You are on page 1of 31

‫رسالة في أمراض‬

‫القلوب وشفاؤها‬
‫شيخ السلم ابن تيمية‬
‫مكتبة مشكاة السلمية‬

‫‪1‬‬
‫وقال شيخ السلم تقي الدين أحد ابن تيمية رحه ال تعال المد ل نستعينه‬
‫ونستغفره ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد ال فل مضل‬
‫له ومن يضلل فل هادي له ‪ .‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له وأشهد‬
‫أن ممدا عبده ورسوله صلى ال عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما‬
‫فصل " ف مرض القلوب وشفائها "‬
‫قال ال تعال عن النافقي ‪ { :‬ف قلوبم مرض فزادهم ال مرضا } وقال تعال ‪:‬‬
‫{ ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين ف قلوبم مرض والقاسية قلوبم } وقال ‪:‬‬
‫{ لئن ل ينته النافقون والذين ف قلوبم مرض والرجفون ف الدينة لنغرينك بم ث‬
‫ل ياورونك فيها إل قليل } وقال ‪ { :‬ول يرتاب الذين أوتوا الكتاب والؤمنون‬
‫وليقول الذين ف قلوبم مرض والكافرون ماذا أراد ال بذا مثل } وقال تعال ‪{ :‬‬
‫قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لا ف الصدور وهدى ورحة للمؤمني }‬
‫وقال ‪ { :‬وننل من القرآن ما هو شفاء ورحة للمؤمني ول يزيد الظالي إل‬
‫خسارا } وقال ‪ { :‬ويشف صدور قوم مؤمني } { ويذهب غيظ قلوبم } ‪ .‬و‬
‫" مرض البدن " خلف صحته وصلحه وهو فساد يكون فيه يفسد به إدراكه‬
‫وحركته الطبيعية فإدراكه إما أن يذهب كالعمى والصمم ‪ .‬وإما أن يدرك الشياء‬
‫على خلف ما هي عليه كما يدرك اللو مرا وكما ييل إليه أشياء ل حقيقة لا ف‬
‫الارج ‪ .‬وأما فساد حركته الطبيعية فمثل أن تضعف قوته عن الضم أو مثل أن‬
‫يبغض الغذية الت يتاج إليها ويب الشياء الت تضره ويصل له من اللم‬
‫بسب ذلك ؛ ولكن مع ذلك الرض ل يت ول يهلك ؛ بل فيه نوع قوة على‬
‫إدراك الركة الرادية ف الملة [ فيتولد من ذلك ] أل يصل ف البدن إما بسبب‬
‫فساد الكمية أو الكيفية ‪ ( :‬فالول أما نقص الادة فيحتاج إل غذاء وأما بسبب‬

‫‪2‬‬
‫زياداتا فيحتاج إل استفراغ ‪ .‬و ( الثان كقوة ف الرارة والبودة خارج عن‬
‫العتدال فيداوى ‪.‬‬

‫فصل وكذلك " مرض القلب "‬


‫هو نوع فساد يصل له يفسد به تصوره وإرادته فتصوره بالشبهات الت تعرض له‬
‫حت ل يرى الق أو يراه على خلف ما هو عليه وإرادته بيث يبغض الق النافع‬
‫ويب الباطل الضار ؛ فلهذا يفسر الرض تارة بالشك والريب ‪ .‬كما فسر ماهد‬
‫وقتادة قوله ‪ { :‬ف قلوبم مرض } أي شك ‪ .‬وتارة يفسر بشهوة الزنا كما فسر‬
‫به قوله ‪ { :‬فيطمع الذي ف قلبه مرض } ‪ .‬ولذا صنف الرائطي " كتاب اعتلل‬
‫القلوب " أي مرضها وأراد به مرضها بالشهوة والريض يؤذيه ما ل يؤذي الصحيح‬
‫فيضره يسي الر والبد والعمل ونو ذلك من المور الت ل يقوى عليها لضعفه‬
‫بالرض ‪ .‬والرض ف الملة يضعف الريض بعل قوته ضعيفة ل تطيق ما يطيقه‬
‫القوي والصحة تفظ بالثل وتزال بالضد والرض يقوى بثل سببه ‪ .‬ويزول بضده‬
‫فإذا حصل للمريض مثل سبب مرضه زاد مرضه وزاد ضعف قوته حت ربا يهلك‬
‫‪ .‬وإن حصل له ما يقوي القوة ويزيل الرض كان بالعكس ‪ .‬و " مرض القلب "‬
‫أل يصل ف القلب كالغيظ من عدو استول عليك فإن ذلك يؤل القلب ‪ .‬قال ال‬
‫تعال ‪ { :‬ويشف صدور قوم مؤمني } { ويذهب غيظ قلوبم } فشفاؤهم‬
‫بزوال ما حصل ف قلوبم من الل ويقال ‪ :‬فلن شفي غيظه وف القود استشفاء‬
‫أولياء القتول ونو ذلك ‪ .‬فهذا شفاء من الغم والغيظ والزن وكل هذه آلم‬
‫تصل ف النفس ‪ .‬وكذلك " الشك والهل " يؤل القلب قال النب صلى ال عليه‬
‫وسلم { هل سألوا إذا ل يعلموا فإنا شفاء العي السؤال } ‪ .‬والشاك ف الشيء‬
‫الرتاب فيه يتأل قلبه حت يصل له العلم واليقي ويقال للعال الذي أجاب با يبي‬

‫‪3‬‬
‫الق ‪ :‬قد شفان بالواب ‪ .‬والرض دون الوت فالقلب يوت بالهل الطلق‬
‫ويرض بنوع من الهل فله موت ومرض وحياة وشفاء وحياته وموته ومرضه‬
‫وشفاؤه أعظم من حياة البدن وموته ومرضه وشفائه فلهذا مرض القلب إذا ورد‬
‫عليه شبهة أو شهوة قوت مرضه وإن حصلت له حكمة وموعظة كانت من‬
‫أسباب صلحه وشفائه ‪ .‬قال تعال ‪ { :‬ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين ف‬
‫قلوبم مرض } لن ذلك أورث شبهة عندهم والقاسية قلوبم ليبسها فأولئك‬
‫قلوبم ضعيفة بالرض فصار ما ألقى الشيطان فتنة لم وهؤلء كانت قلوبم قاسية‬
‫عن اليان فصار فتنة لم ‪ .‬وقال ‪ { :‬لئن ل ينته النافقون والذين ف قلوبم مرض‬
‫والرجفون ف الدينة } كما قال ‪ { :‬وليقول الذين ف قلوبم مرض } ل تت‬
‫قلوبم كموت الكفار والنافقي وليست صحيحة صالة كصال قلوب الؤمني بل‬
‫فيها مرض شبهة وشهوات وكذلك { فيطمع الذي ف قلبه مرض } وهو مرض‬
‫الشهوة فإن القلب الصحيح لو تعرضت له الرأة ل يلتفت إليها بلف القلب‬
‫الريض بالشهوة فإنه لضعفه ييل إل ما يعرض له من ذلك بسب قوة الرض‬
‫وضعفه فإذا خضعن بالقول طمع الذي ف قلبه مرض ‪ .‬والقرآن شفاء لا ف‬
‫الصدور ومن ف قلبه أمراض الشبهات والشهوات ففيه من البينات ما يزيل الق‬
‫من الباطل فيزيل أمراض الشبهة الفسدة للعلم والتصور والدراك بيث يرى‬
‫الشياء على ما هي عليه وفيه من الكمة والوعظة السنة بالترغيب والترهيب‬
‫والقصص الت فيها عبة ما يوجب صلح القلب فيغب القلب فيما ينفعه ويرغب‬
‫عما يضره فيبقى القلب مبا للرشاد مبغضا للغي بعد أن كان مريدا للغي مبغضا‬
‫للرشاد ‪ .‬فالقرآن مزيل للمراض الوجبة للرادات الفاسدة حت يصلح القلب‬
‫فتصلح إرادته ويعود إل فطرته الت فطر عليها كما يعود البدن إل الال الطبيعي‬
‫ويغتذي القلب من اليان والقرآن با يزكيه ويؤيده كما يغتذي البدن با ينميه‬

‫‪4‬‬
‫ويقومه فإن زكاة القلب مثل ناء البدن ‪ .‬و " الزكاة ف اللغة " النماء والزيادة ف‬
‫الصلح ‪ .‬يقال ‪ :‬زكا الشيء إذا نا ف الصلح فالقلب يتاج أن يترب فينمو‬
‫ويزيد حت يكمل ويصلح كما يتاج البدن أن يرب بالغذية الصلحة له ول بد مع‬
‫ذلك من منع ما يضره فل ينمو البدن إل بإعطاء ما ينفعه ومنع ما يضره كذلك‬
‫القلب ل يزكو فينمو ويتم صلحه إل بصول ما ينفعه ودفع ما يضره وكذلك‬
‫الزرع ل يزكو إل بذا ‪ .‬و " الصدقة " لا كانت تطفئ الطيئة كما يطفئ الاء‬
‫النار صار القلب يزكو با وزكاته معن زائد على طهارته من الذنب ‪ .‬قال ال‬
‫تعال ‪ { :‬خذ من أموالم صدقة تطهرهم وتزكيهم با } وكذلك ترك الفواحش‬
‫يزكو با القلب ‪ .‬وكذلك ترك العاصي فإنا بنلة الخلط الرديئة ف البدن ومثل‬
‫الدغل ف الزرع فإذا استفرغ البدن من الخلط الرديئة كاستخراج الدم الزائد‬
‫تلصت القوة الطبيعية واستراحت فينمو البدن وكذلك القلب إذا تاب من الذنوب‬
‫كان استفراغا من تليطاته حيث خلط عمل صالا وآخر سيئا فإذا تاب من‬
‫الذنوب تلصت قوة القلب وإراداته للعمال الصالة واستراح القلب من تلك‬
‫الوادث الفاسدة الت كانت فيه ‪ .‬فزكاة القلب بيث ينمو ويكمل ‪ .‬قال تعال ‪:‬‬
‫{ ولول فضل ال عليكم ورحته ما زكا منكم من أحد أبدا } وقال تعال ‪{ :‬‬
‫وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم } وقال ‪ { :‬قل للمؤمني يغضوا من‬
‫أبصارهم ويفظوا فروجهم ذلك أزكى لم إن ال خبي با يصنعون } وقال تعال‬
‫‪ { :‬قد أفلح من تزكى } { وذكر اسم ربه فصلى } وقال تعال ‪ { :‬قد أفلح من‬
‫زكاها } { وقد خاب من دساها } وقال تعال ‪ { :‬وما يدريك لعله يزكى }‬
‫وقال تعال ‪ { :‬فقل هل لك إل أن تزكى } { وأهديك إل ربك فتخشى }‬
‫فالتزكية وإن كان أصلها النماء والبكة وزيادة الي فإنا تصل بإزالة الشر ؛ فلهذا‬
‫صار التزكي يمع هذا وهذا ‪ .‬وقال ‪ { :‬وويل للمشركي } { الذين ل يؤتون‬

