You are on page 1of 30

‫المر بالمعروف‬

‫والنهي عن المنكر‬
‫تأليف شيخ السلم تقي الدين أحمد بن‬
‫عبدالحليم بن تيمية‬
‫‪728 -661‬هـ‬
‫من منشورات‬
‫الرئاسة العامة لهيئات المر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫الطبعة الولى ‪1412‬هـ‬
‫الفصل الول‬

‫المر بالعروف و النهي عن النكر الذي أنزل ال به كتبه وأرسل به رسله من الدين ‪ .‬فإن رسالة ال ‪:‬‬
‫إما إخبار ‪ ،‬و إما إنشاء ‪ .‬فالخبار عن نفسه وعن خلقه ‪ :‬مثل التوحيد والقصص الذي يندرج فيه‬
‫الوعد والوعيد ‪ .‬والنشاء المر والنهي والباحة ‪.‬‬
‫وهذا كما ذكر ف أن ‪ (( :‬قل‪ :‬هو ال أحد )) ‪ .‬تعدل ثلث القرآن؛ لتضمنها ثلث التوحيد ؛ إذ هو‬
‫قصص ؛ وتوحيد؛ وأمر ‪ .‬وقوله سبحانه ف صفة نبينا صلى ال عليه وسلم ‪َ ( : ،‬ي ْأمُ ُرهُ ْم بِالْ َمعْرُوفِ‬
‫خبَاِئثَ) (العراف‪ :‬من الية ‪ . )157‬هو بيان‬ ‫ح ّرمُ عََلْيهِ ُم الْ َ‬
‫ت َويُ َ‬
‫حلّ َلهُمُ ال ّطيّبَا ِ‬
‫َويَْنهَاهُ ْم عَ ِن الْ ُمنْكَ ِر َويُ ِ‬
‫لكمال رسالته ؛ فإنه صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬هو الذي أمر ال على لسانه بكل معروف ‪ ،‬ونى عن كل‬
‫منكر ؛ وأحل كل طيب وحرم كل خبيث ‪ ،‬ولذا روي عنه أنه قال ‪ (( :‬إنا بعثت لتم مكارم‬
‫الخلق )) ‪ .‬وقال ف الديث التفق عليه ‪ (( :‬مثلي ومثل النبياء كمثل رجل بن دارا فأتها وأكملها‬
‫إل موضع لبنة‪ ،‬فكان الناس يطيفون با ويعجبون من حسنها ‪ :‬ويقولون ‪ :‬لول موضع اللبنة ! فأنا تلك‬
‫اللبنة ))‪.‬‬

‫فبه كمل دين ال التضمن للمر بكل معروف والنهي عن كل منكر ‪ ،‬وإحلل كل طيب وتري كل‬
‫خبيث ‪ .‬و أما من قبله من الرسل فقد كان يرم على أمهم بعض الطيبات ‪ ،‬كما قال‪َ(:‬فبِظُلْ ٍم مِ َن الّذِينَ‬
‫هَادُوا حَ ّر ْمنَا عََلْيهِ ْم طَّيبَاتٍ أُحِّلتْ َلهُمْ)(النساء‪ :‬من الية ‪ .)160‬وربا ل يرم عليهم جيع البائث ‪،‬‬
‫كما قال تعال ‪(:‬كُلّ ال ّطعَامِ كَانَ ِحلّ ِلَبنِي ِإسْرائيلَ إِلّا مَا َح ّرمَ ِإسْرائي ُل عَلَى َنفْسِ ِه مِنْ َقبْلِ َأنْ ُتنَزّلَ‬
‫الّتوْرَاة) (آل عمران‪ :‬من الية ‪.)93‬‬

‫وتري البائث يندرج ف معن ‪ (( :‬النهي عن النكر )) كما أن إحلل الطيبات يندرج ف ‪ (( :‬المر‬
‫بالعروف )) لن تري الطيبات ما نى ال عنه ‪ ،‬وكذلك المر بميع العروف والنهي عن كل منكر ما‬
‫ل يتم إل للرسول ؛ الذي تم ال به مكارم الخلق الندرجة ف العروف ‪ ،‬وقد قال ال تعال‪ ( :‬اْليَ ْومَ‬
‫ت عََلْيكُ ْم ِنعْ َمتِي وَرَضِيتُ َلكُ ُم اْلِأسْلمَ دِينا ) (الائدة‪ :‬من الية ‪ . )3‬فقد‬
‫أَكْمَ ْلتُ َلكُمْ دِيَنكُمْ َوَأتْمَ ْم ُ‬
‫أكمل ال لنا الدين ‪ ،‬وأت علينا النعمة ‪ ،‬ورضي لنا السلم دينا ‪.‬‬
‫س َت ْأمُرُونَ‬
‫وكذلك وصف المة با وصف به نبيها حيث قال تعال‪ُ ( :‬كنْتُمْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ ُأخْرِ َجتْ لِلنّا ِ‬
‫ف َوَتْنهَ ْونَ عَ ِن الْ ُمْنكَ ِر َوُت ْؤمِنُونَ بِاللّه) (آل عمران‪ :‬من الية ‪ .)110‬وقال تعال ‪ (:‬وَالْ ُمؤْ ِمنُونَ‬ ‫بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫ف َوَينْ َه ْونَ عَ ِن الْ ُمْنكَر)(التوبة‪ :‬من الية ‪ .)71‬ولذا‬ ‫ض يَ ْأمُرُونَ بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫ضهُمْ َأوِْليَاءُ َب ْع ٍ‬
‫ت َبعْ ُ‬
‫وَالْ ُمؤْ ِمنَا ُ‬
‫قال أبو هريرة ‪ :‬كنتم خي الناس للناس ‪ ،‬تأتون بم ف القياد والسلسل حت تدخلوهم النة ‪.‬‬

‫فبيّن سبحانه أن هذه المة خي المم للناس ‪ :‬فهم أنفعهم لم ‪ ،‬وأعظمهم إحسانا إليهم ‪ ،‬لنم كملوا‬
‫أمر الناس بالعروف ونيهم عن النكر من جهة الصفة والقدر ‪ ،‬حيث أمروا بكل معروف ونوا عن كل‬
‫منكر لكل أحد ‪ ،‬وأقاموا ذلك بالهاد ف سبيل ال بأنفسهم و أموالم ‪ ،‬وهذا كمال النفع للخلق ‪.‬‬

‫وسائر المم ل يأمروا كل أحد بكل معروف ؛ ول نوا كل أحد عن كل منكر ‪ ،‬ول جاهدوا على‬
‫ذلك ‪ .‬بل منهم من ل ياهد ‪ ،‬والذين جاهدوا كبن إسرائيل فعامة جهادهم كان لدفع عدوهم عن‬
‫أرضهم ‪ ،‬كما يقاتل الصائل الظال ؛ ل لدعوة الجاهدين و أمرهم بالعروف ونيهم عن النكر ‪ ،‬كما‬
‫قال موسى لقومه ‪( :‬يَا َق ْومِ ادْ ُخلُوا اْلأَ ْرضَ الْ ُمقَ ّد َسةَ اّلتِي َكَتبَ اللّهُ َلكُ ْم وَل تَ ْرتَدّوا عَلَى أَ ْدبَارِ ُكمْ َفَتنْقَِلبُوا‬
‫خرُجُواْ ِمْنهَا فَإِن يَخْ ُرجُوْا ِمْنهَا َفِإنّا‬ ‫خَاسِرِينَ ‪ .‬قَالُوا يَا مُوسَى ِإنّ فِيهَا َق ْومًا َجبّارِي َن َوِإنّا لَن نّدْخَُلهَا َحتّ َى يَ ْ‬
‫دَا ِخلُونَ ) إل قوله‪ (:‬قَالُوْا يَا مُوسَى إِنّا لَن نّ ْدخَُلهَا َأبَدًا مّا دَامُواْ فِيهَا فَا ْذ َهبْ أَنتَ وَ َربّكَ َفقَاتِل إِنّا هَا ُهنَا‬
‫ل مِ ْن َبنِي ِإسْرائي َل مِ ْن َبعْ ِد مُوسَى إِذْ قَالُوا‬ ‫قَاعِدُونَ) (الائدة‪ . )24-21:‬و قال تعال‪ ( :‬أَلَ ْم َترَ إِلَى الْ َم ِ‬
‫ب عََلْيكُمُ اْل ِقتَالُ أَلّا ُتقَاتِلُوا قَالُوا َومَا‬
‫سيْتُمْ ِإنْ ُكتِ َ‬
‫ِلنَِبيّ َلهُ ُم ابْ َعثْ َلنَا مَلِكا ُنقَاتِلْ فِي َسبِيلِ اللّهِ قَا َل هَ ْل عَ َ‬
‫َلنَا أَلّا ُنقَاتِلَ فِي َسبِيلِ اللّ ِه وَقَدْ أُ ْخرِ ْجنَا مِنْ ِديَا ِرنَا َوَأْبنَاِئنَا) (البقرة‪ :‬من الية ‪ .)246‬فعللوا القتال بأنم‬
‫أخرجوا من ديارهم و أبنائهم ‪ ،‬ومع هذا فكانوا ناكلي عما أمروا به من ذلك ؛ ولذا ل تل لم الغنائم‬
‫؛ ول يكونوا يطؤون بلك اليمي ‪.‬‬

‫ومعلوم أن أعظم المم الؤمني قبلنا بنوا إسرائيل ؛ كما جاء ف الديث التفق على صحته ف‬
‫الصحيحي عن ابن عباس رضي ال عنهما قال ‪ :‬خرج علينا النب صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬يوما فقال‪:‬‬
‫(( عرضت عليّ المم ؛ فجعل ير النب ومعه الرجل ؛ والنب و معه الرجلن ؛ والنب معه الرهط ؛ والنب‬
‫ليس معه أحد‪ ،‬ورأيت سوادا كثيا سد الفق فرجوت أن يكون أمت ؛ فقيل‪ :‬هذا موسى وقومه ‪ .‬ث‬
‫قيل ل انظر فرأيت سوادا كثيا سد الفق ‪ ،‬فقيل ‪ :‬هؤلء أمتك ! ومع هؤلء سبعون ألفا يدخلون‬
‫النة بغي حساب )) فتفّرق الناس ول يبي لم فتذاكر أصحاب النب صلى ال عليه وسلم فقالوا ‪ :‬أما‬
‫نن فولدنا ف الشرك ولكنا آمنا بال ورسوله ؛ ولكن هؤلء أبناؤنا ‪ ،‬فبلغ النب صلى ال عليه وسلم‬
‫فقال‪ (( :‬هم الذين ل يتطيون ول يكتوون ؛ ول يسترقون وعلى ربم يتوكلون )) ؛ فقام عكاشة بن‬
‫مصن فقال ‪:‬أمنهم أنا يارسول ال ؟ قال ‪ (( :‬نعم ! )) فقام آخر فقال ‪ :‬أمنهم أنا ؟ فقال ‪ (( :‬سبقك‬
‫با عكاشة ))‪.‬‬

‫ولذا كان إجاع هذه المة حجة ؛ لن ال تعال أخب أنم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر‬
‫؛ فلو اتفقوا على إباحة مرم أو إسقاط واجب ؛ أو تري حلل أو إخبار عن ال تعال ؛ أو خلقه بباطل‬
‫‪ :‬لكانوا متصفي بالمر بنكر والنهي عن معروف ‪ :‬من الكلم الطيب والعمل الصال ؛ بل الية تقتضي‬
‫أن ما ل تأمر به أمة فليس من العروف ‪ ،‬وما ل تنه عنه فليس من النكر‪ .‬وإذا كانت آمرة بكل معروف‬
‫ناهية عن كل منكر‪ :‬فكيف يوز أن تأمر كلها بنكر أن تنهى كلها عن معروف ؟ وال تعال كما أخب‬
‫بأنا تأمر بالعروف وتنهى عن النكر فقد أوجب ذلك على الكفاية منها بقوله ‪( :‬وَْلتَكُ ْن ِمْنكُمْ ُأمّةٌ‬
‫ف َوَيْن َهوْ َن عَ ِن الْ ُمنْكَ ِر َوأُوَلئِكَ هُ ُم الْ ُمفِْلحُونَ) (آل عمران‪.)104:‬‬
‫خيْ ِر َوَي ْأمُرُو َن بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫يَ ْدعُونَ إِلَى الْ َ‬

‫وإذا أخب بوقوع المر بالعروف والنهي عن النكر منها ل يكن من شرط ذلك أن يصل أمر المر وني‬
‫الناهي منها إل كل مكلف ف العال ؛ إذ ليس هذا من شرط تبليغ الرسالة ‪ :‬فكيف يشترط فيما هو من‬
‫توابعها ؟ بل الشرط أن يتمكن الكلفون من وصول ذلك إليهم ‪ .‬ث إذا فرّطوا فلم يسعوا ف وصوله‬
‫إليهم مع قيام فاعله با يب عليه ‪ :‬كان التفريط منهم ل منه ‪.‬‬

‫وكذلك المر بالعروف والنهي عن النكر ل يب على كل أحد بعينه ‪ ،‬بل هو على الكفاية ‪ ،‬كما دل‬
‫عليه القرآن ‪ ،‬ولا كان الهاد من تام ذلك كان الهاد أيضا كذلك ‪ ،‬فإذا ل يقم به من يقوم بواجبه أث‬
‫كل قادر بسب قدرته ‪ ،‬إذ هو واجب على كل إنسان بسب قدرته ‪ ،‬كما قال النب صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ (( :‬من رأى منكم منكرا فليغيه بيده ‪ ،‬فإن ل بستطع فبلسانه ‪ ،‬فإن ل يستطع فبقلبه ‪ ،‬وذلك‬
‫أضعف اليان ))‪ .‬وإذا كان كذلك ؛ فمعلوم أن المر بالعروف والنهي عن النكر وإتامه بالهاد هو‬
‫من أعظم العروف الذي أمرنا به ؛ ولذا قيل ‪ :‬ليكن أمرك بالعروف ونيك عن النكر غي منكر ‪.‬‬

‫وإذا كان هو من أعظم الواجبات والستحبات فالواجبات و الستحبات لبد أن تكون الصلحة فيها‬
‫راجحة على الفسدة ؛ إذ بذا بعثت الرسل ونزلت الكتب ‪ ،‬وال ل يب الفساد ؛ بل كل ما أمر ال به‬
‫فهو صلح ‪ .‬وقد أثن ال على الصلح والصلحي والذين آمنوا و عملوا الصالات ‪ ،‬وذم الفسدين ف‬
‫غي موضع ‪ ،‬فحيث كانت مفسدة المر والنهي أعظم من مصلحته ل تكن ما أمر ال به ‪ ،‬وإن كان قد‬
‫ترك واجب وفعل مرم ؛ إذ الؤمن عليه أن يتقي ال ف عباده وليس عليه هداهم ‪ ،‬وهذا معن قوله تعال‬
‫سكُ ْم ل يَضُرّ ُك ْم مَنْ ضَلّ إِذَا اهْتَ َدْيتُ ْم ) (الائدة‪ :‬من الية ‪.)105‬‬
‫‪ ( :‬يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا عََلْيكُمْ َأْنفُ َ‬
‫والهتداء إنا يتم بأداء الواجب ‪ ،‬فإذا قام السلم با يب عليه من المر بالعروف والنهي عن النكر كما‬
‫قام بغيه من الواجبات ل يضره ضلل الضلل ‪.‬‬

‫وذلك يكون تارة بالقلب ؛ وتارة باللسان؛ وتارة باليد ‪ .‬فإما القلب فيجب بكل حال ؛ إذ ل ضرر ف‬
‫فعله ومن ل يفعله فليس هو بؤمن ‪ ،‬كما قال النب صلى ال عليه وسلم ‪ ((:‬وذلك أدن ‪ -‬أو‪ -‬أضعف‬
‫اليان )) ‪ ،‬وقال ‪ (( :‬ليس وراء ذلك من اليان حبة خردل )) وقيل لبن مسعود ‪ :‬من ميت الحياء ؟‬
‫فقال ‪ :‬الذي ل يعرف معروفا ول ينكر منكرا ‪ .‬وهذا هو الفتون الوصوف ف حديث حذيفة بن اليمان‬
‫‪.‬‬

‫[بعض أغلط الناس ف مفهوم المر بالعروف ]‬


‫وهنا يغلط فريقان من الناس‪ :‬فريق يترك ما يب من المر والنهي تأويلً لذه الية ؛ كما قال أبو بكر‬
‫سكُ ْم ل َيضُرّكُ ْم مَنْ ضَلّ‬
‫الصديق – رضي ال عنه – ف خطبته ‪ :‬إنكم تقرؤون هذه الية ‪ ( :‬عََلْيكُمْ َأنْفُ َ‬
‫إِذَا ا ْهتَ َدْيتُمْ ) ‪ .‬و إنكم تضعونا ف غي موضعها ‪ ،‬و إن سعت النب صلى ال عليه وسلم يقول ‪ (( :‬إن‬
‫الناس إذا رأوا النكر فلم يغيوه أوشك أن يعمهم ال بعقاب منها ))‪.‬‬
‫والفريق الثان ‪ :‬من يريد أن يأمر و ينهى إما بلسانه وإما بيده مطلقا من غي فقه وحلم وصب و نظر‬
‫فيما يصلح من ذلك ومال يصلح ‪ ،‬وما يقدر عليه ومال يقد ‪ ،‬كما ف حديث أب ثعلبة الشن ‪ :‬سألت‬
‫عنها رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ (( :‬بل ائتمروا بالعروف وتناهوا عن النكر ‪ ،‬حت إذا رأيت‬
‫شحّا مطاعا وهوى متبعا ودينا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ‪ ،‬ورأيت أمرا ل يدان لك به ‪،‬‬
‫فعليك بنفسك ودع عنك أمر العوام ‪ ،‬فإن من ورائك أيام الصب فيهن على مثل قبض على المر ‪،‬‬
‫للعامل فيهن كأجر خسي رجلً يعملون مثل عمله )) فيأت بالمر والنهي معتقدا أنه مطيع ف ذلك ل‬
‫ورسوله وهو معتد ف حدوده ‪ ،‬كما انتصب كثي من أهل البدع والهواء ؛ كالوارج والعتزلة‬
‫والرافضة ؛ وغيهم من غلط فيما أتاه من المر والنهي و الهاد على ذلك ‪ ،‬وكان فساده أعظم من‬
‫صلحه ‪ ،‬ولذا أمر النب صلى ال عليه وسلم بالصب على جور الئمة ‪ ،‬ونى عن قتالم ما أقاموا الصلة‬
‫‪ ،‬وقال‪ (( :‬أدوا إليهم حقوقهم ‪ ،‬وسلوا ال حقوقكم ))‪ .‬وقد بسطنا القول ف ذلك ف غي هذا الوضع‬
‫‪.‬‬

