Professional Documents
Culture Documents
وقاية المجتمع
من تعاطي
المسكرات
والمخدرات
للدكتور /عبد الله قادري الهدل
إن الحمد ل نحمده ونستعينه ونعوذ بال من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده
ال فل مضييل له وميين يضلل فل هادي له ،وأشهييد أن ل إله إل ال وحده ل شريييك له
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ييا أيهيا الذيين آمنوا اتقوا ال حيق تقاتيه ول تموتين إل وأنتيم مسيلمون[ آل عمران:
]102
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما
رجالً كثيراً ونسييياء ،واتقوا ال الذي تسييياءلون بيييه والرحام ،إن ال كان عليكيييم رقيباً
[النساء.]1 :
يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وقولوا قولً سديداً ،يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم
ومن يطع ال ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً[ الحزاب.]71-70 :
أما بعد فإن المسلم ل يشك في أن تطبيق منهج ال في الرض ،كما أراد ال ،يحقق
لمن طبقه السعادة والرضا والطمئنان في الدنيا ،وينيله رضا ال وثوابه والفوز بنعيمه
المقيم في الخرة ،وفي البعد عن تطبيق منهجه الشقاء في الدنيا والخرة.
ويقين المؤمن بهذا يدل عليه أمران:
المير الول :قول ال الذي ل يأتييه الباطيل مين بيين يدييه ول مين خلفيه ،فقوله صيدق
ووعده حق ،وقد قال تعالى :قال اهبطا منها جميعًا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني
هدى فل يضيل ول يشقيى ،ومين أعرض عين ذكري فإن له معيشية ضنكيا ونحشرهيم يوم
القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً ،قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها
وكذلك اليوم تنسيى وكذلك نجزي مين أسيرف ولم يؤمين بآيات ربيه ولعذاب الخرة أشيد
وأبقى [طه.]127-123 :
المر الثاني :الواقع التاريخي الذي دل على ما دل عليه كتاب ال فإنه ما طبق منهج
ال أميية إل كانييت عزيزة الجانييب سييعيدة الحياة سييليمة ميين القلق والضطراب ول فقييد
تطيبيق ذلك المنهيج فيي أمية إل أذلهيا ال وأنزل بهيا مين المصيائب والويلت ميا يقلقهيا
وينغص حياتهيا وإن بلغت ما بلغت من الغنى والتمتيع المادي بأنواع المتيع وها هي أميم
الرض الن تذوق وبال أمر بعدها عن ال.
ومييا مؤتمرنييا هذا [المؤتميير العالمييي الثانييي لمكافحيية المسييكرات والمخدرات الذي
انعقد في مدينة إسلم أباد في جمهورية باكستان السلمية في 27شوال سنة 1409هي
وافتتحه رئيس الجمهورية وقد أعد هذا البحث للمشاركة فيه وقدم المؤلف خلصة له في
المؤتميير] إل أحييد الدلة على مرض واحييد ميين المراض الفتاكيية التييي شملت الرض
عامة ،وشعوب المسلمين خاصة وقد عجزت عن مقاومته والوقاية منه وعلجه أجهزة
الدول العالميية :كبراهيا وصيغراها ،فضلً عين المراض الخرى التيي يصيعب حصيرها
وحصر مؤتمراتها وندواتها والجهود المبذولة لمقاومتها.
واعتراف المرييض بمرضيه واهتماميه بيه خطوة طيبية فيي سيبيل علجيه ،وعلييه أن
يفكر في أسباب وجود هذا المرض فقد يكون أهم أسبابه تقصيره في الوقاية منه فيجيب
أن يتلفى ذلك التقصير ،وهو إذ يبحث عن علج له عليه أن يعرض نفسه على الطبيب
المختييص الذي عنده المقدرة على تشخيييص الدواء ووصييف الدواء فإذا تمكيين ميين ذلك
فيجب أن يتناول الدواء الذي وصفه له ذلك الطبيب.
