You are on page 1of 168

‫*‪*1‬الجزء ‪ 15‬من الطبعة‬

‫*‪*2‬سورة يس‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@وهمي مكيمة بإجماع‪ .‬وهمي ثلث وثمانون آيمة؛ إل أن فرقمة قالت‪ :‬إن قوله تعالى "ونكتمب مما‬
‫قدموا وآثارهمم" [يمس‪ ]12 :‬نزلت فمي بنمي سملمة ممن النصمار حيمن أرادوا أن يتركوا ديارهمم‪،‬‬
‫وينتقلوا إلى جوار مسمجد الرسمول صملى ال عليمه وسملم‪ ،‬على مما يأتمي‪ .‬وفمي كتاب أبمي داود عمن‬
‫معقل بن يسار قال‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬اقرؤوا يس على موتاكم)‪ .‬وذكر الجري من‬
‫حديث أم الدرداء عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ما من ميت يقرأ عليه سورة يس إل هون‬
‫ال عليمه‪ .‬وفمي مسمند الدارممي عمن أبمي هريرة قال‪ :‬قال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم‪( :‬ممن قرأ‬
‫سمورة يمس فمي ليلة ابتغاء وجمه ال غفمر له فمي تلك الليلة) خرجمه أبمو نعيمم الحافمظ أيضما‪ .‬وروى‬
‫الترمذي عمن أنمس قال‪ :‬قال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم (إن لكمل شيمء قلبما وقلب القرآن يمس‬
‫ومن قرأ يس كتب ال له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات) قال‪ :‬هذا حديث غريب‪ ،‬وفي إسناده‬
‫هارون أبو محمد شيخ مجهول؛ وفي الباب عن أبي بكر الصديق‪ ،‬ول يصح حديث أبي بكر من‬
‫قبل إسناده‪ ،‬وإسناده ضعيف‪ .‬وعن عائشة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إن في القرآن‬
‫لسورة تشفع لقرائها ويغفر لمستمعها أل وهي سورة يس تدعى في التوراة المعمة) قيل‪ :‬يا رسول‬
‫ال وممما المعمممة؟ قال‪( :‬تعممم صمماحبها بخيممر الدنيمما وتدفممع عنممه أهاويممل الخرة وتدعممى الدافعممة‬
‫والقاضية) قيل‪ :‬يا رسول ال وكيف ذلك؟ قال‪( :‬تدفع عن صاحبها كل سوء وتقضي له كل حاجة‬
‫ومن قرأها عدلت له عشرين حجة ومن سمعها كانت له كألف دينار تصدق بها في سبيل ال ومن‬
‫كتبهما وشربهما أدخلت جوفمه ألف دواء وألف نور وألف يقيمن وألف رحممة وألف رأفمة وألف هدى‬
‫ونزع عنمه كمل داء وغمل)‪ .‬ذكره الثعلبمي ممن حديمث عائشمة‪ ،‬والترمذي الحكيمم فمي نوادر الصمول‬
‫من حديث أبي بكر الصديق رضي ال عنه مسندا‪ .‬وفي مسند الدارمي عن شهر بن حوشب قال‪:‬‬
‫قال ابمن عباس‪ :‬ممن قرأ "يمس" حيمن يصمبح أعطمي يسمر يوممه حتمى يمسمي وممن قرأهما فمي صمدر‬
‫ليلتمه أعطمي يسمر ليلتمه حتمى يصمبح‪ .‬وذكمر النحاس عمن عبدالرحممن بمن أبمي ليلى قال‪ :‬لكمل شيمء‬
‫قلب وقلب القرآن يس من قرأها نهارا كفي همه ومن قرأها ليل غفر ذنبه‪ .‬وقال شهر بن حوشب‪:‬‬
‫يقرأ أهل الجنة "طه" و"يس" فقط‪.‬‬
‫رفممع هذه الخبار الثلثممة الماوردي فقال‪ :‬روى الضحاك عممن ابممن عباس قال‪ :‬قال رسممول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن لكل شيء قلبا وإن قلب القرآن يس ومن قرأها في ليلة أعطي يسر تلك‬
‫الليلة ومن قرأها في يوم أعطي يسر ذلك اليوم وإن أهل الجنة يرفع عنهم القرآن فل يقرؤون شيئا‬
‫إل طه ويس)‪ .‬وقال يحيى بن أبي كثير‪ :‬بلغني أن من قرأ سورة "يس" ليل لم يزل في فرح حتى‬
‫يصبح‪ ،‬ومن قرأها حين يصبح لم يزل في فرح حتى يمسي؛ وقد حدثني من جربها؛ ذكره الثعلبي‬
‫وابن عطية‪ ،‬قال ابن عطية‪ :‬ويصدق ذلك التجربة‪ .‬وذكر الترمذي الحكيم في نوادر الصول عن‬
‫عبدالعلى قال‪ :‬حدثنما محممد بمن الصملت عمن عممر بمن ثابمت عمن محممد بمن مروان عمن أبمي جعفمر‬
‫قال‪ :‬ممن وجمد فمي قلبمه قسماوة فليكتمب "يمس" فمي جام بزعفران ثمم يشربمه؛ حدثنمي أبمي رحممه ال‬
‫قال‪ :‬حدثنما أصمرم بمن حوشمب‪ ،‬عمن بقيمة بمن الوليمد‪ ،‬عمن المعتممر بمن أشرف‪ ،‬عمن محممد بمن علي‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (القرآن أفضل من كل شيء دون ال وفضل القرآن على‬
‫سمائر الكلم كفضمل ال على خلقمه فممن وقمر القرآن فقمد وقمر ال وممن لم يوقمر القرآن لم يوقمر ال‬
‫وحرممة القرآن عنمد ال كحرممة الوالد على ولده‪ .‬القرآن شافمع مشفمع ومما حمل مصمدق فممن شفمع له‬
‫القرآن شفع ومن محل به القرآن صُدق ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى‬
‫النار‪ .‬وحملة القرآن هم المحفوفون بحرمة ال الملبسون نور ال المعلمون كلم ال من والهم فقد‬
‫والى ال ومن عاداهم فقد عادى ال‪ ،‬يقول ال تعالى‪ :‬يا حملة القرآن استجيبوا لربكم بتوقير كتابه‬
‫يزدكمم حبما ويحببكمم إلى عباده يدفمع عمن مسمتمع القرآن بلوى الدنيما ويدفمع عمن تالي القرآن بلوى‬
‫الخرة ومن استمع آية من كتاب ال كان له أفضل مما تحت العرش إلى التخوم وإن في كتاب ال‬
‫لسمورة تدعمى العزيزة ويدعمى صماحبها الشريمف يوم القياممة تشفمع لصماحبها فمي أكثمر ممن ربيعمة‬
‫ومضر وهي سورة يس)‪ .‬وذكر الثعلبي عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(من قرأ سورة يس ليلة الجمعة أصبح مغفورا له)‪ .‬وعن أنس أن رسول ال صلى قال‪( :‬من دخل‬
‫المقابر فقرأ سورة يس خفف ال عنهم يومئذ وكان له بعدد حروفها حسنات)‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 5 - 1 :‬يمس‪ ،‬والقرآن الحكيمم‪ ،‬إنمك لممن المرسملين‪ ،‬على صمراط مسمتقيم‪ ،‬تنزيمل‬
‫العزيز الرحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يمس" فمي "يمس" أوجمه ممن القراءات‪ :‬قرأ أهمل المدينمة والكسمائي "يمس والقرآن‬
‫الحكيممم" بإدغام النون فممي الواو‪ .‬وقرأ أبممو عمرو والعمممش وحمزة "يممس" بإظهار النون‪ .‬وقرأ‬
‫عيسى بن عمر "يسن" بنصب النون‪ .‬وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم "يسن"‬
‫بالكسر‪ .‬وقرأ هارون العور ومحمد بن السميقع "يسن" بضم النون؛ فهذه خمس قراءات‪ .‬القراءة‬
‫الولى بالدغام على ما يجب في العربية؛ لن النون تدغم في الواو‪ .‬ومن بين قال‪ :‬سبيل حروف‬
‫الهجاء أن يوقف عليها‪ ،‬وإنما يكون الدغام في الدراج‪ .‬وذكر سيبويه النصب وجعله من جهتين‪:‬‬
‫إحداهما أن يكون مفعول ول يصرفه؛ لنه عنده اسم أعجمي بمنزلة هابيل‪ ،‬والتقدير أذكر يسين‪.‬‬
‫وجعله سميبويه اسمما للسمورة‪ .‬وقوله الخمر أن يكون مبنيما على الفتمح مثمل كيمف وأيمن‪ .‬وأمما الكسمر‬
‫فزعم الفراء أنه مشبه بقول العرب جير ل أفعل‪ ،‬فعلى هذا يكون "يسن" قسما‪ .‬وقاله ابن عباس‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬مشبه بأمس وحذام وهؤلء ورقاش‪ .‬وأما الضم فمشبه بمنذ وحيث وقط‪ ،‬وبالمنادى المفرد‬
‫إذا قلت يما رجمل‪ ،‬لممن يقمف عليمه‪ .‬قال ابمن السمميقع وهارون‪ :‬وقمد جاء فمي تفسميرها رجمل فالولى‬
‫بهما الضمم‪ .‬قال ابمن النباري" "يمس" وقمف حسمن لممن قال همو افتتاح للسمورة‪ .‬وممن قال‪ :‬معنمى‬
‫"يمس" يما رجمل لم يقمف عليمه‪ .‬وروي عمن ابمن عباس وابمن مسمعود وغيرهمما أن معناه يما إنسمان‪،‬‬
‫وقالوا فمي قوله تعالى‪" :‬سلم على إل ياسمين" [الصافات‪ ]130 :‬أي على آل محمد‪ .‬وقال سعيد‬
‫بن جبير‪ :‬هو اسم من أسماء محمد صلى ال عليه وسلم؛ ودليله "إنك لمن المرسلين "‪ .‬قال السيد‬
‫الحميري‪:‬‬
‫على المودة إل آل ياسين‬ ‫يا نفس ل تمحضي بالنصح جاهدة‬
‫وقال أبمو بكمر الوراق‪ :‬معناه يما سميد البشمر‪ .‬وقيمل‪ :‬إنمه اسمم ممن أسمماء ال؛ قال مالك‪ .‬روى عنمه‬
‫أشهب قال‪ :‬سألته هل ينبغي لحد أن يتسمى بياسين؟ قال‪ :‬ما أراه ينبغي لقول ال‪" :‬يس والقرآن‬
‫الحكيمم" يقول هذا اسممي يمس‪ .‬قال ابمن العربمي هذا كلم بديمع‪ ،‬وذلك أن العبمد يجوز له أن يتسممى‬
‫باسمم الرب إذا كان فيمه معنمى منمه؛ كقوله‪ :‬عالم وقادر ومريمد ومتكلم‪ .‬وإنمما منمع مالك من التسممية‬
‫بمم "يسمين"؛ لنمه اسمم ممن أسمماء ال ل يدرى معناه؛ فربمما كان معناه ينفرد بمه الرب فل يجوز أن‬
‫يقدم عليمه العبمد‪ .‬فإن قيمل فقمد قال ال تعالى‪" :‬سملم على إل ياسمين" [الصمافات‪ ]130 :‬قلنما‪ :‬ذلك‬
‫مكتوب بهجاء فتجوز التسممية بمه‪ ،‬وهذا الذي ليمس بمتهجمى همو الذي تكلم مالك عليمه؛ لمما فيمه ممن‬
‫الشكال؛ وال أعلم‪ .‬وقال بعض العلماء‪ :‬افتتح ال هذه السورة بالياء والسين وفيهما مجمع الخير‪:‬‬
‫ودل المفتتممح على أنممه قلب‪ ،‬والقلب أميممر على الجسممد؛ وكذلك "يممس" أميممر على سممائر السممور‪،‬‬
‫مشتممل على جميمع القرآن‪ .‬ثمم اختلفوا فيمه أيضما؛ فقال سمعيد بمن جمبير وعكرممة‪ :‬همو بلغمة الحبشمة‪.‬‬
‫وقال الشعمبي‪ :‬همو بلغمة طمي‪ .‬الحسمن‪ :‬بلغمة كلب‪ .‬الكلبمي‪ :‬همو بالسمريانية فتكلممت بمه العرب فصمار‬
‫من لغتهم‪ .‬وقد مضى هذا المعنى في "طه" وفي مقدمة الكتاب مستوفى‪ .‬وقد سرد القاضي عياض‬
‫أقوال المفسرين في معنى "يس" فحكى أبو محمد مكي أنه روي عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قال‪( :‬لي عند ربي عشرة أسماء) ذكر أن منها طه ويس اسمان له‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وذكمر الماوردي عمن علي رضمي ال عنمه قال‪ :‬سممعت رسمول ال صملى ال عليمه وسملم‬
‫يقول‪( :‬إن ال تعالى أسمماني فمي القرآن سمبعة أسمماء محممد وأحممد وطمه ويمس والمزممل والمدثمر‬
‫وعبدال) قاله القاضممي‪ .‬وحكممى أبممو عبدالرحمممن السمملمي عممن جعفممر الصممادق أنممه أراد يمما سمميد‪،‬‬
‫مخاطبمة لنمبيه صملى ال عليمه وسملم وعمن ابمن عباس‪" :‬يمس" يما إنسمان أراد محمدا صملى ال عليمه‬
‫وسلم‪ .‬وقال‪ :‬هو قسم وهو من أسماء ال سبحانه‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬قيل معناه يا محمد وقيل يا رجل‬
‫وقيمل يما إنسمان‪ .‬وعمن ابمن الحنفيمة‪" :‬يمس" يما محممد‪ .‬وعمن كعمب‪" :‬يمس" قسمم أقسمم ال بمه قبمل أن‬
‫يخلق السمماء والرض بألفمي عام قال يما محممد‪" :‬إنمك لممن المرسملين" ثمم قال‪" :‬والقرآن الحكيمم"‪.‬‬
‫فإن قدر أنمه ممن أسممائه صملى ال عليمه وسملم‪ ،‬وصمح فيمه أنمه قسمم كان فيمه ممن التعظيمم مما تقدم‪،‬‬
‫مؤكمد فيمه القسمم عطمف القسمم الخمر عليمه‪ .‬وإن كان بمعنمى النداء فقمد جاء قسمم آخمر بعده لتحقيمق‬
‫رسالته والشهادة بهدايته‪ .‬أقسم ال تعالى باسمه وكتابه أنه لمن المرسلين بوحيه إلى عباده‪ ،‬وعلى‬
‫صراط مستقيم من إيمانه؛ أي طريق ل أعوجاج فيه ول عدول عن الحق‪ .‬قال النقاش‪ :‬لم يقسم ال‬
‫تعالى لحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إل له‪ ،‬وفيه من تعظيمه وتمجيده على تأويل من قال إنه‬
‫يما سميد مما فيمه‪ ،‬وقمد قال عليمه السملم‪( :‬أنما سميد ولد آدم) انتهمى كلممه‪ .‬وحكمى القشيري قال ابمن‬
‫عباس‪ :‬قالت كفار قريمش لسمت مرسمل ومما أرسملك ال إلينما؛ فأقسمم ال بالقرآن المحكمم أن محمدا‬
‫ممن المرسملين‪" .‬الحكيمم" المحكمم حتمى ل يتعرض لبطلن وتناقمض؛ كمما قال‪" :‬أحكممت آياتمه"‬
‫[هود‪ .]1 :‬وكذلك أحكم في نظمه ومعانيه فل يلحقه خلل‪ .‬وقد يكون "الحكيم" في حق ال بمعنى‬
‫المحكمم بكسمر الكاف كالليمم بمعنمى المؤلم‪" .‬على صمراط مسمتقيم" أي ديمن مسمتقيم وهمو السملم‪.‬‬
‫وقال الزجاج‪ :‬على طريمق النمبياء الذيمن تقدموك؛ وقال‪" :‬إنمك لممن المرسملين" خمبر إن‪ ،‬و"على‬
‫صمراط مستقيم" خبر ثان‪ ،‬أي إنك لمن المرسلين‪ ،‬وإنك على صراط مستقيم‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى لمن‬
‫المرسملين على اسمتقامة؛ فيكون قوله‪" :‬على صمراط مسمتقيم" ممن صملة المرسملين؛ أي إنمك لممن‬
‫المرسملين الذيمن أرسملوا على طريقمة مسمتقيمة؛ كقوله تعالى‪" :‬وإنمك لتهدي إلى صمراط مسمتقيم‪.‬‬
‫صراط ال" أي الصراط الذي أمر ال به‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تنزيل العزيز الرحيم" قرأ ابن عامر وحفص والعمش ويحيى وحمزة والكسائي‬
‫وخلف‪" :‬تنزيممل" بنصممب اللم على المصممدر؛ أي نزل ال ذلك تنزيل‪ .‬وأضاف المصممدر فصممار‬
‫معرفمة كقوله‪" :‬فضرب الرقاب" [محممد‪ ]4 :‬أي فضربما للرقاب‪ .‬الباقون "تنزيمل" بالرفمع على‬
‫خبر ابتداء محذوف أي هو تنزيل‪ ،‬أو الذي أنزل إليك تنزيل العزيز الرحيم‪ .‬هذا وقرئ‪" :‬تنزيل"‬
‫بالجر على البدل من "القرآن" والتنزيل يرجع إلى القرآن‪ .‬وقيل‪ :‬إلى النبي صلى ال عليه وسلم؛‬
‫أي إنك لمن المرسلين‪ ،‬وإنك "تنزيل العزيز الرحيم"‪ .‬فالتنزيل على هذا بمعنى الرسال؛ قال ال‬
‫تعالى‪" :‬قممد أنزل ال إليكممم ذكرا‪ .‬رسممول يتلوا عليكممم" [الطلق‪ ]11:‬ويقال‪ :‬أرسممل ال المطممر‬
‫وأنزله بمعنى‪ .‬ومحمد صلى ال عليه وسلم رحمة ال أنزلها من السماء‪ .‬ومن نصب قال‪ :‬إنك لمن‬
‫المرسلين إرسال من العزيز الرحيم‪ .‬و"العزيز" المنتقم ممن خالفه "الرحيم" بأهل طاعته‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 8 - 6 :‬لتنذر قومما مما أنذر آباؤهمم فهمم غافلون‪ ،‬لقمد حمق القول على أكثرهمم فهمم ل‬
‫يؤمنون‪ ،‬إنا جعلنا في أعناقهم أغلل فهي إلى الذقان فهم مقمحون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لتنذر قومما مما أنذر آباؤهمم" "مما" ل موضمع لهما ممن العراب عنمد أكثمر أهمل‬
‫التفسمير‪ ،‬منهمم قتادة؛ لنهما نفمي والمعنمى‪ :‬لتنذر قومما مما أتمى آباءهمم قبلك نذيمر‪ .‬وقيمل‪ :‬همي بمعنمى‬
‫الذي فالمعنى‪ :‬لتنذرهم مثل ما أنذر آباؤهم؛ قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة أيضا‪ .‬وقيل‪ :‬إن "ما"‬
‫والفعمل مصمدر؛ أي لتنذر قومما إنذار آبائهمم‪ .‬ثمم يجوز أن تكون العرب قمد بلغتهمم بالتواتمر أخبار‬
‫النممبياء؛ فالمعنممى لم ينذروا برسممول مممن أنفسممهم‪ .‬ويجوز أن يكون بلغهممم الخممبر ولكممن غفلوا‬
‫وأعرضوا ونسوا‪ .‬ويجوز أن يكون هذا خطابا لقوم لم يبلغهم خبر نبي‪ ،‬وقد قال ال‪" :‬وما آتيناهم‬
‫من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير" [سبأ‪ ]44 :‬وقال‪" :‬لتنذر قوما ما أتاهم من‬
‫نذيمر ممن قبلك لعلهمم يهتدون" [السمجدة‪ ]3 :‬أي لم يأتهمم نمبي‪ .‬وعلى قول ممن قال بلغهمم خمبر‬
‫النمبياء‪ ،‬فالمعنمى فهمم معرضون الن متغافلون عمن ذلك‪ ،‬ويقال للمعرض عمن الشيمء إنمه غافمل‬
‫عنه‪ .‬وقيل‪" :‬فهم غافلون" عن عقاب ال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لقمد حمق القول على أكثرهمم" أي وجمب العذاب على أكثرهمم "فهمم ل يؤمنون"‬
‫بإنذارك‪ .‬وهذا فيمن سبق في علم ال أنه يموت على كفره‪ .‬ثم بين سبب تركهم اليمان فقال‪" :‬إنا‬
‫جعلنا في أعناقهم أغلل"‪ .‬قيل‪ :‬نزلت في أبي جهل بن هشام وصاحبيه المخزوميين؛ وذلك أن أبا‬
‫جهل حلف لئن رأى محمدا يصلي ليرضخن رأسه بحجر؛ فلما رآه ذهب فرفع حجرا ليرميه‪ ،‬فلما‬
‫أومأ إليه رجعت يده إلى عنقه‪ ،‬والتصق الحجر بيده؛ قاله ابن عباس وعكرمة وغيرهما؛ فهو على‬
‫هذا تمثيمل أي همو بمنزلة ممن علت يده إلى عنقمه‪ ،‬فلمما عاد إلى أصمحابه أخمبرهم بمما رأى‪ ،‬فقال‬
‫الرجمل الثانمي وهمو الوليمد بمن المغيرة‪ :‬أنما أرضمخ رأسمه‪ .‬فأتاه وهمو يصملي على حالتمه ليرميمه‬
‫بالحجمر فأعممى ال بصمره فجعمل يسممع صموته ول يراه‪ ،‬فرجمع إلى أصمحابه فلم يرهمم حتمى نادوه‬
‫فقال‪ :‬وال مما رأيتمه ولقمد سممعت صموته‪ .‬فقال الثالث‪ :‬وال لشدخمن أنما رأسمه‪ .‬ثمم أخمذ الحجمر‬
‫وانطلق فرجع القهقرى ينكص على عقبيه حتى خر على قفاه مغشيا عليه‪ .‬فقيل له‪ :‬ما شأنك؟ قال‬
‫شأني عظيم رأيت الرجل فلما دنوت منه‪ ،‬وإذا فحل يخطر بذنبه ما رأيت فحل قط أعظم منه حال‬
‫بيني وبينه‪ ،‬فواللت والعزى لو دنوت منه لكلني‪ .‬فأنزل ال تعالى‪" :‬إنا جعلنا في أعناقهم أغلل‬
‫فهمي إلى الذقان فهمم مقمحون"‪ .‬وقرأ ابمن عباس‪" :‬إنما جعلنما فمي أيمانهمم"‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬وقرئ‬
‫"إنا جعلنا في أيديهم"‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذه القراءة تفسير ول يقرأ بما خالف المصحف‪ .‬وفي الكلم‬
‫حذف على قراءة الجماعة؛ التقدير‪ :‬إنا جعلنا في أعناقهم وفي أيديهم أغلل فهي إلى الذقان‪ ،‬فهي‬
‫كنايممة عممن اليدي ل عممن العناق‪ ،‬والعرب تحذف مثممل هذا‪ .‬ونظيره‪" :‬سممرابيل تقيكممم الحممر"‬
‫[النحمل‪ ]81 :‬وتقديره وسمرابيل تقيكمم البرد فحذف؛ لن مما وقمى ممن الحمر وقمى ممن البرد؛ لن‬
‫الغممل إذا كان فممي العنممق فل بممد أن يكون فممي اليممد‪ ،‬ول سمميما وقممد قال ال عممز وجممل‪" :‬فهممي إلى‬
‫الذقان" فقمد علم أنه يراد به اليدي‪" .‬فهمم مقمحون" أي رافعمو رؤوسمهم ل يستطيعون الطراق؛‬
‫لن من علت يده إلى ذقنه ارتفع رأسه‪ .‬روى عبدال بن يحيى‪ :‬أن علي بن أبي طالب عليه السلم‬
‫أراهمم القماح‪ ،‬فجعمل يديمه تحمت لحيتمه وألصمقهما ورفمع رأسمه‪ .‬قال النحاس‪ ،‬وهذا أجمل مما روي‬
‫فيه وهو مأخوذ مما حكاه الصمعي‪ .‬قال‪ :‬يقال أقمحت الدابة إذا جذبت لجامها لترفع رأسها‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬والقاف مبدلة مممن الكاف لقربهمما منهمما‪ .‬كممما يقال‪ :‬قهرتممه وكهرتممه‪ .‬قال الصمممعي‪ :‬يقال‬
‫أكمحت الدابة إذا جذبت عنانها حتى ينتصب رأسها‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫‪ .. .‬والرأس مكمح‬
‫ويقال‪ :‬أكمحتهما وأكفحتهما وكبحتهما؛ هذه وحدهما بل ألف عمن الصممعي‪ .‬وقممح البعيمر قموحما‪ :‬إذا‬
‫رفمع رأسمه عنمد الحوض وامتنمع ممن الشرب‪ ،‬فهمو بعيمر قاممح وقممح؛ يقال‪ :‬شرب فتقممح وانقممح‬
‫بمعنى إذا رفع رأسه وترك الشرب ريا‪ .‬وقد قامحت إبلك‪ :‬إذا وردت ولم تشرب‪ ،‬ورفعت رأسها‬
‫من داء يكون بها أو برد‪ .‬وهي إبل مقامحة‪ ،‬وبعير مقامح‪ ،‬وناقة مقامح أيضا‪ ،‬والجمع قماح على‬
‫غير قياس؛ قال بشر يصف سفينة‪:‬‬
‫نغض الطرف كالبل القماح‬ ‫ونحن على جوانبها قعود‬
‫والقماح‪ :‬رفع الرأس وغض البصر؛ يقال‪ :‬أقمحه الغل إذا ترك رأسه مرفوعا من ضيقه‪ .‬وشهرا‬
‫قماح‪ :‬أشمد مما يكون ممن البرد‪ ،‬وهمما الكانونان سمميا بذلك؛ لن البمل إذا وردت آذاهما برد الماء‬
‫فقامحمت رؤوسمها؛ ومنمه قمحمت السمويق‪ .‬وقيمل‪ :‬همو مثمل ضربمه ال تعالى لهمم فمي امتناعكمم ممن‬
‫الهدى كامتناع المغلول؛ قال يحيممى بممن سمملم وأبممو عممبيدة‪ .‬وكممما يقال‪ :‬فلن حمار؛ أي ل يبصممر‬
‫الهدى‪ .‬وكما قال‪:‬‬
‫لهم عن الرشد أغلل وأقياد‬
‫وفي الخبر‪ :‬أن أبا ذؤيب كان يهوى امرأة في الجاهلية‪ ،‬فلما أسلم راودته فأبى وأنشأ يقول‪:‬‬
‫ولكن أحاطت بالرقاب السلسل‬ ‫فليس كعهد الدار يا أم مالك‬
‫سوى العدل شيئا فاستراح العواذل‬ ‫وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل‬
‫أراد منعنما بموانمع السملم عمن تعاطمي الزنمى والفسمق‪ .‬وقال الفراء أيضما‪ :‬هذا ضرب مثمل؛ أي‬
‫حبسممناهم عممن النفاق فممي سممبيل ال؛ وهممو كقوله تعالى‪" :‬ول تجعممل يدك مغلولة إلى عنقممك"‬
‫[السراء‪ ]29 :‬وقال الضحاك‪ .‬وقيل‪ :‬إن هؤلء صاروا في الستكبار عن الحق كمن جعل في‬
‫يده غممل فجمعممت إلى عنقممه‪ ،‬فبقممي رافعمما رأسممه ل يخفضممه‪ ،‬وغاضمما بصممره ل يفتحممه‪ .‬والمتكممبر‬
‫يوصف بانتصاب العنق‪ .‬وقال الزهري‪ :‬إن أيديهم لما علت عند أعناقهم رفعت الغلل أذقانهم‬
‫ورؤوسهم صعدا كالبل ترفع رؤوسها‪ .‬وهذا المنع بخلق الكفر في قلوب الكفار‪ ،‬وعند قوم بسلبهم‬
‫التوفيمق عقوبمة لهمم على كفرهمم‪ .‬وقيمل‪ :‬اليمة إشارة إلى مما يفعمل بأقوام غدا فمي النار ممن وضمع‬
‫الغلل في أعناقهم والسلسل؛ كما قال تعالى‪" :‬إذ الغلل في أعناقهم والسلسل" [غافر‪]71 :‬‬
‫وأخمبر عنمه بلفمظ الماضمي‪" .‬فهمم مقمحون" تقدم تفسميره‪ .‬قال مجاهمد‪" :‬مقمحون" مغلون عمن كمل‬
‫خير‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 9 :‬وجعلنما ممن بيمن أيديهمم سمدا وممن خلفهمم سمدا فأغشيناهمم فهمم ل يبصمرون‪ ،‬وسمواء‬
‫عليهمم أأنذرتهمم أم لم تنذرهمم ل يؤمنون‪ ،‬إنمما تنذر ممن اتبمع الذكمر وخشمي الرحممن بالغيمب فبشره‬
‫بمغفرة وأجر كريم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجعلنما ممن بيمن أيديهمم سمدا وممن خلفهمم سمدا" قال مقاتمل‪ :‬لمما عاد أبمو جهمل إلى‬
‫أصحابه‪ ،‬ولم يصل إلى النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وسقط الحجر من يده‪ ،‬أخذ الحجر رجل آخر‬
‫ممن بنمي مخزوم وقال‪ :‬أقتله بهذا الحجمر‪ .‬فلمما دنما ممن النمبي صملى ال عليمه وسملم طممس ال على‬
‫بصره فلم ير النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فرجع إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه‪ ،‬فهذا معنى‬
‫الية‪ .‬وقال محمد بن إسحاق في روايته‪ :‬جلس عتبة وشيبة ابنا ربيعة‪ ،‬وأبو جهل وأمية بن خلف‪،‬‬
‫يرصمدون النمبي صملى ال عليمه وسملم ليبلغوا ممن أذاه؛ فخرج عليهمم عليمه السملم وهمو يقرأ [يمس]‬
‫وفمي يده تراب فرماهمم به وقرأ‪" :‬وجعلنا من بيمن أيديهمم سمدا ومن خلفهم سدا" فأطرقوا حتى مر‬
‫عليهمم عليمه السملم‪ .‬وقمد مضمى هذا فمي سمورة [سمبحان] ومضمى فمي "الكهمف" الكلم فمي "سمدا"‬
‫بضم السين وفتحها وهما لغتان‪" ،‬فأغشيناهم" أي غطينا أبصارهم؛ وقد مضى في أول "البقرة"‪.‬‬
‫وقرأ ابن عباس وعكرمة ويحيى بن يعمر "فأعشيناهم" بالعين غير معجمة من العشاء في العين‬
‫وهو ضعف بصرها حتى ل تبصر بالليل قال‪:‬‬
‫متى تأته تعشو إلى ضوء ناره‬
‫وقال تعالى‪" :‬وممن يعمش عمن ذكمر الرحممن" [الزخرف‪ ]36 :‬اليمة‪ .‬والمعنمى متقارب‪ ،‬والمعنمى‬
‫أعميناهم؛ كما قال‪:‬‬
‫ضربت علي الرض بالسداد‬ ‫ومن الحوادث ل أبا لك أنني‬
‫بين العذب وبين أرض مراد‬ ‫ل أهتدي فيها لموضع تلعة‬
‫"فهم ل يبصرون" أي الهدى؛ قاله قتادة‪ .‬وقيل‪ :‬محمدا حين ائتمروا على قتله؛ قاله السدي‪ .‬وقال‬
‫الضحاك‪" :‬وجعلنما ممن بيمن أيديهمم سمدا" أي الدنيما "وممن خلفهمم سمدا" أي الخرة؛ أي عموا عمن‬
‫البعمث وعموا عمن قبول الشرائع فمي الدنيما؛ قال ال تعالى‪" :‬وقيضنما لهمم قرناء فزينوا لهمم مما بيمن‬
‫أيديهم وما خلفهم" [فصلت‪ ]25 :‬أي زينوا لهم الدنيا ودعوهم إلى التكذيب بالخرة‪ .‬وقيل‪ :‬على‬
‫هذا "من بين أيديهم سدا" أي غرورا بالدنيا "ومن خلفهم سدا" أي تكذيبا بالخرة‪ .‬وقيل‪" :‬من بين‬
‫أيديهمم" الخرة "وممن خلفهمم" الدنيما‪" .‬وسمواء عليهمم أأنذرتهمم أم لم تنذرهمم ل يؤمنون" تقدم فمي‬
‫"البقرة" والية رد على القدرية وغيرهم‪ .‬وعن ابن شهاب‪ :‬أن عمر بن عبدالعزيز أحضر غيلن‬
‫القدري فقال‪ :‬يما غيلن بلغنمي أنمك تتكلم بالقدر؛ فقال‪ :‬يكذبون على يما أميمر المؤمنيمن‪ .‬ثمم قال‪ :‬يما‬
‫أميمر المؤمنيمن أرأيمت قول ال تعالى‪" :‬إنما خلقنما النسمان ممن نطفمة أمشاج نبتليمه فجعلناه سمميعا‬
‫بصميرا‪ .‬إنما هديناه السمبيل إمما شاكرا وإمما كفورا" [النسمان‪ ]2 :‬قال‪ :‬أقرأ يما غيلن فقرأ حتمى‬
‫انتهى إلى قوله‪" :‬فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيل" [النسان‪ ]29 :‬فقال اقرأ فقال‪" :‬وما تشاؤون إل‬
‫أن يشاء ال" [النسمان‪ ]30 :‬فقال‪ :‬وال يما أميمر المؤمنيمن إن شعرت أن هذا فمي كتاب ال قمط‪.‬‬
‫فقال له‪ :‬يما غيلن أقرأ أول سمورة [يمس] فقرأ حتمى بلغ "وسمواء عليهمم أأنذرتهمم أم لم تنذرهمم ل‬
‫يؤمنون" فقال غيلن‪ :‬وال يا أمير المؤمنين لكأني لم أقرأها قط قبل اليوم؛ اشهد يا أمير المؤمنين‬
‫أنمي تائب‪ .‬قال عممر‪ :‬اللهمم إن كان صمادقا فتمب عليمه وثبتمه‪ ،‬وإن كان كاذبما فسملط عليمه ممن ل‬
‫يرحممه واجعله آيمة للمومنيمن؛ فأخذه هشام فقطمع يديمه ورجليمه وصملبه‪ .‬وقال ابمن عون‪ :‬فأنما رأيتمه‬
‫مصلوبا على باب دمشق‪ .‬فقلنا‪ :‬ما شأنك يا غيلن؟ فقال‪ :‬أصابتني دعوة الرجل الصالح عمر بن‬
‫عبدالعزيز‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنما تنذر من اتبع الذكر" يعني القرآن وعمل به‪" .‬وخشي الرحمن بالغيب" أي ما‬
‫غاب ممن عذابمه وناره؛ قاله قتادة‪ .‬وقيمل‪ :‬أي يخشاه فمي مغيبمه عمن أبصمار الناس وانفراده بنفسمه‪.‬‬
‫"فبشره بمغفرة" أي لذنبه "وأجر كريم" أي الجنة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 12 :‬إنما نحمن نحيمي الموتمى ونكتمب مما قدموا وآثارهمم وكمل شيمء أحصميناه فمي إمام‬
‫مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنمما نحممن نحيممي الموتممى" أخبرنمما تعالى بإحيائه الموتممى ردا على الكفرة‪ .‬وقال‬
‫الضحاك والحسمن‪ :‬أي نحييهمم باليمان بعمد الجهمل‪ .‬والول أظهمر؛ أي نحييهمم بالبعمث للجزاء‪ .‬ثمم‬
‫توعدهم بذكره َكتْب الثار وإحصاء كل شيء وكل ما يصنعه النسان‪ .‬قال قتادة‪ :‬معناه من عمل‪.‬‬
‫وقاله مجاهمد وابمن زيمد‪ .‬ونظيره قوله‪" :‬علممت نفمس مما قدممت وأخرت"‪[ :‬النفطار‪ ] 5 :‬وقوله‪:‬‬
‫"ينبمأ النسمان يومئذ بمما قدم وأخمر" [القياممة‪ ،]13 :‬وقال‪" :‬اتقوا ال ولتنظمر نفمس مما قدممت لغمد"‬
‫[الحشمر‪ ]18 :‬فآثار المرء التمي تبقمى وتذكمر بعمد النسمان من خيمر أو شمر يجازى عليهما‪ :‬من أثمر‬
‫حسممن؛ كعلم علموه‪ ،‬أو كتاب صممنفوه‪ ،‬أو حممبيس احتبسمموه‪ ،‬أو بناء بنوه مممن مسممجد أو رباط أو‬
‫قنطرة أو نحممو ذلك‪ .‬أو سمميئ كوظيفممة وظفهمما بعممض الظلم على المسمملمين‪ ،‬وسممكة أحدثهمما فيهمما‬
‫تخسيرهم‪ ،‬أو شيء أحدثه فيه صد عن ذكر ال من ألحان ومله‪ ،‬وكذلك كل سنة حسنة‪ ،‬أو سيئة‬
‫يسمتن بهما‪ .‬وقيمل‪ :‬همي آثار المشائيمن إلى المسماجد‪ .‬وعلى هذا المعنمى تأول اليمة عممر وابمن عباس‬
‫وسمعيد بن جمبير‪ .‬وعن ابمن عباس أيضما أن معنمى‪" :‬وآثارهمم" خطاهمم إلى المسماجد‪ .‬قال النحاس‪:‬‬
‫وهذا أولى مما قيمل فيمه؛ لنمه قال‪ :‬إن اليمة نزلت فمي ذلك؛ لن النصمار كانمت منازلهمم بعيدة عمن‬
‫المسجد‪ .‬وفي الحديث مرفوعا إلى النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬يكتب له برجل حسنة وتحط‬
‫عنه برجل سيئه ذاهبا وراجعا إذا خرج إلى المسجد)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفي الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬كانت بنو سلمة في ناحية المدينة فأردوا النقلة‬
‫إلى قرب المسجد فنزلت هذه الية‪" :‬إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم" فقال رسول‬
‫ال صملى ال عليمه وسملم (إن آثاركمم تكتمب) فلم ينتقلوا‪ .‬قال‪ :‬هذا حديمث حسمن غريمب ممن حديمث‬
‫الثوري‪ .‬وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبدال قال‪ :‬أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد؛‬
‫قال‪ :‬والبقاع خاليمة؛ قال‪ :‬فبلغ ذلك النمبي صملى ال عليمه وسملم فقال‪( :‬يما بنمي سملمة دياركمم تكتمب‬
‫آثاركمم دياركمم تكتمب آثاركمم) فقالوا‪ :‬مما كان يسمرنا أنما كنما تحولنما‪ .‬وقال ثابمت البنانمي‪ :‬مشيمت ممع‬
‫أنس بن مالك إلى الصلة فأسرعت‪ ،‬فحبسني فلما انقضت الصلة قال‪ :‬مشيت مع النبي صلى ال‬
‫عليمه وسملم وأسمرعت‪ ،‬فحبسمني فلمما انقضمت الصملة قال‪( :‬أمما علم أن الثار تكتمب) فهذا احتجاج‬
‫بالية‪ .‬وقال قتادة ومجاهد أيضا والحسن‪ :‬الثار في هذه الية الخطا‪ .‬وحكى الثعلبي عن أنس أنه‬
‫قال‪ :‬الثار هي الخطا إلى الجمعة‪ .‬وواحد الثار أثر ويقال أثر‪.‬‬
‫@ في هذه الحاديث المفسرة لمعنى الية دليل على أن البعد من المسجد أفضل‪ ،‬فلو كان بجوار‬
‫مسمجد‪ ،‬فهمل له أن يجاوزه إلى البعمد؟ اختلف فيمه‪ ،‬فروي عمن أنمس أنمه كان يجاوز المحدث إلى‬
‫القديمم‪ .‬وروي عمن غيره‪ :‬البعمد فالبعمد ممن المسمجد أعظمم أجرا‪ .‬وكره الحسمن وغيره هذا؛ وقال‪:‬‬
‫ل يدع مسمجدا قربمه ويأتمي غيره‪ .‬وهذا مذهمب مالك‪ .‬وفمي تخطمي مسممجده إلى المسمجد العظمم‬
‫قولن‪ .‬وخرج ابممن ماجممه مممن حديممث أنممس بممن مالك قال‪ :‬قال رسممول ال صمملى ال عليممه وسمملم‪.‬‬
‫(صملة الرجمل فمي بيتمه بصملة وصملته فمي مسمجد القبائل بخممس وعشريمن صملة وصملته فمي‬
‫المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلة)‪.‬‬
‫@ "دياركمم" منصموب على الغراء أي ألزموا‪ ،‬و(تكتمب) جزم على جواب ذلك الممر‪( .‬وكمل)‬
‫نصمب بفعمل مضممر يدل عليمه "أحصميناه" كأنمه قال‪ :‬وأحصمينا كمل شيمء أحصميناه‪ .‬ويجوز رفعمه‬
‫بالبتداء إل أن نصبه أولى؛ ليعطف ما عمل فيه الفعل على ما عمل فيه الفعل‪ .‬وهو قول الخليل‬
‫وسميبويه‪ .‬والمام‪ :‬الكتاب المقتدى بمه الذي همو حجمة‪ .‬وقال مجاهمد وقتادة وابمن زيمد‪ :‬أراد اللوح‬
‫المحفوظ‪ .‬وقالت فرقة‪ :‬أراد صحائف العمال‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 13 :‬واضرب لهمم مثل أصمحاب القريمة إذ جاءهما المرسملون‪ ،‬إذ أرسملنا إليهمم اثنيمن‬
‫فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون‪ ،‬قالوا ما أنتم إل بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من‬
‫شيمء إن أنتمم إل تكذبون‪ ،‬قالوا ربنما يعلم إنما إليكمم لمرسملون‪ ،‬ومما علينما إل البلغ الممبين‪ ،‬قالوا إنما‬
‫تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم‪ ،‬قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم‬
‫قوم مسرفون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واضرب لهم مثل أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون" خطاب للنبي صلى ال‬
‫عليمه وسملم‪ ،‬أممر أن يضرب لقوممه مثل بأصمحاب القريمة هذه القريمة همي أنطاكيمة فمي قول جميمع‬
‫المفسمرين فيمما ذكمر الماوردي‪ .‬نسمبت إلى أهمل أنطمبيس وهمو اسمم الذي بناهما ثمم غيمر لمما عرب؛‬
‫ذكره السمممهيلي‪ .‬ويقال فيهممما‪ :‬أنتاكيمممة بالتاء بدل الطاء‪ .‬وكان بهممما فرعون يقال له أنطيخمممس بمممن‬
‫أنطيخمس يعبمد الصمنام؛ ذكره المهدوي‪ ،‬وحكاه أبمو جعفمر النحاس عمن كعمب ووهمب‪ .‬فأرسمل ال‬
‫إليممه ثلثممة‪ :‬وهممم صممادق‪ ،‬وصممدوق‪ ،‬وشلوم هممو الثالث‪ .‬هذا قول الطممبري‪ .‬وقال غيره‪ :‬شمعون‬
‫ويوحنما‪ .‬وحكمى النقاش‪ :‬سممعان ويحيمى‪ ،‬ولم يذكرا صمادقا ول صمدوقا‪ .‬ويجوز أن يكون "مثل"‬
‫و"أصحاب القرية" مفعولين لضرب‪ ،‬أو "أصحاب القرية" بدل من "مثل" أي اضرب لهم مثل‬
‫أصمحاب القريمة فحذف المضاف‪ .‬أممر النمبي صملى ال عليمه وسملم بإنذار هؤلء المشركيمن أن مما‬
‫يحمل بهمم مما حمل بكفار أهمل القريمة المبعوث إليهمم ثلثمة رسمل‪ .‬قيمل‪ :‬رسمل ممن ال على البتداء‪.‬‬
‫وقيممل‪ :‬إن عيسممى بعثهممم إلى أنطاكيممة للدعاء إلى ال‪ .‬وهممو قوله تعالى‪" :‬إذ أرسمملنا إليهممم اثنيممن"‬
‫أضاف الرب ذلك إلى نفسممه؛ لن عيسممى أرسمملهما بأمممر الرب‪ ،‬وكان ذلك حيممن رفممع عيسممى إلى‬
‫السممماء‪" .‬فكذبوهممما" قيممل ضربوهممما وسممجنوهما‪" .‬فعززنمما بثالث" أي فقوينمما وشددنمما الرسممالة‬
‫"بثالث"‪ .‬وقرأ أبمو بكمر عمن عاصمم‪" :‬فعززنما بثالث" بالتخفيمف وشدد الباقون‪ .‬قال الجوهري‪:‬‬
‫وقوله تعالى‪" :‬فعززنما بثالث" يخفمف ويشدد؛ أي قوينما وشددنما‪ .‬قال الصممعي‪ :‬أنشدنمي فيمه أبمو‬
‫عمرو بن العلء للمتلمس‪:‬‬
‫وإذا تشد بنسعها ل تنبس‬ ‫جدّ إذا رحلت تعزز لحمها‬ ‫ُأ ُ‬
‫أي ل ترغممو؛ فعلى هذا تكون القراءتان بمعنىً‪ .‬وقيممل‪ :‬التخفيممف بمعنممى غلبنمما وقهرنمما؛ ومنممه‪:‬‬
‫"وعزني في الخطاب" [ص‪ .]23 :‬والتشديد بمعنى قوينا وكثرنا‪ .‬وفي القصة‪ :‬أن عيسى أرسل‬
‫إليهممم رسممولين فلقيمما شيخمما يرعممى غنيمات له وهممو حممبيب النجار صمماحب "يممس" فدعوه إلى ال‬
‫وقال‪ :‬نحمن رسمول عيسمى ندعوك إلى عبادة ال‪ .‬فطالبهمما بالمعجزة فقال‪ :‬نحمن نشفمي المرضمى‬
‫وكان له ابمن مجنون‪ .‬وقيمل‪ :‬مريمض على الفراش فمسمحاه‪ ،‬فقام بإذن ال صمحيحا؛ فآممن الرجمل‬
‫بال‪ .‬وقيمل‪ :‬همو الذي جاء ممن أقصمى المدينمة يسمعى‪ ،‬ففشما أمرهمما‪ ،‬وشفيما كثيرا ممن المرضمى‪،‬‬
‫فأرسممل الملك إليهممما ‪ -‬وكان يعبممد الصممنام ‪ -‬يسممتخبرهما فقال‪ :‬نحممن رسممول عيسممى‪ .‬فقال‪ :‬وممما‬
‫آيتكما؟ قال‪ :‬نبرئ الكمه والبرص ونبرئ المريض بإذن ال‪ ،‬وندعوك إلى عبادة ال وحده‪ .‬فهم‬
‫الملك بضربهما‪ .‬وقال وهب‪ :‬حبسهما الملك وجلدهما مائة جلدة؛ فانتهى الخبر إلى عيسى فأرسل‬
‫ثالثما‪ .‬قيمل‪ :‬شمعون الصمفا رأس الحوارييمن لنصممرهما‪ ،‬فعاشمر حاشيمة الملك حتممى تمكمن منهمم‪،‬‬
‫واستأنسوا به‪ ،‬ورفعوا حديثه إلى الملك فأنس به‪ ،‬وأظهر موافقته في دينه‪ ،‬فرضي الملك طريقته‪،‬‬
‫ثم قال يوما للملك‪ :‬بلغني أنك حبست رجلين دعواك إلى ال‪ ،‬فلو سألت عنهما ما وراءهما‪ .‬فقال‪:‬‬
‫إن الغضممب حال بينممي وبيممن سممؤالهما‪ .‬قال‪ :‬فلو أحضرتهممما‪ .‬فأمممر بذلك؛ فقال لهممما شمعون‪ :‬ممما‬
‫برهانكمما على مما تدعيان؟ فقال‪ :‬نمبرئ الكممه والبرص‪ .‬فجيمء بغلم ممسموح العينيمن؛ موضمع‬
‫عينيمه كالجبهمة‪ ،‬فدعوا ربهمما فأنشمق موضمع البصمر‪ ،‬فأخذا بندقتيمن طينما فوضعاهمما فمي خديمه‪،‬‬
‫فصمارتا مقلتيمن يبصمر بهمما؛ فعجمب الملك وقال‪ :‬إن هما هنما غلمما مات منمذ سمبعة أيام ولم أدفنمه‬
‫حتمى يجيمء أبوه فهمل يحييمه ربكمما؟ فدعوا ال علنيمة‪ ،‬ودعاه شمعون سمرا‪ ،‬فقام الميمت حيما‪ ،‬فقال‬
‫للناس‪ :‬إنمي ممت منمذ سمبعة أيام‪ ،‬فوجدت مشركما‪ ،‬فأدخلت فمي سمبعة أوديمة ممن النار‪ ،‬فأحذركمم مما‬
‫أنتم فيه فآمنوا بال‪ ،‬ثم فتحت أبواب السماء‪ ،‬فرأي شابا حسن الوجه يشفع لهؤلء الثلثة شمعون‬
‫وصماحبيه‪ ،‬حتمى أحيانمي ال‪ ،‬وأنما أشهمد أن ل إله إل ال وحده ل شريمك له‪ ،‬وأن عيسمى روج ال‬
‫وكلمتممه‪ ،‬وأن هؤلء هممم رسممل ال‪ .‬فقالوا له وهذا شمعون أيضمما معهممم؟ قال‪ :‬نعممم وهممو أفضلهممم‪.‬‬
‫فأعلمهم شمعون أنه رسول المسيح إليهم‪ ،‬فأثر قوله في الملك‪ ،‬فدعاه إلى ال‪ ،‬فآمن الملك في قوم‬
‫كثير وكفر آخرون‪.‬‬
‫وحكمى القشيري أن الملك آممن ولم يؤممن قوممه‪ ،‬وصماح جبريمل صميحة مات كمل ممن بقمي منهمم‬
‫من الكفار‪ .‬وروي أن عيسى لما أمرهم أن يذهبوا إلى تلك القرية قالوا‪ :‬يا نبي ال إنا ل نعرف أن‬
‫نتكلم بألسمنتهم ولغاتهمم‪ .‬فدعما ال لهمم فناموا بمكانهمم‪ ،‬فهبوا من نومتهم قمد حملتهمم الملئكة فألقتهم‬
‫بأرضمى أنطاكيمة‪ ،‬فكلم كمل واحمد صماحبه بلغمة القوم؛ فذلك قوله‪" :‬وأيدناه بروح القدس" [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]87‬فقالوا جميعما‪" :‬إنما إليكمم مرسملون‪ ،‬قالوا مما أنتمم إل بشمر مثلنما" تأكلون الطعام وتمشون فمي‬
‫السواق "وما أنزل الرحمن من شيء" يأمر به ول من شيء ينهى عنه "إن أنتم إل تكذبون" في‬
‫دعواكم الرسالة؛ فقالت الرسل‪" :‬ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون" وإن كذبتمونا "وما علينا إل البلغ‬
‫الممبين" فمي أن ال واحمد "قالوا" لهمم "إنما تطيرنما بكمم" أي تشاءمنما بكمم‪ .‬قال مقاتمل‪ :‬حبمس عنهمم‬
‫المطمر ثلث سمنين فقالوا هذا بشؤمكمم‪ .‬ويقال‪ :‬إنهمم أقاموا ينذرونهمم عشمر سمنين‪" .‬لئن لم تنتهوا"‬
‫عمن إنذارنما "لنرجمنكمم" قال الفراء‪ :‬لنقتلنكمم‪ .‬قال‪ :‬وعاممة مما فمي القرآن ممن الرجمم معناه القتمل‪.‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬همو على بابمه ممن الرجمم بالحجارة‪ .‬وقيمل‪ :‬لنشتمنكمم؛ وقمد تقدم جميعمه‪" .‬وليمسمنكم منما‬
‫عذاب أليم" قيل‪ :‬هو القتل‪ .‬وقيل‪ :‬هو التعذيب المؤلم‪ .‬وقيل‪ :‬هو التعذيب المؤلم قبل القتل كالسلخ‬
‫والقطمع والصملب‪ .‬فقالت الرسمل‪" :‬طائركمم معكمم" أي شؤمكمم معكمم أي حظكمم ممن الخيمر والشمر‬
‫معكم ولزم في أعناقكم‪ ،‬وليس هو من شؤمنا؛ قال معناه الضحاك‪ .‬وقال قتادة‪ :‬أعمالكم معكم‪ .‬ابن‬
‫عباس‪ :‬معناه الرزاق والقدار تتبعكمم‪ .‬الفراء‪" :‬طائركمم معكمم" رزقكمم وعملكمم؛ والمعنمى واحمد‪.‬‬
‫وقرأ الحسن‪" :‬أطيركم" أي تطيركم‪" .‬أئن ذكرتم" قال قتادة‪ :‬إن ذكرتم تطيرتم‪ .‬وفيه تسعة أوجه‬
‫ممن القراءات‪ :‬قرأ أهمل المدينمة‪" :‬أيمن ذكرتمم" بتخفيمف الهمزة الثانيمة‪ .‬وقرأ أهمل الكوفمة‪" :‬أإن"‬
‫بتحقيمق الهمزتيمن‪ .‬والوجمه الثالث‪" :‬أاإن ذكرتمم" بهمزتيمن بينهمما ألف أدخلت اللف كراهمة للجممع‬
‫بيممن الهمزتيممن‪ .‬والوجممه الرابممع‪" :‬أاإن" بهمزة بعدهمما ألف وبعممد اللف همزة مخففممة‪ .‬والقراءة‬
‫الخامسممة "أاأن" بهمزتيممن مفتوحتيممن بينهممما ألف‪ .‬والوجممه السممادس‪" :‬أأن" بهمزتيممن محققتيممن‬
‫مفتوحتين‪ .‬وحكى الفراء‪ :‬أن هذه القراءة قراءة أبي رزين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وحكاه الثعلبي عن زر بن حبيش وابن السميقع‪ .‬وقرأ عيسى بن عمر والحسن البصري‪:‬‬
‫"قالوا طائركمم معكمم أيمن ذكرتمم" بمعنمى حيمث‪ .‬وقرأ يزيمد بمن القعقاع والحسمن وطلحمة "ذكرتمم"‬
‫بالتخفيمف؛ ذكمر جميعمه النحاس‪ .‬وذكمر المهدوي عمن طلحمة بمن مصمرف وعيسمى الهمذانمي‪" :‬آن‬
‫ذكرتمم" بالممد‪ ،‬على أن همزة الستفهام دخلت على همزة مفتوحة‪ .‬الماجشون‪" :‬أن ذكرتمم" بهمزة‬
‫واحدة مفتوحة‪ .‬فهذه تسع قراءات‪ .‬وقرأ ابن هرمز "طيركم معك"‪" .‬أئن ذكرتم" أي لن وعظتم؛‬
‫وهو كلم مستأنف‪ ،‬أي إن وعظتم تطيرتم‪ .‬وقيل‪ :‬إنما تطيروا لما بلغهم أن كل نبي دعا قومه فلم‬
‫يجيمب كان عاقبتهمم الهلك‪" .‬بمل أنتمم قوم مسمرفون" قال قتادة‪ :‬مسمرفون فمي تطيركمم‪ .‬يحيمى بمن‬
‫سملم‪ :‬مسمرفون فمي كفركمم‪ .‬وقال ابمن بحمر‪ :‬السمرف هما هنما الفسماد‪ ،‬ومعناه بمل أنتمم قوم مفسمدون‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬مسرفون مشركون‪ ،‬والسراف مجاوزة الحد‪ ،‬والمشرك يجاوز الحد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 :‬وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين‪ ،‬اتبعوا من ل‬
‫يسمألكم أجرا وهمم مهتدون‪ ،‬ومما لي ل أعبمد الذي فطرنمي وإليمه ترجعون‪ ،‬أأتخمذ ممن دونمه آلهمة إن‬
‫يردن الرحممن بضمر ل تغمن عنمي شفاعتهمم شيئا ول ينقذون‪ ،‬إنمي إذا لفمي ضلل ممبين‪ ،‬إنمي آمنمت‬
‫بربكمم فاسممعون‪ ،‬قيمل ادخمل الجنمة قال يما ليمت قوممي يعلمون‪ ،‬بمما غفمر لي ربمي وجعلنمي ممن‬
‫المكرمين‪ ،‬وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين‪ ،‬إن كانت إل صيحة‬
‫واحدة فإذا هم خامدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجاء ممن أقصمى المدينمة رجمل يسمعى" همو حمبيب بمن مري وكان نجارا‪ .‬وقيمل‪:‬‬
‫إسكافا‪ .‬وقيل‪ :‬قصارا‪ .‬وقال ابن عباس ومجاهد ومقاتل‪ :‬هو حبيب بن إسرائيل النجار وكان ينحت‬
‫الصنام‪ ،‬وهو ممن آمن بالنبي صلى ال عليه وسلم وبينهما ستمائة سنة‪ ،‬كما آمن به تبع الكبر‬
‫وورقة بن نوفل وغيرهما‪ .‬ولم يؤمن بنبي أحد إل بعد ظهوره‪ .‬قال وهب‪ :‬وكان حبيب مجذوما‪،‬‬
‫ومنزله عند أقصى باب من أبواب المدينة‪ ،‬وكان يعكف على عبادة الصنام سبعين سنة يدعوهم‪،‬‬
‫لعلهم يرحمونه ويكشفون ضره فما استجابوا له‪ ،‬فلما أبصر الرسل دعوه إلى عبادة ال فقال‪ :‬هل‬
‫ممن آيمة؟ قالوا‪ :‬نعمم‪ ،‬ندعمو ربنما القادر فيفرج عنمك مما بمك‪ .‬فقال‪ :‬إن هذا لعجمب! أدعمو هذه اللهمة‬
‫سمبعين سمنة تفرج عنمي فلم تسمتطع‪ ،‬فكيمف يفرجمه ربكمم فمي غداة واحدة؟ قالوا‪ :‬نعمم‪ ،‬ربنما على مما‬
‫يشاء قدير‪ ،‬وهذه ل تنفع شيئا ول تضر‪ .‬فآمن ودعوا ربهم فكشف ال ما به‪ ،‬كأن لم يكن به بأس‪،‬‬
‫فحينئذ أقبل على التكسب‪ ،‬فإذا أمسى تصدق بكسبه‪ ،‬فأطعم عياله نصفا وتصدق بنصف‪ ،‬فلما هم‬
‫قوممه بقتمل الرسمل جاءهمم‪ .‬فمم "قال يما قوم اتبعوا المرسملين" اليمة‪ .‬وقال قتادة‪ :‬كان يعبمد ال فمي‬
‫غار‪ ،‬فلما سمع بخبر المرسلين جاء يسعى‪ ،‬فقال للمرسلين‪ :‬أتطلبون على ما جئتم به أجرا؟ قالوا‪:‬‬
‫ل ما أجرنا إل على ال‪ .‬قال أبو العالية‪ :‬فاعتقد صدقهم وآمن بهم وأقبل على قومه فم "قال يا قوم‬
‫اتبعوا المرسمملين"‪" .‬اتبعوا مممن ل يسممألكم أجرا" أي لو كانوا متهميممن لطلبوا منكممم المال "وهممم‬
‫مهتدون" فاهتدوا بهمم‪" .‬ومما لي ل أعبمد الذي فطرنمي" قال قتادة‪ :‬قال له قوممه أنمت على دينهمم؟!‬
‫فقال‪" :‬وممما لي ل أعبممد الذي فطرنممي" أي خلقنممي‪" .‬وإليممه ترجعون" وهذا احتجاج منممه عليهممم‪.‬‬
‫وأضاف الفطرة إلى نفسممه؛ لن ذلك نعمممة عليممه توجممب الشكممر‪ ،‬والبعممث إليهممم؛ لن ذلك وعيممد‬
‫يقتضي الزجر؛ فكان إضافة النعمة إلى نفسه اظهر شكرا‪ ،‬وإضافة البعث إلى الكافر أبلغ أثرا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أأتخمذ من دونه آلهة" يعنمي أصناما‪" .‬إن يردنمي الرحمن بضر" يعني ما أصابه‬
‫ممن السمقم‪" .‬ل تغمن عنمي شفاعتهمم شيئا ول ينقذونمي" يخلصموني ممما أنما فيمه ممن البلء "إنمي إذا"‬
‫يعنمي إن فعلت ذلك "لفمي ضلل ممبين" أي خسمران ظاهمر‪" .‬إنمي آمنمت بربكمم فاسممعون" قال ابن‬
‫مسعود‪ :‬خاطب الرسل بأنه مؤمن بال ربهم‪ .‬ومعنى "فاسمعون" أي فأشهدوا‪ ،‬أي كونوا شهودي‬
‫باليمان‪ .‬وقال كعمب ووهمب‪ :‬إنمما قال ذلك لقوممه إنمى آمنمت بربكمم الذي كفرتمم بمه‪ .‬وقيمل‪ :‬إنمه لمما‬
‫قال لقومه "اتبعوا المرسلين‪ .‬اتبعوا من ل يسألكم أجرا" رفعوه إلى الملك وقالوا‪ :‬قد تبعت عدونا؛‬
‫فطول معهمم الكلم ليشغلهمم بذلك عمن قتمل الرسمل‪ ،‬إلى أن قال‪" :‬إنمي آمنمت بربكمم" فوثبوا عليمه‬
‫فقتلوه‪ .‬قال ابمن مسمعود‪ :‬وطئوه بأرجلهمم حتمى خرج قُصْمبُه ممن دبره‪ ،‬وألقمي فمي بئر وهمي الرس‬
‫وهمم أصمحاب الرس‪ .‬وفمي روايمة أنهمم قتلوا الرسمل الثلثمة‪ .‬وقال السمدي‪ :‬رموه بالحجارة وهمو‬
‫يقول‪ :‬اللهمم اهمد قوممي حتمى قتلوه‪ .‬وقال الكلبمي‪ :‬حفروا حفرة وجعلوه فيهما‪ ،‬وردموا فوقمه التراب‬
‫فمات ردمما‪ .‬وقال الحسمن‪ :‬حرقوه حرقما‪ ،‬وعلقوه ممن سور المدينمة وقمبره فمي سمور أنطاكيمة؛ حكاه‬
‫الثعلبي‪ .‬وقال القشيري‪ :‬وقال الحسن لما أراد القوم أن يقتلوه رفعه ال إلى السماء‪ ،‬فهو في الجنة‬
‫ل يموت إل بفناء السمماء وهلك الجنمة‪ ،‬فإذا أعاد ال الجنمة أدخلهما‪ .‬وقيمل‪ :‬نشروه بالمنشار حتمى‬
‫خرج مممن بيممن رجليممه‪ ،‬فوال ممما خرجممت روحممه إل إلى الجنممة فدخلهمما؛ فذلك قوله‪" :‬قيممل ادخممل‬
‫الجنة"‪ .‬فلما شاهدها "قال يا ليت قومي يعلمون‪ ،‬بما غفر لي ربي" أي بغفران ربي لي؛ فم "ما"‬
‫مممع الفعممل بمنزلة المصممدر‪ .‬وقيممل‪ :‬بمعنممى الذي والعائد مممن الصمملة محذوف‪ .‬ويجوز أن تكون‬
‫اسمتفهاما فيمه معنمى التعجمب‪ ،‬كأنمه قال ليمت قوممي يعلمون بأي شيمء غفمر لي ربمي؛ قال الفراء‪.‬‬
‫واعترضممه الكسممائي فقال‪ :‬لو صممح هذا لقال بممم مممن غيممر ألف‪ .‬وقال الفراء‪ :‬يجوز أن يقال بممما‬
‫باللف وهمو اسمتفهام وأنشمد فيمه أبياتما‪ .‬الزمخشري‪" :‬بمم غفمر لي" بطرح اللف أجود‪ ،‬وإن كان‬
‫إثباتها جائزا؛ يقال‪ :‬قد علمت بما صنعت هذا وبم صنعت‪ .‬المهدوي‪ :‬وإثبات اللف في الستفهام‬
‫قليمل‪ .‬فيوقمف على هذا على "يعلمون"‪ .‬وقال جماعمة‪ :‬معنمى "قيمل ادخمل الجنمة" وجبمت لك الجنمة؛‬
‫فهو خبر بأنه قد استحق دخول الجنة؛ لن دخولها يستحق بعد البعث‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والظاهمر ممن اليمة أنمه لمما قتمل قيمل له ادخمل الجنمة‪ .‬قال قتادة‪ :‬أدخله ال الجنمة وهمو فيهما‬
‫حمي يرزق؛ أراد قوله تعالى‪" :‬ول تحسمبن الذيمن قتلوا فمي سمبيل ال أمواتما بمل أحياء عنمد ربهمم‬
‫يرزقون" [آل عمران‪ ]169 :‬على ما تقدم في "آل عمران" بيانه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال يا ليت قومي يعلمون" وهو مرتب على تقدير سؤال سائل عما وجد من قول‬
‫عند ذلك الفوز العظيم الذي هو "بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين" وقرئ "من المكرمين"‬
‫وفي معنى تمنيه قولن‪ :‬أحدهما أنه تمنى أن يعلموا بحاله ليعلموا حسن مآله وحميد عاقبته‪ .‬الثاني‬
‫تمنى ذلك ليؤمنوا مثل إيمانه فيصيروا إلى مثل حاله‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬نصح قومه حيا وميتا‪ .‬رفعه‬
‫القشيري فقال‪ :‬وفي الخبر أنه عليه السلم قال في هذه الية (إنه نصح لهم في حياته وبعد موته)‪.‬‬
‫سبّاق المم ثلثة لم يكفروا بال طرفة عين‪ :‬علي بن أبي طالب وهو أفضلهم‪،‬‬ ‫وقال ابن أبي ليلى‪ُ :‬‬
‫ومؤممن آل فرعون‪ ،‬وصماحب يمس‪ ،‬فهمم الصمديقون؛ ذكره الزمخشري مرفوعما عمن رسمول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬وفي هذه الية تنبيه عظيم‪ ،‬ودللة على وجوب كظم الغيظ‪ ،‬والحلم عن أهل‬
‫الجهمل‪ .‬والترؤف على ممن أدخمل نفسمه فمي غمار الشرار وأهمل البغمي‪ ،‬والتشممر فمي تخليصمه‪،‬‬
‫والتلطمف فمي افتدائه‪ ،‬والشتغال بذلك عمن الشماتمة بمه والدعاء عليمه‪ .‬أل ترى كيمف تمنمى الخيمر‬
‫لقتلتمه‪ ،‬والباغيمن له الغوائل وهمم كفرة عبدة أصمنام‪ .‬فلمما قتمل حمبيب غضمب ال له وعجمل النقممة‬
‫على قومه‪ ،‬فأمر جبريل فصاح بهم صيحة فماتوا عن آخرهم؛ فذلك قوله‪" :‬وما أنزلنا على قومه‬
‫من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين" أي ما أنزلنا عليهم من رسالة ول نبي بعد قتله؛ قال‬
‫قتادة ومجاهمد والحسمن‪ .‬قال الحسمن‪ :‬الجنمد الملئكمة النازلون بالوحمي على النمبياء‪ .‬وقيمل‪ :‬الجنمد‬
‫العسماكر؛ أي لم أحتمج فمي هلكهمم إلى إرسمال جنود ول جيوش ول عسماكر؛ بمل أهلكهمم بصميحة‬
‫واحدة‪ .‬قال معناه ابممن مسممعود وغيره‪ .‬فقوله‪" :‬وممما كنمما منزليممن" تصممغير لمرهممم؛ أي أهلكناهممم‬
‫بصميحة واحدة ممن بعمد ذلك الرجمل‪ ،‬أو ممن بعمد رفعمه إلى السمماء‪ .‬وقيمل‪" :‬ومما كنما منزليمن" على‬
‫مممممن كان قبلهممممم‪ .‬الزمخشري‪ :‬فان قلت فلم أنزل الجنود مممممن السممممماء يوم بدر والخندق؟ فقال‪:‬‬
‫"فأرسمملنا عليهممم ريحمما وجنودا لم تروهمما" [الحزاب‪ ،]9 :‬وقال‪" :‬بثلثةآللف مممن الملئكممة‬
‫منزلين" [آل عمران‪" .]124 :‬بخمسة آلف من الملئكة مسومين" [آل عمران‪.]125 :‬‬
‫قلت‪ :‬إنمما كان يكفمي ملك واحمد‪ ،‬فقمد أهلكمت مدائن قوم لوط بريشمة ممن جناح جبريمل‪ ،‬وبلد‬
‫ثمود وقوم صمالح بصميحة‪ ،‬ولكمن ال فضمل محمدا صملى ال عليمه وسملم بكمل شيمء على سمائر‬
‫النبياء وأولي العزم من الرسل فضل عن حبيب النجار‪ ،‬وأوله من أسباب الكرامة والعزاز ما‬
‫لم يوله أحدا؛ فممن ذلك أنمه أنزل له جنودا ممن السمماء‪ ،‬وكأنمه أشار بقوله‪" :‬ومما أنزلنما"‪" .‬ومما كنما‬
‫منزلين" إلى أن إنزال الجنود من عظائم المور التي ل يؤهل لها إل مثلك‪ ،‬وما كنا نفعل لغيرك‪.‬‬
‫"إن كانمت إل صميحة واحدة" قراءة العاممة "واحدة" بالنصمب على تقديمر مما كانمت عقوبتهمم إل‬
‫صيحة واحدة‪.‬‬
‫وقرأ أبمو جعفمر بمن القعقاع وشيبمة والعرج‪" :‬صميحة" بالرفمع هنما‪ ،‬وفمي قوله‪" :‬إن كانمت إل‬
‫صميحة واحدة فإذا همم جميمع" جعلوا الكون بمعنمى الوقوع والحدوث؛ فكأنمه قال‪ :‬مما وقعمت عليهمم‬
‫إل صيحة واحدة‪ .‬وأنكر هذه القراءة أبو حاتم وكثير من النحويين بسبب التأنيث فهو ضعيف؛ كما‬
‫تكون ما قامت إل هند ضعيفا؛ من حيث كان المعنى ما قام أحد إل هند‪ .‬قال أبو حاتم‪ :‬فلو كان كما‬
‫قرأ أبمو جعفمر لقال‪ :‬إن كان إل صميحة‪ .‬قال النحاس‪ :‬ل يمتنمع شيمء ممن هذا‪ ،‬يقال‪ :‬مما جاءتنمي إل‬
‫جاريتمك‪ ،‬بمعنمى مما جاءتنمي امرأة أو جاريمة إل جاريتمك‪ .‬والتقديمر فمي القراءة بالرفمع مما قاله أبمو‬
‫إسمحاق‪ ،‬قال‪ :‬المعنمى إن كانمت عليهمم صميحة إل صميحة واحدة‪ ،‬وقدره غيره‪ :‬مما وقمع عليهمم إل‬
‫صميحة واحدة‪ .‬وكان بمعنمى وقمع كثيمر فمي كلم العرب‪ .‬وقرأ عبدالرحممن بمن السمود ‪ -‬ويقال إنمه‬
‫فممي حرف عبدال كذلك ‪" -‬إن كانممت إل زقممة واحممذ"‪ .‬وهذا مخالف للمصممحف‪ .‬وأيضمما فإن اللغمة‬
‫المعروفة زقا يزقو إذا صاح‪ ،‬ومنه المثل‪ :‬أثقل من الزواقي؛ فكان يجب على هذا أن يكون زقوة‪.‬‬
‫ذكره النحاس‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقال الجوهري‪ :‬الزقمو والزقمي مصمدر‪ ،‬وقمد زقما الصمدى يزقمو زقاء‪ :‬أي صماح‪ ،‬وكمل‬
‫صائح زاق‪ ،‬والزقية الصيحة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى هذا يقال‪ :‬زقوة وزقيمممة لغتان؛ فالقراءة صمممحيحة ل اعتراض عليهممما‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫"فإذا هم خامدون" أي ميتون هامدون؛ تشبيها بالرماد الخامد‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هلكى‪ .‬والمعنى واحد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 30 :‬يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إل كانوا به يستهزئون‪ ،‬ألم يروا كم‬
‫أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم ل يرجعون‪ ،‬وإن كل لما جميع لدينا محضرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا حسرة على العباد" منصوب؛ لنه نداء نكرة ول يجوز فيه غير النصب عند‬
‫البصمريين‪ .‬وفمي حرف أبمي "يما حسمرة العباد" على الضافمة‪ .‬وحقيقمة الحسمرة فمي اللغمة أن يلحمق‬
‫النسمان ممن الندم مما يصمير بمه حسميرا‪ .‬وزعمم الفراء أن الختيار النصمب‪ ،‬وأنمه لو رفعمت النكرة‬
‫الموصولة بالصلة كان صوابا‪ .‬واستشهد بأشياء منها أنه سمع من العرب‪ :‬يا مهتم بأمرنا ل تهتم‪.‬‬
‫وأنشد‪:‬‬
‫يا دار غيرها البلى تغييرا‬
‫قال النحاس‪ :‬وفي هذا إبطال باب النداء أو أكثره؛ لنه يرفع النكرة المحضة‪ ،‬ويرفع ما هو بمنزلة‬
‫المضاف فمي طول‪ ،‬ويحذف التنويمن متوسمطا‪ ،‬ويرفمع مما همو فمي المعنمى مفعول بغيمر علة أوجبمت‬
‫ذلك‪ .‬فأمما مما حكاه عمن العرب فل يشبمه مما أجازه؛ لن تقديمر يما مهتمم بأمرنما ل تهتمم على التقديمم‬
‫والتأخير‪ ،‬والمعنى‪ :‬يا أيها المهتم ل تهتم بأمرنا‪ .‬وتقدير البيت‪ :‬يا أيتها الدار‪ ،‬ثم حول المخاطبة؛‬
‫أي يما هؤلء غيمر هذه الدار البلى؛ كمما قال ال جمل وعمز‪" :‬حتمى إذا كنتمم فمي الفلك وجريمن بهمم"‬
‫[يونمس‪ .]22 :‬فمم "حسمرة" منصموب على النداء؛ كمما تقول يما رجل أقبمل‪ ،‬ومعنمى النداء‪ :‬هذا‬
‫موضمع حضور الحسمرة‪ .‬الطمبري‪ :‬المعنمى يما حسمرة ممن العباد على أنفسمهم وتندمما وتلهفما فمي‬
‫اسمتهزائهم برسمل ال عليهمم السملم‪ .‬ابمن عباس‪" :‬يما حسمرة على العباد" أي يما ويل على العباد‪.‬‬
‫وعنه أيضا‪ :‬حل هؤلء محل من يتحسر عليهم‪ .‬وروى الربيع عن أنس عن أبي العالية أن العباد‬
‫همما هنمما الرسممل؛ وذلك أن الكفار لممما رأوا العذاب قالوا‪" :‬يمما حسممرة على العباد" فتحسممروا على‬
‫قتلهم‪ ،‬وترك اليمان بهم؛ فتمنوا اليمان حين لم ينفعهم اليمان؛ وقال مجاهد‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬إنها‬
‫حسرة الملئكة على الكفار حين كذبوا الرسل‪ .‬وقيل‪" :‬يا حسرة على العباد" من قول الرجل الذي‬
‫جاء من أقصى المدينة يسعى‪ ،‬لما وثب القوم لقتله‪ .‬وقيل‪ :‬إن الرسل الثلثة هم الذين قالوا لما قتل‬
‫القوم ذلك الرجمل الذي جاء ممن أقصمى المدينمة يسمعى‪ ،‬وحمل بالقوم العذاب‪ :‬يما حسمرة على هؤلء‪،‬‬
‫كأنهمم تمنوا أن يكونوا قمد أمنوا‪ .‬وقيمل‪ :‬هذا ممن قول القوم قالوا لمما قتلوا الرجمل وفارقتهمم الرسمل‪،‬‬
‫أو قتلوا الرجمل ممع الرسمل الثلثمة‪ ،‬على اختلف الروايات‪ :‬يما حسمرة على هؤلء الرسمل‪ ،‬وعلى‬
‫هذا الرجمل‪ ،‬ليتنما آمنما بهمم فمي الوقمت الذي ينفمع اليمان‪ .‬وتمم الكلم على هذا‪ ،‬ثمم ابتدأ فقال‪" :‬مما‬
‫يأتيهمم ممن رسمول"‪ .‬وقرأ ابمن هرممز ومسملم بمن جندب وعكرممة‪" :‬يما حسمرة على العباد" بسمكون‬
‫الهاء للحرص على البيان وتقريمر المعنمى فمي النفمس؛ إذ كان موضمع وعمظ وتنمبيه والعرب تفعمل‬
‫ذلك فمي مثله‪ ،‬وإن لم يكمن موضعما للوقمف‪ .‬وممن ذلك مما روي عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم أنمه‬
‫كان يقطمع قراءتمه حرفما حرفما؛ حرصما على البيان والفهام‪ .‬ويجوز أن يكون "على العباد" متعلقما‬
‫بالحسمرة‪ .‬ويجوز أن يكون متعلقما بمحذوف ل بالحسمرة؛ فكأنمه قدر الوقمف على الحسمرة فأسمكن‬
‫الهاء‪ ،‬ثممم قال‪" :‬على العباد" أي أتحسممر على العباد‪ .‬وعممن ابممن عباس والضحاك وغيرهممما‪" :‬يمما‬
‫حسمرة العباد" مضاف بحذف "على"‪ .‬وهمو خلف المصمحف‪ .‬وجاز أن يكون ممن باب الضافمة‬
‫إلى الفاعل فيكون العباد فاعلين؛ كأنهم إذا شاهدوا العذاب تحسروا فهو كقولك يا قيام زيد‪ .‬ويجوز‬
‫أن تكون مممن باب الضافممة إلى المفعول‪ ،‬فيكون العباد مفعوليممن؛ فكأن العباد يتحسممر عليهممم مممن‬
‫يشفق لهم‪ .‬وقراءة من قرأ‪" :‬يا حسرة على العباد" مقوية لهذا المعنى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم يروا كمم أهلكنما قبلهمم ممن القرون أنهمم إليهمم ل يرجعون" قال سميبويه‪" :‬أن"‬
‫بدل من "كمم"‪ ،‬ومعنى كم ها هنما الخمبر؛ فلذلك جاز أن يبدل منهما مما ليس باستفهام‪ .‬والمعنمى‪ :‬ألم‬
‫يروا أن القرون الذيمن أهلكناهمم أنهمم إليهمم ل يرجعون‪ .‬وقال الفراء‪" :‬كمم" فمي موضمع نصمب ممن‬
‫وجهيمن‪ :‬أحدهمما بمم "يروا" واسمتشهد على هذا بأنمه فمي قراءة ابمن مسمعود "ألم يروا ممن أهلكنما"‪.‬‬
‫والوجه الخر أن يكون "كم" في موضع نصب بم "أهلكنا"‪ .‬قال النحاس‪ :‬القول الول محال؛ لن‬
‫"كمم" ل يعممل فيهما مما قبلهما؛ لنهما اسمتفهام‪ ،‬ومحال أن يدخمل السمتفهام فمي خمبر مما قبله‪ .‬وكذا‬
‫حكمها إذا كانت خبرا‪ ،‬وإن كان سيبويه قد أومأ إلى بعض هذا فجعل "أنهم" بدل من كم‪ .‬وقد رد‬
‫ذلك محممد بمن يزيمد أشمد رد‪ ،‬وقال‪" :‬كمم" فمي موضمع نصمب بمم "أهلكنما" و"أنهمم" قمي موضمع‬
‫نصمب‪ ،‬والمعنمى عنده بأنهمم أي "ألم يروا كمم أهلكنما قبلهمم ممن القرون" بالسمتئصال‪ .‬قال‪ :‬والدليمل‬
‫على هذا أنها في قراءة عبدال "من أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم ل يرجعون"‪ .‬وقرأ الحسن‪:‬‬
‫"إنهم إليهم ل يرجعون" بكسر الهمزة على الستئناف‪ .‬وهذه الية رد على من زعم أن من الخلق‬
‫ممن يرجمع قبمل القياممة بعمد الموت‪" .‬وإن كمل لمما جميمع لدينما محضرون" يريمد يوم القياممة للجزاء‪.‬‬
‫وفرأ ابن عامر وعاصم وحمزة‪" :‬وإن كل لما" بتشديد "لما"‪ .‬وخفف الباقون‪ .‬فم "إن" مخففة من‬
‫الثقيلة ومما بعدهما مرفوع بالبتداء‪ ،‬ومما بعده الخمبر‪ .‬وبطمل عملهما حيمن تغيمر لفظهما‪ .‬ولزممت اللم‬
‫في الخبر فرقا بينها وبين إن التي بمعنى ما‪" .‬وما" عند أبي عبيدة زائدة‪ .‬والتقدير عنده‪ :‬وإن كل‬
‫لجميع‪ .‬قال الفراء‪ :‬ومن شدد جعل "لما" بمعنى إل و"إن" بمعنى ما‪ ،‬أي ما كل إل لجميع؛ كقوله‪:‬‬
‫"إن هو إل رجل به جنة" [المؤمنون‪ .]25 :‬وحكى سيبويه في قوله‪ :‬سألتك بال لما فعلت‪ .‬وزعم‬
‫الكسمائي أنمه ل يعرف هذا‪ .‬وقمد مضمى هذا المعنممى فمي "هود"‪ .‬وفمي حرف أبمي "وإن منهمم إل‬
‫جميع لدينا محضرون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 36 - 33 :‬وآية لهم الرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون‪ ،‬وجعلنا‬
‫فيهما جنات ممن نخيمل وأعناب وفجرنما فيهما ممن العيون‪ ،‬ليأكلوا ممن ثمره ومما عملتمه أيديهمم أفل‬
‫يشكرون‪ ،‬سبحان الذي خلق الزواج كلها مما تنبت الرض ومن أنفسهم ومما ل يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآيمة لهمم الرض الميتمة أحييناهما" نبههمم ال تعالى بهذا على إحياء الموتمى‪،‬‬
‫وذكرهمم توحيده وكمال قدرتمه‪ ،‬وهمي الرض الميتمة أحياهما بالنبات وإخراج الحمب منهما‪" .‬فمنمه‬
‫يأكلون" "فمنه" أي من الحب "يأكلون" وبه يتغذون‪ .‬وشدد أهل المدينة "الميتة" وخفف الباقون‪،‬‬
‫وقمد تقدم‪" .‬وجعلنما فيهما" أي فمي الرض‪" .‬جنات" أي بسماتين‪" .‬ممن نخيمل وأعناب" وخصمصهما‬
‫بالذكمر؛ لنهمما أعلى الثمار‪" .‬وفجرنما فيهما ممن العيون" أي فمي البسماتين‪" .‬ليأكلوا ممن ثمره" الهاء‬
‫فممي "ثمره" تعود على ماء العيون؛ لن الثمممر منممه أندرج؛ قاله الجرجانممي والمهدوي وغيرهممما‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬أي ليأكلوا من ثمر ما ذكرنا؛ كما قال‪" :‬وإن لكم في النعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه"‬
‫[النحمل‪ .]66 :‬وقرأ حمزة والكسمائي‪" :‬ممن ثمره" بضمم الثاء والميمم‪ .‬وفتحهمما الباقون‪ .‬وعمن‬
‫العممش ضمم الثاء وإسمكان الميمم‪ .‬وقمد مضمى الكلم فيمه فمي "النعام"‪" .‬ومما عملتمه أيديهمم" "مما"‬
‫فمي موضمع خفمض على العطمف على "ممن ثمره" أي وممما عملتمه أيديهمم‪ .‬وقرأ الكوفيون‪" :‬ومما‬
‫عملت" بغيمر هاء‪ .‬الباقون "عملتمه" على الصمل ممن غيمر حذف‪ .‬وحذف الصملة أيضما فمي الكلم‬
‫كثيمر لطول السمم‪ .‬ويجوز أن تكون "مما" نافيمة ل موضمع لهما فل تحتاج إلى صملة ول راجمع‪ .‬أي‬
‫ولم تعمله أيديهممم مممن الزرع الذي أنبتممه ال لهممم‪ .‬وهذا قول ابممن عباس والضحاك ومقاتممل‪ .‬وقال‬
‫غيرهمم‪ :‬المعنمى ومن الذي عملته أيديهمم أي من الثمار‪ ،‬ومن أصمناف الحلوات والطعمة‪ ،‬وممما‬
‫اتخذوا من الحبوب بعلج كالخبز والدهن المستخرج من السمسم والزيتون‪ .‬وقيل‪ :‬يرجع ذلك إلى‬
‫ما يغرسه الناس‪ .‬روي معناه عن ابن عباس أيضا‪" .‬أفل يشكرون" نعمه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سمبحان الذي خلق الزواج كلهما" نزه نفسمه سمبحانه عمن قول الكفار؛ إذ عبدوا‬
‫غيره ممع مما رأوه ممن نعممه وآثار قدرتمه‪ .‬وفيمه تقديمر الممر؛ أي سمبحوه ونزهوه عمما ل يليمق بمه‪.‬‬
‫وقيمل‪ :‬فيمه معنمى التعجمب؛ أي عجبما لهؤلء فمي كفرهمم ممع مما يشاهدونمه ممن هذه اليات؛ وممن‬
‫تعجمب ممن شيمء قال‪ :‬سمبحان ال! والزواج النواع والصمناف؛ فكمل زوج صمنف؛ لنمه مختلف‬
‫في اللوان والطعوم والشكال والصغر والكبر‪ ،‬فاختلفها هو ازدواجها‪ .‬وقال قتادة‪ :‬يعني الذكر‬
‫والنثمى‪" .‬ممما تنبمت الرض" يعنمي ممن النبات؛ لنمه أصمناف‪" .‬وممن أنفسمهم" يعنمي وخلق منهمم‬
‫أولدا أزواجما ذكورا وإناثما‪" .‬وممما ل يعلمون" أي ممن أصمناف خلقمه فمي البر والبحمر والسمماء‬
‫والرض‪ .‬ثمم يجوز أن يكون مما يخلقمه ل يعلممه البشمر وتعلممه الملئكمة‪ .‬ويجوز أل يعلممه مخلوق‪.‬‬
‫ووجه الستدلل في هذه الية أنه إذا انفرد بالخلق فل ينبغي أن يشرَك به‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 37 :‬وآيمة لهمم الليمل نسملخ منمه النهار فإذا همم مظلمون‪ ،‬والشممس تجري لمسمتقر لهما‬
‫ذلك تقدير العزيز العليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآية لهم الليل نسلخ منه النهار" أي وعلمة دالة على توحيد ال وقدرته ووجوب‬
‫إلهيته‪ .‬والسلخ‪ :‬الكشط والنزع؛ يقال‪ :‬سلخه ال من دينه‪ ،‬ثم تستعمل بمعنى الخراج‪ .‬وقد جعل‬
‫ذهاب الضوء ومجيمء الظلممة كالسملخ ممن الشيمء وظهور المسملوخ فهمي اسمتعارة‪ .‬و"مظلمون"‬
‫داخلون في الظلم؛ يقال‪ :‬أظلمنا أي دخلنا في ظلم الليل‪ ،‬وأظهرنا دخلنا في وقت الظهر‪ ،‬وكذلك‬
‫أصمبحنا وأضحينما وأمسمينا‪ .‬وقيمل‪" :‬منمه" بمعنمى عنمه‪ ،‬والمعنمى نسملخ عنمه ضياء النهار‪" .‬فإذا همم‬
‫مظلمون" أي في ظلمة؛ لن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضيء فاذا خرج منه أظلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والشمس تجري لمستقر لها" يجوز أن يكون تقديره وآية لهم الشمس‪ .‬ويجوز أن‬
‫يكون "الشمس" مرفوعا بإضمار فعل يفسره الثانمي‪ .‬ويجوز أن يكون مرفوعا بالبتداء "تجري"‬
‫في موضع الخبر أي جارية‪ .‬وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم عن قوله عز وجل‪" :‬والشمس تجري لمستقر لها" قال‪( :‬مستقرها تحت العرش)‪ .‬وفيه عن‬
‫أبممي ذر أن النممبي صمملى ال عليممه وسمملم قال يوممما‪( :‬أتدرون أيممن تذهممب هذه الشمممس)؟ قالوا ال‬
‫ورسموله أعلم‪ ،‬قال‪( :‬إن هذه تجري حتمى تنتهمي إلى مسمتقرها تحت العرش فتخمر ساجدة فل تزال‬
‫كذلك حتمى يقال لهما ارتفعمي ارجعمي ممن حيمث جئت فترجمع فتصمبح طالعمة ممن مطلعهما ثمم تجري‬
‫حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة ول تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي‬
‫من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري ل يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي‬
‫إلى مسمتقرها ذاك تحمت العرش فيقال لهما ارتفعمي أصمبحي طالعمة ممن مغربمك فتصمبح طالعمة ممن‬
‫مغربها) فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أتدرون متى ذلكم ذاك حين "ل ينفع نفسا إيمانها‬
‫لم تكمن آمنمت ممن قبمل أو كسمبت فمي إيمانهما خيرا" [النعام‪ .)]158:‬ولفمظ البخاري عمن أبمي ذر‬
‫قال‪ :‬قال النمبي صملى ال عليمه وسملم لبمي ذر حيمن غربمت الشممس‪( :‬تدري أيمن تذهمب) قلت ال‬
‫ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪( :‬فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فل‬
‫يقبمل منهما وتسمتأذن فل يؤذن لهما يقال لهما ارجعمي ممن حيمث جئت فتطلع ممن مغربهما فذلك قوله‬
‫تعالى‪" :‬والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ")‪ .‬ولفظ الترمذي عن أبي ذر قال‪:‬‬
‫دخلت المسمجد حيمن غابمت الشممس والنمبي صملى ال عليمه وسملم جالس‪ .‬فقال النمبي صملى ال عليمه‬
‫وسملم‪( :‬يما أبما ذر أتدري أيمن تذهمب هذه) قال قلت‪ :‬ال ورسموله أعلم؛ قال‪( :‬فإنهما تذهمب فتسمتأذن‬
‫فمي السمجود فيؤذن لهما وكأنهما قمد قيمل لهما اطلعمي ممن حيمث جئت فتطلع ممن مغربهما) قال‪ :‬ثمم قرأ‬
‫"ذلك مستقر لها" قال وذلك قراءة عبدال‪ .‬قال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ .‬وقال عكرمة‪:‬‬
‫إن الشممس إذا غربمت دخلت محرابما تحمت العرش تسمبح ال حتمى تصمبح‪ ،‬فإذا أصمبحت اسمتعفت‬
‫ربها من الخروج فيقول لها الرب‪ :‬ولم ذاك؟ قالت‪ :‬إني إذا خرجت عبدت من دونك‪ .‬فيقول الرب‬
‫تبارك وتعالى‪ :‬أخرجممي فليممس عليممك مممن ذاك شيممء‪ ،‬سممأبعث إليهممم جهنممم مممع سممبعين ألف ملك‬
‫يقودونها حتى يدخلوهم فيها‪.‬‬
‫وقال الكلبمي وغيره‪ :‬المعنمى تجري إلى أبعمد منازلهما فمي الغروب‪ ،‬ثمم ترجمع إلى أدنمى منازلهما؛‬
‫فمستقرها بلوغها الموضع الذي ل تتجاوزه بل ترجع منه؛ كالنسان يقطع مسافة حتى يبلغ أقصى‬
‫مقصمموده فيقضممي وطره‪ ،‬ثممم يرجممع إلى منزل الول الذي ابتدأ منممه سممفره‪ .‬وعلى تبليممغ الشمممس‬
‫أقصمى منازلهما‪ ،‬وهمو مسمتقرها إذا طلعمت الهنعمة‪ ،‬وذلك اليوم أطول اليام فمي السمنة‪ ،‬وتلك الليلة‬
‫أقصمر الليالي‪ ،‬فالنهار خممس عشرة سماعة والليمل تسمع سماعات‪ ،‬ثمم يأخمذ فمي النقصمان وترجمع‬
‫الشمس‪ ،‬فإذا طلعت الثريا استوى الليل والنهار‪ ،‬وكل واحد ثنتا عشرة ساعة‪ ،‬ثم تبلغ أدنى منازلها‬
‫وتطلع النعائم‪ ،‬وذلك اليوم أقصممر اليام‪ ،‬والليممل خمممس عشرة سمماعة‪ ،‬حتممى إذا طلع فرس الدلو‬
‫المؤخمر اسمتوى الليمل والنهار‪ ،‬فيأخمذ الليمل ممن النهار كمل يوم عشمر ثلث سماعة‪ ،‬وكمل عشرة أيام‬
‫ثلث ساعة‪ ،‬وكل شهر ساعة تامة‪ ،‬حتى يستويا ويأخذ الليل حتى يبلغ خمس عشرة ساعة‪ ،‬ويأخذ‬
‫النهار من الليل كذلك‪ .‬وقال الحسن‪ :‬إن للشمس في السنة ثلثمائة وستين مطلعا‪ ،‬تنزل في كل يوم‬
‫مطلعما‪ ،‬ثمم ل تنزله إلى الحول؛ فهمي تجري فمي تلك المنازل وهمي مسمتقرها‪ .‬وهو معنمى الذي قبله‬
‫سممواء‪ .‬وقال ابممن عباس‪ :‬إنهمما إذا غربممت وانتهممت إلى الموضممع الذي ل تتجاوزه اسممتقرت تحممت‬
‫العرش إلى أن تطلع‪.‬‬
‫قلت‪ :‬مما قاله ابمن عباس يجممع القوال فتأمله‪ .‬وقيمل‪ :‬إلى انتهاء أمدهما عنمد انقضاء الدنيما وقرأ‬
‫ابن مسعود وابن عباس "والشمس تجري ل مستقر لها" أي إنها تجري في الليل والنهار ل وقوف‬
‫لها ول قرار‪ ،‬إلى أن يكورها ال يوم القيامة‪ .‬وقد احتج من خالف المصحف فقال‪ :‬أنا أقرأ بقراءة‬
‫ابمن مسمعود وابمن عباس‪ .‬قال أبمو بكمر النباري‪ :‬وهذا باطمل مردود على ممن نقله؛ لن أبما عممر‬
‫وروى عمن مجاهمد عمن ابمن عباس وابمن كثيمر روى عمن مجاهمد عمن ابمن عباس "والشممس تجري‬
‫لمسممتقر لهمما" فهذان السممندان عممن ابمن عباس اللذان يشهممد بصممحتهما الجماع ‪ -‬يبطلن ممما روي‬
‫بالسند الضعيف مما يخالف مذهب الجماعة‪ ،‬وما اتفقت عليه المة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والحاديممث الثابتممة التممي ذكرناهمما ترد قوله‪ ،‬فممما أجرأه على كتاب ال‪ ،‬قاتله ال‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫"لمسمتقر لهما" أي إلى مسمتقرها‪ ،‬والمسمتقر موضمع القرار‪" .‬ذلك تقديمر" أي الذي ذكمر ممن أممر‬
‫الليل والنهار والشمس تقدير "العزيز العليم "‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 39 :‬والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والقمممر" يكون تقديره وآيممة لهممم القمممر‪ .‬ويجوز أن يكون "والقمممر" مرفوعمما‬
‫بالبتداء‪ .‬وقرأ الكوفيون "والقمر" بالنصب على إضمار فعل وهو اختيار أبي عبيد‪ .‬قال‪ :‬لن قبله‬
‫فعل وبعده فعل؛ قبله "نسمملخ" وبعده "قدرنمما"‪ .‬النحاس‪ :‬وأهممل العربيممة جميعمما فيممما علمممت على‬
‫خلف مما قال‪ :‬منهمم الفراء قال‪ :‬الرفمع أعجمب إلي‪ ،‬وإنمما كان الرفمع عندهمم أولى؛ لنمه معطوف‬
‫على مما قبله ومعناه وآيمة لهمم القممر‪ .‬وقوله‪ :‬إن قبله "نسملخ" فقبله مما هو أقرب منمه وهمو "تجري"‬
‫وقبله "والشمس" بالرفع‪ .‬والذي ذكره بعده وهو "قدرناه" قد عمل في الهاء‪ .‬قال أبو حاتم‪ :‬الرفع‬
‫أولى؛ لنك شغلت الفعل عنه بالضمير فرفعته بالبتداء‪ .‬ويقال‪ :‬القمر ليس هو المنازل فكيف قال‪:‬‬
‫"قدرناه منازل" ففمي هذا جوابان‪ :‬أحدهمما قدرناه إذا منازل؛ مثمل‪" :‬واسمأل القريمة" [يوسمف‪:‬‬
‫‪ .]82‬والتقدير الخر قدرنا له منازل ثم حذفت اللم‪ ،‬وكان حذفها حسنا لتعدي الفعل إلى مفعولين‬
‫مثمل "واختار موسمى قوممه سمبعين رجل" [العراف‪ .]155 :‬والمنازل ثمانيمة وعشرون منزل‪،‬‬
‫ينزل القمر كل ليلة منها بمنزل؛ وهي‪ :‬الشرطان‪ .‬البطين‪ .‬الثريا‪ .‬الدبران‪ .‬الهقعة‪ .‬الهنعة‪ .‬الذراع‪.‬‬
‫النثرة‪ .‬الطرف‪ .‬الجبهممة‪ .‬الخراتان‪ .‬الصممرفة‪ .‬العواء‪ .‬السممماك‪ .‬الغفممر‪ .‬الزبانيان‪ .‬الكليممل‪ .‬القلب‪.‬‬
‫الشولة‪ .‬النعائم‪ .‬البلدة‪ .‬سممعد الذابممح‪ .‬سممعد بلع‪ .‬سممعد السممعود‪ .‬سممعد الخبيممة‪ .‬الفرغ المقدم‪ .‬الفرغ‬
‫المؤجر‪ .‬بطن الحوت‪ .‬فإذا صار القمر في آخرها عاد إلى أولها‪ ،‬فيقطع الفلك في ثمان وعشرين‬
‫ليلة‪ .‬ثم يستسر ثم يطلع هلل‪ ،‬فيعود في قطع الفلك على المنازل‪ ،‬وهي منقسمة على البروج لكل‬
‫برج منزلن وثلث‪ .‬فللحمممل السممرطان والبطيممن وثلث الثريمما‪ ،‬وللثور ثلثمما الثريمما والدبران وثلثمما‬
‫الهقعمة‪ ،‬ثمم كذلك إلى سمائرها‪ .‬وقمد مضمى فمي "الحجمر" تسممية البروج والحممد ل‪ .‬وقيمل‪ :‬إن ال‬
‫تعالى خلق الشمس والقمر من نار ثم كسيا النور عند الطلوع‪ ،‬فأما نور الشمس فمن نور العرش‪،‬‬
‫وأمما نور القممر فممن نور الكرسمي‪ ،‬فذلك أصمل الخلقمة وهذه الكسموة‪ .‬فأمما الشممس فتركمت كسموتها‬
‫على حالهمما لتشعشممع وتشرق‪ ،‬وأممما القمممر فأمرّ الروح الميممن جناح على وجهممه فمحمما ضوءه‬
‫بسلطان الجناح‪ ،‬وذلك أنه روح والروح سلطانه غالب على الشياء‪ .‬فبقي ذلك المحو على ما يراه‬
‫الخلق‪ ،‬ثم جعل في غلف من ماء‪ ،‬ثم جعل له مجرى‪ ،‬فكل ليلة يبدو للخلق من ذلك الغلف قمرا‬
‫بمقدار ما يقمر لهم حتى ينتهي بدؤه‪ ،‬ويراه الخلق بكماله واستدارته‪ .‬ثم ل يزال يعود إلى الغلف‬
‫كمل ليلة شيمء منمه فينقمص ممن الرؤيمة والقمار بمقدار مما زاد فمي البدء‪ .‬ويبتدئ فمي النقصمان ممن‬
‫الناحيممة التممي ل تراه الشمممس وهممي ناحيممة الغروب حتممى يعود كالعرجون القديممم‪ ،‬وهممو العذق‬
‫المتقوس ليبسه ودقته‪ .‬وإنما قيل القمر؛ لنه يقمر أي يبيض الجو ببياضه إلى أن يستسر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتمى عاد كالعرجون القديم" قال الزجاج‪ :‬هو عود العذق الذي عليه الشماريمخ‪،‬‬
‫وهمو فعلون ممن النعراج وهمو النعطاف‪ ،‬أي سمار فمي منازل‪ ،‬فإذا كان فمي آخرهما دق واسمتقوس‬
‫وضاق حتى صار كالعرجون‪ .‬وعلى هذا فالنون زائدة‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هو العذق اليابس المنحني من‬
‫النخلة‪ .‬ثعلب‪" :‬كالعرجون القديمم" قال‪" :‬العرجون" الذي يبقمى ممن الكباسمة فمي النخلة إذا قطعمت‪،‬‬
‫و"القديم" البالي‪ .‬الخليل‪ :‬في باب الرباعي "العرجون" أصل العذق وهو أصفر عريض يشبه به‬
‫الهلل إذا انحنممى‪ .‬الجوهري‪" :‬العرجون" أصممل العذق الذي يعوج وتقطممع منممه الشماريممخ فيبقممى‬
‫على النخل يابسا؛ وعرجنه‪ :‬ضربه بالعرجون‪ .‬فالنون على قول هؤلء أصلية؛ ومنه شعر أعشى‬
‫بني قيس‪:‬‬
‫فهي صفراء كعرجون القمر‬ ‫شرق المسك والعبير بها‬
‫فالعرجون إذا عتق ويبس وتقوس شبه القمر في دقته وصفرته به‪ .‬ويقال له أيضا الهان والكباسة‬
‫والقنو‪ ،‬وأهل مصر يسمونه السباطة‪ .‬وقرئ‪" :‬العرجون" بوزن الفرجون وهما لغتان كالبُزيون‬
‫والبِزيون؛ ذكره الزمخشري وقال‪ :‬همو عود العذق مما بيمن شماريخمه إلى منبتمه ممن النخلة‪ .‬واعلم‬
‫أن السمنة منقسممة على أربعمة فصمول‪ ،‬لكمل فصمل سمبعة منازل‪ :‬فأولهما الربيمع‪ ،‬وأوله خمسمة عشمر‬
‫يومما ممن آذار‪ ،‬وعدد أياممه اثنان وتسمعون يومما؛ تقطمع فيمه الشممس ثلثمة بروج‪ :‬الحممل‪ ،‬والثور‪،‬‬
‫والجوزاء‪ ،‬وسبعة منازل‪ :‬الشرطان والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع‪ .‬ثم يدخل‬
‫فصل الصيف في خمسة عشر يوما من حزيران‪ ،‬وعدد أيامه اثنان وتسعون يوما؛ تقطع الشمس‬
‫فيممه ثلثممة بروج‪ :‬السممرطان‪ ،‬والسممد‪ ،‬والسممنبلة‪ ،‬وسممبعة منازل‪ :‬وهممي النثرة والطرف والجبهممة‬
‫والخراتان والصرفة والعواء والسماك‪ .‬ثم يدخل فصل الخريمف في خمسة عشر يوما من أيلول‪،‬‬
‫وعدد أيامه أحد وتسعون يوما‪ ،‬تقطع فيه الشمس ثلثة بروج؛ وهي الميزان‪ ،‬والعقرب‪ ،‬والقوس‪،‬‬
‫وسبعة منازل الغفر والزبانان والكليل والقلب والشولة والنعائم والبلدة‪ .‬ثم يدخل فصل الشتاء في‬
‫خمسة عشر يوما من كانون الول‪ ،‬وعدد أيامه تسعون يوما وربما كان أحدا وتسعين يوما‪ ،‬تقطع‬
‫فيه الشمس ثلثة بروج‪ :‬وهي الجدي والدلو والحوت‪ ،‬وسبعة منازل سعد الذابح وسعد بلع وسعد‬
‫السممعود وسممعد الخبيممة والفرغ المقدم‪ ،‬والفرغ المؤخممر وبطممن الحوت‪ .‬وهذه قسمممة السممريانيين‬
‫لشهورهما‪ :‬تشريمن الول‪ ،‬تشريمن الثانمي‪ ،‬كانون الول‪ ،‬كانون الثانمي‪ ،‬أشباط‪ ،‬آذار‪ ،‬نيسمان‪ ،‬أيار‪،‬‬
‫حزيران‪ ،‬تموز‪ ،‬آب‪ ،‬أيلول‪ ،‬وكلها أحد وثلثون إل تشرين الثاني ونيسان وحزيران وأيلول‪ ،‬فهي‬
‫ثلثون‪ ،‬وأشباط ثمانيمة وعشرون يومما وربمع يوم‪ .‬وإنمما أردنما بهذا أن تنظمر فمي قدرة ال تعالى‪:‬‬
‫فذلك قوله تعالى‪" :‬والقممر قدرناه منازل" فإذا كانمت الشممس فمي منزل أهمل الهلل بالمنزل الذي‬
‫بعده‪ ،‬وكان الفجمر بمنزلتيمن ممن قبله‪ .‬فإذا كانمت الشممس بالثريما فمي خمسمة وعشريمن يومما ممن‬
‫نيسان‪ ،‬كان الفجر بالشرطين‪ ،‬وأهل الهلل بالدبران‪ ،‬ثم يكون له في كل ليلة منزلة حتى يقطع في‬
‫ثمان وعشريمن ليلة ثمانيما وعشريمن منزلة‪ .‬وقمد قطعمت الشممس منزلتيمن فيقطعهمما‪ ،‬ثمم يطلع فمي‬
‫المنزلة التي بعد منزلة الشمس فم "ذلك تقدير العزيز العليم"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬القديم" قال الزمخشري‪ :‬القديم المحول وإذا قدم دق وانحنى واصفر فشبه القمر‬
‫بمه ممن ثلثمة أوجمه‪ .‬وقيمل‪ :‬أقمل عدة الموصموف بالقديمم الحول‪ ،‬فلو أن رجل قال‪ :‬كمل مملوك لي‬
‫قديم فهو حر‪ ،‬أو كتب ذلك في وصيته عتق من مضى له حول أو أكثر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد مضى في "البقرة" ما يترتب على الهلة من الحكام والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 40 :‬ل الشممس ينبغمي لهما أن تدرك القممر ول الليمل سمابق النهار وكمل فمي فلك‬
‫يسبحون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل الشمس ينبغمي لهما أن تدرك القممر" رفعمت "الشممس" بالبتداء‪ ،‬ول يجوز أن‬
‫تعممل "ل" فمي معرفمة‪ .‬وقمد تكلم العلماء فمي معنمى هذه اليمة‪ ،‬فقال بعضهمم‪ :‬معناهما أن الشممس ل‬
‫تدرك القممر فتبطمل معناه‪ .‬أي لكمل واحمد منهمما سملطان على حياله‪ ،‬فل يدخمل أحدهمما على الخمر‬
‫فيذهب سلطانه‪ ،‬إلى أن يبطل ال ما دبر من ذلك‪ ،‬فتطلع الشمس من مغربها على ما تقدم في آخر‬
‫سممورة "النعام" بيانممه‪ .‬وقيممل‪ :‬إذا طلعممت الشمممس لم يكممن للقمممر ضوء‪ ،‬وإذا طلع القمممر لم يكممن‬
‫للشمممس ضوء‪ .‬روي معناه عممن ابممن عباس والضحاك‪ .‬وقال مجاهممد‪ :‬أي ل يشبممه ضوء أحدهممما‬
‫ضوء الخر‪ .‬وقال قتادة‪ :‬لكل حد وعلم ل يعدوه ول يقصر دونه إذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان‬
‫هذا‪ .‬وقال الحسن‪ :‬إنهما ل يجتمعان في السماء ليلة الهلل خاصة‪ .‬أي ل تبقى الشمس حتى يطلع‬
‫القممر‪ ،‬ولكمن إذا غربمت الشممس طلع القممر‪ .‬يحيمى بمن سملم‪ :‬ل تدرك الشممس القممر ليلة البدر‬
‫خاصة لنه يبادر بالمغيب قبل طلوعهما‪ .‬وقيمل‪ :‬معناه إذا اجتمعما فمي السماء كان أحدهما بين يدي‬
‫الخمر فمي منازل ل يشتركان فيهما؛ قال ابمن عباس أيضما‪ .‬وقيمل‪ :‬القممر فمي السمماء الدنيما والشممس‬
‫فممي السممماء الرابعممة فهممي ل تدركممه؛ ذكره النحاس والمهدوي‪ .‬قال النحاس‪ :‬وأحسممن ممما قيممل فممي‬
‫معناها وأبينه مما ل يدفع‪ :‬أن سير القمر سير سريع والشمس ل تدركه في السير ذكره المهدوي‬
‫أيضما‪ .‬فأمما قوله سمبحانه‪" :‬وجممع الشممس والقممر" [القياممة‪ ]9 :‬فذلك حيمن حبمس الشممس عمن‬
‫الطلوع على مما تقدم بيانمه فمي آخمر "النعام" ويأتمي فمي سمورة [القياممة] أيضما‪ .‬وجمعهمما علممة‬
‫لنقضاء الدنيما وقيام السماعة‪" .‬وكمل" يعنمي ممن الشممس والقممر والنجوم "فمي فلك يسمبحون" أي‬
‫يجرون‪ .‬وقيل‪ :‬يدورون‪ .‬ولم يقل تسبح؛ لنه وصفها بفعل من يعقل‪ .‬وقال الحسن‪ :‬الشمس والقمر‬
‫والنجوم فمي فلك بيمن السمماء والرض غيمر ملصمقة؛ ولو كانمت ملصمقة مما جرت ذكره الثعلبمي‬
‫والماوردي‪ .‬واسممتدل بعضهممم بقوله تعالى‪" :‬ول الليممل سممابق النهار" على أن النهار مخلوق قبممل‬
‫الليل‪ ،‬وأن الليل لم يسبقه بخلق‪ .‬وقيل‪ :‬كل واحد منهما يجيء وقته ول يسبق صاحبه إلى أن يجمع‬
‫بيمن الشممس والقممر يوم القياممة؛ كمما قال‪" :‬وجممع الشممس والقممر" وإنمما هذا التعاقمب الن لتتمم‬
‫مصمالح العباد‪" .‬لتعلموا عدد السمنين والحسماب" [يونمس‪ ]5:‬ويكون الليمل للجمام والسمتراحة‪،‬‬
‫والنهار للتصمرف؛ كمما قال تعالى‪" :‬وممن رحمتمه جعل لكمم الليمل والنهار لتسمكنوا فيمه ولتبتغوا ممن‬
‫فضله" [القصص‪ ]73 :‬وقال‪" :‬وجعلنا نومكم سباتا" أي راحة لبدانكم من عمل النهار‪ .‬فقوله‪:‬‬
‫"ول الليمل سمابق النهار" أي غالب النهار؛ يقال‪ :‬سمبق فلن فلنما أي غلبمه‪ .‬وذكمر الممبرد قال‪:‬‬
‫سمممعت عمارة يقرأ‪" :‬ول الليممل سممابق النهار" فقلت ممما هذا؟ قال‪ :‬أردت سممابق النهار فحذفممت‬
‫التنويمن؛ لنمه أخمف‪ .‬قال النحاس‪ :‬يجوز أن يكون "النهار" منصموبا بغيمر تنويمن ويكون التنويمن‬
‫حذف للتقاء الساكنين‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 44 - 41 :‬وآيمة لهمم أنما حملنما ذريتهمم فمي الفلك المشحون‪ ،‬وخلقنما لهمم ممن مثله مما‬
‫يركبون‪ ،‬وإن نشأ نغرقهم فل صريخ لهم ول هم ينقذون‪ ،‬إل رحمة منا ومتاعا إلى حين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآيمة لهمم" يحتممل ثلثمة معان‪ :‬أحدهما عمبرة لهمم؛ لن فمي اليات اعتبارا‪ .‬الثانمي‬
‫نعمة عليهم؛ لن في اليات إنعاما‪ .‬الثالث إنذار لهم؛ لن في اليات إنذارا‪" .‬أنا حملنا ذريتهم في‬
‫الفلك المشحون" من أشكل ما في السورة؛ لنهم هم المحمولون‪ .‬فقيل‪ :‬المعنى وآية لهل مكة أنا‬
‫حملنمما ذريممة القرون الماضيممة "فممي الفلك المشحون" فالضميران مختلفان؛ ذكره المهدوي‪ .‬وحكاه‬
‫النحاس عمن علي بمن سمليمان أنمه سممعه يقول‪ .‬وقيمل‪ :‬الضميران جميعما لهمل مكمة على أن يكون‬
‫ذرياتهممم أولدهممم وضعفاءهممم؛ فالفلك على القول الول سممفينة نوح‪ .‬وعلى الثانممي يكون اسممما‬
‫للجنممس؛ خبّر جممل وعممز بلطفممه وامتنانممه أنممه خلق السممفن يحمممل فيهمما مممن يصممعب عليممه المشممي‬
‫والركوب ممن الذممة والضعفاء‪ ،‬فيكون الضميران على هذا متفقيمن‪ .‬وقيمل‪ :‬الذريمة الباء والجداد‪،‬‬
‫حملهم ال تعالى في سفينة نوح عليه السلم؛ فالباء ذرية والبناء ذرية؛ بدليل هذه الية؛ قاله أبو‬
‫عثمان‪ .‬وسممي الباء ذريمة؛ لن منهمم ذرأ البناء‪ .‬وقول رابمع‪ :‬أن الذريمة النطمف حملهما ال تعالى‬
‫فمممي بطون النسممماء تشبيهممما بالفلك المشحون؛ قاله علي بمممن أبمممى طالب رضمممي ال عنمممه؛ ذكره‬
‫الماوردي‪ .‬وقمد مضمى فمي "البقرة" اشتقاق الذريمة والكلم فيهما مسمتوفى‪ .‬و"المشحون" المملوء‬
‫الموقر‪ ،‬و"الفلك" يكون واحدا وجمعا‪ .‬وقد تقدم في "يونس" القول فيه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وخلقنا لهم من مثله ما يركبون" والصل يركبونه فحذفت الهاء لطول السم وأنه‬
‫رأس آية‪ .‬وفي معناه ثلثة أقوال‪ :‬مذهب مجاهد وقتادة وجماعة من أهل التفسير‪ ،‬وروي عن ابن‬
‫عباس أن معنمى "ممن مثله" للبمل‪ ،‬خلقهما لهمم للركوب فمي البر مثمل السمفن المركوبمة فمي البحمر؛‬
‫والعرب تشبه البل بالسفن‪ .‬قال طرفة‪:‬‬
‫خليا سفين بالنواصف من َددِ‬ ‫كأن حدوج المالكية غدوة‬
‫جمع خلية وهي السفينة العظيمة‪ .‬والقول الثاني أنه للبل والدواب وكل ما يركب‪ .‬والقول الثالث‬
‫أنمه للسمفن؛ النحاس‪ :‬وهمو أصمحها لنمه متصمل السمناد عمن ابمن عباس‪" .‬وخلقنما لهمم ممن مثله مما‬
‫يركبون" قال‪ :‬خلق لهمم سمفنا أمثالهما يركبون فيهما‪ .‬وقال أبمو مالك‪ :‬إنهما السمفن الصمغار خلقهما مثمل‬
‫السممفن الكبار؛ وروي عممن ابممن عباس والحسممن‪ .‬وقال الضحاك وغيره‪ :‬هممي السممفن المتخذة بعممد‬
‫سمفينة نوح‪ .‬قال الماوردي‪ :‬ويجيمء على مقتضمى تأويمل علي رضمي ال عنمه فمي أن الذريمة فمي‬
‫الفلك المشحون هي النطمف فمي بطون النسماء قول خاممس فمي قوله‪" :‬وخلقتما لهمم مثله مما يركبون"‬
‫أن يكون تأويله النساء خلقن لركوب الزواج لكن لم أره محكيا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن نشمأ نغرقهمم" أي فمي البحمر فترجمع الكنايمة إلى أصمحاب الذريمة‪ ،‬أو إلى‬
‫الجميممع‪ ،‬وهذا يدل على صممحة قول ابممن عباس ومممن قال‪ :‬إن المراد "مممن مثله" السممفن ل البممل‪.‬‬
‫"فل صمريخ لهمم" أي ل مغيمث لهمم رواه سمعيد عمن قتادة‪ .‬وروى شيبان عنمه‪ :‬فل منعمة لهمم‬
‫ومعناهما متقاربان‪ .‬و"صريخ" بمعنى مصرخ فعيل بمعنى فاعل‪ .‬ويجوز "فل صريخ لهم"؛ لن‬
‫بعده مما ل يجوز فيمه إل الرفمع؛ لنمه معرفمة وهمو "ول همم ينقذون" والنحويون يختارون ل رجمل‬
‫في الدار ول زيد‪ .‬ومعنى‪" :‬ينقذون" يخلصون من الغرق‪ .‬وقيل‪ :‬من العذاب‪" .‬إل رحمة منا" قال‬
‫الكسمائي‪ :‬همو نصمب على السمتثناء‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬نصمب مفعول ممن أجله؛ أي للرحممة "ومتاعما"‬
‫معطوف عليمه‪" .‬إلى حيمن" إلى الموت؛ قاله قتادة‪ .‬يحيمى بمن سملم‪ :‬إلى القياممة أي إل أن نرحمهمم‬
‫ونمتعهمم إلى آجالهمم‪ ،‬وأن ال عجمل عذاب الممم السمالفة‪ ،‬وأخمر عذاب أممة محممد صملى ال عليمه‬
‫وسلم وإن كذبوه إلى الموت والقيامة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 45 :‬وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون‪ ،‬وما تأتيهم من آية‬
‫من آيات ربهم إل كانوا عنها معرضين‪ ،‬وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم ال قال الذين كفروا للذين‬
‫آمنوا أنطعمم ممن لو يشاء ال أطعممه إن أنتمم إل فمي ضلل ممبين‪ ،‬ويقولون متمى هذا الوعمد إن كنتمم‬
‫صمادقين‪ ،‬مما ينظرون إل صميحة واحدة تأخذهمم وهمم يخصممون‪ ،‬فل يسمتطيعون توصمية ول إلى‬
‫أهلهم يرجعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم" قال قتادة‪ :‬يعني "اتقوا ما بين أيديكم"‬
‫أي مممن الوقائع فيمممن كان قبلكممم مممن المممم‪" ،‬وممما خلفكممم" مممن الخرة‪ .‬ابممن عباس وابممن جممبير‬
‫ومجاهمد‪" :‬مما بيمن أيديكمم" مما مضمى ممن الذنوب‪" ،‬ومما خلفكمم" مما يأتمي ممن الذنوب‪ .‬الحسمن‪" :‬مما‬
‫بين أيديكم" ما مضى من أجلكم "وما خلفكم" ما بقي منه‪ .‬وقيل‪" :‬ما بين أيديكم" من الدنيا‪" ،‬وما‬
‫خلفكمم" ممن عذاب الخرة؛ قال سمفيان‪ .‬وحكمى عكمس هذا القول الثعلبمي عمن ابمن عباس‪ .‬قال‪" :‬مما‬
‫بين أيديكم" من أمر الخرة وما عملوا لها‪" ،‬وما خلفكم" من أمر الدنيا فاحذروها ول تغتروا بها‪.‬‬
‫وقيل‪" :‬ما بين أيديكم" ما ظهر لكم "وما خلفكم" ما خفي عنكم‪ .‬والجواب محذوف‪ ،‬والتقدير‪ :‬إذا‬
‫قيممل لهممم ذلك أعرضوا؛ دليله قول بعممد‪" :‬وممما تأتيهممم مممن آيممة مممن آيات ربهممم إل كانوا عنهمما‬
‫معرضين" فاكتفى بهذا عن ذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم ال" أي تصدقوا على الفقراء‪ .‬قال الحسن‪ :‬يعني‬
‫اليهود أمروا بإطعام الفقراء‪ .‬وقيمل‪ :‬همم المشركون قال لهمم فقراء أصمحاب النمبي صملى ال عليمه‬
‫وسلم‪ :‬أعطونا ما زعمتم من أموالكم أنها ل؛ وذلك قوله‪" :‬وجعلوا ل مما ذرأ من الحرث والنعام‬
‫نصميبا" [النعام‪ ]136 :‬فحرموهمم وقالوا‪ :‬لو شاء ال أطعمكمم ‪ -‬اسمتهزاء ‪ -‬فل نطعمكمم حتمى‬
‫ترجعوا إلى ديننممما‪ .‬قالوا "أنطعمممم" أي أنرزق "ممممن لو يشاء ال أطعممممه" كان بلغهمممم ممممن قول‬
‫المسمملمين‪ :‬أن الرازق هممو ال‪ .‬فقالوا هزءا‪ :‬أنرزق مممن لو يشاء ال أغناه‪ .‬وعممن ابممن عباس‪ :‬كان‬
‫بمكمة زنادقمة‪ ،‬فإذا أمروا بالصمدقة على المسماكين قالوا‪ :‬ل وال! أيفقره ال ونطعممه نحمن‪ .‬وكانوا‬
‫يسممعون المؤمنيمن يعلقون أفعال ال تعالى بمشيئتمه فيقولون‪ :‬لو شاء ال لغنمى فلنما؛ ولو شاء ال‬
‫لعمممز‪ ،‬ولو شاء ال لكان كذا‪ .‬فأخرجوا هذا الجواب مخرج السمممتهزاء بالمؤمنيمممن‪ ،‬وبمممما كانوا‬
‫يقولونه من تعليق المور بمشيئة ال تعالى‪ .‬وقيل‪ :‬قالوا هذا تعلقا بقول المؤمنين لهم‪" :‬أنفقوا مما‬
‫رزقكمم ال" أي فإذا كان ال رزقنما فهمو قادر على أن يرزقكمم فلم تلتمسمون الرزق منما؟‪ .‬وكان هذا‬
‫الحتجاج باطل؛ لن ال تعالى إذا ملك عبدا مال ثمم أوجمب عليمه فيمه حقما فكأنمه انتزع ذلك القدر‬
‫منه‪ ،‬فل معنى للعتراض‪ .‬وقد صدقوا في قولهم‪ :‬لو شاء ال أطعمهم ولكن كذبوا في الحتجاج‪.‬‬
‫ومثله قوله‪" :‬سميقول الذيمن أشركوا لو شاء ال مما أشركنما" [النعام‪ ،]148 :‬وقوله‪" :‬قالوا نشهمد‬
‫إنك لرسول ال وال يعلم إنك لرسوله وال يشهد إن المنافقين لكاذبون" [المنافقون‪" .]1 :‬إن أنتم‬
‫إل فمي ضلل ممبين" قيمل همو ممن قول الكفار للمؤمنيمن؛ أي فمي سمؤال المال وفمي اتباعكمم محمدا‪.‬‬
‫قال معناه مقاتل وغيره‪ .‬وقيل‪ :‬هو من قول أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم لهم‪ .‬وقيل من قول‬
‫ال تعالى للكفار حيمن ردوا بهذا الجواب‪ .‬وقيمل‪ :‬إن أبما بكمر الصمديق رضمي ال عنمه كان يطعمم‬
‫مساكين المسلمين فلقيه أبو جهل فقال‪ :‬يا أبا بكر أتزعم أن ال قادر على إطعام هؤلء؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فممما باله لم يطعمهممم؟ قال‪ :‬ابتلى قوممما بالفقمر‪ ،‬وقوممما بالغنممى‪ ،‬وأممر الفقراء بالصمبر‪ ،‬وأمممر‬
‫الغنياء بالعطاء‪ .‬فقال‪ :‬وال يمما أبمما بكممر ممما أنممت إل فممي ضلل أتزعممم أن ال قادر على إطعام‬
‫هؤلء وهمو ل يطعمهمم ثمم تطعمهمم أنمت؟ فنزلت هذه اليمة‪ ،‬ونزل قوله تعالى‪" :‬فأمما ممن أعطمى‬
‫واتقى وصدق بالحسنى" [الليل‪ ]6 - 5 :‬اليات‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت الية في قوم من الزنادقة‪ ،‬وقد كان‬
‫فيهمممم أقوام يتزندقون فل يؤمنون بالصمممانع واسمممتهزؤوا بالمسممملمين بهذا القول؛ ذكره القشيري‬
‫والماوردي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويقولون متمى هذا الوعمد" لمما قيمل لهمم‪" :‬اتقوا مما بيمن أيديكمم ومما خلفكمم" قالوا‪:‬‬
‫"متمى هذا الوعمد" وكان هذا اسمتهزاء منهمم أيضما أي ل تحقيمق لهذا الوعيمد‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬مما‬
‫ينظرون" أي مما ينتظرون "إل صميحة واحدة" وهمي نفخة إسمرافيل "تأخذهمم وهمم يخصممون" أي‬
‫يختصممون فمي أمور دنياهمم فيموتون فمي مكانهمم؛ وهذه نفخمة الصمعق‪ .‬وفمي "يخصممون"خممس‬
‫قراءات‪ :‬قرأ أبو عمرو وابن كثير‪" :‬وهم يخصمون" بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد‪ .‬وكذا روى‬
‫ورش عمن نافمع‪ .‬فأمما أصمحاب القراءات وأصمحاب نافمع سموى ورش فرووا عنمه "يخصممون"‬
‫بإسمكان الخاء وتشديمد الصماد على الجممع ببمن سماكنين‪ .‬وقرأ يحيمى بمن وثاب والعممش وحمزة‪:‬‬
‫"وهممم يخصمممون" بإسممكان الخاء وتخفيممف الصمماد مممن خصمممه‪ .‬وقرأ عاصممم والكسممائي "وهممم‬
‫يخصممون" بكسمر الخاء وتشديمد الصماد‪ ،‬ومعناه يخصمم بعضهمم بعضما‪ .‬وقيمل‪ :‬تأخذهمم وهمم عنمد‬
‫أنفسهم يختصمون في الحجة أنهم ل يبعثون‪ .‬وقد روى ابن جبير عن أبي بكر عن عاصم‪ ،‬وحماد‬
‫عمممن عاصمممم كسمممر الياء والخاء والتشديمممد‪ .‬قال النحاس‪ :‬القراءة الولى أبينهممما‪ ،‬والصمممل فيهممما‬
‫يختصمون فأدغمت التاء في الصاد فنقلت حركتها إلى الخاء‪ .‬وفي حرف أبي "وهم يختصمون"‬
‫‪ -‬وإسمكان الخاء ل يجوز‪ ،‬لنمه جممع بيمن سماكنين وليمس أحدهمما حرف ممد وليمن‪ .‬وقيمل‪ :‬أسمكنوا‬
‫الخاء على أصمملها‪ ،‬والمعنممى يخصممم بعضهممم بعضمما فحذف المضاف‪ ،‬وجاز أن يكون المعنممى‬
‫يخصمممون مجادلهممم عنممد أنفسممهم فحذف المفعول‪ .‬قال الثعلبممي‪ :‬وهممي قراءة أبممي بممن كعممب‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬فأمما "يخصممون" فالصمل فيمه أيضما يختصممون‪ ،‬فأدغممت التاء فمي الصماد ثمم كسمرت‬
‫الخاء للتقاء السمماكنين‪ .‬وزعممم الفراء أن هذه القراءة أجود وأكثممر؛ فترك ممما هممو أولى مممن إلقاء‬
‫حركمة التاء على الخاء واجتلب لهما حركمة أخرى وجممع بيمن ياء وكسمرة‪ ،‬وزعمم أنمه أجود وأكثمر‪.‬‬
‫وكيمف يكون أكثمر وبالفتمح قراءة الخلق ممن أهل مكمة وأهمل البصمرة وأهمل المدينمة! ومما روي عن‬
‫عاصممم مممن كسممر الياء والخاء فللتباع‪ .‬وقممد مضممى هذا فممي "البقرة" فممي "يخطممف أبصممارهم"‬
‫[البقرة‪ ]20 :‬وفي "يونس" "يهدي" [يونس‪ .]35 :‬وقال عكرمة في قوله جل وعز‪" :‬إل صيحة‬
‫واحدة" قال‪ :‬هممي النفخممة الولى فممي الصممور‪ .‬وقال أبممو هريرة‪ :‬ينفممخ فممي الصممور والناس فممي‬
‫أسواقهم‪ :‬فمن حالب لقحة‪ ،‬ومن ذارع ثوبا‪ ،‬ومن مار في حاجة‪ .‬وروى نعيم عن أبي هريرة قال‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (تقوم الساعة والرجلن قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فل يطويانه‬
‫حتمى تقوم السماعة‪ ،‬والرجمل يليمط حوضمه ليسمقي ماشيتمه فمما يسمقيها حتمى تقوم السماعة‪ ،‬والرجمل‬
‫يخفمض ميزانمه فمما يرفعمه حتمى تقوم السماعة‪ ،‬والرجمل يرفمع أكلتمه إلى فيمه فمما يبتلعهما حتمى تقوم‬
‫الساعة)‪ .‬وفي حديث عبدال بن عمرو‪( :‬وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله ‪ -‬قال ‪ -‬فيصعق‬
‫ويصمعق الناس) الحديمث‪" .‬فل يسمتطيعون توصمية" أي ل يسمتطيع بعضهمم أن يوصمي بعضما لمما‬
‫فمي يده ممن حمق‪ .‬وقيمل‪ :‬ل يسمتطيع أن يوصمي بعضهمم بعضما بالتوبمة والقلع؛ بمل يموتون فمي‬
‫أسمممواقهم ومواضعهمممم‪" .‬ول إلى أهلهمممم يرجعون" إذا ماتوا‪ .‬وقيمممل‪ :‬إن معنمممى "ول إلى أهلهمممم‬
‫يرجعون" ل يرجعون إليهم قول‪ .‬وقال قتادة‪" :‬ول إلى أهلهم يرجعون" أي إلى منازلهم؛ لنهم قد‬
‫أعجلوا عن ذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 54 - 51 :‬ونفخ فمي الصمور فإذا همم من الجداث إلى ربهمم ينسلون‪ ،‬قالوا يا ويلنما‬
‫ممن بعثنما ممن مرقدنما هذا مما وعمد الرحممن وصمدق المرسملون‪ ،‬إن كانمت إل صميحة واحدة فإذا همم‬
‫جميع لدينا محضرون‪ ،‬فاليوم ل تظلم نفس شيئا ول تجزون إل ما كنتم تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ونفمخ فمي الصمور" هذه النفخمة الثانيمة للنشأة‪ .‬وقمد بينما فمي سمورة (النممل) أنهمما‬
‫نفختان ل ثلث‪ .‬وهذه الية دالة على ذلك‪ .‬وروى المبارك بن فضالة عن الحسن قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صملى ال عليمه وسملم‪( :‬بيمن النفختيمن أربعون سمنة‪ :‬الولى يميمت ال بهما كمل حمي‪ ،‬والخرى‬
‫يحيي ال بها كل ميت)‪ .‬وقال قتادة‪ :‬الصور جمع صورة؛ أي نفخ في الصور والرواح‪ .‬وصورة‬
‫وصور مثل سورة البناء وسور؛ قال العجاج‪:‬‬
‫ت إليه في أعالي السور‬ ‫سر ُ‬ ‫ورب ذي سرادق محجور‬
‫وقد روي عن أبي هريرة أنه قرأ‪" :‬ونفخ في الصور"‪ .‬النحاس‪ :‬والصحيح أن "الصور" بإسكان‬
‫الواو‪ :‬القرن؛ جاء بذلك التوقيف عن رسول ال‪ ،‬وذلك معروف في كلم العرب‪ .‬أنشد أهل اللغة‪:‬‬
‫بالضابحات في غبار النقعين‬ ‫نحن نطحناهم غداة الغورين‬
‫نطحا شديدا ل كنطح الصورين‬
‫وقممد مضممى هذا فممي "النعام" مسممتوفى‪" .‬فإذا هممم مممن الجداث" أي القبور‪ .‬وقرئ بالفاء "مممن‬
‫الجداف" ذكره الزمخشري‪ .‬يقال‪ :‬جدث وجدف‪ .‬واللغمة الفصميحة الجدث (بالثاء) والجممع أجدث‬
‫وأجداث؛ قال المتنخل الهذلي‪:‬‬
‫علمات كتحبير النماط‬ ‫عرفت بأجدث فنعاف عرق‬
‫واجتدث‪ :‬أي اتخذ جدثا‪" .‬إلى ربهم ينسلون" أي يخرجون؛ قال ابن عباس وقتادة ومنه قول امرئ‬
‫القيس‪:‬‬
‫فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي‬
‫ومنه قيل للولد نسل؛ لنه يخرج من بطن أمه‪ .‬وقيل‪ :‬يسرعون‪ .‬والنسلن والعسلن‪ :‬السراع في‬
‫السير‪ ،‬ومنه مشية الذئب؛ قال‪:‬‬
‫برد الليل عليه فنسل‬ ‫عسلن الذئب أمسى قاربا‬
‫يقال‪ :‬عسل الذئب ونسل‪ ،‬يعسل وينسل‪ ،‬من باب ضرب يضرب‪ .‬ويقال‪ :‬ينسل بالضم أيضا‪ .‬وهو‬
‫السمراع فمي المشمي؛ فالمعنمى يخرجون مسمرعين‪ .‬وفمي التنزيمل‪" :‬مما خلقكمم ول بعثكمم إل كنفمس‬
‫واحدة" [لقمان‪ ،]28 :‬وقال‪" :‬يخرجون من الجداث كأنهم جراد منتشر" [القمر‪ ،]7 :‬وفي "سأل‬
‫سائل" [المعارج‪" ]1 :‬يوم يخرجون من الجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون" [المعارج‪:‬‬
‫‪ ]43‬أي يسمرعون‪ .‬وفمي الخمبر‪ :‬شكونما إلى النمبي صملى ال عليمه وسملم الضعمف فقال‪( :‬عليكمم‬
‫بالنسل) أي بالسراع في المشي فإنه ينشط‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا ياويلنما" قال ابمن النباري‪" :‬يما ويلنما" وقمف حسمن ثمم تبتدئ "ممن بعننما"‬
‫وروي عمن بعمض القراء "يما ويلنما ممن بعثنما" بكسمر ممن والثاء ممن البعمث‪ .‬روي ذلك عمن علي‬
‫رضممي ال عنممه؛ فعلى هذا المذهممب ل يحسممن الوقممف على قوله‪" :‬يمما ويلنمما" حتممى يقول‪" :‬مممن‬
‫مرقدنا"‪ .‬وفي قراءة أبي بن كعب "من هبّنا" بالوصل "من مرقدنا" فهذا دليل على صحة مذهب‬
‫العاممة‪ .‬قال المهدوي‪ :‬قرأ ابمن أبمي ليلى‪" :‬قالوا يما ويلتنما" بزيادة تاء وهمو تأنيمث الوصمل‪ ،‬ومثله‪:‬‬
‫"يما ويلتما أألد وأنما عجوز" [هود‪ .]72 :‬وقرأ علي رضمي ال عنمه "يما ويلتما ممن بعثنما" فمم "ممن"‬
‫متعلقة بالويل أو حال من "ويلتا" فتتعلق بمحذوف؛ كأنه قال‪ :‬يا ويلتا كائنا من بعثنا؛ وكما يجوز‬
‫أن يكون خمبرا عنمه كذلك يجوز أن يكون حال منمه‪ .‬و"ممن" ممن قوله‪" :‬ممن مرقدنما" متعلقمة بنفمس‬
‫البعمث‪ .‬ثمم قيمل‪ :‬كيمف قالوا هذا وهمم ممن المعذبيمن فمي قبورهمم؟ فالجواب أن أبمي بمن كعمب قال‪:‬‬
‫ينامون نومة‪ .‬وفي رواية فيقولون‪ :‬يا ويلتما من أهبنما ممن مرقدنا‪ .‬قال أبو بكمر النباري‪ :‬ل يحممل‬
‫هذا الحديث على أن "أهبنا" من لفظ القرآن كما قال من طعن في القرآن‪ ،‬ولكنه تفسير "بعثنا" أو‬
‫معبر عن بعض معانيه‪ .‬قال أبو بكر‪ :‬وكذا حفظته "من هبنا" بغير ألف في أهبنا مع تسكين نون‬
‫من‪ .‬والصواب فيه على طريق اللغة "من أهبنا" بفتح النون على أن فتحة همزة أهب ألقيت على‬
‫نون "من" وأسقطت الهمزة؛ كما قالت العرب‪ :‬من أخبرك من أعلمك؟ وهم يريدون من أخبرك‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬أهببت النائم فهب النائم‪ .‬أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي‪:‬‬
‫ولم يعتمرني قبل ذاك عذول‬ ‫وعاذلة هبت بليل تلومني‬
‫وقال أبمو صمالح‪ :‬إذا نفمخ النفخمة الولى رفمع العذاب عمن أهمل القبور وهجعوا هجعمة إلى النفخمة‬
‫الثانية وبينهما أربعون سنة؛ فذلك قولهم‪" :‬من بعثنا من مرقدنا" وقال ابن عباس وقتادة‪ .‬وقال أهل‬
‫المعانمي‪ :‬إن الكفار إذا عاينوا جهنمم ومما فيهما ممن أنواع العذاب صمار مما عذبوا بمه فمي قبورهمم إلى‬
‫جنمب عذابهما كالنوم‪ .‬قال مجاهمد‪ :‬فقال لهمم المؤمنون‪" :‬هذا مما وعمد الرحممن"‪ .‬قال قتادة‪ :‬فقال لهمم‬
‫ممن هدى ال‪" :‬هذا مما وعمد الرحممن"‪ .‬وقال الفراء‪ :‬فقالت لهمم الملئكمة‪" :‬هذا مما وعمد الرحممن"‪.‬‬
‫النحاس‪ :‬وهذه القوال متفقممة؛ لن الملئكممة مممن المؤمنيممن وممممن هدى ال عممز وجممل‪ .‬وعلى هذا‬
‫يتأول قول ال عمز وجمل‪" :‬إن الذيمن آمنوا وعملوا الصمالحات أولئك همم خيمر البريمة" [البينمة‪]7 :‬‬
‫وكذا الحديمث‪( :‬المؤممن عنمد ال خيمر ممن كمل مما خلق)‪ .‬ويجوز أن تكون الملئكمة وغيرهمم ممن‬
‫المؤمنيمن قالوا لهمم‪" :‬هذا مما وعمد الرحممن"‪ .‬وقيمل‪ :‬إن الكفار لمما قال بعضهمم لبعمض‪" :‬ممن بعثنما‬
‫ممن مرقدنما" صمدقوا الرسمل لمما عاينوا مما أخمبروهم بمه‪ ،‬ثمم قالوا‪" :‬هذا مما وعمد الرحممن وصمدق‬
‫المرسملون" فكذبنما بمه؛ أقروا حيمن لم ينفعهمم القرار‪ .‬وكان حفمص يقمف على "ممن مرقدنما" ثمم‬
‫يبتدئ فيقول‪" :‬هذا"‪ .‬قال أبمو بكمر بمن النباري‪" :‬ممن بعثنما ممن مرقدنما" وقمف حسمن؛ ثمم تبتدئ‪:‬‬
‫"هذا مما وعمد الرحممن" ويجوز أن تقمف على مرقدنما هذا" فتخفمض هذا على التباع للمرقمد‪،‬‬
‫وتبتدئ‪" :‬ما وعد الرحمن" على معنى بعثكم ما وعد الرحمن؛ أي بعثكم وعد الرحمن‪ .‬النحاس‪:‬‬
‫التمام على "من مرقدنا" و"هذا" في موضع رفع بالبتداء وخبره "ما وعد الرحمن"‪ .‬ويجوز أن‬
‫يكون فممي موضممع خفممض على النعممت لم م "مرقدنمما" فيكون التمام "مممن مرقدنمما هذا"‪" .‬ممما وعممد‬
‫الرحمن" في موضع رفع من ثلث جهات‪ .‬ذكر أبو إسحاق منهما اثنتين قال‪ :‬يكون بإضمار هذا‪.‬‬
‫والجهة الثانية أن يكون بمعنى حق ما وعد الرحمن بعثكم‪ .‬والجهة الثالثة أن يكون بمعنى ما وعد‬
‫الرحممن‪" .‬إن كانمت إل صميحة واحدة" يعنمي إن بعثهمم وإحياءهمم كان بصميحة واحدة وهمي قول‬
‫إسرافيل‪ :‬أيتها العظام البالية‪ ،‬والوصال المتقطعة والشعور المتمزقة! إن ال يأمركن أن تجتمعن‬
‫لفصممل القضاء‪ .‬وهذا معنممى قول الحممق‪" :‬يوم يسمممعون الصمميحة بالحممق ذلك يوم الخروج‪[ ".‬ق‪:‬‬
‫‪ .]42‬وقال‪" :‬مهطعيمن إلى الداعمي" [القممر‪ ]8 :‬على مما يأتمي‪ .‬وفمي قراءة ابمن مسمعود إن صمح‬
‫عنه "إن كانت إل زقية واحدة" والزقية الصيحة؛ وقد تقدم هذا‪" .‬فإذا هم جميع لدينا محضرون"‬
‫"فإذا هم" مبتدأ وخبره "جميع" نكرة‪ ،‬و"محضرون" من صفته‪ .‬ومعنى "محضرون" مجموعون‬
‫أحضروا موقمف الحسماب؛ وهمو كقوله‪" :‬ومما أممر السماعة إل كلممح البصمر" [النحمل‪ .]77 :‬قوله‬
‫تعالى‪" :‬فاليوم ل تظلم نفس شيئا" أي ل تنقص من ثواب عمل‪" .‬ول تجزون إل ما كنتم تعملون"‬
‫"مما" فمي محمل نصمب ممن وجهيمن‪ :‬الول أنمه مفعول ثان لمما لم يسمم فاعله‪ .‬والثانمي بنزع حرف‬
‫الصفة تقديره‪ :‬إل بما كنتم تعملون؛ أي تعملونه فحذف‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 55 :‬إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون‪ ،‬هم وأزواجهم في ظلل على الرائك‬
‫متكئون‪ ،‬لهممم فيهمما فاكهممة ولهممم ممما يدعون‪ ،‬سمملم قول مممن رب رحيممم‪ ،‬وامتازوا اليوم أيهمما‬
‫المجرمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن أصمحاب الجنمة اليوم فمي شغمل فاكهون" قال ابمن مسمعود وابمن عباس وقتادة‬
‫ومجاهممد‪ :‬شغلهممم افتضاض العذارى‪ .‬وذكممر الترمذي الحكيممم فممي كتاب مشكممل القرآن له‪ :‬حدثنمما‬
‫محمد بن حميد الرازي‪ ،‬حدثنا يعقوب القمي‪ ،‬عن حفص بن حميد‪ ،‬عن شمر بن عطية‪ ،‬عن شقيق‬
‫بن سلمة‪ ،‬عن عبدال بن مسعود في قوله‪" :‬إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون" قال‪ :‬شغلهم‬
‫افتضاض العذارى‪ .‬حدثنما محممد بمن حميمد‪ ،‬حدثنما هارون بمن المغيرة‪ ،‬عمن نهشمل‪ ،‬عمن الضحاك‪،‬‬
‫عمن ابمن عباس بمثله‪ .‬وقال أبمو قلبمة‪ :‬بينمما الرجمل ممن أهمل الجنمة ممع أهله إذ قيمل له تحول إلى‬
‫أهلك فيقول أنا مع أهلي مشغول؛ فيقال تحول أيضا إلى أهلك‪ .‬وقيل‪ :‬أصحاب الجنة في شغل بما‬
‫هم فيه من اللذات والنعيم عن الهتمام بأهل المعاصي ومصيرهم إلى النار‪ ،‬وما هم فيه من أليم‬
‫العذاب‪ ،‬وإن كان فيهمم أقرباؤهمم وأهلوهمم؛ قال سمعيد بمن المسميب وغيره‪ .‬وقال وكيمع‪ :‬يعنمي فمي‬
‫السمماع‪ .‬وقال ابمن كيسمان‪" :‬فمي شغمل" أي فمي زيارة بعضهمم بعضما‪ .‬وقيمل‪ :‬فمي ضيافمة ال تعالى‪.‬‬
‫وروي أنممه إذا كان يوم القيامممة نادى مناد‪ :‬أيممن عبادي الذيممن أطاعونممي وحفظوا عهدي بالغيممب؟‬
‫فيقومون كأنمما وجوههمم البدر والكوكمب الدري‪ ،‬ركبانما على نجمب ممن نور أزمتهما ممن الياقوت‪،‬‬
‫تطيمر بهمم على رؤوس الخلئق‪ ،‬حتمى يقوموا بيمن يدي العرش‪ ،‬فيقول ال جمل وعمز لهمم‪( :‬السملم‬
‫على عبادي الذيمن أطاعونمي وحفظوا عهدي بالغيمب‪ ،‬أنما اصمطفيتكم وأنما أجتمبيتكم وأنما اخترتكمم‪،‬‬
‫اذهبوا فادخلوا الجنمة بغيمر حسماب فمم "ل خوف عليكمم اليوم ول أنتمم تحزنون" [الزخرف‪)]68 :‬‬
‫فيمرون على الصممراط كالبرق الخاطممف فتفتممح لهممم أبوابهمما‪ .‬ثممم إن الخلق فممي المحشممر موقوفون‬
‫فيقول بعضهمم لبعمض‪ :‬يما قوم أيمن فلن وفلن!؟ وذلك حيمن يسمأل بعضهمم بعضما فينادي مناد "إن‬
‫أصممحاب الجشممة اليوم فممي شغممل فاكهون"‪ .‬و"شُغُل" و"شُغْمل" لغتان قرئ بهممما؛ مثممل الرعممب‬
‫والرعممب؛ والسممحت والسممحت؛ وقممد تقدم‪" .‬فاكهون" قال الحسممن‪ :‬مسممرورون‪ .‬وقال ابممن عباس‪:‬‬
‫فرحون‪ .‬مجاهمممد والضحاك‪ :‬معجبون‪ .‬السمممدي‪ :‬ناعمون‪ .‬والمعنمممى متقارب‪ .‬والفكاهمممة المزاح‬
‫والكلم الطيمب‪ .‬وقرأ أبو جعفر وشيبة والعرج‪" :‬فكهون" بغيمر ألف وهمما لغتان كالفاره والفره‪،‬‬
‫والحاذر والحذر؛ قاله الفراء‪ .‬وقال الكسممائي وأبممو عممبيدة‪ :‬الفاكممه ذو الفاكهممة؛ مثممل شاحممم ولحممم‬
‫وتاممر ولبمن‪ ،‬والفكمه‪ :‬المتفكمه والمتنعمم‪ .‬و"فكهون" بغيمر ألف فمي قول قتادة‪ :‬معجبون‪ .‬وقال أبمو‬
‫زيد‪ :‬يقال رجل فكه إذا كان طيب النفس ضحوكا‪ .‬وقرأ طلحة بن مصرف‪" :‬فاكهين" نصبه على‬
‫الحال‪" .‬هممم وأزواجهممم فممي ظلل على الرائك متكئون" مبتدأ وخممبره‪ .‬ويجوز أن يكون "هممم"‬
‫توكيدا "وأزواجهمم" عطمف على المضممر‪ ،‬و"متكئون" نعمت لقوله "فاكهون‪ .‬وقراءة العاممة‪" :‬فمي‬
‫ظلل" بكسممر الظاء واللف‪ .‬وقرأ ابممن مسممعود وعبيممد بممن عميممر والعمممش ويحيممى وحمزة‬
‫والكسمائي وخلف‪" :‬فمي ظلل" بضمم الظاء ممن غيمر ألف؛ فالظلل جممع ظمل‪ ،‬وظلل جممع ظلة‪.‬‬
‫"على الرائك" يعني السرر في الحجال واحدها أريكة؛ مثل سفينة وسفائن؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫بوقت الضحى في روضه المتضاحك‬ ‫كأن احمرار الورد فوق غصونه‬
‫تهادين بالريحان فوق الرائك‬ ‫خدود عذارى قد خجلن من الحيا‬
‫وفمي الخمبر عمن أبمي سمعيد الخدري قال النمبي صملى ال عليمه وسملم‪( :‬إن أهمل الجنمة كلمما جامعوا‬
‫نسماءهم عدن أبكارا)‪ .‬وقال ابمن عباس‪ :‬إن الرجمل ممن أهمل الجنمة ليعانمق الحوراء سمبعين سمنة‪ ،‬ل‬
‫يملها ول تمله‪ ،‬كلما أتاها وجدها بكرا‪ ،‬وكلما رجع إليها عادت إليه شهوته؛ فيجامعها بقوة سبعين‬
‫رجل‪ ،‬ل يكون بينهمما منمي؛ يأتمي ممن غيمر منمي منمه ول منهما‪" .‬لهمم فيهما فاكهمة" ابتداء وخمبر‪.‬‬
‫"ولهم ما يدعون" الدال الثانية مبدلة من تاء‪ ،‬لنه يفتعلون من دعا أي من دعا بشيء أعطيه‪ .‬قاله‬
‫أبو عبيدة؛ فمعنى "يدعون" يتمنون من الدعاء‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى أن من أدعى منهم شيئا فهو له؛ لن‬
‫ال تعالى قد طبعهم على أل يدعي منهم أحد إل ما يجمل ويحسن أن يدعيه‪ .‬وقال يحيى بن سلم‪:‬‬
‫"يدعون" يشتهون‪ .‬ابن عباس‪ :‬يسمألون‪ .‬والمعنمى متقارب‪ .‬قال ابمن النباري‪" :‬ولهمم مما يدعون"‬
‫وقف حسن‪ ،‬ثم تبتدئ‪" :‬سلم" على معنى ذلك لهم سلم‪ .‬ويجوز أن يرفع السلم على معنى ولهم‬
‫ممما يدعون مس ملّم خالص‪ .‬فعلى هذا المذهممب ل يحسممن الوقممف على "ممما يدعون"‪ .‬وقال الزجاج‪:‬‬
‫"سلم" مرفوع على البدل من "ما" أي ولهم أن يسلم ال عليهم‪ ،‬وهذا ُمنَى أهل الجنة‪ .‬وروي من‬
‫حديث جرير بن عبدال البجلي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬بينا أهل الجنة في نعيمهم‬
‫إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب تعالى قد اطلع عليهم من فوقهم فقال السلم عليكم يا‬
‫أهمل الجنمة فذلك قوله‪" :‬سملم قول ممن رب رحيمم"‪ .‬فينظمر إليهمم وينظرون إليمه فل يلتفتون إلى‬
‫شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركاته عليهم في ديارهم)‬
‫ذكره الثعلبمي والقشيري‪ .‬ومعناه ثابمت فمي صمحيح مسملم‪ ،‬وقمد بيناه فمي "يونمس" عنمد قوله تعالى‪:‬‬
‫"للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" [يونس‪ .]26 :‬ويجوز أن تكون "ما" نكرة؛ و"سلم" نعتا لها؛‬
‫أي ولهمم مما يدعون مسملّم‪ .‬ويجوز أن تكون "مما" رفمع بالبتداء‪ ،‬و"سملم" خمبر عنهما‪ .‬وعلى هذه‬
‫الوجوه ل يوقمف على "ولهمم مما يدعون"‪ .‬وفمي قراءة ابمن مسمعود "سملما" يكون مصمدرا‪ ،‬وإن‬
