You are on page 1of 27

‫وحدة العمل السلمي بي المل والواقع‬

‫تأليف د‪.‬ممد أبو الفتح البيانون‬


‫الستاذ الساعد بكلية الشريعة والدراسات السلمية بامعة الكويت‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫مقدمة الطبعة الامسة‬
‫المد ل رب العالي‪ ،‬والصلة والسلم على سيدنا ممد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجعي‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فل تزال وحدة العمل السلمي أمل العاملي الخلصي‪ ،‬ومطلب الؤمني الصادقي‪ ،‬على الرغم من ظهور بشائر التحابب والتقارب‬
‫بي الدعاة إل ال وتواليها‪.‬‬
‫فكلما رأى السلمون تقارب أهل الباطل واتادهم‪ ،‬وتعاون أهل الفساد فيما بينهم من جهة‪ ،‬وكلما لسوا آثار ضعف كلمتهم‪،‬‬
‫وتفرق صفهم من جهة أخرى‪ ...‬زاد شوقهم إل تلك الوحدة الأمولة‪ ،‬وحرصهم على ذلك التعاون الواجب‪ ،‬ول سيما ف مواجهة‬
‫أهل الباطل صفا واحدا كما أحب ال عز وجل وأمر‪:‬‬
‫صفّا كَأَّنهُ ْم بُنْيَا ٌن َم ْرصُوصٌ) (الصف‪)4:‬‬
‫(ِإ ّن اللّهَ ُيحِبّ الّذِي َن يُقَاِتلُونَ فِي سَبِي ِلهِ َ‬

‫(وَتَعَاوَنُوا َعلَى الِْبرّ وَالتّقْوَى وَل َتعَاوَنُوا َعلَى الْأِثْمِ وَالْعُ ْدوَانِ)(الائدة‪ :‬من الية ‪.)2‬‬
‫ولو تبصر الدعاة ف واقع دعوتم‪ ،‬وتبينوا أثر اللف والفرقة ف صفوفهم ف الدنيا والخرة‪ ،‬لسرعوا إل التعاون والتنسيق فيما‬
‫بينهم‪ ،‬منيبي إل ال من فرقتهم‪ ،‬متسابقي إل تقيق مرضاته‪ ،‬مسارعي ف اليات‪ ،‬متنافسي ف البات‪ ،‬سادين لختلف الثغرات‬
‫الت ينفذ منها شياطي النس والن لبث العداوة والبغضاء بي الؤمني‪ ،‬ونشر الفرقة والختلف بي العاملي‪ ،‬مزقي لوحدة المة‪،‬‬
‫وموزعي أجزاء السد الواحد‪ ،‬ومستغلي لذلك غفلة الغافلي‪ ،‬وحقد الاقدين‪.‬‬
‫فلكم تباعدت قلوب‪ ،‬وفرقت صفوف هنا وهناك باسم النتصار للحق‪ ،‬والرأة فيه!!‬
‫ولكم لبس الشيطان على بعض العاملي‪ ،‬فصور لم بعدهم عن إخوانم قربا من ال‪ ،‬وهجومهم على بعضهم بعضا جهادا ف سبيل‬
‫ال‪ ،‬وإعلءً لكلمته‪!!..‬‬
‫فأساؤا من حيث أرادوا الحسان‪ ،‬وظن بعضهم أنم يسنون صنعا!!‬
‫من أجل علج مثل هذه الظاهرة كان هذا الكتاب‪ ،‬وتكررت طباعاته كثيا‪ ،‬وترجم بعضها إل غي العربية‪.‬‬
‫ومن أجل هذه العان وتعميقها ف نفوس الدعاة من جهة‪ ،‬ولساهة هذا الكتاب بطبعاته السابقة ف تقيق شيء من ذلك من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬حرص بعض الحباب على طباعته من جديد‪ ،‬وتوسيع دائرة الفادة منه‪...‬‬
‫وجاءت استجابة (مكتبة النار السلمية) ف الكويت سريعة لتحقيق هذه الرغبة‪ ،‬فأقدمت مشكورة على تقدي الطبعة الامسة منه‬
‫للقراء ف ثوب جديد وحلة قشيبة‪.‬‬
‫أسأل ال عز وجل‪ :‬أن يتقبل منا ومنها صال العمال‪ ،‬وأن يزيها خيا على مبادرتا لطباعته والعناية به‪ ،‬وأن يرزقنا جيعا الخلص‬
‫والسداد ف القول والعمل‪ ،‬إنه سيع ميب الدعاء‪.‬‬
‫والمد ل رب العالي‪.‬‬
‫الكويت ف‪15/7/1420 :‬هـ‬
‫‪24/10/1999‬م‬
‫كتبها‬
‫د‪.‬ممد أبو الفتح البيانون‬
‫الستاذ الساعد بكلية الشريعة والدراسات السلمية‬
‫بامعة الكويت‬
‫القدمة‬
‫المد ل رب العالي‪ ،‬القائل ف كتابه البي‪:‬‬
‫(ِإنّ هَذِ ِه ُأمُّتكُ ْم أُمّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَّبكُمْ فَاعْبُدُونِ) (النبياء‪)92:‬‬
‫صمُوا ِبحَ ْب ِل اللّ ِه َجمِيعا وَل َت َفرّقُوا)(آل عمران‪ :‬من الية ‪)103‬‬
‫والقائل‪( :‬وَاعْتَ ِ‬
‫والقائل‪ِ( :‬إ ّن اللّ َه ُيحِبّ الّذِي َن ُيقَاِتلُونَ فِي سَبِيلِ ِه صَفّا كَأَّنهُمْ ُبنْيَانٌ َم ْرصُوصٌ)(الصف‪)4:‬‬
‫والصلة والسلم على سيدنا ممد القائل‪:‬‬
‫((عليكم بالماعة‪ ،‬وإياكم والفرقة‪ ،‬فإن الشيطان مع الواحد‪ ،‬وهو من الثني أبعد‪ ،‬من أراد ببوحة النة‪ ،‬فليلزم الماعة))"هذا جزء‬
‫من حديث شريف رواه المام الترمذي ف سننه وقال عنه‪ :‬هذا حديث حسن صحيح غريب‪ ،‬انظر‪ :‬ت(‪.")2245‬‬
‫ورضي ال عن الصحبة والتابعي‪ ،‬والدعاة العاملي‪ ،‬الذين كانوا صفا واحدا فيما بينهم‪ ،‬ويدا واحدة على من سواهم‪ ،‬أذلة على‬
‫الؤمني‪ ،‬أعزة على الكافرين‪ ،‬ورضي ال عمن تبعهم ونج نجهم إل يوم الدين‪...‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فمما ل شك فيه‪ ،‬أن وحدة العمل السلمي اليوم أمني ًة كبى‪ ،‬وأمل منشود‪ ،‬تتطلع إليه النفوس الؤمنة ف كل مكان‪ ،‬ول سيما ف‬
‫مواطن الحن والشدائد‪...‬‬
‫إل أن كثيا ما يقع السلمون ف الية والضطراب تاه تقيق هذا المل‪ ،‬وذلك عندما يواجههم واقع تعدد الماعات السلمية‬
‫العاملة‪ ،‬فتختلف مواقفهم منها‪ ،‬وتتنوع تليلتم لا‪ ،‬وتبز ردود الفعل والتعصبات‪ ،‬ما قد يضعف المل ف النفوس‪ ،‬ويزيد الية ف‬
‫المر‪ ،‬فيستسلم كثي من السلمي إل اليأس تاه هذا الواقع الؤل‪...‬‬
‫كان هذا من أبرز السباب الت دفعتن إل كتابة هذا البحث‪ ،‬ومعالة هذا المر‪ ،‬حيث ل أجد فيه كتاب ًة وافية‪ ،‬ومعالةً شافية‪.‬‬
‫وهناك سبب آخر‪ ،‬هو‪ :‬إلاح الاجة إل وضع السس النظرية والعملية لتحقيق هذا المل‪ ،‬فإن من العاملي للسلم من يؤمن‬
‫بضرورة وحدة العمل السلمي نظريا‪ ،‬ولكنهم ل يتمكنون من تطبيقه عمليا!‬
‫ومنهم من ل يستوعب فهم حقيقة تعدد الماعات السلمية‪ ،‬فيسيئون إليها بتصرفاتم ومواقفهم‪!..‬‬
‫فكثيا ما تصور الشباب السلم العامل للسلم تعدد الماعات السلمية العاملة ف الساحة السلمية عقبة كئودا أمام تقيق وحدة‬
‫العمل السلمي‪ ،‬إذ كيف يكن أن يكون هناك عمل إسلمي واحد‪ ،‬مع وجود تمعاتٍ وجاعات إسلمية متعددة!!‬
‫وساعد على هذا التعجب واقع كثي من التجمعات السلمية‪ ،‬الذي تسوده الفرقة والشحناء‪ ،‬وتيط به الزبيات البغيضة من كل‬
‫جانب‪.‬‬
‫فإن مثل هؤلء الشباب اليوم‪ ،‬مثل كثي من شباب السلمي ف الاضي الذين أساؤوا فهم تعدد الذاهب الفقهية‪ ،‬والدارس العلمية ف‬
‫حياة السلمي‪ ،‬فقالوا‪ :‬كيف تكون هناك مذاهب فقهية‪ ،‬وآراء متعددة ف مسألةٍ شرعية واحدة‪ ،‬وديننا واحد‪ ،‬والقرآن واحد‪،‬‬
‫والسنة النبوية واحدة؟!!‬
‫وساعدهم على ذلك أيضا الواقع السيء لبعض أتباع الذاهب‪ ،‬التعصبي لا‪ ،‬والطاعني ف غي مذهبهم‪...‬‬
‫وبقيت هذه الشبهة تدور ف الذهان‪ ،‬وتشغل بال بعض السلمي‪ ،‬وتؤثر ف مواقفهم العملية من الذاهب الفقهية وأصحابا‪ ،‬حت‬
‫قيض ال لذه المة ف ماضيها وحاضرها من أهل العلم من أوضح حقيقة الختلفات العلمية‪ ،‬وكشف عن أسبابا‪ ،‬ورفع اللم عن‬
‫أصحابا‪ ،‬وبي موقف السلم منها‪ ...‬وما أشبه مسألة تعدد الماعات السلمية بذه السألة!‬
‫فإذا كان تعدد الراء العلمية ف السألة الواحدة‪ ،‬ف الدين الواحد‪-‬أحيانا‪ -‬أمرا طبيعيا وشرعيا لسباب تعرف ف مالا"للمؤلف‬
‫كتاب خاص عال هذا الوضوع وهو‪(( :‬دراسات ف الختلفات الفقهية)) طبع عدة طبعات‪ :‬الول عام ‪1395‬هـ‪ ،‬والثانية‬
‫‪1403‬هـ‪ ،‬والثالثة ‪1405‬هـ‪ ،‬وقد أصبح اسم الكتاب ف الطبعة الرابعة‪(( :‬دراسات ف الختلفات العلمية))"‪.‬‬
‫فإن تعدد الماعات السلمية ف الساحة السلمية‪ ،‬ف السلم الواحد أمر طبيعي وشرعي أيضا‪ ،‬ول سيما ف هذا الزمن‪-‬كما سيأت‬
‫معنا ف التمهيد لذا البحث‪.-‬‬
‫ولعلي أتكن من خلل هذا البحث (الذي جعلته من تهيد وموضوع ‪ ،‬وخاتة) من وضع بعض السس النظرية والعملية لذا‬
‫الوضوع ‪ ،‬فأكشف عن حقيقة تعدد الماعات السلمية وأسبابا ودواعيها ‪ ،‬مللً سلبياتا وإيابيتها ‪ ،‬وأضع بعض العال الساسية‬
‫على طريق وحدة العمل السلمي ‪ ،‬ذلك المل النشود ‪ ،‬وال الستعان ‪ ،‬وعليه التكلن ‪.‬‬
‫الؤلف‬
‫التمهيد‬
‫حقيقة تعدد الماعات السلمية وأسباب نشأتا‬
‫إن التأمل ف سبب تعدد الماعات السلمية ‪ ،‬والتفكر ف طبيعتها ‪ ،‬يرى أنا تعود ف كثي من الحوال إل اختلف مناهج الدعاة‬
‫وأساليب عملهم ف العمل للسلم ‪ ،‬حيث يتهد الدعاة العاملون ف وضع الناهج اللزمة لعملهم ‪ ،‬واختيار الساليب والوسائل‬
‫اللئمة لدعوتم ‪ ،‬وذلك بسب إمكاناتم واجتهاداتم ‪ ،‬فيختارون من ذلك ما يرونه أدعى إل تقيق الهداف ‪ ،‬وأقرب إل الوصول‬
‫للغايات ‪ ،‬وذلك ف ضوء النصوص الشرعية الثابتة ‪ ،‬والصال الزمنية الراهنة ‪...‬‬
‫وإن مثل تعدد اجتهاداتم ف ذلك مع وحدة الدين والقرآن والسنة ‪ ،‬مثل تعدد مناهج النبياء عليهم الصلة والسلم وشرائعهم –من‬
‫بعض الوجوه – مع وحدة ملتهم ‪".‬ل يضر ف التشبيه بي شيئي من بعض الوجوه ‪ ،‬وجود اختلف ف وجوه أخرى مثل ‪ :‬تنوع‬
