Professional Documents
Culture Documents
المد ل القائل ف مكم التنـزيل :إنا يشى الَ من عباده العلماء ،والصلة والسلم على نبينا ممد
سيد النبياء والرسلي ،وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بـهديه ودعا بدعوته إل يوم الدين.
أما بعد :فلما كان العلماء ورثة النبياء ،فقد أوجب ال عليهم بيان الق للناس ،وحرّم عليهم كتمانه ،قال
تعال :وإذ أ خذ ال ميثاق الذ ين أوتوا الكتاب ل تبيننه للناس ول تكتمو نه ،فنبذوه وراء ظهور هم واشتروا به
ل فبئس ما يشترون [آل عمران .]187:وقال :إن الذ ين يكتمون ما أنزل نا من البينات والدى من
ثنا قلي ً
بعد ما بيّناه للناس ف الكتاب أولئك يلعنهم ال وبلعنهم اللعنون [البقرة .]159:والعن بـهاتي اليتي كل
من ك تم علما من د ين ال يعل مه ،وكان الناس با جة إل يه ،يقول صلى ال عل يه و سلم " :من سئل عن علم
فكتمه ألم يوم القيامة بلجام من نار" رواه أبو داود والترمذي وقال :حديث حسن.
وك ما أو جب سبحانه وتعال على العلماء أن يبيّنوا ال ق للناس ول يكتمو نه ،ف قد أو جب على الناس أن
يعودوا إل علمائ هم في ستفتوهم ف ال سائل الشائ كة ،قال تعال :فا سألوا أ هل الذ كر إن كن تم ل تعلمون
[ال نبياء ،]7:ولبد لل سائل أن يتار العال التمكن ف عل مه ،والبعيد عن مواطن الشبهات ،ويذر من الهلة
الذ ين يدّعون العلم .قال صلى ال عل يه و سلم" :إن ال ل يق بض العلم انتزاعا ينتز عه من الناس ،ولكن يق بض
العلم بق بض العلماء ح ت إذا ل ي بق عالا ات ذ الناس رؤ ساء جهالً ،ف سئلوا فأفتوا بغ ي علم ،فضلوا وأضلوا"،
متفق عليه.
ل ل ا،
ول إخال أحدا ي هل أ مر هؤلء الرؤ ساء الهلة الذ ين أ سند الظالون ل م وظائف علم ية لي سوا أه ً
فأسرفوا ف التاجرة بدين ال إرضا ًء لسادتـهم ،وطمعا بزيد من البات والعطايا الت يقدمونـها لم ..كما
ل إخال أحدا يهل فتاوى الغلة الذين أخطأوا ف فهم أقوال أئمة السلم الت يستدلون بـها ،وأخطأوا ف
إسقاطها على واقعنا العاصر ،وأخطأوا مرة ثالثة عندما تصدوا لهمة ليسوا أهلً لا.
العلماء الدعاة وحدهـم هـم القادرون على حسـم هذه الفوضـى العارمـة ،وتديـد السـار الصـحيح لمـة
السلم ،يقول صلى ال عليه وسلم" :صنفان من أمت إذا صلحا صلحت ال مة ،وإذا فسدوا ف سدت المة:
السلطان والعلماء" .1
-أخرجه أبو نعيم ف اللية 4/96وابن عبد الب ف جامع بيان العلم ،1/184وسنده ضعيف كما قال الافظ العراقي، 1
وقال الشيخ ناصر اللبان بعد ذكر سنده :موضوع .انظر ضعيف الامع الصغي ،الديث رقم ( )3493وسلسلة الحاديث
الضعي فة والوضو عة ،الد يث ر قم ( ،)16وذكره ش يخ ال سلم ا بن تيم ية على أ نه أ ثر ،ان ظر الفتاوى 10/354 :ومعناه
1
هذا وإن العلماء الصالي الصلحي ل يلو منهم عصر من العصار ول مصر من المصار والمد ل ،ولن
يد الناس صعوبة ف الهتداء إليهم ،لن ال سبحانه وتعال قد خصهم بكثي من الصفات الت كان يتاز بـها
الداة الهديون من أئمة هذا الدين.
إن مسؤولية هؤلء العلماء كبية وكبية جدا ،والمل فيهم بعد ال يتضاعف ،لن الطلوب منهم إصلح
الناس والمراء ،ومطلوب من هم عدم تأخ ي البيان ع ند الا جة… و من أ جل إبراز مه مة هؤلء العلماء الدعاة،
ودحض شبهات التخاذلي قمت بتأليف هذا الكتاب وأسيته "العلماء وأمانة الكلمة" ،وهو عبارة عن حلقات
اجتزأتـها من سلسلة حلقات "الوحدة السلمية" الت بدأت بنشرها ف العدد الول من ملة "ال سّنة" الصادر
ف شهر جادى الول 1410هـ الوافق كانون الول 1989م ،وما زلت مهتما بـهذا الوضوع الذي ل
يكاد عدد من أعداد الجلة يلو من حلقة من حلقاته إل ف حالت نادرة ،حريصا على إتامه ،عاملً بميع ما
رزقن ال من طاقات على ترجة هذا الهد إل واقع عملي من خلل الوار الادف البناء.
ولا كان الوضوع حلقات متسلسلة لذا سيجد القارئ العبارات التالية ف أماكن متفرقة:
" -تدثت فيما مضى من هذا البحث عن موقف علماء المة من الروج على أئمة الور…".
" -وهذا ما سنبيّنه ف موضع آخر من هذا البحث".
ث ل يد الوضوعات الشار إليها ف هذا الكتاب ،لكنه سيجدها إن شاء ال ف الكتب الخرى الت ستلي هذا
الكتاب.
ب ل سانا ي ب ع نك ،ول عينا تن ظر إل علوم تدل
وأخ تم هذه القد مة بدعوة الع بد ال صال :اللّهُم ل تُعذّ ْ
عليك ،ول قدما تشي إل خدمتك ،ول يدا تكتب ف سبيلك ،فبعزتك ل تدخلن النار ،اللهم آمي .وصلى
ال على نبينا ممد وعلى آله وصحبه وسلم.
صحيح.
2
عندما يكون الحكم لغير شريعة ال
لوْر مع وجوب
إذا كان جهور علماء المة قد اتفقوا [كما رأينا فيما مضى] على عدم الروج على أئمة ا َ
أمرهم بالعروف ونـهيهم عن النكر؛ فإن إجاعهم قد انعقد على أنه ل تصح ولية الكافر على السلمي ،وإذا
طرأ عليه كفر أو تغيي للشرع سقطت وليته ،ووجب على السلمي القيام عليه وخلعه ،ومن الدلة على ذلك:
- 1قوله تعال :ولن يعل ال للكافرين على الؤمني سبيل[ النساء ،]141 :وكلمة "سبيل" هنا نكرة
ف سياق النفي تفيد العموم ،وأي سبيل أعظم من سبيل المامة؟!.
وعن عبادة بن الصامت رضي ال عنه قال :دعانا النب صلى ال عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن
بايعنا على السمع والطاعة ف منشطنا ومكرهنا ،وعسرنا ويسرنا ،وأثرة علينا ،وأن ل ننازع المر أهله إل أن
تروا كفرا بواحا" ،وف رواية مسلم زيادة "إل أن تروا كفرا بواحا عندكم من ال فيه برهان". 1
" -قوله وأثرة علينا" :الراد أن طواعيتهم لن يتول عليهم ل يتوقف على إيصالم حقوقهم بل عليهم الطاعة
ولو منعهم حقهم.
" -قوله إل أن تروا كفرا بواحا" :قال الطا ب :ظاهرا باديا من قول م باح بالش يء يبوح به بوحا وبواحا
إذا أذاعه وأظهره.
" -عندكم من ال فيه برهان" :أي نص آية أو خب صحيح ل يتمل التأويل 2،قاله الافظ ابن حجر.
والقصود من هذا الديث أنه يب الروج على الاكم الكافر إذا وقع بالكفر الصريح الواضح كإنكاره
معلوما من الدين بالضرورة ،والعلماء الذين فسروا الكفر البواح بالعاصي كالنووي أرادوا معاصي معينة فيها
مالفة لقواعد السلم ،أما العاصي العامة الت ترتبط بشخص الاكم فقد نقلنا فيما مضى قول النووي بعدم
جواز الروج على الاكم بسببها بل ادعاؤه الجاع على ذلك.
- 2و عن عوف بن مالك ر ضي ال ع نه عن رسول ال صلى ال عل يه و سلم قال" :خيار أئمت كم الذ ين
تبونــهم ويبونكـم ويصـلون عليكـم وتصـلون عليهـم ،وشرار أئمتكـم الذيـن تبغضونــهم ويبغضونكـم،
وتلعنونـهم ويلعنونكم ،قيل :يا رسول ال أفل ننابذهم بالسيف؟ فقال :ل ما أقاموا فيكم الصلة ،وإذا رأيتم
من ولتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ول تنـزعوا يدا من طاعة" . 3
- 1حديث عبادة بن الصامت متفق عليه.
- 2أنظر فتح الباري 16/113 :اللب ،صحيح مسلم بشرح النووي.12/229 :
- 3مسلم ،كتاب المارة ،باب خيار الئمة وشرارهم.
3
وإقا مة ال صلة بالن سبة إل الا كم تع ن شهود صلة الما عة ف ال ساجد ،والدعوة إلي ها ،وإقا مة الدود
التعلقة بـها.
3ذ و عن أ نس بن مالك ر ضي ال ع نه أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال" :ا سعوا وأطيعوا وإن
استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب ال" . 1
وهذا الد يث وا ضح الدللة على وجوب ال سمع والطا عة للحا كم إذا ط بق شرع ال على رعي ته ،ول يس
مهما بعد ذلك من يكون هذا الاكم ،وما هي الطبقة الجتماعية الت ينتمي إليها؟!.
- 4من أقوال العلماء:
-قال القاضي عياض" :أجع العلماء على أن المامة ل تنعقد لكافر ،وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل...
وكذلك لو ترك إقا مة ال صلوات والدعاء إلي ها ، "...وقال أيضا" :فلو طرأ عل يه ك فر وتغي ي للشرع أو بد عة
خرج عن حكم الولية وسقطت طاعته ووجب على السلمي القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم
ذلك ،فإن ل يقع ذلك إل لطائفة وجب عليهم القيام بلع الكافر ول يب ف البتدع إل إذا ظنوا القدرة عليه
فإن تققوا العجز ل يب القيام وليهاجر السلم عن أرضه إل غيها ويفر بدينه" . 2
-وقال ابن حجر العسقلن" :إنه ينعزل بالكفر إجاعا فيجب على كل مسلم القيام ف ذلك ،فمن قوي
على ذلك فله الثواب ،ومن داهن فعليه الث ،ومن عجز وجبت عليه الجرة من تلك الرض" .3
-عند الديث عن الروج على أئمة الور ذكرنا ناذج من أقوال جهور العلماء الذين ل ييزون الروج،
لكنهم يضيفون قائلي" :إل أن يكفر فيجب الروج عليه".
-وقال رشيد رضا" :ومن السائل الجمع عليها قولً واعتقادا :أنه ل طاعة لخلوق ف معصية الالق ،وإنا
الطا عة ف العروف ،وأن الروج على الا كم ال سلم إذا ار تد عن ال سلم وا جب ،وأن إبا حة الج مع على
تري ه :كالز نا وال سكر وا ستباحة إبطال الدود وشرع ما ل يأذن به ال ك فر وردة ،وأ نه إذا و جد ف الدن يا
حكو مة عادلة تق يم الشرع ،وحكو مة جائرة تعطله و جب على كل م سلم ن صر الول ما ا ستطاع .وأ نه إذا
بغت طائفة من السلمي على أخرى وجردت عليها السيف وتعذر الصلح بينهما فالواجب على السلمي قتال
7
مواقف العلماء
لقد كثر النفاق والتزلف للطواغيت ف العقود الربعة الاضية من قبل أناس يتسربلون بسربال العلم والعرفة،
ويتدثرون بدثار التقوى والـورع:
-فمنهم من أباح العاملت الربوية ،وشن حلت ظالة ضد البنوك السـلمية.
-ومن هم من ز عم أن أحكام الشري عة ال سلمية مطب قة ف م صر ،لن القانون الد ن م ستمد من أحكام
الشريعة ،وهو أول من يعلم بأنه يكذب ف هذا الدعاء.
-ومنهم من زعم أن أهل النة يعيشون حالة من الفرح ليس لا مثيل من قبل لنـهم يستعدون لستقبال
أحد أبناء الطغاة الذي أهلكه ال سبحانه وتعال ،والولد سر أبيه.
-ومن هم من سعته أذناي ،ك ما سعه مثلي مئات ال صلي الذ ين كانوا ي صغون إل يه و هو ي طب الم عة،
وينسب إل رسول ال صلى ال عليه وسلم -ف حديث حبكه -قوله:
" ...ث يأت جال الدين فينتصر كما انتصر صلح الدين" يريد من وراء هذا الكذب على رسول ال صلى
ال عليه وسلم التزلف إل نظام جال عبد الناصر إبان حكمه وطغيانه.
-ومنهم من وضع شروحا وحواشي لطبة من خطب ول أمره مع أن مثل هذه الطب تعتب مادة لنوادر
وطرائف يتناقلها الناس ويشبعون ضحكا منها وسخرية بـها.
-وأكثر هؤلء أفتوا بإباحة دماء العلماء والدعاة الذين أقدم اللدون على سفك دمائهم من غي حق.
وق صارى القول :فإن هؤلء الح سوبي على زمرة العلماء يؤثرون الدن يا على الخرة ،ويأكلون بأل سنتهم،
ويأمرون الناس بالعروف وينسون أنفسهم ،ومن كان منهم عالا فإنه من ل ينتفعوا بعلمهم ...وهذه الصفات
تدفعهم إل الفتاء بكل ما يطلبه الظلمة منهم.
هناك صنف آخر من العلماء اشتهروا بي الناس بالعلم والصلح والورع ،وتنبوا ف حياتـهم الاصة
والعامة مواطن الشبهات ،مثل التسكع على أعتاب السلطي ،وتزيي قبائحهم ،والنفاق لم ،وقد أكسبتهم
هذه ال صفات شعب ية وا سعة ،ومكا نة مرمو قة دا خل بلدان ـهم وخارج ها ،ولذا يتطلع الناس إلي هم ف
اللمات ينتظرون ماذا سيقولون ،وإذا حددوا مواقفهم تبعهم ف ذلك خلق كثي.
السلطان بب ثه ودهائه ،ث بكر مابراته وكبار مستشاريه من شياطي العلمان ية ،يسعى إل هؤلء العلماء،
ويطلب منهم بإلاح قبول الوظائف الدينية الكبية ،ويعدهم بالتعاون معهم من أجل إجراء إصلحات واسعة
ف سائر مرافق الدولة.
8
وبعد وقوع هؤلء العلماء ف شراكه ،يرتب كيفية عملهم ،ويضعهم ف موضع من يتأثر ول يؤثر ،بيث لو
أرادوا الروج على قوا عد اللع بة الر سومة ل م ل ا وجدوا إل ذلك سبيلً ،لن الذي اختار هم هو الذي اختار
مساعديهم وحت صغار الوظفي ف مكاتبهم ،وماذا يفعل الرء إذا أراد أن يسي ف اتاه ل يساعده على السي
فيه أقرب الناس إليه؟!.
يؤثّر مرور الزمن على هؤلء الشيوخ ،فيألفون النكرات اليومية الت يرونـها ،والت كانوا من قبل يقيمون
النك ي على فاعلي ها ،وتتضا عف عند هم الرغ بة ف التماس العذار ،ولو أراد با حث ج ع فتاوي هم ب ي القد ي
والديث لوجد تناقضات مجلة :فالستحيل أصبح مكنا ،والقطوع بأمره صار يتمل عدة وجوه ،والكم بغي
ما أنزل ال أخرجوه من أق سام التوح يد ،و من خالف هم أضافوا ا سه إل قوائم الوارج والبتد عة والتطرف ي
الرهابيي.
وإن م ا ل ينق ضي م نه الع جب أن هؤلء الشيوخ يعرفون حقي قة ما يري من انرافات خطية ،وأعمال
مكفرة لنـهم على صلة قوية بالنظام وبعامة أهل الي ف متلف مرافق الدولة ،وينقلون إليهم المور بالوثائق
والرقام ،وت ر ب ـهم أحيانا حالت إحباط فيقولون لاصـة جل سائهم كلما شـبيها بالكلم الذي يقوله من
يرمون ـهم بالتطرف والبتداع ،غ ي أن ولة المور ي سارعون إل ا سترضاء الشيوخ ،وامت صاص الشكلة ال ت
أغضبتهم ،فيعودون بعد هذا السترضاء إل سيتـهم السابقة ف الثناء على ولة أمورهم ،وف التماس العذار
ل م ،ول ا كان أ ثر هذا ال صنف من الشيوخ ل يقارن بأ ثر ال صنف الول الذ ين مردوا على النفاق ،وبالغوا ف
تقديس السلطي والتقيد بتعليماتـهم وأوامرهم ،لذا فقد رأينا مناقشة أهم الشبهات الت يثيونـها لعل ف
ذلك خيا ً لنا ولم.
9
الشبهة الولى
كلما طلب الناس من هؤلء إنكار منكرات السلطي وبطانتهم قالوا :تنبوا طرح هذه السائل لنـها تثي
الفتنة .مع أن هذه النكرات قد تصل إل حد الكفر البواح ..فما هو الفهوم الشرعي لصطلح الفتنة ،وما هو
موقف أئمة السلف من هذا الفهوم؟! ،هذا ما سنبينه فيما يلي:
قال تعال :ومنهم من يقول ائذن ل ول تفتن ،أل ف الفتنة سقطوا ،وإن جهنم لحيطة بالكافرين[ التوبة:
،]50وقال تعال :وقاتلوهم حت ل تكون فتنة ويكون الدين كله ل[ النفال.]39 :
لدّ بن قيس لا أمره
يقول شيخ السلم ابن تيمية عن الية الول" :وقد ذكر ف التفسي أنـها نزلت ف ا َ
النب صلى ال عليه وسلم بالتجهز لغزو الروم ..فقال يا رسول ال :إن رجل ل أصب عن النساء؛ وإن أخاف
لدّ هو الذي تلف عن بيعة الرضوان تت الشجرة ،واستتر
الفتنة بنساء بن الصفر فائذن ل ول تفتن .وهذا ا َ
بمل أحر؛ وجاء فيه الديث[ :إن كلهم مغفور له إل صاحب المل الحر] فأنزل ال تعال فيه :ومنهم
من يقول :ائذن ل ول تفتن! أل ف الفتنة سقطوا .أي" :نفس إعراضه عن الهاد الواجب ونكوله عنه وضعف
إيانه ومرض قلبه الذي زين له ترك الهاد :فتنة عظيمة قد سقط فيها ،فكيف يطلب التخلص من فتنة صغية ل
تصبه بوقوعه ف فتنة عظيمة قد أصابته؟ وال يقول :وقاتلوهم حت ل تكون فتنة ويكون الدين كله ل .فمن
ترك القتال الذي أمر ال به لئل تكون فتنة :فهو ف الفتنة ساقط با وقع فيه من ريب قلبه ومرض فؤاده ،وترك
ما أمر ال به من الهاد" . 1
-الفتنة إذن :أن يكون الدين -كله أو بعضه -لغي ال تعال ،سواء قلّ هذا البعض أو كثر ،2ث يسكت
ب عض العلماء عن مواج هة هذا الك فر البواح رغ بة ف منا صب ال سلطان وأمواله ،أو ره بة من بط شه و جبوته
وطغيانه.
-والفتنة ف تراجع بعض العلماء عن فتاويهم ومواقفهم السابقة ،وهذا التراجع يوقعهم ف تناقضات يعرف
البتدئون ف طلب العلم خطأها ،وذلك كقولم :ل يوز المر بالعروف والنهي عن النكر إل بإذن السلطان،
وإذا كان المر يتعلق بول المر فل يصح إل أن يكون سرا ...وقولم إن "الاكمية" ل تعد قسما من أقسام
التوحيد ،ث يقام النكي على من يالفهم القول ف ذلك.
- 1أ بو حني فة النعمان :ر فض العطيات ال ت كان يعرض ها عل يه أ بو جع فر الن صور ،وقال لر سول
الليفة" :ما وصلن أمي الؤمني ف ماله بشيء فرددته ،ولو وصلن بذلك لقبلته إنا أوصلن أمي الؤمني من
بيت مال السلمي ول حق ل ف بيت مالم ،إن لست من يقاتل من ورائهم ،فآخذ ما يأخذه القاتل ،ولست
من ولدانـهم فآخذ ما يأخذه الولدان ،ولست من فقرائهم فآخذ ما يأخذه الفقراء".
- 2مالك بن أنس :بدأت منة المام مالك ف درس من دروسه الت كان يقررها ف السجد النبوي
بالدي نة ،وذلك عند ما شرح حد يث رسـول ال صـلى ال عل يه و سلم" :ليـس على م ستكره طلق" ووجـد
الناوئون لكم أب جعفر النصور ف هذا الديث مستندا قويا على التحلل من بيعته لنـها جاءت عن طريق
الكراه ،إذ قاسوا البيعة على الطلق ،فقالوا" :وليس على مستكره بيعة".
ووجد النصور وولته خطرا عليهم ف نشر هذا الديث ،فحاولوا منع المام مالك من التحدث به ،فما
استجاب لم رغم تعرضه للضرب والهانة وأب كتم العلم. 2
- 3سفيان الثوري :عن سفيان الثوري قال :دخلت على أ ب جع فر ب ن ،فقال ل :ار فع حاج تك.
فقلت له :اتق ال! فإنك قد ملت الرض جورا وظلما ،قال :فطأطأ رأسه ،ث رفع وقال :ارفع لنا حاجتك.
