سمئل عمما لم يعلم فليقمل ل أعلم ول يتكلف؛ فإن قوله ل أعلم علم ،وقمد قال ال عمز وجمل لنمبيه
صلى ال عليه وسلم" :قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين" .وعن رسول ال صلى
ال عليمه وسملم( :للمتكلف ثلث علمات ينازع ممن فوقمه ويتعاطمى مما ل ينال ويقول مما ل يعلم).
وروى الدارقطنمي ممن حديمث نافمع عمن ابمن عممر قال :خرج رسمول ال صملى ال عليمه وسملم فمي
بعمض أسمفاره ،فسمار ليل فمروا على رجمل جالس عنمد مقراة له ،فقال له عممر :يما صماحب المقراة
أولغت السباع الليلة في مقراتك؟ فقال له النبي صلى ال عليه وسلم( :يا صاحب المقراة ل تخبره
هذا متكلف لهما مما حملت فمي بطونهما ولنما مما بقمي شراب وطهور) .وفمي الموطمأ عمن يحيمى بمن
عبدالرحمن بن حاطب :أن عمر بن الخطاب خرج فمي ركمب فيهمم عمرو بمن العاص حتى وردوا
حوضمما ،فقال عمرو بممن العاص :يمما صمماحب الحوض هممل ترد حوضممك السممباع؟ فقال عمممر :يمما
صاحب الحوض ل تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا .وقد مضى القول في المياه في سورة
"الفرقان"" .إن هو إل ذكر" يعني القرآن "للعالمين" من الجن والنس" .ولتعلمن نبأه بعد حين"
أي نبأ الذكر وهو القرآن أنه حق "بعد حين" قال قتادة :بعد الموت .وقال الزجاج .وقال ابن عباس
وعكرممة وابمن زيمد :يعنمي يوم القياممة .وقال الفراء :بعمد الموت وقبله .أي لتظهمر لكمم حقيقمة مما
أقول" :بعمد حيمن" أي فمي المسمتأنف أي إذا أخذتكمم سميوف المسملمين .قال السمدي :وذلك يوم بدر.
وكان الحسن يقول :يا ابن آدم عند الموت يأتيمك الخبر اليقين .وسئل عكرمة عمن حلف ليصنعن
كذا إلى حيمن .قال :إن ممن الحيمن مما ل تدركمه كقوله تعالى" :ولتعلممن نبأه بعمد حيمن" ومنمه مما
تدركمه؛ كقوله تعالى" :تؤتمي أكلهما كمل حيمن بإذن ربهما" [إبراهيمم ]25 :ممن صمرام النخمل إلى
طلوعه ستة أشهر .وقد مضى القول في هذا في "البقرة" و"إبراهيم" والحمد ل.
**2سورة الزمر
**3مقدمة السورة
@ ويقال سمورة الغرف .قال وهمب بمن منبمه :ممن أحمب أن يعرف قضاء ال عمز وجمل فمي خلقمه
فليقرأ سممورة الغرف .وهممي مكيممة فممي قول الحسممن وعكرمممة وعطاء وجابر بممن زيممد .وقال ابممن
عباس :إل آيتين نزلتا بالمدينة إحداهما "ال نزل أحسن الحديث" [الزمر ]23 :والخرى "قل يا
عبادي الذيمن أسمرفوا على أنفسمهم" [الزممر ]53 :اليمة .وقال آخرون :إل سمبع آيات ممن قوله
تعالى" :قمل يما عبادي الذيمن أسمرفوا على أنفسمهم" [الزممر ]53 :إلى آخمر سمبع آيات نزلت فمي
وحشمي وأصمحابه على مما يأتمي .روى الترمذي عمن عائشمة قالت :كان رسمول ال صملى ال عليمه
وسلم ل ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل .وهي خمس وسبعون آية .وقيل :اثنتان وسبعون آية.
**3الية{ 4 - 1 :تنزيل الكتاب من ال العزيز الحكيم ،إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد ال
مخلصما له الديمن ،أل ل الديمن الخالص والذيمن اتخذوا ممن دونمه أولياء مما نعبدهمم إل ليقربونما إلى
ال زلفمى إن ال يحكمم بينهمم فيمما همم فيمه يختلفون إن ال ل يهدي ممن همو كاذب كفار ،لو أراد ال
أن يتخذ ولدا لصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو ال الواحد القهار}
@قوله تعالى" :تنزيل الكتاب" رفع بالبتداء وخبره "من ال العزيز الحكيم " .ويجوز أن يكون
مرفوعما بمعنمى هذا تنزيمل؛ قال الفراء .وأجاز الكسمائي والفراء أيضما "تنزيمل" بالنصمب على أنمه
مفعول بمه .قال الكسمائي :أي اتبعوا واقرؤوا "تنزيمل الكتاب" .وقال الفراء :همو على الغراء مثمل
قوله" :كتاب ال عليكم" [النساء ]24 :أي الزموا .والكتاب القرآن .سمي بذلك لنه مكتوب.
@قوله تعالى" :إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق" أي هذا تنزيل الكتاب من ال وقد أنزلناه بالحق؛ أي
بالصممدق وليممس بباطممل وهزل" .فاعبممد ال مخلصمما" "مخلصمما" نصممب على الحال أي موحدا ل
تشرك بمه شيئا "له الديمن" أي الطاعمة .وقيمل :العبادة وهمو مفعول بمه" .أل ل الديمن الخالص" أي
الذي ل يشوبه شيء .وفي حديث الحسن عن أبي هريرة أن رجل قال :يا رسول ال إني أتصدق
بالشيممء وأصممنع الشيممء أريممد بممه وجممه ال وثناء الناس .فقال رسممول ال صمملى ال عليممه وسمملم:
(والذي نفس محمد بيده ل يقبل ال شيئا شورك فيه) ثم تل رسول ال صلى ال عليه وسلم"أل ل
الدين الخالص" وقد مضى هذا المعنى في "البقرة" و"النساء" و"الكهف" مستوفى.
@ قال ابن العربمي :هذه اليمة دليل على وجوب النيمة فمي كمل عممل ،وأعظمه الوضوء الذي هو
شطمر اليمان ،خلفما لبمي حنيفمة والوليمد بمن مسملم عمن مالك اللذيمن يقولن أن الوضوء يكفمي ممن
غير نية ،وما كان ليكون من اليمان شطرا ول ليخرج الخطايا من بين الظافر والشعر بغير نية.
@قوله تعالى" :والذيمن اتخذوا ممن دونمه أولياء" يعنمي الصمنام والخمبر محذوف .أي قالوا" :مما
نعبدهممم إل ليقربونمما إلى ال زلفممى" قال قتادة :كانوا إذا قيممل لهممم مممن ربكممم وخالقكممم؟ ومممن خلق
السمماوات والرض وأنزل ممن السمماء ماء؟ قالوا ال ،فيقال لهمم مما معنمى عبادتكمم الصمنام؟ قالوا
ليقربونممما إلى ال زلفمممى ،ويشفعوا لنممما عنده .قال الكلبمممي :جواب هذا الكلم فمممي الحقاف "فلول
نصرهم الذين اتخذوا من دون ال قربانا آلهة" [الحقاف ]28 :والزلفى القربة؛ أي ليقربونا إليه
تقريبا ،فوضع "زلفى" في موضع المصدر .وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس ومجاهد "والذين
اتخذوا من دونه أولياء قالوا ما نعبدهم إل ليقربونا إلى ال زلفى" وفي حرف أُب يّ (والذين اتخذوا
ممن دونمه أولياء مما نعبدكمم إل لتقربونما إلى ال زلفمى" ذكره النحاس .قال :والحكايمة فمي هذا بينمة.
"إن ال يحكمم بينهمم فمي مما همم فيمه يختلفون" أي بيمن أهمل الديان يوم القياممة فيجازي كل بمما
يسمتحق" .إن ال ل يهدي ممن همو كاذب كفار" أي ممن سمبق له القضاء بالكفمر لم يهتمد؛ أي للديمن
الذي ارتضاه وهو دين السلم؛ كما قال ال تعالى" :ورضيت لكم السلم دينا" وفي هذا رد على
القدرية وغيرهم على ما تقدم.
@قوله تعالى" :لو أراد ال أن يتخذ ولدا لصطفى مما يخلق ما يشاء" أي لو أراد أن يسمي أحدا
من خلقه بهذا ما جعله عز وجل إليهم" .سبحانه" أي تنزيها له عن الولد "هو ال الواحد القهار".
**3الية{ 6 - 5 :خلق السماوات والرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على
الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لجل مسمى أل هو العزيز الغفار ،خلقكم من نفس واحدة
ثمم جعمل منهما زوجهما وأنزل لكمم ممن النعام ثمانيمة أزواج يخلقكمم فمي بطون أمهاتكمم خلقما ممن بعمد
خلق في ظلمات ثلث ذلكم ال ربكم له الملك ل إله إل هو فأنى تصرفون}
@قوله تعالى" :خلق السمماوات والرض بالحمق" أي همو القادر على الكمال المسمتغني عمن
الصماحبة والولد ،وممن كان هكذا فحقمه أن يفرد بالعبادة ل أنمه يشرك بمه .ونبمه بهذا على أن يتعبمد
العباد بما شاء وقد فعل" .يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل" قال الضحاك :أي يلقي
هذا على هذا وهذا على هذا .وهذا على معنممى التكويمر فمي اللغمة وهمو طرح الشيمء بعضمه على
بعض؛ يقال كور المتاع أي ألقى بعضه على بعض؛ ومنه كور العمامة .وقد روي عن ابن عباس
هذا في معنمى اليمة .قال :مما نقص من الليمل دخل فمي النهار وما نقص ممن النهار دخل فمي الليل.
وهو معنى قوله تعالى" :يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل" [فاطر ]13 :وقيل :تكوير
الليمل على النهار تغشيتمه إياه حتمى يذهمب ضوءه ،ويغشمى النهار على الليمل فيذهمب ظلمتمه ،وهذا
قول قتادة .وهمو معنمى قوله تعالى" :يغشمي الليمل النهار يطلبمه حثيثما" [العراف" .]54:وسمخر
الشممس والقممر" أي بالطلوع والغروب لمنافمع العباد" .كمل يجري لجمل مسممى" أي فمي فلكمه إلى
أن تنصمرم الدنيما وهمو يوم القياممة حيمن تنفطمر السمماء وتنتثمر الكواكمب .وقيمل :الجمل المسممى همو
الوقمت الذي ينتهمي فيمه سمير الشممس والقممر إلى المنازل المرتبمة لغروبهما وطلوعهما .قال الكلبمي:
يسميران إلى أقصمى منازلهمما ،ثمم يرجعان إلى أدنمى منازلهمما ل يجاوزانمه .وقمد تقدم بيان هذا فمي
سمورة [يمس]" .أل همو العزيمز الغفار" "أل" تنمبيه أي تنبهوا فإنمي أنما "العزيمز" الغالب "الغفار"
الساتر لذنوب خلقه برحمته.
@قوله تعالى" :خلقكمم ممن نفمس واحدة" يعنمي آدم عليمه السملم "ثمم جعمل منهما زوجهما" يعنمي
ليحصمل التناسمل وقمد مضمى هذا فمي "العراف" وغيرهما" .وأنزل لكمم ممن النعام ثمانيمة أزواج"
أخممبر عممن الزواج بالنزول ،لنهمما تكونممت بالنبات والنبات بالماء المنزل .وهذا يسمممى التدريممج؛
ومثله قوله تعالى" :قد أنزلنا عليكم لباسا" [العراف ]26 :الية .وقيل :أنزل أنشأ وجعل .وقال
سمعيد بمن جمبير :خلق .وقيمل :إن ال تعالى خلق هذه النعام فمي الجنمة ثمم أنزلهما إلى الرض؛ كمما
قيل في قوله تعالى" :وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد" [الحديد ]25 :فإن آدم لما هبط إلى الرض
أنزل معممه الحديممد .وقيممل" :وأنزل لكممم مممن النعام" أي أعطاكممم .وقيممل :جعممل الخلق إنزال؛ لن
الخلق إنمما يكون بأممر ينزل ممن السمماء .فالمعنمى :خلق لكمم كذا بأمره النازل .قال قتادة :ممن البمل
اثنين ومن البقر اثنين ومن الضأن اثنين ومن المعز اثنين كل واحد زوج .وقد تقدم هذا" .يخلقكم
فمي بطون أمهاتكمم خلقما ممن بعمد خلق" قال قتادة والسمدي :نطفمة ثمم علقمة ثمم مضغمة ثمم عظمما ثمم
لحما .ابن زيد" :خلقا من بعد خلق" خلقا في بطون أمهاتكم من بعد خلقكم في ظهر آدم .وقيل :في
ظهمر الب ثمم خلقما فمي بطمن الم ثمم خلقما بعمد الوضمع ذكره الماوردي" .فمي ظلمات ثلث" ظلممة
البطمن وظلممة الرحمم وظلممة المشيممة .قاله ابمن عباس وعكرممة ومجاهمد وقتادة والضحاك .وقال
ابمن جمبير :ظلممة المشيممة وظلممة الرحمم وظلممة الليمل .والقول الول أصمح .وقيمل :ظلممة صملب
الرجمل وظلممة بطمن المرأة وظلممة الرحمم .وهذا مذهمب أبمي عمبيدة .أي ل تمنعمه الظلممة كمما تمنمع
المخلوقين" .ذلكم ال" أي الذي خلق هذه الشياء "ربكم له الملك ل إله إل هو"" .فأنى تصرفون"
أي كيمف تنقلبون وتنصمرفون عمن عبادتمه إلى عبادة غيره .وقرأ حمزة" :إمهاتكمم" بكسمر الهمزة
والميم .والكسائي بكسر الهمزة وفتح الميم .الباقون بضم الهمزة وفتح الميم.
**3الية{ 7 :إن تكفروا فإن ال غني عنكم ول يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ول
تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور}
@قوله تعالى" :إن تكفروا فإن ال غني عنكم" شرط وجوابه" .ول يرضى لعباده الكفر" أي أن
يكفروا أي ل يحمب ذلك منهمم .وقال ابمن عباس والسمدي :معناه ل يرضمى لعباده المؤمنيمن الكفمر،
وهمم الذيمن قال ال فيهمم" :إن عبادي ليمس لك عليهمم سملطان" [السمراء .]65 :وكقوله" :عينما
يشرب بهمما عباد ال" [النسممان ]6 :أي المؤمنون .وهذا على قول مممن ل يفرق بيممن الرضمما
والرادة .وقيمل :ل يرضمى الكفمر وإن أراده؛ فال تعالى يريمد الكفمر ممن الكافمر وبإرادتمه كفمر ل
يرضاه ول يحبه ،فهو يريد كون ما ل يرضاه ،وقد أراد ال عز وجل خلق إبليس وهو ل يرضاه،
فالرادة غير الرضا .وهذا مذهب أهل السنة.
@قوله تعالى" :وإن تشكروا يرضه لكم" أي يرضى الشكر لكم؛ لن "تشكروا" يدل عليه .وقد
مضى القول في الشكر في "البقرة" وغيرها .ويرضى بمعنى يثيب ويثني ،فالرضا على هذا إما
ثوابه فيكون صفة فعل "لئن شكرتم لزيدنكم" [إبراهيم ]7 :وإما ثناؤه فهو صفة ذات .و"يرضه"
بالسكان في الهاء قرأ أبو جعفر وأبو عمرو وشيبة وهبيرة عن عاصم .وأشبع الضمة ابن ذكوان
وابمن كثيمر وابمن محيصمن والكسمائي وورش عمن نافمع .واختلس الباقون" .ول تزر وازرة وزر
أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور" قد تقدم.
**3الية{9 - 8 :وإذا مس النسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان
يدعو إليه من قبل وجعل ل أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليل إنك من أصحاب النار ،أم
من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون
والذين ل يعلمون إنما يتذكر أولوا اللباب}
@قوله تعالى" :وإذا مس النسان" يعني الكافر "ضر" أي شدة من الفقر والبلء "دعا ربه منيبا
إليه" أي راجعا إليه مخبتا مطيعا له مستغيثا به في إزالة تلك الشدة عنه" .ثم إذا خوله نعمة منه"
أي أعطاه وملكه .يقال :خولك ال الشيء أي ملكك إياه ،وكان أبو عمرو بن العلء ينشد:
وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا هنالك إن يستخولوا المال يخولوا
وخول الرجل :حشمه الواحد خائل .قال أبو النجم:
كوم الذرى من خول المخول أعطى فلم يبخل ولم يبخل
@قوله تعالى" :نسي ما كان يدعو إليه من قبل" أي نسي ربه الذي كان يدعوه من قبل في كشف
الضر عنه .فم "ما" على هذا الوجه ل عز وجل وهي بمعنى الذي .وقيل :بمعنى من كقوله" :ول
أنتم عابدون ما أعبد" [الكافرون ]3 :والمعنى واحد .وقيل :نسي الدعاء الذي كان يتضرع به إلى
ال عمز وجمل .أي ترك كون الدعاء منمه إلى ال ،فمما والفعمل على هذا القول مصمدر" .وجعمل ل
أندادا" أي أوثانمما وأصممناما .وقال السممدي :يعنممي أندادا مممن الرجال يعتمدون عليهممم فممي جميممع
أمورهمم" .ليضمل عمن سمبيله" أي ليقتدي بمه الجهال" .قمل تمتمع بكفرك قليل" أي قمل لهذا النسمان
"تمتع" وهو أمر تهديد فمتاع الدنيا قليل" .إنك من أصحاب النار" أي مصيرك إلى النار.
@قوله تعالى" :أمن هو قانت آناء الليل" بين تعالى أن المؤمن ليس كالكافمر الذي مضى ذكره.
وقرأ الحسمن وأبمو عمرو وعاصمم والكسمائي "أممن" بالتشديمد .وقرأ نافمع وابمن كثيمر ويحيمى ابمن
وثاب والعممش وحمزة" :أممن همو" بالتخفيمف على معنمى النداء؛ كأنمه قال يما ممن همو قانمت .قال
الفراء :اللف بمنزلة يا ،تقول يا زيد أقبل وأزيد أقبل .وحكي ذلك عن سيبويه وجميع النحويين؛
كما قال أوس بن حجر:
إل يدا ليست لها عضد أبني لبينى لستم بيد
وقال آخر هو ذو الرمة:
فماء الهوى يرفض أو يترقرق أدارا بحزوي هجت للعين عبرة
فالتقدير عل هذا "قل تمتع بكفرك قليل إنك من أصحاب النار" يا من هو قانت إنك من أصحاب
الجنة؛ كما يقال في الكلم :فلن ل يصلي ول يصوم ،فيا من يصلي ويصوم أبشر؛ فحذف لدللة
الكلم عليه .وقيل :إن اللف في "أمن" ألف استفهام أي "أمن هو قانت آناء الليل" أفضل؟ أم من
جعمل ل أندادا؟ والتقديمر الذي همو قانمت خيمر .وممن شدد"أممن" فالمعنمى العاصمون المتقدم ذكرهمم
خير "أمن هو قانت" فالجملة التي عادلت أم محذوفة ،والصل أم من فأدغمت في الميم .النحاس:
وأم بمعنى بل ،ومن بمعنى الذي؛ والتقدير :أم الذي هو قانت أفضل ممن ذكر .وفي قانت أربعة
أوجه :أحدها أنه المطيع؛ قاله ابن مسعود .الثانمي أنه الخاشع في صلته؛ قاله ابن شهاب .الثالث
أنمه القائم فمي صملته؛ قاله يحيمى بمن سملم .الرابمع أنمه الداعمي لربمه .وقول ابن مسمعود يجممع ذلك.
وقد روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :كل قنوت في القرآن فهو طاعة ل عز وجل)
وروي عن جابر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه سئل أي الصلة أفضل؟ فقال( :طول القنوت)
وتأوله جماعة من أهل العلم على أنه طول القيام .وروى عبدال عن نافع عن ابن عمر سئل عن
القنوت فقال :مممما أعرف القنوت إل طول القيام ،وقراءة القرآن .وقال مجاهمممد :ممممن القنوت طول
الركوع وغض البصر .وكان العلماء إذا وقفوا في الصلة غضوا أبصارهم ،وخضعوا ولم يلتفتوا
فممي صمملتهم ،ولم يعبثوا ولم يذكروا شيئا مممن أمممر الدنيمما إل ناسممين .قال النحاس :أصممل هذا أن
القنوت الطاعة ،فكل ما قيل فيه فهو طاعة ل عز وجل ،فهذه الشياء كلها داخلة في الطاعة وما
هو أكثر منها كما قال نافع :قال لي ابن عمر قم فصل فقمت أصلي وكان علي ثوب خلق ،فدعاني
فقال لي :أرأيمت لو وجهتمك فمي حاجمة أكنمت تمضمى هكذا؟ فقلت :كنمت أتزيمن قال :فال أحمق أن
تتزيمن له .واختلف فمي تعييمن القانمت هما هنما ،فذكمر يحيمى بمن سملم أنمه رسمول ال صملى ال عليمه
وسملم .وقال ابمن عباس فمي روايمة الضحاك عنمه :همو أبمو بكمر وعممر رضمي ال عنهمما .وقال ابمن
عممر :هو عثمان رضمي ال عنه .وقال مقاتمل :إنه عمار بمن ياسمر .الكلبمى :صمهيب وأبو ذر وابمن
مسعود .وعن الكلبي أيضا أنه مرسل فيمن كان على هذه الحال" .آناء الليل" قال الحسن :ساعاته؛
أوله وأوسمطه وآخره .وعمن ابمن عباس" :آناء الليمل" جوف الليمل .قال ابمن عباس :ممن أحمب أن
يهون ال عليمه الوقوف يوم القياممة ،فليره ال فمي ظلممة الليمل سماجدا وقائمما يحذر الخرة ،ويرجمو
رحمممة ربممه .وقيممل :ممما بيممن المغرب والعشاء .وقول الحسممن عام" .يحذر الخرة" قال سممعيد بممن
جمبير :أي عذاب الخرة" .ويرجمو رحممة ربمه" أي نعيمم الجنمة .وروي عمن الحسمن أنمه سمئل عمن
رجمل يتمادى فمي المعاصمي ويرجمو فقال :هذا متممن .ول يقمف على قوله" :رحممة ربمه" من خفمف
"أممن همو قانمت" على معنمى النداء؛ لن قوله" :قمل همل يسمتوي الذيمن يعلمون والذيمن ل يعلمون"
متصل إل أن يقدر في الكلم حذف وهو أيسر ،على ما تقدم بيانه.
@قوله تعالى" :قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون" قال الزجاج :أي كما ل يستوي
الذيمن يعلمون والذيمن ل يعلمون كذلك ل يسمتوي المطيمع والعاصمي .وقال غيره :الذيمن يعلمون همم
الذيمن ينتفعون بعلمهمم ويعملون بمه ،فأمما ممن لم ينتفمع بعلممه ولم يعممل بمه فهمو بمنزلة ممن لم يعلم.
"إنما يتذكر أولو اللباب" أي أصحاب العقول من المؤمنين.
**3الية{ 10 :قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض ال
واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}
@قوله تعالى" :قمل ياعباد الذيمن آمنوا" أي قمل يما محممد لعبادي المؤمنيمن "اتقوا ربكمم" أي أتقوا
معاصيه والتاء مبدلة من واو وقد تقدم .وقال ابن عباس :يريد جعفر بن أبي طالب والذين خرجوا
معمه إلى الحبشمة .ثمم قال" :للذيمن أحسمنوا فمي هذه الدنيما حسمنة" يعنمي بالحسمنة الولى الطاعمة
وبالثانية الثواب في الجنة .وقيل :المعنى للذين أحسنوا في الدنيا حسنة في الدنيا ،يكون ذلك زيادة
على ثواب الخرة ،والحسمنة الزائدة فمي الدنيما الصمحة والعافيمة والظفمر والغنيممة .قال القشيري:
والول أصح؛ لن الكافر قد نال نعم الدنيا.
قلت :وينالهما معمه المؤممن ويزاد الجنمة إذا شكمر تلك النعمم .وقمد تكون الحسمنة فمي الدنيما الثناء
الحسن ،وفي الخرة الجزاء.
@قوله تعالى" :وأرض ال واسعة" فهاجروا فيها ول تقيموا مع من يعمل بالمعاصي .وقد مضى
القول فمي هذا مسمتوفى فمي "النسماء" وقيمل :المراد أرض الجنمة؛ رغبهمم فمي سمعتها وسمعة نعيمهما؛
كمما قال" :عرضهما السمماوات والرض" [آل عمران ]133 :والجنمة قمد تسممى أرضما؛ قال ال
تعالى" :وقالوا الحممد ل الذي صمدقنا وعده وأورثنما الرض نتبوأ ممن الجنمة حيمث نشاء" [الزممر:
]74والول أظهر فهو أمر بالهجرة .أي ارحلوا من مكة إلى حيث تأمنوا .الماوردي :يحتمل أن
يريمد بسمعة الرض سمعة الرزق؛ لنمه يرزقهمم ممن الرض فيكون معناه ورزق ال واسمع وهمو
أشبه؛ لنه أخرج سعتها مخرج المتنان.
قلت :فتكون الية دليل على النتقال من الرض الغالية ،إلى الرض الراخية ،كما قال سفيان
الثوري :كن في موضع تمل فيه جرابك خبزا بدرهم.
@قوله تعالى" :إنمما يوفمى الصمابرون أجرهمم بغيمر حسماب" أي بغيمر تقديمر .وقيمل :يزاد على
الثواب؛ لنمه لو أعطمي بقدر مما عممل لكان بحسماب .وقيمل" :بغيمر حسماب" أي بغيمر متابعمة ول
مطالبمة كمما تقمع المطالبمة بنعيمم الدنيما .و"الصمابرون" هنما الصمائمون؛ دليله قوله عليمه الصملة
والسملم مخمبرا عمن ال عمز وجمل( :الصموم لي وأنما أجزي بمه" قال أهمل العلم :كمل أجمر يكال كيل
ويوزن وزنما إل الصموم فإنمه يحثمى حثوا ويغرف غرفما؛ وحكمي عمن علي رضمي ال عنمه .وقال
مالك بمن أنمس فمي قوله" :إنمما يوفمى الصمابرون أجرهمم بغيمر حسماب" قال :همو الصمبر على فجائع
الدنيا وأحزانها .ول شك أن كل من سلم فيما أصابه ،وترك ما نهي عنه ،فل مقدار لجرهم .وقال
قتادة :ل وال ممما هناك مكيال ول ميزان ،حدثنممي أنممس أن رسممول ال صمملى ال عليممه وسمملم قال:
(تنصمب الموازيمن فيؤتمى بأهمل الصمدقة فيوفون أجورهمم بالموازيمن وكذلك الصملة والحمج ويؤتمى
بأهمل البلء فل ينصمب لهمم ميزان ول ينشمر لهمم ديوان ويصمب عليهمم الجمر بغيمر حسماب قال ال
تعالى" :إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم
تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلء من الفضل) .وعن الحسين بن علي رضي ال عنهما
قال سمعت جدي رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :أد الفرائض تكن من أعبد الناس وعليك
بالقنوع تكن من أغنى الناس ،يا بني إن في الجنة شجرة يقال لها شجرة البلوى يؤتى بأهل البلء
فل ينصمب لهمم ميزان ول ينشمر لهمم ديوان يصمب عليهمم الجمر صمبا) ثمم تل النمبي صملى ال عليمه
وسلم"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" .ولفظ صابر يمدح به وإنما هو لمن صبر عن
المعاصمي ،وإذا أردت أنمه صمبر على المصميبة قلت صمابر على كذا؛ قال النحاس .وقمد مضمى فمي
"البقرة" مستوفى.
**3اليمة{ 16 - 11 :قمل إنمي أمرت أن أعبمد ال مخلصما له الديمن ،وأمرت لن أكون أول
المسلمين ،قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ،قل ال أعبد مخلصا له ديني ،فاعبدوا
ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة أل ذلك هو الخسران
المبين ،لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف ال به عباده يا عباد فاتقون}
@قوله تعالى" :قمل إنمي أمرت أن أعبمد ال مخلصما له الديمن" تقدم" .وأمرت لن أكون أول
المسممملمين" ممممن هذه الممممة ،وكذلك كان؛ فإنمممه كان أول مممن خالف ديمممن آبائه؛ وخلع الصمممنام
وحطمهما ،وأسلم ل وآممن به ،ودعا إليه صلى ال عليه وسلم .واللم في قوله" :لن أكون" صلة
زائدة قال الجرجانمي وغيره .وقيمل :لم أجمل .وفمي الكلم حذف أي أمرت بالعبادة "لن أكون أول
المسلمين".
@قوله تعالى" :قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم" يريمد عذاب يوم القيامة وقال
حيمن دعاه قوممه إلى ديمن آبائه؛ قال أكثمر أهمل التفسمير .وقال أبمو حمزة الثمالي وابمن المسميب :هذه
الية منسوخة بقوله تعالى" :ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر" [الفتح ]2 :فكانت هذه الية
من قبل أن يغفر ذنب النبي صلى ال عليه وسلم" .قل ال أعبد" "ال" نصب بم "أعبد"" ،مخلصا
له ديني" طاعتي وعبادتي" .فاعبدوا ما شئتم من دونه" أمر تهديد ووعيد وتوبيخ؛ كقوله تعالى:
"اعملوا ما شئتم" [فصلت .]40 :وقيل :منسوخة بآية السيف.
@قوله تعالى" :قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة أل ذلك هو الخسران
المبين" قال ميمون بن مهران عن ابن عباس :ليس من أحد إل وقد خلق ال له زوجة في الجنة،
فإذا دخمل النار خسمر نفسمه وأهله .فمي روايمة عمن ابمن عباس :فممن عممل بطاعمة ال كان له ذلك
المنزل والهل إل ما كان له قبل ذلك ،وهو قوله تعالى" :أولئك هم الوارثون" [المؤمنون.]10 :
"لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل" سمى ما تحتهم ظلل؛ لنها تظل من تحتهم ،وهذه
اليمة نظيمر قوله تعالى" :لهمم ممن جهنمم مهاد وممن فوقهمم غواش" [العراف ]41 :وقوله" :يوم
يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم"[ .العنكبوت" .]55 :ذلك يخوف ال به عباده" قال
ابمن عباس :أولياءه" .ياعباد فاتقونمي" أي يما أوليائي فخافون .وقيمل :همو عام فمي المؤممن والكافمر.
وقيل :خاص بالكفار.
**3الية{ 18 - 17 :والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى ال لهم البشرى فبشر
عباد ،الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم ال وأولئك هم أولوا اللباب}
@قوله تعالى" :والذيمن اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوهما" قال الخفمش :الطاغوت جممع ويجوز أن
تكون واحدة مؤنثمة .وقمد تقدم .أي تباعدوا ممن الطاغوت وكانوا منهما على جانمب فلم يعبدوهما .قال
مجاهمد وابن زيمد :هو الشيطان .وقال الضحاك والسدي :هو الوثان .وقيل :إنه الكاهن .وقيل إنه
اسمم أعجممي مثمل طالوت وجالوت وهاروت وماروت .وقيمل :إنمه اسمم عربمي مشتمق ممن الطغيان،
و"أن" في موضع نصب بدل من الطاغوت ،تقديره :والذين أجتنبوا عبادة الطاغوت" .وأنابوا إلى
ال" أي رجعوا إلى عبادتمه وطاعتمه" .لهمم البشرى فبشمر عباد" "لهمم البشرى" فمي الحياة الدنيما
بالجنممة فممي العقممبى .روي أنهمما نزلت فممي عثمان وعبدالرحمممن بممن عوف وسممعد وسممعيد وطلحممة
والزبيمر رضمي ال عنهمم؛ سمألوا أبما بكمر رضمي ال عنمه فأخمبرهم بإيمانمه فآمنوا .وقيمل :نزلت فمي
زيمد بمن عمرو بمن نفيمل وأبمي ذر وغيرهمما مممن وحمد ال تعالى قبمل مبعمث النمبي صملى ال عليمه
وسملم .وقوله" :الذيمن يسمتمعون القول فيتبعون أحسمنه" قال ابمن عباس :همو الرجمل يسممع الحسمن
والقبيح فيتحدث بالحسن وينكف عن القبيح فل يتحدث به .وقيل :يستمعون القرآن وغيره فيتبعون
القرآن .وقيمل :يسمتمعون القرآن وأقوال الرسمول فيتبعون أحسمنه أي محكممه فيعملون بمه .وقيمل:
يسمتمعون عزمما وترخيصما فيأخذون بالعزم دون الترخيمص .وقيمل :يسمتمعون العقوبمة الواجبمة لهمم
والعفو فيأخذون بالعفو .وقيل :إن أحسن القول على من جعل الية فيمن وحد ال قبل السلم "ل
إله إل ال" .وقال عبدالرحمن بن زيد :نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر الغفاري وسلمان
الفارسمي ،اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوهما فمي جاهليتهمم ،واتبعوا أحسمن مما صمار ممن القول إليهمم.
"أولئك الذين هداهم ال" لما يرضاه" .وأولئك هم أولو اللباب" أي أصحاب العقول من المؤمنين
الذين انتفعوا بعقولهم.
**3الية{ 19 :أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار}
@قوله تعالى" :أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار" كان النبي صلى ال عليه
وسمملم يحرص على إيمان قوم وقممد سممبقت لهممم مممن ال الشقاوة فنزلت هذه اليممة .قال ابممن عباس:
يريممد أبمما لهممب وولده ومممن تخلف مممن عشيرة النممبي صمملى ال عليممه وسمملم عممن اليمان .وكرر
الستفهام في قوله" :أفأنت" تأكيدا لطول الكلم ،وكذا قال سيبويه في قوله تعالى" :أيعدكم أنكم إذا
متمم وكنتمم ترابما وعظامما أنكمم مخرجون" [المؤمنون ]35 :على مما تقدم .والمعنمى" :أفممن حمق
عليممه كلمممة العذاب" أفأنممت تنقذه .والكلم شرط وجوابممه .وجيممء بالسممتفهام؛ ليدل على التوقيممف
والتقريمر .وقال الفراء :المعنمى أفأنمت تنقمذ ممن حقمت عليمه كلممة العذاب .والمعنمى واحمد .وقيمل :إن
في الكلم حذفا والتقدير :أفمن حق عليه كلمة العذاب ينجو منه ،وما بعده مستأنف .وقال" :أفمن
حمق عليمه" وقال فمي موضمع آخمر" :حقمت كلممة العذاب" [الزممر ]71 :لن الفعمل إذا تقدم ووقمع
بينه وبين الموصوف به حائل جاز التذكير والتأنيث ،على أن التأنيث هنا ليس بحقيقي بل الكلمة
في معنى الكلم والقول؛ أي أفمن حق عليه قول العذاب.
**3الية{ 20 :لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها النهار
وعد ال ل يخلف ال الميعاد}
@قوله تعالى" :لكن الذين اتقوا ربهم" لما بين أن للكفار ظل من النار من فوقهم ومن تحتهم بين
أن للمتقيمن غرفما فوقهما غرف؛ لن الجنمة درجات يعلو بعضهما بعضما و"لكمن" ليمس للسمتدرار؛
لنمه لم يأت نفمي كقوله :مما رأيمت زيدا لكمن عمرا؛ بمل همو لترك قصمة إلى قصمة مخالفمة للولى
كقولك :جاءنمي زيمد لكمن عمرو لم يأت" .مبنيمة" قال ابمن عباس :ممن زبرجمد وياقوت "تجري ممن
تحتهما النهار" أي همي جامعمة لسمباب النزهمة" .وعمد ال" نصمب على المصمدر؛ لن معنمى "لهمم
غرف" وعدهممم ال ذلك وعدا .ويجوز الرفممع بمعنممى ذلك وعممد ال" .ل يخلف ال الميعاد" أي ممما
وعد الفريقين.
**3الية{ 21 :ألم تر أن ال أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الرض ثم يخرج به زرعا
مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لولي اللباب}
@قوله تعالى" :ألم تمر أن ال أنزل ممن السمماء ماء" أي إنمه ل يخلف الميعاد فمي إحياء الخلق،
والتمييمز بيمن المؤممن والكافمر ،وهمو قادر على ذلك كمما أنمه قادر على إنزال الماء ممن السمماء.
"أنزل من السماء" أي من السحاب "ماء" أي المطر "فسلكه ينابيع في الرض" أي فأدخله في
الرض وأسمكنه فيهما؛ كمما قال" :فأسمكناه فمي الرض" [المؤمنون" .]18 :ينابيمع" جممع ينبوع
وهو يفعول من نبع ينبع وينبع وينبع بالرفع والنصب والخفض .النحاس :وحكى لنا ابن كيسان في
قول الشاعر:
ينباع من ذفرى غضوب جسرة
أن معناه ينبمع فأشبمع الفتحمة فصمارت ألفما ،نبوعما خرج .والينبوع عيمن الماء والجممع الينابيمع .وقمد
مضمى فمي "سمبحان]" .ثمم يخرج بمه زرعما مختلفما ألوانمه" ثمم يخرج بمه أي بذلك الماء الخارج ممن
ينابيمع الرض "زرعما" همو للجنمس أي زروعما شتمى لهما ألوان مختلفمة ،حمرة وصمفرة وزرقمة
وخضرة ونورا .قال الشعممبي والضحاك :كممل ماء فممي الرض فمممن السممماء نزل ،إنممما ينزل مممن
السماء إلى الصخرة ،ثم تقسم منها العيون والركايا" .ثم يهيج" أي ييبس" .فتراه" أي بعد خضرته
"مصفرا" قال المبرد قال الصمعي :يقال هاجمت الرض تهيمج إذا أدبر نبتهما وولى .قال :كذلك
هاج النبمت .قال :وكذلك قال غيمر الصممعي .وقال الجوهري :هاج النبمت هياجما أي يبمس .وأرض
هائجمة يبمس بقلهما أو اصمفر ،وأهاجمت الريمح النبمت أيبسمته ،وأهيجنما الرض أي وجدناهما هائجمة
النبات ،وهاج هائجمه أي ثار غضبمه ،وهدأ هائجمه أي سمكنت فورتمه" .ثمم يجعله حطامما" أي فتاتما
مكسرا من تحطم العود إذا تفتت من اليبس .والمعنى أن من قدر على هذا قدر على العادة .وقيل:
همو مثمل ضربمه ال للقرآن ولصمدور ممن فمي الرض ،أي أنزل ممن السمماء قرآنما فسملكه فمي قلوب
المؤمنين "ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه" أي دينا مختلفا بعضه أفضل من بعض ،فأما المؤمن
فيزداد إيمانا ويقينا ،وأما الذي في قلبه مرض فإنه يهيج كما يهيج الزرع .وقيل :هو مثل ضربه
ال للدنيما؛ أي كمما يتغيمر النبمت الخضمر فيصمفر كذلك الدنيما بعمد بهجتهما" .إن فمي ذلك لذكرى
لولي اللباب".
**3الية{ 22 :أفمن شرح ال صدره للسلم فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من
ذكر ال أولئك في ضلل مبين}
@قوله تعالى" :أفممن شرح ال صمدره للسملم" شرح فتمح ووسمع .قال ابمن عباس :وسمع صمدره
للسلم حتى ثبت فيه .وقال السدي :وسع صدره بالسلم للفرح به والطمأنينة إليه؛ فعلى هذا ل
يجوز أن يكون هذا الشرح إل بعمممد السممملم؛ وعلى الوجمممه الول يجوز أن يكون الشرح قبمممل
السلم" .فهو على نور من ربه" أي على هدى من ربه" .فويل للقاسية قلوبهم" قال المبرد :يقال
قسا القلب إذا صلب ،وكذلك عتا وعسا مقاربة لها .وقلب قاس أي صلب ل يرق ول يلين .والمراد
بمن شرح ال صدره ها هنا فيما ذكر المفسرون علي وحمزة رضي ال عنهما .وحكى النقاش أنه
عممر بمن الخطاب رضمي ال عنمه .وقال مقاتمل :عمار بمن ياسمر .وعنمه أيضما والكلبمي رسمول ال
صلى ال عليه وسلم .والية عامة فيمن شرح ال صدوره بخلق اليمان فيه .وروى مرة عن ابن
مسعود قال :قلنا يا رسول ال قوله تعالى" :أفمن شرح ال صدره للسلم فهو على نور من ربه"
كيمف انشرح صمدره؟ قال( :إذا دخمل النور القلب انشرح وانفتمح) قلنما :يما رسمول ال ومما علممة
ذلك؟ .قال( :النابممة إلى دار الخلود والتجافممي عممن دار الغرور والسممتعداد للموت قبممل نزوله)
وخرجمه الترمذي الحكيمم فمي نوادر الصمول ممن حديمث ابمن عممر :أن رجل قال يما رسمول ال أي
المؤمنين أكيس؟ قال( :أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا وإذا دخل النور في القلب انفسح
واسمتوسع) قالوا :فمما آيمة ذلك يما نمبي ال؟ قال( :النابمة إلى دار الخلود والتجافمي عمن دار الغرور
والسمتعداد للموت قبمل نزول الموت) فذكمر صملى ال عليمه وسملم خصمال ثلثمة ،ول شمك أن ممن
كانمت فيمه هذه الخصمال فهمو الكاممل اليمان ،فإن النابمة إنمما همي أعمال البر؛ لن دار الخلود إنمما
وضعممت جزاء لعمال البر ،أل ترى كيممف ذكره ال فممي مواضممع فممي تنزيله ثممم قال بعقممب ذلك:
"جزاء بما كانوا يعملون" [الواقعة ]24 :فالجنة جزاء العمال؛ فإذا انكمش العبد في أعمال البر
فهو إنابته إلى دار الخلود ،وإذا خمد حرصه عن الدنيا ،ولها عن طلبها ،وأقبل على ما يغنيه منها
فاكتفمى بمه وقنمع ،فقمد تجافمى عمن دار الغرور .وإذا أحكمم أموره بالتقوى فكان ناظرا فمي كمل أممر،
واقفما متأدبما متثبتما حذرا يتورع عمما يريبمه إلى مما ل يريبمه ،فقمد اسمتعد للموت .فهذه علمتهمم فمي
الظاهمر .وإنما صار هكذا لرؤية الموت ،ورؤية صرف الخرة عن الدنيما ،ورؤية الدنيا أنها دار
الغرور ،وإنمما صمارت له هذه الرؤيمة بالنور الذي ولج القلب .وقوله" :فويمل للقاسمية قلوبهمم ممن
ذكمر ال" قيمل :المراد أبمو لهمب وولده؛ ومعنمى" :ممن ذكمر ال" أن قلوبهمم تزداد قسموة ممن سمماع
ذكره .وقيل :إن "من" بمعنى عن ،والمعنى قست عن قبول ذكر ال .وهذا اختيار الطبري .وعن
أبممي سممعيد الخدري أن رسممول ال صمملى ال عليممه وسمملم قال( :قال ال تعالى اطلبوا الحوائج مممن
السمحاء فإني جعلت فيهم رحمتي ول تطلبوها من القاسية قلوبهم فإني جعلت فيهم سخطي) .وقال
مالك بمن دينار :مما ضرب عبمد بعقوبمة أعظمم ممن قسموة قلب ،ومما غضمب ال على قوم إل نزع
الرحمة من قلوبهم.
**3الية{ 23 :ال نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم
ثمم تليمن جلودهمم وقلوبهمم إلى ذكمر ال ذلك هدى ال يهدي بمه ممن يشاء وممن يضلل ال فمما له ممن
هاد}
@قوله تعالى" :ال نزل أحسن الحديث" يعني القرآن لما قال" :فيتبعون أحسنه" [الزمر]18 :
بين أن أحسن ما يسمع ما أنزله ال وهو القرآن .قال سعد بن أبي وقاص قال أصحاب رسول ال
صلى ال عليه وسلم :لو حدثتنا فأنزل ال عز وجل" :ال نزل أحسن الحديث" فقالوا :لو قصصت
علينما فنزل" :نحمن نقمص عليمك أحسمن القصمص" [يوسمف ]3 :فقالوا :لو ذكرتنما فنزل" :ألم يأن
للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر ال" [الحديد ]16 :الية .وعن ابن مسعود رضي ال عنه أن
أصمحاب رسمول ال صملى ال عليمه وسملم ملوا ملة فقالوا له :حدثنما فنزلت .والحديمث مما يحدث بمه
المحدث .وسمي القرآن حديثا؛ لن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يحدث به أصحابه وقومه،
وهمو كقوله" :فبأي حديمث بعده يؤمنون" [المرسملت ]50 :وقوله" :أفممن هذا الحديمث تعجبون"
[النجم ]59 :وقوله" :إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا" [الكهف ]6 :وقوله" :ومن أصدق من ال
حديثما" [النسماء ]87 :وقوله" :فذرنمي وممن يكذب بهذا الحديمث" [القلم ]44 :قال القشيري:
وتوهممم قوم أن الحديممث مممن الحدوث فيدل على أن كلمممه محدث وهممو وهممم؛ لنممه ل يريممد لفممظ
الحديث على ما في قوله" :ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث" وقد قالوا :إن الحدوث يرجع إلى
التلوة ل إلى المتلو ،وهمو كالذكمر ممع المذكور إذا ذكرنما أسمماء الرب تعالى" .كتابما" نصمب على
البدل من "أحسن الحديث" ويحتمل أن يكون حال منه" .متشابهما" يشبه بعضه بعضا في الحسن
والحكمة ويصدق بعضه بعضا ،ليس فيه تناقض ول اختلف .وقال قتادة :يشبه بعضه بعضا في
الي والحروف .وقيمل :يشبمه كتمب ال المنزلة على أنمبيائه؛ لمما يتضمنمه ممن أممر ونهمي وترغيمب
وترهيمب وإن كان أعمم وأعجمز" .مثانمي" تثنمى فيمه القصمص والمواعمظ والحكام وثنمى للتلوة فل
يمل" .تقشعر" تضطرب وتتحرك بالخوف مما فيه من الوعيد" .ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر
ال" أي عنمد آيمة الرحممة .وقيمل :إلى العممل بكتاب ال والتصمديق بمه .وقيمل" :إلى ذكمر ال" يعنمي
السلم.
@ وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي ال عنهما قالت :كان أصحاب النبي صلى ال عليه
وسلم ،إذا قرئ عليهم القرآن كما نعتهم ال تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم .قيل لها :فإن أناسا اليوم
إذا قرئ عليهمم القرآن خمر أحدهمم مغشيما عليمه .فقالت :أعوذ بال ممن الشيطان الرجيمم .وقال سمعيد
بن عبدالرحمن الجمحي :مر ابن عمر برجل من أهل القرآن ساقط فقال :ما بال هذا؟ قالوا :إنه إذا
قرئ عليمه القرآن وسممع ذكمر ال سمقط .فقال ابمن عممر :إنما لنخشمى ال ومما نسمقط .ثمم قال :إن
الشيطان يدخمل فمي جوف أحدهمم؛ مما كان هذا صمنيع أصمحاب محممد صملى ال عليمه وسملم .وقال
عممر بمن عبدالعزيمز :ذكمر عنمد ابمن سميرين الذيمن يصمرعون إذا قرئ عليهمم القرآن ،فقال :بيننما
وبينهمم أن يقعمد أحدهمم على ظهمر بيمت باسمطا رجليمه ،ثمم يقرأ عليمه القرآن ممن أوله إلى آخره فإن
رممى بنفسمه فهمو صمادق .وقال أبمو عمران الجونمي :وعمظ موسمى عليمه السملم بنمي إسمرائيل ذات
يوم فشق رجل قميصه ،فأوحى ال إلى موسى :قل لصاحب القميص ل يشق قميصه فإني ل أحب
المبذرين؛ يشرح لي عن قلبه.
@ وقال زيد بن أسلم :ذرأ أبي بن كعب عند النبي صلى ال عليه وسلم ومعه أصحابه فرقوا فقال
النمبي صملى ال عليمه وسملم( :اغتنموا الدعاء عنمد الرقمة فإنهما رحممة) .وعمن العباس أن رسمول ال
صملى ال عليمه وسملم قال( :إذا اقشعمر جلد المؤممن ممن مخافمة ال تحاتمت عنمه خطاياه كمما يتحات
عمن الشجرة الباليمة ورقهما) .وعمن ابمن عباس أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قال( :مما اقشعمر
جلد عبد من خشية ال إل حرمه ال على النار) .وعن شهر بن حوشب عن أم الدرداء قالت :إنما
الوجممل فممي قلب الرجممل كاحتراق السممعفة ،أممما تجممد إل قشعريرة؟ قلت :بلى؛ قالت :فادع ال فإن
الدعاء عنمد ذلك مسمتجاب .وعمن ثابمت البنانمي قال :قال فلن :إنمي لعلم متمى يسمتجاب لي .قالوا:
ومن أين تعلم ذلك؟ قال :إذا اقشعر جلدي ،ووجل قلبي ،وفاضت عيناي ،فذلك حين يستجاب لي.
يقال :اقشعمر جلد الرجمل أقشعرارا فهمو مقشعمر والجممع قشاعمر فتحذف الميمم ،لنهما زائدة؛ يقال
أخذته قشعريرة .قال امرؤ القيس:
والقلب من خشية مقشعر فبت أكابد ليل التمام
وقيممل :إن القرآن لممما كان فممي غايممة الجزالة والبلغممة ،فكانوا إذا رأوا عجزهممم عممن معارضتممه،
اقشعرت الجلود منه إعظاما له ،وتعجبا من حسن ترصيعه وتهيبا لما فيه؛ وهو كقوله تعالى" :لو
أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية ال" [الحشر ]21 :فالتصدع قريب
ممن القشعرار ،والخشوع قريمب ممن قوله":ثمم تليمن جلودهمم وقلوبهمم إلى ذكمر ال" ومعنمى ليمن
القلب رقتممه وطمأنينتممه وسممكونه" .ذلك هدى ال " أي القرآن هدى ال .وقيممل :أي الذي وهبممه ال
لهؤلء من خشيمة عقابه ورجاء ثوابه هدى ال" .ومن يضلل ال فمما له من هاد" أي من خذله فل
مرشمد له .وهمو يرد على القدريمة وغيرهمم .وقمد مضمى معنمى هذا كله مسمتوفى فمي غيمر موضمع
والحممد ل .ووقمف ابمن كثيمر وابمن محيصمن على قوله" :هاد" فمي الموضعيمن بالياء ،الباقون بغيمر
ياء.
**3الية{ 26 - 24 :أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم
تكسمبون ،كذب الذيمن ممن قبلهمم فأتاهمم العذاب ممن حيمث ل يشعرون ،فأذاقهمم ال الخزي فمي الحياة
الدنيا ولعذاب الخرة أكبر لو كانوا يعلمون}
@قوله تعالى" :أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب" قال عطاء وابن زيد :يرمى به مكتوفا في النار
فأول شيمء تممس منمه النار وجهمه .وقال مجاهمد :يجمر على وجهمه فمي النار .وقال مقاتمل :همو أن
الكافمر يرممى بمه فمي النار مغلولة يداه إلى عنقمه ،وفمي عنقمه صمخرة عظيممة كالجبمل العظيمم ممن
الكمبريت ،فتشتعمل النار فمي الحجمر وهمو معلق فمي عنقمه ،فحرهما ووهجهما على وجهمه؛ ل يطيمق
دفعهما عمن وجهمه ممن أجمل الغلل .والخمبر محذوف .قال الخفمش :أي "أفممن يتقمي بوجهمه سموء
العذاب" أفضل أم من سعد ،مثل" :أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة" [فصلت:
" .]40وقيل للظالمين" أي وتقول الخزنة للكافرين "ذوقوا ما كنتم تكسبون" أي جزاء كسبكم من
المعاصي .ومثله "هذا ما كنزتم لنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" [التوبة.]35:
@قوله تعالى" :كذب الذيمن ممن قبلهمم" أي كذب قبلهمم أقوام كانوا أشمد ممن هؤلء بطشما وأكثمر
أموال وأولدا وأوسع عيشا ،فأهلكتهم كثمود وعاد" .فأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون .فأذاقهم
ال الخزي فممي الحياة الدنيمما" تقدم معناه .وقال المممبرد :يقال لكممل ممما نال الجارحممة مممن شيممء قممد
ذاقتممه،أي وصممل إليهمما كممما تصممل الحلوة والمرارة إلى الذائق لهممما .قال :والخزي مممن المكروه
والخزاية من الستحياء "ولعذاب الخرة أكبر" أي مما أصابهم في الدنيا "لو كانوا يعلمون".
**3الية{ 27 :ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون ،قرآنا عربيا غير
ذي عوج لعلهم يتقون}
@قوله تعالى" :ولقد ضربنما للناس فمي هذا القرآن من كمل مثمل" أي ممن كل مثمل يحتاجون إليه؛
مثل قوله تعالى" :ما فرطنا في الكتاب من شيء" [النعام ]38 :وقيل :أي ما ذكرناه من إهلك
المممم السممالفة مثممل لهؤلء" .لعلهممم يتذكرون" يتعظون" .قرآنمما عربيمما" نصممب على الحال .مال
الخفمش :لن قوله جمل وعمز" :فمي هذا القرآن" معرفمة .وقال علي بمن سمليمان" :عربيما" نصمب
على الحال و"قرآنممما" توطئة للحال كمممما تقول مررت بزيمممد رجل صمممالحا فقولك صمممالحا همممو
المنصموب على الحال .وقال الزجاج" :عربيما" منصموب على الحال و"قرآنما" توكيمد" .غيمر ذي
عوج" النحاس :أحسمن مما قيمل فيمه قول الضحاك ،قال :غيمر مختلف .وهمو قول ابمن عباس ،ذكره
الثعلبي .وعن ابن عباس أيضا غير مخلوق ،ذكره المهدوي وقاله السدي فيما ذكره الثعلبي .وقال
عثمان بن عفان :غير متضاد .وقال مجاهد :غير ذي لبس .وقال بكر بن عبدال المزني :غير ذي
لحن .وقيل :غير ذي شك .قال السدي فيما ذكره الماوردي .قال:
من الله وقول غير مكذوب وقمد أتاك يقين غير ذي عوج
"لعلهم يتقون" الكفر والكذب.
**3الية{ 29 :ضرب ال مثل رجل فيه شركاء متشاكسون ورجل سلما لرجل هل يستويان
مثل الحمد ل بل أكثرهم ل يعلمون}
@قوله تعالى" :ضرب ال مثل رجل فيه شركاء متشاكسون" قال الكسائي :نصب "رجل" لنه
ترجممة للمثمل وتفسمير له ،وإن شئت نصمبته بنزع الخافمض ،مجازه :ضرب ال مثل برجمل "فيمه
شركاء متشاكسممون" قال الفراء :أي مختلفون .وقال المممبرد :أي متعاسممرون مممن شكممس يشكممس
شكسمما بوزن قفممل فهممو شكممس مثممل عسممر يعسممر عسممرا فهممو عسممر ،يقال :رجممل شكممس وشرس
وضرس وضبمممس .ويقال :رجمممل ضبمممس وضمممبيس أي شرس عسمممر شكمممس؛ قاله الجوهري.
الزمخشري :والتشاكمس والتشاخمس الختلف .يقال :تشاكسمت أحواله وتشاخسمت أسمنانه .ويقال:
شاكسمني فلن أي ماكسمني وشاحنمي فمي حقمي .قال الجوهري :رجمل شكمس بالتسمكين أي صمعب
الخلق .قال الراجز:
شكس عبوس عنبس عذور
وقوم شكس مثال رجل صدق وقوم صدق .وقد شكس بالكسر شكاسة .وحكى الفراء :رجل شكس.
وهمو القياس ،وهذا مثمل ممن عبمد آلهمة كثيرة" .ورجل سملما لرجمل" أي خالصما لسميد واحمد ،وهمو
مثممل مممن يعبممد ال وحده" .هممل يسممتويان مثل" هذا الذي يخدم جماعممة شركاء أخلقهممم مختلفممة،
ونياتهم متباينة ،ل يلقاه رجل إل جره واستخدمه؛ فهو يلقى منهم العناء والنصب والتعب العظيم،
وهمو ممع ذلك كله ل يرضمي واحدا منهمم بخدمتمه لكثرة الحقوق فمي رقبتمه ،والذي يخدم واحدا ل
ينازعمه فيمه أحمد ،إذا أطاعمه وحده عرف ذلك له ،وإن أخطمأ صمفح عمن خطأه ،فأيهمما أقمل تعبما أو
على هدى مسممتقيم .وقرأ أهممل الكوفممة وأهممل المدينممة" :ورجل سممالما" وقرأ ابممن عباس ومجاهممد
والحسمن وعاصمم الجحدري وأبمو عمرو وابمن كثيمر ويعقوب" :ورجل سمالما" واختاره أبمو عبيمد
لصممحة التفسممير فيممه .قال :لن السممالم الخالص ضممد المشترك ،والسمملم ضممد الحرب ول موضممع
للحرب هنمممما .النحاس :وهذا الحتجاج ل يلزم؛ لن الحرف إذا كان له معنيان لم يحمممممل إل على
أولهمما ،فهذا وإن كان السملم ضمد الحرب فله موضمع آخمر؛ كمما يقال لك فمي هذا المنزل شركاء
فصمار سملما لك .ويلزممه أيضما فممي سمالم مما ألزم غيره؛ لنمه يقال شيمء سمالم أي ل عاهمة بمه.
والقراءتان حسنتان قرأ بهما الئمة .واختار أبو حاتم قراءة أهل المدينة "سلما" قال وهذا الذي ل
تنازع فيه .وقرأ سمعيد بن جمبير وعكرمة وأبو العاليمة ونصمر "سلما" بكسمر السين وسمكون اللم.
وسملما وسملما مصمدران؛ والتقديمر :ورجل ذا سملم فحذف المضاف و"مثل" صمفة على التمييمز،
والمعنمى همل تسمتوي صمفاتهما وحالهمما .وإنمما اقتصمر فمي التمييمز على الواحمد لبيان الجنمس.
"الحمد ل بل أكثرهم ل يعلمون" أي ل يعلمون الحق فيتبعونه.
**3الية{ 31 - 30 :إنك ميت وإنهم ميتون ،ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون}
@قوله تعالى" :إنك ميت وإنهم ميتون" قرأ ابن محيصن وابن أبي عبلة وعيسى بن عمر وابن
أبمي إسمحاق "إنمك مائت وإنهمم مائتون" وهمي قراءة حسمنة وبهما قرأ عبدال بمن الزبيمر .النحاس:
ومثمل هذه اللف تحذف فمي الشواذ و"مائت" فمي المسمتقبل كثيمر فمي كلم العرب؛ ومثله مما كان
مريضا وإنه لمارض من هذا الطعام .وقال الحسن والفراء والكسائي :الميت بالتشديد من لم يمت
وسميموت ،والميمت بالتخفيمف ممن فارقتمه الروح؛ فلذلك لم تخفمف هنما .قال قتادة :نعيمت إلى النمبي
صلى ال عليه وسلم نفسه ،ونعيت إليكم أنفسكم .وقال ثابت البناني :نعى رجل إلى صلة بن أشيم
أخما له فوافقمه يأكمل ،فقال :ادن فكمل فقمد نعمي إلي أخمي منمذ حيمن؛ قال :وكيمف وأنما أول ممن أتاك
بالخمبر .قال إن ال تعالى نعاه إلي فقال" :إنمك ميمت وإنهمم ميتون" .وهمو خطاب للنمبي صملى ال
عليه وسلم أخبره بموته وموتهم؛ فاحتممل خمسمة أوجه :أحدهما :أن يكون ذلك تحذيرا من الخرة.
الثانمي :أن يذكره حثما على العممل .الثالث :أن يذكره توطئة للموت .الرابمع :لئل يختلفوا فمي موتمه
كما اختلفت المم في غيره ،حتى أن عمر رضي ال عنه لما أنكر موته احتج أبو بكر رضي ال
عنه بهذه الية فأمسك .الخامس :ليعلمه أن ال تعالى قد سوى فيه بين خلقه مع تفاضلهم في غيره؛
لتكثر فيه السلوة وتقل فيه الحسرة.
@قوله تعالى" :ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون" يعني تخاصم الكافر والمؤمن والظالم
والمظلوم؛ قال ابن عباس وغيره .وفي خبر فيه طول :إن الخصومة تبلغ يوم القيامة إلى أن يحاج
الروح الجسمد .وقال الزبيمر :لمما نزلت هذه اليمة قلنما :يما رسمول ال أيكرر علينما مما كان بيننما فمي
الدنيا مع خواص الذنوب؟ قال( :نعم ليكررن عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه) فقال الزبير:
وال إن الممر لشديمد .وقال ابمن عممر :لقمد عشنما برهمة ممن دهرنما ونحمن نرى هذه اليمة نزلت فينما
وفمي أهمل الكتابيمن" :ثمم إنكمم يوم القياممة عنمد ربكمم تختصممون" فقلنما :وكيمف نختصمم ونبينما واحمد
وديننما واحمد ،حتمى رأيمت بعضنما يضرب وجوه بعمض بالسميف؛ فعرفمت أنهما فينما نزلت .وقال أبمو
سمعيد الخدري( :كنما نقول ربنما واحمد وديننما واحمد ونبينما واحمد فمما هذه الخصمومة فلمما كان يوم
صمفين وشمد بعضنما على بعمض بالسميوف قلنما نعمم همو هذا) .وقال إبراهيمم النخعمي :لمما نزلت هذه
اليمة جعمل أصمحاب رسمول ال صملى ال عليمه وسملم يقولون :مما خصمومتنا بيننما؟ فلمما قتمل عثمان
رضمي ال عنمه قالوا :هذه خصمومتنا بيننما .وقيمل تخاصممهم همو تحاكمهمم إلى ال تعالى ،فيسمتوفي
ممن حسمنات الظالم بقدر مظلمتمه ،ويردهما فمي حسمنات ممن وجبمت له .وهذا عام فمي جميمع المظالم
كمما فمي حديمث أبمي هريرة ،أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قال( :أتدرون ممن المفلس) قالوا:
المفلس فينمما مممن ل درهممم له ول متاع .قال( :إن المفلس مممن أمتممي مممن يأتممي يوم القيامممة بصمملة
وصميام وزكاة ويأتمي قمد شتمم هذا وقذف هذا وأكمل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطمى هذا
من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت
عليمه ثمم طرح فمي النار) خرجمه مسملم .وقمد مضمى المعنمى مجودا فمي "آل عمران" وفمي البخاري
عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :من كانت له مظلمة لحد من عرضه أو
شيء فليتحلله منه اليوم قبل أل يكون دينار ول درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته
وإن لم تكمن له حسمنات أخمذ ممن سميئات صماحبه فحممل عليمه) وفمي الحديمث المسمند (أول مما تقمع
الخصومات في الدنيا) وقد ذكرنا هذا الباب كله في التذكرة مستوفى.
**3اليمة{ 32 :فممن أظلم مممن كذب على ال وكذب بالصمدق إذ جاءه أليمس فمي جهنمم مثوى
للكافرين ،والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ،لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء
المحسنين ،ليكفر ال عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون}
@قوله تعالى" :فممن أظلم" أي ل أحمد أظلم "مممن كذب على ال" فزعمم أن له ولدا وشريكما
"وكذب بالصمدق إذ جاءه" يعنمي القرآن "أليمس فمي جهنمم" اسمتفهام تقريمر "مثوى للكافريمن" أي
مقام للجاحديممن ،وهممو مشتممق مممن ثوى بالمكان إذا أقام بممه يثوي ثواء وثويمما مثممل مضممى مضاء
ومضيما ،ولو كان ممن أثوى لكان مثوى .وهذا يدل على أن ثوى همي اللغمة الفصميحة .وحكمى أبمو
عبيد أثوى ،وأنشد قول العشى:
ومضى وأخلف من قتيلة موعدا أثوى وقصر ليلة ليزودا
والصمممعي ل يعرف إل ثوى ،ويروى البيممت أثوى على السممتفهام .وأثويممت غيري يتعدى ول
يتعدى.
@قوله تعالى" :والذي جاء بالصمدق" فمي موضمع رفمع بالبتداء وخمبره "أولئك همم المتقون"
واختلف في الذي جاء بالصدق وصدق به؛ فقال علي رضي ال عنه" :الذي جاء بالصدق" النبي
صلى ال عليه وسلم"وصدق به" أبو بكر رضي ال عنه .وقال مجاهد :النبي عليه السلم وعلي
رضمي ال عنمه .السمدي :الذي جاء بالصمدق جبريمل والذي صمدق بمه محممد صملى ال عليمه وسملم.
وقال ابمن زيمد ومقاتمل وقتادة" :الذي جاء بالصمدق" النمبي صملى ال عليمه وسملم" :وصمدق بمه"
المؤمنون .واسمتدلوا على ذلك بقوله" :أولئك همم المتقون" كمما قال" :هدى للمتقيمن" [البقرة.]2 :
وقال النخعممي ومجاهممد" :الذي جاء بالصممدق وصممدق بممه" المؤمنون الذيممن يجيؤون بالقرآن يوم
القياممة فيقولون :هذا الذي أعطيتمونما قمد اتبعنما مما فيمه؛ فيكون "الذي" على هذا بمعنمى جممع كمما
تكون ممن بمعنمى جممع .وقيمل :بمل حذفمت منمه النون لطول السمم ،وتأول الشعمبي على أنمه واحمد.
وقال" :الذي جاء بالصمدق" محممد صملى ال عليمه وسملم فيكون على هذا خمبره جماعمة؛ كمما يقال
لممن يعظمم همو فعلوا ،وزيمد فعلوا كذا وكذا .وقيمل :إن ذلك عام فمي كمل ممن دعما إلى توحيمد ال عمز
وجمل؛ قاله ابمن عباس وغيره ،واختاره الطمبري .وفمي قراءة ابمن مسمعود "والذي جاؤوا بالصمدق
وصممدقوا بممه" وهممي قراءة على التفسممير .وفممي قراءة أبممي صممالح الكوفممي "والذي جاء بالصممدق
وصمدق بمه" مخففما على معنمى وصمدق بمجيئه بمه ،أي صمدق فمي طاعمة ال عمز وجمل ،وقمد مضمى
فمي "البقرة" الكلم فمي "الذي" وأنمه يكون واحدا ويكون جمعما" .لهمم مما يشاؤون عنمد ربهمم" أي
من النعيم في الجنة ،كما يقال :لك إكرام عندي؛ أي ينالك مني ذلك" .ذلك جزاء المحسنين" الثناء
في الدنيا والثواب في الخرة.
@قوله تعالى" :ليكفمر ال عنهم" أي صدّقوا "ليكفر ال عنهم"" .أسوأ الذي عملوا" أي يكرمهم
ول يؤاخذهممم بممما عملوا قبممل السمملم" .ويجزيهممم أجرهممم" أي يثيبهممم على الطاعات فممي الدنيمما
"بأحسن الذي كانوا يعملون" وهي الجنة.
**3الية{ 36 :أليس ال بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل ال فما له من هاد،
ومن يهد ال فما له من مضل أليس ال بعزيز ذي انتقام}
@قوله تعالى" :أليمس ال بكاف عبده" حذفمت الياء ممن "كاف" لسمكونها وسمكون التنويمن بعدهما؛
وكان الصمل أل تحذف فمي الوقمف لزوال التنويمن ،إل أنهما حذفمت ليعلم أنهما كذلك فمي الوصمل.
ومن العرب من يثبتها في الوقف على الصل فيقول :كافي .وقراءة العامة "عبده" بالتوحيد يعني
محمدا صلى ال عليه وسلم يكفيه ال وعيد المشركين وكيدهم .وقرأ حمزة والكسائي "عباده" وهم
النمبياء أو النمبياء والمؤمنون بهمم .واختار أبمو عمبيدة قراءة الجماعمة لقوله عقيبمه" :ويخوفونمك
بالذيمن ممن دونمه" .ويحتممل أن يكون العبمد لفمظ الجنمس؛ كقوله عمز ممن قائل" :إن النسمان لفمي
خسمر" [العصمر ]2:وعلى هذا تكون القراءة الولى راجعمة إلى الثانيمة .والكفايمة شمر الصمنام،
فإنهم كانوا يخوفون المؤمنين بالصنام ،حتى قال إبراهيم عليه السلم" .وكيف أخاف ما أشركتم
ول تخافون أنكم أشركتم بال" [النعام .]81 :وقال الجرجاني :إن ال كاف عبده المؤمن وعبده
الكافر ،هذا بالثواب وهذا بالعقاب.
@قوله تعالى" :ويخوفونك بالذين من دونه" وذلك أنهم خوفوا النبي صلى ال عليه وسلم مضرة
الوثان ،فقالوا :أتسب آلهتنا؟ لئن لم تكف عن ذكرها لتخبلنك أوتصيبنك بسوء .وقال قتادة :مشى
خالد بمن الوليمد إلى العزى ليكسمرها بالفأس .فقال له سمادنها :أحذركهما يما خالد فإن لهما شدة ل يقوم
لهما شيمء ،فعممد خالد إلى العزى فهشمم أنفهما حتمى كسمرها بالفأس .وتخويفهمم لخالد تخويمف للنمبي
صلى ال عليه وسلم؛ لنه الذي وجه خالدا .ويدخل في الية تخويفهم النبي صلى ال عليه وسلم
بكثرة جمعهمم وقوتهمم؛ كمما قال" :أم يقولون نحمن جميمع منتصمر" [القممر" ]44 :وممن يضلل ال
فمما له ممن هاد" تقدم" .وممن يهمد ال فمما له ممن مضمل أليمس ال بعزيمز ذي انتقام" أي مممن عاداه
أوعادى رسله.
**3اليمة{ 41 - 38 :ولئن سمألتهم ممن خلق السمماوات والرض ليقولن ال قمل أفرأيتمم مما
تدعون مممن دون ال إن أرادنممي ال بضممر هممل هممن كاشفات ضره أو أرادنممي برحمممة هممل هممن
ممسكات رحمته قل حسبي ال عليه يتوكل المتوكلون ،قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل
فسموف تعلمون ،ممن يأتيمه عذاب يخزيمه ويحمل عليمه عذاب مقيمم ،إنما أنزلنما عليمك الكتاب للناس
بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل}
@قوله تعالى" :ولئن سألتهم" أي ولئن سألتهم يا محمد "من خلق السماوات والرض ليقولن ال"
بيمن أنهمم ممع عبادتهمم الوثان مقرون بأن الخالق هو ال ،وإذا كان ال هو الخالق فكيمف يخوفونمك
بآلهتهمم التمي همي مخلوقمة ل تعالى ،وأنمت رسمول ال الذي خلقهما وخلق السمماوات والرض" .قمل
أفرأيتم ما تدعون من دون ال" أي قل لهم يا محمد بعد اعترافهم بهذا "أفرأيتم ما تدعون من دون
ال" "إن أرادنمي ال بضمر" بشدة وبلء "همل همن كاشفات ضره" يعنمي هذه الصمنام "أو أرادنمي
برحممة" نعممة ورخاء "همل همن ممسمكات رحمتمه" قال مقاتمل :فسمألهم النمبي صملى ال عليمه وسملم
فسممكتوا .وقال غيره :قالوا ل تدفممع شيئا قدره ال ولكنهمما تشفممع .فنزلت" :قممل حسممبي ال" ترك
الجواب لدللة الكلم عليه؛ يعني فسيقولون ل أي ل تكشف ول تمسك فم "قل" أنت "حسبي ال"
أي عليممه توكلت أي اعتمدت و"عليممه يتوكممل المتوكلون" يعتمممد المعتمدون .وقممد تقدم الكلم فممي
التوكمل .وقرأ نافمع وابمن كثيمر والكوفيون مما عدا عاصمما "كاشفات ضره" بغيمر تنويمن .وقرأ أبمو
عمرو وشيبمة وهمي المعروفمة ممن قراءة الحسمن وعاصمم "همل همن كاشفات ضره"" .ممسمكات
رحمتممه" بالتنويممن على الصممل وهممو اختيار أبممي عبيممد وأبممي حاتممم؛ لنممه اسممم فاعممل فممي معنممى
الستقبال ،وإذا كان كذلك كان التنوين أجود .قال الشاعر:
بالليل يوم عمير ظالم عادي الضاربون عميرا عن بيوتهم
ولوكان ماضيما لم يجمز فيمه التنويمن ،وحذف التنويمن على التحقيمق ،فإذا حذفمت التنويمن لم يبمق بيمن
السمين حاجز فخفضت الثاني بالضافة .وحذف التنوين كثير في كلم العرب موجود حسن؛ قال
ال تعالى" :هديا بالغ الكعبة" [المائدة ] :وقال" :إنا مرسلو الناقة" [القمر ]27:قال سيبويه :ومثل
ذلك "غير محلي الصيد" [المائدة ]1 :وأنشد سيبويه:
أوعبد رب أخا عون بن مخراق هل أنت باعث دينار لحاجتنا
وقال النابغة:
إلى حمام شراع وارد الثمد احكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت
معناه وارد الثمد فحذف التنوين؛ مثل "كاشفات ضره".
@قوله تعالى" :قل ياقوم اعملوا على مكانتكمم إني عامل" أي على مكانتمي أي على جهتمي التي
تمكنت عندي "فسوف تعلمون" .وقرأ أبو بكر بالجمع "مكاناتكم" .وقد مضى في "النعام"" .من
يأتيه عذاب يخزيه" أي يهينه ويذله أي في الدنيا وذلك بالجوع والسيف" .ويحل عليه عذاب مقيم"
أي فمي الخرة" .إنما أنزلنما عليمك الكتاب للناس بالحمق فممن اهتدى فلنفسمه وممن ضمل فإنمما يضمل
عليها وما أنت عليهم بوكيل" تقدم.
**3الية{ 42 :ال يتوفى النفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها
الموت ويرسل الخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك ليات لقوم يتفكرون}
@قوله تعالى" :ال يتوفمى النفمس حيمن موتهما" أي يقبضهما عنمد فناء آجالهما "والتمي لم تممت فمي
منامهما" اختلف فيمه .فقيمل :يقبضهما عمن التصمرف ممع بقاء أرواحهما فمي أجسمادها "فيمسمك التمي
قضمى عليهما الموت ويرسمل الخرى إلى أجمل مسممى" وهمي النائممة فيطلقهما بالتصمرف إلى أجمل
موتهما؛ قال ابمن عيسمى .وقال الفراء :المعنمى ويقبمض التمي لم تممت فمي منامهما عنمد انقضاء أجلهما.
قال :وقد يكون توفيها نومها؛ فيكون التقدير على هذا والتي لم تمت وفاتها نومها .وقال ابن عباس
وغيره من المفسرين :إن أرواح الحياء والموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء ال منها ،فإذا
أراد جميعهمما الرجوع إلى الجسمماد أمسممك ال أرواح الموات عنده ،وأرسممل أرواح الحياء إلى
أجسادها .وقال سعيد بن جبير :إن ال يقبض أرواح الموات إذا ماتوا ،وأرواح الحياء إذا ناموا،
فتتعارف مما شاء ال أن تتعارف "فيمسمك التمي قضمى عليهما الموت ويرسمل الخرى" أي يعيدهما.
قال علي رضي ال عنه :فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا
الصادقة ،وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها تلقيها الشياطين ،وتخيل إليها الباطيل
فهي الرؤيا الكاذبة .وقال ابن زيد :النوم وفاة والموت وفاة .وعن النبي صلى ال عليه وسلم قال:
(كما تنامون فكذلك تموتون وكما توقظون فكذلك تبعثون) .وقال عمر :النوم أخو الموت .وروي
مرفوعا من حديث جابر بن عبدال قيل :يا رسول ال أينام أهل الجنة؟ قال( :ل النوم أخو الموت
والجنمة ل موت فيهما) خرجمه الدارقطنمي .وقال ابمن عباس( :فمي ابمن آدم نفمس وروح بينهمما مثمل
شعاع الشممس ،فالنفمس التي بها العقل والتمييمز ،والروح التمي بهما النفمس والتحريك ،فإذا نام العبمد
قبض ال نفسه ولم يقبض روحه) .وهذا قول ابن النباري والزجاج .قال القشيري أبو نصر :وفي
هذا بعمد إذ المفهوم ممن اليمة أن النفمس المقبوضمة فمي الحال شيمء واحمد؛ ولهذا قال" :فيمسمك التمي
قضمى عليهما الموت ويرسمل الخرى إلى أجمل مسممى" فإذاً يقبمض ال الروح فمي حاليمن فمي حالة
النوم وحالة الموت ،فمما قبضمه فمي حال النوم فمعناه أنمه يغمره بمما يحبسمه عمن التصمرف فكأنمه
شيء مقبوض ،وما قبضه في حال الموت فهو يمسكه ول يرسله إلى يوم القيامة .وقوله" :ويرسل
الخرى" أي يزيمل الحابمس عنه فيعود كمما كان .فتوفمي النفمس فمي حال النوم بإزالة الحمس وخلق
الغفلة والفممة فممي محممل الدراك .وتوفيهمما فممي حالة الموت بخلق الموت وإزالة الحممس بالكليممة.
"فيمسك التي قضى عليها الموت" بأل يخلق فيها الدراك كيف وقد خلق فيها الموت؟ "ويرسل
الخرى" بأن يعيد إليها الحساس.
@ وقمد اختلف الناس ممن هذه اليمة فمي النفمس والروح؛ همل همما شيمء واحمد أو شيئان على مما
ذكرنما .والظهمر أنهمما شيمء واحمد ،وهمو الذي تدل عليمه الثار الصمحاح على مما نذكره فمي هذا
الباب .من ذلك حديث أم سلمة قالت :دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق
بصمره فأغمضمه ،ثمم قال( :إن الروح إذا قبمض تبعمه البصمر) وحديمث أبمي هريرة قال :قال رسمول
ال صملى ال عليمه وسملم( :ألم تروا النسمان إذا مات شخمص بصمره) قال( :فذلك حيمن يتبمع بصمره
نفسه) خرجهما مسلم .وعنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :تحضر الملئكة فإذا كان الرجل
صمالحا قالوا اخرجمي أيتهما النفمس الطيبمة كانمت فمي الجسمد الطيمب اخرجمي حميدة وأبشري بروح
وريحان ورب راض غير غضبان فل يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء)...
وذكر الحديث وإسناده صحيح خرجه ابن ماجة؛ وقد ذكرناه في التذكرة .وفي صحيح مسلم عن
أبمي هريرة قال( :إذا خرجمت روح المؤممن تلقاهما ملكان يصمعدان بهما .)...وذكمر الحديمث .وقال
بلل في حديث الوادي :أخذ بنفسي يا رسول ال الذي أخذ بنفسك .وقال رسول ال صلى ال عليه
وسملم مقابل له فمي حديمث زيمد بمن أسملم فمي حديمث الوادي( :يما أيهما الناس إن ال قبمض أرواحنما
ولوشاء ردها إلينا في حين غير هذا).
والصمحيح فيمه أنمه جسمم لطيمف مشابمك للجسمام المحسموسة ،يجذب ويخرج وفمي أكفانمه يلف
ويدرج ،وبمه إلى السمماء يعرج ،ل يموت ول يفنمى ،وهمو ممما له أول وليمس له آخمر ،وهمو بعينيمن
ويديمن ،وأنمه ذو ريمح طيبمة وخبيثمة؛ كمما فمي حديمث أبمي هريرة .وهذه صمفة الجسمام ل صمفة
العراض؛ وقممد ذكرنمما الخبار بهذا كله فممي كتاب التذكرة بأحوال الموتممى وأمور الخرة .وقال
تعالى" :فلول إذا بلغت الحلقوم" [الواقعة ]83 :يعني النفس إلى خروجها من الجسد؛ وهذه صفة
الجسم .وال أعلم.
@ خرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :إذا أوى
أحدكمم إلى فراشمه فليأخمذ داخلة إزاره فلينفمض بهما فراشمه وليُسمم ال فإنمه ل يعلم مما خلفمه بعمد على
فراشه فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه اليمن وليقل سبحانك ربي وضعت جنبي وبك
أرفعه إن أمسكت نفسي فاغفر لها) .وقال البخاري وابن ماجة والترمذي( :فارحمها) بدل (فاغفر
لها) (وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) زاد الترمذي (وإذا استيقظ فليقل الحمد
ل الذي عافانمي فمي جسمدي ورد علي روحمي وأذن لي بذكره) .وخرج البخاري عمن حذيفمة قال:
كان رسمول ال صملى ال عليمه وسملم إذا أخمذ مضجعمه ممن الليمل وضمع يده تحمت خده؛ ثمم يقول:
(اللهم باسمك أموت وأحيا) وإذا استيقظ قال( :الحمد ل الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور).
@قوله تعالى" :فيمسمك التمي قضمى عليهما الموت" هذه قراءة العاممة على أنمه مسممى الفاعمل
"الموت" نصبا؛ أي قضى ال عليها وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد؛ لقوله في أول الية" :ال
يتوفى النفس" فهو يقضي عليها .وقرأ العمش ويحيى بن وثاب وحمزه والكسائي "قضي عليها
الموت" على مما لم يسمم فاعله .النحاس ،والمعنمى واحمد غيمر أن القراءة الولى أبيمن وأشبمه بنسمق
الكلم؛ لنهم قد أجمعوا على "ويُر سِلُ" ولم يقرؤوا "ويُر سَلُ" .وفي الية تنبيه على عظيم قدرته
وانفراده باللوهيممة ،وأنممه يفعممل ممما يشاء ،ويحيممي ويميممت ،ل يقدر على ذلك سممواه" .إن فممي ذلك
ليات لقوم يتفكرون" يعنمي فمي قبمض ال نفمس الميمت والنائم ،وإرسماله نفمس النائم وحبسمه نفمس
الميممت وقال الصمممعي سمممعت معتمرا يقول :روح النسممان مثممل كبممة الغزل ،فترسممل الروح،
فيمضى ثم تمضى ثم تطوى فتجيء فتدخل؛ فمعنى الية أنه يرسل من الروح شيء في حال النوم
ومعظمها في البدن متصل بما يخرج منها اتصال خفيا ،فإذا استيقظ المرء جذب معظم روحه ما
انبسمط منهما فعاد .وقيمل غيمر هذا؛ وفمي التنزيمل" :ويسمئلونك عمن الروح قمل الروح ممن أممر ربمي"
[السراء ]85 :أي ل يعلم حقيقته إل ال .وقد تقدم في "سبحان".
**3الية{ 45 - 43 :أم اتخذوا من دون ال شفعاء قل أولو كانوا ل يملكون شيئا ول يعقلون،
قمل ل الشفاعمة جميعما له ملك السمماوات والرض ثمم إليمه ترجعون ،وإذا ذكمر ال وحده اشمأزت
قلوب الذين ل يؤمنون بالخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون}
@قوله تعالى" :أم اتخذوا ممن دون ال شفعاء" أي بمل اتخذوا يعنمي الصمنام وفمي الكلم مما
يتضممن لم؛ أي "إن فمي ذلك ليات لقوم يتفكرون" لم يتفكروا ولكنهمم اتخذوا آلهتهمم شفعاء" .قمل
أولو كانوا ل يملكون شيئا" أي قمل لهمم يما محممد أتتخذونهمم شفعاء وإن كانوا ل يملكون شيئا ممن
الشفاعمة "ول يعقلون" لنهما جمادات .وهذا اسمتفهام إنكار" .قمل ل الشفاعمة جميعما" نمص فمي أن
الشفاعمة ل وحده كمما قال" :ممن ذا الذي يشفمع عنده إل بإذنمه" [البقرة ]255 :فل شافمع إل ممن
شفاعتممه "ول يشفعون إل لمممن ارتضممى" [النممبياء" .]28 :جميعمما" نصممب على الحال .فإن
قيل":جميعا" إنما يكون للثنين فصاعدا والشفاعة واحدة .فالجواب أن الشفاعة مصدر والمصدر
يؤدي عن الثنين والجميع" :له ملك السماوات والرض ثم إليه ترجعون".
@قوله تعالى" :وإذا ذكر ال وحده" نصب على المصدر عند الخليل وسيبويه ،وعلى الحال عند
يونمممس" .اشمأزت" قال الممممبرد :انقبضمممت .وهمممو قول ابمممن عباس ومجاهمممد .وقال قتادة :نفرت
واسممتكبرت وكفرت وتعصممت .وقال المؤرج أنكرت .وأصممل الشمئزاز النفور والزورار .قال
عمرو بن كلثوم:
وولتهم عشوزنة زبونا إذا عض الثقاف بها اشمأزت
وقال أبمو زيمد :اشمأز الرجمل ذعمر ممن الفزع وهمو المذعور .وكان المشركون إذا قيمل لهمم "ل إله
إل ال" نفروا وكفروا" .وإذا ذكمر الذيمن ممن دونمه" يعنمي الوثان حيمن ألقمى الشيطان فمي أمنيمة
النمبي صملى ال عليمه وسملم عنمد قراءتمه سمورة "النجمم" تلك الغرانيمق العلى وإن شفاعتهمم ترتجمى.
قاله جماعة المفسرين" .إذا هم يستبشرون" أي يظهر في وجوههم البشر والسرور.
**3اليمة{48 - 46 :قمل اللهمم فاطمر السمماوات والرض عالم الغيمب والشهادة أنمت تحكمم بيمن
عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ،ولو أن للذين ظلموا ما في الرض جميعا ومثله معه لفتدوا به من
سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من ال ما لم يكونوا يحتسبون ،وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق
بهم ما كانوا به يستهزئون}
@قوله تعالى" :قل اللهم فاطر السماوات والرض" نصب لنه نداء مضاف وكذا "عالم الغيب"
ول يجوز عند سيبويه أن يكون نعتا" .أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون" وفي صحيح
مسملم عمن أبمي سملمة بمن عبدالرحممن بمن عوف قال :سمألت عائشمة رضمي ال عنهما بأي شيمء كان
النمبي صملى ال عليمه وسملم يسمتفتح صملته إذا قام ممن الليمل؟ قالت :كان إذا قام ممن الليمل افتتمح
صملته (اللهمم رب جبريمل وميكائيمل وإسمرافيل "فاطمر السمماوات والرض عالم الغيمب والشهادة
أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون" اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من
تشاء إلى صراط مستقيم) ولما بلغ الربيع بن خيثم قتل الحسين بن علي رضي ال عنهم قرأ" :قل
اللهممم فاطممر السممماوات والرض عالم الغيممب والشهادة أنممت تحكممم بيممن عبادك فيممما كانوا فيممه
يختلفون" .وقال سمعيد بمن جمبير :إنمي لعرف آيمة مما قرأهما أحمد قمط فسمأل ال شيئا إل أعطاه إياه،
قوله تعالى" :قمل اللهمم فاطمر السمماوات والرض عالم الغيمب والشهادة أنمت تحكمم بيمن عبادك فيمما
كانوا فيه يختلفون".
@قوله تعالى" :ولو أن للذيمن ظلموا" أي كذبوا وأشركوا "مما فمي الرض جميعما ومثله معمه
لفتدوا بمه ممن سموء العذاب يوم القياممة" أي ممن سموء عذاب ذلك اليوم .وقمد مضمى هذا فمي سمورة
"آل عمران" و"الرعد"" .وبدا لهم من ال ما لم يكونوا يحتسبون" من أجل ما روي فيه ما رواه
منصور عن مجاهمد قال :عملوا أعمال توهموا أنها حسنات فإذا هي سيئات .وقاله السمدي .وقيل:
عملوا أعمال توهموا أنهم يتوبون منها قبل الموت فأدركهم الموت قبل أن يتوبوا ،وقد كانوا ظنوا
أنهم ينجون بالتوبة .ويجوز أن يكونوا توهموا أنه يغفر لهم من غير توبة فم "بدا لهم من ال ما لم
يكونوا يحتسبون" من دخول النار .وقال سفيان الثوري في هذه الية :ويل لهل الرياء ويل لهل
الرياء هذه آيتهممم وقصممتهم .وقال عكرمممة بممن عمار :جزع محمممد بممن المنكدر عنممد موتممه جزعمما
شديدا ،فقيممل له :ممما هذا الجزع؟ قال :أخاف آيممة مممن كتاب ال "وبدا لهممم مممن ال ممما لم يكونوا
يحتسبون" فأنا أخشى أن يبدو لي ما لم أكن أحتسب" .وبدا لهم" أي ظهر لهم "سيئات ما كسبوا"
أي عقاب ممما كسممبوا مممن الكفممر والمعاصممي" .وحاق بهممم" أي أحاط بهممم ونزل "ممما كانوا بممه
يستهزئون".
**3الية{ 49 :فإذا مس النسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل
همي فتنمة ولكمن أكثرهمم ل يعلمون ،قمد قالهما الذيمن ممن قبلهمم فمما أغنمى عنهمم مما كانوا يكسمبون،
فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين،
أولم يعلموا أن ال يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك ليات لقوم يؤمنون}
@قوله تعالى" :فإذا ممس النسمان ضمر دعانما" قيمل :إنهما نزلت فمي حذيفمة بمن المغيرة" .ثمم إذا
خولناه نعممة منما قال إنمما أوتيتمه على علم" قال قتادة" :على علم" عندي بوجوه المكاسمب ،وعنمه
أيضما "على علم" على خير عندي .وقيل" :على علم" أي على علم من ال بفضلي .وقال الحسن:
"على علم" أي بعلم علمني ال إياه .وقيل :المعنى أنه قال قد علمت أني إذا أوتيت هذا في الدنيا
أن لي عند ال منزلة؛ فقال ال" :بل هي فتنة" أي بل النعم التي أوتيتها فتنة تختبر بها .قال الفراء:
أنمث "همي" لتأنيمث الفتنمة ،ولوكان بمل همو فتنمة لجاز .النحاس :التقديمر بمل أعطيتمه فتنمة" .ولكمن
أكثرهم ل يعلمون" أي ل يعلمون أن إعطاءهم المال اختبار.
@قوله تعالى" :قمد قالهما" أنمث على تأنيمث الكلممة" .الذيمن ممن قبلهمم" يعنمي الكفار قبلهمم كقارون
وغيره حيث قال" :إنما أوتيته على علم عندي"" .فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون" "ما" للجحد
أي لم تغمن عنهمم أموالهمم ول أولدهمم ممن عذاب ال شيئا .وقيمل :أي فمما الذي أغنمى أموالهمم؟ فمم
"مما" اسمتفهام" .فأصمابهم سميئات مما كسمبوا" أي جزاء سميئات أعمالهمم .وقمد يسممى جزاء السميئة
سميئة" .والذيمن ظلموا" أي أشركوا "ممن هؤلء" الممة "سميصيبهم سميئات مما كسمبوا" أي بالجوع
والسيف" .وما هم بمعجزين" أي فائتين ال ول سابقيه .وقد تقدم.
@قوله تعالى" :أولم يعلموا أن ال يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك ليات لقوم يؤمنون"
خص المؤمن بالذكر؛ لنه هو الذي يتدبر اليات وينتفع بها .ويعلم أن سعة الرزق قد يكون مكرا
واستدراجا ،وتقتيره رفعة وإعظاما.
