You are on page 1of 45

‫الرسالة‬

‫الكملية‬
‫شيخ السلم ابن تيمية‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫‪1‬‬
‫سئل شيخ السلم ‪ - :‬قدس ال روحه‬
‫قال السائل ‪ :‬السئول من علماء السلم والسادة العلم ‪ -‬أحسن ال ثوابم‬
‫وأكرم نزلم ومآبم ‪ -‬أن يرفعوا حجاب الجال ويكشفوا قناع الشكال عن "‬
‫مقدمة " جيع أرباب اللل والنحل متفقون عليها ومستندون ف آرائهم إليها ؛‬
‫حاشا مكابرا منهم معاندا وكافرا بربوبية ال جاحدا ‪ .‬وهي أن يقال ‪ " :‬هذه صفة‬
‫كمال فيجب ل إثباتا وهذه صفة نقص فيتعي انتفاؤها " لكنهم ف تقيق مناطها‬
‫ف أفراد الصفات متنازعون وف تعيي الصفات لجل القسمي متلفون ‪ " .‬فأهل‬
‫السنة " يقولون ‪ :‬إثبات السمع والبصر والياة والقدرة والعلم والكلم وغيها من‬
‫" الصفات البية " كالوجه واليدين والعيني والغضب والرضا و " الصفات الفعلية‬
‫" ‪ -‬كالضحك والنول والستواء ‪ -‬صفات كمال وأضدادها صفات نقصان ‪" .‬‬
‫والفلسفة " تقول ‪ :‬اتصافه بذه الصفات إن أوجب له كمال فقد استكمل بغيه‬
‫فيكون ناقصا بذاته وإن أوجب له نقصا ل يز اتصافه با ‪ " .‬والعتزلة " يقولون ‪:‬‬
‫لو قامت بذاته صفات وجودية لكان مفتقرا إليها وهي مفتقرة إليه فيكون الرب‬
‫مفتقرا إل غيه ؛ ولنا أعراض ل تقوم إل بسم ‪ .‬والسم مركب والركب‬
‫مكن متاج وذلك عي النقص ‪ .‬ويقولون أيضا ‪ :‬لو قدر على العباد أعمالم‬
‫وعاقبهم عليها ‪ :‬كان ظالا وذلك نقص ‪ .‬وخصومهم يقولون ‪ :‬لو كان ف ملكه‬
‫ما ل يريده لكان ناقصا ‪ " .‬والكلبية ومن تبعهم " ينفون صفات أفعاله ويقولون ‪:‬‬
‫لو قامت به لكان مل للحوادث ‪ .‬والادث إن أوجب له كمال فقد عدمه قبله‬
‫وهو نقص وإن ل يوجب له كمال ل يز وصفه به ‪ " .‬وطائفة منهم " ينفون‬
‫صفاته البية لستلزامها التركيب الستلزم للحاجة والفتقار ‪ .‬وهكذا نفيهم أيضا‬
‫لحبته لنا مناسبة بي الحب والحبوب ومناسبة الرب للخلق نقص ‪ :‬وكذا رحته‬
‫لن الرحة رقة تكون ف الراحم وهي ضعف وخور ف الطبيعة وتأل على الرحوم‬

‫‪2‬‬
‫وهو نقص ‪ .‬وكذا غضبه لن الغضب غليان دم القلب طلبا للنتقام ‪ .‬وكذا نفيهم‬
‫لضحكه وتعجبه لن الضحك خفة روح تكون لتجدد ما يسر واندفاع ما يضر ‪.‬‬
‫والتعجب استعظام للمتعجب منه ‪ .‬و " منكرو النبوات " يقولون ‪ :‬ليس اللق‬
‫بنلة أن يرسل إليهم رسول كما أن أطراف الناس ليسوا أهل أن يرسل السلطان‬
‫إليهم رسول ‪ .‬و " الشركون " يقولون ‪ :‬عظمة الرب وجلله يقتضي أن ل‬
‫يتقرب إليه إل بواسطة وحجاب فالتقرب إليه ابتداء من غي شفاء ووسائط غض‬
‫من جنابه الرفيع ‪ .‬هذا وإن القائلي بذه " القدمة " ل يقولون بقتضاها ول‬
‫يطردونا فلو قيل لم ‪ :‬أيا أكمل ؟ ذات توصف بسائر أنواع الدراكات ‪ :‬من‬
‫الشم والذوق واللمس أم ذات ل توصف با كلها ؟ لقالوا الول أكمل ول يصفوا‬
‫با كلها الالق ‪ .‬و ( بالملة فالكمال والنقص من المور النسبية والعان الضافية‬
‫فقد تكون الصفة كمال لذات ونقصا لخرى وهذا نو الكل والشرب والنكاح ‪:‬‬
‫كمال للمخلوق نقص للخالق وكذا التعاظم والتكب والثناء على النفس ‪ :‬كمال‬
‫للخالق نقص للمخلوق وإذا كان المر كذلك فلعل ما تذكرونه من صفات‬
‫الكمال إنا يكون كمال بالنسبة إل الشاهد ول يلزم أن يكون كمال للغائب كما‬
‫بي ؛ ل سيما مع تباين الذاتي ‪ .‬وإن قلتم ‪ :‬نن نقطع النظر عن متعلق الصفة‬
‫وننظر فيها هل هي كمال أو نقص ؟ فلذلك نيل الكم عليها بأحدها لنا قد‬
‫تكون كمال لذات نقصا لخرى على ما ذكر ‪ .‬وهذا من العجب أن " مقدمة "‬
‫وقع عليها الجاع هي منشأ الختلف والناع فرضي ال عمن بي لنا بيانا يشفي‬
‫العليل ويمع بي معرفة الكم وإيضاح الدليل إنه تعال سيع الدعاء وأهل الرجاء‬
‫وهو حسبنا ونعم الوكيل ‪.‬‬
‫فأجاب رضي ال عنه المد ل ‪ .‬الواب عن هذا السؤال مبن على " مقدمتي " ‪.‬‬
‫( إحداها أن يعلم أن الكمال ثابت ل بل الثابت له هو أقصى ما يكن من‬

‫‪3‬‬
‫الكملية بيث ل يكون وجود كمال ل نقص فيه إل وهو ثابت للرب تعال‬
‫يستحقه بنفسه القدسة وثبوت ذلك مستلزم نفي نقيضه ؛ فثبوت الياة يستلزم‬
‫نفي الوت وثبوت العلم يستلزم نفي الهل وثبوت القدرة يستلزم نفي العجز وأن‬
‫هذا الكمال ثابت له بقتضى الدلة العقلية والباهي اليقينية مع دللة السمع على‬
‫ذلك ‪ .‬ودللة القرآن على المور ( نوعان ‪ ( :‬أحدها خب ال الصادق فما أخب‬
‫ال ورسوله به فهو حق كما أخب ال به ‪ .‬و ( الثان دللة القرآن بضرب المثال‬
‫وبيان الدلة العقلية الدالة على الطلوب ‪ .‬فهذه دللة شرعية عقلية فهي " شرعية "‬
‫لن الشرع دل عليها وأرشد إليها ؛ و " عقلية " لنا تعلم صحتها بالعقل ‪ .‬ول‬
‫يقال ‪ :‬إنا ل تعلم إل بجرد الب ‪ .‬وإذا أخب ال بالشيء ودل عليه بالدللت‬
‫العقلية ‪ :‬صار مدلول عليه ببه ‪ .‬ومدلول عليه بدليله العقلي الذي يعلم به فيصي‬
‫ثابتا بالسمع والعقل وكلها داخل ف دللة القرآن الت تسمى " الدللة الشرعية "‬
‫‪ .‬وثبوت " معن الكمال " قد دل عليه القرآن بعبارات متنوعة دالة على معان‬
‫متضمنة لذا العن ‪ .‬فما ف القرآن من إثبات المد له وتفصيل مامده وأن له الثل‬
‫العلى وإثبات معان أسائه ونو ذلك ‪ :‬كله دال على هذا العن ‪ .‬وقد ثبت لفظ‬
‫" الكامل " فيما رواه ابن أب طلحة عن ابن عباس ف تفسي ‪ { :‬قل هو ال أحد‬
‫} { ال الصمد } أن " الصمد " هو الستحق للكمال وهو السيد الذي كمل ف‬
‫سؤدده والشريف الذي قد كمل ف شرفه والعظيم الذي قد كمل ف عظمته‬
‫والكم الذي قد كمل ف حكمه والغن الذي قد كمل ف غناه والبار الذي قد‬
‫كمل ف جبوته والعال الذي قد كمل ف علمه والكيم الذي قد كمل ف حكمته‬
‫وهو الشريف الذي قد كمل ف أنواع الشرف والسؤدد وهو ال سبحانه وتعال ‪.‬‬
‫وهذه صفة ل تنبغي إل له ليس له كفؤ ول كمثله شيء ‪ .‬وهكذا سائر صفات‬
‫الكمال ول يعلم أحد من المة نازع ف هذا العن ؛ بل هذا العن مستقر ف فطر‬

‫‪4‬‬
‫الناس ؛ بل هم مفطورون عليه فإنم كما أنم مفطورون على القرار بالالق ؛‬
‫فإنم مفطورون على أنه أجل وأكب وأعلى وأعلم وأعظم وأكمل من كل شيء ‪.‬‬
‫وقد بينا ف غي هذا الوضع أن القرار بالالق وكماله يكون فطريا ضروريا ف حق‬
‫من سلمت فطرته وإن كان مع ذلك تقوم عليه الدلة الكثية وقد يتاج إل الدلة‬
‫عليه كثي من الناس عند تغي الفطرة وأحوال تعرض لا ‪ .‬وأما لفظ " الكامل " ‪:‬‬
‫فقد نقل الشعري عن البائي أنه كان ينع أن يسمى ال كامل ويقول ‪ :‬الكامل‬
‫الذي له أبعاض متمعة ‪ .‬وهذا الناع إن كان ف العن فهو باطل ؛ وإن كان ف‬
‫اللفظ فهو نزاع لفظي ‪ .‬و ( القصود هنا أن ثبوت الكمال له ونفي النقائص عنه‬
‫ما يعلم بالعقل ‪ .‬وزعمت " طائفة من أهل الكلم " كأب العال والرازي والمدي‬
‫وغيهم ‪ :‬أن ذلك ل يعلم إل بالسمع الذي هو " الجاع " وأن نفي الفات‬
‫والنقائص عنه ل يعلم إل بالجاع وجعلوا الطريق الت با نفوا عنه ما نفوه إنا هو‬
‫نفي مسمى السم ونو ذلك ؛ وخالفوا ما كان عليه شيوخ متكلمة الصفاتية ؛‬
‫كالشعري والقاضي وأب بكر وأب إسحاق ومن قبلهم من السلف والئمة ف‬
‫إثبات السمع والبصر والكلم له بالدلة العقلية وتنيهه عن النقائص بالدلة العقلية‬
‫‪ .‬ولذا صار هؤلء يعتمدون ف إثبات هذه الصفات على مرد السمع ويقولون ‪:‬‬
‫إذا كنا نثبت هذه الصفات بناء على نفي الفات ونفي الفات إنا يكون بالجاع‬
‫الذي هو دليل سعي والجاع إنا يثبت بأدلة سعية من الكتاب والسنة قالوا ‪:‬‬
‫والنصوص الثبتة للسمع والبصر والكلم ‪ :‬أعظم من اليات الدالة على كون‬
‫الجاع حجة فالعتماد ف إثباتا ابتداء على الدليل السمعي الذي هو القرآن أول‬
‫وأحرى ‪ .‬والذي اعتمدوا عليه ف النفي من نفي مسمى التحيز ونوه ‪ -‬مع أنه‬
‫بدعة ف الشرع ل يأت به كتاب ول سنة ؛ ول أثر عن أحد من الصحابة والتابعي‬
‫‪ -‬هو متناقض ف العقل ل يستقيم ف العقل ؛ فإنه ما من أحد ينفي شيئا خوفا من‬

‫‪5‬‬
‫كون ذلك يستلزم أن يكون الوصوف به جسما إل قيل له فيما أثبته نظي ما قاله‬
‫فيما نفاه ؛ وقيل له فيما نفاه نظي ما يقوله فيما أثبته ؛ كالعتزلة لا أثبتوا أنه حي‬
‫عليم قدير ؛ وقالوا ‪ :‬إنه ل يوصف بالياة والعلم والقدرة والصفات ؛ لن هذه‬
‫أعراض ل يوصف با إل ما هو جسم ؛ ول يعقل موصوف إل جسم ‪ .‬فقيل لم ‪:‬‬
‫فأنتم وصفتموه بأنه حي عليم قدير ول يوصف شيء بأنه عليم حي قدير إل ما هو‬
‫جسم ول يعقل موصوف بذه الصفات إل ما هو جسم فما كان جوابكم عن‬
‫الساء كان جوابنا عن الصفات فإن جاز أن يقال بل يسمى بذه الساء ما ليس‬
‫بسم جاز أن يقال ‪ :‬فكذلك يوصف بذه الصفات ما ليس بسم وأن يقال ‪:‬‬
‫هذه الصفات ليست أعراضا وإن قيل ‪ :‬لفظ السم " ممل " أو " مشترك " وأن‬
‫السمى بذه الساء ل يب أن ياثله غيه ول أن يثبت له خصائص غيه ؛ جاز أن‬
‫يقال ‪ :‬الوصوف بذه الصفات ل يب أن ياثله غيه ول أن يثبت له خصائص‬
‫غيه ‪ .‬وكذلك إذا قال نفاة الصفات العلومة بالشرع أو بالعقل مع الشرع كالرضا‬
‫والغضب والب والفرح ونو ذلك ‪ :‬هذه الصفات ل تعقل إل لسم ‪ .‬قيل لم‬
‫هذه بنلة الرادة والسمع ‪ :‬والبصر والكلم فما لزم ف أحدها لزم ف الخر مثله‬
‫‪ .‬وهكذا نفاة الصفات من الفلسفة ونوهم إذا قالوا ثبوت هذه الصفات يستلزم‬
‫كثرة العان فيه وذلك يستلزم كونه جسما أو مركبا قيل لم ‪ :‬هذا كما أثبتم أنه‬
‫موجود واجب قائم بنفسه وأنه عاقل ومعقول وعقل ولذيذ وملتذ ولذة وعاشق‬
‫ومعشوق وعشق ونو ذلك ‪ .‬فإن قالوا ‪ :‬هذه ترجع إل معن واحد قيل لم ‪ :‬إن‬
‫كان هذا متنعا بطل الفرق وإن كان مكنا أمكن أن يقال ف تلك مثل هذه فل‬
‫فرق بي صفة وصفة ‪ .‬والكلم على ثبوت الصفات وبطلن أقوال النفاة مبسوط‬
‫ف غي هذا الوضع ‪ .‬والقصود هنا ‪ :‬أن نبي أن ثبوت الكمال ل معلوم بالعقل‬
‫وأن نقيض ذلك منتف عنه فإن العتماد ف الثبات والنفي على هذه الطريق‬

