You are on page 1of 29

‫الرسالة‬

‫العرشية‬
‫شيخ السلم ابن تيمية‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫‪1‬‬
‫سئل شيخ السلم أبو العباس أحد بن عبد الليم بن عبد السلم العال الربان‬
‫والعابد النوران ابن تيمية الران أيده ال تعال‬
‫ما تقول ف " العرش " هل هو كروي أم ل ؟ وإذا كان كرويا وال من ورائه‬
‫ميط به بائن عنه فما فائدة أن العبد يتوجه إل ال تعال حي دعائه وعبادته فيقصد‬
‫العلو دون غيه ول فرق حينئذ وقت الدعاء بي قصد جهة العلو وغيها من‬
‫الهات الت تيط بالداعي ومع هذا ند ف قلوبنا قصدا يطلب العلو ل يلتفت ينة‬
‫ول يسرة ‪ .‬فأخبنا عن هذه الضرورة الت ندها ف قلوبنا ؛ وقد فطرنا عليها ‪.‬‬
‫وابسط لنا الواب ف ذلك بسطا شافيا ‪ :‬يزيل الشبهة ويقق الق ‪ -‬إن شاء ال‬
‫‪ -‬أدام ال النفع بكم وبعلومكم آمي ‪.‬‬

‫فأجاب رحه ال تعال با نصه ‪ - :‬المد ل رب العالي ‪ .‬الواب عن هذا‬


‫السؤال بثلث مقامات ‪.‬‬
‫أحدها‬
‫أنه لقائل أن يقول ‪ :‬ل يثبت بدليل يعتمد عليه أن " العرش " فلك من الفلك‬
‫الستديرة الكروية الشكل ؛ ل بدليل شرعي ‪ .‬ول بدليل عقلي ‪ .‬وإنا ذكر هذا‬
‫طائفة من التأخرين الذين نظروا ف " علم اليئة " وغيها من أجزاء الفلسفة فرأوا‬
‫أن الفلك تسعة وأن التاسع ‪ -‬وهو الطلس ‪ -‬ميط با مستدير كاستدارتا وهو‬
‫الذي يركها الركة الشرقية وإن كان لكل فلك حركة تصه غي هذه الركة‬
‫العامة ث سعوا ف أخبار النبياء صلوات ال وسلمه عليهم ذكر " عرش ال "‬
‫وذكر " كرسيه " وذكر " السموات السبع " فقالوا بطريق الظن إن " العرش " هو‬
‫الفلك التاسع ؛ لعتقادهم أنه ليس وراء التاسع شيء إما مطلقا وإما أنه ليس وراءه‬
‫ملوق ‪ .‬ث إن منهم من رأى أن " التاسع " هو الذي يرك الفلك كلها ؛ فجعلوه‬

‫‪2‬‬
‫مبدأ الوادث وزعموا أن ال يدث فيه ما يقدره ف الرض أو يدثه ف " النفس "‬
‫الت زعموا أنا متعلقة به ؛ أو ف " العقل " الذي زعموا أنه الذي صدر عنه هذا‬
‫الفلك وربا ساه بعضهم الروح وربا جعل بعضهم " النفس " هي الروح وربا‬
‫جعل بعضهم " النفس " هي اللوح الحفوظ كما جعل " العقل " هو القلم ‪ .‬وتارة‬
‫يعلون " الروح " هو العقل الفعال العاشر الذي لفلك القمر و " النفس " التعلقة‬
‫به وربا جعلوا ذلك بالنسبة إل الق سبحانه كالدماغ بالنسبة إل النسان يقدر‬
‫فيه ما يفعله قبل أن يكون إل غي ذلك من القالت الت قد شرحناها وبينا فسادها‬
‫ف غي هذا الوضع ‪ .‬ومنهم من يدعي أنه علم ذلك بطريق الكشف والشاهدة‬
‫ويكون كاذبا فيما يدعيه وإنا أخذ ذلك عن هؤلء التفلسفة تقليدا لم أو موافقة‬
‫لم على طريقتهم الفاسدة ؛ كما فعل أصحاب " رسائل إخوان الصفا " وأمثالم ‪.‬‬
‫وقد يتمثل ف نفسه ما تقلده عن غيه فيظنه كشفا كما يتخيل النصران " التثليث‬
‫" الذي يعتقده وقد يرى ذلك ف منامه فيظنه كشفا وإنا هو تيل لا اعتقده ‪.‬‬
‫وكثي من أرباب العتقادات الفاسدة إذا ارتاضوا صقلت الرياضة نفوسهم فتتمثل‬
‫لم اعتقاداتم فيظنونا كشفا ‪ .‬وقد بسطنا الكلم على هذا ف غي هذا الوضع ‪ .‬و‬
‫( القصود هنا ‪ :‬أن ما ذكروه من أن " العرش " هو الفلك التاسع ‪ :‬قد يقال ‪ :‬إنه‬
‫ليس لم عليه دليل ل عقلي ول شرعي ‪ .‬أما " العقلي " فإن أئمة الفلسفة‬
‫مصرحون بأنه ل يقم عندهم دليل على أنه ليس وراء الفلك التاسع شيء آخر ؛ بل‬
‫ول قام عندهم دليل على أن الفلك هي تسعة فقط ؛ بل يوز أن تكون أكثر من‬
‫ذلك ولكن دلتهم الركات الختلفة والكسوفات ونو ذلك على ما ذكروه وما ل‬
‫يكن لم دليل على ثبوته فهم ل يعلمون ل ثبوته ول انتفاءه ‪ " .‬مثال ذلك " أنم‬
‫علموا أن هذا الكوكب تت هذا ؛ بأن السفلي يكسف العلوي من غي عكس ؛‬
‫فاستدلوا بذلك على أنه ف فلك فوقه ‪ .‬كما استدلوا بالركات الختلفة على أن‬

‫‪3‬‬
‫الفلك متلفة ‪ .‬حت جعلوا ف الفلك الواحد عدة أفلك ؛ كفلك التدوير وغيه ‪.‬‬
‫فأما ما كان موجودا فوق هذا ول يكن لم ما يستدلون به على ثبوته ‪ :‬فهم ل‬
‫يعلمون نفيه ول إثباته بطريقهم ‪ .‬وكذلك قول القائل ‪ :‬إن حركة " التاسع " مبدأ‬
‫الوادث خطأ وضلل على أصولم ؛ فإنم يقولون ‪ :‬إن " الثامن " له حركة تصه‬
‫با فيه من الثوابت ولتلك الركة قطبان غي قطب " التاسع " وكذلك " السابع " و‬
‫" السادس " ‪ .‬وإذا كان لكل فلك حركة تصه ‪ -‬والركات الختلفة هي سبب‬
‫الشكال الادثة الختلفة الفلكية وتلك الشكال سبب الوادث السفلية ‪ -‬كانت‬
‫حركة التاسع جزء السبب كحركة غيه ‪ .‬فالشكال الادثة ف الفلك ‪ -‬لقارنة‬
‫الكوكب الكوكب ف درجة واحدة ومقابلته له إذا كان بينهما " نصف الفلك "‬
‫وهو مائة وثانون درجة ‪ .‬وتثليثه له إذا كان بينهما " ثلث الفلك " وهو مائة‬
‫وعشرون درجة وتربيعه له إذا كان بينهما " ربعه " تسعون درجة وتسديسه له إذا‬
‫كان بينهما " سدس الفلك " ستون درجة ؛ وأمثال ذلك من الشكال ‪ -‬إنا‬
‫حدثت بركات متلفة وكل حركة ليست عي الخرى ؛ إذ حركة " الثامن " الت‬
‫تصه ليست عي حركة التاسع ؛ وإن كان تابعا له ف الركة الكلية كالنسان‬
‫التحرك ف السفينة إل خلف حركتها ‪ .‬وكذلك حركة " السابع " الت تصه‬
‫ليست عن التاسع ول عن الثامن وكذلك سائر الفلك فإن حركة كل واحد الت‬
‫تصه ليست عما فوقه من الفلك فكيف يوز أن يعل مبدأ الوادث كلها مرد‬
‫حركة التاسع كما زعمه من ظن أن العرش كثيف والفلك التاسع عندهم بسيط‬
‫متشابه الجزاء ؛ ل اختلف فيه أصل فكيف يكون سببا لمور متلفة ‪ .‬ل باعتبار‬
‫القوابل وأسباب أخر ؟ ولكنهم قوم ضالون يعلونه مع هذا ثلثائة وستي درجة‬
‫ويعلون لكل درجة من الثر ما يالف الخرى ؛ ل باختلف القوابل ؛ كمن‬
‫ييء إل ماء واحد فيجعل لبعض جزأيه من الثر ما يالف الخر ؛ ل بسب‬

