Professional Documents
Culture Documents
1
www.dorar.net الدرر السنية
الفهرس
2
www.dorar.net الدرر السنية
9
www.dorar.net الدرر السنية
خطبة المؤلف
ط مستقيم ويُبيّن له ُسبُلَ الرشاد، المدُ ل الادي النّصِيَِ ،فِنعْ َم الّنصِي وِنعْمَ الاد ،الذي َيهْدِي مَن يشاء إل صرا ٍ
ف فيه مِ َن الْحَقّ وجَم َع لم الُدَى والسّدَاد ،والذي ينصر ُرسُلَه والذين آمنوا ف الياة كما هدى الذِين آ َمنُوا ِلمَا ا ْختُلِ َ
خلِفُ اليعاد. ال ّدْنيَا ويو َم يقو ُم ال ْشهَاد ،كما وعَده ف كتابه وهو الصادقُ الذي ل يُ ْ
وَأشهد أن ل الهَ إل ال َوحْدَه ل شريكَ له شهادةً ُتقِي ُم وَجْهَ صا ِحبِها للدّين َحنِيفا وُتبَ ّرئُه من اللاد.
وأشهد أنّ ممدا عَبدُه ورسولهُ أفْضَ َل الرسلي وأكرمُ العباد ،أ ْرسَلَه بِالُدَى ودِين القّ لُ ْظ ِهرَه على الدّين كُلّه ولو
ب والجامِ ِع والعيادِ. ل يُذْكَرُ إل ذُكِر معه كما ف الذَانِ والتشه ِد والط ِ َكرِه أهل الشّ ْركِ وال ِعنَاد ،ورَفَع له ذِكْرَه ف َ
ك مُشاقّه وكَفَاه السَتهْ ِزِئيْنَ به ذوي ال ْحقَادِ ،وَبتَ َر شَانِئَهُ وَلعَ َن ُمؤْ ِذيَه ف الدنيا والخ َرةِ ،و َجعَل و َكبَت [مُحآدّه] وأهْلَ َ
هَوانه بالِرْصَادِ ،وا ْخَتصّه على إخوانِه الرسلي بِخَصاِئصَ َتفُوقُ التّعدَاد ،فَلَ ُه الوسِيلةُ وال َفضِيل ُة والقَامُ الحمودُ ولِواءُ
حبّ
ت وأعلها ،وأكملها وأنْاهَا ،كما يُ ِ حتَه كُلّ حَمّاد ،صلى ال عليه وعلى آله أفضَل الصّلَوا ِ المْ ِد الّذي تَ ْ
سبحانه أن يُصلّى عليه وكما أمر ،وكما ينبغي أن يُصَلّى على سيّد البشر ،والسلم ُعلى النبّ ورحةُ ال وبركاتُه
أفضل تيةٍ وأحسنها وأوْلَهَا ،وأبْرَكها وأطيبها وأزكاها ،صل ًة وسَلما دائمي إل يوم الّتنَاد ،باِقَييْن بعد ذلك أبدا
رِزقا من ال ما لهُ من َنفَاد.
س والالِ ف ك ّل موطنٍ ،وحفظهِ وحايتهِ من الق علينا ،بَلْهَ ما أوجب الُ من تعزيرِه ونصرِه بكل طريق ،وإيثا ِر ِه بالنف ِ
ضكُم ِببِعض وِليَعْلَم الُ مَ ْن َينْ صُر ُه [ورسلَه]
كل مُوذٍ ،وإن كان الُ قد أغَن رسولَه عن نص ِر الَلْق ،ولكن لَيبُْل َو بعْ َ
بالغ يب؛ لُيحِقّ الزاءَ على العمالِ ك ما سبقَ ف أُمّ الكتاب -أن أذكُر ما شُرع من العقو بة ل ن َسبّ ال نبّ من
مُ سْلم وكافِرٍ ،وتَواب عَ ذلك ذِكرا يتضمّ ُن الك مَ والدليلَ ،ونقلَ ما حضر ن ف ذلك من القاو يل ،وإردا فَ القول
بظّ ه من التعل يل ،وبيا نَ ما ي بُ أن يكو نَ عل يه التعو يل ،فأمّ ا ما يقدّره ال عليه من العقوبات فل يكاد يأ ت عل يه
ب على كل واحدٍ من التفصيلُ*( ،وإنا القصد هنا بيا ُن الكمِ الشرعي الذي يُفت به الُ ْفتِي ،ويَقضي به القاضي ،وي ُ
ل هو الادي إل َسوَاء السّبيل ،وقد رتبته [على] أربع مسائل: الئم ِة والم ِة القيامُ با أمكَنَ منه ،وا ُ
موضوع الكتاب
السألة الول :ف أن الساب ُي ْقتَل .سواءٌ كان مسلما أو كافرا.
السألة الثانية :أنه يتعي قتلُه وإن كان ذِميّا؛ فل يوز النّ عليه ،ول ُمفَاداتُه.
السألة الثالثة :ف حُكمِه إذا تاب.
السألة الرابعة :ف بيانِ السّبّ ،وما ليس بسبّ[ ،والفرق بينه وبي الكفر].
11
www.dorar.net الدرر السنية
المسألة الولى
س َّ
ب النبي من مسلم أو كافر فانه يجب قتله ن َ
م ْ أ َّ
ن َ
ب النبّ القتل ،ومن قاله هذا مذ َهبُ عامةِ أهلِ العلم ،قال اب ُن ا ُلنْذِرِ" :أج َع عوامّ أهلِ العل ِم على أَنّ [حَدّ] من َس ّ
مالكٌ واللّيثُ وأحدُ وإسحاقُ ،وهو مذهبُ الشافعي" .قال" :وحُكي عن النعمان :ل يقتل ذ يعن ال ّذمّي -ما هُم
عليه من الشر ِك أعْظَمُ".
وقد حكى أبو بكر الفارسي من أصحابِ الشافعي إجاعَ السلمي على أنّ حدّ من يَسبّ النبّ القتلُ كما أن حدّ
ب غيَه اللدُ .وهذا الجاعُ الذي حكاه هذا ممولٌ على إجاعِ الصّدْرِ الول مِن الصحابة والتابعي ،أو أنه من َس ّ
أرادَ به إجاعَهم على أن سَابّ النبّ يبُ قتلُه إذا كان مسلما ،وكذلك َقيّدَه القاضي ِعيَاضٌ ،فقال" :أجعت المةُ
على َقتْل متن ّقصِه من السلمي وسابّه" ،وكذلك َحكَى [عن] غيِ واحدٍ الجاع على قتله وتكفيه .وقال المامُ
إسحاقُ /بن رَا ُه ْويَه أح ُد الئمة العْلم :أجع السلمون على أنّ من سَبّ الَ ،أو َسبّ رسولَه ،أو دََف َع شيئا ما
أنزل ال عزّ وجلّ ،أو َقتَ َل نبيا من أنبياء الِ عزّ وجلّ ،أنه كافر بذلك وإن كان ُمقِرّا بكل ما أنزل الُ.
حنُون" :أجع العلماء على أن وقال الطّاب" :ل أعلم أحدا من السلمي ا ْختَلَفَ ف وُجُوب َقتْله" .وقال ممد بن سُ ْ
شات النب التََن ّقصَ له كافرٌ ,والوعيدُ جا ٍر عليه بعذاب [الِ] له وحكمه عند المة القتلُ ،ومَ ْن شكّ ف كفره
وعذابه كفر".
12
www.dorar.net الدرر السنية
العهدَ*) وال ّذمّة" ،وكذلك قال أبو الصقر :سألت أبا عبدال عن رجل من أهل الذمّة شتم النبّ ،ماذا عليه؟ قال:
للّل.إذا قامت عليه البينة يقتل مَ ْن شتم النب ،مسلما كان أو كافرا" ،رواها ا َ
وقال ف رواية عبدال وأب طالب وقد سُئل عمن شتم النبّ قال" :يُقتل ،قيل له :فيه أحاديث؟ قال :نعم ،أحاديث
ث العمى الذي َقتَلَ الرأة ،قال :سعتها تَشتمُ النبّ ،وحديثُ حصيٍ أن ابن عمر قال :من شتم النبّ منها :حدي ُ
قُتل ،وعمر ابن عبدالعزيز يقول :يُقتل ،وذلك أنه من شتم النبّ فهو مُ ْرتَ ّد عن السلم ،ول يشتم مسلمٌ النبّ
".
زاد عبدُال" :سألتُ أب عمن شتم النبّ ،يُستتاب؟ قال :قد وجب عليه القتلُ ،ول /يُستتاب؛ خالد بن الوليد َقتَلَ
سَتِتبْه"[ ،رواها] أبو بكر ف "الشاف" ،وف رواية أب طالب" :سئل أحدُ عمن شتم النبّ ، ل شتم النب ول يَ ْ رج ً
ض ال َعهْدَ .وقال حرب" :سألتُ أحد عن رجلٍ من أهل الذمة شتم النبّ ،قال :يقتل ،إذا شتم قالُ :يقْتَلُ ،قد َن َق َ
للّل ،وقد نص على هذا ف [غي] هذه الوابات. النبّ " .رواها ا َ
فأقوالُه كلّها نصّ ف وجوب قتله ،وف أنه قد نقض العهد ،وليس عنه ف هذا اختلفٌ.
وكذلك ذَكَ َر عامةُ أصحابه متقد ُمهُمْ ومتأخرهم ،ل يتلفوا ف ذلك.
الطاب والْحُ ْلوَانِي ـ فذكروا أنه ل ِخلَفَ أنم إذا امتنعوا من أداءِ ال ْزيِة أو التزامِ أحكام الّل ِة انتقض عَهْدُهم،
وذكروا ف جيع هذه الفعال والقوال الت فيها [ضررٌ] على السلمي وآحادِهم ف نفسٍ أو مالٍ ،أو فيها غَضَاضةٌ
على السلمي ف دينهم ،مثل سبّ الرسولِ وما معه روايتي:
إحداها :ينتقض العهد بذلك.
والخرى :ل ينتقض عهده ،ويقام فيه حدود ذلك.
مع أنم كلّهم متفقون على أن الذهبَ انتقاضُ العهد بذلك .ث أ ّن القاضي و الكثرين ل يعدّوا قَذْف السلم من
ت من نصّه ف القَذْفِ .وأما أبو الطاب ومَن تبعه فنقلوا المور الضرة الناقضة ،مع أن الرواية الُخَرّ َجةَ إنا ُخرّ َج ْ
حُكم تلك الصال إل القَذْف كما نقلوا حكم القَذْف إليها ،حت حكوا ف انتقاض العهد بالقَذْف روايتي.
ث إن هؤلء كلّهم وسائرَ الصحابِ ذكروا مسألةَ سبّ النبّ ف موضعٍ آخر ،وذكروا أن سَابّهُ ُي ْقتَ ُل وإن كان
ف ف الذهب .إل أن الُ ْلوَان قال" :ويتمل أن ل يُ ْقتَلَ ذميا ،وأن عهده ينتقض ،وذكروا نصوص أحد من غي خل ٍ
من سَب ال ورسوله إذا كان ِذمّيا" .وسلك القاضي أبو السي ف نواقض العهد طريق ًة ثاني ًة ُتوَافِقُ قولم هذا فقال:
س فإنا تنقضُ العهد ف أصحّ الروايتي ،وأما ما "أما الثمانية الت فيها ضررٌ على السلمي وآحادِهم ف مالٍ أو ف نف ٍ
ض العهدَ" ل وكتابهِ ودينهِ ورسولهِ با ل ينبغي ـ فانه ينق ُ فيه إدخا ُل َغضَاضةٍ ونقص على السلم ـ وهي ذكرُ ا ِ
ص عليه ،ول يرج ف هذا روايةً أخرى كما ذكر أولئك ف أحد الوضعي ،وهذا أقْرَبُ من تلك الطريقة ،وعلى ن ّ
الروايةِ الت تقول" :ل ينتقضُ العهدُ بذلك" ،فإنا ذلك إذا ل يكن مشروطا عليهم ف العقدِ.
فأما إن كان مشروطا ففيه وجهان:
ط [عليهم] تَرْكُه"؛ صحّح قولَ أحدها :يُنتقض ،قاله الِرَقي .قال أبو السن المدي" :وهو الصحيحُ ف كلّ ما ُشرِ َ
الِرَقي بانتقاضِ العهدِ إذا خالفوا شيئا /ما شرط عليهم.
والثان :ل ينتقض ،قاله القاضي وغيه ،صرّح أبو السي بذلك هنا كما ذكره الماعةُ فيما إذا أظهروا دينَهم
شبِه بالسلمي ،مع أن هذه الشياء كلها يب عليهم ت بكتابم والتّ َ وخالفوا هيئتهم من غيِ إضرارٍ كإظهار الصوا ِ
تركُها؛ سواء ُشرِطت ف العقد أو ل تُشرطْ.
ومعن اشتراطها ف العقد :اشتراطُ تركها بصوصِها.
وهاتان الطريقتان ضعيفتان ،والذي عليه عامةُ التقدمي من أصحابنا ومَن تبعهم من التأخرين :إقرارُ نصوصِ أحد
على حالا ،وهو قد نصّ ف مسائل سبّ الِ ورسولهِ على انتقاضِ العهدِ ف غيِ موضعٍ ،وعلى أنه يُقتل ،وكذلك
فيمن جسّس على السلمي أو زَن بسلمةٍ على انتقاض عهده وَقتْله ف غي موضعٍ .وكذلك نَقَلَه الِرَقي فيمن قتل
مسلما ،وقَطْ ُع الطريق َأوْلَى.
14
www.dorar.net الدرر السنية
حرَه ل يكون نقضا للعهد ف غي موضعٍ .وهذا هو الواجبُ؛ لنّ تري َج وقد نصّ أح ُد على أنّ َقذْفَ السل ِم وسِ ْ
إحدى السألتي إل الُخرى و َجعْلَ السألتي على روايتي ـ مع وجو ِد الفَرْق بينهما نصّا واستدللً ،أو مع وجودِ
معن يو ُز أن يكون مستندا للفَ ْرقِ ـ غيُ جائزٍ ،وهذا كذلك ،وكذلك قد واَفقَنا على انتقاض العهد بسبّ النبّ
ض ببعضِ ه ِذهِ المورِ.
جاعةٌ ل يوافقوا على النتقا ِ
15
www.dorar.net الدرر السنية
قال" :ول يكون النقضُ للعهدِ إل بنع ِ الزيةِ ،أو الكم بعد القرارِ والمتناعِ بذلك" ـ قال ـ :ولو قال" :أؤدّي
الزي َة ول أقر بالكم" ُنبِ َذ إليه ،ول [يقاتلْ] على ذلك مكانه ،وقيل :قد تقدّم لك أمانٌ ،فأمانك كان للجزية
ج فبلغ مَأ َمنَهُ ُقتِلَ أن قُ ِدرَ عليه".
وإقرارك با وقد أجّ ْلنَاك ف أن ترج من بلد السلم ،ث إذا َخرَ َ
فعلى كلمِهِ الأثور عنه ُيفَرّق بي ما فيه َغضَاضة على السلم وبي الضررِ بالفعلِ ،أو يقال :يُقتل الذمي لسبّه وان ل
ض عهده ،كما سيأت أن شاء ال. ينتق ْ
16
www.dorar.net الدرر السنية
ض با قولً واحدا ،وإن صرح بشرط تركها ،وهذا غلط عليهم، ط النتقاضِ بذه الشياء ل يُنتق ْ
بأنه أن ل يرِ شر ُ
ض العه َد ويوُ ِجبُ القتلَ ،كما ذكرنا عن الشافعي نفسه.
والذي نصروه ف ُكُتبِ اللف أنّ سبّ النب ين ُق ُ
مذهب أب حنيفة
وأما أبو حنيفة وأصحابُه فقالوا :ل يُنتقض العهدُ بالسبّ ،ول يُقتل الذّمي بذلك ،لكن ُيعَزّز على إظهار ذلك كما
يُعزز على إظهارِ النكراتِ الت ليس لم فعلُها من إظها ِر أصواتِهم بكتابم ونو ذلك ،وحكاه الطحاويّ عن الثوريّ،
ومن أصولم أن ما ل قتل فيه عندهم مثل القتل با ُلَثقّل والماع ف غي ال ُقبُلِ إذا تكرر فللمام أن يقتل فاعله،
حةَ ف ذلك ،ويملون ما جاء عن الرسول وأصحابه من القتل وكذلك له أن يزيد على ال ّد ا ُلقَدّر إذا رأى الصَل َ
ي الصلحة ف ذلك ،ويُسمونه ال َقتْلَ سياسةً ،وكان حاصله أنّ له أن يُعزّ َز بالقتل ف ف مثل هذه الرائم على أنه رأ ُ
الرائم الت َتغَلّظَت بالتكرار ،وشرع القتلُ ف جنسِها ،ولذا أ ْفتَى أكثرهم بقتل مَنْ أكثر مِن َسبّ النبّ /من أهل
الذمة وإن أسْلَم بعد أ ْخذِه ،وقالوا :يُقتل سياسةً ،وهذا متوجهٌ على أصولم.
الدلة من القرآن
الدليل الول ب فيُستنبط ذلك منه من مواضع:
أما الكتا ُ
الدليل الول
أحدها :قولُه تعال :قَاتِلُوا الّذِيْنَ َل ُيؤْ ِمنُو َن بِاللّ ِه وَ َل بِاْليَومِ الخِرِ _ إل قوله _ :مِ َن الّ ِذيْنَ أُوتُوا اْل ِكتَابَ َحتّى ُيعْطُوا
الِ ْزَي َة عَ ْن يَ ٍد َوهُمْ صَاغِرُونَ فأمَرَنا بقتالم إل أن ُيعْطُوا الزي َة وهم صاغرون ،فل يو ُز المساكُ عن قتالم إل إذا
كانوا صاغرين حا َل إعطائهم الزَيةَ ،ومعلومٌ أن إعطاء الزيةِ من حي بَذْلا والتزامها إل حي تسليمها وإقباضها،
فإنم إذا بذلوا الزي َة شَ َرعُوا ف العطاء ،ووجب الكفّ عنهم إل أن ُيقِْبضُونَاهَا فيتم العطاءُ؛ فمت ل يلتزموها أو
صغَارُ
التزموها أو ًل وامتنعوا من تسليمها ثانيا ل يكونوا معطيْنَ للجزية؛ لن حقيقة العطاءِ ل توجد ،وإذا كان ال ّ
س الَل منّا وطَعَنَ ف ديننا حالّ لم ف جيع الُدّة فمن العلوم أن من أظهَ َر َسبّ نبينا ف وجوهنا و َشتَمَ رّبنَا على رؤو ِ
17
www.dorar.net الدرر السنية
ف مامِعنا فليس بصاغرٍ؛ لنّ الصّاغِرَ الذلي ُل القيُ ،وهذا فع ُل متعزّ ٍز مُرَاغِم ،بل هذا غايةُ ما يكونُ من الذللِ له
والهانةِ.
صغَرا، صغَرا و ُ
صغِر الرّجُلُ ـ بالكسرـ :يصْغَرُ ـ بالفتح ـَ : ضيْم ،يقالَ : قال أهل اللغةِ :الصّغار :الذّ ّل وال ّ
والصّاغِرُ :الراضي بالضّيمِ.
ول يفى على التأمّل أنّ إظها َر السبّ والشتم لدي ِن المةِ الذي به اكتسبت َشرَف الدنيا والخرة ليس فع َل راضٍ
بالذلّ والوانِ ،وهذا ظاهرٌ ل خفاء به.
وإذا كان قتالم واجبا علينا إل أن يكونوا صاغرين ،وليسوا بصاغرين ،كان القتا ُل مأمورا به ،وكلّ من ُأمِ ْرنَا بقتاله
من الكفار فانه ُي ْقتَلُ إذا قَدَ ْرنَا عليه.
وأيضا ،فإنّا إذا كُنا مأمورين أن نقاتلهم إل هذه الغاية ل بزْ أن َن ْعقِدَ لم عهدَ الذمةِ بدونا ،ولو عُقِدَ لم كان
عقدا فاسدا ،فيبقون على الباحة.
ول يقال [فيهم] :فهم يسبون أنم ُمعَاهَدُونَ ،فتصي لم شبه ُة أمانٍ ،وشبه ُة المانِ كحقيقته ،فإ ّن مَن تكلّم بكلمٍ
ض بأن يكونوا تت يسبه الكافرُ أمانا كان ف حقه أمانا وإن ل يقصدْه السلم؛ لنا نقول :ل يفى عليهم أنّا ل /نَ ْر َ
ب نبينّا ،وهم يَدْرُون أنا ل نعاهدُ ذميا على مثل هذه الال؛ فدعواهم أنم اعتقدوا أنا أيدينا مع إظها ِر شتمِ دينِنا وس ّ
عاهدناهم على مثل هذا ذ مع اشتراطنا عليهم أن يكونوا صاغرين تري عليهم أحكامُ اللةِ ذ َد ْعوَى كاذبة ،فل
يُلتفتُ إليها.
وأيضا ،فإنّ الذين عاهدوهم أول مرةٍ هم أصحابُ رسولِ الِ مثل عمر ،وقد علمنا أنه يتنع أن نعاهدهم عهدا
خلف ما أمر ال به ف كتابِه.
وأيضا ،فإنا سنذكر شروطَ عمر رضي ال عنه ،وأنا تضمّنت أنّ مَن أظهرَ الطعْنَ ف ديننا حلّ دمُه ومالُه.
18
www.dorar.net الدرر السنية
ب أنه ل بُ ّد أن يكون لكل صف ٍة تأثيٌ ف الكم ،وإل فالوصفُ العد ُي التأثي ل يوزُ تعلي ُق الكم به، قلنا :ل َريْ َ
كمن قال :مَن َزنَى وأَكَلَ جُِلدَ ،ث قد تكون كل صفةٍ مستقلةً بالتأثي لو انفردت كما يقال :يُقتل هذا لنه مُ ْرتَدّ
زانٍ ،وقد يكون مموعُ الزاء مرتبا على الجموع ولكل وصفٍ تأثيٌ ف البعض كما قال :وَالّ ِذيْنَ َل يَ ْدعُونَ مَعَ الِ
ت متلزمةً كل منها لو فرض ترّ ُدهُ لكان مؤثرا على سبيل الستقلل أو إلا آ َخرَ الية /وقد تكون تلك الصفا ُ
ل ورسوله ،وقد يكون بعضها ل وبرسوله ،و َعصَى ا َ
الشتراكِ ،فيذكر إيضاحا وبيانا للموجب ،كما يقالَ :ك َفرُوا با ِ
ي ِبغَيْر ِحَقّ الية ،وهذه الية
ل ويقْتُلُو َن الّنِبيّ َ
مستلزما للبعض من غي عكسٍ كما قال :أ ّن الّذينَ َي ْكفُرُونَ بآياتِ ا ِ
من أي القسام فرضت كان فيها دَلََلةٌ؛ لن أقصى ما يقالُ :أ ّن نقض العهدِ هو البيحُ للقتالِ ،والطعن ف الدين
مؤك ٌد له وموجبٌ له ،فتقول :إذا كان الطعنُ يغلّظُ قتا َل من ليس بيننا وبينه عه ٌد ويُوجبه فأن يوجبَ قتالَ من بيننا
وبينه ذمةٌ وهو ملتزم للصّغار أوْل ،وسيأت تقرير ذلك.
على أن العاهَدَ له أن يُظْهر ف داره ما شاء من أمر دينه الذي ل يؤذينا ،والذم ّي ليس له أن يظهر ف دار السلم
شيئا من دينه الباطل وإن ل ُيؤْذِنا ،فحالُه أشدّ ،وأهل مكة الذين نزلت فيهم هذه الية كانوا معاهَدِي َن ل أهْلَ ذمة،
فلو فرض أن مرد طعنهم ليس َنقْضا للعهد ل يكن الذميّ كذلك.
الوجه الثان :أن الذّم ّي إذا سبّ الرسول أو سب ال أو عاب السلم علنيةً فقد نكَث يينه وطعن ف ديننا؛ لنه ل
خلف بي السلمي أنه يُعاقب على ذلك وُيؤَدّبُ عليه ،فعلم أنه ل يُعاهد عليه؛ لنا لو عاهدناه عليه ث َفعَلَه ل تز
عقوبته عليه ،وإذا كنا قد عاهدناه على أن ل يطعن ف ديننا ث طعن ف ديننا فقد نكث ف [يينه]من بعد عهده وطعن
ف دينِنا ،فيجب قتله بنص الية ،وهذه دلل ٌة قويةٌ حسنة؛ لن النازع يُسَلّم لنا أنه منوعٌ من ذلك بالعهد الذي بيننا
وبينه ،لكن يقول :ليس ك ّل ما منع منه نقض عهده كإظهار المر والنير ونو ذلك ،فنقول :قد وجد منه شيئان:
[فِعلُ] ما منع منه العهد ،وطعنٌ ف الدين ،بلف أولئك؛ فإنه ل يوج ْد منهم إل فعل ما هم منوعون منه بالعهد
فقط ،والقرآنُ يو ِجبُ قتل من نكث يينه من بعد عهده و َطعَنَ ف الدين ،ول يكن أن يقال" :ل ينكث"؛ لن النكث
هو مالفةُ العهد ،فمت خالفوا شيئا ما صُولوا عليه فهو َنكْثٌ ،مأخو ٌذ من نكث البل وهو َنقْضُ ُقوَاه ،وَنكْثُ
البل يصل بنقض قوةٍ واحدةٍ ،كما يصل /بنقض جيع ال ُقوَى ،لكن قد يبقى من ُقوَاه ما يستمسك البلُ به ،وقد
َيهِن بالكلية ،وهذه الخالفة من العاهَدِ قد ُتبْطِ ْل العهد بالكلية حت تعله حربيا ،وقد َشعِث العهد ،حت تبيح
عقوبتهم ،كما أن نقض[بعض] الشروط ف البيع والنكاح ونوها قد ُتبْطل البيع بالكلية كما لو وصفه بأنه فَرَسٌ
فظهر بعيا ،وقد يبيح الفسخَ كالخلل بالرهن والضّمِي ،هذا عند من يفرق ف الخالفة ،وأما من قال" :ينتقضُ
العهدُ بميع الخالفات" فالمر ظاهرٌ على قوله ،وعلى التقديرين قد اقتضى العق ُد أن ل يُ ْظهِرُوا شيئا من عَيْب ديننا،
20
www.dorar.net الدرر السنية
وأنم مت أظهروه فقد نكثوا وطعنوا ف الدين ،فيدخلون ف عموم الية لفظا ومعن ،ومثلُ هذا العموم يبلغ درجة
النصّ.
21
www.dorar.net الدرر السنية
سفَكَ دماء بعضهم وأخَ َذ أموالم؛ فإنّ هذا ُيثِيُ الغضبَ ل ،والَ ِمّيةَ له ولرسولهِ ،وهذا القدر ل ُي َهيّجُ ف قلب الؤمن
ب شفاء صدور الؤمني وذهاب ضبَ إل ل ،والشارعُ يطل ُ غيظا أعظم منه ،ب ِل الؤمن السدّ ُد ل يغضبُ هذا ال َغ َ
ب لوْجُهٍ:غيظِ*] /قلوبم ،وهذا إنا يصل ِب َقتْل السا ّ
أهل السلم ،فعُلم أن الحا ّد ليس بسال ،والغلبة للرسل بالجة والقهر ،فمن أُمر منهم بالرب نُصر على عدوه ،ومَن
ل يؤمر بالرب ُأهْلك عدوه ،وهذا أحسن من قول من قال :إن الغلبة للمحارب بالنصر ،ولغي الحارب بالجة،
فعُلم أن هؤلء الحادّين ماربون مغلوبون.
وأيضا فإن الحادة من الشاقّة؛ لن الحادّة من ال ّد والفصل والَبيْنُونة ،وكذلك الشاقّة من الشق وهو بذا العن،
[فهما] جيعا بعن القاطعة والفاصلة ،ولذا يقال :إنّما سيت بذلك لن كل واحد من التحادّين والتشاقّي ف حدّ
وشِقّ من الخر ،وذلك يقتضي انقطاعُ البل الذي بي أهل العهد إذا حا ّد بعضُهم بعضا ،فل حبل لحادٍ ل
ورسوله.
ق ال ْعنَاقِ واضْ ِربُوا ِمْنهُمْ كُ ّل َبنَانٍ* ذَلِ َ
ك ض ِربُوا َف ْو َ
وأيضا .فإنا /إذا كانت بعن الشاقّة فإن ال سبحانه قال :فَا ْ
ل شَدِي ُد اْل ِعقَابِ فأمر بقتلهم لجل مشاقّتهم ومادّتم ،فكل ل وَ َرسُولَهُ فإنّ ا َ
بأنّهُمْ شاقّوا الَ و َرسُولَهُ َومَنْ يُشَاقِق ا َ
من حا ّد وشاقّ فيجب أن يُفعل به ذلك؛ لوجود العلة.
ك ِبأَّنهُمْ
ب النّارِ* ذَلِ َ
ل عََلْيهِ ُم الْجَلءَ َلعَ ّذَبهُمّ ف الدّنيَا وََلهُمْ فِي الخِ َر ِة عَذَا ُ
وأيضا ،فإنه تعال قال :وََلوْل أَن َكتَبَ ا ُ
شاقّوا الَ و َرسُولهُ ،والتعذيبُ هنا ذ والُ أعلم :-القتلُ؛ لنم قد عُذّبوا با دون ذلك من الجلءِ وأخْ ِذ الموال،
فيجب تعذيب من شاقّ ال ورسوله ،ومَن أظهر الحا ّدةَ فقد شاقّ ال ورسوله ،بلف مَن كتمها ،فإنه ليس بحاد
ول مشاق.
وهذه الطريقة أقوَى ف الدللة ،يقال :هو ماد ،وإن ل يكن مشاقا ،ولذا جعل جزاء الحاد مطلقا أن يكون مكبُوتا
ت مَن َقبْله ،وأن يكون ف الذلي ،وجعل جزاء الشاق القتل والتعذيب ف الدنيا ،ولن يكون مكبوتا كما كما ُكبِ َ
ُكِبتَ مَن قبله ف الذلي إل إذا ل يكنه إظهار مادّته ،فعلى هذا تكون الحادة أعم ،ولذا أه ُل التفسي ف قوله
ل وَ َرسُولَه الية :أنا نزلت فيمن َقتَل من السلمي
ل واليومِ الخِ ِر ُيوَادّو َن مَنْ حَادّ ا َ
جدُ قَوما ُيؤْمنُونَ با ِ
تعال :ل تَ ِ
أقاربَه ف الهاد ،و فيمن أراد أن يقتل لن تعرض لرسول ال بالذى من كافر ومنافق قريب له ،فعُلِم أن الحاد
يع ّم الشاق وغيه.
ل عَلْيهِ ْم ما هُ ْم ِمْنكُ ْم وَل مِنهُمْ اليات ،إل
ضبَ ا ُ
ويدل على ذلك أنه قال سبحانه :أَلَ ْم تَرَ إل الّذِي َن َتوَلّوا َقوْما َغ ِ
ل وَ َرسُولَه وإنا نزلت ف النافقي الذين توّلوُا اليهو َد
ل واليَ ْومِ الخِ ِر ُيوَادّو َن مَنْ حَادّ ا َ
جدُ قَوما ُي ْؤ ِمنُونَ با ِ
قولهَ :ل تَ ِ
الغضوبَ عليهم ،وكان أولئك اليهودُ أه َل عهدٍ من النب ،ث إن ال سبحانه بَيّن أن الؤمني ل ُيوَادّونَ من حادّ ال
ورسوله ،فلبد أن يدخل ف ذلك عدم الودّة لليهود وإن كانوا أهل ذمة؛ لنه سبب النول ،وذلك يقتضي أن أهل
الكتاب مادون ل ورسوله إن كانوا معاهِدين.
25
www.dorar.net الدرر السنية
ويدلّ على ذلك أن ال قطع ا ُلوَالة بي السلم والكافر وإن كان له عهد و ِذمّه ،وعلى هذا التقدير فيقال /:عُوهِدُوا
على أن ل يُظْهروا الحادة ول يُعلنوا با بالجاع كما تقدم وكما سيأت ،فإذا أَظهروا صاروا مادّين ل َعهْدَ لم،
مُ ْظ ِهرِينَ للمحادة ،وهؤلء مُشاقّونَ ،فيستحقون خِزْيَ الدنيا من القتل ونوِه وعذابَ الخرة.
26
www.dorar.net الدرر السنية
فصـــل
الدلة من القرآن الدالة على كفر الشاتم وقتله
/وأما اليات الدّالة على كفر الشات وقتله ،أو على أحدها ،إذا ل يكن ُمعَاهِدا ذ إن كان مظهرا للسلم ذ فكثية،
مع أن هذا ُمجْمَعٌ عليه كما تقدم حكاية الجاع عن غي واحد.
الدليل الول
ب وَيقُولُو َن ُهوَ أُ ُذنٌ قُلْ ُأ ُذنُ َخْيرٍ َلكُمْ( إل قوله) :والذينَ ُيؤْذونَ َرسُولَ الِ
منها قوله تعالَ ) :ومِْنهُ ُم الّذِي َن ُيؤْذُونَ النّ ّ
َلهُ ْم عَذَابٌ أَِليْمٌ ( إل قوله) :أَلَ ْم َيعْلَمُوا َأنْ ُه مَ ْن يُحَادِدِ الَ وَ َرسُولَهُ( ،فعُلم أن إيذاء رسول ال مادّة ل ولرسوله؛ لن
ل فيه ،ولول ذلك ل يكن الكلم مؤتلفا إذا أمكن ذكر اليذاء هو الذي اقتضى ذكر الحادة ،فيجب أن يكون داخ ً
أن يقال :إنه ليس بحاد ،ودل ذلك على أن اليذاء و الحادَّة كفر؛ لنه أخب أن له نار جهنم خالدا فيها ،ول يقل:
"هي جزاؤه" ،وبي الكلمي َفرْق ،بل الحادّة هي العاداة والشاقّة ،وذلك كفر وماربة؛ فهو أغْلَظُ من مرد الكفر،
فيكون الؤذي لرسول ال eكافرا ،عدوّا لِ ورسوله ،ماربا ل ورسوله ،لن الحادّة اشتقاقها من الباينة بأن يصي
كلّ واحد منهما ف حد كما قيل" :الشاقّة :أن يصي كل منهما ف شق ،والعاداة :أن يصي كل منهما ف عِدْوةٍ".
ل كان يسبّ النّبّ eفقال" :مَ ْن َي ْكفِين عَ ُدوّي؟" ،وهذا ظاهر قد تقدم تقريره ،وحينئ ٍذ فيكون وف الديث أنّ رج ً
ل وَ َرسُولَهُ أُوَلئِكَ ف الَذَلّي ،ولو كان مؤمنا معصوما ل يكن
كافرا حَلل الدم؛ لقوله تعال) :إ ّن الّذِينَ ُيحَآدّونَ ا َ
ل العزةُ ولرسُولهِ وللمؤمِنيْنَ وقولهُ :كِبتُوا كَمَا ُكِبتَ الّذِي َن مِنْ َقبِْل ِهمْ ،والؤمن ل يُكبت كما
أذلّ؛ لقوله تعالَ :و ِ
ل وَ َرسُولَهُ
ل والي ْومِ الخ ِر يُوآدّونَ منَ حآدّ ا َ
كُبت مكذبو الرسل قط ،ولنه قد قال تعال) :لَ ت ُد قوما يُؤمنونَ بِا ِ
الية ،فإذا كان من ُيوَادّ الحادّ ليس بؤمن فكيف بالحاد نفسه؟ وقد قيل :إن من سبب نزولا أن أبا قُحَاَف َة شتم
النب eفأراد الصديق قتله ،وأن ابن ُأَبيّ تن ّقصَ النب ،eفاستأذن ابنُه النبّ eف قتله لذلك ،فثبت أن الحادّ كافرٌ
حللُ الدم.
27
www.dorar.net الدرر السنية
ب النّار* ذَلِكَ
ل عََلْيهِ ُم الْجَلءَ َلعَذَبهُمْ ف ال ّدنْيَا وََلهُمْ ف ال ِخ َرةِ عَذَا ُ
وأيضا ،فإنه قال سبحانه :وََلوْل أَنْ َكَتبَ ا ُ
ل شَدِي ُد ال ِعقَابِ.ل فإنّ ا َ
ل وَ َرسُولَهُ َومَ ْن يُشَآقّ ا َ
بَأنّهُ ْم شَآقّوا ا َ
فجعل [سبب] استحقاقهم العذابَ ف الدنيا ولعذاب النار ف الخرة هو مُشَاّقةَ الَ ورسوله ،والؤذي لرسول ال e
ب من عنده ،أو بأيدينا ،وإل فقد أصابم ما دون ذلك مُشَاقٌ لِ ورسوله كما تقدم ،والعذاب هنا هو الهلك بعذا ٍ
من َذهَاب الموال وفراق الوطان.
وقال سبحانه) :إذْ ُيوْحِي َربّكَ إلَى ا َللَِئ َكةِ أَنّي َمعَكُمْ( -إل قولهَ ) -:سأُْلقِي ف ُقلُوبِ الذينَ َكفَرُوا ال ّر ْعبَ فَاضْربُوا
ك بأنّهُ ْم شَاقّوا الَ ورسولهُ( فجعل إلقاء الرّعب ف قلوبم والَمر بقتلهم ق ال ْعنَاقِ واضْ ِربُوا ِمنْهُم كَ ّل َبنَانٍ* ذل َ
َف ْو َ
لجل مشاقّتهم ل ورسوله ،فكل من شاقّ ال ورسوله يستوجب ذلك.
والؤذي للنب مُشّاقٌ لِ ورسوله كما تقدم فيستحق ذلك.
تفسي قولم "هو أذن"
وقولمُ ) :هوَ أُذُن( قال ماهد" :هو أ ُذنٌ" يقولون :سنقول ما ِشئْنَا ث نلف له فيصدقنا.
وقال الوالب عن ابن عباس :يعن أنه يسمع من كل أحدٍ.
قال بعض أهل التفسي :كان رجال من النافقي يؤذون رسول ال eويقولون ما ل ينبغي ،فقال بعضهم :ل تفعلوا،
للّسُ :بل نقول ما شئنا ث نأتيه فيصدقنا ،فإنا ممدٌ أذ ٌن سامعه،
فإنّا ناف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا ،فقال ا ُ
فأنزل ال هذه الية.
وقال ابن إسحاق :كان َنْبتَل بن الارث الذي قال النب eفيه" :مَن أَرَادَ َأنْ َينْظُرْ إلَى الشّيْطَانِ فَ ْلَينْظُرْ إِلَى نَْبتَل بنِ
ث النب eإل النافقي ،فقيل له :ل َت ْفعَلْ ،فقال :إنا ممد أُذُن ،مَن حدثه شيئا صدّقه ،نقول ما
الَارِثِ" ينمّ حدي َ
شيئنا ث نأتيه فنحلف له فيصدقنا عليه ،فأنزل ال هذه الية.
وقولم[ :أذن] قالوه ليبينوا أن كلمهم مقبول عنده ،فأخب ال أنه ل يصدّق إل الؤمني ،وإنا يسمع الب فإذا
حلفوا له فعفا عنهم كان ذلك لنه أذن خي ،ل لنه صدّقهم .قال سفيان بن ُعَيْينَة :أذن خي يقبل منكم ما أظهرت
من الي ومن القول ،ول يؤاخذكم با ف قلوبكم ،ويَ َدعُ سرائركم إل ال ،ورباَ /تضَمّنت هذه الكلمة نوع
استهزاء و استخفاف.
فإن قيل :فقد "روى نُعيم بن حاد ثنا ممد بن ثور عن يونُس عن السن قال :قال رسول ال " :eالّلهُمّ ل تعَ ْل
ل واليَ ْومِ الخِ ِر ُيوَآدّونَ مَنْ
جدُ َقوْما ُي ْؤ ِمنُو َن بِا ِ
لفاج ٍر ول لفاسق عندي يدا ول نعمةً فإن وجدت فيما أوحيتَهَ ) :ل تَ ِ
28
www.dorar.net الدرر السنية
ل وَ َرسُولَهُ(" قال سفيان :يرون أنا أُنزلت فيمن يالط السلطان ،رواه أبو أحد العسكري"،وظاه ُر هذا أن كل
حَآدّ ا َ
فاسق ل تبتغي مَودّته فهو ماد ل ورسوله ،مع أن هؤلء ليسوا منافقي النفاق البيح للدّم.
29
www.dorar.net الدرر السنية
الحادة ،فاستوجب الزاء الطلق ،وهو جزاء الكافرين ،كما أن مَن أظهر حقيقة النفاق ورأسه ا ْستَوْجَب ذلك ،وإن
ل يستوجبه مَن أظهر ُشعَْب ًة مِن شعبه ،وال سبحانه أعلم.
30
www.dorar.net الدرر السنية
فهؤلء لا تنقّصوا النب eحيث عابوه والعلماءَ من أصحابه ،واستهانوا ببه أخب ال أنم كفروا بذلك ،وإن قالوه
استهزاء ،فكيف با هو أغلظ من ذلك؟ وإنا ل ُيقِم ال ّد عليهم لكون جهاد النافقي ل يكن قد ُأمِرَ به إذ ذاك ،بل
كان مأمورا بأن يَ َدعَ أذاهم ،ولنه كان له أن يعفو عمن تنقصه وآذاه.
31
www.dorar.net الدرر السنية
فإن قيل :ل ل يوز أن يكون هذا القولُ دليلً للنب eعلى نفاق أولئك الشخاص الذين قالوه ف حياته بأعينهم،
وإن ل يكن دليل من غيهم؟
ل لن ل يكنه معرفةُ
قلنا :إذا كان دليلً للنب eالذي يكن أن ُي ْغنِيَهُ ال ِبوَ ْحيِ ِه عن الستدلل فأن َيكُونَ دلي ً
[البواطن] َأوْل وأ ْحرَى.
وأيضا ،فلو ل تكن الدللة مُطّردة ف حق كل مَن /صدر منه ذلك القولُ ل يكن ف الية َزجْرٌ لغيهم أن يقول مثل
هذا القول ،ول كان ف الية تعظيم لذلك القول بعينه؛ فإن الدللة على عي النافق قد تكون مصوصة بعينة ،وإن
كانت أمرا مُباحا ،كما لو قيل :من النافقي صاحب المل الحر وصاحبُ الثوب السود ،ونو ذلك ،فلما دلّ
القرآن على ذم ّ عَيْ ِن هذا القول والوعي ِد لصاحبه عُلم أنه ل ُي ْقصَد به الدللة على النافقي بأعينهم فقط ،بل هو دليل
على نوعٍ من النافقي.
وأيضا ،فإن هذا القول مناسبٌ للنفاق؛ فإن لَ ْمزَ النب eوأذاه ل يفعله مَن يعتقد أنه رسولُ ال حقا ،وأنه َأوْل به
من َنفْسه ،وأنه ل يقول إل الق ،ول يكم إل بالعدل ،وأن طاعته طاعة ل ،وأنه يب على جيع اللق تعزِيرُه
وتوقيه ،وإذا كان دليلً على النفاق نفسِهِ فحيثما حصلَ حصل النفاق.
حرّم؛ فإما أن يكون خطيئةً دون الكفر أو يكون كفرا ،والول باطل؛ لن ال وأيضا ،فإن هذا القول ل َرْيبَ أنه مُ َ
سبحانه قد ذكر ف القرآن أنواع العُصَاة من الزان والقاذف والسارق والُ َطفّفِ والائن ،ول يعل ذلك دليلً على
نفاق معي ول مطلق؛ فلما جعل أصحاب هذه القوال من النافقي عُلم أن ذلك لكونا كفرا ،ل لجرد كونا
معصية؛ لن تصيص بعض العاصي بعلها دليلً على النفاق دون بعض ل يكون حت يتص دلي ُل النفاق با يوجب
ب كونا دليلً على النفاق، ذلك ،وإلّ كان ترجيحا بل مُ َرجّح ،فثبت أنه لبُ ّد أن يتص هذه القوال بوصفٍ يُوج ُ
وكلما كان كذلك فهو كفر.
32
www.dorar.net الدرر السنية
من دعي إل التحاكم إل كتاب ال وإل رسوله فلم يقبل كان منافقا
ك يُريدُونَ أَ ْن َيتَحَاكَمُوا إل ك وَما ُأنْ ِز َل مِ ْن قبْلِ َ وقال قبل ذلك) :أَلَم تَرَ إل الّذِين يَ ْزعُمُونَ َأنّهُم ءَا َمنُوا بِمَا ُأنْزِلَ إَليْ َ
ل وإلَى شيْطَانُ أ ْن ُيضِّلهُمْ ضَل ًل َبعِيدا* وَإذَا قِيلَ َلهُ ُم َتعَاَلوْا إل مَا أَنزلَ ا ُ الطّاغُوتِ /وَقَدْ ُأمِرُوا أ ْن يَ ْكفُرُوا بِهِ ويُرِيدُ ال ّ
ي يَصُدّو َن عَنكَ صُدُودا( فبيّن سبحانه أن مَن دُعي إل التحاكم إل كتاب ال وإل رسوله فصدّ ال َرسُولِ َرأَيتَ النافقِ َ
ك َومَا ل وَبال ّرسُو ِل وأَ َط ْعنَا ثُ ّم يََتوَلّى َفرِي ٌق ِمْنهُمْ مِ ْن بعْدِ ذَلِ َ عن رسوله كان منافقا ،وقال سبحانه) :وَيقُولُونَ آمنّا با ِ
ل ورسُولهِ لِيحكُ َم بَينهُمْ إذا فَرِي ٌق ّمنْه ْم ّمعْرِضونَ* وَإ ْن يَكُنْ َلهُ ُم الَ ّق َيأَتُوا إليهِ ُأوَْلئِكَ باِلؤ ِمنَيَ* َوإِذَا ُدعُوا إل ا ِ
ك هُمُ الظَالِمُونَ* إنّمَا كَانَ ل عَليه ْم ورسُول ُه بَلْ ُأوْلَئ َ مُ ْذ ِعنِيَ* أَفِي قُلُوبِ ْم مّ َرضٌ َأمِ ارْتابُوا َأ ْم يَخَافُونَ أَ ْن يَحِيفَ ا ُ
حكُ َم َبْينَهُمْ َأ ْن َيقُولُوا سَمِعنا وأط ْعنَا( فبي سبحانه أن من تول عن طاعة ل وَ َرسُولهِ ِليَ ْ
َقوْ َل الُؤمِنيَ إذا ُدعُوا إل ا ِ
33
www.dorar.net الدرر السنية
الرسول وأعرض عن حكمه فهو من النافقي ،وليس بؤمن ،وأن الؤمن هو الذي يقول :سعنا وأطعنا؛ فإذا كان
النفاق يثبت ويزول اليان بجرد العراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إل غيه ،مع إن هذا تركٌ مض ،وقد
يكون سببه قوة الشهوة ،فكيف بالتنقص والسب ونوه؟
34
www.dorar.net الدرر السنية
37
www.dorar.net الدرر السنية
ِزنَى امرأته يؤذيه أذى عظيما ،ولذا َجوّز له الشارع أن يقذفها إذا َزَنتْ ،ودَ َرَأ ال ّد عنه باللعان ،ول يبح لغيه أن
يقذف امرأةً بال.
