Professional Documents
Culture Documents
القلوب وشفاؤها
شيخ السلم ابن تيمية
مكتبة مشكاة السلمية
1
وقال شيخ السلم تقي الدين أحد ابن تيمية رحه ال تعال المد ل نستعينه
ونستغفره ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد ال فل مضل
له ومن يضلل فل هادي له .وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له وأشهد
أن ممدا عبده ورسوله صلى ال عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما
فصل " ف مرض القلوب وشفائها "
قال ال تعال عن النافقي { :ف قلوبم مرض فزادهم ال مرضا } وقال تعال :
{ ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين ف قلوبم مرض والقاسية قلوبم } وقال :
{ لئن ل ينته النافقون والذين ف قلوبم مرض والرجفون ف الدينة لنغرينك بم ث
ل ياورونك فيها إل قليل } وقال { :ول يرتاب الذين أوتوا الكتاب والؤمنون
وليقول الذين ف قلوبم مرض والكافرون ماذا أراد ال بذا مثل } وقال تعال { :
قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لا ف الصدور وهدى ورحة للمؤمني }
وقال { :وننل من القرآن ما هو شفاء ورحة للمؤمني ول يزيد الظالي إل
خسارا } وقال { :ويشف صدور قوم مؤمني } { ويذهب غيظ قلوبم } .و
" مرض البدن " خلف صحته وصلحه وهو فساد يكون فيه يفسد به إدراكه
وحركته الطبيعية فإدراكه إما أن يذهب كالعمى والصمم .وإما أن يدرك الشياء
على خلف ما هي عليه كما يدرك اللو مرا وكما ييل إليه أشياء ل حقيقة لا ف
الارج .وأما فساد حركته الطبيعية فمثل أن تضعف قوته عن الضم أو مثل أن
يبغض الغذية الت يتاج إليها ويب الشياء الت تضره ويصل له من اللم
بسب ذلك ؛ ولكن مع ذلك الرض ل يت ول يهلك ؛ بل فيه نوع قوة على
إدراك الركة الرادية ف الملة [ فيتولد من ذلك ] أل يصل ف البدن إما بسبب
فساد الكمية أو الكيفية ( :فالول أما نقص الادة فيحتاج إل غذاء وأما بسبب
2
زياداتا فيحتاج إل استفراغ .و ( الثان كقوة ف الرارة والبودة خارج عن
العتدال فيداوى .
3
الق :قد شفان بالواب .والرض دون الوت فالقلب يوت بالهل الطلق
ويرض بنوع من الهل فله موت ومرض وحياة وشفاء وحياته وموته ومرضه
وشفاؤه أعظم من حياة البدن وموته ومرضه وشفائه فلهذا مرض القلب إذا ورد
عليه شبهة أو شهوة قوت مرضه وإن حصلت له حكمة وموعظة كانت من
أسباب صلحه وشفائه .قال تعال { :ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين ف
قلوبم مرض } لن ذلك أورث شبهة عندهم والقاسية قلوبم ليبسها فأولئك
قلوبم ضعيفة بالرض فصار ما ألقى الشيطان فتنة لم وهؤلء كانت قلوبم قاسية
عن اليان فصار فتنة لم .وقال { :لئن ل ينته النافقون والذين ف قلوبم مرض
والرجفون ف الدينة } كما قال { :وليقول الذين ف قلوبم مرض } ل تت
قلوبم كموت الكفار والنافقي وليست صحيحة صالة كصال قلوب الؤمني بل
فيها مرض شبهة وشهوات وكذلك { فيطمع الذي ف قلبه مرض } وهو مرض
الشهوة فإن القلب الصحيح لو تعرضت له الرأة ل يلتفت إليها بلف القلب
الريض بالشهوة فإنه لضعفه ييل إل ما يعرض له من ذلك بسب قوة الرض
وضعفه فإذا خضعن بالقول طمع الذي ف قلبه مرض .والقرآن شفاء لا ف
الصدور ومن ف قلبه أمراض الشبهات والشهوات ففيه من البينات ما يزيل الق
من الباطل فيزيل أمراض الشبهة الفسدة للعلم والتصور والدراك بيث يرى
الشياء على ما هي عليه وفيه من الكمة والوعظة السنة بالترغيب والترهيب
والقصص الت فيها عبة ما يوجب صلح القلب فيغب القلب فيما ينفعه ويرغب
عما يضره فيبقى القلب مبا للرشاد مبغضا للغي بعد أن كان مريدا للغي مبغضا
للرشاد .فالقرآن مزيل للمراض الوجبة للرادات الفاسدة حت يصلح القلب
فتصلح إرادته ويعود إل فطرته الت فطر عليها كما يعود البدن إل الال الطبيعي
ويغتذي القلب من اليان والقرآن با يزكيه ويؤيده كما يغتذي البدن با ينميه
4
ويقومه فإن زكاة القلب مثل ناء البدن .و " الزكاة ف اللغة " النماء والزيادة ف
الصلح .يقال :زكا الشيء إذا نا ف الصلح فالقلب يتاج أن يترب فينمو
ويزيد حت يكمل ويصلح كما يتاج البدن أن يرب بالغذية الصلحة له ول بد مع
ذلك من منع ما يضره فل ينمو البدن إل بإعطاء ما ينفعه ومنع ما يضره كذلك
القلب ل يزكو فينمو ويتم صلحه إل بصول ما ينفعه ودفع ما يضره وكذلك
الزرع ل يزكو إل بذا .و " الصدقة " لا كانت تطفئ الطيئة كما يطفئ الاء
النار صار القلب يزكو با وزكاته معن زائد على طهارته من الذنب .قال ال
تعال { :خذ من أموالم صدقة تطهرهم وتزكيهم با } وكذلك ترك الفواحش
يزكو با القلب .وكذلك ترك العاصي فإنا بنلة الخلط الرديئة ف البدن ومثل
الدغل ف الزرع فإذا استفرغ البدن من الخلط الرديئة كاستخراج الدم الزائد
تلصت القوة الطبيعية واستراحت فينمو البدن وكذلك القلب إذا تاب من الذنوب
كان استفراغا من تليطاته حيث خلط عمل صالا وآخر سيئا فإذا تاب من
الذنوب تلصت قوة القلب وإراداته للعمال الصالة واستراح القلب من تلك
الوادث الفاسدة الت كانت فيه .فزكاة القلب بيث ينمو ويكمل .قال تعال :
{ ولول فضل ال عليكم ورحته ما زكا منكم من أحد أبدا } وقال تعال { :
وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم } وقال { :قل للمؤمني يغضوا من
أبصارهم ويفظوا فروجهم ذلك أزكى لم إن ال خبي با يصنعون } وقال تعال
{ :قد أفلح من تزكى } { وذكر اسم ربه فصلى } وقال تعال { :قد أفلح من
زكاها } { وقد خاب من دساها } وقال تعال { :وما يدريك لعله يزكى }
وقال تعال { :فقل هل لك إل أن تزكى } { وأهديك إل ربك فتخشى }
فالتزكية وإن كان أصلها النماء والبكة وزيادة الي فإنا تصل بإزالة الشر ؛ فلهذا
صار التزكي يمع هذا وهذا .وقال { :وويل للمشركي } { الذين ل يؤتون
5
الزكاة } وهي التوحيد واليان الذي به يزكو القلب فإنه يتضمن نفي إلية ما
سوى الق من القلب وإثبات إلية الق ف القلب وهو حقيقة ل إله إل ال .وهذا
أصل ما تزكو به القلوب .والتزكية جعل الشيء زكيا :إما ف ذاته وإما ف
العتقاد والب ؛ كما يقال عدلته إذا جعلته عدل ف نفسه أو ف اعتقاد الناس قال
تعال { :فل تزكوا أنفسكم } أي تبوا بزكاتا وهذا غي قوله { :قد أفلح من
زكاها } ولذا قال { :هو أعلم بن اتقى } وكان اسم زينب برة فقيل تزكي
نفسها فسماها رسول ال صلى ال عليه وسلم زينب .وأما قوله { :أل تر إل
الذين يزكون أنفسهم بل ال يزكي من يشاء } أي يعله زاكيا ويب بزكاته كما
يزكي الزكي الشهود فيخب بعدلم .و " العدل " هو العتدال والعتدال هو
صلح القلب كما أن الظلم فساده ولذا جيع الذنوب يكون الرجل فيها ظالا
لنفسه والظلم خلف العدل فلم يعدل على نفسه ؛ بل ظلمها ؛ فصلح القلب ف
العدل وفساده ف الظلم وإذا ظلم العبد نفسه فهو الظال وهو الظلوم كذلك إذا
عدل فهو العادل والعدول عليه فمنه العمل وعليه تعود ثرة العمل من خي وشر .