‫‪4‬‬
‫القوابل ؛ بل يعل أحد أجزائه مسخنا والخر مبدا والخر مسعدا والخر مشقيا‬
‫وهذا ما يعلمون هم وكل عاقل أنه باطل وضلل ‪ .‬وإذا كان هؤلء ليس عندهم‬
‫ما ينفي وجود شيء آخر فوق الفلك التسعة كان الزم بأن ما أخبت به الرسل‬
‫هو أن العرش هو الفلك التاسع رجا بالغيب وقول بل علم ‪ .‬هذا كله بتقدير‬
‫ثبوت الفلك التسعة على الشهور عند أهل اليئة ؛ إذ ف ذلك من الناع‬
‫والضطراب وف أدلة ذلك ما ليس هذا موضعه وإنا نتكلم على هذا التقدير ‪.‬‬
‫وأيضا ‪ :‬فالفلك ف أشكالا وإحاطة بعضها ببعض من جنس واحد ؛ فنسبة‬
‫السابع إل السادس كنسبة السادس إل الامس ؛ وإذا كان هناك فلك تاسع فنسبته‬
‫إل الثامن كنسبة الثامن إل السابع ‪ .‬وأما " العرش " فالخبار تدل على مباينته‬
‫لغيه من الخلوقات وأنه ليس نسبته إل بعضها كنسبة بعضها إل بعض ‪ .‬قال ال‬
‫تعال ‪ { :‬الذين يملون العرش ومن حوله يسبحون بمد ربم ويؤمنون به } الية‬
‫‪ .‬وقال سبحانه ‪ { :‬ويمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثانية } ‪ .‬فأخب أن للعرش‬
‫حلة اليوم ويوم القيامة وأن حلته ومن حوله يسبحون ويستغفرون للمؤمني ‪.‬‬
‫ومعلوم أن قيام فلك من الفلك ‪ -‬بقدرة ال تعال ‪ -‬كقيام سائر الفلك ل فرق‬
‫ف ذلك بي كرة وكرة وإن قدر أن لبعضها ملئكة ف نفس المر تملها فحكمه‬
‫حكم نظيه ‪ .‬قال تعال { وترى اللئكة حافي من حول العرش } الية ‪ .‬فذكر‬
‫هنا أن اللئكة تف من حول العرش وذكر ف موضع آخر أن له حلة وجع ف‬
‫موضع ثالث بي حلته ومن حوله فقال ‪ { :‬الذين يملون العرش ومن حوله } ‪.‬‬
‫و " أيضا " فقد أخب أن عرشه كان على الاء قبل أن يلق السموات والرض كما‬
‫قال تعال ‪ { :‬وهو الذي خلق السماوات والرض ف ستة أيام وكان عرشه على‬
‫الاء } ‪ .‬وقد ثبت ف صحيح البخاري وغيه عن عمران بن حصي عن النب صلى‬
‫ال عليه وسلم أنه قال ‪ { :‬كان ال ول يكن شيء غيه وكان عرشه على الاء‬

‫‪5‬‬
‫وكتب ف الذكر كل شيء وخلق السموات والرض } وف رواية له { كان ال‬
‫ول يكن شيء قبله وكان عرشه على الاء ث خلق السموات والرض وكتب ف‬
‫الذكر كل شيء } وف رواية لغيه صحيحة ‪ { :‬كان ال ول يكن شيء معه‬
‫وكان عرشه على الاء ث كتب ف الذكر كل شيء } وثبت ف صحيح مسلم عن‬
‫عبد ال بن عمرو عن النب صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ { :‬إن ال قدر مقادير‬
‫اللئق قبل أن يلق السموات والرض بمسي ألف سنة وكان عرشه على الاء‬
‫} ‪ .‬وهذا التقدير بعد وجود العرش وقبل خلق السموات والرض بمسي ألف‬
‫سنة ‪ .‬وهو سبحانه وتعال متمدح بأنه ذو العرش كقوله سبحانه ‪ { :‬قل لو كان‬
‫معه آلة كما يقولون إذا لبتغوا إل ذي العرش سبيل } وقوله تعال { رفيع‬
‫الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلق‬
‫} { يوم هم بارزون ل يفى على ال منهم شيء لن اللك اليوم ل الواحد القهار‬
‫} وقال تعال ‪ { :‬وهو الغفور الودود } { ذو العرش الجيد } { فعال لا يريد }‬
‫وقد قرئ " الجيد " بالرفع صفة ل ؛ وقرئ بالفض صفة العرش ‪ .‬وقال تعال ‪:‬‬
‫{ قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم } { سيقولون ل قل أفل‬
‫تتقون } فوصف العرش بأنه ميد وأنه عظيم وقال تعال ‪ { :‬فتعال ال اللك الق‬
‫ل إله إل هو رب العرش الكري } فوصفه بأنه كري أيضا ‪ .‬وكذلك ف‬
‫الصحيحي عن ابن عباس رضي ال عنهما { أن النب صلى ال عليه وسلم كان‬
‫يقول عند الكرب ‪ :‬ل إله إل ال العظيم الليم ل إله إل ال رب العرش العظيم ل‬
‫إله إل ال رب السموات ورب الرض رب العرش الكري } فوصفه ف الديث‬
‫بأنه عظيم وكري أيضا ‪ .‬فقول القائل النازع ‪ " :‬إن نسبة الفلك العلى إل ما‬
‫دونه كنسبة الخر إل ما دونه " ‪ .‬لو كان العرش من جنس الفلك لكانت نسبته‬
‫إل ما دونه كنسبة الخر إل ما دونه وهذا ل يوجب خروجه عن النس‬

‫‪6‬‬
‫وتصيصه بالذكر ؛ كما ل يوجب ذلك تصيص ساء دون ساء وإن كانت العليا‬
‫بالنسبة إل السفلى كالفلك على قول هؤلء ‪ .‬وإنا امتاز عما دونه بكونه أكب‬
‫كما تتاز السماء العليا عن الدنيا ‪ .‬بل نسبة السماء إل الواء ونسبة الواء إل الاء‬
‫والرض ‪ :‬كنسبة فلك إل فلك ‪ .‬ومع هذا فلم يص واحدا من هذه الجناس‬
‫عما يليه بالذكر ؛ ول بوصفه بالكرم والجد والعظمة ‪ .‬وقد علم أنه ليس سببا‬
‫لذواتا ول لركاتا بل لا حركات تصها فل يوز أن يقال ‪ :‬حركته هي سبب‬
‫الوادث ؛ بل إن كانت حركة الفلك سببا للحوادث فحركات غيه الت تصه‬
‫أكثر ول يلزم من كونه ميطا با أن يكون أعظم من مموعها إل إذا كان له من‬
‫الغلظ ما يقاوم ذلك ؛ وإل فمن العلوم أن الغليظ إذ كان متقاربا فمجموع‬
‫الداخل أعظم من الحيط ؛ بل قد يكون بقدره أضعافا ؛ بل الركات الختلفة الت‬
‫ليست عن حركته أكثر لكن حركته تشملها كلها ‪ .‬وقد ثبت ف صحيح مسلم {‬
‫عن جويرية بنت الارث ‪ :‬أن النب صلى ال عليه وسلم دخل عليها وكانت تسبح‬
‫بالصى من صلة الصبح إل وقت الضحى فقال ‪ :‬لقد قلت بعدك أربع كلمات‬
‫لو وزنت با قلتيه لوزنتهن ‪ :‬سبحان ال عدد خلقه سبحان ال زنة عرشه سبحان‬
‫ال رضى نفسه سبحان ال مداد كلماته } ‪ .‬فهذا يبي أن زنة العرش أثقل الوزان‬
‫‪ .‬وهم يقولون ‪ :‬إن الفلك التاسع ل خفيف ول ثقيل بل يدل على أنه وحده أثقل‬
‫ما يثل به كما أن عدد الخلوقات أكثر ما يثل به ‪ .‬وف الصحيحي عن أب سعيد‬
‫قال ‪ { :‬جاء رجل من اليهود إل النب صلى ال عليه وسلم قد لطم وجهه ؛ فقال‬
‫‪ :‬يا ممد رجل من أصحابك لطم وجهي ‪ .‬فقال النب صلى ال عليه وسلم ادعوه‬
‫فدعوه فقال ‪ :‬ل لطمت وجهه ؟ فقال ‪ :‬يا رسول ال إن مررت بالسوق وهو‬
‫يقول ‪ :‬والذي اصطفى موسى على البشر فقلت ‪ :‬يا خبيث وعلى ممد ؟ فأخذتن‬
‫غضبة فلطمته ‪ .‬فقال النب صلى ال عليه وسلم ل تيوا بي النبياء فإن الناس‬

‫‪7‬‬
‫يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بوسى آخذا بقائمة من قوائم‬
‫العرش فل أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقته } فهذا فيه بيان أن للعرش قوائم ؛‬
‫وجاء ذكر القائمة بلفظ الساق والقوال متشابة ف هذا الباب ‪ .‬وقد أخرجا ف‬
‫الصحيحي عن جابر قال ‪ :‬سعت النب صلى ال عليه وسلم يقول ‪ { :‬اهتز عرش‬
‫الرحن لوت سعد بن معاذ } قال ‪ :‬فقال رجل لابر ‪ :‬إن الباء يقول اهتز السرير‬
‫قال ‪ :‬إنه كان بي هذين اليي الوس والزرج ضغائن ‪ :‬سعت نب ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول ‪ { :‬اهتز عرش الرحن لوت سعد بن معاذ } ورواه مسلم ف‬
‫صحيحه من حديث أنس { أن النب صلى ال عليه وسلم قال ‪ -‬وجنازة سعد‬
‫موضوعة ‪ : -‬اهتز لا عرش الرحن } ‪ .‬وعندهم أن حركة الفلك التاسع دائمة‬
‫متشابة ومن تأول ذلك على أن الراد به استبشار حلة العرش وفرحهم ؛ فل بد له‬
‫من دليل على ما قال كما ذكره أبو السن الطبي وغيه مع أن سياق الديث‬
‫ولفظه ينفي هذا الحتمال ‪ .‬وف صحيح البخاري عن أب هريرة قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم { من آمن بال ورسوله وأقام الصلة وآتى الزكاة وصام‬
‫رمضان كان حقا على ال أن يدخله النة ؛ هاجر ف سبيل ال أو جلس ف أرضه‬
‫الت ولد فيها قالوا يا رسول ال أفل نبشر الناس بذلك ؟ قال ‪ :‬إن ف النة مائة‬
‫درجة أعدها ال للمجاهدين ف سبيله كل درجتي بينهما كما بي السماء‬
‫والرض فإذا سألتم ال فاسألوه الفردوس فإنه أوسط النة وأعلى النة وفوقه عرش‬
‫الرحن ومنه تفجر أنار النة } ‪ .‬وف صحيح مسلم عن أب سعيد الدري { أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬يا أبا سعيد من رضي بال ربا وبالسلم دينا‬
‫وبحمد نبيا ‪ :‬وجبت له النة فعجب لا أبو سعيد ‪ .‬فقال ‪ :‬أعدها علي يا رسول‬
‫ال ففعل ‪ .‬قال ‪ :‬وأخرى يرفع ال با العبد مائة درجة ما بي كل درجتي كما‬
‫بي السماء والرض قال وما هي يا رسول ال قال ‪ :‬الهاد ف سبيل ال } ‪ .‬وف‬