‫شئت فمي موضمع الحال؛ أي ولهمم مما يدعون ذا سملم أو سملمة أو مسملما؛ فعمى هذا المذهمب ل‬
‫يحسمن الوقمف على "يدعون" وقرأ محممد بمن كعمب القرظمي "سمِلم" على السمتئناف كأنمه قال‪ :‬ذلك‬
‫سلم لهم ل يتنازعون فيه‪ .‬ويكون "ولهم ما يدعون" تاما‪ .‬ويجوز أن يكون "سلم" بدل من قوله‪:‬‬
‫"ولهم ما يدعون"‪ ،‬وخبر "ما يدعون" "لهم"‪ .‬ويجوز أن يكون "سلم" خبرا آخر‪ ،‬ويكون معنى‬
‫الكلم أنمه لهمم خالص ممن غيمر منازع فيمه‪" .‬قول" مصمدر على معنمى قال ال ذلك قول‪ .‬أو بقوله‬
‫قول‪ ،‬ودل على الفعمل المحذوف لفمظ مصمدره‪ .‬ويجوز أن يكون المعنمى ولهمم مما يدعون قول؛ أي‬
‫عدة ممن ال‪ .‬فعلى هذا المذهمب الثانمي ل يحسمن الوقمف على "يدعون"‪ .‬وقال السمجستاني‪ :‬الوقمف‬
‫على قوله‪" :‬سلم" تام؛ وهذا خطأ لن القول خارج مما قبله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وامتازوا اليوم أيهما المجرمون" ويقال تميزوا وأمازوا وامتازوا بمعنىً؛ ومزتمه‬
‫فانماز وامتاز‪ ،‬وميزتمه فتميمز‪ .‬أي يقال لهمم هذا عنمد الوقوف للسمؤال حيمن يؤممر بأهمل الجنمة إلى‬
‫الجنمة؛ أي اخرجوا ممن جملتهمم‪ .‬قال قتادة‪ :‬عزلوا عمن كمل خيمر‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬يمتاز المجرمون‬
‫بعضهمم ممن بعمض؛ فيمتاز اليهود فرقمة‪ ،‬والنصمارى فرقمة‪ ،‬والمجوس فرقمة‪ ،‬والصمابئون فرقمة‪،‬‬
‫وعبدة الوثان فرقة‪ .‬وعنه أيضا‪ :‬إن لكمل فرقة فمي النار بيتما تدخل فيه ويرد بابه؛ فتكون فيه أبدا‬
‫ل تَرى ول تُرى‪ .‬وقال داود بممن الجراح‪ :‬فيمتاز المسمملمون مممن المجرميممن‪ ،‬إل أصممحاب الهواء‬
‫فيكونون مع المجرمين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 64 - 60 :‬ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن ل تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين‪ ،‬وأن‬
‫اعبدوني هذا صراط مستقيم‪ ،‬ولقد أضل منكم جبل كثيرا أفلم تكونوا تعقلون‪ ،‬هذه جهنم التي كنتم‬
‫توعدون‪ ،‬اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم أعهد إليكم يا بني آدم" العهد هنا بمعنى الوصية؛ أي ألم أوصكم وأبلغكم على‬
‫ألسمنة الرسمل‪" .‬أن ل تعبدوا الشيطان" أي ل تطيعوه فمي معصميتي‪ .‬قال الكسمائي‪ :‬ل للنهمي‪" .‬وأن‬
‫اعبدوني" بكسر النون على الصل‪ ،‬ومن ضم كره كسرة بعدها ضمة‪" .‬هذا صراط مستقيم" أي‬
‫عبادتي دبن قويم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقمد أضمل منكمم" أي أغوى "جبل كثيرا" أي خلقما كثيرا؛ قاله مجاهمد‪ .‬قتادة‪:‬‬
‫جموعا كثيرة‪ .‬الكلبي‪ :‬أمما كثيرة؛ والمعنى واحد‪ .‬وقرأ أهل المدينة وعاصم‪" :‬جبل" بكسر الجيم‬
‫والباء‪ .‬وأبو عمرو وابن عامر "جبل" بضم الجيم وإسكان الباء‪ .‬الباقون "جبل" ضم الجيم والباء‬
‫وتخفيمف اللم‪ ،‬وشددهما الحسمن وابن أبمي إسمحاق وعيسمى بمن عممر وعبدال بن عبيمد والنضمر بمن‬
‫أنممس‪ .‬وقرأ أبممو يحيمى والشهمب العقيلي "جبل" بكسممر الجيممم وإسمكان الباء وتخفيممف اللم‪ .‬فهذه‬
‫خممس قراءات‪ .‬قال المهدوي والثعلبمي‪ :‬وكلهما لغات بمعنمى الخلق‪ .‬النحاس‪ :‬أبينهما القراءة الولى؛‬
‫والدليممل على ذلك أنهممم قممد أجمعوا على أن قرؤوا "والجبلة الوليممن" [الشعراء‪ ]184 :‬فيكون‬
‫"جبل" جمع جبلة والشتقاق فيه كله واحد‪ .‬وإنما هو من جبل ال عز وجل الخلق أي خلقهم‪ .‬وقد‬
‫ذكرت قراءة سمادسة وهمي‪" :‬ولقمد أضمل منكمم جيل كثيرا" بالياء‪ .‬وحكمي عمن الضحاك أن الجيمل‬
‫الواحممد عشرة آلف‪ ،‬والكثيممر ممما ل يحصمميه إل ال عممز وجممل؛ ذكره الماوردي‪" .‬أفلم تكونوا‬
‫تعقلون" عداوتمه وتعلموا أن الواجمب طاعمة ال‪" .‬هذه جهنمم" أي تقول لهمم خزنمة جهنمم هذه جهنمم‬
‫التمي وعدتمم فكذبتمم بهما‪ .‬وروي عمن أبمي هريرة أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قال‪( :‬إذا كان‬
‫يوم القياممة جممع ال النمس والجمن والوليمن والخريمن فمي صمعيد واحمد ثمم أشرف عنمق ممن النار‬
‫على الخلئق فأحاط بهممم ثممم ينادي مناد "هذه جهنممم التممي كنتممم توعدون اصمملوها اليوم بممما كنتممم‬
‫تكفرون" فحينئذ تجثمو الممم على ركبهما وتضمع كمل ذات حممل حملهما؛ وتذهمل كمل مرضعمة عمما‬
‫أرضعت‪ ،‬وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب ال شديد)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 65 :‬اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون‪ ،‬ولو‬
‫نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون‪ ،‬ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما‬
‫استطاعوا مضيا ول يرجعون‪ ،‬ومن نعمره ننكسه في الخلق أفل يعقلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اليوم نختمم على أفواههمم وتكلمنما أيديهمم وتشهمد أرجلهمم بمما كانوا يكسمبون" فمي‬
‫صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال‪ :‬كنا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم فضحك فقال‪( :‬هل‬
‫تدرون مم أضحك؟ ‪ -‬قلنا‪ :‬ال ورسوله أعلم قال‪ - :‬من مخاطبة العبد ربه‪ ،‬يقول يا رب ألم تجرني‬
‫ممن الظلم قال‪ :‬يقول بلى فيقول فإنمي ل أجيمز على نفسمي إل شاهدا منمي قال‪ :‬فيقول كفمى بنفسمك‬
‫اليوم عليمك شهيدا وبالكرام الكاتمبين شهودا قال‪ :‬فيختمم على فيمه فيقال لركانمه انطقمي قال فتنطمق‬
‫بأعماله قال‪ :‬ثمم يخلى بينمه وبيمن الكلم فيقول بعدا لكمن وسمحقا فعنكمن كنمت أناضمل) خرجمه أيضما‬
‫ممن حديمث أبمي هريرة‪ .‬وفيمه‪( :‬ثمم يقال له الن نبعمث شاهدنما عليمك ومتفكمر فمي نفسمه ممن ذا الذي‬
‫يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله‬
‫وذلك ليعذر ممن نفسمه وذلك المنافمق وذلك الذي يسمخط ال عليمه)‪ .‬وخرج الترمذي عن معاويمة بمن‬
‫حيدة عن النبي صلى ال عليه وسلم في حديث ذكره قال‪ :‬وأشاره بيده إلى الشام فقال‪( :‬من ها هنا‬
‫إلى هما هنما تحشرون ركبانما ومشاة وتجرون على وجوهكمم يوم القياممة على أفواهكمم الفِدام توفون‬
‫سمبعين أمة أنتمم خيرهمم وأكرمهمم على ال وإن أول مما يعرب عمن أحدكمم فخذه) فمي روايمة أخرى‪:‬‬
‫(فخذه وكفه) الفدام مصفاة الكوز والبريق؛ قال الليث‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬يعني أنهم منعوا الكلم حتى‬
‫تكلم أفخاذهمم فشبمه ذلك بالفدام الذي يجعمل على البريمق‪ .‬ثمم قيمل فمي سمبب الختمم أربعمة أوجمه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬لنهم قالوا "وال ربنا ما كنا مشركين" [النعام‪ ]23 :‬فختم ال على أفواههم حتى نطقت‬
‫جوارحهم؛ قاله أبو موسى الشعري‪ .‬الثاني‪ :‬ليعرفهم أهل الموقف فيتميزون منهم؛ قاله ابن زياد‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬لن إقرار غير الناطق أبلغ في الحجة من إقرار الناطق لخروجه مخرج العجاز‪ ،‬إن كان‬
‫يوما ل يحتاج إلى إعجاز‪ .‬الرابع‪ :‬ليعلم أن أعضاءه التي كانت أعوانا في حق نفسه صارت عليه‬
‫شهودا في حق ربه‪ .‬فإن قيل‪ :‬لم قال "وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم" فجعل ما كان من اليد كلما‪،‬‬
‫وممما كان مممن الرجممل شهادة؟ قيممل‪ :‬إن اليممد مباشرة لعمله والرجممل حاضرة‪ ،‬وقول الحاضممر على‬
‫غيره شهادة‪ ،‬وقول الفاعمل على نفسمه إقرار بمما قال أو فعمل؛ فلذلك عمبر عمما صمدر ممن اليدي‬
‫بالقول‪ ،‬وعمما صمدر ممن الرجمل بالشهادة‪ .‬وقمد روي عمن عقبمة بمن عاممر قال‪ :‬سممعت رسمول ال‬
‫صملى ال عليمه وسملم يقول‪( :‬أول عظمم ممن النسمان يتكلم يوم يختمم على الفواه فخذه ممن الرجمل‬
‫اليسمرى) ذكره الماوردي والمهدوي‪ .‬وقال أبمو موسمى الشعري‪ :‬إنمى لحسمب أن أول مما ينطمق‬
‫منمه فخذه اليمنمى؛ ذكره المهدوي أيضما‪ .‬قال الماوردي‪ :‬فاحتممل أن يكون تقدم الفخمذ بالكلم على‬
‫سمائر العضاء؛ لن لذة معاصميه يدركهما بحواسمه التمي همي فمي الشطمر السمفل منهما الفخمذ‪ ،‬فجاز‬
‫لقربمه منهما أن يتقدم فمي الشهادة عليهما‪ .‬قال‪ :‬وتقدممت اليسمرى؛ لن الشهوة فمي مياممن العضاء‬
‫أقوى منها في مياسرها؛ فلذلك تقدمت اليسرى على اليمنى لقلة شهوتها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أو بالعكممس لغلبممة الشهوة‪ ،‬أو كلهممما معمما والكممف؛ فإن بمجموع ذلك يكون تمام الشهوة‬
‫واللذة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون" حكى الكسائي‪:‬‬
‫طمَس يطمِس ويطمُس‪ .‬والمطموس والطميمس عنمد أهمل اللغمة العممى الذي ليمس فمي عينيمه شمق‪.‬‬
‫قال ابممن عباس‪ :‬المعنممى لعميناهممم عممن الهدى‪ ،‬فل يهتدون أبدا إلى طريممق الحممق‪ .‬وقال الحسممن‬
‫والسمدي‪ :‬المعنمى لتركناهمم عميما يترددون‪ .‬فالمعنمى لعميناهمم فل يبصمرون طريقما إلى تصمرفهم‬
‫فمي منازلهمم ول غيرهما‪ .‬وهذا اختيار الطمبري‪ .‬وقوله "فاسمتبقوا الصمراط" أي اسمتبقوا الطريمق‬
‫ليجوزوا "فأنممى يبصممرون" أي فمممن أيممن يبصممرون‪ .‬وقال عطاء ومقاتممل وقتادة وروي عممن ابممن‬
‫عباس‪ :‬ولو نشاء لفقأنما أعيمن ضللتهمم‪ ،‬وأعميناهمم عمن غيهمم‪ ،‬وحولنما أبصمارهم ممن الضللة إلى‬
‫الهدى؛ فاهتدوا وأبصممروا رشدهممم‪ ،‬وتبادروا إلى طريممق الخرة‪ .‬ثممم قال‪" :‬فأنممى يبصممرون" ولم‬
‫نفعممل ذلك بهممم؛ أي فكيممف يهتدون وعيممن الهدى مطموسممة‪ ،‬على الضلل باقيممة‪ .‬وقممد روي عممن‬
‫عبدال بن سلم في تأويل هذه الية غير ما تقدم‪ ،‬وتأولها على أنها في يوم القيامة‪ .‬وقال‪ :‬إذا كان‬
‫يوم القيامممة ومممد الصممراط‪ ،.‬نادى مناد ليقممم محمممد صمملى ال عليممه وسمملم وأمتممه؛ فيقومون برهممم‬
‫وفاجرهم يتبعونه ليجوزوا الصراط‪ ،‬فإذا صاروا عليه طمس ال أعين فجارهم‪ ،‬فاستبقوا الصراط‬
‫فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه‪ .‬ثم ينادي مناد ليقم عيسى وأمته؛ فيقوم فيتبعونه برهم وفاجرهم‬
‫فيكون سمبيلهم تلك السمبيل‪ ،‬وكذا سمائر النمبياء عليهمم السملم‪ .‬ذكره النحاس وقمد كتبناه فمي التذكرة‬
‫بمعناه حسمب مما ذكره ابمن المبارك فمي رقائقمه‪ .‬وذكره القشيري‪ .‬وقال ابمن عباس رضمي ال عنمه‪:‬‬
‫أخمذ السمود بمن السمود حجرا ومعمه جماعمة ممن بنمي مخزوم ليطرحمه على النمبي صملى ال عليمه‬
‫وسملم؛ فطممس ال على بصمره‪ ،‬وألصمق الحجمر بيده‪ ،‬فمما أبصمره ول اهتدى‪ ،‬ونزلت اليمة فيمه‪.‬‬
‫والمطموس هممو الذي ل يكون بيممن جفنيممه شممق‪ ،‬مأخوذ مممن طمممس الريممح الثممر؛ قاله الخفممش‬
‫والقتبي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو نشاء لمسمخناهم على مكانتهمم فمما اسمتطاعوا مضيما ول يرجعون" المسمخ‪:‬‬
‫تبديل الخلقة وقلبها حجرا أو جمادا أو بهيمة‪ .‬قال الحسن‪ :‬أي لقعدناهم فل يستطيعون أن يمضوا‬
‫أمامهمم ول يرجعوا وراءهمم‪ .‬وكذلك الجماد ل يتقدم ول يتأخمر‪ .‬وقمد يكون المسمخ تبديمل صمورة‬
‫النسمان بهيممة‪ ،‬ثمم تلك البهيممة ل تعقمل موضعما تقصمده فتتحيمر‪ ،‬فل تقبمل ول تدبر‪ .‬ابمن عباس‬
‫رضمي ال عنمه‪ :‬المعنمى لو نشاء لهلكناهمم فمي مسماكنهم‪ .‬وقيمل‪ :‬المعنمى لو نشاء لمسمخناهم فمي‬
‫المكان الذي اجترؤوا فيمه على المعصمية‪ .‬ابمن سملم‪ :‬هذا كله يوم القياممة يطممس ال تعالى أعينهمم‬
‫على الصراط‪ .‬وقرأ الحسن والسلمي وزر بن حبيش وعاصم في رواية أبي بكر‪" :‬مكاناتهم" على‬
‫الجمع‪ ،‬الباقون بالتوحيد‪ .‬وقرأ أبو حيوة‪" :‬فما استطاعوا مضيا" بفتح الميم‪ .‬والمضى بضم الميم‬
‫مصدر يمضى مضيا إذا ذهب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وممن نعمره ننكسمه فمي الخلق" قرأ عاصمم وحمزة "ننكسمه" بضمم النون الولى‬
‫وتشديمد الكاف ممن التنكيمس‪ .‬الباقون " َن ْنكُسمه" بفتمح النون الولى وضمم الكاف ممن نكسمت الشيمء‬
‫أنكسه نكسا قلبته على رأسه فانتكس‪ .‬قال قتادة‪ :‬المعنى أنه يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال‬
‫الصبا‪ .‬وقال سفيان في قوله تعالى‪" :‬ومن نعمره ننكسه في الخلق" إذا بلغ ثمانين سنة تغير جسمه‬
‫وضعفت قوته‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وخانه ثقتاه السمع والبصر‬ ‫من عاش أخلقت اليام جدته‬
‫فطول العمر يصير الشباب هرما‪ ،‬والقوة ضعفا‪ ،‬والزيادة نقصا‪ ،‬وهذا هو الغالب‪ .‬وقد تعوذ صلى‬
‫ال عليمه وسملم ممن أن يرد إلى أرذل العممر‪ .‬وقمد مضمى فمي "النحمل" بيانمه‪" .‬أفل يعقلون" أن ممن‬
‫فعل هذا بكم قادر على بعثكم‪ .‬وقرأ نافع وابن ذكوان‪" :‬تعقلون" بالتاء‪ .‬الباقون بالياء"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 69 :‬وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إل ذكر وقرآن مبين‪ ،‬لينذر من كان حيا‬
‫ويحق القول على الكافرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما علمناه الشعر وما ينبغي له" أخبر تعالى عن حال نبيه صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫ورد قول ممن قال ممن الكفار إنمه شاعمر‪ ،‬وإن القرآن شعمر‪ ،‬بقوله‪" :‬ومما علمناه الشعمر ومما ينبغمي‬
‫له" وكذلك كان رسمول ال صملى عليمه وسملم ل يقول الشعمر ول يزنمه‪ ،‬وكان إذا حاول إنشاد ببمت‬
‫قديم متمثل كسر وزنه‪ ،‬وإنما كان يحرز المعاني فقط صلى ال عليه وسلم‪ .‬من ذلك أنه أنشد يوما‬
‫قول طرفة‪:‬‬
‫ويأتيك من لم تزوده بالخبار‬ ‫ستبدي لك اليام ما كنت جاهل‬
‫وأنشد يوما وقد قيل له من أشعر الناس فقال الذي يقول‪:‬‬
‫وجدت بها وإن لم تطب طيبا‬ ‫ألم ترياني كلما جئت طارقا‬
‫وأنشد يوما‪:‬‬
‫ميد بين القرع وعيينة‬ ‫أتجعل نهبي ونهب العبم‬
‫وقد كان عليه السلم ربما أنشد البيت المستقيم في النادر‪ .‬روي أنه أنشد بيت عبدال بن رواحة‪:‬‬
‫إذا استثقلت بالمشركين المضاجع‬ ‫ببيت يجافي جنبة عن فراشه‬
‫وقال الحسن بن أبي الحسن‪ :‬أنشد النبي عليه السلم‪:‬‬
‫كفى بالسلم والشيب للمرء ناهيا‬
‫فقال أبو بكر رضي ال عنه‪ :‬يا رسول ال إنما قال الشاعر‪:‬‬
‫كفى الشيب والسلم للمرء ناهيا‬ ‫هريرة ودع إن تجهزت غاديا‬
‫فقال أبمو بكمر أو عممر‪ :‬أشهمد أنمك رسمول ال‪ ،‬يقول ال عمز وجمل‪" :‬ومما علمناه الشعمر ومما ينبغمي‬
‫له"‪ .‬وعمن الخليمل بمن أحممد‪ :‬كان الشعمر أحمب إلى رسمول ال صملى ال عليمه وسملم ممن كثيمر ممن‬
‫الكلم‪ ،‬ولكن ل يتأتى له‪.‬‬
‫@ إصابته الوزن أحيانا ل يوجب أنه يعلم الشعر‪ ،‬وكذلك ما يأتي أحيانا من نثر كلمه ما يدخل‬
‫في ورن‪ ،‬كقول يوم حنين وغيره‪:‬‬
‫وفي سبيل ال ما لقيت)‬ ‫(هل أنت إل إصبع دميت‬
‫وقوله‪:‬‬
‫أنا ابن عبدالمطلب)‬ ‫(أنا النبي ل كذب‬
‫فقمد يأتمي مثمل ذلك فمي آيات القرآن‪ ،‬وفمي كمل كلم؛ وليمس ذلك شعرا ول فمي معناه؛ كقوله تعالى‪:‬‬
‫"لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" [آل عمران‪ ،]92 :‬وقوله‪" :‬نصر من ال وفتح قريب"‬
‫[الصف‪ ،]13 :‬وقوله‪" :‬وجفان كالجواب وقدور راسيات" [سبأ‪ ]13 :‬إلى غير ذلك من اليات‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن العربي منها آيات وتكلم عليها وأخرجها عن الوزن‪ ،‬على أن أبا الحسن الخفش قال‬
‫في قوله‪( :‬أنا النبي ل كذب) ليس بشعر‪ .‬وقال الخليل في كتاب العين‪ :‬إن ما جاء من السجع على‬
‫جزأين ل يكون شعرا‪ .‬وروي عنه أنه من منهوك الرجز‪ .‬وقد قيل‪ :‬ل يكون من منهوك الرجز إل‬
‫بالوقمف على الباء ممن قوله‪( :‬ل كذب)‪ ،‬وممن قوله‪( :‬عبدالمطلب)‪ .‬ولم يعلم كيمف قاله النمبي صملى‬
‫ال عليمه وسملم‪ .‬قال ابمن العربمي‪ :‬والظهمر ممن حال أنمه قال‪( :‬ل كذب) الباء مرفوعمة‪ ،‬ويخفمض‬
‫الباء من عبدالمطلب على الضافة‪ .‬وقال النحاس قال بعضهم‪ :‬إنما الرواية بالعراب‪ ،‬وإذا كانت‬
‫بالعراب لم يكمن شعرا؛ لنمه إذا فتمح الباء ممن البيمت الول أو ضمهما أو نونهما‪ ،‬وكسمر الباء ممن‬
‫البيممت الثانممي خرج عممن وزن الشعممر‪ .‬وقال بعضهممم‪ :‬ليممس هذا الوزن مممن الشعممر‪ .‬وهذا مكابرة‬
‫العيان؛ لن أشعار العرب على هذا قممد رواهمما الخليممل وغيره‪ .‬وأممما قوله‪( :‬هممل أنممت إل إصممبع‬
‫دميت) فقيل إنه من بحر السريع‪ ،‬وذلك ل بكون إل إذا كسرت التاء من دميت‪ ،‬فإن سكن ل يكون‬
‫شعرا بحال؛ لن هاتين الكلمتين على هذه الصفة تكون فعول‪ ،‬ول مدخل لفعول في بحر السريع‪.‬‬
‫ولعل النبي صلى ال عليه وسلم قالها ساكنة التاء أو متحركة التاء من غير إشباع‪ .‬والمعول عليه‬
‫في النفصال على تسليم أن هذا شعر‪ ،‬ويسقط العتراض‪ ،‬ول يلزم منه أن يكون النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم عالما بالشعر ول شاعر ‪ -‬أن التمثل بالبيت النزر وإصابة القافيتين من الرجز وغيره‪،‬‬
‫ل يوجب أن يكون قائلها عالما بالشعر‪ ،‬ول يسمى شاعرا باتفاق العلماء‪ ،‬كما أن من خاط خيطا ل‬
‫يكون خياطما‪ .‬قال أبمو إسمحاق الزجاج‪ :‬معنمى‪" :‬ومما علمناه الشعمر" ومما علمناه أن يشعمر أي مما‬
‫جعلناه شاعرا‪ ،‬وهذا ل يمنمع أن ينشمد شيئا ممن الشعمر‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا ممن أحسمن مما قيمل فمي‬
‫هذا‪ .‬وقمد قيمل‪ :‬إنمما خمبر ال عمز وجمل أنمه مما علممه ال الشعمر ولم يخمبر أنمه ل ينشمد شعرا‪ ،‬وهذا‬
‫ظاهر الكلم‪ .‬وقيل فيه قول بين؛ زعم صاحبه أنه إجماع من أهل اللغة‪ ،‬وذلك أنهم قالوا‪ :‬كل من‬
‫قال قول موزونا ل يقصد به إلى شعر فليس بشعر وإنما وافق الشعر‪ .‬وهذا قول بين‪ .‬قالوا‪ :‬وإنما‬
‫الذي نفاه ال عمن نمبيه عليمه السملم فهمو العلم بالشعمر وأصمنافه‪ ،‬وأعاريضمه وقوافيمه والتصماف‬
‫بقوله‪ ،‬ولم يكمن موصموفا بذلك بالتفاق‪ .‬أل ترى أن قريشما تراوضمت فيمما يقولون للعرب فيمه إذا‬
‫قدموا عليهم الموسم‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬نقول إنه شاعر‪ .‬فقال أهل الفطنة منهم‪ :‬وال لتكذبنكم العرب‪،‬‬
‫فإنهم يعرفون أصناف الشعر‪ ،‬فوال ما يشبه شيئا منها‪ ،‬وما قوله بشعر‪ .‬وقال أنيس أخو أبي ذر‪:‬‬
‫لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم أنه شعر‪ .‬أخرجه مسلم‪ ،‬وكان أنيس من أشعر العرب‪.‬‬
‫وكذلك عتبة بن أبي ربيعة لما كلمه‪ :‬وال ما هو بشعر ول كهانة ول سحر؛ على ما يأتي بيانه من‬
‫خممبره فممي سممورة [فصمملت] إن شاء ال تعالى‪ .‬وكذلك قال غيرهممما مممن فصممحاء العرب العرباء‪،‬‬
‫واللسمن البلغاء‪ .‬ثمم إن مما يجري على اللسمان ممن موزون الكلم ل يعمد شعرا‪ ،‬وإنمما يعمد منمه مما‬
‫يجري على وزن الشعممر مممع القصممد إليممه؛ فقممد يقول القائل‪ :‬حدثنمما شيممخ لنمما وينادي يمما صمماحب‬
‫الكسمائي‪ ،‬ول يعمد هذا شعرا‪ .‬وقمد كان رجمل ينادي فمي مرضمه وهمو ممن عرض العاممة العقلء‪:‬‬
‫اذهبوا بي إلى الطبيب وقولوا قد اكتوى‪.‬‬
‫@ روى ابمن القاسمم عمن مالك أنمه سمئل عمن إنشاد الشعمر فقال‪ :‬ل تكثرن منمه؛ فممن عيبمه أن ال‬
‫يقول‪" :‬ومما علمناه الشعمر ومما ينبغمي له" قال‪ :‬ولقمد بلغنمي أن عممر بمن الخطاب رضمي ال عنمه‬
‫كتممب إلى أبممي موسممى الشعري‪ :‬أن أجمممع الشعراء قِبلك؛ وسمملهم عممن الشعممر‪ ،‬وهممل بقممي معهممم‬
‫معرفة؛ وأحضر لبيدا ذلك؛ قال‪ :‬فجمعهم فسألهم فقالوا إنا لنعرفه ونقوله‪ .‬وسأل لبيدا فقال‪ :‬ما قلت‬
‫شعرا منذ سمعت ال عز وجل يقول‪" :‬الم‪ .‬ذلك الكتاب ل ريب فيه" [البقرة‪ ]1 :‬قال ابن العربي‪:‬‬
‫هذه اليمة ليسمت ممن عيمب الشعمر؛ كمما لم يكمن قوله‪" :‬ومما كنمت تتلو ممن قبله ممن كتاب ول تخطمه‬
‫بيمينك" [العنكبوت‪ ]48 :‬من عيب الكتابة‪ ،‬فلما لم تكن المية من عيب الخط‪ ،‬كذلك ل يكون نفي‬
‫النظم عن النبي صلى ال عليه وسلم من عيب الشعر‪ .‬روي أن المأمون قال لبي علي المنقري‪:‬‬
‫بلغنمي أنمك أممي‪ ،‬وأنمك ل تقيمم الشعمر‪ ،‬وأنمك تلحمن‪ .‬فقال‪ :‬يما أميمر المؤمنيمن‪ ،‬أمما اللحمن فربمما سمبق‬
‫لساني منه بشيء‪ ،‬وأما المية وكسر الشعر فقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يكتب ول‬
‫يقيمم الشعمر‪ .‬فقال له‪ :‬سمألتك عمن ثلثمة عيوب فيمك فزدتنمي رابعما وهمو الجهمل‪ ،‬يما جاهمل! إن ذلك‬
‫كان للنمبي صملى ال عليمه وسملم فضيلة‪ ،‬وهمو فيمك وفمي أمثالك نقيصمة‪ ،‬وإنمما منمع النمبي صملى ال‬
‫عليه وسلم ذلك لنفي الظنة عنه‪ ،‬ل لعيب في الشعر والكتابة‪" .‬وما ينبغي له" أي وما ينبغي له أن‬
‫يقول‪ .‬وجعل ال جل وعز ذلك علما من أعلم نبيه عليه السلم لئل تدخل الشبهة على من أرسل‬
‫إليه؛ فيظن أنه قوي على القرآن بما في طبعه من القوة على الشعر‪ .‬ول اعتراض لملحد على هذا‬
‫بما يتفق الوزن فيه من القرآن وكلم الرسول؛ لن ما وافق وزنه وزن الشعر‪ ،‬ولم يقصد به إلى‬
‫الشعمر ليس بشعر؛ ولو كان شعرا لكان كمل من نطمق بموزون من العاممة الذين ل يعرفون الوزن‬
‫شاعرا؛ على مما تقدم بيانمه‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬معنمى "ومما ينبغمي له" أي مما يتسمهل له قول الشعمر إل‬
‫النشاء‪" .‬إن هو" أي هذا الذي يتلوه عليكم"ذكر وقرآن مبين"‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لينذر من كان حيا" أي حي القلب؛ قال قتادة‪ .‬الضحاك‪ :‬عاقل وقيل‪ :‬المعنى لتنذر‬
‫ممن كان مؤمنما فمي علم ال‪ .‬هذا على قراءة التاء خطابما للنمبي عليمه السملم‪ ،‬وهمي قراءة نافمع وابمن‬
‫عامر‪ .‬وقرأ الباقون بالياء على معنى لينذر ال عز وجل؛ أو لينذر محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أو‬
‫لينذر القرآن‪ .‬وروي عن ابن السميقع "لينذر" بفتح الياء والذال‪" .‬ويحق القول على الكافرين" أي‬
‫وتجب الحجة بالقرآن على الكفرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 73 - 71 :‬أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون‪ ،‬وذللناها‬
‫لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون‪ ،‬ولهم فيها منافع ومشارب أفل يشكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولم يروا أنا خلقنا لهم" هذه رؤية القلب؛ أي أو لم ينظروا ويعتبروا ويتفكروا‪.‬‬
‫"مما عملت أيدينا" أي مما أبدعناه وعملناه من غير واسطة ول وكالة ول شركة‪ .‬و"ما" بمعنى‬
‫الذي وحذفمت الهاء لطول السمم‪ .‬وإن جعلت "مما" مصمدرية لم تحتمج إلى إضمار الهاء‪" .‬أنعامما"‬
‫جممع نعمم والنعمم مذكمر‪" .‬فهمم لهما مالكون" ضابطون قاهرون‪" .‬وذللناهما لهمم" أي سمخرناها لهمم‬
‫حتممى يقود الصممبي الجمممل العظيممم ويضربممه ويصممرفه كيممف شاء ل يخرج مممن طاعتممه‪" .‬فمنهمما‬
‫ركوبهم" قراءة العامة بفتح الراء؛ أي مركوبهم‪ ،‬كما يقال‪ :‬ناقة حلوب أي محلوب‪ .‬وقرأ العمش‬
‫والحسن وابن السميقع‪" :‬فمنها ركوبهم" بضم الراء على المصدر‪ .‬وروى عن عائشة أنها قرأت‪:‬‬
‫"فمنها ركوبتهم" وكذا في مصحفها‪ .‬والركوب والركوبة واحد‪ ،‬مثل الحلوب والحلوبة‪ ،‬والحمول‬
‫والحمولة‪ .‬وحكى النحويون الكوفيون‪ :‬أن العرب تقول‪ :‬امرأة صبور وشكور بغير هاء‪ .‬ويقولون‪:‬‬
‫شاة حلوبمة وناقمة ركوبمة؛ لنهمم أرادوا أن يفرقوا بيمن مما كان له الفعمل وبيمن مما كان الفعمل واقعما‬
‫عليه‪ ،‬فحذفوا الهاء مما كان فاعل وأثبتوها فيما كان مفعول؛ كما قال‪:‬‬
‫سودا كخافية الغراب السحم‬ ‫فيها اثنتان وأربعون حلوبة‬
‫فيجمب أن يكون على هذا ركوبتهمم‪ .‬فأمما البصمريون فيقولون‪ :‬حذفمت الهاء على النسمب‪ .‬والحجمة‬
‫للقول الول مما رواه الجرممي عمن أبمي عمبيدة قال‪ :‬الركوبمة تكون للواحمد والجماعمة‪ ،‬والركوب ل‬
‫يكون إل للجماعمة‪ .‬فعلى هذا يكون لتذكيمر الجممع‪ .‬وزعمم أبمو حاتمم‪ :‬أنمه ل يجوز "فمنهما ركوبهمم"‬
‫بضم الراء لنه مصدر؛ والركوب ما يركب‪ .‬وأجاز الفراء "فمنها ركوبهم" بضم الراء‪ ،‬كما تقول‬
‫فمنها أكلهم ومنها شربهم‪" .‬ومنها يأكلون" من لحمانها "ولهم فيها منافع" من أصوافها وأوبارها‬
‫وأشعارهمما وشحومهمما ولحومهمما وغيممر ذلك‪" .‬ومشارب" يعنممي ألبانهمما؛ ولم ينصممرفا لنهممما مممن‬
‫الجموع التي ل نظير لها في الواحد‪" .‬أفل يشكرون" ال على نعمه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 74 :‬واتخذوا من دون ال آلهة لعلهم ينصرون‪ ،‬ل يستطيعون نصرهم وهم لهم جند‬
‫محضرون‪ ،‬فل يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتخذوا من دون ال آلهة" أي قد رأوا هذه اليات من قدوتنا‪ ،‬ثم اتخذوا من دوننا‬
‫آلهة ل قدرة لها على فعل‪" .‬لعلهم ينصرون" أي لما يرجون من نصرتها لهم إن نزل بهم عذاب‪.‬‬
‫ومممن العرب مممن يقول‪ :‬لعله أن يفعممل‪" .‬ل يسممتطيعون نصممرهم" يعنممي اللهممة‪ .‬وجمعوا بالواو‬
‫والنون؛ لنمه أخمبر عنهمم بخمبر الدمييمن‪" .‬وهمم" يعنمي الكفار "لهمم" أي لللهمة "جنمد محضرون"‬
‫قال الحسمن‪ :‬يمنعون منهمم ويدفعون عنهمم‪ .‬وقال قتادة‪ :‬أي يغضبون لهمم فمي الدنيما‪ .‬وقيمل‪ :‬المعنمى‬
‫أنهم يعبدون اللهة ويقومون بها؛ فهم لها بمنزلة الجند وهي ل تستطيع أن تنصرهم‪ .‬وهذه القوال‬
‫الثلثة متقاربة المعنى‪ .‬وقيل‪ :‬إن اللهة جند للعابدين محضرون معهم في النار‪ .‬فل يدفع بعضهم‬
‫عمن بعمض‪ .‬وقيمل‪ :‬معناه وهذه الصمنام لهؤلء الكفار جنمد ال عليهمم فمي جهنمم؛ لنهمم يلعنونهمم‬
‫ويتمبرؤون ممن عبادتهمم‪ .‬وقيمل‪ :‬اللهمة جنمد لهمم محضرون يوم القياممة لعانتهمم فمي ظنونهمم‪ .‬وفمي‬
‫الخبر‪( :‬إنه يمثل لكل قوم ما كانوا يعبدونه في الدنيا من دون ال فيتبعونه إلى النار؛ فهم لهم جند‬
‫محضرون)‬
‫قلت‪ :‬ومعنى هذا الخبر ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة‪ ،‬وفي الترمذي عنه أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬يجمع ال الناس يوم القيامة فمي صعيد واحد ثم يطلع عليهم رب‬
‫العالميممن فيقول أل ليتبممع كممل إنسممان ممما كان يعبممد فيمثممل لصمماحب الصممليب صممليبه ولصمماحب‬
‫التصمماوير تصمماويره ولصمماحب النار ناره فيتبعون ممما كانوا يعبدون ويبقممى المسمملمون‪ )...‬وذكممر‬
‫الحديث بطوله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل يحزنمك قولهمم" هذه اللغمة الفصميحة‪ .‬وممن العرب ممن يقول يحزنمك‪ .‬والمراد‬
‫تسلية نبيه عليه السلم؛ أي ل يحزنك قولهم شاعر ساحر‪ .‬وتم الكلم‪ .‬ثم استأنف فقال‪" :‬إنا نعلم‬
‫ما يسرون وما يعلنون" من القول والعمل وما يظهرون فنجازيهم بذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 77 :‬أولم ير النسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولم يمر النسمان" قال ابمن عباس‪ :‬النسمان همو عبدال بمن أبمي‪ .‬وقال سمعيد بمن‬
‫جمبير‪ :‬همو العاص بمن وائل السمهمي‪ .‬وقال الحسمن‪ :‬همو أبمي بمن خلف الجمحمي‪ .‬وقاله ابمن إسمحاق‪،‬‬
‫ورواه ابن وهب عن مالك‪" .‬أنا خلقناه من نطفة" وهو اليسير من الماء؛ نطف إذا قطر‪" .‬فإذا هو‬
‫خصميم ممبين" أي مجادل فمي الخصمومة ممبين للحجمة‪ .‬يريمد بذلك أنمه صمار بمه بعمد أن لم يكمن شيئا‬
‫مذكورا خصميما مبينما‪ .‬وذلك أنمه أتمى النمبي صملى ال عليمه وسملم بعظمم حائل فقال‪ :‬يما محممد أترى‬
‫أن ال يحيممي هذا بعممد ممما رم! فقال النممبي صمملى ال عليممه وسمملم (نعممم ويبعثممك ال ويدخلك النار)‬
‫فنزلت هذه الية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 78 :‬وضرب لنا مثل ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم‪ ،‬قل يحييها الذي‬
‫أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وضرب لنما مثل ونسمي خلقمه" أي ونسمي أنما أنشأناه ممن نطفمة ميتمة فركبنما فيمه‬
‫الحياة‪ .‬أي جوابمه ممن نفسمه حاضمر؛ ولهذا قال عليمه السملم‪( :‬نعمم ويبعثمك ال ويدخلك النار) ففمي‬
‫هذا دليل على صحة القياس؛ لن ال جل وعز احتج على منكري البعث بالنشأة الولى‪" .‬قال من‬
‫يحمي العظام وهمي رميمم" أي باليمة‪ .‬رم العظمم فهمو رميمم ورمام‪ .‬وإنمما قال رميمم ولم يقمل رميممة؛‬
‫لنهما معدولة عمن فاعلة‪ ،‬ومما كان معدول عمن وجهمه ووزنمه كان مصمروفا عمن إعرابمه؛ كقول‪:‬‬
‫"ومما كانمت أممك بغيما" [مريمم‪ ]28 :‬أسمقط الهاء؛ لنهما مصمروفة عمن باغيمة‪" .‬قمل يحييهما الذي‬
‫أنشأهما أول مرة" قيمل‪ :‬إن هذا الكافمر قال للنمبي صملى ال عليمه وسملم‪ :‬أرأيمت إن سمحقتها وأذريتهما‬
‫في الريح أيعيدها ال! فنزلت‪" :‬قل يحييها الذي أنشأها أول مرة"أي من غير شيء فهو قادر على‬
‫إعادتهما فمي النشأة الثانيمة ممن شيمء وهمو عجمم الذنمب‪ .‬ويقال عجمب الذنمب بالباء‪" .‬وهمو بكمل خلق‬
‫عليم" عليم كيف يبدئ ويعيد‪.‬‬
‫@ في هذه الية دليل على أن في العظام حياة وأنها تنجس بالموت‪ .‬وهو قول أبي حنيفة وبعض‬
‫أصحاب الشافعي‪ .‬وقال الشافعي رضي ال عنه‪ :‬ل حياة فيها‪ .‬وقد تقدم هذا في "النحل"‪ .‬فإن قيل‪:‬‬
‫أراد بقوله "من يحي العظام" أصحاب العظام وإقامة المضاف مقام المضاف إليه كثير في اللغة‪،‬‬
‫موجود فممي الشريعمة‪ .‬قلنمما‪ :‬إنمما يكون إذ احتيممج لضرورة وليمس همما هنما ضرورة تدعمو إلى هذا‬
‫الضمار‪ ،‬ول يفتقر إلى هذا التقدير‪ ،‬إذا الباري سبحانه قد أخبر به وهو قادر عليه والحقيقة تشهد‬
‫له؛ فإن الحساس الذي هو علمة الحياة موجود فيه؛ قاله ابن العربي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 80 :‬الذي جعل لكم من الشجر الخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون‪ ،‬أوليس الذي خلق‬
‫السمماوات والرض بقادر على أن يخلق مثلهمم بلى وهمو الخلق العليمم‪ ،‬إنمما أمره إذا أراد شيئا أن‬
‫يقول له كن فيكون‪ ،‬فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذي جعمل لكمم ممن الشجمر الخضمر نارا" نبمه تعالى على وحدانيتمه‪ ،‬ودل على‬
‫كمال قدرتمه فمي إحياء الموتمى بمما يشاهدونمه ممن إخراج المحرق اليابمس ممن العود الندي الرطمب‪.‬‬
‫وذلك أن الكافمر قال‪ :‬النطفمة حارة رطبمة بطبمع حياة فخرج منهما الحياة‪ ،‬والعظمم بارد يابمس بطبمع‬
‫الموت فكيمف تخرج منمه الحياة! فأنزل ال تعالى‪" :‬الذي جعمل لكمم ممن الشجمر الخضمر نارا" أي‬
‫إن الشجممر الخضممر مممن الماء والماء بارد رطممب ضممد النار وهممما ل يجتمعان‪ ،‬فأخرج ال منممه‬
‫النار؛ فهمو القادر على إخراج الضمد ممن الضمد‪ ،‬وهمو على كمل شيمء قديمر‪ .‬معنمي باليمة مما فمي‬
‫المرخ والعفار‪ ،‬وهممي زنادة العرب؛ ومنممه قولهممم‪ :‬فممي كممل شجممر نار واسممتمجد المرخ والعفار؛‬
‫فالعفار الزنمد وهمو العلى‪ ،‬والمرخ الزندة وهمي السمفل؛ يؤخمذ منهمما غصمنان مثمل المسمواكين‬
‫يقطران ماء فيحك بعضهمما إلى بعض فتخرج منهما النار‪ .‬وقال‪" :‬من الشجر الخضمر" ولم يقل‬
‫الخضراء وهمو جممع‪ ،‬لن رده إلى اللفمظ‪ .‬وممن العرب ممن يقول‪ :‬الشجمر الخضراء؛ كمما قال عمز‬
‫وجل‪" :‬من شجر من زقوم فمالئون منها البطون" [الواقعة‪ .]52 :‬ثم قال تعالى محتجا‪" :‬أو ليس‬
‫الذي خلق السمموات والرض بفادر على أن يخلق مثلهمم" أي أمثال المنكريمن للبعمث‪ .‬وقرأ سملم‬
‫أبممو المنذر ويعقوب الحضرمممي‪" :‬يقدر على أن يخلق مثلهممم" على أنممه فعممل‪" .‬بلى" أي إن خلق‬
‫السمموات والرض أعظمم ممن خلقهمم؛ فالذي خلق السمموات والرض يقدر على أن يبعثهمم‪" .‬وهمو‬
‫الخلق العليم" وقرأ الحسن باختلف عنه "الخالق"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنمما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كمن فيكون" قرأ الكسمائي "فيكون" بالنصمب‬
‫عطفما على "يقول" أي إذا أراد خلق شيمء ل يحتاج إلى تعمب ومعالجمة‪ .‬وقمد مضمى هذا فمي غيمر‬
‫موضممع‪" .‬فسممبحان الذي بيده ملكوت كممل شيممء" نزه نفسممه تعالى عممن العجممز والشرك‪ .‬وملكوت‬
‫وملكوتي في كلم العرب بمعنى ملك‪ .‬والعرب تقول‪ :‬جبروتي خير من رحموتي‪ .‬وقال سعيد عن‬
‫قتادة‪" :‬ملكوت كمل شيمء" مفاتمح كمل شيمء‪ .‬وقرأ طلحمة بمن مصمرف وإبراهيمم التيممي والعممش‬
‫"ملكمة"‪ ،‬وهمو بمعنمى ملكوت إل أنمه خلف المصمحف‪" .‬وإليمه ترجعون" أي تردون وتصميرون‬
‫بعمد مماتكمم‪ .‬وقراءة العاممة بالتاء على الخطاب‪ .‬وقرأ السملمي وزر بمن حمبيش وأصمحاب عبدال‬
‫"يرجعون" بالياء على الخبر‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة الصافات‬
‫*‪*3‬اليممة‪{ 1 :‬والصممافات صممفا‪ ،‬فالزاجرات زجرا‪ ،‬فالتاليات ذكرا‪ ،‬إن إلهكممم لواحممد‪ ،‬رب‬
‫السماوات والرض وما بينهما ورب المشارق}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والصافات صفا‪ ،‬فالزاجرات زجرا‪ ،‬فالتاليات ذكرا" هذه قراءة أكثر القراء‪ .‬وقرأ‬
‫حمزة بالدغام فيهمن‪ .‬وهذه القراءة التمي نفمر منهما أحممد بن حنبمل لمما سممعها‪ .‬النحاس‪ :‬وهمي بعيدة‬
‫في العربية من ثلث جهات‪ :‬إحداهن أن التاء ليست من مخرج الصاد‪ ،‬ول من مخرج الزاي‪ ،‬ول‬
‫مممن مخرج الذال‪ ،‬ول مممن أخواتهممن‪ ،‬وإنممما أختاهمما الطاء والدال‪ ،‬وأخممت الزاي الصمماد والسممين‪،‬‬
‫وأخمت الذال الظاء والثاء‪ .‬والجهمة الثانيمة أن التاء فمي كلممة ومما بعدهما فمي كلممة أخرى‪ .‬والجهمة‬
‫الثالثة أنك إذا أدغمت جمعت بين ساكنين من كلمتين‪ ،‬وإنما يجوز الجمع بين ساكنين في مثل هذا‬
‫إذا كانما فمي كلممة واحدة؛ نحمو دابمة وشابمة‪ .‬ومجاز قراءة حمزة أن التاء قريبمة المخرج ممن هذه‬
‫الحروف‪" .‬والصمافات" قسمم؛ الواو بدل ممن الباء‪ .‬والمعنمى برب الصمافات و"الزاجرات" عطمف‬
‫عليمه‪" .‬إن إلهكمم لواحمد" جواب القسمم‪ .‬وأجاز الكسمائي فتمح إن فمي القسمم‪ .‬والمراد بمم "الصمافات"‬
‫ومما بعدهما إلى قوله‪" :‬فالتاليات ذكرا" الملئكمة فمي قول ابمن عباس وابمن مسمعود وعكرممة وسمعيد‬
‫بمن جمبير ومجاهمد وقتادة‪ .‬تصمف فمي السمماء كصمفوف الخلق فمي الدنيما للصملة‪ .‬وقيمل‪ :‬تصمف‬
‫أجنحتهما فمي الهواء واقفمة فيمه حتمى يأمرهما ال بمما يريمد‪ .‬وهذا كمما تقوم العبيمد بيمن أيدي ملوكهمم‬
‫صمفوفا‪ .‬وقال الحسمن‪" :‬صمفا" لصمفوفهم عنمد ربهمم فمي صملتهم‪ .‬وقيمل‪ :‬همي الطيمر؛ دليله قوله‬
‫تعالى‪" :‬أو لم يروا إلى الطيمر فوقهمم صمافات" [الملك‪ .]19 :‬والصمف ترتيمب الجممع على خمط‬
‫كالصمف فمي الصملة‪" .‬والصمافات" جممع الجممع؛ يقال‪ :‬جماعمة صمافة ثمم يجممع صمافات‪ .‬وقيمل‪:‬‬
‫الصممافات جماعممة الناس المؤمنيممن إذا قاموا صممفا فممي الصمملة أو فممي الجهاد؛ ذكره القشيري‪.‬‬
‫"فالزاجرات" الملئكمة فمي قول ابمن عباس وابمن مسمعود ومسمروق وغيرهمم على مما ذكرناه إمما‬
‫لنهمما تزجممر السممحاب وتسمموقه فممي قول السممدي‪ .‬وإممما لنهمما تزجممر عممن المعاصممي بالمواعممظ‬
‫والنصممائح‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هممي زواجممر القرآن‪" .‬فالتاليات ذكرا" الملئكممة تقرأ كتاب ال تعالى؛ قال‬
‫ابمن مسمعود وابمن عباس والحسمن ومجاهمد وابمن جمبير والسمدي‪ .‬وقيمل‪ :‬المراد جبريمل وحده فذكمر‬
‫بلفظ الجمع؛ لنه كبير الملئكة فل يخلو من جنود وأتباع‪ .‬وقال قتادة‪ :‬المراد كل من تل ذكر ال‬
‫تعالى وكتبمه‪ .‬وقيمل‪ :‬همي آيات القرآن وصمفها بالتلوة كمما قال تعالى‪" :‬إن هذا القرآن يقمص على‬
‫بنمي إسمرائيل" [النممل‪ .]76 :‬ويجوز أن يقال ليات القرآن تاليات؛ لن بعمض الحروف يتبمع‬
‫بعضا؛ ذكره القشيري‪ .‬وذكر الماوردي‪ :‬أن المراد بالتاليات النبياء يتلون الذكر على أممهمم‪ .‬فإن‬
‫قيمل‪ :‬مما حكمم الفاء إذا جاءت عاطفمة فمي الصمفات؟ قيمل له‪ :‬إمما أن تدل على ترتمب معانيهما فمي‬
‫الوجود؛ كقوله‪:‬‬
‫مابح فالغانم فاليب‬ ‫يا لهف زيابة للحارث الصم‬
‫كأنممه قال‪ :‬الذي صممبح فغنممم فآب‪ .‬وإممما على ترتبهمما فممي التفاوت مممن بعممض الوجوه كقولك‪ :‬خممذ‬
‫الفضل فالكمل‪ ،‬واعمل الحسن فالجمل‪ .‬وإما على ترتب موصوفاتها في ذلك كقوله‪( :‬رحم ال‬
‫المحلقيممن فالمقصممرين)‪ .‬فعلى هذه القوانيممن الثلثممة ينسمماق أمممر الفاء العاطفممة فممي الصممفات؛ قاله‬
‫الزمخشري‪" .‬إن إلهكمم لواحمد" جواب القسمم‪ .‬قال مقاتمل‪ :‬وذلك أن الكفار بمكمة قالوا أجعمل اللهمة‬
‫إلهمما واحدا‪ ،‬وكيممف يسممع هذا الخلق فرد إله! فأقسممم ال بهؤلء تشريفمما‪ .‬ونزلت اليممة‪ .‬قال ابممن‬
‫النباري‪ :‬وهمو وقمف حسمن‪ ،‬ثمم تبتدئ "رب السمماوات والرض" على معنمى همو رب السمموات‪.‬‬
‫النحاس‪ :‬ويجوز أن يكون "رب السممموات والرض" خممبرا بعممد خممبر‪ ،‬ويجوز أن يكون بدل مممن‬
‫"واحد"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى هذيمن الوجهيمن ل يوقمف على "لواحمد"‪ .‬وحكمى الخفمش‪" :‬رب السمموات ‪ -‬ورب‬
‫المشارق" بالنصب على النعت لسم إن‪ .‬بين سبحانه معنى وحدانيته وألوهيته وكمال قدرته بأنه‬
‫"رب السموات والرض" أي خالقهما ومالكهما "ورب المشارق" أي مالك مطالع الشمس‪ .‬ابن‬
‫عباس‪ :‬للشممس كمل يوم مشرق ومغرب؛ وذلك أن ال تعالى خلق للشممس ثلثمائة وخمسمة وسمتين‬
‫كوة في مطلعها‪ ،‬ومثلها في مغربها على عدد أيام السنة الشمسية‪ ،‬تطلع في كل يوم في كوة منها‪،‬‬
‫وتغيممب فممي كوة‪ ،‬ل تطلع فممي تلك الكوة إل فممي ذلك اليوم مممن العام المقبممل‪ .‬ول تطلع إل وهممي‬
‫كارهة فتقول‪ :‬رب ل تطلعني على عبادك فإني أراهم يعصونك‪ .‬ذكره أبو عمر في كتاب التمهيد‪،‬‬
‫وابمن النباري فمي كتاب الرد عمن عكرممة؛ قال‪ :‬قلت لبمن عباس أرأيمت مما جاء عمن النمبي صملى‬
‫ال عليه وسلم في أمية بن أبي الصلت (آمن شعره وكفر قلبه) قال‪ :‬هو حق فما أنكرتم من ذلك؟‬
‫قلت‪ :‬أنكرنا قوله‪:‬‬
‫حمراء يصبح لونها يتورد‬ ‫والشمس تطلع كل آخر ليلة‬
‫إل معذبة وإل تجلد‬ ‫ليست بطالعة لهم في رسلها‬
‫ما بال الشمس تجلد؟ فقال‪ :‬والذي نفسي بيده ما طلعت شمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك‪،‬‬
‫فيقولون لهما اطلعمي اطلعمي‪ ،‬فتقول ل أطلع على قوم يعبدوننمي ممن دون ال‪ ،‬فيأتيهما ملك فيسمتقل‬
‫لضياء بنمي آدم‪ ،‬فيأتيهما شيطان يريمد أن يصمدها عمن الطلوع فتطمل بيمن قرنيمه فيحرقمه ال تعالى‬
‫تحتهما‪ ،‬فذلك قول رسمول ال صملى ال عليه وسملم (ما طلعت إل بين قرني شيطان ول غربمت إل‬
‫بين قرني شيطان وما غربت قط إل خرت ل ساجدة فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن السجود‬
‫فتغرب بيمن قرنيمه فيحرقمه ال تعالى تحتهما) لفمظ ابمن النباري‪ .‬وذكمر عمن عكرممة عمن ابمن عباس‬
‫قال‪ :‬صدّق رسول ال صلى ال عليه وسلم أمية بن أبي الصلت في هذا الشعر‪:‬‬
‫والنسر للخرى وليث مرصد‬ ‫زحل وثور تحت رجل يمينه‬
‫حمراء يصبح لونها يتورد‬ ‫والشمس تطلع كل آخر ليلة‬
‫إل معذبة وإل تجلد‬ ‫ليست بطالعة لهم في رسلها‬
‫قال عكرمة‪ :‬فقلت لبن عباس‪ :‬يا مولي أتجلد الشمس؟ فقال‪ :‬إنما اضطره الروي إلى الجلد لكنها‬
‫تخاف العقاب‪ .‬ودل بذكمر المطالع على المغارب؛ فلهذا لم يذكمر المغارب‪ ،‬وهمو كقوله‪" :‬سمرابيل‬
‫تقيكم الحر" [النحل‪ .]81 :‬وخص المشارق بالذكر؛ لن الشروق قبل الغروب‪ .‬وقال في سورة‬
‫[الرحمن] "رب المشرقين ورب المغربين" [الرحمن‪ ]17 :‬أراد بالمشرقين أقصى مطلع تطلع‬
‫منه الشمس في اليام الطوال‪ ،‬وأقصر يوم في اليام القصار على ما تقدم في "يس" وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 6 :‬إنما زينما السمماء الدنيما بزينمة الكواكمب‪ ،‬وحفظما ممن كمل شيطان مارد‪ ،‬ل يسممعون‬
‫إلى المل العلى ويقذفون مممن كممل جانممب‪ ،‬دحورا ولهممم عذاب واصممب‪ ،‬إل مممن خطممف الخطفممة‬
‫فأتبعه شهاب ثاقب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنما زينما السمماء الدنيما بزينمة الكواكمب" قال قتادة‪ :‬خلقمت النجوم ثلثما؛ رجومما‬
‫للشياطيممن‪ ،‬ونورا يهتدى بهمما‪ ،‬وزينممة لسممماء الدنيمما‪ .‬وقرأ مسممروق والعمممش والنخعممي وعاصممم‬
‫وحمزة‪" :‬بزينمة" مخفوض منون "الكواكمب" خفمض على البدل ممن "زينمة" لنهما همي‪ .‬وقرأ أبمو‬
‫بكمر كذلك إل أنمه نصمب "الكواكمب" بالمصمدر الذي همو زينمة‪ .‬والمعنمى بأن زينما الكواكمب فيهما‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون منصموبا بإضمار أعنمى؛ كأنمه قال‪ :‬إنما زيناهما "بزينمة" أعنمي "الكواكمب"‪ .‬وقيمل‪:‬‬
‫همي بدل ممن زينمة على الموضمع‪ .‬ويجوز "بزينمة الكواكمب" بمعنمى أن زينتهما الكواكمب‪ .‬أو بمعنمى‬
‫هممي الكواكممب‪ .‬الباقون "بزينممة الكواكممب" على الضافممة‪ .‬والمعنممى زينمما السممماء الدنيمما بتزييممن‬
‫الكواكمب؛ أي بحسمن الكواكمب‪ .‬ويجوز أن يكون كقراءة ممن نون إل أنمه حذف التنويمن اسمتخفافا‪.‬‬
‫"وحفظا" مصدر أي حفظناها حفظا‪" .‬من كل شيطان مارد" لما أخبر أن الملئكة تنزل بالوحي‬
‫من السماء‪،‬بين أنه حرس السماء عن استراق السمع بعد أن زينها بالكواكب‪ .‬والمارد‪ :‬العاتي من‬
‫الجن والنس‪ ،‬والعرب تسميه شيطانا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يسمعون إلى المل العلى" قال أبو حاتم‪ :‬أي لئل يسمعوا ثم حذف "أن" فرفع‬
‫الفعممل‪ .‬المل العلى‪ :‬أهممل السممماء الدنيمما فممما فوقهمما‪ ،‬وسمممي الكممل منهممم أعلى بالضافممة إلى مل‬
‫الرض‪ .‬الضميممر فممي "يسمممعون" للشياطيممن‪ .‬وقرأ جمهور الناس "يسمممعون" بسممكون السممين‬
‫وتخفيمف الميمم‪ .‬وقرأ حمزة وعاصمم فمي روايمة حفمص "ل يسممعون" بتشديمد السمين والميمم ممن‬
‫التسممميع‪ .‬فينتفممي على القراءة الولى سممماعهم وإن كانوا يسممتمعون‪ ،‬وهممو المعنممى الصممحيح‪،‬‬
‫ويعضده قوله تعالى‪" :‬إنهممم عممن السمممع لمعزولون" [الشعراء‪ .]212 :‬وينتفممي على القراءة‬
‫الخيرة أن يقع منهم استماع أو سماع‪ .‬قال مجاهد‪ :‬كانوا يتسمعون ولكن ل يسمعون‪ .‬وروي عن‬
‫ابممن عباس "ل يسمممعون إلى المل" قال‪ :‬هممم ل يسمممعون ول يتسمممعون‪ .‬وأصممل "يسمممعون"‬
‫يتسممعون فأدغممت التاء فمي السمين لقربهما منهما‪ .‬واختارهما أبمو عبيمد؛ لن العرب ل تكاد تقول‪:‬‬
‫سمعت إليه وتقول تسمعت إليه‪" .‬ويقذفون من كل جانب" أي يرمون من كل جانب؛ أي بالشهب‪.‬‬
‫"دحورا" مصدر لن معنى "يقذفون" يدحرون‪ .‬دحرته دحرا ودحورا أي طردته‪ .‬وقرأ السلمي‬
‫ويعقوب الحضرمي "دحورا" بفتح الدال يكون مصدرا على فعول‪ .‬وأما الفراء فإنه قدره على أنه‬
‫اسمم الفاعمل‪ .‬أي ويقذفون بمما يدحرهمم أي بدحور ثمم حذف الباء؛ والكوفيون يسمتعملون هذا كثيمر‬
‫كما أنشدوا‪:‬‬
‫تمرون الديار ولم تعرجوا‬
‫واختلف همل كان هذا القذف قبمل المبعمث‪ ،‬أو بعده لجمل المبعمث؛ على قوليمن‪ .‬وجاءت الحاديمث‬
‫بذلك على ما يأتي من ذكرها في سورة [الجن] عن ابن عباس‪ .‬وقد يمكن الجمع بينهما أن يقال‪:‬‬
‫إن الذين قالوا لم تكن الشياطين ترمى بالنجوم قبل مبعث النبي صلى ال عليه وسلم ثم رميت؛ أي‬
‫لم تكن ترمى رميا يقطعها عن السمع‪ ،‬ولكنها كانت ترمى وقتا ول ترمى وقتا‪ ،‬وترمى من جانب‬
‫ول ترممى ممن جانمب‪ .‬ولعمل الشارة بقوله تعالى‪" :‬ويقذفون ممن كمل جانمب‪ .‬دحورا ولهمم عذاب‬
‫واصممب" إلى هذا المعنممى‪ ،‬وهممو أنهممم كانوا ل يقذفون إل مممن بعممض الجوانممب فصمماروا يرمون‬
‫واصمبا‪ .‬وإنمما كانوا ممن قبمل كالمتجسمسة ممن النمس‪ ،‬يبلغ الواحمد منهمم حاجتمه ول يبلغهما غيره‪،‬‬
‫ويَسلَم واحد ول يَسلَم غيره‪ ،‬بل يقبض عليه ويعاقب وينكل‪ .‬فلما بعث النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫زيد في حفظ السماء‪ ،‬وأعدت لهم شهب لم تكن من قبل؛ ليدحروا عن جميع جوانب السماء‪ ،‬ول‬
‫يقروا في مقعد من المقاعد التي كانت لهم منها؛ فصاروا ل يقدرون على سماع شيء مما يجري‬
‫فيهما‪ ،‬إل أن يختطمف أحمد منهمم بخفمة حركتمه خطفمة‪ ،‬فيتبعمه شهاب ثاقمب قبمل أن ينزل إلى الرض‬
‫فيلقيهما إلى إخوانمه فيحرقمه؛ فبطلت ممن ذلك الكهانمة وحصملت الرسمالة والنبوة‪ .‬فإن قيمل‪ :‬إن هذا‬
‫القذف إن كان لجمل النبوة فلم دام بعمد النمبي صملى ال عليمه وسملم؟ فالجواب‪ :‬أنمه دام بدوام النبوة‪،‬‬
‫فإن النبي صلى ال عليه وسلم أخبر ببطلن الكهانة فقال‪( :‬ليس منا من تكهن) فلو لم تحرس بعد‬
‫موته لعادت الجن إلى تسممعها؛ وعادت الكهانة‪ .‬ول يجوز ذلك بعد أن بطل‪ ،‬ولن قطع الحراسمة‬
‫عن السماء إذا وقع لجل النبوة فعادت الكهانة دخلت الشبهة على ضعفاء المسلمين‪ ،‬ولم يؤمن أن‬
‫يظنوا أن الكهانمة إنمما عادت لتناهمي النبوة‪ ،‬فصمح أن الحكممة تقضمي دوام الحراسمة فمي حياة النمبي‬
‫عليمه السملم‪ ،‬وبعمد أن توفاه ال إلى كرامتمه صملى ال عليمه وعلى آله‪" .‬ولهمم عذاب واصمب" أي‬
‫دائم‪ ،‬عمن مجاهمد وقتادة‪ .‬وقال ابمن عباس‪ :‬شديمد‪ .‬الكلبمي والسمدي وأبمو صمالح‪ :‬موجمع؛ أي الذي‬
‫يصل وجعه إلى القلب؛ مأخوذ من الوصب وهو المرض‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل ممن خطمف الخطفمة" اسمتثناء ممن قوله‪" :‬ويقذفون ممن كمل جانمب" وقيمل‪:‬‬
‫السمتثناء يرجمع إلى غيمر الوحمي؛ لقوله تعالى‪" :‬إنهمم عمن السممع لمعزولون" [الشعراء‪]212 :‬‬
‫فيسمترق الواحمد منهمم شيئا ممما يتفاوض فيمه الملئكمة‪ ،‬ممما سميكون فمي العالم قبمل أن يعلممه أهمل‬
‫الرض؛ وهذا لخفممة أجسمممام الشياطيمممن فيرجمون بالشهممب حينئذ‪ .‬وروي فمممي هذا الباب أحادث‬
‫صمحاح‪ ،‬مضمنهما‪ :‬أن الشياطيمن كانمت تصمعد إلى السمماء‪ ،‬فتقعمد للسممع واحدا فوق واحمد‪ ،‬فيتقدم‬
‫الجسر نحو السماء ثم الذي يليه ثم الذي يليه‪ ،‬فيقضي ال تعالى المر من أمر الرض‪ ،‬فيتحدث‬
‫به أهل السماء فيسمعه منهم الشيطان الدنى‪ ،‬فيلقيه إلى الذي تحته فربما أحرقه شهاب‪ ،‬وقد ألقى‬
‫الكلم‪ ،‬وربممما لم يحرقممه على ممما بيناه‪ .‬فتنزل تلك الكلمممة إلى الكهان‪ ،‬فيكذبون معهمما مائة كذبممة‪،‬‬
‫وتصممدق تلك الكلمممة فيصممدق الجاهلون الجميممع كممما بيناه فممي "النعام"‪ .‬فلممما جاء ال بالسمملم‬
‫حرست السماء بشدة‪ ،‬فل يفلت شيطان سمع َبتّة‪ .‬والكواكب الراجمة هي التي يراها الناس تنقض‪.‬‬
‫قال النقاش ومكي‪ :‬وليست بالكواكب الجارية في السماء؛ لن تلك ل ترى حركتها‪ ،‬وهذه الراجمة‬
‫ترى حركتهما؛ لنهما قريبمة منما‪ .‬وقمد مضمى فمي هذا الباب فمي سمورة [الحجمر] ممن البيان مما فيمه‬
‫كفايمة‪ .‬وذكرنما فمي "سمبأ" حديمث أبمي هريرة‪ .‬وفيمه (والشياطيمن بعضهمم فوق بعمض) وقال فيمه‬
‫الترمذي حديث حسن صحيح‪ .‬وفيه عن ابن عباس‪( :‬ويختطف الشياطين السمع فيرمون فيقذفونه‬
‫إلى أوليائهمم فمما جاؤوا بمه على وجهه فهمو حمق ولكنهمم يحرفونمه ويزيدون)‪ .‬قال هذا حديمث حسمن‬
‫خطّف‪ .‬والصل‬ ‫خطّف و ِ‬ ‫خطّف و ِ‬ ‫خطِف و َ‬ ‫خطَ فَ و َ‬
‫صحيح‪ .‬والخطف‪ :‬أخذ الشيء بسرعة؛ يقال‪َ :‬‬
‫فمي المشددات اختطمف فأدغمم التاء فمي الطاء لنهما أختهما‪ ،‬وفتحمت الخاء؛ لن حركمة التاء ألقيمت‬
‫عليها‪ .‬ومن كسرها فللتقاء الساكنين‪ .‬ومن كسر الطاء أتبع الكسر الكسر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأتبعه شهاب ثاقب" أي مضيء؛ قاله الضحاك والحسن وغيرهما‪ .‬وقيل‪ :‬المراد‬
‫كواكب النار تتبعهم حتى تسقطهم في البحر‪ .‬وقال ابن عباس في الشهب‪ :‬تحرقهم من غير موت‪.‬‬
‫وليست الشهب التي يرجم الناس بها من الكواكب الثوابت‪ .‬يدل على ذلك رؤية حركاتها‪ ،‬والثابتة‬
‫تجري ول ترى حركاتهما لبعدهما‪ .‬وقمد مضمى هذا‪ .‬وجممع شهاب شهمب‪ ،‬والقياس فمي القليمل أشهبمة‬
‫وإن لم يُسمع من العرب و"ثاقب" معناه مضيء؛ قاله الحسن ومجاهد وأبو مجلز‪ .‬ومته قوله‪:‬‬
‫وزندك أثقب أزنادها‬
‫شهُبٌم ثُقُبٌم وثواقمب وثقاب‪ .‬وحكمى الكسمائي‪ :‬ثقبمت النار‬ ‫أي أضوأ‪ .‬وحكمى الخفمش فمي الجممع‪ُ :‬‬
‫تثقب ثقابةً وثقوبا إذا اتقدت‪ ،‬وأثقبتها أنا‪ .‬وقال زيد بن أسلم في الثاقب‪ :‬إنه المستوقد؛ من قولهم‪:‬‬
‫أثقب زندك أي استوقد نارك؛ قال الخفش‪ .‬وأنشد قول الشاعر‪:‬‬
‫ضرب الدهر سناه فخمد‬ ‫بينما المرء شهاب ثاقب‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 11 :‬فاسمتفتهم أهمم أشمد خلقما أم ممن خلقنما إنما خلقناهمم ممن طيمن لزب‪ ،‬بمل عجبمت‬
‫ويسمخرون‪ ،‬وإذا ذكروا ل يذكرون‪ ،‬وإذا رأوا آيمة يسمتسخرون‪ ،‬وقالوا إن هذا إل سمحر ممبين‪ ،‬أئذا‬
‫متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون‪ ،‬أو آباؤنا الولون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاستفتهم" أي سلهم يعني أهل مكة؛ مأخوذ من استفتاء المفتي‪" .‬أهم أشد خلقا أم‬
‫ممن خلقنما" قال مجاهمد‪ :‬أي ممن خلقنما ممن السمموات والرض والجبال والبحار‪ .‬وقيمل‪ :‬يدخمل فيمه‬
‫الملئكة ومن سلف من المم الماضية‪ .‬يدل على ذلك أنه أخبر عنهم "بمن" قال سعيد بن جبير‪:‬‬
‫الملئكة‪ .‬وقال غيره‪" :‬من" المم الماضية وقد هلكوا وهم أشد خلقا منهم‪ .‬نزلت في أبي الشد بن‬
‫كلدة‪ ،‬وسمممى بأبممى الشممد لشدة بطشممه وقوتممه‪ .‬وسمميأتي فممي "البلد" ذكره‪ .‬ونظيممر هذه‪" :‬لخلق‬
‫السممموات والرض أكممبر مممن خلق الناس" غافممر‪ ]57 :‬وقوله‪" :‬أأنتممم أشممد خلقمما أم السممماء"‬
‫[النازعات‪" .]27 :‬إنما خلقناهمم ممن طيمن لزب" أي لصمق؛ قال ابمن عباس‪ .‬ومنمه قول علي‬
‫رضي ال عنه‪:‬‬
‫وأخلق خير كلها لك لزب‬ ‫تعلم فإن ال زادك بسطة‬
‫وقال قتادة وابمممن زيمممد‪ :‬معنمممى "لزب" لزق‪ .‬الماوردي‪ :‬والفرق بيمممن اللصمممق واللزق أن‬
‫اللصمق‪ :‬همو الذي قمد لصمق بعضمه ببعمض‪ ،‬واللزق‪ :‬همو الذي يلتزق بمما أصمابه‪ .‬وقال عكرممة‪:‬‬
‫"لزب" لزج‪ .‬سمعيد بمن جمبير‪ :‬أي جيمد حمر يلصمق باليمد‪ .‬مجاهمد‪" :‬لزب" لزم‪ .‬والعرب تقول‪:‬‬
‫طيممن لزب ولزم‪ ،‬تبدل الباء مممن الميممم‪ .‬ومثله قولهممم‪ :‬ل تممب ولزم‪ .‬على إبدال الباء بالميممم‪.‬‬
‫واللزب الثابت؛ تقول‪ :‬صار الشيء ضربة لزب‪ ،‬وهو أفصح من لزم‪ .‬قال النابغة‪:‬‬
‫ول تحسبون الشر ضربة لزب‬ ‫ول تحسبون الخير ل شر بعده‬
‫وحكمى الفراء عمن العرب‪ :‬طيمن لتمب بمعنمى لزم‪ .‬واللتمب الثابمت؛ تقول منمه‪ :‬لتمب يلتمب لتبما‬
‫ولتوبا‪ ،‬مثل لزب يزب بالضم لزوبا؛ وأنشد أبو الجراح في اللتب‪:‬‬
‫فإني من شرب النبيذ لتائب‬ ‫فإن يك هذا من نبيذ شربته‬
‫وغم مع الشراق في الجوف لتب‬ ‫صداع وتوصيم العظام وفترة‬
‫واللتمب أيضما‪ :‬اللصمق مثمل اللزب‪ ،‬عمن الصممعي حكاه الجوهري‪ .‬وقال السمدي والكلبمي فمي‬
‫اللزب‪ :‬إنه الخالص‪ .‬مجاهد والضحاك‪ :‬إنه المنتن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بل عجبت" قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم بفتح التاء خطابا للنبي صلى‬
‫ال عليمه وسملم؛ أي بمل عجبمت ممما نزل عليمك ممن القرآن وهمم يسمخرون بمه‪ .‬وهمي قراءة شريمح‬
‫وأنكمر قراءة الضمم وقال‪ :‬إن ال ل يعجمب ممن شيمء‪ ،‬وإنمما يعجمب ممن ل يعلم‪ .‬وقيمل‪ :‬المعنمى بمل‬
‫عجبمت ممن إنكارهمم للبعمث‪ .‬وقرأ الكوفيون إل عاصمما بضمم التاء‪ .‬واختارهما أبمو عبيمد والفراء‪،‬‬
‫وهي مروية عن علي وابن مسعود؛ رواه شعبة عن العمش عن أبي وائل عن عبدال بن مسعود‬
‫أنه قرأ‪" :‬بل عجبت" بضم التاء‪ .‬ويروى عن ابن عباس‪ .‬قال الفراء في قوله سبحانه‪" :‬بل عجبت‬
‫ويسمخرون" قرأهما الناس بنصمب التاء ورفعهما‪ ،‬والرفمع أحمب إلي؛ لنهما عمن علي وعبدال وابمن‬
‫عباس‪ .‬وقال أبمو زكريما القراء‪ :‬العجمب إن أسمند إلى ال عمز وجمل فليمس معناه ممن ال كمعناه ممن‬
‫العباد؛ وكذلك قوله‪" :‬ال يسمتهزئ بهمم" [البقرة‪ ]15 :‬ليمس ذلك ممن ال كمعناه ممن العباد‪ .‬وفمي‬
‫هذا بيان الكسر لقول شريح حيث أنكر القراءة بها‪ .‬روى جرير والعمش عن أبي وائل شقيق بن‬
‫سلمة قال‪ :‬قرأها عبدال يعني ابن مسعود "بل عجبتُ ويسخرون" قال شريح‪ :‬إن ال ل يعجب من‬
‫شيء إنما يعجب من ل يعلم‪ .‬قال العمش فذكرته لبراهيم فقال‪ :‬إن شريحا كان يعجبه رأيه‪ ،‬إن‬
‫عبدال كان أعلم ممن شريمح وكان يقرؤهما عبدال "بمل عجبتمُ"‪ .‬قال الهروي‪ :‬وقال بعمض الئممة‪:‬‬
‫معنمى قوله‪" :‬بمل عجبمت" بمل جازيتهمم على عجبهمم؛ لن ال تعالى أخمبر عنهمم فمي غيمر موضمع‬
‫بالتعجممب مممن الحممق؛ فقال‪" :‬وعجبوا أن جاءهممم منذر منهممم" [ص‪ ]4 :‬وقال‪" :‬إن هذا لشيممء‬
‫عجاب"‪" ،‬أكان للناس عجبا أن أوحينما إلى رجل منهم" [يونس‪ ]2:‬فقال تعالى‪" :‬بل عجبت" بل‬
‫جازيتهم على التعجب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا تمام معنممى قول الفراء واختاره البيهقممي‪ .‬وقال علي بممن سممليمان‪ :‬معنممى القراءتيممن‬
‫واحد‪ ،‬التقدير‪ :‬قيل يا محمد بل عجبت؛ لن النبي صلى ال عليه وسلم مخاطب بالقرآن‪ .‬النحاس‪:‬‬
‫وهذا قول حسممن وإضمار القول كثيممر‪ .‬البيهقممي‪ :‬والول أصممح‪ .‬المهدوي‪ :‬ويجوز أن يكون إخبار‬
‫ال عمن نفسمه بالعجمب محمول على أنمه أظهمر ممن أمره وسمخطه على ممن كفمر بمه مما يقوم مقام‬
‫العجب من المخلوقين؛ كما يحمل إخباره تعالى عن نفسه بالضحك لمن يرضى عنه ‪ -‬على ما جاء‬
‫فمي الخمبر عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم ‪ -‬على أنمه أظهمر له ممن رضاه عنمه مما يقوم له مقام‬
‫الضحممك مممن المخلوقيممن مجازا واتسمماعا‪ .‬قال الهروي‪ :‬ويقال معنممى (عجممب ربكممم) أي رضممي‬
‫وأثاب؛ فسمماه عجبا وليس بعجب فمي الحقيقة؛ كمما فال تعالى‪" :‬ويمكمر ال" [النفال‪ ]30 :‬معناه‬
‫ويجازيهم ال على مكرهم‪ ،‬ومثله في الحديث (عجب ربكم من إلّكم وقنوطكم)‪ .‬وقد يكون العجب‬
‫بمعنممى وقوع ذلك العممل عنمد ال عظيمما‪ .‬فيكون معنممى قوله‪" :‬بمل عجبمت" أي بمل عظمم فعلهمم‬
‫عندي‪ .‬قال البيهقي‪ :‬ويشبه أن يكون هذا معنى حديث عقبة بن عامر قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى‬
‫ال عليمه وسملم يقول‪( :‬عجمب ربمك ممن شاب ليسمت له صمبوة) وكذلك مما خرجمه البخاري عمن أبمي‬
‫هريرة عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم قال‪( :‬عجمب ال ممن قوم يدخلون الجنمة فمي السملسل) قال‬
‫البيهقمي‪ :‬وقمد يكون هذا الحديمث ومما ورد ممن أمثاله أنمه يعجمب ملئكتمه ممن كرممه ورأفتمه بعباده‪،‬‬
‫حين حملهم على اليمان به بالقتال والسر في السلسل‪ ،‬حتى إذا آمنوا أدخلهم الجنة‪ .‬وقيل‪ :‬معنى‬
‫"بمل عجبمت" بمل أنكرت‪ .‬حكاه النقاش‪ .‬وقال الحسمين بمن الفضمل‪ :‬التعجمب ممن ال إنكار الشيمء‬
‫وتعظيمه‪ ،‬وهو لغة العرب‪ .‬وقد جاء في الخبر (عجب ربكم من إلّكم وقنوطكم)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويسخرون" قيل‪ :‬الواو واو الحال؛ أي عجبت منهم في حال سخريتهم‪ .‬وقيل‪ :‬تم‬
‫الكلم عنمد فوله‪" :‬بمل عجبمت" ثمم اسمتأنف فقال‪" :‬ويسمخرون" أي ممما جئت بمه إذا تلوتمه عليهمم‪.‬‬
‫وقيمل‪ :‬يسمخرون منمك إذا دعوتهمم‪" .‬وإذا ذكروا" أي وعظوا بالقرآن فمي قول قتادة‪" :‬ل يذكرون"‬
‫ل ينتفعون به‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬أي إذا ذكر لهم ما حل بالمكذبين من قبلهم أعرضوا عنه ولم‬
‫يتدبروا‪" .‬وإذا رأوا آيممة" أي معجزة "يسممتسخرون" أي يسممخرون فممي قوله قتادة‪ .‬ويقولون إنهمما‬
‫ى مثمل اسمتقر وقمر‪ ،‬واسمتعجب‪ ،‬وعجمب‪ .‬وقيمل‪" :‬يسمتسخرون" أي‬ ‫سمحر‪ .‬واسمتسخر وسمخر بمعن ً‬
‫يستدعون السخري من غيرهم‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬يستهزئون‪ .‬وقيل‪ :‬أي يظنون أن تلك الية سخرية‪.‬‬
‫"وقالوا إن هذا إل سحر مبين" أي إذا عجزوا عن مقابلة المعجزات بشيء قالوا هذا سحر وتخييل‬
‫وخداع‪" .‬أئذا متنا" أي انبعث إذا متنا؟‪ .‬فهو استفهام إنكار منهم وسخرية‪" .‬أو آباؤنا الولون" أي‬
‫أو تبعث آباؤنا دخلت ألف الستفهام على حرف العطف‪ .‬قرأ نافع‪" :‬أو آباؤنا" بسكون الواو‪ .‬وقد‬
‫مضى هذا في سورة "العراف"‪ .‬في قوله تعالى‪" :‬أو أمن أهل القرى" [العراف‪.]98 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬قل نعم وأنتم داخرون‪ ،‬فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون‪ ،‬وقالوا يا ويلنا‬
‫هذا يوم الدين‪ ،‬هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قمل نعمم" أي نعمم تبعثون‪" .‬وأنتمم داخرون" أي صماغرون أذلء؛ لنهمم إذا رأوا‬
‫وقوع ممما أنكروه فل محالة يذلون‪ .‬وقيممل‪ :‬أي سممتقوم القيامممة وإن كرهتممم‪ ،‬فهذا أمممر واقممع على‬
‫رغمكممم وإن أنكرتموه اليوم بزعمكممم‪" .‬فإنممما هممي زجرة واحدة" أي صمميحة واحدة‪ ،‬قاله الحسممن‬
‫وهمي النفخمة الثانيمة‪ .‬وسمميت الصميحة زجرة؛ لن مقصمودها الزجمر أي يزجمر بهما كزجمر البمل‬
‫والخيل عند السوق‪" .‬فإذا هم" قيام‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ينظرون" أي ينظمر بعضهمم إلى بعمض‪ .‬وقيمل‪ :‬المعنمى ينتظرون مما يفعمل بهمم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هي مثل قوله‪" :‬فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا" [النبياء‪ .]97 :‬وقيل‪ :‬أي ينظرون‬
‫إلى البعث الذي أنكروه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين" نادوا على أنفسهم بالويل؛ لنهم يومئذ يعلمون ما‬
‫حل بهمم‪ .‬وهو منصوب على أنه مصدر عند البصمريين‪ .‬وزعم الفراء أن تقديره‪ :‬ياوي لنا‪ ،‬ووي‬
‫بمعنمى حزن‪ .‬النحاس‪ :‬ولو كان كمما قال لكان منفصمل وهمو فمي المصمحف متصمل‪ ،‬ول نعلم أحدا‬
‫يكتبمه إل متصمل‪ .‬و"يوم الديمن" يوم الحسماب‪ .‬وقيمل‪ :‬يوم الجزاء‪" .‬هذا يوم الفصمل الذي كنتمم بمه‬
‫تكذبون" قيمل‪ :‬همو ممن قول بعضهمم لبعمض؛ أي هذا اليوم الذي كذبنما بمه‪ .‬وقيمل‪ :‬همو قول ال تعالى‬
‫لهم‪ .‬وقيل‪ :‬من قول الملئكة؛ أي هذا يوم الحكم بين الناس فيبين المحق من المبطل‪ .‬فم "فريق في‬
‫الجنة وفريق في السعير" [الشورى‪.]7 :‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 22 :‬احشروا الذيمن ظلموا وأزواجهمم ومما كانوا يعبدون‪ ،‬ممن دون ال فاهدوهمم إلى‬
‫صمراط الجحيمم‪ ،‬وقفوهمم إنهمم مسمؤولون‪ ،‬مما لكمم ل تناصمرون‪ ،‬بمل همم اليوم مسمتسلمون‪ ،‬وأقبمل‬
‫بعضهم على بعض يتساءلون‪ ،‬قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين‪ ،‬قالوا بل لم تكونوا مؤمنين‪ ،‬وما‬
‫كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين‪ ،‬فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون‪ ،‬فأغويناكم إنا كنا‬
‫غاوين‪ ،‬فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون‪ ،‬إنا كذلك نفعل بالمجرمين‪ ،‬إنهم كانوا إذا قيل لهم ل إله‬
‫إل ال يستكبرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬احشروا الذيمن ظلموا وأزواجهمم" همو ممن قول ال تعالى للملئكمة‪" :‬احشروا"‬
‫المشركيمن "وأزواجهمم" أي أشياعهمم فمي الشرك‪ ،‬والشرك الظلم؛ قال ال تعالى‪" :‬إن الشرك لظلم‬
‫عظيم" [لقمان‪ ]13 :‬فيحشر الكافر مع الكافر؛ قاله قتادة وأبو العالية‪ .‬وقال عمر بن الخطاب في‬
‫قول ال عز وجل‪" :‬احشروا الذين ظلموا وأزواجهم" قال‪ :‬الزاني مع الزاني‪ ،‬وشارب الخمر مع‬
‫شارب الخمر‪ ،‬وصاحب السرقة مع صاحب السرقة‪ .‬وقال ابن عباس‪" :‬وأزواجهم" أي أشباههم‪.‬‬
‫وهذا يرجممع إلى قول عمممر‪ .‬وقيممل‪" :‬وأزواجهممم" نسمماؤهم الموافقات على الكفممر؛ قاله مجاهممد‬
‫والحسمن‪ ،‬ورواه النعمان بمن بشيمر عمن عممر بمن الخطاب‪ .‬وقال الضحاك‪" :‬وأزواجهمم" قرناءهمم‬
‫من الشياطين‪ .‬وهذا قول مقاتل أيضا‪ :‬يحشر كل كافر مع شيطانه في سلسلة‪" .‬وما كانوا يعبدون‬
‫ممن دون ال" ممن الصمنام والشياطيمن وإبليمس‪" .‬فاهدوهمم إلى صمراط الجحيمم" أي سموقوهم إلى‬
‫النار‪ .‬وقيمل‪" :‬فأهدوهمم" أي دلوهمم‪ .‬يقال‪ :‬هديتمه إلى الطريمق‪ ،‬وهديتمه الطريمق؛ أي دللتمه عليمه‪.‬‬
‫وأهديت الهدية وهديت العروس‪ ،‬ويقال أهديتها؛ أي جعلتها بمنزلة الهدية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقفوهمم" وحكمى عيسمى بمن عممر "أنهمم" بفتمح الهمزة‪ .‬قال الكسمائي‪ :‬أي لنهمم‬
‫وبأنهمم‪ ،‬يقال‪ :‬وقفمت الدابمة أقفهما وقفما فوقفمت همي وقوفما‪ ،‬يتعدى ول يتعدى؛ أي احسمبوهم‪ .‬وهذا‬
‫يكون قبل السوق إلى الجحيم؛ وفيه تقديم وتأخير‪ ،‬أي قفوهم للحساب ثم سوقوهم إلى النار‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫يسمماقون إلى النار أول ثمم يحشرون للسمؤال إذا قربوا ممن النار‪" .‬إنهممم مسممؤولون" عمن أعمالهممم‬
‫وأقوالهمم وأفعالهمم؛ قال القرظمي والكلبمي‪ .‬الضحاك‪ :‬عمن خطاياهمم‪ .‬ابمن عباس‪ :‬عمن ل إله إل ال‪.‬‬
‫وعنه أيضا‪ :‬عن ظلم الخلق‪ .‬وفي هذا كله دليل على أن الكافر يحاسب‪ .‬وقد مضى في "الحجمر"‬
‫الكلم فيه‪ .‬وقيل‪ :‬سؤالهم أن يقال لهم‪" :‬ألم يأتكم رسل منكم" [النعام‪ ]130 :‬إقامة للحجة‪ .‬ويقال‬
‫لهمم‪" :‬مما لكمم ل تناصمرون" على جهمة التقريمع والتوبيمخ؛ أي ينصمر بعضكمم بعضما فيمنعمه ممن‬
‫عذاب ال‪ .‬وقيممل‪ :‬همو إشارة إلى قول أبممي جهممل يوم بدر‪" :‬نحمن جميممع منتصممر" [القمممر‪.]44 :‬‬
‫وأصله تتناصرون فطرحت إحدى التاءين تخفيفا‪ .‬وشدد البزي التاء في الوصل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بمل همم اليوم مسمتسلمون" قال قتادة‪ :‬مسمتسلمون فمي عذاب ال عمز وجمل‪ .‬ابمن‬
‫عباس‪ :‬خاضعون ذليلون‪ .‬الحسممن‪ :‬منقادون‪ .‬الخفممش‪ :‬ملقون بأيديهممم‪ .‬والمعنممى متقارب‪" .‬وأقبممل‬
‫بعضهم على بعض" يعني الرؤساء والتباع "يتساءلون" يتخاصمون‪ .‬ويقال ل يتساءلون فسقطت‬
‫ل‪ .‬النحاس‪ :‬وإنممما غلط الجاهممل باللغممة فتوهممم أن هذا مممن قوله‪" :‬فل أنسمماب بينهممم يومئذ ول‬
‫يتساءلون" [المؤمنون‪ ]101 :‬إنما هو ل يتساءلون بالرحام‪ ،‬فيقول أحدهم‪ :‬أسألك بالرحم الذي‬
‫بيني وبينك لما نفعتني‪ ،‬أو أسقطت لي حقا لك علي‪ ،‬أو وهبت لي حسنة‪ .‬وهذا بين؛ لن قبله "فل‬
‫أنسماب بينهمم" [المؤمنون‪ .]101 :‬أي ليمس ينتفعون بالنسماب التمي بينهمم؛ كمما جاء فمي الحديمث‪:‬‬
‫(إن الرجل ليسر بأن يصبح له على أبيه أو على ابنه حق فيأخذه منه لنها الحسنات والسيئات)‪،‬‬
‫وفمي حديمث آخمر‪( :‬رحمم ال امرأ كان لخيه عنده مظلممة من مال أو عرض فأتاه فاسمتحله قبمل أن‬
‫يطالبه به فيأخذ من حسناته فإن لم تكن له حسنات زيد عليه من سيئات المطالب)‪ .‬و"يتساءلون"‬
‫ها هنا إنما هو أن يسأل بعضهم بعضا ويوبخه في أنه أضله أو فتح بابا من المعصية؛ يبين ذلك‬
‫أن بعده "إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين" قال مجاهد‪ :‬هو قول الكفار للشياطين‪ .‬قتادة‪ :‬هو قول النس‬
‫للجمن‪ .‬وقيمل‪ :‬همو ممن قول التباع للمتبوعيمن؛ دليله قوله تعالى‪" :‬ولو ترى إذ الظالمون موقوفون‬
‫عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول" [سبأ‪ ]31 :‬الية‪ .‬قال سعيد عن قتادة‪ :‬أي تأتوننا عن‬
‫طريمق الخيمر وتصمدوننا عنهما‪ .‬وعمن ابمن عباس نحمو منمه‪ .‬وقيمل‪ :‬تأتوننما عمن اليميمن التمي نحبهما‬
‫ونتفاءل بهما لتغرونما بذلك ممن جهمة النصمح‪ .‬والعرب تتفاءل بمما جاء عمن اليميمن وتسمميه السمانح‪.‬‬
‫وقيمل‪" :‬تأتوننما عمن اليميمن" تأتوننما مجيمء ممن إذا حلف لنما صمدقناه‪ .‬وقيمل‪ :‬تأتوننما ممن قبمل الديمن‬
‫فتهونون علينا أمر الشريعة وتنفروننا عنها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا القول حسن جدا؛ لن من جهة الدين يكون الخير والشر‪ ،‬واليمين بمعنى الدين؛ أي‬
‫كنتم تزينون لنا الضللة‪ .‬وقيل‪ :‬اليمين بمعنى القوة؛ أي تمنعوننا بقوة وغلبة وقهر؛ قال ال تعالى‪:‬‬
‫"فراغ عليهم ضربا باليمين" [الصافات‪ ]93 :‬أي بالقوة وقوة الرجل في يمينه؛ وقال الشاعر‪:‬‬
‫تلقاها عرابة باليمين‬ ‫إذا ما راية رفعت لمجد‬
‫أي بالقوة والقدرة‪ .‬وهذا قول ابمن عباس‪ .‬وقال مجاهمد‪" :‬تأتوننما عن اليميمن" أي من قبمل الحمق أنه‬
‫معكممم؛ وكله متقارب المعنممى‪" .‬قالوا بممل لم تكونوا مؤمنيممن" قال قتادة‪ :‬هذا قول الشياطيممن لهممم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬من قول الرؤساء؛ أي لم تكونوا مؤمنين قط حتى ننقلكم منه إلى الكفر‪ ،‬بل كنتم على الكفر‬
‫فأقمتم عليه لللف والعادة‪" .‬وما كان لنا عليكم من سلطان" أي من حجة في ترك الحق "بل كنتم‬
‫قومما طاغيمن" أي ضاليمن متجاوزيمن الحمد‪" .‬فحمق علينما قول ربنما" هو أيضما ممن قول المتبوعيمن؛‬
‫أي وجمب علينما وعليكمم قول ربنما‪ ،‬فكلنما ذائقون العذاب‪ ،‬كمما كتمب ال وأخمبر على ألسمنة الرسمل‬
‫"لملن جهنم من الجنة والناس أجمعين" [السجدة‪ .]13 :‬وهذا موافق للحديث‪( :‬إن ال جل وعز‬
‫كتب للنار أهل وللجنة أهل ل يزاد فيهم ول ينقص منهم)‪" .‬فأغويناكم" أي زينا لكم ما كنتم عليه‬
‫ممن الكفمر "إنما كنما غاويمن" بالوسموسة والسمتدعاء‪ .‬ثمم قال مخمبرا عنهمم‪" :‬فإنهمم يومئذ فمي العذاب‬
‫مشتركون" الضال والمضمل‪" .‬إنما كذلك" أي مثمل هذا الفعمل "نفعمل بالمجرميمن" أي المشركيمن‪.‬‬
‫"إنهممم كانوا إذا قيممل لهممم ل إله إل ال يسممتكبرون" أي إذا قيممل لهممم قولوا فأضمممر القول‪.‬‬
‫و"يسمتكبرون" فمي موضمع نصمب على خمبر كان‪ .‬ويجوز أن يكون فمي موضمع رفمع على أنمه خمبر‬
‫إن‪ ،‬وكان ملغاة‪ .‬ولما قال النبي صلى ال عليه وسلم لبي طالب عند موته واجتماع قريش (قولوا‬
‫ل إله إل ال تملكوا بهما العرب وتديمن لكمم بهما العجمم) أبوا وأنفوا ممن ذلك‪ .‬وقال أبمو هريرة عمن‬
‫النمبي صملى ال عليمه وسملم قال‪( :‬أنزل ال تعالى فمي كتابمه فذكمر قومما اسمتكبروا فقال‪" :‬إنهمم كانوا‬
‫إذا قيمل لهمم ل إله إل ال يسمتكبرون") وقال تعالى‪" :‬إذ جعمل الذيمن كفروا فمي قلوبهمم الحميمة حميمة‬
‫الجاهليمة فأنزل ال سمكينته على رسموله وعلى المؤمنيمن وألزمهمم كلممة التقوى وكانوا احمق بهما‬
‫وأهلها" [الفتح‪ ]26 :‬وهي (ل إله إل ال محمد رسول ال) استكبر عنها المشركون يوم الحديبية‬
‫يوم كاتبهم رسمول ال صلى ال عليه وسملم على قضيمة المدة؛ ذكر هذا الخمبر البيهقمي‪ ،‬والذي قبله‬
‫القشيري‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 40 - 36 :‬ويقولون أئنما لتاركوا آلهتنما لشاعمر مجنون‪ ،‬بمل جاء بالحمق وصمدق‬
‫المرسلين‪ ،‬إنكم لذائقوا العذاب الليم‪ ،‬وما تجزون إل ما كنتم تعملون‪ ،‬إل عباد ال المخلصين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون" أي لقول شاعر مجنون؛ فرد ال جل‬
‫وعز عليهم فقال‪" :‬بل جاء بالحق" يعني القرآن والتوحيد "وصدق المرسلين" فيما جاؤوا به من‬
‫التوحيمد‪" .‬إنكمم لذائقوا العذاب الليمم" الصمل لذائقون فحذفمت النون اسمتخفافا وخفضمت للضافمة‪.‬‬
‫ويجوز النصب كما أنشد سيبويه‪:‬‬
‫ول ذاكر ال إل قليل‬ ‫فألفيته غير مستعتب‬
‫وأجاز سميبويه "والمقيممي الصملة" على هذا‪" .‬ومما تجزون إل مما كنتمم تعملون" أي إل بمما عملتمم‬
‫مممن الشرك "إل عباد ال المخلصممين" اسممتثناء ممممن يذوق العذاب‪ .‬وقراءة أهممل المدينممة والكوفممة‬
‫"المخلصين" بفتح اللم؛ يعني الذين أخلصهم ال لطاعته ودينه ووليته‪ .‬الباقون بكسر اللم؛ أي‬
‫الذيمن أخلصموا ل العبادة‪ .‬وقيمل‪ :‬همو اسمتثناء منقطمع‪ ،‬أي إنكمم أيهما المجرمون ذائقمو العذاب لكمن‬
‫عباد ال المخلصين ل يذوقون العذاب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 41 :‬أولئك لهمم رزق معلوم‪ ،‬فواكمه وهمم مكرمون‪ ،‬فمي جنات النعيمم‪ ،‬على سمرر‬
‫متقابليمن‪ ،‬يطاف عليهمم بكأس ممن معيمن‪ ،‬بيضاء لذة للشاربيمن‪ ،‬ل فيهما غول ول همم عنهما ينزفون‪،‬‬
‫وعندهم قاصرات الطرف عين‪ ،‬كأنهن بيض مكنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك لهمم رزق معلوم" يعنمي المخلصمين؛ أي لهمم عطيمة معلوممة ل تنقطمع‪ .‬قال‬
‫قتادة‪ :‬يعنمي الجنمة‪ .‬وقال غيره‪ :‬يعنمي رزق الجنمة‪ .‬وقيمل‪ :‬همي الفواكمه التمي ذكمر قال مقاتمل‪ :‬حيمن‬
‫يشتهونمه‪ .‬وقال ابمن السمائب‪ :‬إنمه بمقدار الغداة والعشمي؛ قال ال تعالى‪" :‬ولهمم رزقهمم فيهما بكرة‬
‫وعشيما" [مريمم‪" .]62 :‬فواكمه" جممع فاكهمة؛ قال ال تعالى‪" :‬وأمددناهمم بفاكهمة" [الطور‪]22 :‬‬
‫وهمي الثمار كلهما رطبهما ويابسمها؛ قاله ابمن عباس‪" .‬وهمم مكرمون" أي ولهمم إكرام ممن ال جمل‬
‫وعمز برفمع الدرجات وسمماع كلممه ولقائه‪" .‬فمي جنات النعيمم" أي فمي بسماتين يتنعمون فيهما‪ .‬وقمد‬
‫تقدم أن الجنان سبع في سورة "يونس" منها النعيم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬على سرر متقابلين" قال عكرمة ومجاهد‪ :‬ل ينظر بعضهم في قفا بعض تواصل‬
‫وتحاببا‪ .‬وقيل‪ :‬السرة تدور كيف شاؤوا فل يرى أحد قفا أحد‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬على سرر مكللة‬
‫بالدر والياقوت والزبرجد؛ السرير ما بين صنعاء إلى الجابية‪ ،‬وما بين عدن إلى أيلة‪ .‬وقيل‪ :‬تدور‬
‫بأهل المنزل الواحد‪ .‬وال أعلم‪" .‬يطاف عليهم بكأس من معين" لما ذكر مطاعمهم ذكر شرابهم‪.‬‬
‫والكأس عنمد أهمل اللغمة اسمم شاممل لكمل إناء ممع شرابمه؛ فإن كان فارغما فليمس بكأس‪ .‬قال الضحاك‬
‫والسمدي‪ :‬كمل كأس فمي القرآن فهمي الخممر‪ ،‬والعرب تقول للناء إذا كان فيمه خممر كأس‪ ،‬فإذا لم‬
‫يكمن فيمه خممر قالوا إناء وقدح‪ .‬النحاس‪ :‬وحكمى ممن يوثمق بمه ممن أهمل اللغمة أن العرب تقول للقدح‬
‫إذا كان فيممه خمممر‪ :‬كأس؛ فإذا لم يكممن فيممه خمممر فهممو قدح؛ كممما يقال للخوان إذا كان عليممه طعام‪:‬‬
‫مائدة؛ فإذا لم يكمن عليمه طعام لم تقمل له مائدة‪ .‬قال أبمو الحسمن بمن كيسمان‪ :‬ومنمه ظعينمة للهودج إذا‬
‫كان فيه المرأة‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬بكأس من معين" أي من خمر تجري كما تجري العيون على وجه‬
‫الرض‪ .‬والمعين‪ :‬الماء الجاري الظاهر‪" .‬بيضاء" صفة للكأس‪ .‬وقيل‪ :‬للخمر‪ .‬قال الحسن‪ :‬خمر‬
‫الجنمة أشمد بياضما ممن اللبمن‪ .‬وقيمل‪" :‬بيضاء" أي لم يعتصمرها الرجال بأقدامهمم‪" .‬لذة للشاربيمن"‬
‫"لذة" قال الزجاج‪ :‬أي ذات لذة فحذف المضاف‪ .‬وقيل‪ :‬هو مصدر جعل اسما أي بيضاء لذيذة؛‬
‫يقال شراب لذ ولذيذ‪ ،‬مثل نبات غض وغضيض‪ .‬فأما قول القائل‪:‬‬
‫بأرض العدا من خشية الحدثان‬ ‫ولذ كطعم الصرخدي تركته‬
‫فانمه يريمد النوم‪" .‬ل فيهما غول" أي ل تغتال عقولهمم‪ ،‬ول يصميبهم منهما مرض ول صمداع‪" .‬ول‬
‫همم عنهما ينزفون" أي ل تذهمب عقولهمم بشربهما؛ يقال‪ :‬الخممر غول للحلم‪ ،‬والحرب غول للنفوس؛‬
‫أي تذهب بها‪ .‬وقال‪ :‬نزف الرجل ينزف فهو منزوف ونزيف إذا سكر‪ .‬قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫مف يصرعه بالكثيب البهر‬ ‫وإذا هي تمشي كمشي النزيم‬
‫وقال أيضا‪:‬‬
‫تراشي الفؤاد الرخص أل تخرا‬ ‫نزيف إذا قام لوجه تمايلت‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫شرب النزيف ببرد ماء الحشرج‬ ‫فلثمت فاها آخذا بقرونها‬
‫وقرأ حمزة والكسممائي بكسممر الزاي؛ مممن أنزف القوم إذا حان منهممم النزف وهممو السممكر‪ .‬يقال‪:‬‬
‫أحصممد الزرع إذا حان حصمماده‪ ،‬وأقطممف الكرم إذا حان قطافممه‪ ،‬وأركممب المهممر إذا حان ركوبممه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المعنى ل ينفدون شرابهم؛ لنه دأبهم؛ يقال‪ :‬أنزف الرجل فهو منزوف إذا فنيت خمره‪ .‬قال‬
‫الحطيئة‪:‬‬
‫لبئس الندامى كنتم آل أبجرا‬ ‫لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم‬
‫النحاس‪ :‬والقراءة الولى أبين وأصح في المعنى؛ لن معنى "ينزفون" عند جلة أهل التفسير منهم‬
‫مجاهمد ل تذهمب عقولهمم؛ فنفمى ال عمز وجمل عمن خممر الجنمة الفات التمي تلحمق فمي الدنيما ممن‬
‫خمرهمما مممن الصممداع والسممكر‪ .‬ومعنممى "ينزفون" الصممحيح فيممه أنممه يقال‪ :‬أنزف الرجممل إذا نفممد‬
‫شرابمه‪ ،‬وهمو يبعمد أن يوصمف بمه شراب الجنمة؛ ولكمن مجازه أن يكون بمعنمى ل ينفمد أبدا‪ .‬وقيمل‪:‬‬
‫"ل ينزفون" بكسر الزاي ل يسكرون؛ ذكره الزجاج وأبو علي على ما ذكره القشيري‪ .‬المهدوي‪:‬‬
‫ول يكون معناه يسممكرون؛ لن قبله "ل فيهمما غول"‪ .‬أي ل تغتال عقولهممم فيكون تكرارا؛ ويسمموغ‬
‫ذلك فممي "الواقعمة"‪ .‬ويجوز أن يكون معنممى "ل فيهمما غول" ل يمرضون؛ فيكون معنممى "ول همم‬
‫عنهما ينزفون" ل يسمكرون أو ل ينفمد شرابهمم‪ .‬قال قتادة الغول وجمع البطمن‪ .‬وكذا روى ابمن أبمي‬
‫نجيح عن مجاهد "ل فيها غول" قال ل فيها وجع بطن‪ .‬الحسن‪ :‬صداع‪ .‬وهو قول ابن عباس‪" :‬ل‬
‫فيها غول" ل فيها صداع‪ .‬وحكى الضحاك عنه أنه قال‪ :‬في الخمر أربع خصال‪ :‬السكر والصداع‬
‫والقيء والبول؛ فذكر ال خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال‪ .‬مجاهد‪ :‬داء‪ .‬ابن كيسان‪ :‬مغص‪.‬‬
‫وهذه القوال متقاربممة‪ .‬وقال الكلبممي‪" :‬ل فيهمما غول" أي إثممم؛ نظيره‪" :‬ل لغممو فيهمما ول تأثيممم"‬
‫[الطور‪ .]23 :‬وقال الشعبي والسدي وأبو عبيدة‪ :‬ل تغتال عقولهم فتذهب بها‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫وتذهب بالول الول‬ ‫وما زالت الكأس تغتالنا‬
‫أي تصمرع واحدا واحدا‪ .‬وإنمما صمرف ال تعالى السمكر عمن أهمل الجنمة لئل ينقطمع اللتذاذ عنهمم‬
‫بنعيمهمم‪ .‬وقال أهمل المعانمي‪ :‬الغول فسماد يلحمق فمي خفاء‪ .‬يقال‪ :‬اغتاله اغتيال إذا أفسمد عليمه أمره‬
‫في خفية‪ .‬ومنه الغول والغيلة‪ :‬وهو القتل خفية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعندهمم قاصمرات الطرف" أي نسماء قمد قصمرن طرفهمن على أزواجهمن فل‬
‫ينظرن إلى غيرهممم؛ قاله ابممن عباس ومجاهممد ومحمممد بممن كعممب وغيرهممم‪ .‬عكرمممة‪" :‬قاصممرات‬
‫الطرف" أي محبوسات على أزواجهن‪ .‬والتفسير الول أبين؛ لنه ليس في الية مقصورات ولكن‬
‫في موضع آخر "مقصورات" يأتي بيانه‪ .‬و"قاصرات" مأخوذ من قولهم‪ :‬قد اقتصر على كذا إذا‬
‫اقتنع به وعدل عن غيره؛ قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫من الذر فوق التب منها لثرا‬ ‫من القاصرات الطرف لو دب محول‬
‫ويروى‪ :‬فوق الخد‪ .‬والول أبلغ‪ .‬والتب القميص‪ ،‬والمحول الصغير من الذر‪ .‬وقال مجاهد أيضا‪:‬‬
‫معناه ل يغرن‪" .‬عيمن" عظام العيون الواحدة عيناء؛ وقال السمدي‪ .‬مجاهمد‪" :‬عيمن" حسمان العيون‪.‬‬
‫الحسن‪ :‬الشديدات بياض العين‪ ،‬الشديدات سوادها‪ .‬والول أشهر في اللغة‪ .‬يقال‪ :‬رجل أعين واسع‬
‫العين بيّن العين‪ ،‬والجمع عين‪ .‬وأصله فعل بالضم فكسرت العين؛ لئل تنقلب الواو ياء‪ .‬ومنه قيل‬
‫لبقمر الوحمش عيمن‪ ،‬والثور أعيمن‪ ،‬والبقرة عيناء‪" .‬كأنهمن بيمض مكنون" أي مصمون‪ .‬قال الحسمن‬
‫وابن زيد‪ :‬شبهن ببيض النعام‪ ،‬تكنها النعامة بالريش من الريح والغبار‪ ،‬فلونها أبيض في صفرة‬
‫وهمو حسمن ألوان النسماء‪ .‬وقال ابمن عباس وابمن جمبير والسمدي‪ :‬شبهمن ببطمن البيمض قبمل أن يقشمر‬
‫وتمسمه اليدي‪ .‬وقال عطاء‪ :‬شبهمن بالسمحاء الذي يكون بيمن القشرة العليما ولباب البيمض‪ .‬وسمحاة‬
‫كل شيء‪ :‬قشره والجمع سحا؛ قاله الجوهري‪ .‬ونحوه قول الطبري‪ ،‬قال‪ :‬هو القشر الرقيق‪ ،‬الذي‬
‫على البيضة بين ذلك‪ .‬وروي نحوه عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬والعرب تشبه المرأة بالبيضة‬
‫لصفائها وبياضها؛ قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫تمتعت من لهو بها غير معجل‬ ‫وبيضة خدر ل يرام خباؤها‬
‫وتقول العرب إذا وصمفت الشيمء بالحسمن والنظافمة‪ :‬كأنمه بيمض النعام المغطمى بالريمش‪ .‬وقيمل‪:‬‬
‫المكنون المصممون عممن الكسممر؛ أي إنهممن عذارى‪ .‬وقيممل‪ :‬المراد بالبيممض اللؤلؤ؛ كقوله تعالى‪:‬‬
‫"وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون" [الواقعة‪ ]23 :‬أي في أصدافه؛ قاله ابن عباس أيضا‪ .‬ومنه‬
‫قول الشاعر‪:‬‬
‫مواص ميزت من جوهر مكنون‬ ‫وهي بيضاء مثل لؤلؤة الغم‬
‫وإنما ذكر المكنون والبيض جمع؛ لنه رد النعت إلى اللفظ‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 61 - 50 :‬فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون‪ ،‬قال قائل منهم إني كان لي قرين‪،‬‬
‫يقول أئنك لمن المصدقين‪ ،‬أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون‪ ،‬قال هل أنتم مطلعون‪ ،‬فاطلع‬
‫فرآه فمي سمواء الجحيمم‪ ،‬قال تال إن كدت لترديمن‪ ،‬ولول نعممة ربمي لكنمت ممن المحضريمن‪ ،‬أفمما‬
‫نحمن بميتيمن‪ ،‬إل موتتنما الولى ومما نحمن بمعذبيمن‪ ،‬إن هذا لهمو الفوز العظيمم‪ ،‬لمثمل هذا فليعممل‬
‫العاملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون" أي يتفاوضون فيما بينهم أحاديثهم في الدنيا‪.‬‬
‫وهممو مممن تمام النممس فممي الجنممة‪ .‬وهممو معطوف على معنممى "يطاف عليهممم" المعنممى يشربون‬
‫فيتحادثون على الشراب كعادة الشراب‪ .‬قال بعضهم‪:‬‬
‫أحاديث الكرام على المدام‬ ‫وما بقيت من اللذات إل‬
‫فيقبل بعضهم على بعض يتساءلون عما جرى لهم وعليهم في الدنيا؛ إل أنه جيء به ماضيا على‬
‫عادة ال تعالى فمي إخباره‪" .‬قال قائل منهمم" أي ممن أهمل الجنمة "إنمي كان لي قريمن" أي صمديق‬
‫ملزم "يقول أئنك لمن المصدقين" أي بالمبعث والجزاء‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬قرينه شريكه‪ .‬وقد‬
‫مضممى فممي "الكهممف" ذكرهممما وقصممتهما والختلف فممي اسممميهما مسممتوفى عنممد قوله تعالى‪:‬‬
‫"واضرب لهم مثل رجلين" [الكهف‪ ]32 :‬وفيهما أنزل ال جل وعز‪" :‬قال قائل منهم إني كان‬
‫لي قربن" إلى "من المحضرين" وقيل‪ :‬أراد بالقرين قرينه من الشيطان كان يوسوس إليه بإنكار‬
‫البعث‪ .‬وقرئ‪" :‬أئنك لمن المصدقين" بتشديد الصاد‪ .‬رواه علي بن كيسة عن سليم عن حمزة‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬ول يجوز "أئنمك لممن المصمَدقين" لنمه ل معنمى للصمدقة هما هنما‪ .‬وقال القشيري‪ :‬وفمي‬
‫قراءة عمن حمزة "أئنمك لممن المصمدقين" بتشديمد الصماد‪ .‬واعترض عليمه بأن هذا ممن التصمديق ل‬
‫ممن التصمدق‪ .‬والعتراض باطمل؛ لن القراءة إذا ثبتمت عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم فل مجال‬
‫للطعمن فيهما‪ .‬فالمعنمى "أئنمك لممن المصمدقين" بالمال طلبما فمي ثواب الخرة‪" .‬أئذا متنما وكنما ترابما‬
‫وعظاما أئنا لمدينون" أي مجزيون محاسبون بعد الموت فم "قال" ال تعالى لهل الجنة‪" :‬هل أنتم‬
‫مطلعون"‪ .‬وقيمل‪ :‬همو ممن قول المؤممن لخوانمه فمي الجنمة همل أنتمم مطلعون إلى النار لننظمر كيمف‬
‫حال ذلك القرين‪ .‬وقيل‪ :‬هو من قول الملئكة‪ .‬وليس "هل أنتم مطلعون" باستفهام‪ ،‬إنما هو بمعنى‬
‫الممر‪ ،‬أي اطلعوا؛ قاله ابمن العرابي وغيره‪ .‬ومنه لما نزلت آية الخممر‪ ،‬قام عمر قائمما بين يدي‬
‫النمبي صملى ال عليمه وسملم‪ ،‬ثمم رفمع رأسمه إلى السمماء‪ ،‬ثمم قال‪ :‬يما رب بيانما أشفمى ممن هذا فمي‬
‫الخممر‪ .‬فنزلت‪" :‬فهمل أنتمم منتهون" [المائدة‪ ]91:‬قال‪ :‬فنادى عممر انتهينما يما ربنما‪ .‬وقرأ ابمن‬
‫عباس‪" :‬هل أنتم مطلعون" بإسكان الطاء خفيفة "فأُطْلِ عَ" بقطع اللف مخففة على معنى هل أنتمم‬
‫مقبلون‪ ،‬فأقبمل‪ .‬قال النحاس "فأطلع فرآه" فيمه قولن‪ :‬أحدهمما أن يكون فعل مسمتقبل معناه فأطلع‬
‫أنما‪ ،‬ويكون منصموبا على أنمه جواب السمتفهام‪ .‬والقول الثانمي أن يكون فعل ماضيما ويكون اطلع‬
‫وأطلع واحدا‪ .‬قال الزجاج‪ :‬يقال طلع وأطلع واطلع بمعنمى واحمد‪ .‬وقمد حكمى "همل أنتمم مطلعون"‬
‫بكسر النون وأنكره أبو حاتم وغيره‪ .‬النحاس‪ :‬وهو لحن ل يجوز؛ لنه جمع بين النون والضافة‪،‬‬
‫ولو كان مضافا لكان هل أنتم مطلعي‪ ،‬وإن كان سيبويه والفراء قد حكيا مثله‪ ،‬وأنشدا‪:‬‬
‫إذا ما خشوا من حدث المر معظما‬ ‫هم القائلون الخير والمرونه‬
‫وأنشد الفراء‪ :‬والفاعلونه‪ .‬وأنشد سيبويه وحده‪:‬‬
‫ولم يرتفق والناس محتضرونه‬
‫وهذا شاذ خارج عن كلم العرب‪ ،‬وما كان مثل هذا لم يحتج به في كتاب ال عز وجل‪ ،‬ول يدخل‬
‫فمي الفصميح‪ .‬وقمد قيمل فمي توجيهمه‪ :‬إنمه أجرى اسمم الفاعمل مجرى المضارع لقربمه منمه‪ ،‬فجرى‬
‫"مطلعون" مجرى يطلعون‪ .‬ذكره أبو الفتح عثمان بن جني وأنشد‪:‬‬
‫مرجل ويلبس البرودا‬ ‫أرأيت إن جئت به أملودا‬
‫أقائلن أحضروا الشهودا‬
‫فأجرى أقائلن مجرى أتقولن‪ .‬وقال ابمن عباس في قوله تعالى‪" :‬همل أنتم مطلعون‪ .‬فاطلع فرآه" إن‬
‫في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى النار وأهلها‪ .‬وكذلك قال كعب فيما ذكر ابن المبارك‪ ،‬قال‪ :‬إن‬
‫بيممن الجنممة والنار كوى‪ ،‬فإذا أراد المؤمممن أن ينظممر إلى عدو كان له فممي الدنيمما اطلع مممن بعممض‬
‫الكوى‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬فاطلع فرآه فمي سمواء الجحيمم" أي فمي وسمط النار والحسمك حواليمه؛ قاله‬
‫ابمن مسمعود‪ .‬ويقال‪ :‬تعبمت حتمى انقطمع سموائي‪ :‬أي وسمطي‪ .‬وعمن أبمي عمبيدة‪ :‬قال لي عيسمى بمن‬
‫عمر‪ :‬كنت أكتب يا أبا عبيدة حتى ينقطع سوائي‪ .‬وعن قتادة قال‪ :‬قال بعض العلماء‪ :‬لول أن ال‬
‫جمل وعمز عرفمه إياه لمما عرفمه‪ ،‬لقمد تغيمر حمبره وسمبره‪ .‬فعنمد ذلك يقول‪" :‬تال إن كدت لترديمن"‬
‫"إن" مخففمة ممن الثقيلة دخلت على كاد كمما تدخمل على كان‪ .‬ونحوه "إن كاد ليضلنما" [الفرقان‪:‬‬
‫‪ ]42‬واللم همي الفارقمة بينهما وبيمن النافيمة‪" .‬ولول نعممة ربمي لكنمت ممن المحضريمن" فمي النار‪.‬‬
‫وقال الكسمائي‪" :‬لترديمن" أي لتهلكنمي‪ ،‬والردى الهلك‪ .‬وقال الممبرد‪ :‬لو قيمل‪" :‬لترديمن" لتوقعنمي‬
‫في النار لكان جائزا "ولول نعمة ربي" أي عصمته وتوفيقه بالستمساك بعروة السلم والبراءة‬
‫مممن القريممن السمموء‪ .‬وممما بعممد لول مرفوع بالبتداء عنممد سمميبويه والخممبر محذوف‪" .‬لكنممت مممن‬
‫المحضريممن" قال الفراء‪ :‬أي لكنممت معممك فممي النار محضرا‪ .‬وأحضممر ل يسممتعمل مطلقمما إل فممي‬
‫الشر؛ قاله الماوردي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفما نحن بميتين" وقرئ "بمائتين" والهمزة في "أفما" للستفهام دخلت على فاء‬
‫العطممف‪ ،‬والمعطوف محذوف معناه أنحممن مخلدون منعمون فممما نحممن بميتيممن ول معذبيممن‪" .‬إل‬
‫موتتنما الولى" يكون اسمتثناء ليمس ممن الول ويكون مصمدرا؛ لنمه منعوت‪ .‬وهمو ممن قول أهمل‬
‫الجنمة للملئكمة حيمن يذبمح الموت‪ ،‬ويقال‪ :‬يما أهمل الجنمة خلود ول موت‪ ،‬ويما أهمل النار خلود ول‬
‫موت‪ .‬وقيل‪ :‬هو من قول المؤمن على جهة الحديث بنعمة ال في أنهم ل يموتون ول يعذبون؛ أي‬
‫هذه حالنا وصفتنا‪ .‬وقيل‪ :‬هو من قول المؤمن توبيخا للكافمر لما كان ينكره من البعث‪ ،‬وأنه ليس‬
‫إل الموت في الدنيا‪ .‬ثم قال المؤمن مشيرا إلى ما هو فيه؛ "إن هذا لهو الفوز العظيم" يكون "هو"‬
‫مبتدأ وممما بعده خممبر عنممه والجملة خممبر إن‪ .‬ويجوز أن يكون "هممو" فاصممل‪" .‬لمثممل هذا فليعمممل‬
‫العاملون" يحتمممل أن يكون ممن كلم المؤممن لمما رأى ممما أعمد ال له فممي الجنمة ومما أعطاه قال‪:‬‬
‫"لمثل هذا" العطاء والفضل "فليعمل العاملون" نظير ما قال له الكافر‪" :‬أنا أكثر منك مال وأعز‬
‫نفرا" [الكهف‪ .]34 :‬ويحتمل أن يكون من قول الملئكة‪ .‬وقيل‪ :‬هو من قول ال عز وجل لهل‬
‫الدنيا؛ أي قد سمعتم ما في الجنة من الخيرات والجزاء‪ ،‬و"لمثل هذا" الجزاء "فليعمل العاملون"‪.‬‬
‫النحاس‪ :‬وتقديممر الكلم ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬فليعمممل العاملون لمثممل هذا‪ .‬فإن قال قائل‪ :‬الفاء فممي العربيممة‬
‫تدل على أن الثانمي بعمد الول‪ ،‬فكيمف صمار مما بعدهما ينوى بمه التقديمم؟ فالجواب أن التقديمم كمثمل‬
‫التأخير؛ لن حق حروف الخفض وما بعدها أن تكون متأخرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 62 :‬أذلك خير نزل أم شجرة الزقوم‪ ،‬إنا جعلناها فتنة للظالمين‪ ،‬إنها شجرة تخرج‬
‫فمي أصمل الجحيمم‪ ،‬طلعهما كأنمه رؤوس الشياطيمن‪ ،‬فإنهمم لكلون منهما فمالئون منهما البطون‪ ،‬ثمم إن‬
‫لهم عليها لشوبا من حميم‪ ،‬ثم إن مرجعهم للى الجحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أذلك خير" مبتدأ وخبر‪ ،‬وهو من قول ال جل وعز‪" .‬نزل" على البيان؛ والمعنى‬
‫أنعيمم الجنمة خيمر نزل‪" .‬أم شجرة الزقوم" والنزل فمي اللغمة الرزق الذي له سمعة ‪ -‬النحاس ‪ -‬وكذا‬
‫النزل إل أنمه يجوز أن يكون النزل بإسمكان الزاي لغمة‪ ،‬ويجوز أن يكون أصمله النزل؛ ومنمه أقيمم‬
‫للقوم نزلهمم‪ ،‬واشتقاقمه أنمه الغذاء الذي يصملح أن ينزلوا معمه ويقيموا فيمه‪ .‬وقمد مضمى هذا فمي آخمر‬
‫سمورة "آل عمران" وشجرة الزقوم مشتقمة ممن التزقمم وهمو البلع على جهمد لكراهتهما ونتنهما‪ .‬قال‬
‫المفسمرون‪ :‬وهمي فمي الباب السمادس‪ ،‬وأنهما تحيما بلهمب النار كمما تحيما الشجرة بمبرد الماء؛ فل بمد‬
‫لهمل النار ممن أن ينحدر إليهما ممن كان فوقهما فيأكلون منهما‪ ،‬وكذلك يصمعد إليهما ممن كان أسمفل‪.‬‬
‫واختلف فيهما همل همي ممن شجمر الدنيما التمي تعرفهما العرب أم ل على قوليمن‪ :‬أحدهمما أنهما معروفمة‬
‫ممن شجر الدنيما‪ .‬ومن قال بهذا اختلفوا فيهما؛ فقال قطرب‪ :‬إنهما شجرة مرة تكون بتهامة من أخبمث‬
‫الشجر‪ .‬وقال غيره‪ :‬بل هو كل نبات قاتل‪ .‬القول الثاني‪ :‬إنها ل تعرف في شجر الدنيا‪ .‬فلما نزلت‬
‫هذه الية في شجرة الزقوم قالت كفار قريش‪ :‬ما نعرف هذه الشجرة‪ .‬فقدم عليهم رجل من إفريقية‬
‫فسألوه فقال‪ :‬هو عندنا الزُبد والتمر‪ .‬فقال ابن الزبعري‪ :‬أكثر ال في بيوتنا الزقوم فقال أبو جهل‬
‫لجاريته‪ :‬زقمينا؛ فأتته بزبد وتمر‪ .‬ثم قال لصحابه‪ :‬تزقموا؛ هذا الذي يخوفنا به محمد؛ يزعم أن‬
‫النار تنبت الشجر‪ ،‬والنار تحرق الشجر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنا جعلناها فتنة للظالمين" أي المشركين‪ ،‬وذلك أنهم قالوا‪ :‬كيف تكون في النار‬
‫شجرة وهمي تحرق الشجمر؟ وقمد مضمى هذا المعنمى فمي "سمبحان" واسمتخفافهم فمي هذا كقولهمم فمي‬
‫قوله تعالى‪" :‬عليها تسعة عشر" [المدثر‪ .]30 :‬ما الذي يخصص هذا العدد؟ حتى قال بعضهم‪:‬‬
‫أنما أكفيكمم منهمم كذا فاكفونمي الباقيمن‪ .‬فقال ال تعالى‪" :‬ومما جعلنما عدتهمم إل فتنمة للذيمن كفروا"‬
‫[المدثر‪ ]31 :‬والفتنة الختبار‪ ،‬وكان هذا القول منهم جهل‪ ،‬إذ ل يستحيل في العقل أن يخلق ال‬
‫فمي النار شجرا ممن جنسمها ل تأكله النار‪ ،‬كمما يخلق ال فيهما الغلل والقيود والحيات والعقارب‬
‫وخزنمة النار‪ .‬وقيمل‪ :‬هذا السمتبعاد الذي وقع للكفار هو الذي وقمع الن للملحدة‪ ،‬حتمى حملوا الجنة‬
‫والنار على نعيمممم أو عقاب تتخلله الرواح‪ ،‬وحملوا وزن العمال والصمممراط واللوح والقلم على‬
‫معانمي زوروهما فمي أنفسمهم‪ ،‬دون مما فهممه المسملمون ممن موارد الشرع‪ ،‬وإذا ورد خمبر الصمادق‬
‫بشيمء موهوم فمي العقمل‪ ،‬فالواجمب تصمديقه وإن جاز أن يكون له تأويمل‪ ،‬ثمم التأويمل فمي موضمع‬
‫إجماع المسلمين على أنه تأويل باطل ل يجوز‪ ،‬والمسلمون مجمعون على الخذ بهذه الشياء من‬
‫غير مصير إلى علم الباطن‪ .‬وقيل إنها فتنة أي عقوبة للظالمين؛ كما قال‪" :‬ذوقوا فتنتكم هذا الذي‬
‫كنتم به تستعجلون" [الذاريات‪.]14 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم" أي قعر النار ومنها منشؤها ثم هي متفرعة‬
‫في جهنم‪" .‬طلعها" أي ثمرها؛ سمي طلعا لطلوعه‪" .‬كأنه رؤوس الشياطين" قيل‪ :‬يعني الشياطين‬
‫بأعيانهمم شبههما برؤوسمهم لقبحهمم‪ ،‬ورؤوس الشياطيمن متصمور فمي النفوس وإن كان غيمر مرئي‪.‬‬
‫ومن ذلك قولهم لكل قبيح هو كصورة الشيطان‪ ،‬ولكل صورة حسنة هي كصورة ملك‪ .‬ومنه قوله‬
‫تعالى مخمبرا عمن صمواحب يوسمف‪" :‬مما هذا بشرا إن هذا إل ملك كريمم" [يوسمف‪ ]31 :‬وهذا‬
‫تشبيه تخييلي؛ روي معناه عن ابن عباس والقرظي‪ .‬ومنه قول امرئ القيس‪:‬‬
‫ومسنونة زرق كأنياب أغوال‬
‫وإن كانت الغول ل تعرف؛ ولكن لما تصور من قبحها في النفوس‪ .‬وقد قال ال تعالى‪" :‬شياطين‬
‫النمس والجمن" [النعام‪ ]112 :‬فمردة النمس شياطيمن مرئيمة‪ .‬وفمي الحديمث الصمحيح (ولكأن‬
‫نخلهمما رؤوس الشياطيممن) وقممد أدعممى كثيممر مممن العرب رؤيممة الشياطيممن والغيلن‪ .‬وقال الزجاج‬
‫والفراء‪ :‬الشياطين حيات لها رؤوس وأعراف‪ ،‬وهي من أقبح الحيات وأخبثها وأخفها جسما‪ .‬قال‬
‫الراجز وقد شبه المرأة بحية لها عرف‪:‬‬
‫كمثل شيطان الحماط أعرف‬ ‫عنجرد تحلف حين أحلف‬
‫الواحدة حماطة‪ .‬والعرف الذي له عف‪ .‬وقال الشاعر يصف ناقته‪:‬‬
‫تعمج شيطان بذي خروع قفر‬ ‫تلعب مثنى حضرمي كأنه‬
‫التعمممج‪ :‬العوجاج فممي السممير‪ .‬وسممهم عموج‪ :‬يتلوى فممي ذهابممه‪ .‬وتعمجممت الحيممة‪ :‬إذا تلوت فممي‬
‫سيرها‪ .‬وقال يصف زمام الناقة‪:‬‬
‫تعمج شيطان بذي خروع قفر‬ ‫تلعب مثنى حضرمي كأنه‬
‫وقيممل‪ :‬إنممما شبممه ذلك بنبممت قبيممح فممي اليمممن يقال له السممتن والشيطان‪ .‬قال النحاس‪ :‬وليممس ذلك‬
‫معروفما عنمد العرب‪ .‬الزمخشري‪ :‬همو شجمر خشمن منتمن ممر منكمر الصمورة يسممى ثمره رؤوس‬
‫الشياطيمن‪ .‬النحاس‪ :‬وقيمل‪ :‬الشياطيمن ضرب ممن الحيات قباح‪" .‬فإنهمم لكلون منهما فمالئون منهما‬
‫البطون" فهذا طعامهم وفاكهتهم بدل رزق أهل الجنة‪ .‬وقال في "الغاشية]‪" :‬ليس لهم طعام إل من‬
‫ضريع" [الغاشية‪ ]6 :‬وسيأتي‪" .‬ثم إن لهم عليها" أي بعمد الكل من الشجرة "لشوبا من حميم"‬
‫الشوب الخلط‪ ،‬والشممب والشوب لغتان كالفَقممر والفُقممر والفتممح أشهممر‪ .‬قال الفراء‪ :‬شاب طعامممه‬
‫وشرابمه إذا خلطهمما بشيمء يشوبهمما شوبما وشيابمة‪ .‬فأخمبر أنمه يشاب لهمم‪ .‬والحميمم‪ :‬الماء الحار‬
‫ليكون أشنع؛ قال ال تعالى‪" :‬وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم" [محمد‪ .]15 :‬السدي‪ :‬يشاب لهم‬
‫الحميم بغساق أعينهم وصديد من قيحهم ودمائهم‪ .‬وقيل‪ :‬يمزج لهم الزقوم بالحميم ليجمع لهم بين‬
‫مرارة الزقوم وحراوة الحميم؛ تغليظا لعذابهم وتجديدا لبلئهم‪" .‬ثم إن مرجعهم للى الجحيم" قيل‪:‬‬
‫إن هذا يدل على أنهمم كانوا حيمن أكلوا الزقوم فمي عذاب غيمر النار ثمم يردون إليهما‪ .‬وقال مقاتمل‪:‬‬
‫الحميمم خارج الجحيمم فهمم يوردون الحميمم لشربمه ثمم يردون إلى الجحيمم؛ لقوله تعالى‪" :‬هذه جهنمم‬
‫التمي يكذب بها المجرمون‪ .‬يطوفون بينها وبيمن حميم آن" [الرحمن‪ .]44:‬وقرأ ابن مسمعود‪" :‬ثمم‬
‫إن منقلبهم للى الجحيم" قال أبو عبيدة‪ :‬يجوز أن تكون "ثم" بمعنى الواو‪ .‬القشيري‪ :‬ولعل الحميم‬
‫في موضع من جهنم على طرف منها‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 74 - 69 :‬إنهمم ألفوا آباءهمم ضاليمن‪ ،‬فهمم على آثارهمم يهرعون‪ ،‬ولقمد ضمل قبلهمم‬
‫أكثممر الوليممن‪ ،‬ولقممد أرسمملنا فيهممم منذريممن‪ ،‬فانظممر كيممف كان عاقبممة المنذريممن‪ ،‬إل عباد ال‬
‫المخلصين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنهمم ألفوا آباءهمم ضاليمن" أي صمادفوهم كذلك فاقتدوا بهمم‪" .‬فهمم على آثارهمم‬
‫يهرعون" أي يسممرعون؛ عممن قتادة‪ .‬وقال مجاهممد‪ :‬كهيئة الهرولة‪ .‬قال الفراء‪ :‬الهراع السممراع‬
‫برعدة‪ .‬وقال أبممو عممبيدة‪" :‬يهرعون" يسممتحثون مممن خلفهممم‪ .‬ونحوه قول المممبرد‪ .‬قال‪ :‬المهرع‬
‫المسمممتحث؛ يقال‪ :‬جاء فلن يهرع إلى النار إذا اسمممتحثه البرد إليهممما‪ .‬وقيمممل‪ :‬يزعجون ممممن شدة‬
‫السراع؛ قال الفضل‪ .‬الزجاج‪ :‬يقال هرع وأهرع إذا استحث وأزعج‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد ضل قبلهم أكثر الولين" أي من المم الماضية‪" .‬ولقد أرسلنا فيهم منذرين"‬
‫أي رسمل أنذروهمم العذاب فكفروا‪" .‬فانظمر كيمف كان عاقبمة المنذريمن" أي آخمر أمرهمم‪" .‬إل عباد‬
‫ال المخلصين" أي الذين استخلصهم ال من الكفر‪ .‬وقد تقدم‪ .‬ثم قيل‪ :‬هو استثناء من "المنذَرين"‪.‬‬
‫وقيل هو من قوله تعالى‪" :‬ولقد ضل قبلهم أكثر الولين"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 75 :‬ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون‪ ،‬ونجيناه وأهله من الكرب العظيم‪ ،‬وجعلنا ذريته‬
‫هم الباقين‪ ،‬وتركنا عليه في الخرين‪ ،‬سلم على نوح في العالمين‪ ،‬إنا كذلك نجزي المحسنين‪ ،‬إنه‬
‫من عبادنا المؤمنين‪ ،‬ثم أغرقنا الخرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقمد نادانما نوح" ممن النداء الذي همو السمتغاثة؛ ودعما قيمل بمسمألة هلك قوممه‬
‫فقال‪" :‬رب ل تذر على الرض ممممن الكافريمممن ديارا" [نوح‪" .]26 :‬فلنعمممم المجيبون" قال‬
‫الكسائي‪ :‬أي "فلنعم المجيبون" له كنا‪" .‬ونجيناه وأهله" يعني أهل دينه‪ ،‬وهم من آمن معه وكانوا‬
‫ثمانين على ما تقدم‪" .‬من الكرب العظيم" وهو الغرق‪" .‬وجعلنا ذريته هم الباقين" قال ابن عباس‪:‬‬
‫لما خرج نوح من السفينة مات من معه من الرجال والنساء إل ولده ونساءه؛ فذلك قوله‪" :‬وجعلنا‬
‫ذريته هم الباقين"‪ .‬وقال سعيد بن المسيب‪ :‬كان ولد نوح ثلثة والناس كلهم من ولد نوح‪ :‬فسام أبو‬
‫العرب وفارس والروم واليهود والنصممارى‪ .‬وحام أبممو السممودان مممن المشرق إلى المغرب‪ :‬السممند‬
‫والهنممد والنوب والزنممج والحبشممة والقبممط والبربر وغيرهممم‪ .‬ويافممث أبممو الصممقالبة والترك واللن‬
‫والخزر ويأجوج ومأجوج وممما هنالك‪ .‬وقال قوم‪ :‬كان لغيممر ولد نوح أيضمما نسممل؛ بدليممل قوله‪:‬‬
‫"ذريمة ممن حملنما ممع نوح" [السمراء‪ .]3 :‬وقوله‪" :‬قيمل يما نوح اهبمط بسملم منما وبركات عليمك‬
‫وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم" [هود‪ ]48 :‬فعلى هذا معنى الية‪:‬‬
‫"وجعلنا ذريته هم الباقين" دون ذرية من كفر أنا أغرقنا أولئك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتركنا عليه في الخرين" أي تركنا عليه ثناء حسنا في كل أمة‪ ،‬فإنه محبب إلى‬
‫الجميممع؛ حتممى إن فممي المجوس مممن يقول إنممه أفريدون‪ .‬روى معناه عممن مجاهممد وغيره‪ .‬وزعممم‬
‫الكسمائي أن فيمه تقديريمن‪ :‬أحدهمما "وتركنما عليمه فمي الخريمن" يقال‪" :‬سملم على نوح" أي تركنما‬
‫عليمه هذا الثناء الحسمن‪ .‬وهذا مذهمب أبمي العباس الممبرد‪ .‬أي تركنما عليمه هذه الكلممة باقيمة؛ يعنمي‬
‫يسملمون له تسمليما ويدعون له؛ وهمو ممن الكلم المحكمي؛ كقوله تعالى‪" :‬سمورة أنزلناهما"‪[ .‬النور‪:‬‬
‫‪ .]1‬والقول الخر أن يكون المعنى وأبقينا عليه‪ .‬وتم الكلم ثم ابتدأ فقال‪" :‬سلم على نوح" أي‬
‫سملمة له ممن أن يذكمر بسموء "فمي الخريمن"‪ .‬قال الكسمائي‪ :‬وفمي قراءة ابمن مسمعود "سملما"‬
‫منصموب بمم "تركنما" أي تركنما عليمه ثناء حسمنا سملما‪ .‬وقيمل‪" :‬فمي الخريمن" أي فمي أممة محممد‬
‫صملى ال عليمه وسملم‪ .‬وقيمل‪ :‬فمي النمبياء إذ لم يبعمث بعده نمبي إل أممر بالقتداء بمه؛ قال ال تعالى‪:‬‬
‫"شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا" [الشورى‪ .]13 :‬وقال سعيد بن المسيب‪ :‬وبلغني أنه من‬
‫قال حيمن يسممي "سملم على نوح فمي العاميمن" لم تلدغمه عقرب‪ .‬ذكره أبمو عممر فمي التمهيمد‪ .‬وفمي‬
‫الموطمأ عمن خولة بنمت حكيمم أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قال‪( :‬ممن نزل منزل فليقمل أعوذ‬
‫بكلمات ال التامات ممن شمر مما خلق فإنمه لن يضره شيمء حتمى يرتحمل)‪ .‬وفيمه عمن أبمي هريرة أن‬
‫رجل من أسلم قال‪ :‬ما نمت هذه الليلة؛ فقال وسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من أي شيء) فقال‪:‬‬
‫لدغتني عقرب؛ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات‬
‫ال التامات من شر ما خلق لم تضرك)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنما كذلك نجزي المحسمنين" أي نبقمي عليهمم الثناء الحسمن‪ .‬والكاف فمي موضمع‬
‫نصممب؛ أي جزاء كذلك‪" .‬إنممه مممن عبادنمما المؤمنيممن" هذا بيان إحسممانه‪ .‬قوله تعالى‪" :‬ثممم أغرقنمما‬
‫الخرين" أي من كفر‪ .‬وجمعه أُخر‪ .‬والصل فيه أن يكون معه "من" إل أنها حذفت؛ لن المعنى‬
‫معروف‪ ،‬ول يكون آخرا إل وقبله شيء من جنسه‪" .‬ثم" ليس للتراخي ها هنا بل هو لتعديد النعم؛‬
‫كقول‪" :‬أو مسمكينا ذا متربمة‪ .‬ثمم كان ممن الذيمن آمنوا" [البلد‪ ]16 :‬أي ثمم أخمبركم أنمي قمد أغرقمت‬
‫الخرين‪ ،‬وهم الذين تأخروا عن اليمان‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 83 :‬وإن ممن شيعتمه لبراهيمم‪ ،‬إذ جاء ربمه بقلب سمليم‪ ،‬إذ قال لبيمه وقوممه ماذا‬
‫تعبدون‪ ،‬أإفكما آلهمة دون ال تريدون‪ ،‬فمما ظنكمم برب العالميمن‪ ،‬فنظمر نظرة فمي النجوم‪ ،‬فقال إنمي‬
‫سقيم‪ ،‬فتولوا عنه مدبرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن من شيعته لبراهيم" قال ابن عباس‪ :‬أي من أهل دينه‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬أي على‬
‫منهاجمه وسمنته‪ .‬قال الصممعي‪ :‬الشيعمة العوان‪ ،‬وهمو مأخوذ ممن الشياع‪ ،‬وهمو الحطمب الصمغار‬
‫الذي يوقمد ممع الكبار حتمى يسمتوقد‪ .‬وقال الكلبمي والفراء‪ :‬المعنمى وإن ممن شيعمة محممد لبراهيمم‪.‬‬
‫فالهاء في "شيعته" على هذا لمحمد عليه السلم‪ .‬وعلى الول لنوح وهو أظهر‪ ،‬لنه هو المذكور‬
‫أول‪ ،‬ومما كان بيمن نوح وإبراهيمم إل نمبيان هود وصمالح‪ ،‬وكان بيمن نوح وإبراهيمم ألفان وسمتمائة‬
‫وأربعون سنة؛ حكاه الزمخشري‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ جاء ربمه بقلب سمليم" أي مخلص ممن الشرك والشمك‪ .‬وقال عوف العرابمي‪:‬‬
‫سألت محمد بن سيرين ما القلب السليم؟ فقال‪ :‬الناصح ل عز وجل في خلقه‪ .‬وذكر الطبري عن‬
‫غالب القطان وعوف وغيرهما عن محمد بن سيرين أنه كان يقول للحجاج‪ :‬مسكين أبو محمد! إن‬
‫عذبمه ال فبذنبمه‪ ،‬وإن غفمر له فهنيئا له‪ ،‬وإن كان قلبمه سمليما فقمد أصماب الذنوب ممن همو خيمر منمه‪.‬‬
‫قال عوف‪ :‬فقلت لمحمممد ممما القلب السممليم؟ قال‪ :‬أن يعلم أن ال حممق‪ ،‬وأن السمماعة قائمممة‪ ،‬وأن ال‬
‫يبعمث ممن فمي القبور‪ .‬وقال هشام بمن عروة‪ :‬كان أبمي يقول لنما‪ :‬يما بنمي ل تكونوا لعانيمن‪ ،‬ألم تروا‬
‫إلى إبراهيممم لم يلعممن شيئا قممط‪ ،‬فقال تعالى‪" :‬إذ جاء ربممه بقلب سممليم"‪ .‬ويحتمممل مجيئه إلى ربممه‬
‫وجهين‪ :‬أحدهما عند دعائه إلى توحيده وطاعته؛ الثاني عند إلقائه في النار‪.‬‬
‫"إذ قال لبيمه" "لبيمه" وهمو آزر‪ ،‬وقمد مضمى الكلم فيمه‪" .‬وقوممه ماذا تعبدون" تكون "مما" فمي‬
‫موضمع رفمع بالبتداء و"ذا" خمبره‪ .‬ويجوز أن تكون "مما" و"ذا" فمي موضمع نصمب بمم "تعبدون"‪.‬‬
‫"أئفكا" نصب على المفعول به؛ بمعنى أتريدون إفكا‪ .‬قال المبرد‪ :‬والفك أسوأ الكذب‪ ،‬وهو الذي‬
‫ل يثبممت ويضطرب‪ ،‬ومنممه ائتفكممت بهممم الرض‪" .‬آلهممة" بدل مممن إفممك "دون ال تريدون" أي‬
‫تعبدون‪ .‬ويجوز أن يكون حال بمعنى أتريدون ألهة من دون ال آفكين‪" .‬فما ظنكم برب العالمين"‬
‫أي مما ظنكمم بمه إذا لقيتموه وقمد عبدتمم غيره؟ فهمو تحذيمر‪ ،‬مثمل قوله‪" :‬مما غرك بربمك الكريمم"‬
‫[النفطار‪ .]6:‬وقيل‪ :‬أي شيء أوهمتموه حتى أشركتم به غيره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فنظمر نظرة فمي النجوم" قال ابمن زيمد عمن أبيمه‪ :‬أرسمل إليمه ملكهمم إن غدا عيدنما‬
‫فاخرج معنا‪ ،‬فنظر إلى نجم طالع فقال‪ :‬إن هذا يطلع مع سقمي‪ .‬وكان علم النجوم مستعمل عندهم‬
‫منظورا فيه‪ ،‬فأوهمهم هو من تلك الجهة‪ ،‬وأراهم من معتقدهم عذرا لنفسه؛ وذلك أنهم كانوا أهل‬
‫رعايمة وفلحمة‪ ،‬وهاتان المعيشتان يحتاج فيهمما إلى نظمر فمي النجوم‪ .‬وقال ابمن عباس‪ :‬كان علم‬
‫النجوم ممن النبوة‪ ،‬فلمما حبمس ال تعالى الشممس على يوشمع بمن نون أبطمل ذلك‪ ،‬فكان نظمر إبراهيمم‬
‫فيها علما نبويا‪ .‬وحكى جويبر عن الضحاك‪ .‬كان علم النجوم باقيا إلى زمن عيسى عليه السلم‪،‬‬
‫حتمى دخلوا عليمه فمي موضمع ل يطلع عليمه منمه‪ ،‬فقالت لهمم مريمم‪ :‬ممن أيمن علمتمم بموضعمه؟ قالوا‪:‬‬
‫ممن النجوم‪ .‬فدعما ربمه عنمد ذلك فقال‪ :‬اللهمم ل تفهمهمم فمي علمهما‪ ،‬فل يعلم علم النجوم أحمد؛ فصمار‬
‫حكمها في الشرع محظورا‪ ،‬وعلمها في الناس مجهول‪ .‬قال الكلبي‪ :‬وكانوا في قرية بين البصرة‬
‫والكوفمة يقال لهمم هرممز جرد‪ ،‬وكانوا ينظرون فمي النجوم‪ .‬فهذا قول‪ .‬وقال الحسمن‪ :‬المعنمى أنهمم‬
‫لمما كلفوه الخروج معهمم تفكمر فيمما يعممل‪ .‬فالمعنمى على هذا أنمه نظمر فيمما نجمم له ممن الرأي؛ أي‬
‫فيما طلع له منه‪ ،‬فعلم أن كل حي يسقم فقال‪" .‬إني سقيم"‪ .‬الخليل والمبرد‪ :‬يقال للرجل إذا فكر في‬
‫الشيء يدبره‪ :‬نظر في النجوم‪ .‬وقيل‪ :‬كانت الساعة التي دعوه إلى الخروج معهم فيها ساعة تغشاه‬
‫فيهما الحممى‪ .‬وقيمل‪ :‬المعنمى فنظمر فيمما نجمم ممن الشياء فعلم أن لهما خالقما‪ .‬ومدبرا‪ ،‬وأنمه يتغيمر‬
‫كتغيرها‪ .‬فقال‪" :‬إني سقيم"‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬معنى "سقيم" سأسقم سقم الموت؛ لن من كتب عليه‬
‫الموت يسمقم فمي الغالب ثمم يموت‪ ،‬وهذا توريمة وتعريمض؛ كمما قال للملك لمما سمأل عمن سمارة همي‬
‫أختمي؛ يعنمي أخوة الديمن‪ .‬وقال ابن عباس وابمن جمبير والضحاك أيضما أشار لهمم إلى مرض وسمقم‬
‫يعدي كالطاعون‪ ،‬وكانوا يهربون ممن الطاعون‪" ،‬فمم" لذلك "تولوا عنمه مدبريمن" أي فاريمن منمه‬
‫خوفما ممن العدوى‪ .‬وروى الترمذي الحكيمم قال‪ :‬حدثنما أبمي قال حدثنما عمرو بمن حماد عمن أسمباط‬
‫عن السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس‪ ،‬وعن سمرة عن الهمداني عن ابن مسعود‬
‫قال‪ :‬قالوا لبراهيمم‪ :‬إن لنما عيدا لو خرجمت معنما لعجبمك ديننما‪ .‬فلمما كان يوم العيمد خرجوا إليمه‬
‫وخرج معهمم‪ ،‬فلمما كان ببعمض الطريمق ألقمى بنفسمه‪ ،‬وقال إنمي سمقيم أشتكمي رجلي‪ ،‬فوطئوا رجله‬
‫وهمو صممريع‪ ،‬فلممما مضوا نادى فممي آخرهممم "وتال لكيدن أصممنامكم" [النممبياء‪ .]57 :‬قال أبممو‬
‫عبدال‪ :‬وهذا ليمس بمعارض لمما قال ابمن عباس وابمن جمبير؛ لنمه يحتممل أن يكون قمد اجتممع له‬
‫أمران‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفمي الصمحيح عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم‪( :‬لم يكذب إبراهيمم النمبي عليمه السملم إل‬
‫ثلث كذبات‪ )...‬الحديمث‪ .‬وقمد مضمى فمي سمورة "النمبياء" وهمو يدل على أنمه لم يكمن سمقيما وإنمما‬