‫ولذا كان من أصول أهل السنة والماعة لزوم الماعة وترك قتال الئمة وترك القتال ف الفتنة ‪ ،‬وأما‬
‫أهل الهواء – كالعتزلة – فيون القتال للئمة من أصول دينهم ‪ ،‬ويعل العتزلة أصول دينهم خسة ‪:‬‬
‫(( التوحيد )) الذي هو سلب الصفات ‪ (( ،‬والعدل )) الذي هو التكذيب بالقدر ‪ ،‬و (( النلة بي‬
‫النلتي )) و (( إنفاذ الوعيد )) و (( المر بالعروف والنهي عن النكر )) الذي منه قتال الئمة ‪ .‬وقد‬
‫تكلمت على قتال الئمة ف غي هذا الوضع ‪.‬‬

‫وجاع ذلك داخل ف (( القاعدة العامة ))‪ :‬فيما إذا تعارضت الصال والفاسد والسنات والسيئات أو‬
‫تزاحت ‪ ،‬فإنه يب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحت الصال والفاسد ‪ ،‬وتعارضت الصال‬
‫والفاسد ‪ .‬فإن المر والنهي وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر ف العارض له ‪،‬‬
‫فإن كان الذي يفوت من الصال أو يصل من الفاسد أكثر ل يكن مأمورا به ‪ ،‬بل يكون مرما إذا‬
‫كانت مفسدته أكثر من مصلحته ‪ ،‬لكن اعتبار مقادير الصال والفاسد هو بيزان الشريعة ‪ ،‬فمت قدر‬
‫النسان على اتباع النصوص ل يعدل عنها ‪ ،‬و إل اجتهد برأيه لعرفة الشباه والنظائر ‪ ،‬وقل أن تعوز‬
‫النصوص من يكون خبيا با وبدللتها على الحكام ‪.‬‬

‫[ حكم من يمع بي العروف والنكر ]‬


‫وعلى هذا إذا كان الشخص أو الطائفة جامعي بي معروف ومنكر بيث ل يفرقون بينهما ‪ ،‬بل إما أن‬
‫يفعلوها جيعا ‪ ،‬أو يتركوها جيعا ‪ :‬ل يز أن يؤمروا بعروف ول أن ينهوا عن منكر ‪ ،‬بل ينظر ‪ :‬فإن‬
‫كان العروف أكثر أمر به ‪ ،‬وإن استلزم ماهو دونه من النكر ‪.‬‬
‫ول ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه ؛ بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل ال‬
‫والسعي ف زوال طاعته وطاعة رسول وزوال فعل السنات ‪ ،‬وإن كان النكر أغلب ني عنه ‪ ،‬وإن‬
‫استلزم فوات ما هو دونه من العروف ‪ ،‬ويكون المر بذلك العروف الستلزم للمنكر الزائد عليه أمرا‬
‫بنكر وسعيا ف معصية ال ورسوله ‪.‬‬
‫و إن تكافأ العروف والنكر التلزمان ل يؤمر بما ول ينه عنهما ‪ .‬فتارة يصلح المر ‪ ،‬وتارة يصلح‬
‫النهي ‪ ،‬وتارة ل يصلح ل أمر ول ني حيث كان العروف والنكر متلزمي ؛ وذلك ف المور العينة‬
‫الواقعة ‪.‬‬

‫وأما من جهة النوع فيؤمر بالعروف مطلقا وينهى عن النكر مطلقا ‪.‬‬

‫وف الفاعل الواحد والطائفة الواحدة يؤمر بعروفها وينهى عن منكرها ‪ ،‬ويمد ممودها ويذم‬
‫مذمومها ‪ ،‬بيث ل يتضمن المر بعروف فوات أكثر منه أو حصول منكر فوقه ‪ ،‬ول يتضمن النهي عن‬
‫النكر حصول أنكر منه ‪ ،‬أو فوات معروف أرجح منه ‪.‬‬

‫وإذا اشتبه المر استبان الؤمن حت يتبي له الق ‪ ،‬فل يقدم على الطاعة إل بعلم ونية‪ ،‬وإذا تركها كان‬
‫عاصيا ‪ ،‬فترك المر الواجب معصية ‪ ،‬وفعل ما نى عنه من المر معصية ‪ .‬وهذا باب واسع ‪ ،‬ول حول‬
‫ول قوة إل بال ‪.‬‬

‫ومن هذا الباب إقرار النب صلى ال عليه وسلم لعبدال بن أُب و أمثاله من أئمة النفاق والفجور لا لم‬
‫من أعوان ‪ ،‬فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزم إزالة معروف أكثر من ذلك بغضب قومه وحيتهم ‪،‬‬
‫وبنفور الناس ف قصة الفك با خاطبهم به واعتذر منه ‪ ،‬وقال له سعد بن معاذ قوله الذي أحسن فيه ‪:‬‬
‫حى له سعد بن عبادة مع حسن إيانه‪.‬‬

‫و أصل هذا أن تكون مبة النسان للمعروف وبغضه للمنكر ‪ ،‬وإرادته لذا ‪ ،‬وكراهته لذا ‪ :‬موافقة‬
‫لب ال وبغضه ‪ ،‬و إرادته وكراهته الشرعيي ‪ .‬وأن يكون فعله للمحبوب ودفعه للمكروه بسب قوته‬
‫وقدرته ‪ ،‬فإن ال ل يكلف نفسا إل وسعها ‪ ،‬وقد قال‪ ( :‬فَاّتقُوا اللّ َه مَا اسْتَ َط ْعتُمْ )(التغابن‪ :‬من الية‬
‫‪. )16‬‬

‫فأما حب القلب وبغضه و إرادته وكراهيته فينبغي أن تكون كاملة جازمة ‪ ،‬ل يوجب نقص ذلك إل‬
‫نقص اليان ‪ .‬و أما فعل البدن فهو بسب قدرته ‪ ،‬ومت كانت إرادة القلب وكراهته كاملة تامة وفعل‬
‫العبد معها بسب قدرته ‪ :‬فإنه يعطى ثواب الفاعل الكامل ‪ ،‬كما قد بيناه ف غي هذا الوضع ‪ ،‬فإن من‬
‫الناس من يكون حبه وبغضه و إرادته وكراهته بسب مبة نفسه وبغضها ‪ ،‬ل بسب مبة ال ورسوله‬
‫وبغض ال ورسوله ‪ ،‬وهذا من نوع الوى ‪ ،‬فإن اتبعه النسان فقد اتبع هواه ‪َ ( :‬ومَنْ أَضَلّ مِمّ ِن اتّبَعَ‬
‫ى مِنَ اللّهِ) (القصص‪ :‬من الية ‪)50‬‬
‫َهوَاهُ ِب َغيْ ِر هُد ً‬

‫[ أثر الوى ف الحتساب ]‬

‫فإن أصل الوى مبة النفس ‪ ،‬ويتبع ذلك بغضها ‪ ،‬ونفس الوى – وهو الب والبغض الذي ف النفس‬
‫– ليلم عليه ‪ ،‬فإن ذلك قد ليلك ‪،‬و أنا يلم على اتباعه كما قال تعال ‪ (:‬يَا دَاوُدُ ِإنّا َجعَ ْلنَاكَ َخلِيفَةً‬
‫ك عَ ْن َسبِيلِ اللّهِ)(صّ‪ :‬من الية ‪ )26‬و قال‬ ‫س بِالْحَ ّق وَل َتّتبِ ِع الْ َهوَى َفُيضِلّ َ‬
‫فِي اْلأَ ْرضِ فَا ْحكُ ْم َبيْ َن النّا ِ‬
‫النب صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬ثلث منجيات ‪ :‬خشية ال ف السر والعلنية ‪ ،‬والقصد ف الفقر والغن ‪،‬‬
‫وكلمة الق ف الغضب والرضا ‪ .‬وثلث مهلكات‪ :‬شح مطاع ‪ ،‬وهوى متبع ‪ ،‬وإعجاب الرء‬
‫بنفسه ))‪.‬‬

‫والب والبغض يتبعه ذوق عند وجود الحبوب والبغض ‪ ،‬ووجد و إرادة ‪ ،‬وغي ذلك ‪ ،‬فمن اتبع ذلك‬
‫بغي أمر ال ورسوله فهو من اتبع هواه بغي هدي من ال ‪ ،‬بل قد يصعد به المر إل أن يتخذ إله‬
‫هواه ‪ ،‬و اتباع الهواء ف الديانات أعظم من اتباع الهواء ف الشهوات ‪ ،‬فإن الول حال الذين كفروا‬
‫ستَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ َأنّمَا َيّتبِعُونَ َأ ْهوَاءَهُ ْم َومَنْ‬
‫من أهل الكتاب والشركي كما قال تعال‪ ( :‬فَِإنْ لَ ْم يَ ْ‬
‫ل مِنْ‬ ‫ى مِنَ اللّهِ)(القصص‪ :‬من الية ‪ )50‬وقال تعال ‪ ( :‬ضَرَبَ َلكُ ْم َمَث ً‬ ‫أَضَ ّل مِمّ ِن اّتبَ َع َهوَاهُ ِب َغيْ ِر هُد ً‬
‫سكُ ْم هَلْ َلكُ ْم مِ ْن مَا مََل َكتْ َأيْمَاُنكُ ْم مِ ْن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَ ْقنَاكُمْ)(الروم‪ :‬من الية ‪ )28‬إل أن قال ‪:‬‬ ‫َأنْفُ ِ‬
‫( بَ ِل اتّبَ َع الّذِي َن ظَلَمُوا َأهْوَا َءهُمْ ِب َغيْ ِر عِلْمٍ)(الروم‪ :‬من الية ‪ )29‬وقال تعال ‪ ( :‬وَقَدْ َفصّلَ َلكُ ْم مَا َح ّرمَ‬
‫عََليْكُمْ إِلّا مَا اضْ ُطرِ ْرتُمْ إَِليْهِ َوِإنّ َكثِيا َلُيضِلّو َن ِبأَ ْهوَاِئهِ ْم ِب َغيْ ِر عِلْمٍ) (النعام‪ :‬من الية ‪ ، )119‬وقال ال‬
‫ح ّق وَل َتّتِبعُوا أَ ْهوَاءَ َق ْومٍ قَدْ ضَلّوا مِنْ َقبْ ُل َوأَضَلّوا‬ ‫ب ل َتغْلُوا فِي دِيِنكُمْ َغيْ َر الْ َ‬
‫تعال ‪ ( :‬قُ ْل يَا َأهْ َل الْ ِكتَا ِ‬
‫سبِيلِ) (الائدة‪. )77:‬‬ ‫َكثِيا وَضَلّوا عَ ْن َسوَاءِ ال ّ‬

‫وقال تعال ‪ ( :‬وَلَ ْن تَ ْرضَى َعنْكَ الَْيهُو ُد وَل الّنصَارَى َحتّى َتتّبِ َع مِّلَتهُمْ قُلْ إِ ّن هُدَى اللّ ِه ُهوَ اْلهُدَى وََلئِ ِن‬
‫ك مِنَ اللّ ِه مِ ْن وَِليّ وَل َنصِيٍ) (البقرة‪ .)120:‬وقال تعال‬ ‫اّتَبعْتَ َأ ْهوَا َءهُ ْم َبعْ َد الّذِي جَا َء َك مِ َن اْلعِلْ ِم مَا لَ َ‬
‫‪ ( :‬وََلئِنِ اّتَبعْتَ َأ ْهوَا َءهُ ْم مِ ْن َبعْ ِد مَا جَا َء َك مِ َن الْعِ ْلمِ ِإنّكَ إِذا لَمِنَ الظّالِ ِميَ) (البقرة‪ :‬من الية ‪)145‬‬
‫وقال تعال ‪َ (:‬وَأنِ ا ْحكُ ْم َبْيَنهُمْ بِمَا َأنْزَلَ اللّ ُه وَل تَّتبِعْ َأ ْهوَا َءهُم) (الائدة‪ :‬من الية ‪.)49‬‬
‫ولذا كان من خرج عن موجب الكتاب والسنة من العلماء والعباد يعل من أهل الهواء كما كان‬
‫السلف يسمونم أهل الهواء ‪ ،‬وذلك أن كل من ل يتبع العلم فقد اتبع هواه و العلم بالدين ل يكون‬
‫إل بدي ال الذي بعث به رسوله ولذا قال تعال‪َ ( :‬وِإنّ َكثِيا َلُيضِلّو َن ِبأَ ْهوَاِئهِ ْم ِب َغيْ ِر عِلْمٍ) (النعام‪ :‬من‬
‫ى مِنَ اللّه) (القصص‪ :‬من الية‬ ‫الية ‪ )119‬وقال ف موضع آخر ‪َ (:‬ومَنْ أَضَ ّل مِمّنِ اّتبَ َع َهوَا ُه ِبغَيْ ِر هُد ً‬
‫‪.)50‬‬

‫فالواجب على العبد أن ينظر ف نفس حبه وبغضه ‪ ،‬ومقدار حبه وبغضه ‪ :‬هل هو موافق لمر ال‬
‫ورسوله ؟ وهو هدي ال الذي أنزله على رسوله ‪ ،‬بيث يكون مأمورا بذلك الب والبغض ‪ ،‬ل يكون‬
‫متقدما فيه بي يدي ال ورسوله ‪ ،‬فإنه قد قال‪ ( :‬ل ُتقَ ّدمُوا َبيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَ َرسُولِهِ) (الجرات‪ :‬من الية‬
‫‪. )1‬‬

‫ومن أحب أو أبغض قبل أن يأمره ال ورسوله ففيه نوع من التقدم بي يدي ال ورسوله ‪ .‬ومرد الب‬
‫والبغض هوى ‪ ،‬لكن الحرم اتباع حبه وبغضه بغي هدي من ال ولذا قال تعال‪ ( :‬وَل َتّتبِ ِع اْلهَوَى‬
‫َفُيضِلّكَ عَنْ َسبِيلِ اللّهِ ِإنّ الّذِي َن َيضِلّونَ عَ ْن َسبِيلِ اللّهِ َلهُ ْم عَذَابٌ شَدِيد) (صّ‪ :‬من الية ‪ )26‬فأخب أن‬
‫من اتبع هواه أضله ذلك عن سبيل ال وهو هداه الذي بعث به رسوله وهو السبيل إليه ‪.‬‬

‫[فضل المر بالعروف وآدابه]‬

‫وتقيق ذلك أن المر بالعروف والنهي عن النكر هو من أوجب العمال وأفضلها وأحسنها وقد قال‬
‫تعال ‪ِ( :‬لَيبُْلوَكُمْ َأيّكُمْ أَحْسَ ُن عَ َملً) (اللك‪ :‬من الية ‪ .)2‬وهو كما قال الفضيل بن عياض رحه ال ‪:‬‬
‫أخلصه و أصوبه ‪.‬‬

‫فإن العمل إذا كان خالصا ول يكن صوابا ل يقبل حت يكون خالصا صوابا والالص ‪ :‬أن يكون ل‬
‫والصواب أن يكون على السنة ‪ ،‬فالعمل الصال لبد أن يراد به وجه ال تعال ‪ ،‬فإن ال تعال ل يقبل‬
‫من العمل إل ما أريد به وجهه وحده ؛ كما ف الصحيح عن النب صلى ال عليه وسلم قال‪ (( :‬يقول‬
‫ال أنا أغن الشركاء عن الشرك ‪ ،‬من عمل عملً أشرك فيه غيي فأنا بريء منه ‪ ،‬وهو كله للذي أشرك‬
‫))‪.‬‬

‫وهذا هو التوحيد الذي هو أصل السلم وهو دين ال الذي بعث به جيع رسله وله خلق اللق ‪ ،‬وهو‬
‫حقه على عباده ‪ :‬أن يعبدوه ول يشركوا به شيئا ولبد مع ذلك أن يكون العمل صالا ‪ ،‬وهو ما أمر‬
‫ال به ورسوله ‪ ،‬وهو الطاعة فكل طاعة عمل صال وكل عمل صال طاعة وهو العمل الشروع السنون‬
‫إذ الشروع السنون هو الأمور به أمر إياب أو استحباب وهو العمل الصال ‪ ،‬وهو السن ‪ ،‬وهو الب ‪،‬‬
‫و هو الي ‪ ،‬وضده العصية والعمل الفاسد ‪ ،‬والسيئة ‪ ،‬والفجور والظلم ‪.‬‬

‫ولا كان العمل لبد فيه من شيئي‪ :‬النية والركة ‪ ،‬كما قال النب صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬أصدق‬
‫الساء حارث وهام )) ‪ .‬فكل أحد حارث وهام له عمل ونية ‪ ،‬لكن النية الحمودة الت يتقبلها ال‬
‫ويثيب عليها ‪ :‬أن يراد ال بذلك العمل ‪ .‬والعمل الحمود ‪ :‬الصال ‪ ،‬وهو الأمور به ‪ ،‬ولذا كان عمر‬
‫بن الطاب رضي ال عنه يقول ف دعائه ‪ :‬اللهم اجعل عملي كله صالا ‪ ،‬واجعله لوجهك خالصا ‪،‬‬
‫ول تعل لحد فيه شيئا ‪.‬‬

‫وإذا كان هذا حد كل علم صال ‪ ،‬فالمر بالعروف والناهي عن النكر يب أن يكون هكذا ف حق‬
‫نفسه ‪ ،‬ول يكون عمله صالا إن ل يكن بعلم وفقه ‪ ،‬وكما قال عمر بن عبد العزيز ‪ :‬من عبدال بغي‬
‫علم كان ما يفسد أكثر ما يصلح ‪ ،‬وكما ف حديث معاذ بن جبل رضي ال عنه ‪ (( :‬العلم إمام العمل‬
‫ل وضللً و اتباعا للهوى‬ ‫والعمل تابعه ))‪ .‬وهذا ظاهر فإن القصد والعمل إن ل يكن بعلم كان جه ً‬
‫كما تقدم ‪ ،‬وهذا هو الفرق بي أهل الاهلية و أهل السلم ‪ ،‬فلبد من العلم بالعروف والنكر والتمييز‬
‫بينهما ‪ .‬ول بد من العلم بال الأمور والنهي ‪ ،‬ومن الصلح أن يأت بالمر والنهي بالصراط الستقيم ‪،‬‬
‫وهو أقرب الطرق إل حصول القصود ‪.‬‬