‫‪8‬‬
‫صحيح البخاري ‪ { :‬إن أم الربيع بنت الباء ‪ -‬وهي أم حارثة بن سراقة ‪ -‬أتت‬
‫النب صلى ال عليه وسلم فقالت ‪ :‬يا نب ال أل تدثن عن حارثة ‪ -‬وكان قتل‬
‫يوم بدر أصابه سهم غرب ‪ -‬فإن كان ف النة صبت وإن كان ف غي ذلك‬
‫اجتهدت عليه ف البكاء ‪ .‬قال ‪ :‬يا أم حارثة إنا جنان ف النة وإن ابنك أصاب‬
‫الفردوس العلى } ‪ .‬فهذا قد بي ف " الديث الول " أن العرش فوق الفردوس‬
‫الذي هو أوسط النة وأعلها وأن ف النة مائة درجة ما بي كل درجتي كما‬
‫بي السماء والرض والفردوس أعلها ؛ و " الديث الثان " يوافقه ف وصف‬
‫الدرج الائة و " الديث الثالث " يوافقه ف أن الفردوس أعلها ‪ .‬وإذا كان العرش‬
‫فوق الفردوس فلقائل أن يقول ‪ :‬إذا كان كذلك كان ف هذا من العلو والرتفاع‬
‫ما ل يعلم باليئة ؛ إذ ل يعلم بالساب أن بي التاسع والول كما بي السماء‬
‫والرض مائة مرة وعندهم أن التاسع ملصق للثامن فهذا قد بي أن العرش فوق‬
‫الفردوس الذي هو أوسط النة وأعلها ‪ .‬وف حديث { أب ذر الشهور قال ‪:‬‬
‫قلت يا رسول ال أيا أنزل عليك أعظم ؟ قال آية الكرسي ث قال يا أبا ذر ما‬
‫السموات السبع مع الكرسي إل كحلقة ملقاة بأرض فلة وفضل العرش على‬
‫الكرسي كفضل الفلة على اللقة } والديث له طرق وقد رواه أبو حات بن‬
‫حبان ف صحيحه وأحد ف السند وغيها ‪ .‬وقد استدل من استدل على أن "‬
‫العرش مقبب " بالديث الذي ف سنن أب داود وغيه عن جبي بن مطعم قال ‪{ :‬‬
‫أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم أعراب فقال ‪ :‬يا رسول ال جهدت النفس‬
‫وجاع العيال وهلك الال فادع ال لنا فإنا نستشفع بك على ال ونستشفع بال‬
‫عليك ؛ فسبح رسول ال صلى ال عليه وسلم حت عرف ذلك ف وجوه أصحابه‬
‫وقال ويك أتدري ما تقول ؟ إن ال ل يستشفع به على أحد من خلقه شأن ال‬
‫أعظم من ذلك إن ال على عرشه ؛ وإن عرشه على سواته وأرضه هكذا ‪ -‬وقال‬

‫‪9‬‬
‫بأصابعه مثل القبة } ‪ -‬وف لفظ ‪ { :‬وإن عرشه فوق سواته وسواته فوق أرضه‬
‫هكذا ‪ -‬وقال بأصابعه مثل القبة } ‪ .‬وهذا الديث ‪ -‬وإن دل على التقبيب‬
‫وكذلك قوله عن الفردوس إنا أوسط النة وأعلها مع قوله إن سقفها عرش‬
‫الرحن وإن فوقها عرش الرحن والوسط ل يكون العلى إل ف الستدير فهذا ‪-‬‬
‫ل يدل على أنه فلك من الفلك بل إذا قدر أنه فوق الفلك كلها أمكن هذا فيه‬
‫سواء قال القائل إنه ميط بالفلك أو قال إنه فوقها وليس ميطا با كما أن وجه‬
‫الرض فوق النصف العلى من الرض وإن ل يكن ميطا بذلك ‪ .‬وقد قال إياس‬
‫بن معاوية ‪ :‬السماء على الرض مثل القبة ‪ .‬ومعلوم أن الفلك مستدير مثل ذلك‬
‫لكن لفظ القبة يستلزم استدارة من العلو ول يستلزم استدارة من جيع الوانب إل‬
‫بدليل منفصل ‪ .‬ولفظ " الفلك " يدل على الستدارة مطلقا ؛ كقوله تعال ‪{ :‬‬
‫وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل ف فلك يسبحون } وقوله‬
‫تعال { ل الشمس ينبغي لا أن تدرك القمر ول الليل سابق النهار وكل ف فلك‬
‫يسبحون } يقتضي أنا ف فلك مستدير مطلقا كما قال ابن عباس رضي ال عنهما‬
‫ف فلكة مثل فلكة الغزل ‪ .‬وأما لفظ " القبة " فإنه ل يتعرض لذا العن ؛ ل بنفي‬
‫ول إثبات ؛ لكن يدل على الستدارة من العلو ؛ كالقبة الوضوعة على الرض ‪.‬‬
‫وقد قال بعضهم ‪ :‬إن الفلك غي السموات لكن رد عليه غيه هذا القول بأن ال‬
‫تعال قال ‪ { :‬أل تروا كيف خلق ال سبع ساوات طباقا } { وجعل القمر فيهن‬
‫نورا وجعل الشمس سراجا } فأخب أنه جعل القمر فيهن وقد أخب أنه ف الفلك‬
‫وليس هذا موضع بسط الكلم ف هذا ‪ .‬وتقيق المر فيه وبيان أن ما علم‬
‫بالساب ‪ -‬علما صحيحا ‪ -‬ل يناف ما جاء به السمع وأن العلوم السمعية‬
‫الصحيحة ل تناف معقول صحيحا ؛ إذ قد بسطنا الكلم على هذا وأمثاله ف غي‬
‫هذا الوضع ‪ .‬فإن ذلك يتاج إليه ف هذا ونظائره ما قد أشكل على كثي من‬

‫‪10‬‬
‫الناس ؛ حيث يرون ما يقال ‪ :‬إنه معلوم بالعقل مالفا لا يقال إنه معلوم بالسمع ؛‬
‫فأوجب ذلك أن كذبت كل طائفة با ل تط بعلمه ؛ حت آل المر بقوم من أهل‬
‫الكلم إل أن تكلموا ف معارضة الفلسفة ف " الفلك " بكلم ليس معهم به‬
‫حجة ؛ ل من شرع ول من عقل وظنوا أن ذلك الكلم من نصر الشريعة وكان ما‬
‫جحدوه معلوما بالدلة الشرعية أيضا ‪ .‬وأما " التفلسفة وأتباعهم " فغايتهم أن‬
‫يستدلوا با شاهدوه من السيات ول يعلمون ما وراء ذلك ؛ مثل أن يعلموا أن‬
‫البخار التصاعد ينعقد سحابا وأن السحاب إذا اصطك حدث عنه صوت ونو‬
‫ذلك لكن علمهم بذا كعلمهم بأن الن يصي ف الرحم لكن ما الوجب لن‬
‫يكون الن التشابه الجزاء تلق منه هذه العضاء الختلفة والنافع الختلفة على‬
‫هذا الترتيب الحكم التقن الذي فيه من الكمة والرحة ما بر اللباب ‪ .‬وكذلك‬
‫ما الوجب لن يكون هذا الواء أو البخار منعقدا سحابا مقدرا بقدر مصوص ف‬
‫وقت مصوص على مكان متص به ؟ وينل على قوم عند حاجتهم إليه فيسقيهم‬
‫بقدر الاجة ل يزيد فيهلكوا ول ينقص فيعوزوا وما الوجب لن يساق إل‬
‫الرض الرز الت ل تطر أو تطر مطرا ل يغنيها ‪ -‬كأرض مصر إذ كان الطر‬
‫القليل ل يكفيها والكثي يهدم أبنيتها ‪ -‬قال تعال ‪ { :‬أول يروا أنا نسوق الاء إل‬
‫الرض الرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفل يبصرون } ‪.‬‬
‫وكذلك السحاب التحرك وقد علم أن كل حركة فإما أن تكون " قسرية " وهي‬
‫تابعة للقاسر أو " طبيعية " وإنا تكون إذا خرج الطبوع عن مركزه فيطلب عوده‬
‫إليه ؛ أو " إرادية " وهي الصل فجميع الركات تابعة للحركة الرادية الت تصدر‬
‫عن ملئكة ال تعال الت هي الدبرات أمرا والقسمات أمرا وغي ذلك ما أخب ال‬
‫به عن اللئكة وف العقول ما يصدق ذلك ‪ .‬فالكلم ف هذا وأمثاله له موضع غي‬
‫هذا ‪ ( .‬والقصود هنا ‪ :‬أن نبي أن ما ذكر ف السؤال زائل على كل تقدير فيكون‬

‫‪11‬‬
‫الكلم ف الواب مبنيا على حجج علمية ل تقليدية ول مسلمة وإذا بينا حصول‬
‫الواب على كل تقدير ‪ -‬كما سنوضحه ‪ -‬ل يضرنا بعد ذلك أن يكون بعض‬
‫التقديرات هو الواقع ‪ -‬وإن كنا نعلم ذلك ‪ -‬لكن ترير الواب على تقدير دون‬
‫تقدير وإثبات ذلك فيه طول ل يتاج إليه هنا ؛ فإن الواب إذا كان حاصل على‬
‫كل تقدير كان أحسن وأوجز ‪.‬‬

