You are on page 1of 76

‫المة بين سنتي‬

‫البتلء والعمل‬
‫مجموعة من العلماء‬
‫إعداد موقع السلم اليوم‬
‫تصل لوقع السلم اليوم أسئلة كثية‪ ،‬أفرزها ما يعيشه السلمون من حوادث مريعة‪ ،‬وجراءة‬
‫كبية من أعدائهم‪ ،‬وهذه السئلة تبث ألها‪ ،‬وتتساءل عن الدور الذي يكن أن يكون للفرد‬
‫عمله وتقيقه‪ ،‬ول شك أن هذا التساؤل دليل حياة‪ ،‬ومؤشر على خي ف النفوس‪ ،‬ولكن ما‬
‫ل يتم التوجيه الرشيد لذه الشاعر فإنا قد تبد وتتبلّد مع مرور الوقت فنخسرها‪ ،‬أو تنحرف‬
‫فنشقى با‪.‬‬
‫ولذا رأينا توجيه هذه السئلة إل كوكبة من الشايخ الذين يعيشون هوم هذه المة‪،‬‬
‫ويدركون ما ييق با من أخطار؛ علهم أن يسهموا ف تلك الشكالت الت تطرحها تلك‬
‫التساؤلت بتوجيه يشفي الصدور‪ ،‬ويوجه الطاقات من خلل برنامج عملي واضح‪ .‬وقد‬
‫جاءت إجابات الشايخ الجلء – مشكورين‪ -‬ف مورين‪:‬‬
‫الحور الول‪ :‬الشباب بي الماسة والفتور‪ -‬السباب – الثار‪ -‬العلج‪.‬‬
‫الحور الثان‪ :‬المة بي سنت البتلء والعمل لذا الدين‪.‬‬
‫المة بي سنت البتلء والعمل (‪)1/4‬‬

‫د‪ .‬علي بن عمر با دحدح‬


‫عضو هيئةالتدريس بامعة اللك عبد العزيز بدة‬

‫لاذا يتحمس الشباب؟‬

‫وهل الماس ف الشباب عيب؟ أو شيء طارئ أو أمر غريب؟‬


‫نقول‪ :‬إن الماسة ف الشباب أمر طبيعي لعناصر كثية منها‪:‬‬
‫‪ .1‬اليوية والقوة‬
‫أن الشباب فيه حيوية وقوة وال سبحانه وتعال كما جاء ف التقدي قال‪{ :‬اللّ ُه اّلذِي َخلَقَ ُكمْ‬
‫ف ُقوّةً ُثمّ جَعَلَ مِنْ بَ ْعدِ ُقوّ ٍة ضَعْفا وَشَيَْبةً}(الروم‪.)54 :‬‬
‫مِ ْن ضَعْفٍ ُثمّ جَ َعلَ مِنْ بَ ْع ِد ضَعْ ٍ‬
‫فالشباب قوة بي ضعفي وانطلقة بي هدوءين أو سكوني وحركة واندفاع بي جانبي فيهما‬
‫من الدوء والسكينة ما فيهما وحت من الناحية الطبية نعلم أن الفئة العمرية ف فترة البلوغ ما‬
‫يزال الليا والعضاء تزيد وتنمو وتعظم وتتكاثر وهذا أمر بي وإذا رجعنا حت إل اللغة‬
‫تسعفنا هذه العان بشكل واضح لن الشتقاق اللغوي لصل شب وهو أصل الشي والباء ف‬
‫اللغة يدل على ناء الشيء وقوته ف حرارة تعتريه وهذا يدلنا على طبيعة المتزاج بي اليوية‬
‫والرارة والقوة وطيعة الشباب ومن ذلك قولم‪ :‬شبت النار أو شببت الرب ث كما يقول‬
‫ابن فارس ث اشتق الشباب منه وهو النماء والزيادة ف قوة جسمه وحرارته ولذلك نرى هذا‬
‫المر واضحا وأن من طبيعة الشباب الفطرية بل واللقية البدنية أو ما يسمى بالبيولوجية أي‬
‫الطبيعية الفيزيائية أنه بطبيعة خلقته ف هذه الفترة العمرية فيه نو وزيادة وشيء ما يزداد قوة‬
‫ويزداد ‪..‬‬
‫ومن هنا فالماسة قرينة الشباب بدون أن يكون هناك افتعال لا أو تكلف فيها أو تطلب‬
‫لسبابا بل هي قرينة الشباب من هذا الوجه‪.‬‬
‫‪ -2‬الرادة والتحدي ‪:‬‬
‫جانب آخر ف طبيعة الشباب ف مقتبل العمر وهو قضية الرادة والتحدي‪ :‬من طبيعة هذه‬
‫الفترة العمرية أن فيها عزية صلبة وإرادة قوية من خصائص الشباب قبول التحدي بل‬
‫والتعرض له والبحث عنه والثبات عليه ولو أننا أردنا أن نأخذ أمثلة والمثلة اعذرون ستكون‬
‫دائما مدودة لننا لو تشعبنا فيها يضيق القام عن ذكر ما وراء ذلك‪.‬‬
‫قصة لبن مسعود وأنتم تعرفون ابن مسعود كان من صغار الصحابة وشبابم وكان إل ذلك‬
‫نيل السم دقيق الساقي كان الصحابة يضحكون من دقة ساقيه ف الفترة الكية العصيبة الت‬
‫كانت فيها الواجهة قاسية وشديدة وشاملة من قريش ضد السلمي وف جلسة بي بعض‬
‫السلمي كانوا يتداولون فيما بينهم من يكن أن يقرأ القرآن ويصدع به ف نوادي قريش وهي‬
‫عملية تد كبية وعملية تتاج إل قوة إرادة وصلبة عزية فانتدب لذلك ابن مسعود الشاب‬
‫النحيل وذهب إل منتدى قريش ف البيت الرام وصدع بآيات القرآن يقرؤها بي ظهرانيهم‬
‫وإذا به كما هو متوقع ول يكن هو يظن أن ذلك سيعجبهم بل كان يعرف ما يترتب على‬
‫ذلك عمدوا إليه وضربوه وأثخنوه بالراح ولعلنا نقول بعد هذا الدث أنه قد أخذ درسا‬
‫كافيا لكن ما الذي حصل؟ ف اليوم الذي يليه عندما تداول السلمون تلك الادثة قال‪( :‬أما‬
‫لو شئتم لعاودنم با) فهي طبيعة الرادة القوية والتحدي لن نفس الشاب دائما فيها هذه‬
‫اليوية الت تأب ف الملة أن تلي أو أن تادن أو أن تتراجع بل تريد دائما أن تثبت نفسها‬
‫وأن تظهر قوتا وأن تصر على رأيها وأن تثبت على مبدئها وأن تكون نوذجا ينسجم مع‬
‫طبيعة التفاعلت والشاعر النفسية والعواطف الياشة الت تور با النفس وكذلك‪:‬‬
‫‪-3‬المل والطموح‪:‬‬
‫لن الشباب ف مقتبل العمر فما زالت الصورة متدة والفق واسعا قد يرسم طريقا ف تيله ف‬
‫آماله وطموحاته ف مال العلم وأنه سيحصل فيه وأن سيكون له كذا وكذا وكذا وقد يرسم‬
‫طريقا ف مال حياته الجتماعية أو ف حياته العملية لكن لو أننا تصورنا الرأة ف المسي أو‬
‫ف الستي ل شك أن المل موجود لكنه قطعا سيكون مدودا ولن يكون له مثل طبيعة هذا‬
‫المل المتد العريض كالشباب ف حياتم وطموحاتم ولو أردنا أن نأخذ أمثلة لوجدنا كذلك‬
‫هذه المثلة ف فت الرابعة عشر الذي كان النب عليه الصلة والسلم ف جلة تربيته لصحابه‬
‫يعرف كيف يصقل هذه النفوس وكيف يذكي تلك المال وكيف يشحذ تلك المم ربيعة‬
‫بن كعب الذي مان يبيت إل جوار بيوت النب صلى ال عليه وسلم حت إذا قام من الليل قام‬
‫يصب له وضوءه عليه الصلة والسلم فأراد النب أن يكرمه كما هو معروف ف قصته فقال‪:‬‬
‫(يا ربيعة سلن ما شئت؟) والقائل هو رسول ال صلى ال عليه وسلم الجاب الدعوة فقال‪:‬‬
‫انظرن يا رسول ال‪ ،‬وعندما نقول الن للشباب ماذا تريد؟ ما هو أملك؟ ما هو رجاؤك؟‬
‫اطلب ما سنحققه لك ويطون رهن إشارتك وبي يديك؟ فربا نعرف اليوم أنه ربا يطمح إل‬
‫هذا أو ذاك من أمور الدنيا وشؤونا لكن ربيعة بعد أن تريث وتأن قال مقالة عظيمة رائعة‬
‫فريدة لو اجتمعت لا عقول الشيوخ الكبار والعلماء العظام لربا قصروا عن أن يصيبوا مثل ما‬
‫قال فأوجز وأبلغ ف أمله وطموحه فقال‪ :‬أسألك مرافقتك ف النة‪ ،‬فلم يسأل ال النة بل‬
‫سأل مرافقة الرسول ف النة ليكون سؤاله ف أعلى وأعظم مطلب فماذا قال له النب عليه‬
‫الصلة والسلم؟ وهذه هي التربية لكي يبقى المل متدا والطموح متواصل (أعن على نفسك‬
‫بكثرة السجود) ونعلم قوله لعبد ال بن عمر يوم أول رؤياه قال‪( :‬نعم الرجل عبد ال لو كان‬
‫يقوم من الليل) والمر ف هذا واضح وجلي وكثي‪.‬‬
‫وكان النب عليه الصلة والسلم يعطي لكل ما كان يناسبه حت يتد ف ماله وميدانه الذي‬
‫تتعلق به نفسه وأمله كما هو معروف ف الديث لذي رواه الترمذي عندما عدد النب عليه‬
‫الصلة والسلم الصحابة وذكر ف كل منهم خصيصة يتميز با قال‪( :‬أقرؤهم أب وأفرضهم‬
‫زيد وأعلمهم باللل والرام معاذ) إل آخر ما ذكره عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫‪ -4‬تنوع اليارات‪:‬‬
‫مازال ف مقتبل العمر هل يتزوج الن؟ هل يكمل دراسته؟ هل يدخل ميدان العمل؟ أما من‬
‫قد طويت صفحات عمره فإن اليارات ف غالب الحوال تكون مدودة وربا نرى نن أننا‬
‫نضيق الن الجال فل يبقى مساحة إل لكم معاشر الشباب الذين تدخلون ف جيع التعريفات‬
‫أما من له تعريف واحد يتيح له أن يدخل ف الشباب وتعريفات أخرى ترجه منه يبدأ تضييق‬
‫الدائرة عليه كما قلنا فلذلك لا كانت هذه الماسة من طبيعة الشباب فنحن نرحب با ول‬
‫نعارضها ول نقول إنا شيء شاذ أو أمر غريب ولكننا نوصل أيضا ف مدح هذه الماسة‬
‫وبيان ثراتا وبعض فوائدها ليكمل لنا حينئذ الصورة اليابية ف هذه الماسة بإذن ال عز‬
‫وجل‪.‬‬

‫ثرات الماسة ‪:‬‬


‫الماسة تورث خلل كثية وسات عديدة‪:‬‬
‫‪ -1‬المة والعزة‪:‬‬
‫فهذه الماسة تعل المة عالية والعزية ماضية والعزة أبية والروح فتية بيث أن هذه الشاعر‬
‫تترجم إل مواقف وإل سات شخصية تعد من مظاهر القوة اليابية ليس ف الشباب رخاوة‬
‫وليس ف الشباب ضعف وإن كان حالنا اليوم أو حال بعض شبابنا قد جعلت لم صورة‬
‫أخرى ف الشباب هي صورة الدعة والترف والرخاء ولكننا نقول إن الصل ف طبيعة الشباب‬
‫ف التربية الصحيحة ف الجواء النقية أن يكون لم هتهم القوية وعزتم البية الت تعلهم‬
‫دائما ف قصب السبق والتقدم كما سيأت ف الراحل التالية ولعلنا نريد أن نصور بعض هذه‬
‫المم ف سي الشباب من أصحاب النب عليه الصلة والسلم والمثلة مدودة كما قلت بكم‬
‫الوقت هذا نوذج رده النب عليه الصلة والسلم إل العتدال لكننا نرى كيف كانت القوة‬
‫ف أصل هذا النموذج عند البخاري ف الصحيح من حديث النب عليه الصلة والسلم مع عبد‬
‫ال بن عمرو بن العاص قال له عليه الصلة والسلم‪( :‬أل أخب أنك تصوم فل تفطر وتصلي‬
‫فل تنام وتقرأ القرآن ف كل ليلة) فقال‪ :‬بلى يا رسول ال‪ ،‬هذا الب بلغه عن عبد ال بن‬
‫عمرو انظروا إل هته وطاقته التدفقة كيف كان على حال ل يفطر ول ينام ليله ويتم ف كل‬
‫ليلة نعم رده النب النب عليه الصلة والسلم إل العتدال العروف ف الديث لكن الشاهد‬
‫عندنا هو هذه المة العالية القوية الت كانت عنده ورسول ال صلى ال عليه وسلم ف مقتبل‬
‫عمره وف بداية دعوته كانت له الواقف العظيمة ف مثل هذا‪.‬‬
‫‪ -2‬العمل والنتاج‪:‬‬
‫المة والعزة تتحول إل عمل مثمر وإل تواصل ف الناز وحرق الراحل لكي يكون هناك‬
‫ثرة ظاهرة ونتيجة باهرة من خلل هذه المة لن صاحب المة ل يرضى بالقعود ول يرضى‬
‫بالكسل والمول ول يرضى إل أن تكون كل ثانية من ثوان حياته ملوءة با يتناسب مع‬
‫طبيعة هذه الشاعر التدفقة والعواطف التأججة ف نفسه ولذلك نرى كيف كان شباب‬
‫الصحابة والشباب ف مراحل التاريخ السلمي كلها ف الجواء الصحيحة والتربية الادة‬
‫كيف كانوا دائما يأتون بالعجائب والنازات الباهرة حت ف مالت متلفة لعلي أذكر مثال‬
‫ف قصة زيد بن ثابت رضي ال عنه وهو الذي كان غلما صغيا ف نو السادسة عشر من‬
‫عمره فقال له النب النب عليه الصلة والسلم كما ف السند عند المام أحد‪( :‬اقرأ حرف‬
‫يهود) يعن حت يقرأ له أراد النب صلى ال عليه وسلم أن يتعلم اللغة حت يقرأ للنب صلى ال‬
‫عليه وسلم ما يأتيه عفوا فتعلم السريانية ف بعض الروايات أنه تعلمها ف خسة عشر يوما‬
‫فكان يقرأ للرسول وكان يكتب له وف بعضها ف سبعة عشر يوما وبالناسبة أيضا زيد بن‬
‫ثابت كانت له الهمة الفريدة الت جعل من مؤهلتا الشباب ف صحيح البخاري الديث‬
‫الشهور ف جع القرآن (قال أبو بكر عندما استدعى زيد بن ثابت‪ :‬إنك شاب عاقل ل‬
‫نتهمك كنت تكتب الوحي على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم) وأول هذه الصائص‬
‫أنه شاب مهمة ثقيلة تتاج إل قوة تتاج إل عمل متواصل أسندت إل هذا الشاب الفت مع‬
‫ما عنده من المانة والعلم والبات السابقة كما يقال ث كلفه بمع القرآن وكتابته ومع أن‬
‫الذي كان يدثه أبو بكر خليفة السلمي ومعه عمر وزيره وها أفضل الصحابة وأكبها سنا‬
‫إل غي ذلك مع ذلك كله قال بكل رباطة جأش وهة تناسب الشباب قال‪ :‬كيف تفعلن‬
‫شيئا ل يفعله رسول ال صلى ال عليه وسلم؟) وهذا يدل على قوة هذه الشخصية لكن بعد‬
‫أن جاءت الراجعة وانشرح صدره لذلك قال‪ :‬فوال لو كلفن نقل جبل من مكانه لكان‬
‫أهون علي ث انطلق وبدأ ف هذه الهمة وأعانه عمر ووضع الشروط والضوابط والشهادة‬
‫الطلوبة على كل وهو مكتوب أنه ثبتت كتابته بأمر النب عليه الصلة والسلم أو بضرته وأت‬
‫هذه الهمة على أدق وأحكم وأمت صوة ما كانت لتكون لول هذه الفتوة واليوية والماسة‬
‫والقوة ف حياة الشباب والمر ف هذا كما قلنا يطول الديث عنه‪.‬‬
‫‪ -3‬الثبات والصرار‪:‬‬
‫كثي من العمال ل تعطي ثرتا إل مع طول الزمن ومع استمرارية العمل وذو النفس الت‬
‫ليست فيها هذه الماسة غالبا ما ينقطع نفسه وينقطع عمله وينقطع بعد ذلك أثره ويطوى‬
‫خبه لن السألة تتاج إل مثل هذا كما سنشي من مزايا الشباب ف الماسة‪ :‬أنا تعطيهم‬
‫قوة وثباتا بشكل منقطع النظي أبو موسى الشعري رضي ال عنه وهو أمي على الكوفة ظل‬
‫يقرئ القرآن ف مسجدها أربعي عاما كل يوم وهو أمي وهو يتول الكم لكنه كان ف صفته‬
‫وسته يدل على هذا العطاء الستمر والثبات على العمل ليست قضية ردود أفعال ول سحابة‬
‫صيف تنقشع ول أمرا أثارته بعض العواطف الهيجة ث جاء غيها ونرى بعض الشباب وهو‬
‫يتموج ويذهب ينة ويسرة مع بعض هذه التقلبات لعاطفية وخاصة نن ف عصر عولة وإعلم‬
‫وكوكبة وموجات متدفقة هنا وهناك تعبث بالعقول والعواطف عبثا كبيا وحبيب بن زيد‬
‫رضي ال عنه وهو من أمثلة الشباب كيف ثبت لا أرسله النب عليه الصلة والسلم إل‬
‫مسيلمة الكذاب فكان يقول‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال وأن ممدا رسول ال يقول مسيلمة‪ :‬قل‬
‫أشهد أن ل إله إل ال وأن مسيلمة رسول ال يقول‪ :‬ل أسع ل أسع وإذا بسيلمة بعد ذلك‬
‫يبدأ ف تقطيعه يقطع أذنه يدع أنفه ويقطع إربا إربا وهو ثابت على هذا النهج الذي كان‬
‫عليه مصعب بن عمي الشاب الدلل الترف العطر الذي قال فيه النب عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫(ما رأيت فت أحسن لة ف أهل مكة من مصعب بن عمي) لا دخل اليان ف قلبه وتكن‬
‫وأعطى عاطفته كلها لذا العتقد والبدأ ووجه بكل أنواع الصار والتضييق وشظف العيش ل‬
‫تلن له قناة ول يتغي له موقف ول يتراجع ف أي صورة من الصور الت أخذ با رضي ال عنه‬
‫وأرضاه حت كانت بعد ذلك قصة استشهاده مضرب مثل بل موضع عبة لكبار الصحابة‬
‫أبكتهم سنواتا طوال بعد مصعب بن عمي رضي ال عنه كما ورد ف الصحيح من حديث‬
‫عبد الرحن بن عوف عند البخاري أنه كان صائما ف يوم خيس وأت له بطعام الفطار وكان‬
‫فيه صنفي من الطعام نوعي من الطعام فقط نوعي فبكى عبد الرحن بن عوف رضي ال عنه‬
‫فتعجب الناس قالوا‪ :‬ما يبكيك؟ قال‪ :‬ذكرت مصعب بن عمي مات يوم أحد يوم مات ول‬
‫ند ما نكفنه به إل بردة إن غطينا رأسه بدا قدماه وإن غطينا قدماه بدا رأسه وأخشى أن‬
‫نكون قد عجلت لنا طيباتنا‪ ،‬بقي موقف مصعب ف ثباته الفريد يوم قطعت يده اليمن فرفع‬
‫الراية بيسراه فقطعت فضمها بعضديه حت خر واستشهد رضي ال عنه على هذه الصورة من‬
‫الثبات الرائع ف قوة الماسة والثبات على النهج والبدأ ‪.‬‬
‫‪ -4‬ندة وإعانة ‪:‬‬
‫وينتج عن هذه الماسة ف اللة أيضا ندة وإعانة لن التحمس يأب أن يرى الضيم ويسكت‬
‫يأب أن يرى الحتاج وهو واقف ل تستجيشه تلك العاطفة إل أن يد يد العون وإل أن يسابق‬
‫وإل أن يكون ف الصفوف الول ف كل هيعة وف كل ميدان من ميادين العطاء والنجدة‬
‫ولعل قصة حنظلة بن أب عامر غيل اللئكة الذي دخل على زوجه وعروسه ف ليلة عرسه ث‬
‫أصبح على ظهر اليل ماهدا ف سبيل ال ناسيا أن يغتسل من جنابته حت غسلته اللئكة فيما‬
‫بي السماء والرض كما أخب النب صلى ال عليه وسلم تلك هي روح الماسة التدفقة ف‬
‫ميدانا الصحيح وف عطائها الياب‪.‬‬
‫‪ -5‬امتنان وانتفاع ‪:‬‬
‫وبعد ذلك ل شك أن هذا كله تتسع به دائرة المتنان ف الوساط الت يعيش فيها الشباب‬
‫بذه الروح وبذا العطاء وانتفاع من حولم بم بدل من أن يكون ما قد يكون من عكس‬
‫ذلك ما قد نعرج عليه ف حديثنا هذا‪.‬‬

‫حسرات الماسة ‪:‬‬


‫هنا انعطافة لننظر إل الصورة الخرى وإل الشق الخر حت تكتمل الرؤية من جوانبها الخلفة‬
‫لنه ليس من مصلحتنا ف شيء دائما أن نسمع من الناس ما نرغبه وما نبه بالعكس النسان‬
‫يستفيد أكثر من قد يكون له وجهة نظر أخرى ومن قد يكون له من بيئته ومن تنشئته ومن‬
‫معرفته ما قد ل يتفق معك فحينئذ يصل نوع من التبادل والتكامل والمتزاج النافع والفيد‬
‫نن ل نريد ول ينبغي أن نفرح عنما ند من يطبطب على ظهورنا ويؤيد مواقفنا ف كل شيء‬
‫وربا ند أن طبيعة العاطفة تدعو إل ذلك من هو الذي نبه ونأنس به؟ هو ذلك الذي يوافقنا‬
‫ف كل ما نقول ويسايرنا ف كل ما نعمل ويعطينا الدعم العنوي والياب ف كل مبدأ أو‬
‫رأي أو موقف نتخذه دون أن يكون عنده أدن تفظ حت ولو أخطأنا أو حت توقع ف‬
‫مستقبل المر أن تكون هناك احتمالت لوجود عواقب أو ماطر أو نو ذلك ل لبد أن‬
‫نأخذ هذا الانب مرة أخرى ف صورة مغايرة عما سبق أول هذه السرات‪.‬‬
‫‪ -1‬الفتور والحباط ‪:‬‬
‫عندما تكون الندفاعة قوية أكثر من اللزم وغي مستوعبة للواقع ول مدركة للمكانيات ول‬
‫متهيئة ف الخذ بالسباب فإن هذه الندفاعة تضي فل تقق نتيجتها فيتد حينئذ بعد تربة‬
‫وثانية وثالثة إل فتور يترك معه كل عمل وكل حيوية وكل نشاط وكل إيابية بل يرتد حينئذ‬
‫إل نفسية مطمة مهزومة ل تعد عندها أدن درجات الثقة بالنفس الت يكن أن تكون أساسا‬
‫للنطلق أو العمل ولعلي أضرب مثال يدور أو يفع ف صفوف الشباب كثيا ف بعض‬
‫الوانب الياتية على سبيل الثال ربا يسمع كثي من الشباب الث على العلم وطلب العلم‬
‫وفضيلة العلم وتأت هذه النصوص وتلك الحاضرات فتلهب ف نفسه الماسة وإذا به ول‬
‫تكن له سابق ترة ول يأخذ خبة من صاحب تربة يندفع اندفاعة من الناحية النهجية غي‬
‫صحيحة ومن الناحية الت تناسب طبيعته وقدرته غي متطابقة معها فإذا به ل يلوي على شيء‬
‫ذكر البغوي ف كتاب العلم شرح السنة عن الزهري رحه ال قال‪ :‬من رام العلم جلة فقده‬
‫جلة‪ ،‬وهذه طبيعة ونن نرى كيف يقبل كثي وهذه ظاهرة موجودة الشباب يقبلون ويريد أن‬
‫يدرس هذا العلم وذاك العلم ويفظ هذا الت اندفاعة ليست متكاملة فكثيا ما يؤول به المر‬
‫إل أن يترك ذلك كله أو حت ف جانب اللتزام الشخصي والخذ بأمور الفرائض والعبادات‬
‫والتطوعات يندفع فيها بغي ما يتناسب مع طاقته أو ظرفه ويكون فقط تت تأثي عاطفي‬
‫مؤقت ث يرجع إل ما وراء ذلك وند ف هذا كما قلت من الناحية الواقعية أمثلة كثية‬
‫والتجربة فيه واضحة حت نستطيع إنشاء ال أن نواصل هذه العان‪.‬‬