‫‪6‬‬
‫مستقيم ف العقل والشرع ؛ دون تلك خلف ما قاله هؤلء التكلمون ‪ .‬وجهور‬
‫أهل الفلسفة والكلم ‪ :‬يوافقون على أن الكمال ل ثابت بالعقل والفلسفة تسميه‬
‫التمام وبيان ذلك من وجوه ‪ ( - :‬منها أن يقال ‪ :‬قد ثبت أن ال قدي بنفسه‬
‫واجب الوجود بنفسه قيوم بنفسه خالق بنفسه إل غي ذلك من خصائصه ‪.‬‬
‫والطريقة العروفة ف وجوب الوجود تقال ف جيع هذه العان ‪ .‬فإذا قيل ‪ :‬الوجود‬
‫إما واجب وإما مكن والمكن ل بد له من واجب فيلزم ثبوت الواجب على‬
‫التقديرين فهو مثل أن يقال ‪ :‬الوجود إما قدي وإما حادث والادث ل بد له من‬
‫قدي فيلزم ثبوت القدي على التقديرين والوجود إما غن وإما فقي والفقي ل بد له‬
‫من الغن فلزم وجود الغن على التقديرين ‪ .‬والوجود إما قيوم بنفسه وإما غي قيوم‬
‫وغي القيوم ل بد له من القيوم ؛ فلزم ثبوت القيوم على التقديرين ‪ .‬والوجود إما‬
‫ملوق وإما غي ملوق والخلوق ل بد له من خالق غي ملوق ؛ فلزم ثبوت الالق‬
‫غي الخلوق على التقديرين ونظائر ذلك متعددة ‪ .‬ث يقال ‪ :‬هذا الواجب القدي‬
‫الالق إما أن يكون ثبوت الكمال الذي ل نقص فيه للممكن الوجود مكنا له وإما‬
‫أن ل يكون ‪ .‬والثان متنع ؛ لن هذا مكن للموجود الحدث الفقي المكن ؛‬
‫فلن يكن للواجب الغن القدي بطريق الول والحرى ؛ فإن كلها موجود ‪.‬‬
‫والكلم ف الكمال المكن الوجود الذي ل نقص فيه ‪ .‬فإذا كان الكمال المكن‬
‫الوجود مكنا للمفضول فلن يكن للفاضل بطريق الول ؛ لن ما كان مكنا لا‬
‫هو ف وجوده ناقص فلن يكن لا هو ف وجوده أكمل منه بطريق الول ل سيما‬
‫وذلك أفضل من كل وجه فيمتنع اختصاص الفضول من كل وجه بكمال ل يثبت‬
‫للفضل من كل وجه بل ما قد ثبت من ذلك للمفضول فالفاضل أحق به ؛ فلن‬
‫يثبت للفاضل بطريق الول ‪ .‬ولن ذلك الكمال إنا استفاده الخلوق من الالق‬
‫والذي جعل غيه كامل هو أحق بالكمال منه ؛ فالذي جعل غيه قادرا أول‬

‫‪7‬‬
‫بالقدرة والذي علم غيه أول بالعلم والذي أحيا غيه أول بالياة ‪ .‬والفلسفة‬
‫توافق على هذا ويقولون ‪ :‬كل كمال للمعلول فهو من آثار العلة والعلة أول به ‪.‬‬
‫وإذا ثبت إمكان ذلك له ؛ فما جاز له من ذلك الكمال المكن الوجود فإنه‬
‫واجب له ل يتوقف على غيه فإنه لو توقف على غيه ل يكن موجودا له إل‬
‫بذلك الغي وذلك الغي إن كان ملوقا له لزم " الدور القبلي " المتنع ؛ فإن ما ف‬
‫ذلك الغي من المور الوجودية فهي منه ويتنع أن يكون كل من الشيئي فاعل‬
‫للخر وهذا هو " الدور القبلي " فإن الشيء يتنع أن يكون فاعل لنفسه فلن يتنع‬
‫أن يكون فاعل لفاعله بطريق الول والحرى ‪ .‬وكذلك يتنع أن يكون كل من‬
‫الشيئي فاعل لا به يصي الخر فاعل ويتنع أن يكون كل من الشيئي معطيا‬
‫للخر كماله ؛ فإن معطي الكمال أحق بالكمال ؛ فيلزم أن يكون كل منهما‬
‫أكمل من الخر وهذا متنع لذاته فإن كون هذا أكمل يقتضي أن هذا أفضل من‬
‫هذا وهذا أفضل من هذا وفضل أحدها ينع مساواة الخر له فلن ينع كون‬
‫الخر أفضل بطريق الول ‪ .‬وأيضا فلو كان كماله موقوفا على ذلك الغي ‪ :‬للزم‬
‫أن يكون كماله موقوفا على فعله لذلك الغي وعلى معاونة ذلك الغي ف كماله‬
‫ومعاونة ذلك الغي ف كماله موقوف عليه ؛ إذ فعل ذلك الغي وأفعاله موقوفة على‬
‫فعل البدع ل تفتقر إل غيه فيلزم أن ل يكون كماله موقوفا على غيه ‪ .‬فإذا قيل‬
‫‪ :‬كماله موقوف على ملوقه ‪ :‬لزم أن ل يتوقف على ملوقه وما كان ثبوته‬
‫مستلزما لعدمه كان باطل من نفسه ‪ .‬وأيضا فذلك الغي كل كمال له فمنه وهو‬
‫أحق بالكمال منه ولو قيل يتوقف كماله عليه ل يكن متوقفا إل على ما هو من‬
‫نفسه وذلك متوقف عليه ل على غيه ‪ .‬وإن قيل ‪ :‬ذلك الغي ليس ملوقا بل واجبا‬
‫آخر قديا بنفسه ‪ .‬فيقال ‪ :‬إن كان أحد هذين هو العطي دون العكس فهو الرب‬
‫والخر عبده ‪ .‬وإن قيل ‪ :‬بل كل منهما يعطي للخر الكمال ‪ :‬لزم " الدور ف‬

‫‪8‬‬
‫التأثي " وهو باطل وهو من " الدور القبلي " ل من " الدور العي القتران " فل‬
‫يكون هذا كامل حت يعله الخر كامل والخر ل يعله كامل حت يكون ف‬
‫نفسه كامل ؛ لن جاعل الكامل كامل أحق بالكمال ول يكون الخر كامل حت‬
‫يعله كامل فل يكون واحد منهما كامل بالضرورة ؛ فإنه لو قيل ل يكون كامل‬
‫حت يعل نفسه كامل ول يعل نفسه كامل حت يكون كامل لكان متنعا ؛‬
‫فكيف إذا قيل حت يعل ما يعله كامل كامل ‪ .‬وإن قيل ‪ :‬كل واحد له آخر‬
‫يكمله إل غي ناية ‪ :‬لزم " التسلسل ف الؤثرات " وهو باطل بالضرورة واتفاق‬
‫العقلء ‪ .‬فإن تقدير مؤثرات ل تتناهى ‪ :‬ليس فيها مؤثر بنفسه ل يقتضي وجود‬
‫شيء منها ول وجود جيعها ول وجود اجتماعها والبدع للموجودات ل بد أن‬
‫يكون موجودا بالضرورة ‪ .‬فلو قدر أن هذا كامل فكماله ليس من نفسه بل من‬
‫آخر وهلم جرا ؛ للزم أن ل يكون لشيء من هذه المور كمال ؛ ولو قدر أن‬
‫الول كامل لزم المع بي النقيضي وإذا كان كماله بنفسه ل يتوقف على غيه ‪:‬‬
‫كان الكمال له واجبا بنفسه وامتنع تلف شيء من الكمال المكن عنه ؛ بل ما‬
‫جاز له من الكمال وجب له كما أقر بذلك المهور من أهل الفقه والديث‬
‫والتصوف والكلم والفلسفة وغيهم ؛ بل هذا ثابت ف مفعولته فما شاء كان‬
‫وما ل يشأ ل يكن وكان متنعا بنفسه أو متنعا لغيه ؛ فما ث إل موجود واجب‬
‫إما بنفسه وإما بغيه أو معدوم إما لنفسه وإما لغيه والمكن إن حصل مقتضيه‬
‫التام ‪ :‬وجب بغيه وإل كان متنعا لغيه ؛ والمكن بنفسه ‪ :‬إما واجب لغيه وإما‬
‫متنع لغيه ‪ .‬وقد بي ال سبحانه أنه أحق بالكمال من غيه وأن غيه ل يساويه ف‬
‫الكمال ف مثل قوله تعال { أفمن يلق كمن ل يلق أفل تذكرون } ؟ وقد بي‬
‫أن اللق صفة كمال وأن الذي يلق أفضل من الذي ل يلق وأن من عدل هذا‬
‫بذا فقد ظلم ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬ضرب ال مثل عبدا ملوكا ل يقدر على شيء‬

‫‪9‬‬
‫ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون المد ل بل‬
‫أكثرهم ل يعلمون } فبي أن كونه ملوكا عاجزا صفة نقص وأن القدرة واللك‬
‫والحسان صفة كمال وأنه ليس هذا مثل هذا وهذا ل و [ ذاك ] لا يعبد من‬
‫دونه ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬وضرب ال مثل رجلي أحدها أبكم ل يقدر على شيء‬
‫وهو كل على موله أينما يوجهه ل يأت بي هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل‬
‫وهو على صراط مستقيم } وهذا مثل آخر ‪ .‬فالول مثل العاجز عن الكلم وعن‬
‫الفعل الذي ل يقدر على شيء ‪ .‬والخر التكلم المر بالعدل الذي هو على صراط‬
‫مستقيم فهو عادل ف أمره مستقيم ف فعله ‪ .‬فبي أن التفضيل بالكلم التضمن‬
‫للعدل والعمل الستقيم فإن مرد الكلم والعمل قد يكون ممودا وقد يكون‬
‫مذموما ‪ .‬فالحمود هو الذي يستحق صاحبه المد فل يستوي هذا والعاجز عن‬
‫الكلم والفعل ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬ضرب لكم مثل من أنفسكم هل لكم من ما‬
‫ملكت أيانكم من شركاء ف ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تافونم كخيفتكم‬
‫أنفسكم كذلك نفصل اليات لقوم يعقلون } ‪ .‬يقول تعال ‪ :‬إذا كنتم أنتم ل‬
‫ترضون بأن الملوك يشارك مالكه لا ف ذلك من النقص والظلم فكيف ترضون‬
‫ذلك ل وأنا أحق بالكمال والغن منكم ؟ ‪ .‬وهذا يبي أنه تعال أحق بكل كمال‬
‫من كل أحد وهذا كقوله ‪ { :‬وإذا بشر أحدهم بالنثى ظل وجهه مسودا وهو‬
‫كظيم } { يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيسكه على هون أم يدسه ف‬
‫التراب أل ساء ما يكمون } { للذين ل يؤمنون بالخرة مثل السوء ول الثل‬
‫العلى وهو العزيز الكيم } { ولو يؤاخذ ال الناس بظلمهم ما ترك عليها من‬
‫دابة ولكن يؤخرهم إل أجل مسمى فإذا جاء أجلهم ل يستأخرون ساعة ول‬
‫يستقدمون } { ويعلون ل ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لم السن ل‬
‫جرم أن لم النار وأنم مفرطون } حيث كانوا يقولون ‪ :‬اللئكة بنات ال وهم‬

‫‪10‬‬
‫يكرهون أن يكون لحدهم بنت فيعدون هذا نقصا وعيبا ‪ .‬والرب تعال أحق‬
‫بتنيهه عن كل عيب ونقص منكم ؛ فإن له " الثل العلى " فكل كمال ثبت‬
‫للمخلوق ‪ :‬فالالق أحق بثبوته منه إذا كان مردا عن النقص وكل ما ينه عنه‬
‫الخلوق من نقص وعيب ‪ :‬فالالق أول بتنيهه عنه ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬هل يستوي‬
‫الذين يعلمون والذين ل يعلمون } وهذا يبي أن العال أكمل من ل يعلم ‪ .‬وقال‬
‫تعال ‪ { :‬وما يستوي العمى والبصي } { ول الظلمات ول النور } { ول‬
‫الظل ول الرور } فبي أن البصي أكمل والنور أكمل والظل أكمل ؛ وحينئذ‬
‫فالتصف به أول ‪ { .‬ول الثل العلى } ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬واتذ قوم موسى من‬
‫بعده من حليهم عجل جسدا له خوار أل يروا أنه ل يكلمهم ول يهديهم سبيل‬
‫اتذوه وكانوا ظالي } فدل ذلك على أن عدم التكلم والداية نقص وأن الذي‬
‫يتكلم ويهدي ‪ :‬أكمل من ل يتكلم ول يهدي والرب أحق بالكمال ‪ .‬وقال تعال‬
‫‪ { :‬قل هل من شركائكم من يهدي إل الق قل ال يهدي للحق أفمن يهدي إل‬
‫الق أحق أن يتبع أمن ل يهدي إل أن يهدى فما لكم كيف تكمون } فبي‬
‫سبحانه با هو مستقر ف الفطر أن الذي يهدي إل الق أحق بالتباع من ل‬
‫يهتدي إل أن يهديه غيه ؛ فلزم أن يكون الادي بنفسه هو الكامل ؛ دون الذي ل‬
‫يهتدي إل بغيه ‪ .‬وإذا كان ل بد من وجود الادي لغي الهتدي بنفسه فهو‬
‫الكمل وقال تعال ف الية الخرى ‪ { :‬أفل يرون أل يرجع إليهم قول ول يلك‬
‫لم ضرا ول نفعا } فدل على أن الذي يرجع إليه القول ويلك الضر والنفع ‪:‬‬
‫أكمل منه ‪ .‬وقال إبراهيم لبيه ‪ { :‬يا أبت ل تعبد ما ل يسمع ول يبصر ول يغن‬
‫عنك شيئا } فدل على أن السميع البصي الغن أكمل وأن العبود يب أن يكون‬
‫كذلك ‪ .‬ومثل هذا ف القرآن متعدد من وصف الصنام بسلب " صفات الكمال "‬
‫كعدم التكلم والفعل وعدم الياة ونو ذلك ما يبي أن التصف بذلك منتقص‬

‫‪11‬‬
‫معيب كسائر المادات وأن هذه الصفات ل تسلب إل عن ناقص معيب ‪ .‬وأما "‬
‫رب اللق " الذي هو أكمل من كل موجود فهو أحق الوجودات بصفات‬
‫الكمال وأنه ل يستوي التصف بصفات الكمال والذي ل يتصف با ؛ وهو يذكر‬
‫أن المادات ف العادة ل تقبل التصاف بذه الصفات ‪ .‬فمن جعل الواجب‬
‫الوجود ل يقبل التصاف ‪ :‬فقد جعله من جنس الصنام الامدة الت عابا ال‬
‫تعال وعاب عابديها ‪ .‬ولذا كانت " القرامطة الباطنية " من أعظم الناس شركا‬
‫وعبادة لغي ال ؛ إذ كانوا ل يعتقدون ف إلهم أنه يسمع أو يبصر أو يغن عنهم‬
‫شيئا ‪ .‬وال سبحانه ل يذكر هذه النصوص لجرد تقرير صفات الكمال له بل‬
‫ذكرها لبيان أنه الستحق للعبادة دون ما سواه فأفاد ( الصلي اللذين بما يتم‬
‫التوحيد ‪ :‬وها إثبات صفات الكمال ردا على أهل التعطيل وبيان أنه الستحق‬
‫للعبادة ل إله إل هو ردا على الشركي ‪ .‬والشرك ف العال أكثر من التعطيل ؛ ول‬
‫يلزم من إثبات " التوحيد " الناف للشراك إبطال قول أهل التعطيل ؛ ول يلزم من‬
‫مرد الثبات البطل لقول العطلة الرد على الشركي إل ببيان آخر ‪ .‬والقرآن يذكر‬
‫فيه الرد على العطلة تارة ؛ كالرد على فرعون وأمثاله ؛ ويذكر فيه الرد على‬
‫الشركي وهذا أكثر لن القرآن شفاء لا ف الصدور ‪ .‬ومرض الشراك أكثر ف‬
‫الناس من مرض التعطيل وأيضا فإن ال سبحانه أخب أن له المد وأنه حيد ميد‬
‫وأن له المد ف الول والخرة وله الكم ونو ذلك من أنواع الحامد ‪ .‬و "‬
‫المد نوعان " ‪ :‬حد على إحسانه إل عباده ‪ .‬وهو من الشكر ؛ وحد لا يستحقه‬
‫هو بنفسه من نعوت كماله وهذا المد ل يكون إل على ما هو ف نفسه مستحق‬
‫للحمد وإنا يستحق ذلك من هو متصف بصفات الكمال وهي أمور وجودية فإن‬
‫المور العدمية الحضة ل حد فيها ول خي ول كمال ‪ .‬ومعلوم أن كل ما يمد‬
‫فإنا يمد على ما له من صفات الكمال فكل ما يمد به اللق فهو من الالق‬