‫عرض لهمم‪ .‬وقمد قال جمل وعمز‪" :‬إنمك ميمت وإنهمم ميتون" [الزممر‪ .]30 :‬فالمعنمى إنمي سمقيم فيمما‬
‫استقبل فتوهموا هم أنه سقيم الساعة‪ .‬وهذا من معاريض الكلم على ما ذكرنا‪ ،‬ومنه المثل السائر‬
‫[كفى بالسلمة داء] وقول لبيد‪:‬‬
‫ليصحني فإذا السلمة داء‬ ‫فدعوت ربي بالسلمة جاهدا‬
‫وقممد مات رجممل فجأة فالتممف عليممه الناس فقالوا‪ :‬مات وهممو صممحيح! فقال أعرابممي‪ :‬أصممحيح مممن‬
‫الموت فمي عنقمه! فإبراهيمم صمادق‪ ،‬لكمن لمما كان النمبياء لقرب محلهمم واصمطفائهم عمد هذا ذنبما؛‬
‫ولهذا قال‪" :‬والذي أطممع أن يغفمر لي خطيئتمي يوم الديمن" [الشعراء‪ ]82 :‬وقمد مضمى هذا كله‬
‫مبينا والحمد ل‪ .‬وقيل‪ :‬أراد سقيم النفس لكفرهم‪ .‬والنجوم يكون جمع نجم ويكون واحدا مصدرا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 96 - 91 :‬فراغ إلى آلهتهم فقال أل تأكلون‪ ،‬ما لكم ل تنطقون‪ ،‬فراغ عليهم ضربا‬
‫باليمين‪ ،‬فأقبلوا إليه يزفون‪ ،‬قال أتعبدون ما تنحتون‪ ،‬وال خلقكم وما تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فراغ إلى آلهتهم" قال السدي‪ :‬ذهب إليهم‪ .‬وقال أبو مالك‪ :‬جاء إليهم‪ .‬وقال قتادة‪:‬‬
‫مال إليهم‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬أقبل عليهم‪ .‬وقيل‪ :‬عدل‪ .‬والمعنى متقارب‪ .‬فراغ يروغ روغا وروغانا إذا‬
‫مال‪ .‬وطريق رائغ أي مائل‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫ويروغ عنك كما يروغ الثعلب‬ ‫ويريك من طرف اللسان حلوة‬
‫فقال‪" :‬أل تأكلون" فخاطبها كما يخاطب من يعقل؛ لنهم أنزلوها بتلك المنزلة‪ .‬وكذا قيل‪ :‬كان بين‬
‫يدي الصممنام طعام تركوه ليأكلوه إذا رجعوا مممن العيممد‪ ،‬وإنممما تركوه لتصمميبه بركممة أصممنامهم‬
‫بزعمهممم‪ .‬وقيممل‪ :‬تركوه للسممدنة‪ .‬وقيممل‪ :‬قرب هممو إليهمما طعاممما على جهممة السممتهزاء؛ فقال‪" :‬أل‬
‫تأكلون ممما لكممم ل تنطقون"‪" .‬فراغ عليهممم ضربمما باليميممن" خممص الضرب باليميممن لنهمما أقوى‬
‫والضرب بهما أشمد؛ قال الضحاك والربيمع بمن أنمس‪ .‬وقيمل‪ :‬المراد باليميمن اليميمن التمي حلفهما حيمن‬
‫قال‪" :‬وتال لكيدن أصمنامكم" [النمبياء‪ .]57 :‬وقال الفراء وثعلب‪ :‬ضربما بالقوة واليميمن القوة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬بالعدل واليمين ها هنا العدل‪ .‬ومنه قوله تعالى‪" :‬ولو تقول علينا بعض القاويل‪ .‬لخذنا منه‬
‫باليمين" [الحاقة‪ ]44 :‬أي بالعدل‪ ،‬فالعدل لليمين والجور للشمال‪ .‬أل ترى أن العدو عن الشمال‬
‫والمعاصممي عممن الشمال والطاعممة عممن اليميممن؛ ولذلك قال‪" :‬إنكممم كنتممم تأتوننمما عممن اليميممن"‬
‫[الصمافات‪ ]28 :‬أي ممن قبمل الطاعمة‪ .‬فاليميمن همو موضمع العدل ممن المسملم‪ ،‬والشمال موضمع‬
‫الجور‪ .‬أل ترى أنمه بايمع ال بيمينمه يوم الميثاق‪ ،‬فالبيعمة باليميمن؛ فلذلك يعطمى كتابمه غدا بيمينمه؛‬
‫لنمه وفمي بالبيعمة‪ ،‬ويعطمى الناكمث للبيعمة الهارب برقبتمه ممن ال بشماله؛ لن الجور هناك‪ .‬فقوله‪:‬‬
‫"فراغ عليهم ضربا باليمين" أي بذلك العدل الذي كان بايع ال عليه يوم الميثاق ثم وفى له ها هنا‪.‬‬
‫فجعممل تلك الوثان جذاذا‪ ،‬أي فتاتمما كالجذيذة وهممي السممويق وليممس مممن قبيممل القوة؛ قاله الترمذي‬
‫الحكيمم‪" .‬فأقبلوا إليمه يزفون" قرأ حمزة "يزفون" بضمم الياء‪ .‬الباقون بفتحهما‪ .‬أي يسمرعون؛ قاله‬
‫ابمن زيمد‪ .‬قتادة والسمدي‪ :‬يمشون‪ .‬وقيمل‪ :‬المعنمى يمشون بجمعهمم على مهمل آمنيمن أن يصميب أحمد‬
‫آلهتهممم بسمموء‪ .‬وقيممل‪ :‬المعنممى يتسممللون تسمملل بيممن المشممي والعدو؛ ومنممه زفيممف النعامممة‪ .‬وقال‬
‫الضحاك‪ :‬يسعون وحكى يحيى بن سلم‪ :‬يرعدون غضبا‪ .‬وقيل‪ :‬يختالون وهو مشي الخيلء؛ قاله‬
‫مجاهد‪ .‬ومنه ُأخِذ زفاف العروس إلى زوجها‪ .‬وقال الفرزدق‪:‬‬
‫يزف وجاءت خلفه وهي زفف‬ ‫وجاء قريع الشول قبل إفالها‬
‫وممممن قرأ‪" :‬يزفون" فمعناه يزفون غيرهمممم أي يحملونهمممم على التزفيمممف‪ .‬وعلى هذا فالمفعول‬
‫محذوف‪ .‬قال الصمعي‪ :‬أزففت البل أي حملتها على أن تزف‪ .‬وقيل‪ :‬هما لغتان يقال‪ :‬زف القوم‬
‫وأزفوا‪ ،‬وزففمت العروس وأزففتهما وازدففتهما بمعنمى‪ ،‬والمزفمة‪ :‬المحفمة التمي تزف فيهما العروس؛‬
‫حكي ذلك عن الخليل‪ .‬النحاس‪" :‬ويزفون" بضم الياء‪ .‬زعم أبو حاتم أنه ل يعرف هذه اللغة‪ ،‬وقد‬
‫عرفهمما جماعممة مممن العلماء منهممم الفراء وشبههمما بقولهممم‪ :‬أطردت الرجممل أي صمميرته إلى ذلك‪.‬‬
‫وطردته نحيته؛ وأنشد هو وغيره‪:‬‬
‫فأمسى حصين قد أذل وأ قهرا‬ ‫تمنى حصين أن يسود جذاعة‬
‫أي صير إلى ذلك؛ فكذلك "يزفون" يصيرون إلى الزفيف‪ .‬قال محمد بن يزيد‪ :‬الزفيف السراع‪.‬‬
‫وقال أبو إسحاق‪ :‬الزفيف أول عدو النعام‪ .‬وقال أبو حاتم‪ :‬وزعم الكسائي أن قوما قرؤوا "فأقبلوا‬
‫إليه يزفون" خفيفة؛ من وزف يزف‪ ،‬مثل وزن يزن‪ .‬قال النحاس‪ :‬فهذه حكاية أبي حاتم وأبو حاتم‬
‫لم يسمممع مممن الكسممائي شيئا‪ .‬وروى الفراء وهممو صمماحب الكسممائي عممن الكسممائي أنممه ل يعرف‬
‫"يزفون" مخففة‪ .‬قال الفراء‪ :‬وأنا ل أعرفها‪ .‬قال أبو إسحاق‪ :‬وقد عرفها غيرهما أنه يقال وزف‬
‫يزف إذا أسرع‪ .‬قال النحاس‪ :‬ول نعلم أحدا قرأ "يزفون"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬همممي قراءة عبدال بمممن يزيمممد فيمممما ذكمممر المهدوي‪ .‬الزمخشري‪ :‬و"يزفون" على البناء‬
‫للمفعول‪" .‬يزفون" من زفاه إذا حداه؛ كأن بعضهم يزف بعضا لتسارعهم إليه‪ .‬وذكر الثعلبي عن‬
‫الحسممن ومجاهممد وابممن السممميقع‪" :‬يزفون" بالراء مممن رفيممف النعام‪ ،‬وهممو ركممض بيممن المشممي‬
‫والطيران‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال أتعبدون ما تنحتون" فيه حذف؛ أي قالوا من فعل هذا بآلهتنما‪ ،‬فقال محتجا‪:‬‬
‫"أتعبدون ما تنحون" أي أتعبدون أصناما أنتم تنحتونها بأيديكم تنجرونها‪ .‬والنحت النجر والبري‬
‫نحتممه ينحتممه بالكسممر نحتمما أي براه‪ .‬والنحاتممة البرايممة والمنحممت ممما ينحممت بممه‪" .‬وال خلقكممم وممما‬
‫تعملون" "مما" فمي موضمع نصمب أي وخلق مما تعملونمه ممن الصمنام‪ ،‬يعنمي الخشمب والحجارة‬
‫وغيرهمما؛ كقوله‪" :‬بمل ربكمم رب السمموات والرض الذي فطرهمن" [النمبياء‪ ]56 :‬وقيمل‪ :‬إن‬
‫"مما" اسمتفهام ومعناه التحقيمر لعملهمم‪ .‬وقيمل‪ :‬همي نفمي‪ ،‬والمعنمى ومما تعملون ذلك لكمن ال خالقمه‪.‬‬
‫والحسن أن تكون "ما" مع الفعل مصدرا‪ ،‬والتقدير وال خلقكم وعملكم وهذا مذهب أهل السنة‪:‬‬
‫أن الفعال خلق ل عمز وجمل واكتسماب للعباد‪ .‬وفمي هذا إبطال مذاهمب القدريمة والجبريمة‪ .‬وروى‬
‫أبمو هريرة عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم قال‪( :‬إن ال خالق كمل صمانع وصمنعته) ذكره الثعلبمي‪.‬‬
‫وخرجمه البيهقمي ممن حديمث حذيفمة قال‪ :‬قال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم‪( :‬إن ال عمز وجمل‬
‫صمنع كمل صمانع وصمنعته فهمو الخالق وهمو الصمانع سمبحانه) وقمد بيناهمما فمي الكتاب السمنى فمي‬
‫شرح أسماء ال الحسنى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 97 :‬قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم‪ ،‬فأرادوا به كيدا فجعلناهم السفلين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا ابنوا له بنيانما" أي تشاوروا فمي أمره لمما غلبهمم بالحجمة حسمب مما تقدم فمي‬
‫"النبياء" بيانه فم "قالوا ابنوا له بنيانا" تملؤونه حطبا فتضرمونه‪ ،‬ثم ألقوه فيه وهو الجحيم‪ .‬قال‬
‫ابمن عباس‪ :‬بنوا حائطما ممن حجارة طوله فمي السمماء ثلثون ذراعما‪ ،‬وملوه نارا وطرحوه فيهما‪.‬‬
‫وقال ابن عمرو بن العاص‪ :‬فلما صار في البنيان قال‪ :‬حسبي ال ونعم الوكيل‪ .‬واللف واللم في‬
‫"الجحيم" تدل على الكناية؛ أي في جحيمه؛ أي في جحيم ذلك البنيان‪ .‬وذكر الطبري‪ :‬أن قائل ذلك‬
‫اسمه الهيزن رجل من أعراب فارس وهم الترك‪ ،‬وهو الذي جاء فيه الحديث‪( :‬بينما رجل يمشى‬
‫في حلة له يتبختر فيها فخسف به فهو يتجلجل في الرض إلى يوم القيامة) وال أعلم‪" .‬فأرادوا به‬
‫كيدا" أي بإبراهيم‪ .‬والكيد المكر؛ أي احتالوا لهلكه‪" .‬فجعلناهم السفلين" المقهورين المغلوبين‬
‫إذ نفذت حجته من حيث لم يمكنهم دفعها‪ ،‬ولم ينفذ فيه مكرهم ول كيدهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 101 - 99 :‬وقال إنمي ذاهمب إلى ربمي سميهدين‪ ،‬رب همب لي ممن الصمالحين‪،‬‬
‫فبشرناه بغلم حليم}‬
‫@ هذه اليمة أصمل فمي الهجرة والعزلة‪ .‬وأول ممن فعمل ذلك إبراهيمم عليمه السملم‪ ،‬وذلك حيمن‬
‫خلصمه ال ممن النار "قال إن ذاهمب إلى ربمي" أي مهاجمر ممن بلد قوممي ومولدي إلى حيمث أتمكمن‬
‫من عبادة ربي فإنه "سيهدين" فيما نويت إلى الصواب‪ .‬قال مقاتل‪ :‬هو أول من هاجر من الخلق‬
‫ممع لوط وسمارة‪ ،‬إلى الرض المقدسمة وهمي أرض الشام‪ .‬وقيمل‪ :‬ذاهمب بعملي وعبادتمي‪ ،‬وقلبمي‬
‫ونيتي‪ .‬فعلى هذا ذهابه بالعمل ل بالبدن‪ .‬وقد مضى بيان هذا في "الكهف" مستوفى‪ .‬وعلى الول‬
‫بالمهاجرة إلى الشام وبيممت القدس‪ .‬وقيممل‪ :‬خرج إلى حران فأقام بهمما مدة‪ .‬ثممم قيممل‪ :‬قال ذلك لمممن‬
‫فارقمه ممن قوممه؛ فيكون ذلك توبيخما لهمم‪ .‬وقيمل‪ :‬قاله لممن هاجمر معمه ممن أهله؛ فيكون ذلك منمه‬
‫ترغيبما‪ .‬وقيمل‪ :‬قال هذا قبمل إلقائه فمي النار‪ .‬وفيمه على هذا القول تأويلن‪ :‬أحدهمما‪ :‬إنمي ذاهمب إلى‬
‫مما قضاه علي ربمي‪ .‬الثانمي‪ :‬إنمي ميمت؛ كمما يقال لممن مات‪ :‬قمد ذهمب إلى ال تعالى؛ لنمه عليمه‬
‫السملم تصمور أنمه يموت بإلقائه فمي النار‪ ،‬على المعهود ممن حالهما فمي تلف مما يلقمى فيهما‪ ،‬إلى أن‬
‫قيمل لهما‪" :‬كونمي بردا وسملما" فحينئذ سملم إبراهيمم منهما‪ .‬وفمي قوله‪" :‬سميهدين" على هذا القول‬
‫تأويلن‪ :‬أحدهمما "سميهدين" إلى الخلص منهما‪ .‬الثانمي‪ :‬إلى الجنمة‪ .‬وقال سمليمان ابمن صمرد وهمو‬
‫ممممن أدرك النممبي صمملى ال عليممه وسمملم‪ :‬لممما أرادوا إلقاء إبراهيممم فممي النار جعلوا يجمعون له‬
‫الحطمب؛ فجعلت المرأة العجوز تحممل على ظهرهما وتقول‪ :‬اذهمب بمه إلى هذا الذي يذكمر آلهتنما؛‬
‫فلمما ذهمب بمه ليطرح فمي النار "قال إنمي ذاهمب إلى ربمي"‪ .‬فلمما طرح فمي النار قال‪( :‬حسمبي ال‬
‫ونعم الوكيل) فقال ال تعالى‪" :‬يا نار كوني بردا وسلما" [النبياء‪ ]69 :‬فقال أبو لوط وكان ابن‬
‫عمه‪ :‬إن النار لم تحرقه من أجل قرابته مني‪ .‬فأرسل ال عنقا من النار فأحرقه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬رب هب لي من الصالحين" لما عرفه ال أنه مخلصه دعا ال ليعضده بولد يأنس‬
‫بمه فمي غربتمه‪ .‬وقمد مضمى فمي "آل عمران" القول فمي هذا‪ .‬وفمي الكلم حذف؛ أي همب لي ولدا‬
‫صمالحا ممن الصمالحين‪ ،‬وحذف مثمل هذا كثيمر‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬فبشرناه بغلم حليمم" أي أنمه يكون‬
‫حليمما فمي كمبره فكأنمه بشمر ببقاء ذلك الولد؛ لن الصمغير ل يوصمف بذلك‪ ،‬فكانمت البشرى على‬
‫ألسنة الملئكة كما تقدم في "هود"‪ .‬ويأتي أيضا في "الذاريات"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 113 - 102 :‬فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر‬
‫ماذا ترى قال يما أبمت افعمل مما تؤممر سمتجدني إن شاء ال ممن الصمابرين‪ ،‬فلمما أسملما وتله للجمبين‪،‬‬
‫وناديناه أن يما إبراهيمم‪ ،‬قمد صمدقت الرؤيما إنما كذلك نجزي المحسمنين‪ ،‬إن هذا لهمو البلء الممبين‪،‬‬
‫وفديناه بذبمح عظيمم‪ ،‬وتركنما عليمه فمي الخريمن‪ ،‬سملم على إبراهيمم‪ ،‬كذلك نجزي المحسمنين‪ ،‬إنمه‬
‫ممن عبادنما المؤمنيمن‪ ،‬وبشرناه بإسمحاق نبيما ممن الصمالحين‪ ،‬وباركنما عليمه وعلى إسمحاق وممن‬
‫ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما بلغ معه السعي" أي فوهبنا له الغلم؛ فلما بلغ مع المبلغ الذي يسعى مع أبيه‬
‫فمي أمور دنياه معينما له على أعماله "قال يما بنمي إنمي أرى فمي المنام أنمي أذبحمك"‪ .‬وقال مجاهمد‪:‬‬
‫"فلمما بلغ معمه السمعي" أي شمب وأدرك سمعيه سمعي إبراهيمم‪ .‬وقال الفراء‪ :‬كان يومئذ ابمن ثلث‬
‫عشرة سمنة‪ .‬وقال ابمن عباس‪ :‬همو احتلم‪ .‬قتادة‪ :‬مشمى ممع أبيمه‪ .‬الحسمن ومقاتمل‪ :‬همو سمعي العقمل‬
‫الذي تقوم به الحجة‪ .‬ابن زيد‪ :‬هو السعي في العبادة‪ .‬ابن عباس‪ :‬صام وصلى‪ ،‬ألم تسمع ال عز‬
‫وجل يقول‪" :‬وسعى لها سعيها" [السراء‪.]19 :‬‬
‫واختلف العلماء فمي المأمور بذبحمه‪ .‬فقال أكثرهمم‪ :‬الذبيمح إسمحاق‪ .‬ومممن قال بذلك العباس بمن‬
‫عبدالمطلب وابنمه عبدال وهمو الصمحيح عنمه‪ .‬روى الثوري وابمن جريمج يرفعانمه إلى ابمن عباس‬
‫قال‪ :‬الذبيح إسحاق‪ .‬وهو الصحيح عن عبدال بن مسعود أن رجل قال له‪ :‬يا ابن الشياخ الكرام‪.‬‬
‫فقال عبدال‪ :‬ذلك يوسمف بمن يعقوب بمن إسمحاق ذبيمح ال ابمن إبراهيمم خليمل ال صملى ال عليمه‬
‫وسملم‪ .‬وقمد روى حماد بمن زيمد يرفعمه إلى رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قال‪( :‬إن الكريمم ابمن‬
‫الكريمم ابمن الكريمم ابمن الكريمم يوسمف بمن يعقوب بمن إسمحاق بمن إبراهيمم صملى ال عليهمم وسملم)‪.‬‬
‫وروى أبو الزبير عن جابر قال‪ :‬الذبيح إسحاق‪ .‬وذلك مروي أيضا عن علي بن أبي طالب رضي‬
‫ال عنمه‪ .‬وعمن عبدال بمن عممر‪ :‬أن الذبيمح إسمحاق‪ .‬وهمو قول عممر رضمي ال عنمه‪ .‬فهؤلء سمبعة‬
‫ممن الصمحابة‪ .‬وقال بمه ممن التابعيمن وغيرهمم علقممة والشعمبي ومجاهمد وسمعيد بمن جمبير وكعمب‬
‫الحبار وقتادة ومسمروق وعكرممة والقاسمم بمن أبمي بزة وعطاء ومقاتمل وعبدالرحممن بمن سمابط‬
‫والزهري والسدي وعبدال بن أبي الهذيل ومالك بن أنس‪ ،‬كلهم قالوا‪ :‬الذبيح إسحاق‪ .‬وعليه أهل‬
‫الكتابيمن اليهود والنصمارى‪ ،‬واختاره غيمر واحمد منهمم النحاس والطمبري وغيرهمما‪ .‬قال سمعيد بمن‬
‫جمبير‪ :‬أرى إبراهيمم ذبمح إسمحاق فمي المنام‪ ،‬فسمار بمه مسميرة شهمر فمي غداة واحدة‪ ،‬حتمى أتمى بمه‬
‫المنحمر من منى؛ فلمما صمرف ال عنه الذبح وأمره أن يذبح الكبش فذبحه‪ ،‬وسار به مسيرة شهر‬
‫فمي روحة واحدة طويت له الودية والجبال‪ .‬وهذا القول أقوى فمي النقل عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسمملم وعممن الصممحابة والتابعيممن‪ .‬وقال آخرون‪ :‬هممو إسممماعيل‪ .‬وممممن قال ذلك أبممو هريرة وأبممو‬
‫الطفيمل عاممر بمن واثلة‪ .‬وروي ذلك عمن ابمن عممر وابمن عباس أيضما‪ ،‬وممن التابعيمن سمعيد بمن‬
‫المسيب والشعبي ويوسف بن مهران ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي والكلبي‬
‫وعلقمة‪ .‬وسئل أبو سعيد الضرير عن الذبيح فأنشد‪:‬‬
‫نطق الكتاب بذاك والتنزيل‬ ‫إن الذبيح هديت إسماعيل‬
‫وأتى به التفسير والتأويل‬ ‫شرف به خص الله نبينا‬
‫شرفا به قد خصه التفضيل‬ ‫إن كنت أمته فل تنكر له‬
‫وعمن الصممعي قال‪ :‬سمألت أبما عمرو بمن العلء عمن الذبيمح‪ ،‬فقال‪ :‬يما أصممعي أيمن عزب عنمك‬
‫عقلك! ومتى كان إسحاق بمكة؟ وإنما كان إسماعيل بمكة‪ ،‬وهو الذي بنى البيت مع أبيه والمنحر‬
‫بمكة‪ .‬وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬أن الذبيح إسماعيل) والول أكثر عن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم وعن أصحابه وعن التابعين‪ .‬واحتجوا بأن ال عز وجل قد أخبر عن إبراهيم حين‬
‫فارق قومممه‪ ،‬فهاجممر إلى الشام مممع امرأتممه سممارة وابممن أخيممه لوط فقال‪" :‬إنممي ذاهممب إلى ربممي‬
‫سيهدين" أنه دعا فقال‪" :‬رب هب لي من الصالحين" فقال تعالى‪" :‬فلما اعتزلهم وما يعبدون من‬
‫دون ال وهبنما له إسمحاق ويعقوب" [مريمم‪]49:‬؛ ولن ال قال‪" :‬وفديناه بذبمح عظيمم" فذكمر أن‬
‫الفداء فمي الغلم الحليمم الذي بشره بمه إبراهيمم وإنمما بشمر بإسمحاق؛ لنمه قال‪" :‬وبشرناه بإسمحاق"‪،‬‬
‫وقال هنما‪" :‬بغلم حليمم" وذلك قبمل أن يتزوج هاجمر وقبمل أن يولد له إسمماعيل‪ ،‬وليمس فمي القرآن‬
‫أنمه بشمر بولد إل إسمحاق‪ .‬احتمج ممن قال إنمه إسمماعيل‪ :‬بأن ال تعالى وصمفه بالصمبر دون إسمحاق‬
‫فمي قوله تعالى‪" :‬وإسمماعيل وإدريمس وذا الكفمل كمل ممن الصمابرين" [النمبياء‪ ]85 :‬وهمو صمبره‬
‫على الذبح‪ ،‬ووصفه بصدق الوعد في قوله‪" :‬إنه كان صادق الوعد" [مريم‪]54 :‬؛ لنه وعد أباه‬
‫ممن نفسمه الصمبر على الذبمح فوفمى بمه؛ ولن ال تعالى قال‪" :‬وبشرناه بإسمحاق نبيما" فكيمف يأمره‬
‫بذبحمه وقمد وعده أن يكون نبيما‪ ،‬وأيضما فإن ال تعالى قال‪" :‬فبشرناهما بإسمحاق وممن وراء إسمحاق‬
‫يعقوب" [هود‪ ]71 :‬فكيمف يؤممر بذبمح إسمحاق قبمل إنجاز الوعمد فمي يعقوب‪ .‬وأيضما ورد فمي‬
‫الخبار تعليمق قرن الكبمش فمي الكعبمة‪ ،‬فدل على أن الذبيمح إسمماعيل‪ ،‬ولو كان إسمحاق لكان الذبمح‬
‫يقمع بمبيت المقدس‪ .‬وهذا السمتدلل كله ليمس بقاطمع؛ أمما قولهمم‪ :‬كيمف يأمره بذبحمه وقمد وعده بأنمه‬
‫يكون نبيما‪ ،‬فإنمه يحتممل أن يكون المعنمى‪ :‬وبشرناه بنبوتمه بعمد أن كان ممن أمره مما كان؛ قال ابمن‬
‫عباس وسميأتي‪ .‬ولعله أممر بذبمح إسمحاق بعمد أن ولد لسمحاق يعقوب‪ .‬قال‪ :‬لم يرد فمي القرآن أن‬
‫يعقوب يولد مممن إسممحاق‪ .‬وأممما قولهممم‪ :‬ولو كان الذبيممح إسممحاق لكان الذبممح يقممع بممبيت المقدس‪،‬‬
‫فالجواب عنممه ممما قاله سممعيد بممن جممبير على ممما تقدم‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬ال أعلم أيهممما الذبيممح‪ .‬وهذا‬
‫مذهب ثالث‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى" قال مقاتل‪ :‬رأى ذلك‬
‫إبراهيم عليه السلم ثلث ليال متتابعات‪ .‬وقال محمد بن كعب‪ :‬كانت الرسل يأتيهم الوحي من ال‬
‫تعالى أيقاظما ورقودا؛ فإن النمبياء ل تنام قلوبهمم‪ .‬وهذا ثابمت فمي الخمبر المرفوع‪ ،‬قال صملى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬إنا معاشر النبياء تنام أعيننا ول تنام قلوبنا)‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬رؤيا النبياء وحي؛‬
‫واستدل بهذه الية‪ .‬وقال السدي‪ :‬لما بشر إبراهيم بإسحاق قبل أن يولد له قال هو إذا ل ذبيح‪ .‬فقيل‬
‫له في منامه‪ :‬قد نذرت فف بنذرك‪ .‬ويقال‪ :‬إن إبراهيم رأى في ليلة التروية كأن قائل يقول‪ :‬إن ال‬
‫يأمرك بذبمح ابنمك؛ فلمما أصمبح روى فمي نفسمه أي فكمر أهذا الحلم ممن ال أم ممن الشيطان؟ فسممي‬
‫يوم التروية‪ .‬فلما كانت الليلة الثانية رأى ذلك أيضا وقيل له الوعد‪ ،‬فلما أصبح عرف أن ذلك من‬
‫ال فسممي يوم عرفمة‪ .‬ثمم رأى مثله فمي الليلة الثالثمة فهمم بنحره فسممي يوم النحمر‪ .‬وروي أنمه لمما‬
‫ذبحمه قال جبريمل‪ :‬ال أكمبر ال أكمبر‪ .‬فقال الذبيمح‪ :‬ل إله إل ال وال أكمبر‪ .‬فقال إبراهيمم‪ :‬ال أكمبر‬
‫والحممد ل؛ فبقمي سمنة‪ .‬وقمد اختلف الناس فمي وقوع هذا الممر فقال أهمل السمنة‪ :‬إن نفمس الذبمح لم‬
‫يقع‪ ،‬وإنما وقع المر بالذبح قبل أن يقع الذبح‪ ،‬ولو وقع لم يتصور رفعه‪ ،‬فكان هذا من باب النسخ‬
‫قبل الفعل؛ لنه لو حصل الفراغ من امتثال المر بالذبح ما تحقق الفداء‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬قد صدقت‬
‫الرؤيا"‪ :‬أي حققت ما نبهناك عليه‪ ،‬وفعلت ما أمكنك ثم امتنعت لما منعناك‪ .‬هذا أصح ما قيل به‬
‫فمي هذا الباب‪ .‬وقالت طائفمة‪ :‬ليمس هذا ممما ينسمخ بوجمه؛ لن معنمى ذبحمت الشيمء قطعتمه‪ .‬واسمتدل‬
‫على هذا بقول مجاهممد‪ :‬قال إسممحاق لبراهيممم ل تنظممر آلي فترحمنممي‪ ،‬ولكممن اجعممل وجهممي إلى‬
‫الرض؛ فأخذ إبراهيم السكين فأمرها على حلقة فانقلبت‪ .‬فقال له ما لك؟ قال‪ :‬انقلبت السكين‪ .‬قال‬
‫اطعنمي بهما طعنما‪ .‬وقال بعضهمم‪ :‬كان كلمما قطمع جزءا التأم‪ .‬وقالت طائفمة‪ :‬وجمد حلقمه نحاسما أو‬
‫مغشى بنحاس‪ ،‬وكان كلما أراد قطعا وجد منعا‪ .‬وهذا كله جائز في القدرة اللهية‪ .‬لكنه يفتقر إلى‬
‫نقمل صحيح‪ ،‬فإنه أممر ل يدرك بالنظمر وإنما طريقه الخمبر‪ .‬ولو كان قد جرى ذلك لبينمه ال تعالى‬
‫تعظيما لرتبة إسماعيل وإبراهيم صلوات ال عليهما‪ ،‬وكان أولى بالبيان من الفداء‪ .‬وقال بعضهم‪:‬‬
‫إن إبراهيم ما أمر بالذبح الحقيقي الذي هو فري الوداج وإنهار الدم‪ ،‬وإنما رأى أنه أضجعه للذبح‬
‫فتوهم أنه أمر بالذبح الحقيقي‪ ،‬فلما أتى بما أمر به من الضجاع قيل له‪" :‬قد صدقت الرؤيا" وهذا‬
‫كله خارج عمن المفهوم‪ .‬ول يظمن بالخليمل والذبيمح أن يفهمما ممن هذا الممر مما ليمس له حقيقمة حتمى‬
‫يكون منهما التوهم‪ .‬وأيضا لو صحت هذه الشياء لما احتيج إلى الفداء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فانظمر ماذا ترى" قرأ أهمل الكوفمة غيمر عاصمم "ماذا ترى" بضمم التاء وكسمر‬
‫الراء ممن أرِى يُري‪ .‬قال الفراء‪ :‬أي فانظمر ماذا ترى ممن صمبرك وجزعمك‪ .‬قال الزجاج‪ :‬لم يقمل‬
‫هذا أحد غيره‪ ،‬وإنما قال العلماء ماذا تشير؛ أي ما تريك نفسك من الرأي‪ .‬وأنكر أبو عبيد "تُرى"‬
‫وقال‪ :‬إنممما يكون هذا مممن رؤيممة العيممن خاصممة‪ .‬وكذلك قال أبممو حاتممم‪ .‬النحاس‪ :‬وهذا غلط‪ ،‬وهذا‬
‫يكون من رؤية العين وغيرها وهو مشهور‪ ،‬يقال‪ :‬أريت فلنا الصواب‪ ،‬وأريته رشده‪ ،‬وهذا ليس‬
‫ممن رؤيمة العيمن‪ .‬الباقون "ترى" مضارع رأيمت‪ .‬وقمد روي عمن الضحاك والعممش "ترى" غيمر‬
‫مسممى الفاعمل‪ .‬ولم يقمل له ذلك على وجمه المؤامرة فمي أممر ال‪ ،‬وإنمما شاوره ليعلم صمبره لممر‬
‫ال؛ أو لتقر عينه إذا رأى من ابنه طاعة في أمر ال فم "قال ياأبت افعل ما تؤمر" أي ما تؤمر به‬
‫فحذف الجار كما حذف من قوله‪:‬‬
‫أمرتك الخير فافعل ما أمرت به‬
‫فوصممل الفعممل إلى الضميممر فصممار تؤمره ثممم حذفممت الهاء؛ كقول‪" :‬وسمملم على عباده الذيممن‬
‫اصطفى" [النمل‪ ]59 :‬أي اصطفاهم على ما تقدم‪ .‬و"ما" بمعنى الذي‪" .‬ستجدني إن شاء ال من‬
‫الصمابرين" قال بعض أهمل الشارة‪ :‬لمما استثنى وفقه ال للصبر‪ .‬وقمد مضمى الكلم فمي "يما أبمت"‬
‫[يوسف‪ ]4 :‬وكذلك في "يا بني" [يوسف‪ ]5 :‬في "يوسف" وغيرها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما أسلما" أي انقادا لمر ال‪ .‬وقرأ ابن مسعود وابن عباس وعلي وضوان ال‬
‫عليهم "فلما سلما" أي فوضا أمرهما إلى ال‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬استسلما‪ .‬وقال قتادة‪ :‬أسلم أحدهما‬
‫نفسممه ل عممز وجممل وأسمملم الخممر ابنممه‪" .‬وتله للجممبين" قال قتادة‪ :‬كبممه وحول وجهممه إلى القبلة‪.‬‬
‫وجواب "لممما" محذوف عنممد البصممريين تقديره "فلممما أسمملما وتله للجممبين" فديناه بكبممش‪ .‬وقال‬
‫الكوفيون‪ :‬الجواب "ناديناه" والواو زائدة مقحممة؛ كقوله‪" :‬فلمما ذهبوا بمه وأجمعوا أن يجعلوه فمي‬
‫غيابمة الجمب وأوحينما" [يوسمف‪ ]15 :‬أي أوحينما‪ .‬وقول‪" :‬وهمم ممن كمل حدب ينسملون" [النمبياء‪:‬‬
‫‪" .]96‬واقترب" أي اقترب‪ .‬وقوله‪" :‬حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال" [الزمر‪ ]73 :‬أي‬
‫قال لهم‪ .‬وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى‬
‫أي انتحى‪ ،‬والواو زائدة‪ .‬وقال أيضا‪:‬‬
‫ورأيتم أبناءكم شبوا‬ ‫حتى إذا حملت بطونكم‬
‫إن اللئيم الفاجر الخب‬ ‫وقلبتم ظهر المجن لنا‬
‫أراد قلبتممم‪ .‬النحاس‪ :‬والواو مممن حروف المعانممي ل يجوز أن تزاد‪ .‬وفممي الخممبر‪ :‬إن الذبيممح قال‬
‫لبراهيمم عليمه السملم حيمن أراد ذبحمه‪ :‬يما أبمت أشدد رباطمي حتمى ل أضطرب؛ واكفمف ثيابمك لئل‬
‫ينتضمح عليهما شيمء ممن دممي فتراه أممي فتحزن‪ ،‬وأسمرع ممر السمكين على حلقمى ليكون الموت‬
‫أهون علي وأقذفنمي للوجمه؛ لئل تنظمر إلى وجهمي فترحمنمي‪ ،‬ولئل أنظمر إلى الشفرة فأجزع‪ ،‬وإذا‬
‫أتيت إلى أمي فأقرئها مني السلم‪ .‬فلما جر إبراهيم عليه السلم السكين ضرب ال عليه صفيحة‬
‫ممن نحاس‪ ،‬فلم تعممل السمكين شيئا‪ ،‬ثمم ضرب بمه على جمبينه وحمز فمي قفاه فلم تعممل السمكين شيئا؛‬
‫فذلك قوله تعالى‪" :‬وتله للجبين" كذلك فال ابن عباس‪ :‬معناه كبه على وجهه فنودي "يا إبراهيم قد‬
‫صممدقت الرؤيمما" فالتفممت فإذا بكبممش؛ ذكره المهدوي‪ .‬وقممد تقدمممت الشارة إلى عدم صممحته‪ ،‬وأن‬
‫المعنى لما اعتقد الوجوب وتهيأ للعمل؛ هذا بهيئة الذبح‪ ،‬وهذا بصورة المذبوح‪ ،‬أعطيا محل للذبح‬
‫فداء ولم يكمن هناك ممر سمكين‪ .‬وعلى هذا يتصمور النسمخ قبمل الفعمل على مما تقدم‪ .‬وال أعلم‪ .‬قال‬
‫الجوهري‪" :‬وتله للجمبين" أي صمرعه؛ كمما تقول‪ :‬كبمه لوجهمه‪ .‬الهروي‪ :‬والتمل الدفمع والصمرع؛‬
‫ومنه حديث أبي الدرداء رضي ال عنه‪( :‬وتركوك لمتلك) أي لمصرعك‪ .‬وفي حديث آخر‪( :‬فجاء‬
‫بناقمة كوماء فتلهما) أي أناخهما‪ .‬وفمي الحديمث‪( :‬بينما أنما نائم أتيمت بمفاتيمح خزائن الرض فتلت فمي‬
‫يدي) قال ابممن النباري‪ :‬أي فألقيممت فممي يدي؛ يقال‪ :‬تللت الرجممل إذا ألقيتممه‪ .‬قال ابممن العرابممي‪:‬‬
‫فصبت في يدي؛ والتل الصب؛ يقال‪ :‬تل يتل إذا صب‪ ،‬وتل يتل بالكسر إذا سقط‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفمي صمحيح مسملم عمن سمهل بمن سمعد السماعدي أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم أتمي‬
‫بشراب فشرب منممه‪ ،‬وعممن يمينممه غلم وعممن يسمماره أشياخ؛ فقال للغلم‪( :‬أتأذن لي أن أعطممي‬
‫هؤلء) فقال الغلم‪ :‬ل وال‪ ،‬ل أوثر بنصيبي منك أحدا‪ .‬قال؛ فتله رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فمي يده؛ يريمد جعله فمي يده‪ .‬وقال بعمض أهمل الشارة‪ :‬إن إبراهيمم ادعمى محبمة ال‪ ،‬ثمم نظمر إلى‬
‫الولد بالمحبة‪ ،‬فلم يرض حبيبه محبة مشتركة؛ فقيل له‪ :‬يا إبراهيم اذبح ولدك في مرضاتي‪ ،‬فشمر‬
‫وأخمذ السمكين وأضجمع ولده‪ ،‬ثمم قال‪ :‬اللهمم تقبله منمي فمي مرضاتمك‪ .‬فأوحمى ال إليمه‪ :‬يما إبراهيمم لم‬
‫يكمن المراد ذبمح الولد‪ ،‬وإنمما المراد أن ترد قلبمك إلينما‪ ،‬فلمما رددت قلبمك بكليتمه إلينما رددنما ولدك‬
‫إليك‪ .‬وقال كعب وغيره‪ :‬لما أرى إبراهيم ذبح ولده في منامه‪ ،‬قال الشيطان‪ :‬وال لئن لم أفتن عند‬
‫هذا آل إبراهيمم ل أفتمن منهمم أحدا أبدا‪ .‬فتمثمل الشيطان لهمم فمي صمورة الرجمل‪ ،‬ثمم أتمى أم الغلم‬
‫وقال‪ :‬أتدرين أين يذهب إبراهيم بابنك؟ قالت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬إنه يذهب به ليذبحه‪ .‬قالت‪ :‬كل هو أرأف‬
‫بمه ممن ذلك‪ .‬فقال‪ :‬إنمه يزعمم أن ربمه أمره بذلك‪ .‬قالت‪ :‬فإن كان ربمه قمد أمره بذلك فقمد أحسمن أن‬
‫يطيمع ربمه‪ .‬ثمم أتمى الغلم فقال‪ :‬أتدري أيمن يذهمب بمك أبوك؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فإنمه يذهمب بمك ليذبحمك‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولم؟ قال‪ :‬زعمم أن ربمه أمره بذلك‪ .‬قال‪ :‬فليفعمل مما أمره ال بمه‪ ،‬سممعا وطاعمة لممر ال‪ .‬ثمم‬
‫جاء إبراهيمم فقال‪ :‬أيمن تريمد؟ وال إنمي لظمن أن الشيطان قمد جاءك فمي مناممك فأمرك بذبمح ابنمك‪.‬‬
‫فعرفمه إبراهيمم فقال‪ :‬إليمك عنمي يما عدو ال‪ ،‬فوال لمضيمن لممر ربمي‪ .‬فلم يصمب‪ ،‬الملعون منهمم‬
‫شيئا‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬لما أمر إبراهيم بذبح ابنه عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع‬
‫حصميات حتمى ذهمب‪ ،‬ثمم عرض له عنمد الجمرة الوسمطى فرماه بسمبع حصميات حتمى ذهمب‪ ،‬ثمم‬
‫عرض له عند الجمرة الخرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم مضى إبراهيم لمر ال تعالى‪.‬‬
‫واختلف فمي الموضمع الذي أراد ذبحمه فيمه فقيمل‪ :‬بمكمة فمي المقام‪ .‬وقيمل‪ :‬فمي المنحمر بمنمى عنمد‬
‫الجمار التمي رممى بهما إبليمس لعنمه ال؛ قاله ابمن عباس وابمن عممر ومحممد بمن كعمب وسمعيد بمن‬
‫المسميب‪ .‬وحكمي عمن سمعيد بمن جمبير‪ :‬أنمه ذبحمه على الصمخرة التمي بأصمل ثمبير بمنمى‪ .‬وقال ابمن‬
‫جريمج‪ :‬ذبحمه بالشام وهمو ممن بيمت المقدس على ميليمن‪ .‬والول أكثمر؛ فإنمه ورد فمي الخبار تعليمق‬
‫قرن الكبش في الكعبة‪ ،‬فدل على أنه ذبحه بمكة‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬فوالذي نفسي بيده لقد كان أول‬
‫السلم‪ ،‬وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه من ميزاب الكعبة وقد يبس‪ .‬أجاب من قال بأن الذبح وقع‬
‫بالشام‪ :‬لعل الرأس حمل من الشام إلى مكة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنا كذلك نجزي المحسنين" أي نجزيهم بالخلص من الشدائد في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫"إن هذا لهو البلء المبين" أي النعمة الظاهرة؛ يقال‪ :‬أبله ال إبلء وبلء إذا أنعم عليه‪ .‬وقد يقال‬
‫بله‪ .‬قال زهير‪:‬‬
‫فأبلهما خير البلء الذي يبلو‬
‫فزعممم قوم أنممه جاء باللغتيممن‪ .‬وقال آخرون‪ :‬بممل الثانممي مممن بله يبلوه إذا اختممبره‪ ،‬ول يقال مممن‬
‫الختبار إل بله يبلوه‪ ،‬ول يقال مممن البتلء يبلوه‪ .‬وأصممل هذا كله مممن الختبار أن يكون بالخيممر‬
‫والشمر؛ قال ال عز وجل‪" :‬ونبلوكم بالشمر والخير فتنمة" [النمبياء‪ .]35 :‬وقال أبو زيمد‪ :‬هذا من‬
‫البلء الذي نزل به في أن يذبح ابنه؛ قال‪ :‬وهذا من البلء المكروه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وفديناه بذبمح عظيمم" الذبمح اسمم المذبوح وجمعمه ذبوح؛ كالطحمن اسمم المطحون‪.‬‬
‫والذبح بالفتمح المصمدر‪" .‬عظيمم" أي عظيمم القدر ولم يرد عظيمم الجثمة‪ .‬وإنمما عظمم قدره لنه فدى‬
‫به الذبيح؛ أو لنه متقبل‪ .‬قال النحاس‪ :‬عظيم في اللغة يكون للكبير وللشريف‪ .‬وأهل التفسير على‬
‫أنمه ههنما للشريمف‪ ،‬أو المتقبمل‪ .‬وقال ابمن عباس‪ :‬هو الكبمش الذي تقرب بمه هابيمل‪ ،‬وكان فمي الجنمة‬
‫يرعمى حتمى فدى ال بمه إسمماعيل‪ .‬وعنمه أيضما‪ :‬أنمه كبمش أرسمله ال ممن الجنمة كان قمد رعمى فمي‬
‫الجنمة أربعيمن خريفما‪ .‬وقال الحسمن‪ :‬مما فدي إسمماعيل إل بتيمس ممن الروى هبمط عليمه ممن ثمبير‪،‬‬
‫فذبحه إبراهيم فداء عن ابنه‪ ،‬وهذا قول علي رصي ال عنه‪ .‬فلما رآه إبراهيم أخذه فذبحه وأعتق‬
‫ابنمه‪ .‬وقال‪ :‬يما بنمي اليوم وهبمت لي‪ .‬وقال أبمو إسمحاق الزجاج‪ :‬قمد قيمل أنمه فدي بوعمل‪ ،‬والوعمل‪:‬‬
‫التيس الجبلي‪ .‬وأهل التفسير على أنه فدي بكبش‪.‬‬
‫@ فمي هذه اليمة دليمل على أن الضحيمة بالغنمم أفضمل ممن البمل والبقمر‪ .‬وهذا مذهمب مالك‬
‫وأصممحابه‪ .‬قالوا‪ :‬أفضممل الضحايمما الفحول مممن الضأن‪ ،‬وإناث الضأن أفضممل مممن فحممل المعممز‪،‬‬
‫وفحول المعز خير من إناثها‪ ،‬وإناث المعز خير من البل والبقر‪ .‬وحجتهم قوله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫"وفديناه بذبح عظيم" أي ضخم الجثة سمين‪ ،‬وذلك كبش ل جمل ول بقرة‪ .‬وروى مجاهد وغيره‬
‫عمن ابمن عباس أنمه سمأل رجمل‪ :‬إنمي نذرت أن أنحمر ابنمي؟ فقال‪ :‬يجزيمك كبمش سممين‪ ،‬ثمم قرأ‪:‬‬
‫"وفديناه بذبح عظيم"‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬لو علم ال حيوانا أفضل من الكبش لفدى به إسحاق‪ .‬وضحى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بكبشين أملحين‪ .‬وأكثر ما ضحي به الكباش‪ .‬وذكر ابن أبي شيبة‬
‫عن ابن علية عن الليث عن مجاهد قال‪ :‬الذبح العظيم الشاة‪.‬‬
‫@ واختلفوا أيهمما أفضمل‪ :‬الضحيمة أو الصمدقة بثمنهما‪ .‬فقال مالك وأصمحابه‪ :‬الضحيمة أفضمل إل‬
‫بمنمى؛ لنمه ليمس موضمع الضحيمة؛ حكاه أبمو عممر‪ .‬وقال ابمن المنذر‪ :‬روينما عمن بلل أنمه قال‪ :‬مما‬
‫أبالي أل أضحي إل بديك ولن أضعه في يتيم قد ترب فيه ‪ -‬هكذا قال المحدث ‪ -‬أحب إلي من أن‬
‫أضحممي بممه‪ .‬وهذا قول الشعممبي إن الصممدقة أفضممل‪ .‬وبممه قال مالك وأبممو ثور‪ .‬وفيممه قول ثان‪ :‬إن‬
‫الضحيمة أفضمل؛ هذا قول ربيعمة وأبمي الزناد‪ .‬وبمه قال أصمحاب الرأي‪ .‬زاد أبمو عممر وأحممد بمن‬
‫حنبل قالوا‪ :‬الضحية أفضل من الصدقة؛ لن الضحية سنة مؤكدة كصلة العيد‪ .‬ومعلوم أن صلة‬
‫العيمد أفضمل ممن سمائر النوافمل‪ .‬وكذلك صملوات السمنن أفضمل ممن التطوع كله‪ .‬فال أبمو عممر‪ :‬وقمد‬
‫روي في فضل الضحايا آثار حسان؛ فمنها ما رواه سعيد بن داود بن أبي زنبر عن مالك عن ثور‬
‫بمن زيمد عمن عكرممة عمن ابمن عباس قال‪ :‬قال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم‪( :‬مما ممن نفقمة بعمد‬
‫صملة الرحمم أفضمل عنمد ال ممن إهراق الدم) قال أبمو عممر‪ :‬وهمو حديمث غريمب ممن حديمث مالك‪.‬‬
‫وعمن عائشمة قالت‪ :‬يما أيهما الناس ضحوا وطيبوا أنفسما؛ فإنمي سممعت رسمول ال صملى ال عليمه‬
‫وسمملم يقول‪( :‬ممما مممن عبممد توجممه بأضحيتممه إلى القبلة إل كان دمهمما وقرنهمما وصمموفها حسممنات‬
‫محضرات فمي ميزانمه يوم القياممة فإن الدم إن وقمع فمي التراب فإنمما يقمع فمي حرز ال حتمى يوفيمه‬
‫صماحبه يوم القياممة) ذكره أبمو عممر فمي كتات التمهيمد‪ .‬وخرج الترمذي أيضما عنهما أن رسمول ال‬
‫صملى ال عليمه وسملم قال‪( :‬مما عممل آدممي ممن عممل يوم النحمر أحمب إلى ال ممن إهراق الدم إنهما‬
‫لتأتممي يوم القيامممة بقرونهمما وأشعارهمما وأظلفهمما‪ ،‬وإن الدم ليقممع مممن ال بمكان قبممل أن يقممع إلى‬
‫الرض فطيبوا بهما نفسما) قال‪ :‬وفمي الباب عمن عمران بمن حصمين وزيمد بمن أرقمم‪ .‬وهذا حديمث‬
‫حسن‪.‬‬
‫@ الضحيمة ليسمت بواجبمة ولكنهما سمنة ومعروف‪ .‬وقال عكرممة‪ :‬كان ابمن عباس يبعثنمي يوم‬
‫الضحى بدرهمين اشتري له لحما‪ ،‬ويقول‪ :‬ممن لقيمت فقل هذه أضحية ابن عباس‪ .‬قال أبو عمر‪:‬‬
‫ومجمممل هذا وممما روي عممن أبممي بكممر وعمممر أنهممما ل يضحيان عنممد أهممل العلم؛ لئل يعتقممد فممي‬
‫المواظبمة عليهما أنهما واجبمة فرض‪ ،‬وكانوا أئممة يقتدي بهمم ممن بعدهمم مممن ينظمر فمي دينمه إليهمم؛‬
‫لنهمم الواسمطة بيمن النمبي صملى ال عليمه وسملم وبيمن أمتمه‪ ،‬فسماغ لهمم ممن الجتهاد فمي ذلك مما ل‬
‫يسموغ اليوم لغيرهمم‪ .‬وقمد حكمى الطحاوي فمي مختصمره‪ :‬وقال أبمو حنيفمة‪ :‬الضحيمة واجبمة على‬
‫المقيميممن الواجديممن مممن أهممل المصممار‪ ،‬ول تجممب على المسممافر‪ .‬قال‪ :‬ويجممب على الرجممل مممن‬
‫الضحيمة على ولده الصمغير مثمل الذي يجمب عليمه ممن نفسمه‪ .‬وخالفمه أبمو يوسمف ومحممد فقال‪:‬‬
‫ليست بواجبة ولكنها سنة غير مرخص لمن وجد السبيل إليها في تركها‪ .‬قال‪ :‬وبه نأخذ‪ .‬قال أبو‬
‫عمر‪ :‬وهذا قول مالك؛ قال‪ :‬ل ينبغي لحد تركها مسافرا كان أو مقيما‪ ،‬فإن تركها فبئس ما صنع‬
‫إل أن يكون له عذر إل الحاج بمنى‪ .‬وقال المام الشافعي‪ :‬هي سنة على جميع الناس وعلى الحاج‬
‫بمنى وليست بواجبة‪ .‬وقد احتج من أوجبها بأن النبي صلى ال عليه وسلم أمر أبا بردة بن نيار أن‬
‫يعيد ضحية أخرى؛ لن ما لم يكن فرضا ل يؤمر فيه بالعادة‪ .‬احتج آخرون بحديث أم سلمة عن‬
‫النمبي صملى ال عليه وسلم أنمه قال‪( :‬إذا دخل العشمر وأراد أحدكمم أن يضحمى) قالوا‪ :‬فلو كان ذلك‬
‫واجبا لم يجعل ذلك إلى إرادة المضي‪ .‬وهو قول أبي بكر وعمر وأبي مسعود البدري وبلل‪.‬‬
‫@ والذي يضحى به بإجماع المسلمين الزواج الثمانية‪ :‬وهي الضأن والمعز والبل والبقر‪ .‬قال‬
‫ابمن المنذر‪ :‬وقمد حكمي عمن الحسمن بمن صمالح أنمه قال‪ :‬يضحمى ببقرة الوحمش عمن سمبعة‪ ،‬وبالظمبي‬
‫عممن رجممل‪ .‬وقال المام الشافعممي‪ :‬لو نزا ثور وحشممي على بقرة إنسممية‪ ،‬أو ثور إنسممي على بقرة‬
‫وحشيمة ل يجوز شيمء ممن هذا أضحيمة‪ .‬وقال أصمحاب الرأي‪ :‬جائز؛ لن ولدهما بمنزلة أممه‪ .‬وقال‬
‫أبو ثور‪ :‬يجوز إذا كان منسوبا إلى النعام‪.‬‬
‫@ وقمد مضمى فمي سمورة "الحمج" الكلم فمي وقمت الذبمح والكمل ممن الضحيمة مسمتوفى‪ .‬وفمي‬
‫صحيح مسلم عن أنس قال‪( :‬ضحى النبي صلى ال عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده‬
‫وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما) في رواية قال‪( :‬ويقول بسم ال وال أكبر) وقد مضى‬
‫فمي آخر "النعام" حديث عمران بن حصين‪ ،‬ومضى في "المائدة" القول في التذكية وبيانها وما‬
‫يذكمى به‪ ،‬وأن ذكاة الجنين ذكاة أممه مستوفى‪ .‬وفمي صمحيح مسلم عن عائشة أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم (أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي‬
‫بمه) فقال لهما‪( :‬يما عائشمة هلممي المديمة) ثمم قال‪( :‬اشحذيهما بحجمر ففعلت‪ ،‬ثمم أخذهما وأخمذ الكبمش‬
‫فأضجعه ثم ذبحه‪ ،‬ثم قال‪( :‬بسم ال اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد) ثم ضحى به‪.‬‬
‫وقمد اختلف العلماء فمي هذا فكان الحسمن البصمري يقول فمي الضحية‪ :‬بسمم ال وال أكمبر هذا منك‬
‫ولك تقبمممل ممممن فلن‪ .‬وقال مالك‪ :‬إن فعمممل ذلك فحسمممن‪ ،‬وإن لم يفعمممل وسممممى ال أجزأه‪ .‬وقال‬
‫الشافعي‪ :‬والتسمية على الذبيحة بسم ال‪ ،‬فإن زاد بعد ذلك شيئا من ذكر ال‪ ،‬أو صلى على محمد‬
‫عليه السلم لم أكرهه‪ ،‬أو قال اللهم تقبل مني‪ ،‬أو قال تقبل من فلن فل بأس‪ .‬وقال النعمان‪ :‬يكره‬
‫أن يذكمر ممع اسمم ال غيره؛ يكره أن يقول‪ :‬اللهمم تقبمل ممن فلن عنمد الذبمح‪ .‬وقال‪ :‬ل بأس إذا كان‬
‫قبمل التسممية وقبمل أن يضجمع للذبمح‪ .‬وحديمث عائشمة يرد هذا القول‪ .‬وقمد تقدم أن إبراهيممم عليمه‬
‫السلم قال لما أراد ذبح ابنه‪ :‬ال أكبر والحمد ل‪ .‬فبقي سنة‪.‬‬
‫@ روى البراء بن عازب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سئل‪ :‬ماذا يتقى من الضحايا؟ فأشار‬
‫بيده وقال‪( :‬أربعما ‪ -‬وكان البراء يشيمر بيده ويقول يدي أقصمر ممن يمد رسمول ال صملى ال عليمه‬
‫وسملم ‪ -‬العرجاء البيمن ظلعهما والعوراء البيمن عورهما والمريضمة البيمن مرضهما والعجفاء التمي ل‬
‫تنقمي) لفمظ مالك ول خلف فيمه‪ .‬واختلف فمي اليسمير ممن ذلك‪ .‬وفمي الترمذي عمن علي رضمي ال‬
‫عنه قال‪ :‬أمرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أن نستشرف العين والذن وأل نضحي بمقابلة ول‬
‫مدابرة ول شرقاء ول خرقاء‪ .‬قال‪ :‬والمقابلة مما قطمع طرف أذنهما‪ ،‬والمدابرة مما قطمع ممن جانمب‬
‫الذن‪ ،‬والشرقاء المشقوقمة‪ ،‬والخرقاء المثقوبمة؛ قال هذا حديمث حسمن صمحيح‪ .‬وفمي الموطمأ عمن‬
‫نافع‪ :‬أن عبدال بمن عممر كان يتقمي من الضحايما والبدن التي لم تسمنن والتمي نقص ممن خلقهما‪ .‬قال‬
‫مالك‪ :‬وهذا أحب ما سمعت إلي‪ .‬قال القتبي‪ :‬لم تسنن أي لم تنبت أسنانها كأنها لم تعط أسنانا‪ .‬وهذا‬
‫كمما يقال‪ :‬فلن لم يلبمن أي لم يعمط لبنما‪ ،‬ولم يسممن أي لم يعمط سممنا‪ ،‬ولم يعسمل أي لم يعمط عسمل‪.‬‬
‫وهذا مثمل النهمي فمي الضاحمي عمن الهتماء‪ .‬قال أبمو عممر‪ :‬ول بأس أن يضحمى عنمد مالك بالشاة‬
‫الهتماء إذا كان سمقوط أسمنانها ممن الكمبر والهرم وكانمت سممينة؛ فإن كانمت سماقطة السمنان وهمي‬
‫فتية لم يجز أن يضحى بها؛ لنه عيب غير خفيف‪ .‬والنقصان كله مكروه‪ ،‬وشرحه وتفصيله في‬
‫كتب الفقه‪ .‬وفي الخبر عن النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬استشرقوا ضحاياكمم فإنها على الصمراط‬
‫مطاياكم) ذكره الزمخشري‪.‬‬
‫@ ودلت الية على أن من نذر نحر ابنه أو ذبحه أنه يفديه بكبش كما فدى به إبراهيم ابنه؛ قال‬
‫ابممن عباس‪ .‬وعنممه روايممة أخرى‪ :‬ينحممر مائة مممن البممل كممما فدى بهمما عبدالمطلب ابنممه؛ روى‬
‫الروايتيمن عنه الشعبي‪ .‬وروى عنه القاسمم بن محممد‪ :‬يجزيمه كفارة يمين‪ .‬وقال مسمروق‪ :‬ل شيمء‬
‫عليمه‪ .‬وقال الشافعمي‪ :‬همو معصمية يسمتغفر ال منهما‪ .‬وقال أبمو حنيفة‪ :‬همي كلممة يلزممه بهما فمي ولده‬
‫ذبح شاة ول يلزمه في غير ولده شيء‪ .‬قال محمد‪ :‬عليه في الحلف بنحر عبده مثل الذي عليه في‬
‫الحلف بنحمر ولده إذا حنمث‪ .‬وذكمر ابمن عبدالحكمم عمن مالك فيممن قال‪ :‬أنما أنحمر ولدي عنمد مقام‬
‫إبراهيمم فمي يميمن ثمم حنمث فعليمه هدي‪ .‬قال‪ :‬وممن نذر أن ينحمر ابنمه ولم يقمل عنمد مقام إبراهيمم ول‬
‫أراد فل شيء عليه‪ .‬قال‪ :‬ومن جعل ابنه هديا أهدى عنه؛ قال القاضي ابن العربي‪ :‬يلزمه شاة كما‬
‫قال أبمو حنيفمة؛ لن ال تعالى جعمل ذبمح الولد عبارة عمن ذبمح الشاة شرعما‪ ،‬فألزم ال إبراهيمم ذبمح‬
‫الولد‪ ،‬وأخرجمه عنمه بذبمح شاة‪ .‬وكذلك إذا نذر العبمد ذبمح ولده يلزممه أن يذبمح شاة؛ لن ال تعالى‬
‫قال‪" :‬ملة أبيكمم إبراهيمم" [الحمج‪ ]78 :‬واليمان التزام أصملي‪ ،‬والنذر التزام فرعمي؛ فيجمب أن‬
‫يكون محمول عليمه‪ .‬فإن قيمل‪ :‬كيمف يؤممر إبراهيمم بذبمح الولد وهمو معصمية والممر بالمعصمية ل‬
‫يجوز‪ .‬قلنما‪ :‬هذا اعتراض على كتاب ال‪ ،‬ول يكون ذلك مممن يعتقمد السملم‪ ،‬فكيمف بممن يفتمي فمي‬
‫الحلل والحرام‪ ،‬وقمد قال ال تعالى‪" :‬أفعمل مما تؤممر" والذي يجلو اللباس عمن قلوب الناس فمي‬
‫ذلك‪ :‬أن المعاصمي والطاعات ليسمت بأوصماف ذاتيمة للعيان‪ ،‬وإنمما الطاعات عبارة عمما تعلق بمه‬
‫الممر ممن الفعال‪ ،‬والمعصمية عبارة عمما تعلق بمه النهمي ممن الفعال‪ ،‬فلمما تعلق الممر بذبمح الولد‬
‫إسمماعيل ممن إبراهيمم صمار طاعمة وابتلء‪ ،‬ولهذا قال ال تعالى‪" :‬إن هذا لهمو البلء الممبين" فمي‬
‫الصمبر على ذبح الولد والنفمس‪ ،‬ولمما تعلق النهي بنا فمي ذبمح أبنائنما صمار معصمية‪ .‬فإن قيمل‪ :‬كيمف‬
‫يصير نذرا وهو معصية‪ .‬قلنا‪ :‬إنما يكون معصية لو كان يقصد ذبح الولد بنذره ول ينوي الفداء؟‬
‫فإن قيمل‪ :‬فلو وقمع ذلك وقصمد المعصمية ولم ينمو الفداء؟ قلنما‪ :‬لو قصمد ذلك لم يضره فمي قصمده ول‬
‫أثر في نذره؛ لن نذر الولد صار عبارة عن ذبح الشاة شرعا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتركنما عليمه فمي الخريمن" أي على إبراهيمم ثناء جميل فمي الممم بعده؛ فمما ممن‬
‫أممة إل تصملي عليمه وتحبمه‪ .‬وقيمل‪ :‬همو دعاء إبراهيمم عليمه السملم "واجعمل لي لسمان صمدق فمي‬
‫الخرين" [الشعراء‪ .]84 .‬وقال عكرمة‪ :‬هو السلم على إبراهيم أي سلما منا‪ .‬وقيل‪ :‬سلمة له‬
‫ممن الفات مثمل‪" :‬سملم على نوح فمي العالميمن" [الصمافات‪ ]79 :‬حسمب مما تقدم‪" .‬كذلك نجزي‬
‫المحسنين‪ .‬إنه من عبادنا المؤمنين" أي من الذين أعطوا العبودية حقها حتى استحقوا الضافة إلى‬
‫ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين" قال ابن عباس‪ :‬بشر بنبوته وذهب إلى أن‬
‫البشارة كانت مرتين؛ فعلى هذا الذبيح هو إسحاق بشر بنبوته جزاء على صبره ورضاه بأمر ربه‬
‫واسمتسلمه له‪" .‬وباركنما عليمه وعلى إسمحاق" أي ثنينما عليهمما النعممة وقيمل كثرنما ولدهمما؛ أي‬
‫باركنما على إبراهيمم وعلى أولده‪ ،‬وعلى إسمحاق حيمن أخرج أنمبياء بنمي إسمرائيل ممن صملبه‪ .‬وقمد‬
‫قيمل‪ :‬إن الكنايمة في "عليه" تعود على إسماعيل وأنه هو الذبيح‪ .‬قال المفضل‪ :‬الصمحيح الذي يدل‬
‫عليمه القرآن أنمه إسمماعيل‪ ،‬وذلك أنمه قمص قصمة الذبيمح‪ ،‬فلمما قال فمي آخمر القصمة‪" :‬وفديناه بذبمح‬
‫عظيممم" ثممم قال‪" :‬سمملم عممل إبراهيممم‪ .‬كذلك نجزي المحسممنين" قال‪" :‬وبشرناه بإسممحاق نبيمما مممن‬
‫الصمالحين‪ .‬وباركنما عليمه" أي على إسمماعيل "وعلى إسمحاق" كنمى عنمه؛ لنمه قمد تقدم ذكره‪ .‬ثمم‬
‫قال‪" :‬ومن ذريتهما" فدل على أنها ذرية إسماعيل وإسحاق‪ ،‬وليس تختلف الرواة في أن إسماعيل‬
‫كان أكبر من إسحاق بثلث عشرة سنة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد ذكرنا أول ما يدل على أن إسحاق أكبر من إسماعيل‪ ،‬وأن المبشر به هو إسحاق بنص‬
‫التنزيمل؛ فإذا كانمت البشارة بإسمحاق نصما فالذبيمح ل شمك همو إسمحاق‪ ،‬وبشمر بمه إبراهيمم مرتيمن؛‬
‫الولى بولدتمه والثانيمة بنبوتمه؛ كمما قال ابمن عباس‪ .‬ول تكون النبوة إل فمي حال الكمبر و"نبيما"‬
‫نصب على الحال والهاء في "عليه" عائدة إلى إبراهيم وليس لسماعيل في الية ذكر حتى ترجع‬
‫الكناية إليه‪ .‬وأما ما روي من طريق معاوية قال‪ :‬سمعت رجل يقول للنبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫يما ابن الذبيحيمن؛ فضحمك النمبي صملى ال عليمه وسملم‪ .‬ثمم قال معاويمة‪ :‬إن عبدالمطلب لمما حفمر بئر‬
‫زمزم‪ ،‬نذر ل إن سهل عليمه أمرها ليذبحمن أحد ولده ل‪ ،‬فسمهل ال عليه أمرهما‪ ،‬فوقمع السمهم على‬
‫عبدال‪ ،‬فمنعمه أخواله بنمو مخزوم؛ وقالوا‪ :‬أفمد ابنمك؛ ففداه بمائة من البمل وهمو الذبيمح‪ ،‬وإسمماعيل‬
‫هو الذبيح الثاني فل حجة فيه؛ لن سنده ل يثبت على ما ذكرناه في كتاب العلم في معرفة مولد‬
‫المصمطفى عليمه الصملة والسملم؛ ولن العرب تجعمل العمم أبما؛ قال ال تعالى‪" :‬قالوا نعبمد إلهمك‬
‫وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق" [البقرة‪ ]133 :‬وقال تعالى‪" :‬ورفع أبويه على العرش"‬
‫[يوسف‪ ]100 :‬وهما أبوه وخالته‪ .‬وكذلك ما روي عن الشاعر الفرزدق عن أبي هريرة رضي‬
‫ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم لو صح إسناده فكيف وفي الفرزدق نفسه مقال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن ذريتهما محسن وظالم" لما ذكر البركة في الذرية والكثرة قال‪ :‬منهم محسن‬
‫ومنهمم مسميء‪ ،‬وإن المسميء ل تنفعمه بنوة النبوة؛ فاليهود والنصمارى وإن كانوا ممن ولد إسمحاق‪،‬‬
‫والعرب وإن كانوا ممن ولد إسمماعيل‪ ،‬فل بمد ممن الفرق بيمن المحسمن والمسميء والمؤممن والكافمر‪،‬‬
‫وفمي التنزيمل‪" :‬وقالت اليهود والنصمارى نحمن أبناء ال وأحباؤه" [المائدة‪ ]18 :‬اليمة؛ أي أبناء‬
‫رسل ال فرأوا لنفسهم فضل‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 122 - 114 :‬ولقمد مننما على موسمى وهارون‪ ،‬ونجيناهمما وقومهمما ممن الكرب‬
‫العظيم‪ ،‬ونصرناهم فكانوا هم الغالبين‪ ،‬وآتيناهما الكتاب المستبين‪ ،‬وهديناهما الصراط المستقيم‪،‬‬
‫وتركنما عليهمما فمي الخريمن‪ ،‬سملم على موسمى وهارون‪ ،‬إنما كذلك نجزي المحسمنين‪ ،‬إنهمما ممن‬
‫عبادنا المؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد مننا على موسى وهارون" لما ذكر إنجاء إسحاق من الذبح‪ ،‬وما من به عليه‬
‫بعمد النبوة‪ ،‬ذكمر مما ممن بمه أيضما على موسمى وهرون ممن ذلك‪ .‬وقوله‪" :‬ممن الكرب العظيمم" قيمل‪:‬‬
‫ممن الرق الذي لحمق بنمي إسمرائيل‪ .‬وقيمل ممن الغرق الذي لحمق فرعون‪" .‬ونصمرناهم" قال الفراء‪:‬‬
‫الضميممممر لموسمممى وهرون وحدهمممما؛ وهذا على أن الثنيمممن جمممممع؛ دليله قوله‪" :‬وآتيتاهممممما"‬
‫"وهديناهمما"‪ .‬وقيمل‪ :‬الضميمر لموسمى وهرون وقومهمما وهذا همو الصمواب؛ لن قبله "ونجيناهمما‬
‫وقومهمما"‪ .‬و"الكتاب المسمتبين" التوراة؛ يقال اسمتبان كذا أي صمار بينما؛ واسمتبانه فلن مثمل تمبين‬
‫الشيممء بنفسممه وتممبينه فلن‪ .‬و"الصممراط المسممتقيم" الديممن القويممم الذي ل اعوجاج فيممه وهممو ديممن‬
‫السلم‪" .‬وتركنا عليهما في الخرين" يريد الثناء الجميل‪" .‬سلم على موسى وهارون‪ ،‬إنا كذلك‬
‫نجزي المحسنين‪ ،‬إنهما من عبادنا المؤمنين" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 123 :‬وإن إلياس لممن المرسملين‪ ،‬إذ قال لقوممه أل تتقون‪ ،‬أتدعون بعل وتذرون‬
‫أحسن الخالقين‪ ،‬ال ربكم ورب آبائكم الولين‪ ،‬فكذبوه فإنهم لمحضرون‪ ،‬إل عباد ال المخلصين‪،‬‬
‫وتركنمما عليممه فممي الخريممن‪ ،‬سمملم على إل ياسممين‪ ،‬إنمما كذلك نجزي المحسممنين‪ ،‬إنممه مممن عبادنمما‬
‫المؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن إلياس لمن المرسلين" قال المفسرون‪ :‬إلياس نبي من بني إسمرائيل‪ .‬وروي‬
‫عن ابن مسعود قال‪ :‬إسرائيل هو يعقوب وإلياس هو إدريس‪ .‬وقرأ‪" :‬وإن إدريس" وقاله عكرمة‪.‬‬
‫وقال‪ :‬هو في مصحف عبدال‪" :‬وإن إدريس لمن المرسلين" وانفرد بهذا القول‪ .‬وقال ابن عباس‪:‬‬
‫هو عم اليسع‪ .‬وقال ابن إسحاق وغيره‪ :‬كان القيم بأمر بني إسرائيل بعد يوشع كالب بن يوقنا ثم‬
‫حزقيل‪ ،‬ثم لما قبض ال حزقيل النبي عظمت الحداث في بني إسرائيل‪ ،‬ونسوا عهد ال وعبدوا‬
‫الوثان من دونه‪ ،‬فبعث ال إليهم إلياس نبيا وتبعه اليسع وآمن به‪ ،‬فلما عتا عليه بنو إسرائيل دعا‬
‫ربممه أن يريحممه منهممم فقيممل له‪ :‬اخرج يوم كذا وكذا إلى موضممع كذا وكذا فممما اسممتقبلك مممن شيممء‬
‫فاركبممه ول تهبممه‪ .‬فخرج ومعممه اليسممع فقال‪ :‬يمما إلياس ممما تأمرنممي‪ .‬فقذف إليممه بكسممائه مممن الجممو‬
‫العلى‪ ،‬فكان ذلك علممة اسمتخلفه إياه على بنمي إسمرائيل‪ ،‬وكان ذلك آخمر العهمد بمه‪ .‬وقطمع ال‬
‫على إلياس لذة المطعمم والمشرب‪ ،‬وكسماه الريمش وألبسمه النور‪ ،‬فطار ممع الملئكمة‪ ،‬فكان إنسميا‬
‫ملكيا سماويا أرضيا‪ .‬قال ابن قتيبة‪ :‬وذلك أن ال تعالى قال للياس‪" :‬سلني أعطك"‪ .‬قال‪ :‬ترفعني‬
‫إليمك وتؤخمر عنمي مذاقمة الموت‪ .‬فصمار يطيمر ممع الملئكمة‪ .‬وقال بعضهمم‪ :‬كان قمد مرض وأحمس‬
‫الموت فبكمى‪ ،‬فأوحمى ال إليمه‪ :‬لم تبمك؟ حرصما على الدنيما‪ ،‬أو جزعما ممن الموت‪ ،‬أو خوفما ممن‬
‫النار؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬ول شيمء من هذا وعزتك‪ ،‬إنمما جزعمي كيمف يحمدك الحامدون بعدي ول أحمدك!‬
‫ويذكرك الذاكرون بعدي ول أذكرك! ويصوم الصائمون بعدي ول أصوم! ويصلي المصلون ول‬
‫أصلي!! فقيل له‪" :‬يا إلياس وعزتي لؤخرنك إلى وقت ل يذكرني فيه ذاكر"‪ .‬يعني يوم القيامة‪.‬‬
‫وقال عبدالعزيمز بن أبمي رواد‪ :‬إن إلياس والخضمر عليهمما السملم يصومان شهمر رمضان فمي كل‬
‫عام بمبيت المقدس يوافيان الموسمم فمي كمل عام‪ .‬وذكمر ابمن أبمي الدنيما؛ إنهمما يقولن عنمد افتراقهمما‬
‫عمن الموسمم‪ :‬مما شاء ال مما شاء ال‪ ،‬ل يسموق الخيمر إل ال‪ ،‬مما شاء ال مما شاء ال‪ ،‬ل يصمرف‬
‫السموء إل ال؛ مما شاء ال مما شاء ال‪ ،‬مما يكون ممن نعممة فممن ال؛ مما شاء ال مما شاء ال؛ توكلت‬
‫على ال حسبنا ال ونعم الوكيل‪ .‬وقد مضى في "الكهف"‪ .‬وذكر من طريق مكحول عن أنس قال‪:‬‬
‫غزونما ممع رسمول ال صملى ال عليمه وسملم حتمى إذا كنما بفمج الناقمة عنمد الحجمر‪ ،‬إذا نحمن بصموت‬
‫يقول‪ :‬اللهمم اجعلنمي ممن أممة محممد المرحوممة‪ ،‬المغفور لهما‪ ،‬المتوب عليهما‪ ،‬المسمتجاب لهما‪ .‬فقال‬
‫رسمول ال صملى ال عليمه وسملم‪( :‬يما أنمس‪ ،‬انظمر مما هذا الصموت)‪ .‬فدخلت الجبمل‪ ،‬فإذا أنما برجمل‬
‫أبيمض اللحيمة والرأس‪ ،‬عليمه ثياب بيمض‪ ،‬طوله أكثمر ممن ثلثمائة ذراع‪ ،‬فلمما نظمر إلي قال‪ :‬أنمت‬
‫رسول النبي؟ قلت‪ :‬نعم؛ قال‪ :‬ارجع إليه فأقرئه مني السلم وقل له‪ :‬هذا أخوك إلياس يريد لقاءك‪.‬‬
‫فجاء النبي صلى ال عليه وسلم وأنا معه‪ ،‬حتى إذا كنا قريبا منه‪ ،‬تقدم النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫وتأخرت‪ ،‬فتحدثما طويل‪ ،‬فنزل عليهمما شيمء ممن السمماء شبمه السمفرة فدعوانمي فأكلت معهمما‪ ،‬فإذا‬
‫فيهما كمأة ورمان وكرفمس‪ ،‬فلمما أكلت قممت فتنحيمت‪ ،‬وجاءت سمحابة فاحتملتمه فإذا أنما أنظمر إلى‬
‫بياض ثيابمه فيهما تهوي؛ فقلت للنمبي صملى ال عليمه وسملم‪ :‬بأبمي أنمت وأممي! هذا الطعام الذي أكلنما‬
‫أمن السماء نزل عليه؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬سألته عنه فقال يأتيني به جبريل في كل‬
‫أربعين يوما أكلة‪ ،‬وفي كل حول شربة من ماء زمزم‪ ،‬وربما رأيته على الجب يمل بالدلو فيشرب‬
‫وربما سقاني)‪.‬‬
‫@ قال ثعلب‪ :‬اختلف الناس في قوله عز وجل ها هنا "بعل" فقالت طائفة‪ :‬البعل ها هنا الصنم‪.‬‬
‫وقال طائفممة‪ :‬البعممل همما هنمما ملك‪ .‬وقال ابممن إسممحاق‪ :‬امرأة كانوا يعبدونهمما‪ .‬والول أكثممر‪ .‬وروى‬
‫الحكمم بمن أبان عمن عكرممة عمن ابمن عباس‪" :‬أتدعون بعل" قال‪ :‬صمنما‪ .‬وروى عطاء بمن السمائب‬
‫عمن عكرممة عمن ابمن عباس‪" :‬أتدعون بعل" قال‪ :‬ربما‪ .‬النحاس‪ :‬والقولن صمحيحان؛ أي أتدعون‬
‫صمنما عملتموه ربمما‪ .‬يقال‪ :‬هذا بعمل الدار أي ربهما‪ .‬فالمعنمى أتدعون ربما اختلقتموه‪ ،‬و"أتدعون"‬
‫بمعنى أتسمون‪ .‬حكى ذلك سيبويه‪ .‬وقال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي‪ :‬البعل الرب بلغة اليمن‪.‬‬
‫وسممع ابمن عباس رجل ممن أهمل اليممن يسموم ناقمة بمنمى فقال‪ :‬ممن بعمل هذه؟‪ .‬أي ممن ربهما؛ ومنمه‬
‫سمي الزوج بعل‪ .‬قال أبو دواد‪:‬‬
‫متقلدا سيفا ورمحا‬ ‫ورأيت بعلك في الوغى‬
‫مقاتمل‪ :‬صمنم كسمره إلياس وهرب منهمم‪ .‬وقيمل‪ :‬كان ممن ذهمب وكان طوله عشريمن ذراعما‪ ،‬وله‬
‫أربعممة أوجممه‪ ،‬فتنوا بممه وعظموه حتممى أخدموه أربعمائة سممادن وجعلوهممم أنممبياءه‪ ،‬فكان الشيطان‬
‫يدخمل فمي جوف بعمل ويتكلم بشريعمة الضللة‪ ،‬والسمدنة يحفظونهما ويعلمونهما الناس‪ ،‬وهمم أهمل‬
‫بعلبك من بلد الشام‪ .‬وبه سميت مدينتهم بعلبك كما ذكرنا‪" .‬وتذرون أحسن الخالقين" أي أحسن‬
‫ممن يقال له خالق‪ .‬وقيمل‪ :‬المعنمى أحسمن الصمانعين؛ لن الناس يصمنعون ول يخلقون‪" .‬ال ربكمم‬
‫ورب آبائكمم الولين" بالنصب فمي السماء الثلثة قرأ الربيع بن خيثمم والحسن وابن أبي إسحاق‬
‫وابمن وثاب والعممش وحمزة والكسمائي‪ .‬وإليهما يذهمب أبمو عبيمد وأبمو حاتمم‪ .‬وحكمى أبمو عبيمد أنهما‬
‫على النعمت‪ .‬النحاس‪ :‬وهمو غلط وإنمما همو على البدل ول يجوز النعمت هما هنما؛ لنمه ليمس بتخليمة‪.‬‬
‫وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وأبو جعفر وشيبة ونافع بالرفع‪ .‬قال أبو حاتم‪ :‬بمعنى هو ال‬
‫ربكممم‪ .‬قال النحاس‪ :‬وأولى مممما قال ‪ -‬أنممه مبتدأ وخممبر بغيممر إضمار ول حذف‪ .‬ورأيممت علي بممن‬
‫سليمان يذهب إلى أن الرفع أولى وأحسن؛ لن قبله رأس آية فالستئناف أولى‪ .‬ابن النباري‪ :‬من‬
‫نصمب أو رفمع لم يقمف على "أحسمن الخالقيمن" على جهمة التمام؛ لن ال عمز وجمل مترجمم عمن‬
‫"أحسن الخالقين" من الوجهين جميعا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فكذبوه" أخمبر عمن قوم إلياس أنهمم كذبوه‪" .‬فإنهمم لمحضرون" أي فمي العذاب‪.‬‬
‫"إل عباد ال المخلصمين" أي ممن قوممه فإنهمم نجوا ممن العذاب‪ .‬وقرئ "المخلصمين" بكسمر اللم‬
‫وقمد تقدم‪" .‬وتركنما عليمه فمي الخريمن" تقدم‪" .‬سملم على إل ياسمين" قراءة العرج وشيبمة ونافمع‪.‬‬
‫وقرأ عكرمة وأبو عمرو وابن كثير وحمزة والكسائي‪" :‬سلم على إلياسين"‪ .‬وقرأ الحسن‪" :‬سلم‬
‫على الياسمين" بوصل اللف كأنها ياسمين دخلت عليها اللف واللم التمي للتعريمف‪ .‬والمراد إلياس‬
‫عليه السلم‪ ،‬وعليه وقع التسليم ولكنه اسم أعجمي‪ .‬والعرب تضطرب في هذه السماء العجمية‬
‫ويكثمر تغييرهمم لهما‪ .‬قال ابمن جنمي‪ :‬العرب تتلعمب بالسمماء العجميمة تلعبما؛ فياسمين وإلياس‬
‫والياسمين شيمء واحمد‪ .‬الزمخشري‪ :‬وكان حمزة إذا وصمل نصمب وإذا وقمف رفمع‪ .‬وقرئ‪" :‬على‬
‫إلياسمين" و"إدريسمين وإدرسمين وإدراسمين" على أنهما لغات فمي إلياس وإدريمس‪ .‬ولعمل لزيادة الياء‬
‫والنون في السريانية معنى‪ .‬النحاس‪ :‬ومن قرأ‪" :‬سلم على آل ياسين" فكأنه وال أعلم جعل اسمه‬
‫إلياس وياسين ثم سلم على آله؛ أي أهل دينه ومن كان على مذهبه‪ ،‬وعلم أنه إذا سلم على آله من‬
‫أجله فهمو داخمل فمي السملم؛ كمما قال النمبي صملى ال عليمه وسملم‪( :‬اللهمم صمل على آل أبمي أوفمى)‬
‫وقال ال تعالى‪" :‬أدخلوا آل فرعون أشمد العذاب" [غافمر‪ .]46 :‬وممن قرأ "إلياسمين" فللعلماء فيمه‬
‫غير قول‪ .‬فروى هرون عن ابن أبي إسحاق قال‪ :‬إلياسين مثل إبراهيم يذهب إلى أنه اسم له‪ .‬وأبو‬
‫عبيدة يذهب إلى أنه جمع جمع التسليم على أنه وأهل بيته سلم عليهم؛ وأنشد‪:‬‬
‫قدني من نصر الخبيبين قدي‬
‫يقال‪ :‬قدنمي وقدي لغتان بمعنمى حسمب‪ .‬وإنمما يريمد أبما خمبيب عبدال بمن الزبيمر فجمعمه على أن ممن‬
‫كان على مذهبه داخل معه‪ .‬وغير أبي عبيدة يرويه‪ :‬الخبيبين على التثنية‪ ،‬يريد عبدال ومصعبا‪.‬‬
‫ورأيمت علي بمن سمليمان يشرحمه بأكثمر ممن هذا؛ قال‪ :‬فإن العرب تسممي قوم الرجمل باسمم الرجمل‬
‫الجليمل منهمم‪ ،‬فيقولون‪ :‬المهالبمة على أنهمم سمموا كمل رجمل منهمم بالمهلب‪ .‬قال‪ :‬فعلى هذا "سملم‬
‫على إلياسين" سمي كل رجل منهم بإلياس‪ .‬وقد ذكر سيبويه عي كتابه شيئا من هذا‪ ،‬إل أنه ذكر‬
‫أن العرب تفعل هذا على جهة النسبة؛ فيقولون‪ :‬الشعرون يريدون به النسب‪ .‬المهدوي‪ :‬ومن قرأ‬
‫"إلياسين" فهو جمع يدل فيه إلياس فهو جمع إلياسي فحذفت ياء النسبة؛ كما حذفت ياء النسبة في‬
‫جميع المكسر في نحو المهالبة في جمع مهلبي‪ ،‬كذلك حذفت في المسلم فقيل المهلبون‪ .‬وقد حكى‬
‫سيبويه‪ :‬الشعرون والنميرون يريدون الشعريين والنميريين‪ .‬السهيلي‪ :‬وهذا ل يصح بل هي لغة‬
‫في إلياس‪ ،‬ولو أراد ما قالوه لدخل اللف واللم كما تدخل في المهالبة والشعريين؛ فكان يقول‪:‬‬
‫"سملم على اللياسمين" لن العلم إذا جممع ينكمر حتمى يعرف باللف واللم؛ ل تقول‪ :‬سملم على‬
‫زيديمن‪ ،‬بمل على الزيديمن باللف واللم‪ .‬فإلياس عليمه السملم فيمه ثلث لغات‪ .‬النحاس‪ :‬واحتمج أبمو‬
‫عبيمد فمي قراءتمه "سملم على إلياسمين" وأنه اسممه كمما أن اسممه إلياس لنه ليمس فمي السمورة سملم‬
‫على "آل" لغيره مممن النممبياء صمملى ال عليهممم وسمملم‪ ،‬فكممما سمممي النممبياء كذا سمممي هممو‪ .‬وهذا‬
‫الحتجاج أصله لبي عمرو وهو غير لزم؛ لنا بينا قول أهل اللغة أنه إذا سلم على آله من أجله‬
‫فهمو سملم عليمه‪ .‬والقول بأن اسممه "إلياسمين" يحتاج إلى دليمل وروايمة؛ فقمد وقمع فمي الممر إشكال‪.‬‬
‫قال الماوردي‪ :‬وقرأ الحسمن "سملم على ياسمين" بإسمقاط اللف واللم وفيمه وجهان‪ :‬أحدهمما أنهمم‬
‫آل محمد صلى ال عليه وسلم؛ قال ابن عباس‪ .‬والثاني أنهم آل ياسين؛ فعلى هذا في دخول الزيادة‬
‫فممي ياسممين وجهان‪ :‬أحدهممما‪ :‬أنهمما زيدت لتسمماوي الي‪ ،‬كممما قال فممي موضممع‪" :‬طور سمميناء"‬
‫[المؤمنون‪ ]20 :‬وفي موضع آخر "طور سينين" [التين‪ ]2 :‬فعلى هذا يكون السلم على أهله‬
‫دونمه‪ ،‬وتكون الضافمة إليمه تشريفما له‪ .‬الثانمي‪ :‬أنهما دخلت للجممع فيكون داخل فمي جملتهمم فيكون‬
‫السملم عليمه وعليهمم‪ .‬قال السمهيلي‪ :‬قال بعمض المتكلميمن فمي معانمي القرآن‪ :‬آل ياسمين آل محممد‬
‫عليممه السمملم‪ ،‬ونزع إلى قول مممن قال فممي تفسممير "يممس" يمما محمممد‪ .‬وهذا القول يبطممل ممن وجوه‬
‫كثيرة‪ :‬أحدهما‪ :‬أن سمياقة الكلم فمي قصمة إلياسمين يلزم أن تكون كمما همي فمي قصمة إبراهيمم ونوج‬
‫وموسمى وهارون وأن التسمليم راجمع عليهمم‪ ،‬ول معنمى للخروج عمن مقصمود الكلم لقول قيمل فمي‬
‫تلك اليمة الخرى ممع ضعمف ذلك القول أيضما؛ فإن "يمس" و"حمم" و"الم" ونحمو ذلك القول فيهما‬
‫واحمد‪ ،‬إنمما همي حروف مقطعمة‪ ،‬إمما مأخوذة ممن أسمماء ال تعالى كمما قال ابمن عباس‪ ،‬وإمما ممن‬
‫صفات القرآن‪ ،‬وإما كما قال الشعبي‪ :‬ل في كل كتاب سر‪ ،‬وسره في القرآن فواتح القرآن‪ .‬وأيضا‬
‫فإن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قال‪( :‬لي خمسمة أسمماء) ولم يذكمر فيهما "يمس"‪ .‬وأيضما فإن‬
‫"يس" جاءت التلوة فيها بالسكون والوقف‪ ،‬ولو كان اسما للنبي صلى صلى ال عليه وسلم لقال‪:‬‬
‫"يسمن" بالضمم؛ كمما قال تعالى‪" :‬يوسمف أيهما الصمديق" [يوسمف‪ ]46 :‬وإذا بطمل هذا القول لمما‬
‫ذكرناه؛ فمم "إلياسمين" همو إلياس المذكور وعليمه وقمع التسمليم‪ .‬وقال أبمو عمرو بمن العلء‪ :‬همو مثمل‬
‫إدريمس وإدراسمين‪ ،‬كذلك همو فمي مصمحف ابمن مسمعود‪" .‬وإن إدريمس لممن المرسملين" ثمم قال‪:‬‬
‫"سلم على إدراسين"‪" .‬إنا كذلك نجزي المحسنين‪ ،‬إنه من عبادنا المؤمنين" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 138 - 133 :‬وإن لوطا لمن المرسملين‪ ،‬إذ نجيناه وأهله أجمعيمن‪ ،‬إل عجوزا في‬
‫الغابرين‪ ،‬ثم دمرنا الخرين‪ ،‬وإنكم لتمرون عليهم مصبحين‪ ،‬وبالليل أفل تعقلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن لوطا لمن المرسلين‪ ،‬إذ نجيناه وأهله أجمعين‪ ،‬إل عجوزا في الغابرين" تقدم‬
‫قصمة لوط‪" .‬ثمم دمرنما الخريمن" أي بالعقوبمة‪" .‬وإنكمم لتمرون عليهمم مصمبحين" خاطمب العرب‪:‬‬
‫أي تمرون عمل منازلهمم وآثارهمم "مصمبحين" وقمت الصمباح "وبالليمل" تمرون عليهمم أيضما بالليمل‬
‫وتم الكلم‪" .‬أفل تعقلون" أي تعتبرون وتتدبرون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 144 - 139 :‬وإن يونس لمن المرسلين‪ ،‬إذ أبق إلى الفلك المشحون‪ ،‬فساهم فكان‬
‫ممن المدحضيمن‪ ،‬فالتقممه الحوت وهمو مليمم‪ ،‬فلول أنمه كان ممن المسمبحين‪ ،‬للبمث فمي بطنمه إلى يوم‬
‫يبعثون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن يونس لمن المرسلين" يونس هو ذو النون‪ ،‬وهو ابن متى‪ ،‬وهو ابن العجوز‬
‫التمي نزل عليهما إلياس‪ ،‬فاسمتخفى عندهما ممن قوممه سمتة أشهمر ويونمس صمبي يرضمع‪ ،‬وكانمت أم‬
‫يونمس تخدممه بنفسمها وتؤانسمه‪ ،‬ول تدخمر عنمه كراممة تقدر عليهما‪ .‬ثمم إن إلياس سمئم ضيمق البيوت‬
‫فلحمق بالجبال‪ ،‬ومات ابمن المرأة يونمس‪ ،‬فخرجمت فمي أثمر إلياس تطوف وراءه فمي الجبال حتمى‬
‫وجدته‪ ،‬فسألته أن يدعو ال لها لعله يحيى لها ولدها؛ فجاء إلياس إلى الصبي بعد أربعة عشر يوما‬
‫من موته‪ ،‬فتوضأ وصلى ودعا ال فأحيا ال يونس بن متى بدعوة إلياس عليه السلم‪ .‬وأرسل ال‬
‫يونمس إلى أهمل نينوى ممن أرض الموصمل وكانوا يعبدون الصمنام ثمم تابوا‪ ،‬حسمبما تقدم بيانمه فمي‬
‫سورة "يونس" ومضى في "النبياء" قصة يونس في خروجه مغاضبا‪ .‬واختلف في رسالته هل‬
‫كانت قبل التقام الحوت إياه أو بعده‪ .‬قال الطبري عن شهر بن حوشب‪ :‬إن جبريل عليه السلم أتي‬
‫يونمس فقال‪ :‬انطلق إلى أهمل نينوى فأنذرهمم أن العذاب قمد حضرهمم‪ .‬قال‪ :‬ألتممس دابمة‪ .‬قال‪ :‬الممر‬
‫أعجمل ممن ذلك‪ .‬قال‪ :‬ألتممس حذاء‪ .‬قال‪ :‬الممر أعجمل ممن ذلك‪ .‬قال‪ :‬فغضمب فانطلق إلى السمفينة‬
‫فركمب‪ ،‬فلمما ركمب السمفينة احتبسمت السمفينة ل تتقدم ول تتأخمر‪ .‬قال‪ :‬فتسماهموا‪ ،‬قال‪ :‬فسمهم‪ ،‬فجاء‬
‫الحوت يبصمبص بذنبمه؛ فنودي الحوت‪ :‬أيما حوت! إنما لم نجعمل لك يونمس رزقما؛ إنمما جعلناك له‬
‫حرزا ومسجدا‪ .‬قال‪ :‬فالتقمه الحوت من ذلك المكان حتى مر به إلى البلة‪ ،‬ثم انطلق به حتى مر‬
‫به على دجلة‪ ،‬ثم انطلق حتى ألقاه في نينوى‪ .‬حدثنا الحارث قال حدثنا الحسن قال حدثنا أبو هلل‬
‫قال حدثنما شهمر بمن حوشمب عمن ابمن عباس قال‪ :‬إنمما كانمت رسمالة يونمس بعمد مما نبذه الحوت؛‬
‫واسمتدل هؤلء بأن الرسمول ل يخرج مغاضبما لربمه‪ ،‬فكان مما جرى منمه قبمل النبوة‪ .‬وقال آخرون‪:‬‬
‫كان ذلك منمه بعمد دعائه ممن أرسمل إليهمم إلى مما أمره ال بدعائهمم إليمه‪ ،‬وتبليغمه إياهمم رسمالة ربمه‪،‬‬
‫ولكنممه وعدهممم نزول ممما كان حذرهممم مممن بأس ال فممي وقممت وقتممه لهممم ففارقهممم إذ لم يتوبوا ولم‬
‫يراجعوا طاعة ال‪ ،‬فلما أظل القوم العذاب وغشيهم ‪ -‬كما قال ال تعالى في تنزيله ‪ -‬تابوا إلى ال‪،‬‬
‫فرفع ال العذاب عنهم‪ ،‬وبلغ يونس سلمتهم وارتفاع العذاب الذي كان وعدهموه فغضب من ذلك‬
‫وقال‪ :‬وعدتهممم وعدا فكذب وعدي‪ .‬فذهممب مغاضبمما ربممه وكره الرجوع إليهممم‪ ،‬وقممد جربوا عليممه‬
‫الكذب؛ رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس‪ .‬وقد مضى هذا في "النبياء" وهو الصحيح على ما‬
‫يأتممي عنممد قوله تعالى‪" :‬وأرسمملناه إلى مائة ألف أو يزيدون" [الصممافات‪ .]147 :‬ولم ينصممرف‬
‫يونس؛ لنه اسم أعجمي ولو كان عربيا لنصرف وإن كانت في أول الياء؛ لنه ليس في الفعال‬
‫يفعل كما أنك إذا سميت بيُعفر صرفته؛ وإن سميت بيَعفر لم تصرفه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ أبمق" قال الممبرد‪ :‬أصمل أبمق تباعمد؛ ومنمه غلم آبمق‪ .‬وقال غيره‪ :‬إنمما قيمل‬
‫ليونممس أبممق؛ لنممه خرج بغيممر أمممر ال عممز وجممل مسممتترا مممن الناس‪" .‬إلى الفلك المشحون" أي‬
‫المملوءة "والفلك" يذكمر ويؤنمث ويكون واحدا وجمعما وقمد تقدم‪ .‬قال الترمذي الحكيمم‪ :‬سمماه آبقما‬
‫لنمه أبمق عن العبوديمة‪ ،‬وإنمما العبوديمة ترك الهوى وبذل النفمس عنمد أمور ال؛ فلمما لم يبذل النفمس‬
‫عندما اشتدت عليه العزمة من الملك حسبما تقدم بيانه في "النبياء"‪ ،‬وآثر هواه لزمه اسم البق‪،‬‬
‫وكانت عزمة الملك في أمر ال ل في أمر نفسه‪ ،‬وبحظ حق ال ل بحظ نفسه؛ فتحرى يونس فلم‬
‫يصب الصواب الذي عند ال فسماه آبقا ومليما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فساهم" قال المبرد‪ :‬فقارع‪ ،‬قال‪ :‬وأصله من السهام التي تجال‪.‬‬
‫"فكان من المدحضين" قال‪ :‬من المغلوبين‪ .‬قال الفراء‪ :‬دحضت حجته وأدحضها ال‪ .‬وأصله من‬
‫الزلق؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫فقد قرت بقتلهم العيون‬ ‫قتلنا المدحضين بكل فج‬
‫أي المغلوبيممن‪" .‬فالتقمممه الحوت وهممو مليممم" أي أتممى بممما يلم عليممه‪ .‬فأممما الملوم فهممو الذي يلم‪،‬‬
‫اسمتحق ذلك أو لم يسمتحق‪ .‬وقيل‪ :‬المليمم المعيب‪ .‬يقال‪ :‬لم الرجل إذا عمل شيئا فصار معيبما بذلك‬
‫العممل‪" .‬فلول أنمه كان ممن المسمبحين" قال الكسمائي‪ :‬لم تكسمر "أن" لدخول اللم؛ لن اللم ليسمت‬
‫لهما‪ .‬النحاس‪ :‬والممر كمما قال؛ إنمما اللم فمي جواب لول‪" .‬فلول أنمه كان ممن المسمبحين" أي ممن‬
‫المصملين "للبمث فمي بطنمه إلى يوم يبعثون" أي عقوبمة له؛ أي يكون بطمن الحوت قمبرا له إلى يوم‬
‫القياممة‪ .‬واختلف كمم أقام فمي بطمن الحوت‪ .‬فقال السمدي والكلبمي ومقاتمل بمن سمليمان‪ :‬أربعيمن يومما‪.‬‬
‫الضحال‪ :‬عشريمن يومما‪ .‬عطاء‪ :‬سمبعة أيام‪ .‬مقاتمل بمن حيان‪ :‬ثلثمة أيام‪ .‬وقيمل‪ :‬سماعة واحدة‪ .‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫@ روى الطبري من حديث أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬لما أراد ال‬
‫تعالى ذكره ‪ -‬حبممس يونممس فممي بطممن الحوت أوحممى ال إلى الحوت أن خذه ول تخدش لحممما ول‬
‫تكسمر عظمما فأخذه ثمم هوى بمه إلى مسمكنه ممن البحمر؛ فلمما أنتهمى بمه إلى أسمفل البحمر سممع يونمس‬
‫حسما فقال فمي نفسمه مما هذا؟ فأوحمى ال تبارك وتعالى إليمه وهمو فمي بطمن الحوت‪( :‬إن هذا تسمبيح‬
‫دواب البحر) قال‪( :‬فسبح وهو في بطن الحوت) قال‪( :‬فسمعت الملئكة تسبيحه فقالوا‪ :‬يا ربنا إنا‬
‫نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة) قال‪( :‬ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في‬
‫البحمر) قالوا‪ :‬العبمد الصمالح الذي كان يصمعد إليمك منمه فمي كمل يوم وليلة عممل صمالح؟ قال نعمم‪.‬‬
‫فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت بقذفه في الساحل كما قال تعالى‪" :‬وهو سقيم")‪ .‬وكان سقمه الذي‬
‫وصممفه بممه ال ‪ -‬تعالى ذكره ‪ -‬أنممه ألقاه الحوت على السمماحل كالصممبى المنفوس قممد نشممر اللحممم‬
‫والعظم‪ .‬وقد روي‪ :‬أن الحوت سار مع السفينة رافعا رأسه يتنفس فيه يونس ويسبح‪ ،‬ولم يفارقهم‬
‫حتى انتهوا إلى البر‪ ،‬فلفظه سالما لم يغير منه شيء فأسلموا؛ ذكره الزمخشري في تفسيره‪ .‬وقال‬
‫ابمن العربمي‪ :‬أخمبرني غير واحد من أصمحابنا عن إمام الحرمين أبمي المعالي عبدالملك بمن عبدال‬
‫بن يوسف الجويني‪ :‬أنه سئل عن الباري في جهة؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬هو يتعالى عن ذلك‪ .‬قيل له‪ :‬ما الدليل‬
‫عليمه؟ قال‪ :‬الدليمل عليمه قول النمبي صملى ال عليمه وسملم‪( :‬ل تفضلونمي على يونمس بمن متمى) فقيمل‬
‫له‪ :‬ما وجه الدليل في هذا الخبر؟ فقال‪ :‬ل أقوله حتى يأخذ ضيفي هذا ألف دينار يقضي بها دينا‪.‬‬
‫فقام رجلن فقال‪ :‬همي علينما‪ .‬فقال ل يتبمع بهما اثنيمن؛ لنمه يشمق عليمه‪ .‬فقال واحمد‪ :‬همي علي‪ .‬فقال‪:‬‬
‫إن يونس بن متى رمى بنفسه في البحر فالتقمه الحوت‪ ،‬فصار في قعر البحر في ظلمات ثلث‪،‬‬
‫ونادى "ل إله إل أنمت سمبحانك إنمي كنمت ممن الظالميمن" [النمبياء‪ ]87 :‬كمما أخمبر ال عنمه‪ ،‬ولم‬
‫يكن محمد صلى ال عليه وسلم حين جلس على الرفرف الخضر وارتقى به صعدا‪ ،‬حتى انتهى‬
‫به إلى موضع يسمع فيه صريف القلم‪ ،‬ومناجاه ربه بما ناجاه به‪ ،‬وأوحى إليه ما أوحى بأقرب‬
‫إلى ال تعالى من يونس في بطن الحوت في ظلمة البحر‪.‬‬
‫@ ذكمر الطمبري‪ :‬أن يونمس عليمه السملم لمما ركمب فمي السمفينة أصماب أهلهما عاصمفة ممن الريمح‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬هذه بخطيئة أحدكمم‪ .‬فقال يونمس وعرف أنمه همو صماحب الذنمب‪ :‬هذه خطيئتمي فألقونمي فمي‬
‫البحممر‪ ،‬وأنهممم أبوا عليممه حتممى أفاضوا بسممهامهم‪" .‬فسمماهم فكان مممن المدحضيممن" فقال لهممم‪ :‬قممد‬
‫أخبرتكم أن هذا المر بذنبي‪ .‬وأنهم أبوا عليه حتى أفاضوا بسهامهم الثانية فكان من المدحضين‪،‬‬
‫وأنهم أبوا أن يلقوه في البحر حتى أعادوا سهامهم الثالثة فكان من المدحضين‪ .‬فلما رأى ذلك ألقى‬
‫نفسمه فمي البحمر‪ ،‬وذلك تحمت الليمل فابتلعمه الحوت‪ .‬وروي أنمه لمما ركمب فمي السمفينة تقنمع ورقمد‬
‫فسمماروا غيممر بعيممد إذ جاءتهممم ريممح كادت السممفينة أن تغرق‪ ،‬فاجتمممع أهممل السممفينة فدعوا فقالوا‪:‬‬
‫أيقظوا الرجمل النائم يدعوا معنما؛ فدعما ال معهمم فرفمع ال عنهمم تلك الريمح‪ .‬ثمم انطلق يونمس إلى‬
‫مكانه فرقد‪ ،‬فجاءت ريح كادت السفينة أن تغرق‪ ،‬فأيقظوه ودعوا فارتفعت الريح‪ .‬قال‪ :‬فبينما هم‬
‫كذلك إذ رفع حوت عظيم رأسه إليهم أراد أن يبتلع السفينة‪ ،‬فقال لهم يونس‪ :‬يا قوم هذا من أجلي‬
‫فلو طرحتموني في البحر لسرتم ولذهب الريح عنكم والروع‪ .‬قالوا‪ :‬ل نطرحك حتى نتساهم‪ ،‬فمن‬
‫وقعمت عليمه رميناه فمي البحمر‪ .‬قال‪ :‬فتسماهموا فوقمع على يونمس؛ فقال لهمم‪ :‬يما قوم اطرحونمي فممن‬
‫أجلي أوتيتمم؛ فقالوا‪ :‬ل نفعمل حتمى نتسماهم مرة أخرى‪ .‬ففعلوا فوقمع على يونمس‪ .‬فقال لهمم‪ :‬يما قوم‬
‫اطرحونمي فممن أجلي أوتيتمم؛ فذلك قول ال عمز وجمل‪" :‬فسماهم فكان ممن المدحضيمن" أي وقمع‬
‫السهم عليه؛ فانطلقوا به إلى صدر السفينة ليلقوه في البحر‪ ،‬فإذا الحوت فاتح فاه‪ ،‬ثم جاؤوا به إلى‬
‫جانب السفينة‪ ،‬فإذا بالحوت‪ ،‬ثم رجعوا به إلى الجانب الخر‪ ،‬فإذا بالحوت فاتح فاه؛ فلما رأى ذلك‬
‫ألقممى بنفسممه فالتقمممه الحوت؛ فأوحممى ال تعالى إلى الحوت‪ :‬إنممي لم أجعله لك رزقمما ولكممن جعلت‬
‫بطنممك له وعاء‪ .‬فمكممث فممي بطممن الحوت أربعيممن ليلة فنادى فممي الظلمات‪" :‬أن ل إله إل أنممت‬
‫سمبحانك إنمي كنمت ممن الظالميمن‪ .‬فاسمتجبنا له ونجيناه ممن الغمم وكذلك ننجمي المؤمنيمن" [النمبياء‪:‬‬
‫‪ ]87‬وقد تقدم ويأتي‪.‬‬
‫ففمي هذا ممن الفقمه أن القرعمة كانمت معمول بهما فمي شرع ممن قبلنما‪ ،‬وجاءت فمي شرعنما على مما‬
‫تقدم فمي "آل عمران" قال ابمن العربمي‪ :‬وقمد وردت القرعمة فمي الشرع فمي ثلثمة مواطمن‪ .‬الول‪:‬‬
‫كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه‪ ،‬فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم رفع إليه أن رجل أعتق ستة أعبد ل مال له غيرهم‪ ،‬فأقرع‬
‫بينهمم؛ فأعتمق اثنيمن وأرق أربعمة‪ .‬الثالث‪ :‬أن رجليمن اختصمما إليمه فمي مواريمث قمد درسمت فقال‪:‬‬
‫(اذهبا وتوخيا الحق واستهما وليحلل كل واحد منكما صاحبه)‪ .‬فهذه ثلثة مواطن‪ ،‬وهي القسم في‬
‫النكاح‪ ،‬والعتق‪ ،‬والقسمة‪ ،‬وجريان القرعة فيها لرفع الشكال وحسم داء التشهي‪ .‬واختلف علماؤنا‬
‫في القرعة بين الزوجات في الغزو على قولين؛ الصحيح منهما القراع؛ وبه قال فقهاء المصار‪.‬‬
‫وذلك أن السممفر بجميعهممن ل يمكممن‪ ،‬واختيار واحدة منهممن إيثار فلم يبممق إل القرعممة‪ .‬وكذلك فممي‬
‫مسمألة العبمد السمتة؛ فإن كمل اثنيمن منهمما ثلث‪ ،‬وهمو القدر الذي يجوز له فيمه العتمق فمي مرض‬
‫الموت‪ ،‬وتعيينهممما بالتشهممي ل يجوز شرعان فلم يبممق إل القرعممة‪ .‬وكذلك التشاجممر إذا وقممع فممي‬
‫أعيان المواريمث لم يميمز الحمق إل القرعمة‪ ،‬فصمارت أصمل فمي تعييمن المسمتحق إذا أشكمل‪ .‬قال‪:‬‬
‫والحمق عندي أن تجري فمي كمل مشكمل‪ ،‬فذلك بيمن لهما‪ ،‬وأقوى لفصمل الحكمم فيهما‪ ،‬وأجلى لرفمع‬
‫الشكال عنها؛ ولذلك قلنا‪ :‬إن القرعة بين الزوجات في الطلق كالقرعة بين الماء في العتق‪.‬‬
‫@ القتراع على إلقاء الدمي في البحر ل يجوز‪ .‬وإنما كان ذلك في يونس وزمانه مقدمة لتحقيق‬
‫برهانه‪ ،‬وزيادة في إيمانه؛ فإنه ل يجوز لمن كان عاصيا أن يقتل ول يرمى به في النار أو البحر‪،‬‬
‫وإنمما تجرى عليمه الحدود والتعزيمر على مقدار جنايتمه‪ .‬وقمد ظمن بعمض الناس أن البحمر إذا هال‬
‫على القوم فاضطروا إلى تخفيمف السمفينة أن القرعمة تضرب عليهمم‪ ،‬فيطرح بعضهمم تخفيفما؛ وهذا‬
‫فاسد؛ فإنها ل تخف برمي بعض الرجال وإنما ذلك في الموال‪ ،‬ولكنهم يصبرون على قضاء ال‬
‫عز وجل‪.‬‬
‫@ أخبر ال عز وجل أن يونس كان من المسبحين‪ ،‬وأن تسبيحه كان سبب نجاته؛ ولذلك قيل‪ :‬إن‬
‫العممل الصمالح يرفمع صماحبه إذا عثمر‪ .‬قال ابمن عباس‪" :‬ممن المسمبحين" ممن المصملين‪ .‬قال قتادة‪:‬‬
‫كان يصملي قبمل ذلك لحفمظ ال عمز وجمل له فنجاه‪ .‬وقال الربيمع بمن أنمس‪ :‬لول أنمه كان له قبمل ذلك‬
‫عمل صالح "للبث في بطنه إلى يوم يبعثون" قال‪ :‬ومكتوب في الحكمة ‪ -‬إن العمل الصالح يرفع‬
‫ربه إذا عثر‪ .‬وقال مقاتل‪" :‬من المسبحين" من المصلين المطيعين قبل المعصية‪ .‬وقال وهب‪ :‬من‬
‫العابدين‪ .‬وقال الحسن‪ :‬ما كان له صلة في بطن الحوت؛ ولكنه قدم عمل صالحا في حال الرخاء‬
‫فذكره ال به في حال البلء‪ ،‬وإن العمل الصالح ليرفع صاحبه‪ ،‬وإذا عثر وجد متكأ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وممن هذا المعنمى قوله صملى ال عليمه وسملم‪( :‬ممن اسمتطاع منكمم أن تكون له خمبيئة ممن‬
‫عمل صالح فليفعل) فيجتهد العبد‪ ،‬ويحرص على خصلة من صالح عمله‪ ،‬يخلص فيها بينه وبين‬
‫ربمه‪ ،‬ويدخرهما ليوم فاقتمه وفقره‪ ،‬ويخبؤهما بجهده‪ ،‬ويسمترها عمن خلقمه‪ ،‬يصمل إليمه نفعهما أحوج مما‬
‫كان إليه‪ .‬وقد خرج البخاري ومسلم من حديث ابن عمر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫قال‪( :‬بينما ثلثة نفر ‪ -‬في رواية ممن كان قبلكم ‪ -‬يتماشون أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل‬
‫فانحطمت على فممم الغار صمخرة ممن الجبمل فانطبقمت عليهمم فقال بعضهمم لبعمض انظروا أعمال‬
‫عملتموهما صمالحة ل فادعوا ال بهما لعله يفرجهما عنكمم‪ )...‬الحديمث بكماله وهمو مشهور‪ ،‬شهرتمه‬
‫أغنت عن تمامه‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬لما قال في بطن الحوت‪" :‬ل إله إل أنت سبحانك إني كنت‬
‫من الظالمين" [النبياء‪ ]87 :‬قذفه الحوت‪ .‬وقيل‪" :‬من المسبحين" من المصلين في بطن الحوت‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والظهمر أنمه تسمبيح اللسمان الموافمق للجنان‪ ،‬وعليمه يدل حديمث أبمي هريرة المذكور قبمل‬
‫الذي ذكره الطبري‪ .‬قال‪ :‬فسبح في بطن الحوت‪ .‬قال‪ :‬فسمعت الملئكة تسبيحه؛ فقالوا‪ :‬يا ربنا إنا‬
‫نسممممع صممموتا ضعيفممما بأرض غريبمممة‪ .‬وتكون "كان" على هذا القول زائدة؛ أي فلول أنمممه ممممن‬
‫المسمبحين‪ .‬وفمي كتاب أبمي داود عمن سمعد بمن أبمي وقاص عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم قال‪:‬‬
‫(دعاء ذي النون في بطن الحوت "ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" [النبياء‪]87 :‬‬
‫لم يدع بمه رجمل مسملم فمي شيمء قمط إل اسمتجيب له) وقمد مضمى هذا فمي سمورة [النمبياء" فيونمس‬
‫عليمه السملم كان قبمل مصمليا مسمبحا‪ ،‬وفمي بطمن الحوت كذلك‪ .‬وفمي الخمبر‪ :‬فنودي الحوت‪ :‬إنما لم‬
‫نجعل يونس لك رزقا؛ إنما جعلناك له حرزا ومسجدا‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 148 - 145 :‬فنبذناه بالعراء وهو سقيم‪ ،‬وأنبتنا عليه شجرة من يقطين‪ ،‬وأرسلناه‬
‫إلى مائة ألف أو يزيدون‪ ،‬فآمنوا فمتعناهم إلى حين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فنبذناه بالعراء وهو سقيم‪ ،‬وأنبتنا عليه شجرة من يقطين" روي أن الحوت قذفه‬
‫بسماحل قريمة من الموصمل‪ .‬وقال ابن قسميط عن أبمي هريرة‪ :‬طرح يونمس بالعراء وأنبمت ال عليمه‬
‫يقطينمة؛ فقلنما‪ :‬يما أبما هريرة ومما اليقطينمة؟ قال‪ :‬شجرة الدباء؛ هيمأ ال له أرويمة وحشيمة تأكمل ممن‬
‫خشاش الرض ‪ -‬أو هشاش الرض ‪ -‬فتفشمج عليمه فترويمه ممن لبنهما كمل عشيمة وبكرة حتمى نبمت‪.‬‬
‫وقال سمعيد بمن جمبير عمن ابمن عباس قال‪ :‬خرج بمه ‪ -‬يعنمي الحوت ‪ -‬حتمى لفظمه فمي سماحل البحمر‪،‬‬
‫فطرحمه مثمل الصمبي المنفوس لم ينقمص ممن خلقمه شيمء‪ .‬وقيمل‪ :‬إن يونمس لمما ألقاه الحوت على‬
‫ساحل البحر أنبت ال عليه شجرة من يقطين‪ ،‬وهي فيما ذكر شجرة القرع تتقطر عليه من اللبن‬
‫حتى رجعت إليه قوته‪ .‬ثم رجع ذات يوم إلى الشجرة فوجدها يبست‪ ،‬فحزن وبكى عليها فعوتب؛‬
‫فقيل له‪ :‬أحزنت على شجرة وبكيت عليها‪ ،‬ولم تحزن على مائة ألف وزيادة من بني إسرائيل‪ ،‬من‬
‫أولد إبراهيممم خليلي‪ ،‬أسممرى فممي أيدي العدو‪ ،‬وأردت إهلكهممم جميعما‪ .‬وقيمل‪ :‬هممي شجرة التيمن‪.‬‬
‫وقيمل‪ :‬شجرة الموز تغطمى بورقهما‪ ،‬واسمتظل بأغصمانها‪ ،‬وأفطمر على ثمارهما‪ .‬والكثمر على أنهما‬
‫شجرة اليقطين على ما يأتي‪ .‬ثم إن ال تبارك وتعالى اجتباه فجعله من الصالحين‪ .‬ثم أمره أن يأتي‬
‫قومه ويخبرهم أن ال تعالى قد تاب عليهم‪ ،‬فعمد إليهم حتى لقي راعيا فسأله عن قوم يونس وعن‬
‫حالهم وكيف هم‪ ،‬فأخبره أنهم بخير‪ ،‬وأنهم على رجاء أن يرجع إليهم رسولهم‪ .‬فقال له‪ :‬فأخبرهم‬
‫أنمي قمد لقيمت يونمس‪ .‬قال‪ :‬وماذا؟ قال‪ :‬وهذه البقعمة التمي أنمت فيهما تشهمد لك أنمك لقيمت يونمس‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وماذا؟ قال وهذه الشجرة تشهد لك أنك لقيت يونس‪ .‬وأنه رجع الراعي إلى قومه فأخبرهم أنه لقى‬
‫يونس فكذبوه وهموا به شرا فقال‪ :‬ل تعجلوا علي حتى أصبح‪ ،‬فلما أصبح غدا بهم إلى البقعة التي‬
‫لقي فيها يونس‪ ،‬فاستنطقها فأخبرتهم أنه لقي يونس؛ واستنطق الشاة والشجرة فأخبرتاهم أنه لقي‬
‫يونس‪ ،‬ثم إن يونس أتاهم بعد ذلك‪ .‬ذكر هذا الخبر وما قبله الطبري رحمه ال‪" .‬فنبذناه" طرحناه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬تركناه‪" .‬بالعراء" بالصحراء؛ قال ابن العرابي‪ .‬الخفش‪ :‬بالفضاء‪ .‬أبو عبيدة‪ :‬الواسع من‬
‫الرض‪ .‬الفراء‪ :‬العراء المكان الخالي‪ .‬قال‪ :‬وقال أبمو عمبيدة‪ :‬العراء وجمه الرض؛ وأنشمد لرجمل‬
‫من خزاعة‪:‬‬
‫ونبذت بالبلد العراء ثيابي‬ ‫ورفعت رجل ل أخاف عثارها‬
‫وحكمى الخفمش فمي قوله‪" :‬وهمو سمقيم" جممع سمقيم سمقمى وسمقامى وسمقام‪ .‬وقال فمي هذه السمورة‪:‬‬
‫"فنبذناه بالعراء" وقال في "ن والقلم" [القلم‪" :]1 :‬لول أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو‬
‫مذموم" [القلم‪ ]49 :‬والجواب‪ :‬أن ال عمز وجمل خمبر هما هنما أنمه نبذه بالعراء وهمو غيمر مذموم‬
‫ولول رحمة ال عمز وجل لنبمذ بالعراء وهو مذموم؛ قاله النحاس‪ .‬وقوله‪" :‬وأنبتنا عليه شجرة من‬
‫يقطين" يعني "عليه" أي عنده؛ كقوله تعالى‪" :‬ولهم على ذنب" [الشعراء‪ ]14 :‬أي عندي‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫"عليه" بمعنى له‪" .‬شجرة من يقطين" اليقطين‪ :‬شجر الدباء‪ :‬وقيل غيرها؛ ذكره ابن العرابي‪.‬‬
‫وفمي الخمبر‪( :‬الدباء والبطيمخ ممن الجنمة) وقمد ذكرناه فمي كتاب التذكرة‪ .‬وقال الممبرد‪ :‬يقال لكمل‬
‫شجرة ليمس لهما سماق يفترش ورقهما على الرض يقطينمة نحمو الدباء والبطيمخ والحنظمل‪ ،‬فإن كان‬
‫لهما سماق يقلهما فهمي شجرة فقمط‪ ،‬وإن كانمت قائممة أي بعروق تفترش فهمي نجممة وجمعهما نجمم‪ .‬قال‬
‫ال تعالى‪" :‬والنجم والشجر يسجدان" [الرحمن‪ ]6 :‬وروي نحوه عن ابن عباس والحسن ومقاتل‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬كل نبت يمتد ويبسط على الرض ول يبقى على استواء وليس له ساق نحو القثاء والبطيخ‬
‫والقرع والحنظل فهو يقطين‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬هو كل شيء ينبت ثم يموت من عامه فيدخل‬
‫في هذا الموز‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهممو مممما له سمماق‪ .‬الجوهري‪ :‬واليقطيممن ممما ل سمماق له كشجممر القرع ونحوه‪ .‬الزجاج‪:‬‬
‫اشتقاق اليقطين من قطن بالمكان إذا أقام به فهو يفعيل‪ .‬وقيل‪ :‬هو اسم اعجمي‪ .‬وقيل‪ :‬إنما خص‬
‫اليقطيمن بالذكمر‪ ،‬لنمه ل ينزل عليمه ذباب‪ .‬وقيمل‪ :‬مما كان ثمم يقطيمن فأنبتمه ال فمي الحال‪ .‬القشيري‪:‬‬
‫وفممي اليممة ممما يدل على أنممه كان مفروشمما ليكون له ظممل‪ .‬الثعلبممي‪ :‬كانممت تظله فرأى خضرتهمما‬
‫فأعجبتمه‪ ،‬فيبسمت فجعمل يتحزن عليهما؛ فقيمل له‪ :‬يما يونمس أنمت الذي لم تخلق ولم تسمق ولم تنبمت‬
‫تحزن على شجيرة‪ ،‬فأنما الذي خلقمت مائة ألف ممن الناس أو يزيدون تريمد منمي أن أسمتأصلهم فمي‬
‫ساعة واحدة‪ ،‬وقد تابوا وتبت عليهمم فأين رحمتي يا يونس أنا أرحمم الراحمين‪ .‬وروي عن النبي‬
‫صملى ال عليمه وسملم أنمه كان يأكمل الثريمد باللحمم والقرع وكان يحمب القرع ويقول‪( :‬إنهما شجرة‬
‫أخمي يونمس) وقال أنمس‪ :‬قدم للنمبي صملى ال عليمه وسملم مرق فيمه دباء وقديمد فجعمل يتبمع الدباء‬
‫حوالي القصعة‪ .‬قال أنس‪ :‬فلم أزل أحب الدباء من يومئذ‪ .‬أخرجه الئمة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأرسملناه إلى مائة ألف أو يزيدون" وقمد تقدم عمن ابمن عباس أن رسمالة يونمس‬
‫عليمه السملم إنمما كانمت بعمد مما نبذه الحوت‪ .‬وليمس له طريمق إل عمن شهمر بمن حوشمب‪ .‬النحاس‪:‬‬
‫وأجود منمه إسمنادا وأصمح مما حدثناه عمن علي بمن الحسمين قال‪ :‬حدثنما الحسمن بمن محممد قال حدثنما‬
‫عمرو بن العنقزي قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال حدثنا عبدال بن‬
‫مسمعود فمي بيمت المال عمن يونمس النمبي صملى ال عليمه وسملم قال‪ :‬إن يونمس وعمد قوممه العذاب‬
‫وأخممبرهم أن يأتيهممم إلى ثلثممة أيام‪ ،‬ففرقوا بيممن كممل والدة وولدهمما‪ ،‬وخرجوا فجأروا إلى ال عممز‬
‫وجل واستغفروا‪ ،‬فكف ال عز وجل عنهم العذاب‪ ،‬وغدا يونس عليه السلم ينتظر العذاب فلم ير‬
‫شيئا ‪ -‬وكان ممن كذب ولم تكمن له بينمة قتمل ‪ -‬فخرج يونمس مغاضبما‪ ،‬فأتمى قومما فمي سمفينة فحملوه‬
‫وعرفوه‪ ،‬فلما دخل السفينة ركدت السفينة والسفن تسير يمينا وشمال؛ فقالوا‪ :‬ما لسفينتكم؟ فقالوا‪:‬‬
‫ل ندري‪ .‬فقال يونس عليه السلم‪ :‬إن فيها عبدا آبقا من ربه جل وعز وإنها لن تسير حتى تلقوه‪.‬‬
‫قالوا أما أنت يا نبي ال فإنا ل نلقيك‪ .‬قال‪ :‬فأقرعوا فمن قرع فليقع‪ ،‬فاقترعوا فقرعهم يونس فأبوا‬
‫أن يدعوه‪ ،‬فال‪ :‬فاقترعوا ثلثما فممن قرع فليقمع‪ .‬فاقترعوا فقرعهمم يونمس ثلث مرات أو قال ثلثما‬
‫فوقع‪ .‬وقد وكل ال به جل وعز حوتا فابتلعه وهو يهوي به إلى قرار الرض‪ ،‬فسمع يونس عليه‬
‫السملم تسمبيح الحصمى "فنادى فمي الظلمات أن ل إله إل أنمت سمبحانك إنمي كنمت ممن الظالميمن"‬
‫[النمبياء‪ ]87 :‬قال‪ :‬ظلممة الليمل وظلممة البحمر وظلممة بطمن الحوت‪ .‬قال‪" :‬فنبذناه بالعراء وهمو‬
‫سمقيم" قال‪ :‬كهيئة الفرخ الممعوط الذي ليمس عليمه ريمش‪ .‬قال‪ :‬وأنبمت ال عليمه شجرة ممن يقطيمن‬
‫فنبتت‪ ،‬فكان يستظل بها ويصيب منها‪ ،‬فيبست فبكى عليها؛ فأوحى ال جل وعز إليه‪ :‬أتبكي على‬
‫شجرة يبسمت‪ ،‬ول تبكمي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تهلكهمم قال‪ :‬وخرج رسمول ال يونمس‬
‫فإذا همو بغلم يرعمى؛ قال‪ :‬يما غلم ممن أنمت؟ قال‪ :‬ممن قوم يونمس‪ .‬قال‪ :‬فإذا جئت إليهمم فأخمبرهم‬
‫أنك قد لقيت يونس‪ .‬قال‪ :‬إن كنت يونس فقد علمت أنه من كذب قتل إذا لم تكن له بينة فمن يشهد؟‬
‫قال‪ :‬هذه الشجرة وهذه البقعمة‪ .‬قال‪ :‬فمرهمما؛ فقال لهمما يونممس‪ :‬إذا جاءكممما هذا الغلم فأشهدا له‪.‬‬
‫قالتا نعم‪ .‬قال‪ :‬فرجع الغلم إلى قومه وكان في منعة وكان له إخوة‪ ،‬فأتى الملك فقال‪ :‬إني قد لقيت‬
‫يونس وهو يقرأ عليك السلم‪ .‬قال‪ :‬فأمر به أن يقتل؛ فقالوا‪ :‬إن له بينة فأرسلوا معه‪ .‬فأتى الشجرة‬
‫والبقعمة فقال لهمما‪ :‬نشدتكمما بال جمل وعمز أتشهدان أنمي لقيمت يونمس؟ قالتما‪ :‬نعمم قال‪ :‬فرجمع القوم‬
‫مذعوريمممن يقولون له‪ :‬شهدت له الشجرة والرض فأتوا الملك فأخمممبروه بمممما رأوا‪ .‬قال عبدال‪:‬‬
‫فتناول الملك يد الغلم فأجلسه في مجلسه‪ ،‬وقال‪ :‬أنت أحق بهذا المكان مني‪ .‬قال عبدال‪ :‬فأقام لهم‬
‫ذلك الغلم أمرهم أربعين سنة‪ .‬قال أبو جعفر النحاس‪ :‬فقد تبين في هذا الحديث أن يونس كان قد‬
‫أرسل قبل أن يلقمه الحوت بهذا السناد الذي ل يؤخذ بالقياس‪ .‬وفيه أيضا من الفائدة أن قوم يونس‬
‫آمنوا وندموا قبمل أن يروا العذاب؛ لن فيمه أنمه أخمبرهم أنمه يأتيهمم العذاب إلى ثلثمة أيام‪ ،‬ففرقوا‬
‫ببن كل والدة وولدها‪ ،‬وضجوا ضجة واحدة إلى ال عز وجل‪.‬‬
‫وهذا همو الصمحيح فمي الباب‪ ،‬وأنمه لم يكمن حكمم ال عمز وجمل فيهمم كحكممه فمي غيرهمم فمي قول‬
‫عز وجل‪" :‬فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا" [غافر‪ ]85 :‬وقول عز وجل‪" :‬وليست التوبة‬
‫للذيمن يعملون السميئات حتمى إذا حضمر أحدهمم الموت" [النسماء‪ ]18 :‬اليمة‪ .‬وقال بعمض العلماء‪:‬‬
‫إنهممم رأوا مخائل العذاب فتابوا‪ .‬وهذا ل يمنممع‪ ،‬وقممد تقدم ممما للعلماء فممي هذا فممي سممورة "يونممس"‬
‫فلينظر هناك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو يزيدون" قد مضى في "البقرة" محامل "أو" في قوله تعالى‪" :‬أو أشد قسوة"‬
‫[البقرة‪ .]74 :‬وقال القراء‪" :‬أو" بمعنى بل‪ .‬وقال غيره‪ :‬إنها بمعنى الواو‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫تأملنا رياحا أو رزاما‬ ‫فلما اشتد أمر الحرب فينا‬
‫أي ورزامما‪ .‬وهذا كقوله تعالى‪" :‬ومما أممر السماعة إل كلممح البصمر أو همو أقرب" [النحمل‪.]77 :‬‬
‫وقرأ جعفر بن محمد "إلى مائة ألف ويزيدون" بغير همز؛ فم "يزيدون" في موضع رفع بأنه خبر‬
‫مبتدأ محذوف أي وهممم يزيدون‪ .‬النحاس‪ :‬ول يصممح هذان القولن عنممد البصممريين‪ ،‬وأنكروا كون‬
‫"أو" بمعنى بل وبمعنى الواو؛ لن بل للضراب عن الول واليجاب لما بعده‪ ،‬وتعالى ال عز‬
‫وجمل عمن ذلك‪ ،‬أو خروج ممن شيمء إلى شيمء وليمس هذا موضمع ذلك؛ والواو معناه خلف معنمى‬
‫"أو" فلو كان أحدهمما بمعنمى الخمر لبطلت المعانمي؛ ولو جاز ذلك لكان وأرسملناه إلى أكثمر ممن‬
‫مائتمي ألف أخصمر‪ .‬وقال الممبرد‪ :‬المعنمى وأرسملناه إلى جماعمة لو رأيتموهمم لقلتمم همم مائة ألف أو‬
‫أكثمر‪ ،‬وإنمما خوطمب العباد على مما يعرفون‪ .‬وقيمل‪ :‬همو كمما تقول‪ :‬جاءنمي زيمد أو عمرو وأنمت‬
‫تعرف من جاءك منهما إل أنك أبهمت على المخاطب‪ .‬وقال الخفش والزجاج‪ :‬أي أو يزيدون في‬
‫تقديركمم‪ .‬قال ابمن عباس‪ :‬زادوا على مائة ألف عشريمن ألفما‪ .‬ورواه أبمي بمن كعمب مرفوعما‪ .‬وعمن‬
‫ابمن عباس أيضما‪ :‬ثلثيمن ألفما‪ .‬الحسمن والربيمع‪ :‬بضعما وثلثيمن ألفما‪ .‬وقال مقاتمل بمن حيان‪ :‬سمبعين‬
‫ألفا‪" .‬فآمنوا فمتعناهم إلى حين" أي إلى منتهى آجالهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{157 - 149 :‬فاسمتفتهم ألربمك البنات ولهمم البنون‪ ،‬أم خلقنما الملئكمة إناثما وهمم‬
‫شاهدون‪ ،‬أل إنهمم ممن إفكهمم ليقولون‪ ،‬ولد ال وإنهمم لكاذبون‪ ،‬أصمطفى البنات على البنيمن‪ ،‬مما لكمم‬
‫كيف تحكمون‪ ،‬أفل تذكرون‪ ،‬أم لكم سلطان مبين‪ ،‬فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاسمتفتهم ألربمك البنات ولهمم البنون" لمما ذكمر أخبار الماضيمن تسملية للنمبي صملى‬
‫ال عليمه وسملم احتمج على كفار قريمش فمي قولهمم‪ :‬إن الملئكمة بنات ال؛ فقال‪" :‬فاسمتفتهم"‪ .‬وهمو‬
‫معطوف على مثله في أول السورة وإن تباعدت بينهم المسافة؛ أي فسل يا محمد أهل مكة "ألربك‬
‫البنات" وذلك أن جهينة وخزاعة وبني مليح وبنى سلمة وعبد الدار زعموا أن الملئكة بنات ال‪.‬‬
‫وهذا سؤال توبيخ‪.‬‬
‫"أم خلقنما الملئكمة إناثما وهمم شاهدون" أي حاضرون لخلقنما إياهمم إناثما؛ وهذا كمما قال ال عمز‬
‫وجمل‪" :‬وجعلوا الملئكمة الذيمن همم عباد الرحممن إناثما أشهدوا خلقهمم" [الزخرف‪ .]19 :‬ثمم قال‪:‬‬
‫"أل إنهم من إفكهم" وهو أسوأ الكذب "ليقولون‪ ،‬ولد ال وإنهم لكاذبون" في قولهم إن ل ولدا وهو‬
‫الذي ل يلد ول يولد‪ .‬و"إن" بعمد "أل" مكسمورة؛ لنهما مبتدأة‪ .‬وحكمى سميبويه أنهما تكون بعمد أمما‬
‫مفتوح أو مكسمورة؛ فالفتمح على أن تكون أمما بمعنمى حقما‪ ،‬والكسمر على أن تكون أمما بمعنمى أل‪.‬‬
‫النحاس‪ :‬وسمعت علي بن سليمان يقول يجوز فتحها بعد أل تشبيها بأما‪ ،‬وأما في الية فل يجوز‬
‫إل كسرها؛ لن بعدها الرفع‪ .‬وتمام الكلم "كاذبون"‪ .‬ثم يبتدئ "أصطفى"‬
‫على معنمى التقريمع والتوبيمخ كأنمه قال‪ :‬ويحكمم "أصمطفى البنات" أي اختار البنات وترك البنيمن‪.‬‬
‫وقراءة العاممة "أصمطفى" بقطمع اللف؛ لنهما ألف اسمتفهام دخلت على ألف الوصمل‪ ،‬فحذفمت ألف‬
‫الوصل وبقيت ألف الستفهام مفتوح مقطوعة على حالهما مثل‪" :‬أطلع الغيب" على ما تقدم‪ .‬وقرأ‬
‫أبو جعفر وشيبة ونافع وحمزة "اصطفى" بوصل اللف على الخبر بغير استفهام‪ .‬وإذا ابتدأ كسر‬
‫الهمزة‪ .‬وزعمم أبمو حاتمم أنمه ل وجمه لهما؛ لن بعدهما "مما لكمم كيمف تحكمون" فالكلم جار على‬
‫التوبيمخ ممن جهتيمن‪ :‬إحداهمما أن يكون تبيينما وتفسمير لمما قالوه ممن الكذب ويكون "مما لكمم كيمف‬
‫تحكمون" منقطعا مما قبله‪ .‬والجهة الثانية أنه قد حكى النحويون ‪ -‬منهم الفراء ‪ -‬أن التوبيخ يكون‬
‫باسمتفهام وبغيمر اسمتفهام كمما قال جمل وعمز‪" :‬أذهبتمم طيباتكمم فمي حياتكمم الدنيما" [الحقاف‪.]20 :‬‬
‫وقيمل‪ :‬همو على إضمار القول؛ أي ويقولون "أصمطفى البنات"‪ .‬أو يكون بدل ممن قوله‪" :‬ولد ال"‬
‫لن ولدة البنات واتخاذهمن اصمطفاه لهمن‪ ،‬فأبدل مثال الماضمي ممن مثال الماضمي فل يوقمف على‬
‫هذا على "لكاذبون"‪" .‬أفل تذكرون" الكلم جار على التوبيمخ ممن جهتيمن‪ :‬إحداهمما أن يكون تبيينما‬
‫وتفسير لما قالوه من الكذب ويكون "ما لكم كيف تحكمون" منقطعا مما قبله‪ .‬والجهة الثانية أنه قد‬
‫حكممى النحويون ‪ -‬منهممم الفراء ‪ -‬أن التوبيممخ يكون باسممتفهام وبغيممر اسممتفهام كممما قال جممل وعممز‪:‬‬
‫"أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا" [الحقاف‪ .]20 :‬وقيل‪ :‬هو على إضمار القول؛ أي ويقولون‬
‫"أصمطفى البنات"‪ .‬أو يكون بدل من قوله‪" :‬ولد ال" لن ولدة البنات واتخاذهمن اصمطفاه لهن‪،‬‬
‫فأبدل مثال الماضمي مثال الماضمي فل يوقمف على هذا على "لكاذبون"‪" .‬أفل تذكرون" فمي أنمه ل‬
‫يجوز أن يكون له ولد‪" .‬أم لكممم سمملطان مممبين" حجممة وبرهان‪" .‬فأتوا بكتابكممم" أي بحججكممم "إن‬
‫كنتم صادقين" في قولكم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{160 - 158 :‬وجعلوا بينمه وبيمن الجنمة نسمبا ولقمد علممت الجنمة إنهمم لمحضرون‪،‬‬
‫سبحان ال عما يصفون‪ ،‬إل عباد ال المخلصين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا" أكثر أهل التفسير أن الجنة ها هنا الملئكة‪ .‬روى‬
‫ابن أبي نجيح عن مجاهد قال‪ :‬قالوا ‪ -‬يعني كفار قريش ‪ -‬الملئكة بنات ال؛ جل وتعالى‪ .‬فقال أبو‬
‫بكمر الصمديق رضمي ال عنمه‪ :‬فممن أمهاتهمن‪ .‬قالوا‪ :‬مخدرات الجمن‪ .‬وقال أهمل الشتقاق‪ :‬قيمل لهمم‬
‫جنمة لنهمم ل يرون‪ .‬وقال مجاهمد‪ :‬إنهمم بطمن ممن بطون الملئكمة يقال لهمم الجنمة‪ .‬وروي عمن ابمن‬
‫عباس‪ .‬وروى إسمرائيل عن السمدي عن أبمي مالك قال‪ :‬إنمما قيمل لهمم جنمة لنهم خزان على الجنان‬
‫والملئكمة كلهمم جنمة‪" .‬نسمبا" مصماهرة‪ .‬فال قتادة والكلبمي ومقاتمل‪ :‬قالت اليهود لعنهمم ال إن ال‬
‫صماهر الجمن فكانمت الملئكمة ممن بينهمم‪ .‬وقال مجاهمد والسمدي ومقاتمل أيضما‪ .‬القائل ذلك كنانمة‬
‫وخزاعمة؛ قالوا‪ :‬إن ال خطمب إلى سمادات الجمن فزوجوه ممن سمروات بناتهمم‪ ،‬فالملئكمة بنات ال‬
‫من سروات بنات الجن‪ .‬وقال الحسن‪ :‬أشركوا الشيطان في عبادة ال فهو النسب الذي جعلوه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول الحسممن فممي هذا أحسممن؛ دليله قوله تعالى‪" :‬إذ نسممويكم برب العالميممن" [الشعراء‪:‬‬
‫‪ ]98‬أي فمي العبادة‪ .‬وقال ابن عباس والضحاك والحسمن أيضما‪ :‬هو قولهم إن ال تعالى وإبليمس‬
‫أخوان؛ تعالى ال عن قولهم علوا كبيرا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقمد علممت الجنمة" أي الملئكمة "إنهمم" يعنمي قائل هذا القول "لمحضرون" فمي‬
‫النار؛ قال قتادة‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬للحساب‪ .‬الثعلبي‪ :‬الول أولى؛ لن الحضار تكرر في هذه السورة‬
‫ولم يرد ال بمه غيمر العذاب‪" .‬سمبحان ال عمما يصمفون" أي تنزيهما ل عمما يصمفون‪" .‬إل عباد ال‬
‫المخلصين" فإنهم ناجون من النار‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{163 - 161 :‬فإنكم وما تعبدون‪ ،‬ما أنتم عليه بفاتنين‪ ،‬إل من هو صال الجحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإنكم وما تعبدون" "ما" بمعنى الذي‪ .‬وقيل‪ :‬بمعنى المصدر‪ ،‬أي فإنكم وعبادتكم‬
‫لهذه الصمنام‪ .‬وقيمل‪ :‬أي فإنكمم مع مما تعبدون من دون ال؛ يقال‪ :‬جاء فلن وفلن‪ .‬وجاء فلن ممع‬
‫فلن‪" .‬مما أنتمم عليمه" أي على ال بمضليمن‪ .‬النحاس‪ .‬أهمل التفسمير مجمعون فيمما علممت على أن‬
‫المعنى‪ :‬ما أنتم بمضلين أحدا إل من قدّر ال عز وجل عليه أن يضل‪:‬‬
‫عليه وكان لنا فاتنا‬ ‫فرد بنعمته كيده‬
‫أي مضل‪.‬‬
‫@ في هذه الية رد على القدرية‪ .‬قال عمرو بن ذر‪ :‬قدمنا على عمر بن عبدالعزيز فذكر عنده‬
‫القدر‪ ،‬فقال عمر‪ :‬لو أراد ال أل يعصى ما خلق إبليس وهو رأس الخطيئة‪ ،‬وإن في ذلك لعلما في‬
‫كتاب ال عز وجل‪ ،‬عرفه من عرفه‪ ،‬وجهله من جهله؛ ثم قرأ‪" :‬فإنكم وما تعبدون‪ .‬ما أنتم عليه‬
‫بفاتنيمن" إل ممن كتمب ال عمز وجمل عليمه أن يصملى الجحيمم‪ .‬وقال‪ :‬فصملت هذه اليمة بيمن الناس‪،‬‬
‫وفيها من المعاني أن الشياطين ل يصلون إلى إضلل أحد إل من كتب ال عليه أنه ل يهتدي‪ ،‬ولو‬
‫علم ال جممل وعممز أنممه يهتدي لحال بينممه وبينهممم؛ وعلى هذا قوله تعالى‪" :‬وأجلب عليهممم بخيلك‬
‫ورجلك" [السراء‪ ]64 :‬أي لست تصل منهم إلى شيء إل إلى ما في علمي‪ .‬وقال لبيد بن ربيعة‬
‫في تثبيت القدر فأحسن‪:‬‬
‫وبإذن ال ريثي وعجل‬ ‫إن تقوى ربنا خير نفل‬
‫بيديه الخير ما شاء فعل‬ ‫أحمد ال فل ند له‬
‫ناعم البال ومن شاء أضل‬ ‫من هداه سبل الخير اهتدى‬
‫قال الفراء‪ :‬أهل الحجاز يقولون فتنت الرجل‪ ،‬وأهل نجد يقولون أفتنته‪.‬‬
‫@ روي عن الحسن أنه قرأ‪" :‬إل من وصال الجحيم" بضم اللم‪ .‬النحاس‪ :‬وجماعة أهل التفسير‬
‫يقولون إنمه لحمن؛ لنمه ل يجوز هذا قاض المدينمة‪ .‬وممن أحسمن مما قيمل فيمه مما سممعت علي بمن‬
‫سمليمان يقول؛ قال‪ :‬هو محمول عل المعنى؛ لن معنمى‪" .‬من" جماعة؛ فالتقدير صمالون‪ ،‬فحذفت‬
‫النون للضافممة‪ ،‬وحذفممت الواو للتقاء السمماكنين‪ .‬وقيممل‪ :‬أصممله فاعممل إل أنممه قلب مممن صممال إلى‬
‫صمايل وحذفمت الياء وبقيمت اللم مضموممة فهمو مثمل "شفما جرف هار" [التوبمة‪ .]109 :‬ووجمه‬
‫ثالث أن تحذف لم "صال" تخفيفا وتجري العراب على عينه‪ ،‬كما حذف من قولهم‪ :‬ما باليت به‬
‫بالة‪ .‬وأصمملها باليممة مممن بالي كعافيممة مممن عافممي؛ ونظيره قراءة مممن قرأ‪" ،‬وجنممى الجنتيممن دان"‬
‫[الرحممن‪" ،]54 :‬وله الجوار المنشآت" [الرحممن‪ ]24 :‬أجرى العراب على العيمن‪ .‬والصمل‬
‫ني قراءة الجماعة صالي بالياء فحذفها الكاتب من الخط لسقوطها في اللفظ‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 164 :‬وما منا إل له مقام معلوم‪ ،‬وإنا لنحن الصافون‪ ،‬وإنا لنحن المسبحون}‬
‫@ هذا ممن قول الملئكمة تعظيمما ل عمز وجمل‪ ،‬وإنكارا منهمم عبادة ممن عبدهمم‪" .‬وإنما لنحمن‬
‫الصافون‪ .‬وإنا لنحن المسبحون" قال مقاتل‪ :‬هذه الثلث اليات نزلت ورسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم عند سدرة المنتهى‪ ،‬فتأخر جبريل‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬أهنا تفارقني) فقال ما‬
‫اسممتطيع أن أتقدم عممن مكانممي‪ .‬وأنزل ال تعالى حكايممة عممن قول الملئكممة‪" :‬وممما منمما إل له مقام‬
‫معلوم" اليات‪ .‬والتقديمر عنمد الكوفييمن‪ :‬ومما منما إل ممن له مقام معلوم‪ .‬فحذف الموصمول‪ .‬وتقديره‬
‫عنمد البصمريين‪ :‬وما منا ملك إل له مقام معلوم؛ أي مكان معلوم فمي العبادة؛ قال ابن مسمعود وابن‬
‫جمبير‪ .‬وقال ابمن عباس‪ :‬مما فمي السمموات موضمع شمبر إل وعليمه ملك يصملي سمبح‪ .‬وقالت عائشمة‬
‫رضي ال عنها‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما في السماء موضع قدم إل عليه ملك ساجد أو‬
‫قائم)‪ .‬وعن أبي ذر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إني أرى ما ل ترون وأسمع ما ل‬
‫تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إل وملك واضع جبهته ساجدا‬
‫ل وال لو تعلمون مما أعلم لضحكتمم قليل ولبكيتمم كثيرا ومما تلذذتمم بالنسماء على الفرش ولخرجتمم‬
‫إلى الصمعدات تجأرون إلى ال لوددت أنمي كنمت شجرة تعضمد) خرجمه أبمو عيسمى الترمذي وقال‬
‫فيممه حديممث حسممن غريممب‪ .‬ويروى مممن غيممر هذا الوجممه أن أبمما ذر قال‪ :‬لوددت أنممي كنممت شجرة‬
‫تعضمد‪ .‬ويروى عمن أبمي ذر موقوفما‪ .‬وقال قتادة‪ :‬كان يصملي الرجال والنسماء جميعما حتمى نزلت‬
‫هذه اليمة‪" :‬ومما منما إل له مقام معلوم"‪ .‬قال‪ :‬فتقدم الرجال وتأخمر النسماء‪" .‬وإنما لنحمن الصمافون"‬
‫قال الكلبي‪ :‬صفوفهم كصفوف أهل الدنيا في الرض‪ .‬وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال‪:‬‬
‫خرج علينما رسمول ال صملى ال عليمه وسملم ونحمن فمي المسمجد؛ فقال‪( :‬أل تصمفون كمما تصمف‬
‫الملئكمة عنمد ربهما) فقلنما يما رسمول ال كيمف تصمف الملئكمة عنمد ربهما؟ قال؟ (يتمون الصمفوف‬
‫الول ويتراصون في الصف) وكان عمر يقول إذا قام للصلة‪ :‬أقيموا صفوفكم واستووا إنما يريد‬
‫ال بكم هدي الملئكة عند ربها ويقرأ‪" :‬وإنا لنحن الصافون" تأخر يا فلن تقدم يا فلن؛ ثم يتقدم‬
‫فيكبر‪ .‬وقد مضى في سورة [الحجر] بيانه‪ .‬وقال أبو مالك‪ :‬كان الناس يصلون متبددين فأنزل ال‬
‫تعالى‪" :‬وإنا لنحن الصافون" فأمرهم النبي صلى ال عليه وسلم أن يصطفوا‪ .‬وقال الشعبي‪ .‬جاء‬
‫جبريمل أو ملك إلى النمبي صملى ال عليمه وسملم فقال‪ :‬تقوم أدنمى ممن ثلثمي الليمل ونصمفه وثلثمه؛ إن‬
‫الملئكمة لتصملي وتسمبح مما فمي السمماء ملك فارغ‪ .‬وقيمل‪ :‬أي لنحمن الصمافون أجنحتنما فمي الهواء‬
‫وقوفما ننتظمر مما نؤممر بمه‪ .‬وقيمل‪ :‬أي نحمن الصمافون حول العرش‪" .‬وإنما لنحمن المسمبحون" أي‬
‫المصملون؛ قال قتادة‪ .‬وقيمل‪ :‬أي المنزهون ال عمما أضافمه إليمه المشركون‪ .‬والمراد أنهمم يخمبرون‬
‫أنهممم يعبدون ال بالتسممبيح والصمملة وليسمموا معبوديممن ول بنات ال‪ .‬وقيممل‪" :‬وممما منمما إل له مقام‬
‫معلوم" من قول الرسول صلى ال عليه وسلم والمؤمنين للمشركين؛ أي لكل واحد منا ومنكم في‬
‫الخرة مقام معلوم وهو مقام الحساب‪ .‬وقيل‪ :‬أي منا من له مقام الخوف‪ ،‬ومنا من له مقام الرجاء‪،‬‬
‫ومنا من له مقام الخلص‪ ،‬ومنا من له مقام الشكر‪ .‬إلى غيرها من المقامات‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والظهر أن ذلك راجع إلى قول الملئكة‪" :‬وما منا إل له مقام معلوم" وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 167 :‬وإن كانوا ليقولون‪ ،‬لو أن عندنا ذكرا من الولين‪ ،‬لكنا عباد ال المخلصين‪،‬‬
‫فكفروا به فسوف يعلمون}‬
‫@ عاد إلى الخبار عن قول المشركين‪ ،‬أي كانوا قبل بعثة محمد صلى ال عليه وسلم إذا عيروا‬
‫بالجهمل قالوا‪" :‬لو أن عندنما ذكرا ممن الوليمن" أي لو بعمث إلينما نمبي بمبيان الشرائع لتبعناه‪ .‬ولمما‬
‫خففمت "إن" دخلت على الفعمل ولزمتهما اللم فرقما بيمن النفمي واليجاب‪ .‬والكوفيون يقولون‪" :‬إن"‬
‫بمعنى ما واللم بمعنى إل‪ .‬وقيل‪ :‬معنى "لو أن عندنا ذكرا" أي كتابا من كتب النبياء‪" .‬لكنا عباد‬
‫ال المخلصمين" أي لو جاءنما ذكمر كمما جاء الوليمن لخلصمنا العبادة ل‪" .‬فكفروا بمه" أي بالذكمر‪.‬‬
‫والفراء يقدره على حذف‪ ،‬أي فجاءهم محمد صلى ال عليه وسلم بالذكر فكفروا به‪ .‬وهذا تعجيب‬
‫منهم‪ ،‬أي فقد جاءهم نبي وأنزل عليهم كتاب فيه بيان ما يحتاجون إليه فكفروا وما وفوا بما قالوا‪.‬‬
‫"فسوف يعلمون" قال الزجاج‪ :‬يعلمون مغبة كفرهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 179 - 171 :‬ولقمد سمبقت كلمتنما لعبادنما المرسملين‪ ،‬إنهمم لهمم المنصمورون‪ ،‬وإن‬
‫جندنا لهم الغالبون‪ ،‬فتول عنهم حتى حين‪ ،‬وأبصرهم فسوف يبصرون‪ ،‬أفبعذابنا يستعجلون‪ ،‬فإذا‬
‫نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين‪ ،‬وتول عنهم حتى حين‪ ،‬وأبصر فسوف يبصرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين" قال الفراء‪ :‬أي بالسعادة‪ .‬وقيل‪ :‬أراد بالكلمة‬
‫قوله عز وجل‪" :‬كتب ال لغلبن أنا ورسلي" [المجادلة‪ ]21 :‬قال الحسن‪ :‬لم يقتل من أصحاب‬
‫الشرائع قط أحد "إنهم لهم المنصورون" أي سبق الوعد بنصرهم بالحجة والغلبة‪" .‬وإن جندنا لهم‬
‫الغالبون" على المعنممى ولو كان على اللفممظ لكان هممو الغالب مثممل "جنممد ممما هنالك مهزوم مممن‬