‫‪ -2‬تعطيل إعاقة ‪:‬‬


‫كثيا ما تدفع الماسة إل عمل متهور تفسد به كل تلك الرؤى الت كانت تبن عليها المال‬
‫وتقام عليها الحلم لواصلة ف عمل ما لن الندفاع الشديد والروج عن السار الصحيح ل‬
‫شك أنه سوف يفعل ردود أفعال كثية وهذه ردود الفعال سوف تكون تعطيل ومنع وإعاقة‬
‫وواقع الشباب السلم ف الجتمعات السلمية أيضا فيه أمثلة كثية من ذلك ونن نعرف ف‬
‫كثي من بلد السلمي كيف كانت ثورات من الندفاع ف بلد كثية أدت إل منع خي‬
‫كثي وإل سد أبواب من الصلح والمر بالعروف والنهي عن النكر بل إل تغييات أعمق‬
‫وأشد تأثيا بدل من ذلك الي الذي كان ينشده بنسبة مدودة وإذا به ينقلب إل كثي من‬
‫العوائق والوانع والسدود الت تنع كثيا وكثيا من الي عليه وعلى آلف مؤلفة من ورائه‬
‫ولعلنا أيضا ل يفى علينا مثل هذا فيما جرى ف كثي من البلد الت انفرط فيها عقد أمنها‬
‫واختلت فيها الوازين وكثر فيها الرج والرج ما سيأت أيضا ذكر بعضه فيما نأت به ف هذه‬
‫النقاط‪:‬‬
‫‪ -3‬موت وإتلف‪:‬‬
‫يعن قد يبلغ المر إل هذا البلغ ونن نعرف أن الماسة التمكنة ف النفس أحيانا قد تصل‬
‫إل شيء من تغييب العقل وعدم النظر حت ف الضوابط والحكام الشرعية ونن نب أن‬
‫نؤكد هنا على أمر مهم وهو أن النطلقات الت تكم السلم ليست منطلقات العاطفة ول‬
‫الشعور ول ردود الفعال ول النتصار للذات الذي يكمنا أمران ها الساسيان ف تصرفاتنا‬
‫كلها‪:‬‬
‫الول‪ :‬هو حكم الشرع من كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم فما كان واجبا‬
‫أمضيناه وما كان مرما تركناه ويلحق به ويكمله‬
‫الثان ‪ :‬مراعاة الصلحة الشرعية ف تنيل الكم الشرعي على الواقع العاصر فإن من المور ما‬
‫قد يكون واجبا أو قد يكون مباحا لكن إيقاعه ف هذا الوقت أو ف هذا الكان قد تترتب‬
‫عليه مفاسد أعظم وقد يكون فعله ف هذا الوطن مرما وإن كان ف أصله واجبا وهذه‬
‫موازنات معروفة ف مقاصد الشريعة الكلية الت ينبغي مراعاتا وف القواعد الفقهية الستقاة‬
‫والستنبطة من الدلة الكلية والفرعية ف كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم مثل‪( :‬ل‬
‫ضرر ول ضرار) وغي ذلك من القواعد العروفة فهناك ما قد يصل إل هذا ما يقع به إزهاق‬
‫الرواح وإتلف الموال وإفساد كثي من الصول الثابتة الت لبد من معرفتها ولعلي هنا أيضا‬
‫أركز ف هذا العن لن بعض الفهام تتجاذبا عواطف ول تكاد تفهم حقائق النصوص وإذا‬
‫تأملنا ف هذا الانب ثة أمر مهم نن نذكره لنه من دين ال ولبد أن نفقه ديننا وأن نعرف‬
‫أن الصل أننا متعبدون بشرع ال عز وجل وأنه لبد لنا أن نتأمل ف حكمة الشارع لن‬
‫الشارع معصوم سواء كان ذلك ف كتاب ال أو ما ثبت من سنة رسوله صلى ال عليه وسلم‬
‫ولعلي أخص هنا موضعا مددا من هذه الواضع الت أصبحت فيها الفتنة عامة ف كثي من‬
‫متمعات وبلد السلمي‪.‬‬
‫طائفة كبية كثية من أحاديث النب عليه الصلة والسلم صحيحة ف النقل وصرية ف النص‬
‫ف قضية ما يتعلق بالنراف أو الفساد ف ول المر أو الاكم السلم وكيف يكون التعامل ف‬
‫هذا الشأن ولعلي وأنا أستطرد هنا قليل ل أقول إن هذا الديث وهذه الحاضرة قد أعدت‬
‫من قبل وإن كانت متطابقة ربا مع أحداث مؤسفة ومزنة وقعت البارحة وف الفترات‬
‫الاضية‪ ،‬نقول الذي يتحدث بذا هو سيد اللق صلى ال عليه وسلم ليست القضية كما قلت‬
‫عاطفية يذكر عليه الصلة والسلم جلة من الحاديث لو ذكرتا لطال بنا القام هذه‬
‫الحاديث فيها ضبط شديد وفيها توط كبي وفيها ربا ف صورتا الظاهرة كأنا تأت معاكسة‬
‫لا ينبغي أن يكون فيقول على سبيل الثال عليه الصلة والسلم ف بعض ما صح من هذه‬
‫الحاديث قال‪( :‬من رأى من أميه شيئا يكرهه فليصب) وف رواية أخرى من حديث حذيفة‬
‫قال‪( :‬وإن جلد ظهره وأخذ ماله) وف رواية ثالثة عند مسلم ف تفصيلت لذا الديث لا‬
‫ذكر النب صلى ال عليه وسلم عن الفتنة قال حذيفة رضي ال عنه ف هذا الديث يعن قال‬
‫لرسول ال‪ :‬أرأيت إن أت به إل الصفي قال النب صلى ال عليه وسلم ف هذا الديث‪:‬‬
‫(فليدق سيفه) يعن فليتلف سيفه حت ل يوض ف هذه الفتنة أو ف ذلك القتال وند بعض‬
‫هذه الحاديث يفهمها ربا بعض الناس على أنا سلبية مطلقة وعلى أنا ل تتفق مع ما يظنه‬
‫من عوميات أخرى ف دين السلم ولو أننا تأملنا هذه النصوص لعرفنا حكمة عظيمة للشارع‬
‫نقل ابن حجر رحه ال عن ابن بطال ف كتاب العتصام بالكتاب والسنة وفيه أحاديث‬
‫عظيمة من مثل هذا قال يعن ف مثل هذه الوامر قال‪ :‬فيه تسكي الدهاء وحقن الدماء لن‬
‫المر إذا انفرط عقده عظمت الفتنة وكبت البلية وصار من الفساد على أمور الدين كلها ما‬
‫ل يكن موجودا بثل هذا المر ول يعن ذلك بالطبع والقطع أن أي انراف يقر وتصبغ عليه‬
‫الشرعية كل دين ال عز وجل واضح ل يضيعه أحد ف كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم ل يلك أحد تغييه ول تبديله وذلك من فضل ال ونعمته علينا فينبغي أن نعرف أننا‬
‫متعبدون بالشرع وانظروا إل هذه المثلة‪:‬‬
‫حذيفة بن اليمان ف قصته الشهورة ف يوم الحزاب لا طلب منه النب أن يذهب ليى خب‬
‫القوم الحزاب أبو سفيان ومن معهم من قريش والقبائل فتسلل حذيفة ف حادثة مشهورة‬
‫ويصف هو يقول‪ :‬وكان أبو سفيان ف مرمى سهمي إل أن ذكرت قول النب عليه الصلة‬
‫والسلم‪( :‬ل تدث شيئا حت ترجع) أبو سفيان رأس الكفر وهو قائد الحزاب وكان ف‬
‫مرمى سهمه ونباله لكنه امتثل ذلك المر والمر قطعا كانت فيه حكمة وهو إرشاد ووحي‬
‫من رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ { :‬وَمَا يَنْ ِطقُ عَنِ اْل َهوَى * إِنْ ُهوَ ِإلّا وَحْيٌ يُوحَى }‬
‫(النجم‪.)3،4:‬‬
‫ومزأة بن ثور السدوسي رضي ال عنه ف معركة أخرى مع الروم عندما كلفه قائد السلمي‬
‫سعد وأتته رسالة بعد أن طال الصار ول يستطيعوا أن يقتحموا رسالة من بعض الروم تدلم‬
‫على منفذ تت الرض نفقي فيه ماء فانتدب قال سعد لجزأة‪ :‬انظر ل رجل من قومك‬
‫خفيفا جريئا شجاعا‪ ،‬قال‪ :‬اجعلن أنا ذلك الرجل أيها المي ‪ ،‬وقال له‪ :‬ل تدث شيئا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وخلصت حت رأيت الرمزان ونازعتن نفسي ف قتله إل أن ذكرت قول سعد فرجع وأخذ‬
‫ثلثائة وكلهم خاضوا ودخلوا وفتحوا من الداخل‪ ،‬ليست القضية اندفاعات عاطفية وإنا هي‬
‫انضباطات شرعية ومراعاة مصلحية ومنهجية ف الولوية ينبغي أن نعرفها‪.‬‬
‫‪ -4‬الضياع والسارة‪:‬‬
‫كم من الشباب يندفعون ف جوانب متلفة ث ل يرمون على شيء لنم ل يرشدوا تلك‬
‫الماسة ول يعلوها ف برامج عملية وتدرج فيمضي الوقت ول تصل الثمرة‪ ،‬وتنفق الهود‬
‫أو الموال ول تصل النتيجة وذلك أيضا كما قلت حت ل نطيل يزيد ف المر ولعلي أضرب‬
‫مثال ف قضية العلم مرة أخرى‪:‬‬
‫بعض الشباب ف هذه الماسة العلمية يتتبعون مسائل اللف وتد الواحد بعد يوم أو يومي‬
‫من بداية عنايته بالعلم أو بعنايته باللتزام إذا به يسمع هذه السائل اللفية ويتحدث با‪ ،‬فلن‬
‫مطئ فلن كذا ويبدد الهود ف تتبع الخطاء وف حفظ الحاديث الضعيفة والوضوعة وهو‬
‫ل يعرف الصحيحة بعد ول يفظها ول يكون من ذلك نظرة علمية واضحة يستطيع با أن‬
‫ييز بعد ذلك الطأ الذي قد يكون ف هذه النهجيات الختلفة‪.‬‬
‫وقد قال ابن القيم رحه ال كما ورد ف الفوائد قال‪ :‬من تتبع شواذ السائل يعهن الت فيها‬
‫اللفات فقط يتتبعها‪ ،‬يقول‪ :‬منهج أهل السنة والماعة أخذ أصول العلم قال‪ :‬وغيهم يتتبع‬
‫شواذ السائل وهو يقول عن تربة‪ :‬وقل من رأيته يفلح ف هؤلء‪ ،‬ما يصل إل ثرة لنه إذا‬
‫صح التعبي يأخذ من كل بر قطرة وينتهي بعد ذلك إل ول قطرة‪ ،‬ليست هناك يعن هذه‬
‫الصورة اليابية التاي بتجميع هذه الهود نصل إل ثرة هناك ضياع وخسارة‪.‬‬
‫‪ -5‬التضخيم والختلل‪:‬‬
‫هناك نقاط صغية يكن بالكبات أن ترى وهي مئات أضعاف حجمها من حاسة الناس‬
‫أحيانا إذا تمس لمر جعله هو كل شيء هو مبتدأ المر ونايته وهو أوله وغايته وهو الذي‬
‫ليكن أن ينشغل أحد بسواه وإذا انشغل أحد بغيه فهو ضائع وتافه ومضيع للمور وهكذا‬
‫تندفع العاطفة تاما هي العاطفة بطبيعتها حت لو اندفعت العاطفة كما نعرف عند العشاق‬
‫والحبي تتصر الدنيا كلها ف العشوق والحبوب كما قال الجنون ول بأس أن يكون هذا‬
‫التفريع للشباب‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫إذا قيل للمجنون‪ :‬ليلى تريد *** أم الدنيا وما ف طواياها‬
‫لقال غبار من تراب نعالا *** أحب لنفسي وأشفى لبلواها‬
‫يقول ابن الوزي معلقا‪ :‬وهذا مذهب الحبي بل خلف فمن أحب ال ورسوله كان أدن‬
‫شيء منهما أحب إليه من كل هذه الدنيا وما فيها‪.‬‬
‫فالسألة الندفاعية ف العاطفة هذه قضية عظيمة ومن أمثلتها‪ :‬التقديس والتبخيس والتهوين‬
‫والتهويل‪ :‬من أحببناه جعلناه ذلك الرجل الذي كأنا هو ملك مبأ من كل عيب أما علمه‬
‫فغزير وأما رأيه فسديد وأما منطقه ففصيح وأما تصرفه فحكيم‪ ،‬كأنا ل يكن فيه عيب مطلق‬
‫ونن حينئذ نقول‪ :‬هو الول وهو الخر وهو الذي ينبغي أن يكون … أين هذا من ذلك‬
‫التزان حت النب عليه الصلة والسلم يقول لصحابه‪( :‬ل تطرون كما أطرت النصارى ابن‬
‫مري) ويقول‪( :‬قولوا بقولكم أو ببعض قولكم) يعن يعل هذا العتدال ف شخصه عليه‬
‫الصلة والسلم وهو من هو ف عظمته ومكانته عند ربه سبحانه وتعال ولذلك ما رواه أبو‬
‫هريرة وهو من حديث أنس رضي ال عنه قال‪ :‬كان الرسول صلى ال عليه وسلم أحب شيء‬
‫إلينا رؤيته فإذا أقبل علينا ل نقم له لنا نعرف كراهيته لذلك‪.‬‬
‫وأحيانا إذا انتقصنا إنسانا وكان غي مقنع لنا فل نكاد نرى له حسنة من السنات‪:‬‬
‫وعي الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عي السخط تبدي الساويا‬
‫وهذه قضية واضحة ونعرف المثلة ف هذا قصة سلمان رضي ال عنه ول أريد أن أطيل‪.‬‬
‫إذن هل نن الن مع الماسة؟ وإل فترت حاستنا للحماسة والتحمسي لكننا نقول‪ :‬ل‬
‫للتهور‪ ،‬الماسة الت قلناها باقي على عهدنا با وعلى تأييدنا لا‪.‬‬

‫الماسة التهورة ‪:‬‬


‫ث نضي مرة أخرى إل الماسة التهورة‪ :‬ما أسباب هذا الذي رأيناه من قبل؟ لبد أن نعرف‬
‫العلل من خلل أسبابا وبداياتا حت نتنبها وحت نتقيها فالوقاية خي من العلج أول هذه‬
‫السباب‪:‬‬
‫‪ -1‬قصور ف العلم‪:‬‬
‫مشكلة الهل هي آفة الفات ومن الهل‪ :‬جهل بسيط وجهل مركب كما تعلمون‪ ،‬الهل‬
‫الذي نقصده هناك غياب كثي من الصول العلمية الهمة‪:‬‬
‫معرفة النصوص الشرعية ف كثي من اليادين الياتية والسائل النية الستجدة‪ ،‬معرفة القواعد‬
‫الشرعية كما قلت الت هي خلصة إستقراء للدلة النصية ‪ ،‬معرفة القاصد الشرعية الت هي‬
‫خلصة غايت هذا الدين وأهدافه‪ ،‬معرفة السنن الربانية ف طبيعة هذه الياة وطبيعة قيام الدول‬
‫وسقوطها وطبيعة مآل التقي وعاقبة الكذبي والكافرين قضايا كثية لبد أن ندركها ونعرف‬
‫حوِيلً }‬
‫جدَ ِلسُّنتِ اللّهِ َت ْ‬
‫جدَ ِلسُنّتِ اللّهِ تَْبدِيلً َولَنْ َت ِ‬‫أنا سنن ماضية ل تتبدل‪ { :‬فَلَنْ َت ِ‬
‫(فاطر‪ :‬من الية ‪.)43‬‬
‫لبد أن يكون عندنا يقي ومعرفة وتشرب لذه العان حت ل نندفع مع العاطفة بعيدا عن هذه‬
‫الصول العلمية الهمة وكما قلت المثلة قد تطول ولكنن أذكر عندما نتلو قول ال سبحانه‬
‫وتعال‪ { :‬إِنْ تَْنصُرُوا اللّهَ يَْنصُ ْر ُكمْ } (ممد‪ :‬من الية ‪.)7‬‬
‫عندما نقول‪ { :‬إِ ّن الْعَاقِبَةَ لِ ْلمُتّقِيَ } (هود‪ :‬من الية ‪.)49‬‬
‫ك الّذِينَ ل يُوقِنُون َ} (الروم‪.)60:‬‬ ‫{ فَاصْبِرْ إِنّ وَ ْعدَ اللّهِ َحقّ وَل َيسَْتخِفّنّ َ‬
‫هذه معان مهمة النب عليه الصلة والسلم طبقها والصحابة على سبيل الثال بعض المثلة‪.‬‬
‫ف سنن أب داود نفر من الصحابة كانوا ف سفر شج أحدهم أصابته النابة استفت أصحابه‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬ل لبد أن تغتسل الو بارد والرجل مشجوج‪ ،‬قالوا‪ :‬لبد أن تغتسل‪ ،‬فاغتسل فمات‪،‬‬
‫قال النب عليه الصلة والسلم‪( :‬قتلوه قتلهم ال‪ ،‬أ فل سألوا إذ ل يعلموا؟ إنا شفاء العي‬
‫السؤال) كم من القضايا الضخمة الائلة والسائل الكبية الت من الفترض أن ل يتكلم فيها إل‬
‫أكابر العلماء متمعي وإذا بك تد ذلك الشاب ف مقتبل العمر يتناول الديث فيها ويفت‬
‫فيها ويعطي القول الاسم والازم ويرفض كل ما يالف رأيه وقوله وهذا ف غالب الحوال‬
‫ليس عن أساس علمي وإنا هي عن اندفاعات عاطفية وخليط ومزيج من هذه التجاذبات الت‬
‫تتمع لدى هذا أو ذاك وكما قلت السائل كثية‪.‬‬
‫‪ -2‬النقص ف الوعي‪:‬‬
‫والوعي هو‪ :‬إدراك السائل من جيع جوانبها ومعرفتها من كل وجوهها‪ ،‬كثيا ما تكون‬
‫النظرة إل جانب واحد تذكرنا بالقصة الشهورة للعميان الثلثة الذين اتفقوا هل رأوا الفيل؟‬
‫فأحدهم وقعت يده على خرطومه‪ ،‬والخر وقعت يده على أذنه‪ ،‬والثالث فكل عندما وصف‬
‫إنا وصف الزئية الت رآها وكان الوصف أبعد ما يكون عن القيقة لنه ل تكتمل الجزاء‬
‫حت تتكامل الصورة بشكل واضح معرفة الواقع أصل مهم ف تنيل الكم الشرعي على هذه‬
‫السائل وهذه مسألة طويلة وقد ذكر ابن القيم رحه ال ف زاد العاد فصول نفيسة ف هذه‬
‫السألة وقال‪ :‬إن كل عال ينبغي أن يكون عالا بالشرع وبصيا بالواقع حت يستطيع أن ينل‬
‫هذا على ذاك نقص لوعي لا وراء هذه المور وم يترتب عليها من الفاسد والصال والرؤية‬
‫التكاملية إذا غابت فإنا ف غالب الحوال يقع لا يعن با مثل ذلك الذي أشرنا إليه‪.‬‬
‫‪ -3‬الضعف ف التربية‪:‬‬
‫كثية أجيال الشباب الذين ل يتلقوا تربية متكاملة منهجية على الصول السلمية كثيون منا‬
‫كنا ف أوقات ليس عندنا أحد يرشدنا أو ربا لقد كنا سرنا ف طرق من التسيب أو التفلت أو‬
‫تاوز الحارم أو نو ذلك ث بعد ذلك عدنا أو كانت لنا ثقافات خليطة ث بعد ذلك حاولنا‬
‫أن تكون لنا ثقافة أصيلة هذا الليط فيه ضعف ف التربية ليس فيه تعود على منهجية متكاملة‬
‫على سي واضح على تطيط بي على صب وانضباط كثيا ما يكون عبارة عن هذه الردود‬
‫النفعالية وكثيا ما نرى الوانب التضادة فمن أقصى اليمي إل أقصى اليسار بغي أن تر أو‬
‫بغي أن يكون هناك مرور على منطقة الوسط وهذا مشاهد ف كثي من الوانب‪.‬‬
‫‪ -4‬إحباط ف الشعور‪:‬‬
‫وهو لعله من أخطرها وأكثرها تأثيا ف الشباب الذين يتهورون وهو‪ :‬الحباط ف مشاعرهم‬
‫من نواح عدة أول هذه النواحي‪:‬‬
‫تسلط العداء وهيمنتهم على أحوال وأوضاع بل وبلد المة السلمية ف عجز فاضح‬
‫وتاذل واضح وسلبية مؤلة ومزنة‪:‬‬
‫هذه عند الشباب التحمس يرى ذلك فتغلبه عاطفته وتتقد حاسته وربا عند غياب ما سبق‬
‫تضيع الرؤية وطيش العقل وينعدم الرأي السديد البن على العلم الصحيح وهذا نن نعرف‬
‫واقعه ونعرف كم هي بلد السلم الت احتلها العداء وتسلطوا عليها ليس لسنة ول سنتي‬
‫ول لعقد ول عقدين بل لا هو أكثر من ذلك ولعل فترات الزمن الخية كان فيها كثي ما‬
‫يعد هزائم وتراجعات السلمي على مستويات عدة بل على الستويات الضارية والعلمية‬
‫وهذا عند من تتقد نفسه غية وحية لبد أن يكون لا أثر فإذا زاد حجم هذه القوة حجم‬
‫هذا العدوان وحجم هذه الزائم أصبحت أكب من أن تتملها نفسه فيخرج إل غي حد‬
‫اعتدال وإل غي تصرف التزان وهذا أمره أيضا واضح‪.‬‬
‫الثر الثان ف إحباط الشعور‪ :‬أيضا كثرة النراف واللل والتجاوز ف متمعات السلمي‬
‫نفسها ف حدود ال عز وجل‪:‬‬
‫نن نعرف كم ف بلد السلمي من هذه التجاوزات كم ف بلد السلمي من إقرار النكرات‬
‫والقيام با وإعلنا وتبنيها‪ ،‬كم فيها ما هو مالف لشرع ال وينع شرع ال ويبيح ما يالف‬
‫شرع ال وهذ قضية ل شك أن كل ذي غية وإيان يضيق صدره با وتغلي نفسه ويشتعل‬
‫قلبه حزنا وألا ورغبة ف أن ل يكون مثل ذلك لكن عندما تفقد بعض هذه الصور يكون أيضا‬
‫ما ذكرناه‪.‬‬
‫وجانب ثالث‪ :‬وهو سوء العاملة والظلم ف التعامل مع هؤلء الشباب‪:‬‬
‫سواء كان ف بيئة التعليم من أساتذتم أو من قد يكونون ف موقع التربية ول يدون منهم إل‬
‫تطئتهم وإتامهم بالنق والطيش أو كذا أو حت ف الدائرة السرية وعجز الباء عن تفهم ما‬
‫قد يكون عند الشباب من عواطف فيها أخطاء لكنها تتاج إل توجيه وربا كذلك أحيانا ف‬
‫العالات والعاملت المنية عل مستوى الدول كثيا ما كانت هذه هي بذور لتلك‬
‫النرافات بشكل أو بآخر ونن ف عصر تتجدد أحداثه وتتفاقم بشكل كبي وهذه قضية‬
‫مهمة‪.‬‬
‫‪ -5‬رداءة ف الستيعاب‪:‬‬
‫هذه الطاقة التدفقة والماسة التألقة أين تصرف؟ أين مالا الصحيح؟ كيف نضعها على خط‬
‫القطار ليمشي إل الوجهة الت ينتهي إليها ليصل إل غاية مددة ومعروفة عندنا أمران‪ :‬إما أنا‬
‫مسنفذة ف أمور تافهة وضائعة فكم مستنفذ من حاس الشباب ف الرياضة على سبيل الثال‪،‬‬
‫كم من حاسة وقوة وربا صراع وربا أعصاب ويعن قدرات تتفجر ف هذا الانب بذه‬
‫الضخامة أو ف جوانب أخرى أيضا ليست ف الستثمار الصحيح الرياضة جيدة ربا حت‬
‫التشنيع ف أصله ليس على هذا ليس شيئا مذموما لكن هذه البالغات تعل ف آخر المر أنا‬
‫ل تقنع وأنا ف الخي ترتد إل فراغ يرجع إل بث عن بديل آخر ‪ ،‬وإما أيضا‪ :‬أنه هناك‬
‫غياب وقلة وندرة ف الحاضر الستيعابية لطاقة هؤلء الشباب وحاستهم‪.‬‬

‫حاسة الكياس‪:‬‬
‫لعلي أصل إل نقطة أخية وإنا نقطة مهمة وكما قلنا ل للتهور نقول‪ :‬ل للمتهورين وتسألون‬
‫الن‪ :‬ما الذي تريد؟ وأين سنصل؟ ما بي حاسة مدحتها ث عدت ونقضت أصولا وهنا‬
‫نكمل بالشق الثان لعنواننا ونقف هذه الوقفة الخية ف‪ :‬حاسة الكياس‪:‬‬
‫‪ -1‬التعقل والتزان ‪:‬‬
‫وطبعا ليست الكياس الكياس إنا الكياس من ذوي العقول‪ ،‬هنا جعنا بي المرين نريد‬
‫هذه الماسة والقيقة أن النسان بدون الماسة واليوية النفسية ف القيقة هو أقرب إل‬
‫الماد وإل الوات منه إل النسان الذي بطبيعته هو حيوي والتفاعلت اليوية ف جسم‬
‫النسان ف الثانية الواحدة تقوم عمليات ضخمة وهائلة ف جسم النسان ث هو بعد ذلك‬
‫يكون خامل وقاعدا وكسول هذا ل يتطابق لذلك نقول‪ :‬صفة الماسة إذا أضفنا إليها هذا‬
‫الليط والزيج من الكياسة أصبحت الماسة اليابية هي الت ندحها ونريدها وترشدها تلك‬
‫النظرة العقلية التزنة فتأتينا هذه الصورة الت نريد أن نعطي فيها وصف لذه الماسة الكيسة‬
‫أو الكياسة التحمسة أو كما ذكر ف كلمات جيلة الستاذ البنا يقول‪ :‬ألموا نزوات‬
‫العواطف بنظرات العقول وأنيوا أشعة العقول بلهيب الماسة‪.‬‬
‫وهي كلمات جيلة تبي أننا نتاج لزج ذلك العقل الذي دائما يتحفظ يتحفظ ول يريد أن‬
‫ينطلق يتاج إل بعض الماسة حت تفك عنه بعض تلك القيود الت يبالغ فيها وربا تلك‬
‫الماسة الندفعة تتاج إل بعض القيود العقلي حت يرشدها فلذلك التعقل والتزان مهم جدا‬
‫التزان ل يعل هناك طغيان جانب على جانب كما قلنا ونستحضر كما قلنا ف قصة سلمان‬
‫وأب الدرداء‪ :‬لا جاء سلمان إل أب الدرداء شكت أم الدرداء‪ ،‬قالت‪ :‬أخوك أبو الدرداء ل‬
‫حظ له ف الدنيا وكذا وإنا هو صائم ناره أو قائم ليله فنل ضيفا عليه أراد أن يصلي قال‪:‬‬
‫ل‪ ،‬كان صائما وقدم لسلمان الطعام قال‪ :‬كل معي‪ ،‬قال أنا صائم قال‪ :‬أفطر وجعله يفطر ث‬
‫أراد لا جاء الليل أن يصلي قال‪ :‬ن ‪ ،‬ث قام يريد أن يصلي‪ ،‬قال‪ :‬ن‪ ،‬حت انتصف الليل قال‪:‬‬
‫قم فصلي‪ ،‬ث جادله ف ذلك فلما بلغ المر الرسول صلى ال عليه وسلم قال له‪( :‬إن لهلك‬
‫عليك حقا وإن لزورك عليك حقا "لضيوفك يعن " وإن لنفسك عليك حقا فأعطي كل ذي‬
‫حق حقه)‪.‬‬
‫موقف أيضا لعثمان بن عفان رضي ال عنه لا كان ف فترة خلفته تعرفون ما بدأ بعض‬
‫الرجفي يشيعونه من انتقادات على عثمان رضي ال عنه فلما جاء موسم الج كان عثمان‬
‫رضي ال عنه من أخيار الصحابة يريد أن يبي للناس خطأ ما يقولونه ويفند فقال‪ :‬لقومن ف‬
‫الناس مقاما ل أدع شاردة وواردة إل أتيت عليها يريد أن يبي للناس‪ ،‬قال عبد الرحن بن‬
‫عوف‪ :‬يا أمي الؤمني ل تفعل فإن الوسم يمع رعاع الناس ورب كلمة يطيها عنك مطي‪،‬‬
‫عقول ل تستوعب عامة الناس تذكر قضايا وإذا با بعد ذلك تتطيش وهذا يأخذها يينا وذاك‬
‫يأخذها يسارا وهذا يفهمها على وجه وذاك يفهمها على وجه آخر الكلم ف موضعه جعله‬
‫الشاطب رحه ال من السنة وجعل الكلم ف غي موضعه جعله من البدع كما ذكر ذلك ف‬
‫العتصام استدلل بديث النب عليه الصلة والسلم ف حديث علي عند البخاري‪ :‬حدثوا‬
‫الناس با يعرفون أ تبون أن يكذب ال ورسوله؟ وحديث ابن مسعود ف مسلم قال‪ :‬ما أنت‬
‫بحدث قوما حديثا ل تبلغه عقولم إل كان لبعضهم فتنة ‪ ،‬وهذا أمره واضح‪.‬‬
‫ف الديبية موقف جيل للنب عليه الصلة والسلم لا أرادوا أن يكتبوا قال‪( :‬اكتب ممد‬
‫رسول ال) قال‪ :‬سهل بن عمرو لو كنا نعلم أنك رسول ال ما جادلناك ولكن اكتب اسك‬
‫واسم أبيك‪ ،‬ولا قال‪( :‬اكتب بسم ال الرحن الرحيم) قال‪ :‬ل‪ ،‬ل نعرف ما الرحن ول‬
‫الرحيم‪ ،‬اكتب باسك اللهم‪ ،‬الرسول يقول لعلي بن أب طالب‪( :‬اكتب) وعلي غي قابل لذا‬
‫يعن ل يرى ذلك السألة أن الرسول صلى ال عليه وسلم كان أوسع نظرا وعقل دع هذه‬
‫الصغية من المور فقال‪( :‬اكتب) فقال الرسول صلى ال عليه وسلم‪( :‬أرينيها؟) فمسحها‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم ف بعض الروايات بنفسه‪ ،‬قال لعلي‪( :‬اكتب) دعك من هذه‬
‫القضية الصغية فإن هناك ما هو أكب منها ل تعل هذه السألة أكب من حجمها وبالتال تعل‬
‫كل توجهك ومواجهتك وقوتك وطاقتك واعتراضك لذه القضية فتستنفذ أو تقيم فيها‬
‫معركة ضخمة هائلة كما نرى من بعض الشباب الن عندما يذكرون أمرا من الشرع وسنة‬
‫من السنن لكن يعلون النفي عليها كأنا أصل الدين كله وربا جعلوا من ذلك كما يرجون‬
‫به إل تفسيق أو تبديع أو تكفي من غي مثل هذا الذي ننبه الناس إليه‪.‬‬
‫‪ -2‬الضبط والحكام ‪:‬‬
‫وقد ذكرت ف هذا ما هو مهم جدا ولعلنا نستحضر مثال واحدا‪:‬‬
‫ف بيعة العقبة بعد أن بايع الصحابة رضوان ال عليهم بل قبل أن يبايعوا انظروا كيف كانت‬
‫روح الماس جاء أبو التيهان وف رواية غيه قال‪ :‬اعلموا أنكم إنا تبايعون الرجل على حرب‬
‫الحر والسود فإن رأيتم أنكم تسلمونه فمن الن‪ ،‬أراد أن يفاصلهم وينبههم وأن يستشعر‬
‫حيتهم‪ ،‬فبايعوه فقال العباس بن عبيد بن نضلة رضي ال عنه‪ :‬قال‪ :‬يا رسول ال لو شئت أن‬
‫نيل على أهل الوادي ميلة واحدة لفعلنا ف من هذا الكلم ف الفترة الكية‪ ،‬قال‪ :‬لو تريد غدا‬
‫أن نناجز القوم ونقاتلهم انتهى قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إنا ل نؤمر بذلك) ولا جاءه‬
‫الباب ف الفترة الكية وقد اشتد الذى‪ :‬يا رسول ال أل تدعو لنا أل تستنصر لنا؟ قال‪( :‬إنه‬
‫كان ف من كان قبلكم من يفر ف الرض ث يوضع فيها ث يؤتى بالنشار فيوضع ف مفرق‬
‫رأسه فينشر حت ينفلق إل نصفي ما يصده ذلك عن دينه وإنه كان يؤتى بالرجل فيمشط‬
‫بأمشاط من حديد ما بي لمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه) ث قال‪( :‬وال ليبلغن هذا‬
‫المر حت يسي الراكب من صنعاء إل حضرموت ل يشى إل ال والذئب على غنمه‬
‫ولكنكم قوم تستعجلون)‪.‬‬
‫‪ -3‬التدرج والستثمار‪:‬‬
‫لذه العاطفة‪ :‬لو أننا تدرجنا لوجدنا أننا نصل أكثر ما نصل بالسرعة الت ليس فيها مراعاة‬
‫للواقع ولطبيعة النسان وإمكانياته من أحسن المثلة ف هذا‪:‬‬
‫عبد اللك بن عمر بن عبد العزيز لا تول أبوه اللفة ونعرف عمر كيف كان عندما تول‬
‫اللفة ورعا وزاهدا وكان يعن يأخذ بالد ف المور‪ ،‬جاءه ابنه عبد اللك ينكر عليه‬
‫ويقول‪ :‬كيف تلقى ال عز وجل وف هذا كذا وكذا‪ ،‬فقال له‪ :‬أل ترضى أن ل ير على أبيك‬
‫يوم إل وهو ييت بدعة وييي سنة‪ ،‬ذاك الشاب يريد أن يغيها كلها ف يوم واحد‪ ،‬وهذا‬
‫لكمته وأيضا قوة إيانه وحاسته يريد أن يعلها ف منهجية تصل با النتيجة ويقع با الثر‬
‫الطلوب‪.‬‬
‫ونعرف ما كان من شأن النب عليه الصلة والسلم‪ :‬ف عمرة القضاء ف العام السابع من‬
‫الجرة طاف النب صلى ال عليه وسلم حول الكعبة والصنام حولا ستون وثلثائة صنم‪،‬‬
‫والرسول يطوف با بعد صلح الديبية‪ ،‬ول يشتمها ول يتعرض لا أبدا لن له مال آخر بعد‬
‫عام واحد فقط ف العام الثامن فتح مكة جاء ومعه مجنه عليه الصلة والسلم يطعن هذه‬
‫الصنام وهي تتهاوى ويقول‪ { :‬وَقُلْ جَا َء اْلحَقّ َوزَهَ َق الْبَاطِلُ إِ ّن الْبَاطِلَ كَا َن زَهُوقا }‬
‫(السراء‪.)81:‬‬
‫كل شيء بأوانه النسان يتهد ويعد عدته ويفكر ويدبر ويستشي ويستعي بال عز وجل‬
‫ويستخي ولكن هذا التعجل ل ينبغي أن يكون ‪.‬‬
‫‪ -4‬الدوام والستمرار ‪:‬‬
‫هو طبيعة ذلك التدرج (خي العمال أدومها وإن قل) (أحب العمال إل ال ما كان دية)‬
‫وحت النية لكي نافظ على هذه الماسة تأتينا ثرتا نن الن لنريد العواطف الت تصل بنا‬
‫إل العواصف القاصمة وإنا نريد العمل الذي يدوم ويستمر‪.‬‬
‫ابن عباس يذكر قصة له مع صاحب من النصار ف سنه‪ ،‬قال‪ :‬لا مات الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم قلت لصاحب من النصار‪ :‬اغد بنا إل أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم نطلب‬
‫العلم‪ ،‬قال له‪ :‬ومن ينظر إليك يابن عباس وف القوم أبو بكر وعمر وفلن‪ ،‬قال‪ :‬فانطلقت‬
‫وتركته وضللت أتتبع أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وآخذ عنهم وتدرج وتدرج‬
‫حت أصبح ابن عباس بعد فترة قصية من الزمن بذه الواظبة والستمرارية هو حب المة‬
‫وترجان القرآن رضي ال عنه وأرضاه‪.‬‬
‫والنب عليه الصلة والسلم رأى حبل متدليا كما ف الصحيح‪ ،‬قال‪( :‬ما هذا؟ ) قالوا‪ :‬حبل‬
‫لزينب‪ ،‬تصلي فإذا تعبت تعلقت به‪ ،‬قال‪( :‬مه‪ ،‬عليكم من العمال ما تطيقون فإن ال ل يل‬
‫حت تلوا‪ ،‬ليصل أحدكم نشاطه فإذا تعب فليقد) خذ أمرا تستطيع أن تواصل فيه ‪.‬‬
‫‪ -5‬التنامي والنتشار ‪:‬‬
‫وهذا أيضا من المور الهمة وينتج عن هذا لو أننا أخذنا بذلك سوف تنمو هذه الماسة‬
‫وتنتشر وتعم هذه اليابية بشكل مهم وأساسي ولعلنا وقد تاوزنا الوقت نقول‪:‬‬
‫إن الذي نريده حاسة ولكنها مشوبة بذه الكياسة نن نقول‪ :‬ل للتهجي والترويض ولكننا‬
‫أيضا نقول‪ :‬ل للثارة والتهييج‪ ،‬نن نريد أن يكون لنا طريق إل هذه الماسة الراشدة من‬
‫خلل ما قلناه ف تلك الوانب السلبية بعكسه إيابيا‪:‬‬
‫علم بالشرع وبصر بالواقع وصب ف العالة وعدالة ف الواقف وأناة ف المارسة وال سبحانه‬
‫ك الْغَفُورُ ذُو الرّ ْحمَةِ َلوْ ُيؤَا ِخذُهُمْ ِبمَا َكسَبُوا لَ َعجّلَ َل ُهمُ الْعَذَابَ َبلْ َلهُمْ‬
‫وتعال قال‪َ { :‬ورَبّ َ‬
‫جدُوا مِنْ دُونِهِ َموْئِلً } (الكهف‪.)58:‬‬ ‫َموْ ِعدٌ لَنْ َي ِ‬
‫هذا وصلى ال على نبينا ممد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيا ‪.‬‬
‫المة بي سنت البتلء والعمل(‪)2/4‬‬