فقلت :إنا أنزلت هذه النـزلة بسيوف الهاجرين والنصار ،وأبناؤهم يوتون جوعا ،فاتق ال وأوصل إليهم
حقوقهم .قال :فطأطأ رأسه ث رفع وقال :ارفع إلينا حاجتك .قلت :حج عمر بن الطاب رضي ال عنه فقال
لازنه :كم أنفقت؟ قال :بضعة عشر درها ،وأرى هاهنا أمورا ل تطيق المال حلها.
وكانت له مواقف قوية مع الهدي الذي عهد إليه بقضاء الكوفة ،فأخذ العهد ومزقه بعد أن غادر ديوان
اللفة ،وغاب عن أنظار الناس ،فطلب ف كل بلد ،ومات عام 161هـ مستخفيا بالبصرة.
و عن ي ي بن يان قال :سعت سفيان يقول :العال طبيب الد ين ،والدر هم داء الد ين ،فإذا اج تر ال طبيب
الداء إليه مت يداوي غيه .هذا هو سفيان الثوري الذي قال عنه شعبة :أصحاب الذاهب الثلثة :ابن عباس ف
زمانه ،والشعب ف زمانه ،والثوري ف زمانه ،وقال عنه المام أحد :ل يتقدمه ف قلب أحد .ث قال :تدري من
المام؟ المام سفيان الثـوري.3
-البداية والنهاية ،12/168وطبقات الشافعية ،2/37وسي أعلم النبلء ،11/177ومموعة التوحيد ص ،343 :والسلم 1
- 7العز بن عبد السلم :استعان اللك إساعيل بن العادل بالصليبيي ضد أخيه نم الدين سلطان
مصر ،وأعطاهم مقابل ذلك صيدا [حسب رواية السبكي] وقلعة صفد وغيها [حسب رواية القريزي] ،ث
سح للصليبيي بدخول دمشق بقصد شراء السلح وسائر آلت الرب.
وقف سلطان العلماء العز بن عبد السلم بوجه هذه اليانة 2وأفت بتحري بيع السلح ،ث صعد منب الامع
الموي حيث كان خطيبه الرسي وأعلن فتواه الشهورة بتحري بيع السلح للصليبيي ث قطع من الطبة الدعاء
لل سلطان إ ساعيل ،وهذا يع ن نزع البي عة له ث راح يد عو الدعاء التال والناس يضجون بالتأم ي على دعائه:
"الل هم أبرم لذه ال مة إبرام ر شد يُعزُ ف يه أولياءك ،وتذل ف يه أعداءك ،ويع مل ف يه بطاع تك ،وين هى ف يه عن
معصيتك".
-تفة الطالبي ف ترجة المام مي الدين ،لتلميذه علء الدين علي بن إبراهيم بن العطار التوف عام ،724دار الصميعي، 1
الرياض.
-أكثر من هذا يدث اليوم ف كل بلد إسلمي ،ول ند عالا واحدا من كبار علماء السلطي يقفون الوقف الذي وقفه العز 2
-اختصرت الروايات الت تدثت عن بيع الشيخ لماليك مصر ،والصادر الت اعتمدت عليها هي :ما رواه الساطي ف عدم 1
الج يء إل ال سلطي لل سيوطي ،وطبقات الشافع ية لل سبكي ،5/84 :وال سلوك للمقريزي ،1/303 :وفوات الوفيات،1/596 :
والسلم بي العلماء والكام.
18
شيخ السلم ابن تيمية
- 1موق فه من قازان :أ سلم قازان ،وت سمى بحمود ،وكان يش هد الم عة ،وأ سلم م عه خلق كث ي من
التتار ،وكان ف جي شه وعاظ وم صلحون ،وكان لل صالي من ال سلمي عند هم قدر .قال صاحب خ طط
الشام …" :قال صـاحب التتـر :إنـه حارب حكام مصـر والشام لنــهم خارجون عـن طريـق الديـن غيـ
متمسكي بأحكام السلم… هذا هو قازان 1الذي أصدر بقه وحق جيشه فتواه الشهورة ،أما عن لقائه مع
قازان وماذا قال له؟ ،يقول الشيخ عمر ابن أب بكر البالسي وهو أحد أعضاء الوفد:
"قال شيخ السلم للترجان قل لقازان :أنت تزعم أنك مسلم ومعك مؤذنون وقاضي وإمام وشيخ على ما
بلغنا فغزوتنا وبلغت بلدنا على ماذا؟ وأبوك وجدك هلكو كانا كافرين وما غزوا بلد السلم ،بل عاهدوا
قومنا ،وأنت عاهدت فغدرت وقلت فما وفيت.
قال -أي البالسي : -وقرب إل الماعة طعاما فأكلوا منه إل ابن تيمية ،فقيل له :أل تأكل؟ قال :كيف
آكل من طعامكم وكله ما نـهبتم من أغنام الناس وطبختموه با قطعتم من أشجار الناس ،قال :ث إن قازان
طلب منه الدعاء ،فقال ف دعائه :اللهم إن كان هذا عبدك ممود إنا يقاتل لتكون كلمتك هي العليا وليكون
الدين كله ل فانصره وأيده وملكه البلد والعباد ،وإن كان إنا قام ريا ًء وسعة وطلبا للدنيا ولتكون كلمته هي
العليا وليذل السلم وأهله فاخذله وزلزله ودمره واقطع دابره.
قال البالسي :وقازان يؤمن على دعائه ،ويرفع يديه .قال:
ذ قازان بـهذه الصفات الت توفرت فيه أحسن دينا من أكثر الكام العاصرين ،وبشكل أخص الذين منعوا الجاب الشرعي ف 1
العاهد والامعات وسائر مؤسسات الدولة ،أو الذين ينعون بعض الظاهر الشرعية ،أو الذين يضطهدون كل من يطالب بتحكيم
شرع ال ،وغي ذلك كثي وكثي جدا.
19
فجعلنا نمع ثيابنا خوفا من أن تتلوث بدمه إذا أمر بقتله ،قال:
فلما خرجنا من عنده قال له قاضي القضاة نم الدين بن صصري وغيه:
كدت أن تـهلكنا وتـهلك نفسك ،وال ل نصحبك من هنا ،فقال:
وأنا وال ل أصحبكم ،قال :فانطلقنا عصبة وتأخر هو ف خاصة نفسه ومعه جاعة من أصحابه ،فتسامعت
به الواقي والمراء من أصحاب قازان فأتوه يتبكون بدعائه ،وهو سائر إل دمشق ،وينظرون إليه ،قال :وال
ما وصل دمشق إل ف نو ثلثمائة فارس ف ركابه ،وكنت أنا من جلة من كان معه ،وأما أولئك الذين أبوا أن
يصحبوه فخرج عليهم جاعة من التتر فشلحوهم عن آخرهم. 1
-2جهاده :كان رح ه ال عالا ماهدا شجاعا ل ي شى الوت ،يقول المام م مد ا بن ع بد الادي عن قتال
الشيخ ف معركة " َشقْحب" الشهورة:
"وبقي الشيخ رضي ال عنه هو وأخوه وأصحابه ومن معه من الغزاة قائما بظهوره وجهاده وَلمّةِ حربه ،يوص
الناس بالثبات ويعدهـم بالنصـر ،ويبشرهـم بالغنيمـة ،والفوز بإحدى السـنيي إل أن صـدق ال وعده ،وأعـز
جنده ،وهزم التتار وحده ،ونصر الؤمني…
ل معهم ،عالية
"ودخل جيش السلم النصور إل دمشق الحروسة والشيخ ف أصحابه شاكيا ف سلحه ،داخ ً
كلم ته ،قائ مة حج ته ،ظاهرة ولي ته ،مقبولة شفاع ته… و هو مع ذلك يقول للمداح ي له :أ نا ر جل ِملّة ،ل
رجل دولة.
"ولقد أخبن حاجب من الجاب الشاميي [ل يزال الكلم لبن عبد الادي] ،أمي من أمرائهم ،ذو دين
متي ،وصدق لجة معروفة ف الدولة ،قال :قال ل الشيخ يوم اللقاء ،ونن برج الصّفّر ،وقد تراءى المعان:
يا فلن ،أوقفن موقف الوت.
قال :ف سقته إل مقابلة العدو ،و هم منحدرون كال سيل تلوح أ سلحتهم من ت ت الغبار النع قد علي هم .ث
قلت له :يا سيدي ،هذا موقف الوت ،وهذا العدو ،قد أقبل تت هذه الغَبَر ِة النعقدة ،فدونك وما تريد.
قال :فرفع طرفه إل السماء ،وأشخص بصره ،وحرّك شفتيه طويلً ،ث انبعث وأقدم على القتال .وأما أنا
فخيل إل أنه دعا عليهم وأن دعاءه استجيب منه ف تلك الساعة.
-البداية والنهاية ،14/89 :كما روى هذا الب الش يخ كمال الد ين بن أن ا ف "الكواكب الدر ية" ،وكان من صحب ش يخ 1
السلم ف لقائه مع قازان ،وقال ابن كثي بعد أن ساق رواية البالسي" :وقد سعت هذه الكاية من جاعة غيه".
20
قال :ث حال القتال بين نا واللتحام ،و ما عدت رأي ته ،ح ت ف تح ال ون صر ،واناز التتار إل ج بل صغي،
عصموا نفوسهم به من سيوف السلمي تلك الساعة وكان آخر النهار.
قال :وإذا أنا بالشيخ وأخيه يصيحان بأعلى صوتيهما ،تريضا على القتال ،وتويفا للناس من الفرار.
فقلت :يا سيدي ،لك البشارة بالنصر .فإنه قد فتح ال ونصر ،وهاهم التتار مصورون بـهذا السفح .وف
غد إن شاء ال تعال ،يؤخذون عن آخرهم.
قال :فحمد ال تعال ،وأثن عليه با هو أهله ،ودعا ل ف ذلك الوطن دعاء وجدت بركته ف ذلك الوقت
وبعده.
ب عد هذا النت صار الفا صل كان ل بد للم سلمي الجاهد ين من تأد يب :الن صارى ،والن صييي ،والراف ضة،
والساعيليي الذين غدروا بالسلمي ،وقدّموا جيع أنواع الدعم للغزاة ،كما تعاونوا من قبل مع جحافل الغزاة
الصليبيي ،وسوف تب قى الب هة الداخلية ضعيفة ومفككة إذا ترك ال بل على غاربيه لؤلء الونة العملء .ل
سيما وأن شيخ السلم ابن تيمية -وهو البي بأساليب الباطنيي -يعلم حق العلم أن الرافضي البيث ابن
العلقمي -وزير الستعصم بال الستنصر آخر اللفاء العباسيي -استغل ثقة الليفة به ،فقام بدور ل مثيل له
ف تارينا السلمي :فهو من جهة كان يراسل "هولكو" الوثن قائد جيش التتار بعد احتلله ليران ويرّضه
على احتلل بغداد ،ومن جهة أخرى فقد أشار على الستعصم الثول بي يدي هولكو عندما اقتربت جيوشه
من عاصمة السلم ،ومن جهة ثالثة فقد أقنع القائد التتري بقتل الليفة ،ففعل وقتل معه سبعمائة راكب من
القضاة والفقهاء و سائر أعيان الدولة وأركان ـها عند ما مثلوا ب ي يد يه .ث د خل طاغ ية التتار بغداد يتقدم هم
الراف ضي ا بن العلق مي .وزميله الراف ضي ن صي الد ين الطو سي الذي اتذه هول كو ليكون ف خدم ته كالوز ير
الشي… وف بغداد قتل التتار كل من قدروا عليه :من الرجال والنساء والولدان والشايخ والكهول والشبان،
ود خل كث ي من الناس ف البار ،وق ن الو سخ ،وكمنوا كذلك أياما ل يظهرون ،وكان الما عة من الناس
يتمعون إل الانات ويغلقون عليهـم البواب ،فيفتحهـا التتار إمـا بالكسـر وإمـا بالنار ،ثـ يدخلون عليهـم
فيهربون منهم إل أعال المكنة فيقتلونـهم بالسطحة حت يري اليازيب من الدماء بالزقة. 1
وق عت هذه الذب ة عام 656ه ـ ،ولذا ف قد قدم والد ش يخ ال سلم إل دم شق وم عه ولداه عام 667
هـ … فكيف ينتظر من عال مثل ابن تيمية أن ل يستفيد من هذا الدرس الرير؟!.
وهاهنا يبز أمام الباحث الذي يستعرض النصوص التاريية سؤال يدعو إل الية والدهشة:
-البداية والنهاية ،أحداث سنة 656هـ 13/200 :مع الختصار والتصرف اليسي. 1
21
هل شيخ السلم ابن تيمية سلطان حاكم ف بلد الشام ،أم هو عال اعتزل الوظائف ول يتقلد أي منصب
طوال سن عمره؟!.
ينقل ابن عبد الادي عن المي الاجب قوله:
" ث ل يزل الش يخ ب عد ذلك على زيادة ف الال والقال والاه ،والتحق يق ف العلم ،ح ت حرّك ال عزمات
نفوس ولة ال مر لقتال أ هل ج بل ك سروان .و هم الذ ين بغوا وخرجوا على المام ،وأخافوا ال سّبلُ وعارضوا
الارّين بـهم من اليش بكل سواء".
"فقام الش يخ ف ذلك أ ت قيام ،وك تب إل أطراف الشام ف الثّ على قتال الذكور ين ،وأن ـها غزاة ف
سبيل ال".
" ث ت هز هو ب ن م عه لغزو هم بال بل ،صحبه ول ال مر نائب المل كة العظ مة ،أ عز ال ن صره ،واليوش
الشآمية ،النصورة ،وما زال مع ول المر ف حصارهم وقتالم ،حت فتح ال البل ،وأجلى أهله .وكان من
أصعب البال ،وأشقها ساحة .وكانت اللوك التقدمة ل تقدم على حصاره ،مع علمها با عليه أهله من البغي
والروج على المام والعصيان ،وليس إل لصعوبة السلك ،ومشقة النـزول عليهم".
"وكان فتحه أحد الكرمات والكرامات العدودة للشيخ ،لسببي على ما يقوله الناس:
أحدها :لكون أهل هذا البل بغاة رافضة سبّابةً تعيّن قتالم.
والثا ن :لن ج بل ال صالية ل ا ا ستولت الراف ضة عل يه -ف حال ا ستيلء الطاغ ية قازان -أشار ب عض
كبائهم بن هب ال بل ،و سب أهله وقتل هم ،وتر يق م ساكنهم ،انتقاما من هم لكون ـهم سنّيّة ،و ساهم ذلك
الشي :نواصب ،فكان ما كان من أمر جبل الصالية بذلك القول ،وتلك الشارة".
"قالوا :فكوفئ الرافضة بثل ذلك ،بإشارة كبي من كباء أهل السنة وزنا بوز نٍ ،جزا ًء على يد ول المر،
وجيوش السلم.
والشي الذكور :هو الشيخ 1الشار إليه".
"ول ا ف تح ال بل ،و صار ال يش ب عد الف تح إل دم شق الحرو سة ع كف خاص الناس وعام هم على الش يخ
بالزيارة والتسليم عليه ،والتهنئة بسلمته ،والسألة له منهم عن كيفية الصار للجبل ،وصورة قتال أهله ،وعما
وقع بينهم وبي اليوش من الراسلت ،وغيها ،فحكى الشيخ ذلك".
22
"وكان توجه الشيخ تقي الدين رضي ال عنه إل الكسروانيي ف مستهل ذي الجة من سنة أربع وسبعمائة
وصحبه المي قراقوش ،وتوجه نائب السلطنة ،المي جال الد ين الفرم ،بن تأخر من عسكر دمشق إليهم،
لغزوهم واستئصالم ف ثان شهر الحرم من سنة خس وسبعمائة ،وكان قد توجه قبله العسكر ،طائفة بعد
طائفة ف ذي الجة".
"و ف يوم الم يس سابع ع شر و صل النائب والع سكري م عه إل دم شق ،ب عد أن ن صرهم ال تعال على
حزب الضلل من الروا فض والن صيية وأ صحاب العقائد الفا سدة ،وأباد هم ال من تلك الرض ،وال مد ل
رب العالي"اهـ.1
-3أمره بالعروف ونـهيه عن النكر :يتحدث ابن كثي عن هزية السلمي أمام قازان ،وجيشه ف سنة
تسع وتسعي وستمائة فيقول:
"ول السلطان هاربا فإ نا ل وإ نا إليه راجعون ،وق تل جا عة من المراء وغي هم… وكان أ هل دمشق ف
خوف شد يد على أنف سهم وأهلي هم وأموال م… وهرب جا عة من أعيان البلد وغي هم إل م صر ،كالقا ضي
إمام الد ين الشاف عي ،وقا ضي الالك ية الزواوي ،وتاج الد ين الشيازي ،وعلم الد ين ال صواب وال الب ،وجال
الد ين بن النحاس وال الدي نة ،والحت سب وغي هم من التجار والعوام ،وب قي البلد شاغرا ل يس في هم حا كم
سوى نائب القلعة".
"و ف ليلة ال حد ثا ن رب يع الول ك سر الحبو سون ب بس باب ال صغي ال بس وخرجوا م نه على حيّة،
وتفرقوا ف البلد ،وكانوا قريبا من مائت رجل ،فنهبوا ما قدروا عليه ،وجاؤوا إل باب الابية فكسروا أقفال
الباب البان وخرجوا منه إل بر البلد… ث يتحدث عن كسر أبواب البساتي ،وقلع البواب والشبابيك ،وعن
غلء السعار وغي ذلك". 2
تلفتت دمشق ف هذه اليام العصيبة ،فلم تد إل عالها الشجاع ابن تيمية ،الذي أرسل إل نائب القلعة من
يقول له :لو ل يبق فيها إل حجر واحد فل تسلمهم ذلك إن استطعت ،وعندما أقبل علماء السوء نو قازان
يطبون له على النابر ،ويظون بشيء من ذهبه وفضته ،كان شيخ السلم مشغول با يدخل المان على قلوب
الناس الائف ي ،و ما كان يف كر با صة نف سه ،ف هو من ج هة ياول مقابلة قازان مرة أخرى ل خذ المان م نه،
-الكواكب الدرية ،ص ،182 :ومنه نقلت ما كتبته عن جهاد شيخ السلم ف موقعة "شقحب". 1
23
وعندمـا يجبـه عنـه وزيره ،يكرر الحاولة بعـد ارتال قازان عـن بلد الشام ،وينجـح فـ مقابلة نائبـه "أميـ
بولئي" وت كن من ا ستنقاذ كث ي من أسرى ال سلمي ،وكان من بي الذ ين ا ستنقذهم ال سرى من الشاميي
الذميي.
و من ج هة أخرى يدور كل ليلة على ال سوار يرض الناس على ال صب والقتال ،ويتلو علي هم آيات الهاد
والرباط.
وفـ جيـع أحواله [سـواء كانـت دمشـق تضـع لسـيطرة التتار أم لسـيطرة سـلطان السـلمي] كان آمرا
بالعروف ناهيا عن النكر:
ففي سنة تسع وتسعي وستمائة وقبل قدوم العساكر الصرية بأيام دار الشيخ تقي الدين ابن تيمية وأصحابه
على المارات والانات فكسـروا آنيـة المور وشققوا الظروف وأراقوا المور ،وعزروا جاعـة مـن أهـل
الانات التخذة لذه الفواحش ،ففرح الناس بذلك.
و ف سنة إحدى و سبعمائة ثار جا عة من ال سدة على الش يخ ت قي الد ين ا بن تيم ية وشكوا م نه أ نه يق يم
الدود ويعزر ويلق رؤوس الصبيان ،وتكلم هو أيضا فيمن يشكو منه ذلك ،وبي خطأهم ،ث سكنت المور.
وف سنة أربع و سبعمائة أحضر إل الش يخ تقي الد ين ا بن تيمية ش يخ كان يل بس دلقا كبيا مت سعا جدا
يسمى الجا هد إبراهيم القطان ،فأمر الش يخ بتقط يع ذلك الدلق فتناه به الناس من كل جانب وقطعوه حت ل
يدعوا ف يه شيئا وأ مر بلق رأ سه ،وكان ذا ش عر ،وقلم أظفاره وكانوا طوالً جدا ،و حف شار به ال سبل على
فمه الخالف للسنة ،واستتابه من كلم الفحش وأكل ما يغي العقل من الشيشة وما ل يوز من الحرمات
وغيها.
وبعده استحضر ممد الباز البلسي فا ستتابه أيضا عن أ كل الحرمات ومال طة أهل الذ مة ،وكتب عل يه
مكتوبا أن ل يتكلم ف ت عبي النامات ول ف غي ها ب ا ل علم له به .و ف هذا الشهر 1بعي نه راح الش يخ ت قي
الدين بن تيمية إل مسجد التاريخ وأمر أصحابه ومعهم حجارون بقطع صخرة كانت هناك بنهر قلوط تزار
وينذر ل ا ،فقطع ها وأراح ال سلمي من ها و من الشرك ب ـها ،فأزاح عن ال سلمي شب هة كان شر ها عظيما،
وب ـهذا وأمثاله حسدوه وأبرزوا له العداوة ،وكذلك بكل مه بابن العرب وأتبا عه ،فحسد على ذلك وعودي،
و مع هذا ل تأخذه ف ال لو مة لئم ،ول بال ،ول ي صلوا إل يه بكروه ،وأك ثر ما نالوا م نه ال بش مع أ نه ل
24
ينقطع ف بث ل بصر ول بالشام ،ول يتوجه لم عليه ما يشي وإنا أخذوه وحبسوه بالاه كما سيأت ،وإل
ال إياب اللق وعليه حسابـهم".