ولع ّل ما يلحق بعض الناس من العار والزي بقذف أهله أعْظَمُ ما يلحقه لو كان هو القذوف ،ولذا ذهب المام
حصَنأحد ف إحدى الروايتي النصوصتي عنه إل أن مَن قذف امرأة غي مصنة كال َمةِ والذمية ولا َزوْجٌ أو ولد ُم ْ
صنَيِ.
حَحُدّ لقذفها؛ [لا] ألقه من العار لولَدِها وزوجها الُ ْ
والرواية الخرى عنه ذ وهي قول الكثرين :-أنه ل حَ ّد عليه؛ لنه أذى لما ل قذفٌ لما ،والد التام إنا يب
بالقذف ،وف جانب النب eأذاه كقَذْفِه ،ومن يقصد عيب النب eبعيب أزواجه فهو منافق ،وهذا معن قول ابن
عباس" :اللعنة ف النافقي عامة" ،وقد وافق ابن عباس على هذا جاعةٌ؛ فروى المام أحد والشجّ عن ُخصَيف قال:
سألت سعيد بن ُجَبيْر ،فقال :الزن أشدّ أو َقذْفُ الحصنة؟ قال :ل ،بل الزن ،قال :قلت :فإن ال تعال يقول :إنّ
صنَاتِ الغَاِفلَتِ ا ُل ْؤ ِمنَاتِ ُل ِعنُوا ف ال ّدنْيَا وَالخِ َرةِ( فقال :إنا كان هذا عن عائشة خاصة.
حَالّذِي َن يَ ْرمُونَ الُ ْ
صنَاتِ الغَافِلتِ ا ُل ْؤمِنَاتِ ُل ِعنُوا ف الدّنيَا
حَوروى أحد بإسناده عن أب الوزاء ف هذه الية) :إ ّن الّذين يَ ْرمُون الُ ْ
والخِ َرةِ( قال :هذه لمهات الؤمني خاصة.
وروى الشجّ بإسناده عن الضحاك ف هذه الية قال :هُنّ نساء النب .e
وقال معمر عن الكلب :إنا عُن بذه الية أزواج النب ،eفأما مَن رمى امرأة من السلمي فهو فاسق كما قال ال
تعال ،أو يتوب .
صنَاتِ
حَووجه هذا ما تقدم مِن َأ ّن لعنةَ ال ف الدنيا والخرة ل تُستوجب بجرد القذف ،فتكون اللم ف قوله) :الُ ْ
الغَاِفلَتِ ا ُل ْؤمِنَاتِ( لتعريف العهود هنا أزواج النب e؛ لن الكلم ف قصة الفك ووقوع مَن وقع ف أم الؤمني
عائشة ،أو ُي ْقصَر اللفظ /العام على سببه للدليل الذي يُوجبُ ذلك.
ت غافلتٍ مؤمناتٍ ،وقال ف أول السورة) : ويؤيد هذا القول أنّ ال سبحانه رّتبَ هذا الوعيدَ على قذف مصَنا ٍ
صنَاتِ ثّ ل يَأتُوا بِأَ ْرَب َع ِة ُشهَدَاء فاجْلِدُوهُم ثَانِيَ َجلْ َدةً( الية ،فرتب اللد ورَدّ الشهادة والفسق
حَوالّذِي َن يَ ْرمُونَ الُ ْ
على مرد قذف الحصنات ،فلبد أن تكون الحصنات الغافلت الؤمنات لنّ مزية على مرد الحصنات ،وذلك ـ
وال أعلم ـ لن أزواج النب eمشهود لن باليان؛ لنن أمهات الؤمني وهُنّ أزواج نبيه ف الدنيا والخرة،
وعوام السلمات إنا ُيعْلَم منهن ف الغالب ظاهر اليان ،ولن ال سبحانه قال ف قصة عائشة) :والّذي َتوَلّى ِكبْ َرهُ
ِمْنهُم لَ ُه عَذَابٌ عظيمٌ( فتخصيصه بتول كبه دون غيِه دليلٌ على اختصاصه بالعذاب العظيم ،وقال) :وََلوْلَ َفضْلُ
سكُمْ فِيما أَفضْتُم فِيه عَذَابٌ عَظيمٌ( ،فعلم أن العذاب العظيم ل يسّ ك ّل مَن
ل عَليكُم ورَ ْح َمتُهُ ف الدّنيَا وال ِخ َرةِ لَم ّ
اِ
38
www.dorar.net الدرر السنية
39
www.dorar.net الدرر السنية
فقوله ":مَ ْن َيعْذِرُن" أي :من ُينْصفن ويقيم عذري إذا انتصفتُ منه لا بلغن من أذاه ف أهل بيت وأبْنِه لم ،فثبت أنه
eقد تأذّى بذلك تأذّيا استعذر منه ،وقال الؤمنون الذين ل تأخذهم حّيةٌُ :م ْرنَا نضرب أعناقهم؛ فإنا نعذرك إذا
أمرتنا بضرب أعناقهم ول ينكر النبّ eعلى سعد استئمارَه ف ضرب أعناقهم ،وقوله :إنك معذور إذا فعلت ذلك.
وجوابه /:أن هؤلء ل يقصدوا أذى النب ،eول يظهر منهم دليل [على] أذاه ،بلف ابن أُبّ الذي إنا كان قصده
ت عندهم أن أزواجه ف الدنيا هنّ أزواجٌ له ف الخرة ،وكان وقوعُ ذلك من أزواجه
أذاه ،ول يكن إذ ذاك قد َثبَ َ
مكنا ف العقل ،ولذلك توقف النب eف القصة ،حت استشار عليا وزيدا ،وحت سأل بَرِيرة ،فلم يكم بنفاق مَنْ
ل يقصد أذى النب eلمكان أن يُطلّق الرأة القذوَفةَ .فأما بعد أن َثبَتَ أنن أزواجه ف الخرة وأنن أمهات
الؤمني ،فقذفهن أذى له بكل حال ،ول يوز ـ مع ذلك ـ أن يقع منهنّ فاحشة؛ لن ف ذلك جواز أن يقيم
الرسول مع امرأة بغيّ ،و أن تكون أم الؤمني موسومة بذلك ،وهذا باطل ،ولذا قال سبحانهَ) :يعِظُكُمُ الُ أَ ْن َتعُودُا
لِ ِمْثلِهِ َأبَدا إن ُكنْتُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ ( وسنذكر إن شاء ال تعال ف آخر الكتاب كلم الفقهاء فيمن قذف نساءه وأنه معدود
من أذاه.
ت الغَافِلتِ ا ُلؤْ ِمنَاتِ( يعن به
صنَا ِ
حَالوجه الثان :أن الية عامة ،قال الضحاك :قوله تعال) :إ ّن الّذِينَ َي ْرمُونَ ال ْ
أزواج النب eخاصة ،ويقول آخرون :يعن أزواج الؤمني عامة.
صنَاتِ( الية .وعن
حَوقال [أبو سلمة] بن عبدالرحن :قذف الحصنات من الوجبات ،ث قرأ )إ ّن الّذِي َن يَ ْرمُونَ الُ ْ
حبِطُ عم َل تسعي سنةً ،رواها الشج.
ف الحصنة يُ ْ
عمرو بن قيس قال :قذ ُ
40
www.dorar.net الدرر السنية
اليات نزلت بأسباب اقتضت ذلك وقد علم أن شيئا منها ل يقصر على سببه ،و الفرق بي اليتي أنه ف أول
السورة ذكر العقوبات الشروعة على أيدي الكلفي من اللد و َردّ /الشهادة و التفسيق ،وهنا ذكر العقوبة الواقعة
من ال سبحانه وهي اللعنة ف الدارين والعذاب العظيم.
أنه لعنه ف الدنيا والخرة؛ فإن لعنة ال له تُو ِجبُ زوال النصر عنه من كل وجه ،و ُبعْدَ ُه عن أسباب الرحة ف
الدارين.
42
www.dorar.net الدرر السنية
قال سبحانه) :وَاّتقُوا النّا َر اّلتِي ُأعِدّت لِ ْلكَافِرِينَ( ،فأمر سبحانه الؤمني أن ل يأكلوا الربا ،وأن يتقوا ال ،و أن يتقوا
النار الت أعدت للكافرين؛ فعلم أنم ُيخَافُ عليهم من دخول النار إذا أكلوا الربا وفعلوا العاصي مع أنا ُمعَدّة
حَي ْونَ"" ،وأما
للكفار ،ل لم ،وكذلك جاء ف الديث" :أما أهل النار الذين هُ ْم أهْلُها فإنّهم ل يَموتُون فيها ول يَ ْ
ل مِنها" وهذا كما أن النة أُعِدّتْ للمتقي الذين ينْ ِفقُونَ ف أقوامٌ لم ذنوبٌ فيصِيبهُمُ َسفْ ٌع مِ ْن نَارٍ ثُ ّم يُخْ ِر ُجهُم ا ُ
السّرّا ِء والضّرّاء ،وإن كان يدخلها البناء بعمل آبائهم ،ويدخلها قومٌ بالشفاعة ،وقومٌ بالرحة ،وينشئ الُ لا َفضُلَ
منها خلقا آخر ف الدار الخرة فيدخلهم إياها ،وذلك لن الشيء إنا ُيعَدّ لن يستوجبه ويستحقه ،ولن هو أوْل
الناس به ،ث قد يدخل معه غيه بطريق التّبَع أو لسبب آخر.
43
www.dorar.net الدرر السنية
45
www.dorar.net الدرر السنية
الدليل الثامن على ذلك :أن ال سبحانه قالَ ) :ومَا كانَ َلكُ ْم أنْ تُؤذُوا َرسُولَ ا ِ
ل وَ َل أنْ َتْنكِحُوا أ ْزوَاجَ ُه مِ ْن َبعْدِه
ل عَظِيما( ،فحرّم على المة أن تنكح أزواجه من بعده؛ لن ذلك يؤذيه ،وجعله عظيما
أبَدا إنّ ذَِلكُ ْم كانَ ِعنْدَ ا ِ
عند ال تعظيما لرمته ،وقد ذكر أن هذه الية نزلت لا قال بعض الناس :لو قد ُتوُفّ رسول ال eتزوجت عائشة،
ث إن مَن نكح أزواجه أو َسرَاريه [فإن] عقوبته القتلُ ،جزاءً له با انتهك من حرمته ،فالشات له أول.
ل كانو الدليل على ذلك ما روى مسلم ف "صحيحه" عن ُز َهيْر عن َعفّان عن حاد عن ثابت عن أنس أن رج ً
ب ُعُنقَه" ،فأتاه عليّ فإذا هو ف رَكيّ يتبد ،فقال له
ُيّتهَ ُم بأم ولد النب ،eفقال رسول ال eلعلي" :ا ْذ َهبْ فَاضْرِ ْ
ف علي ،ث أتى النب eفقال :يا رسول ال،
جبُوبٌ ليس له ذَكَر ،فك ّ
علي :اخرج ،فناوله يده ،فأخرجه ،فإذا هو مَ ْ
إنه لجبوبٌ ماله ذَكَر" ،فهذا الرجل أمر النب eبضرب عنقه لا قد استحلّ من حرمته ،ول يأمر بإقامة حدّ الزن،
لن حد الزن ليس هو ضرب الرقبة ،بل إن كان مُحصنا رُ ِجمَ ،وإن كان غي مصن جُلد ،ول يقام عليه الد إل
بأربعة شهداء أو بالقرار العتب ،فلما أمر النب eبضرب عنقه من غي تفصيلٍ َبيْنَ أن يكون مصنا أو غي مصن
عُلم أن قتله لا انتهكه من حرمته ،ولعله قد شهد عنده شاهدان أنما رَأيَاه يباشر هذه الرأة ،أو شهدا بنحو ذلك،
ث عليا ليَستبي القصة ،فإن كان ما بلغه
جبُوبا علم أن الفسدة مأمونة منه ،أو أنه بَع َ
فأمر بقتله ،فلما تبي أنه كان َم ْ
عنه حقا قتله ،ولذا قال ف هذه القصة أو غيها :أكون كالسكة الحماة ،أم الشاهد يرى ما ل يرى الغائب؟ فقال:
"بَلِ الشّاهِ ُد يَرَى مَا َل يَرَى الغَائِبُ".
ويدلُ على ذلك أن النب eتزوّجَ َقيْلَة بنت قيس بن معدي كرب أخت الشعث ،ومات قبل أن يدخل با ،وقبل
أن تقدم عليه ،و قيل أنه خيّرها بي أن يضرب عليها الجاب وترم على الؤمني وبي أن يطلقها فتنكح من شاءت،
فاختارت النكاح ،قالوا :فلما مات النب eتزوجها عكرمة بن أب جهل بضرموت ،فبلغ أبا بكر ،فقال :لقد همت
أن أحرق عليهما بيتهما ،فقال عمر :ما هي من أمهات الؤمني ،و ل دخل با ،ول ضرب عليها الجاب ،وقيل:
إنا ارتَدّت ،فاحت ّج عمر على أب بكر أنا ليس من أزواج النب eبارتدادها.
فوجه الدللة :أن الصدّيق رضي ال عنه عَزَم على تريقها وتريق مَن تزوجها ،لا رأى أنا من أزواج النب ،eحت
ناظره عمر أنا ليست من أزواجه ،فكف [عنهما] لذلك ،فعلم أنم [كانوا] يَ َر ْونَ قتلَ من استحل حُرمة رسول ال
.e
و ل يقال :إن ذلك حد الزن لنا كانت تكون مرمة عليه ،ومَن [تَ َزوّجَ] ذات َمحْرمٍ ُحدّ حَ ّد الزن أو قُتل؛
لوجهي:
أحدها :أن حد الزن الرجم.
46
www.dorar.net الدرر السنية
الثان :أن ذلك الد يفتقر إل ثبوت الوطْ ِء ببينة أو إقرار ،فلما أراد تريق البيت مع جواز أل يكون غَشِيها عُلم أن
ذلك عقوبة لا انتهكه من حرمة رسول ال .e
47
www.dorar.net الدرر السنية
فـصــــل
الدلة من السنة على انتقاض عهد الذمي الساب وقتله
و أما السنة فأحاديث:
الديث الول :ما رواه الشّعبّ عن علي أن يهوديةً كانت تَشْتُم النب eوَتقَع فيه ،فخنقها رجل حت ماتت فأَبْطَل
رسول ال eدمها ،هكذا رواه أبو داود ف "سننه" و ابن بطة ف "سننه" وهو من جلة ما استد ّل به المامُ أحد ف
رواية ابنه عبدال ،وقال :ثنا جرير عن مغية عن الشعب قال :كان رجل من السلمي ـ أعن /أعمى ـ َيأْوِي إل
امرأة يهودية ،فكانت تُ ْطعِمه وتسن إليه ،فكانت ل تزال تشتم النب eوتؤذيه ،فلما كان ليلة من الليال َخَنقَها
فماتت[ ،فلما] أصبح ذُكِر ذلك للنب ،eفنشد الناس ف أمرها ،فقام العمى فذكر له أمرها ،فأبطل رسول ال e
دمها.
وهذا الديث جيد؛ فإن الشعب رأى عليا وروى عنه حديث شُرَاحَة الَمْدَانية ،وكان على عهد قد ناهز العشرين
سنة ،وهو كوف ،فقد ثبت لقاؤه عليا ،فيكون الديث متصلً ،ث إن كان فيه إرسال لن الشعب يبعد ساعه من
علي فهو حجة وفاقا ،لن الشعب عندهم صحيح الراسيل ،ل يعرفون له مرسلً إل صحيحا ،ث هو من أعلم الناس
بديث علي وأعلمهم بثقات أصحابه.
وله شاهد حديث ابن عباس الذي يأت؛ فإن القصة إما أن تكون واحدة أو يكون العن واحدا ،وقد عمل به عوام
أهل العلم ،وجاء ما يوافقه عن أصحاب رسول ال ،eومثل هذا الرسل ل يتردّ ِد الفقهاء ف الحتجاج به.
48
www.dorar.net الدرر السنية
49
www.dorar.net الدرر السنية
ث أو اشتجار يشى فسادُه فإن َمرَ ّدهُ إل ال وإل ممد ... eوإن
وإنه ما كان بي أهل هذه الصحيفة من حَد ٍ
يهود الوْس و َموَاليهم وأنفسهم على مثل ما ف هذه الصحيفة مع البار الحسن من أهل هذه الصحيفة".
وفيها أشياء أُخر ،وهذه الصحيفة معروفة عند أهل العلم.
روى مسلم ف "صحيحه" عن جابر قال :كَتب رسول ال eعلى كل بَطْن ُعقُولَه ،ث كتب أنه ل يلّ إل أن يتوال
رجل مسلم بغي إذنه".
وقد بي فيها أن كل مَن تبع السلمي من اليهود فإن له النصر ،ومعن التباع :مسالته وترك ماربته ،ل التباع ف
الدين كما بينه ف أثناء الصحيفة ،فكل من أقام بالدينة ومالفيها غيَ مارِبٍ من يهود دخل ف هذا.
ث بيّن أن ليهود كل بطن من النصار ِذمّة من الؤمني ،ول يكن بالدينة أحد من اليهود إلّ وله حلف إما مع الوْس
ط عبدال ابن َسلَم ـ ُحَلفَاء بن
أو مع بعض بُطُون الزرج ،وكان بنو َقْينُقَاع ـ و هم الجاورون بالدينة ،وهم َرهْ ُ
َعوْف بن الَزْرَج َرهْط ابن أُبّ ،وهم البطن الذين بُدئ بم ف هذه الصحيفة.
50
www.dorar.net الدرر السنية
الوجه الثان :أن [نشدان] النب eالناسَ ف أمرها ث إبطال َد ِمهَا دلي ٌل على أنا كانت َمعْصُومَة ،وأن َد َمهَا كان قد
حتَج أن
انعقد سببُ ضمانِه ،وكان مضمونا لو ل يُبْ ِطلْه النب e؛ لنا لو كانت َح ْرِبيّة ل ينشد الناسَ فيها ،ول َي ْ
ُيبْطل دمها و ُيهْدِره؛ لن البطال والهدار ل يكون إل لد ٍم قد انعقد له سبب الضمان .أل ترى أنه لا رأى [امرأة]
ل هَدَرا،
مقتولةً ف بعض َمغَازِيه أنكر َقتَْلهَا َوَنهَى عن قتل النساء ،و ل يبطله ،ول ُيهْدِره ،فإنه إذا كان ف نفسه باط ً
والسلمون يعلمون أن َدمَ الربي ِة غيُ مضمونٍ ،بل هو هَدْر ،ل يكن لبطاله وإهداره وجه ،وهذا ول المدُ ظاهرٌ.
فإذا كان النب eقد عاهد العاهدين اليهو َد عهدا بغي ضرب جزية عليهم ،ث إنه أهدر َد َم يهوديةٍ /منهم لجل َسبّ
النب َ eفَأنّه ُيهْدِرَ َد َم يهودية من اليهود الذين ضُ ِربَت عليه ُم الزي ُة وأُلزموا أحكام اللة لجل ذلك َأوْلَى وأَ ْحرَى،
ولو ل يكن َقتُْلهَا جائزا لبيّن للرجل ُقبْ َح ما فعل؛ فإنه قد قال " :eمَنْ َقتَ َل َنفْسا ُمعَاهِدَ ًة ِب َغيْرِ َح ّقهَا لَ ْم يُ ِرحْ رَائِحَة
ب ضمانا أو الكفارة كفارة قتل العصوم ،فلما أهدر َد َمهَا عُلم أنه كان ُمبَاحا. لّنةِ" وَلو َج َ
اَ
52
www.dorar.net الدرر السنية
53
www.dorar.net الدرر السنية
يقال :خزع فلن عن أ صحابه خزعا أي :انق طع وتلف ،وم نه سيت خُزَا عة؛ لن م انزعوا عن أ صحابم وأقاموا
بكة؛ فعلى اللفظ الول يكون التقدير أن قوله هذا هو أوّلُ َخ ْزعِ هِ عن النب ،eأي :أول انقطاعه عنه بنقض العهد،
وعلى الثان قيل :معناه قطع هجاه للنب eمنه ،يعن أنه نقض عهده وذمته ،وقيل :معناه خزع من النب eهجاه،
ث منه ،ووضع منه.
أي :نَا َل منه ،و َشعّ َ
و ذكر أهلُ الغازي والتفسي مثل ممد بن إسحاق أن كعب بن الشرف كان ُموَادِعا للنب eف جلة مَن وَادَعه
من يهود /الدينة ،وكان عربيا من بن طي ،وكانت ُأمّه من بن النّضِي ،قالوا :فلما قُتل أهل بَدْرٍ شقّ ذلك عليه،
وذهب إل مكة و َرثَاهم لقريش ،وفضّل دين الاهلية على دين السلم ،حت أنزل ال فيه ) :أَلَ ْم تَرَ إل الّذِي نَ ُأ ْوتُوا
ب ُي ْؤمِنونَ بِالْبتِ والطا ُغوْتِ وَيقُولُونَ للّذِينَ َكفَرُوا َهؤُلَءِ َأهْدَى مِ َن الّذِينَ آ َمنُوا َسبِيلً(.
صيْبا مِ َن الكِتَا ِ
َن ِ
شبّب بنساء السلمي ،حت آذاهم ،حت قال النب e
ث لا رجع إل الدينة أخذ ُينْشِد الشعار يهجو با النب ،eو َ
"مَنْ ِل َكعْب ابْ ِن الَشْ َرفِ فَِإنّهُ [قد] آذَى الَ و َرسُولَه؟" ،ذكروا قصة قتله مبسوطة.
وقال الواقدي" :حدث ن عبدالم يد بن جع فر عن يز يد بن رُومان و َمعْمَر عن الزهري عن ا بن ك عب بن مالك
وإبراه يم بن جع فر عن أب يه عن جابر "...وذ كر الق صة إل قتله ،قال" :فف ِزعَ تْ يهود ومَن مع ها من الشرك ي،
صبَحُوا فقالوا:
فجاؤوا إل النبّ eحي أ ْ
ث علمناه ،فقال رسول ال :e قد طُ ِرقَ صاحُبنَا الليلة وهو سيد من ساداتناُ ،قتِ َل غِيل ًة بل جُرْم ول حَدَ ٍ
"إنه لَو قَرّ كما َق ّر غَيُ هُ مَ ْن ُه َو عَلى ِمثْل َرْأيِه مَا اغِْتيَل ولَكن ُه نَال ِمنّا الذى ،وَهَجَانَا بالشّعر ،ولَم يَ ْفعَل هذَا أحدٌ
منكُمْ إلّ كانَ السّيف".
ودعاهم رسول ال eإل أن يكتب بينهم كتابا يَْنَتهُونَ إل ما فيه ،فكتبوا بينهم وبينه كتابا تت العذْقِ ف دار َرمْلَة
بنت الارث ،فحَذرت يهود ،وخافت وذَلّت من يوم َقتْل ابن الشرف".
55
www.dorar.net الدرر السنية
النّض ي ،ث ب نو قُ َريْظَة .وكان ا بن الشرف /من ب ن النّض ي ،وأمرُ هم ظاهرٌ ف أن م كانوا م صالي لل نب ،eوإن ا
َن َقضُوا العه َد لا خرج إليهم يستعينهم ف ِدَيةِ الرجلي اللذَي نِ قَتلهما عمرو بن أمَيّة الضّمْرِيّ ،وكان ذلك بعد مقتل
كَ عب بن الشرف ،و قد ذكر نا الرواَيةَ الا صة أن ك عب بن الشرف كان معاهِدا لل نب .eث إن ال نب eجعله
ناقضا للعهد بجائه وأذاه بلسانه خاصة.
ف فإن هُ قَدْ آذَى ال ورَ سُولَهُ؟" ،فعلّل والدليل على أنه إنا نقض العهدَ بذلك أن النب eقال" :مَن ِل َكعْ بِ بِ ِن الشْرِ ِ
ب النا سِ له بأذاه ،والذى الُطَْل قُ هو باللسان كما قال سبحانه) :و َلتَ سْ َمعَ ّن مِ َن الّذِي نَ ُأ ْوتُوا ال ِكتَا بَ مِ نْ َقبِْلكُ مْ نَدْ َ
ى كثيا( ،وقال) :لَ ْن َيضُ ُروْكُ مْ إلّ أذىً ( ،و قالَ ) :و ِمْنهُ ْم الّذِي نَ ُيؤْذُو َن النّبِيّ وَيقُولُو َن ُهوَ َومِ َن الّذِي نَ َأشْرَكُوا أذ ً
ث إنّ ذَِلكُ مْ سَتأْنِسِيَ ِلحَدِي ٍ أذُ نٌ( ،وقال) :ل تَكُونُوا كَالّذِي نَ آذَوا مُو سَى َفبَ ّرأَ هُ الُ مِمَا قَالُوا( [الية] ،وقال) :وَ ل مُ ْ
حوْا أَ ْزوَاجَهُ مِ ْن َبعْدِهِ أبدا( الية. ل وَ ل أ ْن َتنْكِ ُ
كَا َن ُيؤْذِي النِّبيَ( إل قولهَ ) :و ما كانَ َلكُمْ أ ْن ُتؤْذُوا رَسولَ ا ِ
ث ذكر الصلة عليه والتسليم خبا وأمْرا وذلك من أعمال اللسان ،ث قال) :إنّ الّذِينَ ُيؤْ ُذوُنَ الَ وَرَسُولَهُ( إل قوله:
ي وَا ُلؤْ ِمنَاتِ(.
) َو الّذِي َن ُيؤْذُونَ ا ُل ْؤمِنِ َ
سبّ ال ّدهْ َر َو أنَا ال ّدهْر" وهذا كثي.
و قال النب eفيما يروى عن ربه تبارك وتعالُ" :يؤْذِين ابنُ آد َم يَ ُ
وقد تقدم أن الذى اسم لقليل الشر وخفيف الكروه ،بلف الضرر ،فلذلك أطلق على القول؛ لنه ل يضر الؤذَى
ف القيقة.
وأيضا ،فإنه جعل مطلق أذى ال ورسوله مُوجِبا لقتل رجل معاهد ،و معلوم أن َسبّ ال ورسوله أذَى ل ولرسوله،
ف على الكم برف الفاء دل على أن الوصف علة لذلك الكم ،ل سيما إذا كان مُنَاسبا ،وذلك وإذا ُرتّب الوَ صْ ُ
يدل على أن أذَى ال ور سوله عِلة لنَدْب ال سلمي إل ق تل مَن يف عل ذلك من العاهَدِ ين ،وهذا دل يل ظا هر على
انتقاض عهده بأذى ال ورسوله ،والسبّ من أذى ال ورسولهِ باتفاق السلمي ،بل هو أخص أنواع الذى.
/وأيضا ،فقد َقدّمنا ف حديث جابر أن أوّلَ ما َنقَ ضَ به العهد قصيدته الت أنشأها بعد رجوعه إل الدينة يهجو با
رسولَ ال eوأن رسول ال eـ عندما هجاه بذه القصيدة ـ نَدَبَ إل قتله ،وهذا وحدُه دليلٌ على أنه إنا نقض
العهد بالجاء ل بذهابه إل مكة.
حتَجّ به إذا انفرد ،لكن ل َريْبَ ف علمه
وما ذكره الواقديّ عن أشياخه يوضح ذلك ويؤيده ،وإن كان الواقديّ ل يُ ْ
بالغازي ،واستعلم كثي من تفاصيلها من جهته ،ول نذكر عنه إل ما أسْنَ ْدنَاه عن غيه.
56
www.dorar.net الدرر السنية
57
www.dorar.net الدرر السنية
الكَومَاء ،ونسقي اللب على الاء ،ونطعم ما َهبّتِ الشمال ،قال ابن الشرف :أنتم أهْدَى منهم سبيلً ،ث خرج ُم ْقِبلً
حت أجع رأيُ الشركي على قتال رسول ال ُ eمعْلنا بعداوة رسول ال eوبجائه ،فقال رسول ال :e
"مَنْ َلنَا مِن اب ِن الش َرفِ؟ َفقَد اسَتعْلَن ِبعَدَا َوتِنَا َوهِجَاِئنَا ،وَقَد خَ َرجَ إلَى ُق َريْشٍ َفأَجْ َم َعهُم عَلَى ِقتَالِنَا ،وَقَد أَ ْخَب َرنِي الُ
بِذَلِ كَ ،ثُمّ َقدِ مَ عَلَى أَ ْخبَ ثِ مَا كَا َن َينْتَ ِظرُ قُ َريْشا أَن َتقْدِ مَ َفُيقَاتِلَنَا َمعَهُم" ،ث قرأ ر سول ال صلى /ال عليه وسلم
صيِبا مِ نَ
[على السلمي] ما نزل فيه ـ إن كان كذلك وال أعلم قال ال عز و جل :ـ )ألْ تَرَ إل الّذِي نَ ُأ ْوتُوا نَ ِ
الكِتَابِ( ـ إل قوله :ـ )سَبْيِلً( ،وآيات معها فيه وف قريش.
ف بِمَا شِئْ تَ" ،فقال له ممد بن مسلمة :أنا يا رسول ال وذُكر لنا أن رسول ال eقال" :الّلهُمّ ا ْك ِفنِي ابْ نَ ا َلشْرَ ِ
أقتله ،وذ كر الق صة ف قتله إل آخر ها ،ث قال" :فق تل [ال] ا بن الشرف بعَدَاوَ ته ل ور سوله وهجائه إياه ،وتألي به
عليه قريشا ،وإعلنه بذلك".
ب بَدْ ٍر وقَدِ مَ زيد بن حارثة إل
و قال ممد بن إسحاق :كان من حديث كعب بن الشر فِ أنه لا أُ صِيبَ أصحا ُ
أهل ال سّافِلة و عبدال بن َروَاحة إل أهل العالية بَشِ َييْن ،بعثهما رسول ال eإل مَ ْن بالدينة من السلمي بفتح ال
تعال عليه وَقتْل من قُتل من الشركي ،كما حدثن عبدال بن الغيث بن أب بُرْدَة الظّفرِي و عبدال بن أب بكر و
عاصم بن عمر بن قتادة وصال بن أب أمامة بن سهل ،كل واحدٍ قد حدثن بعض حديثه ،قالوا :كان كعب بن
الشرف من ب ن طيء ث أحد بن َنْبهَان ،وكانت أمه من بن الّنضِ ي ،فقال ح ي بلغه ال ب :أحقّ هذا؟ أترون أن
ف العر بِ وملوك
ممدا قتل هؤلء الذين سَمّى هذان الرجلن؟ ـ يعن زيدا و عبدال بن َروَاحة ـ فهؤلء أشرا ُ
الناس ،وال لئن كان م مد أ صاب هؤلء القوم َلبَطْ ُن الَرْ ضِ خ يٌ من ظهرها ،فلما تيقّ نَ ع ُد ّو ال ال بَ خرج ح ت
سهْمِي وعنده عاتكة بنت أ ب العيص بن أمية ،فأنزلته وأكرمته، قدم مكة[ ،و] نزل على الُطّلب بن أ ب وَدَاعة ال ّ
ب القَليب من قريش الذين أُصيبوا ببدر ـ و ذكر
حرّ ضُ على رسول ال eوُينْشِد الشعار ،ويبكي أصحا َ
وجعل يُ َ
ب بنساء السلمي حت شبّ ُ
شعرا ،وما رَدّ عليه حسان بن ثابت وغيه ـ ث رجع كعب بن الشرف إل الدينة يُ َ
آذا هم ،فقال ر سول ال eـ ك ما حدث ن عبدال بن أ ب الغيث ـ" :مَ نْ لِي مِ نْ اب ِن الَشْ َر فِ؟" فقال م مد بن
مسلمة :أنا لك به يا رسول ال ،أنا أقتله ،وذكر القصة.
وقال الواقدي" :حدثن عبد الميد بن جعفر عن يزيد بن رومان َمعْمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك وإبراهيم
بن جعفر عن أبيه عن جابر بن عبدال ،فكلّ قد حدثن منه بطائفة ،فكان الذي اجتمعوا عليه قالوا :ابن الشرف
كان شاعرا ،وكان يهجو النب eوأصحابه ،ويرض عليهم كفار قريش ف شعره ،وكان رسول ال َ eقدِ َم الدينة
وأهلُها أخلط منهم السلمون الذين تمعهم دعوةُ السلم فيهم الَ ْل َق ِة والُصُون ومنهم حُلفاء للحيّي جيعا الوس
58
www.dorar.net الدرر السنية
والزرج فأراد رسول ال eحي قدم الدينة استصلحهم كلّهم ومُوادعتهم ،وكان الرجل يكاد يكون مسلما وأبوه
مشركا ،فكان الشركون واليهو ُد مـن أهـل الدينةِ يؤذون رسـول ال eوأصـحابه أذى شديدا ،فأمـر ال نـبيه
ب مِ نْ َقبِْلكُ ْم َومِ َن الّذِي نَ
والسلمي بالصب على ذلك و العفو عنهم ،وفيهم أنزل) :وَلتَ سْ َمعُ ّن مِ َن الّذِي نَ أُوتُوا ال ِكتَا َ
ك مِ ْن عَزْ ِم ا ُلمُورِ( وفي هم أنزل ال َ ) :ودّ َكثِ ٌي مِ نْ َأهْ ِل ال ِكتَا بِ لَو صبِرُوا وَتّتقُوا فَإِنّ ذَلِ َ
أشْرَكُوا أَذىً َكثِيا وإ نْ تَ ْ
يَ ُردّوكُمْ( ...الية.
فل ما أ ب ا بن الشرف أن ينع عن أذى ر سول ال eوأذى ال سلمي و قد بلغ من هم ،فل ما قدم ز يد بن حار ثة
بالبشارة من بَدْ ٍر بقتل الشركي وأَسْ ِر مَن أُسِ َر منهم ،فرأى السرى ُمقَرّني ُكبِتَ وذَلّ ،ث قال لقومه :ويلكم! و ال
َلبَطْ نُ الرض خيٌ لكم من ظهرها اليوم ،هؤلء َسرَاة الناس قد ُقتِلوا وأسروا ،فما عندكم؟ قالوا :عَداوته ما حيينا،
قال :و ما أن تم و قد و طئ قو مه وأ صابم؟ ولك ن أخر جُ إل قر يش فأ ُحضّ ها وأب كي قتل ها لعل هم ينتدبون فأخر جُ
سهْمي ،وت ته عاتكةُ ب نت أ سيد بن أ ب مع هم ،فخرج ح ت قدم م كة ،وو ضع َرحْلَه ع ند وَدَا عة بن أ ب صُبية ال ّ
العيص ،فجعل َيرْثي قريشا" ،وذكر ما رثاهم به من الشعر وما أجابه به حسان ،فأخبه بنول كعب على مَ نْ نزل،
فقال حسان فذكر شعرا هجا به َأهْ َل البيت الذي نزل فيهم ،قال" :فلما بلغها هجاؤه نبَذَ تْ رَحْله وقالت :ما لنا
حوّل ،فكلما َتوّل عند قوم دعا رسول ال eحسانا ،فقال :ابن
ولذا اليهوديّ؟ أل ترى ما يصنع بنا حسان؟ فت َ
الشرف نزل على فلن ،فل يزال يهجو هم ح ت ن بذ رحله ،فل ما ل ي د مأوى قدم الدي نة ،فل ما بلغ ال نبّ eقدو مُ
ابن الشرف قال" :اللهمّ اكفن اب َن الشرف با شئت ف إعلنه الشر وقوله الشعار" وقال رسول ال " :eمَن لِي
مِن ابن الشرِف فقَدْ آذان؟" فقال ممد بن مسلمة :أنا يا رسول ال ،وأنا أقتله ،قال" /:فافعل" ،وذكر الديث.
59
www.dorar.net الدرر السنية
العهد تلك البيات الت قالا بعد الرجوع ،وأن النب eحينئذِ ندب إل قتله ،وكذلك ف حديث موسى بن عقبة:
"مَنْ َلنَا مِن ابن الشر ؛ [فإنه] قد استعلن بعداوتنا وهجائنا؟".
ويؤيد ذلك شيئان:
أحدها :أن سفيان بن ُعيَْينَة روى عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال :جاء ُحَييّ بن أَخْطب وكعبُ بن الشرف إل
أهل مكة ،فقالوا :انتم أهل الكتاب وأهل العلم فأخبونا عنا وعن ممد ،فقالوا :ما أنتم وما ممد؟ فقالوا :نَ صِلُ
الرحام ،وَننْحَ ُر ال َك ْومَاء ،ونَ سْقي الاء على الل ب ،ونفكّ ال ُعنَاة ،ونَ سْقِي الج يج ،وم مد صُنبور ،قَطَ عَ أرْحَام نا،
واتّبَعه سُرّاق الجيج بنو غفار ،فنحن خيٌ أم هو؟ فقالوا :بل أنتم خي وأهْدَى سبيلً ،فأنزل ال تعال) :أَلْ تَرَ إِلَى
جدَ لَ ُه نَصِيا (.
ل ومَ ْن يَ ْلعَنِ الُ َفلَ ْن تَ ِ
الّذِينَ أُوتُوا َنصِيْبا مِ َن ال ِكتَابِ( إل قوله) :أُوَلئِكَ الّذِينَ َل َعَنهُمُ ا ُ
وكذلك قال قتادة :ذُكر لنا أن هذه الية نزلت ف كعب بن الشرف و ُحَييّ بن أ ْخطَ بَ رجلي من اليهود من بن
سقَايةالّنضِي َل ِقيَا قريشا ف الوْ سِم ،فقال لما الشركون :نن َأهْدَى أم ممد وأصحابه؟ فإنا أهل ال سّدَانة و أهل ال ّ
سدُ م مد وأ هل الرم ،فقال :أن تم أهْدَى من م مد وأ صحابه ،وه ا يعلمان أن ما كاذبان ،إن ا حله ما على ذلك حَ َ
ك الّذِي نَ َلعَنهُ مُ الُ َومَ نْ َي ْلعَ نِ الُ فَلَ نْ تَجِدَ لَ ُه نَ صِيا ( فلما رجعا إل قومهما وأصحابه ،فأنزل ال تعال فيهم) :أُولَئِ َ
قال ل ما قومه ما :إن ممدا يز عم أ نه قد نزل في كم كذا وكذا ،قال :صدق ،وال ما حل نا على ذلك إل ح سدُه
وُب ْغضُه.
وهذان مرسلن من وجهي متلفي ،فيهما أن كل الرجلي ذهبا إل /مكة وقال ما قال ث إنما َقدِما فندب النب e
إل قتل ابن الشرف وأمسك عن ابن أخطب حت نقض بنو النضي العهد فأجلهم النب ،eفلحق بيب ،ث جع
عليه الحزاب ،فلما انزموا دخل مع بن قريظة حصنهم حت قتله ال معهم؛ فعلم أن المر الذي أتياه بكة ل يكن
هو الوجب للندب إل قتل ابن الشرف ،وإنا هو ما اختص به ابن الشرف من الجاء ونوه ،وإن كان ما فعله
بكة مؤيدا عاضدا ،لكن مرد الذى ل ورسوله موجبٌ للندب إل قتله ،كما نص عليه النب eبقوله" :من لكعب
بن الشرف؛ فإنه قد آذى ال ورسوله" وكما َبيّنَه جابر ف حديثه.
الوجه الثان :أن ابن أب أويس قال" :حدثن إبراهيم بن جعفر الارثي عن أبيه عن جابر قال :لا كان من أمر النب
eوبن قريظة ـ كذا فيه ،وأحسبه :وبن َقْيُنقَاع ـ اعتزل كعب بن الشرف ولق بكة ،وكان فيها ،وقال :ل
أعي ول أقاتله ،فقيل له بكة :أديننا خيٌ أم دين ممد وأصحابه؟ قال :دينكم خي وأقدم ،دين ممد حديث" ،فهذا
دليل على أنه ل يُظْهر ماربة.
60
www.dorar.net الدرر السنية
الواب الثان :أن جيع ما أتاه ابنُ الشرف إنا هو أذى باللسان ،فإن مَرثِيته ل َقتْلَى الشركي وتضيضه و َسبّه
ل فيه ماربة ،ومَن نَا َزعَنَا
وهجاء ُه وطعنه ف دين السلم وتفضيل دين الكفار عليه ،كله قول باللسان ،ول يعمل عم ً
ف سب النب eونوه فهو ف تفضيل دين الكفار وحضهم باللسان على قتل السلمي أشد منازعة؛ لن الذمي إذا
تسس لهل الرب وأخبهم ِب َعوْرَاتِ السلمي ودعا الكفار إل قتالم اْنَت َقضَ عهده أيضا عندنا كما ينتقض عهد
الساب ،ومن قال :إن الساب ل ينتقض عهده فإنه يقول :ل ينتقض العهد بالتجسس للكفار ومطالعتهم بأخبار
السلمي بطريق الول عندهم ،وهو مذهب أب حنيفة والثوري والشافعي أيضا على خلف بي أصحابه ،وابن
الشرف ل يوجد منه إل الذى باللسان فقط؛ فهو حجة على مَن نازع ف هذه السائل ،ونن نقول :إن ذلك كله
نقض للعهد.
الواب الثالث :أن تفضيل دين الكفار على دين السلمي هو دون َسبّ النب / eبل ريب؛ فإن كون الشيء
مفضولً أحسن حالً من كونه مسبوبا مشتوما ،فإن كان ذلك ناقضا للعهد فالسب بطريق الول ،وأما َم ْرثِّيتُه
للقتلى وحضهم على أخذ ثأرهم فأكثر ما فيه تييج قريش على الحاربة ،وقريش كانوا قد أجعوا [على] ماربة النب
eعقب بدر ،و أرصدوا العي الت كان فيها أبو سفيان للنفقة على حربه ،فلم يتاجوا ف ذلك إل كلم ابن
الشرف ،نعم مرثيته وتفضيله ربا زادهم غيظا ،وماربة ،لكن َسبّه للنب eوهجاءه له ولدينه أيضا ما يهيجهم على
الحاربة وُيغْرِيهم به ،فعلم أن الجاء فيه من الفساد ما ف غيه من الكلم وأبلغ ،فإذا كان غيه من الكلم نقضا فهو
أن يكون نقضا أول؛ ولذا قتل النب eجاعة من النسوة اللوات كن يشتمنه ويهجونه مع عفوه عمن كانت تعي
عليه وتض على قتاله.
الواب الرابع :إنا ذكره حجة لنا من وجه آخر ،وذلك أنه قد اشتهر عند أهل العلم من وجوه كثية أن قوله تعال:
ل الّذِينَ أُوتُوا َنصِيبا مِ َن ال ِكتَابِ ( نزلت ف كعب بن الشرف با قاله لقريش ،وقد أخب ال سبحانه أنه
)أَلَ ْم تَرَ إِ َ
لعنه ،وأ ّن مَن لعنه فلن تد له َنصِيا ،وذلك دلي ٌل على أنه ل َعهْدَ له؛ لنه لو كان له عهد لكان يب نصره على
ب انتقاض عهده وعدم ناصره ،فكيف با هو أغْلَظُ منه من شتم وسب؟ السلميَ ،فعُلم أن مثل هذا الكلم يُوجِ ُ
وإنا ل يعله النبّ eـ وال أعلم ـ بجرد ذلك ناقضا للعهد؛ لنه ل ُيعْلِن بذا الكلم ول يهر به ،وإنا أعلم ال
به رسوله وَحْيا كما تقدم ف الحاديث ،ول يكن النبّ eليأخُذَ أحدا من السلمي والعاهَدِي َن إل بِ َذنْبٍ ظاهر،
ف منه اليانة
فلما رجع إل الدينة وأعلن الجاء والعداوة استحق أن ُي ْقتَل؛ لظهور أذاه وثبوته عند الناس ،نعم مَنْ خِي َ
فإنه ُينْبذُ إليه العهدُ ،أما إجراء حكم الحاربة عليه فل يكون حت تظهر الحاربة وتثبت عليه.
61
www.dorar.net الدرر السنية
63
www.dorar.net الدرر السنية
وكذلك أصحابه من بعده قتلوا فاعل ذلك إما رجا أو حرقا أو غي ذلك مع عدم التكرر .وإذا كانت الصول
النصوصة أو الُجْمَع عليها مستويةً ف إباحة الدم بي الرة الواحدة والرات التعددة كان الفرق بينهما ف إباحة الدم
ثبت حكم بل أصل ،و ل نظي ،بل على خلف الصول الكلية ،وذلك غي جائز.
يوضح ذلك :أن ما ينقض اليان من القوال يستوي فيه واحده وكثيه وإن ل يصرح بالكفر كما لو كفر بآية
واحدة أو بفريضة ظاهرة أو سب الرسول مرة واحدة فإنه كما لو صرح بتكذيب الرسول ،وكذلك ما ينقض
اليان من القوال لو صَرّح به وقال" :قد نقضت العهد ،وبرئت من ذمتكم" انتقض عهده بذلك ،وإن ل يكرره؛
فكذلك ما يستلزم ذلك من السب والطعن ف الدين ونو ذلك ل يتاج إل تكرير.
الوجه الرابع :أنه إذا أكثر من هذه القوال و الفعال ،فإما أن يُقتل لن جنسها مبيح للدم أو لن البيح قَدْرٌ
مصوص ،فإن كان الول فهو الطلوب ،وإن كان الثان فما حد ذلك القدار البيح للدم؟ وليس لحد أن يد ف
ذلك حدا إل بنص أو إجاع أو قياس عند من يرى القياس ف ا ُلقَدّرات ،والثلثة منتفية ف مثل هذا؛ فإنه ليس ف
الصول قول أو فعل يبيح الدم منه عدد مصوص و ل يبيحه أقل منه ،و ل ينتقض /هذا بالقرار ف الزن ؛ [فـ]
ـإنّ ُه ل يثبت إل بأربع مرات عند من يقول به ،أو القتل بالقسامة؛ فإنه ل يثبت إل بعد خسي يينا عند من يَرَى
ال َقوَد با ،أو رجم ا ُللَعَنة؛ فإنه ل يثبت إل بعد أن يشهد الزوج أربع مرات عند من يرى أنا ترجم بشهادة الزوج
إذا َنكََلتْ؛ لن البيح للدم ليس هو القرار ول اليان ،وإنا البيح فعل الزن أو فعل القتل ،وإنا القرار واليان
صبٌ مدودة ،وإنا قلنا :إن نفس القولحجة ودليل على ثبوت ذلك ،ونن ل ننازع [ف] أن الجج الشرعية لا ُن ُ
أو العمل البيح للدم ل نصاب له ف الشرع ،وإنا الكم ُمعَلّقٌ بنسه.
الوجه الامس :أن القتل عند كثرة هذه الشياء إما أن يكون حدا يب فعله أو تعزيرا يرجع إل رأي المام ،فإن
كان الول فل بد من تديد موجبه ،ول حد له إل تعليقه بالنس ،إذ القول با سوى ذلك تكّم ،وإن كان الثان
حلّ
فليس ف الصول تعزير بالقتل ،فل يوز لثباته إل بدليل يصه ،و العمومات الواردة ف ذلك مثل قوله " :eل يَ ِ
َدمُ امرِئٍ مُسْلمٍ إ ّل بإِحْدَى ثَلثٍ" يدل على ذلك أيضا.
