Professional Documents
Culture Documents
العرشية
شيخ السلم ابن تيمية
مكتبة مشكاة السلمية
1
سئل شيخ السلم أبو العباس أحد بن عبد الليم بن عبد السلم العال الربان
والعابد النوران ابن تيمية الران أيده ال تعال
ما تقول ف " العرش " هل هو كروي أم ل ؟ وإذا كان كرويا وال من ورائه
ميط به بائن عنه فما فائدة أن العبد يتوجه إل ال تعال حي دعائه وعبادته فيقصد
العلو دون غيه ول فرق حينئذ وقت الدعاء بي قصد جهة العلو وغيها من
الهات الت تيط بالداعي ومع هذا ند ف قلوبنا قصدا يطلب العلو ل يلتفت ينة
ول يسرة .فأخبنا عن هذه الضرورة الت ندها ف قلوبنا ؛ وقد فطرنا عليها .
وابسط لنا الواب ف ذلك بسطا شافيا :يزيل الشبهة ويقق الق -إن شاء ال
-أدام ال النفع بكم وبعلومكم آمي .
2
مبدأ الوادث وزعموا أن ال يدث فيه ما يقدره ف الرض أو يدثه ف " النفس "
الت زعموا أنا متعلقة به ؛ أو ف " العقل " الذي زعموا أنه الذي صدر عنه هذا
الفلك وربا ساه بعضهم الروح وربا جعل بعضهم " النفس " هي الروح وربا
جعل بعضهم " النفس " هي اللوح الحفوظ كما جعل " العقل " هو القلم .وتارة
يعلون " الروح " هو العقل الفعال العاشر الذي لفلك القمر و " النفس " التعلقة
به وربا جعلوا ذلك بالنسبة إل الق سبحانه كالدماغ بالنسبة إل النسان يقدر
فيه ما يفعله قبل أن يكون إل غي ذلك من القالت الت قد شرحناها وبينا فسادها
ف غي هذا الوضع .ومنهم من يدعي أنه علم ذلك بطريق الكشف والشاهدة
ويكون كاذبا فيما يدعيه وإنا أخذ ذلك عن هؤلء التفلسفة تقليدا لم أو موافقة
لم على طريقتهم الفاسدة ؛ كما فعل أصحاب " رسائل إخوان الصفا " وأمثالم .
وقد يتمثل ف نفسه ما تقلده عن غيه فيظنه كشفا كما يتخيل النصران " التثليث
" الذي يعتقده وقد يرى ذلك ف منامه فيظنه كشفا وإنا هو تيل لا اعتقده .
وكثي من أرباب العتقادات الفاسدة إذا ارتاضوا صقلت الرياضة نفوسهم فتتمثل
لم اعتقاداتم فيظنونا كشفا .وقد بسطنا الكلم على هذا ف غي هذا الوضع .و
( القصود هنا :أن ما ذكروه من أن " العرش " هو الفلك التاسع :قد يقال :إنه
ليس لم عليه دليل ل عقلي ول شرعي .أما " العقلي " فإن أئمة الفلسفة
مصرحون بأنه ل يقم عندهم دليل على أنه ليس وراء الفلك التاسع شيء آخر ؛ بل
ول قام عندهم دليل على أن الفلك هي تسعة فقط ؛ بل يوز أن تكون أكثر من
ذلك ولكن دلتهم الركات الختلفة والكسوفات ونو ذلك على ما ذكروه وما ل
يكن لم دليل على ثبوته فهم ل يعلمون ل ثبوته ول انتفاءه " .مثال ذلك " أنم
علموا أن هذا الكوكب تت هذا ؛ بأن السفلي يكسف العلوي من غي عكس ؛
فاستدلوا بذلك على أنه ف فلك فوقه .كما استدلوا بالركات الختلفة على أن
3
الفلك متلفة .حت جعلوا ف الفلك الواحد عدة أفلك ؛ كفلك التدوير وغيه .
فأما ما كان موجودا فوق هذا ول يكن لم ما يستدلون به على ثبوته :فهم ل
يعلمون نفيه ول إثباته بطريقهم .وكذلك قول القائل :إن حركة " التاسع " مبدأ
الوادث خطأ وضلل على أصولم ؛ فإنم يقولون :إن " الثامن " له حركة تصه
با فيه من الثوابت ولتلك الركة قطبان غي قطب " التاسع " وكذلك " السابع " و
" السادس " .وإذا كان لكل فلك حركة تصه -والركات الختلفة هي سبب
الشكال الادثة الختلفة الفلكية وتلك الشكال سبب الوادث السفلية -كانت
حركة التاسع جزء السبب كحركة غيه .فالشكال الادثة ف الفلك -لقارنة
الكوكب الكوكب ف درجة واحدة ومقابلته له إذا كان بينهما " نصف الفلك "
وهو مائة وثانون درجة .وتثليثه له إذا كان بينهما " ثلث الفلك " وهو مائة
وعشرون درجة وتربيعه له إذا كان بينهما " ربعه " تسعون درجة وتسديسه له إذا
كان بينهما " سدس الفلك " ستون درجة ؛ وأمثال ذلك من الشكال -إنا
حدثت بركات متلفة وكل حركة ليست عي الخرى ؛ إذ حركة " الثامن " الت
تصه ليست عي حركة التاسع ؛ وإن كان تابعا له ف الركة الكلية كالنسان
التحرك ف السفينة إل خلف حركتها .وكذلك حركة " السابع " الت تصه
ليست عن التاسع ول عن الثامن وكذلك سائر الفلك فإن حركة كل واحد الت
تصه ليست عما فوقه من الفلك فكيف يوز أن يعل مبدأ الوادث كلها مرد
حركة التاسع كما زعمه من ظن أن العرش كثيف والفلك التاسع عندهم بسيط
متشابه الجزاء ؛ ل اختلف فيه أصل فكيف يكون سببا لمور متلفة .ل باعتبار
القوابل وأسباب أخر ؟ ولكنهم قوم ضالون يعلونه مع هذا ثلثائة وستي درجة
ويعلون لكل درجة من الثر ما يالف الخرى ؛ ل باختلف القوابل ؛ كمن
ييء إل ماء واحد فيجعل لبعض جزأيه من الثر ما يالف الخر ؛ ل بسب
4
القوابل ؛ بل يعل أحد أجزائه مسخنا والخر مبدا والخر مسعدا والخر مشقيا
وهذا ما يعلمون هم وكل عاقل أنه باطل وضلل .وإذا كان هؤلء ليس عندهم
ما ينفي وجود شيء آخر فوق الفلك التسعة كان الزم بأن ما أخبت به الرسل
هو أن العرش هو الفلك التاسع رجا بالغيب وقول بل علم .هذا كله بتقدير
ثبوت الفلك التسعة على الشهور عند أهل اليئة ؛ إذ ف ذلك من الناع
والضطراب وف أدلة ذلك ما ليس هذا موضعه وإنا نتكلم على هذا التقدير .
وأيضا :فالفلك ف أشكالا وإحاطة بعضها ببعض من جنس واحد ؛ فنسبة
السابع إل السادس كنسبة السادس إل الامس ؛ وإذا كان هناك فلك تاسع فنسبته
إل الثامن كنسبة الثامن إل السابع .وأما " العرش " فالخبار تدل على مباينته
لغيه من الخلوقات وأنه ليس نسبته إل بعضها كنسبة بعضها إل بعض .قال ال
تعال { :الذين يملون العرش ومن حوله يسبحون بمد ربم ويؤمنون به } الية
.وقال سبحانه { :ويمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثانية } .فأخب أن للعرش
حلة اليوم ويوم القيامة وأن حلته ومن حوله يسبحون ويستغفرون للمؤمني .
ومعلوم أن قيام فلك من الفلك -بقدرة ال تعال -كقيام سائر الفلك ل فرق
ف ذلك بي كرة وكرة وإن قدر أن لبعضها ملئكة ف نفس المر تملها فحكمه
حكم نظيه .قال تعال { وترى اللئكة حافي من حول العرش } الية .فذكر
هنا أن اللئكة تف من حول العرش وذكر ف موضع آخر أن له حلة وجع ف
موضع ثالث بي حلته ومن حوله فقال { :الذين يملون العرش ومن حوله } .
