Professional Documents
Culture Documents
(وَتَعَاوَنُوا َعلَى الِْبرّ وَالتّقْوَى وَل َتعَاوَنُوا َعلَى الْأِثْمِ وَالْعُ ْدوَانِ)(الائدة :من الية .)2
ولو تبصر الدعاة ف واقع دعوتم ،وتبينوا أثر اللف والفرقة ف صفوفهم ف الدنيا والخرة ،لسرعوا إل التعاون والتنسيق فيما
بينهم ،منيبي إل ال من فرقتهم ،متسابقي إل تقيق مرضاته ،مسارعي ف اليات ،متنافسي ف البات ،سادين لختلف الثغرات
الت ينفذ منها شياطي النس والن لبث العداوة والبغضاء بي الؤمني ،ونشر الفرقة والختلف بي العاملي ،مزقي لوحدة المة،
وموزعي أجزاء السد الواحد ،ومستغلي لذلك غفلة الغافلي ،وحقد الاقدين.
فلكم تباعدت قلوب ،وفرقت صفوف هنا وهناك باسم النتصار للحق ،والرأة فيه!!
ولكم لبس الشيطان على بعض العاملي ،فصور لم بعدهم عن إخوانم قربا من ال ،وهجومهم على بعضهم بعضا جهادا ف سبيل
ال ،وإعلءً لكلمته!!..
فأساؤا من حيث أرادوا الحسان ،وظن بعضهم أنم يسنون صنعا!!
من أجل علج مثل هذه الظاهرة كان هذا الكتاب ،وتكررت طباعاته كثيا ،وترجم بعضها إل غي العربية.
ومن أجل هذه العان وتعميقها ف نفوس الدعاة من جهة ،ولساهة هذا الكتاب بطبعاته السابقة ف تقيق شيء من ذلك من جهة
أخرى ،حرص بعض الحباب على طباعته من جديد ،وتوسيع دائرة الفادة منه...
وجاءت استجابة (مكتبة النار السلمية) ف الكويت سريعة لتحقيق هذه الرغبة ،فأقدمت مشكورة على تقدي الطبعة الامسة منه
للقراء ف ثوب جديد وحلة قشيبة.
أسأل ال عز وجل :أن يتقبل منا ومنها صال العمال ،وأن يزيها خيا على مبادرتا لطباعته والعناية به ،وأن يرزقنا جيعا الخلص
والسداد ف القول والعمل ،إنه سيع ميب الدعاء.
والمد ل رب العالي.
الكويت ف15/7/1420 :هـ
24/10/1999م
كتبها
د.ممد أبو الفتح البيانون
الستاذ الساعد بكلية الشريعة والدراسات السلمية
بامعة الكويت
القدمة
المد ل رب العالي ،القائل ف كتابه البي:
(ِإنّ هَذِ ِه ُأمُّتكُ ْم أُمّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَّبكُمْ فَاعْبُدُونِ) (النبياء)92:
صمُوا ِبحَ ْب ِل اللّ ِه َجمِيعا وَل َت َفرّقُوا)(آل عمران :من الية )103
والقائل( :وَاعْتَ ِ
والقائلِ( :إ ّن اللّ َه ُيحِبّ الّذِي َن ُيقَاِتلُونَ فِي سَبِيلِ ِه صَفّا كَأَّنهُمْ ُبنْيَانٌ َم ْرصُوصٌ)(الصف)4:
والصلة والسلم على سيدنا ممد القائل:
((عليكم بالماعة ،وإياكم والفرقة ،فإن الشيطان مع الواحد ،وهو من الثني أبعد ،من أراد ببوحة النة ،فليلزم الماعة))"هذا جزء
من حديث شريف رواه المام الترمذي ف سننه وقال عنه :هذا حديث حسن صحيح غريب ،انظر :ت(.")2245
ورضي ال عن الصحبة والتابعي ،والدعاة العاملي ،الذين كانوا صفا واحدا فيما بينهم ،ويدا واحدة على من سواهم ،أذلة على
الؤمني ،أعزة على الكافرين ،ورضي ال عمن تبعهم ونج نجهم إل يوم الدين...
أما بعد:
فمما ل شك فيه ،أن وحدة العمل السلمي اليوم أمني ًة كبى ،وأمل منشود ،تتطلع إليه النفوس الؤمنة ف كل مكان ،ول سيما ف
مواطن الحن والشدائد...
إل أن كثيا ما يقع السلمون ف الية والضطراب تاه تقيق هذا المل ،وذلك عندما يواجههم واقع تعدد الماعات السلمية
العاملة ،فتختلف مواقفهم منها ،وتتنوع تليلتم لا ،وتبز ردود الفعل والتعصبات ،ما قد يضعف المل ف النفوس ،ويزيد الية ف
المر ،فيستسلم كثي من السلمي إل اليأس تاه هذا الواقع الؤل...
كان هذا من أبرز السباب الت دفعتن إل كتابة هذا البحث ،ومعالة هذا المر ،حيث ل أجد فيه كتاب ًة وافية ،ومعالةً شافية.
وهناك سبب آخر ،هو :إلاح الاجة إل وضع السس النظرية والعملية لتحقيق هذا المل ،فإن من العاملي للسلم من يؤمن
بضرورة وحدة العمل السلمي نظريا ،ولكنهم ل يتمكنون من تطبيقه عمليا!
ومنهم من ل يستوعب فهم حقيقة تعدد الماعات السلمية ،فيسيئون إليها بتصرفاتم ومواقفهم!..
فكثيا ما تصور الشباب السلم العامل للسلم تعدد الماعات السلمية العاملة ف الساحة السلمية عقبة كئودا أمام تقيق وحدة
العمل السلمي ،إذ كيف يكن أن يكون هناك عمل إسلمي واحد ،مع وجود تمعاتٍ وجاعات إسلمية متعددة!!
وساعد على هذا التعجب واقع كثي من التجمعات السلمية ،الذي تسوده الفرقة والشحناء ،وتيط به الزبيات البغيضة من كل
جانب.
فإن مثل هؤلء الشباب اليوم ،مثل كثي من شباب السلمي ف الاضي الذين أساؤوا فهم تعدد الذاهب الفقهية ،والدارس العلمية ف
حياة السلمي ،فقالوا :كيف تكون هناك مذاهب فقهية ،وآراء متعددة ف مسألةٍ شرعية واحدة ،وديننا واحد ،والقرآن واحد،
والسنة النبوية واحدة؟!!
وساعدهم على ذلك أيضا الواقع السيء لبعض أتباع الذاهب ،التعصبي لا ،والطاعني ف غي مذهبهم...
وبقيت هذه الشبهة تدور ف الذهان ،وتشغل بال بعض السلمي ،وتؤثر ف مواقفهم العملية من الذاهب الفقهية وأصحابا ،حت
قيض ال لذه المة ف ماضيها وحاضرها من أهل العلم من أوضح حقيقة الختلفات العلمية ،وكشف عن أسبابا ،ورفع اللم عن
أصحابا ،وبي موقف السلم منها ...وما أشبه مسألة تعدد الماعات السلمية بذه السألة!
