You are on page 1of 40

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫وقاية المجتمع‬
‫من تعاطي‬
‫المسكرات‬
‫والمخدرات‬
‫للدكتور ‪ /‬عبد الله قادري الهدل‬

‫حقوق الطبع والنشر محفوظة للكاتب‬


‫(يجوز القتباس والستشهاد بشرط النسبة إلى الكاتب)‬
‫المقدمة‬

‫إن الحمد ل نحمده ونستعينه ونعوذ بال من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده‬
‫ال فل مضييل له وميين يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهييد أن ل إله إل ال وحده ل شريييك له‬
‫وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ‪.‬‬
‫‪‬ييا أيهيا الذيين آمنوا اتقوا ال حيق تقاتيه ول تموتين إل وأنتيم مسيلمون‪[ ‬آل عمران‪:‬‬
‫‪]102‬‬
‫‪ ‬يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما‬
‫رجالً كثيراً ونسييياء‪ ،‬واتقوا ال الذي تسييياءلون بيييه والرحام‪ ،‬إن ال كان عليكيييم رقيباً‬
‫[النساء‪.]1 :‬‬
‫‪‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وقولوا قولً سديداً‪ ،‬يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم‬
‫ومن يطع ال ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً‪[ ‬الحزاب‪.]71-70 :‬‬
‫أما بعد فإن المسلم ل يشك في أن تطبيق منهج ال في الرض‪ ،‬كما أراد ال‪ ،‬يحقق‬
‫لمن طبقه السعادة والرضا والطمئنان في الدنيا‪ ،‬وينيله رضا ال وثوابه والفوز بنعيمه‬
‫المقيم في الخرة‪ ،‬وفي البعد عن تطبيق منهجه الشقاء في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ويقين المؤمن بهذا يدل عليه أمران‪:‬‬
‫المير الول‪ :‬قول ال الذي ل يأتييه الباطيل مين بيين يدييه ول مين خلفيه‪ ،‬فقوله صيدق‬
‫ووعده حق‪ ،‬وقد قال تعالى‪ :‬قال اهبطا منها جميعًا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني‬
‫هدى فل يضيل ول يشقيى‪ ،‬ومين أعرض عين ذكري فإن له معيشية ضنكيا ونحشرهيم يوم‬
‫القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً‪ ،‬قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها‬
‫وكذلك اليوم تنسيى وكذلك نجزي مين أسيرف ولم يؤمين بآيات ربيه ولعذاب الخرة أشيد‬
‫وأبقى [طه‪.]127-123 :‬‬ ‫‪‬‬
‫المر الثاني‪ :‬الواقع التاريخي الذي دل على ما دل عليه كتاب ال فإنه ما طبق منهج‬
‫ال أميية إل كانييت عزيزة الجانييب سييعيدة الحياة سييليمة ميين القلق والضطراب ول فقييد‬
‫تطيبيق ذلك المنهيج فيي أمية إل أذلهيا ال وأنزل بهيا مين المصيائب والويلت ميا يقلقهيا‬
‫وينغص حياتهيا وإن بلغت ما بلغت من الغنى والتمتيع المادي بأنواع المتيع وها هي أميم‬
‫الرض الن تذوق وبال أمر بعدها عن ال‪.‬‬
‫ومييا مؤتمرنييا هذا [المؤتميير العالمييي الثانييي لمكافحيية المسييكرات والمخدرات الذي‬
‫انعقد في مدينة إسلم أباد في جمهورية باكستان السلمية في ‪ 27‬شوال سنة ‪1409‬هي‬
‫وافتتحه رئيس الجمهورية وقد أعد هذا البحث للمشاركة فيه وقدم المؤلف خلصة له في‬
‫المؤتميير] إل أحييد الدلة على مرض واحييد ميين المراض الفتاكيية التييي شملت الرض‬
‫عامة‪ ،‬وشعوب المسلمين خاصة وقد عجزت عن مقاومته والوقاية منه وعلجه أجهزة‬
‫الدول العالميية‪ :‬كبراهيا وصيغراها‪ ،‬فضلً عين المراض الخرى التيي يصيعب حصيرها‬
‫وحصر مؤتمراتها وندواتها والجهود المبذولة لمقاومتها‪.‬‬
‫واعتراف المرييض بمرضيه واهتماميه بيه خطوة طيبية فيي سيبيل علجيه‪ ،‬وعلييه أن‬
‫يفكر في أسباب وجود هذا المرض فقد يكون أهم أسبابه تقصيره في الوقاية منه فيجيب‬
‫أن يتلفى ذلك التقصير‪ ،‬وهو إذ يبحث عن علج له عليه أن يعرض نفسه على الطبيب‬
‫المختييص الذي عنده المقدرة على تشخيييص الدواء ووصييف الدواء فإذا تمكيين ميين ذلك‬
‫فيجب أن يتناول الدواء الذي وصفه له ذلك الطبيب‪.‬‬
‫وها نحن نعترف بالمرض وهو تعاطي المسكرات والمخدرات ونبحث عن الطبيب‬
‫الذي يشخص الداء ويصف الدواء ولعلنا نعترف هنا جميعاً أن طبيبنا هو شرع ال الذي‬
‫لم يغادر صيغيرة ول كيبيرة مميا يحتاج الناس فييه إلى هدايية إل بينهيا وجلهيا كميا أنيه لم‬
‫يغادر صغيرة ول كبيرة من أسباب الفساد في الرض إل حذر منها وعراها‪ ،‬وإذا كانت‬
‫هذه أو تلك قد تخفي على من بعد عن التفقه في هذا الدين‪ ،‬فإنها غير خافية على فقهائها‪،‬‬
‫ولكل مجال رجال‪.‬‬
‫هذا وقييد اخترت الكتابيية فييي هذا الموضوع – وهييو وقاييية المجتمييع ميين تعاطييي‬
‫المسيكرات والمخدرات – لن الصيل هيو الوقايية مين المرض‪ ،‬كميا أن الوقايية قيد تكون‬
‫العلج الحاسم للمرض بعد وقوعه‪.‬‬
‫وهذا البحيث مين هذا القبييل‪ ،‬إذا طبيق ميا تضمنيه فإنيه وقايية وعلج‪ ،‬وقايية للمرييض‬
‫وغيره‪ ،‬وعلج للمريض وما يكون وقاية وعلجاً خير مما يكون علجاً فقط‪.‬‬
‫هذا وقد اشتمل على سبعة فصول‪:‬‬
‫الفصيل الول‪ :‬غرس اليمان فيي النفوس‪ ،‬وتربيية المجتميع على تطيبيق السيلم فيي‬
‫الحياة‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الهتمام بتربية السرة‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬وجوب السعي لتحقيق الهداف العليا التي تحيا بها الشعوب‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬صرف الشباب إلى ميادين التزكية والجهاد‪.‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬إقامة قاعدة المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬جعل منهاج التعليم والعلم محققة لمقاصد السلم‪.‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬الحكم بما أنزل ال‪.‬‬
‫وإني لرجو أن يكون هذا البحث نافعًا للوقاية من كل المراض الوبيئة التي تفشت‬
‫في مجتمعاتنا السلمية وفي غيرها‪.‬‬
‫وإذا كانييت التجربيية كمييا يقال خييير برهان فليجرب ميين يريييد للشعوب السييلمية‬
‫السعادة والنجاة من كل شر تطبيق ما تضمنه هذا البحث‪.‬‬
‫وما توفيقي إل بال عليه توكلت‪ ،‬وهو حسبي ونعم الوكيل‪.‬‬
‫الفصل الول‬
‫غرس اليمان فططي النفوسططوتربية المجتمططع على تطططبيق‬
‫السلم في الحياة‪.‬‬
‫وفي هذا الفصل مبحثان‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬غرس اليمان في النفوس‪.‬‬
‫تمهيد في بيان معنى اليمان‪:‬‬
‫اليمان فيي اللغية‪ :‬التصيديق [ينازع بعيض العلماء فيي أن المراد باليمان فيي اللغية‬
‫التصييديق ولكيين المقام ل يتسييع لمناقشيية ذلك‪ ،‬راجييع الفتاوى لبيين تيمييية (‪،])7/123‬‬
‫ويتعدى باللم كقوله تعالى‪ :‬وميا أنيت بمؤمين لنيا ولو كنيا صيادقين‪[ ‬يوسيف‪ ]17 :‬أي وميا‬
‫أنت بمصدق لنا‪.‬‬
‫وأمييا اليمان فييي الشرع فالراجييح أنييه‪( :‬تصييديق بالقلب وقول باللسييان‪ ،‬وعمييل‬
‫بالجوارح) فإذا أطلق شمل ذلك كله‪.‬‬
‫فالمراد باليمان ميا عناه ال تعالى فيي القرآن الكرييم والسينة وفهميه أصيحاب رسيول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم ومين تبعهيم مين السيلف الصيالح وهيو التصيديق الجازم بكيل ميا‬
‫أخيبر ال بيه مين الغييب‪ ،‬وهيو يشميل أصيول اليمان السيتة‪ :‬اليمان بال وملئكتيه وكتبيه‬
‫ورسله واليوم الخر والقدر‪ ،‬وما تفرع عنها مما ورد به الكتاب والسنة الصحيحة وليس‬
‫المراد باليمان مجرد مييا تعرف عليييه أهييل الديان المنحرفيية الذي مضمونييه علقيية‬
‫شخصية بين النسان وربه ل شأن له بنشاطه في الحياة‪.‬‬
‫فإن هذا لييس هيو اليمان الذي جاء بيه القرآن‪ ،‬إذ اليمان الذي نزل بيه ل ينفيك عنيه‬
‫العميل الصيالح المبنيي على العلم النافيع‪ ،‬كميا قال تعالى‪ :‬إنميا المؤمنون الذيين آمنوا بال‬
‫ورسييوله ثييم لم يرتابوا وجاهدا بأموالهييم وأنفسييهم فييي سييبيل ال أولئك هييم الصييادقون‬
‫[الحجرات‪.]15 :‬‬
‫هذا ولسييت أريييد أن أطيييل هنييا الكلم على أصييول اليمان السييتة كلهييا‪ ،‬فضلً عمييا‬
‫يتفرع منهيا‪ ،‬وإنميا أرييد أن أضرب أمثلة فقيط يتضيح بهيا أن غرس اليمان فيي النفوس‬
‫هييو أعظييم واق ميين أمراض المعاصييي‪ ،‬ومنهييا تعاطييي المسييكرات والمخدرات‪ ،‬وهذه‬
‫المثلة تتعلق باليمان بال‪ ،‬واليمان بكتاب ال الذي هو القرآن‪ ،‬واليمان باليوم الخر‪.‬‬
‫اليمان بالله‪:‬‬
‫ولسيت أيضاً بمطييل فيي الكلم عين اليمان بال بذكير كيل ميا يتعلق بذاتيه تعالى مين‬
‫كونه خالقاً وربًا وإلهاً‪ ،‬وإنما أضرب لذلك مثالين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬يتعلق بعلمه الشامل المحيط بكل شيء‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬يتعلق بقدرته التامة على كل شيء‪.‬‬
‫غرس اليمان بعلم ال المحييط بكيل شييء وأثره فيي الوقايية مين إرتكاب المعاصيي‬
‫وبخلصة المسكرات والمخدرات‪.‬‬
‫لقد كثر في القرآن الكريم ذكر علم ال المحيط بكل شيء بأساليب شتى‪ ،‬والمقصود‬
‫منهيا إشعار النسيان بأن أعماله ل تخفيى على الخالق‪ ،‬وأنهيا محفوظية مكتوبية محاسيب‬
‫عليهيا صياحبها‪ ،‬كميا قال تعالى فيي أهيل الكتاب الذيين حذر بعضهيم بعضاً مين العتراف‬
‫بميا فيي كتبهيم مميا يوافيق القرآن الكرييم ويؤييد صيحة رسيالة محميد صيلى ال علييه وسيلم‬
‫لئل يكون اعترافهم بذلك حجة للمسلمين عند ال‪ ،‬قال تعالى عنهم‪ :‬وإذا لقوا الذيين آمنوا‬
‫قالوا آمنيا وإذا خل بعضهيم إلى بعيض قالوا أتحدثونهيم بميا فتيح ال عليكيم ليحاجوكيم بيه‬
‫عنييد ربكييم أفل تعقلون‪ ،‬أَوَل يعلمون أن ال يعلم مييا يسييرون ومييا يعلنون‪[ ‬البقرة‪-76 :‬‬
‫‪.]77‬‬
‫السماء [آل عمران‪.]5 :‬‬
‫‪‬‬ ‫وقال تعالى‪ :‬إن ال ل يخفى عليه شيء في الرض ول في‬
‫وقال تعالى‪  :‬قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه ال ويعلم ما في السماوات‬
‫وما في الرض وال على كل شيء قدير‪ ،‬يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً‪،‬‬
‫ومييا عملت ميين سييوء تود لو أن بينهييا وبينييه أمداً بعيداً ويحذركييم ال نفسييه واله رؤوف‬
‫بالعباد [آل عمران‪.]30-29 :‬‬
‫‪‬‬
‫تأمل هاتين اليتين الخيرتين‪ :‬هل تجد شيئاً يمكن إخفاؤه على ال الذي أحاط علمه‬
‫بما في السماوات وما في الرض‪ ،‬وما يخطر للمرء في صدره‪ ،‬وهل يقدر النسان أن‬
‫ينكر شيئاً مما عمل في الدنيا عندما يلقي ال فيجد عنده كل عمل خير أو سوء؟‪.‬‬
‫إن النسان ليقدر أن يحتال على الناس وعلى كل الوسائل التجسسية في الدنيا ويفلت‬
‫منهييا‪ ،‬وكذلك يقدر أن يحتال على القضاء والقوانييين‪ ،‬وعلى المحامييين وأسيياليبهم وعلى‬
‫الشرطيية ووسييائلهم وسييجونهم ويخرج ميين عندهييم جميعاً بريئاً‪ ،‬وهييو فييي الواقييع غييير‬
‫برييء‪ ،‬ولكنيه ل يقدر على ذلك بالنسيبة للخالق‪ ،‬كميا قال تعالى‪ :‬إنيا أنزلنيا إلييك الكتاب‬
‫بالحق لتحكم بين الناس بما أراك ال ول تكن للخائنين خصيماً‪ ،‬واستغفر ال إن ال كان‬
‫غفورًا رحيماً‪ ،‬ول تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن ال ل يحب من كان خواناً أثيماً‪،‬‬
‫يسيتخفون مين الناس ول يسيتخفون مين ال وهيو معهيم إذ ييبيتون ميا ل يرضيى مين القول‬
‫وكان ال بميا يعملون محيطاً‪ ،‬هيا أنتيم هؤلء جادلتيم عنيه فيي الحياة الدنييا فمين يجادل ال‬
‫عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلً‪ ،‬ومن يعمل سواءً أو يظلم نفسه ثم يستغفر ال‬
‫يجيد ال غفورًا رحيماً‪ ،‬ومين يكسيب إثماً فإنميا يكسيبه على نفسيه وكان ال عليمًا حكيماً‪،‬‬
‫ومين يكسيب خطيئة أو إثماً ثيم يرم بيه بريئًا فقيد احتميل بهتانًا وإثماً ميبيناً‪[ ‬النسياء‪-105 :‬‬
‫‪.]112‬‬
‫قل لي بربك لو أن مريد مخالفة القانون في أي بلد يعلم أن آلة التصوير مسلطة عليه‬
‫في منزله وفي سيارته وفي الشارع وفي بيت الخلء وفي أي مكان تحرك أو سكن فيه‪،‬‬
‫وأن صييورته تظهيير على حقيقتهييا على مرآة التلفاز أمام مراقييبين يتابعونييه هييل تراه‬
‫يسيتطيع أن يخالف القانون ويفعيل ميا سييعاقب علييه مين قبيل السيلطة القادرة على القبيض‬
‫عليه وعلى معاقبته؟‪.‬‬
‫فكييف إذا علم العبيد وآمين أن ال محييط بيه يعلم كيل حركاتيه وسيكناته وخطرات قلبيه‬
‫في كل لحظة من لحظات حياته؟‬
‫فلو أن النسيان يربيى على العلم بهذه الصيفة اللهيية واليمان بهيا وميا يترتيب على‬
‫ذلك مين صيغره فنشيأ على ذلك لميا كان يجترئ أغلب مين رُبّيي على ذلك على ارتكاب‬
‫المعاصيي والعتداء على الحقوق سيوا ًء كانيت حقوق ال أو حقوق عباده ولكان المؤمين‬
‫بهذه الصيفة يحقيق الحسيان الذي قال فييه الرسيول صيلى ال علييه وسيلم‪(( :‬الحسيان أن‬
‫تعبد ال كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) [مسلم (‪.])37-1/36‬‬
‫وقال السيتاذ أبيو العلى المودودي رحميه ال فيي هذا المعنيى‪( :‬وأهيم شييء وأجدره‬
‫فيي هذا الصيدد أن اليمان بل إله إل ال يجعيل النسيان مقيداً بقانون ال ومحافظاً علييه‪،‬‬
‫فإن المؤمين يكون على يقيين بسيبب اعتقاده بهذه الكلمية أن ال خيبير بكيل شييء‪ ،‬وهيو‬
‫أقرب إلييه مين حبيل الورييد‪ ،‬وأنيه إن أتيى بعميل فيي ظلمية اللييل‪ ،‬أو حالة الوحدة فإن ال‬
‫يعلمه‪ ،‬وأنه إن خطر بباله شيء جميل فإن علم ال محيط به‪ ،‬وأنه إن كان من الممكن له‬
‫أن يخفي أعماله على كل واحد في الدنيا فإنه ل يستطيع إخفاءها على ال عز وجل‪ ،‬وإن‬
‫كان يستطيع أن يفلت من بطش أي كان فإنه ل يستطيع أن يفلت من ال عز وجل‪.‬‬
‫فعلى قدر ما يكون هذا اليمان راسخاً في ذهن النسان يكون متبعاً لحكام ال قائماً‬
‫عند حدوده‪ ،‬ل يجرؤ على اقتراف ما حرم ال ويسارع إلى الخيرات والعمل بما أمر ال‬