قال تعال { :لا ما كسبت وعليها ما اكتسبت } .والعمل له أثر ف القلب من
نفع وضر وصلح قبل أثره ف الارج فصلحها عدل لا وفسادها ظلم لا قال
تعال { :من عمل صالا فلنفسه ومن أساء فعليها } وقال تعال { :إن أحسنتم
أحسنتم لنفسكم وإن أسأت فلها } قال بعض السلف :إن للحسنة لنورا ف
القلب وقوة ف البدن وضياء ف الوجه وسعة ف الرزق ومبة ف قلوب اللق وإن
للسيئة لظلمة ف القلب وسوادا ف الوجه ووهنا ف البدن ونقصا ف الرزق وبغضا
ف قلوب اللق .وقال تعال { :كل امرئ با كسب رهي } وقال تعال { :
كل نفس با كسبت رهينة } وقال { :وذكر به أن تبسل نفس با كسبت ليس
لا من دون ال ول ول شفيع وإن تعدل كل عدل ل يؤخذ منها أولئك الذين
6
أبسلوا با كسبوا } وتبسل أي ترتن وتبس وتؤسر ؛ كما أن السد إذا صح من
مرضه قيل قد اعتدل مزاجه والرض إنا هو بإخراج الزاج مع أن العتدال الحض
السال من الخلط ل سبيل إليه لكن المثل ؛ فالمثل ؛ فهكذا صحة القلب
وصلحه ف العدل ومرضه من الزيغ والظلم والنراف .والعدل الحض ف كل
شيء متعذر علما وعمل ولكن المثل فالمثل ؛ ولذا يقال :هذا أمثل ويقال
للطريقة السلفية :الطريقة الثلى .وقال تعال { :ولن تستطيعوا أن تعدلوا بي
النساء ولو حرصتم } وقال تعال { :وأوفوا الكيل واليزان بالقسط ل نكلف
نفسا إل وسعها } .وال تعال بعث الرسل وأنزل الكتب ليقوم الناس بالقسط
وأعظم القسط عبادة ال وحده ل شريك له ث العدل على الناس ف حقوقهم ث
العدل على النفس .والظلم " ثلثة أنواع " :والظلم كله من أمراض القلوب
والعدل صحتها وصلحها .قال أحد بن حنبل لبعض الناس :لو صححت ل
تف أحدا أي خوفك من الخلوق هو من مرض فيك كمرض الشرك والذنوب .
وأصل صلح القلب هو حياته واستنارته قال تعال { :أومن كان ميتا فأحييناه
وجعلنا له نورا يشي به ف الناس كمن مثله ف الظلمات ليس بارج منها } .
لذلك ذكر ال حياة القلوب ونورها وموتا وظلمتها ف غي موضع .كقوله { :
لينذر من كان حيا ويق القول على الكافرين } وقوله تعال { يا أيها الذين آمنوا
استجيبوا ل وللرسول إذا دعاكم لا يييكم } ث قال { :واعلموا أن ال يول
بي الرء وقلبه وأنه إليه تشرون } وقال تعال { :يرج الي من اليت ويرج
اليت من الي } .ومن أنواعه أنه يرج الؤمن من الكافر والكافر من الؤمن .
وف الديث الصحيح { مثل البيت الذي يذكر ال فيه والبيت الذي ل يذكر ال
فيه مثل الي واليت } وف الصحيح أيضا { :اجعلوا من صلتكم ف بيوتكم ول
تتخذوها قبورا } .وقد قال تعال { :والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم ف
7
الظلمات } وذكر سبحانه آية النور وآية الظلمة فقال { :ال نور السماوات
والرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح الصباح ف زجاجة الزجاجة كأنا
كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها يضيء
ولو ل تسسه نار نور على نور } فهذا مثل نور اليان ف قلوب الؤمني ث قال :
{ والذين كفروا أعمالم كسراب بقيعة يسبه الظمآن ماء حت إذا جاءه ل يده
شيئا ووجد ال عنده فوفاه حسابه وال سريع الساب أو كظلمات ف بر لي
يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج
يده ل يكد يراها ومن ل يعل ال له نورا فما له من نور } ( .فالول مثل
العتقادات الفاسدة والعمال التابعة لا يسبها صاحبها شيئا ينفعه فإذا جاءها ل
يدها شيئا ينفعه فوفاه ال حسابه على تلك العمال .و ( الثان :مثل للجهل
البسيط وعدم اليان والعلم فإن صاحبها ف ظلمات بعضها فوق بعض ل يبصر
شيئا ؛ فإن البصر إنا هو بنور اليان والعلم .قال تعال { :إن الذين اتقوا إذا
مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } وقال تعال { .ولقد هت
به وهم با لول أن رأى برهان ربه } وهو برهان اليان الذي حصل ف قلبه
فصرف ال به ما كان هم به وكتب له حسنة كاملة ول يكتب عليه خطيئة إذ فعل
خيا ول يفعل سيئة .وقال تعال { :لتخرج الناس من الظلمات إل النور }
وقال { :ال ول الذين آمنوا يرجهم من الظلمات إل النور والذين كفروا
أولياؤهم الطاغوت يرجونم من النور إل الظلمات } وقال { :يا أيها الذين
آمنوا اتقوا ال وآمنوا برسوله يؤتكم كفلي من رحته ويعل لكم نورا تشون به }
.ولذا ضرب ال لليان " مثلي " .مثل بالاء الذي به الياة وما يقترن به من
الزبد ومثل بالنار الت با النور وما يقترن با يوقد عليه من الزبد .وكذلك ضرب
ال للنفاق " مثلي " قال تعال { :أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها
8
فاحتمل السيل زبدا رابيا وما يوقدون عليه ف النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله
كذلك يضرب ال الق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس
فيمكث ف الرض كذلك يضرب ال المثال } وقال تعال ف النافقي { :مثلهم
كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب ال بنورهم وتركهم ف
ظلمات ل يبصرون } { صم بكم عمي فهم ل يرجعون } { أو كصيب من
السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يعلون أصابعهم ف آذانم من الصواعق حذر
الوت وال ميط بالكافرين } { يكاد البق يطف أبصارهم كلما أضاء لم مشوا
فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء ال لذهب بسمعهم وأبصارهم إن ال على كل
شيء قدير } .فضرب لم مثل كالذي أوقد النار كلما أضاءت أطفأها ال والثل
الائي كالثل النازل من السماء وفيه ظلمات ورعد وبرق يرى .ولبسط الكلم ف
هذه المثال موضع آخر .وإنا القصود هنا ذكر حياة القلوب وإنارتا وف الدعاء
الأثور { اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا } .و " الربيع " هو الطر الذي
ينل من السماء فينبت به النبات قال النب صلى ال عليه وسلم { إن ما ينبت
الربيع ما يقتل حبطا أو يلم } .والفصل الذي ينل فيه أول الطر تسميه العرب
الربيع لنول الطر الذي ينبت الربيع فيه وغيهم يسمي الربيع الفصل الذي يلي
الشتاء ؛ فإن فيه ترج الزهار الت تلق منها الثمار وتنبت الوراق على الشجار
.والقلب الي النور ؛ فإنه لا فيه من النور يسمع ويبصر ويعقل والقلب اليت فإنه
ل يسمع ول يبصر .قال تعال { :ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق با ل
يسمع إل دعاء ونداء صم بكم عمي فهم ل يعقلون } وقال تعال { :ومنهم من
يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا ل يعقلون } { ومنهم من ينظر
إليك أفأنت تدي العمي ولو كانوا ل يبصرون } وقال تعال { :ومنهم من
يستمع إليك وجعلنا على قلوبم أكنة أن يفقهوه وف آذانم وقرا وإن يروا كل آية
9
ل يؤمنوا با حت إذا جاءوك يادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إل أساطي
الولي } اليات .فأخب أنم ل يفقهون بقلوبم ول يسمعون بآذانم ول يؤمنون
با رأوه من النار كما أخب عنهم حيث قالوا { :قلوبنا ف أكنة ما تدعونا إليه وف
آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب } .فذكروا الوانع على القلوب ،والسمع
والبصار وأبدانم حية تسمع الصوات وترى الشخاص ؛ لكن حياة البدن بدون
حياة القلب من جنس حياة البهائم لا سع وبصر وهي تأكل وتشرب وتنكح ولذا
قال تعال { :ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق با ل يسمع إل دعاء ونداء }
.فشبههم بالغنم الذي ينعق با الراعي وهي ل تسمع إل نداء .كما قال ف الية