فإذا كان تعدد الراء العلمية ف السألة الواحدة ،ف الدين الواحد-أحيانا -أمرا طبيعيا وشرعيا لسباب تعرف ف مالا"للمؤلف
كتاب خاص عال هذا الوضوع وهو(( :دراسات ف الختلفات الفقهية)) طبع عدة طبعات :الول عام 1395هـ ،والثانية
1403هـ ،والثالثة 1405هـ ،وقد أصبح اسم الكتاب ف الطبعة الرابعة(( :دراسات ف الختلفات العلمية))".
فإن تعدد الماعات السلمية ف الساحة السلمية ،ف السلم الواحد أمر طبيعي وشرعي أيضا ،ول سيما ف هذا الزمن-كما سيأت
معنا ف التمهيد لذا البحث.-
ولعلي أتكن من خلل هذا البحث (الذي جعلته من تهيد وموضوع ،وخاتة) من وضع بعض السس النظرية والعملية لذا
الوضوع ،فأكشف عن حقيقة تعدد الماعات السلمية وأسبابا ودواعيها ،مللً سلبياتا وإيابيتها ،وأضع بعض العال الساسية
على طريق وحدة العمل السلمي ،ذلك المل النشود ،وال الستعان ،وعليه التكلن .
الؤلف
التمهيد
حقيقة تعدد الماعات السلمية وأسباب نشأتا
إن التأمل ف سبب تعدد الماعات السلمية ،والتفكر ف طبيعتها ،يرى أنا تعود ف كثي من الحوال إل اختلف مناهج الدعاة
وأساليب عملهم ف العمل للسلم ،حيث يتهد الدعاة العاملون ف وضع الناهج اللزمة لعملهم ،واختيار الساليب والوسائل
اللئمة لدعوتم ،وذلك بسب إمكاناتم واجتهاداتم ،فيختارون من ذلك ما يرونه أدعى إل تقيق الهداف ،وأقرب إل الوصول
للغايات ،وذلك ف ضوء النصوص الشرعية الثابتة ،والصال الزمنية الراهنة ...
وإن مثل تعدد اجتهاداتم ف ذلك مع وحدة الدين والقرآن والسنة ،مثل تعدد مناهج النبياء عليهم الصلة والسلم وشرائعهم –من
بعض الوجوه – مع وحدة ملتهم ".ل يضر ف التشبيه بي شيئي من بعض الوجوه ،وجود اختلف ف وجوه أخرى مثل :تنوع
الزمان والكان بالنسبة لشرائع النبياء عليهم الصلة والسلم ،ووحدة الزمان والكان أحيانا بالنسبة لناهج العلماء والدعاة .
يكفي ف مثل هذا القام وجود تشابه من حيث عدد تعدد الناهج مع وحدة الشريعة والدف ،مع تشابه ف تعدد الشرائع مع وحدة
اللة.
فإن ملة النبياء عليهم الصلة والسلم جيعا واحدة كما أن ملة الكفر واحدة ،قال تعال ف بيان وحدة ملة النبياء :
صرَاطٍ مُسْتَقِي ٍم دِينا قِيَما ِملّ َة إِْبرَاهِي َم حَنِيفا))"الية /161/من سورة النعام .
(( ُقلْ إِنّنِي هَدَانِي رَبّي إِلَى ِ
وقال أيضا :
((ثُ ّم َأ ْوحَيْنَا إِلَ ْيكَ َأنِ اتّبِعْ ِملّ َة إِْبرَاهِي َم حَنِيفا))"الية /123/من سورة النحل ،وانظر الية/95/آل عمران ،و/87/الج ،و /19/آل
عمران ،و/38/يوسف عليه السلم وغيها .
كما قال ف بيان وحدة ملة الكافرين :
((وَلَ ْن َت ْرضَى عَ ْنكَ اْلَيهُودُ وَل النّصَارَى حَتّى تَتّبِ َع ِملَّتهُمْ "))...الية /120/من سورة البقرة .
وقال أيضا :
((...إِنّي َت َركْتُ ِملّ َة قَوْ ٍم ل ُيؤْ ِمنُو َن بِاللّهِ َوهُمْ بِالْآ ِخرَةِ هُ ْم كَا ِفرُونَ ،وَاتّبَعْتُ ِملّ َة آبَائي إِْبرَاهِي َم وَِإ ْسحَاقَ وََيعْقُوب))"الية /38-37/
من سورة يوسف عليه السلم .
ب بِاْلحَقّ ُمصَدّقا ِلمَا َبيْ َن يَدَيْ ِه مِنَ
وإن مناهج النبياء عليهم الصلة والسلم وشرائعهم متعددة ،قال تعال (( :وََأْنزَلْنَا ِإلَ ْيكَ اْلكِتَا َ
اْلكِتَابِ َو ُمهَ ْيمِنا َعلَ ْيهِ فَا ْحكُمْ َبيَْنهُمْ ِبمَا أَْن َزلَ اللّهُ وَل تَتِّب ْع أَهْوَا َءهُ ْم َعمّا جَاءَكَ مِنَ اْلحَ ّق ِل ُكلّ َج َعلْنَا مِ ْنكُ ْم ِش ْرعَةً وَ ِم ْنهَاجا وََلوْ شَاءَ
اللّ ُه َلجَ َع َلكُمْ ُأمّ ًة وَاحِدَةً وََلكِ ْن لِيَ ْبلُ َوكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَِبقُوا اْلخَ ْيرَاتِ ِإلَى اللّهِ َم ْرجِ ُعكُ ْم َجمِيعا فَيَُنبُّئكُ ْم ِبمَا كُ ْنتُمْ فِيهِ
َتخَْت ِلفُونَ))"الية /48/من سورة الائدة.
وقال أيضا (( :ثُ ّم َج َعلْنَا َك َعلَى َشرِيعَ ٍة مِنَ الْأَ ْمرِ فَاتِّب ْعهَا وَل َتتّبِ ْع َأهْوَاءَ الّذِي َن ل يَ ْع َلمُونَ))"الية /18/من سورة الاثية .
والفرق بي تعدد مناهج النبياء عليهم الصلة والسلم مع وحدة ملتهم ،وبي تعدد مناهج الدعاة والعاملي مع وحدة دينهم
ورسالتهم ،هو ف أن مناهج النبياء عليهم الصلة والسلم وحي منل معصوم عن الطأ ،وأن مناهج الدعاة والعلماء اجتهادات
بشرية ف ضوء الوحي تتمل الطأ والصواب ،وتقبل الناقشة والنقد ،ولكنهم ف اجتهاداتم تلك ل يعدمون أجرا إن شاء ال على
كل حال ...