‫القام الثان‬
‫أن يقال " العرش " سواء كان هو الفلك التاسع أو جسما ميطا بالفلك التاسع أو‬
‫كان فوقه من جهة وجه الرض غي ميط به أو قيل فيه غي ذلك فيجب أن يعلم‬
‫أن العال العلوي والسفلي بالنسبة إل الالق تعال ف غاية الصغر كما قال تعال ‪:‬‬
‫{ وما قدروا ال حق قدره والرض جيعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات‬
‫بيمينه سبحانه وتعال عما يشركون } ‪ .‬وف الصحيحي عن أب هريرة عن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ { :‬يقبض ال تبارك وتعال الرض يوم القيامة‬
‫ويطوي السماء بيمينه ث يقول ‪ :‬أنا اللك أين ملوك الرض ؟ } ‪ .‬وف الصحيحي‬
‫‪ -‬واللفظ لسلم ‪ -‬عن عبد ال بن عمر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫{ يقبض ال تبارك وتعال الرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ث يقول ‪ :‬أنا‬
‫اللك أين ملوك الرض ؟ } ‪ .‬وف الصحيحي ‪ -‬واللفظ لسلم ‪ -‬عن عبد ال بن‬
‫عمر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم { يطوي ال السموات يوم القيامة‬
‫ث يأخذهن بيده اليمن ث يقول ‪ :‬أنا اللك ؛ أين البارون ؛ أين التكبون ؟ ث‬
‫يطوي الرضي بشماله ث يقول ‪ :‬أنا اللك ؛ أين البارون ؛ أين التكبون ؟ }‬
‫وف لفظ ف الصحيح عن عبد ال بن مقسم أنه نظر إل عبد ال بن عمر كيف‬
‫يكي أن النب صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬يأخذ ال سواته وأرضه بيده ويقول‬

‫‪12‬‬
‫أنا اللك ويقبض أصابعه ويبسطها أنا اللك حت نظرت إل النب يتحرك من أسفل‬
‫شيء منه حت إن أقول أساقط هو برسول ال صلى ال عليه وسلم } وف لفظ {‬
‫قال ‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم على النب وهو يقول ‪ :‬يأخذ البار‬
‫سواته وأرضه ‪ .‬وقبض بيده وجعل يقبضها ويبسطها ويقول ‪ :‬أنا الرحن ؛ أنا‬
‫اللك ؛ أنا القدوس ؛ أنا السلم ؛ أنا الؤمن ؛ أنا الهيمن ؛ أنا العزيز ؛ أنا البار ؛‬
‫أنا التكب ؛ أنا الذي بدأت الدنيا ول تكن شيئا ؛ أنا الذي أعدتا ‪ .‬أين‬
‫التكبون ؟ أين البارون ‪ } :‬وف لفظ { أين البارون أين التكبون وييل رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم على يينه وعلى شاله حت نظرت إل النب يتحرك من‬
‫أسفل شيء منه حت إن لقول أساقط هو برسول ال صلى ال عليه وسلم }‬
‫والديث مروي ف الصحيح والسانيد وغيها بألفاظ يصدق بعضها بعضا ؛ وف‬
‫بعض ألفاظه قال ‪ :‬قرأ على النب ‪ { :‬والرض جيعا قبضته يوم القيامة } الية ‪.‬‬
‫قال ‪ { :‬مطوية ف كفه يرمي با كما يرمي الغلم بالكرة } وف لفظ ‪ { :‬يأخذ‬
‫البار سواته وأرضه بيده فيجعلها ف كفه ث يقول بما هكذا كما تقول الصبيان‬
‫بالكرة ‪ .‬أنا ال الواحد } ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ " :‬يقبض ال عليهما فما ترى‬
‫طرفاها بيده " وف لفظ عنه ‪ " :‬ما السموات السبع والرضون السبع وما فيهن‬
‫وما بينهن ف يد الرحن إل كخردلة ف يد أحدكم " وهذه الثار معروفة ف كتب‬
‫الديث ‪ .‬وف الصحيحي عن عبد ال بن مسعود قال ‪ { :‬أتى النب صلى ال عليه‬
‫وسلم رجل من اليهود فقال ‪ :‬يا ممد إن ال يعل السموات على إصبع والرضي‬
‫على إصبع والبال على إصبع ؛ والاء والثرى على إصبع وسائر اللق على إصبع ؛‬
‫فيهزهن ‪ .‬فيقول ‪ :‬أنا اللك أنا اللك قال ‪ :‬فضحك النب صلى ال عليه وسلم حت‬
‫بدت نواجذه تصديقا لقول الب ث قرأ ‪ { :‬وما قدروا ال حق قدره والرض‬
‫جيعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه } الية } ‪ .‬ففي هذه الية‬

‫‪13‬‬
‫والحاديث الصحيحة ‪ -‬الفسرة لا الستفيضة الت اتفق أهل العلم على صحتها‬
‫وتلقيها بالقبول ‪ -‬ما يبي أن السموات والرض وما بينهما بالنسبة إل عظمة ال‬
‫تعال أصغر من أن تكون مع قبضه لا إل كالشيء الصغي ف يد أحدنا حت‬
‫يدحوها كما تدحى الكرة ‪ .‬قال عبد العزيز بن عبد ال بن أب سلمة الاجشون‬
‫المام نظي مالك ‪ -‬ف كلمه الشهور الذي رد فيه على الهمية ومن خالفها ومن‬
‫أول كلمه قال ‪ -‬فأما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكلفا فقد‬
‫استهوته الشياطي ف الرض حيان فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف‬
‫الرب وسى من نفسه بأن قال ‪ :‬ل بد إن كان له كذا من أن يكون له كذا ؛‬
‫فعمي عن البي بالفي فجحد ما سى الرب من نفسه بصمت الرب عما ل يسم‬
‫منها فلم يزل يلي له الشيطان حت جحد قول ال تعال ‪ { :‬وجوه يومئذ ناضرة }‬
‫{ إل ربا ناظرة } فقال ‪ :‬ل يراه أحد يوم القيامة ؛ فجحد ‪ -‬وال ‪ -‬أفضل‬
‫كرامة ال الت أكرم با أولياءه يوم القيامة ؛ من النظر إل وجهه ونضرته إياهم {‬
‫ف مقعد صدق عند مليك مقتدر } وقد قضى أنم ل يوتون فهم بالنظر إليه‬
‫ينضرون ‪ .‬إل أن قال ‪ :‬وإنا جحد رؤية ال يوم القيامة إقامة للحجة الضالة الضلة‬
‫؛ لنه قد عرف أنه إذا تلى لم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمني‬
‫وكان له جاحدا ‪ { .‬وقال السلمون ‪ :‬يا رسول ال هل نرى ربنا يوم القيامة ؟‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم هل تضارون ف رؤية الشمس ليس دونا‬
‫سحاب ؟ قالوا ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪ :‬فهل تضارون ف رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه‬
‫سحاب ؟ قالوا ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪ :‬فإنكم ترون ربكم كذلك } ‪ .‬وقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم { ل تتلئ النار حت يضع البار فيها قدمه فتقول قط قط وينوي‬
‫بعضها إل بعض } ‪ { .‬وقال لثابت بن قيس ‪ :‬قد ضحك ال ما فعلت بضيفك‬
‫البارحة } وقال ‪ -‬فيما بلغنا عنه ‪ { -‬إن ال يضحك من أزلكم وقنوطكم وسرعة‬