الخرى { :أم تسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إل كالنعام بل هم
أضل سبيل } وقال تعال { :ولقد ذرأنا لهنم كثيا من الن والنس لم قلوب
ل يفقهون با ولم أعي ل يبصرون با ولم آذان ل يسمعون با أولئك كالنعام
بل هم أضل } فطائفة من الفسرين تقول ف هذه اليات وما أشبهها كقوله { :
وإذا مس النسان الضر دعانا لنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن
ل يدعنا إل ضر مسه } وأمثالا ما ذكر ال ف عيوب النسان وذمها فيقول هؤلء
:هذه الية ف الكفار والراد بالنسان هنا الكافر فيبقى من يسمع ذلك يظن أنه
ليس لن يظهر السلم ف هذا الذم والوعيد نصيب ؛ بل يذهب وهه إل من كان
مظهرا للشرك من العرب أو إل من يعرفهم من مظهري الكفر كاليهود والنصارى
ومشركي الترك والند .ونو ذلك فل ينتفع بذه اليات الت أنزلا ال ليهتدي با
عباده .فيقال - :أول : -الظهرون للسلم فيهم مؤمن ومنافق والنافقون
كثيون ف كل زمان والنافقون ف الدرك السفل من النار .ويقال " :ثانيا "
النسان قد يكون عنده شعبة من نفاق وكفر وإن كان معه إيان كما قال النب
صلى ال عليه وسلم ف الديث التفق عليه { :أربع من كن فيه كان منافقا
10
خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حت يدعها :إذا
حدث كذب وإذا اؤتن خان وإذا عاهد غدر .وإذا خاصم فجر } فأخب أنه من
كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق .وقد ثبت ف الديث
الصحيح أنه قال لب ذر رضي ال عنه { إنك امرؤ فيك جاهلية } وأبو ذر -
رضي ال عنه -من أصدق الناس إيانا وقال ف الديث الصحيح { :أربع ف
أمت من أمر الاهلية :الفخر بالحساب والطعن ف النساب والنياحة والستسقاء
بالنجوم } وقال ف الديث الصحيح { لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة
بالقذة حت لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه .قالوا :اليهود والنصارى قال :فمن
} وقال أيضا ف الديث الصحيح { :لتأخذن أمت ما أخذت المم قبلها شبا
بشب وذراعا بذراع .قالوا :فارس والروم قال :ومن الناس إل هؤلء } .وقال
ابن أب مليكة :أدركت ثلثي من أصحاب ممد -صلى ال عليه وسلم -كلهم
ياف النفاق على نفسه وعن علي -أو حذيفة -رضي ال عنهما ما -قال :
القلوب " أربعة " .قلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب الؤمن وقلب أغلف
فذاك قلب الكافر وقلب منكوس .فذاك قلب النافق وقلب فيه مادتان :مادة تده
اليان ومادة تده النفاق فأولئك قوم خلطوا عمل صالا وآخر سيئا .وإذا عرف
هذا علم أن كل عبد ينتفع با ذكر ال ف اليان من مدح شعب اليان وذم شعب
الكفر وهذا كما يقول بعضهم ف قوله { :اهدنا الصراط الستقيم } .فيقولون
الؤمن قد هدي إل الصراط الستقيم فأي فائدة ف طلب الدى ث ييب بعضهم
بأن الراد ثبتنا على الدى كما تقول العرب للنائم :ن حت آتيك أو يقول بعضهم
ألزم قلوبنا الدى فحذف اللزوم ويقول بعضهم زدن هدى وإنا يوردون هذا
السؤال لعدم تصورهم الصراط الستقيم الذي يطلب العبد الداية إليه ؛ فإن الراد
به العمل با أمر ال به وترك ما نى ال عنه ف جيع المور .والنسان وإن كان
11
أقر بأن ممدا رسول ال وأن القرآن حق على سبيل الجال فأكثر ما يتاج إليه
من العلم با ينفعه ويضره وما أمر به وما نى عنه ف تفاصيل المور وجزئياتا ل
يعرفه وما عرفه فكثي منه ل يعمل بعلمه ولو قدر أنه بلغه كل أمر وني ف القرآن
والسنة فالقرآن والسنة إنا تذكر فيهما المور العامة الكلية ل يكن غي ذلك ل
تذكر ما يص به كل عبد ولذا أمر النسان ف مثل ذلك بسؤال الدى إل
الصراط الستقيم .والدى إل الصراط الستقيم يتناول هذا كله يتناول التعريف با
جاء به الرسول مفصل ويتناول التعريف با يدخل ف أوامره الكليات ويتناول إلام
العمل بعلمه فإن مرد العلم بالق ل يصل به الهتداء إن ل يعمل بعلمه ولذا قال
لنبيه بعد صلح الديبية { :إنا فتحنا لك فتحا مبينا } { ليغفر لك ال ما تقدم
من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما } وقال ف حق
موسى وهارون { :وآتيناها الكتاب الستبي } { وهديناها الصراط الستقيم }
والسلمون قد تنازعوا فيما شاء ال من المور البية والعلمية العتقادية والعملية
مع أنم كلهم متفقون على أن ممدا حق والقرآن حق فلو حصل لكل منهم الدى
إل الصراط الستقيم فيما اختلفوا فيه ل يتلفوا ث الذين علموا ما أمر ال به
أكثرهم يعصونه و [ ل ] يتذون حذوه فلو هدوا إل الصراط الستقيم ف تلك
العمال لفعلوا ما أمروا به وتركوا ما نوا عنه والذين هداهم ال من هذه المة
حت صاروا من أولياء ال التقي كان من أعظم أسباب ذلك دعاؤهم ال بذا
الدعاء ف كل صلة مع علمهم باجتهم وفاقتهم إل ال دائما ف أن يهديهم
الصراط الستقيم .فبدوام هذا الدعاء والفتقار صاروا من أولياء ال التقي .قال
سهل بن عبد ال التستري ليس بي العبد وبي ربه طريق أقرب إليه من الفتقار
وما حصل فيه الدى ف الاضي فهو متاج إل حصول الدى فيه ف الستقبل وهذا
حقيقة قول من يقول :ثبتنا واهدنا لزوم الصراط .وقول من قال :زدنا هدى
12
يتناول ما تقدم ؛ لكن هذا كله هدى منه ف الستقبل إل الصراط الستقيم ؛ فإن
العمل ف الستقبل بالعلم ل يصل بعد ول يكون مهتديا حت يعمل ف الستقبل
بالعلم وقد ل يصل العلم ف الستقبل بل يزول عن القلب وإن حصل فقد ل
يصل العمل فالناس كلهم مضطرون إل هذا الدعاء ؛ ولذا فرضه ال عليهم ف
كل صلة فليسوا إل شيء من الدعاء أحوج منهم إليه وإذا حصل الدى إل
الصراط الستقيم حصل النصر والرزق وسائر ما تطلب النفوس من السعادة وال
أعلم .
واعلم أن حياة القلب وحياة غيه ليست مرد الس والركة الرادية أو مرد
العلم والقدرة كما يظن ذلك طائفة من النظار ف علم ال وقدرته كأب السي
البصري .قالوا :إن حياته أنه بيث يعلم ويقدر بل الياة صفة قائمة بالوصوف
وهي شرط ف العلم والرادة والقدرة على الفعال الختيارية وهي أيضا مستلزمة
لذلك فكل حي له شعور وإرادة وعمل اختياري بقدرة وكل ما له علم وإرادة
وعمل اختياري فهو حي .والياء مشتق من الياة ؛ فإن القلب الي يكون
صاحبه حيا فيه حياء ينعه عن القبائح فإن حياة القلب هي الانعة من القبائح الت
تفسد القلب ولذا قال النب صلى ال عليه وسلم { الياء من اليان } وقال { :
الياء والعي شعبتان من اليان .والبذاء والبيان شعبتان من النفاق } فإن الي
يدفع ما يؤذيه ؛ بلف اليت الذي ل حياة فيه [ فإنه ] يسمى وقحا والوقاحة
الصلبة وهو اليبس الخالف لرطوبة الياة فإذا كان وقحا يابسا صليب الوجه ل
يكن ف قلبه حياة توجب حياءه ،وامتناعه من القبح كالرض اليابسة ل يؤثر فيها
وطء القدام بلف الرض الضرة .ولذا كان الي يظهر عليه التأثر بالقبح وله
إرادة تنعه عن فعل القبح بلف الوقح الذي ليس بي فل حياء معه ول إيان
13
يزجره عن ذلك .فالقلب إذا كان حيا فمات النسان بفراق روحه بدنه كان
موت النفس فراقها للبدن ليست هي ف نفسها ميتة بعن زوال حياتا عنها .ولذا
قال تعال { :ول تقولوا لن يقتل ف سبيل ال أموات بل أحياء } وقال تعال { :
ول تسب الذين قتلوا ف سبيل ال أمواتا بل أحياء } مع أنم موتى داخلون ف
قوله { :كل نفس ذائقة الوت } وف قوله { :إنك ميت وإنم ميتون } وقوله :
{ وهو الذي أحياكم ث ييتكم ث يييكم } فالوت الثبت غي الوت النفي .