**3الية{ 59 - 53 :قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحمة ال إن ال
يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ،وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب
ثمم ل تنصمرون ،واتبعوا أحسمن مما أنزل إليكمم ممن ربكمم ممن قبمل أن يأتيكمم العذاب بغتمة وأنتمم ل
تشعرون ،أن تقول نفمس يما حسمرتى على مما فرطمت فمي جنمب ال وإن كنمت لممن السماخرين ،أو
تقول لو أن ال هدانممي لكنممت مممن المتقيممن ،أو تقول حيممن ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون مممن
المحسنين ،بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين}
@قوله تعالى" :قمل يما عبادي الذيمن أسمرفوا على أنفسمهم ل تقنطوا ممن رحممة ال" وإن شئت
حذفمت الياء؛ لن النداء موضمع حذف .النحاس :وممن أجمل مما روي فيمه مما رواه محممد بمن إسمحاق
عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال :لما اجتمعنا على الهجرة ،أتعدت أنا وهشام بن العاصي بن
وائل السهمي ،وعياش بن أبي ربيعة بن عتبة ،فقلنا :الموعد أضاة بني غفار ،وقلنا :من تأخر منا
فقد حبس فليمض صاحبه .فأصبحت أنا وعياش بن عتبة وحبس عنا هشام ،وإذا به قد فتن فافتتن،
فكنا نقول بالمدينة :هؤلء قد عرفوا ال عز وجل وآمنوا برسوله صلى ال عليه وسلم ،ثم افتتنوا
لبلء لحقهمم ل نرى لهمم توبمة ،وكانوا همم أيضما يقولون هذا فمي أنفسمهم ،فأنزل ال عمز وجمل فمي
كتابمه" :قمل يما عبادي الذيمن أسمرفوا على أنفسمهم ل تقنطوا ممن رحممة ال" إلى قوله تعالى" :أليمس
فمي جهنمم مثوى للمتكمبرين" قال عممر :فكتبتهما بيدي ثمم بعثتهما إلى هشام .قال هشام :فلمما قدممت
علي خرجت بها إلى ذي طوى فقلت :اللهم فهمنيها فعرفت أنها نزلت فينا ،فرجعت فجلست على
بعيري فلحقت برسول ال صلى ال عليه وسلم .وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :كان قوم
من المشركين قتلوا فأكثروا ،وزنوا فأكثروا ،فقالوا للنبي صلى ال عليه وسلم أو بعثوا إليه :إن ما
تدعو إليه لحسن أو تخبرنا أن لنا توبة؟ فأنزل ال عز وجل هذه الية" :قل يا عبادي الذين أسرفوا
على أنفسهم" ذكره البخاري بمعناه .وقد مضى في آخر "الفرقان".
وعمن ابمن عباس أيضما نزلت فمي أهمل مكمة قالوا :بزعمم محممد أن ممن عبمد الوثان وقتمل النفمس
التمي حرم ال لم يغفر له ،وكيف نهاجمر ونسلم وقمد عبدنا مع ال إلها آخمر وقتلنا النفمس التي حرم
ال فأنزل ال هذه اليمة .وقيمل :إنهما نزلت فمي قوم ممن المسملمين أسمرفوا على أنفسمهم فمي العبادة،
وخافوا أل يتقبمل منهمم لذنوب سمبقت لهمم فمي الجاهليمة .وقال ابمن عباس أيضما وعطاء نزلت فمي
وحشي قاتل حمزة؛ لنه ظن أن ال ل يقبل إسلمه :وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس
قال :أتمى وحشمي إلى النمبي صملى ال عليمه وسملم؛ فقال :يما محممد أتيتمك مسمتجيرا فأجرنمي حتمى
أسمع كلم ال .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :قد كنت أحب أن أراك على غير جوار فأما
إذ أتيتنمي مسمتجيرا فأنمت فمي جواري حتمى تسممع كلم ال) قال :فإنمي أشركمت بال وقتلت النفمس
التي حرم ال وزنيت ،هل يقبل ال منى توبة؟ فصمت رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى نزلت:
"والذيمن ل يدعون ممع ال إلهما آخمر ول يقتلون النفمس التمي حرم ال إل بالحمق ول يزنون"
[الفرقان ]68 :إلى آخمر اليمة فتلهما عليمه؛ فقال أرى شرطما فلعلي ل أعممل صمالحا ،أنما فمي
جوارك حتى أسمع كلم ال .فنزلت" :إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"
[النسماء ]48 :فدعما بمه فتل عليمه؛ قال :فلعلي مممن ل يشاء أنما فمي جوارك حتمى أسممع كلم ال.
فنزلت" :يمما عبادي الذيممن أسممرفوا على أنفسممهم ل تقنطوا مممن رحمممة ال" فقال :نعممم الن ل أرى
شرطا .فأسلم .وروى حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب عن أسماء أنها سمعت النبي
صلى ال عليه وسلم يقرأ" :قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحمة ال إن ال
يغفمر الذنوب جميعما ول يبالي إنمه همو الغفور الرحيمم" .وفمي مصمحف ابمن مسمعود "إن ال يغفمر
الذنوب جميعما لممن يشاء" .قال أبمو جعفمر النحاس :وهاتان القراءتان على التفسمير ،أي يغفمر ال
لمن يشاء .وقد عرف ال عز وجل من شاء أن يغفر له ،وهو التائب أو من عمل صغيرة ولم تكن
له كمبيرة ،ودل على أنمه يريمد التائب مما بعده "وأنيبوا إلى ربكمم" فالتائب مغفور له ذنوبمه جميعما
يدل على ذلك "وإني لغفار لمن تاب" [طه ]82 :فهذا ل إشكال فيه .وقال علي بن أبي طالب :ما
في القرآن آية أوسع من هذه الية" :قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحمة
ال" وقمد مضمى هذا فمي "سمبحان" .وقال عبدال بمن عممر :وهذه أرجمى آيمة فمي القرآن فرد عليهمم
ابممن عباس وقال أرجممى آيممة فممي القرآن قوله تعالى" :وإن ربممك لذو مغفرة للناس على ظلمهممم"
[الرعمد ]6 :وقمد مضمى فمي "الرعمد] .وقرئ "ول تقنطوا" بكسمر النون وفتحهما .وقمد مضمى فمي
"الحجر" بيانه.
@قوله تعالى" :وأنيبوا إلى ربكم" أي ارجعوا إليه بالطاعة .لما بين أن من تاب من الشرك يغفر
له أممر بالتوبمة والرجوع إليمه ،والنابمة الرجوع إلى ال بالخلص" .وأسملموا له" أي اخضعوا له
وأطيعوا "من قبل أن يأتيكم العذاب" في الدنيا "ثم ل تنصرون" أي ل تمنعون من عذابه .وروى
من حديث جابر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :من السعادة أن يطيل ال عمر المرء في
الطاعة ويرزقه النابة ،وإن من الشقاوة أن يعمل المرء ويعجب بعمله).
@قوله تعالى" :واتبعوا أحسمن مما أنزل إليكمم ممن ربكمم ممن قبمل أن يأتيكمم العذاب بغتمة وأنتمم ل
تشعرون" "أحسممن ممما أنزل" هممو القرآن وكله حسممن ،والمعنممى ممما قال الحسممن :التزموا طاعتممه،
واجتنبوا معصيته .وقال السدي :الحسن ما أمر ال به في كتابه .وقال ابن زيد :يعني المحكمات،
وكلوا علم المتشابممه إلى علمممه .وقال :أنزل ال كتممب التوراة والنجيممل والزبور ،ثممم أنزل القرآن
وأممر باتباعمه فهمو الحسمن وهمو المعجمز .وقيمل :هذا أحسمن لنمه ناسمخ قاض على جميمع الكتمب
وجميممع الكتممب منسمموخة .وقيممل :يعنممي العفممو؛ لن ال تعالى خيممر نممبيه عليممه السمملم بيممن العفممو
والقصاص .وقيل :ما علم ال النبي عليه السلم وليس بقرآن فهو حسن؛ وما أوحى إليه من القرآن
فهمو الحسمن .وقيمل :أحسمن مما أنزل إليكمم ممن أخبار الممم الماضيمة" .أن تقول نفمس" "أن" فمي
موضمع نصمب أي كراهمة "أن تقول" وعنمد الكوفييمن لئل تقول وعنمد البصمريين حذر "أن تقول".
وقيل :أي من قبل "أن تقول نفس" لنه قال قيل هذا" :من قبل أن يأتيكم العذاب" الزمخشري :فإن
قلت لم نكرت؟ قلت :لن المراد بها بعض النفس وهى نفس الكافر .ويجوز أن يريد نفسا متميزة
من النفس ،إما بلجاج في الكفر شديد ،أو بعقاب عظيم .ويجوز أن يراد التكثير كما قال العشى:
أتاني كريم ينفض الرأس معضبا ورب بقيع لو هتفت بجوه
وهممو يريممد أفواجمما مممن الكرام ينصممرونه ل كريممما واحدا ،ونظيره :رب بلد قطعممت ،ورب بطممل
قارعت ،ول يقصد إل التكثير" .ياحسرتا" والصل "يا حسرتي" فأبدل من الياء ألف؛ لنها أخف
وأمكن في الستغاثة بمد الصوت ،وربما ألحقوا بها الهاء؛ أنشد الفراء:
إذا أتى قربته للسانيه يا مرحباه بحمار ناجيه
وربمما ألحقوا بهما الياء بعمد اللف؛ لتدل على الضافمة .وكذلك قرأهما أبمو جعفمر" :يما حسمرتاي"
والحسرة الندامة "على ما فرطت في جنب ال" قال الحسن :في طاعة ال .وقال الضحاك :أي في
ذكر ال عز وجل .قال :يعني القرآن والعمل به .وقال أبو عبيدة" :في جنب ال" أي في ثواب ال.
وقال الفراء :الجنمممب القرب والجوار؛ يقال فلن يعيمممش فمممي جنمممب فلن أي فمممي جواره؛ ومنمممه
"والصماحب بالجنمب" [النسماء ]36 :أي مما فرطمت فمي طلب جواره وقربمه وهمو الجنمة .وقال
الزجاج :أي على مما فرطمت فمي الطريمق الذي همو طريمق ال الذي دعانمي إليمه .والعرب تسممي
السمبب والطريمق إلى الشيمء جنبما؛ تقول :تجرعمت فمي جنبمك غصمصا؛ أي لجلك وسمببك ولجمل
مرضاتممك .وقيممل" :فممي جنممب ال" أي فممي الجانممب الذي يؤدي إلى رضمما ال عممز وجممل وثوابممه،
والعرب تسمي الجانب جنبا ،قال الشاعر:
الناس جنب والمير جنب قسم مجهودا لذاك القلب
يعني الناس من جانب والمير من جانب .وقال ابن عرفة :أي تركت من أمر ال؛ يقال ما فعلت
ذلك في جنب حاجتي؛ قال كثير:
له كبد حرى عليك تقطع أل تتقين ال في جنب عاشق
وكذا قال مجاهد؛ أي ضيعت من أمر ال .ويروى عن النبي صلى أنه قال( :ما جلس رجل مجلسا
ول مشمى ممشمى ول اضطجمع مضطجعما لم يذكمر ال عمز وجمل فيمه إل كان عليمه ترة يوم القياممة)
أي حسرة؛ خرجه أبو داود بمعناه .وقال إبراهيم التيمي :من الحسرات يوم القيامة أن يرى الرجل
ماله الذي آتاه ال فمي الدنيما يوم القياممة فمي ميزان غيره ،قمد ورثمه وعممل فيمه بالحمق ،كان له أجره
وعلى الخر وزره ،ومن الحسرات أن يرى الرجل عبده الذي خوله ال إياه في الدنيا أقرب منزلة
ممن ال عمز وجمل ،أو يرى رجل يعرفمه أعممى فمي الدنيما قمد أبصمر يوم القياممة وعممي همو" .وإن
كنمت لممن السماخرين" أي ومما كنمت إل ممن المسمتهزئين بالقرآن وبالرسمول فمي الدنيما وبأولياء ال
تعالى :قال قتادة :لم يكفه أن ضيع طاعة ال حتى سخر من أهلها ومحل "إن كنت" النصب على
الحال؛ كأنه قال :فرطت وأنا ساخر؛ أي فرطت في حال سخريتي .وقيل :وما كنت إل في سخرية
ولعب وباطل؛ أي ما كان سعيي إل في عبادة غير ال تعالى.
@قوله تعالى" :أو تقول" هذه النفس "لو أن ال هداني" أي أرشدني إلى دينه .وهذا القول لو أن
ال هداني لهتديت قول صدق .وهو قريب من احتجاج المشركين فيما أخبر الرب جل وعز عنهم
في قوله" :سيقول الذين أشركوا لو شاء ال ما أشركنا" [النعام ]148 :فهي كلمة حق أريد بها
باطمل؛ كمما قال علي رضمى ال عنمه لمما قال قائل ممن الخوارج لحكمم إل ل" .لكنمت ممن المتقيمن"
أي الشرك والمعاصمي" .أو تقول حيمن ترى العذاب" يعنمي أن هذه النفمس تقول حيمن ترى العذاب
"لو أن لي كرة" أي تتمنى الرجعة" .فأكون من المحسنين" نصب على جواب التمني ،وإن شئت
كان معطوفا على "كرة" لن معناه أن أكر؛ كما قال الشاعر:
أحب إلي من لبس الشفوف للبس عباءة وتقر عيني
وأنشد الفراء:
وتسأل عن ركبانها أين يمموا فما لك منها غير ذكرى وخشية
فنصب وتسأل على موضع الذكرى؛ لن معنى الكلم فما لك منها إل أن تذكر .ومنه للبس عباءة
وتقر؛ أي لن ألبس عباءة وتقر .وقال أبو صالح :كان رجل عالم في بني إسرائيل وجد رقعة :إن
العبمد ليعممل الزمان الطويمل بطاعمة ال فيختمم له عمله بعممل أهمل النار فيدخمل النار ،وإن الرجمل
ليعمل الزمن الطويل بمعصية ال ثم يختم له عمله بعمل رجل من أهل الجنة فيدخل الجنة؛ فقال:
ولي شيء أتعب نفسي فترك عمله وأخذ في الفسوق والمعصية ،وقال له إبليس :لك عمر طويل
فتمتمع فمي الدنيما ثمم تتوب ،فأخمذ فمي الفسموق وأنفمق ماله فمي الفجور ،فأتاه ملك الموت فمي ألذ مما
كان ،فقال :يا حسرتا على ما فرطت في جنب ال؛ ذهب عمري في طاعة الشيطان ،فندم حين ل
ينفعمه الندم؛ فأنزل ال خمبره فمي القرآن .وقال قتادة :هؤلء أصمناف؛ صمنف منهمم قال" :يما حسمرتا
على ما فرطت في جنب ال" .وصنف منهم قال" :لو أن ال هداني لكنت من المتقين" .وقال آخر:
"لو أن لي كرة فأكون ممن المحسمنين" فقال ال تعالى ردا لكلمهمم" :بلى قمد جاءتمك آياتمي" قال
الزجاج" :بلى" جواب النفممي وليممس فممي الكلم لفممظ النفممي ،ولكممن معنممى "لو أن ال هدانممي" ممما
هداني ،وكأن هذا القائل قال ما هديت؛ فقيل :بل قد بين لك طريق الهدى فكنت بحيث لو أردت أن
تؤمممن أمكنممك أن تؤمممن" .آياتممي" أي القرآن .وقيممل :عنممى باليات المعجزات؛ أي وضممح الدليممل
فأنكرته وكذبته" .واستكبرت وكنت من الكافرين" أي تكبرت عن اليمان "وكنت من الكافرين".
وقال" :اسمتكبرت وكنمت" وهمو خطاب الذكمر؛ لن النفمس تقمع على الذكمر والنثمى .يقال :ثلثمة
أنفس .وقال المبرد؛ تقول العرب نفس واحد أي إنسان واحد .وروى الربيع بن أنس عن أم سلمة
عن النبي صلى ال عليه وسلم قرأ" :قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين".
وقرأ العمش" :بلى قد جاءته آياتي" وهذا يدل على التذكير .والربيع بن أنس لم يلحق أم سلمة إل
أن القراءة جائزة؛ لن النفمس تقمع للمذكمر والمؤنمث .وقمد أنكمر هذه القراءة بعضهمم وقال :يجمب إذا
كسممر التاء أن تقول وكنممت مممن الكوافممر أو مممن الكافرات .قال النحاس :وهذا ل يلزم؛ أل ترى أن
قبله "أن تقول نفس" ثم قال" :وإن كنت لمن الساخرين" ولم يقل من السواخر ول من الساخرات.
والتقديممر فممي العربيممة على كسممر التاء "واسممتكبرت وكنممت" مممن الجمممع السمماخرين أو ممن الناس
الساخرين أو من القوم الساخرين.
**3الية{ 64 - 60 :ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على ال وجوههم مسودة أليس في جهنم
مثوى للمتكمبرين ،وينجمي ال الذين اتقوا بمفازتهمم ل يمسهم السوء ول هم يحزنون ،ال خالق كمل
شيمء وهمو على كمل شيمء وكيمل ،له مقاليمد السمماوات والرض والذيمن كفروا بآيات ال أولئك همم
الخاسرون ،قل أفغير ال تأمروني أعبد أيها الجاهلون}
@قوله تعالى" :ويوم القياممة ترى الذيمن كذبوا على ال وجوههمم مسمودة" أي ممما حاط بهمم ممن
غضب ال ونقمته .وقال الخفش" :ترى" غير عامل في قوله" :وجوههم مسودة" إنما هو ابتداء
وخممبر .الزمخشري :جملة فممي موضممع الحال إن كان "ترى" مممن رؤيمة البصممر ،ومفعول ثان إن
كان من رؤية القلب" .أليس في جهنم مثوى للمتكبرين" بين رسول ال صلى ال عليه وسلم معنى
الكممبر فقال عليممه السمملم( :سممفه الحممق وغمممص الناس) أي احتقارهممم .وقممد مضممى فممي "البقرة"
وغيرهما .وفمي حديمث عبدال بمن عمرو عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم( :يحشمر المتكمبرون يوم
القيامة كالذر يلحقهم الصغار حتى يؤتى بهم إلى سجن جهنم).
@قوله تعالى" :وينجي ال الذين اتقوا" وقرئ" :وينجى" أي من الشرك والمعاصي" .بمفازتهم"
على التوحيممد قراءة العامممة لنهمما مصممدر .وقرأ الكوفيون" :بمفازاتهممم" وهممو جائز كممما تقول
بسعاداتهم .وعن النبي صلى ال عليه وسلم تفسير هذه الية من حديث أبي هريرة ،قال( :يحشمر
ال مع كل امرئ عمله فيكون عمل المؤمن معه في أحسن صورة وأطيب ريح فكلما كان رعب
أو خوف قال له ل ترع فما أنت بالمراد به ول أنت بالمعني به فإذا كثر ذلك عليه قال فما أحسنك
فمن أنت فيقول أما تعرفني أنا عملك الصالح حملتني على ثقلي فوال لحملنك ولدفعن عنك فهي
التي قال ال" :وينجى ال الذين اتقوا بمفازتهم ل يمسهم السوء ول هم يحزنون".
"ال خالق كل شيء" أي حافظ وقائم به .وقد تقدم.
@قوله تعالى" :له مقاليد السماوات والرض" واحدها مقليد .وقيل :مقلد وأكثر ما يستعمل فيه
إقليمد .والمقاليمد المفاتيمح عمن ابمن عباس وغيره .وقال السمدي :خزائن السمماوات والرض .وقال
غيره :خزائن السممماوات المطممر ،وخزائن الرض النبات .وفيممه لغممة أخرى أقاليممد وعليهمما يكون
واحدهما إقليمد .قال الجوهري :والقليمد المفتاح ،والمقلد مفتاح كالمنجمل ربمما يقلد بمه الكل كمما يقلد
القمت إذا جعمل حبال؛ أي يفتمل والجممع المقاليمد .وأقلد البحمر على خلق كثيمر أي غرقهمم كأنمه أغلق
عليهم .وخرج البيهقي عن ابن عمر أن عثمان بن عفان رضي ال عنه سأل رسول ال صلى ال
عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى" :له مقاليد السماوات والرض" فقال رسول ال صلى ال عليه
وسملم( :مما سمألني عنهما أحمد ل إله إل ال وال أكمبر وسمبحان ال وبحمده اسمتغفر ال ول حول ول
قوة إل بال العلي العظيمم همو الول والخمر والظاهمر والباطمن يحيمي ويميمت بيده الخيمر وهو على
كمل شيمء قديمر) ذكره الثعلبمي فمي تفسميره ،وزاد ممن قالهما إذا أصمبح أو أمسمى عشمر مرات أعطاه
ال سمت خصمال :أولهما يحرس ممن إبليمس ،والثانيمة يحضره اثنما عشمر ألف ملك ،والثالثمة يعطمى
قنطارا ممن الجمر ،والرابعمة ترفمع له درجمة ،والخامسمة يزوجمه ال ممن الحور العيمن ،والسمادسة
يكون له ممن الجمر كممن قرأ القرآن والتوراة والنجيمل والزبور ،وله أيضما ممن الجمر كممن حمج
واعتمممر فقبلت حجتممه وعمرتممه ،فإن مات مممن ليلتممه مات شهيدا .وروى الحارث عممن علي قال:
سمألت رسمول ال صملى ال عليمه وسملم عمن تفسمير المقاليمد فقال( :يما علي لقمد سمألت عمن عظيمم
المقاليممد هممو أن تقول عشرا إذا أصممبحت وعشرا إذا أمسمميت ل إله إل ال وال أكممبر وسممبحان ال
والحممد ل واسمتغفر ال ول قوة إل بال الول والخمر والظاهمر والباطمن له الملك وله الحممد بيده
الخيمر وهمو على كمل شيمء قديمر ممن قالهما عشرا إذا أصمبح ،وعشرا إذا أمسمى أعطاه ال خصمال
سمتا :أولهما يحرسمه ممن الشيطان وجنوده فل يكون لهمم عليمه سملطان ،والثانيمة يعطمى قنطارا فمي
الجنمة همو أثقمل فمي ميزانمه ممن جبمل أحمد ،والثالثمة ترفمع له درجمة ل ينالهما إل البرار ،والرابعمة
يزوجممه ال مممن الحور العيممن ،والخامسممة يشهده اثنمما عشممر ألف ملك يكتبونهمما له فممي رق منشور
ويشهدون له بهما يوم القياممة ،والسمادسة يكون له ممن الجمر كأنمما قرأ التوراة والنجيمل والزبور
والفرقان ،وكممن حمج واعتممر فقبمل ال حجتمه وعمرتمه ،وإن مات ممن يوممه أو ليلتمه أوشهره طبمع
بطابمع الشهداء .وقيمل :المقاليمد الطاعمة يقال ألقمى إلى فلن بالمقاليمد أي أطاعمه فيمما يأمره؛ فمعنمى
الية له طاعة من في السماوات والرض.
@قوله تعالى" :والذين كفروا بآيات ال" أي بالقرآن والحجج والدللت" .أولئك هم الخاسرون"
تقدم.
@قوله تعالى" :قل أفغير ال تأمروني أعبد " ذلك حين دعوا النبي صلى ال عليه وسلم إلى ما
هم عليه من عبادة الصنام وقالوا هو دين آبائك .و"غير" نصب بم "أعبد" على تقدير أعبد غير
ال فيمما تأمروننمي .ويجوز أن ينتصمب بمم "تأمرونمي" على حذف حرف الجمر؛ التقديمر :أتأمرونمي
بغيممر ال أن أعبده ،لن أن مقدرة وأن والفعممل مصممدر ،وهممي بدل مممن غيممر؛ التقديممر :أتأمرونممي
بعبادة غيمممر ال .وقرأ نافمممع" :تأمرونمممي" بنون واحدة مخففمممة وفتمممح الياء .وقرأ ابمممن عاممممر:
"تأمرونني" بنونين مخففتين على الصل .الباقون بنون واحدة مشددة على الدغام ،واختاره أبو
عبيمد وأبمو حاتم؛ لنها وقعت فمي مصحف عثمان بنون واحدة .وقرأ نافع على حذف النون الثانية
وإنمما كانمت المحذوفمة الثانيمة؛ لن التكريمر والتثقيمل يقمع بهما ،وأيضما حذف الولى ل يجوز؛ لنهما
دللة الرفع .وقد مضى في "النعام" بيانه عند قوله تعالى" :أتحاجوني"" .أعبد" أي أن أعبد فلما
حذف "أن" رفع؛ قاله الكسائي .ومنه قول الشاعر:
أل أيهذا الزاجري أحضر الوغى
والدليل على صحة هذا الوجه قراءة من قرأ "أعبد" بالنصب.
**3اليمة{ 66 - 65 :ولقمد أوحمي إليمك وإلى الذيمن ممن قبلك لئن أشركمت ليحبطمن عملك
ولتكونن من الخاسرين ،بل ال فاعبد وكن من الشاكرين}
@قوله تعالى" :ولقمد أوحمي إليمك وإلى الذيمن ممن قبلك لئن أشركمت" قيمل :إن فمي الكلم تقديمما
وتأخيرا؛ والتقديمر :لقد أوحمي إليمك لئن أشركمت وأوحمي إلى الذيمن من قبلك كذلك .وقيل :هو على
بابممه؛ قال مقاتممل :أي أوحممي إليممك وإلى النممبياء قبلك بالتوحيممد والتوحيممد محذوف .ثممم قال" :لئن
أشركمت" يما محممد" :ليحبطمن عملك" وهمو خطاب للنمبي صملى ال عليمه وسملم خاصمة .وقيمل:
الخطاب له والمراد أمتمممه؛ إذ قمممد علم ال أنمممه ل يشرك ول يقمممع منمممه إشراك .والحباط البطال
والفساد؛ قال القشيري :فمن ارتد لم تنفعه طاعاته السابقة ولكن إحباط الردة العمل مشروط بالوفاة
على الكفممر؛ ولهذا قال" :مممن يرتدد منكممم عممن دينممه فيمممت وهممو كافممر فأولئك حبطممت أعمالهممم"
[البقرة ]217 :فالمطلق هما هنما محمول على المقيمد؛ ولهذا قلنما :ممن حمج ثمم ارتمد ثمم عاد إلى
السلم ل يجب عليه إعادة الحج.
قلت :هذا مذهممب الشافعممي .وعنممد مالك تجممب عليممه العادة وقممد مضممى فممي "البقرة" بيان هذا
مستوفى.
@قوله تعالى" :بل ال فاعبد" النحاس :في كتابي عن أبي إسحاق لفظ اسم ال عز وجل منصوب
بم م "اعبممد" قال :ول اختلف فممي هذا بيممن البصممريين والكوفييممن .قال النحاس :وقال الفراء يكون
منصموبا بإضمار فعمل .وحكاه المهدوي عمن الكسمائي .فأمما الفاء فقال الزجاج :إنهما للمجازاة .وقال
الخفمش :همي زائدة .وقال ابمن عباس" :فاعبمد" أي فوحمد .وقال غيره" :بمل ال" فأطمع "وكمن ممن
الشاكرين" لنعمه بخلف المشركين.
**3الية{68 - 67 :وما قدروا ال حق قدره والرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات
مطويات بيمينمه سمبحانه وتعالى عمما يشركون ،ونفمخ فمي الصمور فصمعق ممن فمي السمماوات وممن
في الرض إل من شاء ال ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون}
@قوله تعالى" :ومما قدروا ال حمق قدره" قال الممبرد :مما عظموه حمق عظمتمه ممن قولك فلن
عظيمم القدر .قال النحاس :والمعنمى على هذا ومما عظموه حمق عظمتمه إذا عبدوا معمه غيره وهمو
خالق الشياء ومالكهما .ثمم أخمبر عمن قدرتمه وعظمتمه فقال" :والرض جميعما قبضتمه يوم القياممة
والسماوات مطويات بيمينه" .ثم نزه نفسه عن أن يكون ذلك بجارحة فقال" :سبحانه وتعالى عما
يشركون" .وفمي الترمذي عمن عبدال قال :جاء يهودي إلى النمبي صملى ال عليمه وسملم ،فقال :يما
محممد إن ال يمسمك السمماوات على إصمبع والخلئق على إصمبع ثمم يقول أنما الملك .فضحمك النمبي
صملى ال عليمه وسملم حتمى بدت نواجذه ثمم قال" :ومما قدروا ال حمق قدره" .قال :هذا حديمث حسمن
صمحيح .وفمي البخاري ومسملم عمن أبمي هريرة قال :قال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم( :يقبمض
ال الرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الرض) .وفي الترمذي
عمن عائشمة أنهما سمألت رسمول ال صملى ال عليمه وسملم عمن قوله" :والرض جميعما قبضتمه يوم
القياممة والسمماوات مطويات بيمينمه" قالت :قلت فأيمن الناس يومئذ يما رسمول ال؟ قال( :على جسمر
جهنمم) فمي روايمة (على الصمراط يما عائشمة) قال :حديمث حسمن صمحيح .وقوله" :والرض جميعما
قبضته" (ويقبض ال الرض) عبارة عن قدرته وإحاطته بجميع مخلوقاته؛ يقال :ما فلن إل في
قبضتممي ،بمعنممى ممما فلن إل فممي قدرتممي ،والناس يقولون الشياء فممي قبضتممه يريدون فممي ملكممه
وقدرتمه .وقمد يكون معنمى القبمض والطمي إفناء الشيمء وإذهابمه فقوله جمل وعمز" :والرض جميعما
قبضتممه" يحتمممل أن يكون المراد بممه والرض جميعمما ذاهبممة فانيممة يوم القيامممة ،والمراد بالرض
الرضون السبع؛ يشهد لذلك شاهدان :قوله" :والرض جميعا" ولن الموضع موضع تفخيم وهو
مقتضٍم للمبالغمة .وقوله" :والسمماوات مطويات بيمينمه" ليمس يريمد بمه طيما بعلج وانتصماب،وإنمما
المراد بذلك الفناء والذهاب؛ يقال :قممد انطوى عنمما ممما كنمما فيممه وجاءنمما غيره .وانطوى عنمما دهممر
بمعنممى المضممى والذهاب .واليميممن فممي كلم العرب قممد تكون بمعنممى القدرة والملك؛ ومنممه قوله
تعالى" :أو مما ملكمت أيمانكمم" [النسماء ]3:يريمد بمه الملك؛ وقال" :لخذنما منمه باليميمن" [الحاقمة:
]45أي بالقوة والقدرة أي لخذنا قوته وقدرته .قال الفراء والمبرد :اليمين القوة والقدرة .وأنشدا:
تلقاها عرابة باليمين إذا ما راية رفعت لمجد
وقال آخر:
تناولت منها حاجتي بيمين ولما رأيت الشمس أشرق نورها
وكان على اليات غير أمين قتلت شنيفا ثم فاران بعده
وإنما خص يوم القيامة بالذكمر وإن كانمت قدرته شاملة لكل شيمء أيضما؛ لن الدعاوى تنقطع ذلك
اليوم ،كما قال" :والمر يومئذ ل" [النفطار ]19 :وقال" :مالك يوم الدين" [الفاتحة ]3 :حسب
ما تقدم في "الفاتحة" ولذلك قال في الحديث( :ثم يقول أنا الملك أين ملوك الرض) وقد زدنا هذا
الباب فمي التذكرة بيانما ،وتكلمنما على ذكمر الشمال فمي حديمث ابمن عممر قوله( :ثمم يطوي الرض
بشماله).
@قوله تعالى" :ونفخ في الصور فصمعق من فمي السماوات ومن فمي الرض إل من شاء ال ثم
نفمخ فيمه أخرى" بيمن مما يكون بعمد قبمض الرض وطمي السمماء وهمو النفخ فمي الصمور ،وإنمما همما
نفختان؛ يموت الخلق فمي الولى منهمما ويحيون فمي الثانيمة وقمد مضمى الكلم فمي هذا فمي "النممل"
و"النعام" أيضا .والذي ينفخ في الصور هو إسرافيل عليه السلم .وقد قيل :إنه يكون معه جبريل
لحديث أبي سعيد الخدري قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :إن صاحبي الصور بأيديهما
-أو فمي أيديهمما -قرنان يلحظان النظمر متمى يؤمران) خرجمه ابمن ماجمة فمي السمنن .وفمي كتاب
أبي داود عن أبي سعيد الخدري قال :ذكر رسول ال صاحب الصور ،وقال( :عن يمينه جبرائيل
وعمن يسماره ميكائيمل) .واختلف فمي المسمتثنى ممن همم؟ فقيمل :همم الشهداء متقلديمن أسميافهم حول
العرش .روي مرفوعا من حديث أبي هريرة فيما ذكر القشيري ،ومن حديث عبدال بن عمر فيما
ذكر الثعلبي .وقيل :جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلم .وروي من حديث أنس
أن النبي صلى ال عليه وسلم تل" :ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الرض
إل ممن شاء ال" فقالوا :يما نمبي ال ممن همم الذيمن اسمتثنى ال تعالى؟ قال( :همم جبريمل وميكائيمل
وإسمرافيل وملك الموت فيقول ال تعالى لملك الموت يما ملك الموت ممن بقمي ممن خلقمي وهمو أعلم
فيقول يما رب بقمي جبريمل وميكائيمل وإسمرافيل وعبدك الضعيمف ملك الموت فيقول ال تعالى خمذ
نفس إسرائيل وميكائيل فيخران ميتين كالطودين العظيمين فيقول مت يا ملك الموت فيموت فيقول
ال تعالى لجبريمل يما جبريمل ممن بقمي فيقول تباركمت وتعاليمت ذا الجلل والكرام وجهمك الباقمي
الدائم وجبريل الميت الفاني فيقول ال تعالى يا جبريل ل بد من موتك فيقع ساجدا يخفق بجناحيه
يقول سمبحانك ربمي تباركمت وتعاليمت يما ذا الجلل والكرام) قال النمبي صملى ال عليمه وسملم( :إن
فضممل خلقممه على خلق ميكائيممل كالطود العظيممم على الظرب مممن الظراب) ذكره الثعلبممي .وذكره
النحاس أيضا من حديث محمد بن إسحاق ،عن يزيد الرقاشي ،عن أنس بن مالك ،عن النبي صلى
ال عليمه وسملم فمي قوله جمل وعمز" :فصمعق ممن فمي السمماوات وممن فمي الرض إل ممن شاء ال"
قال( :جبريل وميكائيل وحملة العرش وملك الموت وإسرافيل) وفي هذا الحديث( :إن آخرهم موتا
جبريل عليه وعليهم السلم) وحديث أبي هريرة في الشهداء أصح على ما تقدم في "النمل" .وقال
الضحاك :همو رضوان والحور ومالك والزبانيمة .وقيمل :عقارب أهمل النار وحياتهما .وقال الحسمن:
هو ال الواحد القهار وما يدع أحدا من أهل السماء والرض إل أذاقه الموت .وقال قتادة :ال أعلم
بثنياه .وقيمل :السمتئناء فمي قوله" :إل ممن شاء ال" يرجمع إلى ممن مات قبمل النفخمة الولى؛ أي
فيموت من في السماوات والرضى إل من سبق موته لنهم كانوا قد ماتوا.
وفي الصحيحين وابن ماجة واللفظ له عن أبي هريرة قال :قال رجل من اليهود بسوقي المدينة،
والذي اصطفى موسى على البشر فرفع رجل من النصار يده فلطمه؛ قال :تقول هذا وفينا رسول
ال صملى ال عليمه وسملم .فذكرت ذلك لرسمول ال صملى ال عليمه وسملم فقال( :قال ال عمز وجمل:
"ونفخ فمي الصور فصعق من في السماوات ومن في الرض إل من شاء ال ثم نفخ فيه أخرى
فإذا همم قيام ينظرون" فأكون أول ممن رفمع رأسمه فإذا أنما بموسمى آخمذ بقائممة ممن قوائم العرش فل
أدري أرفمع رأسمه قبلي أو كان مممن اسمتثنى ال وممن قال أنما خيمر ممن يونمس بمن متمى فقمد كذب)
وخرجمه الترمذي أيضما وقال فيمه :حديمث حسمن صمحيح .قال القشيري :وممن حممل السمتثناء على
موسمى والشهداء فهؤلء قمد ماتوا غيمر أنهمم أحياء عنمد ال .فيجوز أن تكون الصمعقة بزوال العقمل
دون زوال الحياة ،ويجوز أن تكون بالموت ،ول يبعممممد أن يكون الموت والحياة فكممممل ذلك مممممما
يجوزه العقل ،والمر في وقوعه موقوف على خبر صدق.
قلت :جاء فممي بعممض طرق أبممي هريرة أنممه عليممه السمملم قال( :ل تخيرونممي على موسممى فان
الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فل أدري أكان فيمن صعق
فأفاق قبلي أم كان مممن اسمتثنى ال) خرجمه مسملم .ونحوه عمن أبمي سمعيد الخدري؛ والفاقمة إنمما
تكون عن غشية وزوال عقل ل عن موت برد الحياة .وال أعلم.
@قوله تعالى" :فإذا هم قيام ينظرون" أي فإذا الموات من أهل الرض والسماء أحياء بعثوا من
قبورهمم ،وأعيدت إليهم أبدانهمم وأرواحهمم ،فقاموا ينظرون ماذا يؤمرون .وقيل :قيام على أرجلهمم
ينظرون إلى البعث الذي وعدوا به .وقيل :هذا النظر بمعنى النتظار؛ أي ينتظرون ما يفعل بهم.
وأجاز الكسائي قياما بالنصب؛ كما تقول :خرجت فإذا زيد جالسا.
**3اليمة{ 70 - 69 :وأشرقمت الرض بنور ربهما ووضمع الكتاب وجيمء بالنمبيين والشهداء
وقضي بينهم بالحق وهم ل يظلمون ،ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون}
@قوله تعالى" :وأشرقممت الرض بنور ربهمما" إشراقهمما إضاءتهمما؛ يقال :أشرقممت الشمممس إذا
أضاءت وشرقمممت إذا طلعمممت .ومعنمممى" :بنور ربهممما" بعدل ربهممما؛ قاله الحسمممن وغيره .وقال
الضحاك :بحكمم ربهما؛ والمعنمى واحمد؛ أي أنارت وأضاءت بعدل ال وقضائه بالحمق بيمن عباده.
والظلم ظلمات والعدل نور .وقيمممل :إن ال يخلق نورا يوم القياممممة يلبسمممه وجمممه الرض فتشرق
الرض بمه .وقال ابمن عباس :النور المذكور هما هنما ليمس ممن نور الشممس والقممر ،بمل همو نور
يخلقه ال فيضيء به الرض .وروي أن الرض يومئذ من فضة تشرق بنور ال تعالى حين يأتي
لفصمل القضاء .والمعنمى أنهما أشرقمت بنور خلقمه ال تعالى ،فأضاف النور إليمه على حمد إضافمة
الملك إلى المالك .وقيمل :إنمه اليوم الذي يقضمي فيمه بيمن خلقمه؛ لنمه نهار ل ليمل معمه .وقرأ ابمن
عباس وعبيمد بمن عميمر" :وأشرقمت الرض" على مما لم يسمم فاعله وهمي قراءة على التفسمير .وقمد
ضمل قوم هما هنما فتوهموا أن ال عمز وجمل ممن جنمس النور والضياء المحسموس ،وهمو متعال عمن
مشابهمة المحسموسات ،بمل همو منور السمماوات والرض ،فمنمه كمل نور خلقما وإنشاء .وقال أبمو
جعفمر النحاس :وقوله عمز وجمل" :وأشرقمت الرض بنور ربهما" يمبين هذا الحديمث المرفوع ممن
طرق كثيرة صمحاح (تنظرون إلى ال عمز وجمل ل تضامون فمي رؤيتمه) وهمو يروى على أربعمة
أوجمممه :ل تضامون ول تضارون ول تضامون ول تضارون؛ فمعنمممى (ل تضامُون) ل يلحقكمممم
ضيم كما يلحقكم في الدنيا في النظر إلى الملوك .و(ل تضارُون) ل يلحقكم ضير .و(ل تضامّون)
ل ينضم بعضكم إلى بعض ليسأله أن يريه .و(ل تضارّون) ل يخالف بعضكم بعضا .يقال :ضاره
مضارة وضرارا أي خالفه.
@قوله تعالى" :ووضمع الكتاب" قال ابمن عباس :يريمد اللوح المحفوظ .وقال قتادة :يريمد الكتاب
والصمحف التمي فيهما أعمال بنمي آدم ،فآخمذ بيمينمه وآخمذ بشماله" .وجيمء بالنمبيين" أي جيمء بهمم
فسمألهم عمما أجابتهمم بمه أممهمم" .والشهداء" الذيمن شهدوا على الممم من أممة محممد صملى ال عليمه
وسملم؛ كمما قال تعالى" :وكذلك جعلناكمم أممة وسمطا لتكونوا شهداء على الناس" [البقرة.]143 :
وقيمل :المراد بالشهداء الذي اسمتشهدوا فمي سمبيل ال ،فيشهدون يوم القياممة لممن ذب عمن ديمن ال؛
قاله السدي .قال ابن زيد :هم الحفظة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم .قال ال تعالى" :وجاءت
كمل نفس معهما سمائق وشهيد" [ق ]21 :فالسمائق يسموقها إلى الحسماب والشهيد يشهمد عليها ،وهو
الملك الموكمل بالنسمان على مما يأتمي بيانمه فمي "ق]" .وقضمي بينهمم بالحمق" أي بالصمدق والعدل.
"وهم ل يظلمون" قال سعيد بن جبير :ل ينقص من حسناتهم ول يزاد على سيئاتهم" .ووفيت كل
نفمس مما عملت" ممن خيمر أو شمر" .وهمو أعلم بمما يفعلون" فمي الدنيما ول حاجمة بمه عمز وجمل إلى
كتاب ول إلى شاهد ،ومع ذلك فتشهد الكتب ،والشهود إلزاما للحجة.
**3الية{ 72 - 71 :وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال
لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن
حقت كلمة العذاب على الكافرين ،قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين}
@قوله تعالى" :وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا" هذا بيان توفية كل نفس عملها ،فيساق الكافر
إلى النار والمؤممن إلى الجنمة .والزممر :الجماعات واحدتهما زمرة كظلممة وغرفمة .وقال الخفمش
وأبو عبيدة" :زمرا" جماعات متفرقة بعضها إثر بعض .قال الشاعر:
زمرا تنتابه بعد زمر وترى الناس إلى منزله
وقال آخر:
زمر بعد زمر حتى احزألت
وقيمل :دفعما وزجرا بصموت كصموت المزمار" .حتمى إذا جاؤوهما فتحمت أبوابهما" جواب إذا ،وهمي
سبعة أبواب .وقد مضى في "الحجر"" .وقال لهم خزنتها" واحدهم خازن نحو سدنة وسادن" ،ألم
يأتكمم رسمل منكمم" يقولون لهمم تقريعما وتوبيخما".ألم يأتكمم رسمل منكمم يتلون عليكمم آيات ربكمم" أي
الكتب المنزلة على النبياء" .وينذرونكم لقاء يومكم هذا" أي يخوفونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى"
أي قمد جاءتنما ،وهذا اعتراف منهمم بقيام الحجمة عليهمم "ولكمن حقمت كلممة العذاب على الكافريمن"
وهمي قوله تعالى" :لملن جهنمم ممن الجنمة والناس أجمعيمن" [السمجدة" .]13 :قيمل ادخلوا أبواب
جهنمم خالديمن فيهما" أي يقال لهمم ادخلوا جهنمم .وقمد مضمى الكلم فمي أبوابهما .قال وهمب :تسمتقبلهم
الزبانيمة بمقاممع ممن نار فيدفعونهمم بمقامعهمم ،فإنمه ليقمع فمي الدفعمة الواحدة إلى النار بعدد ربيعمة
ومضر" .فبئس مثوى المتكبرين" تقدم بيانه.
**3الية{ 73 :وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال
لهممم خزنتهمما سمملم عليكممم طبتممم فادخلوهمما خالديممن ،وقالوا الحمممد ل الذي صممدقنا وعده وأورثنمما
الرض نتبوأ ممن الجنمة حيمث نشاء فنعمم أجمر العامليمن ،وترى الملئكمة حافيمن ممن حول العرش
يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد ل رب العالمين}
@قوله تعالى" :وسميق الذيمن اتقوا ربهمم إلى الجنمة زمرا" يعنمي ممن الشهداء والزهاد والعلماء
والقراء وغيرهمم ،مممن اتقمى ال تعالى وعممل بطاعتمه .وقال فمي حمق الفريقيمن" :وسميق" بلفمظ
واحمد ،فسموق أهمل النار طردهممم إليهما بالخزي والهوان ،كممما يفعممل بالسممارى والخارجيممن على
السمملطان إذا سمميقوا إلى حبممس أو قتممل ،وسمموق أهممل الجنان سمموق مراكبهممم إلى دار الكرامممة
والرضوان؛ لنمه ل يذهمب بهمم إل راكمبين كمما يفعمل بممن يشرف ويكرم ممن الوافديمن على بعمض
الملوك ،فشتان ما بين السوقين" .حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها" قيل :الواو هنا للعطف عطف
على جملة والجواب محذوف .قال المممبرد :أي سممعدوا وفتحممت ،وحذف الجواب بليممغ فممي كلم
العرب .وأنشد:
ولكنها نفس تساقط أنفسا فلو أنها نفس تموت جميعة
فحذف جواب لو والتقديمر لكان أروح .وقال الزجاج" :حتمى إذا جاؤوهما" دخلوهما وهمو قريمب ممن
الول .وقيمل :الواو زائدة .قال الكوفيون وهمو خطمأ عنمد البصمريين .وقمد قيمل :إن زيادة الواو دليمل
على أن البواب فتحممت لهممم قبممل أن يأتوا لكرامتهممم على ال تعالى ،والتقديممر حتممى إذا جاؤوهمما
وأبوابها مفتحة ،بدليل قوله" :جنات عدن مفتحة لهم البواب" [ص ]50 :وحذف الواو في قصة
أهمل النار؛ لنهمم وقفوا على النار وفتحمت بعمد وقوفهمم إذلل وترويعما لهمم .ذكره المهدوي وحكمى
معناه النحاس قبله .قال النحاس :فأما الحكمة في إثبات الواو في الثاني وحذفها من الول ،فقد تكلم
فيه بعض أهل العلم بقول ل أعلم أنه سبقه إليه أحد ،وهو أنه لما قال ال عز وجل في أهل النار:
"حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها" دل بهذا على أنها كانت مغلقة ولما قال في أهل الجنة" :حتى إذا
جاؤوهما وفتحمت أبوابهما" دل بهذا على أنهما كانمت مفتحمة قبمل أن يجيؤوهما؛ وال أعلم .وقيمل :إنهما
واو الثمانية .وذلك من عادة قريش أنهم يعدون من الواحد فيقولون خمسة ستة سبعة وثمانية ،فإذا
بلغوا السممبعة قالوا وثمانيممة .قال أبممو بكممر بممن عياش .قال ال تعالى" :سممخرها عليهممم سممبع ليال
وثمانيممة أيام" [الحاقممة ]7 :وقال" :التائبون العابدون" [التوبممة ]112 :ثممم قال فممي الثامممن:
"والناهون عمن المنكمر" [التوبمة ]112 :وقال" :ويقولون سمبعة وثامنهمم" [الكهمف ]22 :وقال
"ثيبات وأبكارا" [التحريمم ]5 :وقمد مضمى القول فمي هذا فمي "براءة" مسمتوفى وفمي "الكهمف"
أيضا.