‫‪12‬‬
‫والذي منه ما يمد عليه هو أحق بالمد فثبت أنه الستحق للمحامد الكاملة وهو‬
‫أحق من كل ممود بالمد والكمال من كل كامل وهو الطلوب ‪.‬‬

‫فصل ‪ :‬وأما " القدمة الثانية " فنقول ‪:‬‬


‫ل بد من اعتبار أمرين ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬أن يكون الكمال مكن الوجود ‪ .‬و‬
‫الثان ‪ :‬أن يكون سليما عن النقص ؛ فإن النقص متنع على ال لكن بعض الناس‬
‫قد يسمي ما ليس بنقص نقصا ؛ فهذا يقال له إنا الواجب إثبات ما أمكن ثبوته‬
‫من الكمال السليم عن النقص فإذا سيت أنت هذا نقصا وقدر أن انتفاءه يتنع ل‬
‫يكن نقصه من الكمال المكن ول يكن هذا عند من ساه نقصا من النقص المكن‬
‫انتفاؤه ‪ .‬فإذا قيل ‪ :‬خلق الخلوقات ف الزل صفة كمال فيجب أن تثبت له قيل ‪:‬‬
‫وجود الخلوقات كلها أو واحد منها يستلزم الوادث كلها ؛ أو واحد منها ف‬
‫الزل متنع ‪ .‬ووجود الوادث التعاقبة كلها ف آن واحد متنع سواء قدر ذلك‬
‫الن ماضيا أو مستقبل ؛ فضل عن أن يكون أزليا وما يستلزم الوادث التعاقبة‬
‫يتنع وجوده ف آن واحد فضل عن أن يكون أزليا فليس هذا مكن الوجود فضل‬
‫عن أن يكون كمال ؛ لكن فعل الوادث شيئا بعد شيء أكمل من التعطيل عن‬
‫فعلها بيث ل يدث شيئا بعد أن ل يكن ؛ فإن الفاعل القادر على الفعل أكمل‬
‫من الفاعل العاجز عن الفعل ‪ .‬فإذا قيل ‪ :‬ل يكنه إحداث الوادث بل مفعوله‬
‫لزم لذاته ‪ :‬كان هذا نقصا بالنسبة إل القادر الذي يفعل شيئا بعد شيء وكذلك‬
‫إذا قيل ‪ :‬جعل الشيء الواحد متحركا ساكنا موجودا معدوما صفة كمال قيل هذا‬
‫متنع لذاته ‪ .‬وكذلك إذا قيل ‪ :‬إبداع قدي واجب بنفسه صفة كمال ‪ .‬قيل ‪ :‬هذا‬
‫متنع لنفسه فإن كونه مبدعا يقتضي أن ل يكون واجبا بنفسه ؛ بل واجبا بغيه ؛‬

‫‪13‬‬
‫فإذا قيل هو واجب موجود بنفسه وهو ل يوجد إل بغيه ‪ :‬كان هذا جعا بي‬
‫النقيضي ‪ .‬وكذلك إذا قيل ‪ :‬الفعال القائمة والفعولت النفصلة عنه ‪ -‬إذا كان‬
‫اتصافه با صفة كمال فقد فاتته ف الزل ؛ وإن كان صفة نقص فقد لزم اتصافه‬
‫بالنقائص ‪ .‬قيل ‪ :‬الفعال التعلقة بشيئته وقدرته يتنع أن يكون كل منها أزليا ‪.‬‬
‫وأيضا ‪ :‬فل يلزم أن يكون وجود هذه ف الزل صفة كمال ؛ بل الكمال أن‬
‫توجد حيث اقتضت الكمة وجودها ‪ .‬وأيضا ‪ :‬فلو كانت أزلية ل تكن موجودة‬
‫شيئا بعد شيء ‪ .‬فقول القائل ‪ :‬فيما حقه أن يوجد شيئا بعد شيء فينبغي أن يكون‬
‫ف الزل ‪ :‬جع بي النقيضي ‪ .‬وأمثال هذا كثي ‪ .‬فلهذا قلنا الكمال المكن‬
‫الوجود ؛ فما هو متنع ف نفسه فل حقيقة له ؛ فضل عن أن يقال ‪ :‬هو موجود ‪.‬‬
‫أو يقال ‪ :‬هو كمال للموجود ‪ .‬وأما الشرط الخر وهو قولنا ‪ :‬الكمال الذي ل‬
‫يتضمن نقصا ‪ -‬على التعبي بالعبارة السديدة ‪ -‬أو الكمال الذي ل يتضمن نقصا‬
‫يكن انتفاؤه ‪ -‬على عبارة من يعل ما ليس بنقص نقصا ‪ .‬فاحترز عما هو لبعض‬
‫الخلوقات كمال دون بعض وهو نقص بالضافة إل الالق لستلزامه نقصا ‪-‬‬
‫كالكل والشرب مثل ‪ .‬فإن الصحيح الذي يشتهي الكل والشرب من اليوان‬
‫أكمل من الريض الذي ل يشتهي الكل والشرب لن قوامه بالكل والشرب ‪.‬‬
‫فإذا قدر غي قابل له ‪ :‬كان ناقصا عن القابل لذا الكمال ؛ لكن هذا يستلزم‬
‫حاجة الكل والشارب إل غيه وهو ما يدخل فيه من الطعام والشراب وهو‬
‫مستلزم لروج شيء منه كالفضلت وما ل يتاج إل دخول شيء فيه أكمل من‬
‫يتاج إل دخول شيء فيه وما يتوقف كماله على غيه أنقص ما ل يتاج ف‬
‫كماله إل غيه فإن الغن عن شيء أعلى من الغن به ‪ .‬والغن بنفسه أكمل من‬
‫الغن بغيه ‪ .‬ولذا كان من الكمالت ما هو كمال للمخلوق وهو نقص بالنسبة‬
‫إل الالق وهو كل ما كان مستلزما لمكان العدم عليه الناف لوجوبه وقيوميته أو‬

‫‪14‬‬
‫مستلزما للحدوث الناف لقدمه أو مستلزما لفقره الناف لغناه ‪.‬‬

‫فصل ‪ :‬إذا تبي هذا ‪:‬‬


‫تبي أن ما جاء به " الرسول " هو الق الذي يدل عليه العقول وأن أول الناس‬
‫بالق أتبعهم له وأعظمهم له موافقة " وهم سلف المة وأئمتها " الذين أثبتوا ما‬
‫دل عليه الكتاب والسنة من الصفات ونزهوه عن ماثلة الخلوقات ‪ .‬فإن الياة‬
‫والعلم والقدرة ‪ .‬والسمع والبصر والكلم ‪ :‬صفات كمال مكنة بالضرورة ول‬
‫نقص فيها فإن من اتصف بذه الصفات فهو أكمل من ل يتصف با ؛ والنقص ف‬
‫انتفائها ل ف ثبوتا ؛ والقابل للتصاف با كاليوان أكمل من ل يقبل التصاف‬
‫با كالمادات ‪ .‬وأهل الثبات يقولون للنفاة ‪ :‬لو ل يتصف بذه الصفات‬
‫لتصف بأضدادها من الهل والبكم والعمى والصمم ‪ .‬فقال لم النفاة ‪ :‬هذه‬
‫الصفات متقابلة تقابل العدم واللكة ل تقابل السلب والياب والتقابلن تقابل‬
‫العدم واللكة إنا يلزم من انتفاء أحدها ثبوت الخر إذا كان الحل قابل لما‬
‫كاليوان الذي ل يلو إما أن يكون أعمى وإما أن يكون بصيا ؛ لنه قابل لما‬
‫بلف الماد فإنه ل يوصف ل بذا ول بذا ‪ .‬فيقول لم أهل الثبات ‪ :‬هذا‬
‫باطل من وجوه ‪ ( :‬أحدها أن يقال ‪ :‬الوجودات " نوعان " ‪ :‬نوع يقبل التصاف‬
‫بالكمال كالي ‪ .‬ونوع ل يقبله كالماد ‪ .‬ومعلوم أن القابل للتصاف بصفات‬
‫الكمال أكمل من ل يقبل ذلك ‪ .‬وحينئذ ‪ :‬فالرب إن ل يقبل التصاف بصفات‬
‫الكمال لزم انتفاء اتصافه با وأن يكون القابل لا ‪ -‬وهو اليوان العمى الصم‬
‫الذي ل يقبل السمع والبصر ‪ -‬أكمل منه فإن القابل للسمع والبصر ‪ -‬ف حال‬
‫عدم ذلك ‪ -‬أكمل من ل يقبل ذلك ‪ .‬فكيف التصف با فلزم من ذلك أن يكون‬
‫مسلوبا لصفات الكمال ‪ -‬على قولم ‪ -‬متنعا عليه صفات الكمال ‪ .‬فأنتم فررت‬

‫‪15‬‬
‫من تشبيهه بالحياء ‪ :‬فشبهتموه بالمادات وزعمتم أنكم تنهونه عن النقائص ‪:‬‬
‫فوصفتموه با هو أعظم النقص ‪ ( .‬الوجه الثان أن يقال ‪ :‬هذا التفريق بي السلب‬
‫والياب وبي العدم واللكة ‪ :‬أمر اصطلحي ؛ وإل فكل ما ليس بي فإنه يسمى‬
‫ميتا كما قال تعال ‪ { :‬والذين يدعون من دون ال ل يلقون شيئا وهم يلقون }‬
‫{ أموات غي أحياء وما يشعرون أيان يبعثون } ‪ ( .‬الوجه الثالث أن يقال ‪ :‬نفس‬
‫سلب هذه الصفات نقص وإن ل يقدر هناك ضد ثبوت فنحن نعلم بالضرورة أن ما‬
‫يكون حيا عليما قديرا متكلما سيعا بصيا أكمل من ل يكون كذلك وأن ذلك ل‬
‫يقال سيع ول أصم كالماد وإذا كان مرد إثبات هذه الصفات من الكمال ومرد‬
‫سلبها من النقص ‪ :‬وجب ثبوتا ل تعال ؛ لنه كمال مكن للموجود ول نقص‬
‫فيه بال ؛ بل النقص ف عدمه ‪ .‬وكذلك إذا قدرنا موصوفي بذه الصفات ‪.‬‬
‫( أحدها يقدر على التصرف بنفسه ؛ فيأت وييء وينل ويصعد ونو ذلك من‬
‫أنواع الفعال القائمة به ( والخر يتنع ذلك منه فل يكن أن يصدر منه شيء من‬
‫هذه الفعال ‪ :‬كان هذا القادر على الفعال الت تصدر عنه أكمل من يتنع‬
‫صدورها عنه ‪ .‬وإذا قيل قيام هذه الفعال يستلزم قيام الوادث به ‪ :‬كان كما إذا‬
‫قيل قيام الصفات به يستلزم قيام العراض به ‪ .‬ولفظ ( العراض والوادث لفظان‬
‫مملن فإن أريد بذلك ما يعقله أهل اللغة من أن العراض والوادث هي المراض‬
‫والفات كما يقال ‪ :‬فلن قد عرض له مرض شديد وفلن قد أحدث حدثا عظيما‬
‫كما قال النب صلى ال عليه وسلم { إياكم ومدثات المور فإن كل مدثة بدعة‬
‫وكل بدعة ضللة } وقال ‪ { :‬لعن ال من أحدث حدثا أو آوى مدثا } وقال ‪:‬‬
‫{ إذا أحدث أحدكم فل يصلي حت يتوضأ } ‪ .‬ويقول الفقهاء ‪ :‬الطهارة "‬
‫نوعان " طهارة الدث وطهارة البث ‪ .‬ويقول أهل الكلم ‪ :‬اختلف الناس ف "‬
‫أهل الحداث " من أهل القبلة ‪ :‬كالربا والسرقة وشرب المر ‪ .‬ويقال فلن به‬

‫‪16‬‬
‫عارض من الن وفلن حدث له مرض ‪ .‬فهذه من النقائص الت ينه ال عنها ‪.‬‬
‫وإن أريد بالعراض والوادث اصطلح خاص فإنا أحدث ذلك الصطلح من‬
‫أحدثه من أهل الكلم وليست هذه لغة العرب ول لغة أحد من المم ؛ ل لغة‬
‫القرآن ول غيه ؛ ول العرف العام ول اصطلح أكثر الائضي ف العلم ؛ بل‬
‫مبتدعو هذا الصطلح ‪ :‬هم من أهل البدع الحدثي ف المة الداخلي ف ذم النب‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ .‬وبكل حال فمجرد هذا الصطلح وتسمية هذه أعراضا‬
‫وحوادث ‪ :‬ل يرجها عن أنا من الكمال الذي يكون التصف به أكمل من ل‬
‫يكنه التصاف با ‪ .‬أو يكنه ذلك ول يتصف به ‪ .‬و " أيضا " فإذا قدر اثنان‬
‫أحدها موصوف بصفات الكمال الت هي أعراض وحوادث على اصطلحهم ؛‬
‫كالعلم والقدرة والفعل والبطش والخر يتنع أن يتصف بذه الصفات الت هي‬
‫أعراض وحوادث ‪ :‬كان الول أكمل كما أن الي التصف بذه الصفات ‪ :‬أكمل‬
‫من المادات ‪ .‬وكذلك إذا قدر " اثنان " أحدها يب نعوت الكمال ويفرح با‬
‫ويرضاها والخر ل فرق عنده بي صفات الكمال وصفات النقص ؛ فل يب ل‬
‫هذا ول هذا ول يرضى ل هذا ول هذا ول يفرح ل بذا ول بذا ‪ :‬كان الول‬
‫أكمل من الثان ‪ .‬ومعلوم أن ال تبارك وتعال يب الحسني والتقي والصابرين‬
‫والقسطي ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالات وهذه كلها صفات كمال ‪.‬‬
‫وكذلك إذا قدر اثنان ‪ :‬أحدها ببعض التصف بضد الكمال كالظلم والهل‬
‫والكذب ويغضب على من يفعل ذلك والخر ل فرق عنده بي الاهل الكاذب‬
‫الظال وبي العال الصادق العادل ل يبغض ل هذا ول هذا ول يغضب ل على هذا‬
‫ول على هذا ‪ :‬كان الول أكمل ‪ .‬وكذلك إذا قدر اثنان أحدها يقدر أن يفعل‬
‫بيديه ويقبل بوجهه ‪ .‬والخر ل يكنه ذلك ‪ :‬إما لمتناع أن يكون له وجه ويدان‬
‫وإما لمتناع الفعل والقبال عليه باليدين والوجه ‪ :‬كان الول أكمل ‪ .‬فالوجه‬