و " أيضا " فقد أخب أن عرشه كان على الاء قبل أن يلق السموات والرض كما
قال تعال { :وهو الذي خلق السماوات والرض ف ستة أيام وكان عرشه على
الاء } .وقد ثبت ف صحيح البخاري وغيه عن عمران بن حصي عن النب صلى
ال عليه وسلم أنه قال { :كان ال ول يكن شيء غيه وكان عرشه على الاء
5
وكتب ف الذكر كل شيء وخلق السموات والرض } وف رواية له { كان ال
ول يكن شيء قبله وكان عرشه على الاء ث خلق السموات والرض وكتب ف
الذكر كل شيء } وف رواية لغيه صحيحة { :كان ال ول يكن شيء معه
وكان عرشه على الاء ث كتب ف الذكر كل شيء } وثبت ف صحيح مسلم عن
عبد ال بن عمرو عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال { :إن ال قدر مقادير
اللئق قبل أن يلق السموات والرض بمسي ألف سنة وكان عرشه على الاء
} .وهذا التقدير بعد وجود العرش وقبل خلق السموات والرض بمسي ألف
سنة .وهو سبحانه وتعال متمدح بأنه ذو العرش كقوله سبحانه { :قل لو كان
معه آلة كما يقولون إذا لبتغوا إل ذي العرش سبيل } وقوله تعال { رفيع
الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلق
} { يوم هم بارزون ل يفى على ال منهم شيء لن اللك اليوم ل الواحد القهار
} وقال تعال { :وهو الغفور الودود } { ذو العرش الجيد } { فعال لا يريد }
وقد قرئ " الجيد " بالرفع صفة ل ؛ وقرئ بالفض صفة العرش .وقال تعال :
{ قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم } { سيقولون ل قل أفل
تتقون } فوصف العرش بأنه ميد وأنه عظيم وقال تعال { :فتعال ال اللك الق
ل إله إل هو رب العرش الكري } فوصفه بأنه كري أيضا .وكذلك ف
الصحيحي عن ابن عباس رضي ال عنهما { أن النب صلى ال عليه وسلم كان
يقول عند الكرب :ل إله إل ال العظيم الليم ل إله إل ال رب العرش العظيم ل
إله إل ال رب السموات ورب الرض رب العرش الكري } فوصفه ف الديث
بأنه عظيم وكري أيضا .فقول القائل النازع " :إن نسبة الفلك العلى إل ما
دونه كنسبة الخر إل ما دونه " .لو كان العرش من جنس الفلك لكانت نسبته
إل ما دونه كنسبة الخر إل ما دونه وهذا ل يوجب خروجه عن النس
6
وتصيصه بالذكر ؛ كما ل يوجب ذلك تصيص ساء دون ساء وإن كانت العليا
بالنسبة إل السفلى كالفلك على قول هؤلء .وإنا امتاز عما دونه بكونه أكب
كما تتاز السماء العليا عن الدنيا .بل نسبة السماء إل الواء ونسبة الواء إل الاء
والرض :كنسبة فلك إل فلك .ومع هذا فلم يص واحدا من هذه الجناس
عما يليه بالذكر ؛ ول بوصفه بالكرم والجد والعظمة .وقد علم أنه ليس سببا
لذواتا ول لركاتا بل لا حركات تصها فل يوز أن يقال :حركته هي سبب
الوادث ؛ بل إن كانت حركة الفلك سببا للحوادث فحركات غيه الت تصه
أكثر ول يلزم من كونه ميطا با أن يكون أعظم من مموعها إل إذا كان له من
الغلظ ما يقاوم ذلك ؛ وإل فمن العلوم أن الغليظ إذ كان متقاربا فمجموع
الداخل أعظم من الحيط ؛ بل قد يكون بقدره أضعافا ؛ بل الركات الختلفة الت
ليست عن حركته أكثر لكن حركته تشملها كلها .وقد ثبت ف صحيح مسلم {
عن جويرية بنت الارث :أن النب صلى ال عليه وسلم دخل عليها وكانت تسبح
بالصى من صلة الصبح إل وقت الضحى فقال :لقد قلت بعدك أربع كلمات
لو وزنت با قلتيه لوزنتهن :سبحان ال عدد خلقه سبحان ال زنة عرشه سبحان
ال رضى نفسه سبحان ال مداد كلماته } .فهذا يبي أن زنة العرش أثقل الوزان
.وهم يقولون :إن الفلك التاسع ل خفيف ول ثقيل بل يدل على أنه وحده أثقل
ما يثل به كما أن عدد الخلوقات أكثر ما يثل به .وف الصحيحي عن أب سعيد
قال { :جاء رجل من اليهود إل النب صلى ال عليه وسلم قد لطم وجهه ؛ فقال
:يا ممد رجل من أصحابك لطم وجهي .فقال النب صلى ال عليه وسلم ادعوه
فدعوه فقال :ل لطمت وجهه ؟ فقال :يا رسول ال إن مررت بالسوق وهو
يقول :والذي اصطفى موسى على البشر فقلت :يا خبيث وعلى ممد ؟ فأخذتن
غضبة فلطمته .فقال النب صلى ال عليه وسلم ل تيوا بي النبياء فإن الناس
7
يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بوسى آخذا بقائمة من قوائم
العرش فل أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقته } فهذا فيه بيان أن للعرش قوائم ؛
وجاء ذكر القائمة بلفظ الساق والقوال متشابة ف هذا الباب .وقد أخرجا ف
الصحيحي عن جابر قال :سعت النب صلى ال عليه وسلم يقول { :اهتز عرش
الرحن لوت سعد بن معاذ } قال :فقال رجل لابر :إن الباء يقول اهتز السرير
قال :إنه كان بي هذين اليي الوس والزرج ضغائن :سعت نب ال صلى ال
عليه وسلم يقول { :اهتز عرش الرحن لوت سعد بن معاذ } ورواه مسلم ف
صحيحه من حديث أنس { أن النب صلى ال عليه وسلم قال -وجنازة سعد
موضوعة : -اهتز لا عرش الرحن } .وعندهم أن حركة الفلك التاسع دائمة
متشابة ومن تأول ذلك على أن الراد به استبشار حلة العرش وفرحهم ؛ فل بد له
من دليل على ما قال كما ذكره أبو السن الطبي وغيه مع أن سياق الديث
ولفظه ينفي هذا الحتمال .وف صحيح البخاري عن أب هريرة قال :قال رسول
ال صلى ال عليه وسلم { من آمن بال ورسوله وأقام الصلة وآتى الزكاة وصام
رمضان كان حقا على ال أن يدخله النة ؛ هاجر ف سبيل ال أو جلس ف أرضه
الت ولد فيها قالوا يا رسول ال أفل نبشر الناس بذلك ؟ قال :إن ف النة مائة
درجة أعدها ال للمجاهدين ف سبيله كل درجتي بينهما كما بي السماء
والرض فإذا سألتم ال فاسألوه الفردوس فإنه أوسط النة وأعلى النة وفوقه عرش
الرحن ومنه تفجر أنار النة } .وف صحيح مسلم عن أب سعيد الدري { أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم قال :يا أبا سعيد من رضي بال ربا وبالسلم دينا
وبحمد نبيا :وجبت له النة فعجب لا أبو سعيد .فقال :أعدها علي يا رسول
ال ففعل .قال :وأخرى يرفع ال با العبد مائة درجة ما بي كل درجتي كما
بي السماء والرض قال وما هي يا رسول ال قال :الهاد ف سبيل ال } .وف
8