‫ولو فيي ظلمية اللييل أو حالة الوحدة والخلوة‪ ،‬فإن معيه شرطية ل تفارقيه حيناً مين أحيانيه‪،‬‬
‫وهييو يتمثييل دائماً أمام عينيييه تلك المحكميية العليييا التييي ل يكاد النسييان ينفييذ ميين دائرة‬
‫حسابها) [مبادئ السلم ص ‪ 98‬طبع التحاد السلمي للمنظمات الطلبية]‪.‬‬
‫فإذا فقيد النسيان العلم واليمان بهذا المعنيى فإنيه سييرتكب كيل ميا يهواه عندميا يشعير‬
‫أنه ل يعلم به القادر على تأديبه وسيكون الموظف المسئول عن متابعة المجرمين مجرد‬
‫ما يتعاطى هو بنفسه المسكرات والمخدرات أو يخفي جرائم المتاجرين في ذلك والذين‬
‫يتعاطونه إذا نال منهم فائدة مادية‪ ،‬وهذا أمر يعرفه أهله أما من علم هذا المعنى وآمن به‬
‫فأمانته يعرفها ذوو الخبرة في هذه المور‪.‬‬
‫غرس اليمان بقدرة الله التامة على كل شيء‪:‬‬
‫إن المجرم إذا علم أن أحداً يعلم جريمتييييه إذا ارتكبهييييا‪ ،‬ولكنييييه يعلم أن هذا العالم‬
‫بجريمتيه عاجيز عين متابعتيه وعقابيه فإنيه يسيتطيع أن يرتكيب تلك الجريمية وينجوا مين‬
‫عقاب ذلك العالم بجريمتييه ولو كان يبغضهييا غاييية البعييض‪ ،‬لكنييه إذا اجتمييع عنده العلم‬
‫واليمان أن أحداً يعلم بميا يرتكبيه مين معصيية ويقدر على متابعتيه ومحاسيبته وعقابيه ل‬
‫يقدر أبداً على الفلت منه فإنه ل يقدم على ارتكاب المعصية التي يعلمها ويعاقبه عليها‪.‬‬
‫ولهذا جميع ال سيبحانه بيين علميه المحييط بكيل شييء‪ ،‬وقدرتيه التامية على كيل شييء‬
‫في قوله تعالى‪  :‬قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه ال ويعلم ما في السماوات‬
‫قدير [آل عمران‪.]29 :‬‬ ‫‪‬‬ ‫وما في الرض وال على كل شيء‬
‫وقال تعالى‪ :‬أولم يسيييروا فييي الرض فينظروا كيييف كان عاقبيية الذييين ميين قبلهييم‪،‬‬
‫كانوا أشد منهم قوة وما كان ال ليعجزه من شيء في السماوات ول في الرض إنه كان‬
‫عليماً قديراً‪[ ‬فاطر‪.]44 :‬‬
‫فمن أراد أن يوجد من يجتنب ما يضره ويضر مجتمعه من الجرائم‪ ،‬بل من أراد أن‬
‫يكون الشعيب كله حارسياً على مصيالحه فيي السير والعلن فليرب مين أراد منيه ذلك على‬
‫العلم واليمان بقدرة ال التامة على كل شيء مع إحاطته تعالى علماً بكل شيء‪.‬‬
‫ولعل هذا يبين حكمة أمر ال تعالى عباده أن يعبدوه بأسمائه الحسنى التي تمل القلب‬
‫المؤمن حباً ل وخوفاً ورهبة منه فيقدم على ما يحب ويبتعد عما يكره‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫بها [العراف‪.]180 :‬‬ ‫ول السماء الحسنى فادعوه ‪‬‬
‫لن كيل اسيم مين أسيمائه تعالى يحميل مين المعانيي ميا لو فقهيه المؤمين وثبيت فيي قلبيه‬
‫لزداد تقربًا إلى ال بطاعتييه بأداء حقوقييه وحقوق عباده‪ ،‬وترك معصيييته بعدم العتداء‬
‫على حقوقه وحقوق عباده‪.‬‬
‫ولهذا كان المكثير مين حفيظ أسيماء ال الحسينى المتعبيد بهيا جديراً بوعيد ال أن يدخله‬
‫الجنة‪ ،‬كما قال الرسول صلى ال عليه وسلم‪(( :‬إن ل تسعة وتسعين اسماً من أحصاها‬
‫دخيل الجنية)) [البخاري (‪ )3/185‬ومسيلم ( ‪ )4/2062‬وفيي مسيلم زيادة فيي روايية‪( :‬مين‬
‫حفظها)]‪.‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه ال‪( :‬ولو شهد بقلبه صفة واحدة من أوصاف كماله لستدعت‬
‫منه المحبة التامة عليها‪ ،‬وهل مع المحبين محبة إل من آثار صفات كماله فإنهم لم يروه‬
‫في هذه الدار‪ ،‬وإنما وصل إليهم العلم بآثار صفاته وآثار صنعه فاستدلوا بما علموه على‬
‫ما غاب عنهم) [طريق الهجرتين وباب السعادتين ص‪ 562-561:‬طبع قطر]‪.‬‬
‫غرس اليمان بكتاب الله في النفوس‪:‬‬
‫إن هذا القرآن لم ينزل إل لهداييية البشيير وإقاميية الحجيية عليهييم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ألم ذلك‬
‫الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين‪[ ‬البقرة‪ ،]2-1 :‬وقال تعالى‪{ :‬إن هذا القرآن يهدي للتي‬
‫هييي أقوم} [السييراء‪ ،]9 :‬وقال تعالى‪ :‬وهييو الذي أرسييل رسييوله بالهدى ودييين الحييق‬
‫المشركون [الصف‪.]9 :‬‬
‫‪‬‬ ‫ليظهره على الدين كله ولو كره‬
‫فإذا ربيي النسيان على اليمان بأن هذا القرآن كلم ال وانيه ل اهتداء إل بيه فيي هذه‬
‫الحياة‪ ،‬وأن ميا شرعيه ال فييه يجيب أن يطاع أمراً كان أو نهياً‪ ،‬وأنيه ل يجوز أن يطاع‬
‫أحد في معصيته وأنه يجب أن يُتَعلم حلله وحرامه‪ ،‬ويُطَبق في واقع الحياة أن النسان‬
‫إذا ربيي على ذلك فسييكون إنسياناً صيالحًا يحيب الخيير ويدعوا إلييه ويأمير بيه‪ ،‬ويبغيض‬
‫الشيير ويحذر منييه وينهييى عنييه‪ ،‬وميين ذلك المسييكرات والمخدرات التييي حذر ال تعالى‬
‫منها‪.‬‬
‫وإذا لم يرب المسييلم على ذلك فأي قانون قادر على قيادتييه بسييهولة ويسيير غييير هذا‬
‫القرآن؟‬
‫ل ميين أصييحاب‬ ‫لقييد كان لهذا القرآن أثره فييي نفوس الذييين أخذوه علماً وإيماناً وعم ً‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وكانيت لهيم بذلك السيعادة والعزة والمين والسيتقرار‬
‫واليثار والمودة والخاء‪ ،‬وهذه المعانيي هيي التيي ينشدهيا العالم اليوم‪ ،‬لفقدهيا أو ضعفهيا‬
‫التيييي يكاد يكون كالفقيييد‪ ،‬ول يمكييين أن تعود هذه المعانيييي إلى الرض إل إذا سيييلك‬
‫المسلمون مسلك سلفهم الصالح في تعلم كتاب ال واليمان به وتطبيقه في حياتهم‪.‬‬
‫قال ابين كثيير رحميه ال‪( :‬قال العميش‪ :‬عين أبيي وائل عين ابين مسيعود رضيي ال‬
‫عنه‪ ،‬قال‪ :‬كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل‬
‫بهين‪ ،‬وقال عبيد ال السيلمي‪ :‬حدثنيا الذيين كانوا يقرؤننيا أنهيم كانوا يسيتقرؤن النيبي صيلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل‪،‬‬
‫فتعلمنيا القرآن والعميل جميعاً) [تفسيير القرآن العظييم (‪ )1/3‬وانظير الفتاوى لبين تيميية‬
‫رحمه ال (‪.])13/331‬‬
‫هكذا كان تأثييير القرآن على النفوس التييي آمنييت بييه‪ ،‬كانوا يقفون عنييد آياتييه تلوة‬
‫وتفهمًا لمعانيها وتطبيقها لوامرها ونواهيها‪.‬‬
‫وسنة رسول ال صلى اله عليه وسلم وسيرته كالقرآن في التكليف ووجوب اليمان‬
‫بها‪ ،‬فهي وحي مثله في ذلك‪ ،‬والواجب اليمان بما صح منها والعمل بها كالقرآن‪ ،‬لن‬
‫ال قد أمر بطاعة رسوله كما أمر بطاعته‪ ،‬قال تعالى‪  :‬قل أطيعوا ال وأطيعوا الرسول‪،‬‬
‫فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إل‬
‫المبين [النور‪.]54 :‬‬
‫‪‬‬ ‫البلغ‬
‫فإذا غرس اليمان بالكتاب والسييينة فيييي نفوس الناس تغيرت نفوسيييها مييين الجنوح‬
‫والفسوق إلى القبال إلى ال والطاعة‪.‬‬
‫وكان أصيحاب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لشدة إيمانهيم بهذا القرآن قال لهيم ال‬
‫منتهون [المائدة‪ ،91 :‬تفسير القرآن العظيم (‪ ])2/92‬قالوا‪ :‬انتهينا يا‬
‫‪‬‬ ‫عز وجل‪ :‬فهل أنتم‬
‫رب‪ ،‬وكان ذلك في أم الخبائث كلها وهي الخمر‪.‬‬
‫غرس اليمان باليوم الخر في النفوس‪:‬‬
‫إن علم النسان وإيمانه أنه سيموت فقط غير كاف في تربيته على فعل الخير وترك‬
‫الشير‪ ،‬لنيه ل يوجيد عاقيل فيي الرض إل وهيو يعلم علم اليقيين أهين سييموت‪ ،‬فل بيد‬
‫لتربيية النسيان على فعيل الخيير وتير الشير مين غرس اليمان باليوم الخير فيي نفسيه‬
‫وتعليمييه مييا يكون فيييه ميين أهوال وجزاء‪ ،‬وإل فالذي ل يؤميين باليوم الخيير كلمييا ذكيير‬
‫الموت ازداد ضراوة وشراهية فيي التمتيع بالشهوات وازداد تمرده على القوانيين وحقوق‬
‫الناس ما لم يتيقن من وجود رادع له بالمرصاد‪.‬‬
‫ولهذا تجييد اليمان باليوم الخيير يقترن باليمان بال تعالى فييي الثبات ومييا يترتييب‬
‫عليه وفي النفي وما يترتب عليه في القرآن والسنة معاً‪.‬‬
‫كما قال تعالى‪ :‬ومن الناس من يقول آمنا بال واليوم الخر وما هم بمؤمنين‪[ ‬البقرة‪:‬‬
‫‪ ]8‬وقال تعالى‪ :‬إن الذيين آمنوا والذيين هادوا والنصيارى والصيابئين مين آمين بال واليوم‬
‫يحزنون [البقرة‪]62 :‬‬
‫‪‬‬ ‫الخر وعمل صالحاً فلهم أجر عند ربهم ول خوف عليهم ول هم‬
‫وقال تعالى‪ :‬وإذ قال إبراهييم رب اجعيل هذا البلد آمناً وارزق أهله مين الثمرات مين آمين‬
‫بال واليوم الخير قال فمين كفير فأُمتّعيه قليلً ثيم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصيير‪‬‬
‫[البقرة‪ ]126 :‬وقال تعالى‪ :‬ولكيين البر ميين آميين بال واليوم الخيير والملئكيية والكتاب‬
‫… [البقرة‪ ]177 :‬وقال تعالى‪ :‬ذلك يوعيظ بيه مين كان منكيم يؤمين بال واليوم‬ ‫والنيبيين ‪‬‬
‫الخر [البقرة‪ ]232 :‬وقال تعالى‪ :‬ليسوا سواء‪ ،‬من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات ال‬ ‫‪‬‬
‫آناء الليييل وهييم يسييجدون يؤمنون بال واليوم الخيير ويأمرون بالمعروف وينهميين عيين‬
‫المنكير ويسيارعون فيي الخيرات وأولئك مين الصيالحين‪[ ‬آل عمران‪ ]114-113 :‬وقال‬
‫تعالى‪ :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا أطيعوا ال والرسيول إن كنتيم تؤمنون بال واليوم الخير ذلك‬
‫خير وأحسن تأويلً‪[ ‬النساء‪ ]59 :‬وقال تعالى‪ :‬إنما يعمر مساجد ال من آمن بال واليوم‬
‫الخير وأقام الصيلة وآتيى الزكاة ولم يخيش إل ال فعسيى أولئك أن يكونوا مين المهتديين‪‬‬
‫[التوبة‪.]18 :‬‬
‫وقال تعالى‪{ :‬قاتلوا الذيين ل يؤمنون بال ول باليوم الخير ول يحرمون ميا حرم ال‬
‫ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}‬
‫[التوبيية‪ ،]29 :‬وقال تعالى‪ :‬ل يسييتأذنك الذييين ل يؤمنون بال واليوم الخيير أن يجاهدوا‬
‫بأموالهيم وأنفسيهم وال علييم بالمتقيين إنميا يسيتأذنك الذيين ل يؤمنون بال واليوم الخير‬
‫وارتابيت قلوبهيم فهيم فيي ريبهيم يترددون‪[ ‬التوبية‪ ،]45-44 :‬وقال تعالى‪ :‬وماذا عنهيم لو‬
‫آمنوا بال واليوم الخر وأنفقوا مما رزقكم اله وكان ال بهم عليم ‪‬اً [النساء‪.]39 :‬‬
‫هذه اليات واضحية أنيه يترتيب على اليمان بال واليوم الخير العميل الصيالح فيي‬
‫الدنييا والجزاء الحسين فيي الخرة‪ ،‬ومعنيى هذا أن الذي يغرس فيي نفسيه اليمان باليوم‬
‫الخر فيؤمن به حقاً ل يرتكب معصية ال تعالى خوفاً من عذابه في ذلك اليوم‪ ،‬ويسارع‬
‫إلى طاعة ال طمعاً في ثوابه ورضاه في ذلك اليوم‪.‬‬
‫وقييد أجمييل ال سييبحانه وتعالى رحلة النسييان وأطوارهييا خاتماً بالبعييث بعييد الموت‬
‫فقال‪ :‬ولقيد خلقنيا النسيان مين سيللة مين طيين ثيم جعلناه نطفية فيي قرار مكيين‪ ،‬ثيم خلقنيا‬
‫النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة‪ ،‬فخلقنا المضغة عظاماً‪ ،‬فكسونا العظام لحماً‪ ،‬ثم أنشأناه‬
‫خلقاً آخر فتبارك ال أحسن الخالقين‪ ،‬ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون‪‬‬
‫[المؤمنون‪.]16-12 :‬‬
‫فالتذكيير باليوم الخير بميا فييه مين أهوال البعيث والحشير والجزاء مين أهيم ميا يوقيظ‬
‫الغافليين‪ ،‬والذي يؤمين بذلك حيق اليمان ل بيد أن يطلب رضوان ال بفعيل أوامره وترك‬
‫نواهيه‪ ،‬كما أنه ل بد أن يفر من سخطه كذلك‪ ،‬ولهذا عني القرآن الكريم بذلك‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪ :‬ياأيهييا الناس اتقوا ربكييم إن زلزلة السيياعة شيييء عظيييم يوم ترونهييا تذهييل كييل‬
‫مرضعيية عمييا أرضعييت وتضييع كييل ذات حمييل حملهييا وترى الناس سييكارى ومييا هييم‬
‫شدييد [الحيج‪ ،]2-1:‬وقال تعالى‪ :‬اقترب للناس حسيابهم وهيم‬ ‫‪‬‬ ‫بسيكارى‪ ،‬ولكين عذاب ال‬
‫فيي غفلة معرضون ميا يأتيهيم مين ذكير مين ربهيم محدث إل اسيتمعوه وهيم يلعبون لهيية‬
‫قلوبهييم وأسييروا النجوى الذييين ظلموا هييل هذا إل بشيير مثلكييم أفتأتون السييحر وأنتييم‬
‫تبصرون [النبياء‪.]3-1 :‬‬
‫‪‬‬
‫فالذي ل يؤمن بالخرة أو يغفل عنها ل يرجى منه خير ول إقلع عن الشر والفساد‬
‫في الرض‪.‬‬
‫قال المودودي رحميه ال‪( :‬فإنكار النسيان للحياة الخرة أو القرار بهيا له تأثيير فيي‬
‫حياته‪ ،‬فإن الذي فطر عليه النسان أن يصبوا إلى عمل أو يعرض عنه إل على قدر ما‬
‫يرى فهييي لنفسييه فائدة أو ضرر‪ ،‬فأنييى للذي ل يغدوا نظره فائدة هذه العاجلة وضررهييا‬
‫أن ينشيط لعميل صيالح ل يرجوا منيه فائدة فيي هذه الدنييا‪ ،‬أو يجتنيب عملً سييئاً ل يخاف‬
‫منيه على نفسيه ضررًا فيي هذه الدنييا؟ أميا الذي ينفيذ بصيره إلى نتائج العمال ول يقيف‬
‫عند ظواهرها‪ ،‬فل يرى نفع هذه العاجلة أو ضررها إل شيئًا عارضاً‪ ،‬فيؤثر الحق على‬
‫الباطييل والخييير على الشيير‪ ،‬نظرًا إلى فائدة الخرة أو مضرتهييا البدييية ولو كان الخييير‬
‫يعود إلى نفسه بأقدح ضرر والسيئة بأعظم منفعة في هذه الدنيا‪.‬‬
‫فانظر إلى ما بين هذين الرجلين من الفرق العظيم والبون الشاسع‪ ،‬فالخير في نظر‬
‫الول ميا يحصيل نفعيه فيي هذه الحياة الفانيية … والشير عنده ميا ينتيج أو يخشيى أن ينتيج‬
‫شيئاً مكروهاً في هذه الدنيا … بينما الخير في نظر الرجل الثاني ما يرضي ال والشر‬
‫ميا يسيخطه‪ ،‬وهيو يرى أن الخيير فيي كيل حال وإن لم ينفعيه فيي هذه الحياة الدنييا … وأن‬
‫الشير فيي كيل حال وإن لم يذق‪ ،‬أو لم يخيف أن يذوق وباله فيي هذه الحياة الدنييا) [مبادئ‬
‫السلم ص‪.]117-115:‬‬
‫فإذا ميا أردنيا المين والسيعادة وانقياد الناس للخيير وابتعادهيم مين الشير‪ ،‬ومين ذلك‬
‫تعاطيي المسيكرات والمخدرات فعلينيا أن نغرس فيي نفوسيهم اليمان بال وبكتابيه وباليوم‬
‫الخير‪ ،‬وغيرهيا مين أصيول اليمان وفروعيه‪ ،‬فإن اليمان يغيير النفوس مين شريرة إلى‬
‫خيرة‪ ،‬ول يمكن لغير اليمان أن يغير تلك النفوس ذلك التغيير‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تربية المجتمع على تطبيق السلم‪.‬‬