الوجه الثان من الستدلل به :أن الّنفَرَ المسة الذين َقتَلوه من السلمي :ممد بن مَسْلمة ،وأبا نائلة ،وعباد بن
بشر ،و الارث بن أوس ،وأبا عبس بن جب ،قد أ ِذنَ لم النبّ eأن يغتالوه ويدعوه بكلم يُظْهرُون به أنم قد
آمنوا ووافقوه ،ث [يقتلوه] ،ومن العلوم أن من أظهر لكافر أمانا ل يز قتله بعد ذلك لَجل الكفر ،بل لو اعتقد
الكافر الرب أن السلم آ َمنَه وكلمه على ذلك صار مستأمنا ،قال النب eفيما رَواه عنه عمرو بن الَمِق" :مَن آمنَ
َر ُجلً [عَلَى] َدمِ ِه َومَالِ ِه ثُمّ َقتَلَهُ َفَأنَا ِمنْ ُه بَرِئ َوِإنَ كَانَ ا َل ْقتُولُ كَافِرا" رواه المام أحد و ابن ماجه.
64
www.dorar.net الدرر السنية
وعن سليمان بن صُرَد عن النب eقال" :إذَا آ َمنَكَ الرّجُ ُل عَلَى َدمِ ِه َومَالِه فَل َتقْتُلْه" رواه ابن ماجه.
وعن أب هريرة عن النب eقال" :ا ِليْمانَ َقيّدَ /ال َفتْكَ ،ل َي ْفتِكُ ُم ْؤمِن" رواه أبو داود وغيه.
السجد ،وأما أنت يا ابن يامي فلّله عليّ إن أفلتّ وقدرت عليك وف يدي سيف إل ضربت به رأسك ،فكان ابن
يامي ل ينل من بن قريظة حت يبعث له رسولً ينظر ممد بن مسلمة ،فإن كان ف بعض ضياعه نزل فقضى حاجته
ث صدر ،وإل ل ينل ،فبينا ممد ف جنازة و ابن يامي بالبقيع ،فرأى ممد نعشا عليه جرائد رطبة لمرأة ،فجاء
فحلّه ،فقام إليه الناس ،فقالوا :يا أبا عبدالرحن ما تصنع؟ نن نكفيك ،فقام إليه فلم يزل يضربه با جريدةً جريدة
حت كسّر ذلك الريد على وجهه ورأسه حت ل يترك به َمصَحّا ،ث أرسله و ل طَباخَ به ،ث قال :وال لو قدرت
على السيف لضربتك به".
فإن قيل :فإذا كان هو وبنو النضي قبيلته موادعي فما معن ما ذكره ابن إسحاق قال" :حدثن مول لزيد بن ثابت
حيّصة أن رسول ال eقال" :مَ ْن َظفِ ْرتُ ْم بِ ِه مِنْ ِرجَا ِل َيهُودَ فَا ْقتُلُوهُ" فوثب ميصة بنحيّصة عن أبيها ُم َ
حدثتن ابنة مُ َ
مسعود على ابن سُنينة رجل من تار يهود كان يلبسهم ويبايعهم فقتله ،وكان ُح َويْصة بن مسعود إذ ذاك ل يُسلم،
ب شحم ف بطنك من وكان أسن من ميصة؛ فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول :أي عدو ال قتلته؟ أما والِ لرُ ّ
ماله ،فوال إن كان لول إسلم حويصة ،فقال ميصة :فقلت له :وال لقد أمرن بقتله مَن لو أمرن بقتلك لضربت
عنقك ،فقال حويصة :وال إن ِديْنا بلغ منك هذا لعجب".
و قال الواقدي ـ بالسانيد التقدمة ـ" :قالوا :فلما أصبح رسول ال eمن /الليلة الت قُتل فيها ابن الشرف قال
رسول ال " :eمَ ْن َظفِ ْرتُ ْم بِهِ مِنْ رِجَالِ َيهُودَ فَا ْقتُلُوهُ" فخافت يهود ،فلم يطلع عظيم من عظمائهم ول ينطلقوا،
ت يهود ومَن معها من الشركي"، ت ابن الشرف" ،وذكر قتل ابن سُنينة إل أن قالَ" :ف َف ِزعَ ْ وخافوا أن ُيَبيّتُوا كما ُبيّ َ
وساق القصة كما تقدم عنه.
فإن هذا يدل على أنم ل يكونوا موادعي ،وإل لا أمر بقتل من صُودِفَ منهم ،ويدل على أن العهد الذي كتبه النب
eبينه وبي اليهود كان بعد قتل ابن الشرف ،وحينئذ فل يكون ابن الشرف معاهدا.
قلنا :إنا أمر النب eبقتل مَ ْن ُظفِر به منهم لن كعب بن الشرف كان من ساداتم ،وقد تقدم أنه قال :ما عندكم؟
يعن ف النب ،eقالوا :عداوته ما َحيِينَا ،وكانوا مقيمي خارج الدينة ،فعَظُمَ عليه قتله ،وكان ما يهيجهم على
الحاربة وإظهار نقض العهد ،فأمر النب eبقتل من جاء منهم؛ لن ميئه دليل على نقض العهد وانتصاره للمقتول
وذبّه عنه ،وأما من َق ّر فهو مقيم على عهده التقدم؛ لنه ل يظهر العداوة ،ولذا ل ياصرهم النب eول ياربم
حت أظهروا عداوته بعد ذلك ،وأما هذا الكتاب فهو شيء ذكره الواقدي وحده.
66
www.dorar.net الدرر السنية
67
www.dorar.net الدرر السنية
68
www.dorar.net الدرر السنية
الديث السادس :قصة العَصْماء بنت مروان ،ما رُوي عن ابن عباس قال :هَ َ
جتِ امرأة من خَطْ َمةَ النب ،eفقال:
"مَنْ لِي ِبهَا؟" فقال رجل من قومها :أنا يا رسول ال ،فنهض فقتلها ،فأخب النب ،eفقالَ " :ل يَتْنتَطِحُ ِفْيهَا َعنْزَانَ".
وقد ذكر بعض أصحاب الغازي وغيهم قصتها مبسوطة.
قال الواقدي" :حدثن عبدال بن الارث بن الفضيل عن أبيه أن َعصْماءَ بنت مَ ْروَان من بن أمية كانت تت يزيد
بن زيد ابن ِحصْن الَطْ ِميّ ،وكانت تؤذي النب ،eوتعيب السلم وترض على النب ،eوقالت شعرا:
و َعوْفٍ ،وب ْأ ْستِ بَن الزْرجِ ك و النّبِيتِ
َفِب ْأسْتِ بن مَال ٍ
ل مِنْ مُـرَا ٍد ول مَ ْذحِجِ
فَـ َ أطعتم أتَاوِيّ مِـنْ غَيِكُم
ق الُْنضَجِكما يُ ْرتَـجَى مَـر ُ تُ َرجّونَهُ بعد قَـتلِ الرؤوسِ
قال عُ َميْر بن عدي الطمي حي بلغه قولا وتريضها :اللهم إن لك عليّ نذرا لئن رددت رسول ال eإل الدينة
لقتلنها ،ورسول ال eيومئذٍ ببدر ،فلما رجع النب eمن بدر جاءها عُ َميْر بن عدي ف جوف الليل حت دخل
عليها ف بيتها وحولا نفرٌ من ولدها نيام منهم من ترضعه ف صدرها ،فجسها بيده ،فوجد الصب ترضعه ،فنحّاه
عنها ،ث وضع سيفه على صدرها حت أنفذه من ظهرها ،ث خرج حت صلى الصبح مع النب ،eفلما انصرف النب
eنظر إل عمي فقال" :أقتلتَ بنت مروان؟" قال :نعم ،بأب أنت يا رسول ال ،وخشي عُمي أن يكون افتات على
رسول ال eبقتلها ،فقال هل عََليّ ف ذلك شيء يا رسول ال؟ قال" :لَ يَْنتَطِحُ ِفْيهَا َعنْزَانِ"؛ فإن أول ما سُمِعت
هذه الكلمة من النب رسول ال ،eقال عمي :فالتفت النب رسول ال eإل مَنْ حوله فقال" :إِذَا أَ ْحَبْبتُمْ َأ ْن َتنْظُرُوا
إِلَى رَجُ ٍل َنصَرَ الَ وَ َرسُولَهُ بِال َغيْبِ فَانْظُرُوا إِلَى عُ َميْر ب ِن عَدِيّ" فقال عمر بن الطاب :انظروا إل هذا العمى الذي
تسرّى ف طاعة ال ،فقال" :ل تقل العمى ،ولكنه البصي".
فلما رجع عمي من عند رسول ال eوجد بنيها ف جاعة يدفنونا ،فأقبلوا إليه حي رأوه مقبلً من الدينة ،فقالوا:
يا عمي أنت قتلتها؟ فقال :نعم فكيدون جيعا ث ل تُنْ ِظرُون ،فوالذي نفسي بيده لو قلتم بأجعكم ما قالت
خفُونلضربتكم بسيفي هذا حت أموتَ أو أقتلكم ،فيومئذٍ ظهر السلم ف بن خطمة ،وكان منهم رجال يَسْتَ ْ
بالسلم خوفا من قومهم ،فقال حسان بن ثابت يدح عمي بن عدي.
قال :أنشدنا عبدال بن الارث:
و خَ ْطمَة ُد ْونَ بَن الَزْرَجِ ن وَاقـفٍ بَنـ ِي وَائِـلٍ وَبـ ِ
بِعَـوَْلِتهَا و النَـايَا تَجِي حهَا
/مَـتَى مَا َد َعتْ أُ ْخُتكُ ْم َويْ َ
خرَجِ
كَريْمَ الداخ ِل و ال ْ ت مَـاجِدا عِرْقُـهُ َف َهزّتْ فَـ ً
69
www.dorar.net الدرر السنية
خرُ ِ
ج صبَاحِ ولَ ْم تَ ْ
ُقَبيْلَ ال ّ َفضَرّ َجهَا مِـ ْن َنجِيعِ ال ّدمَـا
نِ جَذْلَن ف ِنعْمَة ا َلوْلِجِ لنَـا
فـَأوْ َر َدكَ الُ بَـرْ َد ا ِ
قال عبدال بن الارث عن أبيه :وكان قتلها لمس ليا ٍل َبقِيَ من رمضان مَرجع النب eمن بدر".
وروى هذه القصة أخصر من هذا أبو أحد العسكري ،ث قال :كانت هذه الرأة تجو رسول ال eوتؤذيه.
وإنا خص النب eالعن دون سائر الغنم؛ لن العن تشام العن ث تفارقها ،وليس كنطاح ال ِكبَاش وغيها .وذكر هذه
القصة متصرةً ممد بن سعد ف "الطبقات".
وقال أبو عبيد ف "الموال"" :وكذلك كانت قصة عصماء اليهودية ،إنا قتلت لشتمها الّنبِيّ ،"eوهذه الرأة ليست
هي الت قتلها سيدها العمى ،ول اليهودية الت قُتلت؛ لن هذه الرأة من بن أمية بن زيد أحد بطون النصار ،ولا
زوج من بن خطمة ،ولذا ـ وال أعلم ـ نسبت ف حديث ابن عباس إل بن خطمة ،والقاتل لا غي زوجها،
وكان لا بنون كبار وصغار ،نعم كان القاتل من قبيلة زوجها كما ف الديث.
وقال ممد بن إسحاق :أقام مصعب بن عمي عند أسعد بن زُرَارة يدعو الناس إل السلم ،حت ل يبق دار من دور
النصار إل وفيها رجال ونساء مسلمون ،إل ما كان من دار بن أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف ،وتلك أوْسُ
ال ،وهم من الوس بن حارثة ،وذلك أنّه كان فيهم أبو َقيْس بن ا َلسَْلتِ كان شاعرهم يسمعون منه ويعظّمونه.
فهذا الذي ذكره ابن إسحاق يُصدق ما رواه الواقدي من تأخر ظهور السلم ببن خطمة ،و الشعر الأثور عن
حسان يوافق ذلك.
وإنا سقنا القصة من رواية أهل الغازي ـ مع ما ف الواقدي من الضعف ـ لشهرة هذه القصة عندهم ،مع أنه ل
يتلف اثنان أن الواقدي من أعلم الناس بتفاصيل [أمور] الغازي ،وأخب الناس بأحوالا وقد كان الشافعي وأحد
وغيها يستفيدون عِلْمَ ذلك من كتبه ،نعم هذا الباب يدخله خَ ْلطُ الروايات بعضها ببعض ،حت يظهر أنه سع
مموع القصة من شيوخه ،وإنا سع من كل واحد بعضها ،ول ييزه ،ويدخله أخذ ذلك من الديث الرسل و
القطوع ،وربا حَدَس الراوي بعضَ المور لقرائن استفادها من عدة جهات ،ويكثر من ذلك إكثارا َفُينْسَبُ لجله
إل الجازفة ف الرواية وعدم الضبط ،فلم يكن الحتجاج با ينفرد به ،فأما الستشهاد بديثه والعتضاد به فمما ل
يكن النازعة فيه ،ل سيما ف قصة تامة يب فيها باسم القاتل و القتول وصورة الال؛ فإن الرجل وأمثاله أفضل من
أن يقعوا ف مثل هذا ف كذب ووضع ،على أنّا ل نثبت قتل الساب بجرد هذا الديث ،وإنا ذكرناه للتقوية
والتوكيد ،وهذا يصل من هو دون الواقدي.
70
www.dorar.net الدرر السنية
71
www.dorar.net الدرر السنية
وكذلك قال الواقدي فيما رواه عن يزيد بن رُومَان و ابن كعب بن مالك عن جابر بن عبدال ف قصة ابن الشرف،
قال" :فكان الذي اجتمعوا عليه قالوا..." :وكان رسول ال eقَ ِد َم الدينة وأهلها أخْلط ،منهم السلمون الذين
تمعهم دعوة السلم /فيهم أهل الَ ْلقَة والصون ،ومنهم حَُلفَاء للحيي جيعا الوس والزرج ،فأراد رسول ال e
ـ حي قدم الدينة ـ ا ْسِتصْل َحهُم كلهم و موادعتهم ،وكان الرجل يكون مسلما وأبوه مشركا".
ومن العلوم أن قبائل الوس كانوا حلفاء بعضهم لبعض.
فإذا كان النب eقد أقرهم كانت هذه الرأة من العاهدين ،وكان منهم الُ ْظهِر للسلم ا ُلبْطِ ُن للفه ،يقول بلسانه
ما ليس ف قلبه ،وكان السلم و اليان َيفْشُوا ف بطون النصار بطنا بعد بطن ،حت ل يبق فيهم مُظهر للكفر ،بل
صاروا إما مؤمنا وإما منافقا ،وكان مَن ل يُسْلم منهم بنلة اليهود مُوادع مُهادِن ،أو هو أحسن حالً من اليهود لا
يُرجى فيه من العصبية لقومه ،وأن َيهْوى هواهم ،ول يرى أن يرج عن جاعتهم ،وكان النب ُ eيعَاملهم ـ من
الكف عنهم ،واحتمال أذاهم ـ بأكثر ما يعامل به اليهود ،لا كان يرجوه منهم ،وياف من تغيي قلوب مَن أظهر
السلم من قتالم لو أوقع بم ،وهو ف ذلك ُمتّبع قوله تعالَ) :لتُبَْل ُونّ فِي َأمْوالِكُ ْم وَأْنفُسِكُ ْم وََلتَسْ َمعُ ّن مِ َن الّذِينَ
ك مِ ْن عَ ْز ِم الُمُورِ (. صبِرُوا وَتتّقُوا َفِإنّ ذَلِ َ ب مِنْ َقبِْلكُ ْم َومِ َن الّذِينَ َأشْرَكُوا أَذىً َكثِيا َوإِن َت ْ
أُوتُوا الكِتَا َ
ل وَ َرسُولَهُ
جتْه ،وقال فيمن قتلها" :إِذَا أَ ْحَبْبتُمْ أَ ْن َتنْظُرُوا إَلَى رَ ُج ٍل َنصَرَ ا َ ث إنه مع هذا نَدَبَ إل قتل الرأة الت هَ َ
بِال َغيْبِ فَانْظُرُوا إِلَى هَذَا" ،فثبت بذلك أن هجاءه وذمه موجب للقتل غي الكفر ،وثبت أن الساب يب قتله ،وإن
حقَنُ فيها دم مَن ساواه ف غي السب ،ل سيما ولو ل تكن كان من اللفاء والعاهدين و يُقتل ف الال الت يُ ْ
ت هَ ِذهِ ِلُتقَاتِلَ"
معاهدةً؛ فقتل الرأة ل يوز إل أن ُتقَاتِل؛ لنه eرأى [امرأة] ف بعض مغازيه مقتولة فقال" :مَا كَاَن ْ
صبْيَان".
و "َنهَى عَنْ َقتْ ِل النّسَاءِ وَال ّ
ث إنه أمر بقتل هذه الرأة ول /تقاتل بيدها؛ فلو ل يكن السب موجبا للقتل ل يز قتلها؛ لن القتل لجرد الكفر ل
يوز ،ول نعلم قتل الرأة الكافرة المسكة عن القتال أُبيح ف وقت من الوقات ،بل القرآن وترتيب نزوله دليل على
ل عَلَى َنصْ ِرهِمْ َلقَدِير* الّذِينَ
أنه ل ُيبَحْ قط؛ لن أول آية نزلت ف القتال) :أُ ِذنَ لِلّذِي َن ُيقَاتَلُونَ ِبَأنّهُم ظُِلمُوا َوِإنّ ا َ
أُ ْخرِجُوا مِن ِديَا ِرهِمْ ( الية ،فأباح للمؤمني القتال دَفْعا عن نفوسهم ،وعقوبةً لن أخرجهم من ديارهم ،ومنعهم من
توحيد ال وعبادته ،وليس للنساء ف ذلك حظ.
ل الّذِي َن ُيقَاتِلُوَنكُمْ( الية ،فمن ليس من أهل ث إنه كتب عليهم القتال مطلقا ،وفسّره بقوله) :وَقَاتِلُوا فِي َسبِيلِ ا ِ
القتال ل يُؤذَن ف قتاله ،والنساء لسن من أهل القتال ،فإذا كان قد أمر بقتل هذه الرأة فإما أن يقال :إن هجاءها
قتال فهذا يفيدنا أن هجاء الذمي قتال ،فينقض العهد ،ويبيح الدم ،أو يقال :ليس بقتال ،وهو الظهر؛ لا قدمناه من
72
www.dorar.net الدرر السنية
أنه ل يكن فيه تريض على القتال ،ول كان لا رأيّ ف الرب فيكون السب جناية مضرة بالسلمي غي القتال،
موجبة للقتل بنلة قطع الطريق عليهم ونو ذلك ،وذلك يفيد أن السب موجب للقتل لوجوه:
ف يده وعاهده كفّ عنه ،قال /ال تعال) :فَِإ ِن اعْتَزَلُوكُمْ َفلَم ُيقَاتِلُوكُ ْم َوأَلْ َقوْا إَِلْيكُمُ السّلَمَ فَمَا َجعَلَ
قاتله ،ومن ك ّ
الُ َلكُ ْم عََلْيهِم َسبِيلً( ،وكان القرآن َينْسَ ُخ بعضه بعضا ،فإذا نزلت آية نسخت الت قبلها ،وعُ ِملَ بالت أنزلت،
وبلغت الول منتهى العمل با ،وكان ما قد عُمل با قبل ذلك طا َعةً ال ،حت نزلت براءة ،وإذا أمر بقتل هذه الرأة
الت هجته ول يؤذن له ف قتل قبيلتها الكافرين عُلم أن السبّ موجبٌ للقتل وإن كان هناك ما ينع القتال لول
السَببُ كالعهد والنوثة ومنع قتل الكافر المسك أو عدم إباحته.
وهذا وجه حسن دقيق؛ فإن الصل أن دم الدمي معصوم ،ل يقتل إل بالق ،وليس القتل للكفر من المر الذي
اتفقت عليه الشرائع ول أوقات الشريعة الواحدة ،كالقتل َقوَدا فإنه ما ل تتلف فيه الشرائع ول العقول وكان دمُ
الكافر ف أول السلم معصوما بالعص َمةِ الصلية وبنع ال الؤمني من قتله ،ودماء هؤلء القوم كدم القبطي الذي
َقتَلَه موسى وكدم الكافر الذي ل تبلغه الدعوة ف زماننا ،أو أحسن حالً من ذلك ،وقد ع ّد موسى ذلك ذنبا ف
الدنيا والخرة مع أن قتله كان خطأ شبه عمد ،أو خطأ مضا ،ول يكن عمدا مضا.
فظاهر سية نبينا ،وظاهر ما أذن له فيه أن حال أهل الدينة إذ ذاك من ل يسلم كانت كهذه الال ،فإذا قتل الرأة
الت هجته من هؤلء وليسوا عنده ماربي بيث يوز قتالم مطلقا كان قتل الرأة الت تجوه من أهل الذمة بذه
الثابة وأوْل؛ لن هذه قد عاهدناها على أن ل تسبّ ،وعلى أن تكون صاغرةً ،وتلك ل نعاهدها على شيء.
الدليل السابع قصة أب عفك اليهودي
الدليل السابع :قصة أب َعفَكٍ اليهودي ،ذكره أهل الغازي والسي قال الواقدي :ثنا س عيد بن ممد عن عُمارة بن
غَ ِزيّة ،وحدثناه أبو ُمصْعب إساعيل بن ُمصْعب بن إساعيل بن زيد بن ثابت عن أشياخه ،قال :إن شيخا من بن
عمرو بن عَوْف يقال له :أبو َعفَكٍ ـ وكان شيخا كبيا قد بلغ عشرين ومائة سنة حي قدم النبّ eالدينة ـ
حرّض على عَدَاوة النب ،eول يدخل ف السلم ،فلما خرج رسول ال eإل بَدْ ٍر ظفّرهُ ال با ظفره ،فحسَ َدهُ
يُ َ
وَبغَى ،فقال( :وذكر قصيدة /تتضمن هجو النب eوذمّ من اتبعه ،أعظم ما فيها قوله):
شتّى معا
حراما حللً ل َ فيسلبهم أمْ َرهُم رَاكبٌ
ك أو أمو تَ دونه ،فُأمِهل ،فطلب له غِ ّرةً حت كانت ليلة صائفة ،فنامقال سال بن عُ َميْر :عليّ نذر أن أقتل أبا عَفَ ٍ
ك بال ِفنَاء ف الصيف ف بن عمرو بن َعوْ فٍ ،فأقبل سال بن عُ َميْر ،فوضع السيف على كبدِ هِ حت َخشّ ف أبو عَفَ ٍ
الفراش ،و صاح عدو ال ،فثاب إل يه أناس م ن هم على قوله ،فأدخلوه منله و قبوه ،وقالوا :مَن قتله؟ وال لو نعلم
من قتله لقتلناه به".
74
www.dorar.net الدرر السنية
وذكر ممد بن سعد أنه كان يهوديا ،وقد ذكرنا أن يهود الدينة كلهم كانوا قد عاهدوا ،ث إنه لا هجا وأظهر الذم
قتل.
75
www.dorar.net الدرر السنية
عَلَى كُ ّل َسكْ ٍن مِن ِتهَامٍ َو ُمنْجِ ِد َتعَـّلمْ َرسُـولَ الِ َأنّكَ قَادِرٌ
َفلَ رََف َعتْ سَـ ْوطِي إَِليّ إِذا يَدِي ج ْوتُهُ
َونُبّي َرسُولُ الِ َأنّي هَـ َ
س َي ْومَ طَلْ ٍق وَ َأ ْسعُدِح ٍصيُبوا َبنَ ْ
أُ ِ ِسوَى أنّن قَدْ ُق ْلتُ يَا َويْحَ ِفْتَيةٍ
و يقول فيها:
هَرَ ْقتَُ ،ففَكر عَالَم الَ ّق وَا ْقصِدِ فَِإنّي َل عِرْضا خَرَ ْقتُ ،وَلَ دَما
قال الواقدي" :أنشدنيها [حِزام] ،و[بلغت] رسول ال eقصيدته هذه واعتذاره ،وكلمه َنوْفَلُ بن معاوية الدّيلي
فقال :يا رسول ال ،أنت أول الناس بالعفو ،ومن منا من ل يعادك وُيؤْذِك؟ ونن ف جاهلية ل ندري ما نأخذ وما
ندع حت هدانا ال بك ،وأنقذنا بك من اللك ،وقد كذب عليه الركب ،وكثروا عندك ،فقال :دع الركب عنك؛
فإنا ل ند بتهامة أحد من ذي رحم ول بعيد الرحم كان أبر من خزاعة ،فأسكت نوفل بن معاوية ،فلما سكت قال
رسول ال " :eقَ ْد َع َفوْت َعنْه" ،قال نوفل ،فِدَاك أب وأمي".
وقال ابن إسحاق :و قال أنس بن ُزنَيم يعتذر إل رسول ال eما كان قد قال فيهم عمرو بن سال حي قَدِم على
رسول ال eيستنصره ،ويذكر أنه قد نالوا من رسول ال ،eوأنشد تلك القصيدة ،وفيها:
خِلفُو كُ ّل َم ْوعِدِ
هُ ُم الكَا ِذبُونَ الُ ْ وَتعلم َأنّ الركبَ رَ ْكبَ ُع َويْمِرٍ
76
www.dorar.net الدرر السنية
حكم بإسلمه ،ومع هذا فقد أنكر أن يكون هجا النب ،eورَ ّد شها َدةَ أولئك بأنم أعداء له؛ لا بي القبيلتي من
الدماء والرب ،فلو ل يكن ما َفعَلَه مُبيحا لدمه لا احتاج إل شيء من ذلك.
ث إنه ـ بعد إسلمه ،واعتذاره ،وتكذيبِ الخبينَ ،ومَدْحِه لرسول ال eـ إنا طََلبَ العفو من النب eعن إهْدَارِ
دمه ،والعفوُ إنا يكون مع َجوَاز العقوبة على الذنب؛ فعلم أن النب eكان له أن ُيعَاقبه بعد ميئه مسلما معتذرا ،إنا
عفا عنه ِحلْمَا وكرما.
ث إن ف الديث أ ّن َنوْفَلَ بن معاوية هو الذي شفع له إل النب ،eوقد ذكر عَا ّم ُة أهل السّيَ ِر أن نوفلً هذا هو رأس
البكريي الذين عَ َدوْا على خُزَاعة وَقتَلُوهم ،وأعانتهم قريشٌ على ذلك ،وبسبب ذلك انتقض عهدُ قريشٍ وبن بكر،
ث إنه أسلم قبل الفتح حت صار يشفع ف الذي هَجَا النب e؛ فعلم أن الجاء أغْلَظُ من نقض العهد بالقتال بيث إذا
نقض قو ٌم العهدَ بالقتال وآخرون هَجَوا ث أسلموا ُعصِمَ َدمُ الذي قاتل ،وجاز النتقام من الاجي ،ولذا َق َرنَ هذا
ق عِرْضِهِ كان أعظم عندهم من سفك الرجلُ َخ ْرقَ العِ ْرضِ بسفك الدّم ،فعلم أن كليهما موجبٌ للقتل ،وأن خَ ْر َ
دماء السلمي والعاهدين.
وما يوضح /هذا أن النب eل يهدر دم أحد من بن بكر الناقضي للعهد بعينه وإنا مكن منهم بن خزاعة يوم الفتح
أكثر النهار ،وأهدر دم هذا بعينه حت أسلم واعتذر؛ هذا مع أن العهد كان عهد هدنة و موادعة ،ل يكن عهد جزية
وذمة ،والهادن القيم ببلده يظهر ببلده ما شاء من ُمْنكَرات القوال والفعال التعلقة بدينه ودنياه ،ول ينتقض بذلك
عهده حت يارب؛ فعلم أن الجاء من جنس الراب وأغلظ منه ،وأن الاجي ل ذمة له.
77
www.dorar.net الدرر السنية
ورواه النسائي كذلك بأبسط من هذا عن سعد قال" :لا كان يوم فتح مكة َأمّنَ رسول ال eالناس إل أربعة نفر،
صبَابة،
قال :اقتلوهم وإن وجدتوهم متعلّقي بأستار الكعبة :عكرمة بن أب جهل ،و عبدال بن خَطَل ،و ِم ْقيَس بن ُ
و عبدال بن سعد بن أب سرح.
فأما عبدال بن خطل فأُ ْدرِك وهو متعلّق بأستار الكعبة ،فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد
صبَابة فأدركه الناس ف السوق ،فقتلوه.
عمارا ،وكان أشب الرجلي فقتله ،وأما ِمقْيَس بن ُ
وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصف ،فقال أصحاب السفينة /:أخلِصوا فإن آلتكم ل تغن عنكم شيئا
هاهنا ،فقال عكرمة وال لئن ل ينجن ف البحر إل الخلص ل ينجين ف الب غيه ،اللهم إن لك عليّ عهدا إن
أنت عافيتن ما أنا فيه أن آت ممدا eحت أضع يدي ف يده ،فلجدنه عفوا كريا ،فجاء وأسلم.
وأما عبدال بن سعد بن أب سرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان ،فلما دعا رسول ال eالناس إل البيعة جاء به
حت أوقفه على النب "..eث ذكر الباقي كما رواه أبو داود و عن عبدال بن عباس قال" :كان عبدال بن سعد بن
أب سرح يكتب لرسول ال ،eفأزلّه الشيطان فلحق بالكفار ،فأمر به رسول ال eأن يُقتل يوم الفتح ،فاستجار له
عثمان فأجاره رسول ال "eرواه أبو داود.
وروى ممد بن سعد ف الطبقات عن علي بن زيد عن سعيد بن السيب أن رسول ال eأمر بقتل ابن أب سرح
يوم الفتح ،و فَ ْرَتنَى ،و ابن ال ّزَبعْرَي ،وابن خَطَل ،فأتاه أبو برزة وهو متعلق بأستار الكعبة َفبَقَرَ بطنه ،وكان رجلٌ
من النصار قد نذر إن رأى ابن أب سرح أن يقتله ،فجاء عثمان ـ وكان أخاه من الرضاعة ـ فشفع له إل رسول
ال ،eوقد أخذ النصاري بقائم السيف ينظر إل النب eمت يومئ إليه أن يقتله ،فشفع له عثمان حت تركه ،ث
ض ْعتُ يدي على قائم السيف أنتظر مت
ت ِبنَذْرِك؟" فقال :يا رسول ال و َ
ل وَّفيْ َ
قال رسول ال eللنصاريَ " :ه ّ
تومئ فأقتله ،فقال النب " :eالياء خيانة ليس لنب أن يُومئ".
وقال ممد بن إسحاق ف رواية ابن بُكي عنه :قال أبو عبيدة بن ممد بن عمار بن ياسر و عبدال بن أب بكر بن
حَزْم :إن رسول ال eـ حي دخل مكة ،وَف ّرقَ جيوشه ـ أمرهم أن ل يقتلوا أحدا إل من قاتلهم ،إل نفرا قد
حتَ َأ ْستَا ِر الكَ ْعَبةِ" عبدال بن /خطل ،و عبدال بن سعد
ساهم رسول ال ،eوقال" :اقْتُلُوهُ ْم َوِإنْ وَ َج ْدتُموهُمْ تَ ْ
ابن أب سرح ،وإنا أمر بابن أب سرح لنه كان قد أسلم ،فكان يكتب لرسول ال eالوحي ،فرجع مشركا ،ولق
بكة ،فكان يقول لم :إن لُصرّفه كيف شئت ،إنه ليأمرن أن أكتب له الشيء فأقول له :أو كذا وكذا؟ فيقول:
نعم ،وذلك أن رسول ال eكان يقول" :عليم حكيم" فيقول :أو أكتب عزيز حكيم؟ فيقول له رسول ال :e
"نعم كلها سواء".
78
www.dorar.net الدرر السنية
قال ابن إسحاق :حدثن شُ َرحْبيل بن سعد أن فيه نزلتَ ) :ومَنْ َأظْلَ ُم مِمّ ِن افْتَرَى عَلى الِ َكذِبا َأوْ قالَ ُأوْ ِحيَ إَِليّ
وَلَ ْم ُيوْحَ إَِليْ ِه شَيءٌ َومَنْ قَا َل سَأٌنزِ ُل ِمثْ َل مَا َأنْزَلَ ال( فلما دخل رسول ال eمكة َفرّ إل عثمان بن عفان ـ وكان
أخاه من الرضاعة ـ فغيبه عنده حت اطمأن أهل مكة ،فأتى به رسول ال ،eفاستَ ْأمَن له ،فصمت رسول ال e
ل وهو واقف عليه ،ث قال" :نعم" ،فانصرف به ،فلما ولّى قال رسول ال " :eمَا صَ َمتّ إلّ رَجَاءَ َأنْ يَقُومَ إَِليْهِ
طوي ً
َب ْعضُكُمْ َفَي ْقتُلَهُ" ،فقال رجلٌ من النصار :يا رسول ال أل أومأت إلّ فأقتله ،فقال رسول ال ِ" :eإ ّن الّنِبيّ َل َي ْقتُلُ
بِا ِلشَا َرةِ".
وقال ابن إسحاق ف رواية إبراهيم بن سعد عنه :حدثن بعض علمائنا أن ابن أب سرح رجع إل قريش فقال :وال
صْبتَ ،ففيه أنزل لو أشاء لقلت كما يقول ممد وجئت بثل ما يأت به ،إنه ليقول الشيء وأصْرِفه إل شيء ،فيقول :أ َ
ال تعالَ ) :ومَنْ َأظْلَ ُم مِمّ ِن افْتَرَى عَلى الِ َكذِبا َأوْ قالَ ُأوْ ِحيَ إَِليّ وَلَ ْم ُيوْحَ إِلَيْ ِه شَيءٌ( الية .فلذلك أمر رسول ال
eبقتله.
قال ابن إسحاق عن ابن أب نَجِيح قال :كان رسول ال eقد عهد إل أمرائه من السلمي ـ حي أمرهم أن
يدخلوا مكة ـ أن ل يقاتلوا إل أحدا قاتلهم ،إل أنه قد عهد ف نفر ساهم أمر بقتلهم وإن ُوجِدوا تت أستار
الكعبة منهم عبدال بن سعد بن أب سرح ،وإنا أمر رسول ال eبقتله لنه كان أسلم وكان يكتب لرسول ال /e
الوحي؛ فارتد مشركا راجعا إل قريش ،فقال :وال إن لصرفه حيث أريد ،إنه ليملي عل ّي فأقول :أو كذا أو كذا؟
فيقول :نعم ،وذلك أن رسول ال eكان يلي عليه فيقول" :عزيز حكيم" أو "حكيم عليم"[ ،فكان] يكتبها على
أحد الرفي ،فيقول" :ك ّل صواب".
وروينا ف مغازي معمر عن الزهري ف قصة الفتح قال :فدخل رسول ال eفأمر أصحابه بالكفّ ،وقالُ " :كفّوا
سلَح إِلّ خزاعة من بكر ساعة" ،ث أمرهم فكفوا ،فأمن الناس كلهم إل أربعة :ابن أب سَرْح ،وابن خَطَل ،و
ال ّ
ِم ْقيَس الكنان ،وامرأة أخرى ،ث قال النب ِ" :eإنّي لَم أُحِرّم مَكةَ ولكنّ الَ حَ ّر َمهَاَ ،و إنا َلمْ تلّ لَحَ ٍد مِن َقبْلي،
وَل تلّ لَحد َبعْدي إلَى يَومِ القيامةِ ،وإنّما أحلّها ال [لِي] سَاعة مِن َنهَار" قال :ث جاء عثمان بن عفان بابن أب
سرح فقال :بايعه يا رسول ال ،eفأعرض عنه ث جاءه من ناحيةٍ أخرى فقال :بايعه يا رسول ال ،eفأعرض عنه،
ث جاءه أيضا فقال :بايعه يا رسول ال ،eفمد يده ،فبايعه ،فقال رسول ال " :eلقد أعرضت عنه ،وإن لظن
ل يا رسول ال ،فقال" :إن النب ل يُومِضُ" فكأنه رآه
بعضكم سيقتله" فقال رجل من النصار :فهلّ أومضت إ ّ
غدرا.
79
www.dorar.net الدرر السنية
وف مغازي موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال :و أمرهم رسول ال eأن يكفوا أيديهم فل يقاتلوا أحدا إل من
ل َويْرِث بن نقيد وابن َخطَل ومقيس بن صبابة
قاتلهم ،وأمرهم بقتل أربعة منهم :عبدال بن سعد بن أب سرح وا ُ
أحد بن ليث ،وأمر بقتل قينتي لبن خطل تغنيان بجاء رسول ال ،eث قال :ويقال :أمر رسول ال eف قتل
النفر أن يقتل عبدال بن أب سرح ،وكان ارتد بعد الجرة كافرا ،فاختبأ حت اطمأن الناس ،ث أقبل يريد أن يبايع
رسول ال ،eفأعرض عنه ليقوم رجلٌ من أصحابه فيقتله ،فلم يقم إليه أحد ،ول يشعروا بالذي ف نفس رسول ال
eفقال أحدهم :لو أشرتَ إلّ يا رسول ال ضربت عنقه ،فقال" :إن النب ل يفعل ذلك" ويقال :أجاره /عثمان بن
عفان وكان أخاه من الرضاعة وقتلت إحدى القينتي ،و[كَمِنت] الخرى حت استؤمن لا وذكر ممد بن عائذ ف
مغازيه هذه القصة مثل ذلك.
وذكر الواقدي عن أشياخه قالوا :وكان عبدال بن سعد بن أب سرح يكتب لرسول ال ،eفربا أملى عليه رسول
ال " :eسيع عليم" فيكتب" :عليم حكيم" فيقرأه لرسول ال eفيقول" :كذاك قال ال" ،ويقره ،فافتت وقال :ما
يدري ممد ما يقوله ،إن لكتب له ما شئتُ ،هذا الذي كتبت يوحى إلّ كما يوحى إل ممد ،وخرج هاربا من
الدينة إل مكة مرتدا ،فأهدر رسول ال eدمه يوم الفتح ،فلما كان يومئذٍ جاء ابن أب سرح إل عثمان بن عفان
ـ وكان أخاه من الرضاعة ـ فقال :يا أخي إن وال اخترتك ،فاحبسن هاهنا واذهب إل ممد فكلمه فّ ،فإن
ممدا إن رآن ضرب الذي فيه عيناي ،إن جرمي أعظم الرم ،وقد جئت تائبا ،فقال :عثمان بل اذهب معي ،قال
عبدال :وال لئن رآن ليضربن عنقي ،ول ُينْظِرُن ،قد أهدر دمي ،وأصحابه يطلبون ف كل موضع ،فقال عثمان:
انطلق معي فل يقتلك إن شاء ال ،فلم يَ ُرعْ رسول ال eإل بعثمان آخذا بيد عبدال بن سعد ابن أب سرح واقفَي
بي يديه ،فأقبل عثمان على رسول ال eفقال :يا رسول الُ ،أمّه كانت تملن وتشيه ،وتُرضعن وتفطِمُه ،وكانت
تلطفن وتتركه َ ،ف َهبْه ل ،فأعرض عنه رسول ال ،eوجعل عثمان كلما أعرض عنه النب eبوجهه استقبله فيعيد
عليه هذا الكلم ،وإنا أعرض النب eإرادة أن يقوم رجل فيضرب عنقه؛ لنه ل يُؤمّنه ،فلما رأى أن ل يقوم أحد
وعثمان قد أَكَبّ على رسول ال ُ eيقَبّل رأسه وهو يقول :يا رسول ال بايعه فِداك أب وأمي ،فقال النب :e
"نعم" ،ث التفت إل أصحابه فقال" :ما منعكم أن يقوم رجل منكم إل هذا الكلب فيقتله" ،أو قال :الفاسق ،فقال
عباد بن بشر :أل َأ ْومَأْت إلّ يا رسول ال ،فوالذي بعثك بالق إن لتبع طَرْفَكَ من كل ناحية رجاء أن تشي إلّ
فأضرب عنقه ،ويقال :قال هذا أبو /اليَسَر ،ويقال :عمر بن الطاب ،فقال رسول ال " :eإن لَ أَ ْقتُ ُل بالشَا َرةِ".
وقائل يقول :إن النب eقال يومئذٍ" :إِ ّن النَّبِيّ ل َتكُونُ لهُ خَاِئَن ُة الَ ْعيُن".
80
www.dorar.net الدرر السنية
فهذا اللعون الذي افترى على النب eأنه ما كان يدري إل ما كتب له ،قصمه ال وفضحه بأن أخرجه من القب بعد
أن دُفن مرارا ،وهذا أمر خارج عن العادة ،يدل كل أحد على أن هذا عقوبة لا قاله ،وأنه كان كاذبا؛ إذ كان عامة
الوتى ل يصيبهم مثل هذا ،وأن هذا الرم أعظم من مرد الرتداد؛ إذ كان عامة الرتدين يوتون ول يصيبهم مثل
هذا ،وأن ال منتقم لرسوله من طعن عليه وسبه ،ومظهر لدينه ولكذب الكاذب؛ إذا ل يكن الناس أن يقيموا عليه
الد.
82
www.dorar.net الدرر السنية
83
www.dorar.net الدرر السنية
وكذلك قول النصران" :ما يدري ممدٌ إل ما كتبت له" من هذا القبيل ،وعلى هذا الفتراء حاق به العذاب،
واستوجب العقاب.
84
www.dorar.net الدرر السنية
قال :وكان قد قرأ البقرة وآل عمران ،وكان مَن قرأه ا قد َقرَأ قرآنا كثيا ،فذ هب فتن صّ َر وقال :ل قد ك نت أك تب
لح مد ما شئت ،فيقول" :دَعْه" فمات فَدُفِ َن فَنبَ َذتْ هُ الرض مرت ي أو ثلثا ،قال أ بو طل حة :فل قد رأي ته منبوذا فوق
الرض.
ورواه المام أحد :حدثنا يزيد بن هارون حدثنا ُح َميْد عن أنس أن رجلً كان يكتب لرسول ال ،eوقد قرأ البقرة
وآل عمران ،وكان /الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران َجدّ فينا ،يعن عَظُم ،فكان النبّ eيُمْلي عليه" :غفورا
رحيما" فيكتب" :عليما حكيما" ،فيقول له النب " :eاكتب كذا وكذا ،اكتب كيف شئت" ،ويُمْلي عليه" :عليما
حكيما" فيكتب" :سيعا بصيا" ،فيقول" :اكتب كيف شئت" ،فارتدّ ذلك الرجل عن السلم ،فلحق بالشركي،
ض ل تَ ْقبَلُهُ"
وقال :أنا أعلمكم بحمدٍ إن كنت ل ْكُتبُ ما شئت ،فمات ذلك الرجل ،فقال رسول ال ِ" :eإنّ الَ ْر َ
قال أنس :فحدثن أبو طَ ْلحَة أنه أتى الرض الت مات فيها ذلك الرجلُ ،فوجده َمْنبُوذا ،قال أبو طلحة :ما شأنُ هذا
الرجلِ؟ قالوا :قد دََفنّاه مرارا فلم تقبله الرض" ،فهذا إسناد صحيح.
ث ثابت عن أنس ،وقال :رواه عنه ول ُيتَابَعْ عليه ،ورواه ُح َميْد
وقد قال مَن ذهب إل القول الول :علّل البزارُ حدي َ
عن أنس ،قال :وأظن حيدا إنا سعه من ثابت ،قالوا :ث إن أنسا ل يذكر أنه سع النب eأو شهده يقول ذلك،
ولعله حكى ما سع.
ي وغيها يوافق ظاهر هذه الرواية،
و ف هذا الكلم تكلف ظاهر ،والذي ذكرناه ف حديث ابن إسحاق و الواقد ّ
وكذلك ذكر طائفة من أهل التفسي ،وقد جاءت آثا ٌر فيها بيانُ صفةِ الالِ على هذا القول؛ ففي حديث ابن
إسحاق :وذلك أن رسول ال eكان يقول" :عليم حكيم" فيقول" :أو أكتب عزيز حكيم؟" فيقول له رسول ال
لهُمَا َسوَاء" وف الرواية الخرى :وذلك أن رسول ال eكان يُمْلي عليه فيقول" :عَزِيزٌ َحكِيمٌ" أو
َ" :eنعَمِْ ،ك َ
صوَاب".
" َحكِي ٌم عَلِيمٌ" فكان يكتبها على أحد الرفي ،فيقول" :كُلّ َ
ت مِ ْن هَذَينِ
ف ِشئْ َ
ففي هذا بيان؛ لن كل الرفي كان قد نزل ،وأن النب eكان يقرأها ويقول له" :ا ْكتُبْ َكيْ َ
صوَاب" وقد جاء مصرحا عن النب eأنه قالُ" :أنْزِ َل القُرْآنُ عَلَى َسْبعَةِ أًَ ْحرُفٍ ،كُّلهَا شَافٍ كَافٍ، الَرْفَيِ َفكُلّ َ
ب بِرَ ْح َمةٍ" وف حرف
ختَ ْم آيةُ رَ ْح َم ٍة ِبعَذَابٍ َأ ْو آيةُ عَذَا ٍ
إِن قُ ْلتَ :عَزِيز َحكِيم أو غَفُور َرحِيم َف ُهوَ كَذَلِكَ ،مَا لَم يُ ْ
جاعة من الصحابة) :إِ ْن ُتعَ ّذْبهُم فَِإّنهُ ْم عِبَا ُدكَ َوِإنْ َت ْغفِرْ َلهُمْ فَِإنّكَ َأْنتَ ال َغفُورُ الرّحِيمُ( ،والحاديث ف ذلك منتشرة
تدلّ على أن من /الروف السبعة الت نزل عليها القرآن أن تتم الية الواحدة بعدة أساء من أساء ال على سبيل
البدل يي القارئ ف القراءة بأيهما شاء ،وكان النب eييه أن يكتب ما شاء من تلك الروف فيقول له :أو
اكتب كذا وكذا؟ لكثرة ما سع النب eيي بي الرفي ،فيقول له النب " :eنعم كلها سواء"؛ لن الية نزلت
85
www.dorar.net الدرر السنية
بالرفي ،وربا كتب هو أحد الرفي ث قرأه على النب ،eفأقرّه عليه؛ لنه قد نزل كذلك أيضا ،و َختْمُ الي بثل:
)سيع عليم( و )عليم حكيم( و )غفور رحيم( أو بثل) :سيع بصي( أو )عليم حكيم( أو )عليم حليم( كثيٌر ف
القرآن ،وكان نزول الية على عدة من هذه الروف أمرا معتادا ث إن ال نسخ بعض تلك الروف لا كان جبيل
يُعارض النب eبالقرآن ف كل رمضان.