أما الحن الت ابتلي بـها الشيخ رحه ال بسبب مواقفه واجتهاداته ،فنشي فيما يلي لهها:
ف عام 705هـ حبس أياما ف برج بصر ،ث نقل منه ليلة العيد إل البس العروف بالب ،هو وأخوه
شرف الد ين ع بد ال ،وخرج من هذا ال سجن عام 707ه ـ ،ث أع يد إل ال سجن -ح بس القضاة -ف
شوال عام 707هـ ،وانتهت هذه الحنة بعودة السلطان ناصر بن قلؤون إل الكم ف 13من شعبان عام
709هـ ،وكان الفراج عن ابن تيمية ف 8شوال 709هـ ،وعندما استفتاه السلطان ف قتل بعض القضاة
ب سبب ما كانوا تكلموا ف يه ،فقال له :إذا قتلت هؤلء ل ت د بعد هم مثل هم ،فقال :إن ـهم قد آذوك وأرادوا
قتلك مرارا ،فقال :من آذان فهو ف حل.
وف يوم الميس ثان عشرين رجب من سنة عشرين وسبعمائة عقد ملس بدار السعادة للشيخ تقي الدين
ابن تيمية بضرة نائب السلطنة ،وحضر فيه القضاة والفتون من الذاهب ،وحضر الشيخ وعاتبوه على العود إل
الفتاء بسألة الطلق ث حبس ف القلعة فبقي فيها خسة أشهر وثانية عشر يوما ،ث ورد مرسوم من السلطان
بإخراجه يوم الثني -يوم عاشوراء -من سنة إحدى وعشرين وسبعمائة.
"وف السابعة من شعبان 726هـ صدر مرسوم ببسه بسبب فتواه بعدم جواز شد الرحال لزيارة قبور
ال نبياء عليهم ال صلة وال سلم ،وقبور ال صالي ،وب عد أيام أ مر قا ضي القضاة الشاف عي ف ح بس جا عة من
أصحاب الشيخ تقي الدين".
وف ليلة الثني العشرين من ذي القعدة سنة ثان وعشرين وسبعمائة ،توف شيخ السلم ابن تيمية بقلعة
دمشق بالقاعة الت كان مبوسا بـها".1
عجز كيد الرجفي وعداوة الاسدين وخشونة سجون الظالي ،عن النيل من شوخ ش يخ السلم ابن
تيمية وعلو هته ،وأشهد بأن ما وجدت ف أقوال العلماء الئمة مثل تفسيه للمحن والبتلءات ،يقول رحه
ال:
"ما يصنع أعدائي ب ،أنا جنت وبستان ف صدري أين رحت فهي معي ل تفارقن ،أنا حبسي خلوة ،وقتلي
شهادة ،وإخراجي من بلدي سياحة ،وكان يقول ف ملسه ف القلعة:
25
لو بذلت ملء الرض ذهبا ما عدل عندي شكر هذه النعمة ،أو قال :ما جزيتهم على ما تسببوا إل فيه من
الي ونو هذا .وكان يقول ف سجوده وهو مبوس:
"اللهم أعن على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ماشاء ال .وقال ل مرة : 1الحبوس من حبس قلبه عن
ربه ،والأسور من أسره هواه ،ولا أدخل ووصل إل القلعة وصار داخل سورها ،نظر إليه وقال:
[فضرب بين هم ب سور له باب ،باط نه ف يه الرح ة وظاهره من قبله العذاب] .وعلم ال ما رأ يت [ ما يزال
الكلم لبن القيم] أحدا أطيب عيشا منه قط ،مع ما كان فيه من ضيق الع يش وخلف الرفاهية والنعيم بل
ضدها ،ومع ما كان فيه من البس والتهديد والرجاف ،وهو مع ذلك أطيب الناس عيشا ،وأشرحهم صدرا،
وأقوا هم قلبا ،وأ سرهم نف سا ،تلوح نضرة النع يم على وج هه ،وك نا إذا اش تد ب نا الوف و ساءت ب نا الظنون،
وضا قت ب نا الرض ،أتيناه ف ما هو إل أن نراه ون سمع كل مه فيذ هب ذلك كله ،فينقلب انشراحا وقوة ويقينا
وطمأنينة". 2
ومن شجاعته وترفعه عن التقرب إل أول النهي والسلطان ما حكاه ف الكواكب قال:
"ل ا وشوا به إل ال سلطان الع ظم اللك النا صر لد ين ال ،وأحضره ب ي يد يه قال من جلة كل مه :إن ن
أ خبت أ نك قد أطا عك الناس ،وأن ف نف سك أ خذ اللك ،فلم يكترث به ،بل قال له بن فس مطمئ نة وقلب
ثابت ،وصوت عال سعه كثي من حضر:
أ نا أف عل ذلك؟ وال إن مل كك وملك الغول ل ي ساوي عندي فل سا ،فتب سم ال سلطان لذلك وأجا به ف
مقابلة با أوقع ال له ف قلبه من اليبة العظيمة :إنك وال لصادق ،وإن الذي وشى بك إل لكاذب ،واستقر له
ف قلبه من الحبة الدينية ما لوله لكان قد فتك به منذ دهر طويل من كثرة ما يلقى إليه ف حقه من أقاويل
الزور والبهتان ،من ظاهر حاله العدالة ،وباطنه مشحون بالفسق والهالة" .3
لقد كان السلطان يعلم من سية هذا الشيخ ومن مواقفه الجردة من الهواء والنافع أن ملكه وملك الغول
ل يساوي عند ابن تيمية فلسا ،فكيف با هو أدن من ذلك كمنصب وزير أو قاضي القضاة أو غي ذلك؟ ،أما
شيخ السلم فما كان يبال با سيفعله السلطان عندما رد عليه هذا الرد الاسم.
-هذا النص كله يرويه عنه تلميذه ابن قيم الوزية الذي كان مبوسا معه ف سجن القلعة. 1
-الكلم الطيب والعمل الصال ،لبن القيم [عن كتاب حياة شيخ السلم ابن تيمية لؤلفه ممد بـهجت البيطار]. 2
-حياة شيخ السلم ابن تيمية ،للشيخ ممد بـهجت البيطار ،ص.15 : 3
26
إن أ مة يبز في ها أمثال ا بن تيم ية ل بد وأن تتبوأ مكانت ها القياد ية الرمو قة ،وإذا تعر ضت لنتكا سة ك ما
حدث ف غزوة التتار ،فإن فشلها إل ناح وهزيتها إل نصر بإذن ال ،فليتق ال الذين يبرون تاذلم بشواهد
ي ستدلون ب ـها من أقوال ش يخ ال سلم ،أو ل يبينوا ل نا ك يف يقرأون ويفهمون هذه الوا قف ال ت عرضنا ها؟
27
الشبهة الثانية
يقولون :إن الوضاع العا مة ف بلد نا -ر غم وجود ب عض الخطاء والنرافات -أف ضل م ا هي عل يه ف
البلدان الجاورة ،بل من الظلم مقارنة هذا بذاك ،والواجب شكر ال على نعمه الكثية الت أنعم بـها علينا،
ونسأله جل وعل أن ينبنا اللفات والفت والروب الت تشهدها البلدان الخرى.
وقولم هذا عائم وغي منضبط بالضوابط الشرعية ،وفيه حيدة ظاهرة عن الق ،ومن الدلئل على ذلك أن
بعـض العلماء والدعاة فـ كـل بلد يسـتطيعون ترديـد مثـل هذا الدعاء ،ول يعدمون ميزة يتازون بــها عـن
غيهم ،وتدفعهم إل الفتخار بـها.
ومن ج هة أخرى فقد يكون ف البلد الفضول قدر من الر ية يسمح بنقد السؤولي وبيان أخطائهم ،ث
تنتشر هذه الخطاء والفاسد ف وسائل العلم ويتحدث بـها القاصي والدان ،ف حي تنعدم هذه الرية ف
البلد الفا ضل [ح سب ادعائ هم] ول ترؤ و سائل العلم على ن قد أ حد كبار ال سؤولي ،و من يف عل ويقترف
م ثل هذه الري ة فإ نه معرض ل ية عقو بة ،و قد تبلغ حد الوت .أ ما إذا اطمأن الواطنون ف مال سهم الا صة،
وداخل البواب الغلقة ،وأمنوا شر الواسيس ،فيتحدثون عن أضعاف الفاسد الت تشهدها البلدان الخرى ،ث
لبد بعد ذلك أن تبقى بعض النرافات الجهولة الت ل يعرف الناس شيئا عنها.
و من ج هة ثال ثة ف قد يكون ن قد البلدان الخرى و سيلة من و سائل تن يد الدولة لذا النوع من الدعاة ف
حلتها الدعائية العادية لذه الدولة ،وليس للدعوة السلمية أية فائدة من هذه الهاترات الشخصية الفاجرة.
ومن جهة رابعة فقد يكون الال ف بلد من البلدان أفضل حا ًل ما هو عليه ف البلدان الخرى ،ومع ذلك
فإن هذه القي قة ل تع في العلماء والدعاة من وجوب إنكار الن كر ف بلد هم ،وبيان حكم ها الشر عي ،و هم
آثون إذا ل ينهضوا با أوجبه ال عليهم ،ولندلل على ذلك بالثال الت:
لنفترض أن ال سلطان ف البلد الفا ضل أ صدر مر سوما تشريعيا ي سمح بإقا مة بنوك ربو ية ،وين ظم مقدار
الفائدة ،وبو جب هذا القانون أ صبحت هذه البنوك بأبنيت ها الشاه قة معلما من معال الدن دا خل البلد الشار
إل يه ،وي ستطيع أي با حث لذه ال سألة أن يتو صل لعلومات دقي قة عن تعا مل هذه الدولة :مع صندوق الن قد
الدول ،ومع البنوك العالية والحلية ،وعن مقدار الستثمارات الربوية ف البنوك الغربية وغيها.
ولنفترض أن العلماء قابلوا السلطان ،وتدثوا معه بطريقة مهذبة عن عيوب هذا الرسوم ومالفته لشرع ال،
ث وعدهم كعادته خيا ،ومرت اليام والعوام دون أن يروا بصيصا من هذا الي الذي وعدهم به ،وهم يرون
28
أ نه ل يس من اللئق أن يكلموه مرةً أخرى بال سألة نف سها لن ـهم يشون الفت نة(!!) ،و ما يع جز غي هم عن
أخذه بالقوة هم قادرون على أخذه بالسن… غي أنـهم عادوا إليه مرة أخرى يطلبون ما هو أقل من ذلك
بكث ي… عادوا يطلبون إ صدار مر سوم ي سمح بإقا مة بنوك إ سلمية ،ك ما هو الال ف ب عض البلدان العرب ية
الخرى ال ت يكثرون من الد يث ع ما في ها من الف ت والف ساد ،أو ك ما هو الال ف ب عض الدول الورب ية
الكافرة الت سحت بقيام هذا النوع من البنوك ،ووعدهم سلطانـهم خيا ،ولكن هذا الوعد كسراب بقيعة
يسبه الظمآن ماء.
وزيادة على إخلفه بالوعد فقد وردت العلماء معلومات وفية تؤكد عداوة هذا السلطان للبنوك السلمية،
و سعيه الث يث من أ جل و صول هذه الشار يع ال سلمية إل طر يق م سدود ،ولذا ف هو يرك أشباه الثقف ي
إعلميا ضد هذه البنوك ،ويذر أكثر الكام الذين يلتقي بـهم من الصولية (!!) الت تقف وراء هذه البنوك.
والسؤال الطروح:
ما هو الكم الشرعي ف هذه السألة؟ وما الذي يب على العلماء فعله؟.
الواب :فصّل علماؤنا القول ف أمثال هذه السألة ،ولندع الواب فيما يلي لشيخ السلم ابن تيمية ،يقول
رحه ال:
"كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع السلم الظاهرة التواترة فإنه يب قتالا باتفاق أئمة السلمي؛
وإن تكلمت بالشهادتي .فإذا أقروا بالشهادتي وامتنعوا عن الصلوات المس وجب قتالم حت يصلوا .وإن
امتنعوا عن الزكاة و جب قتال م ح ت يؤدوا الزكاة ،وكذلك إن امتنعوا عن صيام ش هر رمضان أو حج الب يت
العتيـق .وكذلك إن امتنعوا عـن تريـ الفواحـش ،أو الربـا ،أو اليسـر ،أو المـر ،أو غيـ ذلك مـن مرمات
الشريعة .وكذلك إن امتنعوا عن الكم ف الدماء والموال والعراض والبضاع ونوها بكم الكتاب والسنة.
وكذلك إن امتنعوا عن المر بالعروف والنهي عن النكر ،وجهاد الكفار إل أن يسلموا ويؤدوا الزية عن يد
وهم صاغرون.
وكذلك إن أظهروا البدع الخال فة للكتاب وال سنة واتباع سلف ال مة وأئمت ها؛ م ثل أن يظهروا اللاد ف
أساء ال وآياته ،أو التكذيب بأساء ال وصفاته ،أو التكذيب بقدره وقضائه ،أو التكذيب با كان عليه جاعة
السلمي حت يدخلوا ف طاعتهم الت توجب الروج عن شريعة السلم ،وأمثال هذه المور ،قال تعال:
وقاتلوهم حت ل تكون فتنة ،ويكون الدين كله ل ،فإذا كان بعض الدين ل وبعضه لغي ال وجب القتال
حت يكون الدين كله ل .قال تعال :يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمني.
29
فإن ل تفعلوا فأذنوا برب من ال ور سوله ،وهذه ال ية نزلت ف أ هل الطائف ،وكانوا قد أ سلموا و صلوا
وصاموا ،لكن كانوا يتعاملون بالربا ،فأنزل ال هذه الية ،وأمر الؤمني فيها بترك ما بقي من الربا .وقال:
فإن ل تفعلوا فأذنوا برب من ال ورسوله وقد قرئ فأذنوا و آذنوا وكل العنيي صحيح .والربا آخر
الحرمات ف القرآن ،وهو ما ل يؤخذ بتراضي التعاملي ،فإذا كان من ل ينته عنه ماربا ل ورسوله ،فكيف
بن ل ينته عن غيه من الحرمات الت هي أسبق تريا وأعظم تريا" .1
قلت :هذا هو ال كم الشر عي ف هذه ال سألة ال ت سقناها على ش كل افتراض ،مع أن ـها حقي قة نا صعة
البيان ،ولذا ف قد قا تل ال صحابة رضوان ال علي هم القبائل ال ت امتن عت عن د فع الزكاة ل ب ب كر قتال ردة ل
قتال بغي ،وهذا مع إقرارهم بالصلة وغيها من أركان السلم -سوى الزكاة . -
أما عن واجب العلماء ،فليس الطلوب منهم القتال أو الفتاء بالروج ،2لن الروج ل يكون إل عند توفر
شروط :منها :استفراغ النصح ،ومنها :الستطاعة ،بل الطلوب منهم بيان الكم الشرعي ف مثل هذه السألة،
وهذا الذي ذهب إليه المام النووي رحه ال ف قوله الذي رد به على السلطان:
"وأما أنا ف نفسي؛ فل يضرن التهديد ،ول أكثر منه ،ول ينعن ذلك من نصيحة السلطان ،فإن أعتقد أن
هذا واجب علي وعلى غيي ،وما ترتب على الواجب؛ فهو خي وزيادة عند ال تعال؛ إنا هذه الياة متاع
وإن الخرة هي دار القرار ،وأفوض أمري إل ال إن ال بصي بالعباد ،وقد أمرنا رسول ال صلى ال عليه
وسلم أن نقول بالق حيث ما كنا ،وأن ل ناف ف ال لومة لئم".
وقوله رحه ال" :وقد أوجب ال إيضاح الحكام عند الاجة إليها".
وإيضاح الحكام لبـد أن يطلّع عليـه الناس ،لن السـلطان ل يفتـأ يردد عـب أجهزة إعلمـه أن مراسـيمه
وقواني نه كل ها شرع ية باتفاق العلماء ،و من ج هة أخرى فإن ب عض الن سوبي إل العلم بدأوا يفتون ويكررون
أقوالً شاذة سبقهم إلي ها ب عض العلماء ،وخل صتها أن ي سي الر با حلل ول شب هة ف يه ،أو يقولون إن البنوك
الربوية وصندوق النقد الدول من الضرورات ف هذا العصر والضرورات تبيح الحظورات ،وحاجة الناس ملحة
إل معرفة الكم الشرعي ف هذه السألة حت ل يسقطوا ف الفتنة فيتعرضوا لرب ال ورسوله ،ومن العبث أن
ينش غل العلماء ف هذه الالة بشؤون البلدان الخرى ال ت ير تع في ها الف ساد أضعافا مضاع فة ،وي سكتوا ع ما
-مموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية ،مطابع الرياض.28/510 : 1
-سـوف نعود -إن شاء ال -إل الديـث عـن مواقـف شيـخ السـلم ابـن تيميـة وفتواه فـ قتال التتار عنـد الديـث عـن 2
الستطاعة.
30
يري ف بلدهم ،وهو بالتأكيد ليس قاصرا على مرسوم تنظيم أعمال البنوك الربوية ،وهم يعرفون ذلك جيدا،
ول يوز لحد منهم العتذار بالهل ،وسكوتـهم ل يبئ ذمتهم أمام ال تعال.
وإذا كانوا يشون من د فع هذا الن كر بن كر أ شد ،فل يبينوا ذلك وليحذروا من الفو ضى والتخ بط والغلو،
وسوف يطيعهم الناس ف الول والثانية
31
قيمة ما يصدر عنهم من فتاوى
في المسائل المتعلقة بالسلطان ونظامه
32
و عن العلم يقول" :أن يكون م ستظهرا بالعلم متمكنا م نه ،وغ ي ضع يف ف يه؛ فإ نه إذا كان ضعيفا قل يل
البضاعة غي مضطلع به أحجم عن الق ف موضع ينبغي فيه القدام لقلة علمه بواضع القدام والحجام ،فهو
يقدم ف غي موضعه ،ويجم ف غي موضعه".
- 4ويقول عن الكفاية" :فإنه إذا ل يكن له كفاية احتاج إل الناس وإل الخذ ما ف أيديهم ،فل يأكل
من هم شيئا إل أكلوا من ل مه وعر ضه أضعا فه ،و قد كان ل سفيان الثوري ش يء من مال ،وكان ل يتروى ف
بذله ويقول :لول ذلك لتمندل 1بنا هؤلء".
- 5ويقول عـن معرفـة الناس " :ينبغـي أن يكون فقيها فـ معرفـة مكـر الناس وخداعهـم واحتيالمـ
وعوائدهم وعُرفياتـهم ،فإن الفتوى تتغي بتغي الزمان والكان والعوائد والحوال" .2
قلت :منذ حوال نصف قرن كان للعلماء شيء من الستقللية ،وكانوا يشاركون السلطان ف اختيار الفت
وكبار القضاة ،أما اليوم فقد أصبحت حالنا غي تلك الال :لقد انفرد السلطان ف تعيي الفت وكبار وصغار
السؤولي ف شؤون الفتاء والقضاء والوقاف ،ولبد أن يوي قرار التعيي الصيغة التالية:
"نن [يذكر اسم الرئيس أو اللك] بناء على الادة (…) من الدستور نرسم أو نأمر با هو آت".
فالختار :هـو نفسـه الذي اسـتبدل شريعـة الطاغوت بشريعـة ال ،وهـو نفسـه الذي يطارد الدعاة إل ال
سبحانه وتعال ،وهو نفسه الذي يوال أعداء ال ،والدستور الذي استند إليه الزعيم ف الرسوم الذي أصدره
هو الذي يضمن حرية العتقاد ،مهما كان هذا العتقاد ،وتدخل العلمانية والشيوعية وغيها ف هذا الطار،
وب عد هذا التعي ي تدد صلحيات الف ت ،ول يوز له تاوز هذه ال صلحيات با سم إنكار الن كر وغ ي ذلك،
وإن خرج عن الدود الرسومة له لبد أن تصدر بقه العقوبة والت تتراوح بي النذار والطرد من وظيفته أو
نقله لوظيفة مردة من أي مضمون.
والذ ين و قع علي هم الختيار ،إ ما أن يكونوا من الذ ين أراقوا ماء وجوه هم من أ جل ال صول على هذه
الوظيفة ،وهؤلء لن يترددوا ف الستجابة لكل ما يأمرهم به سلطانـهم أو وزير هذا السلطان ،وإما أن يكونوا
م ن سعى إليهم السلطان ،وقبلوا أخيا هذه الناصب بعجر ها وبر ها ،والنتيجة ف الال ي واحدة بالنسبة إل
السلطان ،ودليلنا على ذلك أننا ل نسمع أن واحدا من هؤلء الفتي أصدر فتوى ضد رغبة السلطان أو ضد
نظامه ،ول نسمع أن قاضيا أصر على استدعاء السلطان [أو نائبه أو وزيرا من وزرائه أو قريبا من أقربائه] إل
قا عة الحك مة وح كم عل يه بالر جم أو اللد أو ق طع ال يد أو التعز ير مع ا ستحقاقهم لذه العقوبات كل ها أو
-تندل :أي استخدمونا كما يستخدمون الناديل الت يسحون با أوساخهم. 1
33
بعضها لو أراد القاضي وجه ال تعال ،وعلى نقيض ذلك فما من موقف يتخذه السلطان ف الصد عن سبيل ال
إل ويراف قه تأي يد من ب عض هؤلء وال مر ل من ق بل و من ب عد ،وال سوأ من ذلك قول هذا الظال ف ب عض
الحيان :نن ف كل أمورنا نستفت علماءنا وننفذ ما يفتون به.