‫‪17‬‬
‫واليدان ‪ :‬ل يعدان من صفات النقص ف شيء ما يوصف بذلك ووجه كل شيء‬
‫بسب ما يضاف إليه وهو مدوح به ل مذموم كوجه النهار ووجه الثوب ووجه‬
‫القوم ووجه اليل ووجه الرأي وغي ذلك ؛ وليس الوجه الضاف إل غيه هو‬
‫نفس الضاف إليه ف شيء من موارد الستعمال سواء قدر الستعمال حقيقة أو‬
‫مازا ‪ " .‬فإن قيل " ‪ :‬من يكنه الفعل بكلمه أو بقدرته بدون يديه أكمل من يفعل‬
‫بيديه ‪ .‬قيل ‪ :‬من يكنه الفعل بقدرته أو تكليمه إذا شاء وبيديه إذا شاء ‪ :‬هو أكمل‬
‫من ل يكنه الفعل إل بقدرته أو تكليمه ول يكنه أن يفعل باليد ‪ .‬ولذا كان "‬
‫النسان " أكمل من المادات الت تفعل بقوى فيها كالنار والاء فإذا قدر اثنان‬
‫أحدها ل يكنه الفعل إل بقوة فيه والخر يكنه الفعل بقوة فيه وبكلمه فهذا‬
‫أكمل ‪ .‬فإذا قدر آخر يفعل بقوة فيه وبكلمه وبيديه إذا شاء فهو أكمل وأكمل‬
‫وأما صفات النقص فمثل النوم فإن الي اليقظان أكمل من النائم والوسنان ‪ .‬وال‬
‫ل تأخذه سنة ول نوم وكذلك من يفظ الشيء بل اكتراث أكمل من يكرثه ذلك‬
‫؛ وال تعال وسع كرسيه السموات والرض ول يئوده حفظهما ‪ .‬وكذلك من‬
‫يفعل ول يتعب ‪ :‬أكمل من يتعب ‪ .‬وال تعال خلق السموات والرض وما بينهما‬
‫ف ستة أيام وما مسه من لغوب ‪ .‬ولذا وصف الرب بالعلم دون الهل والقدرة‬
‫دون العجز والياة دون الوت والسمع والبصر والكلم دون الصمم والعمى‬
‫والبكم والضحك دون البكاء والفرح دون الزن ‪ .‬وأما الغضب مع الرضا‬
‫والبغض مع الب فهو أكمل من ل يكون منه إل الرضا والب دون البغض‬
‫والغضب للمور الذمومة الت تستحق أن تذم وتبغض ‪ .‬ولذا كان اتصافه بأنه‬
‫يعطي وينع ويفض ويرفع ويعز ويذل ‪ :‬أكمل من اتصافه بجرد العطاء والعزاز‬
‫والرفع ؛ لن الفعل الخر ‪ -‬حيث تقتضي الكمة ذلك ‪ -‬أكمل ما ل يفعل إل‬
‫أحد النوعي ويل بالخر ف الحل الناسب له ومن اعتب هذا الباب وجده على‬

‫‪18‬‬
‫قانون الصواب وال الادي لول اللباب ‪.‬‬

‫فصل ‪:‬‬
‫وأما قول ملحدة " التفلسفة " وغيهم ‪ :‬إن اتصافه بذه الصفات إن أوجب له‬
‫كمال فقد استكمل بغيه فيكون ناقصا بذاته وإن أوجب له نقصا ل يز اتصافه با‬
‫‪ .‬فيقال ‪ :‬قد تقدم أن الكمال العي هو الكمال المكن الوجود الذي ل نقص فيه‬
‫‪ .‬وحينئذ فقول القائل يكون ناقصا بذاته إن أراد به أن يكون بدون هذه الصفات‬
‫ناقصا فهذا حق ؛ لكن من هذا فررنا وقدرنا أنه ل بد من صفات الكمال وإل‬
‫كان ناقصا ‪ .‬وإن أراد به أنه إنا صار كامل بالصفات الت اتصف با فل يكون‬
‫كامل بذاته الجردة عن هذه الصفات ‪ .‬فيقال أول ‪ :‬هذا إنا يتوجه أنه لو أمكن‬
‫وجود ذات مردة عن هذه الصفات أو أمكن وجود ذات كاملة مردة عن هذه‬
‫الصفات فإذا كان أحد هذين متنعا امتنع كماله بدون هذه الصفات فكيف إذا‬
‫كان كلها متنعا ؟ فإن وجود ذات كاملة بدون هذه الصفات متنع فإنا نعلم‬
‫بالضرورة أن " الذات " الت ل تكون حية عليمة قديرة سيعة بصية متكلمة ‪:‬‬
‫ليست أكمل من الذات الت ل تكون حية عليمة سيعة بصية متكلمة ‪ .‬وإذا كان‬
‫صريح العقل يقضي بأن الذات السلوبة هذه الصفات ليست مثل الذات التصفة ؛‬
‫فضل عن أن تكون أكمل منها ويقضي بأن الذات التصفة با أكمل علم‬
‫بالضرورة امتناع كمال الذات بدون هذه الصفات فإن قيل بعد ذلك ل تكون ذاته‬
‫ناقصة مسلوبة الكمال إل بذه الصفات ‪ .‬قيل ‪ :‬الكمال بدون هذه الصفات متنع‬
‫وعدم المتنع ليس نقصا وإنا النقص عدم ما يكن ‪ .‬وأيضا فإذا ثبت أنه يكن‬
‫اتصافه بالكمال وما اتصف به وجب له وامتنع ترد ذاته عن هذه الصفات ؛ فكان‬
‫تقدير ذاته منفكة عن هذه الصفات تقديرا متنعا ‪ .‬وإذا قدر للذات تقدير متنع‬

‫‪19‬‬
‫وقيل إنا ناقصة بدونه ‪ :‬كان ذلك ما يدل على امتناع ذلك التقدير ؛ ل على‬
‫امتناع نقيضه كما لو قيل ‪ :‬إذا مات كان ناقصا فهذا يقتضي وجوب كونه حيا‬
‫كذلك إذا كان تقدير ذاته خالية عن هذه الصفات يوجب أن تكون ناقصة ‪ :‬كان‬
‫ذلك ما يستلزم أن يوصف بذه الصفات ‪ .‬وأيضا فقول القائل ‪ :‬اكتمل بغيه‬
‫منوع ؛ فإنا ل نطلق على صفاته أنا غيه ول أنا ليست غيه ؛ على ما عليه "‬
‫أئمة السلف " كالمام أحد بن حنبل وغيه وهو اختيار حذاق الثبتة ؛ كابن‬
‫كلب وغيه ‪ .‬ومنهم من يقول ‪ :‬أنا ل أطلق عليها أنا ليست هي هو ول أطلق‬
‫عليها أنا ليست غيه ول أجع بي السلبي فأقول ل هي هو ول هي غيه ‪ .‬وهو‬
‫اختيار طائفة من الثبتة كالشعري ؛ وأظن أن قول أب السن التميمي هو هذا أو‬
‫ما يشبه هذا ‪ .‬ومنهم من يوز إطلق هذا السلب وهذا السلب ‪ :‬ف إطلقهما‬
‫جيعا كالقاضي أب بكر والقاضي أب يعلى ‪ .‬ومنشأ هذا أن لفظ " الغي " يراد به‬
‫الغاير للشيء ويراد به ما ليس هو إياه وكان ف إطلق اللفاظ الجملة إيهام لعان‬
‫فاسدة ‪ .‬ونن نيب بواب علمي فنقول ‪ :‬قول القائل ‪ :‬يتكمل بغيه ‪ .‬أيريد به‬
‫بشيء منفصل عنه أم يريد بصفة لوازم ذاته ؟ أما الول فممتنع ‪ .‬وأما الثان فهو‬
‫حق ولوازم ذاته ل يكن وجود ذاته بدونا ؛ كما ل يكن وجودها بدونه وهذا‬
‫كمال بنفسه ل بشيء مباين لنفسه ‪ .‬وقد نص الئمة ‪ -‬كأحد بن حنبل وغيه ‪-‬‬
‫وأئمة الثبتة كأب ممد بن كلب وغيه على أن القائل إذا قال ‪ :‬المد ل ‪ .‬أو‬
‫قال ‪ :‬دعوت ال وعبدته ‪ .‬أو قال ‪ :‬بال ‪ .‬فاسم ال متناول لذاته التصفة بصفاته ؛‬
‫وليست صفاته زائدة على مسمى أسائه السن ‪ .‬وإذا قيل ‪ :‬هل صفاته زائدة على‬
‫الذات أم ل ؟ قيل ‪ :‬إن أريد بالذات الجردة الت يقر با نفاة الصفات فالصفات‬
‫زائدة عليها وإن أريد بالذات الذات الوجودة ف الارج فتلك ل تكون موجودة‬
‫إل بصفاتا اللزمة ‪ .‬والصفات ليست زائدة على الذات التصفة بالصفات وإن‬

‫‪20‬‬
‫كانت زائدة على الذات الت يقدر تردها عن الصفات ‪.‬‬

‫فصل ‪:‬‬
‫وأما قول القائل ‪ :‬لو قامت به صفات وجودية لكان مفتقرا إليها وهي مفتقرة إليه‬
‫فيكون الرب مفتقرا إل غيه فهو من جنس السؤال الول ‪ .‬فيقال أول ‪ :‬قول‬
‫القائل ‪ " :‬لو قامت به صفات وجودية لكان مفتقرا إليها " يقتضي إمكان جوهر‬
‫تقوم به الصفات ؛ وإمكان ذات ل تقوم با الصفات ؛ فلو كان أحدها متنعا‬
‫لبطل هذا الكلم فكيف إذا كان كلها متنعا ؟ فإن تقدير ذات مردة عن جيع‬
‫الصفات إنا يكن ف الذهن ل ف الارج كتقدير وجود مطلق ل يتعي ف الارج‬
‫‪ .‬ولفظ " ذات " تأنيث ذو وذلك ل يستعمل إل فيما كان مضافا إل غيه فهم‬
‫يقولون ‪ :‬فلن ذو علم وقدرة ونفس ذات علم وقدرة ‪ .‬وحيث جاء ف القرآن أو‬
‫لغة العرب لفظ " ذو " ولفظ " ذات " ل يئ إل مقرونا بالضافة كقوله { فاتقوا‬
‫ال وأصلحوا ذات بينكم } وقوله ‪ { :‬عليم بذات الصدور } ‪ .‬وقول خبيب‬
‫رضي ال عنه ‪ -‬وذلك ف ذات الله ‪ . . .‬ونو ذلك ‪ .‬لكن لا صار النظار‬
‫يتكلمون ف هذا الباب قالوا ‪ :‬إنه يقال إنا ذات علم وقدرة ث إنم قطعوا هذا‬
‫اللفظ عن الضافة وعرفوه ؛ فقالوا ‪ " :‬الذات " وهي لفظ مولد ليس من لفظ‬
‫العرب العرباء ولذا أنكره طائفة من أهل العلم ؛ كأب الفتح بن برهان وابن‬
‫الدهان وغيها وقالوا ‪ :‬ليست هذه اللفظة عربية ورد عليهم آخرون كالقاضي‬
‫وابن عقيل وغيها ‪ ( .‬وفصل الطاب ‪ :‬أنا ليست من العربية العرباء بل من‬
‫الولدة كلفظ الوجود ولفظ الاهية والكيفية ونو ذلك فهذا اللفظ يقتضي وجود‬
‫صفات تضاف الذات إليها فيقال ‪ :‬ذات علم وذات قدرة وذات كلم والعن‬
‫كذلك فإنه ل يكن وجود شيء قائم بنفسه ف الارج ل يتصف بصفة ثبوتية‬

‫‪21‬‬
‫أصل ؛ بل فرض هذا ف الارج كفرض عرض يقوم بنفسه ل بغيه ‪ .‬ففرض‬
‫عرض قائم بنفسه ل صفة له كفرض صفة ل تقوم بغيها وكلها متنع فما هو‬
‫قائم بنفسه فل بد له من صفة وما كان صفة فل بد له من قائم بنفسه متصف به ‪.‬‬
‫ولذا سلم النازعون أنم ل يعلمون قائما بنفسه ل صفة له سواء سوه جوهرا أو‬
‫جسما أو غي ذلك ويقولون ‪ :‬وجود جوهر معرى عن جيع العراض متنع فمن‬
‫قدر إمكان موجود قائم بنفسه ل صفة له فقد قدر ما ل يعلم وجوده ف الارج‬
‫ول يعلم إمكانه ف الارج فكيف إذا علم أنه متنع ف الارج عن الذهن ‪ .‬وكلم‬
‫نفاة الصفات جيعه يقتضي أن ثبوته متنع وإنا يكن فرضه ف العقل فالعقل يقدره‬
‫ف نفسه كما يقدر متنعات ل يعقل وجودها ف الوجود ول إمكانا ف الوجود ‪.‬‬
‫وأيضا " فالرب تعال " إذا كان اتصافه بصفات الكمال مكنا ‪ -‬وما أمكن له‬
‫وجب ‪ -‬امتنع أن يكون مسلوبا صفات الكمال ففرض ذاته بدون صفاته اللزمة‬
‫الواجبة له فرض متنع ‪ .‬وحينئذ فإذا كان فرض عدم هذا متنعا عموما وخصوصا ‪:‬‬
‫فقول القائل ‪ :‬يكون مفتقرا إليها وتكون مفتقرة إليه إنا يعقل مثل هذا ف شيئي ‪.‬‬
‫يكن وجود كل واحد منهما دون الخر فإذا امتنع هذا بطل هذا التقدير ‪ .‬ث يقال‬
‫له ‪ :‬ما تعن بالفتقار ؟ أتعن أن الذات تكون فاعلة للصفات مبدعة لا أو بالعكس‬
‫؟ أم تعن التلزم وهو أن ل يكون أحدها إل بالخر ؟ فإن عنيت افتقار الفعول‬
‫إل الفاعل فهذا باطل فإن الرب ليس بفاعل لصفاته اللزمة له بل ل يلزمه شيء‬
‫معي من أفعاله ومفعولته ‪ .‬فكيف تعل صفاته مفعولة له وصفاته لزمة لذاته‬
‫ليست من مفعولته ؟ وإن عنيت التلزم فهو حق ‪ .‬وهذا كما يقال ‪ :‬ل يكون‬
‫موجودا إل أن يكون قديا واجبا بنفسه ول يكون عالا قادرا إل أن يكون حيا فإذا‬
‫كانت صفاته ملزمة ( لذاته كان ذلك أبلغ ف الكمال من جواز التفريق بينهما‬
‫فإنه لو جاز وجوده بدون صفات الكمال ‪ :‬ل يكن الكمال واجبا له بل مكنا له ؛‬

‫‪22‬‬
‫وحينئذ فكان يفتقر ف ثبوتا له إل غيه وذلك نقص متنع عليه كما تقدم بيانه ؛‬
‫فعلم أن التلزم بي الذات وصفات الكمال ‪ :‬هو كمال الكمال ‪.‬‬