صحيح البخاري { :إن أم الربيع بنت الباء -وهي أم حارثة بن سراقة -أتت
النب صلى ال عليه وسلم فقالت :يا نب ال أل تدثن عن حارثة -وكان قتل
يوم بدر أصابه سهم غرب -فإن كان ف النة صبت وإن كان ف غي ذلك
اجتهدت عليه ف البكاء .قال :يا أم حارثة إنا جنان ف النة وإن ابنك أصاب
الفردوس العلى } .فهذا قد بي ف " الديث الول " أن العرش فوق الفردوس
الذي هو أوسط النة وأعلها وأن ف النة مائة درجة ما بي كل درجتي كما
بي السماء والرض والفردوس أعلها ؛ و " الديث الثان " يوافقه ف وصف
الدرج الائة و " الديث الثالث " يوافقه ف أن الفردوس أعلها .وإذا كان العرش
فوق الفردوس فلقائل أن يقول :إذا كان كذلك كان ف هذا من العلو والرتفاع
ما ل يعلم باليئة ؛ إذ ل يعلم بالساب أن بي التاسع والول كما بي السماء
والرض مائة مرة وعندهم أن التاسع ملصق للثامن فهذا قد بي أن العرش فوق
الفردوس الذي هو أوسط النة وأعلها .وف حديث { أب ذر الشهور قال :
قلت يا رسول ال أيا أنزل عليك أعظم ؟ قال آية الكرسي ث قال يا أبا ذر ما
السموات السبع مع الكرسي إل كحلقة ملقاة بأرض فلة وفضل العرش على
الكرسي كفضل الفلة على اللقة } والديث له طرق وقد رواه أبو حات بن
حبان ف صحيحه وأحد ف السند وغيها .وقد استدل من استدل على أن "
العرش مقبب " بالديث الذي ف سنن أب داود وغيه عن جبي بن مطعم قال { :
أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم أعراب فقال :يا رسول ال جهدت النفس
وجاع العيال وهلك الال فادع ال لنا فإنا نستشفع بك على ال ونستشفع بال
عليك ؛ فسبح رسول ال صلى ال عليه وسلم حت عرف ذلك ف وجوه أصحابه
وقال ويك أتدري ما تقول ؟ إن ال ل يستشفع به على أحد من خلقه شأن ال
أعظم من ذلك إن ال على عرشه ؛ وإن عرشه على سواته وأرضه هكذا -وقال
9
بأصابعه مثل القبة } -وف لفظ { :وإن عرشه فوق سواته وسواته فوق أرضه
هكذا -وقال بأصابعه مثل القبة } .وهذا الديث -وإن دل على التقبيب
وكذلك قوله عن الفردوس إنا أوسط النة وأعلها مع قوله إن سقفها عرش
الرحن وإن فوقها عرش الرحن والوسط ل يكون العلى إل ف الستدير فهذا -
ل يدل على أنه فلك من الفلك بل إذا قدر أنه فوق الفلك كلها أمكن هذا فيه
سواء قال القائل إنه ميط بالفلك أو قال إنه فوقها وليس ميطا با كما أن وجه
الرض فوق النصف العلى من الرض وإن ل يكن ميطا بذلك .وقد قال إياس
بن معاوية :السماء على الرض مثل القبة .ومعلوم أن الفلك مستدير مثل ذلك
لكن لفظ القبة يستلزم استدارة من العلو ول يستلزم استدارة من جيع الوانب إل
بدليل منفصل .ولفظ " الفلك " يدل على الستدارة مطلقا ؛ كقوله تعال { :
وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل ف فلك يسبحون } وقوله
تعال { ل الشمس ينبغي لا أن تدرك القمر ول الليل سابق النهار وكل ف فلك
يسبحون } يقتضي أنا ف فلك مستدير مطلقا كما قال ابن عباس رضي ال عنهما
ف فلكة مثل فلكة الغزل .وأما لفظ " القبة " فإنه ل يتعرض لذا العن ؛ ل بنفي
ول إثبات ؛ لكن يدل على الستدارة من العلو ؛ كالقبة الوضوعة على الرض .
وقد قال بعضهم :إن الفلك غي السموات لكن رد عليه غيه هذا القول بأن ال
تعال قال { :أل تروا كيف خلق ال سبع ساوات طباقا } { وجعل القمر فيهن
نورا وجعل الشمس سراجا } فأخب أنه جعل القمر فيهن وقد أخب أنه ف الفلك
وليس هذا موضع بسط الكلم ف هذا .وتقيق المر فيه وبيان أن ما علم
بالساب -علما صحيحا -ل يناف ما جاء به السمع وأن العلوم السمعية
الصحيحة ل تناف معقول صحيحا ؛ إذ قد بسطنا الكلم على هذا وأمثاله ف غي
هذا الوضع .فإن ذلك يتاج إليه ف هذا ونظائره ما قد أشكل على كثي من
10
الناس ؛ حيث يرون ما يقال :إنه معلوم بالعقل مالفا لا يقال إنه معلوم بالسمع ؛
فأوجب ذلك أن كذبت كل طائفة با ل تط بعلمه ؛ حت آل المر بقوم من أهل
الكلم إل أن تكلموا ف معارضة الفلسفة ف " الفلك " بكلم ليس معهم به
حجة ؛ ل من شرع ول من عقل وظنوا أن ذلك الكلم من نصر الشريعة وكان ما
جحدوه معلوما بالدلة الشرعية أيضا .وأما " التفلسفة وأتباعهم " فغايتهم أن
يستدلوا با شاهدوه من السيات ول يعلمون ما وراء ذلك ؛ مثل أن يعلموا أن
البخار التصاعد ينعقد سحابا وأن السحاب إذا اصطك حدث عنه صوت ونو
ذلك لكن علمهم بذا كعلمهم بأن الن يصي ف الرحم لكن ما الوجب لن
يكون الن التشابه الجزاء تلق منه هذه العضاء الختلفة والنافع الختلفة على
هذا الترتيب الحكم التقن الذي فيه من الكمة والرحة ما بر اللباب .وكذلك
ما الوجب لن يكون هذا الواء أو البخار منعقدا سحابا مقدرا بقدر مصوص ف
وقت مصوص على مكان متص به ؟ وينل على قوم عند حاجتهم إليه فيسقيهم
بقدر الاجة ل يزيد فيهلكوا ول ينقص فيعوزوا وما الوجب لن يساق إل
الرض الرز الت ل تطر أو تطر مطرا ل يغنيها -كأرض مصر إذ كان الطر
القليل ل يكفيها والكثي يهدم أبنيتها -قال تعال { :أول يروا أنا نسوق الاء إل
الرض الرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفل يبصرون } .
وكذلك السحاب التحرك وقد علم أن كل حركة فإما أن تكون " قسرية " وهي
تابعة للقاسر أو " طبيعية " وإنا تكون إذا خرج الطبوع عن مركزه فيطلب عوده
إليه ؛ أو " إرادية " وهي الصل فجميع الركات تابعة للحركة الرادية الت تصدر
عن ملئكة ال تعال الت هي الدبرات أمرا والقسمات أمرا وغي ذلك ما أخب ال
به عن اللئكة وف العقول ما يصدق ذلك .فالكلم ف هذا وأمثاله له موضع غي
هذا ( .والقصود هنا :أن نبي أن ما ذكر ف السؤال زائل على كل تقدير فيكون
11
الكلم ف الواب مبنيا على حجج علمية ل تقليدية ول مسلمة وإذا بينا حصول
الواب على كل تقدير -كما سنوضحه -ل يضرنا بعد ذلك أن يكون بعض
التقديرات هو الواقع -وإن كنا نعلم ذلك -لكن ترير الواب على تقدير دون
تقدير وإثبات ذلك فيه طول ل يتاج إليه هنا ؛ فإن الواب إذا كان حاصل على
كل تقدير كان أحسن وأوجز .