إن ال سلطان يشترط في من يتار هم من العلماء شروطا تتلف عن الشروط ال ت أشار إلي ها المام أح د
ل عن
وغيه من الئمة؛ فهو [السلطان] لبد أن يستفت أجهزة أمنه أولً ،وهذه الجهزة تقدم له تقريرا كام ً
الشيخ ومدى استعداده لطاعة السلطة ،ث تبيّن له نقاط الضعف الت يسهل اختراقه من خللا ...وإذا جاء هذا
التقرير موافقا لرغبة السلطان ،فغي مهم أمر العلم ،1ويكفي الشكل ،والقدرة على الطابة ،وأن يكون معروفا
بي العامة أنه من زمرة العلماء ،أما الديث عن اللم والسكينة والوقار فتتعارض مع وقوف الشيخ الساعات
الطوال على أعتاب السلطان ينتظر الذن بالدخول ،وأما معرفة الناس فيتم معظمها عن طريق مؤسسات الدولة،
والقائمون على هذه الؤسسات يعرفون كيف يددون مناط الفتوى للشيخ.
رحم ال المام أب حنيفة كم كان مصيبا ف قوله للمنصور:
"إن هذا دعانـ للقضاء فأعلمتـه أنـ ل أصـلح ،ول يصـلح للقضاء إل رجـل يكون له نفـس يكـم بــها
عليك ،وعلى ولدك ،وقوادك ،وليس تلك النفس ل ،إنك لتدعون فما ترجع نفسي حت أفارقك" .2
اللصة :واجه علماؤنا الذين نعتز بـهم الظالي بظلمهم وانرافاتـهم ،وكانوا ل يشون ف صدعهم
بالق أحدا إل ال تعال ،وفيما يلي تلخيص لهم مواقفهم الت أوضحناها ف الصفحات الاضية:
-كانوا ينأون بأنف سهم عن مال سة الظال ي والتزلف ل م وقبول وظائف هم وأعطيات ـهم ،والذ ين كانوا
ـ تتعارض مـع مواقفهـم الثابتـة فـ المـر
يقبلون الوظائف منهـم مـا كانوا يترددون فـ التنازل عنهـا عندم ا
بالعروف والنهي عن النكر.
-كانوا يعتقدون وجوب إيضاح الحكام عنـد الاجـة إليهـا عملً بقوله تعال :وإذ أخـذ ال ميثاق
الذ ين أوتوا الكتاب ل تبيننه للناس ول تكتمو نه ،ويؤمنون بر مة ال سكوت عن بيان الحكام ،فك يف إذا
كان المر يتعلق بليّ أعناق النصوص أو تريف الكلم عن مواضعه كما يفعله البعض ف هذا العصر؟!.
-اطلعت قبل أشهر على أقوال لشيخ الزهر ومفت مصر ف الرافضة وف أمور أخرى تنم عن جهل يترفع عنه حت البتدئ ف 1
طلب العلم.
-مر معنا هذا القول فيما ذكرناه عن المام أب حنيفة. 2
34
-علماؤ نا كانوا يقولون – وال طر مدق ب ـهم من كل جا نب " : -إذا أجاب العال تق ية ،والا هل
يهل ،مت يتبي الق؟" ،وهذا يعن أن بعضهم كان يفضل الوت على التقية.
-علماؤنا كانوا يرون أن المة تفت إذا كان الدين لغي ال أو إذا كان بعضه ل وبعضه لغي ال.
-ز جّ بعض الظالي ببعض كبار علمائنا ف السجون ليتراجعوا عن فتاوى أفتوا بـها على مل من الناس
فما زادهم ذلك إل ثباتا وقوة واستعلء ،ولم ف ذلك كلمات سجلها التاريخ بأحرف من نور:
فالمام أحد بن حنبل كان وهو يلد مشغو ًل بشد حزام سرواله خوفا من أن تظهر عورته ،والعز بن عبد
ال سلم قال ل ن جاء يفاو ضه ويطلب م نه تقب يل يد ال سلطان والعتذار م نه ث تعاد له ج يع وظائ فه :وال ما
ل عن أن أقبّل يده .يا قوم أنتم ف واد وأنا ف واد ،المد ل الذي عافان ما ابتلكم
أرضاه أن يقبّل يدي فض ً
به ،وشيخ السلم ابن تيمية كان يقول:
أنا حبسي خلوة ،وقتلي شهادة ،وإخراجي من بلدي سياحة.
-كان علماؤنا يعتقدون أن النكر إذا كان عاما فإن النهي عنه يكون عاما كذلك :ففتوى المام مالك
التعلقة بطلق الكره كانت عامة ،وموقف المام أحد من فتنة خلق القرآن كانت عامة ،وإنكار العز بن
عبد السلم على السلطان إساعيل الذي استعان بالنصارى ضد أخيه سلطان مصر كانت عامة ،وف خطبة
ج عة ف ال سجد الموي بدم شق ...ولقاء ش يخ ال سلم ا بن تيم ية مع ممود قازان كان على مرأى وم سمع
و فد علماء دم شق الذ ين كانوا يرافقون ا بن تيم ية ،وأمام كبار قادة ج يش قازان ،ث طارت أخبار هذا اللقاء
فسمع بـها الواقي والمراء الذين أحاطوا بـهذا العال الليل عند عودته إل دمشق يتبكون به ويسألونه
الدعاء ل م ...ور سائل المام النووي ال ت كان ير سلها إل سلطي ع صره كا نت عا مة لن عددا من كبار
العلماء كانوا يوقعون عليها من جهة ،ومن جهة أخرى فقد كانت هذه الرسائل تتعلق بقضايا عموم الواطني
"كالو طة" وغي ها ،وإذا ا ستعرنا الل غة ال ستعملة اليوم :فل قد كان النووي ناطقا با سم الماه ي ومدافعا عن
حقوقهم الغتصبة.
-وكان علماؤنا ل ينكرون النكر بنكر أشد ،ول ييزون اقتتال السلمي فيما بينهم.
-وكان علماؤنـا يرون وجوب السـمع والطاعـة لمرائهـم ،ول يرون الروج عليهم 1وإن ظلموا وضربوا
الظهور وأخذوا الموال لكنهم كانوا يلتزمون حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ل طاعة ف معصية ال،
إنا الطاعة ف العروف" ،2كما أن عدم الروج عليهم مشروط ف المر بالعروف والنهي عن النكر ،والطاعة
-ليس هذا موضع إجاع أهل السنة ،كما بينت ذلك فيما مضى. 1
35
أيضا ل تعن الذعان والستعباد والقهر ،قال صلى ال عليه وسلم" :خي الشهداء حزة بن عبد الطلب ،ورجل
قام إل رجل فأمره ونـهاه ف ذات ال فقتله على ذلك" .1
هذه هي فتاوى علمائنا ،وهذه هي مواقفهم الت نعتز بـها وننسج على منوالا:
إذا جعتنا يا جرير الجامع أولئك آبائي فجئن بثلهم
-أخرجه الاكم ف الستدرك وقال :صحيح السناد ول يرجاه ،وذكره اللبان ف السلسلة الصحيحة .1/374 1
36
ليس لحدٍ منهم عذر
سنمضي ت ت هذا العنوان" :ل يس لحدٍ من هم عذر" ف الد يث عن رد فتوى هؤلء العلماء ال ت تتعلق
بالسلطان ونظام حكمه ،وف دحض شبهاتـهم الت يدافعون بـها عن قبولم الناصب والعطيات ،فنقول:
للعلماء دور كبي ف استقرار الكم والاكم ،وف إضفاء الشرعية عليه ،لن الناس يترمونـهم ،وينتظرون
مواقفهم وفتاويهم ف الحداث الهمة ،وإن قالوا أصغت الغالبية لقولم ،وتلقته على أنه دين وحكم شرعي.
ولا كان الكام ل يهتمون بشيء كما يهتمون بناصبهم وبطاعة الناس لم ،ولا كان العلماء خيا لم من
أ سطول إعل مي ض خم ،لذا وذاك ف قد سعوا م نذ القد ي إل ك سب ود العلماء ،وا ستخدموا مع هم سلح
الترغيب تارة ،وسلح الترهيب تارة أخرى ،ووجدوا ب عد خبة طويلة أن الترغ يب أع ظم نفعا وأك ثر جدوى
من الترهيب ،وهذا الذي كان يذّر منه أئمة السلف رحهم ال ،يقول سفيان الثوري" :ما أخاف من إهانتهم
ل إنا أخاف من إكرامهم فيميل قلب إليهم.1
وكان أبو حامد الغزال رحه ال يفت بعدم جواز أخذ أعطيات الظالي وقبول ولياتـهم ،فقال له بعض
الذين يالفونه فيما أفت به :إن بعض الصحابة والتابعي كانوا يأخذون أعطيات وجوائز الظالي ،فكان له هذا
القول الميل ف الرد عليهم:
"إن الظلمة ف العصر الول لقرب عهدهم بزمان اللفاء الراشدين كانوا مستشعرين من ظلمهم ومتشوفي
إل استمالة قلوب الصحابة والتابعي وحريصي على قبولم عطاياهم وجوائزهم ،وكانوا يبعثون إليهم من غي
سـؤال وإذلل .بـل كانوا يتقلدون النـة بقبولمـ ويفرحون بـه ،وكانوا يأخذون منهـم ويفرقون ول يطيعون
السلطي ف أغراضهم ول يغشون مالسهم ول يكثرون جعهم ول يبون بقاءهم بل يدعون عليهم ويطلقون
اللسان فيهم وينكرون النكرات منهم عليهم ،فما كان يذر أن يصيبوا من دينهم بقدر ما أصابوا من دنياهم
ول ي كن بأخذ هم بأس ،فأ ما الن فل ت سمح نفوس ال سلطي بعط ية إل ل ن طمعوا ف ا ستخدامهم والتك ثر
بــهم والسـتعانة بــهم على أغراضهـم والتجمـل بغشيان مالسـهم وتكليفهـم الواظبـة على الدعاء والثناء
والتزكيـة والطراء فـ حضورهـم ومغيبهـم ،فلو ل يذل الخـذ نفسـه بالسـؤال أولً ،وبالتردد بالدمـة ثانيا،
وبالثناء والدعاء ثالثا ،وبالساعدة له على أغراضه عند الستعانة رابعا ،وبتكثي جعه ف ملسه وموكبه خامسا،
37
وبإظهار الب والوالة والناصرة على أعدائه سادسا ،وبالستر على ظلمه ومقابه ومساوئ أعماله سابعا ،ل
ل ، 1فإذا ل يوز أن يؤ خذ من هم ف هذا
ين عم عل يه بدر هم وا حد ولو كان ف ف ضل الشاف عي رح ه ال مث ً
الزمان ما يعلم أ نه حلل لفضائه إل هذه العا ن فك يف ما يعلم أ نه حرام أو ي شك ف يه؟ ف من ا ستجرأ على
أموالم وشبّه نفسه بالصحابة والتابعي فقد قاس اللئكة بالدادين" 2اهـ.
إن غشيان العلماء لجالس الئ مة العدول بق صد تذكي هم بيوم ال شر والعاد ،وتذير هم من الركون إل
الدنيا ،وتبليغهم بظال الرعية الت ل تبلغهم واجب شرعي لقوله صلى ال عليه وسلم" :الدين النصيحة ،قلنا:
لن؟ قال :ل ولكتابه ولرسوله ولئمة السلمي وعامتهم" ، 3بل هو [النصح] أصل عظيم من أصول السلم،
وقد كان النب صلى ال عليه وسلم عندما يبايع أحدا ،يشترط عليه النصح لكل مسلم .قال جرير بن عبد ال
رضي ال عنه" :بايعت النب صلى ال عليه وسلم على النصح لكل مسلم" .4
أما إذا كان السلطان ظالا مفسدا كذابا ،ل يقبل نصحا ،ول يفي بوعد ،فقد وردت الثار باعتزال ملسه،
ورفض أعطياته.
-عن ك عب بن عجرة ر ضي ال ع نه عن ال نب صلى ال عل يه وسلم" :سيكون بعدي أمراء ،فمن د خل
عليهم فصدّقهم بكذبـهم ،وأعانـهم على ظلمهم فليس من ولست منه وليس بوارد علي الوض ،ومن ل
يدخل عليهم ول يعنهم على ظلمهم ول يُصدّقهم بكذبـهم ،فهو من وأنا منه وهو وارد عليّ الوض" .5
قال أبو سليمان الطاب" :ليت شعري من الذي يدخل إليهم اليوم فل يصدقهم على كذبـهم ،ومن الذي
يتكلم بالعدل إذا ش هد مال سهم ،و من الذي ين صح و من الذي ينت صح من هم؟ إن أ سلم لك يا أ خي ف هذا
الزمان وأحوط لدينك أن تق ّل من مالطتهم وغشيان أبوابـهم ونسأل ال الغن عنهم والتوفيق لم" .6
-وعن أب هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :من بدا جفا ،ومن اتبع الصيد
غفل ،ومن أتى أبواب السلطان افتت ،وما ازداد عبد من السلطان قربا إل ازداد من ال بعدا" .7
-للشافعي رحه ال فضائل كثية ،ولكن إفراد أب حامد الغزال لسه ف هذا الوضع دليل على تعصبه الذهب. 1
-رواه مسلم ف كتاب اليان ،وانظر كتاب المامة العظمى عند أهل السنة والماعة ،مصدر سابق ،ص. 408: 4
-رواه الترمذي ف الفت ،ورواه أحد عن ابن عمر ،وقال أحد شاكر :صحيح السناد ،8/62 :من السند [عن المامة العظمى، 5
ص.]400 :
-العزلة واللطة [عن المامة العظمى ،ص.]401 : 6
-أخرجه أحد ف السند ،2/371 :وذكره الشيخ اللبان ف سلسلة الحاديث الصحيحة ،3/267 :رقم.1272 : 7
38
-عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه ،قال :قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم" :ليأت ي علي كم أمراء يقربون
شرار الناس ،ويؤخرون الصلة عن مواقيتها ،فمن أدرك ذلك منكم فل يكونن عريفا ،ول شرطيا ،ول خازنا"
.1
وما يدر التذكي به هنا أننا قد بيّنا فيما مضى من هذا البحث أن الذين قبلوا الناصب من علماء السلف ما
كانوا يبيعون دين هم بدنيا هم ،ول كانوا يترددون ف إنكار الن كر أو بيان الحكام الشرع ية ع ند الا جة إلي ها
متمثلي بقول رسول ال صلى ال عليه وسلم " :خي الشهداء حزة بن عبد الطلب ث رجل قام إل إمام جائر
فأمره ونـهاه ف ذات ال فقتله على ذلك" .2
-و عن أ ب أما مة ر ضي ال ع نه أن رجلً قال :يا ر سول ال أي الهاد أفضل؟ ور سول ال ير مي المرة
الول فأعرض عنه ،ث قال له عند المرة الوسطى فأعرض عنه ،فلما رمى جرة العقبة ووضع رجله ف الغرز
قال :أين السائل؟ قال :أنا يا رسول ال .قال" :أفضل الهاد كلمة حق عند سلطان جائر" .3
ـ فـ مالس السـلطان ومالس كبار مسـاعديه
فإن قال قائل :إن هذه النكرات التـ تتحدثون عنهـا ل نراه ا
وإننا ل نسمع منهم عند جلوسنا وإياهم إل كل ما فيه خي للسلم والسلمي.
قلنا :يكفينا ف رد هذه القولة الشارة إل المثلة الثلثة التية:
الثال الول :ما هو معلوم من الدين بالضرورة أن بعض هؤلء السلطي نوا شريعة ال كلها ،وبعضهم
نوا بعض أحكام الشريعة ،وأساءوا تطبيق البعض الخر الذي أبقوه.
الثال الثانـ :لقـد تواترت أخبار ظلم السـلطي ،وتدثـت حتـ منظمات العفـو الدوليـة عـن السـجون
والعتقلت التـ امتلت بالبرياء مـن خية العلماء والدعاة إل ال ،وتقول أدق الحصـائيات الصـادرة عـن
ل عن عدد
الحام ي الذ ين يدافعون عن هؤلء الضحا يا أن عدد هم ف أ حد البلدان العرب ية يبلغ ستي ألفا فض ً
الذين يعدمون أو عن عدد الذين يقتلون دون أن ياكموا أو يسجنوا.
هذا ول يستطيع عال من العلماء الدعاء بأنه ل يسمع بأخبار الراضي الت اغتصبها إخوان اللوك والرؤساء
وأبناؤ هم من مالكي ها الذ ين ورثو ها عن آبائ هم أو ال ت أفنوا سن عمر هم ح ت جعوا ثن ها ،وإن أي موا طن
يستطيع ضرب أمثلة على هذا الظلم الصارخ ما يدث ف مدينته أو ف منطقته.
ول يستطيع أي عال من العلماء -أيضا -الدعاء بأنه ل يسمع بأخبار أصحاب الشركات أو الؤسسات
التجارية الذين يذهبون مضطرين إل إخوان اللوك والرؤساء يعرضون عليهم مشاركتهم بنسبة تتراوح بي الربع
-رواه ابن حبان ف موارد الظمآن ،كتاب المارة. 1
-أخرجه الاكم ف الستدرك وقال :صحيح السناد ول يرجاه ،وذكره اللبان ف السلسلة الصحيحة .1/374 2
-أخرجه أحد ف السند ،5/251 :وصححه اللبان ف السلسلة الصحيحة[ 1/62 :أنظر المامة العظمى :ص.]410 : 3
39
والنصف [دون أن يدفعوا قرشا واحدا] مقابل حايتهم من إخوانـهم أو أبناء عمومتهم ،وكلما علت مكانة
السؤول كلما كان السعر باهظا.
وليس من العلماء من يهل أمر العصابات الت تتنافس على السلب والنهب ،وكل عصابة يتول قيادتـها
وحايتها قطب من أقطاب النظام تبدأ به وتنتهي بأطراف متعددة داخل البلد وخارجه ،وقد أطلقت الصحافة ف
بعض البلدان على هذه العصابات مصطلح (القطط السمان) ،1وصدر ف أمريكا وأوربا عدد من الكتب ومئات
القالت عن هذه الفضائح مثل صفقات السلحة وغيها وغيها ،والعملء الذين كان دورهم ثانويا أصبحوا
بعد عدد من هذه الصفقات يلكون الليارات من الدولرات فما بالكم با يلكه رئيس العصابة الذي ل يرضى
أحيانا إل أن يكون ما يدخل جيبه مساويا لثمن الصفقة الت ت شراؤها.
الثال الثالث :كانت النكرات والفاسد الت يرتكبها أئمة الور شخصية ومدودة ،فكتب التاريخ تدثنا
عن بعض اللفاء الذين كانوا يقتنون الواري ف قصورهم ،وكان الليفة الذي رق دينه وأسرته شهوته يتمتع
بن شاء منهن ،وقد تشاركه الاشية ف مشاهدتـهن وهن يرقصن ويغني ،أما اليوم فقد أنشأت الكومات
دور الذاعة والتلفاز ،ونظمت برامها وفق مراسيم صادرة عن الهات الرسية الختصة ،وأصبح الغناء والرقص
والوسيقى عملً مشروعا عند هذه الكومات.
كنا بالمس وقبل بضعة عقود نستنكر فتح سينما ف مدينة من الدن ،أما اليوم فقد دخلت هذه السينما بل
عدد كبي مـن دور السـينما إل كل ب يت ،وأصـبحت الجيال الناشئة تتر ب على ألفاظ الغنيـة وحركاتــها
ومعان الغنيات الابطة ،وعلى كل هذا الذي جاءوا به ما يدش الياء ،ويض على الرذيلة ...وزادوا الطي
بلة عندما أدخلوا ما أسوه ال بث البا شر ،وكأن بلء ما أحدثوه من مفاسد ملية ل يكفى فعملوا على إدخال
كل فساد ف أوربا وغيها ،ث دفعوا شركاءهم من أصحاب رؤوس الموال إل إنشاء أقنية فضائية ف البلدان
الوربية موجهة نو البلدان العربية تاطبهم بلغتهم ،وتتمم مهمة إفساد الجيال لنـها خارج حدود الرقابة ذ
هكذا يعتذرون . -
هذا عن دور الذا عة والتلفاز :أ ما ال صحافة ف قد أ صبحت وقفا على العلماني ي من أ هل الك فر والزند قة
وعلى النافق ي الذ ين يبدّلون مواقف هم ك ما يبدل الرء ثو به ،ون ح الشرفون 2على هذه ال صحف الشهورة ف
تنيد الكتاب العروفي بعدائهم للسلم :مثل النصارى [وخاصة الوارنة من نصارى لبنان] ،وفلول الرافضة
-إنـهم من أقطاب النظمة الاكمة ،وينفقون أرقاما خيالية من أموال المة من أجل شراء ضمائر هؤلء الكتاب. 2
40
الاقدين ،وشياطي اليسار الذين يعملون اليوم ف معية من كانوا بالمس ألد أعدائهم ،ودعاة القومية العلمانية،
ومنظري النظ مة الرأ سالية اليمين ية ...كل هؤلء الكتاب الذ ين يتلفون ف الو سائل والعقائد جنود ف حزب
الشيطان ،ويدركون جيدا أنـهم من خلل عملهم ف هذه الصحف يوضون معركة ضد حزب الرحن.
والناظر ف هذه الصحف -الرسية منها أو شبه الرسية -يقرأ فيها العجاب بالفلسفة الوجودية والسخرية
من الصحابة والتابعي وتابع التابعي ،ويسلكون ف ذلك أساليب خبيثة ظاهرها ما يسمونه البحث العلمي
وحقيقت ها التشك يك والدس والفتراء ،ك ما يقرأ في ها حلت إرهاب ية حاقدة ضد ال سلميي ،و ضد ال سلم
السياسي [كما يدعون] ،بجة عداوة دعاة السلم السياسي للنظمة الت تتلك هذه الصحف وتشرف عليها.
ويقرأ فيها اهتمام منقطع النظي بأخبار الرياضة والرياضيي مع إبراز صورهم ،وأنباء بطولتـهم الزعومة،
ويقرأ فيهـا أخبار الراقصـات والغنيات يرافقهـا دعوة صـرية إل ترقـب ومشاهدة برامهـن فـ دور الذاعـة
وال سينما والتلفاز ،ويقرأ أخبار ال سؤولي مع ن سائهم ف حل هم وترحال م ،ويرى أشكال م ال ت ل تتلف عن
أشكال الكفار.