‫فصل ‪:‬‬
‫وأما القائل ‪ :‬إنا أعراض ل تقوم إل بسم مركب والركب مكن متاج وذلك‬
‫عي النقص ‪ .‬فللمثبتة للصفات ف إطلق لفظ " العرض " على صفاته ( ثلث‬
‫طرق ‪ ( - :‬منهم من ينع أن تكون أعراضا ‪ :‬ويقول ‪ :‬بل هي صفات وليست‬
‫أعراضا كما يقول ذلك الشعري وكثي من الفقهاء من أصحاب أحد وغيه ‪.‬‬
‫( ومنهم من يطلق عليها لفظ العراض كهشام وابن كرام وغيها ‪ ( .‬ومنهم من‬
‫يتنع من الثبات والنفي كما قالوا ف لفظ الغي وكما امتنعوا عن مثل ذلك ف لفظ‬
‫السم ونوه فإن قول القائل ‪ " :‬العلم عرض " بدعة وقوله ‪ :‬ليس بعرض " بدعة‬
‫" كما أن قوله " الرب جسم " بدعة وقوله " ليس بسم " بدعة ‪ .‬وكذلك أيضا‬
‫لفظ " السم " يراد به ف اللغة ‪ :‬البدن والسد كما ذكر ذلك الصمعي وأبو زيد‬
‫وغيها من أهل اللغة ‪ ( .‬وأما أهل الكلم فمنهم من يريد به الركب ويطلقه على‬
‫الوهر الفرد بشرط التركيب أو على الوهرين أو على أربعة جواهر أو ستة أو‬
‫ثانية أو ستة عشر أو اثني وثلثي أو الركب من الادة والصورة ‪ ( .‬ومنهم من‬
‫يقول ‪ :‬هو الوجود أو القائم بنفسه ‪ .‬وعامة هؤلء وهؤلء يعلون الشار إليه‬
‫متساويا ف العموم والصوص فلما كان اللفظ قد صار يفهم منه معان بعضها حق‬
‫وبعضها باطل ‪ :‬صار ممل ‪ .‬وحينئذ ( فالواب العلمي أن يقال ‪ :‬أتعن بقولك‬
‫أنا أعراض أنا قائمة بالذات أو صفة للذات ونو ذلك من العان الصحيحة ؟ أم‬
‫تعن با أنا آفات ونقائص ؟ أم تعن با أنا تعرض وتزول ول تبقى زماني ؟ فإن‬
‫عنيت الول فهو صحيح وإن عنيت الثان فهو منوع وإن عنيت الثالث فهذا مبن‬

‫‪23‬‬
‫على قول من يقول ‪ :‬العرض ل يبقى زماني ‪ .‬فمن قال ذلك وقال ‪ :‬هي باقية قال‬
‫‪ :‬ل أسيها أعراضا ومن قال بل العرض يبقى زماني ل يكن هذا مانعا من تسميتها‬
‫أعراضا ‪ .‬وقولك ‪ :‬العرض ل يقوم إل بسم ‪ .‬فيقال لك هو حي عليم قدير عندك‬
‫‪ .‬وهذه الساء ل يسمى با إل جسم كما أن هذه الصفات الت جعلتها أعراضا ل‬
‫يوصف با إل جسم فما كان جوابك عن ثبوت الساء ‪ :‬كان جوابا لهل‬
‫الثبات عن إثبات الصفات ‪ .‬ويقال له ‪ :‬ما تعن بقولك ‪ :‬هذه الصفات أعراض ل‬
‫تقوم إل بسم ؟ أتعن بالسم الركب الذي كان مفترقا فاجتمع ؟ أو ما ركبه‬
‫مركب فجمع أجزاءه ؟ أو ما أمكن تفريقه وتبعيضه وانفصال بعضه عن بعض‬
‫ونو ذلك ؟ أم تعن به ما هو مركب من الواهر الفردة أو من الادة والصورة ؟‬
‫أو تعن به ما يكن الشارة إليه ؟ أو ما كان قائما بنفسه ؟ أو ما هو موجود ؟ ‪.‬‬
‫فإن عنيت " الول " ل نسلم أن هذه الصفات الت سيتها أعراضا ل تقوم إل‬
‫بسم بذا التفسي وإن عنيت به " الثان " ل نسلم امتناع التلزم ؛ فإن الرب تعال‬
‫موجود قائم بنفسه مشار إليه عندنا فل نسلم انتفاء التلزم على هذا التقدير ‪.‬‬
‫وقول القائل ‪ :‬الركب مكن إن أراد بالركب ‪ :‬العان التقدمة مثل كونه كان‬
‫مفترقا فاجتمع أو ركبه مركب أو يقبل النفصال ‪ :‬فل نسلم القدمة الول‬
‫التلزمية وإن عن به ما يشار إليه أو ما يكون قائما بنفسه موصوفا بالصفات فل‬
‫نسلم انتفاء الثانية فالقول بالعراض مركب من ( مقدمتي تلزمية واستثنائية‬
‫بألفاظ مملة ؛ فإذا استفصل عن الراد حصل النع والبطال لحدها أو كليهما ‪،‬‬
‫وإذا بطلت إحدى القدمتي على كل تقدير بطلت الجة ‪.‬‬

‫فصل ‪:‬‬

‫‪24‬‬
‫وأما قول القائل ‪ :‬لو قامت به الفعال لكان مل للحوادث والادث إن أوجب له‬
‫كمال فقد عدمه قبله وهو نقص وإن ل يوجب له كمال ل يز وصفه به ‪ .‬فيقال‬
‫( أول هذا معارض بنظيه من الوادث الت يفعلها فإن كليهما حادث بقدرته‬
‫ومشيئته وإنا يفترقان ف الحل ‪ .‬وهذا التقسيم وارد على الهتي ‪ .‬وإن قيل ف‬
‫الفرق ‪ :‬الفعول ل يتصف به بلف الفعل القائم به قيل ف الواب ‪ :‬بل هم‬
‫يصفونه بالصفات الفعلية ويقسمون الصفات إل نفسية وفعلية ؛ فيصفونه بكونه‬
‫خالقا ورازقا بعد أن ل يكن كذلك وهذا التقسيم وارد عليهم ‪ .‬وقد أورده عليهم‬
‫الفلسفة ف " مسألة حدوث العال " فزعموا أن صفات الفعال ليست صفة كمال‬
‫ول نقص ‪ .‬فيقال لم ‪ :‬كما قالوا لؤلء " ف الفعال " الت تقوم به إنا ليست‬
‫كمال ول نقصا ‪ .‬فإن قيل ‪ :‬ل بد أن يتصف إما بنقص أو بكمال ‪ .‬قيل ‪ :‬ل بد‬
‫أن يتصف من الصفات الفعلية إما بنقص وإما بكمال فإن جاز ادعاء خلو أحدها‬
‫عن القسمي أمكن الدعوى ف الخر مثله وإل فالواب مشترك ‪ .‬وأما " التفلسفة‬
‫" فيقال لم ‪ :‬القدي ل تله الوادث ول يزال مل للحوادث عندكم فليس القدم‬
‫مانعا من ذلك عندكم ؛ بل عندكم هذا هو " الكمال المكن " الذي ل يكن‬
‫غيه وإنا نفوه عن واجب الوجود ؛ لظنهم عدم اتصافه به ‪ .‬وقد تقدم التنبيه على‬
‫إبطال قولم ف ذلك ل سيما وما قامت به الوادث التعاقبة يتنع وجوده عن علة‬
‫تامة أزلية موجبة لعلولا ؛ فإن العلة التامة الوجبة يتنع أن يتأخر عنها معلولا أو‬
‫شيء من معلولا ومت تأخر عنها شيء من معلولا كانت علة له بالقوة ل بالفعل‬
‫واحتاج مصيها علة بالفعل إل سبب آخر ؛ فإن كان الخرج لا من القوة إل‬
‫الفعل هو نفسه ‪ :‬صار فيه ما هو بالقوة وهو الخرج له إل الفعل ؛ وذلك يستلزم‬
‫أن يكون قابل أو فاعل وهم ينعون ذلك لمتناع الصفات الت يسمونا التركيب‬
‫‪ .‬وإن كان الخرج له غيه كان ذلك متنعا بالضرورة والتفاق ؛ لن ذلك يناف‬

‫‪25‬‬
‫وجوب الوجود ؛ ولنه يتضمن " الدور العي " و " التسلسل ف الؤثرات " وإن‬
‫كان هو الذي صار فاعل للمعي بعد أن ل يكن امتنع أن يكون علة تامة أزلية‬
‫فقدم شيء من العال يستلزم كونه علة تامة ف الزل وذلك يستلزم أن ل يدث‬
‫عنه شيء بواسطة وبغي واسطة وهذا مالف للمشهود ‪ .‬ويقال ( ثانيا ‪ :‬ف إبطال‬
‫قول من جعل حدوث الوادث متنعا ‪ - :‬هذا مبن على تدد هذه المور بتجدد‬
‫الضافات والحوال والعدام ؛ فإن الناس متفقون على تدد هذه المور ‪ .‬وفرق‬
‫المدي بينهما من جهة اللفظ فقال ‪ :‬هذه حوادث وهذه متجددات والفروق‬
‫اللفظية ل تؤثر ف القائق العلمية ‪ .‬فيقال ‪ :‬تدد هذه التجددات إن أوجب له‬
‫كمال فقد عدمه قبله وهو نقص وإن أوجب له نقصا ل يز وصفه به ‪ .‬ويقال‬
‫( ثالثا ‪ :‬الكمال الذي يب اتصافه به هو المكن الوجود وأما المتنع فليس من‬
‫الكمال الذي يتصف به موجود والوادث التعلقة بقدرته ومشيئته يتنع وجودها‬
‫جيعا ف الزل ؛ فل يكون انتفاؤها ف الزل نقصا ؛ لن انتفاء المتنع ليس بنقص‬
‫‪ .‬ويقال ( رابعا ‪ :‬إذا قدر ذات تفعل شيئا بعد شيء وهي قادرة على الفعل بنفسها‬
‫وذات ل يكنها أن تفعل بنفسها شيئا ؛ بل هي كالماد الذي ل يكنه أن يتحرك‬
‫كانت الول أكمل من الثانية ‪ .‬فعدم هذه الفعال نقص بالضرورة ‪ .‬وأما وجودها‬
‫بسب المكان فهو الكمال ‪ .‬ويقال ( خامسا ‪ :‬ل نسلم أن عدم هذه مطلقا‬
‫نقص ول كمال ول وجودها مطلقا نقص ول كمال ؛ بل وجودها ف الوقت‬
‫الذي اقتضته مشيئته وقدرته وحكمته هو الكمال ووجودها بدون ذلك نقص‬
‫وعدمها مع اقتضاء الكمة عدمها كمال ووجودها حيث اقتضت الكمة وجودها‬
‫هو الكمال ‪ .‬وإذا كان الشيء الواحد يكون وجوده تارة كمال وتارة نقصا‬
‫وكذلك عدمه ‪ .‬بطل التقسيم الطلق وهذا كما أن الشيء يكون رحة باللق إذا‬
‫احتاجوا إليه كالطر ‪ .‬ويكون عذابا إذا ضرهم فيكون إنزاله لاجتهم رحة‬

‫‪26‬‬
‫وإحسانا والحسن الرحيم متصف بالكمال ول يكون عدم إنزاله ‪ -‬حيث يضرهم‬
‫‪ -‬نقصا بل هو أيضا رحة وإحسان فهو مسن بالوجود حي كان رحة وبالعدم‬
‫حي كان العدم رحة ‪.‬‬

‫فصل ‪:‬‬
‫وأما نفي الناف " للصفات البية " العينة ؛ فلستلزامها التركيب الستلزم للحاجة‬
‫والفتقار ‪ :‬فقد تقدم جواب نظيه فإنه إن أريد بالتركيب ما هو الفهوم منه ف‬
‫اللغة أو ف العرف العام أو عرف بعض الناس ‪ -‬وهو ما ركبه غيه ‪ -‬أو كان‬
‫متفرقا فاجتمع أو ما جع الواهر الفردة أو الادة والصورة أو ما أمكن مفارقة‬
‫بعضه لبعض فل نسلم القدمة الول ول نسلم أن إثبات الوجه واليد مستلزم‬
‫للتركيب بذا العتبار ‪ .‬وإن أريد به التلزم على معن امتياز شيء عن شيء ف‬
‫نفسه وأن هذا ليس هذا ‪ :‬فهذا لزم لم ف الصفات العنوية العلومة بالعقل كالعلم‬
‫والقدرة والسمع والبصر فإن الواحدة من هذه الصفات ليست هي الخرى ؛ بل‬
‫كل صفة متازة بنفسها عن الخرى وإن كانتا متلزمتي يوصف بما موصوف‬
‫واحد ‪ .‬ونن نعقل هذا ف صفات الخلوقي كأبعاض الشمس وأعراضها ‪ .‬وأيضا‬
‫‪ :‬فإن أريد أنه ل بد من وجود ما بالاجة والفتقار إل مباين له فهو منوع وإن‬
‫أريد أنه ل بد من وجود ما هو داخل ف مسمى اسه ؛ وأنه يتنع وجود الواجب‬
‫بدون تلك المور الداخلة ف مسمى اسه ‪ :‬فمعلوم أنه ل بد له من نفسه فل بد له‬
‫ما يدخل ف مسماها بطريق الول الحرى ‪ .‬وإذا قيل ‪ :‬هو مفتقر إل نفسه ل‬
‫يكن معناه أن نفسه تفعل نفسه ؛ فكذلك ما هو داخل فيها ؛ ولكن العبارة موهة‬
‫مملة فإذا فسر العن زال الحذور ‪ .‬ويقال أيضا ‪ :‬نن ل نطلق على هذا اللفظ‬

‫‪27‬‬
‫الغي ؛ فل يلزمه أن يكون متاجا إل الغي فهذا من جهة الطلق اللفظي ؛ وأما‬
‫من جهة الدليل العلمي فالدليل دل على وجود موجود بنفسه ل فاعل ول علة‬
‫فاعلة وأنه مستغن بنفسه عن كل ما يباينه ‪ .‬وأما الوجود الذي ل يكون له صفة‬
‫ول يدخل ف مسمى اسه معن من العان الثبوتية ‪ :‬فهذا إذا ادعى الدعي أنه العن‬
‫بوجوب الوجود وبالغن ‪ .‬قيل له ‪ :‬لكن هذا العن ليس هو مدلول الدلة ؛ ولكن‬
‫أنت قدرت أن هذا مسمى السم وجعل اللفظ دليل على هذا العن ل ينفعك إن‬
‫ل يثبت أن العن حق ف نفسه ول دليل لك على ذلك ؛ بل الدليل يدل على‬
‫نقيضه ‪ .‬فهؤلء عمدوا إل لفظ الغن والقدي والواجب بنفسه فصاروا يملونا‬
‫على معان تستلزم معان تناقض ثبوت الصفات وتوسعوا ف التعبي ث ظنوا أن هذا‬
‫الذي فعلوه هو موجب الدلة العقلية وغيها ‪ .‬وهذا غلط منهم ‪ .‬فموجب الدلة‬
‫العقلية ل يتلقى من مرد التعبي وموجب الدلة السمعية يتلقى من عرف التكلم‬
‫بالطاب ل من الوضع الحدث ؛ فليس لحد أن يقول ‪ :‬إن اللفاظ الت جاءت‬
‫ف القرآن موضوعة لعان ث يريد أن يفسر مراد ال بتلك العان ؛ هذا من فعل أهل‬
‫اللاد الفترين ‪ .‬فإن هؤلء عمدوا إل معان ظنوها ثابتة ؛ فجعلوها هي معن‬
‫الواحد والواجب والغن والقدي ونفي الثل ؛ ث عمدوا إل ما جاء ف القرآن‬
‫والسنة من تسمية ال تعال بأنه أحد وواحد علي ونو ذلك من نفي الثل والكفؤ‬
‫عنه ‪ .‬فقالوا ‪ :‬هذا يدل على العان الت سيناها بذه الساء وهذا من أعظم الفتراء‬
‫على ال ‪ .‬وكذلك " التفلسفة " عمدوا إل لفظ الالق والفاعل والصانع والحدث‬
‫ونو ذلك ‪ .‬فوضعوها لعن ابتدعوه وقسموا الدوث إل نوعي ‪ :‬ذات وزمان‬
‫وأرادوا بالذات كون الربوب مقارنا للرب أزل وأبدا ؛ فإن اللفظ على هذا العن‬
‫ل يعرف ف لغة أحد من المم ؛ ولو جعلوا هذا اصطلحا لم ل تنازعهم فيه ؛‬
‫لكن قصدوا بذلك التلبيس على الناس وأن يقولوا نن نقول بدوث العال وأن ال‬