وقد سبق إل هذا التشبيه المام ابن تيمية رحه ال ،بعد أن تدث عن وحدة اللة ،وتعدد شرائع ومناهج النبياء عليهم الصلة
والسلم ،فقال ف ذلك (( :فالذاهب والطرائق والسياسات للعلماء والشايخ والمراء ،إذا قصدوا با وجه ل تعال دون الهواء ،
ليكونوا مستمسكي باللة والدين الامع الذي هو عبادة ال وحده ل شريك له ،واتبعوا ما أنزل إليهم من ربم من الكتاب والسنة
بسب المكان بعد الجتهاد التام :
هي لم من بعض الوجوه بنلة الشرع والناهج للنبياء .
وهم مثابون على ابتغائهم وجه ال وعبادته وحده ل شريك له ،وهو الدين الصلي الامع ،كما يثاب النبياء على عبادتم ال
وحده ل شريك له ،ويثابون ( أي العلماء والشايخ ) على طاعة ال ورسوله فيما تسكوا به ،ل من شرعة رسوله ومنهاجه ،كما
يثاب كل نب على طاعة ال ف شرعه ومنهاجه .
ويتنوع شرعهم ومناهجهم ،مثل :أن يبلغ أحدهم الحاديث بألفاظ غي اللفاظ الت بلغت الخر وتفسر له بعض آيات القرآن
بتفسي يالف لفظه لفظ التفسي الخر ،ويتصرف ف المع بي النصوص واستخراج الحكام منها بنوع من الترتيب والتوفيق ،
ليس هو النوع الذي سلكه غيه ،وكذلك ف عباداته وتوجهاته ،وقد يتمسك هذا بآية أو حديث ،وهذا بديث أو آية أخرى .
وكذلك ف العلم ،من العلماء من يسلك بالتباع طريقة ذلك العال ،فتكون هي شرعهم حت يسمعوا كلم غيه ويروا طريقته ،
فيجح الراجح منها .
فتتنوع ف حقهم القوال والفعال السالفة لم من هذا الوجه .
وهم مأمورون بأن يقيموا الدين ول يتفرقوا فيه ،كما أمرت الرسل بذلك ،ومأمورون بأن ل يفرقوا بي المة ،بل هي أمة واحدة ،
كما أمرت الرسل بذلك ،وهؤلء آكد ،فإن هؤلء تمعهم الشريعة الواحدة والكتاب الواحد .
وأما القدر الذي تنازعوا فيه ،فل يقال :إن ال أمر كل منهم باطنا وظاهرا بالتمسك با هو عليه ،كما أمر بذلك النبياء وإن كان
هذا قول طائفة من أهل الكلم – فإنا يقال :
إن ال أمر كل منهم أن يطلب الق بقدر وسعه وإمكانه ،فإن أصاب وإل ،فل يكلف ال نفسا إل وسعها ،وقد قال الؤمنون :
س َعلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ
((رَبّنَا ل ُتؤَاخِذْنَا ِإ ْن نَسِينَا أَ ْو َأ ْخطَأْنَا))"الية /286 /من سورة البقرة" وقال ال :قد فعلت ! وقال تعال (( :وََليْ َ
فِيمَا َأ ْخطَأْتُ ْم بِهِ))"جاءت الية ف مموعة الفتاوى (ج )19/127خطأ وصوابا ما أثبته ،انظر الية /5/من سورة الحزاب"
فمن ذمهم و لمهم على ما ل يؤاخذهم ال عليه ،فقد اعتدى ،ومن أراد أن يعل أقوالم وأفعالم بنلة قول العصوم وفعله ،
وينتصر لا بغي هدى من ال فقد اعتدى ،واتبع هواه بغي هدى من ال .
ومن فعل ما أمر به حسب حاله :من اجتهاد بقدر عليه ،أو تقليد إذا ل يقدر على الجتهاد ،وسلك ف تقليده مسلك العدل ،فهو
ف اللّ ُه نَفْسا ِإلّا ُوسْ َعهَا))"الية /286/من سورة البقرة".
مقتصد ،إذ المر مشروط بالقدرة (( ،ل ُي َكلّ ُ
فعلى السلم ف كل موطن :أن يسلم وجهه ل وهو مسن ،ويدوم على هذا السلم ،فإسلم وجهه :إخلصه ل ،وإحسان فعله
السن ،فتدبر هذا ،فإنه أصل جامع نافع عظيم))"وهو كما قال رحه ال :أصل جامع نافع عظيم ،يدل على عمق نظرته ،ودقه
مأخذه – رحه ال -ل أجد من سبقه إليه ،وقد كنت منذ سنوات – وأنا أبث هذا الوضوع – أتردد ف مثل هذا التشبيه ،فلما
وقفت عليه أكد ل ما ذهبت إليه ،واطمأننت إل فهمي لقيقة التعدد ف الناهج الدعوية والذاهب العملية ،ولذ ،سقته بكامله
تعميما لنفعه ،فقد بي فيه – رحه ال – حقيقة التعدد ،وأشار إل بعض أسبابه ودوافعه ،وأوضح الوقف الواجب تاهه – رحة ال
وجزاه خيا – انظر مموعة الفتاوى (". )128-19/126
ويكننا بعد هذه التجلية لقيقة تعدد الناهج الدعوية أن نلخص أسبابا اليوم ف ثلثة أسباب أساسية ،هي :أ-
طبيعة النصوص الشرعية الحتملة لكثر معن ،وتفاوت الراء والجتهادات البشرية ف فهم أساليب العمل السلمي ،الستقاة من
مثل هذه النصوص ،ومن سية الرسول صلى ال عليه وسلم وسية خلفائه الراشدين رضوان ال عليهم .
ولو دققنا النظر ف هذا السبب ،رأينا أن اتساع سية الرسول صلى ال عليه وسلم وسية خلفائه من بعده لتعدد الفهام
والجتهادات أكثر من اتساع النصوص الواردة ف الحكام الشرعية .
فهناك مواقف يعلها بعضهم من باب تصرفات المام والسياسة ،ويراها آخرون من باب التبليغ والفتوى ،وأخرى يعيدونا
لتصرفات القاضي أو الفت حسب فهم كل عال أو متهد فيها ،كما أوضحته ف بث (( :الصالة والعاصرة ،خصيصتان من
خصائص الدعوة السلمية)) ومن مثل هذا وغيه من أسباب ،اختلفت مناهج السلف العلمية ،فكان منهم من يتمسك بالثار ،
ويقلل من استعمال الرأي ،وكان منهم من يتوسع ف ذلك حت تكونت مدرستا أهل الديث ،وأهل الرأي ،وكان على رأس
الدرسة الول الصحاب الليل عبد ال بن عمر رضي ال عنهما ،إل أن تسدت هذه الدرسة ف شخصية المام مالك بن أنس –
رحه ال – إمام دار الجرة.