الثبت هو فراق الروح البدن والنفي زوال الياة بالملة عن الروح والبدن .وهذا
كما أن النوم أخو الوت فيسمى وفاة ويسمى موتا وإن كانت الياة موجودة
فيهما .قال ال تعال { :ال يتوف النفس حي موتا والت ل تت ف منامها
فيمسك الت قضى عليها الوت ويرسل الخرى إل أجل مسمى } .وكان {
النب صلى ال عليه وسلم إذا استيقظ من منامه يقول :المد ل الذي أحيانا بعد
ما أماتنا وإليه النشور } وف حديث آخر { :المد ل الذي رد علي روحي
وعافان ف جسدي وأذن ل بذكره وفضلن على كثي من خلق تفضيل } وإذا
أوى إل فراشه يقول { :اللهم أنت خلقت نفسي وأنت توفاها لك ماتا ومياها
إن أمسكتها فارحها وإن أرسلتها فاحفظها با تفظ به عبادك الصالي } ويقول
{ :باسك اللهم أموت وأحيا }
فصل ومن أمراض القلوب " السد " كما قال بعضهم ف حده :إنه أذى يلحق
بسبب العلم بسن حال الغنياء فل يوز أن يكون الفاضل حسودا ؛ لن الفاضل
يري على ما هو الميل وقد قال طائفة من الناس :إنه تن زوال النعمة عن
الحسود وإن ل يصر للحاسد مثلها بلف الغبطة فإنه تن مثلها من غي حب
زوالا عن الغبوط .والتحقيق أن السد هو البغض والكراهة لا يراه من حسن
14
حال الحسود وهو نوعان ( :أحدها كراهة للنعمة عليه مطلقا فهذا هو السد
الذموم وإذا أبغض ذلك فإنه يتأل ويتأذى بوجود ما يبغضه فيكون ذلك مرضا ف
قلبه ويلتذ بزوال النعمة عنه وإن ل يصل له نفع بزوالا ؛ لكن نفعه زوال الل
الذي كان ف نفسه ولكن ذلك الل ل يزل إل بباشرة منه وهو راحة وأشده
كالريض الذي عول با يسكن وجعه والرض باق ؛ فإن بغضه لنعمة ال على
عبده مرض فإن تلك النعمة قد تعود على الحسود وأعظم منها وقد يصل نظي
تلك النعمة لنظي ذلك الحسود .والاسد ليس له غرض ف شيء معي ؛ لكن
نفسه تكره ما أنعم به على النوع .ولذا قال من قال :إنه تن زوال النعمة فإن
من كره النعمة على غيه تن زوالا بقلبه .و ( النوع الثان :أن يكره فضل ذلك
الشخص عليه فيحب أن يكون مثله أو أفضل منه فهذا حسد وهو الذي سوه
الغبطة وقد ساه النب صلى ال عليه وسلم حسدا ف الديث التفق عليه من حديث
ابن مسعود وابن عمر رضي ال عنهما أنه قال { :ل حسد إل ف اثنتي :رجل
آتاه ال الكمة فهو يقضي با ويعلمها ورجل آتاه ال مال وسلطه على هلكته ف
الق } هذا لفظ ابن مسعود .ولفظ ابن عمر { رجل آتاه ال القرآن فهو يقوم به
آناء الليل والنهار ورجل آتاه ال مال فهو ينفق منه ف الق آناء الليل والنهار }
رواه البخاري من حديث أب هريرة ولفظه { :ل حسد إل ف اثنتي رجل آتاه
ال القرآن فهو يتلوه الليل والنهار فسمعه رجل فقال :يا ليتن أوتيت مثل ما أوت
هذا فعملت فيه مثل ما يعمل هذا ورجل آتاه ال مال فهو يهلكه ف الق فقال
رجل :يا ليتن أوتيت مثل ما أوت هذا فعملت فيه مثل ما يعمل هذا } فهذا
السد الذي نى عنه النب صلى ال عليه وسلم إل ف موضعي هو الذي ساه
أولئك الغبطة وهو أن يب مثل حال الغي ويكره أن يفضل عليه .فإن قيل :إذا
ل سي حسدا وإنا أحب أن ينعم ال عليه ؟ .قيل مبدأ هذا الب هو نظره إل
15
إنعامه على الغي وكراهته أن يتفضل عليه ولول وجود ذلك الغي ل يب ذلك
فلما كان مبدأ ذلك كراهته أن يتفضل عليه الغي كان حسدا ؛ لنه كراهة تتبعها
مبة وأما من أحب أن ينعم ال عليه مع عدم التفاته إل أحوال الناس فهذا ليس
عنده من السد شيء .ولذا يبتلى غالب الناس بذا القسم الثان وقد تسمى
النافسة فيتنافس الثنان ف المر الحبوب الطلوب كلها يطلب أن يأخذه وذلك
لكراهية أحدها أن يتفضل عليه الخر كما يكره الستبقان كل منهما أن يسبقه
الخر والتنافس ليس مذموما مطلقا بل هو ممود ف الي .قال تعال { :إن
البرار لفي نعيم } { على الرائك ينظرون } { تعرف ف وجوههم نضرة النعيم
} { يسقون من رحيق متوم } { ختامه مسك وف ذلك فليتنافس التنافسون }
فأمر النافس أن ينافس ف هذا النعيم ل ينافس ف نعيم الدنيا الزائل وهذا موافق
لديث النب صلى ال عليه وسلم فإنه نى عن السد إل فيمن أوت العلم فهو
يعمل به ويعلمه ومن أوت الال فهو ينفقه فأما من أوت علما ول يعمل به ول
يعلمه أو أوت مال ول ينفقه ف طاعة ال فهذا ل يسد ول يتمن مثل حاله فإنه
ليس ف خي يرغب فيه بل هو معرض للعذاب ومن ول ولية فيأتيها بعلم وعدل
أدى المانات إل أهلها وحكم بي الناس بالكتاب والسنة فهذا درجته عظيمة ؛
لكن هذا ف جهاد عظيم كذلك الجاهد ف سبيل ال .والنفوس ل تسد من هو
ف تعب عظيم فلهذا ل يذكره وإن كان الجاهد ف سبيل ال أفضل من الذي ينفق
الال ؛ بلف النفق والعلم فإن هذين ليس لم ف العادة عدو من خارج فإن قدر
أنما لما عدو ياهدانه .فذلك أفضل لدرجتهما وكذلك ل يذكر النب صلى ال
عليه وسلم الصلي والصائم والاج ؛ لن هذه العمال ل يصل منها ف العادة من
نفع الناس الذي يعظمون به الشخص ويسودونه ما يصل بالتعليم والنفاق .