‫‪28‬‬
‫خالق له وفاعل له وصانع له ونو ذلك من العان الت يعلم بالضطرار أنا تقتضي‬
‫تأخر الفعول ل يطلق على ما كان قديا بقدم الرب مقارنا له أزل وأبدا ‪ .‬وكذلك‬
‫فعل من فعل بلفظ " التكلم " وغي ذلك من الساء ولو فعل هذا بكلم سيبويه‬
‫وبقراط ‪ :‬لفسد ما ذكروه من النحو والطب ؛ ولو فعل هذا بكلم آحاد العلماء‬
‫كمالك والشافعي وأحد وأب حنيفة ‪ :‬لفسد العلم بذلك ولكان ملبوسا عليهم‬
‫فكيف إذا فعل هذا بكلم رب العالي ‪ .‬وهذه طريقة اللحدة الذين ألدوا ف‬
‫أساء ال وآياته ومن شاركهم ف بعض ذلك ‪ .‬مثل قول من يقول ‪ " :‬الواحد "‬
‫الذي ل ينقسم ومعن قوله ‪ :‬ل ينقسم أي ل يتميز منه شيء عن شيء ويقول ل‬
‫تقوم به صفة ‪ .‬ث زعموا أن الحد والواحد ف القرآن يراد به هذا ‪ .‬ومعلوم أن‬
‫كل ما ف القرآن من اسم الواحد والحد كقوله تعال ‪ { :‬وإن كانت واحدة فلها‬
‫النصف } وقوله ‪ { :‬قالت إحداها يا أبت استأجره } وقوله ‪ { :‬ول يكن له‬
‫كفوا أحد } وقوله ‪ { :‬وإن أحد من الشركي استجارك } وقوله ‪ { :‬ذرن ومن‬
‫خلقت وحيدا } وأمثال ذلك يناقض ما ذكروه فإن هذه الساء أطلقت على قائم‬
‫بنفسه مشار إليه يتميز منه شيء عن شيء ‪ .‬وهذا الذي يسمونه ف اصطلحهم‬
‫جسما ‪ .‬وكذلك إذا قالوا ‪ :‬الوصوفات تتماثل والجسام تتماثل والواهر تتماثل‬
‫وأرادوا أن يستدلوا بقوله تعال ‪ { :‬ليس كمثله شيء } على نفي مسمى هذه‬
‫المور الت سوها بذه الساء ف اصطلحهم الادث كان هذا افتراء على القرآن ؛‬
‫فإن هذا ليس هو الثل ف لغة العرب ؛ ول لغة القرآن ول غيها ‪ .‬قال تعال ‪{ :‬‬
‫وإن تتولوا يستبدل قوما غيكم ث ل يكونوا أمثالكم } ‪ .‬فنفى ماثلة هؤلء مع‬
‫اتفاقهم ف النسانية فكيف يقال ‪ :‬إن لغة العرب توجب أن كل ما يشار إليه مثل‬
‫كل ما يشار إليه ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬أل تر كيف فعل ربك بعاد } { إرم ذات‬
‫العماد } { الت ل يلق مثلها ف البلد } فأخب أنه ل يلق مثلها ف البلد‬

‫‪29‬‬
‫وكلها بلد ؛ فكيف يقال إن كل جسم فهو مثل لكل جسم ف لغة العرب حت‬
‫يمل على ذلك قوله ‪ { :‬ليس كمثله شيء } ‪ .‬وقد قال الشاعر ‪ :‬ليس كمثل‬
‫الفت زهي وقال ‪ :‬ما إن كمثلهم ف الناس من بشر ول يقصد هذا أن ينفي وجود‬
‫جسم من الجسام ‪ .‬وكذلك لفظ " التشابه " ليس هو التماثل ف اللغة قال تعال‬
‫‪ { :‬وأتوا به متشابا } وقال تعال { متشابا وغي متشابه } ول يرد به شيئا هو‬
‫ماثل ف اللغة وليس الراد هنا كون الواهر متماثلة ف العقل أو ليست متماثلة ؛‬
‫فإن هذا مبسوط ف موضعه ؛ بل الراد أن أهل اللغة الت با نزل القرآن ل يعلون‬
‫مرد هذا موجبا لطلق اسم الثل ؛ ول يعلون نفي الثل نفيا لذا فحمل القرآن‬
‫على ذلك كذب على القرآن ‪.‬‬

‫فصل ‪ :‬وقول القائل ‪:‬‬


‫" الناسبة " لفظ ممل ؛ فإنه قد يراد با التولد والقرابة فيقال ‪ :‬هذا نسيب فلن‬
‫ويناسبه ؛ إذا كان بينهم قرابة مستندة إل الولدة والدمية وال سبحانه وتعال منه‬
‫عن ذلك ويراد با الماثلة فيقال ‪ :‬هذا يناسب هذا ‪ :‬أي ياثله ‪ .‬وال سبحانه‬
‫وتعال أحد صمد ل يلد ول يولد ول يكن له كفوا أحد ‪ .‬ويراد با الوافقة ف‬
‫معن من العان وضدها الخالفة ‪ .‬و " الناسبة " بذا العتبار ثابتة فإن أولياء ال‬
‫تعال يوافقونه فيما يأمر به فيفعلونه وفيما يبه فيحبونه وفيما نى عنه فيتركونه‬
‫وفيما يعطيه فيصيبونه ‪ .‬وال وتر يب الوتر جيل يب المال عليم يب العلم‬
‫نظيف يب النظافة مسن يب الحسني مقسط يب القسطي إل غي ذلك من‬
‫العان ؛ بل هو سبحانه يفرح بتوبة التائب أعظم من فرح الفاقد لراحلته عليها‬
‫طعامه وشرابه ف الرض الهلكة إذا وجدها بعد اليأس فال أشد فرحا بتوبة عبده‬
‫من هذا براحلته كما ثبت ذلك ف الصحاح عن النب صلى ال عليه وسلم ‪ .‬فإذا‬

‫‪30‬‬
‫أريد " بالناسبة " هذا وأمثاله فهذه الناسبة حق وهي من صفات الكمال كما‬
‫تقدمت الشارة إليه فإن من يب صفات الكمال أكمل من ل فرق عنده بي‬
‫صفات النقص والكمال ؛ أو ل يب صفات الكمال ‪ .‬وإذا قدر موجودان ‪:‬‬
‫( أحدها يب العلم والصدق والعدل والحسان ونو ذلك ‪ .‬و ( الخر ل فرق‬
‫عنده بي هذه المور وبي الهل والكذب والظلم ونو ذلك ل يب هذا ول‬
‫يبغض هذا كان الذي يب تلك المور أكمل من هذا ‪ .‬فدل على أن من جرده‬
‫عن " صفات الكمال والوجود " بأن ل يكون له علم كالماد فالذي يعلم أكمل‬
‫منه ؛ ومعلوم أن الذي يب الحمود ويبغض الذموم ‪ :‬أكمل من يبهما أو‬
‫يبغضهما ‪ .‬وأصل " هذه السألة " الفرق بي مبة ال ورضاه وغضبه وسخطه وبي‬
‫إرادته كما هو مذهب السلف والفقهاء وأكثر الثبتي للقدر من أهل السنة وغيهم‬
‫وصار طائفة من القدرية والثبتي للقدر إل أنه ل فرق بينهما ‪ .‬ث قالت " القدرية‬
‫" ‪ :‬هو ل يب الكفر والفسوق والعصيان ول يريد ذلك فيكون ما ل يشأ ويشاء‬
‫ما ل يكن ‪ .‬وقالت " الثبتة " ما شاء كان وما ل يشأ ل يكن وإذن قد أراد الكفر‬
‫والفسوق والعصيان ول يرده دينا أو أراده من الكافر ول يرده من الؤمن فهو‬
‫لذلك يب الكفر والفسوق والعصيان ول يبه دينا ويبه من الكافر ول يبه من‬
‫الؤمن ‪ .‬وكل القولي خطأ مالف للكتاب والسنة وإجاع سلف المة وأئمتها ؛‬
‫فإنم متفقون على أنه ما شاء ال كان وما ل يشأ ل يكن وأنه ل يكون شيء إل‬
‫بشيئته وممعون على أنه ل يب الفساد ول يرضى لعباده الكفر وأن الكفار‬
‫يبيتون ما ل يرضى من القول والذين نفوا مبته بنوها على هذا الصل الفاسد ‪.‬‬

‫فصل ‪:‬‬

‫‪31‬‬
‫وأما قول القائل ‪ " :‬الرحة " ضعف وخور ف الطبيعة وتأل على الرحوم فهذا‬
‫باطل ‪ .‬أما " أول " ‪ :‬فلن الضعف والور مذموم من الدميي والرحة مدوحة ؛‬
‫وقد قال تعال ‪ { :‬وتواصوا بالصب وتواصوا بالرحة } وقد نى ال عباده عن‬
‫الوهن والزن ؛ فقال تعال ‪ { :‬ول تنوا ول تزنوا وأنتم العلون إن كنتم مؤمني‬
‫} وندبم إل الرحة ‪ .‬وقال النب صلى ال عليه وسلم ف الديث الصحيح ‪ { :‬ل‬
‫تنع الرحة إل من شقي } وقال ‪ { :‬من ل يرحم ل يرحم } وقال ‪ { :‬الراحون‬
‫يرحهم الرحن ‪ .‬ارحوا من ف الرض يرحكم من ف السماء } ‪ .‬ومال أن يقول‬
‫‪ :‬ل ينع الضعف والور إل من شقي ؛ ولكن لا كانت الرحة تقارن ف حق‬
‫كثي من الناس الضعف والور ‪ -‬كما ف رحة النساء ونو ذلك ‪ -‬ظن الغالط أنا‬
‫كذلك مطلقا ‪ .‬و ( أيضا ‪ :‬فلو قدر أنا ف حق الخلوقي مستلزمة لذلك ل يب‬
‫أن تكون ف حق ال تعال مستلزمة لذلك كما أن العلم والقدرة ؛ والسمع والبصر‬
‫والكلم فينا يستلزم من النقص والاجة ما يب تنيه ال عنه ‪ .‬وكذلك " الوجود‬
‫" و " القيام بالنفس " فينا ‪ :‬يستلزم احتياجا إل خالق يعلنا موجودين وال منه ف‬
‫وجوده عما يتاج إليه وجودنا فنحن وصفاتنا وأفعالنا مقرونون بالاجة إل الغي‬
‫والاجة لنا أمر ذات ل يكن أن نلو عنه وهو سبحانه الغن له أمر ذات ل يكن أن‬
‫يلو عنه ؛ فهو بنفسه حي قيوم واجب الوجود ونن بأنفسنا متاجون فقراء ‪ .‬فإذا‬
‫كانت ذاتنا وصفاتنا وأفعالنا وما اتصفنا به من الكمال من العلم والقدرة وغي‬
‫ذلك هو مقرون بالاجة والدوث والمكان ‪ :‬ل يب أن يكون ل ذات ول‬
‫صفات ول أفعال ول يقدر ول يعلم ؛ لكون ذلك ملزما للحاجة فينا ‪ .‬فكذلك "‬
‫الرحة " وغيها إذا قدر أنا ف حقنا ملزمة للحاجة والضعف ؛ ل يب أن تكون‬
‫ف حق ال ملزمة لذلك ‪ .‬وأيضا ‪ :‬فنحن نعلم بالضطرار أنا إذا فرضنا موجودين‬

‫‪32‬‬
‫أحدها يرحم غيه فيجلب له النفعة ويدفع عنه الضرة ؛ والخر قد استوى عنده‬
‫هذا وهذا وليس عنده ما يقتضي جلب منفعة ول دفع مضرة ‪ :‬كان الول أكمل ‪.‬‬

‫فصل ‪ :‬وأما قول القائل ‪:‬‬


‫" الغضب غليان دم القلب لطلب النتقام " فليس بصحيح ف حقنا ؛ بل الغضب‬
‫قد يكون لدفع الناف قبل وجوده فل يكون هناك انتقام أصل ‪ .‬وأيضا ‪ :‬فغليان دم‬
‫القلب يقارنه الغضب ليس أن مرد الغضب هو غليان دم القلب كما أن " الياء "‬
‫يقارن حرة الوجه و " الوجل " يقارن صفرة الوجه ؛ ل أنه هو ‪ .‬وهذا لن النفس‬
‫إذا قام با دفع الؤذي فإن استشعرت القدرة فاض الدم إل خارج فكان منه‬
‫الغضب وإن استشعرت العجز عاد الدم إل داخل ؛ فاصفر الوجه كما يصيب‬
‫الزين ‪ .‬وأيضا ‪ :‬فلو قدر أن هذا هو حقيقة غضبنا ل يلزم أن يكون غضب ال‬
‫تعال مثل غضبنا ؛ كما أن حقيقة ذات ال ليست مثل ذاتنا فليس هو ماثل لنا ‪:‬‬
‫ل لذاتنا ول لرواحنا وصفاته كذاته ‪ .‬ونن نعلم بالضطرار أنا إذا قدرنا‬
‫موجودين ‪ :‬أحدها عنده قوة يدفع با الفساد ‪ .‬والخر ل فرق عنده بي الصلح‬
‫والفساد كان الذي عنده تلك القوة أكمل ‪ .‬ولذا يذم من ل غية له على‬
‫الفواحش كالديوث ويذم من ل حية له يدفع با الظلم عن الظلومي ويدح الذي‬
‫له غية يدفع با الفواحش وحية يدفع با الظلم ؛ ويعلم أن هذا أكمل من ذلك ‪.‬‬
‫ولذا وصف النب صلى ال عليه وسلم الرب بالكملية ف ذلك فقال ف الديث‬
‫الصحيح ‪ { :‬ل أحد أغي من ال من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما‬
‫بطن } وقال ‪ { :‬أتعجبون من غية سعد ؟ أنا أغي منه وال أغي من } ‪ .‬وقول‬
‫القائل ‪ :‬إن هذه انفعالت نفسانية ‪ .‬فيقال ‪ :‬كل ما سوى ال ملوق منفعل ونن‬
‫وذواتنا منفعلة فكونا انفعالت فينا لغينا نعجز عن دفعها ‪ :‬ل يوجب أن يكون‬

‫‪33‬‬
‫ال منفعل لا عاجزا عن دفعها وكان كل ما يري ف الوجود فإنه بشيئته وقدرته‬
‫ل يكون إل ما يشاء ول يشاء إل ما يكون له اللك وله المد ‪.‬‬

‫فصل ‪ :‬وقول القائل ‪:‬‬


‫" إن الضحك خفة روح " ليس بصحيح ؛ وإن كان ذلك قد يقارنه ‪ .‬ث قول‬
‫القائل ‪ " :‬خفة الروح " ‪ .‬إن أراد به وصفا مذموما فهذا يكون لا ل ينبغي أن‬
‫يضحك منه وإل فالضحك ف موضعه الناسب له صفة مدح وكمال وإذا قدر‬
‫حيان أحدها يضحك ما يضحك منه ؛ والخر ل يضحك قط كان الول أكمل‬
‫من الثان ‪ .‬ولذا قال النب صلى ال عليه وسلم { ينظر إليكم الرب قنطي فيظل‬
‫يضحك يعلم أن فرجكم قريب فقال له أبو رزين العقيلي ‪ :‬يا رسول ال أو‬
‫يضحك الرب ؟ قال ‪ :‬نعم قال ‪ :‬لن نعدم من رب يضحك خيا } ‪ .‬فجعل‬
‫العراب العاقل ‪ -‬بصحة فطرته ‪ -‬ضحكه دليل على إحسانه وإنعامه ؛ فدل على‬
‫أن هذا الوصف مقرون بالحسان الحمود وأنه من صفات الكمال والشخص‬
‫العبوس الذي ل يضحك قط هو مذموم بذلك وقد قيل ف اليوم الشديد العذاب ‪:‬‬
‫إنه { يوما عبوسا قمطريرا } ‪ .‬وقد روي ‪ :‬أن اللئكة قالت لدم ‪ " :‬حياك ال‬
‫وبياك " أي أضحكك ‪ .‬والنسان حيوان ناطق ضاحك ؛ وما ييز النسان عن‬
‫البهيمة صفة كمال فكما أن النطق صفة كمال فكذلك الضحك صفة كمال فمن‬
‫يتكلم أكمل من ل يتكلم ومن يضحك أكمل من ل يضحك وإذا كان الضحك‬
‫فينا مستلزما لشيء من النقص فال منه عن ذلك وذلك الكثر متص ل عام فليس‬
‫حقيقة الضحك مطلقا مقرونة بالنقص كما أن ذواتنا وصفاتنا مقرونة بالنقص‬
‫ووجودنا مقرون بالنقص ول يلزم أن يكون الرب موجدا وأن ل تكون له ذات ‪.‬‬
‫ومن هنا ضلت القرامطة الغلة كصاحب " القليد " وأمثاله فأرادوا أن ينفوا عنه‬