‫إن اليمان الصادق ل بد أن يثمر العمل الصالح‪ ،‬والعمل الصالح هو أصول السلم‬
‫الخمسية وميا تفرع عنهيا‪ :‬الشهادتان وإقامية الصيلة وإيتاء الزكاة وصيوم رمضان وحيج‬
‫بييت ال الحرام وكلميا أوجيب ال على المسيلم عينًا أو كفايية وكذلك اجتناب ميا حرميه ال‬
‫تعالى علييه‪ ،‬بيل إن المؤمين الحيق هيو الذي يفعيل المندوبات ويترك المكروهات ويترك‬
‫المباحات التي يخشى أن تؤدي به إلى ما فيه بأس‪.‬‬
‫ويجيب أن يربيى المجتميع المسيلم على القيام بالعميل الصيالح مين فعيل واجيب أو ترك‬
‫محرم‪ ،‬كميا يسيتحب أن يربيى على فعيل المندوبات وترك المكروهات‪ ،‬وأن يكون العميل‬
‫الصيالح هذا هيو المسييطر على هذا المجتميع وأن يكون ولة أمور المسيلمين وهيم الحكام‬
‫والعلماء قدوة حسينة فييي ذلك للمجتمييع فإن تطيبيق معانييي السييلم فييي المجتمييع تجعييل‬
‫الخير فيه مألوفاً وتجعل الشر منكراً‪.‬‬
‫يشعير المجتميع المسيلم عندميا يطبيق فييه السيلم بالرتياح والطمأنينية لكيل عميل‬
‫مشروع ويحييب صيياحبه ويقدره‪ ،‬كمييا يشعيير هذا المجتمييع بالنفور ميين أي عمييل سيييء‬
‫ويبغيض صياحبه‪ ،‬فيظهير بذلك الخيير والخلق الحسين ويختفيي الشير والخلق السييء فل‬
‫يوجد في هذا المجتمع سوق نافقة للمعاصي والمنكرات فل زناً ول رباً ول قتل ول قتال‬
‫ول ظلم ول خمر ول مخدرات ول غيرها‪.‬‬
‫وهذا بخلف ميا إذا اختفيى تطيبيق السيلم أو ضعيف فإن المجتميع ل يغضيب لمنكير‬
‫ول يتأذى منه‪ ،‬بل إنه يستسيغه وقد يؤيده كثير من أفراده‪.‬‬
‫التطيبيق للسيلم يدفيع المجتميع المسيلم إلى التعاون على البر والتقوى‪ ،‬وعدم تطيبيقه‬
‫يدفيع إلى التعاون على الثيم والعدوان‪ ،‬أو على السيكوت عين الثيم والعدوان‪ ،‬والسيكوت‬
‫في النتيجة تعاون على الثم والعدوان‪.‬‬
‫وأرى أن أقتصر في هذا المبحث عل ما مضى‪ ،‬لنه سيأتي في الفصول والمباحث‬
‫التية ما يمكن أن يغني عن الطالة هنا في هذا الموضوع‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الهتمام بتربية السرة‬
‫السييرة هييي نواة المجتمييع فإذا حصييل اهتمام بتربييية أفرادهييا تربييية صييالحة صييار‬
‫المجتمع كله صالحاً‪ ،‬لن السرة تتكون من أفراد‪ ،‬والمجتمع يتكون من أسر‪.‬‬
‫المبحث الول‪ :‬يتعلق بالسرة نفسها‪.‬‬
‫وذلك بأن يجتهد أفراد هذه السرة بتربية أنفسهم وتربية بعضهم بعضاً على السلم‬
‫بأداء حقوق ال وحق بعضهم على بعض وأداء حقوق المجتمع وحق ال تعالى‪.‬‬
‫ويبدأ ذلك باختيار الزوج الصييالح الزوجيية الصييالحة‪ ،‬والزوجيية الصييالحة الزوج‬
‫الصالح‪ ،‬فإن صلح الزوجين هو أساس التربية الطيبة للسرة‪.‬‬
‫ثم قيام كل من الزوجين بواجبه المستطاع في تربية الولد على المعاني السلمية‬
‫وغرس حييب ال وحييب رسييوله وحييب الخييير فييي نفوسييهم وبغييض كييل مييا يبغضييه ال‬
‫ورسوله من المنكر والفسياد‪ ،‬حتيى ينشيأ الولد وهم ملتزمون برضيى ال مبتعدون عما‬
‫يسخطه فيكونوا أعضاء نافعين في المجتمع المسلم‪.‬‬
‫وتربييية السييرة على هذا المعانييي شاقيية تحتاج إلي جهييد متواصييل وصييبر طويييل‬
‫وتحتاج أن يجاهيد الخوان أنفسيهما أن يكونيا قدوة حسينة إذا أمير أولدهميا بخيير يفعلنيه‬
‫وإذا نهياهم عن شيء يتركانه وإل كان المر الذي يخالف الفعل أو النهي الذي يرتكبانه‬
‫وبال على الولد لنهييم يتأثرون بالفعييل أكثيير ميين القول [راجييع كتاب منهييج التربييية‬
‫السلمية (‪ )2/118‬لمحمد قطب]‪.‬‬
‫كما أنه يجب على السرة أن تحذر من جلساء السوء فل تتيح لهم الفرصة ليختلطوا‬
‫بهيا بيل يجيب أن يكون جلسياؤها هيم أهيل الصيلح والخيير الذيين هيم قدوة حسينة فيي العلم‬
‫والعمل الصالح لتتعاون معهم على البر والتقوى وليس على الثم والعدوان‪.‬‬
‫وقد بين الرسول صلى ال عليه وسلم الثر الصالح المترتب على مصاحبة الجليس‬
‫الصالح كما بين الثر السيء المترتب على مصاحبة الجليس السوء‪.‬‬
‫كما في حديث أبي موسى الشعري رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قال‪(( :‬مثيل الجلييس الصيالح والسيوء كحاميل المسيك ونافيخ الكيير‪ ،‬فحاميل المسيك إميا أن‬
‫يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة‪ ،‬ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك‬
‫وإما أن تجد ريحاً خبيثة)) [البخاري (‪ )6/231‬ومسلم]‪.‬‬
‫والمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا قام به أفراد السرة فيما بينهم ولم يسمحوا‬
‫للمنكر أن يستقر في أحد منهم يكون له أثر كبير في الستقامة‪ ،‬لن الطفل ينشأ على ذلك‬
‫مين صيغره فيكيبر وقيد اصيطبغ بذلك ويصيبح ميا يخالف مألوفيه عنده غيير مسيتساغ فإذا‬
‫يسر ال له أن يكون المجتمع خارج البيت كذلك كان ذلك نوراً على نور‪.‬‬
‫أما إذا كانت السرة غير صالحة – أي لم ترب على السلم – فإن الشر يستقر فيها‬
‫ويكون المعروف منكرًا والمنكييييييير معروفاً يتعاون الفراد على الثيييييييم والعدوان ول‬
‫يتعاونون على البر والتقوى‪ ،‬وأولد هذه السرة يغلب عليها الشقاء وحب الشر بدلً من‬
‫حب الخير ويصعب على المجتمع أن يؤثر فيهم بالخير والصلح إل من شاء ال‪.‬‬
‫فإذا قامت السرة بواجبها في تربية أفرادها على السلم فإن ارتكاب الجريمة ومنه‬
‫تناول المسكرات والمخدرات ل بد أن يقل لعدم قبول السرة له ومقاومتها له وإن لم تقم‬
‫السييرة بتربييية نفسييها على السيلم فإن المسييكرات تتفشيى فييي السيرة ويكثيير ارتكاب‬
‫المعاصي والعانة عليه وهناك يكمن الخطر‪.‬‬
‫ولهذا أمير ال أولياء أمور السير بأن يقوا أنفسيهم وأهليهيم النار فقال تعالى‪ :‬ييا أيهيا‬
‫الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملئكة غلظ شداد ل‬
‫يعصون ال ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون‪[ ‬التحريم‪.]6 :‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬عناية أولياء أمور المسلمين بالسرة‪.‬‬
‫السيرة تسيتطيع أن تقوم بواجيب تربيية أفرادهيا على السيلم فيي محيطهيا‪ ،‬ولكنهيا ل‬
‫تسيتطيع أن تحميي أفرادهيا مين أوبئة الفسياد المنتشرة فيي الدولة‪ ،‬فالمدارس والسيواق‬
‫والنوادي والمنتزهات وأجهزة العلم وغيرها من مرافق المجتمع العامة تشرف عليها‬
‫الدولة وليست السرة‪.‬‬
‫والسيرة مضطرة إلى تعلييم أولدهيا فيي المدارس‪ ،‬والمدارس أغلبهيا تحيت إشراف‬
‫الدولة‪ ،‬والسيرة تضطير إلى شراء حاجاتهيا مين السيوق والخروج إلى الشارع‪ ،‬والسيوق‬
‫والشارع تشرف عليهمييا الدولة‪ ،‬والسييرة تحتاج أن تمشييي فييي مناكييب الرض وتمتييع‬
‫نفسيها بالمناظير الجميلة فيي البسياتين العامية والغابات وشواطيئ البحار‪ ،‬وهذه وتلك إنميا‬
‫تشرف عليهيا الدولة فإذا قاميا الدولة بواجبهيا مين حمايية السيرة والمجتميع مين الفسياد‬
‫العلمي والتعليمي والجتماعي كان ذلك تعاوناً مع السرة على المزيد من الخير وإل‬
‫هدميت الدولة كيل ميا تبنييه السيرة‪ ،‬ونحين نعرف أن بعيض الدول المسيئولة فيي بعيض‬
‫الشعوب السلمية تحاول هدم اليمان في النفوس واتخذت كل الوسائل لقتلع الخلق‬
‫السييلمية ونشيير الرذيلة والفسيياد بييين الشباب‪ ،‬حتييى أصييبح المسييلم يأميين على نفسييه‬
‫وعرضيه وأولده فيي المجتمعات الكافرة أكثير مين أمنيه فيي بلد المسيلم الذي هيو مسيقط‬
‫رأسه‪.‬‬
‫وولة المير الذيين هذا دأبهيم ل يرجيى منهيم إل تقويية المنكير وإفشائه‪ ،‬فهيل يحيق‬
‫لمثال هؤلء أن يسيتعينوا بالسيلم على محاربية بعيض الفسياد الذي اضطروا لمحاربتيه‬
‫ل إرضاء ل ولكن لغراض أخرى قد تكون اقتصادية؟ كل‪.‬‬
‫الفصططل الثالث‪ :‬وجوب السططعي لتحقيططق الهداف العليططا‬
‫التي تحيا بها المم‪ ،‬وتوجيه الشباب إليها‬
‫المسيلم له هدف عام يجيب أن تكون كيل أهدافيه متفرعية عين ذلك الهدف ومحققية له‪،‬‬
‫وهذا الهدف العام هيو رضيا ربيه تعالى عنيه بقياميه بعبادتيه التيي تشميل كيل تصيرفات‬
‫النسان في هذه الحياة كما قال سبحانه وتعالى‪ :‬وما خلقت الجو والنس إل ليعبدون‪ ،‬ما‬
‫أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن ال هو الرزاق ذو القوة المتين‪[ ‬الذاريات‪:‬‬
‫‪ ،]58-56‬وقال تعالى‪ :‬أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية‪ ،‬جزاؤهم‬
‫عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبداً رضي ال عنهم ورضوا‬
‫ربه [البينة‪.]8-7 :‬‬
‫عنه ذلك لمن خشي ‪‬‬
‫ولهذا يبشير ال المؤمنيين بدوام رضوانيه عنهيم ويذكرهيم بذلك بعيد أن يدخلوا الجنية‬
‫فينالوا نعيمهيا ل يفكرون فيي سيواه فقيد روى أبيو سيعيد الخدري رضيي ال عنيه أن النيبي‬
‫صيلى ال عليه وسيلم قال‪(( :‬إن ال يقول لهيل الجنية‪ :‬ييا أهيل الجنية‪ ،‬فيقولون‪ :‬لبييك ربنيا‬
‫وسيعديك‪ ،‬والخيير فيي يدرك‪ ،‬فيقول‪ :‬هيل رضيتيم؟‪ ،‬فيقولون‪ :‬وميا لنيا ل نرضيى ييا رب‬
‫وقيد أعطيتنيا ميا لم تعيط أحداً مين خلقيك‪ ،‬فيقول‪ :‬أل أعطكيم أفضيل مين ذلك؟ فيقولون‪ :‬ييا‬
‫رب وأي شيء أفضل من ذلك‪ ،‬فيقول‪ :‬أحل عليكم رضواني فل سخط عليكم بعده أبداً))‬
‫[مسلم (‪.])4/2176‬‬
‫هذا هيو الهدف العام الذي يجيب أن يوجيه كيل نشاط للفرد المسيلم والسيرة المسيلمة‬
‫والمجتمع المسلم إلى تحقيقه‪.‬‬
‫وهناك أهداف تنفرع عنييه وتعتييبر – نسييبياً – وسييائل لتحقيقييه‪ ،‬وقييد أطلقتيُ عليهييا‪:‬‬
‫الهداف العلييا‪ ،‬ويطلق عليهيا الضرورات الخميس‪ ،‬أو السيت‪ ،‬ولهذا جعلت هذا الفصيل‬
‫خمسيية مباحييث كييل مبحييث يتعلق بإحدى هذه الضرورات‪ ،‬وهييي‪ :‬حفييظ الدييين‪ ،‬وحفييظ‬
‫النفيس‪ ،‬وحفيظ العقيل‪ ،‬وحفيظ النسيل‪ ،‬وحفيظ المال‪ ،‬وقبيل أن أذكير كيل مبحيث على حدة‬
‫أورد بعيييض النصيييوص مييين القرآن والسييينة الدالة على عنايييية السيييلم بحفيييظ هذه‬
‫الضرورات‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬قييل تعالوا أتييل مييا حرم ربكييم عليكييم أن ل تشركوا بييه شيئًا وبالوالدييين‬
‫إحساناً‪ ،‬ول تقتلوا أولدكم من إملق نحن نرزقكم وإياهم‪ ،‬ول تقربوا الفواحش‪ ،‬ما ظهر‬
‫منها وما بطن‪ ،‬ول تقتلوا النفس التي حرم ال إل بالحق ذلكم وصاكم بع لعلكم تعقلون‪،‬‬
‫ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط‪،‬‬
‫ل نكلف نفسيياً إل وسييعها وإذا قلتييم فاعدلوا ولو كان ذا قربييى‪ ،‬وبعهييد ال أوفوا ذلكييم‬
‫وصياكم بيه لعلكيم تذكرون‪ ،‬وأن هذا صيراطي مسيتقيماً فاتبعوه ول تتبعوا السيبل فتفرق‬
‫بكم عن سبيله‪ ،‬ذلك وصاكم به لعلكم تتقون‪[ ‬النعام‪.]153-151 :‬‬
‫فقد اشتملت اليات على وجوب حفظ الدين في نهيه سبحانه عن الشرك‪ ،‬وفي قوله‪ :‬‬
‫وأن هذا صيراطي مسيتقيماً فاتبعوه ول تتبعوا السيبل فتفرق بكيم عين سيبيله‪ ‬وعلى حفيظ‬
‫بالحيق كميا‬
‫‪‬‬ ‫النفيس فيي قوله تعالى‪ :‬ول تقتلوا أولدكيم‪، ‬ول تقتلوا النفيس التيي حرم ال إل‬
‫اشتملت على وجوب حفيظ النسيل بقوله تعالى‪ :‬ول تقربوا الفواحيش ميا ظهير منهيا وميا‬
‫ين [ويدخييل فييي حفييظ العرض الذي يعده بعييض العلماء ضرورة سييادسة]‪ ،‬واشتملت‬ ‫بطي ‪‬‬
‫على حفظ المال في قوله تعالى‪ :‬ول تقربوا مال اليتيم‪ ‬وأوفوا الكيل والميزان بالقسط‪‬وأما‬
‫حفظ العقل فإنه يؤخذ من التكليف بحفظ هذه الضرورات وكل الوامر والنواهي اللهية‪،‬‬
‫ولعيل فيي قوله تعالى فيي آخير اليية الولى‪ :‬ذلكيم وصياكم بيه لعلكيم تعقلون‪ ‬ميا يدل على‬
‫ذلك ويشير إليه‪.‬‬
‫وهذه الضرورات اتفقييت على وجوب حفظهييا جميييع الملل والمييم وإن اختلفييت فييي‬
‫طرق حفظهيا وتفاصييلها‪ ،‬والفرق بيين السيلم وغيره مين ملل الرض الموجودة إل أن‬
‫السيلم يعتيبر حفيظ هذه الضرورات ديناً وعبادةً ل عليهيا ثواب وعقاب‪ ،‬بخلف الملل‬
‫والقوانييين الخرى‪ ،‬ولهذا قال تعالى هنييا فييي آخيير هذه اليات‪ :‬ذلكييم وصيياكم بييه لعلكييم‬
‫تتقون وقال قبل ذلك‪ :‬وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن‬ ‫‪‬‬
‫سبيله‪.‬‬
‫‪‬‬
‫وقيد فصيل الرسيول صيلى ال علييه وسيلم فيي السينة وجوب حفيظ هذه الضرورات‬
‫ويصعب أن يتتبعها الباحث هنا‪ ،‬ولكن أشير باختصار شديد إلى بعضها‪:‬‬
‫فمن ذلك حديث أبي هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صيلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫((اجتنبوا السبع الموبقات)) قيل‪ :‬يا رسول ال وما هن؟ قال‪(( :‬الشرك بال‪ ،‬وقتل النفس‬
‫التييي حرم ال إل بالحييق‪ ،‬وأكييل مال اليتيييم وأكييل الربييا‪ ،‬والتولي يوم الزحييف وقذف‬
‫المحصنات الغافلت المؤمنات)) [البخاري (‪ )3/195‬ومسلم (‪.])1/92‬‬
‫فالنهييي عيين الشرك بال والسييحر‪ ،‬والتولي يوم الزحييف يدل على وجوب حفييظ هذا‬
‫الديين إيماناً وعملً‪ ،‬والنهيي عين قتيل النفيس يدل على وجوب حفيظ النفيس‪ ،‬والنهيي عين‬
‫أكيل مال اليتييم وأكيل الربيا يدل على وجوب حفيظ المال‪ ،‬والنهيي عين قذف المحصينات‬
‫الغافلت المؤمنات يدل على وجوب حفيييظ النسيييل والعرض وحفيييظ العقيييل يدل علييييه‬
‫التكليف بهذه المور وغيرها كما يدل عليه تحريم شرب المسكرات وتعاطي المخدرات‪.‬‬
‫هذه هي الهداف العليا التي تحيى بها المم ويجب على ولة المور من حكام وآباء‬
‫وعلماء وغيرهم أن يوجهوا الشعوب إلى تحقيقها‪ ،‬فإن الشباب إذا وجه إلى تحقيقها وفقه‬
‫معانيهييا وشغييل نفسييه بهييا فسييوف ل يخاف منييه تعاطييي المعاصييي والمنكرات‪ ،‬ومنهييا‬
‫المسكرات التي تهدم هذه الضرورات والهداف هدماً‪.‬‬
‫وقيد عنيي علماء المسيلمين بهذه الضرورات‪ ،‬وبينوا أنهيا أقوى المراتيب فيي مصيالح‬
‫العباد وأنهيا هيي مقصيود الشرع [راجيع الموافقات للشاطيبي (‪ )2/4‬بتحقييق محميد محيي‬
‫الدين والمستصفى للغزالي (‪.])288-1/286‬‬
‫وبعد هذا نذكر المباحث الخمسة وخلصة في كل مبحث لبيان أن كل واحدة من هذه‬
‫الضرورات لبد من حفظها وتوجيه الشباب إلى تحقيق ذلك الحفظ لها‪.‬‬
‫المبحث الول‪ :‬حفظ الدين‪.‬‬
‫ويدل على ضرورة حفظه وجوب العمل به بعد الدخول فيه واليمان به‪ ،‬وأن من لم‬
‫يدخيل فييه ولم يعميل بيه فهيو خاسير فيي الدنييا والخرة‪ ،‬ومين دخيل فييه ومين آمين بيه فهيو‬
‫فائز فييي الدنيييا والخرة‪ ،‬والحييد الدنييى للعمييل بهذا الدييين هييو التزام فرائضييه واجتناب‬
‫نواهيه‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬والعصيير‪ ،‬إن النسييان لفييي خسيير‪ ،‬إل الذييين آمنوا وعملوا الصييالحات‬
‫بالصبر [سورة العصر]‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫وتواصوا بالحق وتواصوا‬
‫فإذا ميا اشتغيل المسيلم بحفيظ هذا الديين بالعميل بالحيد الدنيى منيه فقيط كان عضواً‬
‫صيالحًا فيي المجتميع وكان بعيداً عين تناول ميا حرم ال ورسيوله عباد ًة لربيه ولييس خوفاً‬
‫ميين الناس فقييط وسييلم ميين الخسييران‪ ،‬ومثييل هذا ل يخشييى منييه أن يتعاطييى المسييكرات‬
‫والمخدرات‪.‬‬
‫ومين حفيظ هذا الديين‪ :‬الدعوة إلييه‪ ،‬كميا قال تعالى‪ :‬قيل هذه سيبيلي أدعيو إلى ال على‬
‫بصيرة أنا من اتبعني وسبحان ال وما أنا من المشركين‪[ ‬يوسف‪.]108 :‬‬
‫وكان الرسول صلى ال عليه وسلم يبعث أصحابه لبلغ الناس هذا الدين بالرسائل‬
‫أو بالبقاء بينهيم لتعليمهيم ودعوتهيم وهكذا أصيحابه مين بعده [راجيع البخاري (‪)2/125‬‬
‫ومسلم (‪.])1/5‬‬
‫ومن يوجه لدعوة الناس من الشباب ويشغل بها فسيكون قدوة حسنة للعمل بالسلم‬
‫والسيتقامة والخلق ومثله سييكون مجتنباً لكيل المحرمات وبخاصية تلك التيي ل يتعاطاهيا‬
‫إل أرذال الناس كالمسكرات والمخدرات‪.‬‬
‫ومين وسيائل حفيظ هذا الديين‪ :‬الجهاد فيي سيبيل ال الذي يكون فرض عيين على كيل‬
‫مسلم عندما ل توجد طائفة قائمة به كافية‪.‬‬
‫والشباب الذي يهتيييم بيييه فيوجيييه إلى التدرييييب على وسيييائل الجهاد فيييي سيييبيل ال‬
‫والسيتعداد لمقارعية العداء لييس مثيل الشباب الفارغ الذي تكون أهدافيه هابطية ينظير‬
‫إليهيا تحيت أقداميه‪ ،‬فالول يذكير اله فيي كيل أحيانيه ويعلم أن سيبيل ال معناه دينيه الذي‬
‫يجيب أن ينصير وترفيع رايتيه‪ ،‬والخير ل يفكير فيي غيير الكيل والشرب والتمتيع بالحياة‪،‬‬
‫وإذا هم بشيء من التدريب فإنما يهتم بتقوية عضلته تقوية ليس وراءها شيء‪.‬‬
‫وقييد أميير ال تعالى بحفييظ هذا الدييين بإعداد المسييتطاع للقوة التييي ترهييب أعداء هذا‬
‫الدين‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو‬
‫ال وعدوكم‪[ ‬النفال‪.]60 :‬‬
‫وهل يفكر الشاب المشتغل بالجهاد في سبيل ال في أن تهبط نفسه إلى ما يقتل روح‬
‫الجهاد في نفسه وبخاصة المسكرات والمخدرات؟‬