وكان على رأس الدرسة الخرى -مدرسة الرأي – أمثال الصحاب الليل عمر بن الطاب وعبد ال بن مسعود رضي ال عنهما،
إل أن تسدت هذه الدرسة ف شخصية المام أب حنيفة – رحه ال – " انظر كتاب (( الفكر السامي ف تاريخ الفقه السلمي ))
للحجوي ،تقيق عبد العزيز عبد الفتاح القاري ،نشر الكتبة العلمية بالدينة النورة ( ) 353-1/349وكتاب (( دراسة تاريية
للفقه وأصوله ،والتاهات الت ظهرت فيهما )) للدكتور مصطفى سعيد الن ،طبع الشركة التحدة للتوزيع ،ط :الول ( -76
. ) 80
ومن مثل هذا اختلفت مواقف السلف – رحهم ال تعال – من الفقه الفرضي أو التقديري ،فكان منهم من يقره ويتوسع فيه ،
ومنهم من يرفضه ويتورع عنه ،ويستدل كل طرف لرأيه بالدلة النقلية والعقلية " انظر تفصيل ذلك ف (( الفكر السامي ف تاريخ
الفقه السلمي )) للحجوي (. )353-1/349
ومن مثل هذا أيضا تنوعت مناهج السلف ف التوسع أو القلل من الخذ بالباحات ،وتناول الطيبات ،فكان منهم من يتوسع ف
ذلك ،ومنهم من يقل ،واستدل كل طرف على منهجه ببعض الدلة النقلية والعقلية"انظر(( :الوافقات)) للشاطب ،بشرح الشيخ عبد
ال دراز -رحه ال( -ج .)123-1/117
إل غي ذلك من مناهج قدية وحديثة ف مناهج السلمي وطرائقهم شلت الوانب الاصة والعامة ف حياة السلمي ...ب-
ومن السباب الت أدت إل تنوع مناهج السلمي الدعوية اليوم ،غياب الوحدة السياسية ف الساحة السلمية ،التمثلة ف اللفة
الراشدة الت تكم المة وتمع الشمل ،وترفع اللف.
وف بيان هذا السبب يقول فضيلة الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي –حفظه ال تعال -ف مقابلة أجرتا معه ملة الصلح الصادرة
ف دب ،إحدى المارات العربية ،وقد سئل السؤال التال:
((عند الديث عن الصحوة السلمية ،تبز بشكل لفت للنظر قضية تعدد الماعات السلمية العاملة ف ساحة الدعوة ،دون أن
يتفي اللف ،وربا التنافر الذي يفصل بعضها عن بعض ف أحيان كثية ...هل تعتقد أن ظاهرة التعددية ظاهرة صحية؟
وما هو الفهوم الصحيح الذي يب أن يسود بي هذين الماعات لتوظف طاقاتا متمعةً ف خدمة مصلحة السلمي كافة؟)).
فكان جواب فضيلته:
((...التعددية ظاهرة مفروضة ،فرضها غياب فريض ٍة كبى من فرائض السلم ،فإذا عدنا إل الصدر الول ،عهد النبوة الطهرة،
وعهد اللفة الراشدة الت أجع عليها السلمون ،فل ند إل جاعةً واحدة ،تت قيادة واحدة ،هي جاعة السلمي ،تت إمامة واحدة
لرسول ال صلى ل عليه وسلم ,ث تت إمامة الليفة الراشد من بعده .
وظل العمل للسلم على هدي جاعة واحدة وتت ,إمامة راشدة واحدة,حت اختلفت اللفة الراشدة البايعة بيعة شرعية من
مسلمي الرض,فقام أعلم الدعاة الصلحون الخلصون بالدعوة إل ال من أجل السلم ,ومن ث نشأت الماعات وتعددت...أي
إنه ل تعدد ف الماعات السلمية إذا كان السلمون يعيشون تت سلطان خلفة راشدة,انعقدت ببيعة شرعية "هكذا يرى فضيلة
الستاذ القرضاوي ،والذي أراه ف هذه النقطة:تعليق هذا المر على الصلحة الت يراها المام عندئذ ,فإن رأى مصلحة ف إبقائها
أبقاها,وإن رأى مصلحة ف إلغائها ألغاها,وإن رأى مصلحة ف اعتماد شكل أو أشكال منها,فله ذلك,فهو الرجع فيه,وإن حكمه ف
هذا وغيه يرفع اللف.وال أعلم".أما اليوم,وقد غابت اللفة عن حياة السلمي,فعلى الماعات السلمية أن ينسق بعضها مع
بعض,وأن يكون هناك قدر من التفاهم والتعاون بينها"))...انظر ملة الصلح,العدد/77/لشهر شوال عام/1404/ه .إل آخر
حديثه المتع الفيد"...
ج ـ ومن السباب الت أدت إل مثل هذا التعدد :رغبة العاملي للسلم ف استيعاب أكب عدد مكن من السلمي ف إطار العمل
السلمي ،وذلك حفاظا على الشعوب السلمة من الضياع ،وصونا لا عن مطامع العداء ،وتميعا وتوجيها لهودها نو
الهداف الشتركة ...
ول يفى على أحد مدى تفاوت أمزجة السلمي ومشاربم اليوم ،وتعدد آرائهم واجتهاداتم الت ل يكن أن يستوعبها تنظيم
واحد ،أو تكمها قيادة واحدة ،ول سيما ف غياب الماعة الت يعتر الميع لا بالكمال فينضوون تت لوائها ،ول يدون حاجة
لو جود تمعات أخرى مع وجودها ...وف مثل العن يقول الستاذ الداعية أبو العلى الودودي ـرحة ال ـوهو يبي السباب
الداعية إل تشكيل جاعته السلمية,ما نصه:
((حاولت وحاول زملئي من يملون معي فكرا مشتركا,حاولنا معا خلل ثلث سنوات ,القيام بمع الماعات السلمية الوجودة
ف ذلك الوقت,تت ظل نظام واحد,أو برنامج واحد يفي باحتياجات الدين السلمي بصورته القيقية.
وكانت هذه الحاولة تدف إل تكوين وحدة مترابطة بي الماعات القائمة,وبالتال,ل تكون هناك حاجة إل تشكيل أية جاعة جديدة
وللسف,ل تنجح ماولتنا,ول يكن أمامنا من حل سوى أن جعنا هؤلء الناس الذين ل يقتنعون بطريقة عمل الماعات الوجودة
آنذاك,والراغبي ف العمل طبقا للصول السلمية الصحيحة.
وهكذا ف شعبان 1360هـ .أغسطس 1941م ,عقدت اجتماعات لؤلء الناس ,وبعد مشاورات واستشارات فيما بيننا,عقدنا
العزم على إنشاء ((جاعت إسلمية))أي ((الماعات السلمية)) (.)1انظر كتاب((أبو العلى الودودي,فكره ودعوته))لسعد
جيلن ص .43وإن مثل هذا السبب الذي أدى إل قيام الماعات اليوم وحاجة السلمي إليها .وإذا كان السلمون قد وفقوا ف
الاضي بعلماء أعلم ,ودعاة صادقي ,استطاعوا بإخلصهم وجهودهم ووعيهم أن يقربوا بي مناهج مدرسة أهل الديث ومدرسة
أهل الرأي,كما فعل المام الشافعي ـرحه ال ـ وغيه ,وكما فعل آخرون ف مناهج أخرى...