القام الثان
أن يقال " العرش " سواء كان هو الفلك التاسع أو جسما ميطا بالفلك التاسع أو
كان فوقه من جهة وجه الرض غي ميط به أو قيل فيه غي ذلك فيجب أن يعلم
أن العال العلوي والسفلي بالنسبة إل الالق تعال ف غاية الصغر كما قال تعال :
{ وما قدروا ال حق قدره والرض جيعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات
بيمينه سبحانه وتعال عما يشركون } .وف الصحيحي عن أب هريرة عن النب
صلى ال عليه وسلم أنه قال { :يقبض ال تبارك وتعال الرض يوم القيامة
ويطوي السماء بيمينه ث يقول :أنا اللك أين ملوك الرض ؟ } .وف الصحيحي
-واللفظ لسلم -عن عبد ال بن عمر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم
{ يقبض ال تبارك وتعال الرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ث يقول :أنا
اللك أين ملوك الرض ؟ } .وف الصحيحي -واللفظ لسلم -عن عبد ال بن
عمر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم { يطوي ال السموات يوم القيامة
ث يأخذهن بيده اليمن ث يقول :أنا اللك ؛ أين البارون ؛ أين التكبون ؟ ث
يطوي الرضي بشماله ث يقول :أنا اللك ؛ أين البارون ؛ أين التكبون ؟ }
وف لفظ ف الصحيح عن عبد ال بن مقسم أنه نظر إل عبد ال بن عمر كيف
يكي أن النب صلى ال عليه وسلم قال { :يأخذ ال سواته وأرضه بيده ويقول
12
أنا اللك ويقبض أصابعه ويبسطها أنا اللك حت نظرت إل النب يتحرك من أسفل
شيء منه حت إن أقول أساقط هو برسول ال صلى ال عليه وسلم } وف لفظ {
قال :رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم على النب وهو يقول :يأخذ البار
سواته وأرضه .وقبض بيده وجعل يقبضها ويبسطها ويقول :أنا الرحن ؛ أنا
اللك ؛ أنا القدوس ؛ أنا السلم ؛ أنا الؤمن ؛ أنا الهيمن ؛ أنا العزيز ؛ أنا البار ؛
أنا التكب ؛ أنا الذي بدأت الدنيا ول تكن شيئا ؛ أنا الذي أعدتا .أين
التكبون ؟ أين البارون } :وف لفظ { أين البارون أين التكبون وييل رسول
ال صلى ال عليه وسلم على يينه وعلى شاله حت نظرت إل النب يتحرك من
أسفل شيء منه حت إن لقول أساقط هو برسول ال صلى ال عليه وسلم }
والديث مروي ف الصحيح والسانيد وغيها بألفاظ يصدق بعضها بعضا ؛ وف
بعض ألفاظه قال :قرأ على النب { :والرض جيعا قبضته يوم القيامة } الية .
قال { :مطوية ف كفه يرمي با كما يرمي الغلم بالكرة } وف لفظ { :يأخذ
البار سواته وأرضه بيده فيجعلها ف كفه ث يقول بما هكذا كما تقول الصبيان
بالكرة .أنا ال الواحد } .وقال ابن عباس " :يقبض ال عليهما فما ترى
طرفاها بيده " وف لفظ عنه " :ما السموات السبع والرضون السبع وما فيهن
وما بينهن ف يد الرحن إل كخردلة ف يد أحدكم " وهذه الثار معروفة ف كتب
الديث .وف الصحيحي عن عبد ال بن مسعود قال { :أتى النب صلى ال عليه
وسلم رجل من اليهود فقال :يا ممد إن ال يعل السموات على إصبع والرضي
على إصبع والبال على إصبع ؛ والاء والثرى على إصبع وسائر اللق على إصبع ؛
فيهزهن .فيقول :أنا اللك أنا اللك قال :فضحك النب صلى ال عليه وسلم حت
بدت نواجذه تصديقا لقول الب ث قرأ { :وما قدروا ال حق قدره والرض
جيعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه } الية } .ففي هذه الية
13
والحاديث الصحيحة -الفسرة لا الستفيضة الت اتفق أهل العلم على صحتها
وتلقيها بالقبول -ما يبي أن السموات والرض وما بينهما بالنسبة إل عظمة ال
تعال أصغر من أن تكون مع قبضه لا إل كالشيء الصغي ف يد أحدنا حت
يدحوها كما تدحى الكرة .قال عبد العزيز بن عبد ال بن أب سلمة الاجشون
المام نظي مالك -ف كلمه الشهور الذي رد فيه على الهمية ومن خالفها ومن
أول كلمه قال -فأما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكلفا فقد
استهوته الشياطي ف الرض حيان فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف
الرب وسى من نفسه بأن قال :ل بد إن كان له كذا من أن يكون له كذا ؛
فعمي عن البي بالفي فجحد ما سى الرب من نفسه بصمت الرب عما ل يسم
منها فلم يزل يلي له الشيطان حت جحد قول ال تعال { :وجوه يومئذ ناضرة }
{ إل ربا ناظرة } فقال :ل يراه أحد يوم القيامة ؛ فجحد -وال -أفضل
كرامة ال الت أكرم با أولياءه يوم القيامة ؛ من النظر إل وجهه ونضرته إياهم {
ف مقعد صدق عند مليك مقتدر } وقد قضى أنم ل يوتون فهم بالنظر إليه
ينضرون .إل أن قال :وإنا جحد رؤية ال يوم القيامة إقامة للحجة الضالة الضلة
؛ لنه قد عرف أنه إذا تلى لم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمني
وكان له جاحدا { .وقال السلمون :يا رسول ال هل نرى ربنا يوم القيامة ؟
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم هل تضارون ف رؤية الشمس ليس دونا
سحاب ؟ قالوا :ل .قال :فهل تضارون ف رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه
سحاب ؟ قالوا :ل .قال :فإنكم ترون ربكم كذلك } .وقال رسول ال صلى
ال عليه وسلم { ل تتلئ النار حت يضع البار فيها قدمه فتقول قط قط وينوي
بعضها إل بعض } { .وقال لثابت بن قيس :قد ضحك ال ما فعلت بضيفك
البارحة } وقال -فيما بلغنا عنه { -إن ال يضحك من أزلكم وقنوطكم وسرعة
14
إجابتكم } { .وقال له رجل من العرب إن ربنا ليضحك ؟ قال :نعم قال لن
نعدم من رب يضحك خيا } .ف أشباه لذا ما ل نصه .وقال تعال { :وهو
السميع البصي } { واصب لكم ربك فإنك بأعيننا } وقال { :ولتصنع على
عين } وقال { :ما منعك أن تسجد لا خلقت بيدي } وقال { :وما قدروا ال
حق قدره والرض جيعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه
وتعال عما يشركون } .فوال ما دلم على عظم ما وصف به نفسه وما تيط به
قبضته إل صغر نظيها منهم عندهم إن ذلك الذي ألقي ف روعهم ؛ وخلق على
معرفته قلوبم فما وصف ال من نفسه وساه على لسان رسوله سيناه كما ساه
ول نتكلف منه علم ما سواه ل هذا ول هذا ل نحد ما وصف ول نتكلف معرفة
ما ل يصف انتهى .وإذا كان كذلك فإذا قدر أن الخلوقات كالكرة وهذا قبضه