وها نحن نعترف بالمرض وهو تعاطي المسكرات والمخدرات ونبحث عن الطبيب
الذي يشخص الداء ويصف الدواء ولعلنا نعترف هنا جميعاً أن طبيبنا هو شرع ال الذي
لم يغادر صيغيرة ول كيبيرة مميا يحتاج الناس فييه إلى هدايية إل بينهيا وجلهيا كميا أنيه لم
يغادر صغيرة ول كبيرة من أسباب الفساد في الرض إل حذر منها وعراها ،وإذا كانت
هذه أو تلك قد تخفي على من بعد عن التفقه في هذا الدين ،فإنها غير خافية على فقهائها،
ولكل مجال رجال.
هذا وقييد اخترت الكتابيية فييي هذا الموضوع – وهييو وقاييية المجتمييع ميين تعاطييي
المسيكرات والمخدرات – لن الصيل هيو الوقايية مين المرض ،كميا أن الوقايية قيد تكون
العلج الحاسم للمرض بعد وقوعه.
وهذا البحيث مين هذا القبييل ،إذا طبيق ميا تضمنيه فإنيه وقايية وعلج ،وقايية للمرييض
وغيره ،وعلج للمريض وما يكون وقاية وعلجاً خير مما يكون علجاً فقط.
هذا وقد اشتمل على سبعة فصول:
الفصيل الول :غرس اليمان فيي النفوس ،وتربيية المجتميع على تطيبيق السيلم فيي
الحياة.
الفصل الثاني :الهتمام بتربية السرة.
الفصل الثالث :وجوب السعي لتحقيق الهداف العليا التي تحيا بها الشعوب.
الفصل الرابع :صرف الشباب إلى ميادين التزكية والجهاد.
الفصل الخامس :إقامة قاعدة المر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الفصل السادس :جعل منهاج التعليم والعلم محققة لمقاصد السلم.
الفصل السابع :الحكم بما أنزل ال.
وإني لرجو أن يكون هذا البحث نافعًا للوقاية من كل المراض الوبيئة التي تفشت
في مجتمعاتنا السلمية وفي غيرها.
وإذا كانييت التجربيية كمييا يقال خييير برهان فليجرب ميين يريييد للشعوب السييلمية
السعادة والنجاة من كل شر تطبيق ما تضمنه هذا البحث.
وما توفيقي إل بال عليه توكلت ،وهو حسبي ونعم الوكيل.
الفصل الول
غرس اليمان فططي النفوسططوتربية المجتمططع على تطططبيق
السلم في الحياة.
وفي هذا الفصل مبحثان:
المبحث الول :غرس اليمان في النفوس.
تمهيد في بيان معنى اليمان:
اليمان فيي اللغية :التصيديق [ينازع بعيض العلماء فيي أن المراد باليمان فيي اللغية
التصييديق ولكيين المقام ل يتسييع لمناقشيية ذلك ،راجييع الفتاوى لبيين تيمييية (،])7/123
ويتعدى باللم كقوله تعالى :وميا أنيت بمؤمين لنيا ولو كنيا صيادقين[ يوسيف ]17 :أي وميا
أنت بمصدق لنا.
وأمييا اليمان فييي الشرع فالراجييح أنييه( :تصييديق بالقلب وقول باللسييان ،وعمييل
بالجوارح) فإذا أطلق شمل ذلك كله.
فالمراد باليمان ميا عناه ال تعالى فيي القرآن الكرييم والسينة وفهميه أصيحاب رسيول
ال صيلى ال علييه وسيلم ومين تبعهيم مين السيلف الصيالح وهيو التصيديق الجازم بكيل ميا
أخيبر ال بيه مين الغييب ،وهيو يشميل أصيول اليمان السيتة :اليمان بال وملئكتيه وكتبيه
ورسله واليوم الخر والقدر ،وما تفرع عنها مما ورد به الكتاب والسنة الصحيحة وليس
المراد باليمان مجرد مييا تعرف عليييه أهييل الديان المنحرفيية الذي مضمونييه علقيية
شخصية بين النسان وربه ل شأن له بنشاطه في الحياة.