‫‪14‬‬
‫إجابتكم } ‪ { .‬وقال له رجل من العرب إن ربنا ليضحك ؟ قال ‪ :‬نعم قال لن‬
‫نعدم من رب يضحك خيا } ‪ .‬ف أشباه لذا ما ل نصه ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬وهو‬
‫السميع البصي } { واصب لكم ربك فإنك بأعيننا } وقال ‪ { :‬ولتصنع على‬
‫عين } وقال ‪ { :‬ما منعك أن تسجد لا خلقت بيدي } وقال ‪ { :‬وما قدروا ال‬
‫حق قدره والرض جيعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه‬
‫وتعال عما يشركون } ‪ .‬فوال ما دلم على عظم ما وصف به نفسه وما تيط به‬
‫قبضته إل صغر نظيها منهم عندهم إن ذلك الذي ألقي ف روعهم ؛ وخلق على‬
‫معرفته قلوبم فما وصف ال من نفسه وساه على لسان رسوله سيناه كما ساه‬
‫ول نتكلف منه علم ما سواه ل هذا ول هذا ل نحد ما وصف ول نتكلف معرفة‬
‫ما ل يصف انتهى ‪ .‬وإذا كان كذلك فإذا قدر أن الخلوقات كالكرة وهذا قبضه‬
‫لا ورميه با وإنا بي لنا من عظمته وصف الخلوقات بالنسبة إليه ما يعقل نظيه‬
‫منا ‪ .‬ث الذي ف القرآن والديث يبي أنه إن شاء قبضها وفعل با ما ذكر كما‬
‫يفعل ذلك ف يوم القيامة وإن شاء ل يفعل ذلك فهو قادر على أن يقبضها‬
‫ويدحوها كالكرة وف ذلك من الحاطة با ما ل يفى وإن شاء ل يفعل ذلك‬
‫وبكل حال فهو مباين لا ليس بحايث لا ‪ .‬ومن العلوم أن الواحد منا ‪ -‬ول الثل‬
‫العلى ‪ -‬إذا كان عنده خردلة إن شاء قبضها فأحاطت با قبضته وإن شاء ل‬
‫يقبضها بل جعلها تته فهو ف الالتي مباين لا وسواء قدر أن العرش هو ميط‬
‫بالخلوقات ‪ -‬كإحاطة الكرة با فيها ‪ -‬أو قيل إنه فوقها وليس ميطا با ؛ كوجه‬
‫الرض الذي نن عليه بالنسبة إل جوفها وكالقبة بالنسبة إل ما تتها أو غي ذلك‬
‫‪ .‬فعلى التقديرين يكون العرش فوق الخلوقات والالق سبحانه وتعال فوقه والعبد‬
‫ف توجهه إل ال يقصد العلو دون التحت وتام هذا ببيان ‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫القام الثالث‬
‫وهو أن نقول ‪ :‬ل يلو إما أن يكون العرش كرويا كالفلك ويكون ميطا با‬
‫وإما أن يكون فوقها وليس هو كرويا ؛ فإن كان الول فمن العلوم باتفاق من‬
‫يعلم هذا أن الفلك مستديرة كروية الشكل وأن الهة العليا هي جهة الحيط‬
‫وهي الحدب وأن الهة السفلى هو الركز وليس للفلك إل جهتان العلو والسفل‬
‫فقط ‪ .‬وأما الهات الست فهي للحيوان فإن له ست جوانب يؤم جهة فتكون‬
‫أمامه ويلف أخرى فتكون خلفه وجهة تاذي يينه وجهة تاذي شاله وجهة‬
‫تاذي رأسه ؛ وجهة تاذي رجليه وليس لذه الهات الست ف نفسها صفة‬
‫لزمة ؛ بل هي بسب النسبة والضافة فيكون يي هذا ما يكون شال هذا ويكون‬
‫أمام هذا ما يكون خلف هذا ويكون فوق هذا ما يكون تت هذا ‪ .‬لكن جهة‬
‫العلو والسفل للفلك ل تتغي فالحيط هو العلو والركز هو السفل مع أن وجه‬
‫الرض الت وضعها ال للنام وأرساها بالبال هو الذي عليه الناس والبهائم‬
‫والشجر والنبات والبال والنار الارية ‪ .‬فأما الناحية الخرى من الرض فالبحر‬
‫ميط با وليس هناك شيء من الدميي وما يتبعهم ولو قدر أن هناك أحدا لكان‬
‫على ظهر الرض ول يكن من ف هذه الهة تت من ف هذه الهة ول من ف‬
‫هذه تت من ف هذه كما أن الفلك ميطة بالركز وليس أحد جانب الفلك تت‬
‫الخر ول القطب الشمال تت النوب ول بالعكس ‪ .‬وإن كان الشمال هو‬
‫الظاهر لنا فوق الرض وارتفاعه بسب بعد الناس عن خط الستواء فما كان بعده‬
‫عن خط الستواء ثلثي درجة مثل كان ارتفاع القطب عنده ثلثي درجة وهو‬
‫الذي يسمى عرض البلد فكما أن جوانب الرض الحيطة با وجوانب الفلك‬
‫الستديرة ليس بعضها فوق بعض ول تته ؛ فكذلك من يكون على الرض من‬
‫اليوان والنبات والثقال ل يقال إنه تت أولئك وإنا هذا خيال يتخيله النسان‬

‫‪16‬‬
‫وهو تت إضاف ؛ كما لو كانت نلة تشي تت سقف فالسقف فوقها وإن‬
‫كانت رجلها تاذيه ‪ .‬وكذلك من علق منكوسا فإنه تت السماء وإن كانت‬
‫رجله تلي السماء وكذلك يتوهم النسان إذا كان ف أحد جانب الرض أو‬
‫الفلك أن الانب الخر تته وهذا أمر ل يتنازع فيه اثنان من يقول إن الفلك‬
‫مستديرة ‪ .‬واستدارة الفلك ‪ -‬كما أنه قول أهل اليئة والساب ‪ -‬فهو الذي‬
‫عليه علماء السلمي كما ذكره أبو السن بن النادى وأبو ممد بن حزم وأبو‬
‫الفرج بن الوزي وغيهم أنه متفق عليه بي علماء السلمي وقد قال تعال ‪{ :‬‬
‫وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل ف فلك يسبحون } ‪ .‬قال ابن‬
‫عباس ‪ :‬فلكة مثل فلكة الغزل ‪ .‬و " الفلك ف اللغة " هو الستدير ‪ .‬ومنه قولم ‪:‬‬
‫تفلك ثدي الارية إذا استدار وكل من يعلم أن الفلك مستديرة يعلم أن الحيط‬
‫هو العال على الركز من كل جانب ومن توهم أن من يكون ف الفلك من ناحية‬
‫يكون تته من ف الفلك من الناحية الخرى ف نفس المر فهو متوهم عندهم ‪.‬‬
‫وإذا كان المر كذلك فإذا قدر أن العرش مستدير ميط بالخلوقات كان هو‬
‫أعلها وسقفها ‪ -‬وهو فوقها ‪ -‬مطلقا فل يتوجه إليه وإل ما فوقه النسان إل من‬
‫العلو ل من جهاته الباقية أصل ‪ .‬ومن توجه إل الفلك التاسع أو الثامن أو غيه من‬
‫الفلك من غي جهة العلو كان جاهل باتفاق العقلء فكيف بالتوجه إل العرش أو‬
‫إل ما فوقه وغاية ما يقدر أن يكون كروي الشكل وال تعال ميط بالخلوقات‬
‫كلها إحاطة تليق بلله ؛ فإن السموات السبع والرض ف يده أصغر من المصة‬
‫ف يد أحدنا ‪ .‬وأما قول القائل ‪ :‬إذا كان كرويا وال من ورائه ميط به بائن عنه‬
‫فما فائدة ‪ :‬أن العبد يتوجه إل ال حي دعائه وعبادته ؟ فيقصد العلو دون التحت‬
‫فل فرق حينئذ وقت الدعاء بي قصد جهة العلو وغيها من الهات الت تيط‬
‫بالداعي ومع هذا ند ف قلوبنا قصدا يطلب العلو ل يلتفت ينة ول يسرة فأخبونا‬

‫‪17‬‬
‫عن هذه الضرورة الت ندها ف قلوبنا وقد فطرنا عليها ‪ .‬فيقال له ‪ :‬هذا السؤال‬
‫إنا ورد لتوهم التوهم أن نصف الفلك يكون تت الرض وتت ما على وجه‬
‫الرض من الدميي والبهائم وهذا غلط عظيم ؛ فلو كان الفلك تت الرض من‬
‫جهة لكان تتها من كل جهة فكان يلزم أن يكون الفلك تت الرض مطلقا‬
‫وهذا قلب للحقائق ؛ إذ الفلك هو فوق الرض مطلقا ‪ .‬و " أهل اليئة " يقولون ‪:‬‬
‫لو أن الرض مروقة إل ناحية أرجلنا وألقي ف الرق شيء ثقيل ‪ -‬كالجر‬
‫ونوه ‪ -‬لكان ينتهي إل الركز حت لو ألقي من تلك الناحية حجر آخر للتقيا‬
‫جيعا ف الركز ولو قدر أن إنساني التقيا ف الركز بدل الجرين للتقت رجلها‬
‫ول يكن أحدها تت صاحبه ؛ بل كلها فوق الركز وكلها تت الفلك ؛‬
‫كالشرق والغرب فإنه لو قدر أن رجل بالشرق ف السماء أو الرض ورجل‬
‫بالغرب ف السماء أو الرض ‪ :‬ل يكن أحدها تت الخر وسواء كان رأسه أو‬
‫رجله أو بطنه أو ظهره أو جانبه ما يلي السماء أو ما يلي الرض وإذا كان‬
‫مطلوب أحدها ما فوق الفلك ل يطلبه إل من الهة العليا ؛ ل يطلبه من جهة‬
‫رجليه أو يينه أو يساره لوجهي ‪ ( :‬أحدها أن مطلوبه من الهة العليا أقرب إليه‬
‫من جيع الهات ؛ فلو قدر رجل أو ملك يصعد إل السماء أو إل ما فوق ‪ :‬كان‬
‫صعوده ما يلي رأسه أقرب إذا أمكنه ذلك ول يقول عاقل إنه يرق الرض ث‬
‫يصعد من تلك الناحية ول أنه يذهب يينا أو شال أو أماما أو خلفا إل حيث‬
‫أمكن من الرض ث يصعد لنه أي مكان ذهب إليه كان بنلة مكانه أو هو دونه‬
‫وكان الفلك فوقه فيكون ذهابه إل الهات المس تطويل وتعبا من غي فائدة ‪.‬‬
‫ولو أن رجل أراد أن ياطب الشمس والقمر فإنه ل ياطبه إل من الهة العليا مع‬
‫أن الشمس والقمر قد تشرق وقد تغرب ؛ فتنحرف عن ست الرأس فكيف بن هو‬
‫فوق كل شيء دائما ل يأفل ول يغيب سبحانه وتعال ؟ ‪ .‬وكما أن الركة‬