لا ورميه با وإنا بي لنا من عظمته وصف الخلوقات بالنسبة إليه ما يعقل نظيه
منا .ث الذي ف القرآن والديث يبي أنه إن شاء قبضها وفعل با ما ذكر كما
يفعل ذلك ف يوم القيامة وإن شاء ل يفعل ذلك فهو قادر على أن يقبضها
ويدحوها كالكرة وف ذلك من الحاطة با ما ل يفى وإن شاء ل يفعل ذلك
وبكل حال فهو مباين لا ليس بحايث لا .ومن العلوم أن الواحد منا -ول الثل
العلى -إذا كان عنده خردلة إن شاء قبضها فأحاطت با قبضته وإن شاء ل
يقبضها بل جعلها تته فهو ف الالتي مباين لا وسواء قدر أن العرش هو ميط
بالخلوقات -كإحاطة الكرة با فيها -أو قيل إنه فوقها وليس ميطا با ؛ كوجه
الرض الذي نن عليه بالنسبة إل جوفها وكالقبة بالنسبة إل ما تتها أو غي ذلك
.فعلى التقديرين يكون العرش فوق الخلوقات والالق سبحانه وتعال فوقه والعبد
ف توجهه إل ال يقصد العلو دون التحت وتام هذا ببيان :
15
القام الثالث
وهو أن نقول :ل يلو إما أن يكون العرش كرويا كالفلك ويكون ميطا با
وإما أن يكون فوقها وليس هو كرويا ؛ فإن كان الول فمن العلوم باتفاق من
يعلم هذا أن الفلك مستديرة كروية الشكل وأن الهة العليا هي جهة الحيط
وهي الحدب وأن الهة السفلى هو الركز وليس للفلك إل جهتان العلو والسفل
فقط .وأما الهات الست فهي للحيوان فإن له ست جوانب يؤم جهة فتكون
أمامه ويلف أخرى فتكون خلفه وجهة تاذي يينه وجهة تاذي شاله وجهة
تاذي رأسه ؛ وجهة تاذي رجليه وليس لذه الهات الست ف نفسها صفة
لزمة ؛ بل هي بسب النسبة والضافة فيكون يي هذا ما يكون شال هذا ويكون
أمام هذا ما يكون خلف هذا ويكون فوق هذا ما يكون تت هذا .لكن جهة
العلو والسفل للفلك ل تتغي فالحيط هو العلو والركز هو السفل مع أن وجه
الرض الت وضعها ال للنام وأرساها بالبال هو الذي عليه الناس والبهائم
والشجر والنبات والبال والنار الارية .فأما الناحية الخرى من الرض فالبحر
ميط با وليس هناك شيء من الدميي وما يتبعهم ولو قدر أن هناك أحدا لكان
على ظهر الرض ول يكن من ف هذه الهة تت من ف هذه الهة ول من ف
هذه تت من ف هذه كما أن الفلك ميطة بالركز وليس أحد جانب الفلك تت
الخر ول القطب الشمال تت النوب ول بالعكس .وإن كان الشمال هو
الظاهر لنا فوق الرض وارتفاعه بسب بعد الناس عن خط الستواء فما كان بعده
عن خط الستواء ثلثي درجة مثل كان ارتفاع القطب عنده ثلثي درجة وهو
الذي يسمى عرض البلد فكما أن جوانب الرض الحيطة با وجوانب الفلك
الستديرة ليس بعضها فوق بعض ول تته ؛ فكذلك من يكون على الرض من
اليوان والنبات والثقال ل يقال إنه تت أولئك وإنا هذا خيال يتخيله النسان
16
وهو تت إضاف ؛ كما لو كانت نلة تشي تت سقف فالسقف فوقها وإن
كانت رجلها تاذيه .وكذلك من علق منكوسا فإنه تت السماء وإن كانت
رجله تلي السماء وكذلك يتوهم النسان إذا كان ف أحد جانب الرض أو
الفلك أن الانب الخر تته وهذا أمر ل يتنازع فيه اثنان من يقول إن الفلك
مستديرة .واستدارة الفلك -كما أنه قول أهل اليئة والساب -فهو الذي
عليه علماء السلمي كما ذكره أبو السن بن النادى وأبو ممد بن حزم وأبو
الفرج بن الوزي وغيهم أنه متفق عليه بي علماء السلمي وقد قال تعال { :
وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل ف فلك يسبحون } .قال ابن
عباس :فلكة مثل فلكة الغزل .و " الفلك ف اللغة " هو الستدير .ومنه قولم :
تفلك ثدي الارية إذا استدار وكل من يعلم أن الفلك مستديرة يعلم أن الحيط
هو العال على الركز من كل جانب ومن توهم أن من يكون ف الفلك من ناحية
يكون تته من ف الفلك من الناحية الخرى ف نفس المر فهو متوهم عندهم .
وإذا كان المر كذلك فإذا قدر أن العرش مستدير ميط بالخلوقات كان هو
أعلها وسقفها -وهو فوقها -مطلقا فل يتوجه إليه وإل ما فوقه النسان إل من
العلو ل من جهاته الباقية أصل .ومن توجه إل الفلك التاسع أو الثامن أو غيه من
الفلك من غي جهة العلو كان جاهل باتفاق العقلء فكيف بالتوجه إل العرش أو
إل ما فوقه وغاية ما يقدر أن يكون كروي الشكل وال تعال ميط بالخلوقات
كلها إحاطة تليق بلله ؛ فإن السموات السبع والرض ف يده أصغر من المصة
ف يد أحدنا .وأما قول القائل :إذا كان كرويا وال من ورائه ميط به بائن عنه
فما فائدة :أن العبد يتوجه إل ال حي دعائه وعبادته ؟ فيقصد العلو دون التحت
فل فرق حينئذ وقت الدعاء بي قصد جهة العلو وغيها من الهات الت تيط
بالداعي ومع هذا ند ف قلوبنا قصدا يطلب العلو ل يلتفت ينة ول يسرة فأخبونا
17
عن هذه الضرورة الت ندها ف قلوبنا وقد فطرنا عليها .فيقال له :هذا السؤال
إنا ورد لتوهم التوهم أن نصف الفلك يكون تت الرض وتت ما على وجه
الرض من الدميي والبهائم وهذا غلط عظيم ؛ فلو كان الفلك تت الرض من
جهة لكان تتها من كل جهة فكان يلزم أن يكون الفلك تت الرض مطلقا
وهذا قلب للحقائق ؛ إذ الفلك هو فوق الرض مطلقا .و " أهل اليئة " يقولون :
لو أن الرض مروقة إل ناحية أرجلنا وألقي ف الرق شيء ثقيل -كالجر
ونوه -لكان ينتهي إل الركز حت لو ألقي من تلك الناحية حجر آخر للتقيا
جيعا ف الركز ولو قدر أن إنساني التقيا ف الركز بدل الجرين للتقت رجلها
ول يكن أحدها تت صاحبه ؛ بل كلها فوق الركز وكلها تت الفلك ؛
كالشرق والغرب فإنه لو قدر أن رجل بالشرق ف السماء أو الرض ورجل
بالغرب ف السماء أو الرض :ل يكن أحدها تت الخر وسواء كان رأسه أو
رجله أو بطنه أو ظهره أو جانبه ما يلي السماء أو ما يلي الرض وإذا كان
مطلوب أحدها ما فوق الفلك ل يطلبه إل من الهة العليا ؛ ل يطلبه من جهة
رجليه أو يينه أو يساره لوجهي ( :أحدها أن مطلوبه من الهة العليا أقرب إليه
من جيع الهات ؛ فلو قدر رجل أو ملك يصعد إل السماء أو إل ما فوق :كان
صعوده ما يلي رأسه أقرب إذا أمكنه ذلك ول يقول عاقل إنه يرق الرض ث
يصعد من تلك الناحية ول أنه يذهب يينا أو شال أو أماما أو خلفا إل حيث
أمكن من الرض ث يصعد لنه أي مكان ذهب إليه كان بنلة مكانه أو هو دونه
وكان الفلك فوقه فيكون ذهابه إل الهات المس تطويل وتعبا من غي فائدة .