فإن هذا لييس هيو اليمان الذي جاء بيه القرآن ،إذ اليمان الذي نزل بيه ل ينفيك عنيه
العميل الصيالح المبنيي على العلم النافيع ،كميا قال تعالى :إنميا المؤمنون الذيين آمنوا بال
ورسييوله ثييم لم يرتابوا وجاهدا بأموالهييم وأنفسييهم فييي سييبيل ال أولئك هييم الصييادقون
[الحجرات.]15 :
هذا ولسييت أريييد أن أطيييل هنييا الكلم على أصييول اليمان السييتة كلهييا ،فضلً عمييا
يتفرع منهيا ،وإنميا أرييد أن أضرب أمثلة فقيط يتضيح بهيا أن غرس اليمان فيي النفوس
هييو أعظييم واق ميين أمراض المعاصييي ،ومنهييا تعاطييي المسييكرات والمخدرات ،وهذه
المثلة تتعلق باليمان بال ،واليمان بكتاب ال الذي هو القرآن ،واليمان باليوم الخر.
اليمان بالله:
ولسيت أيضاً بمطييل فيي الكلم عين اليمان بال بذكير كيل ميا يتعلق بذاتيه تعالى مين
كونه خالقاً وربًا وإلهاً ،وإنما أضرب لذلك مثالين:
أحدهما :يتعلق بعلمه الشامل المحيط بكل شيء.
والثاني :يتعلق بقدرته التامة على كل شيء.
غرس اليمان بعلم ال المحييط بكيل شييء وأثره فيي الوقايية مين إرتكاب المعاصيي
وبخلصة المسكرات والمخدرات.
لقد كثر في القرآن الكريم ذكر علم ال المحيط بكل شيء بأساليب شتى ،والمقصود
منهيا إشعار النسيان بأن أعماله ل تخفيى على الخالق ،وأنهيا محفوظية مكتوبية محاسيب
عليهيا صياحبها ،كميا قال تعالى فيي أهيل الكتاب الذيين حذر بعضهيم بعضاً مين العتراف
بميا فيي كتبهيم مميا يوافيق القرآن الكرييم ويؤييد صيحة رسيالة محميد صيلى ال علييه وسيلم
لئل يكون اعترافهم بذلك حجة للمسلمين عند ال ،قال تعالى عنهم :وإذا لقوا الذيين آمنوا
قالوا آمنيا وإذا خل بعضهيم إلى بعيض قالوا أتحدثونهيم بميا فتيح ال عليكيم ليحاجوكيم بيه
عنييد ربكييم أفل تعقلون ،أَوَل يعلمون أن ال يعلم مييا يسييرون ومييا يعلنون[ البقرة-76 :
.]77
السماء [آل عمران.]5 :
وقال تعالى :إن ال ل يخفى عليه شيء في الرض ول في
وقال تعالى :قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه ال ويعلم ما في السماوات
وما في الرض وال على كل شيء قدير ،يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً،
ومييا عملت ميين سييوء تود لو أن بينهييا وبينييه أمداً بعيداً ويحذركييم ال نفسييه واله رؤوف
بالعباد [آل عمران.]30-29 :
تأمل هاتين اليتين الخيرتين :هل تجد شيئاً يمكن إخفاؤه على ال الذي أحاط علمه
بما في السماوات وما في الرض ،وما يخطر للمرء في صدره ،وهل يقدر النسان أن
ينكر شيئاً مما عمل في الدنيا عندما يلقي ال فيجد عنده كل عمل خير أو سوء؟.