‫ولبد ف ذلك من الرفق كما قال النب صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬ما كان الرفق ف شيء إل زانه ‪ ،‬ول‬
‫كان العنف ف شيء إل شانه )) ‪ .‬وقال‪ (( :‬إن ال رفيق يب الرفق ف المر كله ‪ ،‬ويعطي عليه مال‬
‫يعطي على العنف ))‪ .‬ولبد أيضا أن يكون حليما صبورا على الذى ‪ :‬فإنه لبد أن يصل أذى ‪ ،‬فإن‬
‫ف وَانْهَ عَ ِن الْ ُمْنكَرِ‬
‫ل يلم ويصب كان ما يفسد أكثر ما يصلح ‪ :‬كما قال لقمان لبنه ‪َ (:‬وْأمُ ْر بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫وَاصْبِ ْر عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنّ ذَلِكَ مِ ْن عَ ْزمِ الُْأمُورِ) (لقمان‪ :‬من الية ‪.)17‬‬

‫ولذا أمر ال الرسل – وهم أئمة المر بالعروف والنهي عن النكر – بالصب كقوله لات الرسل ‪ ،‬بل‬
‫ذلك مقرون بتبليغ الرسالة ‪ ،‬فإنه أول ما أرسل أنزلت عليه سورة ‪ (( :‬يا أيها الدثر )) بعد أن أنزلت‬
‫عليه سورة ‪ (( :‬اقرأ )) ‪ .‬الت به نُبئ فقال‪ ( :‬يَا َأّيهَا الْمُ ّدثّ ُر {‪ }1‬قُمْ َفأَنذِ ْر {‪ }2‬وَ َربّكَ َف َكبّ ْر {‪}3‬‬
‫صبِ ْر {‪( )}7‬الدثر‪)7-1:‬‬ ‫ستَ ْكثِ ُر {‪ }6‬وَلِ َربّكَ فَا ْ‬
‫َوثِيَابَكَ فَ َطهّ ْر {‪}4‬وَالرّ ْجزَ فَاهْجُ ْر {‪ }5‬وَلَا تَ ْمنُن تَ ْ‬
‫فافتتح آيات الرسال إل اللق بالمر بالنذارة ‪ ،‬وختمها بالمر بالصب ‪ ،‬ونفس النذار أمر بالعروف‬
‫ك ِبَأعُْيِننَا)(الطور‪ :‬من‬ ‫حكْمِ َربّكَ فَِإنّ َ‬ ‫صبِرْ لِ ُ‬
‫وني عن النكر ‪ ،‬فعلم أنه يب بعد ذلك الصب وقال ‪ ( :‬وَا ْ‬
‫صبِرْ كَمَا‬‫صبِ ْر عَلَى مَا َيقُولُو َن وَاهْجُ ْرهُ ْم هَجْرا جَمِيلً) (الزمل‪ ( . )10:‬فَا ْ‬ ‫الية ‪ )48‬وقال تعال ‪(:‬وَا ْ‬
‫ك وَل َتكُنْ َكصَا ِحبِ‬ ‫حكْمِ َربّ َ‬‫صبِرْ ِل ُ‬
‫صبَرَ أُولُوا اْلعَ ْز ِم مِنَ ال ّرسُلِ ) (الحقاف‪ :‬من الية ‪ ( .)35‬فَا ْ‬ ‫َ‬
‫صبِرْ فَِإنّ اللّهَ ل‬
‫صْب ُركَ إِلّا بِاللّهِ)(النحل‪ :‬من الية ‪( )127‬وَا ْ‬ ‫الْحُوت) (القلم‪ :‬من الية ‪( )48‬وَاصْبِرْ َومَا َ‬
‫سنِيَ) (هود‪. )115:‬‬ ‫ُيضِيعُ أَ ْج َر الْمُحْ ِ‬

‫فلبد من هذه الثلثة ‪ :‬العلم ‪ ،‬الرفق ‪ ،‬الصب ‪ .‬العلم قبل المر والنهي ‪ ،‬والرفق معه‪ ،‬والصب بعده ‪ ،‬وإن‬
‫كان كل من الثلثة مستصحبا ف هذه الحوال ‪ ،‬وهذا كما جاء ف الثر عن بعض السلف ورووه‬
‫مرفوعا ‪ ،‬ذكره القاضي أبو يعلى ف العتمد ‪ (( :‬ل يأمر بالعروف وينهى عن النكر إل من كان فقيها‬
‫فيما يأمر به ‪ ،‬حليما فيما ينهى عنه ))‪.‬‬

‫وليعلم أن المر بذه الصال ف المر بالعروف والنهي عن النكر ما يوجب صعوبة على كثي من‬
‫النفوس ‪ ،‬فيظن أنه بذلك يسقط عنه ‪ ،‬فيدعه ‪ ،‬وذلك ما يضره أكثر ما يضره المر بدون هذه الصال‬
‫أو أقل ‪ ،‬فإن ترك المر الواجب معصية ‪ ،‬فالنتقل من معصية إل معصية كالنتقل من دين باطل إل دين‬
‫باطل ‪ ،‬وقد يكون الثان شرا من الول ‪ ،‬وقد يكون دونه ‪ ،‬وقد يكونان سواء ‪ ،‬فهكذا تد القصر ف‬
‫المر والنهي والتعدي فيه قد يكون ذنب هذا أعظم ‪ ،‬وقد يكون ذنب هذا أعظم ‪ ،‬وقد يكونان سواء ‪.‬‬

‫آثار العاصي‬
‫ومن العلوم با أرانا ال من آياته ف الفاق وف أنفسنا وبا شهد به ف كتابه ‪ :‬أن العاصي سبب‬
‫الصائب ‪ ،‬فسيئات الصائب والزاء من سيئات العمال ‪ ،‬وإن الطاعة سبب النعمة ‪ ،‬فإحسان العمل‬
‫سبَتْ َأيْدِيكُ ْم َوَي ْعفُو عَنْ َكثِيٍ}‬ ‫سبب لحسان ال ‪ ،‬قال تعال ‪َ { :‬ومَا أَصَاَبكُ ْم مِ ْن ُمصِيَبةٍ َفبِمَا كَ َ‬
‫سَنةٍ َفمِنَ اللّ ِه َومَا أَصَابَكَ مِ ْن َسّيَئةٍ َفمِ ْن َنفْسِكَ}‬ ‫ك مِنْ حَ َ‬ ‫(الشورى‪ )30:‬وقال تعال ‪ { :‬مَا أَصَابَ َ‬
‫شيْطَانُ‬‫(النساء‪ :‬من الية ‪ )79‬وقال تعال ‪ِ {:‬إ ّن الّذِي َن َتوَلّوْا مِْنكُ ْم َي ْومَ اْلَتقَى الْجَ ْمعَانِ ِإنّمَا ا ْستَزَّلهُمُ ال ّ‬
‫سبُوا وََلقَ ْد َعفَا اللّ ُه َعنْهُمْ }(آل عمران‪ :‬من الية ‪ )155‬وقال تعال‪َ {:‬أوَلَمّا أَصَاَبتْكُمْ‬ ‫ِببَ ْعضِ مَا كَ َ‬
‫سكُمْ }(آل عمران‪ :‬من الية ‪ )165‬وقال ‪{:‬‬ ‫صْبتُمْ ِمثَْلْيهَا قُ ْلتُمْ َأنّى هَذَا قُ ْل ُه َو مِ ْن ِعنْدِ َأنْفُ ِ‬
‫ُمصِيَبةٌ َقدْ أَ َ‬
‫صْبهُ ْم َسيَّئ ٌة بِمَا قَ ّد َمتْ‬
‫ف عَنْ َكثِيٍ} (الشورى‪ )34:‬وقال تعال‪َ {:‬وِإنْ تُ ِ‬ ‫سبُوا َويَعْ ُ‬ ‫َأوْ يُوِب ْقهُنّ بِمَا كَ َ‬
‫َأيْدِيهِمْ فَِإ ّن اْلأِنْسَانَ َكفُورٌ} (الشورى‪ :‬من الية ‪ )48‬وقال تعال ‪َ { :‬ومَا كَانَ اللّهُ ِلُيعَ ّذبَهُ ْم َوَأْنتَ فِيهِمْ‬
‫َومَا كَانَ اللّ ُه ُمعَ ّذَبهُ ْم َوهُمْ يَسَْت ْغفِرُونَ) (لنفال‪ . )33:‬وقد أخب سبحانه با عاقب به أهل السيئات من‬
‫المم ‪ ،‬كقوم نوح وعاد وثود وقوم لوط‪ ،‬وأصحاب مدين ‪،‬وقوم فرعون ‪ ،‬ف الدنيا ‪ ،‬و أخب با‬
‫ف عََلْيكُم ّمثْلَ َي ْو ِم الْأَ ْحزَابِ {‬ ‫يعاقبهم به ف الخرة ‪ ,‬لذا قال مؤمن آل فرعون ‪ {:‬يَا َق ْومِ ِإنّي أَخَا ُ‬
‫ح َوعَا ٍد َوثَمُو َد وَالّذِينَ مِن َبعْ ِدهِ ْم َومَا اللّ ُه يُرِي ُد ظُلْمًا لّ ْل ِعبَا ِد {‪َ }31‬ويَا َق ْومِ ِإنّي‬ ‫‪ }30‬مِثْلَ َدأْبِ َق ْومِ نُو ٍ‬
‫ف عََلْيكُ ْم َي ْومَ التّنَا ِد َيوْ َم ُتوَلّو َن مُ ْدبِرِي َن مَا َلكُم مّنَ اللّ ِه مِ ْن عَاصِ ٍم َومَن ُيضْلِلِ اللّهُ َفمَا لَ ُه مِ ْن هَا ٍد {‬ ‫أَخَا ُ‬
‫ب الْآخِ َرةِ أَ ْكبَرُ َلوْ كَانُوا َيعْلَمُونَ}‬‫ك اْلعَذَابُ وََلعَذَا ُ‬ ‫‪( }33‬غافر‪ .)33-30:‬وقال تعال ‪ {:‬كَذَلِ َ‬
‫(القلم‪ )33:‬وقال‪َ { :‬سُنعَ ّذبُهُ ْم َم ّرتَيْ ِن ثُ ّم يُ َردّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} (التوبة‪ :‬من الية ‪ )101‬وقال‪:‬‬
‫ب اْلأَ ْكبَرِ َلعَّلهُمْ يَرْ ِجعُونَ) (السجدة‪ .)21:‬وقال‪ { :‬فَا ْرَتقِبْ‬ ‫ب اْلأَ ْدنَى دُو َن اْلعَذَا ِ‬ ‫{ وَلَنُذِي َقّنهُ ْم مِ َن الْعَذَا ِ‬
‫ش َة اْلكُبْرَى إِنّا ُمْنتَقِمُونَ } (الدخان‪:‬‬ ‫ش الْبَطْ َ‬ ‫َيوْ َم َتأْتِي السّمَا ُء بِدُخَا ٍن ُمبِيٍ ‪ .. .‬إل قوله ‪َ { :‬ي ْومَ َنبْ ِط ُ‬
‫‪ . )16-10‬ولذا يذكر ال ف عامة سور النذار ما عاقب به أهل السيئات ف الدنيا وما أعده لم ف‬
‫الخرة ‪ ،‬وقد يذكر ف السورة وعد الخرة فقط ‪ ،‬إذ عذاب الخرة أعظم ‪ ،‬وثوابا أعظم ‪ ،‬وهي دار‬
‫القرار ‪ ،‬وإنا يذكر ما يذكره من الثواب و العذاب ف الدنيا تبعا ‪ ،‬كقوله ف قصة يوسف ‪ { :‬وَكَذَلِكَ‬
‫سنِيَ‪.‬‬‫ث يَشَا ُء ُنصِيبُ ِبرَحْ َمِتنَا مَ ْن نَشَا ُء وَل ُنضِيعُ أَجْ َر الْ ُمحْ ِ‬ ‫َمكّنّا ِليُوسُفَ فِي اْلأَ ْرضِ َيَتبَ ّوُأ ِمْنهَا َحيْ ُ‬
‫وََلأَجْ ُر الْآخِ َرةِ َخيْرٌ لِلّذِينَ آ َمنُوا وَكَانُوا َيّتقُونَ} (يوسف‪ .)57-56:‬وقال تعال ‪ { :‬فَآتَاهُمُ اللّ ُه َثوَابَ‬
‫سنِيَ} (آل عمران‪ )148:‬وقال ‪ {:‬وَالّذِي َن هَا َجرُوا فِي‬ ‫حبّ الْ ُمحْ ِ‬ ‫ب الْآخِ َر ِة وَاللّهُ يُ ِ‬‫ال ّدنْيَا وَحُسْنَ َثوَا ِ‬
‫صَبرُوا َوعَلَى‬ ‫سَن ًة وََلأَجْ ُر الْآ ِخ َرةِ أَ ْكبَرُ َلوْ كَانُوا َيعْلَمُونَ‪ .‬الّذِينَ َ‬ ‫اللّ ِه مِ ْن َبعْ ِد مَا ظُلِمُوا َلُنَب ّوئَّنهُمْ فِي ال ّدنْيَا حَ َ‬
‫َرّبهِ ْم َيَتوَكّلُونَ} (النحل‪ .)42-41:‬وقال عن إبراهيم عليه الصلة والسلم ‪ { :‬وَآتَْينَاهُ أَ ْج َرهُ فِي ال ّدْنيَا‬
‫َوإِنّهُ فِي الْآخِ َرةِ لَمِ َن الصّالِحِيَ} (العنكبوت‪ :‬من الية ‪ . )27‬وأما ذكره لعقوبة الدنيا والخرة ففي‬
‫ت نَشْطًا } ث قال ‪َ {:‬ي ْومَ َترْجُفُ الرّا ِج َف ُة {‪ }6‬تَْتَب ُعهَا‬ ‫سورة ‪ { :‬وَالنّا ِزعَاتِ غَرْقًا {‪ }1‬وَالنّاشِطَا ِ‬
‫الرّادَِف ُة {‪ }7‬فذكر القيام مطلقا ث قال ‪ { :‬هَ ْل أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى {‪}15‬إِ ْذ نَادَاهُ َربّ ُه بِاْلوَا ِد الْ ُمقَدّسِ‬
‫ُطوًى {‪ }16‬ا ْذهَبْ إِلَى ِف ْر َعوْنَ ِإنّهُ َطغَى {‪ ،}17‬إل قوله ‪ {:‬إِنّ فِي ذَلِكَ َل ِعبْ َرةً لّمَن يَخْشَى ث ذكر‬
‫البدأ والعاد مفصلً فقال‪َ { :‬أأَنتُمْ َأشَدّ خَ ْلقًا َأمِ السّمَاء بَنَاهَا } إل قوله ‪ { :‬فَإِذَا جَاءتِ الطّا ّم ُة اْلكُبْرَى‬
‫جحِي َم هِ َي الْ َم ْأوَى {‬ ‫حيَاةَ ال ّدْنيَا {‪ }38‬فَِإنّ الْ َ‬ ‫{‪ .. }34‬إل قوله ‪َ { :‬فَأمّا مَن َطغَى {‪ }37‬وَآثَ َر الْ َ‬
‫جّنةَ ِه َي الْ َمأْوَى } إل آخر‬ ‫ف َمقَامَ َربّ ِه َوَنهَى الّن ْفسَ عَ ِن اْل َهوَى {‪ }40‬فَِإ ّن الْ َ‬ ‫‪َ }39‬وأَمّا مَنْ خَا َ‬
‫السورة‪ .‬وكذلك ف(الزمل) ذكر قوله‪ { :‬وَذَ ْرنِي وَالْمُكَ ّذبِيَ أُولِي الّنعْ َم ِة َو َمهّ ْلهُمْ قَلِيلًا {‪ }11‬إِنّ لَ َدْينَا‬
‫صةٍ َوعَذَابًا أَلِيمًا } ‪ .‬إل قوله ‪ {:‬كَمَا أَ ْر َس ْلنَا إِلَى فِ ْر َع ْونَ َرسُولًا {‪}15‬‬ ‫أَنكَالًا وَ َجحِيمًا َوطَعَامًا ذَا ُغ ّ‬
‫َف َعصَى فِ ْر َع ْونُ ال ّرسُولَ َفأَخَ ْذنَاهُ أَخْذًا َوبِيلًا } ‪ .‬وكذلك ف(سورة الاقة ) ذكر قصص المم ‪ ،‬كثمود‬
‫جبَالُ‬‫ت اْلأَ ْرضُ وَالْ ِ‬ ‫خ ٌة وَاحِ َدٌة {‪ }13‬وَحُمَِل ِ‬ ‫وعاد وفرعون ث قال تعال ‪ { :‬فَِإذَا ُنفِخَ فِي الصّو ِر َنفْ َ‬
‫فَدُ ّكتَا دَ ّك ًة وَاحِ َدةً } إل تام ما ذكره من أمر النة والنار‪ .‬وكذلك ف(سورة ن والقلم ) ‪ .‬ذكر قصة‬
‫ب الْآخِ َرةِ أَ ْكبَرُ َلوْ‬‫ك اْلعَذَابُ وََلعَذَا ُ‬ ‫أهل البستان الذين منعوا حق أموالم وما عاقبهم به‪ ،‬ث قال ‪ {:‬كَذَلِ َ‬
‫كَانُوا َيعْلَمُونَ }‪ .‬وكذلك ف ( سورة التغابن ) قال ‪ { :‬أَلَ ْم َيأِْتكُ ْم َنبَُأ الّذِينَ َكفَرُوا مِن َقبْلُ َفذَاقُوا َوبَالَ‬
‫َأمْ ِرهِ ْم وََلهُ ْم عَذَابٌ أَلِي ٌم {‪ }5‬ذَلِكَ بَِأنّهُ كَانَت ّتأْتِيهِمْ ُرسُُلهُم بِاْلَبيّنَاتِ َفقَالُوا َأبَشَ ٌر َيهْدُوَننَا َفكَفَرُوا‬
‫َوَتوَلّوا وّا ْسَتغْنَى اللّ ُه وَاللّ ُه َغِنيّ َحمِي ٌد } ث قال‪َ { :‬زعَ َم الّذِينَ َكفَرُوا أَن لّن ُيبْ َعثُوا قُ ْل بَلَى وَ َربّي‬
‫َلتُْب َعثُنّ } ‪ .‬وكذلك ف ( سورة ق ) ذكر حال الخالفي للرسل ‪ ،‬وذكر الوعد والوعيد ف الخرة ‪.‬‬
‫وكذلك ف ( سورة القمر) ذكر هذا وهذا ‪ .‬وكذلك ف ( أل حم) مثل حم غافر ‪ ،‬و السجدة ‪،‬‬
‫والزخرف ‪ ،‬والدخان ‪ ،‬وغي ذلك ‪ ،‬إل غي ذلك ما ل يصى ‪ .‬فإن التوحيد والوعد والوعيد هو أول‬
‫ما أنزل ‪ ،‬كما ف صحيح البخاري عن يوسف بن ماهك قال ‪ :‬إن عند عائشة أم الؤمني رضي ال‬
‫عنها إذ جاءها عراقي فقال ‪ :‬أي الكفن خي ؟ قالت ‪ :‬ويك ! وما يضرك ؟ قال ‪ :‬يا أم الؤمني ! أرين‬
‫مصحفك ‪ .‬قالت ‪ :‬ل ؟ قال ‪ :‬لعلي أؤلف القرآن عليه ‪ ،‬فإنه يقرأ غي مؤلف ‪ ،‬قالت ‪ :‬وما يضرك أية‬
‫قرأت قبل ‪ ،‬إنا نزل أول ما نزل منه سورة من الفصل فيها ذكر النة والنار ‪ ،‬حت إذا ثاب الناس إل‬
‫السلم نزل اللل والرام ‪ ،‬ولو نزل أول شيء ل تشربوا المر لقالوا ‪ :‬ل ندع المر أبدا ‪ ،‬ولو نزل‬
‫ل تزنوا لقالوا ‪ :‬ل ندع الزنا أبدا ‪ ،‬لقد نزل بكة على ممد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬و أن لارية ألعب‬
‫‪ { :‬بَلِ السّا َع ُة َموْعِ ُدهُ ْم وَالسّا َعةُ َأ ْدهَى َوَأمَرّ} (القمر‪ . )46:‬وما نزلت ‪( :‬سورة البقرة ) و( النساء )‬
‫ت له الصحف فأملت عليه آي السور‪ .‬وإذا كان الكفر والفسوق‬ ‫إل وأنا عنده ‪ ،‬قال ‪ :‬فأخرج َ‬
‫والعصيان سبب الشر والعدوان فقد يذنب الرجل أو الطائفة ويسكت آخرون عن المر والنهي ‪ ،‬فيكون‬
‫ذلك من ذنوبم ‪ ،‬وينكر عليهم آخرون إنكارا منهيا عنه فيكون ذلك من ذنوبم ‪ ،‬فيحصل التفرق‬
‫والختلف والشر ‪ ،‬وهذا من أعظم الفت والشرور قديا وحديثا ‪ ،‬إذ النسان ظلوم جهول ‪ ،‬والظلم‬
‫والهل أنواع ‪ ،‬فيكون ظلم الول وجهله من نوع‪ ،‬وظلم كل من الثان والثالث وجهلهما من نوع‬
‫آخر وآخر‪ .‬ومن تدبر الفت الواقعة رأى سببها ذلك ‪ ،‬ورأى أن ما وقع بي أمراء المة وعلمائها ومن‬
‫دخل ف ذلك من ملوكها ومشايها ‪ ،‬ومن تبعهم من العامة من الفت ‪ :‬هذا أصلها ‪ ،‬يدخل ف ذلك‬
‫أسباب الضلل والغي ‪ :‬الت هي الهواء الدينية والشهوانية ‪ ،‬وهي البدع ف الدين والفجور ف الدنيا ‪،‬‬
‫وهي مشتركة ‪ :‬تعم بن آدم لا فيهم من الظلم والهل ‪ ،‬فبذنب بعض الناس يظلم نفسه وغيه ‪ ،‬كالزنا‬
‫واللواط وغيه ‪ ،‬أو شرب خر أو ظلم ف الال بيانة أو سرقة أو غصب أو نو ذلك ‪ .‬ومعلوم أن هذه‬
‫العاصي و إن كانت مستقبحة مذمومة ف العقل والدين فهي مشتهاة أيضا ‪ ،‬ومن شأن النفوس أنا ل‬
‫تب اختصاص غيها با ‪ ،‬لكن تريد أن يصل لا ما حصل له ‪ ،‬وهذا هو الغبطة الت هي أدن نوعي‬
‫السد ‪ ،‬فهي تريد الستعلء على الغي والستئثار دونه ‪ ،‬أو تسده وتتمن زوال النعمة عنه وإن ل‬
‫يصل ‪ ،‬ففيها من إرادة العلو والفساد والستكبار والسد ما مقتضاه أنا تتص عن غيها بالشهوات ؛‬
‫فكيف إذا رأت الغي قد استأثر عليها بذلك واختص با دونا ؟ فالعتدل منهم ف ذلك الذي يب‬
‫الشتراك والتساوي ‪ ،‬وأما الخر فظلوم حسود ‪ .‬وهذان يقعان ف المور الباحة والمور الحرمة لق‬
‫ال ‪ ،‬فما كان جنسه مباحا من أكل وشرب ونكاح ولباس و ركوب وأموال ‪ :‬إذا وقع فيها‬
‫الختصاص حصل الظلم والبخل والسد ‪ ،‬وأصلها الشح ‪ ،‬كما ف الصحيح عن النب صلى ال عليه‬
‫وسلم أنه قال‪ (( :‬إياكم والشح ‪ ،‬فإنه أهلك من كان قبلكم ‪ :‬أمرهم بالبخل فبخلوا ‪ ،‬وأمرهم بالظلم‬
‫فظلموا ‪ ،‬وأمرهم بالقطيعة فقطعوا))‪ .‬ويقال ‪ :‬الدنيا تدوم مع العدل والكفر ول تدوم مع الظلم و‬
‫السلم ‪ .‬وقد قال النب صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬ليس ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم ))‬
‫‪ .‬فالباغي يصرع ف الدنيا وإن كان مغفورا له مرحوما ف الخرة ‪ ،‬وذلك أن العدل نظام كل شيء ‪،‬‬
‫فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت وإن ل يكن لصاحبها ف الخرة من خلق‪ ،‬ومت ل تقم بعدل ل تقم‬
‫وإن كان لصاحبها من اليان ما يزى به ف الخرة ‪ ،‬فالنفس فيها داعي الظلم لغيها بالعلو عليه‬
‫والسد له ‪ ،‬والتعدي عليه ف حقه ‪ .‬وداعي الظلم لنفسها بتناول الشهوات القبيحة كالزنا وأكل‬
‫البائث ‪ .‬فهي قد تظلم من ل يظلمها ‪ ،‬وتؤثر هذه الشوات وإن ل تفعلها ‪ ،‬فإذا رأت نظراءها قد‬
‫ظلموا وتناولوا هذه الشهوات صار داعي هذه الشهوات أو الظلم فيها أعظم بكثي ‪ ،‬وقد تصب ‪ ،‬ويهيج‬
‫ذلك لا من بغض ذلك الغي وحسده وطلب عقابه وزوال الي عنه مال يكن فيها قبل ذلك ‪،‬ولا حجة‬
‫عند نفسها من جهة العقل والدين ‪ ،‬يكون ذلك الغي قد ظلم نفسه والسلمي ‪ ،‬وأن أمره بالعروف‬
‫ونيه عن النكر واجب ‪ ،‬و الهاد على ذلك من الدين ‪ .‬والناس هنا ثلثة أقسام ‪ :‬قوم ل يقومون إل ف‬
‫أهواء نفوسهم ‪ ،‬فل يرضون إل با يعطونه ‪،‬ول يغضبون إل لا يرمونه ‪ ،‬فإذا أعطي أحدهم ما يشتهيه‬
‫من الشهوات اللل والرام زال غضبه وحصل رضاه ‪ ،‬وصار المر الذي كان عنده منكرا ينهى عنه‬
‫ويعاقب عليه ‪ ،‬ويذم صاحبه ويغضب عليه مرضيا عنده ‪ ،‬وصار فاعلً له وشريكا فيه ‪ ،‬ومعاونا عليه ‪،‬‬
‫ومعاديا لن نى عنه وينكر عليه ‪،‬وهذا غالب ف بن آدم ‪ ،‬يرى النسان ويسمع من ذلك مال يصيه ‪،‬‬
‫وسببه‪ :‬أن النسان ظلوم جهول ‪ ،‬فلذلك ل يعدل ‪ ،‬بل ربا كان ظالا ف الالي ‪ ،‬يرى قوما ينكرون‬
‫على التول ظلمه لرعيته واعتدائه عليهم ‪ ،‬فيضى أولئك النكرين ببعض الشيء فينقلبون أعوانا له ‪ ،‬و‬
‫أحسن أحوالم أن يسكتوا عن النكار عليه ‪ ،‬وكذلك تراهم ينكرون على من يشرب المر ويزن‬
‫ويسمع اللهي ‪ ،‬حت يدخلوا أحدهم معهم ف ذلك ‪ ،‬أو يرضوه ببعض ذلك ‪ ،‬فتراه قد صار عونا‬
‫لم ‪ ،‬وهؤلء قد يعودون بإنكارهم إل أقبح من الال الت كانوا عليها ‪ ،‬وقد يعودون إل ما هو دون‬
‫ذلك أو نظيه ‪.‬‬