‫‪5‬‬
‫الزكاة } وهي التوحيد واليان الذي به يزكو القلب فإنه يتضمن نفي إلية ما‬
‫سوى الق من القلب وإثبات إلية الق ف القلب وهو حقيقة ل إله إل ال ‪ .‬وهذا‬
‫أصل ما تزكو به القلوب ‪ .‬والتزكية جعل الشيء زكيا ‪ :‬إما ف ذاته وإما ف‬
‫العتقاد والب ؛ كما يقال عدلته إذا جعلته عدل ف نفسه أو ف اعتقاد الناس قال‬
‫تعال ‪ { :‬فل تزكوا أنفسكم } أي تبوا بزكاتا وهذا غي قوله ‪ { :‬قد أفلح من‬
‫زكاها } ولذا قال ‪ { :‬هو أعلم بن اتقى } وكان اسم زينب برة فقيل تزكي‬
‫نفسها فسماها رسول ال صلى ال عليه وسلم زينب ‪ .‬وأما قوله ‪ { :‬أل تر إل‬
‫الذين يزكون أنفسهم بل ال يزكي من يشاء } أي يعله زاكيا ويب بزكاته كما‬
‫يزكي الزكي الشهود فيخب بعدلم ‪ .‬و " العدل " هو العتدال والعتدال هو‬
‫صلح القلب كما أن الظلم فساده ولذا جيع الذنوب يكون الرجل فيها ظالا‬
‫لنفسه والظلم خلف العدل فلم يعدل على نفسه ؛ بل ظلمها ؛ فصلح القلب ف‬
‫العدل وفساده ف الظلم وإذا ظلم العبد نفسه فهو الظال وهو الظلوم كذلك إذا‬
‫عدل فهو العادل والعدول عليه فمنه العمل وعليه تعود ثرة العمل من خي وشر ‪.‬‬
‫قال تعال ‪ { :‬لا ما كسبت وعليها ما اكتسبت } ‪ .‬والعمل له أثر ف القلب من‬
‫نفع وضر وصلح قبل أثره ف الارج فصلحها عدل لا وفسادها ظلم لا قال‬
‫تعال ‪ { :‬من عمل صالا فلنفسه ومن أساء فعليها } وقال تعال ‪ { :‬إن أحسنتم‬
‫أحسنتم لنفسكم وإن أسأت فلها } قال بعض السلف ‪ :‬إن للحسنة لنورا ف‬
‫القلب وقوة ف البدن وضياء ف الوجه وسعة ف الرزق ومبة ف قلوب اللق وإن‬
‫للسيئة لظلمة ف القلب وسوادا ف الوجه ووهنا ف البدن ونقصا ف الرزق وبغضا‬
‫ف قلوب اللق ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬كل امرئ با كسب رهي } وقال تعال ‪{ :‬‬
‫كل نفس با كسبت رهينة } وقال ‪ { :‬وذكر به أن تبسل نفس با كسبت ليس‬
‫لا من دون ال ول ول شفيع وإن تعدل كل عدل ل يؤخذ منها أولئك الذين‬

‫‪6‬‬
‫أبسلوا با كسبوا } وتبسل أي ترتن وتبس وتؤسر ؛ كما أن السد إذا صح من‬
‫مرضه قيل قد اعتدل مزاجه والرض إنا هو بإخراج الزاج مع أن العتدال الحض‬
‫السال من الخلط ل سبيل إليه لكن المثل ؛ فالمثل ؛ فهكذا صحة القلب‬
‫وصلحه ف العدل ومرضه من الزيغ والظلم والنراف ‪ .‬والعدل الحض ف كل‬
‫شيء متعذر علما وعمل ولكن المثل فالمثل ؛ ولذا يقال ‪ :‬هذا أمثل ويقال‬
‫للطريقة السلفية ‪ :‬الطريقة الثلى ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬ولن تستطيعوا أن تعدلوا بي‬
‫النساء ولو حرصتم } وقال تعال ‪ { :‬وأوفوا الكيل واليزان بالقسط ل نكلف‬
‫نفسا إل وسعها } ‪ .‬وال تعال بعث الرسل وأنزل الكتب ليقوم الناس بالقسط‬
‫وأعظم القسط عبادة ال وحده ل شريك له ث العدل على الناس ف حقوقهم ث‬
‫العدل على النفس ‪ .‬والظلم " ثلثة أنواع " ‪ :‬والظلم كله من أمراض القلوب‬
‫والعدل صحتها وصلحها ‪ .‬قال أحد بن حنبل لبعض الناس ‪ :‬لو صححت ل‬
‫تف أحدا أي خوفك من الخلوق هو من مرض فيك كمرض الشرك والذنوب ‪.‬‬
‫وأصل صلح القلب هو حياته واستنارته قال تعال ‪ { :‬أومن كان ميتا فأحييناه‬
‫وجعلنا له نورا يشي به ف الناس كمن مثله ف الظلمات ليس بارج منها } ‪.‬‬
‫لذلك ذكر ال حياة القلوب ونورها وموتا وظلمتها ف غي موضع ‪ .‬كقوله ‪{ :‬‬
‫لينذر من كان حيا ويق القول على الكافرين } وقوله تعال { يا أيها الذين آمنوا‬
‫استجيبوا ل وللرسول إذا دعاكم لا يييكم } ث قال ‪ { :‬واعلموا أن ال يول‬
‫بي الرء وقلبه وأنه إليه تشرون } وقال تعال ‪ { :‬يرج الي من اليت ويرج‬
‫اليت من الي } ‪ .‬ومن أنواعه أنه يرج الؤمن من الكافر والكافر من الؤمن ‪.‬‬
‫وف الديث الصحيح { مثل البيت الذي يذكر ال فيه والبيت الذي ل يذكر ال‬
‫فيه مثل الي واليت } وف الصحيح أيضا ‪ { :‬اجعلوا من صلتكم ف بيوتكم ول‬
‫تتخذوها قبورا } ‪ .‬وقد قال تعال ‪ { :‬والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم ف‬

‫‪7‬‬
‫الظلمات } وذكر سبحانه آية النور وآية الظلمة فقال ‪ { :‬ال نور السماوات‬
‫والرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح الصباح ف زجاجة الزجاجة كأنا‬
‫كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها يضيء‬
‫ولو ل تسسه نار نور على نور } فهذا مثل نور اليان ف قلوب الؤمني ث قال ‪:‬‬
‫{ والذين كفروا أعمالم كسراب بقيعة يسبه الظمآن ماء حت إذا جاءه ل يده‬
‫شيئا ووجد ال عنده فوفاه حسابه وال سريع الساب أو كظلمات ف بر لي‬
‫يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج‬
‫يده ل يكد يراها ومن ل يعل ال له نورا فما له من نور } ‪ ( .‬فالول مثل‬
‫العتقادات الفاسدة والعمال التابعة لا يسبها صاحبها شيئا ينفعه فإذا جاءها ل‬
‫يدها شيئا ينفعه فوفاه ال حسابه على تلك العمال ‪ .‬و ( الثان ‪ :‬مثل للجهل‬
‫البسيط وعدم اليان والعلم فإن صاحبها ف ظلمات بعضها فوق بعض ل يبصر‬
‫شيئا ؛ فإن البصر إنا هو بنور اليان والعلم ‪ .‬قال تعال ‪ { :‬إن الذين اتقوا إذا‬
‫مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } وقال تعال ‪ { .‬ولقد هت‬
‫به وهم با لول أن رأى برهان ربه } وهو برهان اليان الذي حصل ف قلبه‬
‫فصرف ال به ما كان هم به وكتب له حسنة كاملة ول يكتب عليه خطيئة إذ فعل‬
‫خيا ول يفعل سيئة ‪ .‬وقال تعال ‪ { :‬لتخرج الناس من الظلمات إل النور }‬
‫وقال ‪ { :‬ال ول الذين آمنوا يرجهم من الظلمات إل النور والذين كفروا‬
‫أولياؤهم الطاغوت يرجونم من النور إل الظلمات } وقال ‪ { :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا اتقوا ال وآمنوا برسوله يؤتكم كفلي من رحته ويعل لكم نورا تشون به }‬
‫‪ .‬ولذا ضرب ال لليان " مثلي " ‪ .‬مثل بالاء الذي به الياة وما يقترن به من‬
‫الزبد ومثل بالنار الت با النور وما يقترن با يوقد عليه من الزبد ‪ .‬وكذلك ضرب‬
‫ال للنفاق " مثلي " قال تعال ‪ { :‬أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها‬