‫الزمان والكان بالنسبة لشرائع النبياء عليهم الصلة والسلم ‪ ،‬ووحدة الزمان والكان أحيانا بالنسبة لناهج العلماء والدعاة ‪.‬‬
‫يكفي ف مثل هذا القام وجود تشابه من حيث عدد تعدد الناهج مع وحدة الشريعة والدف ‪ ،‬مع تشابه ف تعدد الشرائع مع وحدة‬
‫اللة‪.‬‬
‫فإن ملة النبياء عليهم الصلة والسلم جيعا واحدة كما أن ملة الكفر واحدة ‪ ،‬قال تعال ف بيان وحدة ملة النبياء ‪:‬‬
‫صرَاطٍ مُسْتَقِي ٍم دِينا قِيَما ِملّ َة إِْبرَاهِي َم حَنِيفا))"الية ‪ /161/‬من سورة النعام ‪.‬‬
‫(( ُقلْ إِنّنِي هَدَانِي رَبّي إِلَى ِ‬
‫وقال أيضا ‪:‬‬
‫((ثُ ّم َأ ْوحَيْنَا إِلَ ْيكَ َأنِ اتّبِعْ ِملّ َة إِْبرَاهِي َم حَنِيفا))"الية ‪ /123/‬من سورة النحل‪ ،‬وانظر الية‪/95/‬آل عمران ‪ ،‬و‪/87/‬الج ‪،‬و ‪/19/‬آل‬
‫عمران ‪ ،‬و‪/38/‬يوسف عليه السلم وغيها ‪.‬‬
‫كما قال ف بيان وحدة ملة الكافرين ‪:‬‬
‫((وَلَ ْن َت ْرضَى عَ ْنكَ اْلَيهُودُ وَل النّصَارَى حَتّى تَتّبِ َع ِملَّتهُمْ‪ "))...‬الية ‪ /120/‬من سورة البقرة ‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪:‬‬
‫((‪...‬إِنّي َت َركْتُ ِملّ َة قَوْ ٍم ل ُيؤْ ِمنُو َن بِاللّهِ َوهُمْ بِالْآ ِخرَةِ هُ ْم كَا ِفرُونَ ‪ ،‬وَاتّبَعْتُ ِملّ َة آبَائي إِْبرَاهِي َم وَِإ ْسحَاقَ وََيعْقُوب))"الية ‪/38-37/‬‬
‫من سورة يوسف عليه السلم ‪.‬‬
‫ب بِاْلحَقّ ُمصَدّقا ِلمَا َبيْ َن يَدَيْ ِه مِنَ‬
‫وإن مناهج النبياء عليهم الصلة والسلم وشرائعهم متعددة ‪ ،‬قال تعال ‪(( :‬وََأْنزَلْنَا ِإلَ ْيكَ اْلكِتَا َ‬
‫اْلكِتَابِ َو ُمهَ ْيمِنا َعلَ ْيهِ فَا ْحكُمْ َبيَْنهُمْ ِبمَا أَْن َزلَ اللّهُ وَل تَتِّب ْع أَهْوَا َءهُ ْم َعمّا جَاءَكَ مِنَ اْلحَ ّق ِل ُكلّ َج َعلْنَا مِ ْنكُ ْم ِش ْرعَةً وَ ِم ْنهَاجا وََلوْ شَاءَ‬
‫اللّ ُه َلجَ َع َلكُمْ ُأمّ ًة وَاحِدَةً وََلكِ ْن لِيَ ْبلُ َوكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَِبقُوا اْلخَ ْيرَاتِ ِإلَى اللّهِ َم ْرجِ ُعكُ ْم َجمِيعا فَيَُنبُّئكُ ْم ِبمَا كُ ْنتُمْ فِيهِ‬
‫َتخَْت ِلفُونَ))"الية ‪ /48/‬من سورة الائدة‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪(( :‬ثُ ّم َج َعلْنَا َك َعلَى َشرِيعَ ٍة مِنَ الْأَ ْمرِ فَاتِّب ْعهَا وَل َتتّبِ ْع َأهْوَاءَ الّذِي َن ل يَ ْع َلمُونَ))"الية ‪ /18/‬من سورة الاثية ‪.‬‬
‫والفرق بي تعدد مناهج النبياء عليهم الصلة والسلم مع وحدة ملتهم ‪ ،‬وبي تعدد مناهج الدعاة والعاملي مع وحدة دينهم‬
‫ورسالتهم ‪ ،‬هو ف أن مناهج النبياء عليهم الصلة والسلم وحي منل معصوم عن الطأ ‪ ،‬وأن مناهج الدعاة والعلماء اجتهادات‬
‫بشرية ف ضوء الوحي تتمل الطأ والصواب ‪ ،‬وتقبل الناقشة والنقد ‪ ،‬ولكنهم ف اجتهاداتم تلك ل يعدمون أجرا إن شاء ال على‬
‫كل حال ‪...‬‬
‫وقد سبق إل هذا التشبيه المام ابن تيمية رحه ال ‪ ،‬بعد أن تدث عن وحدة اللة ‪ ،‬وتعدد شرائع ومناهج النبياء عليهم الصلة‬
‫والسلم ‪ ،‬فقال ف ذلك ‪(( :‬فالذاهب والطرائق والسياسات للعلماء والشايخ والمراء ‪ ،‬إذا قصدوا با وجه ل تعال دون الهواء ‪،‬‬
‫ليكونوا مستمسكي باللة والدين الامع الذي هو عبادة ال وحده ل شريك له ‪ ،‬واتبعوا ما أنزل إليهم من ربم من الكتاب والسنة‬
‫بسب المكان بعد الجتهاد التام ‪:‬‬
‫هي لم من بعض الوجوه بنلة الشرع والناهج للنبياء ‪.‬‬
‫وهم مثابون على ابتغائهم وجه ال وعبادته وحده ل شريك له ‪ ،‬وهو الدين الصلي الامع ‪ ،‬كما يثاب النبياء على عبادتم ال‬
‫وحده ل شريك له‪ ،‬ويثابون ( أي العلماء والشايخ ) على طاعة ال ورسوله فيما تسكوا به ‪ ،‬ل من شرعة رسوله ومنهاجه ‪ ،‬كما‬
‫يثاب كل نب على طاعة ال ف شرعه ومنهاجه ‪.‬‬
‫ويتنوع شرعهم ومناهجهم ‪ ،‬مثل ‪ :‬أن يبلغ أحدهم الحاديث بألفاظ غي اللفاظ الت بلغت الخر وتفسر له بعض آيات القرآن‬
‫بتفسي يالف لفظه لفظ التفسي الخر ‪ ،‬ويتصرف ف المع بي النصوص واستخراج الحكام منها بنوع من الترتيب والتوفيق ‪،‬‬
‫ليس هو النوع الذي سلكه غيه ‪ ،‬وكذلك ف عباداته وتوجهاته ‪ ،‬وقد يتمسك هذا بآية أو حديث ‪ ،‬وهذا بديث أو آية أخرى ‪.‬‬
‫وكذلك ف العلم ‪ ،‬من العلماء من يسلك بالتباع طريقة ذلك العال ‪ ،‬فتكون هي شرعهم حت يسمعوا كلم غيه ويروا طريقته ‪،‬‬
‫فيجح الراجح منها ‪.‬‬
‫فتتنوع ف حقهم القوال والفعال السالفة لم من هذا الوجه ‪.‬‬
‫وهم مأمورون بأن يقيموا الدين ول يتفرقوا فيه ‪ ،‬كما أمرت الرسل بذلك ‪ ،‬ومأمورون بأن ل يفرقوا بي المة ‪ ،‬بل هي أمة واحدة ‪،‬‬
‫كما أمرت الرسل بذلك ‪ ،‬وهؤلء آكد ‪ ،‬فإن هؤلء تمعهم الشريعة الواحدة والكتاب الواحد ‪.‬‬
‫وأما القدر الذي تنازعوا فيه ‪ ،‬فل يقال ‪ :‬إن ال أمر كل منهم باطنا وظاهرا بالتمسك با هو عليه ‪ ،‬كما أمر بذلك النبياء وإن كان‬
‫هذا قول طائفة من أهل الكلم – فإنا يقال ‪:‬‬
‫إن ال أمر كل منهم أن يطلب الق بقدر وسعه وإمكانه ‪ ،‬فإن أصاب وإل ‪ ،‬فل يكلف ال نفسا إل وسعها ‪ ،‬وقد قال الؤمنون ‪:‬‬
‫س َعلَ ْيكُمْ جُنَاحٌ‬
‫((رَبّنَا ل ُتؤَاخِذْنَا ِإ ْن نَسِينَا أَ ْو َأ ْخطَأْنَا))"الية‪ /286 /‬من سورة البقرة" وقال ال ‪ :‬قد فعلت ! وقال تعال ‪(( :‬وََليْ َ‬
‫فِيمَا َأ ْخطَأْتُ ْم بِهِ))"جاءت الية ف مموعة الفتاوى (ج ‪ )19/127‬خطأ وصوابا ما أثبته ‪ ،‬انظر الية ‪ /5/‬من سورة الحزاب"‬
‫فمن ذمهم و لمهم على ما ل يؤاخذهم ال عليه ‪ ،‬فقد اعتدى ‪ ،‬ومن أراد أن يعل أقوالم وأفعالم بنلة قول العصوم وفعله ‪،‬‬
‫وينتصر لا بغي هدى من ال فقد اعتدى ‪ ،‬واتبع هواه بغي هدى من ال ‪.‬‬
‫ومن فعل ما أمر به حسب حاله‪ :‬من اجتهاد بقدر عليه ‪ ،‬أو تقليد إذا ل يقدر على الجتهاد ‪ ،‬وسلك ف تقليده مسلك العدل ‪ ،‬فهو‬
‫ف اللّ ُه نَفْسا ِإلّا ُوسْ َعهَا))"الية ‪ /286/‬من سورة البقرة‪".‬‬
‫مقتصد ‪ ،‬إذ المر مشروط بالقدرة ‪(( ،‬ل ُي َكلّ ُ‬
‫فعلى السلم ف كل موطن ‪ :‬أن يسلم وجهه ل وهو مسن ‪ ،‬ويدوم على هذا السلم ‪ ،‬فإسلم وجهه ‪ :‬إخلصه ل ‪ ،‬وإحسان فعله‬
‫السن ‪ ،‬فتدبر هذا ‪ ،‬فإنه أصل جامع نافع عظيم))"وهو كما قال رحه ال ‪ :‬أصل جامع نافع عظيم ‪ ،‬يدل على عمق نظرته ‪ ،‬ودقه‬
‫مأخذه – رحه ال ‪ -‬ل أجد من سبقه إليه ‪ ،‬وقد كنت منذ سنوات – وأنا أبث هذا الوضوع – أتردد ف مثل هذا التشبيه ‪ ،‬فلما‬
‫وقفت عليه أكد ل ما ذهبت إليه ‪ ،‬واطمأننت إل فهمي لقيقة التعدد ف الناهج الدعوية والذاهب العملية ‪ ،‬ولذ ‪ ،‬سقته بكامله‬
‫تعميما لنفعه ‪ ،‬فقد بي فيه – رحه ال – حقيقة التعدد ‪ ،‬وأشار إل بعض أسبابه ودوافعه ‪ ،‬وأوضح الوقف الواجب تاهه – رحة ال‬
‫وجزاه خيا – انظر مموعة الفتاوى (‪". )128-19/126‬‬
‫ويكننا بعد هذه التجلية لقيقة تعدد الناهج الدعوية أن نلخص أسبابا اليوم ف ثلثة أسباب أساسية ‪ ،‬هي ‪ :‬أ‪-‬‬
‫طبيعة النصوص الشرعية الحتملة لكثر معن ‪ ،‬وتفاوت الراء والجتهادات البشرية ف فهم أساليب العمل السلمي ‪ ،‬الستقاة من‬
‫مثل هذه النصوص ‪ ،‬ومن سية الرسول صلى ال عليه وسلم وسية خلفائه الراشدين رضوان ال عليهم ‪.‬‬
‫ولو دققنا النظر ف هذا السبب ‪ ،‬رأينا أن اتساع سية الرسول صلى ال عليه وسلم وسية خلفائه من بعده لتعدد الفهام‬
‫والجتهادات أكثر من اتساع النصوص الواردة ف الحكام الشرعية ‪.‬‬
‫فهناك مواقف يعلها بعضهم من باب تصرفات المام والسياسة ‪ ،‬ويراها آخرون من باب التبليغ والفتوى ‪ ،‬وأخرى يعيدونا‬
‫لتصرفات القاضي أو الفت حسب فهم كل عال أو متهد فيها ‪ ،‬كما أوضحته ف بث ‪(( :‬الصالة والعاصرة ‪ ،‬خصيصتان من‬
‫خصائص الدعوة السلمية)) ومن مثل هذا وغيه من أسباب ‪ ،‬اختلفت مناهج السلف العلمية ‪ ،‬فكان منهم من يتمسك بالثار ‪،‬‬
‫ويقلل من استعمال الرأي ‪ ،‬وكان منهم من يتوسع ف ذلك حت تكونت مدرستا أهل الديث ‪ ،‬وأهل الرأي ‪ ،‬وكان على رأس‬
‫الدرسة الول الصحاب الليل عبد ال بن عمر رضي ال عنهما ‪ ،‬إل أن تسدت هذه الدرسة ف شخصية المام مالك بن أنس –‬
‫رحه ال – إمام دار الجرة‪.‬‬
‫وكان على رأس الدرسة الخرى ‪ -‬مدرسة الرأي – أمثال الصحاب الليل عمر بن الطاب وعبد ال بن مسعود رضي ال عنهما‪،‬‬
‫إل أن تسدت هذه الدرسة ف شخصية المام أب حنيفة – رحه ال – " انظر كتاب (( الفكر السامي ف تاريخ الفقه السلمي ))‬
‫للحجوي ‪ ،‬تقيق عبد العزيز عبد الفتاح القاري ‪ ،‬نشر الكتبة العلمية بالدينة النورة (‪ ) 353-1/349‬وكتاب (( دراسة تاريية‬
