Professional Documents
Culture Documents
ولم يكن فيلم "النظرة" وحده داعما لفكرة المهرجان في مد الجسور الثقافية بين الشرق والغرب
والتعرف على ثقافة وإبداعات العالم العربي بعيدا عن الصور النمطية التي يسوقها العلم
1
الغربي عن العرب والتي تروج _ حسب البيان الذي أصدره المركز الثقافي العربي في
بروكسل_ لفكار الرهاب والتشدد والنغلق ،وإنما حاول المهرجان أن يتلمس خصوصيته
في هذا المجال عبر مجموعة من الفلم المتنوعة عربيا والمعبرة عن تجارب ونتاجات جيدة،
هي ضرورية في التوجه إلي الخر كما قال وزير الثقافة الفرنسي السابق في كلمته التي
ألقاها في الفتتاح حيث أشار إلي أهمية وجود الفيلم العربي مع الوروبي في مواجهة وصد
.الغزو السينمائي المريكي
كلمة الوزير الفرنسي علي قدر وضوحها ومباشرتها لتواصل الثقافة العربية مع الغربية،
فإنها تفجر العديد من التساؤلت المصيرية التي تحيط بالمهرجانات العربية عموما سواء
التي تقام في مدن عربية أو أوروبية ،فالحماسة الكلمية وحدها لتكفي للجابة عن أسئلة
من نوع :هل تؤدي هذه المهرجانات دورها المؤثر في المشهد الثقافي البداعي؟ وهل
تساهم في مواجهة التحديات في المجتمع والثقافة وصناعة الصورة وعلقة الفيلم بالواقع،
وتتحول إلى منابر فاعلة يناضل السينمائيون من خللها للديموقراطية والحريات والتطور،
ويبحثون عن كل جديد ومختلف ،بجعلها حيزا للنقاش النقدي ،ولتبادل الخبرات والتجارب
والرؤى؟ أم أنها تتحول إلي مجرد تقليد سنوي عابر ل يؤثر إيجابا بحركة النتاج السينمائي
العربي ،ول يساهم في خلق سوق للتجارة والتوزيع؟
ولعل مهرجان الفيلم العربي في بروكسل حاول القفز علي هذه السئلة وسعي ليكون خطوة
للتواصل الثقافي الحقيقي ،وللقاء الفني الجاد علي طريق اللف ميل ،ولذا يُحسب له أنه خل
من أية بهرجة "نجومية" ربما إتسمت بها مهرجانات أخري ،حيث فضلت إدارته ضرورة
إفساح المجال للسينما ،بد ًل من الغرق في متاهة زخم شكلي لداعي له ،كما أنه ممال شك
فيه أن الهدف الذي سعى إليه المهرجان بقدر قيمته الكبيرة ،ربما كان تحقيقه في مهرجان
وليد متواضعا من حيث المكانيات مقارنة بالمقاييس المتعارف عليها في المهرجانات أو
التظاهرات الخرى ،ولكنه كتجربة أولي تبلور معالمها وأفقها السينمائي ،إكتسب قوته
ونجاحه من رغبة القائمين عليه في تمتين أواصر العلقات الثقافية بين السينما المختلفة
عن السائد التجاري في العواصم العربية وبين الثقافات والحضارات المختلفة ،وبين صناعة
السينما وهواجسها النسانية والجمالية والفكرية ،كما أن المشروع نفسه رسم ملمح
تواصل إبداعي قدم أبعادا متنوعة للنتاج السينمائي العربي في أوروبا ،بمستوياته الفنية
.والدرامية والجمالية
خصص المهرجان الذي نظمته جمعية "إيماج فيلم" في بروكسل ممثلة برئيس المهرجان
2
يوسف أرشيش ،وعضوية كل من رشيدة شباني وخليل اللذان بذل جهدا كبيرا ومعهما فريق
كبير في إنجاح المهرجان ،بالتعاون مع إدارة مهرجان الفيلم العربي في روتردام ممثلة في
خالد شوكات وإنتشال التميمي ،ثلثة أقسام رئيسية ركزت على أهم الموضوعات التي تشغل
السينمائيين العرب وتناقشها أعمالهم الجديدة من خلل الفلم الروائية الطويلة والفلم