‫عمر بن عبد ال القبل‬


‫(عضو هيئة التدريس بامعة المام ممد بن سعود السلمية)‬

‫المد ل رب العالي‪ ،‬والصلة والسلم على نبينا ممد وعلى آله وصحبه أجعي‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فإن مثل هذه التساؤلت‪ ،‬والهات الت تنفثها صدور كثي من شباب المة‪ ،‬لي وال بشي‬
‫خي‪ ،‬كيف ل؟ وقد أتى على أكثر شباب قبل ثلثة عقود من الزمان تقريبا‪ ،‬ول هم لم إل‬
‫الديث عن الفن والكرة ونوها من المور الت شغلوا با ردحا من الزمن!‬
‫لقد مرّت فترة على أكثر الشباب ‪،‬وأحدهم ربا بكى لن فريقه الكروي انزم ‪ ،‬أو مطربه‬
‫الفضل مات‪ ،‬واليوم نرى كثيا من شبابنا ‪-‬ول المد‪-‬ترتقي ههم ‪،‬ليكون بكاؤها على ما‬
‫يستحق البكاء‪ ..‬أل وهو البكاء على ما يل بالسلمي من ظلم وقتل واغتصاب من قبل‬
‫أعدائهم‪.‬‬
‫وفرحتنا بذا التحول ف الهتمامات ‪،‬وبذه التساؤلت والهات ‪-‬لكي تكتمل ‪-‬يب أن‬
‫نستثمرها استثمارا إيابيا حت ل تفتر هذه العزمات التطلعة لنصر المة‪.‬‬
‫أما النواح والبكاء دون عمل‪ ،‬فليس هذا من هديه – صلى ال عليه وسلم ‪ ،-‬ولك أن تعلم‬
‫مقدار حزنه العظيم الذي كاد يفلق كبده على شهداء أحد‪ ،‬ومع ذلك ل ينعه ذلك الشهد ‪-‬‬
‫الذي بقي معه إل أن مات‪ -‬من الستمرار ف الهاد لذا الدين‪ ،‬وتبليغه‪.‬‬
‫وإذا تدثنا عن أهية استثمارها ‪ ،‬فإننا نؤكد على أهية ترشيد هذه التساؤلت حت ل يساء‬
‫استخدامها ف أمور قد ُيظَن أنا نافع ٌة وليست كذلك‪ ،‬والسبيل إل ذلك إنا يكون بترشيدها‪،‬‬
‫وهذا يكن تقيقه بعدة أمور‪:‬‬
‫‪ -1‬يب أن ل نغفل ـ ف زحة الحداث‪ ،‬وشدة وطأتا على قلوبنا ـ عن السنن اللية ف‬
‫ابتلء أهل اليان‪ ،‬فلقد ابتلي من هومنا‪ ،‬وكم ف البتلءات من اللطاف الفية لربنا تعال ‪،‬‬
‫والت قد تعجز عقولنا عن تصورها‪،‬فضلً عن الحاطة با‪.‬‬
‫أين أنت أخي عن قوله تعال لي جند مشوا على وجه الرض ‪ :‬ممد – صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وصحابته؟ الذين قيل ف حقهم ‪-‬لا ابتلوا با ابتلوا به يوم أحد ‪َ " :-‬ولُِيمَحّصَ اللّهُ‬
‫اّلذِينَ آمَنُواْ وَيَ ْمحَ َق الْكَافِرِينَ" قال غي واحد من السلف‪ :‬أي‪ :‬ليختب الذين آمنوا‪ ،‬حت‬
‫يلصهم بالبلء الذي نزل بم‪ ،‬وكيف صبهم ويقينهم‪.‬‬
‫وقيل لم أيضا‪َ " :‬ولِيُ َمحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ"‪ ،‬أي ‪ :‬يتبكم با جرى عليكم ليميز البيث من‬
‫الطيب‪ ،‬ويظهر أمر الؤمن من النافق للناس ف القوال والفعال ‪.‬‬
‫أخي‪ :‬كم ف المة من العلل؟ وكم فيها من الدخلء ؟ وكم فيها من يدعي الرقة والمر‬
‫ليس كذلك؟!‬
‫هل نسيت أيها البارك ما وقع لنبيك – صلى ال عليه وسلم‪ -‬يوم أحد ؟ أو يوم الحزاب؟!‪.‬‬
‫إن هذه الحداث الت أقلقتك وأزعجتك ‪ ،‬إنا تت سع ال وبصره‪ ،‬وال –تعال‪ -‬أغي من‬
‫خلقه أن تنتهك حرمات عباده ‪،‬وتغتصب نساء أوليائه ‪،‬ويُعرض عن دينه ‪،‬ويارب حزبه ‪،‬‬
‫ولكنها السنن ‪ -‬أيها الخ الكري ‪ -‬الت ربّى النب – صلى ال عليه وسلم‪ -‬عليها أصحابه‬
‫حي اشتكوا إليه شدة ما يلقون من الشركي ‪ ،‬ومنهم خباب ‪ -‬كما ف البخاري ‪ -‬قال‪:‬‬
‫شكونا إل رسول ال – صلى ال عليه وسلم‪ -‬وهو متوسد بردةً له ف ظل الكعبة‪ ،‬قلنا له‪:‬‬
‫أل تستنصر لنا؟ أل تدعو ال لنا؟ قال‪" :‬كان الرجل فيمن قبلكم يفر له ف الرض‪ ،‬فيجعل‬
‫فيه‪ ،‬فيجاء بالنشار فيوضع على رأسه‪ ،‬فيشق باثنتي‪ ،‬وما يصده ذلك عن دينه‪ ،‬ويشط‬
‫بأمشاط الديد ما دون لمه من عظم أو عصب‪ ،‬وما يصده ذلك عن دينه‪ ،‬وال ليتمن هذا‬
‫المر‪ ،‬حت يسي الراكب من صنعاء إل حضرموت ل ياف إل ال أو الذئب على غنمه‪،‬‬
‫ولكنكم تستعجلون"‪.‬‬
‫وهذه الملة الخية‪ ،‬يب أل تغيب عن الذهان‪ ،‬ونن نبحث ونتلمس النصر لذا الدين‪..‬‬
‫ويب أل تغيب ونن نسمع أو نعلم عن إخوان لنا ف السجون قد يوت أحدهم ف سبيل ال‬
‫‪ ،‬ويب أن ندرك أن المر كما قال الشاعر‪:‬‬
‫فتلك سبيلٌ ‪ ،‬لست فيها بأوحد‬
‫‪ 2‬ـ ومع استحضار سنة البتلء‪ ،‬فإننا يب أن نتذكر أن هذا الطغيان والستبداد الذي تراه‬
‫من أمم الكفر‪ ،‬هو أيضا ل يرج عن سنة أخرى من سنن ال تعال ف المم‪ ،‬وهي أن هذا ف‬
‫القيقة تهيد لضي سنة أخرى من سنن ال تعال‪ ،‬أل وهي مق الكفار‪.‬‬
‫يقول ابن القيم ‪-‬رحه ال ‪ -‬وهو يتحدث عن العب من غزوة أحد ف (زاد العاد)‬
‫(‪ :)3/222‬ومنها ـ أي من دروس غزوة أحد ـ أن ال سبحانه إذا أراد أن يهلك أعداءه‬
‫ويحقهم ‪ ،‬قيض لم السباب الت يستوجبون با هلكهم ومقهم ‪ ،‬ومن أعظمها ‪ -‬بعد‬
‫كفرهم ‪ : -‬بغيهم وطغيانم‪ ،‬ومبالغتهم ف أذى أوليائه‪ ،‬وماربتهم وقتالم‪ ،‬والتسلط عليهم‪،‬‬
‫فيتمحص بذلك أولياؤه من ذنوبم وعيوبم‪ ،‬ويزداد بذلك أعداؤه من أسباب مقهم‬
‫وهلكهم‪ ،‬وقد ذكر سبحانه وتعال ذلك ف قوله‪" :‬ول تنوا ول تزنوا وأنتم العلون إن‬
‫كنتم مؤمني * إن يسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك اليام نداولا بي الناس‬
‫وليعلم ال الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء وال ل يب الظالي * وليمحص ال الذين آمنوا‬
‫ويحق الكافرين"‪ ،‬فجمع لم ف هذا الطاب بي تشجيعهم‪ ،‬وتقوية نفوسهم‪ ،‬وإحياءِ‬
‫عزائمهم وهمهم‪ ،‬وبي حسن التسلية‪ ،‬وذكر الكم الباهرة الت اقتضت إدالة الكفار عليهم‪،‬‬
‫فقال‪" :‬إن يسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله" فقد استويتم ف القرح والل‪ ،‬وتباينتم ف‬
‫الرجاء والثواب‪ ،‬كما قال‪" :‬إن تكونوا تألون فإنم يألون كما تألون وترجون من ال ما ل‬
‫يرجون" فما بالكم تنون وتضعفون عند القرح والل؟! فقد أصابم ذلك ف سبيل الشيطان‬
‫وأنتم أصبتم ف سبيلي وابتغاء مرضات‪.‬‬
‫ث أخب أنه يداول أيام هذه الياة الدنيا بي الناس‪ ،‬وأنا عرض حاضر يقسمها دولً بي أوليائه‬
‫وأعدائه‪ ،‬بلف الخرة فإن عزها ونصرها ورجاءها خالص للذين آمنوا‪.‬‬
‫ث ذكر حكمةً أخرى‪ ،‬وهي‪ :‬أن يتميز الؤمنون من النافقي ‪ ،‬فيعلمهم علم رؤية ومشاهدة ‪،‬‬
‫بعد أن كانوا معلومي ف غيبه‪.‬‬
‫ث ذكر حكمة أخرى‪ ،‬وهي‪ :‬اتاذه سبحانه منهم شهداء‪ ،‬فإنه يب الشهداء من عباده‪ ،‬وقد‬
‫أعد لم أعلى النازل وأفضلها‪ ،‬وقد اتذهم لنفسه‪ ،‬فل بد أن ينيلهم درجة الشهادة " انتهى‪.‬‬
‫وكان قال قبل ذلك ـ رحه ال ـ مقررا هذا الصل (‪ :)3/18‬والقصود أن ال سبحانه‬
‫اقتضت حكمته أنه ل بد أن يتحن النفوس ويبتليها ‪ ،‬فيظهر بالمتحان طيبها من خبيثها‪ ،‬ومن‬
‫يصلح لوالته وكراماته ومن ل يصلح‪ ،‬وليمحص النفوس الت تصلح له‪ ،‬ويلصها بكي‬
‫س ف الصل‬ ‫المتحان‪ ،‬كالذهب الذي ل يلص ول يصفو من غشه إل بالمتحان‪ ،‬إذ النف ُ‬
‫جاهلةٌ ظالةٌ‪ ،‬وقد حصل لا بالهل والظلم من البث ما يتاج خروجه إل السبك والتصفية"‬
‫اهـ ‪.‬‬
‫‪ -3‬علينا ‪-‬أيضا‪ -‬أن ندفع هذه السنة بسنة أخرى‪ ،‬وهي سنة العمل للدين‪ ،‬فإن ال تعال‬
‫قادرٌ أن ينصر دينه بأيسر السباب ‪،‬ولكن اقتضت حكمته أن ل يتم النصر إل على أيدي‬
‫رجا ٍل ينذرون أنفسهم لنصرة دينهم بالغال والنفيس‪ ،‬وبكل ما يقدرون عليه‪.‬‬
‫أل تر ‪-‬أخي الكري‪ -‬كيف ترك الهاجرون ديارهم وأموالم‪ ،‬بل أخرجوا منها رغما عنهم‪،‬‬
‫وقبلوا بذلك‪ ،‬وما أرخصه إذا كان الثمن رضوان ال والنة‪ ،‬فأعقبهم ال تعال‪ -‬بعد سنوات‬
‫من الدعوة والهاد‪ -‬بأن عادوا إليها فاتي‪ ،‬وقبل ذلك وبعده أن ال تعال رضي عنهم‪ ،‬وعن‬
‫إخوانم من النصار‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬نن باجة إل أن نرج من دائرة النواح والبكاء‪ ،‬لننل إل ميادين العمل‪ ،‬وما أكثرها ف‬
‫هذا الزمن!‬
‫ومن الهم –أيضا‪ -‬ف هذا القام أن ل نتصر مالت النصرة‪ ،‬وسبل رفع الذلة عن هذه المة‬
‫ف عملٍ واحد‪ ،‬فإن نبينا – صلى ال عليه وسلم‪ -‬الذي جاء بالتوحيد‪ ،‬هو الذي أمر بإماطة‬
‫الذى عن الطريق‪ ،‬وهو الذي أمر بالحسان إل اليوان ويب أن ل نستهي بأي عملٍ‬
‫فاضل‪ ،‬وأن ل يعيب الشتغل بالعلم تعلما وتعليما من نذر نفسه ف ميادين الدعوة إل ال‪ ،‬أو‬
‫ف ساحات الهاد ‪ ،‬والعكس صحيح‪ ،‬فإن الميع يكمل بعضهم بعضا‪ ،‬ول غن للمة عن‬
‫أي عملٍ صال‪.‬‬
‫نعم! ليست اليادين ف تأثيها وقوتا بدرجة واحدة‪ ،‬لكن مقصودي هو التحذير من اختزال‬
‫أسباب النصر ف سبب واحدٍ أو سببي‪ ،‬فإن ال تعال قال‪" :‬وَاّلذِينَ جَا َهدُوا فِينَا لََن ْهدِيَنّ ُهمْ‬
‫سُبُلَنَا َوإِنّ اللّهَ لَ َمعَ اْل ُمحْسِنِيَ"‪.‬‬
‫فلنسع إل نصرة ديننا جهدنا‪ ،‬ولنكن من لب نداء ربه الذي قال‪":‬يَا أَّيهَا الّذِينَ آَمَنُوا كُونوا‬
‫حوَارِيّونَ َنحْنُ‬ ‫حوَارِيّيَ مَنْ أَنصَارِي ِإلَى اللّ ِه قَالَ اْل َ‬
‫أَنصَارَ اللّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرَْيمَ لِ ْل َ‬
‫أَنصَارُ اللّهِ"‪.‬‬

‫وقد سألت أيها الفاضل عن كيفية السعي لنصرة هذا الدين؟ وسأل آخر عن كيفية القيام‬
‫بواجبه الدعوي؟ ومن الصعب ف مثل هذه العجالة أن أفصل لك ماذا تعمل‪ ،‬لكن يكنك‬
‫النطلق من خلل الطوات التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬قم بصر للمنكرات ف ميطك الذي حولك‪.‬‬
‫‪ -2‬ابدأ بعلج النكر الكب ‪ ،‬فإن ل تستطع فانتقل للذي بعده‪.‬‬
‫‪ -3‬تواصل وتشاور مع أهل العلم والدعاة ـ إن وجدوا ف بلدك ـ لبحث كيفية علج هذه‬
‫النكرات أو التخفيف منها‪ ،‬وإل فانتقل للذين بعدهم وهكذا‪ ،‬وأرجح أل تبتعد ف السؤال‬
‫عن أهل بلدك‪ ،‬لنم أعلم بال بلدك من غيهم‪ ،‬فإن عدموا ـ ول أظن ذلك ـ فبإمكانك‬
‫أن تتواصل مع غيهم‪.‬‬
‫‪ -4‬ديننا قائم على‪ :‬المر بالعروف والنهي عن النكر‪ ،‬فمع مارسة النهي عن النكر‪ ،‬يب أن‬
‫نقدم للمجتمع العروف‪ ،‬بل البدء به هو الصل‪ ،‬فليس صحيحا أل يسمع الجتمع منا إل نبة‬
‫النكار فقط‪ ،‬بل من نشر العروف‪ ،‬بالدروس والواعظ‪ ،‬أو على القل عن طريق خطب‬
‫المعة‪ ،‬كل ذلك بسب الطاقة‪.‬‬
‫فإن منعنا من ذلك كله‪ ،‬فلن نعجز أن نري الجتمع منا صدقا ف اللتزام بذا الدين‪ ،‬نتمثله‬
‫بالصدق ف أقوالنا وأفعالنا ‪ ،‬فتلك –ورب‪ -‬ليست بينة ‪ ،‬فقد كسب با النب ج أنصارا لدينه‬
‫بسبب صدقه وأمانته‪ ،‬وشائله الطيبة الت جعلت الناس يقولون‪ :‬ما كان هذا ليكذب على ربه‬
‫وهو ل يكذب ف حديث الناس‪.‬‬
‫‪ -4‬ونن نرى ما نرى من البتلءات والشدائد‪ ،‬يب أن نفتح أعيينا على الوانب الشرقة‬
‫الت تققت للمة ف العقدين الخيين‪ ،‬على مستوى الشعوب على القل؟!‬
‫فمن ذا الذي ينكر هذا الي العميم الذي انتشر ف بلد السلم؟‬
‫ومن الذي يكابر ف هذه الفواج الكبية العائدة إل ال‪ ،‬أو الداخلة ف دين ال تعال؟!‬
‫كم هم حفظة القرآن؟ كم هم الشتغلون بفظ السنة؟‪.‬‬
‫أل تر عينك أفواج الشباب الت تعتكف ف الرمي ف العشر الواخر من رمضان؟‬
‫أل تسمع عن أخبار الجاهدين الذين رووا أرض الهاد بدمائهم ف فلسطي‪ ،‬وأفغانستان‪،‬‬
‫والشيشان‪ ،‬وكشمي‪ ،‬والعراق؟!‬
‫مت كان الشباب يعلنون أن أغلى أمانيهم أن يوت أحدهم شهيدا؟!‬
‫كم هن النساء اللت عدن إل الجاب‪ ،‬وهن ف وسط الفت‪ ،‬رغم قوة الصوارف‬
‫والغريات؟!‬
‫إن هذه ‪-‬أخي الفاضل‪ -‬مكاسب كبى‪ ،‬يب أن تكون رافعةً لمتنا‪ ،‬ومبشرةً لنا بأن عمل‬
‫من سبقنا من الصلحي ‪ -‬رغم ضعف إمكانياتم‪ ،‬وقلة اتصالتم‪ -‬آتى ثارا يانعة‪.‬‬
‫إن بشائر النصر تلوح ف الفق‪ ،‬وهي ‪-‬بقياس الزمن الطويل‪ -‬ليست ببعيدة بإذن ال‪ ،‬ولكننا‬
‫‪-‬أحيانا ‪ -‬نستعجل‪ ،‬وربنا ل يعجل لعجلتنا‪.‬‬
‫يقال هذا‪ ،‬وتذكر هذه البشائر‪ ،‬ونن جيعا نعلم أن ف المة جوانب كثية‪ ،‬تتاج إل‬
‫إصلح‪ ،‬نعم ‪..‬لكن لاذا نستمر ف جلد ذواتنا ‪،‬وتطيمِ ما شُـيّد من جهود كبية‪ ،‬وكأننا ل‬
‫نلك أي بصيص من المل ؟!‬
‫‪ -5‬قلب نظرك ‪-‬أخي ‪ -‬ف صفحات التاريخ ‪ ،‬فستجد أن المة مر با أنواع من الفت‬
‫والبتلءات‪ ،‬أضعفتها‪ ،‬وأنكتها فترة من الزمن‪ ،‬ولكنها عادت بعد ذلك قويةً‪.‬‬
‫وحسب هنا أن أشي إل إحدى البتلءات الكبار الت تعرضت لا المة‪ ،‬وهي غزو التتار‪،‬‬
‫وسأسوق لك كلم عالي أرّخا ورصدا مشاعر المة ف تلك الفتنة العمياء الصماء‪ ،‬أحدها‬
‫أدرك أولا‪ ،‬والخر أدرك آخرها‪.‬‬
‫أما الذي أدرك أولا فهو العلمة ابن الثي ـ ف كتابه "الكامل" ‪- 10/399‬حيث يقول‬
‫‪-‬ف أحداث سنة ‪617‬هـ‪" :‬لقد بقيت عدة سني معرضا عن ذكر هذه الادثة استعظاما‬
‫لا‪،‬كارها لذكرها‪ ،‬فأنا أقدم رجلً وأؤخر أخرى‪ ،‬فمن الذي يسهل عليه نعي السلم‬
‫والسلمي؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي ل تلدن‪ ،‬ويا ليتن مت قبل‬
‫حدوثها وكنت نسيا منسيا‪ ،‬إل أن حثن جاعة من الصدقاء على تسطيها‪ ،‬وأنا متوقف‪ ،‬ث‬
‫رأيت أن ترك ذلك ل يدي نفعا‪ ،‬فنقول‪ :‬هذا الفصل يتضمن ذكر الادثة العظمى‪ ،‬والصيبة‬
‫الكبى‪ ،‬الت عقمت اليام عن مثلها‪ ،‬عمت اللئق وخصت السلمي‪ ،‬فلو قال قائل‪ :‬إن‬
‫العال مذ خلق ال سبحانه وتعال آدم وإل الن‪،‬ل يبتلوا بثلها ‪،‬لكان صادقا ‪،‬فإن التواريخ ل‬
‫تتضمن ما يقاربا ول ما يدانيها‪.‬‬
‫ومن أعظم ما يذكرون من الوادث ما فعله بتنصر ببن إسرائيل من القتل وتريب البيت‬
‫القدس وما البيت القدس بالنسبة إل ما خرب هؤلء اللعي من البلد الت كل مدينة منها‬
‫أضعاف البيت القدس‪ ،‬وما بنو إسرائيل بالنسبة إل من قتلوا فإن أهل مدينة واحدة من قتلوا‬
‫أكثر من بن إسرائيل‪ ،‬ولعل اللق ل يرون مثل هذه الادثة إل أن ينقرض العال‪ ،‬وتفن الدنيا‬
‫إل يأجوج ومأجوج‪ ،‬وأما الدجال فإنه يبقي على من اتبعه ويهلك من خالفه‪ ،‬وهؤلء ل يبقوا‬
‫على أحد بل قتلوا النساء والرجال والطفال‪ ،‬وشقوا بطون الوامل‪ ،‬وقتلوا الجنة فإنا ل وإنا‬
‫إليه راجعون‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم"‬
‫وهذا الوصف من ابن الثي وهو بعد ل يدرك تلك الفاجعة العظمى والنكبة الكبى لسقوط‬
‫بغداد‪ ،‬وناية اللفة السلمية الكبى‪.‬‬
‫يقول ذلك وهو ل يعلم بتجاوز التتر بلد العراق إل بلد الشام‪ ،‬وما تبع ذلك من مآس‬
‫ومصائب‪ ،‬والت وصفها إمام آخر وقف على أحداثها‪ ،‬يصفها ويشخص فيها أحوال الناس‪،‬‬
‫ويصور مشاعرهم ومواقفهم بدقه وخبة‪ ،‬شيخ السلم ابن تيمية ـ رحه ال ـ حي يقول‪:‬‬
‫" فينبغي للعقلء أن يعتبوا بسنة ال وأيامه ف عباده ودأب المم وعاداتم‪ ،‬لسيما ف مثل‬
‫هذه الادثة العظيمة الت طبق الافقي خبُها‪ ،‬واستطار ف جيع ديار السلم شررها‪ ،‬وأطلع‬
‫فيها النفاق ناصية رأسه‪ ،‬وكشر فيها الكفر عن أنيابه وأضراسه‪ ،‬وكاد فيها عمود الكتاب أن‬
‫يتث ويترم‪ ،‬وحبلُ اليان أن ينقطع وينصرم‪ ،‬ودارُ الؤمني أن يل با البوار‪ ،‬وأن يزول هذا‬
‫الدين باستيلء الفجرة التتار‪ ،‬وظن النافقون والذين ف قلوبم مرض أنْ ما وعدهم ال ورسوله‬
‫إل غرورا‪ ،‬وأن لن ينقلب حزب ال ورسوله إل أهليهم أبدا‪ ،‬ونزلت فتنة تركت الليم فيها‬
‫حيان‪ ،‬وأنزلت الرجل الصاحي منـزلة السكران‪ ،‬وتركت اللبيب لكثرة الوساوس ليس‬
‫بالنائم ول اليقظان‪ ،‬وتناكرت فيها قلوب العارف والخوان‪ ،‬حت بقي للرجل بنفسه شغل‬
‫عن أن يغيث اللهفان‪ ،‬وميز ال فيها أهل البصائر واليقان من الذين ف قلوبم مرض أو نفاق‬
‫أو ضعف إيان‪ ،‬ورفع با أقواما إل الدرجات العالية‪ ،‬كما خفض با أقواما إل النازل‬
‫الاوية‪ ،‬وكفّر با عن آخرين أعمالم الاطئة‪ ،‬وحدث من أنواع البلوى ما جعلها قيامه‬
‫متصرة من القيامة الكبى‪ ...‬وفرّ الرجل فيها من أخيه‪ ،‬وأمه وأبيه‪ ،‬إذْ كان لكل امرئ منهم‬
‫شأن يغنيه‪ ،‬وكان من الناس من أقصى هته النجاة بنفسه‪ ،‬ل يلوي على ماله ول ولده ول‬
‫عرسِه‪ ...‬وبليت فيها السرائر‪ ،‬وظهرت البايا الت كانت تكنها الضمائر‪ ،‬وتبي أن البهرج‬
‫من القوال والعمال يون صاحبه أحوج ما كان إليه ف الآل "انتهى كلمه رحه ال‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ ل بد أن نعلم أن من حكم البتلء‪ :‬تحيص الصفوف‪ ،‬تكفي الذنوب‪ ،‬وهذا أمرٌ بي‪،‬‬
‫فكم هم الدخلء على الصف السلمي‪ ،‬الذين ل يعرفهم إل الندرة من الناس‪ ،‬فإذا جاءت‬
‫مثل هذه الحن والبتلءات ميّزت الطيب من البيث‪ ،‬وشرح ذلك يطول جدا‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ هذا دين ال الذي تكفّل بنصره‪ ،‬وأمرنا بأن نسعى لذلك‪ ،‬ول يكلفنا أن نصد ثرة‬
‫النصر‪ ،‬بل هذه ل تطلب من النبياء والرسل عليهم الصلة والسلم‪..‬‬
‫تأمل أخي‪ ..‬لقد مات النب – صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وهو ل يفتتح من بلد السلم القائمة‬
‫اليوم إل ما يشكل الربع تقريبا أو أقل‪ ،‬ولكن تابع أصحابه والتابعون لم بإحسان الفتوحات‪،‬‬
‫فوصلوا إل حدود الصي شرقا‪ ،‬وإل جنوب فرنسا غربا‪ ،‬وكل ذلك مسوب ومضاف إل‬
‫رصيده‪.‬‬