العرضة الخية
وكانت العرضة الخية هي حرف زيد بن ثابت الذي يقرأ الناس به اليوم ،وهو الذي َجمَع عثمانُ والصحابة رضي
ال عنهم أجعي عليه الناس ،و لذا ذكر ابن عباس هذه القصة ف الناسخ والنسوخ ،وكذلك ذكرها المام أحد ف
كتابه ف "الناسخ والنسوخ" ،لتضمنها نسخ بعض الروف ،وروي فيها وجه آخر رواه المام أحد ف "الناسخ
ف يقول :كان ابن أب سرح كتب للنب eالقرآن،
والنسوخ" :حدثنا مسكي بن بُكي ثنا مُعان قال :وسعت أبا خل ٍ
ك ِشْئتَ" فكان ربا سأل النب eعن خوات الي ) تعملون( و)تفعلون( ونو ذا ،فيقول له النب " :eا ْكتُبْ أَيّ ذَلِ َ
قال :فيوفّقه ال للصواب من ذلك ،فأتى أهل مكة مرتدا ،فقالوا :يا ابن أب سرح كيف كنت تكتب لب أب كبشة
القرآن؟ قال :اكتبه كيف شئتُ ،قال :فأنزل ال ف ذلكَ ) :ومَنْ أَظَْل ُم مِمّ ْن ا ْفتَرَى عَلَى الِ كَذِبا أوْ قَالَ ُأوْ ِحيَ إَليّ
وَلَ ْم ُيوْحَ إَليْه شَيء( الية كلها.
ب ُعُنقَهُ َحْيثُمَا وُجِدَ ،وِإنْ كَا َن ُمَتعَلِقا ِبَأ ْستَارِ ال َكعَْبةِ".
قال النب eيوم فتح مكة" :مَن أَ َخذَ ابْنَ َأبِي َسرْحٍ َف ْليَضْرِ ْ
ك ِشئْتَ" فيوفقه ال للصواب،
/ففي هذا الثر أنه كان يسأل النب eعن حرفي جائزين فيقول له" :اكُْتبْ أَيّ ذَلِ َ
فيكتب أحب الرفي إل ال ،إن كان كلها منلً ،أو يكتب ما أنزله ال فقط إن ل يكن الخر ُمنْزَلً ،وكان هذا
التخيي من النب eإما توسعةً إن كان ال قد أنزلما ،أو ثقةً بفظ ال وعلما منه بأنه ل يكتب إل ما أنزل وليس
هذا ينكر ف كتابٍ تول ال حفظه وضمن أنه ل يأتيه الباطل من بي يديه ول من خلفه.
وذكر بعضهم وجها ثالثا ،وهو أنه ربا كان يسمع النب eيله الية حت ل يبق منها إل كلمة أو كلمتان ،فيستدل
با قرأ منها على باقيها كما يفعله الفَطِن الذكي ،فيكتبه ث يقرأه على النب eفيقولَ " :كذَلِكَ أُنْزَِلتْ" كما اتفق مثل
س ُن الَالِ ِقيْنَ(.
ذلك لعمر ف قولهَ ):فَتبَا َركَ الُ أحْ َ
وقد روى الكلب عن أب صال عن ابن عباس مثل هذا ف هذه القصة ،وإن كان هذا السناد ليس بثقة ،قال :عن ابن
أب سرح أنه كان تكلم بالسلم ،وكان يكتب لرسول ال eف بعض الحايي ،فإذا أملى عليه) عزيز حكيم(
كتب )غفور رحيم( فيقول رسول ال " :eهذا وذاك سواء" فلما نزلت ):وََلقَدْ خََل ْقنَا ا ِلنْسَانَ مِ ْن سُلَل ٍة مِ ْن ِطيْن(
86
www.dorar.net الدرر السنية
أملها عليه ،فلما انتهى إل قوله ) خَلْقا آ َخرَ( عجب عبدال بن سعد فقالَ) :تبَا َركَ الُ أحْسَ ُن الَاِلقِيْنَ( فقال رسول
ت عََليّ ،فَا ْكُتْبهَا" فشك حينئذٍ و قال :لئن ممد صادقا لقد أُوحي إلّ كما أوحي إليه ،ولئن كان
ال " :eكَذَا ُأنْزَِل ْ
كاذبا لقد قلت كما قال ،فنلت هذه الية.
ضعّفت به هذه الرواية أن الشهور أن الذي تكلم بذا عمر بن الطاب رضي ال عنه. وما ُ
ومن الناس من قال قولً آخر ،قال :الذي ثبت ف رواية أنس َأنّهُ كان يعرض على النب eما كتبه بعدما كتبه فيُمْلي
ف ِشْئتَ" وكذلك ف حديث الواقدي عليه) سيعا عليما( فيقول كتبت ):سيعا بصيا( فيقولَ " :دعْهُ" أو "اكُْتبْ َكيْ َ
أنه كان يقول" :كَذَاكَ ال" و يقره.
قصة القينتي
الديث العاشر :حديث [القينتي] اللتي كانتا تغنيان بجاء النب eومولة بن هاشم ،وذلك مشهور مستفيض عند
أهل السي ،وقد تقدم ف حديث سعيد بن السيب أنه eأمر بقتل فَ ْرَتنَى.
87
www.dorar.net الدرر السنية
وقال موسى بن عقبة ف مغازيه عن الزهري :و أمرهم رسول ال eأن يكفوا أيديهم فل يقاتلوا أحدا إل من
قاتلهم ،وأمر بقتل أربعة نفر ،قال :وأمر بقتل قينتي لبن خطل تغنيان بجاء رسول ال ،eث قال :وقُتلت إحدى
القينتي و [كَ ِمنَت] الخرى حت استؤمن لا.
وكذلك ذكر ممد بن عائذ القرشي ف مغازيه.
وقال ابن إسحاق ف رواية ابن بكي عنه :قال أبو عبيدة بن ممد بن عمار بن ياسر و عبدال بن أب بكر بن حزم:
إن رسول ال eحي دخل مكة وفرق جيوشه أمرهم أن ل يقتلوا أحدا إل من قاتلهم ،إل نفرا قد ساهم رسول
حتَ َأ ْستَا ِر الكَ ْعبِة :عبدال بن خَطَل" ث قال :إنا أمر بقتل ابن خطل لنه
ال eوقال" :اقْتُلُوهُ ْم َوِإنْ وَ َج ْدتُمُوهُمْ تَ ْ
كان مسلما فبعثه رسول ال ُ eمصَدّقا ،وبعث معه رجلً من النصار ،وكان معه مول له يدمه ،وكان مسلما،
فنل منلً و أمر الول يذبح له تيسا ويصنع له طعاما ،فنام واستيقظ ول يصنع له شيئا ،فعدا عليه فقتله ،ث ارتدّ
مشركا ،وكانت له َقْينَة [وصاحبتها] كانتا تُغنينان بجاء النب ،eفأمر بقتلهما معه ،قال :و ِم ْقَيسُ بن صُبابة لقتله
النصاري الذي قتل أخاه ،وسارة مولة لبن عبد الطلب ،كانت من [يؤذيه] بكة .وقال الموي :حدثن أب قال:
حتَ َأسْتَا ِر
وقال ابن إسحاق :وكان رسول ال eعهد إل السلمي ف قتل نفر ونسوة ،وقالِ" :إنْ وَجَ ْدتُمُوهُم تَ ْ
ال َكعَْبةِ فَا ْقتُلُوهُم" وساهم بأسائهم ستة :ابن أب سرح ،وابن خطل ،و الويرث بن نقيد ،و ِم ْقيَس بن صبابة ،ورجل
من بن تيم بن غالب.
قال ابن إسحاق :وحدثن أبو عبيدة بن ممد بن عمار بن ياسر أنم كانوا ستة ،فكتم اسم رجلي وأخبن بأربعة،
قال :النسوة َقْيَنتَا ابن خطل ،وسارة مولة لبن عبد الطلب ،ث قال :و القينتان كانتا تغنيان بجائه ،وسارة مولة أب
لب كانت تؤذيه بلسانا.
و قال الواقدي عن أشياخه" :ونى رسول ال eعن القتال ،وأمر بقتل ستة نفرٍ و أربع نسوةٍ ،ث عدّدهم ،قال:
"وابن خطل ،وسارة مولة عمرو بن هاشم و قينتي لبن خطل :فَ َرْتنَي وقريبة ،ويقال :فُرتن وأرنب".
ث قال" :وكان جُرْم ابن خطل أنه أسلم و هاجر إل الدينة ،وبعثه رسول ال eساعيا ،و بعث معه رجلً من
خُزَاعة ،وكان يصنع طعامه ويدمه ،فنل ف ممع ،فأمره [أن] يصنع له طعاما ،ونام ِنصْفَ /النهار ،فاستيقظ و
الزاعي نائم ول يصنع له شيئا ،فاغتاظ عليه ،فضربه فلم ُيقْلِع عنه حت قتله ،فلما قتله قال :وال ليقتلن مم ٌد به إن
جئته ،فارتد عن السلم ،وساق ما أخذه من الصدقة وهرب إل مكة ،فقال له أهل مكة :ما ردك إلينا؟ قال :ل
أجد دينا خيا من دينكم ،فأقام على شِرْكِه ،فكانت له قينتان ...وكانتا فاسقتي ،وكان يقول الشعر يهجو رسول
ال eو يأمرها تغنيان به ،فيدخل عليه وعلى قينتيه الشركون فيشربون المر وتغن القينتان بذلك الجاء.
88
www.dorar.net الدرر السنية
وكانت سارة مولة عمرو بن هاشم مغنية َنوّاحة بكة ،يلقي عليها هجاء النب eفتغن به ،و كانت قد قَدِمت على
رسول ال eتطلب أن يصلها ،و َشكَت الاجة ،فقال رسول ال " :eمَا كَانَ لَكِ فِي ِغنَائِكِ ونَيا َحتِكِ ما
َي ْكفِيْكِ؟" فقالت :يا ممد إن قريشا منذ قُتل من قتل منهم ببدرٍ تركوا استماع الغناء ،فوصلها رسول ال ،eوأوقر
لا بعيا طعاما ،فرجعت إل قريش ،وهي على دينها ،فأمر با رسول ال eيوم الفتح أن ُتقْتَل ،فقتلت يومئذٍ.
و أما القينتان فأمر رسول ال eبقتلهما ،فقتلت إحداها :أ ْرنَب أو قريبة ،وأما َفرْتن فاستؤمن لا حت آمنت،
وعاشت حت كُسِر ضِلع من أضلعها زمن عثمان رضي ال عنه فماتت ،فقضى فيه عثمان رضي ال عنه ثانية
آلف درهم دِيتها و ألفي تغليظا [للجرم].
وحديث القينتي ما اتفق عليه علماء السي ،واستفاض نقله استفاضة يُستغن با عن رواية الواحد ،وحديث مولة بن
هاشم ذكره عامة أهل الغازي ومن له مَزِيد خبة واطلع ،وبعضهم ل يذكره.
89
www.dorar.net الدرر السنية
وكذلك روى يونس بن بكي عن عبدال بن كعب بن مالك قال :حدثن عبدال بن أُنيس ،قال ف الديث :فقامت
ففتحت ،فقلت لعبدال بن عُتيك :دونك فشهر عليها السيف ،فذهبت امرأته فأشهُ ُر عليها السيف ،وأذكر قول
رسول ال :eأنه نى عن قتل النساء و الصبيان فأكُفّ.
وكذلك رواه غي واحد عن ابن أنيس قال :فصاحت امرأته ،فهَمّ بعضنا أن يرج إليها ،ث ذكرنا أن رسول ال e
نانا عن قتل النساء.
حال.
الوجه الثان
الوجه الثان :أن هؤلء النسوة كن من أهل الرب ،وقد آذين النب eف دار الرب ،ث قتلن لجرد السب ،كما
نطقت به الحاديث؛ فقتل الرأة الذمية بذلك أول وأحرى كالسلمة؛ لن الذمية بيننا وبينها من العهد ما َيكُفّها عن
إظهار السب ،ويوجب عليها التزام الذل والصغار ،ولذا تؤاخذ با تصيبه للمسلم من د مٍ أَو مالٍ أو عر ضٍ ،والربية
ل تؤاخذ بشيء من ذلك.
فإذا جاز قتل الرأة لنا سبّت الرسول وهي حربية تستبيح ذلك من غي مانع ،فقتل الذمية المنوعة عن ذلك بالعهد
أول.
ول يقال :عصمة الذمي أوكد؛ لنه مضمون والرب غي مضمون.
لنا نقول :الذمي أيضا ضامنٌ لدم السلم ،والرب غي ضامن ،فهو ضام ٌن مضمون؛ لن العهد الذي بيننا اقتضى
ذلك ،وأما الربية فل عهد بيننا و بينها يقتضي ذلك؛ فليس كون الذمي مضمونا يب علينا حفظه بالذي ُي َهوّن
عليه ما ينتهكه من عرض الرسول ،eبل ذلك أغلظ لرمه ،وأول بأن يؤاخذ با يؤذينا به ،ل نعلم شيئا تقتل به
الرأة الربية قصدا إل وقتل الذمية به أول.
الوجه الثالث
91
www.dorar.net الدرر السنية
الوجه الثالث :أن هؤلء النسوة ل يقاتلن عام الفتح ،بل كن متذللت مستسلمات ،والجاء إن كان من جنس
القتال فقد كان موجودا قبل ذلك ،والرأة الربية ل يوز قتلها ف غزوةٍ هي فيها مستسلمة لكونا قد قاتلت قبل
ذلك؛ فعلم أن السب بنفسه هو البيح لدمائهن ،ل كونن قاتلن.
الوجه الرابع
الرابع :أن النب eآمن جيع أهل مكة إل أن يقاتِلوا ،مع كونم قد حاربوه وقتلوا أصحابه ونقضوا العهد الذي
بينهم وبينه ،ث إنه أهدر دماء هؤلء النسوة فيمن استثناه وإن ل يقاتلن لكونن كن يؤذينه ،فثبت أن جرم الؤذِي
لرسول ال eبالسب ونوه أغلظ من جرم القتال وغيه ،وأنه يقتل ف الال الت ينهى فيها عن قتال من قتل وقاتل.
الوجه الامس
الامس :أن القينتي كانتا َأ َمتَي مأمورتي بالجاء ،وقتل المة أبعد من قتل الرة ،فإن النب /eنى عن قتل
العسيف ،وكونا مأمورة بالجاء أخف لرمها حيث ل تقصده ابتداء ،ث مع هذا أمر بقتلهما ،فعُلم أن السب من
أغلظ الوجبات للقتل.
الوجه السادس
السادس :أن هؤلء النسوة إما أن يكنّ ُقتِلن بالجاء لنن فعلنه مع العهد الذي كان بي النب eوبي أهل مكة،
فيكون من جنس هجاء الذمي ،أو قتلن لجرد الجاء مع عدم العهد ،فإن كان الول فهو الطلوب ،وإن كان الثان
فإذا جاز أن تقتل السابة الت ل عهد بيننا وبينها ينعها ،فقتل المنوعة بالعهد أول؛ لن مرد كفر الرأة وكونا من
أهل الرب ل يبيح دمها بالتفاق على ما تقدم ،ل سيما والسب ل يكن بنلة القتال على ما تقدم.
فإن قيل :ما وجه الترديد ،وأهل مكة قد نقضوا العهد وصاروا كلهم ماربي؟
قيل :لن النب eل يستبح أخذ الموال و َسبْي الذرية و النساء بذلك النقض العام؛ إما لنه عفا عن ذلك كما عفا
عن قتل مَن ل يقاتل ،أو لن النقض الذي وجد من بعض الرجال بعاونة بن بكر ومن بعضهم بإقرارهم على ذلك
ل يَسْرِ حكمه إل الذرية.
وما يوضح ذلك أن النب eآمن الناس به إل بن بكر من خزاعة ،وإل النفر السَ ّميْن إما عشرة أو أقل من عشرة أو
أكثر ؛ لن بن بكر هم الذين باشروا نقض العهد و قتلوا خزاعة ،فعلم أنه َفرّق بي من نقض العهد وَفعَ َل ما يبيح
الدم وبي من ل يفعل شيئا غي الوافقة على نقض العهد ،فبكل حالٍ ل يُقتل هؤلء النسوة للحراب العام والنقض
العام ،بل لصوص جرمهن من السب الناقض لعهد فاعله ،سواء ضم إليه كونه من ذي عهد أو ل يضم.
92
www.dorar.net الدرر السنية
و اعلم أن ما تقدم من قتل النسوة اللت سَّبيْن رسول ال eمثل اليهودية وأم الولد عصماء ،لو ل يثبت أنن كن
معاهدات لكان الستدلل به جائزا ،فإن كل ما جاز أن تقتل به الرأة الت ليست مسلم ًة ول معاهدةً من فعلها و
قولا فأن تقتل به الرأة العاهدة أول وأحرى ،فإن موجبات القتل ف /حق الذمية أوسع من موجباته ف حق الت
ليست ذميةً.
و ما يدل [على] مثل هذه الدللة ما رُوي أن امرأةً كانت تسب النب eفقال" :مَن يَ ْك ِفيْن عَ ُدوّي؟" فخرج إليها
خالد بن الوليد فقتلها.
93
www.dorar.net الدرر السنية
يقتل لجرد الردة ،فثبت أن هذا التغليظ ف قتله إنا كان لجل السب والجاء ،وأن الساب وإن ارتد ،فليس بنلة
الرتد الحض يقتل قبل الستتابة ،ول يؤخر قتله ،وذلك دليل على جواز قتله بعد التوبة.
94
www.dorar.net الدرر السنية
95
www.dorar.net الدرر السنية
مثل الَرَجَة من الناس يُسَرّون با يفعل ب ،قال :فدخلت على عمي العباس ،فقلت[ :يا عم] ،قد كنت أرجو أن
سيفرح رسول ال eبإسلمي لقرابت و َشرَف ،وقد كان منه ما رأيت فكلّمه ليضى عن ،قال :ل وال ل أكلمه
كلمة فيك أبدا بعد الذي رأيتُ منه ما رأيت إل أن أرى وجها ،إن أُجِلّ رسول ال eوأهابه ،فقلت :يا عم إل
من تكلن ؟ قال :هو ذاك ،فلقيت عليا فكلمته ،فقال ل مثل ذلك" ،وذكر الديث ،إل أن قال" :فخرجت
حفَة ،وهو ل يكلمن ول أحد من السلمي ،وجعلت ل فجلست على باب منل رسول ال eحت راح إل الُ ْ
ينل منلً إل أنا على بابه ،ومعي ابن جعفر قائم ،فل يران إل َأعْ َرضَ عن [فخرجت] على هذه الال ،حت
شهدت معه فتح مكة وأنا ف خيله الت تلزمه حت هبط من أذَاخِرَ ،حت نزل ا َلبْطَح ،فنظر إلّ نظرا هو ألي من
ذلك النظر قد رجوتُ أن يتبسم ،ودخل عليه نساء بن عبدالطلب ،ودَخََلتْ معهن زوجت ،فرَّق َقتْ ُه عليّ ،وخرج /إل
السجد وأنا بي يديه ل أفارقه على حال ،حت خرج إل هوازن فخرجت معه" ،وذكر قصته بوازن ،وهي
مشهورة.
قال الواقدي" :وقد سعت ف إسلم أب سفيان بن الارث بوجه آخر ،قال :لقيت رسول ال ِ[ eبنْيقِ] العُقاب"،
وذكر الديث نوا ما ذكره ابن إسحاق .قال ابن إسحاق" :وكان أبو سفيان بن الارث ،و عبدال بن أمية بن
الغية قد لقيا رسول ال [ eبِنْيقِ] ال ُعقَاب فيما بي مكة والدينة ،فلتمسا الدخول عليه ،فكلّ َمتْه أم سلمة فيهما،
ك عِرْضِيَ ،وَأمّا
فقال :يا رسول ال ابن عمك وابن عمتك وصهرك ،فقال" :ل حَا َجةَ لِي ِبهِمَاَ ،أمّا اب ُن عَمّي َف َهتَ َ
صهْرِي َف ُه َو الّذِي قَالَ لِي بِ َم ّك َة مَا قَالَ".
اب ُن عَ ّمتِي وَ ِ
[قال] :فلما خرج الب إليهما بذلك ـ ومع أب سفيان بن الارث ابن له ـ فقال :وال ليأذنن ل رسول ال eأو
لخذن بيد ابن هذا ث لنذهب ف الرض حت نوت عطشا أو جوعا ،فلما بلغ ذلك رسول ال َ eرقّ لما ،فدخل
عليه ،فأنشده أبو سفيان قوله ف إسلمه واعتذاره ما كان مضى منه ،فقال:
حمّدِ
ِلَتغِْلبَ َخيْ ُل الّلتِ َخيْ َل مُ َ َلعَـمْ ُركَ ِإنّي َي ْومَ أحْـمِلُ رَاَيةً
َفهَذَا َأوَانِي ِحيْنَ ُأهْدَى َفَأ ْهتَدِي ل الَـيْرَانِ أَظَْلمَ َليْلُهُ
َلكَالْـمُ ْد ِ
عَلَى الِ مَ ْن طَرّدْتُ كُ ّل مُ َطرّدِ هَدَانِي هَا ٍد َغيْ ُر َنفْسِي ،وَدَّلنِي
وذكر باقي البيات .
وف رواية الواقدي قال :فطلبا الدخول على رسول ال ،eفأب أن يُدخلهما عليه ،فكلمته أم سلمة زوجته ،فقالت:
يا رسول ال صهرك وابن عمتك وابن عمك وأخوك من الرضاعة ،وقد جاء ال بما مسلمَي ،ل يكونا أشقى الناس
بك ،فقال رسول ال " :eل حَا َجةَ لِي ِبهِما ،أمّا أَخُوك فالقَائِل لِي بِ َم ّك َة مَا قَالَ :لَن يُؤمن لِي َحتّى أَرْقَى فِي
96
www.dorar.net الدرر السنية
السّمَاءِ" ...فقالت :يا رسول ال إنا هو من قومك ،وكل قريش قد تكلم ،ونزل القرآن فيه بعينه ،وقد /عفوتَ
عمن هو أعظم جرما منه ،و ابن عمك ،قرابتك به قريبة ،وأنت أحق الناس عفا عنه جرمه ،فقال رسول ال ُ " :eهوَ
الّذِي َهتَكَ عِرْضي؛ فل حَا َجةَ لِي ِبهِما" فلما خرج إليهما الب قال أبو سفيان بن الارث ومعه ابنه :وال ليقبلن
من أو لخذن بيد ابن هذا فلذهب ف الرض حت أهلك عطشا وجوعا ،وأنت أحلم الناس وأكرم الناس ،مع
صدّقك ،ول من القرابة مال
َرحِمي بك ،فبلغ رسول ال eمقالتُه ،فرقّ له ،وقال عبدال بن أب أمية :إنا جئت ل َ
صهْر بك ،وجعلت أم سلمة تكلمه فيهما ،فرّق رسول ال eلما ،فأذن لما ،ودخل فأسلما ،وكانا جيعا
وال ّ
سنَي السلم.
حَ َ
ُقتِلَ عبدال بن أب أمية بالطائف ،ومات أبو سفيان بن الارث بالدينة ف خلفة عمر رضي ال عنه ،ل يغمص عليه
ف شيء ،ولقد كان رسول ال eأهدر دمه قبل أن يلقاه.
قال :وأما الويرث بن نقيد فقتله علي بن أب طالب ،وكذلك ذكر ابن إسحاق ف رواية ابن بكي وغيه عنه من
حتَ َأسْتارِ ال َكعْبةِ" :الويرث بن نقيد ،وكان من
النفر الذين استثناهم النب eوقال" :ا ْقتُلُوهُم وَ إِن وَجَدتّمُوهُم تَ ْ
يؤذي رسول ال .e
قال الواقدي عن أشياخه :أن النب eنى عن القتال ،و أمر بقتل ستة نفر وأربع نسوة :عكرمة بن أب جهل،
و[هَبّار] بن السود ،وابن أب سرح ،ومقيس بن صبابة ،و الويرث بن نقيد ،وابن خطل...
قال :وأما الويرث بن نقيد فإنه كان يؤذي النب ،eفأهدر دمه ،فبينا هو ف منله يوم الفتح قد أُغلق عليه ،و أقبل
علي رضي ال عنه يسأل عنه ،فقيل :هو ف البادية ،فأُخب الويرث أنه يُ ْطلَب ،وتنحّى عَِليّ عن بابه ،فخرج
الويرث يريد أن يهرب من بيتٍ إل بيتٍ آخر ،فتلقاه علي فضرب عنقه.
ومثل هذا ما يشتهر عند هؤلء مثل الزهري وابن عقبة وابن إسحاق والواقدي والموي وغيهم ،أكثر ما فيه أنه
مرسل ،والرسل إذا ُروِيَ من جهاتٍ متلفة ل سيما من له عناية بذا المر [وتتبع] له كان كالسند ،بل بعض ما
يشتهر عند أهل الغازي ويستفيض أقوى ما يروى بالسناد الواحد ،ول يوهنه انه ل يُذكر ف الديث الأثور عن
سعد وعَمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ،لن الْثبِت مُقدّم على الناف ،ومَن أخب أنه أمر بقتله فمعه زيادةُ علم،
ولعل النب eل يأمر بقتله ث أمر بقتله ،وذلك أنه يكن أن النب eنى أصحابه أن يقاتلوا إل من قاتلهم إلّ النفر
الربعة ،ث أمرهم أن يقتلوا هذا وغيه ،ومرد نيه /عن القتال ل يوجب عصمة الكفوف عنهم ،لكنه بعد ذلك
آ َمنَهم المان العاصم للدم ،وهذا الرجل قد أمر النب eبقتله لجرد أذاه له مع أنه قد آمن أهل البلد الذين قاتلوه
وأصحابه وفعلوا بم الفاعيل.
وهذا وال أعلم لن النضر قُتل بالصفراء عند بَدْر ،فلم ُيعَد من الَسْرى عند هذا القائل ،لقتله قريبا من مصارع
قريش ،وإل فل خلف علمناه أن النضر وعقبة قد ُقتِل بعد ا َلسْرِ.
صبْرا؟ فقال له النب
وقد روى البزار عن ابن عباس أن عُقْبة بن أب ُم َعيْط نادى :يا َمعْشَر قريشٍ مال أٌقتل من بينكم َ
" :eبِكفْرْك وَا ْفتِرَائِكَ على َرسُول ال".
وقال الواقدي :كان النضر بن الارث أسرهُ ا ِلقْدَادُ بن السود ،فلما خرج رسول ال eمن بدر فكان با ُلَثيّ ِل
عُرِض عليه السْرَى ،فنظر إل النضر بن الارث فأبده البصر ،فقال لرجل إل جنبه :ممدٌ وال قاتِلي ،لقد نظر إلّ
بعيني فيهما الوت ،فقال الذي إل جنبه" :وال ما هذا منك إل رعب" فقال النضر لصعب بن عمي :يا مصعب
أنت أقرب مَن هاهنا ب رحا ،كلم صاحبك أن يعلن كرجل من أصحاب /،هو وال قاتلي إن ل تفعل ،قال
مصعب :إنّك كنت تقول ف كتاب ال :كذا وكذا ،و تقول ف نبيه :كذا وكذا ،قال :يا مصعب يعلن كأحد
أصحاب؛ إن قُتلوا قُتلت ،وإن مَ ّن عليهم مَنّ علي ،قال مصعب :إنك كنت تُعذّب أصحابه ـ وذكر الديث إل أن
قال :ـ فقتله عَِليّ بن أب طالب صبا بالسيف.
قال الواقدي :وأقبل رسول ال eبالسرى حت إذا كانوا بعِرْق [ال ّظبْية] أمر عاصم بن ثابت بن أب القلح أن
يضرب عنق عقبة ابن أب ُمعَيْط ...فجعل عقبة يقول :يا ويلي علم أُقتل يا قريش مِن بي مَن هاهنا؟ قال رسول ال
ل وَ َرسُولِه" قال :يا ممد مَنّكَ أفضل ،فاجعلن كرجلٍ من قومي ،إن قتلتهم قتلتن ،وإن مننت عليهم
ِ" :eلعَدَا َوتِكَ ِ
صْبيَة؟ قال رسول ال " :eالنّارَُ ،قدّمهُ يا عَاصِم
مننت عليّ ،وإن أخذت منهم الفداء كنتُ كأحدهم ،يا ممد من لل ّ
ب عُنقَه" َفقَدّمه عاصم فضرب عنقه ،فقال رسول ال ِ" :eبْئسَ الرّجُل ُكنْتَ ـ وال ـ مَا عِل ْمتُ كَافِرا بِالِ ضرِ ْ فَا ْ
ك َوأَقَ ّر َعيْنِي ِمنْكَ".
َوِبكِتَابِ ِه َوبِ َرسُولِهُِ ،مؤْذِيا ِلَنِبيّهَِ ،فأَحْمدُ الَ الذِي ُهوَ َقتَلَ َ
99
www.dorar.net الدرر السنية
100
www.dorar.net الدرر السنية
ظ و َت ْفصِيْ ُل
ـقُرْآنِ فِـيهِ َموَاعِي ٌ َم ْهلً هَدَاكَ الّذِي َأعْطَا َك نَافَِل َة الْـ
أُ ْذِنبْ ،وَ َلوْ َكثُرَتْ ِفيّ الَقَاوِيلُ َل َتأْخُ َذنّـي بِأَ ْقوَالِ الْ ُوشَاةِ وَلَمْ
وف حديث آخر :وذلك أنه بلغه أن رسول ال eندر دمه لقو ٍل بلغه عنه ،فقَدِم على رسول ال eمسلما ،ودخل
مسجده وأنشد القصيدة ،فقد أُخب أن رسول ال eكتب ف قتل رجال بكة لجل هجائهم وأذاهم ،حت فَ ّر مَن فرّ
منهم إل نران ،ث رجع ابن ال ّزَبعْرَى تائبا مسلما ،وأقام ُهَبيْرَة بنجران حت مات مشركا ،ث إنه أهدر دم كعب ِلمَا
قاله مع أنه ليس من بليغ الجاء؛ لكونه َطعَن ف دين السلم و عَابه ،وعاب ما يدعو إليه الرسول eث إنه تاب قبل
القدرة عليه ،وجاء مسلما ،وكان حربيا ،ومع هذا فهو يلتمس العفو ويقول:
* َل َتأْخُـ َذنّن ِبأَقْـوَالِ الوُشَاةِ ولَمْ ُأ ْذنِبْ *
ومن ذلك :ما نُقل أنه كان eيندب إل قتل من يهجوه ،ويقول" :مَ ْن َي ْكفِينِي عَ ُدوّي؟".
قال الموي :سعيد بن يي بن سعيد ف مغازيه :ثنا أب قال :أخبن عبداللك بن جريج عن رجلٍ أخبه عن عكرمة
عن عبدال بن عباس أن رجلً من الشركي شتم رسول ال ،eفقال رسول ال " :eمَن َيكْفِينِي عَ ُدوّي؟" فقام
الزبي بن العوام فقال :أنا ،فبارزه ،فأعطاه رسول ال eسََلبَهُ ،ول أحْسِبه إل ف خيب حي قُتل ياسر ،ورواه
عبدالرزاق أيضا.
ل كان [يسبّ] النب eفقال" :مَن يَ ْكفِينِي عَ ُدوّي؟" فقال خالد :أنا ،فبعثه النب ،eفقتله.
و َروَى أن رج ً
101
www.dorar.net الدرر السنية
سبّن و ُسبّ أمي ،وكُفّ عن سب رسول ال ،eفلم يزده ذلك إل إغْرَاء ،فأعاد أنا فلن بن فُلن ،وأمي فلنة ،فَ ُ
مثل ذلك ،وعاد الرجل مثل ذلك ،فقال ف الثالثة :لَئ ْن عُدت لرْ َحَلنّك بسيفي ،فعاد ،فحمل عليه الرجل ،فولّى
مُدبرا ،فاتّبعه الرجل حت خرق صفوف الشركي ،فضربه بسيفه ،وأحاط به الشركون فقتلوه فقال رسول ال :e
ل وَ َرسُولَه؟" ث إن الرجل برئ من جراحه ،فأسلم ،فكان يسمى الرحيل ،ورواه الموي ف
جْبتُ ْم مِنْ رَ ُج ٍل َنصَرَ ا َ
"َأعَ ِ
مغازيه من هذا الوجه.
وقد تقدم حديث عمي بن عدي لا قال ـ حي بلغه أذى بنت مروان للنب eـ :اللهم إ ّن عليّ نذرا لئن رددت
رسول ال eإل الدينة لَقتلنّها ،فقتلها بدون إذن النب ،eفقال النب ِ" :eإذَا أَ ْحَبْبتُم أَ ْن َتنْظُرُوا إِلَى َرجُ ٍل َنصَرَ الَ
وَ َرسُولَه بِالغَْيبِ فَانْظُرُوا إِلَى عُ َميْر ب ِن عَدِيّ".
وكذلك حديث اليهودية وأم الولد ،فإن النب /eأهدر دمها لا قتلت لجل سبه( ،وقد قتلت بدون إذنه .فهذا ما
يدخل ف أنه eأقرّ من قتل رجلً لجل سبه).
وقد تقدم أيضا حديث الرجل الذي نذر أن يقتل ابن أب سرح لا افتراه على النب ،eوأن النب eأمسك عن
مبايعته ليقوم إليه ذلك الرجل فيقتله ويفي بنذره.
إِ ْذ َسفّ َه الْحَ ّق َوسَ ّن الْمُنكَرَا سعَرَانَحْنُ َقتَ ْلنَا فِي ثَلثٍ مِ ْ
شتْـمِ ِه نَِبيّـنَا الُطَـهّرَا بِ َ َقّنعْتُ ُه َسيْفا حُسـاما مَُبتّرا
فقال رسول ال " :eهَذَا ِعفْرِيتٌ مِن الِ ّن اسْمُه سَ ْمحَج ،آمَ َن بِي ،سَمّيتُ ُه َعبْدَالِ ،أَ ْخبَرنِي َأنّهُ فِي طََلبِ ِه ُمنْ ُذ َثلََثةِ
َأيّامٍ" ،فقال علي :جزاه ال خيا يا رسول ال.
ومن /ذُكر أنه قتل لجل أذى النب eرافع بن أب الُقَيق اليهودي ،وقصته معروفة مستفيضة عند العلماء ،فنذكر
منها موضع الدللة.
عن الباء بن عازب قال :بعث رسول ال eإل أب رافع اليهودي رجالً من النصار ،وَأمّرَ عليهم عبدال بن
عتيك ،وكان أبو رافع يؤذي رسول ال eوُيعِي عليه ،وكان ف حصن له بأرض الجاز ،فلما دنوا منه ـ وقد
غربت الشمس وراح الناس بِسَ ْر ِحهِم ـ قال عبدال لصحابه :اجلسوا مكانكم فإن منطلق ومتلطف للبواب لعلّي
أن أدخل ،فأ ْقبَلَ حت دنا من الباب ،ث َت َقنّع بثوبه كأنه يقضي حاجته وقد دخل الناس ،فهتف به البواب يا عبدال
إن كنت تريد أن تدخل فادخل فإن أريد أن أغلق الباب ،فدخلت فكَ َمنْتُ ،فلما دخل الناس أغلق الباب ،ث علّق
الغاليق على وَدّ ،قال :فقمت إل القاليد فأخذتا ففتحت الباب ،وكان أبو رافع يُسْمَر عنده ،وكان ف علل له،
صعِدتُ إليه ،فجعلت كلما فتحت بابا أغلقت عََليّ من داخل .قلت :إنِ القوم نَذِرُوا ب فلما ذهب عنه أهل سَمَره َ
ل يَخُْلصُوا إلّ حت أقتله ،فانتهيت إليه ،فإذا هو ف بيت مظلم وسط عياله ل أدري أين هو من البيت ،قلت :أبا
رافع ،قال :من هذا؟ فأ ْهوَيتُ نو الصوت فأضربه ضربةً بالسيف و أنا َدهِش ،فما أغنيت شيئا ،وصاح فخرجت من
ك الويل ،إنّ ر ُجلً ف البيت
البيت ،فأمْ ُكثُ غي بعيد ث دخلت إليه فقلت :ما هذا الصوت يا أبا رافع ؟ فقال :لمّ َ
ب السيف ف بَطنه حت أخذ ف ظهره، خَنتْهُ ،ول أقتله ،ث وضعت ضَبي َ
ضربن قبلُ بالسيف ،قال :فأضربه ضرب ًة أثْ َ
فعرفت أن قتلته ،فجعلت أفتح البواب بابا بَابا ،حت انتهيت إل درجةٍ له فوضعت رجْلي وأنا أرى أنْ قد انتهيت
إل الرض ،فوقعت ف ليلة ُمقْمِرة ،فانكسرت ساقي ،فعصبتها بعمامة ،ث انطلقتُ حت جلست على الباب فقلت:
ل أ ْخرُجُ الليلة حت أعلم أقتلته ،فلما صاح الديك /قام الناعي على السور .فقال :أْنعِي أبا رافع تاجرَ أهل الجاز،
فانطلقت إل أصحاب فقلت :النّجاءَ ،قد َقتَلَ ال أبا رافع ،فانتهيت إل النب eفحدثته فقال" :ابْسُطْ ِرجْلَكَ"،
فبسطت رجلي ،فمسحها ،فكأنا ل أشتكها قط ،رواه البخاري ف "صحيحه".
وقال ابن إسحاق :حدثن الزهري عن عبدال بن كعب بن مالك قال :ما صنع ال لرسوله eأن هذين اليي من
حلَي ،ل يصنع أحدها شيئا إل صنع الخر مثله ،يقولون :ل
النصار الوس والزرج كانا َيتَصَاوَلَن معه َتصَاوُل الفَ ْ
َيعُدّون ذلك فضلً علينا ف السلم وعند رسول ال ،eفلما قتل الوس كعب بن الشرف تذكّرَت الزرج رجلً
103
www.dorar.net الدرر السنية
هو ف العداوة لرسول ال eمثله فتذاكروا ابن أب الُقيق بيب ،فاستأذنوا رسول ال eف تقله ،فأذن لم ،وذكر
الديث إل أن قال :ث صعدوا إليه ف عُلّيةٍ له ،فقرعوا عليه الباب ،فخرجت إليهم امرأته ،فقالت من أنتم؟ فقالوا:
حيّ من العرب نريد ا ِليْرَة ففتحت لم ،فقالت :ذاكم الرجل عندكم ف البيت ،وذكر تام الديث ف قتله.
فقد تبي ف حديث الباء و ابن كعب إنا تسرى السلمون لقتله بإذن النب eلذاه للنب eومعاداته له.
وأنه كان نظي ابن الشرف ،لكن ابن الشرف كان معاهدا فآذى ال ورسوله فندب السلمي إل قتله ،وهذا ل
يكن معاهدا.
السلم يب ما قبله
الثالث :أن الرب إذا أسلم ل ُيؤْخَذ بشيء ما عمله ف الاهلية ،ل من حقوق ال و ل من حقوق العباد ،من غي
جبّ مَا َقبْلَه"
لمُ يَ ُ
خلف نعلمه؛ لقوله تعال) :قُلْ لِلّذِينَ َكفَرُوا ِإنْ َيْنتَهُوا ُي ْغفَرْ َلهُ ْم مَا َق ْد سَلَفَ( ولقوله " :eالِ ْس َ
سنَ فِي ا ِلسْلمِ لَم يُؤاخَ ْذ بِمَا عَمِلَ فِي الَاهِِلّيةِ" متفق عليه.
رواه مسلم ولقوله " :eمَنْ أَحْ َ
ولذا أسلم خلق كثي وقد قتلوا رجا ًل يُعرفون؛ فلم يطلب أحد منه ب َقوَد ول دية ول كفارة.
أسلم وحشي قاتل حزة ،وابن العاص قاتل ابن قوقل ،وعقبة بن الارث قاتل ُخبَيب بن عدي ،ومَن ل يُحْصى من
ل بعينه من السلمي؛ فلم يوجب النب eعلى أحدٍ منهم قصاصا،
ثبت ف الصحيح أنه أسلم وقد علم أنه قتل رج ً
104
www.dorar.net الدرر السنية
لنّة،
لنّة ،يُقتل هَذا فِي َسبِيلِ الِ َفيَدخ ُل ا َ
بل قال َ" :eيضْحَكُ الُ إِلَى َرجُلي َيقْتلُ أَحدُها الخر ،كِلهُما يَ ْدخُ ُل ا َ
لنّة") متفق عليه. ل عَلى القاتِل َفيُسْلِم َوُي ْقتَل فِي َسبِيلِ ال َفيَدْخل ا َ
(ثُ َم َيتُوبُ ا ُ
فبي سبحانه أن السلمي أُخرجوا من ديارهم و أموالم بغي حق ،حت صاروا فقراء بعد أن كانوا أغنياء.
ث أن الشركي استولوا على تلك الديار والموال ،وكانت باقيةً إل حي الفتح ،وقد أسلم من استول عليها ف
الاهلية ،ث ل يردّ النب eعلى أحدٍ منهم أخرج من داره بعد الفتح والسلم دارا ول مالً ،فإن قيل للنب eيوم
الفتح :أل تنل ف دارك؟ فقال" :وهل ترك لنا عقيل من دار؟".
وسأله الهاجرون أن ير ّد عليهم أموالم الت استول عليها أهل مكة ،فأب ذلك ،eوأقرها بيد من استول عليها بعد
إسلمه.
"فلما كان يوم فتح مكة أتى أبو أحد بن جحش وقد ذهب بصره إل رسول ال eفكلمه فيها ،فقال :يا رسول ال
إن أبا سفيان عمد إل داري فباعها ،فدعاه النب رسول ال eفكلمه فيها فسارّه بشيء /،فما سُمع أبو أحد بعد
صبَرتَ كَانَ َخيْرا ،وَكَانَ لَكَ
ذلك ذَ َكرَها ،فقيل لب أحد بعد ذلك :ما قال لك رسول ال e؟ قال :قال لِ" :إنْ َ
ِبهَا دَارٌ فِي الَّنةِ" قال :قلت :فأنا أصب ،فتركها أبو أحد".
107
www.dorar.net الدرر السنية
قال الواقدي عن أشياخه قالوا" :وقام أبو أحد بن جحش على باب السجد على جلٍ له حي َفرَغ النب eمن
خطبته ـ يعن الطبة الت خطبها وهو واقف بباب الكعبة حي دخل الكعبة فصلى فيها ث خرج يوم الفتح فقال أبو
أحد :ـ وهو يصيح :أنشد بال يا بن عبد مناف حلفي ،أنشد بال يا بن عبد مناف داري ،قال :فدعا رسول ال
eعثمان بن عفان فسا ّر عثمان بشيء ،فذهب عثمان إل أب أحد فسارّه ،فنل أبو أحد عن بعيه ،وجلس مع
القوم ،فما سُمع أبو أحد ذكرها حت لقي ال".
قال ابن إسحاق :حدثن ابن أب نيح قال :لا قَ ِدمَ رسول ال eمكة نظر إل تلك ال ّربَاع ،فما أدرك منها قد اقتسم
على أمر الاهلية تركه ل يركه ،وما وجده ل يقسم قسَمَه على قِسمة السلم.
وهذا الذي رواه ابن أب نيح يوافق الحاديث الُسْنَدَة ف ذلك ،مثل حديث ابن عباس ،قال :قال رسول ال :e
لمُ فَِإنّ ُه عَلَى مَا قَسَ َم ا ِل ْسلَمُ" رواه أبو داود سمَ ،وَكُلّ قسْمٍ أَ ْدرَكَه ا ِل ْس َ
سمٍ قُسِمَ فِي الَاهِِلّيةِ َف ُه َو عَلَى مَا قُ ِ
"كُلّ ق ْ
وابن ماجه.
وهذا أيضا يوافق ما د ّل عليه كتابُ ال ،و ل نعلم فيه خلفا؛ فإن الربّ لو عقد عقدا فاسدا من رِبا أَو بيع خر
أو خنير أو نو ذلك ث أسلم بعد َقْبضِ العوض ل يرم ما بيده ،ول يب عليه رَدّه ،ولو ل يكن َقَبضَه ل يز له أن
يقبض منه إل ما يوز للمسلم كما د ّل عليه قوله تعال) :اّتقُوا /ال َ وَ َذرُوا مَا َبقِ َي مِنَ ال ّربَا ِإنّ ُكْنتُم مُؤمِنِيَ(،
فأمرهم بترك ما بقي ف ذمم الناس ،ول يأمرهم برد ما قبضوه.
وكذلك وَضَع النب eلا خطب الناس كل دم أصيب ف الاهلية ،وكل ربا ف الاهلية ،حت ربا العباس ،ول يأمر
برد ما كان ُقبِض ،فكذلك الياث :إذا مات اليت ف الاهلية واقتسموا تركته أمضيت القسمة ،فإن أسلموا قبل
سمَ على قَسْم السلم ،فلما مات أبو طالب كان الكم بينهم أن يرثه جيعالقتسام أو تاكموا إلينا قبل القسمة قُ ِ
ولده ،فلم يقتسموا ِربَاعه حت هاجر جعفر وعلي إل الدينة ،فاستول عقيل عليها وبَاعَها ،فقال النب ْ " :eل َيتْ ُركَ
َلنَا َعقِي ٌل َمنْزِلً إِ ّل اسْتَولَى عََليْ ِه َو بَاعَهُ" فكان معن هذا الكلم أنه استول على دور كنا نستحقها إذ ذاك ،ولول
ث ا ُل ْؤمِنُ الكَافِرَ ،وَلَ
ذلك ل تضف الدور إليه و إل بن عمه إذا ل يكن لم فيها حق ،ث قال بعد ذلكَ " :ل يَرِ ُ
الكَافِ ُر الُ ْؤمِنَ" يريد وال أعلم لو أن ال ّربَاع باقي ٌة بيده إل الن ل تقسم لكنا نعطي رباع أب طالب كلها له دون
إخوته؛ لنه مياث ل يقسم ،فيقسم الن على قَسْم السلم( ،ومِن قَسم السلم) أن ل يرث السلم الكافر ،فكان
نزول هذا الكم بعد موت أب طالب ،وقبل قسمة تركته بنلة نزوله قبل موته ،فبي النب eأن عليا وجعفرا ليس
لما الطالبة بشيء من مياث أب طالب لو كان باقيا فكيف إذا أخذ منه ف سبيل ال؟ فإذا كان الشرك الرب ل
يُطالَب بعد إسلمه با كان أصابه من دماء السلمي وأموالم وحقوق ال ،ول يُنتزع ما بيده من أموالم الت غنمها
منهم ل يؤاخذ أيضا با أسلفه من سب و غيه؛ فهذا وجه العفو عن هؤلء.
ب النب ،eوحديث
وأمي وكُفّ عن رسول ال ،eث حل عليه حت قتل ،وحديث الذي قتل أباه لا سعه يس ّ
النصاريّ الذي نَ َذرَ أن يقتل ال َعصْماءَ َف َقتََلهَا ،وحديث الذي نذر أن يقتل ابن أب سرح وكَفّ النب eعن مبايعته
ليوف بنذره.
خزي أب لب
يؤيد ذلك أن أبا لب كان له من القرابة ماله ،فلما آذاه وتلّف عن بن هاشم ف نصره ،نزل القرآن فيه با نزل من
اللعنة والوعيد باسه[ ،خزيا] ل يفعل بغيه من الكافرين ،كما روي عن ابن عباس أنه قال :ما كان أبو لب إل من
كفار قومه ،حت خرج منا حي تالفت قريش علينا ،فظاهرهم ،فسبه ال ،وبنو الطلب مع مساواتم لعبدشس
ونوفل ف النسب لا أعانوه ونصروه وهم كفار شكر ال ذلك لم فجعلهم بعد السلم مع بن هاشم ف سهم ذوي
القرب ،وأبو طالب لا أعانه ونصره وذب عنه خُفف عنه العذاب ،فهو من أخف أهل النار عذابا.