إن النسان ليقدر أن يحتال على الناس وعلى كل الوسائل التجسسية في الدنيا ويفلت
منهييا ،وكذلك يقدر أن يحتال على القضاء والقوانييين ،وعلى المحامييين وأسيياليبهم وعلى
الشرطيية ووسييائلهم وسييجونهم ويخرج ميين عندهييم جميعاً بريئاً ،وهييو فييي الواقييع غييير
برييء ،ولكنيه ل يقدر على ذلك بالنسيبة للخالق ،كميا قال تعالى :إنيا أنزلنيا إلييك الكتاب
بالحق لتحكم بين الناس بما أراك ال ول تكن للخائنين خصيماً ،واستغفر ال إن ال كان
غفورًا رحيماً ،ول تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن ال ل يحب من كان خواناً أثيماً،
يسيتخفون مين الناس ول يسيتخفون مين ال وهيو معهيم إذ ييبيتون ميا ل يرضيى مين القول
وكان ال بميا يعملون محيطاً ،هيا أنتيم هؤلء جادلتيم عنيه فيي الحياة الدنييا فمين يجادل ال
عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلً ،ومن يعمل سواءً أو يظلم نفسه ثم يستغفر ال
يجيد ال غفورًا رحيماً ،ومين يكسيب إثماً فإنميا يكسيبه على نفسيه وكان ال عليمًا حكيماً،
ومين يكسيب خطيئة أو إثماً ثيم يرم بيه بريئًا فقيد احتميل بهتانًا وإثماً ميبيناً[ النسياء-105 :
.]112
قل لي بربك لو أن مريد مخالفة القانون في أي بلد يعلم أن آلة التصوير مسلطة عليه
في منزله وفي سيارته وفي الشارع وفي بيت الخلء وفي أي مكان تحرك أو سكن فيه،
وأن صييورته تظهيير على حقيقتهييا على مرآة التلفاز أمام مراقييبين يتابعونييه هييل تراه
يسيتطيع أن يخالف القانون ويفعيل ميا سييعاقب علييه مين قبيل السيلطة القادرة على القبيض
عليه وعلى معاقبته؟.
فكييف إذا علم العبيد وآمين أن ال محييط بيه يعلم كيل حركاتيه وسيكناته وخطرات قلبيه
في كل لحظة من لحظات حياته؟
فلو أن النسيان يربيى على العلم بهذه الصيفة اللهيية واليمان بهيا وميا يترتيب على
ذلك مين صيغره فنشيأ على ذلك لميا كان يجترئ أغلب مين رُبّيي على ذلك على ارتكاب
المعاصيي والعتداء على الحقوق سيوا ًء كانيت حقوق ال أو حقوق عباده ولكان المؤمين
بهذه الصيفة يحقيق الحسيان الذي قال فييه الرسيول صيلى ال علييه وسيلم(( :الحسيان أن
تعبد ال كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) [مسلم (.])37-1/36
وقال السيتاذ أبيو العلى المودودي رحميه ال فيي هذا المعنيى( :وأهيم شييء وأجدره
فيي هذا الصيدد أن اليمان بل إله إل ال يجعيل النسيان مقيداً بقانون ال ومحافظاً علييه،
فإن المؤمين يكون على يقيين بسيبب اعتقاده بهذه الكلمية أن ال خيبير بكيل شييء ،وهيو
أقرب إلييه مين حبيل الورييد ،وأنيه إن أتيى بعميل فيي ظلمية اللييل ،أو حالة الوحدة فإن ال
يعلمه ،وأنه إن خطر بباله شيء جميل فإن علم ال محيط به ،وأنه إن كان من الممكن له
أن يخفي أعماله على كل واحد في الدنيا فإنه ل يستطيع إخفاءها على ال عز وجل ،وإن
كان يستطيع أن يفلت من بطش أي كان فإنه ل يستطيع أن يفلت من ال عز وجل.
فعلى قدر ما يكون هذا اليمان راسخاً في ذهن النسان يكون متبعاً لحكام ال قائماً
عند حدوده ،ل يجرؤ على اقتراف ما حرم ال ويسارع إلى الخيرات والعمل بما أمر ال
ولو فيي ظلمية اللييل أو حالة الوحدة والخلوة ،فإن معيه شرطية ل تفارقيه حيناً مين أحيانيه،
وهييو يتمثييل دائماً أمام عينيييه تلك المحكميية العليييا التييي ل يكاد النسييان ينفييذ ميين دائرة
حسابها) [مبادئ السلم ص 98طبع التحاد السلمي للمنظمات الطلبية].