‫فالواجب علينا أن نتبن مشروعات دعوية‪ ،‬تقوم على العمل الؤسسي ـ إن أمكن ـ لن‬
‫ذلك أدعى لستمرارها وبقائها‪ ،‬إذ لن يؤثر عليها موت شخص أو سجنه‪ ،‬بل هي تسي وفق‬
‫خطة وسياسة واضحة‪ ،‬يتلقها اللحق عن السابق‪ ،‬وما منظمة حاس إل نوذج حي للعمل‬
‫الؤسسي الذي ل يتوقف بوت قائد أو مؤسس‪.‬‬
‫‪ -7‬إن لعجب من مسلم يقرأ قوله تعال‪َ ":‬ولَ َقدْ سَبَقَتْ كَِلمَتُنَا لِعِبَادِنَا اْلمُرْسَلِيَ * إِّنهُمْ َلهُمُ‬
‫اْلمَنصُورُونَ *وَإِنّ جُندَنَا لَ ُهمُ الْغَالِبُونَ" كيف يدب اليأس إل قلبه؟‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية ‪ :‬ـ فيما نقله عنه ابن عبدالادي ف "اختيارت ابن تيمية ص(‬
‫‪ )71-70‬ـ‪(( :‬وهذا يشكل على بعض الناس‪ ،‬فيقول‪ :‬الرسل قد قتل بعضهم‪ ،‬فكيف‬
‫يكونون منصورين؟‬
‫فيقال‪ :‬القتل إذا كان على وجهٍ فيه عزة الدين وأهله كان هذا من كمال النصر‪ ،‬فإن الوت ل‬
‫بد منه‪ ،‬فإذا مات ميتةً يكون با سعيدا ف الخرة‪ ،‬فهذا غاية النصر‪ ،‬كما كان حال نبينا ج‪،‬‬
‫فإنه استشهد طائفة من أصحابه فصاروا إل أعظم كرامة‪ ،‬ومن بقي كان عزيزا منصورا‪،‬‬
‫وكذلك كان الصحابة يقولون للكفار‪ :‬أخبنا نبينا أنّ من قتل منا دخل النة‪ ،‬ومن عاش منّا‬
‫ملك رقابكم‪.‬‬
‫فالقتول إذا قتل على هذا الوجه كان ذلك من تام نصره‪ ،‬وَنصْرِ أصحابه‪.‬‬
‫ومن هذا الباب حديث الغلم ـ الذي رواه مسلمٌ ـ لا اتبع دين الراهب‪ ،‬وترك دين‬
‫الساحر‪ ،‬وأرادوا قتله مرة بعد مرة‪ ،‬فلم يستطيعوا حت أعلمهم بأنه يقتل إذا قال اللك‪ :‬باسم‬
‫ال رب الغلم‪ ،‬ث يرميه‪ ،‬ولا قتل آمن الناس كلهم‪ ،‬فكان هذا نصرا لدينه)) انتهى كلمه‪.:‬‬
‫‪ -8‬ف ظل هذه الفت‪ ،‬وتتابع هذه الصائب‪ ،‬يب أل تشغلنا هذه الفت عن عباداتنا الاصة‬
‫بيننا وبي ربنا‪ ،‬فالضرورة تتأكد بوجوب العناية بإصلح القلب‪ ،‬وهذا يتحقق بأمور‪:‬‬
‫أ ـ التعلق بال ‪-‬عز وجل‪ -‬دائما‪ ،‬واللجأ إليه‪ ،‬وكثرة اللاح عليه بالدعاء‪ ،‬فإن ال تعال‬
‫نعى على قومٍ أصيبوا بالضراء‪ ،‬فلم يكن ذلك سببا ف تضرعهم‪ ،‬قال تعال‪َ " :‬ولَ َقدْ َأرْسَلنَآ ِإلَى‬
‫أُ َممٍ مّن قَبْلِكَ فَأَ َخذْنَا ُهمْ بِالْبَأْسَاء وَالضّرّاء لَعَّل ُهمْ يََتضَرّعُو َن * فََلوْل إِذْ جَاء ُهمْ بَأْسُنَا َتضَرّعُواْ‬
‫ستْ قُلُوُبهُمْ َوزَيّنَ َلهُمُ الشّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَ ْعمَلُونَ"‪.‬‬‫َولَكِن قَ َ‬
‫فما أحوجنا إل اللجأ‪ ،‬والتضرع إل ربنا ف كشف ضرنا‪ ،‬وإصلح أحوالنا‪ ،‬والستغاثة به ف‬
‫طلب النصر‪ ،‬وكبت العدو وخذلنه‪.‬‬
‫ب‪ -‬ل بد لكل واحدٍ منا من عبادة يلزمها‪ ،‬ويكثر منها‪ ،‬مع العناية ببقية العبادات‪ ،‬فإن‬
‫للعبادة أثرا عظيما ف سكون القلب‪ ،‬واستقرار النفس‪.‬‬
‫ولئن كان هذا مطلوبا ف كل حي‪ ،‬فهو ف أوقات الفت آكد وأعظم‪ ،‬فإن النب ج يقول‬
‫‪-‬كما روى ذلك مسلمٌ ف صحيحه من حديث معقل بن يسار س ‪" :-‬العبادة ف الرج‪،‬‬
‫كهجرةٍ إلّ"‪.‬‬
‫وسبب ذلك ‪-‬وال أعلم ‪ -‬أنه ف زمن الفت يف أمر الدين‪ ،‬ويقل العتناء بأمره‪ ،‬ول يبقى‬
‫لحد اعتناء إل بأمر دنياه‪ ،‬ومعاشه‪ ،‬ونفسه وما يتعلق به‪.‬‬
‫فمن فتح عليه ف نوافل الصلوات‪ ،‬أو ف الصيام‪ ،‬أو ف الصدقة‪ ،‬أو ف قراءة القرآن‪ ،‬أو ف‬
‫غيها من العبادات‪ ،‬فليلزمها‪ ،‬وليكثر منها‪ ،‬فإنا من وسائل الثبات بإذن ال تعال‪.‬‬
‫ج ‪ -‬القبال على قراءة القرآن بتدبر‪ ،‬وقراءته قراءة الستشفي به‪ ،‬الطالب للهدى منه‪ ،‬الحرك‬
‫لقلبه به‪ ،‬فإن ذلك من أعظم الدوية وأنفعها للقلب خصوصا ف هذه الزمنة الت انفرط عقد‬
‫الفت ول حول ول قوة إل بال‪.‬‬
‫هذا ما تيسر تريره‪ ،‬وصلى ال وسلم على نبينا ممد وعلى آله وصحبه أجعي‪.‬‬
‫المة بي سنت البتلء والعمل(‪)3/4‬‬

‫د‪ .‬رياض بن ممد السيميي‬


‫(عضو هيئة التدريس بامعة المام ممد بن سعود السلمية)‬

‫المد ل‪ ،‬وأصلي وأسلم على رسول ال وآله وصحبه ومن سار على هداه‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فل ريب أنّ المة تر بظروف عصيبة مؤلة‪ ،‬وتعان ويلت فت خطية ف دينها وعقيدتا‬
‫وأخلقها‪ ،‬وتواجه تديا حضاريا عاليا بل حربا صليبية صهيونية تستهدف ف كيانا‬
‫ووجودها‪.‬‬
‫ومن الطأ السيم أن نتغافل أحصل الصراع بي السلمي وأعدائهم من يهود ونصارى‪ ،‬وأنه‬
‫ف أصله صراع عقدي دين سيما وقد صرّح العدو نفسه بدوافع الصراع ومنطلقات الرب‬
‫ف أكثر من مناسبة‪.‬‬
‫ومن الطأ البيّن كذلك أن يتناول هذه القضية الطية بشيء من الرتالية والستعجال أو‬
‫بدوافع من العاطفة والماس غي النضبط‪.‬‬
‫ل بد أن نعترف أن ما يارس اليهود والصليبيون كل يوم ف فلسطي والعراق وأفغانستان‬
‫والشيشان وغيها هو استفزاز خطي لشاعر المة السلمة بعامة ولشبابا الغيور على وجه‬
‫الصوص‪.‬‬
‫ول يكن أن نتصور بقاء الشباب السلم مكتوف اليدي إل البد أمام تلك المارسات‬
‫الدموية الظالة وتلك الرب "الصهيوصليبية" فمن حقه أن يغار‪ ،‬بل من واجبه أن يغار لدينه‬
‫ودماء إخوانه‪ ،‬بل من وأحق أن يهتم لنصرة دينه‪ ،‬وإعلء كلمة ل بكل وسيلة مشروعة أسّها‬
‫ورأسها الهاد ف سبيل‪ ...‬بيد أن الهاد ف سبيل ال قد ل يتيسر لكل أحد سيما والبواب‬
‫مؤصدة والوانع كثية‪.‬‬
‫فما العمل إذا والالة هذه؟ هل نكتفي بسبّ اليهود وشتم النصارى؟ أم يكون الل ببث‬
‫الحزان‪ ،‬وسكب العبات‪ ،‬وندب الزمان؟!‪.‬‬
‫إنّ ال ّل العملي الواقعي لشكلتنا وصراعاتنا مع أعدائنا يب أن يتضمن ف نظري المور‬
‫التالية‪:‬‬
‫(‪ )1‬العودة الماعية الادة إل الدين عودة صادقة‪ ،‬وتكيم شريعته تعال تيكما فعليا ف‬
‫سائر القطار السلمية بل مساومة أو مزايدة‪ ،‬فالدساتي الوضعية وإقصاء الوحيي الشريفي‬
‫هي أعظم النوازل وأكب الصائب الت آلت بالسلمي إل ما ترى وهي الت جرأت العدو على‬
‫استباحة أرضهم والعبث بقيمهم وإملء مشروعه الضاري عليهم‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل بد أن نعترف بوجود مظاهر كثية تصادم السلم ف جوهره وروحه‪ ،‬وف أخلقه‬
‫وقيمه ف معظم ديار السلمي‪ ،‬فبنوك الربا وحانات المور وملهي الليل‪ ،‬ودور الفاحشة‬
‫تعمر كثيا من بلد السلم‪ ،‬وهذه الظاهر الثة ل بد أن تظهر منها بلد السلمي وإل من‬
‫أين سينل النصر؟ قال سبحانه‪" :‬إن ال ل يغي ما بقوم حت يغيوا ما بأنفسهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬إنّ على علماء المة الصادقي كسر حاجز النفرة بينهم وبي شباب المة على وجه‬
‫الصوص واسترجاع ثقتهم الفقودة من خلل مارسة دور إياب فاعل ف قيادة الصحوة‬
‫وترشيدها‪ ،‬ومن خلل صدعهم بكلمة الق وتذير أمتهم من الويلت الحدقة با وتنفي‬
‫متمعاتم من كل الظاهر النافية والصادمة لشريعة ال – سبحانه‪.-‬‬
‫إن على العلماء دورا‪ ،‬وأي دور‪ ،‬ف احتضان الشباب والرفق بم‪ ،‬وتدئة روعهم‪ ،‬وتلمس‬
‫احتياجاتم العلمية والتربوية وإشباعها بالعلم الصحيح والتربية الادة مصطحبي تقوى ال فيما‬
‫يأتون ويذرون ويفتون ويوجهون‪ ،‬وبغي هذا سيبحث الشباب عمن يستقل حاسهم‪،‬‬
‫ويستوعب قدراتم ف غي إطارها الشروع‪.‬‬
‫س ثوابتها أو تمش‬
‫(‪ )4‬إن على الميع أن يدركوا أن الماهي السلمة ل ترضى أن ُتمَ ّ‬
‫أصولا‪ ،‬فالهاد ف سبيل ذِروة سنام السلم‪ ،‬والباءة من الكفار أصل عظيم من أصول اللة‬
‫البراهيمية والحمدية‪ ،‬فل مال لتمييع هذه الصول وإل كانت ردة الفعل كافية ف تشتيت‬
‫جهود المة وبعثرة أوراقها وإغراقها ف دوامة جديدة من الصراع الذات‪ ،‬يعيقها عن مسية‬
‫بناء نفسها‪ ،‬إعداد كوادرها للبناء الضاري بكافة مالته‪.‬‬
‫(‪ )5‬علينا جيعا أن نسعى جاهدين لوحدة الصف وتأجيل خلفاتنا الامشية والفرعية الت ل‬
‫تس الصول والثوابت‪ ،‬لنتأهب لواجهة العدو بكل قوة متاحة‪ ،‬وعلينا أل ننشغل عن إعداد‬
‫العُدة الادة لواجهة أي أخطار مدقة‪ ،‬وأن نستوعب أن أقوياء العال ل يرحون الضعفاء‪ ،‬وأن‬
‫الراهنة على جعيات حقوق النسان واليئات الدولية مازفة ذات ثرات مرة ل زلنا نتجرع‬
‫غصصها ف أفغانستان والشيشان وفلسطي والعراق‪.‬‬

‫أيها الشباب‪ :‬إننا نثمن لكم غيتكم ونوتكم السلمية الشريفة‪ ،‬ونقدّر أنفتكم من تلك‬
‫الوضاع النشاز الت تعيشها متمعات السلمي‪ ،‬كما نيّ شجاعتكم ورغبتكم بالبذل والعطاء‬
‫والثأر لدماء إخوانكم ف البلد السلمية الحتلة‪ ،‬بَْيدَ أنّ ثة موانع كثية قد تول بينكم وبي‬
‫الهاد ف سبيل ال ل ذنب لكم فيها‪.‬‬
‫فنصيحت أل نبقى أسرى الحزان‪ ،‬وبث الشجان؛ بل علينا أن نبذل الوسع والطاقة ف‬
‫تعلم العلم الشرعي حت نعرف أين نضع أقدامنا‪ ،‬وكيف نددّ مسارنا الصحيح وسط هذه‬
‫البحار الائجة من الفت‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬وبعد العلم الشرعي يأت واجب الدعوة إل ال‪ ،‬فإنّ ثة جوعا هائلة من أبناء المة‬
‫يعيشون حياة اللهو والعبث‪ ،‬وتتخطفهم الهواء والسبل‪ ،‬فمن يستنفذ هؤلء ويعيد لم‬
‫هويتهم السلمية؟ ومن يبصرهم بدينهم‪ ،‬ويعرفهم بالخطار الحدقة بم؟ إن ل تقوموا‬
‫بالهمة أنتم أيها الشباب على علم وبصية وبتوجيه من علماء المة العالي؟‬
‫(‪ )3‬علينا كذلك أخيا أن نثق بوعد ال –تعال‪ -‬وأن هذه المة منصورة بول ال وقوته‬
‫مهما تكالب عليها أعداؤها ومهما كادوا لا وبكروا با شريطة أن تنصر ربا‪ ،‬وتعظم سنة‬
‫نبيها – صلى ال عليه وسلم‪ -‬مع الخذ بالسباب الادية اللزمة والمكنة وعلى رأسها إعداد‬
‫اليوش السلمة الجاهدة التسلحة بسلح اليان بال‪ ،‬وحسن التوكل عليه التطلع للشهادة‬
‫ف سبيله تعال فضلً عن أخذ زمام البادرة ف النهضة القتصادية والعمرانية والثقافية وغيها‬
‫بعيدا عن تأثي الكفار واستغللم؛ قال ال جل ذكره‪" :‬إن تنصروا ال ينصركم ويثبت‬
‫أقدامكم"‪ ،‬وقال سبحانه‪" :‬وأعدوا لم ما استطعتم من قوة ومن رباط اليل"‪ .‬وفق ال الميع‬
‫لا يب ويرضى‪ ،‬وصلى ال على ممد وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫المة بي سنت البتلء والعمل(‪)4/4‬‬

‫د‪ .‬عبد ال بن عبد العزيز الزايدي‬


‫(عضو هيئة التدريس بامعة المام ممد بن سعود السلمية)‬

‫المد ل رب العالي والصلة والسلم على نبينا ممد وآله‪ ،‬وبعد‪:‬‬


‫سؤالك ‪-‬أخي الكري‪ -‬يدل على قوة ف إيانك‪ ،‬وغية على دين ال وحرمات السلمي‪،‬‬
‫وإحساسك بوجوب العمل لنصرة هذا الدين‪ ،‬جعلنا ال وإياك من أنصار دينه‪:‬‬
‫أما ما ينصح به تاه هذه الزمة الت تر با المة‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن تدرك أن ال ل يكلف ال نفسا إلّ وسعها‪ ،‬وهل تكون أغي من ال على دينه‬
‫وعباده؟ فمادام أنه قد حيل بينك وبي نصرة إخوانك السلمي بذه الدود والسدود‪ ،‬وماولة‬
‫النصرة فحسب قد تدفع بالهات السؤولة ف بلدك لتعذيبك وأذاك إل حد القتل أو النون‬
‫أحيانا‪ ،‬فإن ال ل يكلفك ما ل تطيق‪ ،‬فأربع على نفسك‪ ،‬وهدئ من روعك‪ ،‬وقم با‬
‫تستطيع من العمل الصال‪ ،‬ولن يسألك ال إلّ ما تستطيع من العمل‪ ،‬وأنت تعلم أن الرسول‬
‫‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬كان يشاهد الؤمني يعذبون بأنواع العذاب ف مكة وير عليهم ول‬
‫يلك إل أن يوصيهم بالصب ‪.‬‬
‫‪ -2‬الرتباط بأهل العلم والدعوة ف بلدك من عرف بالعلم بالدين والعمل به إذ يوجد ف‬
‫كل بلد من بلد السلمي عدد وافر من أهل العلم التصفي بالعلم والغية والرغبة الصادقة ف‬
‫نصرة هذا الدين مع التزام الكمة ف القول والعمل‪ ،‬ويلتف حولم عدد من الناس يستفيدون‬
‫منهم ويضرون دروسهم ويسترشدون بتوجيهاتم‪ ،‬ومثل هؤلء غالبا‪ ،‬ل يصل لن يتصل بم‬
‫أذى جسدي أو سجن وتعذيب؛ لكونم معروفي لدى السلطات بعدم تبنيهم مبدأ العنف ف‬
‫التعامل مع الدولة‪ ،‬فمثل هؤلء بإمكانك التصال بم وحضور دروسهم و ماضراتم‪،‬‬
‫وعرض ما ير بك من مشكلت عليهم‪ ،‬والرص على طلب العلم الشرعي والستمرار ف‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫‪ -3‬الساهة با يكنك ف الصلح والدعوة ف بلدك با ل يترتب عليه أذى ل تستطيع‬
‫احتماله‪ ،‬ومن ذلك أن تكون قدوة ف الستقامة على الي مافظا على الصلوات‪ ،‬متنبا‬
‫للكبائر‪ ،‬مستغفرا من الصغائر‪ ،‬صاحب أخلق عالية‪ ،‬متحليا بالصب‪ ،‬كاظما للغيظ‪ ،‬قدوة ف‬
‫علمك وعملك‪ ،‬داعيا إل ال بالكمة والوعظة السنة‪ ،‬ساعيا ف صلح من حولك من‬
‫السلمي‪.‬‬
‫‪ -4‬أل تتقر الدعوة والصلح للفراد والجتمع‪ ،‬فإن ذلك من أعظم ما ترغم به أعداء‬
‫الدين‪ ،‬فإن أعظم أهدافهم وأقصى أمانيهم رد السلمي عن دينهم؛ كما قال تعال عنهم‪" :‬ود‬
‫كثي من أهل الكتاب لو يردوكم من بعد إيانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما‬
‫تبي لم الق"‪.‬‬
‫‪ - 5‬إدراك أن ما يدث بقدر ال وأنه نوع من البتلء يرفع به ال الؤمني درجات ويعذب‬
‫به الكافرين‪ ،‬وهذا البتلء سنة ماضية‪ ،‬فقد قتل عدد من النبياء على يد كفرة بن إسرائيل‬
‫قال تعال‪" :‬ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون"‪ ،‬وليس الجاهدون ف فلسطي بأكرم على ال من‬
‫أنبيائه – عليهم السلم‪ -‬وقد قتلوا زكريا بنشر رأسه وقدم لبغي زانية من زوان بي إسرائيل‪،‬‬
‫و أن أهل الكتاب من بن إسرائيل عاشوا تت قهر فرعون وجنوده وهم مؤمنون بال وفرعون‬
‫ملحد يدعي اللوهية‪ ،‬ولذا قال بنوا إسرائيل لوسى‪" :‬قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد‬
‫ما جئتنا"‪.‬‬
‫و نبينا ممد ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬وأصحابه واجهوا أنواعا من الذى والتعذيب على مدى‬
‫عشر سنوات أو تزيد وهم مؤمنون‪ ،‬والعذبون لم مشركون‪ ،‬ومع ذلك ل يقدموا على عمل‬
‫تكون مضرته أكثر من منفعته‪ ،‬وكان بإمكانم أن يغتالوا أباجهل أو أبا سفيان أو غيها من‬
‫زعماء الشركي ف مكة‪ ،‬بل حي بايع النصار بيعة العقبة قال بعضهم للنب ‪-‬صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪( :-‬إن شئت لنميلن على أهل من بأسيافنا‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم‪" :‬ل نؤمر‬
‫بذلك")‪.‬‬
‫فالاصل أن القيام بأعمال غي مسؤولة من باب الغية والماس ليست من منهج النبياء وأهل‬
‫العلم والكمة‪.‬‬
‫‪ - 6‬ويكنك أن تقدم ما تستطيع من الدعم الادي إخوانك ف فلسطي والعراق عن طريق‬
‫بعض الشايخ الوثوقي الذين يستقبلون التبعات‪ ،‬أو اليئات الوثوقة إن وجدت ف بلدك‪.‬‬
‫‪ – 7‬أكثر من الدعاء الصادق لخوانك السلمي الستضعفي بالنصر والتمكي وأن يكف ال‬
‫عنهم بأس الذين كفروا ‪.‬‬
‫‪ -8‬إعداد نفسك وتصينها بالعلم وكثرة العبادة‪ ،‬فقد قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬العبادة ف‬
‫الرج كهجرة إل"‪.‬‬
‫‪ -9‬الكثار من الدعاء بالثبات فإن الرسول ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬يكثر من الدعاء بقوله‪:‬‬
‫"اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلب على دينك"‪.‬‬
‫‪ -10‬إن استطعت الجرة للعمل ف بلد أقل مشكلت من بلدك كالسعودية أو بعض دول‬
‫الليج ففي ذلك عون لك ف دينك ودنياك ‪.‬‬
‫معال ف التعامل مع الفت‬

‫ممد بن إبراهيم المد‬


‫الشرف العام على موقع دعوة السلم‬
‫وعضو هيئة التدريس بامعة المام ممد بن سعود السلمية‪.‬‬