110
www.dorar.net الدرر السنية
وقد رُوى أن أبا لب سُقي ف نقرة البام لعتقه ُثوَْيبَة إذ بشرته بولدته.
111
www.dorar.net الدرر السنية
يستحله ظاهرا وباطنا ول يعاهدنا عهدا يقتضي تركه فَل ْن يقتل لجله مَنِ التزم أن ل يظهره وعاهدنا على ذلك
أول وأحرى.
وأيضا ،فقد تبي با ذكرناه من هذه الحاديث أن الساب يب قتله ،فإن النب eأمر بقتل الساب ف مواضع،
والمر يقتضي الوجوب ،ول يبلغه عن أحد السب إل ندر دمه ،وكذلك أصحابه ،هذا مع ما قد كان يكنه من
العفو عنه ،فحيث ل يكنه العفو عنه يب أن يكون قتل الساب أوكد ،والرص عليه أشد ،وهذا الفعل منه هو نوع
من الهاد والغلظ على الكافرين والنافقي وإظهار دين ال وإعلء [كلمته] ،ومعلوم أن هذا واجب ،فعلم أن قتل
الساب واجب ف الملة ،وحيث جاز العفو له eفإنا هو فيمن كان مقدورا عليه من مُ ْظهِر السلم مطيع له أو
من جاء مستسلما ،أما المتنعون فلم َيعْفُ عن أحد منهم ،ول يرد على هذا أن بعض الصحابة آمن إحدى ال َقْينَتي
وبعضهم آمن ابن أب سرح؛ لن هذين كانا مسلمي مري َديْن للسلم و التوبة ،ومَن كان كذلك فقد كان النب e
له أن يعفو عنه ،فلم يتعي قتله ،فإذا ثبت أن الساب كان قتله واجبا ،والكافر الرب الذي ل يسب ل يب قتله بل
يوز قتله ،فمعلوم أن الذمة ل تعصم َدمَ من يب قتله[ ،وإنا تعصم دم من يوز قتله] أل ترى أن الرتد ل ذمة له،
وأن القاطع والزان لا وجب قتلهما ل تنع الذمة قتلهما؟.
و أيضا ،فل مزية للذمي على الرب إل بالعهد ،والعهد ل يُبح له إظهار السب بالجاع ،فيكون الذمي /قد شرك
الرب ف إظهار السب الوجب للقتل ،وما اختص به من العهد ل ُيبِحْ له إظهار السب ،فيكون قد أتى با يوجب
القتل وهو ل ُيقَرّ عليه فيجب قتله بالضرورة.
وأيضا ،فإن النب eأمر بقتل مَن كان يسبه ،مع أمانه لن كان ياربه بنفسه وماله ،فعُلم أن السب أشد من الحاربة
أو مثلها ،والذمي إذا حارب ُقتِل فإذا سب قتل بطريق الول.
وأيضا ،فإن الذمي وإن كان معصوما بالعهد فهو منوع بذا العهد من إظهار السب ،والرب ليس له عهد يعصمه
ول ينعه ،فيكون الذمي من جهة كونه منوعا أسوأ حالً من الرب ،وأشد عداوة ،وأعظم جرما ،وأول بالنكال و
العقوبة الت ُيعَاقب با الرب على السب ،و العهد الذي عصمه ل يف بوجبه فل ينفعه؛ لنا إنا نستقيم له ما
استقام لنا ،وهو ل يستقم بالتفاق ،وكذلك يعاقب ،والعهد يعصم دمه وبشره إل بق ،فلما جازت عقوبته
بالتفاق ،عُلم أنه قد أتى ما يوجب العقوبة.
وقد ثبت بالسنة أن عقوبة هذا الذنب القتلُ ،وس ّر الستدلل بذه الحاديث أنه ل يقتل الذمي لجرد كون عهده قد
انتقض؛ فإن مرد نقض العهد يعله ككافر ل عهد له ،وقد ثبت بذه السنن أن النب eل يأمر بقتل الساب لجرد
113
www.dorar.net الدرر السنية
كونه كافرا غي معاهد ،وإنا قتله لجل السب مع كون السب مستلزما للكفر و العداوة والحاربة ،وهذا القدر
موجب للقتل حيث كان ،وسيأت الكلم إن شاء ال على تعي قتله.
السنة الثالثة عشرة :ما رويناه من حديث أب القاسم [عبدال] بن ممد البغوي :ثنا يي بن عبدالميد المان ثنا
علي بن مُسْهر عن صال بن َحيّان عن ابن بُرَيدة عن أبيه (قال :جاء رجل إل قوم ف جانب الدينة فقال)" :إن
رسول ال eأمرن أن أحكم فيكم برأيي و ف أموالكم و ف كذا وف كذا" وكان خطب امرأة منهم ف الاهلية
ب عَ ُدوّ الِ" ث أرسل
فأبوا أن يزوجوه ،ث ذهب حت نزل على الرأة ،فبعث القوم إل رسول ال /،eفقالَ " :كذَ َ
ت وَجَدتّ ُه مَيتا َفحَرقْ ُه بِالنّارِ" ،فانطلق فوجده قد لُدغ فمات ،فحرقه
رجلً فقالِ" :إنْ وَجَدتّهُ َحيّا فَا ْقتُلهَُ ،وإِنْ َأنْ َ
ب عََليّ ُمَتعَمّدا َف ْليََتَب ّوأْ َم ْقعَ َدهُ مِنَ النّارِ".
بالنار ،فعند ذلك قال رسول ال " :eمَن َكذَ َ
ورواه أبو أحد بن عدي ف كتابه "الكامل" قال :ثنا السن ابن ممد بن عنب ثنا حجاج بن يوسف الشاعر ثنا
زكريا بن عدي ثنا علي بن مسهر عن صال بن حيان عن ابن بريدة عن أبيه قال :كان حيّ من بن ليث من الدينة
على ميلي ،وكان رجلٌ قد خطب منهم ف الاهليه فلم يزوجوه ،فأتاهم وعليه ُحلّة فقال :إن رسول ال eكسان
هذه اللة ،وأمرن أن أحكم ف أموالكم ودمائكم ،ث انطلق فنل على تلك الرأة الت كان يبها فأرسل القوم إل
ضرِبْ
ب عَ ُدوّ الِ" ث أرسل رجلً فقالِ" :إ ْن وَجَدتّهُ َحيّا ـ َومَا أَرَاكَ َتجِدُه حَيا ـ فَا ْ
رسول ال ،eفقال" :كَذَ َ
ب عََليّ ُمَتعَمّدا َف ْليََتَب ّوأْ َم ْقعَ َدهُ مِنَ
ُعُنقَهَُ ،وِإنْ َوجَدتّ ُه مَيتا َفأَحْرِقْ ُه بِالنّارِ" ،قال :فذلك قول رسول ال " :eمَن َكذَ َ
النّارِ" هذا إسناد صحيح على شرط الصحيح ،ل نعلم له علة.
وله شاهد من وجه آخر رواه ا ُلعَاف بن زكريا الريري ،ف كتاب "الليس" قال :ثنا أبو حامد الضرمي ثنا السري
ابن مزيد الراسان ثنا أبو جعفر ممد بن علي الفزاري ثنا داود ابن الزبرقان .قال :أخبن عطاء بن السائب عن
ب عََل ّي مَُتعَمّدا َف ْلَيتََب ّوأْ َم ْقعَدُه مِنَ
عبدال بن الزبي قال يوما لصحابه :أتدرون ما تأويل هذا الديث" :مَنْ كَذَ َ
النّارِ"؟ .قال[ :كان] رجل عَشِقَ امرأة فأتى أهلها مساءً فقال :إن رسول ال eبعثن إليكم أن أتضيف ف أي
بيوتكم شئت ،قال :وكان ينتظر َبيْتُوتِّي َة الساء ،قال :فأتى رجل منهم النب فقال :إن فلنا أتانا يزعم أنك أمرته
ب عُُنقَ ُه َوأَحْرِقْ ُه بِالنّارِ ،وَل
ضرِ ْ
ل مِنهُ فَا ْ
أن يبيت ف أي بيوتنا شاء ،فقالَ " :كذَبَ ،يَا ُفلَ ُن انْطَلِ ْق َمعَهُ ،فَِإنْ َأ ْم َكنَكَ ا ُ
أَرَاكَ إلّ قَدْ ُكفِيتَهُ" ،فلما خرج الرسول قال رسول ال " :eا ْدعُوهُ" فلما جاء قالِ" :إنّي ُكنْتُ َأمَ ْرتُكَ أن َتضْر َ
ب
ب عنقَهُ ،وَل تَحْرِقْه بالنّارِ؛ فإنّه ل يُعذّب بالنّارِ إل رَبّ النارِ ،ول
ل منْهُ فَاضْر ْ
ُعُنقَهُ وأَن َتحْرِقْه بالنّارِ ،فَإنْ َأمْ َكنَكَ ا ُ
أَرَاكَ إل قَد ُكفِيتَه" ،فجاءت السماء بصيّب ،فخرج الرجل ليتوضأ فلسعته أفعى ،فلما بلغ ذلك النب eقال" :هو ف
النار".
114
www.dorar.net الدرر السنية
وقد رَوى أبو بكر بن مردويه من حديث الوازع عن أب سلمة عن أسامة قال :قال رسول ال " :eمَن َيقُ ْل عََل ّي مَا
ل أقُلْ فَ ْلَيَتبَوّأ َمقْعَ َد ُه مِ َن النّارِ" وذلك أنه بعث رجلً فكذب عليه ،فوجد ميتا قد انشق بطنه ول تقبله الرض.
ورُوي أن رجلً كذب عليه ،فبعث عليا والزبي إليه ليقتله.
115
www.dorar.net الدرر السنية
و الزيادة ف الدين كالنقص منه ،ول فرق بي مَن يكذب بآية من القرآن أو يضيف كلما ويزعم أنه سورة من
القرآن عامدا لذلك.
و أيضا ،فإن تعمد الكذب عليه استهزاء به واستخفاف؛ لنه يزعم أنه أمر بأشياء ليست ما أمر به ،بل وقد ل يوز
سفَه ،أو أنه يب بأشياء باطلة ،وهذه نسبة له إل الكذب ،وهو كفر صريح.
المر با ،وهذه نسبة له إل ال ّ
وأيضا ،فإنه لو زعم زاعم أن ال فرض صوم شهر آخر غي رمضان أو صلة سادسة زائدة ونو ذلك ،أو أنه حَرّم
البز واللحم عالا بكذب نفسه؛ كفر بالتفاق.
فمن زعم أن النب eأوْجب شيئا ل يوجبه أو حرم شيئا ل يرمه فقد كذب على ال كما كذب عليه الول ،وزاد
عليه بأن صَرّح بأن الرسول قال ذلك ،وأنه ـ أفت القائل ـ ل يَقُلْه اجتهادا واستنباطا.
و بالملة فمن تعمد الكذب الصريح على ال فهو كالتعمد لتكذيب ال وأسوأ حالً ،ول يفى أن من كذب على
من يب تعظيمه؛ فإنه مستخفّ به مستهي برمته.
وأيضا ،فإن الكاذب عليه ل بد أن يشينه بالكذب عليه وتنقصه بذلك ،ومعلوم أنه لو كذب عليه كما كذب عليه
ابن أب سرح ف قوله" :كان يتعلم من" أو رماه ببعض الفواحش الوبقة أو القوال البيثة؛ كفر بذلك ،فكذلك
الكاذب عليه؛ لنّهُ إما أن َي ْأثُر عنه أمرا أو خبا أو فعلً ،فإن أثر عنه أمرا ل يأمر به فقد زاد ف شريعته ،وذلك
لّنةِ
ت مِن شَيءٍ ُيقَ ّرُبكُمْ /إِل ا َ
الفعل ل يوز أن يكون ما يأمر به ،لنه لو كان كذلك لمر به ،eلقوله" :مَا تَرَ ْك ُ
إِلّ َأمَ ْرُتكُمْ بِهِ ،وَ َل مِن شيءٍ يُبعدُكُ ْم عَ ِن النّارِ إِلّ َن َهْيتُكُ ْم َعنْهُ" فإذا ل يأمر به فالمر به غي جائز منه ،فمن روى عنه
أنه قد أمر به فقد نسبه إل المر با ل يوز له المر به ،وذلك نسبة له إل السفه.
وكذلك إن يقل عنه خبا ،فلو كان ذلك الب ما ينبغي له الخبار به لخب به؛ لن ال تعال قد أكمل الدين ،فإذا
ل يب به فليس هو ما ينبغي له أن يب به ،وكذلك الفعل الذي ينقله عنه كاذبا فيه لو كان ما ينبغي فعله وترجح
َل َفعَلَه ،فإذا ل يفعله فتركه أول.
فحاصله أن الرسول eأكمل البشر ف جيع أحواله ،فما تركه من القول والفعل فتركه أول من فعله ،وما َفعَله
ف ِفعْله أكمل من تركه ،فإذا كذب الرجل عليه متعمدا [أو] أخب با ل يكن [فذلك] الذي أخب به عنه نقص بالنسبة
إليه؛ إذ لو كان كمالً لوجد منه ،ومن انتقص الرسول eفقد كفر.
واعلم أن هذا القول ف غاية القوة كما تراه ،لكن يتوجه أن يفرق بي الذي يكذب عليه مشافهةً وبي الذي يكذب
عليه بواسطةٍ ،مثل أن يقول :حدثن فلن بن فلن عنه بكذا فإن هذا إنا كذب على ذلك الرجل ،ونسب إليه ذلك
116
www.dorar.net الدرر السنية
الديث ،فأما إن قال" :هذا الديث صحيح" أو ثبت عنه أنه قال ذلك عالا بأنه كذب ،فهذا قد كذب عليه ،وأما
إذا افتراه ورواه روايةً ساذجة ففيه نظر ،ل سيما والصحابة عدول بتعديل ال لم.
فالكذب لو وقع من أحدٍ من يدخل فيهم لعظم ضرره ف الدين ،فأراد eقَتل من كذب عليه و عَجّل عقوبته ليكون
ذلك عاصما من أن يدخل ف العدول مَن ليس منهم من النافقي ونوهم.
وأما من روى حديثا يعلم أنه كذب فهذا حرام ،كما صح عنه أنه قال" :مِنْ َروَى عَنّي حَ ِديْثا َيعْلَم َأنّهُ َكذِبٌ َف ُهوَ
أَ َح ُد الكَا ِذبِي" لكن ل يكفر إل أن ينضم إل روايته ما يوجب الكفر؛ لنه صادق ف أن شيخه حدثه به ،لكن لعلمه
بأن شيخه كَذَبَ فيه ل تكن تلّ له الرواية ،فصار بنلة أن يشهد على إقرار أو شهاد ٍة أو عقدٍ وهو يعلم أن ذلك
باطل ،فهذه الشهادة /حرام ،لكنه ليس بشاهد زور.
وعلى هذا القول فمن سبه فهو أول بالقتل من كذب عليه ،فإن الكاذب عليه قد زاد ف الدين ما ليس منه ،وهذا قد
طعن ف الدين بالكلية وحينئذ فالنب eقد أمر بقتل الذي كذب عليه من غي استتابة ،فكذلك الساب له وأول.
فإن قيل :الكذب عليه فيه مفسدة ـ وهو أن يصدق ف خبه فيزاد ف الدين ما ليس منه أو ينتقص منه ما هو منه ـ
و الطاعن عليه قد علم بطلن كلمه با أظهر ال من آيات النبوة.
قيل :والحدث عنه ل يقبل خبه إن ل يكن عدلً ضابطا ،فليس كل من حدث عنه قبل خبه ،لكن قد يظن عدلً و
ليس كذلك ،والطاعن عليه قد يُؤثر طعنه ف نفوس كثي من الناس ،ويُسقِط حرمته من كثي من القلوب ،فهو أوكد
على أن الديث عنه له دلئل ييز با بي الكذب والصدق.
117
www.dorar.net الدرر السنية
وأيضا ،فالسبب الذكور ف الديث إنا هو كذبه على النب eكذبا له فيه غرض ،وعليه رتب القتل ،فل يوز
إضافة القتل إل سبب آخر ،وأيضا /،فإن الرجل إنا قصد بالكذب نيل شهوته ،ومثل هذا قد يصدر من الفساق
كما يصدر من الكفار.
ب ماضٍ فإن كان لذه فقد ثبت أن الكذب عليه نفاق ،والنافق
و أيضا ،فإما أن يكون نفاقه لذه الكذبة أو لسب ٍ
كافر ،وإن كان النفاقُ متقدما وهو القتضي للقتل ل غيه ،فعلم تأخي المر بقتله إل هذا الي؟ وعلم ل يؤاخذه
ال بذلك النفاق حت فعل ما فعل؟
ب عَ ُدوّ ال" ث أمر بقتله إن وجد حيا ،وقال" :ما أراكَ
وأيضا ،فإن القوم أخبوا رسول ال eبقوله ،فقال" :كَذَ َ
تده َحيّا" لعلمه eبأن ذنبه يوجب تعجيل العقوبة.
ل يل النب الحرمات
ومعلوم أن النب eل يلّ ُل الرام ،ومن زعم أنه أحل الحرمات من الدماء والموال والفواحش فقد انتقصه وعابه،
ونسبه النب eإل أنه يأذن له أن يبيت عند امرأة أجنبية خاليا با ،أو أنه يكم با شاء ف قومٍ مسلميَ ،طعْنٌ على
النب ،eوعَْيبٌ له ،وعلى هذا /التقدير فقد أمر بقتل من عابه وطعن عليه من غي استتابة ،وهو القصود ف هذا
الكان؛ فثبت أن الديث نص ف قتل الطاعن عليه من غي استتابة على كل القولي.
وما يؤيد القول الول أن القوم لو ظهر لم أن هذا الكلم سب وطعن لبادروا إل النكار عليه ،ويكن أن يقال:
ب طاعة الرسول و عظم ما أتاهم به هذا اللعيُ،
رَاَبهُمْ أمره ،فتوقّفُوا حت استثبتوا ذلك من النب ،eلا تعارض وجو ُ
118
www.dorar.net الدرر السنية
ومن نصر القول الول قال:كُلّ كذب عليه فإنه متضمن للطعن عليه كما تقدم ،ث إن هذا الرجل ل يذكر ف
الديث أنه قصد الطعن والزراء ،وإنا قصد تصيل شهوته بالكذب عليه ،وهذا شأن كل من تعمد الكذب عليه،
فإنه إنا يقصد تصيل غرضٍ له إن ل يقصد الستهزاء به ،والغراض ف الغالب إما ما ٌل أو شَرفٌ ،كما أن التنب
إنا يقصد ـ إذا ل يقصد مرد الضلل ـ إما الرياسة بنفاذ المر وحصول التعظيم ،أو تصيل الشهوات الظاهرة،
وبالملة فمن قال أو فعل ما هو ُكفْرٌ َكفَرَ بذلك وإن ل يقصد أن يكون كافرا؛ إذ ل يكاد يقصد الكفر أحدٌ إل
ما شاء ال.
خرِجَ ّن العَ ّز َمْنهَا الَذَلّ( ،وقالَ ) :ل ُتْنفِقُوا عَلَى وما يشبه هذا أن عبدال بن أُبّ لا قالَ) :لئِنْ رَ َج ْعنَا إِلَى الَدِينةِ َليُ ْ
مَ ْن ِعنْدَ َرسُولِ الِ َحتّى َيْنفَضّوا( استأمر عمر ف قتله ،فقال" :إ َذنْ ُت ْرعَدُ لهُ ُأنُوفٌ َكثِ َيةٌ بِالَدِيَنةِ" ،وقالَ " :ل َيتَحَدّث
صحَابَهُ" ،والقصة مشهورة ،وهي ف "الصحيحي" ،وستأت إن شاء ال تعال. النّاسُ أَ ّن مُحَمّدا َيقْتُلُ أَ ْ
فعلم أن من آذى النب eبثل هذا الكلم جاز قتله لذلك مع القدرة ،وإنا ترك النب eقتله لا خيف ف قتله من
نفور الناس عن السلم لا كان ضعيفا.
ومن هذا الباب :أن النب eلا قال" :مَن يَعْ ِذ ُرنِي فِي رَجُ ٍل َبَلغَنِي أَذَاهُ ف َأهْلِي" قال له سعد بن معاذ" :أنا أعذرك،
إن من الوس ضربت عنقه" ،والقصة مشهورة ،فلما ل ُيْنكِر عليه ذلك دلّ على أن من آذى النب eو تنقصه يوز
ب وغيه من تكلم ف شأن عائشة أنه كان يقصد بالكلم فيها َعْيبَ رسول ال ،e ، ضرب عنقه ،والفرق بي ابن أُ ّ
والطعن عليه ،وإلاق العار به ،ويتكلم بكلم ينتقصه به؛ فلذلك /قالوا :نقتله ،بلف حسان ومِسْطَح وحَمْنة فإنم
ب دون غيه ،ولجله خطب
ل يقصدوا ذلك ،ول يتكلموا با يدل على ذلك؛ ولذا إنا استعذر النب eمن ابن ُأ ّ
الناس حت كاد اليان [يقتتلون].
خرَجُه عن مالد وفيه لي ،لكن له ما يؤيد معناه؛ فإنه قد تقدم أن عمر قتل الرّ ُجلَ الذي ل
وهذا الديث مُ ْرسَل ،ومَ ْ
يَ ْرضَ بكم النب ،eونزل القرآن بإقراره على ذلك ،وجُ ْرمُه أ ْسهَلُ من جرم هذا.
الفساد ويدخلوا ف الطاعة ،و ل يقتلون أينما ُلقُوا /،ول يُ ْقتَلُون قتل عادٍ ،و ليسوا شرّ قتلى تت أدي السماء ،ول
يُؤمَرُ بقتلهم ،وإنا [ُيؤْمَر] ف آخر المر بقتالم ،فعلم أن هؤلء أوجب قتلهم مروقهم من الدين لا غلوا فيه حت
سهْ ُم مِنَ ال ّر ِمّيةِ ،فأينَمَا َلقِيتُمُوهُم
مرقوا منه كما د ّل عليه قوله ف حديث علي" :يَ ْمرُقونَ مِنَ الدّينِ كمَا يَمْ ُرقُ ال ّ
فَا ْقتُلُوهُم" فرتّبَ المر بالقتل على مُروقهم ،فعلم أنه الوجب له ،ولذا وصف النب eالطائفة الارجة وقالَ" :لوْ
لْيشُ الذِي َن ُيصِيبُونُم مَا ُقضِيَ َلهُ ْم عَلَى لِسَانِ ُمحَمّدٍ َلَنكَلوا عَنِ العَمَلِ ،وَآيَة ذَلكَ َأنّ َفْيهَمْ رَ ُجلً لَ ُه َعضُدٌ
َيعْلَ ُم ا َ
خرُجُون عَلَى َخْيرِ فرَْق ٍة مِنَ س عَضُدِه ِمثْل حَلَم ِة الثّدْي عََليْه َشعَرَات ِبيْض" و قالِ" :إّنهُ ْم يَ ْ َلْيسَ لَهُ ِذرَاعٌ ،عَلَى َرأْ ِ
النّاسِ ،يَ ْقتُُلهُمْ َأ ْدنَى الطّاِئفَتَيِ إلَى الَقّ" وهذا ـ كله ـ ف "الصحيح" ،فثبت أن قتلهم لصوص صفتهم ،ل لعموم
كونم ُبغَاة أو ماربي ،وهذا القدر موجود ف الواحد منهم كوجوده ف العَدَدِ منهم ،وإنا ل يقتلهم عَِليّ رضي ال
عنه أوّلَ ما ظهروا لنه ل يتبي [له] أنم الطائفة النعوتة حت سفكوا َدمَ ابن خباب وأغاروا على سَرْح الناس فظهر
فيهم قولهَ" :ي ْقتُلُونَ َأهْلَ ا ِلسْلمِ ،ويَ َدعُونَ َأهْ َل ا َلوْثَانِ" فعلم أنم الارقون ،ولنه لو قتلهم قبل الحاربة له لربا
ضبَتْ لم قبائلهم ،وتفرقوا على عليّ رضي ال عنه ،وقد كان حاله ف حاجته إل مُدَاراة عسكره و استئلفهم َغ ِ
كحال النب eف حاجته أول المر إل استئلف النافقي.
وأيضا ،فإن القوم ل يتعرضوا لرسول ال ،eبل كانوا يعظّمونه ويعظمون أبا بكر وعمر ،ولكن غََلوْا ف الدين غُُلوّا
س ِريْنَ
جاوزُا به َحدّه لنقص عقولم وعلمهم ،فصاروا كما تأوّله عليّ فيهم من قوله عز وجل) :قُلْ هَلْ ُنَنّبئُكُم بالخْ َ
صنْعا(.
سنُون ُ
سبُو َن أنّه ْم ُيحْ ِ
ليَاة ال ّدْنيَا َوهُم َيحْ َ
أعْمَالً * الّذِينَ ضَ ّل َس ْعُيهُمْ فِي ا َ
وأوجب ذلك لم عقائد فاسدة ترّتبَ عليها أفعال منكرة َكفّرهم با كثي من المة ،وتوقف فيها آخرون ،فلما رأى
النب eالرجُلَ الطاعن عليه ف القسمة الناسب له عدم العدل بهله وغُُلوّه [وظنه] أن العدل [هو] ما يعتقده من
التسوية بي جيع الناس ،دون النظر إل ما ف تصيص بعض /الناس وتفضيله من مصلحة التأليف وغيها من
الصال ،علم أن هذا أول أولئك ،فإنه إذا طعن عليه ف وجهه فهو على سنته بعد موته وعلى خُلَفائه أشدّ طعنا.
يفهمونه بقلوبم ،إنا يتلونه بألسنتهم ،والتحقيق أنم أصناف متلفة؛ فهذا رأي طائف ٍة منهم ،وطائفة قد يكذبون
النّقلة ،وطائفة ل يسمعوا ذلك ول يطلبوا علمه ،وطائفة يزعمون أن ما ليس له ذكر ف القرآن بصريهِ ليس حجة
على اللق :إما لكونه منسوخا ،أو مصوصا بالرسول ،أو غي ذلك ،وكذلك ما ذكر من تويزهم الكبائر ،فأظنه ـ
وال أعلم ـ قول طائف ٍة منهم ،وعلى كل حال فمن كان يعتقد أن النب eجائر ف قسمه يقول :إنه يفعلها بأمر ال
فهو مكذب له ،ومن زعم أن يورُ ف حكمه أو قسمه فقد زعم أنه خائن ،وأن اتّباعه ل يب ،وهو مناقض لا
تضمنته الرسالة من أمانته ،ووجوب طاعته ،وزوال الرج عن النفس من قضائه بقوله وفعله ،فإنه قد بلّغ عن ال أنه
أوْجَب طاعته والنقياد لكمه ،ولنه ل ييفُ على أحدٍ؛ فمن طعن ف هذا فقد طعن ف صحة تبليغه ،وذلك طعنٌ
ت وَخَسِرْتَ إن ل
ف نفس الرسالة ،وبذا يتبي صحة رواية من روى الديث " َومَ ْن َيعْدل إذَا لَ ْم أعْدِلْ؟ َلقَدْ ِخْب َ
أكُ ْن أعْدِل" لن هذا الطاعن يقول :إنه رسولُ ال ،وإنه يب عليه تصديقُه وطاعته ،فإذا قال :إنه ل يعدل [فقد] لزم
أنه صَدّق غي عدل ول أمي ،ومن اتبع مثل ذلك /فهو خائب خاسر ،كما وصفهم [ال تعال بـ] ـأنم من
الخسرين أعما ًل و إن حسبوا أنم يسنون صنعا؛ ولنه من ل يؤتن على الال ل يؤتن على ما هو أعظم منه؛ ولذا
صبَاحا َومَساءً" ،وقال eلا قال له اتّق ال" :أ َو ي مَن ف السّماءِ ،يَ ْأتِينِي َخبَرُ السّماءِ َ قال " :eألَ تَأ َمنُون وَأنَا أمِ ُ
ستُ أحَ ّق أهْ ِل الرضِ أن َيتّ ِقيَ ال" وذلك لن ال قال فيما بلغه إليهم الرسولَ ) :ومَا آتَاكُمُ ال ّرسُولُ َفخُذُو ُه َومَا لَ ْ
ل عَلَى َرسُولِ ِه مِن أهْلِ القُرَى فَللّهِ ولِل ّرسُولِ( الية ،فبي سبحانه أن ما نى َنهَاكُ ْم عنهُ فَانَتهُوا( بعد قوله) :مَا أَفَاءَ ا ُ
عنه من مال الفيء فعلينا أن ننتهي عنه ،فيجب أن يكون أح ّق أهل الرض أن يتقي ال؛ إذ لول ذلك لكانت الطاعة
له ولغيه إن تساويا أو لغيه دونه إن كان دونه ،وهذا كفر با جاء به ،وهذا ظاهر.
حتَ أَ ِديِ السّمَاءِ" نصّ ف أنم من النافقي؛ لن النافقي أسوأ وقوله " :eشَ ّر الَلْ ِق وَالَِلْي َقةِ" وقوله" :شَرّ َقتْلَى تَ ْ
حالً من الكفار ،كما ذكر أن قوله تعالَ ) :ومِنهُ ْم مَ ْن يَلْ ِم ُزكَ فِي الصّدَقَاتِ( نزلت فيهم.
صرّحوا
وكذلك ف حديث أب أمامة أن قوله تعال) :أَ َكفَ ْرتُ ْم َبعْدَ إيَماِنكُمْ( نزلت فيهم،وهذا ما ل خلف فيه إذا َ
بالطعن ف الرسول والعيب عليه كفعل أولئك اللمزين له .
فإذا ثبت بذه الحاديث الصحيحة أنه eأمر بقتل مَن كان من جنس ذلك الرجل الذي لَمَزَه أينما ُلقُوا ،وأخب أنم
شرّ الليقة ،وثبت أنم من النافقي كان ذلك دليلً على صحة معن حديث الشعب ف استحقاق أصلهم للقتل.
يبقى أن يقال :ففي الديث الصحيح أنه نى عن قتل ذلك اللمز.
شعْب هو أول ظهور هؤلء كما تقدم ،فيشي ـ وال أعلم ـ أن يكون أمر بقتله أولً طمعا ف فنقول :حديث ال ّ
انقطاع أمرهم ،وإن كان قد يعفو عن أكثر النافقي؛ لنه خاف من انتشار هذا الفساد من بعده على المة ،ولذا
123
www.dorar.net الدرر السنية
قال" :لَو َقَت ْلتَه َلرَ َجوْتُ َأنْ َيكُونَ َأوَّلهُم وَآخِ َرهُم" وكان ما يصل بقتله من الصلحة العظيمة أعظم ما ياف من
نفور بعض الناس بقتله ،فلما ل يوجد وتعذر قتله ومع النب eبا أوحاهُ ال إليه من العلم ما فضله /ال به فكأنه علم
أنه ل بد ُخرُوجهم ،أنه ل مَ ْطمَعَ ف استئصالم ،كما أنه لا علم أن الدجال خارج ل مالة نى عمر عن قتل ابن
ط عَلَيهِ ،وإن ل يكُنْهُ فل َخيْرَ لكَ ف قتلهِ" ،فكان هذا ما َأوْجب نيه بعد ذلك عن صيّاد ،وقال" :إنْ َي ُكنْهُ َفلَ ْن تُسَلّ ََ
لوَْيصِرَة لا َلمَزَه ف غنائم ُحنَي ،وكذلك لا قال عمر" :ائذَنْ ل فأضرب عنقه ،قالَ " :دعْهُ فإن له أصحابا قتل ذي ا ُ
سهْ ُم مِنَ الر ِمّيةِ" إل قوله:
صيَامِهِم ،يَ ْمرُقُونَ مِنَ الدّين كما يَمْ ُرقُ ال ّ
صيَامَهُ مَعَ ِ
لِتهِم وَ ِ
صَلتَهُ معَ َ صَ ح ِقرُ أحَدُكم َ
يَ ْ
خرُجُونَ على ِحيْنِ فُرَْقةٍ من النّاسِ" ،فأمر بتركه لجل أن له أصحابا خارجي بعد ذلك ،فظهر أن علمه بأنم ل "يَ ْ
بدّ أن يرجوا منعه من أن َيقْتل منهم أحدا فيتحدث الناسُ بأن ممدا يقتل أصحابه الذين ُيصَلّون معه ،وتنفر بذلك
عن السلم قلوب كثية ،من غي مصلحة تغمر هذه الفسدة ،هذا مع أنه كان له أن يعفو عمن آذاه مطلقا ،بأب هو
وأمي .e
وبذا يتبي سببُ كونه ف بعض الديث يعلّلُ بأنه يُصَلي ،وف بعضه بأن ل يتحدث الناسُ أن ممدا يقتل أصحابه،
وف بعضه بأن له أصحابا سيخرجون ،وسيأت إن شاء ال ذكر بعض هذه الحاديث ،وإن كان هذا الوضع خليقا
با أيضا.
فثبت أن كل مَن لَ َم َز النب eف حكمه أو قسمه فإنه يب قتله ،كما أمر به eف حياته وبعد موته ،وإنه إنا َعفَا
عن ذلك اللمز ف حياته كما قد كان يعفو عمن يؤذيه من النافقي لا علم أنم خارجون ف المة ل مالة ،وأن
ليس ف قتل ذلك الرجل كثيُ فائدةٍ ،بل فيه من الفسدة ما ف قتل سائر النافقي وأشد.
وما يشهد لعن هذا الديث قول أب بكر رضي ال عنه ف الديث الشهور لا أراد أبو بَ ْر َزةَ أن يقتل الرجل الذي
أغلظ لب بكر وتغيظ عليه أبو بكر وقال له أبو بَرْ َزةَ أقتله؟ فقال أبو بكر :ما كانت لحدٍ بعد رسول ال .e
فإن هذا كما تقدم دليلٌ على أن الصّديق علم أن النب eيُطَاع أمره ف قتل مَن أمر بقتله من أغضب النب .e
فلما كان ف حديث الشعب أنه /أمر أبا بكر بقتل ذلك الذي لزه حت أغضبه كانت هذه القضية بنلة العمدة لقول
الصديق ،وكان قول الصديق رضي ال عنه دليلً على صحة معناها.
لوْضِ" قالوا:
ل وَ َرسُولَهُ عَلَى ا َ
صبِرُوا َحتّى تَ ْل َقوْا ا َ
ال ،قد رضينا ،قال" :فإنكم َستَجِدون َبعْدِي َأثَ َر ًة شَدِي َدةً ،فَا ْ
نصب.
126
www.dorar.net الدرر السنية
من ماله فله أن يأخذ وإن ل يستأذنه نطقا ،وكان هذا معروفا بي كثي من الصحابة والتابعي ،كالرجل الذي سأل
النب ُ eكّبةً من َشعْر فقالَ" :أمّا مَا كَانَ لِي وَِلَبنِي هَاشِم َف ُهوَ لَكَ"؛ وعلى هذا فل حرج عليهم إذا سألوا نصيبهم.
و قال موسى بن إبراهيم بن عقبة عن أبيه :كانت من المس.
ح ّل عام الديبية ،وكراهتهم للصلح ،ومراجعة من راجع منهم ،فإن من فعل ذلك فقد أذنب ذنبا كان كراهتهم لل ِ
عليه أن يستغفر ال منه ،كما أن الذين رفعوا أصواتم فوق صوته أذنبوا ذنبا تابوا منه ،وقد قال تعال) :وَاعْلَمُوا َأنّ
ِفْيكُمْ َرسُولَ الِ َل ْو يُطِيعُكُم فِي َكثِيٍ مِنَ ا َلمْرِ َل َعِنتّمْ(.
جنْدَل ولو أستطيع أن أَرُدّ أمرَ رسول ال e
وقال سهل بن ُحنَيف :اّتهِمُوا الرأيَ على الدّينِ ،فلقد رأيتن يومَ أب َ
لفعلت.
فهذه أمور صدرت عن [شهوة] وعَجَلة ،ل عن شك ف الدين ،كما صَدَر عن حاطب التجسس لقريش ،مع أنا
ذنوب ومعاصٍ يب على صاحبها أن يتوب ،وهي بنلة عصيان أمر النب .e
130
www.dorar.net الدرر السنية
131
www.dorar.net الدرر السنية
ل يتوجّه عنده ،أو رَأى أن الدللة منه ضعيفة ،ولن يفى القّ على من توخاه و قصده ،ورزقه ال بصية وعلما،
وال سبحانه أعلم.
132
www.dorar.net الدرر السنية
فــصــل
الستدلل بإجماع الصحابة
ع الصحابة رضي ال عنهم فلنّ ذلك ُنقِلَ عنهم ف قضايا متعدّدة ينتشر مثلها ويستفيض ،ول ينكرها أحد و أما إجا ُ
منهم؛ فصارت إجاعا ،واعلم أنه ل يكن /إدّعاء إجاع الصحابة على مسالة َفرْعية بأبْلَغَ من [هذا] الطريق.
فمن ذلك ما ذكره سيف بن عمر التميمي ف كتاب "الردة والفتوح" عن شيوخه ،قال :ورفع إل الهاجر ـ يعن
الهاجر بن أب أمية ،وكان أميا على اليمامة ونواحيها ـ امرأتان مغنيتان غَنّت إحداها بشَتْم النب َ ،eفقَطع يدها،
ونَزَع [ثَنيتها] ،وغنت الخرى بجاء السلمي فقطع يَدَها ،ونزع ثنيتها ،فكتب أبو بكر :بَلَغن الذي [سرت] به ف
الرأة الت تغنّت وزمرت بشتم النب ،eفلول ما قد سبقتن فيها لمرتك ِبقَتِْلهَا؛ لن ح ّد النبياء ليس يشبه الدود؛
فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتدّ أو معاهدٍ فهو مارب غادر.
وكتب إليه أبو بكر ف الت َت َغّنتْ بجاء السلمي :أما بعد فإنه بلغن أنك قطعت يَدَ امرأة ف أن َت َغنّت بجاء
السلمي ونزعت َثنِّيَتهَا ،فإن كانت من تدعي السلم فأدب وتقدمة دون الُثْلَة ،وإن كانت ِذ ِمّيةٍ فلعمري لَمَا
صفحت عنه من الشرك أعظم ،ولو كنت تقدمت إليك ف مثل هذا لبلغت مكروهك ،فاقبل ال ّد َعةَ ،وإياك وا ُلثْلَة ف
الناس فإنا مأث ومنفرة إل ف قصاص.
وقد ذكر هذه القصة غيُ سيف ،وهذا يوافق ما تقدم عنه أن مَن شَتم النب eكان له أن يقتله ،وليس ذلك لحد
ب النب eمن مسلم ومعاهد وإن كان امرأة ،وأنه ُي ْقتَل بدون استتابة، بعده ،وهو صريح ف وجوب َقتْل من َس ّ
ب الناس ،وأن قتله حد للنبياء كما أن جلدَ من سَب غيهم حدّ له ،وإنا ل يأمر أبو بكر بقَتْل تلك بلف من س ّ
الرأة لن الها ِج َر سبق منه فيها ح ّد باجتهاده ،فكَ ِر َه أبو بكر أن يمع عليها حَ ّديْن ،مع أنه لعلها أسلمت أو تابت
فقبل الهاجر توبتها قبل كتاب أب بكر ،وهو مل اجتهاد سبق منه فيه حكم فلم يغيه أبو بكر؛ لن الجتهاد ل
يُنقض بالجتهاد ،وكلمه يدلّ على أنه إنا منعه من قتلها ما سبق من الهاجر.
وروى حَرْبٌ ف مسائله عن َليْث بن أب سُلَيم عن ماهد قال :أُت عُ َمرُ برَجُل َسبّ النب ،eفقتله ،ث قال عمر :مَ ْن
َسبّ ال أو سب أحدا من النبياء فاقتلوه ،قال ليث :وحدثن ماهد عن ابن عباس قال :أيا مسلم سب ال أو سب
أحدا من النبياء فقد َكذّبَ برسول ال ،eوهي ِر ّدةٌ ،يُسْتتاب فإنْ َرجَع وإل ُقتِلَ ،وأيا معاهدٍ عاند فسب ال أو
سبّ أحدا من النبياء أو جهر به فقد َن َقضَ العهد فاقتلوه.
ي بَ ْطرِيقُ الشام ،وذكر معاهدة [عمر] له
وعن أب مشجعة بن ربعي قال :لا قَ ِدمَ عمر بن الطاب الشام قام قُسْ َطنْطِ ُ
ب بذلك كتابا ،قال عمر :نعم ،فبينا هو يكتب الكتاب إذ ذكر عمر فقال :إن أستثن وشروطه عليهم ،قال :ا ْكتُ ْ
133
www.dorar.net الدرر السنية
عليك َمعَ ّرةَ اليش مرتي ،قال :لك ُثْنيَاك وَقبّحَ ال من أقَالَكَ ،فلما فرغ عمر من الكتاب قال له :يا أمي الؤمني قُمْ
ت عليّ؛ ليتنا َهوْا عن ظُلْمي ،قال عمر :نعم ،فقام ف الناس فحمد الض َف الناس فأخبهم الذي َجعَلتَ ل ،وفَر ْ
وأثن عليه ،فقال :المد ل أحده وأستعينه ،مَن َيهْدِه ال فل مُضِلّ له ،ومن ُيضْلل فل هادي له ،فقال النبطي :إن
ال ل ُيضِلّ أحدا ،فقال عمر :ما يقول؟ قالوا :ل شيء ،وأعاد النبط ّي لقالته ،فقال :أخبن ما يقول ،قال :تزعم أن
ال ل ُيضِلُ أحدا ،قال عمر :إنا ل ُنعْطِك الذي أعطيناك لتدخل علينا ف ديننا ،والذي نفسي بيده ،لئن عُدت
لضربنّ الذي فيه عيناك ،وأعاد عمر ول يَعُ ِد النبطيّ ،فلما فرغ عمر أخذ النبطيّ الكتاب ،رواه حرب.
ك العهد على أن تدخل علينا ف فهذا عمر رضي ال عنه بَحْضرٍ من الهاجرين والنصار يقول لن عاهده :إنا ل نُعطِ َ
ديننا ،وحلف لئن عاد ليضربَنّ عنقه؛ فعلم بذلك إجاع الصحابة على أن أهل العهد ليس لم أن يُظهروا العتراضَ
علينا ف ديننا ،وأن ذلك منهم ُمبِيحٌ لدمائهم.
وإن من أعظم العتراض َسبّ نبينا ،eوهذا ظاهر ل َخفَاء به؛ لن إظهار التكذيب بالقَدر من إظهار شتم النب .e
و إنا ل يقتله عمر لنه ل يكن قد تقرر عنده أن هذا الكلم َطعْنٌ ف ديننا؛ لواز أن يكون اعتقد أن عمر قال ذلك
من عنده ،فلما تقدم إليه عمر وَبيّنَ له أن هذا ديننا قال له :لئن عُدْت لقتلنك.
ومن ذلك ما استدل به المام أحد ،ورواه عن هشيم :ثنا حصي عمن حدثه عن ابن عمر قال :م ّر به رَاهبٌ ،فقيل
له :هذا يسبّ النب ،eفقال عمر :لو سعتهُ /لقتلتهُ ،إنا ل نعطهم ال ّذمّة على أن يسبوا نبينا .e
ب النب eبالسيف وقال :إنا
ورواه أيضا من حديث الثوري عن حصي عن شيخ أن ابن عمر أَصَْلتَ على را ِهبٍ َس ّ
ل نصالهم على سَبّ النب .e
ف عنه ،وقال :لو
والمع بي الروايتي أن يكون ابن عمر أصَْلتَ عليه السيفَ لعلّه يكون مقرا بذلك ،فلما أنكر ك ّ
ث ابن عمر غيُ واحدٍ.سعتُه لقتلته ،وقد ذكر حدي َ
وهذه الثار كلها نصّ ف الذمي والذمية ،وبعضها عام ف الكافر والسلم أو نص فيهما.
(وقد تقدّم حديثُ الرجل الذي َقتَلَهُ عمر من غي استتابة حي أب أن يرضى بكم النب e؛ وحديث كَشْفه عن
حلُوقا لضربت الذي فيه عيناك" ،من غي استتابة ،وإنا ذنب طائفته
صِبيْغ بن عسل وقوله" :لو رأيتك مَ ْ
رأس َ
العتراضُ على سنة الرسول ).e
ت ا ُلؤْ ِمنَاتِ( الية :هذه ف شأن
ت الغَافِل ِ
صنَا ِ
حَوقد تقدّم عن ابن عباس أنه قال ف قوله تعال) :إ ّن الّذِينَ َي ْرمُونَ الُ ْ
عائشة وأزواج النب [ eخاصة] ليس فيها توبة ،ومَنْ َقذَفَ امرأة مؤمنة فقد جعل ال له توبة ،وقال :نزلت ف
134
www.dorar.net الدرر السنية
عائشة خاصة ،واللعنة للمنافقي عامة ،ومعلوم أن ذلك إنا هو لن قَذَْفهَا أذى للنب eونفاق ،والنافق يب قتله إذا
ل تقبل توبته.
وروى المام أحد بإسناده عن سِمَاكِ بن ال َفضْل عن عُ ْروَة بن ممد عن رجل من بَلْقي أن امرأة َسّبتِ النب ،e
فقتلها خالد بن الوليد وهذه الرأة ُمبْهَمَة.
وقد تقدم حديثُ ممد بن مَسْلَمة ف ابن يامي الذي َزعَم أن قتل َكعْب بن الشرف كان غَدْرا ،وحلف ممد بن
مسلمة لئن وَجَدَه خاليا ليقتَُلنّه؛ لنه نسب النب eإل الغَدْر ،ول ينكر السلمون عليه ذلك.
ول يرد على [ذلك] إمساك المي ـ إما معاوية ،أو مروان ـ عن قتل هذا الرجل؛ لن سكوته ل يدل على
مذهب ،وهو ل يالف ممد بن مَسْلمة ،ولعل سكوته لنه ل ينظر ف حكم هذا الرجل ،أو نظر فلم يتبي /له
حُكمه ،أو ل تنبعث داعيته لقامة الد عليه ،أو ظن أن الرجل قال ذلك معتقدا أنه ُقتِلَ بدون أمر النب ،eأو
لسباب أخَرَ.
وبالملة فمجرد كفه ل يد ّل على أنه مالف لحمد بن مَسْلمة فيما قاله ،وظاهر القصة أن ممد بن مَسْلمة رآه
مطئا بترك إقامة الد على ذلك الرجل ،ولذلك هَجَرَه ،لكن هذا الرجل إنا كان مسلما؛ فإن الدينة ل يكن با
يومئذٍ أحدٌ من غي السلمي.
135
www.dorar.net الدرر السنية
وإنا ل يقتل هذا الرجل ـ وال أعلم ـ لن البينة ل تقم عليه بذلك ،وإنا سعه غرفة ،ولعل غرفة قصد قتله بتلك
الضربة ،ول يكن من إتام قتله لعدم البينة بذلك ،ولن فيه افتئاتا على المام ،والمام ل يثبت عنده ذلك.
الستدلل بالقياس
وأما العتبار فمن وجوه:
أحدها :أن عيب ديننا وشتم نبيا ماهدةٌ لنا وماربة؛ فكان نقضا للعهد كالجاهدة والحاربة باليد وَأوْلَى.