فعساهم أن يوفقوا اليوم بأعلم ملصي,وعلماء عاملي,يقومون ,بأمثال تلك الهود الكرية بي العاملي للسلم والماعات
التعددة ,فيتابعون جهود من سبقهم ف هذه السبيل,ويساهون ف ترسيخ الوحدة السلمية,والتقريب المكن بي وجهات النظر
الختلفة,فإنّ المة السلمية اليوم,ف حاجة ماسة إل جاعات تتبن هذا الدف,وتسلك السبيل الؤدية إليه.
ومن عرف الستوى الذي وصل إليه بعض أصحاب الدرستي العلميتي ف الاضي ,أو بعض أتباع الذاهب الفقهية,من العداء
والنفور,وتبادل التهم والطعون ,وما وصلوا إليه بعد تلك الهود الكرية ,من تقارب وتفاهم ف معظم أحوالم,هان عليه المر ف هذه
اليام ,وقوي لديه المل بالوصول إل التقارب والتفاهم على جيع الستويات.
فقد جاء ف ((ترتيب الدارك)) للقاضي عياض رحه ال تعال (( :قال أحد بن حنبل :ما زلنا نلعن أهل الرأي ويلعنوننا ،حت جاء
الشافعي فمزج بيننا)).
قال القاضي عياض (( :يريد أنه (أي :المام الشافعي) تسك بصحيح الثار واستعملها ،ث أراهم أن من الرأي ما يتاج إليه ،وتبن
أحكام الشرع عليه .
وأنه قياس على أصولا ،ومنتزع منها ،وأراهم كيفية انتزاعها و التعلق بعللها وتنبيهاتا ،فعلم أصحاب الديث :أن صحيح الرأي
فرع للصل ،وعلم أصحاب الرأي أنه ل فرع إل بعد أصل ،وأنه ل غن عن تقدي السنن وصحيح الثار أولًّ))"انظر ترتيب
الدارك ( )1/91و ( ، )3/181وانظر مقدمة إعلء السنن لتهاون ( ، )1/235ولعله أراد باللعن هنا :البالغة ف الكراهية والذم ،
وال أعلم ".
وف ختام هذا التمهيد أحب أن أؤكد على أن السعي إل وحدة العمل السلمي ،وجع الكلمة ،بصيغة من الصيغ المكنة ،واجب
شرعي على كل قادر ،وذلك دفعا للفرقة بي السلمي ،وتميعا لهودهم من جهة ،وتقيقا لوقوفهم صفّا وحدا أمام أعدائهم من
صمُوا ِبحَ ْبلِ
جهة أخرى ،فقد كفى السلمي ما لقوا من من وويلت ويلقون ،بسبب تفرقهم وتباعد كلمتهم ،قال تعال (( :وَاعْتَ ِ
ت اللّ ِه َعلَ ْيكُ ْم ِإذْ كُ ْنتُمْ َأعْدَاءً فَأَّلفَ بَ ْينَ ُقلُوِبكُمْ فََأصَْبحْتُ ْم بِنِ ْعمَِت ِه ِإخْوَانا))"الية /103/من سورة
اللّ ِه َجمِيعا وَل تَ َفرّقُوا وَا ْذ ُكرُوا نِ ْعمَ َ
آل عمران ".
وقال أيضا :
((وَتَعَاوَنُوا َعلَى الِْبرّ وَالتّقْوَى وَل َتعَاوَنُوا َعلَى الث وَاْلعُدْوَانِ وَاتّقُوا اللّ َه ِإ ّن اللّ َه شَدِيدُ الْ ِعقَاب))"الية /2/من سورة الائدة".
الوضوع
ويشمل الوضوع على عشر نقاط,وهي:
-1أنواع التجمعات السلمية وأشكالا.
-2أهم النقاط الشتركة بينها.
-3أهم نقاط الختلف بينها.
-4من إيابيات تعدد الماعات السلمية.
-5من سلبيات تعدد الماعات السلمية.
-6من طرق معالة سلبيات التعدد.
-7ضوابط وقواعد لبد منها ف طريق وحدة العمل السلمي.
-8عرض لبعض الصيغ القابلة للتطبيق ف مال وحدة العمل السلمي.
-9تارب ف طريق وحدة العمل السلمي,وبعض عقباتا.
-10الطوة الديدة ف طريق تقيق المل النشود ،ومتطلباتا .
أنواع التجمعات السلمية وأشكالا
تتنوع التجمعات السلمية إل أنواع متعددة,وذلك تبع لهتماماتا واختصاصاتا من جهة,وتبع للظروف والبيئات الت نشأت فيها
من جهة أخرى.
فهناك تمعات عامة تدف إل إصلح الوضع السلمي بوجه عام,ول تتص بانب دون
آخر.
وهناك التجمعات الاصة الت تستهدف عمل معينا,أو يغلب عليها طابع خاص,كالماعات العلمية والتربوية والتبليغية ,والسياسية,
والعسكرية,والقتصادية ,واليية ,وغيها...
وقد تأخذ بعض هذه التجمعات صورة علنية وأخرى سرية حسب الظروف والبيئات الت نشأت فيها.
والناظر ف أهداف هذه التجمعات على متلف أشكالا,يرى وجوها من الشتراك والتداخل النسب ف الهداف ،إذ إن غاية السلمي
واحدة,وهدفهم واحد,وإنا تتلف اهتماماتم واختصاصاتم وإمكاناتم,كما تتلف بعض منا هجهم وأساليبهم ف العمل للسلم...
فمن منهج كلي أو جزئي ,إل منهج علمي أو تربوي ,إل منهج تبليغي أو اقتصادي ,إل آخر سياسي أو عسكري ,وهكذا.
وقد رأينا فيما سبق جذورا تاريية لبعض هذه الشكال ف حياة أمتنا,وتاريخ سلفنا,كما عرفنا مبرات وجود أنواع جديدة ف عصرنا
هذا ,تبعا لغياب الوحدة السياسية ف الساحة السلمية ,ومستجدات حاجات السلمي...
ومن العجيب أن يهتم العاملون للسلم بنقاط الختلف فيما بينهم ,أكثر من اهتماماتم بوانب التفاق ول سيما بوحدة الدف
والغاية!!
أو أن تنظر جاعة إل الخرى نظرة العادية أو النافسة لا ,ول تنظر إليها نظرة الشارك أو العي على تقيق أهدافها ,أو الكمل لا!!
فالميع مهما اختلفت أساؤهم ,وتنوعت مناهجهم واهتماماتم ,إنا يدمون هدفا واحدا ,ويسعون إل غاية واحدة مشتركة ,اللهم
إل من ساءت نيته ,وانرفت غايته ,فاتذ شعار السلم خداعا ومكرا ,ول يفي أمثال هؤلء على السلمي...