‫للفقه وأصوله ‪ ،‬والتاهات الت ظهرت فيهما )) للدكتور مصطفى سعيد الن ‪ ،‬طبع الشركة التحدة للتوزيع ‪ ،‬ط ‪ :‬الول ( ‪-76‬‬
‫‪. ) 80‬‬
‫ومن مثل هذا اختلفت مواقف السلف – رحهم ال تعال – من الفقه الفرضي أو التقديري ‪ ،‬فكان منهم من يقره ويتوسع فيه ‪،‬‬
‫ومنهم من يرفضه ويتورع عنه ‪ ،‬ويستدل كل طرف لرأيه بالدلة النقلية والعقلية " انظر تفصيل ذلك ف (( الفكر السامي ف تاريخ‬
‫الفقه السلمي )) للحجوي (‪. )353-1/349‬‬
‫ومن مثل هذا أيضا تنوعت مناهج السلف ف التوسع أو القلل من الخذ بالباحات‪ ،‬وتناول الطيبات‪ ،‬فكان منهم من يتوسع ف‬
‫ذلك‪ ،‬ومنهم من يقل‪ ،‬واستدل كل طرف على منهجه ببعض الدلة النقلية والعقلية"انظر‪(( :‬الوافقات)) للشاطب‪ ،‬بشرح الشيخ عبد‬
‫ال دراز ‪-‬رحه ال‪( -‬ج ‪.)123-1/117‬‬
‫إل غي ذلك من مناهج قدية وحديثة ف مناهج السلمي وطرائقهم شلت الوانب الاصة والعامة ف حياة السلمي‪ ...‬ب‪-‬‬
‫ومن السباب الت أدت إل تنوع مناهج السلمي الدعوية اليوم‪ ،‬غياب الوحدة السياسية ف الساحة السلمية‪ ،‬التمثلة ف اللفة‬
‫الراشدة الت تكم المة وتمع الشمل‪ ،‬وترفع اللف‪.‬‬
‫وف بيان هذا السبب يقول فضيلة الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي –حفظه ال تعال‪ -‬ف مقابلة أجرتا معه ملة الصلح الصادرة‬
‫ف دب‪ ،‬إحدى المارات العربية‪ ،‬وقد سئل السؤال التال‪:‬‬
‫((عند الديث عن الصحوة السلمية‪ ،‬تبز بشكل لفت للنظر قضية تعدد الماعات السلمية العاملة ف ساحة الدعوة‪ ،‬دون أن‬
‫يتفي اللف‪ ،‬وربا التنافر الذي يفصل بعضها عن بعض ف أحيان كثية‪ ...‬هل تعتقد أن ظاهرة التعددية ظاهرة صحية؟‬
‫وما هو الفهوم الصحيح الذي يب أن يسود بي هذين الماعات لتوظف طاقاتا متمعةً ف خدمة مصلحة السلمي كافة؟))‪.‬‬
‫فكان جواب فضيلته‪:‬‬
‫((‪...‬التعددية ظاهرة مفروضة‪ ،‬فرضها غياب فريض ٍة كبى من فرائض السلم‪ ،‬فإذا عدنا إل الصدر الول‪ ،‬عهد النبوة الطهرة‪،‬‬
‫وعهد اللفة الراشدة الت أجع عليها السلمون‪ ،‬فل ند إل جاعةً واحدة‪ ،‬تت قيادة واحدة‪ ،‬هي جاعة السلمي‪ ،‬تت إمامة واحدة‬
‫لرسول ال صلى ل عليه وسلم‪ ,‬ث تت إمامة الليفة الراشد من بعده ‪.‬‬
‫وظل العمل للسلم على هدي جاعة واحدة وتت‪ ,‬إمامة راشدة واحدة‪,‬حت اختلفت اللفة الراشدة البايعة بيعة شرعية من‬
‫مسلمي الرض‪,‬فقام أعلم الدعاة الصلحون الخلصون بالدعوة إل ال من أجل السلم‪ ,‬ومن ث نشأت الماعات وتعددت‪...‬أي‬
‫إنه ل تعدد ف الماعات السلمية إذا كان السلمون يعيشون تت سلطان خلفة راشدة‪,‬انعقدت ببيعة شرعية "هكذا يرى فضيلة‬
‫الستاذ القرضاوي‪ ،‬والذي أراه ف هذه النقطة‪:‬تعليق هذا المر على الصلحة الت يراها المام عندئذ ‪,‬فإن رأى مصلحة ف إبقائها‬
‫أبقاها‪,‬وإن رأى مصلحة ف إلغائها ألغاها‪,‬وإن رأى مصلحة ف اعتماد شكل أو أشكال منها‪,‬فله ذلك‪,‬فهو الرجع فيه‪,‬وإن حكمه ف‬
‫هذا وغيه يرفع اللف‪.‬وال أعلم"‪.‬أما اليوم‪,‬وقد غابت اللفة عن حياة السلمي‪,‬فعلى الماعات السلمية أن ينسق بعضها مع‬
‫بعض‪,‬وأن يكون هناك قدر من التفاهم والتعاون بينها‪"))...‬انظر ملة الصلح‪,‬العدد‪/77/‬لشهر شوال عام‪/1404/‬ه ‪ .‬إل آخر‬
‫حديثه المتع الفيد"‪...‬‬

‫ج ـ ومن السباب الت أدت إل مثل هذا التعدد‪ :‬رغبة العاملي للسلم ف استيعاب أكب عدد مكن من السلمي ف إطار العمل‬
‫السلمي ‪ ،‬وذلك حفاظا على الشعوب السلمة من الضياع ‪ ،‬وصونا لا عن مطامع العداء ‪ ،‬وتميعا وتوجيها لهودها نو‬
‫الهداف الشتركة ‪...‬‬
‫ول يفى على أحد مدى تفاوت أمزجة السلمي ومشاربم اليوم ‪ ،‬وتعدد آرائهم واجتهاداتم الت ل يكن أن يستوعبها تنظيم‬
‫واحد ‪ ،‬أو تكمها قيادة واحدة ‪ ،‬ول سيما ف غياب الماعة الت يعتر الميع لا بالكمال فينضوون تت لوائها ‪ ،‬ول يدون حاجة‬
‫لو جود تمعات أخرى مع وجودها ‪ ...‬وف مثل العن يقول الستاذ الداعية أبو العلى الودودي ـرحة ال ـوهو يبي السباب‬
‫الداعية إل تشكيل جاعته السلمية‪,‬ما نصه‪:‬‬
‫((حاولت وحاول زملئي من يملون معي فكرا مشتركا‪,‬حاولنا معا خلل ثلث سنوات‪ ,‬القيام بمع الماعات السلمية الوجودة‬
‫ف ذلك الوقت‪,‬تت ظل نظام واحد‪,‬أو برنامج واحد يفي باحتياجات الدين السلمي بصورته القيقية‪.‬‬
‫وكانت هذه الحاولة تدف إل تكوين وحدة مترابطة بي الماعات القائمة‪,‬وبالتال‪,‬ل تكون هناك حاجة إل تشكيل أية جاعة جديدة‬
‫وللسف‪,‬ل تنجح ماولتنا‪,‬ول يكن أمامنا من حل سوى أن جعنا هؤلء الناس الذين ل يقتنعون بطريقة عمل الماعات الوجودة‬
‫آنذاك‪,‬والراغبي ف العمل طبقا للصول السلمية الصحيحة‪.‬‬
‫وهكذا ف شعبان ‪ 1360‬هـ ‪.‬أغسطس ‪1941‬م‪ ,‬عقدت اجتماعات لؤلء الناس‪ ,‬وبعد مشاورات واستشارات فيما بيننا‪,‬عقدنا‬
‫العزم على إنشاء ((جاعت إسلمية))أي ((الماعات السلمية)) (‪.)1‬انظر كتاب((أبو العلى الودودي‪,‬فكره ودعوته))لسعد‬
‫جيلن ص ‪.43‬وإن مثل هذا السبب الذي أدى إل قيام الماعات اليوم وحاجة السلمي إليها‪ .‬وإذا كان السلمون قد وفقوا ف‬
‫الاضي بعلماء أعلم‪ ,‬ودعاة صادقي‪ ,‬استطاعوا بإخلصهم وجهودهم ووعيهم أن يقربوا بي مناهج مدرسة أهل الديث ومدرسة‬
‫أهل الرأي‪,‬كما فعل المام الشافعي ـرحه ال ـ وغيه‪ ,‬وكما فعل آخرون ف مناهج أخرى‪...‬‬
‫فعساهم أن يوفقوا اليوم بأعلم ملصي‪,‬وعلماء عاملي‪,‬يقومون‪ ,‬بأمثال تلك الهود الكرية بي العاملي للسلم والماعات‬
‫التعددة‪ ,‬فيتابعون جهود من سبقهم ف هذه السبيل‪,‬ويساهون ف ترسيخ الوحدة السلمية‪,‬والتقريب المكن بي وجهات النظر‬
‫الختلفة‪,‬فإنّ المة السلمية اليوم‪,‬ف حاجة ماسة إل جاعات تتبن هذا الدف‪,‬وتسلك السبيل الؤدية إليه‪.‬‬
‫ومن عرف الستوى الذي وصل إليه بعض أصحاب الدرستي العلميتي ف الاضي‪ ,‬أو بعض أتباع الذاهب الفقهية‪,‬من العداء‬
‫والنفور‪,‬وتبادل التهم والطعون‪ ,‬وما وصلوا إليه بعد تلك الهود الكرية‪ ,‬من تقارب وتفاهم ف معظم أحوالم‪,‬هان عليه المر ف هذه‬
‫اليام‪ ,‬وقوي لديه المل بالوصول إل التقارب والتفاهم على جيع الستويات‪.‬‬
‫فقد جاء ف ((ترتيب الدارك)) للقاضي عياض رحه ال تعال ‪(( :‬قال أحد بن حنبل ‪ :‬ما زلنا نلعن أهل الرأي ويلعنوننا ‪ ،‬حت جاء‬
‫الشافعي فمزج بيننا))‪.‬‬
‫قال القاضي عياض ‪(( :‬يريد أنه (أي ‪ :‬المام الشافعي) تسك بصحيح الثار واستعملها ‪ ،‬ث أراهم أن من الرأي ما يتاج إليه ‪ ،‬وتبن‬
‫أحكام الشرع عليه ‪.‬‬
‫وأنه قياس على أصولا ‪ ،‬ومنتزع منها ‪ ،‬وأراهم كيفية انتزاعها و التعلق بعللها وتنبيهاتا ‪ ،‬فعلم أصحاب الديث ‪ :‬أن صحيح الرأي‬
‫فرع للصل ‪ ،‬وعلم أصحاب الرأي أنه ل فرع إل بعد أصل ‪ ،‬وأنه ل غن عن تقدي السنن وصحيح الثار أولًّ))"انظر ترتيب‬
‫الدارك (‪ )1/91‬و (‪ ، )3/181‬وانظر مقدمة إعلء السنن لتهاون (‪ ، )1/235‬ولعله أراد باللعن هنا ‪ :‬البالغة ف الكراهية والذم ‪،‬‬
‫وال أعلم ‪".‬‬
‫وف ختام هذا التمهيد أحب أن أؤكد على أن السعي إل وحدة العمل السلمي ‪ ،‬وجع الكلمة ‪ ،‬بصيغة من الصيغ المكنة ‪ ،‬واجب‬
‫شرعي على كل قادر ‪ ،‬وذلك دفعا للفرقة بي السلمي ‪ ،‬وتميعا لهودهم من جهة ‪ ،‬وتقيقا لوقوفهم صفّا وحدا أمام أعدائهم من‬
‫صمُوا ِبحَ ْبلِ‬
‫جهة أخرى ‪ ،‬فقد كفى السلمي ما لقوا من من وويلت ويلقون ‪ ،‬بسبب تفرقهم وتباعد كلمتهم ‪ ،‬قال تعال ‪(( :‬وَاعْتَ ِ‬
‫ت اللّ ِه َعلَ ْيكُ ْم ِإذْ كُ ْنتُمْ َأعْدَاءً فَأَّلفَ بَ ْينَ ُقلُوِبكُمْ فََأصَْبحْتُ ْم بِنِ ْعمَِت ِه ِإخْوَانا))"الية ‪ /103/‬من سورة‬
‫اللّ ِه َجمِيعا وَل تَ َفرّقُوا وَا ْذ ُكرُوا نِ ْعمَ َ‬
‫آل عمران ‪".‬‬
‫وقال أيضا ‪:‬‬
‫((وَتَعَاوَنُوا َعلَى الِْبرّ وَالتّقْوَى وَل َتعَاوَنُوا َعلَى الث وَاْلعُدْوَانِ وَاتّقُوا اللّ َه ِإ ّن اللّ َه شَدِيدُ الْ ِعقَاب))"الية‪ /2/‬من سورة الائدة‪".‬‬
‫الوضوع‬
‫ويشمل الوضوع على عشر نقاط‪,‬وهي‪:‬‬
‫‪-1‬أنواع التجمعات السلمية وأشكالا‪.‬‬
‫‪ -2‬أهم النقاط الشتركة بينها‪.‬‬
‫‪ -3‬أهم نقاط الختلف بينها‪.‬‬
‫‪ -4‬من إيابيات تعدد الماعات السلمية‪.‬‬
‫‪ -5‬من سلبيات تعدد الماعات السلمية‪.‬‬
‫‪ -6‬من طرق معالة سلبيات التعدد‪.‬‬
‫‪ -7‬ضوابط وقواعد لبد منها ف طريق وحدة العمل السلمي‪.‬‬
‫‪ -8‬عرض لبعض الصيغ القابلة للتطبيق ف مال وحدة العمل السلمي‪.‬‬