‫‪8‬‬
‫فاحتمل السيل زبدا رابيا وما يوقدون عليه ف النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله‬
‫كذلك يضرب ال الق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس‬
‫فيمكث ف الرض كذلك يضرب ال المثال } وقال تعال ف النافقي ‪ { :‬مثلهم‬
‫كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب ال بنورهم وتركهم ف‬
‫ظلمات ل يبصرون } { صم بكم عمي فهم ل يرجعون } { أو كصيب من‬
‫السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يعلون أصابعهم ف آذانم من الصواعق حذر‬
‫الوت وال ميط بالكافرين } { يكاد البق يطف أبصارهم كلما أضاء لم مشوا‬
‫فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء ال لذهب بسمعهم وأبصارهم إن ال على كل‬
‫شيء قدير } ‪ .‬فضرب لم مثل كالذي أوقد النار كلما أضاءت أطفأها ال والثل‬
‫الائي كالثل النازل من السماء وفيه ظلمات ورعد وبرق يرى ‪ .‬ولبسط الكلم ف‬
‫هذه المثال موضع آخر ‪ .‬وإنا القصود هنا ذكر حياة القلوب وإنارتا وف الدعاء‬
‫الأثور { اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا } ‪ .‬و " الربيع " هو الطر الذي‬
‫ينل من السماء فينبت به النبات قال النب صلى ال عليه وسلم { إن ما ينبت‬
‫الربيع ما يقتل حبطا أو يلم } ‪ .‬والفصل الذي ينل فيه أول الطر تسميه العرب‬
‫الربيع لنول الطر الذي ينبت الربيع فيه وغيهم يسمي الربيع الفصل الذي يلي‬
‫الشتاء ؛ فإن فيه ترج الزهار الت تلق منها الثمار وتنبت الوراق على الشجار‬
‫‪ .‬والقلب الي النور ؛ فإنه لا فيه من النور يسمع ويبصر ويعقل والقلب اليت فإنه‬
‫ل يسمع ول يبصر ‪ .‬قال تعال ‪ { :‬ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق با ل‬
‫يسمع إل دعاء ونداء صم بكم عمي فهم ل يعقلون } وقال تعال ‪ { :‬ومنهم من‬
‫يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا ل يعقلون } { ومنهم من ينظر‬
‫إليك أفأنت تدي العمي ولو كانوا ل يبصرون } وقال تعال ‪ { :‬ومنهم من‬
‫يستمع إليك وجعلنا على قلوبم أكنة أن يفقهوه وف آذانم وقرا وإن يروا كل آية‬

‫‪9‬‬
‫ل يؤمنوا با حت إذا جاءوك يادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إل أساطي‬
‫الولي } اليات ‪ .‬فأخب أنم ل يفقهون بقلوبم ول يسمعون بآذانم ول يؤمنون‬
‫با رأوه من النار كما أخب عنهم حيث قالوا ‪ { :‬قلوبنا ف أكنة ما تدعونا إليه وف‬
‫آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب } ‪ .‬فذكروا الوانع على القلوب ‪ ،‬والسمع‬
‫والبصار وأبدانم حية تسمع الصوات وترى الشخاص ؛ لكن حياة البدن بدون‬
‫حياة القلب من جنس حياة البهائم لا سع وبصر وهي تأكل وتشرب وتنكح ولذا‬
‫قال تعال ‪ { :‬ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق با ل يسمع إل دعاء ونداء }‬
‫‪ .‬فشبههم بالغنم الذي ينعق با الراعي وهي ل تسمع إل نداء ‪ .‬كما قال ف الية‬
‫الخرى ‪ { :‬أم تسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إل كالنعام بل هم‬
‫أضل سبيل } وقال تعال ‪ { :‬ولقد ذرأنا لهنم كثيا من الن والنس لم قلوب‬
‫ل يفقهون با ولم أعي ل يبصرون با ولم آذان ل يسمعون با أولئك كالنعام‬
‫بل هم أضل } فطائفة من الفسرين تقول ف هذه اليات وما أشبهها كقوله ‪{ :‬‬
‫وإذا مس النسان الضر دعانا لنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن‬
‫ل يدعنا إل ضر مسه } وأمثالا ما ذكر ال ف عيوب النسان وذمها فيقول هؤلء‬
‫‪ :‬هذه الية ف الكفار والراد بالنسان هنا الكافر فيبقى من يسمع ذلك يظن أنه‬
‫ليس لن يظهر السلم ف هذا الذم والوعيد نصيب ؛ بل يذهب وهه إل من كان‬
‫مظهرا للشرك من العرب أو إل من يعرفهم من مظهري الكفر كاليهود والنصارى‬
‫ومشركي الترك والند ‪ .‬ونو ذلك فل ينتفع بذه اليات الت أنزلا ال ليهتدي با‬
‫عباده ‪ .‬فيقال ‪ - :‬أول ‪ : -‬الظهرون للسلم فيهم مؤمن ومنافق والنافقون‬
‫كثيون ف كل زمان والنافقون ف الدرك السفل من النار ‪ .‬ويقال ‪ " :‬ثانيا "‬
‫النسان قد يكون عنده شعبة من نفاق وكفر وإن كان معه إيان كما قال النب‬
‫صلى ال عليه وسلم ف الديث التفق عليه ‪ { :‬أربع من كن فيه كان منافقا‬

‫‪10‬‬
‫خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حت يدعها ‪ :‬إذا‬
‫حدث كذب وإذا اؤتن خان وإذا عاهد غدر ‪ .‬وإذا خاصم فجر } فأخب أنه من‬
‫كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق ‪ .‬وقد ثبت ف الديث‬
‫الصحيح أنه قال لب ذر رضي ال عنه { إنك امرؤ فيك جاهلية } وأبو ذر ‪-‬‬
‫رضي ال عنه ‪ -‬من أصدق الناس إيانا وقال ف الديث الصحيح ‪ { :‬أربع ف‬
‫أمت من أمر الاهلية ‪ :‬الفخر بالحساب والطعن ف النساب والنياحة والستسقاء‬
‫بالنجوم } وقال ف الديث الصحيح { لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة‬
‫بالقذة حت لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ‪ .‬قالوا ‪ :‬اليهود والنصارى قال ‪ :‬فمن‬
‫} وقال أيضا ف الديث الصحيح ‪ { :‬لتأخذن أمت ما أخذت المم قبلها شبا‬
‫بشب وذراعا بذراع ‪ .‬قالوا ‪ :‬فارس والروم قال ‪ :‬ومن الناس إل هؤلء } ‪ .‬وقال‬
‫ابن أب مليكة ‪ :‬أدركت ثلثي من أصحاب ممد ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬كلهم‬
‫ياف النفاق على نفسه وعن علي ‪ -‬أو حذيفة ‪ -‬رضي ال عنهما ما ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫القلوب " أربعة " ‪ .‬قلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب الؤمن وقلب أغلف‬
‫فذاك قلب الكافر وقلب منكوس ‪ .‬فذاك قلب النافق وقلب فيه مادتان ‪ :‬مادة تده‬
‫اليان ومادة تده النفاق فأولئك قوم خلطوا عمل صالا وآخر سيئا ‪ .‬وإذا عرف‬
‫هذا علم أن كل عبد ينتفع با ذكر ال ف اليان من مدح شعب اليان وذم شعب‬
‫الكفر وهذا كما يقول بعضهم ف قوله ‪ { :‬اهدنا الصراط الستقيم } ‪ .‬فيقولون‬
‫الؤمن قد هدي إل الصراط الستقيم فأي فائدة ف طلب الدى ث ييب بعضهم‬
‫بأن الراد ثبتنا على الدى كما تقول العرب للنائم ‪ :‬ن حت آتيك أو يقول بعضهم‬
‫ألزم قلوبنا الدى فحذف اللزوم ويقول بعضهم زدن هدى وإنا يوردون هذا‬
‫السؤال لعدم تصورهم الصراط الستقيم الذي يطلب العبد الداية إليه ؛ فإن الراد‬
‫به العمل با أمر ال به وترك ما نى ال عنه ف جيع المور ‪ .‬والنسان وإن كان‬

‫‪11‬‬
‫أقر بأن ممدا رسول ال وأن القرآن حق على سبيل الجال فأكثر ما يتاج إليه‬
‫من العلم با ينفعه ويضره وما أمر به وما نى عنه ف تفاصيل المور وجزئياتا ل‬
‫يعرفه وما عرفه فكثي منه ل يعمل بعلمه ولو قدر أنه بلغه كل أمر وني ف القرآن‬
‫والسنة فالقرآن والسنة إنا تذكر فيهما المور العامة الكلية ل يكن غي ذلك ل‬
‫تذكر ما يص به كل عبد ولذا أمر النسان ف مثل ذلك بسؤال الدى إل‬
‫الصراط الستقيم ‪ .‬والدى إل الصراط الستقيم يتناول هذا كله يتناول التعريف با‬
‫جاء به الرسول مفصل ويتناول التعريف با يدخل ف أوامره الكليات ويتناول إلام‬
‫العمل بعلمه فإن مرد العلم بالق ل يصل به الهتداء إن ل يعمل بعلمه ولذا قال‬
‫لنبيه بعد صلح الديبية ‪ { :‬إنا فتحنا لك فتحا مبينا } { ليغفر لك ال ما تقدم‬
‫من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما } وقال ف حق‬
‫موسى وهارون ‪ { :‬وآتيناها الكتاب الستبي } { وهديناها الصراط الستقيم }‬
‫والسلمون قد تنازعوا فيما شاء ال من المور البية والعلمية العتقادية والعملية‬
‫مع أنم كلهم متفقون على أن ممدا حق والقرآن حق فلو حصل لكل منهم الدى‬
‫إل الصراط الستقيم فيما اختلفوا فيه ل يتلفوا ث الذين علموا ما أمر ال به‬
‫أكثرهم يعصونه و [ ل ] يتذون حذوه فلو هدوا إل الصراط الستقيم ف تلك‬
‫العمال لفعلوا ما أمروا به وتركوا ما نوا عنه والذين هداهم ال من هذه المة‬
‫حت صاروا من أولياء ال التقي كان من أعظم أسباب ذلك دعاؤهم ال بذا‬
‫الدعاء ف كل صلة مع علمهم باجتهم وفاقتهم إل ال دائما ف أن يهديهم‬
‫الصراط الستقيم ‪ .‬فبدوام هذا الدعاء والفتقار صاروا من أولياء ال التقي ‪ .‬قال‬
‫سهل بن عبد ال التستري ليس بي العبد وبي ربه طريق أقرب إليه من الفتقار‬
‫وما حصل فيه الدى ف الاضي فهو متاج إل حصول الدى فيه ف الستقبل وهذا‬
‫حقيقة قول من يقول ‪ :‬ثبتنا واهدنا لزوم الصراط ‪ .‬وقول من قال ‪ :‬زدنا هدى‬