سألت مرة فضيلة الستاذ أب العلى الودودي ـرحه ال تعالىـ ف مكة الكرمة عن رأيه ف جاعة التبليغ الت قامت الند ,وتتنقل
ف العال كله ,ـ وكان قد سبق ل أن سعت ف الند و وباكستان ,أن بي الماعة السلمية ,و جاعة التبليغ خلفا وشقاقا ـ
فأجابن ـ رحة ال ـ بقوله:
((إنم يسدون عنا ثغرة ل نستطيع سدها ,وإننا ل ننتقدهم ,ولكن فيهم من ينتقدنا))!..
فأعجبن منه هذا القول ,وعددته درسا بليغا فيما يب أن يكون عليه موقف الماعات السلمية بعضها من بعض.
أهم النقاط الشتركة بي الماعات السلمية
إن الناظر ف أهداف الماعات السلمية القائمة,والتتبع لططها ومناهجها وأقوال مؤسسيها ,يرى بي هذه الماعات قواسم
مشتركة عديدة ,من أهها:
ل غي منقوص.
أ -وحدة العقيد التمثلة بالتبن العتقاد للسلم ,واليان به كام ً
فما من جاعة إسلمية إل وتنص على هذا البدأ بشكل أو بآخر.
ب -وحدة الغاية التمثلة ف السعي إل مرضاة ال عز وجل ,والتطلع إل تطبيق النظام العام السلمي ف حياة الناس ,سواء على
النطاق العام أو الاص
ج -وحدة الصادر والوارد ,حيث يستقي كل منها من كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم وسية خلفائه من بعده,
متهدين ف ذلك أخطأوا أو أصابوا.
د -وحدة العقبات الت تواجهها الماعات السلمية قلت أو كثرت ,سواء كان ذلك ف العقبات الداخلية أم الارجية.
هـ -وحدة الصي ف الدنيا والخرة ,سواء أكان هذا الصي نصرا مؤزرا ف الدنيا ,أم جنة خالدة ف الخرة ,ومغفرة من ال
ورضوانا...
قال تعال:
ب أَلِيمٍ ،ت ْؤمِنُو َن بِاللّ ِه وَ َرسُوِلهِ وَُتجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ
((يا أيها الذين آمنوا ,يَا أَّيهَا الّذِينَ آمَنُوا َه ْل َأدُّلكُمْ َعلَى ِتجَارَ ٍة تُ ْنجِيكُمْ مِ ْن عَذَا ٍ
سكُمْ ذَِلكُمْ
سكُ ْم ذَِلكُمْ خَ ْي ٌر َلكُمْ ِإنْ كُ ْنتُ ْم تَ ْع َلمُونَ ,تُ ْؤمِنُو َن بِاللّ ِه وَ َرسُوِلهِ وَُتجَاهِدُونَ فِي سَبِي ِل اللّ ِه بَِأمْوَاِلكُمْ وَأَْنفُ ِ
اللّ ِه بِأَمْوَاِلكُمْ َوأَنْفُ ِ
جرِي مِ ْن َتحِْتهَا الْأَْنهَارُ وَ َمسَاكِنَ طَيَّبةً فِي جَنّاتِ عَ ْد ٍن ذَِلكَ اْلفَوْزُ
خَ ْي ٌر َلكُمْ ِإنْ كُ ْنتُ ْم تَ ْع َلمُونَ ،يَ ْغ ِفرْ َلكُمْ ذُنُوَبكُمْ وَيُ ْد ِخ ْلكُ ْم جَنّاتٍ َت ْ
شرِ اْلمُ ْؤمِنِيَ)) (الصف )/13-10/
صرٌ مِ َن اللّ ِه وَفَ ْتحٌ َقرِيبٌ وَبَ ّ
اْل َعظِيم ,وَُأ ْخرَى ُتحِبّوَنهَا نَ ْ
كل ما سبق إنا هو قواسم مشتركة بي العاملي للسلم ,والماعات السلمية ,يظهر بعضها جليا واضحا ,ويتأكد بعضها يوما بعد
آخر من خلل الواقف الشتركة الت تقفها هذه الماعات ف الشدائد والحن ويكفي قاسم مشترك واحد منها ,أن يمع بي
العاملي,فكيف بذه القواسم الشتركة متمعة
أجل,لبد من تسليط الضواء على نقاط التفاق,قبل تسليطها على نقاط الختلف,وإن التفاق على نقطة من النقاط التبقية يدعو
إل التفاق على نقاط أخرى,وهكذا.
فل بد للعاملي الخلصي من وعي لذه القيقة,ليسعوا دائرة التفاق بينهم,ويضيقوا دائرة الختلف,منطلقي ف ذلك من أمر ال عز
صمُوا ِبحَ ْب ِل اللّ ِه َجمِيعا وَل َت َفرّقُوا))(آل عمران :من الية )103
وجل لم جيعا((:وَاعْتَ ِ
أهم نقاط الختلف بي الماعات السلمية
كما أن هناك نقاطا مشتركة بي الماعات السلمية,فإن هناك نقاط اختلف بينهم,يكن إجالا ف ثلث نقاط أساسية,وهي:
أ ـ اختلفهم ف مدى شول التبن التطبيقي للسلم ,بميع نظمه وأحكامه ,وذلك بسب الجتهادات العلمية والمكانات العلمية.
فإن من الدعاة من يهتم عمليا بانب دون آخر,أو يعن بوانب من نظم السلم أكثر من عنايته بوانب أخرى ...وذلك مع اتفاقهم
على شول التبن العتقادي للجوانب كلها ـ كما مر معنا ف نقاط التفاق ـ.
ب ـ اختلفهم ف طبيعة الناهج الت يضعونا لنفسهم وإخوانم ,وذلك بسب اجتهاداتم ف فهم الناهج الربانية ,وشعورهم باجة
السلمي إليها ف وقت من الوقات ,أو ف بيئة من البيئات.
وذلك كاختلفهم ف ترتيب بعض أولويات العمل السلمي ,أو تقدي هذا الانب على الخر ,أو التركيز على الانب العلمي
والتربوي ,أكثر من التركيز على الانب الجتماعي أو القتصادي أو السياسي ,أو عكس ذلك.
وما يدر التنبيه إليه ف هذا القام ,أن إمكانات التبن التطبيقي لانب من جوانب السلم من قبل جاعة من الماعات ,أو الهتمام
بزء من السلم على حساب جزء,ل يعن دائما رفضها للجوانب الخرى فيه ,أو إخراج تلك الوانب الباقية عن دائرة السلم.
فقد يتبادر أحيانا إل ذهن السامع لتصريح معي من جهة دعوية ,أو الشاهد لوقف من الواقف ,أن أصحاب هذه التصريات
والواقف يتنكرون لوانب هامة من السلم.