‫الحزاب" [ص‪ .]11 :‬وقال الشيباني‪ :‬جاء ها هنا على الجمع من أجل أنه رأس آية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فتول عنهم" أي أعرض عنهم‪" .‬حتى حين" قال قتادة‪ :‬إلى الموت‪ .‬وقال الزجاج‪:‬‬
‫إلى الوقت الذي أمهلوا إليه‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬يعني القتل ببدر‪ .‬وقيل‪ :‬يعني فتح مكة‪ .‬وقيل‪ :‬الية‬
‫منسموخة بآيمة السميف‪" .‬وأبصمرهم فسموف يبصمرون" قال قتادة‪ :‬سموف يبصمرون حيمن ل ينفعهمم‬
‫البصمار‪ .‬وعسمى ممن ال للوجوب وعمبر بالبصمار عمن تقريمب الممر؛ أي عمن قريمب يبصمرون‪.‬‬
‫وقيمل‪ :‬المعنمى فسموف يبصمرون العذاب يوم القياممة‪" .‬أفبعذابنما يسمتعجلون" كانوا يقولون ممن فرط‬
‫تكذيبهم متى هذا العذاب؛ أي ل تستعجلوه فإنه واقع بكم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا نزل بساحتهم" أي العذاب‪ .‬قال الزجاج‪ :‬وكان عذاب هؤلء بالقتل‪ .‬ومعنى‬
‫"بساحتهم" أي بدارهم؛ عن السدي وغيره‪ .‬والساحة والسحسة في اللغة فناء الدار الواسع‪ .‬الفراء‪:‬‬
‫"نزل بساحته" ونزل بهم سواء‪" .‬فسماء صباح المنذرين" أي بئس صباح الذين أنذروا بالعذاب‪.‬‬
‫وفيه إضمار أي فساء الصباح صباحهم‪ .‬وخص الصباح بالذكر؛ لن العذاب كان يأتيهم فيه‪ .‬ومنه‬
‫الحديث الذي رواه أنس رضي ال عنه قال‪ :‬لما أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم خيبر‪ ،‬وكانوا‬
‫خارجيمن إلى مزارعهمم ومعهمم المسماحي‪ ،‬فقالوا‪ :‬محمممد والخميمس‪ ،‬ورجعوا إلى حصمنهم؛ فقال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬ال أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) وهو‬
‫يمبين معنمى‪" :‬فإذا نزل بسماحتهم" يريمد‪ :‬النمبي صملى ال عليمه وسملم‪" .‬وتول عنهمم" كرر تأكيدا‪.‬‬
‫"وأبصر فسوف يبصرون" تأكيدا أيضا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 180 :‬سبحان ربك رب العزة عما يصفون‪ ،‬وسلم على المرسلين‪ ،‬والحمد ل رب‬
‫العالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سمبحان ربك" نزه سبحانه نفسه عما أضاف إليه المشركون‪" .‬رب العزة" على‬
‫البدل‪ .‬ويجوز النصب على المدح‪ ،‬والرفع بمعنى هو رب العزة‪" .‬عما يصفون" أي من الصاحبة‬
‫والولد‪ .‬وسئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن معنى "سبحان ال" فقال‪( :‬هو تنزيه ال عن كل‬
‫سوء) وقد مضى في "البقرة" مستوفى‪.‬‬
‫@ سئل محمد بن سحنون عن معنى "رب العزة" لم جاز ذلك والعزة من صفات الذات‪ ،‬ول يقال‬
‫رب القدرة ونحوهما ممن صمفات ذاتمه جمل وعمز؟ فقال‪ :‬العزة تكون صمفة ذات وصمفة فعمل‪ ،‬فصمفة‬
‫الذات نحممو قوله‪" :‬فلله العزة جميعمما" وصممفه الفعممل نحممو قوله‪" :‬رب العزة" والمعنممى رب العزة‬
‫التي يتعاز بها الخلق فيما بينهم فهي من خلق ال عز وجل‪ .‬قال‪ :‬وقد جاء في التفسير إن العزة ها‬
‫هنا يراد بها الملئكة‪ .‬قال‪ :‬وقال بعض علمائنا‪ :‬من حلف بعزة ال فإن أراد عزته التي هي صفته‬
‫فحنمث فعليمه الكفارة‪ ،‬وإن أراد التمي جعلهما ال بيمن عباده فل كفارة عليمه‪ .‬الماوردي‪" :‬رب العزة"‬
‫يحتمل وجهين‪ :‬أحدهما مالك العزة‪ ،‬والثاني رب كل شيء متعزز من ملك أو متجبر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى الوجهين فل كفارة إذا نواها الحالف‪.‬‬
‫@ روي من حديث أبى سعيد الخدري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقول قبل أن يسلم‪:‬‬
‫"سبحان ربك رب العزة" إلى آخر السورة؛ ذكره الثعلبي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قرأت على الشيمخ المام المحدث الحافمظ أبمي علي الحسمن بمن محممد بمن محممد بمن محممد بمن‬
‫عمروك البكري بالجزيرة قبالة المنصممورة مممن الديار المصممرية‪ ،‬قال أخبرتنمما الحرة أم المؤيممد‬
‫زينب بنت عبدالرحمن بن الحسن الشعري بنيسابور في المرة الولى‪ ،‬أخبرنا أبو محمد إسماعيل‬
‫بن أبي بكر القارئ‪ ،‬قال حدثنا أبو الحسن عبدالقادر بن محمد الفارسي‪ ،‬قال حدثنا أبو سهل بشر‬
‫بن أحمد السفرايني‪ ،‬قال حدثنا أبو سليمان داود بن الحسين البيهقي‪ ،‬قال حدثنا أبو زكرياء يحيى‬
‫بمن يحيمى بمن عبدالرحممن التميممي النيسمابوري‪ ،‬قال حدثنما هشيمم عمن أبمي هارون العبدي عمن أبمي‬
‫سمعيد الخدري قال‪ :‬سممعت رسمول ال صملى ال عليمه وسملم غيمر مرة ول مرتيمن يقول فمي آخمر‬
‫صلته أو حين ينصرف "سبحان ربك رب العزة عما يصفون‪ .‬وسلم على المرسلين‪ .‬والحمد ل‬
‫رب العالمين"‪ .‬قال الماوردي‪ :‬روى الشعبي قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من سره‬
‫أن يكتال بالمكيال الوفمى ممن الجمر يوم القياممة فليقمل آخمر مجلسمه حيمن يريمد أن يقوم‪" :‬سمبحان‬
‫ربك رب العزة عما يصفون‪ .‬وسلم على المرسلين‪ .‬والحمد ل رب العالمين")‪ .‬ذكره الثعلبي من‬
‫حديت علي رضي ال عنه مرفوعا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وسلم على المرسلين" ي الذين بلغوا عن ال تعالى التوحيد والرسالة‪ .‬وقال أنس‬
‫قال النممبي صمملى ال عليممه وسمملم‪( :‬إذا سمملمتم علي فسمملموا على المرسمملين فإنممما أنمما رسممول مممن‬
‫المرسلين) وقيل‪ :‬معنى "وسلم على المرسلين" أي أمن لهم من ال جل وعز يوم الفزع الكبر‪.‬‬
‫"والحمد ل رب العالمين" أي على إرسال المرسلين مبشرين ومنذرين‪ .‬وقيل‪ :‬أي على جميع ما‬
‫أنعمم ال بمه على الخلق أجمعيمن‪ .‬وقيمل‪ :‬أي على هلك المشركيمن؛ دليله‪" :‬فقطمع دابر القوم الذيمن‬
‫ظلموا والحمد ل رب العالمين" [النعام‪.]45 :‬‬
‫قلت‪ :‬والكل مراد والحمد يعم‪ .‬ومعنى "يصفون" يكذبون‪ ،‬والتقدير عما يصفون من الكذب‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة ص‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ مكية وآياتها ‪ 88‬نزلت بعد القمر وهي مكية في قول الجميع‪ ،‬وهي ست وثمانون آية‪ .‬وقيل‬
‫ثمان وثمانون آية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 - 1 :‬ص والقرآن ذي الذكر‪ ،‬بل الذين كفروا في عزة وشقاق‪ ،‬كم أهلكنا من قبلهم‬
‫من قرن فنادوا ولت حين مناص}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ص" قراءة العامة "ص" بجزم الدال على الوقف؛ لنه حرف من حروف الهجاء‬
‫مثل‪" :‬الم" و"المر"‪ .‬وقرأ أبي بن عب والحسن وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم "صاد" بكسر‬
‫الدال بغيمر تنويمن‪ .‬ولقراءتمه مذهبان‪ :‬أحدهمما أنمه ممن صمادى يصمادي إذا عارض‪ ،‬ومنمه "فأنمت له‬
‫تصدى" [عبس‪ ]6 :‬أي تعرض‪ .‬والمصاداة المعارضة‪ ،‬ومنه الصدى وهو ما يعارض الصوت‬
‫فمي الماكمن الخاليمة‪ .‬فالمعنمى صماد القرآن بعملك؛ أي عارضمه بعملك وقابله بمه‪ ،‬فاعممل بأوامره‪،‬‬
‫وانتمه عمن نواهيمه‪ .‬النحاس‪ :‬وهذا المذهمب يروى عمن الحسمن أنمه فسمر بمه قراءتمه روايمة صمحيحة‪.‬‬
‫وعنه أن المعنى اتله وتعرض لقراءته‪ .‬والمذهب الخر أن تكون الدال مكسورة للتقاء الساكنين‪.‬‬
‫وقرأ عيسمى بمن عممر "صماد" بفتمح الدال مثله‪" :‬قاف" و"نون" بفتمح آخرهما‪ .‬وله فمي ذلك ثلثمة‬
‫مذاهب‪ :‬أحدهن أن يكون بمعنى أتل‪ .‬والثاني أن يكون فتح للتقاء الساكنين واختار الفتح للتباع؛‬
‫ولنممه أخممف الحركات‪ .‬والثالث أن يكون منصمموبا على القسممم بغيممر حرف؛ كقولك‪ :‬ال لفعلن‪،‬‬
‫وقيمل‪ :‬نصمب على الغراء‪ .‬وقيمل‪ :‬معناه صماد محممد قلوب الخلق واسمتمالها حتمى آمنوا بمه‪ .‬وقرأ‬
‫ابمن أبمي إسمحاق أيضما "صماد" بكسمر الدال والتنويمن على أن يكون مخفوضما على حذف حرف‬
‫القسممم‪ ،‬وهذا بعيممد وإن كان سمميبويه قممد أجاز مثله‪ .‬ويجوز أن يكون مشبهمما بممما ل يتمكممن مممن‬
‫الصمموات وغيرهمما‪ .‬وقرأ هارون العور ومحمممد بممن السممميقع‪" :‬صمماد" و"قاف" و"نون" بضممم‬
‫آخرهن‪ :‬لنه المعروف بالبناء في غالب الحال‪ ،‬نحو منذ وقط وقبل وبعد‪ .‬و"ص" إذا جعلته اسما‬
‫للسمورة لم ينصمرف؛ كمما أنمك إدا سمميت مؤنثما بمذكمر ل ينصمرف وإن قلت حروفمه‪ .‬وقال ابمن‬
‫عباس وجابر بن عبدال وقمد سمئل عمن "ص" فقال‪ :‬ل ندري مما همي‪ .‬وقال عكرممة‪ :‬سمأل نافمع بمن‬
‫الزرق ابمن عباس عمن "ص" فقال‪" :‬ص" كان بحرا بمكمة وكان عليمه عرش الرحممن إذ ل ليمل‬
‫ول نهار‪ .‬وقال سمعيد بمن جمبير‪" :‬ص" بحمر يحيمي ال بمه الموتمى بيمن النفختيمن‪ .‬وقال الضحاك‪:‬‬
‫معناه صدق ال‪ .‬وعنه أن "ص" قسم أقسم ال به وهو من أسمائه تعالى‪ .‬وقال السدي‪ ،‬وروي عن‬
‫ابن عباس‪ .‬وقال محمد بن كعب‪ :‬هو مفتاح أسماء ال تعالى صمد وصانع المصنوعات وصادق‬
‫الوعد‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هو اسم من أسماء الرحمن‪ .‬وعنه أنه اسم من أسماء القرآن‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬هو‬
‫فاتحة السورة‪ .‬وقيل‪ :‬هو مما استأثر ال تعالى بعلمه وهو معنى القول الول‪ .‬وقد تقدم جميع هذا‬
‫في "البقرة"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والقرآن" خفض بواو القسم والواو بدل من الباء؛ أقسم بالقرآن تنبيها على جللة‬
‫قدره؛ فإن فيمه بيان كل شيمء‪ ،‬وشفاء لمما فمي الصمدور‪ ،‬ومعجزة للنمبي صملى ال عليه وسلم‪" .‬ذي‬
‫الذكر" خفض على النعت وعلمة خفضه الياء‪ ،‬وهو اسم معتل والصل فيه ذوى على فعل‪ .‬قال‬
‫ابن عباس‪ :‬ومقاتل معنى "ذي الذكر" ذي البيان‪ .‬الضحاك‪ :‬ذي الشرف أي من آمن به كان شرفا‬
‫له فمي الداريمن؛ كمما قال تعالى‪" :‬لقمد أنزلنما إليكمم كتابما فيمه ذكركمم" [النمبياء‪ ]10 :‬أي شرفكمم‪.‬‬
‫وأيضمما القرآن شريممف فممي نفسممه لعجازه واشتماله على ممما ل يشتمممل عليممه غيره‪ .‬وقيممل‪" :‬ذي‬
‫الذكمر" أي فيمه ذكمر مما يحتاج إليمه ممن أممر الديمن‪ .‬وقيمل‪" :‬ذي الذكمر" أي فيمه ذكمر أسمماء ال‬
‫وتمجيده‪ .‬وقيمل‪ :‬أي ذي الموعظمة والذكمر‪ .‬وجواب القسمم محذوف‪ .‬واختلف فيمه على أوجمه‪ :‬فقيمل‬
‫جواب القسم "ص"؛ لن معناه حق فهي جواب لقوله‪" :‬والقرآن" كما تقول‪ :‬حقا وال‪ ،‬نزل وال‪،‬‬
‫وجب وال؛ فيكون الوقف من هذا الوجه على قوله‪" :‬والقرآن ذي الذكر" حسنا‪ ،‬وعلى "في عزة‬
‫وشقاق" تماممما‪ .‬قال ابممن النباري‪ .‬وحكممى معناه الثعلبممي عممن الفراء‪ .‬وقيممل‪ :‬الجواب "بممل الذيممن‬
‫كفروا في عزة وشقاق" لن "بل" نفي لمر سبق وإثبات لغيره؛ قاله القتبي؛ فكأنه قال‪" :‬والقرآن‬
‫ذي الذكمر بمل الذيمن كفروا فمي عزة وشقاق" عمن قبول الحمق وعداوة لمحممد صملى ال عليمه وسملم‪.‬‬
‫أو "والقرآن ذي الذكمر" مما الممر كمما يقولون ممن أنمك سماحر كذاب؛ لنهمم يعرفونمك بالصمدق‬
‫والمانمة بمل همم فمي تكمبر عمن قبول الحمق‪ .‬وهمو كقوله‪" :‬ق والقرآن المجيمد‪ .‬بمل عجبوا" [ق‪.]2 :‬‬
‫وقيمل‪ :‬الجواب "وكمم أهلكنما" [ق‪ ]36 :‬كأنمه قال‪ :‬والقرآن لكمم أهلكنما؛ فلمما تأخرت "كمم" حذفمت‬
‫اللم منها؛ كقوله تعالى‪" :‬والشمس وضحاها" [الشمس‪ ]1 :‬ثم قال‪" :‬قد أفلح" [الشمس‪ ]9 :‬أي‬
‫لقد أفلح‪ .‬قال المهدوي‪ :‬وهذا مذهب الفراء‪ .‬ابن النباري‪ :‬فمن هذا الوجه ل يتم الوقف على قوله‪:‬‬
‫"في عزة وشقاق"‪ .‬وقال الخفش‪ :‬جواب القسم "إن كل إل كذب الرسل فحق عقاب" ونحو منه‬
‫قوله تعالى‪" :‬تال إن كنا لفي ضلل مبين" [الشعراء‪ ]97 :‬وقوله‪" :‬والسماء والطارق" إلى قوله‬
‫"إن كمل نفمس" [الطارق‪ .]4 - 1 :‬ابمن النباري‪ :‬وهذا قبيمح؛ لن الكلم قمد طال فيمما بينهمما‬
‫وكثرت اليات والقصمص‪ .‬وقال الكسمائي‪ :‬جواب القسمم قوله‪" :‬إن ذلك لحمق تخاصمم أهمل النار"‬
‫[ص‪ .]64:‬ابمن النباري‪ :‬وهذا أقبمح ممن الول؛ لن الكلم أشمد طول فيمما بيمن القسمم وجوابمه‪.‬‬
‫وقيمل الجواب قوله‪" :‬إن هذا لرزقنما مما له ممن نفاد" [ص‪ .]54 :‬وقال قتادة‪ :‬الجواب محذوف‬
‫تقديره "والقرآن ذي الذكر" لتبعثن ونحوه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بل الذين كفروا في عزة" أي تكبر وامتناع من قبول الحق؛ كما قال جل وعز‪:‬‬
‫"وإذا قيل له اتق ال أخذته العزة بالثم" [البقرة‪ ]206 :‬والعزة عند العرب‪ :‬الغلبة والقهر‪ .‬يقال‪:‬‬
‫ممن عمز بمز؛ يعنمي ممن غلب سملب‪ .‬ومنمه‪" :‬وعزنمي فمي الخطاب" [ص‪ ]23 :‬أراد غلبنمي‪ .‬وقال‬
‫جرير‪:‬‬
‫كما ابترك الخليع على القداح‬ ‫يعز على الطريق بمنكبيه‬
‫أراد يغلب‪" .‬وشقاق" أي فمي إظهار خلف ومباينمة‪ .‬وهمو ممن الشمق كأن هذا فمي شمق وذلك فمي‬
‫شق‪ .‬وقد مضى في "البقرة" مستوفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كم أهلكنا من قبلهم من قرن" أي قوم كانوا أمنع من هؤلء‪ .‬و"كم" لفظة التكثير‬
‫"فنادوا" أي بالستغاثة والتوبة‪ .‬والنداء رفع الصوت؛ ومنه الخبر‪( :‬ألقه على بلل فإنه أندى منك‬
‫صوتا) أي أرفع‪" .‬ولت حين مناص" قال الحسن‪ :‬نادوا بالتوبة وليس حين التوبة ول حين ينفع‬
‫العممل‪ .‬النحاس‪ :‬وهذا تفسمير منمه لقوله عمز وجمل‪" :‬ولت حيمن مناص" فأمما إسمرائيل فروى عمن‬
‫أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس‪":‬ولت حين مناص" قال‪ :‬ليس بحين نزو ول فرار؛ قال‪:‬‬
‫ضبمط القوم جميعما قال الكلبمي‪ :‬كانوا إذا قاتلوا فاضطروا قال بعضهمم لبعمض مناص؛ أي عليكمم‬
‫بالفرار والهزيممة‪ ،‬فلمما أتاهمم العذاب قالوا مناص؛ فقال ال عمز وجمل‪" :‬ولت حيمن مناص" قال‬
‫القشيري‪ :‬وعلى هذا فالتقديمر‪ :‬فنادوا مناص فحذف لدللة بقيمة الكلم عليمه؛ أي ليمس الوقمت وقمت‬
‫مما تنادون بمه‪ .‬وفمي هذا نوع تحكمم؛ إذ يبعمد أن يقال‪ :‬كمل ممن هلك ممن القرون كانوا يقولون مناص‬
‫عنمد الضطرار‪ .‬وقيمل‪ :‬المعنمى "ولت حيمن مناص" أي ل خلص وهمو نصمب بوقوع ل عليمه‪.‬‬
‫قال القشيري‪ :‬وفيمه نظمر لنمه ل معنمى على هذا للواو فمي "ولت حيمن مناص" وقال الجرجانمي‪:‬‬
‫أي فنادوا حيمن ل مناص؛ أي سماعة ل منجمى ول فوت‪ .‬فلمما قدم "ل" وأخمر "حيمن" اقتضمى ذلك‬
‫الواو‪ ،‬كممما يقتضممي الحال إذا جعممل ابتداء وخممبرا؛ مثممل قولك‪ :‬جاء زيممد راكبمما؛ فإذا جعلتممه مبتدأ‬
‫وخمبر اقتضمى الواو مثمل جاءنمي زيمد وهمو راكمب‪ ،‬فحيمن ظرف لقوله‪ :‬فنادوا"‪ .‬والمناص بمعنمى‬
‫التأخمممر والفرار والخلص؛ أي نادوا لطلب الخلص فمممي وقمممت ل يكون لهمممم فيمممه خلص‪ .‬قال‬
‫الفراء‪:‬‬
‫أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص‬
‫يقال‪ :‬ناص عن قرنه ينوص نوصا ومناصا أي فر وزاغ‪ .‬النحاس‪ :‬ويقال‪ :‬ناص ينوص إذا تقدم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فعلى هذا يكون ممممن الضداد‪ ،‬والنوص الحمار الوحشمممي‪ .‬واسمممتناص أي تأخمممر؛ قاله‬
‫الجوهري‪ .‬وتكلم النحويون فمي "ولت حيمن" وفمي الوقمف عليمه‪ ،‬وكثمر فيمه أبمو عمبيدة القاسمم بمن‬
‫سملم فمي كتاب القراءات وكمل مما جاء بمه إل يسميرا مردود‪ .‬فقال سميبويه‪" :‬لت" مشبهمة بليمس‬
‫والسمم فيهما مضممر؛ أي ليسمت أحياننما حيمن مناص‪ .‬وحكمي أن ممن العرب ممن يرفمع بهما فيقول‪:‬‬
‫ولت حيممن مناص‪ .‬وحكممي أن الرفممع قليممل ويكون الخممبر محذوفمما كممما كان السممم محذوفمما فممي‬
‫النصمب؛ أي ولت حيمن مناص لنما‪ .‬والوقمف عليهما عنمد سميبويه والفراء "ولت" بالتاء ثمم تبتدئ‬
‫"حين مناص" هو قول ابن كيسان والزجاج‪ .‬قال أبو الحسن بن كيسان‪ :‬والقول كما قال سيبويه؛‬
‫لن شبههما بليمس فكمما يقال ليسمت يقال لت‪ .‬والوقوف عليهما عتمد الكسمائي بالهاء وله‪ .‬وهمو قول‬
‫الممبرد محممد بمن يزيمد‪ .‬وحكمى عنمه علي بمن سمليمان أن الحجمة فمي ذلك أنهما دخلت عليهما الهاء‬
‫لتأنيمث الكلممة‪ ،‬كمما يقال ثُممه ورُبمه‪ .‬وقال القشيري‪ :‬وقمد يقال ثُممت بعنمي ثُم‪ ،‬وربمت بمعنمى رب؛‬
‫فكأنهم زادوا في ل هاء فقالوا له‪ ،‬كما قالوا في ثمه عند الوصل صارت تاء‪ .‬وقال الثعلبي‪ :‬وقال‬
‫أهل اللغة‪ :‬و"لت حين" مفتوحتان كأنهما كلمة واحدة‪ ،‬وإنما هي "ل" زيدت فيها التاء نحو رب‬
‫وربت‪ ،‬وثم وثمت‪ .‬قال أبو زبيد الطائي‪:‬‬
‫فأجبنا أن ليس حين بقاء‬ ‫طلبوا صلحنا ولت أوان‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫وأمسى الشيب قد قطع القرينا‬ ‫تذكر حب ليلى لت حينا‬
‫ومن العرب من يخفض بها؛ وأنشد الفراء‪:‬‬
‫ولتندمن ولت ساعة مندم‬ ‫فلتعرفن خلئقا مشمولة‬
‫وكان الكسائي والفراء والخليل وسيبويه والخفش يذهبون إلى أن "ولت حين" التاء منقطعة من‬
‫حين‪ ،‬ويقولون معناها وليست‪ .‬وكذلك هو في المصاحف الجدد والعتق بقطع التاء من حين‪ .‬وإلى‬
‫هذا كان يذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى‪ .‬وقال أبو عبيد القاسم بن سلم‪ :‬الوقف عندي على هذا‬
‫الحرف "ول" والبتداء "تحيممن مناص" فتكون التاء مممع حيممن‪ .‬وقال بعضهممم‪" :‬لت" ثممم يبتدئ‬
‫فيقول‪" :‬حيمن مناص"‪ .‬قال المهدوي‪ :‬وذكمر أبمو عبيمد أن التاء فمي المصمحف متصملة بحيمن وهمو‬
‫غلط عنمد النحوييمن‪ ،‬وهمو خلف قول المفسمرين‪ .‬وممن حجمة أبمي عبيمد أن قال‪ :‬إنما لم نجمد العرب‬
‫تزيد هذه التاء إل في حين وأوان والن؛ وأنشد لبي وجزة السعدي‪:‬‬
‫والمطعمون زمان ابن المطعم‬ ‫العاطفون تحين ما من عاطف‬
‫وأنشد لبي زبيد الطائي‪:‬‬
‫فأجبنا أن ليس حين بقاء‬ ‫طلبوا صلحنا ول تأوان‬
‫فأدخل التاء في أوان‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬ومن إدخالهم التاء في الن‪ ،‬حديث ابن عمر وسأله رجل عن‬
‫عثمان بن عفان رضي ال عنه‪ ،‬فذكر مناقبه ثم قال‪ :‬اذهب بها تلن معك‪ .‬وكذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫وصلينا كما زعمت تلنا‬ ‫نولي قبل نأي داري جمانا‬
‫فال أبممو عبيممد‪ :‬ثممم مممع هذا كله إنممي تعمدت النظممر فممي الذي يقال له المام ‪ -‬مصممحف عثمان ‪-‬‬
‫فوجدت التاء متصلة مع حين قد كتبت تحين‪ .‬قال أبو جعفر النحاس‪ :‬أما البيت الول الذي أنشده‬
‫لبممي وجزة فرواه العلماء باللغممة على أربعممة أوجممه‪ ،‬كلهمما على خلف ممما أنشده؛ وفممي أحدهمما‬
‫تقديران؛ رواه أبو العباس محمد بن يزيد‪:‬‬
‫العاطفون ولت ما من عاطف‬
‫والرواية الثانية‪:‬‬
‫العاطفون ولت حين تعاطف‬
‫والرواية الثالثة رواها ابن كيسان‪:‬‬
‫العاطفونةَ حين ما من عاطف‬
‫جعلهما هاء فمي الوقمف وتاء فمي الدراج‪ ،‬وزعمم أنهما لبيان الحركمة شبهمت بهاء التأنيمث‪ .‬الروايمة‬
‫الرابعة‪:‬‬
‫العاطفونهُ حين ما من عاطف‬
‫وفمي هذه الروايمة تقديران؛ أحدهمما وهمو مذهمب إسمماعيل بمن إسمحاق أن الهاء فمي موضمع نصمب؛‬
‫كمما تقول‪ :‬الضاربون زيدا فإذا كنيمت قلت الضاربوه‪ .‬وأجاز سميبويه فمي الشعمر الضاربونمه‪ ،‬فجاء‬
‫إسمماعيل بالتأنيمث على مذهمب سميبويه فمي إجازتمه مثله‪ .‬والتقديمر الخمر العاطفون على أن الهاء‬
‫لبيان الحركة‪ ،‬كما تقول‪ :‬مر بنا المسلمونه في الوقف‪ ،‬ثم أجريت في الوصل مجراها في الوقف؛‬
‫كما قرأ أهل المدينة‪" :‬ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه" [الحاقة‪ ]29:‬وأما البيت الثاني فل‬
‫حجممة له فيممه؛ لنممه يوقممف عليممه‪ :‬ولت أوان‪ ،‬غيممر أن فيممه شيئا مشكل؛ لنممه يروى‪ :‬ولت أوان‬
‫بالخفمض‪ ،‬وإنمما يقمع مما بعمد لت مرفوعما أو منصموبا‪ .‬وإن كان قمد روي عمن عيسمى بمن عممر أنمه‬
‫قرأ "ولت حين مناص" بكسر التاء من لت والنون من حين فإن الثبت عنه أنه قرأ "ولت حين‬
‫مناص" فبنمى "لت" على الكسمر ونصمب "حيمن"‪ .‬فأمما‪ :‬ولت أوان ففيمه تقديران؛ قال الخفمش‪:‬‬
‫فيمه مضممر أي ولت حيمن أوان‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا القول بيمن الخطمأ‪ .‬والتقديمر الخمر عمن أبمي‬
‫إسحاق قال‪ :‬تقديره ولت أواننا فحذف‪ ،‬المضاف إليه فوجب أل يعرب‪ ،‬وكسره للتقاء الساكنين‪.‬‬
‫وأنشده محممد بمن يزيمد ولت أوان بالرفمع‪ .‬وأمما البيمت الثالث فمبيت مولد ل يعرف قائله ول تصمح‬
‫بمه حجمة‪ .‬على أن محممد بمن يزيمد رواه‪ :‬كمما زعممت الن‪ .‬وقال غيره‪ :‬المعنمى كمما زعممت أنمت‬
‫الن‪ .‬فأسمقط الهمزة ممن أنمت والنون‪ .‬وأمما احتجاجمه بحديمث ابمن عممر‪ ،‬لمما ذكمر للرجمل مناقمب‬
‫عثمان فقال له‪ :‬اذهممب بهمما تلن إلى أصممحابك فل حجممة‪ ،‬فيممه؛ لن المحدث إنممما يروي هذا على‬
‫المعنمى‪ .‬والدليمل على هذا أن مجاهدا يروي عمن ابمن عممر هذا الحديمث وقال فيمه‪ :‬اذهمب فاجهمد‬
‫جهدك‪ .‬ورواه آخر‪ :‬اذهب بها الن معك‪ .‬وأما احتجاجه بأنه وجدها في المام "تحين"‪ .‬فل حجة‬
‫فيه؛ لن معنى المام أنه إمام المصاحف فإن كان مخالفا لها فليس بإمام لها‪ ،‬وفي المصاحف كلها‬
‫"ولت" فلو لم يكن في هذا إل هذا الحتجاج لكان مقنعا‪ .‬وجمع مناص مناوص‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب‪ ،‬أجعل اللهة إلها‬
‫واحدا إن هذا لشيء عجاب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعجبوا أن جاءهم منذر منهم" "أن" في موضع نصب والمعنى من أن جاءهم‪.‬‬
‫قيممل‪ :‬هممو متصممل بقوله‪" :‬فممي عزة وشقاق" أي فممي عزة وشقاق وعجبوا‪ ،‬وقوله‪" :‬كممم أهلكنمما"‬
‫معترض‪ .‬وقيل‪ :‬ل بل هذا ابتداء كلم؛ أي ومن جهلهمم أنهمم أظهروا التعجمب من أن جاءهم منذر‬
‫منهممم‪" .‬وقال الكافرون هذا سمماحر" أي يجيممء بالكلم المموه الذي يخدع بممه الناس؛ وقيممل‪ :‬يفرق‬
‫بسحره بين الوالد وولده والرجل وزوجته "كذاب" أي في دعوى النبوة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أجعمل اللهمة إلهما واحدا" مفعولن أي صمير اللهمة إلهما واحدا‪" .‬إن هذا لشيمء‬
‫عجاب" أي عجيممب‪ .‬وقرأ السمملمي‪" :‬عجاب" بالتشديممد‪ .‬والعجاب والعجّاب والعجممب سممواء‪ .‬وقممد‬
‫فرق الخليمل بيمن عجيمب وعجاب فقال‪ :‬العجيمب العجمب‪ ،‬والعجاب الذي قمد تجاوز حمد العجمب‪،‬‬
‫والطويمل الذي فيمه طول‪ ،‬والطوال‪ ،‬الذي قمد تجاوز حمد الطول‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬العجيمب الممر‬
‫الذي يتعجمب منمه‪ ،‬وكذلك العجاب بالضمم‪ ،‬والعجاب بالتشديمد أكثمر منمه‪ ،‬وكذلك العجوبمة‪ .‬وقال‬
‫مقاتمل‪" :‬عجاب" لغمة أزد شنوءة‪ .‬وروى سمعيد بمن جمبير عمن ابمن عباس قال‪ :‬مرض أبمو طالب‬
‫فجاءت قريمش إليمه‪ ،‬وجاء النمبي صملى ال عليمه وسملم‪ ،‬وعنمد رأس أبمي طالب مجلس رجمل‪ ،‬فقام‬
‫أبو جهل كي يمنعه‪ ،‬قال‪ :‬وشكوه إلى أبي طالب‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابن أخي ما تريمد من قومك؟ فقال‪( :‬يا‬
‫عم إنما أريد منهم كلمة تذل لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها الجزية العجم) فقال‪ :‬وما هي؟ قال‪:‬‬
‫(ل إله إل ال) قال‪ :‬فقالوا "أجعمل اللهمة إلهما واحدا" قال‪ :‬فنزل فيهمم القرآن‪" :‬ص والقرآن ذي‬
‫الذكممر‪ .‬بممل الذيممن كفروا فممي عزة وشقاق" حتممى بلغ "إن هذا إل اختلق" خرجممه الترمذي أيضمما‬
‫بمعناه‪ .‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ .‬وقيل‪ :‬لما أسلم عمر بن الخطاب رضي ال عنه شق على‬
‫قريمش إسملمه فاجتمعوا إلى أبمي طالب وقالوا‪ :‬اقمض بيننما وبيمن ابمن أخيمك‪ .‬فأرسمل أبمو طالب إلى‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬بابن أخي هؤلء قومك يسألونك السواء‪ ،‬فل تمل كل الميل على‬
‫قومك‪ .‬قال‪( :‬وماذا يسألونني) قالوا‪ :‬ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك‪ .‬فقال النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬أتعطونني كلمة واحدة وتملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم) فقال أبو جهل‪:‬‬
‫ل أبوك لنعطينكهما وعشمر أمثالهما‪ .‬فقال النمبي صملى ال عليمه وسملم‪( :‬قولوا ل إله إل ال) فنفروا‬
‫من ذلك وقاموا؛ فقالوا‪" :‬أجعل اللهة إلها واحدا" فكيف يسع الخلق كلهم إله واحد‪ .‬فأنزل ال فيهم‬
‫هذه اليات إلى قوله‪" :‬كذبت قبلهم قوم نوح" [ص‪]12:‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 - 6 :‬وانطلق المل منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد‪ ،‬ما‬
‫سممعنا بهذا فمي الملة الخرة إن هذا إل اختلق‪ ،‬أأنزل عليمه الذكمر ممن بيننما بمل همم فمي شمك ممن‬
‫ذكري بمل لمما يذوقوا عذاب‪ ،‬أم عندهمم خزائن رحممة ربمك العزيمز الوهاب‪ ،‬أم لهمم ملك السمماوات‬
‫والرض وما بينهما فليرتقوا في السباب‪ ،‬جند ما هنالك مهزوم من الحزاب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وانطلق المل منهم أن امشوا" "المل" الشراف‪ ،‬والنطلق الذهاب بسرعة؛ أي‬
‫انطلق هؤلء الكافرون مممن عنممد الرسممول عليممه السمملم يقول بعضهممم لبعممض‪" :‬أن امشوا" أي‬
‫امضوا على ممما كنتممم عليممه ول تدخلوا فممي دينممه‪" .‬واصممبروا على آلهتكممم" وقيممل‪ :‬همو إشارة إلى‬
‫مشيهم إلى أبي طالب في مرضه كما سبق‪ .‬وفي رواية محمد بن إسحاق أنهم أبو جهل بن هشام‪،‬‬
‫وشيبة وعتبة أبناء ربيعة بن عبد شمس‪ ،‬وأمية بن خلف‪ ،‬والعاص بن وائل‪ ،‬وأبو معيط؛ وجاؤوا‬
‫إلى أبي طالب فقالوا‪ :‬أنت سيدنا وأنصفنا في أنفسنا‪ ،‬فاكفنا أمر ابن أخيك وسفهاء معه‪ ،‬فقد تركوا‬
‫ألهتنمما وطعنوا فممي ديننمما؛ فأرسممل أبممو طالب إلى النممبي صمملى ال عليممه وسمملم فقال له‪ :‬إن قومممك‬
‫يدعونمك إلى السمواء والنصمفة‪ .‬فقال النمبي صملى ال عليمه وسملم‪( :‬إنمما أدعوهمم إلى كلممة واحدة)‬
‫فقال أبممو جهممل وعشرا‪ .‬قال‪( :‬تقولون ل إله إل ال) فقاموا وقالوا‪" :‬أجعممل اللهممة إلهمما واحممد"‬
‫اليات‪" .‬أن امشوا" "أن" فممي موضممع نصممب والمعنممى بأن امشوا‪ .‬وقيممل‪" :‬أن" بمعنممى أي؛ أي‬
‫"وانطلق المل منهمم" أي أمشوا؛ وهذا تفسمير انطلقهمم ل أنهمم تكلموا بهذا اللفمظ‪ .‬وقيمل‪ :‬المعنمى‬
‫انطلق الشراف منهممم فقالوا للعوام‪" :‬امشوا واصممبروا على آلهتكممم" أي على عبادة آلهتكممم‪" .‬إن‬
‫هذا" أي هذا الذي جاء بمه محممد عليمه السملم "لشيمء يراد" أي يراد بأهمل الرض ممن زوال نعمم‬
‫قوم وغِيَر تنزل بهممم‪ .‬وقيممل‪" :‬إن هذا لشيممء يراد" كلمممة تحذيممر؛ أي إنممما يريممد محمممد بممما يقول‬
‫النقياد له ليعلو علينا‪ ،‬ونكون له أتباعا فيتحكم فينا بما يريد‪ ،‬فاحذروا أن تطيعوه‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬إن‬
‫عمر لما أسلم وقوي به السلم شق ذلك على قريش فقالوا‪ :‬إن إسلم عمر في قوة السلم لشيء‬
‫يراد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ما سمعنا بهذا في الملة الخرة" قال ابن عباس والقرظي وقتادة ومقاتل والكلبي‬
‫والسمدي‪ :‬يعنون ملة عيسمى النصمرانية وهمي آخمر الملل‪ .‬والنصمارى يجعلون ممع ال إلهما‪ .‬وقال‬
‫مجاهمد وقتادة أيضما‪ :‬يعنون ملة قريمش‪ .‬وقال الحسمن‪ :‬مما سممعنا أن هذا يكون فمي آخمر الزمان‪.‬‬
‫وقيمممل‪ :‬أي مممما سمممعنا ممممن أهممل الكتاب أن محمدا رسمممول حمممق‪" .‬إن هذا إل اختلق" أي كذب‬
‫وتخرص؛ عممن ابممن عباس وغيره‪ .‬يقال‪ :‬خلق واختلق أي ابتدع‪ .‬وخلق ال عممز وجممل الخلق مممن‬
‫هذا؛ أي ابتدعهم على غير مثال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أؤنزل عليمه الذكمر ممن بيننما" همو اسمتفهام إنكار‪ ،‬والذكمر هما هنما القرآن‪ .‬أنكروا‬
‫اختصماصه بالوحمي ممن بينهمم‪" .‬بمل همم فمي شمك ممن ذكري" أي ممن وحيمي وهمو القرآن‪ .‬أي قمد‬
‫علموا أنمك لم تزل صمدوقا فيمما بينهمم‪ ،‬وإنمما شكوا فيمما أنزلتمه عليمك همل همو ممن عندي أم ل‪" .‬بمل‬
‫لما يذوقوا عذاب" أي إنما اغتروا بطول المهال‪ ،‬ولو ذاقوا عذابي على الشرك لزال عنهم الشك‪،‬‬
‫ولممما قالوا ذلك؛ ولكممن ل ينفممع اليمان حينئذ‪ .‬و"لممما" بمعنممى لم وممما زائدة كقوله‪" :‬عممما قليممل"‬
‫المؤمنون‪ ]40 :‬وقوله "فبما نقضهم ميثاقهم" [النساء‪.]155 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم عندهمم خزائن رحممة ربمك العزيمز الوهاب" قيمل‪ :‬أم لهمم هذا فيمنعوا محمدا‬
‫عليه السلم مما أنعم ال عز وجل به عليه من النبوة‪ .‬و"أم" قد ترد بمعنى التقريع إذا كان الكلم‬
‫متصممل بكلم قبله؛ كقوله تعالى‪" :‬الم تنزيممل الكتاب ل ريممب فيممه مممن رب العالميممن أم يقولون‬
‫افتراه" [السجدة‪ ]1 :‬وقد قيل إن قوله‪" :‬أم عندهم خزائن رحمة ربك" متصل بقول‪" :‬وعجبوا أن‬
‫جاءهمم منذر منهمم" [ص‪ ]4 :‬فالمعنمى أن ال عمز وجمل يرسمل ممن يشاء؛ لن خزائن السمموات‬
‫والرض له‪" :‬أم لهممم ملك السممماوات والرض وممما بينهممما" أي فإن ادعوا ذلك‪" :‬فليرتقوا فممي‬
‫السباب"‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فليرتقوا في السباب" أي فليصعدوا إلى السموات‪ ،‬وليمنعوا الملئكة من إنزال‬
‫الوحي على محمد‪ .‬يقال‪ :‬رقي يرقى وارتقى إذا صعد‪ .‬ورقى يرقي رقيا مثل رمى يرمي رميا من‬
‫الرقية‪ .‬قال الربيع بن أنس‪ :‬السباب أرق من الشعر وأشد من الحديد ولكن ل ترى‪ .‬والسبب في‬
‫اللغة كل ما يوصل به إلى المطلوب من حبل أو غيره‪ .‬وقيل‪ :‬السباب أبواب السموات التي تنزل‬
‫الملئكة منها؛ قاله مجاهد وقتادة‪ .‬قال زهير‪:‬‬
‫ولو رام أسباب السماء بسلم‬
‫وقيمل‪ :‬السمباب السمموات نفسمها؛ أي فليصمعدوا سمماء سمماء‪ .‬وقال السمدي‪" :‬فمي السمباب" فمي‬
‫الفضل والدين‪ .‬وقيل‪ :‬أي فليعلوا في أسباب القوة إن ظنوا أنها مانعة‪ .‬وهو معنى قول أبي عبيدة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬السباب الحبال؛ يعني إن وجدوا حبل أو سببا يصعدون فيه إلى السماء فليرتقوا؛ وهذا أمر‬
‫توبيمخ وتعجيمز‪ .‬ثمم وعمد نمبيه صملى النصمر عليهمم فقال‪" :‬جنمد مما هنالك" "مما" صملة وتقديره همم‬
‫جنممد‪ ،‬فم م "جنممد" خممبر ابتداء محذوف‪" .‬مهزوم" أي مقموع ذليممل قممد انقطعممت حجتهممم؛ لنهممم ل‬
‫يصمملون إلى أن يقولوا هذا لنمما‪ .‬ويقال‪ :‬تهزمممت القربممة إذا انكسممرت‪ ،‬وهزمممت الجيممش كسممرته‪.‬‬
‫والكلم مرتبط بما قبل؛ أي‪" :‬بل الذين كفروا في عزة وشقاق" وهم جند من الحزاب مهزومون‪،‬‬
‫فل تغممك عزتهمم وشقاقهمم‪ ،‬فإنمي أهزم جمعهمم وأسملب عزهمم‪ .‬وهذا تأنيمس للنمبي صملى ال عليمه‬
‫وسلم؛ وقد فعل بهم هذا في يوم بدر‪ .‬قال قتادة‪ :‬وعد ال أنه سيهزمهم وهم بمكة فجاء تأويلها يوم‬
‫بدر‪ .‬و"هنالك" إشارة لبدر وهمو موضمع تحزبهمم لقتال محممد صملى ال عليمه وسملم‪ .‬وقيمل‪ :‬المراد‬
‫بالحزاب الذيممن أتوا المدينممة وتحزبوا على النممبي صمملى ال عليممه وسمملم‪ .‬وقممد مضممى ذلك فممي‬
‫"الحزاب"‪ .‬والحزاب الجنمد‪ ،‬كمما يقال‪ :‬جنمد ممن قبائل شتمى‪ .‬وقيمل‪ :‬أراد بالحزاب القرون‬
‫الماضيمة ممن الكفار‪ .‬أي هؤلء جنمد على طريقمة أولئك كقوله تعالى‪" :‬فممن شرب منمه فليمس منمي‬
‫وممن لم يطعممه فإنمه منمي" [البقرة‪ ]249 :‬أي على دينمي ومذهمبي‪ .‬وقال الفراء‪ :‬المعنمى همم جنمد‬
‫مغلوب؛ أي ممنوع عمن أن يصمعد إلى السمماء‪ .‬وقال القتمبي‪ :‬يعنمي أنهمم جنمد لهذه اللهمة مهزوم‪،‬‬
‫فهمم ل يقدرون على أن يدعوا لشيمء ممن آلهتهمم‪ ،‬ول لنفسمهم شيئا ممن خزائن رحممة ال‪ ،‬ول ممن‬
‫ملك السموات والرض‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 12 :‬كذبمت قبلهمم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الوتاد‪ ،‬وثمود وقوم لوط وأصمحاب‬
‫اليكة أولئك الحزاب‪ ،‬إن كل إل كذب الرسل فحق عقاب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كذبمت قبلهمم قوم نوح" ذكرهما تعزيمة للنمبي صملى ال عليمه وسملم وتسملية له؛ أي‬
‫هؤلء من قومك يا محمد جند من الحزاب المتقدمين الذين تحزبوا على أنبيائهم‪ ،‬وقد كانوا أقوى‬
‫من هؤلء فأهلكوا‪ .‬وذكر ال تعالى القوم بلفظ التأنيث‪ ،‬واختلف أهل العربية في ذلك على قولين‪:‬‬
‫أحدهمما‪ :‬أنمه قمد يجوز فيمه التذكيمر والتأنيمث‪ .‬الثانمي‪ :‬أنمه مذكمر اللفمظ ل يجوز تأنيثمه‪ ،‬إل أن يقمع‬
‫المعنمى على العشيرة والقمبيلة‪ ،‬فيغلب فمي اللفمظ حكمم المعنمى المضممر تنبيهما عليمه؛ كقوله تعالى‪:‬‬
‫"كل إنها تذكرة فمن شاء ذكره" [المدثر‪ ]55 :‬ولم يقل ذكرها؛ لنه لما كان المضمر فيه مذكرا‬
‫ذكره؛ وإن كان اللفمظ مقتضيما للتأنيمث‪ .‬ووصمف فرعون بأنمه ذو الوتاد‪ .‬وقمد اختلف فمي تأويمل‬
‫ذلك؛ فقال ابمن عباس‪ :‬المعنمى ذو البناء المحكمم‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬كان كثيمر البنيان‪ ،‬والبنيان يسممى‬
‫أوتادا‪ .‬وعن ابن عباس أيضا وقتادة وعطاء‪ :‬أنه كانت له أوتاد وأرسان وملعب يلعب له عليها‪.‬‬
‫وعن الضحاك أيضا‪ :‬ذو القوة والبطش‪ .‬وقال الكلبي ومقاتل‪ :‬كان يعذب الناس بالوتاد‪ ،‬وكان إذا‬
‫غضمب على أحمد مده مسمتلقيا بيمن أربعمة أوتاد فمي الرض‪ ،‬ويرسمل عليمه العقارب والحيات حتمى‬
‫يموت‪ .‬وقيل‪ :‬كان يشبح المعذب بين أربع سوار؛ كل طرف من أطرافه إلى سارية مضروب فيه‬
‫وتمد ممن حديمد ويتركمه حتمى يموت‪ .‬وقيمل‪ :‬ذو الوتاد أي ذو الجنود الكثيرة فسمميت الجنود أوتادا؛‬
‫لنهمم يقوون أمره كمما يقوي الوتمد البيمت‪ .‬وقال ابمن قتيبمة‪ :‬العرب تقول همم فمي عمز ثابمت الوتاد‪،‬‬
‫يريدون دائما شديدا‪ .‬وأصل هذا أن البيت من بيوت الشعر إنما يثبت ويقوم بالوتاد‪ .‬وقال السود‬
‫بن يعفر‪:‬‬
‫في ظل ملك ثابت الوتاد‬ ‫ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة‬
‫وواحمد الوتاد وتمد بالكسمر‪ ،‬وبالفتمح لغمة‪ .‬وقال الصممعي‪ :‬يقال وتمد واتمد كمما يقال‪ :‬شغمل شاغمل‪.‬‬
‫وأنشد‪:‬‬
‫ولم يكن يخلفها المواعدا‬ ‫لقت على الماء جذيل واتدا‬
‫قال‪ :‬شبه الرجل بالجذل‪" .‬وثمود وقوم لوط وأصحاب اليكة" أي الغيضة‪ .‬وقد مضى ذكرها في‬
‫"الشعراء]‪ .‬وقرأ نافمع وابمن كثيمر وابمن عاممر‪" :‬ليكمة" بفتمح اللم والتاء ممن غيمر هممز‪ .‬وهممز‬
‫الباقون وكسممروا التاء‪ .‬وقممد تقدم هذا‪" .‬أولئك الحزاب" أي هممم الموصمموفون بالقوة والكسممرة؛‬
‫كقولك فلن همو الرجمل‪" .‬إن كمل" بمعنمى مما كمل‪" .‬إل كذب الرسمل فحمق عقاب" أي فنزل بهمم‬
‫العذاب لذلك التكذيب‪ .‬وأثبت يعقوب الياء في "عذابي" و"عقابي" في الحالين وحذفها الباقون في‬
‫الحاليممن‪ .‬ونظيممر هذه اليممة قوله عممز وجممل‪" :‬وقال الذي آمممن يمما قوم إنممي أخاف عليكممم مثممل يوم‬
‫الحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود" [غافر‪ ]31:‬فسمى هذه المم أحزابا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬وما ينظر هؤلء إل صيحة واحدة ما لها من فواق‪ ،‬وقالوا ربنا عجل لنا قطنا‬
‫قبل يوم الحساب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومما ينظمر هؤلء إل صميحة واحدة" "ينظمر" بمعنمى ينتظمر؛ ومنمه قوله تعالى‪:‬‬
‫"انظرونما نقتبمس ممن نوركمم" [الحديمد‪" .]13 :‬هؤلء" يعنمي كفار مكمة‪" .‬إل صميحة واحدة" أي‬
‫نفخمة القياممة‪ .‬أي مما ينتظرون بعمد مما أصميبوا ببدر إل صميحة القياممة‪ .‬وقيمل‪ :‬مما ينتظمر أحياؤهمم‬
‫الن إل الصمميحة التممي هممي النفخممة فممي الصممور‪ ،‬كممما قال تعالى‪" :‬ممما ينظرون إل صمميحة واحدة‬
‫تأخذهممم وهممو يخصمممون فل يسممتطيعون توصممية" [يممس‪ ]49 :‬وهذا إخبار عممن قرب القيامممة‬
‫والموت‪ .‬وقيمل‪ :‬أي مما ينتظمر كفار آخمر هذه الممة المتدينيمن بديمن أولئك إل صميحة واحدة وهمي‬
‫النفخمة‪ .‬وقال عبدال بمن عمرو‪ :‬لم تكمن صميحة فمي السمماء إل بغضمب ممن ال عمز وجمل على أهمل‬
‫الرض‪" .‬ما لها من فواق" أي من ترداد؛ عن ابن عباس‪ .‬مجاهد‪ :‬ما لها رجوع‪ .‬قتادة‪ :‬ما لها من‬
‫مثنويمة‪ .‬السمدي‪ :‬مالهما ممن إفاقمة‪ .‬وقرأ حمزة والكسمائي‪" :‬مما لهما ممن فواق" بضمم الفاء‪ .‬الباقون‬
‫بالفتممح‪ .‬الجوهري‪ :‬والفَواق والفُواق ممما بيممن الحلبتيممن مممن الوقممت؛ لنهمما تحلب ثممم تترك سممويعة‬
‫يرضعهمما الفصمميل لتدر ثممم تحلب‪ .‬يقال‪ :‬ممما أقام عنده إل فواقمما؛ وفممي الحديممث‪( :‬العيادة قدر فواق‬
‫الناقمة)‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬مما لهما ممن فواق" يقرأ بالفتمح والضمم أي مما لهما ممن نظرة وراحمة وإفاقمة‪.‬‬
‫والفيقة بالكسر اسم اللبن الذي يجتمع بين الحلبتين‪ :‬صارت الواو ياء لكسر ما قبلها؛ قال العشى‬
‫يصف بقرة‪:‬‬
‫جاءت لترضع شق النفس لو رضعا‬ ‫حتى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت‬
‫والجمع فيق ثم أفواق مثل شبر وأشبار ثم أفاويق‪ .‬قال ابن همام السلولي‪:‬‬
‫أفاويق حتى ما يدر لها ثعل‬ ‫وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها‬
‫والفاويق أيضا ما اجتمع في السحاب من ماء‪ ،‬فهو يمطر ساعة بعد ساعة‪ .‬وأفاقت الناقة إفاقة أي‬
‫اجتمعمت الفيقمة فمي ضرعهما؛ فهمي مفيمق ومفيقمة ‪ -‬عمن أبمي عمرو ‪ -‬والجممع مفاويمق‪ .‬وقال الفراء‬
‫وأبممو عممبيدة وغيرهممما‪" :‬مممن فواق" بفتممح الفاء أي راحممة ل يفيقون فيهمما‪ ،‬كممما يفيممق المريممض‬
‫والمغشي عليه‪ .‬و"من فواق" بضم الفاء من انتظار‪ .‬وقد تقدم أنهما بمعنى وهو ما بين الحلبتين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والمعنمى المراد أنهما ممتدة ل تقطيمع فيهما‪ .‬وروى أبمو هريرة قال‪ :‬حدثنما رسمول ال صملى‬
‫ال عليه وسلم ونحن في طائفة من أصحابه‪ ...‬الحديث‪ .‬وفيه‪( :‬يأمر ال عز وجل إسرافيل بالنفخة‬
‫الولى فيقول انفخ نفخة الفزع أهل السموات وأهل الرض إل من شاء ال ويأمره فيمدها ويديمها‬
‫ويطولها يقول ال عز وجل‪" :‬ما ينظر هؤلء إل صيحة واحدة ما لها من فواق" وذكر الحديث‪،‬‬
‫خرجه علي بن معبد وغيره كما ذكرناه في كتاب التذكرة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا ربنما عجمل لنما قطنما" قال مجاهمد‪ :‬عذابنما‪ .‬وكذا قال قتادة‪ :‬نصميبنا ممن‬
‫العذاب‪ .‬الحسن‪ :‬نصيبنا من الجنة لنتنعم به في الدنيا‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ .‬ومعروف في اللغة أن‬
‫يقال للنصممميب قمممط وللكتاب المكتوب بالجائزة قمممط‪ .‬قال الفراء‪ :‬القمممط فمممي كلم العرب الحمممظ‬
‫والنصيب‪ .‬ومنه قيل للصك قط‪ .‬وقال أبو عبيدة والكسائي‪ :‬القط الكتاب بالجوائز والجمع القطوط؛‬
‫قال العشى‪:‬‬
‫بغبطته يعطي القطوط ويأفق‬ ‫ول الملك النعمان يوم لقيته‬
‫يعنمي كتمب الجوائز‪ .‬ويروى‪ :‬بأمتمه بدل بغبطتمه‪ ،‬أي بنعمتمه وحال الجليلة‪ ،‬ويأفمق يصملح‪ .‬ويقال‪:‬‬
‫في جمع قط أيضا قططة وفي القليل أقط وأقطاط‪ .‬ذكره النحاس‪ .‬وقال السدي‪ :‬سألوا أن يمثل لهم‬
‫منازلهمم ممن الجنمة ليعلموا حقيقمة مما يوعدون بمه‪ .‬وقال إسمماعيل بمن أبمي خالد‪ :‬المعنمى عجمل لنما‬
‫أرزاقنما‪ .‬وقيمل‪ :‬معناه عجمل لنما مما يكفينما؛ ممن قولهمم‪ :‬قطنمي؛ أي يكفينمي‪ .‬وقيمل‪ :‬إنهمم قالوا ذلك‬
‫اسمتعجال لكتهمم التمي يعطونهما بأيمانهمم وشمائلهمم حيمن تلى عليهمم بذلك القرآن‪ .‬وهمو قوله تعالى‪:‬‬
‫"فأما من أوتي كتابه بيمينه" [الحاقة‪" .]19 :‬وأما من أوتي كتابه وراء ظهره" [النشقاق‪.]10 :‬‬
‫وأصل القمط القمط وهو القطمع‪ ،‬ومنه قمط القلم؛ فالقمط اسمم للقطعمة من الشيمء كالقسمم والقمس فأطلق‬
‫على النصميب والكتاب والرزق لقطعمه عمن غيره‪ ،‬إل أنمه فمي الكتاب أكثمر اسمتعمال وأقوى حقيقمة‪.‬‬
‫قال أمية بن أبى الصلت‪:‬‬
‫يجبى إليه والقط والقلم‬ ‫قوم لهم ساحة العراق وما‬
‫"قبمل يوم الحسماب" أي قبمل يوم القياممة فمي الدنيما إن كان الممر كمما يقول محممد‪ .‬وكمل هذا‬
‫استهزاء منهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 :‬اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا اليد إنه أواب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اصبر على ما يقولون" أمر نبيه صلى ال عليه وسلم بالصبر لما استهزؤوا به‪.‬‬
‫وهذه منسموخة بآيمة السميف‪" .‬واذكمر عبدنما داود" لمما ذكمر ممن أخبار الكفار وشقاقهمم وتقريعهمم‬
‫بإهلك القرون من قبلهم‪ ،‬أمر نبيه عليه الصلة والسلم بالصبر على أذاهم‪ ،‬وسله بكل ما تقدم‬
‫ذكره‪ .‬ثمم أخمذ فمي ذكمر داود وقصمص النمبياء؛ ليتسملى بصمبر ممن صمبر منهمم؛ وليعلم أن له فمي‬
‫الخرة أضعاف مما أعطيمه داود وغيره ممن النمبياء‪ .‬وقيمل‪ :‬المعنمى اصمبر على قولهمم‪ ،‬واذكمر لهمم‬
‫أقاصيص النبياء؛ لتكون برهانما على صحة نبوتك‪ .‬وقول‪" :‬عبدنا" إظهارا لشرفه بهذه الضافة‬
‫"ذا اليمد" ذا القوة فمي العبادة‪ .‬وكان يصموم يومما ويفطمر يومما وذلك أشمد الصموم وأفضله؛ وكان‬
‫يصلي نصف الليل‪ ،‬وكان ل يفر إذا لقى العدو‪ ،‬وكان قويا في الدعاء إلى ال تعالى‪ .‬ويقال‪ :‬اليد‬
‫والد كما تقول العيب والعاب‪ .‬قال‪:‬‬
‫لم يك يناد فأمسى أنادا‬
‫ومنه رجل أيد أي قوي‪ .‬وتأيد الشيء تقوى‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫رمى فأصاب الكلى والذوا‬ ‫إذا القوس وترها أيد‬
‫يقول‪ :‬إذا ال وتر القوس التي في السحاب رمى كلى البل وأسمنها بالشحم‪ .‬يعني من النبات الذي‬
‫يكون ممن المطمر‪" .‬إنمه أواب" قال الضحاك‪ :‬أي تواب‪ .‬وعمن غيره‪ :‬أنمه كلمما ذكمر ذنبمه أو خطمر‬
‫على باله استغفر منه؛ كما قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬إني لستغفر ال في اليوم والليلة مائة‬
‫مرة)‪ .‬ويقال آب يؤوب إذا رجع؛ كما قال‪:‬‬
‫وغائب الموت ل يؤوب‬ ‫وكل ذي غيبة يؤوب‬
‫فكان داود رجاعا إلى طاعة ال ورضاه في كل أمر فهو أهل لن يقتدى به‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والشراق}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنما سمخرنا الجبال معمه يسمبحن" "يسمبحن" فمي موضمع نصمب على الحال‪ .‬ذكمر‬
‫تعالى ما آتاه من البرهان والمعجزة وهو تسبيح الجبال معه‪ .‬قال مقاتل‪ :‬كان داود إذا ذكر ال جل‬
‫وعمز ذكرت الجبال معممه‪ ،‬وكان يفقمه تسممبيح الجبال‪ .‬وقال ابمن عباس‪" :‬يسممبحن" يصمملين‪ .‬وإنمما‬
‫يكون هذا معجزة إذا رآه الناس وعرفوه‪ .‬وقال محمد بن إسحاق‪ :‬أوتي داود من حسن الصوت ما‬
‫يكون له فممي الجبال دوي حسممن‪ ،‬وممما تصممغي لحسممنه الطيممر وتصمموت معممه‪ ،‬فهذا تسممبيح الجبال‬
‫والطير‪ .‬وقيل‪ :‬سخرها ال عز وجل لتسير معه فذلك تسبيحها؛ لنها دالة على تنزيه ال عن شبه‬
‫المخلوقين‪ .‬وقد مضى القول في هذا في "سبأ" وفي "سبحان" عند قوله تعالى‪" :‬وإن من شيء إل‬
‫يسمبح بحمده ولكن ل تفقهون تسمبيحهم" [السمراء‪ ]44 :‬وأن ذلك تسمبيح مقال على الصمحيح من‬
‫القوال‪ .‬وال أعلم‪" .‬بالعشممي والشراق" الشراق أيضمما أبيضاض الشمممس بعممد طلوعهمما‪ .‬يقال‪:‬‬
‫شرقمت الشممس إذا طلعمت‪ ،‬وأشرقمت إذا أضاءت‪ .‬فكان داود يسمبح إثمر صملته عنمد طلوع الشممس‬
‫وعند غروبها‪.‬‬
‫@ روي عمن ابمن عباس أنمه قال‪ :‬كنمت أممر بهذه اليمة‪" :‬بالعشمي والشراق" ول أدري مما همي‪،‬‬
‫حتمى حدثتنمي أم هانمئ أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم دخمل عليهما‪ ،‬فدعما بوضوء فتوضمأ‪ ،‬ثمم‬
‫صلى صلة الضحى‪ ،‬وقال‪( :‬يا أم هانئ هذه صلة الشراق)‪ .‬وقال عكرمة قال ابن عباس‪ :‬كان‬
‫فمي نفسمي شيمء ممن صملة الضحمى حتمى وجدتهما فمي القرآن "يسمبحن بالعشمي والشراق"‪ .‬قال‬
‫عكرممة‪ :‬وكان ابمن عباس ل يصملي صملة الضحمى ثمم صملها بعمد‪ .‬وروي أن كعمب الحبار قال‬
‫لبن عباس‪ :‬إني أجد في كتب ال صلة بعد طلوع الشمس هي صلة الوابين‪ .‬فقال ابن عباس‪:‬‬
‫وأنا أوجدك في القرآن؛ ذلك في قصة داود‪" :‬يسبحن بالعشي والشراق"‪.‬‬
‫@ صملة الضحمى نافلة مسمتحبة‪ ،‬وهمي فمي الغداة بإزاء العصمر فمي العشمي‪ ،‬ل ينبغمي أن تصملى‬
‫حتمى تمبيض الشممس طالعمة؛ ويرتفمع كدرهما؛ وتشرق بنورهما؛ كمما ل تصملى العصمر إذا اصمفرت‬
‫الشممس‪ .‬وفمي صمحيح مسملم عمن زيمد بمن أرقمم أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قال‪( :‬صملة‬
‫الوابين حين ترمض الفصال) الفصال والفصلن جمع فصيل‪ ،‬وهو الذي يفطم من الرضاعة من‬
‫البل‪ .‬والرمضاء شدة الحر في الرض‪ .‬وخص الفصال هنا بالذكر؛ لنها هي التي ترمض قبل‬
‫انتهاء شدة الحمر التمي ترممض بهما أمهاتهما لقلة جلدهما‪ ،‬وذلك يكون فمي الضحمى أوبعده بقليمل وهمو‬
‫الوقمت المتوسمط بيمن طلوع الشممس وزوالهما؛ قاله القاضمي أبمو بكمر بمن العربمي‪ .‬وممن الناس ممن‬
‫يبادر بها قبل ذلك استعجال‪ ،‬لجل شغله فيخسر عمله؛ لنه يصليها في الوقت المنهي عنه ويأتي‬
‫بعمل هو عليه ل له‪.‬‬
‫@ روى الترمذي من حديث أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من صلى‬
‫الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى ال له قصرا من ذهب في الجنة) قال حديث غريب‪ .‬وفي صحيح‬
‫مسملم عمن أبمي ذر عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم أنمه قال‪( :‬يصمبح على كمل سملمى ممن أحدكمم‬
‫صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن‬
‫المنكر صدقة ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)‪ .‬وفي الترمذي عن أبي هريرة قال‪:‬‬
‫قال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم‪( :‬ممن حافمظ على شفعمة الضحمى غفرت له ذنوبمه وإن كانمت‬
‫مئل زبمد البحمر)‪ .‬وروى البخاري ومسملم عمن أبمي هريرة قال‪( :‬أوصماني خليلي بثلث ل أدعهمن‬
‫حتمى أموت صموم ثلثمة أيام ممن كمل شهمر وصملة الضحمى ونوم على وتمر) لفمظ البخاري‪ .‬وقال‬
‫مسملم‪( :‬وركعتمي الضحمى) وخرجمه ممن حديمث أبمي الدرداء كمما خرجمه البخاري ممن حديمث أبمي‬
‫هريرة‪ .‬وهذا كله يدل على أن أقل الضحى ركعتان وأكثره ثنتا عشرة‪ .‬وال أعلم‪ .‬وأصل السلمى‬
‫(بضمم السمين) عظام الصمابع والكمف والرجمل‪ ،‬ثمم اسمتعمل فمي سمائر عظام الجسمد ومفاصمله‪.‬‬
‫وروي ممن حديمث عائشمة رضمي ال عنهما أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قال‪( :‬إنمه خلق كمل‬
‫إنسممان مممن بنممي آدم على سممتين وثلثمائة مفصممل فمممن كممبر ال وحمممد ال وهلل ال وسممبح ال‬
‫واستغفر ال وعزل حجرا عن طريق الناس‪ ،‬أو شوكة أو عظما عن طريق الناس وأمر بمعروف‬
‫أو نهمى عمن منكمر عدد تلك السمتين والثلثمائة سملمى فإنمه يمشمي يومئذ وقمد زحزح نفسمه عمن‬
‫النار) قال أبو توبة‪ :‬وربمما قال‪( :‬يمسمي) كذا خرجه مسملم‪ .‬وقوله‪( :‬ويجزي من ذلك ركعتان) أي‬
‫يكفي من هذه الصدقات عن هذه العضاء ركعتان‪ .‬وذلك أن الصلة عمل بجميع أعضاء الجسد؛‬
‫فإذا صلى فقد قام كل عضو بوظيفته التي عليه في الصل‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 19 :‬والطير محشورة كل له أواب‪ ،‬وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والطيممر محشورة" معطوف على الجبال‪ .‬قال الفراء‪ :‬ولو قرئ "والطيممر‬
‫محشورة" لجاز؛ لنممه لم يظهممر الفعممل‪ .‬قال ابممن عباس‪ :‬كان داود عليممه السمملم إذا سممبح جاوبتممه‬
‫الجبال واجتمعممت إليممه الطيممر فسممبحت معممه‪ .‬فاجتماعهمما إليممه حشرهمما‪ .‬فالمعنممى وسممخرنا الطيممر‬
‫مجموعمة إليمه لتسمبح ال معمه‪ .‬وقيمل‪ :‬أي وسمخرنا الريمح لتحشمر الطيور إليمه لتسمبح معمه‪ .‬أو أمرنما‬
‫الملئكمة تحشمر الطيور‪" .‬كمل له" أي لداود "أواب" أي مطيمع؛ أي تأتيمه وتسمبح معمه‪ .‬وقيمل‪ :‬الهاء‬
‫ل عز وجل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وشددنما ملكمه" أي قويناه حتمى ثبمت‪ .‬قيمل‪ :‬بالهيبمة وإلقاء الرعمب منمه فمي القلوب‪.‬‬
‫وقيمل‪ :‬بكثرة الجنود‪ .‬وقيمل‪ :‬بالتأييمد والنصمر‪ .‬وهذا اختيار ابمن العربمي‪ .‬فل ينفمع الجيمش الكثيمر‬
‫التفافممه على غيممر منصممور وغيممر معان‪ .‬وقال ابممن عباس رضممي ال عنممه‪ :‬كان داود أشممد ملوك‬
‫الرض سلطانا‪ .‬كان يحرس محرابه كل ليلة نيف وثلثون ألف رجل فإذا أصبح قيل‪ :‬ارجعوا فقد‬
‫رضمي عنكمم نمبي ال‪ .‬والملك عبارة عمن كثرة الملك‪ ،‬فقمد يكون للرجمل ملك ولكمن ل يكون ملكما‬
‫حتى يكثر ذلك؛ فلو ملك الرجل دارا وامرأة لم يكن ملكا حتى يكون له خادم يكفيه مؤنة التصرف‬
‫فمي المنافمع التمي يفتقمر إليهما لضرورتمه الدميمة‪ .‬وقمد مضمى هذا المعنمى فمي "براءة" وحقيقمة الملك‬
‫في "النمل"مستوفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآتيناه الحكمة" أي النبوة؛ قال السدي‪ .‬مجاهد‪ :‬العدل‪ .‬أبو العالية‪ :‬العلم بكتاب ال‬
‫تعالى‪ .‬قتادة‪ :‬السمنة‪ .‬شريمح‪ :‬العلم والفقمه‪" .‬وفصمل الخطاب" قال أبمو عبدالرحممن السملمي وقتادة‪:‬‬
‫يعنمي الفصمل فمي القضاء‪ .‬وهمو قول ابمن مسمعود والحسمن والكلبمي ومقاتمل‪ .‬وقال ابمن عباس‪ :‬بيان‬
‫الكلم‪ .‬علي بمن أبمي طالب‪ :‬همو البينمة على المدعمي واليميمن على ممن أنكمر‪ .‬وقاله شريمح والشعمبي‬
‫وقتادة أيضا‪ .‬وقال أبو موسى الشعري والشعبي أيضا‪ :‬هو قوله أما بعد‪ ،‬وهو أول من تكلم بها‪.‬‬
‫وقيل‪" :‬فصل الخطاب" البيان الفاصل بين الحق والباطل‪ .‬وقيل‪ :‬هو اليجاز بجعل المعنى الكثير‬
‫فمي اللفمظ القليمل‪ .‬والمعنمى فمي هذه القوال متقارب‪ .‬وقول علي رضمي ال عنمه يجمعمه؛ لن مدار‬
‫الحكم عليه في القضاء ما عدا قول أبي موسى‪.‬‬
‫@ قال القاضمي أبمو بكمر بمن العربمي‪ :‬فأمما علم القضاء فلعممر إلهمك إنمه لنوع ممن العلم مجرد‪،‬‬
‫وفصمل منمه مؤكمد‪ ،‬غيمر معرفمة الحكام والبصمر بالحلل والحرام؛ ففمي الحديمث‪( :‬أقضاكمم علي‬
‫وأعلمكم بالحلل والحرام معاذ بن جبل)‪ .‬وقد يكون الرجل بصيرا بأحكام الفعال‪ ،‬عارفا بالحلل‬
‫والحرام‪ ،‬ول يقوم بفصمل القضاء‪ .‬يروى أن علي بمن أبمي طالب رضمي ال عنمه قال‪ :‬لمما بعثنمي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى اليمن حفر قوم زبية للسمد؛ فوقع فيها السد؛ وازدحمم الناس‬
‫على الزبية فوقع فيها رجل وتعلق بآخر‪ ،‬وتعلق الخر بآخر‪ ،‬حتى صاروا أربعة‪ ،‬فجرحهم السد‬
‫فيها فهلكوا‪ ،‬وحمل القوم السلح وكاد يكون بينهم قتال؛ قال فأتيتهم فقلت‪ :‬أتقتلون مائتي رجل من‬
‫أجل أربعة إناس! تعالوا أقض بينكم بقضاء؛ فإن رضيتموه فهو قضاء بينكم‪ ،‬وإن أبيتم رفعتم ذلك‬
‫إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فهو أحق بالقضاء‪ .‬فجعل للول ربع الدية‪ ،‬وجحل للثاني ثلث‬
‫الديمة‪ ،‬وجعمل للثالث نصمف الديمة‪ ،‬وجعمل للرابمع الديمة‪ ،‬وجعمل الديات على حفمر الزبيمة على قبائل‬
‫الربعمة؛ فسمخط بعضهمم ورضمي بعضهمم‪ ،‬ثمم قدموا على رسمول ال صملى ال عليمه وسملم فقصموا‬
‫عليه القصة؛ فقال‪( :‬أنا أقضي بينكم) فقال قائل‪ :‬إن عليا قد قضى بيننا‪ .‬فأخبروه بما قضى علي؛‬
‫فقال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم‪( :‬القضاء كمما قضمى علي) فمي روايمة‪ :‬فأمضمى رسمول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قضاء علي‪.‬‬
‫وكذلك يروى فمي المعرفمة بالقضاء أن أبما حنيفمة جاء إليمه رجمل فقال‪ :‬إن ابمن أبمي ليلى ‪ -‬وكان‬
‫قاضيا بالكوفة ‪ -‬جلد امرأة مجنونة قالت لرجل يا ابن الزانيين حدين في المسجد وهي قائمة‪ .‬فقال‪:‬‬
‫أخطأ من ستة أوجه‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وهذا الذي قال أبو حنيفة بالبديهة ل يدركه أحد بالرؤية إل‬
‫العلماء‪ .‬فأممما قضيممة علي فل يدركهمما الشادي‪ ،‬ول يلحقهمما بعممد التمرن فممي الحكام إل العاكممف‬
‫المتمادى‪ .‬وتحقيقهما أن هؤلء الربعمة المقتوليمن خطمأ بالتدافمع على الحفرة ممن الحاضريمن عليهما‪،‬‬
‫فلهم الديات على من حضر على وجه الخطأ‪ ،‬بيد أن الول مقتول بالمدافعة قاتل ثلثة بالمجاذبة‪،‬‬
‫فله الديمة بمما قتمل‪ ،‬وعليمه ثلثمة أرباع الديمة بالثلثمة الذيمن قتلهمم‪ .‬وأمما الثانمي فله ثلث الديمة وعليمه‬
‫الثلثان بالثنين اللذين قتلهما بالمجاذبة‪ .‬وأما الثالث فله نصف الدية وعليه النصف؛ لنه قتل واحدا‬
‫بالمجاذبة فوقعت المحاصة وغرمت العواقل هذا التقدير بعد القصاص الجاري فيه‪ .‬وهذا من بديع‬
‫السمتنباط‪ .‬وأمما أبمو حنيفمة فإنمه نظمر إلى المعانمي المتعلقمة فرأهما سمتة‪ :‬الول أن المجنون ل حمد‬
‫عليمه؛ لن الجنون يسمقط التكليمف‪ .‬وهذا إذا كان القذف فمي حالة الجنون‪ ،‬وأمما إذا كان يجمن مرة‬
‫ويفيق أخرى فإنه يحد بالقذف في حالة إفاقته‪ .‬والثاني قولها يا ابن الزانيين فجلدها حدين لكل أب‬
‫حمد‪ ،‬فإنمما خطأه أبمو حنيفمة على مذهبمه فمي أن حمد القذف يتداخمل‪ ،‬لنمه عنده حمق ل تعالى كحمد‬
‫الخمممر والزنممى‪ ،‬وأممما الشافعممي ومالك فإنهممما يريان أن الحممد بالقذف حممق للدمممي‪ ،‬فيتعدد بتعدد‬
‫المقذوف‪ .‬الثالث أنمه جلد بغيمر مطالبمة المقذوف‪ ،‬ول تجوز إقاممة حمد القذف بإجماع ممن الممة إل‬
‫بعمد المطالبمة بإقامتمه مممن يقول إنمه حمق ل تعالى‪ ،‬وممن يقول إنمه حمق الدممي‪ .‬وبهذا المعنمى وقمع‬
‫الحتجاج لمن يرى أنه حق للدمي؛ إذ لو كان حقا ل لما توقف على المطالبة كحد الزنى‪ .‬الرابع‬
‫أنه والى بين الحدين‪ ،‬ومن وجب عليه حدان لم يوال بينهما‪ ،‬بل يحد لحدهما ثم يترك حتى يندمل‬
‫الضرب‪ ،‬أو يستبل المضروب ثم يقام عليه الحد الخر‪ .‬الخامس أنه حدها قائمة‪ ،‬ول تحد المرأة‬
‫إل جالسة مستورة‪ ،‬قال بعض الناس‪ :‬في زنبيل‪ .‬السادس أنه أقام الحد في المسجد ول تقام الحدود‬
‫فيمه إجماعما‪ .‬وفمي القضاء فمي المسمجد والتعزيمر فيمه خلف‪ .‬قال القاضمي‪ :‬فهذا همو فصمل الخطاب‬
‫وعلم القضاء‪ ،‬الذي وقعمت الشارة إليمه على أحمد التأويلت فمي الحديمث المروي (أقضاكمم علي)‪.‬‬
‫وأما من قال‪ :‬إنه اليجاز فذلك للعرب دون العجم‪ ،‬ولمحمد صلى ال عليه وسلم دون العرب؛ وقد‬
‫بين هذا بقوله‪( :‬وأوتيت جوامع الكلم)‪ .‬وأما من قال‪ :‬إنه قوله أما بعد؛ فكان النبي صلى ال عليه‬
‫وسملم يقول فمي خطبتمه‪( :‬أمما بعمد)‪ .‬ويروى أن أول ممن قالهما فمي الجاهليمة سمحبان بمن وائل‪ ،‬وهمو‬
‫أول من آمن بالبعث‪ ،‬وأول من توكأ على عصا‪ ،‬وعمر مائة وثمانين سنة‪ .‬ولو صح أن داود عليه‬
‫السلم قالها‪ ،‬لم يكن ذلك منه بالعربية على هذا النظم‪ ،‬وإنما كان بلسانه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 25 - 21 :‬وهمل أتاك نبمأ الخصمم إذ تسموروا المحراب‪ ،‬إذ دخلوا على داود ففزع‬
‫منهمم قالوا ل تخمف خصممان بغمى بعضنما على بعمض فاحكمم بيننما بالحمق ول تشطمط واهدنما إلى‬
‫سمواء الصمراط‪ ،‬إن هذا أخمي له تسمع وتسمعون نعجمة ولي نعجمة واحدة فقال أكفلنيهما وعزنمي فمي‬
‫الخطاب‪ ،‬قال لقممد ظلمممك بسممؤال نعجتممك إلى نعاجممه وإن كثيرا مممن الخلطاء ليبغممي بعضهممم على‬
‫بعمض إل الذيمن آمنوا وعملوا الصمالحات وقليمل مما همم وظمن داود أنمما فتناه فاسمتغفر ربمه وخمر‬
‫راكعا وأناب‪ ،‬فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب" "الخصم" يقع على الواحد والثنين‬
‫والجماعة؛ لن أصله المصدر‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫كنفض البراذين العراب المخاليا‬ ‫وخصم غضاب ينفضون لحاهم‬
‫النحاس‪ :‬ول خلف بيمن أهمل التفسمير أنمه يراد بمه هما هنما ملكان‪ .‬وقيمل‪" :‬تسموروا" وإن كان اثنيمن‬
‫حمل على الخصمم‪ ،‬إذ كان بلفمظ الجممع ومضارعما له‪ ،‬مثمل الركمب والصمحب‪ .‬تقديره للثنيمن ذوا‬
‫خصممم وللجماعممة ذوو خصممم‪ .‬ومعنممى‪" :‬تسمموروا المحراب" أتوه مممن أعلى سمموره‪ .‬يقال‪ :‬تسممور‬
‫الحائط تسلقه‪ ،‬والسور حائط المدينة وهو بغير همز‪ ،‬وكذلك السور جمع سورة مئل بسرة وبسر‬
‫وهي كل منزلة من البناء‪ .‬ومنه سورة القرآن؛ لنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الخرى‪ .‬وقد‬
‫مضى في مقدمة الكتاب بيان هذا‪ .‬وقول النابغة‪:‬‬
‫ترى كل ملك دونها يتذبذب‬ ‫ألم تر أن ال أعطاك سورة‬
‫يريمد شرفما ومنزلة‪ .‬فأمما السمؤر بالهممز فهمو بقيمة الطعام فمي الناء‪ .‬ابمن العربمي‪ :‬والسمؤر الوليممة‬
‫بالفارسي‪ .‬وفي الحديث‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال يوم الحزاب‪( :‬إن جابرا قد صنع لكم‬
‫سؤرا فحيهل بكم)‪ .‬والمحراب هنا الغرفة؛ لنهم تسوروا عليه فيها؛ قال يحيى بن سلم‪ .‬وقال أبو‬
‫عبيدة‪ :‬إنه صدر المجلس‪ ،‬ومنه محراب المسجد‪ .‬وقد مضى القول فيه في غير موضع‪" .‬إذ دخلوا‬
‫على داود" جاءت "إذ" مرتين؛ لنهما فعلن‪ .‬وزعم الفراء‪ :‬أن إحداهما بمعنى لما‪ .‬وقول آخر أن‬
‫تكون الثانيمة ممع مما بعدهما تبيينما لمما قبلهما‪ .‬قيمل‪ :‬إنهمما كانما إنسميين؛ قاله النقاش‪ .‬وقيمل‪ :‬ملكيمن؛ قال‬
‫جماعة‪ .‬وعينهما جماعة فقالوا‪ :‬إنهما جبريل وميكائيل‪ .‬وقيل‪ :‬ملكين في صورة إنسيين بعثهما ال‬
‫إليه في يوم عبادته‪ .‬فمنعهما الحرس الدخول‪ ،‬فتسوروا المحراب عليه‪ ،‬فما شعر وهو في الصلة‬
‫إل وهمما بيمن يديمه جالسمين؛ وهمو قوله تعالى‪" :‬وهمل أتاك نبمأ الخصمم إذ تسموروا المحراب" أي‬
‫علوا ونزلوا عليمه ممن فوق المحراب؛ قال سمفيان الثوري وغيره‪ .‬وسمبب ذلك مما حكاه ابمن عباس‬
‫أن داود عليمه السملم حدث نفسمه إن ابتلي أن يعتصمم‪ .‬فقيمل له‪ :‬انمك سمتبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى‬
‫فيه فخذ حذرك‪ .‬فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه‪ ،‬فبينا هو يقرأ الزبور إذ جاء‬
‫طائر كأحسن ما يكون من الطير‪ ،‬فجعل يدرج بين يديه‪ .‬فهم أن يتناوله بيده‪ ،‬فاستدرج حتى وقع‬
‫فمي كوة المحراب‪ ،‬فدنما منمه ليأخذه فطار‪ ،‬فاطلع ليبصمره فأشرف على امرأة تغتسمل‪ ،‬فلمما رأتمه‬
‫غطت جسدها بشعرها‪ .‬قال السدي‪ :‬فوقعت في قلبه‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬وكان زوجها غازيا في سبيل‬
‫ال وهمو أوريما بمن حنان‪ ،‬فكتمب داود إلى أميمر الغزاة أن يجعمل زوجهما فمي حملة التابوت‪ ،‬وكان‬
‫حملة التابوت إمما أن يفتمح ال عليهمم أو يقتلوا‪ ،‬فقدممه فيهمم فقتمل‪ ،‬فلمما انقضمت عدتهما خطبهما داود‪،‬‬
‫واشترطمت عليمه إن ولدت غلمما أن يكون الخليفمة بعده‪ ،‬وكتبمت عليمه بذلك كتابما‪ ،‬وأشهدت عليمه‬
‫خمسين رجل من بني إسرائيل‪ ،‬فلم تستقر نفسه حتى ولدت سليمان وشب‪ ،‬وتسور الملكان وكان‬
‫من شأنهما ما قص ال في كتابه‪ .‬ذكره الماوردي وغيره‪ .‬ول يصح‪ .‬قال ابن لعربي‪ :‬وهو أمثل ما‬
‫روي في ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ورواه مرفوعا بمعناه الترمذي الحكيمم فمي نوادر الصمول عن يزيد الرقاشي‪ ،‬سمع أنس‬
‫بمن مالك يقول‪ :‬سممعت رسمول ال صملى ال عليمه وسملم يقول‪( :‬إن داود النمبي عليمه السملم حيمن‬
‫نظر إلى المرأة فهم بها قطع على بني إسرائيل بعثا وأوصى صاحب البعث فقال‪ :‬إذا حضر العدو‬
‫قرب فلنممما وسمممماه‪ ،‬قال فقربمممه بيمممن يدي التابوت ‪ -‬قال ‪ -‬وكان ذلك التابوت فمممي ذلك الزمان‬
‫يسمتنصر بمه فممن قدم بيمن يدي التابوت لم يرجمع حتمى يقتمل أو ينهزم عنمه الجيمش الذي يقاتله فقدم‬
‫فقتمل زوج المرأة ونزل الملكان على داود فقصما عليمه القصمة)‪ .‬وقال سمعيد عمن قتادة‪ :‬كتمب إلى‬
‫زوجهمما وذلك فممي حصمار عمان مدينمة بلقاء أن يأخذوا بحلقمة الباب‪ ،‬وفيمه الموت الحمممر‪ ،‬فتقدم‬
‫فقتمل‪ .‬وقال الثعلبمي قال قوم ممن العلماء‪ :‬إنمما امتحمن ال داود بالخطيئة؛ لنمه تمنمى يومما على ربمه‬
‫منزلة إبراهيمم وإسمحاق ويعقوب‪ ،‬وسمأله أن يمتحنمه نحمو مما امتحنهمم‪ ،‬ويعطيمه نحمو مما أعطاهمم‪.‬‬
‫وكان داود قمد قسمم الدهمر ثلثمة أيام‪ ،‬يوم يقضمي فيمه بيمن الناس‪ ،‬ويوم يخلو فيمه بعبادة ربمه‪ ،‬ويوم‬
‫يخلو فيه بنسائه وأشغاله‪ .‬وكان يجد فيما يقرأ من الكتب فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب‪ .‬فقال‪ :‬يا‬
‫رب إن الخيمر كله قمد ذهمب بمه آبائي‪ ،‬فأوحمى ال تعالى إليمه‪ :‬إنهمم ابتلوا ببليما لم يبتمل بهما غيرهمم‬
‫فصمبروا عليهما؛ ابتلي إبراهيمم بنمروذ وبالنار وبذبمح ابنمه‪ ،‬وابتلي إسمحاق بالذبمح‪ ،‬وابتلي يعقوب‬
‫بالحزن على يوسف وذهاب بصره‪ ،‬ولم تبتل أنت بشيء من ذلك‪ .‬فقال داود عليه السلم‪ :‬فابتلني‬
‫بمثل ما ابتليتهم‪ ،‬وأعطني مثل ما أعطيتهم‪ ،‬فأوحى ال تعالى إليه‪ :‬إنك مبتلى في شهر كذا في يوم‬
‫الجمعة‪ .‬فلما كان ذلك اليوم دخل محرابه وأغلق بابه‪ ،‬وجعل يصلي ويقرأ الزبور‪ .‬فبينا هو كذلك‬
‫إذ مثمل له الشيطان فمي صمورة حماممة ممن ذهمب‪ ،‬فيهما ممن كمل لون حسمن‪ ،‬فوقمف بيمن رجليمه‪ ،‬فممد‬
‫يده ليأخذهما فيدفعهما لبمن له صمغير‪ ،‬فطارت غيمر بعيمد ولم تؤيسمه ممن نفسمها‪ ،‬فامتمد إليهما ليأخذهما‬
‫فتنحمت‪ ،‬فتبعهما فطارت حتمى وقعمت فمي كوة‪ ،‬فذهمب ليأخذهما فطارت ونظمر داود يرتفمع فمي إثرهما‬
‫ليبعث إليها من يأخذها‪ ،‬فنظر امرأة في بستان على شط بركة تغتسل؛ قاله الكلبي‪ .‬وقال السدي‪:‬‬
‫تغتسمل عريانمة على سمطح لهما؛ فرأى أجممل النسماء خلقما‪ ،‬فأبصمرت ظله فنفضمت شعرهما فغطمى‬
‫بدنهما‪ ،‬فزاده إعجابما بهما‪ .‬وكان زوجهما أوريما بمن حنان‪ ،‬فمي غزوة ممع أيوب بمن صموريا ابمن أخمت‬
‫داود‪ ،‬فكتب داود إلى أيوب أن ابعث بأوريا إلى مكان كذا وكذا‪ ،‬وقدمه قبل التابوت‪ ،‬وكان من قدم‬
‫قبمل التابوت ل يحمل له أن يرجمع وراءه حتمى يفتمح ال عليمه أو يسمتشهد‪ .‬فقدممه ففتمح له فكتمب إلى‬
‫داود يخمبره بذلك‪ .‬قال الكلبمي‪ :‬وكان أوريما سميف ال فمي أرضمه فمي زمان داود‪ ،‬وكان إذا ضرب‬
‫ضربمة وكمبر كمبر جبريمل عمن يمينمه وميكائيمل عمن شماله‪ ،‬وكمبرت ملئكمة السمماء بتكمبيره حتمى‬
‫ينتهي ذلك إلى العرش‪ ،‬فتكبر ملئكة العرش بتكبيره‪ .‬قال‪ :‬وكان‪ .‬سيوف ال ثلثة؛ كالب بن يوفنا‬
‫في زمن موسى‪ ،‬وأوريا في زمن داود‪ ،‬وحمزة بن عبدالمطلب في زمن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ .‬فلما كتب أيوب إلى داود يخبره أن ال قد فتح على أوريا كتب داود إليه‪ :‬أن ابعثه في بعث‬
‫كذا وقدمممه قبممل التابوت؛ ففتممح ال عليممه‪ ،‬فقتممل فممي الثالث شهيدا‪ .‬فتزوج داود تلك المرأة حيممن‬
‫انقضت عدتها‪ .‬فهي أم سليمان بن داود‪ .‬وقيل‪ :‬سبب امتحان داود عليه السلم أن نفسه حدثته أنه‬
‫يطيمق قطمع يوم بغيمر مقارفمة شيمء‪ .‬قال الحسمن‪ :‬إن داود جزأ الدهمر أربعمة أجزاء؛ جزء لنسمائه‪،‬‬
‫وجزءا للعبادة‪ ،‬وجزءا لبنممي إسممرائيل يذاكرونممه ويذاكرهممم ويبكونممه ويبكيهممم‪ ،‬ويوممما للقضاء‪.‬‬
‫فتذاكروا هل يمر على النسان يوم ل يصيب فيه ذنبما؟ فأضمر داود أنه يطيق ذلك؛ فأغلق الباب‬
‫على نفسمه يوم عبادتمه‪ ،‬وأممر أل يدخمل عليمه أحمد‪ ،‬وأكمب على قراءة الزبور‪ ،‬فوقعمت حماممة ممن‬
‫ذهب بين يديه‪ .‬وذكر نحو ما تقدم‪.‬‬
‫@ قال علماؤنما‪ :‬وفمي هذا دليمل على أنمه ليمس على الحاكمم أن ينتصمب للناس كمل يوم‪ ،‬وأنمه ليمس‬
‫للنسممان أن يترك وطممء نسممائه وإن كان مشغول بالعبادة‪ .‬وقممد مضممى هذا المعنممى فممي "النسمماء"‪.‬‬
‫وحكم كعب بذلك في زمن عمر بمحضره رضي ال عنهما‪ .‬وقد قال عليه السلم لعبدال بن عمر‪:‬‬
‫(إن لزوجمك عليمك حقما‪ )...‬الحديمث‪ .‬وقال الحسمن أيضما ومجاهمد‪ :‬إن داود عليمه السملم قال لبنمي‬
‫إسممرائيل حيمن اسممتخلف‪ :‬وال لعدلن بينكممم‪ ،‬ولم يسممتثن فابتلي بهذا‪ .‬وقال أبمو بكممر الوراق‪ :‬كان‬
‫داود كثير العبادة فأعجب بعمله وقال‪ :‬هل في الرض أحد يعمل كعملي‪ .‬فأرسل ال إليه جبريل؛‬
‫فقال‪ :‬إن ال تعالى يقول لك‪ :‬أعجبمت بعبادتمك‪ ،‬والعجمب يأكمل العبادة كمما تأكمل النار الحطمب‪ ،‬فإن‬
‫أعجبت ثانية وكلتك إلى نفسك‪ .‬قال‪ :‬يا رب كلني إلى نفسي سنة‪ .‬قال‪ :‬إن ذلك لكثير‪ .‬قال‪ :‬فشهرا‪.‬‬
‫قال‪ :‬إن ذلك لكثيممر‪ .‬قال‪ :‬فيوممما‪ .‬قال‪ :‬إن ذلك لكثيممر‪ .‬قال‪ :‬يمما رب فكلنممي إلى نفسممي سمماعة‪ .‬قال‪:‬‬
‫فشأنك بها‪ .‬فوكل الحراس‪ ،‬ولبس الصوف‪ ،‬ودخل المحراب‪ ،‬ووضع الزبور بين يديه؛ فبينما هو‬
‫فمي عبادتمه إذ وقمع الطائر بيمن يديمه‪ ،‬فكان ممن أممر المرأة مما كان‪ .‬وقال سمفيان الثوري‪ :‬قال داود‬
‫ذات يوم‪ :‬يا رب ما من يوم إل ومن آل داود لك فيه صائم‪ ،‬وما من ليلة إل ومن آل داود لك فيها‬
‫قائم‪ .‬فأوحى ال إليه‪ :‬يا داود منك ذلك أو مني؟ وعزتي لكلنك إلى نفسك‪ .‬قال‪ :‬يا رب اعف عني‪.‬‬
‫قال‪ :‬أكلك إلى نفسممك سممنة‪ .‬قال‪ :‬ل بعزتممك‪ .‬قال‪ :‬فشهرا‪ .‬قال‪ :‬ل بعزتممك‪ .‬قال‪ :‬فأسممبوعا‪ .‬قال‪ :‬ل‬
‫بعزتمك‪ .‬قال‪ :‬فيومما‪ .‬قال‪ :‬ل بعزتمك‪ .‬قال‪ :‬فسماعة‪ .‬قال‪ :‬ل بعزتمك‪ .‬قال‪ :‬فلحظمة‪ .‬فقال له الشيطان‪:‬‬
‫ومما قدر لحظمة‪ .‬قال‪ :‬كلنمي إلى نفسمي لحظمة‪ .‬فوكله ال إلى نفسمه لحظمة‪ .‬وقيمل له‪ :‬همي فمي يوم كذا‬
‫فمي وقمت كذا‪ .‬فلمما جاء ذلك اليوم جعله للعبادة‪ ،‬ووكمل الحراس حول مكانمه‪ .‬قيمل‪ :‬أربعمة آلف‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ثلثين ألفا أو ثلثة وثلثين ألفا‪ .‬وخل بعبادة ربه‪ ،‬ونشر الزبور بين يديه‪ ،‬فجاءت الحمامة‬
‫فوقعمت له‪ ،‬فكان ممن أمره فمي لحظتمه ممع المرأة مما كان‪ .‬وأرسمل ال عمز وجمل إليمه الملكيمن بعمد‬
‫ولدة سليمان‪ ،‬وضربا له المثل بالنعاج؛ فلما سمع المثل ذكر خطيئته فخر ساجدا أربعين ليلة على‬
‫ما يأتي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ففزع منهم" لنهما أتياه ليل في غير وقت دخول الخصوم‪ .‬وقيل‪ :‬لدخولهم عليه‬
‫بغيممر إذنممه‪ .‬وقيممل‪ :‬لنهممم تسمموروا عليممه المحراب ولم يأتوه مممن الباب‪ .‬قال ابممن العربممي‪ :‬وكان‬
‫محراب داود عليه السلم من المتناع بالرتفاع‪ ،‬بحيث ل يرتقي إليه آدمي بحيلة إل أن يقيم إليه‬
‫أيامما أو أشهرا بحسمب طاقتمه‪ ،‬ممع أعوان يكثمر عددهمم‪ ،‬وآلت جممة مختلفمة النواع‪ .‬ولو قلنما‪ :‬إنمه‬
‫يوصمل إليمه ممن باب المحراب لمما قال ال تعالى مخمبرا عمن ذلك‪" :‬تسموروا المحراب" إذ ل يقال‬
‫تسمور المحراب والغرفمة لممن طلع إليهما ممن درجهما‪ ،‬وجاءهما ممن أسمفلها إل أن يكون ذلك مجازا؛‬
‫وإذا شاهدت الكوة التمي يقال إنمه دخمل منهما الخصممان علممت قطعما أنهمما ملكان؛ لنهما ممن العلو‬
‫بحيث ل ينالها إل علوي‪ .‬قال الثعلبي‪ :‬وقد قيل‪ :‬كان المتسوران أخوين من بني إسرائيل لب وأم‪.‬‬
‫فلما قضى داود بينهما بقضية قال له ملك من الملئكة‪ :‬فهل قضيت بذلك على نفسك يا داود‪ .‬قال‬
‫الثعلبي‪ :‬والول أحسن أنهما كانا ملكين نبها داود على ما فعل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى هذا أكثممر أهممل التأويممل‪ .‬فإن قيممل‪ :‬كيممف يجوز أن يقول الملكان "خصمممان بغممى‬
‫بعضنا على بعض" وذلك كذب والملئكة عن مثله منزهون‪ .‬فالجواب عنه أنه ل بد في الكلم من‬
‫تقديمر؛ فكأنهمما قال‪ :‬قدرنما كأننما خصممان بغمى بعضنما على بعمض فاحكمم بيننما بالحمق‪ ،‬وعلى ذلك‬
‫يحممل قولهمما‪" :‬إن هذا أخمي له تسمع وتسمعون نعجمة" لن ذلك وإن كان بصمورة الخمبر فالمراد‬
‫إيراده على طريق التقدير لينبه داود على ما فعل؛ وال أعلم‪.‬‬
‫@ إن قيل‪ :‬لم فزع داود وهو نبي‪ ،‬وقد قويت نفسه بالنبوة‪ ،‬واطمأنت بالوحي‪ ،‬ووثقت بما آتاه ال‬
‫من المنزلة‪ ،‬وأظهر على يديه من اليات‪ ،‬وكان من الشجاعة في غاية المكانة؟ قيل له‪ :‬ذلك سبيل‬
‫النممبياء قبله‪ ،‬لم يأمنوا القتممل والذيممة ومنهممما كان يخاف‪ .‬أل ترى إلى موسممى وهارون عليهممما‬
‫السملم كيمف قال‪" :‬إننما نخاف أن يفرط علينما أو أن يطغمى" [طمه‪ ]45 :‬فقال ال عمز وجمل‪" :‬ل‬
‫تخافمما"‪ .‬وقالت الرسممل للوط‪ :‬ل تخممف "إنمما رسممل ربممك لن يصمملوا إليممك" [هود‪ ]81:‬وكذا قال‬
‫الملكان هنما‪" :‬ل تخمف "‪ .‬قال محممد بمن إسمحاق‪ :‬بعمث ال إليمه ملكيمن يختصممان إليمه وهمو فمي‬
‫محرابمه ‪ -‬مثل ضربمه ال ولوريما فرآهمما واقفيمن على رأسمه؛ فقال‪ :‬مما أدخلكمما علي؟ قال‪" :‬ل‬
‫تخف خصمان بغى بعضنا على بعض" فجئناك لتقضي بيننا‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬فإن قيل كيف لم يأمر بإخراجهما إذ قد علم مطلبهما‪ ،‬وهل أدبهما وقد دخل‬
‫عليممه بغيممر إذن؟ فالجواب عليممه مممن أربعممة أوجممه‪ :‬الول‪ :‬أنمما لم نعلم كيفيممة شرعممه فممي الحجاب‬
‫والذن‪ ،‬فيكون الجواب بحسمممب تلك الحكام وقمممد كان ذلك فمممي ابتداء شرعنممما مهمل فمممي هذه‬
‫الحكام‪ ،‬حتمممى أوضحهممما ال تعالى بالبيان‪ .‬الثانمممي‪ :‬أنممما لو نزلنممما الجواب على أحكام الحجاب‪،‬‬
‫لحتمل أن يكون الفزع الطارئ عليه أذهله عما كان يجب في ذلك له‪ .‬الثالث‪ :‬أنه أراد أن يستوفي‬
‫كلمهمما الذي دخل له حتمى يعلم آخمر الممر منمه‪ ،‬ويرى همل يحتممل التقحمم فيمه بغيمر إذن أم ل؟‬
‫وهمل يقترن بذلك عذر لهمما أم ل يكون لهمما عذر فيمه؟ فكان ممن آخمر الحال مما انكشمف أنمه بلء‬
‫ومحنة‪ ،‬ومثل ضربه ال في القصة‪ ،‬وأدب وقع على دعوى العصمة‪ .‬الرابع‪ :‬أنه يحتمل أن يكون‬
‫في مسجد ول إذن في المسجد لحد إذ ل حجر فيه على أحد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقول خامس ذكره القشيري؛ وهو أنهما قال‪ :‬لما لم يأذن لنا الموكلون بالحجاب‪ ،‬توصلنا‬
‫إلى الدخول بالتسور‪ ،‬وخفنا أن يتفاقم المر بيننا‪ .‬فقبل داود عذرهم‪ ،‬وأصغى إلى قولهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خصمان" إن قيل‪ :‬كيف قال‪" :‬خصمان" وقبل هذا‪" :‬إذ تسوروا المحراب" فقيل‪:‬‬
‫لن الثنيمن جممع؛ قال الخليمل‪ :‬كمما تقول نحمن فعلنما إذا كنتمما اثنيمن‪ .‬وقال الكسمائي‪ :‬جممع لمما كان‬
‫خممبرا‪ ،‬فلممما انقضممى الخممبر وجاءت المخاطبممة‪ ،‬خممبر الثنان عممن أنفسممهما فقال خصمممان‪ .‬وقال‬
‫الزجاج‪ :‬المعنى نحن خصمان‪ .‬وقال غيره‪ :‬القول محذوف؛ أي يقول‪" :‬خصمان بغى بعضنا على‬
‫بعممض" قال الكسممائي‪ :‬ولو كان بغممى بعضهممما على بعممض‪ ،‬لجاز‪ .‬الماوردي‪ :‬وكانمما ملكيممن‪ ،‬ولم‬
‫يكونا خصمين ول باغيين‪ ،‬ول يتأتى منهما كذب؛ وتقدير كلمهما ما تقول‪ :‬إن أتاك خصمان قال‬
‫بغمى بعضنما على بعمض‪ .‬وقيمل‪ :‬أي نحمن فريقان ممن الخصموم بغمى بعضنما على بعمض‪ .‬وعلى هذا‬
‫يحتممل أن تكون الخصمومة بيمن اثنيمن وممع كمل واحمد جممع‪ .‬ويحتممل أن يكون لكمل واحمد ممن هذا‬
‫الفريمق خصمومة ممع كمل واحمد ممن الفريمق الخمر‪ ،‬فحضروا الخصمومات ولكمن ابتدأ منهمم اثنان‪،‬‬
‫فعرف داود بذكمر النكاح القصمة‪ .‬وأغنمى ذلك عمن التعرض للخصمومات الخمر‪ .‬والبغمي التعدي‬
‫والخروج عمن الواجمب‪ .‬يقال‪ :‬بغمى الجرح إذا أفرط وجعمه وتراممى‪ ،‬إلى مما يفحمش‪ ،‬ومنمه بغمت‬
‫المرأة إذا أتت الفاحشة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاحكم بيننا بالحق ول تشطط" أي ل تجُر؛ قال السدي‪ .‬وحكى أبو عبيد‪ :‬شططت‬
‫عليه وأشططت أي جرت‪ .‬وفي حديث تميم الداري‪( :‬إنك لشاطي) أي جائر علي في الحكم‪ .‬وقال‬
‫قتادة‪ :‬ل تمل‪ .‬الخفش‪ :‬ل تسرف‪ .‬وقيل‪ :‬ل تفرط‪ .‬والمعنى متقارب‪ .‬والصل فيه البعد من شطت‬
‫الدار أي بعدت؛ شطت الدار تشط وتشط شطا وشطوطا بعدت‪ .‬وأشط في القضية أي جار‪ ،‬وأشط‬
‫في السوم واشتط أي أبعد‪ ،‬وأشطوا في طلبي أي امعنوا‪ .‬قال أبو عمرو‪ :‬الشطط مجاوزة القدر في‬
‫كممل شيممء‪ .‬وفممي الحديممث‪( :‬لهمما مهممر مثلهمما ل وكممس ول شطممط) أي ل نقصممان ول زيادة‪ .‬وفممي‬
‫التنزيمل‪" :‬لقمد قلنما إذا شططما" [الكهمف‪ ]14 :‬أي جورا ممن القول وبعدا عمن الحمق‪" .‬واهدنما إلى‬
‫سواء الصراط" أي أرشدنا إلى قصد السبيل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة" أي قال الملك الذي تكلم عن أوريا "إن هذا‬
‫أخي" أي على ديني‪ ،‬وأشار إلى المدعى عليه‪ .‬وقيل‪ :‬أخي أي صاحبي‪" .‬له تسع وتسعون نعجة"‬
‫وقرأ الحسمن‪" :‬تسمع وتسمعون نعجمة" بفتمح التاء فيهمما وهمي لغمة شاذة‪ ،‬وهمي الصمحيحة ممن قراءة‬
‫الحسممن؛ قال النحاس‪ .‬والعرب تكنممي عممن المرأة بالنعجممة والشاة؛ لممما هممي عليممه مممن السممكون‬
‫والمعجزة وضعمف الجانمب‪ .‬وقمد يكنمى عنهما بالبقرة والحجرة والناقمة‪ ،‬لن الكمل مركوب‪ .‬قال ابمن‬
‫عون‪:‬‬
‫رابعة في البيت صغراهنه‬ ‫أنا أبوهن ثلث هنّه‬
‫أل فتى سمح يغذيهنه‬ ‫ونعجتي خمسا توفيهنه‬
‫ويل الرغيف ويله منهنه‬ ‫طي النقا في الجوع يطويهنه‬
‫وقال عنترة‪:‬‬
‫حرمت علي وليتها لم تحرم‬ ‫يا شاة ما قنص لمن حلت له‬
‫فتجسسي أخبارها لي واعلمي‬ ‫فبعثت جاريتي فقلت لها اذهبي‬
‫والشاة ممكنة لمن هو مرتم‬ ‫قالت رأيت من العادي غرة‬
‫رشأ من الغزلن حر أرثم‬ ‫فكأنما التفتت بجيد جداية‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫فأصبت حبة قلبها وطحالها‬ ‫فرميت غفلة عينه عن شاته‬
‫وهذا من أحسن التعريض حيث كنى بالنعاج عن النساء‪ .‬قال الحسين بن الفضل‪ :‬هذا من الملكين‬
‫تعريض وتنبيه كقولهم ضرب زيد عمرا‪ ،‬وما كان ضرب ول نعاج على التحقيق‪ ،‬كأنه قال‪ :‬نحن‬
‫خصمان هذه حالنا‪ .‬قال أبو جعفر النحاس‪ :‬وأحسن ما قيل في هذا أن المعنى‪ :‬يقول‪ :‬خصمان بغى‬
‫بعضنا على بعض على جهة المسألة؛ كما تقول‪ :‬رجل يقول لمرأته كذا‪ ،‬ما يجب عليه؟‬
‫قلت‪ :‬وقد تأول المزني صاحب الشافعي هذه الية‪ ،‬وقوله صلى ال عليه وسلم في حديث ابن‬
‫شهاب الذي خرجه الموطأ وغيره‪( :‬هو لك يا عبد بن زمعة) على نحو هذا؛ قال المزني‪ :‬يحتمل‬
‫هذا الحديمث عندي ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أن يكون النمبي صملى ال عليمه وسملم أجاب عمن المسمألة فأعلمهمم‬
‫بالحكمم أن هذا يكون إذا ادعمى صماحب فراش وصماحب زنمى‪ ،‬ل أنمه قبمل على عتبمة قول أخيمه‬
‫سمعد‪ ،‬ول على زمعمة قول ابنمه إنمه ولد زنمى‪ ،‬لن كمل‪ ،‬واحمد منهمما أخمبر عمن غيره‪ .‬وقمد أجممع‬
‫المسملمون أنمه ل يقبمل إقرار أحمد على غيره‪ .‬وقمد ذكمر ال سمبحانه فمي كتابمه مثمل ذلك فمي‪ ،‬قصمة‬
‫داود والملئكمة؛ إذ دخلوا عليمه ففزع منهمم‪ ،‬قالوا‪ :‬ل تخمف خصممان ولم يكونوا خصممين‪ ،‬ولكان‬
‫لواحد منهم تسع وتسعون نعجة‪ ،‬ولكنهم كلموه على المسألة ليعرف بها ما أرادوا تعريفه‪ .‬فيحتمل‬
‫أن يكون النمبي صملى ال عليمه وسملم حكمم فمي هذه القصمة على المسمألة‪ ،‬وإن لم يكمن أحمد يؤنسمني‬
‫على هذا التأويل في الحديث؛ فإنه عندي صحيح‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ قال النحاس‪ :‬وفي قراءة ابن مسعود "إن هذا أخي كان له تسع وتسعون نعجة أنثى" و"كان"‬
‫هنما مثمل قول عمز وجمل‪" :‬وكان ال غفورا رحيمما" [النسماء‪ ]96 :‬فأمما قوله‪" :‬أنثمى" فهمو تأكيمد‪،‬‬
‫كما يقال‪ :‬هو رجل ذكر وهو تأكيد‪ .‬وقيل‪ :‬لما كان يقال هذه مائة نعجة‪ ،‬وإن كان فيها من الذكور‬
‫شيمء يسمير‪ ،‬جاز أن يقال‪ :‬أنثمى ليعلم أنمه ل ذكمر فيهما‪ .‬وفمي التفسمير‪ :‬له تسمع وتسمعون امرأة‪ .‬قال‬
‫ابمن العربمي‪ :‬إن كان جميعهن أحرارا فذلك شرعه‪ ،‬وإن كمن إماء فذلك شرعنا‪ .‬والظاهمر أن شرع‬
‫ممن تقدم قبلنما لم يكمن محصمورا بعدد‪ ،‬وإنمما الحصمر فمي شريعمة محممد صملى ال عليمه وسملم‪،‬‬
‫لضعممف البدان وقلة العمار‪ .‬وقال القشيري‪ :‬ويجوز أن يقال‪ :‬لم يكممن له هذا العدد بعينممه‪ ،‬ولكممن‬
‫المقصمود ضرب مثمل‪ ،‬كمما تقول‪ :‬لو جئتنمي مائة مرة لم أقمض حاجتمك‪ ،‬أي مرارا كثيرة‪ .‬قال ابمن‬
‫العربي‪ :‬قال بعض المفسرين‪ :‬لم يكن لداود مائة امرأة‪ ،‬وإنما ذكر التسعة والتسعين مثل؛ المعنى‪:‬‬
‫هذا غنمي عمن الزوجمة وأنما مفتقمر إليهما‪ .‬وهذا فاسمد ممن‪ ،‬وجهيمن‪ :‬أحدهمما‪ :‬أن العدول عمن الظاهمر‬
‫بغير دليل‪ ،‬ل معنى له‪ ،‬ول دليل يدل على أن شرع من قبلنا كان مقصورا من النساء على ما في‬
‫شرعنما‪ .‬الثانمي‪ :‬أنمه روى البخاري وغيره أن سمليمان قال‪( :‬لطوفمن الليلة على مائة امرأة تلد كمل‬
‫امرأة غلما يقاتل في سبيل ال ونسي أن يقول إن شاء ال) وهذا نص‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولي نعجمة واحدة" أي امرأة واحدة‪" :‬فقال أكفلنيهما" أي أنزل لي عنهما حتمى‬
‫أكفلهما‪ .‬وقال ابمن عباس‪ :‬أعطنيهما‪ .‬وعنمه‪ :‬تحول لي عنهما‪ .‬وقال ابمن مسمعود‪ .‬وقال أبمو العاليمة‪:‬‬
‫ضمهمما إلي حتممى أكفلهمما‪ .‬وقال ابممن كيسممان‪ :‬اجعلهمما كفلي ونصمميبي‪" .‬وعزنممي فممي الخطاب" أي‬
‫غلبنممي‪ .‬قال الضحاك‪ :‬إن تكلم كان أفصممح منممي‪ ،‬وإن حارب كان أبطممش منممي‪ .‬يقال‪ :‬عزه يعزه‬
‫بضم العين في المستقبل عزا غلبه‪ .‬وفي المثل‪ :‬من عزيز؛ أي من غلب سلب‪ .‬والسم العزة وهي‬
‫القوة والغلبة‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫تجاذبه وقد علق الجناح‬ ‫قطاة عزها شرك فباتت‬
‫وقرأ عبدال بمن مسمعود وعبيمد بمن عميمر‪" :‬وعازنمي فمي الخطاب" أي غالبنمي؛ ممن المعازة وهمي‬
‫المغالبمة؛ عازه أي غالبمه‪ .‬قال ابمن العربمي‪ :‬واختلف فمي سمبب الغلبمة؛ فقيمل‪ :‬معناه غلبنمي بمبيانه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬غلبني بسلطانه؛ لنه لما سأله لم يستطع خلفه‪ .‬كان ببلدنا أمير يقال له‪ :‬سير بن أبي بكر‬
‫فكلمتمه فمي أن يسمأل لي رجل حاجمة‪ ،‬فقال لي‪ :‬أمما علممت أن طلب السملطان للحاجمة غصمب لهما‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬أما إذا كان عدل فل‪ .‬فعجبت من عجمته وحفظه لما تمثل به وفطنته‪ ،‬كما عجب من جوابي‬
‫له واستغربه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه" قال النحاس‪ :‬فيقال إن هذه كانت خطيئة‬
‫داود عليمه السملم؛ لنمه قال‪ :‬لقمد ظلممك ممن غيمر تثبمت ببينمة‪ ،‬ول إقرار ممن الخصمم؛ همل كان هذا‬
‫كذا أولم يكن‪ .‬فهذا قول‪.‬‬
‫وسيأتي بيانه في المسألة بعد هذا‪ ،‬وهو حسن إن شاء ال تعالى‪ .‬وقال أبو جعفر النحاس‪ :‬فأما‬
‫قول العلماء الذيمن ل يدفمع قولهمم؛ منهمم عبدال بمن مسمعود وابمن عباس‪ ،‬فإنهمم قالوا‪ :‬مما زاد داود‬
‫صلى ال على نبينا وعليه على أن قال للرجل انزل لي عن امرأتك‪ .‬قال أبو جعفر‪ :‬فعاتبه ال عز‬
‫وجل على ذلك ونبهه عليه‪ ،‬وليس هذا بكبير من المعاصي‪ ،‬ومن تخطى إلى غير هذا فإنما يأتي‬
‫بمما ل يصمح عمن عالم‪ ،‬ويلحقمه فيمه إثمم عظيمم‪ .‬كذا قال‪ :‬فمي كتاب إعراب القرآن‪ .‬وقال‪ :‬فمي كتاب‬
‫معانمي القرآن له بمثله‪ .‬قال رضمي ال عنمه‪ :‬قمد جاءت أخبار وقصمص فمي أممر داود عليمه السملم‬
‫وأوريمما‪ ،‬وأكثرهمما ل يصممح ول يتصممل إسممناده‪ ،‬ول ينبغممي أن يجترأ على مثلهمما إل بعممد المعرفممة‬
‫بصحتها‪ .‬وأصح ما روي في ذلك ما رواه مسروق عن عبدال بن مسعود قال‪ :‬ما زاد داود عليه‬
‫السلم على أن قال‪" :‬أكفلنيها" أي انزل لي عنها‪ .‬وروى المنهال عن سعيد بن جبير قال‪ :‬ما زاد‬
‫داود صلى ال عليه وسلم على أن قال‪" :‬أكفلنيها" أي تحول لي عنها وضمها إلي‪ .‬قال أبو جعفر‪:‬‬
‫فهذا أجمل مما روي فمي هذا‪ ،‬والمعنمى عليمه أن داود عليمه السملم سمأل أوريما أن يطلق امرأتمه‪ ،‬كمما‬
‫يسأل الرجل الرجل أن يبيعه جاريته‪ ،‬فنبهه ال عز وجل على ذلك‪ ،‬وعاتبه لما كان نبيا وكان له‬
‫تسمع وتسمعون أنكمر عليمه أن يتشاغمل بالدنيما بالتزيمد منهما‪ ،‬فأمما غيمر هذا فل ينبغمي الجتراء عليمه‪.‬‬
‫قال ابن العربي‪ :‬وأما قولهم إنها لما أعجبته أمر بتقديم زوجها للقتل في سبيل ال فهذا باطل قطعا؛‬
‫فإن داود صملى ال عليمه وسملم لم يكمن ليريمق دممه فمي غرض نفسمه‪ ،‬وإنمما كان ممن الممر أن داود‬
‫قال لبعض أصحابه‪ :‬انزل لي عن أهلك وعزم عليه في ذلك‪ ،‬كما يطلب الرجل من الرجل الحاجة‬
‫برغبة صادقة؛ كانت في الهل أو في المال‪ .‬وقد قال سعيد بن الربيع لعبدالرحمن بن عوف حين‬
‫آخى رسول ال صلى ال عليه وسلم بينهما‪ :‬إن لي زوجتين أنزل لك عن أحسنهما؛ فقال له‪ :‬بارك‬
‫ال لك فمممي أهلك‪ .‬ومممما يجوز فعله ابتداء يجوز طلبمممه‪ ،‬وليمممس فمممي القرآن أن ذلك كان‪ ،‬ول أنممه‬
‫تزوجها بعد زوال عصمة الرجل عنها‪ ،‬ول ولدتها لسليمان‪ ،‬فعمن يروى هذا ويسند؟! وعلى من‬
‫فمي نقله يعتممد‪ ،‬وليمس يأثره عمن الثقات الثبات أحمد‪ .‬أمما أن فمي سمورة "الحزاب" نكتمة تدل على‬
‫أن داود قمد صمارت له المرأة زوجمة‪ ،‬وذلك قوله‪" :‬مما كان على النمبي ممن حرج فيمما فرض ال له‬
‫سنة ال في الذين خلوا من قبل" [الحزاب‪ ]38 :‬يعني في أحد القوال‪ :‬تزويج داود المرأة التي‬
‫نظر إليها‪ ،‬كما تزوج النبي صلى ال عليه وسلم زينب بنت جحش؛ إل أن تزويج زينب كان من‬
‫غيمر سمؤال الزوج فمي فراق‪ ،‬بمل أمره بالتمسمك بزوجتمه‪ ،‬وكان تزويمج داود للمرأة بسمؤال زوجهما‬
‫فراقها‪ .‬فكانت‪ ،‬هذه المنقبة لمحمد صلى ال عليه وسلم على داود مضافة إلى مناقبه العلية صلى‬
‫ال عليمه وسملم‪ .‬ولكمن قمد قيمل‪ :‬إن معنمى"سمنة ال فمي الذيمن خلوا ممن قبمل" تزويمج النمبياء بغيمر‬
‫صمداق ممن وهبمت نفسمها لهمم ممن النسماء بغيمر صمداق‪ .‬وقيمل‪ :‬أراد بقوله‪" :‬سمنة ال فمي الذيمن خلوا‬
‫من قبل" [الحزاب‪ ]38 :‬أن النبياء صلوات ال عليهم فرض لهم ما يمتثلونه في النكاح وغيره‪.‬‬
‫وهذا أصح القوال‪ .‬وقد روى المفسرون أن داود عليه السلم نكح مائة امرأة؛ وهذا نص القرآن‪.‬‬
‫وروي أن سليمان كانت له ثلثمائة امرأة وسبعمائة جارية؛ وربك أعلم‪.‬‬
‫وذكمر الكيما الطمبري فمي أحكاممه فمي قول ال عمز وجمل‪" :‬وهمل أتاك نبمأ الخصمم إذ تسموروا‬
‫المحراب" الية‪ :‬ذكر المحققون الذين يرون تنزيه النبياء عليهم السلم عن الكبائر‪ ،‬أن داود عليه‬
‫السملم كان قمد أقدم على خطبمة امرأة قمد خطبهما غيره‪ ،‬يقال‪ :‬همو أوريما؛ فمال القوم إلى تزويجهما‬
‫من داود راغبين فيه‪ ،‬وزاهدين في الخاطب الول‪ ،‬ولم يكن بذلك داود عارفا‪ ،‬وقد كان يمكنه أن‬
‫يعرف ذلك فيعدل عن هذه الرغبة‪ ،‬وعن الخطبة بها فلم يفعل ذلك‪ ،‬من حيث أعجب بها إما وصفا‬
‫أومشاهدة على غيمر تعممد؛ وقمد كان لداود عليمه السملم ممن النسماء العدد الكثيمر‪ ،‬وذلك الخاطمب ل‬
‫امرأة له‪ ،‬فنبه ال تعالى على ما فعل بما كان من تسور الملكين‪ ،‬وما أورداه من التمثيل على وجه‬
‫التعريممض؛ لكممى يفهممم مممن ذلك موقممع العتممب فيعدل عممن هذه الطريقممة‪ ،‬ويسممتغفر ربممه مممن هذه‬
‫الصغيرة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه" فيه الفتوى في النازلة بعد السماع من‬
‫أحمد الخصممين‪ ،‬وقبمل أن يسممع ممن الخمر بظاهمر هذا القول‪ .‬قال ابمن العربمي‪ :‬وهذا ممما ل يجوز‬
‫عند أحد‪ ،‬ول في ملة من الملل‪ ،‬ول يمكن ذلك للبشر‪ .‬وإنما تقدير الكلم أن أحد الخصمين أدعى‬
‫والخر سلم فمي الدعوى‪ ،‬فوقعت بعد ذلك الفتوى‪ .‬وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا جلس‬
‫إليمك الخصممان فل تقضمى لحدهمما حتمى تسممع ممن الخمر) وقيمل‪ :‬إن داود لم يقمض للخمر حتمى‬
‫اعترف صماحبه بذلك‪ .‬وقيمل‪ :‬تقديره لقمد ظلممك إن كان كذلك‪ .‬وال أعلم بتعييمن مما يمكمن ممن هذه‬
‫الوجوه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ذكممر هذيممن الوجهيممن القشيري والماوردي وغيرهممما‪ .‬قال القشيري‪ :‬وقوله‪" :‬لقممد ظلمممك‬
‫بسؤال نعجتك" من غير أن يسمع كلم الخصم مشكل؛ فيمكن أن يقال‪ :‬إنما قال هذا بعد مراجعة‬
‫الخصم الخر وبعد اعترافه‪ .‬وقد روي هذا وإن لم تثبت روايته‪ ،‬فهذا معلوم من قرائن الحال‪ ،‬أو‬
‫أراد لقد ظلمك إن كان المر على ما تقول‪ ،‬فسكته بهذا وصبره إلى أن يسأل خصمه‪ .‬قال ويحتمل‬
‫أن يقال‪ :‬كان ممن شرعهمم التعويمل على قول المدعمي عنمد سمكوت المدعمى عليمه‪ ،‬إذا لم يظهمر منمه‬
‫إنكار بالقول‪ .‬وقال الحليمممي أبممو عبدال فممي كتاب منهاج الديممن له‪ :‬ومممما جاء فممي شكممر النعمممة‬
‫المنتظرة إذا حضرت‪ ،‬أوكانمت خافيمة فظهرت‪ :‬السمجود ل عمز وجمل‪ .‬قال والصمل فمي ذلك قول‬
‫عمز وجمل‪" :‬وهمل أتاك نبمأ الخصمم" إلى قوله‪" :‬وحسمن مآب"‪ .‬أخمبر ال عمز وجمل عمن داود عليمه‬
‫السلم‪ :‬أنه سمع قول المتظلم من الخصمين‪ ،‬ولم يخبر عنه أنه سأل الخر‪ ،‬إنما حكى أنه ظلمه‪،‬‬
‫فكان ظاهمر ذلك أنمه رأى فمي المتكلم مخائل الضعمف والهضيممة‪ ،‬فحممل أمره على أنمه مظلوم كمما‬
‫يقول‪ ،‬ودعاه ذلك إلى أل يسمأل الخصمم؛ فقال له مسمتعجل‪" :‬لقمد ظلممك" ممع إمكان أنمه لو سمأله‬
‫لكان يقول‪ :‬كانت لي مائة نعجة ول شيء لهذا‪ ،‬فسرق مني هذه النعجة‪ ،‬فلما وجدتها عنده قلت له‬
‫ارددهما‪ ،‬ومما قلت له أكفلنيهما‪ ،‬وعلم أنمي مرافعمه إليمك‪ ،‬فجرنمي قبمل أن أجره‪ ،‬وجاءك متظلمما ممن‬
‫قبل أن أحضره‪ ،‬لتظن أنه هو المحق وأني أنا الظالم‪ .‬ولما تكلم داود بما حملته العجلة عليه‪ ،‬علم‬
‫أن ال عمز وجمل خله ونفسمه فمي ذلك الوقمت‪ ،‬وهمو الفتنمة التمي ذكرناهما‪ ،‬وأن ذلك لم يكمن إل عمن‬
‫تقصمير منمه‪ ،‬فاسمتغفر ربمه وخمر راكعما ل تعالى شكرا على أن عصممه‪ ،‬بأن اقتصمر على تظليمم‬
‫المشكو‪ ،‬ولم يزده على ذلك شيئا من انتهار أو ضرب أو غيرهما‪ ،‬مما يليق بمن تصور في القلب‬
‫أنه ظالم‪ ،‬فغفر ال له ثم أقبل عليه يعاتبه؛ فقال‪" :‬يا داود إنا جعلناك خليفة في الرض فاحكم بين‬
‫الناس بالحق ول تتبع الهوى فيضلك عن سبيل ال" [ص‪ ]26 :‬فبان بما قصه ال تعالى من هذه‬
‫الموعظمة‪ ،‬التمي توخاه بهما بعمد المغفرة‪ ،‬أن خطيئتمه إنمما كانمت التقصمير فمي الحكمم‪ ،‬والمبادرة إلى‬
‫تظليم من لم يثبت عنده ظلمه‪ .‬ثم جاء عن ابن عباس أنه قال‪ :‬سجدها داود شكرا‪ ،‬وسجدها النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم اتباعا‪ ،‬فثبت أن السجود للشكر سنة متواترة عن النبياء صلوات ال عليهم‪.‬‬
‫"بسؤال نعجتك"أي بسؤاله نعجتك؛ فأضاف المصدر إلى المفعول‪ ،‬وألقى الهاء من السؤال؛ وهو‬
‫كقوله تعالى‪" :‬ل يسأم النسان من دعاء الخير" [فصلت‪ ]49 :‬أي من دعائه الخير‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن كثيرا ممن الخلطاء" يقال‪ :‬خليمط وخلطاء‪ ،‬ول يقال طويمل وطولء؛ لثقمل‬
‫الحركة في الواو‪ .‬وفيه وجهان‪ :‬أحدهما أنهما الصحاب‪ .‬الثاني أنهما الشركاء‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إطلق الخلطاء على الشركاء‪ .‬فيمه بعمد‪ ،‬وقمد اختلف العلماء فمي صمفة الخلطاء فقال أكثمر‬
‫العلماء‪ :‬همو أن يأتمي كمل واحمد بغنممه فيجمعهمما راع واحمد والدلو والمراح‪ .‬وقال طاوس وعطاء‪:‬‬
‫ل يكون الخلطاء إل الشركاء‪ .‬وهذا خلف الخمبر؛ وهمو قوله صملى ال عليمه وسملم‪( :‬ل يجممع بيمن‬
‫مفترق ول يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجحان بينهما بالسوية)‬
‫وروي (فإنهمما يترادان الفضمل) ول موضمع لتراد الفضمل بيمن الشركاء؛ فاعلممه‪ .‬وأحكام الخلطمة‬
‫مذكورة فمي كتمب الفقمه‪ .‬ومالك وأصمحابه وجممع ممن العلماء ل يرون الصمدقة على ممن ليمس فمي‬
‫حصمته مما تجمب فيمه الزكاة‪ .‬وقال الربيمع والليمث وجممع ممن العلماء منهمم الشافعمي‪ :‬إذا كان فمي‬
‫جميعهما مما تجمب فيمه الزكاة أخذت منهمم الزكاة‪ .‬قال مالك‪ :‬وإن أخمذ المصمدق بهذا ترادوا بينهمم‬
‫للختلف في ذلك‪ ،‬وتكون كحكم حاكم اختلف فيه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليبغممي بعضهممم على بعممض" أي يتعدى ويظلم‪" .‬إل الذيممن آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات" فإنهم ل يظلمون أحدا‪" .‬وقليل ما هم" يعني الصالحين‪ ،‬أي وقليل هم فم "ما" زائدة‪.‬‬
‫وقيمل‪ :‬بمعنمى الذيمن وتقديره وقليمل الذيمن همم‪ .‬وسممع عممر رضمي ال عنمه رجل يقول فمي دعائه‪:‬‬
‫اللهمم اجعلنمي ممن عبادك القليمل‪ .‬فقال له عممر‪ :‬مما هذا الدعاء‪ .‬فقال أردت قول ال عمز وجمل‪" :‬إل‬
‫الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم" فقال عمر‪ :‬كل الناس أفقه منك يا عمر!‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وظن داود أنما فتناه" أي ابتليناه‪" .‬وظن" معناه أيقن‪ .‬قال أبو عمرو والفراء‪ :‬ظن‬
‫بمعنممى أيقممن‪ ،‬إل أن الفراء شرحممه بأنممه ل يجوز فممي المعايممن أن يكون الظممن إل بمعنممى اليقيممن‪.‬‬
‫والقراءة "فتناه" بتشديمد النون دون التاء‪ .‬وقرأ عممر بمن الخطاب رضمي ال عنمه "فتناه" بتشديمد‬
‫التاء والنون على المبالغة‪ .‬وقرأ قتادة وعبيد بن عمير وابن السميقع "فتناه" بتخفيفهما‪ .‬ورواه علي‬
‫بن نصر عن أبي عمرو‪ ،‬والمراد به الملكان اللذان دخل على داود عليه السلم‪.‬‬
‫@ قيمل‪ :‬لمما قضمى داود بينهمما فمي المسمجد‪ ،‬نظمر أحدهمما إلى صماحبه فضحمك فلم يفطمن داود؛‬
‫فأحبمما أن يعرفهممما‪ ،‬فصممعدا إلى السممماء حيال وجهممه‪ ،‬فعلم داود عليممه السمملم أن ال تعالى ابتله‬
‫بذلك‪ ،‬ونبهه على ما ابتله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وليمس فمي القران مما يدل على‪ ،‬القضاء فمي المسمجد إل هذه اليمة‪ ،‬وبهما اسمتدل ممن قال‬
‫بجواز القضاء فممي المسممجد‪ ،‬ولو كان ذلك ل يجوز كممما قال الشافعممي لممما أقرهممم داود على ذلك‪.‬‬
‫ويقول‪ :‬انصممرفا إلى موضممع القضاء‪ .‬وكان النممبي صمملى ال عليممه وسمملم والخلفاء يقضون فممي‬
‫المسمجد‪ ،‬وقمد قال مالك‪ :‬القضاء فمي المسمجد ممن الممر القديمم‪ .‬يعنمي فمي أكثمر المور‪ .‬ول بأس أن‬
‫يجلس فممي رحبتممه؛ ليصممل إليممه الضعيممف والمشرك والحائض‪ ،‬ول يقيممم فيممه الحدود؛ ول بأس‬
‫بخفيف الدب‪ .‬وقد قال أشهب‪ :‬يقضي في منزله وأين أحب‪.‬‬
‫@ قال مالك رحممه ال‪ :‬وكان الخلفاء يقضون بأنفسمهم‪ ،‬وأول ممن اسمتقضى معاويمة‪ .‬قال مالك‪:‬‬
‫وينبغي للقضاة مشاورة العلماء‪ .‬وقال عمر بن عبدالعزيز‪ :‬ل يستقضي حتى يكون عالما بآثار من‬
‫مضى‪ ،‬مستشيرا لذوي الرأي‪ ،‬حليما نزها‪ .‬قال‪ :‬ويكون ورعا‪ .‬قال مالك‪ :‬وينبغي أن يكون متيقظا‬
‫كثيممر التحذر مممن الحيممل‪ ،‬وأن يكون عالممما بالشروط‪ ،‬عارفمما بممما ل بممد له منممه مممن العربيممة؛ فإن‬
‫الحكام تختلف باختلف العبارات والدعاوى والقرارات والشهادات والشروط التممممي تتضمممممن‬
‫حقوق المحكوم له‪ .‬وينبغممي له أن يقول قبممل إنجاز الحكممم للمطلوب‪ :‬أبقيممت لك حجممة؟ فإن قال ل‬
‫حكمم عليمه‪ ،‬ول يقبمل منمه حجمة بعمد إنفاذ حكممه إل أن يأتمي بمما له وجمه أوبينمة‪ .‬وأحكام القضاء‬
‫والقضاة فيما لهم وعليهم مذكورة في غير هذا الموضع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاستغفر ربه" اختلف المفسرون في الذنب الذي استغفر منه‬
‫على أقوال سمتة‪ :‬الول‪ :‬أنمه نظمر إلى المرأة حتمى شبمع منهما‪ .‬قال سمعيد بمن جمبير‪ :‬إنمما كانمت فتنتمه‬
‫النظرة‪ .‬قال أبو إسحاق‪ :‬ولم يتعمد داود النظر إلى المرأة لكنه عاود النظر إليها‪ ،‬فصارت الولى‬
‫له والثانيمة عليه‪ .‬الثانمي‪ :‬أنه أغزى زوجهما فمي حملة التابوت‪ .‬الثالث‪ :‬أنمه نوى إن مات زوجهما أن‬
‫يتزوجهما‪ .‬الرابمع‪ :‬أن أوريما كان خطمب تلك المرأة‪ ،‬فلمما غاب خطبهما داود فزوجمت منمه لجللتمه‪،‬‬
‫فاغتمم لذلك أوريما‪ .‬فعتمب ال على داود إذ لم يتركهما لخاطبهما‪ .‬وقمد كان عنده تسمع وتسمعون امرأة‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أنه لم يجزع على قتل أوريا‪ ،‬كما كان يجزع على من هلك من الجند‪ ،‬ثم تزوج امرأته‪،‬‬
‫فعاتبمه ال تعالى على ذلك؛ لن ذنوب النمبياء وإن صمغرت فهمي عظيممة عنمد ال‪ .‬السمادس‪ :‬أنمه‬
‫حكم لحد الخصمين قبل أن يسمع من الخر‪ .‬قال القاضي ابن العربي‪ :‬أما قول من قال‪ :‬إنه حكم‬
‫لحمد الخصممين قبمل أن يسممع ممن الخمر فل يجوز على النمبياء‪ ،‬وكذلك تعريمض زوجهما للقتمل‪.‬‬
‫وأممما مممن قال‪ :‬إنممه نظممر إليهمما حتممى شبممع فل يجوز ذلك عندي بحال؛ لن طموح النظممر ل يليممق‬
‫بالولياء المتجردين للعبادة‪ ،‬فكيف بالنبياء الذين هم وسائط ال المكاشفون بالغيب! وحكى السدي‬
‫عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه قال‪ :‬لو سمعت رجل يذكر أن داود عليه السلم قارف من‬
‫تلك المرأة محرممما لجلدتممه سممتين ومائة؛ لن حممد قاذف الناس ثمانون وحممد قاذف النممبياء سممتون‬
‫ومائة‪ .‬ذكره الماوردي والثعلبممي أيضمما‪ .‬قال الثعلبممي‪ :‬وقال الحارث العور عممن علي‪ :‬مممن حدث‬
‫بحديث داود على ما ترويه القصاص معتقدا جلدته حدين؛ لعظم ما ارتكب برمي من قد رفع ال‬
‫محله‪ ،‬وارتضاه من خلقه رحمة للعالمين‪ ،‬وحجة للمجتهدين‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وهذا مما لم يصح‬
‫عن علي‪ .‬فإن قيل‪ :‬فما حكمه عندكم؟ قلنا‪ :‬أما من قال إن نبيا زنى فإنه يقتل‪ ،‬وأما من نسب إليه‬
‫مما دون ذلك ممن النظمر والملمسمة‪ ،‬فقمد اختلف نقمل الناس فمي ذلك؛ فإن صممم أحمد على ذلك فيمه‬
‫ونسمبه إليمه قتلتمه‪ ،‬فإنمه يناقمض التعزيمر المأمور بمه‪ ،‬فأمما قولهمم‪ :‬إنمه وقمع بصمره على امرأة تغتسمل‬
‫عريانمة‪ ،‬فلمما رأتمه أسمبلت شعرهما فسمترت جسمدها‪ ،‬فهذا ل حرج عليمه فيمه بإجماع ممن الممة؛ لن‬
‫النظرة الولى تكشمف المنظور إليمه ول يأثمم الناظمر بهما‪ ،‬فأمما النظرة الثانيمة فل أصمل لهما‪ .‬وأمما‬
‫قولهم‪ :‬إنه‪ .‬نوى إن مات زوجها تزوجها فل شيء فيه إذ لم يعرضه للموت‪.‬‬
‫وأمما قولهمم‪ :‬إنمه خطمب على خطبمة أوريما فباطمل يرده القرآن والثار التفسميرية كلهما‪ .‬وقمد روى‬
‫أشهمب عمن مالك قال‪ :‬بلغنمي أن تلك الحماممة أتمت فوقعمت قريبما ممن داود عليمه السملم وهمي ممن‬
‫ذهب‪ ،‬فلما رآها أعجبته فقام ليأخذها فكانت قرب يده‪ ،‬ثم صنع مثل ذلك مرتين‪ ،‬ثم طارت واتبعها‬
‫ببصمره فوقعت عينه على تلك المرأة وهمي‪ ،‬تغتسمل ولها شعمر طويل؛ فبلغنمي أنه أقام أربعيمن ليلة‬
‫سماجدا حتمى نبمت العشمب ممن دموع عينمه‪ .‬قال ابمن العربمي‪ :‬وأمما قول المفسمرين إن الطائر درج‬
‫عنده فهمم بأخذه واتبعمه فهذا ل يناقمض العبادة؛ لنمه مباح فعله‪ ،‬ل سميما وهمو حلل وطلب الحلل‬
‫فريضمة‪ ،‬وإنمما أتبمع الطيمر لذاتمه ل لجماله فإنمه ل منفعمة له فيمه‪ ،‬وإنمما ذكرهمم لحسمن الطائر خرق‬
‫في الجهالة‪ .‬أما أنه روي أنه كان طائرا من ذهب فاتبعه ليأخذه؛ لنه من فضل ال سبحانه وتعالى‬
‫كمما روي فمي الصمحيح‪( :‬إن أيوب عليمه السملم كان يغتسمل عريانما فخمر عليمه رجمل ممن جراد ممن‬
‫ذهب فجعل يحثي منه ويجعل في ثوبه‪ ،‬فقال ال تعالى له‪" :‬يا أيوب ألم أكن أغنيتك" قال‪( :‬بلى يا‬
‫رب ولكمن ل غنمى لي عمن بركتمك)‪ .‬وقال القشيري‪ :‬فهمم داود بأن يأخذه ليدفعمه إلى ابمن له صمغير‬
‫فطار ووقع على كوة البيت؛ وقاله الثعلبي أيضا وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وخر راكعا وأناب" أي خر ساجدا‪ ،‬وقد يعبر عن السجود بالركوع‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وتاب إلى ال من كل ذنب‬ ‫فخر على وجهه راكعا‬
‫قال ابن العربي‪ :‬ل خلف بين العلماء أن المراد بالركوع ها هنا السجود؛ فإن السجود هو الميل‪،‬‬
‫والركوع هو النحناء‪ ،‬وأحدهما يدخل على الخر‪ ،‬ولكنه قد يختص كل واحد بهيئه‪ ،‬ثم جاء هذا‬
‫على تسمية أحدهما بالخر‪ ،‬فسمي السجود ركوعا‪ .‬وقال المهدوي‪ :‬وكان ركوعهم سجودا‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫بل كان سجودهم ركوعا‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬فوقع من ركوعه ساجدا ل عز وجل‪ .‬أي لما أحس بالمر‬
‫قام إلى الصملة‪ ،‬ثمم وقمع ممن الركوع إلى السمجود؛ لشتمالهمما جميعما على النحناء‪" .‬وأناب" أي‬
‫تاب من خطيئته ورجع إلى ال‪ .‬وقال الحسن بن الفضل‪ :‬سألني عبدال بن طاهر وهو الوالي عن‬
‫قول ال عمز وجمل‪" :‬وخمر راكعما" فهمل يقال للراكمع خمر؟‪ .‬قلت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فمما معنمى اليمة؟ قلت‪:‬‬
‫معناها فخر بعد أن كان راكعا أي سجد‪.‬‬
‫@ واختلف فمي سمجدة داود همل همي ممن عزائم السمجود المأمور بمه فمي القرآن أم ل؟ فروى أبمو‬
‫سمعيد الخدري أن النمبي صملى ال عليمه وسملم قرأ على المنمبر‪" :‬ص والقرآن ذي الذكمر" فلمما بلغ‬
‫السممجدة نزل فسممجد وسممجد الناس معممه‪ ،‬فلممما كان يوم آخممر قرأ بهمما فتشزن الناس للسممجود‪ ،‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إنها توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود) ونزل وسجد‪ .‬وهذا‬
‫لفمظ أبمي داود‪ .‬وفمي البخاري وغيره عن ابمن عباس أنه قال‪" :‬ص" ليسمت ممن عزائم القرآن‪ ،‬وقمد‬
‫رأيت النبي صلى ال عليه وسلم يسجد فيها‪ .‬وقد روي من طريق عن ابن مسعود أنه قال‪" :‬ص"‬
‫توبمة نمبي ول يسمجد فيهما؛ وعمن ابمن عباس أنهما توبمة نمبي ونمبيكم مممن أممر أن يقتدى بمه‪ .‬قال ابمن‬
‫العربمي‪ :‬والذي عندي أنهما ليسمت موضمع سمجود‪ ،‬ولكمن النمبي صملى ال عليمه وسملم سمجد فيهما‬
‫فسجدنا بالقتداء به‪ .‬ومعنى السجود أن داود سجد خاضعا لربه‪ ،‬معترفا بذنبه‪ .‬تائبا من خطيئته؛‬
‫فإذا سجد أحد فيها فليسجد بهذه النية‪ ،‬فلعل ال أن يغفر له بحرمة داود الذي اتبعه‪ ،‬وسواء قلنا إن‬
‫شرع من قبلنا شرع لنا أم ل؟ فإن هذا أمر مشروع في كل أمة لكل أحد‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫خوَي ِزمَنداد‪ :‬قوله‪" :‬وخمر راكعما وأناب" فيمه دللة على‪ ،‬أن السمجود للشكمر مفردا ل‬ ‫@ قال ابمن ُ‬
‫يجوز؛ لنمه ذكمر معمه الركوع؛ وإنمما الذي يجوز أن يأتمي بركعتيمن شكرا فأمما سمجدة مفردة فل؛‬
‫وذلك أن البشارات كانمت تأتمي رسمول ال صملى ال عليمه وسملم والئممة بعده‪ ،‬فلم ينقمل عمن أحمد‬
‫منهم أنه سجد شكرا‪ ،‬ولو كان ذلك مفعول لهم لنقل نقل متظاهرا لحاجة العامة إلى جوازه وكونه‬
‫قربة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفمي سمنن ابمن ماجمة عمن عبدال بمن أبمي أوفمى أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم صملى‬
‫يوم بشر برأس أبي جهل ركعتين‪ .‬وخرج من حديث أبي بكرة أن النبي صلى ال عليه وسلم كان‬
‫إذا أتاه أمر يسره ‪ -‬أو يسر به ‪ -‬خر ساجدا شكرا ل‪ .‬وهذا قول الشافعي وغيره‪.‬‬
‫@ روى الترمذي وغيره واللفمظ للغيمر‪ :‬أن رجل ممن النصمار على عهمد رسمول ال صملى ال‬
‫عليممه وسمملم كان يصمملي مممن الليممل يسممتتر بشجرة وهممو يقرأ‪" :‬ص والقرآن ذي الذكممر" فلممما بلغ‬
‫السممجدة سممجد وسممجدت معممه الشجرة‪ ،‬فسمممعها وهممي تقول‪ :‬اللهممم أعظممم لي بهذه السممجدة أجرا‪،‬‬
‫وارزقني بها شكرا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬خرج ابمن ماجمة فمي سمننه عن ابمن عباس قال‪ :‬كنمت عنمد النمبي صملى ال عليه وسملم‪،‬فأتاه‬
‫رجمل فقال‪ :‬إنمي رأيمت البارحمة فيمما يرى النائم‪ ،‬كأنمي أصملي إلى أصمل شجرة‪ ،‬فقرأت السمجدة‬
‫فسمجدت فسمجدت الشجرة لسمجودي‪ ،‬فسممعتها تقول‪ :‬اللهمم أحطمط بهما عنمي وزرا‪ ،‬واكتمب لي بهما‬
‫أجرا‪ ،‬وأجعلهمما لي عندك ذخرا‪ .‬قال ابممن عباس فرأيممت رسممول ال صمملى ال عليممه وسمملم قرأ‬
‫"السجدة" فسجد‪ ،‬فسمعته يقول في سجوده مثل الذي أخبره الرجل عن قول الشجرة‪ .‬ذكره الثعلبي‬
‫عمن أبمي سمعيد الخدري؛ قال‪ :‬قلت يما رسمول ال رأيتنمي فمي النوم كأنمي تحمت شجرة والشجرة تقرأ‬
‫"ص" فلما بلغت السجدة سجدت فيها‪ ،‬فسمعتها تقول في سجودها‪ :‬اللهم أكتب لي بها أجرا‪ ،‬وحط‬
‫عني بها وزرا‪ ،‬وارزقني بها شكرا‪ ،‬وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود سجدته‪ .‬فقال لي النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬أفسجدت أنت يا أبا سعيد) فقلت‪ :‬ل وال يا رسول ال‪ .‬فقال‪( :‬لقد كنت أحق‬
‫بالسجود من الشجرة) ثم قرأ النبي صلى ال عليه وسلم "ص" حتى بلغ السجدة فسجد‪ ،‬ثم قال مثل‬
‫ما قالت الشجرة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فغفرنما له ذلك" أي فغفرنما له ذنبمه‪ .‬قال ابمن النباري‪" :‬فغفرنما له ذلك" تام‪ ،‬ثمم‬
‫تبتدئ "وإن له" وقال القشيري‪ :‬ويجوز الوقممف على "فغفرنمما له" ثممم تبتدئ "ذلك وإن له" كقوله‪:‬‬
‫"هذا وإن للطاغيمن" [ص‪ ]55 :‬أي الممر ذلك‪ .‬وقال عطاء الخراسماني وغيره‪ :‬إن داود سمجد‬
‫أربعين يوما حتى نبت المرعى من حر جوفه وغمر رأسه‪ ،‬فنودي‪ :‬أجائع فتطعم وأعار فتكسى؛‬
‫فنحمب نحبمة هاج المرعمى ممن حمر جوفمه‪ ،‬فغفمر له وسمتر بهما‪ .‬فقال‪ :‬يما رب هذا ذنمبي فيمما بينمي‬
‫وبينك قد غفرته‪ ،‬وكيف بفلن وكذا وكذا رجل من بني إسرائيل‪ ،‬تركت أولدهم أيتاما‪ ،‬ونساءهم‬
‫أرامل؟ قال‪ :‬يا داود ل يجاوزني يوم القيامة ظلم أمكنه منك ثم أستوهبك منه بثواب الجنة‪ .‬قال‪ :‬يا‬
‫رب هكذا تكون المغفرة الهينة‪ .‬ثم قيل‪ :‬يا داود ارفع رأسك‪ .‬فذهب ليرفع رأسه فإذا به قد نشب في‬
‫الرض‪ ،‬فأتاه جبريمل فاقتلعمه عمن وجمه الرض كمما يقتلع ممن الشجرة صممغها‪ .‬رواه الوليمد بمن‬
‫مسلم عن ابن جابر عن عطاء‪ .‬قال الوليد‪ :‬وأخبرني منير بن الزبير‪ ،‬قال‪ :‬فلزق مواضع مساجده‬
‫على الرض من فروة وجهه ما شاء ال‪ .‬قال الوليد قال ابن لهيعة‪ :‬فكان يقول في سجوده سبحانك‬
‫هذا شرابمي دموعمي وهذا طعاممي فمي رماد بيمن يدي‪ .‬فمي روايمة‪ :‬إنمه سمجد أربعيمن يومما ل يرفمع‬
‫رأسمه إل للصملة المكتوبمة‪ ،‬فبكمى حتمى نبمت العشمب ممن دموعمه‪ .‬وروي مرفوعما ممن حديمث أبمي‬
‫هريرة عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم‪( :‬إن داود مكمث أربعيمن ليلة سماجدا حتمى نبمت العشمب ممن‬
‫دموعه على رأسه وأكلت الرض من جبينه وهو يقول في سجوده‪ :‬يا رب داود زل زلة بعد بها‬
‫مما بيمن المشرق والمغرب رب إن لم ترحمم ضعمف داود وتغفمر ذنبمه جعلت ذنبمه حديثما فمي الخلق‬
‫ممن بعده فقال له جبريمل بعمد أربعيمن سمنة يما داود إن ال قمد غفمر لك الهمم الذي همممت بمه) وقال‬
‫وهب‪ :‬إن داود عليه السلم نودي أني قد غفرت لك‪ .‬فلم يرفع رأسه حتى جاءه جبريل فقال‪ :‬لم ل‬
‫ترفع رأسك وربك قد غفر لك؟ قال يا رب كيف وأنت ل تظلم أحدا‪ .‬فقال ال لجبريل‪ :‬اذهب إلى‬
‫داود فقمل له يذهمب إلى قمبر أوريما فيتحلل منمه‪ ،‬فأنما أسممعه نداءه‪ .‬فلبمس داود المسموح وجلس عنمد‬
‫قمبر أوريما ونادى يما أوريما فقال‪ :‬لبيمك ! ممن هذا الذي قطمع علي لذتمي وأيقظنمي؟ فقال‪ :‬أنما أخوك‬
‫داود أسمألك أن تجعلنمي فمي حمل فإنمي عرضتمك للقتمل قال‪ :‬عرضتنمي للجنمة فأنمت فمي حمل‪ .‬وقال‬
‫الحسممن وغيره‪ :‬كان داود عليممه السمملم بعممد الخطيئة ل يجالس إل الخاطئيممن‪ ،‬ويقول‪ :‬تعالوا إلى‬
‫داود الخطاء‪ ،‬ول يشرب شرابمما إل مزجممه بدموع عينيممه‪ .‬وكان يجعممل خبممز الشعيممر اليابممس فممي‬