‫وقوم يقومون ديانة صحيحة ‪ ،‬يكونون ف ذلك ملصي ل ‪ ،‬مصلحي فيما عملوه ‪ ،‬ويستقيم لم ذلك‬
‫حت يصبوا على ما أوذوا ‪ ،‬وهؤلء هم الذين آمنوا وعملوا الصالات ‪ ،‬وهم من خي أمة أخرجت‬
‫للناس ‪ ،‬يأمرون بالعروف وينهون عن النكر ‪ ،‬ويؤمنون بال ‪ .‬وقوم يتمع فيهم هذا و هذا وهم غالب‬
‫الؤمني ‪ ،‬فمن فيه دين وله شهوة تتمع ف قلوبم إرادة الطاعة و إرادة العصية ‪ ،‬وربا غلب هذا تارة‬
‫وهذا تارة ‪ .‬وهذه القسمة الثلثية كما قيل ‪ :‬النفس ثلث ‪ :‬أمارة ‪ ،‬ومطمئنة ‪،‬ولوامة ‪ ،‬فالولون هم‬
‫أهل النفس المارة الت تأمره بالسوء ‪ ،‬والوسطون هم أهل النفوس الطمئنة الت قيل فيها ‪ { :‬يَا َأيُّتهَا‬
‫ضّيةً {‪ }28‬فَادْخُلِي فِي عِبَادِي {‪ }29‬وَادْ ُخلِي‬
‫ضَيةً مّرْ ِ‬
‫س الْمُطْ َمِئّنةُ {‪ }27‬ارْ ِجعِي إِلَى َربّكِ رَا ِ‬
‫الّن ْف ُ‬
‫َجّنتِي {‪ } }30‬والخرون هم أهل النفوس اللوامة الت تفعل الذنب ث تلوم عليه ‪ ،‬وتتلون ‪ :‬تارة كذا ‪،‬‬
‫وتارة كذا ‪ ،‬وتلط عملً صالا وآخر سيئا ‪ .‬ولذا لا كان الناس ف زمن أب بكر وعمر اللذين أمر‬
‫السلمون بالقتداء بما كما قال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬اقتدوا باللذين من بعدي أب بكر وعمر )) ‪:‬‬
‫أقرب عهدا بالرسالة وأعظم إيانا وصلحا ‪ ،‬وأئمتهم أقوم بالواجب وأثبت ف الطمأنينة ‪ :‬ل تقع فتنة ‪،‬‬
‫إذ كانوا ف حكم القسم الوسط‪.‬‬

‫ولا كان ف آخر خلفة عثمان و خلفة علي كثر القسم الثالث ‪ ،‬فصار فيهم شهوة وشبهة مع اليان‬
‫والدين ‪ ،‬وصار ذلك ف بعض الولة وبعض الرعايا ‪ ،‬ث كثر ذلك بعد ‪ ،‬فنشأت الفتنة الت سببها ما‬
‫تقدم من عدم تحيص التقوى والطاعة ف الطرفي ‪ ،‬واختلطهما بنوع من الوى والعصية ف الطرفي ‪،‬‬
‫وكل منهما متأول أنه يأمر بالعروف وينهى عن النكر ‪ ،‬و أنه مع الق والعدل ‪ ،‬ومع هذا التأويل نوع‬
‫من الوى ‪ ،‬ففيه نوع من الظن وما توى النفس ‪ ،‬وإن كانت إحدى الطائفتي أول بالق من الخرى‬
‫‪ .‬فلهذا يب على الؤمن أن يستعي بال ‪ ،‬ويتوكل عليه ف أن يقيم قلبه و ل يزيغه ‪،‬ويثبته على الدى‬
‫ع وَاسَْتقِمْ كَمَا ُأمِرْتَ وَل َتّتبِعْ َأهْوَا َءهُمْ وَُقلْ‬‫والتقوى ‪ ،‬ول يتبع الوى ‪ ،‬كما قال تعال ‪ { :‬فَِلذَلِكَ فَا ْد ُ‬
‫جةَ‬
‫ب َوُأمِرْتُ ِلأَعْدِلَ بَْيَنكُمُ اللّهُ َرّبنَا وَ َرّبكُمْ َلنَا َأعْمَاُلنَا وََلكُمْ َأعْمَاُلكُمْ ل حُ ّ‬
‫ت بِمَا َأنْزَلَ اللّ ُه مِنْ ِكتَا ٍ‬
‫آ َمنْ ُ‬
‫َبيَْننَا َوبَْينَكُمُ اللّ ُه َيجْمَ ُع َبْينَنَا َوإَِليْهِ الْ َمصِيُ} (الشورى‪ . )15:‬وهذا أيضا حال المة فيما تفرقت فيه‬
‫واختلفت ف القالت والعبادات ‪ ،‬وهذه المور ما تعظم با الحنة على الؤمني ‪ ،‬فإنم يتاجون إل‬
‫شيئي ‪ :‬إل دفع الفتنة الت ابتليّ با نظراؤهم من فتنة الدين والدنيا عن نفوسهم مع قيام القتضى لا ‪،‬‬
‫فإن معهم نفوسا وشياطي كما مع غيهم ‪ ،‬فمع وجود ذلك من نظرائهم يقوى القتضي عندهم ‪ ،‬كما‬
‫هو الواقع ‪ ،‬فيقوى الداعي الذي ف نفس النسان وشيطانم ‪،‬وما يصل من الداعي بفعل الغي والنظي‬
‫فكم من ل يرد خيا ول شرا حت رأى غيه – لسيما إن كان نظيه – يفعله ففعله ! فإن الناس‬
‫كأسراب القطا ‪ ،‬مبولون على تشبه بعضهم ببعض‪.‬‬
‫ولذا كان البتدئ بالي والشر ‪ :‬له مثل من تبعه من الجر والوزر‪ ،‬كما قال النب صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ (( :‬من س ّن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل با إل يوم القيامة ‪،‬من غي أن ينقص من أجورهم‬
‫شيئا ‪ ،‬ومن س ّن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل با إل يوم القيامة ‪ ،‬من غي أن ينقص من‬
‫أوزارهم شيئا ))‪ .‬وذلك لشتراكهم ف القيقة ‪ ،‬وأن حكم الشيء حكم نظيه‪ ،‬وشبه الشيء تنجذب‬
‫إليه ‪ .‬فإذا كان هذان داعيي قويي ‪ :‬فكيف إذا انضم إليهما داعيان آخران ؟ وذلك أن كثيا من أهل‬
‫النكر يبون من وافقهم على ماهم فيه ‪ ،‬ويبغضون من ل يوافقهم ‪ ،‬وهذا ظاهر ف الديانات الفاسدة من‬
‫موالة كل قوم لوافقيهم ‪ ،‬ومعاداتم لخلفيهم‪.‬‬

‫ولذا كان البتدئ بالي والشر ‪ :‬له مثل من تبعه من الجر والوزر‪ ،‬كما قال النب صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ (( :‬من س ّن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل با إل يوم القيامة ‪،‬من غي أن ينقص من أجورهم‬
‫شيئا ‪ ،‬ومن س ّن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل با إل يوم القيامة ‪ ،‬من غي أن ينقص من‬
‫أوزارهم شيئا ))‪ .‬وذلك لشتراكهم ف القيقة ‪ ،‬وأن حكم الشيء حكم نظيه‪ ،‬وشبه الشيء تنجذب‬
‫إليه ‪ .‬فإذا كان هذان داعيي قويي ‪ :‬فكيف إذا انضم إليهما داعيان آخران ؟ وذلك أن كثيا من أهل‬
‫النكر يبون من وافقهم على ماهم فيه ‪ ،‬ويبغضون من ل يوافقهم ‪ ،‬وهذا ظاهر ف الديانات الفاسدة من‬
‫موالة كل قوم لوافقيهم ‪ ،‬ومعاداتم لخلفيهم‪.‬‬