فإذا فقيد النسيان العلم واليمان بهذا المعنيى فإنيه سييرتكب كيل ميا يهواه عندميا يشعير
أنه ل يعلم به القادر على تأديبه وسيكون الموظف المسئول عن متابعة المجرمين مجرد
ما يتعاطى هو بنفسه المسكرات والمخدرات أو يخفي جرائم المتاجرين في ذلك والذين
يتعاطونه إذا نال منهم فائدة مادية ،وهذا أمر يعرفه أهله أما من علم هذا المعنى وآمن به
فأمانته يعرفها ذوو الخبرة في هذه المور.
غرس اليمان بقدرة الله التامة على كل شيء:
إن المجرم إذا علم أن أحداً يعلم جريمتييييه إذا ارتكبهييييا ،ولكنييييه يعلم أن هذا العالم
بجريمتيه عاجيز عين متابعتيه وعقابيه فإنيه يسيتطيع أن يرتكيب تلك الجريمية وينجوا مين
عقاب ذلك العالم بجريمتييه ولو كان يبغضهييا غاييية البعييض ،لكنييه إذا اجتمييع عنده العلم
واليمان أن أحداً يعلم بميا يرتكبيه مين معصيية ويقدر على متابعتيه ومحاسيبته وعقابيه ل
يقدر أبداً على الفلت منه فإنه ل يقدم على ارتكاب المعصية التي يعلمها ويعاقبه عليها.
ولهذا جميع ال سيبحانه بيين علميه المحييط بكيل شييء ،وقدرتيه التامية على كيل شييء
في قوله تعالى :قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه ال ويعلم ما في السماوات
قدير [آل عمران.]29 : وما في الرض وال على كل شيء
وقال تعالى :أولم يسيييروا فييي الرض فينظروا كيييف كان عاقبيية الذييين ميين قبلهييم،
كانوا أشد منهم قوة وما كان ال ليعجزه من شيء في السماوات ول في الرض إنه كان
عليماً قديراً[ فاطر.]44 :
فمن أراد أن يوجد من يجتنب ما يضره ويضر مجتمعه من الجرائم ،بل من أراد أن
يكون الشعيب كله حارسياً على مصيالحه فيي السير والعلن فليرب مين أراد منيه ذلك على
العلم واليمان بقدرة ال التامة على كل شيء مع إحاطته تعالى علماً بكل شيء.
ولعل هذا يبين حكمة أمر ال تعالى عباده أن يعبدوه بأسمائه الحسنى التي تمل القلب
المؤمن حباً ل وخوفاً ورهبة منه فيقدم على ما يحب ويبتعد عما يكره ،كما قال تعالى:
بها [العراف.]180 : ول السماء الحسنى فادعوه
لن كيل اسيم مين أسيمائه تعالى يحميل مين المعانيي ميا لو فقهيه المؤمين وثبيت فيي قلبيه
لزداد تقربًا إلى ال بطاعتييه بأداء حقوقييه وحقوق عباده ،وترك معصيييته بعدم العتداء
على حقوقه وحقوق عباده.
ولهذا كان المكثير مين حفيظ أسيماء ال الحسينى المتعبيد بهيا جديراً بوعيد ال أن يدخله
الجنة ،كما قال الرسول صلى ال عليه وسلم(( :إن ل تسعة وتسعين اسماً من أحصاها
دخيل الجنية)) [البخاري ( )3/185ومسيلم ( )4/2062وفيي مسيلم زيادة فيي روايية( :مين
حفظها)].
وقال ابن القيم رحمه ال( :ولو شهد بقلبه صفة واحدة من أوصاف كماله لستدعت
منه المحبة التامة عليها ،وهل مع المحبين محبة إل من آثار صفات كماله فإنهم لم يروه
في هذه الدار ،وإنما وصل إليهم العلم بآثار صفاته وآثار صنعه فاستدلوا بما علموه على
ما غاب عنهم) [طريق الهجرتين وباب السعادتين ص 562-561:طبع قطر].