والسد ف الصل إنا يقع لا يصل للغي من السؤدد والرياسة وإل فالعامل ل
16
يسد ف العادة ولو كان تنعمه بالكل والشرب والنكاح أكثر من غيه بلف
هذين النوعي فإنما يسدان كثيا ولذا يوجد بي أهل العلم الذين لم أتباع من
السد ما ل يوجد فيمن ليس كذلك وكذلك فيمن له أتباع بسبب إنفاق ماله
فهذا ينفع الناس بقوت القلوب وهذا ينفعهم بقوت البدان والناس كلهم متاجون
إل ما يصلحهم من هذا وهذا .ولذا ضرب ال سبحانه " مثلي " :مثل بذا
ومثل بذا فقال { :ضرب ال مثل عبدا ملوكا ل يقدر على شيء ومن رزقناه
منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون المد ل بل أكثرهم ل
يعلمون } { وضرب ال مثل رجلي أحدها أبكم ل يقدر على شيء وهو كل
على موله أينما يوجهه ل يأت بي هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على
صراط مستقيم } .و ( الثلن ضربما ال سبحانه لنفسه القدسة ولا يعبد من
دونه ؛ فإن الوثان ل تقدر ل على عمل ينفع ول على كلم ينفع فإذا قدر عبد
ملوك ل يقدر على شيء وآخر قد رزقه ال رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا
هل يستوي هذا الملوك العاجز عن الحسان وهذا القادر على الحسان الحسن
إل الناس سرا وجهرا وهو سبحانه قادر على الحسان إل عباده وهو مسن إليهم
دائما فكيف يشبه به العاجز الملوك الذي ل يقدر على شيء حت يشرك به معه
وهذا مثل الذي أعطاه ال مال فهو ينفق منه آناء الليل والنهار .و ( الثل الثان إذا
قدر شخصان أحدها أبكم ل يعقل ول يتكلم ول يقدر على شيء وهو مع هذا
كل على موله أينما يوجهه ل يأت بي فليس فيه من نفع قط بل هو كل على من
يتول أمره وآخر عال عادل يأمر بالعدل ويعمل بالعدل فهو على صراط مستقيم .
وهذا نظي الذي أعطاه ال الكمة فهو يعمل با ويعلمها الناس .وقد ضرب ذلك
مثل لنفسه ؛ فإنه سبحانه عال عادل قادر يأمر بالعدل وهو قائم بالقسط على
صراط مستقيم .كما قال تعال { :شهد ال أنه ل إله إل هو واللئكة وأولو
17
العلم قائما بالقسط ل إله إل هو العزيز الكيم } وقال هود { :إن رب على
صراط مستقيم } .ولذا كان الناس يعظمون دار العباس كان عبد ال يعلم الناس
وأخوه يطعم الناس فكانوا يعظمون على ذلك .ورأى معاوية الناس يسألون ابن
عمر عن الناسك وهو يفتيهم فقال :هذا وال الشرف أو نو ذلك .هذا وعمر
بن الطاب رضي ال عنه نافس أبا بكر رضي ال عنه النفاق كما ثبت ف
الصحيح عن عمر بن الطاب -رضي ال عنه -قال { :أمرنا رسول ال صلى
ال عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مال عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن
سبقته يوما .قال :فجئت بنصف مال قال :فقال ل رسول ال صلى ال عليه
وسلم ما أبقيت لهلك قلت مثله وأتى أبو بكر رضي ال عنه بكل ما عنده فقال
له رسول ال صلى ال عليه وسلم ما أبقيت لهلك قال أبقيت لم ال ورسوله
فقلت ل أسابقك إل شيء أبدا } .فكان ما فعله عمر من النافسة والغبطة الباحة
؛ لكن حال الصديق رضي ال عنه أفضل منه وهو أنه خال من النافسة مطلقا ل
ينظر إل حال غيه .وكذلك { موسى صلى ال عليه وسلم ف حديث العراج
حصل له منافسة وغبطة للنب صلى ال عليه وسلم حت بكى لا تاوزه النب صلى
ال عليه وسلم فقيل له :ما يبكيك ؟ فقال :أبكي ؛ لن غلما بعث بعدي يدخل
النة من أمته أكثر من يدخلها من أمت } أخرجاه ف الصحيحي وروي ف بعض
اللفاظ الروية غي الصحيح { مررنا على رجل وهو يقول ويرفع صوته :أكرمته
وفضلته قال :فرفعناه إليه فسلمنا عليه فرد السلم فقال :من هذا معك يا جبيل
؟ قال :هذا أحد قال :مرحبا بالنب المي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لمته قال
:ث اندفعنا فقلت من هذا يا جبيل ؟ قال :هذا موسى بن عمران قلت :ومن
يعاتب ؟ قال :يعاتب ربه فيك قلت :ويرفع صوته على ربه قال إن ال عز وجل
قد عرف صدقه } .وعمر رضي ال عنه كان مشبها بوسى ونبينا حاله أفضل من
18
حال موسى فإنه ل يكن عنده شيء من ذلك .وكذلك كان ف الصحابة أبو
عبيدة بن الراح ونوه كانوا سالي من جيع هذه المور فكانوا أرفع درجة من
عنده منافسة وغبطة وإن كان ذلك مباحا ولذا استحق أبو عبيدة رضي ال عنه أن
يكون أمي هذه المة فإن الؤتن إذا ل يكن ف نفسه مزاحة على شيء ما اؤتن
عليه كان أحق بالمانة من ياف مزاحته ؛ ولذا يؤتن على النساء والصبيان
الصيان ويؤتن على الولية الصغرى من يعرف أنه ل يزاحم على الكبى ويؤتن
على الال من يعرف أنه ليس له غرض ف أخذ شيء منه وإذا اؤتن من ف نفسه
خيانة شبه بالذئب الؤتن على الغنم فل يقدر أن يؤدي المانة ف ذلك لا ف نفسه
من الطلب لا اؤتن عليه .وف الديث الذي رواه المام أحد ف مسنده عن {
أنس رضي ال عنه قال :كنا يوما جلوسا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم
فقال :يطلع عليكم الن من هذا الفج رجل من أهل النة قال :فطلع رجل من
النصار تنطف ليته من وضوء قد علق نعليه ف يده الشمال فسلم فلما كان الغد
قال النب صلى ال عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل على مثل حاله فلما
كان اليوم الثالث قال النب صلى ال عليه وسلم مقالته فطلع ذلك الرجل على مثل
حاله فلما قام النب صلى ال عليه وسلم اتبعه عبد ال بن عمرو بن العاص رضي
ال عنه فقال :إن لحيت أب فأقسمت أن ل أدخل عليه ثلثا فإن رأيت أن
تؤوين إليك حت تضي الثلث فعلت قال :نعم قال أنس رضي ال عنه فكان عبد
ال يدث أنه بات عنده ثلث ليال فلم يره يقوم من الليل شيئا ؛ غي أنه إذا تعار
انقلب على فراشه ذكر ال عز وجل وكب حت يقوم إل صلة الفجر فقال عبد ال
غي أن ل أسعه يقول إل خيا فلما فرغنا من الثلث وكدت أن أحقر عمله قلت
:يا عبد ال ل يكن بين وبي والدي غضب ول هجرة ولكن سعت رسول ال
صلى ال عليه وسلم يقول ثلث مرات يطلع عليكم رجل من أهل النة فطلعت
19
أنت الثلث مرات فأردت أن آوي إليك لنظر ما عملك فأقتدي بذلك فلم أرك
تعمل كثي عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ قال :
ما هو إل ما رأيت غي أنن ل أجد على أحد من السلمي ف نفسي غشا ول
حسدا على خي أعطاه ال إياه قال عبد ال هذه الت بلغت بك وهي الت ل نطيق
} .فقول عبد ال بن عمرو له هذه الت بلغت بك وهي الت ل نطيق يشي إل
خلوه وسلمته من جيع أنواع السد .وبذا أثن ال تعال على النصار فقال { :
ول يدون ف صدورهم حاجة ما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بم
خصاصة } أي ما أوت إخوانم الهاجرون قال الفسرون ل يدون ف صدورهم
حاجة أي حسدا وغيظا ما أوت الهاجرون ث قال بعضهم من مال الفيء وقيل من
الفضل والتقدم فهم ل يدون حاجة ما أوتوا من الال ول من الاه والسد يقع
على هذا .وكان بي الوس والزرج منافسة على الدين فكان هؤلء إذا فعلوا ما
يفضلون به عند ال ورسوله أحب الخرون أن يفعلوا نظي ذلك فهو منافسة فيما
يقربم إل ال كما قال { :وف ذلك فليتنافس التنافسون } .