يبي ذلك أن ال سبحانه قال ف كتابه) :وَجَاهِدُوا ِبأَ ْموَالِكُ ْم َوَأْنفُسِكُمْ فِي َسبِيْلِ الِ(.
والهاد بالنفس يكون كما يكون باليد ،بل قد يكون أقوى منه؛ قال النب " :eجَاهِدُوا الُشْرِ ِكيْ َن ِبَأيْ ِديْكُمْ
سَنتْكُ ْم َوَأ ْموَاِلكُمْ" رواه النسائي وغيه.
َوأَلْ ِ
وكان يقول لسان بن ثابت" :اغْ ُزهُمْ وغَا ِزهِمْ" وكان ينصب له منبا ف السجد ينافح عن رسول ال eبشِعره
ت تُنَافِ ُح عَن َر ُسوْلِهِ"
ك مَا ُد ْم َ
وهجائه للمشركي .وقال النب " :eاللّهم َأيّ ْد ُه بِرُوح القُدُس" وقالِ" :إنّ ِجبْ ِريْ َل َمعَ َ
وقالِ " :هيَ َأنْكَى فِيهم مِ َن الّنبْلِ".
وكان عدد من الشركي يكفون عن أشياء ما يؤذي السلمي خشية هجاء حسان ،حت إن كعب بن الشرف لا
ذهب إل مكة كان كلما نزل عند أهل بيت هجاهم حسان بقصيدةٍ فيخرجونه من عندهم ،حت ل يبق له بكة من
يؤويه.
شهَدَاءِ حَ ْم َزةُ ب ُن عَبْدالُطّلِب ،وَرَجُلٌ َتكَلّمَ لهَادِ كَِل َمةُ حَ ّق ِعنْ َد سُ ْلطَانٍ جَائِرٍ" ،و"أَ ْفضَلُ ال ّ وف الديث" :أَ ْفضَلُ ا ِ
ح ّق عِنْ َد ُسلْطَانٍ جَائِرٍ َفَأمَ َر بِهِ َف ُقتِلَ".
بِ َ
وإذا كان شأن الهاد باللسان هذا الشأن ف شتم الشركي وهجائهم وإظهار دين ال والدعاء إليه عُلم أن من شتم
دين ال ورسوله ،وأظهر ذلك ،وذكر كتاب ال بالسوء علنيةً ،فقد جاهد السلمي وحاربم ،وذلك نقض للعهد.
136
www.dorar.net الدرر السنية
الوجه الثان :إنا وإن أقررناهم على ما يعتقدونه من الكفر والشرك فهو كإقرارنا لم على ما يضمرونه لنا من
العداوة ،وإرادة السوء بنا ،وتَمنّي الغوائل لنا ،فإنا نن نعلم أنم يعتقدون خلف ديننا ،ويريدون سفك دمائنا ،وعلو
دينهم ،ويسعون ف ذلك لو قدروا عليه؛ فهذا /القدر أقررناهم عليه ،فإذا عملوا بوجب هذه الرادة ـ بأن حاربونا
وقاتلونا ـ نقضوا العهد،كذلك إذا عملوا بوجب تلك العقيدة ـ من إظهار السب ل ولكتابه ولدينه ولرسوله ـ
نقضوا العهد؛ إذ ل فرق بي العمل بوجب الرادة وموجب العتقاد.
الوجه الثالث :أن مطلق العهد الذي بيننا وبينهم يقتضي أن يكفوا ويسكوا عن إظهار الطعن ف ديننا ،وشتم رسولنا،
كما يقتضي المساك عن سفك دمائنا وماربتنا؛ لن معن العهد أن كل واح ٍد من التعاهدين يؤمّ ُن الخر ما يذره
منه قبل العهد ،ومن العلوم أنا نذر منهم من إظهار كلمة الكفر وسب الرسول أو شتمه ،كما نذر إظهار الحاربة
بل أول؛ لنا نسفك الدماء ونبذل الموال ف تعزير الرسول وتوقيه ورفع ذكره وإظهار شرفه وعلو قدره ،وهم
جيعا يعلمون هذا من ديننا ،فالظهر منهم لسبه ناقضٌ للعهد ،فاعل لا كنا نذره منه ونقاتله عليه قبل العهد ،وهذا
بي واضح.
الوجه الرابع :أن العهد الطلق لو ل يقتض ذلك فالعهد الذي عاهدهم عليه عمر بن الطاب وأصحاب رسول ال e
معه قد بي فيه ذلك ،وسائر أهل الذمة إنا جَ َروْا على مثل ذلك العهد.
137
www.dorar.net الدرر السنية
وكذلك يوجب أن يكون نقضا للعهد عند من يقول :إذا شرط عليهم انتقاض العهد بفعله انتقض ،كما ذكره بعض
أصحاب الشافعي؛ فإن أهل الذمة إنا هم جارون على شرط عمر؛ لنه ل يكن بعده إمام عقد عقدا يالف عقده،
بل كل الئمة جارون على حكم عقده ،والذي ينبغي أن يضاف إل من خالف ف هذه السألة أنه ل يالف إذا
شرط عليهم انتقاض العهد بإظهار السب ،فإن اللف حينئذٍ ل وجه له البتة مع إجاع الصحابة على صحة هذا
الشرط وجريانه على وفق الصول ،فإذا كان الئمة قد شرطوا عليهم ذلك ـ وهو شرط صحيح ـ لزم العمل به
على كل قول.
الوجه الامس :أن العقد مع أهل الذمة على أن تكون الدار لنا تري فيها أحكام السلم ،وعلى أنم أهل صغار
وذلة ،على هذا عوهدوا وصولوا ،فإظهار شتم الرسول eأو الطعن ف الدين يناف كونم أهل صغار وذلة ،فإن من
أظهر سب الدين والطعن فيه ل يكن من الصغار ف شيء ،فل يكون عهده باقيا.
الوجه السادس :أن ال فرض علينا تعزير رسوله وتوقيه ،وتعزيرهُ :نصره ومنعه ،وتوقيه :إجلله وتعظيمه ،وذلك
يوجب صون عرضه بكل طريق ،بل ذلك أول درجات التعزير والتوقي؛ فل يوز أن نصال أهل الذمة على أن
يسمعونا شتم نبينا ويظهروا ذلك ،فإن تكينهم من ذلك ترك للتعزير والتوقي ،وهم يعلمون أنا ل نصالهم على
ذلك ،بل الواجب علينا أن نكفهم عن ذلك ونزجرهم عنه بكل طريق ،وعلى ذلك عاهدناهم ،فإذا فعلوه فقد نقضوا
الشرط الذي بيننا وبينهم.
الوجه السابع :أن نصر رسول ال eفر ٌ
ض علينا ،لنه من التعزير الفروض ،و َلنّه من أعظم الهاد ف سبيل ال/
ل اثّاقَ ْلتُمْ إِلَى الَ ْرضِ( إل قوله) :إِلّ َتْنصُرُوهُ َفقَدْ نَصَ َرهُ ولذلك قال سبحانه) :مَا َلكُمْ إذَا ِقيْلَ َلكُ ُم انْفِرُوا فِي سَِبيْلِ ا ِ
حوَا ِريّيْ َن مَنْ َأْنصَارِي إِل الِ(
الُ( ،وقال تعال) :يَا أَّيهَا الذِينَ آ َمنُوا كُونُوا َأْنصَارَ الِ كَمَا قَا َل ِعيْسَى ب ُن مَ ْريَمَ لِ ْل َ
الية ،بل َنصْر آحاد السلمي واجب بقوله " :eاْنصُرْ أَخَا َك ظَالِما أَو مَ ْظلُوما" وبقوله" :الُسْلِمُ َأخُو الُسْلِم ل
يُسْلِم ُه ول يَ ْظلِمه" ،فكيف بنصر رسول ال e؟
ومن أعظم النصر حاية عرضه من يؤذيه ،أل ترى إل قوله " :eمَنْ حَمَى ُم ْؤمِنا مِن ُمنَافِ ٍق ُيؤْذِيهِ حَمَى الُ ِجلْ َدهُ
مِ ْن نَارِ َج َهنّ َم َيوْ َم القِيَا َمةِ".
ولذلك سَمّى مَن قابل الشات بثل شتمه منتصرا ،وسب رجل أبا بكر عند النب eوهو ساكت ،فلما أخذ لينتصر
ك يَ ُر ّد عََليْهِ ،فَلَمّا
سبّن وأنت قاعد ،فلما أخذت لنتصر قمتَ!! فقال" :كَانَ الَلَ ُ
قام ،فقال :يا رسول ال ،كان يَ ُ
اْنتَصَرْتَ َذ َهبَ الَلَكُ ،فََلمْ أَكُنْ لَ ْقعُدَ وَقَدْ َذ َهبَ الَلَكُ" أو كما قال .e
138
www.dorar.net الدرر السنية
وهذا كثي معروف ف كلمهم ،يقولون لن كاف الساب والشات" :منتصرا" كما يقولون لن كاف الضارب والقاتل:
"منتصرا".
ل وَ َرسُولَ ُه بِالغَْيبِ
وقد تقدم أنه eقال للذي قتل بنت مروان لا شتمته" :إِذَا َأ ْحبَْبتُمْ َأنْ َتنْظُرُوا إِلَى َرجُ ٍل َنصَرَ ا َ
فَانْ ُظرُوا إِلَى هَذَا" ،وقال للرجل الذي خرق صف الشركي حت ضرب بالسيف ساب النب ،eفقال النب :e
ل وَ َرسُولَهُ؟".
جْبتُم مِنْ رَ ُج ٍل َنصَرَ ا َ
"َأعَ ِ
وحاية عرضه eف كونه نصرا أبلغ من ذلك ف حق غيه؛ لن الوقيعة ف عرض غيه قد [ل تضر] مقصوده ،بل
تكتب له با حسنات.
139
www.dorar.net الدرر السنية
الواحد من السلمي وسلطان السلمي يوجب اللد والبس فلو كان سب الرسول كذلك لسوي بي سب الرسول
وسب غيه من المة ،وهو باطل بالضرورة ،والقطع ل معن له ،فتعي القتل.
140
www.dorar.net الدرر السنية
141
www.dorar.net الدرر السنية
143
www.dorar.net الدرر السنية
بالق الذي أنزل عليك ،ولقد اصطلح أهل هذه البحرة على أن ُيتَوّجُوه فُيعَصّبوه بال ِعصَابة ،فلما رد ال ذلك بالق
الذي أعطاك شَ ِرقَ بذلك ،فذلك الذي فعل به ما رأيت ،فعفا عنه رسول ال .e
وكان رسول ال eوأصحابه يعفون عن الشركي وأهل الكتاب كما أمرهم ال تعال ،ويصبون على الذى ،قال
صبِرُوا َوَتّتقُوا فَِإنّ ذَلِكَ
ب مِن َقبِْلكُم َومِ َن الّذِينَ َأشْرَكُوا /أَذىً َكِثيْرا َوِإنْ َت ْ
ال تعال) :وََلتَسْ َمعَ ّن مِ َن الّذِينَ أُوتُوا ال ِكتَا َ
مِ ْن عَ ْز ِم ا ُلمُورِ( ،وقال ال عز وجلَ ) :ودّ َكثِ ٌي مِنْ َأهْ ِل ال ِكتَابِ َلوْ يَرُدّوَنكُم مّن َبعْدِ ِإيْمَانِكُمْ ُكفّارا حَسَدا مِنْ
ل ِبأَمْ ِرهِ ِإنّ الَ عَلَى كُ ّل شَيءٍ قَدِيرٌ(.صفَحُوا َحتّى َي ْأتِيَ ا ُ ِعنْدِ َأْنفُسِهِم مّن َبعْ ِد مَا َتَبيّنَ َل ُهمُ الَقّ فَا ْعفُوا وا ْ
وكان رسول ال eيتأول ف العفو ما أمره ال عز وجل حت أذن ال عز وجل فيهم ،فلما غزا رسول ال eبدرا،
َف َقتَل ال تعال به من قتل من صناديد كفار قريش ،وقفل رسول ال eوأصحابه منصورين غاني معهم أسارى من
صناديد الكفار وسادة قريش ،فقال ابن أُبّ بن سلول ومن معه من الشركي عبدة الوثان :هذا أمر قد توجه،
فبايعوا رسول ال eعلى السلم ،فأسلموا" ،اللفظ للبخاري.
ف َعْنهُمْ
صيْطِر () ،فَاعْ ُ ت عََلْيهِم بِ ُم َ س َ ض عَ ِن الُشْرِكِيَ() ،لَ ْ وقال علي بن أب طلحة عن ابن عباس قوله تعالَ ) :وأَعْ ِر ْ
ل ِبأَمْ ِرهِ() ،قُلْ لِلّذِينَ آ َمنُوا يَ ْغفِرُوا لِلّذِينَ َل يَ ْرجُونَصفَحُوا َحتّى َيأِْتيَ ا ُصفَحُوا() ،فَا ْعفُوا وَا ْ
صفَحْ(َ ) ،وإِ ْن َت ْعفُوا َوتَ ْ
وَا ْ
َأيّامَ الِ ( ،ونو هذا ف القرآن ما أمر ال به الؤمني بالعفو والصفح عن الشركي فإنه نسخ ذلك كله قوله تعال) :
ل وَ َل بِاليَومِ الخِرِ( إل قولهَ ) :وهُمْ ث وَجَدتّمُوهُمْ( ،وقوله تعال) :قَاتِلُوا الذِينَ َل ُيؤْ ِمنُو َن بِا ِ فَا ْقتُلُوا الُشْرِ ِكيْنَ َحيْ ُ
صَاغِرُونَ( ،فنسخ هذا عفوه عن الشركي.
وكذلك روى المام أحد وغيه عن قتادة ،قال :أمر ال نبيه eأن يعفو عنهم ويصفح حت يأت ال بأمره وقضائه،
ل وَل بِاليَومِ الخِ ِر وَلَ
ث أنزل ال عز وجل براءة فأتى ال بأمره وقضائه ،فقال تعال) :قَاتِلُوا الذِينَ َل ُيؤْ ِمنُو َن بِا ِ
ل وَ َرسُولُهُ( الية ،قال :فنسخت هذه الية ما كان قبلها ،وأمر ال فيها بقتال أهل الكتاب حت ح ّرمُو َن مَا َح ّرمَ ا ُ
يُ َ
يسلموا أو ُيقِروا بالزية صغارا [ونقمةً] لم.
وكذلك ذكر موسى بن عقبة عن الزهري أن النب eل يكن يقاتل من كف عن قتاله ،لقوله تعال) :فَِإ ِن اعْتَزَلُوكُمْ
َفلَ ْم ُيقَاتِلُوكُ ْم َوأَلْ َقوْا إَِلْيكُمُ السّلَمَ فَمَا َجعَلَ الُ َلكُ ُم عََلْيهِ ْم َسبِيلً( إل أن نزلت براءة.
وجلة ذلك أنه لا نزلت براءة ُأمِر أن يبتدئ جيع الكفار بالقتال وثنيهم وكتابيهم ،سواء كفوا عنه أول يكفوا ،وأن/
ظ عََلْيهِمْ( بعد أن ي وَاغْلُ ْ
ينبذ إليهم تلك العهود الطلقة الت كانت بينه وبينهم ،وقيل له فيها) :جَاهِ ِد ال ُكفّا َر وَا ُلنَاِفقِ َ
ي وَ َدعْ أذَاهُمْ(.
كان قد قيل له) :وَ َل تُطِ ْع الكَافِرِي َن وَا ُلنَاِفقِ َ
144
www.dorar.net الدرر السنية
145
www.dorar.net الدرر السنية
العتراض الثان
حيّكَ
جوَى( إل قوله تعالَ ) :وإِذَا جَآءُوكَ َحّيوْ َك بِمَا لَ ْم يُ َ
فإن قيل :قد قال ال تعال) :أَلَم تَرَ إِلَى الذِي َن ُنهُوا عَ ِن النّ ْ
سُبهُمْ َج َهنّ ُم يَصَْل ْوَنهَا َفِبْئسَ ا َلصِيِ( فأخب أنم ييون الرسول
ل بِمَا نَقُولُ حَ ْ ل َوَيقُلُونَ فِي َأْنفُسِهِمْ َلوْ َل ُيعَ ّذُبنَا ا ُ
بِهِ ا ُ
تية منكرةً ،وأخب أن العذاب ف الخرة يكفيهم عليها ،فعلم أن تعذيبهم ف الدنيا ليس بواجب.
146
www.dorar.net الدرر السنية
وعن جابر قال :سلّم ناس من اليهود على رسول ال ،eفقالوا :السام عليك يا أبا القاسم ،فقالَ " :وعََلْيكُمْ" فقالت
ب عََلْيهِ ْم وَل ُيجَابُو َن عََلْينَا"
ت عََلْيهِمْ ،وَ ِإنّا ُنجَا ُ
عائشة وغضبت :أل تسمع ما قالوا؟ قال" :بَلَى ،قَ ْد سَ ِم ْعتُ َفرَ َددْ ُ
رواه مسلم.
ومثل هذا الدعاء أذى للنب ،eوسب له ،ولو قاله السلم لصار به مرتدا؛ لنه دعا على النب eف حياته بأن
يوت ،وهذا فعل كافر[ ،ومع] هذا فلم يقتلهم النب ،eبل نى عن قتل اليهودي الذي قال ذلك لا استأمره
أصحابه ف قتله.
147
www.dorar.net الدرر السنية
148
www.dorar.net الدرر السنية
الواب الثالث :أن قول أصحاب النب eله :أل نقتله؟ لا أخبهم أنه قال :السام عليكم ،دليل على أنه كان مستقرا
عندهم قتل الساب من اليهود؛ لا رأوه قتل ابن الشرف والرأة وغيها ،فنهاهم النب eعن قتله ،وأخبهم أن مثل
هذا الكلم حقه أن يقابل بثله؛ لنه ليس إظهارا للسب والشتم من جنس ما فعلت تلك اليهودية وابن الشرف
وغيها ،وإنا هو إسرار به كإسرار النافقي بالنفاق.
الواب الرابع :أن النب eكان له أن يعفو عمن شتمه وسبه ف حياته ،وليس للمة أن تعفو عن ذلك.
يوضح ذلك أنه ل خلف أن من سب النب eأو عابه بعد موته من السلمي كان كافرا حلل الدم ،وكذلك من
ل مِمَا
سب نبيا من النبياء ،ومع هذا فقد قال ال تعال) :يَا أَّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا لَ تَكُونُوا كَالّذِينَ ءا َذوْا مُوسَى َفبَ ّرَأهُ ا ُ
قَالُوا( ،وقال تعال) /:وَإذْ قَا َل مُوسَى ِل َق ْومِهِ يَا َق ْومِ لِ َم ُتؤْذُوَننِي وَقَ ْد َتعْلَمُونَ َأنّي َرسُولُ الِ إَِليْكُمْ( ،فكان بنو
إسرائيل يؤذون موسى ف حياته با لو قاله اليوم أحدٌ من السلمي وجب قتله ،ول يقتلهم موسى ،وكان نبينا e
يقتدي به ف ذلك؛ فربا سع أذاه أو بلغه فل يعاقب الؤذي على ذلك ،قال ال تعالَ ) :و ِمْنهُ ُم الّذِينَ ُيؤْذُو َن النِّب ّي
َوَيقُولُو َن ُهوَ أُ ُذنٌ( الية ،وقالَ ) :و ِمْنهُم مّن يَلْ ِم ُزكَ فِي الصّدَقَاتِ فَِإنْ ُأعْطُوا ِمْنهَا رَضُوا َوإِن لّ ْم ُيعْطَوا ِمْنهَا إِذَا هُمْ
خطُونَ(. يَسْ َ
وعن الزهري عن أب سلمة عن أب سعيد قال :بينا النب َ eيقْسم جاء عبدال بن ذي الويصرة التميمي فقال :اعدل
يا رسول ال ،قالَ " :ويْلَكَ! مَ ْن َيعْدِلُ إِذَا لَمْ َأعْدِلْ؟" ،قال عمر بن الطاب :دعن أضرب عنقه ،قالَ " :دعْهُ فَِإنّ لَهُ
سهْ ُم مِنَ ال ّر ِمّيةِ" ،ـ
صيَا ِمهِمْ ،يَمْرُقُونَ مِنَ الدّينِ َكمَا يَمْ ُرقُ ال ّ
صيَامَهُ مَعَ ِ
لِتهِ ْم وَ ِ
صَلتَهُ مَعَ َ
صَحقِرُ أَحَدُكُمْ َ
صحَابا َي ْ
أَ ْ
وذكر الديث إل أن قال ـ :وفيه نزلتَ ) :ومِْنهُم مّن يَ ْلمِ ُزكَ فِي الصّدَقَاتِ(.
هكذا رواه البخاري وغيه من حديث َمعْمَر عن الزهري ،وأخرجاه ف "الصحيحي" من وجوه أخرى عن الزهري
عن أب سلمة والضحاك المدان عن أب سعيد قال :بينا نن جلوس عند النب eوهو يقسم قسما أتاه ذو الويصرة
ـ وهو رجل من بن تيم ـ فقال :يا رسول ال اعدل ،فقال رسول ال َ " :eويْلَكَ! مَ ْن َيعْدِل ِإذَا َلمْ َأعْدِلْ؟ َقدْ
سرْتَ إِنْ لَمْ َأعْدِلْ" ،فقال عمر بن الطاب رضي ال عنه :ائذن ل فيه أضرب عنقه ،فقال رسول ال :e ت وَخَ ِ ِخبْ َ
صيَامِهِمْ" وذكر حديث الوارج الشهور ،ول
صيَامَهُ مَعَ ِ
لِتهِ ْم وَ ِ
صَلتَ ُه مَعَ َ
صَح ِقرُ أَحَدُكُمْ َ
" َدعْهُ فَِإنّ لَهُ أَصْحَابا يَ ْ
يذكر نزول الية.
وتسميته ذو الويصرة هو الشهور ف عامة الحاديث ،كما رواه عامة أصحاب الزهري عنه ،والشبه أن ما انفرد به
معمر َوهْمٌ منه ،فإن له مثل ذلك ،وقد ذكروا أن اسه حُرقوص بن زهي.
149
www.dorar.net الدرر السنية
وف "الصحيحي" أيضا من حديث عبد الرحن بن أب ُنعْم عن أب سعيد قال :بعث عَِليّ رضي ال عنه /وهو باليمن
إل النب eب ُذ َهيْبةٍ ف تربتها فقسمها بي أربعة نفر،ـ وفيه ـ :فغضبت قريش والنصار ،وقالوا :يعطيه صناديد
ف الوَ ْجَنتَيْنِ ملوق الرأس أهل ند ويَ َدعُنا ،فقال :إنا أتألّفهم ،فأقبل رجل غائر العيني ناتىءُ البي كثّ اللحية مُشْرِ ُ
ض وَلَ تَ ْأ َمنُونِي" فسأل رجل من القوم فقال :يا ممد اتق ال ،قال" :فَ َم ْن يُطع ال إذَا َعصَْيتُه؟ أفيأ َمُننِي عَلَى أَهْ َل الَ ْر ِ
ضْئضِى ِء هَذَا َقوْما َيقْ َرؤُونَ القُرْآنَ َل ُيجَاوِزُ َحنَا ِج َرهَمْ" َقتْلَه ،أراه خالد بن الوليد ،فمنعه ،فلما ول قالِ" :إنّ مِن ِ
لمَِ ،ويَ َدعُونَ َأهْ َل الَ ْوثَانَِ ،لئِنْ أَ ْدرَ ْكتُهُمْ لَ ْقتَُلّنهُمْ َقتْلَ
وذكر الديث ف صفة الوارج وف آخرهَ" :يقْتُلُونَ َأهْلَ ا ِل ْس َ
عَادٍ".
صبَاحا َومَسَاء" وفيها فقال :يا رسول ال ي مَن فِي السّمَاءَِ ،يأِْتْينِي َخبَر السّمَاءِ َ وف رواية لسلم" :أَ َل َت ْأمَنُونِي َوَأنَا َأمِ ُ
ستُ أَحَقّ َأهْ ِل الَ ْرضِ أن َيّتقِي ال؟" قال :ث ولّى الرجل ،فقال خالد بن الوليد:
اتق ال ،فقال النب َ " :eويْلَكَ! َأوَ لَ ْ
يا رسول ال أل أضرب عنقه؟ فقال" :لََ ،لعَلّهُ َأ ْن يَكُونَ ُيصَلّي" ،قال خالد :وكم من مص ّل يقول بلسانه ما ليس ف
ب النّاسِ وَلَ َأشُ ّق بُطُوَنهُمْ".
ب عَنْ قُلُو ِ
قلبه؟ فقال رسول ال ِ" :eإنّي َلمْ أُومَر أَن َأْنقُ َ
وف رواية ف الصحيح :فقام إليه عمر بن الطاب فقال :يا رسول ال ،أل أضرب عنقه؟ قال" :ل" ،فقام إليه خالد
سيف ال فقال :يا رسول ال أل أضرب عنقه؟ قال" :ل".
فهذا الرجل قد نص القرآن أنه من النافقي بقولهَ ) :ومِْنهُ ْم مَن يَ ْلمِ ُزكَ فِي الصّدَقَاتِ( ،أي :يعيبك ويطعن عليك،
ي مَن فِي
ستُ أَحَ ّق أهْ ِل الَ ْرضِ أ ْن َيّتقِي ال؟ أَ َل َت ْأمَنُونِي َوَأنَا َأمِ ُ
وقوله للنب :eاعدل ،واتق ال ،ولذا قالَ" :أوَ لَ ْ
السّمَاءِ؟".
ومثل هذا الكلم ل ريب أنه يوجب القتل لو قاله اليوم أحد ،وإنا ل يقتله النب eلنه كان يظهر السلم وهو
الصلة الت يقاتَل الناس حت يفعلوها ،وإنا كان نفاقه با يتص النب /eمن الذى ،وكان له أن يعفو عنه ،وكان
يعفو عنهم تأليفا للقلوب؛ لئل يتحدث الناس أن ممدا يقتل أصحابه ،وقد جاء ذلك مفسّرا ف هذه القصة أو ف
مثلها.
لعْرَانة مُنصَرَفه من حني ـ وف
فروى مسلم ف "صحيحه" عن أب الزبي عن جابر رضي ال عنه قال :أتى رج ٌل با ِ
ثوب بلل فضة ،ورسول ال eيقبض منها ،يعطي [منها] الناس ـ فقال :يا ممد اعدل ،فقالَ " :ويْلَكَ! َومَن
ت وَخَسِرْتَ ِإنْ لَمْ أَكُنْ َأعْدِلْ" ،فقال عمر بن الطاب رضي ال عنه :دعن يا َيعْدِل ِإذَا لَمْ أكن َأعْدِلْ؟ لقَدْ ِخْب َ
صحَابِيِ ،إنّ هَذَا َوأَصْحَابَه َيقْرَؤون القُرآنَ
ث النّاسُ َأنّي أَ ْقتُلُ أَ ْ رسول ال فأقتل هذا النافق ،فقالَ " :معَاذَ الِ َأ ْن َيتَحَدّ َ
ل يُجَاوِزُ َحنَاجِ َرهُمْ ،يَ ْمرُقُونَ ِمنْهُ كَمَا يَ ْم ُرقُ السّهْ ُم مِنَ ال ّر ِمّيةِ".
150
www.dorar.net الدرر السنية
وروى البخاري منه عن عمرو عن جابر رضي ال عنهما قال :بينا رسول ال eيقسم غنيمةً باِلجْعرَانة إذ قال له
رجل :اعدل ،فقالَ" :لقَ ْد َشقِيتَ ِإنْ َلمْ َأعْدِلْ".
وجاء من كلمه لرسول ال eما هو أغلظ من هذا ،قال ابن إسحاق ف رواية ابن بكي عنه :حدثن أبو عبيدة بن
ممد بن عمار بن ياسر عن ِمقْسَم أب القاسم مول عبدال بن الارث قال :خرجت أنا و[تَليد]بن كلب الليثي،
فلقينا عبدال بن عمرو بن العاص يطوف بالكعبة معلقا نعليه ف يديه ،فقلنا له :هل حضرت رسول ال eوعنده ذو
الويصرة التميمي يكلمه؟ قال :نعم ،ث حدثنا فقال :أتى ذو الويصرة التميمي رسول ال eوهو يقسم القاسم
بني ،فقال :يا ممد قد رأيتُ ما صنعتَ ،قال" :فكيف رأيت؟" قال :ل أرك عدلت ،فغضب رسول ال eوقال:
"إذا ل َيكُ ِن العَدْلُ عندي َف ِعنْدَ مَن يكون؟"فقال عمر :يا رسول ال ،أل أقوم إليه فأضرب عنقه ،فقال رسول ال :e
" َدعْهُ؛ فإنّ ُه َسَيكُونُ له شِي َع ٌة َيتَع ّمقُونَ فِي الدّينِ َحتّى يَمْرُقونَ ِمنْهُ كَمَا يَ ْم ُرقُ السّهْ ُم مِنَ ال ّر ِمّيةِ" وذكر تام الديث.
/قال ابن إسحاق :حدثن أبو جعفر ممد بن علي بن السي قال :أتى ذو الويصرة التميمي رسول ال eوهو
يقسم القاس بني ،وذكر مثل هذا سواء.
ورواه المام أحد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحاق نو هذا.
151
www.dorar.net الدرر السنية
ف الديث من كلم الزهري أو كلم معمر؛ لن ذا الويصرة إنا أنكر عليه قسم الغنائم ،وليست هي الصدقات
الت جعلها ال لثمانية أصناف ،ول التفات إل ما ذكره بعض الفسرين من أن الية نزلت ف قسم غنائم حني ،وإما
أن يكون العترض ف ذهيبة علي رضي ال عنه هو ذو الويصرة أيضا ،وعلى هذا فتكون أحاديث [أب] سعيد كلها
ف هذه القصة ،ل ف قسم الغنائم ،وتكون الية قد نزلت ف ذلك ،أو يكون قد شهد القصتي معا /،والية نزلت ف
إحداها.
وقد رُوي عن أب برزة السلمي قال :أُت رسول ال eبالٍ ،فقسمه ،فأعطى مَن عن يينه ومن عن شاله ،ول ُيعْطِ
مَن وراءه شيئا ،فقام رجلٌ من ورائه فقال :يا ممد ما عدلت ف القسمة ،رجل أسو ُد مَطْمُوم الشعر عليه ثوبان
ل ُهوَ َأعْدَ ُل ِمنّي" ث قالَ" :يخْ ُرجُ ف ل ل تَجِدُونَ َبعْدِي رَ ُج ً أبيضان ،فغضب رسول ال eغضبا شديدا وقال" :وَا ِ
سهْ ُم مِنَ
آ ِخرِ ال ّزمَانِ َق ْومٌ َكَأنّ هَذَا ِمنْهمَْ ،يقْ َرؤُونَ القُرآنَ َل يُجَاوِ ُز تَرَاقِيهِمْ ،يَمْرُقُو َن مِ َن ال ْسلَم كَمَا يَمْ ُرقُ ال ّ
سيْحِ الدّجّالِ ،فَإِذَا َل ِقيْتُمُوهُمْ فا ْقتُلُوهُمْ ،هُمْ
حلِيقُ ،لَ َيزَالُونَ يَخْ ُرجُونَ َحتّى يَخْ ُرجَ آ ِخرُه ْم مَعَ الَ ِ
ال ّر ِمّيةِِ ،سيْماهُمُ التّ ْ
شَرّ الَ ْل ِق والَِلْي َقةِ" رواه النسائي.
ومن هذا الباب ما خرجاه ف "الصحيحي" عن أب وائل عن عبدال قال :لا كان يوم حني آثر رسول ال eناسا
ف القسمة ،فأعطى القرع بن حابس مائةً من البل ،و أعطى عيينة بن حصن مثل ذلك ،وأعطى ناسا من أشراف
العرب ،وآثرهم يومئذٍ ف القسمة ،فقال رجل :وال إن هذه لقسمة ما عُدِل فيها ،أو ما أريد با وجه ال قال:
فقلت :وال لخبن رسول ال ،eقال :فأتيته فأخبته با قال ،فتغي وجهه حت كان كالصّرْف ،ث قال" :فَمَ ْن
صبَرَ" قال :فقلت :ل َج َرمَ ل
ي بِأَ ْكثَ َر مِ ْن هَذَا َف َ
ل مُوسَى ،قَدْ أُوذِ َ
ل وَ َرسُولُه؟" ث قال" :يَرْ َحمُ ا َُيعْدِلْ ِإذَا لَمْ يَعْ ِدلِ ا ُ
أرفع إليه بعدها حديثا.
وف رواية للبخاري قال رجل من النصار :ما أريد با وجه ال.
وذكر الواقدي أن التكلم بذا كان معتب بن قشي ،وهو معدود من النافقي.
فهذا الكلم ما يوجب القتل بالتفاق؛ لنه جعل النب eظالا مرائيا ،وقد صرح النب eبأن هذا من أذى
الرسلي ،ث اقتدى ف العفو عن ذلك بوسى عليه السلم ،ول [يستتب]؛ لن القول ل يثبت ،فإنه ل يراجع
القائل ،ول تكلم ف ذلك بشيء.
ومن ذلك ما رواه ابن أب عاصم وأبو الشيخ ف الدلئل بإسناد صحيح عن َقتَادة عن عقبة بن وسّاج عن ابن عمر
قال :أُت رسول ال eبقُليد من ذهب وفضة ،فقسمه بي أصحابه ،فقام رجل من أهل البادية فقال :يا ممد ،وال
لئن أمرك ال أن تعدل فما أراك تعدل ،فقالَ " :ويْحَكَ! /مَنْ يَعْ ِد ْل عََليْكَ َبعْدِي؟"فلما ولّى قال" :رُدّو ُه عََليّ ُر َويْدا".
152
www.dorar.net الدرر السنية
ج الَرّة لا قالِ" :اسْ ِق يَا ُزَبيْر ،ثُ ّم سَرّح الَاءَ إِلَى جَاِرَك" فقال:
ومن ذلك قول النصاري الذي حاكم الزبي ف شِرَا ِ
إن كان ابن عمتك؟.
وحديث الرجل الذي قضى عليه ،فقال :ل أرضى ،ث ذهب إل أب بكر ،ث إل عمر فقتله.
ولذا نظائر ف الديث إذا تتبعت ،مثل الديث العروف عن َبهْز ابن حكيم عن أبيه عن جده ،أن أخاه أتى النب e
فقال :جيان على ماذا أُخذوا؟ فأعرض عنه النب ،eفقال :إن الناس يزعمون أنك تنهى عن الفيء وتستخلي به،
فقالَ" :لئِنْ ُكْنتُ أَ ْفعَلُ ذَلِكَ ِإنّهُ َلعََليَّ ،ومَا ُهوَ عََلْيهِمْ ،خَلّوا لَه ِجيْرَانَهُ" رواه أبو داود بإسناد صحيح.
فهذا وإن كان قد حكى هذا القذف عن غيه فإنا قصد به انتقاصه وإيذاءه بذلك ،ول يكه على وجه الرد على من
قاله ،وهذا من أنواع السب.
ومثل حديث ابن إسحاق عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت :ابتاع رسول ال eجزورا من أعراب ب َوسْقٍ من تر
الذخية ،فجاء به إل منله ،فالتمس التمر فلم يده ف البيت ،قالت :فخرج إل العراب فقال" :يَا َعبْدَالِِ ،إنّا ابْتعنَا
مِنكَ جَزو َركَ هَذا بوسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذّ ِخيْ َرةَِ ،ونَحْ ُن َنرَى َأنّهُ ِعنْ َدنَا ،فَلَمْ نَجِ ْدهُ" ،فقال العراب ،واغدراه وَاغدراه،
فوكزه الناس ،وقالوا :لرسول ال eتقول هذا؟! فقال رسول ال َ " :eد ُعوْهُ" رواه ابن أب عاصم وابن حبان ف
الدلئل.
فهذا الباب كله ما يوجب القتل ،ويكون به الرجل كافرا منافقا حلل الدم ،كان النب eوغيه من النبياء عليهم
ف َوَأعْ ِرضْ عَ ِن الَاهِلِيَ( ،ولقوله السلم يعفون ويصفحون عمن قاله ،امتثالً لقوله تعال) :خُ ِذ العَ ْف َو َوْأمُ ْر بِالعُرْ ِ
سَتوِي الَسََن ُة وَلَ السّّيَئةُ ادَْف ْع بِاّلتِي ِهيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِي َبيْنَكَ سّيَئةَ( ،وقوله) :وَل تَ ْ تعال) :ادَْف ْع بِاّلتِي هِيَ أَحْسَنُ ال ّ
ظ عَظِيم( ولقوله تعال) :وَلَو ُكْنتَ صبَرُوا َومَا يَُلقّاهَا إِلّ ذُو حَ ّ َوَبْينَهُ عَدَا َوةٌ َكَأنّهُ َولّ حَمِيمٌ* َومَا ُيَلقّاهَا إِ ّل الّذِينَ َ
ب ل ْنفَضّوا مِن َحوْلِكَ فَاعْفُ َعْنهُ ْم وَاسَْت ْغفِرْ َلهُم َوشَاو ْرهُمْ فِي ا َلمْرِ( ،ولقوله تعال) :وَل تُ ِطعِ فَظّا غَلِيظَ القَ ْل ِ
ي وَ َدعْ أَذَاهُمْ( ،وذلك لن درجة اللم والصب على الذى والعفو عن الظلم أفضل /أخلق أهل الكَافِرِي َن وَا ُلنَاِفقِ َ
ي عَ ِن النّاسِ والُ ظ والعَافِ َ الدنيا والخرة ،يبل ُغ الرجل با ما ل يبلغه بالصيام والقيام ،قال تعال) :وَالكَاظِمِيَ ال َغيْ َ
سنِيَ( ،وقال تعال) :وَ َجزَاءُ سَّيَئ ٍة َسيَّئ ٌة ِمثُْلهَا فَمَ ْن َعفَا َوأَصْلَحَ َفأَ ْج ُرهُ عَلَى الِ( ،وقال تعال) :إِ ْن ُتبْدُوا ب الُحْ ِ ح ّ يُ ِ
خفُوهُ َأوْ َت ْعفُوا عَ ْن سُوءٍ فَِإنّ الَ كَا َن َع ُفوّا َقدِيرا( ،وقالَ ) :وِإنْ عَاَقْبتُم َفعَاِقبُوا بِ ِمثْ ِل مَا عُوقِْبتُم بِ ِه وََلئِنْ َخيْرا َأوْ ُت ْ
صبَ ْرتُمْ َل ُهوَ َخيْرٌ للصّابِرِينَ(.
َ
والحاديث ف هذا الباب كثية مشهورة ،ث النبياء أحق الناس بذه الدرجة لفضلهم ،وأحوج الناس إليها لا ابتلوا
به من دعوة الناس ومعالتهم وتغيي ما كانوا عليه من العادات ،وهو أمر ل يأتِ به أحد إل عُودِي ،فالكلم الذي
153
www.dorar.net الدرر السنية
يؤذيهم يكفر به الرجل فيصي به ماربا إن كان ذا عهدٍ ومرتدا أو منافقا إن كان من يظهر السلم ،ولم فيه أيضا
حق الدمي؛ فجعل ال لم أن يعفوا عن مثل هذا النوع ،ووسّع عليهم ذلك لا فيه من حق الدمي؛ تغليبا لق
الدمي على حق ال ،كما جعل لستحق القود وحد القذف أن يعفو عن القاتل والقاذف وأول؛ لا ف جواز عفو
النبياء ونوهم من الصال العظيمة التعلقة بالنب والمة وبالدين ،وهذا معن قول عائشة رضي ال عنها" :مَا ضَربَ
رسول ال eبيده خادما له ول امرأة ول دابةً ول شيئا قط إل أن ياهد ف سبيل ال ،ول انتقم لنفسه قط" وف
لفظ" :ما نِي َل منه شيء فانتقم من صاحبه إل أن ُتْنَتهَكَ مارم ال ،فإذا انُت ِهكَت مارم ال ل يقم [لغضبه] شيء
حت ينتقم ل" متفق عليه.
154
www.dorar.net الدرر السنية
ب النّاَقِة َبيْ َن يَ َدْيهَاَ ،فأَخَذَ َلهَا مِنْ قُمَا ِم الَ ْرضِ ،فَجَاءَ ْ
ت خَلّوا َبْينِي َوَبيْ َن نَاَقتِيَ ،فأَنَا أَرْفَ ُق ِبهَاَ ،فَتوَجّهَ َلهَا صَا ِح ُ
ش ّد عََلْيهَا رَ ْحَلهَا وَا ْستَوى عََلْيهَاَ ،وِإنّي َل ْو تَرَ ْكُتكُمْ ِحيْنَ قَالَ الرّجُ ُل مَا قَالََ ،ف َقتَ ْلتُمُوهُ دَ َخ َل النّارَ".
فَا ْسَتنَا َختْ ،فَ َ
ورواه أبو أحد العسكري بذا السناد قال :جاء أعراب إل النب eفقال :يا ممد أعطن فإنك ل تعطين من مالك
ول من مال أبيك ،فأغلظ للنب ،eفوثب إليه أصحابه فقالوا :يا عدو ال ،تقول هذا لرسول ال e؟ وذكره.
[فهذا] يبي لك أن قتل ذلك الرجل لجل قوله ما قال كان جائزا قبل الستتابة ،وأنه صار كافرا بتلك الكلمة،
ولول ذلك لا كان يدخل /النار إذا قتل على مرد تلك الكلمة ،بل كان يدخل النة لنه مظلوم شهيد ،وكان قاتله
يدخل النار لنه قتل مؤمنا متعمدا ،ولكان النب eيبي أن قتله ل يل لنه سفك الدم بغي حق من أكب الكبائر،
وهذا العراب كان مسلما؛ ولذا قال" :صَاحِبكُمْ" ،ولذا جاءه العراب يستعينه ،ولو كان كافرا ماربا له لا جاء
يستعينه ف شيء ،ولو كان النب eأعطاه ليُسْلم لذكر ف الديث أنه أسلم ،فلما ل ير للسلم ذكر د ّل على أنه
كان من دخل ف السلم وفيه جفاء العراب ،ومن دخل ف قوله تعال) :فَِإنْ ُأعْطُوا ِمْنهَا رَضُوا َوِإنْ َل ْم ُيعْ َطوْا ِمْنهَا
خطُونَ (.
إِذَا هُ ْم يَسْ َ
وما يوضح ذلك أنه eكان يعفو عن النافقي الذين ل يشك ف نفاقهم ،حت قال :لو أعلم أن لو زدت على
السبعي غُفر له لزدت ،حت ناه ال عن الصلة عليهم والستغفار لم وأمره بالغلظ عليهم ،فكثي ما كان يتمله
من النافقي من الكلم وما يعاملهم من الصفح و العفو والستغفار كان قبل نزول براءة لا قيل له) :وَل تُ ِطعِ
ي وَ َدعْ أَذَاهُمْ( لحتياجه إذ ذاك إل استعطافهم ،وخشية نفور العرب عنه إذا قتل أحدا منهم ،وقد
الكَافِري َن وَا ُلنَاِفقِ َ
صرح eلا قال ابن أُبَّ) :لئِنْ َر َج ْعنَا إِلَى الَدِيَنةِ َلُيخْرِ َج ّن الَعَ ّز مِنهَا الَذَلّ ( ولا قال ذو الويصرة :اعدل فإنك ل
تعدل ،وعند غي هذه القضية أنه إنا ل يقتلهم لئل يتحدث الناس أن ممدا يقتل أصحابه ،فإن الناس ينظرون إل
ظاهر المر فيون واحدا من الصحابة قد قتل ،فيظن الظان أنه يقتل بعض أصحابه على غرض أو حقد أو نو ذلك،
فينفر الناس عن الدخول ف السلم ،وإذا كان من شريعته أن يتألف الناس على السلم بالموال العظيمة ،ليقوم دين
ال وتعلو كلمتهَ ،فلَن يتألفهم بالعفو أول وأحرى.
فلما أنزل ال براءة ،وناه عن الصلة على النافقي والقيام على قبورهم ،وأمره أن ياهد الكفار والنافقي ويَغْلُظ
عليهم ،نسخ جيع ما كان النافقون ُيعَاملون به من /العفو ،كما نسخ ما كان الكفار يُعامَلون به من الكف عمن
سال ،ول يبق إل إقامة الدود ،وإعلء كلمة ال ف حق كل إنسان.
العتراض الثالث
155
www.dorar.net الدرر السنية
الواب الثان :أن النب eقد كان له أن يعفو عمن سبه ،وليس للمة أن تعفو عمن سبه ،كما قد كان يعفو عمن
سبه من السلمي ،مع أنه ل خلف بي السلمي ف وجوب قتل من سبه من السلمي.
الواب الثالث :أن هذا ليس بإظهارٍ للسب ،وإنا هو إخفاء له ،بنلة "السام عليكم" ،وبنلة ظهور النفاق ف لن
القول ،لنم كانوا يظهرون أنم يقصدون مسألته أن يسمع كلمهم ،وأن يُرَاعيهم ،فينظرهم حت يَ ْقضُوا كلمهم
سبّ والطعن وحت يفهموا كلمه ،ويأتونه على هذا الوجه ،ث إنم يَ ْلوُون ألسنتهم بالكلم َويَنْوون به الستهزاء وال ّ
ف الدين ،كما يلوون ألسنتهم بالسلم وينوون به الدعاء عليه بالوت ،واليهود أمةٌ معروفة بالنفاق والبث ،وأن
تظهر خلف ما تبطن ،ولكن ذلك ل يوجب إقامة حد عليهم.
ولو كان هذا [سبا] ظاهرا لا كان السلمون ياطبون بثل ذلك قاصدين به الي ،حت ُنهُوا عن التكلم بكلمٍ يتمل
الستهزاء ويوهه ،بيث يصي سبا بالنية ودللة الال.
ب تتخاطب با تقصد [سبا] ،قال عطاء :كانت لغة ف النصار ف الاهلية؛ وقال وذلك أن هذه الفظة كانت العر ُ
أبو العالية" :إن مشركي العرب كانوا إذا حدّث بعضهم بعضا يقول أحدهم لصاحبه :أرعِن سَ ْمعَكَ ،فنهوا عن
ذلك" وكذلك قال الضحاك ،وذلك أن العرب /تقول :أ ْرعَيْته سعي إرعاء ،إذا َف ّرغْتَه لكلمه؛ لنك جعلت السمع
يرعى كلمه ،وتقول" :راعيته سعي" بذا العن ،لكن كانت اليهود تعتقدها سبا بينها:إما لا فيها من الشتراك،
فإنا كما تستعمل ف استرعاء السمع تستعمل بعن الفاعلة كأنه قيل :راعن حت أراعيك ،وهذا إنا يكون بي
المثال والنظراء ،ومرتبة الرئيس أعلى من ذلك.
أو أن اليهود ينوون با معن ال ّرعُوَنةِ ،أو فيها طلب حفظ الكلم والهتمام به ،وهذا إنا يكون من العلى للسفل،
لن الرعاية هي الفظ والكَلءة ،ومنه ا ْستِرعَاء الشهادة.