‫‪12‬‬
‫يتناول ما تقدم ؛ لكن هذا كله هدى منه ف الستقبل إل الصراط الستقيم ؛ فإن‬
‫العمل ف الستقبل بالعلم ل يصل بعد ول يكون مهتديا حت يعمل ف الستقبل‬
‫بالعلم وقد ل يصل العلم ف الستقبل بل يزول عن القلب وإن حصل فقد ل‬
‫يصل العمل فالناس كلهم مضطرون إل هذا الدعاء ؛ ولذا فرضه ال عليهم ف‬
‫كل صلة فليسوا إل شيء من الدعاء أحوج منهم إليه وإذا حصل الدى إل‬
‫الصراط الستقيم حصل النصر والرزق وسائر ما تطلب النفوس من السعادة وال‬
‫أعلم ‪.‬‬

‫واعلم أن حياة القلب وحياة غيه ليست مرد الس والركة الرادية أو مرد‬
‫العلم والقدرة كما يظن ذلك طائفة من النظار ف علم ال وقدرته كأب السي‬
‫البصري ‪ .‬قالوا ‪ :‬إن حياته أنه بيث يعلم ويقدر بل الياة صفة قائمة بالوصوف‬
‫وهي شرط ف العلم والرادة والقدرة على الفعال الختيارية وهي أيضا مستلزمة‬
‫لذلك فكل حي له شعور وإرادة وعمل اختياري بقدرة وكل ما له علم وإرادة‬
‫وعمل اختياري فهو حي ‪ .‬والياء مشتق من الياة ؛ فإن القلب الي يكون‬
‫صاحبه حيا فيه حياء ينعه عن القبائح فإن حياة القلب هي الانعة من القبائح الت‬
‫تفسد القلب ولذا قال النب صلى ال عليه وسلم { الياء من اليان } وقال ‪{ :‬‬
‫الياء والعي شعبتان من اليان ‪ .‬والبذاء والبيان شعبتان من النفاق } فإن الي‬
‫يدفع ما يؤذيه ؛ بلف اليت الذي ل حياة فيه [ فإنه ] يسمى وقحا والوقاحة‬
‫الصلبة وهو اليبس الخالف لرطوبة الياة فإذا كان وقحا يابسا صليب الوجه ل‬
‫يكن ف قلبه حياة توجب حياءه ‪ ،‬وامتناعه من القبح كالرض اليابسة ل يؤثر فيها‬
‫وطء القدام بلف الرض الضرة ‪ .‬ولذا كان الي يظهر عليه التأثر بالقبح وله‬
‫إرادة تنعه عن فعل القبح بلف الوقح الذي ليس بي فل حياء معه ول إيان‬

‫‪13‬‬
‫يزجره عن ذلك ‪ .‬فالقلب إذا كان حيا فمات النسان بفراق روحه بدنه كان‬
‫موت النفس فراقها للبدن ليست هي ف نفسها ميتة بعن زوال حياتا عنها ‪ .‬ولذا‬
‫قال تعال ‪ { :‬ول تقولوا لن يقتل ف سبيل ال أموات بل أحياء } وقال تعال ‪{ :‬‬
‫ول تسب الذين قتلوا ف سبيل ال أمواتا بل أحياء } مع أنم موتى داخلون ف‬
‫قوله ‪ { :‬كل نفس ذائقة الوت } وف قوله ‪ { :‬إنك ميت وإنم ميتون } وقوله ‪:‬‬
‫{ وهو الذي أحياكم ث ييتكم ث يييكم } فالوت الثبت غي الوت النفي ‪.‬‬
‫الثبت هو فراق الروح البدن والنفي زوال الياة بالملة عن الروح والبدن ‪ .‬وهذا‬
‫كما أن النوم أخو الوت فيسمى وفاة ويسمى موتا وإن كانت الياة موجودة‬
‫فيهما ‪ .‬قال ال تعال ‪ { :‬ال يتوف النفس حي موتا والت ل تت ف منامها‬
‫فيمسك الت قضى عليها الوت ويرسل الخرى إل أجل مسمى } ‪ .‬وكان {‬
‫النب صلى ال عليه وسلم إذا استيقظ من منامه يقول ‪ :‬المد ل الذي أحيانا بعد‬
‫ما أماتنا وإليه النشور } وف حديث آخر ‪ { :‬المد ل الذي رد علي روحي‬
‫وعافان ف جسدي وأذن ل بذكره وفضلن على كثي من خلق تفضيل } وإذا‬
‫أوى إل فراشه يقول ‪ { :‬اللهم أنت خلقت نفسي وأنت توفاها لك ماتا ومياها‬
‫إن أمسكتها فارحها وإن أرسلتها فاحفظها با تفظ به عبادك الصالي } ويقول‬
‫‪ { :‬باسك اللهم أموت وأحيا }‬

‫فصل ومن أمراض القلوب " السد " كما قال بعضهم ف حده ‪ :‬إنه أذى يلحق‬
‫بسبب العلم بسن حال الغنياء فل يوز أن يكون الفاضل حسودا ؛ لن الفاضل‬
‫يري على ما هو الميل وقد قال طائفة من الناس ‪ :‬إنه تن زوال النعمة عن‬
‫الحسود وإن ل يصر للحاسد مثلها بلف الغبطة فإنه تن مثلها من غي حب‬
‫زوالا عن الغبوط ‪ .‬والتحقيق أن السد هو البغض والكراهة لا يراه من حسن‬

‫‪14‬‬
‫حال الحسود وهو نوعان ‪ ( :‬أحدها كراهة للنعمة عليه مطلقا فهذا هو السد‬
‫الذموم وإذا أبغض ذلك فإنه يتأل ويتأذى بوجود ما يبغضه فيكون ذلك مرضا ف‬
‫قلبه ويلتذ بزوال النعمة عنه وإن ل يصل له نفع بزوالا ؛ لكن نفعه زوال الل‬
‫الذي كان ف نفسه ولكن ذلك الل ل يزل إل بباشرة منه وهو راحة وأشده‬
‫كالريض الذي عول با يسكن وجعه والرض باق ؛ فإن بغضه لنعمة ال على‬
‫عبده مرض فإن تلك النعمة قد تعود على الحسود وأعظم منها وقد يصل نظي‬
‫تلك النعمة لنظي ذلك الحسود ‪ .‬والاسد ليس له غرض ف شيء معي ؛ لكن‬
‫نفسه تكره ما أنعم به على النوع ‪ .‬ولذا قال من قال ‪ :‬إنه تن زوال النعمة فإن‬
‫من كره النعمة على غيه تن زوالا بقلبه ‪ .‬و ( النوع الثان ‪ :‬أن يكره فضل ذلك‬
‫الشخص عليه فيحب أن يكون مثله أو أفضل منه فهذا حسد وهو الذي سوه‬
‫الغبطة وقد ساه النب صلى ال عليه وسلم حسدا ف الديث التفق عليه من حديث‬
‫ابن مسعود وابن عمر رضي ال عنهما أنه قال ‪ { :‬ل حسد إل ف اثنتي ‪ :‬رجل‬
‫آتاه ال الكمة فهو يقضي با ويعلمها ورجل آتاه ال مال وسلطه على هلكته ف‬
‫الق } هذا لفظ ابن مسعود ‪ .‬ولفظ ابن عمر { رجل آتاه ال القرآن فهو يقوم به‬
‫آناء الليل والنهار ورجل آتاه ال مال فهو ينفق منه ف الق آناء الليل والنهار }‬
‫رواه البخاري من حديث أب هريرة ولفظه ‪ { :‬ل حسد إل ف اثنتي رجل آتاه‬
‫ال القرآن فهو يتلوه الليل والنهار فسمعه رجل فقال ‪ :‬يا ليتن أوتيت مثل ما أوت‬
‫هذا فعملت فيه مثل ما يعمل هذا ورجل آتاه ال مال فهو يهلكه ف الق فقال‬
‫رجل ‪ :‬يا ليتن أوتيت مثل ما أوت هذا فعملت فيه مثل ما يعمل هذا } فهذا‬
‫السد الذي نى عنه النب صلى ال عليه وسلم إل ف موضعي هو الذي ساه‬
‫أولئك الغبطة وهو أن يب مثل حال الغي ويكره أن يفضل عليه ‪ .‬فإن قيل ‪ :‬إذا‬
‫ل سي حسدا وإنا أحب أن ينعم ال عليه ؟ ‪ .‬قيل مبدأ هذا الب هو نظره إل‬

‫‪15‬‬
‫إنعامه على الغي وكراهته أن يتفضل عليه ولول وجود ذلك الغي ل يب ذلك‬
‫فلما كان مبدأ ذلك كراهته أن يتفضل عليه الغي كان حسدا ؛ لنه كراهة تتبعها‬
‫مبة وأما من أحب أن ينعم ال عليه مع عدم التفاته إل أحوال الناس فهذا ليس‬
‫عنده من السد شيء ‪ .‬ولذا يبتلى غالب الناس بذا القسم الثان وقد تسمى‬
‫النافسة فيتنافس الثنان ف المر الحبوب الطلوب كلها يطلب أن يأخذه وذلك‬
‫لكراهية أحدها أن يتفضل عليه الخر كما يكره الستبقان كل منهما أن يسبقه‬
‫الخر والتنافس ليس مذموما مطلقا بل هو ممود ف الي ‪ .‬قال تعال ‪ { :‬إن‬
‫البرار لفي نعيم } { على الرائك ينظرون } { تعرف ف وجوههم نضرة النعيم‬
‫} { يسقون من رحيق متوم } { ختامه مسك وف ذلك فليتنافس التنافسون }‬
‫فأمر النافس أن ينافس ف هذا النعيم ل ينافس ف نعيم الدنيا الزائل وهذا موافق‬
‫لديث النب صلى ال عليه وسلم فإنه نى عن السد إل فيمن أوت العلم فهو‬
‫يعمل به ويعلمه ومن أوت الال فهو ينفقه فأما من أوت علما ول يعمل به ول‬
‫يعلمه أو أوت مال ول ينفقه ف طاعة ال فهذا ل يسد ول يتمن مثل حاله فإنه‬
‫ليس ف خي يرغب فيه بل هو معرض للعذاب ومن ول ولية فيأتيها بعلم وعدل‬
‫أدى المانات إل أهلها وحكم بي الناس بالكتاب والسنة فهذا درجته عظيمة ؛‬
‫لكن هذا ف جهاد عظيم كذلك الجاهد ف سبيل ال ‪ .‬والنفوس ل تسد من هو‬
‫ف تعب عظيم فلهذا ل يذكره وإن كان الجاهد ف سبيل ال أفضل من الذي ينفق‬
‫الال ؛ بلف النفق والعلم فإن هذين ليس لم ف العادة عدو من خارج فإن قدر‬
‫أنما لما عدو ياهدانه ‪ .‬فذلك أفضل لدرجتهما وكذلك ل يذكر النب صلى ال‬
‫عليه وسلم الصلي والصائم والاج ؛ لن هذه العمال ل يصل منها ف العادة من‬
‫نفع الناس الذي يعظمون به الشخص ويسودونه ما يصل بالتعليم والنفاق ‪.‬‬
‫والسد ف الصل إنا يقع لا يصل للغي من السؤدد والرياسة وإل فالعامل ل‬