‫فصل‬
‫ولذا كان البتدئ بالي والشر ‪ :‬له مثل من تبعه من الجر والوزر‪ ،‬كما قال النب صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ (( :‬من س ّن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل با إل يوم القيامة ‪،‬من غي أن ينقص من أجورهم‬
‫شيئا ‪ ،‬ومن س ّن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل با إل يوم القيامة ‪ ،‬من غي أن ينقص من‬
‫أوزارهم شيئا ))‪ .‬وذلك لشتراكهم ف القيقة ‪ ،‬وأن حكم الشيء حكم نظيه‪ ،‬وشبه الشيء تنجذب‬
‫إليه ‪ .‬فإذا كان هذان داعيي قويي ‪ :‬فكيف إذا انضم إليهما داعيان آخران ؟ وذلك أن كثيا من أهل‬
‫النكر يبون من وافقهم على ماهم فيه ‪ ،‬ويبغضون من ل يوافقهم ‪ ،‬وهذا ظاهر ف الديانات الفاسدة من‬
‫موالة كل قوم لوافقيهم ‪ ،‬ومعاداتم لخلفيهم‪ .‬وكذلك ف أمور الدنيا والشهوات كثيا ما يتارون‬
‫ويؤثرون من يشاركهم ‪ :‬أما للمعاونة على ذلك ‪،‬كما ف التغلبي من أهل الرياسات وقطاع الطريق‬
‫ونوهم ‪ ،‬وإما بالوافقة ‪ ،‬كما ف الجتمعي على شرب المر ‪ ،‬فإنم يتارون أن يشرب كل من حضر‬
‫عندهم ‪ ،‬وإما لكراهتهم امتيازه عنهم بالي ‪ :‬إما حسدا له على ذلك ‪ ،‬لئل يعلو عليهم بذلك ويمد‬
‫دونم ‪ ،‬و إما لئل يكون له عليهم حجة ‪ ،‬وإما لوفهم من معاقبته لم بنفسه ‪ ،‬أو بن يرفع ذلك إليهم ‪،‬‬
‫ولئل يكونوا تت منته وخطره ونو ذلك من السباب ‪ ،‬قال ال تعال ‪َ { :‬ودّ َكثِيٌ مِنْ َأهْ ِل الْ ِكتَابِ َلوْ‬
‫سهِمْ مِ ْن َبعْدِ مَا َتَبيّنَ َلهُ ُم الْحَ ّق } (البقرة‪. )109:‬‬
‫يَرُدّوَنكُ ْم مِ ْن َبعْدِ إِيَاِنكُمْ ُكفّارا حَسَدا مِ ْن ِعنْدِ َأْنفُ ِ‬
‫وقال تعال ف النافقي ‪ { :‬وَدّوا َلوْ َت ْكفُرُونَ كَمَا َكفَرُوا َفَتكُونُونَ َسوَاءً } (النساء‪ . )89:‬وقال عثمان‬
‫بن عفان رضي ال عنه ‪ ،‬ودت الزانية لو زن النساء كلهن ‪ .‬والشاركة قد يتارونا ف نفس الفجور ‪،‬‬
‫كالشتراك ف الشرب والكذب والعتقاد الفاسد ‪ ،‬وقد يتارونا ف النوع ‪ ،‬كالزان الذي يود أن غيه‬
‫يزن ‪ ،‬والسارق الذي يود أن غيه يسرق أيضا ‪ ،‬لكن ف غي العي الت زن با أو سرقها ‪.‬‬

‫وأما الداعي الثان فقد يأمرون الشخص بشاركتهم فيما هم عليه من النكر ‪ ،‬فإن شاركهم و إل عادوه‬
‫وآذوه على وجه ينتهي إل حد الكراه ‪ ،‬أو ل ينتهي إل حد الكراه ‪ ،‬ث إن هؤلء الذين يتارون‬
‫مشاركة الغي لم ف قبيح فعلهم أو يأمرونه بذلك ويستعينون به على ما يريدونه ‪ :‬مت شاركهم‬
‫وعاونم و أطاعهم انتقصوه واستخفوا به ‪ ،‬وجعلوا ذلك حجة عليه ف أمور أخرى ‪ ،‬وإن ل يشاركهم‬
‫عادوه وأذوه ‪ ،‬وهذه حال غالب الظالي القادرين ‪ .‬وهذا الوجود ف النكر نظيه ف العروف وأبلغ منه‬
‫‪ ،‬كما قال تعال ‪ {:‬وَالّذِينَ آ َمنُوا َأشَدّ ُحبّا لِلّهِ}(البقرة‪ :‬من الية ‪ . )165‬فإن داعي الي أقوى ‪ ،‬فإن‬
‫النسان فيه داع يدعوه إل اليان والعلم ‪ ،‬الصدق والعدل ‪ ،‬وأداء المانة ‪ ،‬فإذا وجد من يعمل مثل‬
‫ذلك صار له داع آخر ‪ ،‬ل سيما إذا كان نظيه ‪ ،‬ل سيما مع النافسة ‪ ،‬وهذا ممود حسن ‪ ،‬فإن وجد‬
‫من يب موافقته على ذلك ومشاركته له من الؤمني والصالي ‪ ،‬ويبغضه إذا ل يفعل ‪ ،‬صار له داع‬
‫ثالث ‪ ،‬فإذا أمروه بذلك وواله على ذلك وعادوه وعاقبوه على تركه صار له داع رابع‪ .‬ولذا يؤمر‬
‫الؤمنون أن يقابلوا السيئات بضدها من السنات ‪ ،‬كما يقابل الطبيب الرض بضده ‪ ،‬فيؤمر الؤمن بأن‬
‫يصلح نفسه ‪،‬وذلك بشيئي ‪ :‬بفعل السنات ‪ ،‬وترك السيئات ‪ ،‬مع وجود ما ينفي السنات ويقتضي‬
‫السيئات ‪ ،‬وهذه أربعة أنواع‪ :‬ويؤمر أيضا بإصلح غيه بذه النواع الربعة بسب قدرته وإمكانه ‪،‬‬
‫صوْا‬
‫ت َوَتوَا َ‬‫قال تعال ‪ {:‬وَاْلعَصْ ِر {‪ِ }1‬إنّ الْإِنسَانَ َلفِي خُسْرٍ {‪ }2‬إِلّا الّذِينَ آ َمنُوا وَعَ ِملُوا الصّالِحَا ِ‬
‫صوْا بِالصّبْ ِر {‪ . }3‬وروي عن الشافعي رضي ال عنه أنه قال ‪ :‬لو فكر الناس كلهم ف‬ ‫بِالْحَ ّق َوَتوَا َ‬
‫سورة (( والعصر )) لكفتهم ‪ .‬وهو كما قال ‪ ،‬فإن ال تعال أخب أن جيع الناس خاسرون إل من كان‬
‫ف نفسه مؤمنا صالا ‪ ،‬ومع غيه موصيا بالق موصيا بالصب ‪ ،‬وإذا عظمت الحنة كان ذلك للمؤمن‬
‫الصال سببا لعلو الدرجة وعظيم الجر ‪ ،‬كما سئل النب ( ‪ :‬أي الناس أشد بلء ؟ قال ‪ (( :‬النبياء ‪ :‬ث‬
‫الصالون ‪ ،‬ث المثل فالمثل ‪ ،‬يبتلى الرجل على حسب دينه ‪ ،‬فإن كان ف دينه صلبة زيد ف بلئه ‪،‬‬
‫وإن كان ف دينه رقه خفف عنه ‪ ،‬ول يزال البلء بالؤمن حت يشي على وجه الرض وليس عليه‬
‫خطيئة ))‪ .‬وحينئذٍ فيحتاج من الصب مال يتاج إليه غيه ‪ ،‬وذلك هو سبب المامة ف الدين ‪ ،‬كما قال‬
‫صبَرُوا وَكَانُوا بِآياِتنَا يُوقِنُونَ} (السجدة‪. )24:‬‬ ‫تعال‪{:‬وَ َجعَ ْلنَا ِمنْهُمْ َأئِ ّم ًة َيهْدُونَ ِبَأمْ ِرنَا لَمّا َ‬

‫فلبد من الصب على فعل السن الأمور به وترك السيئ الحظور‪ ،‬ويدخل ف ذلك الصب على الذى‬
‫وعلى مايقال ‪ ،‬والصب على ما يصيبه من الكاره ‪ ،‬والصب عن البطر عند النعم ‪ ،‬وغي ذلك من أنواع‬
‫الصب ‪ .‬وليكن العبد أن يصب إن ل يكن له ما يطمئن به ونتنعم به ويغتذي به ‪ ،‬وهو اليقي‪ ،‬كما ف‬
‫الديث الذي رواه أبو بكر الصديق رضي ال عنه عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ ((:‬يا أيها الناس‬
‫‪ ،‬سلوا ال اليقي والعافية ‪ ،‬فإن ل يعط أحد بعد اليقي خيا من العافية ‪ ،‬فسلوها ال ))‪ .‬وكذلك إذا‬
‫أمر غيه بسن أو أحب موافقته على ذلك ‪ ،‬أو نى غيه عن شيء ‪ ،‬فيحتاج إن يسن إل ذلك الغي‬
‫إحسانا يصل به مقصوده ‪،‬من حصول الحبوب و اندفاع الكروه ‪ ،‬فإن النفوس ل تصب على الر إل‬
‫بنوع من اللو ‪ ،‬ل يكن غي ذلك ‪ ،‬ولذا أمر ال تعال بتأليف القلوب‪،‬حت جعل للمؤلفة قلوبم نصيبا‬
‫ض عَ ِن‬
‫ف الصدقات‪ ،‬وقال تعال لنبيه صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬خُذِ الْ َع ْفوَ َوْأمُ ْر بِاْلعُرْفِ َوأَعْ ِر ْ‬
‫صوْا بِالْمَ ْرحَ َمةِ}(البلد‪ :‬من الية‬ ‫صوْا بِالصّبْ ِر َوَتوَا َ‬
‫الْجَاهِلِيَ} (العراف‪ .)199:‬وقال تعال‪{ :‬وََتوَا َ‬
‫‪ .)17‬فلبد أن يصب و أن يرحم ‪ ،‬وهذا هو الشجاعة والكرم ‪ .‬ولذا يقرن ال بي الصلة والزكاة تارة‬
‫‪ ،‬وهي الحسان إل اللق‪ ،‬وبينهما وبي الصب تارة ‪ ،‬ولبد من الثلثة ‪ :‬الصلة ‪ ،‬والزكاة ‪ ،‬والصب ‪،‬‬
‫ل تقوم مصلحة الؤمني إل بذلك ‪،‬ف صلح نفوسهم وإصلح غيهم ‪ ،‬ل سيما كلما قويت الفتنة‬
‫والحنة ‪ ،‬فالاجة إل ذلك تكون أشد ‪ ،‬فالاجة إل السماحة والصب عامة لميع بن آدم ل تقوم‬
‫مصلحة دينهم ول دنياهم إل به ‪ .‬ولذا جيعهم يتمادحون بالشجاعة والكرم ‪ ،‬حت إن ذلك عامة ما‬
‫يدح به الشعراء ف شعرهم ‪ ،‬وكذلك يتذامون بالبخل والب ‪ ،‬والقضايا الت يتفق عليها بنوا آدم ل‬
‫تكون إل حقا ‪ ،‬كاتفاقهم على مدح الصدق والعدل ‪ ،‬وذم الكذب والظلم ‪،‬وقد قال النب ( لا سأله‬
‫العراب ‪ ،‬حت اضطروه إل سرة فتعلقت بردائه ‪ ،‬فالتفت إليهم وقال‪ ((:‬والذي نفسي بيده لو أن‬
‫ل ول جبانا و ل كذوبا ))‪ .‬لكن يتنوع‬ ‫عندي عدد هذه العضاة نعما لقسمته عليكم ‪ ،‬ث ل تدون بي ً‬
‫ذلك بتنوع القاصد والصفات ‪ ،‬فإنا العمال بالنيات وإنا لكل امرئ ما نوى ‪.‬‬
‫ولذا جاء الكتاب والسنة بذم البخل والب ‪،‬ومدح الشجاعة والسماحة ف سبيله دون ما ليس ف سبيله‬
‫‪ ،‬فقال النب صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬شر ما ف الرء شح هالع وجب خالع ))‪ .‬وقال‪ (( :‬من سيدكم‬
‫يا بن سلمة ؟ فقالوا الد بن قيس على أنا نزنه بالبخل فقال‪ :‬وأي داء أدوأ من البخل ؟))‪ .‬وف رواية ‪:‬‬
‫(( إن السيد ل يكون بيلُ بل سيدكم البيض العد الباء بن معرور))‪ .‬وكذلك ف الصحيح قول جابر‬
‫بن عبدال لب بكر الصديق رضي ال عنهما ‪ :‬إما إن تعطين وإما أن تبخل عن ‪ ،‬فقال ‪ :‬وإما أن تبخل‬
‫عن ‪،‬وأي داء أدوأ من البخل ؟ فجعل البخل من أعظم المراض‪ .‬وف صحيح مسلم عن سلمان بن‬
‫ربيعة قال ‪ :‬قال عمر ‪ :‬قسم النب صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قسما فقلت‪ :‬يارسول ال وال لغي هؤلء‬
‫أحق به منهم فقال‪ (( :‬إنم خيون بي أنيسألون بالفحش وبي أن يبخلون ‪ ،‬ولست بباخل ))‪ .‬يقول‬
‫‪ :‬إنم يسألون مسألة ل تصلح ‪ ،‬فإن أعطيتهم و إل قالوا ‪ :‬هو بيل ‪ ،‬فقال‪ :‬خيون بي أمرين مكرهي‬
‫ل يتركون من أحدها‪ :‬الفاحشة والتبخيل ‪ .‬والتبخيل أشد ‪ ،‬فادفع الشد بإعطائهم ‪.‬‬

‫خلُو َن بِمَا آتَاهُمُ‬


‫سبَ ّن الّذِي َن َيبْ َ‬
‫والبخل جنس تته أنواع ‪ :‬كبائر وغي كبائر ‪ ،‬قال ال تعال ‪ { :‬وَل يَحْ َ‬
‫خلُوا بِ ِه َي ْومَ اْل ِقيَا َمةِ} (آل عمران‪ :‬من الية‬ ‫اللّ ُه مِنْ َفضْلِ ِه ُهوَ َخيْرا َلهُ ْم بَ ْل ُه َو شَرّ َلهُ ْم َسيُ َطوّقُو َن مَا بَ ِ‬
‫حبّ‬‫‪ . )180‬وقال ‪ { :‬وَاعْبُدُوا اللّهَ وَل تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا َوبِاْلوَالِ َديْنِ إِحْسَانا ) إل قوله ‪ِ :‬إنّ اللّ َه ل ُي ِ‬
‫خلُونَ َوَي ْأمُرُو َن النّاسَ بِاْلبُخْلِ } (النساء‪ . )37-36 :‬وقال تعال‪:‬‬ ‫ختَالً َفخُورا‪ .‬الّذِي َن يَبْ َ‬ ‫مَنْ كَانَ ُم ْ‬
‫{ َومَا َمَن َعهُمْ أَ ْن ُت ْقبَلَ ِمْنهُ ْم َن َفقَاتُهُمْ إِلّا َأّنهُمْ َكفَرُوا بِاللّهِ َوبِ َرسُولِهِ وَل َيأْتُونَ الصّلةَ إِلّا َوهُمْ كُسَالَى وَل‬
‫خلُوا بِ ِه َوَتوَّلوْا َوهُمْ‬
‫ُينْ ِفقُونَ إِلّا َوهُمْ كَا ِرهُونَ} (التوبة‪ . )54:‬وقال‪َ { :‬فلَمّا آتَاهُ ْم مِنْ َفضْلِ ِه بَ ِ‬
‫ُمعْرِضُونَ‪َ .‬فَأ ْعقََبهُ ْم ِنفَاقا فِي ُقلُوِبهِمْ إِلَى َي ْومِ يَ ْل َق ْونَهُ } (التوبة‪.)77-76:‬وقال ‪َ { :‬ومَ ْن َيبْخَلْ فَِإنّمَا‬
‫َيبْخَ ُل عَ ْن َنفْسِهِ} (ممد‪ :‬من الية ‪ . )38‬وقال‪َ{ :‬فوَيْلٌ ِللْ ُمصَلّيَ‪ .‬الّذِي َن هُ ْم عَنْ صَلِتهِ ْم سَاهُونَ ‪.‬‬
‫ض َة وَل ُيْن ِفقُوَنهَا فِي َسبِيلِ اللّهِ‬ ‫ب وَالْ ِف ّ‬‫َويَ ْمنَعُونَ الْمَاعُونَ} (الاعون‪ )7-4:‬وقال‪{ :‬وَالّذِي َن َيكْنِزُونَ ال ّذهَ َ‬
‫َفبَشّ ْرهُ ْم ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ ‪َ .‬ي ْومَ ُيحْمَى عََلْيهَا فِي نَارِ َج َهنّمَ َفُت ْكوَى ِبهَا ِجبَا ُههُ ْم وَ ُجنُوُبهُ ْم َوظُهُو ُرهُ ْم }‬
‫(التوبة‪.)35-34:‬‬
‫وما ف القرآن من المر باليتاء والعطاء وذم من ترك ذلك ‪ :‬كله ذم للبخل ‪ ،‬وكذلك ذمه للجب كثي‬
‫ضبٍ مِنَ اللّهِ‬ ‫حيّزا إِلَى ِفَئةٍ َفقَدْ بَاءَ ِب َغ َ‬ ‫حرّفا ِل ِقتَالٍ َأوْ ُمتَ َ‬
‫‪ ،‬مثل قوله ‪َ ) { :‬ومَ ْن ُيوَّلهِ ْم َي ْومَئِذٍ ُدبُ َرهُ إِلّا ُمتَ َ‬
‫َومَ ْأوَاهُ َج َهنّ ُم َوِبْئسَ الْ َمصِيُ} (لنفال‪ . )16:‬وقوله عن النافقي ‪َ { :‬ويَحِْلفُو َن بِاللّهِ ِإّنهُمْ َل ِمنْكُ ْم َومَا‬
‫جأً َأ ْو َمغَارَاتٍ َأوْ مُدّ َخلً َلوَّلوْا إَِليْهِ َوهُ ْم يَجْ َمحُونَ)‬ ‫جدُونَ مَ ْل َ‬ ‫هُ ْم ِمنْكُ ْم وََل ِكنّهُمْ َق ْو ٌم َيفْرَقُونَ‪َ .‬ل ْو يَ ِ‬
‫حكَ َم ٌة َوذُكِرَ فِيهَا اْلقِتَالُ َرَأْيتَ الّذِينَ فِي قُلُوِبهِمْ‬ ‫ت سُو َرةٌ مُ ْ‬ ‫(التوبة‪ . )57-56:‬وقوله ‪ { :‬فَِإذَا ُأنْزَِل ْ‬
‫شيّ عََليْ ِه مِ َن الْ َموْتِ} (ممد‪ :‬من الية ‪ . )20‬وقوله ‪ { :‬أَلَ ْم تَرَ إِلَى الّذِينَ‬ ‫ك نَظَ َر الْ َمغْ ِ‬ ‫ض َينْظُرُونَ إَِليْ َ‬‫مَ َر ٌ‬
‫ش ْونَ النّاسَ‬ ‫ب عََلْيهِمُ الْ ِقتَالُ إِذَا فَرِي ٌق ِمْنهُ ْم يَخْ َ‬
‫قِيلَ َلهُمْ ُكفّوا َأيْ ِديَكُ ْم َوأَقِيمُوا الصّل َة وَآتُوا الزّكَاةَ فَلَمّا ُكِت َ‬
‫شَيةً وَقَالُوا َرّبنَا ِلمَ َكتَْبتَ عََليْنَا اْلقِتَالَ َلوْل أَخّ ْرتَنَا إِلَى َأجَلٍ قَرِيبٍ قُ ْل َمتَاعُ ال ّدْنيَا‬ ‫شَيةِ اللّهِ َأوْ َأشَدّ خَ ْ‬‫كَخَ ْ‬
‫قَلِي ٌل وَالْآخِ َرةُ َخيْرٌ لِمَ ِن اّتقَى وَل تُظْلَمُونَ َفتِيلً} (النساء‪.)77:‬‬