علما بأن مثل هذه التصريات والواقف اليوم ,قد يتفي وراءها أمور وأمور ,ل يرى بعض العاملي والدعاة مصلحة ف الفصاح
عنها ,أو الشارة إليها.
أما التصريح برفضها ,أو الطعن فيها,ووصفها بأنا منافية للسلم ومنهجه- ,كما قد يفعل بعض النتسبي إل السلم -فإنه يشي إل
اختلف ف البادىء والعتقاد ,يصعب معه الجتماع والتفاق ,وإن ت بشكل من الشكال ,فإنا يؤدي إل نتائج معكوسة ,ول
يدم الدف الشترك.
ج ـ اختلفهم ف نوعية الساليب والوسائل الت يتارون العمل با ,ويتبعونا ف تطبيق مناهجهم ,وذلك كتغليب أسلوب السالة
واللينة على أسلوب الشدة ,أو مانبة الانب السياسي,والديث فيه ,أو البتعاد عن عرض مسائل اللف والناقشة فيها ,وما إل
ذلك ما يراه بعضهم تلفيا لختلف السلمي وتفرق صفوفهم ـ كما تصرح به بعض الماعات السلمية ,ويدعو إليه بعض
العاملي.
فإن مثل هذه الختلفات ,تتسع لا ف رأيي ساحة العمل السلمي ,ويب أن تتسع لا صدور العاملي للسلم ,وليختر كل لنفسه
ولماعته ما يراه من منهج أو أسلوب أو وسيلة ...ول يصح أن تعد عقبة كبية ف سبيل وحدتم وتعاونم ...وأذكر موقفا يوضح
مثل هذه الختلفات ,وهو ما حدث معي شخصيا مع فضيلة الستاذ الداعية ,الشيخ ممد يوسف الكاندهلوي ـ رحه ال ـ يوم
زرته ف مسجده خلل جولة ل ف بلد الند عام 1383هـ الوافق 1963م وسعدت بصحبته أياما.
وكنت أسع وأشاهد الخوة من جاعة التبليغ ,يشيون ف أحاديثهم وأسس دعوتم إل البتعاد عن أمور السياسية واللف ,وكنت
أحسن فهم هذا الكلم وأحله مملً حسنا ,وأرجعه إل طبيعة دعوتم وحركتهم الواسعة ف بلدان العال ,لول ما أثاره بعض العاملي
حول سياسة الماعة وطبيعتها ,وشكك ف سلمة نياتا ومقاصدها ,وربط بعضهم بينها وبي القاديانية بعض الربط ,ولسيما ف
استبعاد القاديانيي للجهاد من العمل السلمي ـ كما يدث كثيا عندما نسيء الظن فيما بيننا ,ويكم بعضنا على بعض عن بعد
ـ.
فرأيت ف زيارت للشيخ ـ رحه ال ـ فرصة,ألحت فيها على الشيخ بالسئلة الت تكشف عن هذا الانب الطي ,فكان ييبن
بعلم وحلم ,وعموم وإجال ـ تشيا مع منهجهم ف بث مثل هذه المور ـ.
فما كان من إل أن صارحته بقول:ما رأي جاعتكم ف موضوع الهاد السلمي؟ وما موقفكم من الرحلة التنفيذية الت قد تصل
إليها الماعات السلمية؟
فتعجب الشيخ من صراحت هذه ,وابتسم وقال:
((لو كان لنا رأي خاص ف الهاد الذي هو ذروة سنام السلم,لا رأيت ف كتابنا((حياة الصحابة))أخبار الغزوات,ول أخبار جهاد
الرسول صلى ال عليه وسلم وصحابته الكرام ...وكتابنا هذا منتشر ف أيدي إخواننا ,وف كل مكان))...
ففهمت غايته ,واستسمحته عن إلاحي ف السؤال ,وزالت تلك الشبهه من نفسي والمد ل.
وقد سعت من بعض الدعاة العاصرين ،والعلماء العاملي ف الساحة السلمية-أطال ال أعمارهم-من تثار حولم أمثال هذه
الشكوك ،كلما يؤكد هذا العن السابق ،ويرسخ تلك القيقة.
فإن ابتعاد بعض العاملي عن مواطن السياسة ،ومواطن اللف ،ل يعن رفضهم لا ،وإنكارهم لقيقة وجودها ،وإنا هي خطة عمل
اقتنعوا با ،واجتهدوا ف السي عليها ،سواء أصابوا ف ذلك أو أخطأوا.
فلندع لكل تم ٍع اجتهاده ،ونعذره فيما يالفنا فيه ،ما دام متفقا معنا على البادئ والصول ،وحسبه إن أخطأ ف اجتهاده أجر واحد،
وال هو الطلع والرقيب ،وهو الحاسب والجازي لكل على عمله.
فإننا إذا خضنا ف النيات ،ورجحنا الشكوك والتامات ،وقدمناها على حسن الظن بالسلمي ،خسرنا الجرين معا ،ووقعنا ف الزور
والطأ ،ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم.
من إيابيات تعدد الماعات السلمية
ل شك ف أن لظاهرة تعدد الماعات السلمية القائمة إيابيات وسلبيات .،على الرغم من تبي حقيقتها ،ومعرفة أسباب دواعيها.
إل أن إيابيات التعدد تزداد وتغلب على السلبيات ,فيما إذا نظرنا إليها النظرة الصحيحة الت تنسجم مع ما قدمناه عن حقيقتها
وأهدافها .كما تزداد سلبياتا إذا ما أسأنا النظرة إليها ,وتصورناها على غي حقيقتها ـ كما هو واقع عن بعض السلمي اليوم ـ
ويكننا إجال هذه اليابيات فيما يأت:
أ -استيعاب أكب عدد مكن من السلمي ف نطاق العمل السلمي ,فما من شئ أخطر على السلمي اليوم من النفراد والعزلة ف
حياتم ،حيث اجتمع عليهم أعداؤهم وتداعوا عليهم ،وقد جاء الديث الشريف:
((يوشك المم أن تداعى عليكم ،كما تداعى الكلة إل قصعتها ،فقال قائل :ومن قلة نن يومئذ؟! قال :بل أنتم يومئذ كثي،
ولكنكم غثاء كغثاء السيل ،ولينعن ال من صدور عدوكم الهابة منكم ،وليقذفن ال ف قلوبكم الوهن ،فقال قائل :يا رسول ال
وما الوهن؟ قال :حب الدنيا ،وكراهية الوت))"الديث رواه أبو داود وأحد ،عن ثوبان رضي ال عنه ،انظر عون العبود ،كتاب
اللحم رقم( )11/404( )5وانظر الفتح الربان كتاب الفت( )32-24/31بلفظٍ مقارب".