‫‪16‬‬
‫يسد ف العادة ولو كان تنعمه بالكل والشرب والنكاح أكثر من غيه بلف‬
‫هذين النوعي فإنما يسدان كثيا ولذا يوجد بي أهل العلم الذين لم أتباع من‬
‫السد ما ل يوجد فيمن ليس كذلك وكذلك فيمن له أتباع بسبب إنفاق ماله‬
‫فهذا ينفع الناس بقوت القلوب وهذا ينفعهم بقوت البدان والناس كلهم متاجون‬
‫إل ما يصلحهم من هذا وهذا ‪ .‬ولذا ضرب ال سبحانه " مثلي " ‪ :‬مثل بذا‬
‫ومثل بذا فقال ‪ { :‬ضرب ال مثل عبدا ملوكا ل يقدر على شيء ومن رزقناه‬
‫منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون المد ل بل أكثرهم ل‬
‫يعلمون } { وضرب ال مثل رجلي أحدها أبكم ل يقدر على شيء وهو كل‬
‫على موله أينما يوجهه ل يأت بي هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على‬
‫صراط مستقيم } ‪ .‬و ( الثلن ضربما ال سبحانه لنفسه القدسة ولا يعبد من‬
‫دونه ؛ فإن الوثان ل تقدر ل على عمل ينفع ول على كلم ينفع فإذا قدر عبد‬
‫ملوك ل يقدر على شيء وآخر قد رزقه ال رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا‬
‫هل يستوي هذا الملوك العاجز عن الحسان وهذا القادر على الحسان الحسن‬
‫إل الناس سرا وجهرا وهو سبحانه قادر على الحسان إل عباده وهو مسن إليهم‬
‫دائما فكيف يشبه به العاجز الملوك الذي ل يقدر على شيء حت يشرك به معه‬
‫وهذا مثل الذي أعطاه ال مال فهو ينفق منه آناء الليل والنهار ‪ .‬و ( الثل الثان إذا‬
‫قدر شخصان أحدها أبكم ل يعقل ول يتكلم ول يقدر على شيء وهو مع هذا‬
‫كل على موله أينما يوجهه ل يأت بي فليس فيه من نفع قط بل هو كل على من‬
‫يتول أمره وآخر عال عادل يأمر بالعدل ويعمل بالعدل فهو على صراط مستقيم ‪.‬‬
‫وهذا نظي الذي أعطاه ال الكمة فهو يعمل با ويعلمها الناس ‪ .‬وقد ضرب ذلك‬
‫مثل لنفسه ؛ فإنه سبحانه عال عادل قادر يأمر بالعدل وهو قائم بالقسط على‬
‫صراط مستقيم ‪ .‬كما قال تعال ‪ { :‬شهد ال أنه ل إله إل هو واللئكة وأولو‬

‫‪17‬‬
‫العلم قائما بالقسط ل إله إل هو العزيز الكيم } وقال هود ‪ { :‬إن رب على‬
‫صراط مستقيم } ‪ .‬ولذا كان الناس يعظمون دار العباس كان عبد ال يعلم الناس‬
‫وأخوه يطعم الناس فكانوا يعظمون على ذلك ‪ .‬ورأى معاوية الناس يسألون ابن‬
‫عمر عن الناسك وهو يفتيهم فقال ‪ :‬هذا وال الشرف أو نو ذلك ‪ .‬هذا وعمر‬
‫بن الطاب رضي ال عنه نافس أبا بكر رضي ال عنه النفاق كما ثبت ف‬
‫الصحيح عن عمر بن الطاب ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬قال ‪ { :‬أمرنا رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مال عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن‬
‫سبقته يوما ‪ .‬قال ‪ :‬فجئت بنصف مال قال ‪ :‬فقال ل رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ما أبقيت لهلك قلت مثله وأتى أبو بكر رضي ال عنه بكل ما عنده فقال‬
‫له رسول ال صلى ال عليه وسلم ما أبقيت لهلك قال أبقيت لم ال ورسوله‬
‫فقلت ل أسابقك إل شيء أبدا } ‪ .‬فكان ما فعله عمر من النافسة والغبطة الباحة‬
‫؛ لكن حال الصديق رضي ال عنه أفضل منه وهو أنه خال من النافسة مطلقا ل‬
‫ينظر إل حال غيه ‪ .‬وكذلك { موسى صلى ال عليه وسلم ف حديث العراج‬
‫حصل له منافسة وغبطة للنب صلى ال عليه وسلم حت بكى لا تاوزه النب صلى‬
‫ال عليه وسلم فقيل له ‪ :‬ما يبكيك ؟ فقال ‪ :‬أبكي ؛ لن غلما بعث بعدي يدخل‬
‫النة من أمته أكثر من يدخلها من أمت } أخرجاه ف الصحيحي وروي ف بعض‬
‫اللفاظ الروية غي الصحيح { مررنا على رجل وهو يقول ويرفع صوته ‪ :‬أكرمته‬
‫وفضلته قال ‪ :‬فرفعناه إليه فسلمنا عليه فرد السلم فقال ‪ :‬من هذا معك يا جبيل‬
‫؟ قال ‪ :‬هذا أحد قال ‪ :‬مرحبا بالنب المي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لمته قال‬
‫‪ :‬ث اندفعنا فقلت من هذا يا جبيل ؟ قال ‪ :‬هذا موسى بن عمران قلت ‪ :‬ومن‬
‫يعاتب ؟ قال ‪ :‬يعاتب ربه فيك قلت ‪ :‬ويرفع صوته على ربه قال إن ال عز وجل‬
‫قد عرف صدقه } ‪ .‬وعمر رضي ال عنه كان مشبها بوسى ونبينا حاله أفضل من‬

‫‪18‬‬
‫حال موسى فإنه ل يكن عنده شيء من ذلك ‪ .‬وكذلك كان ف الصحابة أبو‬
‫عبيدة بن الراح ونوه كانوا سالي من جيع هذه المور فكانوا أرفع درجة من‬
‫عنده منافسة وغبطة وإن كان ذلك مباحا ولذا استحق أبو عبيدة رضي ال عنه أن‬
‫يكون أمي هذه المة فإن الؤتن إذا ل يكن ف نفسه مزاحة على شيء ما اؤتن‬
‫عليه كان أحق بالمانة من ياف مزاحته ؛ ولذا يؤتن على النساء والصبيان‬
‫الصيان ويؤتن على الولية الصغرى من يعرف أنه ل يزاحم على الكبى ويؤتن‬
‫على الال من يعرف أنه ليس له غرض ف أخذ شيء منه وإذا اؤتن من ف نفسه‬
‫خيانة شبه بالذئب الؤتن على الغنم فل يقدر أن يؤدي المانة ف ذلك لا ف نفسه‬
‫من الطلب لا اؤتن عليه ‪ .‬وف الديث الذي رواه المام أحد ف مسنده عن {‬
‫أنس رضي ال عنه قال ‪ :‬كنا يوما جلوسا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فقال ‪ :‬يطلع عليكم الن من هذا الفج رجل من أهل النة قال ‪ :‬فطلع رجل من‬
‫النصار تنطف ليته من وضوء قد علق نعليه ف يده الشمال فسلم فلما كان الغد‬
‫قال النب صلى ال عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل على مثل حاله فلما‬
‫كان اليوم الثالث قال النب صلى ال عليه وسلم مقالته فطلع ذلك الرجل على مثل‬
‫حاله فلما قام النب صلى ال عليه وسلم اتبعه عبد ال بن عمرو بن العاص رضي‬
‫ال عنه فقال ‪ :‬إن لحيت أب فأقسمت أن ل أدخل عليه ثلثا فإن رأيت أن‬
‫تؤوين إليك حت تضي الثلث فعلت قال ‪ :‬نعم قال أنس رضي ال عنه فكان عبد‬
‫ال يدث أنه بات عنده ثلث ليال فلم يره يقوم من الليل شيئا ؛ غي أنه إذا تعار‬
‫انقلب على فراشه ذكر ال عز وجل وكب حت يقوم إل صلة الفجر فقال عبد ال‬
‫غي أن ل أسعه يقول إل خيا فلما فرغنا من الثلث وكدت أن أحقر عمله قلت‬
‫‪ :‬يا عبد ال ل يكن بين وبي والدي غضب ول هجرة ولكن سعت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول ثلث مرات يطلع عليكم رجل من أهل النة فطلعت‬

‫‪19‬‬
‫أنت الثلث مرات فأردت أن آوي إليك لنظر ما عملك فأقتدي بذلك فلم أرك‬
‫تعمل كثي عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ قال ‪:‬‬
‫ما هو إل ما رأيت غي أنن ل أجد على أحد من السلمي ف نفسي غشا ول‬
‫حسدا على خي أعطاه ال إياه قال عبد ال هذه الت بلغت بك وهي الت ل نطيق‬
‫} ‪ .‬فقول عبد ال بن عمرو له هذه الت بلغت بك وهي الت ل نطيق يشي إل‬
‫خلوه وسلمته من جيع أنواع السد ‪ .‬وبذا أثن ال تعال على النصار فقال ‪{ :‬‬
‫ول يدون ف صدورهم حاجة ما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بم‬
‫خصاصة } أي ما أوت إخوانم الهاجرون قال الفسرون ل يدون ف صدورهم‬
‫حاجة أي حسدا وغيظا ما أوت الهاجرون ث قال بعضهم من مال الفيء وقيل من‬
‫الفضل والتقدم فهم ل يدون حاجة ما أوتوا من الال ول من الاه والسد يقع‬
‫على هذا ‪ .‬وكان بي الوس والزرج منافسة على الدين فكان هؤلء إذا فعلوا ما‬
‫يفضلون به عند ال ورسوله أحب الخرون أن يفعلوا نظي ذلك فهو منافسة فيما‬
‫يقربم إل ال كما قال ‪ { :‬وف ذلك فليتنافس التنافسون } ‪.‬‬