قلت :وقمد اسمتدل بهذا ممن قال إن أبواب الجنمة ثمانيمة؛ وذكروا حديمث عممر بمن الخطاب ،قال:
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ -أو فيسبغ الوضوء -ثم قال
أشهمد أن ل إله إل ال وأن محمدا عبده ورسموله إل فتحمت له أبواب الجنمة الثمانيمة يدخمل ممن أيهما
شاء) خرجه مسلم وغيره .وقد خرج الترمذي حديث عمر هذا وقال فيه( :فتح له من أبواب الجنة
ثمانيمة أبواب يوم القياممة) بزيادة ممن وهمو يدل على أن أبواب الجنمة أكثمر ممن ثمانيمة .وقمد ذكرنما
ذلك فمي كتاب التذكرة وانتهمى عددهما إلى ثلثمة عشمر بابما ،وذكرنما هناك عظمم أبوابهما وسمعتها
حسب ما ورد في الحديث من ذلك ،فمن أراده وقف عليه هناك.
@قوله تعالى" :وقال لهم خزنتها" قيل :الواو ملغاة تقديره حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها "قال
لهم خزنتها سلم عليكم طبتم" أي في الدنيا .قال مجاهد :بطاعة ال .وقيل :بالعمل الصالح .حكاه
النقاش والمعنمى واحمد .وقال مقاتمل :إذا قطعوا جسمر جهنمم حبسموا على قنطرة بيمن الجنمة والنار،
فيقمص لبعضهمم ممن بعمض مظالم كانمت بينهمم فمي الدنيما ،حتمى إذا هذبوا وطيبوا قال لهمم رضوان
وأصحابه" :سلم عليكم" بمعنى التحية "طبتم فادخلوها خالدين".
قلت :خرج البخاري حديممث القنطرة هذا فممي جامعممه مممن حديممث أبممي سممعيد الخدري قال :قال
رسمول ال صمملى ال عليممه وسمملم( :يخلص المؤمنون ممن النار فيحبسمون على قنطرة بيمن الجنمة
والنار فيقمص لبعضهمم ممن بعمض مظالم كانمت بينهمم فمي الدنيما حتمى إذا هذبوا ونقوا أذن لهمم فمي
دخول الجنمة فمو الذي نفمس محممد بيده لحدهمم أهدى بمنزله فمي الجنمة منمه بمنزله كان فمي الدنيما)
وحكممى النقاش :إن على باب الجنممة شجرة ينبممع مممن سمماقها عينان يشرب المؤمنون مممن إحداهممما
فتطهر أجوافهم وذلك قوله تعالى" :وسقاهم ربهم شرابا طهورا" [النسان ]21 :ثم يغتسلون من
الخرى فتطيمب أبشارهمم فعندهما يقول لهمم خزنتهما" :سملم عليكمم طبتمم فادخلوهما خالديمن" وهذا
يروى معناه عن علي رضي ال عنه.
@قوله تعالى" :وقالوا الحممد ل الذي صمدقنا وعده" أي إذا دخلوا الجنمة قالوا هذا" .وأورثنما
الرض نتبوأ ممن الجنمة حيمث نشاء" أي أرض الجنمة قيمل :إنهمم ورثوا الرض التمي كانمت تكون
لهمل النار لو كانوا مؤمنيمن؛ قاله أبمو العاليمة وأبمو صمالح وقتادة والسمدي وأكثمر المفسمرين وقيمل:
إنهما أرض الدنيما على التقديمم والتأخيمر" .فنعمم أجمر العامليمن" قيمل :همو ممن قولهمم أي نعمم الثواب
هذا .وقيل :هو من قول ال تعالى؛ أي نعم ثواب المحسنين هذا الذي أعطيتهم.
@قوله تعالى" :وترى الملئكة" يا محمد "حافين" أي محدقين "من حول العرش" في ذلك اليوم
"يسمبحون بحممد ربهمم" متلذذيمن بذلك ل متعبديمن بمه؛ أي يصملون حول العرش شكرا لربهمم.
والحافون أخذ من حافات الشيء ونواحيه .قال الخفش :واحدهم حاف .وقال الفراء :ل واحد له إذ
ل يقع لهم السم إل مجتمعين .ودخلت "من" على "حول" لنه ظرف والفعل يتعدى إلى الظرف
بحرف وبغير حرف .وقال الخفش" :من" زائدة أي حافين حول العرش .وهو كقولك :ما جاءني
ممن أحمد ،فممن توكيمد .الثعلبمي :والعرب تدخمل الباء أحيانما فمي التسمبيح وتحذفهما أحيانما ،فيقولون:
سمبح بحممد ربمك ،وسمبح حمدا ل؛ قال ال تعالى" :سمبح اسمم ربمك العلى" [العلى ]1 :وقال:
"فسمبح باسمم ربمك العظيمم" [الواقعمة" .]74 :وقضمي بينهمم بالحمق" بيمن أهمل الجنمة والنار .وقيمل:
قضمى بيمن النمبيين الذيمن جيمء بهمم ممع الشهداء وبيمن أممهمم بالحمق والعدل" .وقيمل الحممد ل رب
العالميمن" أي يقول المؤمنون الحممد ل على مما أثابنما ممن نعممه وإحسمانه ونصمرنا على ممن ظلمنما.
وقال قتادة فممي هذه اليممة :افتتممح ال أول الخلق بالحمممد ل ،فقال" :الحمممد ل الذي خلق السممماوات
والرض وجعمل الظلمات والنور" [النعام ]1:وختمم بالحممد فقال" :وقضمى بينهمم بالحمق وقيمل
الحمد ل رب العالمين" فلزم القتداء به ،والخذ فمي ابتداء كل أمر بحمده وخاتمته بحمده .وقيل:
إن قول "الحمممد ل رب العالميممن" مممن قول الملئكممة فعلى هذا يكون حمدهممم ل تعالى على عدله
وقضائه .وروي ممن حديمث ابمن عممر أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قرأ على المنمبر آخمر
سورة "الزمر" فتحرك المنبر مرتين.
**2سورة غافر
**3مقدمة السورة
@ سمورة غافمر ،وهمي سمورة المؤمن ،وتسممى سمورة الطول وهمي مكيمة فمي قول الحسمن وعطاء
وعكرممة وجابر .وعمن الحسمن إل قوله" :وسمبح بحممد ربمك" [غافمر ]55 :لن الصملوات نزلت
بالمدينمة .وقال ابمن عباس وقتادة :إل آيتيمن منهما نزلتما بالمدينمة وهمما "إن الذيمن يجادلون فمي آيات
ال" [غافر ] 56 :والتي بعدها .وهي خمس وثمانون آية .وقيل ثنتان وثمانون آية.
وفي مسند الدارمي قال :حدثنا جعفر بن عون عن مسعر عن سعد بن إبراهيم قال :كن الحواميم
يسمين العرائس .وروي من حديث أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال" :الحواميم ديباج
القرآن" وروي عمن ابمن مسمعود مثله .وقال الجوهري وأبمو عمبيدة :وآل حمم سمور فمي القرآن .قال
ابن مسعود :آل حم ديباج القرآن .قال الفراء :إنما هو كقولك آل فلن وآل فلن كأنه نسب السورة
كلها إلى حم؛ قال الكميت:
تأولها منا تقي ومعزب وجدنا لكم في آل حاميم آية
قال أبممو عممبيدة :هكذا رواهمما الموي بالزاي ،وكان أبممو عمرو يرويهمما بالراء .فأممما قول العامممة
الحواميم فليس من كلم العرب .وقال أبو عبيدة :الحواميم سور في القرآن على غير قياس؛ وأنشد
قائل:
وبالحواميم التي قد سبغت
قال :والولى أن تجممع بذوات حمم .وروي أن النمبي صملى ال عليمه وسملم قال( :لكمل شيمء ثمرة
وإن ثمرة القرآن ذوات حممم هممن روضات حسممان مخصممبات متجاورات فمممن أحممب أن يرتممع فممي
رياض الجنمة فليقرأ الحواميمم) .وقال النمبي صملى ال عليمه وسملم( :مثمل الحواميمم فمي القرآن كمثمل
الحبرات في الثياب) ذكرهما الثعلبي .وقال أبو عبيد :وحدثني حجاج بن محمد عن أبي معشر عن
محممد بمن قيمس قال :رأى رجمل سمبع جوار حسمان مزينات فمي النوم فقال لممن أنتمن بارك ال فيكمن
فقلن نحن لمن قرأنا نحن الحواميم.
**3اليمة{ 4 - 1 :حمم ،تنزيمل الكتاب ممن ال العزيمز العليمم ،غافمر الذنمب وقابمل التوب شديمد
العقاب ذي الطول ل إله إل همو إليمه المصمير ،مما يجادل فمي آيات ال إل الذيمن كفروا فل يغررك
تقلبهم في البلد}
@قوله تعالى" :حم" اختلف في معناه؛ فقال عكرمة :قال النبي صلى ال عليه وسلم"(:حم" اسم
ممن أسمماء ال تعالى وهمي مفاتيمح خزائن ربمك) قال ابمن عباس" :حمم" اسمم ال العظمم .وعنمه:
"الر" و"حم" و"ن" حروف الرحمن مقطعة .وعنه أيضا :اسم من أسماء ال تعالى أقسم به .وقال
قتادة :إنه اسم من أسماء القرآن .مجاهد :فواتح السور .وقال عطاء الخراساني :الحاء افتتاح اسمه
حميد وحنان وحليم وحكيم ،والميم افتتاح اسمه ملك ومجيد ومنان ومتكبر ومصور؛ يدل عليه ما
روى أنمس أن أعرابيما سمأل النمبي صملى ال عليمه وسملم :مما "حمم" فإنما ل نعرفهما فمي لسماننا؟ فقال
النمبي صملى ال عليمه وسملم( :بدء أسمماء وفواتمح سمور) وقال الضحاك والكسمائي :معناه قضمي مما
هو كائن .كأنه أراد الشارة إلى تهجي "حم"؛ لنها تصير حم بضم الحاء وتشديد الميم؛ أي قضي
ووقع .وقال كعب بن مالك:
وليس لمر حمه ال مدفع فلما تلقيناهم ودارت بنا الرحى
وعنه أيضا :إن المعنى حم أمر ال أي قرب؛ كما قال الشاعر:
قوم بهم غفلة ونوم قد حم يومي فسر قوم
ومنمه سمميت الحممى؛ لنهما تقرب ممن المنيمة .والمعنمى المراد قرب نصمره لوليائه ،وانتقاممه ممن
أعدائه كيوم بدر .وقيمل :حروف هجاء؛ قال الجرممي :ولهذا تقرأ سماكنة الحروف فخرجمت مخرج
التهجي وإذا سميت سورة بشيء من هذه الحروف أعربت؛ فتقول :قرأت "حم" فتنصب؛ ومنه:
تل حاميم قبل التقدم يذكرني حاميم والرمح شاجر فهل
وقرأ عيسمى بمن عممر الثقفمي" :حمم" بفتمح الميمم على معنمى اقرأ حمم أو للتقاء السماكنين .ابمن أبمي
إسمحاق وأبمو السممال بكسمرها .والمالة والكسمر لللتقاء السماكنين ،أو على وجمه القسمم .وقرأ أبمو
جعفر بقطع الحاء من الميم .الباقون بالوصل .وكذلك في "حم .عسق" .وقرأ أبو عمرو وأبو بكر
وحمزة والكسائي وخلف وابن ذكوان بالمالة في الحاء .وروي عن أبي عمرو بين اللفظين وهي
قراءة نافع وأبي جعفر وشيبة .الباقون بالفتح مشبعا.
@قوله تعالى" :تنزيل الكتاب" ابتداء والخبر"من ال العزيز العليم " .ويجوز أن يكون "تنزيل"
خممبرا لمبتدأ محذوف؛ أي هذا "تنزيممل الكتاب" .ويجوز أن يكون "حممم" مبتدأ و"تنزيممل" خممبره
والمعنى :أن القرآن أنزله ال وليس منقول ول مما يجوز أن يكذب به.
@قوله تعالى" :غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب" قال الفراء :جعلها كالنعت للمعرفة وهي
نكرة .وقال الزجاج :همي خفمض على البدل .النحاس :وتحقيمق الكلم فمي هذا وتلخيصمه أن "غافمر
الذنب وقابل التوب" يجوز أن يكونا معرفتين على أنهما لما مضى فيكونا نعتين ،ويجوز أن يكونا
للمسمتقبل والحال فيكونما نكرتيمن ول يجوز أن يكونما نعتيمن على هذا ولكمن يكون خفضهمما على
البدل ،ويجوز النصمب على الحال ،فأمما "شديمد العقاب" فهمو نكره ويكون خفضمه على البدل .قال
ابممن عباس" :غافممر الذنممب" لمممن قال" :ل إله إل ال" "وقابممل التوب" ممممن قال" :ل إله إل ال"
"شديمد العقاب" لممن لم يقمل" :ل إله إل ال" .وقال ثابمت البنانمي :كنمت إلى سمرادق مصمعب بمن
الزبيمر فمي مكان ل تممر فيمه الدواب ،قال :فاسمتفتحت "حمم .تنزيمل الكتاب ممن ال العزيمز العليمم"
فمر علي رجل على دابة فلما قلت "غافر الذنب" قال :قل يا غافر الذنب اغفر لي ذنبي ،فلما قلت:
"قابمل التوب" قال :قمل يما قابمل التوب تقبمل توبتمي ،فلمما قلت" :شديمد العقاب" قال :قمل يما شديمد
العقاب اعف عني ،فلما قلت" :ذي الطول" قال :قل يا ذا الطول طل علي بخير؛ فقمت إليه فأخذ
ببصممري ،فالتفممت يمينمما وشمال فلم أر شيئا .وقال أهممل الشارة" :غافممر الذنممب" فضل "وقابممل
التوب" وعدا "شديممد العقاب" عدل "ل إله إل هممو إليممه المصممير" فردا .وروي عممن عمممر بممن
الخطاب رضممي ال عنممه أنممه افتقممد رجل ذا بأس شديممد مممن أهممل الشام؛ فقيممل له :تتابممع فممي هذا
الشراب؛ فقال عممر لكاتبمه :اكتمب ممن عممر إلى فلن ،سملم عليمك ،وأنما أحممد ال إليمك الذي ل إله
إل هو" :بسم ال الرحمن .حم تنزيل الكتاب من ال العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد
العقاب ذي الطول ل إله إل همو إليمه المصمير" ثمم ختمم الكتاب وقال لرسموله :ل تدفعمه إليمه حتمى
تجده صماحيا ،ثمم أممر ممن عنده بالدعاء له بالتوبمة ،فلمما أتتمه الصمحيفة جعمل يقرؤهما ويقول :قمد
وعدنممي ال أن يغفممر لي ،وحذرنممي عقابممه ،فلم يممبرح يرددهمما حتممى بكممى ثممم نزع فأحسممن النزع
وحسنت توبته .فلما بلغ عمر أمره قال :هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أحدكم قد زل زلة فسددوه وادعوا
ال له أن يتوب عليمه ،ول تكونوا أعوانما للشياطيمن عليمه .و"التوب" يجوز أن يكون مصمدر تاب
يتوب توبا ،ويحتمل أن يكون جمع توبة نحو دومة ودوم وعزمة وعزم؛ ومنه قوله:
فيخبو ساعة ويهب ساعا
ويجوز أن يكون التوب بمعنمى التوبمة .قال أبمو العباس :والذي يسمبق إلى قلبمي أن يكون مصمدرا؛
أي يقبل هذا الفعل ،كما تقول قال قول ،وإذا كان جمعا فمعناه يقبل التوبات" .ذي الطول ل إله إل
همو" على البدل وعلى النعمت؛ لنمه معرفمة .وأصمل الطول النعام والفضمل يقال منمه :اللهمم طمل
علينما أي انعمم وتفضمل .قال ابمن عباس" :ذي الطول" ذي النعمم .وقال مجاهمد :ذي الغنمى والسمعة؛
ومنمه قوله تعالى" :وممن لم يسمتطع منكمم طول" [النسماء ]25 :أي غنمى وسمعة .وعمن ابمن عباس
أيضما" :ذي الطول" ذي الغنمى عممن ل يقول ل إله إل ال .وقال عكرممة" :ذي الطول" ذي الممن.
قال الجوهري :والطول بالفتمح الممن؛ يقال منمه طال عليمه وتطول عليمه إذا امتمن عليمه .وقال محممد
بن كعب" :ذي الطول" ذي التفضل؛ قال الماوردي :والفرق بين المن والتفضل أن المن عفو عن
ذنمب .والتفضمل إحسمان غيمر مسمتحق .والطول مأخوذ ممن الطول كأنمه طال بإنعاممه على غيره.
وقيل :لنه طالت مدة إنعامه" .إليه المصير" أي المرجع.
@قوله تعالى" :ما يجادل في آيات ال إل الذين كفروا" سجل سبحانه على المجادلين في آيات ال
بالكفممر ،والمراد الجدال بالباطممل ،ممن الطعممن فيهمما ،والقصممد إلى إدحاض الحممق ،وإطفاء نور ال
تعالى .وقمد دل على ذلك فمي قوله تعالى" :وجادلوا بالباطمل ليدحضوا بمه الحمق"[ .غافمر .]5:فأمما
الجدال فيهما ليضاح ملتبسمها ،وحمل مشكلهما ،ومقادحمة أهمل العلم فمي اسمتنباط معانيهما ،ورد أهمل
الزيغ بها وعنها ،فأعظم جهاد في سبيل ال .وقد مضى هذا المعنى في "البقرة" عند قوله تعالى:
"ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه" [البقرة ]258 :مستوفى" .فل يغررك تقلبهم في البلد"
"فل يغررك" وقرئ" :فل يغرك" "تقلبهم" أي تصرفهم "في البلد" فإني إن أمهلتهم ل أهملهم
بمل أعاقبهمم .قال ابمن عباس :يريمد تجارتهمم ممن مكمة إلى الشام وإلى اليممن .وقيمل" :ل يغررك" مما
هم فيه من الخير والسعة في الرزق فإنه متاع قليل في الدنيا .وقال الزجاج" :ل يغررك" سلمتهم
بعد كفرهم فإن عاقبتهم الهلك .وقال أبو العالية :آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن:
قوله" :مما يجادل فمي آيات ال إل الذيمن كفروا" ،وقوله" :وإن الذيمن اختلفوا فمي الكتاب لفمي شقاق
بعيد" [البقرة.]176 :
**3اليمة{ 5 :كذبمت قبلهمم قوم نوح والحزاب ممن بعدهمم وهممت كمل أممة برسمولهم ليأخذوه
وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ،وكذلك حقت كلمة ربك على الذين
كفروا أنهمم أصمحاب النار ،الذيمن يحملون العرش وممن حوله يسمبحون بحممد ربهمم ويؤمنون بمه
ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم
عذاب الجحيم ،ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهمم ومن صلح من آبائهمم وأزواجهم وذرياتهم
إنك أنت العزيز الحكيم ،وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم}
@قوله تعالى" :كذبمت قبلهمم قوم نوح" على تأنيمث الجماعمة أي كذبمت الرسمل" .والحزاب ممن
بعدهمم" أي والممم الذيمن تحزبوا عمل أنمبيائهم بالتكذيمب نحمو عاد وثمود فممن بعدهمم" .وهممت كمل
أمممة برسممولهم ليأخذوه" أي ليحبسمموه ويعذبوه .وقال قتادة والسممدي :ليقتلوه .والخممذ يرد بمعنممى
الهلك؛ كقوله" :ثم أخذتهم فكيف كان نكير" [الحج .]44 :والعرب تسمي السير الخيذ؛ لنه
مأسور للقتل؛ وأنشد قطرب قول الشاعر:
فكم من آخذ يهوى خلودي فإما تأخذوني تقتلوني
وفي وقت أخذهم لرسولهم قولن :أحدهما عند دعائه لهم .الثاني عند نزول العذاب بهم" .وجادلوا
بالباطل ليدحضوا به الحق" أي ليزيلوا .ومنه مكان دحض أي مزلقة ،والباطل داحض؛ لنه يزلق
ويزل فل يسمتقر .قال يحيمى بمن سملم :جادلوا النمبياء بالشرك ليبطلوا بمه اليمان" .فأخذتهمم" أي
بالعذاب" .فكيف كان عقاب" أي عاقبة المم المكذبة .أي أليس وجدوه حقا.
@قوله تعالى" :وكذلك حقت" أي وجبت ولزمت؛ مأخوذ من الحق لنه اللزم" .كلمة ربك" هذه
قراءة العامممة على التوحيممد .وقرأ نافممع وابممن عامممر" :كلمات" جمعمما" .على الذيممن كفروا أنهممم
أصمحاب النار" قال الخفمش :أي لنهمم وبأنهمم .قال الزجاج :ويجوز إنهمم بكسمر الهمزة".أصمحاب
النار" أي المعذبون بها وتم الكلم.
@قوله تعالى" :الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به" ويروى :أن
حملة العرش أرجلهمم فمي الرض السمفلى ورؤوسمهم قمد خرقمت العرش ،وهمم خشوع ل يرفعون
طرفهمم ،وهمم أشراف الملئكمة وأفضلهمم .ففمي الحديمث( :أن ال تبارك وتعالى أممر جميمع الملئكمة
أن يغدوا ويروحوا بالسمملم على حملة العرش تفضيل لهممم على سممائر الملئكممة) .ويقال :خلق ال
العرش ممن جوهرة خضراء ،وبيمن القائمتيمن ممن قواممه خفقان الطيمر المسمرع ثمانيمن ألف عام.
وقيمل :حول العرش سمبعون ألف صمف ممن الملئكمة يطوفون بمه مهلليمن مكمبرين ،وممن ورائهمم
سمبعون ألف صمف قيام ،قمد وضعوا أيديهمم على عواتقهمم ،ورافعيمن أصمواتهم بالتهليمل والتكمبير،
ومن ورائهم مائة ألف صف ،وقد وضعوا اليمان على الشمائل ،ما منهم أحد إل وهو يسبح بما ل
يسبح به الخر .وقرأ ابن عباس" :العرش" بضم العين؛ ذكر جميعه الزمخشري رحمه ال .وقيل:
اتصمل هذا بذكمر الكفار؛ لن المعنمى وال أعلم " -الذيمن يحملون العرش وممن حوله" ينزهون ال
عمز وجمل عمما يقوله الكفار وأقاويمل أهمل التفسمير على أن العرش همو السمرير ،وأنمه جسمم مجسمم
خلقه ال عز وجل ،وأمر ملئكة بحمله ،وتعبدهم بتعظيمه والطواف به ،كما خلق في الرض بيتا
وأممر بنمي آدم بالطواف بمه واسمتقباله فمي الصملة .وروى ابمن طهمان ،عمن موسمى بمن عقبمة ،عمن
محممد بمن المنكدر ،عمن جابر بمن عبدال النصماري ،قال :قال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم:
(أذن لي أن أحدث عن ملك من ملئكة ال من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسير
سمبعمائة عام) ذكره البيهقمي وقمد مضمى فمي "البقرة" فمي آيمة الكرسمي عظمم العرش وأنمه أعظمم
المخلوقات .وروى ثور بمن يزيمد ،عمن خالد بمن معدان ،عمن كعمب الحبار أنمه قال :لمما خلق ال
تعالى العرش قال :لن يخلق ال خلقا أعظم مني؛ فاهتز فطوقه ال بحية ،للحية سبعون ألف جناح،
في الجناح سبعون ألف ريشة ،في كل ريشة سبعون ألف وجه ،في كل وجه سبعون ألف فم ،في
كل فم سبعون ألف لسان .يخرج من أفواهها في كل يوم من التسبيح عدد قطر المطر ،وعدد ورق
الشجمر ،وعدد الحصمى والثرى ،وعدد أيام الدنيما وعدد الملئكمة أجمعيمن ،فالتوت الحيمة بالعرش،
فالعرش إلى نصف الحية وهي ملتوية به .وقال مجاهد :بين السماء السابعة وبين العرش سبعون
ألف حجاب ،حجاب نور وحجاب ظلممة ،وحجاب نور وحجاب ظلممة" .ربنما" أي يقولون "ربنما"
"وسمعت كمل شيمء رحممة وعلمما" أي وسمعت رحمتمك وعلممك كمل شيمء ،فلمما نقمل الفعمل عمن
الرحمممة والعلم نصممب على التفسممير" .فاغفممر للذيممن تابوا" أي مممن الشرك والمعاصممي "واتبعوا
سبيلك" أي دين السلم" .وقهم عذاب الجحيم" أي اصرفه عنهم حتى ل يصل إليهم .قال إبراهيم
النخعي :كان أصحاب عبدال يقولون الملئكة خير من ابن الكواء؛ هم يستغفرون لمن في الرض
وابمن الكواء يشهمد عليهمم بالكفمر ،قال إبراهيمم :وكانوا يقولون ل يحجبون السمتغفار عمن أحمد ممن
أهمل القبلة .وقال مطرف بمن عبدال :وجدنما أنصمح عباد ال لعباد ال الملئكمة ،ووجدنما أغمش عباد
ال لعباد ال الشيطان ،وتل هذه اليممة .وقال يحيممى بممن معاذ الرازي لصممحابه فممي هذه اليممة:
افهموها فمما في العالم جنة أرجمى منهما؛ إن ملكا واحدا لو سمأل ال أن يغفر لجميع المؤمنين لغفمر
لهممم ،كيممف وجميممع الملئكممة وحملة العرش يسممتغفرون للمؤمنيممن .وقال خلف بممن هشام البزار
القارئ :كنت أقرأ على سليم بن عيسى فلما بلغت" :ويستغفرون للذين آمنوا" بكى ثم قال :يا خلف
ما أكرم المؤمن على ال نائما على فراشه والملئكة يستغفرون له.
@قوله تعالى" :ربنما وأدخلهمم جنات عدن" يروى أن عممر بمن الخطاب قال لكعمب الحبار :مما
جنات عدن .قال :قصمور ممن ذهمب فمي الجنمة يدخلهما النمبيون والصمديقون والشهداء وأئممة العدل.
"التمي وعدتهمم" "التمي" فمي محمل نصمب نعتما للجنات" .وممن صملح" "ممن" فمي محمل نصمب عطفما
على الهاء والميمم فمي قوله" :وأدخلهمم"" .وممن صملح" باليمان "ممن آبائهمم وأزواجهمم وذرياتهمم"
وقمد مضمى فمي "الرعمد" نظيمر هذه اليمة .قال سمعيد بمن جمبير :يدخمل الرجمل الجنمة ،فيقول :يما رب
أيممن أبممي وجدي وأمممي؟ وأيممن ولدي وولد ولدي؟ وأيممن زوجاتممي؟ فيقال إنهممم لم يعملوا كعملك؛
فيقول :يما رب كنمت أعممل لي ولهمم؛ فيقال ادخلوهمم الجنمة .ثمم تل" :الذيمن يحملون العرش وممن
حوله" إلى قوله" :ومممن صمملح مممن آبائهممم وأزواجهممم وذرياتهممم" .ويقرب مممن هذه اليممة قوله:
"والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم" [الطور.]21 :
@قوله تعالى" :وقهمم السميئات" قال قتادة :أي وقهمم مما يسموءهم ،وقيمل :التقديمر وقهمم عذاب
السيئات وهو أمر من وقاه ال يقيه وقاية بالكسر؛ أي حفظه" .ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته"
أي بدخول الجنة "وذلك هو الفوز العظيم" أي النجاة الكبيرة.
**3الية{ 10 :إن الذين كفروا ينادون لمقت ال أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى اليمان
فتكفرون ،قالوا ربنما أمتنما اثنتيمن وأحييتنما اثنتيمن فاعترفنما بذنوبنما فهمل إلى خروج ممن سمبيل ،ذلكمم
بأنه إذا دعي ال وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم ل العلي الكبير}
@قوله تعالى" :إن الذين كفروا ينادون لمقت ال أكبر من مقتكم أنفسكم" قال الخفش" :لمقت"
هذه لم البتداء وقعممت بعممد "ينادون" لن معناه يقال لهممم والنداء قول .وقال غيره :المعنممى يقال
لهم" :لمقت ال" إياكم في الدنيا "إذ تدعون إلى اليمان فتكفرون" "أكبر" من مقت بعضكم بعضا
يوم القيامممة؛ لن بعضهممم عادى بعضمما ومقتممه يوم القيامممة ،فأذعنوا عنممد ذلك ،وخضعوا وطلبوا
الخروج من النار .وقال الكلبي :يقول كل إنسان من أهل النار لنفسه مقتك يا نفس؛ فتقول الملئكة
لهم وهم في النار :لمقت ال إياكم إذ أنتم في الدنيا وقد بعث إليكم الرسل فلم تؤمنوا أشد من مقتكم
أنفسمكم اليوم .وقال الحسمن :يعطون كتابهمم فإذا نظروا إلى سميئاتهم مقتوا أنفسمهم فينادون "لمقمت
ال" إياكم في الدنيا "إذ تدعون إلى اليمان فتكفرون" "أكبر من مقتكم أنفسكم" اليوم .وقال معناه
مجاهمد .وقال قتادة :المعنمى "لمقمت ال" لكمم "إذ تدعون إلى اليمان فتكفرون" "أكمبر ممن مقتكمم
أنفسكم" إذ عاينتم النار .فإن قيل :كيف يصح أن يمقتوا أنفسهم؟ ففيه وجهان :أحدهما أنهم أحلوها
بالذنوب محمل الممقوت .الثانمي أنهمم لمما صماروا إلى حال زال عنهمم الهوى ،وعلموا أن نفوسمهم
همي التمي أبقتهمم فمي المعاصمي مقتوها .وقال محمد بن كعمب القرظمي :إن أهل النار لما يئسوا ممما
عند الخزنة وقال لهم مالك" :إنكم ماكثون" على ما يأتي .قال بعضهم لبعض :يا هؤلء إنه قد نزل
بكم من العذاب والبلء ما قد ترون ،فهلم فلنصبر فلعل الصبر ينفعنا ،كما صبر أهل الطاعة على
طاعممة ال فنفعهممم الصممبر إذ صممبروا ،فأجمعوا رأيهممم على الصممبر فصممبروا فطال صممبرهم ،ثممم
جزعوا فنادوا "سمواء علينما أجزعنما أم صمبرنا مما لنما ممن محيمص" [إبراهيمم ]21 :أي ممن ملجمأ؛
فقال إبليس عند ذلك" :إن ال وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان"
[إبراهيمم ]22 :إلى قوله" :مما أنما بمصمرخكم ومما أنتمم بمصمرخي" [إبراهيمم ]22 :يقول :بمغمن
عنكم شيئا "إنمي كفرت بما أشركتمون من قبل" [إبراهيمم ]22 :فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم.
قال :فنودوا "لمقمت ال أكمبر ممن مقتهمم أنفسمهم إذ تدعون إلى اليمان فتكفرون" إلى قوله" :فهمل
إلى خروج ممن سمبيل" قال فرد عليهمم" :ذلكمم بأنمه إذا دعمي ال وحده كفرتمم وإن يشرك بمه تؤمنوا
فالحكم ل العلي الكبير" ذكره ابن المبارك.
@قوله تعالى" :قالوا ربنا أمتنا اثنتين" اختلف أهل التأويل في معنى قولهم" :أمتنا اثنتين وأحييتنا
اثنتين" فقال ابن مسعود وابن عباس وقتادة والضحاك :كانوا أمواتا في أصلب آبائهم ،ثم أحياهم
ثم أماتهم الموتة التي ل بد منها في الدنيا ،ثم أحياهم للبعث والقيامة ،فهاتان حياتان موتتان ،وهو
قوله تعالى" :كيمف تكفرون بال وكنتمم أمواتما فأحياكمم ثمم يميتكمم ثمم يحييكمم" [البقرة .]28 :وقال
السمدي :أميتوا فمي الدنيما ثمم أحياهمم فمي القبور للمسمألة ،ثمم أميتوا ثمم أحيوا فمي الخرة .وإنمما صمار
إلى هذا؛ لن لفظ الميت ل ينطلق في العرف على النطفة .واستدل العلماء من هذا في إثبات سؤال
القمبر ،ولو كان الثواب والعقاب للروح دون الجسمد فمما معنمى الحياء والماتمة؟ والروح عنمد ممن
يقصمر أحكام الخرة على الرواح ل تموت ول تتغيمر ول تفسمد ،وهمو حمي لنفسمه ل يتطرق إليمه
موت ول غشية ول فناء .وقال ابن زيد في قوله" :ربنا أمتنا اثنتين "...الية قال :خلقهم في ظهر
آدم وأخرجهمم وأحياهمم وأخمذ عليهمم الميثاق ،ثمم أماتهمم ثمم أحياهمم فمي الدنيما ثمم أماتهمم .وقمد مضمى
هذا فمي "البقرة"" .فاعترفنما بذنوبنما" اعترفوا حيمث ل ينفعهمم العتراف وندموا حيمث ل ينفعهمم
الندم" .فهمل إلى خروج ممن سمبيل" أي همل نرد إلى الدنيما لنعممل بطاعتمك؛ نظيره" :همل إلى مرد
من سبيل" [الشورى ]44 :وقوله" :فارجعنا نعمل صالحا" [السجدة ]12 :وقوله" :يا ليتنا نرد"
[النعام ]27 :الية.
@قوله تعالى" :ذلكم بأنه إذا دعي ال وحده كفرتم" "ذلكم" في موضع رفع أي المر "ذلكم" أو
"ذلكمم" العذاب الذي أنتمم فيمه بكفركمم .وفمي الكلم متروك تقديره فأجيبوا بأن ل سمبيل إلى الرد.
وذلك لنكم "إذا دعي ال" أي وحد ال "وحده كفرتم" وأنكرتم أن تكون اللوهية له خاصة ،وإن
أشرك بمه مشرك صمدقتموه وآمنتمم بقوله .قال الثعلبمي :وسممعت بعمض العلماء يقول" :وإن يشرك
بمه" بعمد الرد إلى الدنيما لوكان بمه "تؤمنوا" تصمدقوا المشرك؛ نظيره" :ولو ردوا لعادوا لمما نهوا
عنه"" .فالحكم ل العلي الكبير" عن أن تكون له صاحبة أو ولد.
**3الية{ 17 - 13 :هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إل من ينيب،
فادعوا ال مخلصمين له الديمن ولو كره الكافرون ،رفيمع الدرجات ذو العرش يلقمي الروح ممن أمره
على من يشاء من عباده لينذر يوم التلق ،يوم هم بارزون ل يخفى على ال منهم شيء لمن الملك
اليوم ل الواحد القهار ،اليوم تجزى كل نفس بما كسبت ل ظلم اليوم إن ال سريع الحساب}
@قوله تعالى" :همو الذي يريكمم آياتمه" أي دلئل توحيده وقدرتمه "وينزل لكمم ممن السمماء رزقما"
جممممع بيمممن إظهار اليات وإنزال الرزق؛ لن باليات قوام الديان ،وبالرزق قوام البدان .وهذه
اليات هممي السممموات والرضون وممما فيهممما وممما بينهممما مممن الشمممس والقمممر والنجوم والرياح
والسممحاب والبخار والنهار والعيون والجبال والشجار وآثار قوم هلكوا" .وممما يتذكممر" أي ممما
يتعممظ بهذه اليات فيوحممد ال "إل مممن ينيممب" أي يرجممع إلى طاعممة ال" .فادعوا ال" أي اعبدوه
"مخلصمين له الديمن" أي العبادة .وقيمل :الطاعمة" .ولو كره الكافرون" عبادة ال فل تعبدوا أنتمم
غيره.
@قوله تعالى" :رفيمع الدرجات ذو العرش" "ذو العرش" على إضمار مبتدأ .قال الخفمش:
ويجوز نصمبه على المدح .ومعنمى "رفيمع الدرجات" أي رفيمع الصمفات .وقال ابمن عباس والكلبمي
وسعيد بن جبير :رفيع السموات السبع .وقال يحيى بن سلم :هو رفعة درجة أوليائه في الجنة فم
"رفيع" على هذا بمعنى رافع فعيل بمعنى فاعل .وهو على القول الول من صفات الذات ،ومعناه
الذي ل أرفمع قدرا منه ،وهو المسمتحق لدرجات المدح والثناء ،وهي أصنافها وأبوابهما ل مسمتحق
لها غيره قال الحليمي .وقد ذكرناه في الكتاب السنى في شرح أسماء ال الحسنى والحمد ل" .ذو
العرش" أي خالقمه ومالكمه ل أنمه محتاج إليمه .وقيمل :همو ممن قولهمم :ثمل عرش فلن أي زال ملكمه
وعزه ،فهممو سممبحانه "ذو العرش" بمعنممى ثبوت ملكممه وسمملطانه وقممد بيناه فممي السممنى فممي شرح
أسماء ال الحسنى" .يلقي الروح" أي الوحي والنبوة "على من يشاء من عباده" وسمي ذلك روحا
لن الناس يحيون به؛ أي يحيون من موت الكفر كما تحيا البدان بالرواح .وقال ابن زيد :الروح
القرآن؛ قال ال تعالى" :وكذلك أوحينمما إليممك روحمما مممن أمرنمما" [الشورى .]52 :وقيممل :الروح
جبريمل؛ قال ال تعالى" :نزل بمه الروح الميمن على قلبمك" [الشعراء ]193 :وقال" :قمل نزله
روح القدس من ربك بالحق" [النحل" .]102 :من أمره" أي من قوله .وقيل :من قضائه .وقيل:
"ممن" بمعنمى الباء أي بأمره" .على ممن يشاء من عباده" وهم النمبياء يشاء هو أن يكونوا أنبياء
وليممس لحممد فيهممم مشيئة" .لينذر يوم التلق" أي إنممما يبعممث الرسممول لنذار يوم البعممث .فقوله:
"لينذر" يرجع إلى الرسول .وقيل :أي لينذر ال ببعثه الرسل إلى الخلئق "يوم التلق" .وقرأ ابن
عباس والحسن وابن السميقع "لتنذر" بالتاء خطابا للنبي عليه السلم" .يوم التلق" قال ابن عباس
وقتاده :يوم تلتقمي أهمل السمماء وأهمل الرض .وقال قتادة أيضما وأبمو العاليمة ومقاتمل :يلتقمي فيمه
الخلق والخالق .وقيل :العابدون والمعبودون .وقيل :الظالم والمظلوم .وقيل :يلقى كل إنسان جزاء
عمله .وقيممل :يلتقممي الولون والخرون على صممعيد واحممد؛ روي معناه عممن ابممن عباس .وكله
صحيح المعنى.
@قوله تعالى" :يوم هم بارزون" يكون بدل من يوم الول .وقيل" :هم" في موضع رفع بالبتداء
و"بارزون" خمبره والجملة فمي موضمع خفمض بالضافمة؛ فلذلك حذف التنويمن ممن "يوم" وإنمما
يكون هذا عند سميبويه إذا كان الظرف بمعنمى إذ؛ تقول لقيتك يوم زيمد أميمر .فإن كان بمعنى إذا لم
يجز نحو أنا ألقاك يوم زيد أمير .ومعنى" :بارزون" خارجون من قبورهم ل يسترهم شيء؛ لن
الرض يومئذ قاع صفصف ل عوج فيها ول أمتا على ما تقدم في "طه" بيانه" .ل يخفى على ال
منهمم شيمء" قيمل :إن هذا همو العاممل فمي "يوم همم بارزون" أي ل يخفمى عليمه شيمء منهمم وممن
أعمالهممم "يوم هممم بارزون"" .لمممن الملك اليوم ل الواحممد القهار" وذلك عنممد فناء الخلق .وقال
الحسمن :همو السمائل تعالى وهمو المجيمب؛ لنمه يقول ذلك حيمن ل أحمد يجيبمه فيجيمب نفسمه سمبحانه
فيقول" :ل الواحمد القهار" .النحاس :وأصمح مما قيمل فيمه مما رواه أبمو وائل عمن ابمن مسمعود قال:
(يحشمر الناس على أرض بيضاء مثمل الفضمة لم يعمص ال جمل وعمز عليهما ،فيؤممر مناد ينادي
"لمممن الملك اليوم" فيقول العباد مؤمنهممم وكافرهممم "ل الواحممد القهار" فيقول المؤمنون هذا
الجواب" سمرورا وتلذذا ،ويقوله الكافرون غمما وانقيادا وخضوعما .فأمما أن يكون هذا والخلق غير
موجودين فبعيد؛ لنه ل فائدة فيه ،والقول صحيح عن ابن مسعود وليس هو مما يؤخذ بالقياس ول
بالتأويل.
قلت :والقول الول ظاهمر جدا؛ لن المقصمود إظهار انفراده تعالى بالملك عنمد انقطاع دعاوي
المدعيممن وانتسمماب المنتسممبين؛ إذ قممد ذهممب كممل ملك وملكممه ومتكممبر وملكممه وانقطعممت نسممبهم
ودعاويهمم ،ودل على هذا قوله الحمق عنمد قبمض الرض والرواح وطمي السمماء" :أنما الملك أيمن
ملوك الرض" كمما تقدم فمي حديمث أبمي هريرة وفمي حديمث ابمن عممر ،ثمم يطوي الرض بشماله
والسمموات بيمينمه ،ثمم يقول :أنما الملك أيمن الجبارون أيمن المتكمبرون .وعنمه قوله سمبحانه" :لممن
الملك اليوم" هو انقطاع زمن الدنيا وبعده يكون البعث والنشر .قال محمد بن كعب قوله سبحانه:
"لممن الملك اليوم" يكون بيمن النفختيمن حيمن فنمي الخلئق وبقمي الخالق فل يرى غيمر نفسمه مالكما
ول مملوكما فيقول" :لممن الملك اليوم" فل يجيبمه أحمد؛ لن الخلق أموات فيجيمب نفسمه فيقول" :ل
الواحد القهار" لنه بقي وحده وقهر خلقه .وقيل :إنه ينادي مناد فيقول" :لمن الملك اليوم" فيجيبه
أهل الجنة" :ل الواحد القهار" فال أعلم .ذكره الزمخشري.
@قوله تعالى" :اليوم تجزى كمل نفمس بمما كسمبت" أي يقال لهمم إذا أقروا بالملك يومئذ ل وحده
"اليوم تجزى كمل نفمس بمما كسمبت" ممن خيمر أوشمر" .ل ظلم اليوم" أي ل ينقمص أحمد شيئا ممما
عمله" .إن ال سريع الحساب" أي ل يحتاج إلى تفكر وعقد يد كما يفعله الحساب؛ لنه العالم الذي
ل يعزب عمن علممه شيمء فل يؤخمر جزاء أحمد للشتغال بغيره؛ وكمما يرزقهمم فمي سماعة واحدة
يحاسمبهم كذلك فمي سماعة واحدة .وقمد مضمى هذا المعنمى فمي "البقرة" .وفمي الخمبر :ول ينتصمف
النهار حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.
**3الية{ 18 :وأنذرهم يوم الزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ول
شفيع يطاع ،يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور ،وال يقضي بالحق والذين يدعون من دونه ل
يقضون بشيء إن ال هو السميع البصير ،أولم يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين
كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الرض فأخذهم ال بذنوبهم وما كان لهم من ال
من واق ،ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم ال إنه قوي شديد العقاب}
@قوله تعالى" :وأنذرهم يوم الزفة" أي يوم القيامة .سميت بذلك لنها قريبة؛ إذ كل ما هو آت
قريب .وأزف فلن أي قرب يأزف أزفا؛ قال النابغة:
لما تزل برحالنا وكأن قد أزف الترحل غير أن ركابنا
أي قرب .ونظير هذه الية" :أزفت الزفة" [النجم ]57 :أي قربت الساعة .وكان بعضهم يتمثل
ويقول:
الذنوب لشقوتي ونكادي أزف الرحيل وليس لي من زاد غير
"إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين" على الحال وهو محمول على المعنى .قال الزجاج :المعنى إذ
قلوب الناس "لدى الحناجر" في حال كظمهم .وأجاز الفراء أن يكون التقدير "وأنذرهم" كاظمين.
وأجاز رفع "كاظمين" على أنمه خبر للقلوب .وقال :المعنمى إذ همم كاظمون .وقال الكسمائي :يجوز
رفممع "كاظميممن" على البتداء .وقممد قيممل :إن المراد بممم "يوم الزفممة" يوم حضور المنيممة؛ قاله
قطرب .وكذا "إذ القلوب لدى الحناجر" عند حضور المنية .والول أظهر .وقال قتادة :وقعت في
الحناجممر المخافممة فهممي ل تخرج ول تعود فممي أمكنتهمما ،وهذا ل يكون إل يوم القيامممة كممما قال:
"وأفئدتهم هواء" .وقيل :هذا إخبار عن نهاية الجزع؛ كما قال" :وبلغت القلوب الحناجر" وأضيف
اليوم إلى "الزفمة" على تقديمر يوم القياممة "الزفمة" أو يوم المجادلة"الزفمة" .وعنمد الكوفييمن همو
ممن باب إضافمة الشيمء إلى نفسه مثمل مسمجد الجاممع وصملة الولى" .مما للظالميمن من حميمم" أي
من قريب ينفع "ول شفيع يطاع" فيشفع فيهم.
@قوله تعالى" :يعلم خائنة العين" قال المؤرج :فيه تقديم وتأخير أي يعلم العين الخائنة وقال
ابن عباس :هو الرجل يكون جالسا مع القوم فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها .وعنه :هو الرجل
ينظمر إلى المرأة فإذا نظمر إليمه أصمحابه غمض بصمره ،فإذا رأى منهمم غفلة تدسمس بالنظمر ،فإذا
نظمر إليمه أصمحابه غمض بصمره ،وقمد علم ال عمز وجمل منمه أنمه يود لو نظمر إلى عورتهما .وقال
مجاهد هي مسارقة نظر العين إلى ما نهى ال عنه .وقال قتادة :هي الهمزة بعينه وإغماضه فيما
ل يحمب ال تعالى .وقال الضحاك :همي قول النسمان مما رأيمت وقمد رأى أو رأيمت ومما رأى .وقال
السمدي :إنهما الرممز بالعيمن .وقال سمفيان :همي النظرة بعمد النظرة .وقال الفراء" :خائنمة العيمن"
النظرة الثانيمة "ومما تخفمي الصمدور" النظرة الولى .وقال ابمن عباس" :ومما تخفمي الصمدور" أي
هل يزني بها لو خل بها أو ل .وقيل" :وما تخفي الصدور" تكنه وتضمره .ولما جيء بعبدال بن
أبمي سمرح إلى رسمول ال صملى ال عليمه وسملم ،بعمد مما اطمأن أهمل مكمة وطلب له المان عثمان
رضمي ال عنمه ،صممت رسمول ال صملى ال عليمه وسملم طويل ثمم قال" :نعمم" فلمما انصمرف قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم لمن حوله( :ما صمتّ إل ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه) فقال
رجل من النصار فهل أومأت إلي يا رسول ال ،فقال( :إن النبي ل تكون له خائنة أعين).