الوثائقية الطويلة إضافة الى الفلم القصيرة ،معظمها من إنتاج عربي أوروبي مشترك من
كل من مصر ،سورية ،العراق ،لبنان ،فلسطين ،الجزائر ،اليمن ،السعودية ،المغرب ،تونس،
الردن ،ودارت مواضيع هذه الفلم حول أمور وأحداث تثير جدلً واسعا سواء في الوساط
العربية والوروبية على حد سواء ،وهو ماعبر عنه يوسف أرشيش ،رئيس المهرجان ،قائلً:
"إخترنا أفلما تتحدث عن مواضيع تحتل الصدارة ضمن إهتمامات المشاهد المعاصر ،فقد
أردنا فرصة للقاء الثقافتين العربية والوروبية من أجل التعارف بعيدا عن صور نمطية
مشوهة يسوقها عالم اليوم ،كما أردنا التوجه إلى الشباب ،لن العنصر الشاب هو الشريحة
الجتماعية القادرة على التغيير في المستقبل ،ولذلك نظم المهرجان عروضا مخصصة لطلبة
المدارس الثانوية ،للمساهمة في فهم الخر المختلف والتعرف عليه ومحاورته في إطار من
".الحترام
من الفلم المتنوعة عرض في الفتتاح الفيلم المصري "ملك وكتابة" للمخرجة المتميزة كاملة
أبو ذكري وبطولة محمود حميدة وهند صبري ،وهو الفيلم الذي لفت النتباه من خلل
موضوعه النساني الذي يدور حول قصة أستاذ جامعي صارم وتقليدي يُدرّس مادة المسرح
بتصنّع وتزمّت ل يليقان بهذا الفن ،يُصاب بصدمة عاطفية قاتلة حين يكتشف خيانة زوجته،
فإذا بالممثلة الشابة الحيوية ،المليئة شغفا بالحياة والفرح والحماسة ،تدفعه إلى عيش
الوجه الحسن من الدنيا ،فيعود بعد ذلك لتقييم مبادئه الحياتية و إعادة النظر في محيطه
وطريقة فهمه للمور وتشكيل حياته كلها من جديد ،والفيلم الذي حاز علي إعجاب جمهور
المهرجان كان علمة جيدة للمشاركة المصرية خاصة وأنه من الفلم المصرية القليلة التي
تغرد خارج سرب الكوميديا الذي يسيطر علي السينما المصرية ويحجب اللوان البداعية
.الخري
من مصر أيضا شارك الفيلم القصير "يوم الثنين" للمخرج تامر السعيد الذي لفت النظار بقوة
إلى مخرج يمتلك الوعي والحساس العميق بفنه ،وذلك من خلل قصة بسيطة لزوجين عاديين
تم زواجهما بشكل تقليدي ،ويعيشان حياة عادية بل مشاكل كبيرة ول يُوجد بينهما حب ملتهب،
ولكنهما في يوم الثنين ،يمران بحدث يبدو بسيطا ،لكنه يجعل يومهما له مذاق مختلف،
يجعلهما يعرفان السعادة الحقيقية للمرة الولى ،كما شارك فيلم "صباح الفل" للمخرج شريف
3
البنداري الذي حصل على الجائزة الولى في مهرجان روتردام وجائزة مهرجان السماعيلية
الخيرين ،والذي تتلخص أحداثه في لحظة نسيان إنتابت البطلة في توقيت حرج فدفعتها
لسترجاع شريط ذكرياتها من البداية وتأمل حياتها بعيون أخري كأنها أرادت أن تسقط
نسيانها الني لمفتاح شقتها علي عمرها الفائت كله في تأكيد علي أن هناك ثقبا قد أصاب
الذاكرة المتعبة فعزلها عن العالم وعطل دورة تفكيرها فباتت كالتي تدور في حلقة مفرغة ،هي
لحظة إستطاع شريف البنداري أن يتصيدها ببراعة ويصنع منها فيلما انسانيا بالغ الرقة ل
.تزيد مدته علي 9دقائق رأيناها علي الشاشة محتشدة بالحداث والمشاعر
علي مستوي آخر من المشاعر الشجية ننتقل مع الفيلم اللبناني "بيروت بعد الحلقة" للمخرج
هاني طمبا الذي قدم فيلما يبدو أنه عن الحرب اللبنانية ،ولكنه في الحقيقة ليقدمها بشكل
مباشر يعبر عن مآسيها وويلتها ،وآثارها المدمرة ،إنما فقط جعلها خلفية لحداث بطلها