‫‪ -9‬تارب ف طريق وحدة العمل السلمي‪,‬وبعض عقباتا‪.‬‬
‫‪ -10‬الطوة الديدة ف طريق تقيق المل النشود ‪ ،‬ومتطلباتا ‪.‬‬
‫أنواع التجمعات السلمية وأشكالا‬
‫تتنوع التجمعات السلمية إل أنواع متعددة‪,‬وذلك تبع لهتماماتا واختصاصاتا من جهة‪,‬وتبع للظروف والبيئات الت نشأت فيها‬
‫من جهة أخرى‪.‬‬
‫فهناك تمعات عامة تدف إل إصلح الوضع السلمي بوجه عام‪,‬ول تتص بانب دون‬
‫آخر‪.‬‬
‫وهناك التجمعات الاصة الت تستهدف عمل معينا‪,‬أو يغلب عليها طابع خاص‪,‬كالماعات العلمية والتربوية والتبليغية‪ ,‬والسياسية‪,‬‬
‫والعسكرية‪,‬والقتصادية‪ ,‬واليية‪ ,‬وغيها‪...‬‬
‫وقد تأخذ بعض هذه التجمعات صورة علنية وأخرى سرية حسب الظروف والبيئات الت نشأت فيها‪.‬‬
‫والناظر ف أهداف هذه التجمعات على متلف أشكالا‪,‬يرى وجوها من الشتراك والتداخل النسب ف الهداف‪ ،‬إذ إن غاية السلمي‬
‫واحدة‪,‬وهدفهم واحد‪,‬وإنا تتلف اهتماماتم واختصاصاتم وإمكاناتم‪,‬كما تتلف بعض منا هجهم وأساليبهم ف العمل للسلم‪...‬‬
‫فمن منهج كلي أو جزئي‪ ,‬إل منهج علمي أو تربوي‪ ,‬إل منهج تبليغي أو اقتصادي‪ ,‬إل آخر سياسي أو عسكري‪ ,‬وهكذا‪.‬‬
‫وقد رأينا فيما سبق جذورا تاريية لبعض هذه الشكال ف حياة أمتنا‪,‬وتاريخ سلفنا‪,‬كما عرفنا مبرات وجود أنواع جديدة ف عصرنا‬
‫هذا‪ ,‬تبعا لغياب الوحدة السياسية ف الساحة السلمية‪ ,‬ومستجدات حاجات السلمي‪...‬‬
‫ومن العجيب أن يهتم العاملون للسلم بنقاط الختلف فيما بينهم‪ ,‬أكثر من اهتماماتم بوانب التفاق ول سيما بوحدة الدف‬
‫والغاية!!‬
‫أو أن تنظر جاعة إل الخرى نظرة العادية أو النافسة لا‪ ,‬ول تنظر إليها نظرة الشارك أو العي على تقيق أهدافها‪ ,‬أو الكمل لا!!‬
‫فالميع مهما اختلفت أساؤهم‪ ,‬وتنوعت مناهجهم واهتماماتم‪ ,‬إنا يدمون هدفا واحدا‪ ,‬ويسعون إل غاية واحدة مشتركة‪ ,‬اللهم‬
‫إل من ساءت نيته‪ ,‬وانرفت غايته‪ ,‬فاتذ شعار السلم خداعا ومكرا‪ ,‬ول يفي أمثال هؤلء على السلمي‪...‬‬
‫سألت مرة فضيلة الستاذ أب العلى الودودي ـرحه ال تعالىـ ف مكة الكرمة عن رأيه ف جاعة التبليغ الت قامت الند‪ ,‬وتتنقل‬
‫ف العال كله‪ ,‬ـ وكان قد سبق ل أن سعت ف الند و وباكستان‪ ,‬أن بي الماعة السلمية‪ ,‬و جاعة التبليغ خلفا وشقاقا ـ‬
‫فأجابن ـ رحة ال ـ بقوله‪:‬‬
‫((إنم يسدون عنا ثغرة ل نستطيع سدها‪ ,‬وإننا ل ننتقدهم‪ ,‬ولكن فيهم من ينتقدنا‪))!..‬‬
‫فأعجبن منه هذا القول‪ ,‬وعددته درسا بليغا فيما يب أن يكون عليه موقف الماعات السلمية بعضها من بعض‪.‬‬
‫أهم النقاط الشتركة بي الماعات السلمية‬
‫إن الناظر ف أهداف الماعات السلمية القائمة‪,‬والتتبع لططها ومناهجها وأقوال مؤسسيها‪ ,‬يرى بي هذه الماعات قواسم‬
‫مشتركة عديدة‪ ,‬من أهها‪:‬‬
‫ل غي منقوص‪.‬‬
‫أ ‪ -‬وحدة العقيد التمثلة بالتبن العتقاد للسلم‪ ,‬واليان به كام ً‬
‫فما من جاعة إسلمية إل وتنص على هذا البدأ بشكل أو بآخر‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وحدة الغاية التمثلة ف السعي إل مرضاة ال عز وجل‪ ,‬والتطلع إل تطبيق النظام العام السلمي ف حياة الناس‪ ,‬سواء على‬
‫النطاق العام أو الاص‬
‫ج ‪ -‬وحدة الصادر والوارد‪ ,‬حيث يستقي كل منها من كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم وسية خلفائه من بعده‪,‬‬
‫متهدين ف ذلك أخطأوا أو أصابوا‪.‬‬
‫د ‪ -‬وحدة العقبات الت تواجهها الماعات السلمية قلت أو كثرت‪ ,‬سواء كان ذلك ف العقبات الداخلية أم الارجية‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬وحدة الصي ف الدنيا والخرة‪ ,‬سواء أكان هذا الصي نصرا مؤزرا ف الدنيا‪ ,‬أم جنة خالدة ف الخرة‪ ,‬ومغفرة من ال‬
‫ورضوانا‪...‬‬
‫قال تعال‪:‬‬
‫ب أَلِيمٍ‪ ،‬ت ْؤمِنُو َن بِاللّ ِه وَ َرسُوِلهِ وَُتجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ‬
‫((يا أيها الذين آمنوا‪ ,‬يَا أَّيهَا الّذِينَ آمَنُوا َه ْل َأدُّلكُمْ َعلَى ِتجَارَ ٍة تُ ْنجِيكُمْ مِ ْن عَذَا ٍ‬
‫سكُمْ ذَِلكُمْ‬
‫سكُ ْم ذَِلكُمْ خَ ْي ٌر َلكُمْ ِإنْ كُ ْنتُ ْم تَ ْع َلمُونَ‪ ,‬تُ ْؤمِنُو َن بِاللّ ِه وَ َرسُوِلهِ وَُتجَاهِدُونَ فِي سَبِي ِل اللّ ِه بَِأمْوَاِلكُمْ وَأَْنفُ ِ‬
‫اللّ ِه بِأَمْوَاِلكُمْ َوأَنْفُ ِ‬
‫جرِي مِ ْن َتحِْتهَا الْأَْنهَارُ وَ َمسَاكِنَ طَيَّبةً فِي جَنّاتِ عَ ْد ٍن ذَِلكَ اْلفَوْزُ‬
‫خَ ْي ٌر َلكُمْ ِإنْ كُ ْنتُ ْم تَ ْع َلمُونَ‪ ،‬يَ ْغ ِفرْ َلكُمْ ذُنُوَبكُمْ وَيُ ْد ِخ ْلكُ ْم جَنّاتٍ َت ْ‬
‫شرِ اْلمُ ْؤمِنِيَ)) (الصف ‪)/13-10/‬‬
‫صرٌ مِ َن اللّ ِه وَفَ ْتحٌ َقرِيبٌ وَبَ ّ‬
‫اْل َعظِيم‪ ,‬وَُأ ْخرَى ُتحِبّوَنهَا نَ ْ‬
‫كل ما سبق إنا هو قواسم مشتركة بي العاملي للسلم‪ ,‬والماعات السلمية‪ ,‬يظهر بعضها جليا واضحا‪ ,‬ويتأكد بعضها يوما بعد‬
‫آخر من خلل الواقف الشتركة الت تقفها هذه الماعات ف الشدائد والحن ويكفي قاسم مشترك واحد منها‪ ,‬أن يمع بي‬
‫العاملي‪,‬فكيف بذه القواسم الشتركة متمعة‬
‫أجل‪,‬لبد من تسليط الضواء على نقاط التفاق‪,‬قبل تسليطها على نقاط الختلف‪,‬وإن التفاق على نقطة من النقاط التبقية يدعو‬
‫إل التفاق على نقاط أخرى‪,‬وهكذا‪.‬‬
‫فل بد للعاملي الخلصي من وعي لذه القيقة‪,‬ليسعوا دائرة التفاق بينهم‪,‬ويضيقوا دائرة الختلف‪,‬منطلقي ف ذلك من أمر ال عز‬
‫صمُوا ِبحَ ْب ِل اللّ ِه َجمِيعا وَل َت َفرّقُوا))(آل عمران‪ :‬من الية ‪)103‬‬
‫وجل لم جيعا‪((:‬وَاعْتَ ِ‬
‫أهم نقاط الختلف بي الماعات السلمية‬
‫كما أن هناك نقاطا مشتركة بي الماعات السلمية‪,‬فإن هناك نقاط اختلف بينهم‪,‬يكن إجالا ف ثلث نقاط أساسية‪,‬وهي‪:‬‬
‫أ ـ اختلفهم ف مدى شول التبن التطبيقي للسلم‪ ,‬بميع نظمه وأحكامه‪ ,‬وذلك بسب الجتهادات العلمية والمكانات العلمية‪.‬‬
‫فإن من الدعاة من يهتم عمليا بانب دون آخر‪,‬أو يعن بوانب من نظم السلم أكثر من عنايته بوانب أخرى‪ ...‬وذلك مع اتفاقهم‬
‫على شول التبن العتقادي للجوانب كلها ـ كما مر معنا ف نقاط التفاق ـ‪.‬‬
‫ب ـ اختلفهم ف طبيعة الناهج الت يضعونا لنفسهم وإخوانم‪ ,‬وذلك بسب اجتهاداتم ف فهم الناهج الربانية‪ ,‬وشعورهم باجة‬
‫السلمي إليها ف وقت من الوقات‪ ,‬أو ف بيئة من البيئات‪.‬‬
‫وذلك كاختلفهم ف ترتيب بعض أولويات العمل السلمي‪ ,‬أو تقدي هذا الانب على الخر‪ ,‬أو التركيز على الانب العلمي‬
‫والتربوي‪ ,‬أكثر من التركيز على الانب الجتماعي أو القتصادي أو السياسي‪ ,‬أو عكس ذلك‪.‬‬
‫وما يدر التنبيه إليه ف هذا القام‪ ,‬أن إمكانات التبن التطبيقي لانب من جوانب السلم من قبل جاعة من الماعات‪ ,‬أو الهتمام‬
‫بزء من السلم على حساب جزء‪,‬ل يعن دائما رفضها للجوانب الخرى فيه‪ ,‬أو إخراج تلك الوانب الباقية عن دائرة السلم‪.‬‬
‫فقد يتبادر أحيانا إل ذهن السامع لتصريح معي من جهة دعوية‪ ,‬أو الشاهد لوقف من الواقف‪ ,‬أن أصحاب هذه التصريات‬
‫والواقف يتنكرون لوانب هامة من السلم‪.‬‬
‫علما بأن مثل هذه التصريات والواقف اليوم‪ ,‬قد يتفي وراءها أمور وأمور‪ ,‬ل يرى بعض العاملي والدعاة مصلحة ف الفصاح‬
‫عنها‪ ,‬أو الشارة إليها‪.‬‬
‫أما التصريح برفضها‪ ,‬أو الطعن فيها‪,‬ووصفها بأنا منافية للسلم ومنهجه‪- ,‬كما قد يفعل بعض النتسبي إل السلم‪ -‬فإنه يشي إل‬
‫اختلف ف البادىء والعتقاد‪ ,‬يصعب معه الجتماع والتفاق ‪ ,‬وإن ت بشكل من الشكال‪ ,‬فإنا يؤدي إل نتائج معكوسة‪ ,‬ول‬
‫يدم الدف الشترك‪.‬‬
‫ج ـ اختلفهم ف نوعية الساليب والوسائل الت يتارون العمل با‪ ,‬ويتبعونا ف تطبيق مناهجهم‪ ,‬وذلك كتغليب أسلوب السالة‬
‫واللينة على أسلوب الشدة‪ ,‬أو مانبة الانب السياسي‪,‬والديث فيه‪ ,‬أو البتعاد عن عرض مسائل اللف والناقشة فيها‪ ,‬وما إل‬
‫ذلك ما يراه بعضهم تلفيا لختلف السلمي وتفرق صفوفهم ـ كما تصرح به بعض الماعات السلمية‪ ,‬ويدعو إليه بعض‬
‫العاملي‪.‬‬
‫فإن مثل هذه الختلفات‪ ,‬تتسع لا ف رأيي ساحة العمل السلمي‪ ,‬ويب أن تتسع لا صدور العاملي للسلم‪ ,‬وليختر كل لنفسه‬
‫ولماعته ما يراه من منهج أو أسلوب أو وسيلة‪ ...‬ول يصح أن تعد عقبة كبية ف سبيل وحدتم وتعاونم‪ ...‬وأذكر موقفا يوضح‬
‫مثل هذه الختلفات‪ ,‬وهو ما حدث معي شخصيا مع فضيلة الستاذ الداعية‪ ,‬الشيخ ممد يوسف الكاندهلوي ـ رحه ال ـ يوم‬
‫زرته ف مسجده خلل جولة ل ف بلد الند عام ‪1383‬هـ الوافق ‪1963‬م وسعدت بصحبته أياما‪.‬‬