‫المد ل‪ ،‬والصلة والسلم على رسول ال‪ ،‬أما بعد‪:‬‬


‫فل ريب أن المة تعيش أحوالً عصيبة‪ ،‬قد تكون أحرج أيام مرت با عب التاريخ؛ فالصائب‬
‫متنوعة‪ ،‬والراحات عميقة‪ ،‬والؤامرات تاك تلو الؤامرات‪.‬‬
‫يضاف إل ذلك ما تعانيه المة من الضعف‪ ،‬والوان‪ ،‬والفُرقة‪ ،‬وتسلط العداء‪.‬‬
‫وما هذا الذي يري ف كثي من بلد السلمي _ إل سلسلة من الكر الكبّار‪ ،‬والكيد العظيم‪،‬‬
‫والقتال الذي ل يزال مستمرا‪.‬‬
‫"وَل يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَ ُكمْ حَتّى يَرُدّو ُكمْ عَنْ دِينِ ُكمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا " [البقرة‪.]217 :‬‬
‫سهِمْ مِنْ بَ ْعدِ‬
‫"وَدّ كَِثيٌ مِنْ َأهْ ِل الْكِتَابِ َلوْ َيرُدّونَ ُكمْ مِنْ بَ ْعدِ إِيَانِ ُكمْ كُفّارا َحسَدا مِنْ عِْندِ أَن ُف ِ‬
‫مَا تَبَيّنَ َل ُهمْ اْلحَقّ‪[ "...‬البقرة‪.]109 :‬‬
‫وف مثل هذه الحوال يكثر السؤال‪ ،‬ويلح خصوصا من فئة الشباب الحبي لدينهم‪ ،‬الراغبي‬
‫ف نصرته؛ فتراهم‪ ،‬وترى كل غيور على دينه يقول‪ :‬ما دوري ف هذه الحداث؟ وماذا أفعل؟‬
‫وكيف أتعامل مع هذا الضم الوّار من الشرور والفت والخطار؟‬
‫وقد يالط بعضَ النفوس من جراء ذلك شيءّ من اليأس‪ ،‬والحباط‪ ،‬وقد يعتريها الشك ف‬
‫إصلح الحوال‪ ،‬ورجوع المة إل عزها وسالف مدها‪.‬‬
‫ومهما يك من شيء فإن هذه المة أمة مباركة موعودة بالنصر والتمكي مت توكلت على‬
‫ال‪ ،‬وأخذت بالسباب‪.‬‬
‫وهذا الدين أنزله ال _ عز وجل _ وبعث به الرسول –صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ليظهره على‬
‫الدين كله ولو كره الشركون‪.‬‬
‫أما التعامل مع هذه النوازل والصائب والفت فهو مبي ف كتاب ال _عز وجل_ وسنة نبيه‬
‫–صلى ال عليه وسلم ‪ -‬موضح ف كتب أهل العلم الت تكلمت ف هذا الباب‪.‬‬
‫وما تدر الشارة إليه‪ ،‬ويسن الطّرْق عليه ف هذا الصدد ما هو معي _بإذن ال_ على‬
‫حسن التعامل مع الفت‪ ،‬والصائب‪ ،‬والروج منها بأمان_أمور كثية‪ ،‬وفيما يلي ذكر لشيء‬
‫منها‪ ،‬مع ملحظة أن بعضها داخل ف بعض؛ فإل تلك المور‪ ،‬وال الستعان وعليه التكلن‪.‬‬

‫أولً‪ :‬العتصام بالكتاب والسنة‪:‬‬


‫وهذا العلم جاع هذا الباب كله؛ إذ جيع العال التية داخلة فيه‪ ،‬متفرعة عنه‪ ،‬قال ال _عز‬
‫صمْ بِاللّ ِه فَ َقدْ ُهدِيَ ِإلَى صِرَاطٍ ُمسْتَقِيمٍ" [آل عمران ‪.]101‬‬
‫وجل_‪" :‬وَمَنْ يَعَْت ِ‬
‫وقال النب‪" :‬تركت فيكم شيئي لن تضلوا بعدها‪ :‬كتاب ال وسنت‪ ،‬ولن يتفرقا حت يَرِدَا‬
‫‪)(1‬‬
‫عليّ الوض"‬
‫وقال_عليه الصلة والسلم_ ف حديث العرباض بن سارية‪ -‬رضي ال عنه ‪" :-‬وإنه من‬
‫يعش منكم فسيى اختلفا كثيا؛ فعليكم بسنت وسنة اللفاء الراشدين الهديي عضوا عليها‬
‫بالنواجذ وإياكم ومدثات المور فإن كل بدعة ضللة" ‪ )(2‬فالتمسك بالوحيي عصمة من‬
‫الزلل‪ ،‬وأمان _بإذن ال_ من الضلل‪.‬‬
‫وليس العتصام بما كلمة تتمضمض با الفواه من غي أن يكون لا رصيد ف الواقع‪.‬‬
‫وإنا هي عمل‪ ،‬واتباع ف جيع ما يأتيه النسان ويذره‪.‬‬
‫ويعظم هذا المر حال الفت؛ إذ يب الرجوع فيها إل هداية الوحيي؛ لكي ند الخرج‬
‫والسلمة منها‪.‬‬
‫وهذا ما سيتبي ف الفقرات التالية _إن شاء ال_‪.‬‬

‫(‪ (1‬أخرجه الحاكم ‪ 1/93‬عن أبي هريرة‪ ،‬وقال اللباني في صحيح الجامع (‪( :(2938‬صحيح(‪.‬‬
‫(‪ (2‬رواه أبو داود (‪ (4607‬والترمذي (‪ (2676‬وصححه ابن حبان (‪.(5‬‬
‫ثانيا‪ :‬التوبة النصوح‪:‬‬
‫فهي واجبة ف كل وقت‪ ،‬وهي ف هذه الوقات أوجب "فََلوْل إِذْ جَاءَ ُهمْ بَ ْأسُنَا َتضَرّعُوا"‬
‫[النعام‪.]43 :‬‬
‫ولنا ف قصة قوم يونس _ عليه السلم _ عبة وموعظة؛ فهم لا رأوا ُنذُر العذاب قد بدأت‬
‫تلوح لأوا إل ال‪ ،‬وتضرعوا إليه‪ ،‬فرفع ال عنهم العذاب ومتعهم بالياة إل حي ماتم‪،‬‬
‫وانقضاء آجالم‪.‬‬
‫فعلى المة أن تتوب‪ ،‬وأن تدرك أن ما أصابا إنا هو جارٍ على مقتضى سنن ال الت ل تاب‬
‫أحدا كائنا من كان؛ فتتوب من النكرات الت أشاعتها من شرك‪ ،‬وحكم بغي ما أنزل ال‪،‬‬
‫وتقصي ف الدعوة إل ال‪ ،‬والمر بالعروف والنهي عن النكر‪.‬‬
‫وتتوب من الظال‪ ،‬والربا‪ ،‬والفسق‪ ،‬والجون‪ ،‬والسراف‪ ،‬والترف وما إل ذلك ما هو مؤذن‬
‫باللعنة‪ ،‬وحلول العقوبة‪.‬‬
‫وعلى كل فرد منا أن ينظر ف حاله مع ربه‪ ،‬وف جيع شؤونه؛ لن "مَا َأصَابَ ُكمْ مِنْ ُمصِيبَةٍ‬
‫فَبِمَا َكسَبَتْ أَْيدِي ُكمْ وَيَعْفُو َعنْ كَِثيٍ" [الشورى‪.]30 :‬‬

‫ثالثا‪ :‬النظر ف التاريخ‪:‬‬


‫خصوصا تاريخ الروب الصليبية‪ ،‬وذلك لخذ العبة‪ ،‬وطرد شبح اليأس‪ ،‬والبحث عن سبل‬
‫النجاة والنصر‪.‬‬
‫فلو نظرنا _ على سبيل الثال _ إل كتب التاريخ كتاريخ ابن الثي أو البداية والنهاية لبن‬
‫كثي لرأينا العجب من تسلط الصليبي‪ ،‬ولرأينا أن بغداد وبيت القدس _ على سبيل الثال _‬
‫يتكرر ذكرها كثيا؛ فلقد لقت تلك البلد من البلء ما ال به عليم‪ ،‬ومع ذلك ظلت‬
‫صامدة‪ ،‬مافظة _إل حد كبي _ على إسلمها وعراقتها‪.‬‬
‫والتاريخ يعيد نفسه ف هذه اليام‪ ،‬وتلك البلد وغيها من بلد السلمي _ بإذن ال _‬
‫ستصمد ف وجوه اليهود والنصارى العتدين‪.‬‬
‫ولو نظرنا ف كتب التاريخ الت تدثت عن غزو التتار لبلد السلمي‪ ،‬وكيف كانت شراسة‬
‫تلك الجمة‪ ،‬وكيف خالط النفوس من الرعب والوجال ما خالطها‪ ،‬وكيف بلغ ببعضها‬
‫اليأس من أن تقوم للسلم قائمة بعد ذلك‪.‬‬
‫وما هي إل أن كشف ال الغمة‪ ،‬وأعاد العز والجد للمة‪ ،‬بل إن التتار أنفسهم دخلوا ف‬
‫السلم‪.‬‬
‫ومن النظر ف التاريخ النظر ف سي أبطال السلم وقواده إبان الروب الصليبية‪ ،‬وخصوصا‬
‫نور الدين ممود‪ ،‬وصلح الدين اليوب _ عليهما رحة ال _ فسيتما تمل ف طياتا عبا‬
‫عظيمة تفيد ف هذا الشأن كثيا؛ حيث حرصا على توحيد المة‪ ،‬ول شعثها‪ ،‬ورفع الذلة‬
‫والحباط اللذين خالطا كثيا من النفوس‪.‬‬
‫كما أنما حرصا على العداد التكامل للجهاد ف سبيل ال؛ فنالت المة بذلك سؤددا‪،‬‬
‫ومدا‪ ،‬ورفعة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الفادة من التجارب‪ :‬فذلك من جيل ما ينبغي؛ فالياة كلها تارب‪ ،‬واستفادة من‬
‫التجارب‪ ،‬وميزة إنسان على إنسان‪ ،‬وأمة على أمة هي القدرةُ على الستفادة من التجارب‬
‫وعدمُها؛ فالوادث تر أمام جع من الناس؛ فيستفيد منها أناس بقدار مائة‪ ،‬وآخرون بقدار‬
‫خسي وهكذا‪ ،‬وآخرون تر منهم الوادث على عي بلهاء‪ ،‬وقلب معرض؛ فل يفيدون منها‬
‫شيئا‪ ،‬ول تسّ له وجبةً‪ ،‬ول تسمع لم ركزا‪.‬‬
‫والفرق بي من يستفيد من التجربة ومن ل يستفيد أن الول يستطيع انتهاز الفرص ف حينها‪،‬‬
‫وأن يتجنب الطر قبل وقوعه‪.‬‬
‫على حي أن الثان ل ينتهز فرصة‪ ،‬ول يشعر بالطر إل بعد وقوعه؛ فل يليق _ إذا _ أن تر‬
‫بنا وبأمتنا التجارب؛ فنكررَ الطأ‪ ،‬ول نفيدَ من عب الاضي‪.‬‬
‫ول يسن بنا أن نُغْفِل تعامل أسلفنا مع ما مر بم من البليا‪ ،‬وكيف تاوزوا تلك الحن‬
‫والفت‪ ،‬بل علينا أن نقبس من هداهم‪ ،‬ونستَ ْلهِم العب من صنيعهم‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬التذكي بعاقبة الظلم‪:‬‬
‫فمهما طال البلء‪ ،‬ومهما استبد الل فإن عاقبة الظلم وخيمة‪ ،‬وإن العاقبة الميدة إنا هي‬
‫للتقوى وللمتقي‪ ،‬كما بي ذلك ربنا ف مكم التنيل؛ فماذا كانت عاقبة النمرود‪ ،‬وفرعون‪،‬‬
‫وهامان وقارون‪ ،‬وغيهم من طغى وتب وظلم؟‬
‫إنا الدمار‪ ،‬والبوار‪ ،‬وجهنم وبئس القرار‪ ،‬وماذا كانت عاقبة النبياء والصلحي القسطي من‬
‫عباد ال الؤمني ؟‬
‫إنا الفلح والنصر‪ ،‬والتمكي‪ ،‬والنة ونعم عقب الدار‪.‬‬
‫وكما يسن التحذير من الظلم العام على مستوى المة يسن كذلك التحذير من الظلم أيّا‬
‫كان نوعه‪ ،‬سواء ف الكم على الناس‪ ،‬أو القوال‪ ،‬أو الشخاص‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬الثقة بال‪ ،‬واليقي بأن العاقبة للتقوى وللمتقي‪:‬‬


‫فإن من أهم ما يب على الؤمن _ ف هذا الصدد _ أن يقوي ثقته بربه‪ ،‬وأن ينأى بنفسه عن‬
‫قلة اليقي بأن العاقبة للمتقي؛ فهناك من إذا شاهد ما عليه السلمون من الضعف والتمزق‪،‬‬
‫والتشتت‪ ،‬والتفرق‪ ،‬ورأى تسلط أعدائهم عليهم‪ ،‬ونكايتهم بم _ أيس من نصر ال‪ ،‬وقنط‬
‫من عز السلم‪ ،‬واستبعد أن تقوم للمسلمي قائمة‪ ،‬وظن أن الباطل سيدال على الق إدالة‬
‫دائمة مستمرة يضمحل معها الق‪.‬‬
‫فهذا المر جد خطي‪ ،‬وهو ما يعتري النفوس الضعيفة‪ ،‬الت قل إيانا‪ ،‬وضعف يقينها‪.‬‬
‫فهذا الشعور ما يناف اليان القّ‪ ،‬وهو دليلٌ على قلة اليقي بوعد ال الصادق‪ ،‬والتفاتٌ إل‬
‫المور الحسوسة دون نظر إل عواقب المور وحقائقها‪.‬‬
‫وإل كيف يُ َظنّ هذا الظن وال _ عز وجل _ قد كتب النصر ف الزل‪ ،‬وسبقت كلمته بأن‬
‫العاقبة للتقوى وللمتقي‪ ،‬وأن جنده هم الغالبون‪ ،‬وهم النصورون‪ ،‬وأن الرض يرثها عباده‬
‫الصالون؟‬
‫فمن ظن تلك الظنون السيئة فقد ظن بربه السوء‪ ،‬ونسبه إل خلف ما يليق بلله‪ ،‬وكماله‪،‬‬
‫وصفاته‪ ،‬ونعوته؛ فإن حده‪ ،‬وعزته‪ ،‬وحكمته‪ ،‬وإليته تأب ذلك‪ ،‬وتأب أن ُيذِل حزبه وجنده‪،‬‬
‫وأن تكون النصرةُ والغلبةُ لعدائه‪.‬‬
‫فمن ظن ذلك فما عرفه‪ ،‬ول عرف ربوبيته‪ ،‬وملكه‪ ،‬وعظمته؛ فل يوز ف حقه _ عز وجل‬
‫_ ل عقلً ول شرعا أن يُ ْظهِر الباطل على الق‪ ،‬بل إنه يقذف بالق على الباطل فإذا هو‬
‫زاهق ‪ )(3‬أما ما يشاهد من تسلط الكفار واستعلئهم _ فإنا هو استعلء استثنائي‪ ،‬وذلك‬
‫استدراجا وإملءً من ال لم‪ ،‬وعقوبة للمة السلمة على بعدها عن دينها‪.‬‬
‫ث إن سنة ال ماضية فـ"مَنْ يَعْمَلْ سُوءا ُيجْزَ ِبهِ" [النساء‪ ،]123:‬وهذه المة تذنب‪،‬‬
‫فتعاقب بذنوبا عقوبات متنوعة منها ما مضى ِذكْرُه؛ كي تعود إل رشدها‪ ،‬وتؤوب إل ربا‪،‬‬
‫فتأخذ حينئذ مكانا اللئق با‪.‬‬
‫ث إن هذه المة أمة مرحومة تعاقب ف هذه الدنيا‪ ،‬حت يف العذاب عنها ف الخرة‪ ،‬أو‬
‫يغفر لا بسبب ما أصابا من بلء‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬الوقوف مع الشعوب السلمية الظلومة‪:‬‬


‫وخصوصا تلك الشعوب الت توالت عليها الصائب‪ ،‬وتتابعت عليها الطوب؛ فنقف معها‬
‫بالدعاء‪ ،‬والتثبيت‪ ،‬والتصبي‪ ،‬وبذل الستطاع‪.‬‬
‫كما ينبغي أل تنسينا أي مصيبة من الصائب مصائبنا الخرى؛ فوضع المور ف نصابا يدي‬
‫كثيا‪ ،‬ويصد شرا مستطيا‪.‬‬

‫ثامنا‪ :‬لزوم العتدال ف جيع الحوال‪:‬‬

‫(‪ (3‬انظر زاد المعاد لبن القيم ‪ 241_3/218‬ففيه كلم عظيم حول هذه المسألة‪ ،‬وحول الحكمة من إدالة الكفار‬
‫على المسلمين‪.‬‬
‫فينبغي ف ذلك الضم من الفت والصائب أل يفارقنا هدوؤنا‪ ،‬وسكينتنا‪ ،‬ومروآتنا؛ فذلك‬
‫دأب الؤمن الق‪ ،‬الذي ل تبطره النعمة‪ ،‬ول تقنطه الصيبة‪ ،‬ول يفقد صوابه عند النوازل‪ ،‬ول‬
‫يتعدى حدود الشرع ف أي شأن من الشؤون‪.‬‬
‫ويتأكد هذا الدب ف حق من كان رأسا مطاعا ف العلم‪ ،‬أو القدر؛ لن لسان حال من تت‬
‫يده يقول‪:‬‬
‫اصب نكن بك صابرين فإنا *** صب الرعية عند صب الراس‬

‫قال كعب بن زهي‪ -‬رضي ال عنه ‪ : -‬ف قصيدته الشهورة _البدة_‪:‬‬


‫ل يفرحون إذا نالت رماحهم *** قوما وليسوا مازيعا إذا نيلوا‬

‫فهو يدح الصحابة _رضي ال عنهم_ بأنم ل يفرحون من نيلهم عدوا؛ فتلك عادتم‪ ،‬ول‬
‫يزنون إذا نالم العدو؛ لن عادتم الصب والثبات‪.‬‬
‫وقال عبدالعزيز بن زرارة الكلب‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬وهو من خيار الجاهدين من التابعي‪:‬‬
‫قد عشت ف الدهر أطوارا على طرق *** شت فصادفت منها اللّيْن والَبشِعا‬

‫خشّعْتُ من لوائها جزعا‬‫كُلً بلوتُ فل النعماء تبطرن *** ول َت َ‬


‫ل يلُ الولُ قلب قبل وقعته *** ول أضيق به ذرعا إذا وقعا‬

‫هذه الصال يتثلها عظماء الرجال؛ فلم يكونوا يتخلون عن مروآتم‪ ،‬وعاداتم النبيلة حت ف‬
‫أحلك الواقف‪.‬‬
‫وها هو سيد العظماء‪ ،‬وسيد ولد آدم نبينا ممد _عليه الصلة والسلم_ يضرب لنا أروع‬
‫المثلة ف ذلك؛ فهو يقوم بصغار المور وكبارها؛ فلم ينعه قيامه بأمر الدين‪ ،‬وحرصه على‬
‫نشره‪ ،‬وقيادته للمة‪ ،‬وتقدمه ف ساحات الوغى_ ل ينعه ذلك كله من ملطفة ذلك الطفل‬
‫‪)(4‬‬
‫الصغي الذي مات طائره‪ ،‬وقولِه له‪":‬يا أبا عمي ما فعل النغي!"‬

‫ول يكن أحد يلهيه عن أحد *** كأنه والد والناس أطفال‬

‫فإذا لزم الرء هذه الطريقة؛ فلم َيخِفّ عند السراء‪ ،‬ول يتضعضع حال الضراء _ فأحرِ به أن‬
‫يعلو قدره‪ ،‬ويتناهى سؤدده‪ ،‬وأن تنال المة من خيه‪.‬‬
‫تذكر كتب السي الت تناولت سية عمر بن عبدالعزيز‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬أنه لا َدفَ َن وَلدَه‬
‫عبداللك _ وهو أبر أولده‪ ،‬وأكثرهم دينا وعقلً _ مرّ بقوم يرمون؛ فلما رأوه أمسكوا‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ارموا‪ ،‬ووقف‪ ،‬فرمى أحدُ الراميي فأخرج _ يعن أبعد عن الدف _ فقال له عمر‪:‬‬
‫أخرجت فقصّر‪ ،‬وقال للخر‪ :‬ارمِ‪ ،‬فرمى فقصّر _ أي ل يبلغ الدف _ فقال له عمر‪:‬‬
‫قصّرت فبلّغ‪.‬‬
‫فقال له مسلمة بن عبداللك‪ :‬يا أمي الؤمني! أَتْفِرغ قلبك إل ما تفرغت له‪ ،‬وإنا نفضت‬
‫يدك الن من تراب قب ابنك‪ ،‬ول تصل إل منلك؟ فقال له عمر‪ :‬يا مسلمة! إنا الزع قبل‬
‫الصيبة‪ ،‬فإذا وقعت الصيبة فالْهُ عما نزل بك" ‪ )(5‬فالخذ بذه السية_أعن العتدال حال‬
‫نزول الفت_ ينفع كثيا‪ ،‬ويدفع ال به شرا مستطيا؛ لن الناس حال الفت يوجون‪،‬‬
‫ويضطربون‪ ،‬وربا غاب عنهم كثي من العلم؛ فلذلك يتاجون_وخصوصا من كان عالا‪ ،‬أو‬
‫رأسا مطاعا_ إل لزوم السكينة‪ ،‬والعتدال؛ حت يُثَبّتوا الناس‪ ،‬ويعيدو الطمأنينة إل النفوس‪،‬‬
‫ول تقطعهم تلك النوازل عما هم بصدده من عمل‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪ -‬رحه ال ‪( : -‬ولذا لا مات النب"ونزلت بالسلمي أعظم نازلة‬
‫‪)(6‬‬
‫نزلت بم؛ حت أوهنت العقول‪ ،‬وطيشت اللباب‪ ،‬واضطربوا اضطراب الرشية ف الطوي‬

‫(‪ (4‬أخرجه البخاري(‪6129‬و ‪ (6203‬ومسلم (‪ (2150‬عن أنس ابن مالك قال‪ :‬كان رسول ال – صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪-‬أحسن الناس خلقاً‪ ،‬وكان لي أخ يقال له أبو عمير‪ ،‬قال‪ :‬أحسبه فطيمٌ‪ ،‬وكان إذا جاء قال‪ " :‬يا أبا عمير ما‬
‫فعل النغير" نغرٌ كان يلعب به‪ .‬وهذا لفظ البخاري‪.‬‬
‫(‪ (5‬الجامع لسيرة عمر بن عبدالعزيز لعمر بن محمد الخضر المعروف بالملء‪ ،‬تحقيق د‪ .‬محمد البورنو(‬
‫‪.(2/236‬‬
‫(‪ (6‬جمع رشاء وهو الحبل‪ ،‬والطوي‪ :‬البئر المطوية بالحجارة‪.‬‬
‫البعيدة القعر؛ فهذا ينكر موته‪ ،‬وهذا قد أقعد‪ ،‬وهذا قد دهش فل يعرف من ير عليه‪ ،‬ومن‬
‫يسلم عليه‪ ،‬وهؤلء يضجون بالبكاء‪ ،‬وقد وقعوا ف نسخة القيامة‪ ،‬وكأنا قيامة صغرى‬
‫مأخوذة من القيامة الكبى‪ ،‬وأكثر البوادي قد ارتدوا عن الدين‪ ،‬وذلت كماته؛ فقام الصديق‬
‫‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬بقلب ثابت‪ ،‬وفؤاد شجاع فلم يزع‪ ،‬ول ينكل قد جُمع له بي الصب‬
‫واليقي فأخبهم بوت النب"وأن ال اختار له ما عنده‪ ،‬وقال لم‪( :‬من كان يعبد ممدا فإن‬
‫ممدا قد مات‪ ،‬ومن كان يعبد ال فإن ال حي ل يوت‪" ،‬وَمَا ُمحَ ّمدٌ ِإ ّل رَسُو ٌل َقدْ خََلتْ‬
‫مِ ْن قَبْلِهِ الرّ ُسلُ َأفَإِنْ مَاتَ َأوْ قُتِلَ انْقَلَبُْتمْ َعلَى َأعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَِلبْ َعلَى عَقِبَيْ ِه فََلنْ َيضُرّ اللّهَ‬
‫شَيْئا وَسََيجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ" [آل عمران‪.]144:‬‬
‫فكأن الناس ل يسمعوا هذه الية حت تلها الصديق فل تد أحدا إل وهو يتلوها‪ ،‬ث خطبهم‬
‫فثبتهم وشجعهم‪.‬‬
‫قال أنس‪ -‬رضي ال عنه‪" :‬خطبنا أبو بكر‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬وكنا كالثعالب فما زال يشجعنا‬
‫حت صرنا كالسود"‪.‬‬
‫وأخذ ف تهيز أسامة مع إشارتم عليه‪ ،‬وأخذ ف قتال الرتدين مع إشارتم عليه بالتمهل‬
‫والتربص‪ ،‬وأخذ يقاتل حت مانعي الزكاة فهو مع الصحابة يعلمهم إذا جهلوا‪ ،‬ويقويهم إذا‬
‫ضعفوا‪ ،‬ويثهم إذا فتروا؛ فقوى ال به علمهم ودينهم وقوتم؛ حت كان عمر_مع كمال‬
‫قوته وشجاعته_ يقول له‪ :‬يا خليفة رسول ال تألف الناس‪ ،‬فيقول‪ :‬علم أتألفهم؟ أعلى دينٍ‬
‫مفترى؟ أم على شعرٍ مفتعل؟ وهذا باب واسع يطول وصفه" ‪.)(7‬‬

‫تاسعا‪ :‬لزوم الرفق‪ ،‬ومانبة الغلظة والعنف‪:‬‬


‫سواء ف الدعوة‪ ،‬أو الرد‪ ،‬أو النقد‪ ،‬أو الصلح‪ ،‬أو الحاورة؛ فإن استعمال الرفق‪ ،‬ولي‬
‫الطاب ومانبة العنف _ يتألف النفوس الناشزة‪ ،‬ويدنيها من الرشد‪ ،‬ويرغبها ف الصغاء‬
‫للحجة‪.‬‬

‫(‪ (7‬منهاج السنة النبوية ‪.84_8/83‬‬


‫ويتأكد هذا الدب ف مثل هذه الحوال العصيبة الت نتاج فيها إل تلك العان الت تنهض‬
‫بالمة‪ ،‬وتشد من أزر الدعوة‪.‬‬
‫ولقد كان ذلك دأب النبياء‪ ،‬قال _تعال_ ف خطاب هارون وموسى _ عليهما السلم _‬
‫خشَى " [طه‪.]44-43 :‬‬ ‫"اذْهَبَا ِإلَى فِرْ َعوْنَ إِنّهُ طَغَى فَقُول لَ ُه َق ْولً لَيّنا لَعَلّهُ يََت َذكّرُ َأوْ َي ْ‬
‫ولقّن موسى _ عليه السلم _ من القول اللي أحسنَ ما ياطب به جبار يقول لقومه‪ :‬أنا‬
‫خشَى‬ ‫ك فََت ْ‬
‫ربكم العلى‪ ،‬فقال _تعال_‪" :‬فَ ُقلْ هَلْ لَكَ ِإلَى أَنْ تَ َزكّى َوأَ ْهدِيَكَ ِإلَى رَبّ َ‬
‫" [النازعات‪.]19-18:‬‬
‫قال ابن القيم – رحه ال ‪" :-‬وتأمل امتثال موسى لا أُمِر به كيف قال لفرعون‪" :‬هَلْ لَكَ‬
‫خشَى" [النازعات‪.]19-18 :‬‬ ‫ك فََت ْ‬
‫ِإلَى أَنْ َت َزكّى َوأَ ْهدِيَكَ ِإلَى رَبّ َ‬
‫فأخرج الكلم معه مرج السؤال والعرض‪ ،‬ل َمخْرجَ المر‪ ،‬وقال‪ِ":‬إلَى أَنْ تَ َزكّى" ول يقل‪:‬‬
‫(إل أن أزكيك)‪.‬‬
‫فنسب الفعل إليه هو‪ ،‬وذكر لفظ التزكّي دون غيه؛ لا فيه من البكة‪ ،‬والي‪ ،‬والنماء‪.‬‬
‫ث قال‪" :‬وَأَ ْهدِيَكَ ِإلَى رَبّكَ" أكون كالدليل بي يديك الذي يسي أمامك‪.‬‬
‫‪)(8‬‬
‫وقال‪ِ" :‬إلَى رَبّكَ" استدعاءً ليانه بربه الذي خلقه‪ ،‬ورزقه‪ ،‬ورباه بنعمه صغيا وكبيا‬
‫ولذا فإن الكلمة الت تُلقى أو ترر ف أدب‪ ،‬وسعة صدر‪ ،‬تسيغها القلوب‪ ،‬وتش لا النفوس‪،‬‬
‫وترتاح لا الساع‪.‬‬
‫ولقد امت ربنا _جل وعل_ على نبينا ممد ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬بأن جبله على الرفق‬
‫ومبة الرفق‪ ،‬وأن جنبه الغلظة‪ ،‬والفظاظة‪ ،‬فقال _عز وجل_‪َ " :‬وَلوْ كُْنتَ فَظّا َغلِيظَ الْقَ ْلبِ‬
‫ك فَاعْفُ عَْنهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَ ُهمْ وَشَاوِرْ ُه ْم فِي الَمْرِ" [آل عمران‪.]159:‬‬ ‫لنْفَضّوا ِمنْ َح ْولِ َ‬
‫ولقد كانت سيته _عليه الصلة والسلم_ حافلةً بذا اللق الكري الذي مَنْ مَلَكَه بسط‬
‫سلطانه على القلوب‪.‬‬
‫وكما كان _عليه الصلة والسلم_ متمثلً هذا اللق فقد كان يأمر به‪ ،‬ويبي فضله‪.‬‬