‫‪18‬‬
‫كحركة الجر تطلب مركزها بأقصر طريق ‪ -‬وهو الط الستقيم ‪ -‬فالطلب‬
‫الرادي الذي يقوم بقلوب العباد كيف يعدل عن الصراط الستقيم القريب إل‬
‫طريق منحرف طويل ‪ .‬وال تعال فطر عباده على الصحة والستقامة إل من‬
‫اجتالته الشياطي فأخرجته عن فطرته الت فطر عليها ‪ ( .‬الوجه الثان ‪ :‬أنه إذا قصد‬
‫السفل بل علو كان ينتهي قصده إل الركز وإن قصده أمامه أو وراءه أو يينه أو‬
‫يساره ؛ من غي قصد العلو كان منتهى قصده أجزاء الواء فل بد له من قصد العلو‬
‫ضرورة سواء قصد مع ذلك هذه الهات أو ل يقصدها ‪ .‬ولو فرض أنه قال ‪:‬‬
‫أقصده من اليمي مع العلو أو من السفل مع العلو ‪ :‬كان هذا بنلة من يقول ‪:‬‬
‫أريد أن أحج من الغرب فأذهب إل خراسان ث أذهب إل مكة ؛ بل بنلة من‬
‫يقول أصعد إل الفلك فأنزل ف الرض ث أصعد إل الفلك من الناحية الخرى ؛‬
‫فهذا وإن كان مكنا ف القدور لكنه مستحيل من جهة امتناع إرادة القاصد له ؛‬
‫وهو مالف للفطرة فإن القاصد يطلب مقصوده بأقرب طريق ل سيما إذا كان‬
‫مقصوده معبوده الذي يعبده ويتوكل عليه وإذا توجه إليه على غي الصراط الستقيم‬
‫كان سيه منكوسا معكوسا ‪ .‬و " أيضا " ‪ :‬فإن هذا يمع ف سيه وقصده بي‬
‫النفي والثبات بي أن يتقرب إل القصود ويتباعد عنه ؛ ويريده وينفر عنه فإنه إذا‬
‫توجه إليه من الوجه الذي هو عنه أبعد وأقصى وعدل عن الوجه القرب الدن‬
‫كان جامعا بي قصدين متناقضي ؛ فل يكون قصده له تاما ؛ إذ القصد التام ينفي‬
‫نقيضه وضده ‪ .‬وهذا معلوم بالفطرة ‪ .‬فإن الشخص إذا كان يب النب صلى ال‬
‫عليه وسلم مبة تامة ويقصده أو يب غيه من يب ‪ -‬سواء كانت مبته ممودة‬
‫أو مذمومة ‪ -‬مت كانت الحبة تامة وطلب الحبوب طلبه من أقرب طريق يصل‬
‫إليه ؛ بلف ما إذا كانت الحبة مترددة ‪ :‬مثل أن يب ما تكره مبته ف الدين‬
‫فتبقى شهوته تدعوه إل قصده وعقله ينهاه عن ذلك ؛ فتراه يقصده من طريق بعيد‬

‫‪19‬‬
‫كما تقول العامة ‪ :‬رجل إل قدام ورجل إل خلف ‪ .‬وكذلك إذا كان ف دينه‬
‫نقص وعقله يأمره بقصد السجد أو الهاد أو غي ذلك من القصودات الت تب‬
‫ف الدين وتكرهها النفس ؛ فإنه يبقى قاصدا لذلك من طريق بعيد متباطئا ف السي‬
‫وهذا كله معلوم بالفطرة ‪ .‬وكذلك إذا ل يكن القاصد يريد الذهاب بنفسه ؛ بل‬
‫يريد خطاب القصود ودعاءه ونو ذلك فإنه ياطبه من أقرب جهة يسمع دعاءه‬
‫منها وينال به مقصوده إذا كان القصد تاما ‪ .‬ولو كان رجل ف مكان عال وآخر‬
‫يناديه ؛ لتوجه إليه وناداه ولو حط رأسه ف بئر وناداه بيث يسمع صوته لكان‬
‫هذا مكنا ؛ لكن ليس ف الفطرة أن يفعل ذلك من يكون قصده إساعه من غي‬
‫مصلحة راجحة ؛ ول يفعل نو ذلك إل عند ضعف القصد ونوه ‪.‬‬

‫و " حديث الدلء " الذي روي من حديث أب هريرة وأب ذر رضي ال عنهما‬
‫قد رواه الترمذي وغيه من حديث السن البصري عن أب هريرة وهو منقطع فإن‬
‫السن ل يسمع من أب هريرة ولكن يقويه حديث أب ذر الرفوع ؛ فإن كان ثابتا‬
‫فمعناه موافق لذا ؛ فإن قوله ‪ { :‬لو أدل أحدكم ببل لبط على ال } إنا هو‬
‫تقدير مفروض ؛ أي لو وقع الدلء لوقع عليه لكنه ل يكن أن يدل أحد على ال‬
‫شيئا ؛ لنه عال بالذات وإذا أهبط شيء إل جهة الرض وقف ف الركز ول‬
‫يصعد إل الهة الخرى لكن بتقدير فرض الدلء يكون ما ذكر من الزاء ‪.‬‬
‫فهكذا ما ذكره السائل ‪ :‬إذا قدر أن العبد يقصده من تلك الهة كان هو سبحانه‬
‫يسمع كلمه وكان متوجها إليه بقلبه لكن هذا ما تنع منه الفطرة ؛ لن قصد‬
‫الشيء القصد التام يناف قصد ضده ؛ فكما أن الهة العليا بالذات تناف الهة‬
‫السفلى فكذلك قصد العلى بالذات يناف قصده من أسفل وكما أن ما يهبط إل‬
‫جوف الرض يتنع صعوده إل تلك الناحية ‪ -‬لنا عالية ‪ -‬فترد الابط بعلوها‬

‫‪20‬‬
‫كما أن الهة العليا من عندنا ترد ما يصعد إليها من الثقيل فل يصعد الثقيل إل‬
‫برافع يرفعه يدافع به ما ف قوته من البوط فكذلك ما يهبط من أعلى الرض إل‬
‫أسفلها ‪ -‬وهو الركز ‪ -‬ل يصعد من هناك إل ذلك الوجه إل برافع يرفعه يدافع‬
‫به ما ف قوته من البوط إل الركز فإن قدر أن الدافع أقوى كان صاعدا به إل‬
‫الفلك من تلك الناحية وصعد به إل ال وإنا يسمى هبوطا باعتبار ما ف أذهان‬
‫الخاطبي أن ما ياذي أرجلهم يكون هابطا ويسمى هبوطا مع تسمية إهباطه‬
‫إدلء وهو إنا يكون إدلء حقيقيا إل الركز ومن هناك إنا يكون مدا للحبل‬
‫والدلو ل إدلء له لكن الزاء والشرط مقدران ل مققان ‪ .‬فإنه قال ‪ :‬لو أدل لبط‬
‫؛ أي لو فرض أن هناك إدلء لفرض أن هناك هبوطا وهو يكون إدلء وهبوطا إذا‬
‫قدر أن السموات تت الرض وهذا التقدير منتف ؛ ولكن فائدته بيان الحاطة‬
‫والعلو من كل جانب وهذا الفروض متنع ف حقنا ل نقدر عليه فل يتصور أن‬
‫يدل ول يتصور أن يهبط على ال شيء لكن ال قادر على أن يرق من هنا إل‬
‫هناك ببل ولكن ل يكون ف حقه إدلء فل يكون ف حقه هبوطا عليه ‪ .‬كما لو‬
‫خرق ببل من القطب إل القطب أو من مشرق الشمس إل مغربا وقدرنا أن‬
‫البل مر ف وسط الرض فإن ال قادر على ذلك كله ول فرق بالنسبة إليه على‬
‫هذا التقدير من أن يرق من جانب اليمي منا إل جانب اليسار أو من جهة أمامنا‬
‫إل جهة خلفنا أو من جهة رءوسنا إل جهة أرجلنا إذا مر البل بالرض فعلى كل‬
‫تقدير قد خرق بالبل من جانب الحيط إل جانبه الخر مع خرق الركز وبتقدير‬
‫إحاطة قبضته بالسموات والرض فالبل الذي قدر أنه خرق به العال وصل إليه‬
‫ول يسمى شيء من ذلك بالنسبة إليه إدلء ول هبوطا ‪ .‬وأما بالنسبة إلينا فإن ما‬
‫تت أرجلنا تت لنا وما فوق رءوسنا فوق لنا وما ندليه من ناحية رءوسنا إل‬
‫ناحية أرجلنا نتخيل أنه هابط فإذا قدر أن أحدنا أدل ببل كان هابطا على ما‬

‫‪21‬‬
‫هناك لكن هذا تقدير متنع ف حقنا والقصود به بيان إحاطة الالق سبحانه وتعال‬
‫كما بي أنه يقبض السموات ويطوي الرض ونو ذلك ما فيه بيان إحاطته‬
‫بالخلوقات ‪ .‬ولذا قرأ ف تام هذا الديث { هو الول والخر والظاهر والباطن‬
‫وهو بكل شيء عليم } ‪ .‬وهذا كله على تقدير صحته فإن الترمذي لا رواه قال ‪:‬‬
‫وفسره بعض أهل الديث بأنه هبط على علم ال وبعض اللولية والتادية يظن‬
‫أن ف هذا الديث ما يدل على قولم الباطل ؛ وهو أنه حال بذاته ف كل مكان‬
‫وأن وجوده وجود المكنة ونو ذلك ‪ .‬والتحقيق ‪ :‬أن الديث ل يدل على شيء‬
‫من ذلك إن كان ثابتا فإن قوله ‪ { :‬لو أدل ببل لبط } يدل على أنه ليس ف‬
‫الدل ول ف البل ول ف الدلو ول ف غي ذلك وأنا تقتضي أنه من تلك الناحية ؛‬
‫وكذلك تأويله بالعلم تأويل ظاهر الفساد من جنس تأويلت الهمية ؛ بل بتقدير‬
‫ثبوته يكون دال على الحاطة ‪ .‬والحاطة قد علم أن ال قادر عليها وعلم أنا‬
‫تكون يوم القيامة بالكتاب والسنة وليس ف إثباتا ف الملة ما يالف العقل ول‬
‫الشرع ؛ لكن ل نتكلم إل با نعلم وما ل نعلمه أمسكنا عنه وما كان مقدمة دليله‬
‫مشكوكا فيها عند بعض الناس كان حقه أن يشك فيه حت يتبي له الق وإل‬
‫فليسكت عما ل يعلم ‪ .‬وإذا تبي هذا فكذلك قاصده يقصده إل تلك الناحية ولو‬
‫فرض أنا فعلناه لكنا قاصدين له على هذا التقدير لكن قصدنا له بالقصد إل تلك‬
‫الهة متنع ف حقنا ؛ لن القصد التام الازم يوجب طلب القصود بسب‬
‫المكان ‪ .‬ولذا قد بينا ف غي هذا الوضع ‪ -‬لا تكلمنا على تنازع الناس ف النية‬
‫الجردة عن الفعل هل يعاقب عليها أم ل يعاقب ؟ بينا ‪ -‬أن " الرادة الازمة "‬
‫توجب أن يفعل الريد ما يقدر عليه من الراد ومت ل يفعل مقدوره ل تكن إرادته‬
‫جازمة ؛ بل يكون ها ومن هم بسيئة فلم يفعلها ل تكتب عليه فإن تركها ل‬
‫كتبت له حسنة ‪ .‬ولذا وقع الفرق بي هم يوسف عليه السلم وهم امرأة العزيز‬