غرس اليمان بكتاب الله في النفوس:
إن هذا القرآن لم ينزل إل لهداييية البشيير وإقاميية الحجيية عليهييم ،قال تعالى :ألم ذلك
الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين[ البقرة ،]2-1 :وقال تعالى{ :إن هذا القرآن يهدي للتي
هييي أقوم} [السييراء ،]9 :وقال تعالى :وهييو الذي أرسييل رسييوله بالهدى ودييين الحييق
المشركون [الصف.]9 :
ليظهره على الدين كله ولو كره
فإذا ربيي النسيان على اليمان بأن هذا القرآن كلم ال وانيه ل اهتداء إل بيه فيي هذه
الحياة ،وأن ميا شرعيه ال فييه يجيب أن يطاع أمراً كان أو نهياً ،وأنيه ل يجوز أن يطاع
أحد في معصيته وأنه يجب أن يُتَعلم حلله وحرامه ،ويُطَبق في واقع الحياة أن النسان
إذا ربيي على ذلك فسييكون إنسياناً صيالحًا يحيب الخيير ويدعوا إلييه ويأمير بيه ،ويبغيض
الشيير ويحذر منييه وينهييى عنييه ،وميين ذلك المسييكرات والمخدرات التييي حذر ال تعالى
منها.
وإذا لم يرب المسييلم على ذلك فأي قانون قادر على قيادتييه بسييهولة ويسيير غييير هذا
القرآن؟
ل ميين أصييحاب لقييد كان لهذا القرآن أثره فييي نفوس الذييين أخذوه علماً وإيماناً وعم ً
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،وكانيت لهيم بذلك السيعادة والعزة والمين والسيتقرار
واليثار والمودة والخاء ،وهذه المعانيي هيي التيي ينشدهيا العالم اليوم ،لفقدهيا أو ضعفهيا
التيييي يكاد يكون كالفقيييد ،ول يمكييين أن تعود هذه المعانيييي إلى الرض إل إذا سيييلك
المسلمون مسلك سلفهم الصالح في تعلم كتاب ال واليمان به وتطبيقه في حياتهم.
قال ابين كثيير رحميه ال( :قال العميش :عين أبيي وائل عين ابين مسيعود رضيي ال
عنه ،قال :كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل
بهين ،وقال عبيد ال السيلمي :حدثنيا الذيين كانوا يقرؤننيا أنهيم كانوا يسيتقرؤن النيبي صيلى
ال عليه وسلم ،وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل،
فتعلمنيا القرآن والعميل جميعاً) [تفسيير القرآن العظييم ( )1/3وانظير الفتاوى لبين تيميية
رحمه ال (.])13/331
هكذا كان تأثييير القرآن على النفوس التييي آمنييت بييه ،كانوا يقفون عنييد آياتييه تلوة
وتفهمًا لمعانيها وتطبيقها لوامرها ونواهيها.
وسنة رسول ال صلى اله عليه وسلم وسيرته كالقرآن في التكليف ووجوب اليمان
بها ،فهي وحي مثله في ذلك ،والواجب اليمان بما صح منها والعمل بها كالقرآن ،لن
ال قد أمر بطاعة رسوله كما أمر بطاعته ،قال تعالى :قل أطيعوا ال وأطيعوا الرسول،
فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إل
المبين [النور.]54 :
البلغ
فإذا غرس اليمان بالكتاب والسييينة فيييي نفوس الناس تغيرت نفوسيييها مييين الجنوح
والفسوق إلى القبال إلى ال والطاعة.
وكان أصيحاب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لشدة إيمانهيم بهذا القرآن قال لهيم ال
منتهون [المائدة ،91 :تفسير القرآن العظيم ( ])2/92قالوا :انتهينا يا
عز وجل :فهل أنتم
رب ،وكان ذلك في أم الخبائث كلها وهي الخمر.