‫المبحث الثاني‪ :‬حفظ النفس‪.‬‬


‫أوجب ال تعالى حفظ النفس بأساليب شتى في النصوص والتشريع‪.‬‬
‫فقيد ثبيت الوعييد الشدييد لمين اعتدى على النفيس فيي الكتاب والسينة‪ ،‬بيل أن بعيض‬
‫العلماء مين السيلف ذهبوا إلى عدم توبية مين قتيل نفسيًا محرماً بغيير حيق [راجيع السيلم‬
‫وضرورات الحياة للكاتب ص‪.]53-49:‬‬
‫ولم يبيح الشارع القصياص ممين ادعيي علييه أنيه اعتدى على النفيس إل بإقامية البينية‪،‬‬
‫وأوجب ال تأخير تنفيذ الحد أو القصاص إذا كان في ذلك ضرر على غير الجاني حتى‬
‫يزول الضرر‪ ،‬وربيط الشارع إقامية الحدود والقصياص بالمام ونائبيه حتيى ل يسيتعجل‬
‫فيي إزهاق النفوس البريئة [نفيس المرجيع ص‪ 57-54:‬وراجيع رسيالة الحدود والسيلطان‬
‫للمؤلف]‪.‬‬
‫ولم يجيز الشارع قتيل غيير المؤلف ولو أتيى ميا يبييح بيه قتيل المكلف [نفيس المرجيع‬
‫ص‪ ]59:‬وأباح للمضطر – بل قد يجب عليه – أن يتناول ما هو محرم عليه في الصل‬
‫لنقاذ حياته [نفس المرجع ص‪.]61:‬‬
‫وفرض سد الذرائع الموصلة إلى قتل النفس [نفس المرجع ص‪.]64:‬‬
‫والشباب الذي يربييى على هذه المعانييي التييي تمتييع العتداء على النفييس وتوجييب‬
‫حفظهيا بعيد أن يتعاطيى المسيكرات والمخدرات التيي هيي مين أهيم وسيائل العتداء على‬
‫النفوس‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬حفظ النسل‪.‬‬
‫ولو لم يحفيظ الجنيس لنقرض الجنيس‪ ،‬وهذا أمير ل يختلف فييه البشير‪ ،‬وقيد جبيل ال‬
‫علييييه المخلوقات فحافظيييت علييييه بالتزاوج‪ ،‬ويمتاز السيييلم عييين غيره بأنيييه يوجيييب‬
‫للمحافظية على النسيل أن يكون عين طرييق النكاح المشروع ول يجيزة عين طرييق غيير‬
‫مشروع‪.‬‬
‫ولهذا جاءت نصوص كثيرة فيي الكتاب والسنة تبين محبة ال ورسوله لحفيظ النسيل‬
‫وتكثيره والترغيب في النكاح والتحذير من التبتل‪ ،‬وبيان المصالح العائدة على الباء في‬
‫الدنييا والخرة مين النسيل ورتبيت الشريعية على حفيظ النسيب أحكاماً كثيرة [راجيع كتاب‬
‫المؤلف‪ :‬السلم وضرورات الحياة ص ‪.]104-67‬؟؟؟؟‬
‫والذي يربيى على حفيظ النسيل بالطريقية المشروعية فل يرتكيب الزنيا‪ ،‬وإنميا يحافيظ‬
‫على النسيل مين طرييق النكاح المشروع يكون بعيداً عين السيباب التيي تدفعيه إلى إتيان‬
‫الفاحشيية التييي يترتييب عليييه انتهاك العراض واختلط النسييب والنجاب بطرق غييير‬
‫مشروعة‪ ،‬ومن أهم الوسائل المؤدية إلى ذلك تعاطي المسكرات والمخدرات‪.‬‬
‫فإن متعاطيها ل يسلم من المور التية‪:‬‬
‫‪ ) 1‬إتيان الفاحشة التي يترتب عليها ما ذكر‪.‬‬
‫‪ )2‬عدم الغيرة على عرض نفسيه مميا قيد يتسيبب عنيد وجود منكرات فيي أسيرته‬
‫واختلط النساب فيها‪.‬‬
‫‪ ) 3‬بعض المراض التي تقتل نسله في حال الحمل أو أولده وأفراد أسرته بسبب‬
‫الثار التي تحذر له من تناول المسكرات والمخدرات‪.‬‬
‫فالشباب الذي يقتنع بوجوب حفظ النسل بل بضرورته ويعلم أنه يترتب على تعاطيه‬
‫المسكرات والمخدرات ما يخل بحفظ النسل سيبتعد عن تعاطي ذلك‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬حفظ العقل‪.‬‬


‫العقل من أكبر نعم ال على النسان‪ ،‬جعله ال فرقاً بينه وبين الحيوان بما أودع فيها‬
‫ميين طاقيية للحكييم على المور واسييتخلص النتائج ميين مقدماتهييا والغوص إلى معرفيية‬
‫الحقائق الكونيية والسيتدلد بهيا على عظمية الخالق … والواجيب أن يشكير النسيان ربيه‬
‫على هذه النعمة التي لولها لما كان هناك فرق بينه وبين الحيوان‪.‬‬
‫لذلك يذكيير ال آياتييه الكونييية ومييا فيهييا ميين نعييم ال على النسييان ويعقييب على ذلك‬
‫التذكييير بأن فييي ذلك آيات لذوي العقول‪ ،‬كقوله تعالى‪{ :‬هييو الذي أنزل مين السييماء ماء‬
‫لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون‪ ،‬ينبت لكم به الزرع والزيتون والتخيل والعناب‬
‫ومن كل الثمرات في ذلك لية لقوم يتفكرون‪ ،‬وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر‪،‬‬
‫والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك ليات لقوم يعقلون} [النحل‪.]12-10 :‬‬
‫وكذلك جعيل ال تعالى آياتيه الشرعيية حياة لذوي العقول التيي توصيلهم عقولهيم على‬
‫تقوى ال‪ ،‬كمييا قال تعالى‪{ :‬ولكييم فييي القصيياص حياة يييا أولي اللباب لعلكييم تتقون}‬
‫[البقرة‪.]179 :‬‬
‫ومميا يدل على ضرورة حفيظ العقيل أنيه تعالى جعله مناط التكلييف‪ ،‬لن العاقيل هيو‬
‫الذي يكون قادراً على فهم خطاب ال‪ ،‬بخلف المجنون‪ ،‬أو ناقص التصور بسبب نقص‬
‫إدراكه لضعف عقله‪ ،‬كالصبي فإن ال ل يكلفهم في تلك الحال‪ ،‬فقد صح عن رسول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال‪(( :‬رفيع القلم عين ثلثية‪ :‬عين النائم حتيى يسيتيقظ‪ ،‬وعين‬
‫الصييبي حتييى يبلغ‪ ،‬وعيين المجنون حتييى يفيييق)) [أبييو داود (‪ )4/558‬وراجييع صييحيح‬
‫البخاري (‪ )8/21‬والتمهيد لبن عبد البر (‪ )1/109‬وفتح الباري (‪ )9/393‬والحكام في‬
‫أصول الحكام للمدي (‪.])139-1/138‬‬