أما السلميون فقد حيل بينهم وبي إصدار الصحف الاصة بـهم ،كما حيل بينهم وبي الدفاع عن
دينهـم فـ صـحافة القوم العلمانيـة إل فـ حدود ضيقـة جدا ومدودة ،فحتـ السـاواة بيـ القوق المنوحـة
للعلمانيي والسلميي معدومة عند هؤلء السلطي ،ول أعدو القيقة عندما أقول :ل يتلك السلميون ف
طول البلد وعرض ها صحيفة إ سلمية يوم ية واحدة ،ولو صدرت م ثل هذه ال صحيفة ف دولة أوربية 1لفرض
عليها حصار يول بينها وبي الوصول إل معظم البلد العربية إن ل يكن إليها كلها.
قـد يقول قائل :بـل هناك ملت إسـلمية تصـدر فـ بعـض البلدان العربية! فأقول :هذا صـحيح ،ولكـن
ال سلطي وأجهزة أمن هم يقفون وراء هذه الجلت ال ت تتخذ من ال سلم وال سلمي شعارا وا سا تت سمى به
و هي ف حقيقت ها لي ست أك ثر من م سجد من م ساجد الضرار ،ولذا ف هي م سخرة للتشن يع على الدعاة
والماعات السلمية ،كما أنـها مسخرة للتشكيك ببعض أصول السلم الت تغضب السلطان.
إذن :كيـف يقول بعـض العلماء :إننـا ل نرى هذه الفاسـد والعاصـي فـ مالس السـلطي التـ نتردد
عليها؟! نسألم بال أن يرهفوا سعهم ،ويدققوا نظرهم ،وأن ل ينظروا إل ما حولم بعي الرضى والنفعة،
بل بع ي الورع والتقوى والز هد ،ولو ا ستجابوا ل سؤالنا هذا ليقنوا أن مفا سد ال سلطي قد ملت الب
والبحر وال و [نق صد بال و ما يدث من مفاسد على طائرات ـهم] ،ولعلموا أن اعتزال مالس ال سلطي
من أضعف اليان.
-إن التعاون من أجل إصدار هذه الصحيفة واجب على السلميي ،كما أن خوض هذا اليدان بعمومه واجب. 1
41
وبعد هذا الستطراد عن فساد السلطي وظلمهم وتنحيتهم لشريعة ال ،نعود إل قول سفيان الثوري" :ما
أخاف من إهانتهم ل إنا أخاف من إكرامهم فيميل قلب إليهم".
ر حم ال هذا المام الل يل ،ل قد كان ين ظر بنور ال ج ّل وعل إل وا قع ع صرنا و ما سبقه من ع صور
ويصفها وصفا دقيقا ،ولو فطن العلماء اليوم إل أبعاد قول سفيان لعادوا النظر ف كثي من مواقفهم الت
كانت ف بدايتها ليست أكثر من اجتهاد خاطئ فيه كثي من الغفلة وعدم التبصر بعواقب المور ،ث انتهت
إل الراوغة والشقاق والنفاق عند كثي منهم والعياذ بال.
قلت غي مرة :رأيت صنفي من الكام ف هذا العصر:
صنف منهم :حاربوا ال سلميي عا مة دون أن يفرقوا ما ب ي داعية وداع ية آخر أو ب ي جا عة وجاعة
أخرى ،وفضلً عـن ذلك فقـد دعوا إل الشرك واللاد والزندقـة ،وسـخروا مـن الديـن وسـوا التدينييـ
رجعي ي ...وهؤلء كا نت عاقبت هم وخي مة ،و قد أذل م ال وجعل هم عبة لكل من يع تب ويت عظ ،وانقلب
سحرهم على ال ساحر ب عد هلك هم ،وأك سب صنيعهم هذا الد ين أعوانا وأن صارا ،وأ صبحت أفكار هم
وقوميتهم وتقدميتهم مالً واسعا للتندر والسخرية.
و صنف آ خر :قربوا إلي هم العلماء ،وأ سندوا إلي هم وظائف كبية ولكن ها خاو ية من الضمون الفعال،
وأغدقوا عليهم الموال ومنحوهم الراضي الواسعة والنح الجزية ،فاغتن هؤلء العلماء بعد فقر مدقع،
وتلذذوا بنعم الدنيا الت ما كانوا يسمعون بـها بعد خشونة العيش الت تربوا عليها وعاشوا ف كنفها أبا
عن جد ،واعتادوا ركوب ال سيارات الفار هة ،وملكوا مئات اللي ي من النيهات والدولرات… وباتوا
أسرى لا امتلكوه ،وتناسوا أنـهم كانوا من قبل يذّرون الكام ما وقعوا هم فيه ،وتعذّر عليهم التخلي
عن مكاسبهم ووظائفهم وأعوانـهم وجلسائهم.
وهكذا كانت سياسة هذا الصنف من الكام أكثر تدميا وأسوأ عاقبة من سياسة الصنف الول ،وتكن
السلطي الذين يدّعون أنـهم حاة لدين ال من نقض العديد من عرى السلم بعد أن ضعفت نفوس كثي
من العلماء ،ووقعوا ف تناقضات مؤسفة ،وقعدوا عن المر بالعروف والنهي عن النكر.
وصدق أبو حامد الغزال رحه ال فالسلطي ل تسمح نفوسهم بعطية إل للذين يطمعون ف استخدامهم،
وال ستعانة ب ـهم على أغراض هم ،ولو ل يذل ال خذ نف سه بال سؤال وبالت سكع على العتاب ،وبإظهار ال ب
والوالة ،وبالستر على ظلم السلطي وفسادهم وقبائح أفعالم ،ل ينعم عليهم هؤلء بدرهم واحد.
42
تذكير بمنهج الستدلل عند أهل السنة
يطيـ أعضاء حزب الولة فرحا بكـل فتوى شاذة إذا كانـت ماـ يرضاه ويريده السـلطان ،ويبذلون جهدا
واسعا من أجل تدريسها وترسيخ معانيها ،ث من أجل إشاعتها بي أكثر عدد مكن من الناس ..وما فعلوه ف
هذا الجال :جعـ هذه القوال والفتاوى وإصـدارها فـ كتيبات على شكـل متون ،وتولوا هـم (!!) شرح هذه
التون بأساليبهم التعسفة العوجة وبألفاظهم البذيئة الشائنة.
وب جة شرح هذه التون أطلقوا أل سنتهم ف ش تم وتر يح من ن سبهم من خية العلماء والدعاة المر ين
بالعروف والناهي عن النكر ،وما كان لؤلء من ذنب إل قيامهم بواجب بيان الكم الشرعي عندما دعت
الاجة إل بيانه.
وبجـة شرحهـم لذه التون قرروا أن العلماء الذيـن قالوا قولً يرضاه السـلطان الظال الغيّر لشرع ال هـم
الرجعية العتبة لهل السنة والماعة ف هذا العصر ،ول يوز لحد أن يتقدم عليهم بقول أو فعل ...ومن ترأ
على ذلك فهو عندهم :مبتدع ،متطرف ،ضال ،مضل ،ويستعدون عليه ولة المر دون النظر إل ما عنده من
أدلة شرعية ،ودون النظر إل ما ف هذه الدلة من صواب وخطأ ،بل ولو أن أحدا من العلماء الكبار قال قولً
واحدا يغ ضب ول أمر هم لخرجوه من عضو ية هذه الرجع ية ،وأطلقوا أل سنتهم بن هش عر ضه ،ويتنا سون
أنـهم قبل أيام أو ساعات قلئل كانوا يعدونه من أولياء ال ،ويتهمون كل من ينقده.
ل أر يد الطالة ف و صف تناقضات حزب الولة ،وانتقال م ب سرعة فائ قة من النق يض إل ضده لن ن قد
فصلت القول بأمرهم فيما مضى من هذا البحث ،وإنا أريد الوقوف قليلً عند مسألة الرجعية لنن رأيت أن
هذه السألة قد التبست على بعض طلب العلم الطيبي ،فعندما تتحدث مع أحدهم ،وتسرد له ما عندك من
أدلة شرعية يستمع إليك حت إذا فرغت من مسألة قد أشبعتها بثا ودراسة قال لك:
ولكن الشيخ [ ...وهو من هو] قال بلف ذلك.
وتقول له :يا أخي أنت طالب علم ،وأنا قد عرضت عليك أدلة شرعية من كتاب ال وسنة رسوله وأقوال
العلماء أو إجاعهم ،فكيف تعرض عن ذلك كله وتتمسك بقول للشيخ؟!.
فيكون رده :ل أعتقد أن الشيخ قد غابت عنه هذه الدلة عندما أفت بغي ذلك ،ث يغلق باب الوار معك
عند تسكه بقول الشيخ.
43
آخرون مـن طلب العلم يشون مـن إرهاب غوغاء حزب الولة لسـيما وهـم يرون بأعينهـم صـلتـهم
الوثي قة بأجهزة ال من ،ويرون أيضا عاق بة من خالف هم وقال بغ ي قول م ،ب سبب هذا وذاك يل جأ طلب العلم
هؤلء إل التقية فيقولون:
ـ مـا يقوله شيوخنـا ،ثـ يذكرون أسـاء هؤلء الشيوخ التـ ل تتجاوز أصـابع اليـد الواحدة...
القول عندن ا
وهذه هي الرجعية السلمية عندهم ف العال كله!!.
لؤلء الطيبي من طلب العلم ،أقول:
تعالوا أ ستعرض وإيا كم ما تعلمناه من علمائ نا وأئمت نا ،والذي ل خلف ف يه ب ي أ هل ال سنة والما عة
التمسكي بنهج السلف الصال:
- 1م ا ات فق عل يه ال سلمون أن ترد المور ال ت يتلفون في ها إل كتاب ال و سنة نبيه .قال تعال :فإن
تنازعتم ف شيء فردوه إل ال والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر ،ذلك خي وأحسن تأويل .
وقال ابن القيم رحه ال ف تعليق له على هذه الية:
"ولو ل يكن ف كتاب ال وسنة رسوله بيان حكم ما تنازعوا فيه ،ول يكن كافيا ،ل يأ مر بالرد إل يه ،إذ
من المتنع أن يأمر تعال بالرد عند النـزاع ،إل من ل يوجد عنده فصل النـزاع". 1
- 2ي قع اللف ب ي ال سلمي ف طري قة فهم هم للكتاب وال سنة لذا ف قد ن صت الثار ال صحيحة على
وجوب اتباع ال سلف ،و قد ث بت ف ال سنن الد يث الذي صححه الترمذي ،عن العرباض بن سارية ،قال:
وعظنا رسول ال صلى ال عليه وسلم موعظ ًة بليغةً ،ذرفت منها العيون ،ووجلت منها القلوب ،فقال قائل :يا
رسول ال ،كأن هذه موعظة مودع؟ فماذا تعهد إلينا؟ فقال:
"أوصيكم بالسمع والطاعة ،فإن من يعش منكم بعدي فسيى اختلفا كثيا ،فعليكم بسنت وسنة اللفاء
الراشد ين الهدي ي من بعدي ،ت سكوا ب ـها وعضوا علي ها بالنوا جذ ،وإيا كم ومدثات المور فإن كل بد عة
ضللة" .2
وقال المام أحد رحه ال" :أصول السنة عندنا التمسك با كان عليه أصحاب رسول ال صلى ال عليه
وسلم والقتداء بـهم" .3
-صحيح ،كما قال الترمذي ،انظر "الرواء" ( )2521و "السنة" لبن أب عاصم رقم [ 31/54عن حاشية شرح العقيدة الطحاوية 2
.]431
-شرح أصول اعتقاد أهل السنة والماعة لللكائي رقم (.)317 3
44
– 3قال ابن مسعود رضي ال عنه" :من كان منكم مُ سْتَـنّـا فليستنن بن قد مات ،فإن الي ل تؤمن
عليه الفتنة ،أولئك أصحاب ممد صلى ال عليه وسلم ،كانوا أفضل هذه المة ،وأبرها قلوبا ،وأعمقها علما،
وأقلها تكلفا ،قوم اختارهم ال لصحبة نبيه وإقامة دينه ،فاعرفوا لم فضلهم ،واتبعوهم ف آثارهم ،وتسكوا با
استطعتم من أخلقهم ودينهم ،فإنـهم كانوا على الدى الستقيم" .1
- 4كان ابـن عباس يرى أن التمتـع بالعمرة إل الجـ واجـب ،وكان يسـتدل على ذلك بديـث نبوي،
وكان بعض الصحابة يردون عليه بأقوال لب بكر وعمر ،فقال لم:
"أقول لكم قال ال وقال الرسول ،وتقولون :قال أبو بكر وقال عمر :يوشك أن تنـزل عليكم حجارة من
السماء" .2
- 5وقال المام الشافعي رحه ال:
"أجع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يكن له أن يدعها لقول أحد"
.3
- 6قال شيخ السلم ابن تيمية رحه ال:
"من نصب شخصا كائنا من كان فوال وعادى على موافقته ف القول والفعل ،فهو من الذين فرقوا دينهم
وكانوا شيعا" .4
فليتدبر إخواننـا طلب العلم هذه القوال ،وليتقوا ال فـ دينهـم ،وليحذروا أن يكونوا مـن الذيـن فرقوا
دين هم وكانوا شيعا ،ول فرق عندي ب ي مواف قة الش يخ ف كل ما يقوله ويفعله ،وب ي مواف قة طلب الش يخ
لن ـهم ف مموع هم يتبعون الش يخ ،و قد تع جب المام أح د رح ه ال من قوم عرفوا ال سناد و صحته ث
يذهبون إل رأي سفيان ،مع أن سفيان ل يقارن بأي عال من العلماء العاصرين الذين تتمسكون بآرائهم ث ل
تــهتمون بعـد ذلك بالدلة التـ تعرض أمامكـم .قال المام أحدـ رحهـ ال " :عجبـت لقوم عرفوا السـناد
وصـحته ،ويذهبون إل رأي سـفيان ،وال تعال يقول [:فليحذر الذيـن يالفون عـن أمره أن تصـيبهم فتنـة أو
-جامع البيان ،لبن عبد الب ،1/97 :وشرح العقيدة الطحاوية [.]432 1
-قول ابن عباس ف وجوب التمتع بالعمرة إل الج أخرجه البخاري ومسلم وغيها من الحدثي وكذلك قول الشافعي ،انظر 2
45
ي صيبهم عذاب أل يم] أتدري ما الفت نة؟ الفت نة :الشرك .لعله إذا ر ّد ب عض قوله أن ي قع ف قل به ش يء من الز يغ
فيهلك" .1
- 7قال الطحاوي رح ه ال " :ونت بع السنة والما عة ونتج نب الشذوذ واللف والفر قة " ،وقال شارح
الطحاوية " :والماعة :جاعة السلمي ،وهم الصحابة والتابعون لم بإحسان إل يوم الدين .فاتباعهم هدى،
وخلفهم ضلل " .2وقال سليمان التيمي " :لو أخذت برخصة كل عال وزلة كل عال اجتمع فيك الشر كله
".
يا إخواننا من طلب العلم الذين ما زلنا نسن الظن بـهم:
ل أعتقـد أن فـ هذا القول الختصـر الذي عرضناه جديدا عليكـم ،ول أعتقـد أن هناك واحدا بينكـم ل
يسـرد هذه الشواهـد والدلة فـ معرض رده على القلديـن التعصـبي الذيـن ل يرون حللً ول حراما إل مـن
خلل ما يقرره شيوخ هم ،ف ما بال كم غ فر ال ل نا ول كم وقع تم في ما وقعوا به؟! ،ألن كم وثق تم من من هج
شيوخكم ،وهذا أيضا ما تأخذونه على غيكم ،فللشيخ مهما كان فاضلً زلت ،وأهواء ،وسقطات ول يوز
اتباعه فيها.
يا قوم :م ا تاججون به القلد ين التع صبي أ نه ل يوز تقد ي قول أ ب ب كر وع مر على قول ال ور سوله،
وتتجون أيضا بقول ا بن عباس الذي رواه ع نه المام أح د " :ل يس م نا أ حد إل يؤ خذ من وقوله ويدع ،غ ي
النب صلى ال عليه وسلم ".
أي ليس من الصحابة والتابعي ومن تبعهم من الئمة العلم إل يؤخذ من قوله ويدع ،وهذا الذي ندع
ل مشهودا له بالصلح والصدق ،ولكن ل نتبعه ف زلته أو ف اجتهاد قد أخطأ فيه ..فما
قوله يبقى عالا فاض ً
الذي أ صابكم ح ت وضع تم شيوخ كم ف مرت بة دون ـها مرت بة أ ب ب كر وع مر وغيه ا من رجال الرع يل
الول 3؟!.
يـا قوم :أعيدوا النظـر بواقفكـم ،ول تزنوا القوال بقيمـة قائليهـا فـ نفوسـكم ،وإناـ بقدار قربــها مـن
الصواب ،وراجعوا ما نعرضه عليكم من أقوال ف هذه السألة الت اختلفنا فيها مع شيوخكم ،وستعلمون حينئذ
أن عند نا على ذلك أدلة من كتاب ال و من سنة نبيه ،و من أقوال ال صحابة ،بل و من إجاع هم ف ب عض
الالت ،وعندنا شواهد من أقوال أئمة السلم وقد عرضنا ناذج منها فيما مضى من هذا البحث ،كما أن
ص459: -فتح الجيد شرح كتاب التوحيد ،للشيخ عبد الرحن بن حسن بن ممد بن عبد الوهاب ،مكتبة دار البيان، 1
-كان ذلك عن تسرع منهم يالف ما هم عليه من تسك بنهج أهل الق. 3
46
عندنا شواهد من أقوال ومواقف شيوخ شيوخكم ،ومن أقوال شيوخكم قبل أن يغيوا مواقفهم ،واعلموا بعد
ذلك كله أن هذا الذي نتبناه وندعو إليه ليس حالة شاذة ل نسبق إليها.
وأن تم يا دعاة حزب الولة :لن ت ستطيعوا ح جب الش مس ال ساطعة بغربال كم الهترئ ،ولن تفلحوا ف
فرض أباطيل كم على الناس لن لل حق جنودا ل يشون ت ـهديد سادتكم ول وعيد هم ،و قد عقدوا العزم
على المر بالعروف والنهي عن النكر مهما غلت التضحيات ...وقد تنجحون بعض الوقت ف إثارة الفتنة،
ولكن الناس سيعرفون نفاقكم وينفضون عنكم.
تتحدثون أيها النتهازيون الرتزقة عن مرجعية أهل السنة ،ونيبكم :ن عم نن نر يد هذه الرجعية ال ت
تضم كبار العلماء العاملي الجاهدين الستقلي الذين يتثلون عقيدة أهل السنة والماعة ف كل موقف من
الواقـف ،ول يقبلون مـن طاغوت مـن الطواغيـت أن يفرض أوامره وتعليماتـه عليهـم ...إننـا نريـد هذه
الرجع ية لتنقذ نا من نفاق كم و من هذه البلبلة ال ت تثيون ـها ،مرجع ية تذكر نا بوا قف :أ ب حني فة ،وا بن
حنبل ،والنووي ،وابن تيمية ،وغيهم من هذه الكوكبة الطاهرة الية ،وسوف أعود إل الديث عن هذه
الرجعية ف موضع آخر من هذا البحث إن شاء ال.
أما أنتم يا دعاة الق ويا أمل هذه المة بعد ال سبحانه وتعال ،فللحديث معكم مذاق عذب ،ونكهة
خاصة ل يعرفها ول يتذوقها الذين مردوا على النفاق ،وتعلقوا بطام هذه الدنيا الفانية.
يا إخواننا :إن قيل لكم أين علماؤكم؟!.
-فقولوا لم :علماؤنا قابعون كالسود ف سجون الطغاة البدلي لشريعة الرحن ولسان حالم يقول:
إن السجن خلوة ،ولن تستيطعوا أيها الستبدون التأثي على عقيدتنا وقلوبنا الطافحة بالمل القريب إن شاء
ال.
-وعلماؤنا الذين سلموا من السجن أو النفي مرابطون ف مواقعهم ،ويؤدون دورهم الطلوب بـهمة
عالية ل تعرف الكلل ول اللل.
-وعلماؤ نا أيضا هم ب عض العلماء الذ ين صدرت من هم فتاوى شاذة م ستغربة إل أن نا ل نقلد هم ول
نتبع هم ف زلت ـهم ،و ف غ ي هذه الزلت نترم هم ونقدر هم ونعترف بفضل هم ،و قد تعلم نا من سلفنا
الصال أن ل نكم على علماء المة من خلل خطأ وقعوا به ث نتجاهل فضلهم وعلمهم ،ولؤلء العلماء
47
الكبار زملء صامتون ل يصرحون بواقفهم إل إذا اطمأنوا للسائهم ،ومنهم من توفاهم ال وهم على هذه
الواقف الطيبة الت قد سعها منهم عشرات الشخاص ،ولول الحراج لذكرنا الساء.
-علماؤنـا -أيهـا الرجفون -قـد رزقهـم ال سـبحانه وتعال القدرة على فهـم مشكلت المـة
السلمية ،كما رزقهم الستقامة والبعد عن مواطن الشبهات ،ولم جهود مشكورة ف بيان الدواء الشاف
لعلل أمتنا ،ومهما فعل الظالون لن يستطيعوا حجب الشمس عن الشروق.