ولو أن رجل أراد أن ياطب الشمس والقمر فإنه ل ياطبه إل من الهة العليا مع
أن الشمس والقمر قد تشرق وقد تغرب ؛ فتنحرف عن ست الرأس فكيف بن هو
فوق كل شيء دائما ل يأفل ول يغيب سبحانه وتعال ؟ .وكما أن الركة
18
كحركة الجر تطلب مركزها بأقصر طريق -وهو الط الستقيم -فالطلب
الرادي الذي يقوم بقلوب العباد كيف يعدل عن الصراط الستقيم القريب إل
طريق منحرف طويل .وال تعال فطر عباده على الصحة والستقامة إل من
اجتالته الشياطي فأخرجته عن فطرته الت فطر عليها ( .الوجه الثان :أنه إذا قصد
السفل بل علو كان ينتهي قصده إل الركز وإن قصده أمامه أو وراءه أو يينه أو
يساره ؛ من غي قصد العلو كان منتهى قصده أجزاء الواء فل بد له من قصد العلو
ضرورة سواء قصد مع ذلك هذه الهات أو ل يقصدها .ولو فرض أنه قال :
أقصده من اليمي مع العلو أو من السفل مع العلو :كان هذا بنلة من يقول :
أريد أن أحج من الغرب فأذهب إل خراسان ث أذهب إل مكة ؛ بل بنلة من
يقول أصعد إل الفلك فأنزل ف الرض ث أصعد إل الفلك من الناحية الخرى ؛
فهذا وإن كان مكنا ف القدور لكنه مستحيل من جهة امتناع إرادة القاصد له ؛
وهو مالف للفطرة فإن القاصد يطلب مقصوده بأقرب طريق ل سيما إذا كان
مقصوده معبوده الذي يعبده ويتوكل عليه وإذا توجه إليه على غي الصراط الستقيم
كان سيه منكوسا معكوسا .و " أيضا " :فإن هذا يمع ف سيه وقصده بي
النفي والثبات بي أن يتقرب إل القصود ويتباعد عنه ؛ ويريده وينفر عنه فإنه إذا
توجه إليه من الوجه الذي هو عنه أبعد وأقصى وعدل عن الوجه القرب الدن
كان جامعا بي قصدين متناقضي ؛ فل يكون قصده له تاما ؛ إذ القصد التام ينفي
نقيضه وضده .وهذا معلوم بالفطرة .فإن الشخص إذا كان يب النب صلى ال
عليه وسلم مبة تامة ويقصده أو يب غيه من يب -سواء كانت مبته ممودة
أو مذمومة -مت كانت الحبة تامة وطلب الحبوب طلبه من أقرب طريق يصل
إليه ؛ بلف ما إذا كانت الحبة مترددة :مثل أن يب ما تكره مبته ف الدين
فتبقى شهوته تدعوه إل قصده وعقله ينهاه عن ذلك ؛ فتراه يقصده من طريق بعيد
19
كما تقول العامة :رجل إل قدام ورجل إل خلف .وكذلك إذا كان ف دينه
نقص وعقله يأمره بقصد السجد أو الهاد أو غي ذلك من القصودات الت تب
ف الدين وتكرهها النفس ؛ فإنه يبقى قاصدا لذلك من طريق بعيد متباطئا ف السي
وهذا كله معلوم بالفطرة .وكذلك إذا ل يكن القاصد يريد الذهاب بنفسه ؛ بل
يريد خطاب القصود ودعاءه ونو ذلك فإنه ياطبه من أقرب جهة يسمع دعاءه
منها وينال به مقصوده إذا كان القصد تاما .ولو كان رجل ف مكان عال وآخر
يناديه ؛ لتوجه إليه وناداه ولو حط رأسه ف بئر وناداه بيث يسمع صوته لكان
هذا مكنا ؛ لكن ليس ف الفطرة أن يفعل ذلك من يكون قصده إساعه من غي
مصلحة راجحة ؛ ول يفعل نو ذلك إل عند ضعف القصد ونوه .
و " حديث الدلء " الذي روي من حديث أب هريرة وأب ذر رضي ال عنهما
قد رواه الترمذي وغيه من حديث السن البصري عن أب هريرة وهو منقطع فإن
السن ل يسمع من أب هريرة ولكن يقويه حديث أب ذر الرفوع ؛ فإن كان ثابتا
فمعناه موافق لذا ؛ فإن قوله { :لو أدل أحدكم ببل لبط على ال } إنا هو
تقدير مفروض ؛ أي لو وقع الدلء لوقع عليه لكنه ل يكن أن يدل أحد على ال
شيئا ؛ لنه عال بالذات وإذا أهبط شيء إل جهة الرض وقف ف الركز ول
يصعد إل الهة الخرى لكن بتقدير فرض الدلء يكون ما ذكر من الزاء .
فهكذا ما ذكره السائل :إذا قدر أن العبد يقصده من تلك الهة كان هو سبحانه
يسمع كلمه وكان متوجها إليه بقلبه لكن هذا ما تنع منه الفطرة ؛ لن قصد
الشيء القصد التام يناف قصد ضده ؛ فكما أن الهة العليا بالذات تناف الهة
السفلى فكذلك قصد العلى بالذات يناف قصده من أسفل وكما أن ما يهبط إل
جوف الرض يتنع صعوده إل تلك الناحية -لنا عالية -فترد الابط بعلوها
20
كما أن الهة العليا من عندنا ترد ما يصعد إليها من الثقيل فل يصعد الثقيل إل
برافع يرفعه يدافع به ما ف قوته من البوط فكذلك ما يهبط من أعلى الرض إل
أسفلها -وهو الركز -ل يصعد من هناك إل ذلك الوجه إل برافع يرفعه يدافع
به ما ف قوته من البوط إل الركز فإن قدر أن الدافع أقوى كان صاعدا به إل
الفلك من تلك الناحية وصعد به إل ال وإنا يسمى هبوطا باعتبار ما ف أذهان
الخاطبي أن ما ياذي أرجلهم يكون هابطا ويسمى هبوطا مع تسمية إهباطه
إدلء وهو إنا يكون إدلء حقيقيا إل الركز ومن هناك إنا يكون مدا للحبل
والدلو ل إدلء له لكن الزاء والشرط مقدران ل مققان .فإنه قال :لو أدل لبط
؛ أي لو فرض أن هناك إدلء لفرض أن هناك هبوطا وهو يكون إدلء وهبوطا إذا
قدر أن السموات تت الرض وهذا التقدير منتف ؛ ولكن فائدته بيان الحاطة
والعلو من كل جانب وهذا الفروض متنع ف حقنا ل نقدر عليه فل يتصور أن
يدل ول يتصور أن يهبط على ال شيء لكن ال قادر على أن يرق من هنا إل
هناك ببل ولكن ل يكون ف حقه إدلء فل يكون ف حقه هبوطا عليه .كما لو
خرق ببل من القطب إل القطب أو من مشرق الشمس إل مغربا وقدرنا أن
البل مر ف وسط الرض فإن ال قادر على ذلك كله ول فرق بالنسبة إليه على
هذا التقدير من أن يرق من جانب اليمي منا إل جانب اليسار أو من جهة أمامنا
إل جهة خلفنا أو من جهة رءوسنا إل جهة أرجلنا إذا مر البل بالرض فعلى كل
تقدير قد خرق بالبل من جانب الحيط إل جانبه الخر مع خرق الركز وبتقدير
إحاطة قبضته بالسموات والرض فالبل الذي قدر أنه خرق به العال وصل إليه
ول يسمى شيء من ذلك بالنسبة إليه إدلء ول هبوطا .وأما بالنسبة إلينا فإن ما
تت أرجلنا تت لنا وما فوق رءوسنا فوق لنا وما ندليه من ناحية رءوسنا إل
ناحية أرجلنا نتخيل أنه هابط فإذا قدر أن أحدنا أدل ببل كان هابطا على ما
21
هناك لكن هذا تقدير متنع ف حقنا والقصود به بيان إحاطة الالق سبحانه وتعال
كما بي أنه يقبض السموات ويطوي الرض ونو ذلك ما فيه بيان إحاطته
بالخلوقات .ولذا قرأ ف تام هذا الديث { هو الول والخر والظاهر والباطن
وهو بكل شيء عليم } .وهذا كله على تقدير صحته فإن الترمذي لا رواه قال :
وفسره بعض أهل الديث بأنه هبط على علم ال وبعض اللولية والتادية يظن
أن ف هذا الديث ما يدل على قولم الباطل ؛ وهو أنه حال بذاته ف كل مكان
وأن وجوده وجود المكنة ونو ذلك .والتحقيق :أن الديث ل يدل على شيء
من ذلك إن كان ثابتا فإن قوله { :لو أدل ببل لبط } يدل على أنه ليس ف
الدل ول ف البل ول ف الدلو ول ف غي ذلك وأنا تقتضي أنه من تلك الناحية ؛
وكذلك تأويله بالعلم تأويل ظاهر الفساد من جنس تأويلت الهمية ؛ بل بتقدير
ثبوته يكون دال على الحاطة .والحاطة قد علم أن ال قادر عليها وعلم أنا
تكون يوم القيامة بالكتاب والسنة وليس ف إثباتا ف الملة ما يالف العقل ول
الشرع ؛ لكن ل نتكلم إل با نعلم وما ل نعلمه أمسكنا عنه وما كان مقدمة دليله
مشكوكا فيها عند بعض الناس كان حقه أن يشك فيه حت يتبي له الق وإل
فليسكت عما ل يعلم .وإذا تبي هذا فكذلك قاصده يقصده إل تلك الناحية ولو
فرض أنا فعلناه لكنا قاصدين له على هذا التقدير لكن قصدنا له بالقصد إل تلك
الهة متنع ف حقنا ؛ لن القصد التام الازم يوجب طلب القصود بسب
المكان .ولذا قد بينا ف غي هذا الوضع -لا تكلمنا على تنازع الناس ف النية
الجردة عن الفعل هل يعاقب عليها أم ل يعاقب ؟ بينا -أن " الرادة الازمة "
توجب أن يفعل الريد ما يقدر عليه من الراد ومت ل يفعل مقدوره ل تكن إرادته
جازمة ؛ بل يكون ها ومن هم بسيئة فلم يفعلها ل تكتب عليه فإن تركها ل
كتبت له حسنة .ولذا وقع الفرق بي هم يوسف عليه السلم وهم امرأة العزيز
22
كما قال المام أحد الم هان :هم خطرات .وهم إصرار .فيوسف عليه السلم
هم ها تركه ل فأثيب عليه .وتلك هت هم إصرار ففعلت ما قدرت عليه من
تصيل مرادها وإن ل يصل لا الطلوب .والذين قالوا يعاقب بالرادة احتجوا
بقوله صلى ال عليه وسلم { إذا التقى السلمان بسيفيهما فالقاتل والقتول ف النار
قالوا يا رسول ال هذا القاتل فما بال القتول ؟ قال :إنه أراد قتل صاحبه } وف
رواية { إنه كان حريصا على قتل صاحبه } .فهذا أراد إرادة جازمة وفعل ما
يقدر عليه ؛ وإن ل يدرك مطلوبه فهو بنلة امرأة العزيز ؛ فمت كان القصد جازما
لزم أن يفعل القاصد ما يقدر عليه من حصول القصود فإذا كان قادرا على حصول
مقصوده بطريق مستقيم امتنع مع القصد التام أن يصله بطريق معكوس من بعيد .