‫(‪ (8‬بدائع الفوائد لبن القيم ‪.133_3/132‬‬


‫قال "إن ال رفيق يب الرفق‪ ،‬ويعطي على الرفق ما ل يعطي على العنف‪ ،‬وما ل يعطي على‬
‫غيه ‪ )(9‬وقال _عليه الصلة والسلم_‪" :‬إن الرفق ل يكون ف شيء إل زانه‪ ،‬ول ينع من‬
‫شيء إل شانه" ‪ )(10‬ولا بعث أبا موسى الشعري ومعاذا إل اليمن قال لما‪" :‬يسرا ول‬
‫‪)(11‬‬
‫تعسرا‪ ،‬وبشرا ول تنفرا‪ ،‬وتطاوعا ول تتلفا"‬
‫قال المام أحد –رحه ال‪" :-‬يأمر بالرفق والضوع‪ ،‬فإن أسعوه ما يكره ل يغضب؛ فيكون‬
‫يريد ينتصر لنفسه" ‪ )(12‬ولقد أحسن من قال‪:‬‬
‫‪)(13‬‬
‫لو سار ألفُ َمدَجّجٍ ف حاجة *** ل يَ ْقضِها إل الذي يترفق‬

‫‪)(14‬‬
‫وكان يقال‪" :‬من لنت كلمته وجبت مبته"‬
‫وخلصة القول أن الرفق هو الصل‪ ،‬وهو الجدى‪ ،‬والنفع‪ ،‬وأن الشدة ل تصلح من كل‬
‫أحد‪ ،‬ول تليق مع كل أحد‪ ،‬فقد تلئم إذا صدرت من ذي قدر كبي ف سن‪ ،‬أو علم وكانت‬
‫ف حدود الكمة‪ ،‬واللباقة‪ ،‬واللياقة‪.‬‬
‫أما إذا صدرت من ليس له قدر ف سن‪ ،‬أو علم‪ ،‬أو كانت ف غي موضعها‪ ،‬وتوجهت إل‬
‫ذي قدر أو جاه_فإنا _أعن الشدة_ تضر أكثر ما تنفع‪ ،‬وتفسد أكثر من أن تصلح‪.‬‬

‫عاشرا‪ :‬القبال على ال _ عز وجل _‪:‬‬


‫وذلك بسائر أنواع العبادات‪.‬‬
‫قال النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فيما رواه مسلم – رضي ال عنه ‪ -‬العبادة ف الرج‬
‫‪)(15‬‬
‫كهجرة إل"‬
‫(‪ (9‬رواه مسلم (‪.(2593‬‬
‫(‪ (10‬رواه مسلم (‪.(2594‬‬
‫(‪ (11‬رواه البخاري (‪ ،(6124‬ومسلم (‪.(1733‬‬
‫(‪ (12‬جامع العلوم والحكم ‪.456 / 2‬‬
‫(‪ (13‬روضة العقلء ص ‪.216‬‬
‫(‪ (14‬البيان والتبيين للجاحظ ‪.174 / 2‬‬
‫(‪ (15‬مسلم (‪.(2948‬‬
‫والرج‪ :‬الفت والقتل‪.‬‬
‫فحري بنا ف مثل هذه اليام أن نزداد إقبالً على ال ذكرا وإنابة‪ ،‬وصلة‪ ،‬ونفقة‪ ،‬وبرا‬
‫بالوالدين‪ ،‬وصلة للرحام‪ ،‬وإحسانا إل اليان‪ ،‬وحرصا على تربية الولد‪ ،‬ونو ذلك من‬
‫العمال الصالة‪.‬‬
‫وجدير بنا أن نكثر من الستغفار؛ فهو من أعظم أسباب دفع العذاب "وما كان ال معذبم‬
‫وهم يستغفرون" [النفال‪ ]33:‬وأن نُقْبِل على أعمال القلوب من خوف‪ ،‬ورجاء‪ ،‬ومبة‪،‬‬
‫وغيها‪.‬‬
‫و حقيق علينا أن نُقْبِل _كذلك_ على النفع التعدي من أمر بالعروف‪ ،‬وني عن النكر‪،‬‬
‫ودعوة إل ال‪ ،‬وإصلح بي الناس‪ ،‬وإحسان إليهم‪ ،‬وما جرى مرى ذلك‪.‬‬

‫حادي عشر‪ :‬الرص على جع الكلمة ورأب الصدع‪:‬‬


‫فالمة مثخنة بالراح‪ ،‬وليست باجة إل مزيد من ذلك‪.‬‬
‫بل هي باجة إل إشاعة روح الودة‪ ،‬والرحة‪ ،‬ونيل رضا ال بترك التفرق ونبذ اللف‪.‬‬
‫وذلك يتحقق بسلمة الصدر‪ ،‬ومبة الي للمسلمي‪ ،‬والصفح عنهم؛ التجاوز عن زلتم‬
‫والتماس العاذير لم‪ ،‬وإحسان الظن بم‪ ،‬ومراعاة حقوقهم‪ ،‬ومناصحتهم بالت هي أرفق‬
‫وأحسن‪.‬‬
‫وتكون بالتغاضي‪ ،‬والبعد عن إيغار الصدور‪ ،‬ونكأ الراح‪.‬‬
‫صمُوا ِبحَبْلِ اللّهِ َجمِيعا وَل تَفَ ّرقُوا" [آل عمران‪]103 :‬‬ ‫قال ربنا _تبارك وتعال_‪" :‬وَاعَْت ِ‬
‫جوَا ُهمْ ِإلّ مَنْ أَمَرَ ِبصَ َدقَةٍ َأوْ مَعْرُوفٍ َأوْ ِإصْلحٍ بَْينَ النّاسِ وَمَنْ‬‫وقال‪" :‬ل خَيْ َر فِي كَثِيٍ مِنْ َن ْ‬
‫سوْفَ ُنؤْتِيهِ أَجْرا عَظِيما " [النساء‪.]114:‬‬ ‫يَفْعَلْ َذلِكَ ابْتِغَاءَ مَ ْرضَاةِ اللّهِ فَ َ‬
‫وقال النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬ف التفق عليه ‪" :‬مثل الؤمني ف توادهم وتراحهم‬
‫وتعاطفهم مثل السد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر السد بالمى والسهر"‪.‬‬

‫ثان عشر‪ :‬قيام روح الشورى‪:‬‬


‫خصوصا بي أهل العلم‪ ،‬والفضل‪ ،‬والل والعقد‪ ،‬وذلك بأن ينظروا ف مصلحة المة‪ ،‬وأن‬
‫يقدموا الصال العليا قال ال _تعال_ ف وصف الؤمني‪َ " :‬وأَمْرُ ُهمْ شُورَى بَيَْن ُهمْ" [الشورى‪:‬‬
‫‪.]38‬‬
‫وقال _ عز وجل _ لنبيه "‪" :‬وَشَا ِورْهُ ْم فِي الَمْرِ" [آل عمران‪.]159 :‬‬
‫فقد أذن ال له "بالستشارة وهو غن عنها با يأتيه من وحي السماء؛ تطييبا لنفوس أصحابه‪،‬‬
‫وتقريرا لسنة الشاورة للمة من بعده‪.‬‬
‫وكان أبو بكر الصديق – رضي ال عنه ‪ -‬من العلم بالشريعة‪ ،‬والبة بوجوه السياسة ف‬
‫منلة ل تطاولا ساء‪ ،‬ومع هذا ل يبم حكما ف حادثة إل بعد أن تتداولا آراء جاعة من‬
‫‪)(16‬‬
‫الصحابة‬
‫وهكذا كان عمر‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬ف الشورى‪ ،‬قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحه ال ‪: -‬‬
‫"فكان عمر يشاور ف المور لعثمان وعلي وطلحة والزبي وعبدالرحن بن عوف وابن مسعود‬
‫وزيد بن ثابت وأب موسى ولغيهم‪ ،‬حت كان يدخل ابن عباس معهم مع صغر سنه‪.‬‬
‫وهذا ما أمر ال به الؤمني ومدحهم عليه بقوله‪" :‬وَأَمْ ُر ُهمْ شُورَى بَيَْن ُهمْ" [الشورى‪.]38 :‬‬
‫ولذا كان رأي عمر‪ ،‬وحكمه‪ ،‬وسياسته من أسدّ المور‪ ،‬فما رؤي بعده مثله قط‪ ،‬ول ظهر‬
‫السلم وانتشر‪ ،‬وعزّ كظهوره‪ ،‬وانتشاره‪ ،‬وعزه ف زمنه‪.‬‬
‫وهو الذي كسر كسرى‪ ،‬وقصر قيصر الروم والفرس‪ ،‬وكان أميه الكبي على اليش الشامي‬
‫أبا عبيدة‪ ،‬وعلى اليش العراقي سعد بن أب وقاص‪ ،‬ول يكن لحدٍ ‪-‬بعد أب بكر‪ -‬مثل‬
‫خلفاءه ونوابه وعماله وجنده وأهل شوراه) ‪.)(17‬‬
‫وكما كانت هذه هي سيةَ اللفاء الراشدين ف الشورى فكذلك كانت سية من جاء بعدهم‬
‫فهذا معاوية ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬الذي كان مضرب الثل ف الدهاء واللم وكياسة الرأي كان‬
‫يأخذ بسنة الشورى‪.‬‬
‫جاء ف الثمار للثعالب ص ‪ 68‬ما يلي‪" :‬دهاء معاوية ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬ذلك ما اشتهر أمره‪،‬‬
‫وسار ذكره‪ ،‬وكثرت الروايات والكايات فيه‪ ،‬ووقع الجاع على أن الدهاة أربعة‪ :‬معاوية‪،‬‬
‫(‪ (16‬انظر الحرية في السلم ص ‪.21‬‬
‫(‪ (17‬منهاج السنة النبوية ‪.8/58‬‬
‫وعمرو بن العاص‪ ،‬والغية بن شعبة‪ ،‬وزياد بن أبيه _رضي ال عنهم_ فلما كان معاوية ‪-‬‬
‫رضي ال عنه ‪ -‬بيث هو من الدهاء وبعد الغور_وانضم إليه الدهاة الثلثة الذين يرون بأول‬
‫آرائهم أواخر المور_ فكان ل يقطع أمرا حت يشهدوه‪ ،‬ول يستضيء ف ظلم الطوب إل‬
‫بصابيح آرائهم_سلم له أمر اللك‪ ،‬وألقت إليه الدنيا أزمتها‪ ،‬وصار دهاؤه ودهاء أصحابه‬
‫الثلثة مثلً"‪.‬‬
‫ث إن للشورى فوائد عظيمة منها تقريب القلوب‪ ،‬وتليص الق من احتمالت الراء‪،‬‬
‫واستطلع أفكار الرجال‪ ،‬ومعرفة مقاديرها؛ فإن الرأي يثّل لك عقلَ صاحبه كما تثل لك‬
‫الرآ ُة صورةَ شخصِه إذا استقبلها‪.‬‬
‫وقد ذهب الكماء من الدباء ف تصوير هذا الغزى مذاهب شت‪ ،‬قال بعضهم‪:‬‬
‫إذا عنّ أمرٌ فاستشر فيه صاحبا *** وإن كنت ذا رأي تشي على الصحبِ‬
‫فإن رأيت العي تهل نفسها *** وتدرك ما قد حل ف موضع الشهب‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫اقرن برأيك رأي غيك واستشر *** فالق ل يفى على الثني‬
‫والرء مرآةٌ تريه وجهه *** ويرى قفاه بمع مرآتي‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫الرأي كالليل مسودا جوانبه *** والليل ل ينجلي إل بإصباح‬
‫فاضمم مصابيحَ آراءِ الرجال إل *** مصباح ضوئك تزددْ ضو َء مصباح‬

‫وإذا كان العال النحرير‪ ،‬والكيم الداهية‪ ،‬والقائد الصيف ل يستغنون عن الشورى_فكيف‬
‫بن دونم‪،‬بل كيف بن كان شابا ف مقتبل عمره‪ ،‬ول تصلب بعد قناته‪ ،‬ول ُتحَنّكْهُ‬
‫التجارب؟!‪.‬‬

‫ثالث عشر‪ :‬الصب‪:‬‬


‫سؤْ ُهمْ َوإِنْ ُتصِبْ ُكمْ سَيَّئةٌ يَفْرَحُوا ِبهَا وَإِنْ‬ ‫قال ربنا _ جل وعل _‪" :‬إِنْ َت ْمسَسْ ُكمْ َحسَنَةٌ َت ُ‬
‫َتصْبِرُوا وَتَتّقُوا ل َيضُ ّر ُكمْ كَْيدُ ُهمْ شَيْئا إِنّ اللّهَ ِبمَا يَ ْعمَلُونَ ُمحِيطٌ" [آل عمران‪.]120 :‬‬
‫سمَعُنّ مِ ْن الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ‬ ‫وقال _ عز وجل _ "لَتُْبَلوُنّ فِي أَ ْموَالِكُمْ وَأَنْ ُفسِ ُكمْ وَلََت ْ‬
‫قَبْلِ ُكمْ وَمِنْ اّلذِينَ أَ ْش َركُوا أَذًى كَثِيا وَإِنْ َتصْبِرُوا وَتَتّقُوا فَإِنّ َذلِكَ مِنْ عَزْ ِم الُمُورِ" [آل‬
‫عمران‪]186 :‬‬
‫ومن أعظم الصبِ الصبُ على هداية الناس‪ ،‬والصب على انتظار النتائج؛ لن استعجال الثمرة قد‬
‫يؤدي إل نتائج عكسية تضر أكثر ما تنفع؛ فالصب إذا اقترن بالمر كان عصمة من اللل‬
‫واليأس والنقطاع‪ ،‬وتفجرت بسببه ينابيع العزم والثبات‪.‬‬
‫إنه الصب الترع بأنواع المل العريض‪ ،‬وليس صب اليائس الذي ل يد بدا من الصب فصب‪.‬‬
‫وبالملة فإن الصب من أعظم الخلق‪ ،‬وأج ّل العبادات‪ ،‬وإن أعظمَ الصبِ وأحده عاقب ًة الصبُ‬
‫على امتثال أمر ال‪ ،‬والنتهاء عمّا نى ال عنه؛ لنه به َتخْلُص الطاعة‪ ،‬ويصِحّ الدين‪،‬‬
‫وُيسْتَحَ ُق الثوابُ؛ فليس لن قل صبُه على الطاعةُ حظّ من بِرّ‪ ،‬ول نصيبٌ من صلح‪.‬‬
‫خشَى حدوثُه من رهبة يافها‪ ،‬أو يذرُ حلولُه من نكبةٍ‬ ‫ومن جيل الصب‪ :‬الصبُ فيما ُي ْ‬
‫يشاها‪ ،‬فل يتعجلْ همّ ما ل يأتِِ؛ فإن أكثر الموم كاذبة‪ ،‬وإن الغلب من الوف مدفوع‪.‬‬
‫ومن جيل الصبِ الصبُ على ما نـزل من مكروه‪ ،‬أو حلّ من أمر موف؛ فبالصب ف هذا‬
‫تنفتحُ وجوهُ الراءِ‪ ،‬وُتسْتَ ْدَفعُ مكائ ُد العداءِ؛ فإن من قلّ صبه عَزُب رأيه‪ ،‬واشتد جزعُه‪،‬‬
‫فصار صريعَ هومه‪ ،‬وفريسةَ غمومه‪.‬‬
‫وكما أن الفرادَ بأمسّ الاجةِ إل الصب فكذلك المة؛ فأمة السلم كغيها من المم؛ ل‬
‫ترج عن سنن ال الكونية‪ ،‬فهي عرضةٌ للكوارث‪ ،‬والحن‪.‬‬
‫وهي_ف الوقت نفسه_مكلفةٌ بقتضى حكم ال الشرعي بمل الرسالة الالدة‪ ،‬ونشر الدعوة‬
‫الباركة‪ ،‬وتمّلِ جيعِ ما تلقيه ف سبيلها برحابة صدر‪ ،‬وقوةِ ثباتٍ‪ ،‬ويقيٍ بأن العاقبة للتقوى‬
‫وللمتقي‪.‬‬
‫وهي _كذلك_ مطالبة بالهاد ف سبيل ال؛ لعلء كلمة ال‪ ،‬ونشر دين ال‪ ،‬وإزاحة ما‬
‫يقف ف وجه الدعوة من عقبات؛ فل بد لا من الهاد الداخلي الذي ل يتحقق إل بجاهدة‬
‫النفس والوى‪.‬‬
‫وهذا الهاد ل يتحقق إل بلق الصب‪ ،‬ومغالبة النفس والشيطان والشهوات؛ فذلك هو الهاد‬
‫الداخلي الذي يؤهّل للجهاد الارجي؛ لن الناس إذا تُرِكوا وطباعَهم وما ُأوْدِعَ فيها من حبّ‬
‫للراحة‪ ،‬وإيثارٍ للدّعة‪ ،‬ول ُيشَدّ َأ ْزرُ ُهمْ بإرشاد إلي تطمئن إليه نفوسهم‪ ،‬ويثقون بسن‬
‫نتائجه_ عجزت كواهِلُهم عن حل أعباء الياة‪ ،‬وخارت قواهم أمام مغرياتا‪ ،‬وذاب‬
‫احتمالُهم إزاء ملذاتا وشهواتا؛ فَيَفْقِدُون كلّ استعدا ٍد لتحصيل السمو‪ ،‬والعزة‪ ،‬والنـزلة‬
‫اللئقة‪.‬‬
‫فلهذا اختار ال لم من شرائع دينه ما يصقُل أرواحهم‪ ،‬ويزكّي نفوسهم‪ ،‬ويحص قلوبم‪،‬‬
‫ويرب ملكات الي فيهم من صلة‪ ،‬وزكاة‪ ،‬وصيام‪ ،‬وحج وغيها من الشرائع‪..‬‬

‫رابع عشر‪ :‬إشاعة روح التفاؤل‪:‬‬


‫فإن ذلك ما يبعث المة‪ ،‬ويدعو إل اطراح الور والكسل‪ ،‬ويقود إل القبال على الد‬
‫والعمل؛ فلنثق بال _ عز وجل _ ونصره وتأييده‪ ،‬ولنحذر من كثرة التلوم‪ ،‬وإلقاء التبعات‬
‫على الخرين‪ ،‬ولنحذر من القنوط واليأس‪ ،‬والتشاؤم؛ فالسلم ل يرضى هذا السلك بل‬
‫يذر منه أشد التحذير‪.‬‬
‫ث لنثق بأن ف طي هذه الحن منحا عظيمة‪.‬‬
‫كم نعمة ل تستقل بشكرها *** ل ف طي الكاره كامنة‬

‫ولو ل يأت من ذلك إل أن المة تصحو من رقدتا‪ ،‬وتعود إل ربا ودينها‪.‬‬


‫ولو ل يأت من ذلك إل أن هذا اليل الديد بدأ يعرف أعداءه‪ ،‬ويطرق سعه مسائل الولء‬
‫والباء‪ ،‬ويدرك ما ياك حوله من مؤامرات‪ ،‬ويشعر بأن العزة ل ولرسوله وللمؤمني‪.‬‬
‫ولو ل يأت من ذلك إل أن السلمي _ صاروا يشعرون بروح السد الواحد‪ ،‬ويتعاطفون مع‬
‫إخوانم ف كل مكان‪ ،‬ويرصون على تتبع أخبارهم‪ ،‬وتقدي الستطاع لم‪ ،‬كل ذلك مع ما‬
‫يواجهونه من التضليل العلمي‪ ،‬وما يارَبون به من سيل الشهوات العارم‪.‬‬
‫أين حال السلمي الن من حالم قبل تسعي سنة؟ أين هم لا سيطر الشيوعيون على روسيا‪،‬‬
‫وانقلبوا على الكم القيصري؟ ماذا فعل زعماء الشيوعية؟ يكفي أن نثل بواحد منهم‬
‫فحسب‪ ،‬إنه الجرم ستالي الذي قتل إبان فترة حكمه ثلثي مليونا من البشر‪ُ ،‬جلّهم من‬
‫السلمي‪.‬‬
‫إن أكثر السلمي ف ذلك الوقت ل يكونوا ليعلموا عن إخوانم آنذاك شيئا‪ ،‬بل إن كثيا‬
‫منهم ل يعلموا أن المهوريات السلمية الت استول عليها الشيوعيون _كانت بلدا إسلمية‬
‫إل بعد أن انارت الشيوعية قريبا‪.‬‬
‫أما الن فإن السلمي على درجة من الوعي والدراك‪ ،‬والسعي ف مصال إخوانم‪ ،‬والؤمل‬
‫أكثر من ذلك‪ ،‬وإنا القصود أن يُبَيّن أن الي موجود‪ ،‬وأنه يتاج إل مزيد‪.‬‬
‫وبالملة فإن التفاؤل دأب الؤمن‪ ،‬وهو سبيل التأسي بالنب‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪-‬‬
‫"خصوصا ف وقت اشتداد الحن؛ وليس أدل على ذلك ما كان ف غزوة الحزاب بالدينة‪،‬‬
‫وبلغت القلوب الناجر‪ ،‬ومع ذلك كان _عليه الصلة والسلم_ يبشر أصحابه بفاتيح‬
‫الشام‪ ،‬وفارس‪ ،‬واليمن ‪.)(18‬‬
‫وإذا تُحدن عن الفأل‪ ،‬والث على نشره _ فإن ذلك ل يعن القعود‪ ،‬والمود‪ ،‬والمود؛‬
‫كحال من يؤملون المال العراض‪ ،‬ويفرطون ف المان بجة أن ذلك من الفأل‪ ،‬وهم كسال‬
‫قاعدون‪ ،‬ل يتقدمون خطوة‪ ،‬ول ينهضون من كبوة‪.‬‬
‫ل ليس المر كذلك؛ بل إن الفأل الجدي هو ذلك الذي يرك صاحبه‪ ،‬ويبعثه على الد‪،‬‬
‫ويشعره بالنجح‪ ،‬ويقوده إل إحسان الظن‪ ،‬ويبشر بسن العواقب‪.‬‬

‫خامس عشر‪ :‬التثبت ما يقال‪ ،‬والنظر ف جدوى نشره‪ ،‬والرص على رد المور إل أهلها‪:‬‬

‫(‪ (18‬انظر مسند المام أحمد ‪ ،4/203‬وسنن النسائي الكبرى (‪.(8858‬‬


‫فالعاقل اللبيب ل يتكلم ف شيء إل إذا تثبّت من صحته؛ فإذا ثبت لديه ذلك نَ َظرَ ف جدوى‬
‫نشره؛ فإن كان ف نشره حفز للخي‪ ،‬واجتماعٌ عليه _نشره‪ ،‬وأظهره‪ ،‬وإن كان خلف ذلك‬
‫أعرض عنه‪ ،‬وطواه‪.‬‬
‫ولقد جاء النهي الصريح عن أن يدث الرء بكل ما سع‪.‬‬
‫قال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪" : -‬كفى بالرء كذبا أن يدث بكل ما سع" ‪.)(19‬‬
‫وقد عقد المام مسلم ف مقدمة صحيحه بابا ساه (باب النهي عن الديث بكل ماسع)‬
‫وساق تته جلة من الثار منها الديث السابق‪ ،‬ومنها مارواه بسنده عن عمر بن الطاب‪-‬‬
‫رضي ال عنه ‪ -‬قال‪" :‬بسب الرء من الكذب أن يدث بكل ما سع" ‪.)(20‬‬
‫وقال مسلم‪" :‬حدثنا ممد بن الثن قال‪ :‬سعت عبدالرحن بن مهدي يقول‪" :‬ل يكون الرجل‬
‫إماما يقتدى به حت يسك عن بعض ما سع" ‪.)(21‬‬
‫ويتعي هذا الدب ف وقت الفت واللمات‪ ،‬فيجب على السلم أن يتحرى هذا الدب؛ حت‬
‫يقرب من السلمة‪ ،‬وينأى عن العطب‪.‬‬
‫خوْفِ أَذَاعُوا بِهِ َوَلوْ رَدّوهُ ِإلَى الرّسُولِ وَِإلَى‬ ‫قال ال _تعال_‪":‬وَإِذَا جَاءَ ُهمْ أَمْرٌ مِنَ الَمْنِ َأوْ اْل َ‬
‫ُأ ْولِي الَمْرِ مِْن ُهمْ لَعَِلمَ ُه الّذِينَ َيسْتَنْبِطُونَهُ مِْن ُهمْ َوَلوْل َفضْلُ اللّهِ َعلَيْ ُكمْ َورَ ْحمَتُهُ لتّبَعُْتمْ الشّيْطَانَ‬
‫ِإ ّل قَلِيلً" [النساء‪.]83:‬‬
‫قال الشيخ العلمة عبدالرحن السعدي ‪ -‬رحه ال تعال‪ -‬ف تفسي هذه الية‪" :‬هذا تأديب‬
‫من ال لعباده عن فعلهم هذا غي اللئق‪ ،‬وأنه ينبغي لم إذا جاءهم أمر من المور الهمة‪،‬‬
‫والصال العامة ما يتعلق بالمن‪ ،‬وسرور الؤمني أو بالوف الذي فيه مصيبة عليهم _أن‬
‫يتثبتوا‪ ،‬ول يستعجلوا بإشاعة ذلك الب‪ ،‬بل يردونه إل الرسول وإل أول المر منهم‪ :‬أهل‬
‫الرأي‪ ،‬والعلم‪ ،‬والنصح‪ ،‬والعقل‪ ،‬والرزانة‪ ،‬الذين يعرفون المور‪ ،‬ويعرفون الصال وضدها‪.‬‬
‫فإذا رأوا ف إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمني‪ ،‬وسرورا لم‪ ،‬وترزا من أعدائهم_فعلوا ذلك‪،‬‬
‫وإن رأوا ما ليس فيه مصلحة‪ ،‬أو فيه مصلحة‪ ،‬ولكن مضرته تزيد على مصلحته ل يذيعوه‪.‬‬

‫(‪ (19‬رواه مسلم (‪ (5‬في مقدمة صحيحه‪.‬‬


‫(‪ (20‬رواه مسلم (‪ (5‬في مقدمة صحيحه‪.‬‬
‫(‪ (21‬مسلم في مقدمة صحيحه (‪.(5‬‬
‫ولذا قال‪" :‬لَعَِلمَ ُه اّلذِينَ َيسْتَنْبِطُونَهُ مِْن ُهمْ"‪.‬‬
‫أي يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة‪ ،‬وعلومهم الرشيدة‪.‬‬
‫وف هذا دليل لقاعدة أدبية‪ ،‬وهي أنه إذا حصل بث ف أمر من المور ينبغي أن يول من هو‬
‫أهل لذلك‪ ،‬ويعل إل أهله‪ ،‬ول يُتقدم بي أيديهم؛ فإنه أقرب إل الصواب‪ ،‬وأحرى للسلمة‬
‫من الطأ‪.‬‬
‫وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر المور من حي ساعها‪ ،‬والمرُ بالتأمل قبل الكلم‪،‬‬
‫‪)(22‬‬
‫والنظر فيه هل هو مصلحة فيقدم عليه النسان أم ل فيحجم عنه؟"‬
‫وقال ‪ -‬رحه ال تعال ‪ -‬ف موضع آخر حاثا على الثبت‪ ،‬والتدبر‪ ،‬والتأمل قال‪" :‬وف قوله‬
‫ب زِدْنِي ِعلْما" [طـه‪:‬‬ ‫_تعال_‪" :‬وَل تَ ْعجَلْ بِالْقُرْآنِ مِ ْن قَبْلِ أَنْ يُ ْقضَى ِإلَيْكَ َوحْيُهُ َوقُ ْل رَ ّ‬
‫‪ ]114‬أدبُ طالب العلم‪ ،‬وأنه ينبغي له أن يتأن ف تدبره للعلم‪ ،‬ول يستعجل بالكم على‬
‫الشياء‪ ،‬ول يعجب بنفسه‪ ،‬ويسأل ربه العلم النافع والتسهيل" ‪ )(23‬وقال‪ :‬قوله –تعال‪:-‬‬
‫س ِهمْ خَيْرا َوقَالُوا َهذَا ِإفْكٌ مُبِيٌ" [النور‪:‬‬
‫"َلوْل إِذْ َسمِعُْتمُوهُ َظ ّن الْ ُمؤْمِنُونَ وَالْ ُمؤْمِنَاتُ بِأَن ُف ِ‬
‫‪ ]12‬هذا إرشاد منه لعباده إذا سعوا القوال القادحة ف إخوانم الؤمني رجعوا إل ما علموا‬
‫من إيانم‪ ،‬وإل ظاهر أحوالم‪ ،‬ول يلتفتوا إل أقوال القادحي‪ ،‬بل رجعوا إل الصل‪،‬‬
‫وأنكروا ما ينافيه‪.)(24 .‬‬
‫قال ابن حبان‪ -‬رحه ال ‪": -‬أنشدن منصور بن ممد الكريزي"‬