غرس اليمان باليوم الخر في النفوس:
إن علم النسان وإيمانه أنه سيموت فقط غير كاف في تربيته على فعل الخير وترك
الشير ،لنيه ل يوجيد عاقيل فيي الرض إل وهيو يعلم علم اليقيين أهين سييموت ،فل بيد
لتربيية النسيان على فعيل الخيير وتير الشير مين غرس اليمان باليوم الخير فيي نفسيه
وتعليمييه مييا يكون فيييه ميين أهوال وجزاء ،وإل فالذي ل يؤميين باليوم الخيير كلمييا ذكيير
الموت ازداد ضراوة وشراهية فيي التمتيع بالشهوات وازداد تمرده على القوانيين وحقوق
الناس ما لم يتيقن من وجود رادع له بالمرصاد.
ولهذا تجييد اليمان باليوم الخيير يقترن باليمان بال تعالى فييي الثبات ومييا يترتييب
عليه وفي النفي وما يترتب عليه في القرآن والسنة معاً.
كما قال تعالى :ومن الناس من يقول آمنا بال واليوم الخر وما هم بمؤمنين[ البقرة:
]8وقال تعالى :إن الذيين آمنوا والذيين هادوا والنصيارى والصيابئين مين آمين بال واليوم
يحزنون [البقرة]62 :
الخر وعمل صالحاً فلهم أجر عند ربهم ول خوف عليهم ول هم
وقال تعالى :وإذ قال إبراهييم رب اجعيل هذا البلد آمناً وارزق أهله مين الثمرات مين آمين
بال واليوم الخير قال فمين كفير فأُمتّعيه قليلً ثيم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصيير
[البقرة ]126 :وقال تعالى :ولكيين البر ميين آميين بال واليوم الخيير والملئكيية والكتاب
… [البقرة ]177 :وقال تعالى :ذلك يوعيظ بيه مين كان منكيم يؤمين بال واليوم والنيبيين
الخر [البقرة ]232 :وقال تعالى :ليسوا سواء ،من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات ال
آناء الليييل وهييم يسييجدون يؤمنون بال واليوم الخيير ويأمرون بالمعروف وينهميين عيين
المنكير ويسيارعون فيي الخيرات وأولئك مين الصيالحين[ آل عمران ]114-113 :وقال
تعالى :ييا أيهيا الذيين آمنوا أطيعوا ال والرسيول إن كنتيم تؤمنون بال واليوم الخير ذلك
خير وأحسن تأويلً[ النساء ]59 :وقال تعالى :إنما يعمر مساجد ال من آمن بال واليوم
الخير وأقام الصيلة وآتيى الزكاة ولم يخيش إل ال فعسيى أولئك أن يكونوا مين المهتديين
[التوبة.]18 :
وقال تعالى{ :قاتلوا الذيين ل يؤمنون بال ول باليوم الخير ول يحرمون ميا حرم ال
ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}
[التوبيية ،]29 :وقال تعالى :ل يسييتأذنك الذييين ل يؤمنون بال واليوم الخيير أن يجاهدوا
بأموالهيم وأنفسيهم وال علييم بالمتقيين إنميا يسيتأذنك الذيين ل يؤمنون بال واليوم الخير
وارتابيت قلوبهيم فهيم فيي ريبهيم يترددون[ التوبية ،]45-44 :وقال تعالى :وماذا عنهيم لو
آمنوا بال واليوم الخر وأنفقوا مما رزقكم اله وكان ال بهم عليم اً [النساء.]39 :
هذه اليات واضحية أنيه يترتيب على اليمان بال واليوم الخير العميل الصيالح فيي
الدنييا والجزاء الحسين فيي الخرة ،ومعنيى هذا أن الذي يغرس فيي نفسيه اليمان باليوم
الخر فيؤمن به حقاً ل يرتكب معصية ال تعالى خوفاً من عذابه في ذلك اليوم ،ويسارع
إلى طاعة ال طمعاً في ثوابه ورضاه في ذلك اليوم.