‫وسائل حفظ العقل‪:‬‬


‫ويمكن تلخيص وسائل حفظ العقل في ثلثة أمور عامة‪:‬‬
‫الميير الول‪ :‬توجيهييه إلى المجالت النافعيية – أي تفكيره فييي المصييالح التييي تعود‬
‫على صياحبه ومجتمعيه بالخيير فيي الدنييا والخرة‪ ،‬وتغذيتيه بالمعانيي السيليمة الصيافية‬
‫سواء ما يتعلق منها بالمغيبات أو المحسوسات‪ :‬في أمور الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وقد وردت نصوص كثيرة لتوجيه العقل إلى هذا المر وحث العقل على التفكير في‬
‫المحسييوسات الهدف منييه الوصييول على مييا يترتييب عليهييا ميين النقياد لصييانع تلك‬
‫المحسييوسات ولهذا يعييبر عنهييا باليات‪ ،‬أي العلمات التييي تدل العاقييل على أن النقياد‬
‫لصانعها هو الشيء الطبيعي‪.‬‬
‫مييين ذلك قوله تعالى‪{ :‬إن فيييي خلق السيييماوات والرض واختلف اللييييل والنهار‬
‫والفلك التيي تجري فيي البحير بميا ينفيع الناس وميا أنزل ال مين السيماء مين ماء فأحييا بيه‬
‫الرض بعيد موتهيا وبيث فيهيا مين كيل دابية وتصيريف الرياح والسيحاب المسيخر بيين‬
‫السماء والرض ليات لقوم يعقلون} [البقرة‪.]164 :‬‬
‫ففيي هذا دعوة إلى اسيتعمال العقيل فيي هذا المجال وهيو السيتدلل ببدييع صينع ال‬
‫على وجوب النقياد له وذلك أصل مصالح الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وميين ذلك دعوة العقييل إلى التفكييير فييي كتاب ال الذي أنزله على رسييوله صييلى ال‬
‫عليه وسلم الذي اشتمل على كل ما فيه مصلحة للناس فإن ما فيه من الهداية إلى الخير‬
‫والتحذير من الشر ل يتردد العقل السليم في القرار به كما قال تعالى‪{ :‬إنا أنزلناه قرآناً‬
‫عربياً لعلكم تعقلون} [يوسف‪.]2 :‬‬
‫فإذا لم يهتيد النسيان بعقله إلى ميا فييه مصيلحته مميا جاء مين عنيد ال فقيد أضاع عقلة‬
‫ولم يسيتفد منيه‪ ،‬فأصيبح بمنزلة مين ل عقيل له‪ ،‬لذلك ينفيي القرآن الكرييم عين مثيل هذا‬
‫الصنف من الناس العقل‪ ،‬أو ينكر عليه عدم العقل للمور النافعة أو الضارة كالمشركين‬
‫الذين يرفضون اتباع ما أنزل ال ويقلد البناء منهم الباء‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬وإذا قيل لهم‬
‫اتبعوا ما أنزل ال قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم ل يعقلون شيئاً ول‬
‫يهتدون‪ ،‬ومثيل الذيين كفروا كمثيل الذي ينعيق بميا ل يسيمع إل دعاء ونداء صيم بكيم عميي‬
‫فهم ل يعقلون} [البقرة‪.]171-170 :‬‬
‫ومين اليات التيي تعرضيت لهذا المعنيى‪ ،‬وهيو حفيظ العقيل على التفكير فيميا ينفيع‬
‫فيتعاطاه وميا يضير فيجتنبيه هذه اليية الكريمية المتعلقية بحفيظ العقيل نفسيه مميا يفسيده‬
‫{يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما‬
‫ويسييألونك ماذا ينفقون قييل العفييو كذلك يييبين ال لكييم اليات لعلكييم تتفكرون} [البقرة‪:‬‬
‫‪.]219‬‬
‫كانييت هذه الييية قبييل أن ينزل تحريييم الخميير البات فييي سييورة المائدة تلفييت عقول‬
‫شاربي الخمر إلى أن النفع الذي قد يحصل منها بيعاً وشراءً وشرباً في جانب مضارها‬
‫العظيمة يقتضي أن ترجح العقول السليمة البعد عنها بدلً من تعاطيها‪.‬‬
‫فإذا وجهت عقول الشباب إلى المقارنة والموازنة بين المصالح والمفاسد وما ينبغي‬
‫فعله وما ينبغي تركه فإن ذلك وسيلة من وسائل حفظ عقولهم من الضياع‪.‬‬
‫الميير الثانييي‪ :‬صيييانة العقييل ميين المفسييدات المعنوييية وذلك يشمييل العقائد والفكار‬
‫والمعارف كلها‪ ،‬سواء كانت دينية أو اجتماعية أو سياسية أو عسكرية أو اقتصادية‪ ،‬فإن‬
‫العقييل إذا غذي بعقائد وأفكار ومعلومات فاسييدة يسييوء تصييوره ويفسييد ويضييل ويصييبح‬
‫أخطيير ميين العقييل الخالي ميين المعلومات لن هذا الخييير يمكيين أن يهيييأ له ميين يغذيييه‬
‫بالعقيدة السيليمة والفكير الصيحيح والمعلومات الصيادقة فيكون قبولهيا لهيا سيهلً بخلف‬
‫العقل الذي يغذى بالمعاني الفاسدة ويؤكد له صدقها فإن انتزاع تلك المعاني الفاسدة منه‬
‫وإحلل معاني صحيحة محلها ليس سهلً بل قد يكون في غاية الصعوبة‪ ،‬وهذا واضح‬
‫في أهل الملل المختلفة والفكار المتشعبة في كل العالم‪.‬‬
‫والعقيل الذي يصيان مين المفسيدات المعنويية يسيهل أن يصيان مين المفسيدات الحسيية‬
‫بخلف العقل الذي تفسده المعاني الفاسدة فإنه من السهل أن يستجيب لما يفسده حسياً‪.‬‬
‫ويمكين أن أضرب لذلك مثالً يميس ميا نخين بصيدده فيي هذا المؤتمير‪ ،‬وهيو أن نجيد‬
‫شخصيين‪ ،‬أحدهميا يقول‪ :‬إن الديين غيل فيي عنيق النسيان يمنعيه مين تناول ميا يرييد مميا‬
‫تشتهييه نفسيه بكاميل حريتيه‪ ،‬مادام متعلقاً بشخصيه‪ ،‬وآخير يقول‪ :‬إن الحريية الحقية هيي‬
‫حرية النسان الذي ل يعبد إل ال‪ ،‬أما الذي ل يعبد ال وحده فليس بحر بل هو عبد لكل‬
‫شيء مما تشتهيه نفسه‪ ،‬لنه ل يقدر على مقاومة هذه الشهوات التي قد تهلك في النهاية‪.‬‬
‫فالول يرى أن له الحيق أن يتناول المسيكرات والمخدرات لنيه حير فيي نفسيه ولييس‬
‫لحيد علييه سيلطان‪ ،‬والخير يرى أنيه لييس له حيق تناول ذلك لميا فييه مين مخالفية أمير ال‬
‫الذي يعلم ميا يصيلح النسيان وميا يضره‪ ،‬الول غذي عقله بمعنيى فاسيد والثانيي صيين‬
‫عقله من ذلك المعنى فكان سليماً‪.‬‬
‫ولقيد كان للجين صيولت وجولت فيي إفسياد العقول قبيل السيلم‪ ،‬بسيبب ميا كانوا‬
‫يحصييلون عليييه ميين اسييتراق السييمع ميين السييماء وكانوا يضيفون إلى الكلميية الصييادقة‬
‫الواحدة تسييعاً وتسييعين كلميية كاذبيية فيصييدقهم الناس‪ ،‬فلمييا جاء السييلم حرس السييماء‬
‫بالشهييب التييي كانوا يرمون بهييا لتحفييظ العقول ميين فسييادهم‪ ،‬إضافيية إلى تغذييية العقول‬
‫بالوحيي المنزل مين السيماء‪ ،‬كميا قال تعالى‪{ :‬وأنيا لمسينا السيماء فوجدناهيا ملئت حرسياً‬
‫شديداً وشهبا وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الن يجد له شهاباً رصداً‪ ،‬وإنا‬
‫ل ندري أشر أريد بمن في الرض أم أراد بهم ربهم رشداً} [الجن‪.]10-8 :‬‬
‫وقد وردت أحاديث صحيحة تبين ذلك‪.‬‬
‫وإذا كان ال تعالى قييد تولى حفييظ الناس ميين خرافات الجيين وكذبهييم فمنعهييم ميين‬
‫اسييتراق السييمع فإن الرض مليئة بالخرافات التييي يتولى نشرهييا بعييض النييس وكذلك‬
‫الفكار الفاسييدة التييي يطلق عليهييا الن الغزو الفكري وقييد حمييل ال تعالى المسييؤولية‬
‫علماء السيلم وحكام الشعوب السيلمية – الناجيين مين ذلك الغزو – فإنهيم يجيل عليهيم‬
‫أن يرموا مين خالف السيلم بشهيب الحجية والحدييد كميا رميى ال الجين بشهاب السيماء‪،‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط‬
‫وأنزلنيا الحدييد فييه بأس شدييد ومنافيع للناس وليعلم ال مين ينصيره ورسيله إن ال قوي‬
‫عزيز} [الحديد‪.]25 :‬‬
‫فإذا تمت صيانة العقل من المفسدات المعنوية سهل كما سبق صيانته من المفسدات‬
‫المادية المحسوسة‪.‬‬
‫ولكين المؤسف أن أكثير ولة أمور الشباب المسيلم من حكام وعلماء وآباء ل يهتمون‬
‫بعقول الشباب وصيانتها مما يفسدها معنوياً‪ ،‬ولكن كثيراً منهم ل يحاولون أن يصونوها‬
‫مين المفسيدات الماديية وهيم بذلك شيبيهون بمين يرميي الشخيص الذي ل يجييد السيباحة فيي‬
‫البحر ثم يرمي له حبلً قصيراً ل يصل إليه بل من أجل إنقاذه من الغرق‪.‬‬
‫بيل مين عجائب المسيلمين أن ينعكيس المير عندهيم عميا هيو علييه عنيد غيرهيم فيكون‬
‫أكثر من المدمنين في الغرب من الطبقات الدنيا التي ليس عندها أعمال تمل فراغهم أو‬
‫مين الذيين عندهيم قصيور عقلي وتخلف ذهنيي‪ ،‬ولكين أغلب المدمنيين فيي بلدان المسيلمين‬
‫هييم ميين الذييين يتولون أمور الشعوب ميين السيياسة والغنياء‪ ،‬بخلف عاميية الشعوب‬
‫السيلمية فإن الدمان فيهيم أقيل مين زعمائهيم‪ ،‬بسيبب بعيد الصينف الول عين دينيه أكثير‬
‫مين الصينف الثانيي‪ ،‬لن الصينف الول قيد ملئت عقوله بالمفسيدات المعنويية وهيي ثقافية‬
‫أهيل الغرب السيامة [راجيع كتاب‪ :‬الخمير بيين الطيب والفقيه للدكتور محميد على البار‪،‬‬
‫الذي نص على أسماء بعض زعماء الشعوب السلمية ممن عرف عنهم تعاطي الخمر‬
‫ص‪.]96-95:‬‬
‫المير الثالث‪ :‬صييانة العقيل مين المفسيدات الماديية‪ ،‬وتندرج تلك المفسيدات كلهيا فيي‬
‫كلمية واحدة عنيي بهيا القرآن والسينة والفقيه السيلمي‪ ،‬وهيي الخمير التيي هيي أم الخبائث‬
‫كلها‪ ،‬لنها تجمع بين التفتير والسكر الذي هو قمة الضرار بالعقيل‪ ،‬فالسكر ل يحصل‬
‫إل بعيد التخديير والتفتيير‪ ،‬وهذا ميا أشار إلييه علماء اللغية‪ ،‬كميا قال المام مجيد الديين أبيو‬
‫السعادات المبارك بن محمد الجزري المشهور بابن الثير‪( :‬وفي حديث عمر أنه رزق‬
‫الناس الطلء فشربه رجيل مين فتخدر) أي ضعيف وفتير كميا يصييب الشارب قبيل السيكر‬
‫ومنه خدر الرجل والديه [النهاية في غريب الحديث (‪.])2/12‬‬
‫وفيي ترتييب اللسيان‪( :‬وقيد خدرت الرجيل‪ ،‬تخدر والخدر مين الشراب والدواء فتور‬
‫يعنري الشارب وضعييف … والخدر الكسييل والفتور …) [ترتيييب السييان (‪،])2/797‬‬
‫(وخدر العضيو خدراً‪ ،‬مين باب تعيب‪ :‬اسيترخى فل يطييق الحركية) [المصيباح المنيير‬
‫(مادة‪:‬خدر) لحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي]‪.‬‬
‫والصيل فيي تحرييم الشياء فيي الشريعية السيلمية كون المحرمات خبائث عنيد ال‬
‫الذي يعلم خبثهييا سييواء ظهيير ذلك للناس أو له يظهيير‪ ،‬كمييا قال تعالى‪{ :‬الذييين يتبعون‬
‫الرسول النبي المي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم بالمعروف‬
‫وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} الية [العراف‪.]157 :‬‬
‫ومين ضمين هذه الخبائث الخمير التيي حرمهيا ال تعالى فيي كتابيه وحرمهيا رسيوله‬
‫صيلى ال علييه وسيلم فيي سينته وأجمعيت المية على تحريمهيا‪ ،‬كميا قال ابين قدامية رحميه‬
‫ال‪( :‬الخمير محرم بالكتاب والسينة والجماع‪ ،‬أميا الكتاب فقول ال تعالى‪{ :‬ييا أيهيا الذيين‬
‫آمنوا إنميا الخمير والميسير والنصياب والزلم رجيس مين عميل الشيطان فاجتنبوه} إلى‬
‫قوله {فهل أنتم منتهون} [المائدة‪.]90 :‬‬
‫وأميا السنة فقول النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪(( :‬كيل مسيكر خمير‪ ،‬وكيل خمير حرام))‬
‫رواه أبو داود‪ ،‬والمام أحمد [مسلم بلفظه (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام) وأبو داود‬
‫(‪ )4/85‬والترمذي ( ‪ )4/290‬وأحميد ( ‪ ،])2/16،31،105،134،137‬وروي عين عبيد‬
‫ال بين عمير أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪(( :‬لعين ال الخمير وشاربهيا وسياقيها‪،‬‬
‫وبائعهيا ومبتاعهيا‪ ،‬وعاصيرها ومعتصيرها‪ ،‬وحاملهيا والمحمولة إلييه)) رواه أبيو داود‬
‫[أبيو داود ( ‪ )4/82‬وراجيع الترمذي ( ‪ ،])3/580‬وثبيت عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم‬
‫تحرييم الخمير بأخبار تبلغ بمجموعهيا رتبية التواتير‪ ،‬وأجمعيت المية على تجريمهيا…)‬
‫[المغني (‪.])5/158‬‬
‫وقال ابين حزم رحميه ال‪( :‬كيل شييء أسيكر كثيره أحيد مين الناس فالنطفية منيه فميا‬
‫فوقهيا إلى أكثير المقاديير خمير‪ ،‬حرام ملكيه وبيعيه وشربيه واسيتعماله على كيل أحيد …)‬
‫[المحلى (‪.])7/488‬‬
‫فإذا كان ال تعالى إنمييا حرم على الناس أم الخبائث‪ ،‬والخميير أم الخبائث كمييا نييص‬
‫على ذلك السييلف وعلى رأسييهم عثمان بيين عفان رضييي ال عنييه وقييد حرمييت بالكتاب‬
‫والسنة والجماع وقد لعن ال كل من شارك في الحصول عليها ومعنى ذلك أن مبيحها‬
‫– أي الذي يبيييح للناس أن يبيعوهييا ويشتروهييا ويصييدروها ويسييتوردوها يكون أولى‬
‫باللعن من غيره بل إن الذي يحل شيئاً علم تحريمه من الدين بالضرورة ل يكون مسلماً‬
‫بيل هيو كافير‪ ،‬وهذا الصينف مين الناس يكون محارباً ل ولرسيوله وللمؤمنيين ويكوم واقفاً‬
‫ضيد الحكيم بميا أنزل ال‪ ،‬فل يلييق أن يلجيأ إلى السيلم ليسيتعين بيه فيي وقايية شعبيه مميا‬
‫يرى هيو فييه مضرة كالمخدرات‪ ،‬لنيه يسيتعين بشييء يرى الناس أنيه عدو له‪ ،‬فل يمكين‬
‫أن يستجيبوا له ولكن الذي يحرم ما حرم ال ويحل ما أحل ال ويحكم بشرع ال له الحق‬
‫أن يسيتعين بأحكام السيلم على مطاردة المنكرات كلهيا والناس يصيدقونه عندميا يذكير‬
‫السلم ويستدل به [ليس في هذا تثبيط لمن يحاربون السلم عن الستفادة من تطبيق‬
‫أحكامه وإنما المراد الحض على التطبيق الكامل لحكام السلم]‪.‬‬
‫وعندئذ تكون صططيانة الناس وعقولهططم مططن المسططكرات‬
‫والمخدرات – وكذلك التدخين تكون بالطرق التية‪:‬‬
‫الولى‪ :‬منيع صيناعتها فيي داخيل البلد منعاً باتًا وإنزال العقوبية المناسيبة بكيل مين‬
‫تعاطى ذلك‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬منع إدخالها إلى البلد عن طريق التجارة أو القتناء دون تفريق بين الناس‪،‬‬
‫وإنزال العقوبة المناسبة بكل من حملها معه أو حاول إذخالها بأي وسيلة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬الحكم على من ضبط متعاطيها لها بما في شرع ال دون تعاون‪.‬‬
‫وقبيل هذا كله تربيية الشعيب كله فرداً وأسيرة ومجتمعاً على أنهيا مين الخبائث التيي‬
‫حرم ال وأن ال يعاقب من ارتكبها كما مضى في الفصول والمباحث السابقة‪.‬‬
‫والسلم وحده هو القادر على صيانة العقل من المفسدات المعنوية والمادية معاً ول‬
‫يسيتطيع أي ديين أو أي قانون أن يصيونه كميا يصيونه السيلم وسييأتي ميا يؤكيد هذا فيي‬
‫الفصل السابع إنشاء ال‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬حفظ المال‪.‬‬