‫قصمعة فل يزال يبكمي حتمى يبتمل بدموعمه‪ ،‬وكان يذر عليمه الرماد والملح فيأكمل ويقول‪ :‬هذا أكمل‬
‫الخاطئين‪ .‬وكان قبل الخطيئة يقوم نصف اليل ويصوم نصف الدهر‪ .‬ثم صام بعده الدهر كله وقام‬
‫الليل كله‪ .‬وقال‪ :‬يا رب اجعل خطيئتي في كفي فصارت خطيئته منقوشة في كفه‪ .‬فكان ل يبسطها‬
‫لطعام ول شراب ول شيممء إل رأهمما فأبكتممه‪ ،‬وإن كان ليؤتممى بالقدح ثلثاه ماء‪ ،‬فإذا تناوله أبصممر‬
‫خطيئتمه فمما يضعمه عمن شفتمه حتمى يفيمض ممن دموعمه‪ .‬وروى الوليمد بمن مسملم‪ :‬حدثنمي أبمو عمرو‬
‫الوزاعي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إنما مثل عيني داود مثل القربتين تنطفان ولقد‬
‫خدد الدموع في وجه داود خديد الماء في الرض)‪.‬‬
‫قال الوليمد‪ :‬وحدثنما عثمان بمن ابمن العاتكمة أنمه كان فمي قول داود‪ .‬إذ همو خلو ممن الخطيئة شدة‬
‫قوله فمي الخطائيمن أن كان يقول‪ :‬اللهمم ل تغفمر للخطائيمن‪ .‬ثمم صمار إلى أن يقول‪ :‬اللهمم رب اغفمر‬
‫للخاطئيمن لكمي تغفمر لداود معهمم؛ سمبحان خالق النور‪ .‬إلهمي خرجمت أسمأل أطباء عبادك أن يداووا‬
‫خطيئتي فكلهم عليك يدلني‪ .‬إلهي أخطأت خطيئة قد خفت أن تجعل حصادها عذابك يوم القيامة إن‬
‫لم تغفرهمما؛ سممبحان خالق النور‪ .‬إلهممي إذا ذكرت خطيئتممي ضاقممت الرض برحبهمما علي‪ ،‬وإذا‬
‫ذكرت رحمتمك أرتمد إلى روحمي‪ .‬وفمي الخمبر‪ :‬أن داود عليمه السملم كان إذا عل المنمبر رفمع يمينمه‬
‫فاسممتقبل بهمما الناس ليريهممم نقممش خطيئتممه؛ فكان ينادي‪ :‬إلهممي إذا ذكرت خطيئتممي ضاقممت علي‬
‫الرض برحبها‪ ،‬وإذا ذكرت رحمتك أرتد إلي روحي؛ رب اغفر للخاطئين كي تغفر لداود معهم‪.‬‬
‫وكان يقعمد على سمبعة أفرشمة ممن الليمف محشوة بالرماد‪ ،‬فكانمت تسمتنقع دموعمه تحمت رجليمه حتمى‬
‫تنفممذ مممن الفرشممة كلهمما‪ .‬وكان إذا كان يوم نوحممه نادى مناديممه فممي الطرق والسممواق والوديممة‬
‫والشعاب وعلى رؤوس الجبال وأفواه الغيران‪ :‬أل إن هذا يوم نوح داود‪ ،‬فممن أراد أن يبكمي على‬
‫ذنبممه فليأت داود فيسممعده؛ فيهبممط السممياح مممن الغيران والوديممة‪ ،‬وترتممج الصمموات حول منممبره‬
‫والوحوش والسممباع والطيممر عكممف؛ وبنممو إسممرائيل حول منممبره؛ فإذا أخممذ فممي العويممل والنوح‪،‬‬
‫وأثارت الحرقات منابمع دموعمه‪ ،‬صمارت الجماعمة ضجمة واحدة نوحما وبكاء‪ ،‬حتمى يموت حول‬
‫منمبره بشمر كثيمر فمي مثمل ذلك اليوم‪ .‬ومات داود عليمه السملم فيمما قيمل يوم السمبت فجأة؛ أتاه ملك‬
‫الموت وهمو يصمعد فمي محرابمه وينزل؛ فقال‪ :‬جئت لقبمض روحمك‪ .‬فقال‪ :‬دعنمي حتمى أنزل أو‬
‫أرتقممي‪ .‬فقال‪ :‬مالي إلى ذلك سممبيل؛ نفدت اليام والشهور والسممنون والثار والرزاق‪ ،‬فممما أنممت‬
‫بمؤثمر بعدهما أثرا‪ .‬قال‪ :‬فسمجد داود على مرقاة ممن الدرج فقبمض نفسمه على تلك الحال‪ .‬وكان بينمه‬
‫وبين موسى عليهما السلم خمسمائة وتسع وتسعون سنة‪ .‬وقيل‪ :‬تسع وسبعون‪ ،‬وعاش مائة سنة‪،‬‬
‫وأوصى إلى ابنه سليمان بالخلفة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب" قال محمد بن كعب ومحمد بن قيس‪" :‬وإن له‬
‫عندنما لزلفمى" قربمة بعمد المغفرة‪" .‬وحسمن مآب" قال‪ :‬وال إن أول ممن يشرب الكأس يوم القياممة‬
‫داود‪ .‬وقال مجاهمد عن عبدال بن عمر‪ :‬الزلفى الدنو من ال عز وجل يوم القيامة‪ .‬وعن مجاهد‪:‬‬
‫يبعث داود يوم القيامة وخطيئته منقوشة في يده‪ :‬فإذا رأى أهاويل يوم القيامة لم يجد منها محرزا‬
‫إل أن يلجمأ إلى رحممة ال تعالى‪ .‬قال‪ :‬ثمم يرى خطيئتمه فيقلق فيقال له هما هنما؛ ثمم يرى فيقلق فيقال‬
‫له هاهنما‪ ،‬ثمم يرى فيقلق فيقال له هاهنما؛ حتمى يقرب فيسمكن فذلك قوله عمز وجمل‪" :‬وإن له عندنما‬
‫لزلفمى وحسمن مآب" ذكره الترمذي الحكيمم‪ .‬قال‪ :‬حدثنما الفضمل بمن محممد‪ ،‬قال حدثنما عبدالملك بمن‬
‫الصمبغ قال‪ :‬حدثنما الوليمد بمن مسملم‪ ،‬قال حدثنما إبراهيمم بمن محممد الفزاري عمن عبدالملك بمن أبمي‬
‫سمليمان عمن مجاهمد فذكره‪ .‬قال الترمذي‪ :‬ولقمد كنمت أممر زمانما طويل بهذه اليات فل ينكشمف لي‬
‫المراد والمعنمى ممن قوله‪" :‬ربنما عجمل لنما قطنما" والقمط الصمحيفة فمي اللغمة؛ وذلك أن رسمول ال‬
‫صملى ال عليمه وسملم تل عليهمم‪" :‬فأمما ممن أوتمي كتابمه بيمينمه" [الحاقمة‪ :]19 :‬وقال لهمم‪( :‬إنكمم‬
‫ستجدون هذا كله في صحائفكم تعطونها بشمائلكم) قالوا‪" :‬ربنا عجل لنا قطنا" أي صحيفتنا "قبل‬
‫يوم الحسمماب" قال ال تعالى‪" :‬أصممبر على ممما يقولون واذكممر عبدنمما داود ذا اليممد" فقممص قصممة‬
‫خطيئتمه إلى منتهاهما‪ ،‬فكنمت أقول‪ :‬أمره بالصمبر على مما قالوا‪ ،‬وأمره بذكمر داود فأي شيمء أريمد‬
‫ممن هذا الذكمر؟ وكيمف اتصمل هذا بذاك؟ فل أقمف على شيمء يسمكن قلبمي عليمه‪ ،‬حتمى هدانمي ال له‬
‫يومما فألهمتمه أن هؤلء أنكروا قول أنهمم يعطون كتبهمم بشمائلهمم‪ ،‬فيهما ذنوبهمم وخطاياهمم اسمتهزاء‬
‫بأمممر ال؛ وقالوا‪" :‬ربنمما عجممل لنمما قطنمما قبممل يوم الحسمماب" فأوجعممه ذلك مممن اسممتهزائهم‪ ،‬فأمره‬
‫بالصبر على مقالتهم‪ ،‬وأن يذكر عبده داود؛ سأل تعجيل خطيئته أن يراها منقوشة في كفه‪ ،‬فنزل‬
‫به ما نزل من أنه كان إذا رآها اضطرب وامتل القدح من دموعه‪ ،‬وكان إذا رآها بكى حتى تنفذ‬
‫سبعة أفرشة من الليف محشوة بالرماد‪ ،‬فإنما سألها بعد المغفرة وبعد ضمان تبعة الخصم‪ ،‬وأن ال‬
‫تبارك وتعالى آسمه يسمتوهبه منه‪ ،‬وهو حمبيبه ووليه وصفيه؛ فرؤية نقش الخطيئة بصمورتها ممع‬
‫هذه المرتبمة صمنعت بمه هكذا‪ ،‬فكيمف كان يحمل بأعداء ال وبعصماته ممن خلقمه وأهمل خزيمه‪ ،‬لو‬
‫عجلت لهمم صمحائفهم فنظروا إلى صمورة تلك الخطايما التمي عملوهما على الكفمر والجحود‪ ،‬وماذا‬
‫يحمل بهمم إذا نظروا إليهما فمي تلك الصمحائف‪ ،‬وقمد أخمبر ال عنهمم فقال‪" :‬فترى المجرميمن مشفقيمن‬
‫مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب ل يغادر صغيرة ول كبيرة إل أحصاها" [الكهف‪]49 :‬‬
‫فداود صملوات ال عليمه ممع المغفرة والبشرى والعطمف لم يقمم لرؤيمة صمورتها‪ .‬وقمد روينما فمي‬
‫الحديمث‪ :‬إذا رآهما يوم القياممة منقوشمة فمي كفمه قلق حتمى يقال له هما هنما‪ ،‬ثمم يرى فيقلق ثمم يقال هما‬
‫هنا‪ ،‬ثم يرى فيقلق حتى يقرب فيسكن‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 26 :‬يما داود إنما جعلناك خليفمة فمي الرض فاحكمم بيمن الناس بالحمق ول تتبمع الهوى‬
‫فيضلك عن سبيل ال إن الذين يضلون عن سبيل ال لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنما جعلناك خليفة فمي الرض" أي ملكناك لتأممر بالمعروف وتنهمى عن المنكمر‪،‬‬
‫فتخلف ممن كان قبلك ممن النمبياء والئممة الصمالحين وقمد مضمى فمي "البقرة" القول فمي الخليفمة‬
‫وأحكامه مستوفى والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاحكم بين الناس بالحمق" أي بالعدل وهو أمر على الوجوب وقد ارتبمط هذا بما‬
‫قبله‪ ،‬وذلك أن الذي عوتمب عليمه داود طلبمه المرأة ممن زوجهما وليمس ذلك بعدل‪ .‬فقيمل له بعمد هذا؛‬
‫فاحكممم بيممن الناس بالعدل "ول تتبممع الهوى" أي ل تقتممد بهواك المخالف لمممر ال‪" .‬فيضلك عممن‬
‫سمبيل ال" أي عمن طريمق الجنمة‪" .‬إن الذيمن يضلون عمن سمبيل ال" أي يحيدون عنهما ويتركونهما‬
‫"لهم عذاب شديد" في النار "بما نسوا يوم الحساب" أي بما تركوا من سلوك طريق ال؛ فقوله‪:‬‬
‫"نسوا" أي تركوا اليمان به‪ ،‬أو تركوا العمل به فصاروا كالناسين‪ .‬ثم قيل‪ :‬هذا لداود لما أكرمه‬
‫ال بالنبوة‪ .‬وقيل‪ :‬بعد أن تاب عليه وغفر خطيئته‪.‬‬
‫@ الصمل فمي القضيمة قوله تعالى‪" :‬يما داود إنما جعلناك خليفمة فمي الرض فاحكمم بيمن الناس‬
‫بالحق" وقوله‪" :‬وأن احكم بينهم بما أنزل ال" [المائدة‪ ]49 :‬وقوله تعالى‪" :‬لتحكم بين الناس بما‬
‫أراك ال" [النسماء‪ ]105:‬وقوله تعالى‪" :‬يما أيهما الذيمن آمنوا كونوا قواميمن ل شهداء بالقسمط"‬
‫[المائدة‪ ]8 :‬الية‪ .‬وقد تقدم الكلم فيه‪.‬‬
‫قال ابن عباس في قوله تعالى‪" :‬يا داود إنا جعلناك خليفة في الرض فاحكم بين الناس بالحق ول‬
‫تتبمع الهوى فيضلك عمن سمبيل ال" قال‪ :‬إن ارتفمع لك الخصممان فكان لك فمي أحدهمما هوى‪ ،‬فل‬
‫تشتممه فممي نفسممك الحممق له ليفلح على صمماحبه‪ ،‬فإن فعلت محوت اسمممك مممن نبوتممي‪ ،‬ثممم ل تكون‬
‫خليفتمي ول أهمل كرامتمي‪ .‬فدل هذا على بيان وجوب الحكمم بالحمق‪ ،‬وأل يميمل إلى أحمد الخصممين‬
‫لقرابمة أو رجاء نفمع‪ ،‬أو سمبب يقتضمي الميمل ممن صمحبة أوصمداقة‪ ،‬أوغيرهمما‪ .‬وقال ابمن عباس‪:‬‬
‫إنمما ابتلي سمليمان بمن داود عليمه السملم‪ ،‬لنمه تقدم إليمه خصممان فهوي أن يكون الحمق لحدهمما‪.‬‬
‫وقال عبدالعزيمز بمن أبمي رواد‪ :‬بلغنمي أن قاضيما كان فمي زممن بنمي إسمرائيل‪ ،‬بلغ ممن اجتهاده أن‬
‫طلب إلى ربمه أن يجعمل بينمه وبينمه علمما‪ ،‬إذا همو قضمى بالحمق عرف ذلك؛ وإذا همو قصمر عرف‬
‫ذلك‪ ،‬فقيممل له‪ :‬ادخممل منزلك‪ ،‬ثممم مممد يدك فممي جدارك‪ ،‬ثممم انظممر حيممث تبلغ أصممابعك مممن الجدار‬
‫فاخطط عندها خطا؛ فإذا أنت قمت من مجلس القضاء‪ ،‬فارجع إلى ذلك الخط فامدد يدك إليه‪ ،‬فإنك‬
‫متمى مما كنمت على الحمق فإنمك سمتبلغه‪ ،‬وإن قصمرت عمن الحمق قصمر بمك‪ ،‬فكان يغدو إلى القضاء‬
‫وهمو مجتهمد فكان ل يقضمي إل بحمق‪ ،‬وإذا قام ممن مجلسمه وفرغ لم يذق طعامما ول شرابما‪ ،‬ولم‬
‫يفض إلى أهله بشيء من المور حتى يأتي ذلك الخط‪ ،‬فإذا بلغه حمد ال وأفضى إلى كل ما أحل‬
‫ال له ممن أهمل أو مطعمم أو مشرب‪ .‬فلمما كان ذات يوم وهمو فمي مجلس القضاء‪ ،‬أقبمل إليمه رجلن‬
‫يريدانه‪ :‬فوقع في نفسه أنهما يريدان أن يختصما إليه‪ ،‬وكان أحدهما له صديقا وخدنا‪ ،‬فتحرك قلبه‬
‫عليمه محبمة أن يكون الحمق له فيقضمي له‪ ،‬فلمما أن تكلمما دار الحمق على صماحبه فقضمى عليمه‪ ،‬فلمما‬
‫قام ممن مجلسمه ذهمب إلى خطمه كمما كان يذهمب كمل يوم‪ ،‬فممد يده إلى الخمط فإذا الخمط قمد ذهمب‬
‫وتشمر إلى السقف‪ ،‬وإذا هو ل يبلغه فخر ساجدا وهو يقول‪ :‬يا رب شيئا لم أتعمده ولم أرده فبينه‬
‫لي‪ .‬فقيل له‪ :‬أتحسبن أن ال تعالى لم يطلع على خيانة قلبك‪ ،‬حيث أحببت أن يكون الحق لصديقك‬
‫لتقضي له به‪ ،‬قد أردته وأحببته ولكن ال قد رد الحق إلى أهله وأنت كاره‪.‬‬
‫وعمن ليمث قال‪ :‬تقدم إلى عممر بمن الخطاب خصممان فأقامهمما‪ ،‬ثمم عادا فأقامهمما‪ ،‬ثمم عادا ففصمل‬
‫بينهمما‪ ،‬فقيمل له فمي ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬تقدمما إلي فوجدت لحدهمما مما لم أجمد لصماحبه‪ ،‬فكرهمت أن أفصمل‬
‫بينهممما على ذلك‪ ،‬ثممم‪،‬عادا فوجدت بعممض ذلك له‪ ،‬ثممم عادا وقممد ذهممب ذلك ففصمملت بينهممما‪ .‬وقال‬
‫ي خصومة‪ ،‬فتقاضيا إلى زيد بن ثابت‪ ،‬فلما دخل عليه أشار لعمر إلى‬ ‫الشعبي‪ :‬كان بين عمر وأُب ّ‬
‫وسادته‪ ،‬فقال عمر‪ :‬هذا أول جورك؛ أجلسني وإياه مجلسا واحدا؛ فجلسا بين يديه‪.‬‬
‫@ هذه الية تمنع من حكم الحاكم بعلمه؛ لن الحكام لو مكنوا أن يحكموا بعلمهم لم يشأ أحدهم إذا‬
‫أراد أن يحفمظ وليمه ويهلك عدوه إل ادعمى علممه فيمما حكمم بمه‪ .‬ونحمو ذلك روي عمن جماعمة ممن‬
‫الصحابة منهم أبو بكر؛ قال‪ :‬لو رأيت رجل على حد من حدود ال‪ ،‬ما أخذته حتى يشهد على ذلك‬
‫غيري‪ .‬وروي أن امرأة جاءت إلى عمر فقالت له‪ :‬احكم لي على فلن بكذا فإنك تعلم ما لي عنده‪.‬‬
‫فقال لها‪ :‬إن أردت أن أشهد لك فنعم وأما الحكم فل‪ .‬وفي صحيح مسلم عن ابن عباس‪ :‬أن رسول‬
‫ال صملى ال عليمه وسملم قضمى بيميمن وشاهمد؛ وروى عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم أنمه اشترى‬
‫فرسما فجحده البائع‪ ،‬فلم يحكمم عليمه بعلممه وقال‪( :‬ممن يشهمد لي) فقام خزيممة فشهمد فحكمم‪ .‬خرج‬
‫الحديث أبو داود وغيره وقد مضى في "البقرة"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 :‬وما خلقنا السماء والرض وما بينهما باطل ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين‬
‫كفروا من النار‪ ،‬أم نجعمل الذيمن آمنوا وعملوا الصمالحات كالمفسدين في الرض أم نجعل المتقيمن‬
‫كالفجار‪ ،‬كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا اللباب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما خلقنا السماء والرض وما بينهما باطل" أي هزل ولعبا‪ .‬أي ما خلقناهما إل‬
‫لممر صمحيح وهمو الدللة على قدرتنما‪" .‬ذلك ظمن الذيمن كفروا" أي حسمبان الذيمن كفروا أن ال‬
‫خلقهممما باطل‪" .‬فويممل للذيممن كفروا مممن النار" ثممم وبخهممم فقال‪" :‬أم نجعممل الذيممن آمنوا وعملوا‬
‫الصمالحات" والميمم صملة تقديره‪ :‬أنجعمل الذيمن آمنوا وعملوا الصمالحات "كالمفسدين فمي الرض"‬
‫فكان فممي هذا رد على المرجئة؛ لنهممم يقولون‪ :‬يجوز أن يكون المفسممد كالصممالح أو أرفممع درجممة‬
‫منمه‪ .‬وبعده أيضما‪" :‬نجعمل المتقيمن كالفجار" أي أنجعمل أصمحاب محممد عليمه السملم كالكفار؛ قاله‬
‫ابممن عباس‪ .‬وقيممل هممو عام فممي المسمملمين المتقيممن والفجار الكافريممن وهممو أحسممن‪ ،‬وهممو رد على‬
‫منكري البعث الذين جعلوا مصير المطيع والعاصي إلى شيء واحد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كتاب" أي هذا كتاب "أنزلناه إليمك مبارك" أي "أنزلناه إليمك مبارك" يما محممد‬
‫"ليدبروا" أي ليتدبروا فأدغمت التاء في الدال‪ .‬وفي هذا دليل على‪ ،‬وجوب معرفة معاني القرآن‪،‬‬
‫ودليل على أن الترتيل أفضل من الهذ؛ إذ ل يصح التدبر مع الهذ على ما بيناه في كتاب التذكار‪.‬‬
‫وقال الحسمن‪ :‬تدبر آيات ال اتباعهما‪ .‬وقراءة العاممة "ليدبروا "‪ .‬وقرأ أبمو حنيفمة وشيبمة‪" :‬لتدبروا"‬
‫بتاء وتخفيممف الدال‪ ،‬وهممي قراءة علي رضممي ال عنممه‪ ،‬والصممل لتتدبروا فحذف إحدى التاءيممن‬
‫تخفيفما "وليتذكمر أولو اللباب" أي أصمحاب العقول واحدهما لب‪ ،‬وقمد جممع على ألب‪ ،‬كمما جممع‬
‫بؤس على أبؤس‪ ،‬ونعم على أنعم؛ قال أبو طالب‪:‬‬
‫قلبي إليه مشرف اللب‬
‫وربما أظهروا التضعيف في ضرورة الشعر؛ قال الكميت‪:‬‬
‫نوازع من قلبي ظماء وألبب‬ ‫إليكم ذوي آل النبي تطلعت‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 33 - 30 :‬ووهبنما لداود سمليمان نعمم العبمد إنمه أواب‪ ،‬إذ عرض عليمه بالعشمي‬
‫الصمافنات الجياد‪ ،‬فقال إني أحببت حب الخيمر عن ذكمر ربي حتمى توارت بالحجاب‪ ،‬ردوهما علي‬
‫فطفق مسحا بالسوق والعناق}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ووهبنما لداود سمليمان نعمم العبمد إنمه أواب" لمما ذكمر داود ذكمر سمليمان و"أواب"‬
‫معناه مطيمع‪" .‬إذ عرض عليمه بالعشمي الصمافنات الجياد" يعنمي الخيمل جممع جواد للفرس إذا كان‬
‫شديد الحضر؛ كما يقال للنسان جواد إذا كان كثير العطية غزيرها؛ يقال‪ :‬قوم أجواد وخيل جياد‪،‬‬
‫جاد الرجممل بماله يجود جودا فهممو جواد‪ ،‬وقوم جود مثال قذال وقذل‪ ،‬وإنممما سممكنت الواو لنهمما‬
‫حرف علة‪ ،‬وأجواد وأجاود وجوداء‪ ،‬وكذك امرأة جواد ونسممممممموة جود مثمممممممل نوار ونور‪ ،‬قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫جواد بقوت البطن والعرق زاخر‬ ‫صناع بإشفاها حصان بشكرها‬
‫وتقول‪ :‬سممرنا عقبممة جوادا‪ ،‬وعقبتيممن جواديممن‪ ،‬وعقبمما جيادا‪ .‬وجاد الفرس أي صممار رائعمما يجود‬
‫جودة بالضم فهو جواد للذكر والنثى‪ ،‬من خيل جياد وأجياد وأجاويد‪ .‬وقيل‪ :‬إنها الطوال العناق‬
‫مأخوذ ممن الجيمد وهمو العنمق؛ لن طول العناق فمي الخيمل ممن صمفات فراهتهما‪ .‬وفمي الصمافنات‬
‫أيضا وجهان‪ :‬أحدهما أن صفونها قيامها‪ .‬قال القتبي والفراء‪ :‬الصافن في كلم العرب الواقف من‬
‫الخيمل أوغيرهما‪ .‬ومنمه مما روي عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم أنمه قال‪( :‬ممن سمره أن يقوم له‬
‫الرجال صفونا فليتبوأ مقعده من النار) أي يديمون له القيام؛ حكاه قطرب أيضا وأنشد قول النابغة‪:‬‬
‫عتاق المهارى والجياد الصوافن‬ ‫لنا قبة مضروبة بفنائها‬
‫وهذا قول قتادة‪ .‬الثاني أن صفونها رفع إحدى اليدين على طرف الحافر حتى يقوم على ثلث كما‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫مما يقوم على الثلث كسيرا‬ ‫ألف الصفون فما يزال كأنه‬
‫وقال عمرو بن كلثوم‪:‬‬
‫مقلدة أعنتها صفونا‬ ‫تركنا الخيل عاكفة عليه‬
‫وهذا قول مجاهمد‪ .‬قال الكلبمي‪ :‬غزا سمليمان أهمل دمشمق ونصميبين فأصماب منهمم ألف فرس‪ .‬وقال‬
‫مقاتل‪ :‬ورث سليمان من أبيه داود ألف فرس‪ ،‬وكان أبوه أصابها من العمالقة‪ .‬وقال الحسن‪ :‬بلغني‬
‫أنها كانت خيل خرجت من البحر لها أجنحة‪ .‬وقاله الضحاك‪ .‬وأنها كانت خيل أخرجت لسليمان‬
‫ممن البحمر منقوشمة ذات أجنحمة‪ .‬ابمن زيمد‪ :‬أخرج الشيطان لسمليمان الخيمل ممن البحمر ممن مروج‬
‫البحمر‪ ،‬وكانمت لهما أجنحمة‪ .‬وكذلك قال علي رضمي ال عنمه‪ :‬كانمت عشريمن فرسما ذوات أجنحمة‪.‬‬
‫وقيمل‪ :‬كانمت مائة فرس‪ .‬وفمي الخمبر عن إبراهيمم التيممي‪ :‬أنهما كانمت عشريمن ألفما‪ ،‬فال أعلم‪ .‬فقال‪:‬‬
‫"إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي" يعني بالخير الخيل‪ ،‬والعرب تسميها كذلك‪ ،‬وتعاقب بين‬
‫الراء واللم؛ فتقول‪ :‬انهملت العيمن وانهمرت‪ ،‬وختلت وخترت إذا خدعمت‪ .‬قال الفراء‪ :‬الخيمر فمي‬
‫كلم العرب والخيممل واحممد‪ .‬النحاس‪ :‬فممي الحديممث‪( :‬الخيممل معقود فممي نواصمميها الخيممر إلى يوم‬
‫القيامة) فكأنها سميت خيرا لهذا‪ .‬وفي الحديث‪ :‬لما وفد زيد الخيل على النبي صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫قال له‪( :‬أنت زيد الخير) وهو زيد بن مهلهل الشاعر‪ .‬وقيل‪ :‬إنما سميت خيرا لما فيها من المنافع‪.‬‬
‫وفممي الخممبر‪ :‬إن ال تعالى عرض على آدم جميممع الدواب‪ ،‬وقيممل له‪ :‬اختممر منهمما واحدا فاختار‬
‫الفرس؛ فقيمل له‪ :‬اخترت عزك؛ فصمار اسممه الخيمر ممن هذا الوجمه‪ .‬وسممي خيل؛ لنهما موسمومة‬
‫بالعز‪ .‬وسمي فرسا لنه يفترس مسافات الجو افتراس السد وثبانا‪ ،‬ويقطعها كاللتهام بيديه على‬
‫كل شيء خبطا وتناول‪ .‬وسمي عربيا لنه جيء به من بعد آدم لسماعيل جزاء عن رفع قواعد‬
‫البيت‪ ،‬وإسماعيل عربي فصارت له نحلة من ال؛ فسمى عربيا‪ .‬و"حب" مفعول في قول الفراء‪.‬‬
‫والمعنمى إنمي آثرت حمب الخيمر‪ .‬وغيره يقدره مصمدرا أضيمف إلى المفعول؛ أي أحببمت الخيمر حبما‬
‫فألهاني عن ذكر ربي‪ .‬وقيل‪ :‬إن معنى "أحببت" قعدت وتأخرت من قولهم‪ :‬أحب البعير إذا برك‬
‫وتأخمر‪ .‬وأحمب فلن أي طأطمأ رأسمه‪ .‬قال أبمو زيمد‪ :‬يقال‪ :‬بعيمر محمب‪ ،‬وقمد أحمب إحبابما وهمو أن‬
‫يصيبه مرض أو كسر فل يبرح مكانه حتى يبرأ أو يموت‪ .‬وقال ثعلب‪ :‬يقال أيضا للبعير الحسير‬
‫محمب؛ فالمعنمى قعدت عمن ذكمر ربمي‪ .‬و"حمب" على هذا مفعول له‪ .‬وذكمر أبمو الفتمح الهمدانمي فمي‬
‫كتاب التبيان‪ :‬أحببت بمعنى لزمت؛ من قوله‪:‬‬
‫مثل بعير السوء إذ أحبا‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتمى توارت بالحجاب" يعنمي الشممس كنايمة عمن غيمر مذكور؛ مثمل قوله تعالى‪:‬‬
‫"مما ترك على ظهرهما ممن دابمة" [فاطمر‪ ]45 :‬أي على ظهمر الرض؛ وتقول العرب‪ :‬هاجمت‬
‫باردة أي هاجت الريح باردة‪ .‬وقال ال تعالى‪" :‬فلول إذا بلغت الحلقوم" [الواقعة‪ ]83 :‬أي بلغت‬
‫النفس الحلقوم‪ .‬وقال تعالى‪" :‬إنها ترمي بشرر كالقصر" [المرسلت‪ ]32 :‬ولم يتقدم للنار ذكر‪.‬‬
‫وقال الزجاج‪ :‬إنمما يجوز الضمار إذا جرى ذكمر الشيمء أو دليمل الذكمر‪ ،‬وقمد جرى هما هنما الدليمل‬
‫وهمو قوله‪" :‬بالعشمي"‪ .‬والعشمي مما بعمد الزوال‪ ،‬والتواري السمتتار عمن البصمار‪ ،‬والحجاب جبمل‬
‫أخضمر محيمط بالخلئق؛ قاله قتادة وكعمب‪ .‬وقيمل‪ :‬همو جبمل قاف‪ .‬وقيمل‪ :‬جبمل دون قاف‪ .‬والحجاب‬
‫الليل سمي حجابا لنه يستر ما فيه‪ .‬وقيل‪" :‬حتى توارت" أي الخيل في المسابقة‪ .‬وذلك أن سليمان‬
‫كان له ميدان مستدير يسابق فيه بين الخيل‪ ،‬حتى توارت عنه وتغيب عن عينه في المسابقة؛ لن‬
‫الشممس لم يجمر لهما ذكمر‪ .‬وذكمر النحاس أن سمليمان عليمه السملم كان فمي صملة فجيمء إليمه بخيمل‬
‫لتعرض عليه قد غنمت فأشار بيده لنه كان يصلي حتى توارت الخيل وسترتها جدر الصطبلت‬
‫فلما فرغ من صلته قال‪" :‬ردوها علي فطفق مسحا" أي فأقبل يمسحها مسحا‪ .‬وفي معناه قولن‪:‬‬
‫أحدهما أنه أقبل يمسح سوقها وأعناقها بيده إكراما منه لها‪ ،‬وليرى أن الجليل ل يقبح أن يفعل مثل‬
‫هذا بخيله‪ .‬وقال قائل هذا القول‪ :‬كيف يقتلها؟ وفي ذلك إفساد المال ومعاقبة من ل ذنب له‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫المسمح هما هنما همو القطمع أذن له فمي قتلهما‪ .‬قال الحسمن والكلبمي ومقاتمل‪ :‬صملى سمليمان الصملة‬
‫الولى وقعد على كرسيه وهي تعرض عليه‪ ،‬وكانت ألف فرس؛ فعرض عليه منها تسعمائة فتنبه‬
‫لصلة العصر‪ ،‬فإذا الشمس قد غربت وفاتت الصلة‪ ،‬ولم يعلم بذلك هيبة له فاغتم؛ فقال‪" :‬ردوها‬
‫علي" فردت فعقرها بالسيف؛ قربة ل وبقي منها مائة‪ ،‬فما في أيدي الناس من الخيل العتاق اليوم‬
‫فهمي ممن نسمل تلك الخيمل‪ .‬قال القشيري‪ :‬وقيمل‪ :‬مما كان فمي ذلك الوقمت صملة الظهمر ول صملة‬
‫العصر‪ ،‬بل كانت تلك الصلة نافلة فشغل عنها‪ .‬وكان سليمان عليه السلم رجل مهيبا‪ ،‬فلم يذكره‬
‫أحمد مما نسمي ممن الفرض أو النفمل وظنوا التأخمر مباحما‪ ،‬فتذكمر سمليمان تلك الصملة الفائتمة‪ ،‬وقال‬
‫على سمبيل التلهمف‪" :‬إنمي أحببمت حمب الخيمر عمن ذكمر ربمي" أي عمن الصملة‪ ،‬وأممر برد الفراس‬
‫إليممه‪ ،‬وأمممر بضرب عراقيبهمما وأعناقهمما‪ ،‬ولم يكممن ذلك معاقبممة للفراس؛ إذ ذبممح البهائم جائز إذا‬
‫كانمت مأكولة‪ ،‬بمل عاقمب نفسمه حتمى ل تشغله الخيمل بعمد ذلك عمن الصملة‪ .‬ولعله عرقبهما ليذبحهما‬
‫فحبسمها بالعرقبمة عمن النفار‪ ،‬ثمم ذبحهما فمي الحال‪ ،‬ليتصمدق بلحمهما؛ أو لن ذلك كان مباحما فمي‬
‫شرعه فأتلفها لما شغلته عن ذكر ال‪ ،‬حتى يقطع عن نفسه ما يشغله عن ال‪ ،‬فأثنى ال عليه بهذا‪،‬‬
‫وبين أنه أثابه بأن سخر له الريح‪ ،‬فكان يقطع عليها من المسافة في يوم ما يقطع مثله على الخيل‬
‫في شهرين غدوا ورواحا‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن الهاء في قوله‪" :‬ردوها علي" للشمس ل للخيل‪.‬‬
‫قال ابممن عباس‪ :‬سممألت عليمما عمن هذه اليمة فقال‪ :‬ممما بلغممك فيهمما؟ فقلت سمممعت كعبمما يقول‪ :‬إن‬
‫سممليمان لممما اشتغممل بعرض الفراس حتممى توارت الشمممس بالحجاب وفاتتممه الصمملة‪ ،‬قال‪" :‬إنممي‬
‫أحببت حب الخير عن ذكر ربي" أي آثرت "حب الخير عن ذكر ربي" الية "ردوها علي" يعني‬
‫الفراس وكانمت أربمع عشرة؛ فضرب سموقها وأعناقهما بالسميف‪ ،‬وأن ال سملبه ملكمه أربعمة عشمر‬
‫يومما؛ لنمه ظلم الخيمل‪ .‬فقال علي بمن أبمي طالب‪ :‬كذب كعمب لكمن سمليمان اشتغمل بعرض الفراس‬
‫للجهاد حتممى توارت أي غربممت الشمممس بالحجاب فقال بأمممر ال للملئكممة الموكليممن بالشمممس‪:‬‬
‫"ردوهما" يعنمي الشممس فردوهما حتمى صملى العصمر فمي وقتهما‪ ،‬وأن أنمبياء ال ل يظلمون لنهمم‬
‫معصومون‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الكثر في التفسير أن التي توارت بالحجاب هي الشمس‪ ،‬وتركها لدللة السامع عليها بما‬
‫ذكر مما يرتبط بها ومتعلق بذكرها‪ ،‬حسب ما تقدم بيانه‪ .‬وكثيرا ما يضمرون الشمس؛ قال لبيد‪:‬‬
‫وأجن عورات الثغور ظلمها‬ ‫حتى إذا ألقت يدا في كافر‬
‫والهاء فممي "ردوهمما" للخيممل‪ ،‬ومسممحها قال الزهري وابممن كيسممان‪ :‬كان يمسممح سمموقها وأعناقهمما‪،‬‬
‫ويكشمف الغبار عنهما حبما لهما‪ .‬وقال الحسمن وقتادة وابمن عباس‪ .‬وفمي الحديمث أن النمبي صملى ال‬
‫عليه وسلم رئي وهو يمسح فرسه بردائه‪ .‬وقال‪( :‬إني عوتبت الليلة في الخيل) خرجه الموطأ عن‬
‫يحيى بن سعيد مرسل‪ .‬وهوفي غير الموطأ مسند متصل عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أنس‪.‬‬
‫وقمد مضمى فمي "النفال" قوله عليمه السملم‪( :‬وامسمحوا بنواصميها وأكفالهما) وروى ابمن وهمب عمن‬
‫مالك أنه مسح أعناقها وسوقها بالسيوف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقمد اسمتدل الشبلي وغيره ممن الصموفية فمي تقطيمع ثيابهمم وتخريقهما بفعمل سمليمان‪ ،‬هذا‪.‬‬
‫وهو استدلل فاسد؛ لنه ل يجوز أن ينسب إلى نبي معصوم أنه فعل الفساد‪ .‬والمفسرون اختلفوا‬
‫فمي معنمى اليمة؛ فمنهمم ممن قال‪ :‬مسمح على أعناقهما وسموقها إكرامما لهما وقال‪ :‬أنمت فمي سمبيل ال؛‬
‫فهذا إصملح‪ .‬ومنهمم ممن قال‪ :‬عرقبهما ثمم ذبحهما‪ ،‬وذبمح الخيمل وأكمل لحمهما جائز‪ .‬وقمد مضمى فمي‬
‫"النحل" بيانه‪ .‬وعلى هذا فما فعل شيئا عليه فيه جناح‪ .‬فأما إفساد ثوب صحيح ل لغرض صحيح‬
‫فإنه ل يجوز‪ .‬ومن الجائز أن يكون فمي شريعمة سليمان جواز ما فعل‪ ،‬ول يكون فمي شرعنا‪ .‬وقد‬
‫قيل‪ :‬إنما فعل بالخيل ما فعل بإباحة ال جل وعز له ذلك‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن مسحه إياها وسمها بالكي‬
‫وجعلهما فمي سمبيل ال؛ فال أعلم‪ .‬وقمد ضعمف هذا القول ممن حيمث أن السموق ليسمت بمحمل للوسمم‬
‫بحال‪ .‬وقد يقال‪ :‬الكمي على السماق علط‪ ،‬وعلى العنمق وثاق‪ .‬والذي فمي الصحاح للجوهري‪ :‬علط‬
‫البعير علطا كواه في عنقه بسمة العلط‪ .‬والعلطان جانبا العنق‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وممن قال إن الهاء فمي "ردوهما" ترجمع للشممس فذلك ممن معجزاتمه‪ .‬وقمد اتفمق مثمل ذلك‬
‫لنبينا صلى ال عليه وسلم‪ .‬خرج الطحاوي في مشكل الحديث عن أسماء بنت عميس من طريقين‬
‫أن النمبي صملى ال عليمه وسملم كان يوحمى إليمه ورأسمه فمي حجمر علي‪ ،‬فلم يصمل العصمر حتمى‬
‫غربمت الشممس؛ فقال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم‪( :‬أصمليت يما علي) قال‪ :‬ل‪ .‬فقال رسمول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فأردد عليه الشمس) قالت أسماء‪:‬‬
‫فرأيتهما غربمت ثمم رأيتهما بعدمما غربمت طلعمت على الجبال والرض‪ ،‬وذلك بالصمهباء فمي خيمبر‪.‬‬
‫قال الطحاوي‪ :‬وهذان الحديثان ثابتان‪ ،‬ورواتهما ثقات‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وضعمف أبمو الفرج ابمن الجوزي هذا الحديمث فقال‪ :‬وغلو الرافضمة فمي حمب علي عليمه‬
‫السلم حملهم على أن وضعوا أحاديث كثيرة في فضائله؛ منها أن الشمس غابت ففاتت عليا عليه‬
‫السملم العصمر فردت له الشممس‪ ،‬وهذا ممن حيمث النقمل محال‪ ،‬وممن حيمث المعنمى فإن الوقمت قمد‬
‫فات وعودهما طلوع متجدد ل يرد الوقمت‪ .‬وممن قال‪ :‬أن الهاء ترجمع إلى الخيمل‪ ،‬وأنهما كانمت تبعمد‬
‫عن عين سليمان في السباق‪ ،‬ففيه دليل على المسابقة بالخيل وهو أمر مشروع‪ .‬وقد مضى القول‬
‫فيه في "يوسف"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 40 - 34 :‬ولقد فتنا سليمان وألقينما على كرسميه جسمدا ثمم أناب‪ ،‬قال رب اغفمر لي‬
‫وهمب لي ملكما ل ينبغمي لحمد ممن بعدي إنمك أنمت الوهاب‪ ،‬فسمخرنا له الريمح تجري بأمره رخاء‬
‫حيث أصاب‪ ،‬والشياطين كل بناء وغواص‪ ،‬وآخرين مقرنين في الصفاد‪ ،‬هذا عطاؤنا فامنن أو‬
‫أمسك بغير حساب‪ ،‬وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقمد فتنما سمليمان" قيمل‪ :‬فتمن سمليمان بعمد مما ملك عشريمن سمنة‪ ،‬وملك بعمد الفتنمة‬
‫عشريمن سمنة؛ ذكره الزمخشري‪ .‬و"فتنما" أي ابتلينما وعاقبنما‪ .‬وسمبب ذلك مما رواه سمعيد بمن جمبير‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬اختصم إلى سليمان عليه السلم فريقان أحدهما من أهل جرادة امرأة سليمان؛‬
‫وكان يحبهما فهوى أن يقمع القضاء لهمم‪ ،‬ثمم قضمى بينهمما بالحمق‪ ،‬فأصمابه الذي أصمابه عقوبمة لذلك‬
‫الهوى‪ .‬وقال سعيد بن المسيب‪ :‬إن سليمان عليه السلم احتجب عن الناس ثلثة أيام ل يقضي بين‬
‫أحد‪ ،‬ول ينصمف مظلوما من ظالم‪ ،‬فأوحى ال تعالى إليه‪" :‬إنمى لم أستخلفك لتحتجب عن عبادي‬
‫ولكن لتقضي بينهم وتنصف مظلومهم"‪ .‬وقال شهر بن حوشب ووهب بن منبه‪ :‬إن سليمان عليه‬
‫السلم سبى بنت ملك غزاه في البحر‪ ،‬في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون‪ .‬فألقيت عليه‬
‫محبتها وهي تعرض عنه‪ ،‬ل تنظر إليه إل شزرا‪ ،‬ول تكلمه إل نزرا‪ ،‬وكان ل يرقأ لها دمع حزنا‬
‫على أبيها‪ ،‬وكانت في غاية من الجمال‪ ،‬ثم إنها سألته أن يصنع لها تمثال على صورة أبيها حتى‬
‫تنظر إليه‪ ،‬فأمر فصنع لها فعظمته وسجدت له‪ ،‬وسجدت معها جواريها‪ ،‬وصار صنما معبودا في‬
‫داره وهو ل يعلم‪ ،‬حتى مضت أربعون ليلة‪ ،‬وفشا خبره في بني إسرائيل وعلم به سليمان فكسره‪،‬‬
‫وحرقمه ثمم ذراه فمي البحمر‪ .‬وقيمل‪ :‬إن سمليمان لمما أصماب ابنمة ملك صميدون واسممها جرادة ‪ -‬فيمما‬
‫ذكممر الزمخشري ‪ -‬أعجممب بهمما‪ ،‬فعرض عليهمما السمملم فأبممت‪ ،‬فخوفهمما فقالت‪ :‬اقتلنممي ول أسمملم‬
‫فتزوجها وهي مشركة فكانت تعبد صنما لها من ياقوت أربعين يوما في خفية من سليمان إلى أن‬
‫أسملمت فعوقمب سمليمان بزوال ملكمه أربعيمن يومما‪ .‬وقال كعمب الحبار‪ :‬إنمه لمما ظلم الخيمل بالقتمل‬
‫سملب ملكمه‪ .‬وقال الحسمن‪ :‬إنمه قارب بعمض نسمائه فمي شيمء ممن حيمض أوغيره‪ .‬وقيمل‪ :‬إنمه أممر أل‬
‫يتزوج امرأة إل من بني إسرائيل‪ ،‬فتزوج امرأة من غيرهم‪ ،‬فعوقب على ذلك؛ وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وألقينا على كرسيه جسدا" قيل‪ :‬شيطان في قول أكثر أهل التفسير؛ ألقى ال شبه‬
‫سمليمان عليمه السملم عليمه‪ ،‬واسممه صمخر بمن عميمر صماحب البحمر‪ ،‬وهمو الذي دل سمليمان على‬
‫الماس حيمن أممر سمليمان ببناء بيمت المقدس‪ ،‬فصموتت الحجارة لمما صمنعت بالحديمد‪ ،‬فأخذوا الماس‬
‫فجعلوا يقطعون به الحجارة والفصوص وغيرها ول تصوت‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬كان ماردا ل يقوى‬
‫عليمه جميمع الشياطيمن‪ ،‬ولم يزل يحتال حتمى ظفمر بخاتمم سمليمان بمن داود‪ ،‬وكان سمليمان ل يدخمل‬
‫الكنيف بخاتمه‪ ،‬فجاء صخر في صورة سليمان حتى أخذ الخاتم من امرأة من نساء سليمان أم ولد‬
‫له يقال لها المينة؛ قال شهر ووهب‪ .‬وقال ابن عباس وابن جبير‪ :‬اسمها جرادة‪ .‬فقام أربعين يوما‬
‫على ملك سمليمان وسمليمان هارب‪ ،‬حتمى رد ال عليمه الخاتمم والملك‪ .‬وقال سمعيد بمن المسميب‪ :‬كان‬
‫سليمان قد وضع خاتمه تحت فراشه‪ ،‬فأخذه الشيطان من تحته‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬أخذه الشيطان من يد‬
‫سممليمان؛ لن سممليمان سممأل الشيطان وكان اسمممه آصممف‪ :‬كيممف تضلون الناس؟ فقال له الشيطان‪:‬‬
‫أعطني خاتمك حتى أخبرك‪ .‬فأعطاه خاتمه‪ ،‬فلما أخذ الشيطان الخاتم جلس على كرسي سليمان‪،‬‬
‫متشبها بصورته‪ ،‬داخل على نسائه‪ ،‬يقضي بغير الحق‪ ،‬ويأمر بغير الصواب‪.‬‬
‫واختلف فمي إصمابته لنسماء سمليمان‪ ،‬فحكمي عمن ابمن عباس ووهمب بمن منبمه‪ :‬أنمه كان يأتيهمن فمي‬
‫حيضهمن‪ .‬وقال مجاهمد‪ :‬منمع ممن إتيانهمن وزال عمن سمليمان ملكمه فخرج هاربما إلى سماحل البحمر‬
‫يتضيمف الناس؛ ويحممل سمموك الصميادين بالجمر‪ ،‬وإذا أخمبر الناس أنمه سمليمان أكذبوه‪ .‬قال قتادة‪:‬‬
‫ثم إن سليمان بعد أن استنكر بنو إسرائيل حكم الشيطان أخذ حوته من صياد‪ .‬قيل‪ :‬إنه استطعمها‪.‬‬
‫وقال ابن عباس‪ :‬أخذها أجرة في حمل حوت‪ .‬وقيل‪ :‬إن سليمان صادها فلما شق بطنها وجد خاتمه‬
‫فيها‪ ،‬وذلك بعد أربعين يوما من زوال ملكه‪ ،‬وهي عدد اليام التي عبد فيها الصنم في داره‪ ،‬وإنما‬
‫وجمد الخاتمم فمي بطمن الحوت؛ لن الشيطان الذي أخذه ألقاه فمي البحمر‪ .‬وقال علي بمن أبمي طالب‬
‫رضي ال عنه‪ :‬بينما سليمان على شاطئ البحر وهو يعبث بخاتمه‪ ،‬إذ سقط منه في البحر وكان‬
‫ملكه في خاتمه‪ .‬وقال جابر بن عبدال‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬كان نقش خاتم سليمان بن‬
‫داود ل إله إل ال محمد رسول ال)‪ .‬وحكى يحيى بن أبي عمرو الشيباني أن سليمان وجد خاتمه‬
‫بعسقلن‪ ،‬فمشى منها إلى بيت المقدس تواضعا ل تعالى‪ .‬قال ابن عباس وغيره‪ :‬ثم إن سليمان لما‬
‫رد ال عليه ملكمه‪ ،‬أخمذ صمخرا الذي أخمذ خاتممه‪ ،‬ونقمر له صمخرة وأدخله فيهما‪ ،‬وسمد عليمه بأخرى‬
‫وأوثقهما بالحديمد والرصماص‪ ،‬وختمم عليهما بخاتممه وألقاهما فمي البحمر‪ ،‬وقال‪ :‬هذا محبسمك إلى يوم‬
‫القيامة‪.‬‬
‫وقال علي رضي ال عنه‪ :‬لما أخذ سليمان الخاتم‪ ،‬أقبلت إليه الشياطين والجن والنس والطير‬
‫والوحممش والريممح‪ ،‬وهرب الشيطان الذي خلف فممي أهله‪ ،‬فأتممى جزيرة فممي البحممر‪ ،‬فبعممث إليممه‬
‫الشياطين فقالوا‪ :‬ل نقدر عليه‪ ،‬ولكنه يرد عينا في الجزيرة في كل سبعة أيام يوما‪ ،‬ول نقدر عليه‬
‫حتمى يسمكر! قال‪ :‬فنزح سمليمان ماءهما وجعمل فيهما خمرا‪ ،‬فجاء يوم وروده فإذا همو بالخممر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وال إنك لشراب طيب إل أنك تطيشين الحليم‪ ،‬وتزيدين الجاهل جهل‪ .‬ثم عطش عطشا شديدا ثم‬
‫أتاه فقال مثممل مقالتممه‪ ،‬ثممم شربهمما فغلبممت على عقله؛ فأروه الخاتممم فقال‪ :‬سمممعا وطاعممة‪ .‬فأتوا بممه‬
‫سليمان فأوثقه وبعث به إلى جبل‪ ،‬فذكروا أنه جبل الدخان فقالوا‪ :‬إن الدخان الذي ترون من نفسه‪،‬‬
‫والماء الذي يخرج من الجبل من بوله‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬اسم ذلك الشيطان آصف‪ .‬وقال السدي اسمه‬
‫حبقيق؛ فال أعلم‪ .‬وقد ضعف هذا القول من حيث إن الشيطان ل يتصور بصورة النبياء‪ ،‬ثم من‬
‫المحال أن يلتبمس على أهمل مملكمة سمليمان الشيطان بسمليمان حتمى يظنوا أنهمم ممع نمبيهم فمي حمق‪،‬‬
‫وهمم ممع الشيطان فمي باطمل‪ .‬وقيمل‪ :‬إن الجسمد وَلدٌ وُِل َد لسمليمان‪ ،‬وأنمه لمما ولد اجتمعمت الشياطيمن؛‬
‫وقال بعضهم لبعض‪ :‬إن عاش له ابن لم ننفك مما نحن فيه من البلء والسخرة‪ ،‬فتعالوا نقتل ولده‬
‫أو نخبله‪ .‬فعلم سليمان بذلك فأمر الريح حتى حملته إلى السحاب‪ ،‬وغدا ابنه في السحاب خوفا من‬
‫مضرة الشياطيمن‪ ،‬فعاقبمه ال بخوفمه ممن الشياطيمن‪ ،‬فلم يشعمر إل وقمد وقمع على كرسميه ميتما‪ .‬قال‬
‫معناه الشعبي‪ .‬فهو الجسد الذي قال ال تعالى‪" :‬والقينا على كرسيه جسدا"‪.‬‬
‫وحكى النقاش وغيره‪ :‬إن أكثر ما وطئ سليمان جواريه طلبا للولد‪ ،‬فولد له نصف إنسان‪ ،‬فهو‬
‫كان الجسد الملقى على كرسيه جاءت به القابلة فألقته هناك‪ .‬وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي‬
‫هريرة قال‪ :‬قال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم‪( :‬قال سمليمان لطوفمن الليلة على تسمعين امرأة‬
‫كلهمن تأتمي بفارس يجاهمد فمي سمبيل ال فقال له صماحبه قمل إن شاء ال‪ ،‬فلم يقمل إن شاء ال فطاف‬
‫عليهن جميعا فلم تحمل منهن إل امرأة واحدة جاءت بشق رجل‪ ،‬وأيم الذي نفس محمد بيده لو قال‬
‫إن شاء ال لجاهدوا في سبيل ال فرسانا أجمعون) وقيل‪ :‬إن الجسد هو آصف بن برخيا الصديق‬
‫كاتب سليمان‪ ،‬وذلك أن سليمان لما فتن سقط الخاتم من يده وكان فيه ملكه‪ ،‬فأعاده إلى يده فسقط‬
‫فأيقمن بالفتنمة؛ فقال له آصمف‪ :‬إنمك مفتون ولذلك ل يتماسمك فمي يدك‪ ،‬ففمر إلى ال تعالى تائبما ممن‬
‫ذلك‪ ،‬وأنما أقوم مقاممك فمي عالممك إلى أن يتوب ال عليمك‪ ،‬ولك ممن حيمن فتنمت أربعمة عشمر يومما‪.‬‬
‫ففر سليمان هاربا إلى ربه‪ ،‬وأخذ آصف الخاتم فوضعه في يده فثبت‪ ،‬وكان عنده علم من الكتاب‪.‬‬
‫وقام آصمف فمي ملك سمليمان وعياله‪ ،‬يسمير بسميره ويعممل بعمله‪ ،‬إلى أن رجمع سمليمان إلى منزله‬
‫تائبا إلى ال تعالى‪ ،‬ورد ال عليه ملكه؛ فأقام آصف في مجلسه‪ ،‬وجلس على كرسيه وأخذ الخاتم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن الجسد كان سليمان نفسه؛ وذلك أنه مرض مرضا شديدا حتى صار جسدا‪ .‬وقد يوصف‬
‫به المريض المضنى فيقال‪ :‬كالجسد الملقى‪.‬‬
‫صفة كرسي سليمان وملكه‬
‫روي عن ابن عباس قال‪ :‬كان سليمان يوضع له ستمائة كرسي‪ ،‬ثم يجيء أشراف الناس فيجلسون‬
‫مما يليه‪ ،‬ثم يأتي أشراف الجن فيجلسون مما يلي النس‪ ،‬ثم يدعو الطير فتظلهم‪ ،‬ثم يدعو الريح‬
‫فتقلهم‪ ،‬وتسير بالغداة الواحدة مسيرة شهر‪ .‬وقال وهب وكعب وغيرهما‪ :‬إن سليمان عليه السلم‬
‫لمما ملك بعمد أبيمه‪ ،‬أممر باتخاذ كرسمي ليجلس عليمه للقضاء‪ ،‬وأممر أن يعممل بديعما مهول بحيمث إذا‬
‫رأه مبطمل أو شاهمد زور ارتدع وتهيمب؛ فأممر أن يعممل ممن أنياب الفيلة مفصمصة بالدر والياقوت‬
‫والزبرجمد‪ ،‬وأن يحمف بنخيمل الذهمب؛ فحمف بأربمع نخلت ممن ذهمب‪ ،‬شماريخهما الياقوت الحممر‬
‫والزمرد الخضر‪ ،‬على رأس نخلتين منهما طاووسان من ذهب‪ ،‬وعلى رأس نخلتين نسران من‬
‫ذهمب بعضهما مقابمل لبعمض‪ ،‬وجعلوا ممن جنمبي الكرسمي أسمدين ممن ذهمب‪ ،‬على رأس كمل واحمد‬
‫منهممما عمود مممن الزمرد الخضممر‪ .‬وقممد عقدوا على النخلت أشجار كروم مممن الذهممب الحمممر‪،‬‬
‫واتخذوا عناقيدها من الياقوت الحمر‪ ،‬بحيث أظل عريش الكروم النخل والكرسي‪ .‬وكان سليمان‬
‫عليمه السملم إذا أراد صمعوده وضمع قدميمه على الدرجمة السمفلى‪ ،‬فيسمتدير الكرسمي كله بمما فيمه‬
‫دوران الرحممى المسممرعة‪ ،‬وتنشممر تلك النسممور والطواويممس أجنحتهمما‪ ،‬ويبسممط السممدان أيديهممما‪،‬‬
‫ويضربان الرض بأذنابهما‪ .‬وكذلك يفعل في كل درجة يصعدها سليمان‪ ،‬فإذا استوى بأعله أخذ‬
‫النسران اللذان على النخلتين تاج سليمان فوضعاه على رأسه‪ ،‬ثم يستدير الكرسي بما فيه‪ ،‬ويدور‬
‫معه النسران والطاووسان والسدان مائلن برؤوسهما إلى سليمان‪ ،‬وينضحن عليه من أجوافهن‬
‫المسمك والعنمبر‪ ،‬ثمم تناول حماممة ممن ذهمب قائممة على عمود ممن أعمدة الجواهمر فوق الكرسمي‬
‫التوراة‪ ،‬فيفتحهمما سممليمان عليممه السمملم ويقرؤهمما على الناس ويدعوهممم إلى فصممل القضاء‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫ويجلس عظماء بنمي إسمرائيل على كراسمي الذهمب المفصمصة بالجواهمر‪ ،‬وهمي ألف كرسمي عمن‬
‫يمينه‪ ،‬ويجلس عظماء الجن على كراسي الفضة عن يساره وهي ألف كرسي‪ ،‬ثم تحف بهم الطير‬
‫تظلهمم‪ ،‬ويتقدم الناس لفصمل القضاء‪ .‬فإذا تقدممت الشهود للشهادات‪ ،‬دار الكرسمي بمما فيمه وعليمه‬
‫دوران الرحمى المسمرعة‪ ،‬ويبسمط السمدان أيديهمما ويضربان الرض بأذنابهمما‪ ،‬وينشمر النسمران‬
‫والطاووسان أجنحتهما‪ ،‬فتفزع الشهود فل يشهدون إل بالحق‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن الذي كان يدور بذلك الكرسي تنين من ذهب ذلك الكرسمي عليه‪ ،‬وهو عظم مما عمله‬
‫له صخر الجني؛ فإذا أحست بدورانه تلك النسور والسد والطواويس التي في أسفل الكرسي إلى‬
‫أعله درن معمه‪ ،‬فإذا وقفمن وقفمن كلهمن عمل رأس سمليمان وهمو جالس‪ ،‬ثمم ينضحمن جميعما على‬
‫رأسه ما في أجوافهن من المسمك والعنبر‪ .‬فلما توفي سليمان بعث بختنصر فأخمذ الكرسمي فحمله‬
‫إلى أنطاكية‪ ،‬فأراد أن يصعد إليه ولم يكن له علم كيف يصعد إليه؛ فلما وضع رجله ضرب السد‬
‫رجله فكسمرها‪ ،‬وكان سمليمان إذا صمعد وضمع قدميمه جميعما‪ .‬ومات بختنصمر وحممل الكرسمي إلى‬
‫بيت المقدس‪ ،‬فلم يستطع قط ملك أن يجلس عليه‪ ،‬ولكن لم يدر أحد عاقبة أمره ولعله رفع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم أناب" أي رجع إلى ال وتاب‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال رب اغفر لي" أي اغفر لي ذنمبي "وهمب لي ملكا ل ينبغمي لحد من بعدي‬
‫إنك أنت الوهاب" يقال‪ :‬كيف أقدم سليمان على طلب الدنيا‪ ،‬مع ذمها من ال تعالى‪ ،‬وبغضه لها‪،‬‬
‫وحقارتهما لديمه؟‪ .‬فالجواب أن ذلك محمول عنمد العلماء على أداء حقوق ال تعالى وسمياسة ملكمه‪،‬‬
‫وترتيب منازل خلقه‪ ،‬وإقامة حدوده‪ ،‬والمحافظة على رسومه‪ ،‬وتعظيم شعائره‪ ،‬وظهور عبادته‪،‬‬
‫ولزوم طاعته‪ ،‬ونظم قانون الحكم النافذ عليهم منه‪ ،‬وتحقيق الوعود في أنه يعلم ما ل يعلم أحد من‬
‫خلقممه حسممب ممما صممرح بذلك لملئكتممه فقال‪" :‬إنممي أعلم ممما ل تعلمون" [البقرة‪ ]30 :‬وحوشممي‬
‫سليمان عليه السلم أن يكون سؤاله طلبا لنفس الدنيا؛ لنه هو والنبياء أزهد خلق ال فيها‪ ،‬وإنما‬
‫سأل مملكتها ل‪ ،‬كما سأل نوح دمارها وهلكها ل؛ فكانا محمودين مجابين إلى ذلك‪ ،‬فأجيب نوح‬
‫فأهلك ممن عليهما‪ ،‬وأعطمى سمليمان المملكمة‪ .‬وقمد قيمل‪ :‬أن ذلك كان بأممر ممن ال جمل وعمز على‬
‫الصمفة التمي علم ال أنمه ل يضبطمه إل همو وحده دون سمائر عباده‪ ،‬أو أراد أن يقول ملكما عظيمما‬
‫فقال‪" :‬ل ينبغمي لحمد ممن بعدي" وهذا فيه نظمر‪ .‬والول أصح‪ .‬ثمم قال له‪" :‬هذا عطاؤنما فأمنن أو‬
‫أمسك بغير حساب" قال الحسن‪ :‬ما من أحد إل ول عليه تبعة في نعمه غير سليمان بن داود عليه‬
‫السلم فإنه قال‪" :‬هذا عطاؤنا" الية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا يرد مما روي فمي الخمبر‪ :‬إن آخمر النمبياء دخول الجنمة سمليمان بمن داود عليمه السملم‬
‫لمكان ملكه في الدنيا‪ .‬وفي بعض الخبار‪ :‬يدخل الجنة بعد النبياء بأربعين خريفا؛ ذكره صاحب‬
‫القوت وهمو حديمث ل أصمل له؛ لنمه سمبحانه إذا كان عطاؤه ل تبعمة فيمه لنمه ممن طريمق المنمة‪،‬‬
‫فكيمف يكون آخمر النمبياء دخول الجنمة‪ ،‬وهمو سمبحانه يقول‪" :‬وإن له عندنما لزلفمى وحسمن مآب"‪.‬‬
‫وفي الصحيح‪( :‬لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته‪ )...‬الحديث‪ .‬وقد تقدم فجعل له من‬
‫قبمل السمؤال حاجة مقضيمة‪ ،‬فلذلك لم تكن عليه تبعة‪ .‬ومعنمى قوله‪" :‬ل ينبغمي لحمد ممن بعدي" أي‬
‫أن يسمأله‪ .‬فكأنمه سمأل منمع السمؤال بعده‪ ،‬حتمى ل يتعلق به أممل أحمد‪ ،‬ولم يسمأل منمع الجابمة‪ .‬وقيمل‪:‬‬
‫إن سمؤاله ملكما ل ينبغمي لحمد ممن بعده؛ ليكون محله وكرامتمه ممن ال ظاهرا فمي خلق السمموات‬
‫والرض؛ فإن النبياء عليهم السلم لهم تنافس في المحل عنده‪ ،‬فكل يحب أن تكون له خصوصية‬
‫يستدل بها على محله عنده‪ ،‬ولهذا لما أخذ النبي صلى ال عليه وسلم العفريت الذي أراد أن يقطع‬
‫عليه صلته وأمكنه ال منه‪ ،‬أراد ربطه ثم تذكر قوله أخيه سليمان‪" :‬رب اغفر لي وهب لى ملكا‬
‫ل ينبغمي لحمد ممن بعدي" فرده خاسمئا‪ .‬فلو أعطمي أحمد بعده مثله ذهبمت الخصموصية‪ ،‬فكأنمه كره‬
‫صلى ال عليه وسلم أن يزاحمه في تلك الخصوصية‪ ،‬بعد أن علم أنه شيء هو الذي خص به من‬
‫سخرة الشياطين‪ ،‬وأنه أجيب إلى أل يكون لحد بعده‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فسمخرنا له الريمح تجري بأمره رخاء" أي لينمة ممع قوتهما وشدتهما حتمى ل تضمر‬
‫بأحمد‪ ،‬وتحمله بعسمكره وجنوده وموكبمه‪ .‬وكان موكبمه فيمما روي فرسمخا فمي فرسمخ‪ ،‬مائة درجمة‬
‫بعضهما فوق بعمض‪ ،‬كمل درجمة صمنف ممن الناس‪ ،‬وهمو فمي أعلى درجمة ممع جواريمه وحشممه‬
‫وخدمه؛ صملوات ال وسملمه عليه‪ .‬وذكمر أبو نعيمم الحافمظ قال‪ :‬حدثنما أحممد بن جعفر‪ ،‬قال حدثنما‬
‫عبدال بن أحمد بن حنبمل‪ ،‬قال حدثنا أحمد بن محممد بمن أيوب‪ ،‬قال حدثنا أبو بكمر بن عياش عن‬
‫إدريس بن وهب بن منبه‪ ،‬قال حدثني أبي قال‪ :‬كان لسليمان بن داود عليه السلم ألف بيت أعله‬
‫قواريمر وأسمفله حديمد‪ ،‬فركمب الريمح يومما فممر بحراث فنظمر إليمه الحراث فقال‪ :‬لقمد أوتمي آل داود‬
‫ملكما عظيمما فحملت الريمح كلممه فألقتمه فمي أذن سمليمان‪ ،‬قال فنزل حتمى أتمى الحراث فقال‪ :‬إنمي‬
‫سممعت قولك‪ ،‬وإنمما مشيمت إليمك لئل تتمنمى مما ل تقدر عليمه؛ لتسمبيحة واحدة يقبلهما ال منمك لخيمر‬
‫مما أوتي آل داود‪ .‬فقال الحراث‪ :‬أذهب ال همك كما أذهبت همي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حيمث أصماب" أي أراد؛ قاله مجاهمد‪ .‬والعرب تقول‪ :‬أصماب الصمواب وأخطمأ‬
‫الجواب‪ .‬أي أراد الصواب وأخطأ الجواب؛ قال ابن العرابي‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫فأخطأ الجواب لدى المفصل‬ ‫أصاب الكلم فلم يستطع‬
‫وقيمل‪ :‬أصماب أراد بلغمة حميمر‪ .‬وقال قتادة‪ :‬همو بلسمان هجمر‪ .‬وقيمل‪" :‬حيمث أصماب" حينمما قصمد‪،‬‬
‫وهمو مأخوذ ممن إصمابة السمهم الغرض المقصمود‪" .‬والشياطيمن" أي وسمخرنا له الشياطيمن ومما‬
‫سخرت لحد قبله‪" .‬كل بناء" بدل من الشياطين أي كل بناء منهم‪ ،‬فهم يبنون له ما يشاء‪ .‬قال‪:‬‬
‫قم في البرية فاحددها عن الفند‬ ‫إل سليمان إذ قال الله له‬
‫يبنون تدمر بالصفاح والعمد‬ ‫وخيس الجن إني قد أذنت لهم‬
‫"وغواص" يعني في البحر يستخرجون له الدر‪ .‬فسليمان أول من استخرج له اللؤلؤ من البحر‪.‬‬
‫"وآخريمن مقرنيمن فمي الصمفاد" أي وسمخرنا له مردة الشياطيمن حتمى قرنهمم فمي سملسل الحديمد‬
‫وقيود الحديد؛ قال قتادة‪ .‬السدي‪ :‬الغلل‪ .‬ابن عباس‪ :‬في وثاق‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫وأبنا بالملوك مصفدينا‬ ‫فآبوا بالنهاب وبالسبايا‬
‫قال يحيى بن سلم‪ :‬ولم يكن يفعل ذلك إل بكفارهم‪ ،‬فإذا آمنوا أطلقهم ولم يسخرهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هذا عطاؤنا" الشارة بهذا إلى الملك‪ ،‬أي هذا الملك عطاؤنا فأعط من شئت أو‬
‫امنع من شئت ل حساب عليك؛ عن الحسن والضحاك وغيرهما‪ .‬قال الحسن‪ :‬ما أنعم ال على أحد‬
‫نعمة إل عليه فيها تبعة إل سليمان عليه السلم؛ فإن ال تعالى يقول‪" :‬هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك‬
‫بغيمر حسماب"‪ .‬وقال قتادة‪ :‬الشارة فمي قوله تعالى‪" :‬هذا عطاؤنما" إلى مما أعطيمه ممن القوة على‬
‫الجماع‪ ،‬وكانمت له ثلثمائة امرأة وسمبعمائة سمرية‪ ،‬وكان فمي ظهره ماء مائة رجمل‪ ،‬رواه عكرممة‬
‫عممن ابممن عباس‪ .‬ومعناه فممي البخاري‪" .‬فامنممن أو أمسممك بغيممر حسمماب" وعلى هذا "فامنممن" مممن‬
‫المنمي؛ يقال‪ :‬أمنمى يمنمي ومنمى يمنمي لغتان‪ ،‬فإذا أمرت ممن أمنمى قلت أممن؛ ويقال‪ :‬ممن منمى يمنمي‬
‫فمي الممر آممن‪ ،‬فإذا جئت بنون الفعمل نون الخفيفمة قلت امنمن‪ .‬وممن ذهمب بمه إلى المنمة قال‪ :‬ممن‬
‫عليه؛ فإذا أخرجه مخرج المر أبرز النونين؛ لنه كان مضاعفا فقال امنن‪ .‬فيروى في الخبر أنه‬
‫سمخر له الشياطيمن‪ ،‬فممن شاء ممن عليمه بالعتمق والتخليمة‪ ،‬وممن شاء أمسمكه؛ قال قتادة والسمدي‪.‬‬
‫وعلى مما روى عكرممة عمن ابمن عباس‪ :‬أي جاممع ممن شئت ممن نسمائك‪ ،‬واترك جماع ممن شئت‬
‫منهمن ل حسماب عليمك‪" .‬وإن له عندنما لزلفمى وحسمن مآب" أي إن أنعمنما عليمه فمي الدنيما فله عندنما‬
‫في الخرة قربة وحسن مرجع‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 43 - 41 :‬واذكمر عبدنما أيوب إذ نادى ربمه أنمي مسمني الشيطان بنصمب وعذاب‪،‬‬
‫اركمض برجلك هذا مغتسمل بارد وشراب‪ ،‬ووهبنما له أهله ومثلهمم معهمم رحممة منما وذكرى لولي‬
‫اللباب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واذكر عبدنا أيوب" أمر للنبي صلى ال عليه وسلم بالقتداء بهم في الصبر على‬
‫المكاره‪".‬أيوب" بدل‪" .‬إذ نادى ربمه أنمي مسمني الشيطان بنصمب وعذاب" وقرأ عيسمى بمن عممر‬
‫"إنمي" بكسمر الهمزة أي قال‪ .‬قال الفراء‪ :‬وأجمعمت القراء على أن قرؤوا "بنصمب" بضمم النون‬
‫والتخفيممف‪ .‬النحاس‪ :‬وهذا غلط وبعده مناقضممة وغلط أيضمما؛ لنممه قال‪ :‬أجمعممت القراء على هذا‪،‬‬
‫وحكى بعده أنهم ذكروا عن يزيد بن القعقاع أنه قرأ‪" :‬بنصب" بفتح النون والصاد فغلط على أبي‬
‫جعفر‪ ،‬وإنما قرأ أبو جعفر‪" :‬بنصب" بضم النون والصاد؛ كذا حكاه أبو عبيد وغيره وهو مروي‬
‫عن الحسن‪ .‬فأما "بنصب" فقراءة عاصمم الجحدري ويعقوب الحضرمي‪ .‬وقد رويت هذه القراءة‬
‫عمن الحسمن وقمد حكمي "بنصمب" بفتمح النون وسمكون الصماد عمن أبمي جعفمر‪ .‬وهذا كله عنمد أكثمر‬
‫النحوييمن بمعنمى النصمب فنصمب ونصمب كحزن وحزن‪ .‬وقمد يجوز أن يكون نصمب جممع نصمب‬
‫كوُثممن ووَثممن‪ .‬ويجوز أن يكون نصممب بمعنممى نصممب حذفممت منممه الضمممة‪ ،‬فأممما "وممما ذبممح على‬
‫النصمب" [المائدة‪ ]3 :‬فقيمل‪ :‬إنمه جممع نصماب‪ .‬وقال أبمو عمبيدة وغيره‪ :‬النصمب الشمر والبلء‪.‬‬
‫والنصب التعب والعياء‪ .‬وقد قيل في معنى‪" :‬أني مسني الشيطان بنصب وعذاب" أي ما يلحقه‬
‫من وسوسته ل غير‪ .‬وال أعلم‪ .‬ذكره النحاس‪ .‬وقيل‪ :‬إن النصب ما أصابه في بدنه‪ ،‬والعذاب ما‬
‫أصابه في ماله؛ وفيه بعد‪ .‬وقال المفسرون‪ :‬إن أيوب كان روميا من البثنية وكنيته أبو عبدال في‬
‫قول الواقدي؛ اصمممطفاه ال بالنبوة‪ ،‬وأتاه جملة عظيممممة ممممن الثروة فمممي أنواع الموال والولد‪.‬‬
‫وكان شاكرا لنعمم ال؛ مواسميا لعباد ال‪ ،‬برا رحيمما‪ .‬ولم يؤممن بمه إل ثلثمة نفمر‪ .‬وكان لبليمس‬
‫موقمف ممن السمماء السمابعة فمي يوم ممن اليام‪ ،‬فوقمف بمه إبليمس على عادتمه؛ فقال ال له أوقيمل له‬
‫عنمه‪ :‬أقدرت ممن عبدي أيوب على شيمء؟ فقال‪ :‬يما رب وكيمف أقدر منمه على شيمء‪ ،‬وقمد ابتليتمه‬
‫بالمال والعافيمة‪ ،‬فلو ابتليتمه بالبلء والفقمر ونزعمت منمه مما أعطيتمه لحال عمن حاله‪ ،‬ولخرج عمن‬
‫طاعتك‪ ،‬قال ال‪ :‬قد سلطتك على أهله وماله‪ .‬فانحط عدو ال فجمع عفاريت الجن فأعلمهم‪ ،‬وقال‬
‫قائل منهمم‪ :‬أكون إعصمارا فيمه نار أهلك ماله فكان؛ فجاء أيوب فمي صمورة قيمم ماله فأعلممه بمما‬
‫جرى؛ فقال‪ :‬الحمممد ل هممو أعطاه وهممو منعممه‪ .‬ثممم جاء قصممره بأهله وولده‪ ،‬فاحتمممل القصممر مممن‬
‫نواحيمه حتمى ألقاه على أهله وولده‪ ،‬ثمم جاء إليمه وأعلممه فألقمى التراب على رأسمه‪ ،‬وصمعد إبليمس‬
‫إلى السمماء فسمبقته توبمة أيوب‪ .‬قال‪ :‬يما رب سملطني على بدنمه‪ .‬قال‪ :‬قمد سملطتك على بدنمه إل على‬
‫لسانه وقلبه وبصره‪ ،‬فنفخ في جسده نفخة اشتعل منها فصار في جسده ثآليل فحكها بأظفاره حتى‬
‫دميت‪ ،‬ثم بالفخار حتى تساقط لحمه‪ .‬وقال عند ذلك‪" :‬مسني الشيطان"‪ .‬ولم يخلص إلى شيء من‬
‫حشوة البطمن؛ لنمه ل بقاء للنفمس إل بهما فهمو يأكمل ويشرب‪ ،‬فمكمث كذلك ثلث سمنين‪ .‬فلمما غلبمه‬
‫أيوب اعترض لمرأتممه فممي هيئة أعظممم مممن هيئة بنممي آدم فممي القدر والجمال‪ ،‬وقال لهمما‪ :‬أنمما إله‬
‫الرض‪ ،‬وأنما الذي صمنعت بصماحبك مما صمنعت‪ ،‬ولو سمجدت لي سمجدة واحدة لرددت عليمه أهله‬
‫وماله وهمم عندي‪ .‬وعرض لهما فمي بطمن الوادي ذلك كله فمي صمورته؛ أي أظهره لهما‪ ،‬فأخمبرت‬
‫أيوب فأقسم أن يضربها إن عافاه ال‪.‬‬
‫وذكروا كلما طويل في سبب بلئه ومراجعته لربه وتبرمه من البلء الذي نزل به‪ ،‬وأن النفر‬
‫الثلثمة الذيمن آمنوا بمه نهوه عمن ذلك واعترضوا عليمه‪ ،‬وقيمل‪ :‬اسمتعان بمه مظلوم فلم ينصمره فابتلي‬
‫بسمبب ذلك‪ .‬وقيمل‪ :‬اسمتضاف يومما الناس فمنمع فقيرا الدخول فابتلي بذلك‪ .‬وقيمل‪ :‬كان أيوب يغزو‬
‫ملكا وكان له غنم في وليته‪ ،‬فداهنه لجلها بترك غزوه فابتلي‪ .‬وقيل‪ :،‬كان الناس يتعدون امرأته‬
‫ويقولون نخشممى العدوى وكانوا يسممتقذرونها؛ فلهذا قال‪" .‬مسممني الشيطان"‪ .‬وامرأتممه ليمما بنممت‬
‫يعقوب‪ .‬وكان أيوب فمي زممن يعقوب وكانمت أممه ابنمة لوط‪ .‬وقيمل‪ :‬كانمت زوجمة أيوب رحممة بنمت‬
‫إفرائيمم بمن يوسمف بمن يعقوب عليهمم السملم‪ .‬ذكمر القوليمن الطمبري رحممه ال‪ .‬قال ابمن العربمي‪ :‬مما‬
‫ذكره المفسمرون ممن أن إبليمس كان له مكان فمي السمماء السمابعة يومما ممن العام فقول باطمل؛ لنمه‬
‫أهبط منها بلعنة وسخط إلى الرض‪ ،‬فكيف يرقى إلى محل الرضا‪ ،‬ويجول في مقامات النبياء‪،‬‬
‫ويخترق السموات العلى‪ ،‬ويعلو إلى السماء السابعة إلى منازل النبياء‪ ،‬فيقف موقف الخليل؟! إن‬
‫هذا لخطمب ممن الجهالة عظيمم‪ .‬وأمما قولهمم‪ :‬إن ال تعالى قال له همل قدرت ممن عبدي أيوب على‬
‫شيء فباطل قطعما؛ لن ال عز وجل ل يكلم الكفار الذين هم من جند إبليس الملعون؛ فكيمف يكلم‬
‫ممن تولى إضللهمم؟! وأمما قولهمم‪ :‬إن ال قال قمد سملطتك على ماله وولده فذلك ممكمن فمي القدرة‪،‬‬
‫ولكنمه بعيمد فمي هذه القصمة‪ .‬وكذلك قولهمم‪ :‬إنمه نفخ فمي جسمده حيمن سملطه عليمه فهمو أبعمد‪ ،‬والباري‬
‫سمبحانه قادر على أن يخلق ذلك كله ممن غيمر أن يكون للشيطان فيمه كسمب حتمى تقمر له ‪ -‬لعنمة ال‬
‫عليه ‪ -‬عين بالتمكن من النبياء في أموالهم وأهليهم وأنفسهم‪ .‬وأما قولهم‪ :‬إنه قال لزوجته أنا إله‬
‫الرض‪ ،‬ولو تركممت ذكممر ال وسممجدت أنممت لي لعافيتممه‪ ،‬فاعلموا وإنكممم لتعلمون أنممه لو عرض‬
‫لحدكم وبه ألم وقال هذا الكلم ما جاز عنده أن يكون إلها في الرض‪ ،‬وأنه يسجد له‪ ،‬وأنه يعافي‬
‫ممن البلء‪ ،‬فكيمف أن تسمتريب زوجمة نمبي؟! ولو كانمت زوجمة سموادي أو فدم بربري مما سماغ ذلك‬
‫عندهما‪ .‬وأمما تصمويره الموال والهمل فمي واد للمرأة فذلك مما ل يقدر عليمه إبليمس بحال‪ ،‬ول همو‬
‫فمي طريمق السمحر فيقال إنمه ممن جنسمه‪ .‬ولو تصمور لعلممت المرأة أنمه سمحر كمما نعلممه نحمن وهمي‬
‫فوقنا في المعرفة بذلك؛ فإنه لم يخل زمان قط من السحر وحديثه وجريه بين الناس وتصويره‪.‬‬
‫قال القاضمي‪ :‬والذي جرأهمم على ذلك وتذرعوا بمه إلى ذكمر هذا قوله تعالى‪" :‬إذ نادى ربمه أنمي‬
‫مسمني الشيطان بنصمب وعذاب" فلمما رأوه قمد شكما ممس الشيطان أضافوا إليمه ممن رأيهمم مما سمبق‬
‫ممن التفسمير فمي هذه القوال‪ .‬وليمس الممر كمما زعموا والفعال كلهما خيرهما وشرهما‪ .‬فمي إيمانهما‬
‫وكفرهما‪ ،‬طاعتهما وعصميانها‪ ،‬خالقهما همو ال ل شريمك له فمي خلقمه‪ ،‬ول فمي خلق شيمء غيرهما‪،‬‬
‫ولكمن الشمر ل ينسمب إليمه ذكرا‪ ،‬وإن كان موجودا منمه خلقما؛ أدبما أدبنما بمه‪ ،‬وتحميدا علمناه‪ .‬وكان‬
‫من ذكر محمد صلى ال عليه وسلم لربه به قول من جملته‪( :‬والخير في يديك والشر ليس إليك)‬
‫على هذا المعنممى‪ .‬ومنممه قول إبراهيممم‪" :‬وإذا مرضممت فهممو يشفيممن" [الشعراء‪ ]80 :‬وقال الفتممى‬
‫للكليمم‪" :‬ومما أنسمانيه إل الشيطان" [الكهمف‪ ]63 :‬وأمما قولهمم‪ :‬انمه اسمتعان بمه مظلوم فلم ينصمره‪،‬‬
‫فمن لنا بصحة هذا القول‪ .‬ول يخلو أن يكون قادرا على نصره‪ ،‬فل يحل لحد تركه فيلم على أنه‬
‫عصمى وهمو منزه عمن ذلك‪ ،‬أو كان عاجزا فل شيمء عليمه فمي ذلك‪ ،‬وكذلك قولهمم‪ :‬إنمه منمع فقيرا‬
‫ممن الدخول؛ إن كان علم بمه فهمو باطمل عليمه وإن لم يعلم بمه فل شيمء عليمه فيمه‪ .‬وأمما قولهمم‪ :‬إنمه‬
‫داهمن على غنممه الملك الكافمر فل تقمل داهمن ولكمن قمل دارى‪ .‬ودفمع الكافمر والظالم عمن النفمس أو‬
‫المال بالمال جائز؛ نعم وبحسن الكلم‪ .‬قال ابن العربي القاضي أبو بكر رضى ال عنه‪ :‬ولم يصح‬
‫عن أيوب في أمره إل ما أخبرنا ال عنه في كتابه في آيتين؛ الولى قوله تعالى‪" :‬وأيوب إذ نادى‬
‫ربه أني مسني الضر" [النبياء‪ ]83 :‬والثانية في‪[ :‬ص] "أني مسني الشيطان بنصب وعذاب"‪.‬‬
‫وأما النبي صلى ال عليه وسلم فلم يصح عنه أنه ذكره بحرف واحمد إل قوله‪( :‬بينا أيوب يغتسمل‬
‫إذ خمر عليمه رِجمل ممن جراد ممن ذهمب‪ )...‬الحديمث‪ .‬وإذ لم يصمح عنمه فيمه قرآن ول سمنة إل مما‬
‫ذكرناه‪ ،‬فمممن الذي يوصممل السممامع إلى أيوب خممبره‪ ،‬أم على أي لسممان سمممعه؟ والسممرائيليات‬
‫مرفوضمة عنمد العلماء على البتات؛ فأعرض عمن سمطورها بصمرك‪ ،‬وأصممم عمن سمماعها أذنيمك‪،‬‬
‫فإنهما ل تعطمي فكرك إل خيال‪ ،‬ول تزيمد فؤادك إل خبال وفمي الصمحيح واللفمظ للبخاري أن ابمن‬
‫عباس قال‪ :‬يما معشمر المسملمين تسمألون أهمل الكتاب وكتابكمم الذي أنزل على نمبيكم أحدث الخبار‬
‫بال‪ ،‬تقرؤونمه محضما لم يشمب‪ ،‬وقمد حدثكمم أن أهمل الكتاب قمد بدلوا ممن كتمب ال وغيروا وكتبوا‬
‫بأيديهم الكتب؛ فقالوا‪" :‬هذا من عند ال ليشتروا به ثمنا قليل" [البقرة‪ ]79 :‬ول ينهاكم ما جاءكم‬
‫من العلم عن مسألتهم‪ ،‬فل وال ما رأينا رجل منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم‪ ،‬وقد أنكر النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم في حديث الموطأ على عمر قراءته التوراة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اركض برجلك" الركض الدفع بالرجل‪ .‬يقال‪ :‬ركض الدابة وركض ثوبه برجله‪.‬‬
‫وقال المبرد‪ :‬الركض التحريك؛ ولهذا قال الصمعي‪ :‬يقال ركضت الدابة ول يقال ركضت هي؛‬
‫لن الركمض إنمما همو تحريمك راكبهما رجليمه ول فعمل لهما فمي ذلك‪ .‬وحكمى سميبويه‪ :‬ركضمت الدابمة‬
‫فركضمت مثمل جمبرت العظمم فجمبر وحزنتمه فحزن؛ وفمي الكلم إضمار أي قلنما له‪" :‬اركمض" قال‬
‫الكسائي‪ .‬وهذا لما عافاه ال‪" .‬هذا مغتسل بارد وشراب" أي فركض فنبعت عين ماء فاغتسل به‪،‬‬
‫فذهب الداء من ظاهره‪ ،‬ثم شرب منه فذهب الداء من باطنه‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هما عينان بأرض الشام‬
‫في أرض يقال لها الجابية‪ ،‬فاغتسل من إحداهما فأذهب ال تعالى ظاهر دائه‪ ،‬وشرب من الخرى‬
‫فأذهب ال تعالى باطن دائه‪ .‬ونحوه عن الحسن ومقاتل؛ قال مقاتل‪ :‬نبعت عين حارة واغتسل فيها‬
‫فخرج صمحيحا‪ ،‬ثمم نبعمت عين أخرى فشرب منهما ماء عذبما‪ .‬وقيمل‪ :‬أممر بالركمض بالرجمل ليتناثمر‬
‫عنمه كمل داء فمي جسمده‪ .‬والمغتسمل الماء الذي يغتسمل بمه؛ قال القتمبي‪ .‬وقيمل‪ :‬إنمه الموضمع الذي‬
‫يغتسممل فيممه؛ قال مقاتممل‪ .‬الجوهري‪ :‬واغتسمملت بالماء‪ ،‬والغسممول الماء الذي يغتسممل بممه‪ ،‬وكذلك‬
‫المغتسمل‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬هذا مغتسمل بارد وشراب" والمغتسمل أيضما الذي يغتسمل فيمه‪ ،‬والمغسمل‬
‫والمغسل بكسمر السمين وفتحهما مغسمل الموتى والجممع المغاسل‪ .‬واختلف كم بقي أيوب فمي البلء؛‬
‫فقال ابن عباس‪ :‬سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات‪ .‬وقال وهب بن منبه‪ :‬أصاب‬
‫أيوب البلء سبع سنين‪ ،‬وترك يوسف‪ ،‬في السجن سبع سنين‪ ،‬وعذب بختنصر وحول في السباع‬
‫سمبع سمنين‪ .‬ذكره أبمو نعيمم‪ .‬وقيمل‪ :‬عشمر سمنين‪ .‬وقيمل‪ :‬ثمان عشرة سمنة‪ .‬رواه أنمس مرفوعما فيمما‬
‫ذكر الماوردي‪:‬‬
‫قلت‪ :‬وذكره ابمن المبارك؛ أخبرنما يونمس بمن يزيمد‪ ،‬عمن عقيمل عمن ابمن شهاب أن رسمول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ذكر يوما أيوب‪ ،‬وما أصابه من البلء‪ ،‬وذكر أن البلء الذي أصابه كان به‬
‫ثمان عشرة سنة‪ .‬وذكر الحديث القشيري‪ .‬وقيل‪ :‬أربعين سنة‪.‬‬
‫استدل بعض جهال المتزهدة؛ وطغام المتصوفة بقوله تعالى ليوب‪" :‬اركض برجلك" على جواز‬
‫الرقص قال أبو الفرج الجوزي‪ :‬وهذا احتجاج بارد؛ لنه لوكان أمر بضرب الرجل فرحا كان لهم‬
‫فيمه شبهمة‪ ،‬وإنمما أممر بضرب الرجمل لينبمع الماء‪ .‬قال ابمن عقيمل‪ :‬أيمن الدللة فمي مبتلى أممر عنمد‬
‫كشمف البلء بأن يضرب برجله الرض لينبمع الماء إعجازا ممن الرقمص ولئن جاز قوله سمبحانه‬
‫لموسمى‪" :‬اضرب بعصماك الحجمر" [البقرة‪ ]60 :‬دللة على ضرب المحاد بالقضبان نعوذ بال‬
‫ممن التلعمب بالشرع‪ .‬وقمد احتمج بعمض قاصمريهم بأن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قال لعلي‪:‬‬
‫(أنت مني وأنا منك) فحجل‪ ،‬وقال لجعفر‪( :‬أشبهت خلقي وخلقي) فحجل‪ .‬وقال لزيد‪( :‬أنت أخونا‬
‫ومولنما) فحجمل‪ .‬ومنهمم ممن احتمج بأن الحبشمة زفنمت والنمبي صملى ال عليمه وسملم ينظمر إليهمم‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أما الحجل فهو نوع من المشي يفعل عند الفرج فأين هو والرقص‪ ،‬وكذلك زفن الحبشة‬
‫نوع من المشي يفعل عند اللقاء للحرب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ووهبنما له أهله ومثلهمم معهمم" تقدم‪" .‬رحممة منما" أي نعممة منما‪" .‬وذكرى لولي‬
‫اللباب" أي عبرة لذوي العقول‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 44 :‬وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ول تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب}‬
‫@ كان أيوب حلف في مرضه أن يضرب امرأته مائة جلدة؛ وفي سبب ذلك‬
‫أربعمة أقوال‪ :‬أحدهما‪ :‬مما حكاه ابمن عباس أن إبليمس لقيهما فمي صمورة طمبيب فدعتمه لمداواة أيوب‪،‬‬
‫فقال أداويمه عل أنه إذا برئ قال أنمت شفيتنمي‪ ،‬ل أريمد جزاء سواه‪ .‬قالت‪ :‬نعمم فأشارت على أيوب‬
‫بذلك فحلف ليضربنها‪ .‬وقال‪ :‬ويحك ذلك الشيطان‪ .‬الثاني‪ :‬ما حكاه سعيد بن المسيب‪ ،‬أنها جاءته‬
‫بزيادة على مما كانمت تأتيمه ممن الخبمز‪ ،‬فخاف خيانتهما فحلف ليضربنهما‪ .‬الثالث‪ :‬مما حكاه يحيمى بمن‬
‫سلم وغيره‪ :‬أن الشيطان أغواها أن تحمل أيوب على أن يذبح سخلة تقربا إليه وأنه يبرأ‪ ،‬فذكرت‬
‫ذلك له فحلف ليضربنها إن عوفي مائة‪ .‬الرابع‪ :‬قيل‪ :‬باعت ذوائبها برغيفين إذ لم تجد شيئا تحمله‬
‫إلى أيوب‪ ،‬وكان أيوب يتعلق بها إذا أراد القيام‪ ،‬فلهذا حلف ليضربنها‪ ،‬فلما شفاه ال أمره أن يأخذ‬
‫ضغثا فيضرب به‪ ،‬فأخمذ شماريخ قدر مائة فضربهما ضربة واحدة‪ .‬وقيل‪ :‬الضغث قبضة حشيش‬
‫مختلطة الرطب باليابس‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬إنه إثكال النخل الجامع بشماريخه‪.‬‬
‫@ تضمنمت هذه اليمة جواز ضرب الرجمل امرأتمه تأديبما‪ .‬وذلك أن امرأة أيوب أخطأت فحلف‬
‫ليضربنها مائة‪ ،‬فأمره ال تعالى أن يضربها بعثكول من عثاكيل النخل‪ ،‬وهذا ل يجوز في الحدود‪.‬‬
‫إنمما أمره ال بذلك لئل يضرب امرأتمه فوق حمد الدب‪ .‬وذلك أنمه ليمس للزوج أن يضرب امرأتمه‬
‫فوق حممد الدب؛ ولهذا قال عليممه السمملم‪( :‬واضربوهممن ضربمما غيممر مممبرح) على ممما تقدم فممي‬
‫"النساء" بيانه‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في هذا الحكم هل هو عام أوخاص بأيوب وحده‪ ،‬فروى عن مجاهد أنه عام‬
‫للناس‪ .‬ذكره ابمن العربمي‪ .‬وحكمي عمن القشيري أن ذلك خاص بأيوب‪ .‬وحكمى المهدوي عمن عطاء‬
‫بمن أبمي رباح أنمه ذهمب إلى أن ذلك حكمم باق‪ ،‬وأنمه إذا ضرب بمائة قضيمب ونحوه ضربمة واحدة‬
‫بر‪ .‬وروي نحوه الشافعي‪ .‬وروى نحوه عن النبي صلى ال عليه وسلم في المقعد الذي حملت منه‬
‫الوليدة‪ ،‬وأمر أن يضرب بعثكول فيه مائة شمراخ ضربة واحدة‪ .‬وقال القشيري‪ :‬وقيل لعطاء هل‬
‫يعممل بهذا اليوم؟ فقال‪ :‬مما أنزل القرآن إل ليعممل بمه ويتبمع‪ .‬ابمن العربمي‪ :‬وروي عمن عطاء أنهما‬
‫ليوب خاصممة‪ .‬وكذلك روى أبممو زيممد عممن ابممن القاسممم عممن مالك‪ :‬مممن حلف ليضربممن عبده مائة‬
‫فجمعهما فضربمه بهما ضربمة واحدة لم يمبر‪ .‬قال بعمض علمائنما‪ :‬يريمد مالك قوله تعالى‪" :‬لكمل جعلنما‬
‫منكم شرعة ومنهاجا" [المائدة‪ ]48 :‬أي إن ذلك منسوخ بشريعتنا‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وقد روينا عن‬
‫علي أنمه جلد الوليممد بمن عقبمة بسموط له طرفان أربعيمن جلدة‪ .‬وأنكممر مالك هذا وتل قول ال عمز‬
‫وجمل‪" :‬فاجلدوا كمل واحمد منهمما مائة جلدة" [النور‪ ]2 :‬وهذا مذهمب أصمحاب الرأي‪ .‬وقمد احتمج‬
‫الشافعي لقوله بحديث‪ ،‬وقد تكلم في إسناده؛ وال أعلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الحديمث الذي احتمج بمه الشافعمي خرجمه أبمو داود فمي سمننه قال‪ :‬حدثنما أحممد بمن سمعيد‬
‫الهمدانمي‪ ،‬قال حدثنما ابمن وهمب‪ ،‬قال‪ :‬أخمبرني يونمس عمن ابمن شهاب‪ ،‬قال‪ :‬أخمبرني أبمو أماممة بمن‬
‫سمهل بمن حنيمف أنمه أخمبره بعمض أصمحاب النمبي صملى ال عليمه وسملم ممن النصمار‪ ،‬أنمه اشتكمى‬
‫رجل منهم حتى أضنى‪ ،‬فعاد جلدة على عظم‪ ،‬فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها‪،‬‬
‫فلمما دخمل عليمه رجال قوممه يعودونمه أخمبرهم بذلك وقال‪ :‬اسمتفتوا لي رسمول ال صملى ال عليمه‬
‫وسملم؛ فإنممي قممد وقعمت على جاريمة دخلت علي‪ .‬فذكروا ذلك لرسمول ال صملى ال عليمه وسملم‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬مما رأينما بأحمد ممن الناس ممن الضمر مثمل الذي همو بمه؛ لو حملناه إليمك لتفسمخت عظاممه‪ ،‬مما‬
‫همو إل جلد على عظمم؛ فأممر رسمول ال صملى ال عليمه وسملم أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه‬
‫بها ضربة واحدة‪ .‬قال الشافعي‪ :‬إذا حلف ليضربن فلنا مائة جلدة‪ ،‬أو ضربا ولم يقل ضربا شديدا‬
‫ولم ينو ذلك بقلبه يكفيه مثل هذا الضرب المذكور في الية ول يحنث‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وإذا حلف‬
‫الرجل ليضربن عبده مائة فضربه ضربا خفيفا فهو بار عند الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬ليس الضرب إل الضرب الذي يؤلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تحنث" دليل على أن الستثناء في اليمين ل يرفع حكما إذا كان متراخيا‪ .‬وقد‬
‫مضمى القول فيمه فمي "المائدة" يقال‪ :‬حنمث فمي يمينمه يحنمث إذا لم يمبر بهما‪ .‬وعنمد الكوفييمن الواو‬
‫مقحمة أي فاضرب ل تحنث‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬قوله تعالى‪" :‬فاضرب به ول تحنث" يدل على أحد وجهين‪ :‬إما أن يكون أنه‬
‫لم يكمن فمي شرعهمم كفارة‪ ،‬وإنمما كان البر والحنمث‪ .‬والثانمي أن يكون صمدر منمه نذر ل يميمن وإذا‬
‫كان النذر معينا فل كفارة فيه عند مالك وأبي حنيفة‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬في كل نذر كفارة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول إنه لم يكن في شرعهم كفارة ليس بصحيح؛ فإن أيوب عليه السلم لما بقي في البلء‬
‫ثمان عشرة سمنة‪ ،‬كمما فمي حديمث ابمن شهاب‪ ،‬قال له صماحباه‪ :‬لقمد أذنبمت ذنبما مما أظمن أحدا بلغمه‪.‬‬
‫فقال أيوب صملى ال عليمه وسملم‪ :‬مما أدري مما تقولن‪ ،‬غيمر أن ربمي عمز وجمل يعلم أنمي كنمت أممر‬
‫على الرجليممن يتزاعمان فكممل يحلف بال‪ ،‬أو على النفممر يتزاعمون فأنقلب إلى أهلى‪ ،‬فأكفممر عممن‬
‫أيمانهمم إرادة أل يأثمم أحمد يذكره ول يذكره إل بحمق فنادى ربمه "أنمي مسمني الضمر وأنمت أرحمم‬
‫الراحميمن" [النمبياء‪ ]83 :‬وذكمر الحديمث‪ .‬فقمد أفادك هذا الحديمث أن الكفارة كانمت ممن شرع‬
‫أيوب‪ ،‬وأن من كفر عن غيره بغير إذنه فقد قام بالواجب عنه وسقطت عنه الكفارة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنا وجدناه صابرا" أي على البلء‪" .‬نعم العبد إنه أواب" أي تواب رجاع مطيع‪.‬‬
‫وسئل سفيان عن عبدين ابتلى أحدهما فصبر‪ ،‬وأنعم على الخر فشكر؛ فقال‪ :‬كلهما سواء؛ لن‬
‫ال تعالى أثنى على عبدين؛ أحدهما صابر والخر شاكر ثناء واحدا؛ فقال في وصف أيوب‪" :‬نعم‬
‫العبد إنه أواب" وقال في وصف سليمان‪" :‬نعم العبد إنه أواب"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقمد رد هذا الكلم صماحب (القوت) واسمتدل بقصمة أيوب فمي تفضيمل الفقيمر على الغنمي‬
‫وذكر كلما كثيرا شيد به كلمه‪ ،‬وقد ذكرناه في غير هذا الموضع من كتاب [منهج العباد ومحجة‬
‫السمالكين والزهاد]‪ .‬وخفمي عليمه أن أيوب عليمه السملم كان أحمد الغنياء ممن النمبياء قبمل البلء‬
‫وبعده‪ ،‬وإنمما ابتلي بذهاب ماله وولده وعظيمم الداء فمي جسمده‪ .‬وكذلك النمبياء صملوات ال عليهمم‬
‫وسلمه صبروا على ما به امتحنوا وفتنوا‪ .‬فأيوب عليه السلم دخل في البلء على صفة‪ ،‬فخرج‬
‫منمه كمما دخمل فيمه‪ ،‬ومما تغيمر منمه حال ول مقال‪ ،‬فقمد اجتممع ممع أيوب فمي المعنمى المقصمود‪ ،‬وهمو‬
‫عدم التغيممر الذي يفضممل فيممه بعممض الناس بعضمما‪ .‬وبهذا العتبار يكون الغنممي الشاكممر والفقيممر‬
‫الصمابر سمواء‪ .‬وهمو كمما قال سمفيان‪ .‬وال أعلم‪ .‬وفمي حديمث ابمن شهاب عمن النمبي صملى ال عليمه‬
‫وسلم‪( :‬إن أيوب خرج لما كان يخرج إليه من حاجته فأوحى ال إليه‪" :‬اركض برجلك هذا مغتسل‬
‫بارد وشراب" فاغتسل فأعاد ال لحمه وشعره وبشره على أحسن ما كان ثم شرب فأذهب ال كل‬
‫مما كان فمي جوفمه ممن ألم أو ضعمف وأنزل ال عليمه ثوبيمن ممن السمماء أبيضيمن فائتزر بأحدهمما‬
‫وارتدى بالخمر ثمم أقبمل يمشمي إلى منزله وراث على امرأتمه فأقبلت حتمى لقيتمه وهمي ل تعرفمه‬
‫فسمملمت عليمه وقالت أي يرحمممك ال هممل رأيممت هذا الرجممل المبتلى؟ قال مممن هممو؟ قالت نممبي ال‬
‫أيوب‪ ،‬أمما وال مما رأيمت أحدا قمط أشبمه بمه منمك إذ كان صمحيحا‪ .‬قال فإنمي أيوب وأخمذ ضغثما‬
‫فضربها به) فزعم ابن شهاب أن ذلك الضغث كان ثماما‪ .‬ورد ال إليه أهله ومثلهم معهم‪ ،‬فأقبلت‬
‫سحابة حتى سجلت في أندر قمحه ذهبا حتى امتل‪ ،‬وأقبلت سحابة أخرى إلى أندر شعيره وقطانيه‬
‫فسجلت فيه ورقا حتى امتل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 47 - 45 :‬واذكمر عبادنما إبراهيمم وإسمحاق ويعقوب أولي اليدي والبصمار‪ ،‬إنما‬
‫أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار‪ ،‬وإنهم عندنا لمن المصطفين الخيار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب" قرأ ابن عباس‪" :‬عبدنا" بإسناد صحيح؛‬
‫رواه ابن عيينة عن عمرو عن عطاء عنه‪ ،‬وهي قراءة مجاهد وحميد وابن محيصن وابن كثير؛‬
‫فعلى هذه القراءة يكون "إبراهيمم" بدل ممن "عبدنما" و"إسمحاق ويعقوب" عطمف‪ .‬والقراءة بالجممع‬
‫أبيمن‪ ،‬وهمي اختيار أبمي عبيمد وأبمي حاتمم‪ ،‬ويكون "إبراهيمم" ومما بعده على البدل‪ .‬النحاس‪ :‬وشرح‬
‫هذا ممن العربيمة أنمك إذا قلت‪ :‬رأيمت أصمحابنا زيدا وعمرا وخالدا‪ ،‬فزيمد وعمرو وخالد بدل وهمم‬
‫الصممحاب‪ ،‬وإذا قلت رأيممت صمماحبنا زيدا وعمرا وخالدا فزيممد وحده بدل وهممو صمماحبنا‪ ،‬وزيممد‬
‫وعمرو عطف على صاحبنا وليسا بداخلين في المصاحبة إل بدليل غير هذا‪ ،‬غير أنه قد علم أن‬
‫قوله‪" :‬وإسمحاق ويعقوب"داخمل فمي العبوديمة‪ .‬وقمد اسمتدل بهذه اليمة ممن قال‪ :‬إن الذبيمح إسمحاق ل‬
‫إسممماعيل‪ ،‬وهممو الصممحيح على ممما ذكرناه فممي كتاب (العلم بمولد النممبي عليممه السمملم)‪" .‬أولي‬
‫اليدي والبصار" قال النحاس‪ :‬أما "البصار" فمتفق على تأويلها أنها البصائر في الدين والعلم‪.‬‬
‫وأممما "اليدي" فمختلف فممي تأويلهمما؛ فأهممل التفسممير يقولون‪ :‬إنهمما القوة فممي الديممن‪ .‬وقوم يقولون‪:‬‬
‫"اليدي" جمع يد وهي النعمة؛ أي هم أصحاب النعم؛ أي الذين أنعم ال عز وجل عليهم‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫همم أصمحاب النعمم والحسمان؛ لنهمم قمد أحسمنوا وقدموا خيرا‪ .‬وهذا اختيار الطمبري‪" .‬وإنهمم عندنما‬
‫لممن المصمطفين الخيار" أي الذيمن اصمطفاهم ممن الدناس واختارهمم لرسمالته ومصمطفين جممع‬
‫مصطفى والصل مصتفى وقد مضى في "البقرة" عند قوله‪" :‬إن ال اصطفى لكم الدين" [البقرة‪:‬‬
‫‪" ]132‬والخيار" جمع خير‪ .‬وقرأ العمش وعبدالوارث والحسن وعيسى الثقفي "أولي اليد"‬
‫بغير ياء في الوصل والوقف على معنى أولي القوة في طاعة ال‪ .‬ويجوز أن يكون كمعنى قراءة‬
‫الجماعة وحذف الياء تخفيفا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار" قراءة العامة "بخالصة" منونة وهي اختيار‬
‫أبمي عبيمد وأبمي حاتمم‪ .‬وقرأ نافع وشيبمة وأبو جعفمر وهشام عن ابمن عاممر "بخالصمة ذكرى الدار"‬
‫بالضافمة فممن نون خالصمة فمم "ذكرى الدار" بدل منهما؛ التقديمر إنما أخلصمناهم بأن يذكروا الدار‬
‫الخرة ويتأهبوا لهممما ويرغبوا فيهممما ويرغبوا الناس فيهممما‪ .‬ويجوز أن يكون "خالصمممة" مصمممدرا‬
‫لخلص و"ذكرى" في موضع رفع بأنها فاعلة‪ ،‬والمعنى أخلصناهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار؛‬
‫أي تذكيممر الدار الخرة‪ .‬ويجوز أن يكون "خالصممة" مصممدرا لخلصممت فحذفممت الزيادة‪ ،‬فيكون‬
‫"ذكرى" على هذا في موضع نصب‪ ،‬التقدير‪ :‬بأن أخلصوا ذكرى الدار‪ .‬والدار يجوز أن يراد بها‬
‫الدنيمما؛ أي ليتذكروا الدنيمما ويزهدوا فيهمما‪ ،‬ولتخلص لهممم بالثناء الحسممن عليهممم‪ ،‬كممما قال تعالى‪:‬‬
‫"وجعلنا لهم لسان صدق عليا" [مريم‪ ]50 :‬ويجوز أن يراد بها الدار الخرة وتذكير الخلق بها‪.‬‬
‫وممن أضاف خالصمة إلى الدار فهمي مصمدر بمعنمى الخلص‪ ،‬والذكرى مفعول بمه أضيمف إليمه‬
‫المصممدر؛ أي بإخلصممهم ذكرى الدار‪ .‬ويجوز أن يكون المصممدر مضافمما إلى الفاعممل والخالصممة‬
‫مصمدر بمعنمى الخلوص؛ أي بأن خلصمت لهمم ذكرى الدار‪ ،‬وهمي الدار الخرة أو الدنيما على مما‬
‫تقدم‪ .‬وقال ابممن زيمممد‪ :‬معنمممى أخلصمممناهم أي بذكمممر الخرة؛ أي يذكرون الخرة ويرغبون فيهممما‬
‫ويزهدون في الدنيا‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬المعنى إنا أخلصناهم بأن ذكرنا الجنة لهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 54 - 48 :‬واذكمر إسمماعيل واليسمع وذا الكفمل وكمل ممن الخيار‪ ،‬هذا ذكمر وإن‬
‫للمتقيممن لحسممن مآب‪ ،‬جنات عدن مفتحممة لهممم البواب‪ ،‬متكئيممن فيهمما يدعون فيهمما بفاكهممة كثيرة‬
‫وشراب‪ ،‬وعندهمم قاصمرات الطرف أتراب‪ ،‬هذا مما توعدون ليوم الحسماب‪ ،‬إن هذا لرزقنما مما له‬
‫من نفاد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واذكمر إسمماعيل واليسمع وذا الكفمل" وقمد مضمى ذكرهمم‪" .‬وكمل ممن الخيار" أي‬
‫مممن اختيمر للنبوة‪" .‬هذا ذكمر" بمعنمى هذا ذكمر جميمل فمي الدنيما وشرف يذكرون به فمي الدنيما أبدا‪.‬‬
‫"وإن للمتقيمن لحسمن مآب" أي لهمم ممع هذا الذكمر الجميمل فمي الدنيما حسمن المرجمع فمي القياممة‪.‬‬
‫"جنات عدن" والعدن في اللغة القامة؛ يقال‪ :‬عدن بالمكان إذا أقام‪ .‬وقال عبدال بن عمر‪ :‬إن في‬
‫الجنمة قصمرا يقال له عدن حوله البروج والمروج فيمه خمسمة آلف باب على كمل باب خمسمة آلف‬
‫حبرة ل يدخله إل نبي أو صديق أو شهيد‪" .‬مفتحة" حال "لهم البواب" رفعت البواب لنه اسم‬
‫ما لم يسم فاعله‪ .‬قال الزجاج‪ :‬أي مفتحة لهم البواب منها‪ .‬وقال الفراء‪ :‬مفتحة لهم أبوابها‪ .‬وأجاز‬
‫الفراء‪" :‬مفتحمة لهمم البواب" بالنصمب‪ .‬قال الفراء‪ :‬أي مفتحمة البواب ثمم جئت بالتنويمن فنصمبت‪.‬‬
‫وأنشد هو وسيبويه‪:‬‬
‫أجب الظهر ليس له سنام‬ ‫ونأخذ بعده بذناب عيش‬
‫وإنمما قال‪" :‬مفتحمة"ولم يقمل مفتوحمة؛ لنهما تفتمح لهمم بالممر ل بالممس‪ .‬قال الحسمن‪ :‬تُكلم‪ :‬انفتحمي‬
‫فتنفتح انغلقي فتنغلق‪ .‬وقيل‪ :‬تفتح لهم الملئكة البواب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬متكئيمن فيهما" همو حال قدممت على العاممل فيهما وهمو قوله‪" :‬يدعون فيهما" أي‬
‫يدعون في الجنات متكئين فيها‪" .‬بفاكهة كثيرة" أي بألوان الفواكه‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وشراب" أي وشراب كثير فحذف لدللة الكلم عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعندهم قاصرات الطرف" أي على أزواجهن ل ينظرن إلى غيرهم وقد مضى‪.‬‬
‫"أتراب" أي على سن واحد‪ .‬وميلد امرأة واحدة‪ ،‬وقد تساوين في الحسن والشباب‪ ،‬بنات ثلث‬
‫وثلثيمن سمنة‪ .‬قال ابمن عباس‪ :‬يريمد الدميات‪ .‬و"أتراب" جممع ترب وهمو نعمت لقاصمرات؛ لن‬
‫"قاصمرات" نكرة وإن كان مضافما إلى المعرفمة‪ .‬والدليمل على ذلك أن اللف واللم يدخلنمه كمما‬
‫قال‪:‬‬
‫من الذر فوق التب منها لثرا‬ ‫من القاصرات الطرف لو دب محول‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هذا مما توعدون ليوم الحسماب" أي هذا الجزاء الذي وعدتمم بمه‪ .‬وقراءة العاممة‬
‫بالتاء أي ما توعدون أيها المؤمنون‪ .‬وقرأ ابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو ويعقوب بالياء على‬
‫الخبر‪ ،‬وهي قراءة السلمي واختيار أبي عبيد وأبي حاتم؛ لقوله تعالى‪" :‬وإن للمتقين لحسن مآب"‬
‫فهو خبر‪" .‬ليوم الحساب" أي في يوم الحساب‪ ،‬قال العشى‪:‬‬
‫المهينين ما لهم لزمان السم موء حتى إذا أفاق أفاقوا‬
‫أي في زمان السموء‪" .‬إن هذا لرزقنما ما له من نفاد" دليل على أن نعيمم الجنمة دائم ل ينقطع؛ كمما‬
‫قال‪" :‬عطاء غير مجذوذ" [هود‪ ]108 :‬وقال‪" :‬لهم أجر غير ممنون" [التين‪.]6 :‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 55 :‬هذا وإن للطاغيمن لشمر مآب‪ ،‬جهنمم يصملونها فبئس المهاد‪ ،‬هذا فليذوقوه حميمم‬
‫وغسماق‪ ،‬وآخمر ممن شكله أزواج‪ ،‬هذا فوج مقتحمم معكمم ل مرحبما بهمم إنهمم صمالوا النار‪ ،‬قالوا بمل‬
‫أنتمم ل مرحبما بكمم أنتمم قدمتموه لنما فبئس القرار‪ ،‬قالوا ربنما ممن قدم لنما هذا فزده عذابما ضعفما فمي‬
‫النار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هذا وإن للطاغيمن لشمر مآب" "هذا" لمما ذكمر مما للمتقيمن ذكمر مما للطاغيمن قال‬
‫الزجاج‪" :‬هذا" خممبر ابتداء محذوف أي المممر هذا فيوقممف على "هذا" قال ابممن النباري‪" :‬هذا"‬
‫وقمف حسمن‪ .‬ثمم ابتداء "وإن للطاغيمن" وهمم الذيمن كذبوا الرسمل‪" .‬لشمر مآب" أي منقلب يصميرون‬
‫إليمه‪" .‬جهنمم يصملونها فبئس المهاد" أي بئس مما مهدوا لنفسمهم‪ ،‬أو بئس الفراش لهمم‪ .‬ومنمه مهمد‬
‫الصمبي‪ .‬وقيمل‪ :‬فيمه حذف أي بئس موضمع المهاد‪ .‬وقيمل‪ :‬أي هذا الذي وصمفت لهؤلء المتقيمن‪ ،‬ثمم‬
‫قال‪ :‬وإن للطاغين لشر مرجع فيوقف على "هذا" أيضا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هذا فليذوقوه حميم وغساق" "هذا" في موضع رفع بالبتداء وخبره "حميم" على‬
‫التقديممم والتأخيممر؛ أي هذا حميممم وغسمماق فليذوقوه‪ .‬ول يوقممف على "فليذوقوه" ويجوز أن يكون‬
‫"هذا" فمي موضمع رفمع بالبتداء و"فليذوقوه" فمي موضمع الخمبر‪ ،‬ودخلت الفاء للتنمبيه الذي فمي‬
‫"هذا" فيوقمف على "فليذوقوه" ويرتفمع "حميمم" على تقديمر هذا حميمم‪ .‬قال النحاس‪ :‬ويجوز أن‬
‫يكون المعنممى المممر هذا‪ ،‬وحميممم وغسمماق إذا لم تجمعهممما خممبرا فرفعهممما على معنممى هممو حميممم‬
‫وغساق‪ .‬والفراء يرفعهما بمعنى منه حميم ومنه غساق وأنشد‪:‬‬
‫وغودر البقل ملوى ومحصود‬ ‫حتى إذا ما أضاء الصبح في غلس‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫قتب وغرب إذا ما أفرغ أنسحقا‬ ‫لها متاع وأعوان غدون به‬
‫ويجوز أن يكون "هذا" في موضع نصب بإضمار فعل يفسره "فليذوقوه" كما تقول زيدا اضربه‪.‬‬
‫والنصمب فمي هذا أولى فيوقمف على "فليذوقوه" وتبتدئ "حميمم وغسماق" على تقديمر الممر حميمم‬
‫وغساق‪ .‬وقراءة أهل المدينة وأهل البصرة وبعض الكوفيين بتخفيف السين في "وغساق"‪ .‬وقرأ‬
‫يحيى بن وثاب والعمش وحمزة والكسائي "وغساق" بالتشديد‪ ،‬وهما لغتان بمعنى واحد في قول‬
‫الخفش‪ .‬وقيل‪ :‬معناهما مختلف؛ فمن خفف فهو اسم مثل عذاب وجواب وصواب‪ ،‬ومن شدد قال‪:‬‬
‫همو اسمم فاعمل نقمل إلى فعال للمبالغمة‪ ،‬نحمو ضراب وقتال وهمو فعال ممن غسمق يغسمق فهمو غسماق‬
‫وغاسق‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬هو الزمهرير يخوفهم ببرده‪ .‬وقال مجاهد ومقاتل‪ :‬هو الثلج البارد الذي‬
‫قمد انتهمى برده‪ .‬وقال غيرهمما‪ .‬إنمه يحرق بمبرده كمما يحرق الحميمم بحره‪ .‬وقال عبدال بمن عمرو‪:‬‬
‫هو قيح غليظ لو وقع منه شيء بالمشرق لنتن من فمي المغرب‪ ،‬ولو وقع منه شيء في المغرب‬
‫لنتمن ممن فمي المشرق‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هومما يسميل ممن فروج الزناة وممن نتمن لحوم الكفرة وجلودهمم‬
‫من الصديد والقيح والنتن‪ .‬وقال محمد بن كعب‪ :‬هو عصارة أهل النار‪ .‬وهذا القول أشبه باللغة؛‬
‫يقال‪ :‬غسق الجرح يغسق غسقا إذا خرج منه ماء أصفر؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫إلي جرى دمع من الليل غاسق‬ ‫إذا ما تذكرت الحياة وطيبها‬
‫أي بارد‪ .‬ويقال‪ :‬ليمل غاسمق؛ لنمه أبرد ممن النهار‪ .‬وقال السمدي‪ :‬الغسماق الذي يسميل ممن أعينهمم‬
‫ودموعهممم يسممقونه مممع الحميممم‪ .‬وقال ابممن زيممد‪ :‬الحميممم دموع أعينهممم‪ ،‬يجمممع فممي حياض النار‬
‫فيسقونه‪ ،‬والصديد الذي يخرج من جلودهم‪ .‬والختيار على هذا "وغساق" حتى يكون مثل سيال‪.‬‬
‫وقال كعب‪ :‬الغساق عين في جهنم يسيل إليها سم كل ذي حمة من عقرب وحية‪ .‬وقيل‪ :‬هو مأخوذ‬
‫ممن الظلممة والسمواد‪ .‬والغسمق أول ظلممة اليمل‪ ،‬وقمد غسمق الليمل يغسمق إذا أظلم‪ .‬وفمي الترمذي ممن‬
‫حديمث أبمي سمعيد الخدري عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم‪ :‬قال (لوأن دلوا ممن غسماق يهراق فمي‬
‫الدنيا لنتن أهل الدنيا)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا أشبه على الشتقاق الول كما بينا‪ ،‬إل أنه يحتمل أن يكون الغساق مع سيلنه أسود‬
‫مظلما فيصح الشتقاقان‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآخمر ممن شكله أزواج" قرأ أبمو عمرو‪" :‬وأخمر" جممع أخرى مثمل الكمبرى‬
‫والكممبر‪ .‬الباقون‪" :‬وآخممر" مفرد مذكممر‪ .‬وأنكممر أبممو عمرو "وآخممر" لقوله تعالى‪" :‬أزواج" أي ل‬
‫يخمبر بواحمد عمن جماعمة‪ .‬وأنكمر عاصمم الجحدري "وأخمر" قال‪ :‬ولو كانمت "وأخمر" لكان ممن‬
‫شكلهمما‪ .‬وكل الرديممن ل يلزم والقراءتان صممحيحتان‪" .‬وآخممر" أي وعذاب آخممر سمموى الحميممم‬
‫والغسمماق‪" .‬مممن شكله" قال قتادة‪ :‬مممن نحوه‪ .‬قال ابممن مسممعود‪ :‬هممو الزمهريممر‪ .‬وارتفممع "وآخممر"‬
‫بالبتداء و"أزواج" مبتدأ ثان و"من شكله" خبره والجملة خبر "آخمر"‪ .‬ويجوز أن يكون "وآخر"‬
‫مبتدأ والخبر مضمر دل عليه "هذا فليذوقوه حميم وغساق" لن فيه دليل على أنه لهم‪ ،‬فكأنه قال‪:‬‬
‫ولهمم آخمر ويكون "ممن شكله أزواج" صمفة لخمر فالمبتدأ متخصمص بالصمفة و"أزواج" مرفوع‬
‫بالظرف‪ .‬وممن قرأ "وأخمر" أراد وأنواع ممن العذاب أُخَر‪ ،‬وممن جممع وهمو يريمد الزمهريمر فعلى‬
‫أنه جعل الزمهرير أجناسا فجمع لختلف الجناس‪ .‬أو على أنه جعل لكل جزء منه زمهريرا ثم‬
‫جممع كمما قالوا‪ :‬شابمت مفارقه‪ .‬أو على أنه جمع لما فمي الكلم ممن الدللة على جواز الجمع؛ لنه‬
‫جعممل الزمهريممر الذي هممو نهايممة البرد بإزاء الجمممع فممي قوله‪" :‬هذا فليذوقوه حميممم وغسمماق"‬
‫والضمير في "شكله" يجوز أن يعود على الحميم أو الغساق‪ .‬أو على معنى "وآخر من شكله" ما‬
‫ذكرنا‪ ،‬ورفع "آخر" على قراءة الجمع بالبتداء و"من شكله" صفة له وفيه ذكر يعود على المبتدأ‬
‫و"أزواج" خممبر المبتدأ‪ .‬ول يجوز أن يحمممل على تقديممر ولهممم آخممر و"مممن شكله" صممفة لخممر‬
‫و"أزواج" مرتفعممة بالظرف كممما جاز فممي الفراد؛ لن الصممفة ل ضميممر فيهمما مممن حيممث ارتفممع‬
‫"أزواج" مفرد‪،‬؛ قاله أبمو علي‪ .‬و"أزواج" أي أصمناف وألوان من العذاب‪ .‬وقال يعقوب‪ :‬الشكل‬
‫بالفتح المثل وبالكسر الدل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هذا فوج مقتحم معكم" قال ابن عباس‪ :‬هو أن القادة إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم‬
‫التباع‪ ،‬قالت الخزنمة للقادة‪" :‬هذا فوج" يعنمي التباع والفوج الجماعمة "مقتحمم معكمم" أي داخمل‬
‫النار معكم؛ فقالت السادة‪" :‬ل مرحبا بهم"‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل مرحبما بهمم" أي ل اتسمعت منازلهمم فمي النار‪ .‬والرحمب السمعة‪ ،‬ومنمه رحبمة‬
‫المسجد وغيره‪ .‬وهو في مذهب الدعاء فلذلك نصب؛ قال النابغة‪:‬‬
‫إن كان تفريق الحبة في غد‬ ‫ل مرحبا بغد ول أهل به‬
‫قال أبمو عمبيدة العرب تقول‪ :‬ل مرحبما بمك؛ أي ل رحبمت عليمك الرض ول اتسمعت‪" .‬إنهمم صمالو‬
‫النار" قيمل‪ :‬همو ممن قول القادة‪ ،‬أي إنهمم صمالو النار كمما صمليناها‪ .‬وقيمل‪ :‬همو ممن قول الملئكمة‬
‫متصل بقولهم‪" :‬هذا فوج مقتحم معكم" و"قالوا بل أنتم ل مرحبا بكم" هو من قول التباع وحكى‬
‫النقاش‪ :‬إن الفوج الول قادة المشركين ومطعموهم يوم بدر‪ ،‬والفوج الثاني أتباعهم ببدر والظاهر‬
‫ممن اليمة أنهما عاممة فمي كمل تابمع ومتبوع‪" .‬أنتمم قدمتموه لنما" أي دعوتمونما إلى العصميان "فبئس‬
‫القرار" لنما ولكمم "قالوا" يعنمي التباع "ربنما ممن قدم لنما هذا" قال الفراء‪ :‬ممن سموغ لنما هذا وسمنه‬
‫وقال غيره من قدم لنا هذا العذاب بدعائه إيانا إلى المعاصي "فزده عذابا ضعفا في النار" وعذابا‬
‫بدعائه إيانما فصمار ذلك ضعفما‪ .‬وقال ابمن مسمعود‪ :‬معنمى عذابما ضعفما فمي النار الحيات والفاعمي‪.‬‬
‫ونظير هذه الية قوله تعالى‪" :‬ربنا هؤلء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار" [العراف‪.]38 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 64 - 62 :‬وقالوا ما لنا ل نرى رجال كنا نعدهم من الشرار‪ ،‬أتخذناهم سخريا أم‬
‫زاغت عنهم البصار‪ ،‬إن ذلك لحق تخاصم أهل النار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا" يعني أكابر المشركين "ما لنا ل نرى رجال كنا نعدهم من الشرار" قال‬
‫ابمن عباس‪ :‬يريدون أصمحاب محممد صملى ال عليمه وسملم؛ يقول أبمو جهمل‪ :‬أيمن بلل أيمن صمهيب‬
‫أيمن عمار أولئك فمي الفردوس واعجبما لبمي جهمل مسمكين؛ أسملم ابنمه عكرممة‪ ،‬وابنتمه جويريمة‪،‬‬
‫وأسلمت أمه‪ ،‬وأسلم أخوه‪ ،‬وكفر هو؛ قال‪:‬‬
‫وموضع رجلي منه أسود مظلم‬ ‫ونورا أضاء الرض شرقا ومغربا‬
‫"أتخذناهم سخريا" قال مجاهد‪ :‬أتخذناهم سخريا في الدنيا فأخطأنا "أم زاغت عنهم البصار"‬
‫فلم نعلم مكانهم‪ .‬قال الحسن‪ :‬كل ذلك قد فعلوا؛ اتخذوهم سخريا‪ ،‬وزاغت عنهم أبصارهم في الدنيا‬
‫محقرة لهمم‪ .‬وقيمل‪ :‬معنمى "أم زاغمت عنهمم البصمار" أي أهمم معنما فمي النار فل نراهمم‪ .‬وكان ابمن‬
‫كثيمر والعممش وأبمو عممر وحمزة والكسمائي يقرؤون "ممن الشرار اتخذناهمم" بحذف اللف فمي‬
‫الوصل‪ .‬وكان أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم وابن عامر يقرؤون "أتخذناهم" بقطع اللف على‬
‫السممتفهام وسممقطت ألف الوصممل؛ لنممه قممد اسممتغنى عنهمما؛ فمممن قرأ بحذف اللف لم يقممف على‬
‫"الشرار" لن "أتخذناهم" حال‪ .‬وقال النحاس والسجستاني‪ :‬هو نعت لرجال‪ .‬قال ابن النباري‪:‬‬
‫وهذا خطأ؛ لن النعت ل يكون ماضيا ول مستقبل‪ .‬ومن قرأ‪" :‬أتخذناهم" بقطع اللف وقف على‬
‫"الشرار" قال الفراء‪ :‬والسمتفهام هنما بمعنمى التوبيمخ والتعجمب‪" .‬أم زاغمت عنهمم البصمار" إذا‬
‫قرأت بالستفهام كانت أم للتسوية‪ ،‬وإذا قرأت بغير الستفهام فهي بمعنى بل‪ .‬وقرأ بو جعفر ونافع‬
‫وشيبمة والمفضمل وهمبيرة ويحيمى والعممش وحمزة والكسمائي‪" :،‬سمخريا" بضمم السمين‪ .‬الباقون‬
‫بالكسر‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬من كسر جعله من الهزء ومن ضم جعله من التسخير‪ .‬وقد تقدم‪" .‬إن ذلك‬
‫لحمق تخاصمم أهمل النار" "لحمق" خمبر إن و"تخاصمم" خمبر مبتدأ محذوف بمعنمى همو تخاصمم‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون بدل مممن حممق‪ .‬ويجوز أن يكون خممبرا بعممد خممبر‪ .‬ويجوز أن يكون بدل مممن ذلك‬
‫على الموضع‪ .‬أي إن تخاصم أهل النار في النار لحق‪ .‬يعني قولهم‪" :‬ل مرحبا بكم" الية وشبهه‬
‫من قول أهل النار‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 65 :‬قل إنما أنا منذر وما من إله إل ال الواحد القهار‪ ،‬رب السماوات والرض وما‬
‫بينهمما العزيمز الغفار‪ ،‬قمل همو نبمأ عظيمم‪ ،‬أنتمم عنه معرضون‪ ،‬مما كان لي من علم بالمل العلى إذ‬
‫يختصمون‪ ،‬إن يوحى إلي إل أنما أنا نذير مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل إنما أنا منذر" أي مخوف عقاب ال لمن عصاه وقد تقدم‪" .‬وما من إله" أي‬
‫معبود "إل ال الواحممد القهار" الذي ل شريممك له "رب السممماوات والرض وممما بينهممما" بالرفممع‬
‫على النعمت وإن نصمبت الول نصمبته‪ .‬ويجوز رفمع الول ونصمب مما بعده على المدح‪" .‬العزيمز"‬
‫معناه المنيع الذي ل مثل له‪" .‬الغفار" الستار لذنوب خلقه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل" أي وقل لهم يا محمد "هو نبأ عظيم" أي ما أنذركم به من الحساب والثواب‬
‫والعقاب خممبر عظيممم القدر فل ينبغممي أن يسممتخف بممه‪ .‬قال معناه قتادة‪ .‬نظيره قوله تعالى‪" :‬عممم‬
‫يتسماءلون عمن النبمأ العظيمم" [النبمأ‪ .]2 - 1 :‬وقال ابمن عباس ومجاهمد وقتادة‪ :‬يعنمي القرآن الذي‬
‫أنبأكم به خبر جليل‪ .‬وقيل‪ :‬عظيم المنفعة "أنتم عنه معرضون"‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مما كان لي ممن علم بالمل العلى إذ يختصممون" المل العلى همم الملئكمة فمي‬
‫قول ابمن عباس والسمدي اختصمموا فمي أممر آدم حيمن خلق فمم "قالوا أتجعمل فيهما ممن يفسمد فيهما"‬
‫[البقرة‪ ]30 :‬وقال إبليس‪" :‬أنا خير منه" [العراف‪ ]12:‬وفي هذا بيان أن محمدا صلى ال عله‬
‫وسلم أخبر عن قصة آدم وغيره‪ ،‬وذلك ل يتصور إل بتأييد إلهي؛ فقد قامت المعجزة على صدقه‪،‬‬
‫فما بالهم أعرضوا عن تدبر القرآن ليعرفوا صدقه؛ ولهذا وصل قوله بقوله‪" :‬قل هو نبأ عظيم أنتم‬
‫عنممه معرضون"‪ .‬وقول ثان رواه أبممو الشهممب عممن الحسممن قال‪ :‬قال رسممول ال صمملى ال عليممه‬
‫وسملم‪( :‬سمألني ربمي فقال يما محممد فيمم اختصمم المل العلى قلت فمي الكفارات والدرجات قال ومما‬
‫الكفارات قلت المشممي على القدام إلى الجماعات وإسممباغ الوضوء فممي السممبرات والتعقيممب فممي‬
‫المساجد بانتظار الصلة بعد الصلة قال وما الدرجات قلت إفشاء السلم وإطعام الطعام والصلة‬
‫بالليل والناس نيام) خرجه الترمذي بمعناه عن ابن عباس‪ ،‬وقال فيه حديث غريب‪ .‬وعن معاذ بن‬
‫جبمل أيضما وقال حديمث حسمن صمحيح‪ .‬وقمد كتبناه بكماله فمي كتاب السمنى فمي شرح أسمماء ال‬
‫الحسمنى‪ ،‬وأوضحنما إشكاله والحممد ل‪ .‬وقمد مضمى فمي "يمس" القول فمي المشمي إلى المسماجد‪ ،‬وأن‬
‫الخطما تكفمر السميئات‪ ،‬وترفمع الدرجات‪ .‬وقيمل‪ :‬المل العلى الملئكمة والضميمر فمي "يختصممون"‬
‫لفرقتين‪ .‬يعني قول من قال منهم الملئكة بنات ال‪ ،‬ومن قال آلهة تعبد‪ .‬وقيل‪ :‬المل العلى ها هنا‬
‫قريش؛ يعني اختصامهم فيما بينهم سرا‪ ،‬فأطلع ال نبيه على ذلك‪" .‬إن يوحى إلي إل أنما أنا نذير‬
‫مممبين" أي إن يوحممى إلي إل النذار‪ .‬وقرأ أبممو جعفممر بممن القعقاع "إل إنممما" بكسممر الهمزة؛ لن‬
‫الوحي قول‪ ،‬كأنه قال‪ :‬يقال لي إنما أنت نذير مبين‪ ،‬ومن فتحها جعلها في موضع رفع؛ لنها اسم‬
‫مما لم يسمم فاعله‪ .‬قال الفراء‪ :‬كأنمك قلت مما يوحمى إلي إل النذار‪ ،‬النحاس‪ :‬ويجوز أن تكون فمي‬
‫موضع نصب بمعنى إل لنما‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 71 :‬إذ قال ربمك للملئكمة إنمي خالق بشرا ممن طيمن‪ ،‬فإذا سمويته ونفخمت فيمه ممن‬
‫روحي فقعوا له ساجدين‪ ،‬فسجد الملئكة كلهم أجمعون‪ ،‬إل إبليس استكبر وكان من الكافرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ قال ربمك للملئكمة " إذ" ممن صملة "يختصممون" المعنمى؛ مما كان لي ممن علم‬
‫بالمل العلى حين يختصمون حين "قال ربك للملئكة إني خالق بشرا من طين"‪ .‬وقيل‪" :‬إذ قال"‬
‫بدل ممن "إذ يختصممون" و"يختصممون" يتعلق بمحذوف؛ لن المعنمى مما كان لي ممن علم بكلم‬
‫المل العلى وقت اختصامهم‪" .‬فإذا سويته" "إذا" ترد الماضي إلى المستقبل؛ لنها تشبه حروف‬
‫الشرط وجوابها كجوابه؛ أي خلقته‪" .‬ونفخت فيه من روحي" أي من الروح الذي أملكه ول يملكه‬
‫غيري‪ .‬فهذا معنممى الضافممة‪ ،‬وقممد مضممى هذا المعنممى مجودا فممي "النسمماء" فممي قوله فممي عيسممى‬
‫"وروح منه" [النساء‪" .]171 :‬فقعوا له ساجدين" نصب على الحال‪ .‬وهذا سجود تحية ل سجود‬
‫عبادة‪ .‬وقممد مضممى فممي "البقرة"‪" .‬فسممجد الملئكممة كلهممم أجمعون" أي امتثلوا المممر وسممجدوا له‬
‫خضوعما له وتعظيمما ل بتعظيممه "إل إبليمس" أنمف ممن السجود له جهل بأن السمجود له طاعة ل؛‬
‫والنفمة ممن طاعمة ال اسمتكبارا كفمر‪ ،‬ولذلك كان ممن الكافريمن باسمتكباره عمن أممر ال تعالى‪ .‬وقمد‬
‫مضى الكلم في‪ ،‬هذا في "البقرة" مستوفى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 83 - 75 :‬قال يما إبليمس مما منعمك أن تسمجد لمما خلقمت بيدي أسمتكبرت أم كنمت ممن‬
‫العالين‪ ،‬قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين‪ ،‬قال فاخرج منها فإنك رجيم‪ ،‬وإن عليك‬
‫لعنتمي إلى يوم الديمن‪ ،‬قال رب فأنظرنمي إلى يوم يبعثون‪ ،‬قال فإنمك ممن المنظريمن‪ ،‬إلى يوم الوقمت‬
‫المعلوم‪ ،‬قال فبعزتك لغوينهم أجمعين‪ ،‬إل عبادك منهم المخلصين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال يما إبليمس مما منعمك" أي صمرفك وصمدك "أن تسمجد" أي عمن أن تسمجد "لمما‬
‫خلقممت بيدي" أضاف خلقممه إلى نفسممه تكريممما له‪ ،‬وإن كان خالق كممل شيممء وهذا كممما أضاف إلى‬
‫نفسمه الروح والبيمت والناقمة والمسماجد‪ .‬فخاطمب الناس بمما يعرفونمه فمي تعاملهمم‪ ،‬فإن الرئيمس ممن‬
‫المخلوقيممن ل يباشممر شيئا بيده إل على سممبيل العظام والتكرم‪ ،‬فذكممر اليممد هنمما بمعنممى هذا‪ .‬قال‬
‫مجاهممد‪ :‬اليممد همما هنمما بمعنممى التأكممد والصمملة؛ مجازه لممما خلقممت أنمما كقوله‪" :‬ويبقممى وجممه ربممك"‬
‫[الرحمن‪ ]27 :‬أي يبقى ربك‪ .‬وقيل‪ :‬التشبيه في اليد في خلق ال تعالى دليل على أنه ليس بمعنى‬
‫النعممة والقوة والقدرة؛ وإنمما همما صمفتان ممن صمفات ذاتمه تعالى‪ .‬وقيمل‪ :‬أراد باليمد القدرة؛ يقال‪:‬‬
‫مالي بهذا الممر يمد‪ .‬ومما لي بالحممل الثقيمل يدان‪ .‬ويدل عليمه أن الخلق ل يقمع إل بالقدرة بالجماع‪.‬‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫ول للجبال الراسيات يدان‬ ‫تحملت من عفراء ما ليس لي به‬
‫وقيمل‪" :‬لمما خلقمت بيدي" لمما خلقمت بغيمر واسمطة‪" .‬أسمتكبرت" أي عمن السمجود "أم كنمت ممن‬
‫العالين" أي المتكبرين على ربك‪ .‬وقرأ محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير وأهل مكة "بيدي‬
‫اسممتكبرت" موصممولة اللف على الخممبر وتكون أم منقطعممة بمعنممى بممل مثممل‪" :‬أم يقولون افتراه"‬
‫[السمجدة‪ ]3 :‬وشبهمه‪ .‬وممن اسمتفهم فمم "أم" معادلة لهمزة السمتفهام وهمو تقريمر وتوبيمخ‪ .‬أي‬
‫استكبرت بنفسك حين أبيت السجود لدم‪ ،‬أم كنت من القوم الذين يتكبرون فتكبرت لهذا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال أنا خير منه" قال الفراء‪ :‬من العرب من يقول أنا أخير منه وأشر منه؛ وهذا‬
‫همو الصمل إل أنمه حذف لكثرة السمتعمال‪" .‬خلقتنمي ممن نار وخلقتمه ممن طيمن" فضمل النار على‬
‫الطيمن وهذا جهمل منمه؛ لن الجواهمر متجانسمة فقاس فأخطمأ القياس‪ .‬وقمد مضمى فمي "العراف"‬
‫بيانه‪" .‬قال فاخرج منها" يعني من الجنة "فإنك رجيم" أي مرجوم بالكواكب والشهب "وإن عليك‬
‫لعنتمي" أي طردي وإبعادي ممن رحمتمي "إلى يوم الديمن" تعريمف بإصمراره على الكفمر لن اللعمن‬
‫منقطممع حينئذ‪ ،‬ثممم بدخوله النار يظهممر تحقيممق اللعممن "قال رب فأنظرنممي إلى يوم يبعثون" أراد‬
‫الملعون أل يموت فلم يجممب إلى ذلك‪ ،‬وأخممر إلى وقممت معلوم‪ ،‬وهمو يوم يموت الخلق فيممه‪ ،‬فأخممر‬
‫تهاونا به‪" .‬قال فبعزتك لغوينهم أجمعين" لما طرده بسبب آدم حلف بعزة ال أنه يضل بنمي آدم‬
‫بتزييمن الشهوات وإدخال الشبهمة عليهمم‪ ،‬فمعنمى‪" :‬لغوينهمم" لسمتدعينهم إلى المعاصمي وقمد علم‬
‫أنممه ل يصممل إل إلى الوسمموسة‪ ،‬ول يفسممد إل مممن كان ل يصمملح لو لم يوسمموسه؛ ولهذا قال‪" :‬إل‬
‫عبادك منهمم المخلصمين" أي الذي أخلصمتهم لعبادتمك‪ ،‬وعصممتهم منمي‪ .‬وقمد مضمى فمي "الحجمر"‬
‫بيانه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 84 :‬قال فالحمق والحمق أقول‪ ،‬لملن جهنمم منمك ومممن تبعمك منهمم أجمعيمن‪ ،‬قمل مما‬
‫أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين‪ ،‬إن هو إل ذكر للعالمين‪ ،‬ولتعلمن نبأه بعد حين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال فالحق والحق أقول" هذه قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة والكسائي‪ .‬وقرأ‬
‫ابممن عباس ومجاهممد وعاصممم والعمممش وحمزة برفممع الول‪ .‬وأجاز الفراء فيممه الخفممض‪ .‬ول‬
‫اختلف فممي الثانممي فممي أنممه منصمموب بم م "أقول" ونصممب الول على الغراء أي فاتبعوا الحممق‬
‫واسمتمعوا الحمق‪ ،‬والثانمي بإيقاع القول عليمه‪ .‬وقيمل‪ :‬همو بمعنمى أحمق الحمق أي أفعله‪ .‬قال أبمو علي‪:‬‬
‫الحمق الول منصموب بفعمل مضممر أي يحمق ال الحمق‪ ،‬أو على القسمم وحذف حرف الجمر؛ كمما‬
‫تقول‪ :‬ال لفعلن؛ ومجازه‪ :‬قال فبالحممممق وهممممو ال تعالى أقسممممم بنفسممممه‪" .‬والحممممق أقول" جملة‬
‫اعترضت بين القسم والمقسم عليه‪ ،‬وهو توكيد القصة‪ ،‬وإذا جعل الحق منصوبا بإضمار فعل كان‬
‫"لملن" على إرادة القسمم‪ .‬وقمد أجاز الفراء وأبمو عمبيدة أن يكون الحمق منصموبا بمعنمى حقما‬
‫"لملن جهنمم" وذلك عند جماعة ممن النحويين خطمأ؛ ل يجوز زيدا لضربن؛ لن ما بعد اللم‬
‫مقطوع ممما قبلهما فل يعممل فيمه‪ .‬والتقديمر على قولهمما لملن جهنمم حقما‪ .‬وممن رفمع "الحمق" رفعمه‬
‫بالبتداء؛ أي فأنا الحق أو الحق مني‪ .‬رويا جميعا عن مجاهد‪ .‬ويجوز أن يكون التقدير هذا الحق‪.‬‬
‫وقول ثالث على مذهب سيبويه والفراء أن معنى فالحق لملن جهنم بمعنى فالحق أن أمل جهنم‪.‬‬
‫وفمي الخفمض قولن وهمي قراءة ابمن السمميقع وطلحمة بمن مصمرف‪ :‬أحدهمما أنمه على حذف حرف‬
‫القسمم‪ .‬هذا قول الفراء قال كمما يقول‪ :‬ال عمز وجمل لفعلن‪ .‬وقمد أجاز مثمل هذا سميبويه وغلطمه فيمه‬
‫أبمو العباس ولم يجمز الخفمض؛ لن حروف الخفمض ل تضممر‪ ،‬والقول الخمر أن تكون الفاء بدل‬
‫من واو القسم؛ كما أنشدوا‪:‬‬
‫فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لملن جهنم منك" أي من نفسك وذريتك "وممن تبعك منهم أجمعين" من بني‬
‫آدم "أجمعين"‪ .‬قوله تعالى‪" :‬قل ما أسألكم عليه من أجر" أي من جعل على تبليغ الوحي وكنى به‬
‫عن غير مذكور‪ .‬وقيل هو راجع إلى قوله‪" :‬أأنزل عليه الذكر من بيننا" [ص‪" .]8 :‬وما أنا من‬
‫المتكلفيمن" أي ل أتكلف ول أتخرص مما لم أوممر بمه‪ .‬وروى مسمروق عمن عبدال بمن مسمعود قال‪:‬‬
‫ممن سمئل عمما لم يعلم فليقمل ل أعلم ول يتكلف؛ فإن قوله ل أعلم علم‪ ،‬وقمد قال ال عمز وجمل لنمبيه‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين"‪ .‬وعن رسول ال صلى‬
‫ال عليمه وسملم‪( :‬للمتكلف ثلث علمات ينازع ممن فوقمه ويتعاطمى مما ل ينال ويقول مما ل يعلم)‪.‬‬
‫وروى الدارقطنمي ممن حديمث نافمع عمن ابمن عممر قال‪ :‬خرج رسمول ال صملى ال عليمه وسملم فمي‬
‫بعمض أسمفاره‪ ،‬فسمار ليل فمروا على رجمل جالس عنمد مقراة له‪ ،‬فقال له عممر‪ :‬يما صماحب المقراة‬
‫أولغت السباع الليلة في مقراتك؟ فقال له النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬يا صاحب المقراة ل تخبره‬
‫هذا متكلف لهما مما حملت فمي بطونهما ولنما مما بقمي شراب وطهور)‪ .‬وفمي الموطمأ عمن يحيمى بمن‬
‫عبدالرحمن بن حاطب‪ :‬أن عمر بن الخطاب خرج فمي ركمب فيهمم عمرو بمن العاص حتى وردوا‬
‫حوضمما‪ ،‬فقال عمرو بممن العاص‪ :‬يمما صمماحب الحوض هممل ترد حوضممك السممباع؟ فقال عمممر‪ :‬يمما‬
‫صاحب الحوض ل تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا‪ .‬وقد مضى القول في المياه في سورة‬
‫"الفرقان"‪" .‬إن هو إل ذكر" يعني القرآن "للعالمين" من الجن والنس‪" .‬ولتعلمن نبأه بعد حين"‬
‫أي نبأ الذكر وهو القرآن أنه حق "بعد حين" قال قتادة‪ :‬بعد الموت‪ .‬وقال الزجاج‪ .‬وقال ابن عباس‬
‫وعكرممة وابمن زيمد‪ :‬يعنمي يوم القياممة‪ .‬وقال الفراء‪ :‬بعمد الموت وقبله‪ .‬أي لتظهمر لكمم حقيقمة مما‬
‫أقول‪" :‬بعمد حيمن" أي فمي المسمتأنف أي إذا أخذتكمم سميوف المسملمين‪ .‬قال السمدي‪ :‬وذلك يوم بدر‪.‬‬
‫وكان الحسن يقول‪ :‬يا ابن آدم عند الموت يأتيمك الخبر اليقين‪ .‬وسئل عكرمة عمن حلف ليصنعن‬
‫كذا إلى حيمن‪ .‬قال‪ :‬إن ممن الحيمن مما ل تدركمه كقوله تعالى‪" :‬ولتعلممن نبأه بعمد حيمن" ومنمه مما‬
‫تدركمه؛ كقوله تعالى‪" :‬تؤتمي أكلهما كمل حيمن بإذن ربهما" [إبراهيمم‪ ]25 :‬ممن صمرام النخمل إلى‬
‫طلوعه ستة أشهر‪ .‬وقد مضى القول في هذا في "البقرة" و"إبراهيم" والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة الزمر‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ ويقال سمورة الغرف‪ .‬قال وهمب بمن منبمه‪ :‬ممن أحمب أن يعرف قضاء ال عمز وجمل فمي خلقمه‬
‫فليقرأ سممورة الغرف‪ .‬وهممي مكيممة فممي قول الحسممن وعكرمممة وعطاء وجابر بممن زيممد‪ .‬وقال ابممن‬
‫عباس‪ :‬إل آيتين نزلتا بالمدينة إحداهما "ال نزل أحسن الحديث" [الزمر‪ ]23 :‬والخرى "قل يا‬
‫عبادي الذيمن أسمرفوا على أنفسمهم" [الزممر‪ ]53 :‬اليمة‪ .‬وقال آخرون‪ :‬إل سمبع آيات ممن قوله‬
‫تعالى‪" :‬قمل يما عبادي الذيمن أسمرفوا على أنفسمهم" [الزممر‪ ]53 :‬إلى آخمر سمبع آيات نزلت فمي‬
‫وحشمي وأصمحابه على مما يأتمي‪ .‬روى الترمذي عمن عائشمة قالت‪ :‬كان رسمول ال صملى ال عليمه‬
‫وسلم ل ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل‪ .‬وهي خمس وسبعون آية‪ .‬وقيل‪ :‬اثنتان وسبعون آية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 - 1 :‬تنزيل الكتاب من ال العزيز الحكيم‪ ،‬إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد ال‬
‫مخلصما له الديمن‪ ،‬أل ل الديمن الخالص والذيمن اتخذوا ممن دونمه أولياء مما نعبدهمم إل ليقربونما إلى‬
‫ال زلفمى إن ال يحكمم بينهمم فيمما همم فيمه يختلفون إن ال ل يهدي ممن همو كاذب كفار‪ ،‬لو أراد ال‬
‫أن يتخذ ولدا لصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو ال الواحد القهار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تنزيل الكتاب" رفع بالبتداء وخبره "من ال العزيز الحكيم "‪ .‬ويجوز أن يكون‬
‫مرفوعما بمعنمى هذا تنزيمل؛ قال الفراء‪ .‬وأجاز الكسمائي والفراء أيضما "تنزيمل" بالنصمب على أنمه‬
‫مفعول بمه‪ .‬قال الكسمائي‪ :‬أي اتبعوا واقرؤوا "تنزيمل الكتاب"‪ .‬وقال الفراء‪ :‬همو على الغراء مثمل‬
‫قوله‪" :‬كتاب ال عليكم" [النساء‪ ]24 :‬أي الزموا‪ .‬والكتاب القرآن‪ .‬سمي بذلك لنه مكتوب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق" أي هذا تنزيل الكتاب من ال وقد أنزلناه بالحق؛ أي‬