وقييد أجمييل ال سييبحانه وتعالى رحلة النسييان وأطوارهييا خاتماً بالبعييث بعييد الموت
فقال :ولقيد خلقنيا النسيان مين سيللة مين طيين ثيم جعلناه نطفية فيي قرار مكيين ،ثيم خلقنيا
النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة ،فخلقنا المضغة عظاماً ،فكسونا العظام لحماً ،ثم أنشأناه
خلقاً آخر فتبارك ال أحسن الخالقين ،ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون
[المؤمنون.]16-12 :
فالتذكيير باليوم الخير بميا فييه مين أهوال البعيث والحشير والجزاء مين أهيم ميا يوقيظ
الغافليين ،والذي يؤمين بذلك حيق اليمان ل بيد أن يطلب رضوان ال بفعيل أوامره وترك
نواهيه ،كما أنه ل بد أن يفر من سخطه كذلك ،ولهذا عني القرآن الكريم بذلك ،كما قال
تعالى :ياأيهييا الناس اتقوا ربكييم إن زلزلة السيياعة شيييء عظيييم يوم ترونهييا تذهييل كييل
مرضعيية عمييا أرضعييت وتضييع كييل ذات حمييل حملهييا وترى الناس سييكارى ومييا هييم
شدييد [الحيج ،]2-1:وقال تعالى :اقترب للناس حسيابهم وهيم بسيكارى ،ولكين عذاب ال
فيي غفلة معرضون ميا يأتيهيم مين ذكير مين ربهيم محدث إل اسيتمعوه وهيم يلعبون لهيية
قلوبهييم وأسييروا النجوى الذييين ظلموا هييل هذا إل بشيير مثلكييم أفتأتون السييحر وأنتييم
تبصرون [النبياء.]3-1 :
فالذي ل يؤمن بالخرة أو يغفل عنها ل يرجى منه خير ول إقلع عن الشر والفساد
في الرض.
قال المودودي رحميه ال( :فإنكار النسيان للحياة الخرة أو القرار بهيا له تأثيير فيي
حياته ،فإن الذي فطر عليه النسان أن يصبوا إلى عمل أو يعرض عنه إل على قدر ما
يرى فهييي لنفسييه فائدة أو ضرر ،فأنييى للذي ل يغدوا نظره فائدة هذه العاجلة وضررهييا
أن ينشيط لعميل صيالح ل يرجوا منيه فائدة فيي هذه الدنييا ،أو يجتنيب عملً سييئاً ل يخاف
منيه على نفسيه ضررًا فيي هذه الدنييا؟ أميا الذي ينفيذ بصيره إلى نتائج العمال ول يقيف
عند ظواهرها ،فل يرى نفع هذه العاجلة أو ضررها إل شيئًا عارضاً ،فيؤثر الحق على
الباطييل والخييير على الشيير ،نظرًا إلى فائدة الخرة أو مضرتهييا البدييية ولو كان الخييير
يعود إلى نفسه بأقدح ضرر والسيئة بأعظم منفعة في هذه الدنيا.
فانظر إلى ما بين هذين الرجلين من الفرق العظيم والبون الشاسع ،فالخير في نظر
الول ميا يحصيل نفعيه فيي هذه الحياة الفانيية … والشير عنده ميا ينتيج أو يخشيى أن ينتيج
شيئاً مكروهاً في هذه الدنيا … بينما الخير في نظر الرجل الثاني ما يرضي ال والشر
ميا يسيخطه ،وهيو يرى أن الخيير فيي كيل حال وإن لم ينفعيه فيي هذه الحياة الدنييا … وأن
الشير فيي كيل حال وإن لم يذق ،أو لم يخيف أن يذوق وباله فيي هذه الحياة الدنييا) [مبادئ
السلم ص.]117-115:
فإذا ميا أردنيا المين والسيعادة وانقياد الناس للخيير وابتعادهيم مين الشير ،ومين ذلك
تعاطيي المسيكرات والمخدرات فعلينيا أن نغرس فيي نفوسيهم اليمان بال وبكتابيه وباليوم
الخير ،وغيرهيا مين أصيول اليمان وفروعيه ،فإن اليمان يغيير النفوس مين شريرة إلى
خيرة ،ول يمكن لغير اليمان أن يغير تلك النفوس ذلك التغيير.