‫وأما السد الذموم كله فقد قال تعال ف حق اليهود ‪ { :‬ود كثي من أهل‬
‫الكتاب لو يردونكم من بعد إيانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبي‬
‫لم الق } يودون أي يتمنون ارتدادكم حسدا فجعل السد هو الوجب لذلك‬
‫الود من بعد ما تبي لم الق ؛ لنم لا رأوا أنكم قد حصل لكم من النعمة ما‬
‫حصل ؛ بل ما ل يصل لم مثله حسدوكم وكذلك ف الية الخرى ‪ { :‬أم‬
‫يسدون الناس على ما آتاهم ال من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والكمة‬
‫وآتيناهم ملكا عظيما } { فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بهنم‬
‫سعيا } وقال تعال ‪ { :‬قل أعوذ برب الفلق } { من شر ما خلق } { ومن شر‬

‫‪20‬‬
‫غاسق إذا وقب } { ومن شر النفاثات ف العقد } { ومن شر حاسد إذا حسد }‬
‫‪ .‬وقد ذكر طائفة من الفسرين أنا ( نزلت بسبب حسد اليهود للنب صلى ال عليه‬
‫وسلم حت سحروه ‪ :‬سحره لبيد بن العصم اليهودي فالاسد البغض للنعمة على‬
‫من أنعم ال عليه با ظال معتد والكاره لتفضيله الحب لماثلته منهي عن ذلك إل‬
‫فيما يقربه إل ال فإذا أحب أن يعطى مثل ما أعطي ما يقربه إل ال فهذا ل بأس‬
‫به وإعراض قلبه عن هذا بيث ل ينظر إل حال الغي أفضل ‪ .‬ث هذا السد إن‬
‫عمل بوجبه صاحبه كان ظالا معتديا مستحقا للعقوبة إل أن يتوب وكان الحسود‬
‫مظلوما مأمورا بالصب والتقوى فيصب على أذى الاسد ويعفو ويصفح عنه كما‬
‫قال تعال ‪ { :‬ود كثي من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيانكم كفارا حسدا‬
‫من عند أنفسهم من بعد ما تبي لم الق فاعفوا واصفحوا حت يأت ال بأمره }‬
‫وقد ابتلي يوسف بسد إخوته له حيث قالوا ‪ { :‬ليوسف وأخوه أحب إل أبينا‬
‫منا ونن عصبة إن أبانا لفي ضلل مبي } فحسدوها على تفضيل الب لما‬
‫ولذا قال يعقوب ليوسف ‪ { :‬ل تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا‬
‫إن الشيطان للنسان عدو مبي } ‪ .‬ث إنم ظلموه بتكلمهم ف قتله وإلقائه ف‬
‫الب وبيعه رقيقا لن ذهب به إل بلد الكفر فصار ملوكا لقوم كفار ث إن‬
‫يوسف ابتلي بعد أن ظلم بن يدعوه إل الفاحشة ويراود عليها ويستعي عليه بن‬
‫يعينه على ذلك فاستعصم واختار السجن على الفاحشة وآثر عذاب الدنيا على‬
‫سخط ال فكان مظلوما من جهة من أحبه لواه وغرضه الفاسد ‪ .‬فهذه الحبة‬
‫أحبته لوى مبوبا شفاؤها وشفاؤه إن وافقها وأولئك البغضون أبغضوه بغضة‬
‫أوجبت أن يصي ملقى ف الب ث أسيا ملوكا بغي اختياره فأولئك أخرجوه من‬
‫إطلق الرية إل رق العبودية الباطلة بغي اختياره وهذه ألأته إل أن اختار أن‬
‫يكون مبوسا مسجونا باختياره فكانت هذه أعظم ف منته وكان صبه هنا صبا‬

‫‪21‬‬
‫اختياريا اقترن به التقوى بلف صبه على ظلمهم فإن ذلك كان من باب‬
‫الصائب الت من ل يصب عليها صب الكرام سل سلو البهائم ‪ .‬والصب الثان أفضل‬
‫الصبين ؛ ولذا قال ‪ { :‬إنه من يتق ويصب فإن ال ل يضيع أجر الحسني } ‪.‬‬
‫وهكذا إذا أوذي الؤمن على إيانه وطلب منه الكفر أو الفسوق أو العصيان وإن ل‬
‫يفعل أوذي وعوقب فاختار الذى والعقوبة على فراق دينه ‪ :‬إما البس وإما‬
‫الروج من بلده كما جرى للمهاجرين حيث اختاروا فراق الوطان على فراق‬
‫الدين وكانوا يعذبون ويؤذون ‪ .‬وقد أوذي النب صلى ال عليه وسلم بأنواع من‬
‫الذى فكان يصب عليها صبا اختياريا فإنه إنا يؤذى لئل يفعل ما يفعله باختياره‬
‫وكان هذا أعظم من صب يوسف ‪ :‬لن يوسف إنا طلب منه الفاحشة وإنا عوقب‬
‫إذا ل يفعل بالبس والنب صلى ال عليه وسلم وأصحابه طلب منهم الكفر وإذا ل‬
‫يفعلوا طلبت عقوبتهم بالقتل فما دونه وأهون ما عوقب به البس فإن الشركي‬
‫حبسوه وبن هاشم بالشعب مدة ث لا مات أبو طالب اشتدوا عليه فلما بايعت‬
‫النصار وعرفوا بذلك صاروا يقصدون منعه من الروج ويبسونه هو وأصحابه‬
‫عن ذلك ول يكن أحد يهاجر إل سرا إل عمر بن الطاب ونوه فكانوا قد‬
‫ألئوهم إل الروج من ديارهم ومع هذا منعوا من منعوه منهم عن ذلك وحبسوه‬
‫‪ .‬فكان ما حصل للمؤمني من الذى والصائب هو باختيارهم طاعة ل ورسوله ل‬
‫يكن من الصائب السماوية الت تري بدون اختيار العبد من جنس حبس يوسف‬
‫ل من جنس التفريق بينه وبي أبيه وهذا أشرف النوعي وأهلها أعظم درجة ‪ -‬وإن‬
‫كان صاحب الصائب يثاب على صبه ورضاه وتكفر عنه الذنوب بصائبه ‪ -‬فإن‬
‫هذا أصيب وأوذي باختياره طاعة ل يثاب على نفس الصائب ويكتب له با عمل‬
‫صال ‪ .‬قال تعال ‪ { :‬ذلك بأنم ل يصيبهم ظمأ ول نصب ول ممصة ف سبيل‬
‫ال ول يطئون موطئا يغيظ الكفار ول ينالون من عدو نيل إل كتب لم به عمل‬

‫‪22‬‬
‫صال إن ال ل يضيع أجر الحسني } ‪ .‬بلف الصائب الت تري بل اختيار‬
‫العبد كالرض وموت العزيز عليه وأخذ اللصوص ماله فإن تلك إنا يثاب على‬
‫الصب عليها ل على نفس ما يدث من الصيبة ؛ لكن الصيبة يكفر با خطاياه فإن‬
‫الثواب إنا يكون على العمال الختيارية وما يتولد عنها ‪ .‬والذين يؤذون على‬
‫اليان وطاعة ال ورسوله ويدث لم بسبب ذلك حرج أو مرض أو حبس أو‬
‫فراق وطن وذهاب مال وأهل أو ضرب أو شتم أو نقص رياسة ومال هم ف ذلك‬
‫على طريقة النبياء وأتباعهم كالهاجرين الولي فهؤلء يثابون على ما يؤذون به‬
‫ويكتب لم به عمل صال كما يثاب الجاهد على ما يصيبه من الوع والعطش‬
‫والتعب وعلى غيظه الكفار وإن كانت هذه الثار ليست عمل فعله يقوم به لكنها‬
‫متسببة عن فعله الختياري وهي الت يقال لا متولدة ‪ .‬وقد اختلف الناس هل يقال‬
‫إنا فعل لفاعل السبب أو ل أو ل فاعل لا والصحيح أنا مشتركة بي فاعل‬
‫السبب وسائر السباب ولذا كتب له با عمل صال ‪ .‬والقصود أن " السد "‬
‫مرض من أمراض النفس وهو مرض غالب فل يلص منه إل قليل من الناس ولذا‬
‫يقال ‪ :‬ما خل جسد من حسد لكن اللئيم يبديه والكري يفيه ‪ .‬وقد قيل للحسن‬
‫البصري ‪ :‬أيسد الؤمن ؟ فقال ما أنساك إخوة يوسف ل أبا لك ولكن عمه ف‬
‫صدرك فإنه ل يضرك ما ل تعد به يدا ولسانا ‪ .‬فمن وجد ف نفسه حسدا لغيه‬
‫فعليه أن يستعمل معه التقوى والصب ‪ .‬فيكره ذلك من نفسه وكثي من الناس‬
‫الذين عندهم دين ل يعتدون على الحسود فل يعينون من ظلمه ولكنهم أيضا ل‬
‫يقومون با يب من حقه بل إذا ذمه أحد ل يوافقوه على ذمه ول يذكرون مامده‬
‫وكذلك لو مدحه أحد لسكتوا وهؤلء مدينون ف ترك الأمور ف حقه مفرطون ف‬
‫ذلك ؛ ل معتدون عليه وجزاؤهم أنم يبخسون حقوقهم فل ينصفون أيضا ف‬
‫مواضع ول ينصرون على من ظلمهم كما ل ينصروا هذا الحسود وأما من اعتدى‬