وأما السد الذموم كله فقد قال تعال ف حق اليهود { :ود كثي من أهل
الكتاب لو يردونكم من بعد إيانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبي
لم الق } يودون أي يتمنون ارتدادكم حسدا فجعل السد هو الوجب لذلك
الود من بعد ما تبي لم الق ؛ لنم لا رأوا أنكم قد حصل لكم من النعمة ما
حصل ؛ بل ما ل يصل لم مثله حسدوكم وكذلك ف الية الخرى { :أم
يسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والكمة
وآتيناهم ملكا عظيما } { فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بهنم
سعيا } وقال تعال { :قل أعوذ برب الفلق } { من شر ما خلق } { ومن شر
20
غاسق إذا وقب } { ومن شر النفاثات ف العقد } { ومن شر حاسد إذا حسد }
.وقد ذكر طائفة من الفسرين أنا ( نزلت بسبب حسد اليهود للنب صلى ال عليه
وسلم حت سحروه :سحره لبيد بن العصم اليهودي فالاسد البغض للنعمة على
من أنعم ال عليه با ظال معتد والكاره لتفضيله الحب لماثلته منهي عن ذلك إل
فيما يقربه إل ال فإذا أحب أن يعطى مثل ما أعطي ما يقربه إل ال فهذا ل بأس
به وإعراض قلبه عن هذا بيث ل ينظر إل حال الغي أفضل .ث هذا السد إن
عمل بوجبه صاحبه كان ظالا معتديا مستحقا للعقوبة إل أن يتوب وكان الحسود
مظلوما مأمورا بالصب والتقوى فيصب على أذى الاسد ويعفو ويصفح عنه كما
قال تعال { :ود كثي من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيانكم كفارا حسدا
من عند أنفسهم من بعد ما تبي لم الق فاعفوا واصفحوا حت يأت ال بأمره }
وقد ابتلي يوسف بسد إخوته له حيث قالوا { :ليوسف وأخوه أحب إل أبينا
منا ونن عصبة إن أبانا لفي ضلل مبي } فحسدوها على تفضيل الب لما
ولذا قال يعقوب ليوسف { :ل تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا
إن الشيطان للنسان عدو مبي } .ث إنم ظلموه بتكلمهم ف قتله وإلقائه ف
الب وبيعه رقيقا لن ذهب به إل بلد الكفر فصار ملوكا لقوم كفار ث إن
يوسف ابتلي بعد أن ظلم بن يدعوه إل الفاحشة ويراود عليها ويستعي عليه بن
يعينه على ذلك فاستعصم واختار السجن على الفاحشة وآثر عذاب الدنيا على
سخط ال فكان مظلوما من جهة من أحبه لواه وغرضه الفاسد .فهذه الحبة
أحبته لوى مبوبا شفاؤها وشفاؤه إن وافقها وأولئك البغضون أبغضوه بغضة
أوجبت أن يصي ملقى ف الب ث أسيا ملوكا بغي اختياره فأولئك أخرجوه من
إطلق الرية إل رق العبودية الباطلة بغي اختياره وهذه ألأته إل أن اختار أن
يكون مبوسا مسجونا باختياره فكانت هذه أعظم ف منته وكان صبه هنا صبا
21
اختياريا اقترن به التقوى بلف صبه على ظلمهم فإن ذلك كان من باب
الصائب الت من ل يصب عليها صب الكرام سل سلو البهائم .والصب الثان أفضل
الصبين ؛ ولذا قال { :إنه من يتق ويصب فإن ال ل يضيع أجر الحسني } .
وهكذا إذا أوذي الؤمن على إيانه وطلب منه الكفر أو الفسوق أو العصيان وإن ل
يفعل أوذي وعوقب فاختار الذى والعقوبة على فراق دينه :إما البس وإما
الروج من بلده كما جرى للمهاجرين حيث اختاروا فراق الوطان على فراق
الدين وكانوا يعذبون ويؤذون .وقد أوذي النب صلى ال عليه وسلم بأنواع من
الذى فكان يصب عليها صبا اختياريا فإنه إنا يؤذى لئل يفعل ما يفعله باختياره
وكان هذا أعظم من صب يوسف :لن يوسف إنا طلب منه الفاحشة وإنا عوقب
إذا ل يفعل بالبس والنب صلى ال عليه وسلم وأصحابه طلب منهم الكفر وإذا ل
يفعلوا طلبت عقوبتهم بالقتل فما دونه وأهون ما عوقب به البس فإن الشركي
حبسوه وبن هاشم بالشعب مدة ث لا مات أبو طالب اشتدوا عليه فلما بايعت
النصار وعرفوا بذلك صاروا يقصدون منعه من الروج ويبسونه هو وأصحابه
عن ذلك ول يكن أحد يهاجر إل سرا إل عمر بن الطاب ونوه فكانوا قد
ألئوهم إل الروج من ديارهم ومع هذا منعوا من منعوه منهم عن ذلك وحبسوه
.فكان ما حصل للمؤمني من الذى والصائب هو باختيارهم طاعة ل ورسوله ل
يكن من الصائب السماوية الت تري بدون اختيار العبد من جنس حبس يوسف
ل من جنس التفريق بينه وبي أبيه وهذا أشرف النوعي وأهلها أعظم درجة -وإن
كان صاحب الصائب يثاب على صبه ورضاه وتكفر عنه الذنوب بصائبه -فإن
هذا أصيب وأوذي باختياره طاعة ل يثاب على نفس الصائب ويكتب له با عمل
صال .قال تعال { :ذلك بأنم ل يصيبهم ظمأ ول نصب ول ممصة ف سبيل
ال ول يطئون موطئا يغيظ الكفار ول ينالون من عدو نيل إل كتب لم به عمل
22
صال إن ال ل يضيع أجر الحسني } .بلف الصائب الت تري بل اختيار
العبد كالرض وموت العزيز عليه وأخذ اللصوص ماله فإن تلك إنا يثاب على
الصب عليها ل على نفس ما يدث من الصيبة ؛ لكن الصيبة يكفر با خطاياه فإن
الثواب إنا يكون على العمال الختيارية وما يتولد عنها .والذين يؤذون على
اليان وطاعة ال ورسوله ويدث لم بسبب ذلك حرج أو مرض أو حبس أو
فراق وطن وذهاب مال وأهل أو ضرب أو شتم أو نقص رياسة ومال هم ف ذلك
على طريقة النبياء وأتباعهم كالهاجرين الولي فهؤلء يثابون على ما يؤذون به
ويكتب لم به عمل صال كما يثاب الجاهد على ما يصيبه من الوع والعطش
والتعب وعلى غيظه الكفار وإن كانت هذه الثار ليست عمل فعله يقوم به لكنها
متسببة عن فعله الختياري وهي الت يقال لا متولدة .وقد اختلف الناس هل يقال
إنا فعل لفاعل السبب أو ل أو ل فاعل لا والصحيح أنا مشتركة بي فاعل
السبب وسائر السباب ولذا كتب له با عمل صال .والقصود أن " السد "
مرض من أمراض النفس وهو مرض غالب فل يلص منه إل قليل من الناس ولذا
يقال :ما خل جسد من حسد لكن اللئيم يبديه والكري يفيه .وقد قيل للحسن
البصري :أيسد الؤمن ؟ فقال ما أنساك إخوة يوسف ل أبا لك ولكن عمه ف
صدرك فإنه ل يضرك ما ل تعد به يدا ولسانا .فمن وجد ف نفسه حسدا لغيه
فعليه أن يستعمل معه التقوى والصب .فيكره ذلك من نفسه وكثي من الناس
الذين عندهم دين ل يعتدون على الحسود فل يعينون من ظلمه ولكنهم أيضا ل
يقومون با يب من حقه بل إذا ذمه أحد ل يوافقوه على ذمه ول يذكرون مامده
وكذلك لو مدحه أحد لسكتوا وهؤلء مدينون ف ترك الأمور ف حقه مفرطون ف
ذلك ؛ ل معتدون عليه وجزاؤهم أنم يبخسون حقوقهم فل ينصفون أيضا ف
مواضع ول ينصرون على من ظلمهم كما ل ينصروا هذا الحسود وأما من اعتدى
23
بقول أو فعل فذلك يعاقب .ومن اتقى ال وصب فلم يدخل ف الظالي نفعه ال
بتقواه :كما جرى لزينب بنت جحش -رضي ال عنها -فإنا كانت هي الت
تسامي عائشة من أزواج النب -صلى ال عليه وسلم -وحسد النساء بعضهن
لبعض كثي غالب ل سيما التزوجات بزوج واحد فإن الرأة تغار على زوجها
لظها منه فإنه بسبب الشاركة يفوت بعض حظها .وهكذا السد يقع كثيا بي
التشاركي ف رئاسة أو مال إذا أخذ بعضهم قسطا من ذلك وفات الخر ؛
ويكون بي النظراء لكراهة أحدها أن يفضل الخر عليه كحسد إخوة يوسف
كحسد ابن آدم أحدها لخيه فإنه حسده لكون أن ال تقبل قربانه ول يتقبل
قربان هذا ؛ فحسده على ما فضله ال من اليان والتقوى -كحسد اليهود
للمسلمي -وقتله على ذلك ؛ ولذا قيل أول ذنب عصي ال به ثلثة :الرص
والكب والسد .فالرص من آدم والكب من إبليس والسد من قابيل حيث قتل
هابيل .وف الديث { ثلث ل ينجو منهن أحد :السد والظن والطية .