وعلماؤنا الذين يصدق فيهم قول الشاعر:
ـ الذلّ أحجمــا
رأوا ر ُجلً عــن موقفـِ يقولون ل فيــك انقباضــٌ وإناــ
ـا
ومــن أكرمتْهــُ ِعزّةُ النفــس ُأ ْكرِمَـ ـ
ـ هان عندهُم ْ
ـ مَـن داناهُم ُ
أرى الناس َ
ول كلّ مــن لقَيْتــُ أرضاه ُمنْعِمَــا ومــا ك ّل َبرْقــٍ لح ل يســتفزّنِي
ـ كَفّيـــ إِْثرَهـــُ مَُتنَدّمَــا
أُ َقلّبــ ُ وإنـ إذا مـا فاتنـ المـر ل أبِتـْ
ـ ّلمَا
ـ صــَّيرْته لِيــَ سـ ُ
بدا َطمَعـ ٌ ـ حَقّـ ال ِعلْم إن كان كلّمَـا
ول أَقض ِ
ـ نفســَ الرّ تتمــل الظّمَــا
ولكنّـ إذا قيــل هذا مَ ْن َهلٌ قلتــُ قــد أرى
ـ ُلخْدَمَـا
ـن لقَيْت ـُ لكن ْ
لَخدُم ـَ مـ ول أبت ِذلْ فــ خدمــة العلم ُم ْهجَتــ
ل ْهلِ قــد كان أ ْحزَمَــا
إذا فاتّباعــُ ا َ أ أشقــى بــه َغرْســَا وأجنيــه ذِلّةّ
ـــ النفوس لَ ُعظّمَـــا
ولو عظّموه فـ ـ أهلَ ال ِعلْم صـانوه صـانـهُم
ولو أن ّ
1
جهّـمَا
ع حت َت َ
مُـحيّاه بالطمـا ِ ولكن أهـانوه فهـا َن ودنّسـوُا
يا دعاة ال ق :ل تيأ سوا من ن صر ال تعال ،واعلموا بأن الطغاة إذا أغلقوا بابا واحدا ف وجوه نا ف تح
ال ل نا أبوابا ،وكل ما ازداد عدو نا شرا سة وحقدا وا ستبدادا ي ب أن تتضا عف و سائلنا وتتعدد ،و سيبقى
كيد الشيطان وحزبه ضعيفا وهزيلً أمام كيد ال جل وعل ث أمام حسن تطيط وتنظيم جند ال.
-للقاضي أبو السن علي بن عبد العزيز الرجان ،طبقات الشافعية الكبى.3/460: 1
48
49
..لكنهم ل يتعظون
إن واقع حال العلماء الذين ساروا ف ركاب السلطي الظلمة ،ومذكراتـهم الت كتبوها قبل مغادرتـهم
لذه الدنيا الفانية [رغم ندرتـها] تؤكد بأن السلطي ما كانوا يبونـهم رغم الدمات الهمة الت قدموها
لم ف أيامهم الرجة ،وذلك لن هؤلء العلماء مهما بلغوا من رقة الدين ،ومن القدرة الفائقة على النفاق ل
يستطيعون تاوز خط معي ف هذا التعامل ،فلم ينقل إلينا عن أحد منهم أنه كان يتعاطى الخدرات ،أو يشرب
ال مر ،أو يد عو إل الشرك والزند قة ،أو يوال أعداء ال من اليهود والن صارى ،أو يتب ن عن قنا عة حرب ال
ورسوله والذين آمنوا.
هذا وسوف نتار المثلة التالية على ذلك:
- 1يقول الشيخ أحد حسن الباقوري وزير الوقاف ف حكومة الثورة الصرية عام " :1952وقد كانت
ل من عصم ال ،فكانوا يرصون على استغلل قربـهم
بطانة عبد الناصر من أسوأ البطانات ف الرض إل قلي ً
م نه :إ ما رجاء ليه ،وإ ما اتقاء لشره ،و هم مع ذلك قل يل جدا .ول قد كان من أ شد ما ابتله ال به ،أخذه
بالنظام التلري ف ح كم الش عب ،وا ستعانته برجال الخابرات الناز ية الذ ين حاولوا أن ي صنعوا ب صر ما كانوا
يصنعونه بألانيا ف عهد هتلر".
ويقول أيضا" :وليس يرتاب الذين يؤرخون لذه الثورة ف أنـها كانت كسائر الثورات ،تستند إل أمرين:
أحدها التوسع ف نشر الاسوسية ،وثانيهما اصطناع أنصار يستغلون صلتـهم بالثوار .فأما التوسع ف نشر
الاسوسية ،فقد اقترن ف أذهان الناس بأنه كلما استطاع الاسوس أن ينصب شركا لحد خصوم الثورة ،كان
أول بالرعاية والثقة به .وكان بعض هؤلء يصطنعون ف كل بيت ،وكل مكتب أصدقاء لم يأتونـهم بأخبار
-صـادقة أو كاذبـة -لقاء أجـر معلوم ،وقـد نشـأ عـن ذلك أن أصـبح الوالد يتجسـس على ابنـه ،والميـع
ينتظرون مـن الدولة حسـن الثوبـة وجزل العطاء فـ منصـب يسـند إليهـم أو مغنـم يدر عليهـم أخلف الرزق
الوسيع". 1
إن أجهزة التجسس تتلف من حيث القوة والضعف من بلد لخر ،ولكن لبد ف النهاية من فرض الراقبة
على كبار السؤولي من العلماء ،وقد تناط هذه الهمة بالشرطي الذي يرس الشيخ أو بسائق سيارته أو بدير
-بقايا ذكريات ،للشيخ أحد حسن الباقوري ،ص 205 :و ،237وقد طرد الشيخ من الوزارة ،بسبب وشاية كاذبة ،ول تشفع 1
51
فهل عاد الشيخ إل رشده بعد هذه الهانات الت تلقاها من عبد الناصر ونظامه ..وهل اقتنع بأنه كان يلّقُ
ف غي سربه؟!.
ل ،ل يعد إل رشده ،وسارع إل قبول أول عرض يعرضه عبد الناصر عليه ،مع أنه كان أقل من منصب
وزير ،وبعد هلك عبد الناصر انضم إل الوقة الت تصفق لنور السادات ،ومن المثلة على ذلك الكلمة الت
ألقاها ف مؤتر نظمته الكومة لتأييد السادات والتنديد بعارضيه ،وكان ما قال فيه:
"إن السلطان هو ظل ال ف الرض ..وظل ال ف الرض له حرمة ومهابة فل يوز الساس بالسلطان أو
ال ساءة إل يه بكل مة ..ح ت أن الفقهاء قالوا إذا كان ال سلطان ير كب بغلة ،وذ يل بغلة ال سلطان مقطوع ..فل
يوز التهكم على ذيل بغلة السلطان ..فكيف بالتهكم على السلطان".1
هذا والباقوري يعرف السادات جيدا ،ويعرف الكثي عن حياته الاصة قبل انقلب يوليو ،1952ويعرف
ما أثي ضده من قضايا سلوكية داخل ملس قيادة الثورة ما جعل نيب يتبن قرار فصله من الجلس ،وقد عطّل
هذا القرار تدخل عبد الناصر ليكسب صوتا ضد نيب ،ومن ث فإن هذا الدفاع عن السلطان وذيل بغلته جاء
ب عد ا ستسلم ال سادات ل سرائيل وزيار ته الذليلة ل م ف القدس ،وكان من النت ظر أن يقول الباقوري ف هذه
الناسبة كلمة يتقرب بـها من ربه ،ل سيما وأنه قد بلغ من الكب عتيا.
– 2ف ش هر جادى الول من عام 1398ه ـ و قف الش يخ م مد متول شعراوي ف ملس الش عب
الصري يرد على العارضة ،ويعدد فضائل رئيسه أنور السادات ،وكان ما قاله:
" لو كان المر بيد لعتبت السيد رئيس المهورية ف مقام الذي ل يسأل عما يفعل" وقال أيضا:
" لو كان ال مر بيدي ل صدرت أمرا ب نع أذان الف جر باليكرفون ف ج يع أناء المهور ية والقت صار ف
النداء على الصلة بالصوت الطبيعي".
وكان الشيخ ممد عاشور[عضو ملس الشعب الصري] من أبرز الذين تولوا الرد على الشيخ الشعراوي،
ولذا السبب فقد استغل حزب السادات أكثريته ف الجلس وأقدم على إسقاط عضوية الشيخ عاشور ،2نسأل
ال أن يرزقه الجر والثواب على إنكاره لذا النكر.
و من الؤ سف حقا أن الش يخ الشعراوي قد ا ستمر على إ صدار م ثل هذه الت صريات ر غم خرو جه من
الوزارة ،وتقدمه ف السن ،وشدة وطأة المراض عليه ،ومن المثلة على ذلك قوله ماطبا الماعات والدعاة ف
ذ ملة الجتمع ،العدد 476 :تاريخ9/5/1400 :هـ عن الصحف الصرية الصادرة ف هذا التاريخ. 1
-أقوال متول شعراوي ورد عاشور عليه أسفرت عن معركة إعلمية ف الصحف الصرية ،فكان من الصحفيي من ينتصر 2
للول ،وهؤلء يركهم النظام ف الصحف الكثية التابعة له ،ومنهم-وهم قلة -من ينتصر للشيخ عاشور ،ولينظر من شاء ما
كتب ف الصحف الصرية ف شهر جادى الول من عام 1398هـ ،وما صدر من مؤلفات تضمن بعضها مضر هذه اللسة.
52
صحن الزهر":إن من يثي هذا الضجيج هم دخلء على السلم ،ومدسوسون بي الشباب حت يفسدوا عليهم
مالسهم ولقاءهم بالعلماء".1
تأمـل-أخـي القارئ -قوله "دخلء على السـلم ومدسـوسون بيـ الشباب "..وهؤلء مـن صـفوة الدعاة
اليين من أبناء مصر فكيف يتجن عليهم انتصارا للسلطان وحزبه؟!.
– 3أما الدكتور عبد العزيز كامل فقد كان أحد السابقي الولي ف جاعة الخوان السلمي ،وتول فيها
مسؤوليات مهمة نـهض بـها بدارة ،وكان من خلل مسؤوليته عن قسم السر ف الخوان يندد بالسطحية
وثقافة الحاضرات والندوات العامة ،ويدعو إل الدراسة والبحث والتعمق ف فهم المور ،كما كان بعيدا عن
اللفات وسياسة الحاور.
وعند ما وق عت الح نة عام 1954م وأد خل الخوان إل ال سجون ،وكان ع بد العز يز كا مل من بين هم ل
يستطع الصب على حياة السجون وما فيها من تعذيب واضطهاد وتنكيل ،لذا فقد استجاب لكل ما يطلبه نظام
عبد الناصر منه ،ومقابل هذه الستجابة فقد أفرج عنه ،وأسندت إليه حقيبة وزارة الوقاف ،وانتقل من النقيض
إل ضده ،ول ف خلقه شؤون.
وعندما ابتل يَ السلم والسلمون ف مصر عام 1965م ساهم عبد العزيز كامل ووزارته ف إحدى جرائم
العصر الهمة ،وكان بعض شيوخ هذه الوزارة يعملون داخل السجون جنبا إل جنب مع رجال المن ،أما عبد
العزيز كامل فقد كان يكتب القالت الت يدافع فيها عن عبد الناصر ويشبه نظامه بدولة رسول ال صلى ال
عليه وسلم ف الدينة ،كما يشبه الخوان السلمي وسيد قطب بالنافقي واليهود ف الدينة ،وهؤلء النافقون
واليهود كانوا على اتصال دائم بالشركي خارج الدينة .2
واستمر عبد العزيز كامل ف الشاركة بالرية طوال عهد عبد الناصر ،وف مرحلة من عهد خليفته ذأنور
ال سادات -ح يث اض طر إل ترك الوزارة أمام ض غط نائب رئ يس الوزراء وز ير الارج ية عل يه الذي كان يكره
كل من له خلفية إسلمية.3
-كان ذلك ف أول يناير سنة 1989م ومن العلماء الذين شاركوا شعراوي ف التوقيع على هذا البيان :الشيخ ممد الغزال، 1
والشيخ ممد الطيب النجار ،والشيخ عبد ال الشد ،والشيخ عطية صقر ،والشيخ عبد النعم النمر ،والشيخ يوسف القرضاوي.
-كان ينشر مقالته ف ملة الشتراكي ،العداد 18،90،29 :عام 1965م ،ومن العناوين الت كان يتارها " عندما تتفي 2
أو ف الكم.
53
وانتقل عبد العزيز كامل بعد تركه الوزارة إل العمل مستشارا لرئيس دولة عربية خارج مصر!! ،وبقي ف
هذا النصب إل أن توفاه ال ،نسأل ال السلمة من مضلت الفت.
إن هؤلء وغي هم كث ي عند ما انزلقوا ف هذا الطر يق الو حش ،وألفوا هذه الياة ،أدركوا ر غم كل ما
قدموه لل سلطان أن ـهم لن ي ستطيعوا إرضاءه ،وأن ـهم لن يبلغوا ما بل غه زملؤ هم العلمانيون ،و ما ذلك إل
لبقايا من د ين ف قلوبـهم ،ور غم ذلك فقد أصروا على ال ضي ف هذا الطريق و عز عليهم التو بة ال صادقة،
وهذه عاقبة من طلب رضى الناس بسخط ال.
نصيحة:إن هذه الياة الدنيا ل تساوي عند ال سبحانه وتعال جناح بعوضة ،لنـها متاع زائل ل مالة
مه ما طال أ جل الرء ،وعل شأ نه ،وك ثر ماله ،وعند ما تبلغ الروح اللقوم تتراءى العمال أمام ناظري التو ف
فيتم ن أن يرج من هذه الدن يا ل له ول عل يه .قال ال جلّ وعل على لسان مؤمن آل فرعون الذي كان يعظ
قومه ويذرهم من سوء العاقبة:
يا قوم إن ا هذه الياة الدن يا متاع ،وإن الخرة هي دار القرار ،من عمل سيئة فل يزى إل مثل ها ،ومن
ع مل صالا من ذ كر أو أن ثى و هو مؤ من فأولئك يدخلون ال نة يرزقون في ها بغ ي ح ساب [غا فر- 39 :
.]40
إن هؤلء العلماء التأخر ين الذ ين نعني هم ف هذا الب حث :يشرحون هذه ال ية ومثيلت ـها ف درو سهم
ومواعظهـم وخطبهـم شرحا وافيا ،ويسـتخرجون منهـا العـب والعظات ،ويسـتدلون بأمثلة مـن أحوال المـم
الغابرة ،فكيف بال ل يتعظون با يقولون:
يا أيها الذين آمنوا ل تقولون ما ل تفعلون ،كب مقتا عند ال أن تقولوا مال تفعلون .
إن ال صغي في هم قد أ صبح على مشارف ال ستي ،و من بلغ هذا ال سن ف قد صار م ثل الزرع ف أوان
حصاده ،قال ابن البارك:
وهاجــر النوم واهجــر الشبعــا يــا طــــالب العلم بادر الورعــا
ــا
ــا طلعـ
ـــده الوت كلمـ
يصـ يـا أيهــا النــاس أنتـم عشــب
1
إل الذي ف حياته زرعــا ل يصـد الــرء عند فاقته
ومن ل يتعظ وهو ف الستي أو السبعي من عمره ل تنفعه الواعظ ...فهل سألوا أنفسهم ماذا تنفعهم
هذه الناصب الرفيعة واللقاب الفضفاضة يوم الشر والندامة؟!.
54
وهل فكروا بأ مر هذه الليي الت جعوها ...هل جاءت عن طريق مشروع؟! ،وهل سينفقها ورثتهم
من بعدهم بطرق مشروعة ل سيما وأن ال سبحانه وتعال قد ابتلى كثيا من العلماء بأبنائهم؟!.
وهل حاسبوا أنفسهم قبل أن ياسبوا على فتاويهم الت أفتوا بـها ،والت كانت تتعارض مع أقوال لم
قد سبقتها ...وهل تتحمل أعناقهم إث اللئق الت قد ضلت بسبب اقتدائها بـهم وتقليدها لم؟!.
قال أحد الصالي:
"وإنك لو رأيت اليت بعد ثلثة ف قبه لستوحشت من قربه بعد طول النس منك به! ولرأيت بيتا
تول فيه الوام ،ويري فيه الصديد ،وتترقه الديدان مع تغي الريح وبلى الكفان".
تدث ابن كثي رح ه ال عن علماء عصره حديث العال الربا ن العارف ،فقال عن أهل الصلح والورع
والتقوى منهم:
-أحداثُسنةِ ثان عشرة وسبعمائة :ومن توف فيها من العيان بقية السلف وقدوة اللف أبو عبد ال ممد
بن ع مر البال سي ...ول يكن للش يخ ممد مر تب على الدولة ول غي هم ،ول لزاوي ته مر تب ول و قف ،و قد
عرض عليه ذلك غي مرة فلم يقبل.
-أحداث سنة ت سع عشرة و سبعمائة :وم ن تو ف في ها من العيان الش يخ المام تاج الد ين ع بد الرح ن
التبيزي الشافعي العروف بالفضلي ،وكان ينكر على رشيد الدولة ويط عليه ،...وكان رشيد الدولة يريد أن
يترضاه ،فلم يقبل ،وكان ل يقبل من أحد شيئا.
بل كان ابن كثي يعتب قبول الوليات ف أنظمة ظالة من الدنس الذي ينبغي أن يذره العلماء الصالون
منه وينأو بأنفسهم وأموالم عنه ،قال رحه ال:
-أحداث سنة ثلث وعشر ين و سبعمائة :وم ن تو ف في ها من العيان ش س الد ين أ بو ن صر الشيازي،
وكان شيخا حسـنا خيا مباركا متواضعا ،ول يتدنـس بشيـء مـن الوليات ،ول تدنـس بشيـء مـن وظائف
الدارس ول الشهادات ،إل أن توف ف يوم عرفة ببستانه من الزة ،وصلي عليه بامعها ودفن بتربتها رحه ال.
-أحداث سنة ثلث وعشرين وسبعمائة :ومن توف فيها من العيان قاضي القضاة نم الدين بن صصرى،
ومع القضاء أضيفت إليه مشيخة الشيوخ مع تدريس العادلية والغزالية والتابكية ،وكلها مناصب دنيوية انسلخ
منها وانسلخت منه ،ومضى عنها وتركها لغيه ،وأكب أمنيته بعد وفاته أنه ل يكن تولها ،وهي متاع قليل من
حبيب مفارق ،وقد كان رئيسا متشما وقورا كريا جيل الخلق.1
-فلياجع من شاء البداية والنهاية ،الزء الرابع عشر ،وما يقتضي التنبيه ف هذا القام أن عصر ابن كثي غي عصرنا ،ول يستوي 1
ف التشبيه سلطان ظال ولكنه يكم شرع ال ،وآخر اتذ من نفسه ندا ل.
55
ومن عدل وإنصاف ابن كثي أنه ذكر الصفات السنة الت كان يتاز قاضي القضاة نم الدين بن صصرى
مع الشارة إل الوظائف الرفيعة الت انسلخ منها وانسلخت منه .ومع أنه كان ينقد الذين تولوا هذه الوظائف
بشكل عام فقد كان يتجنب التصريح ويكتفي بالتلميح ،اللهم إل إذا كان التوف الذي يؤرخ له مبتدعا نشيطا
ف الدعوة لبدعته ،مؤمنا بوجوب نشرها والذود عنها ،أو منافقا زنديقا.
إن هذا الذي قاله ابن كثي ومن سبقه أو تله من علماء السلف مؤيد بقوله تعالت أساؤه وصفاته :تلك
الدار الخرة نعلها للذين ل يريدون علوا ف الرض ول فسادا والعاقبة للمتقي .
ومؤيد بقوله صلى ال عليه وسلم " :ما ذئبان جائعان أرسل ف غنم بأفسد لا من حرص الرء على الال
والشرف لدينه" .1
ويقول وهب بن منبه ف شرح هذا الديث" :إن جع الال وغشيان السلطان ل يبقيان من حسنات الرء إل
2
كما يبقي ذئبان جائعان ضاريان سقطا ف حظار فيه غنم فباتا يوسان حت أصبحا"
56
57
سؤال وجوابه
58
وإن القـ الذي أديـن ال بـه أن انراف كثيـ مـن أدعياء العلم وتقديهـم الفتاوى الباطلة للظاليـ مقابـل
ح صولم على عرض من أعراض الدن يا الفان ية هو سبب من أ سباب انراف دعاة الغلو ،وعند ما ي د هؤلء
الرجع ية ال صادقة ال ستقلة من العلماء المر ين بالعروف والناه ي عن الن كر فل سوف يتراجعون [أو يترا جع
معظمهم] عن تنطعهم وغلوهم ،وهذا ما نرجوه ونأمله ونعمل من أجله.
أعود بعد ذلك إل الفقرة الت سبقت هذا الستطراد فأقول:
"إن رايات الكفر البواح ف عالنا السلمي الكبي ترفرف خفاقة عالية فوق مبان البنوك الربوية الت يكاد ل
يلو منها حي أو قرية ،وفوق مبان الؤسسات التشريعية والقضائية الت ل يسمح فيها لن يشاء من القضاة أن
ل عن تفضيله لشريعة ال ،وترفرف رايات الكفر
يساوي بي شريعة ال والشريعة الت سنّها زعيم الدولة فض ً
البواح أيضا فوق مبانـ التلفاز ودور السـينما وأوكار الرذيلة ،وفوق مصـانع وملت بيـع المور ،وليسـت
الشكلة هنا فيمن يشرب المر أو يرتاد دور السينما ويشاهد مناظر العرايا من النساء والرجال ،ولكن الشكلة
في من سنّ القوان ي ال ت تب يح هذه النكرات ،وأع يد للذهان قول رش يد ر ضا الذي ا ستشهدت به ق بل قل يل
وخلصته:
من ال سائل الجمع علي ها قولً واعتقادا :إن إبا حة الج مع على تري ه :كالز نا وال سكر ،وا ستباحة إبطال
الدود وشرع ما ل يأذن به ال كفر وردة". 1
ل ن ستطيع أن ن قف صما بكما أمام هذه ال سألة الطية لن ال سبحانه وتعال قد أو جب علي نا إيضاح
الحكام عنـد الاجـة إليهـا ،وحرّم علينـا السـكوت ،فقال جـل مـن قائل :وإذا أخـذ ال ميثاق الذيـن أوتوا
الكتاب لتبيننه للناس ول تكتمونه .