ول يكن لماعة واحدة مهما بلغ شأنا وعل كعبها أن تستوعب الناس جيعا على متلف مذاهبهم ومشاربم واجتهادتم ،كما ل
يصح أن تفرض عليهم فرضا ،وإل ،نفرنا بذلك الناس من العمل السلمي ،وفسحنا الجال للقاعدين عن العمل أن يعتذروا عن
قعودهم ،ويبروا لواقعهم –كما يدث كثيا ف بلد السلمي.-
ب -التعاون على تقيق الهداف الشتركة ،والوصول إل مرضاة ال عز وجل ،فإن مثل الدعاة للسلم والعاملي له ،على متلف
مناهجهم وأساليبهم ،مثل قومٍ اجتمعوا على حوض ماء كبي ،يصبون فيه دلءهم وأوعيتهم ،فإن الاء سيتفع إل مستوىً واحدٍ ،ف
جيع أطراف الوض ،مهما قل عدد الدلء أو كثر ،أو اختلف أحجامها أو جهاتا .وقد قال تعال:
((وَتَعَاوَنُوا َعلَى الِْبرّ وَالتّقْوَى وَل َتعَاوَنُوا َعلَى الثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتّقُوا اللّ َه ِإ ّن اللّ َه شَدِيدُ الْ ِعقَابِ))(الائدة :من الية .)2
ج -فسح الجال لكثر من ترب ٍة عملية ف نطاق الدعوة السلمية ،حسب الجتهادات والراء العلمية ،لتستفيد منها الجيال جيل
بعد جيل ,ويأخذ الناس من مموعتها ما يرونه صالا للدعوة ف زمنهم و بلدهم...
وإن ما يضعف العمل السلمي اقتصاره على تربة واحدة ,أو رأي واحد.
د -بروز روح التجديد والتطوير للعمل السلمي با يناسب الماكن والحوال ,فكثيا ما يصاب العمل السلمي بشيء من الركود
والمود.
فحي تتعدد الماعات السلمية وتتقارب ,تنظر كل جاعة ف عمل الماعة الخرى ,فتأخذ من ماسنها ,وتدع قصورها ,وتستفيد
من تربة غيها.
هـ -شيوع روح التنافس والتسابق إل الكمال ,فإن التنافس والتسابق فطر بشرية ,فتحرص كل جاعة على أن تكون أحسن من
غيها ,وأسبق ف مال الي ,وتتحاشى مواطن النقد عليها من قبل الخرين ,ول عيب ف هذا التنافس الكري مادام ف سبيل ال
ورضوانه.
ت أَيْنَ مَا َتكُونُوا يَ ْأتِ ِبكُ ُم اللّ ُه َجمِيعا ِإ ّن اللّهَ َعلَى ُكلّ َشيْءٍ قَدِيرٌ)) (البقرة:
قال تعال(( :وَِل ُكلّ ِو ْجهَةٌ هُ َو مُوَلّيهَا فَاسْتَِبقُوا اْلخَ ْيرَا ِ
)148وقال أيضا(( :وَفِي ذَِلكَ َفلَْيتَنَافَسِ اْلمُتَنَافِسُونَ))(الطففي :من الية )26
و -ضمان استمرارية العمل السلمي ف حالت الحن والصائب ،فلو قدر على جاعة من الماعات أن تتحن قبل غيها ،أو دون
غيها ،استمر العمل من قبل الماعات الخرى ،حت يكتب ال لذه المة ما يعوضها عما فقدت ،فإن البتلء والمتحان سنة ثابتة
ف دعوات النبياء والصالي من عباد ال.
قال تعال:
((أل َأحَسِبَ النّاسُ َأنْ ُي ْت َركُوا َأنْ َيقُولُوا آمَنّا وَهُ ْم ل يُ ْفتَنُونَ ،وََلقَدْ فََتنّا الّذِينَ مِ ْن قَ ْب ِلهِمْ َفلَيَ ْع َلمَ ّن اللّهُ الّذِينَ صَدَقُوا وَلََي ْع َلمَنّ
اْلكَاذِبِيَ)) (العنكبوت.)/3-1/:
إل غي ذلك من إيابيات يبزها التفكي ف طبيعة تعدد الماعات السلمية ،وتؤكدها التجارب يوما بعد يوم.
من سلبيات تعدد الماعات السلمية
كما أن لتعدد الماعات السلمية إيابياتٍ ،فقد ل يلو تعددها من وجود بعض السلبيات ،ول سيما ف الحوال الت ل تتفهم فيها
حقيقة التعدد ،أو ل يكون بي العاملي ف الساحة السلمية نوع من التعاون والتنسيق ،أو شعور قوى بالخوة اليانية ،كما يدث
أحيانا بي بعض الؤسسات العلمية من تسسات ،وكما حدث ف الاضي بي بعض أتباع الذاهب الفقهية من جهل وتعصب.
ويكننا إجال هذه السلبيات ف عدة أمور:
أ-الزبية البغيضة ،والتعصب الذموم ،الذي يعل كل طرف يتحزب لماعته ويتعصب لا ،فيحب من معه ،ويبغض الخرين ،وكأن
من ليس من جاعته عدو له ،أو خارج عن دينه...
فيدعوه ذلك إل إساءة الظن به ،والبالغة ف نقده وتتبع معايبه وأخطائه ،وقد ل يتورع عن الكيد له أو الطعن فيه!..
ب-ما قد يصل من إضاعة كثي من جهود السلمي ،حيث تبذل كل جاعة جهودها ف المر الذي بذلته الخرى ،ف الوقت الذي
يتاج العمل السلمي إل بذل الهود ف ميادين أخرى ،أو بطريقة مغايرة ،ول سيما ف الحوال الت يقل فيها العاملون ،وتكثر فيها
الاجات والتطلبات!
ج -تكرار كثي من الخطاء الت يقع فيها العاملون ،والماعات السلمية ،وذلك للبتعاد الواقع فيما بينها ،وعدم الستفادة من
تارب بعضها ،فإذا بالخطاء تتكرر ،وقد يكون ضحيتها مموع السلمي!..
د -وقوع عامة السلمي ف الية والضطراب عندما يدعون إل اللتحاق بأكثر من جهة ،أو يطالبون بالعمل مع أكثر من طرف
إسلمي ،فيتوهم بعضهم أن هناك إسلما متعددا ،واتاهات متضاربة ،ول سيما إذا فقد العاملون أمامهم احترام بعضهم بعضا،
وحرص كل طرف أن يدح جاعته ،ويتهم الخرين بأنم على خطأ أو ضلل ،ما يضطر بعض السلمي إل إيثار العزلة والبتعاد عن
جيع الماعات!
هـ-شعور كل طرف وجاعة بضعفه وقصوره أمام العدو الشترك ،ول سيما عند رؤية وحدة العداء وتداعيهم على السلمي.
فيشعر كل طرف بالنزام والضعف ف نفسه ،وييل إل السلبية ف معالة الواقف ،والستسلم لليأس ف كثي من الحيان ،فإن
الؤمن قوي بإخوانه.
هذه هي أبرز سلبيات التعدد ف نظري ،ويكن أن تزيد وتتضاعف أخطاؤها كلما ابتعد العاملون عن بعض ،وأسيء التعامل فيما
بينهم.