وسأحدثكم با يرج من ذلك إذا حسدت فل تبغض وإذا ظننت فل تقق وإذا
تطيت فامض } رواه ابن أب الدنيا من حديث أب هريرة .وف السنن عن النب
صلى ال عليه وسلم { دب إليكم داء المم قبلكم :السد والبغضاء وهي الالقة
ل أقول تلق الشعر ولكن تلق الدين } فسماه داء كما سى البخل داء ف قوله :
{ وأي داء أدوأ من البخل } فعلم أن هذا مرض وقد جاء ف حديث آخر { أعوذ
بك من منكرات الخلق والهواء والدواء } فعطف الدواء على الخلق
والهواء .فإن " اللق " ما صار عادة للنفس وسجية .قال تعال { :وإنك لعلى
خلق عظيم } قال ابن عباس وابن عيينة وأحد بن حنبل رضي ال عنهم عنهم :
على دين عظيم وف لفظ عن ابن عباس :على دين السلم .وكذلك قالت
عائشة -رضي ال عنها : -كان خلقه القرآن .وكذلك قال السن البصري :
24
أدب القرآن هو اللق العظيم .وأما " الوى " فقد يكون عارضا والداء هو الرض
وهو تأل القلب والفساد فيه وقرن ف الديث الول السد بالبغضاء ؛ لن الاسد
يكره أول فضل ال على ذلك الغي ؛ ث ينتقل إل بغضه ؛ فإن بغض اللزم يقتضي
بغض اللزوم فإن نعمة ال إذا كانت لزمة وهو يب زوالا وهي ل تزول إل
بزواله أبغضه وأحب عدمه والسد يوجب البغي كما أخب ال تعال عمن قبلنا :
أنم اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم فلم يكن اختلفهم لعدم العلم بل
علموا الق ولكن بغى بعضهم على بعض كما يبغي الاسد على الحسود .وف
الصحيحي عن أنس بن مالك رضي ال عنه أن النب صلى ال عليه وسلم قال { :
ل تاسدوا ول تباغضوا ؛ ول تدابروا ول تقاطعوا وكونوا عباد ال إخوانا ول يل
لسلم أن يهجر أخاه فوق ثلث ليال :يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيها
الذي يبدأ بالسلم } وقد قال صلى ال عليه وسلم ف الديث التفق على صحته
من رواية أنس أيضا { والذي نفسي بيده ل يؤمن أحدكم حت يب لخيه ما
يب لنفسه } .وقد قال تعال { :وإن منكم لن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال
قد أنعم ال علي إذ ل أكن معهم شهيدا } { ولئن أصابكم فضل من ال ليقولن
كأن ل تكن بينكم وبينه مودة يا ليتن كنت معهم فأفوز فوزا عظيما } .فهؤلء
البطئون ل يبوا لخوانم الؤمني ما يبون لنفسهم بل إن أصابتهم مصيبة فرحوا
باختصاصهم وإن أصابتهم نعمة ل يفرحوا لم با بل أحبوا أن يكون لم منها حظ
فهم ل يفرحون إل بدنيا تصل لم أو شر دنيوي ينصرف عنهم إذا كانوا ل
يبون ال ورسوله والدار الخرة ولو كانوا كذلك لحبوا إخوانم وأحبوا ما
وصل إليهم من فضله وتألوا با يصيبهم من الصيبة ومن ل يسره ما يسر الؤمني
ويسوءه ما يسوء الؤمني فليس منهم .ففي الصحيحي عن عامر قال سعت
النعمان بن بشي يطب ويقول { :سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول :
25
مثل الؤمني ف توادهم وتراحهم وتعاطفهم مثل السد الواحد .إذا اشتكى منه
شيء تداعى له سائر السد بالمى والسهر } وف الصحيحي عن أب موسى
الشعري رضي ال عنه قال { :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم الؤمن
للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بي أصابعه } .والشح مرض والبخل
مرض والسد شر من البخل كما ف الديث الذي رواه أبو داود عن النب صلى
ال عليه وسلم أنه قال { :السد يأكل السنات كما تأكل النار الطب
والصدقة تطفئ الطيئة كما يطفئ الاء النار } وذلك أن البخيل ينع نفسه
والسود يكره نعمة ال على عباده وقد يكون ف الرجل إعطاء لن يعينه على
أغراضه وحسد لنظرائه وقد يكون فيه بل بل حسد لغيه والشح أصل ذلك .
وقال تعال { :ومن يوق شح نفسه فأولئك هم الفلحون } وف الصحيحي عن
النب صلى ال عليه وسلم أنه قال { :إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم
أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالظلم فظلموا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا } وكان
عبد الرحن بن عوف يكثر من الدعاء ف طوافه يقول :اللهم قن شح نفسي فقال
له رجل :ما أكثر ما تدعو بذا فقال :إذا وقيت شح نفسي وقيت الشح والظلم
والقطيعة .والسد يوجب الظلم .
فصل فالبخل والسد مرض يوجب بغض النفس لا ينفعها بل وحبها لا يضرها
ولذا يقرن السد بالقد والغضب وأما مرض الشهوة والعشق فهو حب النفس لا
يضرها وقد يقترن به بغضها لا ينفعها والعشق مرض نفسان وإذا قوي أثر ف البدن
فصار مرضا ف السم إما من أمراض الدماغ كالاليخوليا ؛ ولذا قيل فيه هو مرض
وسواسي شبيه بالاليخوليا وإما من أمراض البدن كالضعف والنحول ونو ذلك .
والقصود هنا " مرض القلب " فإنه أصل مبة النفس لا يضرها كالريض البدن
26
الذي يشتهي ما يضره وإذا ل يطعم ذلك تأل وإن أطعم ذلك قوي به الرض وزاد
.كذلك العاشق يضره اتصاله بالعشوق مشاهدة وملمسة وساعا بل ويضره
التفكر فيه والتخيل له وهو يشتهي ذلك فإن منع من مشتهاه تأل وتعذب وإن
أعطي مشتهاه قوي مرضه وكان سببا لزيادة الل .وف الديث { :أن ال يمي
عبده الؤمن الدنيا كما يمي أحدكم مريضه الطعام والشراب } وف مناجاة
موسى الأثورة عن وهب الت رواها المام أحد ف ( كتاب الزهد " { يقول ال
تعال :إن لذود أوليائي عن نعيم الدنيا ورخائها كما يذود الراعي الشفيق إبله
عن مراتع اللكة .وإن لجنبهم سكونا وعيشها كما ينب الراعي الشفيق إبله
عن مبارك الغرة وما ذلك لوانم علي ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامت سالا
موفرا ل تكلمه الدنيا ول يطفئه الوى } .وإنا شفاء الريض بزوال مرضه بل
بزوال ذلك الب الذموم من قلبه .والناس ف العشق على قولي :قيل إنه من
باب الرادات وهذا هو الشهور .وقيل :من باب التصورات وأنه فساد ف
التخييل حيث يتصور العشوق على ما هو به قال هؤلء :ولذا ل يوصف ال
بالعشق ول أنه يعشق ؛ لنه منه عن ذلك ول يمد من يتخيل فيه خيال فاسدا .