‫وكنت أسع وأشاهد الخوة من جاعة التبليغ‪ ,‬يشيون ف أحاديثهم وأسس دعوتم إل البتعاد عن أمور السياسية واللف‪ ,‬وكنت‬
‫أحسن فهم هذا الكلم وأحله مملً حسنا‪ ,‬وأرجعه إل طبيعة دعوتم وحركتهم الواسعة ف بلدان العال‪ ,‬لول ما أثاره بعض العاملي‬
‫حول سياسة الماعة وطبيعتها‪ ,‬وشكك ف سلمة نياتا ومقاصدها‪ ,‬وربط بعضهم بينها وبي القاديانية بعض الربط‪ ,‬ولسيما ف‬
‫استبعاد القاديانيي للجهاد من العمل السلمي ـ كما يدث كثيا عندما نسيء الظن فيما بيننا‪ ,‬ويكم بعضنا على بعض عن بعد‬
‫ـ‪.‬‬
‫فرأيت ف زيارت للشيخ ـ رحه ال ـ فرصة‪,‬ألحت فيها على الشيخ بالسئلة الت تكشف عن هذا الانب الطي‪ ,‬فكان ييبن‬
‫بعلم وحلم‪ ,‬وعموم وإجال ـ تشيا مع منهجهم ف بث مثل هذه المور ـ‪.‬‬
‫فما كان من إل أن صارحته بقول‪:‬ما رأي جاعتكم ف موضوع الهاد السلمي؟ وما موقفكم من الرحلة التنفيذية الت قد تصل‬
‫إليها الماعات السلمية؟‬
‫فتعجب الشيخ من صراحت هذه‪ ,‬وابتسم وقال‪:‬‬
‫((لو كان لنا رأي خاص ف الهاد الذي هو ذروة سنام السلم‪,‬لا رأيت ف كتابنا((حياة الصحابة))أخبار الغزوات‪,‬ول أخبار جهاد‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم وصحابته الكرام‪ ...‬وكتابنا هذا منتشر ف أيدي إخواننا‪ ,‬وف كل مكان‪))...‬‬
‫ففهمت غايته‪ ,‬واستسمحته عن إلاحي ف السؤال‪ ,‬وزالت تلك الشبهه من نفسي والمد ل‪.‬‬
‫وقد سعت من بعض الدعاة العاصرين‪ ،‬والعلماء العاملي ف الساحة السلمية‪-‬أطال ال أعمارهم‪-‬من تثار حولم أمثال هذه‬
‫الشكوك‪ ،‬كلما يؤكد هذا العن السابق‪ ،‬ويرسخ تلك القيقة‪.‬‬
‫فإن ابتعاد بعض العاملي عن مواطن السياسة‪ ،‬ومواطن اللف‪ ،‬ل يعن رفضهم لا‪ ،‬وإنكارهم لقيقة وجودها‪ ،‬وإنا هي خطة عمل‬
‫اقتنعوا با‪ ،‬واجتهدوا ف السي عليها‪ ،‬سواء أصابوا ف ذلك أو أخطأوا‪.‬‬
‫فلندع لكل تم ٍع اجتهاده‪ ،‬ونعذره فيما يالفنا فيه‪ ،‬ما دام متفقا معنا على البادئ والصول‪ ،‬وحسبه إن أخطأ ف اجتهاده أجر واحد‪،‬‬
‫وال هو الطلع والرقيب‪ ،‬وهو الحاسب والجازي لكل على عمله‪.‬‬
‫فإننا إذا خضنا ف النيات‪ ،‬ورجحنا الشكوك والتامات‪ ،‬وقدمناها على حسن الظن بالسلمي‪ ،‬خسرنا الجرين معا‪ ،‬ووقعنا ف الزور‬
‫والطأ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم‪.‬‬
‫من إيابيات تعدد الماعات السلمية‬
‫ل شك ف أن لظاهرة تعدد الماعات السلمية القائمة إيابيات وسلبيات‪ .،‬على الرغم من تبي حقيقتها‪ ،‬ومعرفة أسباب دواعيها‪.‬‬
‫إل أن إيابيات التعدد تزداد وتغلب على السلبيات‪ ,‬فيما إذا نظرنا إليها النظرة الصحيحة الت تنسجم مع ما قدمناه عن حقيقتها‬
‫وأهدافها‪ .‬كما تزداد سلبياتا إذا ما أسأنا النظرة إليها‪ ,‬وتصورناها على غي حقيقتها ـ كما هو واقع عن بعض السلمي اليوم ـ‬
‫ويكننا إجال هذه اليابيات فيما يأت‪:‬‬
‫أ‪ -‬استيعاب أكب عدد مكن من السلمي ف نطاق العمل السلمي‪ ,‬فما من شئ أخطر على السلمي اليوم من النفراد والعزلة ف‬
‫حياتم‪ ،‬حيث اجتمع عليهم أعداؤهم وتداعوا عليهم‪ ،‬وقد جاء الديث الشريف‪:‬‬
‫((يوشك المم أن تداعى عليكم‪ ،‬كما تداعى الكلة إل قصعتها‪ ،‬فقال قائل‪ :‬ومن قلة نن يومئذ؟! قال‪ :‬بل أنتم يومئذ كثي‪،‬‬
‫ولكنكم غثاء كغثاء السيل‪ ،‬ولينعن ال من صدور عدوكم الهابة منكم‪ ،‬وليقذفن ال ف قلوبكم الوهن‪ ،‬فقال قائل‪ :‬يا رسول ال‬
‫وما الوهن؟ قال‪ :‬حب الدنيا‪ ،‬وكراهية الوت))"الديث رواه أبو داود وأحد‪ ،‬عن ثوبان رضي ال عنه‪ ،‬انظر عون العبود‪ ،‬كتاب‬
‫اللحم رقم(‪ )11/404( )5‬وانظر الفتح الربان كتاب الفت(‪ )32-24/31‬بلفظٍ مقارب"‪.‬‬
‫ول يكن لماعة واحدة مهما بلغ شأنا وعل كعبها أن تستوعب الناس جيعا على متلف مذاهبهم ومشاربم واجتهادتم‪ ،‬كما ل‬
‫يصح أن تفرض عليهم فرضا‪ ،‬وإل‪ ،‬نفرنا بذلك الناس من العمل السلمي‪ ،‬وفسحنا الجال للقاعدين عن العمل أن يعتذروا عن‬
‫قعودهم‪ ،‬ويبروا لواقعهم –كما يدث كثيا ف بلد السلمي‪.-‬‬
‫ب‪ -‬التعاون على تقيق الهداف الشتركة‪ ،‬والوصول إل مرضاة ال عز وجل‪ ،‬فإن مثل الدعاة للسلم والعاملي له‪ ،‬على متلف‬
‫مناهجهم وأساليبهم‪ ،‬مثل قومٍ اجتمعوا على حوض ماء كبي‪ ،‬يصبون فيه دلءهم وأوعيتهم‪ ،‬فإن الاء سيتفع إل مستوىً واحدٍ‪ ،‬ف‬
‫جيع أطراف الوض‪ ،‬مهما قل عدد الدلء أو كثر‪ ،‬أو اختلف أحجامها أو جهاتا‪ .‬وقد قال تعال‪:‬‬
‫((وَتَعَاوَنُوا َعلَى الِْبرّ وَالتّقْوَى وَل َتعَاوَنُوا َعلَى الثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتّقُوا اللّ َه ِإ ّن اللّ َه شَدِيدُ الْ ِعقَابِ))(الائدة‪ :‬من الية ‪.)2‬‬
‫ج‪ -‬فسح الجال لكثر من ترب ٍة عملية ف نطاق الدعوة السلمية‪ ،‬حسب الجتهادات والراء العلمية‪ ،‬لتستفيد منها الجيال جيل‬
‫بعد جيل‪ ,‬ويأخذ الناس من مموعتها ما يرونه صالا للدعوة ف زمنهم و بلدهم‪...‬‬
‫وإن ما يضعف العمل السلمي اقتصاره على تربة واحدة‪ ,‬أو رأي واحد‪.‬‬
‫د‪ -‬بروز روح التجديد والتطوير للعمل السلمي با يناسب الماكن والحوال‪ ,‬فكثيا ما يصاب العمل السلمي بشيء من الركود‬
‫والمود‪.‬‬
‫فحي تتعدد الماعات السلمية وتتقارب‪ ,‬تنظر كل جاعة ف عمل الماعة الخرى‪ ,‬فتأخذ من ماسنها‪ ,‬وتدع قصورها‪ ,‬وتستفيد‬
‫من تربة غيها‪.‬‬
‫هـ‪ -‬شيوع روح التنافس والتسابق إل الكمال‪ ,‬فإن التنافس والتسابق فطر بشرية‪ ,‬فتحرص كل جاعة على أن تكون أحسن من‬
‫غيها‪ ,‬وأسبق ف مال الي‪ ,‬وتتحاشى مواطن النقد عليها من قبل الخرين‪ ,‬ول عيب ف هذا التنافس الكري مادام ف سبيل ال‬
‫ورضوانه‪.‬‬
‫ت أَيْنَ مَا َتكُونُوا يَ ْأتِ ِبكُ ُم اللّ ُه َجمِيعا ِإ ّن اللّهَ َعلَى ُكلّ َشيْءٍ قَدِيرٌ)) (البقرة‪:‬‬
‫قال تعال‪(( :‬وَِل ُكلّ ِو ْجهَةٌ هُ َو مُوَلّيهَا فَاسْتَِبقُوا اْلخَ ْيرَا ِ‬
‫‪ )148‬وقال أيضا‪(( :‬وَفِي ذَِلكَ َفلَْيتَنَافَسِ اْلمُتَنَافِسُونَ))(الطففي‪ :‬من الية ‪)26‬‬
‫و‪ -‬ضمان استمرارية العمل السلمي ف حالت الحن والصائب‪ ،‬فلو قدر على جاعة من الماعات أن تتحن قبل غيها‪ ،‬أو دون‬
‫غيها‪ ،‬استمر العمل من قبل الماعات الخرى‪ ،‬حت يكتب ال لذه المة ما يعوضها عما فقدت‪ ،‬فإن البتلء والمتحان سنة ثابتة‬
‫ف دعوات النبياء والصالي من عباد ال‪.‬‬
‫قال تعال‪:‬‬
‫((أل َأحَسِبَ النّاسُ َأنْ ُي ْت َركُوا َأنْ َيقُولُوا آمَنّا وَهُ ْم ل يُ ْفتَنُونَ‪ ،‬وََلقَدْ فََتنّا الّذِينَ مِ ْن قَ ْب ِلهِمْ َفلَيَ ْع َلمَ ّن اللّهُ الّذِينَ صَدَقُوا وَلََي ْع َلمَنّ‬
‫اْلكَاذِبِيَ)) (العنكبوت‪.)/3-1/:‬‬
‫إل غي ذلك من إيابيات يبزها التفكي ف طبيعة تعدد الماعات السلمية‪ ،‬وتؤكدها التجارب يوما بعد يوم‪.‬‬
‫من سلبيات تعدد الماعات السلمية‬
‫كما أن لتعدد الماعات السلمية إيابياتٍ‪ ،‬فقد ل يلو تعددها من وجود بعض السلبيات‪ ،‬ول سيما ف الحوال الت ل تتفهم فيها‬
‫حقيقة التعدد‪ ،‬أو ل يكون بي العاملي ف الساحة السلمية نوع من التعاون والتنسيق‪ ،‬أو شعور قوى بالخوة اليانية‪ ،‬كما يدث‬
‫أحيانا بي بعض الؤسسات العلمية من تسسات‪ ،‬وكما حدث ف الاضي بي بعض أتباع الذاهب الفقهية من جهل وتعصب‪.‬‬
‫ويكننا إجال هذه السلبيات ف عدة أمور‪:‬‬
‫أ‪-‬الزبية البغيضة‪ ،‬والتعصب الذموم‪ ،‬الذي يعل كل طرف يتحزب لماعته ويتعصب لا‪ ،‬فيحب من معه‪ ،‬ويبغض الخرين‪ ،‬وكأن‬
‫من ليس من جاعته عدو له‪ ،‬أو خارج عن دينه‪...‬‬
‫فيدعوه ذلك إل إساءة الظن به‪ ،‬والبالغة ف نقده وتتبع معايبه وأخطائه‪ ،‬وقد ل يتورع عن الكيد له أو الطعن فيه‪!..‬‬
‫ب‪-‬ما قد يصل من إضاعة كثي من جهود السلمي‪ ،‬حيث تبذل كل جاعة جهودها ف المر الذي بذلته الخرى‪ ،‬ف الوقت الذي‬
‫يتاج العمل السلمي إل بذل الهود ف ميادين أخرى‪ ،‬أو بطريقة مغايرة‪ ،‬ول سيما ف الحوال الت يقل فيها العاملون‪ ،‬وتكثر فيها‬
‫الاجات والتطلبات!‬
‫ج‪ -‬تكرار كثي من الخطاء الت يقع فيها العاملون‪ ،‬والماعات السلمية‪ ،‬وذلك للبتعاد الواقع فيما بينها‪ ،‬وعدم الستفادة من‬
‫تارب بعضها‪ ،‬فإذا بالخطاء تتكرر‪ ،‬وقد يكون ضحيتها مموع السلمي‪!..‬‬
‫د‪ -‬وقوع عامة السلمي ف الية والضطراب عندما يدعون إل اللتحاق بأكثر من جهة‪ ،‬أو يطالبون بالعمل مع أكثر من طرف‬
‫إسلمي‪ ،‬فيتوهم بعضهم أن هناك إسلما متعددا‪ ،‬واتاهات متضاربة‪ ،‬ول سيما إذا فقد العاملون أمامهم احترام بعضهم بعضا‪،‬‬