فلهذا امتنع ف فعل العباد عند ضرورتم ودعائهم ل تعال وتام قصدهم له أن ل
يتوجهوا إليه إل توجها مستقيما ؛ فيتوجهوا إل العلو ؛ دون سائر الهات ؛ لنه
الصراط الستقيم القريب ؛ وما سواه فيه من البعد والنراف والطول ما فيه .فمع
القصد التام الذي هو حال الداعي العابد والسائل الضطر يتنع أن يتوجه إليه إل
إل العلو ويتنع أن يتوجه إليه إل جهة أخرى كما يتنع أن يدل ببل يهبط عليه ؛
فهذا هذا وال أعلم .وأما من جهة الشريعة فإن الرسل صلوات ال عليهم بعثوا
بتكميل الفطرة وتقريرها ؛ ل بتبديل الفطرة وتغييها قال صلى ال عليه وسلم ف
الديث التفق عليه { :كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو
يجسانه كما تنتج البهيمة بيمة جعاء هل تسون فيها من جدعاء ؟ } .وقال ال
تعال { :فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة ال الت فطر الناس عليها ل تبديل للق
ال ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون } فجاءت الشريعة ف العبادة
والدعاء با يوافق الفطرة بلف ما عليه أهل الضلل من الشركي والصابئي
التفلسفة وغيهم ؛ فإنم غيوا الفطرة ف العلم والرادة جيعا وخالفوا العقل
23
والنقل كما قد بسطناه ف غي هذا الوضع .وقد ثبت ف الصحيحي من غي وجه
{ :إن النب صلى ال عليه وسلم قال :إذا قام أحدكم إل الصلة فل يبصقن قبل
وجهه فإن ال قبل وجهه ؛ ول عن يينه فإن عن يينه ملكا ؛ ولكن عن يساره أو
تت قدمه } وف رواية { أنه أذن أن يبصق ف ثوبه } .وف حديث أب رزين
الشهور الذي رواه عن النب صلى ال عليه وسلم { لا أخب النب صلى ال عليه
وسلم أنه ما من أحد إل سيخلو به ربه فقال له أبو رزين :كيف يسعنا يا رسول
ال وهو واحد ونن جيع ؟ فقال :سأنبئك بثل ذلك ف آلء ال هذا القمر آية
من آيات ال كلكم يراه مليا به فال أكب } .ومن العلوم أن من توجه إل القمر
وخاطبه -إذا قدر أن ياطبه -ل يتوجه إليه إل بوجهه مع كونه فوقه فهو
مستقبل له بوجهه مع كونه فوقه ومن المتنع ف الفطرة أن يستدبره وياطبه مع
قصده التام له وإن كان ذلك مكنا وإنا يفعل ذلك من ليس مقصوده ماطبته ؛
كما يفعل من ليس مقصوده التوجه إل شخص بطاب فيعرض عنه بوجهه
وياطب غيه ؛ ليسمع هو الطاب ؛ فأما مع زوال الانع فإنا يتوجه إليه ؛
فكذلك العبد إذا قام إل الصلة فإنه يستقبل ربه وهو فوقه فيدعوه من تلقائه ل من
يينه ول من شاله ويدعوه من العلو ل من السفل كما إذا قدر أنه ياطب القمر .
وقد ثبت ف الصحيحي أنه قال { :لينتهي أقوام عن رفع أبصارهم ف الصلة أو
ل ترجع إليهم أبصارهم } .واتفق العلماء على أن رفع الصلي بصره إل السماء
منهي عنه .وروى أحد عن ممد بن سيين { أن النب صلى ال عليه وسلم كان
يرفع بصره ف الصلة إل السماء حت أنزل ال تعال { قد أفلح الؤمنون } {
الذين هم ف صلتم خاشعون } فكان بصره ل ياوز موضع سجوده } فهذا ما
جاءت به الشريعة تكميل للفطرة ؛ لن الداعي السائل الذي يؤمر بالشوع -
وهو الذل والسكوت -ل يناسب حاله أن ينظر إل ناحية من يدعوه ويسأله بل
24
يناسب حاله الطراق وغض بصره أمامه .وليس ني الصلي عن رفع بصره ف
الصلة ردا على " أهل الثبات " الذين يقولون :إنه على العرش كما يظنه بعض
جهال الهمية فإن الهمية عندهم ل فرق بي العرش وقعر البحر فالميع سواء
ولو كان كذلك ل ينه عن رفع البصر إل جهة ويؤمر برده إل أخرى لن هذه
وهذه عند الهمية سواء .و " أيضا " فلو كان المر كذلك لكان النهي عن رفع
البصر شامل لميع أحوال العبد وقد قال تعال { :قد نرى تقلب وجهك ف
السماء } فليس العبد ينهى عن رفع بصره مطلقا وإنا ني ف الوقت الذي يؤمر فيه
بالشوع ؛ لن خفض البصر من تام الشوع كما قال تعال { :خشعا أبصارهم
يرجون من الجداث } وقال تعال { :وتراهم يعرضون عليها خاشعي من الذل
ينظرون من طرف خفي } .و " أيضا " :فلو كان النهي عن رفع البصر إل
السماء وليس ف السماء إله لكان ل فرق بي رفعه إل السماء ورده إل جيع
الهات ولو كان مقصوده أن ينهى الناس أن يعتقدوا أن ال ف السماء أو يقصدوا
بقلوبم التوجه إل العلو لبي لم ذلك كما بي لم سائر الحكام فكيف وليس ف
كتاب ال ول سنة رسوله ول ف قول سلف المة حرف واحد يذكر فيه أنه ليس
ال فوق العرش أو أنه ليس فوق السماء أو أنه ل داخل العال ول خارجه ول
مايث له ول مباين له أو أنه ل يقصد العبد إذا دعاه العلو دون سائر الهات ؟ بل
جيع ما يقوله الهمية من النفي -ويزعمون أنه الق -ليس معهم به حرف من
كتاب ال ول سنة رسوله ول قول أحد من سلف المة وأئمتها بل الكتاب والسنة
وأقوال السلف والئمة ملوءة با يدل على نقيض قولم وهم يقولون :إن ظاهر
ذلك كفر ؛ فنؤول أو نفوض ؛ فعلى قولم ليس ف الكتاب والسنة وأقوال السلف
والئمة ف هذا الباب إل ما ظاهره الكفر وليس فيها من اليان ف هذا الباب شيء
والسلب الذي يزعمون أنه الق -الذي يب على الؤمن أو خواص الؤمني
25
اعتقاده عندهم -ل ينطق به رسول ول نب ول أحد من ورثة النبياء والرسلي ؛
والذي نطقت به النبياء وورثتهم ليس عندهم هو الق بل هو مالف للحق ف
الظاهر ؛ بل وحذاقهم يعلمون أنه مالف للحق ف الظاهر والباطن .لكن هؤلء
منهم من يزعم أن النبياء ل يكنهم أن ياطبوا الناس إل بلف الق الباطن ؛
فلبسوا وكذبوا لصلحة العامة .فيقال لم :فهل نطقوا بالباطن لواصهم الذكياء
الفضلء إن كان ما يزعمونه حقا ؟ .وقد علم أن خواص الرسل هم على الثبات
أيضا وأنه ل ينطق بالنفي أحد منهم إل أن يكذب على أحدهم ؛ كما يقال عن
عمر { :إن النب صلى ال عليه وسلم وأبا بكر كانا يتحدثان وكنت كالزني