‫المال مال ال اسيتخلفه فيي عباده‪ ،‬فهيو سيبحانه المالك الحيق‪ ،‬ول يجوز لخلقيه الذيين‬
‫استخلفهم فيه أن يحرزوه أو ينفقوه إل من حيث هو مشروع‪.‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬آمنوا بال ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} [الحديد‪.]7 :‬‬
‫قال القرطيبي رحميه ال فيي تفسيير هذه اليية‪( :‬دلييل على أن أصيل الملك ل سيبحانه‬
‫وأن العبد ليس له فيه إل التصرف الذي يرضي ال‪ ،‬فيثيبه على ذلك الجنة) إلى أن قال‪:‬‬
‫(وقال الحسين‪( :‬مسيتخلفين فييه) بوراثتكيم عمين كان قبلكيم‪ ،‬وهذا يدل على أنهيا ليسيت‬
‫بأموالكيم فيي الحقيقية‪ ،‬وميا أنتيم فيهيا إل بمنزلة النواب والوكلء‪ ،‬فاغتنموا الفرصية فيهيا‬
‫بإقاميية الحييق قبييل أن تزال عنكييم إلى ميين بعدكييم) [الجامييع لحكام القرآن (‪)17/238‬‬
‫وراجع كتابنا السلم وضرورات الحياة ص‪.]183-129:‬‬
‫ول شييك أن الذي يتعاطييى المسييكرات والمخدرات ل يؤميين على حفييظ ماله ومال‬
‫غيره فيي حال سيكره وحال صيحوه‪ ،‬فهيو ل يبالي أن يجميع المال بأي أسيلوب مشروعاً‬
‫كان أو غيير مشروع‪ ،‬بيل إنيه يتعدى على حقوق الناس مين أموالهيم وأنفسيهم وأعراضهيم‬
‫فكيف يؤمن على حفظ المال‪.‬‬
‫ومن هنا يعلم أن الذي يتعاطى المسكرات والمخدرات بالبيع أو الشراء أو الصنع أو‬
‫النقييل أو الباحيية ليييس مؤتمنًا على حفييظ الضرورات والهداف العليييا التييي يجييب على‬
‫المسلمين أن يسعوا إلى تحقيقها في الحياة بل كل المم ل حياة لهم بدونها‪ ،‬وهي‪ :‬الدين‬
‫والنفس والنسل والعقل والمال‪.‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫صرف الشباب إلى ميادين التزكية والجهاد‬
‫وفي هذا الفصل مبحثان‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬صرف الشباب إلى ميادين التزكية‪.‬‬
‫المراد بالتزكية‪:‬‬
‫تطهير النفس من الثام والمعاصي وإلزامها بطاعة ال تعالى وطاعة رسوله صلى‬
‫ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ولهذا الميير بعيث ال تعالى رسيوله صيلى ال علييه وسييلم إلى الناس وأنزل كتابييه‪،‬‬
‫والذي يتزكى يكون مهتدياً صالحاً‪ ،‬والذي ل يتزكى يكون ضالً شقياً‪.‬‬
‫فإذا أريييد لي مجتمييع أن يكون مجتمعًا صييالحاً تظهيير فيييه الفضيلة وتختفييي فيييه‬
‫الرذيلة فعلى ولة المور فيه أن يقوموا بتزكيته وتطهيره ويصرفوا شبابه إلى كل ميدان‬
‫يحقيق فيهيم تلك التزكيية التيي ل يفلح إل مين منّي ال بهيا علييه‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬كميا أرسيلنا‬
‫فيكيم رسيولً منكيم يتلوا عليكيم آياتنيا ويزكيكيم ويعلمكيم الكتاب والحكمية ويعلمكيم ميا لم‬
‫تكونوا تعلمون} [البقرة‪.]151 :‬‬
‫وكان بعييث ال تعالى رسييوله صييلى ال عليييه وسييلم إلى هذه الميية اسييتجابة لدعاء‬
‫إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلم ربهما أن يبعث فيها هذا الرسول ليعلمهم ويزكيهم‬
‫ل منهييم يتلو عليهييم آياتييك ويعلمهييم الكتاب‬‫كمييا قال تعالى‪{ :‬ربنييا وابعييث فيهييم رسييو ً‬
‫والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} [البقرة‪.]129 :‬‬
‫وأكيد سيبحانه وتعالى امتنانيه على المؤمنيين ببعيث رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‬
‫ل ميين‬‫فيهييم لتعليمهييم وتزكيتهييم‪ ،‬فقال‪{ :‬لقييد ميين ال على المؤمنييين إذ بعييث فيهييم رسييو ً‬
‫أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل‬
‫ميبين} [آل عمران‪ ،]164 :‬وقال تعالى‪{ :‬هيو الذي بعيث فيي المييين رسيولً منهيم يتلو‬
‫عليهيم آياتيه ويزكيهيم ويعلمهيم الكتاب والحكمية وإن كانوا مين قبيل لفيي ضلل ميبين}‬
‫[الجمعية‪ ،]2 :‬وقال تعالى‪ { :‬قيد أفلح مين زكاهيا وقيد خاب مين دسياها} [الشميس‪]9 :‬‬
‫وقال‪{ :‬قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى} [العلى‪ ،]15-14 :‬وقال تعالى‪{ :‬خذ‬
‫مين أموالهيم صيدقة تطهرهيم وتزكيهيم بهيا وصيل عليهيم إن صيلتك سيكن لهيم وال سيميع‬
‫عليم} [التوبة‪.]103 :‬‬
‫ظاهر من هذه اليات القرآنية أن ال تعالى بعث رسوله محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫بهذا القرآن ليتلوه على الناس ويعلمهيم هذا الديين ويزكيهيم ويطهرهيم بيه‪ ،‬وأن مين تزكيى‬
‫أفلح ومن لم يتزك ضل‪.‬‬
‫وبناء على ذلك فإن ميين أراد أن يقيير فييي الرض الخييير والصييلح ويحارب الشيير‬
‫والفسيياد فل يييد أن يقوم بتعليييم الناس دينهييم بالكتاب والسيينة وأن يجتهييد فييي تزكيتهييم‬
‫بتوجيههييم إلى العمال الصييالحة‪ ،‬وإذا لم يفعييل ذلك فترك الناس يرتكسييون فييي حمأة‬
‫المعاصيي والشهوات ويبتعدون عين التزكيية والتطهيير اللذيين يغيران النفوس ويقودانهيا‬
‫إلى الطاعييية فل ينتظييير مييين الناس أن ينقادوا له إذا طلب منهيييم البتعاد عييين بعيييض‬
‫المنكرات التيي يرتكبونهيا‪ ،‬مثيل البتعاد عين المسيكرات والمخدرات‪ ،‬فإنيه قيد ترك لهيم‬
‫الحبيل على الغارب فيي البتعاد عين طاعية ال والوقوع فيي معاصييه‪ ،‬وكثيير مين حكام‬
‫الشعوب السييلمية يييبيحون الخميير فتباع وتشترى فييي بلدهييم‪ ،‬بييل إنهييا تتعاطييى على‬
‫مرأى ومسيمع منهيم وقيد يتناولهيا بعيض كبار رجال الدولة‪ ،‬ثيم يطلبون مين أفراد شعبهيم‬
‫أن يجتنبوا المخدرات وهذا غريب ومنطق معكوس‪ ،‬فالخمر أم الخبائث كما سماها بذلك‬
‫سلفنا الصالح وعلى رأسهم عثمان بن عفان رضي ال عنه‪ ،‬وقد نهى ال تعالى عنها في‬
‫كتابه وحرمها كما نهى عنها الرسول صلى ال عليه وسلم وحرمها وعاقب عليها ولعن‬
‫كيل مين اشترك فيي تحضيرهيا وشربهيا وميع ذلك يبيحهيا قانون بعيض البلدان السيلمية‬
‫وتوضع للتجارة فيها لوائح وأنظمة وتجبى منها الضرائب‪.‬‬
‫ل ميين إباحيية مييا حرم ال وعليهييم أن يوجدوا‬‫فعلى ولة المور أن يزكوا أنفسييهم أو ً‬
‫السييباب التييي تزكييي شعوبهييم حتييى يتركوا مييا حرم ال بدافييع إيمانييي‪ ،‬وإل فليتحملوا‬
‫مسئولية تقصيرهم‪ ،‬بل وتعمد كثير منهم البتعاد عن تزكية الشعوب وتطهيرها‪.‬‬
‫ومياديين التزكيية التيي يمكين أن يوجيه إليهيا الشباب كثيرة جداً‪ ،‬وأولهيا القيام بأصيول‬
‫الفرائض وفروعهيا‪ ،‬كإقامية الصيلة وصيوم رمضان وإيتاء الزكاة وحيج بييت ال الحرام‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫وقييد دلت نصييوص القرآن والسيينة أن هذه الفرائض تزكييي صيياحبها وتوصييله إلى‬
‫التقوى وترك المنكرات‪.‬‬
‫ولذكيير أمثلة لهذه النصييوص تدل على مييا ذكيير بدون تطويييل فقييد أثبييت ال تعالى‬
‫للمصلي الفلح‪ ،‬لنه تزكى بها وبغيرها‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه‬
‫فصيلى} [العلى‪ ]15-14 :‬وأكيد تعالى أن الصيلت تكيف صياحبها – إذا أداهيا على‬
‫وجههيا‪ -‬عين الفواحيش والمنكرات‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬أتيل ميا أوحيي إلييك مين الكتاب وأقيم‬
‫الصلة إن الصلت تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر ال أكبر وال يعلم ما تصنعون}‬
‫[العنكبوت‪.]45 :‬‬
‫فإذا كانييت الصييلة تنهييى عيين الفحشاء والمنكيير ولم يهتييم بهييا ولة المور فيحملوا‬
‫الناس عليها بالترغيب والترهيب كما كان الرسول صلى ال عليه وسلم يفعل‪ ،‬وكثير من‬
‫المنتسبين إلى السلم ل يقيمون الصلة فكيف نطلب منهم أن يتركوا بعض المنكرات‪.‬‬
‫وذكيير سييبحانه أن إخراج المسييلم زكاة ماله يطهره ال بييه ويزكيييه‪ ،‬كمييا قال تعالى‪:‬‬
‫{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم وصل عليهم إن صلتك سكن لهم وال سميع‬
‫عليم} [التوبة‪.]103 :‬‬
‫وأكثيير الغنياء فييي الشعوب السييلمية ل يأخييذ أولياء أمور المسييلمين منهييم زكاة‬
‫أموالهم بل يخجلون أن يأخذوها باسمها ويأخذون منهم ضرائب وهم غير راضين بها‪،‬‬
‫ولو أنهيم أقاموا حكيم ال فحثوا الناس على عبادة ربهيم بإخراج الزكاة مين أموالهيم لكان‬
‫فيي ذلك تطهيير للغنياء بأداء ركين كيم أركان هذا الديين‪ ،‬وفرق كيبير بيين إخراج شييء‬
‫عباد ًة ل وإخراج ذلك الشيء أو أكثر منه ضريبة ل صلة له بالدين‪ ،‬ثم لو أخذت الزكاة‬
‫وقسييمت بييين مسييتحقيها لسييتغنى كثييير ميين الفقراء عييم ارتكاب المحرمات فييي سييبيل‬
‫الحصييول على الرزق‪ ،‬ميين سييرقة واختلس وخيانيية وتجارة فييي الخمور والمخدرات‬
‫والدخان وغيرها‪.‬‬
‫وقال تعالى في تطهير الصيام للصائم‪{ :‬ييا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما‬
‫كتيب على الذيين مين قبلكيم لعلكيم تتقون} [البقرة‪ ،]183 :‬فالصييام يؤدي إلى تقوى ال‪،‬‬
‫لما فيه من إلزام النسان نفسه طاعة ربه واجتناب المباحات التي أصبحت محرمة عليه‬
‫بعيد شروعيه فيي الصييام امتثالً لمير ال … فكون النسيان يدع ميا تشتهييه نفسيه مين‬
‫المباحات – فيي الصيل – والطيبات طاعية لربيه‪ ،‬فإنيه يكون أكثير بعداً عميا هيو محرم‬
‫عليه في الصل‪ ،‬فإذا كان الصون يؤدي إلى هذا المعنى من التزكية التطهير فإن واجب‬
‫ولة أمور المسلمين حمل الناس عليه كغيره من فرائض العبادات‪ ،‬فإذا تركوا كثيراً من‬
‫المسييلمين فييي شعوبهييم يعصييون ال جهارًا فل يقومون بهذا الركيين ميين أركان السييلم‬
‫الذي يؤدي إلى تقوى والتقوى هييي امتثال أميير ال واجتناب نهيييه فكيييف يطلبون ميين‬
‫هؤلء الفسيقة العصياة أن يقلعوا عين المخدرات‪ ،‬بيل إن بعيض مين ولهيم ال قَدَراً أمور‬
‫المسلمين أفتى بجواز الفطر في رمضان من أجل التّقوّي على القيام بأعمال الدولة‪.‬‬
‫وقال تعالى عين الحيج‪{ :‬الحيج أشهير معلومات فمين فرض فيهين الحيج فل رفيث ول‬
‫فسيوق ول جدال فيي الحيج وميا تفعلوا مين خيير يعلميه ال وتزودوا فإن خيير الزاد التقوى‬
‫واتقون يا أولي اللباب} [البقرة‪.]197 :‬‬
‫وقال الرسيول صيلى ال علييه وسيلم‪(( :‬مين حيج هذا البييت فلم يرفيث ولم يفسيق رجيع‬
‫كما ولدته أمه))‪ ،‬وقال‪(( :‬الحج المبرور ليس له جزاء إل الجنة)) [البخاري بشرح فتح‬
‫الباري (‪ )4/20( )3/597‬ومسلم (‪.])2/983‬‬
‫وكثيير مين الشباب المسيلم يحرم مين أداء فريضية الحيج الذي هيو ركين مين أركان‬
‫السلم وله هذا الثر العظيم على النفوس في تطهيرها وتزكيتها‪.‬‬
‫ومين الصيعب جداً أن يتتبيع الباحيث أثير بقيية الواجبات والمندوبات وترك المحرمات‬
‫والمكروهات في النفوس البشرية وتزكيتها وتطهيرها وكفهيا عن المعاصي عامة وهيي‬
‫غيير خافيية فيي واقيع الناس ويعرف ذلك من احتاج مين الناس إلى الرجيل الميين الذي ل‬
‫يخونهيم فيي أعراضهيم وأموالهيم‪ ،‬فإنهيم يبحثون عين الرجيل الملتزم بالديين وإن كانوا هيم‬
‫غيير ملتزميين بذلك‪ ،‬والسيبب هيو علمهيم أنيه يبتعيد عين ظلمهيم وخيانتهيم خوفاً مين ال‬
‫وليس خوفاً من مراقبتهم‪.‬‬
‫ومين مياديين التزكيية المسياجد وحلقات الذكير وتلوة القرآن وتعلييم مبادئ السيلم‪،‬‬
‫فإن الثر الذي تحدثه المساجد في نفوس الناس قلما يوجد في ميدان آخر‪ ،‬اللهم إل ميدان‬
‫الجهاد في سبيل ال‪.‬‬
‫لذلك يجييب على وله أمور المسييلمين أن يعنوا بالمسيياجد‪ ،‬وبالترغيييب فييي حضور‬
‫صلة الجماعة وحلقات الذكر وأن يوظفوا بها أئمة أكفاء قادرين على التزكية والتطهير‬
‫والتعليم فإنه ل يمكن أخذ العلم النافع والعمل الصالح على الوجه الصحيح إل عن طريق‬
‫العلماء العاملين كما حصل ذلك للصحابة رضي ال عنهم مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم‪ ،‬وللتابعيين ميع الصيحابة وهلم جير‪ ،‬ولهذا فإن العلماء العامليين يتحملون مسيئولية‬
‫عظيميية فييي تعليييم الناس وتزكيتهييم وتطهيرهييم [راجييع فييي هذا كلم نفيييس للمام أبييي‬
‫إسيحاق إبراهييم بين موسيى الشاطيبي رحميه ال فيي كتابيه القييم‪ :‬الموافقات (‪)95-1/91‬‬
‫بتحقييق محميد عبيد ال دراز – وللمؤلف كتاب فيي وظيفية المسيجد التربويية بعنوان‪ :‬دور‬
‫المسيجد فيي التربيية‪ ،‬وهيو مطبوع]‪ ،‬وحكام المسيلمين يتحملون مسيئولية عظيمية فيي عدم‬
‫حمل العلماء على ذلك‪ ،‬فكيف إذا صدوهم عن القيام به؟‪.‬‬
‫وميين ميادييين تزكييية النفوس القيام بخدميية الضعفيية والعجزة ومسيياعدة الرامييل‬
‫والمحتاجيين‪ ،‬وإنصياف المظلوميين ومسياعدة المنكوبيين بالكوارث‪ ،‬كالعاصيير المدمرة‬
‫والزلزل والبراكين والفيضانات والمجاعات وغيرها مما ل يأتي عليه الحصر والناس‬
‫في كل مكان وزمان يحتاجون إلى هذه المساعدات فلو اهتم ولة أمور المسلمين بتوجيه‬
‫الشباب إلى القيام بهذه المور لكان ذلك أجدى عليهيييم مييين التسيييكع والتشرد والشتغال‬
‫بأمور تافهة ل تتحقق لهم مصالح ل في الدنيا ول في الخرة‪ ،‬بل تجر عليه وعلى أمتهم‬
‫الوبال والنحطاط‪.‬‬
‫إنييه ل شييك يوجييد شباب منصييرف إلى هذه الميادييين النافعيية التييي تزكييي النفوس‬
‫وتطهرهييا ولكيين هناك أعدادًا هائلة ميين الشباب ضائعيية عندهييا ميين الفراغ ممييا يجعلهييا‬
‫بأسوأ الخلق وتوافه المور‪ ،‬بل وأكثرها ضرراً عليهم وعلى مجتمعاتهم‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬صرف الشباب إلى ميادين الجهاد‪.‬‬


‫الصيل فيي الجهاد فيي سيبيل ال أنيه فرض كفايية إذا قاميت بيه طائفية أو طوائف فيي‬
‫الرض كافية لنشر السلم ورفع رايته وإعزاز أهل السلم وإذلل أهل الكفر وحماية‬
‫ديار السلم من غزو العداء‪ ،‬بيل وغزو العداء فيي عقر دارهيم بحسيب ميا شرعه ال‬
‫ورسوله ودرج عليه السلف الصالح فإنه إذا قامت به تلك الطائفة أو الطوائف يسقط عن‬
‫الباقين‪ ،‬وليس فرض عين بهذا العتبار‪.‬‬
‫ولكن إذا لم تقم به طائفة أو قامت به طائفة غير كافية لرفع راية السلم في الرض‬
‫فإنه يكون فيض عين على كل مسلم بهذا العتبار‪.‬‬
‫واليوم ل يشك عاقل من المسلمين أن الجهاد فرض عين على كل المسلمين‪ ،‬لنه ل‬
‫يوجد في الرض طائفة قائمة بالجهاد كافية لغيرها‪ ،‬مع أن كثيراً من أراضي المسلمين‬
‫قد هجم عليها العداء واحتلوها وشردوا أهلها‪ ،‬ويتحفز أولئك لغيرها‪ ،‬وكذلك كثير من‬
‫المسيلمين مضطهدون فيي العالم‪ :‬يعذبون ويشردون ويحرمون مين حقوقهيم‪ ،‬بيل ويخرج‬
‫كثيير مين أبنائهيم مين هذا الديين إلى ديين النصيارى والوثنييين والشيوعييين‪ ،‬ولسيت فيي‬
‫حاجية إلى الكثار مين ضرب المثلة فالقدس وشعيب فلسيطين تحيت اليهود وكيل الدول‬
‫النصرانية يؤيدونهم وكذلك الدول الشيوعية‪ ،‬والنصيارى يهددون السوادن بالنقسام من‬
‫سنوات طويلة‪ ،‬والحبشة شردت المسلمين في أرتيريا‪ ،‬والفلبين تقتل المسلمين وتشردهم‬
‫والروس يحتلون أفغانستان ويهددون باكستان‪ ،‬وبعض الشعوب السلمية يحكمها من ل‬
‫يؤمن بدين السلم‪ ،‬فهل يشك عاقل مسلم في كون الجهاد في سبيل ال اليوم فرض عين‬
‫على كل المسلمين؟‬
‫وإذا كان المير كذلك فإن كثيراً مين الشباب الذي لم يجيد مين العمال مميا يمل بهيا‬
‫أوقاته الفارغة إل التشرد والفساد وتعاطي المحرمات كالمسكرات والمحرمات وارتكاب‬
‫الفواحش وكثير من هذا الباب إذا لم يجد ما يشبع رغبته من الفساد حزم حقيبته وانطلق‬
‫إلى بلدان الكفر في الشرق أو في الغرب أو إلى بعض الشعوب السلمية التي ل تختلف‬
‫كثيراً عين بلد الكفير فيي إباحية حكامهيا المنكرات والمعاصيي التيي حرمهيا ال ورسيوله‬
‫ويأباهيا المؤمنون فيتناول ذلك الشباب كيل ميا تشتهييه نفسيه ويعود إلى بلده حاملً معيه‬
‫جراثييم الخلق الفاسيدة والمراض المعديية وقيد يعود وهيو يحميل هداييا مين المسيكرات‬
‫والمخدرات لترابييه ورفقائه أو عناوييين فييي تلك البلدان‪ ،‬فيجيير الشاب الواحييد إلى ذلك‬
‫الفساد شباناً كثيرين … وهكذا‪.‬‬
‫ولو أن أولياء المور حببوا إليهييم الجهاد فييي سييبيل ال وجمعوهييم فييي معسييكرات‬
‫لتدريبهييم وإعدادهييم ثييم توزيعهييم على وحدات الجيوش السييلمية ليحموا أوطانهييم ميين‬
‫غزو العداء والعتداء على بلدانهيم‪ ،‬وبعيث بعضهيم إلى مياديين الجهاد فيي سيبيل ال‪:‬‬
‫ل فييي أفغانسييتان وغيرهييا لينالوا شرف الشهادة أو النصيير على العداء‬ ‫الجهاد القائم فع ً‬
‫فإذا عادوا إلى أوطانهييييم عادوا وهييييم رجال يحبون الخييييير ويبغضون الشيييير يدعون‬
‫زملءهيم وأترابهيم إلى بذل المال النفيس فيي سيبيل ال بدلً مين أن يعودوا وأدمغتهيم قيد‬
‫ملئت بالسكر والتخدير وقد يكتشف شرهم فتمل بهم الشجون وترمل نساؤهم ويتبعهم في‬
‫التشرد أبناؤهم‪.‬‬
‫إن الجهاد في سبيل ال من أعظم الوسائل التي تقرب الشباب من الوقوع في تعاطي‬
‫المسيكرات والمخدرات والتدخيين وغيرهيا مين المنكرات‪ ،‬ول يمكين أبداً أن يحيل محله‬
‫شيء من المشاغل الخرى‪ ،‬كالنوادي الرياضية ونحوها‪ ،‬لن الجهاد في سبيل ال يربط‬
‫الشاب بربيه وبالحياة البديية التيي ينتظرهيا لو اسيتشهد فيي سيبيل ال‪ ،‬بخلف غيره مين‬
‫العمال التي ل هدف لها إل تحريك البدن‪.‬‬
‫وإذا كان ولة المور فييي الشعوب السييلمية وكذلك المجتمعات السييلمية تريييد‬
‫الخييير والسييعادة لشبابهييا وتريييد صييرفهم عيين المنكيير والفسيياد فعليهييم أن يصييرفوا هذا‬
‫الشباب إلى مياديين الجهاد فيي سبيل ال [وللمؤلف كتاب كيبير فيي الجهاد بعنوان‪ :‬الجهاد‬
‫في سبيل ال حقيقته وغايته‪ ،‬وهو مطبوع في مجلدين]‪.‬‬
‫الفصطل الخامطس‪ :‬إقامطة قاعدة المطر بالمعروف والنهطي‬
‫عن المنكر في المجتمع‪:‬‬
‫المسيلمون بشير كغيرهيم‪ ،‬وليسيوا بمعصيومين مين الزلل إل أن يكونوا أنيبياء‪ ،‬فكون‬
‫بعضهيم تصيدر منهيم بعيض المعاصيي والمنكرات لييس غريباً‪ ،‬وإنميا الغرييب أن تصيدر‬
‫من المسلم المعاصي ويصر عليها ويستمر في تعاطيها‪ ،‬وتشتد الغرابة أكثر عندما يصر‬
‫المسلم على المعصية ثم ل يوجد من ينكرها‪ ،‬لن المنكر عندئذ يستقر ويتفشى في المة‬
‫فيصبح عادة يكثر بسببها النحراف ويقتدي اللحق بالسابق‪.‬‬