‫الرفقُ أينُ شيءٍ أنت تَتْبَعُه *** والُرق أشأمُ شيء يُ ْقدِم الرّجُل‬
‫‪)(25‬‬
‫ب الرفقَ ل يستحقبِ الزلل‬ ‫وذو التثبت من حد إل ظَفَ ٍر ***من يرك ِ‬

‫هذا وسيتضح شيء من ذلك ف الفقرة التالية‪.‬‬

‫(‪ (22‬تيسير الكريم المنان في تفسير كلم الرحمن للسعدي ص ‪.154‬‬


‫(‪ (23‬فتح الرحيم الملك العلم في علم العقائد والتوحيد والخلق والحكام المستنبطة من القرآن للشيخ عبدالرحمن‬
‫السعدي عناية الشيخ د‪ .‬عبدالرزاق البدر ص ‪.161‬‬
‫(‪ (24‬فتح الرحيم الملك العلم ص ‪.162‬‬
‫(‪ (25‬روضة العقلء ص ‪.216‬‬
‫سادس عشر‪ :‬أل يرص السلم على إبداء رأيه ف كل أمر‪ ،‬وأل يقول كل ما يعلم‪:‬‬
‫فاللئق بالعاقل أن ينظر ف العواقب‪ ،‬وأن يراعي الصال؛ فل يسن به أن يبدي رأيه ف كل‬
‫صغية وكبية‪ ،‬ول يلزمه أن يتكلم بكل نازلة؛ لنه ربا ل يتصور المر كما ينبغي‪ ،‬وربا‬
‫أخطأ التقدير‪ ،‬وجانب الصواب‪ ،‬بل ليس من الكمة أن يبدي النسان رأيه ف كل ما يعلم‬
‫حت ولو كان متأنيا ف حكمه‪ ،‬مصيبا ف رأيه؛ فما كل رأي يُجهر به‪ ،‬ول كل ما يعلم‬
‫يقال‪ ،‬ول كل ما يصلح للقول يصلح أن يقال عند كل أحد‪ ،‬أو ف كل مكان أو مناسبة‪.‬‬
‫بل الكمة تقتضي أن يتفظ النسان بآرائه إل إذا استدعى القام ذلك‪ ،‬واقتضته الكمة‬
‫والصلحة‪ ،‬وكان الكان ملئما‪ ،‬والخاطبون يعقلون ما يقال‪.‬‬
‫وإذا رأى أن يبدي ما عنده فليكن بتعقل‪ ،‬وروية‪ ،‬ورصانة‪ ،‬وركانة‪.‬‬

‫وزِن الكلم إذا نطقت فإنا *** يبدي عيوب ذوي العقول النطقُ‬

‫قال أحد الكماء‪" :‬إن لبتداء الكلم فتنةً تروق وجدّ ًة تعجب؛ فإذا سكنت القرية‪ ،‬وعدل‬
‫‪)(26‬‬
‫التأمل‪ ،‬وصفت النفس_ فليعدِ النظر‪ ،‬وليكن فرحُه بإحسانه مساويا لغمّه بإساءته"‪.‬‬
‫وقال ابن حبان – رحه ال ‪" :-‬الرافق ل يكاد ُيسْبَق كما أن ال َعجِل ل يكاد يَ ْلحَق‪ ،‬وكما أن‬
‫من سكت ل يكاد يندم كذلك من نطق ل يكاد يسلم‪.‬‬
‫وال َعجِل يقول قبل أن يعلم‪ ،‬وييب قبل أن يفهم‪ ،‬وَيحْمد قبل أن ُيجَرّب‪ ،‬وَيذّم بعد ما يمد‪،‬‬
‫ويعزم قبل أن يفكر‪ ،‬ويضي قبل أن يعزم‪.‬‬
‫‪)(27‬‬
‫وال َعجِل تصحبه الندامة‪ ،‬وتعتزله السلمة‪ ،‬وكانت العرب تُكَنّي العجلةَ أ ّم الندامات"‪.‬‬
‫وذكر بسنده عن عمر بن حبيب قال‪" :‬كان يقال‪ :‬ل يوجد العجول ممودا‪ ،‬ول الغضوب‬
‫مسرورا‪ ،‬ول الر حريصا‪ ،‬ول الكري حسودا‪ ،‬ول الشّرِه غنيا‪ ،‬ول اللول ذا إخوان"‪.)(28 .‬‬

‫(‪ (26‬زهر الدب للحصري القيرواني ‪.1/154‬‬


‫(‪ (27‬روضة العقلء ص ‪.216‬‬
‫(‪ (28‬روضة العقلء ص ‪.217‬‬
‫وقال ابن الوزي‪ -‬رحه ال تعال ‪" :-‬ما اعتمد أحدٌ أمرا إذا هم بشيء مثل التثبت؛ فإنه مت‬
‫عمل بواقعة من غي تأمل للعواقب كان الغالب عليه الندم؛ ولذا أمر بالشاورة؛ لن النسان‬
‫بالتثبت يفتكر؛ فتعرِض على نفسه الحوال‪ ،‬وكأنه شاور‪.‬‬
‫وقد قيل‪ :‬خي الرأي خي من فطيه‪.‬‬
‫وأشد الناس تفريطا من عمل با ورده ف واقعة من غي تثبت واستشارة؛ خصوصا فيما‬
‫يوجب الغضب؛ فإنه طلب اللك أو الندم العظيم" ‪.)(29‬‬
‫وقال‪" :‬فأل أل! التثبت التثبت ف كل المور‪ ،‬والنظر ف عواقبها؛ خصوصا الغضب الثي‬
‫للخصومة"‪ )(30‬وقال ابن القيم –رحه ال تعال ‪" :-‬وقد جاء ف حديث مرسل‪":‬إن ال يب‬
‫البصر النافذ عند ورود الشبهات‪ ،‬ويب العقل الكامل عند حلول الشهوات"‪.‬‬
‫فبكمال العقل والصب تُدفع فتنة الشهوة‪ ،‬وبكمال البصية واليقي تدفع فتنة الشبهة‪ ،‬وال‬
‫الستعان" ‪.)(31‬‬
‫ث إن التثبت والتأن‪ ،‬والنظر ف العواقب من سات أهل العلم والعقل‪ ،‬ول يستغن عنها أحد‬
‫مهما كان‪ ،‬ول يكفي مرد علم النسان‪ ،‬بل ل بد له _مع العلم_ من هذه المور‬
‫وإليك هذه الكلمة الكيمة الرائعة الت رقمتها يراعة العلمة الشيخ ممود شاكر ‪ -‬رحه ال‬
‫ب رج ٍل واسعِ العلم‪ ،‬برٍ ل يزاحم‪،‬‬‫تعال ‪ -‬والت تعب عن كثي ما مضى ذكره‪ ،‬قال‪" :‬رُ ّ‬
‫وهو على ذلك قصي العقل مضلّل الغاية‪ ،‬وإنا يَعْرِض له ذلك من قبل جرأته على ما ليس له‬
‫فيه خبة‪ ،‬ث توره من غي روية ول تدبر‪ ،‬ث إصراره إصرار الكبياء الت تأب أن تعقل‪.‬‬
‫وإن أحدنا لَيقْدِم على ما يسن‪ ،‬وعلى الذي يعلم أنه به مضطلع‪ ،‬ث يرى بعد التدبر أنه أسقط‬
‫من حسابه أشياء‪ ،‬كان العقل يوجب عليه فيها أن يتثبت‪ ،‬فإذا هو يعود إل ما أقدم عليه؛‬
‫فينقضه نقض الغزل‪.‬‬
‫ومن آفة العلم ف فن من فنونه‪ ،‬أن يمل صاحبه على أن ينظر إل رأيه نظرة العجب التنه‪ ،‬ث‬
‫ل يلبث أن يفسده طول التمادي ف إعجابه با يسن من العلم‪ ،‬حت يقذفه إل اجتلب‬

‫(‪ (29‬صيد الخاطر ص ‪.605‬‬


‫(‪ (30‬صيد الخاطر ‪.625‬‬
‫(‪ (31‬إغاثة اللهفان ص ‪.537‬‬
‫الرؤى فيما ل يسن‪ ،‬ث ل تزال تغيه عادة العجاب بنفسه حت ينل ما ل يسن منلة ما‬
‫يسن‪ ،‬ث يصر‪ ،‬ث يغال‪ ،‬ث يعنف‪ ،‬ث يستكب‪ ،‬ث إذا هو عند الناس قصي الرأي والعقل على‬
‫فضله وعلمه"‪.)(32‬‬
‫ولقد كان الصحابة الكرام _رضي ال عنهم_ يراعون هذا الدب الكيم؛ فما كانوا‬
‫يتكلمون ف كل شيء‪ ،‬بل كانوا يراعون الكان‪ ،‬والزمان‪ ،‬والال‪ ،‬ويراعون العقول‪،‬‬
‫والفهام‪ ،‬ومراميَ الكلم‪.‬‬
‫والمثلة على ذلك كثية جدا‪ ،‬منها ما جاء ف صحيح البخاري عن ابن عباس _رضي ال‬
‫عنهما_ قال‪" :‬كنت ُأقْرئ رجالً من الهاجرين منهم عبدالرحن بن عوف ‪ -‬رضي ال عنه‬
‫‪ ، -‬فبينما أنا ف منله بن وهو عند عمر بن الطاب ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬ف آخر حجة‬
‫حجها إذ رجع إلّ عبدالرحن ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬فقال‪ :‬لو رأيت رجلً أتى أمي الؤمني اليوم‬
‫فقال‪ :‬يا أمي الؤمني هل لك ف فلن يقول‪ :‬لو قد مات عمر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬لقد بايعت‬
‫فلنا؛ فوال ما كانت بيعة أب بكر ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬إل فلتة‪ ،‬فتمت‪ ،‬فغضب عمر ‪ -‬رضي‬
‫ال عنه ‪ -‬ث قال‪ :‬إن _إن شاء ال_ لقائمٌ العشيةَ ف الناس‪ ،‬فمحذّرهم هؤلء الذين يريدون‬
‫أن يغصبوهم أمورهم‬
‫قال عبدالرحن ‪ -‬رضي ال عنه ‪ : -‬فقلت‪ :‬يا أمي الؤمني! ل تفعل؛ فإن الوسم يمع رَعاعَ‬
‫الناس وغوغاءهم؛ فإنم هم الذين يغلبون على قُرْبك حي تقوم ف الناس‪ ،‬وأنا أخشى أن تقوم‬
‫فتقول مقالة يطيّرها عنك كل مُطَيّر‪ ،‬وأن ل يعوها‪ ،‬وأن ل يضعوها على مواضعها؛ فأَ ْمهِلْ‬
‫حت تَ ْقدُمَ الدينة؛ فإنا دار الجرة والسنة فََتخْلُصَ بأهل الفقه وأشراف الناس‪ ،‬فتقول ما قلت‬
‫متمكنا‪ ،‬فيعي أهل العلم مقالتك‪ ،‬ويضعونا على مواضعها‪.‬‬
‫فقال عمر ‪ -‬رضي ال عنه ‪: -‬أما وال_إن شاء ال_لقومن بذلك أول مقام أقومه بالدينة"‬
‫‪)(33‬‬
‫الديث‪.‬‬

‫(‪ (32‬مجلة الرسالة عدد ‪ 562‬إبريل ‪ ،1944‬وانظر جمهرة مقالت محمود شاكر ‪ 1/258‬إعداد د‪ .‬عادل سليمان‬
‫جمال‪.‬‬
‫(‪ (33‬البخاري (‪.(6830‬‬
‫قال أمي الؤمني علي بن أب طالب‪ -‬رضي ال عنه‪" : -‬حدثوا الناس با يعرفون؛ أتريدون أن‬
‫‪)(34‬‬
‫يكذب ال ورسوله؟!"‬
‫وقال ابن مسعود‪ -‬رضي ال عنه ‪" :-‬ما أنت بحدث قوما حديثا ل تبلغه عقولم إل كان‬
‫‪)(35‬‬
‫لبعضهم فتنة"‬

‫سابع عشر‪ :‬التحلي بالشجاعة‪ ،‬والفهم الصحيح لعناها‪:‬‬


‫فالشجاعة فضيلة عظيمة‪ ،‬وخصلة من خصال الي عالية‪.‬‬
‫وهي من أعظم ما ينهض بالفراد والمم؛ فالشجاع ينفر من العار‪ ،‬ويأب احتمال الضيم‪.‬‬
‫والمة ل توز مكانة يهابا خصومها‪ ،‬وتَقرّ بِها عي حلفائها إل أن تكون عزيزة الانب‪،‬‬
‫صلبة القناة‪.‬‬
‫وعزة الانب‪ ،‬وصلبة القناة ل ينلن إل حيث تكون قوة الأش‪ ،‬والستهانة بلقاة الكاره‪،‬‬
‫وذلك ما يسمى شجاعة ‪ )(36‬والشجاعة ل تقتصر على القدام ف ميادين الوغى‪ ،‬بل هي أعم‬
‫من ذلك؛ فتشمل الشجاعة الدبية ف التعبي عن الرأي‪ ،‬وبالصدع بالق‪ ،‬وبالعتراف بالطأ‪،‬‬
‫وبالرجوع إل الصواب إذا تبي‪.‬‬
‫بل وتكون بالسكوت أحيانا‪ ،‬قال الشيخ ممد البشي البراهيمي –رحه ال‪" :-‬ولنْ يسكت‬
‫العاقل متارا ف وقتٍ يسن السكوت فيه خيٌ من أن ينطق متارا ف وقت ل يسن الكلم‬
‫فيه‪ ،‬وكلّ نطْقةٍ تليها الظروف ل الضمائر تثمر سكتة عن الق ما من ذلك من بد" ‪.)(37‬‬
‫وليس من شرط الشجاعة أل يد الرجل ف نفسه الوف جلة من اللك‪ ،‬أو القدام‪ ،‬أو نو‬
‫ذلك؛ فذلك شعور يده كل أحد من نفسه إذا هو هم بعمل كبي أو جديد‪.‬‬
‫بل يكفي ف شجاعة الرجل أل يعظم الوف ف نفسه حت ينعه من القدام‪ ،‬أو يرجع به‬
‫النزام‪.‬‬
‫قال هشام بن عبداللك لخيه مسلمة _السمى ليث الوغى_‪:‬‬
‫(‪ (34‬أخرجه البخاري (‪.(127‬‬
‫(‪ (35‬أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه (‪.(5‬‬
‫(‪ (36‬انظر رسائل الصلح للشيخ محمد الخضر حسين ‪.77 / 1‬‬
‫(‪ (37‬عيون البصائر ص ‪.17‬‬
‫يا أبا سعيد! هل دخلك ذعر قط ف حرب أو عدو؟‬
‫قال له مسلمة‪ :‬ما سلمت ف ذلك من ذعر ينبّه على حيلة‪ ،‬ول يغشن فيها ذعر سلبن رأي‪.‬‬
‫قال هشام‪ :‬هذه هي البسالة‪.‬‬
‫فالشجاعة _إذا_ هي مواجهة الطر أو الل أو نو ذلك عند الاجة ف ثبات‪ ،‬وليست‬
‫مرادفة لعدم الوف كما يظن بعض الناس‪.‬‬
‫فالشجاعة ل تعتمد على القدام والحجام فحسب‪ ،‬ول على الوف وعدمه‪.‬‬
‫بل ليس بالحمود أن يتجرد النسان من كل خوف؛ فقد يكون الوف فضيلة‪ ،‬وعدمه رذيلة؛‬
‫فالوف عند القدام على أمر مهم تتعلق به مصال المة‪ ،‬أو يتاج إل اتاذ قرار حاسم‬
‫فضيلةٌ؛ وأي فضيلة؛ إذ هو يمل على الرويّة‪ ،‬والتأن‪ ،‬والتؤدة؛ حت يتمر الرأي‪ ،‬وينضج ف‬
‫الذهن؛ فل خي ف الرأي الفطي‪ ،‬ول الكلم القضيب _الرتل_‪.‬‬
‫‪)(38‬‬
‫والعرب تقول ف أمثالا‪" :‬الطأ زاد العجول"‬
‫كما أنا تدح من يتريث‪ ،‬ويتأن‪ ،‬ويقلب المور ظهرا لبطن‪ ،‬وتقول فيه‪" :‬إنه لوّل قُلّب"‪.‬‬
‫ولذا تتابعت نصائح الكماء على التريث خصوصا عند إرادة القدام على المور العظيمة‬
‫الهمة‪ ،‬قال التنب‪:‬‬
‫الرأي قبل شجاعة الشجعا ِن *** هو أول وهي الحل الثان‬
‫فإذا ها اجتمعا لنفس مِرّ ٍة *** بلغت من العلياء كل مكانِ ‪.)(39‬‬

‫وقال‪:‬‬
‫وكل شجاعة ف الرء تغن *** ول مثل الشجاعة ف الكيم ‪.)(40‬‬

‫وبالملة فالشجاع ليس بالتهور الطائش الذي ل ياف ما ينبغي أن ياف منه‪ ،‬ول هو‬
‫بالبان الرعديد الذي يَفْرَقُ من ظله‪ ،‬وياف ما ل ياف منه‪.‬‬

‫(‪ (38‬مجمع المثال للميداني ‪.432 / 1‬‬


‫(‪ (39‬ديوان المتنبي بشرح العكبري ‪.174/ 4‬‬
‫(‪ (40‬ديوان المتنبي ‪.4/120‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية – رحه ال ‪" :-‬والشجاعة ليست هي قوةَ البدن؛ فقد يكون‬
‫الرجل قوي البدن ضعيف القلب‪ ،‬وإنا هي قوة القلب وثباته‪ ،‬فإن القتالَ مدارُه على قوة‬
‫البدن‪ ،‬وصنعته للقتال‪ ،‬وعلى قوة القلب‪ ،‬وخبته به‪.‬‬
‫والحمود منهما ما كان بعلم ومعرفة‪ ،‬دون التهور الذي ل يفكر صاحبه ول ييز بي الحمود‬
‫والذموم؛ ولذا كان القوي الشديد هو الذي يلك نفسه عند الغضب حت يفعل ما يصلح‬
‫دون ما ل يصلح‪.‬‬
‫‪)(41‬‬
‫فأما الغلوب حي غضبه فليس هو بشجاع ول شديد"‬
‫وقال‪ -‬رحه ال تعال ‪ -‬ف موضع آخر‪" :‬وما ينبغي أن يعلم أن الشجاعة إنا فضيلتها ف‬
‫الدين لجل الهاد ف سبيل ال‪ ،‬وإل فالشجاعة إذا ل يستعن با صاحبها على الهاد ف‬
‫سبيل ال كانت إما وبالً عليه إن استعان با صاحبها على طاعةالشيطان‪ ،‬وإما غي نافعة له إن‬
‫استعملها فيما ل يقربه إل ال _تعال_‪ .‬فشجاعة علي والزبي وخالد وأب دجانة والباء بن‬
‫مالك وأب طلحة‪ ،‬وغيهم من شجعان الصحابة إنا صارت من فضائلهم لستعانتهم با على‬
‫الهاد ف سبيل ال؛ فإنم بذلك استحقوا ما حد ال به الجاهدين‪ .‬وإذا كان كذلك فمعلوم‬
‫‪)(42‬‬
‫أن الهاد منه ما يكون بالقتال باليد‪ ،‬ومنه ما يكون بالجة والبيان والدعوة"‬
‫فما أحوجنا وما أحوج أمتنا إل الشجاعة النضبطة التعقّلة الت تلب الي‪ ،‬والصلحة للمة‪،‬‬
‫‪)(43‬‬
‫وتنأى با عن الشرور والبليا والرزايا‬

‫ثامن عشر‪ :‬الدعاء‪:‬‬


‫فالدعاء من أعظم أسباب النصر والسلمة من الفت‪ ،‬كيف وقد قال ربنا _عز وجل_‪:‬‬
‫"ادْعُونِي َأسَْتجِبْ لَ ُكمْ" [غافر‪.]60 :‬‬
‫فثمرة الدعاء مضمونة_بإذن ال_ إذا أتى الداعي بشرائط الجابة؛ فحري بنا أن نكثر الدعاء‬
‫لنفسنا بالثبات‪ ،‬وأن ندعو لخواننا بالنصر‪ ،‬وأن ندعو على أعدائنا باليبة والزية‪.‬‬

‫(‪ (41‬الستقامة ‪.271_270/ 2‬‬


‫(‪ (42‬منهاج السنة ‪.8/86‬‬
‫(‪ (43‬انظر تفاصيل الحديث عن الشجاعة في كتاب‪ :‬الهمة العالية للكاتب ‪.276_256‬‬
‫وإذا اشتبه على النسان شيء ما اختلف فيه الناس فليدع با رواه مسلم ف صحيحه عن‬
‫عائشة _رضي ال عنها_ أن رسول ال ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ " -‬كان يقول إذا قام يصلي‬
‫من الليل‪" :‬اللهم رب جبيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والرض أنت تكم بي‬
‫عبادك فيما كانوا فيه يتلفون؛ اهدن لا اختلف فيه من الق بإذنك إنك تتدي من تشاء إل‬
‫صراط مستقيم" ‪.)(44‬‬
‫فإذا انطرح العبد بي يدي ربه وسأله التوفيق والداية والصواب والسداد _ فإن ال لن ييب‬
‫رجاءه‪ ،‬وسيهديه _بإذنه_ إل سواء السبيل؛ فقد قال _تعال_ فيما رواه مسلم ف صحيحه‪:‬‬
‫"يا عبادي كلكم ضال إل من هديته فاستهدون أهدكم" ‪.)(45‬‬
‫تاسع عشر‪ :‬البعد عن الفت قدر الستطاع‪:‬‬
‫فالفتنة ف هذه الزمان قائمة على أشدها؛ سواء فتنة الشهوات أو الشبهات؛ فالبعد عنها ناة‬
‫وسلمة‪ ،‬والقرب منها مدعاة للوقوع فيها‪.‬‬
‫قال النب _عليه الصلة والسلم_‪" :‬إن السعيد لن جُّنبَ الفت‪ ،‬إن السعيد لن جنب الفت‪،‬‬
‫إن السعيد لن جنب الفت‪ ،‬ولن ابتلي فصب فواها" ‪ )(46‬قال ابن الوزي – رحه ال ‪" : -‬من‬
‫قارب الفتنة بعدت عنه السلمة‪ ،‬ومن ادعى الصب وكل إل نفسه" ‪.)(47‬‬
‫وقال‪" :‬فإياك أن تغتر بعزمك على ترك الوى مع مقاربة الفتنة؛ فإن الوى مكايد‪ ،‬وكم من‬
‫شجاع ف الرب اغتيل فأتاه ما ل يتسب" ‪.)(48‬‬
‫وقال‪" :‬ما رأيت فتنة أعظم من مقاربة الفتنة‪ ،‬وقل أن يقاربا إل من يقع فيها‪ ،‬ومن حام حول‬
‫المى يوشك أن يرتع فيه" ‪ )(49‬وقال ابن حزم‪ -‬رحه ال ‪:-‬‬

‫ل تلم من عرّض النفس لا *** ليس يرضي غيه عند الحن‬


‫‪)(50‬‬
‫ل تقرب عرفجا من لب *** ومت قربته ثارت دُخَنْ‬
‫(‪ (44‬مسلم (‪.(770‬‬
‫(‪ (45‬مسلم (‪.(2577‬‬
‫(‪ (46‬رواه أبو داود (‪ (4263‬من حديث المقداد‪ ،‬وقال اللباني في صحيح الجامع (‪( :(1637‬صحيح(‪.‬‬
‫(‪ (47‬صيد الخاطر لبن الجوزي ص ‪.41‬‬
‫(‪ (48‬صيد الخاطر لبن الجوزي ص ‪.41‬‬
‫(‪ (49‬صيد الخاطر ص ‪.350‬‬
‫(‪ (50‬طوق الحمامة لبن حزم ص ‪.128‬‬
‫وقال‪:‬‬
‫ل تتبع النفس الوى *** ودع التعرض للمحن‬
‫‪)(51‬‬
‫إبليس حيّ ل يت *** والعي باب للفت‬

‫وقال الشيخ أبو الطاب مفوظ بن أحد الكلوذان‪ -‬رحه ال تعال‪:-‬‬

‫من قارب الفتنة ث ادعى الـ *** عصمة قد نافق ف أمره‬


‫ول ييز الشرع أسباب ما *** يورّط السلمَ ف حظره‬
‫‪)(52‬‬
‫فانجُ ودع عنك صداع الوى *** عساك أن تسلم من شره‬

‫وما يدخل ف ذلك البعد عن مالس النا والزور‪ ،‬ومالس الدال بالباطل‪ ،‬ومالس الوقيعة ف‬
‫عباد ال خصوصا أهل العلم والفضل خصوصا ف أوقات الفت الت يكثر فيها القيل والقال؛‬
‫فالبعد عن الفت سبيل للنجاة منها إل من كان لديه علم يزمّه‪ ،‬وإيان يردعه‪ ،‬وكان يأنس من‬
‫نفسه نفع الناس‪ ،‬وتبصيهم‪ ،‬وكشف الشبه‪ ،‬وبيانَ الق؛ فأول لثل هذا أل ينوي ف قعر‬
‫بيته‪ ،‬ويدع الناس يتخبطون ف دياجي الظّلم‪.‬‬
‫سئل شيخ السلم ابن تيمـية – رحه ال تعال ‪" :-‬هل الفضل للسالك‪ :‬العزلة أو‬
‫اللطة؟"‪.‬‬
‫فأجاب بقوله‪" :‬فهذه السألة ـ وإن كان الناس يتنازعون فيها إما نزاعا كليا وإما حاليا _‬
‫فحقيقة المر أن اللطة تارة تكون واجبة‪ ،‬أو مستحبة‪ ،‬والشخص الواحد قد يكون مأمورا‬
‫بالخالطة تارة‪ ،‬وبالنفراد تارة‪.‬‬
‫وجاع ذلك أن الخالطة إن كان فيها تعاون على الب والتقوى فهي مأمور با‪ ،‬وإن كان فيها‬
‫تعاون على الث والعدوان فهي منهيّ عنها"‪.‬‬
‫إل أن قال‪" :‬فاختيار الخالطة مطلقا خطأ‪ ،‬واختيار النفراد مطلقا خطأ"‪.‬‬

‫(‪ (51‬طوق الحمامة لبن حزم ص ‪.127‬‬


‫(‪ (52‬روضة المحبين لبن القيم ص ‪.151‬‬
‫وأما مقدار ما يتاج إليه كل إنسان من هذا وهذا‪ ،‬وما هو الصلح له ف كل حال "فهذا‬
‫يتاج إل نظر خاص"ا‪.‬هـ ‪.)(53‬‬

‫العشرون‪ :‬الذر من أن يؤتى السلم من أي ثغر من الثغور‪:‬‬


‫سواء ف ميدان التعليم‪ ،‬أو العلم‪ ،‬أو الرأة‪ ،‬أو الدعوة‪ ،‬وما جرى مرى ذلك‪.‬‬
‫فهذه ثغور يب على كل مسلم بسبه أن يافظ عليها خصوصا ف مثل هذه اليام العصيبة‪،‬‬
‫فل يليق بنا أن نقول بأننا أمام أمور أعظم؛ فل داعي أن نشتغل بذه المور‪.‬‬
‫بل هي من صميم ما يب علينا‪ ،‬وهي من أعظم ما يسعى العداء لتحقيقه‪.‬‬
‫وعلينا أن ندرك الطر الحدق بالمة‪ ،‬وأن نستشعر ما تتطلبه تلك الرحلة من الصب‪،‬‬
‫والكمة‪ ،‬والروية‪ ،‬والثبات‪ ،‬وبُعْد النظرة‪ ،‬وصدق التوكل‪ ،‬وحسن الصلة بال‪.‬‬
‫وعلينا أن نسعى سعينا ف إصلح عقائد السلمي‪ ،‬وأخلقهم‪ ،‬وعباداتم‪ ،‬وسلوكهم‪ ،‬وأن‬
‫نبذل الهد ف الرفع من إيانم‪ ،‬وتنيبهم ما يسخط ال؛ فإذا علم ال منا صدق التوجه‪،‬‬
‫وحسن النوايا أكرمنا بالنصر‪ ،‬وأيدنا بروح منه‪.‬‬
‫أما إذا تاذلنا‪ ،‬وتفرقنا فإنه يوشك أن نُخذل‪ ،‬ونَفشلَ‪ ،‬وتَذهب ِريُنا‪.‬‬
‫وكيف ننتصر إذا ابتعدنا عن ال؟ وهل سيدوم ذلك النصر لو كتب لنا؟‬
‫وماذا سيكون مصينا لو انتصرنا ونن على تلك الال الزرية؟‬
‫قال ال _عز وجل_ "إِنْ تَْنصُرُوا اللّهَ يَْنصُ ْر ُكمْ وَيُثَّبتْ َأ ْقدَامَ ُكمْ" [ممد‪]7 :‬‬
‫وقال‪َ " :‬وَلوْ أَّن ُهمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ ِبهِ لَكَانَ خَيْرا َل ُهمْ وَأَ َشدّ تَثْبِيتا" [النساء‪]66 :‬‬