@قوله تعالى" :وال يقضي بالحق" أي يجازي من غض بصره عن المحارم ،ومن نظر إليها،
ومممن عزم على مواقعممة الفواحممش إذا قدر عليهمما" .والذيممن يدعون مممن دونممه" يعنممي الوثان "ل
يقضون بشيمء" لنهما ل تعلم شيئا ول تقدر عليمه ول تملك .وقراءة العاممة بالياء على الخمبر عمن
الظالمين وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم .وقرأ نافع وشيبة وهشام" :تدعون" بالتاء" .إن ال هو
السمميع البصمير" "همو" زائدة فاصملة .ويجوز أن تكون فمي موضمع رفمع بالبتداء ومما بعدهما خمبر
والجملة خبر إن.
@قوله تعالى" :أولم يسميروا فمي الرض فينظروا" فمي موضمع جزم عطمف على "يسميروا"
ويجوز أن يكون فمي موضمع نصمب على أنمه جواب ،والجزم والنصمب فمي التثنيمة والجممع واحمد.
"كيف كان عاقبة" اسم كان والخبر في "كيف" .و"واق" في موضع خفض معطوف على اللفظ.
ويجوز أن يكون فمي موضمع رفمع على الموضمع فرفعمه وخفضمه واحمد؛ لن الياء تحذف وتبقمى
الكسرة دالة عليها وقد مضى الكلم في معنى هذه الية في غير موضع فأغنى عن العادة.
**3اليمة{ 23 :ولقمد أرسملنا موسمى بآياتنما وسملطان ممبين ،إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا
ساحر كذاب ،فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما
كيد الكافرين إل في ضلل ،وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم
أو أن يظهر في الرض الفساد ،وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر ل يؤمن بيوم
الحساب}
@قوله تعالى" :ولقمد أرسملنا موسمى بآياتنما" وهمي التسمع اليات المذكورة فمي قوله تعالى" :ولقمد
آتينما موسمى تسمع آيات بينات" [السمراء ]101 :وقمد مضمى تعيينهما" .وسملطان ممبين" أي بحجمة
واضحمة بينمة ،وهمو يذكمر ومؤنمث .وقيمل :أراد بالسملطان التوراة" .إلى فرعون وهامان وقارون"
خصممهم بالذكممر لن مدار التدبيممر فممي عداوة موسممى كان عليهممم؛ ففرعون الملك وهامان الوزيممر
وقارون صماحب الموال والكنوز فجمعمه ال معهمما؛ لن عمله فمي الكفمر والتكذيمب كأعمالهمما.
"فقالوا ساحر كذاب" لما عجزوا عن معارضته حملوا المعجزات على السحر.
@قوله تعالى" :فلمما جاءهمم بالحمق ممن عندنما" وهمي المعجزة الظاهرة "قالوا اقتلوا أبناء الذيمن
آمنوا معه واستحيوا نساءهم" قال قتادة :هذا قتل غير القتل الول؛ لن فرعون كان قد أمسك عن
قتل الولدان بعد ولدة موسى ،فلما بعث ال موسى أعاد القتل على بني إسرائيل عقوبة لهم فيمتنع
النسمان ممن اليمان؛ ولئل يكثمر جمعهمم فيعتضدوا بالذكور ممن أولدهمم ،فشغلهمم ال عمن ذلك بمما
أنزل عليهممم مممن أنواع العذاب ،كالضفادع والقمممل والدم والطوفان إلى أن خرجوا مممن مصممر،
فأغرقهمم ال" .ومما كيمد الكافريمن إل فمي ضلل" أي فمي خسمران وهلك ،وإن الناس ل يمتنعون
من اليمان وإن فعل بهم مثل هذا فكيده يذهب باطل.
@قوله تعالى" :وقال فرعون ذرونمي أقتمل موسمى وليدع ربمه" "أقتمل" جزم؛ لنمه جواب الممر
"وليدع" جزم؛ لنمه أممر و"ذرونمي" ليمس بمجزوم وإن كان أمرا ولكمن لفظمه لفمظ المجزوم وهمو
مبني .وقيل :هذا يدل على أنه قيل لفرعون :إنا نخاف أن يدعو عليك فيجاب؛ فقال" :وليدع ربه"
أي ل يهولنكم ما يذكر من ربه فإنه ل حقيقة له وأنا ربكم العلى" .إني أخاف أن يبدل دينكم" أي
عبادتكمم لي إلى عبادة ربمه "أو أن يظهمر فمي الرض الفسماد" إن لم يبدل دينكمم فإنمه يظهمر فمي
الرض الفساد .أي يقع بين الناس بسببه الخلف .وقراءة المدنيين وأبي عبدالرحمن السلمي وابن
عاممر وأبمي عمرو" :وأن يظهمر فمي الرض الفسماد" وقراءة الكوفييمن "أو أن يظهمر" بفتمح الياء
"الفساد" بالرفع وكذلك هي في مصاحف الكوفيين" :أو" بألف وإليه يذهب أبو عبيد؛ قال :لن فيه
زيادة حرف وفيممه فصممل؛ ولن "أو" تكون بمعنممى الواو .النحاس :وهذا عنممد حذاق النحوييممن ل
يجوز أن تكون بمعنممى الواو؛ لن فممي ذلك بطلن المعانممي؛ ولوجاز أن تكون بمعنممى الواو لممما
احتيمج إلى هذا هما هنما؛ لن معنمى الواو "إنمي أخاف" المريمن جميعما ومعنمى "أو" لحمد المريمن
أي "إني أخاف أن يبدل دينكم" فإن أعوزه ذلك أظهر في الرض الفساد.
@قوله تعالى" :وقال موسى إني عذت بربي وربكم" لما هدده فرعون بالقتل استعاذ موسى بال
"ممن كمل متكمبر ل يؤممن بيوم الحسماب" أي متعظمم عمن اليمان بال ،وصمفته أنمه "ل يؤممن بيوم
الحساب".
**3الية{ 28 :وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجل أن يقول ربي ال وقد
جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن ال
ل يهدي من هو مسرف كذاب}
@قوله تعالى" :وقال رجمل مؤممن ممن آل فرعون" ذكمر بعمض المفسمرين :أن اسمم هذا الرجمل
حمبيب .وقيمل :شمعان بالشيمن المعجممة .قال السمهيلي :وهو أصمح مما قيمل فيمه .وفمي تاريمخ الطمبري
رحمه ال :اسمه خبرك .وقيل :حزقيل :ذكره الثعلبي عن ابن عباس وأكثر العلماء .الزمخشري:
واسمه سمعان أو حبيب .وقيل :خربيل أو حزبيل .واختلف هل كان إسرائيليا أو قبطيا فقال الحسن
وغيره :كان قبطيما .ويقال :إنمه كان ابمن عمم فرعون؛ قاله السمدي .قال :وهمو الذي نجما ممع موسمى
عليمه السملم؛ ولهذا قال" :ممن آل فرعون" وهذا الرجمل همو المراد بقوله تعالى" :وجاء رجمل ممن
أقصى المدينة يسعى قال يا موسى" [القصص ]20 :الية .وهذا قول مقاتل .وقال ابن عباس :لم
يكمن ممن آل فرعون مؤممن غيره وغيمر امرأة فرعون وغيمر المؤممن الذي أنذر موسمى فقال" :إن
المل يأتمرون بك ليقتلوك" [القصص.]20 :
وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :الصديقون حبيب النجار مؤمن آل يس ومؤمن
آل فرعون الذي قال أتقتلون رجل أن يقول ربي ال والثالث أبو بكر الصديق وهو أفضلهم) وفي
هذا تسلية للنبي صلى ال عليه وسلم أي ل تعجب من مشركي قومك .وكان هذا الرجل له وجاهة
عند فرعون؛ فلهذا لم يتعرض له بسوء .وقيل :كان هذا الرجل من بني إسرائيل يكتم إيمانه من آل
فرعون؛ عمن السمدي أيضما .ففمي الكلم على هذا تقديمم وتأخيمر ،والتقديمر :وقال رجمل مؤممن يكتمم
إيمانممه مممن آل فرعون .فمممن جعممل الرجممل قبطيمما فممم"مممن" عنده متعلقممة بمحذوف صممفة الرجممل؛
التقديمر؛ وقال رجمل مؤممن منسموب ممن آل فرعون؛ أي ممن أهله وأقاربمه .وممن جعله إسمرائيليا
فم"من" متعلقة بم "يكتم" في موضع المفعول الثاني لم"يكتم" .القشيري :ومن جعله إسرائيليا ففيه
بعمد؛ لنمه يقال كتممه أممر كذا ول يقال كتمم منمه .قال ال تعالى" :ول يكتمون ال حديثما" [النسماء:
]42وأيضا ما كان فرعون يحتمل من بني إسرائيل مثل هذا القول.
@قوله تعالى" :أتقتلون رجل أن يقول ربي ال" أي لن يقول ومن أجل "أن يقول ربي ال" فم
"أن" في موضع نصب بنزع الخافض" .وقد جاءكم بالبينات من ربكم" يعني اليات التسع "من
ربكمم وإن يكمن كاذبما فعليمه كذبمه" ولم يكمن ذلك لشمك منمه فمي رسمالته ،صمدقه ،ولكمن تلطفما فمي
السممتكفاف واسممتنزال عممن الذى .ولوكان و"إن يكممن" بالنون جاز ولكممن حذفممت النون لكثرة
السممتعمال على قول سمميبويه؛ ولنهمما نون العراب على قول أبممي العباس" .وإن يكممن صممادقا
يصبكم بعض الذي يعدكم" أي إن لم يصبكم إل بعض الذي يعدكم به هلكتم .ومذهب أبي عبيدة أن
معنى "بعض الذي يعدكم" كل الذي يعدكم وأنشد قول لبيد:
أو يرتبط بعض النفوس حمامها تراك أمكنة إذا لم أرضها
فبعض بمعنى كل؛ لن البعض إذا أصابهم أصابهم الكل ل محالة لدخوله في الوعيد ،وهذا ترقيق
الكلم فمي الوعمظ .وذكمر الماوردي :أن البعمض قمد يسمتعمل فمي موضمع الكمل تلطفما فمي الخطاب
وتوسعا في الكلم؛ كما قال الشاعر:
يكون مع المستعجل الزلل قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد
وقيل أيضا :قال ذلك لنه حذرهم أنواعا من العذاب كل نوع منها مهلك؛ فكأنه حذرهم أن يصيبهم
بعض تلك النواع .وقيل :وعدهم موسى بعذاب الدنيا أو بعذاب الخرة إن كفروا؛ فالمعنى يصبكم
أحمد العذابيمن .وقيمل :أي يصمبكم هذا العذاب الذي يقوله فمي الدنيما وهمو بعمض الوعيمد ،ثمم يترادف
العذاب فمي الخرة أيضما .وقيمل :وعدهمم العذاب إن كفروا والثواب إن آمنوا ،فإذا كفروا يصميبهم
بعممض ممما وعدوا" .إن ال ل يهدي مممن هممو مسممرف" على نفسممه .وقيممل" :مسممرف" فممي عناده
"كذاب" على ربه إشارة إلى موسى ويكون هذا من قول المؤمن .وقيل "كذاب" في ادعائه إشارة
إلى فرعون ويكون هذا من قول ال تعالى.
@قوله تعالى" :يكتمم إيمانمه" قال القاضمي أبمو بكمر بمن العربمي :ظمن بعضهمم أن المكلف إذا كتمم
إيمانمه ولم يتلفمظ بمه بلسمانه ل يكون مؤمنما باعتقاده ،وقمد قال مالك :إن الرجمل إذا نوى بقلبمه طلق
زوجته أنه يلزمه ،كما يكون مؤمنا بقلبه وكافرا بقلبه .فجعل مدار اليمان على القلب وأنه كذلك،
لكمن ليمس على الطلق وقمد بيناه فمي أصمول الفقمه؛ بمما لبابمه أن المكلف إذ نوى الكفمر بقلبمه كان
كافرا وإن لم يتلفمظ بلسمانه ،وأمما إذا نوى اليمان بقلبمه فل يكون مؤمنما بحال حتمى يتلفمظ بلسمانه،
ول تمنعمه التقيمة والخوف ممن أن يتلفمظ بلسمانه فيمما بينمه وبيمن ال تعالى ،إنمما تمنعمه التقيمة ممن أن
يسممعه غيره ،وليمس ممن شرط اليمان أن يسممعه الغيمر فمي صمحته ممن التكليمف ،وإنمما يشترط
سماع الغير له ليكف عن نفسه وماله.
@ روى البخاري ومسلم عن عروة بن الزبيمر قال :قلت لعبدال بن عمرو بن العاص :أخبرني
بأشمد مما صمنعه المشركون برسمول ال صملى ال عليمه وسملم؛ قال :بينما رسمول ال صملى ال عليمه
وسملم بفناء الكعبمة ،إذا أقبمل عقبمة بمن أبمي معيمط ،فأخمذ بمنكبمه رسمول ال صملى ال عليمه وسملم،
ولوى ثوبه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا ،فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول ال صلى
ال عليممه وسمملم ،وقال" :أتقتلون رجل أن يقول ربممي ال وقممد جاءكممم بالبينات مممن ربكممم" لفممظ
البخاري .خرجه الترمذي الحكيم في نوادر الصول من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن علي
رضمي ال عنمه قال :اجتمعمت قريمش بعمد وفاة أبمي طالب بثلث فأرادوا قتمل رسمول ال صملى ال
عليمه وسملم ،فأقبمل هذا يجؤه وهذا يتلتله ،فاسمتغاث النمبي صملى ال عليمه وسملم يومئذ فلم يغثمه أحمد
إل أبمو بكمر وله ضفيرتان ،فأقبمل يجمأ ذا ويتلتمل ذا ويقول بأعلى صموته :ويلكمم" :أتقتلون رجل أن
يقول ربي ال" وال إنه لرسول ال؛ فقطعت إحدى ضفيرتي أبي بكر يومئذ .فقال علي :وال ليوم
أبي بكر خير من مؤمن آل فرعون؛ إن ذلك رجل كتم إيمانه ،فأثنى ال عليه في كتابه ،وهذا أبو
بكر أظهر إيمانه وبذل مال ودمه ل عز وجل.
قلت :قول علي رضي ال عنه إن ذلك رجل كتم إيمانه يريد في أول أمره بخلف الصديق فإنه
أظهمر إيمانمه ولم يكتممه؛ وإل فالقرآن مصمرح بأن مؤممن آل فرعون أظهمر إيمانمه لمما أرادوا قتمل
موسى عليه السلم على ما يأتي بيانه .في نوادر الصول أيضا عن أسماء بنت أبي بكر رضي
ال عنها قالوا لها :ما أشد شيء رأيت المشركين بلغوا من رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ فقالت:
كان المشركون قعودا في المسجد ،ويتذاكرون رسول ال صلى ال عليه وسلم ما يقول في آلهتهم،
فبينا هم كذلك إذ دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقاموا إليه بأجمعهم وكانوا إذا سألوه عن
شيء صدقهم ،فقالوا :ألست تقول كذا في آلهتنا قال( :بلى) فتشبثوا فيه بأجمعهم فأتى الصريخ إلى
أبي بكر فقال له :أدرك صاحبك .فخرج من عندنا وإن له غدائر ،فدخل المسجد وهو يقول :ويلكم
"أتقتلون رجل أن يقول ربمي ال وقمد جاءكمم بالبينات ممن ربكمم" فلهوا عمن رسمول ال صملى ال
عليه وسلم وأقبلوا على أبي بكر ،فرجع إلينا أبو بكر فجعل ل يمس شيئا من غدائره إل جاء معه،
وهو يقول :تباركت يا ذا الجلل والكرام؛ إكرام إكرام.
**3الية{ 33 - 29 :يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الرض فمن ينصرنا من بأس ال إن
جاءنما قال فرعون مما أريكمم إل مما أرى ومما أهديكمم إل سمبيل الرشاد ،وقال الذي آممن يما قوم إنمي
أخاف عليكمم مثمل يوم الحزاب ،مثمل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذيمن ممن بعدهمم ومما ال يريمد
ظلمما للعباد ،ويما قوم إنمي أخاف عليكمم يوم التناد ،يوم تولون مدبريمن مما لكمم ممن ال ممن عاصمم
ومن يضلل ال فما له من هاد}
@قوله تعالى" :ياقوم لكم الملك اليوم" هذا من قول مؤمن آل فرعون ،وفي قوله "يا قوم" دليل
على أنممه قبطممي ،ولذلك أضافهممم إلى نفسممه فقال" :يمما قوم" ليكونوا أقرب إلى قبول وعظممه "لكممم
الملك" فأشكروا ال على ذلك" .ظاهريمن فمي الرض" أي غالبيمن وهمو نصمب على الحال أي فمي
حال ظهوركمممم .والمراد بالرض أرض مصمممر فمممي قول السمممدي وغيره ،كقوله" :وكذلك مكنممما
ليوسف في الرض"[ .يوسف ]21 :أي في أرض مصر" .فمن ينصرنا من بأس ال إن جاءنا"
أي من عذاب ال تحذيرا لهم من نقمه إن كان موسى صادقا ،فذكر وحذر "قال فرعون ما أريكم
إل ما أرى" فعلم فرعون ظهور حجته فقال" :ما أريكم إل ما أرى" .قال عبدالرحمن بن زيد بن
أسلم :ما أشير عليكم إل ما أرى لنفسي" .وما أهديكم إل سبيل الرشاد" في تكذيب موسى واليمان
بي.
@قوله تعالى" :وقال الذي آمن ياقوم" زادهم في الوعظ "إني أخاف عليكم مثل يوم الحزاب"
يعني أيام العذاب التي عذب فيها المتحزبون على النبياء المذكورين فيما بعد.
@قوله تعالى" :ويما قوم إنمي أخاف عليكمم يوم التناد" زاد فمي الوعمظ والتخويمف وأفصمح عمن
إيمانه ،إما مستسلما موطنا نفسه على القتل ،أو واثقا بأنهم ل يقصدونه بسوء ،وقد وقاه ال شرهم
بقوله الحمق "فوقاه ال سميئات مما مكروا" .وقراءة العاممة "التناد" بتخفيمف الدال وهمو يوم القياممة؛
قال أمية بن أبي الصلت:
فهم سكانها حتى التناد وبث الخلق فيها إذ دحاها
سمممي بذلك لمناداة الناس بعضهممم بعضمما؛ فينادي أصممحاب العراف رجال يعرفونهممم بسمميماهم،
وينادي أصمحاب الجنمة أصمحاب النار" :أن قمد وجدنما مما وعدنما ربنما حقما" وينادي أصمحاب النار
أصحاب الجنة" :أن أفيضوا علينا من الماء" وينادي المنادى أيضا بالشقوة والسعادة :أل إن فلن
بمن فلن قمد شقمي شقاوة ل يسمعد بعدهما أبدا ،أل إن فلن بمن فلن قمد سمعد سمعادة ل يشقمى بعدهما
أبدا .وهذا عنمد وزن العمال .وتنادي الملئكمة أصمحاب الجنمة" :أن تلكممو الجنمة أورثتموهما بمما
كنتمم تعملون" [العراف ]43 :وينادى حيمن يذبمح الموت :يما أهمل الجنمة خلود ل موت ويما أهمل
النار خلود ل موت .وينادي كمل قوم بإمامهمم إلى غيمر ذلك ممن النداء .وقرأ الحسمن وابمن السمميقع
ويعقوب وابمن كثيمر ومجاهمد" :التناد" بإثبات الياء فمي الوصمل والوقمف على الصمل .وقرأ ابمن
عباس والضحاك وعكرممة "يوم التناد" بتشديمد الدال .قال بعمض أهمل العربيمة :هذا لحمن؛ لنمه ممن
ند يند إذا مر على وجهه هاربا؛ كما قال الشاعر:
نواديها أسعى بعضب مجرد وبرك هجود قد أثارت مخافتي
قال :فل معنمى لهذا فمي القياممة .قال أبمو جعفمر النحاس :وهذا غلط والقراءة بهما حسمنة على معنمى
يوم التنافممر .قال الضحاك :ذلك إذا سمممعوا زفيممر جهنممم ندوا هربمما ،فل يأتون قطرا مممن أقطار
الرض إل وجدوا صممفوفا مممن الملئكممة ،فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيممه؛ فذلك قوله" :يوم
التناد" .وقوله" :يمما معشممر الجممن والنممس إن اسممتطعتم أن تنفذوا مممن أقطار السممموات والرض"
[الرحممن ]33:اليمة .وقوله" :والملك على أرجائهما" [الحاقمة ]17 :ذكره ابمن المبارك بمعناه.
قال :وأخبرنما عبدالرحممن بمن يزيمد بمن جابر قال :حدثنما عبدالجبار بمن عمبيدال بمن سملمان فمي قوله
تعالى" :إنمي أخاف عليكمم يوم التناد .يوم تولون مدبريمن" ثمم تسمتجيب لهمم أعينهمم بالدممع فيبكون
حتى ينفد الدمع ،ثم تستجيب لهم أعينهم بالدم فيبكون حتى ينفد الدم ،ثم تستجيب لهم أعينهم بالقيح.
قال :يرسمل عليهمم ممن ال أممر فيولون مدبريمن ،ثمم تسمتجيب لهمم أعينهمم بالقيمح ،فيبكون حتمى ينفمد
القيمح فتغور أعينهمم كالخرق فمي الطيمن .وقيمل :إن هذا يكون عنمد نفمخ إسمرافيل عليمه السملم فمي
الصمور نفخمة الفزع .ذكره علي بمن معبمد والطمبري وغيرهمما ممن حديمث أبمي هريرة ،وفيمه فتكون
الرض كالسمفينة فمي البحمر تضربهما المواج فيميمد الناس على ظهرهما وتذهمل المراضمع وتضمع
الحوامل ما في بطونها وتشيب الولدان وتتطاير الشياطين هاربة فتلقاها الملئكة تضرب وجوهها
ويولي الناس مدبريممن ينادي بعضهممم بعضمما وهممي التممي يقول ال تعالى" :يوم التناد .يوم تولون
مدبرين ما لكم من ال من عاصم ومن يضلل ال فما له من هاد" الحديث بكماله .وقد ذكرناه في
كتاب التذكرة وتكلمنمما عليممه هناك .وروي عممن علي بممن نصممر عممن أبممي عمرو إسممكان الدال مممن
"التناد" في الوصل خاصة .وروى أبو معمر عن عبدالوارث زيادة الياء في الوصل خاصة وهو
مذهب ورش .والمشهور عن أبي عمرو حذفها في الحالين .وكذلك قرأ سائر السبعة سوى ورش
على مما ذكرنما عنمه وسموى ابمن كثيمر على مما تقدم .وقيمل :سممي يوم القياممة يوم التناد؛ لن الكافمر
ينادي فيه بالويل والثبور والحسرة .قاله ابن جريج .وقيل :فيه إضمار أي إني أخاف عليكم عذاب
يوم التناد؛ فال أعلم" .يوم تولون مدبرين" على البدل من "يوم التناد" "ومن يضلل ال فما له من
هاد" أي مممن خلق ال فممي قلبممه الضلل فل هادي له .وفممي قائله قولن :أحدهممما موسممى .الثانممي
مؤمن آل فرعون وهو الظهر .وال أعلم.
**3الية{ 35 - 34 :ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى
إذا هلك قلتمم لن يبعمث ال ممن بعده رسمول كذلك يضمل ال من همو مسمرف مرتاب ،الذيمن يجادلون
فمي آيات ال بغيمر سملطان أتاهمم كمبر مقتما عنمد ال وعنمد الذيمن آمنوا كذلك يطبمع ال على كمل قلب
متكبر جبار}
@قوله تعالى" :ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات" قيل :إن هذا من قول موسى .وقيل :هو من
تمام وعمظ مؤممن آل فرعون؛ ذكرهمم قديمم عتوهمم على النمبياء؛ وأراد يوسمف بمن يعقوب جاءهمم
بالبينات "أأرباب متفرقون خيمر أم ال الواحمد القهار" [يوسمف ]39 :قال ابمن جريمج :همو يوسمف
بمن يعقوب بعثه ال تعالى رسول إلى القبط بعد موت الملك من قبل موسى بالبينات وهمي الرؤيا.
وقال ابمن عباس :همو يوسمف بمن إفرائيمم بمن يوسمف بمن يعقوب أقام فيهمم نبيما عشريمن سمنة .وحكمى
النقاش عمن الضحاك :أن ال تعالى بعمث إليهمم رسمول ممن الجمن يقال له يوسمف .وقال وهمب بمن
عمّر .وغيره يقول :هو آخر .النحاس :وليس في الية منبه :إن فرعون موسى هو فرعون يوسف ُ
مما يدل على أنمه هو؛ لنمه إذا أتى بالبينات نبي لمن معه ولمن بعده فقمد جاءهمم جميعما بهما وعليهم
أن يصدقوه بها" .فما زلتم في شك مما جاءكم به" أي أسلفكم كانوا في شك" .حتى إذا هلك قلتم
لن يبعث ال من بعده رسول" أي من يدعي الرسالة "كذلك" أي مثل ذلك الضلل "يضل ال من
هو مسرف" مشرك "مرتاب" شاك في وحدانية ال تعالى.
@قوله تعالى" :الذيمن يجادلون فمي آيات ال" أي فمي حججمه الظاهرة "بغيمر سملطان" أي بغيمر
حجة وبرهان و"الذين" في موضع نصب على البدل من "من" وقال الزجاج :أي كذلك يضل ال
الذيمن يجادلون فمي آيات ال فمم"الذيمن" نصمب .قال :ويجوز أن يكون رفعما على معنمى همم الذيمن أو
على البتداء والخبر "كبر مقتا" .ثم قيل :هذا من كلم مؤمن آل فرعون .وقيل :ابتداء خطاب من
ال تعالى" .مقتا" على البيان أي "كبر" جدالهم "مقتا"؛ كقوله :كبرت كلمة" [الكهف ]5 :ومقت
ال تعالى ذممه لهمم ولعنمه إياهمم وإحلل العذاب بهمم" .كذلك" أي كمما طبمع ال على قلوب هؤلء
المجادليمن فكذلك "يطبمع ال" أي يختمم "على كمل قلب متكمبر جبار" حتمى ل يعقمل الرشاد ول يقبمل
الحق .وقراءة العامة "على كل قلب متكبر" بإضافة قلب إلى المتكبر واختاره أبو حاتم وأبو عبيد.
وفي الكلم حذف والمعنى" :كذلك يطبع ال على كل قلب" على كل "متكبر جبار" فحذف "كل"
الثانيمة لتقدم مما يدل عليهما .وإذا لم يقدر حذف "كمل" لم يسمتقم المعنمى؛ لنمه يصمير معناه أنمه يطبمع
على جميمع قلبمه وليمس المعنمى عليمه .وإنمما المعنمى أنمه يطبمع على قلوب المتكمبرين الجباريمن قلبما
قلبا .ومما يدل على حذف "كل" قول أبي دواد:
ونار توقد باليل نارا أكل امرئ تحسبين امرأ
يريد وكل نار .وفي قراءة ابن مسعود "على قلب كل متكبر" فهذه قراءة على التفسير والضافة.
وقرأ أبمو عمرو وابمن محيصمن وابمن ذكوان عمن أهمل الشام "قلب" منون على أن "متكمبر" نعمت
للقلب فكني بالقلب عن الجملة؛ لن القلب هو الذي يتكبر وسائر العضاء تبع له؛ ولهذا قال النبي
صملى ال عليمه وسملم( :إن فمي الجسمد مضغمة إذا صملحت صملح الجسمد كله وإذا فسمدت فسمد الجسمد
كله أل وهممي القلب) ويجوز أن يكون على حذف المضاف؛ أي على كممل ذي قلب متكممبر؛ تجعممل
الصفة لصاحب القلب.
**3اليمة{ 37 - 36 :وقال فرعون يما هامان ابمن لي صمرحا لعلي أبلغ السمباب ،أسمباب
السممماوات فأطلع إلى إله موسممى وإنممي لظنممه كاذبمما وكذلك زيممن لفرعون سموء عمله وصممد عمن
السبيل وما كيد فرعون إل في تباب}
@قوله تعالى" :وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا" لما قال مؤمن آل فرعون ما قال ،وخاف
فرعون أن يتمكممن كلم هذا المؤمممن فممي قلوب القوم ،أوهممم أنممه يمتحممن ممما جاء بممه موسممى مممن
التوحيمد ،فإن بان له صموابه لم يخفمه عنهمم ،وإن لم يصمح ثبتهمم على دينهمم؛ فأممر وزيره هامان
ببناء الصرح .وقد مضى في "القصص" ذكره" .لعلي أبلغ السباب .أسباب السماوات" "أسمباب
السمموات" بدل ممن الول .وأسمباب السمماء أبوابهما فمي قول قتادة والزهري والسمدي والخفمش؛
وأنشد:
ولو رام أسباب السماء بسلم ومن هاب أسباب المنايا ينلنه
وقال أبو صالح :أسباب السموات طرقها .وقيل :المور التي تستمسك بها السموات .وكرر أسباب
تفخيما؛ لن الشيء إذا أبهم ثم أوضح كان تفخيما لشأنه .وال أعلم" .فأطلع إلى إله موسى" فأنظر
إليه نظر مشرف عليه .توهم أنه جسم تحويه الماكن .وكان فرعون يدعي اللوهية ويرى تحقيقها
بالجلوس فمي مكان مشرف .وقراءة العاممة "فأطلع" بالرفمع نسمقا على قوله" :أبلغ" وقرأ العرج
والسملمي وعيسمى وحفمص "فأطلع" بالنصمب؛ قال أبمو عمبيدة :على جواب "لعمل" بالفاء .النحاس:
ومعنى النصب خلف معنى الرفع؛ لن معنى النصب متى بلغت السباب اطلعت .ومعنى الرفع
"لعلي أبلغ السباب" ثم لعلي أطلع بعد ذلك؛ إل أن ثم أشد تراخيا من الفاء" .وإني لظنه كاذبا"
أي وإني لظن موسى كاذبا في ادعائه إلها دوني ،وإنما أفعل ما أفعل لزاحة العلة .وهذا يوجب
شك فرعون في أمر ال .وقيل :إن الظن بمعنى اليقين أي وأنا أتيقن أنه كاذب وإنما أقول ما أقول
لزالة الشبهة عمن ل أتيقن ما أتيقنه.
@قوله تعالى" :وكذلك زيمن لفرعون سموء عمله" أي كمما قال هذه المقالة وارتاب زيمن له
الشيطان أو زين ال سوء عمله أي الشرك والتكذيب" .وصد عن السبيل" قراءة الكوفيين "وصد"
على مما لم يسمم فاعله وهمو اختيار أبمي عبيمد وأبمي حاتمم؛ ويجوز على هذه القراءة "وصمد" بكسمر
الصماد نقلت كسمرة الدال عمل الصماد؛ وهمي قراءة ليحيمى بمن وثاب وعلقممة .وقرأ ابمن أبمي إسمحاق
وعبدالرحممن بن بكرة "وصمد عن السبيل" بالرفع والتنوين .الباقون "وصمد" بفتح الصماد والدال.
أي صممد فرعون الناس عممن السممبيل" .وممما كيممد فرعون إل فممي تباب" أي فممي خسممران وضلل،
ومنمه" :تبمت يدا أبمي لهمب" [المسمد ]1:وقوله" :ومما زادوهمم غيمر تتمبيب" [ هود ]101 :وفمي
موضع "غير تخسير" [هود ]63:فهد ال صرحه وغرقه هو وقومه على ما تقدم.
**3الية{ 44 - 38 :وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد ،يا قوم إنما هذه الحياة
الدنيا متاع وإن الخرة هي دار القرار ،من عمل سيئة فل يجزى إل مثلها ومن عمل صالحا من
ذكمر أو أنثمى وهو مؤممن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيهما بغيمر حساب ،ويما قوم مما لي أدعوكم
إلى النجاة وتدعوننمي إلى النار ،تدعوننمي لكفمر بال وأشرك بمه مما ليمس لي بمه علم وأنما أدعوكمم
إلى العزيمز الغفار ،ل جرم أنمما تدعوننمي إليمه ليمس له دعوة فمي الدنيما ول فمي الخرة وأن مردنما
إلى ال وأن المسمرفين همم أصمحاب النار ،فسمتذكرون مما أقول لكمم وأفوض أمري إلى ال إن ال
بصير بالعباد}
@قوله تعالى" :وقال الذي آمن ياقوم اتبعون" هذا من تمام ما قاله مؤمن آل فرعون؛ أي اقتدوا
بي في الدين" .سبيل الرشاد" أي طريق الهدى وهو الجنة .وقيل :من قول موسى .وقرأ معاذ بن
جبل "الرشاد" بتشديد الشين وهو لحن عند أكثر أهل العربية؛ لنه إنما يقال أرشد يرشد ول يكون
فعال ممن أفعمل إنمما يكون ممن الثلثمي ،فإن أردت التكثيمر ممن الرباعمي قلت :مفعال .قال النحاس:
يجوز أن يكون رشاد بمعنممى يرشممد ل على أنممه مشتممق منممه ،ولكممن كممما يقال لل مممن اللؤلؤ فهممو
بمعناه وليس جاريا عليه .ويجوز أن يكون رشاد من رشد يرشد أي صاحب رشاد؛ كما قال:
كليني لهم يا أميمة ناصب
الزمخشري :وقرئ "الرشاد" فعال ممن رشمد بالكسمر كعلم أو ممن رشمد بالفتمح كعباد .وقيمل :ممن
أرشمد كجبار ممن أجمبر وليمس بذاك؛ لن فعال ممن أفعمل لم يجمئ إل فمي عدة أحرف؛ نحمو دراك
وسار وقصار وجبار .ول يصح القياس على هذا القليل .ويجوز أن يكون نسبته إلى الرشد كعواج
وبتات غيمر منظور فيمه إلى فعمل .ووقمع فمي المصمحف "اتبعون" بغيمر ياء .وقرأهما يعقوب وابمن
كثيمر بالثبات في الوصل والوقف .وحذفها أبو عمرو ونافع في الوقمف وأثبتوها في الوصل ،إل
ورشما حذفهما فمي الحاليمن ،وكذلك الباقون؛ لنهما وقعمت فمي المصمحف بغيمر ياء وممن أثبتهما فعلى
الصل.
@قوله تعالى" :ياقوم إنمما هذه الحياة الدنيما متاع" أي يتمتمع بهما قليل ثمم تنقطمع وتزول" .وإن
الخرة همممي دار القرار" أي السمممتقرار والخلود .ومراده بالدار الخرة الجنمممة والنار لنهمممما ل
يفنيان .بيمن ذلك بقوله" :ممن عممل سميئة" يعنمي الشرك "فل يجزى إل مثلهما" وهمو العذاب" .وممن
عمممل صممالحا" قال ابممن عباس :يعنممي ل إله إل ال" .وهممو مؤمممن" مصممدق بقلبممه ل وللنممبياء.
"فأولئك يدخلون الجنمة" بضمم الياء على مما لم يسمم فاعله .وهمي قراءة ابمن كثيمر وابمن محيصمن
وأبمممي عمرو ويعقوب وأبمممي بكمممر عمممن عاصمممم؛ يدل عليمممه "يرزقون فيهممما بغيمممر حسممماب"
الباقون"يدخلون" بفتح الياء.
@قوله تعالى" :وياقوم مما لي أدعوكمم إلى النجاة" أي إلى طريمق اليمان الموصمل إلى الجنان
"وتدعوننمي إلى النار" بيمن أن مما قال فرعون ممن قوله" :ومما أهديكمم إل سمبيل الرشاد" [غافمر:
]29سبيل الغي عاقبته النار وكانوا دعوه إلى اتباعه؛ ولهذا قال" :تدعونني لكفر بال وأشرك
به ما ليس لي به علم" وهو فرعون "وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار"" .ل جرم" تقدم الكلم فيه،
ومعناه حقا" .أنما تدعونني إليه" "ما" بمعنى الذي "ليس له دعوة" قال الزجاج :ليس له استجابة
دعوة تنفع؛ وقال غيره :ليس له دعوة توجب له اللوهية "في الدنيا ول في الخرة" وقال الكلبي:
ليمس له شفاعمة فمي الدنيما ول فمي الخرة .وكان فرعون أول يدعمو الناس إلى عبادة الصمنام ،ثمم
دعاهم إلى عبادة البقر ،فكانت تعبد ما كانت شابة ،فإذا هرمت أمر بذبحها ،ثم دعا بأخرى لتعبد،
ثمم لمما طال عليمه الزمان قال أنما ربكمم العلى" .وأن المسمرفين همم أصمحاب النار" قال قتادة وابمن
سميرين يعنمي المشركيمن .وقال مجاهمد والشعمبي :همم السمفهاء والسمفاكون للدماء بغيمر حقهما .وقال
عكرممة :الجبارون والمتكمبرون .وقيمل :همم الذي تعدوا حدود ال .وهذا جاممع لمما ذكمر .و"أن" فمي
المواضمع فمي موضمع نصمب بإسمقاط حرف الجمر .وعلى مما حكاه سميبويه عمن الخليمل ممن أن "ل
جرم" رد لكلم يجوز أن يكون موضمع "أن" رفعما على تقديمر وجمب أن مما تدعوننمي إليمه ،كأنمه
قال :وجب بطلن ما تدعونني إليه ،والمرد إلى ال ،وكون المسرفين هم أصحاب النار.
@قوله تعالى" :فسمتذكرون مما أقول لكمم" تهديمد ووعيمد .و"مما" يجوز أن تكون بمعنمى الذي أي
الذي أقوله لكم .ويجوز أن تكون مصدرية أي فستذكرون قولي لكم إذا حل بكم العذاب" .وأفوض
أمري إلى ال" أي أتوكممل عليممه وأسمملم أمري إليممه .وقيممل :هذا يدل على أنهممم أرادوا قتله .وقال
مقاتمل :هرب هذا المؤمن إلى الجبل فلم يقدروا عليه .وقمد قيل :القائل موسمى .والظهمر أنه مؤمن
آل فرعون؛ وهو قول ابن عباس.
**3اليمة{ 45 :فوقاه ال سميئات مما مكروا وحاق بآل فرعون سموء العذاب ،النار يعرضون
عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}
@قوله تعالى" :فوقاه ال سميئات مما مكروا" أي من إلحاق أنواع العذاب به فطلبوه فمما وجدوه؛
لنمه فوض أمره إلى ال .قال قتادة :كان قبطيما فنجاه ال ممع بنمي إسمرائيل .فالهاء على هذا لمؤممن
آل فرعون .وقيمل :إنهما لموسمى على مما تقدم ممن الخلف" .وحاق بآل فرعون سموء العذاب" قال
الكسائي :يقال حاق يحيق حيقا وحيوقا إذ نزل ولزم .ثم بين العذاب فقال" :النار يعرضون عليها"
وفيه ستة أوجه :يكون رفعا على البدل من "سوء" .ويجوز أن يكون بمعنى هو النار .ويجوز أن
يكون مرفوعمما بالبتداء .وقال الفراء :يكون مرفوعمما بالعائد على معنممى النار عليهمما يعرضون،
فهذه أربعمة أوجمه فمي الرفمع ،وأجاز الفراء النصمب؛ لن بعدهما عائدا وقبلهما مما يتصمل بمه ،وأجاز
الخفممش الخفممض على البدل مممن "العذاب" .والجمهور على أن هذا العرض فممي البرزخ .واحتممج
بعممض أهمل العلم فممي تثممبيت عذاب القمبر بقوله" :النار يعرضون عليهمما غدوا وعشيمما" ممما داممت
الدنيما .كذلك قال مجاهمد وعكرممة ومقاتمل ومحممد بمن كعمب كلهمم قال :هذه اليمة تدل على عذاب
القممبر فممي الدنيمما ،أل تراه يقول عممن عذاب الخرة" :ويوم تقوم السمماعة أدخلوا آل فرعون أشممد
العذاب" .وفمي الحديمث عمن ابمن مسمعود :أن أرواح آل فرعون وممن كان مثلهمم ممن الكفار تعرض
على النار بالغداة والعشمي فيقال هذه داركمم .وعنمه أيضما :إن أرواحهمم فمي أجواف طيمر سمود تغدو
على جهنمم وتروح كمل يوم مرتيمن فذلك عرضهما .وروى شعبمة عمن يعلى بمن عطاء قال :سممعت
ميمون بمن مهران يقول :كان أبمو هريرة إذا أصمبح ينادي :أصمبحنا والحممد ل وعرض آل فرعون
على النار .فإذا أمسى نادى :أمسينا والحمد ل وعرض آل فرعون على النار؛ فل يسمع أبا هريرة
أحد إل تعوذ بال من النار .وفي حديث صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر قال :قال رسول
ال صمملى ال عليممه وسمملم( :إن الكافممر إذا مات عرض على النار بالغداة والعشممي ثممم تل" :النار
يعرضون عليهما غدوا وعشيما" وإن المؤممن إذا مات عرض روحمه عمل الجنمة بالغداة والعشممي)
وخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :إن أحدكم إذا مات
عرض عليمه مقعده بالغداة والعشمي إن كان ممن أهمل الجنمة فممن أهمل الجنمة وإن كان ممن أهمل النار
فممن أهمل النار فيقال هذا مقعدك حتمى يبعثمك ال إليمه يوم القياممة) .قال الفراء :فمي الغداة والعشمي
بمقاديمر دلك فمي الدنيما .وهمو قول مجاهمد .قال":غدوا وعشيما" قال :ممن أيام الدنيما .وقال حماد بمن
محممد الفزاري :قال رجمل للوزاعمي رأينما طيورا تخرج ممن البحمر تأخمذ ناحيمة الغرب ،بيضما
صمغارا فوجما فوجما ل يعلم عددهما إل ال ،فإذا كان العشاء رجعمت مثلهما سمودا .قال :تلك الطيور
فممي حواصمملها أرواح آل فرعون ،يعرضون على النار غدوا وعشيمما ،فترجممع إلى أوكارهمما وقممد
أحترقمت رياشهما وصمارت سمودا ،فينبمت عليهما ممن الليمل رياشهما بيضما وتتناثمر السمود ،ثمم تغدو
فتعرض على النار غدوا وعشيا ،ثم ترجع إلى وكرها فذلك دأبها ما كانت في الدنيا ،فإذا كان يوم
القياممة قال ال تعالى" :أدخلوا آل فرعون أشمد العذاب" وهمو الهاويمة .قال الوزاعمي :فبلغنما أنهمم
ألفا ألف وستمائة ألف .و"غدوا" مصدر جعل ظرفا على السعة" .وعشيا" عطف عليه وتم الكلم.
"ويوم تقوم السماعة أدخلوا آل فرعون أشمد العذاب" ابتدئ "ويوم تقوم السماعة" على أن تنصمب
يومما بقوله" :أدخلوا" ويجوز أن يكون منصموبا بمم"يعرضون" على معنمى "يعرضون" على النار
فممي الدنيمما "ويوم تقوم السمماعة" فل يوقممف عليممه .وقرأ نافممع وأهممل المدينممة وحمزة والكسممائي:
"أدخلوا" بقطمع اللف وكسمر الخاء ممن أدخمل وهمي اختيار أبمي عبيمد؛ أي يأممر الملئكمة أن
يدخلوهمم ،ودليله "النار يعرضون عليهما" .الباقون "أدخلوا" بوصمل اللف وضمم الخاء ممن دخمل
أي يقال لهممم" :أدخلوا" يمما "آل فرعون أشممد العذاب" وهممو اختيار أبممي حاتممم .قال :فممي القراءة
الولى" :آل" مفعول أول و"أشممد" مفعول ثان بحذف الجممر ،وفممي القراءة الثانيممة منصمموب؛ لنممه
نداء مضاف .وآل فرعون :ممن كان على دينمه وعلى مذهبمه ،وإذا كان ممن كان على دينمه ومذهبمه
فمي أشمد العذاب كان همو أقرب إلى ذلك .وروى ابمن مسمعود عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم( :إن
العبد يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا منهم يحيمى بن زكريا ولد مؤمنا وحيي مؤمنا ومات
مؤمنما وإن العبمد يولد كافرا ويحيما كافرا ويموت كافرا منهمم فرعون ولد كافرا وحيمي كافرا ومات
كافرا) ذكره النحاس .وجعممل الفراء فممي اليممة تقديممما وتأخيرا مجازه" :أدخلوا آل فرعون أشممد
العذاب"" .النار يعرضون عليهما غدوا وعشيما" فجعمل العرض فمي الخرة؛ وهمو خلف مما ذهمب
إليه الجمهور من انتظام الكلم على سياقه على ما تقدم .وال أعلم.