أو قد غلبت ف عُرْفهم ولغتهم على معن رديء كما قد قيل :إنم يَنوُو َن با اسع ل سعت ،وبالملة إنا يصي مثل
هذا سبا بالنية ،وَليّ اللسان ونوه ،فنُهي السلمون عنها؛ حسما لادة التشبه باليهود ،وتشبه اليهود بم ،وجعل ذلك
ذريعة إل الستهزاء به ولا يتمله لفظها من قلة أدب ف ماطبة الرسول .e
الواب الرابع :ما ذكره بعض أهل التفسي الذي ذكر أنا كانت سبا قبيحا بلغة اليهود ،قال :كان السلمون
يقولون :رَاعِنَا يا رسول ال َوأَرعنا سعك ،يعنون من الراعاة ،وكانت هذه اللفظة سبا قبيحا بلغة اليهود ،فلما
سعتها اليهود اغتنموها وقالوا فيما بينهم :كنا نسب ممدا سرا فأعلِنوا له الن بالشتم ،وكانوا يأتونه ويقولون:
راعنا يا ممد ،ويضحكون فيما بينهم ،فسمعها سعد بن معاذ ،ففطن لا ،وكان يعرف لغتهم ،فقال لليهود :عليكم
لعنة ال ،والذي نفسي بيده يا معشر اليهود لئن سعتها من رجل منكم يقولا لرسول ال eلضربن عنقه ،فقالوا:
157
www.dorar.net الدرر السنية
أولستم تقولونا؟ فأنزل ال) :يَا أّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا َل َتقُولُوا رَاعِنَا(؛ لئل يتخذ اليهود ذلك سبيلً إل شتم رسول ال
.e
فهذا القول دليل على أن اللفظة مشتركة ف لغة العرب ولغة العبانيي ،وأن السلمي ل يكونوا يفهمون من اليهود
إذا /قالوها إل معناها ف لغتهم ،فلما فطنوا لعناها ف اللغة الخرى نوهم عن قولا ،وأعلموهم أن ذلك ناقض
لعهدهم ،ومبيح لدمائهم ،وهذا أوضح دليل على أنم إذا تكلموا با يفهم منه السب حلت دماؤهم ،وإنا ل
يستحلوا دماءهم لن السلمي ل يكونوا يفهمون السب ،والكلم ف السب الظاهر ،وهو ما يفهم منه السب.
العتراض الرابع
فإن قيل :أهل الذمة قد أقررناهم على دينهم ،ومن دينهم استحلل سب النب ،eفإذا قالوا ذلك ل يقولوا غي ما
أقررناهم عليه ،وهذه نكتة الخالف.
الواب عنه
قلنا :ومن دينهم استحلل قتال السلمي ،وأخذ أموالم ،وماربتهم بكل طريق ،ومع هذا فليس لم أن يفعلوا ذلك
بعد العهد ،ومت فعلوه نقضوا العهد ،وذلك لنا وإن كنا نقرهم على أن يعتقدوا ما يعتقدونه ويفوا ما يفونه ،فلم
نقرهم على أن يظهروا ذلك ويتكلموا به بي السلمي ،ونن ل نقول ينتقض عهد الساب حت نسمعه يقول ذلك أو
يشهد به السلمون ،ومت حصل ذلك كان قد أظهره وأعلنه.
وترير الواب :أن كلتا القدمتي باطلة.
أما قوله" :أقررناهم على دينهم" فيقال :لو أقررناهم على كل ما يدينون به لكانوا بنلة أهل مِلّتهم الحاربي ،ولو
أقررناهم على كل ما يدينون به ل يعاقبوا على إظهار دينهم وإظهار الطعن ف ديننا ،ول خلف أنم يعاقبون على
ذلك ،ولو أقررناهم على دينهم مطلقا لقررناهم على هدم الساجد ،وإحراق الصاحف ،وقتل العلماء والصالي؛
فإن ما يدينون به ما يؤذي السلمي كثي ،ث ل خلف أنم ل ُيقَرّون على شيء من ذلك ،وإنا أقررناهم ـ كما
قال غَرَفة بن الارث ـ على أن نُخَلّيهم يفعلون ما بينهم ما شاؤوا ما ل يؤذي السلمي ول يضرهم ،ول نعترض
عليهم ف أمور ل تظهر ،فإن الطيئة إذا [أخفيت] ل تضر إل /صاحبها ،ولكن إذا أعلنت فلم تنكر تضر العامة،
وشرطنا عليهم أن ل يفعلوا شيئا يؤذينا ،ول يضرنا ،سواء كانوا يستحلونه أو ل يستحلونه ،فمت آذوا ال ورسوله
فقد نقضوا العهد ،وشرطنا عليهم التزام حكم السلم وإن كانوا يرون أن ذلك ل يلزمهم ف دينهم ،وشرطنا عليهم
أداء الزية وإن اعتقدوا أن أخذها منهم حرام ،وشرطنا عليهم إخفاء دينهم فل يظهرون الصوات بكتابم ول على
158
www.dorar.net الدرر السنية
جنائزهم ول صوت ناقوس ،وشرطنا عليهم أن ل يرتفعوا على السلمي ،وأن يالفوا بيئتهم هيئة السلمي على وجهٍ
يتميزون به ويكونون أذلء ف تيزهم ،إل غي ذلك من الشروط الت يعتقدون أنا ل تب عليهم ف دينهم.
فعُلم أنا شرطنا عليهم ترك كثي ما يعتقدونه دينا لم إما مباحا أو واجبا ،وفعل كثي ما يعتقدونه ليس من دينهم،
فكيف يقال :أقررناهم على دينهم مطلقا؟
وأما القدمة الثانية فنقول :هب أنا أقررناهم على دينهم ،فقوله" :استحلل السب من دينهم" جوابه أن يقال :أهو
من دينهم قبل العهد؟ أو من دينهم وإن عاهدوا على تركه؟
الول مُسَلّم ،لكن ل ينفع ،لن هؤلء قد عاهدوا ،فإن ل يكن هذا من دينهم ف هذه الال ل يكن لم أن يفعلوه
لنه من دينهم ف حالٍ أُخرى ،وهذا كما أن السلم من دينه استحلل دمائهم وأموالم وأذاهم بالجاء والسب إذا ل
نعاهدهم ،وليس من دينه استحلل ذلك إذا عاهدهم ،فليس لنا أن نؤذيهم ونقول :قد عاهدناكم على ديننا ،ومن
حرّم على كل واحد منهما ف دينه ما كان يستحله من ضرر ديننا استحلل أذاكم ،فإن العاهدة الت بي التحاربي تُ َ
الخر وأذاه قبل العهد.
وأما الثان فممنوع ،فإنه ليس من دينهم استحلل نقض العهد ،ول مالفة من عاهدوه ف شيء ما عاهدوه ،بل من
دين جيع أهل الرض الوفاء بالعهد ،وإن ل يكن هذا معتقدَهم؛ فنحن إنا عاهدناهم على أن يَدينوا بوجوب الوفاء
بالعهد ،فإن ل يكن دينهم وجوب الوفاء به فلم نعاهدهم على دين يستحل صاحبه نقض العهد ،ولو عاهدناهم على
هذا الدين لكنا قد عاهدناهم على أن يدينوا بنقض العهد فينقضوه ونن موفون بالعهد ،وبطلن هذا واضح.
وإذا ل يكن ِفعْل ما عاهدوا /على تركه من دينهم فنحن قد عاهدناهم على أن يكفوا عن أذانا بألسنتهم وأيديهم،
وأن ل يظهروا شيئا من أذى ال ورسوله ،وأن يفوا دينهم الذي هو باطل ف حكم ال ورسوله ،وإذا عاهدوا على
ترك هذا وإخفاء هذا كان فعله حراما عليهم ف دينهم؛ لن ذلك غد ٌر وخيانة ،وترك للوفاء بالعهد ،ومن دينهم أن
ذلك حرام ،ولو أن مسلما عاهده قومٌ من الكفار طائعا غي مكره على أن يسك عن ذكر صليبهم لوجب عليه ف
دينه أن يسك ما دام العهد قائما.
فقول القائل" :من دينهم استحلل سب نبيا" باطل؛ إذ ذلك مع العهد القتضي لتركه حرام ف دينهم كما يرم
عليهم ف دينهم استحلل دمائنا وأموالنا لجل العهد ،وهم يعتقدون عند أنفسهم أنم إذا آذوا ال ورسوله بألسنتهم
أو ضروا السلمي بعد العهد فقد فعلوا ما هو حرام ف دينهم ،كما أن السلم يعلم أنه إذا آذاهم بعد العهد فقد فعل
ما هو حرام ف دينه ،ويعلمون أن ذلك مالفة للعهد ،وإن ظنوا أن ل عهد بيننا وبينهم ،وإنا هم مغلوبون تت يد
السلم ،فذلك أبعد لم عن العصمة وأول بالنتقام ،فإنه ل عاصم لم منا إل العهد ،فإن ل يعتقدوا الوفاء بالعهد
فل عاصم أصلً ،وهذا كله بي لن تأمله ،يتبي به بعض فقه السألة.
159
www.dorar.net الدرر السنية
ومن الفقهاء من أجاب عن هذا بأنا أقررناهم على ما يعتقدونه ،ونن إنا نقول بنقض العهد إذا سبوه با ل يعتقدونه
من القذف ونوه ،وهذا التفصيل ليس بِمُ ْرضٍ ،وسيأت إن شاء ال تقيق ذلك.
العتراض الامس
فإن قيل :فهب أنم صولوا على أن ل يظهروا ذلك ،لكن مرد إظهار دينهم كيف ينقض العهد؟ وهل ذلك إل
بثابة ما لو أظهروا أصواتم بكتابم أو صليبهم أو أعيادهم؟ فإن ذلك موجب لتنكيلهم وتعزيرهم ،دون نقض العهد.
الواب عنه
قلنا :وأي ناقض للعهد أعظم من أن يظهروا كلمة الكفر وُيعْلُوها ،ويرجوا عن حد الصّغار ،ويطعنوا ف ديننا،
ويؤذونا أذىً هو أبلغ من قتل النفوس وأخذ الموال؟
و أما إظهار تلك الشياء بعد شرط عمر العروف ففيه وجهان /عندنا:
أحدها :ينتقض العهد فل يلزمنا.
والخر :ل ينتقض العهد.
والفرق بينهما من وجهي:
أحدها :أن ظهور تلك الشياء ليس فيه ظهور كلمة الكفر وعلوها ،وإنا فيه ظهور لدين الشركي ،وبي البابي
فرق ،فإن السلم لو تكلم بكلمة الكفر َكفَرَ ،ولو ل يفعل إل مرد مشاركة الكافر ف هديه عوقب ول يكفر ،وكان
ذلك كإظهار العاصي من السلم يوجب عقوبته ،ول يبطل إيانه ،والتكلم بكلمة الكفر يبطل إيانه ،كذلك أهل
العهد ،إذا أظهروا الكفر ونوه نقضوا أمانم ،وإذا أظهروا زِيهم عصوا ول ينقضوا أمانم.
وهذا جواب من يقول من أصحابنا وغيهم :إنم لو أظهروا التثليث ونوه ما هو دينهم نقضوا العهد.
الواب الثان :أن ظهور تلك الشياء ليس فيها ضرر عظيم على السلمي ،ول َمعَرّة ف دينهم ،ول طعن ف ملتهم،
وإنا فيه أحد أمرين :إما اشتباه ِزيّهم بزيّ السلمي ،أو إظهار لنكرات دينهم ف دار السلم كإظهار الواحد من
السلمي لشرب المر ونوه ،وأما سب الرسول والطعن ف الدين ونو ذلك فهو ما يضر السلمي ضررا يفوق
ضرر قتل النفس وأخذ الال من بعض الوجوه ،فإنه ل أبلغ ف إسفال كلمة ال وإذلل دين ال وإهانة كتاب ال من
أن يظهر الكافر العاهد السب والشتم لن جاء بالكتاب.
160
www.dorar.net الدرر السنية
ولَجل هذا الفرق فصّل أصحابنا وأصحاب الشافعي المور الحرمة عليهم ف العهد [الذي] بيننا وبينهم إل ما يضر
السلمي ف نفسٍ أو مالٍ أو دين ،وإل ما ل يضر ،وجعلوا القسم الول ينقض العهد حيث ل ينقضه القسم الثان؛
لن مرد العهد ومطلقه يوجب المساك عما يضر السلمي ويؤذيهم ،فحصوله تفويت لقصود العقد ،فيفسخه ،كما
لو فات مقصود البيع بتلف العوض قبل القبض ،أو ظهوره مستحقا ونوه ،بلف غيه ،ولن تلك ا َلضَرّات يوجب
ل ْن توجب عقوبة العاهد بالقتل أول وأحرى؛ لن كليهما ملتزم إما بإيانه أو بأمانه
جنسُها عقوبةَ السلم بالقتلَ ،ف َ
أن ل يفعلها ،ولن تلك الضرات من جنس الحاربة والقتال ،وذلك لبقاء /العهد معه ،بلف العاصي الت فيها
مراغمة ومصارمة.
العتراض السادس
فإن قيل :فقد أُقِرّوا على ما هم عليه من الشرك الذي هو أعظم من سب الرسول ،eفيكون إقرارهم على سب
الرسول أول ،بل قد أقروا على سب ال تعال ،وذلك لن النصارى معتقدون التثليث ونوه ،وهو شتم ل تعال؛ لا
روى البخاري ف صحيحه عن أب هريرة قال :قال رسول ال " :eقال ال عز وجل :كَ ّذَبنِي ابنُ آ َدمَ وَلَ ْم يَكُنْ لَ ُه
ذَلِكََ ،وشَتَ َمنِي وَلَ ْم َيكُنْ لَهُ ذَلِكََ ،فَأمّا َتكْذِيبُهُ ِإيّايَ َف َقوْلُهُ :لَ ْن ُي ِعيْ َدنِي كَمَا بَ َدَأنِي ،وََلْيسَ َأوّلُ الَلْقِ بَِأ ْهوَ َن عََليّ مِنْ
ل وَلَداَ ،وَأنَا الَحَ ُد الصّمَدُ ،الّذِي َلمْ أَلِ ْد وَلَمْ ُأوْلَد وَلَ ْم َيكُنْ لِي ُكفُوا أَحَد". خذَ ا ُ ِإعَا َدتِهَِ ،وَأمّا َشتْمُهُ ِإيّايَ َف َقوْلُهُ :اتّ َ
وروى ف "صحيحه" عن ابن عباس عن النب eنوه.
وكان معاذ بن جبل يقول إذا رأى النصارى" :ل ترحوهم؛ فلقد سبوا ل سب ًة ما سبه إياها أحد من البشر".
خذَ الرّحْ َم ُن وَلَدا * َلقَدْ ِجئْتُ ْم َشيْئا ِإدّا * َتكَادُ السّماوَاتُ َيَتفَطّ ْر َن ِمنْهُ وَتنْشَقّ ال ْرضُ
وقد قال ال تعال) :وَقَاُلوْا اتّ َ
خ ّر الِبَا ُل هَدّا * َأنْ َد َعوْا لِلرّحْمَ ِن وَلَدا( الية.
وتَ ِ
وقد [أُقِرّ] اليهود على مقالتهم ف عيسى عليه السلم وهي من أبلغ القذف.
والحتج بذا الكلم يرى أن قتل الكفار إنا هو لجرد الحاربة ،سواء كان كفره أصليا أو طارئا ،حت إنه ل يرى
قتل الرتدة ،ويقول :الدنيا ليست دار الزاء [على الكفر] ،وإنا الزاء على الكفر ف الخرة ،وإنا يقاتل من يقاتل
فقط لدفع أذاه.
لنْ نقرهم على الحاربة الت هي دون الكفر بطريق الول ،وسبب ث ل يوز أن يقال /:إذا أقررناهم على الكفر َف َ
ذلك أن ما كان من الذنوب يتعدى ضرره فاعله عجلت لصاحبه العقوبة ف الدنيا تشريعا وتقديرا ،ولذا قال :e
"مَا مِنْ َذنْبٍ أَ ْحرَى َأنْ ُتعَجّلَ ِلصَا ِحبِ ِه ال ُعقُوَب ُة مِ َن الَب ْغيِ وَقَطِي َعةِ الرّحِمِ"؛ لن تأخي عقوبته فساد لهل الرض،
بلف ما ل يتعدى ضرره فاعله فإنه قد تُؤخّر عقوبته وإن كان أعظم كالكفر ونوه؛ فإذا إقرارهم على الشرك
أكثر ما فيه تأخي العقوبة عليه ،وذلك ل يستلزم تأخي عقوبة ما يضر بالسلمي؛ لنه دونه كما قدمناه.
الوجه الثان :أن يقال :ل خلف أنم إذا [أقروا] على ما هم عليه من الكفر غي مضارين للمسلمي ل يوز أذاهم،
ل ف دمائهم ول ف أبشارهم ،ولو أظهروا السب ونوه عوقبوا على ذلك إما ف الدماء أو ف البشار.
ث إنه ل يقال :إذا ل يعاقبوا بالتعزير (على الشرك ل يعاقبوا) على السب الذي هو دونه ،وإذا كان هذا السؤال
معترضا على الجاع ل يب جوابه ،كيف والنازع قد سَلّم أنم يعاقبون على السب؟ فعلم أنه ل يقرهم عليه ،فل
يقبل منه السؤال.
والواب عن هذه الشبهة مشترك؛ فل يب علينا النفراد به.
الوجه الثالث :أن الساب ينضم إل شركه الذي عوهد عليه ،بلف الشرك الذي ل يسب ،ول يلزم من القرار
على ذنب مفرد القرار عليه مع ذنب آخر ،وإن كان دونه ،فإن اجتماع الذنبي يوجب جرما مغلظا ل يصل حال
النفراد.
الوجه الرابع :قوله" :ما هم عليه من الكفر أعظم من سب الرسول" ،ليس بيد على الطلق ،وذلك لن أهل
الكتاب طائفتان:
أما اليهود فأصل كفرهم تكذيب الرسول ،وسبه أعظم من تكذيبه ،فليس لم كفر أعظم من سب الرسول e؛ فإن
جيع ما يكفرون به ـ من الكفر بدين السلم وبعيسى وبا أخب ال به من أمور الخرة ،وغي ذلك ـ متعلق
بالرسول ،فسبه كفر بذا كله ،لن ذلك إنا علم من جهته ،وليس عند أهل الرض ف وقتنا هذا علم موروث يُشهد
عليه أنه من عند ال إل العلم الوروث عن /ممد ،eوما سوى ذلك ما يؤثر عن غيه من النبياء فقد اشتبه،
واختلط كثي منه أو أكثره ،والواجب فيما ل نعلم حقيقته منه أن ل يُصدّق ول ُيكَذّب.
162
www.dorar.net الدرر السنية
وأما النصارى فسبهم للرسول طعن فيما جاء به من التوحيد وأنباء الغيب والشرائع ،وإنا ذنبه العظم عندهم أن
قال :إن عيسى عبدال ورسوله ،كما أن ذنبه العظم عند اليهود أ ْن غيّرَ شريعة التوراة ،وإل فالنصارى ليسوا
مافظي على شريعة موروثة ،بل كل برهة من الدهر تبتدع لم الحبار شريعة من الدين ل يأذن ال با ،ث ل
يرعونا حق رعايتها؛ فسبهم له متضمن للطعن ف التوحيد ،وللشرك ،وللتكذيب بالنبياء والدين ،ومرد شركهم
ليس متضمنا لتكذيب جيع النبياء وردّ جيع الدين ،فل يقال :ما هم عليه من الشرك أعظم من سب الرسول ،بل
سب الرسول فيه ما هم عليه من الشرك وزيادة.
وبالملة ،فينبغي للعاقل أن يعلم أن قيام دين ال ف الرض إنا [هو] بواسطة الرسلي صلوات ال وسلمه عليهم
[أجعي] ،فلول الرسل لا ُعبِد ال وحده ل شريك له ،ولا علم الناس أكثر ما يستحقه سبحانه من الساء السن
والصفات العلى ،ول كانت له شريعة ف الرض.
ول تسب أن العقول لو تركت وعلومها الت تستفيدها بجرد النظر عَرَفَت ال معرفة مفصلة بصفاته وأسائه على
وجه اليقي؛ فإن عامة من تكلم ف هذا الباب بالعقل فإنا تكلم بعد أن بلغه ما جاءت به الرسل واستضاء بذلك،
واستأنس به ،سواء أظهر النقياد للرسل أو ل يظهر ،وقد اعترف عامة الرؤوس منهم أنه ل ينال بالعقل علم جازم
ف تفاصيل المور اللية ،وإنا يُنال به الظن والسبان.
والقدر الذي يكن العقل إدراكه بنظره فإن الرسلي صلوات ال وسلمه عليهم نبهوا الناس عليه ،وذكّروهم به،
ودعوهم إل النظر فيه حت فتحوا أعينا عميا ،وآذانا صما ،وقلوبا غلفا.
والقدر الذي تعجز العقول عن إدراكه علموهم إياه ،وأنبأوهم به؛ /فالطعن فيهم طعن ف توحيد ال وأسائه وصفاته
وكلمه ودينه وشرائعه وأنبيائه وثوابه وعقابه وعامة السباب الت بينه وبي خلقه ،بل يقال :إنه ليس ف الرض
ستَ ِرْيبَ ّن العاقل ف هذا ،فإن الذين ملكة قائمة إل بنبوة أو أثر نبوة ،وإن كل خي ف الرض فمن آثار النبوات ،ول يَ ْ
درست النبوة فيهم مثل الباهة والصابئة والجوس ونوهم فلسفتهم وعامتهم قد أعرضوا عن ال وتوحيده ،وأقبلوا
على [عبادة] الكواكب والنيان والصنام وغي ذلك من الوثان والطواغيت ،فلم يبق بأيديهم ل توحيد ول غيه.
وليست أمة مستمسكة بالتوحيد إل أتباع الرسل ،قال ال سبحانه) :شَ َرعَ َلكُ ْم مِنَ الدّي ِن مَا وَصّى بِ ِه نُوحا وَالّذَِي
ك َومَا وَصّينَا بِهِ ِإبْرَاهِي َم َومُوسَى َوعِيسَى أَنْ أَقيِمُوا الدّي َن وَ َل َتَتفَرّقُوا فِيهِ َكبُ َر عَلَى الُشْرِكِيَ مَا تَ ْدعُوهُمْ
َأوْ َحْينَا إِلَيْ َ
إَِليْهِ ( ،فأخب ال أن دينه الذي يدعو إليه الرسلون َكبُرَ على الشركي ،فما الناس إل تابع لم أو مشرك ،وهذا حق ل
ريب فيه؛ فعلم أن سب الرسل والطعن فيهم ينبوع جيع أنواع الكفر ،وجاع جيع الضللت ،وكل كفر ففرع
منه ،كما أن تصديق الرسل أصل جيع شعب اليان ،وجاع مموع أسباب الدى.
163
www.dorar.net الدرر السنية
الوجه الامس :أن نقول :قد ثبت بالسنة ثبوتا ل يكن دفعه أن النب eكان يأمر بقتل من سبه ،وكان السلمون
يرضون على ذلك مع المساك عمن هو مثل هذا الساب ف الشرك أو هو أسوأ منه من مارب أو معاهد؛ فلو
كانت هذه الجة مقبولة لتوجه أن يقال :إذا أمسكوا عن الشرك فالمساك عن الساب أول ،إذا عوهد الذمي على
كفره فمعاهدته على السب أول ،وهذا لو قبل معارضة لسنة رسول ال ،eوكل قياس عارض السنة فهو رد.
الوجه السادس :أن يقال :ما هم عليه من الشرك وإن كان سبا ل فهم ل يعتقدونه سبا وإنا يعتقدون تجيدا
وتقديسا ،فليسوا /قاصدين به قصد السب والستهانة ،بلف سب الرسول e؛ فل يلزم من إقرارهم على شيء ل
يقصدون به الستخفاف إقرارهم على ما يقصدون به الستخفاف ،وهذا جواب من يقتلهم إذا أظهروا سب
الرسول ،و ل يقتلهم إذا أظهروا ما يعتقدونه من دينهم.
الوجه السابع :أن إظهار سب الرسول eطعن ف دين السلمي ،وإضرار بم ،ومرد التكلم بدينهم ليس فيه إضرار
بالسلمي؛ فصار إظهار سب الرسول بنلة الحاربة ،يعاقَبون عليها ،وإن كانت دون الشرك ،وهذا أيضا جواب هذا
القائل.
الوجه الثامن :منع الكم ف الصل القيس عليه ،فإنا نقول :مت أظهروا كفرهم ،وأعلنوا به ،نقضوا العهد ،بلف
مرد رفع الصوت بكتابم؛ فإنه ليس كل ما فيه كفر ،ولَسْنا نفقه ما يقولون ،وإنا فيه إظهار شعار الكفر ،وفرق بي
إظهار الكفر وبي إظهار شعار الكفر.
أو نقول :مت أظهروا الكفر الذي هو طعن ف دين ال نقضوا به العهد ،بلف كف ٍر ل يطعنون به ف ديننا ،وهذا
لن العهد إنا اقتضى أن يقولوا ويفعلوا بينهم ما شاؤوا ما ل يضر السلمي ،فأما أن يظهروا كلمة الكفر أو أن
يؤذوا السلمي فلم يعاهدوا عليه البتة ،وسيأت إن شاء ال الكلم على هذين القولي واللذين قبلهما.
قال كثي من فقهاء الديث وأهل الدينة من أصحابنا وغيهم :ل نقرهم على أن يظهروا شيئا من ذلك ،ومت
أظهروا شيئا من ذلك نقضوا العهد.
قال أبو عبدال ف رواية حنبل :كل من ذكر شيئا يعرّض بِذِكْرِ الرب تبارك وتعال فعليه القتل ،مسلما كان أو
كافرا ،وهذا مذهب أهل الدينة.
وقال جعفر بن ممد :سعت أبا عبدال يُسأل عن يهودي مرّ بؤذن وهو يؤذن فقال له :كذبت ،فقال :يقتل؛ لنه
شتم.
164
www.dorar.net الدرر السنية
[ومن الناس من فرق بي ما يعتقدونه ،وما ل يعتقدونه] ،ومن الناس من [فرق] بي ما يعتقدونه وإظهاره َيضُ ّر ِبنَا
لنه قدح ف ديننا ،وبي ما /يعتقدونه وإظهاره ليس بطعن ف نفس ديننا ،وسيأت إن شاء ال ذلك ،فإن فروع السالة
تظهر مأخذها.
وقد قدمنا عن عمر رضي ال عنه أنه قال بحضر من الهاجرين والنصار للنصران الذي قال :إن ال ل يضل أحدا:
إنا ل نعطك ما أَعطيناك على أن تُدْخل علينا ف ديننا ،فوالذي نفسي بيده لئن عدت لخذن الذي فيه عيناك ،وجيع
ما ذكرناه من اليات والعتبار ييء أيضا ف ذلك؛ فإن الهاد واجب حت تكون كلمة ال هي العليا ،وحت يكون
الدين كله ل ،وحت يظهر دين ال على الدين كله ،وحت يعطوا الزية عن ي ٍد وهم صاغرون.
والنهي عن إظهار النكر واجب بسب القدرة ،فإذا أظهروا كلمة الكفر وأعلنوها خرجوا عن العهد الذي عاهدونا
صغَار الذي التزموه ،ووجب علينا أن ناهد الذين أظهروا كلمة الكفر ،وجهادهم [ بـ]ـالسيف؛ لنم عليه وال ّ
كفار ل عهد لم ،وال سبحانه أعلم.
165
www.dorar.net الدرر السنية
المسألة الثانية
أنه يتعين قتله ،ول يجوز استرقاقه،
ن عليه ،ول فداؤهول الم ُّ
أما إن كان مسلما فبالجاع؛ لنه نوع من الرتد ،أو من الزنديق ،والرتد يتعي قتله ،وكذلك الزنديق ،وسواء كان
رجلً أو امرأة ،وحيث قَتل يُقتل مع الكم بإسلمه ،فإن قتله ح ّد بالتفاق ،فيجب لقامته ،وفيما قدمناه دللة
واضحة على قتل السابة السلمة من السنة وأقاويل الصحابة ،فإن ف بعضها تصريا بقتل السابة السلمة ،وف بعضها
تصريا بقتل السابة الذمية ،وإذا قتلت الذمية للسب فقتل السلمة أول كما ل يفى على الفقيه.
ومن قال من أهل الكوفة" :إن الرتدة ل تُقتل" فقياس مذهبه أن ل ُت ْقتَل السابة؛ لن الساب عنده مرتد ،وقد كان
يتمل مذهبه أن تقتل السابة حدا كقتل الساحرة عند بعضهم وقتل قاطعة الطريق ،ولكن أصوله تأب ذلك.
والصحيح الذي عليه العامة قتل الرتدة ،فالسابة أول ،وهو الصحيح لا تقدم ،وإن كان الساب معاهدا فإنه يتعي
أيضا قتله ،سواء كان رجلً أو امرأة ،عند عامة الفقهاء من السلف ومَن تبعهم.
وقد /ذكرنا قول ابن الُنْذِرِ فيما يب على من سب النب eقال :أجع عوامّ أهل العلم على أن من سب النب e
القتل ،ومن قاله مالك ،والليث ،وأحد ،وإسحاق ،وهو مذهب الشافعي.
قال :وحُكي عن النعمان :ل يقتل من سبه من أهل الذمة ،وهذا اللفظ دليلٌ على وجوب قتله عند العامة ،وهذا
مذهب مالك وأصحابه ،وسائر فقهاء الدينة ،وكلم أصحابه يقتضي أن لقتله مأخذين:
أحدها :انتقاض عهده.
والثان :أنه حدّ من الدود ،وهو قول فقهاء الديث.
حقّق عليهم ُقتِلوا ،وأخطأ هؤلء الذين
قال إسحاق بن رَا ُه ْويَه :إن أظهروا َسبّ رسول ال eفسُمِعَ منهم ذلك أو ُت ُ
قالوا" :ما هم فيه من الشرك أعظم من سب رسول ال "eقال إسحاق :يقتلون؛ لن ذلك نقض العهد ،وكذلك
فَعل عمر بن عبدالعزيز ،ول شبهة ف ذلك؛ لنه يصي بذلك ناقضا للصلح ،وهو كما قَتل ابن عمر الراهب الذي
سب النب ،eوقال" :ما على هذا صالناهم".
وكذلك نص المام أحد على وجوب قتله وانتقاض عهده ،وقد تقدم بعض نصوصه ف ذلك ،وكذلك نص عامة
أصحابه على وجوب قتل هذا الساب ،ذكروه بصوصه ف مواضع هكذا ،وذكروه أيضا ف جلة ناقضي العهد من
أهل الذمة.
166
www.dorar.net الدرر السنية
ث التقدمون منهم وطوائف من التأخرين قالوا :إن هذا وغيه من ناقضي العهد يتعي قتلهم كما دل عليه كلم
أحد.
وذكر طوائف منهم أن المام أحد مي فيمن نقض العهد من أهل الذمة ،كما يي ف السي بي السترقاق والقتل
والن والفداء ،ويب عليه فعل الصلح للمة من هذه الربعة بعد أن ذكروه ف الناقضي للعهد ،فدخل هذا الساب
ف عموم هذا الكلم وإطلقه ،وأوجب أن يقال فيه بالتخيي إذا قيل به ف غيه من ناقضي العهد ،لكن َقيّد مققو
أصحاب هذه الطريقة ورؤوسهم ـ مثل القاضي أب يعلى ف كتبه التأخرة وغيه ـ هذا الكلم ،وقالوا :التخيي ف
غي ساب الرسول /،eوأما سابه فيتعي قتله ،وإن كان غيه كالسي ،وعلى هذا فإما أن ل يُحكى ف تعي قتله
خلف؛ لكون الذين أطلقوا التخيي ف موضع قد قالوا ف موضع آخر بأن الساب يتعي قتله ،وصرح رأس أصحاب
هذه الطريقة بأنه مستثن من ذلك الطلق ،أو يكى فيه وجه ضعيف؛ لن الذين قالوا به ف موضع نصوا على
خلفه ف موضع آخر.
واختلف أصحاب الشافعي أيضا فيه؛ فمنهم من قال :يب قتل الساب حتما ،وإن ُخيّر ف غيه.
ومنهم من قال :هو كغيه من الناقضي للعهد ،و[فيه] قولن :أضعفهما أنه يلحق بأمنه ،والصحيح منهما جواز
قتله ،قالوا :ويكون كالسي يب على المام أن يفعل فيه الصلح للمة من القتل والسترقاق والن والفداء.
وكلم الشافعي ف موضع يقتضي أن حكم الناقض للعهد حكم الرب؛ فلهذا قيل :إنه كالسي ،وف موضع آخر
أمر بقتله عينا من غي تيي.
167
www.dorar.net الدرر السنية
168
www.dorar.net الدرر السنية
فقد نص على أن الرجل الذي نقض العهد يرد إل الزية [هو] وولده الذين كانوا موجودين ،وأنم ل يسترقون،
وأن ولده الذين َحدَثوا بعد الحاربة يسترقون ،وذلك لن صغار ولده سب من أولد أهل الرب ،وهم يصيون
رقيقا بنفس السب ،فل يدخلون ف عقد الذمة أولً ول آخرا ،وأما أولده الذين ولدوا قبل النقض فلهم حكم الذمة
التقدمة.
فعلى الرواية الشهورة يي المام ف الرجال إذا أُسروا ،فيفعل ما هو الصلح للمسلمي من قت ٍل واسترقاقٍ ومنّ
وفداء ،وإذا جاز أن ُينّ عليهم جاز أن يطلقهم على قبول الزية منهم وعقد الذمة لم ثانيا ،لكن ل يب عليه
ذلك ،كما ل يب عليه ف السي الرب الصلي إذا كان كتابيا ،وقد َقتَل رسول ال eأسرى بن قريظة وأسرى
من أهل خيب ،ول يَ ْد ُعهُم إل إعطاء الزية ،ولو دعاهم إليها لجابوه.
وعلى الرواية الثانية يب دعاؤهم /إل العودة إل الذمة كما كانوا ،كما يب دعاء الرتد إل أن يعود إل السلم،
أو يستحَب كما يستحَب دعاء الرتد ،ومت بذلوا العود إل الذمة وجب قبول ذلك منهم كما يب قبول السلم
من الرتد وقبول الزية من الرب الصلي إذا بذلا قبل السر ،ومت امتنعوا فقياس هذه الرواية وجوب قتلهم دون
ل لنقض المان كنقض اليان ولو تكرر النقض منهم فقد يقال فيهم ما يقال فيمن تكررت ردته. استرقاقهم ،جع ً
مذهب الشافعي
وكذلك قال الشافعي ف "الم" ـ وقد ذكر نواقض العهد وغيها ـ قال" :وأيهم قال أو فعل شيئا ما وصفته نقضا
للعهد وأسلم ل يقتل إذا كان ذلك قولً ،وكذلك إذا كان ذلك فعلً ل يقتل ،إل أن يكون ف دين السلمي أن من
فعله قتل حدا أو قصاصا ،فيقتل ب ّد أو قصاصٍ ل بنقض عهد.
ب وأعطي الزية كما كنت أعطيها أو وإن فعل ما وصفنا وشرط أنه نقض لعهد الذمة فلم يُسْلم ولكنه قالَ" :أتُو ُ
ل يوجب القصاص أو الد ،فإن فعل أو قال ما وصفنا على صلح أجدده" عوقب ول يقتل ،إل أن يكون قد فعل فع ً
وشرط أنه يل دمه فظفرنا به فامتنع من أن يقول" :أسلم أو أعطي جزيةً" قتل ،وأخذ ماله فيئا".
169
www.dorar.net الدرر السنية
فقد نص على أن وجوب قبول الزية منه إذا بذلا وهو ف أيدينا ،وأنه إذا امتنع منها ومن السلم قتل وأخذ ماله،
ول يي فيه.
ولصحابه ف وجوب قبول الزية من السي الرب الصلي وجهان.
مذهب مالك
وهذا هو الشهور من مذهب مالك ،قال ابن القاسم وغيه من الالكية" :إذا خرجوا ناقضي للعهد ،ومنعوا الزية،
وامتنعوا منّا من غي أن يظلموا ،ولقوا بدار الرب ،فقد انتقض عهدهم ،وإذا انتقض عهدهم ث أسروا فهم فء،
ول يردون إل ذمتنا.
فأوجبوا استرقاقهم ،ومنعوا أن يُعقد لم الذمة ثانيا ،كأنه جعل خروجهم من الذمة مثل /ردة الرتد ينع إقراره
بالزية ،لكن هؤلء ل يسترقون لكون كفرهم أصليا.
مذهب أب حنيفة
وقال أصحاب أب حنيفة :مَن نقض العهد فإنه يصي كالرتد ،إل أنه يوز استرقاقه ،والرتد ل يوز استرقاقه.
170
www.dorar.net الدرر السنية
فإن بذل هؤلء العود إل الذمة فهل يب قبول ذلك منهم كما يب قبوله من الرب الصلي؟ إن قلنا :إنه يب رد
السي منهم إل ذمته فهؤلء أول ،وإن قلنا :ل يب هناك فيتوجه أن ل يب هنا أيضا؛ لن بن قينقاع لا نقضوا
ل عليه عبدال بن ُأبّ ف الشفاعة فأجلهم إل أَ ْذ ِرعَات ،ول يُقِرّهم
العهد الذي بينهم وبي النب eأراد قتلهم حت أ ّ
بالدينة ،مع أن القوم كانوا ِحرَاصا على القام بالدينة بعهدٍ يددونه ،وكذلك بنو قريظة لا حاربت أرادوا الصلح
والعود إل الذمة ،فلم يبهم النب eحت نزلوا على حكم سعد بن معاذ ،وكذلك بنو النضي لا نقضوا العهد
فحاصرهم فأنزلم على اللء من الدينة ،مع أنم كانوا أحرص شيء على القام بدارهم بأن يعودوا إل الذمة،
وهؤلء الطوائف كانوا أهل ذمة عاهدوا النب eعلى أن الدار دار السلم يري فيها حكم ال ورسوله ،وأنه مهما
كان بي أهل العهد من السلمي ومن هؤلء العاهدين مِن حَدَث فأمره إل النب ،eهكذا ف كتاب الصلح ،فإذا
كانوا نقضوا العهد فبعضا قَتل وبعضا أَجْلى ،ول يقبل منهم ذمة ثانية مع حرصهم /على بذلا ،علم أن ذلك ل
يب ،ول يوز أن يكون ذلك ،لكون أرض الجاز ل ُيقَر فيها أهل ديني ،ول يُ َمكّن الكفار من القام با لن هذا
الكم ل يكن شرع بعد ،بل قد ُتوُفّي رسول ال eودرعه مرهونة عند أب شحمة اليهودي بالدينة ،وبالدينة غيه
من اليهود ،وبيب خلئق منهم ،وهي من الجاز ،ولكن َعهِد النب eف مرضه أن ترج اليهود والنصارى من
جزيرة العرب ،وأن ل يبقى با دينان ،فأنفذ عهده ف خلفة عمر بن الطاب رضي ال عنه.
أسرى بن قريظة الناكثي ،فعلم جواز إقرارهم ف الدار بعد النكث ،وإجلء بن قينقاع بعد القدرة عليهم إل
أَ ْذرِعات ،فعلم جواز الن عليهم بعد النكث ،وإذا جاز الن على السي /الناكث وإقراره ف دار السلم فالفاداة به
أول.
وسية النب eف هؤلء الناقضي تدل على جواز القتل والن على أن يقيموا بدار السلم وأن يذهبوا إل دار الرب
إذا كانت الصلحة ف ذلك ،وف ذلك حجة على من أوجب إعادتم إل الذمة ،وعلى من أوجب استرقاقهم.
العتراض الثان
172
www.dorar.net الدرر السنية
فإن قال :مَن منع من إعادته إل الذمة وجعله فيئا :هذا م ّن على السي مانا ،وذلك إضاعة لق السلمي؛ فلم يز
إتلف أموالم.
العتراض الثالث
فإن قيل :خروجه عن العهد موجب للتغليظ عليه ،فينبغي إما أن يقتل أو يسترق ،كما أن الرتد يغلظ حاله بتعي
قتله ،فإذا جاز ف هذا ما يوز ف الرب الصلي ل يبق بينهما يفرق.
الواب عنه
قلنا :إذا جاز استرقاقه جاز إقراره بالزية إذا ل يكن الانع حقا ل؛ لنه ليس ف ذلك إل فوات ملك رقبته ،وقد
يرى المام أن ف إقراره بالزية أو ف الن عليه والفاداة به مصلحة أكثر من ذلك ،بلف الرتد؛ فإنه ل سبيل إل
استبقائه ،وبلف الوثن إذا جوزنا استرقاقه؛ فإن الانع من إقراره بالزية حق ل وهو دينه ،وناقض العهد دينه قبل
النقض وبعده سواء ،ونقضه إنا يعود ضرره على من ياربه من السلمي ،فكان الرأي فيه إل المي.
العتراض الرابع
هل يتعي قتل ناقض العهد؟
فإن قيل :فهل حكيتم خلفا أنه يتعي قتل هذا الناقض للعهد كما يتعي قتل غيه من الناقضي كما سيأت ،وقد قال
أبو الطاب" :إذا حكمنا بنقض عهد الذمي ،فظاهر كلم المام أحد أنه يقتل ف الال ،قال :وقال شيخنا :يي
المام فيه بي أربعة أشياء ،فأطلق الكلم فيمن نقض العهد مطلقا ،وتبعه طائفة على الطلق ،ومَن َقيّده َقيّده بأن
ينقضه با فيه ضرر على السلمي ،مثل قتالم ونوه ،فأما [إن] نقضه بجرد اللحاق بدار الرب فهو كالسي"،
ويؤيد هذا ما رواه عبدال بن أحد ،قال :سألت أب عن قوم نصارى نقضوا العهد وقاتلوا السلمي ،قال :أرى أن ل
تقتل الذرية ول يسبون ،ولكن تقتل رجالم.
قلت لب :فإن وُلد لرجالم ف دار الرب؟ قال :أرى أن يسبوا أولئك ويقتلوا.
173
www.dorar.net الدرر السنية
قلت لب :فإن هرب من الذرية إل دار الرب أحد فسباهم السلمون ،ترى لم أن يسترقوا؟ قال :الذرية ل
يسترقون ول يقتلون؛ لنم ل ينقضوا هم ،إنا نقض العهد رجالم ،وما ذنب هؤلء؟.
فقد أمر رحه ال بقتل القاتلة من هؤلء إما لجرد النقض أو للنقض والقتال.
174
www.dorar.net الدرر السنية
أنم ماربون ،فمن قال من أصحابنا :إن من قاتل السلمي يتعي قتله ،ومن لق بدار الرب ُخيّر المام فيه ،فإنا
ذاك إذا قاتلهم /ابتداء قبل أن يظهر نقض العهد ويظهر المتناع بأن يعي أهل الرب على قتال السلمي ونو ذلك،
فأما إن قاتل بعد أن صار ف شوكة ومنعة يتنع با عن أداء الزية فإنه يصي كالرب سواء كما تقدم ،ولذا قلنا على
الصحيح :إن الرتدين إذا أتلفوا دما أو ما ًل بعد المتناع ل يضمنوه ،وما أتلفوه قبل المتناع ضمنوه ،وسيأت إن
شاء ال تعال تام الكلم ف الفرق.
مذهب مالك
و قال المام مالك :ل ينتقض عهدهم إل أن يرجوا ناقضي للعهد ،ومنعا للجزية ،وامتنعوا ِمنّا من غي أن يظلموا
أو يلحقوا بدار الرب فقد انتقض عهدهم ،لكن يقتل عنده الساب والستكره للمسلمة على الزن وغيها.
175
www.dorar.net الدرر السنية
177
www.dorar.net الدرر السنية
179
www.dorar.net الدرر السنية
180
www.dorar.net الدرر السنية
وقد حل لكم منا ما حل لهل العاندة والشقاق" ،رواه حرب بإسناد صحيح ،وقد تقدم عن عمر وغيه من
الصحابة مثل أب بكر وابن عمر وابن عباس وخالد بن الوليد وغيهم رضوان ال عليهم أنم قتلوا وأمروا بقتل ناقض
العهد ،ول يبلغوه مأمنه ،ولن دمه كان مباحا ،وإنا عصمته الذمة ،فمت ارتفعت الذمة بقي على الباحة ،ولن
الكافر لو دخل دار السلم بغي أمان وحصل ف أيدينا جاز قتله (فالذي نقض العهد أول أن يوز قتله) ف دارنا،
وأما من دخل بأمان صب فإنا /ذاك لنه يعتقد أنه مستأمن فصارت له شبهة أمان ،وذلك ينع قتله ،كمن وطئ
فرجا يعتقد أنه حلل ل حد عليه ،وكذلك ل ينسب ف دخوله دار السلم إل تفريط ،وأما هذا فإنه ليس له أمان
ول شبهة أمان؛ لن مرد حصوله ف الدار ليس بشبهة أمان بالتفاق ،بل هو ُمقْدِم على ما ينتقض به العهد ،مفرط
ف ذلك ،عال أنا ل نصاله على ذلك ،فأي عذر له ف حقن دمه حت يلحقه بأمنه؟
نعم لو فعل من نواقض العهد ما ل يعلم أنه يضرنا ـ مثل أن يذكر ال تعال أو كتابه أو رسوله بشيء يسبه جائزا
عندنا ـ كان معذورا بذلك ،فل ينقض عهده كما تقدم ،ما ل يتقدم إليه كما فعل عمر بقسطنطي النصران.
ومن فرق بي سب رسول /ال eوبي سائر النواقض قال :لن هذا حق لرسول ال ،eوهو ل يعفُ عنه ،فل
يوز إسقاطه بالسترقاق ول بالتوبة كسب غي رسول ال ،eوسيأت عن شاء ال ترير مأخذ السب.
وأما من قال :إنه يتعي قتله إذا نقضه با فيه مضرة على السلمي دون ما إذا ل يوجد منه إل مرد اللحاق بدار
الرب والمتناع عن السلمي فلئن ال تعال قالَ ) :وإِن ّنكَثُوا َأيْمَاَنهُم مّن َبعْ ِد َعهْ ِدهِ ْم َوطَ َعنُوا فِي دِيِنكُمْ َفقَاتِلُوا
َأئِ ّم َة الكُفْرِ ِإّنهُمْ لَ َأيْمَانَ َلهُمْ َلعَّلهُ ْم َينَْتهُونَ* أَ َل ُتقَاتِلُونَ َقوْما نَ َكثُوا َأيْمَاَنهُ ْم َوهَمّوا بِإِ ْخرَاجِ ال ّرسُو ِل َوهُ ْم بَدَءُوكُمْ
ل ِبأَيْدِيكُ ْم َويُخْ ِزهِ ْم َوَيْنصُرْكُ ْم عََلْيهِ ْم َويَشْفِ صُدُورَ َق ْو ٍم ُم ْؤمِنِيَ( فأوجب َأوْ َل مَ ّرةٍ ( إل قوله) :قَاتِلُوهُ ْم ُيعَ ّذْبهُمُ ا ُ
سبحانه قتال الذين نكثوا العهد وطعنوا ف الدين ،ومعلوم أن مرد نكث العهد موجب للقتال الذي كان واجبا قبل
العهد وأوكد ،فلبد أن يفيد هذا زيادة توكيد ،وما ذاك إل لن الكافر الذي ليس بعاهَد يوز الكف عن قتاله إذا
ت فيجوز استبقاؤه ،بلف هذا الذي نقض وطعن فإنه يب قتاله من غي استتابة، اقتضت الصلحة ذلك إل وق ٍ
وكل طائفةٍ وجب قتالا من غي استيناء لفعل يبيح دم آحادها ،فإنه يب قتل الواحد منهم إذا فعله وهو ف أيدينا
كالردة والقتل ف الحاربة والزن ونو ذلك ،بلف البغي فإنه ل يبيح دم الطائفة إل إذا كانت متنعة ،وبلف
خ ِزهِمْ(
الكفر الذي ل عهد معه ،فإنه يوز الستيناء بقتل أصحابه ف الملة ،وقوله سبحانهُ) :يعَ ّذبْهُمُ الُ بَِأيْدِيكُمْ َويُ ْ
دليل على أن ال تعال يريد النتقام منهم ،وذلك ل يصل من الواحد إل إذا قتل ،ول يصل إن مُ ّن عليه أو فُودي
به أو استرقّ.