وأما الولون فمنهم من قال :يوصف بالعشق فإنه الحبة التامة ؛ وال يب ويب
وروي ف أثر عن عبد الواحد بن زيد أنه قال { :ل يزال عبدي يتقرب إل
يعشقن وأعشقه } وهذا قول بعض الصوفية .والمهور ل يطلقون هذا اللفظ ف
حق ال ؛ لن العشق هو الحبة الفرطة الزائدة على الد الذي ينبغي وال تعال
مبته ل ناية لا فليست تنتهي إل حد ل تنبغي ماوزته .قال هؤلء :والعشق
مذموم مطلقا ل يدح ل ف مبة الالق ول الخلوق لنه الحبة الفرطة الزائدة على
الد الحمود و ( أيضا فإن لفظ " العشق " إنا يستعمل ف العرف ف مبة النسان
لمرأة أو صب ل يستعمل ف مبة كمحبة الهل والال والوطن والاه ومبة النبياء
27
والصالي وهو مقرون كثيا بالفعل الحرم :إما بحبة امرأة أجنبية أو صب يقترن
به النظر الحرم واللمس الحرم وغي ذلك من الفعال الحرمة .وأما مبة الرجل
لمرأته أو سريته [ مبة ] ترجه عن العدل بيث يفعل لجلها ما ل يل ويترك ما
يب كما هو الواقع كثيا حت يظلم ابنه من امرأته العتيقة ؛ لحبته الديدة وحت
يفعل من مطالبها الذمومة ما يضره ف دينه ودنياه مثل أن يصها بياث ل
تستحقه أو يعطي أهلها من الولية والال ما يتعدى به حدود ال أو يسرف ف
النفاق عليها أو يلكها من أمور مرمة تضره ف دينه ودنياه وهذا ف عشق من
يباح له وطؤها .فكيف عشق الجنبية والذكران من العالي ؟ ففيه من الفساد ما
ل يصيه إل رب العباد وهو من المراض الت تفسد دين صاحبها وعرضه ث قد
تفسد عقله ث جسمه .قال تعال { :فل تضعن بالقول فيطمع الذي ف قلبه
مرض } .ومن ف قلبه مرض الشهوة وإرادة الصورة مت خضع الطلوب طمع
الريض والطمع الذي يقوي الرادة والطلب ويقوي الرض بذلك بلف ما إذا
كان آيسا من الطلوب فإن اليأس يزيل الطمع فتضعف الرادة فيضعف الب فإن
النسان ل يريد أن يطلب ما هو آيس منه فل يكون مع الرادة عمل أصل بل
يكون حديث نفس إل أن يقترن بذلك كلم أو نظر ونو ذلك فيأث بذلك .فأما
إذا ابتلي بالعشق وعف وصب فإنه يثاب على تقواه ال وقد روي ف الديث { :
أن من عشق فعف وكتم وصب ث مات كان شهيدا } وهو معروف من رواية يي
القتات عن ماهد عن ابن عباس مرفوعا وفيه نظر ول يتج بذا .لكن من العلوم
بأدلة الشرع أنه إذا عف عن الحرمات نظرا وقول وعمل وكتم ذلك فلم يتكلم به
حت ل يكون ف ذلك كلم مرم إما شكوى إل الخلوق وإما إظهار فاحشة وإما
نوع طلب للمعشوق وصب على طاعة ال وعن معصيته وعلى ما ف قلبه من أل
العشق كما يصب الصاب عن أل الصيبة ؛ فإن هذا يكون من اتقى ال وصب {
28
إنه من يتق ويصب فإن ال ل يضيع أجر الحسني } وهكذا مرض السد وغيه
من أمراض النفوس وإذا كانت النفس تطلب ما يبغضه ال فينهاها خشية من ال
كان من دخل ف قوله { :وأما من خاف مقام ربه ونى النفس عن الوى } {
فإن النة هي الأوى } فالنفس إذا أحبت شيئا سعت ف حصوله با يكن حت
تسعى ف أمور كثية تكون كلها مقامات لتلك الغاية فمن أحب مبة مذمومة أو
أبغض بغضا مذموما وفعل ذلك كان آثا مثل أن يبغض شخصا لسده له فيؤذي
من له به تعلق إما بنع حقوقهم ؛ أو بعدوان عليهم .أو لحبة له لواه معه فيفعل
لجله ما هو مرم أو ما هو مأمور به ل فيفعله لجل هواه ل ل وهذه أمراض
كثية ف النفوس والنسان قد يبغض شيئا فيبغض لجله أمورا كثية بجرد الوهم
واليال .وكذلك يب شيئا فيحب لجله أمورا كثية ؛ لجل الوهم واليال
كما قال شاعرهم :أحب لبها السودان حت أحب لبها سود الكلب فقد
أحب سوداء ؛ فأحب جنس السواد حت ف الكلب وهذا كله مرض ف القلب ف
تصوره وإرادته .فنسأل ال تعال أن يعاف قلوبنا من كل داء ؛ ونعوذ بال من
منكرات الخلق والهواء والدواء .والقلب إنا خلق لجل " حب ال تعال "
وهذه الفطرة الت فطر ال عليها عباده كما قال النب صلى ال عليه وسلم { كل
مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يجسانه ؛ كما تنتج البهيمة
بيمة جعاء هل تسون فيها من جدعاء ث يقول أبو هريرة رضي ال عنه اقرءوا إن
شئتم { :فطرة ال الت فطر الناس عليها ل تبديل للق ال } } أخرجه البخاري
ومسلم .فال سبحانه فطر عباده على مبته وعبادته وحده ؛ فإذا تركت الفطرة
بل فساد كان القلب عارفا بال مبا له عابدا له وحده لكن تفسد فطرته من مرضه
كأبويه يهودانه أو ينصرانه أو يجسانه وهذه كلها تغي فطرته الت فطره عليها وإن
كانت بقضاء ال وقدره -كما يغي البدن بالدع -ث قد يعود إل الفطرة إذا
29
يسر ال تعال لا من يسعى ف إعادتا إل الفطرة .والرسل صلى ال عليهم وسلم
بعثوا لتقرير الفطرة وتكميلها ل لتغيي الفطرة وتويلها وإذا كان القلب مبا ل
وحده ملصا له الدين ل يبتل بب غيه [ أصل ] فضل أن يبتلى بالعشق .وحيث
ابتلي بالعشق فلنقص مبته ل وحده .ولذا لا كان يوسف مبا ل ملصا له الدين
ل يبتل بذلك بل قال تعال { :كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من
عبادنا الخلصي } .وأما امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها فلهذا ابتليت
بالعشق وما يبتلى بالعشق أحد إل لنقص توحيده وإيانه وإل فالقلب النيب إل ال
الائف منه فيه صارفان يصرفان عن العشق ( :أحدها إنابته إل ال ومبته له فإن
ذلك ألذ وأطيب من كل شيء فل تبقى مع مبة ال مبة ملوق تزاحه .و ( الثان
خوفه من ال فإن الوف الضاد للعشق يصرفه وكل من أحب شيئا بعشق أو غي
عشق فإنه يصرف عن مبته بحبة ما هو أحب إليه منه إذا كان يزاحه وينصرف
عن مبته بوف حصول ضرر يكون أبغض إليه من ترك ذاك الب فإذا كان ال
أحب إل العبد من كل شيء وأخوف عنده من كل شيء ل يصل معه عشق ول
مزاحة إل عند غفلة أو عند ضعف هذا الب والوف بترك بعض الواجبات وفعل
بعض الحرمات فإن اليان يزيد بالطاعة وينقص بالعصية فكلما فعل العبد الطاعة
مبة ل وخوفا منه وترك العصية حبا له وخوفا منه قوي حبه له وخوفه منه فيزيل
ما ف القلب من مبة غيه ومافة غيه .وهكذا أمراض البدان :فإن الصحة
تفظ بالثل والرض يدفع بالضد فصحة القلب باليان تفظ بالثل وهو ما يورث
القلب إيانا من العلم النافع والعمل الصال فتلك أغذية له كما ف حديث ابن
مسعود مرفوعا وموقوفا { إن كل آدب يب أن تؤتى مأدبته وأن مأدبة ال هي
القرآن } والدب الضيف فهو ضيافة ال لعباده .مثل آخر الليل وأوقات الذان
والقامة وف سجوده وف أدبار الصلوات ويضم إل ذلك الستغفار ؛ فإنه من
30
استغفر ال ث تاب إليه متعه متاعا حسنا إل أجل مسمى .وليتخذ وردا من "
الذكار " ف النهار ووقت النوم وليصب على ما يعرض له من الوانع والصوارف
فإنه ل يلبث أن يؤيده ال بروح منه ويكتب اليان ف قلبه .وليحرص على
إكمال الفرائض من الصلوات المس باطنة وظاهرة فإنا عمود الدين وليكن
هجياه ل حول ول قوة إل بال فإنا با تمل الثقال وتكابد الهوال وينال رفيع
الحوال .ول يسأم من الدعاء والطلب فإن العبد يستجاب له ما ل يعجل فيقول
:قد دعوت ودعوت فلم يستجب ل وليعلم أن النصر مع الصب وأن الفرج مع
الكرب وأن مع العسر يسرا ول ينل أحد شيئا من ختم الي نب فمن دونه إل
بالصب .والمد ل رب العالي وله المد والنة على السلم والسنة حدا يكافئ
نعمه الظاهرة والباطنة وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلله .وصلى ال على سيدنا
ممد وعلى آله وأصحابه وأزواجه أمهات الؤمني والتابعي لم بإحسان إل يوم
الدين .وسلم تسليما كثيا .
31