‫بالصممدق وليممس بباطممل وهزل‪" .‬فاعبممد ال مخلصمما" "مخلصمما" نصممب على الحال أي موحدا ل‬
‫تشرك بمه شيئا "له الديمن" أي الطاعمة‪ .‬وقيمل‪ :‬العبادة وهمو مفعول بمه‪" .‬أل ل الديمن الخالص" أي‬
‫الذي ل يشوبه شيء‪ .‬وفي حديث الحسن عن أبي هريرة أن رجل قال‪ :‬يا رسول ال إني أتصدق‬
‫بالشيممء وأصممنع الشيممء أريممد بممه وجممه ال وثناء الناس‪ .‬فقال رسممول ال صمملى ال عليممه وسمملم‪:‬‬
‫(والذي نفس محمد بيده ل يقبل ال شيئا شورك فيه) ثم تل رسول ال صلى ال عليه وسلم"أل ل‬
‫الدين الخالص" وقد مضى هذا المعنى في "البقرة" و"النساء" و"الكهف" مستوفى‪.‬‬
‫@ قال ابن العربمي‪ :‬هذه اليمة دليل على وجوب النيمة فمي كمل عممل‪ ،‬وأعظمه الوضوء الذي هو‬
‫شطمر اليمان‪ ،‬خلفما لبمي حنيفمة والوليمد بمن مسملم عمن مالك اللذيمن يقولن أن الوضوء يكفمي ممن‬
‫غير نية‪ ،‬وما كان ليكون من اليمان شطرا ول ليخرج الخطايا من بين الظافر والشعر بغير نية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيمن اتخذوا ممن دونمه أولياء" يعنمي الصمنام والخمبر محذوف‪ .‬أي قالوا‪" :‬مما‬
‫نعبدهممم إل ليقربونمما إلى ال زلفممى" قال قتادة‪ :‬كانوا إذا قيممل لهممم مممن ربكممم وخالقكممم؟ ومممن خلق‬
‫السمماوات والرض وأنزل ممن السمماء ماء؟ قالوا ال‪ ،‬فيقال لهمم مما معنمى عبادتكمم الصمنام؟ قالوا‬
‫ليقربونممما إلى ال زلفمممى‪ ،‬ويشفعوا لنممما عنده‪ .‬قال الكلبمممي‪ :‬جواب هذا الكلم فمممي الحقاف "فلول‬
‫نصرهم الذين اتخذوا من دون ال قربانا آلهة" [الحقاف‪ ]28 :‬والزلفى القربة؛ أي ليقربونا إليه‬
‫تقريبا‪ ،‬فوضع "زلفى" في موضع المصدر‪ .‬وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس ومجاهد "والذين‬
‫اتخذوا من دونه أولياء قالوا ما نعبدهم إل ليقربونا إلى ال زلفى" وفي حرف أُب يّ (والذين اتخذوا‬
‫ممن دونمه أولياء مما نعبدكمم إل لتقربونما إلى ال زلفمى" ذكره النحاس‪ .‬قال‪ :‬والحكايمة فمي هذا بينمة‪.‬‬
‫"إن ال يحكمم بينهمم فمي مما همم فيمه يختلفون" أي بيمن أهمل الديان يوم القياممة فيجازي كل بمما‬
‫يسمتحق‪" .‬إن ال ل يهدي ممن همو كاذب كفار" أي ممن سمبق له القضاء بالكفمر لم يهتمد؛ أي للديمن‬
‫الذي ارتضاه وهو دين السلم؛ كما قال ال تعالى‪" :‬ورضيت لكم السلم دينا" وفي هذا رد على‬
‫القدرية وغيرهم على ما تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لو أراد ال أن يتخذ ولدا لصطفى مما يخلق ما يشاء" أي لو أراد أن يسمي أحدا‬
‫من خلقه بهذا ما جعله عز وجل إليهم‪" .‬سبحانه" أي تنزيها له عن الولد "هو ال الواحد القهار"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 - 5 :‬خلق السماوات والرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على‬
‫الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لجل مسمى أل هو العزيز الغفار‪ ،‬خلقكم من نفس واحدة‬
‫ثمم جعمل منهما زوجهما وأنزل لكمم ممن النعام ثمانيمة أزواج يخلقكمم فمي بطون أمهاتكمم خلقما ممن بعمد‬
‫خلق في ظلمات ثلث ذلكم ال ربكم له الملك ل إله إل هو فأنى تصرفون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خلق السمماوات والرض بالحمق" أي همو القادر على الكمال المسمتغني عمن‬
‫الصماحبة والولد‪ ،‬وممن كان هكذا فحقمه أن يفرد بالعبادة ل أنمه يشرك بمه‪ .‬ونبمه بهذا على أن يتعبمد‬
‫العباد بما شاء وقد فعل‪" .‬يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل" قال الضحاك‪ :‬أي يلقي‬
‫هذا على هذا وهذا على هذا‪ .‬وهذا على معنممى التكويمر فمي اللغمة وهمو طرح الشيمء بعضمه على‬
‫بعض؛ يقال كور المتاع أي ألقى بعضه على بعض؛ ومنه كور العمامة‪ .‬وقد روي عن ابن عباس‬
‫هذا في معنمى اليمة‪ .‬قال‪ :‬مما نقص من الليمل دخل فمي النهار وما نقص ممن النهار دخل فمي الليل‪.‬‬
‫وهو معنى قوله تعالى‪" :‬يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل" [فاطر‪ ]13 :‬وقيل‪ :‬تكوير‬
‫الليمل على النهار تغشيتمه إياه حتمى يذهمب ضوءه‪ ،‬ويغشمى النهار على الليمل فيذهمب ظلمتمه‪ ،‬وهذا‬
‫قول قتادة‪ .‬وهمو معنمى قوله تعالى‪" :‬يغشمي الليمل النهار يطلبمه حثيثما" [العراف‪" .]54:‬وسمخر‬
‫الشممس والقممر" أي بالطلوع والغروب لمنافمع العباد‪" .‬كمل يجري لجمل مسممى" أي فمي فلكمه إلى‬
‫أن تنصمرم الدنيما وهمو يوم القياممة حيمن تنفطمر السمماء وتنتثمر الكواكمب‪ .‬وقيمل‪ :‬الجمل المسممى همو‬
‫الوقمت الذي ينتهمي فيمه سمير الشممس والقممر إلى المنازل المرتبمة لغروبهما وطلوعهما‪ .‬قال الكلبمي‪:‬‬
‫يسميران إلى أقصمى منازلهمما‪ ،‬ثمم يرجعان إلى أدنمى منازلهمما ل يجاوزانمه‪ .‬وقمد تقدم بيان هذا فمي‬
‫سمورة [يمس]‪" .‬أل همو العزيمز الغفار" "أل" تنمبيه أي تنبهوا فإنمي أنما "العزيمز" الغالب "الغفار"‬
‫الساتر لذنوب خلقه برحمته‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خلقكمم ممن نفمس واحدة" يعنمي آدم عليمه السملم "ثمم جعمل منهما زوجهما" يعنمي‬
‫ليحصمل التناسمل وقمد مضمى هذا فمي "العراف" وغيرهما‪" .‬وأنزل لكمم ممن النعام ثمانيمة أزواج"‬
‫أخممبر عممن الزواج بالنزول‪ ،‬لنهمما تكونممت بالنبات والنبات بالماء المنزل‪ .‬وهذا يسمممى التدريممج؛‬
‫ومثله قوله تعالى‪" :‬قد أنزلنا عليكم لباسا" [العراف‪ ]26 :‬الية‪ .‬وقيل‪ :‬أنزل أنشأ وجعل‪ .‬وقال‬
‫سمعيد بمن جمبير‪ :‬خلق‪ .‬وقيمل‪ :‬إن ال تعالى خلق هذه النعام فمي الجنمة ثمم أنزلهما إلى الرض؛ كمما‬
‫قيل في قوله تعالى‪" :‬وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد" [الحديد‪ ]25 :‬فإن آدم لما هبط إلى الرض‬
‫أنزل معممه الحديممد‪ .‬وقيممل‪" :‬وأنزل لكممم مممن النعام" أي أعطاكممم‪ .‬وقيممل‪ :‬جعممل الخلق إنزال؛ لن‬
‫الخلق إنمما يكون بأممر ينزل ممن السمماء‪ .‬فالمعنمى‪ :‬خلق لكمم كذا بأمره النازل‪ .‬قال قتادة‪ :‬ممن البمل‬
‫اثنين ومن البقر اثنين ومن الضأن اثنين ومن المعز اثنين كل واحد زوج‪ .‬وقد تقدم هذا‪" .‬يخلقكم‬
‫فمي بطون أمهاتكمم خلقما ممن بعمد خلق" قال قتادة والسمدي‪ :‬نطفمة ثمم علقمة ثمم مضغمة ثمم عظمما ثمم‬
‫لحما‪ .‬ابن زيد‪" :‬خلقا من بعد خلق" خلقا في بطون أمهاتكم من بعد خلقكم في ظهر آدم‪ .‬وقيل‪ :‬في‬
‫ظهمر الب ثمم خلقما فمي بطمن الم ثمم خلقما بعمد الوضمع ذكره الماوردي‪" .‬فمي ظلمات ثلث" ظلممة‬
‫البطمن وظلممة الرحمم وظلممة المشيممة‪ .‬قاله ابمن عباس وعكرممة ومجاهمد وقتادة والضحاك‪ .‬وقال‬
‫ابمن جمبير‪ :‬ظلممة المشيممة وظلممة الرحمم وظلممة الليمل‪ .‬والقول الول أصمح‪ .‬وقيمل‪ :‬ظلممة صملب‬
‫الرجمل وظلممة بطمن المرأة وظلممة الرحمم‪ .‬وهذا مذهمب أبمي عمبيدة‪ .‬أي ل تمنعمه الظلممة كمما تمنمع‬
‫المخلوقين‪" .‬ذلكم ال" أي الذي خلق هذه الشياء "ربكم له الملك ل إله إل هو"‪" .‬فأنى تصرفون"‬
‫أي كيمف تنقلبون وتنصمرفون عمن عبادتمه إلى عبادة غيره‪ .‬وقرأ حمزة‪" :‬إمهاتكمم" بكسمر الهمزة‬
‫والميم‪ .‬والكسائي بكسر الهمزة وفتح الميم‪ .‬الباقون بضم الهمزة وفتح الميم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 :‬إن تكفروا فإن ال غني عنكم ول يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ول‬
‫تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن تكفروا فإن ال غني عنكم" شرط وجوابه‪" .‬ول يرضى لعباده الكفر" أي أن‬
‫يكفروا أي ل يحمب ذلك منهمم‪ .‬وقال ابمن عباس والسمدي‪ :‬معناه ل يرضمى لعباده المؤمنيمن الكفمر‪،‬‬
‫وهمم الذيمن قال ال فيهمم‪" :‬إن عبادي ليمس لك عليهمم سملطان" [السمراء‪ .]65 :‬وكقوله‪" :‬عينما‬
‫يشرب بهمما عباد ال" [النسممان‪ ]6 :‬أي المؤمنون‪ .‬وهذا على قول مممن ل يفرق بيممن الرضمما‬
‫والرادة‪ .‬وقيمل‪ :‬ل يرضمى الكفمر وإن أراده؛ فال تعالى يريمد الكفمر ممن الكافمر وبإرادتمه كفمر ل‬
‫يرضاه ول يحبه‪ ،‬فهو يريد كون ما ل يرضاه‪ ،‬وقد أراد ال عز وجل خلق إبليس وهو ل يرضاه‪،‬‬
‫فالرادة غير الرضا‪ .‬وهذا مذهب أهل السنة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن تشكروا يرضه لكم" أي يرضى الشكر لكم؛ لن "تشكروا" يدل عليه‪ .‬وقد‬
‫مضى القول في الشكر في "البقرة" وغيرها‪ .‬ويرضى بمعنى يثيب ويثني‪ ،‬فالرضا على هذا إما‬
‫ثوابه فيكون صفة فعل "لئن شكرتم لزيدنكم" [إبراهيم‪ ]7 :‬وإما ثناؤه فهو صفة ذات‪ .‬و"يرضه"‬
‫بالسكان في الهاء قرأ أبو جعفر وأبو عمرو وشيبة وهبيرة عن عاصم‪ .‬وأشبع الضمة ابن ذكوان‬
‫وابمن كثيمر وابمن محيصمن والكسمائي وورش عمن نافمع‪ .‬واختلس الباقون‪" .‬ول تزر وازرة وزر‬
‫أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور" قد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{9 - 8 :‬وإذا مس النسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان‬
‫يدعو إليه من قبل وجعل ل أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليل إنك من أصحاب النار‪ ،‬أم‬
‫من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون‬
‫والذين ل يعلمون إنما يتذكر أولوا اللباب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا مس النسان" يعني الكافر "ضر" أي شدة من الفقر والبلء "دعا ربه منيبا‬
‫إليه" أي راجعا إليه مخبتا مطيعا له مستغيثا به في إزالة تلك الشدة عنه‪" .‬ثم إذا خوله نعمة منه"‬
‫أي أعطاه وملكه‪ .‬يقال‪ :‬خولك ال الشيء أي ملكك إياه‪ ،‬وكان أبو عمرو بن العلء ينشد‪:‬‬
‫وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا‬ ‫هنالك إن يستخولوا المال يخولوا‬
‫وخول الرجل‪ :‬حشمه الواحد خائل‪ .‬قال أبو النجم‪:‬‬
‫كوم الذرى من خول المخول‬ ‫أعطى فلم يبخل ولم يبخل‬
‫@قوله تعالى‪" :‬نسي ما كان يدعو إليه من قبل" أي نسي ربه الذي كان يدعوه من قبل في كشف‬
‫الضر عنه‪ .‬فم "ما" على هذا الوجه ل عز وجل وهي بمعنى الذي‪ .‬وقيل‪ :‬بمعنى من كقوله‪" :‬ول‬
‫أنتم عابدون ما أعبد" [الكافرون‪ ]3 :‬والمعنى واحد‪ .‬وقيل‪ :‬نسي الدعاء الذي كان يتضرع به إلى‬
‫ال عمز وجمل‪ .‬أي ترك كون الدعاء منمه إلى ال‪ ،‬فمما والفعمل على هذا القول مصمدر‪" .‬وجعمل ل‬
‫أندادا" أي أوثانمما وأصممناما‪ .‬وقال السممدي‪ :‬يعنممي أندادا مممن الرجال يعتمدون عليهممم فممي جميممع‬
‫أمورهمم‪" .‬ليضمل عمن سمبيله" أي ليقتدي بمه الجهال‪" .‬قمل تمتمع بكفرك قليل" أي قمل لهذا النسمان‬
‫"تمتع" وهو أمر تهديد فمتاع الدنيا قليل‪" .‬إنك من أصحاب النار" أي مصيرك إلى النار‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أمن هو قانت آناء الليل" بين تعالى أن المؤمن ليس كالكافمر الذي مضى ذكره‪.‬‬
‫وقرأ الحسمن وأبمو عمرو وعاصمم والكسمائي "أممن" بالتشديمد‪ .‬وقرأ نافمع وابمن كثيمر ويحيمى ابمن‬
‫وثاب والعممش وحمزة‪" :‬أممن همو" بالتخفيمف على معنمى النداء؛ كأنمه قال يما ممن همو قانمت‪ .‬قال‬
‫الفراء‪ :‬اللف بمنزلة يا‪ ،‬تقول يا زيد أقبل وأزيد أقبل‪ .‬وحكي ذلك عن سيبويه وجميع النحويين؛‬
‫كما قال أوس بن حجر‪:‬‬
‫إل يدا ليست لها عضد‬ ‫أبني لبينى لستم بيد‬
‫وقال آخر هو ذو الرمة‪:‬‬
‫فماء الهوى يرفض أو يترقرق‬ ‫أدارا بحزوي هجت للعين عبرة‬
‫فالتقدير عل هذا "قل تمتع بكفرك قليل إنك من أصحاب النار" يا من هو قانت إنك من أصحاب‬
‫الجنة؛ كما يقال في الكلم‪ :‬فلن ل يصلي ول يصوم‪ ،‬فيا من يصلي ويصوم أبشر؛ فحذف لدللة‬
‫الكلم عليه‪ .‬وقيل‪ :‬إن اللف في "أمن" ألف استفهام أي "أمن هو قانت آناء الليل" أفضل؟ أم من‬
‫جعمل ل أندادا؟ والتقديمر الذي همو قانمت خيمر‪ .‬وممن شدد"أممن" فالمعنمى العاصمون المتقدم ذكرهمم‬
‫خير "أمن هو قانت" فالجملة التي عادلت أم محذوفة‪ ،‬والصل أم من فأدغمت في الميم‪ .‬النحاس‪:‬‬
‫وأم بمعنى بل‪ ،‬ومن بمعنى الذي؛ والتقدير‪ :‬أم الذي هو قانت أفضل ممن ذكر‪ .‬وفي قانت أربعة‬
‫أوجه‪ :‬أحدها أنه المطيع؛ قاله ابن مسعود‪ .‬الثانمي أنه الخاشع في صلته؛ قاله ابن شهاب‪ .‬الثالث‬
‫أنمه القائم فمي صملته؛ قاله يحيمى بمن سملم‪ .‬الرابمع أنمه الداعمي لربمه‪ .‬وقول ابن مسمعود يجممع ذلك‪.‬‬
‫وقد روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬كل قنوت في القرآن فهو طاعة ل عز وجل)‬
‫وروي عن جابر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه سئل أي الصلة أفضل؟ فقال‪( :‬طول القنوت)‬
‫وتأوله جماعة من أهل العلم على أنه طول القيام‪ .‬وروى عبدال عن نافع عن ابن عمر سئل عن‬
‫القنوت فقال‪ :‬مممما أعرف القنوت إل طول القيام‪ ،‬وقراءة القرآن‪ .‬وقال مجاهمممد‪ :‬ممممن القنوت طول‬
‫الركوع وغض البصر‪ .‬وكان العلماء إذا وقفوا في الصلة غضوا أبصارهم‪ ،‬وخضعوا ولم يلتفتوا‬
‫فممي صمملتهم‪ ،‬ولم يعبثوا ولم يذكروا شيئا مممن أمممر الدنيمما إل ناسممين‪ .‬قال النحاس‪ :‬أصممل هذا أن‬
‫القنوت الطاعة‪ ،‬فكل ما قيل فيه فهو طاعة ل عز وجل‪ ،‬فهذه الشياء كلها داخلة في الطاعة وما‬
‫هو أكثر منها كما قال نافع‪ :‬قال لي ابن عمر قم فصل فقمت أصلي وكان علي ثوب خلق‪ ،‬فدعاني‬
‫فقال لي‪ :‬أرأيمت لو وجهتمك فمي حاجمة أكنمت تمضمى هكذا؟ فقلت‪ :‬كنمت أتزيمن قال‪ :‬فال أحمق أن‬
‫تتزيمن له‪ .‬واختلف فمي تعييمن القانمت هما هنما‪ ،‬فذكمر يحيمى بمن سملم أنمه رسمول ال صملى ال عليمه‬
‫وسملم‪ .‬وقال ابمن عباس فمي روايمة الضحاك عنمه‪ :‬همو أبمو بكمر وعممر رضمي ال عنهمما‪ .‬وقال ابمن‬
‫عممر‪ :‬هو عثمان رضمي ال عنه‪ .‬وقال مقاتمل‪ :‬إنه عمار بمن ياسمر‪ .‬الكلبمى‪ :‬صمهيب وأبو ذر وابمن‬
‫مسعود‪ .‬وعن الكلبي أيضا أنه مرسل فيمن كان على هذه الحال‪" .‬آناء الليل" قال الحسن‪ :‬ساعاته؛‬
‫أوله وأوسمطه وآخره‪ .‬وعمن ابمن عباس‪" :‬آناء الليمل" جوف الليمل‪ .‬قال ابمن عباس‪ :‬ممن أحمب أن‬
‫يهون ال عليمه الوقوف يوم القياممة‪ ،‬فليره ال فمي ظلممة الليمل سماجدا وقائمما يحذر الخرة‪ ،‬ويرجمو‬
‫رحمممة ربممه‪ .‬وقيممل‪ :‬ممما بيممن المغرب والعشاء‪ .‬وقول الحسممن عام‪" .‬يحذر الخرة" قال سممعيد بممن‬
‫جمبير‪ :‬أي عذاب الخرة‪" .‬ويرجمو رحممة ربمه" أي نعيمم الجنمة‪ .‬وروي عمن الحسمن أنمه سمئل عمن‬
‫رجمل يتمادى فمي المعاصمي ويرجمو فقال‪ :‬هذا متممن‪ .‬ول يقمف على قوله‪" :‬رحممة ربمه" من خفمف‬
‫"أممن همو قانمت" على معنمى النداء؛ لن قوله‪" :‬قمل همل يسمتوي الذيمن يعلمون والذيمن ل يعلمون"‬
‫متصل إل أن يقدر في الكلم حذف وهو أيسر‪ ،‬على ما تقدم بيانه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون" قال الزجاج‪ :‬أي كما ل يستوي‬
‫الذيمن يعلمون والذيمن ل يعلمون كذلك ل يسمتوي المطيمع والعاصمي‪ .‬وقال غيره‪ :‬الذيمن يعلمون همم‬
‫الذيمن ينتفعون بعلمهمم ويعملون بمه‪ ،‬فأمما ممن لم ينتفمع بعلممه ولم يعممل بمه فهمو بمنزلة ممن لم يعلم‪.‬‬
‫"إنما يتذكر أولو اللباب" أي أصحاب العقول من المؤمنين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض ال‬
‫واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قمل ياعباد الذيمن آمنوا" أي قمل يما محممد لعبادي المؤمنيمن "اتقوا ربكمم" أي أتقوا‬
‫معاصيه والتاء مبدلة من واو وقد تقدم‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬يريد جعفر بن أبي طالب والذين خرجوا‬
‫معمه إلى الحبشمة‪ .‬ثمم قال‪" :‬للذيمن أحسمنوا فمي هذه الدنيما حسمنة" يعنمي بالحسمنة الولى الطاعمة‬
‫وبالثانية الثواب في الجنة‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى للذين أحسنوا في الدنيا حسنة في الدنيا‪ ،‬يكون ذلك زيادة‬
‫على ثواب الخرة‪ ،‬والحسمنة الزائدة فمي الدنيما الصمحة والعافيمة والظفمر والغنيممة‪ .‬قال القشيري‪:‬‬
‫والول أصح؛ لن الكافر قد نال نعم الدنيا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وينالهما معمه المؤممن ويزاد الجنمة إذا شكمر تلك النعمم‪ .‬وقمد تكون الحسمنة فمي الدنيما الثناء‬
‫الحسن‪ ،‬وفي الخرة الجزاء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأرض ال واسعة" فهاجروا فيها ول تقيموا مع من يعمل بالمعاصي‪ .‬وقد مضى‬
‫القول فمي هذا مسمتوفى فمي "النسماء" وقيمل‪ :‬المراد أرض الجنمة؛ رغبهمم فمي سمعتها وسمعة نعيمهما؛‬
‫كمما قال‪" :‬عرضهما السمماوات والرض" [آل عمران‪ ]133 :‬والجنمة قمد تسممى أرضما؛ قال ال‬
‫تعالى‪" :‬وقالوا الحممد ل الذي صمدقنا وعده وأورثنما الرض نتبوأ ممن الجنمة حيمث نشاء" [الزممر‪:‬‬
‫‪ ]74‬والول أظهر فهو أمر بالهجرة‪ .‬أي ارحلوا من مكة إلى حيث تأمنوا‪ .‬الماوردي‪ :‬يحتمل أن‬
‫يريمد بسمعة الرض سمعة الرزق؛ لنمه يرزقهمم ممن الرض فيكون معناه ورزق ال واسمع وهمو‬
‫أشبه؛ لنه أخرج سعتها مخرج المتنان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فتكون الية دليل على النتقال من الرض الغالية‪ ،‬إلى الرض الراخية‪ ،‬كما قال سفيان‬
‫الثوري‪ :‬كن في موضع تمل فيه جرابك خبزا بدرهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنمما يوفمى الصمابرون أجرهمم بغيمر حسماب" أي بغيمر تقديمر‪ .‬وقيمل‪ :‬يزاد على‬
‫الثواب؛ لنمه لو أعطمي بقدر مما عممل لكان بحسماب‪ .‬وقيمل‪" :‬بغيمر حسماب" أي بغيمر متابعمة ول‬
‫مطالبمة كمما تقمع المطالبمة بنعيمم الدنيما‪ .‬و"الصمابرون" هنما الصمائمون؛ دليله قوله عليمه الصملة‬
‫والسملم مخمبرا عمن ال عمز وجمل‪( :‬الصموم لي وأنما أجزي بمه" قال أهمل العلم‪ :‬كمل أجمر يكال كيل‬
‫ويوزن وزنما إل الصموم فإنمه يحثمى حثوا ويغرف غرفما؛ وحكمي عمن علي رضمي ال عنمه‪ .‬وقال‬
‫مالك بمن أنمس فمي قوله‪" :‬إنمما يوفمى الصمابرون أجرهمم بغيمر حسماب" قال‪ :‬همو الصمبر على فجائع‬
‫الدنيا وأحزانها‪ .‬ول شك أن كل من سلم فيما أصابه‪ ،‬وترك ما نهي عنه‪ ،‬فل مقدار لجرهم‪ .‬وقال‬
‫قتادة‪ :‬ل وال ممما هناك مكيال ول ميزان‪ ،‬حدثنممي أنممس أن رسممول ال صمملى ال عليممه وسمملم قال‪:‬‬
‫(تنصمب الموازيمن فيؤتمى بأهمل الصمدقة فيوفون أجورهمم بالموازيمن وكذلك الصملة والحمج ويؤتمى‬
‫بأهمل البلء فل ينصمب لهمم ميزان ول ينشمر لهمم ديوان ويصمب عليهمم الجمر بغيمر حسماب قال ال‬
‫تعالى‪" :‬إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم‬
‫تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلء من الفضل)‪ .‬وعن الحسين بن علي رضي ال عنهما‬
‫قال سمعت جدي رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬أد الفرائض تكن من أعبد الناس وعليك‬
‫بالقنوع تكن من أغنى الناس‪ ،‬يا بني إن في الجنة شجرة يقال لها شجرة البلوى يؤتى بأهل البلء‬
‫فل ينصمب لهمم ميزان ول ينشمر لهمم ديوان يصمب عليهمم الجمر صمبا) ثمم تل النمبي صملى ال عليمه‬
‫وسلم"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"‪ .‬ولفظ صابر يمدح به وإنما هو لمن صبر عن‬
‫المعاصمي‪ ،‬وإذا أردت أنمه صمبر على المصميبة قلت صمابر على كذا؛ قال النحاس‪ .‬وقمد مضمى فمي‬
‫"البقرة" مستوفى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 16 - 11 :‬قمل إنمي أمرت أن أعبمد ال مخلصما له الديمن‪ ،‬وأمرت لن أكون أول‬
‫المسلمين‪ ،‬قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم‪ ،‬قل ال أعبد مخلصا له ديني‪ ،‬فاعبدوا‬
‫ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة أل ذلك هو الخسران‬
‫المبين‪ ،‬لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف ال به عباده يا عباد فاتقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قمل إنمي أمرت أن أعبمد ال مخلصما له الديمن" تقدم‪" .‬وأمرت لن أكون أول‬
‫المسممملمين" ممممن هذه الممممة‪ ،‬وكذلك كان؛ فإنمممه كان أول مممن خالف ديمممن آبائه؛ وخلع الصمممنام‬
‫وحطمهما‪ ،‬وأسلم ل وآممن به‪ ،‬ودعا إليه صلى ال عليه وسلم‪ .‬واللم في قوله‪" :‬لن أكون" صلة‬
‫زائدة قال الجرجانمي وغيره‪ .‬وقيمل‪ :‬لم أجمل‪ .‬وفمي الكلم حذف أي أمرت بالعبادة "لن أكون أول‬
‫المسلمين"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم" يريمد عذاب يوم القيامة وقال‬
‫حيمن دعاه قوممه إلى ديمن آبائه؛ قال أكثمر أهمل التفسمير‪ .‬وقال أبمو حمزة الثمالي وابمن المسميب‪ :‬هذه‬
‫الية منسوخة بقوله تعالى‪" :‬ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر" [الفتح‪ ]2 :‬فكانت هذه الية‬
‫من قبل أن يغفر ذنب النبي صلى ال عليه وسلم‪" .‬قل ال أعبد" "ال" نصب بم "أعبد"‪" ،‬مخلصا‬
‫له ديني" طاعتي وعبادتي‪" .‬فاعبدوا ما شئتم من دونه" أمر تهديد ووعيد وتوبيخ؛ كقوله تعالى‪:‬‬
‫"اعملوا ما شئتم" [فصلت‪ .]40 :‬وقيل‪ :‬منسوخة بآية السيف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة أل ذلك هو الخسران‬
‫المبين" قال ميمون بن مهران عن ابن عباس‪ :‬ليس من أحد إل وقد خلق ال له زوجة في الجنة‪،‬‬
‫فإذا دخمل النار خسمر نفسمه وأهله‪ .‬فمي روايمة عمن ابمن عباس‪ :‬فممن عممل بطاعمة ال كان له ذلك‬
‫المنزل والهل إل ما كان له قبل ذلك‪ ،‬وهو قوله تعالى‪" :‬أولئك هم الوارثون" [المؤمنون‪.]10 :‬‬
‫"لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل" سمى ما تحتهم ظلل؛ لنها تظل من تحتهم‪ ،‬وهذه‬
‫اليمة نظيمر قوله تعالى‪" :‬لهمم ممن جهنمم مهاد وممن فوقهمم غواش" [العراف‪ ]41 :‬وقوله‪" :‬يوم‬
‫يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم"‪[ .‬العنكبوت‪" .]55 :‬ذلك يخوف ال به عباده" قال‬
‫ابمن عباس‪ :‬أولياءه‪" .‬ياعباد فاتقونمي" أي يما أوليائي فخافون‪ .‬وقيمل‪ :‬همو عام فمي المؤممن والكافمر‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬خاص بالكفار‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 - 17 :‬والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى ال لهم البشرى فبشر‬
‫عباد‪ ،‬الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم ال وأولئك هم أولوا اللباب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيمن اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوهما" قال الخفمش‪ :‬الطاغوت جممع ويجوز أن‬
‫تكون واحدة مؤنثمة‪ .‬وقمد تقدم‪ .‬أي تباعدوا ممن الطاغوت وكانوا منهما على جانمب فلم يعبدوهما‪ .‬قال‬
‫مجاهمد وابن زيمد‪ :‬هو الشيطان‪ .‬وقال الضحاك والسدي‪ :‬هو الوثان‪ .‬وقيل‪ :‬إنه الكاهن‪ .‬وقيل إنه‬
‫اسمم أعجممي مثمل طالوت وجالوت وهاروت وماروت‪ .‬وقيمل‪ :‬إنمه اسمم عربمي مشتمق ممن الطغيان‪،‬‬
‫و"أن" في موضع نصب بدل من الطاغوت‪ ،‬تقديره‪ :‬والذين أجتنبوا عبادة الطاغوت‪" .‬وأنابوا إلى‬
‫ال" أي رجعوا إلى عبادتمه وطاعتمه‪" .‬لهمم البشرى فبشمر عباد" "لهمم البشرى" فمي الحياة الدنيما‬
‫بالجنممة فممي العقممبى‪ .‬روي أنهمما نزلت فممي عثمان وعبدالرحمممن بممن عوف وسممعد وسممعيد وطلحممة‬
‫والزبيمر رضمي ال عنهمم؛ سمألوا أبما بكمر رضمي ال عنمه فأخمبرهم بإيمانمه فآمنوا‪ .‬وقيمل‪ :‬نزلت فمي‬
‫زيمد بمن عمرو بمن نفيمل وأبمي ذر وغيرهمما مممن وحمد ال تعالى قبمل مبعمث النمبي صملى ال عليمه‬
‫وسملم‪ .‬وقوله‪" :‬الذيمن يسمتمعون القول فيتبعون أحسمنه" قال ابمن عباس‪ :‬همو الرجمل يسممع الحسمن‬
‫والقبيح فيتحدث بالحسن وينكف عن القبيح فل يتحدث به‪ .‬وقيل‪ :‬يستمعون القرآن وغيره فيتبعون‬
‫القرآن‪ .‬وقيمل‪ :‬يسمتمعون القرآن وأقوال الرسمول فيتبعون أحسمنه أي محكممه فيعملون بمه‪ .‬وقيمل‪:‬‬
‫يسمتمعون عزمما وترخيصما فيأخذون بالعزم دون الترخيمص‪ .‬وقيمل‪ :‬يسمتمعون العقوبمة الواجبمة لهمم‬
‫والعفو فيأخذون بالعفو‪ .‬وقيل‪ :‬إن أحسن القول على من جعل الية فيمن وحد ال قبل السلم "ل‬
‫إله إل ال"‪ .‬وقال عبدالرحمن بن زيد‪ :‬نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر الغفاري وسلمان‬
‫الفارسمي‪ ،‬اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوهما فمي جاهليتهمم‪ ،‬واتبعوا أحسمن مما صمار ممن القول إليهمم‪.‬‬
‫"أولئك الذين هداهم ال" لما يرضاه‪" .‬وأولئك هم أولو اللباب" أي أصحاب العقول من المؤمنين‬
‫الذين انتفعوا بعقولهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 19 :‬أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار" كان النبي صلى ال عليه‬
‫وسمملم يحرص على إيمان قوم وقممد سممبقت لهممم مممن ال الشقاوة فنزلت هذه اليممة‪ .‬قال ابممن عباس‪:‬‬
‫يريممد أبمما لهممب وولده ومممن تخلف مممن عشيرة النممبي صمملى ال عليممه وسمملم عممن اليمان‪ .‬وكرر‬
‫الستفهام في قوله‪" :‬أفأنت" تأكيدا لطول الكلم‪ ،‬وكذا قال سيبويه في قوله تعالى‪" :‬أيعدكم أنكم إذا‬
‫متمم وكنتمم ترابما وعظامما أنكمم مخرجون" [المؤمنون‪ ]35 :‬على مما تقدم‪ .‬والمعنمى‪" :‬أفممن حمق‬
‫عليممه كلمممة العذاب" أفأنممت تنقذه‪ .‬والكلم شرط وجوابممه‪ .‬وجيممء بالسممتفهام؛ ليدل على التوقيممف‬
‫والتقريمر‪ .‬وقال الفراء‪ :‬المعنمى أفأنمت تنقمذ ممن حقمت عليمه كلممة العذاب‪ .‬والمعنمى واحمد‪ .‬وقيمل‪ :‬إن‬
‫في الكلم حذفا والتقدير‪ :‬أفمن حق عليه كلمة العذاب ينجو منه‪ ،‬وما بعده مستأنف‪ .‬وقال‪" :‬أفمن‬
‫حمق عليمه" وقال فمي موضمع آخمر‪" :‬حقمت كلممة العذاب" [الزممر‪ ]71 :‬لن الفعمل إذا تقدم ووقمع‬
‫بينه وبين الموصوف به حائل جاز التذكير والتأنيث‪ ،‬على أن التأنيث هنا ليس بحقيقي بل الكلمة‬
‫في معنى الكلم والقول؛ أي أفمن حق عليه قول العذاب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 :‬لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها النهار‬
‫وعد ال ل يخلف ال الميعاد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لكن الذين اتقوا ربهم" لما بين أن للكفار ظل من النار من فوقهم ومن تحتهم بين‬
‫أن للمتقيمن غرفما فوقهما غرف؛ لن الجنمة درجات يعلو بعضهما بعضما و"لكمن" ليمس للسمتدرار؛‬
‫لنمه لم يأت نفمي كقوله‪ :‬مما رأيمت زيدا لكمن عمرا؛ بمل همو لترك قصمة إلى قصمة مخالفمة للولى‬
‫كقولك‪ :‬جاءنمي زيمد لكمن عمرو لم يأت‪" .‬مبنيمة" قال ابمن عباس‪ :‬ممن زبرجمد وياقوت "تجري ممن‬
‫تحتهما النهار" أي همي جامعمة لسمباب النزهمة‪" .‬وعمد ال" نصمب على المصمدر؛ لن معنمى "لهمم‬
‫غرف" وعدهممم ال ذلك وعدا‪ .‬ويجوز الرفممع بمعنممى ذلك وعممد ال‪" .‬ل يخلف ال الميعاد" أي ممما‬
‫وعد الفريقين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 :‬ألم تر أن ال أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الرض ثم يخرج به زرعا‬
‫مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لولي اللباب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تمر أن ال أنزل ممن السمماء ماء" أي إنمه ل يخلف الميعاد فمي إحياء الخلق‪،‬‬
‫والتمييمز بيمن المؤممن والكافمر‪ ،‬وهمو قادر على ذلك كمما أنمه قادر على إنزال الماء ممن السمماء‪.‬‬
‫"أنزل من السماء" أي من السحاب "ماء" أي المطر "فسلكه ينابيع في الرض" أي فأدخله في‬
‫الرض وأسمكنه فيهما؛ كمما قال‪" :‬فأسمكناه فمي الرض" [المؤمنون‪" .]18 :‬ينابيمع" جممع ينبوع‬
‫وهو يفعول من نبع ينبع وينبع وينبع بالرفع والنصب والخفض‪ .‬النحاس‪ :‬وحكى لنا ابن كيسان في‬
‫قول الشاعر‪:‬‬
‫ينباع من ذفرى غضوب جسرة‬
‫أن معناه ينبمع فأشبمع الفتحمة فصمارت ألفما‪ ،‬نبوعما خرج‪ .‬والينبوع عيمن الماء والجممع الينابيمع‪ .‬وقمد‬
‫مضمى فمي "سمبحان]‪" .‬ثمم يخرج بمه زرعما مختلفما ألوانمه" ثمم يخرج بمه أي بذلك الماء الخارج ممن‬
‫ينابيمع الرض "زرعما" همو للجنمس أي زروعما شتمى لهما ألوان مختلفمة‪ ،‬حمرة وصمفرة وزرقمة‬
‫وخضرة ونورا‪ .‬قال الشعممبي والضحاك‪ :‬كممل ماء فممي الرض فمممن السممماء نزل‪ ،‬إنممما ينزل مممن‬
‫السماء إلى الصخرة‪ ،‬ثم تقسم منها العيون والركايا‪" .‬ثم يهيج" أي ييبس‪" .‬فتراه" أي بعد خضرته‬
‫"مصفرا" قال المبرد قال الصمعي‪ :‬يقال هاجمت الرض تهيمج إذا أدبر نبتهما وولى‪ .‬قال‪ :‬كذلك‬
‫هاج النبمت‪ .‬قال‪ :‬وكذلك قال غيمر الصممعي‪ .‬وقال الجوهري‪ :‬هاج النبمت هياجما أي يبمس‪ .‬وأرض‬
‫هائجمة يبمس بقلهما أو اصمفر‪ ،‬وأهاجمت الريمح النبمت أيبسمته‪ ،‬وأهيجنما الرض أي وجدناهما هائجمة‬
‫النبات‪ ،‬وهاج هائجمه أي ثار غضبمه‪ ،‬وهدأ هائجمه أي سمكنت فورتمه‪" .‬ثمم يجعله حطامما" أي فتاتما‬
‫مكسرا من تحطم العود إذا تفتت من اليبس‪ .‬والمعنى أن من قدر على هذا قدر على العادة‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫همو مثمل ضربمه ال للقرآن ولصمدور ممن فمي الرض‪ ،‬أي أنزل ممن السمماء قرآنما فسملكه فمي قلوب‬
‫المؤمنين "ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه" أي دينا مختلفا بعضه أفضل من بعض‪ ،‬فأما المؤمن‬
‫فيزداد إيمانا ويقينا‪ ،‬وأما الذي في قلبه مرض فإنه يهيج كما يهيج الزرع‪ .‬وقيل‪ :‬هو مثل ضربه‬
‫ال للدنيما؛ أي كمما يتغيمر النبمت الخضمر فيصمفر كذلك الدنيما بعمد بهجتهما‪" .‬إن فمي ذلك لذكرى‬
‫لولي اللباب"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 22 :‬أفمن شرح ال صدره للسلم فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من‬
‫ذكر ال أولئك في ضلل مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفممن شرح ال صمدره للسملم" شرح فتمح ووسمع‪ .‬قال ابمن عباس‪ :‬وسمع صمدره‬
‫للسلم حتى ثبت فيه‪ .‬وقال السدي‪ :‬وسع صدره بالسلم للفرح به والطمأنينة إليه؛ فعلى هذا ل‬
‫يجوز أن يكون هذا الشرح إل بعمممد السممملم؛ وعلى الوجمممه الول يجوز أن يكون الشرح قبمممل‬
‫السلم‪" .‬فهو على نور من ربه" أي على هدى من ربه‪" .‬فويل للقاسية قلوبهم" قال المبرد‪ :‬يقال‬
‫قسا القلب إذا صلب‪ ،‬وكذلك عتا وعسا مقاربة لها‪ .‬وقلب قاس أي صلب ل يرق ول يلين‪ .‬والمراد‬
‫بمن شرح ال صدره ها هنا فيما ذكر المفسرون علي وحمزة رضي ال عنهما‪ .‬وحكى النقاش أنه‬
‫عممر بمن الخطاب رضمي ال عنمه‪ .‬وقال مقاتمل‪ :‬عمار بمن ياسمر‪ .‬وعنمه أيضما والكلبمي رسمول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬والية عامة فيمن شرح ال صدوره بخلق اليمان فيه‪ .‬وروى مرة عن ابن‬
‫مسعود قال‪ :‬قلنا يا رسول ال قوله تعالى‪" :‬أفمن شرح ال صدره للسلم فهو على نور من ربه"‬
‫كيمف انشرح صمدره؟ قال‪( :‬إذا دخمل النور القلب انشرح وانفتمح) قلنما‪ :‬يما رسمول ال ومما علممة‬
‫ذلك؟‪ .‬قال‪( :‬النابممة إلى دار الخلود والتجافممي عممن دار الغرور والسممتعداد للموت قبممل نزوله)‬
‫وخرجمه الترمذي الحكيمم فمي نوادر الصمول ممن حديمث ابمن عممر‪ :‬أن رجل قال يما رسمول ال أي‬
‫المؤمنين أكيس؟ قال‪( :‬أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا وإذا دخل النور في القلب انفسح‬
‫واسمتوسع) قالوا‪ :‬فمما آيمة ذلك يما نمبي ال؟ قال‪( :‬النابمة إلى دار الخلود والتجافمي عمن دار الغرور‬
‫والسمتعداد للموت قبمل نزول الموت) فذكمر صملى ال عليمه وسملم خصمال ثلثمة‪ ،‬ول شمك أن ممن‬
‫كانمت فيمه هذه الخصمال فهمو الكاممل اليمان‪ ،‬فإن النابمة إنمما همي أعمال البر؛ لن دار الخلود إنمما‬
‫وضعممت جزاء لعمال البر‪ ،‬أل ترى كيممف ذكره ال فممي مواضممع فممي تنزيله ثممم قال بعقممب ذلك‪:‬‬
‫"جزاء بما كانوا يعملون" [الواقعة‪ ]24 :‬فالجنة جزاء العمال؛ فإذا انكمش العبد في أعمال البر‬
‫فهو إنابته إلى دار الخلود‪ ،‬وإذا خمد حرصه عن الدنيا‪ ،‬ولها عن طلبها‪ ،‬وأقبل على ما يغنيه منها‬
‫فاكتفمى بمه وقنمع‪ ،‬فقمد تجافمى عمن دار الغرور‪ .‬وإذا أحكمم أموره بالتقوى فكان ناظرا فمي كمل أممر‪،‬‬
‫واقفما متأدبما متثبتما حذرا يتورع عمما يريبمه إلى مما ل يريبمه‪ ،‬فقمد اسمتعد للموت‪ .‬فهذه علمتهمم فمي‬
‫الظاهمر‪ .‬وإنما صار هكذا لرؤية الموت‪ ،‬ورؤية صرف الخرة عن الدنيما‪ ،‬ورؤية الدنيا أنها دار‬
‫الغرور‪ ،‬وإنمما صمارت له هذه الرؤيمة بالنور الذي ولج القلب‪ .‬وقوله‪" :‬فويمل للقاسمية قلوبهمم ممن‬
‫ذكمر ال" قيمل‪ :‬المراد أبمو لهمب وولده؛ ومعنمى‪" :‬ممن ذكمر ال" أن قلوبهمم تزداد قسموة ممن سمماع‬
‫ذكره‪ .‬وقيل‪ :‬إن "من" بمعنى عن‪ ،‬والمعنى قست عن قبول ذكر ال‪ .‬وهذا اختيار الطبري‪ .‬وعن‬
‫أبممي سممعيد الخدري أن رسممول ال صمملى ال عليممه وسمملم قال‪( :‬قال ال تعالى اطلبوا الحوائج مممن‬
‫السمحاء فإني جعلت فيهم رحمتي ول تطلبوها من القاسية قلوبهم فإني جعلت فيهم سخطي)‪ .‬وقال‬
‫مالك بمن دينار‪ :‬مما ضرب عبمد بعقوبمة أعظمم ممن قسموة قلب‪ ،‬ومما غضمب ال على قوم إل نزع‬
‫الرحمة من قلوبهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 23 :‬ال نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم‬
‫ثمم تليمن جلودهمم وقلوبهمم إلى ذكمر ال ذلك هدى ال يهدي بمه ممن يشاء وممن يضلل ال فمما له ممن‬
‫هاد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال نزل أحسن الحديث" يعني القرآن لما قال‪" :‬فيتبعون أحسنه" [الزمر‪]18 :‬‬
‫بين أن أحسن ما يسمع ما أنزله ال وهو القرآن‪ .‬قال سعد بن أبي وقاص قال أصحاب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ :‬لو حدثتنا فأنزل ال عز وجل‪" :‬ال نزل أحسن الحديث" فقالوا‪ :‬لو قصصت‬
‫علينما فنزل‪" :‬نحمن نقمص عليمك أحسمن القصمص" [يوسمف‪ ]3 :‬فقالوا‪ :‬لو ذكرتنما فنزل‪" :‬ألم يأن‬
‫للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر ال" [الحديد‪ ]16 :‬الية‪ .‬وعن ابن مسعود رضي ال عنه أن‬
‫أصمحاب رسمول ال صملى ال عليمه وسملم ملوا ملة فقالوا له‪ :‬حدثنما فنزلت‪ .‬والحديمث مما يحدث بمه‬
‫المحدث‪ .‬وسمي القرآن حديثا؛ لن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يحدث به أصحابه وقومه‪،‬‬
‫وهمو كقوله‪" :‬فبأي حديمث بعده يؤمنون" [المرسملت‪ ]50 :‬وقوله‪" :‬أفممن هذا الحديمث تعجبون"‬
‫[النجم‪ ]59 :‬وقوله‪" :‬إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا" [الكهف‪ ]6 :‬وقوله‪" :‬ومن أصدق من ال‬
‫حديثما" [النسماء‪ ]87 :‬وقوله‪" :‬فذرنمي وممن يكذب بهذا الحديمث" [القلم‪ ]44 :‬قال القشيري‪:‬‬
‫وتوهممم قوم أن الحديممث مممن الحدوث فيدل على أن كلمممه محدث وهممو وهممم؛ لنممه ل يريممد لفممظ‬
‫الحديث على ما في قوله‪" :‬ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث" وقد قالوا‪ :‬إن الحدوث يرجع إلى‬
‫التلوة ل إلى المتلو‪ ،‬وهمو كالذكمر ممع المذكور إذا ذكرنما أسمماء الرب تعالى‪" .‬كتابما" نصمب على‬
‫البدل من "أحسن الحديث" ويحتمل أن يكون حال منه‪" .‬متشابهما" يشبه بعضه بعضا في الحسن‬
‫والحكمة ويصدق بعضه بعضا‪ ،‬ليس فيه تناقض ول اختلف‪ .‬وقال قتادة‪ :‬يشبه بعضه بعضا في‬
‫الي والحروف‪ .‬وقيمل‪ :‬يشبمه كتمب ال المنزلة على أنمبيائه؛ لمما يتضمنمه ممن أممر ونهمي وترغيمب‬
‫وترهيمب وإن كان أعمم وأعجمز‪" .‬مثانمي" تثنمى فيمه القصمص والمواعمظ والحكام وثنمى للتلوة فل‬
‫يمل‪" .‬تقشعر" تضطرب وتتحرك بالخوف مما فيه من الوعيد‪" .‬ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر‬
‫ال" أي عنمد آيمة الرحممة‪ .‬وقيمل‪ :‬إلى العممل بكتاب ال والتصمديق بمه‪ .‬وقيمل‪" :‬إلى ذكمر ال" يعنمي‬
‫السلم‪.‬‬
‫@ وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي ال عنهما قالت‪ :‬كان أصحاب النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬إذا قرئ عليهم القرآن كما نعتهم ال تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم‪ .‬قيل لها‪ :‬فإن أناسا اليوم‬
‫إذا قرئ عليهمم القرآن خمر أحدهمم مغشيما عليمه‪ .‬فقالت‪ :‬أعوذ بال ممن الشيطان الرجيمم‪ .‬وقال سمعيد‬
‫بن عبدالرحمن الجمحي‪ :‬مر ابن عمر برجل من أهل القرآن ساقط فقال‪ :‬ما بال هذا؟ قالوا‪ :‬إنه إذا‬
‫قرئ عليمه القرآن وسممع ذكمر ال سمقط‪ .‬فقال ابمن عممر‪ :‬إنما لنخشمى ال ومما نسمقط‪ .‬ثمم قال‪ :‬إن‬
‫الشيطان يدخمل فمي جوف أحدهمم؛ مما كان هذا صمنيع أصمحاب محممد صملى ال عليمه وسملم‪ .‬وقال‬
‫عممر بمن عبدالعزيمز‪ :‬ذكمر عنمد ابمن سميرين الذيمن يصمرعون إذا قرئ عليهمم القرآن‪ ،‬فقال‪ :‬بيننما‬
‫وبينهمم أن يقعمد أحدهمم على ظهمر بيمت باسمطا رجليمه‪ ،‬ثمم يقرأ عليمه القرآن ممن أوله إلى آخره فإن‬
‫رممى بنفسمه فهمو صمادق‪ .‬وقال أبمو عمران الجونمي‪ :‬وعمظ موسمى عليمه السملم بنمي إسمرائيل ذات‬
‫يوم فشق رجل قميصه‪ ،‬فأوحى ال إلى موسى‪ :‬قل لصاحب القميص ل يشق قميصه فإني ل أحب‬
‫المبذرين؛ يشرح لي عن قلبه‪.‬‬
‫@ وقال زيد بن أسلم‪ :‬ذرأ أبي بن كعب عند النبي صلى ال عليه وسلم ومعه أصحابه فرقوا فقال‬
‫النمبي صملى ال عليمه وسملم‪( :‬اغتنموا الدعاء عنمد الرقمة فإنهما رحممة)‪ .‬وعمن العباس أن رسمول ال‬
‫صملى ال عليمه وسملم قال‪( :‬إذا اقشعمر جلد المؤممن ممن مخافمة ال تحاتمت عنمه خطاياه كمما يتحات‬
‫عمن الشجرة الباليمة ورقهما)‪ .‬وعمن ابمن عباس أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قال‪( :‬مما اقشعمر‬
‫جلد عبد من خشية ال إل حرمه ال على النار)‪ .‬وعن شهر بن حوشب عن أم الدرداء قالت‪ :‬إنما‬
‫الوجممل فممي قلب الرجممل كاحتراق السممعفة‪ ،‬أممما تجممد إل قشعريرة؟ قلت‪ :‬بلى؛ قالت‪ :‬فادع ال فإن‬
‫الدعاء عنمد ذلك مسمتجاب‪ .‬وعمن ثابمت البنانمي قال‪ :‬قال فلن‪ :‬إنمي لعلم متمى يسمتجاب لي‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫ومن أين تعلم ذلك؟ قال‪ :‬إذا اقشعر جلدي‪ ،‬ووجل قلبي‪ ،‬وفاضت عيناي‪ ،‬فذلك حين يستجاب لي‪.‬‬
‫يقال‪ :‬اقشعمر جلد الرجمل أقشعرارا فهمو مقشعمر والجممع قشاعمر فتحذف الميمم‪ ،‬لنهما زائدة؛ يقال‬
‫أخذته قشعريرة‪ .‬قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫والقلب من خشية مقشعر‬ ‫فبت أكابد ليل التمام‬
‫وقيممل‪ :‬إن القرآن لممما كان فممي غايممة الجزالة والبلغممة‪ ،‬فكانوا إذا رأوا عجزهممم عممن معارضتممه‪،‬‬
‫اقشعرت الجلود منه إعظاما له‪ ،‬وتعجبا من حسن ترصيعه وتهيبا لما فيه؛ وهو كقوله تعالى‪" :‬لو‬
‫أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية ال" [الحشر‪ ]21 :‬فالتصدع قريب‬
‫ممن القشعرار‪ ،‬والخشوع قريمب ممن قوله‪":‬ثمم تليمن جلودهمم وقلوبهمم إلى ذكمر ال" ومعنمى ليمن‬
‫القلب رقتممه وطمأنينتممه وسممكونه‪" .‬ذلك هدى ال " أي القرآن هدى ال‪ .‬وقيممل‪ :‬أي الذي وهبممه ال‬
‫لهؤلء من خشيمة عقابه ورجاء ثوابه هدى ال‪" .‬ومن يضلل ال فمما له من هاد" أي من خذله فل‬
‫مرشمد له‪ .‬وهمو يرد على القدريمة وغيرهمم‪ .‬وقمد مضمى معنمى هذا كله مسمتوفى فمي غيمر موضمع‬
‫والحممد ل‪ .‬ووقمف ابمن كثيمر وابمن محيصمن على قوله‪" :‬هاد" فمي الموضعيمن بالياء‪ ،‬الباقون بغيمر‬
‫ياء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 26 - 24 :‬أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم‬
‫تكسمبون‪ ،‬كذب الذيمن ممن قبلهمم فأتاهمم العذاب ممن حيمث ل يشعرون‪ ،‬فأذاقهمم ال الخزي فمي الحياة‬
‫الدنيا ولعذاب الخرة أكبر لو كانوا يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب" قال عطاء وابن زيد‪ :‬يرمى به مكتوفا في النار‬
‫فأول شيمء تممس منمه النار وجهمه‪ .‬وقال مجاهمد‪ :‬يجمر على وجهمه فمي النار‪ .‬وقال مقاتمل‪ :‬همو أن‬
‫الكافمر يرممى بمه فمي النار مغلولة يداه إلى عنقمه‪ ،‬وفمي عنقمه صمخرة عظيممة كالجبمل العظيمم ممن‬
‫الكمبريت‪ ،‬فتشتعمل النار فمي الحجمر وهمو معلق فمي عنقمه‪ ،‬فحرهما ووهجهما على وجهمه؛ ل يطيمق‬
‫دفعهما عمن وجهمه ممن أجمل الغلل‪ .‬والخمبر محذوف‪ .‬قال الخفمش‪ :‬أي "أفممن يتقمي بوجهمه سموء‬
‫العذاب" أفضل أم من سعد‪ ،‬مثل‪" :‬أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيامة" [فصلت‪:‬‬
‫‪" .]40‬وقيل للظالمين" أي وتقول الخزنة للكافرين "ذوقوا ما كنتم تكسبون" أي جزاء كسبكم من‬
‫المعاصي‪ .‬ومثله "هذا ما كنزتم لنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" [التوبة‪.]35:‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كذب الذيمن ممن قبلهمم" أي كذب قبلهمم أقوام كانوا أشمد ممن هؤلء بطشما وأكثمر‬
‫أموال وأولدا وأوسع عيشا‪ ،‬فأهلكتهم كثمود وعاد‪" .‬فأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون‪ .‬فأذاقهم‬
‫ال الخزي فممي الحياة الدنيمما" تقدم معناه‪ .‬وقال المممبرد‪ :‬يقال لكممل ممما نال الجارحممة مممن شيممء قممد‬
‫ذاقتممه‪،‬أي وصممل إليهمما كممما تصممل الحلوة والمرارة إلى الذائق لهممما‪ .‬قال‪ :‬والخزي مممن المكروه‬
‫والخزاية من الستحياء "ولعذاب الخرة أكبر" أي مما أصابهم في الدنيا "لو كانوا يعلمون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 :‬ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون‪ ،‬قرآنا عربيا غير‬
‫ذي عوج لعلهم يتقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد ضربنما للناس فمي هذا القرآن من كمل مثمل" أي ممن كل مثمل يحتاجون إليه؛‬
‫مثل قوله تعالى‪" :‬ما فرطنا في الكتاب من شيء" [النعام‪ ]38 :‬وقيل‪ :‬أي ما ذكرناه من إهلك‬
‫المممم السممالفة مثممل لهؤلء‪" .‬لعلهممم يتذكرون" يتعظون‪" .‬قرآنمما عربيمما" نصممب على الحال‪ .‬مال‬
‫الخفمش‪ :‬لن قوله جمل وعمز‪" :‬فمي هذا القرآن" معرفمة‪ .‬وقال علي بمن سمليمان‪" :‬عربيما" نصمب‬
‫على الحال و"قرآنممما" توطئة للحال كمممما تقول مررت بزيمممد رجل صمممالحا فقولك صمممالحا همممو‬
‫المنصموب على الحال‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬عربيما" منصموب على الحال و"قرآنما" توكيمد‪" .‬غيمر ذي‬
‫عوج" النحاس‪ :‬أحسمن مما قيمل فيمه قول الضحاك‪ ،‬قال‪ :‬غيمر مختلف‪ .‬وهمو قول ابمن عباس‪ ،‬ذكره‬
‫الثعلبي‪ .‬وعن ابن عباس أيضا غير مخلوق‪ ،‬ذكره المهدوي وقاله السدي فيما ذكره الثعلبي‪ .‬وقال‬
‫عثمان بن عفان‪ :‬غير متضاد‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬غير ذي لبس‪ .‬وقال بكر بن عبدال المزني‪ :‬غير ذي‬
‫لحن‪ .‬وقيل‪ :‬غير ذي شك‪ .‬قال السدي فيما ذكره الماوردي‪ .‬قال‪:‬‬
‫من الله وقول غير مكذوب‬ ‫وقمد أتاك يقين غير ذي عوج‬
‫"لعلهم يتقون" الكفر والكذب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 29 :‬ضرب ال مثل رجل فيه شركاء متشاكسون ورجل سلما لرجل هل يستويان‬
‫مثل الحمد ل بل أكثرهم ل يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ضرب ال مثل رجل فيه شركاء متشاكسون" قال الكسائي‪ :‬نصب "رجل" لنه‬
‫ترجممة للمثمل وتفسمير له‪ ،‬وإن شئت نصمبته بنزع الخافمض‪ ،‬مجازه‪ :‬ضرب ال مثل برجمل "فيمه‬
‫شركاء متشاكسممون" قال الفراء‪ :‬أي مختلفون‪ .‬وقال المممبرد‪ :‬أي متعاسممرون مممن شكممس يشكممس‬
‫شكسمما بوزن قفممل فهممو شكممس مثممل عسممر يعسممر عسممرا فهممو عسممر‪ ،‬يقال‪ :‬رجممل شكممس وشرس‬
‫وضرس وضبمممس‪ .‬ويقال‪ :‬رجمممل ضبمممس وضمممبيس أي شرس عسمممر شكمممس؛ قاله الجوهري‪.‬‬
‫الزمخشري‪ :‬والتشاكمس والتشاخمس الختلف‪ .‬يقال‪ :‬تشاكسمت أحواله وتشاخسمت أسمنانه‪ .‬ويقال‪:‬‬
‫شاكسمني فلن أي ماكسمني وشاحنمي فمي حقمي‪ .‬قال الجوهري‪ :‬رجمل شكمس بالتسمكين أي صمعب‬
‫الخلق‪ .‬قال الراجز‪:‬‬
‫شكس عبوس عنبس عذور‬
‫وقوم شكس مثال رجل صدق وقوم صدق‪ .‬وقد شكس بالكسر شكاسة‪ .‬وحكى الفراء‪ :‬رجل شكس‪.‬‬
‫وهمو القياس‪ ،‬وهذا مثمل ممن عبمد آلهمة كثيرة‪" .‬ورجل سملما لرجمل" أي خالصما لسميد واحمد‪ ،‬وهمو‬
‫مثممل مممن يعبممد ال وحده‪" .‬هممل يسممتويان مثل" هذا الذي يخدم جماعممة شركاء أخلقهممم مختلفممة‪،‬‬
‫ونياتهم متباينة‪ ،‬ل يلقاه رجل إل جره واستخدمه؛ فهو يلقى منهم العناء والنصب والتعب العظيم‪،‬‬
‫وهمو ممع ذلك كله ل يرضمي واحدا منهمم بخدمتمه لكثرة الحقوق فمي رقبتمه‪ ،‬والذي يخدم واحدا ل‬
‫ينازعمه فيمه أحمد‪ ،‬إذا أطاعمه وحده عرف ذلك له‪ ،‬وإن أخطمأ صمفح عمن خطأه‪ ،‬فأيهمما أقمل تعبما أو‬
‫على هدى مسممتقيم‪ .‬وقرأ أهممل الكوفممة وأهممل المدينممة‪" :‬ورجل سممالما" وقرأ ابممن عباس ومجاهممد‬
‫والحسمن وعاصمم الجحدري وأبمو عمرو وابمن كثيمر ويعقوب‪" :‬ورجل سمالما" واختاره أبمو عبيمد‬
‫لصممحة التفسممير فيممه‪ .‬قال‪ :‬لن السممالم الخالص ضممد المشترك‪ ،‬والسمملم ضممد الحرب ول موضممع‬
‫للحرب هنمممما‪ .‬النحاس‪ :‬وهذا الحتجاج ل يلزم؛ لن الحرف إذا كان له معنيان لم يحمممممل إل على‬
‫أولهمما‪ ،‬فهذا وإن كان السملم ضمد الحرب فله موضمع آخمر؛ كمما يقال لك فمي هذا المنزل شركاء‬
‫فصمار سملما لك‪ .‬ويلزممه أيضما فممي سمالم مما ألزم غيره؛ لنمه يقال شيمء سمالم أي ل عاهمة بمه‪.‬‬
‫والقراءتان حسنتان قرأ بهما الئمة‪ .‬واختار أبو حاتم قراءة أهل المدينة "سلما" قال وهذا الذي ل‬
‫تنازع فيه‪ .‬وقرأ سمعيد بن جمبير وعكرمة وأبو العاليمة ونصمر "سلما" بكسمر السين وسمكون اللم‪.‬‬
‫وسملما وسملما مصمدران؛ والتقديمر‪ :‬ورجل ذا سملم فحذف المضاف و"مثل" صمفة على التمييمز‪،‬‬
‫والمعنمى همل تسمتوي صمفاتهما وحالهمما‪ .‬وإنمما اقتصمر فمي التمييمز على الواحمد لبيان الجنمس‪.‬‬
‫"الحمد ل بل أكثرهم ل يعلمون" أي ل يعلمون الحق فيتبعونه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 31 - 30 :‬إنك ميت وإنهم ميتون‪ ،‬ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنك ميت وإنهم ميتون" قرأ ابن محيصن وابن أبي عبلة وعيسى بن عمر وابن‬
‫أبمي إسمحاق "إنمك مائت وإنهمم مائتون" وهمي قراءة حسمنة وبهما قرأ عبدال بمن الزبيمر‪ .‬النحاس‪:‬‬
‫ومثمل هذه اللف تحذف فمي الشواذ و"مائت" فمي المسمتقبل كثيمر فمي كلم العرب؛ ومثله مما كان‬
‫مريضا وإنه لمارض من هذا الطعام‪ .‬وقال الحسن والفراء والكسائي‪ :‬الميت بالتشديد من لم يمت‬
‫وسميموت‪ ،‬والميمت بالتخفيمف ممن فارقتمه الروح؛ فلذلك لم تخفمف هنما‪ .‬قال قتادة‪ :‬نعيمت إلى النمبي‬
‫صلى ال عليه وسلم نفسه‪ ،‬ونعيت إليكم أنفسكم‪ .‬وقال ثابت البناني‪ :‬نعى رجل إلى صلة بن أشيم‬
‫أخما له فوافقمه يأكمل‪ ،‬فقال‪ :‬ادن فكمل فقمد نعمي إلي أخمي منمذ حيمن؛ قال‪ :‬وكيمف وأنما أول ممن أتاك‬
‫بالخمبر‪ .‬قال إن ال تعالى نعاه إلي فقال‪" :‬إنمك ميمت وإنهمم ميتون"‪ .‬وهمو خطاب للنمبي صملى ال‬
‫عليه وسلم أخبره بموته وموتهم؛ فاحتممل خمسمة أوجه‪ :‬أحدهما‪ :‬أن يكون ذلك تحذيرا من الخرة‪.‬‬
‫الثانمي‪ :‬أن يذكره حثما على العممل‪ .‬الثالث‪ :‬أن يذكره توطئة للموت‪ .‬الرابمع‪ :‬لئل يختلفوا فمي موتمه‬
‫كما اختلفت المم في غيره‪ ،‬حتى أن عمر رضي ال عنه لما أنكر موته احتج أبو بكر رضي ال‬
‫عنه بهذه الية فأمسك‪ .‬الخامس‪ :‬ليعلمه أن ال تعالى قد سوى فيه بين خلقه مع تفاضلهم في غيره؛‬
‫لتكثر فيه السلوة وتقل فيه الحسرة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون" يعني تخاصم الكافر والمؤمن والظالم‬
‫والمظلوم؛ قال ابن عباس وغيره‪ .‬وفي خبر فيه طول‪ :‬إن الخصومة تبلغ يوم القيامة إلى أن يحاج‬
‫الروح الجسمد‪ .‬وقال الزبيمر‪ :‬لمما نزلت هذه اليمة قلنما‪ :‬يما رسمول ال أيكرر علينما مما كان بيننما فمي‬
‫الدنيا مع خواص الذنوب؟ قال‪( :‬نعم ليكررن عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه) فقال الزبير‪:‬‬
‫وال إن الممر لشديمد‪ .‬وقال ابمن عممر‪ :‬لقمد عشنما برهمة ممن دهرنما ونحمن نرى هذه اليمة نزلت فينما‬
‫وفمي أهمل الكتابيمن‪" :‬ثمم إنكمم يوم القياممة عنمد ربكمم تختصممون" فقلنما‪ :‬وكيمف نختصمم ونبينما واحمد‬
‫وديننما واحمد‪ ،‬حتمى رأيمت بعضنما يضرب وجوه بعمض بالسميف؛ فعرفمت أنهما فينما نزلت‪ .‬وقال أبمو‬
‫سمعيد الخدري‪( :‬كنما نقول ربنما واحمد وديننما واحمد ونبينما واحمد فمما هذه الخصمومة فلمما كان يوم‬
‫صمفين وشمد بعضنما على بعمض بالسميوف قلنما نعمم همو هذا)‪ .‬وقال إبراهيمم النخعمي‪ :‬لمما نزلت هذه‬
‫اليمة جعمل أصمحاب رسمول ال صملى ال عليمه وسملم يقولون‪ :‬مما خصمومتنا بيننما؟ فلمما قتمل عثمان‬
‫رضمي ال عنمه قالوا‪ :‬هذه خصمومتنا بيننما‪ .‬وقيمل تخاصممهم همو تحاكمهمم إلى ال تعالى‪ ،‬فيسمتوفي‬
‫ممن حسمنات الظالم بقدر مظلمتمه‪ ،‬ويردهما فمي حسمنات ممن وجبمت له‪ .‬وهذا عام فمي جميمع المظالم‬
‫كمما فمي حديمث أبمي هريرة‪ ،‬أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قال‪( :‬أتدرون ممن المفلس) قالوا‪:‬‬
‫المفلس فينمما مممن ل درهممم له ول متاع‪ .‬قال‪( :‬إن المفلس مممن أمتممي مممن يأتممي يوم القيامممة بصمملة‬
‫وصميام وزكاة ويأتمي قمد شتمم هذا وقذف هذا وأكمل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطمى هذا‬
‫من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت‬
‫عليمه ثمم طرح فمي النار) خرجمه مسملم‪ .‬وقمد مضمى المعنمى مجودا فمي "آل عمران" وفمي البخاري‬
‫عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬من كانت له مظلمة لحد من عرضه أو‬
‫شيء فليتحلله منه اليوم قبل أل يكون دينار ول درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته‬
‫وإن لم تكمن له حسمنات أخمذ ممن سميئات صماحبه فحممل عليمه) وفمي الحديمث المسمند (أول مما تقمع‬
‫الخصومات في الدنيا) وقد ذكرنا هذا الباب كله في التذكرة مستوفى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 32 :‬فممن أظلم مممن كذب على ال وكذب بالصمدق إذ جاءه أليمس فمي جهنمم مثوى‬
‫للكافرين‪ ،‬والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون‪ ،‬لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء‬
‫المحسنين‪ ،‬ليكفر ال عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فممن أظلم" أي ل أحمد أظلم "مممن كذب على ال" فزعمم أن له ولدا وشريكما‬
‫"وكذب بالصمدق إذ جاءه" يعنمي القرآن "أليمس فمي جهنمم" اسمتفهام تقريمر "مثوى للكافريمن" أي‬
‫مقام للجاحديممن‪ ،‬وهممو مشتممق مممن ثوى بالمكان إذا أقام بممه يثوي ثواء وثويمما مثممل مضممى مضاء‬
‫ومضيما‪ ،‬ولو كان ممن أثوى لكان مثوى‪ .‬وهذا يدل على أن ثوى همي اللغمة الفصميحة‪ .‬وحكمى أبمو‬
‫عبيد أثوى‪ ،‬وأنشد قول العشى‪:‬‬
‫ومضى وأخلف من قتيلة موعدا‬ ‫أثوى وقصر ليلة ليزودا‬
‫والصمممعي ل يعرف إل ثوى‪ ،‬ويروى البيممت أثوى على السممتفهام‪ .‬وأثويممت غيري يتعدى ول‬
‫يتعدى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذي جاء بالصمدق" فمي موضمع رفمع بالبتداء وخمبره "أولئك همم المتقون"‬
‫واختلف في الذي جاء بالصدق وصدق به؛ فقال علي رضي ال عنه‪" :‬الذي جاء بالصدق" النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم"وصدق به" أبو بكر رضي ال عنه‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬النبي عليه السلم وعلي‬
‫رضمي ال عنمه‪ .‬السمدي‪ :‬الذي جاء بالصمدق جبريمل والذي صمدق بمه محممد صملى ال عليمه وسملم‪.‬‬
‫وقال ابمن زيمد ومقاتمل وقتادة‪" :‬الذي جاء بالصمدق" النمبي صملى ال عليمه وسملم‪" :‬وصمدق بمه"‬
‫المؤمنون‪ .‬واسمتدلوا على ذلك بقوله‪" :‬أولئك همم المتقون" كمما قال‪" :‬هدى للمتقيمن" [البقرة‪.]2 :‬‬
‫وقال النخعممي ومجاهممد‪" :‬الذي جاء بالصممدق وصممدق بممه" المؤمنون الذيممن يجيؤون بالقرآن يوم‬
‫القياممة فيقولون‪ :‬هذا الذي أعطيتمونما قمد اتبعنما مما فيمه؛ فيكون "الذي" على هذا بمعنمى جممع كمما‬
‫تكون ممن بمعنمى جممع‪ .‬وقيمل‪ :‬بمل حذفمت منمه النون لطول السمم‪ ،‬وتأول الشعمبي على أنمه واحمد‪.‬‬
‫وقال‪" :‬الذي جاء بالصمدق" محممد صملى ال عليمه وسملم فيكون على هذا خمبره جماعمة؛ كمما يقال‬
‫لممن يعظمم همو فعلوا‪ ،‬وزيمد فعلوا كذا وكذا‪ .‬وقيمل‪ :‬إن ذلك عام فمي كمل ممن دعما إلى توحيمد ال عمز‬
‫وجمل؛ قاله ابمن عباس وغيره‪ ،‬واختاره الطمبري‪ .‬وفمي قراءة ابمن مسمعود "والذي جاؤوا بالصمدق‬
‫وصممدقوا بممه" وهممي قراءة على التفسممير‪ .‬وفممي قراءة أبممي صممالح الكوفممي "والذي جاء بالصممدق‬
‫وصمدق بمه" مخففما على معنمى وصمدق بمجيئه بمه‪ ،‬أي صمدق فمي طاعمة ال عمز وجمل‪ ،‬وقمد مضمى‬
‫فمي "البقرة" الكلم فمي "الذي" وأنمه يكون واحدا ويكون جمعما‪" .‬لهمم مما يشاؤون عنمد ربهمم" أي‬
‫من النعيم في الجنة‪ ،‬كما يقال‪ :‬لك إكرام عندي؛ أي ينالك مني ذلك‪" .‬ذلك جزاء المحسنين" الثناء‬
‫في الدنيا والثواب في الخرة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليكفمر ال عنهم" أي صدّقوا "ليكفر ال عنهم"‪" .‬أسوأ الذي عملوا" أي يكرمهم‬
‫ول يؤاخذهممم بممما عملوا قبممل السمملم‪" .‬ويجزيهممم أجرهممم" أي يثيبهممم على الطاعات فممي الدنيمما‬
‫"بأحسن الذي كانوا يعملون" وهي الجنة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 36 :‬أليس ال بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل ال فما له من هاد‪،‬‬
‫ومن يهد ال فما له من مضل أليس ال بعزيز ذي انتقام}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أليمس ال بكاف عبده" حذفمت الياء ممن "كاف" لسمكونها وسمكون التنويمن بعدهما؛‬
‫وكان الصمل أل تحذف فمي الوقمف لزوال التنويمن‪ ،‬إل أنهما حذفمت ليعلم أنهما كذلك فمي الوصمل‪.‬‬
‫ومن العرب من يثبتها في الوقف على الصل فيقول‪ :‬كافي‪ .‬وقراءة العامة "عبده" بالتوحيد يعني‬
‫محمدا صلى ال عليه وسلم يكفيه ال وعيد المشركين وكيدهم‪ .‬وقرأ حمزة والكسائي "عباده" وهم‬
‫النمبياء أو النمبياء والمؤمنون بهمم‪ .‬واختار أبمو عمبيدة قراءة الجماعمة لقوله عقيبمه‪" :‬ويخوفونمك‬
‫بالذيمن ممن دونمه"‪ .‬ويحتممل أن يكون العبمد لفمظ الجنمس؛ كقوله عمز ممن قائل‪" :‬إن النسمان لفمي‬
‫خسمر" [العصمر‪ ]2:‬وعلى هذا تكون القراءة الولى راجعمة إلى الثانيمة‪ .‬والكفايمة شمر الصمنام‪،‬‬
‫فإنهم كانوا يخوفون المؤمنين بالصنام‪ ،‬حتى قال إبراهيم عليه السلم‪" .‬وكيف أخاف ما أشركتم‬
‫ول تخافون أنكم أشركتم بال" [النعام‪ .]81 :‬وقال الجرجاني‪ :‬إن ال كاف عبده المؤمن وعبده‬
‫الكافر‪ ،‬هذا بالثواب وهذا بالعقاب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويخوفونك بالذين من دونه" وذلك أنهم خوفوا النبي صلى ال عليه وسلم مضرة‬
‫الوثان‪ ،‬فقالوا‪ :‬أتسب آلهتنا؟ لئن لم تكف عن ذكرها لتخبلنك أوتصيبنك بسوء‪ .‬وقال قتادة‪ :‬مشى‬
‫خالد بمن الوليمد إلى العزى ليكسمرها بالفأس‪ .‬فقال له سمادنها‪ :‬أحذركهما يما خالد فإن لهما شدة ل يقوم‬
‫لهما شيمء‪ ،‬فعممد خالد إلى العزى فهشمم أنفهما حتمى كسمرها بالفأس‪ .‬وتخويفهمم لخالد تخويمف للنمبي‬
‫صلى ال عليه وسلم؛ لنه الذي وجه خالدا‪ .‬ويدخل في الية تخويفهم النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫بكثرة جمعهمم وقوتهمم؛ كمما قال‪" :‬أم يقولون نحمن جميمع منتصمر" [القممر‪" ]44 :‬وممن يضلل ال‬
‫فمما له ممن هاد" تقدم‪" .‬وممن يهمد ال فمما له ممن مضمل أليمس ال بعزيمز ذي انتقام" أي مممن عاداه‬
‫أوعادى رسله‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 41 - 38 :‬ولئن سمألتهم ممن خلق السمماوات والرض ليقولن ال قمل أفرأيتمم مما‬
‫تدعون مممن دون ال إن أرادنممي ال بضممر هممل هممن كاشفات ضره أو أرادنممي برحمممة هممل هممن‬
‫ممسكات رحمته قل حسبي ال عليه يتوكل المتوكلون‪ ،‬قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل‬
‫فسموف تعلمون‪ ،‬ممن يأتيمه عذاب يخزيمه ويحمل عليمه عذاب مقيمم‪ ،‬إنما أنزلنما عليمك الكتاب للناس‬
‫بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولئن سألتهم" أي ولئن سألتهم يا محمد "من خلق السماوات والرض ليقولن ال"‬
‫بيمن أنهمم ممع عبادتهمم الوثان مقرون بأن الخالق هو ال‪ ،‬وإذا كان ال هو الخالق فكيمف يخوفونمك‬
‫بآلهتهمم التمي همي مخلوقمة ل تعالى‪ ،‬وأنمت رسمول ال الذي خلقهما وخلق السمماوات والرض‪" .‬قمل‬
‫أفرأيتم ما تدعون من دون ال" أي قل لهم يا محمد بعد اعترافهم بهذا "أفرأيتم ما تدعون من دون‬
‫ال" "إن أرادنمي ال بضمر" بشدة وبلء "همل همن كاشفات ضره" يعنمي هذه الصمنام "أو أرادنمي‬
‫برحممة" نعممة ورخاء "همل همن ممسمكات رحمتمه" قال مقاتمل‪ :‬فسمألهم النمبي صملى ال عليمه وسملم‬
‫فسممكتوا‪ .‬وقال غيره‪ :‬قالوا ل تدفممع شيئا قدره ال ولكنهمما تشفممع‪ .‬فنزلت‪" :‬قممل حسممبي ال" ترك‬
‫الجواب لدللة الكلم عليه؛ يعني فسيقولون ل أي ل تكشف ول تمسك فم "قل" أنت "حسبي ال"‬
‫أي عليممه توكلت أي اعتمدت و"عليممه يتوكممل المتوكلون" يعتمممد المعتمدون‪ .‬وقممد تقدم الكلم فممي‬
‫التوكمل‪ .‬وقرأ نافمع وابمن كثيمر والكوفيون مما عدا عاصمما "كاشفات ضره" بغيمر تنويمن‪ .‬وقرأ أبمو‬
‫عمرو وشيبمة وهمي المعروفمة ممن قراءة الحسمن وعاصمم "همل همن كاشفات ضره"‪" .‬ممسمكات‬
‫رحمتممه" بالتنويممن على الصممل وهممو اختيار أبممي عبيممد وأبممي حاتممم؛ لنممه اسممم فاعممل فممي معنممى‬
‫الستقبال‪ ،‬وإذا كان كذلك كان التنوين أجود‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫بالليل يوم عمير ظالم عادي‬ ‫الضاربون عميرا عن بيوتهم‬
‫ولوكان ماضيما لم يجمز فيمه التنويمن‪ ،‬وحذف التنويمن على التحقيمق‪ ،‬فإذا حذفمت التنويمن لم يبمق بيمن‬
‫السمين حاجز فخفضت الثاني بالضافة‪ .‬وحذف التنوين كثير في كلم العرب موجود حسن؛ قال‬
‫ال تعالى‪" :‬هديا بالغ الكعبة" [المائدة‪ ] :‬وقال‪" :‬إنا مرسلو الناقة" [القمر‪ ]27:‬قال سيبويه‪ :‬ومثل‬
‫ذلك "غير محلي الصيد" [المائدة‪ ]1 :‬وأنشد سيبويه‪:‬‬
‫أوعبد رب أخا عون بن مخراق‬ ‫هل أنت باعث دينار لحاجتنا‬
‫وقال النابغة‪:‬‬
‫إلى حمام شراع وارد الثمد‬ ‫احكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت‬
‫معناه وارد الثمد فحذف التنوين؛ مثل "كاشفات ضره"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل ياقوم اعملوا على مكانتكمم إني عامل" أي على مكانتمي أي على جهتمي التي‬
‫تمكنت عندي "فسوف تعلمون"‪ .‬وقرأ أبو بكر بالجمع "مكاناتكم"‪ .‬وقد مضى في "النعام"‪" .‬من‬
‫يأتيه عذاب يخزيه" أي يهينه ويذله أي في الدنيا وذلك بالجوع والسيف‪" .‬ويحل عليه عذاب مقيم"‬
‫أي فمي الخرة‪" .‬إنما أنزلنما عليمك الكتاب للناس بالحمق فممن اهتدى فلنفسمه وممن ضمل فإنمما يضمل‬
‫عليها وما أنت عليهم بوكيل" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 42 :‬ال يتوفى النفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها‬
‫الموت ويرسل الخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك ليات لقوم يتفكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال يتوفمى النفمس حيمن موتهما" أي يقبضهما عنمد فناء آجالهما "والتمي لم تممت فمي‬
‫منامهما" اختلف فيمه‪ .‬فقيمل‪ :‬يقبضهما عمن التصمرف ممع بقاء أرواحهما فمي أجسمادها "فيمسمك التمي‬
‫قضمى عليهما الموت ويرسمل الخرى إلى أجمل مسممى" وهمي النائممة فيطلقهما بالتصمرف إلى أجمل‬
‫موتهما؛ قال ابمن عيسمى‪ .‬وقال الفراء‪ :‬المعنمى ويقبمض التمي لم تممت فمي منامهما عنمد انقضاء أجلهما‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقد يكون توفيها نومها؛ فيكون التقدير على هذا والتي لم تمت وفاتها نومها‪ .‬وقال ابن عباس‬
‫وغيره من المفسرين‪ :‬إن أرواح الحياء والموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء ال منها‪ ،‬فإذا‬
‫أراد جميعهمما الرجوع إلى الجسمماد أمسممك ال أرواح الموات عنده‪ ،‬وأرسممل أرواح الحياء إلى‬
‫أجسادها‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬إن ال يقبض أرواح الموات إذا ماتوا‪ ،‬وأرواح الحياء إذا ناموا‪،‬‬
‫فتتعارف مما شاء ال أن تتعارف "فيمسمك التمي قضمى عليهما الموت ويرسمل الخرى" أي يعيدهما‪.‬‬
‫قال علي رضي ال عنه‪ :‬فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا‬
‫الصادقة‪ ،‬وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها تلقيها الشياطين‪ ،‬وتخيل إليها الباطيل‬
‫فهي الرؤيا الكاذبة‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬النوم وفاة والموت وفاة‪ .‬وعن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(كما تنامون فكذلك تموتون وكما توقظون فكذلك تبعثون)‪ .‬وقال عمر‪ :‬النوم أخو الموت‪ .‬وروي‬
‫مرفوعا من حديث جابر بن عبدال قيل‪ :‬يا رسول ال أينام أهل الجنة؟ قال‪( :‬ل النوم أخو الموت‬
‫والجنمة ل موت فيهما) خرجمه الدارقطنمي‪ .‬وقال ابمن عباس‪( :‬فمي ابمن آدم نفمس وروح بينهمما مثمل‬
‫شعاع الشممس‪ ،‬فالنفمس التي بها العقل والتمييمز‪ ،‬والروح التمي بهما النفمس والتحريك‪ ،‬فإذا نام العبمد‬
‫قبض ال نفسه ولم يقبض روحه)‪ .‬وهذا قول ابن النباري والزجاج‪ .‬قال القشيري أبو نصر‪ :‬وفي‬
‫هذا بعمد إذ المفهوم ممن اليمة أن النفمس المقبوضمة فمي الحال شيمء واحمد؛ ولهذا قال‪" :‬فيمسمك التمي‬
‫قضمى عليهما الموت ويرسمل الخرى إلى أجمل مسممى" فإذاً يقبمض ال الروح فمي حاليمن فمي حالة‬
‫النوم وحالة الموت‪ ،‬فمما قبضمه فمي حال النوم فمعناه أنمه يغمره بمما يحبسمه عمن التصمرف فكأنمه‬
‫شيء مقبوض‪ ،‬وما قبضه في حال الموت فهو يمسكه ول يرسله إلى يوم القيامة‪ .‬وقوله‪" :‬ويرسل‬
‫الخرى" أي يزيمل الحابمس عنه فيعود كمما كان‪ .‬فتوفمي النفمس فمي حال النوم بإزالة الحمس وخلق‬
‫الغفلة والفممة فممي محممل الدراك‪ .‬وتوفيهمما فممي حالة الموت بخلق الموت وإزالة الحممس بالكليممة‪.‬‬
‫"فيمسك التي قضى عليها الموت" بأل يخلق فيها الدراك كيف وقد خلق فيها الموت؟ "ويرسل‬
‫الخرى" بأن يعيد إليها الحساس‪.‬‬
‫@ وقمد اختلف الناس ممن هذه اليمة فمي النفمس والروح؛ همل همما شيمء واحمد أو شيئان على مما‬
‫ذكرنما‪ .‬والظهمر أنهمما شيمء واحمد‪ ،‬وهمو الذي تدل عليمه الثار الصمحاح على مما نذكره فمي هذا‬
‫الباب‪ .‬من ذلك حديث أم سلمة قالت‪ :‬دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق‬
‫بصمره فأغمضمه‪ ،‬ثمم قال‪( :‬إن الروح إذا قبمض تبعمه البصمر) وحديمث أبمي هريرة قال‪ :‬قال رسمول‬
‫ال صملى ال عليمه وسملم‪( :‬ألم تروا النسمان إذا مات شخمص بصمره) قال‪( :‬فذلك حيمن يتبمع بصمره‬
‫نفسه) خرجهما مسلم‪ .‬وعنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬تحضر الملئكة فإذا كان الرجل‬
‫صمالحا قالوا اخرجمي أيتهما النفمس الطيبمة كانمت فمي الجسمد الطيمب اخرجمي حميدة وأبشري بروح‬
‫وريحان ورب راض غير غضبان فل يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء‪)...‬‬
‫وذكر الحديث وإسناده صحيح خرجه ابن ماجة؛ وقد ذكرناه في التذكرة‪ .‬وفي صحيح مسلم عن‬
‫أبمي هريرة قال‪( :‬إذا خرجمت روح المؤممن تلقاهما ملكان يصمعدان بهما‪ .)...‬وذكمر الحديمث‪ .‬وقال‬
‫بلل في حديث الوادي‪ :‬أخذ بنفسي يا رسول ال الذي أخذ بنفسك‪ .‬وقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسملم مقابل له فمي حديمث زيمد بمن أسملم فمي حديمث الوادي‪( :‬يما أيهما الناس إن ال قبمض أرواحنما‬
‫ولوشاء ردها إلينا في حين غير هذا)‪.‬‬
‫والصمحيح فيمه أنمه جسمم لطيمف مشابمك للجسمام المحسموسة‪ ،‬يجذب ويخرج وفمي أكفانمه يلف‬
‫ويدرج‪ ،‬وبمه إلى السمماء يعرج‪ ،‬ل يموت ول يفنمى‪ ،‬وهمو ممما له أول وليمس له آخمر‪ ،‬وهمو بعينيمن‬
‫ويديمن‪ ،‬وأنمه ذو ريمح طيبمة وخبيثمة؛ كمما فمي حديمث أبمي هريرة‪ .‬وهذه صمفة الجسمام ل صمفة‬
‫العراض؛ وقممد ذكرنمما الخبار بهذا كله فممي كتاب التذكرة بأحوال الموتممى وأمور الخرة‪ .‬وقال‬
‫تعالى‪" :‬فلول إذا بلغت الحلقوم" [الواقعة‪ ]83 :‬يعني النفس إلى خروجها من الجسد؛ وهذه صفة‬
‫الجسم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ خرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إذا أوى‬
‫أحدكمم إلى فراشمه فليأخمذ داخلة إزاره فلينفمض بهما فراشمه وليُسمم ال فإنمه ل يعلم مما خلفمه بعمد على‬
‫فراشه فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه اليمن وليقل سبحانك ربي وضعت جنبي وبك‬
‫أرفعه إن أمسكت نفسي فاغفر لها)‪ .‬وقال البخاري وابن ماجة والترمذي‪( :‬فارحمها) بدل (فاغفر‬
‫لها) (وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) زاد الترمذي (وإذا استيقظ فليقل الحمد‬
‫ل الذي عافانمي فمي جسمدي ورد علي روحمي وأذن لي بذكره)‪ .‬وخرج البخاري عمن حذيفمة قال‪:‬‬
‫كان رسمول ال صملى ال عليمه وسملم إذا أخمذ مضجعمه ممن الليمل وضمع يده تحمت خده؛ ثمم يقول‪:‬‬
‫(اللهم باسمك أموت وأحيا) وإذا استيقظ قال‪( :‬الحمد ل الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فيمسمك التمي قضمى عليهما الموت" هذه قراءة العاممة على أنمه مسممى الفاعمل‬
‫"الموت" نصبا؛ أي قضى ال عليها وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد؛ لقوله في أول الية‪" :‬ال‬
‫يتوفى النفس" فهو يقضي عليها‪ .‬وقرأ العمش ويحيى بن وثاب وحمزه والكسائي "قضي عليها‬
‫الموت" على مما لم يسمم فاعله‪ .‬النحاس‪ ،‬والمعنمى واحمد غيمر أن القراءة الولى أبيمن وأشبمه بنسمق‬
‫الكلم؛ لنهم قد أجمعوا على "ويُر سِلُ" ولم يقرؤوا "ويُر سَلُ"‪ .‬وفي الية تنبيه على عظيم قدرته‬
‫وانفراده باللوهيممة‪ ،‬وأنممه يفعممل ممما يشاء‪ ،‬ويحيممي ويميممت‪ ،‬ل يقدر على ذلك سممواه‪" .‬إن فممي ذلك‬
‫ليات لقوم يتفكرون" يعنمي فمي قبمض ال نفمس الميمت والنائم‪ ،‬وإرسماله نفمس النائم وحبسمه نفمس‬
‫الميممت وقال الصمممعي سمممعت معتمرا يقول‪ :‬روح النسممان مثممل كبممة الغزل‪ ،‬فترسممل الروح‪،‬‬
‫فيمضى ثم تمضى ثم تطوى فتجيء فتدخل؛ فمعنى الية أنه يرسل من الروح شيء في حال النوم‬
‫ومعظمها في البدن متصل بما يخرج منها اتصال خفيا‪ ،‬فإذا استيقظ المرء جذب معظم روحه ما‬
‫انبسمط منهما فعاد‪ .‬وقيمل غيمر هذا؛ وفمي التنزيمل‪" :‬ويسمئلونك عمن الروح قمل الروح ممن أممر ربمي"‬
‫[السراء‪ ]85 :‬أي ل يعلم حقيقته إل ال‪ .‬وقد تقدم في "سبحان"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 45 - 43 :‬أم اتخذوا من دون ال شفعاء قل أولو كانوا ل يملكون شيئا ول يعقلون‪،‬‬
‫قمل ل الشفاعمة جميعما له ملك السمماوات والرض ثمم إليمه ترجعون‪ ،‬وإذا ذكمر ال وحده اشمأزت‬
‫قلوب الذين ل يؤمنون بالخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم اتخذوا ممن دون ال شفعاء" أي بمل اتخذوا يعنمي الصمنام وفمي الكلم مما‬
‫يتضممن لم؛ أي "إن فمي ذلك ليات لقوم يتفكرون" لم يتفكروا ولكنهمم اتخذوا آلهتهمم شفعاء‪" .‬قمل‬
‫أولو كانوا ل يملكون شيئا" أي قمل لهمم يما محممد أتتخذونهمم شفعاء وإن كانوا ل يملكون شيئا ممن‬
‫الشفاعمة "ول يعقلون" لنهما جمادات‪ .‬وهذا اسمتفهام إنكار‪" .‬قمل ل الشفاعمة جميعما" نمص فمي أن‬
‫الشفاعمة ل وحده كمما قال‪" :‬ممن ذا الذي يشفمع عنده إل بإذنمه" [البقرة‪ ]255 :‬فل شافمع إل ممن‬
‫شفاعتممه "ول يشفعون إل لمممن ارتضممى" [النممبياء‪" .]28 :‬جميعمما" نصممب على الحال‪ .‬فإن‬
‫قيل‪":‬جميعا" إنما يكون للثنين فصاعدا والشفاعة واحدة‪ .‬فالجواب أن الشفاعة مصدر والمصدر‬
‫يؤدي عن الثنين والجميع‪" :‬له ملك السماوات والرض ثم إليه ترجعون"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا ذكر ال وحده" نصب على المصدر عند الخليل وسيبويه‪ ،‬وعلى الحال عند‬
‫يونمممس‪" .‬اشمأزت" قال الممممبرد‪ :‬انقبضمممت‪ .‬وهمممو قول ابمممن عباس ومجاهمممد‪ .‬وقال قتادة‪ :‬نفرت‬
‫واسممتكبرت وكفرت وتعصممت‪ .‬وقال المؤرج أنكرت‪ .‬وأصممل الشمئزاز النفور والزورار‪ .‬قال‬
‫عمرو بن كلثوم‪:‬‬
‫وولتهم عشوزنة زبونا‬ ‫إذا عض الثقاف بها اشمأزت‬
‫وقال أبمو زيمد‪ :‬اشمأز الرجمل ذعمر ممن الفزع وهمو المذعور‪ .‬وكان المشركون إذا قيمل لهمم "ل إله‬
‫إل ال" نفروا وكفروا‪" .‬وإذا ذكمر الذيمن ممن دونمه" يعنمي الوثان حيمن ألقمى الشيطان فمي أمنيمة‬
‫النمبي صملى ال عليمه وسملم عنمد قراءتمه سمورة "النجمم" تلك الغرانيمق العلى وإن شفاعتهمم ترتجمى‪.‬‬
‫قاله جماعة المفسرين‪" .‬إذا هم يستبشرون" أي يظهر في وجوههم البشر والسرور‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{48 - 46 :‬قمل اللهمم فاطمر السمماوات والرض عالم الغيمب والشهادة أنمت تحكمم بيمن‬
‫عبادك فيما كانوا فيه يختلفون‪ ،‬ولو أن للذين ظلموا ما في الرض جميعا ومثله معه لفتدوا به من‬
‫سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من ال ما لم يكونوا يحتسبون‪ ،‬وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق‬
‫بهم ما كانوا به يستهزئون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل اللهم فاطر السماوات والرض" نصب لنه نداء مضاف وكذا "عالم الغيب"‬
‫ول يجوز عند سيبويه أن يكون نعتا‪" .‬أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون" وفي صحيح‬
‫مسملم عمن أبمي سملمة بمن عبدالرحممن بمن عوف قال‪ :‬سمألت عائشمة رضمي ال عنهما بأي شيمء كان‬
‫النمبي صملى ال عليمه وسملم يسمتفتح صملته إذا قام ممن الليمل؟ قالت‪ :‬كان إذا قام ممن الليمل افتتمح‬
‫صملته (اللهمم رب جبريمل وميكائيمل وإسمرافيل "فاطمر السمماوات والرض عالم الغيمب والشهادة‬
‫أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون" اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من‬
‫تشاء إلى صراط مستقيم) ولما بلغ الربيع بن خيثم قتل الحسين بن علي رضي ال عنهم قرأ‪" :‬قل‬
‫اللهممم فاطممر السممماوات والرض عالم الغيممب والشهادة أنممت تحكممم بيممن عبادك فيممما كانوا فيممه‬
‫يختلفون"‪ .‬وقال سمعيد بمن جمبير‪ :‬إنمي لعرف آيمة مما قرأهما أحمد قمط فسمأل ال شيئا إل أعطاه إياه‪،‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬قمل اللهمم فاطمر السمماوات والرض عالم الغيمب والشهادة أنمت تحكمم بيمن عبادك فيمما‬
‫كانوا فيه يختلفون"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو أن للذيمن ظلموا" أي كذبوا وأشركوا "مما فمي الرض جميعما ومثله معمه‬
‫لفتدوا بمه ممن سموء العذاب يوم القياممة" أي ممن سموء عذاب ذلك اليوم‪ .‬وقمد مضمى هذا فمي سمورة‬
‫"آل عمران" و"الرعد"‪" .‬وبدا لهم من ال ما لم يكونوا يحتسبون" من أجل ما روي فيه ما رواه‬
‫منصور عن مجاهمد قال‪ :‬عملوا أعمال توهموا أنها حسنات فإذا هي سيئات‪ .‬وقاله السمدي‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫عملوا أعمال توهموا أنهم يتوبون منها قبل الموت فأدركهم الموت قبل أن يتوبوا‪ ،‬وقد كانوا ظنوا‬
‫أنهم ينجون بالتوبة‪ .‬ويجوز أن يكونوا توهموا أنه يغفر لهم من غير توبة فم "بدا لهم من ال ما لم‬
‫يكونوا يحتسبون" من دخول النار‪ .‬وقال سفيان الثوري في هذه الية‪ :‬ويل لهل الرياء ويل لهل‬
‫الرياء هذه آيتهممم وقصممتهم‪ .‬وقال عكرمممة بممن عمار‪ :‬جزع محمممد بممن المنكدر عنممد موتممه جزعمما‬
‫شديدا‪ ،‬فقيممل له‪ :‬ممما هذا الجزع؟ قال‪ :‬أخاف آيممة مممن كتاب ال "وبدا لهممم مممن ال ممما لم يكونوا‬
‫يحتسبون" فأنا أخشى أن يبدو لي ما لم أكن أحتسب‪" .‬وبدا لهم" أي ظهر لهم "سيئات ما كسبوا"‬
‫أي عقاب ممما كسممبوا مممن الكفممر والمعاصممي‪" .‬وحاق بهممم" أي أحاط بهممم ونزل "ممما كانوا بممه‬
‫يستهزئون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 49 :‬فإذا مس النسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل‬
‫همي فتنمة ولكمن أكثرهمم ل يعلمون‪ ،‬قمد قالهما الذيمن ممن قبلهمم فمما أغنمى عنهمم مما كانوا يكسمبون‪،‬‬
‫فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين‪،‬‬
‫أولم يعلموا أن ال يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك ليات لقوم يؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا ممس النسمان ضمر دعانما" قيمل‪ :‬إنهما نزلت فمي حذيفمة بمن المغيرة‪" .‬ثمم إذا‬
‫خولناه نعممة منما قال إنمما أوتيتمه على علم" قال قتادة‪" :‬على علم" عندي بوجوه المكاسمب‪ ،‬وعنمه‬
‫أيضما "على علم" على خير عندي‪ .‬وقيل‪" :‬على علم" أي على علم من ال بفضلي‪ .‬وقال الحسن‪:‬‬
‫"على علم" أي بعلم علمني ال إياه‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى أنه قال قد علمت أني إذا أوتيت هذا في الدنيا‬
‫أن لي عند ال منزلة؛ فقال ال‪" :‬بل هي فتنة" أي بل النعم التي أوتيتها فتنة تختبر بها‪ .‬قال الفراء‪:‬‬
‫أنمث "همي" لتأنيمث الفتنمة‪ ،‬ولوكان بمل همو فتنمة لجاز‪ .‬النحاس‪ :‬التقديمر بمل أعطيتمه فتنمة‪" .‬ولكمن‬
‫أكثرهم ل يعلمون" أي ل يعلمون أن إعطاءهم المال اختبار‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قمد قالهما" أنمث على تأنيمث الكلممة‪" .‬الذيمن ممن قبلهمم" يعنمي الكفار قبلهمم كقارون‬
‫وغيره حيث قال‪" :‬إنما أوتيته على علم عندي"‪" .‬فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون" "ما" للجحد‬
‫أي لم تغمن عنهمم أموالهمم ول أولدهمم ممن عذاب ال شيئا‪ .‬وقيمل‪ :‬أي فمما الذي أغنمى أموالهمم؟ فمم‬
‫"مما" اسمتفهام‪" .‬فأصمابهم سميئات مما كسمبوا" أي جزاء سميئات أعمالهمم‪ .‬وقمد يسممى جزاء السميئة‬
‫سميئة‪" .‬والذيمن ظلموا" أي أشركوا "ممن هؤلء" الممة "سميصيبهم سميئات مما كسمبوا" أي بالجوع‬
‫والسيف‪" .‬وما هم بمعجزين" أي فائتين ال ول سابقيه‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولم يعلموا أن ال يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك ليات لقوم يؤمنون"‬
‫خص المؤمن بالذكر؛ لنه هو الذي يتدبر اليات وينتفع بها‪ .‬ويعلم أن سعة الرزق قد يكون مكرا‬
‫واستدراجا‪ ،‬وتقتيره رفعة وإعظاما‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 59 - 53 :‬قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحمة ال إن ال‬
‫يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم‪ ،‬وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب‬
‫ثمم ل تنصمرون‪ ،‬واتبعوا أحسمن مما أنزل إليكمم ممن ربكمم ممن قبمل أن يأتيكمم العذاب بغتمة وأنتمم ل‬
‫تشعرون‪ ،‬أن تقول نفمس يما حسمرتى على مما فرطمت فمي جنمب ال وإن كنمت لممن السماخرين‪ ،‬أو‬
‫تقول لو أن ال هدانممي لكنممت مممن المتقيممن‪ ،‬أو تقول حيممن ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون مممن‬
‫المحسنين‪ ،‬بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قمل يما عبادي الذيمن أسمرفوا على أنفسمهم ل تقنطوا ممن رحممة ال" وإن شئت‬
‫حذفمت الياء؛ لن النداء موضمع حذف‪ .‬النحاس‪ :‬وممن أجمل مما روي فيمه مما رواه محممد بمن إسمحاق‬
‫عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال‪ :‬لما اجتمعنا على الهجرة‪ ،‬أتعدت أنا وهشام بن العاصي بن‬
‫وائل السهمي‪ ،‬وعياش بن أبي ربيعة بن عتبة‪ ،‬فقلنا‪ :‬الموعد أضاة بني غفار‪ ،‬وقلنا‪ :‬من تأخر منا‬
‫فقد حبس فليمض صاحبه‪ .‬فأصبحت أنا وعياش بن عتبة وحبس عنا هشام‪ ،‬وإذا به قد فتن فافتتن‪،‬‬
‫فكنا نقول بالمدينة‪ :‬هؤلء قد عرفوا ال عز وجل وآمنوا برسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم افتتنوا‬
‫لبلء لحقهمم ل نرى لهمم توبمة‪ ،‬وكانوا همم أيضما يقولون هذا فمي أنفسمهم‪ ،‬فأنزل ال عمز وجمل فمي‬
‫كتابمه‪" :‬قمل يما عبادي الذيمن أسمرفوا على أنفسمهم ل تقنطوا ممن رحممة ال" إلى قوله تعالى‪" :‬أليمس‬
‫فمي جهنمم مثوى للمتكمبرين" قال عممر‪ :‬فكتبتهما بيدي ثمم بعثتهما إلى هشام‪ .‬قال هشام‪ :‬فلمما قدممت‬
‫علي خرجت بها إلى ذي طوى فقلت‪ :‬اللهم فهمنيها فعرفت أنها نزلت فينا‪ ،‬فرجعت فجلست على‬
‫بعيري فلحقت برسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‪ :‬كان قوم‬
‫من المشركين قتلوا فأكثروا‪ ،‬وزنوا فأكثروا‪ ،‬فقالوا للنبي صلى ال عليه وسلم أو بعثوا إليه‪ :‬إن ما‬
‫تدعو إليه لحسن أو تخبرنا أن لنا توبة؟ فأنزل ال عز وجل هذه الية‪" :‬قل يا عبادي الذين أسرفوا‬
‫على أنفسهم" ذكره البخاري بمعناه‪ .‬وقد مضى في آخر "الفرقان"‪.‬‬
‫وعمن ابمن عباس أيضما نزلت فمي أهمل مكمة قالوا‪ :‬بزعمم محممد أن ممن عبمد الوثان وقتمل النفمس‬
‫التمي حرم ال لم يغفر له‪ ،‬وكيف نهاجمر ونسلم وقمد عبدنا مع ال إلها آخمر وقتلنا النفمس التي حرم‬
‫ال فأنزل ال هذه اليمة‪ .‬وقيمل‪ :‬إنهما نزلت فمي قوم ممن المسملمين أسمرفوا على أنفسمهم فمي العبادة‪،‬‬
‫وخافوا أل يتقبمل منهمم لذنوب سمبقت لهمم فمي الجاهليمة‪ .‬وقال ابمن عباس أيضما وعطاء نزلت فمي‬
‫وحشي قاتل حمزة؛ لنه ظن أن ال ل يقبل إسلمه‪ :‬وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس‬
‫قال‪ :‬أتمى وحشمي إلى النمبي صملى ال عليمه وسملم؛ فقال‪ :‬يما محممد أتيتمك مسمتجيرا فأجرنمي حتمى‬
‫أسمع كلم ال‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬قد كنت أحب أن أراك على غير جوار فأما‬
‫إذ أتيتنمي مسمتجيرا فأنمت فمي جواري حتمى تسممع كلم ال) قال‪ :‬فإنمي أشركمت بال وقتلت النفمس‬
‫التي حرم ال وزنيت‪ ،‬هل يقبل ال منى توبة؟ فصمت رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى نزلت‪:‬‬
‫"والذيمن ل يدعون ممع ال إلهما آخمر ول يقتلون النفمس التمي حرم ال إل بالحمق ول يزنون"‬
‫[الفرقان‪ ]68 :‬إلى آخمر اليمة فتلهما عليمه؛ فقال أرى شرطما فلعلي ل أعممل صمالحا‪ ،‬أنما فمي‬
‫جوارك حتى أسمع كلم ال‪ .‬فنزلت‪" :‬إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"‬
‫[النسماء‪ ]48 :‬فدعما بمه فتل عليمه؛ قال‪ :‬فلعلي مممن ل يشاء أنما فمي جوارك حتمى أسممع كلم ال‪.‬‬
‫فنزلت‪" :‬يمما عبادي الذيممن أسممرفوا على أنفسممهم ل تقنطوا مممن رحمممة ال" فقال‪ :‬نعممم الن ل أرى‬
‫شرطا‪ .‬فأسلم‪ .‬وروى حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب عن أسماء أنها سمعت النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم يقرأ‪" :‬قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحمة ال إن ال‬
‫يغفمر الذنوب جميعما ول يبالي إنمه همو الغفور الرحيمم"‪ .‬وفمي مصمحف ابمن مسمعود "إن ال يغفمر‬
‫الذنوب جميعما لممن يشاء"‪ .‬قال أبمو جعفمر النحاس‪ :‬وهاتان القراءتان على التفسمير‪ ،‬أي يغفمر ال‬
‫لمن يشاء‪ .‬وقد عرف ال عز وجل من شاء أن يغفر له‪ ،‬وهو التائب أو من عمل صغيرة ولم تكن‬
‫له كمبيرة‪ ،‬ودل على أنمه يريمد التائب مما بعده "وأنيبوا إلى ربكمم" فالتائب مغفور له ذنوبمه جميعما‬
‫يدل على ذلك "وإني لغفار لمن تاب" [طه‪ ]82 :‬فهذا ل إشكال فيه‪ .‬وقال علي بن أبي طالب‪ :‬ما‬
‫في القرآن آية أوسع من هذه الية‪" :‬قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحمة‬
‫ال" وقمد مضمى هذا فمي "سمبحان"‪ .‬وقال عبدال بمن عممر‪ :‬وهذه أرجمى آيمة فمي القرآن فرد عليهمم‬
‫ابممن عباس وقال أرجممى آيممة فممي القرآن قوله تعالى‪" :‬وإن ربممك لذو مغفرة للناس على ظلمهممم"‬
‫[الرعمد‪ ]6 :‬وقمد مضمى فمي "الرعمد]‪ .‬وقرئ "ول تقنطوا" بكسمر النون وفتحهما‪ .‬وقمد مضمى فمي‬
‫"الحجر" بيانه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأنيبوا إلى ربكم" أي ارجعوا إليه بالطاعة‪ .‬لما بين أن من تاب من الشرك يغفر‬
‫له أممر بالتوبمة والرجوع إليمه‪ ،‬والنابمة الرجوع إلى ال بالخلص‪" .‬وأسملموا له" أي اخضعوا له‬
‫وأطيعوا "من قبل أن يأتيكم العذاب" في الدنيا "ثم ل تنصرون" أي ل تمنعون من عذابه‪ .‬وروى‬
‫من حديث جابر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬من السعادة أن يطيل ال عمر المرء في‬
‫الطاعة ويرزقه النابة‪ ،‬وإن من الشقاوة أن يعمل المرء ويعجب بعمله)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتبعوا أحسمن مما أنزل إليكمم ممن ربكمم ممن قبمل أن يأتيكمم العذاب بغتمة وأنتمم ل‬
‫تشعرون" "أحسممن ممما أنزل" هممو القرآن وكله حسممن‪ ،‬والمعنممى ممما قال الحسممن‪ :‬التزموا طاعتممه‪،‬‬
‫واجتنبوا معصيته‪ .‬وقال السدي‪ :‬الحسن ما أمر ال به في كتابه‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬يعني المحكمات‪،‬‬
‫وكلوا علم المتشابممه إلى علمممه‪ .‬وقال‪ :‬أنزل ال كتممب التوراة والنجيممل والزبور‪ ،‬ثممم أنزل القرآن‬
‫وأممر باتباعمه فهمو الحسمن وهمو المعجمز‪ .‬وقيمل‪ :‬هذا أحسمن لنمه ناسمخ قاض على جميمع الكتمب‬
‫وجميممع الكتممب منسمموخة‪ .‬وقيممل‪ :‬يعنممي العفممو؛ لن ال تعالى خيممر نممبيه عليممه السمملم بيممن العفممو‬
‫والقصاص‪ .‬وقيل‪ :‬ما علم ال النبي عليه السلم وليس بقرآن فهو حسن؛ وما أوحى إليه من القرآن‬
‫فهمو الحسمن‪ .‬وقيمل‪ :‬أحسمن مما أنزل إليكمم ممن أخبار الممم الماضيمة‪" .‬أن تقول نفمس" "أن" فمي‬
‫موضمع نصمب أي كراهمة "أن تقول" وعنمد الكوفييمن لئل تقول وعنمد البصمريين حذر "أن تقول"‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬أي من قبل "أن تقول نفس" لنه قال قيل هذا‪" :‬من قبل أن يأتيكم العذاب" الزمخشري‪ :‬فإن‬
‫قلت لم نكرت؟ قلت‪ :‬لن المراد بها بعض النفس وهى نفس الكافر‪ .‬ويجوز أن يريد نفسا متميزة‬
‫من النفس‪ ،‬إما بلجاج في الكفر شديد‪ ،‬أو بعقاب عظيم‪ .‬ويجوز أن يراد التكثير كما قال العشى‪:‬‬
‫أتاني كريم ينفض الرأس معضبا‬ ‫ورب بقيع لو هتفت بجوه‬
‫وهممو يريممد أفواجمما مممن الكرام ينصممرونه ل كريممما واحدا‪ ،‬ونظيره‪ :‬رب بلد قطعممت‪ ،‬ورب بطممل‬
‫قارعت‪ ،‬ول يقصد إل التكثير‪" .‬ياحسرتا" والصل "يا حسرتي" فأبدل من الياء ألف؛ لنها أخف‬
‫وأمكن في الستغاثة بمد الصوت‪ ،‬وربما ألحقوا بها الهاء؛ أنشد الفراء‪:‬‬
‫إذا أتى قربته للسانيه‬ ‫يا مرحباه بحمار ناجيه‬
‫وربمما ألحقوا بهما الياء بعمد اللف؛ لتدل على الضافمة‪ .‬وكذلك قرأهما أبمو جعفمر‪" :‬يما حسمرتاي"‬
‫والحسرة الندامة "على ما فرطت في جنب ال" قال الحسن‪ :‬في طاعة ال‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬أي في‬
‫ذكر ال عز وجل‪ .‬قال‪ :‬يعني القرآن والعمل به‪ .‬وقال أبو عبيدة‪" :‬في جنب ال" أي في ثواب ال‪.‬‬
‫وقال الفراء‪ :‬الجنمممب القرب والجوار؛ يقال فلن يعيمممش فمممي جنمممب فلن أي فمممي جواره؛ ومنمممه‬
‫"والصماحب بالجنمب" [النسماء‪ ]36 :‬أي مما فرطمت فمي طلب جواره وقربمه وهمو الجنمة‪ .‬وقال‬
‫الزجاج‪ :‬أي على مما فرطمت فمي الطريمق الذي همو طريمق ال الذي دعانمي إليمه‪ .‬والعرب تسممي‬
‫السمبب والطريمق إلى الشيمء جنبما؛ تقول‪ :‬تجرعمت فمي جنبمك غصمصا؛ أي لجلك وسمببك ولجمل‬
‫مرضاتممك‪ .‬وقيممل‪" :‬فممي جنممب ال" أي فممي الجانممب الذي يؤدي إلى رضمما ال عممز وجممل وثوابممه‪،‬‬
‫والعرب تسمي الجانب جنبا‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫الناس جنب والمير جنب‬ ‫قسم مجهودا لذاك القلب‬
‫يعني الناس من جانب والمير من جانب‪ .‬وقال ابن عرفة‪ :‬أي تركت من أمر ال؛ يقال ما فعلت‬
‫ذلك في جنب حاجتي؛ قال كثير‪:‬‬
‫له كبد حرى عليك تقطع‬ ‫أل تتقين ال في جنب عاشق‬
‫وكذا قال مجاهد؛ أي ضيعت من أمر ال‪ .‬ويروى عن النبي صلى أنه قال‪( :‬ما جلس رجل مجلسا‬
‫ول مشمى ممشمى ول اضطجمع مضطجعما لم يذكمر ال عمز وجمل فيمه إل كان عليمه ترة يوم القياممة)‬
‫أي حسرة؛ خرجه أبو داود بمعناه‪ .‬وقال إبراهيم التيمي‪ :‬من الحسرات يوم القيامة أن يرى الرجل‬
‫ماله الذي آتاه ال فمي الدنيما يوم القياممة فمي ميزان غيره‪ ،‬قمد ورثمه وعممل فيمه بالحمق‪ ،‬كان له أجره‬
‫وعلى الخر وزره‪ ،‬ومن الحسرات أن يرى الرجل عبده الذي خوله ال إياه في الدنيا أقرب منزلة‬
‫ممن ال عمز وجمل‪ ،‬أو يرى رجل يعرفمه أعممى فمي الدنيما قمد أبصمر يوم القياممة وعممي همو‪" .‬وإن‬
‫كنمت لممن السماخرين" أي ومما كنمت إل ممن المسمتهزئين بالقرآن وبالرسمول فمي الدنيما وبأولياء ال‬
‫تعالى‪ :‬قال قتادة‪ :‬لم يكفه أن ضيع طاعة ال حتى سخر من أهلها ومحل "إن كنت" النصب على‬
‫الحال؛ كأنه قال‪ :‬فرطت وأنا ساخر؛ أي فرطت في حال سخريتي‪ .‬وقيل‪ :‬وما كنت إل في سخرية‬
‫ولعب وباطل؛ أي ما كان سعيي إل في عبادة غير ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو تقول" هذه النفس "لو أن ال هداني" أي أرشدني إلى دينه‪ .‬وهذا القول لو أن‬
‫ال هداني لهتديت قول صدق‪ .‬وهو قريب من احتجاج المشركين فيما أخبر الرب جل وعز عنهم‬
‫في قوله‪" :‬سيقول الذين أشركوا لو شاء ال ما أشركنا" [النعام‪ ]148 :‬فهي كلمة حق أريد بها‬
‫باطمل؛ كمما قال علي رضمى ال عنمه لمما قال قائل ممن الخوارج لحكمم إل ل‪" .‬لكنمت ممن المتقيمن"‬
‫أي الشرك والمعاصمي‪" .‬أو تقول حيمن ترى العذاب" يعنمي أن هذه النفمس تقول حيمن ترى العذاب‬
‫"لو أن لي كرة" أي تتمنى الرجعة‪" .‬فأكون من المحسنين" نصب على جواب التمني‪ ،‬وإن شئت‬
‫كان معطوفا على "كرة" لن معناه أن أكر؛ كما قال الشاعر‪:‬‬
‫أحب إلي من لبس الشفوف‬ ‫للبس عباءة وتقر عيني‬
‫وأنشد الفراء‪:‬‬
‫وتسأل عن ركبانها أين يمموا‬ ‫فما لك منها غير ذكرى وخشية‬
‫فنصب وتسأل على موضع الذكرى؛ لن معنى الكلم فما لك منها إل أن تذكر‪ .‬ومنه للبس عباءة‬
‫وتقر؛ أي لن ألبس عباءة وتقر‪ .‬وقال أبو صالح‪ :‬كان رجل عالم في بني إسرائيل وجد رقعة‪ :‬إن‬
‫العبمد ليعممل الزمان الطويمل بطاعمة ال فيختمم له عمله بعممل أهمل النار فيدخمل النار‪ ،‬وإن الرجمل‬
‫ليعمل الزمن الطويل بمعصية ال ثم يختم له عمله بعمل رجل من أهل الجنة فيدخل الجنة؛ فقال‪:‬‬
‫ولي شيء أتعب نفسي فترك عمله وأخذ في الفسوق والمعصية‪ ،‬وقال له إبليس‪ :‬لك عمر طويل‬
‫فتمتمع فمي الدنيما ثمم تتوب‪ ،‬فأخمذ فمي الفسموق وأنفمق ماله فمي الفجور‪ ،‬فأتاه ملك الموت فمي ألذ مما‬
‫كان‪ ،‬فقال‪ :‬يا حسرتا على ما فرطت في جنب ال؛ ذهب عمري في طاعة الشيطان‪ ،‬فندم حين ل‬
‫ينفعمه الندم؛ فأنزل ال خمبره فمي القرآن‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هؤلء أصمناف؛ صمنف منهمم قال‪" :‬يما حسمرتا‬
‫على ما فرطت في جنب ال"‪ .‬وصنف منهم قال‪" :‬لو أن ال هداني لكنت من المتقين"‪ .‬وقال آخر‪:‬‬
‫"لو أن لي كرة فأكون ممن المحسمنين" فقال ال تعالى ردا لكلمهمم‪" :‬بلى قمد جاءتمك آياتمي" قال‬
‫الزجاج‪" :‬بلى" جواب النفممي وليممس فممي الكلم لفممظ النفممي‪ ،‬ولكممن معنممى "لو أن ال هدانممي" ممما‬
‫هداني‪ ،‬وكأن هذا القائل قال ما هديت؛ فقيل‪ :‬بل قد بين لك طريق الهدى فكنت بحيث لو أردت أن‬
‫تؤمممن أمكنممك أن تؤمممن‪" .‬آياتممي" أي القرآن‪ .‬وقيممل‪ :‬عنممى باليات المعجزات؛ أي وضممح الدليممل‬
‫فأنكرته وكذبته‪" .‬واستكبرت وكنت من الكافرين" أي تكبرت عن اليمان "وكنت من الكافرين"‪.‬‬
‫وقال‪" :‬اسمتكبرت وكنمت" وهمو خطاب الذكمر؛ لن النفمس تقمع على الذكمر والنثمى‪ .‬يقال‪ :‬ثلثمة‬
‫أنفس‪ .‬وقال المبرد؛ تقول العرب نفس واحد أي إنسان واحد‪ .‬وروى الربيع بن أنس عن أم سلمة‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم قرأ‪" :‬قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين"‪.‬‬
‫وقرأ العمش‪" :‬بلى قد جاءته آياتي" وهذا يدل على التذكير‪ .‬والربيع بن أنس لم يلحق أم سلمة إل‬
‫أن القراءة جائزة؛ لن النفمس تقمع للمذكمر والمؤنمث‪ .‬وقمد أنكمر هذه القراءة بعضهمم وقال‪ :‬يجمب إذا‬
‫كسممر التاء أن تقول وكنممت مممن الكوافممر أو مممن الكافرات‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا ل يلزم؛ أل ترى أن‬
‫قبله "أن تقول نفس" ثم قال‪" :‬وإن كنت لمن الساخرين" ولم يقل من السواخر ول من الساخرات‪.‬‬
‫والتقديممر فممي العربيممة على كسممر التاء "واسممتكبرت وكنممت" مممن الجمممع السمماخرين أو ممن الناس‬
‫الساخرين أو من القوم الساخرين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 64 - 60 :‬ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على ال وجوههم مسودة أليس في جهنم‬
‫مثوى للمتكمبرين‪ ،‬وينجمي ال الذين اتقوا بمفازتهمم ل يمسهم السوء ول هم يحزنون‪ ،‬ال خالق كمل‬
‫شيمء وهمو على كمل شيمء وكيمل‪ ،‬له مقاليمد السمماوات والرض والذيمن كفروا بآيات ال أولئك همم‬
‫الخاسرون‪ ،‬قل أفغير ال تأمروني أعبد أيها الجاهلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويوم القياممة ترى الذيمن كذبوا على ال وجوههمم مسمودة" أي ممما حاط بهمم ممن‬
‫غضب ال ونقمته‪ .‬وقال الخفش‪" :‬ترى" غير عامل في قوله‪" :‬وجوههم مسودة" إنما هو ابتداء‬
‫وخممبر‪ .‬الزمخشري‪ :‬جملة فممي موضممع الحال إن كان "ترى" مممن رؤيمة البصممر‪ ،‬ومفعول ثان إن‬
‫كان من رؤية القلب‪" .‬أليس في جهنم مثوى للمتكبرين" بين رسول ال صلى ال عليه وسلم معنى‬
‫الكممبر فقال عليممه السمملم‪( :‬سممفه الحممق وغمممص الناس) أي احتقارهممم‪ .‬وقممد مضممى فممي "البقرة"‬
‫وغيرهما‪ .‬وفمي حديمث عبدال بمن عمرو عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم‪( :‬يحشمر المتكمبرون يوم‬
‫القيامة كالذر يلحقهم الصغار حتى يؤتى بهم إلى سجن جهنم)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وينجي ال الذين اتقوا" وقرئ‪" :‬وينجى" أي من الشرك والمعاصي‪" .‬بمفازتهم"‬
‫على التوحيممد قراءة العامممة لنهمما مصممدر‪ .‬وقرأ الكوفيون‪" :‬بمفازاتهممم" وهممو جائز كممما تقول‬
‫بسعاداتهم‪ .‬وعن النبي صلى ال عليه وسلم تفسير هذه الية من حديث أبي هريرة‪ ،‬قال‪( :‬يحشمر‬
‫ال مع كل امرئ عمله فيكون عمل المؤمن معه في أحسن صورة وأطيب ريح فكلما كان رعب‬
‫أو خوف قال له ل ترع فما أنت بالمراد به ول أنت بالمعني به فإذا كثر ذلك عليه قال فما أحسنك‬
‫فمن أنت فيقول أما تعرفني أنا عملك الصالح حملتني على ثقلي فوال لحملنك ولدفعن عنك فهي‬
‫التي قال ال‪" :‬وينجى ال الذين اتقوا بمفازتهم ل يمسهم السوء ول هم يحزنون"‪.‬‬
‫"ال خالق كل شيء" أي حافظ وقائم به‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬له مقاليد السماوات والرض" واحدها مقليد‪ .‬وقيل‪ :‬مقلد وأكثر ما يستعمل فيه‬
‫إقليمد‪ .‬والمقاليمد المفاتيمح عمن ابمن عباس وغيره‪ .‬وقال السمدي‪ :‬خزائن السمماوات والرض‪ .‬وقال‬
‫غيره‪ :‬خزائن السممماوات المطممر‪ ،‬وخزائن الرض النبات‪ .‬وفيممه لغممة أخرى أقاليممد وعليهمما يكون‬
‫واحدهما إقليمد‪ .‬قال الجوهري‪ :‬والقليمد المفتاح‪ ،‬والمقلد مفتاح كالمنجمل ربمما يقلد بمه الكل كمما يقلد‬
‫القمت إذا جعمل حبال؛ أي يفتمل والجممع المقاليمد‪ .‬وأقلد البحمر على خلق كثيمر أي غرقهمم كأنمه أغلق‬
‫عليهم‪ .‬وخرج البيهقي عن ابن عمر أن عثمان بن عفان رضي ال عنه سأل رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى‪" :‬له مقاليد السماوات والرض" فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسملم‪( :‬مما سمألني عنهما أحمد ل إله إل ال وال أكمبر وسمبحان ال وبحمده اسمتغفر ال ول حول ول‬
‫قوة إل بال العلي العظيمم همو الول والخمر والظاهمر والباطمن يحيمي ويميمت بيده الخيمر وهو على‬
‫كمل شيمء قديمر) ذكره الثعلبمي فمي تفسميره‪ ،‬وزاد ممن قالهما إذا أصمبح أو أمسمى عشمر مرات أعطاه‬
‫ال سمت خصمال‪ :‬أولهما يحرس ممن إبليمس‪ ،‬والثانيمة يحضره اثنما عشمر ألف ملك‪ ،‬والثالثمة يعطمى‬
‫قنطارا ممن الجمر‪ ،‬والرابعمة ترفمع له درجمة‪ ،‬والخامسمة يزوجمه ال ممن الحور العيمن‪ ،‬والسمادسة‬
‫يكون له ممن الجمر كممن قرأ القرآن والتوراة والنجيمل والزبور‪ ،‬وله أيضما ممن الجمر كممن حمج‬
‫واعتمممر فقبلت حجتممه وعمرتممه‪ ،‬فإن مات مممن ليلتممه مات شهيدا‪ .‬وروى الحارث عممن علي قال‪:‬‬
‫سمألت رسمول ال صملى ال عليمه وسملم عمن تفسمير المقاليمد فقال‪( :‬يما علي لقمد سمألت عمن عظيمم‬
‫المقاليممد هممو أن تقول عشرا إذا أصممبحت وعشرا إذا أمسمميت ل إله إل ال وال أكممبر وسممبحان ال‬
‫والحممد ل واسمتغفر ال ول قوة إل بال الول والخمر والظاهمر والباطمن له الملك وله الحممد بيده‬
‫الخيمر وهمو على كمل شيمء قديمر ممن قالهما عشرا إذا أصمبح‪ ،‬وعشرا إذا أمسمى أعطاه ال خصمال‬
‫سمتا‪ :‬أولهما يحرسمه ممن الشيطان وجنوده فل يكون لهمم عليمه سملطان‪ ،‬والثانيمة يعطمى قنطارا فمي‬
‫الجنمة همو أثقمل فمي ميزانمه ممن جبمل أحمد‪ ،‬والثالثمة ترفمع له درجمة ل ينالهما إل البرار‪ ،‬والرابعمة‬
‫يزوجممه ال مممن الحور العيممن‪ ،‬والخامسممة يشهده اثنمما عشممر ألف ملك يكتبونهمما له فممي رق منشور‬
‫ويشهدون له بهما يوم القياممة‪ ،‬والسمادسة يكون له ممن الجمر كأنمما قرأ التوراة والنجيمل والزبور‬
‫والفرقان‪ ،‬وكممن حمج واعتممر فقبمل ال حجتمه وعمرتمه‪ ،‬وإن مات ممن يوممه أو ليلتمه أوشهره طبمع‬
‫بطابمع الشهداء‪ .‬وقيمل‪ :‬المقاليمد الطاعمة يقال ألقمى إلى فلن بالمقاليمد أي أطاعمه فيمما يأمره؛ فمعنمى‬
‫الية له طاعة من في السماوات والرض‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذين كفروا بآيات ال" أي بالقرآن والحجج والدللت‪" .‬أولئك هم الخاسرون"‬
‫تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل أفغير ال تأمروني أعبد " ذلك حين دعوا النبي صلى ال عليه وسلم إلى ما‬
‫هم عليه من عبادة الصنام وقالوا هو دين آبائك‪ .‬و"غير" نصب بم "أعبد" على تقدير أعبد غير‬
‫ال فيمما تأمروننمي‪ .‬ويجوز أن ينتصمب بمم "تأمرونمي" على حذف حرف الجمر؛ التقديمر‪ :‬أتأمرونمي‬
‫بغيممر ال أن أعبده‪ ،‬لن أن مقدرة وأن والفعممل مصممدر‪ ،‬وهممي بدل مممن غيممر؛ التقديممر‪ :‬أتأمرونممي‬
‫بعبادة غيمممر ال‪ .‬وقرأ نافمممع‪" :‬تأمرونمممي" بنون واحدة مخففمممة وفتمممح الياء‪ .‬وقرأ ابمممن عاممممر‪:‬‬
‫"تأمرونني" بنونين مخففتين على الصل‪ .‬الباقون بنون واحدة مشددة على الدغام‪ ،‬واختاره أبو‬
‫عبيمد وأبمو حاتم؛ لنها وقعت فمي مصحف عثمان بنون واحدة‪ .‬وقرأ نافع على حذف النون الثانية‬
‫وإنمما كانمت المحذوفمة الثانيمة؛ لن التكريمر والتثقيمل يقمع بهما‪ ،‬وأيضما حذف الولى ل يجوز؛ لنهما‬
‫دللة الرفع‪ .‬وقد مضى في "النعام" بيانه عند قوله تعالى‪" :‬أتحاجوني"‪" .‬أعبد" أي أن أعبد فلما‬
‫حذف "أن" رفع؛ قاله الكسائي‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫أل أيهذا الزاجري أحضر الوغى‬
‫والدليل على صحة هذا الوجه قراءة من قرأ "أعبد" بالنصب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 66 - 65 :‬ولقمد أوحمي إليمك وإلى الذيمن ممن قبلك لئن أشركمت ليحبطمن عملك‬
‫ولتكونن من الخاسرين‪ ،‬بل ال فاعبد وكن من الشاكرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقمد أوحمي إليمك وإلى الذيمن ممن قبلك لئن أشركمت" قيمل‪ :‬إن فمي الكلم تقديمما‬
‫وتأخيرا؛ والتقديمر‪ :‬لقد أوحمي إليمك لئن أشركمت وأوحمي إلى الذيمن من قبلك كذلك‪ .‬وقيل‪ :‬هو على‬
‫بابممه؛ قال مقاتممل‪ :‬أي أوحممي إليممك وإلى النممبياء قبلك بالتوحيممد والتوحيممد محذوف‪ .‬ثممم قال‪" :‬لئن‬
‫أشركمت" يما محممد‪" :‬ليحبطمن عملك" وهمو خطاب للنمبي صملى ال عليمه وسملم خاصمة‪ .‬وقيمل‪:‬‬
‫الخطاب له والمراد أمتمممه؛ إذ قمممد علم ال أنمممه ل يشرك ول يقمممع منمممه إشراك‪ .‬والحباط البطال‬
‫والفساد؛ قال القشيري‪ :‬فمن ارتد لم تنفعه طاعاته السابقة ولكن إحباط الردة العمل مشروط بالوفاة‬
‫على الكفممر؛ ولهذا قال‪" :‬مممن يرتدد منكممم عممن دينممه فيمممت وهممو كافممر فأولئك حبطممت أعمالهممم"‬
‫[البقرة‪ ]217 :‬فالمطلق هما هنما محمول على المقيمد؛ ولهذا قلنما‪ :‬ممن حمج ثمم ارتمد ثمم عاد إلى‬
‫السلم ل يجب عليه إعادة الحج‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا مذهممب الشافعممي‪ .‬وعنممد مالك تجممب عليممه العادة وقممد مضممى فممي "البقرة" بيان هذا‬
‫مستوفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بل ال فاعبد" النحاس‪ :‬في كتابي عن أبي إسحاق لفظ اسم ال عز وجل منصوب‬
‫بم م "اعبممد" قال‪ :‬ول اختلف فممي هذا بيممن البصممريين والكوفييممن‪ .‬قال النحاس‪ :‬وقال الفراء يكون‬
‫منصموبا بإضمار فعمل‪ .‬وحكاه المهدوي عمن الكسمائي‪ .‬فأمما الفاء فقال الزجاج‪ :‬إنهما للمجازاة‪ .‬وقال‬
‫الخفمش‪ :‬همي زائدة‪ .‬وقال ابمن عباس‪" :‬فاعبمد" أي فوحمد‪ .‬وقال غيره‪" :‬بمل ال" فأطمع "وكمن ممن‬
‫الشاكرين" لنعمه بخلف المشركين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{68 - 67 :‬وما قدروا ال حق قدره والرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات‬
‫مطويات بيمينمه سمبحانه وتعالى عمما يشركون‪ ،‬ونفمخ فمي الصمور فصمعق ممن فمي السمماوات وممن‬
‫في الرض إل من شاء ال ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومما قدروا ال حمق قدره" قال الممبرد‪ :‬مما عظموه حمق عظمتمه ممن قولك فلن‬
‫عظيمم القدر‪ .‬قال النحاس‪ :‬والمعنمى على هذا ومما عظموه حمق عظمتمه إذا عبدوا معمه غيره وهمو‬
‫خالق الشياء ومالكهما‪ .‬ثمم أخمبر عمن قدرتمه وعظمتمه فقال‪" :‬والرض جميعما قبضتمه يوم القياممة‬
‫والسماوات مطويات بيمينه"‪ .‬ثم نزه نفسه عن أن يكون ذلك بجارحة فقال‪" :‬سبحانه وتعالى عما‬
‫يشركون"‪ .‬وفمي الترمذي عمن عبدال قال‪ :‬جاء يهودي إلى النمبي صملى ال عليمه وسملم‪ ،‬فقال‪ :‬يما‬
‫محممد إن ال يمسمك السمماوات على إصمبع والخلئق على إصمبع ثمم يقول أنما الملك‪ .‬فضحمك النمبي‬
‫صملى ال عليمه وسملم حتمى بدت نواجذه ثمم قال‪" :‬ومما قدروا ال حمق قدره"‪ .‬قال‪ :‬هذا حديمث حسمن‬
‫صمحيح‪ .‬وفمي البخاري ومسملم عمن أبمي هريرة قال‪ :‬قال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم‪( :‬يقبمض‬
‫ال الرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الرض)‪ .‬وفي الترمذي‬
‫عمن عائشمة أنهما سمألت رسمول ال صملى ال عليمه وسملم عمن قوله‪" :‬والرض جميعما قبضتمه يوم‬
‫القياممة والسمماوات مطويات بيمينمه" قالت‪ :‬قلت فأيمن الناس يومئذ يما رسمول ال؟ قال‪( :‬على جسمر‬
‫جهنمم) فمي روايمة (على الصمراط يما عائشمة) قال‪ :‬حديمث حسمن صمحيح‪ .‬وقوله‪" :‬والرض جميعما‬
‫قبضته" (ويقبض ال الرض) عبارة عن قدرته وإحاطته بجميع مخلوقاته؛ يقال‪ :‬ما فلن إل في‬
‫قبضتممي‪ ،‬بمعنممى ممما فلن إل فممي قدرتممي‪ ،‬والناس يقولون الشياء فممي قبضتممه يريدون فممي ملكممه‬
‫وقدرتمه‪ .‬وقمد يكون معنمى القبمض والطمي إفناء الشيمء وإذهابمه فقوله جمل وعمز‪" :‬والرض جميعما‬
‫قبضتممه" يحتمممل أن يكون المراد بممه والرض جميعمما ذاهبممة فانيممة يوم القيامممة‪ ،‬والمراد بالرض‬
‫الرضون السبع؛ يشهد لذلك شاهدان‪ :‬قوله‪" :‬والرض جميعا" ولن الموضع موضع تفخيم وهو‬
‫مقتضٍم للمبالغمة‪ .‬وقوله‪" :‬والسمماوات مطويات بيمينمه" ليمس يريمد بمه طيما بعلج وانتصماب‪،‬وإنمما‬
‫المراد بذلك الفناء والذهاب؛ يقال‪ :‬قممد انطوى عنمما ممما كنمما فيممه وجاءنمما غيره‪ .‬وانطوى عنمما دهممر‬
‫بمعنممى المضممى والذهاب‪ .‬واليميممن فممي كلم العرب قممد تكون بمعنممى القدرة والملك؛ ومنممه قوله‬
‫تعالى‪" :‬أو مما ملكمت أيمانكمم" [النسماء‪ ]3:‬يريمد بمه الملك؛ وقال‪" :‬لخذنما منمه باليميمن" [الحاقمة‪:‬‬
‫‪ ]45‬أي بالقوة والقدرة أي لخذنا قوته وقدرته‪ .‬قال الفراء والمبرد‪ :‬اليمين القوة والقدرة‪ .‬وأنشدا‪:‬‬
‫تلقاها عرابة باليمين‬ ‫إذا ما راية رفعت لمجد‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫تناولت منها حاجتي بيمين‬ ‫ولما رأيت الشمس أشرق نورها‬
‫وكان على اليات غير أمين‬ ‫قتلت شنيفا ثم فاران بعده‬
‫وإنما خص يوم القيامة بالذكمر وإن كانمت قدرته شاملة لكل شيمء أيضما؛ لن الدعاوى تنقطع ذلك‬
‫اليوم‪ ،‬كما قال‪" :‬والمر يومئذ ل" [النفطار‪ ]19 :‬وقال‪" :‬مالك يوم الدين" [الفاتحة‪ ]3 :‬حسب‬
‫ما تقدم في "الفاتحة" ولذلك قال في الحديث‪( :‬ثم يقول أنا الملك أين ملوك الرض) وقد زدنا هذا‬
‫الباب فمي التذكرة بيانما‪ ،‬وتكلمنما على ذكمر الشمال فمي حديمث ابمن عممر قوله‪( :‬ثمم يطوي الرض‬
‫بشماله)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ونفخ في الصور فصمعق من فمي السماوات ومن فمي الرض إل من شاء ال ثم‬
‫نفمخ فيمه أخرى" بيمن مما يكون بعمد قبمض الرض وطمي السمماء وهمو النفخ فمي الصمور‪ ،‬وإنمما همما‬
‫نفختان؛ يموت الخلق فمي الولى منهمما ويحيون فمي الثانيمة وقمد مضمى الكلم فمي هذا فمي "النممل"‬
‫و"النعام" أيضا‪ .‬والذي ينفخ في الصور هو إسرافيل عليه السلم‪ .‬وقد قيل‪ :‬إنه يكون معه جبريل‬
‫لحديث أبي سعيد الخدري قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن صاحبي الصور بأيديهما‬
‫‪ -‬أو فمي أيديهمما ‪ -‬قرنان يلحظان النظمر متمى يؤمران) خرجمه ابمن ماجمة فمي السمنن‪ .‬وفمي كتاب‬
‫أبي داود عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬ذكر رسول ال صاحب الصور‪ ،‬وقال‪( :‬عن يمينه جبرائيل‬
‫وعمن يسماره ميكائيمل)‪ .‬واختلف فمي المسمتثنى ممن همم؟ فقيمل‪ :‬همم الشهداء متقلديمن أسميافهم حول‬
‫العرش‪ .‬روي مرفوعا من حديث أبي هريرة فيما ذكر القشيري‪ ،‬ومن حديث عبدال بن عمر فيما‬
‫ذكر الثعلبي‪ .‬وقيل‪ :‬جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلم‪ .‬وروي من حديث أنس‬
‫أن النبي صلى ال عليه وسلم تل‪" :‬ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الرض‬
‫إل ممن شاء ال" فقالوا‪ :‬يما نمبي ال ممن همم الذيمن اسمتثنى ال تعالى؟ قال‪( :‬همم جبريمل وميكائيمل‬
‫وإسمرافيل وملك الموت فيقول ال تعالى لملك الموت يما ملك الموت ممن بقمي ممن خلقمي وهمو أعلم‬
‫فيقول يما رب بقمي جبريمل وميكائيمل وإسمرافيل وعبدك الضعيمف ملك الموت فيقول ال تعالى خمذ‬
‫نفس إسرائيل وميكائيل فيخران ميتين كالطودين العظيمين فيقول مت يا ملك الموت فيموت فيقول‬