بينهما } .وهذا متلق باتفاق أهل العلم وكذلك ما نقل عن علي وأهل بيته :أن
عندهم علما باطنا يالف الظاهر الذي عند جهور المة .وقد ثبت ف الصحاح
وغيها عن علي رضي ال عنه أنه ل يكن عندهم من النب صلى ال عليه وسلم
سر ليس عند الناس ول كتاب مكتوب إل ما كان ف الصحيفة وفيها { الديات
وفكاك السي وأن ل يقتل مسلم بكافر } .ث إنه من العلوم أن من جعله ال
هاديا مبلغا بلسان عرب مبي إذا كان ل يتكلم قط إل با يالف الق الباطن
القيقي فهو إل الضلل والتدليس أقرب منه إل الدى والبيان .وبسط الرد عليهم
له موضع غي هذا .والقصود أن ما جاء عن النب صلى ال عليه وسلم ف هذا
الباب وغيه كله حق يصدق بعضه بعضا وهو موافق لفطرة اللئق وما جعل
فيهم من العقول الصرية والقصود الصحيحة ل يالف العقل الصريح ول القصد
الصحيح ول الفطرة الستقيمة ول النقل الصحيح الثابت عن رسول ال صلى ال
عليه وسلم .وإنا يظن تعارضها من صدق بباطل من النقول .أو فهم منه ما ل
يدل عليه ؛ أو اعتقد شيئا ظنه من العقليات وهو من الهليات .أو من الكشوفات
وهو من الكسوفات -إن كان ذلك معارضا لنقول صحيح -وإل عارض بالعقل
26
الصريح أو الكشف الصحيح :ما يظنه منقول عن النب صلى ال عليه وسلم
ويكون كذبا عليه أو ما يظنه لفظا دال على شيء ول يكون دال عليه كما ذكروه
ف قوله صلى ال عليه وسلم { الجر السود يي ال ف الرض فمن صافحه
وقبله فكأنا صافح ال وقبل يينه } حيث ظنوا أن هذا وأمثاله يتاج إل التأويل
وهذا غلط منهم -لو كان هذا اللفظ ثابتا عن النب صلى ال عليه وسلم -فإن
هذا اللفظ صريح ف أن الجر ليس هو من صفات ال إذ قال { :هو يي ال ف
الرض } فتقييده بالرض يدل على أنه ليس هو يده على الطلق فل يكون اليد
القيقية وقوله { فمن صافحه وقبله فكأنا صافح ال وقبل يينه } صريح ف أن
مصافحه ومقبله ليس مصافحا ل ول مقبل ليمينه ؛ لن الشبه ليس هو الشبه به
وقد أتى بقوله { :فكأنا } وهي صرية ف التشبيه ؛ وإذا كان اللفظ صريا ف
أنه جعل بنلة اليمي ل أنه نفس اليمي كان من اعتقد أن ظاهره أنه حقيقة اليمي
قائل للكذب البي .فهذا كله بتقدير أن يكون العرش كري الشكل سواء كان
هو الفلك التاسع أو غي الفلك التاسع قد تبي أن سطحه هو سقف الخلوقات
وهو العال عليها من جيع الوانب وأنه ل يوز أن يكون شيء ما ف السماء
والرض فوقه وأن القاصد إل ما فوق العرش -بذا التقدير -إنا يقصد إل العلو
ل يوز ف الفطرة ول ف الشرعة -مع تام قصده -أن يقصد جهة أخرى من
جهاته الست ؛ بل هو أيضا يستقبله بوجهه مع كونه أعلى منه كما ضربه النب
صلى ال عليه وسلم مثل من الثل بالقمر -ول الثل العلى -وبي أن مثل هذا
إذا جاز ف القمر -وهو آية من آيات ال تعال -فالالق أعلى وأعظم .وأما إذا
قدر أن العرش ليس كري الشكل بل هو فوق العال من الهة الت هي وجه الرض
وأنه فوق الفلك الكرية كما أن وجه الرض الوضوع للنام فوق نصف الرض
الكري أو غي ذلك من القادير الت يقدر فيها أن العرش فوق ما سواه وليس كري
27
الشكل فعلى كل تقدير ل نتوجه إل ال إل إل العلو ل إل غي ذلك من الهات
.فقد ظهر أنه -على كل تقدير -ل يوز أن يكون التوجه إل ال إل إل العلو
مع كونه على عرشه مباينا للقه وسواء قدر مع ذلك أنه ميط بالخلوقات -كما
ييط با إذا كانت ف قبضته -أو قدر مع ذلك أنه فوقها من غي أن يقبضها
وييط با فهو على التقديرين يكون فوقها مباينا لا ؛ فقد تبي أنه على هذا التقدير
ف الالق وعلى هذا التقدير ف العرش ل يلزم شيء من الحذور والتناقض وهذا
يزيل كل شبهة وإنا تنشأ الشبهة ف اعتقادين فاسدين ( .أحدها أن يظن أن
العرش إذا كان كريا وال فوقه وجب أن يكون ال كريا ث يعتقد أنه إذا كان كريا
فيصح التوجه إل ما هو كري -كالفلك التاسع -من جيع الهات وكل من
هذين العتقادين خطأ وضلل فإن ال مع كونه فوق العرش ومع القول بأن العرش
كري -سواء كان هو التاسع أو غيه -ل يوز أن يظن أنه مشابه للفلك ف
أشكالا ؛ كما ل يوز أن يظن أنه مشابه لا ف أقدارها ول ف صفاتا -سبحانه
وتعال عما يقول الظالون علوا كبيا -بل قد تبي أنه أعظم وأكب من أن تكون
الخلوقات عنده بنلة داخل الفلك ف الفلك .وإنا عنده أصغر من المصة
والفلفلة ونو ذلك ف يد أحدنا .فإذا كانت المصة أو الفلفلة .بل الدرهم
والدينار .أو الكرة الت يلعب با الصبيان ونو ذلك ف يد النسان أو تته أو نو
ذلك هل يتصور عاقل إذا استشعر علو النسان على ذلك وإحاطته به أن يكون
النسان كالفلك ؟ وال -ول الثل العلى -أعظم من أن يظن ذلك به وإنا يظنه
الذين { وما قدروا ال حق قدره والرض جيعا قبضته يوم القيامة والسماوات
مطويات بيمينه سبحانه وتعال عما يشركون } .وكذلك " اعتقادهم الثان " :
وهو أن ما كان فلكا فإنه يصح التوجه إليه من الهات الست خطأ باتفاق أهل
العقل الذين يعلمون اليئة ؛ وأهل العقل الذين يعلمون أن القصد الازم يوجب
28
فعل القصود بسب المكان .فقد تبي أن كل واحد من القدمتي خطأ ف العقل
والشرع وأنه ل يوز أن تتوجه القلوب إليه إل إل العلو ل إل غيه من الهات
على كل تقدير يفرض من التقديرات سواء كان العرش هو الفلك التاسع أو غيه ؛
سواء كان ميطا بالفلك كري الشكل أو كان فوقه من غي أن يكون كريا سواء
كان الالق -سبحانه -ميطا بالخلوقات كما ييط با ف قبضته أو كان فوقها
من جهة العلو منا الت تلي رءوسنا دون الهة الخرى .فعلى أي تقدير فرض
كان كل من مقدمت السؤال باطلة وكان ال تعال إذا دعوناه إنا ندعوه بقصد
العلو دون غيه كما فطرنا على ذلك .وبذا يظهر الواب عن السؤال من وجوه
متعددة .
وال أعلم .
شبكة مشكاة السلمية
نقل عن موقع السلم
29