‫وما ف القرآن من الض على الهاد والترغيب فيه وذم الناكلي عنه والتاركي له‪،‬كله ذم الب ‪ ،‬ولا‬
‫كان صلح بن آدم ل يتم ف دينهم ودنياهم إل بالشجاعة والكرم ‪ ،‬بي سبحانه أن من تول عن الهاد‬
‫بنفسه أبدل ال به من يقوم بذلك‪ ،‬فقال‪ { :‬يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا مَا َلكُمْ إِذَا قِيلَ َلكُمُ اْنفِرُوا فِي َسبِيلِ اللّهِ‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا فِي الْآخِ َرةِ إِلّا قَلِيلٌ ‪ .‬إِلّ‬
‫ع الْ َ‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا مِ َن الْآخِ َرةِ فَمَا َمتَا ُ‬ ‫اثّاقَ ْلتُمْ إِلَى الْأَ ْرضِ أَرَضِيتُ ْم بِالْ َ‬
‫سَتبْدِلْ َقوْما َغيْرَكُ ْم وَل َتضُرّوهُ َشيْئا وَاللّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ} (التوبة‪:‬‬ ‫َتنْفِرُوا ُيعَ ّذبْكُ ْم عَذَابا أَلِيما َويَ ْ‬
‫‪ .39-38‬وقال تعال‪ {:‬هَا َأنْتُ ْم َهؤُلءِ تُ ْد َع ْونَ ِلُتْن ِفقُوا فِي َسبِيلِ اللّهِ فَ ِمْنكُ ْم مَ ْن َيبْخَ ُل َومَ ْن َيبْخَلْ فَِإنّمَا‬
‫ستَبْ ِدلْ َقوْما َغيْرَكُ ْم ثُ ّم ل َيكُونُوا َأمْثَاَلكُمْ} (ممد‪:‬‬ ‫َيبْخَ ُل عَ ْن َنفْسِهِ وَاللّ ُه اْل َغنِ ّي َوأَْنتُ ُم اْل ُفقَرَاءُ َوِإنْ َتَتوَّلوْا يَ ْ‬
‫سَتوِي ِمنْكُ ْم مَنْ َأْنفَ َق مِنْ َقبْلِ‬ ‫‪ .)38‬وبالشجاعة والكرم ف سبيل ال فضلّ السابقي ‪ ،‬فقال‪ { :‬ل يَ ْ‬
‫سنَى } (الديد‪:‬‬ ‫الْ َفتْ ِح وَقَاتَلَ أُوَلئِكَ َأعْظَمُ دَرَ َج ًة مِ َن الّذِينَ َأْن َفقُوا مِ ْن َبعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّا َوعَدَ اللّ ُه الْحُ ْ‬
‫‪.)10‬‬
‫وقد ذكر الهاد بالنفس والال ف سبيله ‪،‬ومدحه ف غي آية من كتابه ‪ ،‬وذلك هو الشجاعة و السماحة‬
‫ف طاعته سبحانه ‪ ،‬فقال‪ { :‬كَ ْم مِنْ ِفَئةٍ قَلِيَلةٍ غََلبَتْ ِفَئةً َكثِ َيةً بِإِ ْذنِ اللّ ِه وَاللّ ُه مَ َع الصّابِرِينَ}(البقرة‪ :‬من‬
‫الية ‪ .)249‬وقال تعال ‪ { :‬يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِذَا َلقِيتُمْ ِفَئةً فَاْثُبتُوا وَاذْ ُكرُوا اللّهَ َكثِيا َلعَّلكُ ْم ُتفْلِحُونَ‬
‫صبِرُوا إِنّ اللّ َه مَ َع الصّابِرِينَ} (لنفال‪:‬‬ ‫‪َ .‬وأَطِيعُوا اللّ َه وَ َرسُولَهُ وَل َتنَا َزعُوا َفَتفْشَلُوا َوتَ ْذ َهبَ رِ ُيكُمْ وَا ْ‬
‫‪ .)46-45‬والشجاعة ليست هي قوة البدن ‪ ،‬وقد يكون الرجل قوي البدن ضعيف القلب ‪ ،‬وإنا هي‬
‫قوة القلب وثباته ‪،‬فإن القتال مداره على قوة البدن و صنعته للقتال ‪ ،‬وعلى قوة القلب وخبته به ‪،‬‬
‫والحمود منهما ما كان بعلم ومعرفة ‪ ،‬دون التهور الذي ل يفكر صاحبه ‪،‬ول ييز بي الحمود و‬
‫الذموم ‪ ،‬ولذا كان القوي الشديد الذي يلك نفسه عند الغضب ‪ ،‬حت يفعل ما يصلح ‪ ،‬فأما الغلوب‬
‫حي غضبه فليس بشجاع و ل شديد ‪ .‬وقد تقدم أن جاع ذلك هو الصب ‪ ،‬فإنه لبد منه ‪ .‬والصب‬
‫صبان ‪:‬صب عند الغضب‪ ،‬وصب عند الصيبة ‪ ،‬كما قال السن ‪ :‬ما ترع عبد جرعة أعظم من جرعة‬
‫حلم عند الغضب ‪،‬وجرعة صب عند الصيبة ‪ ،‬وذلك لن أصل ذلك هو الصب على الؤل ‪،‬وهذا‬
‫الشجاع الشديد الذي يصب على الؤل ‪ .‬والؤل إن كان ما يكن دفعه أثار الغضب ‪ ،‬و إن كان ما ل‬
‫يكن دفعه أثار الزن ‪،‬ولذا يمر الوجه عند الغضب لثوران الدم عند استشعار القدرة ‪ ،‬ويصفر عند‬
‫الزن لغور الدم عند استشعار العجز ‪ ،‬ولذا جع النب صلى ال عليه وسلم ف الديث الصحيح الذي‬
‫رواه مسلم عن ابن مسعود رضي ال عنه قال‪ :‬قال النب صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬ماتعدون الرقوب‬
‫فيكم ؟ قالوا ‪ :‬الرقوب الذي ل يولد له ‪ ،‬قال ‪ :‬ليس ذلك بالرقوب ! ولكن الرقوب الرجل الذي ل‬
‫يقدم من ولده شيئا ‪ ،‬ث قال ‪ :‬ما تعدون الصرعة فيكم ؟ قلنا ‪ :‬الذي ل تصرعه الرجال فقال ‪ :‬ليس‬
‫بذلك ولكن الصرعة الذي يلك نفسه عند الغضب )) ‪.‬فذكر ما يتضمن الصب عند الصيبة والصب عند‬
‫الغضب ‪،‬قال ال تعال ف الصيبة ‪َ { :‬وبَشّ ِر الصّابِرِينَ‪ .‬الّذِينَ إِذَا أَصَاَبتْهُ ْم ُمصِيَبةٌ قَالُوا ِإنّا ِللّ ِه َوإِنّا إَِليْهِ‬
‫صَبرُوا َومَا يَُلقّاهَا إِلّا ذُو‬ ‫رَا ِجعُونَ} (البقرة‪ )156:‬الية ‪ .‬وقال تعال ف الغضب ‪َ {:‬ومَا يَُلقّاهَا إِلّا الّذِينَ َ‬
‫ظ عَظِيمٍ} (فصلت‪ )35:‬وهذا المع بي صب الصيبة وصب الغضب نظي المع بي صب النعمة‬ ‫حَ ّ‬
‫{ وصب الصيبة } كما ف قوله تعال‪) :‬وََلئِنْ أَذَ ْقنَا اْلأِنْسَانَ ِمنّا َرحْ َم ًة ثُ ّم نَ َز ْعنَاهَا ِمنْهُ ِإنّهُ َلَيؤُوسٌ َكفُورٌ ‪.‬‬
‫صَبرُوا َوعَمِلُوا‬ ‫ت َعنّي ِإنّهُ َلفَ ِرحٌ فَخُورٌ ‪ .‬إِلّا الّذِينَ َ‬ ‫ستْهُ َليَقُولَنّ َذهَبَ السّّيئَا ُ‬
‫وََلئِنْ َأذَ ْقنَاهُ َنعْمَا َء َبعْدَ ضَرّا َء مَ ّ‬
‫الصّالِحَاتِ أُولَئِكَ َلهُ ْم َم ْغفِ َرةٌ َوأَ ْجرٌ َكبِيٌ} (هود‪ . )11-9:‬وقال تعال ‪ِ { :‬لكَيْل تَ ْأ َسوْا عَلَى مَا فَاَتكُمْ‬
‫وَل َتفْ َرحُوا بِمَا آتَاكُمْ } (الديد‪ )23:‬وبذا وصف كعب بن زهي من وصفه من الصحابة الهاجرين‬
‫حيث قال ‪ :‬ل يفرحون إذا نالت سيوفهم قوما وليسوا مازيعا إذا نيلوا وكذلك قال حسان بن ثابت ‪:‬‬
‫ل يفخرون إن هم أصابوا من عدوهم وإن أصيبوا فل خور ول هلع وقال بعض العرب ف صفة النب‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يغلب فل يبطر ‪ ،‬ويُغلب فل يضجر‪ .‬ولا كان الشيطان يدعو الناس عند هذين‬
‫النوعي إل تعدي الدود بقلوبم و أصواتم وأيديهم ‪ ،‬نى النب صلى ال عليه وسلم عن ذلك فقال‬
‫لا قيل له ‪ :‬وقد بكى لا رأى إبراهيم ف النع أتبكي؟ أو ل تنه عن البكاء؟ فقال ‪ (( :‬إنا نيت عن‬
‫صوتي أحقي فاجرين ‪ :‬صوت عند نغمة لو ولعب ومزامي شيطان ‪ ،‬وصوت عند مصيبة لطم خدود‬
‫وشق جيوب ودعاء بدعوى الاهلية)) فجمع بي الصوتي ‪.‬‬

‫وأما نيه عن ذلك ف الصائب فمثل قوله صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬ليس منّا من لطم الدود وشق‬
‫اليوب ودعا بدعوى جاهلية )) ‪ .‬وقال ‪ ((:‬أنا بريء من الالقة والصالقة والشاقة ))‪ .‬وقال ‪ (( :‬ما‬
‫كان من العي والقلب فمن ال وما كان من اليد و اللسان فمن الشيطان )) ‪ .‬وقال ‪ (( :‬إن ال ل‬
‫يؤاخذ على دمع العي ول حزن القلب ‪ ،‬ولكن يعذب بذا أو يرحم _ و أشار إل لسانه ))‪ .‬وقال ‪((:‬‬
‫من ينح عليه فإنه يعذب ما نيح عليه ))‪ .‬و اشترط عل النساء ف البيعة أن ل ينحن ‪ ،‬وقال ‪ ((:‬إن‬
‫النائحة إذا ل تتب قبل موتا فإنا تلبس يوم القيامة درعا من جرب وسربالً من قطران ))‪ .‬وقال ف‬
‫الغلبة والصائب والفرح ‪ ((:‬إن ال كتب الحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ‪ ،‬وإذا ذبتم‬
‫فأحسنوا الذبة ‪،‬وليحد أحدكم شفرته وليح ذبيحته ))‪ .‬وقال ‪ (( :‬إن أعف الناس قتلة أهل اليان ))‪.‬‬
‫وقال‪ (( :‬ل تثلوا ول تغدروا ‪ ،‬ول تقتلوا وليدا ))‪ .‬إل غي ذلك ما أمر به ف الهاد من العدل وترك‬
‫ج ِر َمنّكُ ْم َشنَآنُ َق ْو ٍم عَلَى أَلّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا ُهوَ أَقْرَبُ لِلّت ْقوَى }‬
‫العدوان ‪ ،‬اتباعا لقوله تعال ‪ { :‬وَل يَ ْ‬
‫حبّ‬ ‫(الائدة‪ )8:‬وقوله تعال ‪ { :‬وَقَاتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّ ِه الّذِي َن ُيقَاتِلُوَنكُ ْم وَل َتعْتَدُوا إِنّ اللّ َه ل يُ ِ‬
‫الْ ُمعْتَدِي َن } (البقرة‪ .)190:‬ونى عن لبس الرير وتتم الذهب ‪ ،‬والشرب ف آنية الذهب والفضة ‪ ،‬و‬
‫إطالة الثياب ‪ ،‬إل غي ذلك من أنواع السرف واليلء ف النعم ‪ ،‬وذم الذين يستحلون الر والرير‬
‫حبّ مَنْ كَانَ‬ ‫والمر والعازف ‪ ،‬وجعل فيهم السف والسخ ‪ ،‬وقد قال ال تعال ‪ِ { :‬إنّ اللّ َه ل يُ ِ‬
‫حبّ‬ ‫ختَالً فَخُورا} (النساء‪ :‬من الية ‪ )36‬وقال عن قارون‪ {:‬إِذْ قَالَ لَهُ َق ْومُهُ ل َتفْ َرحْ ِإنّ اللّ َه ل يُ ِ‬ ‫مُ ْ‬
‫الْفَ ِرحِيَ} (القصص‪ :‬من الية ‪ . )76‬وهذه المور الثلثة مع الصب عن العتداء ف الشهوة هي جوامع‬
‫هذا الباب ‪.‬‬
‫وذلك أن النسان بي ما يبه ويشتهيه ‪ ،‬وبي ما يبغضه ويكرهه ‪ ،‬فهو يطلب الول بحبته وشهوته ‪،‬‬
‫ويدفع الثان ببغضه ونفرته ‪ ،‬وإذا حصل الول أو اندفع الثان أوجب له فرحا وسرورا ‪،‬و إن حصل‬
‫الثان أو اندفع الول حصل له حزن ‪ ،‬فهو متاج عند الحبة والشهوة أن يصب عن عدوانما ‪ ،‬وعند‬
‫الغضب والنفرة أن يصب عن عدوانما ‪ ،‬وعند الفرح أن يصب عن عدوانه ‪ ،‬وعند الصيبة أن يصب عن‬
‫الزع منها ‪ ،‬فالنب صلى ال عليه وسلم ذكر الصوتي الحقي الفاجرين ‪ :‬الصوت الذي يوجب‬
‫العتداء ف الفرح حت يصي النسان فرحا فخورا‪ ،‬و الصوت الذي يوجب الزع ‪ .‬وأما الصوت الذي‬
‫يثي الغضب ل ‪ ،‬كالصوات الت تقال ف الهاد من الشعار النشدة ‪،‬فتلك ل تكن بآلت ‪ ،‬وكذلك‬
‫أصوات الشهوة ف الفرح فرخص منها فيما وردت به السنة من الضرب بالدف ف العراس والفراح‬
‫للنساء والصبيان ‪ .‬وعامة الشعار الت تنشد بالصوات لتحريك النفوس هي من هذه القسام الربعة ‪،‬‬
‫وهي التشبيب ‪ ،‬وأشعار الغضب والمية ‪ ،‬وهي الماسة والجاء ‪،‬وأشعار الصائب كالراثي‪ ،‬وأشعار‬
‫النعم والفرح ‪ ،‬وهي الدائح ‪ .‬والشعراء جرت عادتم أن يشوا مع الطبع ‪ ،‬كما قال ال تعال ‪ { :‬أَلَمْ‬
‫تَرَ َأّنهُمْ فِي كُ ّل وَا ٍد َيهِيمُونَ‪َ .‬وَأّنهُ ْم َيقُولُونَ مَا ل َي ْفعَلُونَ} (الشعراء‪ .)226-225:‬ولذا أخب أنم‬
‫يتبعهم الغاوون ‪ ،‬و الغاوي ‪ :‬هو الذي يتبع هواه بغي علم ‪،‬وهذا هو الغي ‪ ،‬وهو خلف الرشد ‪،‬كما‬
‫أن الضال الذي ل يعلم مصلحته هو خلف الهتدي ‪ ،‬قال ال سبحانه وتعال ‪ {:‬وَالنّجْمِ إِذَا َهوَى ‪ .‬مَا‬
‫ضَلّ صَا ِحبُكُ ْم َومَا َغوَى} ولذا قال النب صلى ال عليه وسلم ‪ ((:‬عليكم بسنت وسنة اللفاء‬
‫الراشدين الهديي من بعدي )) ‪ .‬فلهذا تدهم يدحون جنس الشجاعة وجنس السماحة ‪ ،‬إذا عدم‬
‫هذين مذموما على الطلق‪ ،‬وأما وجودها ‪ ،‬فبه تصل مقاصد النفوس على الطلق ‪ ،‬لكن العاقبة ف‬
‫ذلك للمتقي ‪ ،‬وأما غي التقي فلهم عاجلة ل عاقبة ‪،‬والعاقبة و إن كانت ف الخرة فتكون ف الدينا‬
‫ت عََليْكَ‬ ‫ح ا ْهبِطْ بِسَلمٍ ِمنّا َوبَرَكَا ٍ‬ ‫أيضا ‪ ،‬كما قال تعال لا ذكر قصة نوح وناته بالسفينة ‪ {:‬قِي َل يَا نُو ُ‬
‫صِبرْ إِ ّن اْلعَاِقبَةَ‬
‫س ُه ْم ِمنّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}‪ .‬إل قوله ‪ {:‬فَا ْ‬ ‫َوعَلَى ُأمَ ٍم مِمّنْ َمعَكَ َوُأمَ ٌم َسنُ َمّتعُهُ ْم ثُ ّم يَمَ ّ‬
‫لِلْ ُمّتقِيَ}(هود‪ . )49-48:‬وقال ‪ { :‬فَمَ ِن ا ْعتَدَى عََليْكُمْ فَا ْعتَدُوا عََليْ ِه بِ ِمثْ ِل مَا اعْتَدَى عََلْيكُ ْم وَاتّقُوا‬
‫ي } (البقرة‪ :‬من الية ‪. )194‬‬ ‫اللّ َه وَاعْلَمُوا َأنّ اللّ َه مَ َع الْ ُمّتقِ َ‬