‫ال تعالى لجبريمل يما جبريمل ممن بقمي فيقول تباركمت وتعاليمت ذا الجلل والكرام وجهمك الباقمي‬
‫الدائم وجبريل الميت الفاني فيقول ال تعالى يا جبريل ل بد من موتك فيقع ساجدا يخفق بجناحيه‬
‫يقول سمبحانك ربمي تباركمت وتعاليمت يما ذا الجلل والكرام) قال النمبي صملى ال عليمه وسملم‪( :‬إن‬
‫فضممل خلقممه على خلق ميكائيممل كالطود العظيممم على الظرب مممن الظراب) ذكره الثعلبممي‪ .‬وذكره‬
‫النحاس أيضا من حديث محمد بن إسحاق‪ ،‬عن يزيد الرقاشي‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫ال عليمه وسملم فمي قوله جمل وعمز‪" :‬فصمعق ممن فمي السمماوات وممن فمي الرض إل ممن شاء ال"‬
‫قال‪( :‬جبريل وميكائيل وحملة العرش وملك الموت وإسرافيل) وفي هذا الحديث‪( :‬إن آخرهم موتا‬
‫جبريل عليه وعليهم السلم) وحديث أبي هريرة في الشهداء أصح على ما تقدم في "النمل"‪ .‬وقال‬
‫الضحاك‪ :‬همو رضوان والحور ومالك والزبانيمة‪ .‬وقيمل‪ :‬عقارب أهمل النار وحياتهما‪ .‬وقال الحسمن‪:‬‬
‫هو ال الواحد القهار وما يدع أحدا من أهل السماء والرض إل أذاقه الموت‪ .‬وقال قتادة‪ :‬ال أعلم‬
‫بثنياه‪ .‬وقيمل‪ :‬السمتئناء فمي قوله‪" :‬إل ممن شاء ال" يرجمع إلى ممن مات قبمل النفخمة الولى؛ أي‬
‫فيموت من في السماوات والرضى إل من سبق موته لنهم كانوا قد ماتوا‪.‬‬
‫وفي الصحيحين وابن ماجة واللفظ له عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رجل من اليهود بسوقي المدينة‪،‬‬
‫والذي اصطفى موسى على البشر فرفع رجل من النصار يده فلطمه؛ قال‪ :‬تقول هذا وفينا رسول‬
‫ال صملى ال عليمه وسملم‪ .‬فذكرت ذلك لرسمول ال صملى ال عليمه وسملم فقال‪( :‬قال ال عمز وجمل‪:‬‬
‫"ونفخ فمي الصور فصعق من في السماوات ومن في الرض إل من شاء ال ثم نفخ فيه أخرى‬
‫فإذا همم قيام ينظرون" فأكون أول ممن رفمع رأسمه فإذا أنما بموسمى آخمذ بقائممة ممن قوائم العرش فل‬
‫أدري أرفمع رأسمه قبلي أو كان مممن اسمتثنى ال وممن قال أنما خيمر ممن يونمس بمن متمى فقمد كذب)‬
‫وخرجمه الترمذي أيضما وقال فيمه‪ :‬حديمث حسمن صمحيح‪ .‬قال القشيري‪ :‬وممن حممل السمتثناء على‬
‫موسمى والشهداء فهؤلء قمد ماتوا غيمر أنهمم أحياء عنمد ال‪ .‬فيجوز أن تكون الصمعقة بزوال العقمل‬
‫دون زوال الحياة‪ ،‬ويجوز أن تكون بالموت‪ ،‬ول يبعممممد أن يكون الموت والحياة فكممممل ذلك مممممما‬
‫يجوزه العقل‪ ،‬والمر في وقوعه موقوف على خبر صدق‪.‬‬
‫قلت‪ :‬جاء فممي بعممض طرق أبممي هريرة أنممه عليممه السمملم قال‪( :‬ل تخيرونممي على موسممى فان‬
‫الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فل أدري أكان فيمن صعق‬
‫فأفاق قبلي أم كان مممن اسمتثنى ال) خرجمه مسملم‪ .‬ونحوه عمن أبمي سمعيد الخدري؛ والفاقمة إنمما‬
‫تكون عن غشية وزوال عقل ل عن موت برد الحياة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا هم قيام ينظرون" أي فإذا الموات من أهل الرض والسماء أحياء بعثوا من‬
‫قبورهمم‪ ،‬وأعيدت إليهم أبدانهمم وأرواحهمم‪ ،‬فقاموا ينظرون ماذا يؤمرون‪ .‬وقيل‪ :‬قيام على أرجلهمم‬
‫ينظرون إلى البعث الذي وعدوا به‪ .‬وقيل‪ :‬هذا النظر بمعنى النتظار؛ أي ينتظرون ما يفعل بهم‪.‬‬
‫وأجاز الكسائي قياما بالنصب؛ كما تقول‪ :‬خرجت فإذا زيد جالسا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 70 - 69 :‬وأشرقمت الرض بنور ربهما ووضمع الكتاب وجيمء بالنمبيين والشهداء‬
‫وقضي بينهم بالحق وهم ل يظلمون‪ ،‬ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأشرقممت الرض بنور ربهمما" إشراقهمما إضاءتهمما؛ يقال‪ :‬أشرقممت الشمممس إذا‬
‫أضاءت وشرقمممت إذا طلعمممت‪ .‬ومعنمممى‪" :‬بنور ربهممما" بعدل ربهممما؛ قاله الحسمممن وغيره‪ .‬وقال‬
‫الضحاك‪ :‬بحكمم ربهما؛ والمعنمى واحمد؛ أي أنارت وأضاءت بعدل ال وقضائه بالحمق بيمن عباده‪.‬‬
‫والظلم ظلمات والعدل نور‪ .‬وقيمممل‪ :‬إن ال يخلق نورا يوم القياممممة يلبسمممه وجمممه الرض فتشرق‬
‫الرض بمه‪ .‬وقال ابمن عباس‪ :‬النور المذكور هما هنما ليمس ممن نور الشممس والقممر‪ ،‬بمل همو نور‬
‫يخلقه ال فيضيء به الرض‪ .‬وروي أن الرض يومئذ من فضة تشرق بنور ال تعالى حين يأتي‬
‫لفصمل القضاء‪ .‬والمعنمى أنهما أشرقمت بنور خلقمه ال تعالى‪ ،‬فأضاف النور إليمه على حمد إضافمة‬
‫الملك إلى المالك‪ .‬وقيمل‪ :‬إنمه اليوم الذي يقضمي فيمه بيمن خلقمه؛ لنمه نهار ل ليمل معمه‪ .‬وقرأ ابمن‬
‫عباس وعبيمد بمن عميمر‪" :‬وأشرقمت الرض" على مما لم يسمم فاعله وهمي قراءة على التفسمير‪ .‬وقمد‬
‫ضمل قوم هما هنما فتوهموا أن ال عمز وجمل ممن جنمس النور والضياء المحسموس‪ ،‬وهمو متعال عمن‬
‫مشابهمة المحسموسات‪ ،‬بمل همو منور السمماوات والرض‪ ،‬فمنمه كمل نور خلقما وإنشاء‪ .‬وقال أبمو‬
‫جعفمر النحاس‪ :‬وقوله عمز وجمل‪" :‬وأشرقمت الرض بنور ربهما" يمبين هذا الحديمث المرفوع ممن‬
‫طرق كثيرة صمحاح (تنظرون إلى ال عمز وجمل ل تضامون فمي رؤيتمه) وهمو يروى على أربعمة‬
‫أوجمممه‪ :‬ل تضامون ول تضارون ول تضامون ول تضارون؛ فمعنمممى (ل تضامُون) ل يلحقكمممم‬
‫ضيم كما يلحقكم في الدنيا في النظر إلى الملوك‪ .‬و(ل تضارُون) ل يلحقكم ضير‪ .‬و(ل تضامّون)‬
‫ل ينضم بعضكم إلى بعض ليسأله أن يريه‪ .‬و(ل تضارّون) ل يخالف بعضكم بعضا‪ .‬يقال‪ :‬ضاره‬
‫مضارة وضرارا أي خالفه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ووضمع الكتاب" قال ابمن عباس‪ :‬يريمد اللوح المحفوظ‪ .‬وقال قتادة‪ :‬يريمد الكتاب‬
‫والصمحف التمي فيهما أعمال بنمي آدم‪ ،‬فآخمذ بيمينمه وآخمذ بشماله‪" .‬وجيمء بالنمبيين" أي جيمء بهمم‬
‫فسمألهم عمما أجابتهمم بمه أممهمم‪" .‬والشهداء" الذيمن شهدوا على الممم من أممة محممد صملى ال عليمه‬
‫وسملم؛ كمما قال تعالى‪" :‬وكذلك جعلناكمم أممة وسمطا لتكونوا شهداء على الناس" [البقرة‪.]143 :‬‬
‫وقيمل‪ :‬المراد بالشهداء الذي اسمتشهدوا فمي سمبيل ال‪ ،‬فيشهدون يوم القياممة لممن ذب عمن ديمن ال؛‬
‫قاله السدي‪ .‬قال ابن زيد‪ :‬هم الحفظة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬وجاءت‬
‫كمل نفس معهما سمائق وشهيد" [ق‪ ]21 :‬فالسمائق يسموقها إلى الحسماب والشهيد يشهمد عليها‪ ،‬وهو‬
‫الملك الموكمل بالنسمان على مما يأتمي بيانمه فمي "ق]‪" .‬وقضمي بينهمم بالحمق" أي بالصمدق والعدل‪.‬‬
‫"وهم ل يظلمون" قال سعيد بن جبير‪ :‬ل ينقص من حسناتهم ول يزاد على سيئاتهم‪" .‬ووفيت كل‬
‫نفمس مما عملت" ممن خيمر أو شمر‪" .‬وهمو أعلم بمما يفعلون" فمي الدنيما ول حاجمة بمه عمز وجمل إلى‬
‫كتاب ول إلى شاهد‪ ،‬ومع ذلك فتشهد الكتب‪ ،‬والشهود إلزاما للحجة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 72 - 71 :‬وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال‬
‫لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن‬
‫حقت كلمة العذاب على الكافرين‪ ،‬قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا" هذا بيان توفية كل نفس عملها‪ ،‬فيساق الكافر‬
‫إلى النار والمؤممن إلى الجنمة‪ .‬والزممر‪ :‬الجماعات واحدتهما زمرة كظلممة وغرفمة‪ .‬وقال الخفمش‬
‫وأبو عبيدة‪" :‬زمرا" جماعات متفرقة بعضها إثر بعض‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫زمرا تنتابه بعد زمر‬ ‫وترى الناس إلى منزله‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫زمر بعد زمر‬ ‫حتى احزألت‬
‫وقيمل‪ :‬دفعما وزجرا بصموت كصموت المزمار‪" .‬حتمى إذا جاؤوهما فتحمت أبوابهما" جواب إذا‪ ،‬وهمي‬
‫سبعة أبواب‪ .‬وقد مضى في "الحجر"‪" .‬وقال لهم خزنتها" واحدهم خازن نحو سدنة وسادن‪" ،‬ألم‬
‫يأتكمم رسمل منكمم" يقولون لهمم تقريعما وتوبيخما‪".‬ألم يأتكمم رسمل منكمم يتلون عليكمم آيات ربكمم" أي‬
‫الكتب المنزلة على النبياء‪" .‬وينذرونكم لقاء يومكم هذا" أي يخوفونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى"‬
‫أي قمد جاءتنما‪ ،‬وهذا اعتراف منهمم بقيام الحجمة عليهمم "ولكمن حقمت كلممة العذاب على الكافريمن"‬
‫وهمي قوله تعالى‪" :‬لملن جهنمم ممن الجنمة والناس أجمعيمن" [السمجدة‪" .]13 :‬قيمل ادخلوا أبواب‬
‫جهنمم خالديمن فيهما" أي يقال لهمم ادخلوا جهنمم‪ .‬وقمد مضمى الكلم فمي أبوابهما‪ .‬قال وهمب‪ :‬تسمتقبلهم‬
‫الزبانيمة بمقاممع ممن نار فيدفعونهمم بمقامعهمم‪ ،‬فإنمه ليقمع فمي الدفعمة الواحدة إلى النار بعدد ربيعمة‬
‫ومضر‪" .‬فبئس مثوى المتكبرين" تقدم بيانه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 73 :‬وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال‬
‫لهممم خزنتهمما سمملم عليكممم طبتممم فادخلوهمما خالديممن‪ ،‬وقالوا الحمممد ل الذي صممدقنا وعده وأورثنمما‬
‫الرض نتبوأ ممن الجنمة حيمث نشاء فنعمم أجمر العامليمن‪ ،‬وترى الملئكمة حافيمن ممن حول العرش‬
‫يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد ل رب العالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وسميق الذيمن اتقوا ربهمم إلى الجنمة زمرا" يعنمي ممن الشهداء والزهاد والعلماء‬
‫والقراء وغيرهمم‪ ،‬مممن اتقمى ال تعالى وعممل بطاعتمه‪ .‬وقال فمي حمق الفريقيمن‪" :‬وسميق" بلفمظ‬
‫واحمد‪ ،‬فسموق أهمل النار طردهممم إليهما بالخزي والهوان‪ ،‬كممما يفعممل بالسممارى والخارجيممن على‬
‫السمملطان إذا سمميقوا إلى حبممس أو قتممل‪ ،‬وسمموق أهممل الجنان سمموق مراكبهممم إلى دار الكرامممة‬
‫والرضوان؛ لنمه ل يذهمب بهمم إل راكمبين كمما يفعمل بممن يشرف ويكرم ممن الوافديمن على بعمض‬
‫الملوك‪ ،‬فشتان ما بين السوقين‪" .‬حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها" قيل‪ :‬الواو هنا للعطف عطف‬
‫على جملة والجواب محذوف‪ .‬قال المممبرد‪ :‬أي سممعدوا وفتحممت‪ ،‬وحذف الجواب بليممغ فممي كلم‬
‫العرب‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫ولكنها نفس تساقط أنفسا‬ ‫فلو أنها نفس تموت جميعة‬
‫فحذف جواب لو والتقديمر لكان أروح‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬حتمى إذا جاؤوهما" دخلوهما وهمو قريمب ممن‬
‫الول‪ .‬وقيمل‪ :‬الواو زائدة‪ .‬قال الكوفيون وهمو خطمأ عنمد البصمريين‪ .‬وقمد قيمل‪ :‬إن زيادة الواو دليمل‬
‫على أن البواب فتحممت لهممم قبممل أن يأتوا لكرامتهممم على ال تعالى‪ ،‬والتقديممر حتممى إذا جاؤوهمما‬
‫وأبوابها مفتحة‪ ،‬بدليل قوله‪" :‬جنات عدن مفتحة لهم البواب" [ص‪ ]50 :‬وحذف الواو في قصة‬
‫أهمل النار؛ لنهمم وقفوا على النار وفتحمت بعمد وقوفهمم إذلل وترويعما لهمم‪ .‬ذكره المهدوي وحكمى‬
‫معناه النحاس قبله‪ .‬قال النحاس‪ :‬فأما الحكمة في إثبات الواو في الثاني وحذفها من الول‪ ،‬فقد تكلم‬
‫فيه بعض أهل العلم بقول ل أعلم أنه سبقه إليه أحد‪ ،‬وهو أنه لما قال ال عز وجل في أهل النار‪:‬‬
‫"حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها" دل بهذا على أنها كانت مغلقة ولما قال في أهل الجنة‪" :‬حتى إذا‬
‫جاؤوهما وفتحمت أبوابهما" دل بهذا على أنهما كانمت مفتحمة قبمل أن يجيؤوهما؛ وال أعلم‪ .‬وقيمل‪ :‬إنهما‬
‫واو الثمانية‪ .‬وذلك من عادة قريش أنهم يعدون من الواحد فيقولون خمسة ستة سبعة وثمانية‪ ،‬فإذا‬
‫بلغوا السممبعة قالوا وثمانيممة‪ .‬قال أبممو بكممر بممن عياش‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬سممخرها عليهممم سممبع ليال‬
‫وثمانيممة أيام" [الحاقممة‪ ]7 :‬وقال‪" :‬التائبون العابدون" [التوبممة‪ ]112 :‬ثممم قال فممي الثامممن‪:‬‬
‫"والناهون عمن المنكمر" [التوبمة‪ ]112 :‬وقال‪" :‬ويقولون سمبعة وثامنهمم" [الكهمف‪ ]22 :‬وقال‬
‫"ثيبات وأبكارا" [التحريمم‪ ]5 :‬وقمد مضمى القول فمي هذا فمي "براءة" مسمتوفى وفمي "الكهمف"‬
‫أيضا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقمد اسمتدل بهذا ممن قال إن أبواب الجنمة ثمانيمة؛ وذكروا حديمث عممر بمن الخطاب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ ‪ -‬أو فيسبغ الوضوء ‪ -‬ثم قال‬
‫أشهمد أن ل إله إل ال وأن محمدا عبده ورسموله إل فتحمت له أبواب الجنمة الثمانيمة يدخمل ممن أيهما‬
‫شاء) خرجه مسلم وغيره‪ .‬وقد خرج الترمذي حديث عمر هذا وقال فيه‪( :‬فتح له من أبواب الجنة‬
‫ثمانيمة أبواب يوم القياممة) بزيادة ممن وهمو يدل على أن أبواب الجنمة أكثمر ممن ثمانيمة‪ .‬وقمد ذكرنما‬
‫ذلك فمي كتاب التذكرة وانتهمى عددهما إلى ثلثمة عشمر بابما‪ ،‬وذكرنما هناك عظمم أبوابهما وسمعتها‬
‫حسب ما ورد في الحديث من ذلك‪ ،‬فمن أراده وقف عليه هناك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال لهم خزنتها" قيل‪ :‬الواو ملغاة تقديره حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها "قال‬
‫لهم خزنتها سلم عليكم طبتم" أي في الدنيا‪ .‬قال مجاهد‪ :‬بطاعة ال‪ .‬وقيل‪ :‬بالعمل الصالح‪ .‬حكاه‬
‫النقاش والمعنمى واحمد‪ .‬وقال مقاتمل‪ :‬إذا قطعوا جسمر جهنمم حبسموا على قنطرة بيمن الجنمة والنار‪،‬‬
‫فيقمص لبعضهمم ممن بعمض مظالم كانمت بينهمم فمي الدنيما‪ ،‬حتمى إذا هذبوا وطيبوا قال لهمم رضوان‬
‫وأصحابه‪" :‬سلم عليكم" بمعنى التحية "طبتم فادخلوها خالدين"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬خرج البخاري حديممث القنطرة هذا فممي جامعممه مممن حديممث أبممي سممعيد الخدري قال‪ :‬قال‬
‫رسمول ال صمملى ال عليممه وسمملم‪( :‬يخلص المؤمنون ممن النار فيحبسمون على قنطرة بيمن الجنمة‬
‫والنار فيقمص لبعضهمم ممن بعمض مظالم كانمت بينهمم فمي الدنيما حتمى إذا هذبوا ونقوا أذن لهمم فمي‬
‫دخول الجنمة فمو الذي نفمس محممد بيده لحدهمم أهدى بمنزله فمي الجنمة منمه بمنزله كان فمي الدنيما)‬
‫وحكممى النقاش‪ :‬إن على باب الجنممة شجرة ينبممع مممن سمماقها عينان يشرب المؤمنون مممن إحداهممما‬
‫فتطهر أجوافهم وذلك قوله تعالى‪" :‬وسقاهم ربهم شرابا طهورا" [النسان‪ ]21 :‬ثم يغتسلون من‬
‫الخرى فتطيمب أبشارهمم فعندهما يقول لهمم خزنتهما‪" :‬سملم عليكمم طبتمم فادخلوهما خالديمن" وهذا‬
‫يروى معناه عن علي رضي ال عنه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا الحممد ل الذي صمدقنا وعده" أي إذا دخلوا الجنمة قالوا هذا‪" .‬وأورثنما‬
‫الرض نتبوأ ممن الجنمة حيمث نشاء" أي أرض الجنمة قيمل‪ :‬إنهمم ورثوا الرض التمي كانمت تكون‬
‫لهمل النار لو كانوا مؤمنيمن؛ قاله أبمو العاليمة وأبمو صمالح وقتادة والسمدي وأكثمر المفسمرين وقيمل‪:‬‬
‫إنهما أرض الدنيما على التقديمم والتأخيمر‪" .‬فنعمم أجمر العامليمن" قيمل‪ :‬همو ممن قولهمم أي نعمم الثواب‬
‫هذا‪ .‬وقيل‪ :‬هو من قول ال تعالى؛ أي نعم ثواب المحسنين هذا الذي أعطيتهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وترى الملئكة" يا محمد "حافين" أي محدقين "من حول العرش" في ذلك اليوم‬
‫"يسمبحون بحممد ربهمم" متلذذيمن بذلك ل متعبديمن بمه؛ أي يصملون حول العرش شكرا لربهمم‪.‬‬
‫والحافون أخذ من حافات الشيء ونواحيه‪ .‬قال الخفش‪ :‬واحدهم حاف‪ .‬وقال الفراء‪ :‬ل واحد له إذ‬
‫ل يقع لهم السم إل مجتمعين‪ .‬ودخلت "من" على "حول" لنه ظرف والفعل يتعدى إلى الظرف‬
‫بحرف وبغير حرف‪ .‬وقال الخفش‪" :‬من" زائدة أي حافين حول العرش‪ .‬وهو كقولك‪ :‬ما جاءني‬
‫ممن أحمد‪ ،‬فممن توكيمد‪ .‬الثعلبمي‪ :‬والعرب تدخمل الباء أحيانما فمي التسمبيح وتحذفهما أحيانما‪ ،‬فيقولون‪:‬‬
‫سمبح بحممد ربمك‪ ،‬وسمبح حمدا ل؛ قال ال تعالى‪" :‬سمبح اسمم ربمك العلى" [العلى‪ ]1 :‬وقال‪:‬‬
‫"فسمبح باسمم ربمك العظيمم" [الواقعمة‪" .]74 :‬وقضمي بينهمم بالحمق" بيمن أهمل الجنمة والنار‪ .‬وقيمل‪:‬‬
‫قضمى بيمن النمبيين الذيمن جيمء بهمم ممع الشهداء وبيمن أممهمم بالحمق والعدل‪" .‬وقيمل الحممد ل رب‬
‫العالميمن" أي يقول المؤمنون الحممد ل على مما أثابنما ممن نعممه وإحسمانه ونصمرنا على ممن ظلمنما‪.‬‬
‫وقال قتادة فممي هذه اليممة‪ :‬افتتممح ال أول الخلق بالحمممد ل‪ ،‬فقال‪" :‬الحمممد ل الذي خلق السممماوات‬
‫والرض وجعمل الظلمات والنور" [النعام‪ ]1:‬وختمم بالحممد فقال‪" :‬وقضمى بينهمم بالحمق وقيمل‬
‫الحمد ل رب العالمين" فلزم القتداء به‪ ،‬والخذ فمي ابتداء كل أمر بحمده وخاتمته بحمده‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫إن قول "الحمممد ل رب العالميممن" مممن قول الملئكممة فعلى هذا يكون حمدهممم ل تعالى على عدله‬
‫وقضائه‪ .‬وروي ممن حديمث ابمن عممر أن رسمول ال صملى ال عليمه وسملم قرأ على المنمبر آخمر‬
‫سورة "الزمر" فتحرك المنبر مرتين‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة غافر‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ سمورة غافمر‪ ،‬وهمي سمورة المؤمن‪ ،‬وتسممى سمورة الطول وهمي مكيمة فمي قول الحسمن وعطاء‬
‫وعكرممة وجابر‪ .‬وعمن الحسمن إل قوله‪" :‬وسمبح بحممد ربمك" [غافمر‪ ]55 :‬لن الصملوات نزلت‬
‫بالمدينمة‪ .‬وقال ابمن عباس وقتادة‪ :‬إل آيتيمن منهما نزلتما بالمدينمة وهمما "إن الذيمن يجادلون فمي آيات‬
‫ال" [غافر‪ ] 56 :‬والتي بعدها‪ .‬وهي خمس وثمانون آية‪ .‬وقيل ثنتان وثمانون آية‪.‬‬
‫وفي مسند الدارمي قال‪ :‬حدثنا جعفر بن عون عن مسعر عن سعد بن إبراهيم قال‪ :‬كن الحواميم‬
‫يسمين العرائس‪ .‬وروي من حديث أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬الحواميم ديباج‬
‫القرآن" وروي عمن ابمن مسمعود مثله‪ .‬وقال الجوهري وأبمو عمبيدة‪ :‬وآل حمم سمور فمي القرآن‪ .‬قال‬
‫ابن مسعود‪ :‬آل حم ديباج القرآن‪ .‬قال الفراء‪ :‬إنما هو كقولك آل فلن وآل فلن كأنه نسب السورة‬
‫كلها إلى حم؛ قال الكميت‪:‬‬
‫تأولها منا تقي ومعزب‬ ‫وجدنا لكم في آل حاميم آية‬
‫قال أبممو عممبيدة‪ :‬هكذا رواهمما الموي بالزاي‪ ،‬وكان أبممو عمرو يرويهمما بالراء‪ .‬فأممما قول العامممة‬
‫الحواميم فليس من كلم العرب‪ .‬وقال أبو عبيدة‪ :‬الحواميم سور في القرآن على غير قياس؛ وأنشد‬
‫قائل‪:‬‬
‫وبالحواميم التي قد سبغت‬
‫قال‪ :‬والولى أن تجممع بذوات حمم‪ .‬وروي أن النمبي صملى ال عليمه وسملم قال‪( :‬لكمل شيمء ثمرة‬
‫وإن ثمرة القرآن ذوات حممم هممن روضات حسممان مخصممبات متجاورات فمممن أحممب أن يرتممع فممي‬
‫رياض الجنمة فليقرأ الحواميمم)‪ .‬وقال النمبي صملى ال عليمه وسملم‪( :‬مثمل الحواميمم فمي القرآن كمثمل‬
‫الحبرات في الثياب) ذكرهما الثعلبي‪ .‬وقال أبو عبيد‪ :‬وحدثني حجاج بن محمد عن أبي معشر عن‬
‫محممد بمن قيمس قال‪ :‬رأى رجمل سمبع جوار حسمان مزينات فمي النوم فقال لممن أنتمن بارك ال فيكمن‬
‫فقلن نحن لمن قرأنا نحن الحواميم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 4 - 1 :‬حمم‪ ،‬تنزيمل الكتاب ممن ال العزيمز العليمم‪ ،‬غافمر الذنمب وقابمل التوب شديمد‬
‫العقاب ذي الطول ل إله إل همو إليمه المصمير‪ ،‬مما يجادل فمي آيات ال إل الذيمن كفروا فل يغررك‬
‫تقلبهم في البلد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حم" اختلف في معناه؛ فقال عكرمة‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‪"(:‬حم" اسم‬
‫ممن أسمماء ال تعالى وهمي مفاتيمح خزائن ربمك) قال ابمن عباس‪" :‬حمم" اسمم ال العظمم‪ .‬وعنمه‪:‬‬
‫"الر" و"حم" و"ن" حروف الرحمن مقطعة‪ .‬وعنه أيضا‪ :‬اسم من أسماء ال تعالى أقسم به‪ .‬وقال‬
‫قتادة‪ :‬إنه اسم من أسماء القرآن‪ .‬مجاهد‪ :‬فواتح السور‪ .‬وقال عطاء الخراساني‪ :‬الحاء افتتاح اسمه‬
‫حميد وحنان وحليم وحكيم‪ ،‬والميم افتتاح اسمه ملك ومجيد ومنان ومتكبر ومصور؛ يدل عليه ما‬
‫روى أنمس أن أعرابيما سمأل النمبي صملى ال عليمه وسملم‪ :‬مما "حمم" فإنما ل نعرفهما فمي لسماننا؟ فقال‬
‫النمبي صملى ال عليمه وسملم‪( :‬بدء أسمماء وفواتمح سمور) وقال الضحاك والكسمائي‪ :‬معناه قضمي مما‬
‫هو كائن‪ .‬كأنه أراد الشارة إلى تهجي "حم"؛ لنها تصير حم بضم الحاء وتشديد الميم؛ أي قضي‬
‫ووقع‪ .‬وقال كعب بن مالك‪:‬‬
‫وليس لمر حمه ال مدفع‬ ‫فلما تلقيناهم ودارت بنا الرحى‬
‫وعنه أيضا‪ :‬إن المعنى حم أمر ال أي قرب؛ كما قال الشاعر‪:‬‬
‫قوم بهم غفلة ونوم‬ ‫قد حم يومي فسر قوم‬
‫ومنمه سمميت الحممى؛ لنهما تقرب ممن المنيمة‪ .‬والمعنمى المراد قرب نصمره لوليائه‪ ،‬وانتقاممه ممن‬
‫أعدائه كيوم بدر‪ .‬وقيمل‪ :‬حروف هجاء؛ قال الجرممي‪ :‬ولهذا تقرأ سماكنة الحروف فخرجمت مخرج‬
‫التهجي وإذا سميت سورة بشيء من هذه الحروف أعربت؛ فتقول‪ :‬قرأت "حم" فتنصب؛ ومنه‪:‬‬
‫تل حاميم قبل التقدم‬ ‫يذكرني حاميم والرمح شاجر فهل‬
‫وقرأ عيسمى بمن عممر الثقفمي‪" :‬حمم" بفتمح الميمم على معنمى اقرأ حمم أو للتقاء السماكنين‪ .‬ابمن أبمي‬
‫إسمحاق وأبمو السممال بكسمرها‪ .‬والمالة والكسمر لللتقاء السماكنين‪ ،‬أو على وجمه القسمم‪ .‬وقرأ أبمو‬
‫جعفر بقطع الحاء من الميم‪ .‬الباقون بالوصل‪ .‬وكذلك في "حم‪ .‬عسق"‪ .‬وقرأ أبو عمرو وأبو بكر‬
‫وحمزة والكسائي وخلف وابن ذكوان بالمالة في الحاء‪ .‬وروي عن أبي عمرو بين اللفظين وهي‬
‫قراءة نافع وأبي جعفر وشيبة‪ .‬الباقون بالفتح مشبعا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تنزيل الكتاب" ابتداء والخبر"من ال العزيز العليم "‪ .‬ويجوز أن يكون "تنزيل"‬
‫خممبرا لمبتدأ محذوف؛ أي هذا "تنزيممل الكتاب"‪ .‬ويجوز أن يكون "حممم" مبتدأ و"تنزيممل" خممبره‬
‫والمعنى‪ :‬أن القرآن أنزله ال وليس منقول ول مما يجوز أن يكذب به‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب" قال الفراء‪ :‬جعلها كالنعت للمعرفة وهي‬
‫نكرة‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬همي خفمض على البدل‪ .‬النحاس‪ :‬وتحقيمق الكلم فمي هذا وتلخيصمه أن "غافمر‬
‫الذنب وقابل التوب" يجوز أن يكونا معرفتين على أنهما لما مضى فيكونا نعتين‪ ،‬ويجوز أن يكونا‬
‫للمسمتقبل والحال فيكونما نكرتيمن ول يجوز أن يكونما نعتيمن على هذا ولكمن يكون خفضهمما على‬
‫البدل‪ ،‬ويجوز النصمب على الحال‪ ،‬فأمما "شديمد العقاب" فهمو نكره ويكون خفضمه على البدل‪ .‬قال‬
‫ابممن عباس‪" :‬غافممر الذنممب" لمممن قال‪" :‬ل إله إل ال" "وقابممل التوب" ممممن قال‪" :‬ل إله إل ال"‬
‫"شديمد العقاب" لممن لم يقمل‪" :‬ل إله إل ال"‪ .‬وقال ثابمت البنانمي‪ :‬كنمت إلى سمرادق مصمعب بمن‬
‫الزبيمر فمي مكان ل تممر فيمه الدواب‪ ،‬قال‪ :‬فاسمتفتحت "حمم‪ .‬تنزيمل الكتاب ممن ال العزيمز العليمم"‬
‫فمر علي رجل على دابة فلما قلت "غافر الذنب" قال‪ :‬قل يا غافر الذنب اغفر لي ذنبي‪ ،‬فلما قلت‪:‬‬
‫"قابمل التوب" قال‪ :‬قمل يما قابمل التوب تقبمل توبتمي‪ ،‬فلمما قلت‪" :‬شديمد العقاب" قال‪ :‬قمل يما شديمد‬
‫العقاب اعف عني‪ ،‬فلما قلت‪" :‬ذي الطول" قال‪ :‬قل يا ذا الطول طل علي بخير؛ فقمت إليه فأخذ‬
‫ببصممري‪ ،‬فالتفممت يمينمما وشمال فلم أر شيئا‪ .‬وقال أهممل الشارة‪" :‬غافممر الذنممب" فضل "وقابممل‬
‫التوب" وعدا "شديممد العقاب" عدل "ل إله إل هممو إليممه المصممير" فردا‪ .‬وروي عممن عمممر بممن‬
‫الخطاب رضممي ال عنممه أنممه افتقممد رجل ذا بأس شديممد مممن أهممل الشام؛ فقيممل له‪ :‬تتابممع فممي هذا‬
‫الشراب؛ فقال عممر لكاتبمه‪ :‬اكتمب ممن عممر إلى فلن‪ ،‬سملم عليمك‪ ،‬وأنما أحممد ال إليمك الذي ل إله‬
‫إل هو‪" :‬بسم ال الرحمن‪ .‬حم تنزيل الكتاب من ال العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد‬
‫العقاب ذي الطول ل إله إل همو إليمه المصمير" ثمم ختمم الكتاب وقال لرسموله‪ :‬ل تدفعمه إليمه حتمى‬
‫تجده صماحيا‪ ،‬ثمم أممر ممن عنده بالدعاء له بالتوبمة‪ ،‬فلمما أتتمه الصمحيفة جعمل يقرؤهما ويقول‪ :‬قمد‬
‫وعدنممي ال أن يغفممر لي‪ ،‬وحذرنممي عقابممه‪ ،‬فلم يممبرح يرددهمما حتممى بكممى ثممم نزع فأحسممن النزع‬
‫وحسنت توبته‪ .‬فلما بلغ عمر أمره قال‪ :‬هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أحدكم قد زل زلة فسددوه وادعوا‬
‫ال له أن يتوب عليمه‪ ،‬ول تكونوا أعوانما للشياطيمن عليمه‪ .‬و"التوب" يجوز أن يكون مصمدر تاب‬
‫يتوب توبا‪ ،‬ويحتمل أن يكون جمع توبة نحو دومة ودوم وعزمة وعزم؛ ومنه قوله‪:‬‬
‫فيخبو ساعة ويهب ساعا‬
‫ويجوز أن يكون التوب بمعنمى التوبمة‪ .‬قال أبمو العباس‪ :‬والذي يسمبق إلى قلبمي أن يكون مصمدرا؛‬
‫أي يقبل هذا الفعل‪ ،‬كما تقول قال قول‪ ،‬وإذا كان جمعا فمعناه يقبل التوبات‪" .‬ذي الطول ل إله إل‬
‫همو" على البدل وعلى النعمت؛ لنمه معرفمة‪ .‬وأصمل الطول النعام والفضمل يقال منمه‪ :‬اللهمم طمل‬
‫علينما أي انعمم وتفضمل‪ .‬قال ابمن عباس‪" :‬ذي الطول" ذي النعمم‪ .‬وقال مجاهمد‪ :‬ذي الغنمى والسمعة؛‬
‫ومنمه قوله تعالى‪" :‬وممن لم يسمتطع منكمم طول" [النسماء‪ ]25 :‬أي غنمى وسمعة‪ .‬وعمن ابمن عباس‬
‫أيضما‪" :‬ذي الطول" ذي الغنمى عممن ل يقول ل إله إل ال‪ .‬وقال عكرممة‪" :‬ذي الطول" ذي الممن‪.‬‬
‫قال الجوهري‪ :‬والطول بالفتمح الممن؛ يقال منمه طال عليمه وتطول عليمه إذا امتمن عليمه‪ .‬وقال محممد‬
‫بن كعب‪" :‬ذي الطول" ذي التفضل؛ قال الماوردي‪ :‬والفرق بين المن والتفضل أن المن عفو عن‬
‫ذنمب‪ .‬والتفضمل إحسمان غيمر مسمتحق‪ .‬والطول مأخوذ ممن الطول كأنمه طال بإنعاممه على غيره‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬لنه طالت مدة إنعامه‪" .‬إليه المصير" أي المرجع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ما يجادل في آيات ال إل الذين كفروا" سجل سبحانه على المجادلين في آيات ال‬
‫بالكفممر‪ ،‬والمراد الجدال بالباطممل‪ ،‬ممن الطعممن فيهمما‪ ،‬والقصممد إلى إدحاض الحممق‪ ،‬وإطفاء نور ال‬
‫تعالى‪ .‬وقمد دل على ذلك فمي قوله تعالى‪" :‬وجادلوا بالباطمل ليدحضوا بمه الحمق"‪[ .‬غافمر‪ .]5:‬فأمما‬
‫الجدال فيهما ليضاح ملتبسمها‪ ،‬وحمل مشكلهما‪ ،‬ومقادحمة أهمل العلم فمي اسمتنباط معانيهما‪ ،‬ورد أهمل‬
‫الزيغ بها وعنها‪ ،‬فأعظم جهاد في سبيل ال‪ .‬وقد مضى هذا المعنى في "البقرة" عند قوله تعالى‪:‬‬
‫"ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه" [البقرة‪ ]258 :‬مستوفى‪" .‬فل يغررك تقلبهم في البلد"‬
‫"فل يغررك" وقرئ‪" :‬فل يغرك" "تقلبهم" أي تصرفهم "في البلد" فإني إن أمهلتهم ل أهملهم‬
‫بمل أعاقبهمم‪ .‬قال ابمن عباس‪ :‬يريمد تجارتهمم ممن مكمة إلى الشام وإلى اليممن‪ .‬وقيمل‪" :‬ل يغررك" مما‬
‫هم فيه من الخير والسعة في الرزق فإنه متاع قليل في الدنيا‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬ل يغررك" سلمتهم‬
‫بعد كفرهم فإن عاقبتهم الهلك‪ .‬وقال أبو العالية‪ :‬آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن‪:‬‬
‫قوله‪" :‬مما يجادل فمي آيات ال إل الذيمن كفروا"‪ ،‬وقوله‪" :‬وإن الذيمن اختلفوا فمي الكتاب لفمي شقاق‬
‫بعيد" [البقرة‪.]176 :‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 5 :‬كذبمت قبلهمم قوم نوح والحزاب ممن بعدهمم وهممت كمل أممة برسمولهم ليأخذوه‬
‫وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب‪ ،‬وكذلك حقت كلمة ربك على الذين‬
‫كفروا أنهمم أصمحاب النار‪ ،‬الذيمن يحملون العرش وممن حوله يسمبحون بحممد ربهمم ويؤمنون بمه‬
‫ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم‬
‫عذاب الجحيم‪ ،‬ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهمم ومن صلح من آبائهمم وأزواجهم وذرياتهم‬
‫إنك أنت العزيز الحكيم‪ ،‬وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كذبمت قبلهمم قوم نوح" على تأنيمث الجماعمة أي كذبمت الرسمل‪" .‬والحزاب ممن‬
‫بعدهمم" أي والممم الذيمن تحزبوا عمل أنمبيائهم بالتكذيمب نحمو عاد وثمود فممن بعدهمم‪" .‬وهممت كمل‬
‫أمممة برسممولهم ليأخذوه" أي ليحبسمموه ويعذبوه‪ .‬وقال قتادة والسممدي‪ :‬ليقتلوه‪ .‬والخممذ يرد بمعنممى‬
‫الهلك؛ كقوله‪" :‬ثم أخذتهم فكيف كان نكير" [الحج‪ .]44 :‬والعرب تسمي السير الخيذ؛ لنه‬
‫مأسور للقتل؛ وأنشد قطرب قول الشاعر‪:‬‬
‫فكم من آخذ يهوى خلودي‬ ‫فإما تأخذوني تقتلوني‬
‫وفي وقت أخذهم لرسولهم قولن‪ :‬أحدهما عند دعائه لهم‪ .‬الثاني عند نزول العذاب بهم‪" .‬وجادلوا‬
‫بالباطل ليدحضوا به الحق" أي ليزيلوا‪ .‬ومنه مكان دحض أي مزلقة‪ ،‬والباطل داحض؛ لنه يزلق‬
‫ويزل فل يسمتقر‪ .‬قال يحيمى بمن سملم‪ :‬جادلوا النمبياء بالشرك ليبطلوا بمه اليمان‪" .‬فأخذتهمم" أي‬
‫بالعذاب‪" .‬فكيف كان عقاب" أي عاقبة المم المكذبة‪ .‬أي أليس وجدوه حقا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكذلك حقت" أي وجبت ولزمت؛ مأخوذ من الحق لنه اللزم‪" .‬كلمة ربك" هذه‬
‫قراءة العامممة على التوحيممد‪ .‬وقرأ نافممع وابممن عامممر‪" :‬كلمات" جمعمما‪" .‬على الذيممن كفروا أنهممم‬
‫أصمحاب النار" قال الخفمش‪ :‬أي لنهمم وبأنهمم‪ .‬قال الزجاج‪ :‬ويجوز إنهمم بكسمر الهمزة‪".‬أصمحاب‬
‫النار" أي المعذبون بها وتم الكلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به" ويروى‪ :‬أن‬
‫حملة العرش أرجلهمم فمي الرض السمفلى ورؤوسمهم قمد خرقمت العرش‪ ،‬وهمم خشوع ل يرفعون‬
‫طرفهمم‪ ،‬وهمم أشراف الملئكمة وأفضلهمم‪ .‬ففمي الحديمث‪( :‬أن ال تبارك وتعالى أممر جميمع الملئكمة‬
‫أن يغدوا ويروحوا بالسمملم على حملة العرش تفضيل لهممم على سممائر الملئكممة)‪ .‬ويقال‪ :‬خلق ال‬
‫العرش ممن جوهرة خضراء‪ ،‬وبيمن القائمتيمن ممن قواممه خفقان الطيمر المسمرع ثمانيمن ألف عام‪.‬‬
‫وقيمل‪ :‬حول العرش سمبعون ألف صمف ممن الملئكمة يطوفون بمه مهلليمن مكمبرين‪ ،‬وممن ورائهمم‬
‫سمبعون ألف صمف قيام‪ ،‬قمد وضعوا أيديهمم على عواتقهمم‪ ،‬ورافعيمن أصمواتهم بالتهليمل والتكمبير‪،‬‬
‫ومن ورائهم مائة ألف صف‪ ،‬وقد وضعوا اليمان على الشمائل‪ ،‬ما منهم أحد إل وهو يسبح بما ل‬
‫يسبح به الخر‪ .‬وقرأ ابن عباس‪" :‬العرش" بضم العين؛ ذكر جميعه الزمخشري رحمه ال‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫اتصمل هذا بذكمر الكفار؛ لن المعنمى وال أعلم ‪" -‬الذيمن يحملون العرش وممن حوله" ينزهون ال‬
‫عمز وجمل عمما يقوله الكفار وأقاويمل أهمل التفسمير على أن العرش همو السمرير‪ ،‬وأنمه جسمم مجسمم‬
‫خلقه ال عز وجل‪ ،‬وأمر ملئكة بحمله‪ ،‬وتعبدهم بتعظيمه والطواف به‪ ،‬كما خلق في الرض بيتا‬
‫وأممر بنمي آدم بالطواف بمه واسمتقباله فمي الصملة‪ .‬وروى ابمن طهمان‪ ،‬عمن موسمى بمن عقبمة‪ ،‬عمن‬
‫محممد بمن المنكدر‪ ،‬عمن جابر بمن عبدال النصماري‪ ،‬قال‪ :‬قال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم‪:‬‬
‫(أذن لي أن أحدث عن ملك من ملئكة ال من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسير‬
‫سمبعمائة عام) ذكره البيهقمي وقمد مضمى فمي "البقرة" فمي آيمة الكرسمي عظمم العرش وأنمه أعظمم‬
‫المخلوقات‪ .‬وروى ثور بمن يزيمد‪ ،‬عمن خالد بمن معدان‪ ،‬عمن كعمب الحبار أنمه قال‪ :‬لمما خلق ال‬
‫تعالى العرش قال‪ :‬لن يخلق ال خلقا أعظم مني؛ فاهتز فطوقه ال بحية‪ ،‬للحية سبعون ألف جناح‪،‬‬
‫في الجناح سبعون ألف ريشة‪ ،‬في كل ريشة سبعون ألف وجه‪ ،‬في كل وجه سبعون ألف فم‪ ،‬في‬
‫كل فم سبعون ألف لسان‪ .‬يخرج من أفواهها في كل يوم من التسبيح عدد قطر المطر‪ ،‬وعدد ورق‬
‫الشجمر‪ ،‬وعدد الحصمى والثرى‪ ،‬وعدد أيام الدنيما وعدد الملئكمة أجمعيمن‪ ،‬فالتوت الحيمة بالعرش‪،‬‬
‫فالعرش إلى نصف الحية وهي ملتوية به‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬بين السماء السابعة وبين العرش سبعون‬
‫ألف حجاب‪ ،‬حجاب نور وحجاب ظلممة‪ ،‬وحجاب نور وحجاب ظلممة‪" .‬ربنما" أي يقولون "ربنما"‬
‫"وسمعت كمل شيمء رحممة وعلمما" أي وسمعت رحمتمك وعلممك كمل شيمء‪ ،‬فلمما نقمل الفعمل عمن‬
‫الرحمممة والعلم نصممب على التفسممير‪" .‬فاغفممر للذيممن تابوا" أي مممن الشرك والمعاصممي "واتبعوا‬
‫سبيلك" أي دين السلم‪" .‬وقهم عذاب الجحيم" أي اصرفه عنهم حتى ل يصل إليهم‪ .‬قال إبراهيم‬
‫النخعي‪ :‬كان أصحاب عبدال يقولون الملئكة خير من ابن الكواء؛ هم يستغفرون لمن في الرض‬
‫وابمن الكواء يشهمد عليهمم بالكفمر‪ ،‬قال إبراهيمم‪ :‬وكانوا يقولون ل يحجبون السمتغفار عمن أحمد ممن‬
‫أهمل القبلة‪ .‬وقال مطرف بمن عبدال‪ :‬وجدنما أنصمح عباد ال لعباد ال الملئكمة‪ ،‬ووجدنما أغمش عباد‬
‫ال لعباد ال الشيطان‪ ،‬وتل هذه اليممة‪ .‬وقال يحيممى بممن معاذ الرازي لصممحابه فممي هذه اليممة‪:‬‬
‫افهموها فمما في العالم جنة أرجمى منهما؛ إن ملكا واحدا لو سمأل ال أن يغفر لجميع المؤمنين لغفمر‬
‫لهممم‪ ،‬كيممف وجميممع الملئكممة وحملة العرش يسممتغفرون للمؤمنيممن‪ .‬وقال خلف بممن هشام البزار‬
‫القارئ‪ :‬كنت أقرأ على سليم بن عيسى فلما بلغت‪" :‬ويستغفرون للذين آمنوا" بكى ثم قال‪ :‬يا خلف‬
‫ما أكرم المؤمن على ال نائما على فراشه والملئكة يستغفرون له‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ربنما وأدخلهمم جنات عدن" يروى أن عممر بمن الخطاب قال لكعمب الحبار‪ :‬مما‬
‫جنات عدن‪ .‬قال‪ :‬قصمور ممن ذهمب فمي الجنمة يدخلهما النمبيون والصمديقون والشهداء وأئممة العدل‪.‬‬
‫"التمي وعدتهمم" "التمي" فمي محمل نصمب نعتما للجنات‪" .‬وممن صملح" "ممن" فمي محمل نصمب عطفما‬
‫على الهاء والميمم فمي قوله‪" :‬وأدخلهمم"‪" .‬وممن صملح" باليمان "ممن آبائهمم وأزواجهمم وذرياتهمم"‬
‫وقمد مضمى فمي "الرعمد" نظيمر هذه اليمة‪ .‬قال سمعيد بمن جمبير‪ :‬يدخمل الرجمل الجنمة‪ ،‬فيقول‪ :‬يما رب‬
‫أيممن أبممي وجدي وأمممي؟ وأيممن ولدي وولد ولدي؟ وأيممن زوجاتممي؟ فيقال إنهممم لم يعملوا كعملك؛‬
‫فيقول‪ :‬يما رب كنمت أعممل لي ولهمم؛ فيقال ادخلوهمم الجنمة‪ .‬ثمم تل‪" :‬الذيمن يحملون العرش وممن‬
‫حوله" إلى قوله‪" :‬ومممن صمملح مممن آبائهممم وأزواجهممم وذرياتهممم"‪ .‬ويقرب مممن هذه اليممة قوله‪:‬‬
‫"والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم" [الطور‪.]21 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقهمم السميئات" قال قتادة‪ :‬أي وقهمم مما يسموءهم‪ ،‬وقيمل‪ :‬التقديمر وقهمم عذاب‬
‫السيئات وهو أمر من وقاه ال يقيه وقاية بالكسر؛ أي حفظه‪" .‬ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته"‬
‫أي بدخول الجنة "وذلك هو الفوز العظيم" أي النجاة الكبيرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬إن الذين كفروا ينادون لمقت ال أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى اليمان‬
‫فتكفرون‪ ،‬قالوا ربنما أمتنما اثنتيمن وأحييتنما اثنتيمن فاعترفنما بذنوبنما فهمل إلى خروج ممن سمبيل‪ ،‬ذلكمم‬
‫بأنه إذا دعي ال وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم ل العلي الكبير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذين كفروا ينادون لمقت ال أكبر من مقتكم أنفسكم" قال الخفش‪" :‬لمقت"‬
‫هذه لم البتداء وقعممت بعممد "ينادون" لن معناه يقال لهممم والنداء قول‪ .‬وقال غيره‪ :‬المعنممى يقال‬
‫لهم‪" :‬لمقت ال" إياكم في الدنيا "إذ تدعون إلى اليمان فتكفرون" "أكبر" من مقت بعضكم بعضا‬
‫يوم القيامممة؛ لن بعضهممم عادى بعضمما ومقتممه يوم القيامممة‪ ،‬فأذعنوا عنممد ذلك‪ ،‬وخضعوا وطلبوا‬
‫الخروج من النار‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬يقول كل إنسان من أهل النار لنفسه مقتك يا نفس؛ فتقول الملئكة‬
‫لهم وهم في النار‪ :‬لمقت ال إياكم إذ أنتم في الدنيا وقد بعث إليكم الرسل فلم تؤمنوا أشد من مقتكم‬
‫أنفسمكم اليوم‪ .‬وقال الحسمن‪ :‬يعطون كتابهمم فإذا نظروا إلى سميئاتهم مقتوا أنفسمهم فينادون "لمقمت‬
‫ال" إياكم في الدنيا "إذ تدعون إلى اليمان فتكفرون" "أكبر من مقتكم أنفسكم" اليوم‪ .‬وقال معناه‬
‫مجاهمد‪ .‬وقال قتادة‪ :‬المعنمى "لمقمت ال" لكمم "إذ تدعون إلى اليمان فتكفرون" "أكمبر ممن مقتكمم‬
‫أنفسكم" إذ عاينتم النار‪ .‬فإن قيل‪ :‬كيف يصح أن يمقتوا أنفسهم؟ ففيه وجهان‪ :‬أحدهما أنهم أحلوها‬
‫بالذنوب محمل الممقوت‪ .‬الثانمي أنهمم لمما صماروا إلى حال زال عنهمم الهوى‪ ،‬وعلموا أن نفوسمهم‬
‫همي التمي أبقتهمم فمي المعاصمي مقتوها‪ .‬وقال محمد بن كعمب القرظمي‪ :‬إن أهل النار لما يئسوا ممما‬
‫عند الخزنة وقال لهم مالك‪" :‬إنكم ماكثون" على ما يأتي‪ .‬قال بعضهم لبعض‪ :‬يا هؤلء إنه قد نزل‬
‫بكم من العذاب والبلء ما قد ترون‪ ،‬فهلم فلنصبر فلعل الصبر ينفعنا‪ ،‬كما صبر أهل الطاعة على‬
‫طاعممة ال فنفعهممم الصممبر إذ صممبروا‪ ،‬فأجمعوا رأيهممم على الصممبر فصممبروا فطال صممبرهم‪ ،‬ثممم‬
‫جزعوا فنادوا "سمواء علينما أجزعنما أم صمبرنا مما لنما ممن محيمص" [إبراهيمم‪ ]21 :‬أي ممن ملجمأ؛‬
‫فقال إبليس عند ذلك‪" :‬إن ال وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان"‬
‫[إبراهيمم‪ ]22 :‬إلى قوله‪" :‬مما أنما بمصمرخكم ومما أنتمم بمصمرخي" [إبراهيمم‪ ]22 :‬يقول‪ :‬بمغمن‬
‫عنكم شيئا "إنمي كفرت بما أشركتمون من قبل" [إبراهيمم‪ ]22 :‬فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فنودوا "لمقمت ال أكمبر ممن مقتهمم أنفسمهم إذ تدعون إلى اليمان فتكفرون" إلى قوله‪" :‬فهمل‬
‫إلى خروج ممن سمبيل" قال فرد عليهمم‪" :‬ذلكمم بأنمه إذا دعمي ال وحده كفرتمم وإن يشرك بمه تؤمنوا‬
‫فالحكم ل العلي الكبير" ذكره ابن المبارك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا ربنا أمتنا اثنتين" اختلف أهل التأويل في معنى قولهم‪" :‬أمتنا اثنتين وأحييتنا‬
‫اثنتين" فقال ابن مسعود وابن عباس وقتادة والضحاك‪ :‬كانوا أمواتا في أصلب آبائهم‪ ،‬ثم أحياهم‬
‫ثم أماتهم الموتة التي ل بد منها في الدنيا‪ ،‬ثم أحياهم للبعث والقيامة‪ ،‬فهاتان حياتان موتتان‪ ،‬وهو‬
‫قوله تعالى‪" :‬كيمف تكفرون بال وكنتمم أمواتما فأحياكمم ثمم يميتكمم ثمم يحييكمم" [البقرة‪ .]28 :‬وقال‬
‫السمدي‪ :‬أميتوا فمي الدنيما ثمم أحياهمم فمي القبور للمسمألة‪ ،‬ثمم أميتوا ثمم أحيوا فمي الخرة‪ .‬وإنمما صمار‬
‫إلى هذا؛ لن لفظ الميت ل ينطلق في العرف على النطفة‪ .‬واستدل العلماء من هذا في إثبات سؤال‬
‫القمبر‪ ،‬ولو كان الثواب والعقاب للروح دون الجسمد فمما معنمى الحياء والماتمة؟ والروح عنمد ممن‬
‫يقصمر أحكام الخرة على الرواح ل تموت ول تتغيمر ول تفسمد‪ ،‬وهمو حمي لنفسمه ل يتطرق إليمه‬
‫موت ول غشية ول فناء‪ .‬وقال ابن زيد في قوله‪" :‬ربنا أمتنا اثنتين‪ "...‬الية قال‪ :‬خلقهم في ظهر‬
‫آدم وأخرجهمم وأحياهمم وأخمذ عليهمم الميثاق‪ ،‬ثمم أماتهمم ثمم أحياهمم فمي الدنيما ثمم أماتهمم‪ .‬وقمد مضمى‬
‫هذا فمي "البقرة"‪" .‬فاعترفنما بذنوبنما" اعترفوا حيمث ل ينفعهمم العتراف وندموا حيمث ل ينفعهمم‬
‫الندم‪" .‬فهمل إلى خروج ممن سمبيل" أي همل نرد إلى الدنيما لنعممل بطاعتمك؛ نظيره‪" :‬همل إلى مرد‬
‫من سبيل" [الشورى‪ ]44 :‬وقوله‪" :‬فارجعنا نعمل صالحا" [السجدة‪ ]12 :‬وقوله‪" :‬يا ليتنا نرد"‬
‫[النعام‪ ]27 :‬الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلكم بأنه إذا دعي ال وحده كفرتم" "ذلكم" في موضع رفع أي المر "ذلكم" أو‬
‫"ذلكمم" العذاب الذي أنتمم فيمه بكفركمم‪ .‬وفمي الكلم متروك تقديره فأجيبوا بأن ل سمبيل إلى الرد‪.‬‬
‫وذلك لنكم "إذا دعي ال" أي وحد ال "وحده كفرتم" وأنكرتم أن تكون اللوهية له خاصة‪ ،‬وإن‬
‫أشرك بمه مشرك صمدقتموه وآمنتمم بقوله‪ .‬قال الثعلبمي‪ :‬وسممعت بعمض العلماء يقول‪" :‬وإن يشرك‬
‫بمه" بعمد الرد إلى الدنيما لوكان بمه "تؤمنوا" تصمدقوا المشرك؛ نظيره‪" :‬ولو ردوا لعادوا لمما نهوا‬
‫عنه"‪" .‬فالحكم ل العلي الكبير" عن أن تكون له صاحبة أو ولد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 - 13 :‬هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إل من ينيب‪،‬‬
‫فادعوا ال مخلصمين له الديمن ولو كره الكافرون‪ ،‬رفيمع الدرجات ذو العرش يلقمي الروح ممن أمره‬
‫على من يشاء من عباده لينذر يوم التلق‪ ،‬يوم هم بارزون ل يخفى على ال منهم شيء لمن الملك‬
‫اليوم ل الواحد القهار‪ ،‬اليوم تجزى كل نفس بما كسبت ل ظلم اليوم إن ال سريع الحساب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬همو الذي يريكمم آياتمه" أي دلئل توحيده وقدرتمه "وينزل لكمم ممن السمماء رزقما"‬
‫جممممع بيمممن إظهار اليات وإنزال الرزق؛ لن باليات قوام الديان‪ ،‬وبالرزق قوام البدان‪ .‬وهذه‬
‫اليات هممي السممموات والرضون وممما فيهممما وممما بينهممما مممن الشمممس والقمممر والنجوم والرياح‬
‫والسممحاب والبخار والنهار والعيون والجبال والشجار وآثار قوم هلكوا‪" .‬وممما يتذكممر" أي ممما‬
‫يتعممظ بهذه اليات فيوحممد ال "إل مممن ينيممب" أي يرجممع إلى طاعممة ال‪" .‬فادعوا ال" أي اعبدوه‬
‫"مخلصمين له الديمن" أي العبادة‪ .‬وقيمل‪ :‬الطاعمة‪" .‬ولو كره الكافرون" عبادة ال فل تعبدوا أنتمم‬
‫غيره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬رفيمع الدرجات ذو العرش" "ذو العرش" على إضمار مبتدأ‪ .‬قال الخفمش‪:‬‬
‫ويجوز نصمبه على المدح‪ .‬ومعنمى "رفيمع الدرجات" أي رفيمع الصمفات‪ .‬وقال ابمن عباس والكلبمي‬
‫وسعيد بن جبير‪ :‬رفيع السموات السبع‪ .‬وقال يحيى بن سلم‪ :‬هو رفعة درجة أوليائه في الجنة فم‬
‫"رفيع" على هذا بمعنى رافع فعيل بمعنى فاعل‪ .‬وهو على القول الول من صفات الذات‪ ،‬ومعناه‬
‫الذي ل أرفمع قدرا منه‪ ،‬وهو المسمتحق لدرجات المدح والثناء‪ ،‬وهي أصنافها وأبوابهما ل مسمتحق‬
‫لها غيره قال الحليمي‪ .‬وقد ذكرناه في الكتاب السنى في شرح أسماء ال الحسنى والحمد ل‪" .‬ذو‬
‫العرش" أي خالقمه ومالكمه ل أنمه محتاج إليمه‪ .‬وقيمل‪ :‬همو ممن قولهمم‪ :‬ثمل عرش فلن أي زال ملكمه‬
‫وعزه‪ ،‬فهممو سممبحانه "ذو العرش" بمعنممى ثبوت ملكممه وسمملطانه وقممد بيناه فممي السممنى فممي شرح‬
‫أسماء ال الحسنى‪" .‬يلقي الروح" أي الوحي والنبوة "على من يشاء من عباده" وسمي ذلك روحا‬
‫لن الناس يحيون به؛ أي يحيون من موت الكفر كما تحيا البدان بالرواح‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬الروح‬
‫القرآن؛ قال ال تعالى‪" :‬وكذلك أوحينمما إليممك روحمما مممن أمرنمما" [الشورى‪ .]52 :‬وقيممل‪ :‬الروح‬
‫جبريمل؛ قال ال تعالى‪" :‬نزل بمه الروح الميمن على قلبمك" [الشعراء‪ ]193 :‬وقال‪" :‬قمل نزله‬
‫روح القدس من ربك بالحق" [النحل‪" .]102 :‬من أمره" أي من قوله‪ .‬وقيل‪ :‬من قضائه‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫"ممن" بمعنمى الباء أي بأمره‪" .‬على ممن يشاء من عباده" وهم النمبياء يشاء هو أن يكونوا أنبياء‬
‫وليممس لحممد فيهممم مشيئة‪" .‬لينذر يوم التلق" أي إنممما يبعممث الرسممول لنذار يوم البعممث‪ .‬فقوله‪:‬‬
‫"لينذر" يرجع إلى الرسول‪ .‬وقيل‪ :‬أي لينذر ال ببعثه الرسل إلى الخلئق "يوم التلق"‪ .‬وقرأ ابن‬
‫عباس والحسن وابن السميقع "لتنذر" بالتاء خطابا للنبي عليه السلم‪" .‬يوم التلق" قال ابن عباس‬
‫وقتاده‪ :‬يوم تلتقمي أهمل السمماء وأهمل الرض‪ .‬وقال قتادة أيضما وأبمو العاليمة ومقاتمل‪ :‬يلتقمي فيمه‬
‫الخلق والخالق‪ .‬وقيل‪ :‬العابدون والمعبودون‪ .‬وقيل‪ :‬الظالم والمظلوم‪ .‬وقيل‪ :‬يلقى كل إنسان جزاء‬
‫عمله‪ .‬وقيممل‪ :‬يلتقممي الولون والخرون على صممعيد واحممد؛ روي معناه عممن ابممن عباس‪ .‬وكله‬
‫صحيح المعنى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوم هم بارزون" يكون بدل من يوم الول‪ .‬وقيل‪" :‬هم" في موضع رفع بالبتداء‬
‫و"بارزون" خمبره والجملة فمي موضمع خفمض بالضافمة؛ فلذلك حذف التنويمن ممن "يوم" وإنمما‬
‫يكون هذا عند سميبويه إذا كان الظرف بمعنمى إذ؛ تقول لقيتك يوم زيمد أميمر‪ .‬فإن كان بمعنى إذا لم‬
‫يجز نحو أنا ألقاك يوم زيد أمير‪ .‬ومعنى‪" :‬بارزون" خارجون من قبورهم ل يسترهم شيء؛ لن‬
‫الرض يومئذ قاع صفصف ل عوج فيها ول أمتا على ما تقدم في "طه" بيانه‪" .‬ل يخفى على ال‬
‫منهمم شيمء" قيمل‪ :‬إن هذا همو العاممل فمي "يوم همم بارزون" أي ل يخفمى عليمه شيمء منهمم وممن‬
‫أعمالهممم "يوم هممم بارزون"‪" .‬لمممن الملك اليوم ل الواحممد القهار" وذلك عنممد فناء الخلق‪ .‬وقال‬
‫الحسمن‪ :‬همو السمائل تعالى وهمو المجيمب؛ لنمه يقول ذلك حيمن ل أحمد يجيبمه فيجيمب نفسمه سمبحانه‬
‫فيقول‪" :‬ل الواحمد القهار"‪ .‬النحاس‪ :‬وأصمح مما قيمل فيمه مما رواه أبمو وائل عمن ابمن مسمعود قال‪:‬‬
‫(يحشمر الناس على أرض بيضاء مثمل الفضمة لم يعمص ال جمل وعمز عليهما‪ ،‬فيؤممر مناد ينادي‬
‫"لمممن الملك اليوم" فيقول العباد مؤمنهممم وكافرهممم "ل الواحممد القهار" فيقول المؤمنون هذا‬
‫الجواب" سمرورا وتلذذا‪ ،‬ويقوله الكافرون غمما وانقيادا وخضوعما‪ .‬فأمما أن يكون هذا والخلق غير‬
‫موجودين فبعيد؛ لنه ل فائدة فيه‪ ،‬والقول صحيح عن ابن مسعود وليس هو مما يؤخذ بالقياس ول‬
‫بالتأويل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والقول الول ظاهمر جدا؛ لن المقصمود إظهار انفراده تعالى بالملك عنمد انقطاع دعاوي‬
‫المدعيممن وانتسمماب المنتسممبين؛ إذ قممد ذهممب كممل ملك وملكممه ومتكممبر وملكممه وانقطعممت نسممبهم‬
‫ودعاويهمم‪ ،‬ودل على هذا قوله الحمق عنمد قبمض الرض والرواح وطمي السمماء‪" :‬أنما الملك أيمن‬
‫ملوك الرض" كمما تقدم فمي حديمث أبمي هريرة وفمي حديمث ابمن عممر‪ ،‬ثمم يطوي الرض بشماله‬
‫والسمموات بيمينمه‪ ،‬ثمم يقول‪ :‬أنما الملك أيمن الجبارون أيمن المتكمبرون‪ .‬وعنمه قوله سمبحانه‪" :‬لممن‬
‫الملك اليوم" هو انقطاع زمن الدنيا وبعده يكون البعث والنشر‪ .‬قال محمد بن كعب قوله سبحانه‪:‬‬
‫"لممن الملك اليوم" يكون بيمن النفختيمن حيمن فنمي الخلئق وبقمي الخالق فل يرى غيمر نفسمه مالكما‬
‫ول مملوكما فيقول‪" :‬لممن الملك اليوم" فل يجيبمه أحمد؛ لن الخلق أموات فيجيمب نفسمه فيقول‪" :‬ل‬
‫الواحد القهار" لنه بقي وحده وقهر خلقه‪ .‬وقيل‪ :‬إنه ينادي مناد فيقول‪" :‬لمن الملك اليوم" فيجيبه‬
‫أهل الجنة‪" :‬ل الواحد القهار" فال أعلم‪ .‬ذكره الزمخشري‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اليوم تجزى كمل نفمس بمما كسمبت" أي يقال لهمم إذا أقروا بالملك يومئذ ل وحده‬
‫"اليوم تجزى كمل نفمس بمما كسمبت" ممن خيمر أوشمر‪" .‬ل ظلم اليوم" أي ل ينقمص أحمد شيئا ممما‬
‫عمله‪" .‬إن ال سريع الحساب" أي ل يحتاج إلى تفكر وعقد يد كما يفعله الحساب؛ لنه العالم الذي‬
‫ل يعزب عمن علممه شيمء فل يؤخمر جزاء أحمد للشتغال بغيره؛ وكمما يرزقهمم فمي سماعة واحدة‬
‫يحاسمبهم كذلك فمي سماعة واحدة‪ .‬وقمد مضمى هذا المعنمى فمي "البقرة"‪ .‬وفمي الخمبر‪ :‬ول ينتصمف‬
‫النهار حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬وأنذرهم يوم الزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ول‬
‫شفيع يطاع‪ ،‬يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور‪ ،‬وال يقضي بالحق والذين يدعون من دونه ل‬
‫يقضون بشيء إن ال هو السميع البصير‪ ،‬أولم يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين‬
‫كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الرض فأخذهم ال بذنوبهم وما كان لهم من ال‬
‫من واق‪ ،‬ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم ال إنه قوي شديد العقاب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأنذرهم يوم الزفة" أي يوم القيامة‪ .‬سميت بذلك لنها قريبة؛ إذ كل ما هو آت‬
‫قريب‪ .‬وأزف فلن أي قرب يأزف أزفا؛ قال النابغة‪:‬‬
‫لما تزل برحالنا وكأن قد‬ ‫أزف الترحل غير أن ركابنا‬
‫أي قرب‪ .‬ونظير هذه الية‪" :‬أزفت الزفة" [النجم‪ ]57 :‬أي قربت الساعة‪ .‬وكان بعضهم يتمثل‬
‫ويقول‪:‬‬
‫الذنوب لشقوتي ونكادي‬ ‫أزف الرحيل وليس لي من زاد غير‬
‫"إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين" على الحال وهو محمول على المعنى‪ .‬قال الزجاج‪ :‬المعنى إذ‬
‫قلوب الناس "لدى الحناجر" في حال كظمهم‪ .‬وأجاز الفراء أن يكون التقدير "وأنذرهم" كاظمين‪.‬‬
‫وأجاز رفع "كاظمين" على أنمه خبر للقلوب‪ .‬وقال‪ :‬المعنمى إذ همم كاظمون‪ .‬وقال الكسمائي‪ :‬يجوز‬
‫رفممع "كاظميممن" على البتداء‪ .‬وقممد قيممل‪ :‬إن المراد بممم "يوم الزفممة" يوم حضور المنيممة؛ قاله‬
‫قطرب‪ .‬وكذا "إذ القلوب لدى الحناجر" عند حضور المنية‪ .‬والول أظهر‪ .‬وقال قتادة‪ :‬وقعت في‬
‫الحناجممر المخافممة فهممي ل تخرج ول تعود فممي أمكنتهمما‪ ،‬وهذا ل يكون إل يوم القيامممة كممما قال‪:‬‬
‫"وأفئدتهم هواء"‪ .‬وقيل‪ :‬هذا إخبار عن نهاية الجزع؛ كما قال‪" :‬وبلغت القلوب الحناجر" وأضيف‬
‫اليوم إلى "الزفمة" على تقديمر يوم القياممة "الزفمة" أو يوم المجادلة"الزفمة"‪ .‬وعنمد الكوفييمن همو‬
‫ممن باب إضافمة الشيمء إلى نفسه مثمل مسمجد الجاممع وصملة الولى‪" .‬مما للظالميمن من حميمم" أي‬
‫من قريب ينفع "ول شفيع يطاع" فيشفع فيهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يعلم خائنة العين" قال المؤرج‪ :‬فيه تقديم وتأخير أي يعلم العين الخائنة وقال‬
‫ابن عباس‪ :‬هو الرجل يكون جالسا مع القوم فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها‪ .‬وعنه‪ :‬هو الرجل‬
‫ينظمر إلى المرأة فإذا نظمر إليمه أصمحابه غمض بصمره‪ ،‬فإذا رأى منهمم غفلة تدسمس بالنظمر‪ ،‬فإذا‬
‫نظمر إليمه أصمحابه غمض بصمره‪ ،‬وقمد علم ال عمز وجمل منمه أنمه يود لو نظمر إلى عورتهما‪ .‬وقال‬
‫مجاهد هي مسارقة نظر العين إلى ما نهى ال عنه‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هي الهمزة بعينه وإغماضه فيما‬
‫ل يحمب ال تعالى‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬همي قول النسمان مما رأيمت وقمد رأى أو رأيمت ومما رأى‪ .‬وقال‬
‫السمدي‪ :‬إنهما الرممز بالعيمن‪ .‬وقال سمفيان‪ :‬همي النظرة بعمد النظرة‪ .‬وقال الفراء‪" :‬خائنمة العيمن"‬
‫النظرة الثانيمة "ومما تخفمي الصمدور" النظرة الولى‪ .‬وقال ابمن عباس‪" :‬ومما تخفمي الصمدور" أي‬
‫هل يزني بها لو خل بها أو ل‪ .‬وقيل‪" :‬وما تخفي الصدور" تكنه وتضمره‪ .‬ولما جيء بعبدال بن‬
‫أبمي سمرح إلى رسمول ال صملى ال عليمه وسملم‪ ،‬بعمد مما اطمأن أهمل مكمة وطلب له المان عثمان‬
‫رضمي ال عنمه‪ ،‬صممت رسمول ال صملى ال عليمه وسملم طويل ثمم قال‪" :‬نعمم" فلمما انصمرف قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم لمن حوله‪( :‬ما صمتّ إل ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه) فقال‬
‫رجل من النصار فهل أومأت إلي يا رسول ال‪ ،‬فقال‪( :‬إن النبي ل تكون له خائنة أعين)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال يقضي بالحق" أي يجازي من غض بصره عن المحارم‪ ،‬ومن نظر إليها‪،‬‬
‫ومممن عزم على مواقعممة الفواحممش إذا قدر عليهمما‪" .‬والذيممن يدعون مممن دونممه" يعنممي الوثان "ل‬
‫يقضون بشيمء" لنهما ل تعلم شيئا ول تقدر عليمه ول تملك‪ .‬وقراءة العاممة بالياء على الخمبر عمن‬
‫الظالمين وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم‪ .‬وقرأ نافع وشيبة وهشام‪" :‬تدعون" بالتاء‪" .‬إن ال هو‬
‫السمميع البصمير" "همو" زائدة فاصملة‪ .‬ويجوز أن تكون فمي موضمع رفمع بالبتداء ومما بعدهما خمبر‬
‫والجملة خبر إن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولم يسميروا فمي الرض فينظروا" فمي موضمع جزم عطمف على "يسميروا"‬
‫ويجوز أن يكون فمي موضمع نصمب على أنمه جواب‪ ،‬والجزم والنصمب فمي التثنيمة والجممع واحمد‪.‬‬
‫"كيف كان عاقبة" اسم كان والخبر في "كيف"‪ .‬و"واق" في موضع خفض معطوف على اللفظ‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون فمي موضمع رفمع على الموضمع فرفعمه وخفضمه واحمد؛ لن الياء تحذف وتبقمى‬
‫الكسرة دالة عليها وقد مضى الكلم في معنى هذه الية في غير موضع فأغنى عن العادة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 23 :‬ولقمد أرسملنا موسمى بآياتنما وسملطان ممبين‪ ،‬إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا‬
‫ساحر كذاب‪ ،‬فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما‬
‫كيد الكافرين إل في ضلل‪ ،‬وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم‬
‫أو أن يظهر في الرض الفساد‪ ،‬وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر ل يؤمن بيوم‬
‫الحساب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقمد أرسملنا موسمى بآياتنما" وهمي التسمع اليات المذكورة فمي قوله تعالى‪" :‬ولقمد‬
‫آتينما موسمى تسمع آيات بينات" [السمراء‪ ]101 :‬وقمد مضمى تعيينهما‪" .‬وسملطان ممبين" أي بحجمة‬
‫واضحمة بينمة‪ ،‬وهمو يذكمر ومؤنمث‪ .‬وقيمل‪ :‬أراد بالسملطان التوراة‪" .‬إلى فرعون وهامان وقارون"‬
‫خصممهم بالذكممر لن مدار التدبيممر فممي عداوة موسممى كان عليهممم؛ ففرعون الملك وهامان الوزيممر‬
‫وقارون صماحب الموال والكنوز فجمعمه ال معهمما؛ لن عمله فمي الكفمر والتكذيمب كأعمالهمما‪.‬‬
‫"فقالوا ساحر كذاب" لما عجزوا عن معارضته حملوا المعجزات على السحر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلمما جاءهمم بالحمق ممن عندنما" وهمي المعجزة الظاهرة "قالوا اقتلوا أبناء الذيمن‬
‫آمنوا معه واستحيوا نساءهم" قال قتادة‪ :‬هذا قتل غير القتل الول؛ لن فرعون كان قد أمسك عن‬
‫قتل الولدان بعد ولدة موسى‪ ،‬فلما بعث ال موسى أعاد القتل على بني إسرائيل عقوبة لهم فيمتنع‬
‫النسمان ممن اليمان؛ ولئل يكثمر جمعهمم فيعتضدوا بالذكور ممن أولدهمم‪ ،‬فشغلهمم ال عمن ذلك بمما‬
‫أنزل عليهممم مممن أنواع العذاب‪ ،‬كالضفادع والقمممل والدم والطوفان إلى أن خرجوا مممن مصممر‪،‬‬
‫فأغرقهمم ال‪" .‬ومما كيمد الكافريمن إل فمي ضلل" أي فمي خسمران وهلك‪ ،‬وإن الناس ل يمتنعون‬
‫من اليمان وإن فعل بهم مثل هذا فكيده يذهب باطل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال فرعون ذرونمي أقتمل موسمى وليدع ربمه" "أقتمل" جزم؛ لنمه جواب الممر‬
‫"وليدع" جزم؛ لنمه أممر و"ذرونمي" ليمس بمجزوم وإن كان أمرا ولكمن لفظمه لفمظ المجزوم وهمو‬
‫مبني‪ .‬وقيل‪ :‬هذا يدل على أنه قيل لفرعون‪ :‬إنا نخاف أن يدعو عليك فيجاب؛ فقال‪" :‬وليدع ربه"‬
‫أي ل يهولنكم ما يذكر من ربه فإنه ل حقيقة له وأنا ربكم العلى‪" .‬إني أخاف أن يبدل دينكم" أي‬
‫عبادتكمم لي إلى عبادة ربمه "أو أن يظهمر فمي الرض الفسماد" إن لم يبدل دينكمم فإنمه يظهمر فمي‬
‫الرض الفساد‪ .‬أي يقع بين الناس بسببه الخلف‪ .‬وقراءة المدنيين وأبي عبدالرحمن السلمي وابن‬
‫عاممر وأبمي عمرو‪" :‬وأن يظهمر فمي الرض الفسماد" وقراءة الكوفييمن "أو أن يظهمر" بفتمح الياء‬
‫"الفساد" بالرفع وكذلك هي في مصاحف الكوفيين‪" :‬أو" بألف وإليه يذهب أبو عبيد؛ قال‪ :‬لن فيه‬
‫زيادة حرف وفيممه فصممل؛ ولن "أو" تكون بمعنممى الواو‪ .‬النحاس‪ :‬وهذا عنممد حذاق النحوييممن ل‬
‫يجوز أن تكون بمعنممى الواو؛ لن فممي ذلك بطلن المعانممي؛ ولوجاز أن تكون بمعنممى الواو لممما‬
‫احتيمج إلى هذا هما هنما؛ لن معنمى الواو "إنمي أخاف" المريمن جميعما ومعنمى "أو" لحمد المريمن‬
‫أي "إني أخاف أن يبدل دينكم" فإن أعوزه ذلك أظهر في الرض الفساد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال موسى إني عذت بربي وربكم" لما هدده فرعون بالقتل استعاذ موسى بال‬
‫"ممن كمل متكمبر ل يؤممن بيوم الحسماب" أي متعظمم عمن اليمان بال‪ ،‬وصمفته أنمه "ل يؤممن بيوم‬
‫الحساب"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 28 :‬وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجل أن يقول ربي ال وقد‬
‫جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن ال‬
‫ل يهدي من هو مسرف كذاب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال رجمل مؤممن ممن آل فرعون" ذكمر بعمض المفسمرين‪ :‬أن اسمم هذا الرجمل‬
‫حمبيب‪ .‬وقيمل‪ :‬شمعان بالشيمن المعجممة‪ .‬قال السمهيلي‪ :‬وهو أصمح مما قيمل فيمه‪ .‬وفمي تاريمخ الطمبري‬
‫رحمه ال‪ :‬اسمه خبرك‪ .‬وقيل‪ :‬حزقيل‪ :‬ذكره الثعلبي عن ابن عباس وأكثر العلماء‪ .‬الزمخشري‪:‬‬
‫واسمه سمعان أو حبيب‪ .‬وقيل‪ :‬خربيل أو حزبيل‪ .‬واختلف هل كان إسرائيليا أو قبطيا فقال الحسن‬
‫وغيره‪ :‬كان قبطيما‪ .‬ويقال‪ :‬إنمه كان ابمن عمم فرعون؛ قاله السمدي‪ .‬قال‪ :‬وهمو الذي نجما ممع موسمى‬
‫عليمه السملم؛ ولهذا قال‪" :‬ممن آل فرعون" وهذا الرجمل همو المراد بقوله تعالى‪" :‬وجاء رجمل ممن‬
‫أقصى المدينة يسعى قال يا موسى" [القصص‪ ]20 :‬الية‪ .‬وهذا قول مقاتل‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬لم‬
‫يكمن ممن آل فرعون مؤممن غيره وغيمر امرأة فرعون وغيمر المؤممن الذي أنذر موسمى فقال‪" :‬إن‬
‫المل يأتمرون بك ليقتلوك" [القصص‪.]20 :‬‬
‫وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬الصديقون حبيب النجار مؤمن آل يس ومؤمن‬
‫آل فرعون الذي قال أتقتلون رجل أن يقول ربي ال والثالث أبو بكر الصديق وهو أفضلهم) وفي‬
‫هذا تسلية للنبي صلى ال عليه وسلم أي ل تعجب من مشركي قومك‪ .‬وكان هذا الرجل له وجاهة‬
‫عند فرعون؛ فلهذا لم يتعرض له بسوء‪ .‬وقيل‪ :‬كان هذا الرجل من بني إسرائيل يكتم إيمانه من آل‬
‫فرعون؛ عمن السمدي أيضما‪ .‬ففمي الكلم على هذا تقديمم وتأخيمر‪ ،‬والتقديمر‪ :‬وقال رجمل مؤممن يكتمم‬
‫إيمانممه مممن آل فرعون‪ .‬فمممن جعممل الرجممل قبطيمما فممم"مممن" عنده متعلقممة بمحذوف صممفة الرجممل؛‬
‫التقديمر؛ وقال رجمل مؤممن منسموب ممن آل فرعون؛ أي ممن أهله وأقاربمه‪ .‬وممن جعله إسمرائيليا‬
‫فم"من" متعلقة بم "يكتم" في موضع المفعول الثاني لم"يكتم"‪ .‬القشيري‪ :‬ومن جعله إسرائيليا ففيه‬
‫بعمد؛ لنمه يقال كتممه أممر كذا ول يقال كتمم منمه‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬ول يكتمون ال حديثما" [النسماء‪:‬‬
‫‪ ]42‬وأيضا ما كان فرعون يحتمل من بني إسرائيل مثل هذا القول‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أتقتلون رجل أن يقول ربي ال" أي لن يقول ومن أجل "أن يقول ربي ال" فم‬
‫"أن" في موضع نصب بنزع الخافض‪" .‬وقد جاءكم بالبينات من ربكم" يعني اليات التسع "من‬
‫ربكمم وإن يكمن كاذبما فعليمه كذبمه" ولم يكمن ذلك لشمك منمه فمي رسمالته‪ ،‬صمدقه‪ ،‬ولكمن تلطفما فمي‬
‫السممتكفاف واسممتنزال عممن الذى‪ .‬ولوكان و"إن يكممن" بالنون جاز ولكممن حذفممت النون لكثرة‬
‫السممتعمال على قول سمميبويه؛ ولنهمما نون العراب على قول أبممي العباس‪" .‬وإن يكممن صممادقا‬
‫يصبكم بعض الذي يعدكم" أي إن لم يصبكم إل بعض الذي يعدكم به هلكتم‪ .‬ومذهب أبي عبيدة أن‬
‫معنى "بعض الذي يعدكم" كل الذي يعدكم وأنشد قول لبيد‪:‬‬
‫أو يرتبط بعض النفوس حمامها‬ ‫تراك أمكنة إذا لم أرضها‬
‫فبعض بمعنى كل؛ لن البعض إذا أصابهم أصابهم الكل ل محالة لدخوله في الوعيد‪ ،‬وهذا ترقيق‬
‫الكلم فمي الوعمظ‪ .‬وذكمر الماوردي‪ :‬أن البعمض قمد يسمتعمل فمي موضمع الكمل تلطفما فمي الخطاب‬
‫وتوسعا في الكلم؛ كما قال الشاعر‪:‬‬
‫يكون مع المستعجل الزلل‬ ‫قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد‬
‫وقيل أيضا‪ :‬قال ذلك لنه حذرهم أنواعا من العذاب كل نوع منها مهلك؛ فكأنه حذرهم أن يصيبهم‬
‫بعض تلك النواع‪ .‬وقيل‪ :‬وعدهم موسى بعذاب الدنيا أو بعذاب الخرة إن كفروا؛ فالمعنى يصبكم‬
‫أحمد العذابيمن‪ .‬وقيمل‪ :‬أي يصمبكم هذا العذاب الذي يقوله فمي الدنيما وهمو بعمض الوعيمد‪ ،‬ثمم يترادف‬
‫العذاب فمي الخرة أيضما‪ .‬وقيمل‪ :‬وعدهمم العذاب إن كفروا والثواب إن آمنوا‪ ،‬فإذا كفروا يصميبهم‬
‫بعممض ممما وعدوا‪" .‬إن ال ل يهدي مممن هممو مسممرف" على نفسممه‪ .‬وقيممل‪" :‬مسممرف" فممي عناده‬
‫"كذاب" على ربه إشارة إلى موسى ويكون هذا من قول المؤمن‪ .‬وقيل "كذاب" في ادعائه إشارة‬
‫إلى فرعون ويكون هذا من قول ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يكتمم إيمانمه" قال القاضمي أبمو بكمر بمن العربمي‪ :‬ظمن بعضهمم أن المكلف إذا كتمم‬
‫إيمانمه ولم يتلفمظ بمه بلسمانه ل يكون مؤمنما باعتقاده‪ ،‬وقمد قال مالك‪ :‬إن الرجمل إذا نوى بقلبمه طلق‬
‫زوجته أنه يلزمه‪ ،‬كما يكون مؤمنا بقلبه وكافرا بقلبه‪ .‬فجعل مدار اليمان على القلب وأنه كذلك‪،‬‬
‫لكمن ليمس على الطلق وقمد بيناه فمي أصمول الفقمه؛ بمما لبابمه أن المكلف إذ نوى الكفمر بقلبمه كان‬
‫كافرا وإن لم يتلفمظ بلسمانه‪ ،‬وأمما إذا نوى اليمان بقلبمه فل يكون مؤمنما بحال حتمى يتلفمظ بلسمانه‪،‬‬
‫ول تمنعمه التقيمة والخوف ممن أن يتلفمظ بلسمانه فيمما بينمه وبيمن ال تعالى‪ ،‬إنمما تمنعمه التقيمة ممن أن‬
‫يسممعه غيره‪ ،‬وليمس ممن شرط اليمان أن يسممعه الغيمر فمي صمحته ممن التكليمف‪ ،‬وإنمما يشترط‬
‫سماع الغير له ليكف عن نفسه وماله‪.‬‬
‫@ روى البخاري ومسلم عن عروة بن الزبيمر قال‪ :‬قلت لعبدال بن عمرو بن العاص‪ :‬أخبرني‬
‫بأشمد مما صمنعه المشركون برسمول ال صملى ال عليمه وسملم؛ قال‪ :‬بينما رسمول ال صملى ال عليمه‬
‫وسملم بفناء الكعبمة‪ ،‬إذا أقبمل عقبمة بمن أبمي معيمط‪ ،‬فأخمذ بمنكبمه رسمول ال صملى ال عليمه وسملم‪،‬‬
‫ولوى ثوبه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا‪ ،‬فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول ال صلى‬
‫ال عليممه وسمملم‪ ،‬وقال‪" :‬أتقتلون رجل أن يقول ربممي ال وقممد جاءكممم بالبينات مممن ربكممم" لفممظ‬
‫البخاري‪ .‬خرجه الترمذي الحكيم في نوادر الصول من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن علي‬
‫رضمي ال عنمه قال‪ :‬اجتمعمت قريمش بعمد وفاة أبمي طالب بثلث فأرادوا قتمل رسمول ال صملى ال‬
‫عليمه وسملم‪ ،‬فأقبمل هذا يجؤه وهذا يتلتله‪ ،‬فاسمتغاث النمبي صملى ال عليمه وسملم يومئذ فلم يغثمه أحمد‬
‫إل أبمو بكمر وله ضفيرتان‪ ،‬فأقبمل يجمأ ذا ويتلتمل ذا ويقول بأعلى صموته‪ :‬ويلكمم‪" :‬أتقتلون رجل أن‬
‫يقول ربي ال" وال إنه لرسول ال؛ فقطعت إحدى ضفيرتي أبي بكر يومئذ‪ .‬فقال علي‪ :‬وال ليوم‬
‫أبي بكر خير من مؤمن آل فرعون؛ إن ذلك رجل كتم إيمانه‪ ،‬فأثنى ال عليه في كتابه‪ ،‬وهذا أبو‬
‫بكر أظهر إيمانه وبذل مال ودمه ل عز وجل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول علي رضي ال عنه إن ذلك رجل كتم إيمانه يريد في أول أمره بخلف الصديق فإنه‬
‫أظهمر إيمانمه ولم يكتممه؛ وإل فالقرآن مصمرح بأن مؤممن آل فرعون أظهمر إيمانمه لمما أرادوا قتمل‬
‫موسى عليه السلم على ما يأتي بيانه‪ .‬في نوادر الصول أيضا عن أسماء بنت أبي بكر رضي‬
‫ال عنها قالوا لها‪ :‬ما أشد شيء رأيت المشركين بلغوا من رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ فقالت‪:‬‬
‫كان المشركون قعودا في المسجد‪ ،‬ويتذاكرون رسول ال صلى ال عليه وسلم ما يقول في آلهتهم‪،‬‬
‫فبينا هم كذلك إذ دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقاموا إليه بأجمعهم وكانوا إذا سألوه عن‬
‫شيء صدقهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬ألست تقول كذا في آلهتنا قال‪( :‬بلى) فتشبثوا فيه بأجمعهم فأتى الصريخ إلى‬
‫أبي بكر فقال له‪ :‬أدرك صاحبك‪ .‬فخرج من عندنا وإن له غدائر‪ ،‬فدخل المسجد وهو يقول‪ :‬ويلكم‬
‫"أتقتلون رجل أن يقول ربمي ال وقمد جاءكمم بالبينات ممن ربكمم" فلهوا عمن رسمول ال صملى ال‬
‫عليه وسلم وأقبلوا على أبي بكر‪ ،‬فرجع إلينا أبو بكر فجعل ل يمس شيئا من غدائره إل جاء معه‪،‬‬
‫وهو يقول‪ :‬تباركت يا ذا الجلل والكرام؛ إكرام إكرام‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 33 - 29 :‬يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الرض فمن ينصرنا من بأس ال إن‬
‫جاءنما قال فرعون مما أريكمم إل مما أرى ومما أهديكمم إل سمبيل الرشاد‪ ،‬وقال الذي آممن يما قوم إنمي‬
‫أخاف عليكمم مثمل يوم الحزاب‪ ،‬مثمل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذيمن ممن بعدهمم ومما ال يريمد‬
‫ظلمما للعباد‪ ،‬ويما قوم إنمي أخاف عليكمم يوم التناد‪ ،‬يوم تولون مدبريمن مما لكمم ممن ال ممن عاصمم‬
‫ومن يضلل ال فما له من هاد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ياقوم لكم الملك اليوم" هذا من قول مؤمن آل فرعون‪ ،‬وفي قوله "يا قوم" دليل‬
‫على أنممه قبطممي‪ ،‬ولذلك أضافهممم إلى نفسممه فقال‪" :‬يمما قوم" ليكونوا أقرب إلى قبول وعظممه "لكممم‬
‫الملك" فأشكروا ال على ذلك‪" .‬ظاهريمن فمي الرض" أي غالبيمن وهمو نصمب على الحال أي فمي‬
‫حال ظهوركمممم‪ .‬والمراد بالرض أرض مصمممر فمممي قول السمممدي وغيره‪ ،‬كقوله‪" :‬وكذلك مكنممما‬
‫ليوسف في الرض"‪[ .‬يوسف‪ ]21 :‬أي في أرض مصر‪" .‬فمن ينصرنا من بأس ال إن جاءنا"‬
‫أي من عذاب ال تحذيرا لهم من نقمه إن كان موسى صادقا‪ ،‬فذكر وحذر "قال فرعون ما أريكم‬
‫إل ما أرى" فعلم فرعون ظهور حجته فقال‪" :‬ما أريكم إل ما أرى"‪ .‬قال عبدالرحمن بن زيد بن‬
‫أسلم‪ :‬ما أشير عليكم إل ما أرى لنفسي‪" .‬وما أهديكم إل سبيل الرشاد" في تكذيب موسى واليمان‬
‫بي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الذي آمن ياقوم" زادهم في الوعظ "إني أخاف عليكم مثل يوم الحزاب"‬
‫يعني أيام العذاب التي عذب فيها المتحزبون على النبياء المذكورين فيما بعد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويما قوم إنمي أخاف عليكمم يوم التناد" زاد فمي الوعمظ والتخويمف وأفصمح عمن‬
‫إيمانه‪ ،‬إما مستسلما موطنا نفسه على القتل‪ ،‬أو واثقا بأنهم ل يقصدونه بسوء‪ ،‬وقد وقاه ال شرهم‬
‫بقوله الحمق "فوقاه ال سميئات مما مكروا"‪ .‬وقراءة العاممة "التناد" بتخفيمف الدال وهمو يوم القياممة؛‬
‫قال أمية بن أبي الصلت‪:‬‬
‫فهم سكانها حتى التناد‬ ‫وبث الخلق فيها إذ دحاها‬
‫سمممي بذلك لمناداة الناس بعضهممم بعضمما؛ فينادي أصممحاب العراف رجال يعرفونهممم بسمميماهم‪،‬‬
‫وينادي أصمحاب الجنمة أصمحاب النار‪" :‬أن قمد وجدنما مما وعدنما ربنما حقما" وينادي أصمحاب النار‬
‫أصحاب الجنة‪" :‬أن أفيضوا علينا من الماء" وينادي المنادى أيضا بالشقوة والسعادة‪ :‬أل إن فلن‬
‫بمن فلن قمد شقمي شقاوة ل يسمعد بعدهما أبدا‪ ،‬أل إن فلن بمن فلن قمد سمعد سمعادة ل يشقمى بعدهما‬
‫أبدا‪ .‬وهذا عنمد وزن العمال‪ .‬وتنادي الملئكمة أصمحاب الجنمة‪" :‬أن تلكممو الجنمة أورثتموهما بمما‬
‫كنتمم تعملون" [العراف‪ ]43 :‬وينادى حيمن يذبمح الموت‪ :‬يما أهمل الجنمة خلود ل موت ويما أهمل‬
‫النار خلود ل موت‪ .‬وينادي كمل قوم بإمامهمم إلى غيمر ذلك ممن النداء‪ .‬وقرأ الحسمن وابمن السمميقع‬
‫ويعقوب وابمن كثيمر ومجاهمد‪" :‬التناد" بإثبات الياء فمي الوصمل والوقمف على الصمل‪ .‬وقرأ ابمن‬
‫عباس والضحاك وعكرممة "يوم التناد" بتشديمد الدال‪ .‬قال بعمض أهمل العربيمة‪ :‬هذا لحمن؛ لنمه ممن‬
‫ند يند إذا مر على وجهه هاربا؛ كما قال الشاعر‪:‬‬
‫نواديها أسعى بعضب مجرد‬ ‫وبرك هجود قد أثارت مخافتي‬
‫قال‪ :‬فل معنمى لهذا فمي القياممة‪ .‬قال أبمو جعفمر النحاس‪ :‬وهذا غلط والقراءة بهما حسمنة على معنمى‬
‫يوم التنافممر‪ .‬قال الضحاك‪ :‬ذلك إذا سمممعوا زفيممر جهنممم ندوا هربمما‪ ،‬فل يأتون قطرا مممن أقطار‬
‫الرض إل وجدوا صممفوفا مممن الملئكممة‪ ،‬فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيممه؛ فذلك قوله‪" :‬يوم‬
‫التناد"‪ .‬وقوله‪" :‬يمما معشممر الجممن والنممس إن اسممتطعتم أن تنفذوا مممن أقطار السممموات والرض"‬
‫[الرحممن‪ ]33:‬اليمة‪ .‬وقوله‪" :‬والملك على أرجائهما" [الحاقمة‪ ]17 :‬ذكره ابمن المبارك بمعناه‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأخبرنما عبدالرحممن بمن يزيمد بمن جابر قال‪ :‬حدثنما عبدالجبار بمن عمبيدال بمن سملمان فمي قوله‬
‫تعالى‪" :‬إنمي أخاف عليكمم يوم التناد‪ .‬يوم تولون مدبريمن" ثمم تسمتجيب لهمم أعينهمم بالدممع فيبكون‬
‫حتى ينفد الدمع‪ ،‬ثم تستجيب لهم أعينهم بالدم فيبكون حتى ينفد الدم‪ ،‬ثم تستجيب لهم أعينهم بالقيح‪.‬‬
‫قال‪ :‬يرسمل عليهمم ممن ال أممر فيولون مدبريمن‪ ،‬ثمم تسمتجيب لهمم أعينهمم بالقيمح‪ ،‬فيبكون حتمى ينفمد‬
‫القيمح فتغور أعينهمم كالخرق فمي الطيمن‪ .‬وقيمل‪ :‬إن هذا يكون عنمد نفمخ إسمرافيل عليمه السملم فمي‬
‫الصمور نفخمة الفزع‪ .‬ذكره علي بمن معبمد والطمبري وغيرهمما ممن حديمث أبمي هريرة‪ ،‬وفيمه فتكون‬
‫الرض كالسمفينة فمي البحمر تضربهما المواج فيميمد الناس على ظهرهما وتذهمل المراضمع وتضمع‬
‫الحوامل ما في بطونها وتشيب الولدان وتتطاير الشياطين هاربة فتلقاها الملئكة تضرب وجوهها‬
‫ويولي الناس مدبريممن ينادي بعضهممم بعضمما وهممي التممي يقول ال تعالى‪" :‬يوم التناد‪ .‬يوم تولون‬
‫مدبرين ما لكم من ال من عاصم ومن يضلل ال فما له من هاد" الحديث بكماله‪ .‬وقد ذكرناه في‬
‫كتاب التذكرة وتكلمنمما عليممه هناك‪ .‬وروي عممن علي بممن نصممر عممن أبممي عمرو إسممكان الدال مممن‬
‫"التناد" في الوصل خاصة‪ .‬وروى أبو معمر عن عبدالوارث زيادة الياء في الوصل خاصة وهو‬
‫مذهب ورش‪ .‬والمشهور عن أبي عمرو حذفها في الحالين‪ .‬وكذلك قرأ سائر السبعة سوى ورش‬
‫على مما ذكرنما عنمه وسموى ابمن كثيمر على مما تقدم‪ .‬وقيمل‪ :‬سممي يوم القياممة يوم التناد؛ لن الكافمر‬
‫ينادي فيه بالويل والثبور والحسرة‪ .‬قاله ابن جريج‪ .‬وقيل‪ :‬فيه إضمار أي إني أخاف عليكم عذاب‬
‫يوم التناد؛ فال أعلم‪" .‬يوم تولون مدبرين" على البدل من "يوم التناد" "ومن يضلل ال فما له من‬
‫هاد" أي مممن خلق ال فممي قلبممه الضلل فل هادي له‪ .‬وفممي قائله قولن‪ :‬أحدهممما موسممى‪ .‬الثانممي‬
‫مؤمن آل فرعون وهو الظهر‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 35 - 34 :‬ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى‬
‫إذا هلك قلتمم لن يبعمث ال ممن بعده رسمول كذلك يضمل ال من همو مسمرف مرتاب‪ ،‬الذيمن يجادلون‬
‫فمي آيات ال بغيمر سملطان أتاهمم كمبر مقتما عنمد ال وعنمد الذيمن آمنوا كذلك يطبمع ال على كمل قلب‬
‫متكبر جبار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات" قيل‪ :‬إن هذا من قول موسى‪ .‬وقيل‪ :‬هو من‬
‫تمام وعمظ مؤممن آل فرعون؛ ذكرهمم قديمم عتوهمم على النمبياء؛ وأراد يوسمف بمن يعقوب جاءهمم‬
‫بالبينات "أأرباب متفرقون خيمر أم ال الواحمد القهار" [يوسمف‪ ]39 :‬قال ابمن جريمج‪ :‬همو يوسمف‬
‫بمن يعقوب بعثه ال تعالى رسول إلى القبط بعد موت الملك من قبل موسى بالبينات وهمي الرؤيا‪.‬‬
‫وقال ابمن عباس‪ :‬همو يوسمف بمن إفرائيمم بمن يوسمف بمن يعقوب أقام فيهمم نبيما عشريمن سمنة‪ .‬وحكمى‬
‫النقاش عمن الضحاك‪ :‬أن ال تعالى بعمث إليهمم رسمول ممن الجمن يقال له يوسمف‪ .‬وقال وهمب بمن‬
‫عمّر‪ .‬وغيره يقول‪ :‬هو آخر‪ .‬النحاس‪ :‬وليس في الية‬ ‫منبه‪ :‬إن فرعون موسى هو فرعون يوسف ُ‬
‫مما يدل على أنمه هو؛ لنمه إذا أتى بالبينات نبي لمن معه ولمن بعده فقمد جاءهمم جميعما بهما وعليهم‬
‫أن يصدقوه بها‪" .‬فما زلتم في شك مما جاءكم به" أي أسلفكم كانوا في شك‪" .‬حتى إذا هلك قلتم‬
‫لن يبعث ال من بعده رسول" أي من يدعي الرسالة "كذلك" أي مثل ذلك الضلل "يضل ال من‬
‫هو مسرف" مشرك "مرتاب" شاك في وحدانية ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذيمن يجادلون فمي آيات ال" أي فمي حججمه الظاهرة "بغيمر سملطان" أي بغيمر‬
‫حجة وبرهان و"الذين" في موضع نصب على البدل من "من" وقال الزجاج‪ :‬أي كذلك يضل ال‬
‫الذيمن يجادلون فمي آيات ال فمم"الذيمن" نصمب‪ .‬قال‪ :‬ويجوز أن يكون رفعما على معنمى همم الذيمن أو‬
‫على البتداء والخبر "كبر مقتا"‪ .‬ثم قيل‪ :‬هذا من كلم مؤمن آل فرعون‪ .‬وقيل‪ :‬ابتداء خطاب من‬
‫ال تعالى‪" .‬مقتا" على البيان أي "كبر" جدالهم "مقتا"؛ كقوله‪ :‬كبرت كلمة" [الكهف‪ ]5 :‬ومقت‬
‫ال تعالى ذممه لهمم ولعنمه إياهمم وإحلل العذاب بهمم‪" .‬كذلك" أي كمما طبمع ال على قلوب هؤلء‬
‫المجادليمن فكذلك "يطبمع ال" أي يختمم "على كمل قلب متكمبر جبار" حتمى ل يعقمل الرشاد ول يقبمل‬
‫الحق‪ .‬وقراءة العامة "على كل قلب متكبر" بإضافة قلب إلى المتكبر واختاره أبو حاتم وأبو عبيد‪.‬‬
‫وفي الكلم حذف والمعنى‪" :‬كذلك يطبع ال على كل قلب" على كل "متكبر جبار" فحذف "كل"‬
‫الثانيمة لتقدم مما يدل عليهما‪ .‬وإذا لم يقدر حذف "كمل" لم يسمتقم المعنمى؛ لنمه يصمير معناه أنمه يطبمع‬
‫على جميمع قلبمه وليمس المعنمى عليمه‪ .‬وإنمما المعنمى أنمه يطبمع على قلوب المتكمبرين الجباريمن قلبما‬
‫قلبا‪ .‬ومما يدل على حذف "كل" قول أبي دواد‪:‬‬
‫ونار توقد باليل نارا‬ ‫أكل امرئ تحسبين امرأ‬
‫يريد وكل نار‪ .‬وفي قراءة ابن مسعود "على قلب كل متكبر" فهذه قراءة على التفسير والضافة‪.‬‬
‫وقرأ أبمو عمرو وابمن محيصمن وابمن ذكوان عمن أهمل الشام "قلب" منون على أن "متكمبر" نعمت‬
‫للقلب فكني بالقلب عن الجملة؛ لن القلب هو الذي يتكبر وسائر العضاء تبع له؛ ولهذا قال النبي‬
‫صملى ال عليمه وسملم‪( :‬إن فمي الجسمد مضغمة إذا صملحت صملح الجسمد كله وإذا فسمدت فسمد الجسمد‬
‫كله أل وهممي القلب) ويجوز أن يكون على حذف المضاف؛ أي على كممل ذي قلب متكممبر؛ تجعممل‬
‫الصفة لصاحب القلب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 37 - 36 :‬وقال فرعون يما هامان ابمن لي صمرحا لعلي أبلغ السمباب‪ ،‬أسمباب‬
‫السممماوات فأطلع إلى إله موسممى وإنممي لظنممه كاذبمما وكذلك زيممن لفرعون سموء عمله وصممد عمن‬
‫السبيل وما كيد فرعون إل في تباب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا" لما قال مؤمن آل فرعون ما قال‪ ،‬وخاف‬
‫فرعون أن يتمكممن كلم هذا المؤمممن فممي قلوب القوم‪ ،‬أوهممم أنممه يمتحممن ممما جاء بممه موسممى مممن‬
‫التوحيمد‪ ،‬فإن بان له صموابه لم يخفمه عنهمم‪ ،‬وإن لم يصمح ثبتهمم على دينهمم؛ فأممر وزيره هامان‬
‫ببناء الصرح‪ .‬وقد مضى في "القصص" ذكره‪" .‬لعلي أبلغ السباب‪ .‬أسباب السماوات" "أسمباب‬
‫السمموات" بدل ممن الول‪ .‬وأسمباب السمماء أبوابهما فمي قول قتادة والزهري والسمدي والخفمش؛‬
‫وأنشد‪:‬‬
‫ولو رام أسباب السماء بسلم‬ ‫ومن هاب أسباب المنايا ينلنه‬
‫وقال أبو صالح‪ :‬أسباب السموات طرقها‪ .‬وقيل‪ :‬المور التي تستمسك بها السموات‪ .‬وكرر أسباب‬
‫تفخيما؛ لن الشيء إذا أبهم ثم أوضح كان تفخيما لشأنه‪ .‬وال أعلم‪" .‬فأطلع إلى إله موسى" فأنظر‬
‫إليه نظر مشرف عليه‪ .‬توهم أنه جسم تحويه الماكن‪ .‬وكان فرعون يدعي اللوهية ويرى تحقيقها‬
‫بالجلوس فمي مكان مشرف‪ .‬وقراءة العاممة "فأطلع" بالرفمع نسمقا على قوله‪" :‬أبلغ" وقرأ العرج‬
‫والسملمي وعيسمى وحفمص "فأطلع" بالنصمب؛ قال أبمو عمبيدة‪ :‬على جواب "لعمل" بالفاء‪ .‬النحاس‪:‬‬
‫ومعنى النصب خلف معنى الرفع؛ لن معنى النصب متى بلغت السباب اطلعت‪ .‬ومعنى الرفع‬
‫"لعلي أبلغ السباب" ثم لعلي أطلع بعد ذلك؛ إل أن ثم أشد تراخيا من الفاء‪" .‬وإني لظنه كاذبا"‬
‫أي وإني لظن موسى كاذبا في ادعائه إلها دوني‪ ،‬وإنما أفعل ما أفعل لزاحة العلة‪ .‬وهذا يوجب‬
‫شك فرعون في أمر ال‪ .‬وقيل‪ :‬إن الظن بمعنى اليقين أي وأنا أتيقن أنه كاذب وإنما أقول ما أقول‬
‫لزالة الشبهة عمن ل أتيقن ما أتيقنه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكذلك زيمن لفرعون سموء عمله" أي كمما قال هذه المقالة وارتاب زيمن له‬
‫الشيطان أو زين ال سوء عمله أي الشرك والتكذيب‪" .‬وصد عن السبيل" قراءة الكوفيين "وصد"‬
‫على مما لم يسمم فاعله وهمو اختيار أبمي عبيمد وأبمي حاتمم؛ ويجوز على هذه القراءة "وصمد" بكسمر‬
‫الصماد نقلت كسمرة الدال عمل الصماد؛ وهمي قراءة ليحيمى بمن وثاب وعلقممة‪ .‬وقرأ ابمن أبمي إسمحاق‬
‫وعبدالرحممن بن بكرة "وصمد عن السبيل" بالرفع والتنوين‪ .‬الباقون "وصمد" بفتح الصماد والدال‪.‬‬
‫أي صممد فرعون الناس عممن السممبيل‪" .‬وممما كيممد فرعون إل فممي تباب" أي فممي خسممران وضلل‪،‬‬
‫ومنمه‪" :‬تبمت يدا أبمي لهمب" [المسمد‪ ]1:‬وقوله‪" :‬ومما زادوهمم غيمر تتمبيب" [ هود‪ ]101 :‬وفمي‬
‫موضع "غير تخسير" [هود‪ ]63:‬فهد ال صرحه وغرقه هو وقومه على ما تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 44 - 38 :‬وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد‪ ،‬يا قوم إنما هذه الحياة‬
‫الدنيا متاع وإن الخرة هي دار القرار‪ ،‬من عمل سيئة فل يجزى إل مثلها ومن عمل صالحا من‬
‫ذكمر أو أنثمى وهو مؤممن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيهما بغيمر حساب‪ ،‬ويما قوم مما لي أدعوكم‬
‫إلى النجاة وتدعوننمي إلى النار‪ ،‬تدعوننمي لكفمر بال وأشرك بمه مما ليمس لي بمه علم وأنما أدعوكمم‬
‫إلى العزيمز الغفار‪ ،‬ل جرم أنمما تدعوننمي إليمه ليمس له دعوة فمي الدنيما ول فمي الخرة وأن مردنما‬
‫إلى ال وأن المسمرفين همم أصمحاب النار‪ ،‬فسمتذكرون مما أقول لكمم وأفوض أمري إلى ال إن ال‬
‫بصير بالعباد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الذي آمن ياقوم اتبعون" هذا من تمام ما قاله مؤمن آل فرعون؛ أي اقتدوا‬
‫بي في الدين‪" .‬سبيل الرشاد" أي طريق الهدى وهو الجنة‪ .‬وقيل‪ :‬من قول موسى‪ .‬وقرأ معاذ بن‬
‫جبل "الرشاد" بتشديد الشين وهو لحن عند أكثر أهل العربية؛ لنه إنما يقال أرشد يرشد ول يكون‬
‫فعال ممن أفعمل إنمما يكون ممن الثلثمي‪ ،‬فإن أردت التكثيمر ممن الرباعمي قلت‪ :‬مفعال‪ .‬قال النحاس‪:‬‬
‫يجوز أن يكون رشاد بمعنممى يرشممد ل على أنممه مشتممق منممه‪ ،‬ولكممن كممما يقال لل مممن اللؤلؤ فهممو‬
‫بمعناه وليس جاريا عليه‪ .‬ويجوز أن يكون رشاد من رشد يرشد أي صاحب رشاد؛ كما قال‪:‬‬
‫كليني لهم يا أميمة ناصب‬
‫الزمخشري‪ :‬وقرئ "الرشاد" فعال ممن رشمد بالكسمر كعلم أو ممن رشمد بالفتمح كعباد‪ .‬وقيمل‪ :‬ممن‬
‫أرشمد كجبار ممن أجمبر وليمس بذاك؛ لن فعال ممن أفعمل لم يجمئ إل فمي عدة أحرف؛ نحمو دراك‬
‫وسار وقصار وجبار‪ .‬ول يصح القياس على هذا القليل‪ .‬ويجوز أن يكون نسبته إلى الرشد كعواج‬
‫وبتات غيمر منظور فيمه إلى فعمل‪ .‬ووقمع فمي المصمحف "اتبعون" بغيمر ياء‪ .‬وقرأهما يعقوب وابمن‬
‫كثيمر بالثبات في الوصل والوقف‪ .‬وحذفها أبو عمرو ونافع في الوقمف وأثبتوها في الوصل‪ ،‬إل‬
‫ورشما حذفهما فمي الحاليمن‪ ،‬وكذلك الباقون؛ لنهما وقعمت فمي المصمحف بغيمر ياء وممن أثبتهما فعلى‬
‫الصل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ياقوم إنمما هذه الحياة الدنيما متاع" أي يتمتمع بهما قليل ثمم تنقطمع وتزول‪" .‬وإن‬
‫الخرة همممي دار القرار" أي السمممتقرار والخلود‪ .‬ومراده بالدار الخرة الجنمممة والنار لنهمممما ل‬
‫يفنيان‪ .‬بيمن ذلك بقوله‪" :‬ممن عممل سميئة" يعنمي الشرك "فل يجزى إل مثلهما" وهمو العذاب‪" .‬وممن‬
‫عمممل صممالحا" قال ابممن عباس‪ :‬يعنممي ل إله إل ال‪" .‬وهممو مؤمممن" مصممدق بقلبممه ل وللنممبياء‪.‬‬
‫"فأولئك يدخلون الجنمة" بضمم الياء على مما لم يسمم فاعله‪ .‬وهمي قراءة ابمن كثيمر وابمن محيصمن‬
‫وأبمممي عمرو ويعقوب وأبمممي بكمممر عمممن عاصمممم؛ يدل عليمممه "يرزقون فيهممما بغيمممر حسممماب"‬
‫الباقون"يدخلون" بفتح الياء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وياقوم مما لي أدعوكمم إلى النجاة" أي إلى طريمق اليمان الموصمل إلى الجنان‬
‫"وتدعوننمي إلى النار" بيمن أن مما قال فرعون ممن قوله‪" :‬ومما أهديكمم إل سمبيل الرشاد" [غافمر‪:‬‬
‫‪ ]29‬سبيل الغي عاقبته النار وكانوا دعوه إلى اتباعه؛ ولهذا قال‪" :‬تدعونني لكفر بال وأشرك‬
‫به ما ليس لي به علم" وهو فرعون "وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار"‪" .‬ل جرم" تقدم الكلم فيه‪،‬‬
‫ومعناه حقا‪" .‬أنما تدعونني إليه" "ما" بمعنى الذي "ليس له دعوة" قال الزجاج‪ :‬ليس له استجابة‬
‫دعوة تنفع؛ وقال غيره‪ :‬ليس له دعوة توجب له اللوهية "في الدنيا ول في الخرة" وقال الكلبي‪:‬‬
‫ليمس له شفاعمة فمي الدنيما ول فمي الخرة‪ .‬وكان فرعون أول يدعمو الناس إلى عبادة الصمنام‪ ،‬ثمم‬
‫دعاهم إلى عبادة البقر‪ ،‬فكانت تعبد ما كانت شابة‪ ،‬فإذا هرمت أمر بذبحها‪ ،‬ثم دعا بأخرى لتعبد‪،‬‬
‫ثمم لمما طال عليمه الزمان قال أنما ربكمم العلى‪" .‬وأن المسمرفين همم أصمحاب النار" قال قتادة وابمن‬
‫سميرين يعنمي المشركيمن‪ .‬وقال مجاهمد والشعمبي‪ :‬همم السمفهاء والسمفاكون للدماء بغيمر حقهما‪ .‬وقال‬
‫عكرممة‪ :‬الجبارون والمتكمبرون‪ .‬وقيمل‪ :‬همم الذي تعدوا حدود ال‪ .‬وهذا جاممع لمما ذكمر‪ .‬و"أن" فمي‬
‫المواضمع فمي موضمع نصمب بإسمقاط حرف الجمر‪ .‬وعلى مما حكاه سميبويه عمن الخليمل ممن أن "ل‬
‫جرم" رد لكلم يجوز أن يكون موضمع "أن" رفعما على تقديمر وجمب أن مما تدعوننمي إليمه‪ ،‬كأنمه‬
‫قال‪ :‬وجب بطلن ما تدعونني إليه‪ ،‬والمرد إلى ال‪ ،‬وكون المسرفين هم أصحاب النار‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فسمتذكرون مما أقول لكمم" تهديمد ووعيمد‪ .‬و"مما" يجوز أن تكون بمعنمى الذي أي‬
‫الذي أقوله لكم‪ .‬ويجوز أن تكون مصدرية أي فستذكرون قولي لكم إذا حل بكم العذاب‪" .‬وأفوض‬
‫أمري إلى ال" أي أتوكممل عليممه وأسمملم أمري إليممه‪ .‬وقيممل‪ :‬هذا يدل على أنهممم أرادوا قتله‪ .‬وقال‬
‫مقاتمل‪ :‬هرب هذا المؤمن إلى الجبل فلم يقدروا عليه‪ .‬وقمد قيل‪ :‬القائل موسمى‪ .‬والظهمر أنه مؤمن‬
‫آل فرعون؛ وهو قول ابن عباس‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 45 :‬فوقاه ال سميئات مما مكروا وحاق بآل فرعون سموء العذاب‪ ،‬النار يعرضون‬
‫عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فوقاه ال سميئات مما مكروا" أي من إلحاق أنواع العذاب به فطلبوه فمما وجدوه؛‬
‫لنمه فوض أمره إلى ال‪ .‬قال قتادة‪ :‬كان قبطيما فنجاه ال ممع بنمي إسمرائيل‪ .‬فالهاء على هذا لمؤممن‬
‫آل فرعون‪ .‬وقيمل‪ :‬إنهما لموسمى على مما تقدم ممن الخلف‪" .‬وحاق بآل فرعون سموء العذاب" قال‬
‫الكسائي‪ :‬يقال حاق يحيق حيقا وحيوقا إذ نزل ولزم‪ .‬ثم بين العذاب فقال‪" :‬النار يعرضون عليها"‬
‫وفيه ستة أوجه‪ :‬يكون رفعا على البدل من "سوء"‪ .‬ويجوز أن يكون بمعنى هو النار‪ .‬ويجوز أن‬
‫يكون مرفوعمما بالبتداء‪ .‬وقال الفراء‪ :‬يكون مرفوعمما بالعائد على معنممى النار عليهمما يعرضون‪،‬‬
‫فهذه أربعمة أوجمه فمي الرفمع‪ ،‬وأجاز الفراء النصمب؛ لن بعدهما عائدا وقبلهما مما يتصمل بمه‪ ،‬وأجاز‬
‫الخفممش الخفممض على البدل مممن "العذاب"‪ .‬والجمهور على أن هذا العرض فممي البرزخ‪ .‬واحتممج‬
‫بعممض أهمل العلم فممي تثممبيت عذاب القمبر بقوله‪" :‬النار يعرضون عليهمما غدوا وعشيمما" ممما داممت‬
‫الدنيما‪ .‬كذلك قال مجاهمد وعكرممة ومقاتمل ومحممد بمن كعمب كلهمم قال‪ :‬هذه اليمة تدل على عذاب‬
‫القممبر فممي الدنيمما‪ ،‬أل تراه يقول عممن عذاب الخرة‪" :‬ويوم تقوم السمماعة أدخلوا آل فرعون أشممد‬
‫العذاب"‪ .‬وفمي الحديمث عمن ابمن مسمعود‪ :‬أن أرواح آل فرعون وممن كان مثلهمم ممن الكفار تعرض‬
‫على النار بالغداة والعشمي فيقال هذه داركمم‪ .‬وعنمه أيضما‪ :‬إن أرواحهمم فمي أجواف طيمر سمود تغدو‬
‫على جهنمم وتروح كمل يوم مرتيمن فذلك عرضهما‪ .‬وروى شعبمة عمن يعلى بمن عطاء قال‪ :‬سممعت‬
‫ميمون بمن مهران يقول‪ :‬كان أبمو هريرة إذا أصمبح ينادي‪ :‬أصمبحنا والحممد ل وعرض آل فرعون‬
‫على النار‪ .‬فإذا أمسى نادى‪ :‬أمسينا والحمد ل وعرض آل فرعون على النار؛ فل يسمع أبا هريرة‬
‫أحد إل تعوذ بال من النار‪ .‬وفي حديث صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صمملى ال عليممه وسمملم‪( :‬إن الكافممر إذا مات عرض على النار بالغداة والعشممي ثممم تل‪" :‬النار‬
‫يعرضون عليهما غدوا وعشيما" وإن المؤممن إذا مات عرض روحمه عمل الجنمة بالغداة والعشممي)‬
‫وخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إن أحدكم إذا مات‬
‫عرض عليمه مقعده بالغداة والعشمي إن كان ممن أهمل الجنمة فممن أهمل الجنمة وإن كان ممن أهمل النار‬
‫فممن أهمل النار فيقال هذا مقعدك حتمى يبعثمك ال إليمه يوم القياممة)‪ .‬قال الفراء‪ :‬فمي الغداة والعشمي‬
‫بمقاديمر دلك فمي الدنيما‪ .‬وهمو قول مجاهمد‪ .‬قال‪":‬غدوا وعشيما" قال‪ :‬ممن أيام الدنيما‪ .‬وقال حماد بمن‬
‫محممد الفزاري‪ :‬قال رجمل للوزاعمي رأينما طيورا تخرج ممن البحمر تأخمذ ناحيمة الغرب‪ ،‬بيضما‬
‫صمغارا فوجما فوجما ل يعلم عددهما إل ال‪ ،‬فإذا كان العشاء رجعمت مثلهما سمودا‪ .‬قال‪ :‬تلك الطيور‬
‫فممي حواصمملها أرواح آل فرعون‪ ،‬يعرضون على النار غدوا وعشيمما‪ ،‬فترجممع إلى أوكارهمما وقممد‬
‫أحترقمت رياشهما وصمارت سمودا‪ ،‬فينبمت عليهما ممن الليمل رياشهما بيضما وتتناثمر السمود‪ ،‬ثمم تغدو‬
‫فتعرض على النار غدوا وعشيا‪ ،‬ثم ترجع إلى وكرها فذلك دأبها ما كانت في الدنيا‪ ،‬فإذا كان يوم‬
‫القياممة قال ال تعالى‪" :‬أدخلوا آل فرعون أشمد العذاب" وهمو الهاويمة‪ .‬قال الوزاعمي‪ :‬فبلغنما أنهمم‬
‫ألفا ألف وستمائة ألف‪ .‬و"غدوا" مصدر جعل ظرفا على السعة‪" .‬وعشيا" عطف عليه وتم الكلم‪.‬‬
‫"ويوم تقوم السماعة أدخلوا آل فرعون أشمد العذاب" ابتدئ "ويوم تقوم السماعة" على أن تنصمب‬
‫يومما بقوله‪" :‬أدخلوا" ويجوز أن يكون منصموبا بمم"يعرضون" على معنمى "يعرضون" على النار‬
‫فممي الدنيمما "ويوم تقوم السمماعة" فل يوقممف عليممه‪ .‬وقرأ نافممع وأهممل المدينممة وحمزة والكسممائي‪:‬‬
‫"أدخلوا" بقطمع اللف وكسمر الخاء ممن أدخمل وهمي اختيار أبمي عبيمد؛ أي يأممر الملئكمة أن‬
‫يدخلوهمم‪ ،‬ودليله "النار يعرضون عليهما"‪ .‬الباقون "أدخلوا" بوصمل اللف وضمم الخاء ممن دخمل‬
‫أي يقال لهممم‪" :‬أدخلوا" يمما "آل فرعون أشممد العذاب" وهممو اختيار أبممي حاتممم‪ .‬قال‪ :‬فممي القراءة‬
‫الولى‪" :‬آل" مفعول أول و"أشممد" مفعول ثان بحذف الجممر‪ ،‬وفممي القراءة الثانيممة منصمموب؛ لنممه‬
‫نداء مضاف‪ .‬وآل فرعون‪ :‬ممن كان على دينمه وعلى مذهبمه‪ ،‬وإذا كان ممن كان على دينمه ومذهبمه‬
‫فمي أشمد العذاب كان همو أقرب إلى ذلك‪ .‬وروى ابمن مسمعود عمن النمبي صملى ال عليمه وسملم‪( :‬إن‬
‫العبد يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا منهم يحيمى بن زكريا ولد مؤمنا وحيي مؤمنا ومات‬
‫مؤمنما وإن العبمد يولد كافرا ويحيما كافرا ويموت كافرا منهمم فرعون ولد كافرا وحيمي كافرا ومات‬
‫كافرا) ذكره النحاس‪ .‬وجعممل الفراء فممي اليممة تقديممما وتأخيرا مجازه‪" :‬أدخلوا آل فرعون أشممد‬
‫العذاب"‪" .‬النار يعرضون عليهما غدوا وعشيما" فجعمل العرض فمي الخرة؛ وهمو خلف مما ذهمب‬
‫إليه الجمهور من انتظام الكلم على سياقه على ما تقدم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 50 - 47 :‬وإذ يتحاجون فمي النار فيقول الضعفاء للذيمن اسمتكبروا إنما كنما لكمم تبعما‬
‫فهمل أنتمم مغنون عنما نصميبا ممن النار‪ ،‬قال الذيمن اسمتكبروا إنما كمل فيهما إن ال قمد حكمم بيمن العباد‪،‬‬
‫وقال الذيمن فمي النار لخزنمة جهنمم ادعوا ربكمم يخفمف عنما يومما ممن العذاب‪ ،‬قالوا أولم تمك تأتيكمم‬
‫رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إل في ضلل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ يتحاجون فمي النار" أي يختصممون فيهما "فيقول الضعفاء للذيمن اسمتكبروا"‬
‫عمن النقياد للنمبياء "إنما كنما لكمم تبعما" فيمما دعوتمونما إليمه ممن الشرك فمي الدنيما "فهمل أنتمم مغنون‬
‫عنما" أي متحملون "نصميبا ممن النار" أي جزءا ممن العذاب‪ .‬والتبمع يكون واحدا ويكون جمعما فمي‬
‫قول البصمريين واحده تابمع‪ .‬وقال أهمل الكوفمة‪ :‬همو جممع ل واحمد له كالمصمدر فلذلك لم يجممع ولو‬
‫جممع لقيمل أتباع‪" .‬قال الذيمن اسمتكبروا إنما كمل فيهما" أي فمي جهنمم‪ .‬قال الخفمش‪" :‬كمل" مرفوع‬
‫بالبتداء‪ .‬وأجاز الكسمائي والفراء"إنما كل فيهما" بالنصمب على النعمت والتأكيمد للمضممر فمي "إنما"‬
‫وكذلك قرأ ابن السميقع وعيسى بن عمر والكوفيون يسمون التأكيد نعتا‪ .‬ومنع ذلك سيبويه؛ قال‪:‬‬
‫لن "كل" ل تنعمت ول ينعمت بهما‪ .‬ول يجوز البدل فيمه لن المخمبر عمن نفسمه ل يبدل منمه غيره‪،‬‬
‫وقال معناه الممبرد قال‪ :‬ل يجوز أن يبدل ممن المضممر هنما؛ لنمه مخاطمب ول يبدل ممن المخاطَب‬
‫ول من المخاطِب؛ لنهما ل يشكلن فيبدل منهما؛ هذا نص كلمه‪" .‬إن ال قد حكم بين العباد" أي‬
‫ل يؤاخذ أحدا بذنب غيره؛ فكل منا كافر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الذيمن فمي النار" ممن الممم الكافرة‪ .‬وممن العرب ممن يقول اللذون على أنمه‬
‫جممع مسملم معرب‪ ،‬وممن قال‪" :‬الذيمن" فمي الرفمع بناه كمما كان فمي الواحمد مبنيما‪ .‬وقال الخفمش‪:‬‬
‫ضممت النون إلى الذي فأشبمه خمسمة عشمر فبنمي على الفتمح‪" .‬لخزنمة جهنمم" خزنمة جممع خازن‬
‫ويقال‪ :‬خزان وخزن‪" .‬ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب" "يخفف" جواب مجزوم وإن كان‬
‫بالفاء كان منصموبا‪ ،‬إل أن الكثمر فمي كلم العرب فمي جواب الممر ومما أشبهمه أن يكون بغيمر فاء‬
‫وعلى هذا جاء القرآن بأفصح اللغات كما قال‪:‬‬
‫قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل‬
‫قال محممد بمن كعمب القرظمي‪ :‬بلغنمي أو ذكمر لي أن أهمل النار اسمتغاثوا بالخزنمة؛ فقال ال تعالى‪:‬‬
‫"وقال الذيمن فمي النار لخزنمة جهنمم ادعوا ربكمم يخفمف عنما يومما ممن العذاب" فسمألوا يومما واحدا‬
‫يخفمف عنهمم فيمه العذاب فردت عليهمم "أو لم تمك تأتيكمم رسملكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا ومما‬
‫دعاء الكافرين إل في ضلل" الخبر بطوله‪ .‬وفي الحديث عن أبي الدرداء خرجه الترمذي وغيره‬
‫قال‪ :‬يلقممى على أهممل النار الجوع حتممى يعدل ممما هممم فيممه مممن العذاب‪ ،‬فيسممتغيثون منممه فيغاثون‬
‫بالضريع ل يسمن ول يغني من جوع‪ ،‬فيأكلونه ل يغني عنهم شيئا‪ ،‬فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي‬
‫غصمة فيغصمون بمه‪ ،‬فيذكرون أنهمم كانوا فمي الدنيما يجيزون الغصمص بالماء‪ ،‬فيسمتغيثوا بالشراب‬
‫فيرفع لهم الحميم بالكلليب‪ ،‬فإذا دنا من وجوههم شواها‪ ،‬فإذا وقع في بطونهم قطع أمعاءهم وما‬
‫فمي بطونهمم‪ ،‬فيسمتغيثون بالملئكمة يقولون‪" :‬ادعوا ربكمم يخفمف عنما يومما ممن العذاب" فيجيبوهمم‬
‫"أولم تمك تأتيكمم رسملكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا ومما دعاء الكافريمن إل فمي ضلل" أي‬
‫خسار وتبار‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 54 - 51 :‬إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد‪ ،‬يوم ل‬
‫ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار‪ ،‬ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل‬
‫الكتاب‪ ،‬هدى وذكرى لولي اللباب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنما لننصمر رسملنا" ويجوز حذف الضممة لثقلهما فيقال‪" :‬رسمْلنا" والمراد موسمى‬
‫عليمه السمملم‪" .‬والذيمن آمنوا فممي الحياة الدنيما" فممي موضممع نصممب عطممف على الرسممل‪ ،‬والمراد‬
‫المؤممن الذي وعمظ‪ .‬وقيمل‪ :‬همو عام فمي الرسمل والمؤمنيمن‪ ،‬ونصمرهم بإعلء الحجمج وإفلحهما فمي‬
‫قول أبمي العاليمة‪ .‬وقيمل‪ :‬بالنتقام ممن أعدائهمم‪ .‬قال السمدي‪ :‬مما قتمل قوم قمط نبيما أو قومما ممن دعاة‬
‫الحق من المؤمنين إل بعث ال عز وجل من ينتقم لهم‪ ،‬فصاروا منصورين فيها وإن قتلوا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويوم يقوم الشهاد" يعنمي يوم القياممة‪ .‬قال زيمد بمن أسملم‪" :‬الشهاد" أربعمة‪:‬‬
‫الملئكمة والنمبيون والمؤمنون والجسماد‪ .‬وقال مجاهمد والسمدي‪" :‬الشهاد" الملئكمة تشهمد للنمبياء‬
‫بالبلغ وعلى المم بالتكذيمب‪ .‬وقال قتادة‪ :‬الملئكة والنبياء‪ .‬ثم قيمل‪" :‬الشهاد" جممع شهيمد مثل‬
‫شريف وأشراف‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬الشهاد" جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب‪ .‬النحاس‪ :‬ليس باب‬
‫فاعمل أن يجممع على أفعال ول يقاس عليمه ولكمن مما جاء منمه مسمموعا أدي كمما سممع‪ ،‬وكان على‬
‫حذف الزائد‪ .‬وأجاز الخفمممش والفراء‪" :‬ويوم تقوم الشهاد" بالتاء على تأنيمممث الجماعمممة‪ .‬وفمممي‬
‫الحديث عن أبي الدرداء وبعض المحدثين يقول عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬من رد عن‬
‫عرض أخيه المسلم كان حقا على ال عز وجل أن يرد عنه نار جهنم) ثم تل‪" :‬إنا لننصر رسلنا‬
‫والذيمن آمنوا"‪ .‬وعنمه عليمه السملم أنمه قال‪( :‬ممن حممى مؤمنما ممن منافمق يغتابمه بعمث ال عمز وجمل‬
‫يوم القيامة ملكا يحميه من النار ومن ذكر مسلما بشيء يشينه به وقفه ال عز وجل على جسر من‬
‫جهنممم حتممى يخرج مممما قال)‪" .‬يوم" بدل مممن يوم الول‪" .‬ل ينفممع الظالميممن معذرتهممم" قرأ نافممع‬
‫والكوفيون "ينفمع" بالياء‪ .‬الباقون بالتاء‪" .‬ولهمم اللعنمة ولهمم سموء الدار" "اللعنمة" البعمد ممن رحممة‬
‫ال و"سوء الدار" جهنم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد آتينا موسى الهدى" هذا دخل في نصرة الرسل في الدنيا والخرة أي آتيناه‬
‫التوراة والنبوة‪ .‬وسميت التوراة هدى بما فيها من الهدى والنور؛ وفي التنزيل‪" :‬إنا أنزلنا التوراة‬
‫فيها هدى ونور" [المائدة‪" .]44:‬وأورثنا بني إسرائيل الكتاب" يعني التوراة جعلناها لهم ميراثا‪.‬‬
‫"هدى" بدل من الكتاب ويجوز بمعنى هو هدى؛ يعني ذلك الكتاب‪" .‬وذكرى لولي اللباب" أي‬
‫موعظة لصحاب العقول‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 59 - 55 :‬فاصمبر إن وعمد ال حمق واسمتغفر لذنبمك وسمبح بحممد ربمك بالعشمي‬
‫والبكار‪ ،‬إن الذين يجادلون في آيات ال بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إل كبر ما هم ببالغيه‬
‫فاسمتعذ بال إنمه همو السمميع البصمير‪ ،‬لخلق السمماوات والرض أكمبر ممن خلق الناس ولكمن أكثمر‬
‫الناس ل يعلمون‪ ،‬وما يستوي العمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ول المسيء قليل‬
‫ما تتذكرون‪ ،‬إن الساعة لتية ل ريب فيها ولكن أكثر الناس ل يؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاصبر" أي فاصبر يا محمد على أذى المشركين‪ ،‬كما صبر من قبلك "إن وعد‬
‫ال حمق" بنصمرك وإظهارك‪ ،‬كمما نصمرت موسمى وبنمي إسمرائيل‪ .‬وقال الكلبمي‪ :‬نسمخ هذا بآيمة‬
‫السيف‪" .‬واستغفر لذنبك" قيل‪ :‬لذنب أمتك حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه‪ .‬وقيل‪ :‬لذنب‬
‫نفسمك على ممن يجوز الصمغائر على النمبياء‪ .‬وممن قال ل تجوز قال‪ :‬هذا تعبمد للنمبي عليمه السملم‬
‫بدعاء؛ كما قال تعالى‪" :‬وآتنا ما وعدتنا" [آل عمران‪ ]194 :‬والفائدة زيادة الدرجات وأن يصير‬
‫الدعاء سمنة لممن بعده‪ .‬وقيمل‪ :‬فاسمتغفر ال ممن ذنمب صمدر منمك قبمل النبوة‪" .‬وسمبح بحممد ربمك‬
‫بالعشي والبكار" يعني صلة الفجر وصلة العصر؛ قال الحسن وقتادة‪ .‬وقيل‪ :‬هي صلة كانت‬
‫بمكمة قبمل أن تفرض الصملوات الخممس ركعتان غدوة وركعتان عشيمة‪ .‬عمن الحسمن أيضما ذكره‬
‫الماوردي‪ .‬فيكون هذا ممما نسمخ وال أعلم‪ .‬وقوله‪" :‬بحممد ربمك" بالشكمر له والثناء عليمه‪ .‬وقيمل‪:‬‬
‫"وسمبح بحممد ربمك" أي اسمتدم التسمبيح فمي الصملة وخارجما منهما لتشتغمل بذلك عمن اسمتعجال‬
‫النصر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذيمن يجادلون" يخاصممون "فمي آيات ال بغيمر سملطان" أي حجمة "أتاهمم إن‬
‫فمي صدورهم إل كبر ما هم ببالغيه" قال الزجاج‪ :‬المعنمى ما فمي صمدورهم إل كبر ما هم ببالغي‬
‫إرادتهممم فيممه‪ .‬قدره على الحذف‪ .‬وقال غيره‪ :‬المعنممى ممما هممم ببالغممي الكممبر على غيممر حذف؛ لن‬
‫هؤلء قوم رأوا أنهمم أن اتبعوا النبي صلى ال عليه وسملم قل ارتفاعهم‪ ،‬ونقصت أحوالهمم‪ ،‬وأنهم‬
‫يرتفعون إذا لم يكونوا تبعمما‪ ،‬فأعلم ال عممز وجممل أنهممم ل يبلغون الرتفاع الذي أملوه بالتكذيممب‪.‬‬
‫والمراد المشركون‪ .‬وقيممل‪ :‬اليهود؛ فاليممة مدنيممة على هذا كممما تقدم أول السممور‪ .‬والمعنممى‪ :‬إن‬
‫تعظموا عمن اتباع محممد صملى ال عليمه وسملم وقالوا إن الدجال سميخرج عمن قريمب فيرد الملك‬
‫إلينما‪ ،‬وتسمير معمه النهار‪ ،‬وهمو آيمة ممن آيات ال فذلك كمبر ل يبلغونمه فنزلت اليمة فيهمم‪ .‬قال أبمو‬
‫العالية وغيره‪ .‬وقد تقدم في "آل عمران" أنه يخرج ويطأ البلد كلها إل مكة والمدينة‪ .‬وقد ذكرنا‬
‫خبره مستوفى في كتاب التذكرة‪ .‬وهو يهودي واسمه صاف ويكنى أبا يوسف‪ .‬وقيل‪ :‬كل من كفر‬
‫بالنبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وهذا حسن؛ لنه يعم‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬معناه في صدورهم عظمة ما هم‬
‫ببالغيها والمعنى واحد‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بالكبر المر الكبير أي يطلبون النبوة أو أمرا كبيرا يصلون‬
‫به إليك من القتل ونحوه‪ ،‬ول يبلغون ذلك‪ .‬أو يتمنون موتك قبل أن يتم دينك ول يبلغونه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاسمتعذ بال" قيل‪ :‬ممن فتنمة الدجال على قول من قال إن اليمة نزلت فمي اليهود‪.‬‬
‫وعلى القول الخمر ممن شمر الكفار‪ .‬قيمل‪ :‬ممن مثمل مما ابتلوا بمه ممن الكفمر والكمبر‪" .‬إنمه همو السمميع‬
‫البصمير" "همو" يكون فاصمل ويكون مبتدأ ومما بعده خمبره والجملة خمبر إن على مما تقدم‪" .‬لخلق‬
‫السماوات والرض أكبر من خلق الناس" مبتدأ وخبره‪ .‬قال أبو العالية‪ :‬أي أعظم من خلق الدجال‬
‫حين عظمته اليهود‪ .‬وقال يحيى بن سلم‪ :‬هو احتجاج على منكري البعث؛ أي هما أكبر من إعادة‬
‫خلق الناس فلم اعتقدوا عجزي عنها؟‪" .‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون" أي ل يعلمون ذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومما يسمتوي العمى والبصمير" أي المؤمن والكافمر والضال والمهتدي‪" .‬والذين‬
‫آمنوا وعملوا الصمالحات" أي ول يسمتوي العاممل للصمالحات "ول المسميء" الذي يعممل السميئات‪.‬‬
‫"قليل ما تتذكرون" قراءة العامة بياء على الخبر واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لجل ما قبله من‬
‫الخبر وما بعده‪ .‬وقرأ الكوفيون بالتاء على الخطاب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن السماعة لتيمة" هذه لم التأكيمد دخلت فمي خمبر إن وسمبيلها أن تكون فمي أول‬
‫الكلم؛ لنها توكيد الجملة إل أنها تزحلق عن موضعها؛ كذا قال سيبويه‪ .‬تقول‪ :‬إن عمرا لخارج؛‬
‫وإنما أخرت عن موضعها لئل يجمع بينها وبين إن؛ لنهما يؤديان عن معنى واحد‪ ،‬وكذا ل يجمع‬
‫بين إن وأن عند البصريين‪ .‬وأجاز هشام إن أن زيدا منطلق حق؛ فإن حذفت حقا لم يجز عند أحد‬
‫مممن النحوييممن علمتممه؛ قاله النحاس‪" .‬ل ريممب فيهمما" ل شممك ول مريممة‪" .‬ولكممن أكثممر الناس ل‬
‫يؤمنون" أي ل يصدقون بها وعندها يبين فرق ما بين الطائع والعاصي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 60 :‬وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم‬
‫داخريمن‪ ،‬ال الذي جعمل لكمم الليمل لتسمكنوا فيمه والنهار مبصمرا إن ال لذو فضمل على الناس ولكمن‬
‫أكثمر الناس ل يشكرون‪ ،‬ذلكمم ال ربكمم خالق كمل شيمء ل إله إل همو فأنمى تؤفكون‪ ،‬كذلك يؤفمك‬
‫الذيمن كانوا بآيات ال يجحدون‪ ،‬ال الذي جعمل لكمم الرض قرارا والسمماء بناء وصموركم فأحسمن‬
‫صموركم ورزقكمم ممن الطيبات ذلكمم ال ربكمم فتبارك ال رب العالميمن‪ ،‬همو الحمي ل إله إل همو‬
‫فادعوه مخلصين له الدين الحمد ل رب العالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" روى النعمان بن بشير قال‪ :‬سمعت النبي صلى‬
‫ال عليممه وسمملم يقول‪( :‬الدعاء هممو العبادة) ثممم قرأ "وقال ربكممم ادعونممي اسممتجب لكممم إن الذيممن‬
‫يسمتكبرون عمن عبادتمي سميدخلون جهنمم داخريمن" قال أبمو عيسمى‪ :‬هذا حديمث حسمن صمحيح‪ .‬فدل‬
‫هذا على أن الدعاء همو العبادة‪ .‬وكذا قال أكثمر المفسمرون وأن المعنمى‪ :‬وحدونمي واعبدونمي أتقبمل‬
‫عبادتكم وأغفر لكم‪ .‬وقيل‪ :‬هو الذكر والدعاء والسؤال‪ .‬قال أنس‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع) ويقال الدعاء‪ :‬هو ترك الذنوب‪.‬‬
‫وحكمى قتادة أن كعمب الحبار قال‪ :‬أعطيمت هذه الممة ثلثما لم تعطهمن أممة قبلهمم إل نمبي‪ :‬كان إذا‬
‫أرسممل نممبي قيممل له أنممت شاهممد على أمتممك‪ ،‬وقال تعالى لهذه المممة‪" :‬لتكونوا شهداء على الناس"‬
‫[البقرة‪ ]143 :‬وكان يقال للنمبي‪ :‬ليمس عليمك فمي الديمن ممن حرج‪ ،‬وقال لهذه الممة‪" :‬ومما جعمل‬
‫عليكمم فمي الديمن ممن حرج" [الحمج‪ ]78 :‬وكان يقال للنمبي ادعنمي اسمتجب لك‪ ،‬وقال لهذه الممة‪:‬‬
‫"ادعوني استجب لكم"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬مثمل هذا ل يقال ممن جهمة الرأي‪ .‬وقمد جاء مرفوعما؛ رواه ليمث عمن شهمر بمن حوشمب عمن‬
‫عبادة بن الصامت‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬أعطيت أمتي ثلثا لم تعط‬
‫إل للنبياء كان ال تعالى إذا بعث النبي قال ادعني استجب لك وقال لهذه المة‪" :‬ادعوني استجب‬
‫لكم" وكان ال إذا بعث النبي قال‪ :‬ما جعل عليك في الدين من حرج وقال لهذه المة‪" :‬وما جعل‬