‫الادي والعشرون‪ :‬ترسيخ الفهم الصحيح لليان بالقدر والتوكل على ال _عز وجل_‪:‬‬
‫فاليان بالقدر يمل على التسليم ل‪ ،‬والرضا بكمه‪ ،‬والقيام بالسباب الشروعة‪ ،‬ل على‬
‫القعود‪ ،‬والخلد إل الرض؛ فهناك من يترك الخذ بالسباب‪ ،‬بجة أنه متوكل على ال‪،‬‬
‫مؤمن بقضائه وقدره‪ ،‬وأنه ل يقع ف ملكه شيء إل بشيئته‪.‬‬
‫وذلك كحال بعض الذين يرون أن ترك الخذ بالسباب أعلى مقامات التوكل‪.‬‬
‫(‪ (53‬مجموع الفتاوى ‪.426_10/425‬‬
‫فهذا المر ما عمت به البلوى‪ ،‬واشتدت به الحنة‪ ،‬سواء على مستوى الفراد‪ ،‬أو على‬
‫مستوى المة‪.‬‬
‫فأمة السلم مرت بأزمات كثية‪ ،‬وفترات عسية‪ ،‬وكانت ترج منها بالتفكي الستني‪،‬‬
‫والنظرة الثاقبة‪ ،‬والتصور الصحيح‪ ،‬فتبحث ف السباب والسببات‪ ،‬وتنظر ف العواقب‬
‫والقدمات‪ ،‬ث بعد ذلك تأخذ بالسباب‪ ،‬وتلج البيوت من البواب‪ ،‬فتجتاز _ بأمر ال _‬
‫تلك الزمات‪ ،‬وترج من تلك النكبات‪ ،‬فتعود لا عزتا‪ ،‬ويرجع لا سالف مدها‪.‬‬
‫هكذا كانت أمة السلم ف عصورها الزاهية‪.‬‬
‫أما ف هذه العصور التأخرة الت غشت فيها غواشي الهل‪ ،‬وعصفت فيها أعاصي اللاد‬
‫والتغريب‪ ،‬وشاعت فيها البدع والضللت _ فقد اختلط هذا المر على كثي من السلمي؛‬
‫فجعلوا من اليان بالقضاء والقدر تكأةً للخلد إل الرض‪ ،‬ومسوغا لترك الزم والد‬
‫والتفكي ف معال المور‪ ،‬وسبل العزة والفلح‪ ،‬فآثروا ركوب السهل الوطيء الوبء على‬
‫ركوب الصعب الشق الريء‪.‬‬
‫فكان الخرج لم أن يتكل الرء على القدر‪ ،‬وأن ال هو الفعّال لا يريد‪ ،‬وأن ما شاءه كان‪،‬‬
‫وما ل يشأه ل يكن؛ فلتمضِ إرادتُه‪ ،‬ولتكن مشيئته‪ ،‬وليجرِ قضاؤه وقدره‪ ،‬فل حول لنا ول‬
‫طول‪ ،‬ول يدَ لنا ف ذلك كله‪.‬‬
‫هكذا بكل يسر وسهولة‪ ،‬استسلم للقدار دون منازعة لا ف فعل السباب الشروعة‬
‫والباحة؛ فل أمر بالعروف‪ ،‬ول ني عن النكر‪ ،‬ول حرص على نشر العلم ورفع الهل‪ ،‬ول‬
‫ماربة للفكار الدامة والبادئ الضللة‪ ،‬كل ذلك بجة أن ال شاء ذلك!‬
‫والقيقة أن هذه مصيبة كبى‪ ،‬وضللة عظمى‪ ،‬أدت بالمة إل هوة سحيقة من التخلف‬
‫والنطاط‪ ،‬وسبَبّت لا تسلط العداء‪ ،‬وجرّت عليها ويلت إثر ويلت‪.‬‬
‫وإل فالخذ بالسباب ل يناف اليان بالقدر‪ ،‬بل إنه من تامه؛ فال _ عز وجل _ أراد بنا‬
‫أشياء‪ ،‬وأراد منا أشياء‪ ،‬فما أراده بنا طواه عنا‪ ،‬وما أراده منا أمرنا بالقيام به‪ ،‬فقد أراد منا‬
‫حل الدعوة إل الكفار وإن كان يعلم أنم لن يؤمنوا‪ ،‬وأراد منا أن نكون أمة واحدة وإن‬
‫كان يعلم أننا سنتفرق ونتلف‪ ،‬وأراد منا أن نكون أشداء على الكفار رحاء بيننا‪ ،‬وإن كان‬
‫يعلم أن بأسنا سيكون بيننا شديدا وهكذا‪...‬‬
‫فاللط بي ما أريد بنا‪ ،‬وما أريد منا‪ ،‬وبي المر الكون القدري‪ ،‬والشرعي الدين هو الذي‬
‫يُلبِس المر‪ ،‬ويوقع ف الحذور‪.‬‬
‫ث ل ريب أن ال _ عز وجل _ هو الفعال لا يريد‪ ،‬الالق لكل شيء‪ ،‬الذي بيده ملكوت‬
‫كل شيء‪ ،‬الذي له مقاليد السموات والرض‪.‬‬
‫ولكنه _ تبارك وتعال _ جعل لذا الكون نواميس يسي عليها؛ وقواني ينتظم با‪ ،‬وإن كان‬
‫هو _ عز وجل _ قادرا على خرق هذه النواميس وتلك القواني‪ ،‬وإن كان _ أيضا _ ل‬
‫يرقها لكل أحد‪.‬‬
‫فاليان بأن ال قادر على نصر الؤمني على الكافرين _ ل يعن أنه سينصر الؤمني وهم‬
‫قاعدون عن الخذ بالسباب؛ لن النصر بدون الخذ بالسباب مستحيل‪ ،‬وقدرة ال ل‬
‫تتعلق بالستحيل‪ ،‬ولنه منافٍ لكم ِة ال‪ ،‬وقُ ْدرَتُه_عز وجل_ متعلقةٌ بكمته‪.‬‬
‫فكون ال قادرا على الشيء‪ ،‬ل يعن أن الفرد أو الماعة أو المة قادرةٌ عليه؛ فقدرة ال صفة‬
‫خاصة به‪ ،‬وقدرة العبد صفة خاصة به‪ ،‬فاللط بي قدرة ال واليان با‪ ،‬وقدرة العبد وقيامه‬
‫با أمره ال به_ هو الذي يمل على القعود‪ ،‬وهو الذي يدر المم والشعوب ‪.)(54‬‬
‫وهذا ما لحظه وألح إليه أحد الستشرقي اللان وهو باول شتز‪ ،‬فقال وهو يؤرخ لال‬
‫السلمي ف عصورهم التأخرة‪( :‬طبيعة السلم التسليم لرادة ال‪ ،‬والرضا بقضائه وقدره‪،‬‬
‫والضوع بكل ما يلك للواحد القهار‪ ،‬وكان لذه الطاعة أثران متلفان؛ ففي العصر‬
‫السلمي الول لعبت دورا كبيا ف الروب‪ ،‬وحققت نصرا متواصلً؛ لنا دفعت ف‬
‫الندي روح الفداء‪ ،‬وف العصور التأخرة كانت سببا ف المود الذي خيم على العال‬
‫السلمي‪ ،‬فقذف به إل الندار‪ ،‬وعزله وطواه عن تيار الحداث العالية) ‪.)(55‬‬

‫الثان والعشرون‪ :‬مراعاة الصال والفاسد‪:‬‬


‫(‪ (54‬تفاصيل ذلك في كتاب (اليمان بالقضاء والقدر( للكاتب‪.‬‬
‫(‪ (55‬السلم قوة الغد العالمية‪ ،‬باول شمتز ص ‪.90‬‬
‫وقد مر شيء من ذلك؛ فل يكفي مرد سرد النصوص‪ ،‬وتنيلها على أحوال معينة خصوصا‬
‫عند الفت واشتباه المور بل ل بد من الرؤية‪ ،‬والستنارة بأهل العلم والفقه والبصية‪ ،‬ول بد‬
‫من النظر ف الصال والفاسد قال الشيخ السعدي – رحه ال‪ :-‬قوله "َف َذكّرْ إِنْ نَفَ َعتْ‬
‫ال ّذكْرَى" [العلى‪ ،]9:‬مفهوم الية أنه إذا ترتب على التذكي مضرة أرجح تُرِ َك التذكي؛‬
‫خوف وقوع النكر‪.)(56 .‬‬
‫وقال ابن القيم –رحه ال‪":-‬فإذا كان إنكار الُنْكَرِ يستلزم ما هو أنكر منه‪ ،‬وأبغض إل ال‬
‫ورسوله فإنه ل يسوغ إنكاره‪ ،‬وإن كان ال يبغضه‪ ،‬ويقت أهله"‪.‬‬
‫وقال‪" :‬ومن تأمل ما جرى ف السلم من الفت الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الصل‬
‫وعدم الصب على منكر‪ ،‬فطلب إزالته‪ ،‬فتولّد منه ما هو أكب منه؛ فقد كان رسول ال " يرى‬
‫بكة أكب النكرات ول يستطيع تغييها"‪.‬‬
‫بل لا فتح ال مكة‪ ،‬وصارت دار إسلم عزم على تغيي البيت‪ ،‬وردّه على قواعد إبراهيم‪،‬‬
‫ومنعه من ذلك _مع قدرته عليه_ خشيةُ وقوع ما هو أعظم منه‪ ،‬من عدم احتمال قريش‬
‫لذلك‪ ،‬لقرب عهدهم بالسلم‪ ،‬وكونم حديثي عهد بكفر"‪.)(57‬‬
‫وقال‪" :‬فإنكار النكر أربع درجات‪ :‬الول‪ :‬أن يزول وَيخْلُفَهُ ضدّه"‬
‫والثانية‪ :‬أن يَقِلّ‪ ،‬وإن ل يزل بالملة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يلفه ما هو مثله‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬أن يلفه ما هو شرٌ منه‪.‬‬
‫فالدرجتان الوليان مشروعتان‪ ،‬والثالثة ملّ اجتهاد‪ ،‬والرابعة مرمة‪.‬‬
‫فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون الشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه‬
‫والبصية إل إذا نقلتهم منه إل ما هو أحب إل ال ورسوله كرمي النّشاب‪ ،‬وسباق اليل‪،‬‬
‫ونو ذلك‪.‬‬
‫وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لو‪ ،‬أو لعب‪ ،‬أو ساع مكاء وتصدية فإن نقلتهم إل‬
‫طاعة ال فهو الراد‪.‬‬
‫(‪ (56‬فتح الرحيم الملك العلم ص ‪.164‬‬
‫(‪ (57‬إعلم الموقعين لبن القيم ‪.6 / 3‬‬
‫وإل كان تركهم على ذلك خيا من أن تُفرِغَهم لا هو أعظم من ذلك؛ فكان ما هم فيه‬
‫شاغلً لم عن ذلك‪.‬‬
‫وكما إذا كان الرجل مشتغلً بكتب الجون ونوها‪ ،‬وخِفتَ من نقله عنها انتقاله إل كتب‬
‫البدع والضلل والسحر َفدَعْهُ وكتبه الول‪ ،‬وهذا باب واسع‪.‬‬
‫وسعت شيخ السلم ابن تيمية _قدس ال روحه ونورّ ضرية_ يقول‪ :‬مررت أنا وبعض‬
‫أصحاب ف زمن التتار بقوم منهم يشربون المر؛ فأنكر عليهم َمنْ كان معي؛ فأنكرت عليه‪،‬‬
‫وقلت له‪ :‬إنا حرم ال المر؛ لنا تصد عن ذكره وعن الصلة‪ ،‬وهؤلء يصدهم المر عن‬
‫قتل النفوس‪ ،‬وسب الذرية‪ ،‬وأخذ الموال؛ َفدَعْهم" ‪.)(58‬‬

‫الثالث والعشرون‪ :‬حسن التعامل مع اللف والردود‪:‬‬


‫فربا يصل ف وقت النوازل والفت اختلف ف النظرة إليها من قبل بعض أهل العلم وربا‬
‫يصل خلف حول أمر ما؛ فيحسن _ والالة هذه _ أن تنشرح صدورنا لا يقع من‬
‫اللف؛ فما من الناس أحد إل وهو راد ومردود عليه‪ ،‬وكلّ يؤخذ من قوله ويرد إل الرسول‬
‫"‪.‬‬
‫ويمل بنا نسن الظن بأهل العلم والفضل إذا رد بعضهم على بعض‪ ،‬وأل ندخل ف نياتم‪،‬‬
‫وأن نلتمس لم العذر‪.‬‬
‫وإذا تبي لنا أن أحدا من أهل العلم والفضل أخطأ سواء كان رادا أو مردودا عليه _ فل‬
‫يسوغ لنا ترك ما عنده من الق؛ بجة أنه أخطأ‪.‬‬
‫وإذا كنا نيل إل أحد من الطرفي أكثر من الخر فل يوز لنا أن نتعصب له‪ ،‬أو نظن أن‬
‫الق معه على كل حال‪.‬‬
‫وإذا كان ف نفس أحدٍ منا شيء على أحد الطرفي _ فل يكن ذلك حائلً دون قبول الق‬
‫منه‪.‬‬
‫قال _ ربنا جل وعل _ ‪َ " :‬وإِذَا قُلُْتمْ فَا ْع ِدلُوا وََلوْ كَانَ ذَا قُرْبَى" [النعام‪.]152:‬‬

‫(‪ (58‬إعلم الموقعين ‪.7_6 /3‬‬


‫وقال‪" :‬وَل َيجْرِمَنّ ُكمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى َألّ تَ ْعدِلُوا ا ْع ِدلُوا ُهوَ َأقْرَبُ لِلتّ ْقوَى" [الائدة‪.]8:‬‬
‫وقال ‪" :‬يَا أَّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا َقوّامِيَ بِالْ ِقسْطِ ُش َهدَاءَ لِلّهِ َوَلوْ عَلَى أَن ُفسِ ُكمْ" [النساء‪:‬‬
‫‪.]135‬‬
‫قال ابن حزم – رحه ال ‪" :-‬وجدت أفضل نعم ال _تعال_ على الرء أن يطبعه على العدلِ‬
‫وحُبّه‪ ،‬وعلى الق وإيثاره" ‪.)(59‬‬
‫وقال‪" :‬وأما من طبع على الور واستسهاله‪ ،‬وعلى الظلم واستخفافه _ فلييأس من أن يصلح‬
‫نفسه‪ ،‬أو يقوّم طباعه أبدا‪ ،‬وليعلم أنه ل يفلح ف دين ول ف خلق ممود" ‪.)(60‬‬
‫وقال الشيخ ممد الطاهر بن عاشور – رحه ال ‪" : -‬والعدل ما تواطأت على حسنه الشرائع‬
‫اللية‪ ،‬والعقول الكيمة‪ ،‬وتدّح بادعاء القيام به عظماءُ المم‪ ،‬وسجلوا تدّحهم على نقوش‬
‫الياكل من كلدانية‪ ،‬ومصرية‪ ،‬وهندية‪.‬‬
‫وحسن العدل بعزل عن هوى يغلب عليها ف قضية خاصة‪ ،‬أو ف مبدأ خاص تنتفع فيه با‬
‫يالف العدل بدافع إحدى القوتي‪ :‬الشاهية والغاضبة"‪.)(61 .‬‬
‫وإذا كان لدينا قدرة على رأب الصدع‪ ،‬وجع الكلمة‪ ،‬وتقريب وجهات النظر فتلك قربة‬
‫وأي قربة‪.‬‬
‫صدَقَةٍ َأوْ مَعْرُوفٍ َأوْ‬
‫جوَا ُهمْ ِإلّ مَنْ أَمَرَ ِب َ‬‫قال ال _ عز وجل _‪" :‬ل خَيْ َر فِي كَِثيٍ ِمنْ َن ْ‬
‫سوْفَ ُنؤْتِيهِ أَجْرا عَظِيما"‪.‬‬ ‫ِإصْلحٍ بَيْنَ النّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ َذلِكَ ابْتِغَاءَ مَ ْرضَاةِ اللّ ِه َف َ‬
‫وإذا ل نستطع فلنجتهد بالدعاء والضراعة إل ال أن يقرب القلوب‪ ،‬ويمع الكلمة على الق‪.‬‬
‫ولنحذر كل الذر من الوقيعة بأهل العلم‪ ،‬أو السعاية بينهم‪ ،‬ولنعلم بأنم ل يرضون منا بذلك‬
‫مهما كان المر‪.‬‬
‫وإذا سّلمَنا ال من هذه الردود‪ ،‬فاشتَغل الواحد منا با يعنيه _ فهو خي وسلمة _ إن شاء ال‬
‫تعال _‪.‬‬

‫(‪ (59‬الخلق والسير ص ‪.37‬‬


‫(‪ (60‬الخلق والسير ص ‪.37‬‬
‫(‪ (61‬أصول النظام الجتماعي في السلم للطاهر بن عاشور ص ‪.186‬‬
‫والذي يُ َظنْ بأهل الفضل سواء كان الواحد منهم رادّا أو مردودا عليه _ أنم ل يرضون منا‬
‫أن نتعصّب لم أو عليهم تفنيدا‪ ،‬أو تأييدا‪.‬‬
‫بل يرضيهم كثيا أن نشتغل با يرضي ال‪ ،‬وينفع الناس‪.‬‬
‫ويؤسفهم كثيا أن تأخذ تلك الردود أكثر من حجمها‪ ،‬وأن تفسر على غي وجهها‪.‬‬
‫هذا وإن العاقل الحب لدينه وإخوانه السلمي ليتمن من صميم قلبه أن تتمع الكلمة‪ ،‬وأل‬
‫يتاج الناس أو يضطروا إل أن يردوا على بعض‪ ،‬وما ذلك على ال بعزيز‪ ،‬ولكن‪:‬‬

‫فيا دارها بالزن إن مزارها *** قريب ولكن دون ذلك أهوال‬

‫فمن العسي أن تتفق آراء الناس‪ ،‬واجتهاداتم‪ ،‬ومن التعذر أن يكونوا جيعا على سنة واحدة‬
‫ف كل شيء‪ ،‬ومن الحال أن يُ ْعصَم الناس فل يطئوا‪.‬‬
‫ث ليكن لنا ف سلفنا الكرام قدوة؛ فهم خي الناس ف حال الوفاق وحال اللف؛ حيث‬
‫كانوا مثالً يتذى ف الرحة‪ ،‬والعدل‪ ،‬والنصاف حت ف حال الفتنة والقتال‪.‬‬
‫روي أنه أُنشد ف ملس أمي الؤمني علي بن أب طالب –رضي ال عنه‪ -‬قول الشاعر‪:‬‬

‫فـتً كان يدنيه الغن من صديقـه *** إذا مـا هـو استغن ويبعده الفقر‬
‫كـأن الـثريا عـلقـت ببينه *** وف خده الشّعرى وف الخر البدر‬

‫فلما سعها علي – رضي ال عنه ‪ -‬قال‪ :‬هذا طلحة بن عبيد ال‪ ،‬وكان السيف يومئذٍ ليلتئد‬
‫مردا بينهما‪.‬‬
‫فانظر إل عظمة النصاف‪ ،‬وروح الودة‪ ،‬وشرف الصومة‪.‬‬
‫ول ريب أن هذه العان تتاج إل مراوضة النفس كثيا‪ ،‬وإل تذكيها بأدب النصاف‪،‬‬
‫وإنذارها ما يترتب على العناد والتعصب من الث والفساد‪.‬‬
‫وإذا استقبلنا اللف والردود بتلك الروح السامية‪ ،‬والنفس الطمئنة صارت رحةً‪ ،‬وإصلحا‪،‬‬
‫وتقويا‪ ،‬وارتقاءً بالعقول‪ ،‬وتزكية للنفوس‪.‬‬
‫وبذا نفظ لرجالنا‪ ،‬وأهل العلم منا مكانتهم ف القلوب‪ ،‬ونضمن _بإذن ال_ لمتنا تاسكها‬
‫وصلبة عودها‪ ،‬ونوصد الباب أمام من يسعى لتفريقها واليضاع خللا ‪.‬‬
‫والعجيب أن ترى أن اثني من أهل العلم قد يكون بينهما خلف حول مسألة أو مسائل‪،‬‬
‫وتد أتباعهما يتعادون‪ ،‬ويتمارون‪ ،‬وكل فريق يتعصب لصاحبه مع أن صاحب الشأن بينهما‬
‫من الود‪ ،‬والصلة‪ ،‬والرحة الشيء الكثي!‪.‬‬
‫وأخيا لنستحضر أن ذلك امتحان لعقولنا وأدياننا؛ فلنحسن القول‪ ،‬ولنحسن العمل‪،‬‬
‫ولنجانب الوى‪.‬‬

‫الرابع والعشرون‪ :‬إشاعة روح التعاون على الب والتقوى والرص على الفادة من كل‬
‫أحد‪:‬‬
‫فهذا ما ينمي روح الودة‪ ،‬ويقضي على الكسل والبطالة؛ فإن من النعم الكبى كثرةَ طرق‬
‫الي‪ ،‬وتعّددَ السبل الوصلة إل الب؛ فل يسوغ _والالة هذه_ أن يُقَلّل من أي عمل من‬
‫أعمال الي؛ فالسلم باجة إل ما يقربه إل ربه‪ ،‬والمة باجة إل كل عمل من شأنه رفعُ‬
‫راية السلم‪ ،‬وإعزازُ أهله‪.‬‬
‫وإذا شاعت روح التعاون بي أفراد المة ف شت اليادين_أمكن الفادة من كل شخص مهما‬
‫قلت مواهبه‪ ،‬ومن كل فرصة ووسيلة ما دامت جارية على مقتضى الشرع‪.‬‬
‫أما إذا اقتصر كل واحد منا على باب من أبواب الي‪ ،‬ورأى أنه هو السبيل الوحيد للنهوض‬
‫بالمة‪ ،‬وقبض يده عن التعاون مع غيه من فتح عليهم أبواب أخرى من الي_فإننا سنحرم‬
‫خيا كثيا‪ ،‬وستُفْتَح علينا أبواب من الشر ل يعلمها إل ال _عز وجل_‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية – رحه ال ‪ -‬ف معرض كلم له ف بيان أن أفضل العمال‬
‫يتنوع بسب أجناس العبادة‪ ،‬وباختلف الزمنة‪ ،‬والمكنة‪ ،‬والشخاص‪ ،‬والحوال‪ ،‬قال‪:‬‬
‫"وهذا باب واسع يغلو فيه كثي من الناس‪ ،‬ويتّبعون أهواءهم؛ فإن من الناس من يرى أن‬
‫العمل إذا كان أفضل ف حقه لناسبته له‪ ،‬ولكونه أنفع لقلبه‪ ،‬وأطوع لربه _ يريد أن يعله‬
‫أفضل لميع الناس‪ ،‬ويأمرهم بثل ذلك‪.‬‬
‫وال بعث ممدا بالكتاب والكمة‪ ،‬وجعله رحة للعباد‪ ،‬وهديا لم يأمر كل إنسان با هو‬
‫أصلح له؛ فعلى السلم أن يكون ناصحا للمسلمي‪ ،‬يقصد لكل إنسان ما هو أصلح‪.‬‬
‫وبذا تبي لك أن من الناس من يكون تطوعه بالعلم أفضل له‪ ،‬ومنهم من يكون تطوعه‬
‫بالهاد أفضل له‪ ،‬ومنهم من يكـون تطوعه بالعـبادات البدنية _ كالصلة والصيام _‬
‫أفضل له‪.‬‬
‫والفضل مطلقا ما كان أشبه بال النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬باطنا وظاهرا؛ فإن خي‬
‫الكلم كلم ال‪ ،‬وخي الدي هدي ممد ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪. -‬‬
‫‪)(62‬‬
‫وال _ سبحانه وتعال _ أعلم‪-‬‬
‫وبناءً على ما مضى فإنه ل غضاضة على من فتح عليه ف باب من أبواب الي دون أن يفتح‬
‫عليه ف غيه؛ ول على من فتح عليه من أبواب الي دون أن يفتح على غيه فيه؛ فكل ميسر‬
‫لا خلق له‪ ،‬وقد علم كل أناس مشربم؛ فل غرو_ إذا _ أن تتنوع العمال ما دامت على‬
‫مقتضى الشرع؛ فهذا يُ ِكبّ على العلم والبحث والتأليف‪ ،‬وذاك يقوم بتعليم الناس عب‬
‫الدروس‪ ،‬وهذا يسد ثغرة الهاد‪ ،‬وذاك يقوم بشعية المر بالعروف والنهي عن النكر‪ ،‬وهذا‬
‫يقوم على رعاية الرامل واليتام‪ ،‬ويتعاون مع جعيات الب العنية بذا الشأن‪ ،‬وذاك يقوم‬
‫بتربية الشباب ف ماضن التربية والتعليم‪ ،‬وهذا يقوم بتعليم الناس كتاب ال‪ ،‬وتفيظهم إياه‪،‬‬
‫وذاك يعن بشؤون الرأة‪ ،‬وما ياك حولا‪ ،‬وهذا يهتم بعمارة الساجد‪ ،‬ودللة الحسني على‬
‫ذلك‪ ،‬وذاك يسعى ف تنظيم الدروس والحاضرات والدورات العلمية‪ ،‬وتسهيل مهام أهل‬
‫العلم ف ذلك الشأن‪ ،‬وهذا يعن بالاليات الت تفد إل بلد السلمي يعلمهم أمور دينهم إن‬
‫كانوا مسلمي‪ ،‬ويدعوهم إل السلم إن كانوا غي مسلمي‪ ،‬وهذا مفتوح عليه ف باب‬
‫الشبكة العالية _النترنت_ حيث ينشر الي من خللا‪ ،‬ويصد الشر عن السلمي‪ ،‬وذاك قد‬
‫فتح عليه ف العلم ونشر الي عب وسائله التنوعة‪ ،‬وهذا يعن بالسلمي ف بقاع الرض؛‬
‫حيث يسعى ف تعليمهم‪ ،‬وبيان قضاياهم‪ ،‬ويرص على رفع الظلم عنهم‪ ،‬وهذا يسعى سعيه‬
‫ف الصلح بي الناس‪ ،‬وذاك يقوم بشؤون الوتى من تغسيلهم‪ ،‬ودفنهم ونو ذلك‪ ،‬وهذا‬

‫(‪ (62‬مجموع الفتاوى ‪.429_10/427‬‬


‫منقطع للعبادة‪ ،‬والذكر‪ ،‬والتلوة‪ ،‬وعمارة بيوت ال‪ ،‬وذاك مفتوح عليه ف باب الصيام‪ ،‬وهذا‬
‫مفتوح عليه ف باب الصلة‪ ،‬وذاك مفتوح عليه ف باب الصدقة‪ ،‬وذاك الفذّ الامع لكثر تلك‬
‫الصال وهكذا‪. . .‬‬
‫وبذه النظرة الشاملة نأخذ بالسلم من جيع أطرافه‪ ،‬ونسد كافة الثغرات الت تتاج إل من‬
‫يقوم با‪ ،‬ويكننا اغتنام جيع الفرص‪ ،‬وكافة الواهب‪ ،‬ونستطيع من خلل ذلك إشاعة روح‬
‫العمل للسلم‪ ،‬والقضاء على الكسل والبطالة‪.‬‬
‫وبذلك يقل التلوم‪ ،‬ويكثر العمل‪ ،‬ويُنْبذ اللف‪ ،‬ونسلم من القيل والقال‪ ،‬وننهض بأمتنا إل‬
‫أعلى مراقي السعود‪ ،‬وأقصى مراتب الجادة‪.‬‬
‫وبعد‪ :‬فهذه إشارات مملة‪ ،‬ومعال عامة ف التعامل مع الفت والصائب وكل واحد منها‬
‫يتاج إل بسط وتفصيل‪ ،‬والقام ل يسمح بذلك؛ فأسأل ال أن ينفع با ذكر؛ إنه سيع‬
‫قريب‪.‬‬
‫وصلى ال وسلم على نبينا ممد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجعي‪.‬‬

You might also like