‫والفرقان ‪ :‬أن يمد من ذلك ما حده ال ورسوله ‪ ،‬فإن ال تعال هو الذي حد زين‪ ،‬وذم شي ‪ ،‬دون‬
‫غيه من الشعراء والطباء وغيهم‪ ،‬ولذا لا قال القائل من بن تيم للنب صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إن‬
‫حدي زين وذمي شي قال له ‪ (( :‬ذلك ل ))‪ .‬وال سبحانه حد الشجاعة والسماحة ف سبيله ‪ ،‬كما‬
‫ف الصحيح عن أب موسى قال ‪ :‬قيل ‪ :‬يارسول ال الرجل يقاتل شجاعة ‪ ،‬ويقاتل حيّة ‪،‬ويقاتل رياء ‪،‬‬
‫فأي ذلك ف سبيل ال ؟ فقال ‪ (( :‬من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا فهو ف سبيل ال )) وقد قال‬
‫سبحانه ‪ { :‬وَقَاتِلُوهُمْ َحتّى ل َتكُونَ ِفْتَن ٌة َويَكُونَ الدّينُ لِلّهِ} (البقرة‪ :‬من الية ‪ .)193‬وذلك أن هذا‬
‫ت الْجِ ّن وَاْلأِْنسَ إِلّا ِلَيعْبُدُونِ} (الذريات‪:‬‬
‫هو القصود الذي خلق اللق له ‪ ،‬كم قال تعال ‪َ {:‬ومَا َخَلقْ ُ‬
‫‪ .)56‬فكل ما كان لجل الغاية الت خلق لا اللق كان ممودا عند ال‪ ،‬وهو الذي يبقى لصاحبه ‪،‬‬
‫وهذه العمال الصالات ‪.‬‬
‫ولذا كان الناس أربعة أصناف ‪ :‬من يعمل ل بشجاعة وساحة ‪ ،‬فهؤلء هم الؤمنون الستحقون‬
‫للجنة ‪ ،‬ومن يعمل لغي ال بشجاعة وساحة فهذا ينتفع بذلك ف الدنيا وليس له ف الخرة من خلق ‪،‬‬
‫ومن يعمل ل لكن ل بشجاعة ول ساحة ‪ ،‬فهذا فيه من النفاق ونقص اليان بقدر ذلك ‪ ،‬ومن ليعمل‬
‫ل وليس فيه شجاعة ول ساحة ‪ ،‬فهذا ليس له دنيا و ل آخرة ‪.‬‬

‫فهذه الخلق و الفعال يتاج إليها الؤمن عموما ‪ ،‬وخصوصا ف أوقات الحن والفت الشديدة ‪ ،‬فإنم‬
‫يتاجون إل صلح نفوسهم ودفع الذنوب عن نفوسهم عند القتضى للفتنة عندهم ‪ ،‬ويتاجون أيضا‬
‫إل أمر غيهم ونيه بسب قدرتم ‪ ،‬وكل من هذين المرين فيه من الصعوبة ما فيه ‪ ،‬وإن كان يسيا‬
‫على من يسره ال عليه ‪ ،‬وهذا لن ال أمر الؤمني باليان والعمل الصال ‪ ،‬وأمرهم بدعوة الناس‬
‫وجهادهم على اليان والعمل الصال ‪ ،‬كما قال ال تعال‪ { :‬وََلَيْنصُ َرنّ اللّ ُه مَ ْن َيْنصُ ُرهُ ِإنّ اللّهَ َل َقوِيّ‬
‫ف َوَن َهوْا عَ ِن الْ ُمنْكَ ِر وَِللّهِ‬‫عَزِيزٌ‪ .‬الّذِينَ ِإنْ َم ّكنّاهُمْ فِي اْلأَ ْرضِ أَقَامُوا الصّل َة وَآَتوُا الزّكَاةَ َوَأمَرُوا بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا َوَيوْمَ‬
‫عَاِقبَ ُة اْلأُمُورِ} (الج‪ . )41-40:‬وقال تعال‪ { :‬إِنّا َلَنْنصُرُ ُرسَُلنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِي الْ َ‬
‫ي عَزِيزٌ} (الجادلة‪:‬‬ ‫َيقُو ُم الَْأ ْشهَادُ} (غافر‪ .)51:‬وكما قال ‪َ {:‬كَتبَ اللّهُ َلَأغِْلبَنّ َأنَا َو ُرسُلِي ِإنّ اللّهَ َقوِ ّ‬
‫‪ . )21‬وكما قال ‪{ :‬وَِإنّ ُجنْ َدنَا َلهُ ُم اْلغَالِبُونَ} (الصافات‪ . )173:‬ولا كان ( ف ) المر بالعروف‬
‫والنهي عن النكر والهاد ف سبيل ال من البتلء والحن ما يعرض به الرء للفتنة ‪،‬صار ف الناس من‬
‫يتعلل لترك ماوجب عليه من ذلك بأنه يطلب السلمة من الفتنة ‪ ،‬كما قال عن النافقي ‪َ { :‬و ِمنْهُ ْم مَنْ‬
‫َيقُو ُل ائْ َذنْ لِي وَل َتفِْتنّي أَل فِي الْ ِفْتَنةِ َسقَطُوا } الية ‪ .‬وقد ذكر ف التفسي أنا نزلت ف الد بن قيس‬
‫لا أمره النب صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬بالتجهز لغزو الروم ‪ ،‬وأظنه قال‪ (( :‬هل لك ف نساء بن‬
‫الصفر ؟ )) فقال يارسول ال‪ :‬إن رجل ل أصب عن النساء و إن أخاف الفتنة بنساء بن الصفر ‪،‬‬
‫فائذن ل ول تفتن ‪ ،‬وهذا الد هو الذي تلف عن بيعة الرضوان تت الشجرة ‪ ،‬واستتر بمل أحر ‪،‬‬
‫وجاء فيه الديث ‪ (( :‬إن كلهم مغفور له إل صاحب المل الحر )) ‪ .‬فأنزل ال تعال فيه‪َ { :‬ومِْنهُمْ‬
‫مَ ْن َيقُولُ ائْ َذنْ لِي وَل َتفِْتنّي أَل فِي الْ ِفْتَنةِ َسقَطُوا}(التوبة‪ :‬من الية ‪ .)49‬يقول ‪ :‬إنه طلب القعود‬
‫ليسلم من فتنة النساء ‪ ،‬فل يفتت بن ‪ ،‬فيحتاج إل الحتراز من الحظور وماهدة نفسه عنه فيتعذب‬
‫بذلك أو يواقعه فيأث ‪ ،‬فإن من رأى الصور الميلة و أحبها فإن ل يتمكن منها إما لتحري الشارع و إما‬
‫للعجز عنها يعذب قلبه ‪ ،‬و إن قدر عليها وفعل الحظور هلك‪ ،‬وف اللل من ذلك من معالة النساء‬
‫ما فيه بلء فهذا وجه قوله‪{ :‬وَل َت ْفِتنّي}‪ .‬قال ال تعال‪ { :‬أَل فِي اْل ِفتَْن ِة َسقَطُوا} (التوبة‪ :‬من الية‬
‫‪ . )49‬يقول نفس إعراضه عن الهاد الواجب ونكوله عنه وضعف إيانه ومرض قلبه الذي زين له ترك‬
‫الهاد ‪ :‬فتنة عظيمة قد سقط فيها ‪ ،‬فكيف يطلب التخلص من فتنة صغية ل تصبه بوقوعه ف فتنة‬
‫عظيمة قد أصابته؟ وال يقول ‪ { :‬وَقَاتِلُوهُمْ َحتّى ل تَكُونَ ِفْتَن ٌة َويَكُونَ الدّينُ لِلّه} (البقرة‪ :‬من الية‬
‫‪ . )193‬فمن ترك القتال الذي أمر ال به لئل تكون فتنة ‪ :‬فهو ف الفتنة ساقط با وقع فيه من ريب قلبه‬
‫ومرض فؤاده‪ ،‬وتركه ما أمر ال به من الهاد ‪.‬‬
‫فتدبر هذا ‪ ،‬فإن هذا مقام خطر ‪ ،‬فإن الناس هنا ثلثة أقسام ‪ :‬قسم يأمرون وينهون ويقاتلون ‪ ،‬طلبا‬
‫لزالة الفتنة الت زعموا ‪،‬ويكون فعلهم ذلك أعظم فتنة ‪ ،‬كالقتتلي ف الفتنة الواقعة بي المة ‪ .‬وأقوام‬
‫ينكلون عن المر والنهي والقتال الذي يكون به الدين كله ل وتكون كلمة ال هي العليا ‪ ،‬لئل يفتنوا ‪،‬‬
‫وهم سقطوا ف الفتنة ‪ ،‬وهذه الفتنة الذكورة ف ( سورة براءة ) دخل فيها الفتتان بالصور الميلة ‪،‬‬
‫فإنا سبب نزول الية ‪،‬وهذه حال كثي من التديني ‪ ،‬يتركون ما يب عليهم من أمر وني و جهاد‬
‫يكون به الدين كله ل وتكون كلمة ال هي العليا ‪ ،‬لئل يفتنوا بنس الشهوات ‪ ،‬وهم قد وقعوا ف‬
‫الفتنة الت هي أعظم ما زعموا أنم فروا منه ‪ ،‬وإنا الواجب عليهم القيام بالواجب وترك الحظور ‪ ،‬وها‬
‫متلزمان ‪ ،‬وإنا تركوا ذلك لكون نفوسهم ل تطاوعهم إل على فعلهما جيعا أو تركهما جيعا ‪ :‬مثل‬
‫كثي من يب الرئاسة أو الال وشهوات الغي ‪ ،‬فإنه إذا فعل ما وجب عليه من أمر وني وجهاد وإمارة‬
‫ونو ذلك فلبد أن يفعل شيئا من الحظورات ‪ .‬فالواجب عليه أن ينظر أغلب المرين ‪ .‬فإن كان‬
‫الأمور أعظم أجرا من ترك ذلك الحظور ل يترك ذلك لا ياف أن يقترن به ما هو دونه ف الفسدة ‪،‬‬
‫وإن كان ترك الحظور أعظم أجرا ل يفوت ذلك برجاء ثواب بفعل واجب يكون دون ذلك فذلك‬
‫يكون با يتمع له من المرين من السنات والسيئات ‪،‬فهذا هذا ‪ ،‬وتفصيل ذلك يطول ‪ .‬وكل بشر‬
‫على وجه الرض فلبد له من أمر وني ‪ ،‬ولبد أن يأمر وينهى حت لو أنه وحده لكان يأمر نفسه‬
‫وينهاها ‪ ،‬إما بعروف وإما بنكر ‪،‬كما قال تعال‪ { :‬إِ ّن النّ ْفسَ َلَأمّا َرةٌ بِالسّوء} (يوسف‪ :‬من الية‬
‫‪ .)53‬فإن المر هو طلب الفعل وإرادته ‪ ،‬والنهي طلب الترك وإرادته ‪ ،‬ولبد لكل حي من إرادة‬
‫وطلب ف نفسه يقتضي بما فعل غيه إذا أمكن ذلك‪ ،‬فإن النسان حي يتحرك بإرادته‪ ،‬وبنوا آدم ل‬
‫يعيشوا إل باجتماع بعضهم مع بعض ‪ ،‬وإذا اجتمع اثنان فصاعدا فلبد أن يكون بينهما ائتمار بأمر‬
‫وتناه عن أمر ‪،‬ولذا كان أقل الماعة ف الصلة اثني ‪،‬كما قيل ‪ :‬الثنان فما فوقهما جاعة ‪ ،‬لكن لا‬
‫كان ذلك اشتراكا ف مرد الصلة حصل باثني أحدها أمام و الخر مأموم ‪ ،‬كما قال النب صلى ال‬
‫عليه وسلم لالك بن الويرث وصاحبه ‪ (( :‬إذا حضرت الصلة فأذنا وأقيما ‪ ،‬وليؤمكما أكبكما ))‬
‫وكان متقاربي ف القراءة ‪ .‬وأما المور العادية ففي السنن أنه صلى ال عليه وسلم قال ‪ (( :‬ل يل‬
‫لثلثة يكونون ف سفر إل أمرو عليهم أحدهم ))‪.‬‬

‫وإذا كان المر والنهي من لوازم وجود بن آدم ‪ ،‬فمن ل يأمر بالعروف الذي أمر ال به ورسوله وينه‬
‫عن النكر الذي نى ال عنه ورسوله ‪،‬ويؤمر بالعروف الذي أمر ال به ورسوله ‪،‬وينه عن النكر الذي‬
‫نى ال عنه ورسوله ‪،‬وإل فلبد أن يأمر وينهى ‪،‬ويؤمر ويُنهى‪ ،‬إما با يضاد ذلك ‪ ،‬وإما با يشترك فيه‬
‫الق الذي أنزل ال بالباطل الذي ل ينله ال ‪ .‬وإذا اتذ ذلك دينا ‪،‬كان دينا مبتدعا ‪ .‬وهذا كما أن‬
‫كل بشر فإنه متحرك بإرادته هام حارث ‪ ،‬فمن ل تكن نيته صالة وعمله عملً صالا لوجه ال وإل‬
‫شتّى} (الليل‪. )4:‬‬ ‫كان عملً فاسدا أو لغي وجه ال ‪ ،‬وهو الباطل ‪،‬كما قال تعال‪ِ{ :‬إنّ َس ْعيَكُمْ لَ َ‬
‫وهذه العمال كلها باطله ‪ .‬من جنس أعمال الكفار ‪ { :‬الّذِينَ َكفَرُوا وَصَدّوا عَ ْن َسبِيلِ اللّهِ أَضَلّ‬
‫سبُهُ الظّمْآنُ مَاءً َحتّى‬ ‫ب ِبقِي َع ٍة يَحْ َ‬‫َأعْمَاَلهُمْ} (ممد‪ . )1:‬وقال تعال ‪ { :‬وَالّذِينَ َكفَرُوا َأعْمَاُلهُمْ كَسَرَا ٍ‬
‫ج ْدهُ َشيْئا َووَ َجدَ اللّ َه ِعنْدَهُ َفوَفّاهُ حِسَابَ ُه وَاللّ ُه سَرِي ُع الْحِسَابِ} (النور‪ .)39:‬وقال‪:‬‬ ‫إِذَا جَا َءهُ لَ ْم يَ ِ‬
‫جعَ ْلنَا ُه َهبَاءً َمْنثُورا} (الفرقان‪ . )23:‬وقد أمر ال ف كتابه بطاعته‬ ‫{ وَقَ ِد ْمنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِ ْن عَ َملٍ فَ َ‬
‫وطاعة رسوله وطاعة أول المر من الؤمني ‪،‬كما قال تعال‪ { :‬يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا َأطِيعُوا اللّ َه َوَأطِيعُوا‬
‫ال ّرسُو َل َوأُولِي الَْأمْ ِر ِمْنكُمْ َفِإنْ َتنَا َز ْعتُمْ فِي َشيْءٍ فَ ُردّوهُ إِلَى اللّ ِه وَال ّرسُولِ ِإنْ ُكْنتُ ْم ُت ْؤمِنُونَ بِاللّهِ وَاْلَي ْومِ‬
‫الْآخِرِ ذَلِكَ َخيْ ٌر َوأَحْسَ ُن َت ْأوِيلً} (النساء‪ . )59:‬و ( أولو المر ) أصحاب المر وذووه ‪ ،‬وهم الذين‬
‫يأمرون الناس ‪ ،‬وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكلم ‪ ،‬فلهذا كان أولو المر صنفي‬
‫‪ :‬العلماء والمراء ‪ ،‬فإذا صلحوا صلح الناس ‪ ،‬وإذا فسدوا فسد الناس كما قال أبو بكر الصديق رضي‬
‫ال عنه للحسية لا سألته ‪ :‬ما بقاؤنا على هذا المر ؟ قال ‪ :‬ما استقامت لكم أئمتكم‪ ،‬ويدخل فيهم‬
‫اللوك والشايخ وأهل الديوان ‪ ،‬وكل من كان متبوعا فإنه من أول المر ‪ ،‬وعلى كل واحد من هؤلء‬
‫أن يأمر با أمر ال به ‪ ،‬وينهى عما نى عنه ‪ ،‬وعلى كل واحد من عليه طاعته أن يطيعه ف طاعة ال ‪،‬‬
‫ول يطيعه ف معصية ال ‪،‬كما قال أبو بكر الصديق رضي ال عنه حي تول أمر السلمي وخطبهم ‪،‬‬
‫فقال ف خطبته ‪:‬أيها الناس ‪ :‬القوي فيكم الضعيف عندي حت آخذ منه الق ‪ ،‬والضعيف فيكم القوي‬
‫عندي حت آخذ له الق ‪ ،‬أطيعون ما أطعت ال فإذا عصيت ال فل طاعة ل عليكم ‪.‬‬

‫فصل‪:‬‬
‫و إذا كانت جيع السنات لبد فيها من شيئي ‪ :‬أن يراد با وجه ال ‪ ،‬و أن تكون موافقة للشريعة ‪،‬‬
‫فهذا ف القوال والفعال ‪ ،‬ف الكلم الطيب ‪ ،‬والعمل الصال ‪ ،‬ف المور العلمية والمور العبادية ‪،‬‬
‫ولذا ثبت ف الصحيح عن النب ‪ (( :‬أن أول ثلثة تسجر بم جهنم ‪ :‬رجل تعلم العلم وعلمه وقرأ‬
‫القرآن وأقرأه ليقول الناس ‪ :‬هو عال وقارئ ‪ ،‬ورجل قاتل وجاهد ليقول الناس ‪ :‬هو شجاع و جريء ‪،‬‬
‫ورجل تصدق وأعطى ليقول الناس ‪ :‬جواد سخي )) ‪.‬‬