نعم ،دلت الية على أن الطائفة الناقضة المتنعة يوز أن يتوب ال على من يشاء منها بعد أن يعذبا ويزيها بالغلبة؛
لن ما حاق بم من العذاب والزي يكفي ف ردعهم وردع أمثالم عما فعلوه من النقض والطعن ،أما الواحد فلو ل
يقتل بل مُ ّن عليه ل يكن هناك رادع قوي عن فعله.
وأيضا ،فإن النب /eلا سب بن قريظة قتل القاتلة واسترق الذرية ،إل امرأة واحدة كانت قد ألقت رحىً من فوق
الصن على رجل من السلمي فقتلها لذلك ،وحديثها مع عائشة رضي ال عنها معروف ،ففرّق eبي من اقتصر
على نقض العهد وبي من آذى السلمي مع ذلك ،وكان ل يبلغه عن أحد من العاهدين أنه آذى السلمي إل ندب
إل قتله ،وقد أجلى كثيا ومَ ّن على كثي من نقض العهد فقط.
وأيضاَ ،فإن أصحاب رسول ال eعاهدوا أهل الشام من الكفار ث نقضوا العهد فقاتلوهم ث عاهدوهم ،مرتي أو
ثلثة ،وكذلك مع أهل مصر ،ومع هذا فلم يظفروا بعاهد آذى السلمي بطعن ف الدين أو زنً بسلم ٍة ونو ذلك
إل قتلوه ،وأمروا بقتل هؤلء الجناس عينا من غي تيي ،فعلم أنم فرقوا بي النوعي.
182
www.dorar.net الدرر السنية
وأيضا ،فإن النب eأمر بقتل َمقْيس بن صبابة و عبدال بن خَطَل ونوها ما ارتَدّ وجع إل ردّته قتل مسلم ونوه
من الضرر ،ومع هذا فقد ارتد ف عهد أب بكر رضي ال عنه خلق كثي ،وقتلوا من السلمي عددا بعد المتناع،
حصَن وغيه ،ول يؤخذ أحد منهم بقصاص بعد ذلك ،فإذا كان الرتد مثل ما قتل طليحة السدي عُكّاشة بن مِ ْ
يؤخذ با أصابه قبل المتناع من النايات ول يؤخذ با فعله بعد المتناع ،فكذلك الناقض للعهد ،لن كليهما
خرج عما عصم به دمه :هذا نقض إيانه ،وهذا نقض أمانه ،وإن كان ف هذا خلف بي الفقهاء ف الذهب وغيه،
فإنا قسمنا على أصل ثبت بالسنة وإجاع الصحابة ،نعم الرتد إذا عاد إل السلم عصم دمه إل من حد يقتل بثله
السلم ،والعاهد يقتل على ما فعله من النايات الضرة بالسلمي؛ لنه يصي مباحا بالنقض ول يعد إل شيء يعصم
دمه فيصي كحرب تغلظ قتله ،يبي ذلك أن الرب على عهد رسول ال eكان إذا آذى السلمي وضرهم قتله
عقوبة له على ذلك ول ينّ عليه بعد القدرة عليه ،فهذا /الذي نقض عهده بضرر السلمي أول بذلك ،أل ترى أنه
لا منّ على أب عزة المحي وعاهده أل يعي عليه فغدر به ث قدر عليه بعد ذلك وطلب أن ين عليه فقال" :ل
ت بِ ُمحَمّ ٍد مَ ّرَتيْنِ" ث قال" :ل ُيلْ َدغُ ال ْؤمِ ُن مِنْ ُجحْ ٍر َم ّرتَيْن" فلما نقض يينه
تَمْسَح سبلتك بِ َم ّكةَ َوَتقُول :سَخِرْ ُ
منعه ذلك من الَنّ عليه؛ لنه ضره بعد أن كان عاهده على ترك ضراره ،فكذلك من عاهد من أهل الذمة أنه ل
يؤذي السلمي ث آذاهم لو أطلقوه للدغوا من جحر واحد مرتي ،ولسح الشرك سبلته وقال :سخرت بم مرتي.
وأيضا ،فلنه إذا لق بدار الرب وامتنع ل يضر السلمي ،وإنا أبطل العقد الذي بينه وبينهم فصار كحرب أصلي،
أما إذا فعل ما يضر بالسلمي ـ من مقاتلة ،أو زن بسلمة ،أو قطع الطريق ،أو جس ،أو نو ذلك ـ فإنه يتعي
قتله؛ لنه لو ل يقتل للت هذه الفاسد عن العقوبة عليها وتعطلت حدود هذه الرائم ،ومثل هذه الرائم ل يوز
لنْ ل يوز العفو عن عقوبتها ف حق الذمي َأوْل وأَحْرى ،ول يوز أن يقام العفو عن عقوبتها ف حق السلمَ ،ف َ
عليه حدها منفردا كما يقام على مَن بقيت ذمته الدّ لن صاحبها صار حربيا ،والرب ل يقام عليه إل القتل ،فتعي
ت كان فيه ضرر على السلمي أكثر من ضرر قتله قتله ،وصار هذا كالسي اقتضت الصلحةُ قتله لعلمنا أنه مت أفَْل َ
فإنه ل يوز الن عليه ول الفاداة به اتفاقا ،ولن الواجب ف مثل هذا إما القتل أو الن أو السترقاق أو الفداء ،فأما
السترقاق فإنه أبقى له على ذمته بنحو ما كان فإنه كان تت ذمتنا نأخذ منه الزية بنلة العبد ،ولذا قال بعض
الصحابة لعمر ف مسلم قتل ذميا" :أتقيد عَبْدَك من أخيك؟" بل ربا كان استعباده أنفع له من جعله ذميا ،واستعباد
مثل هذا ل ُتؤْمن عاقبته وسوء َمغَبّته ،وأما ال ّن عليه وا ُلفَاداة به فأبلغ ف ا َلفْسَدة ،وإعادته إل الذمة تركٌ لعقوبته
بالكلية ،فتعي قتله.
183
www.dorar.net الدرر السنية
يوضح ذلك أنا على هذا التقرير ل نعاقبه إذا عاد إل الذمة إل با يعاقب به السلم أو الباقي على ذمته ،وهذا /ف
القيقة يؤول إل قول من يقول :إن العهد ل ينتقض بذه الشياء ،فل معن لعل هذه الشياء ناقضة للعهد وإياب
إعادة أصحابا إل العهد وأن ل يعاقبوا إذا عادوا إل با يعاقب به السلم.
ويؤيد ذلك أن هذه الرائم إذا رفعت العهد وفسخته فلن تنع ابتداءه بطريق الول ،لن الدوام أقوى من البتداء،
أل ترى أن العدة والردة تنع ابتداء عقد النكاح دون دوامه ،فإذا كان وجود هذه الضرات ينع دوام العقد فمنعه
ابتداءه أول وأحرى ،وإذا ل يز ابتداء عقد الذمة فلن ل يوز الن عليه أول ،ولن ال تعال أمر بقتل جيع
الشركي إل أن الشدود وثاقه من الحاربي جعل لنا أن نعامله با نرى ،والارج عن العهد ليس بنلة الذي ل
يدخل فيه ،كما أن الارج عن الدين ليس بنلة الذي ل يدخل فيه ،فإن الذي ل يدخل فيه باقٍ على حاله ،والذي
خرج من اليان والمان قد أحدث فسادا؛ فل يلزم من احتمال الفساد الباقي الستصحب احتمال الفساد الحدث
التجدد؛ لن الدوام أقوى من البتداء.
يبي ذلك أن كل أسي كان يؤذي السلمي مع كفره فإن النب eقتله مثل النضر بن الارث وعقبة بن أب معيط
ومثل أب عزة المحي ف الرة الثانية.
وأيضا ،فإنه إذا امتنع بطائفة أو بدار الرب كان ما ُيتَوقى من ضرره متعلقا بعزه و َمنَعَته كالرب الصلي ،فإذا زالت
النعة بأسره ل يبق منه ما يبقى إل من جهة كونه كافرا فقط ،فل فرق بينه وبي غيه ،أما إذا ضر السلمي وآذاهم
بي ظهرانيهم ،أو ترد عليهم بالمتناع ما َأوْ َجَبتْهُ الذمة عليه كان ضرره بنفسه من غي طائفة تنعه وتنصره ،فيجب
إزهاق نفسه الت ل عصمة لا وهي منشأ الضرر وينبوع الذى للمسلمي ،أل ترى أن المتنع ليس فيما فعله إغراء
للحاد غي ذوي النعة بلف الواحد فإن فيما يفعله فتح باب الشر ،فإن ل يعاقب َفعَلَ ذلك غيه وغيه ،ول
عقوبة لن ل عهد له من الكفار /إل السيف.
وأيضا ،فإن المتنع منهم قد أمرنا بقتاله إل أن يُعطي الزية عن ي ٍد وهو صاغر ،وأمرنا بقتاله حت إذا أثخنّاه فشدّ
ال َوثَاق ،فكل آية فيها ذكر القتال دخل فيها ،فينتظمه حكم غيه من الكفار المتنعي ،ويوز إنشاء عق ٍد ثانٍ لم
واسترقاقهم ونو ذلك ،أما من فعل جنايةً انتقض با عهده وهو ف أيدينا فلم يدخل ف هذه العمومات؛ لنه ل
يقاتل وإنا يقتل ،إذ القتال للممتنع وإذا كان أخذ الزية والن والفداء إنا هو لن قوتل وهذا ل يقاتل ،فيبقى داخلً
ف قوله) :فَا ْقتُلُوا الُشْرِ ِكيْنَ( غي داخل ف آية الزية والفداء.
وأيضا ،فإن المتنع يصي بنلة الرب ،والرب تندرج جيع سيئاته تت الراب ،بيث لو أسلم ل يؤخذ بضمان
شيء من ذلك بلف الذي ف أيدينا ،وذلك لنه ما دام تت أيدينا ف ذمتنا فإنه ل تأويل له ف ضرر السلمي
وإيذائهم ،أما اللحاق بدار الرب فقد يكون له معه شبهة ف دينه يرى أنه إذا تكن من الرب هرب ،لسيما وبعض
184
www.dorar.net الدرر السنية
فقهائنا يبيح له ذلك ،فإذا فعل ذلك بتأويل كان بنلة ما يُتِْلفُه أهل البغي والعدل حال القتال ل ضمان فيه ،وما
أتلفوه ف غي حال الرب ضمنته كل طائفة للُخرى ،فليس حالُ مَن تأوّل فيما فعله من النقض كحال من ل
يتأول.
وأيضا ،فإن [ما] يفعله بالسلمي من الضرر الذي ينتقض به عهده لبدّ له من عقوبة؛ لنه يوز إخلء الرائم الت
تدعو إليها الطباع من عقوبة زاجرة ،وشَ ْرعُ الزواجِر شاهدٌ لذلك ،ث ل يلو إما أن تكون عقوبته من جنس عقوبة
من يفعل ذلك من مسلم وذمي باقية ذمته أو دون ذلك أو فوق ذلك ،والول باطلٌ؛ لنه يلزم أن يكون عقوبة
العصوم والباح سواء ،ولن الذي نقض العهد يستحق العقوبة على كفره وعلى ما فعله من الضرر الذي نقض به
العهد ،وإنا أخرت عقوبة الكفر لجل العهد ،فإذا ارتفع العهدُ استح ّق العقوبة على المرين ،وبذا يظهر الفرق بينه
وبي مَن فعل ذلك وهو معصوم وبي ُمبَاحٍ /دمُه ل يفعل ذلك؛ لن هذه العاصي إذا فعلها السلم فإنا ُمنْجبة با
يلتزمه من نصر السلمي ومنفعتهم وموالتم ،فلم يتمحض مضرا للمسلمي لن فيه منفعة ومضرة وخيا وشرا،
بلف الذمي فإنه إذا ضرّ السلمي تحّض ضررا لزوال العهد [الذي] هو مظنة منفعته ووجود هذه المور الضرة،
وإذا ل يز أن يعاقب با يعاقب به السلم فأَ ْن ل يعاقب با هو دونه أول وأحرى ،فوجب أن يعاقب با هو فوق
عقوبة السلم ،ث السلم عقوبته تتم قتله إذا فعل مثل هذه الشياء ،فتحتم عقوبة ناقض العهد أول ،لكن يتلفان ف
جنس العقوبة فهذا عقوبته القتل فيجب أن يتحتم ،وذلك عقوبته تار ًة القتل وتارةً القطع وتارةً الرجم أو اللد.
185
www.dorar.net الدرر السنية
فــــصــل
الكلم في خصوص مسألة السب
إذا تلخصت هذه القاعدةُ فيمن نقض العهد على العموم فنقول :شات رسول ال eيتعي قتله كما قد نص عليه
الئمة.
أما على قول من يقول :يتعي قتل كل مَن نقض العهد وهو ف أيدينا أو يتعي قتل كل من نقض العهد با فيه ضرر
على السلمي وأذى لم كما ذكرناه ف مذهب المام أحد وكما د ّل عليه كلم الشافعي الذي نقلناه ،أو نقول:
يتعي قتلُ من نقض العهد ،بسبّ الرسول eوَحْده كما ذكره القاضي أبو يعلى وغيه من أصحابنا ،وكما ذكره
طائفةٌ من أصحاب الشافعي ،وكما نص عليه عامة الذين ذكروه ف نواقض العهد ،وذكروا أن المام يتخي فيمن
نقض العهد على سبيل الجال فإنم ذكروا ف مواضع أخَرَ أنه يقتل مِنْ غي تيي فظاهر.
وأما على قول من يقول :إن كل ناقض للعهد فإن المام يتخي فيه كالسي ،فقد ذكرنا أنم قالوا :إنه يستوف منه
القوق كالقتل والد والتعزير ،لن عقد الذمة على أن تري أحكامنا عليه ،وهذه أحكامنا ،ث إذا استوفينا منه ذلك
فالمام مي فيه كالسي ،وعلى هذا القول فيمكنهم أن يقولوا :إنه يقتل؛ لن سبّ رسول ال eموجبٌ للقتل حدا
من الدود كما لو نقض العهد بزن أو قطع طريق ،فإنه يقام عليه حدّ ذلك فيقتل إن أوجب القتل ،بل قد يقتل
الذمي حدّا /من الدود وإن ل ينتقض عهده كما لو قتل ذميا آخر أو زن بذمية فإنه يستوف منه ال َقوَدُ وحد الزن
وعهده باقٍ ،ومذهب مالك يكن أن يوجّه على هذا الأخذ إن كان فيهم من يقول :ل ينتقض عهده.
وبالملة فالقول بأن المام يتخي ف هذا إنا يد ّل عليه عموم كلم بعض الفقهاء أو إطلقه ،وكذلك القو ُل بأنه
يلحق بأمنه ،وأَخْذُ مذاهب الفقهاء من الطلقات من غي مراجعة لا فسروا به كلمهم وما تقتضيه أصولُهم يرّ إل
مذاهب قبيحة ،فإن تقرر ف هذا خلف فهو ضعيف نقلً لا قدمناه وتوجيها لا سنذكره.
الدليل الول
أحدها :ما تقدم من اليات الدالة على وجوب قتل الطاعن ف الدين.
186
www.dorar.net الدرر السنية
الدليل الثان
الثان :حديث الرجل الذي قتل الرأة اليهودية على عهد رسول ال eوَأهْدَرَ النب eدمها ،وقد تقدم من حديث
على بن أب طالب وابن عباس ،فلو كان سبّ النب eيرفع العهد فقط ول يوجب القتل لكانت هذه الرأة بنلة
كافرةٍ أسيةٍ ،وبنلة كافرةٍ دخلت إل دار السلم ول عهد لا ،ومعلو ٌم أنه ل يوز قتلها ،وأنا تصي رقيقةً
للمسلمي بالسب ،وهذه الرأة القتولة كانت رقيقةً ،والسلم إذا كانت له أمة كافرة حربية ل يز لَهُ و ل لغيه قتلها
لجرد كونا حربية ،بل تكون ملكا لسيدها تُ َردّ عليه إذا أخذها السلمون ،ول نعلم بي السلمي خلفا أن الرأة ل
يوز قتلها لجرد الكفر إذا ل تكن معاهدة كما يقتل الرجل لذلك ،ول نعلم أيضا خلفا ف أن الرأة إذا ثبت ف
حقها حكم نقض العهد فقط مثل أن تكون من أهل الدنة وقد نقضوا العهد فإنه ل يوز قتل نسائهم وأولدهم ،بل
تسترق النساء والولد ،وكذلك الذمي إذا نقض العهد ولق بدار الرب ،فمن وُلِد له بعد نقض العهد ل يز قتل
النساء منهم والطفال ،بل يكونون رقيقا للمسلمي ،وكذلك أهل الذمة إذا امتنعوا بدار الرب ونوها.
فمن /الفقهاء من قال :العهد باقٍ ف ذريتهم ونسائهم كما هو العروف عن المام أحد ،وقال أكثرهم :ينتقض
العهد ف الذرية والنساء أيضا ،ث ل يتلفون أن النساء ل يُقتلن ،وأصل ذلك أن ال تبارك وتعال يقول ف كتابه) :
حبّ ا ُل ْعتَدِينَ( فأمر بقتال الذين يقاتلون ،فعُلم أن شرط
ل الّذِي َن ُيقَاتِلُوَنكُ ْم وَ َل َتعْتَدُوا إِنّ الَ َل يُ ِ
وَقَاتِلُوا فِي َسبِيلِ ا ِ
القتال كون القاتَل مقاتِلً.
وف "الصحيحي" عن ابن عمر قال" :وُجدت امرأة مقتولة ف بعض مغازي رسول ال َ ،eفنَهى َرسُولُ الِ eعَنْ
صبْيَانِ".
َقتْ ِل النّسَاءِ وَال ّ
وعن رباح بن ربيع أنه خرج مع رسول ال eف غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد ،فمرّ رباح وأصحاب
رسول ال eعلى امرأة مقتولة ما أصابت القدمة ،فوقفوا ينظرون إليها ،يعن ويعجبون من خَلْقها ،حت لقهم
رسول ال eعلى راحلته ،فانفرجوا عنها ،فوقف عليها رسول ال eفقال" :مَا كَاَنتْ هَ ِذهِ ِلتُقاتِلَ" ،فقال
لحدهم" :الْحَقْ خَالِداَ َفقُلْ لَهَُ :ل َت ْقتُلُوا ذُ ّرّي ًة وَلَ عَسِيفا وَلَ امْ َرَأةً" رواه المام أحد وأبو داود وابن ماجة.
صْبيَانِ"
وعن ابن كعب بن مالك عن عمه أن النب eحي بعث إل ابن أب الُقيق بيبَ" :نهَى عَنْ َقتْلِ النّسَا ِء وَال ّ
رواه المام أحد.
وف الباب أحاديث مشهورة ،على أن هذا من العِلم العام الذي تناقلته المة خلفا عن سلف ،وذلك لن القصود
بالقتال أن تكون كلمة ال هي العليا ،وأن يكون الدين كله ل ،وأن ل تكون فتنة ،أي ل يكون أحد يفت أحدا عن
دين ال؛ فإنا يُقاتَل من كان مانعا عن ذلك ،وهم أهل القتال ،فأما من ل يقاتل عن ذلك فل وجه لقتله كالرأة
187
www.dorar.net الدرر السنية
والشيخ الكبي والراهب ونو ذلك ،ولن الرأة تصي رقيقةً للمسلمي ومالً لم ،ففي قتلها تفويت لذلك عليهم من
غي حاجة ،وإضاعة الال لغي حاجة ل يوز ،نعم لو قاتلت الرأة جاز أن تقتل بالتفاق؛ لوجود العن فيها الذي
جعل ال ورسوله عَدَمه مانعا من قتلها بقوله " :eما كانت هذه لتقاتل" لكن هل /يوز أن تُقصد بالقتل كما يقصد
الرجل أو يقصد كفها كما يقصد كف الصائل؟ فيه خلف بي الفقهاء ،فإذا كان الكم ف الرأة كذلك وقد أهدر
النب eدم امرأة ذمية لجل سبها مع أن قتلها لو كان حراما لنكره النب eكما أنكر قتل الرأة الت وجدها مقتولة
ف بعض مغازيه وإن ل تكن مضمونة بدية ول كفارة؛ فإنه eل يسكت عن إنكار النكر ،بل إقراره دليل على
الواز والباحة ،علم أن السابة ليست بنلة السية الكافرة؛ لن تلك ل يوز قتلها ،وعلم أن السب أوجب قتلها
بنفسه كما يب قتلها بالجاع إذا قَطَعت الطريق وقتلت فيه ،وإذا زنت ،وكما يب قتلها بالردة عند جاهي
العلماء.
الواب عنه
قلنا :الواب من وجوه:
أحدها :أن هذه الرأة ل يصدر عنها إل مرد شتم النب eبضرة سيدها السلم ،ول تض أحدا من الشركي على
القتال ،ول أشارت على الكفار برأي تُعي به على قتال السلمي ،ومعلوم أن من ل يقاتل بيده ول أعان على القتال
بلسانه ل يز أن ينسب إليه القتال بوجه من الوجوه ،ونن ل ننكر أن من ل يوز قتله كالراهب والَعمى والشيخ
الفان والقعد ونوهم إذا كان لم رأي ف القتال وكلم يعينون به على قتال السلمي كانوا بنلة القاتلي ،لكن
مرد سب الرأة لرسول ال eعند قوم مسلمي ليس من هذا القبيل ،وإنا هو أذى ل ولرسوله أبلغ من القتال من
بعض الوجوه ،فلو ل يكن موجبا للقتل لكانت الرأة الكافرة قد قُتلت لنا مقاتلة وهي ل تقاتل ،وذلك غي جائز،
فعلم أنه موجب للقتل وإن ل يكن قتالً ،وقد يكون قتالً إذا ذكر ف معرض الض على قتال السلمي وإغراء
الكفار بربم ،فأما ف هذه الواقعة فلم يكن من القتال العروف.
188
www.dorar.net الدرر السنية
الواب الثان :أنّا نسلّم أن سب النب /eبنلة ماربة السلمي ومقاتلتهم من بعض الوجوه ،كما كتب أبو بكر
الصديق رضي ال عنه أن حد النبياء ليس يشبه الدود ،فمن تعاطى ذلك ـ يعن سب النبياء ـ من مسلم فهو
مرتد ،أو معاهد فهو مارب غادر ،بل هو من أبلغ أنواع الراب كما تقدم تقريره ،لكن الواب نوعان:
أحدها :ما ينقطع مفسدته بالقتل تارة ،وبالسترقاق أخرى ،وبال ّن والفداء أخرى ،وهو حراب الكافر بالقتال يدا
ولسانا؛ فإن الرب والربية القاتلة إذا ُأسِروا فاستُرقّا انقطع عن السلمي ضررها كما قد يزول بالقتل ،وكذلك لو
مُنّ عليهما رجاء أن يسلما إذا بدت مائل السلم ،أو رجاء أن يكفا عن السلمي شر من خلفهما ،أو فُودِي بما،
فهنا مفسدة الحاربة قد تزول بذه المور.
والثان :ما ل تزول مفسدته إل بإقامة الد فيه ،مثل حراب السلم أو العاهد ف دار السلم بقطع الطريق ونوه؛
فإن ذلك يتحتم إقامة الد فيه باتفاق الفقهاء.
فهذه ا َلمَة الت كانت تسب النب eقد حاربت ف دار السلم ،فإن قيل" :تعاقب بالسترقاق" فهي رقيقة فل يتغي
حالا ،وإن قيل" :ين عليها أو يُفادي با" ل يز؛ لوجهي:
أحدها :أنا ملك مسلم ،ول يوز إخراجها عن ملكه مع حياتا.
الثان :أن ذلك إحسان إليها وإزالة للرق عنها ،فل يوز أن يكون جزا ًء لسبها وحرابا ،فتعي قتلها.
الواب الثالث :أن مفسدة السب ل تزول إل بالقتل؛ لنا مت استبقيت طمعت هي وغيها ف السب الذي هو من
أعظم الفساد ف الرض كقاطع الطريق سواء ،بلف الرأة القاتلة إذا أُسرت فإن مفسدة مقاتلتها قد زالت بأسرها،
ول يكنها مع استرقاقها أن تقاتل ،ويكنها أن تظهر السب والشتم فصار سبها بنلة النايات الت توجب
العقوبات ،ل تزول مفسدتا إل بإقامة الد فيها ،وعلم أن الذمية الت تسب ليست بنلة الربية الت تقاتل إذا
أسرت ،بل هي بنلة الذمية الت تقطع الطريق وتزن.
الواب الرابع :أن الديث فيه حكم وهو القتل ،وسبب وهو السب ،فيجب /إضافة الكم إل السبب ،والصل
اتاد الكم ،فمن زعم أن للسبب حكما آخرا احتاج إل دليل ،وقياسه على السية ل يصح لا سيأت إن شاء ال
تعال.
الامس :أنا لو كانت بنلة السية لكان النظر فيها للمام ،ل يوز لحاد الرعية [تي] واحدة من الصال الربع
فيها ،ومن قتلها ضمنها بقيمتها للمسلمي إن كان فيئا وللغاني إن كانت مغنما ،فعلم أن القتل كان واجبا فيها
عينا.
189
www.dorar.net الدرر السنية
الدليل الثالث على أنه يتعي قتل الساب الذمي ول يوز الن عليه ول الفاداة به
الدليل الثالث :أن الساب لو صار بنلة الرب فقط لكان دمه معصوما بأمانٍ يعقد له أو ذمة أو هُدْنة ،ومعلوم أن
شبهة المان كحقيقته ف َحقْن الدم ،والنفر الذين أرسلهم النب eإل كعب بن الشرف جاؤوا إليه على أن
190
www.dorar.net الدرر السنية
يستسلفوا منه وحادثوه وماشوه وقد آمنهم على دمه وماله وكان بينه وبينهم قبل ذلك عهد وهو يعتقد بقاءه ث إنم
استأذنوه ف أن يشموا ريح الطيب من رأسه فأذن لم مرة بعد أخرى ،وهذا كله يثبت المان ،فلو ل يكن ف السب
إل مرد كونه كافرا حربيا ل يز قتله بعد أمانه إليهم وبعد أن أظهروا له أنم مؤمنون له واستئذانم إياه ف إمساك
يديه ،فعلم بذلك أن إيذاء ال ورسوله موجب للقتل ل يعصم منه أمان ول عهد ،وذلك ل يكون إل فيما أجب
القتل عينا من الدود كحد الزن وحد قطع الطريق وحد الرتد ونو ذلك ،فإن عقد المان لؤلء ل يصح ول
يصيون مستأمني ،بل يوز اغتيالم والفتك بم لتعي قتلهم ،فعلم أن ساب النب e /كذلك.
يؤيد هذا ما ذكره أهل الغازي من قول النب ِ" :eإنّهُ َلوْ َقرّ كَمَا َق ّر غَيْ ُر ُه مَا اغِْتيْلَ ،وََلكِنّ ُه نَا َل ِمنّا الَذَى َوهَجَانَا
شعْرِ ،وَلَم َي ْفعَ ْل هَذَا َأحَ ٌد ِمنْكُمْ إِلّ كَانَ السّيْف" فإن ذلك دليل على أن ل جزاء له إل القتل. بِال ّ
الدليل الرابع :قوله eإن كان ثابتا" :مَن َسبّ َنِبيّا ُقتِ َل َومَ ْن َسبّ أَصْحَابَهُ ُجلِدَ" ،فأوجب القتل عينا على كل
سابّ ،ول يي بينه وبي غيه ،وهذا ما يعتمد ف الدللة إن كان مفوظا.
الدليل الامس :أن النب eدعا الناس إل قتل ابن الشرف؛ لنه كان يؤذي ال ورسوله ،وكذلك كان يأمر بقتل
من يسبه ويهجوه إل من عفا عنه بعد القدرة ،وأمره eللياب ،فعلم وجوب قتل الساب وإن ل يب قتل غيه
من الحاربي ،وكذلك كانت سيته ،ل يُعلم أنه تَرَك قتل أحد من السابي بعد القدرة عليه إل من تاب أو كان من
النافقي ،وهذا يصلح أن يكون امتثالً للمر بالهاد وإقامة الدود ،فيكون على الياب ،يؤيد ذلك أن ف ترك قتله
تركا لنصر ال ورسوله ،وذلك غي جائز.
الدليل السادس :أقاويل الصحابة ،فإنا نصوص ف تعيي قتله ،مثل قول عمر رضي ال عنه" :من سب ال أو أحدا
من النبياء فاقتلوه" فأمر بقتله عينا ،ومثل قول ابن عباس رضي ال عنهما" :أيا معاهد عاند فسب ال أو سب أحدا
من النبياء عليهم السلم أو جهر بعه فقد نقض العهد ،فاقتلوه" فأمر بقتل العاهد إذا سب عينا ،ومثل قول أب بكر
الصديق رضي ال عنه فيما كتب به إل الهاجر ف الرأة الت سبّت النب " :eلول ما سبقتن فيها لمرتك بقتلها؛
لن حد النبياء ل يشبه الدود ،فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد ،أو معاهد فهو مارب غادر" فبي أن
الواجب كان قتلها عينا لول فوات ذلك ،ول يعل فيه خِيَة إل المام ،ل سيما والسابة امرأة ،وذلك وحده دليل
كما تقدم ،ومثل قول ابن عمر ف الراهب الذي بلغه أنه يسب النب " :eلو سعته لقتلته" ،ولو كان كالسي /الذي
جزْ لبن عمر اختيار قتله ،وهذا الدليل واضح.
يي فيه المام ل يَ ُ
الدليل السابع :أن ناقض العهد بسب النب eونوه حاله أغلظ من حال الرب الصلي( ،كما أن حال الرتد أغلظ
من حال الكافر الصلي ،لنه اجتمع فيه الراب الصلي) ،وخروجه عما عَاهَ َدنَا عليه بالطعن ف الدين وأذى ال
191
www.dorar.net الدرر السنية
ورسوله ،ومثل هذا يب عليه أن يعاقب عقوبة تزجر أمثاله عن مثل حاله ،والدليل عليه قوله سبحانه وتعال) :إِنّ
ت ِمنْهُ ْم ثُ ّم َيْن ُقضُو َن َعهْدَهُمْ فِي كَ ّل مَ ّر ٍة َوهُمْ لَ
ل الّذِينَ َكفَرُوا َف ُهمْ َل ُيؤْ ِمنُونَ* الّذِي َن عَاهَد ّ
شَرّ ال ّدوَآبّ ِعنْدَ ا ِ
شرّ ْد ِبهِم مّنْ خَ ْل َفهُمْ َلعَّلهُ ْم يَذّكّرُونَ( فأمر ال رسوله إذا صادف الناكثي بالعهد ف َيّتقُونَ* فَِإمّا َتْثقَ َفّنهُمْ فِي الَرْبِ فَ َ
الرب أن يشرد بم غيهم من الكفار بأن يفعل بم ما يتفرق به أولئك ،وقال تعال) :أَلَ ُتقَاتِلُونَ َقوْما َنكَثُوا
َأيْمَاَنهُ ْم َوهَمّوا بِإِ ْخرَاجِ ال ّرسُو ِل َوهُ ْم بَدَءؤُكُمْ َأوّ َل مَ ّرةٍ ( فحضّ على قتال من نكث اليمي وهمّ بإخراج الرسول
وبدأ بنقض العهد ،ومعلوم أن من سب الرسول eفقد نقض العهد وفعل ما هو أعظم من الم بإخراج الرسول
ل ِبأَيْدِيكُ ْم َويُخْ ِزهِ ْم َوَيْنصُرْكُ ْم عََلْيهِ ْم َويَشْفِ صُدُورَ َق ْو ٍم ُم ْؤمِنِيَ*
وبَ ْدئِنا أول مرة .ث قال تعال) :قَاتِلُوهُ ْم ُيعَ ّذْبهُمُ ا ُ
َويُ ْذ ِهبْ َغيْظَ قُلُوِبهِمْ( فعلم أن تعذيب هؤلء وإخزاءهم ونصر الؤمني عليهم وشفاء صدورهم بالنتقام منهم
وذهاب غيظ قلوبم ما آذوهم به أمر مقصود للشارع مطلوبٌ ف الدّين ،ومعلوم أن هذا القصود ل [يصل] من
سب النب eوآذى ال ورسوله وعباده الؤمني إل بقتله ،ل يصل بجرد استرقاقه ،ول بالنّ عليه ،والفاداة به.
وكذلك أيضا تنكيل غيه من الكفار الذين قد يريدون إظها َر السبّ ل يصل على سبيل التمام إل بذلك ،ول
حصّل هذا ض هذا مَ ْن نقض العهدَ ف طائفة متنعة إذا أسرنا واحدا منهم؛ لن قتال أولئك والظهور عليهم ُي َ
ُيعَا ِر ُ
ب وبعده ،فإن ل نُحْدث فيه قتلً ل يصل هذا القصود. القصود ،بلف من كان ف أيدينا /قبل الس ّ
وجاعُ ذلك أن ناقض العهد لبُدّ له من قتال أو َقتْل؛ إذ ل يصل القصود إل بذلك ،وهذا الوجه وإن كان فيه
عمومٌ لكل مَن نقض العهد بالذى ،لكن ذكرناه هنا لصوص الدللة أيضا ،فإنا تدل عموما وخصوصا.
ورسوله ،فعلم أنه مُوجَب ذلك ،وكذلك قوله تعالَ ) :وإِن ّنكَثُوا َأيْمَاَنهُم مّن َبعْ ِد َعهْ ِدهِ ْم َوطَ َعنُوا فِي دِيِنكُمْ َفقَاتِلُوا
َأئِ ّم َة الكُفْرِ ِإّنهُمْ لَ َأيْمَانَ َلهُمْ َلعَّلهُ ْم َينَْتهُونَ ( وقد تقدم تقريره.
يوضح ذلك أن النب eلا دخل مكة آمن الناس الذين كانوا يقاتلونه قبل ذلك ،والذين نقضوا العهد الذي كان بينه
وبينهم وخانوه إل نفرا منهم القينتان اللتان كانتا تغنيان بجائه وسارة مولة بن عبدالطلب الت كانت تؤذيه بكة،
فإذا كان قد أمر بقتل الت كانت تجوه من النساء ـ مع أن قتل الرأة ل يوز إل إذا قاتلت ،وهو eقد آمن جيع
أهل مكة من كان قد /قاتل ونقض العهد من الرجال والنساء ـ علم بذلك أن الجاء جناية زائدة على مرد القتال
والراب؛ لن التفريق بي التماثلي ل يقع من النب eكما أنه أمر بقتل ابن خَطَل لنه كان قد قتل مسلما ،ولنه
كان مرتدا ولنه كان يأمر بجائه ،وكل واحد من القتل والردة والمر بجائه جناية زائدة على مرد الكفر
والراب ،وما يبي ذلك أنه قد كان أمر بقتل من كان يؤذيه بعد فتح مكة ـ مثل ابن ال ّزَبعْرَى وكعب بن زهي و
الويرث بن نقيد وابن خطل وغيهم ـ مع أمانه لسائر أهل البلد ،وكذلك أهدر دم أب سفيان بن الارث ،وامتنع
من إدخاله عليه وإدخال عبدال بن أب أمية لا كانا يقعان ف عرضه وقتل ابن أب معيط والنضر بن الارث دون
غيها من السرى ،وسى من يبذل نفسه ف قتله ناصرا ل ورسوله ،وكان يندب إل قتل من يؤذيه ويقول" :مَنْ
َي ْكفِينِي عَ ّدوِي؟" ،وكذلك أصحابه يسارعون إل قتل من آذاه بلسانه ،وإن كان أبا أو غيه وينذرون قتل من ظفروا
به من هذا الضرب ،وقد تقدم من بيان ذلك ما فيه بلغ ،ومن العلوم أن هؤلء لو كانوا بنلة سائر الكفار الذين ل
عهد لم ل يقتلهم ول يأمر بقتلهم ف مثل هذه الوقات الت آمن فيها [الناس] وكفّ عمن هو مثلهم.
فعلم أن السب جناية زائدة على الكفر ،وقد تقدم تقرير ذلك ف السألة الول على وجه يقطع العاقل أن سب
الرسول eجناية لا موقع يزيد على عامة النايات ،بيث يستحق صاحبها مع العقوبة مال يستحقه غيه وإن كان
كافرا حربيا مبالغا ف ماربة السلمي ،وأن وجوب النتصار من كان هذه حاله كان مؤكدا ف الدين ،والسعي ف
إهدار دمه من أفضل العمال وأوجبها وأحقها بالسارعة إليه وابتغاء رضوان ال تعال فيه ،وأبلغ الهاد الذي كتبه
ال على عباده وفرضه عليهم ،ومن تأمل الذين أهدر النب eدماءهم يوم الفتح واشتد غضبه عليهم حت قتل بعضهم
ف نفس الرم وأعرض /عن بعضهم وانتظر قتل بعضهم وَجَدَ لم جرائم زائدة على الكفر والراب من ردة وقتل
ونو ذلك ،و ُجرْم أكثرهم إنا كان من سب رسول ال eوأذاه بألسنتهم ،فأيّ دليل أوضح من هذا؟
على أن سبه وهجائه جناية زائدة على الكفر والراب ل يدخل ف ضمن الكفر كما تدخل سائر العاصي ف ضمن
الكفر ،وعلى أن العاهدين إذا نقضوا العهد وفيهم من سب النب ،eكان للسب عقوبة زائدة على عقوبة مرد نقض
العهد.
193
www.dorar.net الدرر السنية
وسفارته ،فالسبّ له أعظم عنده من سب أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وسب جيعهم ،كما َأنّهُ أحب إليهم من أنفسهم
وأولدهم وآبائهم والناس أجعي ،وتعلق به حق رسول ال eمن حيث خصوص نفسه؛ فإن النسان تؤذيه الوقيعة
ف عرضه أكثر ما يؤذيه أخذ ماله ،وأكثر ما يؤذيه الضرب ،بل ربا كانت عنده أعظم من الرح ونوه ،خصوصا
مَن يب عليه أن يظهر للناس كمال عرضه وعلو قدره لينتفعوا بذلك ف الدنيا والخرة ،فإن َهتْكَ عرضه قد يكون
أعظم عنده من قتله ،فإنّ قتله ل يقدح عند الناس ف نبوته ورسالته وعلو قدره كما أن موته ل يقدح ف ذلك،
بلف الوقيعة ف عرضه ،فإنا قد تؤثر ف نفوس بعض الناس من النّفرة عنه وسوء الظن به ما يفسد عليهم إيانم،
ويوجب لم خسارة الدنيا والخرة ،فكيف يوز أن يعتقد عاقل أن هذه الناية بنلة ذمي كان /ف ديار السلمي
فلَحِق ببلد الكفار مستوطنا لا مع أن ذلك اللحاق ليس ف خصوصه حق ل ول لرسوله ول لحد من السلمي
أكثر ما فيه أن الرجل كان معتصما ببلنا فخرق تلك العصمة ،فإنا أضر بنفسه ل بأحد من الؤمني.
فعلم بذلك أن السب فيه من الذى ل ولرسوله ولعباده الؤمني ما ليس ف الكفر والحاربة ،وهذا ظاهر إن شاء ال
تعال.
إذا ثبت ذلك فنقول :هذه الناية جناية السب مو َجبُها القتل؛ لا تقدم من قوله " :مَن ِل َكعْبِ ب ِن الَشْ َرفِ فَِإنّهُ قَدْ
ل وَ َرسُولَهُ؟" فعلم أن مَن آذى ال ورسوله كان حقه أن يقتل ،ولا تقدم من إهدار النب دم الرأة السابة مع أنا آذَى ا َ
ل تقتل لجرد نقض العهد ،ولا تقدم من أمره eبقتل من كان يسبه مع إمساكه عمن هو بنلته ف الدين ،وندبه
الناس إل ذلك ،والثناء على من سارع ف ذلك ،ولا تقدم من الديث الرفوع ،ومن أقوال الصحابة رضي ال عنهم
أن من سب نبيا قتل ،ومن سب غي نب جلد.
والذي يتص بذا الوضع أن نقول :هذه الناية إما أن يكون موجبها بصوصها القتل ،أو اللد ،أو ل عقوبة لا ،بل
تدخل عقوبتها ف ضمن عقوبة الكفر والراب.
وقد أبطلنا القسم الثالث ،والقسم الثان باطلٌ أيضا لوجوه:
أحدها :أنه لو كان المر كذلك لكان الذمي إذا نقض العهد بسب النب eينبغي أن يلد لسب النب e؛ لنه حق
آدمي ،ث يكون كالكافر الرب يقتل للكفر ،ومعلوم أن هذا خلف ما دلت عليه السنة وإجاع الصحابة ،فإنم
اتفقوا على القتل فقط ،فعلم أن موجب كل النايتي القتل ،والقتل ل يكن تعدده ،وكذلك كان ينبغي أن يلد
الرتد لق النب ،eث يقتل لردته ،كمرتد سب بعض السلمي ،فإنه يُسْتوفَى منه حق الدمي ث يقتل.
أل ترى أن السارق يقطع لسرقته الت هي حق ل ،ويرد الال السروق إذا كان باقيا بالتفاق ،ويغرم بدله إن كان
تالفا عند أكثر الفقهاء ،ول يدخل حق الدمي ف حق ال مع إياد السبب.
195
www.dorar.net الدرر السنية
الثان :أنه لو ل يكن موجبه القتل وإنا القتل /موجب كونه ردة ل يز للنب eالعفو عنه؛ لن إقامة الد على الرتد
واجبة بالتفاق ،ل يوز العفو عنه ،فلما عفا عنه النب eف حياته دل على أن السب نفسه يوجب القتل حقا للنب
،eويدخل فيه حق ال تعال ،ويكون سابه وقاذفه بنلة ساب غيه وقاذفه ،قد اجتمع ف سبه حقان :حق ل،
وحق لدمي ،فلو أن السبوب والقذوف عفا عن حقه ل يُعزّر القاذف والساب على حق ال ،بل دخل ف العفو،
كذلك النب eإذا عفا عمن سبه دخل ف عفوه عنه حق ال فلم يقتل لكفره،كما ل يعزّر ساب غيه لعصيته ،مع
أن العصية الجردة عن حق آدمي توجب التعزير.
يوضح ذلك أنه قد ثبت أنه كان له أن يقتل من سبه كما ف حديث أب بكر ،وحديث الذي أمر بقتله لا كذب
عليه ،وحديث الشعب ف قتل الارجي ،وكما دلت عليه أحاديث قد تقدم ذكرها ،وثبت أن له أن يعفو عنه كما
دل عليه حديث ابن مسعود وأب سعيد وجابر وغيهم ،فعلم أن سبه يوجب القتل كما أن سب غيه يوجب اللد،
وإن تضمن سبه الكفر بال كما تضمن سب غيه العصية ل ،ويكون الكفر والراب نوعي:
[أحدها] :حق خالص ل تعال.
و الثان :ما فيه حق ل وحق لدمي.
كما أن العصية قسمان:
أحدها :حق خالص ل.
والثان :حق ل ولدمي ،ويكون هذا النوع من الكفر والراب بنلة غيه من النواع ف استحقاق فاعله القتل،
ويفارقه ف الستيفاء فإنه إل الدمي ،كما أن العصية بسب غي النبيي بنلة غيها من العاصي ف استحقاق فاعلها
اللد ،وتفارق غيها ف أن الستيفاء فيها إل الدمي.
يوضح هذا أن الق الواجب على النسان قد يكون حقا مضا ل ،وهو ما إذا كفر أو عصى على وجهٍ ل يؤذي
أحدا من اللق ،فهذا إذا وجب فيه حد ل يز العفو عنه بال ،وقد يكون حقا مضا لدمي بنلة الديون الت تب
للنسان على غيه من ثن مبيع أو بدل َقرْض ونو ذلك من الديون الت ثبتت بوجه مباح ،فهذا ل عقوبة فيه بوجه،
وإنا يعاقب على ال ّديْن إذا امتنع من وفائه ،والمتناع معصية /،وقد يكون حقا ل ولدمي ـ مثل حد القذف و
ال َقوَد وعقوبة السب ونو ذلك ـ فهذه المور فيها العقوبة من الد والتعزير ،والستيفاء فيها مفوّض إل اختيار
الدمي :إن أحب استوف ال َقوَد وحد القذف ،وإن شاء عفا ،فسب النب eلو كان من (القسم الول ل يز العفو
عنه للنب ،eولو كان من) القسم الثان ل يكن فيه عقوبة بال ،فتعي أن يكون من القسم الثالث ،وقد ثبت أن
196
www.dorar.net الدرر السنية
عقوبته القتل ،فعلم أن سب النب ـ من حيث هو ـ سب له وحق لدمي عقوبته القتل ،كما أن سب غيه من
حيث هو سب له وحق لدمي عقوبته اللد ،إما حدا أو تعزيرا ،وهذا معن صحيح واضح.
وسر ذلك أنه إذا اجتمع القان فل بد من عقوبة؛ لن معصية ال توجب العقوبة إما ف الدنيا أو ف الخرة ،فإذا
كان الستيفاء جعل ال ذلك إل الستحق من الدميي ،لن ال أغن الشركاء عن الشرك ،فمن عمل عملً أشرك
فيه غيه فهو كله للذي أشرك ،كذلك من عمل عملً لغيه فيه عقوبة َجعَل عقوبته كلها لذلك الغي وكانت عقوبته
على معصية ال تكي ذلك النسان من عقوبته.
وتام هذا العن أن يقال :بعد موت النب eيتعي القتل؛ لن الستحق ل يكن منه الطالبة والعفو ،كما أن من سب
أو شتم أحدا من أموات السلمي عُزّر على ذلك الفعل ،لكونه معصية ل ،وإن كان ف حياته ل يؤدب حت يطلب
إذا علم.
197
www.dorar.net الدرر السنية
يتعاطاه ،فإن الشارع ل يهمل مثل هذه الفاسد ول يُخْليها من الزواجر ،وقد ثبت أن حده القتل بالسنة والجاع،
وهو حد لغي معي حي لن الق فيه ل تعال ولرسوله eـ وهو ميت ـ ولكل مؤمن ،وكل حد يكون بذه
الثابة فإنه يتعي إقامته بالتفاق.
199