‫وفي هذا الفصل مبحثان‪:‬‬


‫المبحث الول‪ :‬في منزلة قاعدة المر بالمعروق والنهي عن المنكر في السلم‪.‬‬
‫لقد جعل القرآن الكريم والسنة النبوية استقرار اليمان بأصوله وفروعه في المجتمع‬
‫السييلمي ملزمًا للميير بالمعروف والنهييي عيين المنكيير‪ ،‬كمييا جعييل الولء الحييق بييين‬
‫المسلمين معتمداً على تآمرهم بالمعروف وتناهيهم عن المنكر‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬والمؤمنون‬
‫والمؤمنات بعضهيييم أولياء بعيييض يأمرون بالمعروف وينهون عييين المنكييير ويقيمون‬
‫الصلة ويؤتون الزكاة ويطيعون ال ورسوله أولئك سيرحمهم ال‪ ،‬إن ال عزيز حكيم}‬
‫[التوبة‪.]71 :‬‬
‫فإذا ميا فقيد المير بالمعروف والنهيي عين المنكير فيي مجتميع‪ ،‬أصيبح ولء بعيض هذا‬
‫المجتميع قائمًا على النفاق‪ ،‬ولييس على اليمان‪ ،‬وكان العصييان شعارهيم والفسيق قائدهيم‬
‫إلى لعنة ال وأليم عقابه‪ ،‬بدل من تلك الرحمة المبنية على الطاعة والولء الصادق الذي‬
‫ل ينفك عنه المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬المنافقون والمنافقات‬
‫بعضهيم مين بعيض يأمرون بالمنكير وينهون عين المعروف ويقبضون أيديهيم نسيوا ال‬
‫فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون‪ ،‬وعد ال المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين‬
‫فيهيا هيي حسيبهم ولعنهيم ال ولهيم عذاب مقييم} [التوبية‪ ،]68-67 :‬وقال تعالى‪{ :‬لعين‬
‫الذيين كفروا مين بنيي إسيرائيل على لسيان داود وعيسيى بين مرييم ذلك بميا عصيوا وكانوا‬
‫يعتدون‪ ،‬كانوا ل ينتاهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} [المائدة‪.]79-78 :‬‬
‫وعندميا يفقيد المير بالمعروف والنهيي عين المنكير فيي المجتميع يكون شيبيهاً بركاب‬
‫سيفينة اتخذوا بأيديهيم أسيباب غرقهيا بهيم وهلكهيم فيي البحير‪ ،‬كميا أن المجتميع الذي تقوم‬
‫فييه قاعدة المير بالمعروف والنهيي عين المنكير يكون عكيس ذلك‪ ،‬وهيو أنيه اتخيذ كيل‬
‫الوسائل والسباب المؤدية إلى سلمة سفينتهم وسلمتهم من الغرق‪ ،‬كما بين ذلك حديث‬
‫النعمان بين بشيير رضيي ال عنهميا‪ ،‬عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪(( :‬مثيل القائم‬
‫على حدود ال والواقييع فيهييا كمثييل قوم اسييتهموا على سييفينة فأصيياب بعضهييم أعلهييا‬
‫وبعضهيم أسيفلها‪ ،‬فكان الذي فيي أسيفلها إذا اسيتقوا مين الماء مروا على مين فوقهيم فقالوا‪:‬‬
‫لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا‪ ،‬فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً‪،‬‬
‫وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)) [البخاري (‪.])3/111‬‬
‫المبحيث الثانيي‪ :‬ميا يترتيب على قيام المجتميع السيلمي بفريضية المير بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر أو عدم قيامه بذلك‪.‬‬
‫وفي هذا المبحث فرعان‪:‬‬
‫الفرع الول‪ :‬قيام ولة أمور المسلمين بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫لقد جعل ال رسوله صلى ال عليه وسلم قدوة حسنة للمسلمين في كل شيء‪ ،‬إل ما‬
‫نييص على اختصيياصه بييه‪ ،‬وميين ذلك الميير بالمعروف والنهييي عيين المنكيير‪ ،‬كمييا قال‬
‫تعالى‪{ :‬لقيد كان لكيم فيي رسيول ال أسوة حسينة لمين كان يرجوا ال واليوم الخير وذكير‬
‫ال كثيراً} [الحزاب‪ ،]21 :‬وقال تعالى‪{ :‬الذييين يتبعون الرسييول النييبي المييي الذي‬
‫يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل‬
‫لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث …} [العراف‪.]157 :‬‬
‫وقال في ولة أمور المقتدين به صلى ال عليه وسلم‪{ :‬الذين إن مكناهم في الرض‬
‫أقاموا الصييلة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عيين المنكيير ول عاقبيية المور}‬
‫[الحج‪.]41 :‬‬
‫وقييد شرع رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم لولة المور أن يقوموا فييي رعاياهييم‬
‫بالمير بالمعروف والنهيي عين المنكير فيي السيفر والحضير والمسيجد والمنزل والشارع‬
‫والسوق وعلى كل حال من الحوال لما يترتب على ذلك من مطاردة المنكر بكل أنواعه‬
‫في كل مكان حتى ل يجد له مأوى في المجتمع السلمي يستقر فيه‪.‬‬
‫فمن أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر في المسجد ما رواه جابر رضي ال عنه أن‬
‫رجلً مير فيي المسيجد بأسيهم قيد أبدى نصيولها فأمير أن يأخيذ بنصيولها ل يخدش مسيلماً‪،‬‬
‫وفي حديث أبي موسى عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪(( :‬إذا مر أحدكم في مسجدنا‬
‫أو فيي سيوقنا ومعيه نبيل فليمسيك على نصيالها … أن يصييل أحداً مين المسيلمين منهيا‬
‫شيء)) [البخاري (‪. ])8/90‬‬
‫ومين أمره صيلى ال علييه وسيلم بالمعروف ونهييه عين المنكير ميا رواه أبيو هريرة‬
‫رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها‬
‫فنالت أصيابعه بللً‪ ،‬فقال‪(( :‬ميا هذا ييا صياحب الطعام؟)) قال‪ :‬أصيابته السيماء ييا رسيول‬
‫ال‪ ،‬قال‪ (( :‬أفل جعلتييه فوق الطعام كييي يراه الناس؟ ميين غييش فليييس منييا)) [مسييلم‪( :‬‬
‫‪. ])1/99‬‬
‫ومن أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر في السفر وعلى مرأى من جموع كبيرة من‬
‫البشير فيي وقيت عبادة مين أعظيم العبادات ميا رواه جابر رضيي ال عنيه‪ ،‬قال‪ :‬قال لي‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪(( :‬اسيتنصت الناس)) ثيم قال‪(( :‬ل ترجعوا بعدي كفاراً‬
‫يضرب بعضكم رقاب بعض)) [البخاري (‪.])8/91‬‬
‫ومن ذلك قصة الفضل بن عباس الذي كان راكباً خلفه صلى ال عليه وسلم في هذه‬
‫الحجية‪ ،‬فمرت نسياء يسيألن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬فأخيذ الفضيل ينظير إليهين‬
‫فوضع رسول ال صلى ال عليه وسلم يده على وجه الفضل ليحول بينه وبين النظر إلى‬
‫النساء‪ ،‬فحول الفضل وجهه ينظر من الشق الخر فحول الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫يده من الشق الخر ليحول بينه وبين النظر إليهن [راجع صحيح مسلم (‪.])2/891‬‬
‫إن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وضيع لولياء أمور المسيلمين منهاجاً يسييرون‬
‫علييه‪ ،‬وهيو أن يبذلوا وسيعهم فيي اتخاذ السيباب التيي تحول بيين الشباب ووصيوله إلى‬
‫معصيية ال‪ ،‬حتيى لو اقتضيى المير أن يقوم ولي المير بنفسيه بالمير بالمعروف والنهيي‬
‫عن المنكر ولو قارنا بين سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم وشرعه وبين ما يحصل‬
‫اليوم فييي أكثيير الشعوب السييلمية ميين منكرات يسييمح بهييا ولة أمور المسييلمين إمييا‬
‫صراحة وإما ضماناً في السواق والنوادي والمسارح وأجهزة العلم من إذاعة وتلفاز‬
‫وفيديو وجريدة ومجلة وغيرها‪ ،‬حتى أن التلفاز يعرض ما هو منكر ويدعوا إلى المنكر‬
‫فييي كيل بيييت‪ ،‬فيرى الشاب مغازلة الرجال للنسيياء ومنييا هيو أعظيم ويرى عرض أفلم‬
‫تدعوا إلى الجرائم الخلقيييية والجنائيييية ومييين ذلك تناول المسيييكرات والمخدرات‪ ،‬وهذه‬
‫الخيرة يقال‪ :‬إنهيا تعرض للتنفيير مين عواقبهيا ولكين لو تتبيع المسيئولون فقراتهيا بدقية‬
‫لرأوا أنهيا تدعوا إلى العكيس فيي كثيير مين الحيان‪ ،‬إذ يكون الفوز فيي المسيلسلة لبائعيي‬
‫المخدرات ومروجيها حيث يصبحوا أغنياء وإن كان فيها ضحايا من غيرهم‪ ،‬وهل يأمن‬
‫ولة المور مين أن يتفيق الممثلون اتفاقات سيرية ميع تجار المخدرات لتكون المسيلسلت‬
‫في حقيقة المر من وسائل ترويج المخدرات؟‬
‫قارن أيهيا العاقيل بيين تغطيية الرسيول صيلى ال علييه وسيلم وجيه الفضيل بين العباس‬
‫مين أن ينظير إلى ميا حرم ال علييه وبيين سيماح كثيير مين ولة المور لشاشية التلفاز أن‬
‫يعرض فيهيا هذا المنكير وغيرهيا على السير وفيهيم السيباب والشابات‪ ،‬ثيم نرى بعيد ذلك‬
‫السيتنجاد بالسيلم لوقايية الشباب مين بعيض المنكرات أترى هذا منطقاً مسيتقيماً أم هيو‬
‫مكب على وجهه؟‬
‫إن المنكرات يجييير بعضهيييا إلى بعيييض‪ ،‬فالخمييير تدعوا إلى الزنيييا والعتداء على‬
‫النفييس والموال‪ ،‬والزنييا يدعوا إلى غيره‪ ،‬والواجييب على ولة المور أن يتخذوا كييل‬
‫الوسائل المشروعة لمحاربة كل الموبقات ليتطهر المجتمع من أرجاسها‪.‬‬
‫وقييد بييين شيييخ السييلم ابيين تيمييية رحمييه ال إن ميين خصييائص الميية الميير بكييل‬
‫معروف والنهي عن كل منكر‪ ،‬لكل أحد من البشر [كتاب الستقامة (‪.])203-2/200‬‬
‫فالمعصييية التييي تتمكيين ميين النسييان تجره إلى غيرهييا‪ ،‬والنسييان الذي يصيير على‬
‫معصية ينقلها لغيره‪ ،‬وإقبال النفوس على المعاصي أكثر من إقبالها على الطاعات وهذا‬
‫يوجيب السيتمرار واليقظية مين ولة المور لمتابعية المنكران ومطاردتهيا وكيف الناس‬
‫عنها بكل الوسائل المشروعة والمتاحة‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬قيام المجتمع كله بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫وقيد أوجيب ال تعالى على كيل فرد مين أفراد المسيلمين أن يأمير بالمعروف وينهيى‬
‫عين المنكير‪ ،‬كميا ورد فيي الحدييث‪(( :‬مين رآى منكيم منكراً فليغيره بيده فإن لم يسيتطع‬
‫فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اليمان)) [مسلم (‪.])1/69‬‬
‫ولفظه‪( :‬من) تفيد العموم فل يخرج أي فرد من أفراد المسلمين من هذا العموم ولكن‬
‫لميا كان المير بالمعروف والنهيي عين المنكير مين فروض الكفايية التيي إذا قام بهيا أحيد‬
‫قياماً كافياً سقط عن الباقين فإن الفرد إذا رأى منكراً ورأى من يغيره فقد سقط عنه‪ ،‬لن‬
‫الهدف هو إزالة المنكر‪ ،‬لكن ل نخرج من هذا العموم أي مسلم فيما يتعلق ببغض المنكر‬
‫بالقلب فالذي ل يبغض المنكر آثم ولو لم يتعاطاه هو أو أنكره غيره فكفاه‪.‬‬
‫وأمير الرسيول صيلى اله علييه وسيلم السيرة أن تقوم بالمير بالمعروف والنهيي عين‬
‫المنكر فيما بينها كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صيلى اله علييه وسيلم‪(( :‬مروا أولدكيم بالصيلة وهيم أبناء سيبع واضربوهيم عليهيا وهيم‬
‫أبناء عشيير وفرقوا بينهييم فييي المضاجييع)) [أبييو داود ‪ ،‬وهييو فييي شرح السيينة للبغوي (‬
‫‪ )2/406‬قال المحشي‪ :‬وإسناده حسن]‪.‬‬
‫وأمر صلى ال عليه وسلم المجتمع بتغيير المنكر في الشارع والنادي والسوق‪ ،‬كما‬
‫في حديث أبي سعيد الخدري رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪(( :‬إياكم‬
‫والجلوس فيي الطرقات)) فقالوا‪ :‬ميا لنيا بيد‪ ،‬إنميا هيي مجالسينا نتحدث فيهيا‪ ،‬قال‪(( :‬فإذا‬
‫أبيتيم إل المجالس فأعطوا الطرييق حقيه)) قالوا‪ :‬وميا حيق الطرييق؟ قال‪(( :‬غيض البصير‬
‫وكف الذى ورد السلم وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر)) [البخاري (‪.])3/103‬‬
‫وكان أصيحاب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ل يدعون المير بالمعروف والنهيي‬
‫عن المنكر حتى في أشد الحالت عليهم في مرض الموت‪ ،‬ومن أمثلة ذلك أن أبا موسى‬
‫الشعري رضيي ال عنيه وجييع وجعاً فغشيي علييه‪ ،‬ورأسيه فيي حجير امرأة مين أهله‪،‬‬
‫فصياحت امرأة مين أهله‪ ،‬فلم يسيتطع أن يرد عليهيا شيئاً‪ ،‬فلميا أفاق قال‪ :‬أنيا برييء مميا‬
‫برئ منه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فإن رسول ال صلى ال عليه وسلم برئ من‬
‫الصالقة والحالقة والشاقة [مسلم (‪ )1/100‬والصالقة‪ :‬التي ترفع صوتها عند المصيبة‪،‬‬
‫والحالقة‪ :‬التي تحلق شعرها عند المصيبة‪ ،‬والشاقة‪ :‬التي تشق ثوبها عند المصيبة]‪.‬‬
‫وينبنيي على قيام ولي المير بالمعروف والنهيي عين المنكير وكذلك الفراد والسير‬
‫وكيل المجتميع أن يكون أهيل المنكير فيي وحشية يعتيبرون نشازاً فيي المجتميع لنهيم يرون‬
‫المجتمييع ينبييذ منكرهييم ول يرضييى بييه‪ ،‬فل يفشوا المنكيير وإنمييا يختفييي الفراد الذييين‬
‫يصيرون علييه ول يجاهرون بيه‪ ،‬فالمجتميع فيي هذه الحالة مجتميع نظييف يرفيض الدنيس‬
‫ويحارب المراض ويقي نفسه من انتشارها‪ ،‬والعصاة يشعرون بأنهم مرضى يحتاجون‬
‫إلى علج ينالون به الشفاء حتى يعودوا إلى المجتمع أسوياء أصحاء مقبولين‪.‬‬
‫أما إذا تركت المعاصي تنتشر ولم يغير المنكر فإن تلك المعاصي تشب في المجتمع‬
‫كما تشب النار في الهشيم وعندئذ يصعب إطفاء تلك النار الشاملة‪.‬‬
‫ولعل هذا يوضح لنا السبب في انتشار المسكرات والمخدرات بشكل مخيف في كثير‬
‫من بلدان المسلمين التي ُأقِرّت فيها المنكرات الكثيرة وبدأ ولة المور يشعرون بالخطر‬
‫مين المخدرات فأخذوا يحاولون محاربتهيا ولكين بأسياليب شبيهية يقطيع أغصيان الشجار‬
‫المتدلييية التييي تزيدهييا قوة وجمالً ولم يحاولوا اجتثاث الشجرة ميين أصييلها وذلك بتربييية‬
‫الشعوب على اليمان والعميل الصيالح ونشير الخلق الفاضلة ومحاربية الخلق السييئة‬
‫الفاسدة كلها‪.‬‬
‫إن السيتعانة بالسيلم عنيد الحاجية لمحاربية بعيض المنكرات وعدم أخذه وتطيبيقه‬
‫كاملً هيي شبيهية باسيتنجاد دول الغرب بالسيلم فيي محاربية الشيوعيية فقيط فيي بعيض‬
‫بلدان المسلمين فهل يليق بالمسلمين أن يكونوا كذلك؟‬
‫الفصطل السطادس‪ :‬جهطل مناهطج التعليطم والعلم محققطة‬
‫لمقاصد السلم‪:‬‬
‫التعليييم يربييي الجيال ويصييوغهم صييياغة عقدييية وفكرييية وسييلوكية واجتماعييية‬
‫وسياسية واقتصادية خاصة‪ ،‬بحيث يسير الجيل المتعلم حسب أسس معينة وأهداف محدد‬
‫بوسائل معدة لتحقيق ذلك كله‪.‬‬
‫لهذا ترى كيل دولة مهميا كيبرت أو صيغرت تحاول أن تضيع لمناهيج تعليمهيا أهدافاً‬
‫معينية وتوجيد لتحقييق ذلك الوسيائل الممكنية المؤديية إلى تحقييق تلك الهداف مين كتاب‬
‫ومدرس ونشاط منهجي أو غير منهجي‪ ،‬وكذلك وسائل العلم فإنها كالتعليم في الهدف‬
‫وإن اختلفت في الوسيلة والتأثير‪.‬‬

‫وفي هذا الفصل ثلثة مباحث‪:‬‬


‫المبحث الول‪ :‬في مقاصد التعليم والعلم في الشعوب‬
‫السلمية‪.‬‬
‫إن مقاصيييد التعلييييم والعلم يجيييب أن يتجيييه لتحقيقهيييا التعلييييم والعلم فيييي بلد‬
‫المسلمين هي مقاصد الشريعة السلمية وعلى رأسها الضرورات الخمس السابقة‪ :‬حفظ‬
‫الدين‪ ،‬وحفظ النسل‪ ،‬وحفظ العقل‪ ،‬وحفظ المال بالطرق الشرعية التي وردت في الكتاب‬
‫والسيينة ومييا اسييتنبطه منهمييا علماء المسييلمين المجتهدييين وحيييث أنييه سييبق أن ذكرت‬
‫خلصية لهذه المقاصيد فيي مباحيث لكيل واحيد منهيا فإنيي أكتفيي بذلك فيي هذا المبحيث‪،‬‬
‫ولكنيي أنبيه على شييء مهيم جداً‪ ،‬وهيو أن تحقييق هذه المقاصيد والهداف يحقيق كيل ميا‬
‫يصبو إليه المجتمع من الخير والرفاه والقوة والعزة فماذا يريد المجتمع بعد تحقيق حفظ‬
‫دينه ونفسه وعقله ونسله وماله؟‬
‫إن هذا الحفيظ لهذه المور ل يأتيي إل بتوجييه جهود المية كلهيا‪ ،‬كيل فيي تخصيصه‬
‫إلى تحقييق السيباب المؤديية إلى ذلك ومحاربية كيل وسييلة أو سيبب يؤدي إلى العتداء‬
‫عليها أو الضرر بها أو إهمالها‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬إعداد الكفاء‪.‬‬