**3اليمة{ 50 - 47 :وإذ يتحاجون فمي النار فيقول الضعفاء للذيمن اسمتكبروا إنما كنما لكمم تبعما
فهمل أنتمم مغنون عنما نصميبا ممن النار ،قال الذيمن اسمتكبروا إنما كمل فيهما إن ال قمد حكمم بيمن العباد،
وقال الذيمن فمي النار لخزنمة جهنمم ادعوا ربكمم يخفمف عنما يومما ممن العذاب ،قالوا أولم تمك تأتيكمم
رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إل في ضلل}
@قوله تعالى" :وإذ يتحاجون فمي النار" أي يختصممون فيهما "فيقول الضعفاء للذيمن اسمتكبروا"
عمن النقياد للنمبياء "إنما كنما لكمم تبعما" فيمما دعوتمونما إليمه ممن الشرك فمي الدنيما "فهمل أنتمم مغنون
عنما" أي متحملون "نصميبا ممن النار" أي جزءا ممن العذاب .والتبمع يكون واحدا ويكون جمعما فمي
قول البصمريين واحده تابمع .وقال أهمل الكوفمة :همو جممع ل واحمد له كالمصمدر فلذلك لم يجممع ولو
جممع لقيمل أتباع" .قال الذيمن اسمتكبروا إنما كمل فيهما" أي فمي جهنمم .قال الخفمش" :كمل" مرفوع
بالبتداء .وأجاز الكسمائي والفراء"إنما كل فيهما" بالنصمب على النعمت والتأكيمد للمضممر فمي "إنما"
وكذلك قرأ ابن السميقع وعيسى بن عمر والكوفيون يسمون التأكيد نعتا .ومنع ذلك سيبويه؛ قال:
لن "كل" ل تنعمت ول ينعمت بهما .ول يجوز البدل فيمه لن المخمبر عمن نفسمه ل يبدل منمه غيره،
وقال معناه الممبرد قال :ل يجوز أن يبدل ممن المضممر هنما؛ لنمه مخاطمب ول يبدل ممن المخاطَب
ول من المخاطِب؛ لنهما ل يشكلن فيبدل منهما؛ هذا نص كلمه" .إن ال قد حكم بين العباد" أي
ل يؤاخذ أحدا بذنب غيره؛ فكل منا كافر.
@قوله تعالى" :وقال الذيمن فمي النار" ممن الممم الكافرة .وممن العرب ممن يقول اللذون على أنمه
جممع مسملم معرب ،وممن قال" :الذيمن" فمي الرفمع بناه كمما كان فمي الواحمد مبنيما .وقال الخفمش:
ضممت النون إلى الذي فأشبمه خمسمة عشمر فبنمي على الفتمح" .لخزنمة جهنمم" خزنمة جممع خازن
ويقال :خزان وخزن" .ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب" "يخفف" جواب مجزوم وإن كان
بالفاء كان منصموبا ،إل أن الكثمر فمي كلم العرب فمي جواب الممر ومما أشبهمه أن يكون بغيمر فاء
وعلى هذا جاء القرآن بأفصح اللغات كما قال:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
قال محممد بمن كعمب القرظمي :بلغنمي أو ذكمر لي أن أهمل النار اسمتغاثوا بالخزنمة؛ فقال ال تعالى:
"وقال الذيمن فمي النار لخزنمة جهنمم ادعوا ربكمم يخفمف عنما يومما ممن العذاب" فسمألوا يومما واحدا
يخفمف عنهمم فيمه العذاب فردت عليهمم "أو لم تمك تأتيكمم رسملكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا ومما
دعاء الكافرين إل في ضلل" الخبر بطوله .وفي الحديث عن أبي الدرداء خرجه الترمذي وغيره
قال :يلقممى على أهممل النار الجوع حتممى يعدل ممما هممم فيممه مممن العذاب ،فيسممتغيثون منممه فيغاثون
بالضريع ل يسمن ول يغني من جوع ،فيأكلونه ل يغني عنهم شيئا ،فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي
غصمة فيغصمون بمه ،فيذكرون أنهمم كانوا فمي الدنيما يجيزون الغصمص بالماء ،فيسمتغيثوا بالشراب
فيرفع لهم الحميم بالكلليب ،فإذا دنا من وجوههم شواها ،فإذا وقع في بطونهم قطع أمعاءهم وما
فمي بطونهمم ،فيسمتغيثون بالملئكمة يقولون" :ادعوا ربكمم يخفمف عنما يومما ممن العذاب" فيجيبوهمم
"أولم تمك تأتيكمم رسملكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا ومما دعاء الكافريمن إل فمي ضلل" أي
خسار وتبار.
**3الية{ 54 - 51 :إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد ،يوم ل
ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ،ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل
الكتاب ،هدى وذكرى لولي اللباب}
@قوله تعالى" :إنما لننصمر رسملنا" ويجوز حذف الضممة لثقلهما فيقال" :رسمْلنا" والمراد موسمى
عليمه السمملم" .والذيمن آمنوا فممي الحياة الدنيما" فممي موضممع نصممب عطممف على الرسممل ،والمراد
المؤممن الذي وعمظ .وقيمل :همو عام فمي الرسمل والمؤمنيمن ،ونصمرهم بإعلء الحجمج وإفلحهما فمي
قول أبمي العاليمة .وقيمل :بالنتقام ممن أعدائهمم .قال السمدي :مما قتمل قوم قمط نبيما أو قومما ممن دعاة
الحق من المؤمنين إل بعث ال عز وجل من ينتقم لهم ،فصاروا منصورين فيها وإن قتلوا.
@قوله تعالى" :ويوم يقوم الشهاد" يعنمي يوم القياممة .قال زيمد بمن أسملم" :الشهاد" أربعمة:
الملئكمة والنمبيون والمؤمنون والجسماد .وقال مجاهمد والسمدي" :الشهاد" الملئكمة تشهمد للنمبياء
بالبلغ وعلى المم بالتكذيمب .وقال قتادة :الملئكة والنبياء .ثم قيمل" :الشهاد" جممع شهيمد مثل
شريف وأشراف .وقال الزجاج" :الشهاد" جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب .النحاس :ليس باب
فاعمل أن يجممع على أفعال ول يقاس عليمه ولكمن مما جاء منمه مسمموعا أدي كمما سممع ،وكان على
حذف الزائد .وأجاز الخفمممش والفراء" :ويوم تقوم الشهاد" بالتاء على تأنيمممث الجماعمممة .وفمممي
الحديث عن أبي الدرداء وبعض المحدثين يقول عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :من رد عن
عرض أخيه المسلم كان حقا على ال عز وجل أن يرد عنه نار جهنم) ثم تل" :إنا لننصر رسلنا
والذيمن آمنوا" .وعنمه عليمه السملم أنمه قال( :ممن حممى مؤمنما ممن منافمق يغتابمه بعمث ال عمز وجمل
يوم القيامة ملكا يحميه من النار ومن ذكر مسلما بشيء يشينه به وقفه ال عز وجل على جسر من
جهنممم حتممى يخرج مممما قال)" .يوم" بدل مممن يوم الول" .ل ينفممع الظالميممن معذرتهممم" قرأ نافممع
والكوفيون "ينفمع" بالياء .الباقون بالتاء" .ولهمم اللعنمة ولهمم سموء الدار" "اللعنمة" البعمد ممن رحممة
ال و"سوء الدار" جهنم.
@قوله تعالى" :ولقد آتينا موسى الهدى" هذا دخل في نصرة الرسل في الدنيا والخرة أي آتيناه
التوراة والنبوة .وسميت التوراة هدى بما فيها من الهدى والنور؛ وفي التنزيل" :إنا أنزلنا التوراة
فيها هدى ونور" [المائدة" .]44:وأورثنا بني إسرائيل الكتاب" يعني التوراة جعلناها لهم ميراثا.
"هدى" بدل من الكتاب ويجوز بمعنى هو هدى؛ يعني ذلك الكتاب" .وذكرى لولي اللباب" أي
موعظة لصحاب العقول.
**3اليمة{ 59 - 55 :فاصمبر إن وعمد ال حمق واسمتغفر لذنبمك وسمبح بحممد ربمك بالعشمي
والبكار ،إن الذين يجادلون في آيات ال بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إل كبر ما هم ببالغيه
فاسمتعذ بال إنمه همو السمميع البصمير ،لخلق السمماوات والرض أكمبر ممن خلق الناس ولكمن أكثمر
الناس ل يعلمون ،وما يستوي العمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ول المسيء قليل
ما تتذكرون ،إن الساعة لتية ل ريب فيها ولكن أكثر الناس ل يؤمنون}
@قوله تعالى" :فاصبر" أي فاصبر يا محمد على أذى المشركين ،كما صبر من قبلك "إن وعد
ال حمق" بنصمرك وإظهارك ،كمما نصمرت موسمى وبنمي إسمرائيل .وقال الكلبمي :نسمخ هذا بآيمة
السيف" .واستغفر لذنبك" قيل :لذنب أمتك حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه .وقيل :لذنب
نفسمك على ممن يجوز الصمغائر على النمبياء .وممن قال ل تجوز قال :هذا تعبمد للنمبي عليمه السملم
بدعاء؛ كما قال تعالى" :وآتنا ما وعدتنا" [آل عمران ]194 :والفائدة زيادة الدرجات وأن يصير
الدعاء سمنة لممن بعده .وقيمل :فاسمتغفر ال ممن ذنمب صمدر منمك قبمل النبوة" .وسمبح بحممد ربمك
بالعشي والبكار" يعني صلة الفجر وصلة العصر؛ قال الحسن وقتادة .وقيل :هي صلة كانت
بمكمة قبمل أن تفرض الصملوات الخممس ركعتان غدوة وركعتان عشيمة .عمن الحسمن أيضما ذكره
الماوردي .فيكون هذا ممما نسمخ وال أعلم .وقوله" :بحممد ربمك" بالشكمر له والثناء عليمه .وقيمل:
"وسمبح بحممد ربمك" أي اسمتدم التسمبيح فمي الصملة وخارجما منهما لتشتغمل بذلك عمن اسمتعجال
النصر.
@قوله تعالى" :إن الذيمن يجادلون" يخاصممون "فمي آيات ال بغيمر سملطان" أي حجمة "أتاهمم إن
فمي صدورهم إل كبر ما هم ببالغيه" قال الزجاج :المعنمى ما فمي صمدورهم إل كبر ما هم ببالغي
إرادتهممم فيممه .قدره على الحذف .وقال غيره :المعنممى ممما هممم ببالغممي الكممبر على غيممر حذف؛ لن
هؤلء قوم رأوا أنهمم أن اتبعوا النبي صلى ال عليه وسملم قل ارتفاعهم ،ونقصت أحوالهمم ،وأنهم
يرتفعون إذا لم يكونوا تبعمما ،فأعلم ال عممز وجممل أنهممم ل يبلغون الرتفاع الذي أملوه بالتكذيممب.
والمراد المشركون .وقيممل :اليهود؛ فاليممة مدنيممة على هذا كممما تقدم أول السممور .والمعنممى :إن
تعظموا عمن اتباع محممد صملى ال عليمه وسملم وقالوا إن الدجال سميخرج عمن قريمب فيرد الملك
إلينما ،وتسمير معمه النهار ،وهمو آيمة ممن آيات ال فذلك كمبر ل يبلغونمه فنزلت اليمة فيهمم .قال أبمو
العالية وغيره .وقد تقدم في "آل عمران" أنه يخرج ويطأ البلد كلها إل مكة والمدينة .وقد ذكرنا
خبره مستوفى في كتاب التذكرة .وهو يهودي واسمه صاف ويكنى أبا يوسف .وقيل :كل من كفر
بالنبي صلى ال عليه وسلم .وهذا حسن؛ لنه يعم .وقال مجاهد :معناه في صدورهم عظمة ما هم
ببالغيها والمعنى واحد .وقيل :المراد بالكبر المر الكبير أي يطلبون النبوة أو أمرا كبيرا يصلون
به إليك من القتل ونحوه ،ول يبلغون ذلك .أو يتمنون موتك قبل أن يتم دينك ول يبلغونه.
@قوله تعالى" :فاسمتعذ بال" قيل :ممن فتنمة الدجال على قول من قال إن اليمة نزلت فمي اليهود.
وعلى القول الخمر ممن شمر الكفار .قيمل :ممن مثمل مما ابتلوا بمه ممن الكفمر والكمبر" .إنمه همو السمميع
البصمير" "همو" يكون فاصمل ويكون مبتدأ ومما بعده خمبره والجملة خمبر إن على مما تقدم" .لخلق
السماوات والرض أكبر من خلق الناس" مبتدأ وخبره .قال أبو العالية :أي أعظم من خلق الدجال
حين عظمته اليهود .وقال يحيى بن سلم :هو احتجاج على منكري البعث؛ أي هما أكبر من إعادة
خلق الناس فلم اعتقدوا عجزي عنها؟" .ولكن أكثر الناس ل يعلمون" أي ل يعلمون ذلك.
@قوله تعالى" :ومما يسمتوي العمى والبصمير" أي المؤمن والكافمر والضال والمهتدي" .والذين
آمنوا وعملوا الصمالحات" أي ول يسمتوي العاممل للصمالحات "ول المسميء" الذي يعممل السميئات.
"قليل ما تتذكرون" قراءة العامة بياء على الخبر واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لجل ما قبله من
الخبر وما بعده .وقرأ الكوفيون بالتاء على الخطاب.
@قوله تعالى" :إن السماعة لتيمة" هذه لم التأكيمد دخلت فمي خمبر إن وسمبيلها أن تكون فمي أول
الكلم؛ لنها توكيد الجملة إل أنها تزحلق عن موضعها؛ كذا قال سيبويه .تقول :إن عمرا لخارج؛
وإنما أخرت عن موضعها لئل يجمع بينها وبين إن؛ لنهما يؤديان عن معنى واحد ،وكذا ل يجمع
بين إن وأن عند البصريين .وأجاز هشام إن أن زيدا منطلق حق؛ فإن حذفت حقا لم يجز عند أحد
مممن النحوييممن علمتممه؛ قاله النحاس" .ل ريممب فيهمما" ل شممك ول مريممة" .ولكممن أكثممر الناس ل
يؤمنون" أي ل يصدقون بها وعندها يبين فرق ما بين الطائع والعاصي.
**3الية{ 60 :وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم
داخريمن ،ال الذي جعمل لكمم الليمل لتسمكنوا فيمه والنهار مبصمرا إن ال لذو فضمل على الناس ولكمن
أكثمر الناس ل يشكرون ،ذلكمم ال ربكمم خالق كمل شيمء ل إله إل همو فأنمى تؤفكون ،كذلك يؤفمك
الذيمن كانوا بآيات ال يجحدون ،ال الذي جعمل لكمم الرض قرارا والسمماء بناء وصموركم فأحسمن
صموركم ورزقكمم ممن الطيبات ذلكمم ال ربكمم فتبارك ال رب العالميمن ،همو الحمي ل إله إل همو
فادعوه مخلصين له الدين الحمد ل رب العالمين}
@قوله تعالى" :وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" روى النعمان بن بشير قال :سمعت النبي صلى
ال عليممه وسمملم يقول( :الدعاء هممو العبادة) ثممم قرأ "وقال ربكممم ادعونممي اسممتجب لكممم إن الذيممن
يسمتكبرون عمن عبادتمي سميدخلون جهنمم داخريمن" قال أبمو عيسمى :هذا حديمث حسمن صمحيح .فدل
هذا على أن الدعاء همو العبادة .وكذا قال أكثمر المفسمرون وأن المعنمى :وحدونمي واعبدونمي أتقبمل
عبادتكم وأغفر لكم .وقيل :هو الذكر والدعاء والسؤال .قال أنس :قال النبي صلى ال عليه وسلم:
(ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع) ويقال الدعاء :هو ترك الذنوب.
وحكمى قتادة أن كعمب الحبار قال :أعطيمت هذه الممة ثلثما لم تعطهمن أممة قبلهمم إل نمبي :كان إذا
أرسممل نممبي قيممل له أنممت شاهممد على أمتممك ،وقال تعالى لهذه المممة" :لتكونوا شهداء على الناس"
[البقرة ]143 :وكان يقال للنمبي :ليمس عليمك فمي الديمن ممن حرج ،وقال لهذه الممة" :ومما جعمل
عليكمم فمي الديمن ممن حرج" [الحمج ]78 :وكان يقال للنمبي ادعنمي اسمتجب لك ،وقال لهذه الممة:
"ادعوني استجب لكم".
قلت :مثمل هذا ل يقال ممن جهمة الرأي .وقمد جاء مرفوعما؛ رواه ليمث عمن شهمر بمن حوشمب عمن
عبادة بن الصامت ،قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :أعطيت أمتي ثلثا لم تعط
إل للنبياء كان ال تعالى إذا بعث النبي قال ادعني استجب لك وقال لهذه المة" :ادعوني استجب
لكم" وكان ال إذا بعث النبي قال :ما جعل عليك في الدين من حرج وقال لهذه المة" :وما جعل
عليكمم فمي الديمن ممن حرج" [الحمج ]78 :وكان ال إذا بعمث النمبي جعله شهيدا على قوممه وجعمل
هذه المة شهداء على الناس) ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الصول .وكان خالد الربعي يقول:
عجيب لهذه المة قيل لها" :ادعوني استجب لكم" أمرهم بالدعاء ووعدهم الستجابة وليس بينهما
شرط .قال له قائل :مثممل ماذا؟ قال :مثممل قوله تعالى" :وبشممر الذيممن آمنوا وعملوا الصممالحات"
[البقرة ]25 :فها هنا شرط ،وقوله" :وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق" [يونس ،]2 :فليس فيه
شرط العممل؛ ومثمل قوله" :فادعوا ال مخلصمين له الديمن" [غافمر ]14 :فهما هنما شرط ،وقوله
تعالى" :ادعونمي اسمتجب لكمم" ليمس فيمه شرط .وكانمت الممة تفزع إلى أنبيائهما فمي حوائجهما حتمى
تسمأل النمبياء لهمم ذلك .وقمد قيمل :إن هذا ممن باب المطلق والمقيمد على مما تقدم فمي "البقرة" بيانمه.
أي "اسمتجب لكمم" إن شئت؛ كقوله" :فيكشمف مما تدعون إليمه إن شاء" [النعام .]41:وقمد تكون
السمتجابة فمي غيمر عيمن المطلوب على حديمث أبمي سمعيد الخدري على مما تقدم فمي "البقرة" بيانمه
فتأمله هناك .وقرأ ابن كثير وابن محيصن ورويس عن يعقوب وعياش عن أبي عمرو وأبو بكر
والمفضل عن عاصم "سيدخلون" بضم الياء وفتح الخاء على ما لم يسم فاعله .الباقون "يدخلون"
بفتح الياء وضم الخاء .ومعنى "داخرين" صاغرين أذلء وقد تقدم.
@قوله تعالى" :ال الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه" "جعل" هنا بمعنى خلق؛ والعرب تفرق بين
جعل إذا كانت بمعنى خلق وبين جعل إذ لم تكن بمعنى خلق؛ فإذا كانت بمعنى خلق فل تعديها إل
إلى مفعول واحد ،وإذا لم تكن بمعنى خلق عدتها إلى مفعولين؛ نحو قوله:إنا جعلناه قرآنا عربيا"
وقممد مضممى هذا المعنممى فممي موضممع" .والنهار مبصممرا" أي مضيئا لتبصممروا فيممه حوائجكممم
وتتصرفوا في طلب معايشكم" .إن ال لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس ل يشكرون" فضله
وإنعامه عليهم.
@قوله تعالى" :ذلكم ال ربكم خالق كل شيء" بين الدللة على وحدانيته وقدرته" .ل إله إل هو
فأنمى تؤفكون" أي كيمف تنقلبون وتنصمرفون عمن اليمان بعمد أن تمبينت لكمم دلئله كذلك؛ أي كمما
صمرفتم عمن الحمق ممع قيام الدليمل عليمه فمم "كذلك يؤفمك" يصمرف عمن الحمق الذيمن كانوا بآيات ال
يجحدون.
@قوله تعالى" :ال الذي جعل لكم الرض قرارا" زاد في تأكيد التعريف والدليل؛ أي جعل لكم
الرض مسمتقرا لكمم فمي حياتكمم وبعمد الموت" .والسمماء بناء" تقدم" .وصموركم فأحسمن صموركم"
أي خلقكمم فمي أحسمن صمورة .وقرأ أبمو رزيمن والشهمب العقيلي "صموركم" بكسمر الصماد؛ قال
الجوهري :والصمور بكسمر الصماد لغمة فمي الصمور جممع صمورة ،وينشمد هذا البيمت على هذه اللغمة
يصف الجواري قائل:
وهن أحسن من صيرانها صورا أشبهن من بقر الخلصاء أعينها
والصيران جمع صوار وهو القطيع من البقر والصوار أيضا وعاء المسك وقد جمعهما الشاعر:
وأذكرها إذا نفخ الصوار إذا لح الصوار ذكرت ليلى
والصيار لغة فيه" .ورزقكم من الطيبات ذلكم ال ربكم فتبارك ال رب العالمين" وقد مضى" .هو
الحي" أي الباقي الذي ل يموت "ل إله إل هو فادعوه مخلصين له الدين" أي مخلصين له الطاعة
والعبادة" .الحمد ل رب العالمين" قال الفراء :هو خبر وفيه إضمار أمر أي ادعوه واحمدوه .وقد
مضممى هدا كله مسمتوفى فممي "البقرة" وغيرهمما .وقال ابمن عباس :ممن قال" :ل إله إل ال" فليقمل
"الحمد ل رب العالمين".
**3اليمة{ 66 :قمل إنمي نهيمت أن أعبمد الذيمن تدعون ممن دون ال لمما جاءنمي البينات ممن ربمي
وأمرت أن أسملم لرب العالميمن ،همو الذي خلقكمم ممن تراب ثمم ممن نطفمة ثمم ممن علقمة ثمم يخرجكمم
طفل ثمم لتبلغوا أشدكمم ثمم لتكونوا شيوخما ومنكمم ممن يتوفمى ممن قبمل ولتبلغوا أجل مسممى ولعلكمم
تعقلون ،هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون}
@قوله تعالى" :قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون ال" أي قل يا محمد :نهاني ال الذي
همو الحمي القيوم ول إله غيره "أن اعبمد" غيره" .لمما جاءنمي البينات ممن ربمي" أي دلئل توحيده
"وأمرت أن أسلم لرب العالمين" أذل وأخضع "لرب العالمين" وكانوا دعوه إلى دين آبائه ،فأمر
أن يقول هذا.
@قوله تعالى" :هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفل" أي أطفال.
"ثمم لتبلغوا أشدكمم" وهمي حالة اجتماع القوة وتمام العقمل .وقمد مضمى فمي "النعام" بيانمه" .ثمم
لتكونوا شيوخما" بضمم الشيمن قراءة نافمع وابمن محيصمن وحفمص وهشام ويعقوب وأبمو عمرو على
الصمل؛ لنمه جممع فعمل ،نحمو :قلب وقلوب ورأس ورؤوس .وقرأ الباقون بكسمر الشيمن لمراعاة
الياء وكلهما جمع كثرة ،وفي العدد القليل أشياخ والصل أشيخ؛ مثل فلس وأفلس إل أن الحركة
فمي الياء ثقيلة .وقرئ "شيخما" على التوحيمد؛ كقوله" :طفل" والمعنمى كمل واحمد منكمم؛ واقتصمر
على الواحد لن الغرض بيان الجنس .وفي الصحاح :جمع الشيخ شيوخ وأشياخ وشيخة وشيخان
ومشيخة ومشايخ ومشيوخاء ،والمرأة شيخة .قال عبيد:
كأنها شيخة رقوب
وقد شاخ الرجل يشيخ شيخا بالتحريك على أصله وشيخوخة ،وأصل الياء متحركة فسكنت؛ لنه
ليمس فمي الكلم فعلول .وشيمخ تشييخما أي شاخ .وشيختمه دعوتمه شيخما للتبجيمل .وتصمغير الشيمخ
شييمخ وشييمخ أيضما بكسمر الشيمن ول تقمل شويمخ النحاس :وإن اضطمر شاعمر جاز أن يقول أشيمخ
مثل عين وأعين إل أنه حسن في عين؛ لنها مؤنثة .والشيخ من جاوز أربعين سنة" .ومنكم من
يتوفمى ممن قبمل" قال مجاهمد :أي ممن قبمل أن يكون شيخما ،أوممن قبمل هذه الحوال إذا خرج سمقطا.
"ولتبلغوا أجل مسمى" قال مجاهد :الموت للكل .واللم لم العاقبة" .ولعلكم تعقلون" تعقلون ذلك
فتعلموا أن ل إله غيره.
@قوله تعالى" :هو الذي يحيي ويميت" زاد في التنبيه أي هو الذي يقدر على الحياء والماتة.
"فإذا قضى أمرا" أي أراد فعله "فإنما يقول له كن فيكون" نصب "فيكون" ابن عامر على جواب
المر .وقد مضى في "البقرة" القول فيه.
**3الية{ 69 :ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات ال أنى يصرفون ،الذين كذبوا بالكتاب وبما
أرسملنا بمه رسملنا فسموف يعلمون ،إذ الغلل فمي أعناقهمم والسملسل يسمحبون ،فمي الحميمم ثمم فمي
النار يسمجرون ،ثمم قيمل لهمم أيمن مما كنتمم تشركون ،ممن دون ال قالوا ضلوا عنما بمل لم نكمن ندعوا
ممن قبمل شيئا كذلك يضمل ال الكافريمن ،ذلكمم بمما كنتمم تفرحون فمي الرض بغيمر الحمق وبمما كنتمم
تمرحون ،ادخلوا أبواب جهنمم خالديمن فيهما فبئس مثوى المتكمبرين ،فاصمبر إن وعمد ال حمق فإمما
نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون ،ولقد أرسلنا رسل من قبلك منهم من قصصنا
عليمك ومنهمم ممن لم نقصمص عليمك ومما كان لرسمول أن يأتمي بآيمة إل بإذن ال فإذا جاء أممر ال
قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون}
@قوله تعالى" :ألم تممر إلى الذيممن يجادلون فممي آيات ال أنممى يصممرفون" قال ابممن زيممد :هممم
المشركون بدليمل قوله" :الذن كذبوا بالكتاب وبمما أرسملنا بمه رسملنا" .وقال أكثمر المفسمرين :نزلت
في القدرية .قال ابن سيرين :إن لم تكن هذه الية نزلت في القدرية فل أدري فيمن نزلت .قال أبو
قبيمل :ل أحسمب المكذبيمن بالقدر إل الذيمن يجادلون الذيمن آمنوا .وقال عقبمة بمن عاممر :قال النمبي
صلى ال عليه وسلم( :نزلت هذه الية في القدرية) ذكره المهدوي.
@قوله تعالى" :إذ الغلل في أعناقهم" أي عن قريب يعلمون بطلن ما هم فيه إذا دخلوا النار
وغلت أيديهمم إلى أعناقهمم .قال التيممي :لوأن غل ممن أغلل جهنمم وضمع على جبمل لوهصمه حتمى
يبلغ الماء السمود" .والسملسل يسمحبون" بالرفمع قراءة العاممة عطفما على الغلل .قال أبمو حاتمم:
"يسمحبون" مسمتأنف على هذه القراءة .وقال غيره :همو فمي موضمع نصمب على الحال ،والتقديمر:
"إذ الغلل فمي أعناقهمم والسملسل" مسمحوبين .وقرأ ابمن عباس وأبمو الجوزاء وعكرممة وابمن
مسعود "والسلسل" بالنصب "يسحبون" بفتح الياء والتقدير في هذه القراءة ويسحبون السلسل.
قال ابن عباس :إذا كانوا يجرونها فهو أشد عليهم وحكي عن بعضهم "والسلسل" بالجر ووجهه
أنمه محمول على المعنمى؛ لن المعنمى أعناقهمم فمي الغلل والسملسل؛ قال الفراء .وقال الزجاج:
ومممن قرأ "والسمملسل يسممحبون" بالخفممض فالمعنممى عنده وفممي "السمملسل يسممحبون" .قال ابممن
النباري :والخفمض على هذا المعنمى غيمر جائز؛ لنمك إذا قلت زيمد فمي الدار لم يحسمن أن تضممر
"فمي" فتقول زيمد الدار ،ولكمن الخفمض جائز .على معنمى إذ أعناقهمم فمي الغلل والسملسل،
فتخفمض السملسل على النسمق على تأويمل الغلل؛ لن الغلل فمي تأويمل الخفمض؛ كمما تقول:
خاصم عبدال زيدا العاقلين فتنصب العاقلين .ويجوز رفعهما؛ لن أحدهما إذا خاصم صاحبه فقد
خاصمه صاحبه؛ أنشد الفراء:
الفعون والشجاع الشجعما قد سالم الحيات منه القدما
فنصمب الفعوان على التباع للحيات إذا سمالمت القدم فقمد سمالمتها القدم .فممن نصمب السملسل أو
خفضهما لم يقمف عليهما" .فمي الحميمم" المتناهمي فمي الحمر .وقيمل :الصمديد المغلي" .ثمم فمي النار
يسممجرون" أي يطرحون فيهمما فيكونون وقودا لهما؛ قال مجاهمد .يقال :سمجرت التنور أي أوقدتمه،
وسمجرته ملتمه؛ ومنمه "والبحمر المسمجور" [الطور ]6 :أي المملوء .فالمعنمى على هذا تمل بهمم
النار وقال الشاعر يصف وعل:
ترى حولها النبع والسمسما إذا شاء طالع مسجورة
أي عينما مملوءة" .ثمم قيمل لهمم أيمن مما كنتمم تشركون ،ممن دون ال" وهذا تقريمع وتوبيمخ" .قالوا
ضلوا عنما " أي هلكوا وذهبوا عنما وتركونما فمي العذاب؛ ممن ضمل الماء فمي اللبمن أي خفمي .وقيمل:
أي صماروا بحيمث ل نجدهمم" .بمل لم نكمن ندعوا ممن قبمل شيئا" أي شيئا ل يبصمر ول يسممع ول
يضممر ول ينفمع .وليمس هذا إنكارا لعبادة الصممنام ،بمل همو اعتراف بأن عبادتهممم الصمنام كانمت
باطلة؛ قال ال تعالى" :كذلك يضممل ال الكافريممن" أي كممما فعممل بهؤلء مممن الضلل يفعممل بكممل
كافر.
@قوله تعالى" :ذلكمم" أي ذلكمم العذاب "بمما كنتمم تفرحون فمي الرض بغيمر الحمق" بالمعاصمي
يقال لهم ذلك توبيخا .أي إنما نالكم هذا بما كنتم تظهرون في الدنيا من السرور بالمعصية وكثرة
المال والتباع والصمحة .وقيمل إن فرحهمم بهما عندهمم أنهمم قالوا للرسمل :نحمن نعلم أنما ل نبعمث ول
نعذب .وكذا قال مجاهمد فمي قوله جمل وعمز" :فلمما جاءتهمم رسملهم بالبينات فرحوا بمما عندهمم ممن
العلم" [غافر" .]83 :وبما كنتم تمرحون" قال مجاهد وغيره :أي تبطرون وتأشرون .وقد مضى
فمي "سمبحان" بيانمه .وقال الضحاك :الفرح السمرور ،والمرح العدوان .وروى خالد عمن ثور عمن
معاذ قال :قال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم( :إن ال يبغمض البذخيمن الفرحيمن ويحمب كمل قلب
حزيمن ويبغمض أهمل بيمت لحميمن ويبغمض كمل حمبر سممين) فأمما أهمل بيمت لحميمن :فالذيمن يأكلون
لحوم الناس بالغيبمة .وأمما الحمبر السممين :فالمتحمبر بعلممه ول يخمبر بعلممه الناس؛ يعنمي المسمتكثر
من علمه ول ينتفع به الناس .ذكره الماوردي .وقد قيل في اللحمين :أنهم الذين يكثرون أكل اللحم؛
ومنه قول عمر :اتقوا هذه المجازر فإن لها ضراوة كضراوة الخمر؛ ذكره المهدوي .والول قول
سفيان الثوري" .ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها" أي يقال لهم ذلك اليوم ،وقد قال ال تعالى" :لها
سبعة أبواب" [الحجر" .]44 :فبئس مثوى المتكبرين" تقدم جميعه.
@قوله تعالى" :فاصبر إن وعد ال حق" هذا تسلية للنبي عليه السلم ،أي إنا لننتقم لك منهم إما
فمي حياتمك أو فمي الخرة" .فإمما نرينمك" فمي موضمع جزم بالشرط ومما زائدة للتوكيمد وكذا النون
وزال الجزم وبني الفعل على الفتح" .أو نتوفينك" عطف عليه "فإلينا يرجعون" الجواب.
@قوله تعالى" :ولقمد أرسملنا رسمل ممن قبلك" عزاه أيضما بمما لقيمت الرسمل ممن قبمل" .منهمم ممن
قصمصنا عليمك" أي أنبأناك بأخبارهمم ومما لقوا ممن قومهمم" .ومنهمم ممن لم نقصمص عليمك ومما كان
لرسول أن يأتي بآية" أي من قبل نفسه "إل بإذن ال فإذا جاء أمر ال" أي إذا جاء الوقت المسمى
لعذابهممم أهلكهممم ال ،وإنممما التأخيممر لسمملم مممن علم ال إسمملمه منهممم ،ولمممن فممي أصمملبهم مممن
المؤمنيمن .وقيمل :أشار بهذا إلى القتمل ببدر" .قضمي بينهمم؟؟ بالحمق وخسمر هنالك المبطلون" أي
الذين يتبعون الباطل والشرك.
**3اليمة{ 81 - 79 :ال الذي جعمل لكمم النعام لتركبوا منهما ومنهما تأكلون ،ولكمم فيهما منافمع
ولتبلغوا عليهمما حاجممة فممي صممدوركم وعليهمما وعلى الفلك تحملون ،ويريكممم آياتممه فأي آيات ال
تنكرون}
@قوله تعالى" :ال الذي جعل لكم النعام" قال أبو إسحاق الزجاج :النعام ها هنا البل" .لتركبوا
منها ومنها تأكلون" فاحتج من منع أكل الخيل وأباح أكل الجمال بأن ال عز وجل قال في النعام:
"ومنهما تأكلون" وقال فمي الخيمل" :والخيمل والبغال والحميمر لتركبوهما" [النحمل ]8 :ولم يذكمر
إباحة أكلها .وقد مضى هذا في "النحل" مستوفى.
@قوله تعالى" :ولكمم فيهما منافمع" فمي الوبر والصموف والشعمر واللبمن والزبمد والسممن والجبمن
وغيمر ذلك" .ولتبلغوا عليهما حاجمة فمي صمدوركم" أي تحممل الثقال والسمفار .وقمد مضمى فمي
"النحمل" بيان هذا كله فل معنمى لعادتمه .ثمم قال" :وعليهما" يعنمي النعام فمي البر "وعلى الفلك
تحملون" في البحر "ويريكم آياته" أي آياته الدالة على وحدانيته وقدرته فيما ذكر" .فأي آيات ال
تنكرون" نصب "أيا" بم "تنكرون" ،لن الستفهام له صدر الكلم فل يعمل فيه ما قبله ،ولو كان
ممع الفعمل هاء لكان الختيار فمي "أي" الرفمع ،ولو كان السمتفهام بألف أو همل وكان بعدهمما اسمم
بعده فعمممل معمممه هاء لكان الختيار النصمممب ،أي إذا كنتمممم ل تنكرون أن هذه الشياء ممممن ال فلم
تنكرون قدرته على البعث والنشر.
**3الية{ 85 - 82 :أفلم يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا
أكثمر منهمم وأشمد قوة وآثارا فمي الرض فمما أغنمى عنهمم مما كانوا يكسمبون ،فلمما جاءتهمم رسملهم
بالبينات فرحوا بمما عندهمم ممن العلم وحاق بهمم مما كانوا بمه يسمتهزئون ،فلمما رأوا بأسمنا قالوا آمنما
بال وحده وكفرنا بما كنا به مشركين ،فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة ال التي قد خلت
في عباده وخسر هنالك الكافرون}
@قوله تعالى" :أفلم يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم" حتى يشاهدوا
آثار المم السالفة "كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الرض" كانوا أكثر منهم عددا وقوة "فما
أغنى عنهم ما كانوا يكسبون" من البنية والموال وما أدالوا به من الولد والتباع؛ يقال :دلوت
بفلن ،إليك أي استشفعت به إليك .وعلى هذا "ما" للجحد أي فلم يغن عنهم ذلك شيئا .وقيل" :ما"
للستفهام أي أي شيء أغنى عنهم كسبهم حين هلكوا ولم ينصرف "أكثر"؛ لنه على وزن أفعل.
وزعممم الكوفيون أن كممل ممما ل ينصممرف فإنممه يجوز أن ينصممرف إل أفعممل مممن كذا فإنممه ل يجوز
صمرفه بوجمه فمي شعمر ول غيره إذا كانمت معمه ممن .قال أبمو العباس :ولو كانمت ممن المانعمة ممن
صرفه لوجب أل يقال :مررت بخير منك وشر منك ومن عمرو.
@قوله تعالى" :فلمما جاءتهمم رسملهم بالبينات" أي باليات الواضحات" .فرحوا بمما عندهمم ممن
العلم" فمي معناه ثلثمة أقوال .قال مجاهمد :إن الكفار الذيمن فرحوا بمما عندهمم ممن العلم قالوا :نحمن
أعلم منهمم لن نعذب ولن نبعمث .وقيمل :فرح الكفار بمما عندهمم ممن علم الدنيما نحمو "يعلمون ظاهرا
ممن الحياة الدنيما" [الروم .]7 :وقيمل :الذيمن فرحوا الرسمل لمما كذبهمم قومهمم أعلمهمم ال عمز وجمل
أنمه مهلك الكافريمن ومنجيهمم والمؤمنيمن فمم " فرحوا بمما عندهمم ممن العلم" بنجاة المؤمنيمن "وحاق
بهمم" أي بالكفار "مما كانوا بمه يسمتهزئون" أي عقاب اسمتهزائهم بمما جاء بمه الرسمل صملوات ال
عليهم.
@قوله تعالى" :فلمما رأوا بأسمنا" أي عاينوا العذاب" .قالوا آمنما بال وحده وكفرنما بمما كنما بمه
مشركين" أي آمنا بال وكفرنا بالوثان التي أشركناهم في العبادة "فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا
بأسمنا" فلم ينفعهمم إيمانهمم بال عنمد معاينمة العذاب وحيمن رأوا البأس" .سمنة ال التمي قمد خلت فمي
عباده" "سنة ال" مصدر؛ لن العرب تقول :سن يسن سنا وسنة؛ أي سن ال عز وجل في الكفار
أنمه ل ينفعهمم اليمان إذا رأوا العذاب .وقمد مضمى هذا مبينما فمي "النسماء" و"يونمس" وأن التوبمة ل
تقبمل بعمد رؤيمة العذاب وحصمول العلم الضروري .وقيمل :أي احذروا يما أهمل مكمة سمنة ال فمي
إهلك الكفرة فمممم "سمممنة ال" منصممموب على التحذيمممر والغراء" .وخسمممر هنالك الكافرون" قال
الزجاج :وقد كانوا خاسرين من قبل ذلك إل أنه بين لنا الخسران لما رأوا العذاب .وقيل :فيه تقديم
وتأخيمر؛ أي "لم يمك ينفعهمم إيمانهمم لمما رأوا بأسمنا" "وخسمر هنالك الكافرون" كسمنتنا فمي جميمع
الكافرين فم "سنة" نصب بنزع الخافض أي كسنة ال في المم كلها .وال أعلم.
**2سورة فصلت
**3الية{ 5 - 1 :حم ،تنزيل من الرحمن الرحيم ،كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون،
بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهمم فهمم ل يسممعون ،وقالوا قلوبنما فمي أكنمة ممما تدعونما إليمه وفمي آذاننما
وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون}
@قوله تعالى" :حمم ،تنزيمل ممن الرحممن الرحيمم" قال الزجاج" :تنزيمل" رفمع بالبتداء وخمبره
"كتاب فصلت آياته" وهذا قول البصريين .وقال الفراء :يجوز أن يكون رفعه على إضمار هذا.
ويجوز أن يقال" :كتاب" بدل ممن قوله" :تنزيمل" .وقيمل :نعمت لقوله" :تنزيمل" .وقيمل" :حمم" أي
هذه "حمم" كمما تقول باب كذا ،أي همو باب كذا فمم " حمم" خمبر ابتداء مضممر أي همو"حمم" ،وقوله:
"تنزيمل" مبتدأ آخمر ،وقوله" :كتاب" خمبره" .فصملت آياتمه" أي بينمت وفسمرت .قال قتادة :بمبيان
حلله مممن حرامممه ،وطاعتممه مممن معصمميته .الحسممن :بالوعممد والوعيممد .سممفيان :بالثواب والعقاب.
وقرئ "فصلت" أي فرقت بين الحق والباطل ،أو فصل بعضها من بعض باختلف معانيها؛ من
قولك فصمل أي تباعمد ممن البلد" .قرآنما عربيما" فمي نصمبه وجوه؛ قال الخفمش :همو نصمب على
المدح .وقيممل :على إضمار فعممل؛ أي اذكممر "قرآنمما عربيمما" .وقيممل :على إعادة الفعممل؛ أي فصمملنا
"قرآنا عربيا" .وقيل :على الحال أي "فصلت آياته" في حال كونه "قرآنا عربيا" .وقيل :لما شغل
"فصملت" باليات حتمى صمارت بمنزلة الفاعمل انتصمب "قرآنما" لوقوع البيان عليمه .وقيمل :على
القطممع" .لقوم يعلمون" قال الضحاك :أي إن القرآن منزل مممن عنممد ال .وقال مجاهممد :أي يعلمون
أنه إله واحد في التوراة والنجيل .وقيل :يعلمون العربية فيعجزون عن مثله ولو كان غير عربي
لما علموه.
قلت :هذا أصح ،والسورة نزلت تقريعا وتوبيخا لقريش في إعجاز القرآن.
@قوله تعالى" :بشيرا ونذيرا" حالن من اليات والعامل فيه "فصلت" .وقيل :هما نعتان للقرآن
"بشيرا" لولياء ال "نذيرا" لعدائه .وقرئ "بشير ونذير" صفة للكتاب .أو خبر مبتدأ محذوف
"فأعرض أكثرهمم" يعنمي أهمل مكمة "فهمم ل يسممعون" سمماعا ينتفعون بمه .وروي أن الريان بمن
حرملة قال :قال المل ممن قريمش وأبمو جهمل قمد التبمس علينما أممر محممد ،فلو التمسمتم رجل عالمما
بالشعمر والكهانمة والسمحر فكلممه ثمم آتانما بمبيان ممن أمره؛ فقال عتبمة بمن ربيعمة :وال لقمد سممعت
الكهانمة والشعمر والسمحر ،وعلممت ممن ذلك علمما ل يخفمى علي إن كان كذلك .فقالوا :إيتمه فحدثمه.
فأتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال له :يا محمد أنت خير أم قصي بن كلب؟ أنت خير أم هاشم؟
أنت خير أم عبدالمطلب؟ أنت خير أم عبدال؟ فبم تشتم آلهتنا ،وتضلل آباءنا ،وتسفه أحلمنا ،وتذم
ديننا؟ فإن كنت إنما تريد الرياسة عقدنا إليك ألويتنا فكنت رئيسنا ما بقيت ،وإن كنت تريد الباءة
زوجناك عشر نساء من أي بنات قريش شئت ،وإن كنت تريد المال جمعنا لك ما تستغني به أنت
وعقبك من بعدك ،وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا من الجن قد غلب عليك بذلنا لك أموالنا في طلب
مما تتداوى بمه أو نغلب فيمك .والنمبي صملى ال عليمه وسملم سماكت ،فلمما فرغ قال( :قمد فرغمت يما أبما
الوليد)؟ قال :نعم .فقال( :يا ابن أخي اسمع) قال :أسمع .قال" :بسم ال الرحمن الرحيم .حم .تنزيل
ممن الرحممن الرحيمم .كتاب فصملت آياتمه قرآنما عربيما لقوم يعلمون" إلى قوله" :فإن أعرضوا فقمل
أنذرتكمم صماعقة مثمل صماعقة عاد وثمود" [فصملت ]13 :فوثمب عتبمة ووضمع يده على فمم النمبي
صلى ال عليه وسلم ،وناشده ال والرحم ليسكتن ،ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش فجاءه أبو
جهمل؛ فقال:أصمبوت إلى محممد؟ أم أعجبمك طعاممه؟ فغضمب عتبمة وأقسمم أل يكلم محمدا أبدا ،ثمم
قال :وال لقمد تعلمون أنمي ممن أكثمر قريمش مال ،ولكنمي لمما قصمصت عليمه القصمة أجابنمي بشيمء
وال مما همو بشعمر ول كهانمة ول سمحر؛ ثمم تل عليهمم مما سممع منمه إلى قوله" :مثمل صماعقة عاد
وثمود" [فصلت ]13 :وأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف ،وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا
لم يكذب ،فوال لقممد خفممت أن ينزل بكممم العذاب؛ يعنممي الصمماعقة .وقممد روى هذا الخممبر أبممو بكممر
النباري في كتاب الرد له عن محمد بن كعب القرظي ،وأن النبي صلى ال عليه وسلم قرأ "حم.
فصلت" حتى انتهى إلى السجدة فسجد وعتبة مصغ يستمع ،قد اعتمد على يديه من وراء ظهره.
فلما قطع رسول ال صلى ال علييه وسلم القراءة قال له( :يا أبا الوليد قد سمعت الذي قرأت عليك
فأنمت وذاك) فانصمرف عتبمة إلى قريمش فمي ناديهما فقالوا :وال لقمد جاءكمم أبمو الوليمد بغيمر الوجمه
الذي مضى به من عندكم .ثم قالوا :ما وراءك أبا الوليد؟ قال :وال لقد سمعت كلما من محمد ما
سممعت مثله قمط ،وال مما همو بالشعمر ول بالكهانمة ،فأطيعونمي فمي هذه وأنزلوهما بمي؛ خلوا محمدا
وشأنممه واعتزلوه ،فوال ليكونممن لممما سمممعت مممن كلمممه نبممأ ،فان أصممابته العرب كفيتموه بأيدي
غيركم ،وإن كان ملكا أو نبيا كنتم أسعد الناس به؛ لن ملكه ملككم وشرفه شرفكم .فقالوا :هيهات
سحرك محمد يا أبا الوليد .وقال :هذا رأيي لكم فاصنعوا ما شئتم.