‫‪23‬‬
‫بقول أو فعل فذلك يعاقب ‪ .‬ومن اتقى ال وصب فلم يدخل ف الظالي نفعه ال‬
‫بتقواه ‪ :‬كما جرى لزينب بنت جحش ‪ -‬رضي ال عنها ‪ -‬فإنا كانت هي الت‬
‫تسامي عائشة من أزواج النب ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وحسد النساء بعضهن‬
‫لبعض كثي غالب ل سيما التزوجات بزوج واحد فإن الرأة تغار على زوجها‬
‫لظها منه فإنه بسبب الشاركة يفوت بعض حظها ‪ .‬وهكذا السد يقع كثيا بي‬
‫التشاركي ف رئاسة أو مال إذا أخذ بعضهم قسطا من ذلك وفات الخر ؛‬
‫ويكون بي النظراء لكراهة أحدها أن يفضل الخر عليه كحسد إخوة يوسف‬
‫كحسد ابن آدم أحدها لخيه فإنه حسده لكون أن ال تقبل قربانه ول يتقبل‬
‫قربان هذا ؛ فحسده على ما فضله ال من اليان والتقوى ‪ -‬كحسد اليهود‬
‫للمسلمي ‪ -‬وقتله على ذلك ؛ ولذا قيل أول ذنب عصي ال به ثلثة ‪ :‬الرص‬
‫والكب والسد ‪ .‬فالرص من آدم والكب من إبليس والسد من قابيل حيث قتل‬
‫هابيل ‪ .‬وف الديث { ثلث ل ينجو منهن أحد ‪ :‬السد والظن والطية ‪.‬‬
‫وسأحدثكم با يرج من ذلك إذا حسدت فل تبغض وإذا ظننت فل تقق وإذا‬
‫تطيت فامض } رواه ابن أب الدنيا من حديث أب هريرة ‪ .‬وف السنن عن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم { دب إليكم داء المم قبلكم ‪ :‬السد والبغضاء وهي الالقة‬
‫ل أقول تلق الشعر ولكن تلق الدين } فسماه داء كما سى البخل داء ف قوله ‪:‬‬
‫{ وأي داء أدوأ من البخل } فعلم أن هذا مرض وقد جاء ف حديث آخر { أعوذ‬
‫بك من منكرات الخلق والهواء والدواء } فعطف الدواء على الخلق‬
‫والهواء ‪ .‬فإن " اللق " ما صار عادة للنفس وسجية ‪ .‬قال تعال ‪ { :‬وإنك لعلى‬
‫خلق عظيم } قال ابن عباس وابن عيينة وأحد بن حنبل رضي ال عنهم عنهم ‪:‬‬
‫على دين عظيم وف لفظ عن ابن عباس ‪ :‬على دين السلم ‪ .‬وكذلك قالت‬
‫عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ : -‬كان خلقه القرآن ‪ .‬وكذلك قال السن البصري ‪:‬‬

‫‪24‬‬
‫أدب القرآن هو اللق العظيم ‪ .‬وأما " الوى " فقد يكون عارضا والداء هو الرض‬
‫وهو تأل القلب والفساد فيه وقرن ف الديث الول السد بالبغضاء ؛ لن الاسد‬
‫يكره أول فضل ال على ذلك الغي ؛ ث ينتقل إل بغضه ؛ فإن بغض اللزم يقتضي‬
‫بغض اللزوم فإن نعمة ال إذا كانت لزمة وهو يب زوالا وهي ل تزول إل‬
‫بزواله أبغضه وأحب عدمه والسد يوجب البغي كما أخب ال تعال عمن قبلنا ‪:‬‬
‫أنم اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم فلم يكن اختلفهم لعدم العلم بل‬
‫علموا الق ولكن بغى بعضهم على بعض كما يبغي الاسد على الحسود ‪ .‬وف‬
‫الصحيحي عن أنس بن مالك رضي ال عنه أن النب صلى ال عليه وسلم قال ‪{ :‬‬
‫ل تاسدوا ول تباغضوا ؛ ول تدابروا ول تقاطعوا وكونوا عباد ال إخوانا ول يل‬
‫لسلم أن يهجر أخاه فوق ثلث ليال ‪ :‬يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيها‬
‫الذي يبدأ بالسلم } وقد قال صلى ال عليه وسلم ف الديث التفق على صحته‬
‫من رواية أنس أيضا { والذي نفسي بيده ل يؤمن أحدكم حت يب لخيه ما‬
‫يب لنفسه } ‪ .‬وقد قال تعال ‪ { :‬وإن منكم لن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال‬
‫قد أنعم ال علي إذ ل أكن معهم شهيدا } { ولئن أصابكم فضل من ال ليقولن‬
‫كأن ل تكن بينكم وبينه مودة يا ليتن كنت معهم فأفوز فوزا عظيما } ‪ .‬فهؤلء‬
‫البطئون ل يبوا لخوانم الؤمني ما يبون لنفسهم بل إن أصابتهم مصيبة فرحوا‬
‫باختصاصهم وإن أصابتهم نعمة ل يفرحوا لم با بل أحبوا أن يكون لم منها حظ‬
‫فهم ل يفرحون إل بدنيا تصل لم أو شر دنيوي ينصرف عنهم إذا كانوا ل‬
‫يبون ال ورسوله والدار الخرة ولو كانوا كذلك لحبوا إخوانم وأحبوا ما‬
‫وصل إليهم من فضله وتألوا با يصيبهم من الصيبة ومن ل يسره ما يسر الؤمني‬
‫ويسوءه ما يسوء الؤمني فليس منهم ‪ .‬ففي الصحيحي عن عامر قال سعت‬
‫النعمان بن بشي يطب ويقول ‪ { :‬سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫مثل الؤمني ف توادهم وتراحهم وتعاطفهم مثل السد الواحد ‪ .‬إذا اشتكى منه‬
‫شيء تداعى له سائر السد بالمى والسهر } وف الصحيحي عن أب موسى‬
‫الشعري رضي ال عنه قال ‪ { :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم الؤمن‬
‫للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بي أصابعه } ‪ .‬والشح مرض والبخل‬
‫مرض والسد شر من البخل كما ف الديث الذي رواه أبو داود عن النب صلى‬
‫ال عليه وسلم أنه قال ‪ { :‬السد يأكل السنات كما تأكل النار الطب‬
‫والصدقة تطفئ الطيئة كما يطفئ الاء النار } وذلك أن البخيل ينع نفسه‬
‫والسود يكره نعمة ال على عباده وقد يكون ف الرجل إعطاء لن يعينه على‬
‫أغراضه وحسد لنظرائه وقد يكون فيه بل بل حسد لغيه والشح أصل ذلك ‪.‬‬
‫وقال تعال ‪ { :‬ومن يوق شح نفسه فأولئك هم الفلحون } وف الصحيحي عن‬
‫النب صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ { :‬إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم‬
‫أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالظلم فظلموا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا } وكان‬
‫عبد الرحن بن عوف يكثر من الدعاء ف طوافه يقول ‪ :‬اللهم قن شح نفسي فقال‬
‫له رجل ‪ :‬ما أكثر ما تدعو بذا فقال ‪ :‬إذا وقيت شح نفسي وقيت الشح والظلم‬
‫والقطيعة ‪ .‬والسد يوجب الظلم ‪.‬‬

‫فصل فالبخل والسد مرض يوجب بغض النفس لا ينفعها بل وحبها لا يضرها‬
‫ولذا يقرن السد بالقد والغضب وأما مرض الشهوة والعشق فهو حب النفس لا‬
‫يضرها وقد يقترن به بغضها لا ينفعها والعشق مرض نفسان وإذا قوي أثر ف البدن‬
‫فصار مرضا ف السم إما من أمراض الدماغ كالاليخوليا ؛ ولذا قيل فيه هو مرض‬
‫وسواسي شبيه بالاليخوليا وإما من أمراض البدن كالضعف والنحول ونو ذلك ‪.‬‬
‫والقصود هنا " مرض القلب " فإنه أصل مبة النفس لا يضرها كالريض البدن‬

‫‪26‬‬
‫الذي يشتهي ما يضره وإذا ل يطعم ذلك تأل وإن أطعم ذلك قوي به الرض وزاد‬
‫‪ .‬كذلك العاشق يضره اتصاله بالعشوق مشاهدة وملمسة وساعا بل ويضره‬
‫التفكر فيه والتخيل له وهو يشتهي ذلك فإن منع من مشتهاه تأل وتعذب وإن‬
‫أعطي مشتهاه قوي مرضه وكان سببا لزيادة الل ‪ .‬وف الديث ‪ { :‬أن ال يمي‬
‫عبده الؤمن الدنيا كما يمي أحدكم مريضه الطعام والشراب } وف مناجاة‬
‫موسى الأثورة عن وهب الت رواها المام أحد ف ( كتاب الزهد " { يقول ال‬
‫تعال ‪ :‬إن لذود أوليائي عن نعيم الدنيا ورخائها كما يذود الراعي الشفيق إبله‬
‫عن مراتع اللكة ‪ .‬وإن لجنبهم سكونا وعيشها كما ينب الراعي الشفيق إبله‬
‫عن مبارك الغرة وما ذلك لوانم علي ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامت سالا‬
‫موفرا ل تكلمه الدنيا ول يطفئه الوى } ‪ .‬وإنا شفاء الريض بزوال مرضه بل‬
‫بزوال ذلك الب الذموم من قلبه ‪ .‬والناس ف العشق على قولي ‪ :‬قيل إنه من‬
‫باب الرادات وهذا هو الشهور ‪ .‬وقيل ‪ :‬من باب التصورات وأنه فساد ف‬
‫التخييل حيث يتصور العشوق على ما هو به قال هؤلء ‪ :‬ولذا ل يوصف ال‬
‫بالعشق ول أنه يعشق ؛ لنه منه عن ذلك ول يمد من يتخيل فيه خيال فاسدا ‪.‬‬
‫وأما الولون فمنهم من قال ‪ :‬يوصف بالعشق فإنه الحبة التامة ؛ وال يب ويب‬
‫وروي ف أثر عن عبد الواحد بن زيد أنه قال ‪ { :‬ل يزال عبدي يتقرب إل‬
‫يعشقن وأعشقه } وهذا قول بعض الصوفية ‪ .‬والمهور ل يطلقون هذا اللفظ ف‬
‫حق ال ؛ لن العشق هو الحبة الفرطة الزائدة على الد الذي ينبغي وال تعال‬
‫مبته ل ناية لا فليست تنتهي إل حد ل تنبغي ماوزته ‪ .‬قال هؤلء ‪ :‬والعشق‬
‫مذموم مطلقا ل يدح ل ف مبة الالق ول الخلوق لنه الحبة الفرطة الزائدة على‬
‫الد الحمود و ( أيضا فإن لفظ " العشق " إنا يستعمل ف العرف ف مبة النسان‬
‫لمرأة أو صب ل يستعمل ف مبة كمحبة الهل والال والوطن والاه ومبة النبياء‬