‫وحرص كل طرف أن يدح جاعته‪ ،‬ويتهم الخرين بأنم على خطأ أو ضلل‪ ،‬ما يضطر بعض السلمي إل إيثار العزلة والبتعاد عن‬
‫جيع الماعات!‬
‫هـ‪-‬شعور كل طرف وجاعة بضعفه وقصوره أمام العدو الشترك‪ ،‬ول سيما عند رؤية وحدة العداء وتداعيهم على السلمي‪.‬‬
‫فيشعر كل طرف بالنزام والضعف ف نفسه‪ ،‬وييل إل السلبية ف معالة الواقف‪ ،‬والستسلم لليأس ف كثي من الحيان‪ ،‬فإن‬
‫الؤمن قوي بإخوانه‪.‬‬
‫هذه هي أبرز سلبيات التعدد ف نظري‪ ،‬ويكن أن تزيد وتتضاعف أخطاؤها كلما ابتعد العاملون عن بعض‪ ،‬وأسيء التعامل فيما‬
‫بينهم‪.‬‬

‫من طرق معالة سلبيات تعدد الماعات السلمية‬


‫لبد أن يد الناظر ف حال تعدد الماعات السلمية بعض السلبيات‪ ،‬أمام تلك اليابيات الكثية الكبية‪ ...‬وذلك نظرا لعدم تفهم‬
‫كثي من السلمي وبعض العاملي لبدأ التعدد‪ ,‬وإساءة النظرة إليه أصل من جهة‪ ,‬وللجهل الكبي والمراض النفسية السائدة ف حياة‬
‫السلمي عامة‪ ,‬وف نفوس بعض العاملي خاصة من جهة أخرى‪.‬‬
‫وتذكرنا هذه السلبيات‪ ,‬ببعض السلبيات الت كانت تدث ف الاضي بي بعض أتباع الذاهب الفقهية‪ ,‬حيث ساد التعصب بينهم ف‬
‫بعض الحيان‪ ,‬ووصل إل التباغض والتضارب‪ ,‬أو عدم تزويج صاحب الذهب الخالف‪ ,‬وغي ذلك من مواقف مشينة ل يقرها الفقه‬
‫السلمي ‪.‬‬
‫وإذا كان علج ذلك التعصب الفقهي الذموم‪ ,‬ليس بإبطال الذاهب الفقهية وهجر الراء العلمية ‪-‬كما كان يتصوره بعضهم‪ ,-‬وإنا‬
‫بتوعية السلمي بدينهم‪ ,‬وتعريفهم بأسباب الختلفات العلمية ونشأتا‪ ,‬وبيان أنا ظاهرة طبيعية شرعية وجدت ف الصدر الول‪,‬‬
‫وتقبلها السلف الصال أحسن تقبل‪.‬‬
‫إذا كان هذا هو طريق العلج لذلك التعصب‪ ,‬فإن هذا يصلح طريقا لعالة كل تعصب مذموم ينشأ عن الهل‪.‬‬
‫فلو فهم الناس حقيقة تعدد الماعات السلمية‪ ,‬وعرفوا أنا ظاهرة طبيعية وضرورية‪ ,‬وأنا لصال العمل السلمي عامة‪ ,‬وتبينوا هذا‬
‫ف واقع التعدد‪ ,‬وف سلوك الدعاة من حولم‪ ,‬لتغيت نظرتم إليها‪ ,‬وتول التعصب والتنافر والتباعد بي العاملي‪ ,‬إل الحبة‬
‫والتعاون والتقارب‪ ,‬كما يدث عمليا بي التجمعات التقاربة التفاهة؛ ولصبح التعاون والتنسيق بي الهود‪ ,‬بدل من بعثرتا‬
‫وضياعها‪ ,‬وسادت بي العاملي روح التناصح‪ ,‬واستفاد الميع من تارب بعضهم‪.‬‬
‫فما مثل هذه الماعات التعددة إل كمثل الماعات العلمية التعددة ف بلد واحد من بلد السلمي‪.‬‬
‫فقد يكون لكل جامعة منهاجها وأسلوب عملها‪ ,‬ونظام دراستها‪ ,‬وأساتذتا‪ ,‬ولكنها جيعا تعمل على إياد طالب العلم‪ ,‬وتيئته ليكون‬
‫عضوا صالا مفيدا لمته‪.‬‬
‫أو كمثل عيادات طبية متعددة‪ ,‬أو مشاف صحية منتشرة هنا وهناك‪ ,‬يقصدها الرضى من كل مكان ‪-‬كما كان والدي رحه ال‬
‫يشبهها بذلك‪.-‬‬
‫فهل يصح أن يدث بي هذه العيادات الطبية والشاف الصحية‪ ,‬أو الماعات العلمية تسس أو تعصب!؟ اللهم إل إذا اتذت هذه‬
‫الماعات والشاف والعيادات أغراضا أخرى غي غرض العلم والصحة‪ ,‬فتحولت عن أهدافها ووظيفتها!‬
‫وإذا حدث من بعض الساتذة ف الماعات أو الطباء ف العيادات والشاف بعض الواقف الذميمة‪ ,‬فلن يكون العلج يوما ما‪,‬‬
‫بإغلق هذه الماعات والشاف‪ ,‬أو بالكتفاء بامعة واحدة ومشفى واحد!‬
‫وإنا يكون بالرجوع إل مراجعهم ف وزارة الصحة‪ ,‬أو الجلس العلى للجامعات الذي يقوم بعالة الشكلت‪ ,‬وينسق بي الهود‬
‫ف سبيل الصلحة العامة‪...‬‬
‫ويوم تصل الماعات السلمية فيما بينها إل تنظيم يشبه تنظيم الامعات العلمية‬
‫ف قطر واحد‪ ,‬فيكون لكل جاعة قيادتا وملسها الاص با‪ ,‬ويكون للجميع قيادة واحدة وملس أعلى‪ ,‬يومها يطو السلمون خطوة‬
‫عظيمة ف سبيل وحدة العمل السلمي النشود‪ ،‬وتتلشى بي السلمي والعاملي الفوارق‪ ،‬ويسود بينهم الب والتعاون‪ .‬وتتلشى‬
‫عندئذ الشبهة القائلة‪:‬‬
‫كيف تكون وحدة العمل مع تعدد الماعات!!؟‬
‫ل واحدا منسقا متكاملً! وليت الماعات السلمية سبقت‬
‫فهاهي الامعات والشاف اليوم متعددة ف بل ٍد واحد‪ ،‬وتعمل جيعا عم ً‬
‫الامعات العلمية بثل هذا التنظيم‪ ،‬فهي أحق به وأجدر‪ ،‬لتكون القدوة الثلى لميع العاملي ف البلد السلمية‪.‬‬
‫ولكن ل بد لنجاح مثل هذا التنظيم بي الماعات السلمية التعددة من تقق أمرين اثني‪ ,‬ها‪:‬‬
‫‪ -1‬الرغبة الصادقة ف إياد عمل إسلمي موحد‪ ,‬واليان القوي بضرورته وفائدته وإمكان تطبيقه‪.‬‬
‫‪ -2‬مراعاة ضوابط وقواعد تضبط هذا التنظيم‪ ,‬وتوجهه الوجهة السليمة النافعة‪ ,‬وتافظ على بقائه واستمراره‪ ,‬ولا ف مثل تنظيم‬
‫الماعات دروس وعبة‪.‬‬
‫وسأعرض ف النقطة التالية بعض الضوابط والقواعد العينة على تقيق ذلك المل‪ ،‬إن شاء ال تعال‪.‬‬
‫ضوابط وقواعد ل بد منها ف طريق وحدة العمل السلمي‬
‫ل بد للسعي إل تقيق وحدة العمل السلمي من قواعد وضوابط تراعيها الماعات السلمية‪ ،‬واليئات التعاونة‪ ،‬لتضمن له سلمة‬
‫الط‪ ،‬واستمرارية البقاء والعطاء‪.‬‬
‫وإذا ما اختلت هذه الشروط والضوابط‪ ،‬أو أهل بعضها‪ ،‬تبط العمل السلمي وانتكس‪ ،‬أو أصبح التجمع والتعاون شكليا ل يدي‬
‫ول ينفع‪.‬‬
‫ولعل من أهم هذه الضوابط والقواعد ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬تسليم جيع الطراف التعاونة ببدأ تعدد الماعات السلمية‪ ،‬واعتراف كل جاعة بالماعات السلمية الخرى‪ ،‬مع التفاق‬
‫على نبذ التجمعات الفاسدة‪ ،‬أو الماعات النحرفة عن الط السلمي الصريح‪.‬‬
‫ب‪ -‬احترام كل طرف من الطراف للخر‪ ،‬واعتبار الطرف الخر عونا له على أداء مهمته‪ ،‬وشريكا له ف السئولية‪ ،‬والبتعاد عن‬
‫سوء الظن بالخرين الخالفي ف الجتهاد‪ ،‬وعدم اتامهم ف نياتم‪ ،‬ففي الديث الشريف‪:‬‬
‫((حسن الظن‪ ،‬من حسن العبادة))"الديث رواه أبو داود‪ ،‬انظر د(‪ )5/266‬باب ف حسن الظن‪ ،‬رقم ‪ /4993/‬ترتيب الدعاس‬
‫والسيد"‪.‬‬
‫وقال تعال‪:‬‬
‫((يَا أَّيهَا الّذِي َن آمَنُوا اجْتَنِبُوا َكثِيا مِنَ الظّنّ ِإ ّن َبعْضَ الظّ ّن إِثْمٌ))(الجرات‪ :‬من الية ‪.)12‬‬
‫ج‪-‬اعتراف كل طرف للطراف الخرى بفضلها‪ ،‬وتقدير جهودها مهما قلت‪ ،‬فإنا يعرف الفضل لهل الفضل أهل الفضل‪.‬‬
‫ف على آخر بدعوى شولٍ‪ ،‬أو سبق زمن‪ ،‬أو كثرة عدد‪ ،‬قال تعال ف‬
‫د‪-‬التحرر من العقلية الزبية‪ ،‬والعصبية القيتة‪ ،‬وعدم تعال طر ٍ‬
‫مقام توجيه الؤمني‪:‬‬
‫سكُمْ هُ َو َأ ْعلَ ُم ِبمَنِ اتّقَى))(النجم‪ :‬من الية ‪ ،)32‬وقال ف مقام ذم الكافرين‪:‬‬
‫((فَل ُت َزكّوا أَْنفُ َ‬
‫سهُمْ َب ِل اللّ ُه ُي َزكّي مَ ْن يَشَاءُ وَل ُي ْظ َلمُونَ فَتِيلً‪ ،‬اْن ُظ ْر كَ ْيفَ َيفَْترُو َن َعلَى اللّهِ اْلكَذِبَ َو َكفَى ِب ِه إِثْما‬
‫((أَلَ ْم َت َر إِلَى الّذِي َن ُي َزكّو َن أَنْ ُف َ‬
‫مُبِينا)) (النساء‪.)49،50:‬‬
‫هـ‪-‬التناصح بي الطراف‪ ،‬والستفادة من تارب الخرين‪ ،‬حت ل تتكرر الخطاء‪ ،‬ففي الديث الشريف‪(( :‬الدين النصيحة‪ ،‬قلنا‪:‬‬
‫لن؟ قال‪ :‬ل ولكتابه ولرسوله‪ ،‬ولئمة السلمي وعامتهم))"الديث رواه مسلم وغيه‪ ،‬انظر م(‪)55‬ود(‪.")4944‬‬
‫وجاء ف حديث آخر‪(( :‬ل يلدغ الؤمن من جحر واحد مرتي))"الديث رواه البخاري ومسلم وغيها‪...‬انظر فتح الباري (‬
‫‪ )10/529‬وشرح مسلم للنووي (‪.")125-18/124‬‬
‫و‪ -‬الرص على النقد الذات داخل الماعة‪ ،‬واتام نفسها بالضعف والطأ‪ ،‬وعدم اعتقاد كل جاعة ف نفسها الكمال والعصمة‪ ،‬ما‬
‫يعلها تتقبل نصح الخرين‪ ،‬ويتسع صدرها للنقد من أي جهة كانت‪.‬‬
‫ز‪ -‬اعتماد الشورى الشرعية ف بث المور ومعالتها‪ ،‬واتاذ القرارات تاهها‪ ،‬فإن الشورى ف العمل السلمي‪ ،‬مبدأ لزم ومنهج‬
‫ثابت‪ ،‬قال تعال‪َ (( :‬وشَا ِورْهُمْ فِي الْأَ ْم ِر ))(آل عمران‪ :‬من الية ‪ ،)159‬كما قال ف وصف الؤمني‪(( :‬وََأ ْمرُهُ ْم شُورَى بَيَْنهُمْ ))‬
‫(الشورى‪ :‬من الية ‪.)38‬‬
‫ح‪ -‬التعاون فيما يتفق عليه‪ ،‬والعذار ف مواطن الختلف الت يوز فيها الجتهاد‪ ،‬قال تعال‪:‬‬
‫((وَتَعَاوَنُوا َعلَى الِْبرّ وَالتّقْوَى وَل َتعَاوَنُوا َعلَى الثْمِ وَالْعُدْوَانِ))(الائدة‪ :‬من الية ‪.)2‬‬
‫يقول الستاذ القرضاوي ف حديثه الذي مر معنا سابقا ف التمهيد‪...(( :‬ونن نعرف القاعدة الشهورة‪ ،‬قاعدة النار الذهبية الت‬
‫وضعها السيد رشيد رضا‪-‬رحه ال‪-‬وتبناها المام الشيد حسن البنا‪-‬رحه ال‪-‬وهي قاعدة‪ :‬نتعاون فيما اتفقنا عليه‪ ،‬ويعذر بعضنا‬
‫بعضا فيما اختلفنا فيه‪.‬‬
‫وإذا كان الرء متهدا فأصاب فله أجران‪ ،‬وإن أخطأ فله أجر‪ ،‬وينبغي أن يكون شعارنا‪(( :‬أن رأيي صواب يتمل الطأ‪ ،‬ورأي غيي‬