‫‪34‬‬
‫كل ما يعلمه القلب وينطق به اللسان من نفي وإثبات فقالوا ‪ :‬ل نقول موجود ول‬
‫ل موجود ول موصوف ول ل موصوف ؛ لا ف ذلك ‪ -‬على زعمهم ‪ -‬من‬
‫التشبيه وهذا يستلزم أن يكون متنعا وهو مقتضى التشبيه بالمتنع والتشبيه المتنع‬
‫على ال أن يشارك الخلوقات ف شيء من خصائصها وأن يكون ماثل لا ف شيء‬
‫من صفاته كالياة والعلم والقدرة فإنه وإن وصف با فل تاثل صفة الالق صفة‬
‫الخلوق كالدوث والوت والفناء والمكان ‪.‬‬

‫فصل ‪ :‬وأما قوله ‪:‬‬


‫" التعجب استعظام للمتعجب منه " ‪ .‬فيقال ‪ :‬نعم ‪ .‬وقد يكون مقرونا بهل‬
‫بسبب التعجب وقد يكون لا خرج عن نظائره وال تعال بكل شيء عليم فل‬
‫يوز عليه أن ل يعلم سبب ما تعجب منه ؛ بل يتعجب لروجه عن نظائره تعظيما‬
‫له ‪ .‬وال تعال يعظم ما هو عظيم ؛ إما لعظمة سببه أو لعظمته ‪ .‬فإنه وصف بعض‬
‫الي بأنه عظيم ‪ .‬ووصف بعض الشر بأنه عظيم فقال تعال ‪ { :‬رب العرش‬
‫العظيم } وقال ‪ { :‬ولقد آتيناك سبعا من الثان والقرآن العظيم } وقال ‪ { :‬ولو‬
‫أنم فعلوا ما يوعظون به لكان خيا لم وأشد تثبيتا } { وإذا لتيناهم من لدنا‬
‫أجرا عظيما } وقال ‪ { :‬ولول إذ سعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بذا‬
‫سبحانك هذا بتان عظيم } وقال ‪ { :‬إن الشرك لظلم عظيم } ‪ .‬ولذا قال تعال‬
‫‪ { :‬بل عجبت ويسخرون } على قراءة الضم فهنا هو عجب من كفرهم مع‬
‫وضوح الدلة ‪ { .‬وقال النب صلى ال عليه وسلم للذي آثر هو وامرأته ضيفهما ‪:‬‬
‫لقد عجب ال } وف لفظ ف الصحيح ‪ { :‬لقد ضحك ال الليلة من صنعكما‬
‫البارحة } ‪ .‬وقال ‪ { :‬إن الرب ليعجب من عبده إذا قال رب اغفر ل فإنه ل‬
‫يغفر الذنوب إل أنت ‪ .‬يقول علم عبدي أنه ل يغفر الذنوب إل أنا } وقال ‪{ :‬‬

‫‪35‬‬
‫عجب ربك من شاب ليست له صبوة } وقال ‪ { :‬عجب ربك من راعي غنم‬
‫على رأس شظية يؤذن ويقيم فيقول ال انظروا إل عبدي } أو كما قال ‪ .‬ونو‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫فصل ‪ :‬وأما قول القائل ‪:‬‬


‫" لو كان ف ملكه ما ل يريده لكان نقصا " ‪ .‬وقول الخر ‪ " :‬لو قدر وعذب‬
‫لكان ظلما والظلم نقص " ‪ .‬فيقال ‪ :‬أما القالة الول فظاهرة ‪ :‬فإنه إذا قدر أنه‬
‫يكون ف ملكه ما ل يريده وما ل يقدر عليه ؛ وما ل يلقه ول يدثه لكان نقصا‬
‫من وجوه ‪ ( :‬أحدها أن انفراد شيء من الشياء عنه بالحداث نقص لو قدر أنه‬
‫ف غي ملكه فكيف ف ملكه ؟ فإنا نعلم أنا إذا فرضنا اثني ‪ :‬أحدها يتاج إليه‬
‫كل شيء ول يتاج إل شيء والخر يتاج إليه بعض الشياء ويستغن عنه بعضها‬
‫‪ :‬كان الول أكمل فنفس خروج شيء عن قدرته وخلقه نقص وهذه دلئل‬
‫الوحدانية فإن الشتراك نقص بكل من الشتركي وليس الكمال الطلق إل ف‬
‫الوحدانية ‪ .‬فإنا نعلم أن من قدر بنفسه كان أكمل من يتاج إل معي ومن فعل‬
‫الميع بنفسه فهو أكمل من له مشارك ومعاون على فعل البعض ومن افتقر إليه‬
‫كل شيء فهو أكمل من استغن عنه بعض الشياء ‪ ( .‬ومنها أن يقال ‪ :‬كونه‬
‫خالقا لكل شيء وقادرا على كل شيء ‪ :‬أكمل من كونه خالقا للبعض وقادرا‬
‫على البعض ‪ .‬و " القدرية " ل يعلونه خالقا لكل شيء ول قادرا على كل شيء ‪.‬‬
‫و " التفلسفة " القائلون بأنه علة غائية شر منهم فإنم ل يعلونه خالقا لشيء من‬
‫حوادث العال ‪ -‬ل لركات الفلك ول غيها من التحركات ول خالقا لا‬
‫يدث بسبب ذلك ول قادرا على شيء من ذلك ول عالا بتفاصيل ذلك وال‬
‫سبحانه وتعال يقول ‪ { :‬ال الذي خلق سبع ساوات ومن الرض مثلهن يتنل‬

‫‪36‬‬
‫المر بينهن لتعلموا أن ال على كل شيء قدير وأن ال قد أحاط بكل شيء علما‬
‫} وهؤلء ينظرون ف العال ول يعلمون أن ال على كل شيء قدير ول أن ال قد‬
‫أحاط بكل شيء علما ‪ ( .‬ومنها أنا إذا قدرنا مالكي ‪ ( :‬أحدها يريد شيئا فل‬
‫يكون ويكون ما ل يريد ( والخر ل يريد شيئا إل كان ول يكون إل ما يريد‬
‫علمنا بالضرورة أن هذا أكمل ‪ .‬وف الملة قول " الثبتة للقدرة " يتضمن أنه‬
‫خالق كل شيء وربه ومليكه وأنه على كل شيء قدير وأنه ما شاء كان ؛ فيقتضي‬
‫كمال خلقه وقدرته ومشيئته و " نفاة القدر " يسلبونه هذه الكمالت ‪ .‬وأما قوله‬
‫‪ " :‬إن التعذيب على القدر ظلم منه " فهذه دعوى مردة ليس معهم فيها إل قياس‬
‫الرب على أنفسهم ول يقول عاقل إن كل ما كان نقصا من أي موجود كان ‪:‬‬
‫لزم أن يكون نقصا من ال ؛ بل ول يقبح هذا من النسان مطلقا ؛ بل إذا كان له‬
‫مصلحة ف تعذيب بعض اليوان وأن يفعل به ما فيه تعذيب له حسن ذلك منه ؛‬
‫كالذي يصنع القز فإنه هو الذي يسعى ف أن دود القز ينسجه ث يسعى ف أن‬
‫يلقى ف الشمس ليحصل له القصود من القز وهو هنا له سعي ف حركة الدود الت‬
‫كانت سبب تعذيبه ‪ .‬وكذلك الذي يسعى ف أن يتوالد له ماشية وتبيض له دجاج‬
‫ث يذبح ذلك لينتفع به فقد تسبب ف وجود ذلك اليوان تسببا أفضى إل عذابه ؛‬
‫لصلحة له ف ذلك ‪ .‬ففي " الملة " ‪ :‬النسان يسن منه إيلم اليوان لصلحة‬
‫راجحة ف ذلك فليس جنس هذا مذموما ول قبيحا ول ظلما وإن كان من ذلك‬
‫ما هو ظلم ‪ .‬وحينئذ فالظلم من ال إما أن يقال ‪ :‬هو متنع لذاته ؛ لن الظلم‬
‫تصرف التصرف ف غي ملكه وال له كل شيء ؛ أو الظلم مالفة المر الذي تب‬
‫طاعته ؛ وال تعال يتنع منه التصرف ف ملك غيه أو مالفة أمر من يب عليه‬
‫طاعته ‪ .‬فإذا كان الظلم ليس إل هذا أو هذا ‪ :‬امتنع الظلم منه ‪ .‬وإما أن يقال ‪:‬‬
‫هو مكن لكنه سبحانه ل يفعله لغناه وعلمه بقبحه ؛ ولخباره أنه ل يفعله ؛‬

‫‪37‬‬
‫ولكمال نفسه يتنع وقوع الظلم منه إذ كان العدل والرحة من لوازم ذاته ؛ فيمتنع‬
‫اتصافه بنقيض صفات الكمال الت هي من لوازمه على هذا القول فالذي يفعله‬
‫لكمة اقتضت ذلك كما أن الذي يتنع من فعله لكمة تقتضي تنيهه عنه ‪ .‬وعلى‬
‫هذا فكل ما فعله علمنا أن له فيه حكمة ؛ وهذا يكفينا من حيث الملة وإن ل‬
‫نعرف التفصيل وعدم علمنا بتفصيل حكمته بنلة عدم علمنا بكيفية ذاته ؛ وكما‬
‫أن ثبوت صفات الكمال له معلوم لنا وأما كنه ذاته فغي معلومة لنا فل نكذب با‬
‫علمناه ما ل نعلمه ‪ .‬وكذلك نن نعلم أنه " حكيم " فيما يفعله ويأمر به وعدم‬
‫علمنا بالكمة ف بعض الزئيات ل يقدح فيما علمناه من أصل حكمته ؛ فل‬
‫نكذب با علمناه من حكمته ما ل نعلمه من تفصيلها ‪ .‬ونن نعلم أن من علم‬
‫حذق أهل الساب والطب والنحو ول يكن متصفا بصفاتم الت استحقوا با أن‬
‫يكونوا من أهل الساب والطب والنحو ل يكنه أن يقدح فيما قالوه ؛ لعدم علمه‬
‫بتوجيهه ‪ .‬والعباد أبعد عن معرفة ال وحكمته ف خلقه من معرفة عوامهم‬
‫بالساب والطب والنحو فاعتراضهم على حكمته أعظم جهل وتكلفا للقول بل‬
‫علم من العامي الحض إذا قدح ف الساب والطب والنحو بغي علم بشيء من‬
‫ذلك ‪ .‬وهذا يتبي بالصل الذي ذكرناه ف الكمال وهو قولنا ‪ :‬إن الكمال الذي‬
‫ل نقص فيه للممكن الوجود يب اتصافه به وتنيهه عما يناقضه فيقال ‪ :‬خلق‬
‫بعض اليوان وفعله الذي يكون سببا لعذابه هل هو نقص مطلقا أم يتلف ؟ ‪.‬‬
‫وأيضا فإذا كان ف خلق ذلك حكمة عظيمة ل تصل إل بذلك فأيا أكمل تصيل‬
‫ذلك بتلك الكمة العظيمة أو تفويتها ؟ وأيضا فهل يكن حصول الكمة الطلوبة‬
‫بدون حصول هذا ؟ فهذه أمور إذا تدبرها النسان ؛ علم أنه ل يكنه أن يقول‬
‫خلق فعل اليوان الذي يكون سببا لتعذيبه نقص مطلقا ‪ .‬و " الثبتة للقدر " قد‬
‫تيب بواب آخر ؛ لكن ينازعهم المهور فيه ‪ .‬فيقولون ‪ :‬كونه يفعل ما يشاء‬

‫‪38‬‬
‫ويكم ما يريد صفة كمال بلف الذي يكون مأمورا منهيا الذي يؤمر بشيء‬
‫وينهى عن شيء ‪ .‬ويقولون إنا قبح من غيه أن يفعل ما شاء لا يلحقه من الضرر‬
‫وهو سبحانه ل يوز أن يلحقه ضرر ‪ .‬والمهور يقولون ‪ :‬إذا قدرنا من يفعل ما‬
‫يريد بل حكمة مبوبة تعود إليه ول رحة وإحسان يعود إل غيه ‪ :‬كان الذي‬
‫يفعل لكمة ورحة أكمل من يفعل ل لكمة ول لرحة ‪ .‬ويقولون ‪ :‬إذا قدرنا‬
‫مريدا ل ييز بي مراده ومراد غيه ‪ .‬ومريدا ييز بينهما ؛ فييد ما يصلح أن يراد‬
‫وينبغي أن يراد ؛ دون ما هو بالضد ‪ :‬كان هذا الثان أكمل ‪ .‬ويقولون ‪ :‬الأمور‬
‫النهي الذي فوقه آمر ناه هو ناقص بالنسبة إل من ليس فوقه آمر ناه لكن إذا كان‬
‫هو المر لنفسه با ينبغي أن يفعل والحرم عليها ما ل ينبغي أن يفعل وآخر يفعل‬
‫ما يريده بدون أمر وني من نفسه فهذا اللتزم لمره ونيه ‪ -‬الواقعي على وجه‬
‫الكمة ‪ -‬أكمل من ذلك ؛ وقد قال تعال { كتب ربكم على نفسه الرحة }‬
‫وقال ‪ { :‬يا عبادي إن حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم مرما فل تظالوا‬
‫} ‪ .‬وقالوا أيضا ‪ :‬إذا قيل يفعل ما يشاء ويكم ما يريد على وجه بيان قدرته وأنه‬
‫ل مانع له ول يقدر غيه أن ينعه مراده ول أن يعله مريدا كان هذا أكمل من له‬
‫مانع ينعه مراده ومعي ل يكون مريدا أو فاعل لا يريد إل به ‪ .‬وأما إذا قيل ‪:‬‬
‫يفعل ما يريد باعتبار أنه ل يفعل على وجه مقتضى العلم والكمة ؛ بل هو‬
‫( متسفه فيما يفعله وآخر يفعل ما يريد ؛ لكن إرادته مقرونة بالعلم والكمة ؛‬
‫كان هذا الثان أكمل ‪ .‬و ( جاع المر ف ذلك ‪ :‬أن كمال القدرة صفة كمال‬
‫وكون الرادة نافذة ل تتاج إل معاون ول يعارضها مانع وصف كمال ‪ .‬وأما‬
‫كون " الرادة " ل تيز بي مراد ومراد بل جيع الجناس عندها سواء فهذا ليس‬
‫بوصف كمال ؛ بل الرادة الميزة بي مراد ومراد ‪ -‬كما يقتضيه العلم والكمة ‪-‬‬
‫هي الوصوفة بالكمال فمن نقصه ف قدرته وخلقه ومشيئته فلم يقدره قدره ‪ .‬ومن‬