‫فإذا وضع المنهج على أساس تحقيق تلك المقاصد فإنه يجب أن يعد الرجال الكفاء‬
‫الذي يضطلعون بتطييبيق ذلك المنهييج‪ :‬الكفاء الداريون والفنيون والمعلمون والمؤلفون‬
‫وغيرهييم‪ ،‬بحيييث يكونون مؤمنييين بتلك المقاصييد ووجوب تحقيقهييا عندهييم علم وخييبرة‬
‫يسيتطيعون أن يحققوا بهيا تلك المقاصيد‪ ،‬أمناء على مصيالح المية‪ ،‬حتيى يكونوا قادريين‬
‫على صياغة الجيال صياغة علمية وعملية تطبيقية‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الصفاء العلمي‪.‬‬


‫إن أجهزة العلم فييي أكثيير الشعوب السييلمية تهدم أكثيير ممييا تبنييي‪ ،‬لن موادهييا‬
‫العلمييية ل تخلوا ميين الدعوة المباشرة إلى العتداء على تلك الهداف العليييا التييي ل‬
‫حياة للمسيلمين بدونهيا‪ ،‬لييس معنيى هذا إن السيلم ل يذكير فيي تلك الجهزة‪ ،‬بيل يذكير‬
‫السيلم وتلقيى فيهيا مواعيظ وخطيب وندوات ولكين المواد العلميية المشوقية التيي يقبيل‬
‫عليهييا الطفال والسيير كالمسييلسلت والتمثيليات‪ ،‬غالبهييا يحمييل المنكيير والفسيياد الذي‬
‫ينغرس فيييي نفوس المسيييتمعين والمشاهديييين والقراء بدون شعور منهيييم‪ ،‬ومييين ذلك‬
‫المسلسلت الغرامية الداعرة المفضوحة والرقص الفاجر والغناء الداعي إلى الفواحش‪،‬‬
‫والصيور العاريية وجرائم الخطيف والسيرقات والعتداء على النفوس وتناول المحرمات‬
‫كالخمر والتدخين‪ ،‬والستهزاء بالقيم والخلق الفاضلة وأحكام السلم‪.‬‬
‫والواجيييب على ولة أمور المسيييلمين أن يحرصيييوا على وقايييية شعوبهيييم مييين هذه‬
‫المنكرات الضارة التيي حطميت الفراد والسير والمجتمعات وشغلتهيم عين التفكيير فيي‬
‫مصالحهم ومعالي المور‪.‬‬
‫وقيد اسيتند المسيؤولون عين أجهزة العلم فيي الشعوب السيلمية فيي بيث المنكرات‬
‫التيي قيد يسيمونها بغيير أسيمائها على زعيم أن الشعوب ترغيب فيي ذلك وأنهيم يريدون‬
‫إرضاء كيل الذواق‪ ،‬وكثيراً ما نسمع المذييع وهو يقول بعد أن ينتهي برنامجيه ولو كان‬
‫فاسداً‪" :‬لعلكم استمتعتم مهنا بهذا البرنامج ونال إعجابكم"‪.‬‬
‫والحقيقة أنه ل يجوز لولياء أمور المسلمين أن يستجيبوا لهواء الناس في شعوبهم‬
‫– قلوا أو كثروا – فيبيحوا لهم ما حرم ال‪ ،‬والمصلحة والمفسدة في الشريعة السلمية‬
‫إنمييا يحددهييا ال وليييس الحكام ول الشعوب‪ ،‬إل مييا لم يرد فيييه نييص ول قاعدة شرعييية‬
‫عامة فإنه يجتهم فيه أهل الختصاص من علماء الشريعة وغيرهم كل في اختصاصه‪،‬‬
‫وأمييا مييا مضرتييه واضحيية أو منفعتييه واضحيية فيجييب اجتناب المضرة وفعييل المنفعيية‬
‫[مجموع الفتاوى لبن تيمية (‪.])28/364‬‬
‫فالواجيب على ولة أمور المسيلمين تصيفية مناهيج العلم ومواده مين كيل ميا يؤثير‬
‫على الهداف العليا التي سبق بيانها بل الواجب أن يكون كل ما ينشر في أجهزة العلم‬
‫محققًا لتلك الهداف أو معينًا على تحقيقهييا حتييى تنتشيير الخلق الفاضلة وينغرس فييي‬
‫نفوس الشباب حب الصلح وبغض الفساد ومن ذلك تعاطي المسكرات والمخدرات‪.‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬الحكم بما أنزل الله‬
‫وفي هذا الفصل مبحثان‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬وجوب اتخاذ الوسائل الواقية من ارتكاب المعاصي كلها‪:‬‬
‫سيبق أن السيلم يعتميد فيي تطيبيقه على اليمان بيه وأنيه إذا غرس اليمان فيي نفيس‬
‫النسيان اسيتجاب لمير ال تعالى وأن هناك مقاصيد يجيب على المسيلمين تحقيقهيا‪ ،‬وهذه‬
‫المقاصد محاطة بأخلق ثابتة ل يجوز التساهل فيها‪ ،‬وفساد تلك الخلق يؤدي إلى فساد‬
‫المجتميع‪ ،‬لذلك تجيد أن الجرائم والمعاصيي التيي فيهيا ضرر على المجتميع توجيد وسيائل‬
‫كثيرة حيض عليهيا السيلم وأوجبهيا وهيي واقيية مين الوقوع فيي تلك المعاصيي‪ ،‬فمثلً‪:‬‬
‫جريميية الزنييا‪ ،‬حرم السييلم الوسييائل التييي تفضييي إليهييا‪ ،‬كالخلوة بالجنبييية واختلط‬
‫الرجال والنسييياء الجنيييبيات لغيييير حاجييية‪ ،‬وإيجاب الحجاب على المرأة‪ ،‬وعدم جواز‬
‫خضوعهيا فيي صيوتها للجنيبي‪ ،‬ولزوم بيتهيا إل لحاجية‪ ،‬والحيض على الزواج والمير‬
‫بغض البصر … [راجع البخاري (‪ )6/117‬ومسلم (‪.])1019 ،1018 ،2/891‬‬
‫وجريمة قتل النفس التي حرم ال إل بالحق شرع ال وسائل كثيرة تحول دون ذلك‪،‬‬
‫ل قيد يؤي إلى إصيابة‬ ‫كنهييه صيلى ال علييه وسيلم عين التسياهل فيي حميل السيلح تسياه ً‬
‫الناس بدون قصد‪ ،‬والنهي عن الترويع‪ ،‬وإباحته للمسلم أن يدافع عن نفسه إذا أراد أحد‬
‫العتداء عليه والنهي عن السباب‪ ،‬والبعد عن أسباب الخلف [البخاري (‪.])8/38‬‬
‫وجريميية السييرقة اشترط لقاميية الحييد فيهييا صييون المال فييي حرز‪ ،‬وأميير الغنياء‬
‫بإخراج الزكاة للفقراء والحسيان إليهيم‪ ،‬وأمير القوي المكتسيب أن يعميل حتيى ل يحتاج‬
‫إلى تناول مييا حرم ال عليييه‪ ،‬وأميير بالنفاق على المحتاج‪ :‬فينفييق القريييب على قريبييه‬
‫والزوج على زوجته‪ ،‬وبيت المال ينفق على من ل يوجد من ينفق عليه‪.‬‬
‫وجريمية القذف بالزنيا نهيى الشارع عين كيل ميا قيد يؤدي إليهيا‪ :‬أمير بحفيظ اللسيان‬
‫بحيث أن المسلم يقول خيراً أو يسكت ونهى عن السباب‪.‬‬
‫وجريمة السكر نهى الرسول صلى ال عليه وسلم عن كل وسيلة توصل إليها فلعن‬
‫عاصر الخمر ومعتصرها وساقيها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها‪،‬‬
‫ونهى عن تناول القليل منها‪.‬‬
‫وهكذا تجد كل معصية حذر منها السلم ونهى عنها وعن الوسائل المؤدية إليها‪.‬‬
‫وعيد ال سيبحانه وتعالى بالثواب الجزييل كيل مين أطاعيه فامتثيل أمره واجتنيب نهييه‪،‬‬
‫وتوعد بالعقاب كل من عصاه فترك أمره وارتكاب نهيه‪.‬‬
‫وأمير المجتميع كله بالتآمير بالمعروف والنهيي عين المنكير‪ ،‬باتخاذ هذه الوسيائل ولم‬
‫يتساهل فيها‪.‬‬
‫وقييد يفسييق بعضهييم عيين أميير ال ويخرج عيين طاعتييه فيصيير على مقارفيية الفسيياد‬
‫ومحاولة نشره فل بد له من رادع يردعه ويطهر المجتمع من فساده‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬إقامة الحدود والتعزيرات‪.‬‬


‫فالذي لي يقوميه كتاب ال وسينة رسيوله والترغييب والترهييب والمير بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر من قبل المجتمع فإن في قوة السلطان ما يقومه ويردعه كما قال ابن‬
‫تيمية رحمه ال‪( :‬فالمقصود من إرسال الرسو وإنزال الكتب أن يقوم الناس بالقسط في‬
‫حقوق ال وحقوق خلقيه‪ ،‬كميا قال تعالى‪{ :‬وأنزلنيا الحدييد فييه بأس شدييد ومنافيع للناس‬
‫وليعلم ال من ينصره ورسله بالغيب} [الحديد‪ ،]25 :‬فمن عدل عن الكتاب قوم بالحديد‪،‬‬
‫ولهذا كان قوام الديين بالمصيحف والسييف‪ ،‬وقيد روي عين جابر بين عبيد ال رضيي ال‬
‫عنهميا قال‪(( :‬أمرنيا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أن نضرب بهذا – يعنيي السييف –‬
‫من عدل عن هذا‪ ،‬يعني بالمصحف)) [مجموع الفتاوى (‪.])264-28/263‬‬
‫فالواجييب على ولة أمور المسييلمين أن يحكموا بمييا شرع ال كاملً وينهوا عيين كييل‬
‫معصيية نهيى ال عنهيا ويأمير بكيل طاعية أمير ال بهيا فإن فيي ذلك وقايية للمجتميع مين‬
‫الفسياد وصيونها له مين النهيار‪ ،‬وعليهيم أن يقوموا فيي المجتميع بحدود ال التيي أمير بهيا‬
‫بدون تهاون ول تأخير إذا ميا توفرت شروطهيا لنهيا العلج الحاسيم لمراض المجتميع‬
‫والتسيياهل فييي إقامتهييا أكثيير إجراماً ميين ارتكاب الفسييقة للجرائم لن فييي ذلك تمكيناً‬
‫للجريمة في الرض وإقرارها خلفاً لمر ال تعالى‪.‬‬
‫وبهذا يعلم أنييه ل يوجييد دييين فييي الرض ول قانون عنده قدرة على منييع المنكيير‬
‫والمعاصي في الرض مثل دين السلم وذلك لمور ثلثة‪:‬‬
‫المير الول‪ :‬ميا فييه مين التربيية اليمانيية التيي تكون حارسيًا لتصيرفات المؤمين فيي‬
‫قلبه ل تفارق لحظة من لحظات حياته‪ ،‬فإذا فارقته قليلً ذكر ال فتاب ورجع إلى ال‪.‬‬
‫المير الثانيي‪ :‬ميا فييه مين الشمول للخلق الفاضلة التيي يجيب أن يتحلى بهيا المسيلم‬
‫وكذلك ما فيه من الشمول للنهي عن الخلق السيئة التي فيها ضرر على الفرد والسرة‬
‫والمجتمع بتفاصيل دقيقة ونصوص واضحة سواء فيما يتعلق بالخلق الحسنة المأمور‬
‫بها أو الخلق السيئة المنهي عنها‪.‬‬
‫المر الثالث‪ :‬ما فيه من الحسم الكامل في تطبيق حكم ال على من ارتكب ما نهى‬
‫ال عنييه سييواء فيمييا يتعلق بالحدود والقصيياص أو بقييية المعاصييي التييي فيهييا التعزييير‪،‬‬
‫والمسلمون يطبقون ذلك كله‪ :‬إيماناً وسلوكاً وزجراً‪ ،‬عبادة ل تعالى‪.‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫‪ ) 1‬إن غرس اليمان بال واليوم الخر وبكتاب ال تعالى وبرسوله صلى ال عليه‬
‫وسيلم فيي النفوس هيو أسياس الصيلح والوقايية مين الفسياد‪ ،‬فيجيب على المسيلمين كيل فيي‬
‫موقعييه الجتهاد فييي غرس هذا اليمان فييي نفوس الفراد والسيير والمجتمييع لتخليييص‬
‫الشعوب السلمية من اقتراف المنكرات والمخدرات‪.‬‬
‫‪ ) 2‬الهتمام بتربية السرة على اليمان والعمل الصالح والبعد عن المنكرات أساس‬
‫فيي صيلح المجتميع واسيتقامته‪ ،‬وإهمال السيرة أو إشاعية المنكرات فيي أفرادهيا أسياس‬
‫في فساد المحتمع الذي يتكون من السر‪.‬‬
‫‪ ) 3‬فرض على كل مسلم أن يجعل هدفه الول هو رضى ال سبحانه وتعالى وأن‬
‫تكون أهدافييه العليييا المتفرعيية عيين هذا الهدف هييي مقاصييد السييلم التييي فييي مقدمتهييا‬
‫الضرورات الخميس‪ :‬حفيظ الديين‪ ،‬وحفيظ النفيس‪ ،‬وحفيظ النسيل‪ ،‬وحفيظ العقيل‪ ،‬وحفيظ‬
‫المال‪ ،‬فكيل نشاط المية السيلمية يجيب أن يخدم تحقييق هذه الهداف لن هذه الهداف‬
‫إذا اتجيييه إليهيييا سيييعي الشباب كان جديرًا بالوقايييية مييين المنكرات والجرائم‪ ،‬ومنهيييا‬
‫المسكرات والمخدرات‪.‬‬
‫‪ ) 4‬يجب صرف الشباب إلى ميادين التزكية والعمال الجادة والجهاد في سبيل ال‬
‫لما في ذلك من ملئ الفراغ بما يرض ال ويخدم مصالح المسلمين العامة ويبعد الشاباب‬
‫عن الهبوط إلى هاوية الفسوق والملذات العاجلة القاتلة ومنها المسكرات والمخدرات‪.‬‬
‫‪ ) 5‬يجيب أن تقام قاعدة المير بالمعروف والنهيي عين المنكير عين كيل المعاصيي‬
‫والجرائم حتيى يتطهير المجتميع مين أرجاسيها ويجيب أن يقوم بهذه القاعدة كيل مين تتوفير‬
‫فييه شروطهيا وكيل بحسيب قدرتيه‪ :‬العلماء بالبيان والحكام بالقوة عنيد الحاجية وكيل واحيد‬
‫فيي موقعيه كميا يجيب المير بكيل الفرائض والواجبات والتقصيير فيي واجيب واحيد يؤدي‬
‫إلى التقصيير فيي غيره كميا أن التسياهل فيي معصيية واحدة يؤدي إلى إشاعتهيا وإشاعية‬
‫غيرها‪.‬‬
‫‪ ) 6‬يجب على المسؤولين عن التعليم أن يصوغوا مناهجه صياغة يتحقق بها حفظ‬
‫الضرورات الخمييس‪ ،‬ومييا يخدمهييا كمييا يجييب أن يشتمييل على ربييط المسييلمين بال رباً‬
‫وبالسلم ديناً وبمحمد صلى ال عليه وسلم نبياً ورسولً‪.‬‬
‫‪ ) 7‬يجب على ولة المور تحكيم شرع ال وعدم إهمال شيء منه لما في تحكيمه‬
‫من طاعة ل ورسوله وإصلح المة وتجنبها الفساد‪.‬‬
‫‪ ) 8‬كييل مييا يحدث فييي الشعوب السييلمية ميين مشكلت سيواء كانييت عقديية أو‬
‫اجتماعية أو سياسية‪ ،‬فسببه بعد المسلمين عن دينهم وعدم تطبيق شرع ال تعالى‪.‬‬
‫‪ ) 9‬عدم الحكم بما أنزل ال ل يقل إجراماً عن ارتكاب الجرائم التي تهدد أمن المة‬
‫وسلمتها ول أمن للمسلمين بدون الحكم بما أنزل ال‪.‬‬
‫كتب المراجع‪:‬‬
‫‪ – 1‬كتب التفسير‪:‬‬
‫لبن كثير‪.‬‬ ‫تفسير القرآن العظيم‬
‫للقرطبي‪.‬‬ ‫الجامع لحكام القرآن‬
‫‪ – 2‬كتب الحديث وشروحه‪:‬‬
‫سنن أبي داود‬
‫سنن الترمذي‬
‫صحيح البخاري‬
‫صحيح مسلم‬
‫لبن عبد البر‪.‬‬ ‫التمهيد‬
‫فتح الباري‬
‫‪ - 3‬كتب الفقه وأصوله‪:‬‬
‫لبن تيمية‪.‬‬ ‫مجموع الفتاوى‬
‫لبن قدامة‪.‬‬ ‫المغني‬
‫الحكام في أصول الحكام‬
‫للغزالي‪.‬‬ ‫المستصفى‬
‫للشاطبي‪.‬‬ ‫الموافقات‬
‫‪ – 4‬كتب السلوك‪:‬‬
‫لبن تيمية‪.‬‬ ‫الستقامة‬
‫لبن القيم‪.‬‬ ‫طريق الهجرتين‬
‫‪ – 5‬كتب اللغة‪:‬‬
‫نديم الجسر والمرعشلي‪.‬‬ ‫ترتيب لسان العرب‬
‫لبن المقري‪.‬‬ ‫المصباح المنير‬
‫لبن الثير‪.‬‬ ‫النهاية في غريب الحديث‬
‫‪ – 6‬كتب حديثة‪:‬‬
‫للمؤلف‪.‬‬ ‫السلم وضرورات الحياة‬
‫للمؤلف‪.‬‬ ‫الجهاد في سبيل ال حقيقته وغايته‬
‫للمؤلف‪.‬‬ ‫الحدود والسلطان‬
‫لمحمد البار‪.‬‬ ‫الخمر بين الطب والفقه‬
‫للمؤلف‪.‬‬ ‫دور المسجد في التربية‬
‫للمودودي‪.‬‬ ‫مبادئ السلم‬
‫لمحمد قطب‪.‬‬ ‫منهج التربية السلمية‬

You might also like