والاجة هنا ملحة لبيان مت تب طاعة الاكم ومناصرته ،ومت يب خلعه والروج عليه؟! وليس المر
متروكا لنا لنجتهد فنصيب أو نطئ فيه لنه ل اجتهاد ف موضع النص ،فعندما تدث علماؤنا عن المام ف
كتب السياسات الشرعية وغيها اشترطوا أن تتوفر فيه الصفات التالية:
- 1أن يكون ذكرا ،وأجعوا على أن الرأة ل يوز أن تكون إماما.
- 2أن يكون بالغا عاقلً ،ول خلف ف ذلك ،ول تنعقد إمامة ذاهب العقل بنون أو غيه ،كما أنه ل تنعقد
إمامة الصب.
- 3الرية :فل إمامة لرقيق لن أموره تصدر عن رأي غيه.
-سبق ل تقرير هذه الفقرة فيما سبق من هذا البحث ،وجدير بالذكر أن كثيا من العلماء قالوا بثل ما قاله رشيد رضا. 1
59
- 4أن يكون منـ يصـلح أن يكون قاضيا مـن قضاة السـلمي متهدا ل يتاج إل غيه فـ السـتفتاء فـ
الوادث؛ وهذا متفق عليه.
- 5السلم :فل تنعقد إمامة الكافر على أي أنواع الكفر أصليا كان أو مرتدا ،لن القصود من المام مراعاة
أمور السلمي والقيام بنصرة الدين ،ومن ل يكون مسلما ل يراعي مصلحة السلم والسلمي.1
وإذا توفرت هذه الشروط النفة الذكر ف ا لاكم ،أصبح ملزما با يلي:
- 1حفظ الدين على أصوله الستقرة وما أجع عليه سلف المة.
- 2حاية بيضة السلم والذب عن الوزة ليتصرف الناس ف العاش وينتشروا ف السفار آمني.
- 3إقامة الدود لتصان مارم ال تعال عن النتهاك.
- 4تنفيذ الحكام بي التشاجرين ،حت تظهر النصفة ،فل يتعدى ظال ول يضعف مظلوم.
- 5تصي الثغور بالعدة الانعة والقوة الدافعة.
- 6جهاد من عاند السلم بعد الدعوة حت يسلم أو يدخل ف الذمة.
- 7جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصا واجتهادا من غي عسف.
- 8تقدير العطاء وما يستحق ف بيت الال من غي سرف ول تقصي فيه.
- 9اختيار المناء والكفاء وتقليد الوليات للثقات النصحاء لتنضبط العمال وتفظ الموال.
- 10مشارفة المور العامة بنفسه ،غي معتمد على ولته وعماله.
إن صلحية الاكم للمن صب الذي أ سند إل يه مرتب طة بتنفيذه للشروط واللتزامات ال ت تضمن ها ع قد
البيعة ،ونصه كما يلي:
"بايعناك على بيعة رضى ،على إقامة العدل والنصاف ،والقيام بفروض المامة".
فإذا أخلّ بفروض المامة عن عمد وإصرار منه أو أصبح غي قادر وجب على السلمي خلعه ،واللع
أنواع نذكر منها ما يلي:
- 1أن يلع المام نفسه من اللفة لعجز من القيام بأمور الناس ،من هرم أو مرض ونوها.
- 2زوال العقل ،فينعزل بالنون الطبق ،وهو الدائم الذي ل ينفك.
- 3ذهاب الواس الؤثرة ف الرأي أو العمل ،كالعمى ،والرس ،والصمم.
- 4بطلن تصرف المام للستيلء عليه وحجره ،ويدخل تت ذلك صور:
60
منها أن يأسر الكفار المام ويقع اليأس بذلك من خلصه من أيديهم.
ومن ها أن يأ سره أ هل الب غي ،أو تكون الما مة قد ثب تت له بالق هر وال ستيلء فيج يء آ خر ويقهره
ويستول على المر ،فينعزل الول ويصي المام هو الثان.
- 5ل يوز عقـد الوليـة لفاسـق ابتداء ،فإن أحدث جورا بعـد أن كان عدلً اختلف علماؤنـا فـ مسـالة ا
لروج عليه.
" - 6انع قد إجاع ال مة على أ نه ل ت صح ول ية الكا فر على ال سلمي ،وإذا طرأ عل يه ك فر أو تغي ي للشرع
سقطت وليته ،ووجب على السلمي القيام عليه وخلعه".1
إنن أعلم أنن عندما نقلت من كتب التراث هذه الفقرات عن فرائض المامة وغيها ل أقدم لطلب
العلم جديدا ،ولكن ن أردت تذكي هم جيعا بأن الذ ين يطرحون هذه ال سألة الطية للب حث لي سوا هواة
سياسة ،ول يتطلعون من وراء ذلك إل أطماع وم صال دنيو ية كما يقول عن هم خ صومهم ،وإن ا يتعبدون
ربـهم ف أمر دين قبل أن يكون دنيويا ،وكل شرط أو فرض من فروض المامة عليه أدلة من كتاب ال
جل وعل ،ومن سنة رسوله صلى ال عليه وسلم ،ث من أقوال أئمة السلم ،بل ومن إجاعهم ف كثي من
ذلك.
وكثيا ما نسمع أن أول النهي والسلطان يكرهون طرح هذه الوضوعات على بساط البحث والدراسة،
وقد تاوزوا التلويح بالتهديد إل التصريح به ،وقام شيوخهم بالدور الطلوب منهم جنبا إل جنب مع رجال
المن ف تشويه سعة الدعاة الذين يالفون هذه التعليمات وتـهيئة الجواء العلمية الناسبة لقبول الناس مبدأ
فرض العقوبة الزاجرة عليهم كالسجن وغيه.
إننا ل نهل ظلم الطغاة وجبوتـهم وتعسفهم ،ورغم ذلك فإننا نقول لم :مهما فعلتم بنا فلن نسمح لكم
أن تددوا ل نا ك يف نع بد ال وحده لشر يك له ،و ما هو ال سموح ف ذلك والمنوع؟! ،فك ما أن نا نتع بد ال
تعالت أساؤه وصفاته بالصلة والصيام والزكاة والج ،فإننا نتعبده بالمر بالعروف والنهي عن النكر ،والهاد
ف سبيل ال ،والع مل من أ جل أن يكون الد ين كله ل .و من هذا النطلق جاء طرح نا لفرائض الما مة ،ليعلم
ل عن الطريقة الشرعية ،فليس هناك شيء اسه
السلمون جيعا أن طريقة اختيار الكام اليوم تتلف جلة وتفصي ً
-مآ ثر النا فة ف معال الل فة ،للقلقشندي ،والحكام ال سلطانية للماوردي ،والحكام ال سلطانية ل ب يعلى م مد بن ال سي 1
الفراء ،والقرطب ف تفسيه لقوله تعال :إن جاعلك ف الرض خليفة ....
61
أهل الل والعقد ،وبالتال ليس هناك أية حاجة لبحث الشروط الت يب أن تتوفر ف أهل الل والعقد ،وليس
هناك شيء أيضا اسه البيعة.
أما الا كم فل يلزمه أحد بفظ الد ين ،وحاية بيضة السلم ،وإقامة الدود ،وتنف يذ الحكام ،وتصي
الثغور ،وجهاد من عاند السلم ،وجباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع ،أجل ل يلزمه أحد بذلك
ول بغيه ،ول يلزم نفسه ،والسألة كلها غي مطروحة وغي قابلة للبحث.
و ف غياب أ هل ال ل والع قد ،ومشاركت هم الفعالة ف شؤون ال كم ،و ف اختيار الا كم وخل عه إذا أخلّ
بفروض الما مة ،يبز ا ستبداد الا كم وبط شه وطغيا نه ،وي صبح الد يث عن خل عه لنف سه نوعا من افتراض
الستحيل.
ولنفترض أ نه أ صيب بالنون الط بق ،ف من يقن عه بذلك؟ ،إن مع ظم الجانيـ يرمون الناس جيعا ب ـهذا
الرض ف حي يعتقدون بأنـهم أسوياء أصحاء ،والاشية سوف تزعم أن عبقرية الزعيم تفتقت عن إشراقات
جديدة ل يستطع الشعب استيعابـها من فرط جهله وغبائه وتلفه ،بل ومن الؤسف أن النون قد أصبح عند
بعضهم وكأنه لزم من لوازم الكم.
أ ما إذا أ صبح الا كم غ ي قادر على القيام بأعباء ال كم ب سبب مرض مز من أو غيه ،فتراه يكلف ب عض
أقربائه -أو أعوانـه مـن غيـ أقربائه ،-ويعبـث هؤلء بشؤون الكـم كمـا يشاءون ،ثـ تصـدر جيـع هذه
الجراءات باسم الزعيم الذي ل حول له ول قوة ،ومثله بي أيديهم كسجي مرفه ،ومن وسائل الترفيه -عفوا
التضليل -عرض صورته عن بعد وهو يرأس اجتماعا من الجتماعات الرسية العهودة حت يعلم الناس أنه ل
يزال حيا يرزق.
إن الطريقة الوحيدة لعزل الاكم اليوم هي "النقلب" سواء قام به اليش أو بعض أفراد السرة الاكمة
كإخوان الزعيم أو أبنائه ،وف الالي لبد أن يتزعم النقلب ناس من بطانة الاكم الذين كانوا قبل قيامهم
ب ـهذه الر كة مو ضع ثق ته وأمناء سره ،وجد ير بالذ كر أن هذه النقلبات أ صبحت نادرة ف العقود القليلة
الاضية بسبب زيادة أنشطة أجهزة الخابرات ،وأخذ الناس بالشك وغي ذلك من أسباب ل أحسبها خافية على
الذين يرصدون هذه الظاهرة.
خلصة القول :إن النظمة العاصرة ف ديار السلمي علمانية ف دساتيها وقوانينها ومراسيمها الدارية
و سائر شؤون ال كم في ها ،و سدنتها ل ينكرون ذلك ف ت صرياتـهم ومواقف هم ال ت ل تنق طع :كقول م :ل
سياسة ف الدين ول دين ف السياسة ،ومنعهم منح ترخيص للحزاب على أساس دين وغي ذلك.
62
فإذا قيل :هذه الساجد الزدحة بالصلي تشهد على بطلن قولكم.
قلنا :بل قولكم هذا فيه جهل عظيم لن العلمانية تعن أن ل دين ف السياسة ول سياسة ف الدين ،والشطر
الثان من هذه القولة يعن أنه ل يق لهل السياسة أن يتدخلوا بشؤون الؤسسات الدينية ،وللقائمي على هذه
الؤسسات حق اختيار الطباء والوعاظ فيها ،ووضع البامج التعليمية ،وإنشاء دور جديدة للعبادة عند الاجة
إليها ،وجع التبعات ،ورعاية الوقاف الت تقق لذه الؤسسات كل تقدم وازدهار.
لو التزم الكام ف بلد نا بالنظام العلما ن التزاما صحيحا ل سلمت ل نا أوقاف نا ال ت ت عد مفخرة من مفا خر
تارينـا السـلمي ...ومـن ريـع هذه الوقاف كانـت :تبنـ البيوت للفقراء الذيـن ل يدون مـا يشترون أو
يستأجرون بيتا ،وتفر البار ،وتبن الدارس والستشفيات والكتبات ،وتنسخ الكتب ،وغي ذلك من العمال
اليية الت يستفيد الناس منها.
هذه الوقاف الت ل تكاد تلو منها مدينة ول حي أو قرية ،اغتصبها -ظلما وعدوانا -الكام العلمانيون
ف بلد نا خلل العقود الم سة الاض ية ،وحرموا ال ستفيدين من ها ،ث زعموا أن ـهم فعلوا هذا وغيه إن صافا
للفقراء والحتاج ي ،ول أدري ك يف ين صفون هذا الفق ي و هم الذ ين ينعون ع نه الطعام الذي كان يقدم له،
والأوى الذي كان يأوي إليه ،والدرسة الت كان يتعلم فيها؟!.
ولو التزم الكام ف بلدنا بالنظام العلمان التزاما صحيحا لكنا أحرارا ف مساجدنا ندعو فيها إل ال على
ب صية ،ول ن سمح لظال جا هل أن يفرض علي نا برا مج ما أنزل ال ب ـها من سلطان ،وخطباء ل يتقنون إل
فنون النفاق والداهنة والتجسس.
لكن الكام ف بلدنا طبقوا العلمانية تطبيقا مشوها ومالفا لا هو عليه الال ف الدول الوربية وبشكل
خاص ف الش طر الثان من القولة النفة الذ كر" :ل سياسة ف الد ين" فأدخلوا سياستهم البي ثة إل م ساجدنا
ومعاهدنا الشرعية ،واستأثروا بكل شيء ،ومنعونا من مارسة أبسط القوق الت يتمتع بـها الواطن ف الدول
اللتزمة بالنظام العلمان.
وإذا قيل :أنتم تبدأون بثل هذه القدمات لتنتهوا إل القول بتكفي الكام.
قلنا :ال سألة ذات شقي :الشق الول :ما هو الوقف من هذه النظمة :كدساتي ،وقوان ي ،وأحكام،
هل هي إ سلمية أو علمان ية؟! .وال شق الثا ن :ما هو الو قف من الكام الذ ين يضعون هذه الد ساتي
والقواني؟!.
63
والق فز على ال شق الول من هذه ال سألة ظلم وهروب من أ صل الن ـزاع ،ك ما أن الذ ين يت سرعون
ويدخلون ف نقاش حول إسقاط حكم الردة على الكام ل ينتبهون إل الستدراج الذي أوقعهم الخالفون
فيه!!.
ليس للدعاة الذين يطرحون هذه السألة موقف شخصي من الكام ،وليست السألة صراعا سياسيا حول
كرسي الكم والستئثار به كما يصورها أصحاب الهواء ،أو كما يدعيه الكام وأجهزة إعلمهم وأمنهم.
وإذا أراد الخالفون امتحان الدعاة فليطلبوا من سادتـهم الكام التو بة إل ال ،والعودة بالناس إل تك يم
شري عة ال الوا حد القهار ،ون بذ الشرائع الاهل ية ال ت ابتدعو ها ،ولو ا ستجاب الكام إل هذا الطلب لوجدوا
الدعاة إل ال خي بطانة لم ،وأشجع من يدافع عنهم ويفديهم بأرواحهم.
إذن ال سألة ال ت ي ب أن يدور حول ا النقاش :ما هو الو قف من هذه النظ مة :كد ساتي ،وقوان ي،
وأحكام ،هل هي إسلمية أو علمانية؟!.
وليأذن لنا الخالفون ف طرح السئلة التالية عليهم:
فل وربك ل يؤمنون حت يكموك فيما شجر بينهم ث ل يدوا ف أنفسهم -يقول الق جل وعل:
حرجا ما قضيت ويسلموا تسليما ،فهل يُحكّ ُم شرع ال بيننا ف ماكمنا وسائر أمور حياتنا؟!.
ويقول صلى ال عليه وسلم" :اسعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام
فيكم كتاب ال" ،فهل أقام الكام -اليوم -فينا كتاب ال؟!.
-أمرنا صلى ال عليه وسلم [كما جاء ف حديث عبادة بن الصامت] 1أن ل ننازع المر أهله إل أن
نرى كفرا بواحا .أولسنا نرى اليوم كفرا بواحا عندنا من ال فيه برهان؟!.
رغم وضوح هذه السئلة سوف ند بعض الخالفي يراوغون ،ويفرون من الجابة عليها ذات اليمي
وذات الشمال ،ويتمسكون بأقوال أوهى من بيت العنكبوت؛ كقولم :كيف تكفرون من يقول ل إله إل
ال ...وكيف تعمدون إل تـهييج الناس ضد ولة المر ،وتعيدون سية الوارج وصنيعهم؟!.
وهؤلء ل ينب غي إضا عة الوقت ف مناقشت هم لن ـهم ل يريدون اتاذ موقف يغ ضب سادتـهم ،ويفوّت
عليهم بعض الصال الت يلهثون وراءها.
أما البعض الخر فلسوف يوافقوننا على كثي ما نقوله إذا كان يتعلق بالشق الول من السؤال ،وسيلمس
كل من يتحدث إليهم ف هذه السألة حسن إصغائهم وصدق لجتهم ..وهؤلء هم الذين يدي معهم الوار،
ولبد أن نلخص إطار الوار با يلي:
-سبق تريج وشرح حديث عبادة بن الصامت والديث الذي قبله. 1
64
إن الفر قة عذاب واللف شر ل ي ستفيد م نه إل عدو نا الذي ا ستباح بيضت نا ،وعطّل ح كم ال تعال
فينا ،وجعلنا شيعا وأحزابا ،ولذا فهو يعمل دائما على إذكاء نار البغضاء والشحناء بيننا ...فقولوا لنا بال
عليكم كيف نوحد صفنا ،ونتخذ مواقف جادة من قضية تُع ّد من أهم قضايا عصرنا الت تس عقيدة المة
وكيانـها… قولوا لنا كيف نتجنب الغلو والتنطع ف مواقفنا كما نتجنب اليوعة والتسيب وأرباع اللول
بل وأقل من ذلك ،كيف يسكت بعضنا عمن بدّل شريعة ال ووال أعداءه ،ويريشون سهام غضبهم إل
الذين ينكرون هذا النكر ويعملون طاقتهم على تغييه؟!.
أل يس من الوا جب علي نا التعاون في ما بين نا من أ جل و ضع حد لذه الفو ضى العار مة ال ت اجتاحت نا
وجعلتنا أضحوكة بي المم؟!
65
66
كلمة حق
رأيت أن أختم هذا الكتاب بقال كان قد كتبه الشيخ ممود عبد الوهاب فايد رحه ال ،وذلك للسباب
التالية:
الول :كاتب القال مدرس بكلية الدعوة وأصول الدين ،وعضو لنة السنة بجمع البحوث ،والوكيل العام
للجمعية الشرعية.
فهو أولً عال من كبار علماء الزهر وهو ثانيا أحد أهم السؤولي عن جعية حائزة على ترخيص من قبل
ج يع الكومات ال صرية :ملك ية كا نت أم جهور ية ،وهذا يع ن أن ـها لي ست [-المع ية الشرع ية ]-مته مة
بالرهاب وغيه من الصفات الظالة الت اعتاد الرجفون على إلصاقهابالماعات واليئات السلمية.
الثان :يتحدث الشيخ ف هذا القال عن قضايا ومشكلت الناس جيعا ف مصر ،وياطب زملءه العلماء
مذكرا إياهم بوجوب إنكار النكرات الكثية والتنوعة ،وطالبا منهم التعاون على ذلك كما كان يفعل شيوخ
الزهر من قبل.
غي أن علقته الوثيقة بشيخ الزهر ومموعة العلماء الخاطبي بـهذا القال ومبته العميقة لم ل تنعه من
نقدهم وبيان ما وقعوا فيه من تقصي وتساهل على حساب المانة الشرعية الت أنيطت بـهم .وقصارى القول
فإن للمقال صلة قوية بوضوع هذا الكتاب ،وليس لكاتبه مشكلة مع النظام.
الثالث :الشيـخ ممود عبـد الوهاب فايـد مـن العلماء الذيـن ل يسـكتون عـن إنكار النكـر مهمـا غلت
التضحيات ،وفـ جيـع العهود السـابقة أمثلة على ذلك ،ومـن شاء الطلع على هذه الواقـف فلياجـع كتابـه
"صيحة الق" ،ولذا فقد تعرض رحه ال للسجن ،والنقل لماكن نائية ،فما زاده ذلك إل ثباتا وإصرارا على
الق -نقول ذلك ول نزكي على ال أحد ..-هذا وقد حرصت على نشر مقاله 1الذي يصف من خلله داء
المة ،ودور العلماء ف وصف الدواء الشاف دون التعليق عليه ،وعدم التعليق ل يعن موافقت له ف كل ما ورد
ف القال ،فجزاه ال عن السلم والسلمي كل خي ،ونسأل ال له الرحة والجر والثواب.
-حذفت منه أخبار الصحف الت استدل بـها ،واكتفيت بالشارة إل موضوعها. 1
67
كلمة من القلب أرجو أن يفسح العلماء لها صدورهم
"المـن هـو النعمـة الكـبى… فـ ظله يعيـش الناس فـ سـلم ،وييون فـ هناءة وسـعادة ،وعليـه تقوم
مصالهم ،وتقضي حوائجهم ،ول يقبل الخلل به إل من ساء خلقه ،وفسدت فطرته ،وليس لديه وازع من
دين أو ضمي ،وهو مسؤولية الشعب والكومة… ومن اللزم أن يتعاونا معا ف تقيق المن والستقرار وعلى
جيع أجهزة الدولة أن تمي الرواح والمتلكات ،وتتجنب كل ما يثي النفوس ويقلق الواطر.
والعج يب أن ب عض ال صحف تن شر أخبارا كاذ بة مثية ،وي سارع ب عض أ هل العلم والد ين إل ت صديقها
والتعليق عليها دون تثبت… مع أن ال سبحانه وتعال يقول ف كتابه :يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق
بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمي .
ويترتب على ذلك تأجج نار الفتنة ،وضعف مراكز أهل العلم الذين يرجى على أيديهم الي ،فل يبقى لم
قبول لدى الناس… خصوصا الذين اتـهموا منهم بغي حق!!.