‫خطأ يتمل الصواب‪ ،‬والصواب والطأ كلها يؤجر النسان فيه‪ ،‬فالخطئ معذور‪ ،‬بل مأجور أجرا واحدا‪"))...‬انظر ملة الصلح‪،‬‬
‫العدد‪ /77/‬لشهر شوال‪1404/‬هـ‪ ،‬وهو جزء من جوابه عن أسئلة وجهت إليه ف موضوع تعدد الماعات السلمية‪ ،‬واجب‬
‫تعاونا فيما بينها"‪.‬‬
‫وهذه قاعدة مهمة وضرورية‪ ،‬كثيا ما أساء الناس فهمها‪ ،‬فظنوها عام ًة ف كل خلف بي الناس‪ ،‬وف كل مالف‪ ،‬ول بد من تقييدها‬
‫با قيدتا به‪.‬‬
‫ط‪ -‬اللتزام بوضوح العلقة بي الطراف‪ ،‬والبتعاد عن أسلوب الحاور الانبية‪ ،‬والناورات السياسية‪ ،‬الذي يباعد بي القلوب‬
‫ويشيع جو الذر وسوء الظن‪...‬‬
‫ي‪ -‬وضع نظام داخلي يضبط المور وينظم العلقات‪ ،‬يتفق عليه الطراف التعاونة‪ ،‬ويلتزمون بتطبيقه‪.‬‬
‫هذه أهم الضوابط والقواعد اللزمة ف رأيي‪ ،‬والت يتاج إليها العاملون الجتمعون‪ ،‬والتعاونون ف مال العمل السلمي‪ ،‬يكن أن‬
‫يضاف إليها أي ضابط مشروع تتفق عليه الطراف‪ ،‬ويراه العاملون ضروريا لوضوح العلقة‪ ،‬وسلمة السي‪.‬‬
‫ث يتعاهدون فيما بينهم على تنفيذها‪ ،‬ويتواصون على تطبيقها‪ ،‬قال تعال‪:‬‬
‫((وَأَوْفُوا بِ َعهْ ِد اللّ ِه ِإذَا عَاهَدْتُمْ وَل تَنْ ُقضُوا الْأَْيمَانَ بَعْ َد تَ ْوكِي ِدهَا وَقَ ْد جَ َعلْتُ ُم اللّ َه َعلَ ْيكُمْ كَفِيلً ِإ ّن اللّهَ يَ ْعلَمُ مَا َتفْ َعلُونَ‪ ،‬وَل َتكُونُوا‬
‫ت َغزْلَهَا مِ ْن َبعْدِ قُوّ ٍة أَْنكَاثا تَّتخِذُو َن أَْيمَاَنكُ ْم َد َخلً بَيَْنكُ ْم َأ ْن َتكُو َن أُمّةٌ ِه َي أَرْبَى ِمنْ ُأمّ ٍة إِّنمَا يَ ْبلُوكُ ُم اللّ ُه بِهِ وََليُبَيَّننّ َلكُمْ‬
‫كَالّتِي َنقَضَ ْ‬
‫َيوْمَ الْقِيَامَ ِة مَا ُكنْتُمْ فِي ِه َتخَْتلِفُونَ)) (النحل‪.)92-91:‬‬
‫عرض لبعض الصيغ القابلة للتطبيق ف مال وحدة العمل السلمي‬
‫ل بد لنا وقد تدثنا عن أهية العمل السلمي الواحد وبينا بعض لوازمه ومتطلباته‪ ،‬وأشرنا إل بعض شروطه وضوابطه‪ ،‬أن نقدم‬
‫بعض الصيغ العروضة ف هذا الجال‪ ،‬وذلك على سبيل الثال‪ ،‬فنحن نؤيد أي صيغ ٍة مشروعة ناجحة للعمل السلمي يتفق عليها‬
‫الطراف العاملة‪.‬‬
‫ول يشترط ف الصيغة التفق عليها‪ ،‬أن تكون صيغ ًة مثالية كاملة‪ ،‬فحسبنا ف هذه الطريق أي خطوة عملية تقربنا من الكمال‪ ،‬وتسي‬
‫بنا نو المل النشود‪.‬‬
‫ومن هذه الصيغ العروضة‪:‬‬
‫أ‪-‬صيغة التعاون والتنسيق بي الطراف ف بعض مالت العمل السلمي‪ ،‬أو ف بعض الشروعات الفيدة الت يعم نفعها السلمي‪،‬‬
‫كالشروعات اليية والتعليمية وغيها‪...‬‬
‫ويكن لثل هذا التعاون والتنسيق أن يتدرج ف طريق الرتقاء‪ ،‬حت يشمل اليادين كلها‪...‬وذلك بسب ما يرسخه أسلوب التعاون‬
‫والتشاور من ثق ٍة متبادلةٍ بي الطراف التعاونة‪.‬‬
‫ولعل هذه الصيغة تثل أدن الالت الواجبة‪ ،‬وأضعف اليان ف حياة السلمي‪.‬‬
‫ب‪-‬صيغة إياد قيادة مشتركة مثل ٍة لميع الطراف التعاونة‪ ،‬والتزام الميع بقرار واحد مشترك‪ ،‬مع احتفاظ كل طرف وجهةٍ بكيانا‬
‫التنظيمي‪.‬‬
‫ويتم ذلك بعرض ميثاقٍ عام متفق عليه‪ ،‬ووضع نظام داخلي يضبط العلقات وينظم المور‪ ،‬وذلك على ما يقارب نظام الجلس‬
‫العلى للجامعات مثلً‪ ،‬حيث يكون هناك ملس أعلى مشترك‪ ،‬ويكون لكل جامعة ملسها ونظامها الاص با‪ ،‬ولكل ملسٍ رجاله‬
‫وميدانه‪...‬‬
‫ولعل هذه الصيغة تثل أعلى الالت المكنة‪ ،‬الت نطمح إليها ف ظل الحوال الراهنة‪.‬‬
‫ج‪-‬صيغة الماعة الواحدة‪ ،‬القيادة الواحدة‪ ،‬الت تذوب فيها الكيانات التعددة‪ ،‬والفوارق الشخصية‪ ،‬والت تمع السلمي على قرار‬
‫واحد وخطة عمل واحدة‪.‬‬
‫ولعل كل صيغةٍ من الصيغ السابقة لا‪ ،‬تعتب تهيدا للوصول إل مثل هذه الصيغة النهائية‪ ،‬الت تقق المال الكبى للمسلمي‪،‬‬
‫وتذكرهم بواقع آبائهم وأجدادهم‪ ،‬وتعيد إليهم عزتم ومدهم‪...‬وما ذلك على ال بعزيز‪.‬‬
‫وإن ناح السلمي اليوم ف تقيق أي صيغةٍ من الصيغ السابقة ونوها‪ ،‬يعد خطوةً عملية نو تقيق العمل السلمي الواحد‪،‬‬
‫والماعة الواحدة‪.‬‬
‫تارب ف طريق وحدة العمل السلمي وبعض عقباتا‬
‫ص غيور‪ ،‬يعرف وظيفته ف هذه الياة‪ ،‬ويعي ما ييط به‬
‫إن أمل توحيد العمل السلمي أمل عام مشترك يلمس قلب كل مسلمٍ مل ٍ‬
‫وبأمته‪ ،‬ويقوم بواجبه‪...‬‬
‫لذا‪ ،‬ل يستغرب أن يدفع هذا المل السلمي ف فترات متلفة‪ ،‬وف مناطق شت إل التداعي لثل هذه الوحدة‪ ،‬والدعوة إل التعاون‪...‬‬
‫إل أن كثيا من هذه الحاولت ل تنجح‪ ،‬وتعثرت ف طريقها‪ ،‬نظرا لل اعترضها ويعترضها من عقبات داخلية وخارجية‪:‬‬
‫أما العقبات الداخلية‪ ،‬فمنها‪:‬‬
‫أ‪-‬عدم اقتناع كثي من السلمي ف الاضي القريب بضرورة مثل هذه الطوة‪ ،‬ومصلحة هذا الجتماع وإمكانه عمليا‪ ،‬تبعا للغفلة‬
‫الت سادت حياة السلمي فترة طويلة‪ ،‬واستمرأوا فيها العزلة والفرقة‪.‬‬
‫ب‪-‬عدم تكن القتنعي بذلك‪ ،‬والتداعي إل التعاون والوحدة‪ ،‬من وضع الضوابط والقواعد اللزمة لثل هذه التجمعات الديدة من‬
‫نوعها‪ ،‬واكتفاؤهم بالرغبة الصادقة الت جعتهم‪ ،‬واعتمادهم على الثقة الغامضة ف بعض الحيان‪.‬‬
‫ج‪-‬غياب الشورى الشرعية القيقية ف مثل تلك التجمعات‪ ،‬أو عدم اللتزام بقراراتا بعد صدورها‪ ،‬وإعجاب كل ذي رأي برأيه‪،‬‬
‫وإصراره عليه‪.‬‬
‫د‪-‬شيوع الوى التبع‪ ،‬والشح الطاع‪ ،‬حت ف أوساط العاملي‪ ،‬وإن داءً واحدا من هذه الدواء يكفي لفساد العمل الماعي‪،‬‬
‫فكيف با إذا اجتمعت!!‬
‫هـ‪-‬عدم الصراحة والوضوح ف العلقات بي الجتمعي‪ ،‬وفشو سياسة الحاور الانبية‪ ،‬وأسلوب الناورات السياسية‪.‬‬
‫و‪-‬طغيان العقلية الزبية عند بعض العاملي‪ ،‬الذين يضحون بكل خي ومفيد‪ ،‬ف سبيل حزبيتهم‪ ،‬وصال جاعتهم‪ ،‬أو أشخاصهم‪...‬‬
‫إل غي ذلك من آفات وأمراض يبتلى با العاملون‪ ،‬ول يعرون بالً لعالتها واستئصالا ف كثي من الحيان‪ ،‬فيستغلها الاكرون‬
‫والاقدون لضعاف المة‪ ،‬وضرب العمل السلمي‪.‬‬
‫أما العقبات الارجية‪ ،‬فلعلها تتمثل ف أمرين أساسيي‪:‬‬
‫أ‪-‬وعي العداء‪-‬أعداء السلم على متلف أشكالم وأنواعهم‪ -‬لطر اجتماع العاملي للسلم‪ ،‬وتوحيد كلمتهم‪ ,‬وما يتبع ذلك من‬
‫إفساد مططاتم وإخفاقها‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مكر العداء التواصل‪ ,‬وتطيطهم لثارة الفرقة بي السلمي بأساليب شت‪ ,‬وذلك لتفتيت جهودهم‪ ,‬وإشغالم بأنفسهم عن‬
‫عدوهم‪.‬‬
‫وما أيسر أن يستغل العداء كلمة نابية‪ ,‬أو موقفا خاطئا‪ ,‬أو مسلما ساذجا‪ ,‬أو منافقا عليما‪ ,‬ليوقعوا بي السلمي‪ ,‬ويفرقوا‬
‫كلمتهم‪!..‬‬
‫كل هذا‪ ,‬جعل التجارب ف سبيل توحيد السلمي تفق أو تتعثر‪ .‬ولعله ل يلو بلد من بلدان السلمي‪ ,‬أو قطر من أقطارهم من مثل‬
‫هذه الحاولت الطيبة على الرغم من تعثرها‪ ,‬وعسى أن تكون هذه الحاولت دروسا عملية ف هذه السبيل‪ ,‬تنبه الذهان‪ ,‬وتدفع‬
‫المم إل خطوات صحيحة مدروسة‪ ...‬وسأقتصر على ذكر نوذج من هذه الحاولت‪ ,‬وهو‪:‬‬
‫((مشروع جبهة اليثاق السلمي ف السودان))‪ ,‬فقد بدأت فكرته تدخل حيز التنفيذ ف السودان‪ ,‬يوم الميس الوافق ‪ 25‬من‬
‫تشرين الثان ‪1964‬م‪ ,‬حيث تداعى الخوان السلمون ف السودان‪ ,‬والماعات السلمية التعددة إل عمل إسلمي موحد‪- ,‬مع‬
‫الحتفاظ بكياناتا الساسية‪ -‬وتكوين جبهة ميثاق إسلمي‪ ،‬واللتقاء حول برنامجٍ موحد للعمل السياسي‪.‬‬
‫إل أنه على رأي بعضهم‪ :‬كانت صفة التمثيل فيها صف ًة فردية ول تكن فئويةً‪ ،‬ما يعن أن مشاركة العضاء ف نشاط البهة السياسي‪،‬‬
‫تكون باعتبارهم أفرادا ل يثلون هيئة أو هيئات سياسية أخرى‪ ،‬ما يعلها ف الستوى العملي أقرب إل شكل الزب منها إل صيغة‬
‫البهة"انظر أطروح ًة غي مطبوعة مقدمة لنيل دبلوم الدراسات العليا بعهد الدراسات الفريقية والسيوية بامعة الرطوم‪ ،‬قام با‪ :‬أبو‬
‫بكر بن أحد عام ‪ 1980‬بعنوان ((جبهة اليثاق السلمي‪-‬دراسة وتقوي))‪ ،‬وذلك من ص(‪.")13-12‬‬
‫وقد قامت هذه البهة بأعمال وخدمات إسلمية عديدة‪ ،‬وكان من أهم نتائجها أن فتحت آفاقا واسعة جديدة ف العمل السلمي‪،‬‬
‫وطرحت تديات فكرية وثقافية وسياسية جديدة لزالت أصداؤها ف الساحة القومية‪ ،‬وف مسية الركة السلمية بالسودان"انظر‬
‫(ص ‪ )123‬من الطروحة السابقة"‪.‬‬
‫والتتبع لسية البهة‪ ،‬والراحل الت مرت با‪ ،‬يد نوعا من العقبات الشتركة التكررة ف مثل هذه التجمعات ف كل مكان‪ ،‬تعود‬
‫معظمها لبعض العقبات الداخلية والارجية الت سبق ذكرها‪.‬‬