‫‪22‬‬
‫كما قال المام أحد الم هان ‪ :‬هم خطرات ‪ .‬وهم إصرار ‪ .‬فيوسف عليه السلم‬
‫هم ها تركه ل فأثيب عليه ‪ .‬وتلك هت هم إصرار ففعلت ما قدرت عليه من‬
‫تصيل مرادها وإن ل يصل لا الطلوب ‪ .‬والذين قالوا يعاقب بالرادة احتجوا‬
‫بقوله صلى ال عليه وسلم { إذا التقى السلمان بسيفيهما فالقاتل والقتول ف النار‬
‫قالوا يا رسول ال هذا القاتل فما بال القتول ؟ قال ‪ :‬إنه أراد قتل صاحبه } وف‬
‫رواية { إنه كان حريصا على قتل صاحبه } ‪ .‬فهذا أراد إرادة جازمة وفعل ما‬
‫يقدر عليه ؛ وإن ل يدرك مطلوبه فهو بنلة امرأة العزيز ؛ فمت كان القصد جازما‬
‫لزم أن يفعل القاصد ما يقدر عليه من حصول القصود فإذا كان قادرا على حصول‬
‫مقصوده بطريق مستقيم امتنع مع القصد التام أن يصله بطريق معكوس من بعيد ‪.‬‬
‫فلهذا امتنع ف فعل العباد عند ضرورتم ودعائهم ل تعال وتام قصدهم له أن ل‬
‫يتوجهوا إليه إل توجها مستقيما ؛ فيتوجهوا إل العلو ؛ دون سائر الهات ؛ لنه‬
‫الصراط الستقيم القريب ؛ وما سواه فيه من البعد والنراف والطول ما فيه ‪ .‬فمع‬
‫القصد التام الذي هو حال الداعي العابد والسائل الضطر يتنع أن يتوجه إليه إل‬
‫إل العلو ويتنع أن يتوجه إليه إل جهة أخرى كما يتنع أن يدل ببل يهبط عليه ؛‬
‫فهذا هذا وال أعلم ‪ .‬وأما من جهة الشريعة فإن الرسل صلوات ال عليهم بعثوا‬
‫بتكميل الفطرة وتقريرها ؛ ل بتبديل الفطرة وتغييها قال صلى ال عليه وسلم ف‬
‫الديث التفق عليه ‪ { :‬كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو‬
‫يجسانه كما تنتج البهيمة بيمة جعاء هل تسون فيها من جدعاء ؟ } ‪ .‬وقال ال‬
‫تعال ‪ { :‬فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة ال الت فطر الناس عليها ل تبديل للق‬
‫ال ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون } فجاءت الشريعة ف العبادة‬
‫والدعاء با يوافق الفطرة بلف ما عليه أهل الضلل من الشركي والصابئي‬
‫التفلسفة وغيهم ؛ فإنم غيوا الفطرة ف العلم والرادة جيعا وخالفوا العقل‬

‫‪23‬‬
‫والنقل كما قد بسطناه ف غي هذا الوضع ‪ .‬وقد ثبت ف الصحيحي من غي وجه‬
‫‪ { :‬إن النب صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬إذا قام أحدكم إل الصلة فل يبصقن قبل‬
‫وجهه فإن ال قبل وجهه ؛ ول عن يينه فإن عن يينه ملكا ؛ ولكن عن يساره أو‬
‫تت قدمه } وف رواية { أنه أذن أن يبصق ف ثوبه } ‪ .‬وف حديث أب رزين‬
‫الشهور الذي رواه عن النب صلى ال عليه وسلم { لا أخب النب صلى ال عليه‬
‫وسلم أنه ما من أحد إل سيخلو به ربه فقال له أبو رزين ‪ :‬كيف يسعنا يا رسول‬
‫ال وهو واحد ونن جيع ؟ فقال ‪ :‬سأنبئك بثل ذلك ف آلء ال هذا القمر آية‬
‫من آيات ال كلكم يراه مليا به فال أكب } ‪ .‬ومن العلوم أن من توجه إل القمر‬
‫وخاطبه ‪ -‬إذا قدر أن ياطبه ‪ -‬ل يتوجه إليه إل بوجهه مع كونه فوقه فهو‬
‫مستقبل له بوجهه مع كونه فوقه ومن المتنع ف الفطرة أن يستدبره وياطبه مع‬
‫قصده التام له وإن كان ذلك مكنا وإنا يفعل ذلك من ليس مقصوده ماطبته ؛‬
‫كما يفعل من ليس مقصوده التوجه إل شخص بطاب فيعرض عنه بوجهه‬
‫وياطب غيه ؛ ليسمع هو الطاب ؛ فأما مع زوال الانع فإنا يتوجه إليه ؛‬
‫فكذلك العبد إذا قام إل الصلة فإنه يستقبل ربه وهو فوقه فيدعوه من تلقائه ل من‬
‫يينه ول من شاله ويدعوه من العلو ل من السفل كما إذا قدر أنه ياطب القمر ‪.‬‬
‫وقد ثبت ف الصحيحي أنه قال ‪ { :‬لينتهي أقوام عن رفع أبصارهم ف الصلة أو‬
‫ل ترجع إليهم أبصارهم } ‪ .‬واتفق العلماء على أن رفع الصلي بصره إل السماء‬
‫منهي عنه ‪ .‬وروى أحد عن ممد بن سيين { أن النب صلى ال عليه وسلم كان‬
‫يرفع بصره ف الصلة إل السماء حت أنزل ال تعال { قد أفلح الؤمنون } {‬
‫الذين هم ف صلتم خاشعون } فكان بصره ل ياوز موضع سجوده } فهذا ما‬
‫جاءت به الشريعة تكميل للفطرة ؛ لن الداعي السائل الذي يؤمر بالشوع ‪-‬‬
‫وهو الذل والسكوت ‪ -‬ل يناسب حاله أن ينظر إل ناحية من يدعوه ويسأله بل‬

‫‪24‬‬
‫يناسب حاله الطراق وغض بصره أمامه ‪ .‬وليس ني الصلي عن رفع بصره ف‬
‫الصلة ردا على " أهل الثبات " الذين يقولون ‪ :‬إنه على العرش كما يظنه بعض‬
‫جهال الهمية فإن الهمية عندهم ل فرق بي العرش وقعر البحر فالميع سواء‬
‫ولو كان كذلك ل ينه عن رفع البصر إل جهة ويؤمر برده إل أخرى لن هذه‬
‫وهذه عند الهمية سواء ‪ .‬و " أيضا " فلو كان المر كذلك لكان النهي عن رفع‬
‫البصر شامل لميع أحوال العبد وقد قال تعال ‪ { :‬قد نرى تقلب وجهك ف‬
‫السماء } فليس العبد ينهى عن رفع بصره مطلقا وإنا ني ف الوقت الذي يؤمر فيه‬
‫بالشوع ؛ لن خفض البصر من تام الشوع كما قال تعال ‪ { :‬خشعا أبصارهم‬
‫يرجون من الجداث } وقال تعال ‪ { :‬وتراهم يعرضون عليها خاشعي من الذل‬
‫ينظرون من طرف خفي } ‪ .‬و " أيضا " ‪ :‬فلو كان النهي عن رفع البصر إل‬
‫السماء وليس ف السماء إله لكان ل فرق بي رفعه إل السماء ورده إل جيع‬
‫الهات ولو كان مقصوده أن ينهى الناس أن يعتقدوا أن ال ف السماء أو يقصدوا‬
‫بقلوبم التوجه إل العلو لبي لم ذلك كما بي لم سائر الحكام فكيف وليس ف‬
‫كتاب ال ول سنة رسوله ول ف قول سلف المة حرف واحد يذكر فيه أنه ليس‬
‫ال فوق العرش أو أنه ليس فوق السماء أو أنه ل داخل العال ول خارجه ول‬
‫مايث له ول مباين له أو أنه ل يقصد العبد إذا دعاه العلو دون سائر الهات ؟ بل‬
‫جيع ما يقوله الهمية من النفي ‪ -‬ويزعمون أنه الق ‪ -‬ليس معهم به حرف من‬
‫كتاب ال ول سنة رسوله ول قول أحد من سلف المة وأئمتها بل الكتاب والسنة‬
‫وأقوال السلف والئمة ملوءة با يدل على نقيض قولم وهم يقولون ‪ :‬إن ظاهر‬
‫ذلك كفر ؛ فنؤول أو نفوض ؛ فعلى قولم ليس ف الكتاب والسنة وأقوال السلف‬
‫والئمة ف هذا الباب إل ما ظاهره الكفر وليس فيها من اليان ف هذا الباب شيء‬
‫والسلب الذي يزعمون أنه الق ‪ -‬الذي يب على الؤمن أو خواص الؤمني‬