فـ جريدة أخبار السـبت 14جادى الول 1409هــ 24 ،ديسـمب ،1988ص 5 ، 4مقال مثيـ
بعنوان( :الأساة والضحايا)( ،التطرف الدين يرتدي جلبابا أبيض ويمل سكينا وكرباجا)( ،التطرفون أقاموا
لانا للتفتيش ،ومنعوا الواطني من دخول الساجد ،وصنعوا الفرقعات لضرب رجال الشرطة!!).
والقال كله يتعلق بالماعات ال سلمية ف ع ي ش س ،وم سجد آدم… وق بل أن يتث بت ش يخ الز هر من
هذه الوقائع بادر بإدانة هذه الماعات بأسلوب شديد اللهجة ،ونشر بيانه يوم الثني 16جادى الول26 ،
ديسمب ،واستنكر كثي من الكتاب الحرار موقف المام الكب ،ونفت الماعات السلمية ما نسب إليها من
تـهم ،وأجرت جريدة الشعب تقيقا أثبت براءتـها ،وقد نشرته ف صفحة 3يوم 24جادى الول سنة
1409هـ 3 ،يناير سنة ،1989وكذلك صنعت جريدة الوفد.
وكان الطلوب إطفاء نار الفتنة… لكنها ازدادت توقدا وسعيا ،وأصبحت الدولة ف حاجة إل عون من
جديد… فاتهت إل نبة من العلماء الجلء ،ومنحتهم كل المكانيات اللزمة ليصدروا بيانا آخر ،وصدر
بيان مصحوب بزفة إعلمية ل يسبق لا مثيل اشتركت فيها الصحافة والذاعة السموعة والذاعة الرئية (الراديو
والتلفزيون) واشترك ف إعداد هذا البيان الش يخ ممود متول الشعراوي ،و الش يخ ممد الغزال ،والش يخ ممد
الطيـب النجار ،والش يخ ع بد ال الشـد ،والش يخ عط ية صقر ،والشيـخ ع بد النعـم الن مر ،والشيـخ يوسـف
القرضاوي ،وتله ف صحن الزهر بي آلف الستمعي الشيخ الشعراوي يوم الحد أول يناير سنة 1989م
68
قالت جريدة المهورية يوم الثني 2يناير ف الصفحة الثانية" :وقد حدث صخب وضجيج ف السجد استمر
قرابـة السـاعة… وقام الشيـخ الغزال خطيبا فـ الناس ثلث مرات يزجرهـم ،ويذكرهـم بآداب السـلم فـ
الستماع والد يث حت سكن الضور ،وبدأ ف إلقاء كلم ته … ود عا هذا الوقف فضيلة الش يخ الشعراوي
إل أن يوجه كلمة للناس قبل البيان قال فيها" :إن من يثي هذا الضجيج هم دخلء على السلم ،ومدسوسون
بي الشباب حت يفسدوا عليهم مالسهم ولقاءهم بالعلماء" ،ونلحظ أن الشيخ ف انفعاله أخرجهم من السلم
وهو ما يعيبه على الشباب ف بيانه… لقد صدر بيانان :بيان من المام الكب ،وبيان من العلماء الجلء…
وبين وبي إمامنا الكب وإخوان العلماء صلت وثيقة ،ومبة عميقة تعلن آمل ف أن يفسحوا صدورهم لذا
التعليق:
إن هدفنا جيعا هو إطفاء الفتنة ،وتـهدئة الواطر ،وإعادة الصفاء واللفة والثقة بي الشباب والكومة،
والعلج ف ال ستمساك بالشرع ،والتحا كم إل يه… و قد نبه نا ال تعال لذا و هو أ صدق القائل ي فقال:
فليحذر الذين يالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [سورة النور ،الية.]63 :
إن لوء الكومة إل الزهر وعلمائه أعاد إل الذاكرة مواقف قدية كان الزهر فيها قاعدة للنطلق ضد
الف سدين والظال ي ،و ضد اللحد ين والارق ي ،و ضد الو نة وال ستعمرين… وكان علماء الز هر هم القادة
الذ ين ير جى على يد هم اللص… كانوا سفراء ب ي الش عب والكو مة ،ول م الكل مة الفا صلة ،والو ساطة
القبولة… ول ننسى موقف "الشيخ أحد الدردير" رحه ال تعال حي لأ الهال إليه شاكي ما ح ّل بـهم
من جور… فانت فض الش يخ لل مر ،وتز عم ثورة ضد الظال ي أفزعت هم ،وحلت هم على أن ي ستجيبوا للش يخ
ون صائحه ،ويكفوا عن الظال ،وي سنوا إل الش عب… وكذلك و قف الش يخ الشرقاوي ش يخ الز هر وم عه
العلماء ضد الولة يدافعون عن حقوق الشعب حت أذعن الكام لم وكان من القرارات الت وافقوا عليها:
أل تفرض ضريبة إل إذا أقرها الشعب. –1
أن ينـزل الكام على مقتضى أحكام الحاكم. –2
أل تتد يد ذي سلطان إل فرد إل بالق والشرع… انظر "الزهر ف 12عاما ،صفحة ، 20 –3
."21
نعم إن ما جرى من الكومة يعرب عن تقديرها له ،واعترافها بكانته ،ومكانة علمائه ،وفضلهم ،وأثرهم
فـ الحيـط الصـري… والعربـ… والسـلمي… والعاليـ… ولذا لذوا بشيوخـه ،وهرعوا إل جنباتـه،
وارتضوا حكم رجاله… ويرحم ال شوقي إذ يقول:
69
طلعوا بــــــه زهرا وماجوا أبرا ـة
ـق أئمـ
ـض حـ
ـع مليا واقـ
واخشــ
وأعــز ســــلطانا وأفخــم مظهرا كانوا أجــل مــن اللوك جـــللة
حرمـــُ المان وكان ظلهـــم الذرا ـهم
ـه جنابــ
ـن الخاوف كان فيـ
زمـ
ويريكـه اللق العظيم غضنفرا من كـل برٍ ف الشـريعة ذاخر
70
ل أدري… هل إقا مة تاث يل للحكام الذ ين طغوا ف البلد فأكثروا في ها الف ساد ،وظلموا العباد ول تزال
الدولة والمة تقاسي العناء والغلء والبلء نتيجة سياستهم الرقاء… أهذا من الق الذي يب أن تزداد الدولة
حرصا عليه… أم من الباطل الذي يب إبطاله والقلع عنه ،والتوبة منه؟!.
ل أدري أيكون اعتقال الن ساء والطفال والبرياء على الرغم من تبئتهم ف ساحة القضاء أيكون هذا من
الق أم من الباطل؟!.
ل أدري أيكون عرض الفلم الاب طة ،وإذا عة الروايات الساقطة الت تعلم الشباب الع نف والنس والرذيلة
وتفسد أخلقهم… أيكون ذلك من الق أم من الباطل؟!.
ل أدري أيكون مكاف حة الماعات ال سلمية الذ ين برأ هم القضاء م ا ن سب إلي هم من ع نف بعادل إمام
ومسرحية الواد سيد الشغال أيكون ذلك من الق أم من الباطل ،لقد فاز عادل إمام بزفة إعلمية ل مثيل لا،
فاقت الزفة الت ظفرت ف الزهر بـها ،ودامت زفته أياما وليال ف حى السلطة وترفها وسرفها وصلفها مع
العتذار للخزا نة الدي نة ل أدري أيكون تكر ي ن يب مفوظ لفوزه بائزة نو بل على ال ستوى الر سي والش عب
بإيعاز من أجهزة الدولة على الر غم م ا ف رواي ته ال ت فاز ب ـها من ت ـهجم على ال ور سله وكت به ث إهال
الشيخ الغزال بعد فوزه بائزة فيصل ف خدمة السلم أيكون ذلك من الق أم من الباطل؟!.
أ سئلة كثية وكثية جدا يتع طش شعب نا إل معر فة إجابت ها ول ن د ف البيان ما يع ي الشباب على ف هم
الواب؟!.
وبصـراحة أقول :إن البيان يتاج إل شرح وحواش وتقريرات ،وعلى الذيـن صـاغوه أن يسـارعوا بذلك
ليكون بيانـهم مشبعا مقنعا ،كافيا شافيا تنتفع به الكومة ،وينتفع به الشعب!!.
ومه مة الطباء أن ي صفوا دواء ل كل داء ،وأن يرشدوا الر ضى إل ما يتعاطو نه ،وإل ما يتحاشو نه ،و ف
اعتقادي أن الذيـن وضعوا البيان أحسـوا أيضا بقصـوره ،وأنـه يتاج إل إضافـة ليكون مسـتساغ الطعـم لدى
الشعب… فطالب الشيخ الشعراوي قبل أن يقرأ البيان من الصحيفة الت ف يده… طالب باعتماد مشروعات
القواني السلمية الت وضعت على الرفوف… وطالب الشيخ ممد الطيب النجار بأن تتجنب الدولة العنف
ف تعاملها مع الشباب ،وتسارع بالفراج عن العتقلي.
وأرى أن هذه الطالب هي أ هم الطالب ،وب ـها تنت هي الفت نة ،وي ستتب ال من ،وت سعد ال مة والدولة…
وكان من الواجب أن توضع ف صلب البيان لتبز ف صورة مطالب أجع عليها العلماء… ل صورة مطالب
71
فردية ،وليكون لا من القوة ما يمل الكومة على سرعة الستجابة لا ،وما يمل الشباب على حسن الظن
بعلمائهم ،والثقة بـهم ،والنقياد لم ،وأيضا ليغلقوا الباب ف وجه أجهزة العلم الغرضة الت تاول أن تشوه
صورتـهم أمام المة ،وتبزهم بأنـهم مع الكومة ،وضد الشباب على طول الط!!.
لقد تضمن البيان أمورا ثلثة على جانب كبي من الهية:
– 1ا ستنكار تكف ي الدولة وأفراد ال مة… ول يتلف حك يم من صف مع الشيوخ ف أن ال سارعة إل
ل مسـتنكرا شرعا ويؤدي إل فسـاد عظيـم… ودولتنـا والمـد ل تسـجل فـ
التكفيـ دون تثبـت يعتـب عم ً
دستورها هذا البدأ العظيم( :السلم دين الدولة الرسي ،ومبادئ الشريعة السلمية هي الصدر لقوانينها)…
والشعب كذلك أكد هذا وأجع عليه ف الستفتاء وطالب ول يزال يطالب ف إلاح بالسراع ف التطبيق.
- 2الدفاع الار عن ولة المور ،والديح الوافر ،والثناء العاطر على السؤولي ،والعتذار عن إرجائهم
للقواني السلمية الت أنزت بأنـهم ف انتظار الوقت الناسب… وف هذا يقول البيان بالرف:
"وننـ نعتقـد فـ إيان السـؤولي بصـر بأنــهم ل يردون على ال حكما ،ول ينكرون للسـلم مبدأ،
وأنـهم يعملون على أن تبلغ الدعوة السلمية مداها تقيقا وتطبيقا… لكن انتظار الوقت الناسب هو الذي
يدعو إل التريث".
وهذا ذ فيما أظن ذ هو الذي دعا الشيخ الشعراوي ورفاقه إل أن ينفوا عن أنفسهم أن يكونوا من علماء
السلطة أو ف خدمة الشرطة!!.
ومعنـ مـا قاله أصـحاب الفضيلة أن الشباب مطالب بأن يذو حذو العلماء الثقاة فيعطـى للحكومـة ثقتـه
وولءه ذ ك ما فعلوا ذ وعل يه أل ي ستعجل ت طبيق الشري عة ال سلمية ،ويطمئن إل أ نه إذا جاء الو قت النا سب
فستبادر الكومة بتطبيقها فورا!!.
وهنا أجدن مضطرا إل أن أوجه هذا السؤال إل مشاينا الكابر خصوصا إل الشيخ الشعراوي :لاذا دعا
الكومة إل إخراج مشروعات القواني السلمية الوضوعة على الرفوف (أليس الول ذ وهو يتبن هذا البدأ ذ
أن يترك الكومة ذ وهو واثق فيها مُثْ نِ عليها ذ اختيار الوقت الناسب… أم أنه يتلف معها ف الوقت ويرى
بأنه قد حان الن؟!!.
إذن فليعذر الشباب ال سلم إذا طالب ذ ك ما يطالب فضيل ته ذ بال سراع ف تطبيق ها ليض من لنف سه عي شة
راضية مرضية ،وحياة طيبة آمنة مستقرة ف ظلل شريعة ال الامعة لكل خي ،الانعة لكل شر… ومن حق
72
الشباب عليه أن يساندهم ،ويشكر لم حرصهم ،ورغبتهم ف الحتكام إل السلم ،والتزام الدولة بتعاليمه،
ويمد لم ما يتحملونه ف سبيل الدعوة من أذى مادي ومعنوي ف أنفسهم وأهليهم ،وأموالم ،وأعراضهم،
وتشويه سعتهم ،فنالوا من الدعوة كل غرم ،ول ينالوا منا أي غنم إل رضا ال عز وجل… وكفى به مغنما،
وكفى بال وليا ونصيا.
– 3المر الثالث :الذي تضمنه البيان هو أن مسؤولية تغيي النكر باليد تقع على عاتق من له ولية ف
حدود وليته حت ل يؤدي إل شيوع الفوضى ،أو الوقوع فيما هو أشد ضررا ،وأعظم خطرا… وهذا كلم
سليم يتفق عليه الفقهاء الكماء ول يتلف أحد فيه… وال تعال يقول :والؤمنون والؤمنات بعضهم أولياء
بعـض يأمرون بالعروف وينهون عـن النكـر ويقيمون الصـلة ويؤتون الزكاة ويطيعون ال ورسـوله أولئك
سيحهم ال إن ال عزيز حكيم [سورة التوبة ،آية.]71 :
وتطبيقا لذا يب فتح البواب للدعاة ليقاوموا الشر بالوعظ ف الساجد ،والنوادي ،والماكن العامة…
وهذا يسـتلزم إلغاء القوانيـ التـ تعترض الدعاة ،وتــهددهم بالعقاب ،وتول دون هذا الواجـب ومهمـة
العلماء ل تقتصـر على وعـظ الحكوميـ… بـل تتطلب وعظهـم ووعـظ الاكميـ معهـم… بـل إن وعـظ
الاكم ي أن فع وأقوى أثرا… ول يطلب ال من العلماء أن يدحوا… بل طلب من هم أن ين صحوا… وذلك
باب من أبواب الهاد… بل هو أفضل الهاد ..قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :أفضل الهاد كلمة حق
عند سلطان جائر" أخرجه ابن ماجة عن أب سعيد.
وبعـد :فإنـ أرى البيانيـ :بيان المام الكـب وبيان الشيوخ الكابر كان يبـ أن يسـبقهما معاينـة مـن
أصحاب الفضيلة لذه الناطق الت ينسب إل الشباب السلم التطرف فيها للتثبت ،واستكشاف القائق ،وتفهم
الوضاع ،وليكون لكم هم و قع حسن مقبول لدى ج يع الطراف ..كذلك أرى أن البيان ي فات ـهما الكث ي
من قضايا الساعة الت كان يب أن يثبت العلماء حضورهم فيها ،واهتمامهم بعالتها… ومن ذلك على سبيل
الثال:
وه نا يذ كر الشيخ رح ه ال عن أجهزة العلم الر سية جرائم ومنكرات مذهلة ل يوز السكوت عنها ث
يعقب بقوله:
مشكلت كثية ..وجرائم خطية متنوعـة ..منهـا مـا يتعلق بنظام الكـم القائم ..وكلهـا تتاج إل بثـ
ومراجعة ومعالة ..ول يوز أن نغلق أعيننا ..أو نتهرب منها!!.
73
يب أن يثبت العلماء حضورهم ف الساحة ،ويبذلوا جهودهم الصادقة والتواصلة ف علج ما يعرض من
مشكلت ،ويتعرفوا على أ سبابـها ،لي ستأصلوا جذور ها ،ويتثوا بذور ها ،ول يك في سبعة من العلماء ول
سبعون ..بل لبد أن نند كل العلماء الصادقي الغيورين ،ونضع كل إمكانيات الدولة ف خدمتهم ..لبد من
إقامة ملس دائم ،نشيط يقظ ..ل ينتظر دعوة من أحد ..بل يقوم بواجبه على الفور نو ما يقع ،وما يد من
أحداث تعرض سلمة الوطن والواطني للخطار ،يتعمق ف البحث والفحص والعلج على ضوء شريعة ال،
ويتخذ القرارات ،ويتابع التنفيذ ،وتبدو عليه مظاهر الياة والركة.
لقد كان من اللزم على العلماء الذين طلب منهم أن يبدو رأيهم أن يثبتوا حضورهم ف كل ما يري على
أرض الوطـن ،ويوضحوا حكـم ال فـ كـل هذه الحداث ولو ل يطلب منهـم ..فالعلماء مطالبون بتغييـ
النكرات ..إن ل ي كن بال يد فبالل سان والبيان ..كان من اللزم أن يطالبوا بإعدام جال ب الخدرات ،ومغت صب
الفتيات ،وإنزال عقوبة قطاع الطريق على من يسرقون بالكراه ..ول أظن الفرصة قد أفلتت من أيديهم ..فل
يزال الطر قائما ..والمر موكول إل ضمائرهم ..فلينهضوا با أوجبه ال تعال عليهم ،وما تنتظره المة منهم،
وليصلوا حاضرهم بالزهر باضيه العريق!!.
أيها العلماء:
لو قمتم بواجبكم ف الدعوة على الوجه الكمل ،وصدعتم بالق ،وتملتم كما كان يتحمل الرسول صلى
ال عل يه و سلم ف التبل يغ ما و جد الشباب ذ الذ ين تتهمو نه بال هل والتطرف ذ سبيلً إل ما يقوم به ،أو ما
ينسب إليه ،ولغلقتم باب الفتنة ،ونلتم رضا ال والكومة والمة ،وإل فماذا يصنع الطالب الامعي إذا رأى
أمه ذ تغتصب أمامه وأمام أبيه ..هل يصب حت يغيثه بوليس النجدة ،أو حت يتداركه أصحاب الفضيلة وورثة
النبياء بوعظة بليغة مؤثرة ..إن ما يتكون لديه من عقد نفسية تعله يسارع بالنضمام إل من يبشره بأن لديه
علج كل داء!!.
إن الف ساد تعا ظم وتفا قم ،ول كي نق ضي عل يه ي ب أن ت ـهتم الدولة بن شر الثقا فة والترب ية ال سلمية ف
الدارس ،وف جيع أجهزة العلم ويب أن نبادر بتطبيق شريعة ال وقوانينه ،ويب أن يرص العلماء والكام
ل عليا تذب إليهم كل من
على النضباط ف القول والفعل ،وعلى أن يكونوا صورة طيبة ،وقدوة صالة ،ومث ً
رآهم ،أو سع عنهم ،ويب أن يتعاون العلماء والكام والشعب وجيع الجهزة السؤولة على الب والتقوى ل
على ال ث والعدوان ،وي ب عند ما نتلف ف الرأي أن نلتزم بآداب الوار ،ونتجادل بال ت هي أح سن ..فبهذا
نعمل على نشر الي والفضيلة وإزالة الشر والفساد والهل والرذيلة وبـهذا ندعم الدولة ،ونقوي الصلة بي
أفراد المة ،ونوثق الروابط بي الشعب والكومة ،ونعيش ف سعادة وأمن واستقرار.
74
أيها العلماء:
إن ال مر جد ..ول يس بالزال ..فعلي نا أن نرت فع إل م ستوى الحداث ،ونتك تل لدرء الخطار عن الو طن
والمة ،بطة مدروسة ..وليس يكفي أن نلقي بيانا خاطفا ف مظاهرة إعلمية موجهة ..بل لبد من علج
حاسم نستمده من شرع ال ولينصرن ال من ينصره إن ال لقوي عزيز .الذين إن مكناهم ف الرض أقاموا
الصلة وآتوا الزكاة وأمروا بالعروف ونـهوا عن النكر ول عاقبة المور .
وفقنا ال جيعا لدمة الدين والوطن ..وال تعال يقول الق وهو يهدي السبيل.1
-ملة العتصام ،العدد ،10يناير 1989م ،وكتاب صيحة الق ،للمؤلف ،ص.411 : 1
75
فهرس الكتاب
الصفحة الوضوع
•القدمة ………………………………5 ....
•عندما يكون الكم لغي شريعة ال ……………… 4
•مواقف العلماء ………………………12 .…...
•الشبهة الول …………………………15 .....
•أبو حنيفة النعمان …………………………19 .
•مالك بن أنس ……………………19 …..…..
•سفيان الثوري ………………………20 …....
•أحد بن حنبل …………………21 ……..…..
•البخاري ……………………22 .……..…..
•النووي …………………………23 ..…….
•العز بن عبد السلم …………………25 ....…..
•شيخ السلم ابن تيمية …………………28 ..….
الصفحة الوضوع
•موقفه من قازان ………………………28 .….
•جهاده ………………………………30 ...
•أمره بالعروف ونـهيه عن النكر ……………… 33
•الشبهة الثانية ………………………41 ……..
•قيمة ما يصدر عنهم من فتاوى …………47 ….…..
ف السائل التعلقة بالسلطان ونظامه
76
•ليس لحد منهم عذر …………………54 ..…..
•تذكي بنهج الستدلل عند أهل السنة ………65 ..….
•لكنهم ل يتعظون …………………………74 .
•أحد حسن الباقوري ………………74 ..……...
•ممد متول شعراوي ………………………78 .
•د .عبد العزيز كامل ………………79 .….…...
•نصيحة ……………………81 ….……….
•سؤال وجوابه …………………………85 ...
الصفحة الوضوع
•خلصة القول …………………………93 ...
•كلمة حق ……………………………97 ...
•كلمة من القلب أرجو أن يفسح العلماء لا صدورهم 99 ...
•الفهرس ………………………………111 .
77