‫‪27‬‬
‫والصالي وهو مقرون كثيا بالفعل الحرم ‪ :‬إما بحبة امرأة أجنبية أو صب يقترن‬
‫به النظر الحرم واللمس الحرم وغي ذلك من الفعال الحرمة ‪ .‬وأما مبة الرجل‬
‫لمرأته أو سريته [ مبة ] ترجه عن العدل بيث يفعل لجلها ما ل يل ويترك ما‬
‫يب كما هو الواقع كثيا حت يظلم ابنه من امرأته العتيقة ؛ لحبته الديدة وحت‬
‫يفعل من مطالبها الذمومة ما يضره ف دينه ودنياه مثل أن يصها بياث ل‬
‫تستحقه أو يعطي أهلها من الولية والال ما يتعدى به حدود ال أو يسرف ف‬
‫النفاق عليها أو يلكها من أمور مرمة تضره ف دينه ودنياه وهذا ف عشق من‬
‫يباح له وطؤها ‪ .‬فكيف عشق الجنبية والذكران من العالي ؟ ففيه من الفساد ما‬
‫ل يصيه إل رب العباد وهو من المراض الت تفسد دين صاحبها وعرضه ث قد‬
‫تفسد عقله ث جسمه ‪ .‬قال تعال ‪ { :‬فل تضعن بالقول فيطمع الذي ف قلبه‬
‫مرض } ‪ .‬ومن ف قلبه مرض الشهوة وإرادة الصورة مت خضع الطلوب طمع‬
‫الريض والطمع الذي يقوي الرادة والطلب ويقوي الرض بذلك بلف ما إذا‬
‫كان آيسا من الطلوب فإن اليأس يزيل الطمع فتضعف الرادة فيضعف الب فإن‬
‫النسان ل يريد أن يطلب ما هو آيس منه فل يكون مع الرادة عمل أصل بل‬
‫يكون حديث نفس إل أن يقترن بذلك كلم أو نظر ونو ذلك فيأث بذلك ‪ .‬فأما‬
‫إذا ابتلي بالعشق وعف وصب فإنه يثاب على تقواه ال وقد روي ف الديث ‪{ :‬‬
‫أن من عشق فعف وكتم وصب ث مات كان شهيدا } وهو معروف من رواية يي‬
‫القتات عن ماهد عن ابن عباس مرفوعا وفيه نظر ول يتج بذا ‪ .‬لكن من العلوم‬
‫بأدلة الشرع أنه إذا عف عن الحرمات نظرا وقول وعمل وكتم ذلك فلم يتكلم به‬
‫حت ل يكون ف ذلك كلم مرم إما شكوى إل الخلوق وإما إظهار فاحشة وإما‬
‫نوع طلب للمعشوق وصب على طاعة ال وعن معصيته وعلى ما ف قلبه من أل‬
‫العشق كما يصب الصاب عن أل الصيبة ؛ فإن هذا يكون من اتقى ال وصب {‬

‫‪28‬‬
‫إنه من يتق ويصب فإن ال ل يضيع أجر الحسني } وهكذا مرض السد وغيه‬
‫من أمراض النفوس وإذا كانت النفس تطلب ما يبغضه ال فينهاها خشية من ال‬
‫كان من دخل ف قوله ‪ { :‬وأما من خاف مقام ربه ونى النفس عن الوى } {‬
‫فإن النة هي الأوى } فالنفس إذا أحبت شيئا سعت ف حصوله با يكن حت‬
‫تسعى ف أمور كثية تكون كلها مقامات لتلك الغاية فمن أحب مبة مذمومة أو‬
‫أبغض بغضا مذموما وفعل ذلك كان آثا مثل أن يبغض شخصا لسده له فيؤذي‬
‫من له به تعلق إما بنع حقوقهم ؛ أو بعدوان عليهم ‪ .‬أو لحبة له لواه معه فيفعل‬
‫لجله ما هو مرم أو ما هو مأمور به ل فيفعله لجل هواه ل ل وهذه أمراض‬
‫كثية ف النفوس والنسان قد يبغض شيئا فيبغض لجله أمورا كثية بجرد الوهم‬
‫واليال ‪ .‬وكذلك يب شيئا فيحب لجله أمورا كثية ؛ لجل الوهم واليال‬
‫كما قال شاعرهم ‪ :‬أحب لبها السودان حت أحب لبها سود الكلب فقد‬
‫أحب سوداء ؛ فأحب جنس السواد حت ف الكلب وهذا كله مرض ف القلب ف‬
‫تصوره وإرادته ‪ .‬فنسأل ال تعال أن يعاف قلوبنا من كل داء ؛ ونعوذ بال من‬
‫منكرات الخلق والهواء والدواء ‪ .‬والقلب إنا خلق لجل " حب ال تعال "‬
‫وهذه الفطرة الت فطر ال عليها عباده كما قال النب صلى ال عليه وسلم { كل‬
‫مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يجسانه ؛ كما تنتج البهيمة‬
‫بيمة جعاء هل تسون فيها من جدعاء ث يقول أبو هريرة رضي ال عنه اقرءوا إن‬
‫شئتم ‪ { :‬فطرة ال الت فطر الناس عليها ل تبديل للق ال } } أخرجه البخاري‬
‫ومسلم ‪ .‬فال سبحانه فطر عباده على مبته وعبادته وحده ؛ فإذا تركت الفطرة‬
‫بل فساد كان القلب عارفا بال مبا له عابدا له وحده لكن تفسد فطرته من مرضه‬
‫كأبويه يهودانه أو ينصرانه أو يجسانه وهذه كلها تغي فطرته الت فطره عليها وإن‬
‫كانت بقضاء ال وقدره ‪ -‬كما يغي البدن بالدع ‪ -‬ث قد يعود إل الفطرة إذا‬

‫‪29‬‬
‫يسر ال تعال لا من يسعى ف إعادتا إل الفطرة ‪ .‬والرسل صلى ال عليهم وسلم‬
‫بعثوا لتقرير الفطرة وتكميلها ل لتغيي الفطرة وتويلها وإذا كان القلب مبا ل‬
‫وحده ملصا له الدين ل يبتل بب غيه [ أصل ] فضل أن يبتلى بالعشق ‪ .‬وحيث‬
‫ابتلي بالعشق فلنقص مبته ل وحده ‪ .‬ولذا لا كان يوسف مبا ل ملصا له الدين‬
‫ل يبتل بذلك بل قال تعال ‪ { :‬كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من‬
‫عبادنا الخلصي } ‪ .‬وأما امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها فلهذا ابتليت‬
‫بالعشق وما يبتلى بالعشق أحد إل لنقص توحيده وإيانه وإل فالقلب النيب إل ال‬
‫الائف منه فيه صارفان يصرفان عن العشق ‪ ( :‬أحدها إنابته إل ال ومبته له فإن‬
‫ذلك ألذ وأطيب من كل شيء فل تبقى مع مبة ال مبة ملوق تزاحه ‪ .‬و ( الثان‬
‫خوفه من ال فإن الوف الضاد للعشق يصرفه وكل من أحب شيئا بعشق أو غي‬
‫عشق فإنه يصرف عن مبته بحبة ما هو أحب إليه منه إذا كان يزاحه وينصرف‬
‫عن مبته بوف حصول ضرر يكون أبغض إليه من ترك ذاك الب فإذا كان ال‬
‫أحب إل العبد من كل شيء وأخوف عنده من كل شيء ل يصل معه عشق ول‬
‫مزاحة إل عند غفلة أو عند ضعف هذا الب والوف بترك بعض الواجبات وفعل‬
‫بعض الحرمات فإن اليان يزيد بالطاعة وينقص بالعصية فكلما فعل العبد الطاعة‬
‫مبة ل وخوفا منه وترك العصية حبا له وخوفا منه قوي حبه له وخوفه منه فيزيل‬
‫ما ف القلب من مبة غيه ومافة غيه ‪ .‬وهكذا أمراض البدان ‪ :‬فإن الصحة‬
‫تفظ بالثل والرض يدفع بالضد فصحة القلب باليان تفظ بالثل وهو ما يورث‬
‫القلب إيانا من العلم النافع والعمل الصال فتلك أغذية له كما ف حديث ابن‬
‫مسعود مرفوعا وموقوفا { إن كل آدب يب أن تؤتى مأدبته وأن مأدبة ال هي‬
‫القرآن } والدب الضيف فهو ضيافة ال لعباده ‪ .‬مثل آخر الليل وأوقات الذان‬
‫والقامة وف سجوده وف أدبار الصلوات ويضم إل ذلك الستغفار ؛ فإنه من‬

‫‪30‬‬
‫استغفر ال ث تاب إليه متعه متاعا حسنا إل أجل مسمى ‪ .‬وليتخذ وردا من "‬
‫الذكار " ف النهار ووقت النوم وليصب على ما يعرض له من الوانع والصوارف‬
‫فإنه ل يلبث أن يؤيده ال بروح منه ويكتب اليان ف قلبه ‪ .‬وليحرص على‬
‫إكمال الفرائض من الصلوات المس باطنة وظاهرة فإنا عمود الدين وليكن‬
‫هجياه ل حول ول قوة إل بال فإنا با تمل الثقال وتكابد الهوال وينال رفيع‬
‫الحوال ‪ .‬ول يسأم من الدعاء والطلب فإن العبد يستجاب له ما ل يعجل فيقول‬
‫‪ :‬قد دعوت ودعوت فلم يستجب ل وليعلم أن النصر مع الصب وأن الفرج مع‬
‫الكرب وأن مع العسر يسرا ول ينل أحد شيئا من ختم الي نب فمن دونه إل‬
‫بالصب ‪ .‬والمد ل رب العالي وله المد والنة على السلم والسنة حدا يكافئ‬
‫نعمه الظاهرة والباطنة وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلله ‪ .‬وصلى ال على سيدنا‬
‫ممد وعلى آله وأصحابه وأزواجه أمهات الؤمني والتابعي لم بإحسان إل يوم‬
‫الدين ‪ .‬وسلم تسليما كثيا ‪.‬‬

‫‪31‬‬

You might also like