@قوله تعالى" :وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه" الكنة جمع كنان وهو الغطاء .وقد مضى
في "البقرة" .قال مجاهد :الكنان للقلب كالجنة للنبل" .وفي آذاننا وقر" أي صمم؛ فكلمك ل يدخل
أسماعنا ،وقلوبنا مستورة من فهمه" .ومن بيننا وبينك حجاب" أي خلف في الدين ،لنهم يعبدون
الصنام وهو يعبد ال عز وجل .قال معناه الفراء وغيره .وقيل :ستر مانع عن الجابة .وقيل :إن
أبما جهمل اسمتغشى على رأسمه ثوبما وقال :يما محممد بيننما وبينمك حجاب .اسمتهزاء منمه .حكاه النقاش
وذكره القشيري .فالحجاب هنا الثوب" .فاعمل إننا عاملون" أي اعمل في هلكنا فإنا عاملون في
هلكك؛ قاله الكلبي .وقال مقاتل :اعمل للهك الذي أرسلك ،فإنا نعمل للهتنا التي نعبدها .وقيل:
أعمل بما يقتضيه دينك ،فإنا عاملون بما يقتضيه ديننا .ويحتمل خامسا :فاعمل لخرتك فإنا نعمل
لدنيانا؛ ذكره الماوردي.
**3اليممة{ 8 - 6 :قممل إنممما أنمما بشممر مثلكمم يوحمى إلي أنمما إلهكممم إله واحممد فاسمتقيموا إليمه
واسممتغفروه وويممل للمشركيممن ،الذيممن ل يؤتون الزكاة وهممم بالخرة هممم كافرون ،إن الذيممن آمنوا
وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون}
@قوله تعالى" :قل إنما أنا بشر مثلكم" أي لست بملك بل أنا من بني آدم .قال الحسن :علمه ال
تعالى التواضمع" .يوحمى إلي" أي ممن السمماء على أيدي الملئكمة "أنمما إلهكمم إله واحمد" فآمنوا بمه
"فاسمتقيموا إليمه" أي وجهوا وجوهكمم بالدعاء له والمسمألة إليمه ،كمما يقول الرجمل :اسمتقم إلى
منزلك؛ أي ل تعرج على شيمء غيمر القصمد إلى منزلك" .واسمتغفروه" أي ممن شرككمم" .وويمل
للمشركين الذين ل يؤتون الزكاة" قال ابن عباس :الذين ل يشهدون "أن ل إله إل ال" وهي زكاة
النفس .وقال قتادة :ل يقرون بالزكاة أنها واجبة .وقال الضحاك ومقاتل :ل يتصدقون ول ينفقون
في الطاعة .قرعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلء ،وفيه دللة على أن الكافر يعذب بكفر مع منع
وجوب الزكاة عليمممممه .وقال الفراء وغيره :كان المشركون ينفقون النفقات ،ويسمممممقون الحجيمممممج
ويطعمونهم ،فحرموا ذلك على من آمن بمحمد صلى ال عليه وسلم ،فنزلت فيهم هذه الية" .وهم
بالخرة همم كافرون" فلهذا ل ينفقون فمي الطاعمة ول يسمتقيمون ول يسمتغفرون .الزمخشري :فإن
قلت لم خص من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقرونا بالكفر بالخرة؟ قلت :لن أحب شيء
إلى النسان ماله ،وهو شقيق روحه ،فإذا بذله في سبيل ال فذلك أقوى دليل على ثباته واستقامته
وصممدق نيتممه ونصمموع طويتممه أل ترى إلى قوله عممز وجممل" :ومثممل الذيممن ينفقون أموالهممم ابتغاء
مرضاة ال وتثبيتما ممن أنفسمهم" [البقرة ]265 :أي يثبتون أنفسمهم ،ويدلون على ثباتهما بإنفاق
الموال ،ومما خدع المؤلفمة قلوبهمم إل بلمظمة ممن الدنيما ،فقويمت عصمبتهم ولنمت شكيمتهمم؛ وأهمل
الردة بعممد رسممول ال صمملى ال عليممه وسمملم ممما تظاهروا إل بمنممع الزكاة ،فنصممبت لهممم الحروب
وجوهدوا .وفيمه بعمث للمؤمنيمن على أداء الزكاة ،وتخويمف شديمد من منعهما ،حيمث جعمل المنمع من
أوصاف المشركين ،وقرن بالكفر بالخرة.
@قوله تعالى" :إن الذيمن آمنوا وعملوا الصمالحات لهمم أجمر غيمر ممنون" قال ابمن عباس :غيمر
مقطوع؛ مأخوذ من مننت الحبل إذا قطعته؛ ومنه قول ذي الصبع:
على الصديق ول خيري بممنون إني لعمرك ما بابي بذي غلق
وقال آخر:
مع منينا كأنه أهباء فترى خلفها من الرجع والوقم
يعنممي بالمنيممن الغبار المنقطممع الضعيممف .وعممن ابممن عباس أيضمما ومقاتممل :غيممر منقوص .ومنممه
المنون؛ لنها تنقص منه النسان أي قوته؛ وقال قطرب؛ وأنشد قول زهير:
يعطي بذلك ممنونا ول نزقا فضل الجياد على الخيل البطاء فل
قال الجوهري :والمن القطع ،ويقال النقص؛ ومنه قوله تعالى" :لهم أجر غير ممنون" .وقال لبيد:
غبس كواسب ل يمن طعامها
وقال مجاهد" :غير ممنون" غير محسوب .وقيل" :غير ممنون" عليهم به .قال السدي :نزلت في
الزمنمي والمرضمى والهرممى إذا ضعفوا عمن الطاعمة كتمب لهمم من الجمر كأصمح مما كانوا يعملون
فيه.
**3اليمة{ 12 - 9 :قمل أئنكمم لتكفرون بالذي خلق الرض فمي يوميمن وتجعلون له أندادا ذلك
رب العالميمن ،وجعمل فيهما رواسمي ممن فوقهما وبارك فيهما وقدر فيهما أقواتهما فمي أربعمة أيام سمواء
للسمائلين ،ثمم اسمتوى إلى السمماء وهمي دخان فقال لهما وللرض ائتيما طوعما أو كرهما قالتما أتينما
طائعيمن ،فقضاهمن سمبع سمماوات فمي يوميمن وأوحمى فمي كمل سمماء أمرهما وزينما السمماء الدنيما
بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم}
@قوله تعالى" :قممل أئنكممم لتكفرون بالذي خلق الرض" "أئنكممم" بهمزتيممن الثانيممة بيممن بيممن
و"أائنكم" بألف بين همزتين وهو استفهام معناه التوبيخ .أمره بتوبيخهم والتعجب من فعلهم ،أي لم
تكفرون بال وهمو خالق السمموات والرض؟ ! "فمي يوميمن" الحمد والثنيمن "وتجعلون له أندادا"
أي أضدادا وشركاء "ذلك رب العالميممن"" .وجعممل فيهمما" أي فممي الرض "رواسممي مممن فوقهمما"
يعنممي الجبال .وقال وهممب :لممما خلق ال الرض مادت على وجممه الماء؛ فقال لجبريممل ثبتهمما يمما
جبريل .فنزل فأمسكها فغلبته الرياح ،قال :يا رب أنت أعلم لقد غلبت فيها فثبتها بالجبال وأرساها
"وبارك فيها" بما خلق فيها من المنافع .قال السدي :أنبت فيها شجرها" .وقدر فيها أقواتها" قال
السممدي والحسممن :أرزاق أهلهمما ومصممالحهم .وقال قتادة ومجاهممد :خلق فيهمما أنهارهمما وأشجارهمما
ودوابهما فمي يوم الثلثاء والربعاء .وقال عكرممة والضحاك :معنمى "قدر فيهما أقواتهما" أي أرزاق
أهلها وما يصلح لمعايشهمم من التجارات والشجار والمنافع في كل بلدة ما لم يجعله فمي الخرى
ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة والسفار من بلد إلى بلد .قال عكرمة :حتى إنه في بعض البلد
ليتبايعون الذهمب بالملح مثل بمثمل .وقال مجاهمد والضحاك :السمابري ممن سمابور ،والطيالسمة ممن
الري ،والحمبر اليمانيمة ممن اليممن" .فمي أربعمة أيام" يعنمي فمي تتممة أربعمة أيام .ومثاله قول القائل:
خرجمت ممن البصمرة إلى بغداد فمي عشرة أيام ،وإلى الكوفمة فمي خمسمة عشمر يومما؛ أي فمي تتممة
خمسة عشر يوما .قال معناه ابن النباري وغيره" .سواء للسائلين" قال الحسن :المعنى في أربعة
أيام مسمتوية تاممة .الفراء :فمي الكلم تقديمم وتأخيمر ،والمعنمى :وقدر فيهما أقواتهما سمواء للمحتاجيمن.
واختاره الطمبري .وقرأ الحسمن ،البصمري ويعقوب الحضرممي "سمواء للسمائلين" بالجمر وعمن ابمن
القعقاع "سممواء" بالرفممع؛ فالنصمب على المصممدر و"سممواء" بمعنمى اسمتواء أي اسمتوت اسمتواء.
وقيمل :على الحال والقطمع؛ والجمر على النعمت ليام أو لربعمة أي "فمي أربعمة أيام" مسمتوية تاممة.
والرفمع على البتداء والخمبر "للسمائلين" أو على تقديمر هذه "سمواء للسمائلين" .وقال أهمل المعانمي:
معنمى "سمواء للسمائلين" ولغيمر السمائلين؛ أي خلق الرض ومما فيهما لممن سمأل ولممن لم يسمأل،
ويعطي من سأل ومن ل يسأل.
@قوله تعالى" :ثم استوى إلى السماء وهي دخان" أي عمد إلى خلقها وقصد لتسويتها .والستواء
ممن صمفة الفعال على أكثمر القوال؛ يدل عليمه قوله تعالى" :ثمم اسمتوى إلى السمماء فسمواهن سمبع
سماوات" [البقرة ]29 :وقد مضى القول هناك .وروى أبو صالح عن ابن عباس في قوله" :ثم
اسمتوى إلى السمماء" يعنمي صمعد أمره إلى السمماء؛ وقال الحسمن .وممن قال :إنمه صمفة ذاتيمة زائدة
قال :اسمتوى فمي الزل بصمفاته .و"ثمم" ترجمع إلى نقمل السمماء ممن صمفة الدخان إلى حالة الكثافمة.
وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس؛ على ما مضى في "البقرة" عن ابن مسعود وغيره.
"فقال لهمما وللرض ائتيمما طوعمما أو كرهمما" أي جيئا بممما خلقممت فيكممما مممن المنافممع والمصممالح
وأخرجاهمما لخلقممي .قال ابممن عباس :قال ال تعالى للسممماء :أطلعممي شمسممك وقمرك وكواكبممك،
واجري رياحممك وسممحابك ،وقال للرض :شقممي أنهارك واخرجممي شجرك وثمارك طائعتيممن أو
كارهتيمن "قالتما أتينما طائعيمن" فمي الكلم حذف أي أتينما أمرك "طائعيمن" .وقيمل :معنمى هذا الممر
التسممخير؛ أي كونمما فكانتمما كممما قال تعالى" :إنممما قولنمما لشيممء إذا أردناه أن نقول له كممن فيكون"
[النحل ]40 :فعلى هذا قال ذلك قبل خلقهما .وعلى القول الول قال ذلك بعد خلقهما .وهو قول
الجمهور .وفي قوله تعالى لهما وجهان :أحدهما أنه قول تكلم به .الثاني أنها قدرة منه ظهرت لهما
فقام مقام الكلم فمي بلوغ المراد؛ ذكره الماوردي" .قالتما أتينما طائعيمن" فيمه أيضما وجهان :أحدهمما
أنه ظهور الطاعة منهما حيث انقادا وأجابا فقام مقام قولهما ،ومنه قول الراجز:
مهل رويدا قد ملت بطني امتل الحوض وقال قطني
يعني ظهر ذلك فيه .وقال أكثر أهل العلم :بل خلق ال فيهما الكلم فتكلمتا كما أراد تعالى :قال أبو
نصر السكسكي :فنطق من الرض موضع الكعبة ،ونطق من السماء ما بحيالها ،فوضع ال تعالى
فيه حرمه .وقال" :طائعين" ولم يقل طائعتين على اللفظ ول طائعات على المعنى؛ لنهما سموات
وأرضون ،لنمه أخمبر عنهمما وعممن فيهمما ،وقيمل :لمما وصمفهن بالقول والجابمة وذلك ممن صمفات
ممن يعقمل أجراهمما فمي الكنايمة مجرى ممن يعقمل ،ومثله" :رأيتهمم لي سماجدين" [يوسمف ]4 :وقمد
تقدم .وفي حديث :إن موسى عليه الصلة والسلم قال :يا رب لو أن السموات والرض حين قلت
لهما "ائتيا طوعا أو كرها" عصياك ما كنت صانعا بهما؟ قال كنت آمر دابة من دوابي فتبتلعهما.
قال :يما رب وأيمن تلك الدابمة؟ قال :فمي مرج ممن مروجمي .قال :يما رب وأيمن ذلك المرج؟ قال علم
من علمي .ذكره الثعلبي .وقرأ ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة "آتيا" بالمد والفتح.
وكذلك قوله" :آتينما طائعيمن" على معنمى أعطيما الطاعمة ممن أنفسمكما "قالتما" أعطينما "طائعيمن"
فحذف المفعولين جميعا .ويجوز وهو أحسن أن يكون "آتينا" فاعلنا فحذف مفعول واحد .ومن قرأ
"آتينا" فالمعنى جئنا بما فينا؛ على ما تقدم بيانه في غير ما موضع والحمد ل.
@قوله تعالى" :فقضاهن سبع سماوات في يومين" أي أكملهن وفرغ منهن .وقيل .أحكمهن كما
قال:
داود أو صنع السوابغ تبع وعليهما مسرودتان قضاهما
"في يومين" سوى الربعة اليام التي خلق فيها الرض ،فوقع خلق السموات والرض في ستة
أيام؛ كمما قال تعالى" :خلق السمماوات والرض فمي سمتة أيام" [العراف ]54 :على مما تقدم فمي
"العراف" بيانه .قال مجاهد :ويوم من الستة اليام كألف سنة مما تعدون .وعن عبدال بن سلم
قال :خلق ال الرض فمي يوميمن ،وقدر فيهما أقواتهما فمي يوميمن ،وخلق السمموات فمي يوميمن؛ خلق
الرض في يوم الحد والثنين ،وقدر فيها أقواتها يوم الثلثاء ويوم الربعاء ،وخلق السموات في
يوم الخميمس ويوم الجمعمة ،وأخمر سماعة فمي يوم الجمعمة خلق ال آدم فمي عجمل ،وهمي التمي تقوم
فيها الساعة ،وما خلق ال من دابة إل وهي تفزع من يوم الجمعة إل النس والجن .على هذا أهل
التفسير؛ إل ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة قال :أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم بيدي،
فقال( :خلق ال التربمة يوم السمبت )...الحديمث ،وقمد تكلمنما على إسمناده فمي أول سمورة (النعام).
"وأوحمى فمي كمل سمماء أمرهما" قال قتادة والسمدي :خلق فيهما شمسمها وقمرهما ونجومهما وأفلكهما،
وخلق فمي كمل سمماء خلقهما ممن الملئكمة والخلق الذي فيهما ممن البحار وجبال البرد والثلوج .وهمو
قول ابمن عباس؛ قال :ول فمي كمل سمماء بيمت تحمج إليمه وتطوف بمه الملئكمة بحذاء الكعبمة ،والذي
فمي السماء الدنيا هو البيت المعمور .وقيل :أوحى ال فمي كمل سمماء؛ أي أوحمى فيها ما أراده وما
أممر بمه فيهما .واليحاء قمد يكون أمرا؛ لقوله" :بأن ربمك أوحمى لهما" [الزلزلة ]5 :وقوله" :وإذ
أوحيت إلى الحواريين" [المائدة ]111 :أي أمرتهم وهو أمر تكوين.
@قوله تعالى" :وزينا السماء الدنيا بمصابيح" أي بكواكب تضيء وقيل :إن في كل سماء كواكب
تضيممء .وقيممل :بممل الكواكممب مختصممة بالسممماء الدنيمما" .وحفظمما" أي وحفظناهمما حفظمما؛ أي مممن
الشياطين الذين يسترقون السمع .وهذا الحفظ بالكواكب التي ترجم بها الشياطين على ما تقدم في
"الحجر" بيانه .وظاهر هذه الية يدل على أن الرض خلقت قبل السماء .وقال في آية أخرى" :أم
السماء بناها" [النازعات ]27 :ثم قال" :والرض بعد ذلك دحاها" [النازعات ]30 :وهذا يدل
على خلق السممماء أول .وقال قوم :خلقممت الرض قبممل السممماء؛ فأممما قوله" :والرض بعممد ذلك
دحاهمما" [النازعات ]30 :فالدحمو غيمر الخلق ،فال خلق الرض ثمم خلق السمموات ،ثمم دحما
الرض أي مدها وبسطها؛ قال ابن عباس .وقد مضى هذا المعنى مجودا في "البقرة" والحمد ل.
"ذلك تقدير العزيز العليم".
**3الية{ 16 - 13 :فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صماعقة مثل صاعقة عاد وثمود ،إذ جاءتهم
الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم أل تعبدوا إل ال قالوا لو شاء ربنا لنزل ملئكة فإنا بما أرسلتم
بمه كافرون ،فأمما عاد فاسمتكبروا فمي الرض بغيمر الحمق وقالوا ممن أشمد منما قوة أولم يروا أن ال
الذي خلقهمم همو أشمد منهمم قوة وكانوا بآياتنما يجحدون ،فأرسملنا عليهمم ريحما صمرصرا فمي أيام
نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الخرة أخزى وهم ل ينصرون}
@قوله تعالى" :فإن أعرضوا" يعنمي كفار قريمش عمما تدعوهمم إليمه يما محممد ممن اليمان" .فقمل
أنذرتكمم صماعقة مثمل صماعقة عاد وثمود" أي خوفتكمم هلكما مثمل هلك عاد وثمود" .إذ جاءتهمم
الرسمل ممن بيمن أيديهمم وممن خلفهمم" يعنمي ممن أرسمل إليهمم وإلى ممن قبلهمم "أل تعبدوا إل ال"
موضمع "أن" نصمب بإسمقاط الخافمض أي بمم "أل تعبدوا" "قالوا لو شاء ربنما لنزل ملئكمة" بدل
الرسمل "فإنما بمما أرسملتم بمه كافرون" ممن النذار والتبشيمر .قيمل :هذا اسمتهزاء منهمم .وقيمل :إقرار
منهم بإرسالهم ثم بعده جحود وعناد.
@قوله تعالى" :فأمما عاد فاسمتكبروا فمي الرض بغيمر الحمق" اسمتكبروا على عباد ال هود وممن
آمن معه "وقالوا من أشد منا قوة" اغتروا بأجسامهم حين تهددهم بالعذاب ،وقالوا :نحن نقدر على
دفع العذاب عن أنفسمنا بفضمل قوتنما .وذلك أنهمم كانوا ذوي أجسام طوال وخلق عظيم .وقد مضمى
فمي "العراف" عمن ابمن عباس :أن أطولهمم كان مائة ذراع وأقصمرهم كان سمتين ذراعما .فقال ال
تعالى ردا عليهم":أولم يروا أن الذي خلقهم هو أشد منهم قوة" وقدرة ،وإنما يقدر العبد بإقدار ال؛
فال أقدر إذا" .وكانوا بآياتنا يجحدون" أي بمعجزاتنا يكفرون.
@قوله تعالى" :فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا" هذا تفسير الصاعقة التي أرسلها عليهم ،أي ريحا
باردة شديدة البرد وشديدة الصموت والهبوب .ويقال :أصملها صمرر ممن الصمر وهمو البرد فأبدلوا
مكان الراء الوسمطى فاء الفعمل؛ كقولهمم كبكبوا أصمله كببوا ،وتجفجمف الثوب أصمله تجفمف .أبمو
عمبيدة :معنمى صمرصر :شديدة عاصمفة .عكرممة وسمعيد بمن جمبير :شديمد البرد .وأنشمد قطرب قول
الحطيئة:
والحاملون إذا استودوا على الناس المطعمون إذا هبت بصرصرة
استودوا :إذا سئلوا الدية .مجاهد :الشديدة السموم .وروى معمر عن قتادة قال :باردة .وقاله عطاء؛
لن "صرصرا" مأخوذ من صر والصر في كلم العرب البرد كما قال:
ء ركبن في يوم ريح وصر لها عذر كقرون النسا
وقال السمدي :الشديدة الصموت .ومنمه صمر القلم والباب يصمر صمريرا أي صموت .ويقال :درهمم
صري وصري للذي له صوت إذا نقد .قال ابن السكيت :صرصر يجوز أن يكون من الصر وهو
البرد ،ويجوز أن يكون ممن صمرير الباب ،وممن الصمرة وهمي الصميحة .ومنمه "فأقبلت امرأتمه فمي
صمرة" [الذاريات .]29 :وصمرصر اسمم نهمر بالعراق" .فمي أيام نحسمات" أي مشؤومات؛ قال
مجاهممد وقتادة .كممن آخممر شوال مممن يوم الربعاء إلى يوم الربعاء وذلك "سممبع ليال وثمانيممة أيام
حسوما" [الحاقة ]7:قال ابن عباس :ما عذب قوم إل في يوم الربعاء .وقيل" :نحسات" باردات؛
حكاه النقاش .وقيمل :متتابعات؛ عمن ابمن عباس وعطيمة .الضحاك :شداد .وقيمل :ذات غبار؛ حكاه
ابن عيسى .ومنه قول الراجز:
للصيد في يوم قليل النحس قد اغتدى قبل طلوع الشمس
قال الضحاك وغيره :أمسمك ال عنهمم المطمر ثلث سمنين ،ودرت الرياح عليهمم فمي غيمر مطمر،
وخرج منهمم قوم إلى مكمة يسمتسقون بهما للعباد ،وكان الناس فمي ذلك الزمان إذا نزل بهمم بلء أو
جهممد طلبوا إلى ال تعالى الفرج منممه ،وكانممت طلبتهممم ذلك مممن ال تعالى عنممد بيتممه الحرام مكممة
مسملمهم وكافرهمم ،فيجتممع بمكمة ناس كثيمر شتمي ،مختلفمة أديانهمم ،وكلهمم معظمم لمكمة ،عارف
حرمتها ومكانها من ال تعالى .وقال جابر بن عبدال والتيمي :إذا أراد ال بقوم خيرا أرسل عليهم
المطمر وحبمس عنهمم كثرة الرياح ،وإذا أراد ال بقوم شرا حبمس عنهمم المطمر وسملط عليهمم كثرة
الرياح .وقرأ نافمع وابمن كثيمر وأبمو عمرو "نحسمات" بإسمكان الحاء على أنمه جممع نحمس الذي همو
مصمدر وصمف بمه .الباقون" :نحسمات" بكسمر الحاء أي ذوات نحمس .وممما يدل على أن النحمس
مصدر قوله" :في يوم نحس مستمر" [القمر ]19 :ولو كان صفة لم يضف اليوم إليه؛ وبهذا كان
يحتمج أبمو عمرو على قراءتمه؛ واختاره أبمو حاتمم .واختار أبمو عبيمد القراءة الثانيمة وقال :ل تصمح
حجة أبي عمرو؛ لنه أضاف اليوم إلى النحس فأسكن ،وإنما كان يكون حجة لو نون اليوم ونعت
وأسمكن؛ فقال" :فمي يوم نحمس" [القممر ]19 :وهذا لم يقرأ بمه أحمد نعلممه .وقال المهدوي :ولم
يسمع في "نحس" إل السكان .قال الجوهري :وقرئ في قوله "في يوم نحس" [القمر ]19 :على
الصفة ،والضافة أكثر وأجود .وقد نحس الشيء بالكسر فهو نحس أيضا؛ قال الشاعر:
طيا وبهراء قوم نصرهم نحس أبلغ جذاما ولخما أن إخوتهم
ومنمه قيمل :أيام نحسمات" .لنذيقهمم" أي لكمي نذيقهمم "عذاب الخزي فمي الحياة الدنيما" أي العذاب
بالريح العقيم" .ولعذاب الخرة أخزى وهم ل ينصرون" أي أعظم وأشد.
**3الية{ 18 - 17 :وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب
الهون بما كانوا يكسبون ،ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون}
@قوله تعالى" :وأما ثمود فهديناهمم" أي بينا لهم الهدى والضلل؛ عن ابن عباس وغيره .وقرأ
الحسمن وابمن أبمي إسمحاق وغيرهمما "وأمما ثمود" بالنصمب وقمد مضمى الكلم فيمه فمي "العراف".
"فاسمتحبوا العممى على الهدى" أي اختاروا الكفمر على اليمان .وقال أبمو العاليمة :اختاروا العممى
على البيان .السمدي :اختاروا المعصمية على الطاعمة" .فأخذتهمم صماعقة العذاب الهون" "الهون"
بالضم الهوان .وهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر أخو كنانة وأسد .وأهانه :استخف
بممه .والسممم الهوان والمهانممة .وأضيممف الصمماعقة إلى العذاب ،لن الصمماعقة اسممم للمبيممد المهلك،
فكأنممه قال مهلك العذاب؛ أي العذاب المهلك .والهون وإن كان مصممدرا فمعناه الهانممة والهانممة
عذاب ،فجاز أن يجعمل أحدهمما وصمفا للخمر؛ فكأنمه قال :صماعقة الهون .وهمو كقولك :عندي علم
اليقين ،وعندي العلم اليقين .ويجوز أن يكون الهون اسما مثل الدون؛ يقال :عذاب هون أي مهين؛
كمما قال" :مما لبثوا فمي العذاب المهيمن"[ .سمبأ .]14 :وقيمل :أي صماعقة العذاب ذي الهون" .بمما
كانوا يكسممبون" مممن تكذيبهممم صممالحا وعقرهممم الناقممة ،على ممما تقدم" .ونجينمما الذيممن آمنوا وكانوا
يتقون" يعني صالحا ومن آمن به؛ أي ميزناهم عن الكفار ،فلم يحل بهم ما حل بالكفار ،وهكذا يا
محمد نفعل بمؤمني قومك وكفارهم.
**3الية{ 21 - 19 :ويوم يحشر أعداء ال إلى النار فهم يوزعون ،حتى إذا ما جاؤوها شهد
عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ،وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا
ال الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون}
@قوله تعالى" :ويوم يحشمر أعداء ال إلى النار" قرأ نافمع "نحشمر" بالنون "أعداء" بالنصمب.
الباقون "يحشممر" بياء مضمومممة "أعداء" بالرفممع ومعناهممما بيممن .وأعداء ال :الذيممن كذبوا رسممله
وخالفوا أمره" .فهمم يوزعون" يسماقون ويدفعون إلى جهنمم .قال قتادة والسمدي :يحبمس أولهمم عمل
آخرهممم حتممى يجتمعوا؛ قال أبممو الحوص :فإذا تكاملت العدة بدئ بالكابر فالكابر جرممما .وقممد
مضى في "النمل" الكلم في "يوزعون" [النمل ]17 :مستوفى.
@قوله تعالى" :حتمى إذا مما جاؤوهما" "مما" زائدة "شهمد عليهمم سممعهم وأبصمارهم وجلودهمم بمما
كانوا يعملون" الجلود يعني بها الجلود أعيانها في قول أكثر المفسرين .وقال السدي وعبيدال بن
أبي جعفر والفراء :أراد بالجلود الفروج؛ وأنشد بعض الدباء لعامر بن جوية:
مة والسلمة حسبه المرء يسعى للسل
أوسالم من قد تثم منى جلده وابيض رأسه
وقال :جلده كنايمة عمن فرجمه" .وقالوا" يعنمي الكفار "لجلودهمم لم شهدتمم علينما" وإنمما كنما نجادل
عنكمم "قالوا أنطقنما ال الذي أنطمق كمل شيمء" لمما خاطبمت وخوطبمت أجريمت مجرى ممن يعقمل.
"وهو خلقكم أول مرة" أي ركب الحياة فيكم بعد أن كنتم نطفا ،فمن قدر عليه قدر على أن ينطق
الجلود وغيرها من العضاء .وقيل" :وهو خلقكم أول مرة" ابتداء كلم من ال" .وإليه ترجعون"
وفمي صمحيح مسملم عمن أنمس بمن مالك قال :كنما عنمد رسمول ال فضحمك فقال( :همل تدرون ممم
أضحمك) قلنما :ال ورسموله أعلم ،قال( :ممن مخاطبمة العبمد ربمه يقول يما رب ألم تجزنمي ممن الظلم
قال :يقول بلى قال فيقول فإني ل أجيز على نفسي إل شاهدا مني قال يقول كفى بنفسك اليوم عليك
شهيدا وبالكرام الكاتممبين شهودا قال فيختممم على فيمه فيقال لركانممه انطقمي فتنطممق بأعماله قال ثممم
يخلي بينه وبين الكلم قال فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل) وفي حديث أبي هريرة ثم
يقال( :الن نبعمث شاهدنما عليمك ويتفكمر فمي نفسمه ممن ذا الذي يشهمد علي فيختمم على فيمه ويقال
لفخذه ولحمممه وعظامممه انطقممي فتنطممق فخذه ولحمممه وعظامممه بعمله وذلك ليعذر مممن نفسممه وذلك
المنافق وذلك الذي سخط ال عليه) خرجه أيضا مسلم.
**3اليمة{ 22 :ومما كنتمم تسمتترون أن يشهمد عليكمم سممعكم ول أبصماركم ول جلودكمم ولكمن
ظننتممم أن ال ل يعلم كثيرا مممما تعملون ،وذلكممم ظنكممم الذي ظننتممم بربكممم أرداكممم فأصممبحتم مممن
الخاسمرين ،فإن يصمبروا فالنار مثوى لهمم وإن يسمتعتبوا فمما همم ممن المعتمبين ،وقيضنما لهمم قرناء
فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والنس
إنهم كانوا خاسرين}
@قوله تعالى" :وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ول أبصاركم ول جلودكم" يجوز أن
يكون هذا من قول الجوارح لهم :ويجوز أن يكون من قول ال عز وجل أو الملئكة .وفي صحيح
مسلم عن ابن مسعود قال :اجتمع عند البيت ثلثة نفر؛ قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي؛ قليل فقه
قلوبهمم ،كثيمر شحم بطونهمم :فقال أحدهمم :أترون ال يسممع ما نقول؟ فقال الخمر :يسممع إن جهرنما
ول يسممع إن أخفينما؛ وقال الخمر :إن كان يسممع إذا جهرنما فهمو يسممع إذا أخفينما؛ فأنزل ال عمز
وجمل" :ومما كنتمم تسمتترون أن يشهمد عليكمم سممعكم ول أبصماركم" اليمة؛ خرجمه الترمذي فقال:
اختصمم عنمد البيمت ثلثمة نفمر .ثمم ذكره بلفظمه حرفما حرفما وقال :حديمث حسمن صمحيح؛ حدثنما هناد
قال حدثنا أبو معاوية عن العمش عن عمارة بن عمير عن عبدالرحمن بن يزيد قال :قال عبدال:
كنمت مسمتترا بأسمتار الكعبمة فجاء ثلثمة نفمر كثيمر شحمم بطونهمم قليمل فقمه قلوبهمم ،قرشمي وختناه
ثقفيان ،أو ثقفمي وختناه قرشيان ،فتكلموا بكلم لم أفهممه؛ فقال أحدهمم :أترون أن ال يسممع كلمنما
هذا ،فقال الخمر :إنما إذا رفعنما أصمواتنا سممعه ،وإذا لم نرفمع أصمواتنا لم يسممعه ،فقال الخمر :إن
سممع منمه شيئا سممعه كله فقال عبدال :فذكرت ذلك للنمبي صملى ال عليمه وسملم فأنزل ال تعالى:
"وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ول أبصاركم ول جلودكم" إلى قوله" :فأصبحتم من
الخاسرين" قال :هذا حديث حسن صحيح .قال الثعلبي :والثقفي عبد ياليل ،وختناه ربيعة وصفوان
بمن أميمة .ومعنمى "تسمتترون" تسمتخفون فمي قول أكثمر العلماء؛ أي مما كنتمم تسمتخفون ممن أنفسمكم
حذرا من شهادة الجوارح عليكم؛ لن النسان ل يمكنه أن يخفي من نفسه عمله ،فيكون الستخفاء
بمعنمى ترك المعصمية .وقيمل :السمتتار بمعنمى التقاء؛ أي مما كنتمم تتقون فمي الدنيما أن تشهمد عليكمم
جوارحكممم فممي الخرة فتتركوا المعاصممي خوفمما مممن هذه الشهادة .وقال معناه مجاهممد .وقال قتادة:
"ومما كنتمم تسمتترون" أي تظنون "أن يشهمد عليكمم سممعكم" بأن يقول سممعت الحمق ومما وعيمت
وسممعت مما ل يجوز ممن المعاصمي "ول أبصماركم" فتقول رأيمت آيات ال ومما اعتمبرت ونظرت
فيممما ل يجوز "ول جلودكممم" تقدم" .ولكممن ظننتممم أن ال ل يعلم كثيرا مممما تعملون" مممن أعمالكممم
فجادلتمم على ذلك حتمى شهدت عليكمم جوارحكمم بأعمالكمم .روى بهمز بمن حكيمم عمن أبيمه عمن جده
عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله" :أن يشهد عليكم سمعكم ول أبصاركم ول جلودكم" قال:
(إنكم تدعون يوم القيامة مفدمة أفواهكم بفدام فأول ما يبين عن النسان فخذه وكفه) قال عبدال بن
عبدالعلى الشامي فأحسن.
وتقال عثرات الفتى فيعود العمر ينقص والذنوب تزيد
رجل جوارحه عليه شهود هل يستطيع جحود ذنب واحد
تقليلها وعن الممات يحيد والمرء يسأل عن سنيه فيشتهي
وعن معقل بن يسارعن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :ليس من يوم يأتي على ابن آدم إل ينادي
فيه يا ابن آدم أنا خلق جديد وأنا فيما تعمل غدا عليك شهيد فاعمل في خيرا أشهد لك به غدا فإني
لو قمد مضيمت لم ترنمي أبدا ويقول الليمل مثمل ذلك) ذكره أبمو نعيمم الحافمظ وقمد ذكرناه فمي كتاب
التذكرة في باب شهادة الرض والليالي واليام والمال .وقال محمد بن بشير فأحسن:
ويومك هذا بالفعال شهيد مضى أمسك الدنى شهيدا معدل
فثن بإحسان وأنت حميد فإن تك بالمس اقترفت إساءة
لعل غدا يأتي وأنت فقيد ول ترج فعل الخير منك إلى غد
@قوله تعالى" :وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم" أي أهلككم فأوردكم النار .قال قتادة :الظن
هنا بمعنى العلم .وقال النبي صلى ال عليه وسلم( :ل يموتن أحدكم إل وهو يحسن الظن بال فإن
قومما أسماؤوا الظمن بربهمم فأهلكهمم) فذلك قوله" :وذلكمم ظنكمم الذي ظننتمم بربكمم أرداكمم" .وقال
الحسمن البصمري :إن قومما ألهتهمم المانمي حتمى خرجوا ممن الدنيما ومما لهمم حسمنة ،ويقول أحدهمم:
إني أحسن الظن بربي وكذب ،ولو أحسن الظن لحسن العمل ،وتل قول ال تعالى" :وذلكم ظنكم
الذي ظننتمم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسمرين" .وقال قتادة :من استطاع منكم أن يموت وهو
حسمن الظمن بربمه فليفعمل ،فإن الظمن اثنان ظمن ينجمي وظن يردي .وقال عممر بمن الخطاب فمي هذه
اليمة :هؤلء قوم كانوا يدمنون المعاصمى ول يتوبون منهما ويتكلمون على المغفرة ،حتمى خرجوا
من الدنيا مفاليس ،ثم قرأ" :وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين".
@قوله تعالى" :فإن يصبروا فالنار مثوى لهم" أي فإن يصبروا في الدنيا على أعمال أهل النار
فالنار مثوى لهم .نظيره" :فما أصبرهم على النار" [البقرة ]175 :على ما تقدم" .وإن يستعتبوا
فمما همم ممن المعتمبين" فمي الدنيما وهمم مقيمون على كفرهمم "فمما همم ممن المعتمبين" .وقيمل :المعنمى
"فإن يصبروا" في النار أو يجزعوا "فالنار مثوى لهم" أي ل محيص لهم عنها ،ودل على الجزع
قوله" :وإن يستعتبوا" لن المستعتب جزع والمعتب المقبول عتابه؛ قال النابغة:
وإن تك ذا عتبى فمثلك يعتب فإن أك مظلوما فعبد ظلمته
أي مثلك مممن قبممل الصمملح والمراجعممة إذا سممئل .قال الخليممل :العتاب مخاطبممة الدلل ومذاكرة
الموجدة .تقول :عاتبتممه معاتبممة ،وبينهممم أعتوبممة يتعاتبون بهمما .يقال :إذا تعاتبوا أصمملح ممما بينهممم
العتاب .وأعتبنمي فلن :إذا عاد إلى مسمرتي راجعما عن السماءة ،والسمم منه العتمبى ،وهمو رجوع
المعتوب عليمه إلى مما يرضمي العاتمب .واسمتعتب وأعتمب بمعنمى ،واسمتعتب أيضما طلب أن يعتمب؛
تقول :اسمتعتبته فأعتبنممي أي اسمترضيته فأرضانممي .فمعنمى "وإن يسممتعتبوا" أي طلبوا الرضمما لم
ينفعهمم ذلك بمل ل بمد لهمم ممن النار .وفمي التفاسمير :وإن يسمتقيلوا ربهمم فمما همم ممن المقاليمن .وقرأ
عبيد بن عمير وأبو العالية "وإن يستعتبوا" بفتح التاء الثانية وضم الياء على الفعل المجهول "فما
هم من المعتبين" بكسر التاء أي إن أقالهم ال وردهم إلى الدنيا لم يعملوا بطاعته لما سبق لهم في
علم ال من الشقاء ،قال ال تعالى" :ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه" [النعام ]28 :ذكره الهروي.
وقال ثعلب :يقال أعتب إذا غضب وأعتب إذا رضي.
@قوله تعالى" :وقيضنا لهم قرناء" قال النقاش :أي هيأنا لهم شياطين .وقيل :سلطنا عليهم قرناء
يزينون عندهمم المعاصمي ،وهؤلء القرناء ممن الجمن والشياطيمن وممن النمس أيضما؛ أي سمببنا لهمم
قرناء؛ يقال :قيض ال فلنا لفلن أي جاءه به وأتاحه له ،ومنه قوله تعالى" :وقيضنا لهم قرناء".
القشيري :ويقال قيمض ال لي رزقما أي أتاحمه كمما كنمت أطلبمه ،والتقييمض البدال ومنمه المقايضمة،
قايضمت الرجمل مقايضمة أي عاوضتمه بمتاع ،وهمما قيضان كمما تقول بيعان" .فزينوا لهمم مما بيمن
أيديهم" من أمر الدنيا فحسنوه لهم حتى آثروه على الخرة "وما خلفهم" حسنوا لهم ما بعد مماتهم
ودعوهممم إلى التكذيمب بأمور الخرة؛ عمن مجاهممد .وقيمل :المعنممى "قيضنمما لهمم قرناء" فممي النار
"فزينوا لهمم" أعمالهمم فمي الدنيما؛ والمعنمى قدرنما عليهمم أن ذلك سميكون وحكمنما بمه عليهمم .وقيمل:
المعنى أحوجناهم إلى القران؛ أي أحوجنا الفقير إلى الغني لينال منه ،والغني إلى الفقير ليستعين
بمه فزيمن بعضهمم لبعمض المعاصمي .وليمس قوله" :ومما خلفهمم" عطفما على "مما بيمن أيديهمم" بمل
المعنمى وأنسموهم مما خلفهمم ففيمه هذا الضمار .قال ابمن عباس" :مما بيمن أيديهمم" تكذيبهمم بأمور
الخرة "ومما خلفهمم" التسمويف والترغيمب فمي الدنيما .الزجاج" :مما بيمن أيديهمم" مما عملوه "ومما
خلفهممم" ممما عزموا على أن يعملوه .وقممد تقدم قول مجاهممد .وقيممل :المعنممى لهممم مثممل ممما تقدم مممن
المعاصمي "ومما خلفهمم" مما يعممل بعدهمم" .وحمق عليهمم القول فمي أممم قمد خلت ممن قبلهمم ممن الجمن
والنمس" أي وجمب عليهمم ممن العذاب مما وجمب على الممم الذيمن ممن قبلهمم الذيمن كفروا ككفرهمم.
وقيمل" :فمي" بمعنمى ممع؛ فالمعنمى همم داخلون ممع الممم الكافرة قبلهمم فيمما دخلوا فيمه .وقيمل" :فمي
أمم" في جملة أمم ،ومثله قول الشاعر:
فوكا ففي آخرين قد أفكوا إن تك عن أحسن الصنيعة مأ
يريد فأنت في جملة آخرين لست في ذلك بأوحد .ومحل "في أمم" النصب على الحال من الضمير
فمي "عليهمم" أي حمق عليهمم القول كائنيمن فمي جملة أممم" .إنهمم كانوا خاسمرين" أعمالهمم فمي الدنيما
وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
**3اليمة{ 29 - 26 :وقال الذيمن كفروا ل تسممعوا لهذا القرآن والغوا فيمه لعلكمم تغلبون،
فلنذيقمن الذيمن كفروا عذابما شديدا ولنجزينهمم أسموأ الذي كانوا يعملون ،ذلك جزاء أعداء ال النار
لهمم فيهما دار الخلد جزاء بمما كانوا بآياتنما يجحدون ،وقال الذيمن كفروا ربنما أرنما الذيمن أضلنما ممن
الجن والنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من السفلين}
@قوله تعالى" :وقال الذيمن كفروا ل تسممعوا لهذا القرآن" لمما أخمبر تعالى عمن كفمر قوم هود
وصمالح وغيرهمم أخمبر عمن مشركمي قريمش وأنهمم كذبوا القرآن فقالوا" :ل تسممعوا" .وقيمل :معنمى
"ل تسمعوا" ل تطيعوا؛ يقال :سمعت لك أي أطعتك" .والغوا فيه" قال ابن عباس :قال أبو جهل
إذا قرأ محمممد فصمميحوا فممي وجهممه حتممى ل يدري ممما يقول .وقيممل :إنهممم فعلوا ذلك لممما أعجزهممم
القرآن .وقال مجاهمد :المعنمى "والغوا فيمه" بالمكاء والتصمفيق والتخليمط فمي المنطمق حتمى يصمير
لغوا .وقال الضحاك :أكثروا الكلم ليختلط عليه ما يقول .وقال أبو العالية وابن عباس أيضا :قعوا
فيمه .وعيبوه" .لعلكمم تغلبون" محمدا على قراءتمه فل يظهمر ول يسمتميل القلوب .وقرأ عيسمى بمن
عمر والجحدري وابن أبي إسحاق وأبو حيوة وبكر بن حبيب السهمي "والغوا" بضم الغين وهي
لغممة مممن لغمما يلغممو .وقراءة الجماعممة مممن لغممي يلغممى .قال الهروي :وقوله" :والغوا فيممه" قيممل:
عارضوه بكلم ل يفهم .يقال :لغوت ألغو وألغى ،ولغي يلغى ثلث لغات .وقد مضى معنى اللغو
في "البقرة" وهو ما ل يعلم له حقيقة ول تحصيل.
@قوله تعالى" :فلنذيقمن الذيمن كفروا عذابما شديدا" قمد تقدم أن الذوق يكون محسموسا ،ومعنمى
العذاب الشديد :ما يتوالى فل ينقطع .وقيل :هو العذاب في جميع أجزائهم" .ولنجزينهم أسوأ الذي
كانوا يعملون" أي ولنجزينهممم فممي الخرة جزاء قبممح أعمالهممم التممي عملوهمما فممي الدنيمما .وأسمموأ
العمال الشرك" .ذلك جزاء أعداء ال النار" أي ذلك العذاب الشديممد ،ثممم بينممه بقوله "النار" وقرأ
ابمممن عباس "ذلك جزاء أعداء ال النار دار الخلد" فترجمممم بالدار عمممن النار وهمممو مجاز اليمممة.
و"ذلك" ابتداء و"جزاء" الخممبر و"النار" بدل مممن "جزاء" أوخممبر مبتدأ مضمممر ،والجملة فممي
موضع بيان للجملة الولى.
@قوله تعالى" :وقال الذيمن كفروا" يعنمي فمي النار فذكره بلفمظ الماضمي والمراد المسمتقبل "ربنما
أرنما اللذيمن أضلنما ممن الجن والنمس" يعنمي إبليمس وابمن آدم الذي قتمل أخاه .عمن ابن عباس وابمن
مسمعود وغيرهمما؛ ويشهمد لهذا القول الحديمث المرفوع( :مما ممن مسملم يقتمل ظلمما إل كان على ابمن
آدم الول كفمل ممن ذنبمه لنمه أول ممن سمن القتمل) خرجمه الترمذي ،وقيمل :همو بمعنمى الجنمس وبنمي
على التثنية لختلف الجنسين" .نجعلهما تحت أقدامنا" سألوا ذلك حتى يشتفوا منهم بأن يجعلوهم
تحت أقدامهم "ليكونا من السفلين" في النار وهو الدرك السفل سألوا أن يضعف ال عذاب من
كان سمبب ضللتهمم ممن الجمن والنمس .وقرأ ابمن محيصمن والسموسي عمن أبمي عمرو وابمن عاممر
وأبممو بكممر والمفضممل "أرنمما" بإسممكان الراء ،وعممن أبممي عمرو أيضمما باختلسممها .وأشبممع الباقون
كسرتها وقد تقدم في "العراف".