‫‪25‬‬
‫اعتقاده عندهم ‪ -‬ل ينطق به رسول ول نب ول أحد من ورثة النبياء والرسلي ؛‬
‫والذي نطقت به النبياء وورثتهم ليس عندهم هو الق بل هو مالف للحق ف‬
‫الظاهر ؛ بل وحذاقهم يعلمون أنه مالف للحق ف الظاهر والباطن ‪ .‬لكن هؤلء‬
‫منهم من يزعم أن النبياء ل يكنهم أن ياطبوا الناس إل بلف الق الباطن ؛‬
‫فلبسوا وكذبوا لصلحة العامة ‪ .‬فيقال لم ‪ :‬فهل نطقوا بالباطن لواصهم الذكياء‬
‫الفضلء إن كان ما يزعمونه حقا ؟ ‪ .‬وقد علم أن خواص الرسل هم على الثبات‬
‫أيضا وأنه ل ينطق بالنفي أحد منهم إل أن يكذب على أحدهم ؛ كما يقال عن‬
‫عمر ‪ { :‬إن النب صلى ال عليه وسلم وأبا بكر كانا يتحدثان وكنت كالزني‬
‫بينهما } ‪ .‬وهذا متلق باتفاق أهل العلم وكذلك ما نقل عن علي وأهل بيته ‪ :‬أن‬
‫عندهم علما باطنا يالف الظاهر الذي عند جهور المة ‪ .‬وقد ثبت ف الصحاح‬
‫وغيها عن علي رضي ال عنه أنه ل يكن عندهم من النب صلى ال عليه وسلم‬
‫سر ليس عند الناس ول كتاب مكتوب إل ما كان ف الصحيفة وفيها { الديات‬
‫وفكاك السي وأن ل يقتل مسلم بكافر } ‪ .‬ث إنه من العلوم أن من جعله ال‬
‫هاديا مبلغا بلسان عرب مبي إذا كان ل يتكلم قط إل با يالف الق الباطن‬
‫القيقي فهو إل الضلل والتدليس أقرب منه إل الدى والبيان ‪ .‬وبسط الرد عليهم‬
‫له موضع غي هذا ‪ .‬والقصود أن ما جاء عن النب صلى ال عليه وسلم ف هذا‬
‫الباب وغيه كله حق يصدق بعضه بعضا وهو موافق لفطرة اللئق وما جعل‬
‫فيهم من العقول الصرية والقصود الصحيحة ل يالف العقل الصريح ول القصد‬
‫الصحيح ول الفطرة الستقيمة ول النقل الصحيح الثابت عن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ .‬وإنا يظن تعارضها من صدق بباطل من النقول ‪ .‬أو فهم منه ما ل‬
‫يدل عليه ؛ أو اعتقد شيئا ظنه من العقليات وهو من الهليات ‪ .‬أو من الكشوفات‬
‫وهو من الكسوفات ‪ -‬إن كان ذلك معارضا لنقول صحيح ‪ -‬وإل عارض بالعقل‬

‫‪26‬‬
‫الصريح أو الكشف الصحيح ‪ :‬ما يظنه منقول عن النب صلى ال عليه وسلم‬
‫ويكون كذبا عليه أو ما يظنه لفظا دال على شيء ول يكون دال عليه كما ذكروه‬
‫ف قوله صلى ال عليه وسلم { الجر السود يي ال ف الرض فمن صافحه‬
‫وقبله فكأنا صافح ال وقبل يينه } حيث ظنوا أن هذا وأمثاله يتاج إل التأويل‬
‫وهذا غلط منهم ‪ -‬لو كان هذا اللفظ ثابتا عن النب صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فإن‬
‫هذا اللفظ صريح ف أن الجر ليس هو من صفات ال إذ قال ‪ { :‬هو يي ال ف‬
‫الرض } فتقييده بالرض يدل على أنه ليس هو يده على الطلق فل يكون اليد‬
‫القيقية وقوله { فمن صافحه وقبله فكأنا صافح ال وقبل يينه } صريح ف أن‬
‫مصافحه ومقبله ليس مصافحا ل ول مقبل ليمينه ؛ لن الشبه ليس هو الشبه به‬
‫وقد أتى بقوله ‪ { :‬فكأنا } وهي صرية ف التشبيه ؛ وإذا كان اللفظ صريا ف‬
‫أنه جعل بنلة اليمي ل أنه نفس اليمي كان من اعتقد أن ظاهره أنه حقيقة اليمي‬
‫قائل للكذب البي ‪ .‬فهذا كله بتقدير أن يكون العرش كري الشكل سواء كان‬
‫هو الفلك التاسع أو غي الفلك التاسع قد تبي أن سطحه هو سقف الخلوقات‬
‫وهو العال عليها من جيع الوانب وأنه ل يوز أن يكون شيء ما ف السماء‬
‫والرض فوقه وأن القاصد إل ما فوق العرش ‪ -‬بذا التقدير ‪ -‬إنا يقصد إل العلو‬
‫ل يوز ف الفطرة ول ف الشرعة ‪ -‬مع تام قصده ‪ -‬أن يقصد جهة أخرى من‬
‫جهاته الست ؛ بل هو أيضا يستقبله بوجهه مع كونه أعلى منه كما ضربه النب‬
‫صلى ال عليه وسلم مثل من الثل بالقمر ‪ -‬ول الثل العلى ‪ -‬وبي أن مثل هذا‬
‫إذا جاز ف القمر ‪ -‬وهو آية من آيات ال تعال ‪ -‬فالالق أعلى وأعظم ‪ .‬وأما إذا‬
‫قدر أن العرش ليس كري الشكل بل هو فوق العال من الهة الت هي وجه الرض‬
‫وأنه فوق الفلك الكرية كما أن وجه الرض الوضوع للنام فوق نصف الرض‬
‫الكري أو غي ذلك من القادير الت يقدر فيها أن العرش فوق ما سواه وليس كري‬

‫‪27‬‬
‫الشكل فعلى كل تقدير ل نتوجه إل ال إل إل العلو ل إل غي ذلك من الهات‬
‫‪ .‬فقد ظهر أنه ‪ -‬على كل تقدير ‪ -‬ل يوز أن يكون التوجه إل ال إل إل العلو‬
‫مع كونه على عرشه مباينا للقه وسواء قدر مع ذلك أنه ميط بالخلوقات ‪ -‬كما‬
‫ييط با إذا كانت ف قبضته ‪ -‬أو قدر مع ذلك أنه فوقها من غي أن يقبضها‬
‫وييط با فهو على التقديرين يكون فوقها مباينا لا ؛ فقد تبي أنه على هذا التقدير‬
‫ف الالق وعلى هذا التقدير ف العرش ل يلزم شيء من الحذور والتناقض وهذا‬
‫يزيل كل شبهة وإنا تنشأ الشبهة ف اعتقادين فاسدين ‪ ( .‬أحدها أن يظن أن‬
‫العرش إذا كان كريا وال فوقه وجب أن يكون ال كريا ث يعتقد أنه إذا كان كريا‬
‫فيصح التوجه إل ما هو كري ‪ -‬كالفلك التاسع ‪ -‬من جيع الهات وكل من‬
‫هذين العتقادين خطأ وضلل فإن ال مع كونه فوق العرش ومع القول بأن العرش‬
‫كري ‪ -‬سواء كان هو التاسع أو غيه ‪ -‬ل يوز أن يظن أنه مشابه للفلك ف‬
‫أشكالا ؛ كما ل يوز أن يظن أنه مشابه لا ف أقدارها ول ف صفاتا ‪ -‬سبحانه‬
‫وتعال عما يقول الظالون علوا كبيا ‪ -‬بل قد تبي أنه أعظم وأكب من أن تكون‬
‫الخلوقات عنده بنلة داخل الفلك ف الفلك ‪ .‬وإنا عنده أصغر من المصة‬
‫والفلفلة ونو ذلك ف يد أحدنا ‪ .‬فإذا كانت المصة أو الفلفلة ‪ .‬بل الدرهم‬
‫والدينار ‪ .‬أو الكرة الت يلعب با الصبيان ونو ذلك ف يد النسان أو تته أو نو‬
‫ذلك هل يتصور عاقل إذا استشعر علو النسان على ذلك وإحاطته به أن يكون‬
‫النسان كالفلك ؟ وال ‪ -‬ول الثل العلى ‪ -‬أعظم من أن يظن ذلك به وإنا يظنه‬
‫الذين { وما قدروا ال حق قدره والرض جيعا قبضته يوم القيامة والسماوات‬
‫مطويات بيمينه سبحانه وتعال عما يشركون } ‪ .‬وكذلك " اعتقادهم الثان " ‪:‬‬
‫وهو أن ما كان فلكا فإنه يصح التوجه إليه من الهات الست خطأ باتفاق أهل‬
‫العقل الذين يعلمون اليئة ؛ وأهل العقل الذين يعلمون أن القصد الازم يوجب‬

‫‪28‬‬
‫فعل القصود بسب المكان ‪ .‬فقد تبي أن كل واحد من القدمتي خطأ ف العقل‬
‫والشرع وأنه ل يوز أن تتوجه القلوب إليه إل إل العلو ل إل غيه من الهات‬
‫على كل تقدير يفرض من التقديرات سواء كان العرش هو الفلك التاسع أو غيه ؛‬
‫سواء كان ميطا بالفلك كري الشكل أو كان فوقه من غي أن يكون كريا سواء‬
‫كان الالق ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ميطا بالخلوقات كما ييط با ف قبضته أو كان فوقها‬
‫من جهة العلو منا الت تلي رءوسنا دون الهة الخرى ‪ .‬فعلى أي تقدير فرض‬
‫كان كل من مقدمت السؤال باطلة وكان ال تعال إذا دعوناه إنا ندعوه بقصد‬
‫العلو دون غيه كما فطرنا على ذلك ‪ .‬وبذا يظهر الواب عن السؤال من وجوه‬
‫متعددة ‪.‬‬
‫وال أعلم ‪.‬‬
‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫نقل عن موقع السلم‬

‫‪29‬‬

You might also like