‫فإن هؤلء الثلثة الذين يريدون الرياء والسمعة هم بإزاء الثلثة الذين بعد النبيي من الصديقي والشهداء‬
‫والصالي ‪ ،‬فإن من تعلم العلم الذي بعث ال به رسله و علمه لوجه ال كان صديقا ‪ ,‬ومن قاتل‬
‫لتكون كلمة ال هي العليا وقتل كان شهيدا‪ ،‬ومن تصدق يبتغي بذلك وجه ال كان صالا ‪،‬ولذا‬
‫يسأل الفرط ف ماله الرجعة وقت الوت ‪ ،‬كما قال ابن عباس ‪ :‬من أعطي مالً فلم يج منه ول يزك‬
‫سأل الرجعة وقت الوت ‪ ،‬وقرأ قوله تعال ‪َ ( :‬وَأْن ِفقُوا مِ ْن مَا رَزَ ْقنَاكُ ْم مِنْ َقبْلِ َأنْ يَ ْأِتيَ أَ َحدَكُ ُم الْ َموْتُ‬
‫ق َوأَكُ ْن مِ َن الصّالِحِيَ) (النافقون‪.)10:‬‬ ‫َفَيقُولَ رَبّ َلوْل أَخّ ْرَتنِي إِلَى أَ َجلٍ قَرِيبٍ َفأَصّ ّد َ‬

‫فهذه المور العلمية الكلمية يتاج الخب با أن يكون ما يب به عن ال واليوم الخر‪ ،‬وما كان وما‬
‫يكون ‪ ،‬حقا صوابا ‪ .‬وما يأمر به وينهى عنه كما جاءت به الرسل عن ال ‪ ،‬فهذا هو الصواب الوافق‬
‫للسنة والشريعة ‪ ،‬التبع لكتاب ال وسنة رسوله ‪ ،‬كما أن العبادات الت يتعبد العباد به إذا كانت ما‬
‫شرعه ال وأمر ال به ورسوله ‪ :‬كانت حقا صوابا‪ ،‬موافقا لا بعث ال به رسله ‪ ،‬ومال يكن كذلك من‬
‫القسمي كان من الباطل والبدع الضلة والهل ‪ ،‬وإن كان يسميه من يسميه علوما ومعقولت ‪،‬‬
‫وعبادات وماهدات ‪،‬وأذواقا ومقامات ‪.‬‬

‫ويتاج أيضا أن يؤمر بذلك لمر ال ‪ ،‬وينهى عنه لنهي ال ‪ ،‬ويب با أخب ال به ‪ ،‬لنه حق وإيان‬
‫وهدى كما أخبت به الرسل ‪ ،‬كما تتاج العبادة أن يقصد با وجه ال ‪ ،‬فإذا قيل ذلك لتباع الوى‬
‫والمية ‪ ،‬أو لظهار العلم والفضيلة‪ ،‬أو لطلب السمعة والرياء ‪ :‬كان بنلة القاتل شجاعة وحية ورياء‬
‫‪.‬‬

‫ومن هنا يتبي لك ما وقع فيه كثي من أهل العلم والقال ‪ ،‬وأهل العبادة والال ‪ ،‬فكثيا ما يقول هؤلء‬
‫من القوال ما هو خلف الكتاب والسنة ووفاقها ‪ ،‬وكثيا ما يتعبد هؤلء بعبادات ل يأمر ال با ‪ ،‬بل‬
‫قد نى عنها ‪ ،‬أو ما يتضمن مشروعا مظورا ‪ ،‬وكثيا ما يقاتل هؤلء قتالً مالفا للقتال الأمور به ‪ ،‬أو‬
‫متضمنا لأمور مظور ‪.‬‬

‫ث كل من القسام الثلثة ‪ :‬الأمور ‪ ،‬والحظور ‪ ،‬والشتمل على المرين قد يكون لصاحبه نية حسنة ‪،‬‬
‫وقد يكون متبعا لواه ‪،‬وقد يتمع له هذا وهذا ‪.‬‬
‫فهذه تسعة أقسام ف هذه المور ‪ ،‬وف الموال النفقة عليها من الموال السلطانية ‪ ،‬الفيء وغيه ‪،‬‬
‫والموال الوقوفة ‪ ،‬و الموال الوصى با والنذورة ‪ ،‬وأنواع العطايا والصدقات والصلت ‪ ،‬وهذا كله‬
‫من لبس الق بالباطل ‪ ،‬وخلط عمل صال و آخر سيئ ‪.‬‬

‫والسيئ من ذلك قد يكون صاحبه مطئا أو ناسيا مغفورا له كالجتهد الخطئ الذي له أجر وخطؤه‬
‫مغفور له ‪،‬وقد يكون صغيا مكفرا باجتناب الكبائر ‪،‬وقد يكون مغفورا بتوبة أو بسنات تحو‬
‫السيئات ‪ ،‬أو مكفرا بصائب الدنيا ونو ذلك ‪ ،‬إل أن دين ال الذي أنزل به كتبه وبعث به رسله ما‬
‫تقدم من إرادة ال وحدة بالعمل الصال ‪ ،‬وهذا هو السلم العام الذي ل يقبل ال من أحد غيه ‪ ،‬قال‬
‫تعال‪َ ( :‬ومَ ْن َيبْتَ ِغ َغيْ َر اْلأِسْلمِ دِينا َفلَ ْن ُي ْقبَلَ ِمنْ ُه َو ُهوَ فِي الْآخِ َر ِة مِ َن الْخَاسِرِينَ) (آل عمران‪ .)85:‬وقال‬
‫حكِيمُ ‪.‬‬
‫تعال ‪َ ( :‬شهِدَ اللّهُ َأنّهُ ل إِلَهَ إِلّا ُهوَ وَالْمَلِئ َكةُ َوأُولُو اْلعِلْمِ قَائِما بِاْلقِسْطِ ل إِلَهَ إِلّا ُهوَ اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫إِنّ الدّي َن ِعنْدَ اللّهِ الِْأسْلمُ ) (آل عمران‪. )19-18:‬‬

‫والسلم يمع معنيي ‪ :‬أحدها الستسلم والنقياد ‪ ،‬فل يكون متكبا ‪ ،‬والثان الخلص من قوله‬
‫ل سَلما لرجل ))‪ .‬فل يكون مشركا ‪ ،‬وهو أن يسلم العبد ل رب العالي ‪ ،‬كما قال‬ ‫تعال ‪ (( :‬ورج ً‬
‫تعال‪َ ( :‬ومَ ْن يَ ْر َغبُ عَ ْن مِّلةِ ِإبْرَاهِيمَ إِلّا مَ ْن َسفِ َه َنفْسَهُ وََلقَ ِد اصْ َط َفْينَاهُ فِي ال ّدنْيَا َوِإنّهُ فِي الْآخِ َرةِ لَ ِمنَ‬
‫ب اْلعَالَمِيَ‪َ .‬ووَصّى ِبهَا ِإبْرَاهِي ُم َبنِيهِ َوَي ْعقُوبُ يَا َبنِيّ ِإنّ‬ ‫حيَ‪ .‬إِذْ قَالَ لَهُ َربّهُ َأسْلِمْ قَالَ َأسَْل ْمتُ ِلرَ ّ‬ ‫الصّالِ ِ‬
‫اللّ َه اصْ َطفَى َلكُمُ الدّينَ فَل تَمُوتُنّ إِلّا َوَأْنتُ ْم مُسْلِمُونَ) (البقرة‪ . )132-130:‬وقال تعال ‪ {:‬قُلْ ِإّننِي‬
‫لتِي‬ ‫صَ‬ ‫سَتقِيمٍ دِينًا ِقيَمًا مّّلةَ إِبْرَاهِيمَ َحنِيفًا َومَا كَانَ مِ َن الْمُشْرِكِيَ ‪ُ .‬قلْ إِنّ َ‬ ‫ط مّ ْ‬‫هَدَانِي َربّي إِلَى صِرَا ٍ‬
‫ي }(النعام‪. )162-161:‬‬ ‫حيَايَ َومَمَاتِي لِلّهِ رَبّ الْعَالَ ِم َ‬ ‫َونُسُكِي َو َم ْ‬
‫والسلم يستعمل لزما معدى برف اللم ‪ ،‬مثل ما ذكر ف هذه اليات ‪،‬ومثل قوله تعال‪َ ( :‬وَأنِيبُوا‬
‫ب ثُ ّم ل ُتنْصَرُونَ) (الزمر‪ . )54:‬ومثل قوله تعال ‪:‬‬ ‫إِلَى َرّبكُ ْم َوَأسْلِمُوا لَهُ مِنْ َقبْلِ أَ ْن َيأِْتَيكُمُ الْعَذَا ُ‬
‫ب اْلعَالَمِيَ) (النمل‪ :‬من الية ‪ .)44‬ومثل‬ ‫ت مَ َع سَُليْمَانَ لِلّهِ رَ ّ‬ ‫ت َنفْسِي َوَأسْلَ ْم ُ‬ ‫( قَاَلتْ رَبّ ِإنّي ظَلَ ْم ُ‬
‫ض َطوْعا وَكَرْها َوإِلَيْ ِه يُرْ َجعُونَ) (آل‬ ‫ت وَالْأَ ْر ِ‬ ‫قوله ‪ ( :‬أََفغَيْرَ دِينِ اللّ ِه َيْبغُونَ وَلَهُ َأسَْل َم مَنْ فِي السّمَاوَا ِ‬
‫عمران‪ .)83:‬ومثل قوله ‪ ( :‬قُلْ َأنَ ْدعُو مِنْ دُونِ اللّ ِه مَا ل َيْن َفعُنَا وَل َيضُ ّرنَا َونُ َر ّد عَلَى أَ ْعقَاِبنَا َبعْدَ إِذْ‬
‫ب يَ ْدعُونَهُ إِلَى الْهُدَى اْئتِنَا قُلْ ِإ ّن هُدَى‬ ‫هَدَانَا اللّهُ كَالّذِي ا ْسَت ْهوَتْهُ الشّيَاطِيُ فِي الْأَ ْرضِ َحيْرَانَ لَهُ أَصْحَا ٌ‬
‫ب الْعَالَ ِميَ‪َ .‬وأَنْ أَقِيمُوْا الصّل َة وَاّتقُوهُ)(النعام‪.)71:‬‬ ‫اللّ ِه ُهوَ اْلهُدَى َوُأمِ ْرنَا ِلنُسْلِمَ ِلرَ ّ‬
‫جّنةَ إِلّا مَنْ كَا َن هُودا َأوْ َنصَارَى‬ ‫ويستعمل متعديا مقرونا بالحسان ‪ ،‬كقوله تعال‪ (:‬وَقَالُوا لَ ْن يَدْخُلَ الْ َ‬
‫تِلْكَ َأمَانِّيهُمْ قُ ْل هَاتُوا بُ ْرهَاَنكُمْ إِنْ ُكْنتُمْ صَادِِقيَ ‪ .‬بَلَى مَنْ َأسْلَ َم وَ ْجهَهُ لِلّهِ وَ ُه َو مُحْسِنٌ َفلَهُ أَ ْج ُرهُ ِعنْدَ‬
‫ف عََلْيهِ ْم وَل هُمْ يَحْ َزنُونَ) (البقرة‪ .)112-111:‬وقوله‪َ (:‬ومَنْ أَحْسَنُ دِينا مِمّنْ َأسْلَمَ‬ ‫َربّ ِه وَل َخوْ ٌ‬
‫وَ ْجهَهُ لِلّ ِه َو ُهوَ مُحْسِ ٌن وَاتّبَ َع مِّلةَ ِإبْرَاهِيمَ َحنِيفا وَاتّخَذَ اللّهُ ِإبْرَاهِيمَ خَلِيلً) (النساء‪.)125:‬‬
‫فقد أنكر أن يكون دين أحسن من هذا الدين ‪ ،‬وهو إسلم الوجه ل مع الحسان ‪ ،‬و أخب أن كل من‬
‫أسلم وجهه ل وهو مسن فله أجره عند ربه ول خوف عليهم ول هم يزنون ‪ ،‬أثبتت هذه الكلمة‬
‫الامعة والقضية العامة ردا لا زعم من زعمه أن ل يدخل النة إل متهود أو متنصر ‪.‬‬
‫وهذان الوصفان – وها إسلم الوجه ل ‪ ،‬والحسان – ها الصلن التقدمان ‪ ،‬وها‪ :‬كون العمل‬
‫خالصا ل ‪ ،‬صوابا موافقا للسنة والشريعة ‪ ،‬وذلك أن إسلم الوجه ل هو متضمن للقصد والنية ل ‪،‬‬
‫كما قال بعضهم ‪:‬‬
‫رب العباد إليه الوجه والعمل‬ ‫استغفر ال ذنبا لست مصيه‬
‫وقد استعمل هنا أربعة ألفاظ‪ :‬إسلم الوجه ‪ ،‬وإقامة الوجه ‪ ،‬كقوله تعال ‪َ ( :‬وأَقِيمُوا وُجُو َهكُمْ عِنْدَ‬
‫كُ ّل مَسْجِدٍ)(العراف‪ :‬من الية ‪ . )29‬وقوله ‪َ (:‬فأَقِ ْم وَ ْجهَكَ لِلدّينِ َحنِيفا فِ ْطرَتَ اللّ ِه الّتِي فَطَ َر النّاسَ‬
‫عََلْيهَا)(الروم‪ :‬من الية ‪ .)30‬وتوجيه الوجه كقول الليل ‪ (( :‬إن وجهت وجهي للذي فطر السموات‬
‫والرض حنيفا وما أنا من الشركي )) ‪ .‬وكذلك كان النب‪ :‬يقول ف دعاء الستفتاح ف صلته ‪:‬‬
‫(( وجهت وجهي للذي فطر السموات والرض حنيفا وما أنا من الشركي ))‪ .‬وف الصحيحي عن‬
‫الباء بن عازب عن النب صلى ال عليه وسلم ما يقول إذا أوى إل فراشه ‪ (( :‬اللهم أسلمت نفسي‬
‫إليك ووجهت وجهي إليك ))‪.‬‬
‫فالوجه يتناول التوجه والتوجه إليه‪ ،‬ويتناول التوجه نوه كما يقال‪ :‬أي وجه تريد ؟ أي‪ :‬أي وجهة‬
‫وناحية تقصد ‪ ،‬وذلك أنما متلزمان ‪ ،‬فحيث توجه النسان توجه وجهه ‪ ،‬ووجه مستلزم لتوجهه ‪،‬‬
‫وهذا ف باطنه وظاهره جيعا ‪ ،‬فهذه أربعة أمور ‪ ،‬والباطن هو الصل‪ ،‬والظاهر هو الكمال والشعار فإذا‬
‫توجه قلبه إل شيء تبعه وجهه الظاهر ‪،‬فإذا كان العبد قصده ومراده وتوجهه إل ال فهذا صلح إرادته‬
‫وقصده ‪ ،‬فإذا كان مع ذلك مسنا فقد اجتمع أن يكون عمله صالا ول يشرك بعبادة ربه أحدا ‪ ،‬وهو‬
‫قول عمر رضي ال عنه ‪ :‬اللهم اجعل عملي كله صالا و اجعله لوجهك خالصا ‪ ،‬ول تعل لحد فيه‬
‫شيئا ‪ ,‬والعمل الصال هو الحسان ‪ ،‬وهو فعل السنات وهو ما أمر ال به ‪ ،‬والذي أمر ال به هو‬
‫الذي شرعه ال ‪ ،‬وهو الوافق لسنة ال وسنة رسوله ‪ ،‬فقد أخب ال تعال أنه من أخلص قصده ل وكان‬
‫مسنا ف عمله فإنه مستحق للثواب سال من العقاب ‪.‬‬

‫ولذا كان أئمة السلف يمعون هذين الصلي ‪،‬كقول الفضيل بن عياض ف قوله تعال‪ِ ( :‬لَيبُْلوَكُمْ َأيّكُمْ‬
‫أَحْسَ ُن عَ َملً) (اللك‪ :‬من الية ‪ . )2‬قال ‪ :‬أخلصه وأصوبه ‪ ،‬فقيل ‪ :‬يا أبا علي ! ما أخلصه وأصوبه ؟‬
‫فقال ‪ :‬إن العمل إذا كان صوابا ول يكن خالصا ل يقبل ‪،‬و إذا كان خالصا ول يكن صوابا ل يقبل‬
‫حت يكون خالصا صوابا ‪ .‬والالص ‪ :‬أن يكون ل ‪ ،‬والصواب ‪ :‬أن يكون على السنة‪.‬‬

‫وقد روى ابن شاهي والللكائي عن سعيد بن جبي قال ‪ :‬ل يقبل قول وعمل إل بنية ‪،‬ول يقبل قول‬
‫وعمل ونية إل بوافقة السنة ‪ ،‬ورويا عن السن البصري مثله ‪ ،‬ولفظه ‪ (( :‬ل يصلح )) مكان يقبل ‪،‬‬
‫وهذا فيه رد على الرجئة الذين يعلون مرد القول كافيا ‪ ،‬فأخب أنه ل بد من قول وعمل ‪،‬إ ذ اليان‬
‫قول و عمل ‪ ،‬لبد من هذين ‪،‬كما قد بسطناه ف غي هذا الوضع وبينا أن مرد تصديق القلب واللسان‬
‫مع البغض والستكبار ل يكون إيانا – باتفاق الؤمني – حت يقترن بالتصديق عمل ‪.‬‬

‫وأصل العمل عمل القلب ‪ ،‬وهو الب والتعظيم الناف للبغض والستكبار ‪ ،‬ث قالوا‪ :‬ول يقبل قول‬
‫وعمل إل بنية ‪ ،‬وهذا ظاهر ‪ ،‬فإن القول والعمل إذا ل يكن خالصا ل تعال ل يقبله ال تعال ‪ ،‬ث قالوا‬
‫‪ :‬ول يقبل قول و عمل ونية إل بوافقة السنة ‪ ،‬وهي الشريعة ‪،‬وهي ما أمر ال به ورسوله لن القول‬
‫والعمل والنية الذين ل يكون مسنونا مشروعا قد أمر ال به‪ :‬يكون بدعة ليس ما يبه ال ‪ ،‬فل يقبله ال‬
‫‪ ،‬ول يصلح ‪ :‬مثل أعمال الشركي و أهل الكتاب ‪.‬‬

‫ولفظ (( السنة )) ف كلم السلف يتناول السنة ف ا لعبادات وف العتقادات ‪،‬وإن كان كثي من صنف‬
‫ف السنة يقصدون الكلم ف العتقادات ‪ ،‬وهذا كقول ابن مسعود وأب بن كعب وأب الدرداء رضي‬
‫ال عنهم ‪ :‬اقتصاد ف سنة خي من اجتهاد ف بدعة ‪ ،‬وأمثال ذلك ‪.‬‬

‫والمد ل رب العالي وصلواته على ممد وآله الطاهرين و أصحابه أجعي‪.‬‬

You might also like