‫‪39‬‬
‫نقصه من حكمته ورحته فلم يقدره حق قدره ‪ .‬والكمال الذي يستحقه إثبات‬
‫هذا وهذا ‪.‬‬

‫فصل ‪ :‬وأما‬
‫" منكرو النبوات " وقولم ‪ :‬ليس اللق أهل أن يرسل ال إليهم رسول كما أن‬
‫أطراف الناس ليسوا أهل أن يرسل السلطان إليهم رسول ‪ :‬فهذا جهل واضح ف‬
‫حق الخلوق والالق فإن من أعظم ما تمد به اللوك خطابم بأنفسهم لضعفاء‬
‫الرعية فكيف بإرسال رسول إليهم ‪ .‬وأما ف حق الالق فهو سبحانه أرحم بعباده‬
‫من الوالدة بولدها وهو قادر مع كمال رحته فإذا كان كامل القدرة كامل الرحة‬
‫فما الانع أن يرسل إليهم رسول رحة منه ؟ كما قال تعال ‪ { :‬وما أرسلناك إل‬
‫رحة للعالي } ‪ .‬وقال النب صلى ال عليه وسلم { إنا أنا رحة مهداة } ولن‬
‫هذا من جلة إحسانه إل اللق بالتعليم والداية وبيان ما ينفعهم وما يضرهم كما‬
‫قال تعال ‪ { :‬لقد من ال على الؤمني إذ بعث فيهم رسول من أنفسهم يتلو‬
‫عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والكمة } فبي تعال أن هذا من مننه على‬
‫عباده الؤمني ‪ .‬فإن كان النكر ينكر قدرته على ذلك فهذا قدح ف كمال قدرته‬
‫وإن كان ينكر إحسانه بذلك فهذا قدح ف كمال رحته وإحسانه ‪ .‬فعلم أن‬
‫إرسال الرسول من أعظم الدللة على كمال قدرته وإحسانه والقدرة والحسان‬
‫من صفات الكمال ل النقص ‪ .‬وأما تعذيب الكذبي فذلك داخل ف القدر لا له‬
‫فيه من الكمة ‪.‬‬

‫فصل ‪ :‬وأما‬

‫‪40‬‬
‫" قول الشركي " ‪ :‬إن عظمته وجلله يقتضي أن ل يتقرب إليه إل بواسطة‬
‫وحجاب والتقرب بدون ذلك غض من جنابه الرفيع فهذا باطل من وجوه ‪ ( :‬منها‬
‫أن الذي ل يتقرب إليه إل بوسائط وحجاب إما أن يكون قادرا على ساع كلم‬
‫جنده وقضاء حوائجهم بدون الوسائط والجاب وإما أن ل يكون قادرا فإن ل‬
‫يكن قادرا كان هذا نقصا وال تعال موصوف بالكمال ؛ فوجب أن يكون متصفا‬
‫بأنه يسمع كلم عباده بل وسائط وييب دعاءهم ويسن إليهم بدون حاجة إل‬
‫حجاب وإن كان اللك قادرا على فعل أموره بدون الجاب وترك الجاب‬
‫إحسانا ورحة كان ذلك صفة كمال ‪ .‬وأيضا ‪ :‬فقول القائل ‪ :‬إن هذا غض منه‬
‫إنا يكون فيمن يكن اللق أن يضروه ويفتقر ف نفعه إليهم فأما مع كمال قدرته‬
‫واستغنائه عنهم وأمنه أن يؤذوه فليس تقربم إليه غضا منه ؛ بل إذا كان اثنان ‪:‬‬
‫أحدها يقرب إليه الضعفاء إحسانا إليهم ول ياف منهم والخر ل يفعل ذلك إما‬
‫خوفا وإما كبا وإما غي ذلك ‪ :‬كان الول أكمل من الثان ‪ :‬وأيضا فإن هذا ل‬
‫يقال إذا كان ذلك بأمر الطاع ؛ بل إذا أذن للناس ف التقرب منه ودخول داره ‪:‬‬
‫ل يكن ذلك سوء أدب عليه ول غضا منه فهذا إنكار على من تعبده بغي ما شرع‬
‫‪ .‬ولذا قال تعال ‪ { :‬إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } { وداعيا إل ال بإذنه‬
‫} وقال تعال ‪ { :‬أم لم شركاء شرعوا لم من الدين ما ل يأذن به ال } ‪.‬‬

‫فصل ‪ :‬وأما‪:‬‬
‫قول القائل ‪ :‬إنه لو قيل لم أيا أكمل ؟ ذات توصف بسائر أنواع الدراكات من‬
‫الذوق والشم واللمس ؟ أم ذات ل توصف با ؟ لقالوا ‪ :‬الول أكمل ول يصفوه‬
‫با ‪ .‬فتقول مثبتة الصفات لم ‪ :‬ف هذه الدراكات ثلثة أقوال معروفة ‪ ( :‬أحدها‬
‫‪ :‬إثبات هذه الدراكات ل تعال كما يوصف بالسمع والبصر ‪ .‬وهذا قول‬

‫‪41‬‬
‫القاضي أب بكر وأب العال وأظنه قول الشعري نفسه بل هو قول العتزلة‬
‫البصريي الذين يصفونه بالدراكات ‪ .‬وهؤلء وغيهم يقولون ‪ :‬تتعلق به‬
‫الدراكات المسة أيضا كما تتعلق به الرؤية ؛ وقد وافقهم على ذلك القاضي أبو‬
‫يعلى ف " العتمد " وغيه ‪ ( .‬والقول الثان ‪ :‬قول من ينفي هذه الثلثة ؛ كما‬
‫ينفي ذلك كثي من الثبتة أيضا من الصفاتية وغيهم ‪ .‬وهذا قول طوائف من‬
‫الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحد وكثي من أصحاب الشعري وغيه ‪.‬‬
‫( والقول الثالث ‪ :‬إثبات إدراك اللمس دون إدراك الذوق ؛ لن الذوق إنا يكون‬
‫للمطعوم فل يتصف به إل من يأكل ول يوصف به إل ما يؤكل وال سبحانه منه‬
‫عن الكل بلف اللمس فإنه بنلة الرؤية وأكثر أهل الديث يصفونه باللمس‬
‫وكذلك كثي من أصحاب مالك والشافعي وأحد وغيهم ول يصفونه بالذوق ‪.‬‬
‫وذلك أن نفاة الصفات من العتزلة قالوا للمثبتة ‪ :‬إذا قلتم إنه يرى ‪ .‬فقولوا إنه‬
‫يتعلق به سائر أنواع الس ‪ .‬وإذا قلتم إنه سيع بصي فصفوه بالدراكات المسة ‪.‬‬
‫فقال " أهل الثبات قاطبة " نن نصفه بأنه يرى وأنه يسمع كلمه كما جاءت‬
‫بذلك النصوص ‪ .‬وكذلك نصفه بأنه يسمع ويرى ‪ .‬وقال جهور أهل الديث‬
‫والسنة ‪ :‬نصفه أيضا بإدراك اللمس لن ذلك كمال ل نقص فيه ‪ .‬وقد دلت عليه‬
‫النصوص بلف إدراك الذوق فإنه مستلزم للكل وذلك مستلزم للنقص كما تقدم‬
‫‪ .‬وطائفة من نظار الثبتة وصفوه بالوصاف المس من الانبي ‪ .‬ومنهم من قال ‪:‬‬
‫إنه يكن أن تتعلق به هذه النواع كما تتعلق به الرؤية لعتقادهم أن مصحح‬
‫الرؤية الوجود ول يقولوا إنه متصف با ‪ .‬وأكثر مثبت الرؤية ل يعلوا مرد الوجود‬
‫هو الصحح للرؤية ؛ بل قالوا إن القتضى أمور وجودية ل أن كل موجود يصح‬
‫رؤيته وبي المرين فرق ؛ فإن الثان يستلزم رؤية كل موجود ؛ بلف الول ؛‬
‫وإذا كان الصحح للرؤية هي أمور وجودية ل يشترط فيها أمور عدمية ؛ فما كان‬

‫‪42‬‬
‫أحق بالوجود وأبعد عن العدم كان أحق بأن توز رؤيته ومنهم من نفى ما سوى‬
‫السمع والبصر من الانبي ‪.‬‬

‫فصل ‪ :‬وأما قول القائل‬


‫‪ :‬الكمال والنقص من المور النسبية ‪ :‬فقد بينا أن الذي يستحقه الرب هو‬
‫الكمال الذي ل نقص فيه بوجه من الوجوه وأنه الكمال المكن للموجود ومثل‬
‫هذا ل ينتفي عن ال أصل والكمال النسب هو الستلزم للنقص ؛ فيكون كمال من‬
‫وجه دون وجه ؛ كالكل للجائع كمال له وللشبعان نقص فيه ؛ لنه ليس بكمال‬
‫مض بل هو مقرون بالنقص ‪ .‬والتعال والتكب والثناء على النفس وأمر الناس‬
‫بعبادته ودعائه والرغبة إليه ونو ذلك ما هو من خصائص الربوبية هذا كمال‬
‫ممود من الرب تبارك وتعال وهو نقص مذموم من الخلوق ‪ .‬وهذا كالب عما‬
‫هو من خصائص الربوبية ؛ كقوله ‪ { :‬إنن أنا ال ل إله إل أنا فاعبدن } وقوله‬
‫تعال { ادعون أستجب لكم } وقوله ‪ { :‬وإن تبدوا ما ف أنفسكم أو تفوه‬
‫ياسبكم به ال } وقوله ‪ { :‬أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا }‬
‫وقوله ‪ { :‬إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } وقوله ‪ { :‬إنا لننصر رسلنا والذين‬
‫آمنوا ف الياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد } وقوله ‪ { :‬ومن يتق ال يعل له مرجا‬
‫} { ويرزقه من حيث ل يتسب ومن يتوكل على ال فهو حسبه } وأمثال هذا‬
‫الكلم الذي يذكر الرب فيه عن نفسه بعض خصائصه وهو ف ذلك صادق ف‬
‫إخباره عن نفسه با هو من نعوت الكمال ‪ :‬هو أيضا من كماله فإن بيانه لعباده‬
‫وتعريفهم ذلك هو أيضا من كماله ‪ .‬وأما غيه فلو أخب بثل ذلك عن نفسه لكان‬
‫كاذبا مفتريا والكذب من أعظم العيوب والنقائص ‪ .‬وأما إذا أخب الخلوق عن‬
‫نفسه با هو صادق فيه فهذا ل يذم مطلقا بل قد يمد منه إذا كان ف ذلك‬

‫‪43‬‬
‫مصلحة كقول النب صلى ال عليه وسلم { أنا سيد ولد آدم ول فخر } ‪ .‬وأما إذا‬
‫كان فيه مفسدة راجحة أو مساوية فيذم لفعله ما هو مفسدة ل لكذبه والرب تعال‬
‫ل يفعل ما هو مذموم عليه ؛ بل له المد على كل حال فكل ما يفعله هو منه‬
‫حسن جيل ممود ‪ .‬وأما على قول من يقول ‪ :‬الظلم منه متنع لذاته فظاهر ‪ .‬وأما‬
‫على قول المهور من أهل السنة والقدرية فإنه إنا يفعل بقتضى الكمة والعدل‬
‫فأخباره كلها وأقواله وأفعاله كلها حسنة ممودة واقعة على وجه الكمال الذي‬
‫يستحق عليه المد وله من المور الت يستحق با الكبياء والعظمة ما هو من‬
‫خصائصه تبارك وتعال ‪ .‬فالكبياء والعظمة له بنلة كونه حيا قيوما قديا واجبا‬
‫بنفسه وأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه العزيز الذي ل ينال وأنه‬
‫قهار لكل ما سواه ‪ .‬فهذه كلها صفات كمال ل يستحقها إل هو ؛ فما ل‬
‫يستحقه إل هو كيف يكون كمال من غيه وهو معدوم لغيه ؟ فمن ادعاه كان‬
‫مفتريا منازعا للربوبية ف خواصها كما ثبت ف الديث الصحيح عن النب صلى‬
‫ال عليه وسلم قال ‪ { :‬يقول ال تعال ‪ :‬العظمة إزاري والكبياء ردائي فمن‬
‫نازعن واحدا منهما عذبته } ‪ .‬وجلة ذلك ‪ :‬أن الكمال الختص بالربوبية ليس‬
‫لغيه فيه نصيب فهذا تقيق اتصافه بالكمال الذي ل نصيب لغيه فيه ‪ .‬ومثل هذا‬
‫الكمال ل يكون لغيه فادعاؤه منازعة للربوبية وفرية على ال ‪ .‬ومعلوم أن النبوة‬
‫كمال للنب وإذا ادعاها الفترون ‪ -‬كمسيلمة وأمثاله ‪ -‬كان ذلك نقصا منهم ل‬
‫لن النبوة نقص ؛ ولكن دعواها من ليست له هو النقص وكذلك لو ادعى العلم‬
‫والقدرة والصلح من ليس متصفا بذلك كان مذموما مقوتا وهذا يقتضي أن الرب‬
‫تعال متصف بكمال ل يصلح للمخلوق وهذا ل يناف أن ما كان كمال للموجود‬
‫من حيث هو موجود ‪ :‬فالالق أحق به ؛ ولكن يفيد أن الكمال الذي يوصف به‬
‫الخلوق با هو منه إذا وصف الالق با هو منه فالذي للخالق ل ياثله ما للمخلوق‬

‫‪44‬‬
‫ول يقاربه ‪ .‬وهذا حق فالرب تعال مستحق للكمال متص به على وجه ل ياثله‬
‫فيه شيء فليس له سي ول كفؤ سواء كان الكمال ما ل يثبت منه شيء للمخلوق‬
‫كربوبية العباد والغن الطلق ونو ذلك أو كان ما يثبت منه نوع للمخلوق ؛‬
‫فالذي يثبت للخالق منه نوع هو أعظم ما يثبت من ذلك للمخلوق ‪ :‬عظمة هي‬
‫أعظم من فضل أعلى الخلوقات على أدناها ‪ .‬و " ملخص ذلك " أن الخلوق يذم‬
‫منه الكبياء والتجب وتزكية نفسه أحيانا ونو ذلك ‪ .‬وأما قول السائل ‪ :‬فإن قلتم‬
‫نن نقطع النظر عن متعلق الصفة وننظر فيها هل هي كمال أم نقص ؟ وكذلك‬
‫نيل الكم عليها بأحدها ؛ لنا قد تكون كمال لذات نقصا لخرى على ما‬
‫ذكر ‪ .‬فيقال ‪ :‬بل نن نقول الكمال الذي ل نقص فيه للممكن الوجود هو كمال‬
‫مطلق لكل ما يتصف به ‪ .‬وأيضا فالكمال الذي هو كمال للموجود ‪ -‬من حيث‬
‫هو موجود ‪ -‬يتنع أن يكون نقصا ف بعض الصور ؛ لن ما كان نقصا ف بعض‬
‫الصور تاما ف بعض ‪ :‬هو كمال لنوع من الوجودات دون نوع فل يكون كمال‬
‫للموجود من حيث هو موجود ‪ .‬ومن الطرق الت با يعرف ذلك ‪ :‬أن نقدر‬
‫موجودين ‪ :‬أحدها متصف بذا والخر بنقيضه فإنه يظهر من ذلك أيهما أكمل‬
‫وإذا قيل هذا أكمل من وجه وهذا أنقص من وجه ل يكن كمال مطلقا ‪.‬‬
‫وال أعلم والمد ل رب العالي وصلى ال على سيدنا ممد وآله وسلم ‪.‬‬
‫تم نسخ هذه الرسالة من موقع السلم‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/index.php‬‬

‫‪45‬‬

You might also like