**3الية{ 32 - 30 :إن الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة أل تخافوا ول
تحزنوا وأبشروا بالجنة التمي كنتمم توعدون ،نحن أولياؤكم في الحياة الدنيما وفمي الخرة ولكم فيهما
ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ،نزل من غفور رحيم}
@قوله تعالى" :إن الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا" قال عطاء عن ابن عباس :نزلت هذه الية
فمي أبمي بكمر الصمديق رضمي ال عنمه؛ وذلك أن المشركيمن قالوا ربنما ال والملئكمة بناتمه وهؤلء
شفعاؤنما عنمد ال؛ فلم يسمتقيموا .وقال أبمو بكمر :ربنما ال وحده ل شريمك له ومحممد صملى ال عليمه
وسلم عبده ورسوله؛ فاستقام .وفي الترمذي عن أنس بن مالك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم
قرأ "إن الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا" قال( :قد قال الناس ثم كفر أكثرهم فمن مات عليها فهو
مممن استقام) قال :حديمث غريب .ويروى فمي هذه اليمة عن النمبي صلى ال عليه وسلم وأبمي بكمر
وعمر وعثمان وعلي معنى "استقاموا"؛ ففي صحيح مسلم عن سفيان بن عبدال الثقفي قال :قلت
يما رسمول ال قمل لي فمي السملم قول ل أسمأل عنمه أحدا بعدك -وفمي روايمة -غيرك .قال( :قمل
آمنمت بال ثمم اسمتقم) زاد الترمذي قلت :يما رسمول ال مما أخوف مما تخاف علي؟ فأخمذ بلسمان نفسمه
وقال( :هذا) .وروي عن أبي بكر الصديق رضي ال عنه أنه قال" :ثم استقاموا" لم يشركوا بال
شيئا .وروى عنه السود بن هلل أنه قال لصحابه :ما تقولون في هاتين اليتين "إن الذين قالوا
ربنا ال ثم استقاموا" و"الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" فقالوا :استقاموا فلم يذنبوا ولم يلبسوا
إيمانهمم بخطيئة؛ فقال أبمو بكمر :لقمد حملتموهما على غيمر المحممل "قالوا ربنما ال ثمم اسمتقاموا" فلم
يلتفتوا إلى إله غيره "ولم يلبسمموا إيمانهممم" بشرك "أولئك لهممم المممن وهممم مهتدون" .وروي عممن
عمر رضي ال عنه أنه قال على المنبر وهو يخطب" :إن الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا" فقال:
اسمتقاموا وال على الطريقة لطاعتمه ثمم لم يرغوا روغان الثعالب .وقال عثمان رضمي ال عنمه :ثمم
أخلصوا العمل ل .وقال علي رضي ال عنه :ثم أدوا الفرائض .وأقوال التابعين بمعناها .قال ابن
زيممد وقتادة :اسممتقاموا على الطاعممة ل .الحسممن :اسممتقاموا على أمممر ال فعملوا بطاعتممه واجتنبوا
معصمميته .وقال مجاهممد وعكرمممة :اسممتقاموا على شهادة أن ل إله إل ال حتممى ماتوا .وقال سممفيان
الثوري :عملوا على وفاق ممما قالوا .وقال الربيممع :اعرضوا عممما سمموى ال .وقال الفضيممل بممن
عياض :زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية .وقيل :استقاموا إسرارا كما استقاموا إقرارا .وقيل:
اسمتقاموا فعل كمما اسمتقاموا قول .وقال أنمس :لمما نزلت هذه اليمة قال النمبي صملى ال عليمه وسملم:
(هم أمتي ورب الكعبة) .وقال المام ابن فورك :السين سين الطلب مئل استسقى أي سألوا من ال
أن يثبتهم على الدين .وكان الحسن إذا قرأ هذه الية قال :اللهم أنت ربنا فارزقنا الستقامة.
قلت :وهذه القوال وإن تداخلت فتلخيصممها :اعتدلوا على طاعممة ال عقدا وقول وفعل ،وداموا
على ذلك.
@قوله تعالى" :تتنزل عليهم الملئكة" قال ابن زيد ومجاهد :عند الموت .وقال مقاتل وقتادة :إذا
قاموا ممن قبورهمم للبعمث .وقال ابمن عباس :همي بشرى تكون لهمم ممن الملئكمة فمي الخرة .وقال
وكيع وابن زيد :البشرى في ثلثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث" .أل تخافوا" أي بم
"أل تخافوا" فحذف الجار .وقال مجاهمد :ل تخافوا الموت .وقال عطاء بن أبمي رباح :ل تخافوا
رد ثوابكممم فإنممه مقبول ،وقال عكرمممة ول تخافوا أمامكممم ،ول تحزنوا على ذنوبكممم" .ول تحزنوا
وأبشروا بالجنممة التممي كنتممم توعدون" على أولدكممم فإن ال خليفتكممم عليهممم .وقال عطاء بممن أبممي
رباح :ل تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم .وقال عكرمة :ل تحزنوا على ذنوبكم.
@قوله تعالى" :نحمن أولياؤكمم فمي الحياة الدنيما وفمي الخرة" أي تقول لهمم الملئكمة الذيمن تتنزل
عليهم بالبشارة "نحن أولياؤكم" قال مجاهد :أي نحن قرناؤكم الذين كنا معكم في الدنيا ،فإذا كان
يوم القيامة قالوا ل نفارقكم حتى ندخلكم الجنة .وقال السدي :أي نحن الحفظة لعمالكمم في الدنيا
وأولياؤكممم فممي الخرة .ويجوز أن يكون هذا مممن قول ال تعالى؛ وال ولي المؤمنيممن ومولهممم.
"ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم" أي من الملذ" .ولكم فيها ما تدعون" تسألون وتتمنون" .نزل" أي
رزقما وضيافمة ممن ال الغفور الرحيمم .وقمد تقدم فمي "آل عمران" وهمو منصموب على المصمدر أي
أنزلناه نزل .وقيمل :على الحال .وقيمل :همو جممع نازل ،أي لكمم مما تدعون نازليمن ،فيكون حال ممن
الضمير المرفوع في "تدعون" أو من المجرور في "لكم".
**3اليمة{ 36 - 33 :وممن أحسمن قول مممن دعما إلى ال وعممل صمالحا وقال إننمي ممن
المسملمين ،ول تسمتوي الحسمنة ول السميئة ادفمع بالتمي همي أحسمن فإذا الذي بينمك وبينمه عداوة كأنمه
ولي حميمم ،ومما يلقاهما إل الذيمن صمبروا ومما يلقاهما إل ذو حمظ عظيمم ،وإمما ينزغنمك ممن الشيطان
نزغ فاستعذ بال إنه هو السميع العليم}
@قوله تعالى" :ومن أحسن قول ممن دعا إلى ال وعمل صالحا" هذا توبيخ للذين تواصوا باللغو
فمي القرآن .والمعنمى :أي كلم أحسمن ممن القرآن ،وممن أحسمن قول ممن الداعمي إلى ال وطاعتمه
وهو محمد صلى ال عليه وسلم .قال ابن سيرين والسدي وابن زيد والحسن :هو رسول ال صلى
ال عليمه وسملم .وكان الحسمن إذا تل هذه اليمة يقول :هذا رسمول ال ،هذا حمبيب ال ،هذا ولي ال،
هذا صممفوة ال ،هذا خيرة ال ،هذا وال أحممب أهممل الرض إلى ال؛ أجاب ال فممي دعوتممه ،ودعمما
الناس إلى مما أجاب إليمه .وقالت عائشمة رضمي ال عنهما وعكرممة وقيمس بمن أبمي حازم ومجاهمد:
نزلت في المؤذنين .قال فضيل بن رفيدة :كنت مؤذنا لصحاب عبدال بن مسعود ،فقال لي عاصم
بمن همبيرة :إذا أذنمت فقلت :ال أكمبر ال أكمبر ل إله إل ال ،فقمل وأنما ممن المسملمين؛ ثمم قرأ هذه
اليمة؛ قال ابمن العربمي :الول أصمح؛ لن اليمة مكيمة والذان مدنمي؛ وإنمما يدخمل فيهما بالمعنمى؛ ل
أنمه كان المقصمود وقمت القول ،ويدخمل فيهما أبمو بكمر الصمديق حيمن قال فمي النمبي صملى ال عليمه
وسلم وقد خنقه الملعون" :أتقتلون رجل أن يقول ربي ال" [غافر ]28 :وتتضمن كل كلم حسن
فيه ذكر التوحيد واليمان.
قلت :وقول ثالث وهمو أحسمنها؛ قال الحسمن :هذه اليمة عاممة فمي كمل ممن دعما إلى ال .وكذا قال
قيمس بمن أبمي حازم قال :نزلت فمي كمل مؤممن .قال :ومعنمى "وعممل صمالحا" الصملة بيمن الذان
والقامة .وقاله أبو أمامة؛ قال :صلي ركعتين بين الذان والقامة .وقال عكرمة" :وعمل صالحا"
صلى وصام .وقال الكلبي :أدى الفرائض.
قلت :وهذا أحسنها مع اجتناب المحارم وكثرة المندوب .وال أعلم.
@قوله تعالى" :وقال إننمي ممن المسملمين" قال ابمن العربمي :ومما تقدم يدل على السملم ،لكمن لمما
كان الدعاء بالقول والسمميف يكون للعتقاد ويكون للحجممة ،وكان العمممل يكون للرياء والخلص،
دل على أنه ل بد من التصريح بالعتقاد ل في ذلك كله ،وأن العمل لوجهه.
مسمألة :لمما قال ال تعالى" :وقال إننمي ممن المسملمين" ولم يقمل له اشترط إن شاء ال ،كان فمي
ذلك رد على من يقول أنا مسلم إن شاء ال.
@قوله تعالى" :ول تسمتوي الحسمنة ول السيئة" قال الفراء" :ل" صملة أي "ول تسمتوي الحسمنة
والسيئة" وأنشد:
والطيبان أبو بكر ول عمر ما كان يرضى رسول ال فعلهم
أراد أبو بكر وعمر؛ أي ل يستوي ما أنت عليه من التوحيد ،وما المشركون عليه من الشرك .قال
ابمن عباس :الحسمنة ل إله إل ال ،والسميئة الشرك .وقيمل :الحسمنة الطاعمة ،والسميئة الشرك .وهمو
الول بعينمه .وقيمل :الحسمنة المداراة ،والسميئة الغلظمة .وقيمل :الحسمنة العفمو ،والسميئة النتصمار.
وقال الضحاك :الحسمنة العلم ،والسميئة الفحمش .وقال علي بمن أبمي طالب رضمي ال عنمه :الحسمنة
حب آل الرسول ،والسيئة بغضهمم" .ادفع بالتي هي أحسن" نسمخت بآية السيف ،وبقي المستحب
ممن ذلك :حسمن العشرة والحتمال والغضاء .قال ابمن عباس :أي ادفمع بحلممك جهمل ممن يجهمل
عليمك .وعنمه أيضما :هو الرجمل يسمب الرجمل فيقول الخمر إن كنمت صمادقا فغفمر ال لي ،وإن كنمت
كاذبا فغفر ال لك .وكذلك يروى في الثر :أن أبا بكر الصديق رضي ال عنه قال ذلك لرجل نال
منمه .وقال مجاهمد" :بالتمي همي أحسمن" يعنمي السملم إذا لقمي ممن يعاديمه؛ وقال عطاء .وقول ثالث
ذكره القاضمي أبمو بكمر بمن العربمي فمي الحكام وهمو المصمافحة .وفمي الثمر( :تصمافحوا يذهمب
الغل) .ولم ير مالك المصافحة ،وقد اجتمع مع سفيان فتكلما فيها فقال سفيان :قد صافح رسول ال
صلى ال عليه وسلم جعفرا حين قدم من أرض الحبشة؛ فقال له مالك :ذلك خاص .فقال له سفيان:
مما خمص رسمول ال صملى ال عليمه وسملم يخصمنا ،ومما عممه يعمنما ،والمصمافحة ثابتمة فل وجمه
لنكارهما .وقمد روى قتادة قال قلت لنمس :همل كانمت المصمافحة فمي أصمحاب رسمول ال صملى ال
عليه وسلم؟ قال :نعم .وهو حديث صحيح .وفي الثر( :من تمام المحبة الخذ باليد) .ومن حديث
محممد بمن إسمحاق وهمو إمام مقدم ،عمن الزهري عمن عروة عمن عائشمة قالت :قدم زيمد بمن حارثمة
المدينة ورسول ال صلى ال عليه وسلم في بيتي ،فقرع الباب فقام إليه رسول ال صلى ال عليه
وسلم عريانا يجر ثوبه -وال ما رأيته عريانا قبله ول بعده -فاعتنقه وقبله.
قلت :قممد روي عممن مالك جواز المصممافحة وعليهمما جماعممة مممن العلماء .وقممد مضممى ذلك فممي
"يوسف" وذكرنا هناك حديث البراء بن عازب قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ما من
مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إل ألقيت ذنوبهما بينهما).
@قوله تعالى" :فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" أي قريب صديق .قال مقاتل :نزلت
فمي أبي سفيان بن حرب ،كان مؤذيما للنمبي صملى ال عليمه وسملم ،فصمار له وليما بعد أن كان عدوا
بالمصماهرة التمي وقعمت بينمه وبيمن النمبي صملى ال عليمه وسملم ،ثمم أسملم فصمار وليما فمي السملم
حميمما بالقرابمة .وقيمل :هذه اليمة نزلت فمي أبمي جهمل بمن هشام ،كان يؤذي النمبي صملى ال عليمه
وسممملم ،فأمره ال تعالى بالصمممبر عليمممه والصمممفح عنمممه؛ ذكره الماوردي .والول ذكره الثعلبمممي
والقشيري وهو أظهر؛ لقوله تعالى" :فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" .وقيل :كان هذا
قبل المر بالقتال .قال ابن عباس :أمره ال تعالى في هذه الية بالصبر عند الغضب ،والحلم عند
الجهمل ،والعفمو عنمد السماءة ،فإذا فعمل الناس ذلك عصممهم ال ممن الشيطان ،وخضمع لهمم عدوهمم.
وروي أن رجل شتممم قنممبرا مولى علي بممن أبممي طالب فناداه علي يمما قنممبر دع شاتمممك ،وآله عنممه
ترضمي الرحممن وتسمخط الشيطان ،وتعاقمب شاتممك ،فمما عوقمب الحممق بمثمل السمكوت عنمه.
وأنشدوا:
أضر له من شتمه حين يشتم وللكف عن شتم اللئيم تكرما
وقال آخر:
إذا سب الكريم من الجواب وما شيء أحب إلى سفيه
أشد على السفيه من السباب متاركة السفيه بل جواب
وقال محمود الوراق:
وإن كثرت منه لدي الجرائم سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب
شريف ومشرف ومثل مقاوم فما الناس إل واحد من ثلثة
واتبع فيه الحق والحق لزم فأما الذي فوقي فأعرف قدره
إجابته عرضي وإن لم لئم وأما الذي دوني فإن قال صنت عن
تفضلت إن الفضل بالحلم حاكم وأما الذي مثلي فإن زل أو هفا
"وما يلقاها" يعني هذه الفعلة الكريمة والخصلة الشريفة "إل الذين صبروا" بكظم الغيظ واحتمال
الذى .وقيل :الكناية في "يلقاها" عن الجنة؛ أي ما يلقاها إل الصابرون؛ والمعنى متقارب" .وما
يلقاهما إل ذو حمظ عظيمم" أي نصميب وافمر ممن الخيمر؛ قال ابمن عباس .وقال قتادة ومجاهمد :الحمظ
العظيمم الجنمة .قال الحسمن :وال مما عظمم حمظ قمط دون الجنمة" .وإمما ينزغنمك ممن الشيطان نزغ"
تقدم فمي آخمر "العراف"" .فاسمتعذ بال" ممن كيده وشره "إنمه همو السمميع" لسمتعاذتك "العليمم"
بأفعالك وأقوالك.
**3اليمة{ 39 - 37 :وممن آياتمه الليمل والنهار والشممس والقممر ل تسمجدوا للشممس ول للقممر
واسمجدوا ل الذي خلقهمن إن كنتمم إياه تعبدون ،فإن اسمتكبروا فالذيمن عنمد ربمك يسمبحون له بالليمل
والنهار وهم ل يسأمون ،ومن آياته أنك ترى الرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت
إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير}
@قوله تعالى" :ومن آياته" علماته الدالة على وحدانيته وقدرته "الليل والنهار والشمس والقمر"
وقمد مضمى فمي غيمر موضمع" .ل تسمجدوا للشممس ول للقممر" نهمى عمن السمجود لهمما؛ لنهمما وإن
كانما خلقيمن فليمس ذلك لفضيلة لهمما فمي أنفسمهما فيسمتحقان بهما العبادة ممع ال؛ لن خالقهمما همو ال
ولو شاء لعدمهمما أو طممس نورهمما" .واسمجدوا ل الذي خلقهمن" وصمورهن وسمخرهن؛ فالكنايمة
ترجع إلى الشمس والقمر والليل والنهار .وقيل :للشمس والقمر خاصة؛ لن الثنين جمع .وقيل:
الضمير عائد على معنى اليات "إن كنتم إياه تعبدون"وإنما أنث على جمع التكثير ولم يجر على
طريمق التغليمب للمذكمر والمؤنمث لنمه فيمما ل يعقمل" .فإن اسمتكبروا" يعنمي الكفار عمن السمجود ل
"فالذين عند ربك" من الملئكة "يسبحون له بالليل والنهار وهم ل يسأمون" أي ل يملون عبادته.
قال زهير:
ثمانين حول ل أبا لك يسأم سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
مسمألة :هذه اليمة آيمة سمجدة بل خلف؛ واختلفوا فمي موضمع السمجود منهما .فقال مالك :موضعمه
"إن كنتم إياه تعبدون"؛ لنه متصل بالمر .وكان علي وابن مسعود وغيرهم يسجدون عند قوله:
"تعبدون" .وقال ابن وهب والشافعي :موضعه "وهم ل يسأمون" لنه تمام الكلم وغاية العبادة
والمتثال .وبممه قال أبممو حنيفممة .وكان ابممن عباس يسممجد عنممد قوله" :يسممأمون" .وقال ابممن عمممر:
اسمجدوا بالخرة منهمما .وكذلك يروى عمن مسمروق وأبمي عبدالرحممن السملمي وإبراهيمم النخعمي
وأبي صالح ويحيى بن وثاب وطلحة وزبيد الياميين والحسن وابن سيرين .وكان أبو وائل وقتادة
وبكر بن عبدال يسجدون عند قوله" :يسأمون" .قال ابن العربي :والمر قريب.
مسمألة :ذكمر ابمن خويمز منداد :أن هذه اليمة تضمنمت صملة كسموف القممر والشممس؛ وذلك أن
العرب كانمت تقول :إن الشممس والقممر ل يكسمفان إل لموت عظيمم ،فصملى النمبي صملى ال عليمه
وسلم صلة الكسوف.
قلت :صلة الكسوف ثابتة في الصحاح البخاري ومسلم وغيرهما .واختلفوا في كيفيتها اختلفا
كثيرا ،لختلف الثار ،وحسبك ما في صحيح مسلم من ذلك ،وهو العمدة في الباب .وال الموفق
للصواب.
@قوله تعالى" :ومن آياته أنك ترى الرض خاشعة" الخطاب لكل عاقل أي "ومن آياته" الدالة
على أنممه يحيممي الموتممى "أنممك ترى الرض خاشعممة" أي يابسممة جدبممة؛ هذا وصممف الرض
بالخشوع؛ قال النابغة:
ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع رماد ككحل العين ليا أبينه
والرض الخاشعة؛ الغبراء التي تنبت .وبلدة خاشعة :أي مغبرة ل منزل بها .ومكان خاشع" .فإذا
أنزلنا عليها الماء اهتزت" أي بالنبات؛ قال مجاهد .يقال :اهتز النسان أي تحرك؛ ومنه:
إذا لم تجد عند امرئ السوء مطمعا تراه كنصل السيف يهتز للندى
"وربت" أي انتفخت وعلت قبل أن تنبت؛ قال مجاهد .أي تصعدت عن النبات بعد موتها .وعلى
هذا التقديمر يكون فمي الكلم تقديمم وتأخيمر وتقديره :ربمت واهتزت .والهتزاز والربمو قمد يكونان
قبممل الخروج مممن الرض؛ وقممد يكونان بعممد خروج النبات إلى وجممه الرض؛ فربوهمما ارتفاعهمما.
ويقال للموضمع المرتفمع :ربوة ورابيمة؛ فالنبات يتحرك للبروز ثمم يزداد فمي جسممه بالكمبر طول
وعرضمما .وقرأ أبممو جعفممر وخالد "وربأت" ومعناه عظمممت؛ مممن الربيئة .وقيممل" :اهتزت" أي
اسمتبشرت بالمطمر "وربمت" أي انتفخمت بالنبات .والرض إذا انشقمت بالنبات :وصمفت بالضحمك،
فيجوز وصممفها بالسممتبشار أيضمما .ويجوز أن يقال الربممو والهتزاز واحممد؛ وهممي حالة خروج
النبات .وقمد مضمى هذا المعنمى فمي "الحمج" "إن الذي أحياهما لمحيمي الموتمى إنمه على كمل شيمء
قدير" تقدم في غير موضع.
**3الية{ 43 - 40 :إن الذين يلحدون في آياتنا ل يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من
يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير ،إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه
لكتاب عزيز ،ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد ،ما يقال لك إل ما
قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم}
@قوله تعالى" :إن الذيمن يلحدون فمي آياتنما ل يخفون علينما" أي يميلون عمن الحمق فمي أدلتنما.
واللحاد :الميمل والعدول .ومنمه اللحمد فمي القمبر؛ لنمه أميمل إلى ناحيمة منمه .يقال :ألحمد فمي ديمن ال
أي حاد عنممه وعدل .ولحممد لغممة فيممه .وهذا يرجممع إلى الذيممن قالوا" :ل تسمممعوا لهذا القرآن والغوا
فيه" وهم الذين ألحدوا فمي آياته ومالوا عن الحق فقالوا :ليس القرآن من عند ال ،أو هو شعر أو
سمممحر؛ فاليات آيات القرآن .قال مجاهمممد" :يلحدون فمممي آياتنممما" أي عنمممد تلوة القرآن بالمكاء
والتصمدية واللغمو والغناء .وقال ابمن عباس :همو تبديمل الكلم ووضعمه فمي غيمر موضعمه .وقال
قتادة" :يلحدون فممي آياتنمما" يكذبون فممي آياتنمما .وقال السممدي :يعاندون ويشاقون .وقال ابممن زيممد:
يشركون ويكذبون .والمعنمى متقارب .وقال مقاتمل :نزلت فمي أبمي جهمل .وقيمل :اليات المعجزات،
وهو يرجع إلى الول فإن القرآن معجز" .أفمن يلقى في النار" على وجهه وهو أبو جهل في قول
ابن عباس وغيره" .خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة" قيل :النبي صلى ال عليه وسلم؛ قاله مقاتل.
وقيمل :عمار بمن ياسمر .وقيمل :حمزة .وقيمل :عممر بمن الخطاب .وقيمل :أبمو سملمة بمن عبمد السمد
المخزوممي .وقيمل :المؤمنون .وقيمل :إنهما على العموم؛ فالذي يلقمى فمي النار الكافمر ،والذي يأتمي
آمنما يوم القياممة المؤممن؛ قاله ابمن بحمر" .اعملوا مما شئتمم" أممر تهديمد؛ أي بعمد مما علمتمم أنهمما ل
يستويان فل بد لكم من الجزاء" .إنه بما تعملون بصير" وعيد بتهديد وتوعد.
@قوله تعالى" :إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم" الذكر ها هنا القرآن في قول الجميع؛ لن فيه
ذكمر مما يحتاج إليمه ممن الحكام .والخمبر محذوف تقديره هالكون أومعذبون .وقيمل :الخمبر "أولئك
ينادون ممن مكان بعيمد" [فصملت ]44 :واعترض قوله" :مما يقال لك" ثمم رجمع إلى الذكمر فقال:
"ولو جعلناه قرآنمما أعجميمما" ثممم قال" :أولئك ينادون" [فصمملت ]44 :والول الختيار؛ قال
النحاس :عنممد النحوييممن جميعمما فيممما علمممت" .وإنممه لكتاب عزيممز" أي عزيممز على ال؛ قاله ابممن
عباس؛ وعنمه :عزيمز ممن عنمد ال .وقيمل :كريمم على ال .وقيمل" :عزيمز" أي أعزه ال فل يتطرق
إليه باطل .وقيل :ينبغمي أن يعمز ويجمل وأل يلغمى فيه .وقيمل" :عزيز" من الشيطان أن يبدله؛ قاله
السدي .مقاتل :منع من الشيطان والباطل .السدي :غير مخلوق فل مثل له .وقال ابن عباس أيضا:
"عزيز" أي ممتنع عن الناس أن يقولوا مثله" .ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه" أي ل
يكذبمه شيمء ممما أنزل ال ممن قبمل ول ينزل ممن بعده يبطله وينسمخه؛ قال الكلبمي .وقال السمدي
وقتادة" :ل يأتيه الباطل" يعني الشيطان "من بين يديه ول من خلفه" ل يستطيع أن يغير ول يزيد
ول ينقمص .وقال سمعيد بمن جمبير :ل يأتيمه التكذيمب "ممن بيمن يديمه ول ممن خلفمه" .ابمن جريمج" :ل
يأتيه الباطل" فيما أخبر عما مضى ول فيما أخبر عما يكون .وعن ابن عباس" :من بين يديه" من
ال تعالى" :ول ممن خلفمه" يريمد ممن جبريمل صملى ال عليمه وسملم ،ول ممن محممد صملى ال عليمه
وسملم" .تنزيمل ممن حكيمم حميمد" ابمن عباس" :حكيمم" فمي خلقمه "حميمد" إليهمم .قتادة" :حكيمم" فمي
أمره "حميد" إلى خلقه.
@قوله تعالى" :ما يقال لك" أي من الذى والتكذيب "إل ما قد قيل للرسل من قبلك" يعزي نبيه
ويسليه "إن ربك لذو مغفرة" لك ولصحابك "وذو عقاب أليم" يريد لعدائك وجيعا .وقيل :أي ما
يقال لك ممن إخلص العبادة ل إل مما قمد أوحمي إلى ممن قبلك ،ول خلف بيمن الشرائع فيمما يتعلق
بالتوحيد ،وهو كقوله" :ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك" [الزمر:
]65أي لم تدعهم إل ما تدعو إليه جميع النبياء ،فل معنى لنكارهم عليك .قيل :هو استفهام ،أي
أي شيء يقال لك "إل ما قد قيل للرسل من قبلك" .وقيل" :إن ربك" كلم مبتدأ وما قبله كلم تام
إذا كان الخبر مضمرا .وقيل :هو متصل بم "ما يقال لك"".إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم" أي
إنما أمرت بالنذار والتبشير.
**3الية{ 44 :ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لول فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين
آمنوا هدى وشفاء والذيممن ل يؤمنون فممي آذانهممم وقممر وهممو عليهممم عمممى أولئك ينادون مممن مكان
بعيد}
@قوله تعالى" :ولو جعلناه قرآنما أعجميما" أي بلغمة غيمر العرب "لقالوا لول فصملت آياتمه" أي
بينمت بلغتنما فإننما عرب ل نفهمم العجمية .فمبين أنه أنزل بلسمانهم ليتقرر به معنمى العجاز؛ إذ هم
أعلم الناس بأنواع الكلم نظما ونثرا .وإذا عجزوا عن معارضته كان من أدل الدليل على أنه من
عند ال ،ولو كان بلسان العجم لقالوا ل علم لنا بهذا اللسان.
وإذا ثبمت هذا ففيه دليمل على أن القرآن عربمي ،وأنه نزل بلغمة العرب ،وأنه ليمس أعجميا ،وأنه
إذا نقل عنها إلى غيرها لم يكن قرآنا.
@قوله تعالى" :أأعجممي وعربي" وقرأ أبمو بكر وحمزة والكسمائي "اَاَعجمي وعربمي" بهمزتيمن
مخففتيمن ،والعجممي الذي ليمس ممن العرب كان فصميحا أوغيمر فصميح ،والعجممي الذي ل يفصمح
كان من العرب أو من العجم ،فالعجم ضد الفصيح وهو الذي ل يبين كلمه .ويقال للحيوان غير
الناطمق أعجمم ،ومنمه (صملة النهار عجماء) أي ل يجهمر فيهما بالقراءة فكانمت النسمبة إلى العجمم
آكد ،لن الرجل العجمي الذي ليس من العرب قد يكون فصيحا بالعربية ،والعربي قد يكون غير
فصيح؛ فالنسبة إلى العجمي آكد في البيان .والمعنى أقرآن أعجمي ،ونبي عربي؟ وهو استفهام
إنكار .وقرأ الحسن وأبو العالية ونصر بن عاصم والمغيرة وهشام عن ابن عامر" أعجمي"بهمزة
واحدة على الخمبر .والمعنمى "لول فصملت آياتمه" فكان منهما عربمي يفهممه العرب ،وأعجممي يفهممه
العجمم .وروى سمعيد بمن جمبير قال :قالت قريمش :لول أنزل القرآن أعجميما وعربيما فيكون بعمض
آياته عجميا وبعض آياته عربيا فنزلت الية .وأنزل في القرآن من كل لغة فمنه "السجيل" وهي
فارسمية وأصملها سمنك كيمل؛ أي طيمن وحجمر ،ومنمه "الفردوس" روميمة وكذلك "القسمطاس" وقرأ
أهل الحجاز وأبو عمرو وابن ذكوان وحفص على الستفهام ،إل أنهم لينوا الهمزة على أصولهم.
والقراءة الصحيحة قراءة الستفهام .وال أعلم.
@قوله تعالى" :قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء" أعلم ال أن القرآن هدى وشفاء لكل من آمن به
ممن الشمك والريمب والوجاع" .والذيمن ل يؤمنون فمي آذانهمم وقمر" أي صممم عمن سمماع القرآن.
ولهذا تواصوا باللغو فيه .ونظير هذه الية" :وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ول
يزيمد الظالميمن إل خسمارا" [السمراء ]82 :وقمد مضمى مسمتوفى .وقراءة العاممة "عممى" على
المصدر .وقرأ ابن عباس وعبدال بن الزبير وعمرو بن العاص ومعاوية وسليمان بن قتة "وهو
عليهمم عمم" بكسمر الميمم أي ل يتمبين لهمم .واختار أبمو عبيمد القراءة الولى؛ لجماع الناس فيهما؛
ولقوله أول" :هدى وشفاء" ولوكان هاد وشاف لكان الكسر في "عمى" أجود؛ ليكون نعتا مثلهما؛
تقديره" :والذيمن ل يؤمنون" فمي ترك قبوله بمنزلة ممن فمي آذانهمم "وقمر"" .وهمو عليهمم عممى"
يعنممي القرآن "عليهمم" ذو عممى ،لنهمم ل يفقهون فحذف المضاف .وقيمل المعنمى والوقممر عليهمم
عمى" .أولئك ينادون من مكان بعيد" يقال ذلك لمن ل يفهم من التمثيل .وحكى أهل اللغة أنه يقال
للذي يفهمم :أنمت تسممع ممن قريمب .ويقال للذي ل يفهمم :أنمت تنادى ممن بعيمد .أي كأنمه ينادى ممن
موضممع بعيممد منممه فهممو ل يسمممع النداء ول يفهمممه .وقال الضحاك" :ينادون" يوم القيامممة بأقبممح
أسممائهم "ممن مكان بعيمد" فيكون ذلك أشمد لتوبيخهمم وفضيحتهمم .وقيمل :أي ممن لم يتدبر القرآن
صار كالعمى الصم ،فهو ينادى من مكان بعيد فينقطع صوت المنادي عنه وهو لم يسمع .وقال
علي رضمي ال عنمه ومجاهمد :أي بعيمد ممن قلوبهمم .وفمي التفسمير :كأنمما ينادون ممن السمماء فل
يسمعون .وحكى معناه النقاش.
**3الية{ 46 - 45 :ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولول كلمة سبقت من ربك لقضي
بينهم وإنهم لفي شك منه مريب ،من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلم للعبيد}
@قوله تعالى" :ولقد آتينا موسمى الكتاب" يعني التوراة "فاختلف فيه" أي آمن به قوم وكذب به
قوم .والكنايمة ترجمع إلى الكتاب ،وهمو تسملية للنمبي صملى ال عليمه وسملم؛ أي ل يحزنمك اختلف
قوممك فمي كتابمك ،فقمد اختلف ممن قبلهمم فمي كتابهمم .وقيمل :الكنايمة ترجمع إلى موسمى" .ولول كلممة
سمبقت ممن ربمك" أي فمي إمهالهمم" .لقضمي بينهمم" أي بتعجيمل العذاب" .وإنهمم لفمي شمك منمه" ممن
القرآن "مريب" أي شديد الريبة .وقد تقدم .وقال الكلبي في هذه الية :لول أن ال أخر عذاب هذه
المة إلى يوم القيامة لتاهم العذاب كما فعل بغيرهم من المم .وقيل :تأخير العذاب لما يخرج من
أصلبهم من المؤمنين.
@قوله تعالى" :ممن عممل صمالحا فلنفسمه وممن أسماء فعليهما" شرط وجوابمه "وممن أسماء فعليهما".
وال جمل وعمز مسمتغن عمن طاعمة العباد ،فممن أطاع فالثواب له ،وممن أسماء فالعقاب عليمه" .ومما
ربك بظلم للعبيد" نفى الظلم عن نفسه جل وعز قليله وكثيره ،وإذا انتفت المبالغة انتفى غيرها،
دليله قوله الحممق" :إن ال ل يظلم الناس شيئا" [يونممس ]44 :وروى العدول الثقات ،والئمممة
الثبات ،عن الزاهد العدل ،عن أمين الرض ،عن أمين السماء ،عن الرب جل جلله( :يا عبادي
إنمي حرممت الظلم على نفسمي وجعلتمه بينكمم محرمما فل تظالموا )...الحديمث .وأيضما فهمو الحكيمم
المالك ،وما يفعله المالك في ملكه ل اعتراض عليه؛ إذ له التصرف في ملكه بما يريد.
**3الية{ 47 :إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ول
تضمع إل بعلممه ويوم يناديهمم أيمن شركائي قالوا آذناك مما منما ممن شهيمد ،وضمل عنهمم مما كانوا
يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص}
@قوله تعالى" :إليمه يرد علم السماعة" أي حيمن وقتهما .وذلك أنهمم قالوا :يما محممد إن كنمت نبيما
فخبرنما متمى قيام السماعة فنزلت" :ومما تخرج ممن ثمرات" "ممن" زائدة أي ومما تخرج ثمرة" .ممن
أكمامهما" أي ممن أوعيتهما ،فالكمام أوعيمة الثمرة ،واحدهما كممة وهمي كمل ظرف لمال أو غيره؛
ولذلك سمي قشر الطلع أعني كفراه الذي ينشق عن الثمرة كمة؛ قال ابن عباس :الكمة الكفرى قبل
أن تنشق ،فإذا انشقت فليست بكمة .وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة [الرحمن] .وقرأ نافع وابن
عامممر وحفممص "مممن ثمرات" على الجمممع .الباقون "ثمرة" على التوحيممد والمراد الجمممع ،لقوله:
"ومما تحممل ممن أنثمى" والمراد الجممع ،يقول" :إليمه يرد علم السماعة" كمما يرد إليمه علم الثمار
والنتاج" .ويوم يناديهمم" أي ينادي ال المشركيمن "أيمن شركائي" الذيمن زعمتمم فمي الدنيما أنهما آلهمة
تشفممع" .قالوا" يعنممي الصممنام .وقيممل :المشركون .ويحتمممل أن يريدهممم جميعمما العابممد والمعبود
"آذناك" أسمعناك وأعلمناك .يقال :آذن يؤذن :إذا أعلم ،قال:
رب ثاو يمل منه الثواء آذنتنا ببينها أسماء
@قوله تعالى" :مما منما ممن شهيمد" أي نعلمك ما منا أحد يشهد بأن لك شريكا .لما عاينوا القيامة
تمبرؤوا ممن الصمنام وتمبرأت الصمنام منهمم كمما تقدم فمي غيمر موضمع" .وضمل عنهمم" أي بطمل
عنهمم "مما كانوا يدعون ممن قبمل" فمي الدنيما "وظنوا" أي أيقنوا وعلموا "مما لهمم ممن محيمص" أي
فرار عمن النار .و"ممما" هنمما حرف وليممس باسممم؛ فلذلك لم يعمممل فيممه الظممن وجعممل الفعممل ملغممى؛
تقديره :وظنوا أنهمم مما لهمم محيمص ول مهرب .يقال :حاص يحيمص .حيصما ومحيصما إذا هرب.
وقيمل :إن الظمن هنما الذي همو أغلب الرأي ،ل يشكون فمي أنهمم أصمحاب النار ولكمن يطمعون أن
يخرجوا منها .وليس يبعد أن يكون لهم ظن ورجاء إلى أن يؤيسوا.
**3اليمة{ 51 - 49 :ل يسمأم النسمان ممن دعاء الخيمر وإن مسمه الشمر فيؤوس قنوط ،ولئن
أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي
إن لي عنده للحسمنى فلننبئن الذيمن كفروا بمما عملوا ولنذيقنهمم ممن عذاب غليمظ ،وإذا أنعمنما على
النسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض}
@قوله تعالى" :ل يسأم النسان من دعاء الخير" أي ل يمل من دعائه بالخير .والخير هنا المال
والصحة والسلطان والعز .قال السدي :والنسان ها هنا يراد به الكافر .وقيل :الوليد بن المغيرة.
وقيمل :عتبمة وشيبمة ابنما ربيعمة وأميمة بمن خلف .وفمي قراءة عبدال "ل يسمأم النسمان ممن دعاء
المال"" .وإن مسممه الشممر" الفقممر والمرض "فيؤوس قنوط" "فيؤوس" مممن روح ال "قنوط" مممن
رحمته .وقيل" :يؤوس" من إجابة الدعاء "قنوط" بسوء الظن بربه .وقيل" :يؤوس" أي يئس من
زوال ما به من المكروه "قنوط" أي يظن أنه يدوم؛ والمعنى متقارب.
@قوله تعالى" :ولئن أذقناه رحمة منا" عاقبة ورخاء وغنى "من بعد ضراء مسته" ضمر وسقم
وشدة وفقر" .ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة" أي هذا شيء استحقه على ال لرضاه بعملي،
فيرى النعمممة حتممما واجبمما على ال تعالى ،ولم يعلم أنممه ابتله بالنعمممة والمحنممة؛ ليتممبين شكره
وصممبره .وقال ابممن عباس" :هذا لي" أي هذا مممن عندي" .ولئن رجعممت إلى ربممي إن لي عنده
للحسنى" أي الجنة ،واللم للتأكيد .يتمنى الماني بل عمل .قال الحسن بن محمد بن علي بن أبي
طالب :للكافمر أمنيتان أمما فمي الدنيما فيقول" :لئن رجعمت إلى ربمي إن لي عنده للحسمنى" ،وأمما فمي
الخرة فيقول" :يا ليتنا نرد ول نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين" [النعام ]27 :و"يا ليتني
كنمت ترابما" [النبمأ" .]40 :فلننبئن الذيمن كفروا بمما عملوا" أي لنجزينهمم .قسمم أقسمم ال عليمه.
"ولنذيقنهم من عذاب غليظ" أي شديد.
@قوله تعالى" :وإذا أنعمنما على النسمان" يريمد الكافمر وقال ابمن عباس :يريمد عتبمة بمن ربيعمة
وشيبمة بمن ربيعمة وأميمة بمن خلف أعرضوا عمن السملم وتباعدوا عنمه" .أعرض ونأى بجانبمه"
"نأى بجانبمه" أي ترفمع عمن النقياد إلى الحمق وتكمبر على أنمبياء ال .وقيمل" :نأى" تباعمد .يقال:
نأيتمه ونأيمت عنمه نأيما بمعنمى تباعدت عنمه ،وأنأيتمه فانتأى :أبعدتمه فبعمد ،وتناؤوا تباعدوا ،والمنتأى
الموضع البعيد؛ قال النابغة:
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع فإنك كالليل الذي هو مدركي
وقرأ يزيممد بممن القعقاع و"ناء بجانبممه" باللف قبممل الهمزة .فيجوز أن يكون مممن "ناء" إذا نهممض.
ويجوز أن يكون على قلب الهمزة بمعنمى الول" .وإذا مسمه الشمر" أي أصمابه المكروه "فذو دعاء
عريممض" أي كثيممر ،والعرب تسممتعمل الطول والعرض فممي الكثرة .يقال :أطال فلن فممي الكلم
وأعرض فمممي الدعاء إذا أكثمممر .وقال ابمممن عباس" :فذو دعاء عريمممض" فذو تضرع واسمممتغاثة.
والكافر يعرف ربه في البلء ول يعرفه في الرخاء.
**3الية{ 54 - 52 :قل أرأيتم إن كان من عند ال ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق
بعيد ،سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل
شيء شهيد ،أل إنهم في مرية من لقاء ربهم أل إنه بكل شيء محيط}
@قوله تعالى" :قل أرأيتم" أي قل لهم يا محمد "أرأيتم" يا معشر المشركين" .إن كان من عند ال
ثمم كفرتمم به" "إن كان" هذا القرآن "ممن عنمد ال ثمم كفرتمم به ممن أضمل مممن هو فمي شقاق بعيمد"
أي فأي الناس أضل ،أي ل أحد أضل منكم لفرط شقاقكم وعداوتكم .وقيل :قوله" :إن كان من عند
ال" يرجع إلى الكتاب المذكور في قوله" :آتينا موسى الكتاب" [البقرة ]53 :والول أظهر وهو
قول ابن عباس.
@قوله تعالى" :سمنريهم آياتنما" أي علمات وحدانيتنما وقدرتنما "فمي الفاق" يعنمي خراب منازل
الممم الخاليمة "وفمي أنفسمهم" بالبليما والمراض .وقال ابمن زيمد" :فمي الفاق" آيات السمماء "وفمي
أنفسممهم" حوادث الرض .وقال مجاهممد" :فممي الفاق" فتممح القرى؛ فيسممر ال عممز وجممل لرسمموله
صمملى ال عليممه وسمملم وللخلفاء مممن بعده وأنصممار دينممه فممي آفاق الدنيمما وبلد المشرق والمغرب
عمومما ،وفمي ناحيمة المغرب خصموصا ممن الفتوج التمي لم يتيسمر أمثالهما لحمد ممن خلفاء الرض
قبلهم ،ومن الظهار على الجبابرة والكاسرة وتغليب قليلهم على كثيرهم ،وتسليط ضعفائهم على
أقويائهم ،وإجرائه على أيديهم أمورا خارجة عن المعهود خارقة للعادات "وفي أنفسهم" فتح مكة.
وهذا اختيار الطمبري .وقال المنهال بمن عمرو والسمدي .وقال قتادة والضحاك" :فمي الفاق" وقائع
ال فممي المممم "وفممي أنفسممهم" يوم بدر .وقال عطاء وابممن زيممد أيضمما "فممي الفاق" يعنممي أقطار
السموات والرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والرياح والمطار والرعد والبرق
والصواعق والنبات والشجار والجبال والبحار وغيرها .وفي الصحاح :الفاق النواحي ،واحدها
أفق وأفق مثل عسر وعسر ،ورجل أفقي بفتح الهمزة والفاء :إذا كان من آفاق الرض .حكاه أبو
نصر .وبعضهم يقول :أفقي بضمها وهو القياس .وأنشد غير الجوهري:
لنا قمراها والنجوم الطوالع أخذنا بآفاق السماء عليكم
"وفمي أنفسمهم" ممن لطيمف الصمنعة وبديمع الحكممة حتمى سمبيل الغائط والبول؛ فإن الرجمل يشرب
ويأكمل ممن مكان واحمد ويتميمز ذلك ممن مكانيمن ،وبديمع صمنعة ال وحكمتمه فمي عينيمه اللتيمن همما
قطرة ماء ينظمر بهمما ممن السمماء إلى الرض مسميرة خمسممائة عام ،وفمي أذنيمه اللتيمن يفرق بهمما
بين الصوات المختلفة .وغير ذلك من بديع حكمة ال فيه .وقيل" :وفي أنفسهم" من كونهم نطفا
إلى غير ذلك من انتقال أحوالهم كما تقدم في "المؤمنون" بيانه .وقيل :المعنى سيرون ما أخبرهم
به النبي صلى ال عليه وسلم من الفتن وأخبار الغيب "حتى يتبين لهم أنه الحق" فيه أربعة أوجه:
أحدها :أنه القرآن .الثاني :السلم جاءهم به الرسول ودعاهم إليه .الثالث :أن ما يريهم ال ويفعل
من ذلك هو الحق .الرابع :أن محمدا صلى ال عليه وسلم هو الرسول الحق" .أولم يكف بربك أنه
على كمل شيمء شهيمد" "أو لم يكمف بربمك" فمي موضمع رفمع بأنمه فاعمل "بيكمف" و"أنمه" بدل ممن
"ربك" فهو رفع إن قدرته بدل على الموضع ،وجر "إن" قدرته بدل على اللفظ .ويجوز أن يكون
نصمبا بتقديمر حذف اللم ،والمعنمى أو لم يكفهمم ربمك بمما دلهمم عليمه ممن توحيده؛ لنمه "على كمل
شيمء شهيمد" وإذا شهده جازى عليمه .وقيل :المعنمى "أو لم يكمف بربمك" فمي معاقبتمه الكفار .وقيمل:
المعنى "أو لم يكف بربك" يا محمد أنه شاهد على أعمال الكفار .وقيل" :أو لم يكف بربك" شاهدا
على أن القرآن من عند ال .وقيل" :أو لم يكف بربك أنه على كل شيء" مما يفعله العبد "شهيد"
والشهيد بمعنى العالم؛ أو هو من الشهادة التي هي الحضور "أل إنهم في مرية" أي في شك "من
لقاء ربهمم" فمي الخرة .وقال السمدي :أي ممن البعمث" .أل إنمه بكمل شيمء محيمط" أي أحاط علممه
بكل شيء .قاله السدي .وقال الكلبي :أحاطت قدرته بكل شيء .وقال الخطابي :هو الذي أحاطت
قدرته بجميع خلقه ،وهو الذي أحاط بكل شيء علما ،وأحصى كل شيء عددا .وهذا السم أكثر ما
يجيمء فمي معرض الوعيمد ،وحقيقتمه الحاطمة بكمل شيمء ،واسمتئصال المحاط بمه ،وأصمله محيمط
نقلت حركمة الياء إلى الحاء فسكنت .يقال منه :أحاط يحيمط إحاطمة وحيطة؛ ومن ذلك حائط الدار،
يحوطهما أهلهما .وأحاطمت الخيمل بفلن :إذا أخمذ مأخذا حاصمرا ممن كمل جهمة ،ومنمه قوله تعالى:
"وأحيط بثمره" [الكهف ]42 :وال أعلم بصواب ذلك.