‫كما أنه يعوزها مزيد من الضوابط والقواعد الت تافظ عليها وتضمن بقاءها واستمرارها‪ ،‬ومزيد من التجرد عن النظرة الزبية‪،‬‬
‫والبتعاد عن سياسة الحاور الانبية‪ ،‬وتاوز النقسامات والختلفات ف الصف"انظر خاتة الطروحة السابقة من ص(‪-129‬‬
‫‪.")132‬‬
‫إل غي ذلك من مشروعاتٍ وخطوات ف هذا السبيل‪ ،‬من قبل العاملي ف الساحة السلمية على مستوى العال السلمي‪ ،‬وف بلد‬
‫الهجر‪...‬نسأل ال عز وجل أن تكون مثل هذه التجارب الطيبة‪ ،‬والشروعات النافعة درسا بليغا للعاملي الخلصي يططون على‬
‫ضوئه خططهم‪ ،‬ويرسون بعبه الكثية مستقبل عملهم‪...‬‬
‫قال تعال‪:‬‬
‫((وَالّذِي َن جَاهَدُوا فِينَا لََنهْدِيَّنهُ ْم سُُبلَنَا وَِإ ّن اللّ َه َلمَعَ اْل ُمحْسِنِيَ)) (العنكبوت‪)69:‬‬
‫الطوة الديدة ف طريق تقيق وحدة العمل السلمي‪ ،‬ومتطلباتا‬
‫إن وحدة العمل السلمي‪ ،‬هي الطوة الساسية‪ ،‬والنواة العملية لتحقيق وحدة المة السلمية‪...‬‬
‫فل وحدة للمة السلمة‪ ،‬ما ل يتحد علماؤها والعاملون للسلم فيها‪ ،‬وإن أي وحد ٍة ل تقوم على هذا الساس‪ ،‬إنا هي وحدة‬
‫شكلية‪ ،‬مهددة بالنيار‪ ،‬ومعاول هدمها ف يد أبنائها قبل أن تكون بأيدي أعدائها‪.‬‬
‫ومن هنا‪ :‬كان من أول الواجبات على الدعاة والعاملي ف سبيل السلم‪ ،‬أن يفكروا جادين ف توحيد صفوفهم‪ ،‬والعمل على وحدة‬
‫العمل السلمي‪ ،‬على أي صيغة من الصيغ الت يرضونا ويتفقون عليها‪ ،‬وقد أشرت فيما سبق إل ناذج لصيغ متعددة تصلح‬
‫للدراسة والنظر‪...‬‬
‫وإن خطوة مثل هذه الطوة ف الهية‪ ،‬تتطلب من العاملي الخلصي أمورا عديدةً‪ ،‬أهها‪:‬‬
‫أ‪ -‬إخلص ل عز وجل ف أعمالم‪ ،‬وترد له سبحانه عن حظوظ نفوسهم ومنافعهم الشخصية‪.‬‬
‫ب‪ -‬وعي كامل لواقعهم‪ ،‬وتفهم واضح لواجبهم ووظيفتهم‪.‬‬
‫ج‪ -‬تييز دقيق بي عدوهم وصديقهم‪.‬‬
‫د‪ -‬تعاون وثيق فيما بينهم‪.‬‬
‫هـ‪ -‬ضبط مكم لمورهم‪ ،‬وتنظيم دقيق لعملهم‪.‬‬
‫و‪ -‬بذل وتضحية‪ ،‬وإقدام وصب على الطريق‪.‬‬
‫ز‪-‬إيثار للخرة على الول‪ ،‬ومعالة للشح الطاع‪ ،‬وماهدة للهوى التبع‪ ،‬وغي ذلك من المراض النفسية النتشرة بي الصفوف‪.‬‬
‫ح‪-‬تواضع للمسلمي من حولم‪ ،‬وخفض جناح الذل لم‪.‬‬
‫ط‪-‬معالة للغرور والتعال‪ ،‬ولعجاب كل ذي رأي برأيه‪ ،‬فإن هذه المراض من أخطر ما يهدد كيان العمل الماعي‪ ،‬وييل تمعهم‬
‫إل فرقة‪ ،‬وتعاونم إل تناحر‪.‬‬
‫فل خي ول بركة ف عمل جاعي يفتقد الخلص ل‪ ،‬أو يشيع بي العاملي فيه شح مطاع‪ ،‬وهوى متبع‪ ،‬وإيثار الدنيا على الخرة‪،‬‬
‫وإعجاب كل ذي رأي برأيه‪ ،‬كما حذرنا من ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأشار إل خطره صراحةً‪ ،‬فقد جاء ف الديث‬
‫الشريف‪:‬‬
‫((‪...‬حت إذا رأيت شحا مطاعا‪ ،‬وهوى متبعا‪ ،‬ودنيا مؤثرة‪ ،‬وإعجاب كل ذي رأي برأيه‪ ،‬فعليك باصة نفسك‪ ،‬ودع‬
‫العوام‪"))...‬الديث رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وغيهم بألفاظ متقاربة‪ ،‬انظر سنن الترمذي(‪ )8/222‬رقم (‪ ،)3060‬ط‪:‬‬
‫المصية‪ ،‬وانظر سنن ابن ماجة (‪ ،)2/1331‬وسنن أب داود(‪ .")4/213‬فإذا روعيت هذه التطلبات‪ ,‬واجتهد العاملون الخلصون‬
‫لتحقيقها‪ ,‬ومدوا أيديهم لخوانم‪ ,‬تقق ذلك المل النشود‪ ,‬وذابت تلك الفوارق‪ ,‬وزالت تلك الجب بي العاملي‪ ,‬وأصبح‬
‫السلمون يدا واحد ًة على من سواهم‪.‬‬
‫وف مثل هذا العن‪ ،‬وحول هذا المل يقول المام حسن البنا‪-‬رحه ال‪ -‬ف حديث له ف الؤتر السادس لماعة الخوان السلمي‪:‬‬
‫((‪...‬وأما موقفنا من اليئات السلمية جيعا على اختلف نزعاتا‪ ،‬فموقف حب وإخاء وتعاون وولء‪ ،‬نبها ونعاونا وناول جاهدين‬
‫أن نقرب بي وجهات النظر‪ ،‬ونوفق بي متلف الفكر توفيقا ينتصر به الق ف ظل التعاون والب‪ ،‬ول يباعد بيننا وبينهم رأي فقهي‬
‫أو خلف مذهب‪.‬‬
‫فدين ال يسر‪ ،‬ولن يشاد الدين أحد إل غلبه‪ ،‬ولقد وفقنا ال إل خطة مثلى‪ ،‬إذ نتحرى الق ف أسلوب لي‪ ،‬يستهوي القلوب‪،‬‬
‫وتطمئن إليه العقول‪.‬‬
‫ونعتقد أنه سيأت اليوم الذي تزول فيه الساء واللقاب‪ ،‬والفوارق الشكلية‪ ،‬والواجز النظرية‪ ،‬وتل ملها وحدة عملية تمع‬
‫صفوف الكتيبة الحمدية‪ ،‬حيث ل يكون هناك إل ((إخوان مسلمون)) للدين عاملون‪ ،‬وف سبيل ال ماهدون‪"))...‬انظر كتيب‬
‫ل آخر حول هذا العن ف‬
‫((طريق الدعوة بي الصالة والنراف)) لفضيلة الشيخ مصطفى مشهور ص(‪ ،)33-32‬وانظر كلما جي ً‬
‫رسالة ف ((رسالة الؤتر الامس)) للمام الشهيد حسن البنا –رحه ال‪ -‬ص(‪ )51-50‬طبعة دار العتصام ف القاهرة‪ ،‬النشور‬
‫ضمن السلسلة الشهرية الت يصدرها اتاد طلب المهورية" ول يقل‪ :‬إل الخوان السلمون‪.‬‬
‫فها هو –رحه ال تعال‪ -‬ل يرص على اسم جاعته أن يسود‪ ،‬ول على جاعته أن تسيطر‪ ،‬وإنا حرص على وحدةٍ عملية تمع‬
‫الصفوف‪ ،‬تت أخوة اليان والسلم‪...‬‬
‫وإن مثل هذا العن نده ف أقوال عدد من الدعاة والؤسسي للجماعات‪ ،‬ما ينبئ عن إخلصهم ل‪ ،‬وتردهم له سبحانه‪ ،‬والمد ل‪.‬‬
‫خاتة‪...‬‬
‫وف التام‪ :‬هذه دراسة مملة ف موضوع مهم‪ ،‬وضعت فيها بعض السس العملية للعمل ف سبيل وحدة العمل السلمي‪ ،‬أضعها بي‬
‫أيدي الدعاة والعاملي لذا السلم‪ ،‬عسى أن تد لا صدرا رحبا‪ ،‬وأذنا صاغية‪ ،‬فيقوم العلماء الخلصون بدراستها ومناقشتها‬
‫وتسديدها لتكون معال واضح ًة على طريق الدعوة السلمية‪.‬‬
‫وحسب ف ذلك أن أضع بي يدي إخوان‪ ،‬فكرةً طالا ترددت ف نفسي‪ ،‬وشغلت فكري منذ سنوات‪ ،‬وعرضتها على من حول من‬
‫بعض الدعاة والعاملي‪ ،‬آخذا فيها رأيهم‪ ،‬ومستفيدا من ملحظاتم وتوجيهاتم ‪-‬جزاهم ال خيا‪. -‬‬
‫وأحب أن أشي هنا إل ملحظ طالا لحظته أثناء كتابة هذا الوضوع‪ ،‬وعند التفكي ف خطته وكتابته‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫أنه قد يضيق بثل هذا البحث والصراحة فيه صنفان من الناس‪ ،‬صنف من السلمي‪ ،‬وبعض العاملي‪ ،‬وصنف آخر من العداء‪.‬‬
‫أما الصنف الول‪:‬‬
‫فيتمثل بوقف بعض العاملي للسلم من السلمي‪ ،‬الذين أصيبوا برض التعصب الذميم‪ ،‬فأصبحوا ل يبون أن يدوا ف الساحة‬
‫غيهم‪ ،‬ول أن تنسب الحامد وأفعال الي إل إليهم‪ ،‬ويرجعون ما يدون ف السلمي اليوم من ضعفٍ أو قصور إل غيهم‪ ،‬فل‬
‫يسرهم تعدد الماعات من جهة‪ ،‬ول يرضيهم ذهاب الفوارق واللقاب من جهة أخرى‪.‬‬
‫وإل هؤلء ‪-‬على قلتهم‪ -‬أقول‪:‬‬
‫لقد آن لكم أن تنطلقوا من انغلقكم‪ ،‬فتنفتحوا على غيكم من إخوانكم‪ ،‬وتتبادلوا معهم الود والب والحترام‪ ،‬وتعترفوا بالفضل‬
‫لهل الفضل‪...‬‬
‫كما آن لكم أن تعلموا –ول سيما بعد كثرة التجارب والحن‪ -‬أن مسئولية الدعوة السلمية اليوم أعظم من أن يقوم بأعبائها‬
‫السلمون متفرقي‪ ،‬وأن هدف السلمي الكب أكب من أن تستطيع تقيقه جاعة وحدها –مهما عظمت‪.-‬‬
‫ونذركم ونذر أنفسنا من أن نقع ف الغرور والكب‪ ،‬فالكب كما جاء ف الديث الشريف‪(( :‬بطر الق‪ ،‬وغمط الناس))" الديث‬
‫رواه مسلم ف صحيحه‪ ،‬انظر شرح مسلم للنووي‪ ،)90-2:89( :‬وبطر الق‪ :‬دفعه وإنكاره ترفعا وتبا‪ ،‬وغمط الناس‪:‬‬
‫احتقارهم"‪.‬‬
‫أما الصنف الثان‪:‬‬
‫فيتمثل بوقف كل عدوٍ لذه المة السلمة‪ ،‬الذي يرى ف تفرق السلمي وتدابرهم مرتعا خصبا‪ ،‬وثغرة هامة ينفذ منها إل أعماق‬
‫حياة السلمي ليفسدها عليهم‪.‬‬
‫فما أعان السلمون أعداءهم على أنفسهم بشيء‪ ،‬مثل ما أعانوهم بتفرقتهم واللف بينهم‪...‬‬
‫وإن مع توقعي لذين الوقفي من هذا الوضوع‪ ،‬أقدمت على كتابته ونشره‪ ،‬معتمدا بعد ال عز وجل‪ ،‬على وعي جهور السلمي‪,‬‬
‫وكثرة العاملي للسلم الذين ذاقوا وبال خلف علمائهم والعاملي فيهم ف كل زمان ومكان‪ ,‬والذين عاشوا‪ ,‬ول يزالون يعيشون‬
‫منتهم القاسية‪ ،‬ومصائبهم التشابة من جراء ذلك وغيه‪...‬‬
‫عسى أن ينشط العاملون الخلصون للخطو بطوات جادةٍ ف هذا السبيل‪ .‬ومستعينا به سبحانه على أعداء السلمي‪ ،‬الذين ل يكفون‬
‫عن مكرهم وحقدهم‪ ،‬وقد قال تعال‪:‬‬
‫((وََي ْمكُرُونَ وََي ْم ُكرُ اللّهُ وَاللّهُ خَ ْيرُ اْلمَا ِكرِينَ))(لنفال‪ :‬من الية ‪.)30‬‬
‫أسأل ال عز وجل‪ :‬أن يتقبل من أعمالنا ما كان صالا‪ ،‬وأن يصلح منها ما كان فاسدا‪ ،‬وأن يصلحنا ظاهرا وباطنا‪ ،‬إنه على ما يشاء‬
‫قدير‪.‬‬
‫وآخر دعوانا‪ :‬أن المد ل رب العالي‪.‬‬
‫انتهى تبيضه ف ‪10/5/1407‬هـ‬
‫الوافق ‪10/1/1987‬م‬
‫كتبه‪:‬‬
‫د‪ .‬ممد أبو الفتح البيانون‬

You might also like