‫عليكمم فمي الديمن ممن حرج" [الحمج‪ ]78 :‬وكان ال إذا بعمث النمبي جعله شهيدا على قوممه وجعمل‬
‫هذه المة شهداء على الناس) ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الصول‪ .‬وكان خالد الربعي يقول‪:‬‬
‫عجيب لهذه المة قيل لها‪" :‬ادعوني استجب لكم" أمرهم بالدعاء ووعدهم الستجابة وليس بينهما‬
‫شرط‪ .‬قال له قائل‪ :‬مثممل ماذا؟ قال‪ :‬مثممل قوله تعالى‪" :‬وبشممر الذيممن آمنوا وعملوا الصممالحات"‬
‫[البقرة‪ ]25 :‬فها هنا شرط‪ ،‬وقوله‪" :‬وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق" [يونس‪ ،]2 :‬فليس فيه‬
‫شرط العممل؛ ومثمل قوله‪" :‬فادعوا ال مخلصمين له الديمن" [غافمر‪ ]14 :‬فهما هنما شرط‪ ،‬وقوله‬
‫تعالى‪" :‬ادعونمي اسمتجب لكمم" ليمس فيمه شرط‪ .‬وكانمت الممة تفزع إلى أنبيائهما فمي حوائجهما حتمى‬
‫تسمأل النمبياء لهمم ذلك‪ .‬وقمد قيمل‪ :‬إن هذا ممن باب المطلق والمقيمد على مما تقدم فمي "البقرة" بيانمه‪.‬‬
‫أي "اسمتجب لكمم" إن شئت؛ كقوله‪" :‬فيكشمف مما تدعون إليمه إن شاء" [النعام‪ .]41:‬وقمد تكون‬
‫السمتجابة فمي غيمر عيمن المطلوب على حديمث أبمي سمعيد الخدري على مما تقدم فمي "البقرة" بيانمه‬
‫فتأمله هناك‪ .‬وقرأ ابن كثير وابن محيصن ورويس عن يعقوب وعياش عن أبي عمرو وأبو بكر‬
‫والمفضل عن عاصم "سيدخلون" بضم الياء وفتح الخاء على ما لم يسم فاعله‪ .‬الباقون "يدخلون"‬
‫بفتح الياء وضم الخاء‪ .‬ومعنى "داخرين" صاغرين أذلء وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه" "جعل" هنا بمعنى خلق؛ والعرب تفرق بين‬
‫جعل إذا كانت بمعنى خلق وبين جعل إذ لم تكن بمعنى خلق؛ فإذا كانت بمعنى خلق فل تعديها إل‬
‫إلى مفعول واحد‪ ،‬وإذا لم تكن بمعنى خلق عدتها إلى مفعولين؛ نحو قوله‪:‬إنا جعلناه قرآنا عربيا"‬
‫وقممد مضممى هذا المعنممى فممي موضممع‪" .‬والنهار مبصممرا" أي مضيئا لتبصممروا فيممه حوائجكممم‬
‫وتتصرفوا في طلب معايشكم‪" .‬إن ال لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس ل يشكرون" فضله‬
‫وإنعامه عليهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلكم ال ربكم خالق كل شيء" بين الدللة على وحدانيته وقدرته‪" .‬ل إله إل هو‬
‫فأنمى تؤفكون" أي كيمف تنقلبون وتنصمرفون عمن اليمان بعمد أن تمبينت لكمم دلئله كذلك؛ أي كمما‬
‫صمرفتم عمن الحمق ممع قيام الدليمل عليمه فمم "كذلك يؤفمك" يصمرف عمن الحمق الذيمن كانوا بآيات ال‬
‫يجحدون‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال الذي جعل لكم الرض قرارا" زاد في تأكيد التعريف والدليل؛ أي جعل لكم‬
‫الرض مسمتقرا لكمم فمي حياتكمم وبعمد الموت‪" .‬والسمماء بناء" تقدم‪" .‬وصموركم فأحسمن صموركم"‬
‫أي خلقكمم فمي أحسمن صمورة‪ .‬وقرأ أبمو رزيمن والشهمب العقيلي "صموركم" بكسمر الصماد؛ قال‬
‫الجوهري‪ :‬والصمور بكسمر الصماد لغمة فمي الصمور جممع صمورة‪ ،‬وينشمد هذا البيمت على هذه اللغمة‬
‫يصف الجواري قائل‪:‬‬
‫وهن أحسن من صيرانها صورا‬ ‫أشبهن من بقر الخلصاء أعينها‬
‫والصيران جمع صوار وهو القطيع من البقر والصوار أيضا وعاء المسك وقد جمعهما الشاعر‪:‬‬
‫وأذكرها إذا نفخ الصوار‬ ‫إذا لح الصوار ذكرت ليلى‬
‫والصيار لغة فيه‪" .‬ورزقكم من الطيبات ذلكم ال ربكم فتبارك ال رب العالمين" وقد مضى‪" .‬هو‬
‫الحي" أي الباقي الذي ل يموت "ل إله إل هو فادعوه مخلصين له الدين" أي مخلصين له الطاعة‬
‫والعبادة‪" .‬الحمد ل رب العالمين" قال الفراء‪ :‬هو خبر وفيه إضمار أمر أي ادعوه واحمدوه‪ .‬وقد‬
‫مضممى هدا كله مسمتوفى فممي "البقرة" وغيرهمما‪ .‬وقال ابمن عباس‪ :‬ممن قال‪" :‬ل إله إل ال" فليقمل‬
‫"الحمد ل رب العالمين"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 66 :‬قمل إنمي نهيمت أن أعبمد الذيمن تدعون ممن دون ال لمما جاءنمي البينات ممن ربمي‬
‫وأمرت أن أسملم لرب العالميمن‪ ،‬همو الذي خلقكمم ممن تراب ثمم ممن نطفمة ثمم ممن علقمة ثمم يخرجكمم‬
‫طفل ثمم لتبلغوا أشدكمم ثمم لتكونوا شيوخما ومنكمم ممن يتوفمى ممن قبمل ولتبلغوا أجل مسممى ولعلكمم‬
‫تعقلون‪ ،‬هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون ال" أي قل يا محمد‪ :‬نهاني ال الذي‬
‫همو الحمي القيوم ول إله غيره "أن اعبمد" غيره‪" .‬لمما جاءنمي البينات ممن ربمي" أي دلئل توحيده‬
‫"وأمرت أن أسلم لرب العالمين" أذل وأخضع "لرب العالمين" وكانوا دعوه إلى دين آبائه‪ ،‬فأمر‬
‫أن يقول هذا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفل" أي أطفال‪.‬‬
‫"ثمم لتبلغوا أشدكمم" وهمي حالة اجتماع القوة وتمام العقمل‪ .‬وقمد مضمى فمي "النعام" بيانمه‪" .‬ثمم‬
‫لتكونوا شيوخما" بضمم الشيمن قراءة نافمع وابمن محيصمن وحفمص وهشام ويعقوب وأبمو عمرو على‬
‫الصمل؛ لنمه جممع فعمل‪ ،‬نحمو‪ :‬قلب وقلوب ورأس ورؤوس‪ .‬وقرأ الباقون بكسمر الشيمن لمراعاة‬
‫الياء وكلهما جمع كثرة‪ ،‬وفي العدد القليل أشياخ والصل أشيخ؛ مثل فلس وأفلس إل أن الحركة‬
‫فمي الياء ثقيلة‪ .‬وقرئ "شيخما" على التوحيمد؛ كقوله‪" :‬طفل" والمعنمى كمل واحمد منكمم؛ واقتصمر‬
‫على الواحد لن الغرض بيان الجنس‪ .‬وفي الصحاح‪ :‬جمع الشيخ شيوخ وأشياخ وشيخة وشيخان‬
‫ومشيخة ومشايخ ومشيوخاء‪ ،‬والمرأة شيخة‪ .‬قال عبيد‪:‬‬
‫كأنها شيخة رقوب‬
‫وقد شاخ الرجل يشيخ شيخا بالتحريك على أصله وشيخوخة‪ ،‬وأصل الياء متحركة فسكنت؛ لنه‬
‫ليمس فمي الكلم فعلول‪ .‬وشيمخ تشييخما أي شاخ‪ .‬وشيختمه دعوتمه شيخما للتبجيمل‪ .‬وتصمغير الشيمخ‬
‫شييمخ وشييمخ أيضما بكسمر الشيمن ول تقمل شويمخ النحاس‪ :‬وإن اضطمر شاعمر جاز أن يقول أشيمخ‬
‫مثل عين وأعين إل أنه حسن في عين؛ لنها مؤنثة‪ .‬والشيخ من جاوز أربعين سنة‪" .‬ومنكم من‬
‫يتوفمى ممن قبمل" قال مجاهمد‪ :‬أي ممن قبمل أن يكون شيخما‪ ،‬أوممن قبمل هذه الحوال إذا خرج سمقطا‪.‬‬
‫"ولتبلغوا أجل مسمى" قال مجاهد‪ :‬الموت للكل‪ .‬واللم لم العاقبة‪" .‬ولعلكم تعقلون" تعقلون ذلك‬
‫فتعلموا أن ل إله غيره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هو الذي يحيي ويميت" زاد في التنبيه أي هو الذي يقدر على الحياء والماتة‪.‬‬
‫"فإذا قضى أمرا" أي أراد فعله "فإنما يقول له كن فيكون" نصب "فيكون" ابن عامر على جواب‬
‫المر‪ .‬وقد مضى في "البقرة" القول فيه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 69 :‬ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات ال أنى يصرفون‪ ،‬الذين كذبوا بالكتاب وبما‬
‫أرسملنا بمه رسملنا فسموف يعلمون‪ ،‬إذ الغلل فمي أعناقهمم والسملسل يسمحبون‪ ،‬فمي الحميمم ثمم فمي‬
‫النار يسمجرون‪ ،‬ثمم قيمل لهمم أيمن مما كنتمم تشركون‪ ،‬ممن دون ال قالوا ضلوا عنما بمل لم نكمن ندعوا‬
‫ممن قبمل شيئا كذلك يضمل ال الكافريمن‪ ،‬ذلكمم بمما كنتمم تفرحون فمي الرض بغيمر الحمق وبمما كنتمم‬
‫تمرحون‪ ،‬ادخلوا أبواب جهنمم خالديمن فيهما فبئس مثوى المتكمبرين‪ ،‬فاصمبر إن وعمد ال حمق فإمما‬
‫نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون‪ ،‬ولقد أرسلنا رسل من قبلك منهم من قصصنا‬
‫عليمك ومنهمم ممن لم نقصمص عليمك ومما كان لرسمول أن يأتمي بآيمة إل بإذن ال فإذا جاء أممر ال‬
‫قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تممر إلى الذيممن يجادلون فممي آيات ال أنممى يصممرفون" قال ابممن زيممد‪ :‬هممم‬
‫المشركون بدليمل قوله‪" :‬الذن كذبوا بالكتاب وبمما أرسملنا بمه رسملنا"‪ .‬وقال أكثمر المفسمرين‪ :‬نزلت‬
‫في القدرية‪ .‬قال ابن سيرين‪ :‬إن لم تكن هذه الية نزلت في القدرية فل أدري فيمن نزلت‪ .‬قال أبو‬
‫قبيمل‪ :‬ل أحسمب المكذبيمن بالقدر إل الذيمن يجادلون الذيمن آمنوا‪ .‬وقال عقبمة بمن عاممر‪ :‬قال النمبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬نزلت هذه الية في القدرية) ذكره المهدوي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ الغلل في أعناقهم" أي عن قريب يعلمون بطلن ما هم فيه إذا دخلوا النار‬
‫وغلت أيديهمم إلى أعناقهمم‪ .‬قال التيممي‪ :‬لوأن غل ممن أغلل جهنمم وضمع على جبمل لوهصمه حتمى‬
‫يبلغ الماء السمود‪" .‬والسملسل يسمحبون" بالرفمع قراءة العاممة عطفما على الغلل‪ .‬قال أبمو حاتمم‪:‬‬
‫"يسمحبون" مسمتأنف على هذه القراءة‪ .‬وقال غيره‪ :‬همو فمي موضمع نصمب على الحال‪ ،‬والتقديمر‪:‬‬
‫"إذ الغلل فمي أعناقهمم والسملسل" مسمحوبين‪ .‬وقرأ ابمن عباس وأبمو الجوزاء وعكرممة وابمن‬
‫مسعود "والسلسل" بالنصب "يسحبون" بفتح الياء والتقدير في هذه القراءة ويسحبون السلسل‪.‬‬
‫قال ابن عباس‪ :‬إذا كانوا يجرونها فهو أشد عليهم وحكي عن بعضهم "والسلسل" بالجر ووجهه‬
‫أنمه محمول على المعنمى؛ لن المعنمى أعناقهمم فمي الغلل والسملسل؛ قال الفراء‪ .‬وقال الزجاج‪:‬‬
‫ومممن قرأ "والسمملسل يسممحبون" بالخفممض فالمعنممى عنده وفممي "السمملسل يسممحبون"‪ .‬قال ابممن‬
‫النباري‪ :‬والخفمض على هذا المعنمى غيمر جائز؛ لنمك إذا قلت زيمد فمي الدار لم يحسمن أن تضممر‬
‫"فمي" فتقول زيمد الدار‪ ،‬ولكمن الخفمض جائز‪ .‬على معنمى إذ أعناقهمم فمي الغلل والسملسل‪،‬‬
‫فتخفمض السملسل على النسمق على تأويمل الغلل؛ لن الغلل فمي تأويمل الخفمض؛ كمما تقول‪:‬‬
‫خاصم عبدال زيدا العاقلين فتنصب العاقلين‪ .‬ويجوز رفعهما؛ لن أحدهما إذا خاصم صاحبه فقد‬
‫خاصمه صاحبه؛ أنشد الفراء‪:‬‬
‫الفعون والشجاع الشجعما‬ ‫قد سالم الحيات منه القدما‬
‫فنصمب الفعوان على التباع للحيات إذا سمالمت القدم فقمد سمالمتها القدم‪ .‬فممن نصمب السملسل أو‬
‫خفضهما لم يقمف عليهما‪" .‬فمي الحميمم" المتناهمي فمي الحمر‪ .‬وقيمل‪ :‬الصمديد المغلي‪" .‬ثمم فمي النار‬
‫يسممجرون" أي يطرحون فيهمما فيكونون وقودا لهما؛ قال مجاهمد‪ .‬يقال‪ :‬سمجرت التنور أي أوقدتمه‪،‬‬
‫وسمجرته ملتمه؛ ومنمه "والبحمر المسمجور" [الطور‪ ]6 :‬أي المملوء‪ .‬فالمعنمى على هذا تمل بهمم‬
‫النار وقال الشاعر يصف وعل‪:‬‬
‫ترى حولها النبع والسمسما‬ ‫إذا شاء طالع مسجورة‬
‫أي عينما مملوءة‪" .‬ثمم قيمل لهمم أيمن مما كنتمم تشركون‪ ،‬ممن دون ال" وهذا تقريمع وتوبيمخ‪" .‬قالوا‬
‫ضلوا عنما " أي هلكوا وذهبوا عنما وتركونما فمي العذاب؛ ممن ضمل الماء فمي اللبمن أي خفمي‪ .‬وقيمل‪:‬‬
‫أي صماروا بحيمث ل نجدهمم‪" .‬بمل لم نكمن ندعوا ممن قبمل شيئا" أي شيئا ل يبصمر ول يسممع ول‬
‫يضممر ول ينفمع‪ .‬وليمس هذا إنكارا لعبادة الصممنام‪ ،‬بمل همو اعتراف بأن عبادتهممم الصمنام كانمت‬
‫باطلة؛ قال ال تعالى‪" :‬كذلك يضممل ال الكافريممن" أي كممما فعممل بهؤلء مممن الضلل يفعممل بكممل‬
‫كافر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلكمم" أي ذلكمم العذاب "بمما كنتمم تفرحون فمي الرض بغيمر الحمق" بالمعاصمي‬
‫يقال لهم ذلك توبيخا‪ .‬أي إنما نالكم هذا بما كنتم تظهرون في الدنيا من السرور بالمعصية وكثرة‬
‫المال والتباع والصمحة‪ .‬وقيمل إن فرحهمم بهما عندهمم أنهمم قالوا للرسمل‪ :‬نحمن نعلم أنما ل نبعمث ول‬
‫نعذب‪ .‬وكذا قال مجاهمد فمي قوله جمل وعمز‪" :‬فلمما جاءتهمم رسملهم بالبينات فرحوا بمما عندهمم ممن‬
‫العلم" [غافر‪" .]83 :‬وبما كنتم تمرحون" قال مجاهد وغيره‪ :‬أي تبطرون وتأشرون‪ .‬وقد مضى‬
‫فمي "سمبحان" بيانمه‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬الفرح السمرور‪ ،‬والمرح العدوان‪ .‬وروى خالد عمن ثور عمن‬
‫معاذ قال‪ :‬قال رسمول ال صملى ال عليمه وسملم‪( :‬إن ال يبغمض البذخيمن الفرحيمن ويحمب كمل قلب‬
‫حزيمن ويبغمض أهمل بيمت لحميمن ويبغمض كمل حمبر سممين) فأمما أهمل بيمت لحميمن‪ :‬فالذيمن يأكلون‬
‫لحوم الناس بالغيبمة‪ .‬وأمما الحمبر السممين‪ :‬فالمتحمبر بعلممه ول يخمبر بعلممه الناس؛ يعنمي المسمتكثر‬
‫من علمه ول ينتفع به الناس‪ .‬ذكره الماوردي‪ .‬وقد قيل في اللحمين‪ :‬أنهم الذين يكثرون أكل اللحم؛‬
‫ومنه قول عمر‪ :‬اتقوا هذه المجازر فإن لها ضراوة كضراوة الخمر؛ ذكره المهدوي‪ .‬والول قول‬
‫سفيان الثوري‪" .‬ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها" أي يقال لهم ذلك اليوم‪ ،‬وقد قال ال تعالى‪" :‬لها‬
‫سبعة أبواب" [الحجر‪" .]44 :‬فبئس مثوى المتكبرين" تقدم جميعه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاصبر إن وعد ال حق" هذا تسلية للنبي عليه السلم‪ ،‬أي إنا لننتقم لك منهم إما‬
‫فمي حياتمك أو فمي الخرة‪" .‬فإمما نرينمك" فمي موضمع جزم بالشرط ومما زائدة للتوكيمد وكذا النون‬
‫وزال الجزم وبني الفعل على الفتح‪" .‬أو نتوفينك" عطف عليه "فإلينا يرجعون" الجواب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقمد أرسملنا رسمل ممن قبلك" عزاه أيضما بمما لقيمت الرسمل ممن قبمل‪" .‬منهمم ممن‬
‫قصمصنا عليمك" أي أنبأناك بأخبارهمم ومما لقوا ممن قومهمم‪" .‬ومنهمم ممن لم نقصمص عليمك ومما كان‬
‫لرسول أن يأتي بآية" أي من قبل نفسه "إل بإذن ال فإذا جاء أمر ال" أي إذا جاء الوقت المسمى‬
‫لعذابهممم أهلكهممم ال‪ ،‬وإنممما التأخيممر لسمملم مممن علم ال إسمملمه منهممم‪ ،‬ولمممن فممي أصمملبهم مممن‬
‫المؤمنيمن‪ .‬وقيمل‪ :‬أشار بهذا إلى القتمل ببدر‪" .‬قضمي بينهمم؟؟ بالحمق وخسمر هنالك المبطلون" أي‬
‫الذين يتبعون الباطل والشرك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 81 - 79 :‬ال الذي جعمل لكمم النعام لتركبوا منهما ومنهما تأكلون‪ ،‬ولكمم فيهما منافمع‬
‫ولتبلغوا عليهمما حاجممة فممي صممدوركم وعليهمما وعلى الفلك تحملون‪ ،‬ويريكممم آياتممه فأي آيات ال‬
‫تنكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال الذي جعل لكم النعام" قال أبو إسحاق الزجاج‪ :‬النعام ها هنا البل‪" .‬لتركبوا‬
‫منها ومنها تأكلون" فاحتج من منع أكل الخيل وأباح أكل الجمال بأن ال عز وجل قال في النعام‪:‬‬
‫"ومنهما تأكلون" وقال فمي الخيمل‪" :‬والخيمل والبغال والحميمر لتركبوهما" [النحمل‪ ]8 :‬ولم يذكمر‬
‫إباحة أكلها‪ .‬وقد مضى هذا في "النحل" مستوفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولكمم فيهما منافمع" فمي الوبر والصموف والشعمر واللبمن والزبمد والسممن والجبمن‬
‫وغيمر ذلك‪" .‬ولتبلغوا عليهما حاجمة فمي صمدوركم" أي تحممل الثقال والسمفار‪ .‬وقمد مضمى فمي‬
‫"النحمل" بيان هذا كله فل معنمى لعادتمه‪ .‬ثمم قال‪" :‬وعليهما" يعنمي النعام فمي البر "وعلى الفلك‬
‫تحملون" في البحر "ويريكم آياته" أي آياته الدالة على وحدانيته وقدرته فيما ذكر‪" .‬فأي آيات ال‬
‫تنكرون" نصب "أيا" بم "تنكرون"‪ ،‬لن الستفهام له صدر الكلم فل يعمل فيه ما قبله‪ ،‬ولو كان‬
‫ممع الفعمل هاء لكان الختيار فمي "أي" الرفمع‪ ،‬ولو كان السمتفهام بألف أو همل وكان بعدهمما اسمم‬
‫بعده فعمممل معمممه هاء لكان الختيار النصمممب‪ ،‬أي إذا كنتمممم ل تنكرون أن هذه الشياء ممممن ال فلم‬
‫تنكرون قدرته على البعث والنشر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 85 - 82 :‬أفلم يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا‬
‫أكثمر منهمم وأشمد قوة وآثارا فمي الرض فمما أغنمى عنهمم مما كانوا يكسمبون‪ ،‬فلمما جاءتهمم رسملهم‬
‫بالبينات فرحوا بمما عندهمم ممن العلم وحاق بهمم مما كانوا بمه يسمتهزئون‪ ،‬فلمما رأوا بأسمنا قالوا آمنما‬
‫بال وحده وكفرنا بما كنا به مشركين‪ ،‬فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة ال التي قد خلت‬
‫في عباده وخسر هنالك الكافرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفلم يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم" حتى يشاهدوا‬
‫آثار المم السالفة "كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الرض" كانوا أكثر منهم عددا وقوة "فما‬
‫أغنى عنهم ما كانوا يكسبون" من البنية والموال وما أدالوا به من الولد والتباع؛ يقال‪ :‬دلوت‬
‫بفلن‪ ،‬إليك أي استشفعت به إليك‪ .‬وعلى هذا "ما" للجحد أي فلم يغن عنهم ذلك شيئا‪ .‬وقيل‪" :‬ما"‬
‫للستفهام أي أي شيء أغنى عنهم كسبهم حين هلكوا ولم ينصرف "أكثر"؛ لنه على وزن أفعل‪.‬‬
‫وزعممم الكوفيون أن كممل ممما ل ينصممرف فإنممه يجوز أن ينصممرف إل أفعممل مممن كذا فإنممه ل يجوز‬
‫صمرفه بوجمه فمي شعمر ول غيره إذا كانمت معمه ممن‪ .‬قال أبمو العباس‪ :‬ولو كانمت ممن المانعمة ممن‬
‫صرفه لوجب أل يقال‪ :‬مررت بخير منك وشر منك ومن عمرو‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلمما جاءتهمم رسملهم بالبينات" أي باليات الواضحات‪" .‬فرحوا بمما عندهمم ممن‬
‫العلم" فمي معناه ثلثمة أقوال‪ .‬قال مجاهمد‪ :‬إن الكفار الذيمن فرحوا بمما عندهمم ممن العلم قالوا‪ :‬نحمن‬
‫أعلم منهمم لن نعذب ولن نبعمث‪ .‬وقيمل‪ :‬فرح الكفار بمما عندهمم ممن علم الدنيما نحمو "يعلمون ظاهرا‬
‫ممن الحياة الدنيما" [الروم‪ .]7 :‬وقيمل‪ :‬الذيمن فرحوا الرسمل لمما كذبهمم قومهمم أعلمهمم ال عمز وجمل‬
‫أنمه مهلك الكافريمن ومنجيهمم والمؤمنيمن فمم " فرحوا بمما عندهمم ممن العلم" بنجاة المؤمنيمن "وحاق‬
‫بهمم" أي بالكفار "مما كانوا بمه يسمتهزئون" أي عقاب اسمتهزائهم بمما جاء بمه الرسمل صملوات ال‬
‫عليهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلمما رأوا بأسمنا" أي عاينوا العذاب‪" .‬قالوا آمنما بال وحده وكفرنما بمما كنما بمه‬
‫مشركين" أي آمنا بال وكفرنا بالوثان التي أشركناهم في العبادة "فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا‬
‫بأسمنا" فلم ينفعهمم إيمانهمم بال عنمد معاينمة العذاب وحيمن رأوا البأس‪" .‬سمنة ال التمي قمد خلت فمي‬
‫عباده" "سنة ال" مصدر؛ لن العرب تقول‪ :‬سن يسن سنا وسنة؛ أي سن ال عز وجل في الكفار‬
‫أنمه ل ينفعهمم اليمان إذا رأوا العذاب‪ .‬وقمد مضمى هذا مبينما فمي "النسماء" و"يونمس" وأن التوبمة ل‬
‫تقبمل بعمد رؤيمة العذاب وحصمول العلم الضروري‪ .‬وقيمل‪ :‬أي احذروا يما أهمل مكمة سمنة ال فمي‬
‫إهلك الكفرة فمممم "سمممنة ال" منصممموب على التحذيمممر والغراء‪" .‬وخسمممر هنالك الكافرون" قال‬
‫الزجاج‪ :‬وقد كانوا خاسرين من قبل ذلك إل أنه بين لنا الخسران لما رأوا العذاب‪ .‬وقيل‪ :‬فيه تقديم‬
‫وتأخيمر؛ أي "لم يمك ينفعهمم إيمانهمم لمما رأوا بأسمنا" "وخسمر هنالك الكافرون" كسمنتنا فمي جميمع‬
‫الكافرين فم "سنة" نصب بنزع الخافض أي كسنة ال في المم كلها‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة فصلت‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 - 1 :‬حم‪ ،‬تنزيل من الرحمن الرحيم‪ ،‬كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون‪،‬‬
‫بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهمم فهمم ل يسممعون‪ ،‬وقالوا قلوبنما فمي أكنمة ممما تدعونما إليمه وفمي آذاننما‬
‫وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حمم‪ ،‬تنزيمل ممن الرحممن الرحيمم" قال الزجاج‪" :‬تنزيمل" رفمع بالبتداء وخمبره‬
‫"كتاب فصلت آياته" وهذا قول البصريين‪ .‬وقال الفراء‪ :‬يجوز أن يكون رفعه على إضمار هذا‪.‬‬
‫ويجوز أن يقال‪" :‬كتاب" بدل ممن قوله‪" :‬تنزيمل"‪ .‬وقيمل‪ :‬نعمت لقوله‪" :‬تنزيمل"‪ .‬وقيمل‪" :‬حمم" أي‬
‫هذه "حمم" كمما تقول باب كذا‪ ،‬أي همو باب كذا فمم " حمم" خمبر ابتداء مضممر أي همو"حمم"‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫"تنزيمل" مبتدأ آخمر‪ ،‬وقوله‪" :‬كتاب" خمبره‪" .‬فصملت آياتمه" أي بينمت وفسمرت‪ .‬قال قتادة‪ :‬بمبيان‬
‫حلله مممن حرامممه‪ ،‬وطاعتممه مممن معصمميته‪ .‬الحسممن‪ :‬بالوعممد والوعيممد‪ .‬سممفيان‪ :‬بالثواب والعقاب‪.‬‬
‫وقرئ "فصلت" أي فرقت بين الحق والباطل‪ ،‬أو فصل بعضها من بعض باختلف معانيها؛ من‬
‫قولك فصمل أي تباعمد ممن البلد‪" .‬قرآنما عربيما" فمي نصمبه وجوه؛ قال الخفمش‪ :‬همو نصمب على‬
‫المدح‪ .‬وقيممل‪ :‬على إضمار فعممل؛ أي اذكممر "قرآنمما عربيمما"‪ .‬وقيممل‪ :‬على إعادة الفعممل؛ أي فصمملنا‬
‫"قرآنا عربيا"‪ .‬وقيل‪ :‬على الحال أي "فصلت آياته" في حال كونه "قرآنا عربيا"‪ .‬وقيل‪ :‬لما شغل‬
‫"فصملت" باليات حتمى صمارت بمنزلة الفاعمل انتصمب "قرآنما" لوقوع البيان عليمه‪ .‬وقيمل‪ :‬على‬
‫القطممع‪" .‬لقوم يعلمون" قال الضحاك‪ :‬أي إن القرآن منزل مممن عنممد ال‪ .‬وقال مجاهممد‪ :‬أي يعلمون‬
‫أنه إله واحد في التوراة والنجيل‪ .‬وقيل‪ :‬يعلمون العربية فيعجزون عن مثله ولو كان غير عربي‬
‫لما علموه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا أصح‪ ،‬والسورة نزلت تقريعا وتوبيخا لقريش في إعجاز القرآن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بشيرا ونذيرا" حالن من اليات والعامل فيه "فصلت"‪ .‬وقيل‪ :‬هما نعتان للقرآن‬
‫"بشيرا" لولياء ال "نذيرا" لعدائه‪ .‬وقرئ "بشير ونذير" صفة للكتاب‪ .‬أو خبر مبتدأ محذوف‬
‫"فأعرض أكثرهمم" يعنمي أهمل مكمة "فهمم ل يسممعون" سمماعا ينتفعون بمه‪ .‬وروي أن الريان بمن‬
‫حرملة قال‪ :‬قال المل ممن قريمش وأبمو جهمل قمد التبمس علينما أممر محممد‪ ،‬فلو التمسمتم رجل عالمما‬
‫بالشعمر والكهانمة والسمحر فكلممه ثمم آتانما بمبيان ممن أمره؛ فقال عتبمة بمن ربيعمة‪ :‬وال لقمد سممعت‬
‫الكهانمة والشعمر والسمحر‪ ،‬وعلممت ممن ذلك علمما ل يخفمى علي إن كان كذلك‪ .‬فقالوا‪ :‬إيتمه فحدثمه‪.‬‬
‫فأتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال له‪ :‬يا محمد أنت خير أم قصي بن كلب؟ أنت خير أم هاشم؟‬
‫أنت خير أم عبدالمطلب؟ أنت خير أم عبدال؟ فبم تشتم آلهتنا‪ ،‬وتضلل آباءنا‪ ،‬وتسفه أحلمنا‪ ،‬وتذم‬
‫ديننا؟ فإن كنت إنما تريد الرياسة عقدنا إليك ألويتنا فكنت رئيسنا ما بقيت‪ ،‬وإن كنت تريد الباءة‬
‫زوجناك عشر نساء من أي بنات قريش شئت‪ ،‬وإن كنت تريد المال جمعنا لك ما تستغني به أنت‬
‫وعقبك من بعدك‪ ،‬وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا من الجن قد غلب عليك بذلنا لك أموالنا في طلب‬
‫مما تتداوى بمه أو نغلب فيمك‪ .‬والنمبي صملى ال عليمه وسملم سماكت‪ ،‬فلمما فرغ قال‪( :‬قمد فرغمت يما أبما‬
‫الوليد)؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬فقال‪( :‬يا ابن أخي اسمع) قال‪ :‬أسمع‪ .‬قال‪" :‬بسم ال الرحمن الرحيم‪ .‬حم‪ .‬تنزيل‬
‫ممن الرحممن الرحيمم‪ .‬كتاب فصملت آياتمه قرآنما عربيما لقوم يعلمون" إلى قوله‪" :‬فإن أعرضوا فقمل‬
‫أنذرتكمم صماعقة مثمل صماعقة عاد وثمود" [فصملت‪ ]13 :‬فوثمب عتبمة ووضمع يده على فمم النمبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وناشده ال والرحم ليسكتن‪ ،‬ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش فجاءه أبو‬
‫جهمل؛ فقال‪:‬أصمبوت إلى محممد؟ أم أعجبمك طعاممه؟ فغضمب عتبمة وأقسمم أل يكلم محمدا أبدا‪ ،‬ثمم‬
‫قال‪ :‬وال لقمد تعلمون أنمي ممن أكثمر قريمش مال‪ ،‬ولكنمي لمما قصمصت عليمه القصمة أجابنمي بشيمء‬
‫وال مما همو بشعمر ول كهانمة ول سمحر؛ ثمم تل عليهمم مما سممع منمه إلى قوله‪" :‬مثمل صماعقة عاد‬
‫وثمود" [فصلت‪ ]13 :‬وأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف‪ ،‬وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا‬
‫لم يكذب‪ ،‬فوال لقممد خفممت أن ينزل بكممم العذاب؛ يعنممي الصمماعقة‪ .‬وقممد روى هذا الخممبر أبممو بكممر‬
‫النباري في كتاب الرد له عن محمد بن كعب القرظي‪ ،‬وأن النبي صلى ال عليه وسلم قرأ "حم‪.‬‬
‫فصلت" حتى انتهى إلى السجدة فسجد وعتبة مصغ يستمع‪ ،‬قد اعتمد على يديه من وراء ظهره‪.‬‬
‫فلما قطع رسول ال صلى ال علييه وسلم القراءة قال له‪( :‬يا أبا الوليد قد سمعت الذي قرأت عليك‬
‫فأنمت وذاك) فانصمرف عتبمة إلى قريمش فمي ناديهما فقالوا‪ :‬وال لقمد جاءكمم أبمو الوليمد بغيمر الوجمه‬
‫الذي مضى به من عندكم‪ .‬ثم قالوا‪ :‬ما وراءك أبا الوليد؟ قال‪ :‬وال لقد سمعت كلما من محمد ما‬
‫سممعت مثله قمط‪ ،‬وال مما همو بالشعمر ول بالكهانمة‪ ،‬فأطيعونمي فمي هذه وأنزلوهما بمي؛ خلوا محمدا‬
‫وشأنممه واعتزلوه‪ ،‬فوال ليكونممن لممما سمممعت مممن كلمممه نبممأ‪ ،‬فان أصممابته العرب كفيتموه بأيدي‬
‫غيركم‪ ،‬وإن كان ملكا أو نبيا كنتم أسعد الناس به؛ لن ملكه ملككم وشرفه شرفكم‪ .‬فقالوا‪ :‬هيهات‬
‫سحرك محمد يا أبا الوليد‪ .‬وقال‪ :‬هذا رأيي لكم فاصنعوا ما شئتم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه" الكنة جمع كنان وهو الغطاء‪ .‬وقد مضى‬
‫في "البقرة"‪ .‬قال مجاهد‪ :‬الكنان للقلب كالجنة للنبل‪" .‬وفي آذاننا وقر" أي صمم؛ فكلمك ل يدخل‬
‫أسماعنا‪ ،‬وقلوبنا مستورة من فهمه‪" .‬ومن بيننا وبينك حجاب" أي خلف في الدين‪ ،‬لنهم يعبدون‬
‫الصنام وهو يعبد ال عز وجل‪ .‬قال معناه الفراء وغيره‪ .‬وقيل‪ :‬ستر مانع عن الجابة‪ .‬وقيل‪ :‬إن‬
‫أبما جهمل اسمتغشى على رأسمه ثوبما وقال‪ :‬يما محممد بيننما وبينمك حجاب‪ .‬اسمتهزاء منمه‪ .‬حكاه النقاش‬
‫وذكره القشيري‪ .‬فالحجاب هنا الثوب‪" .‬فاعمل إننا عاملون" أي اعمل في هلكنا فإنا عاملون في‬
‫هلكك؛ قاله الكلبي‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬اعمل للهك الذي أرسلك‪ ،‬فإنا نعمل للهتنا التي نعبدها‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫أعمل بما يقتضيه دينك‪ ،‬فإنا عاملون بما يقتضيه ديننا‪ .‬ويحتمل خامسا‪ :‬فاعمل لخرتك فإنا نعمل‬
‫لدنيانا؛ ذكره الماوردي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليممة‪{ 8 - 6 :‬قممل إنممما أنمما بشممر مثلكمم يوحمى إلي أنمما إلهكممم إله واحممد فاسمتقيموا إليمه‬
‫واسممتغفروه وويممل للمشركيممن‪ ،‬الذيممن ل يؤتون الزكاة وهممم بالخرة هممم كافرون‪ ،‬إن الذيممن آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل إنما أنا بشر مثلكم" أي لست بملك بل أنا من بني آدم‪ .‬قال الحسن‪ :‬علمه ال‬
‫تعالى التواضمع‪" .‬يوحمى إلي" أي ممن السمماء على أيدي الملئكمة "أنمما إلهكمم إله واحمد" فآمنوا بمه‬
‫"فاسمتقيموا إليمه" أي وجهوا وجوهكمم بالدعاء له والمسمألة إليمه‪ ،‬كمما يقول الرجمل‪ :‬اسمتقم إلى‬
‫منزلك؛ أي ل تعرج على شيمء غيمر القصمد إلى منزلك‪" .‬واسمتغفروه" أي ممن شرككمم‪" .‬وويمل‬
‫للمشركين الذين ل يؤتون الزكاة" قال ابن عباس‪ :‬الذين ل يشهدون "أن ل إله إل ال" وهي زكاة‬
‫النفس‪ .‬وقال قتادة‪ :‬ل يقرون بالزكاة أنها واجبة‪ .‬وقال الضحاك ومقاتل‪ :‬ل يتصدقون ول ينفقون‬
‫في الطاعة‪ .‬قرعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلء‪ ،‬وفيه دللة على أن الكافر يعذب بكفر مع منع‬
‫وجوب الزكاة عليمممممه‪ .‬وقال الفراء وغيره‪ :‬كان المشركون ينفقون النفقات‪ ،‬ويسمممممقون الحجيمممممج‬
‫ويطعمونهم‪ ،‬فحرموا ذلك على من آمن بمحمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فنزلت فيهم هذه الية‪" .‬وهم‬
‫بالخرة همم كافرون" فلهذا ل ينفقون فمي الطاعمة ول يسمتقيمون ول يسمتغفرون‪ .‬الزمخشري‪ :‬فإن‬
‫قلت لم خص من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقرونا بالكفر بالخرة؟ قلت‪ :‬لن أحب شيء‬
‫إلى النسان ماله‪ ،‬وهو شقيق روحه‪ ،‬فإذا بذله في سبيل ال فذلك أقوى دليل على ثباته واستقامته‬
‫وصممدق نيتممه ونصمموع طويتممه أل ترى إلى قوله عممز وجممل‪" :‬ومثممل الذيممن ينفقون أموالهممم ابتغاء‬
‫مرضاة ال وتثبيتما ممن أنفسمهم" [البقرة‪ ]265 :‬أي يثبتون أنفسمهم‪ ،‬ويدلون على ثباتهما بإنفاق‬
‫الموال‪ ،‬ومما خدع المؤلفمة قلوبهمم إل بلمظمة ممن الدنيما‪ ،‬فقويمت عصمبتهم ولنمت شكيمتهمم؛ وأهمل‬
‫الردة بعممد رسممول ال صمملى ال عليممه وسمملم ممما تظاهروا إل بمنممع الزكاة‪ ،‬فنصممبت لهممم الحروب‬
‫وجوهدوا‪ .‬وفيمه بعمث للمؤمنيمن على أداء الزكاة‪ ،‬وتخويمف شديمد من منعهما‪ ،‬حيمث جعمل المنمع من‬
‫أوصاف المشركين‪ ،‬وقرن بالكفر بالخرة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذيمن آمنوا وعملوا الصمالحات لهمم أجمر غيمر ممنون" قال ابمن عباس‪ :‬غيمر‬
‫مقطوع؛ مأخوذ من مننت الحبل إذا قطعته؛ ومنه قول ذي الصبع‪:‬‬
‫على الصديق ول خيري بممنون‬ ‫إني لعمرك ما بابي بذي غلق‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫مع منينا كأنه أهباء‬ ‫فترى خلفها من الرجع والوقم‬
‫يعنممي بالمنيممن الغبار المنقطممع الضعيممف‪ .‬وعممن ابممن عباس أيضمما ومقاتممل‪ :‬غيممر منقوص‪ .‬ومنممه‬
‫المنون؛ لنها تنقص منه النسان أي قوته؛ وقال قطرب؛ وأنشد قول زهير‪:‬‬
‫يعطي بذلك ممنونا ول نزقا‬ ‫فضل الجياد على الخيل البطاء فل‬
‫قال الجوهري‪ :‬والمن القطع‪ ،‬ويقال النقص؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬لهم أجر غير ممنون"‪ .‬وقال لبيد‪:‬‬
‫غبس كواسب ل يمن طعامها‬
‫وقال مجاهد‪" :‬غير ممنون" غير محسوب‪ .‬وقيل‪" :‬غير ممنون" عليهم به‪ .‬قال السدي‪ :‬نزلت في‬
‫الزمنمي والمرضمى والهرممى إذا ضعفوا عمن الطاعمة كتمب لهمم من الجمر كأصمح مما كانوا يعملون‬
‫فيه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 12 - 9 :‬قمل أئنكمم لتكفرون بالذي خلق الرض فمي يوميمن وتجعلون له أندادا ذلك‬
‫رب العالميمن‪ ،‬وجعمل فيهما رواسمي ممن فوقهما وبارك فيهما وقدر فيهما أقواتهما فمي أربعمة أيام سمواء‬
‫للسمائلين‪ ،‬ثمم اسمتوى إلى السمماء وهمي دخان فقال لهما وللرض ائتيما طوعما أو كرهما قالتما أتينما‬
‫طائعيمن‪ ،‬فقضاهمن سمبع سمماوات فمي يوميمن وأوحمى فمي كمل سمماء أمرهما وزينما السمماء الدنيما‬
‫بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قممل أئنكممم لتكفرون بالذي خلق الرض" "أئنكممم" بهمزتيممن الثانيممة بيممن بيممن‬
‫و"أائنكم" بألف بين همزتين وهو استفهام معناه التوبيخ‪ .‬أمره بتوبيخهم والتعجب من فعلهم‪ ،‬أي لم‬
‫تكفرون بال وهمو خالق السمموات والرض؟ ! "فمي يوميمن" الحمد والثنيمن "وتجعلون له أندادا"‬
‫أي أضدادا وشركاء "ذلك رب العالميممن"‪" .‬وجعممل فيهمما" أي فممي الرض "رواسممي مممن فوقهمما"‬
‫يعنممي الجبال‪ .‬وقال وهممب‪ :‬لممما خلق ال الرض مادت على وجممه الماء؛ فقال لجبريممل ثبتهمما يمما‬
‫جبريل‪ .‬فنزل فأمسكها فغلبته الرياح‪ ،‬قال‪ :‬يا رب أنت أعلم لقد غلبت فيها فثبتها بالجبال وأرساها‬
‫"وبارك فيها" بما خلق فيها من المنافع‪ .‬قال السدي‪ :‬أنبت فيها شجرها‪" .‬وقدر فيها أقواتها" قال‬
‫السممدي والحسممن‪ :‬أرزاق أهلهمما ومصممالحهم‪ .‬وقال قتادة ومجاهممد‪ :‬خلق فيهمما أنهارهمما وأشجارهمما‬
‫ودوابهما فمي يوم الثلثاء والربعاء‪ .‬وقال عكرممة والضحاك‪ :‬معنمى "قدر فيهما أقواتهما" أي أرزاق‬
‫أهلها وما يصلح لمعايشهمم من التجارات والشجار والمنافع في كل بلدة ما لم يجعله فمي الخرى‬
‫ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة والسفار من بلد إلى بلد‪ .‬قال عكرمة‪ :‬حتى إنه في بعض البلد‬
‫ليتبايعون الذهمب بالملح مثل بمثمل‪ .‬وقال مجاهمد والضحاك‪ :‬السمابري ممن سمابور‪ ،‬والطيالسمة ممن‬
‫الري‪ ،‬والحمبر اليمانيمة ممن اليممن‪" .‬فمي أربعمة أيام" يعنمي فمي تتممة أربعمة أيام‪ .‬ومثاله قول القائل‪:‬‬
‫خرجمت ممن البصمرة إلى بغداد فمي عشرة أيام‪ ،‬وإلى الكوفمة فمي خمسمة عشمر يومما؛ أي فمي تتممة‬
‫خمسة عشر يوما‪ .‬قال معناه ابن النباري وغيره‪" .‬سواء للسائلين" قال الحسن‪ :‬المعنى في أربعة‬
‫أيام مسمتوية تاممة‪ .‬الفراء‪ :‬فمي الكلم تقديمم وتأخيمر‪ ،‬والمعنمى‪ :‬وقدر فيهما أقواتهما سمواء للمحتاجيمن‪.‬‬
‫واختاره الطمبري‪ .‬وقرأ الحسمن‪ ،‬البصمري ويعقوب الحضرممي "سمواء للسمائلين" بالجمر وعمن ابمن‬
‫القعقاع "سممواء" بالرفممع؛ فالنصمب على المصممدر و"سممواء" بمعنمى اسمتواء أي اسمتوت اسمتواء‪.‬‬
‫وقيمل‪ :‬على الحال والقطمع؛ والجمر على النعمت ليام أو لربعمة أي "فمي أربعمة أيام" مسمتوية تاممة‪.‬‬
‫والرفمع على البتداء والخمبر "للسمائلين" أو على تقديمر هذه "سمواء للسمائلين"‪ .‬وقال أهمل المعانمي‪:‬‬
‫معنمى "سمواء للسمائلين" ولغيمر السمائلين؛ أي خلق الرض ومما فيهما لممن سمأل ولممن لم يسمأل‪،‬‬
‫ويعطي من سأل ومن ل يسأل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم استوى إلى السماء وهي دخان" أي عمد إلى خلقها وقصد لتسويتها‪ .‬والستواء‬
‫ممن صمفة الفعال على أكثمر القوال؛ يدل عليمه قوله تعالى‪" :‬ثمم اسمتوى إلى السمماء فسمواهن سمبع‬
‫سماوات" [البقرة‪ ]29 :‬وقد مضى القول هناك‪ .‬وروى أبو صالح عن ابن عباس في قوله‪" :‬ثم‬
‫اسمتوى إلى السمماء" يعنمي صمعد أمره إلى السمماء؛ وقال الحسمن‪ .‬وممن قال‪ :‬إنمه صمفة ذاتيمة زائدة‬
‫قال‪ :‬اسمتوى فمي الزل بصمفاته‪ .‬و"ثمم" ترجمع إلى نقمل السمماء ممن صمفة الدخان إلى حالة الكثافمة‪.‬‬
‫وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس؛ على ما مضى في "البقرة" عن ابن مسعود وغيره‪.‬‬
‫"فقال لهمما وللرض ائتيمما طوعمما أو كرهمما" أي جيئا بممما خلقممت فيكممما مممن المنافممع والمصممالح‬
‫وأخرجاهمما لخلقممي‪ .‬قال ابممن عباس‪ :‬قال ال تعالى للسممماء‪ :‬أطلعممي شمسممك وقمرك وكواكبممك‪،‬‬
‫واجري رياحممك وسممحابك‪ ،‬وقال للرض‪ :‬شقممي أنهارك واخرجممي شجرك وثمارك طائعتيممن أو‬
‫كارهتيمن "قالتما أتينما طائعيمن" فمي الكلم حذف أي أتينما أمرك "طائعيمن"‪ .‬وقيمل‪ :‬معنمى هذا الممر‬
‫التسممخير؛ أي كونمما فكانتمما كممما قال تعالى‪" :‬إنممما قولنمما لشيممء إذا أردناه أن نقول له كممن فيكون"‬
‫[النحل‪ ]40 :‬فعلى هذا قال ذلك قبل خلقهما‪ .‬وعلى القول الول قال ذلك بعد خلقهما‪ .‬وهو قول‬
‫الجمهور‪ .‬وفي قوله تعالى لهما وجهان‪ :‬أحدهما أنه قول تكلم به‪ .‬الثاني أنها قدرة منه ظهرت لهما‬
‫فقام مقام الكلم فمي بلوغ المراد؛ ذكره الماوردي‪" .‬قالتما أتينما طائعيمن" فيمه أيضما وجهان‪ :‬أحدهمما‬
‫أنه ظهور الطاعة منهما حيث انقادا وأجابا فقام مقام قولهما‪ ،‬ومنه قول الراجز‪:‬‬
‫مهل رويدا قد ملت بطني‬ ‫امتل الحوض وقال قطني‬
‫يعني ظهر ذلك فيه‪ .‬وقال أكثر أهل العلم‪ :‬بل خلق ال فيهما الكلم فتكلمتا كما أراد تعالى‪ :‬قال أبو‬
‫نصر السكسكي‪ :‬فنطق من الرض موضع الكعبة‪ ،‬ونطق من السماء ما بحيالها‪ ،‬فوضع ال تعالى‬
‫فيه حرمه‪ .‬وقال‪" :‬طائعين" ولم يقل طائعتين على اللفظ ول طائعات على المعنى؛ لنهما سموات‬
‫وأرضون‪ ،‬لنمه أخمبر عنهمما وعممن فيهمما‪ ،‬وقيمل‪ :‬لمما وصمفهن بالقول والجابمة وذلك ممن صمفات‬
‫ممن يعقمل أجراهمما فمي الكنايمة مجرى ممن يعقمل‪ ،‬ومثله‪" :‬رأيتهمم لي سماجدين" [يوسمف‪ ]4 :‬وقمد‬
‫تقدم‪ .‬وفي حديث‪ :‬إن موسى عليه الصلة والسلم قال‪ :‬يا رب لو أن السموات والرض حين قلت‬
‫لهما "ائتيا طوعا أو كرها" عصياك ما كنت صانعا بهما؟ قال كنت آمر دابة من دوابي فتبتلعهما‪.‬‬
‫قال‪ :‬يما رب وأيمن تلك الدابمة؟ قال‪ :‬فمي مرج ممن مروجمي‪ .‬قال‪ :‬يما رب وأيمن ذلك المرج؟ قال علم‬
‫من علمي‪ .‬ذكره الثعلبي‪ .‬وقرأ ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة "آتيا" بالمد والفتح‪.‬‬
‫وكذلك قوله‪" :‬آتينما طائعيمن" على معنمى أعطيما الطاعمة ممن أنفسمكما "قالتما" أعطينما "طائعيمن"‬
‫فحذف المفعولين جميعا‪ .‬ويجوز وهو أحسن أن يكون "آتينا" فاعلنا فحذف مفعول واحد‪ .‬ومن قرأ‬
‫"آتينا" فالمعنى جئنا بما فينا؛ على ما تقدم بيانه في غير ما موضع والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فقضاهن سبع سماوات في يومين" أي أكملهن وفرغ منهن‪ .‬وقيل‪ .‬أحكمهن كما‬
‫قال‪:‬‬
‫داود أو صنع السوابغ تبع‬ ‫وعليهما مسرودتان قضاهما‬
‫"في يومين" سوى الربعة اليام التي خلق فيها الرض‪ ،‬فوقع خلق السموات والرض في ستة‬
‫أيام؛ كمما قال تعالى‪" :‬خلق السمماوات والرض فمي سمتة أيام" [العراف‪ ]54 :‬على مما تقدم فمي‬
‫"العراف" بيانه‪ .‬قال مجاهد‪ :‬ويوم من الستة اليام كألف سنة مما تعدون‪ .‬وعن عبدال بن سلم‬
‫قال‪ :‬خلق ال الرض فمي يوميمن‪ ،‬وقدر فيهما أقواتهما فمي يوميمن‪ ،‬وخلق السمموات فمي يوميمن؛ خلق‬
‫الرض في يوم الحد والثنين‪ ،‬وقدر فيها أقواتها يوم الثلثاء ويوم الربعاء‪ ،‬وخلق السموات في‬
‫يوم الخميمس ويوم الجمعمة‪ ،‬وأخمر سماعة فمي يوم الجمعمة خلق ال آدم فمي عجمل‪ ،‬وهمي التمي تقوم‬
‫فيها الساعة‪ ،‬وما خلق ال من دابة إل وهي تفزع من يوم الجمعة إل النس والجن‪ .‬على هذا أهل‬
‫التفسير؛ إل ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة قال‪ :‬أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم بيدي‪،‬‬
‫فقال‪( :‬خلق ال التربمة يوم السمبت‪ )...‬الحديمث‪ ،‬وقمد تكلمنما على إسمناده فمي أول سمورة (النعام)‪.‬‬
‫"وأوحمى فمي كمل سمماء أمرهما" قال قتادة والسمدي‪ :‬خلق فيهما شمسمها وقمرهما ونجومهما وأفلكهما‪،‬‬
‫وخلق فمي كمل سمماء خلقهما ممن الملئكمة والخلق الذي فيهما ممن البحار وجبال البرد والثلوج‪ .‬وهمو‬
‫قول ابمن عباس؛ قال‪ :‬ول فمي كمل سمماء بيمت تحمج إليمه وتطوف بمه الملئكمة بحذاء الكعبمة‪ ،‬والذي‬
‫فمي السماء الدنيا هو البيت المعمور‪ .‬وقيل‪ :‬أوحى ال فمي كمل سمماء؛ أي أوحمى فيها ما أراده وما‬
‫أممر بمه فيهما‪ .‬واليحاء قمد يكون أمرا؛ لقوله‪" :‬بأن ربمك أوحمى لهما" [الزلزلة‪ ]5 :‬وقوله‪" :‬وإذ‬
‫أوحيت إلى الحواريين" [المائدة‪ ]111 :‬أي أمرتهم وهو أمر تكوين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وزينا السماء الدنيا بمصابيح" أي بكواكب تضيء وقيل‪ :‬إن في كل سماء كواكب‬
‫تضيممء‪ .‬وقيممل‪ :‬بممل الكواكممب مختصممة بالسممماء الدنيمما‪" .‬وحفظمما" أي وحفظناهمما حفظمما؛ أي مممن‬
‫الشياطين الذين يسترقون السمع‪ .‬وهذا الحفظ بالكواكب التي ترجم بها الشياطين على ما تقدم في‬
‫"الحجر" بيانه‪ .‬وظاهر هذه الية يدل على أن الرض خلقت قبل السماء‪ .‬وقال في آية أخرى‪" :‬أم‬
‫السماء بناها" [النازعات‪ ]27 :‬ثم قال‪" :‬والرض بعد ذلك دحاها" [النازعات‪ ]30 :‬وهذا يدل‬
‫على خلق السممماء أول‪ .‬وقال قوم‪ :‬خلقممت الرض قبممل السممماء؛ فأممما قوله‪" :‬والرض بعممد ذلك‬
‫دحاهمما" [النازعات‪ ]30 :‬فالدحمو غيمر الخلق‪ ،‬فال خلق الرض ثمم خلق السمموات‪ ،‬ثمم دحما‬
‫الرض أي مدها وبسطها؛ قال ابن عباس‪ .‬وقد مضى هذا المعنى مجودا في "البقرة" والحمد ل‪.‬‬
‫"ذلك تقدير العزيز العليم"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 - 13 :‬فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صماعقة مثل صاعقة عاد وثمود‪ ،‬إذ جاءتهم‬
‫الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم أل تعبدوا إل ال قالوا لو شاء ربنا لنزل ملئكة فإنا بما أرسلتم‬
‫بمه كافرون‪ ،‬فأمما عاد فاسمتكبروا فمي الرض بغيمر الحمق وقالوا ممن أشمد منما قوة أولم يروا أن ال‬
‫الذي خلقهمم همو أشمد منهمم قوة وكانوا بآياتنما يجحدون‪ ،‬فأرسملنا عليهمم ريحما صمرصرا فمي أيام‬
‫نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الخرة أخزى وهم ل ينصرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن أعرضوا" يعنمي كفار قريمش عمما تدعوهمم إليمه يما محممد ممن اليمان‪" .‬فقمل‬
‫أنذرتكمم صماعقة مثمل صماعقة عاد وثمود" أي خوفتكمم هلكما مثمل هلك عاد وثمود‪" .‬إذ جاءتهمم‬
‫الرسمل ممن بيمن أيديهمم وممن خلفهمم" يعنمي ممن أرسمل إليهمم وإلى ممن قبلهمم "أل تعبدوا إل ال"‬
‫موضمع "أن" نصمب بإسمقاط الخافمض أي بمم "أل تعبدوا" "قالوا لو شاء ربنما لنزل ملئكمة" بدل‬
‫الرسمل "فإنما بمما أرسملتم بمه كافرون" ممن النذار والتبشيمر‪ .‬قيمل‪ :‬هذا اسمتهزاء منهمم‪ .‬وقيمل‪ :‬إقرار‬
‫منهم بإرسالهم ثم بعده جحود وعناد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأمما عاد فاسمتكبروا فمي الرض بغيمر الحمق" اسمتكبروا على عباد ال هود وممن‬
‫آمن معه "وقالوا من أشد منا قوة" اغتروا بأجسامهم حين تهددهم بالعذاب‪ ،‬وقالوا‪ :‬نحن نقدر على‬
‫دفع العذاب عن أنفسمنا بفضمل قوتنما‪ .‬وذلك أنهمم كانوا ذوي أجسام طوال وخلق عظيم‪ .‬وقد مضمى‬
‫فمي "العراف" عمن ابمن عباس‪ :‬أن أطولهمم كان مائة ذراع وأقصمرهم كان سمتين ذراعما‪ .‬فقال ال‬
‫تعالى ردا عليهم‪":‬أولم يروا أن الذي خلقهم هو أشد منهم قوة" وقدرة‪ ،‬وإنما يقدر العبد بإقدار ال؛‬
‫فال أقدر إذا‪" .‬وكانوا بآياتنا يجحدون" أي بمعجزاتنا يكفرون‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا" هذا تفسير الصاعقة التي أرسلها عليهم‪ ،‬أي ريحا‬
‫باردة شديدة البرد وشديدة الصموت والهبوب‪ .‬ويقال‪ :‬أصملها صمرر ممن الصمر وهمو البرد فأبدلوا‬
‫مكان الراء الوسمطى فاء الفعمل؛ كقولهمم كبكبوا أصمله كببوا‪ ،‬وتجفجمف الثوب أصمله تجفمف‪ .‬أبمو‬
‫عمبيدة‪ :‬معنمى صمرصر‪ :‬شديدة عاصمفة‪ .‬عكرممة وسمعيد بمن جمبير‪ :‬شديمد البرد‪ .‬وأنشمد قطرب قول‬
‫الحطيئة‪:‬‬
‫والحاملون إذا استودوا على الناس‬ ‫المطعمون إذا هبت بصرصرة‬
‫استودوا‪ :‬إذا سئلوا الدية‪ .‬مجاهد‪ :‬الشديدة السموم‪ .‬وروى معمر عن قتادة قال‪ :‬باردة‪ .‬وقاله عطاء؛‬
‫لن "صرصرا" مأخوذ من صر والصر في كلم العرب البرد كما قال‪:‬‬
‫ء ركبن في يوم ريح وصر‬ ‫لها عذر كقرون النسا‬
‫وقال السمدي‪ :‬الشديدة الصموت‪ .‬ومنمه صمر القلم والباب يصمر صمريرا أي صموت‪ .‬ويقال‪ :‬درهمم‬
‫صري وصري للذي له صوت إذا نقد‪ .‬قال ابن السكيت‪ :‬صرصر يجوز أن يكون من الصر وهو‬
‫البرد‪ ،‬ويجوز أن يكون ممن صمرير الباب‪ ،‬وممن الصمرة وهمي الصميحة‪ .‬ومنمه "فأقبلت امرأتمه فمي‬
‫صمرة" [الذاريات‪ .]29 :‬وصمرصر اسمم نهمر بالعراق‪" .‬فمي أيام نحسمات" أي مشؤومات؛ قال‬
‫مجاهممد وقتادة‪ .‬كممن آخممر شوال مممن يوم الربعاء إلى يوم الربعاء وذلك "سممبع ليال وثمانيممة أيام‬
‫حسوما" [الحاقة‪ ]7:‬قال ابن عباس‪ :‬ما عذب قوم إل في يوم الربعاء‪ .‬وقيل‪" :‬نحسات" باردات؛‬
‫حكاه النقاش‪ .‬وقيمل‪ :‬متتابعات؛ عمن ابمن عباس وعطيمة‪ .‬الضحاك‪ :‬شداد‪ .‬وقيمل‪ :‬ذات غبار؛ حكاه‬
‫ابن عيسى‪ .‬ومنه قول الراجز‪:‬‬
‫للصيد في يوم قليل النحس‬ ‫قد اغتدى قبل طلوع الشمس‬
‫قال الضحاك وغيره‪ :‬أمسمك ال عنهمم المطمر ثلث سمنين‪ ،‬ودرت الرياح عليهمم فمي غيمر مطمر‪،‬‬
‫وخرج منهمم قوم إلى مكمة يسمتسقون بهما للعباد‪ ،‬وكان الناس فمي ذلك الزمان إذا نزل بهمم بلء أو‬
‫جهممد طلبوا إلى ال تعالى الفرج منممه‪ ،‬وكانممت طلبتهممم ذلك مممن ال تعالى عنممد بيتممه الحرام مكممة‬
‫مسملمهم وكافرهمم‪ ،‬فيجتممع بمكمة ناس كثيمر شتمي‪ ،‬مختلفمة أديانهمم‪ ،‬وكلهمم معظمم لمكمة‪ ،‬عارف‬
‫حرمتها ومكانها من ال تعالى‪ .‬وقال جابر بن عبدال والتيمي‪ :‬إذا أراد ال بقوم خيرا أرسل عليهم‬
‫المطمر وحبمس عنهمم كثرة الرياح‪ ،‬وإذا أراد ال بقوم شرا حبمس عنهمم المطمر وسملط عليهمم كثرة‬
‫الرياح‪ .‬وقرأ نافمع وابمن كثيمر وأبمو عمرو "نحسمات" بإسمكان الحاء على أنمه جممع نحمس الذي همو‬
‫مصمدر وصمف بمه‪ .‬الباقون‪" :‬نحسمات" بكسمر الحاء أي ذوات نحمس‪ .‬وممما يدل على أن النحمس‬
‫مصدر قوله‪" :‬في يوم نحس مستمر" [القمر‪ ]19 :‬ولو كان صفة لم يضف اليوم إليه؛ وبهذا كان‬
‫يحتمج أبمو عمرو على قراءتمه؛ واختاره أبمو حاتمم‪ .‬واختار أبمو عبيمد القراءة الثانيمة وقال‪ :‬ل تصمح‬
‫حجة أبي عمرو؛ لنه أضاف اليوم إلى النحس فأسكن‪ ،‬وإنما كان يكون حجة لو نون اليوم ونعت‬
‫وأسمكن؛ فقال‪" :‬فمي يوم نحمس" [القممر‪ ]19 :‬وهذا لم يقرأ بمه أحمد نعلممه‪ .‬وقال المهدوي‪ :‬ولم‬
‫يسمع في "نحس" إل السكان‪ .‬قال الجوهري‪ :‬وقرئ في قوله "في يوم نحس" [القمر‪ ]19 :‬على‬
‫الصفة‪ ،‬والضافة أكثر وأجود‪ .‬وقد نحس الشيء بالكسر فهو نحس أيضا؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫طيا وبهراء قوم نصرهم نحس‬ ‫أبلغ جذاما ولخما أن إخوتهم‬
‫ومنمه قيمل‪ :‬أيام نحسمات‪" .‬لنذيقهمم" أي لكمي نذيقهمم "عذاب الخزي فمي الحياة الدنيما" أي العذاب‬
‫بالريح العقيم‪" .‬ولعذاب الخرة أخزى وهم ل ينصرون" أي أعظم وأشد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 - 17 :‬وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب‬
‫الهون بما كانوا يكسبون‪ ،‬ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأما ثمود فهديناهمم" أي بينا لهم الهدى والضلل؛ عن ابن عباس وغيره‪ .‬وقرأ‬
‫الحسمن وابمن أبمي إسمحاق وغيرهمما "وأمما ثمود" بالنصمب وقمد مضمى الكلم فيمه فمي "العراف"‪.‬‬
‫"فاسمتحبوا العممى على الهدى" أي اختاروا الكفمر على اليمان‪ .‬وقال أبمو العاليمة‪ :‬اختاروا العممى‬
‫على البيان‪ .‬السمدي‪ :‬اختاروا المعصمية على الطاعمة‪" .‬فأخذتهمم صماعقة العذاب الهون" "الهون"‬
‫بالضم الهوان‪ .‬وهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر أخو كنانة وأسد‪ .‬وأهانه‪ :‬استخف‬
‫بممه‪ .‬والسممم الهوان والمهانممة‪ .‬وأضيممف الصمماعقة إلى العذاب‪ ،‬لن الصمماعقة اسممم للمبيممد المهلك‪،‬‬
‫فكأنممه قال مهلك العذاب؛ أي العذاب المهلك‪ .‬والهون وإن كان مصممدرا فمعناه الهانممة والهانممة‬
‫عذاب‪ ،‬فجاز أن يجعمل أحدهمما وصمفا للخمر؛ فكأنمه قال‪ :‬صماعقة الهون‪ .‬وهمو كقولك‪ :‬عندي علم‬
‫اليقين‪ ،‬وعندي العلم اليقين‪ .‬ويجوز أن يكون الهون اسما مثل الدون؛ يقال‪ :‬عذاب هون أي مهين؛‬
‫كمما قال‪" :‬مما لبثوا فمي العذاب المهيمن"‪[ .‬سمبأ‪ .]14 :‬وقيمل‪ :‬أي صماعقة العذاب ذي الهون‪" .‬بمما‬
‫كانوا يكسممبون" مممن تكذيبهممم صممالحا وعقرهممم الناقممة‪ ،‬على ممما تقدم‪" .‬ونجينمما الذيممن آمنوا وكانوا‬
‫يتقون" يعني صالحا ومن آمن به؛ أي ميزناهم عن الكفار‪ ،‬فلم يحل بهم ما حل بالكفار‪ ،‬وهكذا يا‬
‫محمد نفعل بمؤمني قومك وكفارهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 - 19 :‬ويوم يحشر أعداء ال إلى النار فهم يوزعون‪ ،‬حتى إذا ما جاؤوها شهد‬
‫عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون‪ ،‬وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا‬
‫ال الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويوم يحشمر أعداء ال إلى النار" قرأ نافمع "نحشمر" بالنون "أعداء" بالنصمب‪.‬‬
‫الباقون "يحشممر" بياء مضمومممة "أعداء" بالرفممع ومعناهممما بيممن‪ .‬وأعداء ال‪ :‬الذيممن كذبوا رسممله‬
‫وخالفوا أمره‪" .‬فهمم يوزعون" يسماقون ويدفعون إلى جهنمم‪ .‬قال قتادة والسمدي‪ :‬يحبمس أولهمم عمل‬
‫آخرهممم حتممى يجتمعوا؛ قال أبممو الحوص‪ :‬فإذا تكاملت العدة بدئ بالكابر فالكابر جرممما‪ .‬وقممد‬
‫مضى في "النمل" الكلم في "يوزعون" [النمل‪ ]17 :‬مستوفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتمى إذا مما جاؤوهما" "مما" زائدة "شهمد عليهمم سممعهم وأبصمارهم وجلودهمم بمما‬
‫كانوا يعملون" الجلود يعني بها الجلود أعيانها في قول أكثر المفسرين‪ .‬وقال السدي وعبيدال بن‬
‫أبي جعفر والفراء‪ :‬أراد بالجلود الفروج؛ وأنشد بعض الدباء لعامر بن جوية‪:‬‬
‫مة والسلمة حسبه‬ ‫المرء يسعى للسل‬
‫أوسالم من قد تثم منى جلده وابيض رأسه‬
‫وقال‪ :‬جلده كنايمة عمن فرجمه‪" .‬وقالوا" يعنمي الكفار "لجلودهمم لم شهدتمم علينما" وإنمما كنما نجادل‬
‫عنكمم "قالوا أنطقنما ال الذي أنطمق كمل شيمء" لمما خاطبمت وخوطبمت أجريمت مجرى ممن يعقمل‪.‬‬
‫"وهو خلقكم أول مرة" أي ركب الحياة فيكم بعد أن كنتم نطفا‪ ،‬فمن قدر عليه قدر على أن ينطق‬
‫الجلود وغيرها من العضاء‪ .‬وقيل‪" :‬وهو خلقكم أول مرة" ابتداء كلم من ال‪" .‬وإليه ترجعون"‬
‫وفمي صمحيح مسملم عمن أنمس بمن مالك قال‪ :‬كنما عنمد رسمول ال فضحمك فقال‪( :‬همل تدرون ممم‬
‫أضحمك) قلنما‪ :‬ال ورسموله أعلم‪ ،‬قال‪( :‬ممن مخاطبمة العبمد ربمه يقول يما رب ألم تجزنمي ممن الظلم‬
‫قال‪ :‬يقول بلى قال فيقول فإني ل أجيز على نفسي إل شاهدا مني قال يقول كفى بنفسك اليوم عليك‬
‫شهيدا وبالكرام الكاتممبين شهودا قال فيختممم على فيمه فيقال لركانممه انطقمي فتنطممق بأعماله قال ثممم‬
‫يخلي بينه وبين الكلم قال فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل) وفي حديث أبي هريرة ثم‬
‫يقال‪( :‬الن نبعمث شاهدنما عليمك ويتفكمر فمي نفسمه ممن ذا الذي يشهمد علي فيختمم على فيمه ويقال‬
‫لفخذه ولحمممه وعظامممه انطقممي فتنطممق فخذه ولحمممه وعظامممه بعمله وذلك ليعذر مممن نفسممه وذلك‬
‫المنافق وذلك الذي سخط ال عليه) خرجه أيضا مسلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 22 :‬ومما كنتمم تسمتترون أن يشهمد عليكمم سممعكم ول أبصماركم ول جلودكمم ولكمن‬
‫ظننتممم أن ال ل يعلم كثيرا مممما تعملون‪ ،‬وذلكممم ظنكممم الذي ظننتممم بربكممم أرداكممم فأصممبحتم مممن‬
‫الخاسمرين‪ ،‬فإن يصمبروا فالنار مثوى لهمم وإن يسمتعتبوا فمما همم ممن المعتمبين‪ ،‬وقيضنما لهمم قرناء‬
‫فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والنس‬
‫إنهم كانوا خاسرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ول أبصاركم ول جلودكم" يجوز أن‬
‫يكون هذا من قول الجوارح لهم‪ :‬ويجوز أن يكون من قول ال عز وجل أو الملئكة‪ .‬وفي صحيح‬
‫مسلم عن ابن مسعود قال‪ :‬اجتمع عند البيت ثلثة نفر؛ قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي؛ قليل فقه‬
‫قلوبهمم‪ ،‬كثيمر شحم بطونهمم‪ :‬فقال أحدهمم‪ :‬أترون ال يسممع ما نقول؟ فقال الخمر‪ :‬يسممع إن جهرنما‬
‫ول يسممع إن أخفينما؛ وقال الخمر‪ :‬إن كان يسممع إذا جهرنما فهمو يسممع إذا أخفينما؛ فأنزل ال عمز‬
‫وجمل‪" :‬ومما كنتمم تسمتترون أن يشهمد عليكمم سممعكم ول أبصماركم" اليمة؛ خرجمه الترمذي فقال‪:‬‬
‫اختصمم عنمد البيمت ثلثمة نفمر‪ .‬ثمم ذكره بلفظمه حرفما حرفما وقال‪ :‬حديمث حسمن صمحيح؛ حدثنما هناد‬
‫قال حدثنا أبو معاوية عن العمش عن عمارة بن عمير عن عبدالرحمن بن يزيد قال‪ :‬قال عبدال‪:‬‬
‫كنمت مسمتترا بأسمتار الكعبمة فجاء ثلثمة نفمر كثيمر شحمم بطونهمم قليمل فقمه قلوبهمم‪ ،‬قرشمي وختناه‬
‫ثقفيان‪ ،‬أو ثقفمي وختناه قرشيان‪ ،‬فتكلموا بكلم لم أفهممه؛ فقال أحدهمم‪ :‬أترون أن ال يسممع كلمنما‬
‫هذا‪ ،‬فقال الخمر‪ :‬إنما إذا رفعنما أصمواتنا سممعه‪ ،‬وإذا لم نرفمع أصمواتنا لم يسممعه‪ ،‬فقال الخمر‪ :‬إن‬
‫سممع منمه شيئا سممعه كله فقال عبدال‪ :‬فذكرت ذلك للنمبي صملى ال عليمه وسملم فأنزل ال تعالى‪:‬‬
‫"وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ول أبصاركم ول جلودكم" إلى قوله‪" :‬فأصبحتم من‬
‫الخاسرين" قال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ .‬قال الثعلبي‪ :‬والثقفي عبد ياليل‪ ،‬وختناه ربيعة وصفوان‬
‫بمن أميمة‪ .‬ومعنمى "تسمتترون" تسمتخفون فمي قول أكثمر العلماء؛ أي مما كنتمم تسمتخفون ممن أنفسمكم‬
‫حذرا من شهادة الجوارح عليكم؛ لن النسان ل يمكنه أن يخفي من نفسه عمله‪ ،‬فيكون الستخفاء‬
‫بمعنمى ترك المعصمية‪ .‬وقيمل‪ :‬السمتتار بمعنمى التقاء؛ أي مما كنتمم تتقون فمي الدنيما أن تشهمد عليكمم‬
‫جوارحكممم فممي الخرة فتتركوا المعاصممي خوفمما مممن هذه الشهادة‪ .‬وقال معناه مجاهممد‪ .‬وقال قتادة‪:‬‬
‫"ومما كنتمم تسمتترون" أي تظنون "أن يشهمد عليكمم سممعكم" بأن يقول سممعت الحمق ومما وعيمت‬
‫وسممعت مما ل يجوز ممن المعاصمي "ول أبصماركم" فتقول رأيمت آيات ال ومما اعتمبرت ونظرت‬
‫فيممما ل يجوز "ول جلودكممم" تقدم‪" .‬ولكممن ظننتممم أن ال ل يعلم كثيرا مممما تعملون" مممن أعمالكممم‬
‫فجادلتمم على ذلك حتمى شهدت عليكمم جوارحكمم بأعمالكمم‪ .‬روى بهمز بمن حكيمم عمن أبيمه عمن جده‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله‪" :‬أن يشهد عليكم سمعكم ول أبصاركم ول جلودكم" قال‪:‬‬
‫(إنكم تدعون يوم القيامة مفدمة أفواهكم بفدام فأول ما يبين عن النسان فخذه وكفه) قال عبدال بن‬
‫عبدالعلى الشامي فأحسن‪.‬‬
‫وتقال عثرات الفتى فيعود‬ ‫العمر ينقص والذنوب تزيد‬
‫رجل جوارحه عليه شهود‬ ‫هل يستطيع جحود ذنب واحد‬
‫تقليلها وعن الممات يحيد‬ ‫والمرء يسأل عن سنيه فيشتهي‬
‫وعن معقل بن يسارعن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ليس من يوم يأتي على ابن آدم إل ينادي‬
‫فيه يا ابن آدم أنا خلق جديد وأنا فيما تعمل غدا عليك شهيد فاعمل في خيرا أشهد لك به غدا فإني‬
‫لو قمد مضيمت لم ترنمي أبدا ويقول الليمل مثمل ذلك) ذكره أبمو نعيمم الحافمظ وقمد ذكرناه فمي كتاب‬
‫التذكرة في باب شهادة الرض والليالي واليام والمال‪ .‬وقال محمد بن بشير فأحسن‪:‬‬
‫ويومك هذا بالفعال شهيد‬ ‫مضى أمسك الدنى شهيدا معدل‬
‫فثن بإحسان وأنت حميد‬ ‫فإن تك بالمس اقترفت إساءة‬
‫لعل غدا يأتي وأنت فقيد‬ ‫ول ترج فعل الخير منك إلى غد‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم" أي أهلككم فأوردكم النار‪ .‬قال قتادة‪ :‬الظن‬
‫هنا بمعنى العلم‪ .‬وقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل يموتن أحدكم إل وهو يحسن الظن بال فإن‬
‫قومما أسماؤوا الظمن بربهمم فأهلكهمم) فذلك قوله‪" :‬وذلكمم ظنكمم الذي ظننتمم بربكمم أرداكمم"‪ .‬وقال‬
‫الحسمن البصمري‪ :‬إن قومما ألهتهمم المانمي حتمى خرجوا ممن الدنيما ومما لهمم حسمنة‪ ،‬ويقول أحدهمم‪:‬‬
‫إني أحسن الظن بربي وكذب‪ ،‬ولو أحسن الظن لحسن العمل‪ ،‬وتل قول ال تعالى‪" :‬وذلكم ظنكم‬
‫الذي ظننتمم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسمرين"‪ .‬وقال قتادة‪ :‬من استطاع منكم أن يموت وهو‬
‫حسمن الظمن بربمه فليفعمل‪ ،‬فإن الظمن اثنان ظمن ينجمي وظن يردي‪ .‬وقال عممر بمن الخطاب فمي هذه‬
‫اليمة‪ :‬هؤلء قوم كانوا يدمنون المعاصمى ول يتوبون منهما ويتكلمون على المغفرة‪ ،‬حتمى خرجوا‬
‫من الدنيا مفاليس‪ ،‬ثم قرأ‪" :‬وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن يصبروا فالنار مثوى لهم" أي فإن يصبروا في الدنيا على أعمال أهل النار‬
‫فالنار مثوى لهم‪ .‬نظيره‪" :‬فما أصبرهم على النار" [البقرة‪ ]175 :‬على ما تقدم‪" .‬وإن يستعتبوا‬
‫فمما همم ممن المعتمبين" فمي الدنيما وهمم مقيمون على كفرهمم "فمما همم ممن المعتمبين"‪ .‬وقيمل‪ :‬المعنمى‬
‫"فإن يصبروا" في النار أو يجزعوا "فالنار مثوى لهم" أي ل محيص لهم عنها‪ ،‬ودل على الجزع‬
‫قوله‪" :‬وإن يستعتبوا" لن المستعتب جزع والمعتب المقبول عتابه؛ قال النابغة‪:‬‬
‫وإن تك ذا عتبى فمثلك يعتب‬ ‫فإن أك مظلوما فعبد ظلمته‬
‫أي مثلك مممن قبممل الصمملح والمراجعممة إذا سممئل‪ .‬قال الخليممل‪ :‬العتاب مخاطبممة الدلل ومذاكرة‬
‫الموجدة‪ .‬تقول‪ :‬عاتبتممه معاتبممة‪ ،‬وبينهممم أعتوبممة يتعاتبون بهمما‪ .‬يقال‪ :‬إذا تعاتبوا أصمملح ممما بينهممم‬
‫العتاب‪ .‬وأعتبنمي فلن‪ :‬إذا عاد إلى مسمرتي راجعما عن السماءة‪ ،‬والسمم منه العتمبى‪ ،‬وهمو رجوع‬
‫المعتوب عليمه إلى مما يرضمي العاتمب‪ .‬واسمتعتب وأعتمب بمعنمى‪ ،‬واسمتعتب أيضما طلب أن يعتمب؛‬
‫تقول‪ :‬اسمتعتبته فأعتبنممي أي اسمترضيته فأرضانممي‪ .‬فمعنمى "وإن يسممتعتبوا" أي طلبوا الرضمما لم‬
‫ينفعهمم ذلك بمل ل بمد لهمم ممن النار‪ .‬وفمي التفاسمير‪ :‬وإن يسمتقيلوا ربهمم فمما همم ممن المقاليمن‪ .‬وقرأ‬
‫عبيد بن عمير وأبو العالية "وإن يستعتبوا" بفتح التاء الثانية وضم الياء على الفعل المجهول "فما‬
‫هم من المعتبين" بكسر التاء أي إن أقالهم ال وردهم إلى الدنيا لم يعملوا بطاعته لما سبق لهم في‬
‫علم ال من الشقاء‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه" [النعام‪ ]28 :‬ذكره الهروي‪.‬‬
‫وقال ثعلب‪ :‬يقال أعتب إذا غضب وأعتب إذا رضي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقيضنا لهم قرناء" قال النقاش‪ :‬أي هيأنا لهم شياطين‪ .‬وقيل‪ :‬سلطنا عليهم قرناء‬
‫يزينون عندهمم المعاصمي‪ ،‬وهؤلء القرناء ممن الجمن والشياطيمن وممن النمس أيضما؛ أي سمببنا لهمم‬
‫قرناء؛ يقال‪ :‬قيض ال فلنا لفلن أي جاءه به وأتاحه له‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬وقيضنا لهم قرناء"‪.‬‬
‫القشيري‪ :‬ويقال قيمض ال لي رزقما أي أتاحمه كمما كنمت أطلبمه‪ ،‬والتقييمض البدال ومنمه المقايضمة‪،‬‬
‫قايضمت الرجمل مقايضمة أي عاوضتمه بمتاع‪ ،‬وهمما قيضان كمما تقول بيعان‪" .‬فزينوا لهمم مما بيمن‬
‫أيديهم" من أمر الدنيا فحسنوه لهم حتى آثروه على الخرة "وما خلفهم" حسنوا لهم ما بعد مماتهم‬
‫ودعوهممم إلى التكذيمب بأمور الخرة؛ عمن مجاهممد‪ .‬وقيمل‪ :‬المعنممى "قيضنمما لهمم قرناء" فممي النار‬
‫"فزينوا لهمم" أعمالهمم فمي الدنيما؛ والمعنمى قدرنما عليهمم أن ذلك سميكون وحكمنما بمه عليهمم‪ .‬وقيمل‪:‬‬
‫المعنى أحوجناهم إلى القران؛ أي أحوجنا الفقير إلى الغني لينال منه‪ ،‬والغني إلى الفقير ليستعين‬
‫بمه فزيمن بعضهمم لبعمض المعاصمي‪ .‬وليمس قوله‪" :‬ومما خلفهمم" عطفما على "مما بيمن أيديهمم" بمل‬
‫المعنمى وأنسموهم مما خلفهمم ففيمه هذا الضمار‪ .‬قال ابمن عباس‪" :‬مما بيمن أيديهمم" تكذيبهمم بأمور‬
‫الخرة "ومما خلفهمم" التسمويف والترغيمب فمي الدنيما‪ .‬الزجاج‪" :‬مما بيمن أيديهمم" مما عملوه "ومما‬
‫خلفهممم" ممما عزموا على أن يعملوه‪ .‬وقممد تقدم قول مجاهممد‪ .‬وقيممل‪ :‬المعنممى لهممم مثممل ممما تقدم مممن‬
‫المعاصمي "ومما خلفهمم" مما يعممل بعدهمم‪" .‬وحمق عليهمم القول فمي أممم قمد خلت ممن قبلهمم ممن الجمن‬
‫والنمس" أي وجمب عليهمم ممن العذاب مما وجمب على الممم الذيمن ممن قبلهمم الذيمن كفروا ككفرهمم‪.‬‬
‫وقيمل‪" :‬فمي" بمعنمى ممع؛ فالمعنمى همم داخلون ممع الممم الكافرة قبلهمم فيمما دخلوا فيمه‪ .‬وقيمل‪" :‬فمي‬
‫أمم" في جملة أمم‪ ،‬ومثله قول الشاعر‪:‬‬
‫فوكا ففي آخرين قد أفكوا‬ ‫إن تك عن أحسن الصنيعة مأ‬
‫يريد فأنت في جملة آخرين لست في ذلك بأوحد‪ .‬ومحل "في أمم" النصب على الحال من الضمير‬
‫فمي "عليهمم" أي حمق عليهمم القول كائنيمن فمي جملة أممم‪" .‬إنهمم كانوا خاسمرين" أعمالهمم فمي الدنيما‬
‫وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 29 - 26 :‬وقال الذيمن كفروا ل تسممعوا لهذا القرآن والغوا فيمه لعلكمم تغلبون‪،‬‬
‫فلنذيقمن الذيمن كفروا عذابما شديدا ولنجزينهمم أسموأ الذي كانوا يعملون‪ ،‬ذلك جزاء أعداء ال النار‬
‫لهمم فيهما دار الخلد جزاء بمما كانوا بآياتنما يجحدون‪ ،‬وقال الذيمن كفروا ربنما أرنما الذيمن أضلنما ممن‬
‫الجن والنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من السفلين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الذيمن كفروا ل تسممعوا لهذا القرآن" لمما أخمبر تعالى عمن كفمر قوم هود‬
‫وصمالح وغيرهمم أخمبر عمن مشركمي قريمش وأنهمم كذبوا القرآن فقالوا‪" :‬ل تسممعوا"‪ .‬وقيمل‪ :‬معنمى‬
‫"ل تسمعوا" ل تطيعوا؛ يقال‪ :‬سمعت لك أي أطعتك‪" .‬والغوا فيه" قال ابن عباس‪ :‬قال أبو جهل‬
‫إذا قرأ محمممد فصمميحوا فممي وجهممه حتممى ل يدري ممما يقول‪ .‬وقيممل‪ :‬إنهممم فعلوا ذلك لممما أعجزهممم‬
‫القرآن‪ .‬وقال مجاهمد‪ :‬المعنمى "والغوا فيمه" بالمكاء والتصمفيق والتخليمط فمي المنطمق حتمى يصمير‬
‫لغوا‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬أكثروا الكلم ليختلط عليه ما يقول‪ .‬وقال أبو العالية وابن عباس أيضا‪ :‬قعوا‬
‫فيمه‪ .‬وعيبوه‪" .‬لعلكمم تغلبون" محمدا على قراءتمه فل يظهمر ول يسمتميل القلوب‪ .‬وقرأ عيسمى بمن‬
‫عمر والجحدري وابن أبي إسحاق وأبو حيوة وبكر بن حبيب السهمي "والغوا" بضم الغين وهي‬
‫لغممة مممن لغمما يلغممو‪ .‬وقراءة الجماعممة مممن لغممي يلغممى‪ .‬قال الهروي‪ :‬وقوله‪" :‬والغوا فيممه" قيممل‪:‬‬
‫عارضوه بكلم ل يفهم‪ .‬يقال‪ :‬لغوت ألغو وألغى‪ ،‬ولغي يلغى ثلث لغات‪ .‬وقد مضى معنى اللغو‬
‫في "البقرة" وهو ما ل يعلم له حقيقة ول تحصيل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلنذيقمن الذيمن كفروا عذابما شديدا" قمد تقدم أن الذوق يكون محسموسا‪ ،‬ومعنمى‬
‫العذاب الشديد‪ :‬ما يتوالى فل ينقطع‪ .‬وقيل‪ :‬هو العذاب في جميع أجزائهم‪" .‬ولنجزينهم أسوأ الذي‬
‫كانوا يعملون" أي ولنجزينهممم فممي الخرة جزاء قبممح أعمالهممم التممي عملوهمما فممي الدنيمما‪ .‬وأسمموأ‬
‫العمال الشرك‪" .‬ذلك جزاء أعداء ال النار" أي ذلك العذاب الشديممد‪ ،‬ثممم بينممه بقوله "النار" وقرأ‬
‫ابمممن عباس "ذلك جزاء أعداء ال النار دار الخلد" فترجمممم بالدار عمممن النار وهمممو مجاز اليمممة‪.‬‬
‫و"ذلك" ابتداء و"جزاء" الخممبر و"النار" بدل مممن "جزاء" أوخممبر مبتدأ مضمممر‪ ،‬والجملة فممي‬
‫موضع بيان للجملة الولى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال الذيمن كفروا" يعنمي فمي النار فذكره بلفمظ الماضمي والمراد المسمتقبل "ربنما‬
‫أرنما اللذيمن أضلنما ممن الجن والنمس" يعنمي إبليمس وابمن آدم الذي قتمل أخاه‪ .‬عمن ابن عباس وابمن‬
‫مسمعود وغيرهمما؛ ويشهمد لهذا القول الحديمث المرفوع‪( :‬مما ممن مسملم يقتمل ظلمما إل كان على ابمن‬
‫آدم الول كفمل ممن ذنبمه لنمه أول ممن سمن القتمل) خرجمه الترمذي‪ ،‬وقيمل‪ :‬همو بمعنمى الجنمس وبنمي‬
‫على التثنية لختلف الجنسين‪" .‬نجعلهما تحت أقدامنا" سألوا ذلك حتى يشتفوا منهم بأن يجعلوهم‬
‫تحت أقدامهم "ليكونا من السفلين" في النار وهو الدرك السفل سألوا أن يضعف ال عذاب من‬
‫كان سمبب ضللتهمم ممن الجمن والنمس‪ .‬وقرأ ابمن محيصمن والسموسي عمن أبمي عمرو وابمن عاممر‬
‫وأبممو بكممر والمفضممل "أرنمما" بإسممكان الراء‪ ،‬وعممن أبممي عمرو أيضمما باختلسممها‪ .‬وأشبممع الباقون‬
‫كسرتها وقد تقدم في "العراف"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 32 - 30 :‬إن الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة أل تخافوا ول‬
‫تحزنوا وأبشروا بالجنة التمي كنتمم توعدون‪ ،‬نحن أولياؤكم في الحياة الدنيما وفمي الخرة ولكم فيهما‬
‫ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون‪ ،‬نزل من غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا" قال عطاء عن ابن عباس‪ :‬نزلت هذه الية‬
‫فمي أبمي بكمر الصمديق رضمي ال عنمه؛ وذلك أن المشركيمن قالوا ربنما ال والملئكمة بناتمه وهؤلء‬
‫شفعاؤنما عنمد ال؛ فلم يسمتقيموا‪ .‬وقال أبمو بكمر‪ :‬ربنما ال وحده ل شريمك له ومحممد صملى ال عليمه‬
‫وسلم عبده ورسوله؛ فاستقام‪ .‬وفي الترمذي عن أنس بن مالك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قرأ "إن الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا" قال‪( :‬قد قال الناس ثم كفر أكثرهم فمن مات عليها فهو‬
‫مممن استقام) قال‪ :‬حديمث غريب‪ .‬ويروى فمي هذه اليمة عن النمبي صلى ال عليه وسلم وأبمي بكمر‬
‫وعمر وعثمان وعلي معنى "استقاموا"؛ ففي صحيح مسلم عن سفيان بن عبدال الثقفي قال‪ :‬قلت‬
‫يما رسمول ال قمل لي فمي السملم قول ل أسمأل عنمه أحدا بعدك ‪ -‬وفمي روايمة ‪ -‬غيرك‪ .‬قال‪( :‬قمل‬
‫آمنمت بال ثمم اسمتقم) زاد الترمذي قلت‪ :‬يما رسمول ال مما أخوف مما تخاف علي؟ فأخمذ بلسمان نفسمه‬
‫وقال‪( :‬هذا)‪ .‬وروي عن أبي بكر الصديق رضي ال عنه أنه قال‪" :‬ثم استقاموا" لم يشركوا بال‬
‫شيئا‪ .‬وروى عنه السود بن هلل أنه قال لصحابه‪ :‬ما تقولون في هاتين اليتين "إن الذين قالوا‬
‫ربنا ال ثم استقاموا" و"الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" فقالوا‪ :‬استقاموا فلم يذنبوا ولم يلبسوا‬
‫إيمانهمم بخطيئة؛ فقال أبمو بكمر‪ :‬لقمد حملتموهما على غيمر المحممل "قالوا ربنما ال ثمم اسمتقاموا" فلم‬
‫يلتفتوا إلى إله غيره "ولم يلبسمموا إيمانهممم" بشرك "أولئك لهممم المممن وهممم مهتدون"‪ .‬وروي عممن‬
‫عمر رضي ال عنه أنه قال على المنبر وهو يخطب‪" :‬إن الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا" فقال‪:‬‬
‫اسمتقاموا وال على الطريقة لطاعتمه ثمم لم يرغوا روغان الثعالب‪ .‬وقال عثمان رضمي ال عنمه‪ :‬ثمم‬
‫أخلصوا العمل ل‪ .‬وقال علي رضي ال عنه‪ :‬ثم أدوا الفرائض‪ .‬وأقوال التابعين بمعناها‪ .‬قال ابن‬
‫زيممد وقتادة‪ :‬اسممتقاموا على الطاعممة ل‪ .‬الحسممن‪ :‬اسممتقاموا على أمممر ال فعملوا بطاعتممه واجتنبوا‬
‫معصمميته‪ .‬وقال مجاهممد وعكرمممة‪ :‬اسممتقاموا على شهادة أن ل إله إل ال حتممى ماتوا‪ .‬وقال سممفيان‬
‫الثوري‪ :‬عملوا على وفاق ممما قالوا‪ .‬وقال الربيممع‪ :‬اعرضوا عممما سمموى ال‪ .‬وقال الفضيممل بممن‬
‫عياض‪ :‬زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية‪ .‬وقيل‪ :‬استقاموا إسرارا كما استقاموا إقرارا‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫اسمتقاموا فعل كمما اسمتقاموا قول‪ .‬وقال أنمس‪ :‬لمما نزلت هذه اليمة قال النمبي صملى ال عليمه وسملم‪:‬‬
‫(هم أمتي ورب الكعبة)‪ .‬وقال المام ابن فورك‪ :‬السين سين الطلب مئل استسقى أي سألوا من ال‬
‫أن يثبتهم على الدين‪ .‬وكان الحسن إذا قرأ هذه الية قال‪ :‬اللهم أنت ربنا فارزقنا الستقامة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذه القوال وإن تداخلت فتلخيصممها‪ :‬اعتدلوا على طاعممة ال عقدا وقول وفعل‪ ،‬وداموا‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تتنزل عليهم الملئكة" قال ابن زيد ومجاهد‪ :‬عند الموت‪ .‬وقال مقاتل وقتادة‪ :‬إذا‬
‫قاموا ممن قبورهمم للبعمث‪ .‬وقال ابمن عباس‪ :‬همي بشرى تكون لهمم ممن الملئكمة فمي الخرة‪ .‬وقال‬
‫وكيع وابن زيد‪ :‬البشرى في ثلثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث‪" .‬أل تخافوا" أي بم‬
‫"أل تخافوا" فحذف الجار‪ .‬وقال مجاهمد‪ :‬ل تخافوا الموت‪ .‬وقال عطاء بن أبمي رباح‪ :‬ل تخافوا‬
‫رد ثوابكممم فإنممه مقبول‪ ،‬وقال عكرمممة ول تخافوا أمامكممم‪ ،‬ول تحزنوا على ذنوبكممم‪" .‬ول تحزنوا‬
‫وأبشروا بالجنممة التممي كنتممم توعدون" على أولدكممم فإن ال خليفتكممم عليهممم‪ .‬وقال عطاء بممن أبممي‬
‫رباح‪ :‬ل تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬ل تحزنوا على ذنوبكم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬نحمن أولياؤكمم فمي الحياة الدنيما وفمي الخرة" أي تقول لهمم الملئكمة الذيمن تتنزل‬
‫عليهم بالبشارة "نحن أولياؤكم" قال مجاهد‪ :‬أي نحن قرناؤكم الذين كنا معكم في الدنيا‪ ،‬فإذا كان‬
‫يوم القيامة قالوا ل نفارقكم حتى ندخلكم الجنة‪ .‬وقال السدي‪ :‬أي نحن الحفظة لعمالكمم في الدنيا‬
‫وأولياؤكممم فممي الخرة‪ .‬ويجوز أن يكون هذا مممن قول ال تعالى؛ وال ولي المؤمنيممن ومولهممم‪.‬‬
‫"ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم" أي من الملذ‪" .‬ولكم فيها ما تدعون" تسألون وتتمنون‪" .‬نزل" أي‬
‫رزقما وضيافمة ممن ال الغفور الرحيمم‪ .‬وقمد تقدم فمي "آل عمران" وهمو منصموب على المصمدر أي‬
‫أنزلناه نزل‪ .‬وقيمل‪ :‬على الحال‪ .‬وقيمل‪ :‬همو جممع نازل‪ ،‬أي لكمم مما تدعون نازليمن‪ ،‬فيكون حال ممن‬
‫الضمير المرفوع في "تدعون" أو من المجرور في "لكم"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 36 - 33 :‬وممن أحسمن قول مممن دعما إلى ال وعممل صمالحا وقال إننمي ممن‬
‫المسملمين‪ ،‬ول تسمتوي الحسمنة ول السميئة ادفمع بالتمي همي أحسمن فإذا الذي بينمك وبينمه عداوة كأنمه‬
‫ولي حميمم‪ ،‬ومما يلقاهما إل الذيمن صمبروا ومما يلقاهما إل ذو حمظ عظيمم‪ ،‬وإمما ينزغنمك ممن الشيطان‬
‫نزغ فاستعذ بال إنه هو السميع العليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن أحسن قول ممن دعا إلى ال وعمل صالحا" هذا توبيخ للذين تواصوا باللغو‬
‫فمي القرآن‪ .‬والمعنمى‪ :‬أي كلم أحسمن ممن القرآن‪ ،‬وممن أحسمن قول ممن الداعمي إلى ال وطاعتمه‬
‫وهو محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال ابن سيرين والسدي وابن زيد والحسن‪ :‬هو رسول ال صلى‬
‫ال عليمه وسملم‪ .‬وكان الحسمن إذا تل هذه اليمة يقول‪ :‬هذا رسمول ال‪ ،‬هذا حمبيب ال‪ ،‬هذا ولي ال‪،‬‬
‫هذا صممفوة ال‪ ،‬هذا خيرة ال‪ ،‬هذا وال أحممب أهممل الرض إلى ال؛ أجاب ال فممي دعوتممه‪ ،‬ودعمما‬
‫الناس إلى مما أجاب إليمه‪ .‬وقالت عائشمة رضمي ال عنهما وعكرممة وقيمس بمن أبمي حازم ومجاهمد‪:‬‬
‫نزلت في المؤذنين‪ .‬قال فضيل بن رفيدة‪ :‬كنت مؤذنا لصحاب عبدال بن مسعود‪ ،‬فقال لي عاصم‬
‫بمن همبيرة‪ :‬إذا أذنمت فقلت‪ :‬ال أكمبر ال أكمبر ل إله إل ال‪ ،‬فقمل وأنما ممن المسملمين؛ ثمم قرأ هذه‬
‫اليمة؛ قال ابمن العربمي‪ :‬الول أصمح؛ لن اليمة مكيمة والذان مدنمي؛ وإنمما يدخمل فيهما بالمعنمى؛ ل‬
‫أنمه كان المقصمود وقمت القول‪ ،‬ويدخمل فيهما أبمو بكمر الصمديق حيمن قال فمي النمبي صملى ال عليمه‬
‫وسلم وقد خنقه الملعون‪" :‬أتقتلون رجل أن يقول ربي ال" [غافر‪ ]28 :‬وتتضمن كل كلم حسن‬
‫فيه ذكر التوحيد واليمان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقول ثالث وهمو أحسمنها؛ قال الحسمن‪ :‬هذه اليمة عاممة فمي كمل ممن دعما إلى ال‪ .‬وكذا قال‬
‫قيمس بمن أبمي حازم قال‪ :‬نزلت فمي كمل مؤممن‪ .‬قال‪ :‬ومعنمى "وعممل صمالحا" الصملة بيمن الذان‬
‫والقامة‪ .‬وقاله أبو أمامة؛ قال‪ :‬صلي ركعتين بين الذان والقامة‪ .‬وقال عكرمة‪" :‬وعمل صالحا"‬
‫صلى وصام‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬أدى الفرائض‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا أحسنها مع اجتناب المحارم وكثرة المندوب‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال إننمي ممن المسملمين" قال ابمن العربمي‪ :‬ومما تقدم يدل على السملم‪ ،‬لكمن لمما‬
‫كان الدعاء بالقول والسمميف يكون للعتقاد ويكون للحجممة‪ ،‬وكان العمممل يكون للرياء والخلص‪،‬‬
‫دل على أنه ل بد من التصريح بالعتقاد ل في ذلك كله‪ ،‬وأن العمل لوجهه‪.‬‬
‫مسمألة‪ :‬لمما قال ال تعالى‪" :‬وقال إننمي ممن المسملمين" ولم يقمل له اشترط إن شاء ال‪ ،‬كان فمي‬
‫ذلك رد على من يقول أنا مسلم إن شاء ال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تسمتوي الحسمنة ول السيئة" قال الفراء‪" :‬ل" صملة أي "ول تسمتوي الحسمنة‬
‫والسيئة" وأنشد‪:‬‬
‫والطيبان أبو بكر ول عمر‬ ‫ما كان يرضى رسول ال فعلهم‬
‫أراد أبو بكر وعمر؛ أي ل يستوي ما أنت عليه من التوحيد‪ ،‬وما المشركون عليه من الشرك‪ .‬قال‬
‫ابمن عباس‪ :‬الحسمنة ل إله إل ال‪ ،‬والسميئة الشرك‪ .‬وقيمل‪ :‬الحسمنة الطاعمة‪ ،‬والسميئة الشرك‪ .‬وهمو‬
‫الول بعينمه‪ .‬وقيمل‪ :‬الحسمنة المداراة‪ ،‬والسميئة الغلظمة‪ .‬وقيمل‪ :‬الحسمنة العفمو‪ ،‬والسميئة النتصمار‪.‬‬
‫وقال الضحاك‪ :‬الحسمنة العلم‪ ،‬والسميئة الفحمش‪ .‬وقال علي بمن أبمي طالب رضمي ال عنمه‪ :‬الحسمنة‬
‫حب آل الرسول‪ ،‬والسيئة بغضهمم‪" .‬ادفع بالتي هي أحسن" نسمخت بآية السيف‪ ،‬وبقي المستحب‬
‫ممن ذلك‪ :‬حسمن العشرة والحتمال والغضاء‪ .‬قال ابمن عباس‪ :‬أي ادفمع بحلممك جهمل ممن يجهمل‬
‫عليمك‪ .‬وعنمه أيضما‪ :‬هو الرجمل يسمب الرجمل فيقول الخمر إن كنمت صمادقا فغفمر ال لي‪ ،‬وإن كنمت‬
‫كاذبا فغفر ال لك‪ .‬وكذلك يروى في الثر‪ :‬أن أبا بكر الصديق رضي ال عنه قال ذلك لرجل نال‬
‫منمه‪ .‬وقال مجاهمد‪" :‬بالتمي همي أحسمن" يعنمي السملم إذا لقمي ممن يعاديمه؛ وقال عطاء‪ .‬وقول ثالث‬
‫ذكره القاضمي أبمو بكمر بمن العربمي فمي الحكام وهمو المصمافحة‪ .‬وفمي الثمر‪( :‬تصمافحوا يذهمب‬
‫الغل)‪ .‬ولم ير مالك المصافحة‪ ،‬وقد اجتمع مع سفيان فتكلما فيها فقال سفيان‪ :‬قد صافح رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم جعفرا حين قدم من أرض الحبشة؛ فقال له مالك‪ :‬ذلك خاص‪ .‬فقال له سفيان‪:‬‬
‫مما خمص رسمول ال صملى ال عليمه وسملم يخصمنا‪ ،‬ومما عممه يعمنما‪ ،‬والمصمافحة ثابتمة فل وجمه‬
‫لنكارهما‪ .‬وقمد روى قتادة قال قلت لنمس‪ :‬همل كانمت المصمافحة فمي أصمحاب رسمول ال صملى ال‬
‫عليه وسلم؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬وهو حديث صحيح‪ .‬وفي الثر‪( :‬من تمام المحبة الخذ باليد)‪ .‬ومن حديث‬
‫محممد بمن إسمحاق وهمو إمام مقدم‪ ،‬عمن الزهري عمن عروة عمن عائشمة قالت‪ :‬قدم زيمد بمن حارثمة‬
‫المدينة ورسول ال صلى ال عليه وسلم في بيتي‪ ،‬فقرع الباب فقام إليه رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم عريانا يجر ثوبه ‪ -‬وال ما رأيته عريانا قبله ول بعده ‪ -‬فاعتنقه وقبله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قممد روي عممن مالك جواز المصممافحة وعليهمما جماعممة مممن العلماء‪ .‬وقممد مضممى ذلك فممي‬
‫"يوسف" وذكرنا هناك حديث البراء بن عازب قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما من‬
‫مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إل ألقيت ذنوبهما بينهما)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" أي قريب صديق‪ .‬قال مقاتل‪ :‬نزلت‬
‫فمي أبي سفيان بن حرب‪ ،‬كان مؤذيما للنمبي صملى ال عليمه وسملم‪ ،‬فصمار له وليما بعد أن كان عدوا‬
‫بالمصماهرة التمي وقعمت بينمه وبيمن النمبي صملى ال عليمه وسملم‪ ،‬ثمم أسملم فصمار وليما فمي السملم‬
‫حميمما بالقرابمة‪ .‬وقيمل‪ :‬هذه اليمة نزلت فمي أبمي جهمل بمن هشام‪ ،‬كان يؤذي النمبي صملى ال عليمه‬
‫وسممملم‪ ،‬فأمره ال تعالى بالصمممبر عليمممه والصمممفح عنمممه؛ ذكره الماوردي‪ .‬والول ذكره الثعلبمممي‬
‫والقشيري وهو أظهر؛ لقوله تعالى‪" :‬فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم"‪ .‬وقيل‪ :‬كان هذا‬
‫قبل المر بالقتال‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬أمره ال تعالى في هذه الية بالصبر عند الغضب‪ ،‬والحلم عند‬
‫الجهمل‪ ،‬والعفمو عنمد السماءة‪ ،‬فإذا فعمل الناس ذلك عصممهم ال ممن الشيطان‪ ،‬وخضمع لهمم عدوهمم‪.‬‬
‫وروي أن رجل شتممم قنممبرا مولى علي بممن أبممي طالب فناداه علي يمما قنممبر دع شاتمممك‪ ،‬وآله عنممه‬
‫ترضمي الرحممن وتسمخط الشيطان‪ ،‬وتعاقمب شاتممك‪ ،‬فمما عوقمب الحممق بمثمل السمكوت عنمه‪.‬‬
‫وأنشدوا‪:‬‬
‫أضر له من شتمه حين يشتم‬ ‫وللكف عن شتم اللئيم تكرما‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫إذا سب الكريم من الجواب‬ ‫وما شيء أحب إلى سفيه‬
‫أشد على السفيه من السباب‬ ‫متاركة السفيه بل جواب‬
‫وقال محمود الوراق‪:‬‬
‫وإن كثرت منه لدي الجرائم‬ ‫سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب‬
‫شريف ومشرف ومثل مقاوم‬ ‫فما الناس إل واحد من ثلثة‬
‫واتبع فيه الحق والحق لزم‬ ‫فأما الذي فوقي فأعرف قدره‬
‫إجابته عرضي وإن لم لئم‬ ‫وأما الذي دوني فإن قال صنت عن‬
‫تفضلت إن الفضل بالحلم حاكم‬ ‫وأما الذي مثلي فإن زل أو هفا‬
‫"وما يلقاها" يعني هذه الفعلة الكريمة والخصلة الشريفة "إل الذين صبروا" بكظم الغيظ واحتمال‬
‫الذى‪ .‬وقيل‪ :‬الكناية في "يلقاها" عن الجنة؛ أي ما يلقاها إل الصابرون؛ والمعنى متقارب‪" .‬وما‬
‫يلقاهما إل ذو حمظ عظيمم" أي نصميب وافمر ممن الخيمر؛ قال ابمن عباس‪ .‬وقال قتادة ومجاهمد‪ :‬الحمظ‬
‫العظيمم الجنمة‪ .‬قال الحسمن‪ :‬وال مما عظمم حمظ قمط دون الجنمة‪" .‬وإمما ينزغنمك ممن الشيطان نزغ"‬
‫تقدم فمي آخمر "العراف"‪" .‬فاسمتعذ بال" ممن كيده وشره "إنمه همو السمميع" لسمتعاذتك "العليمم"‬
‫بأفعالك وأقوالك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 39 - 37 :‬وممن آياتمه الليمل والنهار والشممس والقممر ل تسمجدوا للشممس ول للقممر‬
‫واسمجدوا ل الذي خلقهمن إن كنتمم إياه تعبدون‪ ،‬فإن اسمتكبروا فالذيمن عنمد ربمك يسمبحون له بالليمل‬
‫والنهار وهم ل يسأمون‪ ،‬ومن آياته أنك ترى الرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت‬
‫إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن آياته" علماته الدالة على وحدانيته وقدرته "الليل والنهار والشمس والقمر"‬
‫وقمد مضمى فمي غيمر موضمع‪" .‬ل تسمجدوا للشممس ول للقممر" نهمى عمن السمجود لهمما؛ لنهمما وإن‬
‫كانما خلقيمن فليمس ذلك لفضيلة لهمما فمي أنفسمهما فيسمتحقان بهما العبادة ممع ال؛ لن خالقهمما همو ال‬
‫ولو شاء لعدمهمما أو طممس نورهمما‪" .‬واسمجدوا ل الذي خلقهمن" وصمورهن وسمخرهن؛ فالكنايمة‬
‫ترجع إلى الشمس والقمر والليل والنهار‪ .‬وقيل‪ :‬للشمس والقمر خاصة؛ لن الثنين جمع‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫الضمير عائد على معنى اليات "إن كنتم إياه تعبدون"وإنما أنث على جمع التكثير ولم يجر على‬
‫طريمق التغليمب للمذكمر والمؤنمث لنمه فيمما ل يعقمل‪" .‬فإن اسمتكبروا" يعنمي الكفار عمن السمجود ل‬
‫"فالذين عند ربك" من الملئكة "يسبحون له بالليل والنهار وهم ل يسأمون" أي ل يملون عبادته‪.‬‬
‫قال زهير‪:‬‬
‫ثمانين حول ل أبا لك يسأم‬ ‫سئمت تكاليف الحياة ومن يعش‬
‫مسمألة‪ :‬هذه اليمة آيمة سمجدة بل خلف؛ واختلفوا فمي موضمع السمجود منهما‪ .‬فقال مالك‪ :‬موضعمه‬
‫"إن كنتم إياه تعبدون"؛ لنه متصل بالمر‪ .‬وكان علي وابن مسعود وغيرهم يسجدون عند قوله‪:‬‬
‫"تعبدون"‪ .‬وقال ابن وهب والشافعي‪ :‬موضعه "وهم ل يسأمون" لنه تمام الكلم وغاية العبادة‬
‫والمتثال‪ .‬وبممه قال أبممو حنيفممة‪ .‬وكان ابممن عباس يسممجد عنممد قوله‪" :‬يسممأمون"‪ .‬وقال ابممن عمممر‪:‬‬
‫اسمجدوا بالخرة منهمما‪ .‬وكذلك يروى عمن مسمروق وأبمي عبدالرحممن السملمي وإبراهيمم النخعمي‬
‫وأبي صالح ويحيى بن وثاب وطلحة وزبيد الياميين والحسن وابن سيرين‪ .‬وكان أبو وائل وقتادة‬
‫وبكر بن عبدال يسجدون عند قوله‪" :‬يسأمون"‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬والمر قريب‪.‬‬
‫مسمألة‪ :‬ذكمر ابمن خويمز منداد‪ :‬أن هذه اليمة تضمنمت صملة كسموف القممر والشممس؛ وذلك أن‬
‫العرب كانمت تقول‪ :‬إن الشممس والقممر ل يكسمفان إل لموت عظيمم‪ ،‬فصملى النمبي صملى ال عليمه‬
‫وسلم صلة الكسوف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬صلة الكسوف ثابتة في الصحاح البخاري ومسلم وغيرهما‪ .‬واختلفوا في كيفيتها اختلفا‬
‫كثيرا‪ ،‬لختلف الثار‪ ،‬وحسبك ما في صحيح مسلم من ذلك‪ ،‬وهو العمدة في الباب‪ .‬وال الموفق‬
‫للصواب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن آياته أنك ترى الرض خاشعة" الخطاب لكل عاقل أي "ومن آياته" الدالة‬
‫على أنممه يحيممي الموتممى "أنممك ترى الرض خاشعممة" أي يابسممة جدبممة؛ هذا وصممف الرض‬
‫بالخشوع؛ قال النابغة‪:‬‬
‫ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع‬ ‫رماد ككحل العين ليا أبينه‬
‫والرض الخاشعة؛ الغبراء التي تنبت‪ .‬وبلدة خاشعة‪ :‬أي مغبرة ل منزل بها‪ .‬ومكان خاشع‪" .‬فإذا‬
‫أنزلنا عليها الماء اهتزت" أي بالنبات؛ قال مجاهد‪ .‬يقال‪ :‬اهتز النسان أي تحرك؛ ومنه‪:‬‬
‫إذا لم تجد عند امرئ السوء مطمعا‬ ‫تراه كنصل السيف يهتز للندى‬
‫"وربت" أي انتفخت وعلت قبل أن تنبت؛ قال مجاهد‪ .‬أي تصعدت عن النبات بعد موتها‪ .‬وعلى‬
‫هذا التقديمر يكون فمي الكلم تقديمم وتأخيمر وتقديره‪ :‬ربمت واهتزت‪ .‬والهتزاز والربمو قمد يكونان‬
‫قبممل الخروج مممن الرض؛ وقممد يكونان بعممد خروج النبات إلى وجممه الرض؛ فربوهمما ارتفاعهمما‪.‬‬
‫ويقال للموضمع المرتفمع‪ :‬ربوة ورابيمة؛ فالنبات يتحرك للبروز ثمم يزداد فمي جسممه بالكمبر طول‬
‫وعرضمما‪ .‬وقرأ أبممو جعفممر وخالد "وربأت" ومعناه عظمممت؛ مممن الربيئة‪ .‬وقيممل‪" :‬اهتزت" أي‬
‫اسمتبشرت بالمطمر "وربمت" أي انتفخمت بالنبات‪ .‬والرض إذا انشقمت بالنبات‪ :‬وصمفت بالضحمك‪،‬‬
‫فيجوز وصممفها بالسممتبشار أيضمما‪ .‬ويجوز أن يقال الربممو والهتزاز واحممد؛ وهممي حالة خروج‬
‫النبات‪ .‬وقمد مضمى هذا المعنمى فمي "الحمج" "إن الذي أحياهما لمحيمي الموتمى إنمه على كمل شيمء‬
‫قدير" تقدم في غير موضع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 43 - 40 :‬إن الذين يلحدون في آياتنا ل يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من‬
‫يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير‪ ،‬إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه‬
‫لكتاب عزيز‪ ،‬ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيم حميد‪ ،‬ما يقال لك إل ما‬
‫قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذيمن يلحدون فمي آياتنما ل يخفون علينما" أي يميلون عمن الحمق فمي أدلتنما‪.‬‬
‫واللحاد‪ :‬الميمل والعدول‪ .‬ومنمه اللحمد فمي القمبر؛ لنمه أميمل إلى ناحيمة منمه‪ .‬يقال‪ :‬ألحمد فمي ديمن ال‬
‫أي حاد عنممه وعدل‪ .‬ولحممد لغممة فيممه‪ .‬وهذا يرجممع إلى الذيممن قالوا‪" :‬ل تسمممعوا لهذا القرآن والغوا‬
‫فيه" وهم الذين ألحدوا فمي آياته ومالوا عن الحق فقالوا‪ :‬ليس القرآن من عند ال‪ ،‬أو هو شعر أو‬
‫سمممحر؛ فاليات آيات القرآن‪ .‬قال مجاهمممد‪" :‬يلحدون فمممي آياتنممما" أي عنمممد تلوة القرآن بالمكاء‬
‫والتصمدية واللغمو والغناء‪ .‬وقال ابمن عباس‪ :‬همو تبديمل الكلم ووضعمه فمي غيمر موضعمه‪ .‬وقال‬
‫قتادة‪" :‬يلحدون فممي آياتنمما" يكذبون فممي آياتنمما‪ .‬وقال السممدي‪ :‬يعاندون ويشاقون‪ .‬وقال ابممن زيممد‪:‬‬
‫يشركون ويكذبون‪ .‬والمعنمى متقارب‪ .‬وقال مقاتمل‪ :‬نزلت فمي أبمي جهمل‪ .‬وقيمل‪ :‬اليات المعجزات‪،‬‬
‫وهو يرجع إلى الول فإن القرآن معجز‪" .‬أفمن يلقى في النار" على وجهه وهو أبو جهل في قول‬
‫ابن عباس وغيره‪" .‬خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة" قيل‪ :‬النبي صلى ال عليه وسلم؛ قاله مقاتل‪.‬‬
‫وقيمل‪ :‬عمار بمن ياسمر‪ .‬وقيمل‪ :‬حمزة‪ .‬وقيمل‪ :‬عممر بمن الخطاب‪ .‬وقيمل‪ :‬أبمو سملمة بمن عبمد السمد‬
‫المخزوممي‪ .‬وقيمل‪ :‬المؤمنون‪ .‬وقيمل‪ :‬إنهما على العموم؛ فالذي يلقمى فمي النار الكافمر‪ ،‬والذي يأتمي‬
‫آمنما يوم القياممة المؤممن؛ قاله ابمن بحمر‪" .‬اعملوا مما شئتمم" أممر تهديمد؛ أي بعمد مما علمتمم أنهمما ل‬
‫يستويان فل بد لكم من الجزاء‪" .‬إنه بما تعملون بصير" وعيد بتهديد وتوعد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم" الذكر ها هنا القرآن في قول الجميع؛ لن فيه‬
‫ذكمر مما يحتاج إليمه ممن الحكام‪ .‬والخمبر محذوف تقديره هالكون أومعذبون‪ .‬وقيمل‪ :‬الخمبر "أولئك‬
‫ينادون ممن مكان بعيمد" [فصملت‪ ]44 :‬واعترض قوله‪" :‬مما يقال لك" ثمم رجمع إلى الذكمر فقال‪:‬‬
‫"ولو جعلناه قرآنمما أعجميمما" ثممم قال‪" :‬أولئك ينادون" [فصمملت‪ ]44 :‬والول الختيار؛ قال‬
‫النحاس‪ :‬عنممد النحوييممن جميعمما فيممما علمممت‪" .‬وإنممه لكتاب عزيممز" أي عزيممز على ال؛ قاله ابممن‬
‫عباس؛ وعنمه‪ :‬عزيمز ممن عنمد ال‪ .‬وقيمل‪ :‬كريمم على ال‪ .‬وقيمل‪" :‬عزيمز" أي أعزه ال فل يتطرق‬
‫إليه باطل‪ .‬وقيل‪ :‬ينبغمي أن يعمز ويجمل وأل يلغمى فيه‪ .‬وقيمل‪" :‬عزيز" من الشيطان أن يبدله؛ قاله‬
‫السدي‪ .‬مقاتل‪ :‬منع من الشيطان والباطل‪ .‬السدي‪ :‬غير مخلوق فل مثل له‪ .‬وقال ابن عباس أيضا‪:‬‬
‫"عزيز" أي ممتنع عن الناس أن يقولوا مثله‪" .‬ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه" أي ل‬
‫يكذبمه شيمء ممما أنزل ال ممن قبمل ول ينزل ممن بعده يبطله وينسمخه؛ قال الكلبمي‪ .‬وقال السمدي‬
‫وقتادة‪" :‬ل يأتيه الباطل" يعني الشيطان "من بين يديه ول من خلفه" ل يستطيع أن يغير ول يزيد‬
‫ول ينقمص‪ .‬وقال سمعيد بمن جمبير‪ :‬ل يأتيمه التكذيمب "ممن بيمن يديمه ول ممن خلفمه"‪ .‬ابمن جريمج‪" :‬ل‬
‫يأتيه الباطل" فيما أخبر عما مضى ول فيما أخبر عما يكون‪ .‬وعن ابن عباس‪" :‬من بين يديه" من‬
‫ال تعالى‪" :‬ول ممن خلفمه" يريمد ممن جبريمل صملى ال عليمه وسملم‪ ،‬ول ممن محممد صملى ال عليمه‬
‫وسملم‪" .‬تنزيمل ممن حكيمم حميمد" ابمن عباس‪" :‬حكيمم" فمي خلقمه "حميمد" إليهمم‪ .‬قتادة‪" :‬حكيمم" فمي‬
‫أمره "حميد" إلى خلقه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ما يقال لك" أي من الذى والتكذيب "إل ما قد قيل للرسل من قبلك" يعزي نبيه‬
‫ويسليه "إن ربك لذو مغفرة" لك ولصحابك "وذو عقاب أليم" يريد لعدائك وجيعا‪ .‬وقيل‪ :‬أي ما‬
‫يقال لك ممن إخلص العبادة ل إل مما قمد أوحمي إلى ممن قبلك‪ ،‬ول خلف بيمن الشرائع فيمما يتعلق‬
‫بالتوحيد‪ ،‬وهو كقوله‪" :‬ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك" [الزمر‪:‬‬
‫‪ ]65‬أي لم تدعهم إل ما تدعو إليه جميع النبياء‪ ،‬فل معنى لنكارهم عليك‪ .‬قيل‪ :‬هو استفهام‪ ،‬أي‬
‫أي شيء يقال لك "إل ما قد قيل للرسل من قبلك"‪ .‬وقيل‪" :‬إن ربك" كلم مبتدأ وما قبله كلم تام‬
‫إذا كان الخبر مضمرا‪ .‬وقيل‪ :‬هو متصل بم "ما يقال لك"‪".‬إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم" أي‬
‫إنما أمرت بالنذار والتبشير‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 44 :‬ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لول فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين‬
‫آمنوا هدى وشفاء والذيممن ل يؤمنون فممي آذانهممم وقممر وهممو عليهممم عمممى أولئك ينادون مممن مكان‬
‫بعيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو جعلناه قرآنما أعجميما" أي بلغمة غيمر العرب "لقالوا لول فصملت آياتمه" أي‬
‫بينمت بلغتنما فإننما عرب ل نفهمم العجمية‪ .‬فمبين أنه أنزل بلسمانهم ليتقرر به معنمى العجاز؛ إذ هم‬
‫أعلم الناس بأنواع الكلم نظما ونثرا‪ .‬وإذا عجزوا عن معارضته كان من أدل الدليل على أنه من‬
‫عند ال‪ ،‬ولو كان بلسان العجم لقالوا ل علم لنا بهذا اللسان‪.‬‬
‫وإذا ثبمت هذا ففيه دليمل على أن القرآن عربمي‪ ،‬وأنه نزل بلغمة العرب‪ ،‬وأنه ليمس أعجميا‪ ،‬وأنه‬
‫إذا نقل عنها إلى غيرها لم يكن قرآنا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أأعجممي وعربي" وقرأ أبمو بكر وحمزة والكسمائي "اَاَعجمي وعربمي" بهمزتيمن‬
‫مخففتيمن‪ ،‬والعجممي الذي ليمس ممن العرب كان فصميحا أوغيمر فصميح‪ ،‬والعجممي الذي ل يفصمح‬
‫كان من العرب أو من العجم‪ ،‬فالعجم ضد الفصيح وهو الذي ل يبين كلمه‪ .‬ويقال للحيوان غير‬
‫الناطمق أعجمم‪ ،‬ومنمه (صملة النهار عجماء) أي ل يجهمر فيهما بالقراءة فكانمت النسمبة إلى العجمم‬
‫آكد‪ ،‬لن الرجل العجمي الذي ليس من العرب قد يكون فصيحا بالعربية‪ ،‬والعربي قد يكون غير‬
‫فصيح؛ فالنسبة إلى العجمي آكد في البيان‪ .‬والمعنى أقرآن أعجمي‪ ،‬ونبي عربي؟ وهو استفهام‬
‫إنكار‪ .‬وقرأ الحسن وأبو العالية ونصر بن عاصم والمغيرة وهشام عن ابن عامر" أعجمي"بهمزة‬
‫واحدة على الخمبر‪ .‬والمعنمى "لول فصملت آياتمه" فكان منهما عربمي يفهممه العرب‪ ،‬وأعجممي يفهممه‬
‫العجمم‪ .‬وروى سمعيد بمن جمبير قال‪ :‬قالت قريمش‪ :‬لول أنزل القرآن أعجميما وعربيما فيكون بعمض‬
‫آياته عجميا وبعض آياته عربيا فنزلت الية‪ .‬وأنزل في القرآن من كل لغة فمنه "السجيل" وهي‬
‫فارسمية وأصملها سمنك كيمل؛ أي طيمن وحجمر‪ ،‬ومنمه "الفردوس" روميمة وكذلك "القسمطاس" وقرأ‬
‫أهل الحجاز وأبو عمرو وابن ذكوان وحفص على الستفهام‪ ،‬إل أنهم لينوا الهمزة على أصولهم‪.‬‬
‫والقراءة الصحيحة قراءة الستفهام‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء" أعلم ال أن القرآن هدى وشفاء لكل من آمن به‬
‫ممن الشمك والريمب والوجاع‪" .‬والذيمن ل يؤمنون فمي آذانهمم وقمر" أي صممم عمن سمماع القرآن‪.‬‬
‫ولهذا تواصوا باللغو فيه‪ .‬ونظير هذه الية‪" :‬وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ول‬
‫يزيمد الظالميمن إل خسمارا" [السمراء‪ ]82 :‬وقمد مضمى مسمتوفى‪ .‬وقراءة العاممة "عممى" على‬
‫المصدر‪ .‬وقرأ ابن عباس وعبدال بن الزبير وعمرو بن العاص ومعاوية وسليمان بن قتة "وهو‬
‫عليهمم عمم" بكسمر الميمم أي ل يتمبين لهمم‪ .‬واختار أبمو عبيمد القراءة الولى؛ لجماع الناس فيهما؛‬
‫ولقوله أول‪" :‬هدى وشفاء" ولوكان هاد وشاف لكان الكسر في "عمى" أجود؛ ليكون نعتا مثلهما؛‬
‫تقديره‪" :‬والذيمن ل يؤمنون" فمي ترك قبوله بمنزلة ممن فمي آذانهمم "وقمر"‪" .‬وهمو عليهمم عممى"‬
‫يعنممي القرآن "عليهمم" ذو عممى‪ ،‬لنهمم ل يفقهون فحذف المضاف‪ .‬وقيمل المعنمى والوقممر عليهمم‬
‫عمى‪" .‬أولئك ينادون من مكان بعيد" يقال ذلك لمن ل يفهم من التمثيل‪ .‬وحكى أهل اللغة أنه يقال‬
‫للذي يفهمم‪ :‬أنمت تسممع ممن قريمب‪ .‬ويقال للذي ل يفهمم‪ :‬أنمت تنادى ممن بعيمد‪ .‬أي كأنمه ينادى ممن‬
‫موضممع بعيممد منممه فهممو ل يسمممع النداء ول يفهمممه‪ .‬وقال الضحاك‪" :‬ينادون" يوم القيامممة بأقبممح‬
‫أسممائهم "ممن مكان بعيمد" فيكون ذلك أشمد لتوبيخهمم وفضيحتهمم‪ .‬وقيمل‪ :‬أي ممن لم يتدبر القرآن‬
‫صار كالعمى الصم‪ ،‬فهو ينادى من مكان بعيد فينقطع صوت المنادي عنه وهو لم يسمع‪ .‬وقال‬
‫علي رضمي ال عنمه ومجاهمد‪ :‬أي بعيمد ممن قلوبهمم‪ .‬وفمي التفسمير‪ :‬كأنمما ينادون ممن السمماء فل‬
‫يسمعون‪ .‬وحكى معناه النقاش‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 46 - 45 :‬ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولول كلمة سبقت من ربك لقضي‬
‫بينهم وإنهم لفي شك منه مريب‪ ،‬من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلم للعبيد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد آتينا موسمى الكتاب" يعني التوراة "فاختلف فيه" أي آمن به قوم وكذب به‬
‫قوم‪ .‬والكنايمة ترجمع إلى الكتاب‪ ،‬وهمو تسملية للنمبي صملى ال عليمه وسملم؛ أي ل يحزنمك اختلف‬
‫قوممك فمي كتابمك‪ ،‬فقمد اختلف ممن قبلهمم فمي كتابهمم‪ .‬وقيمل‪ :‬الكنايمة ترجمع إلى موسمى‪" .‬ولول كلممة‬
‫سمبقت ممن ربمك" أي فمي إمهالهمم‪" .‬لقضمي بينهمم" أي بتعجيمل العذاب‪" .‬وإنهمم لفمي شمك منمه" ممن‬
‫القرآن "مريب" أي شديد الريبة‪ .‬وقد تقدم‪ .‬وقال الكلبي في هذه الية‪ :‬لول أن ال أخر عذاب هذه‬
‫المة إلى يوم القيامة لتاهم العذاب كما فعل بغيرهم من المم‪ .‬وقيل‪ :‬تأخير العذاب لما يخرج من‬
‫أصلبهم من المؤمنين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ممن عممل صمالحا فلنفسمه وممن أسماء فعليهما" شرط وجوابمه "وممن أسماء فعليهما"‪.‬‬
‫وال جمل وعمز مسمتغن عمن طاعمة العباد‪ ،‬فممن أطاع فالثواب له‪ ،‬وممن أسماء فالعقاب عليمه‪" .‬ومما‬
‫ربك بظلم للعبيد" نفى الظلم عن نفسه جل وعز قليله وكثيره‪ ،‬وإذا انتفت المبالغة انتفى غيرها‪،‬‬
‫دليله قوله الحممق‪" :‬إن ال ل يظلم الناس شيئا" [يونممس‪ ]44 :‬وروى العدول الثقات‪ ،‬والئمممة‬
‫الثبات‪ ،‬عن الزاهد العدل‪ ،‬عن أمين الرض‪ ،‬عن أمين السماء‪ ،‬عن الرب جل جلله‪( :‬يا عبادي‬
‫إنمي حرممت الظلم على نفسمي وجعلتمه بينكمم محرمما فل تظالموا‪ )...‬الحديمث‪ .‬وأيضما فهمو الحكيمم‬
‫المالك‪ ،‬وما يفعله المالك في ملكه ل اعتراض عليه؛ إذ له التصرف في ملكه بما يريد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 47 :‬إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ول‬
‫تضمع إل بعلممه ويوم يناديهمم أيمن شركائي قالوا آذناك مما منما ممن شهيمد‪ ،‬وضمل عنهمم مما كانوا‬
‫يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إليمه يرد علم السماعة" أي حيمن وقتهما‪ .‬وذلك أنهمم قالوا‪ :‬يما محممد إن كنمت نبيما‬
‫فخبرنما متمى قيام السماعة فنزلت‪" :‬ومما تخرج ممن ثمرات" "ممن" زائدة أي ومما تخرج ثمرة‪" .‬ممن‬
‫أكمامهما" أي ممن أوعيتهما‪ ،‬فالكمام أوعيمة الثمرة‪ ،‬واحدهما كممة وهمي كمل ظرف لمال أو غيره؛‬
‫ولذلك سمي قشر الطلع أعني كفراه الذي ينشق عن الثمرة كمة؛ قال ابن عباس‪ :‬الكمة الكفرى قبل‬
‫أن تنشق‪ ،‬فإذا انشقت فليست بكمة‪ .‬وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة [الرحمن]‪ .‬وقرأ نافع وابن‬
‫عامممر وحفممص "مممن ثمرات" على الجمممع‪ .‬الباقون "ثمرة" على التوحيممد والمراد الجمممع‪ ،‬لقوله‪:‬‬
‫"ومما تحممل ممن أنثمى" والمراد الجممع‪ ،‬يقول‪" :‬إليمه يرد علم السماعة" كمما يرد إليمه علم الثمار‬
‫والنتاج‪" .‬ويوم يناديهمم" أي ينادي ال المشركيمن "أيمن شركائي" الذيمن زعمتمم فمي الدنيما أنهما آلهمة‬
‫تشفممع‪" .‬قالوا" يعنممي الصممنام‪ .‬وقيممل‪ :‬المشركون‪ .‬ويحتمممل أن يريدهممم جميعمما العابممد والمعبود‬
‫"آذناك" أسمعناك وأعلمناك‪ .‬يقال‪ :‬آذن يؤذن‪ :‬إذا أعلم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫رب ثاو يمل منه الثواء‬ ‫آذنتنا ببينها أسماء‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مما منما ممن شهيمد" أي نعلمك ما منا أحد يشهد بأن لك شريكا‪ .‬لما عاينوا القيامة‬
‫تمبرؤوا ممن الصمنام وتمبرأت الصمنام منهمم كمما تقدم فمي غيمر موضمع‪" .‬وضمل عنهمم" أي بطمل‬
‫عنهمم "مما كانوا يدعون ممن قبمل" فمي الدنيما "وظنوا" أي أيقنوا وعلموا "مما لهمم ممن محيمص" أي‬
‫فرار عمن النار‪ .‬و"ممما" هنمما حرف وليممس باسممم؛ فلذلك لم يعمممل فيممه الظممن وجعممل الفعممل ملغممى؛‬
‫تقديره‪ :‬وظنوا أنهمم مما لهمم محيمص ول مهرب‪ .‬يقال‪ :‬حاص يحيمص‪ .‬حيصما ومحيصما إذا هرب‪.‬‬
‫وقيمل‪ :‬إن الظمن هنما الذي همو أغلب الرأي‪ ،‬ل يشكون فمي أنهمم أصمحاب النار ولكمن يطمعون أن‬
‫يخرجوا منها‪ .‬وليس يبعد أن يكون لهم ظن ورجاء إلى أن يؤيسوا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليمة‪{ 51 - 49 :‬ل يسمأم النسمان ممن دعاء الخيمر وإن مسمه الشمر فيؤوس قنوط‪ ،‬ولئن‬
‫أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي‬
‫إن لي عنده للحسمنى فلننبئن الذيمن كفروا بمما عملوا ولنذيقنهمم ممن عذاب غليمظ‪ ،‬وإذا أنعمنما على‬
‫النسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يسأم النسان من دعاء الخير" أي ل يمل من دعائه بالخير‪ .‬والخير هنا المال‬
‫والصحة والسلطان والعز‪ .‬قال السدي‪ :‬والنسان ها هنا يراد به الكافر‪ .‬وقيل‪ :‬الوليد بن المغيرة‪.‬‬
‫وقيمل‪ :‬عتبمة وشيبمة ابنما ربيعمة وأميمة بمن خلف‪ .‬وفمي قراءة عبدال "ل يسمأم النسمان ممن دعاء‬
‫المال"‪" .‬وإن مسممه الشممر" الفقممر والمرض "فيؤوس قنوط" "فيؤوس" مممن روح ال "قنوط" مممن‬
‫رحمته‪ .‬وقيل‪" :‬يؤوس" من إجابة الدعاء "قنوط" بسوء الظن بربه‪ .‬وقيل‪" :‬يؤوس" أي يئس من‬
‫زوال ما به من المكروه "قنوط" أي يظن أنه يدوم؛ والمعنى متقارب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولئن أذقناه رحمة منا" عاقبة ورخاء وغنى "من بعد ضراء مسته" ضمر وسقم‬
‫وشدة وفقر‪" .‬ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة" أي هذا شيء استحقه على ال لرضاه بعملي‪،‬‬
‫فيرى النعمممة حتممما واجبمما على ال تعالى‪ ،‬ولم يعلم أنممه ابتله بالنعمممة والمحنممة؛ ليتممبين شكره‬
‫وصممبره‪ .‬وقال ابممن عباس‪" :‬هذا لي" أي هذا مممن عندي‪" .‬ولئن رجعممت إلى ربممي إن لي عنده‬
‫للحسنى" أي الجنة‪ ،‬واللم للتأكيد‪ .‬يتمنى الماني بل عمل‪ .‬قال الحسن بن محمد بن علي بن أبي‬
‫طالب‪ :‬للكافمر أمنيتان أمما فمي الدنيما فيقول‪" :‬لئن رجعمت إلى ربمي إن لي عنده للحسمنى"‪ ،‬وأمما فمي‬
‫الخرة فيقول‪" :‬يا ليتنا نرد ول نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين" [النعام‪ ]27 :‬و"يا ليتني‬
‫كنمت ترابما" [النبمأ‪" .]40 :‬فلننبئن الذيمن كفروا بمما عملوا" أي لنجزينهمم‪ .‬قسمم أقسمم ال عليمه‪.‬‬
‫"ولنذيقنهم من عذاب غليظ" أي شديد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا أنعمنما على النسمان" يريمد الكافمر وقال ابمن عباس‪ :‬يريمد عتبمة بمن ربيعمة‬
‫وشيبمة بمن ربيعمة وأميمة بمن خلف أعرضوا عمن السملم وتباعدوا عنمه‪" .‬أعرض ونأى بجانبمه"‬
‫"نأى بجانبمه" أي ترفمع عمن النقياد إلى الحمق وتكمبر على أنمبياء ال‪ .‬وقيمل‪" :‬نأى" تباعمد‪ .‬يقال‪:‬‬
‫نأيتمه ونأيمت عنمه نأيما بمعنمى تباعدت عنمه‪ ،‬وأنأيتمه فانتأى‪ :‬أبعدتمه فبعمد‪ ،‬وتناؤوا تباعدوا‪ ،‬والمنتأى‬
‫الموضع البعيد؛ قال النابغة‪:‬‬
‫وإن خلت أن المنتأى عنك واسع‬ ‫فإنك كالليل الذي هو مدركي‬
‫وقرأ يزيممد بممن القعقاع و"ناء بجانبممه" باللف قبممل الهمزة‪ .‬فيجوز أن يكون مممن "ناء" إذا نهممض‪.‬‬
‫ويجوز أن يكون على قلب الهمزة بمعنمى الول‪" .‬وإذا مسمه الشمر" أي أصمابه المكروه "فذو دعاء‬
‫عريممض" أي كثيممر‪ ،‬والعرب تسممتعمل الطول والعرض فممي الكثرة‪ .‬يقال‪ :‬أطال فلن فممي الكلم‬
‫وأعرض فمممي الدعاء إذا أكثمممر‪ .‬وقال ابمممن عباس‪" :‬فذو دعاء عريمممض" فذو تضرع واسمممتغاثة‪.‬‬
‫والكافر يعرف ربه في البلء ول يعرفه في الرخاء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 54 - 52 :‬قل أرأيتم إن كان من عند ال ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق‬
‫بعيد‪ ،‬سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل‬
‫شيء شهيد‪ ،‬أل إنهم في مرية من لقاء ربهم أل إنه بكل شيء محيط}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل أرأيتم" أي قل لهم يا محمد "أرأيتم" يا معشر المشركين‪" .‬إن كان من عند ال‬
‫ثمم كفرتمم به" "إن كان" هذا القرآن "ممن عنمد ال ثمم كفرتمم به ممن أضمل مممن هو فمي شقاق بعيمد"‬
‫أي فأي الناس أضل‪ ،‬أي ل أحد أضل منكم لفرط شقاقكم وعداوتكم‪ .‬وقيل‪ :‬قوله‪" :‬إن كان من عند‬
‫ال" يرجع إلى الكتاب المذكور في قوله‪" :‬آتينا موسى الكتاب" [البقرة‪ ]53 :‬والول أظهر وهو‬
‫قول ابن عباس‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سمنريهم آياتنما" أي علمات وحدانيتنما وقدرتنما "فمي الفاق" يعنمي خراب منازل‬
‫الممم الخاليمة "وفمي أنفسمهم" بالبليما والمراض‪ .‬وقال ابمن زيمد‪" :‬فمي الفاق" آيات السمماء "وفمي‬
‫أنفسممهم" حوادث الرض‪ .‬وقال مجاهممد‪" :‬فممي الفاق" فتممح القرى؛ فيسممر ال عممز وجممل لرسمموله‬
‫صمملى ال عليممه وسمملم وللخلفاء مممن بعده وأنصممار دينممه فممي آفاق الدنيمما وبلد المشرق والمغرب‬
‫عمومما‪ ،‬وفمي ناحيمة المغرب خصموصا ممن الفتوج التمي لم يتيسمر أمثالهما لحمد ممن خلفاء الرض‬
‫قبلهم‪ ،‬ومن الظهار على الجبابرة والكاسرة وتغليب قليلهم على كثيرهم‪ ،‬وتسليط ضعفائهم على‬
‫أقويائهم‪ ،‬وإجرائه على أيديهم أمورا خارجة عن المعهود خارقة للعادات "وفي أنفسهم" فتح مكة‪.‬‬
‫وهذا اختيار الطمبري‪ .‬وقال المنهال بمن عمرو والسمدي‪ .‬وقال قتادة والضحاك‪" :‬فمي الفاق" وقائع‬
‫ال فممي المممم "وفممي أنفسممهم" يوم بدر‪ .‬وقال عطاء وابممن زيممد أيضمما "فممي الفاق" يعنممي أقطار‬
‫السموات والرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والرياح والمطار والرعد والبرق‬
‫والصواعق والنبات والشجار والجبال والبحار وغيرها‪ .‬وفي الصحاح‪ :‬الفاق النواحي‪ ،‬واحدها‬
‫أفق وأفق مثل عسر وعسر‪ ،‬ورجل أفقي بفتح الهمزة والفاء‪ :‬إذا كان من آفاق الرض‪ .‬حكاه أبو‬
‫نصر‪ .‬وبعضهم يقول‪ :‬أفقي بضمها وهو القياس‪ .‬وأنشد غير الجوهري‪:‬‬
‫لنا قمراها والنجوم الطوالع‬ ‫أخذنا بآفاق السماء عليكم‬
‫"وفمي أنفسمهم" ممن لطيمف الصمنعة وبديمع الحكممة حتمى سمبيل الغائط والبول؛ فإن الرجمل يشرب‬
‫ويأكمل ممن مكان واحمد ويتميمز ذلك ممن مكانيمن‪ ،‬وبديمع صمنعة ال وحكمتمه فمي عينيمه اللتيمن همما‬
‫قطرة ماء ينظمر بهمما ممن السمماء إلى الرض مسميرة خمسممائة عام‪ ،‬وفمي أذنيمه اللتيمن يفرق بهمما‬
‫بين الصوات المختلفة‪ .‬وغير ذلك من بديع حكمة ال فيه‪ .‬وقيل‪" :‬وفي أنفسهم" من كونهم نطفا‬
‫إلى غير ذلك من انتقال أحوالهم كما تقدم في "المؤمنون" بيانه‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى سيرون ما أخبرهم‬
‫به النبي صلى ال عليه وسلم من الفتن وأخبار الغيب "حتى يتبين لهم أنه الحق" فيه أربعة أوجه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنه القرآن‪ .‬الثاني‪ :‬السلم جاءهم به الرسول ودعاهم إليه‪ .‬الثالث‪ :‬أن ما يريهم ال ويفعل‬
‫من ذلك هو الحق‪ .‬الرابع‪ :‬أن محمدا صلى ال عليه وسلم هو الرسول الحق‪" .‬أولم يكف بربك أنه‬
‫على كمل شيمء شهيمد" "أو لم يكمف بربمك" فمي موضمع رفمع بأنمه فاعمل "بيكمف" و"أنمه" بدل ممن‬
‫"ربك" فهو رفع إن قدرته بدل على الموضع‪ ،‬وجر "إن" قدرته بدل على اللفظ‪ .‬ويجوز أن يكون‬
‫نصمبا بتقديمر حذف اللم‪ ،‬والمعنمى أو لم يكفهمم ربمك بمما دلهمم عليمه ممن توحيده؛ لنمه "على كمل‬
‫شيمء شهيمد" وإذا شهده جازى عليمه‪ .‬وقيل‪ :‬المعنمى "أو لم يكمف بربمك" فمي معاقبتمه الكفار‪ .‬وقيمل‪:‬‬
‫المعنى "أو لم يكف بربك" يا محمد أنه شاهد على أعمال الكفار‪ .‬وقيل‪" :‬أو لم يكف بربك" شاهدا‬
‫على أن القرآن من عند ال‪ .‬وقيل‪" :‬أو لم يكف بربك أنه على كل شيء" مما يفعله العبد "شهيد"‬
‫والشهيد بمعنى العالم؛ أو هو من الشهادة التي هي الحضور "أل إنهم في مرية" أي في شك "من‬
‫لقاء ربهمم" فمي الخرة‪ .‬وقال السمدي‪ :‬أي ممن البعمث‪" .‬أل إنمه بكمل شيمء محيمط" أي أحاط علممه‬
‫بكل شيء‪ .‬قاله السدي‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬أحاطت قدرته بكل شيء‪ .‬وقال الخطابي‪ :‬هو الذي أحاطت‬
‫قدرته بجميع خلقه‪ ،‬وهو الذي أحاط بكل شيء علما‪ ،‬وأحصى كل شيء عددا‪ .‬وهذا السم أكثر ما‬
‫يجيمء فمي معرض الوعيمد‪ ،‬وحقيقتمه الحاطمة بكمل شيمء‪ ،‬واسمتئصال المحاط بمه‪ ،‬وأصمله محيمط‬
‫نقلت حركمة الياء إلى الحاء فسكنت‪ .‬يقال منه‪ :‬أحاط يحيمط إحاطمة وحيطة؛ ومن ذلك حائط الدار‪،‬‬
‫يحوطهما أهلهما‪ .‬وأحاطمت الخيمل بفلن‪ :‬إذا أخمذ مأخذا حاصمرا ممن كمل جهمة‪ ،‬ومنمه قوله تعالى‪:‬‬
‫"وأحيط بثمره" [الكهف‪ ]42 :‬وال أعلم بصواب ذلك‪.‬‬

You might also like