الرمل العاشق الذي يعيش الماضي ول يهتم للحاضر ..يعيش مع زوجته الراحلة وأيامها
الجميلة ،ول يخرج إلي الشارع المزدحم بالحداث منذ إنتهاء الحرب ،فقط يغوص في أحلمه
ويرجع الى ماضيه الذي يعيشه في كل لحظة من دون أن يغيب عن باله أبدا ،فيمتزج الماضي
بالحاضر والحاضر بالماضي ..هو بإختصار فيلم حميمي يعبر عن رغبة في الخروج من
.الحرب ومنطقها
فيما قدم الفنان والمخرج الفلسطيني محمد بكري فيلمه "يوم مارحت" خاض من خلله تجربته
الذاتية في صراعه مع الحتلل السرائيلي ،حيث قام بسرد أحداث فيلمه على ضريح صديقه
ل عبر هذه
ومعلمه الكاتب الفلسطيني الراحل إميل حبيبي ،مخاطبا إياه وباثا إليه آلمه ،محاو ً
المخاطبة أن يطلعه على معاناته ،ل سيما بعد أن اخرج فيلمه المعروف "جنين جنين" والضجة
التي إفتعلتها إسرائيل لمنعه من عرض فيلمه ،كما يطلعه على التحريض السرائيلي على أبناء
عائلته وعليه هو شخصيا ،في أعقاب العملية التفجيرية داخل حافلة إسرائيلية ،في منطقة
"ميرون" في الجليل العلى ،وما تل هذا التفجير من توريط لبناء عائلته ،وهو ما أدى إلى
هدم إسرائيل لخمسة من منازلهم ،وقد إستخدم بكري الصور الرشيفية والفلم الشخصية
والمواد الوثائقية محاولً أن يفسر التحولت الشخصية والسياسية التي وقعت في فلسطين
.المحتل ،بالضافة إلي التغييرات التي حدثت في طريقة تفكيره منذ وفاة الكاتب
وإشتغل المخرج العراقي المقيم في فرنسا ليث عبدالمير فيلمه "العراق ..أغنية الرجال
المفقودين" ،وهو الفيلم علي جائزتين من الدورة الخيرة لمهرجان السماعيلية للسينما
التسجيلية والقصيرة ،علي النثروبولوجي ،حيث راح يفحص الجذور المشتركة لوطنه العراق
الذي أسيء معاملته وأسيء فهمه في الغالب ،واصطادت كاميرته الموروث الثقافي
4
والجتماعي والتاريخي للرجال والنساء الذين نسجوا خيوط وطنه ..العرب ،الكراد،
التركمان ،السنة ،الشيعة ،المسيحيون ..لقطة مقربة لـ"هوية" خاصة إزدهرت وعانت وإنتهت
.بدبابات التحالف
هذه نماذج ل تختصر الفلم كلها التي اختيرت لهذه الدورة الولى من المهرجان ،فهناك
أفلم أخري مهمة مثل "زوزو" للمخرج اللبنانى جوزيف فارس ،و"الخبز الحافي" للجزائرى
رشيد بلحاج ،و"أحلم" للعراقى محمد الدراجى و"تحت السقف" للسورى نضال الدبس ،و
"دوّار النساء" للجزائرى محمد شويخ ،و"هى وهو" للتونسى إلياس بكار ،و"الرحلة الكبري"
للمغربى إسماعيل فروخى ،و"نساء بل ظل" للسعودية هيفاء المنصور ،و"بعض الفتات
للطيور" للجزائرى نسيم لمواش ،و"عندما تغنى المرأة" للتونسى مصطفى الحسناوي،
و"تصاور" للتونسى نجيب بالقاضي ،و"اليام الحلوة" للتونسية مريم ريفاي ،و"القطعة الخيرة"
للسعودى محمد بازيدو"مكان تحت الشمس" للمغربى رشيد بو يونس ،و"شتات" للفسلطينية عل
طبري ،و"فيزا" للتونسى إبراهيم اللطيف ،وجميعهاعبرت عن دقة إختيار لمهرجان إختار أن
يولد قويا ومتميزا بأفلمه ومناقشاته حول "النتاج والتوزيع فى البلدان العربي" ،و"مشاركة
المرأة فى العمل" ،و"الصعوبات التى تواجه النساء فى زمان وأماكن الحروب" وتكريمه "ليلى
.شهيد" ،ممثلة السلطة الفلسطينية لدى التحاد الوروبى نيابة عن النساء العربيات
5